دروس الشيخ عائض القرني

عائض القرني

رسالة إلى فنان

رسالة إلى فنان الغناء بريد الزنا، والغناء ينبت النفاق في القلب. وهذه رسالة قصيرة إلى كل فنان ليسمعها ويقرأها، ويعرف حكم الغناء ومفاسده؛ ويعرف هل يستحق هؤلاء الفنانون كل هذا التلميع أم لا.

قضايا مع الفنانين

قضايا مع الفنانين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الناس! هذه رسالة إلى فنان، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] هذه الأمة كانت فيما مضى تُخرِّج للناس العلماء والزعماء، والشهداء، والأدباء، في حين كان الغرب يُخرِّج للناس قُطاع الطرق ومروجي الجرائم، ومهربي المخدرات، وسفكة الدماء، فتغير الحال، والحمد لله على كل حال. أصبحت هذه الأمة تخرج الفنانين والفنانات، والمغنين والمغنيات، وأصبح الغرب يخرج المخترعين، والمكتشفين، والأطباء، والمهندسين، فماذا فعل الفن بنا؟ وماذا فعلنا مع الفن؟ أطل سهر العيون فكل نوم لغيرك أيها المولى حرام وأسمعني حديث الوصل سبعاً رضيت لك السرى والناس ناموا تغير الحال بهذه الأمة؛ فأصبحت في المؤخرة بعد أن كانت رائدة، وأصبحت في الحضيض بعد أن كانت في القمة، وأصبحت مقادة بعد أن كانت قائدة. كم صرفتنا يد كنا نصرفها وبات يملكنا شعب ملكناه

كفى تلميعا للساقطين

كفى تلميعاً للساقطين وهنا قضايا مع الفنانين: أولها: يسمون الفنان: الصاعد. لقد صعد لكن إلى أسفل، ويسمونهم: النجوم! النجوم اللامعة بلا نور، ويسمونهم: أساتذة الاختراع، وشيوخ الإبداع، تحييهم الوسائل صباح مساء وترحب بهم، وتعلن إنجازاتهم، في حين تطفئ أنوار العلماء وطلبة العلم والدعاة. ما هو مردود الفن على الأمة؟ يا مسلمون! يا عقلاء! يا فطناء! هل رفع الفن عن العالم الإسلامي الفقر، والتخلف، والجوع، والبدع، والخرافات؟! هل علم الفن الجهلة في الضواحي وفي البوادي؟! هل أطعمهم من جوع وألبسهم من عري وسقاهم من ظمأ؟ هل نفعت الملايين التي تهدر للفنانين والفنانات في بناء البرادات، والمساجد، والمدارس، والمستشفيات؟! هل رد الفن فلسطين، والألوف المؤلفة من العرب تتحلق على الفنان الواحد والفنانة الواحدة؟! هل أعاد لنا الفن أفغانستان؟! هل رد لنا الأندلس؟! ماذا فعل بنا الفن؟ هل ملأ الفن مصانعنا بالطائرات؟ وهل ملأها بالبرادات، والسخانات، والثلاجات؟ كلها مستوردة، أكبرها الطائرة وأصغرها الطبشورة، إلا الفن فنصدره إلى غيرنا؛ لأن الأمم مشغولة بالمصانع والإنتاج، ما عندها فراغ لكي تغني، وترقص، وتطبل، ونحن عندنا فراغ ضيعناه في العزف، والرقص على الناي والعود وما يطلبه المستمعون. فعندنا من الفنانين ما يمكن أن نصدرهم على العالم ويبقى معنا احتياط! جيش من الفنانين ممن بلغ الثمانين، ولا يزال يعزف على الناي حتى يدخل القبر، وممن هو في الخامسة عشرة، وكل يوم تقول الوسائل: بشرى بالفنان الصاعد الذي خرج إلى النور بفنه وصوته الجميل!! الصوت الجميل من الذي وهبه؟ من الذي خلقه؟ {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} [الأنعام:2] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر:64] قال مجاهد: [[الصوت الجميل]] فمن هو الذي منح الصوت الجميل؟ إنه الله. ولمن منحه؟ للعاشقين!! للمسارح! للمغنين!! لا. بل لحكمة، والصوت منحة كقوة الجسم وقوة الذاكرة والمال والولد، وإذا لم يصرف في طاعة الله فلا خير فيه، وسوف يحاسب عليه العبد، يقول عليه الصلاة والسلام: {ليس منا من لم يتغن بالقرآن} والمقصد أن يصرف صوته الجميل في ترتيل القرآن. كان أبو موسى رضي الله عنه وأرضاه جميل الصوت، يسلب الألباب بصوته، فهل جعله عليه الصلاة والسلام يردد قصائد الغزل والمجون؟ لا. بل جعله قارئاً للقرآن، مر عليه في الليل فسمع صوته، فوقف صلى الله عليه وسلم ليلاً طويلاً يستمع له، وقال: {يا أبا موسى! لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود، لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لصوتك. قال: يا رسول الله! أإنك كنت تستمع لقراءتي؟ قال: إي والذي نفسي بيده. قال أبو موسى: والله الذي لا إله إلا هو يا رسول الله! لو علمت أنك تستمع لصوتي، لحبرته لك تحبيراً} أي: حسنته، وجملته، وجعلته بديعاً. فالصوت الحسن يصرف في كلام رب الأرض والسموات، والصوت الحسن يرتل به القرآن، ويتغنى بكتاب الله ولا يتغنى بغيره.

مهمة الفنان

مهمة الفنان ماهي مهمة الفنان في الحياة؟ هذا العمل الذي ما عرفنا أوله من آخره، ولا عرفنا مصدره ولا أثره. المهندس عرفنا جهده، والطبيب، والعالم، والتاجر، والفلاح، والجندي، إلا هذا الفنان الذي لا يعرف عمله أبداًَ إلا في هدم المجتمع، ولا يعرف شغله إلا في تدمير الأخلاق، هذه هي مهمة الفنان دغدغة المشاعر استثارة الغرائز تحطيم المجتمع تحبيب الفاحشة، فإن الغناء بريد الزنا، وكذلك غرس النفاق في القلوب، والتهجم على الأعراض، وتضييع شباب الأمة، وتهييج فتيات الأمة هذه هي مهمة الفنانين في الحياة. مات موسيقار قبل أيام؛ فقامت الدنيا وقعدت من أجل موته، وقام زعماء الأنظمة الأرضية يعزون في موته هؤلاء الزعماء الذين قتلوا العلماء، وحبسوا الدعاة، واضطهدوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومشى العالم في جنازته، وقامت الصحف الصباحية تقول: أصبح الفن الآن بلا أب، وأصبح يتيماً بلا أم!! أيتمهم الله، وقصم الله ظهور مروجي الفتنة في مجتمع الإسلام. وهل كان محمد عليه الصلاة والسلام مسئولاً عن إخراج جيل فنان لاهي لاعب لا يعرف أثره، ولا مهمته، ولا شغله في الحياة؟! لا والله، ما بعث إلا لإعزاز بلاد التوحيد ولنصب الفضيلة في العالم. بلاد أعزتها جنود محمد فما عذرها ألا تعز محمدا دماء المسلمين في فلسطين وفي أفغانستان وفي كل بلد من بلاد الرحمن تُسال، والعزف والناي في البلاد الأخرى! دم المصلين في المحراب ينهمر والمسلمون فلا رجع ولا خبر إذا تفاخر بالأهرام منهزم فنحن أهرامنا سلمان أو عمر أهرامنا شادها طه دعائمها وحي من الله لا طين ولا حجر هذه أهرامنا، وهذا فننا، وهذه نجومنا أبو بكر وعمر، ابن تيمية، مالك، أحمد، ابن القيم، أما هؤلاء السقطة فليسو نجوماً لأمة الإسلام، وإنما هم عملاء ومخربون في دار الإسلام. في العالم الإسلامي شيوخ فنانون، بلغوا الثمانين من العمر ويغنون، يقول الأول: ويقبح بالفتى فعل التصابي وأقبح منه شيخ قد تفتى ويقول الآخر: هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها ما بال أشيب يستهويه شيطان قدر أن الإنسان في العشرين يكون فناناً، فكيف يكون فناناً في الثمانين؟! وكثير من أهل العلم ومن الصالحين لبسوا الأكفان في الستين من عمرهم، قال سفيان الثوري: من بلغه الله ستين سنة فليلبس كفناً وليتهيأ لدخول القبر. وهذا في الثمانين ويغازل، ويصف الخدود والنهود، ويصف أيام الهجر والوصال، وهجر العاشقين ومحبة الوالعين، والليالي الحمراء، وقد أشرف على الثمانين! لماذا الآهات؟! اسمع الوسائل صباح مساء وإذا الصوت (آه) فلماذا (آه)؟ آهٍ على الحب، وعلى الهجر، وعلى عدم مراعاة الوداد، وعلى العشق والوله والغرام، فالآهات تصرف في هذا وإذا سمعته في الوسائل كأنه مطعون بخنجر. هل تذكر يوم تأوه {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6]؟ وهل تذكر {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:1 - 3] وهل تذكر {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى} [النازعات:34 - 35] وهل تذكر القبر؟ والقبر فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءة وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ هل تذكر الصراط؟ هل تذكر تطاير الصحف؟ هل تذكر الميزان؟ هذا هو التأوه، والوله، واللوعة، والأسى الذي يعيشه الفنانون. أموال المسلمين تصب على الفن، فنان واحد في البلاد أحيا ليلة بل أماتها، ضيع بألوف المسلمين ليلةً صلاة العشاء وصلاة الفجر، يغني ويطبل، فحصل على شيك بخمسمائة ألف، من غير الهدايا التي انهالت عليه من الحاضرين، ولماذا هذا كله؟ إنه أحيا قلوبهم أمات الله قلبه، قالوا: أحييت ليلتنا، والحقيقة أنه أماتها، أما كان أولى أن يدفع هذا الشيك إلى الذين يأكلون التراب، وإلى الذين يشترون كيس البر، والسكر، والأرز ديناً؟ ما يجد أحدهم ما يشتري به، فيبقى في ظهره سنة حتى يبيع تيسه في السوق ويقضي هذا الدين، ومن شك في كلامي فليجعل يده في يدي وأذهب به وأوقفه على ألوف من هؤلاء الذين لا يجدون كسرة الخبز، فالكماليات لا يريدونها، وزيادة الملابس لا يريدونها إنما يريدون خبزاً للبيت، والملايين والألوف تصب على هؤلاء الذين لا يخافون الله ولا يرجون لقاءه. فوا عجباً كم يدعي الفضل ناقص ووا أسفاً كم يظهر النقص فاضل إذا عير الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهاهة باقل وقال السهى للشمس أنت كسيفة وقال الدجى للبدر وجهك حائل فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل

العلماء هم الأحق بالتكريم والتمجيد

العلماء هم الأحق بالتكريم والتمجيد من أولى الناس بالتكريم؟ إنهم الذين يقدمون العلم، والإنتاج، والإبداع للناس، ويسعون في إراحتهم والذب عن مصالحهم، ويسعون في استقرار الأمن في البلاد، وطرد الجرائم والفواحش من حياة الأمة، هم أولى الناس بالإكرام والتبجيل، لا هؤلاء السقطة. إن الجموع الهادرة، والألوف التي تقف في المدرجات، وتحيي الفنانين وتصفق لهم، وتضيع الليالي والصلوات، ولا تحضر الدروس ولا المحاضرات، ولا الجمع ولا الجماعات، هذه الألوف تدعي نسبتها إلى محمد عليه الصلاة والسلام. والوسائل المختلفة تلمع السقطة، وتبرز المغمورين، وتطمس هوية الأمة، فإنك تجد أربعة ملاحق فنية للفن، وإذا طلبت منهم أن تنشر كلمة في السيرة في عمود صغير قالوا: لا مساحة لهذا. فلماذا هؤلاء لهم مساحة؟! ولماذا أربعة ملاحق فنية صباح مساء؟! لماذا وجد لهؤلاء أمكنة، وما وجد لشرح آية أو حديث، أو مشكلة اجتماعية، أو إصلاح أفكار الأمة، أو تعليم الناس أمور الدين مساحة؟! اشتغلوا بحياة الفنان، وأغنية الفنان، وماذا يأكل الفنان؟ وماذا يشرب؟ وماذا يلبس؟ ومتى ينام؟ مقابلة مع الفنان، وكأنه ابتكر لنا واخترع مفاعلاً نووياً، أو طاقة، أو اكتشافاً ما عثر عليه الغرب، أو اكتشف لنا جهازاً يخدمنا، أو قدم كتاباً!! لا والله، إنما كانوا سبباً لإضعاف الأمة في اقتصادها، وقوتها، ومالها، ونموها. هذه كلمات، وهي رسائل علَّ الفنانين أن يسمعوها ويعوها، وأن يعلموا أنهم إذا أرادوا الانتساب لأمة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ؛ فليراجعوا حسابهم مع الله، وليعلموا أن أوقاتهم تحسب عليهم {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180 - 182].

حكم الفن في الإسلام

حكم الفن في الإسلام الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: فالغناء والفجرة منذ القدم، منذ فجر التاريخ والفجرة يصاحبون الصالحين سواءً بسواء، والدين مناوى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] ولد الفن والضياع مع إبليس، ورواه عنه فرعون، وانتقل إلى أبي جهل، ثم صحب الضيعة على مر التاريخ حتى وصل إلينا، وسوف يستمر إلى أن يصل إلى النار، فأول حباله في يد إبليس، وآخر حباله في نار تلظى.

أقوال الفنانين قديما وحديثا

أقوال الفنانين قديماً وحديثاً اسمع إلى كلمة الفجرة في فجر التاريخ أو قبل مئات السنين وهم يعارضون الله في قدره ويستهزءون بشرعه، ويقفون في المناسك يتغزلون ببنات المسلمين. يقول أحدهم في أغنية ذكرها ابن الجوزي في صيد الخاطر اسمع الكلمات. أيا رب تخلق أغصان رند وألحاظ حور وكثبان رمل وتنهى عبادك أن يعشقوا أيا حاكم العدل لا حكم عدل ما معنى الكلام؟ يقول: يا رب! لماذا تخلق أغصان الرند والشجر الجميل؟ ولماذا تخلق الألحاظ الجميلة والعيون الناعسة؟ ولماذا تخلق النهود والخدود ثم تنهانا أن ننظر إليها وأن نعشق؟! هذا ظلم وليس بعدل! قال أهل العلم: من قال هذا واعتقده فقد كفر وخرج من الإسلام. هذا نموذج للغناء من قديم. قيل لأحدهم وهو عند المقام يدعو: تب من الهوى. قال: أتوب إليك يا رحمن مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب وإما من هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب ما حكم من رفض أن يتوب وأعلن لله أنه لن يتوب؟ قال أهل العلم: من حارب الله ولو بصغيرة وأصر عليها فهو ظالم {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11]. وعند المقام والبيت يتحدى الله، ويقول: وأما هوى ليلى وزيارتها ليلى فلا أتوب فافعل ما بدا لك! حج الناس في القرن الثاني، وأخذوا الناس يطوفون بالبيت، تتنزل عليهم الرحمات، وتسكب دمعاتهم عند الحجر الأسود، وأتى رجل من الفنانين الذين يشكلون هذا الطراز الذي نعيش معهم اليوم، فترك مخافة الله، وخشيته، ومراقبته، ونظر إلى فتاة عند زمزم فقال: قف في الطواف ترى الغزال المحرما حج الحجيج وعاد يقصد زمزما لو أن بيت الله كلم عاشقاً من قبل هذا كاد أن يتكلما هذا يغنى، والكثير منكم سمعه، وأهل العلم استتابوا صاحب هذه الأبيات لكنه الآن يغنى في الوسائل، والبينة على من ادعى واليمين على من أنكر، وبينتي أنه بلغ درجة التواتر؛ أن يبث مثل هذا على الملايين من الأمة. أما كلمات المغنين الحادثة ففيها كفر وفسق ومعصية. من كلماتهم يقول أحدهم: "قسماً بمبسمك البهي"، والقسم بغير الله لا يجوز بل هو شرك، ويقول الثاني: "لنا الله"، والله يقول {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة:107] وهذا المطرب على مسرحية المعصية وعلى مسرح الجريمة يقول: لنا الله، وثالث يقول بلغته لا يعرف أن يذهب وهو موسيقار يقول: " ولا عاوزين إيه ولا عارفين إيه ولا رايحين إيه"، يقول الله: {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:2] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62] وهذا يقول: لا أدري أين أذهب؟ ولأهل العلم ردود عليه، وهو الذي شهدت الملايين موته، وقامت الدنيا وقعدت من أجل موته، ويموت آلاف العلماء والصلحاء والزهاد ولا يقوم لهم بنت شفة ولا يتكلم عنهم.

حكم الغناء

حكم الغناء أما حكم الغناء فقد نقل الشوكاني الإجماع على تحريمه، ونقل الآجري في كتاب الشريعة عن أهل العلم إجماعاً أنه محرم، وهذا مالا يمتري فيه مسلم إلا من في قلبه شبهة، ولا عبرة بمن حلله، فهؤلاء ليس لهم من العلم الشرعي قدم، وإنما هم أشبه بالمثقفين والمفكرين، والله يقول: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111].

مفاسد الغناء

مفاسد الغناء أما مفاسده فقد ذكرها ابن تيمية وابن القيم، منها: هدم الأخلاق، وغرس النفاق، والوحشة بين العبد وبين الله، وقسوة القلب، وضياع العمر، وحرمان سماع غناء الجنة الذي هو ألذ من كل لذيذ -أسمعنا الله إياه- وهذا لمن لم يسمع الأوتار والعيدان في الدنيا، قال ابن القيم ناظماً: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان ومن أراد أن يستمع إلى تفصيل أقوال أهل العلم ونقولاتهم والأدلة فليرجع إلى شريط (رسالة إلى المغنين والمعنيات) وهو موجود. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يارب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحب وترضى. اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، واهدهنا سبل السلام، اللهم رد شباب المسلمين إليك رداً جميلاً، وكفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم. اللهم رد لنا بلادنا المسلوبة وأراضينا المنهوبة، وانصر من جاهد لإعلاء كلمتك يارب العالمين. {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180 - 182].

رسالة إلى مسئول

رسالة إلى مسئول المسئولية في الإسلام أمانة، وليست مكاسب، لذلك إذ أخذها المؤمن يأخذها بعد أن يضطر إليها اضطراراً ليحملها وليأجر عليها. والأمانة هي كل ما ائتمن الله العبد عليه من قليل أو كثير، فالبيت أمانة، والولاية أمانة، والأولاد أمانة، فمن قصر في أمانته أثم ومن وفى بها أجر. وإن الله يردع بالسلطان ما لا يردع بالقرآن، وهو ظل الله في الأرض من أهانه أهانه الله، وطاعته في غير معصية من طاعة الله. وينبغي للمؤمن إذا تولى ولاية أن يستعين بالأعوان الصالحين، ويخلص لله عز وجل في عمله، ويرفق بالمسلمين، ويكون حسن الخلق بشوشاً، ويقضي حوائج المسلمين.

من قصص السلف مع الأمانة

من قصص السلف مع الأمانة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. شكر الله لكم حضوركم، وشكر الله لفضيلة الشيخ تقديمه، وأسأل الواحد الأحد أن يفتح علينا وعليكم من فتوحاته. قال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران:193]. عنوان هذه المحاضرة: رسالة إلى مسئول، المسئول المسلم أبي وأخي، والمسئول المسلم صديقي وحبيبي، فمن واجب النصيحة أن أنصحه، ومن واجب الحق وقبول الحق أن يستمع لي، فإن أصبت فمن الله الواحد الأحد، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله بريء من الخطأ، ورسوله بريء من الزلل. لهذه المحاضرة عناصر ثمانية: الأمانة: ما تعريفها وما حدها. كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. إثم من قصر في عمله. أجر من أتقن عمله. طاعة المسئول في طاعة الله الواحد الأحد. عدم الحرص على المنصب والوظيفة إلا لمقصد صالح. الحرص على الأعوان الصالحين والإخوان الناصحين. آداب المسئول المسلم. ولكنني أفتتح محاضرتي، بثلاث قصص من قصص السلف من قصص أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، من قصص القوم الذين رباهم الله بالكتاب والسنة: هم القوم يروون المكارم عن أب وجد كريم سيد وابن سيد وَهَّزتْهمُ يوم الندى أريحية كأن شربوا من طعم صهباء صرخد ويطربهم وقع الصوارم والقنا بيوم الوغى لا ما ترى أم معبد إذا وعدوا الباغين بالبأس أرعبوا فإن أحسنوا الحسنى فعن غير موعد سلام عليهم، ورضي الله عليهم، وجمعنا بهم في دار الكرامة: أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع قال سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90].

أبو بكر الصديق

أبو بكر الصديق أبو بكر المسئول والخليفة الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعالوا، لننتقل إليه في عاصمة الإسلام في المدينة؛ لنرى يوماً من أيامه مع الرعية، وكيف عاش الخليفة أبو بكر؟! ينطلق من المسجد كل صباح بعد صلاة الفجر مع المسلمين ويذهب إلى خيمة في الصحراء فريدة وحيدة، فيدخلها وعمر الوزير والمستشار المفوض لـ أبي بكر، يتابع الخليفة في خطواته ولا يدري أبو بكر أن عمر يتابعه ويريد أن يرى أين يذهب أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما دخل أبو بكر وخرج من الخيمة؛ دخل عمر بعد أبي بكر، فوجد عجوزاً كبيرة كسيرة عمياء في الخيمة، معها أطفال أبوهم قد مات، لا عائل لهم إلا الواحد الأحد، قال عمر: يا أمة الله! من أنت؟ قالت: امرأة من المسلمين حسيرة كسيرة، عجوز لي أطفال، مات أبوهم من زمن، قال: فمن هذا الشيخ الذي يأتيكم؟ قالت: والله ما أدري من هو. لكن الواحد الأحد يدري من هو، الذي يعلم السر وأخفى، الذي يعلم صدق الصادقين وإنابة المنيبين. قال عمر: ماذا يفعل هذا الشيخ الذي يأتيكم، قالت: يأتينا بعد فجر كل يوم، فيكنس بيتنا، الله أكبر أبو بكر يكنس البيت؟! نعم. لأنه يريد الجنة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83] وقال تعالى أيضاً: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63]. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه}. قالت المرأة: يكنس البيت، ويصنع لنا طعامنا -يتحول الخليفة إلى طباخ للمساكين، يقدم لهم وجبة الإفطار- ويحلب لنا شياهنا، ثم ينطلق. فماذا يرد عمر على هذه القصة؟ جلس عمر يعلق على القصة بالبكاء. إذا اشتبكت دموع في خدودٍ تبين من بكى ممن تباكى أحاذر أن يشق على المطايا فلا تمشي بنا إلا سواكا ثم يقول عمر: [[أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر]] أتعبت يا أبا بكر المسئولين، أتعبت يا أبا بكر الموظفين؛ لأنك مشيت في طريق لا يستطيع أحد أن يمشي فيه، ولذلك ابن القيم إذا ذكر أبا بكر الصديق قال له: من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجى الأول

عمر بن الخطاب

عمر بن الخطاب عمر بن الخطاب الخليفة الصادق صاحب الجبة المرقعة، الذي يأكل خبز الشعير في الزيت، والذي يموت خوفاً منه كسرى وقيصر: يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه يصعد المنبر يوم الجمعة، وعليه جبة عليها أربع عشرة رقعة، ويقول لبطنه وأحشائه عندما تقرقر جوعاً: [[قرقري أو لا تقرقري، والله لا تشبعي حتى يشبع أطفال المسلمين]]. ذكر ابن كثير في تاريخه بسند جيد عن أسلم مولى عمر قال: قال لي عمر في ظلام الليل وعمر لا ينام، تقول له امرأته: يا أمير المؤمنين لا تنام في النهار ولا تنام في الليل، قال: [[لو نمت الليل لضيعت نفسي، ولو نمت النهار لضاعت رعيتي]] يخرج في الليل والناس نيام يجوب الشوارع، يسأل عن الأمن، يطرق البيوت، يدافع الإجرام، يفضح المجرمين، يسري كالبدر، معه درة في يده، يخرج بها وساوس الشياطين من بعض الرءوس. قال أسلم وهو مولى: فقال لي عمر انطلق معي هذه الليلة. ليلة من ليالي أهل الجنة، قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: {عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله}: نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك قال: فانطلقت معه، فأتينا إلى خيمة بها امرأة في الولادة وهي تبكي، فأخذ عمر يشاركها البكاء -لله دره، قلب وعى القرآن وعرف الإيمان- فقال أسلم: مالك يا أمير المؤمنين تبكي؟ قال: يا أسلم ما تدري ماذا تجد من ألم الولادة وألم النفاس، ثم انطلق إلى بيت المال، وأتى بجراب من شحم ومن دقيق ومن تمر وحمله على كتفه. فقال أسلم: أنا أحمل عنك هذا يا أمير المؤمنين! قال: إنك لا تحمل خطاياي يوم القيامة، وذهب فدخل البيت، واستأذن على المرأة، فتحجبت وقام يشعل النار، والدخان يتخلل لحيته الكثة التي نصرت لا إله إلا الله في الأرض، فصنع الطعام وقدمه للمرأة فقالت: والله إنك خير من عمر بن الخطاب، وهو عمر بشحمه ولحمه ودمه، وإرادته وصدقه وعزيمته.

سعيد بن عامر

سعيد بن عامر أختار عمر من الصحابة رجلاً فقيراً زاهداً مصلياً عابداً ليكون والياً على حمص. وحمص بلد للمشاغبين، كل يوم ترتفع منها شكاية لـ عمر يشكون فيها العامل، يثلمون في العامل ولو كان ملكاً من الملائكة، أمة تحب الشكايات طبعاً، فأراد عمر أن يسكتهم في رجل لا مطعن فيه، فقال: يا سعيد بن عامر اذهب فقد وليتك على حمص. قال: لن أتولى حمص لك، إني أخاف من الله. قال عمر: هيه! تضعونها في عنقي وتتركونني! والله لتتولين حمص. يعني: تجعلون الخلافة في عنقي مسئولية وأمانة وغرماً وكلفاً ثم تركونني، فهي ليست سعادة، إنها لمن لم يحسنها خيبة وندامة يوم القيامة. فذهب، أتدرون ما هو متاعه، قالوا: صحفة وعصا وشملة، صحفة يغتسل ويتوضأ ويأكل طعامه فيها، وشملة ينام فيها ويجلس عليها، ويضيف ضيوفه على هذا الفراش، وعصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى. ذهب إلى حمص، فاستقبله أهل حمص -يظنون أنه يبشر بالأمير، فأتى هذا ومعه صحفة وعصا وشملة وزوجته وراءه- قالوا: هل رأيت الأمير؟ قال: أنا الأمير. قالوا: لا تستهزئ بنا! الأمير الذي أرسله عمر هل رأيته في الطريق؟ قال: أنا والله الذي لا إله إلا هو. قالوا: وثيابك ثياب أمير! قال: إني خرجت مأموراً من عمر ما أردت إمارة وما طلبتها. وأتى إلى زوجته وقال: هل لك أن نتاجر في مالك وفي مالي؟ لأنها كانت تاجرة، قالت: وهل تعلم شريكاً يربحنا في التجارة؟ قال: نعم، وجدت بعض الشركاء يعطوننا في الدرهم عشرة أضعاف إلى سبعمائة درهم. قالت: خذ مالي إلى مالك، ولا يفوتك هذا، فإنه مكسب عظيم، فأخذ ماله ومالها، فتصدق به في سبيل الله، وتولى الإمارة ومكث فيهم راضياً زاهداً صادقاً، فأتى عمر يبحث عن الأمراء -كان عمر له جولة استطلاع لاكتشاف المواهب، واكتشاف الدسائس، ويحاكم الأمير والوالي أمام الناس في مجلس شورى مفتوح- فيقول: ما رأيكم فيه، وما رأيه فيكم. فلما وصل دور سعيد بن عامر وهو جالس، قال: يا أهل حمص ما رأيكم في أميري عليكم سعيد بن عامر، قام الناطق الرسمي بلسانهم، قال: فيه كل خير إلا أربع خلال فيه. قال عمر: الله المستعان! اللهم لا تخيب ظني فيه، ما هي الأربع؟ قال: أولها: لا يخرج إلينا يوماً في الأسبوع ولا نراه، قال: هذه واحدة، والثانية؟ قالوا: من بعد صلاة العشاء مهما طرقنا عليه لا يخرج إلينا، قال: هذه ثانية، والثالثة؟ قالوا: لا يخرج علينا حتى يرتفع النهار ضحى، قال: هذه ثالثة -يعني يتأخر في الدوام- والرابعة، قالوا: إذا جلس في الحكم وفي دار الإمارة يغمى عليه، قال: هذه الرابعة، قال عمر: أجب يا سعيد. فقال سعيد: ما أردت أن أظهر شيئاً من عملي بعد أن كتمه الله، ولكن ما دام أنك قد سألتني يا أمير المؤمنين فاسمع. قال: الأولى: أما أني لا أخرج لهم يوماً في الأسبوع، فإن امرأتي مريضة، وليس لي خادم، فأنا أغسل ثيابي وثيابها يوماً من الأسبوع، فدمعت عينا عمر وشكره. وأما أني لا أخرج عليهم حتى يتعالى النهار، فامرأتي كما قلت مريضة ولا خادم لي، فأنا أصنع الطعام وأفطر أنا وزوجتي، ثم أتوضأ وأخرج إليهم. وأما أني لا أخرج لهم من بعد العشاء ولا أفتح الباب، فقد جعلت النهار لهم والليل لربي. وأما قولهم إنه يغمى علي في المجلس، فإني حضرت قتل خبيب بن عدي في مكة وكنت مشركاً، وكان خبيب مسلماً، فاجتمع المشركون حوله ليقتلوه، فرأيته يرفع على الخشبة وهو يقول: [[اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً]]. ثم قال: ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع فكلما ذكرت ذاك الموقف وأني ما نصرته أغمي علي، وغشي علي، فبكى عمر وبكى الناس، وقال: الحمد لله الذي لم يخيب ظني فيك، فقام سعيد بن عامر وقال: خذ إمارتك يا أمير المؤمنين، والله لا أتولى بعدها لك ولاية. وجاء عمر يحاسبه بعد هذا الكلام والمحاضرة قال عمر: نحاسبك على ما أعطيناك من عطاء وعلى ما عندك، أدخلني بيتك، فدخل بيته فوجد شملة وصحفة وعصا، قال: أسألك بالله ما عندك من الدنيا إلا هذا، قال: والله الذي لا إله إلا هو ما أملك من الدنيا إلا هذا، فجلس في ركن البيت يبكي، وجلس عمر في ركنه الآخر يبكي، يقول عمر: غرتنا الدنيا إلا أنت يا سعيد. سلام الله عليهم، ورضي الله عنهم، أمة أخرجها الله للناس.

تعريف الأمانة وحدها

تعريف الأمانة وحدها المسئولية في الإسلام أمانة وليست مكاسب، والكافر يطلب الإمارة ويطلب الولاية والمنصب ظهوراً وشهرة واستغلالاً، والمؤمن يأخذها بعد أن يضطر إليها اضطراراً، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72]. قال بعض العلماء: الأمانة هي: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وقال آخر: الأمانة هي الإسلام. وقال ثالث: الأمانة هي رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، والصحيح أن الأمانة: كل ما ائتمنك الله عليه من قليل أو كثير، فهو سائلك عنه يوم العرض الأكبر: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58]. فالأمانة هنا ما ائتمن الله العبد عليه، وظيفة قلَّت أو جلَّت، كبرت أو صغرت، يؤديها عند الله يوم القيامة، قال بعض السلف: " الفروج ومن تولى عليها في عقود أمانة، والأموال ومن كلف بها أمانة، والولايات أمانة، والرجل في بيته مؤتمن، والمرأة في بيتها مؤتمنة"، وسوف يأتي في ذلك عنصر. ولما فتح المسلمون القادسية ونصرهم الله، ورفعوا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في القادسية سلم لـ سعد بن أبي وقاص ذهب وفضة، واستولى على خزائن كسرى، ولما رآها دمعت عيناه وقال: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29]. فماذا فعل؟ جمع الجيش وقال: هذه أمانة فما رأيكم؟ قالوا: نرى أن تدفعها لـ عمر بن الخطاب الخليفة فما أخذوا منها درهماً ولا ديناراً. قوم ممزقة ثيابهم، مكسرة رماحهم، بهم من الظمأ والمجاعة ما الله به عليم، فدفعوا الأموال لـ عمر، فلما رآها بكى وقال: والله الذي لا إله إلا هو إن قوماً دفعوها إليَّ لأمناء. ولما جاء معاذاً من اليمن كان معه بغال أتى ببغال معه وأتى ببعض المال -والقصة صحيحة- فقال عمر: سلم ما عندك من مال أحاسبك، قال: أنت الخليفة، أو أبو بكر، قال: أبو بكر الخليفة ولكن أنا هو وهو إياي، يعني أنا أقول بلسانه وهو يقول بلساني. فقال معاذ: والله ما أخذت هذا المال إلا متاجرة وما أخذته من أموال المسلمين، فتركه عمر ونام معاذ تلك الليلة، فرأى في المنام أنه يريد أن يهوي إلى نار عميقة، وأن عمر يسحبه بثيابه على شفى حفرة من النار أي يرى أنه يكاد يهوي على وجهه في نار، وعمر يجره -فذهب معاذ إلى عمر في الصباح، قال: أحسنت، أصاب بك الله الخير، رأيت كيت وكيت، قال عمر: هيا بنا إلى خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن أحلك في مالك فهنيئاً مريئاً، وإلا فرده، فذهبوا إلى أبي بكر فأخبره، قال: أحللته لك خذه هنيئاً مريئاً. إن عبادتهم كانت أمانة، ومراقبتهم لله عز وجل لا تفارقهم ليل نهار، وهم الذي بلغوا درجة الإحسان.

كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته

كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته أما عنصر {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}: فهذا كلام الحبيب عليه الصلاة والسلام في الصحيحين من حديث عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيتها ومسئولة عن رعيتها، ثم ذكر الولاة، ثم قال: ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}. إذاً: يا أيها الأب في البيت أنت راع، يا أيها المسئول، يا أيها الأمير، يا أيها الوزير، يا أيها القاضي، يا أيها الأستاذ، يا أيها العميد، كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، البيت مسئولية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة -المجدد في القرن الأول، الزاهد الأموي، رضي الله عنه وأرضاه- فأتى لينام الليل، فذهب النوم، قالت له زوجته فاطمة بنت عبد الملك: يا أمير المؤمنين ألا تنام، قال: كيف أنام وقد ولاني الله أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر الضعيف والمسكين، وأمر الشيخ الكبير والمرأة العجوز، وأمر الهرم والعجوز والفقير، فبكت معه. ونستخلص من هذا: أن المسئولية في الإسلام مغرم لا مغنم، فاصرف نظرك أن تظن أن المنصب وسيلة لك إلى السعادة، فلن يكون إلا إذا جعلته طاعة لله. وربما رددت علي وقلت: ربما يسعد بعض الناس بالمنصب أو بالمسئولية في مال من غير وجهه أو في شهرة أو في ظهور. قلت: هذا مكسب فقده خير منه، وهو الموت والقتل والذبح، وهو الذي يجعله الله وبالاً على صاحبه، وهل أهلك فرعون إلا المنصب يوم جعله لعنة، يوم جعله معصية، يوم جعله محاربة لله، وهل أهلك قارون إلا المال، فجعله سلاحاً هداماً في وجه رسل الله عليهم الصلاة والسلام، وهل أهلك أبا جهل إلا الجاه يوم جعله عقبة في وجه لا إله إلا الله محمد رسول الله.

إثم من قصر في عمله

إثم من قصر في عمله اسمع إلى الحبيب عليه الصلاة والسلام يقول في الصحيحين: {ما من عبد يسترعيه الله عز وجل على رعية، يموت يوم يموت غاشاً لرعيته، إلا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة} وفي لفظ صحيح: {ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته؛ إلا حرم الله عليه الجنة} غاش ما أعطاها حقها، ولا أنصف مكلومها وما رد ظالمها، وما قضى حوائج أمة محمد عليه الصلاة والسلام. إنه حديث عظيم وفي العموم ما من عبد قلت مهمته أو كبرت إلا يسأله الواحد الأحد يوم العرض الأكبر: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:24 - 25] والجندي واللواء، والقائد، والموظف، والداعية، والأستاذ، كلهم مسئولون: إذا قيل أنتم قد علمتم فما الذي عملتم وكل في الكتاب مرتب وماذا كتبتم في شباب وصحة وفي عمر أنفاسكم فيه تكتب فيا ليت شعري ما نقول وما الذي نجيب به إذ ذاك والأمر أصعب إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندب حضرت الخليفة عبد الملك بن مروان الوفاة، فلما أصبح في سكرات الموت، ذهبت الجنود والجلود، والرايات والعلامات، والفضة والذهب، والدور والقصور قال: لا إله إلا الله! يا ليتني ما عرفت الخلافة، يا ليتني ما توليت الملك، يا ليتني كنت غسالاً، قال: سعيد بن المسيب يعلق على القصة: -ذكرها الذهبي الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا في سكرات الموت ولا نفر إليهم]]. وصح عنه عليه الصلاة والسلام عند مسلم في الصحيح أنه قال: {اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به}. ومعنى ذلك: يا رب من شق على أمتي، فحبس صاحب الحاجة، وأخر صاحب الطلب، وغلظ في الخطاب وأتعب المسلمين؛ فأتعبه يا رب يوم العرض الأكبر يوم لا حاكم إلا أنت، ولا منصف إلا أنت، ولا حكم إلا لك. ويا رب! من تولى أمراً قليلاً صغيراً أو كبيراً، فرفق بالأمة ورحم ضعيفها، وقضى حوائجهم، وحنَّ عليهم، وتلطف معهم، وصبر على أذاهم؛ فارفق به يوم العرض الأكبر، يوم تتطاير الصحف، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وقال عليه الصلاة والسلام: {إن شر الرعاء الحطمة} حديث رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح، والرعاء جمع راعي، وهو ولاه الله مسئولية على المسلمين، ولو في مكتب، ولو على اثنين، ولو على دائرة، ولو على مصلحة صغيرة، هذا من الرعاء. والحطمة معناه: ما استخدم قائداً للإبل أو راعياً لها إذا حطم الإبل ولم يحسن سياستها ورعيها، فحطم بعضها ببعض وأهلكها، فهذا من شر الرعاء. دخل عائد بن عمرو على عبيد الله بن زياد الوالي فقال: يا أيها الأمير ارفق بالأمة، فإني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إن شر الرعاء الحطمة} وهو الذي لا يرفق بالأمة، وهو الذي يعصف بالناس، وهو الذي لا يقضي حوائج الناس على الوجه المطلوب. اسمع إلى حديث عظيم رواه أبو داود والترمذي قال عليه الصلاة والسلام: {من ولاه الله شيئاً من أمر أمتي، أو من أمر المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم؛ احتجب الله دون حاجته وفقره وخلته يوم القيامة} حديث صحيح. معنى الحديث: من ولاه الله مسئولية الأمة فاحتجب، وقطع الطرق إليه، وعطل المسئولية، ولم يقم بالواجب، وأخر المراجعين، والمحتاجين، وكبت المساكين، احتجب الله دون حاجته وخلته -يعني مشقته- وما يحتاجه يوم القيامة، أو حاجته الداخلية وفقره يوم العرض الأكبر. واحتجب هنا بمعنى أن الله له حجاب خاص يليق بجلاله، يحتجب عمن احتجب عن حوائج المسلمين، ومقصود هذا عذاباً وجزاءً ونكالاً، والجزاء من جنس العمل، فكما احتجب عن الأمة، وكما عطل معاملات الأمة، يعطله الله يوم العرض الأكبر، ويؤخره الله في العرصات، ويحتجب دون حاجته، فلا يرفع حاجته، ولا يجيب دعوته، ولا يسد عوجه، ولا يغني فقره، ولا ينجي مقصده، فيبقى في الأذلين الخاسرين. يا لخسارة من ظلم يوم العرض الأكبر، يوم يقول الله: لمن الملك اليوم؟ فيجيب نفسه بنفسه: لله الواحد القهار. إلى ديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم أما والله إن الظلم شينٌ وما زال المشين هو الظلوم هذه قالها أبو العتاهية -وقيل أبو نواس - أرسلها في رسالة للأمير عندما حبسه في سجن، فدمع في ظلام الليل، وكتب هذه الأبيات في قصيدة طويلة إلى الخليفة، فأبكاه حتى بلَّ الرسالة بالدموع.

دعوة المظلوم

دعوة المظلوم قيل لـ خالد بن يحيى البرمكي، والبرامكة أسرة عباسية تولت الوزارة في عهد هارون الرشيد، فعاثت في الأرض فساداً، كان تطلي القصور بالذهب وماء الفضة، زرعوا حدائق وبساتين، عسفوا وظلموا، ثم أغضب الله عليهم أقرب الناس لهم - هارون أُغضب في دقيقة واحدة- فأخذهم فقتل شبابهم وأخذ شيوخهم فأودعهم السجون، منهم خالد الذي ما رأى الشمس سبع سنوات -ذكر القصة ابن كثير - صار الشيخ الوزير الكبير، عجوزاً هزيلاً، وقد طالت أظافره -ما وجد مقراضاً يقلم أظافره- وقد سقطت حواجبه على عينيه، وقد شابت لحيته ورأسه، وأصبح في ثياب ممزقة وفي بأس، قال له ابنه وهو معه: لا إله إلا الله! بعد النعيم والوزارة أصبحنا إلى هذا المكان! لماذا؟! قال هذا الرجل وهو يبكي: دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل، غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها، وقال: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين: جاءتك تمشي رافعاً ذراها أولها ردت على أخراها دعوة المظلوم أسبق من الضوء. قيل لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ كم بين العرش والتراب؟! أيجيب بالأميال، أو بالكيلو مترات، قال علي: وحسبك بـ أبي الحسن، قال: [[بين العرش والتراب دعوة مستجابة من مظلوم يرفعها الله على الغمام، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين]] وفي الصحيحين أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل معاذاً إلى أهل اليمن فقال له في آخر الحديث: {إياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب}. الإمام أحمد ظلمه ولاة السوء وأهل البدعة، وتولى ظلمه أحمد بن أبي دؤاد أحمد أهل البدعة، وأحمد أهل السنة أحمد بن حنبل وابن الزيات ورجل آخر. قال الإمام أحمد لـ ابن الزيات: اللهم عذبه في دنياه، اللهم اسلب نعمته، وقال لـ أحمد بن أبي دؤاد: اللهم احبسه في جسمه. فـ أحمد بن أبي دؤاد أصابه الفالج، وكان يبكي ويقول: أما نصفي هذا فلو قرض بالمقاريض ما شعرت به، وأما نصفي هذا فلو وقع عليه الذباب ظننت أن القيامة قامت. وأتى ابن الزيات فأغضب الله عليه الخليفة فقطع يديه، وأدخله فرناً حاراً وسمر المسامير في أذنيه، وهذا إثم من قصر في علمه، فإنه يستوجب دعاء المظلومين ودموعهم الحارة، فكم وراء الأبواب من مظلوم، ومن محتاج ومقصر لا يستطيع رفع حاجته، ولا إيصال معروضه ولا كتابته، وهذا واجب المسئول الذي يعلم أنه سوف يحشر عرياناً يوم العرض الأكبر على الله. قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94]. مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمورُ يوم يشيب لهوله الولدان من أسف ويأكل كفه المثبورُ هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف الذي مرت عليه دهورُ كيف الذي مرت عليه سنوات وهو ظالم، ظالم في عمله لا يؤديه على أكمل وجه، لم ينصح لولاة الأمر، ولا نصح للرعية، ولا نصح في الوقت، ولا نصح في الراتب الذي يأخذه، ولا نصح بينه وبين علام الغيوب الذي يعلم السر وأخفى من السر.

أجر من أحسن عمله

أجر من أحسن عمله

إتقان العمل

إتقان العمل أما العنصر الرابع: فهو أجر من أحسن عمله، قال عليه الصلاة والسلام كما عند البيهقي بسند حسن من حديث كليب وعائشة: {إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه} ما أحسن هذا الحديث! وهو يدخل في كل جزئية من جزئيات العمل، وفي لفظ: {إن الله يحب العامل إذا أحسن} هذان لفظان صحيحان، وهو مقبول على كل حال. والإتقان عند أهل العلم أن تؤدي العمل على أكمل وجه، الإتقان في التعليم: أن تعلم تعليماً يقبله الله عز وجل، ويستفيد منه المسلمون، وتلقى به الله عز وجل وأنت صادق. الإتقان في التجارة، والوظيفة، والمنصب، والمتجر، والمزرعة، فالله يحب من العبد أن يتقن العلم، أما إذا قدمت العلم معوجاً في الوقت، ومعوجاً في الأداء، ومعوجاً في الحسن؛ فلن يقبله الله عز وجل؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وفي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: إمام عادل}. وكل راع استرعاه الله رعية فعدل بينهم فهو من الأجناس الذين يظلهم الله عز وجل يوم يشتد الكرب على النفوس، وتدنو الشمس من الرءوس، ولا حكم إلا الله، فينادي الله عز وجل أين ولاة الأمر العدول؟ فيقوم المسئولون، فيظلهم الله في ظل العرش؛ لأنهم صدقوا مع الله الواحد الأحد، ولذلك يقول أهل العلم: نرجو أن يكون عمر بن عبد العزيز من الخلفاء الراشدين؛ لأنه من أئمة العدل، ومن الذي صدقوا ما عاهدوا الله عليه في مسئوليته وفي ولايته رضي الله عنه وأرضاه. وصح عنه صلى الله عليه وسلم عند مسلم في الصحيح أنه قال: {إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في عملهم وأهليهم وما ولوا}: فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها والمقسط: هو العادل {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين َ} [الحجرات:9] أي: العدول. {على منابر من نور} وإذا كانت منابر، وكانت من نور، وكانت في الجنة، وكانت على يمين الرحمن، فماذا تكون، لا إله إلا الله من نعيم ما أحسنه! ولا إله إلا الله من مصدر ما أجمله! ولكن من يعمل لهذه المنابر، {إن المقسطين على منابر من نور عند الله عز وجل الذين يعدلون في عملهم وأهليهم وما ولوا} قال ابن تيمية: حتى العدل بين التلاميذ في التعليم. وأقول: حتى العدل بين الطفلين فهو من العدل، حتى القيام بالمسئولية في البيت، والعدل بين الأطفال، والعدل في التصحيح بين التلاميذ والطلاب، إذا فعلت ذلك أجلسك الله على منبر من نور على يمينه في الجنة، وما أحسن المجلس وما أحسن المقام. قالت امرأة فرعون آسية: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11] قال ابن القيم: انظر إليها سألت الجار قبل الدار، فسؤال الجار قبل الدار أحق للعبد أن يسأله من الواحد الغفار. أستطرد في الجار: التهامي وهو شاعر عربي فصيح، توفي ابنه فرثاه بمرثية تبكي العيون، يقول من ضمن أبياتها: إني وترت بصارم ذي رونق أعددته لطلابة الأوتارِ جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري يقول: أنا بقيت للحساد في الدنيا، وهو ذهب إلى جوار الله. قال ابن كثير: توفي أبو الحسن التهامي -هذا الشاعر- فرئي في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا، قال: بقولي في القصيدة المشهورة: جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري وهي من أحسن ما قيل، والمقصود هنا أن العدول والمؤتمنون والقائمون بأعمالهم على منابر من نور.

السلطان العادل من أهل الجنة

السلطان العادل من أهل الجنة وقال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم في الصحيح: {أهل الجنة ثلاثة: سلطان مقسط موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال} والشاهد قوله: ذو سلطان مقسط موفق، أي المؤتمن العادل، الذي قام بالأمانة على وجهها، فهو من أهل الجنة، وفي بعض الآثار: [[عدل يوم خير من عبادة سبعين سنة]]. فكم يؤجر العبد الذي يوليه الله أمراً من أمور المسلمين، فَيحكِّم في الأمة الشريعة، ويقيم سيف العدالة، ويحرس طرق الناس ومدنهم، وانظر إلى آثار تطبيق الشريعة في بلادنا والحمد لله، ننام ونهدأ ولا طارق يطرقنا ولا سارق يسرقنا، ولا ناهب ينهبنا، ولا سالب يسلبنا، هذه آثار العدل، والله أقولها بجدارة من قلبي؛ لأنني رأيت أمم الغرب التي أعرضت عن منهج الله، وتطبيق كتاب الله، وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] لما أعرضوا عن تحكيم الشريعة، عاشوا الرعب القلق والاضطراب، هنا سلب، وهناك نهب وقلق، وهنالك قتل وسفك للدماء، لكن لما حكم عندنا الشرع الشريف والكتاب والسنة؛ أصبحت الجزيرة العربية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً يسير السائر فيها لا يخاف إلا الله، يحمل المال والذهب وأهله معه ومحارمه في سيارته؛ لأن اللص والسفاك والمجرم يعرف أن هناك سيفاً مسلولاً بجانب المصحف إذا اعتدى: السيف أصدق إنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179] حياة وأمن ورغد، تذهب إلى البنك وتأخذ مالك في حقيبتك في الشارع والناس يرونك، ولا يجرؤ أحد أن يتعدى بخطوة، لكن جرب هذا في نيويورك أو في لوس أنجلوس والله ما تجرؤ، وإن الليل هناك يتحول إلى العصابات والإجرام، وإنك تمسك يدك على قلبك من السفك والسلب والنهب: دعها سماوية تمشي على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس شريعة خالدة تجعل الإنسان في ظل الأمن يعيش الرخاء، يذهب بزوجته وبأخته وبفتاته إلى كل مكان، ويعلم المجرم أن وراءه سوطاً وسيفاً وسجناً، وأن وراءه كتاباً منزلاً وسنة مقروءة من محمد عليه الصلاة والسلام: بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركنا غير منهدم لما دعا الله داعينا لدعوته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم

طاعة المسئول في طاعة الله

طاعة المسئول في طاعة الله المسألة الخامسة: طاعة المسئول في طاعة الله عز وجل: {من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله} حديث من الرسول عليه الصلاة والسلام. ويقول عثمان رضي الله عنه وأرضاه: [[إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن]] ومعنى ذلك: أن الله يردع بالسلطان ما لا يردع بالقرآن، أتظن أن الناس يرتدعون بالآيات البينات كلهم، المجرم لو قرأت عليه القرآن ثلاثين مرة يبقى مجرماً، لكن إذا وجد سلطاناً وسيفاً وحديداً ارتدع، وهذا يردع كثيراً من الناس، فالسلطان ظل الله في الأرض من أهانه أهانه الله. وعند أحمد في المسند: {ثلاثة حق على المسلم توقيرهم: حامل القرآن غير الجافي فيه ولا الغالي، وذي الشيبة المسلم، والسلطان العادل} هؤلاء يكرمهم الله، وحق أن توقرهم، لأنهم اتقوا الله، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] أي: في طاعة الله عز وجل، فإذا عصي الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وفي الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا بايع الصحابة قال: {فيما استطعتم}. وقال أبو بكر الصديق في أول خطبة رنانة له في أول يوم تولى فيه الخلافة: [[أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم]] وهذه من الكلمات النيرة لـ أبي بكر الصديق. قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: {من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني} أي: في طاعة الله عز وجل وفي طاعته عليه الصلاة والسلام، وهذا أمر لابد أن يعلم، فما قلته من نفسي وإنما قاله أبو القاسم عليه الصلاة والسلام، ونحن ليس لنا قول معه يحتج بقوله على الأقوال، ولا يحتج بالأقوال على قوله، فقوله إذا ذكرت الأقوال ميزة، وفعله إذا ذكرت الأفعال برهان، وحاله إذا ذكرت الأحوال عرفان، فهو الذي عصمه الله سراً وظاهراً، غيباً وشهادة، صلى الله عليه وسلم. قال ابن مسعود: {يا رسول الله، إذا أدركنا ولاة لا يعطوننا حقنا قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم، فإن الله سوف يسألكم عن حقكم ويسألكم عن حقهم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث متفق عليه بنحوه.

عدم الحرص على المنصب إلا لمقصد شرعي

عدم الحرص على المنصب إلا لمقصد شرعي المسألة السادسة: عدم الحرص على المنصب إلا لمقصد شرعي. المنصب عندنا في الإسلام مسئولية وأمانة وتبعة ومغرم، كان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه يبكي ويقول: يا عمر تول، يا أبا عبيدة نبايعك، وتولى عمر فبكى. بكى الصالحون من المسئولية لأنها خزي وندامة يوم القيامة إلا من خاف الله واتقى الله فيها، أما لمقصد صالح فإني أستثنيكم في ذلك؛ لأن أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية قال: إذا رأى المسلم أنه يتعين عليه أن يتولى هذه الولاية فعليه أن يبادر بذلك أو كلاماً يشبه هذا، واستدلوا على ذلك بقول يوسف عليه السلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55] فطلب المنصب لأنه يرى أنه أحق الناس، فالقاضي إذا رأى أن القضاء سوف يضيع من المسلمين، ويتولاه من ليس كفواً له فعليه وجوباً أن يطلب القضاء، والأستاذ والمدير كل بحسبه إذا أراد الله بهذا العمل رزقه الله الصدق والثبات والتوفيق.

النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من الحرص على الإمارة

النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من الحرص على الإمارة عبد الرحمن بن سمرة قرشي من آل شمس، أغر كغرة الفرس، رآه عليه الصلاة والسلام فرأى عليه مسحة الإمارة فقال له: {يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إلى نفسك، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها} يعني إذا أجبرت، وعلم الله أنك لا تريد المنصب فأوتيتها، أعانك الواحد الأحد عليها، أما إذا حرصت عليها فإنك لا تعان، لأن عند أهل السنة أن الحرص على الولاية وطلبها لغير مقصد شرعي ينبئ عن مقاصد الله أعلم بها، إما للسلب والنهب أو للمال أو للسرقة أو للتشفي من المسلمين. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي موسى أنه قال: {إنا لا نعطي هذا الأمر من حرص عليه} هذه الولاية لا نعطيها رجلاً يحرص عليها، وإذا رأيت الرجل يجري وراءها فاعرف أنه يريد شيئاً، (كاد المريب أن يقول خذوني) في قلبه أسرار، وله مقاصد غير معروفة، أما إذا ظهر مقصده الصحيح وعلم الله صدقه، أعانه الله على هذا المنصب، قال سبحانه: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ الشرعي عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83] فيجعل الله العاقبة لمن اتقى الله في المنصب وسدد وقارب. أول مرسوم أخذه عمر وفعل به في الخلافة أتدري ما هو؟ أول ما تولى الخلافة، قال: بسم الله الرحمن الرحيم؛ من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح أمَّا بَعْد: فتول إمرة الجيوش واعزل خالداً. خالد بن الوليد سيف الله! خاض مائة معركة ما هزمت له راية: تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشرٍ بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلها ولا رمى الروم إلا طاش راميها فأتت الرسالة إلى أبي عبيدة فبكى، لأنه سمع بموت أبي بكر وسمع البيان -هذا المرسوم- فلف الرسالة والمسلمون في المعركة، فما أخبر خالداً، فلما انتهت المعركة أخبره، قال: أنا لا أريد الإمارة وأنت أحق مني، فإن تريد الإمارة فابق عليها، وإنما هي أيام قلائل حتى نلقى الله، حتى دمعت عينا خالد وقال: أنت أحق بالإمارة مني، وقبل رأس أبي عبيدة وقال: أنا لا أعمل لـ عمر أنا أعمل لله أميراً أو جندياً، وسوف أقاتل لله اليوم مثلما قاتلت لله في الأمس، فبقي في الجيش من عرض الجنود: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83].

ليس كل تقي مؤهلا للإمارة

ليس كل تقي مؤهلاً للإمارة وعند مسلم في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: {يا أبا ذر! إنك رجل ضعيف، وإنها أمانة، وإنها خزي وندامة يوم القيامة} والسبب أن أبا ذر قال: يا رسول الله وليت فلاناً، ووليت فلاناً وتركتني، يعني ما هو السبب؟! لماذا تولي فلاناً على نجران مثلاً، وفلاناً في اليمن، وفلاناً في مكة، وأنا تتركني، ظن أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه أن الرسول عليه الصلاة والسلام يولي بسبب حبه للناس، قال: {يا أبا ذر إنك رجل ضعيف}. قال بعض المحدثين: ضعيف التصريف، لأن بعض الأتقياء لا يصلح في الإدارة، لو وليته الإدارة ضاعت الإدارة، وضاعت الكراسي، وضاعت الماسات والمكتب والدبابيس والخرامات، وكل شيء يجعله فوضى، تصبح المسألة مخربة، وهو تقي يقوم الليل ويصلي الضحى، ويصوم النهار، ويقرأ القرآن لكن لا يعرف. وبعض الناس فيه قليل من التقوى لكنه يجيد الولاية، لذلك سئل الإمام أحمد -والسؤال هذا صحيح، ذكره ابن تيمية في كتاب الجهاد من الفتاوى - أيولى على المسلمين القوي الفاجر، أم التقي الضعيف؟ قال: "بل يولى عليهم القوي الفاجر"، لأن قوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الضعيف التقي فضعفه على المسلمين وتقواه لنفسه، وابن تيمية يرى هذا ويقول: قد ولى الرسول عليه الصلاة والسلام في بعض الولايات خالد بن الوليد، وفي الصحابة من هو أفضل منه، كـ أبي ذر، وفلان وفلان، وخالد أجدر بالإمرة، وأقوى في تنفيذ الأوامر، وأحسن سياسة، فولاه عليه الصلاة والسلام وهذه فائدة، فـ أبو ذر قال له صلى الله عليه وسلم: {إنك ضعيف} وفي بعض الروايات الصحيحة: {وإني أحب لك ما أحب لنفسي}. أبي بن كعب هو أبو المنذر سيد القراء، يصلح للقراءات، فهي تخصصه ولا يصلح في الإدارة قال لـ عمر: يا أمير المؤمنين! تولي الصحابة جميعاً حتى الأنصار وتتركني، ماذا رأيت فيَّ؟ قال عمر: [[يا أبا المنذر! والله الذي لا إله إلا هو إنك من أحب الناس إليَّ؛ ولكني لا أريد أن أدنسك بالدنيا]] أريد أن تبقى نظيفاً. ولذلك يصفون أبي بن كعب فيقولون: كانت لحيته بيضاء وجسمه أبيض، ورأسه أبيض، وثيابه بيضاء {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35]. قال: [[والله إنك من أحب الناس إلي؛ ولكني لا أريد أن أدنسك بالدنيا]]. وعند البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {إنكم لتحرصون على الإمارة، وإنها خيبة وندامة يوم القيامة} لا إله إلا الله! ووقع والله، كان أحد الصحابة إذا ذكر هذا الحديث يبكي ويقول: [[والله حرصنا عليها حتى قتل بعضنا بعضاً عليها]] ولذلك كان في جبلة العرب الحرص على الإمارة. الآن الطلاب في المركز الصيفي أو في المخيم إذا أركبتهم في (أتوبيس) وتقول: العريف عليكم فلان، قاموا يضاربون يريدون العرافة. يقول أحد المفكرين: العرب مثل قرون التوت، يسافر ثلاثة منهم فيختلفون في الأمير، يريد كل منهم أن يكون أميراً، ويريد أن يكون إماماً، بكى ذاك الصحابي وقال: [[والله الذي لا إله إلا هو لقد حرصنا عليها حتى قتل بعضنا بعضاً]] نعوذ بالله من حرص على المسئولية، فإنها والله ندامة وخزي إن لم يحسن العبد التعامل ويراقب الله في ذلك، وقال رسول الهدى عليه الصلاة والسلام: {إنا والله لا نولي هذا الأمر أحداً سأله أو حرص عليه} وهذا الحديث زادنا فائدة وهي: أن من سأل الأمر أو حرص عليه ففيه نظر، إلا إذا ظهرت القرائن أنه يريد أن ينصر الإسلام من هذا المنصب، فجزاه الله خير ما جزى والياً عن أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

الحرص على اتخاذ الأعوان الصالحين والناصحين

الحرص على اتخاذ الأعوان الصالحين والناصحين العنصر السابع: الحرص على اتخاذ الأعوان الصالحين والإخوان الناصحين. لكل مسئول جلاس، ولكل موظف سمار، ولكل أمين مؤتمنون حوله، يجلسون معه، ويعطيهم سره، وأمره، وفي صحيح البخاري يقول: الرسول عليه الصلاة والسلام: { h=7001566>> ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة، إلا قيظ له بطانتين: بطانة تأمره بالخير وتنهاه عن السوء، وبطانة تأمره بالسوء وتنهاه عن الخير، فمن أراد الله به خيراً قيظ له من يأمره بالخير وينهاه عن السوء، ومن أراد به السوء قيظ له من يأمره بالسوء وينهاه عن الخير} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. والبطانة: خاصة الرجل. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] وقال عليه الصلاة والسلام عند الترمذي بسند لا بأس به: {لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي} لا تجعل جليسك يا مسئول إلا مؤمناً يخاف الله، أمين السر، أمين المكتب، السكرتير، المسئول، المراقب، صاحب الاتصالات، الكاتب، الموزع، السائق، اجعلهم ممن يتقون الله. عندما تولى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه جاء فحجب الحاجب وقال: [[اعزل نفسك، قال: ولم؟! قال: رأيتك تتستر في ظل الخيمة، والناس في الشمس في عهد الوليد بن عبد الملك، والله ما تكون لي حاجباً أبداً، تعال يا مزاحم أنت حاجبي، فقد رأيتك تكثر من قراءة القرآن وتصلي الضحى في مكان لا يراك إلا الله]] وكان عمر يقدر الناس بقدر تقواهم. وفد عليه ثلاثة شباب، قال للأول: ابن من أنت؟ قال: أنا ابن الأمير الذي كان في عهد الوليد، قال عمر: اغرب عني وأبيك، فإن أباك كان يجلد المسلمين. قال للثاني: وأنت ابن من؟ قال: ابن والي الكوفة قال: دعني منك ومن أبيك. وقال للثالث: وأنت ابن من؟ قال: أبي هو قتادة بن النعمان الذي ضرب في عينه يوم أحد -ضربه مشرك فسالت عينه على خده- فردها محمد صلى الله عليه وسلم فكانت أحر من الأخرى ثم قال الفتى: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد فبكى عمر بن عبد العزيز وقال: تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا يقول: من أراد أن يفتخر فليفعل مثلك، أنت النسب، أنت البطل، أنت التقي، فلذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {المرء يحشر مع من أحب، فمن أحب الصالحين حشر معهم}. تولى علي رضي الله عنه وأرضاه الخلافة، فتفرقت الأمور وما ضبطت كعهد أبي بكر وعمر فجاء رجل إلى علي وقال: يا أمير المؤمنين! ما للناس أطاعوا أبا بكر وعمر وما أطاعوك؟! قال علي -وكان ذكياً- قال: أتدري لماذا أطاعوهم وعصوني، كانت الرعية في عهد أبي بكر وعمر، الرعية علي وطلحة والزبير وعثمان ومعاذ وأبي وسعد، ولما توليت أنا أصبحت الرعية أنت وأمثالك. وجاءه رجل يمدحه فقال علي: خفف من كلامك، فإني أعظم مما في نفسك ودون ما تقول. يعني كأن الرجل في الظاهر يمدح علياً كرم الله وجهه، وفي الباطن لا يرى حق علي، قال: أنا أعظم مما في صدرك وأنا دون لا تذكر من غلو المدح. إذا عرف ذلك فقد عرف عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل}. يقال في بعض أسباب الحديث -ولو أن السند ضعيف إن امرأة أتت من أهل مكة -كانت مزاحة تضحك النساء- فنزلت على امرأة مزاحة في أهل المدينة، فقال في الحديث الآخر: {الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف} ولذلك تجد الصالح يأنس للصالحين، سائقه صالح، والسكرتير عنده صالح، وأمين المكتب صالح، والمتصل صالح، والموزع صالح، فيأنس لهم بخلاف الذين تولوا عن منهج الله.

آداب المسئول المسلم

آداب المسئول المسلم العنصر الثامن والأخير: آداب المسئول المسلم. للمسئول المسلم آداب لأنه يمتاز بميز عن المسئول الكافر، نعم. هذا مسئول وذاك مسئول؛ لكن هذا وهو يذهب إلى عمله يتذكر الواحد الأحد، ويتذكر لقاء الله عز وجل، ويتذكر المحاسبة بين يدي الله عز وجل بخلاف الآخر، وللمسئول المسلم أربعة آداب:

الإخلاص في العلم وإرادة وجه الله بالعمل

الإخلاص في العلم وإرادة وجه الله بالعمل قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ} [البينة:5] وقال: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] جلوسه على المكتب؛ في الفصل والمعمل والوظيفة أمانة وعبادة، وإذا احتسبها عند الله عز وجل هي من أعظم العبادات، فإن الصحابة ما خرجوا كلهم يتنفلون في بقية أوقاتهم، بل كانوا يؤدون الفرائض، ثم يذهب هذا أميراً، وهذا والياً، وهذا خليفة، وهذا راعياً، وهذا مسئولاً، فيأجرهم الله على ذلك. فالله الله في الصدق، وفي طلب ما عند الله من الأجر، فإن الله يعظم الأجر بقدر ما يصدق العبد معه في العمل، فيا مسئولاً خف الله. ويا مسئولاً في بلاد الله، ويا مسئولاً مع ولاة الأمر الذين يحكمون بشرع الله، أوصيك بمخافة الله، والصدق مع الله، وبمحاسبة نفسك قبل أن تحاسب في العرض الأكبر، حاسب نفسك في أداء الأمانة في الوقت، وفي إعطاء العمل حقه.

الرفق بالمسلمين

الرفق بالمسلمين أنت تتعامل مع موحدين، أنت تتعامل مع عباد الله، وفي بعض الآثار التي يحسنها بعض العلماء: {الفقراء عيال الله، فأقربهم إلى الله أنفعهم لعياله} فهؤلاء عيال الله، هؤلاء أمة الله، وهؤلاء يحتاجون إلى حنان منك فلاطفهم، كلمة توجه لرجل المرور الذي هو منا، أخونا وابن عمنا، الجندي، الحارس، المسئول، الأستاذ، العميد، الموظف أن يتعامل برفق، قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه} وقد سبق معنا الحديث الصحيح: {اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق به} فالرفق الرفق! الحنان والعطف عليهم، قبول ما يبدر منهم، المعاونة لهم على متطلباتهم والسعي في مهماتهم: {والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه} {ومن سهل على مسلم سهل الله عليه في الدنيا والآخرة} وفي لفظ الصحيح: {من يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله، ومن قضى حاجة لأخيه قضى الله حاجته يوم القيامة}.

حسن الخلق والبشاشة

حسن الخلق والبشاشة نطالب المسئول المؤتمن أن يبش لوجوه المسلمين، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {وتبسمك في وجه أخيك صدقة} إذا سلم رد عليه السلام، قم للشيخ الكبير، أنزل التقي منزلته، فرحب به وحيه، كن داعية في مكتبك وفي وظيفتك لتثني عليك الألسنة، وتدعو لك القلوب، وتحبك الأرواح، ويجعلك الله ولياً من أوليائه. أحسن إلى الناس تستبعد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان كن رائق البشر إن الحر شيمته صفيحة وعليها البشر عنوان تبسم؛ هز راحتك، قدم يدك، احتف بالداخلين عليك لأنك داعية، ما أحسن المسئول يوم يحيي الداخلين والمراجعين! ما أحسنه حين يتواضع! ما أحسنه يسأل عن أخبارهم! كان عليه الصلاة والسلام إذا وفدت عليه الوفود يقول: {ممن القوم؟} وكان يسأل ويقول كما عند الترمذي بسند فيه كلام: {إذا عرف أحدكم أخاه، فليسأله عن اسمه وعن نسبه فإنه يواصل المودة}. قال العربي الأول الكريم؛ صاحب المروءة وهو وثني: أُحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب وفي حديث: {إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم حسن الخلق} أنت لا تنفق على الناس من جيبك، إنما تنفق عليهم بالبسمة، وبالرحمة يحببك الله إلى الخلق، ويجعلك قريباً منه، وبقدر ما يفعل الإنسان يفعل الله له يوم القيامة، والجزاء من جنس العمل.

قضاء الحوائج والحرص على إنهاء متطلبات المؤمنين

قضاء الحوائج والحرص على إنهاء متطلبات المؤمنين فإن صاحب الحاجة مجنون بها حتى تقضى، وهو مشغول بها ليل نهار، أما تدري أن صاحب الحاجة يظن أن الدنيا ومشكلة الشرق الأوسط في هذه الحاجة، ينام الليل وهي في ذهنه، ويقوم النهار وهي في ذهنه، فإذا قضيتها قضى الله لك حوائجك، ويسر لك أمورك، التسويف أو المماطلة للمسلمين -تعطيل المسلمين- ليس بوارد عند من يخاف الله ويريد الدار الآخرة، شيخ كبير عجوز هرم أو شاب عنده من الأمور ما يعطله فاقض حاجته وفرج كربته، وفي الحديث: {من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا؛ فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة} يوم الكربات، يوم الهموم والغموم، يوم الأحزان، فرج كربة عن صاحب حاجة، عن مراجع، عمن عنده مسألة، والله إن من المكسب لك أن تنهي له الحاجة. وفد رجل على علي فطلب له حاجة، فقال: الحمد لله الذي جعلك صاحب الحاجة ولم يجعلني صاحب الحاجة، لأقضينها إن شاء الله. قال الرجل: كسوتني حلة تبلى محاسنها لأكسونك من حسن الثنا حللا الثناء الجميل ولم أرَ كالإحسان أما مذاقه فحلو وأما وجهه فجميل كاد الجميل أن يكون رجلاً، ولو كان رجلاً لكان حسناً، وكاد أن يكون نبتاً، ولو كان نبتاً لكان ورداً. قال أبو جعفر المنصور لجلاسه وسماره: ما أحسن بيت قالته العرب؟ قالوا: ما ندري. قال: قول القائل: الخير يبقى وإن طال الزمان به والشر أخبث ما أوعيت من زاد وقال الحُطيئة: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس جاء إعرابي إلى ابن عباس، وهو في الحرم ينثر على الناس العلم كالدرر وينثر والمال كما قال تعالى: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] قال الإعرابي: يا ابن عباس! قد أحسنت إليك إحساناً فكافئني، قال: ما فعلت يا أخا العرب، قال: رأيتك العام الأول تشرب من زمزم وأصابتك الشمس فظللتك عن الشمس، قال: يا غلام أعطه مائة دينار، واكسه حلة، وقد قصرنا لكن يكافئك الله على ما قدمت لنا. فما أحسن الجميل! فقضاء الحوائج ولو بالميسور من اللفظ، والشفاعة إن استطعت أن تقوم بها فافعل، توسط واتصل واكتب، وسوف ترى ذلك في سجل الحسنات: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].

الأسئلة

الأسئلة

أسباب عدم التأثر بسماع القرآن

أسباب عدم التأثر بسماع القرآن Q السلف كانوا يبكون بكاءً شديداً من سماع القرآن، ولكنا نسمع الآيات ولا نبكي ولا نتأثر كما تأثر السلف فما هو العلاج؟ A أقول كلنا ذاك الرجل، ونسأل الله عز وجل أن يتوب علينا وعليكم، وأن يلين قلوبنا لذكره، ولا نيئس من روح الله، فإن نفحات الله تمر بالعبد، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، وقسوة القلب تأتي من أمور: منها: مرض الشبهات: فإنه فتاك، وهو السم الزعاف، وهو يقتل القلب قتلاً. ومنها: الشهوات: فإنها مرض خطير وعضال، وهي حب المعاصي والفاحشة والعياذ بالله. ومنها: المباحات: وكثرتها وكثرة الكلام بغير ذكر الله، وكثرة الخلطة خاصة خلطة من لا يقربك من الله، وكثرة النوم، وكثرة الأكل كلها من المباحات التي إذا كثرت قسا القلب، وقد بينها ابن القيم. ولكني أوصيك ونفسي بكثرة الذكر، وبتدبر القرآن، وبصيام بعض الأيام على السنة، وبمجالسة الصالحين، وبحضور حلق العلم والمحاضرات والدروس، ولا تقل إنك عالم أو إن المحاضر لا يأتي بجديد، الجديد رحمة الله التي تظلك وأنت في المجلس، الجديد تنزل الملائكة عليك، الجديد غشيان السكينة، الجديد حفوف الرحمة، الجديد أن يقول الله في آخر المحاضرة: {انصرفوا مغفوراً لكم فقد رضيت عنكم وأرضيتموني، فتقول الملائكة: يا رب معهم فلان ليس منهم -أي: مر في الطريق هو يريد طريقاً آخر لكن رأى المحاضرة فدخل- قال: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم} رحيم: فلما جلسنا مجلساً طله الندى جميلاً وبستاناً من الروض غانيا أثار لنا طيب المكان وحسنه منى فتمنينا فكنت الأمانيا أمنيتنا نرفعها هذه الليلة إلى الحي القيوم أن يجمعنا بكم في دار الكرامة، اللهم لا تخيب ظننا فيك، اللهم إننا ظننا بك الظن الجميل والحسن، ظننا أن تغفر لنا، وأن تتوب علينا، وأن تقول لنا في آخر هذه المحاضرة انصرفوا مغفوراً لكم، نتحرى هذه الكلمة فيا سميع ويا عليم ويا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم! أسألك أن تقولها لنا هذه الليلة، وأن تجمعنا بـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة مع الأنبياء والمرسلين: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55] يا رب العالمين. أيها السائل سؤالك ينبئ عن خير، وحضورك معنا شهادة لك أنك من أهل الخير، غيرك في البارات وفي الخمارات، غيرك مع الكمنجة والعود والموسيقى، غيرك مع البلوت والباصرة، غيرك يطارد الدجاج والحمام، وأنت جلست مع قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، أنت من الصالحين، زادك الله توفيقاً وبصيرة وإيانا.

حكم لعب الكرة

حكم لعب الكرة Q هل يجوز لعب الكرة بعد صلاة العصر مع العلم أنها لا تضيع المغرب؟ A ما علمت عالماً يحرم لعب الكرة بعد صلاة العصر أو بعد الظهر أو بعد الصبح، ولكن هذه القضايا تؤخذ بملابساتها، أهل العلم إذا وجدوا عملاً لم يكن عليه السلف كيفوه بالكتاب والسنة؛ فأتوا بصلاحيته وبمحاذيره وبأضراره ثم جعلوه على قواعد الإسلام، يحذر من هذا العمل إذا لابسه بعض المعاصي كتأخير الصلاة أو تضييع العلم، والإسراف بهذه الكرة حتى يصبح لاعباً لا يعرف شيئاً من أمور دينه ولا يتفقه، ولا يقرأ القرآن، أو يتحزب لهذه لكرة ويوالي ويعادي عليها، أو يلبس لباساً غير شرعي، فإذا خلت من هذه الأضرار والمحاذير، فلا بأس بها. فليلعب مع إخوانه إذا لم يضيع الصلاة، ولم تفوته من طلب العلم، وكان لباسه لباساً شرعي من السرة إلى الركبة ساتراً، ولم يوال ولم يعاد على الكرة، فلا بأس بها، يلعب بقدر، وإن لنفسك عليك حقاً، وهي من باب الترويح ولا حرج من ذلك إن شاء الله. أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية. وصلى الله على محمد وعلى صحبه وسلم تسليماً كثيراً.

رسالة إلى أهل البادية

رسالة إلى أهل البادية من صفات الأعراب وأهل البادية؛ الكرم، الشجاعة، الرجولة. ولذلك كان ولابد من أن يخصهم العلماء بالحديث، وهذا الدرس موجه إلى أصحاب البادية، عما يلزمهم من أمور الدين كالإيمان والتوحيد والصلاة.

إقامة الحجة وتبليغ الأمانة وأداء الحق

إقامة الحجة وتبليغ الأمانة وأداء الحق الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المعلم الجليل، المؤيد بجبريل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. ما أروع البناء! وما أحسن المسجد! وما أجمل العمار! {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] ما أحسن هذا المسجد! وما أحسن من بناه! وما له عند الله من أجر {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18] وقبلها يقول جلت قدرته: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [التوبة:17]. لا إله إلا الله ما أحسن عمارة المساجد! لا إله إلا الله ما أروع البناء! أيهما أحسن! ذاك الذي دفع ماله ليعمر مسجداً {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ} [النور:36 - 37]. أم ذاك الذي دفع ماله فبنى خمارة وبارة ودار لهوٍ ومسرحاً مهدِّماً، وداراً للشياطين؟ هذا يبني روضة من رياض الجنة ليسجد فيها عباد الله، ويبني بناءً ليذكر فيها اسم الله جلت قدرته، فما أحسن البناء ولكن ليس العمار فحسب أسمنت وخرسان وحديد وبلك، لا. بل عمار قلوب، ندوات ودروس وذكر وعلم، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، يقول إقبال: أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي وجلجلة الأذان بكل حيٍ ولكن أين صوت من بلال منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خالي أشكركم يا أهل هذه المنطقة شكرين اثنين: الشكر الأول: نحبكم في الله الواحد الأحد، والشكر الثاني: شكراً خاصاً، فما أتى لكم داعية إلا واحترمتموه واستقبلتموه، بالأمس أتى إليكم القرعاوي يحمل لا إله إلا الله ومعه حافظ فقدمتم النفس والنفيس والدماء والأموال والأرواح، وكل يوم تقدمون؛ لأنكم لا تصلحون إلا بلا إله إلا الله، فطرتم على لا إله إلا الله، ونشأتم على لا إله إلا الله، وابنكم رضع لا إله إلا الله، فأسأل الله أن يميتني أنا وإياكم على لا إله إلا الله. نعم. عنوان الدرس: رسالتي إلى أهل البادية، صمم خططها ونظم أفكارها فضيلة الشيخ عبد الله بن عائض الجهري -حفظه الله ورعاه- وإنها لرسالة من رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. الرسول عليه الصلاة والسلام أحب البادية، وحسنت به البادية وعاش فيها، واستنشق هواءها، ورضع لبنها، يبدو وإخوانه بادية بني سعد، والبادية فيها رجال، وتغرس فيها الشجاعة، وتنبت فيها غصون الكرم، والبادية فيها المثل العليا، والعرب يحبون البادية، والقرآن تكلم عنها وعن عيشها وعن سكناها، وعن أين يسكنون وأين ينتجعون وأين يرتحلون. وسبب هذه المحاضرة أمور ثلاثة:

لإقامة الحجة

لإقامة الحجة السبب الأول: بلاغ مني إليكم وحجة أضعها من عنقي في أعناقكم، ثم عدم كتمان العلم {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159] {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:160] {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187].

لأن الدين أمانة

لأن الدين أمانة السبب الثاني: أنها أمانة في عنق كل داعية يتكلم بها في الحاضرة والبادية، يتكلم بها للملك في ملكه، ولصاحب الدكان في دكانه، وللقاضي في محكمته، وللأستاذ في فصله، رسالة محمد عليه الصلاة والسلام الرسالة الخالدة التي عبرت المحيط والبحر والنهر، وسارت على الجبال، ذهبت مشرقة إلى السند ومغربة إلى الأندلس.

لتقصيرنا مع أهل البادية

لتقصيرنا مع أهل البادية السبب الثالث: أننا قصرنا مع أهل البادية، لقد عشنا في المدن المحاضرات والدروس، والندوات واللقاءات، والمواعظ والخطب، أما أهل البادية فقد قصرنا معهم تقصيراً عظيما، وأنا بين يدي قضاة وعلماء وطلبة علم ودعاة ووجهاء وصلحاء فعلهم أن ينقلوا الكلمة لأهل البادية الذين ما سمع بعضهم عن كثير من هذا الدين، عرف ناقته وشاته، وخيمته وخبزته، لكنه ما تفقه في الدين؛ لأنه لم يجد من يفقهه في دين الله عز وجل.

عليكم بتوحيد الله

عليكم بتوحيد الله المحاضرة على مسائل: أولها: ما هي رسالته عليه الصلاة والسلام ملخصة؟ إن رسالته أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، رسالته في أن يهدي العبد إلى طريق الجنة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]. رسالته أن يأتي بالعرب العرباء أهل الجعلان والجرابيع والضباب ويجعلهم فاتحين للدنيا وسرجاً لها ومشاعل فيها. إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها رسالته عليه الصلاة والسلام: أتى ليخبرنا أن للسماء وللأرض إلهاً واحداً، وأنه هو الذي يرزق ويعافي ويشافي، وأنه الذي ينجح ويرسب، وأنه هو الذي يحيي ويميت تبارك اسمه: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:26 - 27]. رسالته: يقول للأعرابي في البادية: لا تعبد الحجر، لا تعبد الشجر، لا تعبد الوثن، اعبد الله الذي لا إله إلا هو، من هو المحيي، من هو المميت؟ من هو الرازق، من هو الخالق، من الذي يستحق العبادة؟ على من تعتمد؟ من الذي يشافي مريضك، من الذي يعافي مبتلاك؟ من الذي يقضي دينك؟ الله الذي لا إله إلا هو: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66].

ديننا سهل ويسر

ديننا سهل ويسر يأتيه عليه الصلاة والسلام أعرابي من بني سعد من أخواله من الرضاعة اسمه ضمام بن ثعلبه والحديث في الصحيح فيقول: {يا رسول الله! من رفع السماء؟ -أعرابي بدوي يسأل عن رافع السماء، من الذي رفعها؟ - قال: الله، قال: من بسط الأرض؟ قال: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ وكان متكئاً -بأبي هو وأمي- فجلس وقال: اللهم نعم، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، فتولى بعد أن سأل عن الإسلام وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر فيقول عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا}. دين سهل وبسيط ويسير، دين تقبله الفطرة تفهمه العجوز يفهمه الطفل يعشقه البدوي دين محبب: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30] وأنا لا أستطيع أن آتي على أبواب التوحيد، لكنني أعالج المسائل التي تخص بابنا ورسالتنا.

التحذير مما يعارض التوحيد

التحذير مما يعارض التوحيد مما يعارض توحيد الباري أن تجعل معه شريكاً آخر، إما وثناً، أو حجراً، أو شجراً، أو كاهناً، أو ساحراً، أو مشعوذاً، تذهب إليه فيعالج ابنك، أو يداوي مريضك، أو يتسبب في نفعك؛ فتشرك به مع الله إله آخر فيحبط الله عملك، هذا من الشرك، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد} وقال عليه الصلاة والسلام: {من أتى عرافاً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} حديث صحيح. من الذي يشافي؟ من الذي يعافي؟ من الذي يمرض إلا الله عز وجل، فاطلب الشفاء والرزق والحياة والخير والنفع منه، واستدفع الضر من الواحد الأحد. قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعد ما عجزت فنون الطب من عافاكا دخلوا على أبي بكر وهو مريض قالوا: أمريض أنت؟ قال: نعم، قالوا: ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب قد رآني، من هو الطبيب؟ الله يراك، الله الذي أمرضك والذي يشافيك، {لبيك وسعديك والخير كله بيديك أنا بك وإليك لا إله إلا أنت}. كان عليه الصلاة والسلام إذا قام من الليل يصلي ولحيته الطاهرة الشريفة تتقاطر بالماء من الوضوء قال: {اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، اللهم إنك حق ووعدك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد عليه الصلاة والسلام حق} قالوا لـ أبي بكر: [[ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: قد رآني الطبيب، قالوا: ماذا قال لك؟ قال: قال: إني فعال لما أريد]].

أركان الإيمان

أركان الإيمان معاني التوحيد كما قال علي بن أبي طالب لما سئل عن التقوى قال: [[هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل]] واعلم يا أخي المسلم! يا من يسمع الرسالة من مسلم ومسلمة أن هناك أموراً لابد أن تعرفها:

الإيمان بالله

الإيمان بالله أولها: الإيمان بالله، وما معنى الإيمان بالله؟ أن تؤمن بالله خالقاً وكلمة "خالقاً" لا تكفيك لأن فرعون يعرف أن الخالق هو الله، وأبو جهل يعرف أن من خلق السماء والأرض هو الله، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] ويقول موسى عليه السلام لفرعون: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102]. فلا يكفيك أن تعرف أن الخالق هو الله، فهذا يعرفه أبو جهل والمشركون، لكن لابد أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنه لا يستحق العبادة بحق إلا الله الواحد الأحد الصلاة، الصيام، الحج، الذكر، الخوف، الرجاء، الرغبة، الرهبة، الاستغاثة، والذبح كل هذه الأبواب لابد أن تعلم أنه لا يستحقها إلا الله تبارك وتعالى.

الإيمان بالملائكة

الإيمان بالملائكة ثم تؤمن بالله وملائكته تؤمن أن لله ملائكة سمى بعضهم ولم يسمِ بعضهم، فأهلاً وسهلاً بمن سمى، وأهلاً وسهلاً بمن لم يسم من الملائكة. أنت جالس معي الآن ومعك ملكان عن اليمين وعن الشمال، ولك إذا قمت ملائكة أمامك وخلفك يحفظونك {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]. فلا إله إلا الله ما أشد جند الله! وما أعظم جلال الله! ذكر ابن القيم -وهذا من باب الاستطراد- في الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: أن رجلاً من الصالحين خرج ببغلته، عليها طعامه وشرابه وتجارته، فذهب مسافراً، وكان هذا الصالح يحفظ الله في الليل والنهار نهاره صيام وليله قيام، والله يحفظ من حفظه، فلما أصبح في الطريق عرض له لص فقال: أوصلني إلى تلك البقعة فصدقه فأركبه معه على بغلته، ولكن {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] فلما اختفيا في الغابة أخرج اللص خنجره وقال للرجل الصالح صاحب البغلة: والله لأقتلنك، قال: أسألك بالله الذي قامت به السماوات والأرض أن تتركني لأهلي، ورائي أطفال وأهل وأسرة، قال: والله لأقتلنك، قال: أسألك بالله أن تتركني فأتوضأ لأصلي ركعتين لتكون آخر عهدي من الدنيا، قال: استعجل، فتوضأ وقام واستقبل القبلة وأراد أن يصلي ركعتين ولكن كيف يصلي، سيف مشهور، وكفن منشور، وقبر محفور، يصلي والخنجر على أذنه، قال: فنسيت كل آية حتى الفاتحة ما ذكرت إلا قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] قلت: يا من يجيب المضطر إذا دعاه! يا من يجيب المضطر إذا دعاه! يا من يجيب المضطر إذا دعاه! قال: فوالله ما أتممت كلامي إلا وأنا بملك على فرس مقبل معه خنجر رمى هذا اللص فقتله، قلت: أسألك بالله من أنت؟ قال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه، لما دعوت الدعوة الأولى كنت في السماء السابعة، ولما دعوت الثانية كنت في السماء الرابعة، ولما دعوت الدعوة الثالثة كنت في هذه الأرض؛ لأقتل هذا المجرم {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:31]. الله كل يوم هو في شأن، ملك ينزل وملك يصعد، كتبة يكتبون الحسنات وكتبة للسيئات، مرابطون في صلاة العصر، ومتعقبون في صلاة الفجر، وصاعدون بالأعمال ونازلون بالأرزاق، هذا للقطر وهذا للمقادير وهذا للموت وهذا يكتب على النطفة (شقي أو سعيد) عمره كذا، أجله كذا، لونه كذا، صفته كذا، ملك ينفخ في الصور، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {أَطَّت السماء وحق لها أن تئط} أي: ثقل ما عليها كالرحل على المركوب على الجمل {أَطَّت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موطن أربع أصابع إلا وملك ساجد أو راكع} {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت:38] وفي آية {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20]. لا إله إلا الله ما أعظم خلق الله!

الإيمان بالكتب

الإيمان بالكتب وتؤمن بالكتب، وأولها القرآن، وذكر التوراة والإنجيل والزبور وصحف موسى وصحف إبراهيم وبالكتب التي نزل الله علينا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، نزل القرآن لهدايتنا -والله- لا سعادة إلا بالقرآن، ولا فلاح إلا بالقرآن، تؤمن بمحكمه ومتشابهه، تؤمن به جملة وتفصيلا، فهو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، وهو المحجة الواضحة الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].

الإيمان باليوم الآخر

الإيمان باليوم الآخر ومن الإيمان بالله عز وجل إيماننا باليوم الآخر: أن الله يجمعنا حفاة عراة غرلاً بُهْماً كما قال: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:104] يعيدنا -سبحانه- فلا إله إلا الله من يوم ما أصعبه! ولا إله إلا الله من يوم ما أهوله! ولا إله إلا الله من يوم ما أشده! هو الطامة، والقارعة، والحاقة، والواقعة، والصاخة، وسماه الله بأسماء عديدة، يقول عالمكم رحمه الله الشيخ حافظ: واستشفع الناس بأهل العزم في إراحة العباد من ذي الموقف وليس فيهم من رسول نالها حتى يقول المصطفى أنا لها وتؤمن أن قبل ذلك حياة برزخ، إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، فتعلم أن ما فعلت في الحياة تجده في هذا القبر، إن أصلحت وصليت وصمت وزكيت وراقبت الله وخشيته وتصدقت ووصلت رحمك وجيرانك وحجبت زوجك جعل الله قبرك عليك روضة من رياض الجنة، قال عالمكم: والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ وإن كانت الأخرى: أعرضت عن صلاة الجماعة، ما تعلمت الطهارة ولا الصلاة، أعرضت عن القرآن عن الحجاب عن تربية البيت عن رعاية الجار عن صلة الرحم عن بر الوالدين؛ فحفرة والله من حفر النيران، هم وغم وسجن وكرب ونكد. ذكر أبو نعيم في الحلية وغيره أن مطرف بن عبد الله بن الشخير أحد الصالحين مر على المقبرة في الليل يسلم عليهم، قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم دعا لأهل القبور، فذهب فنام في بيته فرأى في المنام أهل القبور، فقالوا له: يا مطرف! والذي لا إله إلا هو إن الله يوسع علينا بدعائك قبورنا أسبوعاً كاملاً وينور الله علينا قبورنا بدعائك أسبوعاً، يا مطرف! تزود من لا إله إلا الله، فوالله ما وجدنا كلا إله إلا الله، يا مطرف! حيل بيننا وبين لا إله إلا الله، نريد أن نقول لا إله إلا الله فما نستطيع أن نقولها {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54]. هنا اعمل فالعمل هنا، هنا دار البذل، هنا الصلاة والصيام والزكاة، أما هناك فحساب، يقول علي فيما علقه البخاري في كتاب الرقاب كلاماً كالذهب والدرر والجواهر يقول أمير المؤمنين أبو الحسن علي -رضي الله عنه وأرضاه-: [[ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل]] ويقول علي في الجنة: واعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها فيا مسلم! أمامك قبر إما أن تحوله إلى روضة من رياض الجنة بصلاحك، أو تحوله إلى حفرة من حفر النار بفسادك وفجورك وإعراضك.

الإيمان بالقضاء والقدر

الإيمان بالقضاء والقدر اعلم أن من أركان الإيمان عند أهل السنة والجماعة الإيمان بالقضاء والقدر، كل شيء بقضاء وقدر، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:49 - 50] وقال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:22 - 23]. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك} يموت ابنك بقضاء وقدر، ينجح بقضاء وقدر، يرسب بقضاء وقدر، صح عنه عليه الصلاة والسلام عند أحمد وغيره أنه قال: {كتب الله مقادير الخلق قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة} فهو في كتاب عنده، فلا إله إلا الله! في ذاك الكتاب سعيد وشقي، غني وفقير، أصفر وأحمر، يموت يوم كذا أو يوم كذا، يموت في بلدة كذا وانتهى الكتاب، {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39]. وفي الصحيحين وغيرهما عنه عليه الصلاة والسلام قال: احتج آدم وموسى، واسمع إلى المناظرة الحارة، مناظرة ساخنة بين نبيين اثنين التقيا، هذا آدم قبل موسى عليه السلام بآلاف السنوات، ولذلك بين أهل السنة خصومة أين التقوا، أين كانت الندوة، قال بعضهم في حياة البرزخ، وقال بعضهم في الجنة، والراجح أنها كانت في السماء، فالتقيا: أي آدم أبونا الذي خرج من الجنة بمعصية، والله أخرجه بذنب واحد يقول: تأتي المعاصي أنت أكبر آثم ترجو الخلود بعيش ظل خالد ونسيت أن الله أخرج آدماً من جنة المأوى بذنبٍ واحد يقول: تأتي بآلاف الذنوب والخطايا وتعصي الله وتفجر، تسمع الغناء، وتشرب المسكر -والعياذ بالله- أو تتعامل بالربا، وتغش، وتشهد الزور، وتكذب، وتؤذي الجار، وتقطع الرحم، وتعق الوالدين، وتأتي بهذه الحملة من الذنوب وتدخل باب الجنة وآدم أكل فقط من شجرة فخرج من الجنة. نعود للقصة، قال: {احتج آدم وموسى -التقيا- قال موسى: وكان جريئاً شجاعاً دائماً يتكلم حتى مع الله يقول: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143]- قال موسى: أنت أبونا، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال: أنت موسى بن عمران الذي اصطفاك الله على الناس بكلماته، وكتب لك التوراة بيده، بكم وجدت الله كتب أن آكل من الشجرة قبل أن يخلقني؟ قال: بأربعين سنة -وجدها في التوراة- قال: فتلومني على شيء كتبه الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة -فيتدخل محمد عليه الصلاة والسلام يحكم- قال: فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى} أي: غلبه، وبعض القدرية يقولون: فحج آدمَ بالنصب موسى، أي: يجعلون موسى الفاعل والمفعول به آدم كأن المحجوج آدم وكذبوا لعمر الله، الشاهد أن تؤمن بالقضاء خيره وشره، وحلوه ومره من الله الواحد الأحد، فإذا أتتك مصيبة موت أو فقر أو جوع أو رزق أو غنى أو نجاح أو رسوب أو رعد أو برق أو مطر أو ريح قل: قدر الله وما شاء فعل، هذا معتقد أهل السنة والجماعة.

إقامة الصلاة

إقامة الصلاة يا مسلمون: اعلموا أن من أعظم أركان الإسلام الصلوات الخمس لا إله إلا الله ما أعظمها! الإسلام هو الصلاة، والصلاة هي الإسلام، هي عمود الدين، يوم كان محمد صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت يقول: {الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم} ويقول: [[لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة]] ويقول عمر: [[من حفظ الصلاة حفظه الله، ومن ضيع الصلاة ضيعه الله]] ويقول سبحانه: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] من ترك الصلاة فقد كفر، أتى بذلك الأثر. قال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله} وصح عنه عليه الصلاة، والسلام أنه قال: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة}.

حكم مخيف في ترك الصلاة

حكم مخيف في ترك الصلاة من ترك فريضة واحدة ظهراً أو عصراً أو مغرباً أو عشاء أو فجراً عامداً متعمدا؛ ً فقد خرج من الدين وارتد وكفر بالله العظيم، واستوجب النار وأصبحت زوجته لا في عقد صحيح بل في سفاح وزناً إن مكنته من نفسها كما قال ذلك علماؤنا مستنبطين ذلك من النصوص. واعلم أن في الصلاة قضايا ثلاث: أولها: لا يقبلها الله إلا في جماعة إلا من عذر، حيث ينادى بها في مسجد، أو في جماعة عندما يجتمع الناس في بادية سواء عند شجر، أو في وادٍ، أو في مسجد، يؤذن بالصلاة فيجتمعون، فلا يقبلها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلا في جماعة حيث ينادى بها إلا من عذر، قال عليه الصلاة والسلام: {لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا، فأحرق عليه بيوتهم بالنار} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر} حديث صحيح، وعن علي موقوفاً عليه وقال: [[لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد]]. وقال ابن مسعود: [[ولقد رأينا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق]] الذي يتخلف عن الصلاة بلا عذر، منافق مطبوع على قلبه، تائه مدهوش الفكر، لا نور ولا حياة ولا إيمان، أتظن أن رجلاً عنده إيمان يسمع "الله أكبر" "الله أكبر" ثم لا يجيب داعي الله بلا عذر، والله ما أصبح فيه إلا النفاق والعياذ بالله! ثانيها: أن تكون بخشوع، تصلي صلاة تصلك بالواحد الأحد قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2] خشوع. كان أبو بكر إذا قام في الصلاة كأنه إسطوانة كأنه عمود، بعض الروايات تقول: يأتي الطير فيقع على رأسه من خشوعه، كان كثير من السلف لا يتحرك، لأن قلبه مع الله؛ لأنك تناجي الواحد الأحد، الصلاة لابد فيها من خشوع ليقبلها الله، وإذا خشعت في الصلاة نهتك عن الفحشاء والمنكر، {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45]. ولعلك تسألني فتقول: ما للناس يصلون ويقعون في المخدرات؟ مالهم يصلون ويرابون؟ مالهم يصلون ويزنون؟ مالهم يصلون ويسرقون؟ هذا يغش، وهذا يكذب، وهذا يسرق، وهذا يخون، وهذا يغدر، وهم يصلون؟ والجواب كما أجاب أهل العلم: إن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة التي فيها الخشوع والخضوع والإقبال على الله، والصلاة الحقيقية: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].

السلف والصلاة

السلف والصلاة نقل عن بعض التابعين أن الأعمش قال لابنته وهي تبكي عليه وهو في سكرات الموت، ساعة الصفر سكرات الموت التي سأذوقها أنا وإياك، وابني وابنك وكما ذاقها أبي وأبوك وجدي وجدك {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] ساعة الصفر. نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعل الردى مما نرجيه أقرب ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب فبكت ابنته وهو في سكرات الموت فقال: يا بنتي، لا تبكي علي، والله، ما فاتتني تكبيرة الإحرام في الجماعة ستين سنة وفي رواية خمسين، وقال سعيد بن المسيب وهو في سكرات الموت لأطفاله: لا تبكوا علي فإني آمل من الله خيراً، والله، ما أذن المؤذن من أربعين سنة، إلا وأنا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقفات مع الوضوء

وقفات مع الوضوء اعلم أن الصلاة لا يقبلها الله إلا بوضوء إذا أحدث العبد لقوله عليه الصلاة والسلام: {لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ} وفي حديث صحيح {مفتاحها الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم}. وأقف عند الصلاة لأنتقل إلى الطهارة في مسائل:

كيفية الوضوء

كيفية الوضوء الوضوء الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يقبله الله حتى يكون كوضوء الرسول صلى الله عليه وسلم، تبدأ بعد ما تنتهي فتغسل كفيك ثلاثاً، وإن استيقظت من نومك فلا تدخل يدك في الإناء حتى تغسلها ثلاثاً، ثم تتمضمض وتستنشق وتستنثر ثلاثاً ثلاثا، ثم تغسل وجهك ثلاثاً أو مرتين أو مرة إن كفت وتخلل لحيتك أحياناً، والوجه من منابت شعر الرأس إلى ما استرسل من اللحية، ومن وتد الأذن اليمنى إلى وتد اليسرى، ثم تغسل يدك اليمنى حتى تشرع في العضد فوق المرفق، ثم تغسل اليسرى ثلاثاً، وتخلل بين الأصابع حتى تشرع في العضد فوق المرفق ثم تأخذ ماء أو بماء الوضوء فتمسح رأسك تأخذ بيديك الاثنتين وتدبر بيديك إلى آخر رأسك ثم تعيدها من حيث بدأت ثم تدخل سبابتيك الإصبعين الاثنتين هاتين في الأذنين وتحرك الإبهامين على الأذنين ثم تغسل قدمك الأيمن ثلاثاً حتى تشرع في الساق أو مرتين أو مرة وتخلل بين الأصابع وكذلك تفعل بالرجل اليسرى، فإذا انتهيت فقل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، من فعل هذا ما هو أجره؟ أمال؟ أفلة من فلل الدنيا؟ أسيارة؟ إنه أعظم من ذلك.

جزاء من أحسن الوضوء

جزاء من أحسن الوضوء اسمعوا، في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء} لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، وضوء في دقائق وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله تفتح لك أبواب الجنة الثمانية تدخل من أيها شئت. وفي سنن الترمذي بسند صحيح يقول بعد {أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين}. وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا والعجيب أن في الوضوء أحاديث صحيحة منها: {أنك ما توضأت فغسلت وجهك إلا تتحات الخطايا من عينيك ومن أنفك ومن وجهك مع آخر قطر الماء، وتغسل يدك اليمنى فتحات واليسرى مع الأصابع مع آخر قطر الماء ثم القدمين} حديث صحيح، رحماك يا رب! حتى في صحيح مسلم قال: {فيغفر الله له خطاياه -يعني السيئات الصغار- وصلاته وذهابه إلى المسجد نافلة} لك الحمد والشكر ما أوسع حلمك! وما أعظم كرمك! واعلم يا مسلم! أن من أصابته جنابة من احتلام أو من جماع، فإن الله لا يقبل صلاته ولا قراءته للقرآن حتى يغتسل الغسل الشرعي الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم، والغسل الشرعي الكامل أن تبدأ فتتوضأ وضوءك للصلاة مثل الوضوء الأول، ثم تبدأ فتفيض الماء على رأسك حتى تروي أصول الشعر، خلل الشعر وأنق البشر وتدخل أظافرك بين شعرك حتى يصل الماء إلى البشرة، والمرأة في الجنابة ليس عليها واجب أن تنثر ضفائرها وجدائلها وما لفت من شعرها بل في الحيض فقط، إذا حاضت وطهرت واغتسلت تنقض شعرها، أما في الجنابة فتغتسل هكذا وتبقي جدائلها على حالتها ولكنها تحرك أصول الشعر، فإذا انتهيت من إرواء الرأس فخذ ثلاث حفنات وأروه فإن تحت كل شعرة جنابة، فإذا انتهيت فابدأ بميامين جسمك وما تياسر وما علا قبل ما سفل حتى تتطهر ثم تتشهد، فتخرج من الجنابة، فالغسل من الجنابة واجب وهي أمانة بين العبد وبين الله، لا يدري أنك اغتسلت من الجنابة إلا الله، من يدري؟ لعل من يجلس في بعض المساجد عليه جنابة، لعل من يقرأ القرآن عليه جنابة، لعل من يضحك على المسلمين عليه جنابة لكن الذي يعلم السر وأخفى لا يقبل صلاة المجنب ولا قراءته للقرآن حتى يغتسل الغسل الشرعي الذي ذكرت لكم، إلا إذا كنت في البادية فلم تجد ماء وعليك جنابة فتيمم، اضرب الصعيد بيديك ضربة ثم امسح يدك اليمنى واليسرى بوجهك ثم امسح اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى ضربة واحدة، فاضرب الصعيد ضربة، أو كان بك جروح لا تستطيع استخدام الماء، أو كان الماء في درجة برودة وليس عندك وقود ولا نار تدفئ الماء وتحميه وخفت على نفسك من الموت، لم تخف من ضرر البرد لا. لا يكفي هذا، خفت من الموت فتيمم كما فعل عمرو بن العاص وأقره عليه الصلاة والسلام، هذا في أمر الصلاة وأمر الطهارة.

وقفات مع الزكاة

وقفات مع الزكاة هناك أمور لا بد أن يعلمها الإنسان وهي متعلقة بالركن الثالث من أركان الإسلام الزكاة، وهذه الزكاة فريضة من تركها وترك أداءها مثَّل الله له بماله يوم القيامة -كما في الصحيح- بنحو ماله، إن ترك زكاة الذهب جعل الله الذهب والفضة صفائح فأحماها في نار جهنم فكوى بها جبهته وظهره وجنوبه حتى يفصل بين الناس، {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:35]. ومن ترك زكاة الإبل مثلها الله وأتى بها كما كانت في الدنيا على أحسن هيئاتها بقوتها وسمنها وضخامتها فأوصده الله عز وجل وبطحه وطرحه في العرصات، ثم يأتي بإبله فتمر عليه تطؤه ذاهبة آيبة حتى يقضي الله بين الناس في العرض الأكبر، فإن كانت بقراً جعلها الله بقرونها وأظلافها وضخامتها وسمنها ثم طرحه وبطحه فمرت أولها على آخرها. جاءتك تمشي رافعاً ذراها أولها ردت على أخراها حتى يقضى بين الناس، والضأن كذلك والماعز فاختر لنفسك أي السبيلين أردت، إما أن تنجو من هذا المال بأن تدفع زكاتك للمستحقين وهم ثمانية أصناف، وإما أن تبوء بسخط وغضب وعذاب في اليوم الأكبر -فنعوذ بالله من الخذلان- والأنصبة يسأل عنها القضاة لأن هذه المحاضرة لا تستوعب ذكر الأنصبة، لكن يعاد إلى قاضي المحكمة وإلى الأستاذ والمعلم فيسأل عنها فسوف يخبر بإذن الله تبارك وتعالى. وزكاة حلي المرأة، وحلي المرأة فيها زكاة على الصحيح من أقوال أهل العلم، وقد صحت فيها أحاديث وقد أفتى بذلك سماحة والدنا وشيخنا وعلامتنا الشيخ/ عبد العزيز بن باز وهو حجة. إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام فتزكي المرأة زكاة الحلي تقدر ما في يديها من بناجر وما فيها من فِتَخٍ وحلق وخُتَّم بمال ثم تدفع زكاة هذا المال في المائة ما يقارب الريالين والنصف، وفي الألف خمسة وعشرون ريالاً، هذا في الزكاة.

وقفات مع الصيام والحج

وقفات مع الصيام والحج اعلم أخي المسلم! يا من لم يأته بصيص من العلم أو قصر الدعاة في تعليمه! أن هناك شهراً كتبه الله على العباد هو: شهر رمضان.

صيام رمضان

صيام رمضان إن صيام رمضان واجب على المكلف إلا من عذَره الله إلى فترة، فالحائض لا تصوم فإن الله عذرها ولكن تقضي ما فاتها من الشهر، المرأة إذا حاضت لا تصوم مدة الحيض ولا تصلي، أما الصوم فتقضيه، وأما الصلاة فلا تقضيها، إذا طهرت تغتسل فتقضي الصيام ولا تقضي الصلاة، ومن ذلك النفساء، من ولدت أو أسقطت جنينها تدخل في حكم النفساء لا صيام عليها ولا صلاة مدة النفاس وخروج الدم، فإذا طهرت واغتسلت قضت الصيام ولم تقض الصلاة، والمريض الكبير إذا لم يستطع الصيام أطعم عن كل يوم مسكيناً، والمسافر إذا شق عليه أولم يشق عليه عند بعض العلماء، فعليه أن يؤجل الصيام لأيام أخر. وأما حد المكلف فهو من استطاع الصيام، وقد كان السلف يأمرون أبناءهم بالصيام حدود العشر، وكانوا يعودون أبناءهم على الصيام من الثمان إلى التسع، فلا بد من الصيام لأنه فريضة من الله وركناً من أركان الإسلام، ومن أقام بلا مرض ولا سفر ولم تكن المرأة حائضاً ولا نفساء فلم تصم فقد خسر نصيبه من الله، وقد استوجب عذاب الله وغصبه تبارك وتعالى.

حج بيت الله

حج بيت الله اعلم أيها المسلم! أيتها مسلمة! أن الحج ركن من أركان الإسلام يجب في العمر مرة، أن تحج إن استطعت إلى البيت سبيلاً بما قدرك الله والسبيل: الزاد والراحلة، أن تمتلك مالاً يكفيك إلى مكة بزادك وراحلتك، فعليك الحج في العمر مرة، ومن لم يحج فليحج عنه وليه: ابنه أو أخوه أو أبوه أو قريبه أو خاله أو من تبرع عنه من المسلمين، والشيخ الكبير العاجز عن الحج يرسل قريبه ليحج عنه لحديث الخثعمية وغيره من الأحاديث.

أنت مسئول عن أسرتك

أنت مسئول عن أسرتك أتينا إلى باب الأسرة المسلمة، كم قصرنا في الأسر وكم قصرنا في حياة البيوت، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] الابن في البيت، البنت والمرأة ماذا تُدخل في البيت وماذا تُخرج منه؟ تدخل في البيت الإسلام وتخرج الكفر، تدخل في البيت النور وتخرج الظلام، تدخل الهداية وتخرج الشقاوة، إن كنت تريد لبيتك الجنة، تريد أن تؤسس بنيانك على تقوى من الله ورضوان، {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. يا أخي المسلم! الصلوات الخمس في البيت، الحجاب للنساء، ذكر الله، سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، إدخال الشريط الإسلامي، والكتيب الإسلامي، تعلم أهلك الطهارة، الحجاب، الصلاة، الذكر، الخوف من الله، التوحيد، تحذرهم من الشرك، من الفاحشة، من الزنا، من الكذب ومن كل ما يغضب الله، هذا هو البيت المسلم، لكن كيف يحيا بيت فيه غناء؟! فيه شاشة مهدمة؟ فيه فيديو مخرب؟ فيه مجلة خليعة؟ فيه سيجارة؟ فيه شيشة؟ فيه كل ما يغضب الله عز وجل؟ فيه دخان وبلوت، وفيه ورقة كيف يصحو؟! كيف يهتدي؟! كيف يسلك طريق الجنة؟! يا عباد الله: البيوت التي تسلك هذا المسلك بيوت تقود أهلها إلى النار: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10]. فواجبك أنك راع، ووالله، الذي لا إله إلا هو أنها أمانة في عنقك، البيت أمانة بأطفاله بالزوجة وبالبنات وبالأخوات وبالقريبات، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته} أنا أعرف أو أسمع عن بعض الناس عن بيوتهم ماذا فعلوا، يصلي في المسجد ولا يأمر أهله بالصلاة، والله ذكر إسماعيل فقال: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم:55].

عمر بن الخطاب مع أبنائه

عمر بن الخطاب مع أبنائه كان عمر يأخذ الدرة -عصا- فيقوم في صلاة الليل -رضي الله عنه وأرضاه- فيضرب أبواب بيوت أبنائه فيقول: قوموا صلوا {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17] تصلي وابنك في البيت! تصلي وما علمت زوجتك الصلاة! تصلي وما علمت بناتك الصلاة! أي منكر هذا؟ أي فاحشة هذه؟ أي إدراك هذا؟ أي عقل تحمله؟ ثم اعلم أن بعض الآباء ترك أبناءه سوائب، ابنه في المقهى، ملئت المقاهي في بعض الأمكنة ممن لا يعرف عن الإسلام شيئاً، عنده سيارة، ولكنه لا يعرف إلا السيجارة، ولا يعرف إلا البلوت، ولا يعرف إلا الورقة والشيشة والدخان والغيبة والزنا والفحش، لا إله إلا الله! أظلمت القلوب بالمعاصي كما أظلمت الأودية من ظلام الليل {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].

من المنكرات خروج المرأة سافرة

من المنكرات خروج المرأة سافرة ومن الآباء من ترك زوجته ما علمها الصلاة، وما حجبها، وما علمها ذكر الله، خرجت سافرة من بيته تبيع وتشتري في السوق كاشفة، سافرة لا حجاب عليها، تقف تبيع الغنم والإبل والسمن والعسل وتبيع الرياحين والأجانب ينظرون إليها وقد أبطلت حشمتها وهتكت حجابها، والمرأة إذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه سافرة متطيبة متعطرة لم تزل الملائكة تلعنها حتى تعود إلى بيتها، فهل وعت العقول وهل أبصرت العيون؟ ومن المنكرات: أن تذهب المرأة فتخالط الأجانب في الأسواق فيكلمها فلان، وتركب مع فلان، وتأتي مع فلان وتخلو مع فلان قال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {ما خلت امرأة برجل إلا كان الشيطان ثالثهما} فاحذروا رجالاً ونساءً من أن تغضبوا الواحد الأحد فإن الله إذا غضب، غَضِب غَضَب عزيز مقتدر، وعند أحمد في كتاب الزهد {يقول الله تبارك وتعالى: عجباً لك يا بن آدم خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إليّ، خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد} فاعلموا هذا الباب فإنه باب عظيم.

حرمة الأغاني

حرمة الأغاني واعلم أيها المسلم! أن الأغاني حرام، حرمها علماء الإسلام وإن قلت بالإجماع ما أبعدت القول، وقد دل على ذلك آيات وأحاديث وقال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} وقال عليه الصلاة والسلام عند ابن خزيمة وغيره بسند صحيح {إني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة، وصوت عند مصيبة} الدف والطبل حرام للرجال، والموسيقى والعود والكمنجة، حرام للرجال وللنساء، وإنما الجائز للنساء فحسب الدف في الأعراس، أن يضربن بالدف وحدهن بلا خلطة، مع رجال، وبلا نظر إلى رجال، وبلا قول فحش. أن يضربن بأيديهن بالدف لحديث أبي داود في ذلك. الغناء أفسد الشباب، وخرب البيوت، وأورث النفاق، وأتى بالزنا، وبغض القرآن إلى القلوب، وأخذ قطاعاً هائلاً من المسلمين وطردهم عن المسجد، وقطع الحبال التي بين العباد وبين الله.

في الغناء ثلاث مصائب

في الغناء ثلاث مصائب قال أحد العلماء: للغناء ثلاث مصائب: أولها: قسوة القلب، فلن تجد مغنياً وقلبه لينٌ أبداً بل قلبه أقسى من الحجر {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]. ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في بني إسرائيل {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13]. والمصيبة الثانية: وحشة بين العبد، بين المغني وبين الله، المغني لا يقبل الذكر، لا يحب الندوات، لا يحب ذكر الله، لا يحب الدروس، أعرض وامتلأ من الفاحشة، قال ابن تيمية: " الغناء بريد الزنا وما داوم عبد على الغناء إلا وقع في الزنا والعياذ بالله " والمصيبة الثالثة: أنه يحرم غناء الجنة، من أدمن الغناء في الدنيا، صاحب أشرطة الكاسيت، صاحب العود، صاحب الكمنجة، صاحب الفيديو المهدم، صاحب الموسيقى، حرام عليه غناء أهل الجنة، قال الإمام أحمد في المسند بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة جوارٍ يغنين يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا} دبجها ابن القيم ونظمها فقال: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصوات تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان فمن حرم على نفسه الغناء؛ سمع غناء تطرب له القلوب حتى تتحرك أشجار الجنة من الغناء هناك نسأل الله من فضله.

حكم السيجارة والشيشة والقات

حكم السيجارة والشيشة والقات واعلموا أن الدخان محرم نص عليه علماؤنا واستدلوا بعموم قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في حق رسوله عليه الصلاة والسلام: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] فالدخان حرام تعاطيه وبيعه وحمله وإهداؤه وتناوله، فمن يفعل ذلك دخل في الحرمات، والشيشة كذلك والقات محرم نص عليه علماؤنا الحاضرون وسبق إلى ذلك علماء هذه المنطقة على رأسهم الشيخ الإمام حافظ بن أحمد الحكمي له منظومة ورسالة في ذلك وهو الصحيح؛ لأنه مفتر والعياذ بالله.

ثلاث جرائم في شهادة الزور

ثلاث جرائم في شهادة الزور ومن المحرمات الغيبة والنميمة وشهادة الزور. شهادة الزور قرنها الله بالشرك: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30]. شهادة الزور: كادت تتشقق لها السماء، شهادة الزور: تزول لها الجبال، شهادة الزور: ضُلِّلَ بها القضاة، قضاتنا وعلماؤنا في المحاكم ضُلِّلُوا بواسطة شهادة الزور، شاهد الزور: أخذ من الظلم كالجبال، كان عليه الصلاة والسلام يقول: {ألا أخبركم بأكبر الكبائر ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وكان متكئاً ثم جلس قال: ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت}. شهادة الزور فيها ثلاث مآثم وجرائم: أولها: تضليل القاضي: القاضي يحكم على حسب ما رأى، بعض المخذولين --والعياذ بالله- أخذ في القضية عشرة آلاف وأخبر صديقه أنه شهد شهادة زور بعشرة آلاف، قال صديقه: والله الذي لا إله إلا هو لو ملأوا لك السماء والأرض ذهباً وفضة لأنت الخسران الطريد البعيد من رحمة الله إن لم تتب، عشرة آلاف، مائة ألف الدنيا وما فيها، الذهب، الفضة كاد شاهد الزور أن يكون طريداً بعيداً مغضوباص عليه من الله. ثانيها: سلب حقوق المسلمين. ومن المنكرات يا عباد الله! الرشوة: قال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله الراشي والمرتشي} وفي لفظ يروى {والرائش} لعن الله الراشي والمرتشي والرائش، الراشي: الذي يدفع الرشوة للمسئول من أمير أو شيخ أو نائب أو قاض أو أحد من الناس عنده حكم ونفع وضر فيدفع القضية عنه فملعون من دفعها ومن قبلها. والرائش: هو الذي يسعى بالواسطة -قبحه الله- أي واسطة قبح الله وجهه في أخذه للمال وفي إعطائه للآخرين فقد خسر خسراناً مبينا، والرشوة منتشرة يوم ضعف الإيمان، ويوم ضعف أثر الصلاة في القلوب، ويوم قلت رقابة الواحد الأحد في نفوس الناس.

احذروا الربا

احذروا الربا اعلموا أن من المنكرات التعامل بالربا، وذلك بالزيادة في الجنسين أو التأجيل فيهما، وعند أهل العلم الربا قسمان: ربا فضل، وربا نسيئة، فربا الفضل هي: أن تزيد في الجنس على جنسه ولو كان يداً بيد، وربا النسيئة هي: أن تؤجل الجنس بجنسه ذهباً بذهب مؤجلاً، أو أن تؤجل من غير الجنس لكن تشترط الزيادة كما سوف أوضحه، قال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {الذهب بالذهب، مثلاً بمثل، سواء بسواء هاءِ وَهاءَ -يعني يداً بيد- والفضة بالفضة مثلاً بمثل سواء بسواء هاء وهاء -يداً بيد- والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء هاء وهاء -يداً بيد- والبر بالبر مثلاً بمثل سواء بسواء -يداً بيد- الشعير بالشعير مثلاً بمثل -يداً بيد- هاء وهاء} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فهذه الأصناف يشترط في بيعها شرطان اثنان: أولاً: المساواة: الذهب بالذهب لا تزد غراماً على غرام، الشعير بالشعير لا تزيد على هذا كيلة ولا وزناً على هذا. والشرط الثاني: يداً بيد: لا يجوز أن تبيع براً ثم تأخذ قيمته براً بعد شهر أو أسبوع فهذا ربا. وربا النسيئة من صوره ما يفعله بعض الناس في البنوك: يستودع ماله في البنك بفائدة، يحددون له الفائدة الربوية فيقول: لك عشرة بالمائة، أو يقترض من البنك الربوي فيقترض مائة ألف فيأخذون عليه عشرة آلاف ويقضيهم مائة ألف هذا ربا، قال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم في الإثم سواء أو قال: هم سواء} وعند الحاكم وغيره من العلماء عن ابن مسعود من حديث يحسنه البعض قال عليه الصلاة والسلام: {الربا ثلاثة وسبعون باباً أدناها مثل أن ينكح الرجل أمه} فنعوذ بالله من الربا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:130] ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278 - 279]. واعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم ذكر الرجل العابد: {أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام ويقول: يا رب يا رب يا رب! فأنى يستجاب له!} كيف يستجيب الله له وماله غش؟! أوصيكم يا إخوتي! بالدخل الحلال، بأن تتأكد من مكسبك ومطعمك وملبسك ومشربك ومسكنك أن يكون دخلاً حلالاً ليتقبل الله منك، يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لـ سعد بن أبي وقاص خاله مزعزع دولة الكفر والطغيان، دولة العمالة والضلالة دولة فارس، قال: {يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة}.

حقوق المسلم

حقوق المسلم واعلموا -حفظكم الله-: أن هناك ثلاثة حقوق: حق للمسلم، وحق للوالدين، وحق للرحم.

التسليم

التسليم المسلم حقه إذا لقيته أن تسلم عليه، تبدأه بالسلام، ولا يغني أهلاً ولا مرحباً ولا صباح الخير حتى تبدأه بتحية الله التي أنزلها في كتابه وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فهي التحية الحقة التي أتى بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، ثم ترد إن بدأك بالسلام فعند أحمد عن أبي أمامة: {أولى الناس بالله، من بدأهم بالسلام} فإن بدأ هو فرد عليه بأحسن مما قال، فإذا فعلت ذلك فلا بأس أن تقول: مرحباً أو أهلاً أو سهلاً أو صبحك الله بالخير أو مساك الله بالخير.

التناصح

التناصح ومنها: أنه إذا استنصحك أن تنصح له، أي: إذا طلب منك النصيحة أن تنصح له، تخلص له النصيحة كأنك تنصح لنفسك {الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم} وقال صلى الله عليه وسلم لما بايع جرير بن عبد الله البجلي: {والنصح لكل مسلم}.

التشميت

التشميت ومنها: أن إذا عطس فشمته، فإذا عطس وقال: الحمد لله، فقل: يرحمك الله، ثم يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم.

الزيارة

الزيارة ومنها: أن إذا مرض أن تعوده، ومن عاد مريضاً كما في صحيح مسلم: {من عاد مريضاً لم يزل في خُرفة الجنة أو كأنما يمشي في خُرفة الجنة} وورد في حديث صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {من زار مريضاً بالغداة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى العشي} وفي حديث صحيح عن ابن عباس قال: قال صلى الله عليه وسلم: {يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة -وهو يحاسب الناس-: يا بن آدم! جعت فلم تطعمني، قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان جاع فما أطعمته، أما أنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي، يا بن آدم! مرضت فلم تعدني، قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته وجدت ذلك عندي} إلى آخر ما قال عليه الصلاة والسلام.

اتباع جنازته

اتباع جنازته ومنها: أن إذا مات مسلمٌ موحدٌ أن تشيع جنازته وأن تحضر الصلاة عليه، وأن تدعو الله له، وأن تواسي أهله بالعزاء، وأن تقف معه بالدعاء الخالص والاستغفار حتى يدفن في قبره، فلك إذا فعلت ذلك من الصلاة والدفن قيراطان من الأجر كل قيراط كـ جبل أحد من أعظم جبال المدينة.

عدم إيذاء الجار

عدم إيذاء الجار ومنها: حق الجار، قال عليه الصلاة والسلام: {ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه} وقال سبحانه: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء:36]. اعلموا: أن الجار حقه عظيم، (الجار ولو جار) والعرب جعلت ذلك مثلاً، قالت آسية امرأة فرعون كما قال ابن القيم: سبحان الله! طلبت الجار قبل الدار قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11] فطلب جوار الله قبل تلك الدار، قال أحد الشعراء يوم دفن ابنه: جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جاره وجواري الجوار تعامل، وذوق، وأخلاق، وإيمان. من حق الجار: ألا تؤذيه، وألا تتعرض لحرمه، ولا تنظر إلى عوراته، ولا تكشف ستره، ولا تنهش عرضه، وإن احتاج إليك أن تواسيه، وإن طلبك مالاً وعندك مال فاعطه، وأن تسر لسروره وأن تحزن لحزنه، وأنا أذكر نماذج في حديث حسن ويضعفه بعض العلماء: {أن رجلاً أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! جاري آذاني، قال: اصبر واحتسب، فصبر فزاد جاره من الإيذاء، قال: يا رسول الله! جاري آذاني، قال: خذ متاعك وأهلك وانزل إلى السكة في الطريق، فنزل بأهله فمر الناس على ذاك الرجل فقالوا: مالك؟ قال: أخرجني جاري من داري، قالوا: لعنه الله، فكان المصبح يلعنه والممسي يلعنه، فلما سمع جاره أتى إليه قال: عد والله لا أعود}. كان جار ابن المبارك يهودياً، ابن المبارك المجاهد الزاهد العابد الرائع العلامة الذكي الغني، الباذل نفسه في سبيل الله صاحب القصيدة الجميلة: (يا عابد الحرمين لو أبصرتنا) كان جاره يهودياً، كان ابن المبارك إذا اشرى لحماً بدأ بجاره اليهودي، وإذا اشرى فاكهة أعطى أطفال اليهودي، وإذا اشرى ملابس كسا أطفال اليهودي، وفي الأخير أتى تجار لليهودي قالوا: نشتري دارك التي بجوار دار ابن المبارك، قال: داري بألفي دينار، ألف قيمة الدار، وألف قيمة جوار ابن المبارك، قال ابن المبارك لما سمع: لا تبعها وهذا ألف دينار، ثم رفع ابن المبارك يديه ودمعت عيناه وقال: اللهم اهده إلى الإسلام فأتى في الحال وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم يقول: والله إن ديناً أخرجك لدين حق، إي والله، الدين المعاملة، أجدادنا فتحوا كثيراً من الدنيا بالمعاملة، إندونيسيا وماليزيا لم تفتح بالسيف، بل فتحت بالجوار، بالمعاملة، بالصدق، فيا أخوتي في الله! الله الله في الجار، (الجار ولو جار) يقول عنترة الوثني يمدح نفسه: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى تواري جارتي مأواها يقول: من كرمي ومن شيمتي أن جارتي إذا خرجت من بيتها أغض طرفي حتى تعود إلى بيتها، هذا هو الجوار: ألا تفتح نافذة تكشف بها جارك إذا تضرر منها، ألا ترفع صوت المذياع على جارك، ألا تنهره، ألا تسبه، ألا تتسخط على أطفاله، ألا تكون حرباً له، ألا تضايقه في سكة أو طريق، أو شارع أو ممشى، أو بيت أو نافذة أو ما في حكمه.

بر الوالدين

بر الوالدين اعلموا -حفظكم الله- أن من القضايا الكبرى في حياتنا: بر الوالدين، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء:23]. الوالد والوالدة، للوالدة ثلاثة أرباع الحقوق من الاحترام والتقدير لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح لما سأله رجل: {من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك}. من حقوق الوالدين: أن إذا دخلت أن تسلم، وأن تقبل أياديهما، وأن تجلس مكسور الجناح أمامهما، لين الكلمة متواضعاً مستجيباً سهلاً كأنك خادم. عق ابن أباه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما يفعل بعض الناس في هذا العصر، وكما تعلمون أن بعض الناس تطاول به الإجرام إلى أن يضرب أباه وأمه، فذهب هذا الأعرابي وقد لوى ابنه يده، فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: {يا رسول الله! ابني ظلمني عقني ضربني، أطعمته فكبر، وأسقيته فروي، ونومته فنام فلما أصبح هكذا تغمط حقي، قال: هل قلت فيه شعراً، قال: نعم -يذكر ذلك الطبراني وغيره- قال: ماذا قلت؟ قال: قلت لابني: غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململ كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به دوني فعيناي تهمل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل جعلت جزائي غلظة وفضاضة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبكى الصحابة، واستدعى ابنه فأخذه بتلابيب ثوبه وهزّه وقال: أنت ومالك لأبيك} أنت لأبيك، أنت ملك له، أنت كالمتاع والبيت، هو سببٌ في إيجادك فلا تكن سبباً في عدمه وإعدامه، هذا من حقوق الوالدين، ولو كان الوالدان عاصيين أو كانا فاجرين أو كافرين فصاحبهما في الدنيا معروفاً، وكلمة المعروف: اللين، أطعهما في طاعة الله ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

صلة الأرحام

صلة الأرحام اعلم أن صلة الرحم من أعظم الأعمال، قال سبحانه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23] قال عليه الصلاة والسلام: {لما خلق الله الرحم تعلقت بالعرش قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: نعم. قال: فذانك لك} قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {لا يدخل الجنة قاطع}. ومما اشتهر من قطيعة الرحم: حرمان القريبة الوارثة ميراثها، الأخت، العمة، البنت، بعض الناس يحرمونها الميراث، ومنهم من يقطعها الزيارة، ومنهم من لا يزورها ولا يسلم عليها، ولا ينفق عليها إذا احتاجت، هذه من المسائل، ولعل في الأسئلة ولخوف الإطالة ما يكون تكملة لهذه الرسالة التي بعنوان: (رسالتي إلى أهل البادية) وعذراً إن كان الأمر مفهوماً أو أن كثيراً من المصطلحات محصلة، فإنني أعرف أين يتجه هذا الشريط وإلى أين يذهب ومن أكلم، ومن عندي يزدادون -إن شاء الله- بصيرة إلى بصائرهم، ويتذكرون معلوماتهم، ولعل في الإيرادات ما يكون سداً للخلل الذي وقع، فإن أصبت فمن الواحد الأحد، وإن أخطأت فمن الشيطان ومن نفسي وأستغفر الله العلي العظيم. فإن تجد عيباً فسد الخللا فجل من لا عيب فيه وعلا إن السلام وإن أهداه مرسله وزاده رونقاً منه وتحسينا لم يبلغ العشر من قول يبلغه أذن الأحبة أفواه المحبينا آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا اللهم اجمع بيننا وبين هؤلاء الصلحاء في دار الكرامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر، تحيتي مع هذا الشريط لكل مسلم ومسلمة وأطلب منهم الدعاء بظهر الغيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

قضايا مهمة

قضايا مهمة وهنا قضايا أحب أن أنبه عليها:

ألفاظ شركية

ألفاظ شركية من القضايا المهمة التي أنبه عليها وهي منتشرة في بعض النواحي: ألفاظ الشرك التي يستخدمها بعض الناس متساهلين في ذلك، مثل: ما شاء الله وشئت، وهذا لا يجوز بل ما شاء الله وحده، أو يقول: لولا الله وفلان، أو لولا الله والقاضي، وهذه ليست بجائزة؛ لأن واو المعية والتشريك ليست بواردة، ومثل ألفاظ الشرك التي يدعيها بعض الناس وأشركوا بها وهو نسبة الضر والنفع، والعطاء والمنع، والأخذ والهلاك إلى الجن، كخذوه للجن أو شلوه أو اقتلوه إلى غير ذلك من الألفاظ فهي شرك.

لا تسأل بوجه الله إلا الجنة

لا تسأل بوجه الله إلا الجنة ومن الألفاظ وهي المسألة الثانية استخدام وجه الله كقولهم: وجه الله عليك أن تفعل كذا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة} وعند الطبراني {ملعون من سأل بوجه الله وملعون من لم يجب} فلا يجوز للمسلم أن يعرض وجه الله لكل قضية صغيرة أو كبيرة، جليلة أو دقيقة. فهذا -والعياذ بالله- من الخذلان وهو من المعصية الظاهرة.

إحياء السنة

إحياء السنة ومن القضايا: مسألة إحياء السنة، المسلم يقتدي بمحمد عليه الصلاة والسلام سراً وعلانية، ظاهراً وباطناً قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] والرسول عليه الصلاة والسلام صح عنه أنه قال في صحيح مسلم: {والذي نفسي بيده، لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار} فليعلم هذا. من إحياء السنة إعفاء اللحية، وحلقها حرام عند أهل العلم، وجعلوا من يفعل ذلك فاسقاً، وقد صح في إطلاقها وإعفائها أكثر من عشرة أحاديث عن المعصوم عليه الصلاة والسلام، وتربيتها واجب بالإجماع، وحلقها محرم بالإجماع فليعلم ذلك. من المخالف للسنة: إسبال الثياب، قال عليه الصلاة والسلام: {ما أسفل من الكعبين فهو في النار} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، يدخل في ذلك إنزال الملابس إلى تحت الكعبين كالثوب والبنطلون والبشت والسروال وما في حكمه. ومن المسائل كذلك المخالفة للسنة: لبس الذهب والحرير للرجال، فهو حلال للنساء حرام على الرجال لقوله عليه الصلاة والسلام عند أحمد والنسائي: {هذان -وأخذ حريراً وذهباً- حلال لإناث أمتي حرام على ذكورها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ومما أدعو إخواني إليه: التأكد عند الصلاة من ستر العورة، فإن عورة الرجل من السرة إلى الركبة، فالأزر وما في حكمها من الملابس القصيرة والفوط وما في حكمها على صاحبها أن يتأكد من لبسها وأن يتأكد ألا تظهر الفخذ فإنه قد صح في حديث جرهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يا جرهد! غط فخذك فإن الفخذ عورة} فمن السرة بل يجعل السترة فوق السرة مما يلي البطن ويجعل من السرة إلى الركبة مستوراً في الصلاة وفي غيرها، فإن عورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها في الصلاة.

غلاء المهور

غلاء المهور من المسائل المهمة التي أنوه إليها: مسألة تسهيل الزواج، فقد علمنا والله بالمعضلات، وسمعنا بالمنكرات في أمر غلاء المهور عند الزواجات، بعضهم أوصلها إلى المائة، وبعضهم إلى المائتي ألف، وبعضهم إلى ثلاثمائة ألف، والذي يفعل ذلك فإنما هو متاجر في عرضه بائع لبناته، لو كان يتقي الله لستر كريمته برجل صالح، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {خيرهن أيسرهن مئونة} أو كما قال. وبعض العلماء يصحح هذا الحديث، وعند الترمذي قال عليه الصلاة والسلام: {إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} فليعلم أيها المسلمون! أن تسهيل الزواج بأمور: أولها: ألا ترد مستقيماً حسن الخلق إذا تقدم لكريمتك، فإن فعلت ذلك وقدمت صاحب دنيا لا تظفر لا في الدنيا ولا في الآخرة ويصيبك الله برجل فاجر لا يعرف الله. ثانيها: أن تسهل مئونة المهر، بعض السلف كان يأخذ أربعة دارهم تعادل أربعة ريالات، خذ يا أخي! مئونة سهلة، والله، لو دفعت أنت المهر وتزوج ابنتك أو أختك أو قريبتك رجلاً صالحاً وكفلها وحفظها وسترها؛ لكنت أنت الفائز في الدنيا والآخرة، والله، ليس وراء المهر المغالى بركة ولا خير ولا طائل، وإنه يعقب صاحبه حسرة وندامة. وإن زواجاً يترتب على مشقة وصعوبة وتكاليف إنه زواج صعب وزواج لا خير فيه إلا أن يشاء الله، وإني أدعو القضاة وشيوخ القبائل، والنواب، والعرائف إلى أن يلموا شملهم فإن كان هنا سهولة فالحمد لله وقد حصل، وإن لم يكن فلينظروا إلى هذه المأساة التي أدمت القلوب وندى لها الجبين، مسألة غلاء المهور، عوانس في البيوت، ست وسبع وثمان في كثير من البيوت ما تزوجن، شباب ما تزوجوا، حواجز وضعت من المال. الله حسيب من فعل ذلك! الله يتولاه بجميل عدله ويكفينا شره وأن يصلح حاله لعله أن يرتدع. شرب الشمة يا أيها الإخوة! أمر لا تقره الشريعة لأنه يدخل في عموم الخبائث، فقد ثبت ضرره عند أهل العلم، وما ثبت ضرره وزادت مفسدته على مصلحته فهو محرم بلا شك فليعلم ذلك.

النظر المحرم

النظر المحرم من المسائل: النظر المحرم وانتشاره بين الناس، إطلاق النظر في الأسواق وفي بيوت الناس وفي الصور الجميلة الخليعة هذا محرم، والنظر سهم من سهام إبليس من كتمه أو غضه أبدله الله حلاوة إيمان يجد حلاوته في صدره. وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل غض طرفك، {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30]. وأنت متى أرسلت طرفك رائداً إلى كل عين أتعبتك المناظر أصبت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر

ضياع الوقت

ضياع الوقت وبقيت مسألة وهي خطيرة: ضياع الوقت عند كثير من الناس، رأينا بعض الناس يجلس في المقاهي بلا قرآن، بلا طلب علم، بلا تفقه في الدين، بلا ذكر لله، بلا حفظ لوقته، يجلس في الغيبة مع الشيشة والدخان والبلوت والباصرة والورقة، فأضاع دنياه وآخرته: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} وصح عنه أنه قال عليه الصلاة والسلام: {لن تزولا قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع وذكر عمره فيما أبلاه} أين صرفت عمرك، لياليك وأيامك دقائقك وثوانيك؟ دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني يا شبابنا! مالكم والمنتزهات التي تشغي وتلهي. يا شبابنا! مالكم وما للإعراض. يا شيوخنا يا كبار السن! مالكم وما للغيبة -إلا من رحم ربك- العود الجميل محاسبة الأنفاس: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]. غداً يظهر العمل، غداً يظهر الحساب، ويرجح الميزان قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94] هذه رسالة أحببت أن أبعثها لأهل البادية جزى الله خيراً من أرسلها، أو ساهم في توزيعها، أو بلغها لتبلغ منا الحجة، وتوضع عنا المئونة، ولئلا نكون كتمة للعلم ولنبرئ ذممنا فقد أسأنا وقصرنا وأخطأنا مع أهل البادية، فيا طلبة العلم! يا قضاتنا، يا دعاتنا! هذه البادية قد رحبت بكم وقد مدت ذراعيها مستقبلة لكم فهل من داعية وهل من محتسب يذهب يعلم الناس الفاتحة، الصلاة، الغسل من الجنابة، التوحيد، يحذرهم من الشرك سوف يلقى الله بخير إن شاء الله كثير. وفي الختام أشكر من بنى هذا المسجد وأشكر إمامه ومؤذنه وأهل العلم والحضور وأشكركم شكراً جزيلاً وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

رسائل من الداخل والخارج

رسائل من الداخل والخارج هذا الدرس عبارة عن قراءة بعض الرسائل التي وصلت إلى الشيخ من داخل الوطن ومن خارجه، ومن دوافع قراءة هذه الرسائل: أن وطن المسلم الأرض جميعاً، فليس بين المسلمين حدود، ومنها: معرفة أن هناك مسلمين خارج الجزيرة العربية وليس في الجزيرة فقط. وليست هذه الرسائل رسائل شخصية، وإنما هي وقفات ينتفع بها عباد الله المؤمنون.

وقفة مع النبي صلى الله عليه وسلم في يومين من حياته

وقفة مع النبي صلى الله عليه وسلم في يومين من حياته إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. هذه الليلة الرابعة من شهر محرم لعام (1413هـ). وعنوان هذا الدرس: رسائل من الداخل والخارج. وقبل أن أبدأ في دوافع هذه الرسائل، وفي قراءة بعض الرسائل والاستنتاجات منها، أقف معكم لحظة مع المعصوم عليه الصلاة والسلام -صاحب المنهج، وأصدق من تكلم، وأوفى من عاهد، وأشجع من قاتل، مع البر الرحيم الوفي عليه الصلاة والسلام- في يومين اثنين: اليوم الأول: يوم يسجد عليه الصلاة والسلام فيؤتى بسلا الجزور ويوضع على رأسه، ويرفع رأسه ولا يملك من الحول والقوة ومن أسباب الدنيا شيئاً. اليوم الثاني: يوم طرده أهل الطائف إلى مكة ورجم بالحجارة، فسالت قدماه الشريفتان دماً، وهو لا يملك من أسباب الدنيا ولا من قوتها شيئاً ويأتيه ملك الجبال، ويقول: مرني أن أطبق عليهم الأخشبين، فيقول: {لا. إني أسأل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً}. ويؤذى ويُحاصر ويُطرد ويجوع، ويتهم وتمرغ سمعته في التراب، وتباع أملاكه، وينفى من دياره ومن مسقط رأسه، ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}. فما هي العاقبة ليوم الحق، ولرسول الحق، ولمعلم البشرية عليه الصلاة والسلام؟ في نفس المكان الذي وُضع على رأسه فيه السلا يقف بعد سنوات فيأخذ حلق أبواب الكعبة، ويهز الباب، وحوله عشرة آلاف مقاتل يلبسون السلاح، كل واحد منهم يجري في دمه لا إله إلا لله، فيقول: {الحمد لله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده}. ثم يتكلم عليه الصلاة والسلام للناس وهو منتصر. بل ذكر ابن كثير وابن القيم أنه لما دخل منتصراً وأعلامه تخفق في مكة، نكس رأسه تواضعاً لله، حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل، ودمعت عيناه، وماذا فعل بالناس؟ هل فعل بهم كما يفعل الأقزام الطغاة يجرون الماء بالدماء حتى تصل الركب؟ لا. بل قال: {ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء عفا الله عنكم}. هذه رسالة منه عليه الصلاة والسلام، ووالذي نفسي بيده إن الحق منتصر، وإن العاقبة للمتقين، وإن كلمة الله باقية، وإن الذين يؤسسون مجدهم أو نصرهم على غير الثقة بالله، إنما هو كما قال تعالى: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. وكم رأينا من متبجح يهدد أهل الإسلام، ويهدد العلماء في البلاد الإسلامية، بذبحهم كما قال فرعون: {فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) [النازعات:23 - 25] بينما هو يهدد بالذبح والقتل، وإذ هو يقتله من أقرب الناس إليه، ويؤتى من مأمنه، ويلدغ من المكان الذي وضع يده فيه، لِيِعُلِمَ الله الناس أنه غالب على أمره، والله عز وجل يقول: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21]

دوافع قراءة الرسائل

دوافع قراءة الرسائل أما الرسائل التي أريد أن أذكر لكم بعض فصولها وجملها، ولن أذكر لكم الرسائل الشخصية الخاصة؛ وإنما سأذكر الرسائل التي فيها بعض اللمحات والوقفات، لعل الله أن ينفع بها عباده المؤمنون. والدافع لي لقراءة هذه الرسائل أمور: الأول: أن وطن المسلم هذه الأرض جميعاً، فليس بين المسلمين حدود ولا أقاليم، بل بلاد المسلمين واحدة، كان الوطن في عهده صلى الله عليه وسلم وطناً واحداً، الرب واحد، والرسول صلى الله عليه وسلم واحد، والملة واحدة: وطني كل تراب شع فيه نور أحمد وطني الأرض جميعاً لا تجزأ أوتحدد وقال الآخر: فأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني وخلفاؤه الراشدون كانت بلادهم واحدة، والأئمة الفاتحون كانت بلادهم واحدة، والقادة الظاهرون وطنهم واحد. فهذا عمر ينام تحت الشجرة ببردة ممزقة، فيها أربع عشرة رقعة، وهو يحكم رقعة شاسعة من الأرض، وطن واحد، وأما قصدي بالعنوان الحدود من الداخل والخارج، إنما أقصد هذه الحدود المصطنعة التي وضعها المستعمر، وإلا فلا حدود، وكل وطن في الأرض هو للمسلم، والكافر إنما هو دخيل. الثاني: لتعلموا أن لكم أحباباً وراء البحار والمحيطات والصحاري يحملون لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفي صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الفجر ثم قال: {إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها} أي: أن ملك أمته سوف يصل إلى هناك، وأنه سوف يصلي في القارات الست أناس يتبعون الرسول عليه الصلاة والسلام ويقتدون به. والدليل هذه الرسائل: رسالة من أوزبكان، ورسالة من فنزويلا، ومن واشنطن، من أناس يصلون هناك ويشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحج ينطلق من موسكو ما يقارب ثلاثة آلاف -من معقل الإلحاد والكفر والخيانة- حجاجاً محرمين يقولون: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).

فوائد في المراسلة

فوائد في المراسلة وقبل أن أبدأ في الرسائل هنا فوائد:

أبلغ رسالة في التاريخ

أبلغ رسالة في التاريخ أبلغ رسالة في التاريخ رسالة سليمان عليه السلام إلى بلقيس: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل:30 - 31] هل سمعتم أفصح من هذا الكلام وأشجع منه؟ فالقادر والمرسل والوالي والمعبود حقيقة هو الله. وقد حدثنا أحد المفكرين من المشايخ الثقات: أن الشيخ حسن البنا رحمه الله في مصر جاءه السفير البريطاني في القاهرة بهدية، ووراءها ما وراءها، فهم يشترون الذمم والعهود والمواثيق بالمال يشترون المبادئ بالشيكات، فوصل الشيك إلى حسن البنا مع السفير. قال: ما المطلوب؟ قال: خذها، هذه هدية من الحكومة البريطانية. فقلب حسن البنا الشيك وكتب على ظهره بقلمه بالعربية- وهي تترجم هناك- {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل:36 - 37]. يقول له حسن البنا: ارجع إليهم فسوف نأتيهم بجنود محمد صلى الله عليه وسلم، كتائب حكمتيار. الحق أبلج والسيوف عواري فحذار من صولات حكمتيار وحذار من جيش خميس بعده يصلي العدو بغيمة من قار جيش محمد صلى الله عليه وسلم الشباب الموحدون الذي يحملون لا إله إلا الله {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل:37].

أقصر رسالة عند أهل التاريخ

أقصر رسالة عند أهل التاريخ أقصر رسالة عند أهل التاريخ والأدب رسالة خالد بن الوليد، لما التقى في اليرموك -انظر هذه الهمم العالية- بجيش الروم، وكان جيش الروم عند كثير من المؤرخين أنه مائتين وثمانين ألفاً، وجيش خالد ما يقارب ثلاثين ألفاً، فلما رآهم في الصباح أقبلوا كالجبال، تدلف كتيبة وتستقر في الصحراء، وكتيبة بعدها، وكتيبة أخرى. فقال أحد الناس لـ خالد: اليوم نفر إلى جبل سلمى وأجا في حائل -فدمعت عينا خالد وقال: [[لا والله لا نفر إلى سلمى وأجا ولكن إلى الله الملتجأ]] ثم قال: حسبنا الله ونعم الوكيل. ثم أرسل رسالة -وهو في المعركة- إلى عياض بن غنم، وكان عنده جيش الاحتياط في الصحراء، تركه عمر على بعد وقال له: [[أنت بالذراري والنساء، فإن طلبك خالد فلب طلبه]] وكان يظن خالد أن الجيشين متقاربين أربعون مقابل ثلاثين لكنهم مائتان وثمانون ألفاً. فكتب: [[بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد إلى عياض إياك أريد]] فلما أتته الرسالة حشد قبائل العرب ولقي بها العدو مع خالد وكان النصر العظيم: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:174].

السنة في إرسال الرسائل

السنة في إرسال الرسائل السنة في إرسال الرسائل كما قال أهل العلم: أولاً: أن تبدأ بـ (باسم الله) قال ابن تيمية: كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يبدأ في الرسائل بالبسملة، وفي الخطب بالحمدلة. ولذلك كانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم لا تبدأ بالبسملة، بل كان يقول: (إن الحمد لله) في الجمع والأعياد والاستسقاء والكسوف، أما رسائله فتبدأ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) من محمد صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم. ثانياً: اسم المرسل يتقدم دائماً، إلا ما استثناه أهل العلم -كما قال ابن حجر - فإذا أرسلت إلى عالم كبير أو والي عادل فإن بعضهم يرى أنك تقول: إلى فلان من فلان بن فلان، والرأي الصحيح: أنك تبدأ باسمك، سواء كان هذا أفضل منك أو أعلى. ثالثاً: السلام في الرسالة؛ أن تبدأ الرسالة بالسلام، فإن كتبت إلى كافر تقول: والسلام على من اتبع الهدى، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما قال موسى لفرعون. وأذكر هنا رسالتين لـ ابن كثير وغيره من العلماء: كان هارون الرشيد حاكماً على الأمة الإسلامية يوم أن كانت الأمة عزيزة، ويوم أن كانت جباهها في السماء، وكانت لا تسجد إلا لله، فكانت ملكة الروم تدفع الجزية لـ هارون، إما الإسلام وإما الجزية وإما السيف، فلما ماتت هذه المرأة وتولى نقفور ملك الروم، فجمع مستشاريه وقال لهم: ما رأيكم؟ قالوا: امرأة ضعيفة كانت تدفع الجزية، ونحن أقوياء فتورط إلى أذنه. فكتب إلى هارون الرشيد يقول: إن التي كانت قبلي كانت عاجزة، وكانت تدفع لكم الجزية، أما الآن فلا جزية لكم ولا حق. فأخذ هارون الرشيد رسالته وكتب على ظهرها: بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، أمَّا بَعْد: فالجواب ما تراه لا ما تسمعه. فلا كُتْب إلا المشرفيات عنده ولا حق إلا للقنا والقنابل فجهز مائة ألف مقاتل، وبعد أيام هجموا عليه فقادوه بأذنه وضاعفوا عليه الجزية، كان على الواحد اثنا عشر درهماً، فأصبحت أربعة وعشرين درهماً، هذا جواب هارون الرشيد. وذكر ابن كثير أن علياً ومعاوية رضي الله عنه الله عنهما لما التقيا في صفين، كتب ملك الروم إلى معاوية يقول له: إني سمعت أن ابن عمك ناقم عليك، فإن أردت أن أنصرك عليه فعلت. فكتب معاوية إليه ما معناه: يا عدو الله! والذي لا إله إلا هو لو سمعت أنك اقتربت من بحار المسلمين -يوم كان للمسلمين بحار- لأقوم أنا مع ابن عمي عليك، فإنك عدو لله ولرسوله.

عرض الرسائل

عرض الرسائل والآن نبدأ في الرسائل.

حقائق الصوفية

حقائق الصوفية Q أخ من السودان يذكر في رسالته أني هاجمت الصوفية في رسائلي، وعيرتهم بالفقر، ويقول: الفقر ليس بعار، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فقراء، فلماذا تعيرهم بالفقر؟ A الأمر الأول: ما قاله الأخ أطلب منه أن يتثبت فيما قلته أنا، والأشرطة موجودة. الأمر الثاني: إذا تنازعنا في أمر فإننا مأمورون أن نرده إلى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، إلى الكتاب والسنة، لا نرده إلى منظمة، ولا إلى كيان، ولا إلى بشر، ولا إلى عقول وأفكار، بل نرده إلى الكتاب والسنة. الأمر الثالث: نقدت في الصوفية جوانب خالفت منهج الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} فمنهم من كان يذهب إلى المقبرة ليستشفي بدعاء هؤلاء، وقد بين أهل العلم أن هذا هو عين الشرك، ومنهم من قال أشعاراً شركية، وهي مثبتة معي في كتب الصوفية وفي طرقهم، وقد ذكرت نماذج منها. ومنهم من وقف عند روضة الرسول عليه الصلاة والسلام -كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - سواء في السودان، أو الجزيرة، أو الشام أو العراق، أو أي مكان؛ لأن البلاد لله عز وجل، إنما نحكم على أفكار الناس بحسب الشرع، قال: فوقف أحدهم عند القبة يقول: يا رسول الله يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما فأقلني عثرتي يا سيدي في اقتحام الذنب في سبعين عاما ومما يفعلونه: الأدعية الغير مأثورة التي يقولونها، وكذلك العبادات التي ليست من الشرع، كأن يحتجب أحدهم أربعين ليلة لا يخرج إلى الناس، أو يجوع نفسه ليلاً ونهاراً، ولا يغتسل ولا يتنظف، ولا يراعي خصال الفطرة. أما قوله: أني عيرتهم بالفقر! فلا والله، فإن الفقر شرف لأهله، وقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم فترة من حياته فقيراً، والذي قاله الأخ أقحمه في الكلام، فعليه أن يعود إلى الشريط ويسمعه، وأبين له أن عليه أن يقرأ مذهب أهل السنة والجماعة وأن يرد ما يقول وما أقول إلى الشرع الحنيف، وسوف أدله على بعض الكتب في ذلك، منها: المجلد العاشر والحادي عشر من فتاوى شيخ الإسلام وكتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومعارج القبول للشيخ حافظ حكمي والطحاوية للشيخ الطحاوي وزاد المعاد في هدي خير العباد لـ ابن القيم أقدم له هذه الكتب ليقرأها ولينظر هل هم مصيبون أم أنهم مخطئون. ويقول أيضاً: ويزعم أننا ندعي أننا أهل العقيدة الصحيحة وغيرنا ضلال. من قال هذا؟ من الذي تبجح منا وقال: إننا أهل الحق وغيرنا أهل الباطل؟ بل نحن نقول: إننا إن شاء الله على الحق، وغيرنا إن شاء الله فهم من هو على الحق، ومنهم من ضل، أما قضية أننا نختص بالحق ونحوزه لنا فقط، فما قال ذلك أحد، وما سمعت عالماً ولا داعية ممن يوثق بكلامه يقول: إنه محق وغيره مبطل، فليتأكد الأخ من الكلام، ويتأكد مما قال، ونسأل الله عز وجل أن يتوب علينا وعلى جميع المسلمين.

معنى الحب في الإسلام

معنى الحب في الإسلام Q أنتم تقولون: الحب في الإسلام، وأسمعها في بعض ما تسجلون، وأقرؤها في بعض الكتيبات، فما هو الحب؟ A هناك حب أغلى من كل حب، والحب هذا الذي يهذي به المغنون والمغنيات، والفنانون والفنانات، والمطربون والمطربات هو ركام وقمامة وسخافة ومقت، الحب الأعظم تحت مظلة: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] وقد تعرضت في خطبة عنوانها: بطاقة المسلم يحبهم ويحبونه. يقول عليه الصلاة والسلام لـ علي: {لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه} قال ابن القيم: " ليس العجب من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى (يحبونه) ولكن العجب من قوله (يحبهم) فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من أحبابه ومن أوليائه وأنصاره. فإن الإنسان ليس له إلا إحدى منزلتين: إما حبيب، وإما عدو إما مناصر، وإما مخاصم وهذه المسألة الكلام عنها يطول وهناك محاضرة بعنوان: مفهوم الحب في الإسلام. بينت بالآيات والأحاديث وكلام السلف ما هو الحب الشرعي السني الذي يجب على الناس. أيضاً أنبه على أمور: رأيت رسائل في الأسواق مكتوب فيها (العشق الإلهي) وهذا ليس وارداً في السنة، يقول ابن تيمية: " كلمة العشق والهجر والوصال، لا تليق به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وليست من كلام أهل السنة " كأن يقول: إني عاشق، أو قد بلغ بي السكار في الحب، ومنزلة العشق والوله هذه كلها ليست عند أهل السنة، فهناك المفهومات الشرعية النبوية المحمدية السنية موجودة في الكتاب والسنة. وأحد الإخوة قد كتب إليَّ ثمان أوراق كرسالة واحدة، أكثرها نظرة سوداوية وتشاؤم إلى الجيل مما رأى هناك، يقول: رأيت إنساناً يستهزئ بالقرآن، وآخر بالرسول صلى الله عليه وسلم فيحكم على أن الأمة قد ذبلت، وأنها لا تستحق النصر، وأنه ليس هناك نصر إلخ. أقول: لا، أطمئنك بأن الخير كثير، وأن الدين هو المنتصر، والعاقبة للمتقين، وأبشرك أن الألوف المؤلفة كلهم يريد أن يسيل دمه ليبقى دين الله ويرتفع في الأرض، فلله الحمد والشكر، وعلى الإنسان أن ينظر بعينيه ولا ينظر بعين واحدة، نعم هناك فساد في الأرض وهناك مجرمون، ومحاربون لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكن بالمقابل أيضاً هناك أولياء لله ولرسوله وللمؤمنين، فلابد من الاعتدال في النظرة، فإنك تجلس مع من ينقل لك الأخبار، خاصة من يرى هذه الأمور ويباشرها، ينقل لك نظرة سوداوية عن الناس، وهناك من يتفاءل ويفرط في التفاؤل، فالعدل هو الوسط؛ لأن الأمة شهادة وحاسبة وقائمة.

جهود الشيخ عبد المجيد الزنداني في الدعوة

جهود الشيخ عبد المجيد الزنداني في الدعوة هناك رسائل كثيرة تخبر عن جهود الشيخ/ عبد المجيد الزنداني في اليمن، وطريقته في التعليم والتربية، وبعض الرسائل تشير إلى حكمته في الدعوة، وأنه ليس بفظ ولا غليظ. وأقول: هذا ظننا بالشيخ الجليل والعلامة النبيل الشيخ/ عبد المجيد الزنداني، وأبشركم بشرى خذوها عني، وقد سمعتها من الثقاة، وقد جلست مع فضيلة الشيخ عبد المجيد قبل الحج بثلاثة أيام. تصوروا عدن التي كانت أرض عبد الفتاح إسماعيل، الذي قيل له: من ربك؟ قال: لينين. قيل له: من نبيك؟ قال: استالين. قيل له: حشرك الله مع الملاعين. قال: آمين. وهو الذي درس الإلحاد في عدن، فما كان يؤذن في عدن مؤذن، ولا يخطب خطيب، ولا يوجد كتاب ولا شريط، وقد ألقى الشيخ عبد المجيد الزنداني محاضرة في عدن يقولون: حضرها أكثر من خمسة وسبعين ألفاً ليسمعون لا إله إلا الله محمد رسول صلى الله عليه وسلم. الشيخ عبد المجيد الزنداني لا يجهله أحد في حكمته وفي طريقته وعرضه للكتاب والسنة، وقوته العلمية خاصة في الإعجاز العلمي، ويسلم على يديه أساطين الكفر في فرنسا وأمريكا وبريطانيا، أناس بلغوا علم الذرة، ويتكلمون في الأشعة وفي دقائق العلم، ثم جلس معهم وقدم لهم الوثيقة الربانية (القرآن الكريم) الذي نزل قبل ألف وأربعمائة سنة، فيدخلون في دين الله، فهذا العالم ألا يستطيع لأناس بدائيين على الفطرة أضلهم الشيوعي لفترة من الفترات أن يردهم إلى الله؟ بلى، وذلك الظن بالشيخ عبد المجيد مع حفظ الله ورعايته له، فأسأل الله أن يزيده علماً وتوفيقاً وهداية، وأن ينصر الحق على يديه، وعلى يد إخوانه من الدعاة في اليمن وفي غيرها، ولكني أبشركم بخير كثير يجرى على يد هؤلاء الدعاة، فالأمة مقبلة وقد سئمت الباطل والكذب، وأصبحت ذكية، تابت إلى الله، واتجهت إلى القمم تعلن ولاءها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

دعاوى واهية على الملتزمين

دعاوى واهية على الملتزمين أحد الأساتذة الكرام من القنفذة قبل فترة أرسل رسالة فيها شيء من الطرح الغريب، والحقيقة أنني أجبت على بعض الرسالة في القنفذة في محاضرة هناك، ولكن لما وصلت إلى هنا لحقتني الرسالة، وهي طويلة وفيها طرح غريب عن الشباب الملتزمين، وفيها بعض التجني والدعاوي العريضة. يذكر ويقول: إن الإسلام عند هؤلاء الشباب هو اللحية وتقصير الثوب، ووضع اليدين على الصدر. وأنا أسأله بالله من أين أخذ هذه المعلومات؟ هل ادعى أحد أن الإسلام فقط هو اللحية وتقصير الثوب ووضع اليدين على الصدر؟ هل استقرأ أحوال الشباب وما يحملونه من أفكار؟ إننا عندما نسمع هذا الكلام لا نسمعه من هذا الأستاذ الفاضل، بل نسمعه من العلمانيين والمنافقين، يقولون: ما يحسن هؤلاء إلا اللحية وتقصير الثوب ووضع اليدين على الصدر، الإسلام ليس هذه القضايا فحسب، وبالمقابل أيضاً فإنهم يناقضون أنفسهم، فإذا تكلمت عن الإسلام في مسارات الحياة، قالوا: إن الإسلام معناه أن تصلي في المسجد وتصوم رمضان وتحج البيت، أما أن تدخل الإسلام في شئون الحياة فهذا ليس بصحيح. وأقول للأخ: إن هذا ليس بوارد، والواجب أن تتثبت مما تقول، واللحية من الإسلام، وقد أتى بها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وحلقها حرام بإجماع أهل العلم، وهي من شعار أهل الملة، وتقصير الثوب من السنة، ووضع اليد اليمنى على اليد اليسرى على الصدر من السنة، وقد صحت بهذا الأحاديث، لكن ليست هي كل الإسلام، بل هي من الإسلام، والإسلام ليس فيه قشور، بل كله لباب، فإن البعض يدعي أن هذه الأمور قشور، لا. الإسلام كله لباب والحمد لله. وبعض الدعاة يضخم هذه المسائل ويعطيها أكبر من مساحتها، وأقول: أعطي اللحية مساحتها ولا تضخمها، وحاول أن تكون معتدلاً مع الكتاب والسنة، وهذا هو منهج الصالحين من عباد الله عز وجل، فإنهم يضعون الأمور مواضعها، وقد جعل الله لكل شيء قدراً. وقال -أيضاً-: هؤلاء الشباب يحرمون الغناء، وأقول: صدقوا فيما قالوه، والغناء محرم، وقد أفتت بهذا هيئة كبار العلماء، ولجنة الإفتاء، وأفتى به الأئمة الأربعة، وهو شبه إجماع بين أهل العلم إن لم يكن إجماعاً، وهناك رسائل مثل تنزيه الشريعة عن الأغاني الخليعة للشيخ/ أحمد النجمي، وكتيب لـ ابن القيم خرج من كتاب إعلام الموقعين، في تحريم الغناء، وهناك رسائل كثيرة، وأشرطة، منها: رسالة للمغنين والمغنيات. وقال -أيضاً: ويقعون في بعض الدعاة كـ الغزالي وغيره. أقول: لا يجوز التجني في أعراض الدعاة أو من يحمل الدعوة مهما كان، والواجب أن يقوم الإنسان بحماية أعراض هؤلاء، وأمثالهم ممن ينصر الإسلام بشيء، ولكن لابد أن يبين خطؤه، والغزالي كانت له أخطاء -نسأل الله أن يغفر لنا وله- كتحليل الغناء، وكإنكاره أحاديث الآحاد، وهناك كتيب كتبته اسمه: الغزالي في مجلس الإنصاف كتبته وبينت ما يقارب ثمان عشرة مسألة مع الشيخ الغزالي بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وعرضته على بعض العلماء واستصوب ما فيه، وهناك كتاب للشيخ الفاضل/ سلمان العودة حوار هادئ، بين فيها بعض المسائل، وكتاب للشيخ/ صالح آل الشيخ المعيار لكتب الغزالي، بين فيه الحق، فالواجب على الأخ أن يطالع هذه الكتب وينظر فيها. ويقول أيضاً: ويتنطعون في الدين وعندهم تطرف. هذه كلمات عامة {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] وأقول: ما هو التنطع؟ وما هو التطرف؟ فإن كثيراً من الناس -وهم عامة أصلاً- يتحدثون في هؤلاء المهتدين ويقولون: إنهم متطرفون، فنقول: ما هو التطرف؟ وهل أنتم من أهل العلم ومن حملة الشريعة حتى تحكموا على هؤلاء؟ وهل أنتم متوسطون حتى تحكموا على هؤلاء بالتطرف؟! إلى ردود أخرى، ولا أريد أن أكرر الكلام الذي سبق في الأشرطة. ثم ليعلم الأخ أني لست محامياً عن أحد بذاته، لكن الواجب علينا الحمية لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن ندافع عن الحق، وأن نحمي الحق لذاته؛ لأن الله عز وجل استأمننا على حمل رسالته، فنسأل الله عز وجل ألا نكون ممن يخون هذه الرسالة.

حكم التهنئة بدخول العام الجديد

حكم التهنئة بدخول العام الجديد - بعض الرسائل تصل بتهنئة دخول العام الجديد، معايدة بدخول العام. وليس من السنة المعايدة بدخول العام الجديد، وهذا شرعنا أمامنا، ونحن لا نستورد شرعنا من أجهزة ولا وسائل ولا أناس جهلة، عندنا كتاب وسنة، قال تعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] وقال عليه الصلاة والسلام: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} وقال: {تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها. وقد كره الإمام أحمد في بعض المناسبات أن يقال له: تقبل الله منا ومنكم. ولكن الإمام أحمد يقول في كتبه: ما هي مناسبة أن تقول لي هذا؟ فيا أيها الإخوة! لا بد أن تكون المعايدة في الأعياد الشرعية. قال عمر على المنبر: [[عيدنا أهل الإسلام عيدان]] وقد قال عليه الصلاة والسلام: {عيد الفطر وعيد الأضحى} فلا نأتي بعيد ثالث وبأيام وأعياد ما أنزل الله بها من سلطان، فإن هذه مخالفة لدين الله عز وجل. وأنبه على مسألة أخرى: بعض الناس في آخر العام المنصرم صام آخر يوم، وإن داوم عليه وظن أنه وارد فقد ابتدع في دين الله، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم صيام آخر يوم في السنة، فليس للإنسان أن يصوم أياماً لم يحببها الرسول صلى الله عليه وسلم أو لم يرد فيها صيامها أصل، أو يصومها بنية أنها سنة فيبتدع في دين الله، إلا رجلاً كان يصوم صوماً اعتاده، كيوم إثنين أو خميس، فصادف هذا اليوم فلا بأس، أما بهذا الاعتقاد بحد ذاته فلا يجوز.

الفرح بتوبة العاصي

الفرح بتوبة العاصي هذه رسالة من أحد الشباب يقول: أنا مقصر ومذنب، وكنت منحرفاً، وجئت مسجدكم في أحد الأيام لأحضر المحاضرة، فقال لي أحد الملتزمين: لماذا تدخل المسجد أنت تنجس المسجد؟ فانصرفت. أستغفر الله! وإن كان هذا الأخ قال هذا فقد أذنب وأخطأ وقد أسرف على نفسه، فعليه أن يتوب إلى الله، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام: {أن عابداً من بني إسرائيل رأى رجلاً مسرفاً على نفسه فاسقاً فقال له: تب إلى الله. قال: دعني وربي. قال: تب إلى الله. قال: دعني وربي. قال: والله لا يغفر الله لك. قال الله: من الذي يتألى عليَّ؟! أشهدكم أني غفرت له وأحبطت عمل ذاك}. من الذي يحاسب الناس ويغفر الذنوب إلا الله؟ ومن الذي يملك النواصي ويطلع على صحائف الناس ويطلع على مكنونات القلوب إلا الله؟ وقد قرأت في سيرة عيسى عليه السلام أنه ذهب إلى بيت المقدس، ومعه رجل مقصر من بني إسرائيل، فلما اقترب الرجل المقصر من الباب، قال الرجل المقصر: أنا مثلي لا يدخل المسجد إني أنجسه. فأوحى الله إلى عيسى: كلمة هذا المقصر -أو العاصي- خير من عبادة فلان العابد سبعين سنة؛ لأن روحه انكسرت وذل لله عز وجل. فأوصي هذا الأخ أن يتقي الله، وألاَّ يكرر هذه الكلمات، أما الأخ الذي وفد فنقول له: حياك الله على الرحب والسعة، ولست بأول مذنب يتوب، ولست بأول داخل من باب العبودية: {فإن الله عز وجل أشد فرحاً بالتائب من العبد الذي ضلت راحلته في الصحراء، عليها طعامه وشرابه فوجدها، فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح} فهنيئاً لك التوبة والإقبال، وما معك إلا محب، وغالب الناس بل جل الأخيار يفرحون بتوبة المقصر، وما سمعت أحداً عرَّض بهم، لكن هذه سقطة من واحد أو عثرة لقلة عمله وفقهه، نسأل الله أن يتوب علينا وعليه.

المصارعة في الإسلام

المصارعة في الإسلام الأخ عبد الباسط عز الدين كتب في الصحف المحلية معلقاً على مقابلة لي مع مجلة اليمامة العدد (1173) بعد أن أثنى، يقول: لماذا تذكر الرياضة وتتمنى أن تكون رياضياً أو تتمنى الملاكمة؟ أقول: أولاً: هذا الأمر كان على طريقة المزاح، ولو أنها لم تصل كثيراً ما ذكرتها. ثانياً: أن مسألة الرياضة في حد ذاتها كالمصارعة والمسابقة والرمي من سنته صلى الله عليه وسلم، وقد صارع عليه الصلاة والسلام؛ فإن أهل السير يروون عنه: أن ركانة كان أقوى العرب، وكان صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل من جنس قوته، أو من جنس ما يملك، أو من جنس موهبته. فلما جاء ركانة قال له: أسلم يا ركانة أنا رسول الله أعلن الإسلام قل لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: لا أسلم لك حتى أتصارع أنا وأنت- وهذا بطل المصارعة في العرب- فإن صرعتني آمنت بك، فقام صلى الله عليه وسلم وقال: استعنت بالله عليك ومن كان الله معه، لا يصرعه أحد، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173] وقال أيضاً: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21] فقام صلى الله عليه وسلم فحمله كالريشة ثم بطحه أرضاً، ثم قام مرة ثانية فأنزله أرضاً، فقام مرة ثالثة فأنزله أرضاً، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله}. وصح أن أبي بن خلف -هذا المجرم الوثني- قال: أنا أقتل محمداً وكان يعلف فرسه بالبر، ويسل سيفه، ويسقيه السم الأزرق، ويقول: أقتل به محمداً. فوصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بل أنا أقتله إن شاء الله. وجاءت معركة أحد - كما صح عند أهل العلم- وانحدار أبي بن خلف على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس العصر، وقد أثخن بالجراح، وقتل من أصحابه وأقاربه سبعون قتيلاً، وانكسرت إحدى ثنيته، ودخل المغفر في حاجبه وهو في حالة لا يعلمها إلا الله، وبعد صلاة العصر يقول: صفوا ورائي أثني على ربي، أي: أشكره على هذه النعم. ولما جلس صلى الله عليه وسلم وإذا بالرجل أقبل منحدراً من الجبل، معه سيفه وسلاحه، وقد طوق نفسه بدرعين، ما ترك منه إلا مثل الدرهم؛ حتى لا يصيبه شيء من سيف ولا رمح، فقال الأنصار: نحن نقتله يا رسول الله! فقال: دعوه، ناولوني حربة، فناولوه حربة- يقول الشاعر في رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أدبت في هول الردى أبطالها وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب فعلها أقوالها فأخذ الحربة وقال: باسم الله، يقول الواحد الأحد الفرد الصمد: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] أنت ما رميت، والرامي الحقيقي هو الله. قال ابن تيمية: هو لم ينكر له الكسب، لكنه أنكر له القدرة، فالقدرة قدرة الخالق، والكسب منه، رمى فوقعت الرمية في ذاك الدرهم، فنزل منه قطرة دم، فقالوا له: لا بأس عليك. فقال: أقسم باللات والعزى لو أن ما بي بأهل الحجاز وأهل عكاظ لماتوا جميعاً، فمات! يقول خالد بن سفيان الهذلي: أنا سوف أقتل محمداً وجند جنوده ألف مقاتل في عرفة، فوصل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة فقام الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: من يقتل p=1000332>> خالد بن سفيان الهذلي وله الجنة. وهذا عهد من الأمين صلى الله عليه وسلم. قال عبد الله بن أنيس وهو في الرابعة والعشرين من عمره: أنا أقتله يا رسول الله، لكن ائذن لي أن أقول في غيابك كلاماً. قال: قل. قال: أنا لا أعرف خالد بن سفيان أين هو؟ قال: هو في عرفة. قال: فكيف أعرفه؟ قال: إذا وجدته تتذكر الشيطان وتجد في جسمك قشعريرة. فذهب ووصل إليه وخالطه فوجد القشعريرة في جسمه، ثم أخذ يلاطفه في الكلام حتى تمكن منه، فلما تمكن منه ذبحه، فقطع رأسه وأتى يحمل رأسه -لأن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر- ولما اقترب من الرسول صلى الله عليه وسلم ورأى الرأس قال: أفلح الوجه قال: ووجهك يا رسول الله. قال: أقتلته؟ قال: نعم يا رسول الله، وهذا الرأس. قال: خذ هذه العصا وتوكأ بها في الجنة معي، والمتوكئون في الجنة بالعصا قليل. فأخذ العصا ودفنت معه، وعودوا إلى ترجمته.

ما يجب على الدعاة تجاه قضايا الأمة

ما يجب على الدعاة تجاه قضايا الأمة رسالة أتت من الدكتور/ طه جابر العلواني، مدير معهد الفكر الإسلامي بـ واشنطن، وهذه الرسالة وصلت قبل فترة، وفيها شكر جزيل، وهو داعية مفكر، وجهده مشكور فيما يقوم به وما يؤديه، وكل على حسب نيته واجتهاده، ويقول: استمعت إلى شريطك (رسالة إلى الكويت) وأثنى على جوانب، ولكنه ذكر مسائل لم يتعرض له الدعاة: كمسألة الظلم الذي يقع في العالم الإسلامي؛ فالواجب على العلماء والدعاة أن يتعرضوا له في أشرطتهم، وفي ندواتهم ومحاضراتهم، حتى يكون عند الأمة رؤية إسلامية. ومنها: ما هي أسباب تقهقر الأمة وتأخرها؟ ثم يذكر ويقول: كانت الأمة عزيزة ومعطاءة، ثم تخلفت وأصبحت في آخر الركب. ثم يذكر قضايا: ويقول لابد أن نتخطى بقضايا الأمة من الإقليمية إلى العالمية. وصدق فيما قال، وهو أنه ينبغي أن يكون الإنسان عالماً ربانياً يتكلم في مسائل الأمة جميعاً. وهذه الملاحظات طيبة وجديرة بالاهتمام، وأوصي نفسي وإخواني من الدعاة والخطباء وطلبة العلم أن يهتموا بقضايا العالم جميعاً، فقد قال عليه الصلاة والسلام: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى} ثم أقول: من المسائل التي تطرح قضايا الأمة الكبرى، مثل قضايا الربا التي انتشرت في العالم الإسلامي، وقضايا الولاء والبراء، وأن بعض الأمة أصبح يوالي أعداء الله على أوليائه، ويتخذ منهم بطانة، إلى غيرها من القضايا.

قصيدة للدكتور سعد بن عطية الغامدي

قصيدة للدكتور سعد بن عطية الغامدي الدكتور سعد بن عطية الغامدي من الرياض، الشاعر المعروف، أرسل قصيدة موحية حافلة، ومن الوفاء أن أذكره ليحصل على دعوة في هذه الليلة المباركة، وقد عرفته، وقد سافرت معه إلى بعض البلدان؛ فوجدته شهماً وداعية وصاحب غيرة، أسأل الله أن يحفظه ويثبته، وقصائده لها طعم خاص، وآخر قصائده في اليمامة عن سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، وهذا هو المسلم الذي يهتم بقضايا الإسلام، بفكره وماله ودمه وقلمه ليكون ولياً لله ومن أنصار الله. أرسل رسالة فيها قصيدة أبياتها أخاذة موحية من أروع القصائد، بل هي تعادل أروع قصائد المتنبي، يقول دامت لسانه: دهتك هموم فانتظر فرجاً غداً كريم السجايا طاهر الثوب سيدا وخانك من لم يحفظ الله ساعة ولم يعرف المعروف يوماً ولا الندى وغر أخ السوء القديم احتياله وأن له مجداً قديماً وسؤددا فأهوى إلى الحصباء يلتقط الحصى عليك ويهوي للنذالة مزبدا وهذه في جريدة المسلمون، وهي طويلة، ولكنها من أمتع ما قيل، وهي على وزن قصيدة المتنبي التي يقول فيها: لكل امرئ من دهره ما تعودا وعادة سيف الدولة الطعن في العدا هو البحر غص فيه إذا كان ساكناً على الدر واحذره إذا كان مزبدا إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا لكن شتان ما بين الدكتور/ سعد بن عطية والمتنبي، فـ سعد بن عطية الغامدي فاضل صاحب مبدأ، مؤمن، يعيش لقضية لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتنبي يعيش لقضية إمرة، يريد أن يكون مسئولاً في مقاطعة من المقاطعات، ويموت تحت كرسيه، وهذا ما حدث: ألا بلغ الله الحمى من يريده وبلغ أكناف الحمى من يريدها

صرخة من فتى

صرخة من فتى الأخ عبد الرحمن زيد آل ثويم من الرياض، كتب رسالة بعنوان: (صرخة فتى) على غرار: (صرخة فتاة) التي في الشريط. يقول: لا يخفى عليكم أن الفتى هذه الأيام يواجه انقلاباً عارماً في مضمار حياته، ألا وهو بلوغ سن المراهقة أو سن الرشد، ولكنه يواجه برصيد أو بكم هائل أو بركام من الزيف الذي يشاهده ويطالعه ويقرؤه، فيصبح في ولائه وتربيته وأخلاقه وسلوكه ومعتقده منحرفاً، فلا يدري أمام هذه المسارات أي مسار يتبع. فالواجب أن ينبه على مسار الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى صراطه المستقيم، ليكون الشاب من أول وهلة يقيم حدود الله، ويجتنب حرماته، وليكون ولاؤه وبراؤه لله عز وجل، ولتكون نفسه وحياته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، فإن الإنسان بينما يسمع لحظات الحق وإذا هو يسمع ساعات طويلة كلها هراء وباطل، فيصبح في حيرة، بل يبرمج هذا الإنسان مما يرى ويسمع ويشاهد على مسارات قد لا ترضي الله عز وجل. ثم تكلم في الرسالة بكلام طويل يحتاج إلى وقفات، وقد ختمها بقصيدة ماتعة أمتع الله حياته، ولو أني أشح بالوقت لبعض الفقرات لقرأت بعض القصيدة، لكني أدعو الله أن يثبته، ولعلها سوف تكون وقفة مع رسالته (صرخة فتى).

نصائح لمن أراد الزواج

نصائح لمن أراد الزواج هنا رسالة مختصرة من مشفق أتت هذه الليلة، يقول: أناشد كل شاب يريد الزواج، أصر على أن يكون زواجه غير إسلامي، يحضره المغنون والراقصون، والسقط من الناس، أنصحه: أولاً: أن يتقي الله في زواجه، وأن يعلم أن الله تعالى يقول: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. ثانياً: من مبدأ الغيرة: هل يرضى أي إنسان عاقل أن تسمع زوجته وأخته وأمه وخالته وعمته وزوجات إخوانه، وزوجات جيرانه، ويكون هو السبب في سماعهن هذا الغناء والمجون والغزل، في صورة قد تكون على هيئة إجبار وإرغام. ثالثاً: من مبدأ الرحمة والشفقة بهذه الأمة، فكم من أموال أُنفقت وأسرفت وذُهِبَ بها في الحفلات الراقصة اللاهية، التي يحضرها الشياطين، ولا يحضرها أولياء الله. رابعاً: من مبدأ الجوار؛ فلا يؤذي جيرانه في الحفلات الراقصة واللاهية، وبعضهم يركب مكبرات الصوت من بعد العشاء حتى الساعة الثانية من بعد منتصف الليل، فكم أزعج من المسلمين، وهل هذا زواج إسلامي؟! وماذا ينتظر أن ينتج من هذا الزواج؟ وما هي الذرية المرتقبة؟ خامساً: من مبدأ الرجولة: فكيف يليق بالرجل أن يضيع عشرة آلاف ريال لهؤلاء المطبلين والشعراء الدجالين، بينما يموت إخوانه المسلمون في أفغانستان وفلسطين والبوسنة والهرسك وغيرها جوعاً وعرياً وقتلاً.

رسائل من علماء الأمة

رسائل من علماء الأمة هذه ثلاث رسائل من علماء الأمة: رسالة من سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ورسالة من من فضيلة الشيخ/ ابن عثيمين، وأخرى من فضيلة الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين.

رسالة ابن باز في حكم شرب الدخان

رسالة ابن باز في حكم شرب الدخان أما رسالة سماحته فهي مشتهرة، ولكن ذكرها في مثل هذه المناسبات وتكرارها مما ينفع ويجدي إن شاء الله. Q ما حكم شرب الدخان؟ وما حكم بيعه والاتجار به؟ A وقد أجاب على هذا السؤال فقال: الدخان محرم لكونه خبيثاً ومشتملاً على أضرار كثيرة، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إنما أباح لعباده الطيبات من المطاعم والمشارب وغيرها، وحرم عليهم الخبائث، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة:4] ويقول سبحانه في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الأعراف: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157]. والدخان بأنواعه ليس من الطيبات، بل هو من الخبائث، والدخان لا يجوز شربه ولا بيعه ولا الاتجار فيه، كالخمر. والواجب على من كان يشربه أو يتجر فيه البدار بالتوبة والإنابة إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والندم على ما مضى، وأن يعزم على ألا يعود إلى ذلك، ومن تاب بصدق تاب الله عليه، كما قال الله عز وجل: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82].

رسالة من ابن عثيمين في حكم سفر الناشئين إلى الخارج للرياضة

رسالة من ابن عثيمين في حكم سفر الناشئين إلى الخارج للرياضة وهنا رسالة وفتوى من فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين. Q أعلنت شركة (بيبسي كولا) عن عزمها على إقامة دورة في كرة القدم أكاديمية لتكون للناشئين من سن الثانية عشرة إلى السادسة عشرة -والناشئون- هؤلاء هم أحفاد مصعب بن عمير ومعاذ بن جبل وخالد بن الوليد، هؤلاء هم الجيل الذي ينصر به الدين، وهو المرشح لقيادة البشرية في القارات وهم من طلاب الابتدائي والمتوسط، وسوف يكونون تحت إشراف فريق من البريطانيين، وهي تطلب من الجميع المشاركة لتنتخب منهم بعد اختبارهم مجموعة للسفر إلى بريطانيا، فما رأيكم هل يشجع الإنسان أبناءه على الالتحاق بهم ليسافر إلى بريطانيا؟ A الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه ومن تبعه إلى يوم الدين. لقد سمعت الخبر وقرأته، وفيه أنهم سوف ينتخبون من النشء الصغار ثلاث فرق: فرقة إلى حد السنة الثانية عشرة، وفرقة إلى حد السنة الرابعة عشرة، وفرقة إلى حد السنة السادسة عشرة، ليختاروا منهم من يرون أنه صالح للمشاركة، في هذه الأكاديمية التي سيجري عليها التمرين في بريطانيا، وأنا لا أظن أن أحداً من الناس سيسمح لولده فلذة كبده وثمرة فؤاده أن يسافر في هذا السن إلى بريطانيا أو غيرها من بلاد الكفر، لما في ذلك من الخطورة العظيمة على دين الولد وأخلاقه وعبادته. ويحرم على الإنسان أن يمكن لهذه الشركة من السفر بهذا النشء إلى بريطانيا أو غيرها من دول الكفر، لأنه مؤتمن على أهله وأولاده، وراع عليهم، وسوف يسأل عنهم يوم القيامة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] ولقوله صلى الله عليه وسلم: {الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} أسأل الله أن يحمي بلادنا وشبابنا من كيد أعدائنا، وأن يحفظ حكومتنا بالإسلام ويحفظ الإسلام بها، وأن يجعلها خير راع لأبناء شعبها وفلذات أكبادها؛ أن تجترفهم مثل هذه الأفكار السيئة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين. بتوقيع فضيلة الشيخ، وقال: هذا الجواب عن سفر الناشئين لكرة القدم، من إملائي. قاله كاتبه محمد الصالح العثيمين 21/ 11/1412هـ

رسالة من ابن جبرين عن حكم البث المباشر

رسالة من ابن جبرين عن حكم البث المباشر وهذه فتوى من الشيخ ابن جبرين عن البث المباشر: Q فضيلة الشيخ: بدأ يظهر في الآونة الأخيرة جهاز استقبال تلفزيوني، يستطيع الإنسان من خلاله استقبال بث محطات التلفزيون العالمية، ولا يخفى عليكم ما تبثه تلك المحطات من سموم وحرب لدين الله، حيث إن القائمين عليها من أعداء الإسلام، ويُعرف هذا الجهاز باسم الدش، فما رأي فضيلتكم في بيع هذا الجهاز أو شرائه أو الدعاية له؟ مع توجيه النصيحة للمسلمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. A وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد: فهذا الجهاز إذا حصل به استقبال ما تبثه الدول الكافرة كاليهود والنصارى أو الرافضة، وحصل بسبب بثه فتنة وشك وميل للحرام، وفعل للجرائم من الزنا والسرقة والاختلاس، ومن إفساد المال في سبيل الحصول على الحرام من المسكرات والمخدرات، ومن الشكوك في العقائد الإسلامية، ونشر الشبهات التي توقع المسلم في حيرة من دينه ومن تعظيم دين الكفار، وتمجيد أفعالهم وإنتاجهم ونحو ذلك من المفاسد، فهو حرام بيعه وشراؤه والدعاية له، وإيراده ونشره؛ لدخول ذلك في التعاون على الإثم والعدوان، ولكونه يتعاطاه فعلاً ويجره إلى الفساد. فننصح كل مسلم أن يبتعد عن هذا الشر وعن أسبابه وأن ينجو بنفسه. قاله عبد الله بن جبرين عضو الإفتاء، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

قصيدة للدكتور عبد الرحمن العشماوي

قصيدة للدكتور عبد الرحمن العشماوي هنا رسالة وهي قصيدة من الدكتور/ عبد الرحمن بن صالح العشماوي، بعنوان: خضراء الدمن B=4000211>> جريدة الشرق الأوسط، يقول فيها: تجيء إليك فاقدة الصواب مهتكة العباءة والحجاب مصبغة الملابس باخضرار ملونة المبادئ باغتراب رأينا في الجزائر راحتيها وقد حملت شعارات اضطراب وفي أرض الجهاد لها حديث مريب في الحضور وفي الغياب تروح على تنكرها وتغدو خداع في الذهاب وفي الإياب تشوه وجه صحوتنا جهاراً وتطعنها بآلاف الحراب وتغلق باب إنصاف وعدل وتفتح للتحامل كل باب تقول عن الأصوليين قولاً تميَّز بالتحامل والسباب لها كف مخضبة ولكن بأسوأ ما تراه من الخضاب جريدة شرق أوسطهم مقر لأصناف الزواحف والذباب فكم وصفت بإرهاب دعاة إلى نهج الشريعة والكتاب برئت إلى إله العرش منها كما برئ المشيب من الشباب أقول لمن يدير الأمر فيها أما لك بعد هذا من متاب أمالك رجعة للحق تبدي بها للناس أحكام الصواب تذكر أيها المخدوع أنا سنلقى بعضنا يوم الحساب أثابه الله ولا شلت يمينه ولا رأيه ولا فكره. أقول: إن هذه الصحوة المباركة تحمل في طياتها علماً شرعياً مباركاً طيباً، وقد قام كثير من الدعاة وطلبة العلم بتدريس كثير من المتون العلمية النافعة، فلله الحمد والمنة والفضل والثناء الحسن، من ضمن هؤلاء المشايخ: الشيخ وحيد عبد السلام بالي أثابه الله، قام بتدريس الفقه المقارن وكان يدرس -ولا يزال- في بلوغ المرام، وقد نفع الله بدرسه طلبة العلم، وحصلوا فوائد منها حفظ المتن، ومعرفة الشرح، ومدارسة المسائل العلمية، وإني أدعو إخواني من الأساتذة والمشايخ أن يهيئوا دروساً في هذه الكتب، مثل: بلوغ المرام، وفي كتب العقيدة وكتب التفسير، وأن يبذل كل منهم مما عنده ولا يكتم، فإن الكتمان حرام وغش للأمة، وخيانة للمبدأ، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 161]. أسأل الله أن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يحفظنا وإياكم بحفظه، وأن يرعانا برعايته، وأن ينصر كل من نصر الإسلام، ويخذل من عادى هذا الدين، اللهم من سل على المسلمين وعلينا وعلى الدعاة والعلماء والأخيار والصالحين سيفاً فاقتله بسيفه، وأرنا فيه عجائب قدرتك، واجعله عظة للمتعظين، وعبرة للمعتبرين يا رب العالمين، اللهم من حارب أولياءك ودبر لهم المكايد، فأبطل بأسه ونكس رأسه وشرد بالنوم نعاسه يا رب العالمين، إنك ولي ذلك والقادر عليه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

رسالة من الفقراء

رسالة من الفقراء إن الفقر منتشر في أوساط المجتمعات, وبالمقابل هناك الغنى المفرط عند بعض الناس, وهناك من لا يدرون كيف يصرفون أموالهم, وفي هذا الدرس حث وترغيب في الصدقة وفي البذل والعطاء, وبيان أسباب وجود الفقر, ثم ذكر الحلول لهذه المشكلة الموجودة في المجتمعات للتقليل من آثارها.

العطف على الفقراء

العطف على الفقراء إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. إخوة الإيمان! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عنوان هذا الدرس "رسالة من الفقراء"، وهذه الرسالة مرفوعة من الفقراء الذين يلبسون الثياب الممزقة، والأحذية المرقعة، ولا يجدون كسرة الخبز اليابسة، يجوعون إذا شبع الناس, ويسهرون إذا نام الناس, ويبكون إذا ضحك الناس، أرسلوها إلى المترفين الذين ينامون في القصور المنيفة؛ المذهبة الملمعة المزخرفة, ويدوسون الفرش الوثيرة بالأحذية الناعمة, لا يعرفون البرد ولا الجوع ولا الضمأ ولا العري. وهذه الرسالة سوف نبحث فيها مسائل مهمة، وسوف نخبر من لم يكن عنده علم أن عندنا فقراء, وأن هنا أسراً فقيرة تعيش الفقر المضني، والديون الباهضة، واليتم والبؤس، أقولها تبرئة للذمة، ولا ينكر هذا إلا رجل لا يعرف المجتمع, ولم يسبر أغواره، ولم يداخل أسراره، يعرف هذا الوضع إمام المسجد والخطيب والداعية الذي يخالط الناس، فكان لزاماً على الدعاة وطلبة العلم أن يقفوا في صف هؤلاء الفقراء, يرفعون حوائجهم، ويتكلمون عن معاناتهم، ويقدمون ويقضون طلباتهم؛ ليرحم الله عز وجل هؤلاء برحمته الواسعة، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الراحمون يرحمهم الرحمن}. لا بد للعبد أن يكون رحيماً بعباد الله عز وجل، وأن يتقرب إلى الله بالشفاعة لهم، جاء عند البخاري ومسلم من حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {اشفعوا تؤجروا, وليقض الله على لسان نبيه ما شاء} فالواجب على المسلم أن يرفع حاجات هؤلاء, وأن يتفقد أمورهم, وأن يقف معهم وأن يشفع لهم، وأن يسعى بكل ما أوتي من قوة وبسالة من أجل إسعادهم. ولا يصح -أيها الإخوة- أن تعيش طبقة منا مترفة غنية؛ تلعب بالأموال في بذخ لا يعلمه إلا الله، وطبقة أخرى تنام على التراب، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس أنه قال: {يقول الله عز وجل يوم القيامة وهو يحاسب الإنسان: يابن آدم, جعت فلم تطعمني، قال: كيف أطمعك وأنت رب العالمين؟ قال: أما تعلم أن عبدي فلان بن فلان جاع فما أطعمته، أما إنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي، يابن آدم, ظمئت ولم تسقني. قال: كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان ظمئ فما أسقيته, أما إنك لو أسقيته وجدت ذلك عندي. يابن آدم, مرضت فلم تعدني. قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما تعلم أن عبدي فلان بن فلان مرض فما عدته, أما إنك لو عدته وجدت ذلك عندي}.

أحب الناس إلى الله

أحب الناس إلى الله وفي بعض الآثار يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الناس عيال الله, أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله} فأحبهم إلى الله عز وجل الذي يسعى في نفع الناس، وبعض الناس أناني ذاتي, لا يعيش إلا لبطنه ولبيته ولمصالحه الشخصية، فلا ينظر في هموم الناس ولا مشكلاتهم ولا ديونهم ولا معاناتهم, ولا يقف على المستضعفين، ولا يشفع لهم، ولا يجمع التبرعات لهم، ولا يدخل الإسعاد عليهم، وهذا خطأ, فقد يوجد من الأغنياء من يسكن في حي وبجانبه فقراء, وأبناء هذا الغني مترفون بذخون, وأبناء الفقير لا يجدون كسرة الخبز. يروى أن ابن المبارك -رحمه الله- أمير المؤمنين في الحديث -كان إذا اشترى فاكهة بدأ بأبناء جاره اليهودي فيوزع الفاكهة عليهم، وإذا اشترى لحماً بدأ بأبناء اليهودي فوزع عليهم اللحم, وبعدها أسلم اليهودي؛ لأن ديناً أخرج مثل ابن المبارك دين صحيح وثابت، ومعقول، أما أن تكون المشاركة بالكلمات والخطب الرنانة فقط, ثم نترك هؤلاء، فلمن نتركهم؟ أقول هذا من تجربة، أيها الإخوة! وما يمر يوم إلا وعشرات من المديونين ومن اليتامى ومن المساكين, ومن الذين لا يستطيعون الزواج يقدمون أوراقهم، وقد أحرج مثلي وأمثالي من هذه المسائل والقضايا، ماذا يفعل بها؟ أيبقى دائماً يجمع تبرعات؟ أم يذهب فيشفع دائماً عدة مرات، حتى سال ماء الوجه عند كثير من الناس، فالحل أن نتبنى قضية المستضعفين والفقراء والمساكين جميعاً.

فضل تفريج الكربات بالصدقات

فضل تفريج الكربات بالصدقات قال عليه الصلاة والسلام: {والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة}. أيها الإخوة! إن تفريج الكرب أعظم -عند علماء السنة- من بعض النوافل اللازمة، فأنا أرى أن من يذهب للشفاعة عند مسئول لفقير أو مسكين أو محتاج أفضل ممن يصلي ركعتي الضحى في المسجد، وأحسن ممن يصوم النوافل. فإنك إن تفرج عن مكروب، أو تقف مع يتيم، أو تكفله، أو تنظر إلى معاق فترفع حاجته، أو تقضي الدين عن مدين، أو تساعد من يريد الزواج أو تجمع له المال, أو تنشئ صندوقاً في قريتك أو في حيك, وتساعد هؤلاء جميعاً خير لك من كثير من النوافل. قال صلى الله عليه وسلم في فضل الصدقات وفي عظم أجرها وعظم الباذلين, كما صح عنه عليه الصلاة والسلام: {كل امرئٍ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس}. فالمعلوم أن العبد سوف يستظل بصدقته، فمنهم من تكون صدقته كالجبل, ومنهم من تكون كالرابية أو كالنخلة أو كالكف، ومنهم من لا ظل له، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {إذا تصدق المرء المسلم أو العبد المسلم من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا، فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون كـ جبل أحد} وفي الصحيح -أيضاً- أنه عليه الصلاة والسلام قال: {إن لله ملكين يناديان كل صباح، يقول أحدهما: اللهم أعط ممسكاً تلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط منفقاً خلفا} قال الله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {صدقة السر تطفئ غضب الرب} وفي الترمذي: {والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار} فمن ارتكب خطايا أو مخالفات فليطفئها بالصدقة، فإنه لا يسترضى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بمثل الصدقة.

نماذج للمتصدقين

نماذج للمتصدقين كان علي بن الحسين زين العابدين يخرج في الليالي الظلماء, يحمل الزبيب والدقيق والتمر ويوزعها على فقراء المدينة، فلما مات وجاءوا ليغسلوه وجدوا أثر الخيوط التي كان يحملها على جسمه، وهو الذي يقول فيه الفرزدق: يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا هذا الذي تعرف البطحاء وطأته هذا التقي النقي الطاهر العلم ودخل رجل على علي رضي الله عنه, والرجل فقير وعلي كان يملك ميزانية الأمة الإسلامية في الكوفة، ومع ذلك كان أفقر الناس، يلبس المرقع ولا يجد حفنة من الزبيب, ويوزع بيت المال ويصلي ركعتين ويقول: [[اللهم اشهد أني ما أمسكت لأهلي حبة ولا تمرة ولا زبيبة]] فأتى الفقير فخجل أن يتكلم بحاجته أمام أمير المؤمنين علي فكتب حاجته على التراب بأصبعه، يقول أريد منك شيئاً، فما وجد علي إلا حلة جميلة غالية من بيت المال؛ فأعطاها لهذا الفقير, وهي تساوي آلاف الدنانير, فقال الفقير: كسوتني حلة تبلى محاسنها لأكسونك من حسن الثنا حللا يقول: حلتك سوف تبلى، لكن والله لأكسونك ثناءً يبقى أبد الدهر، ولذلك بقي هذا الثناء إلى اليوم، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبناء هرم بن سنان لما قدموا عليه: ماذا فعل بكم زهير بن أبي سلمى الشاعر؟ قالوا: مدحنا وأعطيناه. قال: ذهب والله ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم. يقول زهير في مدح هرم بالكرم والصدقة والإنفاق: وأبيض فياضٌ يداه غمامةٌ على معتفيه ما تغب فواضله تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك معطيه الذي أنت سائله هو البحر من أي النواحي أتيته فدرته المعروف والجود ساحله

معاناة الفقراء

معاناة الفقراء واعلموا أيها الإخوة! أن المعاناة العظيمة التي يعيشها الفقراء معاناة لا يعيشها إلا من ذاق الفقر، فهم يحسون بها ولا يحس بها غيرهم، وبعض الناس يستبعد هذا الكلام ويقول: أين الفقراء؟ أنت تتكلم من فراغ. وأقول: مثل هؤلاء كمثل ملكة بريطانيا , يروى عنها في التاريخ أن قومها فقدوا الخبز وما وجدوه, لا في الأفران ولا في البلد ولا في الدكاكين ولا في غيرها، فخرجوا متظاهرين، فخرجت لهم من نافذة القصر وقالت: ما لهؤلاء؟ قالوا: يريدون خبزاً، قالت: يأكلون بسكويتاً حتى يأتي الخبز، هم لو وجدوا البسكويت لما خرجوا متظاهرين أصلاً! لكن الشبعان والمثخن بالنعم وبالترف لا يشعر بهذه المعاناة، كما قال الشاعر: لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها وقال المتنبي: القلب أعلم ياعذول بدائه وأحق منك بجفنه وبمائه لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى يكون حشاك في أحشائه يقول: لا تعذل الجائع في جوعه حتى تجوع كما يجوع، ولا الضمآن حتى تضمأ، ولذلك فرض الله الصيام على الملايين كلها؛ ليذوق الملك والوزير والأمير والغني الجوع، وليعلموا أن الناس يجوعون، وبعض الناس يعيش اثنى عشر شهراً وهو جائع دائماً. ولذلك تعوذ النبي عليه الصلاة والسلام من الفقر وقال: {اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر} وفي بعض الآثار يقول: {كاد الفقر أن يكون كفراً} أحياناً يصل بالإنسان إلى أن يتسخط على الله عز وجل، فقد يصبح الإنسان فقيراً وإذا لم يكن عنده إيمان ولا يقين ولا علم راسخ؛ يتسخط على الله ويرفض القضاء والقدر، فهذا ابن الراوندي الزنديق الفيلسوف الكلب المعفر كان فقيراً مملقاً وكان من أذكياء الناس, لكنه فقير ومع ذلك مظلم القلب، ما يجد كسرة الخبز، وفي الأخير بحث فوجد -بحفظ الله ورعايته- كسرة خبز، فوقف على نهر دجلة يبلها في الماء ويأكلها، فمرت صفوف من الخيول عليها الذهب، فقال: لمن هذه الخيول؟ قالوا: لفلان العبد, عبد من الناس. قال يخاطب الله: أنا ابن الراوندي فيلسوف الدنيا ما أعطيتني إلا كسرة من خبز الشعير، وهذا البليد الغبي تعطيه الخيول من الذهب، ثم رمى بالكسرة في النهر وقال: هذه قسمة ضيزى، ثم ألف كتاب الدامغ على القرآن يدمغ به القرآن دمغ الله رأسه في النار. فتجد أن بعض المعاناة تشتد بالإنسان إلى أن يكفر -والعياذ بالله- بسبب الفقر, وتجده إذا تكلمت أنت في العدالة والتآخي والمواساة قال: أين العدالة؟ أين الإسلام؟ أين القرآن والسنة؟ ونحن جوعى ونأكل التراب!! ويقول آخر: يمشي الفقير وكل شيء ضده والناس تغلق دونه أبوابها وترى الكلاب إذا رأت رجل الغنى حنت إليه وحركت أذنابها وإذا رأت يوماً فقيراً بائساً نبحت عليه وكشرت أنيابها وبعض الناس يتسخط على القضاء والقدر، فلو قيل له: راجع في وظيفة. لقال: الأبواب مغلقة, ولو كان هناك ألف وظيفة لمنعوني، ولو قيل له: اذهب واعمل. قال: لو أبيع الذهب ما يمكن أن يباع وغيري لو باع التراب لبيع له. فتقول له: حاول. فيقول: حاولت فأصبت بحالة من الإحباط من كثرة المعاناة. إلى أن ييأس من روح الله, ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجى كم فرج بعد إياس قد أتى وكم سرور قد أتى بعد الأسى

أسباب الفقر

أسباب الفقر ما هي معالم الفقر في المجتمع؟ ما هي الخطوط العريضة التي يعيشها الفقراء في أمورهم وفي أحوالهم؟ وما هي أسبابها؟ وما هو الحل لهذه المشكلات؟ هذا ما أريد أن أقوله باختصار في هذه الليلة، وأنتم رسل خير وصفوة المجتمع، لكم أن تطرحوا حلولاً أخرى ولكم أن تشاركوا، وليس للواحد أن يبقى سلبياً منزوياً يعيش لذاته ولأسرته ولأطفاله؛ بينما أسر المسلمين يعيشون الجوع والعري، والفقر والديون الباهضة, ويبقى شباب الإسلام بلا زواج ولا يجد أحدهم مهراً يسدده، فهذه سوف أطرحها, وفيكم من هو أذكى وأفطن وأعلم فليشارك بالحلول. لماذا الفقر؟

قلة الدخل

قلة الدخل الأمر الأول: قلة الدخل بالنسبة للمصروف. فإن كثيراً من الناس لا يغطي دخلهم مصروفهم، وتصور ماذا يفعل الذي راتبه ألف ريال وبعضهم أقل، أمام حاجات العصر المتطورة, من لحوم وفواكه وخضروات ومأكولات ومشروبات؛ لأنه يريد أن يعيش العصر والمجتمع والمدنية التي يسكنها. وبعض الناس يصرف الراتب كله في ضيفة واحدة؛ لأنه لا زال هنا الالتزام ولا زالت المروءة ولا زال الكرم موجود، والإنسان إذا دخل عليه ضيف فباستطاعته أن يضيفه بألفي ريال في ليلة واحدة. أيضاً هناك مصروفات كمصروفات الهاتف والكهرباء والماء ولوازم السيارة والذهاب والإياب والعلاج، ولوازم الطيران من تذكرة وغيرها، هذه كلها لوازم باهضة، فيكون المصروف أعظم بكثير من الدخل، ولا مقارنة بين هذا وهذا. فلا بد للإنسان أن يوازن بين مصروفه ودخله، (وما عال من اقتصد) , وعليه ألا يماشي الناس في أهوائهم؛ لأن بعض الناس تجده يباري الناس وتجده يظاهر الناس، والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، فهو يريد أن يكون من كرماء الناس وأغنيائهم؛ في العزائم والحفلات والأخذ والعطاء وأثاث البيت ومشترياته لأهله ولباس الأهل, وهذا لا يلزمه أصلاً؛ لأنه ليس مكلفاً من الشرع، إنما قد جعل الله لكل شيء قدراً، وفي الحديث الصحيح: {لينظر أحدكم في الدنيا إلى من هو دونه} فأنت انظر إلى من هو أفقر منك ولا تنظر إلى هؤلاء الذين يرون المليون الواحد عندهم كالريال عندك، فأنت إذا أذهبت ريالاً من عندك خسرك وأنقص ميزانيتك, وهو يذهب بالمليون في لحظة ولا يحس بشيء، فمثل هذا لابد من معرفته مع حلول أخرى, وهذه الحلول لا تهمنا لكنها تهم أناساً آخرين عليهم أن يقوموا بها. أيضاً الإيجار الباهض للبيوت, فليس كل الناس سواء في المدن أو في الضواحي يملكون بيوتاً فقطاع كبير من الناس من الفقراء والمساكين والأيتام يسكنون بيوتاً بالإيجار، فتجد الإيجار باهضاً قد يصل أحياناً إلى عشرة آلاف أو خمسة عشر ألفاً إلى عشرين ألفاً وهذا كله مضن, فإن البعض يجمع هذا الإيجار في سنة كاملة من أهل الخير ومن المتصدقين والمحسنين، فعلى أهل العقار أن يتصدقوا وأن يراعوا أحوال هؤلاء، وأن يتقوا الله فيهم. ولماذا لا يقوم الأغنياء -مثلاً- بتوقيف بعض الفلل والعمارات الضخمة والشقق على هؤلاء الفقراء، والطلاب الذين لا يجدون مأوى؟ طالب في الجامعة عنده أسرة وستة أطفال أو سبعة، وراتبه ثمانمائة ريال, ماذا يفعل به مع الإيجار والمصروف والنفقة, ومع تكاليف العصر؟ فهو لا ينفعه ولا يغطي شيئاً من حاجته.

كثرة الديون

كثرة الديون الأمر الثاني: الديون المضنية من البنك العقاري والزراعي. وقد تورط كثير من الناس في هذه، فعليهم ديون كثيرة، وأنا أحس بهذا من خلال الأسئلة والكتابات والرسائل التي وصلتني، وهذا الأمر لا يكتشف إلا إذا مات الميت فيأتي أبناؤه فيقولون: على أبينا مائة وخمسون ألفاً أو مائتا ألف، أو نحو ذلك للبنك, ونحن لم نستطع سدادها ولم يترك شيئاً فماذا نفعل؟ وكثير من الناس يحتاج إلى هذا في مثل مساعدة في زواج أو في ترميم بيت أو في زراعة, فما حصل محصولاً وما أنتج منتوجاً غطى دخله فأصبح في ورطة. وأنا أرجو من ولاة الأمر باسمكم جميعاً أن يخفضوا على هؤلاء الفقراء والمساكين والمستضعفين، وأن يسامحوهم ويعفوا عنهم, وهذا -إن شاء الله- لا يضر, وهو في ميزان حسناتهم, وسيكسبون الدعاء من المسلمين والتسديد من الله والهداية. وما الذي يمنع من أن يعفى الناس عفواً تاماً من مقتضيات البنك العقاري والزراعي؟ وهذا الأمر يكسب الدعاء والحب والرجاء لهم من الله بالتمكين السداد والرعاية والحفظ وهو أحسن ما يكون. وقد فعل بعض الخلفاء ذلك؛ فإنه ذكر أن هارون الرشيد كان في يوم عيد الفطر يرسل نفقات للناس ما يكفيهم سنة، وكان عمر بن عبد العزيز يوزع الذهب والفضة في المساجد, حتى يقول عمر بن سعيد أحد وزرائه: والله الذي لا إله إلا هو لقد درت من دمشق إلى أفريقيا فما وجدت فقيراً أعطيه الزكاة. لقد أعطاهم وأغناهم عمر بن عبد العزيز، كان يقوم على المنبر ويقول: "يا أيها الناس! من وجد منكم فقيراً فليرفع إلي أمره، أو مسكيناً أو مديوناً" فمثل هذا لو عفي لا يضر أبداً, لأنهم لا يستطيعون أن يجدوا دخلاً يغطي مائتي ألف أو مائة ألف أمام مقتضيات العصر.

عدم صرف الزكاة

عدم صرف الزكاة الأمر الثالث: عدم صرف الزكاة صرفاً صحيحاً سليماً شرعياً. جعلت الزكاة -يا أيها الإخوة- لأصناف ثمانية لترفع الحاجة في المجتمع، وأنا أقول -جزماً-: لو صرفت الزكاة صرفاً صحيحاً ما بقي فينا فقير، لكن الزكاة لا تصرف صرفاً صحيحاً، إما أن تصرف في مناطق نائية الأقرب أولى منها، أو أنها تذهب إلى صناديق أخرى, والصناديق تصرف في مصارف قد تنفع لكن ليست هي مصارفها الشرعية, فلماذا لا تؤخذ هذه الملايين؟ أن بعض التجار يقول: بقي من زكاتي ستة مليين عندي، من غير التي سلمها, لكن بقي ستة ملايين, فكيف بالزكاة الأخرى الباقية في الصندوق؟ وبعضهم يملك مليارات, وتصوروا أن بعض التجار يكسب في اليوم الواحد 12 مليون دولار، كسباً وربحاً وليس رأس مال، في اليوم الواحد؛ في الأربعة والعشرين ساعة. فمثل هذا لو أنفق صدقاته ووجهها وكان له لجان يقومون لحالة المتزوجين والفقراء والأيتام لكان أنفع, وأنا أقول هذا الكلام؛ لأنه سوف يبلغ أهل رءوس الأموال والتجار وأثرياء البلاد، وسوف يكون له ردة فعل إن شاء الله.

غلاء المهور

غلاء المهور الأمر الرابع: غلاء المهور على هؤلاء، فإن كثيراً من الشباب تركوا الزواج وكثرت العنوسة في المجتمع بسبب غلاء المهور، وأنا أعرف أنه حدد في بعض المناطق بأربعين ألفاً ويتساهلها الناس مع أنها باهضة، وقد زرت بعض القرى فقالوا: لا نستطيع أن نجمع أربعين ألفاً. فيبقى هذا الذي راتبه ألف ريال -مع المصروفات والنفقات والحاجات- يجمع طوال السنة أربعين ألفاً ثم يدفعها، ثم بعد ذلك يدخل زوجته بلا مأوى ولا أثاث ولا طعام ولا شراب ولا بيت ولا سيارة ولا شيء. وبعض الناس الآن يريد أن يخفض لكن يقول: لو كان هناك تحديد لأخذت خمسة آلاف أو عشرة آلاف أما والتحديد أربعين فسآخذ أربعين! وأقول: ما يمنع -أيها الإخوة- أن يكون أقل، والواجب أن ينظر في هذا، وقد قال بعض العلماء الكبار: إن أربعين ألفاً كثيرة على كثير من الشباب. فعلى آباء البنات أن يتقوا الله عز وجل, فإن من يرضى دينه وأمانته لا يبايع على سلعة, إنما هو يتشرف برحمه وبالقرب منه, والواجب أن يدفع الإنسان من جيبه؛ ليستر ابنته وكريمته, وليكسب رجلاً مسلماً يخاف الله ويرجو لقاءه، هذا هو الواجب. أما قضية لابد من أربعين ولخالتها عشرة ولعمتها خمسة ولجدتها كذا ثم يورث أهل القرية في هذا المهر: فهذه الأمور لا يستطاع لها, وتأتي منها مشكلات -يا أيها الناس- في مجتمعنا, وتأتي منها كوارث يعلمها الله عز وجل، فالواجب أن تكون عشرة آلاف بقدر النفقة والتكلفة. وهناك منكر آخر وهو ما يفعله الناس في صالات الأفراح؛ فإنهم يأتون بأمور صراحة أنها تخالف منهج الإسلام في الإسراف وفي المظاهر الكاذبة، كلها فقط مظاهر كاذبة للناس ورياء وسمعة, يقول الله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال:47] ويقول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {من راءى راءى الله به ومن سمع سمع الله به} وبعض الناس يكون فقيراً ومع ذلك يرائي, فيجمع حشفاً وسوء كيلة, يتدين أموال الناس ويذبح أربعين أو ثلاثين أو عشرين ذبيحة، ثم يرمي لحومها للقطط والكلاب, ثم يبقى في سنة يرد ديون الناس, ولا يجد المهر ولا يجد المصروف ولا الأثاث ولا الحلي، فلماذا لا يكون الزواج مخفضاً؟ ولماذا لا يتم في بيت عائلي لا يحضر إلا عشرة وتكون ذبيحة أو ذبيحتان؟ وليس من الضروري أن يكون في صالة الأفراح. وفي العطلة الماضية حصل في أبها في صالة الأفراح -التي أعرفها بواسطة الإخوة- 62 زواجاً, وذبائحها بالعشرات, ولو وزعت هذه الذبائح على الفقراء لأغنت أسراً كثيرة تنام ولا تجد كسرة الخبز, ثم يلحق ذلك بالتشريعة التي تبلغ عشرة آلاف إلى خمسة عشر أو عشرين ألفاً، وهذا من سفه الناس، ومن قلة فقههم وقلة خوفهم من الله عز وجل. فلماذا لا يتزوج الإنسان في بيته ويدعو ثلاثة معه وأهله فقط؟ ولماذا لا تحدد هذه الأمور ويقتصد فيها؟ سواء أرضي عنه الناس أم غضبوا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يروى عنه أنه قال: {من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس}.

استنزاف الأموال

استنزاف الأموال الأمر الخامس: أبواب الاستنزاف. فإن الناس الآن مستنزفون كثيراً في أرزاقهم، فهناك دخل عند كثير منهم لكنه ما يغطي الاستنزاف كما ذكرت، فتكاليف الهاتف باهضة على كثير من الأسر، وبعضهم يستدين ما يغطي به الهاتف, وكذلك الكهرباء والماء ونفقاتها, كذلك تذاكر الطيران فهي غالية على كثير من الناس, حتى إن بعضهم يسافر بالبر، فتبلغ قيمة التذكرة مئات, وبعضهم مضطر لأن يسافر، وأنا أعرف رجلاً بأسرته يراجع كل شهر المستشفى التخصصي في الرياض، فيسافر في كل شهر بتذكرة، فكم يغطي من التكاليف؟ وكم هو راتبه؟ وكم يحتاج في النزول في الفندق والسكنى وفي إيجار السيارات وفي الأخذ والعطاء؟ وهذه الأمور بشتى أنواعها التي تخص البلدية أو الجوازات أو المرور أو غيرها من النواحي والمنافذ، فكلها رسوم باهضة على كثير من الناس. فالواجب أن يُنظر إلى المستويات الضعيفة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ عثمان بن أبي العاص في الصلاة كما في سنن أبي داود: {أنت إمامهم واقتد بأضعفهم} فالواجب أن يقتدى بالأضعف وأن ينظر إلى أقل الناس معيشة ومستوى. أيضاً تعقيد الحياة المعيشية، وارتفاع متطلبات الأسرة، فإن المتطلبات -الآن- ليست كما كانت قبل عشرين أو ثلاثين سنة, وعندنا كبار السن يعرفون هذا، وهم مذهولون من هذه النعم، فالشباب الآن لا يرضى الواحد أن يبقى بالثوب الواحد سنة، وكان كبار السن الواحد منهم يبقى في ثوب واحد سنة وسنتين حتى يرقع الثوب جميعاً, فيكون كله رقعاً, ويذهب الثوب الأصلي الأول، وكانوا في وجباتهم لا يجدون اللحم إلا في السنة مرة في الأضحية فقط، أو إذا جاء ضيف نادر فيجتمع مائة من أهل القرية على ذبيحة واحدة وعندهم الخبز، ولا يعرفون الفواكه ولا اللحوم، ولا الخضروات ولا المعلبات, ولا الثلاجة ولا البرادة، ولا السخانة ولا الدفاية، ولا الحراثة ولا الحفارة، ولا الطيارة ولا السيارة ولا يعرفون شيئاً من هذه، فلذلك كانت مائة ريال تكفيه، أما الآن فأمام مقتضيات العصر لا يمشيه إلا أمر كبير لا بد له من رصيد ولا بد له من مال وإلا أصبح محرجاً أمام مجتمعه.

عدم اهتمام الأغنياء بالفقراء

عدم اهتمام الأغنياء بالفقراء الأمر السادس: عدم اهتمام الأغنياء بالفقراء. فبعض الأغنياء لا يبالون بالفقراء, وقد وجد أن بعض التجار يقال عنهم: إنهم لا يزكون، وأنا لا أتهم أحداً بعينه، لكن نقل هذا حتى في مجالس العلماء والدعاة أن بعضهم لا يزكي, وأمرهم إلى الله ونحن لسنا برقباء ولا محاسبين للناس، فالله هو الذي يحاسبهم قال الله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُون} [التوبة:34 - 35]. وبعضهم تجده ينفق أمواله في دول قاصية قد لا يكونون مسلمين, وتجده يوزع أمواله على فقراء النصارى أو فقراء الوثنيين أو الهندوك أو فقراء المبتدعة, ولا يراعي فقراء المسلمين في الدول الإسلامية, ولا فقراء أهل السنة الذين هم الأقربون والأولى بالمعروف، أو يراعي أحوالهم، أو تجد له مصارف في الأموال ليست بصحيحة وغيرها أحسن منها، فالواجب مراعاة مثل هؤلاء الفقراء.

ارتفاع نسبة البطالة

ارتفاع نسبة البطالة الأمر السابع: ارتفاع نسبة البطالة عند كثير من الناس. فكثير من الناس الآن لا يستطيع أن يتعلم وعنده عقدة من العلم، فهو أخفق في الدراسة وأخفق في العمل ولا يستطيع الدخول في الجيش، فالجيش عنده تعب والدراسة مضنية والعمل شاق، والنوم صحيح وجيد؛ وتجد شاباً يهد هذا الجدار فتقول له: اتق الله, لماذا لا تتوظف؟ ادخل الجيش. قال: والله ما أستطيع، دربونا حتى سالت دماؤنا من ركبنا. إذاً أدرس. قال: لا أستطيع أن أداوم, أنا ما أفهم إذا درست. إذاً اشتغل. قال: ما أعرف أشتغل، مثل هذا ما يعطى، لابد أن يعمل حتى لو يبيع المساويك في الجمعة بعد الصلاة، أو يذهب في ورشة، ولو أدركه عمر بن الخطاب لبطحه على بطنه وظهره؛ لأن عمر دخل فوجد شباباً أقوياء يسبحون في المسجد, فدخل وقال: السلام عليكم، ماذا تعملون هنا؟ قالوا: نعبد الله وكأنهم أعبد من عمر، قال عمر: كلنا يعبد الله, ولكن من الذي يرزقكم ويأتي لكم بالطعام؟ قالوا: الله. قال: أنا أدري أن الله هو المطعم، لكن من يأتي بالطعام ويقدمه لكم؟ قالوا: جيراننا. قال: جيرانكم أعبد منكم, انتظروني. ثم أغلق الباب وذهب وأتى بالدرة -وحيا الله عمر - ودخل عليهم فبطحهم أرضاً وضربهم حتى عرفوا القبلة، ثم قال: [[اخرجوا فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة]] فلا بد من العمل، وأنا أرى أنه ليس من الصحيح حتى شرعياً عدم السماح للموظفين بالعمل، لماذا لا يسمح للموظفين بالعمل؟ بشرط ألا يخل بالوظيفة, لكن إذا انتهى دوامه الثانية والنصف أو الثالثة ظهراً فلماذا لا يذهب ويشتغل, فيفتح ورشة أو دكاناً أو متجراً, وهذا في الإسلام لا يضر، ولا بد للناس من عمل. وأحياناً الموظف الذي راتبه ألفان أو ثلاثة آلاف عنده أسرة أو أسرتان أو ثلاث أسر، وهذا لا يغطي دخله أمام مقتضيات الحياة، فلماذا لا يسمح له بالعمل يعمل ما شاء؟ لكن عليه فرض ألا يخل بالعمل في الدوام الرسمي, فإذا انتهى من عمله فليذهب أينما شاء, يخرج أصدافاً من البحر, أو يكسر الأخشاب ويبيعها, أو يبيع مساويك أو يفتح ورشة, ما دام بيعاً شرعياً فهو مطلوب، وكان السلف الصالح يفعلون ذلك، وكان لهم أعمال يحضرونها ويداومون فيها وفي آخر النهار يتاجرون, والله يقول: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10] يقول إذا انتهت الصلاة وسلم الإمام وسبحتم فاخرجوا اطلبوا الرزق واعملوا واشتغلوا، وأنا سوف أقرأ لكم مقالة في جريدة الندوة عن هذا الأمر. الكاتب بالعدد والرقم أظهر أن العمال كلهم ليسوا من هذه البلاد، وأنا لا أتحيز لفئة ولا لبلد ولا لشيء, لكن لا يصلح أن يكون هناك أمة عاطلة لا تعمل ولا تؤدي ولا تشتغل ولا تبذل ولا تعطي, فالواجب السماح لهؤلاء بالعمل، ولذلك لما منع هؤلاء الموظفون من العمل زوروا, فهذا يأخذ رخصة باسم أمه وهذا باسم زوجته وهذا باسم أخته ويأخذ أعمالاً، وهذا تزوير, والواجب أن يتركوا على أعمالهم وعلى نياتهم وعلى متطلباتهم.

الخمول والكسل

الخمول والكسل الأمر الثامن: الخمول والكسل, والذي أصبح ظاهرةً عند الكثير، فإن هذه البلاد فيها كسل وخمول، وبعضهم يأنف من بعض الحرف، فإذا قلت له: لو عملت في ورشة. لقال لك: أنا أعمل في ورشة! وكأنه ابن علي بن أبي طالب! فهذا علي رضي الله عنه اشتغل وعمل ورفع الماء ليهودية من البئر, وأخذ أجره حفنة من التمر رضي الله عنه, وعمر عمل في المزرعة وأبو بكر وعثمان , وباع أبو بكر الجمال في السوق وباع السمن والعسل رضي الله عنه، وكلهم عملوا، فالعمل والمهنة شرف، لكن كثيراً من الناس يأنف أن يعمل عملاً ويقول: أنا لا أستطيع لهذا, وتجده فقيراً معدماً لكنه يتظاهر متشبع بما عنده من كيان, ومن تواضع لله رفعه ولا أزيد على ذلك.

عدم الالتفات للفقراء

عدم الالتفات للفقراء الأمر التاسع: عدم الالتفات لمثل هؤلاء الفقراء في مثل توزيع الأراضي أو الصدقات والأعطيات. فتجد الفقير مبخوساً في كل شيء, ملفه في آخر الملفات، وما تضيع إلا ملفات الفقراء، أما ملفات المترفين فلا تضيع أبداً, ولو سقطت أرضية من السماء لوقعت على صاحب الأرضيات الأولى، فالذي يأخذ عشر أو عشرين أرضية دائماً تسقط عليه، سبحان الله! ما أسهلها عنده! أما هذا المستأجر والذي ما عنده أرض، فيذهب بملفه فيضيع في المكتب, ثم يضيع في الصادر، ثم تضيع أوراقه في الوارد, ويجلس في الصالة ولا يجد كرسياً يجلس عليه, ويقولون له: تعال غداً, وفي عطلة الربيع -إن شاء الله- وفي الصيف ننهي معاملتك, فيبقى هذا المسكين محروماً, وما عنده من يشفع له وصوته ضعيف, وما يعرف يكتب معروضاً، ولا يرحمه أحد. فمثل هؤلاء الواجب العدل معهم ومراعاتهم، والواجب أن تتخذ فقط أمور الفقراء ولا يدخل أحد معهم, ومن عنده فقر وتنطبق عليه الأمور فله كذا وكذا، وكذلك الصدقات والأعطيات، وأنا أعرف أنها تأتي إلى بعض الجهات صدقات وملايين لكن يتولاها أناس -نسأل الله العافية- أحياناً تقل أمانتهم، وقد سمعت أن أحدهم استلم مبلغاً هائلاً؛ ليوزعها على أفراد القبيلة, فأخذ أعمامه وخالاته، وأخواله وأبناءه وبناته وجعلهم في القائمة، ووزع عليهم الأموال وترك الفقراء الآخرين، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الواجب أن يعطى هؤلاء الأمناء، وأهل العلم وأهل الدعوة، والذين يخافون الله عز وجل, وتكون هناك لجنة مشكلة لا يستأثر بها أحد؛ لأن بعض الناس يضيع عند المال، تجده صائماً باكياً نادماً، فإذا استلم الملايين ضيع أمانته.

ضرب الأسواق التجارية

ضرب الأسواق التجارية الأمر العاشر: ضرب السوق التجاري بمستغلين استحوذوا على الساحة التجارية ولا يستطاع مزاحمتهم، فيوجد أحياناً شركات ومؤسسات في هذا البلد هي دائماً التي لها المال، ولها السوق التجاري، ولها الصادر والوارد, فما يستطاع مزاحمتهم. فماذا يفعل الفقير الذي رأس ماله مائة ألف؟ لا يستطيع أن ينازل هؤلاء أو يزاحمهم, وتجدهم هم المستحوذون على الأماكن, ودائماً يسابقون على المناقصات, ولهم من الأيادي الخفية ولهم من المساعدات والواسطات ما يستطيعون أن يأخذوا بها، حتى يقال: إن في المناقصات أموراً من وراء الكواليس, لتسقط هذه المناقصة على تلك المؤسسة ولا يأتيها غيرها، ويأتي من العوارض للفقراء والمعوزين أو الذين لا يملكون واسطة ما يحجبهم عن هذا الطريق فلا يستطيعون المواصلة، والواجب النظر إلى مثل هذه القضايا وتقنين السوق والقيام عليها, وتخويف الناس من بطش الله عز وجل ومن الظلم؛ فإن عاقبته وخيمة والظلم ظلمات. وأنا أعتقد أن كلامي هذا ليس تدخلاً في شئون الآخرين، وأن من حقي ومن حق غيري من طلبة العلم والدعاة أن يتكلموا بهذا، فقد تكلم به أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والأئمة, حتى ابن تيمية أفرد له مصنفاً اسمه: السياسة الشرعية والحسبة , وله رسالة في المكوس أرسلها إلى السلاطين, ورسالة في الضرائب وله رسالة في الصدقات, والشوكاني له رسالة في ذلك أرسلها إلى السلاطين، فهذه من خصائصنا ومن مهماتنا, وهي من الكتاب والسنة، أن نتكلم عليها في كل مناسبة, وأن ندعو الناس إلى التراحم، ونبين لهم ماذا يجب لهم وماذا يجب عليهم.

كثرة أفراد الأسرة

كثرة أفراد الأسرة الأمر الحادي عشر: كثرة أفراد الأسرة على العائل الواحد، فإن كثيراً من الناس رزقه الله أبناءً كثر، وأنا أعرف رجلاً عنده زوجتان ومعه أربعة عشر طفلاً، وراتبه ألف وأربعمائة ريال، وعليه ديون عظيمة ويسكن في بيت شعبي في ضاحية من ضواحي أبها , معه سيارة هايلوكس يذهب الصباح فيوصل بناته وأبناءه, فلا بد أن يربي أربعة عشر طفلاً وزوجتين, وحقوق الضيوف، وحقوق البيت، ومتطلبات الحياة وضرورات العصر، فمثل هذا دائماً يقول: ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ وبعض الناس يلوموننا إذا طلبنا من الناس أن يتصدقوا عليهم, ويقول: لا تشحذوا في المسجد. وما علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب على المنبر, وأمر أصحابه أن يطلبوا وقال: {اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء} وبعض الناس لا يجد منافذ, ولا يعرف الفقراء ولا المحتاجين وإنما يعرفهم الذين يخالطونهم. فمثل هؤلاء الفقراء يضربهم الفقر والجوع؛ لكثرة أطفالهم ومستلزماتهم, خاصة الآن في كثير من المدارس -مدارس البنين والبنات- تفرض على الطلاب أمور منها أن يكون الزي في بعض المناسبات خاصاً، وأن يشتري بعض الثياب والغتر والجزمات, ومدارس البنات تطلب -مثلاً- زياً خاصاً وتفرض عليهن موديلاً خاصاً, ودفاتر وشناط وحقائب, فيبقى في ديون.

تورط الناس في الديون

تورط الناس في الديون الأمر الثاني عشر: تورط الناس في الديون أيام الطفرة ثم المفاجأة بالجفاف، فقد مر بالناس أيام رخاء وأيام سعد في المال، فقالوا كلها أيام بني سعد, فتورطوا وبنوا وعمروا واشتروا من السيارات وبذخوا؛ حتى وجد في بعض البيوت أربع وخمس سيارات, ثم فوجئوا بالجفاف فأصبحوا كالّين مالّين ما عندهم شيء يسددون به حاجاتهم أمام متطلبات العصر, وهذا أمر موجود.

الإسراف في النفقة

الإسراف في النفقة الأمر الثالث عشر: الإسراف في النفقة وعدم ترشيد النفقة. فإن بعض الناس فقير ويناقر, لا يعرف كيف يصرف, فتجد دائماً في بيته ذبيحة وهو فقير، ويقدم الموائد الشهية ويستضيف الناس وهو فقير، مد رجلك على قدر فراشك, وهذا مثل شعبي, بمعني قدم ما عندك, ولا تتكلف مفقوداً ولا ترد موجوداً، ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فاتقوا الله ما استطعتم, لا تماشِ الأغنياء ولا تجعل مشيتك كمشية الآخرين, فعلى قدر دخلك فلتكيف حاجتك. وبعض الفقراء إذا حصل مالاً -من قلة تصريفه ومن ضعفه- يشتري أجهزة لا حاجة له بها, أو أموراً للزينة أو أموراً كمالية وهو يحتاج إلى ضروريات. فأوصي هؤلاء بالاقتصاد في النفقة, والتخفيف والتقليل من النفقات التي لا حاجة فيها.

غلاء الأسعار

غلاء الأسعار الأمر الرابع عشر: غلاء الأسعار. فإن الناس يعيشون غلاء صريحاً مهما كان, وعلى المسلمين أن يراعوا هؤلاء وأن يتقوا الله فيهم, وأن ينظر إلى أضعف الناس الذي لا يستطيع أن يماشي الناس, فإن بعض الناس لا يهمه أن تغلى الأسعار أو تنقص، وقد سمعنا أن بعض التجار يرسل عماله وصبيانه يشترون فيقولون: غلت السلعة. فيقول: اشتروا بأي ثمن كان, المهم أن تكون موجودة, فما يبالي سواء زاد أو نقص ولو ضوعفت عشر مرات فهي سهلة عنده لا تساوي شيئاً، لكن الآخرين العشرة الريال تضرهم. هذه بعض المسائل التي أردت أن أقولها هنا. ويجدر أن نذكر قول الشاعر الذي يقول: فقير في المجاعة لا ينام ومسكين ببؤس مستهام ومبخوس المعيشة فهو صب على علاته أبداً يلام ويفترش الثرى والناس ناموا على ريش الأسرّة قد أقاموا

الحلول لمشكلة الفقر في المجتمع

الحلول لمشكلة الفقر في المجتمع ما من مشكلة إلا ولها حلول، فلنذكر بعضاً من تلكم الحلول:

إحياء روح التكافل الاجتماعي

إحياء روح التكافل الاجتماعي أولاً: إحياء روح التكافل الاجتماعي. لماذا لا نتعامل بالنظام الإسلامي الذي أنزله الله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا لا ننفق الأموال إنفاقاً شرعياً؟ ولماذا لا نتكافل بأوجه التكافل التي فرضها الله عز وجل في كتابه وجعلها سنة في مبدأ رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فهذه المدينة المنورة يقولون: في كتب التاريخ مر بهم حالة فقر فما وجدوا لحماً مدة طويلة, حتى قالوا: أهدي لبيت فقير رأس تيس ليطبخوه ويتعشوا عليه، فأتى هذا البيت الفقير فقالوا: جيراننا أولى منا بهذا الرأس {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] فأهدوا هذا الرأس لجيرانهم، وجيرانهم أهدوه لجيرانهم وجيران الجيران أهدوه لجيرانهم, ودار في المدينة حتى عاد لمن أهداه أول مرة. وفي عام الرمادة عام (18هـ) كما عند ابن كثير والذهبي , أن عمر رضي الله عنه وقف على المنبر فقرقر بطنه من الجوع يوم الجمعة, لأنه لم يجد إفطاراً يفطر وفي استطاعته أن يأكل, يقول: [[والله إني أعلمكم بأجود البر وبنسير العسل وبلحم الماعز، لكن أخشى أن أعرض على الله يوم القيامة فيقال لي: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف:20]]] وقف على المنبر وبطنه تقرقر فقال: [[يا بطن قرقر أو لا تقرقر, والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]] ويقولون: إنه ما أكل سميناً ولا سمناً, وكان يوزع ما يأتيه على الفقراء, ويطوف والصحفة على رأسه, تصنع الثريد امرأته أم كلثوم بنت علي ويطوف وهو يوزع على الفقراء ويقول: أواه يا عمر , كم قتلت من أطفال المسلمين. وكان يضع خده على التراب ويبكي ويقول: لا أرفع خدي حتى ينزل القطر، وصلى بالناس الاستسقاء فما خرج من المصلى إلا والسيول ترزف من المدينة رضي الله عنه.

جمع التبرعات

جمع التبرعات الثاني: جمع التبرعات من أئمة المساجد وتوزيعها على الأحياء. ليست مهمة إمام المسجد فقط أن يصلي ويخطب يوم الجمعة وينصرف، بل مهمته أن يراعي أهل الحي والقرية، وأنا أدعو كل إمام وكل خطيب أن يتقي الله في المصلين معه, وأن يراعي أهل الحارة, وأن ينظر إلى الفقراء فيهم وأن يجمع التبرعات, ويذهب إلى الأغنياء وإلى التجار، ويذهب إلى الصناديق التي خصصت للتبرعات مثل جمعية البر مثل إعانة المتزوجين وغيرها ويشفع، فهذا هو إمام المسجد الذي جعله الله إماماً وقدوة في الناس، فيجمع ويعطي، فإذا فعلوا ذلك أصلحوا, ولو أن هذه الخطة فعلت لما بقي فقير في المجتمع.

صرف الزكاة

صرف الزكاة الثالث: صرف الزكاة صرفاً سليماً, فليتق الله التجار والأغنياء في صرف زكواتهم, وليعلموا إلى أين يصرفونها, ولو صرفت صرفاً صحيحاً سليماً لما بقي في البلد فقير، لكن عُلِم أن في الصرف شيئاً من خلل وليس فيه صحة, وأن هناك اعوجاجاً في صرف هذه الأموال, وأنه قد لا تبرأ ذممهم أمام الله بصرف أموالهم صرفاً غير شرعي، ولو صرفوها في مواضعها لكان أحسن وأمكن.

التخلص من الربا

التخلص من الربا الرابع: التخلص من الربا, فإن الله يقول: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] ويوم رأينا البنوك الربوية رأينا الفقر والبؤس والمجاعة وإتلاف أموال الناس, والديون الباهضة على الأفراد, ولو سلَّمنا الله من هذه البنوك لنزل علينا القطر من السماء, ولامتلأت الوديان عشباً ورياً وخيراً وامتلأت البيوت سعادة؛ لأنها محاربة لله، والرسول صلى الله عليه وسلم قال في صحيح مسلم: {لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبة وشاهديه وقال: هم سواء} فلا بد من التخلص من الربا وعدم المعاملة به، ولله الحمد أن أرانا الله العجائب في كثير من المرابين لقد أفلس الكثير منهم الآن، لأن الله يقول: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276].

دعم صناديق مساعدة المتزوجين

دعم صناديق مساعدة المتزوجين الخامس: دعم صندوق مساعدة المتزوجين في أي منطقة أو في أي بلد أو في أي شعب لمساعدتهم ولإعانتهم، فالواجب على هؤلاء أن يدعموا هذه الصناديق التي تساعدهم، وأنا أذكر أن في أبها في منطقة الجنوب صندوق في كلية الشريعة وأصول الدين، وهذا الصندوق يأتيه كل يوم عشرات الملفات من الشباب, لا يجد أحدهم ما يقدم وقت العقد, وبعضهم يستدين حتى يكتب له العقد ليكون له مشهداً عند هذا الصندوق، فلا بد أن يدعم هذا من المال، ومساعدة المتزوجين من أحسن ما يكون وهو مقدم على كثير من مشاريع الخير.

تشكيل لجان للاطلاع على المناطق

تشكيل لجان للاطلاع على المناطق السادس: تشكيل لجان من الجهات المختصة للاطلاع على الأوضاع في بعض المناطق كـ تهامة ومنطقة البادية، وهذا واجب شرعي، ليروا الأمر عن كثب، ولهم ألا يسمعوا من داعية أو خطيب أو عالم حتى يروا الأمور بأنفسهم؛ كما رأينا نحن في عشرات القرى من الحاجة والعوز والفقر والمشقة, وهذه كلمة نسأل الله أن ينفع بها وأن يأجرنا عليها ويأجر جميع من سعى لذلك، فتقوم لجان لتستكشف الوضع وتكتب التقارير إلى الجهات المختصة، ثم تغطى هذه المناطق بحاجات الناس، ويرفع الضر عنهم ويوقف معهم. هذه بعض المسائل في هذه المحاضرة التي هي رسالة من الفقراء, رفعوها إلى طلبة العلم والخطباء وأئمة المساجد وإلى المسئولين وإلى أهل الخير من الأغنياء والتجار ومن أعطاه الله مالاً، أن يقف وأن يعطي.

دعوة للإنفاق في سبيل الله

دعوة للإنفاق في سبيل الله أيها الإخوة! لا يتصاغر ولا يحتقر أحد منا أن يقدم ولو ريالاً واحداً، فقدم ما عندك يأجرك الله عليه، والله الذي لا إله إلا هو ليمر بك يومٌ يوم يجمع الله الناس ليوم لا ريب فيه تتمنى أنك زدت ريالاً من إنفاقك لوجه الله، فإنه لا يذهب إلا ما أخذنا في ملابسنا وما صرفنا في بيوتنا أما الباقي فهو عند الله، {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] وهناك صنف من الناس وطبقات يعيشون ثراءً لا يتصور، تصوروا أن بعضهم يفصل مرة واحدة عند خياط واحد أربعين ثوباً، والمفتري عليه غضب الله، وأحياناً لولا الحرج لقلت أرقاماً أعرفها لكنهم يفعلون ذلك, أربعون ثوباً مرة واحدة بشيك، فكم يلبس هذا؟ وهل يتذكر الموت والقدوم على الله؟ إن عمر بن الخطاب والله ما تصل أن تكون خادماً له، كان عنده ثوب واحد فيه أربع عشرة رقعة, وهو يملك اثنتين وعشرين دولة، والذهب والفضة يحمل على أكتاف الأبطال الذين فتحوا فارس والروم، ويوزع بين يديه, ومع ذلك تدمع عيناه ويقول: والله لا أشبع حتى يشبع أطفال المسلمين. وهذا يفصل أربعين ثوباً من أغلى الأقمشة, وبعضهم عنده أكثر من سيارة جديدة، لمناسبة الزواج سيارة، وللخروج إلى العمل سيارة، وللتمشية سيارة، وللأطفال سيارة، وللخادمة والشغالة سيارة، هذا ترف وضياع, والواجب أن يتعامل بالكتاب والسنة أمام هذا, وأن يتقى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأن يخاف الناس من القدوم على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ لأن المسألة ليست فوضى، الله قرر للناس كتاباً وسنة يكونون عليهما سائرين, لا يحيدون عنهما، ولا ينحرفون. أما أن يكون هناك رجل لا يجد كسرة خبز ورجل يفصل أربعين ثوباً بألوان متعددة, بنفسجي وفوق الأحمر وتحت الأشعة الحمراء وأخضر وأصفر وأبيض ومبرقش فهذا ليس بصحيح، بل باطل، وبعضهم أيضاً عنده عشرون بشتاً، والبشت قيمته خمسة عشر ألفاً، وبعضهم عنده ثلاثون حديقة وثلاثون قصراً وثلاثون خادماً وثلاثون سائقاً وهكذا, لماذا هذا الترف؟ والمسلمون من لهم؟ والفقراء والأيتام من لهم؟

الوقوف مع الفقراء والمساكين

الوقوف مع الفقراء والمساكين فلا بد من نفع الناس والوقوف معهم, والخوف من الله والقدوم عليه, وملاحظة مسار الإسلام الخالد العظيم، الذي نريد أن نقدمه للناس، دين إذا قدمناه للناس تكون رءوسنا مرفوعة, ونتكلم ونحن واثقون من أنفسنا صادقون مع الله مخلصون لمبادئه، ولذلك كان ابن تيمية يعلن هذا كثيراً ويكتبه في رسائله, وقد دخل على الناصر قلاوون وتحدث له في هذا, وطلب منه أن يضع المكوس ويتركها عن الناس, والشوكاني دخل على المتوكل وأخبره بهذا وكتب له رسالة, وجمع القضاة وحدثهم وخطب بهم الجمعة, وكتب ابن القيم في ذلك رسالة ودخل إلى دمشق وخطب فيها الجمعة ونادى الناس بذلك؛ لأن هذا أنفع ما يكون. أما أن نبقى نحدث الناس عن الخارج من السبيلين وعن عدة الحائض والمستحاضة ويبقى الناس تالفون في فقر ومشقة ويتم وعوز فهذا لا يصلح، فلابد أن نقف معهم وأن نرحمهم علَّ الله أن ينصرنا، ووالله إن دعوة من فقير خير من الدنيا وما فيها، وفضل عظيم إذا دفعت مالاً لمسكين ثم قال لك: رحمك الله أعتقك الله من النار، بيض الله وجهك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. ومن صور الوقوف مع الفقراء تخصيص صندوق في البيت لجمع الصدقات, فنحن والله أسرفنا في مصروفاتنا, في أكلنا وشربنا ولباسنا, فالواجب أن نخصص من دخلنا الشهري لفعل الخير، وهذا يسمى صندوق الجنة الذي يدخلك الجنة، فـ عثمان بن عفان ما دخل الجنة لأن اسمه عثمان، إنما دخل الجنة بماله فقد كان تاجراً, وأنا أعرف من الأغنياء حتى ممن يحضر هنا ممن أسعدهم الله بالمال، ونعم المال الصالح في يد الرجل الصالح, نجاهم الله من كربات يوم القيامة من كثرة فعلهم للخير، ووالله إنا نتمنى أن يكون المال في يد مثلهم وأمثالهم, وليتهم يملكون مليارات, ونتمنى أن تكون جبال الدنيا ذهباً وفضة فإنهم يعرفون كيف يدفعونها، فهم ينفقونها في المساجد وفي تحفيظ القرآن وفي مساعدة المحتاجين وفي دعم المتزوجين وفي إعطاء الفقراء والمساكين, وهؤلاء هم من جنس أبي بكر وعثمان وابن عوف , حتى يقول المسلمون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة، فقراء المدينة اجتمعوا فأتت قافلة قدرها سبعمائة جمل من الشام , محملة زبيباً وبراً وألبسة وأعطيات فدخلت المدينة , فخرج الفقراء وخرج التجار, التجار يريدون شراءها والفقراء ليس لهم إلا أن يتفرجوا، الفقراء دائماً يتفرجون في القصور والمشاريع ويقولون: ما شاء الله, ويفركون أصابعهم ثم يعودون بيوتهم. فقال ابن عوف للتجار: بكم تشترون مني هذه القافلة؟ قالوا: نعطيك في كل درهم درهمين, أي: قيمة التجارة مرتين، قال: وجدت من أعطاني أكثر. قالوا: نعطيك في الدرهم ثلاثة. قال: وجدت من زادني. قالوا: نحن تجار المدينة حاضرون, وما زادك أحد. قال: لا والله لقد وجدت الله زادني وأعطاني في الدرهم سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أشهدكم أنها بجمالها وأحلاسها وزبيبها وقمحها وثيابها لفقراء المدينة. فولى الناس يبكون ويقولون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة. وذهب ابن عوف وذهب الفقراء, وذهبت الجمال وذهب القمح والزبيب والثياب وهم عند الله غداً واقفون، قل لي بربك: الذي جمع هذه الأموال والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والقصور ماذا تنفعه إذا مات؟

الدنيا فانية

الدنيا فانية أعرف تاجراً -وهذه قصة ومعي عليها شهود- تاجر شهير توفي في غير المدينة التي كان فيها, أصابه مرض ونقل إلى المستشفى ومات وهو بعيد عن أهله، والله لقد أخذ له كفن من أهل الخير، وهو صاحب ملايين وقصور ومزارع وبساتين وأمور عظيمة, وما وجد كفناً من ماله الخاص، لأن أمواله كلها في البنك وما أخذ شيئاً منها؛ ومات فجأة في المستشفى، فأتى أهل الخير فشروا له كفناً من السوق ثلاثة أمتار من القماش وكفنوه ودخل قبره. خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن فانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير اللحد والكفن يقول عمران بن حطان , وهو خارجي لكنه شاعر مصقاع: أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوَّع أراها وإن كانت تسر فإنها سحابة صيف عن قليل تقشع وكثير من هؤلاء الأشقياء الذين ما سعدوا بها لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا نفعتهم؛ تجدهم مصابين بالأمراض، وأكثر مرض السكر عند التجار، وإذا انخفضت الأسهم ارتفع ضغط الدم عند كثير منهم، ولا تجد آثار المال عليه, والفقير ربما يأكل دجاجة كاملة وينام وعنده أطفاله بالبيت, وهذا بالتلفون يتصل وبالبورصة العالمية ويتابع العمال والسكرتير والمستوردين والمصدرين والأسواق, وهو مشغول البال حتى في الصلاة، يقول أحد الشباب: أنه صلى بجانب أحد التجار فقال: بسم الله الرحمن الرحيم كذا مرة، لعلَّ صفقة عرضت له فتذكرها عند دعاء الاستفتاح فأعادها! أيضاً يقولون: أحدهم مصاب بمستشفى في جدة أصابه مرض تعقد في الأمعاء, التصقت أمعاؤه من سوء التغذية وهو تاجر مليونير، لأنه مسكين لا يجد الكبسات ما عنده وقت, هو يستطيع أن يجعل عمارات من الكبسات لكن ما عنده وقت ليأكل, عنده خبز سندوتش يفطر بها الساعة العاشرة وهي غداؤه وعشاؤه, ويتصل بالهاتف ويكتب الشيكات، حتى التصقت أمعاؤه ثم مرض, فمثل هؤلاء أشقياء نسأل الله السلامة، فيقول عمران بن حطان: أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوَّع أراها وإن كانت تسر فإنها سحابة صيف عن قليل تقشع وقال آخر: دنياك تزهو ولا تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها عارية المال قد ردت لصاحبها وأكنف البيت قد عادت لبانيها لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها

البذل وعدم الخوف من العواقب

البذل وعدم الخوف من العواقب إني أشكر من أعماقي هؤلاء الباذلين الكرماء من أمثالكم, الذين كلما صادفت مناسبة خيرة تجد الواحد منهم يخرج الخمسمائة والألف حتى صاحب الريال نشكره, ونسأل الله أن ينفعه برياله، يوم لا ينفع أصحاب الملايين ملايينهم عند الله، فيا سبحان الله! فبعضهم في أي مكان وفي أي بذل تجد ماله تضحيات، والحقيقة أن الواجب علينا أن نبيع أنفسنا وأموالنا ودماءنا من الله، والواحد منا لسان حاله كما عن ابن تيمية , أنه كان يستشهد بهذين البيتين, عندما كانوا يخوفونه ويقولون: إن بعض الكلمات سوف توديك في داهية فيقول: لترم بي المنايا حيث شاءت فإني في الشجاعة قد ربيت فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت فقد علمنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نبيع أنفسنا ودماءنا من الله, لا يرد رءوسنا إذا ما قطعت في سبيله، ولا بارك الله في دمائنا إذا لم تسِل في مرضاته، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى} [التوبة:111] وهناك قصيدة لـ محمد إقبال اسمها: "إن الله اشترى" يقول: نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى يقول: كان الناس في أحلام وفي غناء وفي لعب ورقص حتى بعثنا الله. نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى حتى هوت سور المعابد سجداً لجلال من خلق الوجود وصورا ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيّرا ومن الذي دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا احفظ هذه الآية آيتك الوحيدة {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى} [التوبة:111] كلما أتاك تخويف قل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] لذلك يقول ابن القيم: هذا عقد مكتوب السلعة الجنة، والثمن أرواح المؤمنين, والله المشتري، والبائع المؤمنون، والذي أتى بالعقد جبريل والذي وقعه محمد. أنا قصة من بدر أرسلها الهدى محمد يرويها وجبريل يكتب هذه قصة المؤمنين وهذه بيعتهم، فالمال والوقت والتعب والدم لله، وأنت عليك أن تعيش لله، والله إني أعرف أن كثيراً من الأشخاص يعيشون للأشخاص ولا يعيشون لله، فيا أسفاه! ويا ندامتاه! ويا خزياه! ويا عاراه! إذا ذهبت ترضي البشر بإغضاب رب البشر! والله لو أعطيت الدنيا وما فيها فلا تعادل غضب الله عليك، فلا تخف إلا من الله, ولا ترجو إلا الله, ولا تتوكل إلا على الله, ولا ترهب إلا الله, ولا تعمل إلا لله, ولا تطلب إلا رضا الله, ولا تخف إلا من عذاب الله؛ فإن الله إذا عاملته كفاك من كل شر، وأما غيره فلن تجد لك من دون الله سلطاناً ولا نصيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الاجتماع للتعزية

حكم الاجتماع للتعزية Q يسأل بعض الناس عن حكم الاجتماع في بيت الميت وقت التعزية وجلوسهم ثلاثة أيام في هذا البيت, سواء أصنع لهم طعام في بيت الميت أم لا, فهل هذا من السنة؟ وهل ورد فيه شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ A الحمد لله، السنة تعزية المصاب من المسلمين بقولك: آجرك الله وغفر لميتك ونحو ذلك، والسنة إرسال الطعام من الناس إلى أهل الميت لاشتغالهم بالمصيبة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن جعفر: {اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم} رواه الخمسة وصححه ابن السكن والترمذي , وأخرجه أحمد والطبراني من حديث أسماء بنت عميس , وهو حديث صحيح. فلا يجوز اجتماع الناس في بيت الميت لاستقبال الناس, سواء أصنع لهم طعام أم لا؛ لحديث جرير بن عبد الله البجلي قال: {كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة} رواه أحمد وابن ماجة وهو حديث صحيح. فالسنة تعزية صاحب المصيبة عند القبر أو في الطريق أو الذهاب إلى بيته بدون تجمع أو الاتصال به، وليس من السنة ذهاب القبيلة أو غالبها أو جماعة إلى القبيلة الأخرى من أجل التعزية، فهذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا التابعون لهم بإحسان, وهذه من البدع المخالفة للشريعة الإسلامية، وأشد منها وأخطر نصب الخيام وصنع الطعام واجتماع الناس في بيت الميت, مع ما في ذلك من المفاسد كتعطيل الناس عن أعمالهم, وكثرة الكلام بغير ذكر الله, وحصول اللغو والمزاح والضحك, فالواجب النهي عن هذا من قبل أئمة المساجد وخطباء الجوامع ومشايخ القبائل, لأنهم القدوة، فإن هذه بدعة لا يجوز أن تنتشر فينا ولا أن ننشرها بحضورنا نحن، لأننا نضفي عليها شرعية وقداسة. فمن جاءته حجة من الله فانتهى فهذا هو الواجب عليه وهذا هو الدين, ويقول صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}.

رسالة من فتاة حائرة حزينة

رسالة من فتاة حائرة حزينة Q هنا رسالة من شابّة فتاة تقول: "صرخة محزونة" أرسلت هذه الرسالة بعد صلاة العصر, تقول: آه آه يا شيخي الكريم، هذه رسالة غيورة إي وربي, إنها صرخة غيورة أحب أن ألقي صرختي إلى والدي وإلى كل والد من أمثاله، إنني بلسانك الذي يهتف دائماً بالحب والنصح أريدك أن توجه هذه اللوعة وهذه العبرة وهذه الحرقة وهذا الفيض الغزير إلى والدي وأمثاله من الآباء، إنني أشكو والدي إلى الله في كل يوم وليلة, إن هذا الأب لا يصلح أن يكون أباً، إنه يتجول من مدينة إلى مدينه ومن دولة إلى دولة ويتركنا ويترك والدتي المسكينة تعاني آلاماً عظاماً ومصائب جساماً, وهي تحاول رعاية إخواني وأخواتي الذين ضيعهم والدي, يأتي لهم بالفديو والمعاصي التي انقطعت رحمة الله من بيتنا بسببها، آهٍ آهٍ آهٍ إنك لا تعلم يا شيخي مدى حرقتي, لا تعلم كيف تعيش والدتي المحزونة دائماً، إن والدي هو السبب, يا شيخ! كثير هم أمثال والدي, كم سجن إخواني, كم فعلوا من الفواحش بأنواعها ووالدي غائب عنا, ضحى بنا وكنا ضحية لما فعل بنا, وما رعانا حق الرعاية التي أمر الله بها، يبقى مع والدتي حتى تنجب طفلاً ثم يذهب ويعود ليقضي وطره والله أعلم ما هي حياته هو, ويزيد الحزن عمقاً واللوعة والحرقة شدة عندما أحدثك عن أخواتي العوانس اللواتي لم يرض والدي أن يزوجهن, وقد تقدم لهن رجال أخيار صالحون ولكن رفض, وحياتهن الآن في جحيم قتل شبابهن وفتوتهن، كلنا يا شيخ فاشلون في الدراسة، هل تتوقع أن والداً يرسل ولده إلى الخارج يعبث بحياته هناك، إن والدي الذي أشكوه إلى الله صباح مساء، والدي ذو مال كثير, ولو أراد أن يملك ربع أبها لملكها, ولكننا والله اليومين والثلاثة لا نتناول إلا الماء والخبز القليل جداً, إن لسان حالي وحال والدتي وحال كل ابنة من أمثالنا يقولون لوالدهم حرمك الله الجنة يوم حرمتنا لذة الإيمان والاطمئنان, وحرمك الله الجنة يوم حرمتنا حياة الخير والسعادة، إن جيراننا ملتزمون بأمر الله مستقيمون نغبطهم على ذلك. آهٍ آهٍ آه الكلام حول صرختي يطول جداً, ولكن دموعي لن تدعني أكمل بقية حياتنا, فأسألك بالله يا شيخ أن تعلنها من على منبرك عسى والدي أن يسمع الشريط أو أي والد من أمثاله, وعسى أن يكثر عنده النصح والتهديد والتوبيخ والتذكير بالله, وعساه أن يخاف الله وأن يعود إلى أهله وزوجته وأطفاله وأن يتقي الله فينا.

مشاركة شعرية

مشاركة شعرية Q هذه مشاركة شعرية يقول صاحبها: شاعر بني شهر يهديكم قصيدة بعنوان: تحية واعتذار, يقول فيها وهي طويلة لكني أجتزئ منها أبياتاً: عذراً دعاة الهدى مما جنيناه عن كل شهم أصوغ اليوم معناه عذراً رأيت التقى والعذر صاحبكم والفخر دوماً لعبد طاع مولاه عذراً فأنتم من القرآن مبدؤكم وغيركم من نصوص الغرب فتواه عذراً فأنتم إلى الرحمن وجهتكم وغيركم نحو ميخائيل عيناه عذراً فما راعكم ما قال جاهلنا كلا وذل المعاصي في محياه وهي قصيدة طويلة بديعة, فأشكره وأشكر قبيلة بني شهر, القبيلة الماجدة الوفية التي عودتنا كل خير.

ظاهرة البطالة والكسل

ظاهرة البطالة والكسل Q من الأشياء الطريفة في جريدة الندوة العدد 9998 الخميس 15/ 5/1412هـ والتي تؤكد لك رحابة صدورنا واتساع مجالات العمل الشريف البناء في بلادنا, ومن ثم إتاحة الكثير من الفرص أمام الإخوة العاملين والوافدين شرقاً وغرباً؛ لمساعدة أبنائنا واستكمال بعض أوجه النقص المؤقت في العمالة الموجودة, نلاحظ -مثلاً- أن سائقي وايتات الماء من الإخوة السودانيين, وأن أعمال الورش وتصليح السيارات من الأتراك, وعمال ورش والحدادة والألمنيوم من الباكستانيين والهنود, وأن نجار الأبواب والشبابيك من الفلسطينيين, وعمال الحفر من الصوماليين, بينما عمال الإنشاء المعماري معظمهم من بنجلاديش، ويسيطر الإخوة المصريون على أعمال النجارة والحدادة المسلحة والبناء, في الوقت الذي يتخصص فيه الإخوة اللبنانيون في أعمال الديكور والمطاعم الراقية، أما المطاعم الشعبية فهذه من اختصاص الإخوة اليمنيين هي والعمل في المقاهي، الشيء الطريف والجديد أن باعة السمك والخضار وشرط معارض السيارات معظمهم من المصريين والسودانيين، المعروف أن أصحاب كل هذه الأعمال هم السعوديون في الظاهر, لكنهم لا يعملون ولا يقدمون شيئاً. A أقول: هذا مصداق لما أقوله إننا أمة عاطلة, وإلا فإن هؤلاء الإخوة من مصر واليمن والسودان والصومال ولبنان وفلسطين إخوان لنا في العقيدة والإسلام, وكلنا بلد واحد وشعب واحد، لكن نحن في هذه الرقعة أمة كسل، أحياناً بعض الناس يرى في العمل عاراً، وهذا لا يصح, علينا نحن أن نعمل كما عملوا.

خطر السينما والإعلام الفاسد

خطر السينما والإعلام الفاسد Q " الفلك يدور" هذا من كتابات محمد صلاح الدين , وهو كاتب مسلم جيد فيه خير, وقد نشر في المدينة العدد 8965 في 25/ 5/1412هـ يقول: هذه كلمات صادقة بل هي صيحة نذير أطلقها كاتب معروف هو الأستاذ ثروة أباضة في الأهرام (18/ 11/1991م) وهو ممن لا يمكن اتهامهم بالتطرف ولا حتى بالمعارضة؛ لأنه من رجال الأدب ومن الروائيين والكتاب المعروفين، يقول الأستاذ ثروة عن السينما والمسرح في مصر: الله وحده يعلم كم ترددت أن أكتب هذا المقال عن السينما المصرية في أيامنا هذه, فقد أصبحت أعتقد أن الكتابة عن سينما اليوم مهانة للقلم ومضيعة للوقت وامتهان لشرف الكلمة، فقد بلغت السينما حضيضاً هي فيه متفردة غير مسبوقة, فلو أن هناك جائزة للسفول والانحطاط والكذب والتشويه والعبث الوضيع، وقلب الحقائق وإفشاء الفساد والتغني بالفسوق؛ لكانت السينما في أيامنا هذه هي أولى الفنون بالحصول على تلك الجائزة، لست أدري ماذا يريدون أن يصنعوا بـ مصر وبتاريخها وبكرامتها وبعراقتها وقيمها الدينية والإنسانية؟! وما أدري لماذا يتآمرون على مستقبل أبنائنا وعلى سمعة حاضرنا؟! وعلى ماذا يسحقون الأمل في نفوسنا والصدق في حياتنا والشرف في أخلاقنا؟! إن مأساة الانحطاط الخلقي الذي انحدرت إليه فنون السينما والمسرح في مصر؟ والتي صورتها كلمات الأستاذ ثروة أباضة في جريدة الأهرام خير تصوير, لم تعد تخص مصر فحسب, بل العالم العربي والإسلامي التي تشكل الأفلام والمسرحيات المصرية جزءاً كبيراً من برامجه التلفزيونية، ومعروضات أسواقه التجارية من أفلام السينما والفديو، ومهما حاولت إدارة التلفزيون في بعض الدول الإسلامية كـ المملكة أن تفرض شيئاً من الالتزام على العروض التلفزيونية, بما في ذلك الإعلانات التجارية التي تبدو فيها النساء محجبات؛ فإن الأفلام والمسرحيات المصرية تظل كما وصفها الأستاذ ثروة أباضة , حتى في ملابس ممثلاتها وتصرفاتهم ومجمل المحتويات الهابطة والمضامين المتردية لهذه الأفلام. وإن تعجب فعجب أن يأتي النقد المرير من كاتب روائي مصري, ليس من دار الفتوى ومراكز التوجيه الديني التي يفترض أن تشن على كل ذلك حرباً شعواء, وأن تكون هي رأس الحربة للإصلاح. إن الكثير من أجهزة الحكم في عالمنا العربي تتعاون اليوم تعاوناً واسع النطاق مع شتى معاهد العلم ووسائل الإعلام ومراكز البحوث والمؤسسات الدينية؛ لدراسة التطرف الديني ومحاربته واستنقاذ الشباب من الانخراط في صفوفه -أي: في صفوف الالتزام- والمطلوب الآن قبل أي شيء آخر أن تضع كل هذه الأجهزة على جدول أعمالها مواجهة تطرف السفول والانحطاط والفساد والفسق قبل فوات الأوان. لا شلت يمينك، وصح لسانك وأثابك الله، يقول: هذه الأجهزة التي سلطت جهودها على شباب الصحوة والمتطرفين, ويسمونهم متطرفين من الدعاة والأخيار وطلبة العلم والخطباء والقضاة والعلماء, يقول: لماذا لا تشن حملة على هؤلاء المتطرفين من الجانب الآخر أهل الفسق والسفول والانحطاط والجريمة والفاحشة وإشاعة الدمار في العالم؟ هذا هو الواجب.

حكم كتابة الآيات على شكل صورة

حكم كتابة الآيات على شكل صورة هنا أيضاً في جريدة عكاظ العدد9246 الإثنين 12/جماد الأولى/1412هـ أتت بصورة ولا يجوز أن تعرض فقد رسمت جمجمة الإنسان بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق:5] خطاط خطها فرسم الفم والأنف والعينين والجمجمة والعنق بهذه الآية, وهذا تبذل لكتاب الله, وقد حرم أهل العلم فعل ذلك؛ أن نصور الرأس بسورة من القرآن، أيضاً رسموا ساعة بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1] فرسموها في برواز وصورة الساعة والعقارب وغير ذلك وهذا لا يصح، أيضاً ما شاء الله رسموها بصورة طائرة. ورسموا الدلة بـ بسم الله الرحمن الرحيم, ورسموا البراد بجانبه بقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف:31] وهذا تبذل وامتهان لكتاب الله, وقد حرم أهل الفتوى فعل هذا، فعلى من وجد مثل هذا أن ينبه, ولعل هذا الكلام أن يبلغ جريدة عكاظ لئلا تفعل هذا، لأنهم الآن سوف يتصلون ويقولون الواجب أن تناصحونا سراً ما دام وقع هذا. ونقول: سبحان الله! يطبع من عكاظ في اليوم المئات وتنتشر في البلاد ونحن نقول لكم سراً! ليس من منهج أهل السنة أن يرد على القول المكشوف بالسر، بل المكشوف بالمكشوف والسر بالسر, كما فعل صلى الله عليه وسلم في كثير من خطبه ومواعظه عليه الصلاة والسلام.

معرفة أحوال الفقراء

معرفة أحوال الفقراء Q بعض الفقراء الواجب أن تعلن دعاويهم أو معاريضهم على الناس حتى نعرف أحوالهم. A وجود هؤلاء ومعاريضهم موجودة لا يمر يوم إلا وطالب يطلب، وأحياناً ترى الكثير من الأفراد، يعرف ذلك من يتصدر في المجتمع, أو أن يكون له مهمة كخطابة أو إمامة أو ندوة أو درس أو محاضرة, أو من له تعلق بالناس يعرف هذه الحاجة المضنية، والعجيب أن الإنسان أحرج كثيراً.

توزيع الصدقات

توزيع الصدقات Q أنا في قرية فقيرة ولكن ما عندنا أغنياء يدفعون الصدقات, وأنت تأمر بتوزيع الصدقات, فمن أين الصدقات هذه؟ A لا يلزم أن في كل قرية غنياً, بعض القرى من أولها إلى آخرها فقراء حتى يلقوا الله، يحيون فقراء ويموتون فقراء ويحشرون يوم القيامة فقراء، فالقرى الأخرى والمدن الأخرى والتجار الآخرون يعطونهم مما أعطاهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من فضله.

حكم تخطي الرقاب يوم الجمعة

حكم تخطي الرقاب يوم الجمعة Q ما حكم تخطي الرقاب يوم الجمعة؟ A سبق وأن نبهت كثيراً ألّا تتخطى الرقاب يوم الجمعة, من أتى متأخراً فليبق متأخراً وليتق الله ولا يؤذ المسلمين، وفي بعض الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتخطى الرقاب فقال: {اجلس فقد آنيت وآذيت} أي: تأخرت وآذيت, فقد جمعت حشفاً وسوء كيلة.

اقتراحات للخطباء

اقتراحات للخطباء أيها الإخوة! أشكر خطباء المساجد شكراً جزيلاً على خطبتهم, وقد خطب الكثير منهم عن مسألة الدفاع عن أعراض الصالحين, وعن طلبة العلم والأخيار من أمثالكم وعن الشرفاء, فأشكرهم شكراً جزيلاً, وأرى أن على هؤلاء الخطباء أمور عظيمة وهي اقتراحات منها: أولاً: مراعاة أوضاع الناس. فإن كثيراً من خطباء الجمعة لا يخدمون المصلحة العامة, ويخطبون خطبة ميتة, إما من كتاب قديم من عهد السلطان عبد الحميد , فتجده إذا جاء يدعو قال: اللهم أيد السلطان عبد الحميد وأيد جنوده. أو خطباً ميتة أو مسجوعة سجعاً متكلفاً, فالواجب عليه أن يجدد في أسلوب الخطابة, وأن يأخذ أنفع الأساليب, وألّا يطيل على الناس، وعليه أن يحفظ الوقت فلا يزيد في الخطبتين عن نصف ساعة إلى ربع إلى ثلث إلى خمس وعشرين دقيقة. أيضاً عليه أن يتحدث إليهم عن أمورهم ومشاكلهم التي تمر في الأسبوع ويعيش قضاياهم، وعليه أن يحسن من إلقائه، فبعض الناس تجده يكسر في النحو والعربية والآيات، عليه أن يتقي الله في الأحاديث فلا يأتي بأحاديث موضوعة, وقد أخبرنا بعض الناس أن بعض الخطباء أورد أحاديث باطلة ليست من كلامه عليه الصلاة والسلام وهي تغرير بالناس, فعليه أن يتقي الله في مسألة معرفة الحديث الصحيح من الضعيف. وأيضاً الخطبة هي توجيه للناس وتربية لهم, وحل لمشاكل الناس التي يعيشونها، وليست الخطب في قضايا محددة، بل هي فيما يهم الناس في ردهم إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، في أسلوب عصري مثلما يعيش الإعلام الآن طموحاتنا ومشاكلنا وأمورنا, بغض النظر هل يعيشها عيشة طيبة أولاً؟ وهل الإعلام موفق أو غير موفق؟ فهذا أمر معروف، لكنه يعيش على كل حال مشاكل الناس، بغض النظر عن عرضه هل هو سليم أو لا، فالمطلوب من الخطيب أن يتقي الله. وليس بلازم على الخطيب أن تكون خطبه في كل المناسبات التي تعلن كأسبوع المرور فيتكلم في المرور، أو أسبوع الشجرة فيتكلم في الشجرة, أو أسبوع المرأة أو النظافة أو غيرها، فمثل هذا له أن يتحدث, لكن بمنطقٍِ إسلامي وبكلام إسلامي تحت مظلة الكتاب والسنة، أما مسألة معالجة القضايا في إطار محدود وأمور باردة لا تنفع الناس فهذا لا يصلح، والإسلام قد كفل هذه الجوانب، لكن أيضاً يتكلم في جميع جوانب الناس, في اقتصاد الناس وثقافتهم ومشكلاتهم, وفي اهتماماتهم التي تهمهم في الدنيا والآخرة. أيضاً التثبت وأخذ الحيطة, ورجائي من الخطباء أن يتثبتوا في كثير من المعلومات التي تصلهم, فإن بعض الخطباء يقول: سمعت وقالوا وقلنا, ويعلق على "وكالة قالوا" فيقع في ورطة, فالواجب عليه أن يتثبت من كلامه وألّا يتكلم إلا بوثائق وبراهين, وأن يتقي الله فيما يقول وألّا يصدق كل أحد يخبره قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6]. أيضاً عدم التجريح, فأدعو ألّا يجرح أحداً، وليس من مبدئنا في الإسلام التجريح, ولا يجوز لنا أن نجرح ولا أن نسمي الأشخاص على المنابر، ولا نتناولهم باللمز ولا بالاستهزاء والسخرية, ولكن علينا أن نعرض الكتاب والسنة على الناس عرضاً مستقيماً, فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: {ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا} فيعرف صاحب الخطأ خطأه. وأيضاً إذا أخطأ الخطيب في جمعة في مسألة فالواجب إحالته إلى القضاء والعلماء والدعاة؛ حتى يحاكموه على خطئه ويردوا له بالأحسن ويؤدبوه ويوجهوه, فالبشر عرضة للخطأ, وليسوا بمعصومين وليسوا بأنبياء ولا رسل، هم يريدون الخير لكن يخطئون أحياناً في عبارة أو في لفظة، وأحياناً تزل معهم مع الارتجال كلمة لا يريدونها. فالواجب -وقد طالب بذلك العلماء- الواجب إحالتهم على القاضي يسألهم تحت مظلة إياك نعبد وإياك نستعين ويحاكمهم إلى الشرع, فإن أخطئوا فعليه أن يردهم إما أن يعزلهم من الخطابة إذا رأى عدم صلاحيتهم للناس -إذا كان القاضي عالماً- أو يرى أن يستمروا مع التنبيه, أو يرى أن الخطأ لا يوجب التنبيه عليه ولا يوجب توقيف الخطيب ولا يوجب التعزير به فهذا هو الواجب الشرعي, وهذا هو الذي يرضي الله تعالى ورسوله ويرضي المؤمنين. أسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لنا ولولاة الأمر الصلاح والحيطة والرعاية, وأن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه, وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم, وأن يصلح الراعي والرعية, وأن يؤلف بين قلوبنا على الحق, وأن يجعلنا متآخين متحابين تحت مظلة الأمن والسلام, وألا يجعل فينا شقياً ولا محروماً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين, والحمد لله رب العالمين.

رسالة إلى المصطافين

رسالة إلى المصطافين الكون مليء بالأسرار والعجائب، والسفر والنزهة والاصطياف وسيلة إلى معرفة أسرار الكون، والتفكر في مخلوقات الله عز وجل، وللسفر آداب وأحكام، لابد على المسافر أن يعرفها ويفقهها. وفي هذه المادة عرض لآداب وأحكام السفر.

من آداب الاصطياف

من آداب الاصطياف الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً؛ بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها المصطاف الكريم! حللت أهلاً، ووطئت سهلاً بين إخوانك ومحبيك، سعدنا بك وسعدت بنا يوم جمعتنا بك لا إله إلا الله وقد قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. أيها المصطاف الكريم! إنك في رحلتك هذه إلى أماكن النزهة تحمل رسالةً ربانيةً خالدة، إنها رسالتك التي شرَّفك الله بها؛ رسالة الإيمان والتوحيد والطهر والعفاف، رسالة لا تغيب عنك أبداً إلا يوم تغيب أنت عن إيمانك وتوحيدك وإسلامك، يوم تشتري الدنيا بالآخرة وتقبل على غير الله. هذه الرسالة هي معك وأنت في المسجد، والمكتب والحانوت والحديقة والجبل والبستان، إنها أمانة لا إله إلا الله ولقد قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72]. أيها المصطاف الكريم! إن للاصطياف آداباً وأخلاقاً لعلها لا تغيب عنك، فمن هذه الآداب:

التفكر في مخلوقات الله

التفكر في مخلوقات الله اغرس في نفسك توحيد الباري تبارك وتعالى، وأنت تنظر في بديع صنعه ولطيف خلقه. قال تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:60]. من الذي أنبت الشجر؟ من الذي جعل القُمري يهتف على الأغصان؟ من الذي أسرى بالنسيم على الماء؟ قال تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5] إنه كتاب الكون. وكتابي الفضاء أقرأ فيه صوراً ما قرأتها في كتاب {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:10]. من الذي رسم هذا الجمال؟ وأبدع هذا الكمال؟ من الذي جعل الرابية تشكو إلى الجبل، والماء يتمتم بالإسرار إلى الزهر، والبلبل ينشد قصيد الشكر على أغصان الشجر؟ انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة من الذي أبدعها من حبة مندثرة ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة ذو حكمة بالغة وقدرةٍ مقتدرة أيها المصطاف! إن الدرس العظيم الذي تستفيده وأنت تجوب بسيارتك في هذا الإقليم الجميل، أن تتزود من التوحيد في كل ما ترى وتشاهد قال تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20]. مالهم لا ينظرون؟!! مالهم لا يتفكرون؟!! مالهم لا يعتبرون؟!! ما للناس يعجبون من صنع الناس، ومن إبداع الناس ولا يعجبون من صنع رب الناس؟! تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك بم عرفت ربك؟ بالآيات، بالعظات، بالعبر في الكون، بالجمال، بالجلال. إن عليك أيها المصطاف أن تقرأ أسماء الله عزوجل في سمائه وأرضه، وإبداعه وتصويره. إن أول سورة نزلت على الأمي الكريم صلى الله عليه وسلم هي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] فأين يقرأ الأمي الذي ما كتب، ولا قرأ؟ إنه يقرأ في الكون؛ في الشمس الساطعة وفي النجوم اللامعة، في الليل والنهار، في الجدول والغدير والماء النمير. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد

حسن الخلق والكف عن أذى الآخرين

حسن الخلق والكف عن أذى الآخرين أيها المصطاف الكريم! إن من حقوق الإنسان التي أجمع عليها عقلاء العالم قاطبة: احترام مشاعر الآخرين، وتقدير مكانة المسلمين، والاعتراف بحقوق المؤمنين، فلا يضايق المسلم بكلمة نابية؛ بل لا يضايق غير المسلم، فكيف بالمسلم؟! ولا بتصرف أهوج، ولا بأذىً متعمد، قال سبحانه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:58] يقول ابن المبارك: إذا صاحبت قوماً أهل ودٍ فكن لهم كذي الرحم الشفيق ولا تأخذ بزلة كل قومٍ فتبقى في الزمان بلا رفيق وإن من احترام مشاعر الآخرين: صون أعراضهم عن النظر الحرام، وعدم الإزعاج بالتصرف الأهوج من مضايقة في أماكن النزول، أو رفع صوت، أو منعهم من مرفق عام أو منفعة مباحة مشتركة ليست خاصة بأحد.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيها المصطاف! إن من فرائض الله عزوجل على عباده: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل زمان ومكان، ويوم تترك الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تصبح أمة أشبه شيء بالدواب؛ أمة بهيمية لا قداسة لها ولا روح، حينها ينزع عنها الله جلباب الوحي، ويخطب الدجالون من على منابرها، وتضيع كرامتها، ويتهدم تاجها، ويتزلزل بنيانها، وتصبح في آخر الأمم، وفي سياق الركب قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] لكن متى؟! قال تعالى: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. وقد نعى الله على قوم خسروا وخابوا، إنهم اليهود، عملاء الخيانة، بنو إسرائيل، كانوا لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فلعنهم الله بصنيعهم الخائن الخائب قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. إنك أيها المصطاف في رحلتك هذه داعية إلى الله، تدعو من ضل إلى سبيل الله، وتُبصر من عمي عن منهج الله، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف:108] قل يا محمد للعالم وللدهر وقل للإنسانية، وللتاريخ {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف:108] هذه طريقي، ما هي؟ {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] قال أهل العلم: البصيرة: العلم، وقيل: الحكمة، وقيل: اللين، وقيل: التدرج، والصحيح: أن الجميع هو البصيرة، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] تدعو من في أماكن الاصطياف وفي النزهات، تدعو من تهاون عن الصلاة؛ إذ كثير من الناس أصبحت الصلاة في حياته ثانوية، بل بعضهم أكل نعم الله وكفر بفرائض الله، فلا يسجد ولا يركع ولا يسبح ولا يقرأ القرآن؛ كأنه دابة في مسلاخ إنسان. تدعو من رفض الحجاب الشرعي؛ وأذعن لنعرات وصيحات الغرب وعملاء الضلالة، فرفض الحجاب وكفر به، وآمن بالاختلاط، وسفك مروءته وصيانته واحترامه وعرضه أمام الآخرين. تدعو من شغل وقته وعمره بالغناء الماجن؛ فهو لا يعيش إلا على اللهو، قد امتلأ قلبه من اللهو والعبث، وقسا قلبه، وأعرض عن ربه.

تقدير نعم الله

تقدير نعم الله ومن الآداب أيضاً: أن تقدر نعم الله، فلا تصرفها في غير ما تصرف له، ولا تسرف في الإنفاق، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:26 - 27] {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67] إن الموائد التي تعرض تكفي عشرات الناس. إن بطون المجاهدين والفقراء واللاجئين بحاجة ماسة إلى ما يلقى في القمائم من الفضلات. فيا مسلمون! يا مصطافون! ويا أهل الدار! أنتم مدعوون لشكر نعمة الله، فإن نعمة الجو نعمةٌ امتن الله بها على من سبق، قال عن بني إسرائيل: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ} [الأعراف:160] فلا تحرقهم الشمس، ولا يلهبهم النسيم، وإنما يعيشون في رغد من الجو، وفي سعادة من العيش. وامتن الله عزوجل على قوم بالحدائق والبساتين قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15].

حقوق الضيف على المضيف

حقوق الضيف على المضيف وإن من حقوق المصطافين علينا: أن نحسن ضيافتهم بالاستقبال الحار بالإكرام، بالمعاونة {والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه} بأن ندلهم على أماكنهم وأماكن راحتهم، بأن نقف معهم في وقت نزولهم المحرج ونستضيفهم في الأوقات التي يرتاحون لها، ونعرض عليهم الخدمات؛ لأنهم قطعة من شريحتنا، وجزء من أجسامنا، جمعتنا بهم لا إله إلا الله. وإن من حقوقهم أيضاً: أن نعلي منزلتهم احتراماً لهم؛ لأنهم تركوا بلاد الغرب وبلاد الاصطياف الكافرة العاهرة، وبلاد الخمر، وأتوا إلى بلاد الصلاة؛ بلاد لا إله إلا الله، بلاد القرآن، فنعلي منزلتهم احتراماً لهم وتقديراً لهم يوم آثرونا بزيارتهم على الآخرين: ضيوف الخير قد شرفتمونا بلقياكم ربوع الجو طابا فـ أبها من زيارتكم تباهت بثوب الخلد أطلقت الضبابا أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

أحكام المسافر

أحكام المسافر الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه والتابعين. إن من عظمة هذا الدين؛ أنه يصاحب العبد في حله وترحاله، فللمقيم أحكام وللمسافر أحكام، للصحيح أحكام وللمريض أحكام، للرجل أحكام وللمرأة أحكام، دين يسع كل أصناف الناس وكل أقسام البشر وطبقات العالم، دين يعيش مع المسلم في ليله ونهاره، في السراء والضراء، بل يصحبه وهو حمل في بطن أمه إلى أن يدخل إما إلى الجنة أو إلى النار، وما دام المصطاف مسافراً فله أحكام السفر، أقولها تكراراً لمن عرفها، وتعليماً لمن جهلها:

الجمع والقصر في الصلاة

الجمع والقصر في الصلاة من أحكام المسافر التي يحتاج لها المصطاف: الجمع والقصر؛ وقد رخص عليه الصلاة والسلام في الجمع لكن في مواطن، وأما القصر فسنة، وحدُّ السفر الذي يقصر فيه ما يسمى في اللغة والعرف سفراً، فما تعارف الناس أنه سفر فيقصر فيه ويجمع، لا أن الله حد حداً أو رسوله عليه الصلاة والسلام كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: لا بالأميال، ولا بالفراسخ، ولا بالبرد، بل أطلق سُبحَانَهُ وَتَعَالَى السفر على ما سمي سفراً في عرف الناس وفي لغة العرب، وما لم يسمَّ سفراً فلا يقصر فيه. وأما قصر الصلاة فتقصر الرباعية إلى ركعتين، وأما المغرب والفجر فلا قصر فيهما، وأما النوافل الراتبة في السفر فمن هديه عليه الصلاة والسلام ألا يتنفل، لكن لا يسقط الوتر؛ بل يصلى الوتر حضراً أو سفراً. يقول ابن تيمية: ومن أراد أن يصلي الضحى وهو مسافر فله ذلك لعموم الأحاديث المطلقة للمقيم والمسافر. وأما الجمع، فكان هديه عليه الصلاة والسلام ألا يجمع إلا إذا جدَّ به السير، إذا كان على جناح السفر، وإذا مشى براحلته، أو انتقل المسافر بسيارته، فإن له أن يجمع الظهر مع العصر إما تقديماً أو تأخيراً، والمغرب مع العشاء إما تقديماً أو تأخيراً، أما إذا نزل المنزل وهو مسافر، فيصلي كل صلاة على حدة قصراً لا جمعاً، ومن اضطر لمشقة النزول، أو كان متعباً فله أن يجمع، لكن السنة المطلقة منه عليه الصلاة والسلام قصر الصلاة في أماكن النزول بلا جمع.

مدة الزمن الذي تقصر فيه الصلاة

مدة الزمن الذي تقصر فيه الصلاة الأحوط للعبد وهو الأقرب للنصوص، أنه إذا علم أنه سوف يقيم في بلد أكثر من أربعة أيام أن يتم صلاته، فإذا أنك علمت أنك سوف تقيم في هذا البلد أكثر من أربعة أيام فأتم صلاتك، أما إذا نزلت ولم تدرِ متى ترتحل، فإنك تقصر دائماً وأبداً مهما أقمت، فقد أقام عليه الصلاة والسلام في تبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة؛ لأنه لا يدري متى يرتحل عليه الصلاة والسلام. والمسافر إذا ائتم بمقيم، صلى بصلاته الحاضرة وهذه هي السنة كما قال ابن عباس عند البيهقي، لكن جوَّز كثير من المحدثين والعلماء للمسافر إذا أدرك من الرباعية الثالثة والرابعة أن يكتفي بها، ويسلم مع الإمام، وهذا هو الصحيح إن شاء الله.

المسح على الخفين

المسح على الخفين ومن المسائل والأحكام التي تهم المسافر: المسح على الخفين؛ وقد جعل صلى الله عليه وسلم مدة المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن كما في حديث علي في صحيح مسلم فالبس الخفين على طهارة، واحسب مدة المسح من أول حدث، والخف هو ما سمي خفاً في اللغة والعرف، وهو: ما ستر القدمين، ولا يشترط كما قال بعضهم: أن يكون مخروزاً أو جلداً أو يقوم بذاته أو يواصل المشي عليه، إنما يسمى خفاً كل ما ستر القدمين، فهذا الذي يمسح عليه، فقد كان الصحابة يلفون لفائف ربما كانت مشققة ويمسحون عليها. قال ابن تيمية: ومن اشترط هذه الشروط التي ليست في كتاب الله عزوجل ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنما قد وضع الآصار والأغلال التي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برفعها عن الأمة قال تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157] فإذا انتهت مدة ثلاثة أيام للمسافر ويوماً وليلة للمقيم، فعليه أن يضع الخفين ويتوضأ ويغسل القدمين ويبدأ مدة جديدة، ومن خلع الخف في أثناء المدة فالأحوط أن يعيد وضوءه من جديد.

التيمم

التيمم ومن الأحكام: التيمم لفاقد الماء، والمتضرر باستعمال الماء، وصفته: أن يضرب الصعيد الطيب -وهو التراب الذي له الغبار- بكفيه ثم يمسح وجهه وظاهر يده اليسرى بباطن اليمنى، وظاهر يده اليمنى بباطن اليسرى كما فعل محمد عليه الصلاة والسلام في حديث عمار.

دعاء السفر

دعاء السفر ومن السنن في السفر: دعاء السفر الذي كان يدعوه عليه الصلاة والسلام، كان يقول: {اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا، واطوِ عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل} وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام في سنن أبي داود أنه قال: {من نزل منزلاً فقال: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) لم يصبه سوءٌ حتى يرتحل من ذاك المنزل}.

المحافظة على المكان الذي تنزل فيه

المحافظة على المكان الذي تنزل فيه ومن الآداب أيضاً: أن يتجنب بالأذى طرق الناس وسبلهم ومياههم ومتحدثهم، فلا يقضي حاجته في تلك الأماكن فإن من فعل ذلك، فقد استحق اللعنة، وقد لعنه عليه الصلاة والسلام وهو أحد اللعانين اللذين يستوجبان لعنة الناس، وقيل: لعنة الملائكة والناس، وهو الذي يتخلّى ويلقي حاجته في طرق الناس أو في ظلهم، زيد في أحاديث: أو نقع الماء، أو المكان الفسيح الذي يجتمع فيه الناس، أو تحت شجرة مثمرة، أو على مكان مرتفع ينظر إليه أو نحو ذلك. إنه دين نظيف راقٍ يرتقي بالإنسان ليكون عليه رداء الطهر والقداسة، فكأن الإنسان يشابه الملك، هذا هو دين محمد عليه الصلاة والسلام. وإنما نبهت على هذه الأحكام؛ لأن المصطاف وهو مسافر يحتاج إلى مثل هذه الأحكام، وإني أوصي إخواني من المصطافين والمقيمين بكثرة ذكر الله عزوجل، وكثرة التوبة والاستغفار وفعل الصالحات. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين. وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم اجمع كلمة المسلمين ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون لإعلاء كلمتك في أفغانستان وفلسطين؛ اللهم أيدهم بكلمتك، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم زلزل أعداءهم، اللهم أنزل السكينة عليهم يا رب العالمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

رسالة إلى المغنيين والمغنيات

رسالة إلى المغنيين والمغنيات يتحدث الشيخ حفظه الله عن هذا الموضوع، مبيناً الدوافع والأسباب التي دفعته لطرحه، ثم شرع في ذكر الأدلة من الكتاب والسنة المطهرة الدالة على تحريم الأغاني، ثم أخذ يورد أقوال الصحابة والتابعين وعلماء الإسلام في تحريم الغناء وفتاويهم في ذلك، مع ذكره لبعض شبه من أباح الغناء والرد عليها، وأتبع ذلك ببيان بعض كلمات المغنين وأشعارهم الكفرية والإلحادية، مبيناً أضرار الغناء. واختتم الدرس بكلام بعض التائبين من الغناء، وأقوال بعض الشعراء في ذم الغناء.

الأسباب الدافعة للحديث عن الغناء

الأسباب الدافعة للحديث عن الغناء الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أكرم هادي، وأفصح من نطق بالبوادي، وأجل من تكلم في النادي، وأحدى من حدا به حادي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته: فعنوان هذه المحاضرة: (رسالة إلى المغنيين والمغنيات) رسالة مزجتها بالحب، وصبغتها بالمودة، وأرسلتها بالمحبة، ودفعني لقول هذه الرسالة ثلاثة أسباب: السبب الأول: ما أخذ الله على أهل العلم أن يبينوا الحق، ويوضحوا للناس ما اختلفوا فيه، ويقيموا على كل مسألة دليلاً، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] لذلك كان لزاماً عليَّ وعلى كل داعية وكل طالب علم أن يبين الحق لأهل الحق، ولمن يقبل الحق ولمن لم يعرف الحق، ولا تأخذه في الله لومة لائم. السبب الثاني: الإشفاق على من وقع في براثن الغناء، ومن ضيع عمره في هذا اللهو، ومن لعب بساعاته ولياليه وأيامه، والرحمة به، فوالله لا نريد أن تصيبه حرارة الشمس، ولا الشوكة؛ لأنه مسلم في الجملة، ولأنه قريب وأخ وحبيب وصديقٌ، فرحمةً به أردنا أن ننصحه، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} فأحببنا لهم ما أحببنا لأنفسنا؛ لأنا ذقنا القرآن وحلاوة الذكر، والطاعة والعبادة، ومجالس الخير والدروس، والكتب الإسلامية واتباع السنة، فنحب لهم ما نحب لأنفسنا، ونريد لهم أن يذوقوا كما ذقنا، وأن يعيشوا كما عشنا، وأن يحيوا كما حيينا، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. السبب الثالث: ما لُبِّس على بعض الناس من الذين تزعموا الفتيا؛ فأفتوا بغير علم، وشُبِّه عليهم، فأباحوا الغناء، فنقول: من أين أبحتموه والله يقول: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116]؟! من أين أبحتموه؟! وما هو دليلكم؟! ومن أين برهانكم؟! {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، ولكن بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا} أين الدليل؟ وأين البرهان؟ فهذه الرسالة إلى المغنين والمغنيات لها عناصر: العنصر الأول: أدلة تحريم الغناء من الكتاب والسنة. العنصر الثاني: أقوال علماء الإسلام في تحريم الغناء. العنصر الثالث: شبهة من قال بإباحة الغناء والرد عليه. العنصر الرابع: بعض كلمات المغنين في غنائهم التي يقولونها صباح مساء، وتبث في الآذان، وتصل إلى القلوب. العنصر الخامس: أضرار الغناء وأخطاره في الدنيا والآخرة. العنصر السادس: تائبون من الغناء منّ الله عليهم بهجر الغناء، وعادوا إلى رحاب الإيمان، فأهلاً وسهلاً بالأحباب، وحياهم الله وبياهم من خيرة أصحاب على سنن الهدى. يا خير ساعٍ لقيت الحظ في يوم المعاد العنصر السابع: ماذا قال شعراء الإسلام عن الغناء في ذمه وفي تحقيره وفي التحذير منه؟

أدلة تحريم الغناء

أدلة تحريم الغناء

أدلة تحريم الغناء من كتاب الله

أدلة تحريم الغناء من كتاب الله أما الكتاب والسنة فقد نطقا بتحريم الغناء، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة الإسراء: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء:64] قال المفسرون كما ذكر ابن جرير وابن كثير وغيرهما: " صوته الغناء " واستفزز -والخطاب للشيطان- أي: استفزز اللاغين اللاهين بصوتك الذي هو الطرب والغناء، وما صاحبه من موسيقى ووترٍ وناي وكمنجةٍ، وغيرها من المعازف، استفززهم بذلك وأزهم أزاً، وحركهم إلى المعصية، وذكرهم الفاحشة، ومرسهم على الفجور. وقال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [لقمان:6 - 7] قال ابن مسعود: [[أقسم بالله أن لَهْوَ الحديث لَهُوَ الغناء]] وقاله غيره كـ جابر، ونقل عن مجاهد ذلك، وعن ابن مسعود كما أسلفت وعن غيرهم من الأئمة كما سوف أذكره إن شاء الله. وقال سبحانه: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأنعام:70] قال بعض العلماء: اللهو هو: الغناء، بل هو أسه وأساسه ورأس حربته، فهو من أعظم اللهو الذي يلهي القلوب عن باريها سبحانه وتعالى. وقال سبحانه: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [الأعراف:146] وأغوى الغي ما دلك على الفاحشة وما قادك إلى المعصية، فهذا عقبة بن نافع القائد العظيم الشهير المسلم الذي وقف بسيفه على المحيط الأطلنطي يخاطب الماء ليرفع لا إله إلا الله وراء الماء، يقول لأبنائه: " يا أبنائي! إياكم والغناء! فوالله ما استمعه عبد إلا وقع في الفاحشة ". وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون:9] فإذا كان اتخاذ الأموال والأولاد مباحاً، لكنه إذا ألهى حرم، فكيف الملهيات التي هي أصلاً وفصلاً ونصاً من الملهيات والمغريات للقلب، ومما يحجبه عن خالقه ومولاه؟! وقال سبحانه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية:23] قال أحد علماء السلف: " كل من أحب شيئاً وتعلق به وشغله فهو إله له من دون الله " (اتخذ إلهه هواه) أي: أحب هذا الهوى فغلبه. قال سبحانه: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26] والهوى: كل ما شغلك عن طاعة أو حجزك عن ذكر، قال البخاري في صحيحه: باب ما يذم من الشعر إذا كان الغالب على الإنسان حتى شغله عن القرآن وعن الذكر وعن طلب العلم، ثم أتى بالحديث الصحيح المرفوع: {لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير من أن يمتلئ شعراً} فإذا كان هذا الشعر وهو مباح في أصله إذا لم يصاحبه غناء مذموماً إذا شغل عن الذكر والقرآن وطلب العلم؛ فكيف بغناء مركب يشغل الإنسان عن طاعة الواحد الأحد كما تشغله الخمر؟! فلا إله إلا الله كم أفسد الغناء من قلب!! ولا إله إلا الله كم جفت بسببه عين!! ولا إله إلا الله كم أغوى من شباب وكم أورث من فاحشة وكم دعا إلى فجور!! اتق الله الذي عز وجل واستمع قولاً به ضرب المثل اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل كم أطعت النفس إذ أغويتها وعلى فعل الخنا ربيتها كم ليال لاهياً أنهيتها إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل وقال سبحانه: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] وأغفل الغافلين وأكثر الناس صدوداً من شغل وقته بالغناء مزاولةً أو سماعاً أو مشاركةً، فحينها يقسو قلبه، وتكثر حجبه، ولا تسيل دموعه، ولا يذكر ربه، ولا يتهيأ لمعاده.

أدلة تحريم الغناء من السنة

أدلة تحريم الغناء من السنة أما سنة المختار عليه الصلاة والسلام فاسمعوا إلى الحبيب، يا أيها المغني! يا أيتها المغنية! اسمعوا إلى رسول الإنقاذ عليه الصلاة والسلام، اسمعوا إلى المصلح الكبير، اسمعوا إلى المعلم النحرير، اسمعوا إلى البشير النذير، اسمعوا إلى من لم يترك لنا خيراً إلا دلنا عليه، ولا شراً إلا حذرنا منه، اسمعوا إلى الذي لو خالفنا طريقه فلن نعرف الجنة، ومن اتبعه نجا وأفلح في الدنيا والآخرة. فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم عند البخاري أنه قال: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} حديث صحيح سنده كالشمس، ومعناه: أنه سوف يأتي قوم يستحلون محرمات منها المعازف، فيقولون: مباحات ويعزفون ويطبلون، ويرقصون ويغنون، فإذا جابهتهم، قالوا: مباحٌ، وقد صحت نبوته في ذلك، والحديث في البخاري. وقد قال عليه الصلاة والسلام عند أبي داود بإسناد حسن، بل صححه بعض الفضلاء: {يبيت قوم من هذه الأمة على طعام وشراب ولهو ولعب، فيصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير} رواه أبو داود بسند حسن. وبعض علماء السنة قال: "سوف يقع المسخ في آخر هذه الأمة". قالوا: "من استغوى وغوى، وأحدث الخمر والمعازف والغناء، وترك رب الأرض والسماء، يوشك أن يصبح وقد مسخ خنزيراً أو قرداً " والعياذ بالله. وقال عليه الصلاة والسلام، والحديث في الترمذي وقال عن الحديث: غريب: {ليكونن في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، قال رجل: متى ذاك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهرت القيان والمعازف} قيل: القذف بالحجارة من السماء، والخسف: أن يخسف بهم في الأرض ويسيخوا، وقد أورد بعض المؤرخين أن بعض اللاغين اللاهين الفاجرين في بلاد الإسلام باتوا على زنا وغناء، فخسف الله بهم وبدارهم، والقصص معروفة، وقذفوا بالحجارة، ومسخٌ: يمسخون قردةً وخنازير والعياذ بالله! وقال عليه الصلاة والسلام والحديث عند ابن خزيمة بسند صحيح: {إني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة، وصوت عند مصيبة}. قال أهل العلم: الصوت عند النعمة: هو صوت العزف والغناء في مناسبات الطرب إذا حصلت النعمة، وجزاء النعمة شكر الواحد الأحد لا الغناء، ولا الرقص، ولا المعازف، والصوت عند المصيبة هو: صوت النائحة، ودلت على ذلك النصوص، وعند أبي داود يُروى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه خرج لما سمع زمارة راعٍ فوضع إصبعه في أذنيه، ثم قال: يا نافع! هل تسمع شيئاً؟ قال: نعم. فأبقى إصبعيه، فلما سأله هل تسمع شيئاً؟ قال: لا. فأنزل إصبعيه من أذنيه، وقال: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع زمارة راعٍ، فوضع إصبعيه في أذنيه كما فعلت} فهذه زمارة راعٍ ليس فيها من الإغواء كهذا الغناء الذي تكلف فيه، وأصبح مركباً، وأصبح له تخصص، وأصبح على دراسة، وأصبح فتاناً للقلوب ومشغلاً للأرواح أهو أولى بالتحريم أم هذا؟

أقوال علماء الإسلام في تحريم الغناء

أقوال علماء الإسلام في تحريم الغناء فهذا ابن عباس يحرم الغناء، وابن مسعود يحذر منه، وجابر بن عبد الله يصفه باللهو، وعلماء الإسلام يفتون بتحريم الغناء، وعقبة بن نافع يحذر أبناءه، ومكحول ينكر على من يغني وعلى من يستمع، وكذلك مجاهد، وميمون، وعكرمة. يفتي شيخ الإسلام ابن تيمية بتحريم الغناء، وسوف أورد فتواه، وابن القيم يحبر مقالةً في ذم الغناء وتحريمه، وعلامتنا وشيخنا سماحة الوالد ابن باز له فتوى في ذلك بتحريمه. إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام الألباني: يجمع النصوص، ويحرر الأحاديث، ويفتي بتحريم الغناء، فهل بعد هذه القائمة من علماء؟! وهل يجابه فتوى هؤلاء فتوى؟ خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل واسمع إليهم الآن:

أقوال الصحابة والتابعين والأئمة في تحريم الغناء

أقوال الصحابة والتابعين والأئمة في تحريم الغناء قال ابن عباس رضي الله عنهما كما في تفسير ابن جرير في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6] قال: [[هو الغناء]]. وقاله مجاهد، ومكحول علامة الشام، ومجاهد بن جبر -كما أسلفت- مفسر المسلمين، وميمون بن مهران العدل الثقة، وقاله الثوري زاهد التابعين، وقاله أبو حنيفة علامة العراق، وقال مالك: " لا يستمع الغناء ولا يغني عندنا إلا الفساق ". ، وقال الشافعي: خلفت بـ بغداد شيئاً أحدثته الزنادقة، يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن أو كما قال، وأفتى الإمام أحمد بتحريمه وحذر منه، وتبعه أصحابه، وصنف في ذلك أبو الطيب الطبري رسالةً، وكذلك كثير من العلماء ألفوا فيه رسائل. قال ابن مسعود فيما صح عنه وبعضهم يرفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام: [[الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت البقل من المطر]] وقال عقبة بن نافع لأبنائه وقد تقدم نحوه: " إياكم والغناء فما استمعه عبد إلا وقع في الفاحشة "، وقال عمر بن عبد العزيز لأبنائه: [[أُحذركم الغناء، فما استمعه عبد إلا أنساه الله كتابه]] أي: القرآن. وابن مسعود في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6] يقول: [[والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء]] ونقل الآجري العالم الكبير المحدث إجماع أهل العلم بتحريم الغناء، وهو قول الليث بن سعد وعلماء مصر، وعلماء الكوفة، وأفتى به حماد وأبو عبيد، وإسحاق بن راهويه، وإبراهيم النخعي، وغيرهم كثير.

فتوى شيخ الإسلام في تحريم الغناء

فتوى شيخ الإسلام في تحريم الغناء واسمع إلى حبيب العلماء، الثقة العدل، الزاهد الصادق، شيخ الإسلام أبي العباس تقي الدين ابن تيمية يقول في كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: " ومن أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية -يقصد الصرع- وما ينتاب العبد من خبائث، ومن واردات شيطانية ووساوس وأمراض قلبية سماع الغناء والملاهي، وهو سماع المشركين، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] قال ابن عباس وابن عمر: [[التصدية التصفيق باليد، والمكاء: الصفير]]. وقال شيخ الإسلام: فكان المشركون يتخذون هذا عباده، وأما النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعبادتهم ما أمر الله به من الصلاة والقراءة والذكر ونحو ذلك، ولم يجتمع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على سماع غناءٍ قط، لا بكف ولا بدف. ثم قال عن مستمع الغناء: " وحالة خوارقه تنقص عند سماع القرآن، وتقوى عند مزامير الشيطان، فيرقص ليلاً طويلاً، فإذا جاءت الصلاة صلى قاعداً، وقد حدث هذا ". قال الشافعي: رأيت في المدينة قيناً يدور على الناس يعلمهم الغناء طيلة النهار، فإذا أتت الصلاة صلى جالساً، أو ينقر الصلاة نقر الديك، وهو يبغض سماع القرآن وينفر منه ويتكلفه، ليس له فيه محبة ولا ذوق ولا لذة عند وجده، ويحب سماع المكاء والتصدية، ويجد عنده مواجيد، فهذه أحوال، وهو ممن يتناوله قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36] ". انتهى كلام ابن تيمية. وأقول له: بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا

كلام ابن القيم حول الغناء

كلام ابن القيم حول الغناء وقال تلميذه ابن القيم -غفر الله له ورفع درجته- في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان وهو كتاب عظيم: " ومن مكائد الشيطان ومن مكائد عدو الله ومصائده التي كاد بها من قل نصيبه من العقل والعلم والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين، سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى، كاد الشيطان النفوس المبطلة، وحَسَّنَ الغناء لها مكراً منه وغروراً، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه فقبلت وحيه، واتخذت لأجله القرآن مهجوراً، فلو رأيتهم عند ذياك السماع، وقد خشعت منهم الأصوات، وهدأت منهم الحركات، وعكفت قلوبهم بكليتها عليه، وانصبت انصبابةً واحدةً، فتمايلوا له كتمايل النشوان، وتكسروا في حركاتهم ورقصهم كتكسر النسوان، والعياذ بالله ". ثم قال: " وهو خمارة النفوس، يفعل بالنفوس أعظم من فعل الكئوس، فلغير الله بل للشيطان قلوب هناك تمزق، وأموال في غير طاعة الله تنفق، قضوا حياتهم لذة وطرباً، واتخذوا دينهم لعباً ولهواًً، مزامير الشيطان أحب إليهم من استماع سور القرآن، لو سمع الواحد منهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرك له ساكناً، ولا أزعج له قاطناً، حتى إذا تلي عليه قرآن الشيطان، وولج مزموره سمعه، تفجر ينابيع الوجد من قلبه على عينه فجرت، وعلى أقدامه فرقصت، وعلى يديه فصفقت والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله الواحد الديان عليه توكلت وهو حسبي ونعم الوكيل ". انتهى كلامه رفع الله منزلته، وغفر ذنبه، وهو من المحققين العظماء.

فتوى ابن باز والألباني في تحريم الغناء

فتوى ابن باز والألباني في تحريم الغناء وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله قال السائل: ما حكم الأغاني؟ هل هي حرام أم لا؟ رغم أني أسمعها بقصد التسلية فقط؟ وما حكم العزف على الربابة والأغاني القديمة؟ وما حكم الطبل في الزواج؟ فأجاب سماحته: " الاستماع إلى الأغاني حرام ومنكر، ومن أسباب مرض القلوب وقسوتها وصدها عن ذكر الله وعن الصلاة، وقد فسر أكثر أهل العلم قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6] بالغناء، وكان عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل رضي الله عنه يقسم على أن لهو الحديث هو الغناء، وإذا كان مع الغناء آلة كالربابة والعود والكمان والطبل صار التحريم أشد. وذكر بعض العلماء أن الغناء بآلة لهو محرم إجماعاً، فالواجب الحذر من ذلك، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} وهي: آلة الطرب". ثم قال: " أوصيك وغيرك بالإكثار من قراءة القرآن ومن ذكر الله عز وجل، كما أوصيك وغيرك بسماع إذاعة القرآن وبرنامج نور على الدرب، ففيهما فوائد عظيمة، وشغل شاغل عن سماع الأغاني وآلات الطرب، أما الزواج فيشرع فيه ضرب الدف مع الغناء المعتاد، الذي ليس فيه دعوة إلى محرم ولا مدح محرم، في وقت من الليل للنساء خاصة؛ لإعلان النكاح، والفرق بينه وبين السفاح، كما صحت السنة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما الطبل فلا يجوز ضربه بالعرس ولا في غيره، بل يكتفى بالدف خاصة في العرس فقط، وللنساء دون الرجال ". انظر مجلة الدعوة العدد (902). وهذه فتوى من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، انتهت وهو من هو علماً وحفظاً وتقوى وفهماً. واسمع إلى محدث العصر والعلامة الكبير محمد ناصر الدين الألباني وقد أورد حديث: {ليكوننَّ أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} قال في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 144) قوله: " (يستحلون) فإنه صريح بأن المذكورات ومنها: المعازف هي في الشرع محرمة، يستحلها أولئك القوم ". وقال: " وقرن المعازف مع المقطوع بحرمته، مع الزنا والخمر، ولو لم تكن محرمة لما قرنها معها، وقد جاءت أحاديث كثيرة بعضها صحيح في تحريم أنواع من آلات العزف التي كانت معروفة يومئذٍ كالطبل والعود وغيرها، ولم يأتِ ما يخالف ذلك أو يخصه؛ اللهم إلا الدف في النكاح والعيد، ولذلك اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها، ولا تغتر -أيها القارئ الكريم! - بما قد تسمع عن بعض المشهورين اليوم من المتفقهة من القول بإباحة آلات الطرب والموسيقى، فإنهم والله عن تقليد يفتون، ولهوى الناس ينصرون. ومن يقلدون؟ إنما يقلدون ابن حزم الذي أخطأ فأباح آلات الطرب والملاهي، لأن حديث أبي مالك الأشعري لم يصح عنده، وهو صحيح ". انتهت فتوى هذا العالم الجهبذ العلامة غفر الله له ورفع منزلته.

شبهة من قال بإباحة الغناء والرد عليه

شبهة من قال بإباحة الغناء والرد عليه ورد في الساحة ونشرت بعض الصحف أن بعض المفكرين سئل عن الغناء هل تستمعه؟ قال: نعم أستمعه، ولا بأس به وهو حلال، ولم يأتِ فيه حديث صريح يحرمه.

مواقف في الرد على شبهة من أباح الغناء

مواقف في الرد على شبهة من أباح الغناء ونحن نقف منه ثلاثة مواقف: أولها: أن نقول له: كيف افتريت على الكتاب والسنة؟ أما أوردنا الآيات؟! أما أوردنا الأحاديث؟! أما ذكرنا كلام أهل العلم؟! فأين دليلك الذي يعارض دليلهم؟! ما هو دليلك الذي تبيح به الغناء؟ قال سبحانه: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116]. ثانيها: أن نقول له: إن كتاب الله قد بين المحرمات وما أحل سبحانه، فإن الله قد فصل في الكتاب كل شيء، وقال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7] فسألناهم كـ ابن عباس وجابر وابن عمر وعائشة، وجل الصحابة وعلماء التابعين، والفقهاء الأربعة، وابن تيمية وابن القيم وابن باز والألباني فقالوا بتحريمه، فأين العلماء إلا هؤلاء؟ أين نذهب؟ بتحليله إلا قوم ليس لهم دليل. ثالثها: ألم ينظر هذا المفكر إلى ما حدث في المجتمع من فساد؟ ألم ينظر إلى ما طم من بلاء؟ ألم ينظر إلى المنكرات؟ ألم ينظر إلى الفجور؟ ألم ينظر إلى ما أحدثه الغناء؟ ألم ينظر نتائجه الوخيمة في المجتمعات؟ ألم ينظر إلى الفاحشة والتسيب؟ فتاة في السادسة عشرة وفي العشرين تكشف صدرها وذراعيها، وتمشط شعرها وتتجمل وتتطيب وتتمكيج، ثم تظهر أمام الجماهير وأمام الألوف المؤلفة، فتنقل في الشاشات، وعلى الصحف، وفي وجه المجلات بصوت رخيم، فتفتن القلوب وتعدم الأرواح، فلا إله إلا الله أي ذنب اقترفت!! وأي خطيئة ارتكبت!! وأي رب أغضبت!! وأي شرع خالفت!! نسأل الله أن يهدي هؤلاء، فما اجتمعنا إلا لنقول النصيحة، ولندعو لهم بظهر الغيب علَّ الله أن يسعدهم في الدنيا والآخرة.

بعض كلمات المغنين في غنائهم

بعض كلمات المغنين في غنائهم الغناء بالآلات -كما قلت- محرم، لكن زادوا على ذلك وطمُّوا وعمُّوا، فأتوا يتفننون في منكر القول وفاحشه؛ بل بعضهم وصل إلى درجة الكفر بشعره وبغنائه.

أمثلة من شعر الغزل الكفري والإلحادي

أمثلة من شعر الغزل الكفري والإلحادي فهذا خليفة من الخلفاء طلب شاعراً من الشعراء ليسفك دمه، وهذا الشاعر يقول في أغنية أو قصيدة: قف بالطواف تر الغزال المحرما حج الحجيج وعاد يقصد زمزما لو أن بيت الله كلم عاشقاً من قبل هذا كاد أن يتكلما فسمعها بعض العلماء فبكى وقال: سبحان الله، والله ما دخلت الطواف والمسعى ووالله ما ذكرت إلا الله وما ذكرت غيره، ومع العلم يقول هذا الشاعر: كاد أن يتكلم البيت لمحبوبه، وحسيبه الله! ويقول آخر: فوالله ما أدري ولو كنت داريا بسبع رمين الجمر أم بثمانيا لما رأى النساء عند الجمرات نسي العدد، وتوله قلبه، ونسي مراقبة الله عز وجل عند الجمرات التي وقف عندها المصطفى يبكي ويدعو، ووقف أيضاً عمر عندها يبكي ويقول: [[اللهم إنه شاب رأسي، ورق عظمي، وضاعت رعيتي؛ فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون، اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتةً في بلد رسولك]] وأما هذا فيقول: فوالله ما أدري وإن كنت داريا بسبعٍ رمين الجمر أم بثمانيا ويقول غيره وهو مجنون ليلى الذي ضاع قلبه وأعرض عن القرآن، وعن المسجد، وأمره إلى الله، يقول: أتوب إليك يا رحمن مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوبُ وأما من هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوبُ لا إله إلا الله!!! والله يقول: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] وقال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].

غزل أحد المغنين المعاصرين وإلحاده

غزل أحد المغنين المعاصرين وإلحاده وفي مجلة اليقظة قالوا: بعد توقف خمسة وثلاثين عاماً يعود الموسيقار الكبير الفنان، يعود ليتحف الجماهير -أقول: ليضل الجماهير- ويتحفنا بالجديد، وأقول: الجديد من المعصية، عله أن يتوب ويراجع حسابه مع الله، اسمع إلى كلمات الأغنية، وأنا أقرؤها بلهجته؛ لأنها لهجة عامية متبذلة، وعفواً إذا أخطأت في ضبط اللهجة، وهي تخالف المعتقد وتعارض الكتاب والسنة، وتلغي قرارات القضاء والقدر التي أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم، وأفتى كثير من العلماء بتحريم قولها واستماعها، وأن من اعتقد ما فيها فقد كفر، وحقه أن يقطع رأسه بالسيف الأملح؛ لأنه اعتقد عقيدة الشرك والعياذ بالله، يقول: جايين الدنيا ما نعرف ليه ولا رايحين فين ولا عايزين إيه مشاوير مرسومة لخطاوينا نمشيها في غربة ليالينا يوم تفرحنا ويوم تجرحنا واحنا ولا احنا عارفين ليه وزي ما جينا جينا ومش بأيدينا جينا ولقيت بيتي بعد الغربة قلبك ده وعيونك ديه ولقيت روحي في أحضان قلبك باحلم واصحى واعيش على حبك حتى في عز عذابي بحبك عارف ليه يا حبيبي بحبك من غير ليه

قضايا مهمة في مقطوعة غناء

قضايا مهمة في مقطوعة غناء أولها: قوله: (جايين الدنيا ما نعرف ليه) أي: أتيت إلى الدنيا لا أعرف لماذا أتيت؟ قال سبحانه يرد عليه ويخبره لماذا أتى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3]. (جايين الدنيا ما نعرف ليه) أتى بك الله كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58]. قال: (جايين الدنيا ما نعرف ليه) أتيت لتعبد الله فإلى جنة أو تعصي الله فإلى نار. ثم يقول: (ولا رايحين فين ولا عايزين إيه) رايح إلى دار المستقر، إلى يوم يجمع الله الأولين والآخرين يرد الله عليك فيقول: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62] وقال تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:1 - 3] وقال تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:34 - 41] والله يقول لك: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. يقول: (ولا رايحين فين ولا عايزين إيه) رايح إلى الواحد الأحد، قال سبحانه: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] وقال تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} [طه:102] وقال سبحانه: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة:1 - 2] وقال تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:33 - 37]. ويقول: مشاوير مرسومة لخطاوينا نمشيها بغربة ليالينا كأنه يمشي على غير قضاء وقدر، والله يقول: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:49 - 50] ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8] ويقول الله: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد:8 - 11] ويقول الله: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] فاعرف أنك سوف تلقى الله. مقطوعةُ كفرٍ تُغنى، ويستمعها مئات الألوف، ونحن نحذره وننذره، وكل من سار مساره وأدمن الغناء، شفقةً بهم ورحمةً قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، والكافرون هم الظالمون، قبل أن يجمع الله الأولين والآخرين ثم يقولون: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} [الأنعام:27] ولكن هيهات. إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد لما كان أرصدا واسمع إلى بعضهم يقول في أغنية مشهورة: هل رأى الحب سكارى مثلنا ما رأى في الحياة سكارى مثلكم، سكرى الأرواح وسكرى العقول اجتمعت فهو سكار عظيم، فما رأى الناس كسكران من الغناء، وسكران من الخمر، وندعوك مع ذلك إلى الله، واعلم أنك مهما شربت من كأس، ومهما استمعت من وتر، ومهما عصيت الله ثم عدت ورفعت يديك إلى الحي القيوم، وتبت إلى الله وقلت: أستغفر الله، غفر الله لك. صح عنه عليه الصلاة والسلام أن الله عز وجل يقول: {يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم} وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الحديث القدسي الصحيح: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة}. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقنا من النار سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا وقال الرابع: يا من هواه أعزه وأذلني كيف السبيل إلى وصالك دلني لقد أذلك هواه، ولقد أبعدك هواه، ولقد صدك هواه، أبعدك عن المسجد، وعن القرآن، وعن طريق الجنة، أذلك في الدنيا والآخرة، إن لم تتب إلى الله، وهذا اعتراف منه يقوله أمام الناس. وقول الخامس: (قسماً بمبسمك البهي) لا إله إلا الله!! القسم بغير الله شرك، وهذا يقسم بشفتي محبوبه، والله له أن يقسم بما شاء من خلقه، والله يقسم على أمور تشيب الرءوس، وتجعل الولدان شيباً، وتجعل الدمع يتصبب، وتجعل القارب يتحدر، قال سبحانه: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} [الشمس:1 - 2] وقال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:1 - 2] وقال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:1] وقال تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75] وقال تعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى:1 - 2] قسم عظيم من الواحد الأحد، ولا نقسم إلا بالله فلا أعظم من الله، وهذا يقول: (قسماً بمبسمك البهي). ويقول آخر وهو يغنى هذا الكلام: لبست ثوب العمر لم أستشر وحرت فيه بين شتى الفكر لا إله إلا الله! تعتب على أنه ما استشارك الواحد الأحد، فتقول: ما استشارك الله الذي خلقك، قال تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] له الحكمة البالغة يخلق ما يشاء ويفني ما يشاء، ويغني من يشاء ويفقر من يشاء، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]. وقصيدة وأغنية أخرى، نقلت عن مطربة كتبها أحد الناس، تقول وهي قد كلَّت في الحياة وملَّت: (أروح لمين ومين سيرحم أساي) تروحين إما إلى جنة أو نار، قال تعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] وقال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] هذا طريق الخير وطريق الشر، محمد عليه الصلاة والسلام في الطريق الأيمن، والشيطان في الطريق الأيسر، فإن أجبت محمداً عليه الصلاة والسلام فالجنة، وإن بقيت مع الشيطان فالنار. ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيء ويغني أحدهم أغنية الفاسق المجرم إيليا أبو ماضي النصراني الذي يقول: جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!! ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!! وأقول: والله لتعلمنَّ: {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9 - 10]. {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:106 - 107]. هذه بعض المقطوعات، وتركتُ الكثير وعندي قوائم وقصاصات وملحقات ونشرات، بعضها كفر، وبعضها فسق، وبعضها معصية، فنطلب من الجميع أن يتوبوا إلى الله، وأن يراجعوا حسابهم، وليعلموا أن هناك رقيباً. كأن رقيباً منك يرعى خواطري وآخر يرعى مسمعي وجناني

أضرار الغناء

أضرار الغناء ذكر بعض العلماء أن للغناء أكثر من ثلاثين ضرراً، وأكثر من ثلاثين خطراً: - منها: أنه يقطع الحبل بينك وبين الله، لأن حبلك مع الله هو الذكر، وقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والقرآن وعمارة المسجد، وتذاكر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. - ومن أضرار الغناء: أنه يوجد وحشة بينك وبين الله الذي لا إله إلا هو {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] وتقسو القلوب بذكر الشيطان، والغناء قرآن الشيطان، ورقية إبليس وبريد الزنا، ما أدمن عبد عليه إلا استوحش من المساجد والقرآن والحديث والدروس والدعوة وذكر الله الواحد الأحد. - ومن أضراره أنه يحبب الزنا، قال ابن القيم: " هو بريد الزنا"، وهو يقود العاشق إلى المعشوق، وهو يجمع بين العاصين لله والفاجرين في مكان يوم يكشفهم الله، وظنوا أنهم غابوا عن عين الله، فيوصلهم الغناء إلى الفاحشة الكبرى، قال الأندلسي: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني يقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7]. - ومن أضرار الغناء: أنه يلهي عن ذكر الله، ويصرف عن الفرائض. - ومن أضراره: أنه يحدث وساوس وهواجس في القلب وواردات خطيرة. - ومن أضراره: أنه سلم للشيطان لزرع الفاحشة والفجور. - ومن أضراره: أنه يخلع ثوب الحياء الذي بين العبد وبين الله، فيصبح المغني بلا حياء، يستقبل الجماهير بعوده وسخفه وفسقه، وتقوم المغنية الفتاة من بيت الحشمة، فتقف شبه عارية أمام الجماهير، فلا إله إلا الله كم هتك من حجاب! ولا إله إلا الله كم أوصد من باب! ولا إله إلا الله كم أغضب الواحد الوهاب سُبحَانَهُ وَتَعَالى! وكم خولفت به السنة والكتاب! ولكن مع ذلك نقول: تعالوا تعالوا. شباب الحق للإسلام عودوا فأنتم فجره وبكم يسود وأنتم سر نهضته قديماً وأنتم فجره الباهي الجديد أيها المغنون في بلاد الإسلام: أجدادكم الصحابة، أجدادكم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، أجدادكم هم الذين رفعوا لا إله إلا الله، أجدادكم هم الذين قدموا الإسلام للناس، فتحوا البلاد، أسسوا منارة العدل في أسبانيا، وبنوا منبر العدل في كابول، وفتحوا الدنيا: باسم الله، سجدوا بالجباه في أفريقيا، سلوا عنهم اللوار، والجنج ودجلة والفرات والنيل. سلوا عنهم كل صقع في الأرض، هم أجدادكم، أفيتحول النسب والنسل والابن على منهج غير أبيه؟ الجد يحمل المصحف، والابن يحمل العود! الجد يحمل السيف والابن يحمل العود! الجد يتلو القرآن في الليل ويبكي والابن يتلو الأغنية ويضحك الجماهير! يقول الأول من الصحابة: عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه واعلموا أن بلاداً رفعت على علمها لا إله إلا الله محمد رسول الله وقامت على نصر الدين -وسوف تنصره وتمضي في رحابه- لهي كفيلة أن ترفع هذه الكلمة في قلوب الناس، وأن تحث هؤلاء على التوبة وعلى إصلاح مسارهم، وعلى إسعاد هذا الشعب الذي آنسه الله وآنس وحشته، وأرغده وكل بلاد المسلمين بما أنعم سُبحَانَهُ وَتَعَالى وبالخصوص هذه البلاد التي حظيت بالحرمين، وحظيت بالكتاب والسنة تشريعاً، فأسأل الله أن يوفق ولاة الأمر على تبصير هؤلاء إلى الطريق المستقيم، وتبصيرهم إلى الدعوة، وإلى التحاكم إلى هذه الكلمة التي رفعت على العلم الأخضر لا إله إلا الله محمداً رسول الله.

تائبون من الغناء

تائبون من الغناء وهناك مغنون تابوا معنا في هذه الجلسة، وسوف يتحدثون بعد صلاة العشاء، وتاب كثير من الناس، وهنا وثائق أقرؤها عليكم ممن قرروا العودة إلى الله، وأول هذه الوثائق في جريدة الجزيرة بتاريخ9/ 4/1410هـ (عودة العودة) يعود إلى الله، عودة العودة، كان يغني ويطبل ويرقص، ثم كان له من اسمه نصيب فعاد إلى الله، وليس بغريب عليك يا عودة! أن تعود، فأجدادك قد عادوا قبلك إلى الواحد الأحد، فأنت شاب مسلم خلقك الله للذكر والعبادة، ولمعرفة طريق محمد صلى الله عليه وسلم، قالت الجزيرة: " قرر الفنان: عودة العودة اعتزال الفن نهائياً ". أحسن كل الإحسان، بيض الله وجهه، لا شلت يمينه، وذلك بطوعه واختياره، إي والله، فقدْ فَقَدَ الشعبية عند اللاهين وأهل الغناء، وفَقَدَ الجماهير، لكنه سوف يكسبه الله محبة وعملاً صالحاً: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96]. ثم قالت الصحيفة: " وبعد دراسة وتأنٍ وقناعة كافية يقول العودة للجزيرة: إن ذلك تمخض بعد صراع مرير مع النفس، وقد كتبت لوزير الإعلام من أجل منع تداول إنتاجي الفني؛ ومسح جميع الأشرطة المسجلة" {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16] قال: ومسح جميع الأشرطة المسجلة سواء مرئية أو مسموعة، وقال: إنني أرجو عبر الجزيرة إلغاء كل ما سجلته. أولاً: أقول: حياك الله يا عودة! وأعادك الله إلى رحاب الإيمان، وإلى جنةٍ هي جنة الواحد الديان. ثانياً: أطالب كل من سمع صوتي، وعنده شريط للعودة أو صورة أن يتخلى عنها، وأن يتلفها فقد تاب هذا العبد، وأراد ما عند الله ورضوان الله، وأعلن توبته في الناس؛ ليكفر الله عنه أسوأ ما عمل، ويقبل توبته، ويحسن عاقبته. قالت الجزيرة بتاريخ 7/ 5/1410هـ " مشاري يعتزل الفن بلا رجعة " الإسلام اشترى مشاري وحياه الله وبياه. ومن الذي باع الحياة رخيصةً ورأى رضاك أعز شيء فاشترى إن مشاري من قوم عرفوا الطريق، كان يعيش في حلم، اسمع إلى التقرير الصحفي: " كان يعيش في حلم لم يستيقظ منه إلا بعد مراجعة النفس، طلق الفنان مشاري الفن بلا رجعة، ويودعه نهائياً حيث أعلن اعتزاله نهائياً للفن، وقال للقناة الثالثة: إنه يحس بألم وحسرة على ماضيه السابق". أقول له: أبشر بتوبة تملأ قلبك، ومغفرة وسكينة، ورغداً وأمناً، ووقاراً ونوراً، وعلى ما قدمه بصوته في شريط كان يا ما كان، لكن انتهى ما كان، وسوف يبدلك الله بدل العصيان إحساناً وإيماناً ويقيناً وقرآناً. وأردف الفنان مشاري أن طريق الفن كله مشاكل وتعب -صدقت- وأن القرار الذي اتخذه هو نهائي وجاد بعد قناعة تامة بأن الفن حالياً أصبح لا فائدة منه بتاتاً، وأضاف طالباً من جميع الاستوديوهات عدم بيع أشرطته، وإلغاءها والتسجيل عليها، وهي: زين يا مملوح، والحب المثالي، وكان يا ما كان، وقال مشاري في ختام حديث للجزيرة: " توبة توبة يا رب! " {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. قالت الجزيرة: " ومما هو جدير ذكره، أن الفنان مشاري يعتبر الفنان الثالث الذي ابتعد عن الفن، بعد إعلان حسن مسعود وعودة العودة اعتزالهما الفن والغناء ". قال المحرر: " صراحة ووضوح مشاري مع نفسه، وصراحة ووضوح بقية الفنانين وابتعادهم عن الغناء ". وهنا عكاظ بتاريخ 14/ 6/1409هـ تقول: " بالخياط يعتزل الفن ويتحول إلى داعية " مرحباً بالخياط، وأهلاً وسهلاً بك من سادات المؤمنين إن شاء الله لمستقبلك العامر، " يتواجد في مكة المكرمة حالياً الفنان المغربي الكبير: عبد الهادي بالخياط بعد اعتزاله مؤخراً الفن نهائياً، وانضمامه لـ جماعة الدعوة الإسلامية، حيث بدأ بالفعل هذا المشوار بأداء العمرة والزيارة، ثم الاتجاه إلى بعض دول أوروبا في سبيل نشر الدعوة، مثل بلجيكا التي كانت محطته الأخيرة ليمحو السيئ بالحسن، يقف فيهم ليقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أني تبت، أشهد أني عدت إلى الله، قال: " وإلى باكستان ودول مجلس التعاون الخليجي ". الفنان السابق بالخياط يقول: " إنه يتمنى من الإذاعات العربية عدم عرض أغانيه، وأعماله العاطفية وأفلامه؛ لأنه عاد إلى الله ". وهذا محمد البيتي يعتزل الفن، حياك الله يا محمد! وجعلك ممن يبيتون في نعيم مقيم، وفي خلود مستمر، وجعل لك من اسمك قسماً ونصيباً، وحمدك في الدنيا والآخرة. عكاظ في يوم 17/ 6/1410هـ تقول: " إثر الكلمة التي كتبتها في الأسبوع الماضي وطرحت السؤال من خلالها عن الفنان المطرب الشاب: محمد البيتي وسر اختفائه عن الساحة، تلقيت اتصالاً هاتفياً منه " انتهى إلى قوله: " لقد اعتزلت الفن ليس بسبب قلة الفرص أو المادة أو الحظ أو غيرها من الأسباب؛ ولكن لأنني اتجهت اتجاهاً آخر أتمنى أن يسلكه زملائي من المطربين والفنانين، لقد أدركت أني أسلك طريقاً شائكاً صعباً وعراً لابد من الحذر منه، سألت نفسي كثيراً: ماذا تعني الموسيقى؟ ماذا يعني الغناء؟ ماذا يعني الفن؟ تأملت في الأغنيات التي قدمتها ولحنتها وغنيتها، وقلت لنفسي: وماذا بعد؟ هل أبحث عن شهرة وعن مال؟ هل هذه هي السعادة التي أنشدها؟ هل هذه هي الطمأنينة التي كنت أبحث عنها؟ ما هو دواء هذا القلق؟ لا أريد لطفلي أن يكبر على أنغام العود والموسيقي، لا أريد أن يستيقظ فجراً إلا على صوت المؤذن للصلاة -أثابك الله وبيض الله وجهك- والحمد لله! أشعر الآن بالسعادة وبالثقة وبالأمان، ما زلت أحتفظ بالعود في بيتي ولكني أهملته، بل قد تركته، بل قاطعته، بل نسيته بإذن الله، بل سوف أحطمه " {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. وفي مجلة يكتب هذه المقولة الحمدان بعنوان: التائبون، يقول: " كنت مطرباً وانتهى بي المطاف إلى إمامة المصلين، شباب الكويت كانوا في بداية الطريق إلى الله، الغناء كان ديدنه وحبه وعشقة، كيف لا وهو يطرب الليالي الملاح بوصلاته المشوقة، والذي أحب أن يرمز لاسمه من أرض الكنانة من مصر، اختلط مع شباب من الكويت اجتمعوا به وحثوه على الصلاة، فكان يتهرب منهم ومع مرور الأيام واظب على الصلاة، واستمر في نفس الوقت في إشباع رغبته من الغناء وعاد تائباً إلى الله. يقول: " وبعد أن التزمت ببعض أوامر الله كانت الرفقة الصالحة حولي لا يفارقونني حتى وصلت إلى هذه البلاد للعمل بها، وزادت الرفقة وكثر الأصدقاء حولي يدفعون بي إلى طاعة الله عز وجل، عاهدت نفسي وأعطيت ميثاقاً لربي أن أكون من الطائعين له، وإن عصيت فأستغفره سبحانه ". غفر الله لك وردك إليه سليماً معافى! ثم ذكر اعتزاله للفن وعودته عن الموسيقى وعن أمثالها من مجالس اللهو، وأنه قد أصبح اليوم مؤمناً بعد أن ذاق مرارة الحرمان، والآن ذاق حلاوة الإيمان، زادك الله إيماناً ويقيناً، وسكينة وعرفاناً، وشكراً لك أيها الكاتب الحمدان. يقول في عنوان (التائبون) أيضاً: " نصيحتي للشباب الابتعاد عن اللهو وعن الرفقة السيئة " أغلقت دونه أبواب التوفيق وسدت جميع الطرق في وجهه، كان غارقاً في قضاء أوقاته في اللهو والغناء وحضور ليالي السمر، تقدم للعديد من الأسر طالباً للزواج وإحصان نفسه ففشل عدة مرات، كانت هذه الحوادث بداية نقطة تحوله إلى الحياة، عرف الحياة وعاد إلى الله وأحب المسجد، تاب من الأغنية، هجر العود، انتهى من الموسيقى، عرف الله واستمر، قبله الله فيمن قبل، وغفر ذنبه. وفي الأخير أعلنت عكاظ قبل ما يقارب ثمانية أيام توبة الفنان الشهير العالمي مايكل جاكسون عاد إلى الله، ونقول: ليس بغريب أن يعود إلى الله، فمثله يعود، فما لهم لا يؤمنون؟ ما لهم لا يعودون إلى الله؟! فما لهم لا يستغفرون؟! ونقول للمغنيين والمغنيات في البلاد الإسلامية: ذاك غربي عاد إلى الله، فما لكم لا تعودون وأنتم أهل الرسالة، وقد شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟

ماذا قال الشعراء في ذم الغناء

ماذا قال الشعراء في ذم الغناء يقول محمد إقبال شاعر الإسلام الفيلسوف الكبير: أرى الفقراء عباداً تقاة قياماً في المساجد راكعينا هم الأبرار في صوم وفطر وبالأسحار هم يستغفرونا وليس لكم سوى الفقراء ستر يواري عن عيوبكم العيونا أضلت أغنياءكم الملاهي فهم في ريبهم يترددونا وأهل الفقر ما زالوا كنوزاً لدين الله رب العالمينا ويقول في الغناء وذمه والطرب: لقد سئم الهوى في البيد قيس ومل من الشكاية والعذاب يعني: مجنون ليلى قيس بن الملوح: لقد سئم الهوى في البيد قيس ومل من الشكاية والعذاب يحاول أن يباح العشق حتى يرى ليلاه وهي بلا احتجاب يريد سفور وجه الحسن لما رأى وجه الغرام بلا نقاب فهذا العهد أحرق كل غرس من الماضي وأغلق كل باب لقد أفنت صواعقه المغاني وعاثت في الجبال وفي الهضاب يقول ابن القيم ذاماً الغناء ومحذراً منه، ومخبراً أن في الجنة غناءً لمن اتقى الله، وتاب من مزاولة الغناء ومن استماعه، وهو يشير إلى حديث عند أحمد بسند جيد في المسند: {إن في الجنة جوارٍ يغنين، يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا} نظمها ابن القيم لأن ابن عباس قال: [[إذا أراد أهل الجنة أن يستمعوا الغناء، أرسل الله لهم في الجنة ريحاً طيبة، فهزت أغصان الشجر، فيسمعون الغناء، فلا يتلذذون بمثل ذاك الصوت]] قال ابن القيم: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان وقال ابن القيم في قصيدة بديعة له يذم الغناء ومحترفيه: فدع صاحب المزمار والدف والغناء وما اختاره عن طاعة الله مذهبا ودعه يعش في غيه وضلاله على تنتنا يحيا ويبعث أشيبا ففي تنتنا يوم المعاد نجاته إلى الجنة الحمراء يدعى مقربا سيعلم يوم العرض أي بضاعة أضاع وعند الوزن ما خف أو ربا ويعلم ما قد كان فيه حياته إذا حصلت أعماله كلها هبا دعاه الهدى والغي من ذا يجيبه فقال لداعي الغي أهلاً ومرحبا وأعرض عن داعي الهدى قائلاً له هواي إلى صوت المعازف قد صبا يراع ودف والصنوج وشادنٌ وصوت مغنٍ صوته يقنص الظبا فما شئت من صيد بغير تطاردٍ ووصل حبيب كان بالهجر عذبا وشاعر عصري اسمه: القاضي، ماتت فنانة من الفنانات وذهبت إلى الله بأعمالها وما قدمت، فرثاها بعض الناس فرد هذا الشاعر بقصيدة يقول: من غادة الفن هذي أنت تبكيها ومن بها كلف إياه تنعيها مضت بما قدمت والله سائلها عن الذي كان يجري في نواديها إن التراث الذي أبقت لَكُمْ فَلَكَمْ أشقى البلاد وأشقاكم ويشقيها كم غادة خلعت ثوب الحياء غدت في حضن مسعور تغويه ويغويها صرعى على نغمات الناي قد ذهلت كدمية بصق الشيطان في فيها من قال إن الذي أسدت لأمتها مجداً فقد قال بهتاناً وتمويها هَبْها بَنَتْ جَيْشَ شَعْبٍ من مكاسبها أو الأرامل قد باتت تواسيها ألم يكن من حرام كلُّ ما جمعت وأنت بالشعر ترجو أن تزكيها إن الرسول الذي قامت لتمدحه ذكراه قد رفعت إن كنت ناسيها لا يرتضي أن يراها في غوايتها تغري بألحاظها من كان يغريها ما بال أحمد لم تحفل به بلد أهدى لها النصر فاهتزت روابيها كأنه لم يكن بالأمس في لجب يزجي الكتائب في سيناء يفديها وأقول لكم -أيضاً- أنا: يا رب نفسي كبت مما ألم بها فزكها يا كريم أنت هاديها هامت إليك فلما أجهدت تعباً رنت إليك فحنت قبل حاديها إن لم تجرني برشد منك في سفري فسوف أبقى ضليلاً في الفلا تيها فإن عفوت فظني فيك يا أملي وإن سطوت فقد حلت بجانيها

البديل عن الأغاني

البديل عن الأغاني وبقي من العناصر في آخر هذه المحاضرة: ما هو البديل -إذاً- من الأغاني ما دام أنها يحرم استماعها، ومزاولتها وحضور جلساتها واصطحاب شريطها مرئياً أو مسموعاً، وكذلك آلاتها بيعاً وشراءً واستئجاراً وإيجاراً ومعاونةً، البديل في ذلك ما أحل الله وما أباح من الكتاب العظيم الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] وقال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. وذكر الله البديل، فقال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] وقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وقال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191]. والبديل: الكتاب الإسلامي، وسنة المختار عليه الصلاة والسلام. والبديل: الشريط الإسلامي الذي شفى الله به وكفى ونفع وجعل له تأثيراً بالغاً. والبديل: مجالس الخير والمحاضرات والدروس ومساءلة أهل العلم، وزيارة الصالحين. والبديل: التفكر في آيات الله وقيام الليل، ومدارسة كتب العلم علَّ الله أن يهدينا وإياهم صراطه المستقيم.

كلمة موجهة للنساء

كلمة موجهة للنساء يا معاشر النساء! سلام الله عليكن ورحمته وبركاته، أنتن المؤثرات في البيت، أنتن الأميرات في البيت، أنتن المسئولات في البيت، اتقين الله في رعاية الأطفال، وفي الحرص على إدخال القرآن والشريط الإسلامي والكتاب الإسلامي، واملأن البيت نوراً بإذن الواحد الأحد، قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. فوصيتي يا أمة الله: أن تخرجي الغناء مرئياً ومسموعاً وآلاته وكل ما يدعو إلى اللهو، وأن تدخلي القرآن والحديث وما يملأ القلب رضاً، وأن تكوني أنتِ راعية على الأطفال، ربيهم على لا إله إلا الله، واغرسي في قلوبهم لا إله إلا الله، إياك أن تربيهم على الأغنيات، إياك إياك أن تجعلي بيتك مسرحاً للهو وللعبث وللعب. وكلمة لأهل الحفلات والزواجات، وسائقي السيارات الأجرة وأهل الصوالين والمقاهي والمنتزهات: أن تتقوا الله، فأنتم في بلاد المسلمين، وسوف يسألكم الواحد الأحد يوم لا ينفع مال ولا بنون عما تقدموا للناس من مادة، فأخرجوا الغناء من محلاتكم ومن أماكنكم، وأدخلوا القرآن والحديث والشريط الإسلامي، وكونوا دعاة إلى الله، فإن كسباً أتى من حرام لا يبارك الله فيه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ومصيره إلى النار، وآخرته وبال، والرجل قد يكون أشعث أغبر، يرفع يديه إلى السماء، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، فأنى يستجاب له، فلا يستجيب الله له، فلا تجعل طريقك من الكسب هذا، ويا صاحب السيارة! ضع شريطاً في سيارتك تنفع به نفسك ومن يركب معك، ويا صاحب البوفية! كن داعية بهذه الوسيلة وأسمع الناس القرآن وأسمعهم الذكر، وكذلك يا متزوجاً يريد الزواج! ابن زواجك على تقوى الله، وعلى ذكره وطاعته، وأسمعهم ذكر الله ولا يكن في زواجك الغناء المحرم فإني أخشى من الزواج الذي يبدأ بهذه المعصية ألا يستمر، وألا يوفق أصحابه، وألا ينجحوا في الدنيا ولا في الآخرة. أيها الإخوة: بعد صلاة العشاء سوف يقوم بعض الإخوة من الأساتذة الذين كانوا مغنين وفنانين، ثم تاب الله عليهم فعادوا وذاقوا حلاوة الإيمان، وأسعدهم الله بحلاوة هذا الدين، وتشرفوا بذكر الله، سوف يقومون هنا، ويتكلمون لكم ويسمعونكم أشجانهم وأخبارهم. تسائل عن أخيها كل عين وعند جهينة الخبر اليقين ولا ينبئك مثل خبير، فسوف تسمعون ماذا يقولون بعد صلاة العشاء، فأنا أدعوهم بعد الصلاة. أما المجاهدون الأفغان فغناؤهم نوع آخر، خرجوا بسيوفهم -وقد أخبرت بذلك حتى هيئة الإذاعة البريطانية- قبل عشر سنوات لما احتلوا بلادهم خرجوا من المساجد يرفعون الكلاشنكوف والسلاح، ويقولون في غناء المعركة غناء خالد بن الوليد وغناء عبد الله بن رواحة، وغناء جعفر الطيار، يقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وفي ختام رسالة إلى المغنين والمغنيات أكرر أنها ممزوجة بالحب وبالود، وعلَّ الله أن يهدي بها فما قلتها إلا من شفقة ورحمة. وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

رسالة إلى كل مسلم ومسلمة

رسالة إلى كل مسلم ومسلمة رسالة إلى الطبيب والمهندس، رسالة إلى العالم والمتعلم، رسالة إلى كل طبقات المجتمع، رسالة تزيدك قرباً من الله؛ لأنها تعرفك بالتوحيد، وتحثك على العمل الصالح، رسالة تزيد الترابط في المجتمع لأنها بينت مالك وما عليك نصائح وعبر وعد ووعيد علامات وأمارات، وللمرأة في هذه الرسالة نصيب افتحها وابدأ بالقراءة.

التوحيد الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم

التوحيد الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وأفضل الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أما بعد: أيها المسلمون: فقد أشار إليَّ بعض الأحباب -أثابهم الله- أن أقدم شريطاً فيما يهم كل مسلم ومسلمة، شريطاً يخاطب المسئول والموظف، شريطاً يهدى للرجل والمرأة، شريطاً يهم المهندس والطبيب، والأستاذ والفلاح والتاجر. شريطاً للطفل الصغير وللشيخ الكبير، فاستعنت بالله عز وجل وتأملت أفكار هذا الموضوع، فوجدت أنه من أهم ما يهم المسلم، أصولاً لا بد أن ينبه عليها في كل مناسبة، وهي دائماً تهم الدعاة وتتعلق بكلامهم، ولا ينبغي لهم أن يقدموا عليها شيئاً من الأمور، فجمعت هذه الأصول على أمل أن ينتفع بها، وعل مهدٍ لهذا الشريط أن يؤجر وأن يثاب. فإن هذه الرسالة إلى المسئول فهو بحاجة إليها حاجة ماسة أحوج من الماء الذي يشربه، ومن الهواء الذي يستنشقه. وهي رسالة توجه إلى الأستاذ، فهي تناديه وتخاطبه أن يتقي الله في الجيل. وهي رسالة توجه إلى الأب المسلم والأم المسلمة في البيت، وإلى الطفل الدارس، وإلى التاجر في أمواله وتجارته، وإلى المزارع في مزرعته، وإلى العامل في عمله، وإلى الطبيب في طبه. فأسأل الله أن ينفع، وأن يشفع لهذه الرسالة حباً في الله، وحرصاً على الفائدة والمصلحة العامة لتنفع من سمع؛ عل الله ألا يحرمنا أجرها ومثوبتها، وأعلم علم اليقين أنني ما أعلم مسلماً يسمع هذا ويوجه له الخطاب إلا وبيني وبينه رابطة من الود، وهي تقوى الله، والحب في الله، والنسب الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول لكم: أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم وحملها جهد المحب وإنه ليضعف عن حمل القميص ويألم لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتنا إن غبتم أو حضرتمُ كل من سجد لله وأحب الله نشهد الله على محبته، وعلى التقرب بوده، مسئول، أو موظف، أو تاجر، أو جندي، أو فلاح، أو طبيب، أو مهندس، أو أخ كبير، أو طفل صغير؛ لأننا أمة مؤلفة وهذه الرسالة تدور على مسائل وهي: 1 - التوحيد الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام. 2 - عظم الصلاة. 3 - تحريم قتل النفس المعصومة. 4 - تحريم عقوق الوالدين وقطيعة الرحم. 5 - حق الجار على جاره، حق المسلم على أخيه المسلم. 6 - التوبة النصوح. 7 - التزود بالنوافل بعد الفرائض. 8 - أمور توجه إلى الأم المسلمة في البيت. 9 - شيء في التربية. على أنني أقول لكم: سوف يصدر قريباً -إن شاء الله- سلسلة من التربية النبوية للمصطفى عليه الصلاة والسلام، قام بجمع مادتها أحد الدعاة ألا وهو الأخ الأستاذ/ صالح أبو عرّاد الشهري، وسوف أقدمها في أشرطة تجدونها -إن شاء الله- في التسجيلات الإسلامية على أعداد منها: - شريط في الذكر. - شريط في أدب الطعام. - شريط في أدب الشرب. - شريط في أدب النوم. لتكون على تصور تام بالقدوة العظيم محمد عليه الصلاة والسلام. فلعل الله أن ينفع، ولعله أن يلي هذا الشريط شريط في " رسالة إلى أهل البادية " والله المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل. في أول هذه الرسالة أقول كما ورد في كتاب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهي وصية الله للأولين والآخرين؛ أوصى بها الكبار والصغار؛ والعلماء والتلاميذ؛ والسلاطين والرعية، وهي الزاد في الرحلة، حرص على تبليغها الأول للآخر. قال سليمان بن داود عليه السلام: تعلمنا مما تعلم الناس ومما لم يتعلم الناس فما وجدنا كتقوى الله قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. واعلموا -بارك الله فيكم- أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لـ معاذ: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} حديث صحيح. وقال لـ ابن عباس رضي الله عنهما: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء؛ يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك؛ فلن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك؛ فلن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} حديث صحيح.

بداية ظهور التوحيد

بداية ظهور التوحيد بُعث محمد عليه الصلاة والسلام والدنيا مظلمة، شوهاء عمياء، لا تجد طريقاً ولا مسلكاً ولا نوراً ولا هداية، فهدى الله به الناس، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] فلا إله إلا الله كم بصر به ربه من العمى! وكم أسمع به من الصمم! وكم هدى به من الضلالة! وكم علم به من الجهل! ولا إله إلا الله ما أعظم منته على الناس! لا إله إلا الله ما أشهر نوره! وما أذكر صيته! علم العجوز والطفل والشيخ الإسلام. دخلت رسالته إلى الملوك، وخاطبت الفلاحين، وذهبت إلى البادية، فمن اهتدى بهدي محمد هداه الله وكفاه وشفاه ورعاه. ومن أعرض عن محمد وعن رسالته، لعنه الله وأخزاه وأضله: {عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة:161] لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم. كل عين عمياء إلا عين رأت هديه، وكل أذن صماء إلا أذن سمعت بدعوته، وكل قلب ملعون إلا قلب استنار بنوره، وكل أرض مظلمة إلا أرض أشرقت عليها شمس رسالته: إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها أتى إلينا وكان أجدادنا يعبدون الصنم، ويسجدون للوثن، يزنون، ويخونون، ويغشون، ويغدرون، ويفجرون، ويكذبون فأخرجهم من الظلمات إلى النور، وعلمهم توحيد الباري فارتفع على الصفا يقول: {يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا}. وقال عليه الصلاة والسلام: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله} فجرد السيف وأخرج أصحابه كتائب، ودعا إلى طريق الجنة فمن عصاه قاتله، فإن انتصر عليه فالمقتول في النار، وإن هداه الله فإلى الجنة، فقام سوق الجنة وسوق النار، ونصب الميزان، وامتد الصراط على متن جهنم، وتطايرت الصحف، ونزل جبريل، وشهر سيف العدالة وأنشئ منبر العدل فما مضت خمس وعشرون سنة إلا والدنيا على حزبين كما قال الله تعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] فاسأل الله الذي جعلنا في هذا المكان الطاهر أن يجعلنا من حزبه، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يجمعنا في زمرته، وأن يوفقنا لسنته، وأن يجعلنا من أتباع سيرته، وألا يضلنا بعد إذ هدانا، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هداها، وأن يوجهنا وإياكم وجهة حسنة.

التوحيد الصافي الجميل

التوحيد الصافي الجميل التوحيد الصافي الجميل أن تعبد الواحد الأحد، وأنا لا أدخل في مصطلحات أهل العلم، ولا في خلافهم لكني أريد عبارة مبسطة يفهمها العالم وطالب العلم، والعامي والأعرابي عل الله أن ينفع بما نقول ونسمع. أتى صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، وسره أن تتعلق بالباري، وأن تعتقد أنه لا ينفع إلا الله، ولا يضر إلا الله، ولا يشافي إلا الله، ولا يعافي إلا الله، ولذلك لام الله من اتخذ الأنداد فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] فأتت العقيدة سهلة مبسطة، عرضها الله في القرآن، يعرفها العامي يوم يقرأها، والأعرابي والبدوي والعجوز. يقول سبحانه وهو يضرب أمثلة على قدرته: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] ويقول الله عز وجل وهو يضرب لنا الأمثلة عن البعث والنشور: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258] فكانت عقيدة سهلة. صح عنه عليه الصلاة والسلام أن أعرابياً سأله: ما هو الدين؟! ومن هو الله؟! فقال: {الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشف عنك الضر} هذه العلامة للواحد الأحد دليل قدرته، فلم يعطه مصطلحات، وما ملأ ذهنه معلومات، بل بسَّط له -وهو الذي إذا مرضت فدعوته كشف عنك الضر قال: وهل نبعث بعد الموت؟ -لأن مشكلة العرب وأزمتهم وجريمتهم في الجاهلية أنهم: ما اعترفوا بالبعث بعد الموت، هضموا كل شيء إلا البعث بعد الموت، أتى العاص بن وائل ففتت العظم أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم ونفخ هذا الفتات قال: يا محمد! أتزعم أن ربك يبعث هذا؟ قال: {نعم. ويدخلك النار} قد تولى الله الرد عليه، وأدحض حجته، وكذب مقالته فقال: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79] وقال أيضاً: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:1 - 2]. والله عز وجل ضرب بإنزال الغيث وإخراج النبات ما بين ورد أحمر، وأصفر، وأخضر، وبقع جميلة، وأغصان فيحاء في حدائق جميلة، ضرب المثل على البعث، فقال: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:9 - 11]. قال: {يا رسول الله! وهل يعيدنا الله عز وجل بعد أن نموت؟ قال: إي والذي نفسي بيده، قال: كيف يعيدنا؟ قال: أما مررت ببقعة قد مات نباتها؟ قال: بلى} انظر إلى العقل، انظر إلى الدين الصادق الذي يصل إلى القلب قبلته المعمورة، وسرى في الناس لأنه يخاطب الفطرة: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم:30] قال: {أما مررت بأرض قد مات نباتها؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: أما مررت عليها بعد فترة وقد حيت واخضرت؟ قال: بلى. قال: فمن أحياها؟ قال: الله. قال: فإن الذي أحياها يحييك بعد أن تموت} فأسلم الأعرابي. جاء أعرابي إلى رسول الله فقال: {يا رسول الله! من خلق السماء؟ قال: الله، قال: من خلق الأرض؟ قال: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك؟ قال: نعم. كان متكأ فجلس -سؤال لو وضع على الجبال لدكدكت، أعظم سؤال طرح في الدنيا- قال: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، فأخذ يسأله حتى انتهى من أركان الإسلام- الدين السهل البسيط الرائع- قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، أنا ضمام بن ثعلبة أخوه بني سعد بن بكر، ثم ولى، فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا} حياه الله وحيا دينه، ما أسهله! وما أبره! وما أرحمه! قال تعالى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2] وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] وقال أيضاً: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]. التوحيد جميل، التوحيد أبيض كالثوب الأبيض، أي شيء يتدنس به يظهر، التوحيد فيه صلاح أي شيء، لو قلت: ما شاء الله وشاء فلان خدشت توحيدك، لو قلت: وأبي خدشت توحيدك، لو قلت: وحياتي خدشت توحيدك، لو قلت: وشرفي ونجاحي خدشت توحيدك، التوحيد أبيض. لو اعتقدت في شخص أنه ينفع ويضر من دون الله ثلمت توحيدك، التوحيد شفاف، لو زعمت أن رجلاً يشافي ويعافي ويمرض، وينجح ويرسب من دون الله ثلمت توحيدك؛ لأنه لا ينفع إلا الله، ولا يضر إلا الله قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:66]

أهمية التوحيد وفوائده

أهمية التوحيد وفوائده التوحيد يصلك بالله، فيجعل في قلبك أن كل شيء بيد الله، التوحيد يجعلك تقول: (حسبي الله ونعم الوكيل) فإذا الدنيا أمامك أسفاط، وإذا هيئاتها وأشخاصها وكياناتها لا شيء. قال ابن عباس في صحيح البخاري: [[حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم لما أوقدوا النار له فجعلها الله برداً وسلاماً]] وحسبنا الله ونعم الوكيل قالها محمد عليه الصلاة والسلام في أحد لما قيل له: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها خالد بن الوليد لما أقبل عليه جيش الروم كالجبال، كتائب مجندة، وجيوش مجيشة، مقيدون بالسلاسل، يحملون السيوف، وهم أضعاف مضاعفة على أعداد المسلمين، فإذا جيش المسلمين حفنة أمام الجبال من أهل الروم، فقال مسلم لـ أبي سليمان خالد بن الوليد قبل المعركة، يا أبا سليمان! انظر ما أكثرهم وما أقلنا، نفر اليوم إلى جبل سلمى وآجا فدمعت عين خالد -حامل القلب الذي فيه (حسبنا الله ونعم الوكيل) حامل القلب الذي فيه (لا إله إلا الله) خالد الذي تخرج من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، خالد الذي تعلم في المسجد، وحمل القرآن، وتوضأ كل يوم خمس مرات. وما أتت بقعة إلا سمعت بها الله أكبر تسعى في نواحيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها فدمعت عين خالد وقال: [[لا والله، بل ما أقل الروم وما أكثرنا، ثم قال: لا نفر إلى جبل سلمى وآجا ولكن إلى الله الملتجأ، حسبنا الله ونعم الوكيل]] فانطلق في المعركة فسحق أعداء الله، قال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45]. (حسبنا الله ونعم الوكيل) خرج بها الأفغاني الفقير في ثيابه البالية، وبندقيته المجردة البسيطة يقاتل قوة الأرض العاتية الحمراء الروسية بدباباتها، وطائراتها ومدافعها، وهي تقصف الجو، والأرض وهي تهدم المساجد ويقول: (حسبنا الله ونعم الوكيل) فانتصر. (حسبنا الله ونعم الوكيل) يخرج بها الضعيف أمام القوي فينهزم القوي، والفقير أمام الغني فيغتني الفقير ويفتقر الغني إذا تجرد عن (حسبنا الله ونعم الوكيل). التوحيد جميل يجعلك وأنت على فراش الموت تتصل بالله، دخلوا على أبي بكر الصديق الموحد الكبير، نحيف الجسم لكنه قوي الإرادة، هزيل البنية لكنه كبير القلب، همته تمر مر السحاب {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88] قالوا: ألا ندعو لك طبيباً، قال: الطبيب قد رآني، قال: فعَّال لما يريد، أخذه الشعراء فقال أحدهم: كيف أشكو إلى صبيبي ما بي والذي أصابني من صبيبي دخلوا على عمران بن حصين -أحد الصحابة وقصته في الإصابة - قالوا: يا عمران! مرضت ثلاثين سنة ألا تدع الله، قال: [[ما دام الله يحب هذا المرض فأنا أحبه]]: إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم هذا التوحيد هو الذي جعل هذه النماذج تظهر للناس، التوحيد أتى بـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه على المنبر يوم الجمعة ببردة مرقعة أربع عشرة رقعة، فيصرف الدنيا وذهبها وفضتها الدنيا، ويقول في أول الخطبة: [[إنك تعلم ما أريد]] وصدق، نعلم ما تريد يا أمير المؤمنين، تريد جنة عرضها السماوات والأرض، ولذلك قرقرت بطنه في الخطبة من الجوع، فقال لها: [[قرقري أولا تقرقري والله لا تشبعي حتى يشبع أطفال المسلمين]] كل هذا توحيد وهو من معاني التوحيد، ولن تدرك أسرار التوحيد إلا إذا قرأت تراجم الصحابة؛ لأن الصحابة علموا التوحيد. يأتي النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب والحديث صحيح قال: يا أبي: {! إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة -الله من السماء يأمر محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقرأ على أبي سورة البينة - قال: أوسماني في الملأ الأعلى؟ قال: نعم إن الله سماك، وقال: الحمد لله أو كما قال، ثم اندفع صلى الله عليه وسلم يقرأ}. التوحيد أخرج من هذه النماذج أمماً وأجيالاً، يأتي أحدهم إلى جبل أحد فيقال له: عد من المعركة والكفار أمامه صفوف قال: [[إليكم عني، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]] التوحيد يأتي بـ جعفر فتقطع يده اليمنى فيأخذ الراية باليسرى، فتقطع اليسرى فيضم الراية ويقول: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها

حق المسلم على إخوته وجيرانه

حق المسلم على إخوته وجيرانه ولما نقص توحيدنا تعطلت المساجد عن الصلوات، الكثير منا جار للمسجد ولكن لا يصلي؛ لأن توحيده ضعيف، ولما ضعف التوحيد في قلوبنا كثرت المعاصي، أموال الكثير من الربا؛ يأكل الربا، ويشرب الربا، ويبني من الربا، ويشتري سيارته من الربا ويقول: {يا رب! يا رب! يا رب! ومطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟} لما ضعف التوحيد في قلوبنا، قطعنا الجار الذي وقف عليه الصلاة والسلام مع جبريل، وجبريل يوصيه بالجار، قال صلى الله عليه وسلم: {ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه} وأكثر خصومات الناس -إلا من رحم ربك- بين الجيران، لأن التوحيد ما رسخ في القلوب. جار يعتدي على جاره يسبه فلا يأمنه، إذا غاب ينتهك حرماته، يقف له في كل مرصد، يغير الحدود ومنارات الأرض، فأين حق الجوار؟! يجلس معه عند القاضي مشاكساً مخاصماً مدعياً، مغتاباً نماماً فاحشاً. ورد في الحديث: {أن جاراً اشتكى جاره، فأتى صلى الله عليه وسلم إلى الرجل وقال: اصبر واحتسب اصبر واحتسب، لكن ذاك لم يتعظ، قال: يا رسول الله! آذاني وسبني وشتمني، قال: خذ متاعك وانزل إلى الطريق، فنزل بأطفاله وزوجته ومتاعه ومر الناس عليه، فقالوا: ما لك يا فلان؟ قال: أخرجني جاري من داري، قالوا: لعنه الله} فلعنه المصبح، والمغدي، والممسي، وبعدها تاب ذاك الجار لكن بعد أن أخذ لعناً. ولذلك يقول ابن القيم: من سعادة الحياة أن يرزقك الله جاراً صالحاً، أما رأيت امرأة فرعون إذ قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11] فقدمت الجار قبل الدار، فقالت: (عندك في الجنة) ولم تقل (في الجنة عندك) ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه} فمن ضعف التوحيد في قلوبنا وعدم اتصالنا بالباري كما اتصل الصحابة؛ ضعف هذا الكيان. كان عليه الصلاة والسلام وهو معلم التوحيد جاره يهودي، فإذا اشترى الرسول صلى الله عليه وسلم لحماً أو فاكهة أو تمراً أو لباساً فإنه يبدأ بإعطاء اليهودي، وفي الأخير اضطر اليهودي أمام هذا الواقع أن يسلم، أتى إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن دينك الذي جعلك تتعامل معي وأنا خصمك، وأنا يهودي بهذا التعامل لهو دين حق. عبد الله بن المبارك سكن مع جار يهودي في خراسان، وكان ابن المبارك مع اليهودي كالأخ مع أخيه، إذا اشترى لحماً لأطفاله قدم اللحم لأطفال الجار، إذا كسا أبناءه كسا أبناء اليهودي، كان اليهودي يؤذيه بنفاياته وزبالاته على بيته، فيسكت ويضمها ويقول لأهله: لا تخبروا اليهودي، وبعد فترة أتى التجار إلى اليهودي قالوا: نشتري بيتك، قال: بيتي بألفي دينار، أما ألف فقيمته، وأما ألف فقيمة جوار ابن المبارك، فأخبر ابن المبارك فدمعت عينه وقال: " اللهم اهده إلى الإسلام " وما هي إلا لحظات ويأتي اليهودي ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، إن ديناً جعلك تتعامل معي هذا التعامل لدين حق. أجدادنا وصلوا إلى أندونيسيا وماليزيا ينشرون الجوار والتوحيد فعلم الناس أن دينهم حق، فانتشر بهم الإسلام، فيوم ضعف التوحيد في القلوب؛ وقع هذا التشاكس بين الجيران وهذه الخصومة.

تحريم عقوق الوالدين

تحريم عقوق الوالدين فيا أيها المسلمون! إن مما ينبغي أن نعظم به التوحيد في قلوبنا: تعاملنا مع الناس. ومن نقص التوحيد وضعفه عقوق الوالدين، ولا إله إلا الله كم من شيخ بكى من عقوق ابنه! وكم من أم اشتكت وبكت وناحت من ظلم ابنها! واعلموا إن لم تكونوا قد علمتم أن هناك أمهات بكين -والله- من ضرب أبنائهن لهن، ابن نقص توحيده، ما عرف الباري، ما استنار بنور محمد عليه الصلاة والسلام حمله موت التوحيد ونقص التوحيد، ومرض التوحيد، أن يضرب أمه. شيخ كبير يقف ودموعه تسيل على لحيته، ويشكو من هذه المصيبة، ابن رباه وغذاه، وأطعمه وسقاه، وكساه وآواه ثم انقلب هذا الابن بعد أن كبر رعديداً فاجراً مخاصماً لأبيه، كما يقول الأول في ابنه العاق: غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك في السقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململ كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به دوني فعيناي تهمل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 - 24] وقال تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15]. ولذلك قال صحابي: {يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك؟ قال: ثم من؟ قال: أبوك} فسبحان الله كم للوالدين من حقوق!! تقبيل اليد، الطاعة، الكلمة الطيبة، تلبية الطلب، الدعاء. قال أنصاري كما صح: {يا رسول الله! هل بقي من بري أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما قال: نعم. بالاستغفار لهما، وبالدعاء لهما، وبالصدقة، وبصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فالبر البر يا مسلمون! بر الوالدين وطاعتهم من طاعة الباري سبحانه وتعالى.

تحرم قتل النفس المعصومة

تحرم قتل النفس المعصومة لما نقص التوحيد من القلوب سمعنا بقضايا القتل والنهب والسلب والاعتداءات على الأرواح المعصومة، والمصطفى عليه الصلاة والسلام صح عنه أنه قال: {لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة} ولكن يوم أن ضعف التوحيد أخذ ذاك السيف أو الخنجر، أو الرشاش أو المسدس، واعتدى على أخيه المسلم فقتله، اسمع إلى قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68 - 70] ويروى في الأثر:" لو اجتمع أهل الأرض وأهل السماء على قتل امرئ مسلم بغير حق كبهم الله جميعاً على وجوههم في النار". ويروى في الأثر: " ما من جريمة إلا وتهون بعد الشرك إلا قتل النفس المعصومة، ولزوال الدنيا بأسرها أهون عند الله عز وجل من قتل امرئ مسلم " والعجيب أنه لما قتل أحد أبناء آدم أخاه ما جف الدم من ذاك الوقت إلى اليوم، فدم المعصوم ودم المسلم لا يجف من الأرض وإليكم شاهداً عليه: جاء رجل عند ابن عمر يبكي ويقول دلني على الجنة قال: [[إن استطعت ألا تجعل بينك وبين الجنة حفنة من دم فافعل]] {من حمل علينا السلاح فليس منا} وهو تحت المشيئة، ولكنه استوجب غضب الله ولعنته. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه}.

تحريم قطيعة الرحم

تحريم قطيعة الرحم واعلموا -أيها المسلمون- أن من أعظم نتائج نقص التوحيد من نفوسنا قطيعة الرحم، وقطيعة الرحم جريمة ما سمع الناس بمثلها، أما رأيت القطر كيف جف؟! أما رأيت البلبل سكت وغاب عن البستان؟! أما رأيت الزهر كيف مات من القحط؟! أما رأيت قلة البركة في الأمطار بقطيعة الرحم! أما رأيت قسوة القلوب وجفاف الأرواح بقطيعة الرحم! أما رأيت البغضاء والحسد، والحقد والغل بقطيعة الرحم أما رأيت فساد بعض النشء بقطيعة الرحم قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23] يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يدخل الجنة قاطع رحم} ونروي هذا الحديث على ظاهره {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]. أخت تشكو أخاها حرمها ميراثها، أخت تشكو أخاها لم يزرها منذ عشر سنوات. أخ يبكي من أخيه هجره وقطعه، ما سلم عليه عشرات السنوات من أجل أرض، من أجل تراب، من أجل سيارة، من أجل حمار، من أجل شيء حقير لا رد الله عز وجل هذه الأرض، ولا رحم من شاجر من أجلها إلا أن يتوب. قطيعة الرحم أمرها عجيب، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها} يعني: ليس المعنى أنك المواصل، إذا وصلك أخوك وصلته، إنما المقصود: الواصل من إذا قطعك وصلته أنت، أو حرمك أعطيته، أو ظلمك رحمته، ولذلك روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الله أمرني أن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني} وصدقت والله، لقد وصلت من قطعك، وأعطيت من حرمك، وعفوت عمن ظلمك. قطعك الأقارب فأتيت إليهم يوم مكة فقلت: {اذهبوا فأنتم الطلقاء} وقلت: {عفا الله عنكم} بعد أن أخرجوك وضربوا بناتك، وقاتلوك، وشتموك، وباعوا ديارك، فعفوت عنهم فقال الله لك: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. يقول أحد الشعراء: وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لما خلق الله الرحم تعلقت بالعرش، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذلك لكِ، فأنزلها الله على ذلك} فهو شرط من الله وعهد من الله من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله. وفي صحيح مسلم أن رجلاً قال: {إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني} وهذا الصنف يوجد في القرى والقبائل، وفي المدن والبوادي تجد قريباً رحيماً بأقاربه وهم وراءه بالفئوس والشتائم والأحقاد والأحساد والمشكلات والعقبات، قال: {يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم فيسيئون إلي، وأعفو عنهم ويظلمونني، قال: إن كنت كما تقول؛ فلا يزال معك عليهم من الله ظهير، وكأنما تسفهم المل} والمل: هو الرماد الحار، يقول: لا يزال الله معك، والله نصيرك، والله في حزبك لأنك المصيب وهم المخطئون. فوصيتي بصلت الرحم، بالزيارة والعدل وإعطاء الميراث، والكف عن الأذى، وإذا قطعوا فصلهم، وإذ ظلموا فاعف عنهم، وإذا منعوا فأعطهم، هذه أخلاق الإسلام.

تحريم شهادة الزور

تحريم شهادة الزور ويوم أن ضعف التوحيد أتت شهادة الزور حتى أصبحت ظاهرة في المجتمع المسلم، ولم تكن من قبل فيه ظاهرة؟! يوم ضعف التوحيد، وضعفت مراقبة الباري يأتي الشيخ الكبير في السن، في الستين أو في السبعين وقد شابت لحيته، ورق عظمه ودنا أجله وأصبح بينه وبين القبر قاب قوسين أو أدنى، فيذهب إلى القاضي ليبيع دينه وذمته وعهده في شهادة الزور، شهادة الزور التي قرنها الله عز وجل بالشرك فقال سبحانه: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30]. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الشرك بالله، وعقوق بالوالدين، وكان متكئاً فجلس وقال: ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت}. في بعض المجتمعات يأتي مسلم لم يحمل التوحيد فيبيع شهادته بآلاف، بعضهم يأخذ عشرة آلاف، وبعضهم مائة ألف، والله الذي لا إله إلا هو لو ملئت له الدنيا ذهباً وفضة في شهادة زور لهو الخسران الممحوق البركة سبحان الله! أتعادل أمانتك وذمتك بشيء من المال؟! قال سبحانه في أوليائه: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72]. شهادة الزور فيها ثلاث مصائب: 1 - تضل القاضي فتجعله أعمى يحكم وهو معذور، ويكتب بقلمه ويوقع بخاتمه ولا يدري. 2 - أنها تحرم المسلمين حقوقهم وتصرفها إلى هؤلاء الظلمة. 3 - أنها تحبط سعي هذا المثبط وتوقعه على وجهه في نار جهنم والعياذ بالله. ويوم ضعف التوحيد في القلوب أتت اليمين الغموس واقتطعت الأموال، وحلف الفاجر على أراضي الناس وأموالهم وممتلكاتهم ولو راقب الباري؛ لعلم أن بينه وبين الله خيطاً من التوحيد ولكنه قطع هذا الخيط. جلس رجل عند القاضي شريح يريد أن يشهد، أحد الخصوم وهو يبكي ودموع الخصم تسيل على لحيته، قال: " يا أيها القاضي يا شريح! والله الذي لا إله إلا هو، والله الذي شق البحر لموسى إن هذا الشاهد يشهد علي زوراً ويأخذ بالزور أموالي" فقال شريح -وكان حكيماً ذكياً فطناً- للخصمين: اخرجا، فخرج الخصمان فأغلق الباب، وقال لشاهد الزور: يا شاهد الزور! سمعنا والله الذي لا إله إلا هو أن الله إذا جمع الأولين والآخرين في يوم لا ريب فيه، أسقطت الطيور ما في حواصلها من الخوف، ووضعت الحامل ما حملت، والمرضع ما أرضعت، ولا يفصل بين الناس حتى يصلى شاهد الزور النار " فبكى الشاهد وقال: أشهدك أني أعود عن شهادتي ثم خرج. هذا في شهادة الزور؛ ويدخل فيها اقتطاع أموال المسلمين ظلماً وعتواً، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {من اقتطع مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان، قالوا: ولو شيئاً يسيراً يا رسول الله، قال: ولو كان قضيباً من أراك} راوي هذا الحديث سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد أتت امرأة من ضواحي المدينة في العقيق تشكوه إلى أحد الأمراء إلى مروان بن عبد الملك، قالت: غصبني مزرعتي سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فحاكمهما مروان في المسجد، قال: رد لها مزرعتها، قال: أنا أصبتها، قال: رد لها مزرعتها، قال: والله الذي لا إله إلا هو ما كنت أغصبها مزرعتها وقد سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من اقتطع مال امرئ مسلم؛ لقي الله وهو عليه غضبان} اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها في مزرعتها، ثم أعطاها المزرعة، فبدأت هذه الأمور: عميت ثم ذهبت تريد الماء فانزلقت فوقعت على رأسها في البئر فماتت. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوَّقه الله من سبع أرضين يوم القيامة} حديث صحيح، قال بعض العلماء: طوَّق، والطوق من كل أرض بمقدارها، حتى يصبح في عنقه كالحديد لا يخرج ولا يلوس، والأرض طبقات بعضها فوق بعض متلاصقة، فالله يطوقه في هذا الشبر يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

النفاق والمعاصي

النفاق والمعاصي يوم ضعف التوحيد في القلوب، التوحيد الجميل الرائع البديع، التوحيد الحي الناصع أتت علامات النفاق، فكثر النفاق في الناس، والذي لا يخاف النفاق منافق، فالصالحون بكوا من النفاق وخافوا منه، أتى عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى حذيفة وقال: [[سألتك بالله يا حذيفة! أسماني صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ قال: لا والله، ولا أزكي أحداً بعدك]] قال الحسن: [[ما خافه إلا مؤمن وما أمنه إلا منافق]] فليحذر العبد النفاق فإن له علامات: منها: الكذب في القول، وخيانة الأمانة، وخلف الوعد، والفجور عند اليمين، والغدر في العهد. ومنها: الاستهزاء بقيم الدين الإسلامي ومبادئه من الكتاب والسنة، والاستهزاء بالصالحين والأخيار. ومنها: التكاسل عن الصلاة، وما أعظم نفاق من ترك المسجد وهو جواره وترك الصلاة فيه! ومنها: مراءاة الناس بالعمل، وطلب السمعة. ومنها: قلة الذكر -والعياذ بالله- إلى غيرها من الأمور، وهناك شريط بعنوان ثلاثون علامة للمنافقين، أو نحو ذلك؛ فاحرصوا على استماعه. اعلموا أنه لما ضعف التوحيد في القلوب خوطب كثير من الناس بتحريم الربا لكنهم ما استفاقوا، تخمرت العقول وأصابها سكر المعصية فما أصبحوا يسمعون قولاً، ولا يجيبون دعوة. ضعف التوحيد والمراقبة فجعلوا أموالهم ربا، وأكلوا ربا ولبسوا ربا قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:130] وقال سبحانه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة:275 - 276]. ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278 - 279]. قال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء} وعند الحاكم وصححه، وابن ماجة في السنن من حديث عبد الله بن مسعود: {الربا ثلاث وسبعون باباً، أهونه مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه المسلم} والربا قسمان: ربا فضل، وربا نسيئة. فربا الفضل يدخل في أجناس الذهب والفضة والبر والشعير، والمأكولات، والموزونات فلا بد فيها من شرطين: التطابق والمساواة والحلول؛ فالبر بالبر رباً، والذهب بالذهب رباً، إلا مثلاً بمثل سواء بسواء، والفضة بالفضة رباً، إلا مثلاً بمثل سواء بسواء، هاء وهاء، وكذلك الذهب والملح وقس عليها المكيلات، والموزونات، لا يجوز التأجيل فيها، ولا تجوز الزيادة في هذه الأصناف. وربا النسيئة: وهي المزايدة كأن تعطيه ذهباً بذهب ديناً ثم يكون فيه زيادة، وهذه الأصناف سواء كان فيها زيادة، أو بدون زيادة ففيها الربا. ومن ربا النسيئة ما يفعله المرابون في البنوك، يقدم ماله لتصرف له فائدة على هذا المال، فإذا كان هذا الشرط فهو رباً، أو يأخذ قرضاً فيأخذون من هذا القرض مائة ألف، أو عشرة آلاف فيسدد على أنه مائة ألف فهو رباً، فليحذر المؤمن هذا الأمر، فإنه من أعظم ما يستوجب به غضب الله ولعنته، وقلة البركة من الله، ويدخل به النار، وقد توعدهم الله عز وجل بالحرب في الدنيا والآخرة. وصاحب الربا لا بركة له، ولا ثمرة، ولا مستقبل، ولا نور، ولا هداية، نعوذ بالله من الربا.

أمور توجه للمرأة المسلمة

أمور توجه للمرأة المسلمة واعلموا -أيها المسلمون- أن من ضعف التوحيد في القلوب: عدم الاهتمام بالمرأة، ونسيان المرأة في البيت، وعدم تربيتها على الكتاب والسنة. وإن للمرأة المسلمة صفات وهناك محاضرة اسمها: (صفات المرأة المسلمة): فهي تؤمن بالواحد الأحد، وزوجها وابنها وأخوها يربون في قلبها الإيمان حتى يكون كالجبال، يغرسون في قلبها لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي مؤمنة بالله، حافظة للغيب بما حفظ الله، تحفظ زوجها في نفسها، وفي ماله، وفي أطفاله، وفي عرضها فهذه هي المؤمنة الصالحة المنيبة. التزود بالصالحات والتزود بالنوافل، وألا يخلو بيتها من ذكر الله، بيتها سليم من الآثام، بيتها خال من الأغاني، ليس فيه ملاهٍ، بيتها نير، بيتها يستفيق على لا إله إلا الله، ويمسي على لا إله إلا الله، القرآن يدوي في بيتها، الحديث والسيرة، تربية الأطفال قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

الملعونات من النساء

الملعونات من النساء المرأة المسلمة لا تتشبه بالكافرات، فقد قال عليه الصلاة والسلام: {من تشبه بقوم فهو منهم} المرأة المسلمة لا تتشبه بالرجال، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال} فخلقها الله امرأة، مواصفاتها امرأة، ومؤهلاتها امرأة، وفطرتها امرأة، فإذا حرفت فطرتها لتكون رجلاً بعملها، ومشيتها، وفي كلامها ولبستها؛ فهي ملعونة، وقد لعن في النساء أصناف: الواشرة: وهي التي تحد أسنانها لتتظاهر بأنها فتاة. النامصة: هي التي تقلع حواجبها لغير حاجة. الواشمة: وهي التي تغرز الحبر وما أشبهه في خدها، أو في أنفها، أو في وجنتها. المفلجة: وهي التي تفرق بين ثناياها وأسنانها لغير حاجة. الواصلة: وهي التي تصل شعر غيرها بشعرها، فهذه ملعونة على لسان محمد عليه الصلاة والسلام وجميع من سبق ملعونات. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: {أنه سوف يأتي صنف من النساء في آخر الزمان، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، مائلات مميلات، فاتنات مفتونات، لا يرحن رائحة الجنة} يركبن الشعر على الرأس، ثم ينزلن إلى الأسواق، ويلبسن كل موضة تخالف اللباس الشرعي من قصير، أو شفاف، أو ضيق، أو ما يبدي الزينة، ثم تتعرض لعيون الأجانب فتمر على الخياطين، وعلى باعة الذهب، وعلى كل فاجر تعرض نفسها وتستوجب غضب ربها ولعنة الملائكة.

صفات المرأة المؤمنة

صفات المرأة المؤمنة المرأة المسلمة تحيا بحياة الله، وتنقل حياة الإيمان إلى أخواتها، داعية تتصل بأخواتها، تدعوهن بالهاتف، بالكتيب، بالشريط، بالكلمة الطيبة، وبالنصيحة. المرأة المسلمة تحفظ زوجها في أطفاله فتربيهم على سنة محمد صلى الله عليه وسلم منذ أن يصبحوا إلى أن يمسوا؛ في لباسهم وطعامهم، تسمي على الطفل في غسله، في لباسه، وفي طعامه، وفي نومه واستيقاظه، تعلمه الصلاة، تعلمه القرآن، تعلمه آداب الإسلام، تذكر له سيرة الصحابة الأخيار، هذه المرأة المسلمة فلا يضعف توحيدها ويقينها، نسأل الله أن يصلح نساءنا وأن يجعلهن من المؤمنات الصالحات، فإن الله قال بعد أن ذكر الصالحين: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195].

التوبة النصوح

التوبة النصوح

دعوة إلى التوبة

دعوة إلى التوبة واعلموا أن التوحيد لما ضعف قل ارتياد المسلم للتوبة. التوبة أمر عظيم، ولولا وجود التوبة لي ولك لمتنا يأساً. التوبة حبل، التوبة باب، التوبة طريق، التوبة كالماء البارد، تقسو قلوبنا، تنقطع حبالنا، تيأس أرواحنا، تدمع عيوننا فنتذكر باب التوبة المفتوح: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. يا موظفاً أسرف على نفسه في وظيفته وأساء! باب التوبة أمامك مفتوح لتكون كالأخيار من صحابة محمد صلى الله عليه وسلم يوم رعوا الله في وظائفهم ومسئولياتهم، وفي إمرتهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} وقال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ َالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72]. يا أستاذاً أساء في تدريسه، لم يحضِّر مادته، ولم يدع إلى الله، وما صدق في تدريسه، ولا أخلص ولا راقب الله! أنت مدعو لكي تتوب وتراجع حسابك مع الله، وأن تكون معلماً كما كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم معلمين: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]. يا معلماً أتى إلى أبناء المسلمين لكي يعلمهم! أدعوك إلى أن تطهر مسيرتك منذ اليوم. يا تاجراً تعامل بالربا يا تاجراً ما صدق في بيعه وشرائه! يا تاجراً ما أنفق وما قدم لنفسه! يا تاجراً ما مهد لقبره! أنت مدعو اليوم للتوبة، وإلى مراجعة حساباتك في تجارتك، وطلب الحلال، والإنفاق منه، واعلم أنك إن لم تتب كان مالك وبالاً عليك، وكان الشجاع الأقرع رفيقك ولادغك في قبرك. ويا أعرابياً ما تعلم السنة في البادية! تجيد قيادة السيارة، ولبس الثوب، وأكل الطعام، وبناء البيت، وركوب الطائرة، لكنك ما حفظت الفاتحة! أنت مدعو لطلب الفقه في الدين، واجب عليك أن ترتحل، ولو كلَّ جوادك وتعب جسمك، ولو أنفقت من مالك، إلى أن تتعلم وتتثبت من طلبة العلم والدعاة فتتعلم كل ما يهمك. يا أعرابياً أشرك بالله! أنت مدعو إلى أن تتوب، وأن تعرف أنه لا ينفع ولا يضر إلا الله. الذهاب إلى الكاهن شرك، وإلى العراف شرك، وإلى الجاحد شرك، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أتى عرافاً أو كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أتى عرافاً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد}. يا امرأة مسلمة! أنت مدعوة اليوم إلى التوبة، وإلى العودة إلى الواحد الأحد. ويا طالب علم، طلب العلم للدنيا وللظهور والشهرة وأساء بطلب العلم، ولم يعمل بعلمه! أنت مدعو إلى أن تتقي الله بعلمك: إذا ما لم يزدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا ويا طبيباً في مستشفيات المسلمين! اتق الله في أمور: أولاها أن تخلص في علمك؛ لينفع الله بك، وأن تحتسب الأجر على الله. ثانيها: عندما تحاول أن تعالج الأجسام، حاول أن تعالج الأرواح، فإن المريض بين يديك كالغريق في البحر يتعلق في القشة، فأدنى كلمة منك وهو في المرض تدعوه فيها إلى الله تنفعه بإذن الله، لقنه مع إبرتك وحقنتك، ومع أدواتك ومع علاجك التوحيد، اغرس الإيمان في قلبه قل له: لا إله إلا الله، قل له: اعلم أني أنا الطبيب لا أنفع ولا أضر، الطبيب هو الله: قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل المريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا ثالثها: أن اتق الله في أعراض المسلمين، لا يجوز لك أن تخلو بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا يجوز لك أن تنظر نظر ريبة ومعصية، فلتتق الله عز وجل، ولتعلم أنك في مسئولية عظيمة، وفي أمر جسيم، وأنت معرض لأمرين: إما أن تنقذ نفسك؛ فتكون من أحسن الناس إلى الجنة، وإما أن تعرض نفسك للبوار في الدنيا والآخرة نسأل الله العافية.

التزود بالنوافل بعد الفرائض

التزود بالنوافل بعد الفرائض ومما يجب على المسلم أن يعلمه وأن يفعله دائماً؛ أن يحافظ على الفرائض؛ فإنها رأس ماله، ليس معه إلا الفرائض، والله لا مال، ولا تجارة، ولا منصب، ولا وظيفة: زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير خسران وكل وجدان قوم لا أساس له فإنما هو في التحقيق خسران يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله عز وجل: وما تقرب إلي عبدي بأحب إليَّ مما افترضته عليه} إذا ضاعت فريضتك فأين رأس مالك؟! بالله قل لي: من ضيع الصلوات في أوقاتها بخشوعها، وركوعها أين رأس ماله؟! الصلوات التي هي الإسلام، والإسلام هو الصلاة، الصلاة التي من تركها فقد كفر ويصبح كالبهيمة، يقول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} يوم يترك الصلاة يكفر، يوم يترك الصلاة يحل دمه، يوم يترك الصلاة يلعن، يوم يترك الصلاة يحل عرضه، يوم يترك الصلاة يحل ماله، يوم يترك الصلاة تخرج زوجته من عصمته ولا يجوز لها البقاء معه، يوم يترك الصلاة لا يصلى عليه، ولا يكفن، ولا يغسل، ولا يدفن في مقابر المسلمين، قال الحبيب المصطفى: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر}. واعلم أن من آثار التوحيد الجميلة أن تتزود بالنوافل، وكما قال عليه الصلاة والسلام: {قال الله: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به} جاء رجل قال: {يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة}. وعليك بالذكر فقد قال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] وقال أيضاً: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وقال أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:41]. التسبيح، التحميد، وأكثر من ذكره في الأرض دائماً لتذكر في السماء: إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس أيها المسلمون: هذه وصايا وأنا أردت من هذا الشريط كل طبقات الناس؛ فإنه رسالة لكل مسلم، لعل الله أن ينفع به، لعل رجلاً صالحاً أن يهديه إلى أخيه، أو صديقه، أو جاره فيهتدي بسببه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} وسوف يكون هناك قضايا؛ لكنني لم أعلم قضية من الكبار والخطوط العريضة والمجملة التي تهمنا جميعاً إلا وذكرتها هنا. وهناك ذنوب نقع فيها دائماً ونكررها، وليس لنا نجاة ولا فلاح إلا أن نتوب ونتخلى عنها، منها: الغيبة وانتهاك أعراض المسلمين في المجالس، فالغيبة أمرها عظيم قال تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12]. الغيبة: هي ذكرك أخاك بما يكره، بالغيبة كأنك تذبح المسلم وتأكل لحمه وتشرب دمه، فالله الله في المسلم أن يحفظ لسانه، وأن يرعى أعراض المسلمين {فإن من تتبع عورة المسلمين تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه الله ولو في عقر داره}. نسأل الله السداد والتوفيق والرشد والهداية، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتجاوز عنا وعنكم، سيئاتنا، وأن يقبلنا فيمن قبل. هذا وصلى الله على نبيه وخليله محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.

قضايا متفرقة

قضايا متفرقة من القضايا التي تلحق بهذا الدرس مسائل تنتشر في الناس وهي: اللعن وانتشار الغناء، والإسبال أو مخالفة السنة في كثير من السلوك، ضياع الوقت، جلساء السوء وهذه قضايا كبرى.

اللعن معناه وحكمه

اللعن معناه وحكمه أما اللعن: فهو كبيرة من الكبائر، صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة} وقال: {ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء}. اللعن معناه: أن تدعو على الملعون بالطرد والإبعاد من رحمة الله، ولعن المؤمن كقتله؛ فإذا لعنته، فإن استحقها أخذها، وإلا عادت على اللاعن نفسه، نعوذ بالله من اللعن، فالله الله في تجنيب الألسنة هذه الخصلة الذميمة، ونهي الأبناء والنساء والجيران والإخوان عن استخدام هذه الألفاظ؛ لأن ديننا يأمرنا أن نحفظ ألسنتنا. ومن أعظم ما يخدش وقار اللسان وجماله: اللعن، وهي ظلمة في وجه العبد، وهي طرد وإبعاد ومحق. وقد يدعو الإنسان، أو أحد أبنائه أو قرابته فتوافق من الله ساعة إجابة، لا يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه، فتصيبه هذه اللعنة. والرسول عليه الصلاة والسلام رأى امرأة تلعن ناقتها، فقال: {خذي ما عليها من متاعك واتركي هذه الناقة لا تصحبونا بملعون} فكيف بمن يلعن أطفاله وأهله وقرابته ومواشيه؛ نعوذ بالله من ذلك الخسران ومن هذا الذنب العظيم.

الغناء حكمه وعقوباته

الغناء حكمه وعقوباته ومنها: الغناء وهو منتشر عند كثير من الناس، وأبوا أن يتوبوا منه لأن الهوى غلب على عقولهم، ولو استفاقت من سباتها ومن نومها، وموتها لعرفت طريقها وخافت ربها. الغناء ذميم، الغناء خمر الأرواح، الأئمة الأربعة أجمعوا على تحريمه، قال ابن تيمية فيما ينقل عنه: " الغناء بريد الزنا " وما داوم عبد على الغناء إلا أصيب بأربع مصائب: 1 - قسوة القلب: فلا يجد للموعظة طعماً ولا مذاقاً ولا حلاوة ولا تأثيراً، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13]. 2 - لا يحب الذكر؛ لأن قلبه امتلأ من الران والخبث. 3 - وحشة بينه وبين الله: فإن أحباب الله يحبون ذكر الله، ويحبون ما يقربهم من الله، ويحبون ذكر رسول الله صلى الله عليه وسنته رسوله بخلاف المغني. 4 - يحرم الغناء في الجنة: وفي الجنة غناء مباح، فيه تلذذ، ونعيم مقيم، قال ابن مسعود ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان

إهمال السنن

إهمال السنن ومن الظواهر عند بعض الناس ولو كان فيهم خير من إقامة الفرائض لكن نقصهم في السنة، عدم اعتنائهم بالسنة، وادعاؤهم أن هذه قشور، وأن الإسلام لم يركز عليها، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يهتم بها وليست من أصول الدين، ونحن نقول: أما قولكم إنها ليست من أصول الدين فقد نوافقكم، وأما قولكم إنها قشور فليس في الدين قشور بل هو لباب كله، وخير كله، ونفع كله، الدين جميل، الذي أتى بلا إله إلا الله أتى بإماطة الأذى عن الطريق، الذي أتى باليوم الآخر أتى بتربية اللحية، الذي أتى بذكر الميزان والصراط والحوض وأركان الإسلام أتى بتحريم إسبال الثوب، فخذ الدين كله، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] إن شاء الله إذا خرجت السلسلة التربوية من هديه صلى الله عليه وسلم، التي وعدت بها سوف تجدون شخصية محمد صلى الله عليه وسلم تلاحقكم في كل مكان، فهو إمام لك في الصلاة، وإمام لك في الحج، وإمام لك وأنت على المائدة، وإمام لك وأنت تتوضأ، وإمام لك وأنت نائم على فراشك، وإمام لك في الدكان، وفي المزرعة والمكتب والفصل، شخصية عملاقة وهذه عظمة الإسلام، تأكل اللقمة ومعك هدي، وتتمضمض ومعك هدي، وتخطو الخطوة ومعك هدي، وتخرج من المسجد وتدخل البيت ومعك هدي، هذا هو النور الذي أتى به هو محمد عليه الصلاة والسلام، فحذار حذار من قوم استهانوا بالسنة، وجعلوها قشوراً وخلت مظاهرهم من تطبيق معالم الهدى، فالأشرف لك اتباع محمد عليه الصلاة والسلام.

ضياع الوقت

ضياع الوقت ما أرخص الوقت عند المسلمين! لو أخذ الموظف على مكتبه المصحف كلما خلا، وما أكثر ما يخلو بنفسه أخذ المصحف وقرأ، ليتصل بالواحد الأحد، يجلس بعضهم على المكتب ساعات طويلة لا ينهي معاملة للمسلمين، معاملته من أسابيع، وهي واحدة، وكلما تراص الناس أمامه قال: غداً بعد غد: كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً وما مواعيده إلا الأباطيل ويتشاغل بهذا الأمر ويدعي، والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، كم يخلو في المكتب! لكن ليس عنده مصحف إما يهمهم أو يوسوس أو يتغنى، أو يخرج من مكتبه إن لم يكن عنده أمانة، وكذلك يوجد بين الأساتذة فراغ عند الحصص وفي الفسح، والطلبة كذلك، وصاحب الدكان في دكانه، كثير من الناس ليس عنده إلا مجموعة من (القواطي) والمشروبات ومن المأكولات يفتح من بعد صلاة الصبح، ولا يأتيه الزبائن إلا في الساعة العاشرة، فلو فتح مصحفه وقرأ آيات الله، واستنار بنور الله لأتاه الرزق، رزق القلب ورزق البدن، وأنعم الله عليه في الدارين، وبارك له فيما أعطاه. وكذلك منتظر الباص، والواقف على الطريق والمزارع؛ عندهم وقت فراغ عظيم، لكن من يحفظ الفراغ؟! قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. المرأة في بيتها تخلو ساعات طويلة، تنتهي من عملها في البيت وتبقى ساعات؛ فوصيتي أن تستمع شريطاً. حدثنا أحد الدعاة: أن امرأته وهي تعمل في مطبخها سمعت في فترة أسابيع قليلة: ثلاثة وعشرين شريطاً، وفهمت أكثر قضايا الأشرطة، وأصبحت عالمة؛ لأنها حفظت وقتها، فالوقت الوقت: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني

جلساء السوء

جلساء السوء أحذركم ونفسي من جلساء السوء: لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب قال تعالى: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] الخليل هذا إمام صالح، يصلحك في الدنيا والآخرة، إذا دخل عليك في البيت فهو نور، وإذا جلس معك بركة، وإذا حدثك ذكرك بالله، فيقول الله لك وله من المجلس: انصرفوا مغفوراً لكم قد رضيت عنكم وأرضيتموني. وأما جليس السوء يدخل عليك الظلمة والمحق، إن تكلم تكلم بإثم، وإن قادك قادك لإثم، وإن نظر إليك الناس اتهموك لأنك معه: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي يقول الشافعي رفع الله منزلته: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة أنت من الصالحين وتحب الصالحين و {المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل} {والمرء يحشر مع من أحب} جالس الأخيار، زر الدعاة، جالس طلبة العلم، أحببهم، ادع لهم عل الله أن يحشرك معهم. هذه قضايا عل الله أن ينفع بها، والأسئلة كما ترون كثيرة وأنا أريد الإبقاء على ضميمة الدرس؛ ليكون متناسب الأجزاء مترافق الأطراف، ولتكون القضية واحدة. هنا رسالة مطولة كتبها أحد الأخوة فيها بعض الأمور يقول: هناك ظاهرة طيبة وهي وجود من يدعو إلى شراء الكتب الإسلامية والأشرطة وهذا والحمد لله نعمة نحمد الله عليها إلى آخر ما قال، المهم أنه ينبه إلى أهمية أن يعتني المسلم بإدخال هذا إلى بيته والاهتمام به، وإهدائه إلى المسلمين. أقول: شكر الله لك وقد أحسنت كل الإحسان، فلا يلزم من الداعية أن يكون متكلماً أو واعظاً أو محاضراً، بل شريط تنقله إلى المسلم قد يهتدي به، فيكون هذا المسلم في ميزان حسناتك، والشريط ما هو إلا بخمسة ريالات، خمسة ريالات تدخلها البيت بهذا الشريط فيصلح به ثلاثين أو أربعين في البيت أو أسرة، أو قبيلة فيكونون في ميزان حسناتك يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. وقد رأينا وسمعنا أن قوماً من أهل الفضل والخير ذهبوا بأموالهم الحلال، فأخذوا أشرطة فوزعوها على الناس فأصلح الله أسراً وقبائل وقرى، فوالله الذي لا إله إلا هو إني أعتقد أن توزيع الشريط الإسلامي في البيوت وفي الأسر والبوادي، وفي القرى أعظم ممن يوزع عليهم الأرز والسكر والطعام؛ لأن هذا حياة القلوب، وتلك حياة الأبدان، وحياة القلوب بالإيمان، وإذا فات الإيمان فالنار، وحياة الأبدان الموت، والموت أمره سهل، وقد ذكر ما يشبه هذا ابن القيم فأسأل الله عز وجل أن يجعل العمل خالصاً لوجهه. أسأل الله الواحد الأحد الذي جمعنا وإياكم في هذا المكان أن يخلص أعمالنا وأعمالكم لوجهه الكريم، وأن يجعل ما نقول وما نعمل خالصاً لوجهه الكريم لا رياء فيه، ولا سمعة، وأسأله أن يغفر لنا ولكم خطايانا، وأسأله أن يجازي كل من نشر الخير واستطاع بأي وسيلة أن ينشر الدعوة، وأن يوصلها إلى قلوب الناس، وإلى بيوتهم وسياراتهم أن يتوفاه مسلماً مؤمناً مثبتاً على الحق حتى يلقاه، وأن يبيض وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

رسالة من تهامة

رسالة من تهامة الزكاة فريضة فرضها الله على المسلمين تخرج من أغنيائهم وترد على فقرائهم، والزكاة تطهر وتزكي النفس والمال، وعاقبة مانع الزكاة في الدنيا وخيمة، وفي هذه المادة دعوةٌ إلى الإنفاق والبذل والتصدق على المسلمين كما أمرنا الله.

أحسن كما أحسن الله إليك

أحسن كما أحسن الله إليك إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أشهد أن الله حق، وأن الجنة حق، والنار حق، والنبيين حق، وأن محمداً رسول الله حق، أشهد أن الدين خالد، وأن الرسول خاتم، وأن الكفر خاسر. أيها الناس: يقول الله تبارك وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:75 - 80]. هذا هجوم أدبي على الإقطاعيين في العالم. هذا غضب ونقمة على الذين كدسوا القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وادخروا الأموال في البنوك، وتركوا فقراء الأمة ينامون على الأرصفة. هذا غضب من الله للذين لعبوا في أمواله سُبحَانَهُ وَتَعَالى فما أدوا زكاة الأموال، وما اجتنبوا الربا وما تصدقوا. هذا وعيد صارم من الله ألا يقبل لهم توبة إذا أتوا بهذه الحالة {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة:75] كان بعض الناس فقيراً فأغناه الله الواحد الأحد، كان لا يملك درهما ولا ديناراً، فلما أصبح يملك الملايين لوى عنقه لرب العزة سُبحَانَهُ وَتَعَالى، بطر بالأموال وصد بالأموال عن سبيل الله، ورابى بالأموال، وصارت أمواله مصدر حرب على الإسلام والمسلمين {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [التوبة:75] عهد من الله، فآتاهم الله، وأراد سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يرى هل يصدقوا أم يكذبون. وأنا أذكر قصة صحيحة عند البخاري يوم أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليجبي الصدقات من الناس، فذهب عمر جابياً للصدقات، فمر على العباس عم الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: هات زكاتك قال: لا، ومر على خالد بن الوليد - أبي سليمان سيف الله المسلول- قال: هات زكاتك قال: لا. ومر على ابن جميل وقال: هات زكاتك قال: لا، وليس لـ عمر إلا أن ينقل الإجابة كما سمعها للرسول عليه الصلاة والسلام، ووصل عمر وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أعطاني الناس جميعاً إلا ثلاثة: عمك -هكذا صراحة ووضوح وصدق الإسلام، ليس في دين الله خشخشة ولا مجاملة ولا نفاق- عمك رفض أن يدفع الصدقة وما قال عمر في نفسه: ما دام أنه عم الرسول فنتجاوز عنه، لا. أول من رفض الصدقة عمك وخالد بن الوليد وابن جميل، فتبسم عليه الصلاة والسلام. وأتى يخبر بجواب مفصل عن أعذار الثلاثة، قال: {أما عمي فإنها علي ومثلها} يعني زكاة سنتين؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام استعجل، وتعجل منه صدقة عامين، قرضاً وديناً في شئون الإسلام، عليه الصلاة والسلام، ثم قال لـ عمر: {أما تدري يا عمر أن عم الرجل صنو أبيه} كالمازح يقول هو عمي ومع ذلك تعجلت صدقته هذه السنة والسنة المقبلة. قال عليه الصلاة والسلام: {وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً} خالد مظلوم فـ خالد دفع دمه وعرقه ودموعه وسيوفه ورماحه في سبيل الله، خالد أخذ أمواله جميعاً فشرى بها مائة فرس فحبسها في سبيل الله، وشرى مائة سيف فجعلها في سبيل الله، وشرى مائة درع فجعلها في سبيل الله. يقولون معن لا زكاة لماله وكيف يزكي المال من هو باذلة هو البحر من أي النواحي أتيته فدرته المعروف والجود ساحله فاعتذر لـ خالد وللعباس. {وأما ابن جميل -وهذا هو الحية الرقطاء- وأما ابن جميل يقول عليه الصلاة والسلام: فما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله} يقول: أيحق لـ ابن جميل أن يفعل بنا هذا، بعد أن كان فقيراً مملقاً أغناه الله؟! يتنكر للإسلام وللزكاة وللصدقة، أهذا جزاء الإحسان! أهذا رد المعروف! أهذا حفظ اليد البيضاء! هكذا يفعل اللؤم! فرفض ابن جميل ورفض عليه الصلاة والسلام أن يقبل صدقته أبداًَ، فأنزل الله {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة:75] وهو ابن جميل هذا، كان فقيراً في جانب المسجد يأكل من طعام المسجد لا يجد كسرة خبز، فأتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: {يا رسول الله! أريد مالاً، قال: قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه} -قليل تشبع به وتصلي معنا في المسجد وتشكر الله عليه أحسن من الكثير الذي لا تؤدي شكره- {قال: يا رسول الله! ادع الله لي أن يرزقني مالاً، قال صلى الله عليه وسلم: أنا رسول الله لو شئت أن يسير الله لي جبال الدنيا ذهباً وفضة لسيرها لي، ولكني مع ذلك أجوع يوماً وأشبع يوماً، قال: يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالاً، قال: فإن رزقك مالاً أتؤدي شكره؟ قال: إي والذي نفسي بيده، فرزقه الله مالاً، فترك صلاة الجماعة ثم تشاغل عن صلاة الجمعة ثم رفض الزكاة}. وابن جرير وابن أبي حاتم يذكرونها لـ ثعلبة وفي سندها عن ثعلبة نظر، بل هي عن ابن جميل لقصة البخاري ولسند البخاري، أرسل عمر إليه قال: هذه جزية لا أعترف بالصدقة، قال: كنتَ فقيراً فأغناك الله، قال: لا، أنا ورثت المال كابراً عن كابر، قال الله: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة:77] وهذه قصة ابن جميل تتكرر حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

أهل تهامة يدعونكم للإنفاق

أهل تهامة يدعونكم للإنفاق ونحن يا أيها الناس نعيش مشكلة اجتماعية، واقعاً أعرفه أنا وتعرفه أنت، لأننا من أبناء هذه المنطقة، نعرف الفقراء ونعرف المساكين، بل أعرف منطقة كاملة مشيتها قرية قرية ووادياً وادياً منطقة الساحل وتهامة يعيشون فقراً مدقعاً، ومن يكذب هذا؟! ومن ينكر هذا؟! إن منطقة واسعة وإقليماً يعيش فقراً مدقعاً، والرجل يعيش في عشة لا يجد أحياناً قوت يومه، وبالقرب أغنياء بلغ غناهم السحاب، وهل الإسلام يرضى هذا! وهل محمد صلى الله عليه وسلم إن كان حياً يرضى هذا الوضع! أن تعيش قرى في البادية وقرى في تهامة على التراب، لا تتمتع بأقل ما يتمتع به الإنسان في عصر الحضارة والرقي والتقدم، عصر الكهرباء، عصر الاشعاع، عصر المال والماء، عصر الخبز والفواكه والخضروات والثياب، إنها أمانة يجب عليَّ أن أنقلها لكم وأن تعوها وتسمعوها. من عنده زكاة فليذهب إلى هذه المناطق لينقذ أهلها، من عنده صدقة، هم يأتون إلى هنا ونحن ذهبنا إلى هناك، ووالله لقد استودعنا منهم شيوخاً وهم يبكون أن نبلغكم الوديعة، وأن نخبركم بالأمانة، نعم. إن كانت الإغاثة الإسلامية مستعدة لتغطية حاجة هؤلاء دفعنا أموالنا إليها، وإن كانت تقول إنها سوف تدفعها في بلاد أخرى فلا، أموالنا أولى بها أقاربنا وفقراؤنا ومساكيننا، وعند أهل العلم أنه يبدأ أولاً بالمسكين والفقير القريب القريب، فمن يعذر هذه الأمة التي يعيش أغنياؤها ترفاً هائلاً؟ اقرأ المقابلات مع تجار البلاد، الملايين التي تعادل ميزانية كل تاجر منهم ميزانية الدول الأخرى، ومع ذلك هذه المناطق الشاسعة تعيش التراب والفقر المدقع، مسئولية من؟ إنها مسئولية التجار.

قاصمتا أهل الساحل

قاصمتا أهل الساحل وأصيب هؤلاء المساكين في تهامة الساحل والبادية بخيبتين وقاصمتين: قاصمة فقر العلم والعلماء والدعاة، وقاصمة فقر المال من الأغنياء والتجار، والله يقول عن بني إسرائيل: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:37] فهذا بخل بالعلم وبخل بالمال، وأمامي هنا طلبة علم وأغنياء وتجار، فطلبة العلم أمامهم أمانة من الله أن يذهبوا بعلمهم ليعلموا هؤلاء، والله إن فيهم من لا يحسن قراءة الفاتحة، ومنهم من لا يعرف الغسل من الجنابة، فاجتمع عليهم فقر الدين وفقر الدنيا، وهي مسئوليتنا نحن. نعم، من عنده زكاة، وعنده صدقة، ومن أراد أن يرفع هذا الفقر، وهذا الضيم عن هذه القرى، وعن هذا الساحل، وعن البادية فليذهب، لينفق أمواله ليجدها عند الله.

عاقبة تكديس الأموال

عاقبة تكديس الأموال {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة:34] ويدخل فيهم أهل الشركات وأهل الملايين {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34 - 35] ذوقوا هذا كنزكم، هذه ملايينكم، رأيتم الفقراء، ورأيتم الأمة الضائعة، ورأيتم المحتاجين فما رفعتم ضيماً، هذا كنزكم، هذا ما كنتم تكنزون. يقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {والذي نفسي بيده ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاته إلا إذا كان يوم القيامة صفحت صفائح، فتكوى بالنار، فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله هل إلى جنة أو إلى نار، ووالذي نفسي بيده ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا إذا كانت يوم القيامة صففت بصفصف قرقر، فبطح هو -صاحب الإبل يبطح- ثم تأتي عليه فتطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما انتهى أولها ردت على آخرها {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] حتى يقضى بين الناس، والذي نفسي بيده ما من صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة بطحت له بقاع قرقر، فبطح هو، ثم أتت ليس فيها عطفاء ولا جلحاء ولا عضباء، تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] كلما انتهى أولها ردت على آخرها حتى يقضى بين الناس}. هذا كلام المعلم، هذا كلام المعصوم عليه الصلاة والسلام، هذا كلام الذي رفع رءوسنا، والذي أتى بهذه الفريضة يطهرنا بها {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103] لماذا لا يتطهر الإنسان قبل أن يكون أول ما يحاربه في القبر ماله، وفي الحديث الصحيح: {ما من صاحب كنز إلا جُعِلَ له شجاعٌ أقرع -ثعبان له زبيبتان- يلدغه في القبر ويقول: أنا كنزك أنا مالك} هذا الكنز وهذا المال. وعند الإمام أحمد: أن الصحابة اختلفوا أي الكنز أحسن؟ أهو الذهب أم هي الفضة أم الإبل أم عروض التجارة؟ فأرسلوا عمر بن الخطاب يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وصل إليه {قال أي الكنز أحسن يا رسول الله؟ قال: من آتاه الله قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً} هذا هو الكنز العظيم الذي يكتنزه المسلم لينفعه في {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].

رمضان فرصة سانحة للإنفاق

رمضان فرصة سانحة للإنفاق وإنها فرصة سانحة في رمضان أن تخرجوا صدقاتكم وزكواتكم؛ لأن من ينظر إلى وضع الفقراء وإلى ما يتقدم به الفقراء من مستندات، ثم لا يجد ما يدفع إليهم ويتساءل أين زكاة الناس؟ إلى أين يدفع هؤلاء صدقاتهم وزكواتهم، إذا كانوا صادقين أنهم يدفعون صدقاتهم وزكاتهم؟ فلماذا يبقى هؤلاء القطيع الهائل من الناس فقراء ومحتاجين، ويبقى أحدهم لا يجد ما يفطِّره في رمضان؟ ولا ينكر هذا إلا أحد اثنين: إما رجل مكابر: أَعْرِضُ عليه هذه المعلومات، التي رأيتها بعيني وعشتها، ويقول: لا. لا يوجد هذا في المنطقة، فهذا مكابر عنيد. أو رجل آخر جاهل لا يعرف الوضع، ولم يداخل الناس ولم يدخل العشش، ولم يرَ كيف يعيش الإنسان في القرن الخامس عشر، هذه مسألة أعرضها عليكم، وأسأل الله عز وجل أن يرفع الضر عن المستضرين، وأن يقضي حاجة المحتاجين، وأن يسد رمق الفقراء والمساكين. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

حكم الإسلام في الزكاة

حِكَمُ الإسلام في الزكاة الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: عباد الله: فإن للزكاة في الإسلام حِكَماً لا يعرفها إلا من اطلع على أسرار هذا الدين:

أداء الزكاة زكاة للنفس

أداء الزكاة زكاة للنفس أولاً: زكاة للنفس، تزكيها من أوضار البخل، والشح، وترفع قدرها عند الله، وقد وصف عليه الصلاة والسلام المتصدق والبخيل برجلين عليهما جبتان من حديد، كلما أنفق المنفق اتسعت الجبة حتى تغطي أثره، وكلما أمسك الممسك ضاقت عليه الجبة حتى تخنقه {ولله عز وجل مناديان في كل صباح -كما في الصحيح- ملكان الأول يقول: اللهم اعط منفقاً خلفاً، والآخر يقول: اللهم اعط ممسكاً تلفا} ومن لا يستفيد من المال في الحياة، فلن يستفيد منه بعد أن يموت، فإما حلال فللورثة، وإما حرام يعذب به حتى يلقى الله ويدخله هذا المال النار، وقد رأينا كثيراً من التجار، وسمعنا أخبارهم أنهم شقوا بمالهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة. أما في الحياة فبالاستقراء من أخبارهم، تاجر عنده من التجارات الهائلة ما الله به عليم، حضرته الوفاة في منطقة نائية عن منطقته التي فيها قصوره وأمواله وبساتينه ودوره، فلما توفي في المستشفى النائي تصدق عليه الناس بكفن، هذه نتيجة الملايين. خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الطين والكفن هكذا هي حياة هؤلاء في الدنيا، وأما بعضهم فقد سعد سعادة بهذا المال {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:17 - 21]. كان ابن هبيرة الوزير تاجر مشهور، يفطر كل يوم في رمضان عشرة آلاف صائم يبني القناطير المقنطرة، يبني المساجد، يبني البرك للحجاج من العراق إلى مكة يشربون ماءً بارداً، وصل إلى منى يقود الحجاج، وفي اليوم الثامن انقطع الماء على الناس، وانتهى الماء، وأصبحوا في أزمة وأشرفوا على الهلاك، فقام هذا الرجل الصالح -وكان من أغنى الأمة الإسلامية في عهد الدولة العباسية- فرفع يديه، قال: اللهم إنك تعلم أني ما أنفقت أموالي إلا ابتغاء مرضاتك، اللهم إن كنت تعلم أني صادق فأغث الحجاج الآن هذه الساعة. قال الراوي: فوالله لقد نزل الغيث علينا بـ منى وما في السماء قبله سحابة حتى نزل الثلج مع الماء، فأخذ يأكل الثلج ويبكي ويقول: يا ليتني سألت الله المغفرة، هذا صنف من صنف أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان الذين دفعوا أموالهم وأعطوها سخية أنفسهم، نعم هناك من يحتاج بناء مساجد، وهناك مقاطعات ليس فيها مسجد واحد، هناك قوم يحتاجون إلى برك لإيصال الماء النقي الصحي إليهم لا الماء الملوث الذي يحمل البلهارسيا والموت والسم الزعاف، هناك أناس يحتاجون لبناء بيوت تكنهم من المطر وتظلهم من الشمس، هناك أناس يريدون الحاجة الضرورية، يريدون الخبز -هذا من حوائجهم الضرورية- والأرز والسكر، لا يريدون الكماليات، هناك أناس يريدون اللباس، يتعيد الناس في الألبسة الجديدة والثياب الفاخرة، والواحد منهم يبقى سنة في الثوب الواحد.

الزكاة إنقاذ للنفس يوم القيامة

الزكاة إنقاذ للنفس يوم القيامة فأنقذوا هؤلاء، وقدموا لأنفسكم ما تجدونه عند الله، يقول عليه الصلاة والسلام {إذا تصدق العبد من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا طيباً- فإن الله يتقبله بيمينه، ثم يربيه لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه، حتى إن اللقمة لتبلغ كـ جبل أحد} هذا عند الله {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] ويقول تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] وسوف تكون هناك بعض المسائل في الزكاة وزكاة الحلي وزكاة الفطر وزكاة العروض وزكاة الحبوب والثمار والأنعام والنقدين مجالها في الدروس التي تلقى هنا قبل صلاة العشاء من كل ليلة، لأن المجال لا يتسع للبسط، نسأل الله أن يحفظنا وإياكم من كل مكروه. خاتمة: أيها الناس: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {أكثروا من الصلاة علي والسلام ليلة الجمعة ويوم الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي قالوا: كيف تعرض عليك صلاتنا يا رسول الله! وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء} اللهم صلِّ وسلم عليه، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يارب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين ووحد بين صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم ولِّ علينا من يخافك ويرجو لقاءك ويحب دينك، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع كلمة المسلمين ووحد صفوفهم وأخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم اعتق رقابنا من النار، اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا عيباً إلا سترته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عدواً إلا خذلته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، برحمتك يا أرحم الراحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

رسالة

رسالة هذه الرسالة تحتوي على عدة قضايا، يحتاج إليها الفرد والمجتمع، وهي سبب السعادة في الدنيا والآخرة، وهي: الصلاة والمحافظة عليها، وبر الوالدين والتحذير من عقوقهما، والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى من الذنوب والمعاصي، وتربية الأبناء والمحافظة على حقوقهم والقيام بها كما في الشريعة الإسلامية، وسل السخيمة من القلوب، وحب المسلمين والتودد إليهم والتآلف معهم، إلى غيرها من الرسائل والمسائل.

قضايا في الحياة

قضايا في الحياة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، أنت رب الطيبين، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. اللهم صلّ وسلم على من أرسلته هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة الأبرار الأخيار: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد: فإن أعظم ما أوصي به نفسي وإياكم هذه الليلة تقوى الله عز وجل؛ فإنها وصية الله للأولين والآخرين، كما قال: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] ونتكلم فيما يأتي عن بعض القضايا في الحياة والمجتمع.

السعادة الحقيقة وأسبابها

السعادة الحقيقة وأسبابها أيها المسلمون! يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:101 - 103]. من هم الذين سبقت لهم من الله عز وجل الحسنى؟ هم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، هم الذين أخلصهم الله بخالصة ذكرى الدار، هم الذين كتب الله لهم السعادة في الدنيا والآخرة - نسأل الله أن نكون منهم- لأن المرء إما سعيد رضي الله عنه، وإما شقي غضب الله عليه. الناس إما رجل جعله الله من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة، من يوم أن وقع رأسه في الأرض ولدتك أمك يا بن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا وهذه الحياة ليست للأكل ولا للشرب، ولا للرفث، ولا للهو، والله الذي لا إله إلا هو لقد وجد أناس يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون ويزكون ويذكرون الله، ولا يعرفون معنى الحياة، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58] ويقول سبحانه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. ولقد وجد بين أطراف المسلمين من يعتني بدنياه، وبملبسه ومطعمه وسيارته، وبوظيفته أكثر من الإسلام. بل وجد هنا من يعرف كل شيء في الدنيا، فإذا سألته عن صلاته وحجه وعمرته لا يعرف شيئاً! فلماذا خلقه الله؟ ولماذا أوجده الله إذا لم يعرف هذا الشيء؟! فالذين سبقت لهم من الله الحسنى هم الذين سعدوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وأسباب السعادة: أن تعتقد أن لا إله إلا الله، ولا معبود بحق إلا الله، وأكبر كلمة أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي (لا إله إلا الله) بها قامت السماوات والأرض، وصلح عليها أمر الدنيا والآخرة، وبها رضي الله عن المؤمنين، وعلى لا إله إلا الله دمَّرت الدنيا خمس مرات، وبلا إله إلا الله أنزل الله الكتب، وأرسل الله الرسل، وأقام الله سوق الجنة والنار، وعليها مدَّ الصراط، وبنى الحوض. فيا أيها المسلم! يا من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً عليه أفضل الصلاة والسلام أسألك أن تحيا بلا إله إلا الله، وتموت على لا إله إلا الله؛ علَّ الله أن يبعثك على لا إله إلا الله.

الصلاة وأهميتها

الصلاة وأهميتها كثير من الناس يعتقد أن صلاته ليست بذاك الأمر الكبير العظيم في حياته، يصلي في المزرعة، ويصلي في الطريق، ويصلي في البيت، وليس عليه ألا يدرك الصلاة في أي جماعة، ولا في أي مسجد! الصلاة -يا عباد الله- أول ما يسأل عنها العبد، الصلاة يا عباد الله! يترك الإنسان في القبر (الحفرة الضيقة) يأتيه الملكان فيسألانه عن الصلاة. الصلاة -يا عباد الله- عليها قامت شعائر الإسلام. الصلاة -يا عباد الله- الركن الأهم الذي إذا حافظ عليه تمم الله للعبد أموره، وإذا نقص خذل الله العبد، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيَّعها وأخل بها ضيَّع دينه. تارك الصلاة لا يؤاكل، ولا يشارب، ولا يرافق، ولا يصاحب، ولا يؤتمن، ولا يصدق، ولا تقبل شهادته. تارك الصلاة حلال الدم والعرض والمال. تارك الصلاة مغضوب عليه في السماء والأرض. تارك الصلاة تشتكي منه العجماوات: الحوت والأسماك، الطيور والزواحف، كلها تشكو وتجأر إلى الله من تارك الصلاة، تقول: مَنعنا الرزق بسببك، مُنعنا الرحمة بذنبك، منعنا القطر من السماء بجريمتك. تارك الصلاة حبله مقطوع من ذمة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الحديث القدسي: {أبي تغترون، أم علي تجترئون، فبي حلفت لأنزلن فتنة تجعل الحليم حيراناً} وورد عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه قال: {والله لولا شيوخ ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع، لخسفت بكم الأرض خسفاً}. تجد المسلم صحيحاً معافى قوياً شاباً غنياً يسمع: (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر) ثم لا يأتي إلى المسجد، حينها يعلن عليه حاله أنه منافق معلوم النفاق. ومن النفاق العملي: أن تسمع الأذان، ثم لا تأتي المسجد، ولذلك يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [[كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، وما يتخلف عن الصلاة إلا رجل معلوم النفاق]] فهذه من المسائل الكبرى يا عباد الله. ومن أعظم ما تخاذل فيه المسلمون هذه الأيام، وهذه السنوات صلاة الفجر: الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه من ذمته بشيء أدركه، ومن أدركه أهلكه}.

بر الوالدين

بر الوالدين جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حق الوالدين الأب والأم مع حقه لعظم حقهما في الإسلام يقول: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 - 24]. ويقول عليه الصلاة والسلام: {كان في من كان قبلكم ثلاثة نفر ذهبوا في الصحراء، فدخلوا في مغارة، فلما دخلوا انطبقت عليه صخرة} فأصبحوا في مقام موحش مقفر، لا أنيس فيه ولا قريب، ولا سامع إلا الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض {فقال بعضهم لبعض: لا ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم} بعد أن دخلوا في الغار وانطبقت عليهم الصخرة، وأظلم عليهم الليل، وابتعدوا من الأهل والجيرة، والأصحاب والقرابة، فأتى أولهم يدعو بصالح عمله والله - عز وجل - لا يحفظ العبد المسلم إلا بصالح عمله، نقول: ما لأبنائنا يفسدون؟! ومالهم يضيعون؟ وما لأجسامنا لا تصح؟ وما لدورنا لا تعمر؟! ونحن الذين نخرب دورنا بأنفسنا وبأيدينا. هل من المعقول أن أبناءنا ينامون ويصحون على الأغاني الماجنات؟! ملأنا آذانهم بالأغاني الماجنات -إلا من رحم الله- ثم نقول: فسد أبناؤنا! يقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6]. ففي أمور الدنيا نحزم على أبنائنا فيها، ونشد عليهم، ونحاسبهم حساباً عظيماً شديداً، لكن أمور الدين نقول: الله الهادي، ويذهب أحدنا إلى المسجد ويقول لأبنائه- بصوت ضعيف- مع صلاة الفجر: صلوا هداكم الله، فإذا أتى وهم نائمون قال: اللهم إني أديت ما عليَّ، ووالله ما أدى ما عليه، ولو أداه لأيقظهم بالقوة. {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17] كما لا نرضى أن يضيعوا أموالنا في أمور الدنيا، فلماذا نرضى في حق الله عز وجل؟ فنحن السبب، فلذلك من لا يصلح نفسه ويصلح بيته، لن يهديه الله سواء السبيل يقول الله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5]. دخل الثلاثة الغار، قال أولهم: {اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق عليهما أهلاً ولا مالاً - أي: لا أقدم عليهما من أبنائي أحداً في العشاء، ولا في الشرب، ولا في الخدمة- وإنه قد نأى بي طلب الشجر يوماً من الأيام، فلم آتيهما إلا بعد أن ناما فحلبت في الإناء، ثم أتيت به لأقدمه لهما، فبقيت عندهما لم أو قظهما حتى طلع الفجر وأبنائي يتضاغون عند رجلي يريدون اللبن، فلم أسقِ أبنائي، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج}. وأتى الثاني فقال: {اللهم إنك تعلم أنه كان لي ابنة عم} هؤلاء هم الذين حفظوا الله في الغيب، بعض الناس ناسك زاهد عابد أمام الناس، لكنه إذا خلا بمحارم الله انتهكها. وفي سنن ابن ماجة يقول صلى الله عليه وسلم: {ليأتين أقوام من أمتي يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة يجعلها الله عز وجل هباءً منثوراً، قالوا: يا رسول الله أليسوا مسلمين؟ قال: بلى، يصلون كما تصلون، ويصومون كما تصومون، ولهم صلاة بالليل، لكن كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها} فهذا الثاني يقول: {اللهم إنه كان لي ابنة عم، وكانت أحب الناس إلي، فراودتها عن نفسها فأبت حتى أتتها سنة قحط وفقر ومسكنة، ثم أتيت بمائة وعشرين ديناراً فطاوعتني، فلما جلست عندها قالت: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانكففت عنها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً قليلاً غير أنهم لا يستطيعون الخروج}. وأتى الثالث وقال: {اللهم إنك تعلم أنه كان لي أجراء أعطيت كل واحد منهم أجره إلا واحداً ذهب مغاضباً فلم يأخذ أجره، فنميت أجره وثمرته حتى عاد فأصبح عنده من الرقيق، والإبل، والغنم، والبقر الشيء الكثير فلما أتى قال: أعطني حقي قلت: هذا حقك. قال: اتق الله ولا تستهزئ بي، قلت: هذا حقك، قال: فأخذه ولم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون}. وهذا يدل على فضل بر الوالدين، ويوم يسعد الوالدان بولدهما حينها يرضى الله من فوق سبع سماوات، فوالله لا يدخل الجنة قاطع رحم. {لما خلق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الرحم تعلقت بالعرش وقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة يا رب! قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، قالت: بلى. قال: فذلك لك، فأنزلها الله في الأرض، فمن وصلها وصله، ومن قطعها، قطعه}.

التوبة وفضلها

التوبة وفضلها إذا أذنبت وأخطأت وأجرمت، وأسرفت على نفسك، ثم تفكرت في لقاء الله، وفي القبر المظلم، والعرض الأكبر على الله عز وجل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله المقصود: أن الذنوب والخطايا لا يسلم منها أحد، ولا يغفر الذنوب إلا الله ولا يستر العيوب إلا هو، ولا يسامح عن الزلل إلا الله، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136] قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] فإذا أذنبنا فررنا إلى الله، قال الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50] فما منا إلا مذنب، وما منا إلا عاصي، وما منا إلا مسرف على نفسه. ويا أيها الإخوة الكرام! واجبنا تجاه الذنوب والخطايا أن نتوب إلى علام الغيوب، وأن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، وأن نتزين للعرض الأكبر على الله عز وجل قبل أن نعرض عليه فلا تخفى عليه منا خافية، ولذلك طالبنا صلى الله عليه وسلم بالتوبة. يروى عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الحديث القدسي أنه قال: {يا بن آدم إنك ما دعوتي ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لغفرتها لك، يا بن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة}. فما هو الواجب تجاه ذنوبنا وخطايانا؟ الواجب أن نستغفر الله وأن نتوب إليه، وقدوتنا عليه الصلاة والسلام يقول: {يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة} وفي لفظ: {مائة مرة}. فيا إخوتي في الله! كثرة ذنوبنا وخطايانا، وما جف القطر، وفسدت كثير من البيوت، وقست القلوب، وتشتت الأسر، وتفرقت الجماعات والقبائل، إلا بسبب الذنوب والخطايا. الجار لا يسالم جاره، تحدث حرب شعواء بين الجيران وصلت إلى المحاكم، ووصلت إلى القاصي والداني بسبب عدم رقابتنا لله عز وجل، وبسبب قسوة قلوبنا، والجار في الإسلام حقه عظيم، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يوصي به. يقول أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه: {خرجت مع أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا به قائم، وإذا رجلٌ مقبلٌ عليه، فظننت أن له حاجة، فجلست، فوالله لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أرثي له من طول القيام، ثم قمت إليه، فقلت: يا رسول الله! لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام. قال: أتدري من هذا؟ قلت: لا. قال: جبريل، مازال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه، أما إنك لو سلمت عليه لردَّ عليك السلام} رواه أحمد بإسناد جيد. وأتى جار فقال: {يا رسول الله! أشكو إليك جاري. قال: ماذا فعل؟ قال: آذاني، وسبني، وشتمني، وما حفظني، ولا رعاني، إن غبت خفت على أهلي منه، قال: اصبر له واحتسب} فذهب فصبر، ولكن ذاك الجار ما اتقى الله، وما خشي من الله، فاشتكى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مرة ثانية، قال: {خذ متاعك وقف في الطريق، فأخذ متاعه، ومر الناس عليه مصبحين وممسين فقالوا: مالك؟ قال: أخرجني جاري إلى هذا الطريق، قالوا: عليه لعنة الله. فيصبح الرجل، فيقول: مالك؟ قال: أخرجني جاري، قال: عليه لعنة الله، ويمسي الممسي فيقول: مالك؟ قال: أخرجني جاري، قال: عليه لعنة الله، فعاد هذا الجار بعد أن قال له جاره: عد، والله لا أوذيك بعدها أبداً}. ولذلك أكثر ما هضمت حقوق الجيران؛ لما قست القلوب، ونسيت حقوق المسلم على لمسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام علمنا حقوق المسلم؛ نظر إلى الكعبة عليه الصلاة والسلام وقال: {ما أجلك وما أعظمك وما أشد حرمتك عند الله عز وجل! والذي نفسي بيده للمؤمن أشد حرمة منك} المؤمن أشد حرمة من الكعبة عند الله - عز وجل - وأقدس، ويقول عليه الصلاة والسلام: {والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه} هذه قضية الجيران، وحقوق المسلمين تتداخل بعضها في بعض.

حق الولد على والده

حق الولد على والده ومن القضايا الكبرى التي عشناها، ورأيناها: إهمال تربية الأبناء، وكما أسلفنا ذكر قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] تربية الأبناء أهملت إلا في بيوت من رحم الله، وكثير من الآباء يقف حجر عثرة في وجه أبنائه لئلا يهتدوا أو يستقيموا، لا يريد أن يكونوا -على زعمه- مطاوعة متزمتين متطرفين؛ يريد إسلاماً أمريكياً؛ لأن هذا الإسلام يلزمك أن تصلي وفي المثل:" مع الخيل يا شقراء" فلسان حاله: لا نريد إسلاماً متعمقاً يأتي بهذه السنن، نريد إسلاماً نعيش به كالناس، فليعلم هؤلاء أن الله عز وجل لا يرتضي إلا إسلاماً صافياً على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. أتى اليهود يتعاطفون عند الرسول عليه الصلاة والسلام فقالوا: يا رسول الله! إنا نحب الله لكن ما نتبعك، فكذب الله مقالتهم، وقال لهم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]. وسبب فساد الأبناء: التربية في البيوت، ولذلك وجد في بيوت المسلمين من داخلتهم الأفلام الخليعة، والأغاني الماجنة، والمجلات السافلة الرخيصة؛ حتى ربت أذهانهم على بغض الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والتنكر للمساجد. يأتي بالابن إلى المسجد، فلا يريد الانقياد للمسجد، يسمع داعي الله فلا يأتي، يسمع الدروس والندوات والمحاضرات والمراكز والمخيمات فلا يشارك؛ لأنه رُبي على أن هذا الشيء ليس جيداً ولا محموداً ولا طيباً، وأن فيه تزمتاً وتطرفاً. وكلمة (التَّزمت) ونحوها أتت إلينا بها الصهيونية العالمية. ووزعتها على إعلام العرب، وعلى إعلام العالم، تناقلوها وأصبحوا يسمون الدعاة وطلبة الاستقامة، والشباب الذين يريدون الله والدار الآخرة، والمتمسكين بالسنة (متزمتين ومطاوعة) ليصنعوا فصاماً بين الناس، بين المسلمين وبين أبنائهم، وهذا فيه خطورة عظيمة.

حقوق الولد على والده من الجماع إلى التسمية

حقوق الولد على والده من الجماع إلى التسمية وأول الواجبات على الوالد لولده قد جعلها الإسلام منذ أن يلتقي الرجل بالمرأة، يقول عليه الصلاة والسلام: {من أتى أهله فليقل: اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإن قضى الله بينهما ولداً لم يضره الشيطان أبداً}. نحن في الإسلام تعلمنا ذكر الله بالدعاء، فلدخول المسجد والخروج منه دعاء، وللقيام وللجلوس دعاء، ولأكل الطعام وللقيام منه دعاء، ولدخول الخلاء وللخروج منه دعاء، وللصباح دعاء وللمساء دعاء، كل شيء بذكر، أمة مسيرة من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويوم يضع الطفل رأسه في الأرض من بطن أمه أمر في الإسلام أن يؤذن في أذنه اليمنى ويقام في اليسرى؛ لينشأ على لا إله إلا الله؛ ليحب داعي الله، لتغرس في قلبه كلمة لا إله إلا الله، ليكون من أولياء الله. {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:24 - 25]. يؤذن في إذنه أول مرة حتى يسمع داعي الله، ولا ينشأ كأبناء الخواجة لا يعرفون مبدأً ولا ديناً, ولا منهجاً. ويوم يشبُّ، أو يترعرع قليلاً في سبعة أيام، أو أكثر أمرنا بالعقيقة، ليدرأ الله عنه السوء، وهي تفضل لله وشكر له على نعمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، عن الذكر شاتان وعن البنت شاة واحدة. يقول عليه الصلاة والسلام: {كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابع، ويسمى}. وأمر الأب أن يحسن اسم ابنه، فيسميه اسماً جميلاً، لأننا ندعى يوم القيامة بأسمائنا وأسماء آبائنا، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذلك اليوم، نسأل الله أن يصرف عنا وعنكم بأس ذلك اليوم، وضره وأخذه. إن الفشل والانهزام والعار والدمار والشنار يوم ننهزم ذاك اليوم {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52] وذاك يوم العرض الأكبر على الله، يوم الفضائح، فهذا آخذٌ كتابه بيمينه، وذاك آخذٌ كتابه بيساره، وباك نادم، وضاحك مسرور، يوم ينادى كل امرئ باسمه واسم أبيه: إن الله يدعوك لتذهب إلى الصراط لتجتازه، إن الله يدعوك إلى المحاسبة، إلى الميزان، تعال خذ كتابك واشهد حسابك. وخير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن وما عُبد لله عز وجل ولو أن حديث: {خير الأسماء ما حمد وعبد} لا يصح لكن يصح: {خير الأسماء عبد الله، وعبد الرحمن} عبد السلام، عبد الفتاح، عبد الوهاب، لينشأ الابن وهو يستشعر العبودية لله عز وجل، وكذلك محمد وأحمد وهذه الأسماء الطيبة، أما الأسماء التي لا معاني لها صنهاج، عبيدان، أفكال، شراد، أو أسماء الخواجات، واحد سمى ابنه سيسو، والنو، وفيشار، وجورج هذه وجدت، وأنا سمعت بعض الخطباء والمفكرين نقلوا بعض المنشورات من أسماء بعض البقع الإسلامية وجد فيها ذلك، وهذا أثر الاستعمار والجهل، فينشأ معجباً بهذه الأسماء -نسأل الله العافية والسلامة- ولا يفعل ذلك إلا من في قلبه نفاق عملي، أما الذي يريد الله والدار الآخرة فلا يفعل ذلك.

تربية الولد وتأديبه

تربية الولد وتأديبه تؤدبه على تقوى الله، أول ما يفتق لسانه تقول: قل لا إله إلا الله، الله أكبر، سبحان الله، لا يفتق لسانه على الأغاني الماجنة، واللعن والإعراض عن منهج الله، والسب والبذاءة، ولذلك تعرف البيت من ابنه، إذا كان في الشارع فهو صورة للبيت، لا يمر به أحد من الناس -إن كان سيئاً- إلا قال له: لعنك الله، ليس عنده إلا سب وتبجح، وهذا من سوء التربية في البيت، وأنا أظن أن بيوتكم ليس فيها شيء من هذا، وأنها بيوت إسلامية إن شاء الله.

تعليم الأولاد الصلاة

تعليم الأولاد الصلاة ومن حقوق الابن: أنه إذا بلغ السابعة من عمره أن تأمره بالصلاة، وأن تعرفه طريق المسجد، وأن تقوده معك إلى بيت الله عز وجل ليرى المصلين، من عباد الله وأوليائه، ليسمع القرآن حين يقرأ في بيوت الله عز وجل، فينشأ على طاعة الله عز وجل. {مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع} ففي السبع تبدأ له بالأمر بالتي هي أحسن: يا بني صل هداك الله، أتريد أن تصلي معي؟ لكن إذا بلغ العشر وتخلف فالعصا لمن عصا، يقرع بالعصا مع كل فريضة، لأنه لو أخذ شيئاً من أموالنا أو سبنا، أو شتمنا لاستعملنا العصا وأمر الله أقدم، وأعظم، وأكبر.

التفريق بين الأولاد في المضاجع

التفريق بين الأولاد في المضاجع ويفرق بينه وبين إخوانه من الذكور والإناث؛ الذكور لا ينامون في فراش واحد بعد العاشرة مع الذكور، والذكور لا ينامون مع أخواتهم من الإناث بعد العاشرة، والإناث لا تنام مع الإناث؛ لأن مضرة نوم الذكر مع الأنثى ولو كانت أخته في الليل واردة ومعلومة أعوذ بالله منها، والذكر مع الذكر والأنثى مع الأنثى كذلك يفرق بينهم في المضاجع، ولا بأس أن يناموا في غرفة، أو في حجرة واحدة بشرط أن يكون بين الفراشين مسافة، وهذا تعليم محمد عليه الصلاة والسلام.

نشأة الولد على العبادة لله لا للدرهم والدينار

نشأة الولد على العبادة لله لا للدرهم والدينار ثم حين ينشأ تعلمه أن هدفه عبادة الله عز وجل، لا تجعله عبداً للدرهم والدينار كما ينشأ أبناء الأمريكان الرأسماليين، فتعلقه بالمال صباحاً ومساء، تعلمه كيف يجمع الريال، وكيف يقتصد في صرفه، وكيف يتوظف وكيف يبني، فينشأ رأسمالياً كأنه من اليهود، واليهود يعبدون الدرهم والدينار من دون الله، كلامهم وفعالهم وحياتهم ومماتهم الدينار. ولذلك ينشأ بعض الشباب لا يجيد الفقه في الدين؛ لا الصلاة ولا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا التعاليم ولا اليوم الآخر، إنما ينشأ على حب الدرهم والدينار، وهذا يوجد في كثير من الأفلام التي أنتجتها الصهيونية العالمية للناس، حتى أفلام الكرتون تعلم الناس حب الدرهم والدينار تجد بيده فلساً، أو أفرنكاً، أو دولاراً، وهو يطارد أحد الناس ويمسكه بيده ويحاسبه ويضرب على الماسة أنه قد حصل على دولار، فينشأ الأطفال يحبون هذا المال، نحن لا نقول حب المال حرام، لكن نخشى أن يبلغ به حبه إلى أن يعبده من دون الله! قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23]. الرسول عليه الصلاة والسلام علمنا ألا نعبد الدرهم ولا الدينار، يقول: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش}. وابن الجوزي يقول: بعض الناس ربوا أطفالهم على حب المال حتى نشأ من الناس من استولى المال على كيانه. تصدقون أن أحد الأغنياء من البخلاء الذين بلغ بخلهم الحد الخطير في التاريخ ماذا فعل بماله؟ يقول ابن الجوزي لما حضرته الوفاة جمع ذهبه وجعله في جنيهات، ثم جعله في طوبة -بلكة من طين- ثم ردم ما عليه وجعله عند رأسه، فلما أتته سكرات الموت قال: ادفنوا هذه الطوبة معي، قالوا: لماذا؟، قال: أريدها أتبرك بها، فأرادوا دفنها معه، ولما أتوا يغسلونه أتى الماء على الطين فظهر الذهب، انظر يدخل بالذهب إلى القبر! وقال: بلغ ببعض الناس يوم رُبيّ على عبادة الدرهم والدينار أنه لما حضرته سكرات الموت أخذ يبتلع الجنيهات في فمه ويدخلها بطنه لتموت وتدخل معه في القبر، وهذه هي من خطورة تربية الأبناء على حب المال، وعلى عبادة المال من دون الله عز وجل. ومما يؤمر به العبد المسلم في تربية أبنائه: أن يعظم في البيت اسم الله واسم الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يذكر إلا في المواطن الرفيعة، يرى المصحف ويقربه من ابنه يقول: قبل هذا، ويضعه على رأسه، ويضع المصحف ويقول: هذا كلام الله، هذا أنزله الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا ذكر الرسول قال: صلى الله عليه وسلم علمنا الهداية ونشر لنا الخير، وقادنا إلى سبل السلام. هذه التربية لا بد منها للأبناء.

الوالد قدوة صالحة لولده

الوالد قدوة صالحة لولده ومما يجب للأبناء: أن تربيهم تربية عملية، نحن أصبحنا أمة كلام، نتكلم على المنابر ونخالف - نسأل الله العافية- لكن التربية الحقة، أن إذا أتيت أمام ابنك لتأكل قلت: بسم الله، يراك تسمي فيسمي، وتحمد الله، فيحمده. تقول: يا بني لا تكذب، فلا تكذب أنت، لأنك قدوة له حتى لو استطاع أن يقلد رموش عينك وومضات لسانك لفعل، وهذه مرحلة التقليد التي لا تفوت، وهي تربية الأطفال وتعليمهم كتاب الله عز وجل. ثم مما يجب على المسلم تجاه ابنه: أن يربيه على أشرف الخصال، فيجنبه اللعن، فلا يلعن أبداً -وليس المؤمن باللعان ولا الطعان- وإذا رأيت الابن يلعن فاعلم أن في قلبه شكاً وشبهة، وأنه ما تربى تربية إسلامية، وتحرف عنه السب والشتم، وهذا أحسن ما كتب فيه تحفة المودود في أحكام المولود لـ ابن القيم رحمه الله رحمةً واسعةً.

نزع الغل من الصدور

نزع الغل من الصدور ومن القضايا المهمة في حياتنا -يا عباد الله- قضية: سل السخيمة من القلوب، الضغينة والحقد والحسد، وهذا الذي شتت القرى، وفرق القبائل، ودخل بين الأسر حتى عادى الابن أباه، والأخ أخاه، وتهاجر الجيران وتقاطعوا، والله أمرهم أن يصطلحوا وأن يترافقوا ويتراحموا، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]. تعالوا إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لنأخذ بعض النماذج منها، ومن سيرة أصحابه: الرسول عليه الصلاة والسلام علم الناس الألفة والمحبة، يأتيه ضيف في ليلة دامسة فيطرق بابه، فلا يجد عليه الصلاة والسلام ما يقدم له من خبز ولا تمر ولا فاكهة، فيقول: من يضيف ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله الجنة. فيأخذه أحد الأنصار فيذهب به إلى بيته فيقول لامرأته: هل عندك شيء، قالت: لا والله، إلا شيء قليل من حب الشعير لا يكفينا. قال: اطحنيه انظر إلى حياة المشقة آنذاك ثم ما أصبحنا فيه من نعم متكاثرة متواترة لا نحصي عدها، ولا نستطيع شكرها إلا أن يعيننا الله على ذلك، أصبحت الموائد تترك وترمى في القمامات للكلاب والقطط، أصبح الناس يصابون بالتخمة والأمراض الباطنية، وكثير من الأمراض الجسمية أصبحت لكثرة الأكل والشرب! قال: فإذا قدمت العشاء أمام الضيف فتظاهري بإصلاح السراج، ثم أطفئيه ليأكل الضيف في الظلام ولا نأكل ويظن أننا أكلنا معه. فلما قدمت العشاء للضيف، قامت إلى السراج لتصلحه فأطفأته، فصاروا في الظلام، وأتى صاحب البيت يرفع ويظهر أنه يأكل، وهو لا يأكل شيئاً حتى أكل هذا الضيف وأمسى شبعان ريان. وفي الصباح استدعاهم صلى الله عليه وسلم وقال: لقد عجب الله من فوق سبع سماوات من صنيعكما البارحة بضيفكم، وكان جزاؤهم الجنة. قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]. ورد أنه في القرون المفضلة قد: أصابهم قحط وجوع لا يعلمه إلا الله، فأهدي إلى رجل من الأنصار رأس كبش ليطبخه، فقال: أنأكله وجيراننا ليس عندهم شيء، فأرسله إلى الجيران، فأرسله الجيران إلى الجيران، والجيران إلى الجيران حتى عاد إلى الرجل الأول الذي أرسله، وما ذاك إلا لقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]. عمر رضي الله عنه وأرضاه في عام الرمادة، عام القحط والجوع والجدب قال: والله لا آكل سمناً حتى يكشف الله الضراء عن المسلمين، وكان بطنه يقرقر من كثرة الجوع فيقول: [[قرقري أو لا تقرقري، والله لا أشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]] وهذا من الإيثار الذي افتقدناه في مجتمعاتنا. أحد علماء الإسلام وزهاده ابن المبارك كان له جار يهودي جاوره سنة، ثم أسلم بعد السنة، قالوا للجار: لماذا أسلمت؟ قال: وكيف لا أسلم وعبد الله بن المبارك ما شرى لحماً إلا بدأ بأهلي، وما كسا أبناءه إلا كسا أبنائي قبلهم، ولا اشترى فاكهة إلا أهدى لنا قبل بيته. عباد الله! هذه قضايا أحببت عرضها هذه الليلة، ولا أريد الإطالة فإن كثرة الكلام كما قال عمر رضي الله عنه: [[ينسي آخره أوله]] وهناك وقت للأسئلة وللحوار، وربما ترجون قضايا، وأسأل الذي جمعنا هذه الليلة على غير ميعاد إلا ميعاد الحب فيه سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يجمعنا في مستقر رحمته في روضة من رياض الجنة، نسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يغدق على قلوبنا وقلوبكم برد اليقين، وأن يرينا سبل السلام، وأن يهدينا طريق الجنة. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح بيوتنا وأبناءنا وزوجاتنا وإخواننا وجيراننا، اللهم أصلحنا ظاهراً وباطناً، اللهم تغمدنا برحمتك، اللهم وفقنا لكل خير واهدنا سبل السلام. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وإن كان من شكر فإني أشكر الله- سُبحَانَهُ وَتَعَالى- شكراً جزيلاً، ثم أشكر من كان سبباً في هذه الجلسة الطيبة الخيرة، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال. وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

التخلف عن مجالس الذكر بحجة معرفة الدين

التخلف عن مجالس الذكر بحجة معرفة الدين Q ما حكم عدم حضور مجالس الذكر، بحجة أنه يعرف الدين مع قصور علمه؟ A الآن كثرت دعاوي الناس، إذا أتيت تعلمه الصلاة قال: الحمد والشكر لله علمنا الله عز وجل وانتشر العلم، ولا نحتاج إلى تعليم دائماً، لدينا القرآن والحديث والذكر، ويكفى ما عندنا من العمل. ولذلك تجد أجهل الناس بالله عز وجل أكثرهم دعاوى، وأقرب الناس من الله أخوفهم له، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] فأقرب الناس من الله وأكثرهم فقهاً في الدين أكثرهم خشية لله -عز وجل- ووجد في علماء الإسلام من اتقوا الله عز وجل وكثرت فيه الخشية حتى كان سفيان الثوري كما ذكر عنه أهل العلم: يقوم من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] ويبكي حتى الصباح. ابن وهب -عالم مصر - ألف كتاب اسمه كتاب أهوال القيامة فقالوا له: اقرأ علينا الكتاب، قال: والله ما أستطيع أن أقرأ الكتاب، لكن مروا ابني يقرأ الكتاب، فقام أحد أبنائه يقرأ الكتاب، فغشي على عبد الله بن وهب هذا حتى مات، يقول الذهبي في مجلده الثامن: مات في اليوم الرابع. علي بن الفضيل بن عياض أحد الصالحين الكبار، شاب في العشرين من عمره قام يصلي وراء أبيه، وكان أبوه إمام الحرم المكي، فقرأ أبوه سورة الصافات حتى بلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:24 - 26] فوقع مغشياً عليه وتوفي. ذكر ذلك ابن تيمية في الفتاوى وفي الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه مرض من هذه الآية {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] شهراً كاملاً حتى عادوه. يقول الإمام أحمد في كتاب الزهد: دخل أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه في مزرعة رجل من الأنصار فرأى طائراً يطير من شجرة إلى شجرة فبكى، قالوا: ما لك تبكي يا خليفة رسول الله؟! قال: [[طوبى لهذا الطائر يرد الماء ويرعى الشجر، ثم يموت لا حساب ولا عذاب وهو يبكي، يا ليتني كنت طائراً يا ليت أمي لم تلدني]]. فلا إله إلا الله ماذا فعلنا نحن؟ وماذا قدمنا لمولانا؟ ويا كثرة معاصينا وخطايانا! لكن نحن برحمة أرحم الراحمين. فهؤلاء العلماء لما أحسوا بقربهم من الله عز وجل رزقهم الله الإنابة والخوف منه. عمر رضي الله عنه وأرضاه اتخذ الدمع في خديه خطين أسودين من كثرة ما يبكي، وهو خليفة المسلمين، كان لا يرى منظراً إلا بكى، وكان يقوم يوم الجمعة يتكلم على المنبر فيقطع صوته البكاء فيبكي معه المسجد. عمر بن عبد العزيز الشاب الزاهد قام يتكلم على المنبر فبكى، ثم قال: أتدرون مالي؟ قال: والله ما أعرف أحداً عنده من الذنوب والخطايا كالذي عندي، ثم قال: يا موت ماذا فعلت بالأحبة؟ ثم قال: أتدرون ماذا يقول الموت؟ قالوا: لا، قال: يقول ذرفت بالعينين، وفصلت الحدقتين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين. فبعض الناس يقول: أنا لا أحضر مجالس الذكر بحجة أن عنده علماً وأنه مستغنٍ عن هذا، وهذا من الجهل بالله. يقول الشافعي: من اعتقد أنه عالم فقد جُهل، وإذا رأيت الإنسان عنده دعاوى وغرور فاعلم أنه من أجهل الناس. سبحان الله! علماء الإسلام يبلغ أحدهم كالمحيط من كثرة العلم، ويذهب ثلاثة أيام في طلب الحديث. سافر جابر بن عبد الله مسيرة شهر يطلب حديثاً واحداً كما في صحيح البخاري: موسى عليه السلام وقف يخطب في بني إسرائيل قال له بنوا إسرائيل: أتعرف في الأرض أعلم منك، قال: ما أعرف أعلم مني - هذا الحديث في صحيح البخاري - وهو نبي ورسول ولا يعرف في الدنيا أعلم منه. لكن لامه الله عز وجل يوم ادعى العلم فأوحى الله إليه" يا موسى! عبدنا الخضر بمجمع البحرين أعلم منك"، قال: كيف ألقاه يا رب! قال:" خذ مكتلاً -زنبيلاً- واجعل فيه سمكاً وخذ غلامك وسافر، فإذا تحرك الحوت ونزل من المكتل فسوف تلقى الخضر، فأخذ المكتل وفيه السمك الميت وذهب مسافراً، ولما اقترب من الخضر أحيا الله الحوت بإذنه، وسبحان من يحيي العظام وهي رميم! سبحان من يوجد الحياة في الميت! فلما رأى الحوت أخذه عجباً وسرباً فرأى الخضر، فتابعه على ما هو موجود في القصة. ليطلب موسى عليه السلام العلم. وبالمناسبة هناك قصة عجيبة: مر أحد بني إسرائيل الصالحين بقرية فإذا هي ميتة، كان قد رآها قبل فترة وفيها الحدائق الغناء والطيور، والزهور، والأشجار والأنهار والناس، ثم مر عليها وقد مات كل من فيها، وتهدمت المنازل وأصبحت تطفى عرصتها، فقال: أنى يحيي الله هذه بعد موتها؟! سبحان الله! يقول: كيف يحيي هذه الله بعد موتها، فأماته الله وأمات حماره - حماره كان عليه شيء من طعام وشراب- فلما أماته الله مكث ميتاً مائة سنة، فأحياه الله بعد مائة سنة، وقال له الله: كم لبثت؟ قال: يوماً أو بعض يوم. ويقول أهل العلم: لما مات مات في الصباح وبعد مائة سنة أحياه الله في العصر، فنظر إلى الشمس وقال: لقد تأخرت عن غرضي وسفري. فقال له الله عز وجل: أين حمارك؟ فالتفت فما رأى إلا العظام قد انهدت وترممت، والتفت فرأى المتاع الذي يوضع على الحمار فرأى فيها الطعام والشراب لم يتسنه فعجب، يعني ما تغير من الطعام والشراب شيء فعجب. وقال: {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} [البقرة:259] فركب الله له عظام الحمار حتى استقامت، ثم المفاصل حتى أصبح متشابكاً، ثم الأعصاب، ثم أجرى الدم في الشرايين، ثم ركب اللحم، ثم الجلد، ثم هز الحمار رأسه وتحرك، فانذهل الرجل. قال: {وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} [البقرة:259] أي: سوف نقص خبرك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير. وإبراهيم عليه السلام أستاذ التوحيد ومعلمه، وأكبر عقدي في الدنيا عليه السلام، رأى حماراً ميتاً على شاطئ البحر، يأتي النسر يأكل منه والحدأة تأكل منه، والصقر يأكل منه، قال: يا سبحان الله! تذهب هذه الجثة في بطون الطيور، فيكف يبعثها الله يوم القيامة؟! قال إبراهيم: ربي أرني كيف تحيي الموتى. قال الله عز وجل: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260] ليس الخبر كالمعاينة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:260] فأخذ الأربعة الطيور فضمها، ثم مزقها بلحمها وريشها وعظامها ودمها، ثم خلطها، ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً} [البقرة:260] فجعل كل قسم على جبل ثم نزل في الوادي، قال: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً} [البقرة:260] فقال: أقبلي بإذن الله، فأحياها الله، وكانت رءوس الطيور بيده ولحومها وعظامها وجلدها وريشها على تلك الجبال فأقبل كل طائر يدخل في رأسه مركب، ثم أخذت تتحرك، قال تعالى: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260]. المقصود: هؤلاء طلبوا العلم بالمشاهدة، وطلبوه بالنقلة، وما قالوا: تعلمنا واكتفينا والحمد لله، لأن بعض الناس تدعوه إلى محاضرة فيقول: الحمد لله؛ الناس تعلموا وما جهلنا، فنور على الدرب موجود، والمشايخ يتحدثون والحمد لله بيسر وسهولة، لكن علم الدنيا برع فيه أكثرنا، يسوق السيارة بجدارة وربما يهندسها، وإذا بنشرت أصلحها، ولا يرضى بكل شيء إلا أن يكون على أحسن ما يرام، لكن أمور الدين خلاف ذلك.

حكم الخلوة بالأجنبية

حكم الخلوة بالأجنبية Q ما حكم الخلوة بالأجنبية؟ وما هي سبل الشيطان التي تؤدي إلى الفاحشة؟ A الخلوة بالأجنبية لا تجوز إلا لحاجة ماسة، وفي هذه الحالة أظن ما هي إلا حالة واحدة حالة المرأة إذا أصبحت في مرض صعب وخطير، وأتاه الطبيب فذاك الوقت يحق للطبيب للمصلحة وهي في هذه الحال أن يخلو بها دون حضور محرم والأولى حضور المحرم، لكن إذا رأى الطبيب المسلم أنه لا يحتاج حضور المحرم فله ذلك، أما الخلوة بالأجنبية فلا تجوز، يقول عليه الصلاة والسلام: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، ولا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة -وفي رواية ثلاثة أيام- إلا بمحرم}. وأما سبل الشيطان للفاحشة فمنها: الغناء الماجن، وهو أخطر ما يحدث الفاحشة في القلوب، وما وقع الشباب المسلم في الفاحشة إلا بسبب استماع الغناء. يقول ابن القيم: الغناء بريد الزنا، يحبب إلى الشاب العشق والوله والغزل والهيام، ويخرج حب الله وحب رسول صلى الله عليه وسلم وحب الآخرة من قلبه، ثم يقع في الفاحشة. ومن مصائب الغناء أمور منها: أن من استمع الغناء في الدنيا حرمه الله سماع غناء الجنة الذي تنشده الحور العين كما يقول ابن القيم، لأن الله - عز وجل - يجعل الحور العين يوم القيامة في الجنة ينشدن كما في مسند أحمد يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا، نسأل الله ألا يحرمنا منهن، وأن يجعلنا من سكان الجنة. قال ابن القيم: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان ومما يعين على ارتكاب الفاحشة: رؤية الأفلام الخليعة الماجنة، رؤية الذين لا يخافون الله ولا يرجون لقاءه، ومما يعين على الفاحشة ونعوذ بالله من ذلك: استصحاب المجلة الخليعة، وقلة الذكر، وقلة مراقبة الله تبارك وتعالى.

السبيل إلى النجاة من عذاب القبر

السبيل إلى النجاة من عذاب القبر Q عذاب القبر شيء عظيم، فما السبيل إلى النجاة منه؟ A السبيل إلى النجاة من عذاب القبر: إصلاح الصلاة ظاهراً وباطناً، فهي المنجية والكفيلة بإذن الله بالنجاة في الدنيا والآخرة. ومنها: أن تجعل زاداً للقبر، فلا ينفع في القبر إلا العمل الصالح من صدقة وصيام وحج وعمرة وذكر. والقبر فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءه وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ هذا أمر لا بد أن يعلم.

لعن المسلم والعقوبة المترتبة على ذلك

لعن المسلم والعقوبة المترتبة على ذلك Q ما حكم من لعن والد أخيه المسلم، وما الحكم عليه , وما ينطبق عليه من عقوبات من الله تعالى؟ A الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {لا يسب أحدكم والديه، قالوا: كيف يسب الرجل والديه يا رسول الله؟! قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه} واللعن حرام {ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء { h=7001049>> واللعانون لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة} واللاعن مطرود من رحمة الله، وقد تقع لعنته على نفسه، وهذا جزاء من الله، أما إن استحقها الملعون فبها وتقع عليه، وإن لم يستحقها ارتفعت إلى السماء فأوصدت أمامها أبواب السماء، ثم عادت كالثوب الخلق، الثوب الأسود المنتن فلفت، ثم ضرب بها وجه صاحبها حتى يلقى الله فلا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب عظيم، فاللعنة من الكبائر نعوذ بالله من ذلك، ولا يلعن إلا من قل إيمانه ويقينه. والرسول صلى الله عليه وسلم سمع امرأة تلعن ناقتها، قال: {اتركيها، لا تصحبنا دابة ملعونة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فنسأل الله العافية، هذا عليه أن يتوب ويستغفر ويراجع حسابه مع الله، وإن لعن مسلماً فعليه أن يذهب إلى ذاك المسلم ويطلب منه العفو والصفح، قبل أن يؤخذ منه يوم لا يكون درهم ولا دينار.

حكم الحجاب الإسلامي

حكم الحجاب الإسلامي Q ما هو حكم الإسلام في الحجاب الإسلامي؟ A الحجاب الإسلامي واجب من الواجبات التي أمر الله بها النساء المسلمات وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، والحجاب في الإسلام: هو أن تغطي المرأة كل شيء فيها إلا ما ظهر منها -كالثياب- فتغطي وجهها وكفيها إلا في الصلاة إذا لم يكن أجانب وتكون في مكان خارج بيتها تكشف عن وجهها وكفيها، أما إذا كانت في مثل الحرم، أو في مجمع عام فلها أن تغطي حتى وجهها وكفيها ولو كانت في الصلاة، كالحج مثلاً والعمرة والطواف والسعي، وإذا رأت الأجانب عليها أن تسدل جلبابها وحجابها على وجهها، ويوم ترخَّص الناس في الحجاب عمت الفاحشة، وذهب الأدب، وذهبت الحكمة. وبعض الناس يعارض بعاداته الحجاب الإسلامي، ويقولون: نساؤنا نشأن على حب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وحب رسوله، وليس في قلوبنا سواد ولا خبث والحمد لله، وقلوبنا وقلوب نسائنا طاهرة. فنقول: هل قلوب نسائكم أطهر من قلوب نساء المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ لا، والله, ولكنها - كما يقول ابن القيم - معارضة الشرائع بالعادات قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] وحين يفعل الإنسان ذلك يرميه الله بالنفاق.

ظاهرة الغيبة والنميمة

ظاهرة الغيبة والنميمة Q ما حكم الغيبة والنميمة، علماً بأننا نعاني منها في مجتمعاتنا بعد الالتزام بالحجاب فما نصيحتكم نحو الغيبة والنميمة؟ A أنصح نفسي وإياكم بالتوبة من الغيبة والنميمة، والعلم بأنهما من الكبائر، فالغيبة: هتك لأعراض المسلمين بلا داعي، فإن كانت فيهم فقد اغتبناهم وإن لم تكن فيهم فقد بهتناهم، والرسول صلى الله عليه وسلم كان معه رجلان في سفر فقال: {انزلا إلى جيفة هذا الحمار فكلا منها، قالا: غفر الله لك يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده ما أكلتما من لحم أخيكما المسلم شرٌ مما تأكلان من هذه الجيفة} نعوذ بالله من ذلك. والنميمة: وشاية بين الناس ولا يفعلها إلا من قل إيمانه ويقينه، وذهبت مروءته وشهامته.

حكم الصيام تطوعا بدون سحور

حكم الصيام تطوعاً بدون سحور Q من نوى الصوم تطوعاً، ثم لم يستيقظ إلا بعد أذان الفجر، ثم نوى الصيام، فهل صومه مقبول مع العلم أنه لم يتسحر؟ A صومه إن شاء الله مقبول، ولا يلزم في صومك تطوعاً نية من الليل، بل لو عقدت النية من قبل الظهر لجاز ذلك، ولا يلزم أن يتسحر إذا قام ولم يتسحر، فصومه صحيح، والدليل على ذلك الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: {ربما دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل عندكم من طعام، فإن قلنا لا، قال: فإني صائمٌ إذاً} وهو وسط النهار. وأما الفريضة فلا بد أن تبيت نيتها من الليل لحديث حفصة الذي رواه الخمسة: {من لم يبيت النية من الليل، فلا صيام له}.

كفارة اليمين

كفارة اليمين Q هل من يحلف يميناً وهو مكره عليه كفارة؟ كأن يحلف رجل على الآخر أن يتناول عنده طعام الغداء، ثم يحلف الآخر ألا يتناول الغداء عنده؟ A هذه الصورة التي ذكرت فيها كفارة، كأن يدعوك أحد إلى طعام فتحلف ألا تذهب، ثم يحلف أن تذهب إليه، فأنت بالخيار أنت وإياه، إما أن تذهب وتكفر، وإما أن يتركك ويكفر هو، فلابد من الكفارة لأحد المتحالفين، والكفارة إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو صيام ثلاثة أيام، فإن لم يستطع فعتق رقبة كما بين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد انتشر في الناس كثرة اليمين -نعوذ بالله من كثرة الحلف بلا إيمان وبلا يقين- ولا يكثر الحلف إلا ممن قل إيمانه ويقينه، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم:10] والحلاف هو: الذي يكثر اليمين سواءً صادقاً، أو كاذباً. قال الشافعي: والله ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً، قالوا: لكثرة خشيته لله عز وجل.

حكم بيع المسجد

حكم بيع المسجد Q قرية صغيرة يوجد بها مسجدان مسجد قديم لا يُصلى فيه بعد أن أقيم في القرب منه مسجد حديث، فهل يمكن أن يباع القديم وتوضع قيمته في المسجد الجديد لخدمته ونظافته؟ A إذا تعطل المسجد القديم وأصبح لا يصلي فيه أحد من الناس، ولا يستفاد منه -وهذا تدخل في مسألة وقاعدة نقل الوقف إلى أصلح منه- فيباع مكان هذا المسجد، وما في هذا المسجد وينقل بشرط أن ينقل المال أو ما يستفاد منه إلى المسجد الجديد ولا بأس بذلك، وهذا نقل الوقف من مكان إلى مكان لمصلحة المسلمين، لا لشرط أخذ الأرض، لأن بعض الناس إذا أعجبته أرض المسجد أتى يتحيل عليها من كل جهة، ويقول: يا أيها الناس! نريد نقل المسجد إلى مكان أوسع عسى الله أن يرحمنا، وليس في قلبه رحمة بل مقصوده أرض المسجد، فيأتي بهذا الكلام، ولا يفعل هذا إلا من قل إيمانه ويقينه، وهذا ليس موجوداً إن شاء الله عندنا ولا في أوساطنا.

بعض الأمور التي تساعد على الحفظ

بعض الأمور التي تساعد على الحفظ Q يقول: أنا شاب أرغب في حفظ القرآن الكريم، وأجد همة للحفظ، ولكن ما تلبث أن تنطفئ هذه الهمة، فأترك القراءة إلى ثلاثة أو أربعة أيام وهكذا، فما هو الحل؟ A أكثر شباب الإسلام مشاريعهم في حفظ كتاب الله عز وجل وفي القراءة تسويف، تأتي العطلة الصيفية قالوا: إن شاء الله بعد العطلة لأنها فترة نقاهة واستجمام وراحة، فإذا بدأت الدراسة رتبنا أمورنا، فإذا أتت الدراسة قالوا: لا، في العطلة. يقول: من زرع بذرة سوف أنتجت له شجرة لعلَّ فيها أغصان ليت لها زهر، وطلع اسمها الخيبة والندامة نعوذ بالله من ذلك. ولذلك لام الله المشركين، وقال: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3] لأنهم استخدموا (سوف) كثيراً، ومن أراد منا أن يحفظ القرآن، فعليه بأمور: أولها: تقوى الله عز وجل {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. وثانيها: كثرة الاستغفار والتوبة. وثالثها: أن يقلل من المحفوظ، لا يحفظ كثيراً ويكفيه أن يحفظ خمس آيات ويكررها كثيراً. رابعها: أن يقرأ بما حفظ في النوافل والصلوات. وخامسها: أن يقرأ تفسير ما حفظ من مثل: تفسير ابن كثير، لأن معرفة معاني القرآن تنفع بإذن الله في حفظه.

ظاهرة تكرار الوقوع في المعاصي

ظاهرة تكرار الوقوع في المعاصي Q أنا عبد ضعيف السيطرة على نفسي عند التعرض للمعاصي، وبعد الانتهاء كأني أفيق من غفوة، فأتوب وأستغفر وأتحسر على فعلها، علماً أني أحاول التمسك بديني وأحب الصالحين، فما تنصحني؟ A أنصحك ونفسي بتجديد التوبة، وبالعزيمة الصادقة على عدم العودة، وبالندم على ما فعلت، وأما قضية أن الإنسان يستغفر هذا استغفار الكذابين. قيل لأحد الناس: رجل يزاول المعصية ويستغفر، قال: استغفار الكذابين، وكذلك يشرب الخمر فكلما أخذ منه قدراً قال: أستغفر الله، أو يسرق ويوم يسحب الكبش من الحوش يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، أي استغفار هذا؟! يخادعون الله وهو خادعهم. قال الجنيد: من زاول المعصية وهو يستغفر، فقد ضحك على نفسه، إي والله، فما علينا إلا أن نتوب ونستغفر الله عز وجل ونندم على ما فعلنا. ومن الحلول: أن ندرأ بالحسنات السيئات قال تعالى: {وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:22] {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] فأنا أوصيك ونفسي بأمور حتى تقف قوياً أمام المعاصي: أولاً: الدعاء في أدبار الصلوات، وآخر الليل، وفي السجود، تدعو الله أن يصرف قلبك عن المعاصي، وأن يهديك سواء السبيل، وأن يثبتك حتى تلقاه، وإن كان لك أم فاسألها أن تدعو لك. أتى رجل مقعد يحمل على المحثة -كالدراجة- ولا يستطيع المشي إلا بهما، فقال للإمام أحمد: يا أبا عبد الله! ادع لي، قال: هل لك أم؟ قال: نعم، قال: أخبر العجوز أن تدعو لك، فذهب هذا الرجل قال: أخبرني الإمام أحمد وأوصاني أن تدعي لي، فقالت: اللهم أطلق قيده، فقام يمشي في لحظة، هذا في سيرة الإمام أحمد موجود، فمن كان له أم، أو أب فعليه أن يدعو له ليصرف قلبه الله عن المعاصي، وأن يثبته على الطاعة. ثانياً: أن تكثر من الاستغفار دائماً وأبداً. ثالثاً: أن تتصدق بشيء من المال. رابعاً: أن تقرأ كتاب الله بتدبر، وأن تزور القبور وتتذكر لقاء الله.

حكم خروج الدم في الصلاة

حكم خروج الدم في الصلاة Q ما حكم من خرج دمه في الصلاة وهو في التشهد الأخير؟ A من خرج دمه في الصلاة فالصحيح أن يتم صلاته ولو أن في بعض المذاهب أنه يقطع صلاته ويخرج منها ويعيد الصلاة، لكن الصحيح: لا، لأن الأدلة دلت على أنه من خرج منه دم في الصلاة فليستمر وصلاته صحيحيه، ثم بعدها يتوضأ. والدليل أن عمر رضي الله عنه طعن وهو في الصلاة فأتم صلاته وهو مطعون، ويقول البخاري: وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصلون في جراحاتهم، قال: وأخذ ابن عمر بثرة من جسمه، فخرج الدم وصلى ولم يعد الصلاة، إلى غير ذلك من الأدلة.

الالتفات والضحك في الصلاة لغير حاجة

الالتفات والضحك في الصلاة لغير حاجة Q ما حكم من تهاون في الصلاة بالالتفات والضحك؟ A من التفت في الصلاة لا لحاجة، وإنما للاستهزاء والاستهتار بالصلاة فهو كافر أي: أن من استهزأ بشيء من أمر الله ومن شرع الله، فقد كفر، قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] فهذا كفر بواح وما له إلا أن يتوب ويراجع دينه، ومن استهزأ بشيء من القرآن، أو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا هو الكفر، وأما الالتفات للحاجة فهو جائز على وجه الندور، مثل: أن ينظر لمحاً إلى قبلته أو لحاجة، أو ينظر إلى الإمام بشرط أن يكون في الصف الأول، أما من التفت فيعد سقف المسجد، أو ينظر إلى المصلين عن يمينه ويتفقد الجيران، أن ينظر خلفه، فقد أبطل صلاته. والرسول صلى الله عليه وسلم أحدث بعض الحركات لكن لحاجة الصلاة، ونهى صلى الله عليه وسلم عن كثرة الحركات، ومما يفهم من الحديث أنها تبطل الصلاة بكثرة الحركات.

السلام على من يقرأ القرآن

السلام على من يقرأ القرآن Q ما حكم السلام على من يقرأ القرآن؟ وهل يرد من يقرأ القرآن على كل من سلم في المسجد؟ A السلام على من يقرأ القرآن سنة، وبعض الناس يقولون: لا يسلم على من يقرأ القرآن وليس هناك دليل على أنه لا يسلم على من يقرأ القرآن؟ بل ورد أن كثيراً من الصحابة كانوا يسلمون على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فما بالكم إذا كان يقرأ القرآن بغير صلاة. وقيل: يتوقف القارئ ويقول وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإن كان عنده جماعة في المسجد وهو يقرأ وهم لا يقرءون فإن ردوا فقد كفوه، لكن لو رد كان أفضل الأجر وأحسن مآلاً في السنة.

النهي عن حلق اللحية

النهي عن حلق اللحية Q ما حكم من يحلق لحيته؟ A حلق اللحية حرام، ودين الله ليس فيه مداهنة ولا مجاملة ولا محاباة، هذا أمر أنزله الله من فوق سبع سماوات , والرسول عليه الصلاة والسلام ذكر أكثر من عشرة أحاديث، وهو يقول: {خالفوا المجوس} {قصوا الشوارب وأعفوا اللحى} {أرخوا اللحى} {وفروا اللحى} كلها ألفاظ خمسة -كما يقول النووي في شرح صحيح مسلم -: اعفوا واتركوا وأسدلوا وأرخوا كلها للحى، وحفوا وجزوا وقصوا كلها للشوارب. والرسول عليه الصلاة والسلام أتاه رسولا باذان العجمي من اليمن، وقد حلقا لحاهما، فقال صلى الله عليه وسلم: من أمركما بهذا؟، قالا: أمرنا ربنا - يعني ملكهم - قال: {إن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

حكم إسبال الثياب وتطويل الشعر

حكم إسبال الثياب وتطويل الشعر Q ما حكم تطويل الشعر وإسبال الثياب؟ A تطويل الشعر فيه تفصيل: إن كان يطول شعره للتمسك بالسنة فهو حسن، وبشرط أن يربي لحيته؛ لأن بعض الناس الآن يطول شعره على أكتافه -جدائل- ولحيته يحلقها على الصفر من الأذن إلى الأذن، فإذا قلت مالك؟ قال: أتبع السنة، فتح الله عليك ما أحسن هذه السنة! اللحية لا سنة فيها، وشعر الرأس فيه سنة، {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85] {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام:138] لا، وجد من الناس من قال هذا الكلام. إن ربى شعر رأسه مع لحيته فهو مأجور باتباع السنة، والرسول صلى الله عليه وسلم ربما ضرب شعر رأسه إلى شحمة أذنيه، وربما وصل إلى كتفيه أحياناً، وهذه جمة ولمة، وتسمى وفرة في بعض الأحاديث. وأما إسبال الثياب فهو من الخيلاء وهو حرام، ولا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء، وبعض الناس يقول: أنا لا أجره خيلاء، نقول: هذه العلة سواء أتت أم لم تأت فحرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: {ما أسفل من الكعبين فهو في النار}. يسامح العبد حتى يصل ثوبه، أو بشته، أو أي لباس له إلى الكعبين، وأما ما زاد فهو حرام في النار.

حكم وضوء من في يديه أو رجليه حناء

حكم وضوء من في يديه أو رجليه حناء Q ما حكم من يخضب يديه ورجله بالحناء من جهة الوضوء؟ A خضاب اليدين والرجلين للرجال حرام لا يجوز إلا لحاجة، والحاجة قالوا: مرض لايداويه إلا الحناء، وهذا يسمى التشبه بالنساء، ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود رجلاً مخضوب اليدين فعزره وأخرجه على غدير الخضمات ناحية في المدينة، فلا يجوز الخضاب -بارك الله فيكم- للرجال، وما اشتهر في بعض النواحي من خضب اليدين والرجلين للرجال هذا خطأ، ومخالفة للشريعة، وهو مسنون في حق المرأة، ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل أن يختضب ونهى المرأة أن تبقى بلا خضاب، أتت هند بنت عتبة - أحدى المسلمات- تبايع الرسول عليه الصلاة والسلام فمدت يدها، قال: ما هذه اليد التي كأنها يد سبع، ثم قال: {إني أكره أن تكون المرأة سلتاء مرهاء}. قال أهل العلم: السلتاء التي لا تختضب، والمرهاء التي لا تكتحل، فعلى المسلم أن يأمر أهله بالخضاب والاختضاب إلا التي حدت على زوجها، وهناك رسالة اسمها الاقتضاب في حكم الخضاب ذكر هذا الحديث كلام بعض أهل العلم في هذه الرسالة. وبالمناسبة كثير من الناس اشتهر عندهم أن يخضبوا لحاهم بالخضاب الأسود وهو منهي عنه إلا لذي سلطان، وقد رخص له كثير من السلف ليكون أرهب لعدو المسلمين، أما غيره فلا يجوز أن يختضب بالخضاب الأسود، ولو جوز بعض أهل العلم، فالحديث الصحيح ينص على عدم الخضاب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لوالد أبي بكر: {غيروا شيب هذا وجنبوه السواد} فالمقصود: أنه يغير شيب اللحية بشيء من الألوان كالقتم وكالحناء وكالورس، أما الأسود فلا يغير به، قال أهل العلم: لأن السبب في هذا هو خديعة الناس، فيظهر للناس -من تدليسه- وهو في الثمانين كأنه في الثلاثين، وقد جاءت الشريعة برفع الحيل، لأن فيه دجلاً عليهم.

حد الزنا لغير المحصن

حد الزنا لغير المحصن Q رجل وقع على امرأة وهو غير محصن فما عقوبته؟ A إذا كان بكراً فجلد مائة وتغريب سنة، ولكن عليه أن يتوب ويستغفر الله عز وجل ويتقي الله ويتذكر موعد الله، ولا يقدم نفسه للسلطان، يستتر بستر الله ولا يقدم نفسه للقضاء، ولا للسلطان، وليبق في بيته وليبكِ على خطيئته علَّ الله أن يتوب عليه إذا تاب وأقلع وندم على ما فات، وتصدق وعمل الصالحات، قبل أن يفضحه الله على رءوس الخلائق، فإن في النار- نسأل الله العافية - أفراناً للزناة يتضاغون فيها من الهم والغم والحميم.

المسلم الملتزم وطاعة الوالدين

المسلم الملتزم وطاعة الوالدين Q ما رأيك فيمن هداه الله إلى الالتزام بأحكام الإسلام، ولكنه يسب والديه؟ A هذا من الفسقة إذا سب والديه كما يقول السائل: إنه يسب والديه ويلعنهما ويعصيهما، فهو من الفسقة لكنه لا زال في دائرة الإسلام، وترد شهادته بعصيانه لوالديه وبلعنه وسبه لهما، وعليه أن يتوب ويستغفر الله عز وجل، وما هناك طريق لنا إلا التوبة كما تكرر كثيراً في الكلمة.

ظاهرة الوسوسة في الصلاة

ظاهرة الوسوسة في الصلاة Q إني أرى نفسي كلما دخلت في صلاة أتتني تفسيرات ووساوس ولا أرى لذلك حلاً، فما هو الحل؟ A الحل، أولاً: أن تدعو الله عز وجل في أدبار الصلوات والأوقات الفاضلة أن يصلح الله قلبك وحالك. ثانياً: أن تفرغ ذهنك من الوساوس. ثالثاً: أن تتدبر ما تقرأ في الصلاة. رابعاً: إذا زاد الوسواس عليك أن تنفث عن يسارك، وهذا دل عليه حديث في صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كثرة الوسواس في الصلاة، قال: {إذا أحسسته فانفث عن يسارك ثلاثاً وتعوذ بالله من الشيطان} والنفث: هواء مع رذاذ قليل من البصاق، إذا كان الوسواس أذهب عليه الصلاة لا يدري هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، هل قرأ أم لا، هل ذكر سورة، هل سبح، فإذا بلغ إلى هذه الدرجة فعليه أن ينفث ثلاث مرات لهذا الحديث، وهذه حلول الوسواس.

حكم المشعوذين والكهان

حكم المشعوذين والكهان ما حكم المشعوذين والكهنة، وما حكم تصديقهم؟ A المشعوذ والكاهن والساحر كفار بالله العظيم، وهم يجتمعون على أن بعضهم يدعي علم الغيب، وأنه ينفع ويضر من دون الله عز وجل. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الصحيح: {من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد} وقال: {من أتى كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} وهؤلاء الكهنة لا يجوز الذهاب إليهم، ومن ذهب إليهم وصدقهم بما يقولون فقد أبطل دينه وخرج من ربقة الإسلام، فإن لم يصدقهم رد الله عليه صلاة أربعين يوماً لا يقبلها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

خطر هجران المساجد

خطر هجران المساجد Q بني مسجدان في قرية واحدة، والمسجد الأول قرأت قاعدة مكتوبة فيه يقول فيها الأولون: ما دام الغراب أسود فلن يحرفوا هذا المسجد من مكانه، فما رأيك في ذلك؟ A إن كان المسجد الآخر يأخذ الجماعة فيصلون فيه ويكفي عن المسجد الأول وهو أقرب إليهم وأصلح، فكلام الأولين لا يحرم ولا يحلل، وإن هجر المسجد القديم وأصبح الناس في غنية عنه بحيث لا يصلي فيه أحد فيباع ويستفاد من أرضه بأخذ أثاث لتوسعة المسجد الجديد، ودورات المياه، والطريق، وهذا من نقل الأوقاف من مكان إلى مكان، وأما هذه الكتابة (ما دام الغراب أسود وكذا) فلا تنفع ولا تضر، وليست عهداً وميثاقاً حضره أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي فهذا إذا أجمع الناس أنه الأصح، أما إذا كان هناك جماعة، وهنا جماعة، فلا يجوز أن يهجر المسجد ولا أن يعطل، وإذا بقي فيه كبار السن ورأوا أنه أقرب إليهم فيبقى بحاله، لا يغير منه شيء، ويبقى بخدماته، وأنا قلت في كلامي: إذا لم يكن هناك تفرقة ولا شقق لعصا الجماعة، ولا يحدث بغضاء وضرراً، أما إذا أحدث بغضاء أو ضرراً فالأصح أن يجتمعوا في مسجد واحد، وإذا كان بالتي هي فأحسن الاجتماع في مسجد هو الأولى والأحسن، وأما التفرقة فلا تجوز في الإسلام. هذا وفي الختام أشكركم، وأصلي وأسلم على الرسول الهادي صلى الله عليه وسلم.

رسالة إلى الموظف المسلم

رسالة إلى الموظف المسلم إن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون، وجعله مراتب وطبقات ليتخذ بعضهم بعضاً سِخرياً، يخدم بعضهم بعضاً، وينفع بعضهم بعضاً، لكن جعل الله الأمانة والمراقبة في كتابه وعلى لسان نبيه عليه الصلاة والسلام، وذلك باسترعاء الناس، وإعطاء كل ذي حق حقه، دون ميل أو مجاملة، وجعل الله العدل أساس كل شيء في جميع المعاملات.

عظم الأمانة ومراقبة الله لدى الموظف

عظم الأمانة ومراقبة الله لدى الموظف الحمد لله، الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداًَ عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم عليه كلما تضوَّع مسكٌ وفاح، وكلما غرَّد حمام وصاح، وكلما شدا بلبلٌ وناح، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً. إذا قيل أنتم قد علمتم فما الذي عملتم وكلٌّ في الكتاب مرتبُ؟ وماذا كسبتم في شبابٍ وصحةٍِ وفي عُمُر أنفاسُكم فيه تُكتبُ؟ فيا ليت شعري ما أقول وما الذي أجيب به إذْ ذاك والأمر أصعبُ؟ خطبتي هذا اليوم: إلى الموظف المسلم. أيها الموظف المسلم: إن الله استرعاك على رعية، واستأمنك على أمانة، وحمَّلك مسئولية، يقول جل ذكره: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] وكل ما كلفنا الله به من عمل فهو أمانة، الموظف مؤتمن، والمدرس مؤتمن، والتاجر مؤتمن، والعالم مؤتمن، والقاضي مؤتمن: {كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته}. أيها الموظف المسلم! إنك تختلف عن الموظف الكافر تماماً، إن الموظف الكافر يعمل من أجل الدنيا، ويراقب الناس، ويخاف الناس، لا يراقب إلا هذه الحياة الدنيا، أما أنت يا مؤمن! فإن رقيبك الله، وحارسك الله، يقول تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] ويقول سبحانه: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93] قال بعض المفسرين: عن لا إله إلا الله، وقال غيرهم: عن الإيمان، وقال ثالث: عن كل ما استرعاك الله عليه. وهو الصحيح. يا أيها الموظف! فوالذي نفسي بيده ليسألنك الله الأحد في يوم تشيب فيه النواصي عن وظيفتك وعن عملك، يقول سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8] إذا كانت الذرة الحقيرة تُسأل عنها عند الله! فما بالك بقوم ضيعوا الله في أعمالهم، ونسوا الله في وظائفهم، خرجوا من الدوائر في غير طاعة، ولم يصيبوا في أعمالهم، وحبسوا المؤمنين والمسلمين بأموالهم، يقول سبحانه: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:30] قال أهل العلم: تجد النفس ما قدمت من خير وما قدمت من سوء. فماذا تقول لربك أيها الموظف المسلم إذا نَشَر لك الصحُف؟! وعَرض عليك الصحائف، ورأيت معاملتك السوداء، وخروجك من دوامك، وتأخيرك للمسلمين، وتنغيصك لحياتهم. ماذا تقول لله تبارك وتعالى؟! ولذلك جعل الله عزَّ وجلَّ من نفسه رقيباً على العبد، يقول سبحانه وتعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]. إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيبُ ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليك يغيبُ إذا أخفيت عن المسئول، أو عن الأمير، أو عن الوزير، فما أخفيت عن عين الله.

نماذج في مراقبة الله عز وجل

نماذج في مراقبة الله عز وجل مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه -ورفع الله منزلة عمر، وجمعنا الله في الجنة بـ عمر - مر براعٍ يرعى غنماً، فقال عمر: [[يا راعي! بعني شاة من غنمك -يريد أن يمتحن إيمانه، وينتظر صدقه مع الله- قال الراعي -وهو مؤمن، وهو مسلم، وهو يراقب الله في الخلوات-: يا أمير المؤمنين! الغنم لسيدي، قال عمر: إذا سألك سيدك عن الشاة فقل: أكلها الذئب، قال الراعي: الله أكبر يا عمر! أين الله؟! فجلس عمر يبكي ويقول: إي والله، أين الله؟!]]. فهل قال الموظف المسلم لنفسه: أين الله؟! وهل قال المسئول لنفسه: أين الله؟!

أبو بكر ومراقبته لله

أبو بكر ومراقبته لله تولى أبو بكر الخلافة، وأول خطبة خطبها على المنبر بكى وأبكى الناس، والبيعة على المسلمين، فردوا بيعتهم في عنق أبي بكر، فأخذها شاردة واردة. كان أزهد الناس، وأخشاهم وأورعهم، ذكر أهل السير: أن عمر كان يتفقد أبا بكر بعد كل صلاة فجر، فإذا هو يخرج من المسجد إلى ضاحية من ضواحي المدينة، فذهب عمر وراءه يوماً من الأيام، فدخل أبو بكر خيمة، ومكث فيها ساعة ثم خرج، فلما خرج؛ دخل عمر بعده إلى الخيمة، فوجد عجوزاً وأطفالاً، قال للعجوز: يا أمة الله! من أنتِ؟ قالت: أنا عجوز حسيرة كبيرة عمياء، وهؤلاء الأطفال مات أبوهم من سنوات، قال: ومن هذا الشيخ الذي يدخل إليكم؟ قالت: لا أعرفه -لا تعرف أبا بكر، ولكن الله يعرف أبا بكر - قال: ماذا يفعل؟ قالت: يدخل عندنا، فيكنس بيتنا، ويحلب شياهنا، ويصنع لنا طعامنا، ثم يخرج، فضرب عمر بيده على رأسه وبكى وقال: [[يا أبا بكر! أتعبت الخلفاء بعدك]]. من يفعل مثل هذا الفعل؟! من يترصد مثل هذا الترصد؟! من يخدم مثل هذه الخدمة؟! إنه الصديق الأكبر، ولذلك تولى عمر فأخذ درساً من أبي بكر لا ينساه [[ولما مات أبو بكر، قال لأهله: خذوا هذه البغلة، وهذه الثياب، والله ما لبست من ثياب المسلمين، وما أخذتُ من طعامهم، واذهبوا بهذه البغلة والثياب إلى عمر بن الخطاب، وقولوا: يا عمر! هذه بقية ميراث أبي بكر، فاتق الله يا عمر في أموال الأمة، لا يصرعنك الله مصرعاً كمصرعي]] فلما تولى عمر أصابه عام وجاع مع المسلمين، فبقي جائعاً شاحباً حزيناً محتاجاً، يقول على المنبر يوم الجمعة وبطنه يُقَرْقِر من الجوع: [[قَرْقِرْ أو لا تُقَرْقِر والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]].

عمر ومراقبته لله

عمر ومراقبته لله عمر بن الخطاب يبكي ويصيح: [[والله الذي لا إله إلا هو لو عثرت بغلة في ضفاف دجلة بـ العراق؛ لخشيتُ أن يسألني الله يوم القيامة عنها: لِمَ لَمْ تصلح لها الطريق يا عمر؟]] هذه مراقبة الواحد الأحد، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام فيما صحَّ عنه: {اللهم من وَلِي من أمر أمتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقق عليه} اللهم من وَلِي من أمر أمتي شيئاً ولو يسيراً، ولو وظيفة، أو مشيخة، أو إدارة، أو إمارة، أو وزارة فشق عليهم فاشقق عليه، غداً تكون المشقة عليه يوم العرض الأكبر، يشق الله عليه كما شق على المسلمين، وعلى المساكين والفقراء، وعلى الأرامل والأيتام والمحتاجين، والجزاء من جنس العمل، يوقفه الله نادماً خاسئاً ذليلاً حقيراً، يوم لا حاكم إلا الله يوم ينادي بصوت يسمعه مَن قَرُب كما يسمعه مَن بَعُد: {لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ فيجيب نفسَه بنفسه ويقول: لله الواحد القهار}. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من ولاه الله أمراً من أمر أمتي فاحتجب عن خُلَّتِهم وحاجتهم احتجب الله عن خُلَّتِه وحاجته يوم القيامة} والمعنى: مَن تولى أمراً صغيراً أو كبيراً فأوصد أبوابه، واعتذر بالمعاذير عن عمله، وعطل أعمال الناس، وأخر إجراءاتهم، وأخر مقاصدهم، ومعاملاتهم، احتجب الله عنه وعن خلته وحاجته ومسألته يوم العرض الأكبر، فلا يقضي الله له حاجة، ولا يؤثره برحمة، جزاء ما نكَّد على الأمة الإسلامية.

سعيد بن عامر ومراقبته لله

سعيد بن عامر ومراقبته لله أرسل عمر بن الخطاب سعيد بن عامر إلى حمص والياً وأميراً، وكان سعيد بن عامر من أزهد الناس وأعبدهم، ومن أصدق الناس مع رب الناس، فذهب سعيد بن عامر فتولى ولاية حمص، ومكث عندهم سنوات، وكان من خيرة الناس، يعيش عيشة الفقير، ومرَّ عمر على أمرائه يسألهم، ويسأل الرعايا عن الأمراء، ويحاكمهم أمام الناس، فلما وصل إلى حمص سأل أهل حمص عن سعيد بن عامر، فقالوا: فيه كل خير، من أصدق الناس، ومن أعبدهم وأزهدهم لولا أن فيه أربع خصال، قال عمر: وما هي؟ قالوا: لا يخرج لنا حتى يتعالى النهار -أي: يتأخر في دوامه- قال عمر: هذه واحدة -وعمر عنده درَّة، يؤدب بها-. قال: والثانية؟ قالوا: وله يوم في الأسبوع لا يخرج إلينا فيه. قال: والثالثة؟ قالوا: لا يخرج إلينا في ليل مهما طرقنا على بابه. قال: والرابعة؟ قالوا: إذا أصبح في مجلس الحكم أُغمي عليه حتى يُرش بالماء. قال عمر وقد ترقرقت عيناه بالدموع: اللهم لا تخيب ظني في سعيد بن عامر، قم يا سعيد! رد على نفسك -هذا حكم ومناصفة، والرعية جلوس- قال سعيد: والله لوددتُ أن أستر هذا الأمر لكن ما دام أنهم تكلموا فأما قولهم يا أمير المؤمنين: أني لا أخرج إلا إذا تعالى النهار، فامرأتي مريضة وليس لي خادم، فأجلس في بيتي، وأصنع طعام إفطاري، وأصلي الضحى، ثم أخرج إليهم. قال: والثانية؟ قال: وأما قولهم: لا أخرج لهم بليل، فقد جعلتُ لهم النهار، وجعلتُ لربي الليل أصلي وأدعو الله حتى السحر. قال: والثالثة؟ قال: وأما قولهم: إن لي يوماً لا أخرج فيه إليهم، فيوم أغسل ثيابي فيه. قال: والرابعة؟ قال: وأما الرابعة فإنني حضرتُ مقتل خبيب بن عدي في مكة وأنا مشرك وهو مسلم فما نصرتُه، فكلما تذكرتُ ذاك اليوم أُغمي علي، فتهلل وجه عمر وقال: الحمد لله الذي لم يخيب ظني فيك، قال سعيد بن عامر: يا أمير المؤمنين! والله لا أتولى لك ولاية بعدها أبداً. ثم ترك الولاية وخرج، ولكن ما تركه عمر يخرج حتى حاسبه في الأموال وفي الخزائن وفي الأحكام، وعرض عليه الدواوين، فوجده ما أخذ درهماً ولا ديناراً، وإنما خرج كما دخل، بصحفة وشملة وعصا. هؤلاء أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام.

نداء إلى الموظف المسلم

نداء إلى الموظف المسلم فيا أيها الموظف المسلم! ويا أيها المسئول المسلم! اعلم إذا جلست على كرسيك أن الله سوف يجلسك يوم العرض الأكبر، فيسألك عما فعلت، وعما تصرفت قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94] وقال: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95]. يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناهُ كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناهُ ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناهُ ونركب الجو في أمن وفي دعةٍ فما سقطنا لأن الحافظ اللهُ كن كالصحابة في زهد وفي ورعٍ القوم هم ما لهم في الناس أشباهُ عُبَّاد ليل إذا جنَّ الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراهُ وأُسْدُ غابٍِ إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياهُ يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيِّدوا لنا مجداً أضعناهُ أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

ثمرات الصدق مع الله عز وجل

ثمرات الصدق مع الله عز وجل الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين. أما بعد: فإن الموظف المسلم إذا صدق مع الله كسب أموراً: منها الدعاء له الذي هو من أعظم الأعمال عند الله، والثناء الحسن يرسله الله للمخلص الصادق، فيدعون له بالتوفيق والهداية، ويدعون له بالتسهيل كما سهَّل أعمالهم ومعاملاتهم، والموظف الصادق يسهل الله عليه الحساب يوم العرض الأكبر، وانتفاعه من ذلك العمل كما يسر على المسلمين أمورهم ييسر الله عليه أمره يوم الحساب.

خيانة بعض الموظفين للأمانة

خيانة بعض الموظفين للأمانة ولكن وُجد من الناس من لا يراقب الله، ولا يرعى الله، ولا يخاف الله في عباد الله، وُجد منهم من يتأخر في دوامه، فيبقى في بيته متخلفاً متأخراً، ومعاملات الناس ومصالحهم مركونة بمكتبه، فإذا حضر سوَّف في عمله، سيئ في خُلُقه، متبجِّح في تصرفاته، لا يراعي حق المسكين، ولا حق الضعيف، ولا حق المسافر المنقطع، بل بعضهم لا تتطلب منه المعاملة وقتاً طويلاً فتكثر الإجراءات، فيَعِدُ الأسابيع بعد الأسابيع، والأشهر بعد الأشهر، فينقطع المسلم ببابه واليتيم والمسكين والأرملة، فيجازيه الله عليه يوم العرض الأكبر. وبعضهم إذا حضر كانت تصرفاته غير سليمة، لا يتعامل بالخلق الحسن، ولا بالرحمة، ولكن تجده معسراً معتباً شرساً متكبراً على عباد الله؛ وهذا لقلة الإيمان في قلبه؛ ولأنه ما عرف سيرة محمد عليه الصلاة والسلام ولا سيرة أصحابه. ومنهم من يخرج أثناء الدوام فيترك وظيفته وعمله، ويخرج في أمور ذاتية شخصية لبيته ولأغراضه الخاصة، يخرج إلى المستشفى أو السوق، وما عمل عمله، فقد خان الأمانة {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72]. ومنهم من لا يراعي الله عزَّ وجلَّ في أعمال المسلمين، فيحيف، وربما ينسى الإنصاف في المعاملة؛ فيقدم قريبه وحبيبه ويُبعد هذا ويُقرب هذا لأمور دنيوية سوف يُسأل عنها يوم يبعثر ما في القبور ويُحصَّل ما في الصدور.

المثالية الإيمانية لبعض الموظفين

المثالية الإيمانية لبعض الموظفين وقد عُلم من بعض الموظفين أنهم بلغوا المثالية الإيمانية، وأنهم ضربوا أروع الأمثلة، وقد سمعنا عن موظف عظيم من عظماء الإسلام، يعيش في هذا العصر، بلغ من تواضعه وصدقه مع الله أن يحاسب نفسه على الدقائق في الحضور والانصراف، ولذلك أصلح الله له حاله، وترى وجهه فيه النور، ودعا له المسلمون، من قصص هذا الموظف العظيم، وهو معروف: أنه إذا أراد أن يتصل بأهله لا يتصل من مكتبه، يقول: هذا الهاتف للمسلمين، ولم يأذن لي ولاة الأمر أن أتصل على بيتي، وإنما وُضع هذا الهاتف للمصالح العامة، وهذا هو الورع الصادق الذي سوف يجده في قبره يوم يُنَوَّر له قبرُه بعمله الصالح، ولكن يوجد من الآخرَين من يلطخ صحائفه البيضاء بأعمال لا ترضي الواحد الأحد.

على الموظف أن يراقب الله

على الموظف أن يراقب الله إن التسرع على الانصراف قبل وقته، أو على عمل حسابات ليست بصحيحة، أو على تزوير أوراق، أو على مكالمة لا تمس إلى عمله بصلة، أو على الاشتغال مع زملائه بحديث جانبي، وترك المراجع ولقد تعاطى الساعات الطويلة، وهو ينتظر وراء الباب، وهذا لا يرضي الله، ولا يرضي وُلاة الأمر، الذين قاموا على الحكم بما أنزل الله، ومعنى ذلك: أنها خيانة صريحة وجرح لشعور المسلمين لا يريده الله عزَّ وجلَّ. والذي ينتظر مراقبة المسئول الذي فوقه ولا يراقب الله ليس بمؤمن، أتراقب العبد ولا تراقب المولى؟! أتراقب الضعيف ولا تراقب القوي؟! {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء:108]. وإذا خلوت برِيْبَة في ظُلْمَة والنفس داعيةٌ إلى الطغيانِ فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني أيها الموظف المسلم: استحل راتبك بالعمل الصالح الصادق، ارحم أمة محمد عليه الصلاة والسلام، اصدق مع الله؛ لتنال من الله عزَّ وجلَّ المثوبة والأجر، ومن المسئولين الشكر والثناء، ولتنال من أمة الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء. وفقك الله، وسدد الله خطاك، وتولاك في الدارَين، وبصَّرك يوم تعمى القلوب. عباد الله: وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {مَن صلى عليَّ صلاة واحدة، صلى الله عليه بها عشراً} وقال عليه الصلاة والسلام: {أكثروا عليَّ من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة عليَّ، قالوا: يا رسول الله! كيف تعرض عليك صلاتنا؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء}. اللهم فصلِّ وسلم عليه ما ذكره الذاكرون وغفل عنه الغافلون، اللهم صلِّ وسلم عليه ما شَدَت الأطيار وما ترعرعت الأزهار وما تباسقت الأشجار، صلاةً وسلاماً دائمَين أبديين تصله في روضته صلى الله عليه وسلم. اللهم وارضَ عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وما ترضاه، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق الأمراء والوزراء والمسئولين والموظفين والعلماء والقضاة لكل خير، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم فقههم في دينك، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم يا رب العالمين! اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم تب عليهم وكفِّر عنهم سيئاتهم يا رب العالمين! رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

أبو ذر في عصر الكمبيوتر

أبو ذر في عصر الكمبيوتر عرض الشيخ حفظه الله مواقف رائعة من حياة أبي ذر، وذكر أن من صنعوا الكمبيوتر وغيره من الأجهزة، لم يعيشوا عيشة أبي ذر؛ لأنهم عاشوا هذه الحضارة بالكفر والجهل، وأما أبو ذر فمع فقره عاش حياة أحسن وأسعد منهم؛ ومنهج هؤلاء يقوم على الكفر والطغيان فلا بد أن ينتهي ويزول، ولا يشك في ذلك عاقل. وقد تطرق إلى سيرته العظيمة، من بداية كيفية إسلامه وبحثه عن الدين الحق ثم إلى مناقبه وفضائله ودعوته وجراءته في الحق وحتى وفاته رضي الله عنه.

علاقة أبي ذر بجهاز الكمبيوتر

علاقة أبي ذر بجهاز الكمبيوتر الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. دمعة الزهد فوق خدك خرسا ووجيب الفؤاد يحدث جرسا أنت من أنت يا محب وماذا في حناياك هل تحملت مسا ما لهذي الدموع مالك صبٌ حالكم مأتمٌ وقد كان عرسا شامة الزهد في مُحيَّاك صارت قصةً تطمس الحكايات طمسا لاطفوني هددتهم هددوني بالمنايا لاطفت حتى أُحَسَُا أركبوني نزلت أركب عزمي أنزلوني ركبت في الحق نفسا أطرد الموت مقدماً فيولي والمنايا أجتاحها وهي نعسى قد بكت غربتي الرمال وقالت يا أبا ذر لا تخف وتأسا قلت لا خوف لم أزل في شباب من يقيني ما مت حتى أدسا أنا عاهدت صاحبي وخليلي وتلقنت من أماليه درسا لوحوا بالكنوز راموا محالاً وأروني تلك الدنانير ملسا كلها لا أريد فكوا عناني أطلقوا مهجتي فرأسي أقسى واتركوني أذوب في كل قلب أغرس الحب في حناياه غرسا أجتلي كل روضة بدموعي وأبث الأزهار في الروض همسا هذه مقطوعة من قصيدة: أبو ذر في القرن الخامس عشر، وهو صاحبنا هذه الليلة، وهو ربان الرحلة، وهو أستاذ القصة وبطلها، وسوف نجلس معه أكثر من ساعة، لنسمع أخباره، ولننثر عليكم أسراره، ولنربط بينه وبين حياتنا الآن في عصر الكمبيوتر، فما علاقة هذا الرجل الصحابي المجاهد الزاهد الذي مات في الصحراء بهذا الجهاز الذي اكتشف في هذا العصر؟ ثلاث مسائل: أولها: هل تثقف الإنسان يوم اكتشف الكمبيوتر؟ هل تثقفت روحه؟ هل أشرقت نفسه؟ هل تجلى خاطره؟ هل زاد نوره؛ لأنه اكتشف الكمبيوتر والمكبر والكهرباء والطائرة والصاروخ والثلاجة والبرادة؟ و A لا. إن الذين اكتشفوا هذه الأمور يَشْكُون من ضيق الصدر والقلق والاضطراب والمرض، والتشنج، والانتحار، نشرت صحيفة الظهيرة في الافتتاحية: طبيب يعالج من السرطان قتل نفسه، يقولون: كان يداوي الناس، ثم أخذ الخنجر وذبح نفسه، لأنه ضاق خاطره، فمع هذا العلم والاكتشاف أتى الانتحار، وأتى القلق، وأتى الضيق، قلقٌ وضيق لم يعشه أبو ذر، ولم يجده أبو ذر، بل كان صدره فسيحاً على خبز، وعلى خيمة، ومع قطيعٍ من الماعز، وهو عنده أثمن من الطائرة، ومن الصاروخ، ومن الكمبيوتر. إذن يقول الله سبحانه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. هل خطر لمن اكتشف الكمبيوتر أن الله سوف يجمع الأولين والآخرين إلى يوم لا ريب فيه؟ هل خطر له أن هناك جنةً وحساباً وميزاناً وكوثراً؟ هل سمع في حياته أن هناك نعيماً ورؤيةً لله؟ إنما أسعد البشرية، وأشقى نفسه! وهل تذكر من اكتشف الكهرباء أن الله عز وجل سوف يبرز للناس يوم القيامة؟ قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]. هذا إيمان بالمادة، وهو إيمان مقطوع مبتور، ولذلكم ظهر بعض الناس ممن اكتشف هذه الاكتشافات، ونسوا أنهم نسوا مصيرهم: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66]. ثانياً: كان من الوسائل التي أريد أن أربط بينها وبين عنوان المحاضرة، وقد سبقت في محاضرة الأسبوع الماضي من باب التنبيه، بعنوانها "الممتاز في مناقب الشيخ عبد العزيز بن باز " وعشنا مع هذا الرجل العصري الذي نور الله قلبه يوم فقدَ بصره. المسألة الثانية: هل تغير الإنسان باكتشافه؟ هل أكل أكثر مما يأكل؟ هل رأى في الحياة متعاً أكثر مما رآها أبو ذر؟ أما عاش ذاك ستين وهذا ستين؟! أما مات ذاك ومات هذا؟! أما ذاق هذا الماء وذاك الماء؟! ولكن المصير عند الله. ثالثاً: هل السعادة التي بحث عنها الإنسان وجدها؟ أنا قلت: هل يمر بالصحابي مثلما يمر الآن بالمكتشف أو المخترع الأوروبي، أو الفرنسي، أو الأمريكي، أو الياباني من القلق والاضطراب والحيرة والضيق، والأمراض النفسية، هل وجد هذا؟ لا، كان أبو ذر سعيداً، وما هو أكْلُ أبي ذر؟ لم يسكن قصراً، ولم يركب سيارةً، ولم يمتط طائرةً، وما كان عنده ثلاجة ولا برادة ولا سخانة، ولا كهرباء ولا ماء مبرد أو مثلج، إنما كان متاعه شملة، وكسرة خبز، وقربة معلقة، وصحفة وعصا؛ دخلوا عليه، وهو في مرض الموت، قالوا: أين متاعك؟ قال: هذا، فوجدوا شملة يكتسي بشيء منها، ويفرش لضيفه، ويرتديها في المنام، ووجدوا صحفة يغتسل فيها، ويأكل فيها طعامه، يقرب فيها ماءه، وقربة، وعصا، قالوا: وأين بقية المتاع؟ قال: {إن رسولي وحبيبي صلى الله عليه وسلم أخبرني أن أمامي عقبةً كئوداً، وأنه لا يجتازها إلا المخف}. أمامنا عقبة المخف فيها يصعد، وهي عقبة الآخرة والحساب، يقول الشيخ حافظ الحكمي: هم المقلون الذين أكثروا إلا إذا لم يسرفوا أو يقتروا والمال والأولاد فتنة وما للمرء نافع سوى ما قدما وإنما الغنى غنى النفس ولا عبرة بالتراث بل هو ابتلا لو كان في المال افتخار لم يرا آل الرسول والصحاب فقرا فهذا الشيخ حافظ يدبج لك كلاماً بديعاً، وهو زاهد جيزان وعالم جيزان، يقول: خذ واضح الحل ودع مكسبها مخافة المحذور يا من فقها وازهد بدنياك وأقصر الأمل واجعل لوجه الله أجمع العمل وزهرة الدنيا بها لا تفتتن ولا تغرنك وكن ممن فطن تالله لو علمت ما وراءكا لما ضحكت ولأكثرت البكا

قصص عن السعادة

قصص عن السعادة أعرف رجلاً عابداً زاهداً في قرية في جهة نجد له مزرعة، وله بعض الغنم، ومن مسجده إلى بيته، عنده المصحف، ويتنفل، ويصوم، ويعبد الله في سعادة ما سمع بها الناس، وفي نور من الله، كلامه يقودك إلى الجنة، يقولون: يقوم قبل الفجر بساعتين وهمه القرآن، إن مات فإلى جنة - إن شاء الله- وإن عاش عاش سعيداً، لم يصبه القلق من الحشود على الحدود، ولا من التهديدات الدولية، ولا من القوات في الخليج، وإنما يعيش القرآن، وطريق الجنة والصيام والاستغفار، وهو قليل الخلطة بالناس، لا يسمع غيبة، ولا تمر به الشيكات السياحية، ولا كلمة الدولار، ولا التضخم المالي، ولا قلة الموارد الغذائية، ولا مشكلة تلوث البيئة، ولا غير ذلك. وعندنا تاجر شهير في البلاد، عمل عملية في مستشفى في جدة - وجد الأطباء أن عنده سوء تغذية، ووجدوا أن أمعاءه التصقت، وسئل أنه كان يتغدى غداءً خفيفاً، كان يتغدى فولاً وجبناً، والناس يتغدون لحماً وأرزاً، الفقراء الآن الواحد منهم ربما ضحى بدجاجتين في الغداءً سمطاً، ولكن أهل رءوس الأموال أكثر الناس قلقاً، كارنيجي يقول: إن أكثر الناس قلقاً هم أهل رءوس الأموال، لأنه لا يفتأ يفتح السجلات، وعنده تلفونان يتصل بهما، ولا يأتي أهله إلا في ظلام، أو بعد الواحدة، أو الثانية فينام، ثم يصحو متأخراً، فكأنه مبرمج يجمع ويحسب ويسجل ويكتب ويتصل، ونسي نفسه حتى أصيب بسوء التغذية، ولو علم أن المال القليل. ولست أرى السعادة جمع مالٍ ولكن التقيَّ هو السعيدُ وكان أحد الصالحين يقول: ماءٌ وخبزٌ وظلُّ ذاك النعيم الأجلُّ كفرت نعمة ربي إن قلت أني مقلُّ ودخلوا على عالم من علماء العراق فوجدوه يفطر في الصباح، ثم لا يبقى عنده في البيت شيء، عنده خبز وزيتون وماء، قالوا: هذا طعامك الدهر؟! قال: الحمد لله، زيتون من زيتون الشام -انظر شكر النعمة- وماء من ماء دجلة، وخبز من خبز العراق، فمن أنعم مني في الناس؟! إن السعادة ليست في هذا التطور الذي يعيشه الإنسان. وكم رأينا من الناس من باستطاعته أن يغير كل يوم سيارة، باستطاعته أن يركب كل يوم سيارة غير الأخرى، ولكن تجد على وجهه من الغضب والحزن ما الله به عليم، وعلمنا وتيقنا أنه -والله- من أراد السعادة، فلن يجدها إلا في طاعة المولى، وفي العمل الصالح، وفي النور الذي أتى به الرسول عليه الصلاة والسلام. بحثوا عن السعادة في المنصب، وكان أعظم منصب في الدنيا منصب فرعون، ولكن قتله منصبه، فالذي أدخله البحر منصبه، والذي دكدكه تحت الماء منصبه. وقارون بحث عن المال، وجمع المال، وأصبح أغنى رجل في العالم، ومهما حاول الناس -الآن- أن يتقدموا في جمع الأموال، فلا يستطيعون أن يصلوا إلى ما وصل إليه قارون: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص:76] أي: المجموعة من الرجال لا يحملون المفاتيح، فكيف بالخزينة، إذا أرادوا أن يفتحوا الباب، أتى ثمانية يحملون المفاتيح، فكيف بما وراء الباب؟ كان كالجبال من الذهب، وهذا لا تملكه الدول ولا الشعوب، ومع ذلك كان ماله سبب فقره وخزيه، ولما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص:81] فالميزانية وبيت المال معه، والشرف رد أبا جهل وألحقه بالخاسرين. صاحبنا هذه الليلة عجيب، وفي حياته طرف وغرائب، وفيها ما يدهش، وأنا اخترته عمداً، لنعيش معه قليلاً، ونسمع لآرائه في الحياة.

أبو ذر والمال المدخر

أبو ذر والمال المدخر قبل ما يقارب عشرين سنة جاء أتباع المجرم استالين -كما تعرفون- وقد كون دولته من قبل في عهد لينين، وأتوا بحثوا ونقروا في الإسلام ليجدوا ولو رأي عالم يوافقهم في رأيهم الاشتراكي في الاقتصاد، فوجدوا أن أبا ذر يوافقهم، فألفوا كتاباً روسياً، وعليه أبو ذر على الكتاب المجلد: شيخ كبير، باللغة الروسية ويحمل عصا، وما على رأسه شيء، وقالوا: زعيم الاشتراكية في العالم: أبو ذر، والسبب في ذلك أنه رضي الله عنه وأرضاه فهم قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:34] قال: ما دام أن الله تهدد من كنز الذهب والفضة، إذن فلا يحل لك، ولا يجوز لك أن تدخر شيئاً من المال أبداً، يعني على رأي أبي ذر إذا جاءك آخر الشهر راتب، وأنفقت وأعطيت أطفالك للمدرسة، واشتريت لهم الدفاتر والخبز والطعام، فما بقي فوزعه في الناس، وهذا مذهب الاشتراكية وهو خطأ وقد خطأه الصحابة، وقالوا: لا، المقصد زك مالك زك ذهبك، زك فضتك، لأنك إذا زكيته فليس بكنز، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول مرة: {أتؤدين زكاته؟ قالت: نعم، قال: فليس بكنز} فالمال الذي تزكيه ليس بكنز، ففهم أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه أن المال يوم يُدَّخَر سواء زُكِّي، أو لم يزك أنه حرام، بل يشاع في الناس، فتلقفوا هذه الكلمة، وحيوا أبا ذر، وترى خالد محمد خالد في كتاب: رجال حول الرسول، وهو لا يزال حياً، وهو مفكر مصري -كما تعرفون- وفيه خير كثير، لكنه كان يؤمن بـ المادية الجدلية، وكان فيه لوثة، ثم هداه الله، وكتبت عنه مجلة المجتمع قبل أكثر من اثني عشرة سنة، ومجدته بعودته إلى الله، لكنه لدغ بكلمة في ترجمة أبي ذر في كتاب" رجال حول الرسول " حتى يقول: أظن الكادحين يؤيدون أبا ذر -كلمة الكادحين أتت من موسكو - في بعض البلاد العربية دخلت الشيوعية، كان الناس مسترزقين، وكانوا يقطفون الأعناب، ويصيدون الأسماك، ويشتغلون، والشعب يتحرك، وكانوا في رخاء، فأتت الشيوعية تحت مظلة نصرة المستضعفين والكادحين فنادت: يا شعوب الأرض، يا مستضعفي الأرض توحدوا، فلما أتوا سلخوا أموال الأغنياء، وتركوا الفقراء بلا عمل، وأغلقت دور الرعاية، ودور الأيدي العاملة، وما وجد الناس حقولاً للعمل، فجلسوا في بيوتهم. حج أحدهم في مكة، فقابله أحد العلماء، قال: كيف وضع الكادحين في بلادكم؟ قال: القائم بطحوه، والتاجر كدحوه، وهذا هو المنهج، فإنها تفلس، ولذلك لما أتى جرباتشوف قال: أفلست الشيوعية أصبحت فقيرة، فصارت الدول العربية تعطيها الأموال وروسيا دولة عظمى في عالم العسكرية عندها قوات تدمر العالم، لكنها في عالم الاقتصاد منهارة تماماً، أصبحت الدول العربية تمد روسيا الآن بالملايين، وأوروبا أرسلت لها ما يقارب ألف مليون دولار غير الحقوق لتنقذ الشعب، نظامهم: أنا أشتغل إلى آخر الشهر وأنت نائم في البيت ثم تأخذ راتبي، أعمل في البطاطس، فإذا أنتجت قاسمتني الثمرة، ففي أي شريعة أو أي عقل، وفي أي منهج في الحياة {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] فأتى الآن جرباتشوف وعارضهم. وفي كتاب: البروسترويكا يعني: إعادة بناء الاشتراكية، أعاد بناءه، وقال: هذه الاشتراكية لا تصلح، ولكن ما عنده وقت، ويخاف أن يزحزحوه، وبدأت الجمهوريات الإسلامية تنفصل كما علمت، وسوف تبقى الجمهورية الأصل روسيا فحسب، وبعد سنوات سوف تصبح روسيا مثل بقية الدول ليست عظمى، والآن ألمانيا تجتازها بخطوات وفرنسا، وهذا لا يهمنا في شيء، ولكن صاحبنا أتى بنظرية أخطأ فيها، ونقول: غفر الله له، وما نقصت من قدره، وليس معصوماً، والصحابي قد يخطئ، والعالم قد يزل في مسألة، ومع ذلك يبقى محترماً شريفاً.

كيف عرف أبو ذر الإسلام؟

كيف عرف أبو ذر الإسلام؟ كان في الصحراء في غفار وغفار قبيلة فدائية مهاجمة، تهاجم الحجاج وتختلس ما عندهم من أموال، وتقتحم المنازل، فهم بمفهوم العصر، كانوا إرهابيين. ولا يمشي ماش من مكة إلى الشام إلا اعترضته غفار، حتى كانت المرأة تدس طفلها، فإذا بكى عليها، قالت: خذوه يا غفار -أي: اسرقوه وكلوه- هذا مقصودها، من هذه القبيلة كان ذاك الرجل الذي سمع أن هناك في مكة رجلاً يدعو إلى لا إله إلا الله. فشقت الصمت والأنسام تحملها تحت السكينة من غار إلى غار تطوي الدياجير مثل الفجر في ألقٍ تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبار هذا الرجل أتى من الغار يقول: لا إله إلا الله، وبعد خمسة وعشرين سنة، وإذا أسبانيا تدخل معه في الغار والسند، وتركستان وبخارى، وثلاثة أرباع الدنيا، فـ أبو ذر كان يرعى في الصحراء، فهو بدوي رضي الله عنه وأرضاه، فسمع بالنبي وهو كإنسان يحب الاطلاع، طفلك الآن إذا أتيت له بآلة، وأصبح يتحدث، قال: ما اسم هذا المسمار، كذا، وتبقى معه ليلة كاملة، وأنت تسمي له كل غرض، من اتصل بك؟ ما اسمه؟ ما اسم هذا؟ ما اسم ذاك؟ فيحب الاطلاع. قال لأخيه: اذهب إلى هذا الرجل الذي في مكة، وانظر ماذا يدعو إليه حتى نرى، فركب أخوه، ويسمى أنيس حتى وصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن يظهر أن أنيساً كان مستعجلاً يريد أن يأخذ رءوس الأخبار، من دون تفصيل، جاء وكفار قريش هيئوا وزارة إعلام متنقلة في أنحاء مكة، كلما أتى داخل قالوا: عم صباحاً يا أخا العرب، ماذا تريد؟ قال: أريد محمداً، قالوا: مجنون ساحر، قال: في أمان الله، رجع، قالوا: مجنون ساحر، وكانوا يرشون الناس، أتى الأعشى شاعر نجد يريد أن يسلم، ويدخل في دين الله، أتى بقصيدة رنانة طنانة يقول فيها: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وعادك ما عاد السليم مسهدا شباب وشيب وافتقار وثروة فلله هذا الدهر كيف ترددا فآليت لا أرثي لها من كلالة ولا من وجى حتى تزور محمدا يقول: أقسمت أن أترك الناقة تمشي إلى محمد صلى الله عليه وسلم. متى ما تناخي عند باب ابن هاشم تراحي وتلقي من فواضله يدا إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولا قيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد لما كان أرصدا هو من الشعراء العالميين، واقترب بهذه القصيدة يريد أن يحيي عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليته لقيه، لكن قضاء الله، فلقيه أبو سفيان وهو مشرك، قال أبو سفيان: إلى أين يا أعشى، قال: إلى محمد، قال: ما عندك؟ قال: أمتدحه بقصيدة، قال: كم تظن أنه يعطيك من المال؟ قال: مائة ناقة، أي أنه سمى الجائزة، قال: خذ مائة ناقة، فأخذها فعاد، فلما وصل إلى جراب وقصته ناقةٌ فمات كافراً. كان كفار قريش يرصدون الطرق، يسمى هذا الحظر الإعلامي، لا يصل إنسان إلا وقد غزوه، حتى يقول أحدهم خائفاً وهو الطفيل بن عمرو الدوسي، قال: وضعت القطن في أذني حتى لا أسمع شيئاً -وقصته أخرى- فوصل أخو أبي ذر إلى مكة، فقالوا: احذر الساحر، احذر الكاهن، احذر المجنون، فرجع. {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] فرجع إلى أخيه قال: رجل يقولون إنه مجنون، أو ساحر، أو كاهن يدعو إلى شيء، وردوه قومه، قال أبو ذر: ما قضيت ما في نفسي، والمثل العامي يقول: "ما قضى حاجة مثل ساقي" فقال: عليك بالغنم، أي: أنا سآتيك بخبره، فركب الناقة، ودخل مكة، وكان ذكياً يسمى الباحث عن الحقيقة، يريد أن يصل إلى الرجل، يريد أن يسمع، ولذلك احذروا من (وكالة أنباء يقولون) فبعض الناس يأتيك بقصة، قلت: من أخبرك حفظك الله؟ قال: يقولون فتصنيف الآراء على هذه المنقولات خطأ: {بئس مطية الإنسان زعموا} يقولها عليه الصلاة والسلام، (قالوا وقلنا) ليست كلمة (قيل وقال) ممنوعة في الشرع، وبعض الإخوة يأتيك يقول: حدثني شاب أنه وقعت قصة مريبة مدهشة، فنذهب إلى ذاك: من حدثك؟ قال: حدثني شاب، ونذهب إلى الشاب، قال: حدثني شاب، حتى يضيع السند ويتبين أنه معضل وهذا لا يصح، فلابد أن يكون السند قوياً: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36]. دخل أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه مكة، ولما وصل الحرم وفقه الله بـ علي بن أبي طالب -حياه الله، حيا الله علياً - وسوف يكون لنا ليلة مع أبي الحسن لا تغرب نجومها، علي هذا محبوب، لكن نحبه الحب القدسي الطاهر الذي يقربنا منه إلى الله، ويجلسنا معه في الجنة، كان علي ذاك الوقت شاباً يتوقد، أبوه شيخ هو أبو طالب، لكنه رفض الإسلام، لكن هذا الشاب الحي، يقول العقاد في كلمة معناها، قال: إن في قصة علي سلوة، سلوة للمنكوبين في الحياة، وسلوة للصابرين على طريق الجهاد، وسلوة للعلماء المضطهدين، وسلوة للمجاهدين الذين يريدون الحق، وسلوة للمستضعفين في الأرض. وجد أبا ذر، فحياه، قال: من أين أتيت يا أخا العرب؟ قال: جئت ألتمس هذا الرجل، قال: تعال معي، فأدخله عنده، فأعطاه زبيباً، ولم يكن عندهم طعام جاهز إذ ذاك، بل عندهم خبز وزبيب وماء. قال: كل، فأكل، قال: أين هذا الرجل الذي يدعي أنه نبي؟ قال: أنا أنزل أنا وإياك إلى الحرم، فإذا صادفت أو وافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف أتظاهر أني أخصف نعلي، فهو الرجل الذي أمامي فسلم عليه، والرسول عليه الصلاة والسلام يظهر بين الناس، ليس شخصاً عادياً حتى في مظهره، يقول أنس: {والله الذي لا إله إلا هو، لقد نظرت إلى البدر ليلة أربعة عشر وإلى وجهه صلى الله عليه وسلم فلوجهه أجمل من القمر ليلة أربعة عشر} وقال أبو هريرة: {كأن الشمس تجري في وجهه} ويقول سيد قطب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مهياً جسمانياً ليقود العالم. يقول ابن رواحة: لما رأى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم: لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر فعليه المهابة والجلابة والملاحة والنور والجمال، فسبحان من صوره فأحسن تصويره، جميل، أدعج العينين، بياضه مشوب بحمرة، يؤثر فيها أدنى شيء حتى إذا وضع أصابعه أثرت في وجهه، كأنه يخرج من ديماس، ما كأنه خرج من مكة أرض القحط والجفاف والجدب، لأنه مهيأ ليقود العالم. قال: إذا نزلت ووافقته فسوف أتظاهر بإصلاح نعلي، فتقدم وسلم عليه، فنزل علي، وفعل علي ذلك؛ لأنه يخاف من الاستخبارات، فكفار قريش يلاحقونه بالعيون، يقولون: هذا الذي يدل الناس على محمد، وهناك فرقة للضرب، وفرقة للعض وفرقة للمصارعة، وفرقة للملاكمة، والرسول صلى الله عليه وسلم يشهد هذه المناظر كل يوم، يرى الأصنام ما كسرها؛ لأنه يريد أن يكسرها من العقول أولاً، ويأتون إليه صلى الله عليه وسلم يريدون اغتياله، ويحميه الله عز وجل، يأتي ملك الجبال يقول: أأطبق عليهم الأخشبين؟ قال: {لا، إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً} يدمون قدمه، ويسيل الدم، فيمسح الدم صابراً، ويقول: {اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون} فيقول الله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. كيف تمسك أعصابك أمام هذا الهيجان؟ الإنسان منا الآن من أجل متر من الأرض قد يقاتل، أنا أعرف بعض الناس يحمل مسدسه ويقول: أقتله أو يقتلني هذا اليوم، وتجد إما ميزاباً أو غصناً أو سكة ولو أتى اليهود، فر من أمامهم إلى تهامة. وقف علي رضي الله عنه يخصف نعله، فتقدم ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما عرف أنه هو، قال: عم صباحاً يا أخا العرب، وهذه تحية الجاهلية، فما كانوا يعرفون السلام عليكم، الذي أتى بالسلام محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أتى ببسم الله محمد، الذي أتى بالحمد لله الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي أتى بالله أكبر محمد صلى الله عليه وسلم، وكما قال تعالى في رسوله: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ} [النساء:113]. يقول امرؤ القيس: ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي وهل يعمن إلا سعيد مخلد قليل الهموم ما يبيت بأوجال قال: عم صباحاً يا أخا العرب، فنظر إليه صلى الله عليه وسلم، وهو جالس، قال: إن الله أبدلني تحية خير من تحيتك، قال: ما هي؟ قال: السلام عليكم ورحمة الله، قال: السلام عليكم ورحمة الله، قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فجلس، فكان هذا اللقاء الحار. فابتدأ صلى الله عليه وسلم، وهذا من لطفه، ومن حسن خلقه البديع، يقول سُبحَانَهُ تَعَالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] يقول: كيف دخلت إلى قلوب العرب؟ العربي قبل الإسلام عقله جاف خشب، من يكلم الخشب؟ سيفه معه يذبح أخاه، لا يفهم، لا طهارة، لا فكر، لا أدب، لا رقي، لا احترام. كيف ألفت بين قلوب الناس؟ {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] فكان من هديه أن يسأل القادم، وهذا من حسن الكرم. إذا أتاك ضيف وجلس، فاسأله: كيف حالكم؟ كيف أهلكم؟ جاءكم أمطار؟ أما أن تسكت، وتضرب عن الكلام لهذه المصيبة التي ألمت بك، فلن يفاتحك وسوف يستأذن منك، أو يتوب فلا يعود لك مرة ثانية. أحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب فقال: من الرجل؟ قال: أبو ذر، قال: ممن؟ قال: من غفار، فتبسم عليه الصلاة والسلام تبسم الطموح للمستقبل، والنظر إلى هذا الرجل وإلى هذه الأمة، يحاصر في مكة لا جندي ولا حارس، ولا معه مؤيدون، معه شيخ هو أبو بكر، ومعه غلام هو علي، ومعه مولى هو زيد بن حارثة، ومعه امرأته خديجة وهؤلاء أربعة هم حصيلة الدعوة، وينزل عليه وهو على الصفا { A=6002589> وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] فيضحك كفار قريش، ويبتسم بعضهم إلى بعض، قالوا: رحمة للعالمين وهو ما استطاع أن يمنع نفسه! ولكن والله اجتاحهم، وبعد عشر سنوات أو أكثر دخل والسيف بيده، وهو يقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، فنكس الأصنام وفتح الدنيا: {إِِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:1 - 2]. قال صلى الله عليه وسلم: ممن الرجل؟ قال: من غفار، فتبسم صلى الله عليه وسلم، ونظر في السماء، وكفار قريش يلحدون عند البيت، سامراً يهجرون، يشربون الخمر عند الحجر الأسود، يكفرون بالله، يحاربون لا إله إلا الله، ويأتي هذا من غفار سلبة الحجاج، وسرقة العرب، يأتي ليسلم، قال صلى الله عليه وسلم وهو يتلفت: إن الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ثم قال أبو ذر: من أنت؟ قال: أنا رسول الله قال: من أرسلك؟ قال: الله، قال: إلى من أرسلك؟ قال: إلى الناس، قال: بماذا أرسلك؟ انظر الأسئلة الحية الرائعة البديعة، لم يسأله عن نسبه، ولا متى ولد، ولا بطاقتك الشخصية لو سمحت، ولا متى تزوجت، ولا كم عندك من طفل،

موقف الصحابة من أبي ذر عندما وصل إلى المدينة

موقف الصحابة من أبي ذر عندما وصل إلى المدينة يقول خالد محمد خالد: قام الصحابة يظنون أن هناك جيشاً يريد أن يغزو المدينة، الغبار في السماء، وهي قبيلة غفار أتى يقودها أبو ذر ليدخلوا في الدين. {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3]. قام صلى الله عليه وسلم، وقام الصحابة بعضهم خاف وفزع، وبعضهم لبس السلاح. حياه عليه الصلاة والسلام، وكان بعض أهل السير، يقول: كان أبو ذر يلتفت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعيونه تدمع، ويقول: عرفتني يا رسول الله؟ قال: نعم عرفتك؛ لأنه لم يلتق به إلا لقاءً واحداً عرف فيه الدين. قال: نعم عرفتك، وماله لا يعرف محبيه؟! وماله لا يعرف تلاميذه عليه الصلاة والسلام؟! المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعبٌ من الأموات أحياه

من مواقف أبي ذر

من مواقف أبي ذر ويدخل أبو ذر الدين، وله مواقف أذكر بعضها:

أبو ذر والحديث

أبو ذر والحديث أعظم حديث لأهل الشام يرويه أبو ذر، وما أعلم في الأحاديث النبوية أكثر تأثيراً من هذا الحديث، رواه مسلم والإمام أحمد والترمذي، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: {يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يا عبادي! إني حرمت على نفسي الظلم وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته؛ ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه} يكفينا شرفاً أن راوي هذا الحديث أبو ذر، كان إذا حدث يقوم على ركبه، من جلالة الحديث، هذا الحديث حديث قدسي رائع يصل إلى القلوب، وكان الراوي عنه أبو مسلم الخولاني، أو أبو إدريس وهو الصحيح؛ يجثو على ركبتيه إذا أراد أن يحدث. قال الإمام أحمد: ليس لأهل الشام أشرف من هذا الحديث، حديث شريف عظيم، يرويه أبو ذر للناس، وكان إذا أراد أن يستفتح خطبته يقوم على ركبه , ويذكره للناس، ويرسله للقلوب، ويحيي به الأرواح.

أبو ذر وبلال

أبو ذر وبلال هناك قصة وقعت لـ أبي ذر مع بلال: جلس الصحابة يتشاورون، وقائدهم خالد بن الوليد في معركة، فتكلم بلال رضي الله عنه وتعرفون أنه أسود، لكنه منادي السماء، بلال حبيبنا، وكان عمر يقول: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]] يعني بلالاً الذي رفع الصوت الخالد الله أكبر الله أكبر، والله جعله سيداً من السادات، وله قصر في الجنة، فتكلم أبو ذر فقاطعة بلال، فقال أبو ذر: تقاطعني يابن السوداء، سبحان الله! هل ضل فكره؟ هل ضاع عقله رضي الله عنه؟ لماذا هذا الكلام؟ وهل الله عز وجل يحاسب الناس على الألوان؟ وهل عندنا تمييز عنصري؟ وهل نحن نعود إلى الأنساب؟ وأقول عند هذه المسألة كلمة هي كلمة أهل العلم، وهي ما يوافق كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الطبقية حرام في المجتمع، وإنها تخالف الكتاب والسنة، قضية قبيلي وغير قبيلي، قضية الذين يقولون: هذا خط كذا، وهذا خط كذا، هؤلاء يتزوجون من هؤلاء، وهؤلاء لا يتزوجون من هؤلاء؛ هذا حرام ومنكر، وهذه الطبقية مما يخدش وجه ديننا، وهي تزري بنا أمام الأمم، وأمام الشعوب، وأمام الدول الأخرى، وأمام الديانات، وهذه موجودة في المناطق عندنا كأن الناس مجمعون عليها وراضون بها، وصنفوا الأسر، أسرة قبيلة، وأسرة غير قبيلة، موالي وأشراف، ويسمونها بالمفهوم الساذج الرخيص الحقير: هذا خط مائة وعشرة، وهذا خط مائتين وعشرين، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. بلال هذا تزوج أخت عبد الرحمن بن عوف " هالة " رضي الله عنها، والشرف لـ عبد الرحمن بن عوف، ويقول عمر: وددت أني زوجت بلالاً إحدى بناتي -لله درك يا فاروق الدنيا، ويا فاروق التاريخ- يقول: ما زال في قلبي حسرة، وودت أني تشرفت وزوجت هذا الرجل العظيم، صاحب التاريخ الأجل. يقول خالد محمد خالد: بلال يعرفه مسلمو الصين، ومسلمو اليابان , ومسلمو السودان، ومسلمو العراق والمغرب، وكل مسلم على وجه الأرض، الأطفال يعرفون بلالاً، فيقول: يا بن السوداء، قال بلال: والله لأرفعنك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام لماذا؟ {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] {المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره} لماذا انتهاك الأعراض؟ لماذا ذكر الألوان؟ أنحن في جنوب أفريقيا أو في إسرائيل؟ نحن في المدينة، فذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأخبره، فامتقع وجهه عليه الصلاة والسلام، واحمر وتأثر كثيراً، ودخل أبو ذر وهو خائف، دخل يسلم على الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: فسلمت عليه، فوالله ما علمت هل رد علي السلام أم لا من الغضب، والتفت إليه صلى الله عليه وسلم مؤنباً ومؤدباً وغضوباً، قال: {أعيرته بأمه؟ إنك امروءٌ فيك جاهلية} أي: بقي فيك رواسب من الجاهلية، فهو صلى الله عليه وسلم يقول بلسان الحال: أنا أتيت لأطمس الجاهلية، أتيت أمحو هذه الوثنية وهذا التخلف، أتيت لأقصم رأس الرجعية، أتيت أنور العقول، وأحرر الأبدان والأفكار، أتيت أدعو إلى تحرير الإنسان، وإخاء الإنسان مع الإنسان، لا طبقية، ولا تمييز عنصري، ولا دم ولا لغة ولا لون، أتيت بلافتة لا إله إلا الله، فـ بلال يدخل الجنة، وأبو جهل سيد قريش يدخل النار، وصهيب الرومي المولى يدخل الجنة، وفرعون في النار، فلا فخر. إذا افتخرت بآباء لهم شرف نعم صدقت ولكن بئسما ولدوا فندم أبو ذر وبكى، وقال: يا رسول الله، أعلى كبر سني؟ أي أفي جاهلية على كبر سني؟ قال: نعم، ثم خرج أبو ذر، فمر بلال، فوضع أبو ذر رأسه على التراب، وقال: لا أرفع رأسي حتى تطأه بقدمك؛ أنت الكريم، فبكى بلال واحتضن أبا ذر من فوق التراب وعانقه وتباكيا، وقال: والله، لا أطؤك برجلي. إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:100 - 101] اسمع لـ أبي تمام، شاعر الإبداع، يقول في الإخاء: إن كيد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد ما هناك سوداني ومصري وسعودي ويمني وكويتي ومغربي وباكستاني، لا، فما دمنا رفعنا لا إله إلا الله، ولافتة "إياك نعبد وإياك نستعين" فكلنا سواسية، وأعظمنا المتقي. أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد

أبو ذر والإمارة

أبو ذر والإمارة ويصلح أبو ذر رضي الله عنه، وتستمر به الحياة، ويولي الرسول عليه الصلاة والسلام بعض الصحابة الإمارة والمنصب، وبعض الناس ولو كان صالحاً لو رعى شاتين ضيعها، حتى الدبابيس ربما تضيع من مكتبه، ويقول عمر: [[اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة]]. فلابد مع الصلاح من القوة والفهم والإدراك، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يعين الناس حسب طاقاتهم فهو الذي ربى الصحابة، ويعرف أين يصلح كل واحد منهم، فهذا خالد بن الوليد لو جعله صلى الله عليه وسلم فرضياً فلن يعرف كيف يقسم ما سمعنا أن خالد بن الوليد يقسم الفرائض، فهو لا يعرف نصيب الجدة ولا الخالة ولا العمة، هو لا يعرف إلا قطع الرءوس، وزيد يقسم للموتى. إذا قطع الرأس يقول: خالد: أنتم تصرفوا في الميراث، أنا علي أقطع لكم الرءوس، وأنتم تصرفوا في المواريث حفظكم الله، فهو رئيس قسم الجهاد، وهو متخصص في ضرب الأعناق في سبيل الله. تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها هذا خالد. حسان بن ثابت، ماذا يجيد؟ هو لا يفسر القرآن، لكن عنده قوافي، فهو في قسم الأدب، يدخل الجنة بالأدب، يقرب إليه صلى الله عليه وسلم المنبر، يقول: {اهجهم وروح القدس معك}. زيد بن ثابت {أفرضكم زيد} {معاذ: أعلم أمتي بالحلال والحرام} أبي {أقرأ أمتي أبي} سيد القراء أبي، هكذا التخصصات، هذا يجب أن يعيه المربون والأساتذة، لا تجعل طالباً خطيباً، وهو لا يستطيع أن يقول كلمتين، فلما رأى أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يولي بعض الصحابة ولا يوليه ظن أن الأمر حسب الأفضلية، فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله، وليت فلاناً، ووليت فلاناً، أريد أن توليني، أي يريد مرسوماً في الصباح يصدر مبكراً أنه: قد وليناه كذا وكذا، فتبسم صلى الله عليه وسلم، فهو يعرف الطاقات، ويعرف الاستعدادات، ويعرف الناس، ونعرف أن أبا ذر أمين وصادق، لكن المسألة يراد لها تخصصات، فتبسم صلى الله عليه وسلم وضرب على كتفه، قال: {إنك امرؤ ضعيف، وإنها أمانة، وإنها خزي وندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة}. هذه الإمارة دائماً: (نعمت المرضعة، وبئست الفاطمة) كيف؟ أول ما يتولى الإنسان، وأول ما يأتيه مرسوم التعيين، يكون في عيد، والحارات تشتبك باللمبات الكهربائية، والبرقيات: (نهنئكم بمنصبكم الجديد، فسيروا على بركة الله باليمن والمسرات) وبعد سنة يأتي مرسوم العزل، فيجلس يبكي في غرفة، والوالدة في غرفة، وزوجته في غرفة، والأطفال في غرفة والأصدقاء تفرقوا، بئست الفاطمة، هذه مناصب الدنيا، لأن الذي يؤتيها بشر، وينزعها بشر، لكن الله عز وجل إذا آتى الإنسان لا ينزعه إلا هو. يقول إبراهيم بن أدهم: إنا في عيش لو علم به الملوك لجالدونا عليه بالسيوف. كان إبراهيم بن أدهم ينام على الرصيف، لكن عنده إيمان وقوة واتصال بالله عز وجل، مثلما فعل ابن تيمية: يوم دخل على ابن قطلوبك -السلطان السلجوقي- قال: أعلن الجهاد، وكان سلطاناً مسلماً لكن يشرب الخمر، اجتاح التتار العالم الإسلامي فدخل ابن تيمية على السلطان السلجوقي، يقول له: أعلن الجهاد الآن. قال: والله لتعلننَّ الجهاد، قاتلهم بالسيوف الشرعية المحمدية، أعلن الجهاد. قال: يهزموننا. قال: والله لننتصرن. قال: قل إن شاء الله. قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً. قال: يـ ابن تيمية سامحنا وددنا لو زرناك في بيتك. قال: دعنا من كدراتك يـ ابن قطلوبك، كان موسى يزور فرعون في اليوم مراراً، ثم قال: سمعنا أنك تريد ملكنا، فضحك ابن تيمية وقال: ملكك؟! قال: نعم. قال: والله ما ملكك وملك أجدادك يساوي عندي فلساً، إني أريد جنة عرضها السماوات والأرض. خذوا كل دنياكم واتركوا لي فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا الشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ولاه منصباً، وقال له: أنت ضعيف. قالوا: ضعيف الرأي رضي الله عنه، قد يكون الإنسان صالحاً، لكن تختلط عليه الأمور، أحياناً قد تغيب من مكتبك وتأتي بأحد الموظفين، وإن كان صالحاً يصوم ثلاثة من كل شهر، يصلي الضحى، لكن يضيع عليك المعاملات، يجعلها حيص بيص وهو صالح، لكن الأمور لابد أن تعطى إلى أهلها الذين يدركونها، وهذا أمر معلوم في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. في نص الحديث عند مسلم وأحمد: {يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم}. كان أبو ذر حتى في الإمامة لا يتقدم، يقول: لا يتولى على اثنين، وما كان يتولى في السفر، يكره الإمارة؛ لأنها كُلفة ولأنها تكثر أوجاع الرأس، ولأنها حمل للمغرم. كان عمر بن عبد العزيز وهو أمير المؤمنين لا ينام بعض الليالي، فتقول زوجته فاطمة: لم لا تنام يا أمير المؤمنين؟ قال: كيف أنام وأمة محمد في عليه الصلاة والسلام في عنقي. أي ففيهم الفقير، والمسكين، والأرملة، والمحتاج فكيف أنام والله يسألني يوم القيامة عنهم؟ وكان عمر يبكي ويقول: يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني كنت شجرة، يا ليتني ما عرفت الحياة، يا ليتني ما توليت الخلافة. وعند أحمد في المسند: {ما من والٍ يلي إلا غُل يوم القيامة، فإن عدل أطلق، وإن لم يعدل دهده على وجهه في النار} فالرسول صلى الله عليه وسلم حذر أبا ذر بأنه لا يصلح لهذا ونهاه , وأبعده عن هذا، فرضي الله عنه وأرضاه.

شخصية أبي ذر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم

شخصية أبي ذر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو ذر يقول: {بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً -يعني خمس بيعات- وواثقني سبعاً، وأشهد الله علي تسعاً، ألا أخاف في الله لومة لائم} رواه أحمد بسند جيد. ولذلك كان يقول الحق، وأحياناً يكاد رأسه أن يطير، لكن مثلما يقول الشعر النبطي: في سوق جاتك ما هي في سوق هونا فهو من الله عز وجل على بصيرة، فقد بايع على ذلك. يذهب في دمشق ينهى عن المنكر يذهب في عهد عثمان فيرى أهل الأموال: فيتكلم معهم، ما يقف موقفاً إلا ويتكلم، لأنه دائماً يقول: ألا أخاف في الله لومة لائم، ويقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فجلست إليه، فقال: أصليت؟ قلت: لا، فقام فصلى، ثم جلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي الرواية الأخرى أنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدني منجدلاً في المسجد، وهذا عند أحمد والطبراني وفيه شهر بن حوشب، وهو ضعيف، فقال: فاستويت جالساً، فقال صلى الله عليه وسلم: أتنام في المسجد؟ -وهو جائز النوم في المسجد، لكن يسأله صلى الله عليه وسلم: هل أنت دائماً تنام هنا في المسجد- قال: يا رسول الله! وهل لي بيت غير المسجد؟! يقول: أين أنام -لا فندق ولا بيت- يقول: كيف بك إذا أخرجوك من المسجد؟ -يخبره عن المستقبل- يقول: كيف بك أنت إذا مر يوم يقول: اخرج من المدينة؟ قال: يا رسول الله، أخرج إلى الشام أرض الغزو وأرض الأنبياء، وبيت المقدس، قال: فكيف إذا أخرجوك من الشام؟ قال: أعود إلى هذا المسجد. قال: كيف إذا أخرجوك من المدينة؟ آخذ سيفي فأقاتلهم، فتبسم عليه الصلاة والسلام، قال: لا. تصبر وتحتسب، قال: فأنا صابر محتسب، وأتى ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.

أبو ذر في خلافة عثمان

أبو ذر في خلافة عثمان تولى عثمان رضي الله عنه، وقام أبو ذر يناشد الناس بألا يدخروا الأموال، وهو رأي خطأ، وكلما أتى إلى مجلس في المسجد صاح فيه، وصاح في التجار، وفي السوق، فأراد عثمان رضي الله عنه أن يسيره للشام ليْعلِّم الناس، ولتهدأ المدينة نسبياً، فذهب إلى الشام، فجلس في المجالس في الشام يقول: لا تكنزوا، وكلما رأى منكراً عدا عليه، وعنده سكين كلما رأى جرة خمر في دمشق شقها، وكلما رأى نصرانياً لا يتقيد بأحكام الإسلام ضربه، فكتب معاوية إلى عثمان: إن كان لك حاجة في الشام، فخذ أبا ذر إليك، فكتب عثمان إلى أبي ذر أن تعال. فأتى فدخل على عثمان، فلما أجلسه شاوره الصحابة، فقال أبو ذر: يا أمير المؤمنين -يقصد عثمان - إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لي: {إذا بلغ البناء سلعاً، فاخرج منها} سلع جبل في المدينة - يقول: إذا امتدت البيوت والسكنى إلى سلع فاخرج من المدينة، قد تغير الحال، حتى تبقى صافياً نقياً طاهراً، وأنا خارج، قال: اذهب، فأخذ غنمه، وأخذ خيمته، وأخذ زوجته، وذهب إلى الربذة على ثلاثة أميال من المدينة، فنصب خيمته هناك. لوحوا بالكنوز راموا محالاً وأروني تلك الدنانير ملسا كلها لا أريد فكوا عناني أطلقوا مهجتي فرأسي أقسى واتركوني أذوب في كل قلبٍ أغرس الحب في حناياه غرسا أجتلي كل روضةٍ بدموعي وأبث الأزهار في الروض همسا هذه خيمتي وهذا نشيدي ونشيدي الرياح لحناً وهمسا إلى آخر ما قال. ذهب إلى الربذة وكان يأتي عند الجمرات في الحج فيعظ الناس، فيقول له أحد الناس: لا تتكلم، أمير المؤمنين ينهاك، فيقول أبو ذر، وهي في صحيح البخاري: [[أأنت رقيب علي؟! والله لو وضعتم الصمصام على هذه وظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجهزوا على لأنقذتها]] يقول: والله لو وضعتم السيف على هذه، وبقي عندي كلمة من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لأطلقتها، يقول: لا تخوفني بالموت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بايعه ألا يخاف في الله لومة لائم، وجلس في الربذة، وكان يزوره الصحابة هناك، وكان يأتي أحياناً يحضر صلاة الجمعة أحياناً، وأحياناً يزور عثمان. وعند الذهبي في السير أن ابن عباس كان حارساً على باب عثمان رضي الله عنه، فإذا أبو ذر يستأذن، وكان الناس يخافون من أبي ذر فهو ساطٍ قوي حار. فطرق الباب، فقال: من؟ قال: أبو ذر. قال ابن عباس لـ عثمان، والصحابة جلوس: أبو ذر يستأذن، قال: ائذن له إن شئت أن تحزننا هذه الليلة، وتهممنا وتبرح بنا، وهذه موجود في السير، يقول: إن شئت أن تدخل علينا الهم هذا اليوم، لأن هناك تجاراً جالسون، وسوف يهاجمهم، وهناك أناس ما عدلوا سوف يخاصمهم، وهو يعطي كل إنسان حقه، قال: إن شئت أن تهممنا هذا اليوم فائذن له، لكن الله المستعان يرد أبا ذر، ائذن له، فدخل ومعه العصا. - سلام عليكم. - وعليكم السلام. - تفضل. - جلس، سكت المجلس، وبدأ عثمان رضي الله عنه يتكلم في مسألة فرضية مالها علاقة بالتجارة ولا بالصناعة ولا بالزراعة ولا بالبلديات، قال: ما رأيك يا كعب -هذا كعب الأحبار يقسم فرائض- ما رأيك يا كعب في عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه، مات وترك مالاً، ما رأيك في هذا المال؟ أتى كعب الآن يقسم، وهو صحيح، قال: تقضى ديونه، وتقسم في ورثته، فقام أبو ذر: فضربه في رأسه -هكذا في السير، وهي والله موجودة بنصها في السير المجلد الثاني- فضربه في رأسه بالعصا، قال: تضلل الناس، لا بل يوزعه في الناس. على مبدأ الاشتراكية، وأجله الله، وأعزه الله عن الاشتراكية، ورفعه الله وكرمه. لكن دخل منها استالين فيقول: لا بل يوزع كله، قال عثمان: هذا ما تحرينا منك منذ اليوم، يعني هذا الذي انتظرناك، وبدأ يحاج رضي الله عنه، ويقول: كذا وكذا وكذا، كلما تكلم أحد قام أبو ذر، يرد عليه، وفي الأخير هدأ عثمان رضي الله عنه المسألة.

موت أبي ذر رضي الله عنه

موت أبي ذر رضي الله عنه ثم عاد إلى الربذة، وأتاه الموت: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [العنكبوت:57]. لكنه كان صافياً لم يتعلق من الدنيا بشيء، ما تولى إمارة ولا جمع مالاً، ولا عنده ذهب ولا كنوز، مثلما أخبرتكم هذا رأس المال عنده، وأتته سكرات الموت، فبكت امرأته، قالت: يا أبا ذر: بعد صحبة الرسول عليه الصلاة والسلام وصحبتك لـ أبي بكر وعمر تموت وحدك في الصحراء، فالتفت إليها، قال: لا عليك، أن أموت وحدي، إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أني أموت في الصحراء، وسوف يشهدني عصابة من المؤمنين، وهذا أمر الله، ثم أوصى وودع الحياة باسماً راضياً عن الله، وهو يحمل المنهج الرباني: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. وفي حديث الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {رحمك الله يا أبا ذر تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك} وذكر ابن حجر هذا الحديث في الإصابة ورواه البخاري في الكبير وغيره، ولكنه ضعيف، لأن في سنده بريدة بن سفيان ضعفه أهل العلم. وسياق الحديث أن أبا ذر رضي الله عنه تخلف في معركة تبوك، وأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يحمل متاعه وحده، قال: {رحم الله أبا ذر، يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، والحديث كما قلت ضعيف. مات وحده في الصحراء، وأتاه عصابة من المؤمنين، يقول الذهبي وأمثاله: كان منهم ابن مسعود، فلما مات وغسل وطيب وكفن وضعه أهله على قارعة الطريق، وأتى ابن مسعود من العراق يريد المدينة، فرأى الجنازة على الطريق، فأخذ يولول ويبكي، ويقول: واحبيباه! ووا أبا ذراه! ثم قال: صدق حبيبي صلى الله عليه وسلم: تموت وحدك، وتعيش وحدك، وتبعث وحدك. شيعوه، وصلوا عليه، ودعوا له، وذهب إلى الله، ولكنه بقي في أرواحنا، وبقي في قلوبنا، وبقي في تاريخنا، بزهده، بصدقه مع الله، بإخلاصه في الدعوة، بجهره بالحق، بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، بحمله للقرآن، بتشرفه بحمله للسنة، بثباته، بصبره، بكل خصلة جميلة. إنه قدوة للجيل، إنه أستاذ في هذا الفن، ولعله يكون كتاب فيه يتكلم عن نظرياته في الاقتصاد، وفي العلم، وفي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفي الحياة والتربية، غفر الله له، وجمعنا به، وسلام عليه يوم أسلم، وسلام عليه يوم جاهد، ويوم مات، ويوم يبعث حياً.

الأسئلة

الأسئلة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سبب تكنيته بأبي ذر

سبب تكنيته بأبي ذر Q ما سبب تكنيته بـ أبي ذر؟ A لا ندري والله: {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف:81 - 82].

اسم زوجة أبي ذر

اسم زوجة أبي ذر Q من هي زوجة أبي ذر؟ A هي أم ذر.

تولي أبي ذر الإمارة

تولي أبي ذر الإمارة Q هل تولى أبو ذر رضي الله عنه الإمارة؟ A لا، أخبرناك أنه ما تولى، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوله.

الشيخ حافظ الحكمي في سطور

الشيخ حافظ الحكمي في سطور Q نريد نبذة عن الشيخ الحكمي؟ A من العلماء الفضلاء، وعسى أن يكون هناك فرصة لأتكلم في سلسلة علمائنا، وأتكلم عنه بإذن الله، رحمه الله، وأسكنه فسيح الجنات.

الصحابة هم القدوة

الصحابة هم القدوة Q لماذا تركز على الصحابة في المحاضرات؟ A لأنهم صحابة، أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لنتعلم منهم: الأدب، والحكمة، والعلم، والتربية، لنعيش معهم، والمرء يحشر مع من أحب، أتريد أن أتكلم عن هتلر أو استالين أو لينين!

فهم الزهد عند البعض خاطئ

فهم الزهد عند البعض خاطئ Q تكلمت عن الزهد، فتاقت أنفسنا إلى ذلك، ولكن نظام حياتنا يمنعنا من ذلك فما هو العمل لذلك؟ A ظهر لي أنه تقصد أن العصر متطور، وأن الزهد قد لا يتحقق مثل زهد أبي ذر، وهذا صحيح، والزهد كلمة نسبية، وأحسن من عرف الزهد هو ابن تيمية قال: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، أما ما ينفع فلا تزهد فيه، هل تظن أني أريد منك في هذا التطور المادي: البنايات، الكهرباء، الماء، الهاتف، أطلب منك أن تذهب إلى الصحراء وتسكن في خيمة أو بيت من طين، وإذا ركب الناس سيارات، كذلك أن تركب حماراً، لكنك تعيش بزهد لا يعطلك عن الآخرة، وإلا فاسكن في عمارة، وخذ ماء وكهرباء. وسمعنا أن أناساً عندهم سوء فهم للزهد في بعض المناطق، يقولون: هذه كلها جاءت من الكفار، وهي محرمة، فسكنوا في بيوت طين، وهذا أمر معلوم، أنا لا أنقله عن فراغ، سكنوا في بيوت طين، وحتى طريقة النوافذ لم تكن مثل نوافذنا، والكهرباء ما دخلت إليهم، عندهم فوانيس بدل من هذه اللمبات، إلا أحدهم أخذ ماسورة مرة، ووصل ماء بالصنبور إلى داخل البيت، فقال له أحد الشباب: هذه الماسورة صنعها الكفار، نرى أن تتركها، قال: للضرورة، قال: خذ الكهرباء للضرورة والسيارة للضرورة، فالمقصد أنا لا أطالب بهذا، ولكن يعيش الإنسان بنسبية عصره، ويكون زاهداً فإننا نعرف بعض الناس عنده عشرة أثواب، يفطر في ثوب، ويتغدى في ثوب، والنوم في ثوب، والنهار في ثوب، وكثرة سيارات، وكثرة شهوات، وما عنده من علم الله، ولا من الفقه في دين الله، ولا من الخوف من الله ولو ذرة.

تخصيص درس لشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم

تخصيص درس لشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم Q أوقفتنا أمام الذكريات، فأين شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام، أبو الذكريات، وقدوة السالكين صلى الله عليه وسلم، نرجو أن تخصص له محاضرة؟ A نشير إلى التنوفة وهي قفرٌ ومن بالسفح يعرف من عنينا هؤلاء الذين أتحدث لكم عنهم إنما هم قطرات من بحره صلى الله عليه وسلم، أنا تحدثت الليلة عن أبي ذر، لكني أتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحدثت عن عمر، وتحدثت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، القرآن يتحدث عنه والسنة ومرت خطب ومحاضرات- الله أعلم بها- كثرة كاثرة، هل سمعتم قصة لم تربط بالرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل سمعتم تعليماً ما كان المؤثر الأول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الله؟ هل سمعتم أدباً، أو خطأ لم ينبه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم؟ بلى، فجلوسنا مع الصحابة هو جلوس مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

دعوة الآخرين لحضور المحاضرات

دعوة الآخرين لحضور المحاضرات Q أما ترى أن من الأحق للشباب أن يدعو الشباب لحضور هذه المجالس؟ A بلى، وقد كرر هذا، وإني أسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنهم، فمن دل على خير، فله أجر مثل أجر فاعله و {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم} فادعوا زملاءكم وهي كلها ساعة، اصبر من المغرب إلى العشاء، ثم تنال كرامات من الله، لا ينالها أحد من السلاطين، ولا من التجار، ولا من أهل الدنيا، لا ينالها إلا أنتم، هذه المدينة، أو المدينة المجاورة، أو المقاطعة صفوتها أنتم، هذا أمر معلوم أقوله من النقل والعقل والحس والعادة، صفوة المجتمع هم الذين أمامي.

تخصيص محاضرة في الأدب

تخصيص محاضرة في الأدب Q كأن الأخ يريد محاضرة في الأدب؟ A سبق هناك يا إخوة "دور الأدب في معايشة النكبات" كان في نادي الرياض الأدبي، وهناك" رسالة الأدب وهموم الأمة" في نادي المنطقة الشرقية الأدبي كان مساء الأربعاء الماضي، فعسى أن يحصل على هذه الأشرطة، لأن الأدب مهم في هذه الفترة، ليكون هناك أدب مؤصل إسلامي وإيماني.

مهاجمة الجاهلية مع ما فيها من أخلاق طيبة

مهاجمة الجاهلية مع ما فيها من أخلاق طيبة Q أنت هاجمت الجاهلية مع أن في الجاهلية أخلاق طيبة كالكرم والجود والحمية وغيرها؟ A أتريد مني ألا أهاجم الجاهلية، الله ذمها في القرآن، ووصف كل عمل شين بالجاهلية، هناك أخلاق حسنة أيدها الإسلام، لكن تبقى الجاهلية جاهلية، والجاهلية حقيرة وذليلة ووثنية، لا بد أن نهاجمها، كما هاجمها القرآن، وألا ندافع عن الجاهلية، بل من عقيدة ومن أصل قول لا إله إلا الله، أن نهاجم الجاهلية، وأن نغير عليها، والذي يمجد الجاهلية لا بد أن يؤدب ويوقف عند حده، مثل بعض الناس يدعو إلى القومية العربية ويفصل بقية المسلمين عن العرب، لأن قضيتنا كبرى، هي قضية لا إله إلا الله، قضية المعمورة، أو بعضهم يدعو إلى الوطنية، وليس هناك وطنية في الإسلام، ندعو إلى لا إله إلا الله، لينتصر دين الله في الأرض، هذا هو الصحيح.

تخصيص درس للصحوة وأهميتها

تخصيص درس للصحوة وأهميتها Q نريد درساً يهم الصحوة؟ A هو درس الشباب القادم هم والصحوة إن شاء الله يتحدث عن طلب العلم عندهم، عن الأدب عندهم، عن مسلك الدعوة، عن مسلك الأمر بالمعروف، اتصالهم بالعلماء، السكينة في حياتهم، الغيرة التي يحملونها، العواطف الجياشة، كل هذه سوف نتكلم عنها إن شاء الله بحول الله الواحد الأحد.

أهم النصائح

أهم النصائح Q ماذا تنصحني به؟ A بتقوى الله عز وجل.

حكم من ادخر من ماله قسطا شهريا

حكم من ادخر من ماله قسطاً شهرياً Q أنا أدخر كل شهر ستين ريالاً فما حكمها؟ A أحد الناس من الأخيار قام يعظ الناس، فأتى يتحدث عن حديث تسعة وتسعين، يقول: من سبح لله ثلاثة وثلاثين دبر الصلاة، وحمد الله ثلاثة وثلاثين , وكبر الله ثلاثة وثلاثين، قال: هذه كلها تسعة وتسعين ريال؛ لأن قلبه معلق بالريالات، هذا فيه زكاة يا أيها الإخوة إذا حال عليه الحول، وبلغ النصاب وحال عليه الحول تزكيه.

حكم تخصص الفيزياء

حكم تخصص الفيزياء Q ما حكم تخصص الفيزياء؟ A لا بأس به، ونرحب بك إذا كنت مصلياً مؤمناً تحمل" إياك نعبد، وإياك نستعين" وتحمل لا إله إلا الله، أنت تكون محبوباً وقريباً من الله، إذا درست الفيزياء، ونفعت المسلمين من الفيزياء؛ لأن الإسلام ليس فتوى فقط، الإسلام فيزياء وكيمياء، وتكون طياراً وطبيباً ومهندساً لكن موحداً، كثير من الأطباء والفيزيائيين والكيمائيين والمهندسين والأساتذة الأخيار والنابغين هؤلاء نقبل رءوسهم، وندعو لهم في السجود، ونسأل الله أن ينصر بهم الدين، فزد من طلبك للعلم، وأنت مأجور، وأنت مشكور على ما فعلت. وأحد الإخوة سامحه الله هاجمني برسالة في الأسبوع الماضي، يقول: إنك تهجمت على الجغرافيا بدون حق، وأظن أنه نقل له الخبر وما حضر، لكنه حضر في الأسبوع الماضي ينتقم، وجاء معه برسالة حارة، فغفر الله له، والواجب أنه يتلطف، أو يسأل ماذا أريد، أو يسمع الشريط، وأنا لا أهاجم الجغرافيا، فإنها لا تنقض الوضوء إن شاء الله، أنا رأيت بعض الذين يدرسون الجغرافيا يصلون الجمعة.

أفضل الدعاء

أفضل الدعاء Q هل أفضل الدعاء: اللهم إني أسألك العفو والعافية؟ A نعم من أفضل الدعاء.

قول مرحبا لمن قال السلام عليكم

قول مرحباً لمن قال السلام عليكم Q بعض الناس إذا قلت: السلام عليكم، قال: مرحبا؟ A هذا لا يجزئ، لا بد أن يقول: وعليكم السلام ورحمة الله أو يزيد وبركاته، ومرحبا تأتي بعد، وحياك الله بعد، وصباح الخير بعد، كيف حالكم بعد، لا بد أن يرد التحية بمثلها، أو أحسن منها.

الاستهزاء من قول لا إله إلا الله

الاستهزاء من قول لا إله إلا الله Q إذا قلت: لا إله إلا الله، ينظر إليك بعض الأشخاص، ويستهزئ بك، فكيف يكون حالة هذا الشخص؟ A المستهزئ يدل على فجوره، وعلى انحرافه -والعياذ بالله- لكن كذلك على الإنسان أن يكون بصيراً حتى لا يستحدث الألسن عليه والعيون، يعني أحياناً يجلس أربعة في مجلس، وهم يتحدثون في قضية ساكتين، فيقوم أحدهم يقول: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله كل حين، يبقى عادياً مثل الناس، وقد تجد بعض الناس ممن بدأ في الهداية يريد أن يثير الانتباه، مثل بعض الشباب تجده يأخذ العمامة، نحن عندنا هنا السائد أن نلبس هذه الغتر، أو البواتق، كلها - والحمد لله - فيها سعة، ومن لم يلبس غترة فلا شيء عليه، فيأتي أحد الناس فيلبس عمامة، تقول له: لماذا يا أخي لا تلبس مثل هذا، قال: لا، كذا السنة، قلنا: جزاك الله خيراً، لكن السنة بابها واسع، والزينة ليس فيها سنة مخصصة ألا تلبس إلا هو، لكنك تجلب الأنظار، كلما دخلت كأنك أبو حنيفة أو خرجت قالوا: الإمام أحمد، أو جلست قالوا: ابن تيمية جالس، ثم إذا جلس وعليه العمامة تنحنح، ولا ضرر في الناس، والله المستعان، فلا تترك الأصابع تشير إليك, ولا تكن مشهراً، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ذم لباس الشهرة، وأنا لا أهاجم العمامة، فمن لبسها بقصد الأجر، أجر عليها، لكننا نهاجم من يريد أن يشهر نفسه، حتى ذكر ابن تيمية أن بعض الناس قد يتقمص ثياباً من الزهد يشهر نفسه، وذكرها ابن القيم، وتجد بعض الناس من التجار، وتجده يلبس ثوباً ما يستاهل عشرة ريالات، ولكن اسأل عن رصيده في البنك والله عز وجل لا تخفى عليه خافية، فكن وسطاً، كن في غبراء الناس، البس مثلما يلبس الناس، إلا في محرم، ولا تظهر نفسك بالبذخ، ولا بادعاء الزهد. وربما تأتي رسالة في الأسبوع القادم تقول: إنك هاجمت السنة، وأنك امتهنت العمامة، فلا والله! دمي فداء السنة، ورأسي يقطع في سبيل السنة، وعسى الله أن يبني منابر السنة على جماجمنا، ونحن والله نتشرف بغبار أقدام محمد صلى الله عليه وسلم، وإن أكبر نصيب لنا في الحياة نقدمه أن نحمل أرواحنا، وتشدخ أعناقنا في سبيل لا إله إلا الله، وعسى الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم، وأن يلهمنا رشدنا، وإنما هذه لفتات أثابكم الله، وبارك فيكم.

أتباع قارون

أتباع قارون تحدث الشيخ عن جهل الإنسان وغفلته، وذكر أن غفلته قد تؤدي به إلى أن يعتقد أن المال الذي لديه إنما هو بذكائه وفطنته أو بسبب منزلته عند الله، وذكر قصة قارون ليدلل بذلك على مصير أهل هذه الغفلة. وبالمقابل ذكر قصة عمر بن الخطاب وزهده وتفقده للمسلمين وذكر قصة استشهاده ثم ألمح إلى أهمية الاتصاف بصفات لا بد منها للمسلمين في هذا العصر؛ كالغضب إذا انتهكت حرمات الله، وحفظ الله في الشدة والرخاء والتوبة، وختم بمواعظ عن الزهد في الحياة الدنيا.

الإنسان وجهله

الإنسان وجهله إن الحمد الله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد صلى الله عليه وسلم، عزَّ جاهك، وجلَّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، أنت رب الطيبين، لا إله إلا أنت، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. اللهم صلِّ وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، اللهم صلِّ وسلم على صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود، والصراط الممدود، اللهم صلِّ وسلم على من هديت به البشرية، وأنرت به أفكار الإنسانية، وزعزعت به الوثنية، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71] لماذا خلقنا؟ وإلى أين نصير؟ ومن يحاسبنا؟ وما هو مصيرنا؟ هذه أسئلة لا بد أن يجيب عنها من يريد الله والدار الآخرة، لماذا خلقت أيها الإنسان؟ لماذا وجدت؟ لماذا جعل الله لك عينين ولساناً وشفتين؟ لماذا بصَّرك وأراك؟ لماذا علَّمك وأنطقك؟ لماذا أكَّلك وشرَّبك؟ لماذا سترك وقوَّمك؟ لماذا أسمعك وبصَّرك؟ هذه الأسئلة لا بد أن يجيب عليها المسلم إن كان يريد الله والدار الآخرة. يقول الله للإنسان: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] مالك تمردت علينا أيها الإنسان وقد خلقناك ولم تكن شيئاً؟! مالك أيها الإنسان نسيتنا وقد علمناك، وجهلتنا وقد أدبناك، وتمردت علينا وقد أرويناك وسقيناك وأشبعناك؟! والله يقول: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3]. يا أيها الإنسان خُلقتَ من نطفة، وأتيت من بطن أمك إلى الدنيا وأنت تبكي، وكأن بطن أمك أوسع لك من الأرض، فلماذا خرجت تبكي من بطن أمك؟! ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا لا إله إلا الله، ما أغفل الإنسان! لا إله إلا الله ما أجهل الإنسان! لا إله إلا الله ما أظلم الإنسان! لا إله إلا الله ما أجفى الإنسان! يوم يأتي من بطن أمه لا ملابس ولا منصب ولا وظيفة ولا بيت ولا سيارة ولا جاه، فيسقط قطعة لحم على الأرض وهو يبكي، فإذا ما بصّره الله وعلمه الله وأنبته وأصبح له وظيفة، وأصبح ذا منصب وسيارة وجاه، نسي الله، وتمرد على حدود الله، وانتهك حدود الله ومحارم الله، فأين العقول؟! وأين الأسماع؟! وأين الأبصار؟! يقول الله من فوق سبع سماوات: {الكبرياء إزاري، والعظمة ردائي؛ فمن نازعني في واحد منهما عذبته}. أكبرُ كبيرٍ الله، أعظمُ عظيمٍ الله، أغنى الأغنياء الله، وأما أنت أيها الإنسان ففقير ابن فقير، مسكين ابن مسكين، إذا لم يسترك الله افتضحت. فيا عباد الله! يا من أتى إلى بيوت الله! يا من عوَّد نفسه الصلوات الخمس! يا من شرَّف رأسه بالسجود لله! والله إنه لا شرف لكم، ولا لنا إلا بأن نصلي الصلوات الخمس لله، والله لا رفعة لنا ولا شرف إلا في أن نضع هذه الرءوس سجَّداً على التراب لله. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا

التباهي بالمال وقصة قارون

التباهي بالمال وقصة قارون ما هو شرف المال؟ قارون أغنى من ملك المال في الدنيا، لعنه الله لعنة تحيط به وبأهله، لماذا؟ لأنه ما عرف الله. أتاه الله مالاً، وقال: يا قارون! خف الله في المال، اتق الله في هذا المال، المال وديعة عندك يا قارون، أنت ومالك مسلوب، فماذا أخذنا نحن من ميراث قارون؟! إن كان عند أحدنا بيت أو سيارة أو بعض الأبناء أو وظيفة، فهي لا تساوي ذرة من ذرات كنوز قارون! فإن قارون لما آتاه الله الكنوز كانت مفاتيح كنوزه تنوء بها العصبة من الرجال، عشرة رجال لا يحملون المفاتيح؛ فما بالك بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة؟! ماذا فعل؟ خرج في أبهة خرج في جبروت خرج في كبر، والإنسان إذا نسي الله، وترك الذكر والصلاة جفا قلبه، وأصبح قطعة حجر، أصبح قلبه مثل قلب الثور، لا يعي ولا يعرف ولا يفقه، يأكل ويشرب لكن له قلب لا يفقه به، وله سمع لا يسمع به، وله بصر لا يبصر به.

لا ارتباط بين المال وبين القرب من الله

لا ارتباط بين المال وبين القرب من الله المال يمتحنك الله به، فلا تظن أن الأغنياء والتجار لمنزلتهم عند الله آتاهم المال، لا. {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:21]. حياة الحمار يشبع منها، والثور يأكل ويشبع، وكذلك الإبل والبقر والغنم، حياة تافهة! لكن يقول الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35]. الخواجة يسكن في الدور العاشر، والمسلم لا يجد قطعة من الخيمة في الصحراء وكسرة الخبز؛ لماذا؟ لأنها دنيا، ولأن الله أعد الجنة لأوليائه تبارك وتعالى.

نسيان الإنسان لنعمة الله

نسيان الإنسان لنعمة الله خرج قارون معه حلة من ديباج يتبختر فيها، فقال له قومه: اتق الله {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} [القصص:77] وعظوه. فهو فعل كما يفعل بعض الناس الآن، إذا أغناه الله بعد الفقر، وأصح جسمه بعد السقم، وأتاه ذرية بعد أن لم يكن عنده ولد، نسي الله، فتجبر على عباد الله، وصعر خده لأولياء الله، فـ قارون فعل ذلك، ومما قالوا له: اتق الله {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] الله يدري أني أستحق المال، وأنا أخذته بعرق جبيني وبجهدي وبذكائي وبدهائي، وهو كذاب دجال فما منحه المال إلا الله، ولا يرزق إلا الله. والله الذي لا إله إلا هو إذا لم يرزقك الله فلن يرزقك أهل الدنيا ولو اجتمعوا عن بكرة أبيهم؛ لأن مفاتيح المال والخزائن من عند الله عز وجل، والقطر والزرق والإحياء والإماتة كلها بيده: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:1 - 3]. سبحان الله! كيف ينسى الإنسان؟! أما يتذكر يوم كان ضعيفاً في بطن أمه؟! كان قطعة لحم لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق ولا يتكلم، فلما امتلك العضلات، وأصبح قوي البنية، يلبس ما شاء من الملابس، أصبح لا يرى الناس شيئاً! خف الله، لمن البقاء إلا لله! لمن الغنى إلا لله! لمن القوة إلا لله! ذكره قومه بذلك فنسي الله، قال له قومه: لا تبغ الفساد في الأرض، قال: إنما أوتيته على علم عندي! {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} [القصص:79] بعض الناس يظن إذا مهد الله له الدنيا ورزقه أبناءً وأولاداً وقصوراً وعماراتٍ وسيارات أن الله يحبه، وما يدري هذا الإنسان أنه قد يكون أعدى عدو لله في الأرض، وأن يكون حسابه أن يكب على وجهه في النار، ولا يدري أنه قد يكون أكبر فاجر على المعمورة، لكن الناس يختلفون في عقولهم، وفي بصائرهم {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص: 79]. يقولون: إن قارون بطل من الأبطال، وله منزلة عالية عند الله.

بين قيمة الدنيا وقيمة ذكر الله

بين قيمة الدنيا وقيمة ذكر الله {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَن} [القصص:80] يقولون: خافوا الله، ثواب الله في الجنة أحسن من هذه الدنيا، والله الذي لا إله إلا هو إن "سبحان الله" فقط خير مما طلعت عليه الشمس وغربت، وكلكم يسمع عن سليمان بن داود، وقصصه في القرآن، ملك الجن والإنس والطيور والزواحف وكل ما هب ودب، حتى الريح هذه التي تمر علينا صباح مساء ملكها، كانت لا تتحرك إلا بأمره، إذا أراد أن يرتحل من بلد فإنه يأمر الريح {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12] يقول: يا ريح احمليني إلى الهند، فتأتي الريح فتكون كالبساط، ثم يركب هو ووزراؤه وحاشيته، فتنقله في لحظات، حتى ينزل في الأرض. كيف تنزل به؟ يقول الله: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] أي ما تنزل بقوة إنما رخاءً -تدريجياً- حتى يهبط في الأرض، فارتفعت به الريح في مرة من المرات ومعه من جنوده وقوته قوة لا يعلمها إلا الله، ولما أصبح في السماء، مر تجاه الشمس فحجب ضوء الشمس عن فلاح يشتغل في الأرض؛ فنظر الفلاح فرأي سليمان عليه السلام والريح تمر به. قال الفلاح: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، فسمعها سليمان عليه السلام، قال للريح: اهبطي بي هنا، فهبطت بجانب الفلاح، قال: ماذا قلت يا فلان، قال: ما قلت إلا خيراً، قال: ماذا قلت؟ خاف من سليمان قال: والله ما قلت إلا سبحان الله لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، قال: والذي نفسي بيده، لقولك سبحان الله في ميزانك خير مما أوتي آل داود. الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ أحب إلي مما طلعت عليه الشمس}. رأيناهم والله أغنياءً يملكونها بالملايين، لا يتعاملون إلا بالشيكات والمصارف العالمية، ثم توفوا، وإن بعضهم توفي في مدينة نائية عن تجارته، حتى طلب له كفن من التجار بالشحاذة، شحذوا له كفناً، ودس في التراب. أين الذهب؟ أين الفضة؟ أين الجاه؟ لا جاه إلا لمن أسعده الله. يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسرانُ أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً بالله هل لخراب الدهر عمرانُ تدخل مجلس أحدنا فتجده مزوقاً كأنه إيوان كسرى وقيصر؛ فيه الكنبات والروائح والملبوسات والمفروشات والمطعومات والمركوبات والعطور، شيء عجيب يُذْهِلُ، لكن ماذا أعددنا للقبر؟ ماذا أعددنا لتلك الحفرة؟ ماذا فعلنا بذاك القبر الضيق؟ يدس فيه الإنسان لا ولد، ولا أهل، ولا زوجة، ولا أنيس، ولا حبيب إلا من أسعده الله. والموتُ فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءه وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّ لكننا لا نفقه ولا نعي ولا نفهم، الله يقول لنا: عوا، افهموا، اسمعوا، تدبروا، اعقلوا؛ لكن أين القلوب؟! ران عليها الخطأ، أظلمت وقست من السيئات. كيف يعي قلب من يستمع الغناء صباح مساء؟! على الأغنيات الماجنات من المغنين والمغنيات، الأحياء منهم والأموات، يصبح على الأغنية، ويمسي على الأغنية، يركب السيارة وهو يسمع أغنية، ويدخل المجلس مع أغنية، أبعثنا للناس بهذا؟! أكانت حياة الصحابة كحياتنا؟! هل أمرنا الله أن نعيش على هوامش الأحداث؟ أكل وشرب ونوم وغناء ورقص ولعب ولهو!! أين حياتنا؟! {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122].

مصير قارون

مصير قارون كان مصير قارون أن قال الله 6003332>فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص:81] هذا الردى وهذه اللعنة والخبث وسوء الخاتمة. {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ} [القصص:81] من الذي ينصر إلا الله! والله إن لم ينصر العبد لم ينصره أحد!! العزيز من أعزه الله بالطاعة، والذليل من أذله الله بالمعصية، يقول الله عز وجل: {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ} [القصص:81] أي: هل كان معه أسرة؟ هل كان معه قبيلة قامت تقاتل عنه بالسيوف؟ قوة الله لا تغلب، والله عز وجل يقول: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51] من الذي ينصره الله؟ الرسول والمؤمنون، أما غير المؤمنين فلا ينصرهم الله: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52]. {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ} [القصص:81] مسكين قارون، ضعيف مغفل، {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الكَافرُون} [القصص:81 - 82] تدرون ماذا فعل؟ أتى في مصطبة من ذهب، وهي دكان مرتفع كله مصبوب من ذهب، فجلس عليه بحلة في الصباح، مرَّ موسى عليه السلام وهو الذي دخل على فرعون، داعية لا إله إلا الله، حامل لا إله إلا الله، الذي قاد الجيوش الجرارة لخدمة لا إله إلا الله، مر على قارون، قال: يا قارون! اتق الله، وقل: لا إله إلا الله، فتكلم بكلام بذيء في عرض موسى عليه السلام، ولذلك يقول الله تعالى: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69]. ولذلك تجد أن الدعاة وطلبة العلم والعلماء والصالحون وأهل الخير والعباد والزهاد ينالون نصيباً من هذا الاستهزاء والاستهتار والتعليق المرير، لكن قدوتهم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، يقول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان:17] ثم يقول بعدها: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] فإنك إذا أمرت ونهيت سوف تنالك الألسنة، وسوف تعترضك القلوب التي ما عرفت لا إله إلا الله، موسى عليه السلام لقي الله فكلمه كفاحاً بلا ترجمان، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما كلم أحداً من الناس إلا موسى عليه السلام: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] فلما كلمه قال: يا موسى أتريد شيئاً؟ قال: نعم يا رب. قال: ما تريد؟ قال: يا رب! كف ألسنة الناس لا يتكلمون في عرضي، يقول: يارب! امنعني من ألسنة الناس في المجالس حتى لا ينالوا من عرضي ولا يتكلموا فيَّ. قال الله: يا موسى ما اتخذت ذلك لنفسي، إني أرزقهم وأعافيهم، وإنهم يسبونني ويشتمونني! الله عز وجل الذي خلق الإنسان وبصَّر الإنسان، وعلم الإنسان، ورزق الإنسان؛ ومع ذلك يسبه الناس! وفي الصحيح من حديث أبي هريرة يقول الله عز وجل: {يشتمني ابن آدم وليس له ذلك، ويسبني ابن آدم وليس له ذلك، أما شتمه إياي فيقول: إن لي صاحبةً وولداً، وأنا ليس لي صاحبة ولا ولد، سبحاني! وأما سبه إياي فإنه يسب الدهر، وأنا الدهر؛ أقلب الليل والنهار كيف أشاء!}. سبحان الله! إذا مات ابن للإنسان تسخط على الله، وقال: يارب! تأخذه من بين يدي؟! يا رب! لم تمهله حتى يدرس وينفعني؟! وإذا رسب قال: يا رب! تنجح أولاد فلان، وترسب أولادي، ما هذا يا رب؟! سبحان الله! أنت أحكم من الله؟! أنت أعدل من الله؟! الله أعلم؛ فكلمته وأمره وقضاؤه في (كن) فهو الحكيم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فلما مرّ موسى قال: اتق الله يا قارون، فتكلم عليه، فقال موسى: اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر، فنزل بيته في الأرض، وأصبح يريد أن يقوم، وهو مشرف والبيت وراء ظهره، وهو على دكان من ذهب، فنزل الدكان ونزل البيت جميعاً، وكانت كنوزه تنزل معه، وكانت قلعته وهي من ذهب وفضة تنزل معه في الأرض، أراد أن يفر فما استطاع؛ لأنه محبوس في الأرض، فينزل رويداً رويداً وهو ينادي: يا موسى! يا موسى أطلقني! فنزل وموسى ينظر إليه هو وبنو إسرائيل، فيقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَىتَعَالَى في آخر القصة: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]. الحياة يا عباد الله معناها أن تعيش لله، وتموت لله، وتبعث لله، أما حياة ليس فيها صلاة، وليس فيها عبادة، وليس فيها اتصال بالله، فليست حياة، والعجيب أن بعض الناس راضٍ عن نفسه، يرى أنه إذا كانت له دار فسيحة وأبناء، ويأكل ويشرب، وعنده سيارات، وقد ارتاح إلى هذه الحالة، أن الله راضٍ عنه. فهل سأل نفسه عن معاملته مع الله؟ هل سأل نفسه هل يحافظ على الصلوات الخمس في المسجد؟ هل علم كيف قلبه مع المسلمين، بره لوالديه، صلته لرحمه، خوفه من الله يوم يحلف، ويوم يبيع ويشتري، ويوم يعاهد، ويوم يزور ويتعامل؟

صدق عمر بن الخطاب مع الله

صدق عمر بن الخطاب مع الله إن الله سبحان وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم لهداية الإنسان، فأتى عليه الصلاة والسلام والناس في جاهلية جهلاء -وبعض مناطقنا لا زالت تعيش بعض الصور من تلك الجاهلية التي عاشها الناس قبله صلى الله عليه وسلم- فلما أتى صلى الله عليه وسلم، قال: {يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا} وعاد الناس واستجاب من أراد الله أن يستجيب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]. وكان ممن استجاب الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، خليفة الإسلام، كان قبل الإسلام بلا إرادة ولا تفكير ولا طموح، كان يعيش مثلما يعيش كثير من الناس، يأكل ويشرب وينام، لا يغضب إذا انتهكت حدود الله، لا يحزن إذا فاتته صلاة، لا يحزن ولا يغتم إذا رأى شباب الإسلام منهمكاً في المعاصي، إنما همه بطنه وفرجه، فإذا بقي عليه رزقه، بقيت عليه وظيفته، فكل شيء على ما يرام. فأتى عمر ووضع كفه في يد المصطفى صلى الله وسلم وأسلم، وذلك بعد أن سمع سورة طه، ومن يوم أسلم بدأ قلبه حياً مع الله؛ لأن الله يحيي القلوب بعد إماتتها، واستمر في الإسلام. وبعد عشرين سنة أو أكثر تولى خلافة المسلمين وأصبح ذهب الدنيا تحت يديه، وفضة الدنيا تحت يديه، أصبح هو المسئول الأول، فماذا فعل؟ كان من أبسط الناس، وأزهدهم في الدنيا وأفقرهم، ما كان يشبع من الشعير، يصعد يوم الجمعة على المنبر وعليه رداء فيه أربع عشرة رقعة، وبإمكانه لو أراد أن يلبس الذهب والديباج.

عمر في عام الرمادة

عمر في عام الرمادة عام الرمادة عام الجوع والقحط، كان في العام الثامن عشر من الهجرة حيث مر قحط على المسلمين حتى رأوا الدخان يفوح من الأرض، وحتى أكلوا الميتة، ولم يبق هناك نبتة خضراء، أكلوا أوراق الشجر حتى تشرمت أشداقهم، ولم يعد هناك ورقة شجر، فصعد على المنبر وهو يبكي يوم الجمعة، ويقول: يا رب! لا تعذب أمة محمد بسبب ذنوبي؟! ذنوب عمر الزاهد المجاهد، قائم الليل، تالي كتاب الله، يجعل الذنب ذنبه، ونحن الآن إذا قلنا: نحن مذنبون، قالوا: لا الحمد الله نحن من أحسن الناس، ما أذنبنا، والله إنا لنصلي، وإنا مستقيمون على طاعته ولا نريد شيئاً، ويا ليت الناس مثلنا! عمر يقول على المنبر وهو يبكي: [[اللهم لا تعذب أمة محمد بسبب ذنوبي، يارب! أتهلك أمة محمد في عهدي]] ثم يَبكي ويُبكي الناس. ويقوم يخطب فيقرقر بطنه من الجوع، ما أصبح في بطنه شيء، فيقول: [[قرقر أو لا تقرقر؛ والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]].

عمر وتفقده للمسلمين

عمر وتفقده للمسلمين ينزل عمر رضي الله عنه وأرضاه في ليلة يطوف بعصاه بعد صلاة العشاء يتفقد الناس يتفقد المريض, والمسكين، والأرملة، والجائع. كيف ينام وهناك أنفس لا تنام؟! كيف يرتاح وهناك أنفس لا ترتاح؟! فسمع بكاءًَ في بيت فاقترب منه، ووضع رأسه على صائر الباب، فسمع امرأة تبكي في الطلق أي: في النفاس، فأخذ يبكي، ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية، فقال مولاه أسلم: ما لك يا أمير المؤمنين! تبكي، قال: إنك ما تعلم يا أسلم بالألم الذي تجده هذه المرأة، انطلق بنا يا أسلم إني أخاف الله أن يسألني عن هذه المرأة إن قصرت في حقها، فانطلق إلى بيت المال وحمل جراباً من شحم وزيت ودقيق -وهو خليفة- ودخل البيت واستأذن من المرأة، وصنع لها طعاماً بيده الكريمة. هذه تربية لا إله إلا الله، وتربية محمد صلى الله عليه وسلم الذي غرس في قلوبهم لا إله إلا الله؛ ولذلك كانت قصورهم الجنة كالربابة البيضاء {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] فدخل عليها وصنع لها الطعام وقدم لها تأكل قالت: والله الذي لا إله إلا هو إنك خير من عمر بن الخطاب، وهو عمر بن الخطاب، ثم أخذ يبكي ويقول له مولاه: مالك؟ قال: إني أخاف من الله أن يعذبني بسبب هذه الأمة، كم من فقير، كم من مسكين! كم من أرملة! كم من طفل!

دعاء عمر في آخر حجة حجها

دعاء عمر في آخر حجة حجها عمر رضي الله عنه وأرضاه لما علم الله أنه صادق وأنه يريد ما عند الله والدار الآخرة فإنه عندما حج آخر حجة، ووقف عند الجمرات الثلاث ورفع يديه، قال: [[اللهم ضعفت قوتي، ورقَّ عظمي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون، اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتةً في بلد رسولك، قال له الصحابة: يا أمير المؤمنين، تريد الموت في سبيل الله، في بلد رسول الله؟! -أي من يريد الشهادة يخرج إلى الثغور وإلى الحدود- قال: هكذا سألت الله، وأسأل الله أن يلبي لي ما سألت]] ثم عاد إلى المدينة.

استشهاد عمر

استشهاد عمر وفي أول ليلة نامها عمر رأى رؤيا في المنام، رأى أن ديكاً ينقره ثلاث نقرات، فسأل بعض الصحابة: ما تأويل الرؤيا، قالت له أسماء بنت عميس -إحدى الصحابيات المؤمنات- وكانت تفسر الأحلام وتعبر الرؤيا: يا أمير المؤمنين أستودعك الله في نفسك الذي لا تضيع ودائعه، سوف يطعنك رجل بخنجر ثلاث طعنات ويقتلك. قال: الله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون! وصلى صلاة الفجر في اليوم الثاني، وكان إذا صلى الفجر غالباً ما يقرأ سورة يوسف بعد الفاتحة، فقام يقرأ سورة يوسف، فلما بلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] فنهد باكياً وبكى الناس معه، ولما ركع تقدم له أبو لؤلؤة المجوسي. مولى المغيرة لا جادتك غادية من رحمة الله ما جادت غواديها تقدم بخنجر ذي حدين قد سمه شهراً، حتى أصبح الخنجر أزرق من كثرة السم، ثم ضرب عمر أمير المؤمنين، حصن الإسلام، العادل الكبير، الزاهد العابد النحرير، الذي ما عرف إلا قيام الليل والوقوف مع المسكين والفقير والأرملة، ضربه ثلاث طعنات ليهدم ركن الإسلام، فصرع عمر ووقع على وجهه في الأرض، وهو يقول: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، ثم التفت وقدم أحد المسلمين، فلما صلوا أغمي عليه -غشي- من كثرة الدم، قال: من قتلني؟ قالوا: أبو لؤلؤة، قال: الحمد الله الذي جعل شهادتي على يد رجل ما سجد لله سجدة. ثم رفعوه على أكتافهم، يقول أنس: [[ظننا أن القيامة قامت يوم مات عمر]] ويقول علي: [[والله الذي لا إله إلا هو لقد كفنت سعادة الإسلام في أكفان عمر]]. ووضعوه في البيت، فلما أرادوا أن يضعوا رأسه وهو مطعون يعالج السكرات، وضعوا له مخدة -وسادة- تحت رأسه، قال: [[انزعوها من تحت رأسي، وضعوا رأسي على التراب، علَّ الله أن يرحمني! فأخذ يمرغ وجهه على التراب وهو يبكي ويقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه]] فدخل عليه علي رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين طوبى لك! وهنيئاً لك! والله لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {جئت أنا وأبو بكر وعمر , ودخلت أنا وأبو بكر وعمر , وخرجت أنا وأبو بكر وعمر} فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك، فقال عمر: [[ياليتني نجوت كفافاً لا لي ولا علي]]! يقول: يا ليتني أخرج من الحساب يوم القيامة لا حسنات ولا سيئات، سبحان الله! وهم المجاهدون الصادقون الزهاد العباد، فماذا فعلنا نحن؟! بماذا نلقى الله يوم القيامة؟! ونقول: والله لقد أسأنا مع الله كل الإساءة، نستغفر الله ونتوب إليه!

أحوال المسلمين في هذا العصر

أحوال المسلمين في هذا العصر هل داومنا على الصلوات الخمس كل فرض في المسجد؟ هل دعونا جيراننا إلى المساجد صباح مساء؟ هل والينا في الله، أحببنا في الله وأبغضنا في الله؟ هل أخذنا على يد الفاجر السفيه الذي يريد أن يردينا في النار؟ وقلنا: لا. خف الله لا نريد الباطل. نرى الباطل ونؤيد على الباطل إلا من رحم الله، وأنا أتكلم لأنني أعرف، ونحن أهل قرى وقبائل، نعرف المآسي التي يعيشها الكثير من القبائل. نعم! يرون الباطل ولا يقومون في وجه الباطل، ويرون حدود الله تنتهك ومحارم الله ترتكب ولا يغضبون. أنا أتكلم عن قبيلتي أنا، فكيف ندعو الله في القطر؟! وكيف نقول نحن نحب الله؟! وما هي أعمالنا؟! السفيه يؤيد، والفاجر يسدد، ولكن لا يجد صاحب كلمة الحق من يعضده ويقوم معه، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79] إي والله لبئس ما كانوا يفعلون. يرون الفاجر ويسكتون، والمعصية ولا يتكلمون، ولا تتمعر وجوههم, وأحدهم لو انتهك شيء من ماله أو ولده أو تكلم على عرضه وسُب، قامت الدنيا وقعدت، وأخذ السلاح وقاتل، أما حدود الله فتنتهك ولا أحد يغضب، المساجد تهجر، الأغاني الماجنة تنتشر، الحجاب يترك، السفور يوضع ويوقع، والمرأة لا تتقي الله عز وجل في البيوت، إلا من رحم الله. سبحان الله! الربا يتعامل به، الرشوة، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الغيبة في المجالس، الاستهزاء والاستهتار بالصالحين، ونقول: الله يرحمنا نحن على خيرٍ إذا خفنا الله، نحن على خيرٍ إذا اتقينا الله عز وجل. الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أرسل جبريل عليه السلام وقال: إن أهل تلك القرية قد عصوني، وتمردوا على حدودي، وأكلوا نعمي، وتجرءوا على حرماتي فخذهم، وجبريل إذا أرسله الله له ستمائة جناح، الجناح الواحد يكفي لأن ينقل قرى الجنوب كلها مرة، قرى قوم لوط أربع وهي القرى المؤتفكات، كانوا ستمائة ألف كما يقول المؤرخون، أرسل الله جبريل فقال: خذهم. لماذا؟ قوم لوط عمت فيهم الفاحشة، كانوا يفعلون كل منكر في ناديهم، وما كان أحدهم يقول اتقوا الله يا عباد الله، خافوا الله، عندهم الفجور واللواط والزنا والفحش والتحريش والمحاسدة والأيمان الغموس والتبجح وظلم الناس والفجور والكبر، فما أحد يقول: اتقوا الله. فغضب الله، والله إذا غضب أخذ، يمهل ولكن إذا أخذ لا يفلت أبداً، يقول الله: {إذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإذا غضبت لعنت، وإن لعنتي لتبلغ السابع من الولد}. نعوذ بالله من لعنة الله، ونعوذ بالله من غضب الله، ونعوذ بالله من قلوب لا تتقي الله. فأرسل جبريل، وقال: خذهم، وعند جبريل -كما في الصحيح- ستمائة جناح، فما استعمل إلا جناحاً واحداً واقتلع القرى من جذورها وجبالها قبل أن يأتي القرى بمسافة. وذلك مثل أن يأخذ من هنا قرى أبعد من خمسين كيلو، فرفع القرى بجبالها وأوديتها وأشجارها وأنهارها، حتى رفعهم إلى قرب السماء الدنيا، وسمعت ملائكة السماء -كما في الحديث- نباح كلابهم، وصياح دجاجهم، ثم لطمهم بالأرض، وما كفى هذا، بل أرسل الله عليهم حجارة من طين، كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات:34] كل مجرم يكتب اسمه على حجرة، فتأتي وتقع في رأسه وتخرج من دبره، فالله عز وجل غضب على قرية من القرى ما تآمرت بالمعروف ولا تناصحت، فقال: يا جبريل خذهم! فنزل جبريل عليه السلام، فمر فوجد رجلاً مصلياً صائماً في مسجد، فعاد إلى الله قال: يا رب، هناك عبد يصلي ويذكرك ويسبحك ويدعوك، قال: يا جبريل فبه فأبدأ. قال: يا رب! ولم؟ قال: إنه يرى المنكر، وما يتمعر وجهه غضباً لي. الله عز وجل يغضب من العبد الذي لا يغضب لمحارمه، ونحن نغضب لمحارمنا ولا نغضب لمحارم الله؟! ونغضب لأنفسنا ولا نغضب لله؟! أي قلوب فحمل؟! فلما فعل بنو إسرائيل ذلك عمهم الله بالعذاب، وقست قلوبهم: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13].

التحذير من الغرور والغفلة في الرخاء

التحذير من الغرور والغفلة في الرخاء

قصة فرعون

قصة فرعون فرعون الطاغية الخبيث -عليه لعنة الله- وقف يقول لأهل مصر: {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51]. فجعل الله الأنهار تجري من فوق رأسه، دمره الله في اليم: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90]. ما شاء الله تعلن الإسلام الآن؟! آمنت اليوم؟! ملأت الدنيا أعمالاً سيئةً، ولطخت الدماء بيديك، وضحكت على التاريخ، ودُسْت القيم، والآن لما أصبحتَ في هذا المكان الضيق قلتَ: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90]. مثلما يفعل كثير من الناس اليوم، أما وقت الرخاء فيتبجح على الله، ويتعدى على حدود الله، وينتهك حرمات الله، كثيراً ما ترى بعض الشباب لا يلقي بالاً للمساجد ولا للقرآن ولا للدعوة والذكر ومخافة الله، كلما عَنَّ له شيء، ركب رأسه، فإذا كسر ظهره وأصبح على السرير الأبيض في المستشفى عاد إلى الله، أين أنت وقت الرخاء؟! أعند الشدة تعود إلى الله؟! {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65]. يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناهُ كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناهُ ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناهُ ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ اللهُ فلما بلغ فرعون هذا الموضع: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] وهو دجال كذاب، لو كان صادقاً لآمن وقت الرخاء، قال الله سبحانه: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:91 - 92] ولذلك طفر به البحر فأخرج جثته، فما زالت جثته إلى اليوم لم تأكله الأرض، ليكون عبرة لكل من ينظر، لكن الذي يحفظ الله في الرخاء يحفظه الله في الشدة. إذا ضاقت عليك الضوائق وأتت عليك المصائب، وكنت في الرخاء تذكر الله وتقوم بحدود الله، ينجيك الله، ويجعل لك مخرجاً. فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان

قصة يونس عليه السلام

قصة يونس عليه السلام يونس عليه السلام أحد الأنبياء، كان يحفظ الله في الرخاء، كان صائم النهار قائم الليل، مصلياً ذاكراً، خرج غاضباً على قومه، وما استأذن الله، والواجب أن يستأذن ربه، لكن قومه عاندوه، يقول لهم: هذا الطريق المستقيم فقالوا: لا. خطأ، وفي الأخير غضب وما صبر. فلما ركب السفينة في البحر، أخذت الريح تلعب بالسفينة، فقال ربان السفينة: معنا رجل مذنب، ولا يمكن أن تهدأ الريح حتى تنزلوا هذا الرجل من السفينة! وقد كان قواد السفن يعرفون أنه لا يأتي الخلل إلا من ذنوب وخطايا، قالوا: نقترع. واستهموا فوقعت القرعة على يونس عليه السلام، فأقرعوا ثانية فوقعت عليه، فأقرعوا ثالثةً فوقعت عليه، فأخذوه بثيابه ويديه ورجليه، وأوقعوه في البحر وسط الليل. سبحان الله! لا قريبَ ولا أهلَ، لا زوجةَ ولا ولد، وليته بقي على خشبة، لكن ابتلعه الحوت -سمكة- فما وقع في البحر إلا وهو فاغر فاه، فأصبح في ظلمات ثلاث: ظلمة اليم، وظلمة الليل، وظلمة الحوت. فمن يتذكر؟! هل يتصل بأهله؟! هل يكلم أخاه أو قومه؟! لا. قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] رد إلهامه إلى الله. وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن مَتَّى وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا فلما قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قذفته السمكة في الصحراء، وأنجاه الله الذي يقول للشيء: كن فيكون. لماذا؟ لأنه حفظ الله في الرخاء.

احفظ الله يحفظك

احفظ الله يحفظك يذكر ابن القيم في كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي قصة رجل من الصالحين كان يصوم النهار ويقوم الليل، والصلاح ليس كلمةً تقال، ولا خطبة جمعة يخطبها الإنسان، فإذا خرج فهو هو من أظلم الناس وأفجرهم، قاطع رحم، عاق والديه، يحلف الأيمان الغموس، فهذا ليس بصلاح، الصلاح عمل، إنما الصلاح تقوى، ومخافة من الحي القيوم. فهذا الرجل الصالح كان يشتغل في التجارة، وكان كثير الذكر، والتلاوة، والصيام، والعبادة، خرج ببغلات -وعنده بغال يستعملها في التجارة- فمر به مجرم فقال: يا فلان! أوصلني إلى ذلك المكان. قال: اركب معي. فركب معه، فلما أصبحوا في غابة لا يراهم إلا الله، أتى هذا الرجل المجرم، فأخرج خنجراً معه، وقال لهذا الرجل الصالح: ادفع ما عندك من مال فوالله لأقتلنك، قال الرجل الصالح: أسألك بالله الذي قامت به السماوات والأرض أن تأخذ ما عندي من مال وما عندي من تجارة وتتركني، فلدي سبعةُ أبناءٍ وأمهم، لا يعولهم بعد الله إلا أنا. قال: والله الذي لا إله إلا هو لأقتلنك. قال: فأسألك بمن قامت به السماوات والأرض أن تتركني لأصلي ركعتين، فقام فتوضأ وقام يصلي، قال: فلما كبرت، نسيت كل آية من القرآن من الخوف، والله ما ذكرت إلا قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] من يجيب المضطر إلا الله! من يكشف السوء إلا الله! من يشفي المريض إلا الله! من يجبر الكسير إلا الله! {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] قال: فقلت في نفسي: يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني! يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني! يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني! قال: فوالله ما انتهيت من الدعاء، إلا وفارس قد أقبل على فرس من أسفل الوادي ومعه حربة أرسلها، فوقعت في لبة هذا الرجل، فإذا هو مقتول على قفاه، قلت: أسألك بالله أنت رسول من؟ قال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه، لما دعوت الدعوة الأولى كنت في السماء السابعة، ولما دعوت بالدعوة الثانية كنت في الرابعة، ولما دعوت الثالثة أتيت إلى الأرض لأقتل هذا المجرم. وهذا عند أهل السنة والجماعة والعلماء من كرامات الأولياء. إن من يحفظ الله في الرخاء، يحفظه في الشدة، يقول عليه الصلاة والسلام لـ ابن عباس: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. هذه يا عباد الله قضايا لا بد أن تفهم لكل مسلم، أن من لم يحفظ الله لا يحفظه الله.

وجوب التوبة

وجوب التوبة ومن القضايا التي أريد أن أذكر نفسي وإياكم بها قضية التوبة، أن نتوب إلى الله ونستغفره ليلاً ونهاراً، فقد أخطأنا كثيراً، وأسأنا كثيراً، وتعدينا كثيراً، وليس لنا إلا التوبة، والله يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] ويقول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136].

قصة المسرف على نفسه

قصة المسرف على نفسه يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: {كان في من كان قبلكم رجل أسرف على نفسه في الخطايا، فلما حضرته الوفاة قال لأبنائه: إذا مت فأحرقوني بالنار ثم اسحقوني، ثم ذروني على الريح حتى تذهب بي يمنة ويسرة فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً شديداً} سبحان الله! ظن أنه يفوت على الله {فلما مات أحرقوه بالنار وسحقوه وذروه، فأخذته الريح في كل مكان، فجمعه الذي أنشأه أول مرة وأحياه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى! الذي يقول للشيء: كن فيكون، فلما أصبح أمامه رجلاً، قال: يا عبدي! ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب! خفتك وخشيت ذنوبي، قال الله: يا ملائكتي أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة} هذا تائب أقبل على الله عز وجل، فأوصيكم ونفسي بالتوبة والاستغفار، ومراجعة الحساب معه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى والرجوع إليه.

توبة القاتل

توبة القاتل في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً قتل تسعة وتسعين نفساً -وهذا معروف ومشهور- فأتى إلى الرجل الراهب قال: هل لي من توبة؟ قال: لا! ليس لك توبة. سبحان الله! من يغلق باب التوبة عليه؟! باب فتحه الله عز وجل يغلقه هذا العبد! إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم أعتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار قال: ليس لك توبة، فقتله فوفى به المائة. وذهب إلى عالم، قال: هل لي توبة؟ قال: نعم، ومن يغلق عليك باب التوبة؟! وباب التوبة فتحه الله حتى تطلع الشمس من مغربها، فتاب إلى الله. قال: إني أرشدك أن تخرج من قريتك التي أنت فيها لأنها قرية سوء. وبعض القرى سيئة ظالم أهلها بعض القرى لا يعينونك على طاعة الله. فخرج من القرية، ولما أصبح في منتصف الطريق أتته سكرات الموت فمات، فنزلت ملائكة العذاب وملائكة الرحمة فاختصموا فيه، ملائكة الرحمة يقولون: خرج تائباً منيباً إلى الله، فجزاؤه أن يدخل الجنة، وملائكة العذاب يقولون: ما عمل لله عملاً صالحاً، وجزاؤه النار، فأوحى الله إليهم أن قيسوا ما بين المسافتين، فإن كان أقرب إلى القرية التي خرج إليها فهو منها، إن كان أقرب إلى القرية التي هو خرج منها، فهو من أهل النار. فأتوا يقيسون المسافة، فأوحى الله إلى تلك القرية أن تقاربي، وإلى تلك القرية أن تباعدي، فكان من أهل تلك القرية السعيدة، فكان من أهل الجنة. فيا الله رحمتك! ويا الله عونك للملهوف الضعيف المذنب يوم لا يجد راحماً إلا الله! عطاءُ الله ممنوح، وبابه مفتوح ونواله يغدو ويروح.

التوبة من الزنا

التوبة من الزنا أتت امرأة إليه صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح- فأخبرته أنها زنت، وأنها أسرفت على نفسها، فأشاح صلى الله عليه وسلم بوجهه -لا يريد أن تعترف- يقول: {ادرءوا الحدود بالشبهات} يريد أن ييسر على الناس، فأتته من الجهة الأخرى فاعترفت فأشاح، حتى اعترفت أربع مرات، وهي تطلب أن يطهرها عليه الصلاة والسلام، وهي ثيب, وحد الثيب أن ترجم بالحجارة حتى تموت، لكن قدمت نفسها رخيصةً في سبيل الله. فقال لها صلى الله عليه وسلم: عودي حتى تضعي، فعادت حتى وضعت ولدها، وأتت به في لفائف، فرآها صلى الله عليه وسلم، فقال: عودي حتى ترضعيه، فأرضعته سنتين، ثم أتت به وهي صابرة محتسبة تريد الله والدار الآخرة. قال صلى الله عليه وسلم: من يكفل هذا الغلام وهو رفيقي في الجنة، قال أحد الأنصار: أنا يا رسول الله، فأخذوها وذهبوا بها يرجمونها بالحجارة، وهي صابرة محتسبة، فلما قتلوها قال أحد الصحابة: ليتها استترت، قال عليه الصلاة السلام وقد سمعه: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها سبعون رجلاً من أهل المدينة، لوسعتهم} وفي لفظ: {والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها أهل المدينة لوسعتهم، والذي نفسي بيده إني لأراها تنغمس في أنهار الجنة}. هذا هو ربنا التائب الرحيم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. تنبهوا يا رقود إلى متى ذا الجمودُ فهذه الدار تبلى وما عليها يبيدُ الخير فيها قليل والشر فيها عتيدُ والبر ينقص فيها والسيئات تزيدُ فاستكثر الزاد فيها إن الطريق بعيدُ أمامك حفرة مظلمة، والله لا يجليها اللهُ إلا للمتقين، أمامك قبر صرع فيه الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء والتجار، أمامك قبر أخذ القرون حتى أرداهم. أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعق نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا صم إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلقُ

عمر بن عبد العزيز ينادي أهل القبور

عمر بن عبد العزيز ينادي أهل القبور مر عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد رضي الله عنه وأرضاه، وهو مجدد القرن الأول؛ مر يوم العيد، وكان خليفة المسلمين من طشقند في الشمال إلى جنوب أفريقيا، ومن مشارف سيبيريا إلى الأندلس، إلى مشارف نهر السند، كان يملكها رضي الله عنه وأرضاه، فنزل يوم العيد فرأى المقابر، فبكى حتى جلس، وقال: يا أيتها المقابر، كم فيك من حبيب! كم فيك من قريب! ما كأنهم أكلوا مع من أكل! ما كأنهم شربوا مع من شرب! ما كأنهم ضحكوا مع من ضحك! ثم قال: يا موت ماذا فعلت بالأحبة؟ ثم بكى، وأجاب نفسه بنفسه وقال: أتدرون ماذا يقول الموت؟ قال: يقول: أكلت الحدقتين، وذهبت بالعينين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، والعضدين عن الكتفين، والقدمين عن الساقين، والساقين عن الركبتين.

الزهد في الدنيا

الزهد في الدنيا إن كنت تريد الخلود -أيها المسلم- تريد السعادة والرضا، فاعمل للجنة. اعمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيش نابت فيها أما هذه الدار فمنذ أن خلقها الله ما نظر إليها، دار لا تريحك، منغصة؛ إذا ارتحت فيها مات ولدك، وإذا نسيت مصيبته رسب الآخر، وإذا نسيت ألمه مرضت زوجتك، وإذا تشافت مرض جسمك، مكدرة منغصة، قد كتب الله عليها التكدير. [[فضح الموت الدنيا، فلم يدع فيها لذي لب فرحاً]]. فيا أهل العقول أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأوصيكم أن تقوموا في سبيل الله عز وجل دعاة خير، وأن تتآمروا بالمعروف وتتناهوا عن المنكر، ليرضى الله عنكم ظاهراً وباطناً، وليسعدكم في الدنيا والآخرة، وليكون الله معكم أينما كنتم, وأينما صرتم، أيدوا كلمة الحق، وقوموا مع المحق، ولا ترضوا بالباطل، وكونوا في وجهه؛ حينها يرضى الله عنا وعنكم. نسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لنا ولكم التوفيق والهداية والسداد والرشد. اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. وإن كان من شكر فإني أشكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم أشكركم على حسن حضوركم وإنصاتكم، وأشكر المركز الصيفي بمدرسة اليرموك على دعوته الموقرة، وعلى نشاطه الخير، وعلى بذله في الخير، وأشكر الأساتذة القائمين فيه، وصلى على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وما بقي من وقت، فإن كان أسئلةً أو حواراً، فنحبذ هذا؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

حقوق الجار

حقوق الجار Q يحصل بين بعض المسلمين خلاف ودعاوى ومطالب يترتب عليها الجفاء بين الجيران والقطيعة والبغض والظلم وغير ذلك، فما رأيكم وما توجيهاتكم لمن يريد التوبة والإنابة؟ وما الطريق لذلك؟ A المشاكل التي يشكو الناس منها، والذنوب والمعاصي والخطايا التي في المجتمع لا يحصيها إلا الله. تكاثرت الظباء على خراشٍ فما يدري خراشٌ ما يصيد كل مسألة ذكرت -أيها الأخ الفاضل- تحتاج إلى محاضرة بل ومحاضرات ومجلدات وندوات، لأننا أصبحنا مثخنين بالجراح من الذنوب والخطايا، قطيعة الرحم، عقوق الوالدين، أذية الجار، السوء إلى المسلمين، انتشار الأغاني الماجنات، المخدرات، التبرج إلا عند من رحم الله، ضياع الأوقات، تفلت الشباب، ضياع السنة، عدم تدبر القرآن، عدم تذكر الله، الأيمان الغموس، الظلم، الحسد، الحقد، كلها ذنوب وخطايا، نشكو حالنا إلى الله، أي أصبح حالنا مثل حال المريض الذي في كل مكان من جسمه جرح. مَنْ يَهُنْ يسهلِ الهوانُ عليه ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ وأما ما ذكرت فمن أعظم ما يتساهل فيه خاصةً في القرى حقوق الجار، والمدن أحسن حالا في الجيران؛ لأنك غريب مع غرباء، فتريد أن تصلح الحال، كأنك تتذكر الوفاة، أما القرى فإنه منذ أن خلقنا الله ونحن نعرف جيراننا يميناً وشمالاً وأماماً وخلفاً، فأصبح بينهم من القطيعة ما لا يعلمه إلا الله، تجد الجار يؤذي جاره، ولا يأمنه، ومن نكد الحياة أن يجمع الله بينك وبين جار سوء. في الحديث: {أن رجلاً أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قال: يا رسول الله أشكو إليك أذية جاري، قال: ماذا فعل؟ قال: إن غبتُ لم آمنه، وإن حضرتُ آذاني، هتك عرضي، وأخذ مالي وظلمني. فقال عليه الصلاة والسلام: اصبر لجارك، علَّ الله أن يهديه! فذهب وصبر قليلاً، لكن ما هداه الله، وعاد يشكو إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: خذ زوجتك وأطفالك ومتعاك وانزل في سكة من سكك المدينة -في الطريق- فأخذ زوجته وأثاثه على ظهره ونزل وجلس في السكة، فأصبح الناس يسرحون عليه ويروحون، يغدون فيقولون: مالك يا فلان؟! فيقول: آذاني جاري حتى أخرجني، فيقول الناس: لعنه الله! فيصبح الصابح، فيقول: مالك يا فلان؟ فيقول: آذاني جاري، فيقولون: لعنه الله! ويمسي الممسي، فيقول: مالك؟ فيقول: آذاني جاري، فيقولون: لعنه الله! فسمع ذلك جاره، وقال: أتوب إلى الله، والله لا أعود إلى ذلك}. ولذلك فقد يبلغ الحد ببعض الناس إلى أنه لا يذكر الله عز وجل تماماً، ويسفك حق الجار. والجاهليون كان من ضمن ما يتمادحون به حفظ حقوق الجار، يقول عنترة: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها يقول: من كرم نفسي ومن شهامتي ومن مروءتي، إذا بدت جارتي غضضت طرفي حتى تدخل البيت، وليس عنده كتاب ولا سنة، ولا يؤمن بالله ولا اليوم الآخر. وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها ولذلك وجد في أهل الإسلام من يحفظون الجار، وأذكر على سبيل المثال أبا حنيفة، كان عالم المسلمين، وكان من أعبد عباد الله، ومن أزهد عباد الله، أتدرون ماذا كان يفعل به جاره؟ الجدار بالجدار يأتي أبو حنيفة وهو بعد صلاة العشاء يريد أن يسبح الله، ويصلي ويبكي ويدعو ويقرأ القرآن، فهذا الجار أعزب، وما عنده إلا نجر يضرب به ويقول: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر وأبو حنيفة لا يستطيع أن ينام، ولا يعرف كيف يقرأ أو يصلي، لكنه يصبر ويحتسب، وبعد ليلة من الليالي الطويلة لم يسمع أبو حنيفة الصوت، انتظر فما سمع الرقص ولا سمع ضرب النجر ولا سمع الدربكة، فذهب وطرق على الباب فما أجابه أحد، فسأل الجيران: أين فلان؟ قالوا: أخذه العسس -شرطة السلطان- قال: سبحان الله! جاري يأخذونه ولا يخبروني، ثم ركب بغلته في الليل ولبس ثيابه، واستأذن على السلطان وسط الليل، فقال الجنود للسلطان: أبو حنيفة يريدك -لأنه عالم الدنيا - فقام السلطان من نومه، والتقاه عند الباب يعانقه، وقال: يا أبا حنيفة لم لم ترسل إلينا؟ نحن نأتيك ولا تأتينا! قال: كيف أخذتم جاري ولم تخبروني؟ قالوا: إنه فعل وفعل، قال: ردوا عليّ جاري، قالوا: لو طلبت الدنيا لأعطيناك الدنيا، فركب جاره معه على البغلة، وأخذ جاره يبكي، قال أبو حنيفة: مالك؟ قال: آذيتك كل هذه الأيام والأعوام والسنوات، وما تركتك تنام ولا تصلي ولا تقرأ، ولما فقدتني الليلة أتيت تتشفع في، أُشْهِدُ الله ثم أشهدك أني تائب إلى الله. ولذلك كانوا يدعون الناس بأخلاقهم وبتعاملهم. وهذا يهودي سكن بجانب عبد الله بن المبارك -أحد العلماء الصالحين- فكان عبد الله بن المبارك إذا اشترى لحماً من السوق بدأ بأولاد الجار اليهودي، نحن لا نقول: نبدأ بأولاد اليهود لكن بأولاد المسلمين، ونحن لا نقول: أعطوا الناس لحماً أو اكسوا أبناء الناس، لكن نكف أذانا فقط، نعم. مكانك تحمدي أو تستريحي عبد الله بن المبارك كان إذا اشترى لحماً أعطى أبناء الجيران، وإذا اكتسى كسا أبناء جيرانه، وإذا أخذ فاكهة بدأ بهم، فأتى أناس من التجار يشترون دار اليهودي، فقال: داري ثمنها ألفا درهم، أما الألف الأولى فقيمة الدار، وأما الثانية فقيمة جوار عبد الله بن المبارك، فسمع عبد الله بن المبارك، وقال: والله لا تبيعها، هذا ألف درهم وابق عندي جاراً لي، ثم قال عبد الله بن المبارك اللهم اهده إلى الإسلام، فما أصبح اليوم الثاني إلا وقد أسلم لله رب العالمين. فمسألة الجار لا بد أن ننتبه لها، يقول عليه الصلاة والسلام {ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه}.

شهادة الزور واليمين الغموس

شهادة الزور واليمين الغموس Q ما حكم من يسعى إلى امتلاك أرض ظلماً، ويشهد بعض معارفه شهادة على هذه الأرض؟ A الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من ظلم من الأرض قيد شبر طوقه الله من سبع أرضين يوم القيامة}. وإنما سميت اليمين الغموس بذلك لأنها تغمس صاحبها في نار جنهم {ومن اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان} ولا يكلمه الله ولا يزكيه ولا ينظر إليه وله عذاب أليم، واقتطاع الأراضي وجد كثيراً، فكثير من الناس يقتطع الأرض بالحلف وهو لا يدري أصل هذه الأرض، ولا بمستنداتها، ولا بصكوكها، إنما يحلف زوراً وبهتاناً وحميةً وهذا حسابه عند الله عز وجل يوم يجمع الله الأولين والآخرين، والأرض أرض الله، والمال مال الله، والعباد عباد الله، والله هو الحاكم يوم القيامة بين الخصمين، ولا يتدخل في الحكومة أحد من الناس إلا هو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فمن فعل ذلك فقد شهد شهادة زور، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72]. ويقول عليه الصلاة والسلام: {ألا أدلكم على أكبر الكبائر؟! قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت} وهذا من أظلم الظلم وأعدى العدوان، هذا الذي يمحق البركة، ويطبع على القلوب، ويذهب الله به بركة الوديان، يأخذها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وينزعها من وديانهم ومن أماكنهم، وقد نبه العلماء والقضاة على هذا كثيراً، وكثير منكم يعرف هذا، والحمد الله.

نصيحة لشاب تائب

نصيحة لشاب تائب Q أنا شاب في مقتبل العمر، وأفقت بعد أن أخطأت في حق الله وفي حق نفسي، وأريد أن أرجع إلى الله وأنا مستقل، ولكن أريد من يدعوني لكي أتخلص من أفكار سيئة، أرجو إرشادي إلى ذلك؟ A ملخص Q أن هناك شاباً يريد التوبة إلى الله، حياك الله أيها الشاب! وأوصيك بوصايا: الوصية الأولى: قد بسط الله لك يده، وفتح لك باب التوبة، وأنت من أحب الناس إلى الله عز وجل، فلا يتعاظمك الذنب، فإن الله يقول كما في الحديث القدسي الحسن: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو جئتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لقيتك بقرابها مغفرة} والله عز وجل يقول في الحديث القدسي: {يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} فهنيئاً لك لما عدت إلى الله! وهنيئاً لك لما أفقت! هنيئاً لك لما راجعت حسابك مع الله قبل أن يأخذك الله أخذ عزيز مقتدر! فأوصيك بالمحافظة على الصلوات الخمس، وأن تكثر من الدعاء إلى علام الغيوب في أدبار الصلوات، وإذا سجدت أن تدعو بما دعاه ذو النون بن متى، وأن تطرق باب الله ليفتح الله لك مع المفتوحين لهم. والوصية الثانية: أوصيك بكتاب الله أن تتدبره، وأن يكون سميرك وأنيسك وصاحبك وحبيبك وخدنك، فتقرأ منه ما فتح الله عليك. والوصية الثالثة: أن ترافق رفقة صالحة طيبة يريدون الله والدار الآخرة، وأن تبتعد عن رفقة السوء. والوصية الرابعة: أن تترك كل المعاصي التي كانت تقربك من غضب الله، ومن مقت الله ومن أخذ الله، كاستماع الأغنية الماجنة، اجعل مكانها الشريط الإسلامي، شريط القرآن وشريط المحاضرات والندوات والدروس والعبر والعظات، وكذلك أن تتقي الله في عينك، فلا تنظر إلا في الحلال، واعلم أن الله سيحاسبك على جوارحك واحدةً واحدةً. والوصية الخامسة: أن تحفظ وقتك مع الله، وأن تستثمر الوقت في المطالعة، وفي القراءة، وفي زيارة الصالحين؛ ليرضى الله عنك في الدنيا والآخرة، وهذا هو المكسب العظيم: خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غربيا فإني أعظمُكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا

شرب الدخان والشيشة

شرب الدخان والشيشة Q ما حكم إمام مسلم يشرب الشيشة وهل تجوز صلاته؟ A إن كان إماماً راتباً عينه السلطان يشرب الشيشة، وكان معيناً من الأوقاف، يصلى وراءه وذنبه عليه، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وحسابه على الله عز وجل، وإن كان هذا الإمام متبرعاً أراد أن يصلي بدون أن يكون راتباً وليس مسئولاً، فلا يقدم على الناس لأنه فاسق، ومن يشرب هذه المحرمات فهو فاسق عند أهل السنة والجماعة، ومن يتعدى حدود الله عز وجل فهو فاسق، فإن كان متبرعاً فلا يقدم، وإن كان من الأوقاف فيقدم ويصلى وراءه، وحسابه على الله.

حب الدنيا

حب الدنيا Q ما رأي فضيلتكم في إضاعة الوقت في أمور الدنيا والحرص على متاعها الزائل. A يقول أهل العلم: إن ابن آدم يولد من بطن أمه وهو ممسك يديه قالوا: وذلك علامة على حرصه وجشعه وحسده وحب التملك عنده. وحب التملك فطري في الإنسان، حتى الطفل أول ما يتحرك يبدأ بأخذ الأشياء، يأخذ القلم، يأخذ الساعة، يبكي على اللعب، يبكي على المأكولات والمطعومات والمشروبات وذلك كله من حب التملك، وكلما شاب الإنسان وكبر سنه، كبر حب التملك عنده، حتى تجد الإنسانَ في عمر الستين، كأنه سوف يعيش مائتين أو ثلاثمائة سنة، ما يتكلم إلا في العمارات والقصور، وأبناؤه هذا توظف، وهذا أرسل له راتبه، وهذا سوف يسكن معه، كأنه يعيش ولا يفكر بالقبر، إلا من رحم ربك. ومن أكبر الخطايا خطيئة حب الدنيا، ويقولون: إن قابيل قتل هابيل بسبب حب الدنيا؛ والجشع على الدنيا؛ ولهذا اعلم أن من يحب الدنيا كثيراً وتستولي عليه فقد عبدها من دون الله، وقد اتخذها إلهاً يعبد من دون الله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] تجرد من الدنيا فإنك إنما أتيت إلى الدنيا وأنت مجرد ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35]. والذي يزهدك في الدنيا ثلاثة أمور: أولاً: أن تعرف أنك لا تتملك إلا ما رزقك الله، وأنه لا يقع في يدك إلا ما كتب الله. ثانياً: أن تعد لتلك الحفرة -القبر- فإنك سوف تقدم عليها لا محالة، وأن تذكر أن مصرعك قريب. ثالثاً: أنك كلما تكثرت منها تكثرت من الحساب والنكال والسؤال عند الله يوم القيامة.

عقوق الوالدين

عقوق الوالدين Q أنا شاب أصلي وأصوم والحمد الله، ولكن أنا عاصٍ لوالدي، فأرجو أن ترشدني إلى طاعة والدي؟ A عقوق الوالدين أكثر ما انتشر بين الشباب، نسأل الله العافية والسلامة، والله عز وجل قرن حق الوالدين في كتابه بحقه، فقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء:23]. ويبلغ بالبر عند بعض الأبناء أن يفتح الله عليه، حتى يكون أسوة وقدوة للشباب: يذكر عليه الصلاة السلام -كما في الصحيحين - {بينما ثلاثة نفر من بني إسرائيل خرجوا في الصحراء، فاشتد عليهم الكرب، ونزلت عليهم السماء بالمطر، فدخلوا في غار، فانطبقت عليهم الصخرة في فم الغار -صخرة لا يدفعها ولا يرفعها إلا الله، فلما أصبحوا في هذا الغار لا طعام ولا شراب، ولا أنيس، ولا رفيق ولا صاحب- قال أحدهم: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، قال أولهم: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، وإنه قد نأى بي طلب الشجر يوماً، فلم أرح عليهما حتى ناما -أي سار يرعى الغنم وتأخر حتى نام أبوه وأمه، وأتى بالغبوق، وهو اللبن في المساء ليعشيهم، فأتى به في الإناء فوجدهما نائمين وعنده أبناؤه -فلذة كبده وشجا روحه- يتضاغون عند أقدامه من الجوع يريدون أن يشربوا- قال: فما سقيت صبيتي وهم يتضاغون عند قدمي، وما أيقظت والدي خشية أن أنغص عليهما نومهما، فمكثت والإناء بيدي حتى برق الفجر، فاستيقظا وشربا غبوقهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك، فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت عنهم الصخرة} إلى آخر القصة وهي موجودة في كتب الحديث. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه فأتاه رجل فقال: يا رسول الله! أشكو إليك عجيبة من العجائب، قال: ما هي؟ قال: ابني؛ ربيته، سهرت لينام، وجعت ليشبع، وظمئت ليروى، فلما كبر تغمط حقي وظلمني ولوى يدي، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، فقال: هل قلت في ذلك شعراً؟ لأن العرب كانت تتنفس بالأشعار من أحزانها، قال: نعم، قال: ماذا قلت؟ قال قلت فيه: غدوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهلُ إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململُ كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به دوني فعيناي تهملُ فدعاه صلى الله عليه وسلم، وأخذ بتلابيب ثوبه، وقال: {أنت ومالك لأبيك} عقوق الوالدين قضية تحتاج إلى كلام طويل ليس هذا وقته.

المراكز الصيفية

المراكز الصيفية Q ما رأيك بالمراكز الصيفية التي يقيمها الشباب الصالح؟ A المراكز الصيفية غالبها بل جلها من أحسن ما ينفع الشباب المسلم، لكن المراكز تختلف باختلاف القائمين عليها، ويقصد من هذه المراكز جمع الشباب واستغلال أوقاتهم التي تضيع في العطل الصيفية، وردهم إلى كتاب الله عز وجل وتفقيههم في الدين، فهي من أحسن ما يمكن، واجتماع الشباب في مثل هذه المراكز قوة ونصرة وهداية ورحمة من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وبالذكر على المناسبة يشكو بعض الناس أن هناك نقصاً في الوعظ، وإنما النقص فينا نحن، والذنوب ذنوبنا، والقائمون على المراكز الصيفية من أصلح الشباب الذين أعرف، وهم من أجدى الشباب وأفقههم في الدين والدعوة، وما أقام هذه الصحوة الإسلامية -صحوة الشباب- إلا شباب، ولذلك تجد ولله الحمد ألوفاً مؤلفة من الشباب في العالم الإسلامي، لا أقول: في هذه البلاد فحسب بل في العالم الإسلامي، يقود صحوتهم شباب متقون هادئون، عندهم أصول الوعظ، وعندهم فقه في الدين، وعندهم إدارك ومعرفة، وهذا بحمد الله موجود، بل الصحوة في المدن أكثر من القرى، ولذلك تجد بعض المساجد صفوفها مكتظة بالشباب الذين هم على هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ووجوههم تلمع ضياءً ونوراً وخيراً وبركة، فأنا أنصح بهذه المراكز، إذ أنها أحفظ لوقتك، وأن تشارك فيها، وأن تستغل فيها وقتك، وأن تجعل ابنك فيها، أو أخاك أو من يعز عليك؛ لأنه حفظٌ له، وأولى له من المقاهي والمنتزهات ورفقة السوء الذين يعطلون عنه مسيرته إلى الله.

من تيمم ثم صلى ثم وجد الماء

من تيمم ثم صلى ثم وجد الماء Q إذا صلى الإنسان بالتيمم ثم وجد الماء بعد الصلاة هل يعيد؟ A هذه المسألة فيها تفصيل، إن كان وجد ماء وهو في الوقت قبل أن يصلي فعليه وجوباً أن يتوضأ بهذا الماء، إذا لم يكن عنده مانع من مرض، كجرح يمنعه أو خوف من مكان الماء، كأن كان بينه وبين الماء شيء من مخافة، كثعبان أو عدو صائل، فعليه إن لم تكن هذه العوارض أن يتوضأ بهذا الماء وجوباً، وإذا تيمم وترك الماء وهو يرى الماء بعينه، فصلاته باطلة بالتيمم، أما إذا تيمم وصلى، ثم ذهب ووجد الماء، وهو في الوقت، فإن شاء أعاد، وإن شاء يكفيه التيمم الأول والصلاة الأولى، هذا هو الصحيح، وإذا تيمم وصلى وخرج الوقت، ثم وجد الماء، فلا يجوز له أن يعيد، وما قال بالإعادة أحد، إذا خرج الوقت وقد تيمم وصلى ثم وجد الماء، فبالإجماع أن صلاته صحيحه.

الكتب المؤلفة في قصص الأنبياء

الكتب المؤلفة في قصص الأنبياء Q أريد مرجعاً صحيحاً لقصص الأنبياء؟ A أعظم مرجع صحيح لقصص الأنبياء هو كتاب الله عز وجل قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] {مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} [يوسف:111] فقصص الأنبياء حفل بها القرآن، وامتلأ بها كتاب الله عز وجل، ثم تفسير ابن كثير قص من قصص الأنبياء الشيء العجيب، ثم كتاب البداية والنهاية ففيه مجلد كامل من أوله تكلم عن قصص الأنبياء وترجم لكل نبي، ثم كتاب قصص الأنبياء لـ ابن كثير، وكتاب قصص النبيين وتاريخ ابن جرير، والتواريخ في الجملة سوف تلقى ما يكفيك بإذن الله ويرضيك.

حكم الدف والطبل

حكم الدف والطبل Q ما حكم الدف والطبل؟ A أما الدف فهو جائز للنساء في الأعراس، بشرط أن يكن في مكان منفصل، لا يختلطن بالرجال، والرسول صلى الله عليه وسلم أباح لهن الدف، قال كما في سنن أبي داود: {أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدف} وقال لـ عائشة: {هل عندكم شيء من اللهو؟ -أي من الطرب في الزواج للنساء- فإن الأنصار يعجبهم اللهو} فلا بأس بالدف للنساء، بشرط أن يكن في مكان منفصل عن الرجال يرقصن وينشدن، ويتناشدن الأشعار، أما العود والوتر والناي والموسيقى فلا يجوز، لأن هذا زيادة على ما جاء به النص عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما الدف للرجال فما أعلم فيه أنه جائز، وأنا أتوقف في مسألة الدف للرجال، وإنما أفتي بما علمت من الحديث أنه يجوز للنساء وأنه لا بأس به، لكن إذا زاد على الدف فلا يجوز.

حكم مكبرات الصوت للنساء

حكم مكبرات الصوت للنساء Q هل يجوز استخدام مكبرات الصوت للنساء؟ A صوت المرأة عورة، ولا يجوز للمرأة أن ترفع صوتها، ولا يستخدم المكبرات للنساء في الأعراس، بل يتناشدن بالقصائد والأشعار، ويرقصن في مكان بحيث لا يسمع صوتهن الأجانب، أما إذا ارتفع الصوت فإن ذلك منكر ينهى عنه.

آثار الذنوب والمعاصي

آثار الذنوب والمعاصي من رحمة الله بخلقه أنه أرشدهم إلى الطريق القويم، وجعل لهم التقوى جنة ووقاية من لهيب جهنم، ولهول الذنب وقبحه كانت له علىصاحبه آثار مفصلة في هذا الموضوع، فكن ممن يستمعون ويعون ويحذرون؛ لعل الله أن يقيك من شر تلك الآثار ويرزقك خير الطاعة ويهديك الصراط المستقيم.

التقوى وقاية من المعاصي

التقوى وقاية من المعاصي الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوت والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، هدى به الله الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، وعلى آله والتابعين لهم بإحسان. ولما جلسنا مجلساً طله الندى جميلاً وبستاناً من الروض ناديا أثار لنا طيب المكان وحسنه مُنىً فتمنينا فكنت الأماني أمانينا في الحياة الدنيا أن نجلس مع الصالحين، فسلام الله على الصالحين ورحمته وبركاته، وأشكر أصحاب الفضيلة العلماء الذين هم أمامي الآن، والإخوة السامعين، وأشكر القائمين على هذا المؤتمر، أسأل الله أن يجري الحق على ألسنتنا، وأن يجعل ما نقول في ميزان الحسنات ولا يجعل في كلامنا ولا في مقاصدنا ولا في أعمارنا بغيره سبباً ولا نسباً، ولا يجعل لنا طريقاً إلى الرياء والسمعة. أيها الإخوة الكرام! أيها المسلمون! كما سمعتم عنوان المحاضرة (آثار الذنوب والمعاصي) وما تهدمت الشعوب، ولا فسدت القلوب، ولا خربت الأسر، ولا تشتت الآراء، ولا تمزقت الأفكار إلا من الذنوب والمعاصي، وما بخست الأرزاق ولا قست القلوب ولا جفت العيون إلا من الذنوب والمعاصي، وما غضب الجبار ولا انتهت المغفرة من الغفار وما نزلت الحدود إلا للذنوب والمعاصي، وما أقيمت النار وما نصب الصراط وما أتى هناك محاسبة إلا مع الذنوب والمعاصي. أيها الإخوة الكرام! آثار الذنوب كثيرة أوصلها بعض علماء الإسلام إلى ثلاثين أثراً أو عقوبة، ومن أحسن من تكلم في ذلك فيما أعلم الإمام الفذ ابن القيم رحمه الله تعالى ورفع درجته في الجنة في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، وأتحف شيخ الإسلام ابن تيمية، وتعرض لآثارها في المجلد العاشر من فتاويه، وتكلم في ذلك كثير من العلماء. وأنا أجمل آثارها بثمانية آثار: أولها: الضيق والهم. ثانيها: حرمان الرزق. ثالثها: نسيان العلم. رابعها: البغض في قلوب الخلق. خامسها: الوحشة بين العبد وربه. سادسها: قسوة القلب أو موته. سابعها: ضياع العمر. ثامنها: عواقبها في الآخرة يوم يأتي الإنسان بلا توبة مفلساً من الخير. أيها الإخوة! لقد كرر القرآن قضية كبرى أخذت مساحة شاسعة منه هي تقوى الله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

تعريف التقوى

تعريف التقوى وأهل السنة يعرفون التقوى بتعاريف باختلاف الأسباب وباختلاف الاتجاهات والمشارب. فمما نحفظ عن ابن تيمية أنه يقول: التقوى هي العمل بالمأمور وترك المحذور. وبعضهم يقول: التقوى هي: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية. ونسب بعض العلماء كلمة للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه قالها في تعريف التقوى قال: [[هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل]]. وقال ابن رجب: قال بعض العلماء: التقوى ترك الذنوب كبيرها وصغيرها. وقال بعضهم: التقوى أن يكون الله نصب عينيك وهي درجة الإحسان في حديث جبريل {وأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك}. والتقوى فسرها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام بحياته، وفسرها بسلوكه، وفسرها بعمله، فكان يقول للصحابة: {إن أعلمكم بالله وأتقاكم أنا} ولذلك بوب البخاري في ذلك باب المعرفة معرفة القلب، وأن أتقى الناس محمد عليه الصلاة والسلام، أو كما قال في كتاب العلم. وأتى الصحابة فكانوا نموذجاً خالداً لتفسير التقوى في الحياة، لم تكن تقواهم إرجاءً ولا كلمات جافة ولا أفكاراً غريبة ولا قضية أمانٍ أو عواطف، إنما كان تحقيقاً في الواقع. وعند الإمام مالك في الموطأ موقوفاً عن الحسن [[ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل]]. تأتي التقوى لهؤلاء من أمور: أولاً: مراقبة الواحد الديان على نور من الكتاب والسنة. ثانياً: قصر الأمل. ثالثاً: غلبة العقل على الهوى.

أمثلة على التقوى

أمثلة على التقوى أبو بكر الصديق: يقول الإمام أحمد في كتاب الزهد بسند جيد: [[دخل أبو بكر مزرعة رجل من الأنصار فرأى طائراً يطير من شجرة إلى شجرة فبكى وجلس، فقال له الصحابة: مالك يا خليفة رسول الله؟ قال: طوبى لهذا الطائر! يشرب الماء ويأكل من الثمر ثم يموت ولا حساب ولا عذاب، يا ليتني كنت طائراً]] إنها المحاسبة الدقيقة، إنه زيادة الإيمان في القلب. أبو بكر الذي قال الرسول عليه الصلاة والسلام عنه كما في صحيح البخاري في كتاب الجهاد {إن للجنة أبواباً ثمانية فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد - إلى آخر تلك الأبواب- فيقول أبو بكر: يا رسول الله! هل يدعى أحد من أبواب الجنة الثمانية؟} لا يسأل إلا أبو بكر ولا يتقدم بالمسألة إلا أبو بكر، فيعلق ابن القيم على هذا السؤال ويقول: من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول أي: دائماً تحب المركز الأول، دائماً في أول المصلين، وفي أول الصائمين، وفي أول الذاكرين، وفي أول المجاهدين، فيقول عليه الصلاة والسلام: {نعم -أي: يدعى بعض الناس من الأبواب الثمانية- وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر} ولكن ما جعله ذلك يركن إلى هذه الوعود وهذه الأخبار الصادقة من الرسول عليه الصلاة والسلام، في أنه من أهل الجنة كما صح ذلك في الأحاديث التي بلغت درجة التواتر، بل زاده خوفاً من الله، وتقوى لله، ومحاسبة لنفسه أمام الله. يقول ابن القيم في روضة المحبين وهو يتحدث عن أبي بكر يقول: لما تولى أبو بكر الخلافة كان يخرج بعد صلاة الفجر كل يوم، فكان عمر يلحظه وينظر أين يذهب، فإذا هو يذهب إلى خيمة امرأة من المسلمين، فذهب عمر وراءه يوماً من الأيام، وخرج أبو بكر من الخيمة فدخل عمر وراءه من حيث لا يراه أبو بكر، فقال عمر وقد رأى عجوزاً عمياء حسيرة كسيرة داخل الخيمة: يا أمة الله! من أنت؟ قالت: عجوز حسيرة كسيرة عمياء، قال: ومن هذا الشيخ الذي يأتيكم؟ قالت: لا أعرفه، قال: ولم يأتي؟ قالت: يأتينا فيصنع طعامنا، ويكنس بيتنا، ويحلب شياهنا، فجلس عمر يبكي ويقول: [[أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر]]. إنها -والله- التقوى، ولا يمكن أن تكون إلا في قراءة سير أولئك القوم الذين رفع الله منزلتهم. أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع وعند مسلم في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: {هل أصبح منكم اليوم أحد صائم؟ قال أبو بكر: أنا، قال: هل شيع أحدٌ منكم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: هل تصدق أحد منكم اليوم بصدقة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: هل عاد أحد منكم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: ما اجتمعت هذه الأمور في أحد في يوم واحد إلا دخل الجنة} وتقواه رضي الله عنه تأتي من هذا التعريف العملي للتقوى ليس الشفهي الإنشائي النظري الذي بدأنا به وأرعدنا ونشكو أحوالنا إلى الله، لكن أقول لنفسي وللمقصرين من أمثالي كما قال أحد التابعين -وأظنه ابن إدريس - لـ سفيان الثوري: [[يا أبا عبد الله! ذهب القوم -يعني: الصحابة- على خيول جادة ونحن على حمير قال: والله لتصلن بالقوم إذا سلكت ما سلكوا ولو كنا على الحمير]] مادام أننا على الخط وعلى الطريق التي هم عليها فسوف نصل. وعند البخاري باب "الرجل يحب القوم" قال أنس: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث الناس فقام أعرابي وقال: متى الساعة؟ قال: ماذا أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرء يحشر مع من أحب} والشافعي يقول: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة

آثار الذنوب والمعاصي

آثار الذنوب والمعاصي

الضيق والهم

الضيق والهم أيها الإخوة الكرام! والله ما ذاق الناس أَمَرَّ من المعاصي، ولا تجرعوا أخبث ولا أشد ولا أنكى من السيئات، ولقد حاول كثير من الناس أن يتناسى الخطايا ولو كانوا من الكفار، ولكنهم وجدوا ألماً وقلقاً ويأساً وقنوطاً وبعداً عن الواحد الأحد؛ لأن من قرب من الله قربه وأتحفه، ومن ابتعد منه أضناه وأشقاه في الدنيا والآخرة. أعظم أثر للذنب والخطيئة الضيق والهم والغم والأسى واللوعة والحزن، قال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. قال ابن تيمية وهو يتحدث عن بعض أصحاب المنطق في المجلد الرابع من فتاويه: قيل لهذا الرجل المتكلم المنطقي: تب إلى الله وعليك بالعبادة لتعرفك بالله -لأنهم يسلكون مسالك نظرية في معرفة الله والكون والحياة ليست مسالك السجود ولا التسبيح ولا تدبر القرآن- فقال هذا الرجل المنطقي الفلسفي: أريد ذلك ولكن قلبي عليه الظلمات يعني: حجب. ويقول ابن تيمية في المجلد الأول في درء تعارض العقل والنقل ويتكلم عن العلامة المعتزلي الذكي ابن الخطيب أو ابن الخطاب يقول: ومع ذلك كان بعيداً عن الله بسبب بعده، ولو سلك الطريقة المحمدية الشرعية كان وصل، وصل إلى من؟ إلى رضوان الله، قال: وهو صاحب تلكم الأبيات التي يقول فيها: وحقك لو أدخلتني النار قلت للذين بها قد كنت ممن أحبه يقول: يا رب! لو أدخلتني النار، فإنني سأتكلم وأخطب وألقي محاضرة في أهل النار، وأقول: أنا كنت أحب الله. وهي أبيات جميلة بديعة، ولكنها من رجل ما عرف الطريق. وحقك لو أدخلتني النار قلت للذين بها قد كنت ممن أحبه وأفنيت عمري في علوم كثيرة وما بغيتي إلا رضاه وقربه أما قلتمُ من كان فينا مجاهداً سيحمد مسعاه ويكرم قربه على ذلك لكن ما سلك طريق التقوى فضاق حاله. وبعضهم يصل إلى درجة الانتحار وتصعب عليه الحياة، قال سبحانه: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22] وقال سبحانه {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:125] إذا عُلم ذلك فيا إخوتي! اعلموا أن من أعظم عقوبات الذنب والخطيئة الضيق، ولذلك قال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] والأستاذ سيد قطب -رفع الله منزلته في الجنة- تكلم بكلام بديع، حتى أنه يقول: كلمة (ضنكا) صعبة في النطق يكاد الإنسان أن يختنق بها لأنها تؤدي إلى معنى عجيب، وهي الحياة التي يعيشها المعرض عن ذكر الله، سكنوا -والله- في ناطحات السحاب، واستقلوا السيارات الفاخرة، وحصلوا على المناصب العالية؛ ولكن لما أعرضوا عن منهج الله أرداهم وجعل حياتهم تعاسة عليهم. قال سبحانه: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35]. تعال معي يا طالب العلم يا داعية الإسلام إلى حياة شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول عنه ابن القيم يقول شيخنا شيخ الإسلام: إني لأجد من الحياة والروح عن السعادة ما أقول: لو أن أهل الجنة فيما أنا فيه لكانوا في عيش طيب، أدخلوه السجن، أوصدوا عليه الباب، حاولوا قتل مبادئه، حاولوا إطفاء نوره، فقال وهو يتبسم وينظر إلى البواب: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] ثم قال كلمة أشبه بالمقطوعة الشعرية يقول: "ماذا يفعل أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أنَّى سرت فهو معي، أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة". ابن تيمية يدخل على ابن قطلوبك السلطان السلجوقي -الذي ما يعرف يقرأ الفاتحة، مسلم لكن بالهوية- فيقول ابن قطلوبك يا بن تيمية وددنا أنا لو زرناك في بيتك فأنت عالم زاهد قال: دعنا من دركواناتك يا بن قطلوبك، كان موسى يأتي فرعون في اليوم مراراً وتكرارً، ثم قال له ابن قطلوبك: يا بن تيمية أصحيح ما قيل عنك؟ قال: وماذا قيل؟ قال: يزعم الناس أنك تريد ملكنا -يظن أن هذا الكرسي كل شيء- يقول ابن تيمية: ملكك؟ قال: نعم. قال: والذي نفسي بيده! ما ملكك وملك آبائك وأجدادك يساوي عندي فلساً. خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريباً فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليباً قال الذهبي في ترجمة عبد الملك وما أدراك ما عبد الملك؟! عبد الملك بن مروان خليفة دندنت له الدنيا وطنطنت ما يقارب ثلاثين سنة، نشر المصحف بين يديه صباح نهار ثم أغلقه وقال: هذا آخر العهد بك، قد صح هذا الكلام عنه، قال الذهبي: اللهم لا تمكر بنا، ملك الدنيا وقتل العظماء وذبح الملوك كذبح الدجاج، فلما أتته سكرات الموت نزل من على سريره وقال: يا ليتني ما توليت الخلافة، يا ليتني كنت غسالاً، قال سعيد بن المسيب: لما وصله هذا الكلام [[الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا وقت الموت ولا نفر إليهم]] وقال إبراهيم بن أدهم: [[نحن في عيش لو علم به الملوك لجالدونا عليه بالسيوف]]. ما هو العيش؟ أعيش الخبز والجرجير؟ أو عيش السيارة والفلة؟ أو عيش الملابس؟ لا والله، إن هذه يشترك فيها الناس جميعاً بل حظ الكافر أعظم من حظ المؤمن، فإنا نجد كثيراً من المؤمنين يسكن خيمة وينام على الرصيف ولا يجد كسرة خبز، بينما الكافر يتقلب كالحمار في النعم، يقول الله عنهم: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3] ويقول أيضاً: {الَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] لكن حياة الإيمان، حياة القلوب والاتصال، حياة السجدات، حياة التسبيح والتهليل، حياة التوبة والاستغفار، وإني لأ عجب منكم أشد العجب وأسأل الله أن يثبتني وإياكم أن تحلوا في هذه البقعة الظالم أهلها وتحافظوا على مسيرتكم مع الله، حتى أني رأيت من الشباب من يحافظ على جزئيات السنة بيض الله وجهه، ورفع منزلته، جزئيات السنة في بلد كافر ملحد وثني لا يعرف الله، وهذا من الانتصار على الشهوات، وهذا والله من توفيق الله للعدل أن ينتصر في مثل هذا المكان. حدثنا داعية من الدعاة بسند جيد: أن طالباً من طلابنا المسلمين ذهب إلى لندن في بريطانيا ليدرس -ولندن للإفادة والفائدة عاصمة بريطانيا وصل هذا الطالب المسلم وهو يحمل مبادئ لا إله إلا الله، وتربى على لا إله إلا الله، في قلبه شجرة الإيمان تهز أغصانها كل حين، فكلما أراد أن ينظر قال الإيمان: لا. وكلما أراد أن يقبل ويغني مع الموسيقى قال الإيمان: لا. وكلما أراد أن يمد يده إلى الكأس قال الإيمان: لا. ما تربى على جمع الطوابع والمراسلة وصيد الحمام والدجاج، وأغنية هل رأى الحب سكارى مثلنا، لا. ذهب هناك مؤمناً يحمل هوية الإيمان، فوصل ثم سكن مع أسرة بريطانية فأدخلوه في البيت مضطراً: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] فلما دخل كان يصلي الفجر في الجو القارس جو الثلج، يقوم إلى الصنبور فيتوضأ، فتقول عجوز بريطانية أعمى الله قلبها، قالت: لماذا لا تؤخر الصلاة عن هذا الوقت؟ قال: ديني أمرني أن أصلي في هذا الوقت، قالت: لو أخرت لأن البرد قارص قال: لو أخرت ما قبل الله مني، فهزت رأسها وقالت: هذه إرادة تكسر الحديد. ونعم والله إنها إرادة تكسر الفولاذ بل تكسر الصخور، انتصار الإيمان في بلد الطغيان، ولعلمكم حفظكم الله أن هؤلاء يبحثون عن السعادة وأنتم أدرى بذلك، حتى يأتي مؤلف دايل كارنيجي الذي ألف دع القلق وابدأ الحياة أو كارنيدي في لفظ وفي رواية ولا يضر الاختلاف، أتى فألف كتابه هذا كيف تصل إلى السعادة؟ كيف تزيل الهم؟ كيف تقضي على الغم؟ ولكن ما انتصر في الأخير قالوا: وأخذ سكيناً ونحر نفسه، فر من الموت وفي الموت وقع، عجباً لك. قال حمار الحكيم توما لو أنصف الدهر كنت أُرْكَب فإنني جاهل بسيط وصاحبي جاهل مركب يريد أن يهدي أمته ولكن ما اهتدى، ويريد أن يوصل نوراً إلى القلوب ولكن ما وصل النور إلى قلبه، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44].

حرمان الرزق

حرمان الرزق وأما المسألة الثانية والأثر الثاني للذنوب والخطايا فهي: حرمان الرزق، وحرمانه على قسمين عند العلماء: الأول: حرمانه أصلاً ووجوداً. الثاني: حرمانه بركة ونوراً. فأصلاً: تجده يعيش مملقاً عديم الرزق، يغلق الله عليه أبواب الرزق، ولذلك صح عن ابن عباس من كلامه أنه قال: [[إن للحسنة لبياضاً في الوجه ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، وضيقاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق]] وأما نقصان بركتها: فيغدق الله عليه ولكن نَّعمة لا تسمى نِعمة، ولذلك منع النور هنا، وبعض العلماء يقول: النَّعمة هي: ما يشترك فيها الحيوان والإنسان، والنِّعمة هي: ما يُستعان بها على طاعة الواحد الديان، فالنعمة هنا تجدهم مبخوسين منها لا حظ ولا نصيب ولا متعة ولا استغلال في طاعة المولى تبارك وتعالى وذلك حرمان الرزق. والرزق لا يطلب إلا من الله، وفي المجلد العاشر لـ ابن تيمية أن أبا القاسم المغربي سأل شيخ الإسلام بقوله: دلوني على عمل يقربني من الله، وعلى كتاب بعد القرآن يكون عليه اعتمادي في علم الحديث، وما هي أفضل السبل في طلب الرزق؟ -الشاهد في هذا السؤال، أفضل السبل في طلب الرزق أهي الزراعة أم الصناعة، أم التكنولوجيا، أن أكون ذا دواجن، أو أكون مراسلاً أو ماذا أفعل؟ أي: معنى السؤال، فوصل من فهمه للجواب- قال: أفضل السبل في طلب الرزق الاتكال على الواحد الأحد وتفويض الأمر إليه -انظر جوابات الموحد العظيم العبقري الفذ- وطلب الرزق إليه أنه لا يرزق إلا هو، ولا يعطي ولا يطعم ولا يسقي إلا هو، وليكن هذا الرزق عوناً على طاعته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فحرمان الرزق -يا أيها الإخوة- من أعظم آثار الذنوب والمعاصي، قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:96] ولكنهم ما آمنوا وما اهتدوا فأغلق الله عليهم أبواب البركات وأحرمهم الخيرات، ولذلك لا عبرة بهذه الكثرة الكافرة فيما يشهده الكافر أو يأكله فليس فيه بركة ولا هداية ولا نور ولا نتيجة.

نسيان العلم

نسيان العلم الأثر الثالث: نسيان العلم، نقول: ما لنا ننسى، ما لنا نخطئ، مالنا لا نستحضر المعلومات؟! و A يعود السبب إلى أحد أمرين: الأول: إما أن أصل الجبلة والفطرة مفطورة على هذا، وليس الذكاء حداً بين الناس أو قاسماً مشتركاً للتقوى، لا. ابن الراوندي هذا الكلب المعثر المجرم فيلسوف محسوب على الإسلام مثل ابن سينا كان يعترض على أمر الله، قال الذهبي عنه: الكلب المعثر ابن الراوندي الذي أتاه الله ذكاءً ولم يؤته الزكاء، كان ذكياً ولم يكن زكياً، قال الذهبي معلقاً -ولله در الذهبي -: فلعن الله الإلحاد بالذكاء، وحي الله البلادة بالتقوى، ابن الراوندي هذا محسوب على الإسلام وأخذ كسرة خبز على نهر دجلة فيأكلها -وكان ابن الراوندي فقيراً- فمر عليه عبد عنده خيول وبغال وبقر وغنم، فقال ابن الراوندي: لمن هذه؟ قالوا: لفلان قال: سبحان الله! -ويلتفت إلى السماء- يعطي العبد فلان الغبي البليد كذا وكذا ويتركني وأنا من أذكياء العالم ثم قال: هذه قسمة ضيزى ورمى بالخبز في النهر. وهذا إلحاد ولست أتكلم في ترجمة ابن الراوندي ولكن في نسيان العلم، وأن الذكاء لا يتقيد دائماً بالتقوى؛ لأننا نجد بعض الناس من لا يستحضر النصوص أو لا يعرف التخريج وهو من أفضل عباد الله في التقوى والورع، بل كثير من الأجلة في تاريخ الإسلام لا يحفظون أحاديث، وعندهم من التقوى والورع والقرب من الله أمر عجيب. ولكن السبب الثاني الذي أريد أن أقوله: الكسبي {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13] النسيان {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] وبمفهوم المخالفة من لا يتق الله لا يعلمه الله. والذنب هذا في طلب العلم أمره عجيب، قال ابن الجلاد: نظرت منظراً لا يحل لي، فقال لي أحد الصالحين: أتنظر إلى الحرام؟! والله لتجدن غبه ولو بعد حين، فنسيت القرآن بعد أربعين سنة، ذكر ذلك ابن تيمية ولكن ما ذكر اسم ابن الجلاد، وذكر الذهبي اسم ابن الجلاد وابن الجوزي قال: ابن الجلال ولا يهمنا ابن الجلال ولا ابن الجلاد، ولكن يهمنا العبرة من القصة. خذا جنب هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق وكيع وما أدراك ما وكيع! مدرسة مستقلة في الحديث وكيع بن الجراح الرواسي شيخ الإسلام حافظ الدنيا أمير المؤمنين في الرواية كان خاشعاً، قال الإمام أحمد: ما رأيت أخشع من وكيع. وكان إذا ذكر الله تنهل دموعه على لحيته، وكان من جهابذة السيرة والسنة، أتاه أحد الناس -قيل: الإمام الشافعي وقيل غيره- قال: يا وكيع! يقول الأطباء: إن الزبيب من أحسن شيء للحفظ - الزهري يرى ذلك، وذكره الذهبي وابن كثير، قيل للزهري الإمام المعتبر محمد بن شهاب الزهري: ما هو أحسن شيء في حفظ الحديث؟ قال: أكل الزبيب، وبعضهم يرى البطاطس، وبعضهم يحذر من الباذنجان كما يحذر ابن القيم من الباذنجان يقول: احذروا من الباذنجان فإنه يفسد الذهن، فقلنا: أما نحن سواءً أكلنا باذنجان أم لم نأكل فذاكرتنا ليست بجيدة، فعلى الأقل لا نخسر الباذنجان- على كل حال، فيقال لهذا العالم- وكيع -: ما هو أحسن دواء في الحفظ؟ قال: "ما رأيت والله للحفظ مثل ترك المعاصي". لله درك: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي قال مالك لـ محمد بن إدريس الشافعي: يا محمد! إني أرى عليك نجابة، وإني أرى لك إمامة في هذا الدين، فإياك والمعاصي فإنها تتلف العلوم، أو كما قال، ولذلك قال سبحانه: {وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] قال ابن تيمية النسيان قد يكون في المعاني وفي الألفاظ بسبب عدم العمل بالعلم، ولذلك قال الله عن بني إسرائيل: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] الحمار ضع على ظهره فتح الباري ورياض الصالحين وبلوغ المرام لا يتغير ولا يتأثر، والخبث الذي لا يتغير ذكره الله في سورة الأعراف حيث قال عزوجل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:175 - 176] قال أهل العلم: الكلب إذا ترك في الشمس مد لسانه ولهث، وتدخله الظل مد لسانه ولهث، أي: أنه لا يتغير سواءً بسواء. إذاً هذا مثل الخبيث الذي لا يستفيد من العلم، ولا يتقي الله في العلم، ولا يوصله العلم إلى رضوان الله، ولذلك ألف الخطيب البغدادي كتاب اقتضاء العلم العمل، يعني: النتيجة من العلم العمل. الخليل بن أحمد الفراهيدي كان من أذكياء الناس حتى يقولون: قتله ذكاؤه، كان يفكر في الحساب وقال: لأجعلن حساباً تذهب به الجارية إلى البقال فلا يظلمها، فأخذ يتمتم ويفكر وأغمض عينيه فاصطدم بسارية المسجد، وكان الخطأ منه لا من السارية فمات رحمه الله رحمة واسعة، إنما الشاهد: الخطيب يقول: رؤي الخليل بن أحمد في المنام قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: أرأيتم تلكم العنون والعروض؟ قالوا: نعم. قال: ذهبت فما نفعني إلا ركعتين كنت أركعهما في السحر، والعروض هي: علم القافية مفاعلتن مفاعلتن فعولن مفاعلتن مفاعلتن فعولن وليس معنى ذلك أن نزري بعلم العروض لكن أن المقصود من العلم العمل وتقوى الله الواحد الأحد، ولذلك كم روى أبو بكر للناس، وكم روى معاذ للناس، أحاديث قلائل وما تصدروا للرواية، ولكن كانوا قرآناً يمشي على الأرض رضي الله عنهم وأرضاهم، فحذارِ حذارِ. وأحذر نفسي والمقصرين من أمثالي: أن يجعلوا حواجب المعرفة والحفظ النظرة والنغمة والخطيئة والمعصية والسيئة.

البغض في قلوب الخلق

البغض في قلوب الخلق من آثار الذنوب البغض في قلوب الخلق، الحب هذا من الواحد الأحد يأتي من فوق سبع سماوات، والحب والقبول ليس يصنعه أحد، الجماهير تصنع للجماهير حباً مصطنعاً إذا كان بالحديد والنار، والجماهير تصفق للأشخاص؛ لأن وراءها حديداً وناراً وطوابير وجنوداً وبنوداً، لكن الحب هذا المتلقى من الواحد الأحد، الحب والقبول كما قال البخاري: باب المقة من الله، يقول في باب الرقائق: باب المقة من الله، يقصد: الحب ثم أورد حديث {إذا أحب الله عبداً قال لجبريل: إني أحب فلاناً فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبونه، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً قال لجبريل: إني أبغض فلاناً فيبغضه جبريل، ويقول للملائكة: إن الله يبغض فلاناً فيبغضونه، ثم يوضع له البغض في الأرض} وفي بعض الروايات وفي سنده نظر {إن الناس يشربون القبول -قبول بعض الناس- في الماء البارد، ويشربون بغضهم في الماء البارد}. ولذلك الحب هذا لا يتصنع فيه، وإنما يطلبه الإنسان المسلم من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويعرف أنه إذا استقام مع الله رزقه الله قبولاً، وجعل لكلمته تأثيراً، وأتى عليه بالقلوب، قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: وقد رأيت نفراً من الناس يتصنعون في كلامهم وفي مشيتهم ويكثرون من الصلاة والصمت والصيام والقلوب تنفر عنهم، ورأيت أناساً يكثرون من المزح ويتوسعون في غير المحرم والقلوب تنصب عليهم أو تلتف عليهم، أو كما قال، فعلمت أن الأمر في السرائر، وفي النيات اللواتي هي خفايا، ولكنها عند الله بادية للعيان. ومقصودي من هذا أيها الإخوة: أن يعرف العبد أن هذه النكايات والدعايات السيئة، والسمعة الباطلة ضد الأشخاص إنما هي من سوئهم مع الله، ينشر الله له البغض في الجيران والخلان والإخوان والقرى والمدن بسبب أنه عصى الله، قال عثمان رضي الله عنه وأرضاه: [[من تردى برداء ألبسه الله ذلك الرداء]]. ولذلك -والله- نعرف أشخاصاً يريدون أن يحبهم الناس كثيراً، ويحاولون بكل وسيلة إلى ذلك، ويحاولون أن يوجدوا أمراً من الأمور يلفت الأنظار لحبهم، ولكن أبت القلوب، ونعرف أناساً ما حرصوا على حب الناس أو مدحهم أو ثنائهم وأقبلت إليهم القلوب بالدعاء والحب والشوق واللهفة، حتى يتمنى كثير من الناس الجلوس معهم، فعرفنا أن الحب من الواحد الأحد، وأنه هو الذي يعطي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الذي يمنع بسبب عمل العبد في الخلوة مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أو في العلانية، قال أبو الدرداء: [[لو أطاع طائع ربه وراء سبعة أبواب، لأخرج الله آثار طاعته للناس، ولو عصى الله عاصٍ وراء سبعة أبواب، لأخرج الله آثار معصيته للناس]] أو كما قال، وهذا أمر معلوم فإنا ما عرفنا ذنوب الناس وما رأينا خطاياهم، وكثيراً من الفواحش التي يفعلها كثير من الناس ولا يدري بها حتى أبوه وأمه لا يدريان بهذا الذنب والخطيئة لكن البغض يتابعه، وكأن القلوب تقول: فعل شيئاً، وكأنها توحي بأمرٍ الله أعلم به.

الوحشة بين العبد وربه

الوحشة بين العبد وربه ومن آثار الذنوب: الوحشة بين العبد وبين ربه، والوحشة أمرها عجيب، ونبأها غريب وسرها ومكمنها أنها تنسي العبد حلاوة الحياة وسعادتها، لا تنعم -والله- بأطفال ولا تهدأ -والله- في بال، ولا تعيش في خير حال، تبدو دائماً قلقاً مشذباً مندداً مزعزعاً حتى يقول ابن القيم: إن العاصي دائماً إذا سمع نفحة من ريح يظن أن الصوت عليه، قال تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ} [المنافقون:4] ولذلك هو في وحشة، العاصي لو تحرك الباب خاف، لو سمع البوليس انتفض، لو أتت دعاية قال: ضدي، ولذلك: كاد المريب أن يقول خذوني فهي وحشة بينه وبين الله لأنه كما قيل: أوصدتم طرق الإجابة والقبول بينكم وبين الله، فكيف تطلبون حلاوة؟ قيل لـ أبي معاذ الرازي: أيجد العبد حلاوة الطاعة إذا هم بالمعصية؟ قال: لا والله، ولو فكر فيها، أي: إذا عمل معصية هل يجد حلاوة الطاعة؟ قال: لا والله، حتى ولو هم بها، مجرد هم لا يجد حلاوة الطاعة من الوحشة. والوحشة هذه لها آثار منها: الأول: أن العبد لا يثق في موعود الله، أي: آيات الرجاء، وآيات الخير وآيات الوعد الحسن لا يثق فيها ولا يجد فيها مصداقية، ولذلك يقرأ المصحف ويمر على آيات الجنة ورحمة الله عز وجل وكأنها ليست بآيات. الثاني: لا يحسن ظنه بربه في لقائه، ولذلك جعلوا حسن الظن بالله من حسن العمل. الثالث: أنه لا يتهم نفسه؛ لأنه في وحشة، ولأنه يرى أن ما بينه وبين الله مقطوع، فلا يعيش سهاماً لنفسه، حتى قالوا: إن من أسباب هذا قضية النفاق، قال الحسن البصري: [[لا يخافه إلا مؤمن، ولا يأمنه إلا منافق]] والنفاق والوحشة هذه تصاحب العبد حتى يريد أن يقضي عليها وينهي عليها ببعض المجريات والأمور لكن يأبى الله، الآن بعض الفسقة أكثر الناس ضحكاً لا يضحك مثل الناس بل يقهقه قهقهة؛ لأنه مكبوت، ولأن في قلبه شدة وغلظة وفزعاً وقلقاً وخوفاً فيريد فرصة ينفذ بها إلى هذا المرح، تجده يزجي الأوقات في مجلة خليعة أو أغنية ماجنة أو مسلسل مهدم أو فيديو مخرب أو جلسة لاغية لاهية، ولذلك يخاف إذا سمع القرآن. والله! لقد سمعنا بعض العصاة إذا سمع الراديو على القرآن يقول: لا، لا، دعونا نرتاح، دعونا نأكل العيش، دعونا نطمئن قليلاً؛ لأن القرآن هذا يستنفر طاقته ويؤنبه ويبكته ويوقفه أمام الله في محاسبة، ويدخل عليه من أقطار الناس ولذلك يخاف ويوجل، إنما يهدأ مع الموسيقى، الموسيقى الإيطالية قبل النوم، أو الألمانية بتهوفن، ولذلك يستيقظ على الموسيقى، ويمسي على الموسيقى.

قسوة القلب أو موته

قسوة القلب أو موته القضية السادسة: قسوة القلب أو موته وهي درجتان: ذكر في القرآن القفل، والطبع، والران، وهي منازل بل ذكر بعض العلماء أن هناك عشرين منزلة للقلب تبدأ بالغين {إنه ليغان على قلبي} وتنتهي بالقفل، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [النساء:155] وقال سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] موت القلب لا يحس. ومن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام قال سيد قطب كذلك في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران:135] يقول كلاماً معناه: إن ثقل الدم واللحم قد ينتهي في بعض الناس إلى أن يتبلد إحساسه، ولكن تأتي الفطرة الحقة -أو كما قال- فتستيقظ فيعود إلى الله عز وجل، وتجد بعض الناس من يرتكب من الذنوب والخطايا مثل الجبال ولكن ما يحس، تقول له: لا تغتاب، قال: الغيبة سهلة، إسبال الثوب، قال: هذه من القشور، حلق اللحى، قال: الأمر سهل ليس الإسلام قضية حلق لحى ولا إسبال ثوب، يفتفت الدين فتفتة ويمزقه تمزيقاً، وما عرف عند السلف قشور ولا لباب، هذه كلمة مستوردة وغير مسئولة ولا يقولها طالب علم، بل الدين لباب كله، أتى به معلم الخير عليه الصلاة والسلام، بل أتى بلا إله إلا الله، وفي الحديث: {إماطة الأذى عن الطريق صدقة} الحديث فالدين كله لباب. وقسوة القلب أو موته تأتي من وقوف الإنسان أمام المعاصي والخطايا والزلات، فتجده قاسي القلب لا يتأثر قال سبحانه: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ} [البقرة:74] وابن تيمية يرى في درء تعارض العقل والنقل في المجلد الثاني يقول: كل خطاب لبني إسرائيل فإن المقصود به نحن، على قول المثل السائر: "إياك أعني واسمعي يا جارة" نحن المخاطبون بهذا الخطاب، وقال سبحانه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]. إخوتي في الله! ابن القيم في مدارج السالكين يذكر أسباباً لقسوة القلب منها: الأول: الذنوب والخطايا، وهذا موضوعنا. الثاني: كثرة المباحات، مثل: كثرة الكلام بغير ذكر الله، وكثرة الطعام بغير حاجة، وكثرة النوم، وكثرة الخلطة، هذه من أسباب قسوة القلب. وقد فصلها بكلام عجيب، أما موته فنعوذ بالله من موت القلب: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. وأما قسوته فإنها تحدث للمؤمن وسئل عبد الغني المقدسي كما ترجم ابن رجب له في ذيل طبقات الحنابلة أو أبو يعلى في كتاب الطبقات قيل له: ما صحة الحديث: [[أن أبا بكر مر على قوم فوجدهم يبكون -من الصحابة- فقال: كنا كذلك حتى قست قلوبنا]] ويروى عن أبي بكر ذلك، وسببه بعض شواغل الحياة التي تحدث للمؤمن، فقد يقسو قلبه بذلك وهو ليس آثماً في هذا، بسبب شغل مباحٍ أو لم يشتغل بالرقائق مثل: المجاهد في سبيل الله، لا تجد قلبه كالعاكف في المسجد المصلي المسبح يبكي، ولكن المجاهد الذي يعيش مع السيف والدبابة والطائرة قد لا يجد من الرقة مثل ما يجد هذا، والآخر يعذر ويشكر على هذا ولو أن المطلوب فيه أن يكون كاملاً من كل جهة. أما القسوة التي يلام عليها العبد فهي ترك ذكر الله، والإدبار والإعراض عن تدبر القرآن الكريم، وعدم تذكر الموت ولقاء الله عزَّ وجلَّ.

ضياع العمر

ضياع العمر الأثر السابع: ضياع العمر، كل شيء يتعوض إلا العمر، وكل شيء إذا ذهب ربما تستعيده من طريق أو أخرى إلا العمر. ما مضى فات المؤمَّلُ غيب ولك الساعة التي أنت فيها قال سبحانه: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] وما تذكر فيه من تذكر موصولة بمعنى: الذي يتذكر ما تذكر، أو مصدرية أي: تذكر من يتذكر في هذه الحياة، وقال سبحانه: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون:112 - 113] فلامهم الله عز وجل فقال: {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:114 - 116]. عند البخاري عن ابن عباس مرفوعاً {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ} وأعظم ما يضيع العمر الغالي المعاصي، وأحرص ما حرص عليه السلف الصالح العمر، وإذا أتت المعاصي ذهبت الدنيا والآخرة والعياذ بالله، إن السلف كانوا يخافون من المباحات على الأوقات، والآن نحن أخذتنا المعاصي لا المباحات في الأوقات، فأسأل الله أن يتوب علينا وعليكم. قيل لـ كرز بن وبرة -أحد العباد-: اجلس معنا، قال: امسك الشمس وأجلس معك، معناه: الشمس تذهب وتأتي وتقرب الأعمار. نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي أشاب الصغير وأفنى الكبير كر الغداة ومر العشي إذا ليلة هرمت يومها أتى بعد ذلك يوم فتي وقال آخر: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني وإن من المآسي التي شهدها كثير من المسلمين -فأنا لا أتحدث عن الكفار، فهؤلاء لا حسبان لهم في هذا الكلام، وهؤلاء في منأى، هؤلاء لا يوجه لهم الكلام؛ لأنهم أبطلوا وصولهم وضيعوا اتجاههم مع الله عز وجل، لكن على المسلمين- أعظم ما مني به المسلمون -إلا من رحم ربك- ضياع الوقت، ضياع العمر، فكيف إذا كان في المعاصي؟! كيف إذا كان في الخطايا؟!

عواقب الذنوب في الآخرة

عواقب الذنوب في الآخرة أما آخر عقوبة للمعاصي -يا طلبة العلم ويا أهل الفضل والخير- فهي عقوبات في الآخرة ذكرها الله في كتابه ورسوله عليه الصلاة والسلام وتوعد بها، فللزاني عقوبة، ولشارب الخمر عقوبة من نوع آخر، وللقاتل عقوبة، وللكاذب عقوبة، ولعاق الوالدين عقوبة، فنعوذ بالله من عقوبات الله، ومن غضبه، ومن شر أليم عذابه. {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران:193] وأنا لا أملك إلا أن أقول في ختام هذه المحاضرة قبل الأسئلة بيتين جميلين يقول أحد الصالحين: يا رب إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً لقد شبت في الرق فاعتقنا من النار إنها -والله- مقصد كل مؤمن أن يعتق من النار {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران:192] تهاوت الشهادات، واحترقت الشهرة، وضاع الظهور، وانتهت المناصب، وتدكدكت الوظائف، وما بقي إلا وجه الله، والعمل له سبحانه، والإخلاص لطلب ما عنده. {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180 - 182] وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

من جمع بين الخلق والدين سهلت محبته

من جمع بين الخلق والدين سهلت محبته Q ذكرت في أثناء المحاضرة أن من أحبه الله أحبه الناس، ولكن نجد في عالمنا المعاصر أناساً -أشراراً- وهو محبوبون من كثير من الناس المسلمين، ونجد أخياراً وهم مكروهون من قبل المسلمين، فكيف يكون ذلك؟ A الذي قاله الأخ الكريم مخالف للنقل والعقل والحس والعادة، والدليل على ذلك من النقل ما سمعتم من المحاضرة، وأما من العقل فإنا نقول: يستحيل ذلك، فإن الناس كما يقول ابن تيمية في المجلد الأول من الفتاوى: إنما يحب بعضهم بعضاً على منافع، ثم قال: من استغنيت عنه فأنت نظيره، ومن احتاج إليك فأنت أميره، ومن احتجت إليه فأنت أسيره. هذه مثل كلمة الخليل بن أحمد تحتاج إلى حفظ وشرح، يقول الخليل بن أحمد: الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري، فذاك عالم فاسألوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري، فذاك غافل فنبهوه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري، فذاك جاهل فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذاك أحمق فاتركوه. إنما المقصود هنا: أنا أقول للأخ: من أين حصلت لنا على هذه الوثائق والبراهين والأدلة؟ لعلك رأيت نماذج، لكن أقول: على خلاف ما ظننته وزعمت حفظك الله، يعني: من جلوسي في هذا المكان نتكلم عن هذه القضية. فهي ليست عداوة فحسب، لكن الوثائق التي ذكرها الأخ ليس عنده أدلة وبراهين على ما قال، نقول: إن سبب حب الأشرار من بعض الناس من المسلمين لمصالح، ولذلك جعل الحب في الله أن تحبه ليس إلا لله، واجتمعا في الله وافترقا عليه لله، وأما كره بعض الصالحين فلأسباب، فإنه قد يوجد سبب عند بعض الصالحين تكرههم من أجله حتى إن كان من الأخيار، مثل بعض الناس خيِّر يقوم الليل، ويصوم النهار، ويصلي ركعتي الضحى، ويقرأ القرآن، ويتوجه إلى الله، لكن فيه شراسة تقطع الحبال، أي: إذا نظرت إليه تقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وإذا تكلمت معه ما يمكن، حتى وجد في تاريخ الإسلام تراجم لبعض العلماء ما كان إلا بالضرب، العصا جاهزة، ولذلك تجد من بعض طلابهم والصالحين كراهية لهم لهذا السبب، وتجد في بعض الأشرار دواعٍ وأسباباً مع فجوره تحببه لهذا مثل ماذا؟ مثل: أنه خلوق يستقبلك بابتسامة وبمعانقة وبحرارة، فيحبه حباً وقتياً لمنفعة خاصة. إذاً قد بطل السؤال من أوله إلى آخره والحمد لله وأصبح {قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:106 - 107].

الطاعة تؤدي إلى انشراح الصدر حتما

الطاعة تؤدي إلى انشراح الصدر حتماً Q تعرضتم لقضية انشراح الصدر مع الطاعة والإيمان، ولكن نجد بعض أهل الإيمان من الصالحين يصاب بأشياء يقال: بأنها أمراض نفسية مثل: الهم والحزن والاكتئاب وضيق الصدر، فهل هذا يعني أن في إيمانه خللاً أو في إخلاصه، أم أنها أمراض مثل أمراض الجسد مع التعقيب على ضوء الآية: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:125]. A يا أخي! ما ذكرته صحيح وهو واقع ويحمل على أحد محملين اثنين: المحمل الأول: أن يعاقب العبد بسبب ذنوبه بهذه الأمور، كأن يكون ناقص الإخلاص فيصاب بهم وغم وحزن، أو ينظر نظرة غير مسئولة محرمة، أو يسمع أغنية -وما أعني بذلك أنه خرج من الإسلام- فيصاب بكدورات وعقوبات وسيئات وجزاءات في الحياة الدنيا. المحمل الثاني: يقولون: أن تكون رفعاً لمنزلته، أي: قضاءً وقدراً من الله عز وجل ليرفع منزلته فيبلى عليها ويؤجر عليها إذا صبر، كالمرض العضوي، كالحمى، ومرض السرطان وغيره من الأمراض، يصاب بهذا فيرفع الله منزلته، واختلف العلماء من أرباب القلوب، هل أعظم الطرق لانشراح الصدر السرور أم الحزن وتذكر ما عند الله عز وجل والقلق من هذه الحياة؟ قال الحسن البصري: طريق الحزن، وأتى ابن القيم مع أبي إسماعيل الهروي بمنزلة من منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] منزلة الحزن، ثم أتى بحديث ضعيف عن المصطفى عليه السلام قال: {وكان متتابع الأحزان} ولكن شيخ الإسلام الأستاذ الكبير ذاك يقول: الحزن ليس من منازل السائرين إلى الله، ولا يؤجر عليه العبد إلا إذا كانت مصيبة صبر لها واحتسب، ولا يطلب من العبد أن يكون حزيناً، بل الرسول صلى الله عليه وسلم أشرح الناس صدراً: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] فتش في جوانحك وابحث في خفاياك أما وجدناك أشرح الناس صدراً. إذاً فليس الحزن مطلوب وليس من منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وهذه المنزلة التي ذكرها ابن القيم رحمه الله ليست بصحيحة وحديثها ضعيف -فليعلم ذلك- وإنما يكون على أمرين: إما ذنب فيكون جزع، وإما أن يقدر على العبد فيرفع به منزلته فيكون مما يثاب عليه العبد مثل: الأمراض العضوية فليعلم هذا.

غسيل الذنوب التوبة

غسيل الذنوب التوبة Q ذكرت أن آثار الذنوب، ولكن أود أن أعرف كيفية غسل هذه الذنوب؟ A هي لا تغسل بشامبو ولا بصابون، وإنما تغسل بالاستغفار والتوبة {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] وخاصة للمبتدئ، الطرق يا أخي معروفة، الطريقة المحمدية الشرعية، تبدأ بالصلوات الخمس في المسجد، وتبدأ بتدبر القرآن وبالاستغفار، وأمور التخلية عن المعاصي أمرها عظيم، فغض البصر، يستهين به بعض الناس حتى من المستقيمين، ووالله ما يفتك بالإيمان مثل إطلاق البصر، وإنه أسباب كل شر. حتى ابن القيم وهو يكتب عن آثار إطلاق البصر نسي نفسه، وأتي بكتاب الجواب الكافي في إطلاق البصر، بل بعضهم نظر نظرة أودت بإيمانه وبحياته ومستقبله مع الله، هذا ثم قس على الذنوب ذلك، فلذلك أرى التخلي عن المعاصي. رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها أيها الإخوة! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وإلى لقاء آخر، وإني لأعتذر عن بقية الأسئلة لضيق الوقت.

أبو بكر في عصر الذرة

أبو بكر في عصر الذرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما طلعت الشمس ولا غربت على رجل بعد النبيين أفضل من أبي بكر) ولذلك فإنه هو الرجل الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتولى خلافة الأمة بعده؛ فقاد الأمة إلى بر الأمان، وفي هذا الدرس تلخيص ممتع وشيق عن حياة الصديق رضي الله عنه وأرضاه.

مقدمة عن سيرة أبي بكر الصديق

مقدمة عن سيرة أبي بكر الصديق الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، عنوان هذه المحاضرة: (أبو بكر الصديق في عصر الذرة) وقد سلف الحديث في المحاضرة السابقة عن الفاروق في القرن العشرين، ولكن حول هذا العنوان في الرياض بعنوان الفاروق في القرن الخامس عشر، وقلت هناك: إن طلبة الابتدائية يعرفون متى ولد عمر، ومتى توفي، ولكن كثيراً من أساتذة الجامعات لا يعرفون عدل عمر، ولا صدق عمر، ولا إخلاص عمر، ولا حياة عمر. وأقول هذه الليلة كما قلت هناك: إن طلبة الابتدائية عندنا يعرفون متى ولد أبو بكر، ومتى توفي، ويعرفون جملاً من حياته؛ لكن الكبار، وكثيراً من أساتذة الجامعات لا يعرفون أسراراً في حياة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

الرجل الأول

الرجل الأول الآن نبدأ مع أبي بكر الصديق، مع الرجل الأول في الإسلام، والأول في الذكر بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، والأول في الصدقة، والأول في الجهاد. ذكره ابن القيم فإذا هو الأول دائماً قال: من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول ويوم القيامة يفتح الله أبواب الجنة الثمانية، فيدعى الذاكرون، فإذا الأول أبو بكر، ويدعى المتصدقون، فإذا الأول أبو بكر، ويدعى المجاهدون، فإذا الأول أبو بكر، ويدعى الصائمون، فإذا الأول أبو بكر؛ أي طاقة في هذا الرجل؟! وسوف تعلمون أن من المفاجآت العجيبة أن هذا الرجل العظيم الذي قاد الأمة في الخلافة، وبويع بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، كان نحيف الجسم، هزيل البنية، لكن عنده همة تمر مر السحاب، صنع الله الذي أحسن كل شيء.

جوانب الحديث عن شخصية الصديق

جوانب الحديث عن شخصية الصديق وأنا -أيها الأبرار- لا أدخل في تفصيلات حياة أبي بكر، أنا لا أحدثكم هذه الليلة عن أكله وشربه، ولا عن طعامه وشرابه، ولا عن لباسه، ولا عن زوجاته، ولا عن أطفاله؛ فهذا يسمى تاريخ الأموات. لكني أحدثكم عن صدقه، وورعه، وعدله، وزهده، وخشيته، وصرامته، وشجاعته، وصبره، وكرمه، وحلمه رضي الله عنه وأرضاه. لماذا كان أبو بكر الصديق في عصر الذرة؟ لأن العالم اليوم وصل إلى الذرة في العلم، لكنه وصل إلى الحضيض في الروح، وقد أكد ذلك علماؤهم؛ مثل: كريس موريسون، صاحب الإنسان لا يقوم وحده ومثل: أليكسيس كارل، وصاحب الإنسان ذلك المجهول، كلهم يؤكدون هذا، فكيف نأتي بـ أبي بكر في القرن هذا؟! كل منكم يجعل من نفسه مثل أبي بكر، وكلٌ منكم يجعل من نفسه تلميذاً لـ أبي بكر يوم يسمع أخبار أبي بكر، فنقتدي بأخباره رضي الله عنه وأرضاه.

صفات أبي بكر قبل الإسلام

صفات أبي بكر قبل الإسلام أولاً: دعونا نعيش مع أبي بكر في الجاهلية قبل الإسلام، أي رجل كان؟ قال السيوطي: كان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه أعف الناس في الجاهلية. أخرج ابن عساكر بسند صحيح في تاريخ دمشق عن عائشة رضي الله عنها، قالت: [[والله ما قال أبو بكر شعراً قط في الجاهلية، ولا في الإسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية]]. بعض الناس كانوا عقلاء في الجاهلية لا يشربون الخمر، منهم: أبو بكر الصديق، وكان حاتم الطائي لا يشرب الخمر أبداً؛ وهذا من كرمهم، وكان عنترة بن شداد لا ينظر إلى النساء الأجنبيات، إذا خرجت جارته من الخيمة غض طرفه، وقال: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها وهذا من كرمه.

أبو بكر والشعر

أبو بكر والشعر أما قول عائشة: (ما قال شعراً قط) فلعلها ما بلغها أن أبا بكر، قد قال بعض الأشعار، وسوف تمر بنا بعض الأبيات لـ أبي بكر وإلا فقد كان أفصح الناس، وكان يتكلم بالخطبة ارتجالاً فيصدع الجلوس والسامعين، وكان نساباً؛ يعرف أنساب العرب، وأسرار العرب، وبيوت العرب. وأما شرب الخمر فأعاذه الله منها حتى في الجاهلية، وكان يسمى العتيق، كان يعتق الرقاب، وهو الذي أعتق بلال بن رباح، فقال عمر: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]] أي: بلالاً. ثم قال ابن عساكر: وعن أبي العالية الرياحي: {قيل لـ أبي بكر في مجمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. هل شربت الخمر في الجاهلية؟ فقال: أعوذ بالله. فقيل: ولم؟ قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيعاً في عرضه، ومروءته، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: صدق أبو بكر، صدق أبو بكر مرتين} وهذا مرسل غريب سنداً ومتناً. أيها الإخوة: كان شرب الخمر في الجاهلية منقصة، إنما يشربها المتهورون، وأما في الإسلام فانتهى الأمر، فأصبح فيها حد. وفي محاضرة الفاروق في القرن الخامس عشر، ورد أن عمر أرسل أميراً إلى العراق، هذا الأمير من قريش، فأتى في ليلة من الليالي كان ينشد مع بناته في البيت، وقال لهم: اسقني شربةً ألذ عليها واسق بالله مثلها ابن هشام يقول: أيها الساقي، يا ساقي الخمر، اسقني شربة ألذ عليها، واسق مثلها ابن هشام زميله في العمل، وكان أميراً لـ عمر، طار هذا البيت بواسطة المراسلات حتى وصل إلى عمر، فاستدعاه عمر، قال: تعال، ما معنى هذا البيت؟ قال: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: اسقني شربةً ألذ عليها واسق بالله مثلها ابن هشام معناه: اسقني خمراً! قال: يا أمير المؤمنين! أنا قلت بيتين لا بيتاً واحداً -كان ذكياً- قال: والبيت الثاني ما هو؟ قال: عسلاً بارداً بماء سحابٍ إنني لا أحب شرب المدامِ قال عمر: أما أنت فقد أنقذت نفسك من حد الثمانين، لكن والله لا تلي لي ولاية بعدها، وعزله بمرسوم. باللعب والانحراف تضيع الأمة، فهو لا يجوز وهو حرام، فعزله وأتى برجلٍ آخر.

صفة أبي بكر الخلقية

صفة أبي بكر الخَلْقية أما صفة أبي بكر، فاسمعوا لصفة الرجل في الجسم، حتى تتصوروا هذا العالم الكبير الذي زكَّاه الله، وتنورت به منابر المسلمين، وأصبح يذكر في كل صباح ومساء. أخرج ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال لها: صفي لنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فقالت: [[رجل أبيض -والإسلام لا يعترف بأبيض ولا أسود ولا أحمر {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]- نحيف]] أي: كان هزيل الجسم، وكبر الجسم وصغره لا يضر ولا يهم، المهم القلب، والله عندما ذكر القلوب، قال: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:179] وأما الأجسام فإنها قد تكون كبيرة لكنها تكون هزيلة عند الله، أنظر مثلاً إلى جسم عبد الله بن أبي بن سلول، يقولون: كان يكاد أن يصطدم رأسه بسقف البيت، قال الله: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] مع العلم أن ابن مسعود كان نحيفاً كالصقر، حتى يقول عليه الصلاة والسلام: {أتعجبون من دقة ساقيه، والذي نفسي بيده إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد}. [[خفيف العارضين -وكانت لحيته خفيفة - وقيل: كان منحنياً، وقيل: كان متقدم الجبهة، لا يستمسك إزاره يسترخي على حقويه]] من ضعفه إزاره دائماً يرفعه من هنا ومن هنا، هذا الرجل كان ضعيفاً جداً جداً، حتى يقول: {يا رسول الله! إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده، فهل أنا ممن يجر إزاره خيلاء؟ قال: لست ممن يفعل ذلك} يعني: أعاذك الله، من أين لك الكبر، وأنت سيد من سادات المؤمنين؟! [[معروق الوجه -أي: نحيف الوجه- غائر العينين -داخلة في رأسه- ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع]] هذه صفته، أي: ما على ذراعيه من اللحم إلا القليل، [[وكان من أكرم الناس]] صحافه تتابعه في بيوته، والأطفال معه يدخلون والمساكين، وكان كثير المال كما سوف يأتي معنا، لكن لا يمسك من المال شيئاً، وآتاه الله من الرزق حلالاً طيباً، وكان من تجار الصحابة، ومع ذلك أعطى الإسلام دمه، وماله، ودموعه، وكل ما عنده، والذي لا يعطي الإسلام في هذه الحياة فالله ليس في حاجة إليه يوم القيامة، وإذا أصبح في القبر فلن يعطي وسوف يموت بغمه وهمه، وماله وبال عليه، وسوف يموت بحسرته. يقول زهير: ومن يك ذا مالٍ فيبخل بماله على قومه يستغنَ عنه ويذممِ هل سمعتم أن أحداً احتاج له الناس فبخل عليهم، فاحتاجوا له مرة ثانية؟ لا، قاطعوه، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن:6].

إسلام أبي بكر

إسلام أبي بكر اسمع إلى إسلام الرجل العظيم رضي الله عنه وأرضاه يقول الشعبي: سألت ابن عباس: أي الناس كان أول إسلاماً؟ قال: أبو بكر الصديق، ألم تسمع قول حسان؛ حسان يقول قصيدة في أبي بكر، والرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر، يدافع صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر في المنبر؛ لأن أبا بكر سمع فيه مقالة، تعرضوا لعرضه، فقام صلى الله عليه وسلم يدافع عن صاحبه، وكان في الصف الأول أبو بكر، وقال: {ألستم بتاركي لي صاحبي؟ يا حسان أين أنت؟ أما قلت في أبي بكر شيئاً؟} لأن الشعر عند العرب مثل التقويم فهو توثيق، يقول: أسمعني شعراً في أبي بكر، قال حسان، وقام وسط المجلس: إذا تذكرت شجواً من أخي ثقةٍ فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها وأرفعها بعد النبي وأوفاها بما حملا والتالي الثاني المحمود شيمته وأول الناس طراً صدق الرسلا ثم استمر في القصيدة، يقول الثاني التالي، ما هو الثاني التالي {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:40] لم يكن في الغار إلا الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، ولم يكن معه أحد، وأبو بكر من أول أيامه في الإسلام حتى أتى كفار قريش يريدون دخول الغار، فتسلقوا على سطح الغار، وكان أبو بكر خائفاً على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله مطمئناً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مؤيد بالسكينة، وبعض المفسرين يقول: إن السكينة نزلت على أبي بكر، ولم تنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه في السكينة لم يزل، كان يتبسم عليه الصلاة والسلام وهو ينظر، يقول أحمد شوقي: وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمانُ يقول: إذا لاحظك الله، من عنايته، فنم ولو في أفواه الحيات، ولو على نيوب الأسود، وأما إذا لم تلاحظ عناية الله، فوالله لو كنت في الدور العاشر ومعك سبعون ألفاً من الحرس، فلن تكفيك. شاو سوسكو؛ مجرم رومانيا كان عنده من الشرطة السرية سبعون ألف مدجج بالسلاح، أخذه الشعب وسحبوه مثل الكلب، وذبحوه على الرصيف، وأين الحراسة؟! وعمر رضي الله عنه وأرضاه كان ينام تحت الشجرة، ويأتي الهرمزان ويراه نائماً بلا حرس، قال: ما عنده حرس؟! قالوا: ما عنده حرس. قال: حكمت، فعدلت، فأمنت، فنمت. فيقول أبو بكر: {يا رسول الله، والله لو نظر أحدهم إلى موطن قدمه لرآنا. قال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!} {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]. وهناك قصيدة سوف تسمعونها قريباً اسمها: مع صاحب الغار، وإلا فـ البردوني شاعر اليمن له قصيدة في الغار وهي عجيبة، وهو ما زال حياً لكنه منحرف، وقد أجاد في هذه القصيدة، يقول: بشرى من الغيب ألقت في فم الغار وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرار بشرى النبوة طافت كالشذا سحراً وأعلنت في الدنا ميلاد أنوارِ وشقت الصمت والأنسام تحملها تحت السكينة من دار إلى دارِ وهي ما يقارب مائة بيت، في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام. ويقول أحد أهل العلم: سألت ميمون بن مهران، قلت: علي أفضل عندك أم أبو بكر وعمر؟ قال: فارتعد حتى سقطت عصاه من يده. ثم قال: ما كنت أظن أن أبقى إلى زمانٍ يعدل بهما، لله درهما! كانا رأس الإسلام. قلت: فـ أبو بكر كان أول إسلاماً من علي؟ قال: والله قد آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم زمن بحيرا الراهب حين مر به، واختلف فيما بينه وبين خديجة، حتى أنكحها إياه، وذلك كله قبل أن يولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه. ويمضي أبو بكر، ويتقدم إلى الإسلام طائعاً، يقول عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه أبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس: {ما كلمت في الإسلام أحداً إلا أبى عليَّ -أي: رفض وتلكأ- وراجعني الكلام إلا ابن أبي قحافة فإني لم أكلمه في شيء إلا قبله واستقام عليه}.

ثباته في قصة الإسراء والمعراج

ثباته في قصة الإسراء والمعراج حتى لما كلم صلى الله عليه وسلم لما أتى من الإسراء والمعراج، وكلم قريشاً، فاستهزأ به أبو جهل يقول: أين كنت البارحة يا محمد؟ قال: وصلت السماء السابعة، فضحك أبو جهل حتى كاد يسقط، ثم جمع كفار قريش في الحرم، قال: اسمعوا داهية الدواهي، تعالوا فأجلسهم، قالوا: يا محمد! أين كنت البارحة؟ قال: ذهبت إلى بيت المقدس، ثم صعدت إلى السماء السابعة، وكلمت الله. قال الوليد بن المغيرة: فإنا قد علمنا ورأينا وعرفنا بيت المقدس في التجارة، فصفه لنا، فأخذه عليه الصلاة والسلام الكرب حتى عرق جبينه، لأنه مر في طرف ليلة في الظلام، وما رأى بيت المقدس وما رأى مفاتيح الباب، وما رأى مداخل المسجد، فأتى الله فأنقذه، فأتى بصورة بيت المقدس، عرضت عند دار الأرقم بن أبي الأرقم، مكبرة في الحرم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمامه. قال: بيت المقدس له أبواب كذا وكذا، ومدخله: كذا وكذا، فقال الوليد بن المغيرة: والله ما زدت ولا نقصت على بيت المقدس بهذه. فقال: ما رأيك يا أبا بكر؟ فقال: صدقت. وكلما قال له كلمة قال: صدقت، وكلما قال: وصعدت إلى السماء. قال: صدقت. قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33] من الذي جاء بالصدق؟ محمد صلى الله عليه وسلم. ومن الذي صدق به؟ أبو بكر، فسموه الصديق؛ لأنه صدق الله، فصدقه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وأخرج البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هل أنتم تاركوا لي صاحبي، إني قلت: أيها الناس! إني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم جميعاً، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت}.

مصاحبة أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم

مصاحبة أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأما مصاحبته للرسول عليه الصلاة والسلام، فلزمه كما يلزم الظل: لما هاجر عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة، كان معه في الطريق، مرة يأتي عن يمينه، ومرة عن يساره، ومرة من أمامه، ومرة من خلفه، فيقول عليه الصلاة والسلام: ما لك يا أبا بكر؟ قال: يا رسول الله أتذكر الطلب -أي: من الكفار أن يطلبوك- فآتي من خلفك، وأتذكر الرصد -أي: الكمين- فأتقدم أمامك، وأتذكر ميمنتك فآتي من الميمنة، وأتذكر مشأمتك فآتي من الشمال، فدعا له بالخير والبركة. قال العلماء: صحب أبو بكر النبي عليه الصلاة والسلام حين أسلم إلى حين توفي، لم يفارقه سفراً ولا حضراً، وشهد الغزوات مع الرسول عليه الصلاة والسلام والمعارك، وكان رفيقه في الغار، وهو المقصود بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] وجعل للإسلام دمه، وماله، وكل ما يملك، وكان عليه الصلاة والسلام يشيد به، ويسأل عنه إذا غاب، وقال علي في البخاري: {لطالما سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر}. ولما أتى صلى الله عليه وسلم يضع حجر الأساس في مسجده العامر في المدينة، وضع الحجر الأول، فانتظر الناس أبا بكر فأتى بالحجر الثاني ووضعه بجانبه، ثم عمر، فعرفوا أن الخلافة سوف تكون على هذا النسق.

من صفات الصديق

من صفات الصديق

شجاعة أبي بكر وإقدامه

شجاعة أبي بكر وإقدامه أما شجاعته وإقدامه: فأخرج البزار في مسنده عن علي رضي الله عنه قال: [[أخبروني من أشجع الناس؟ قالوا: أنت]] وصدقوا هو من الشجاعة بمكان- تصور علي بن أبي طالب إذا أتى يبارز رجلاً في المعركة، يأخذ درعه فيلقيه في الأرض، الدرع الذي يقيه من السيوف، ومن علامة الشجاعة عند العرب أن تبارز وليس عليك درع، وفي حديث حسن بشواهده: {إن الله يضحك للرجل يلقى العدو حاسراً} الله يضحك للمسلم يلقى الأعداء وليس عليه درع. فكان علي ينزل الدرع، ويقولون: في معركة صفين لما أقبل الأعداء من خصوم علي من أهل الشام، وتفرق جيشه قال: ما هكذا عودنا الأعداء؟ فسل السيف وخرج في الشمس ما على رأسه شيء، وكان في الستين، أو في الثالثة والستين، شيخ كبير، فأخذ السيف قال: والله إن الناس كانوا يفرون منه كما تفر المعزة من الأسد. [[فقالوا أنت؟ قال: أما إني ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه، لكن أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر الصديق؛ إنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً، فقلنا: من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوالله ما دنا منا أحداً إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس الرسول عليه الصلاة والسلام، لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه؛ فهو أشجع الناس]]. وقال علي: [[لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش، فهذا يجبهه، وهذا يتلتله عليه الصلاة والسلام]] كان يطوف بالبيت فأخذه أبو جهل بإزاره، فجبذه، وأخذه أبي بن خلف عليه غضب الله، فتفل على الرسول صلى الله عليه وسلم، فدعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الذي قتله الرسول بيده صلى الله عليه وسلم. [[وكان هذا يتلتله، وكان أبو بكر يبكي حوله، ويقول: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر:28]]] أي: ما هذا التعامل؟ سبحان الله هل هناك عجز أن ينزل الله عز وجل ألف ملك يحمون الحرم، وينزل صلى الله عليه وسلم في حرس؟ لا والله، لكن ليتربى الدعاة على هذا المنهج والصالحين. يتلتل، ويطرد من مكة، ويدخل الطائف، ويرمى بالحجارة، ويقتل أصحابه، ويقتل محبوه، وتكسر ثنيته، ويحبس في الشعب ثلاث سنوات، ويدخل الغار ويلحقونه بالسيوف، وينتصر في معركة، ويغلب في معركة، ويفتقر، ويجوع، ويجعل حجرين على بطنه من الجوع، وهو أشرف الخلق، والله عز وجل قادر على أن ينزل ملائكة، ولله سبحانه القدرة على أن ينفي قريش في لحظة واحدة، لكن ليذوق، وليصبر، وليتحمل، وليرفع الله قدره، وليكون معلماً. قال: [[وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً؟]] يمسكون الرسول صلى الله عليه وسلم ويتلتلونه في الحرم، ويقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً! لأن كفار قريش كان للواحد منهم ستة آلهة، وسبعة، وثمانية {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5]. قال: [[فوالله ما دنا منا أحد، إلا أبو بكر يضرب هذا، ويجبه هذا، ويتلتل هذا]]. الناس أصدقاء، فإذا وقعت الأزمات ما صفا إلا القليل؛ أي: الناس وقت المجاملة ووقت السعة كلهم أحباب، ولكن إذا حامت الحوائم، وأتت الدواهي، انهدت الصفوف: جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تجرعني بريقي جزاها الله مكرمةً فإني عرفت بها عدوي من صديقي فلما أتى فرَّ كثير من الناس، وبقي أبو بكر يقاتل معه في الحرم ضدهم، قال: [[وهو يقول: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ثم رفع علي بردة كانت عليه، فبكى حتى اخضلت لحيته]]. علي بن أبي طالب رفع البردة وبكى، مما تذكر من أبي بكر، ثم قال: [[أنشدكم الله، أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم. فقال: ألا تجيبونني؟ فوالله لساعة من أبي بكر، خير من ألف ساعة من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه]] {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر:28] أما أبو بكر فما كتم، قام وسط الناس يعلن الإسلام، ويعلن القوة.

رقة أبي بكر الصديق

رقة أبي بكر الصديق وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً، لا يملك عيونه ولا دموعه إذا قرأ القرآن، كان يأتي يصلي في بيته في مكة، وكان سيداً مطاعاً، فتجتمع قريش حول البيت، فيرفع صوته فيبكي، فلو خفف صوته فلا يسمع من معه، فقال: نزلت على الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي أبي بكر: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء:110].

الصديق وإنفاق ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الصديق وإنفاق ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر لما مات، ما ترك إلا بغلة وثوبين، وكان أتجر الناس جميعاً، وسلمها مع عمر مع رسالة حارة لولي العهد، يقول: [[اتق الله يا عمر، لا يصرعنك الله مصرعاً كمصرعي]] يقول: احذر احذر أن تنسى الله، احذر، وأنا قد سمعت هذه الرسالة من هيئة الإذاعة البريطانية وكانت مبكية، في حدث من الأحداث تتلى هذه، قل: رسالة من خليفة إلى خليفة، هذا عندهم، ولما وصلت إلى عمر بكى حتى جلس، وقال: [[أتعبت الخلفاء بعدك]] يقول: ماذا أفعل؟ أعطاه البغلة والثوبين، حتى أخذ ثوباً جديداً أتت به عائشة تقول لـ أبي بكر: [[نعطيك هذا الثوب لتكفن فيه، قال: لا! اغسلوا هذا الثوب الذي علي فإن الحي أولى بالثوب من ميت، فإن نجاني الله فساعة، وإلا فلن تغني عني الثياب، يا عائشة لو رأيتموني بعد ثلاث]]. كان في سكرات الموت، يسبح كثيراً، وقد وضع رأسه على المخدة، وكانت عائشة عند رأسه، وكانت تقول وهي تبكي: [[صدق حاتم - حاتم الطائي في الجاهلية- إذ يقول: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق به الصدرُ ففز، والتفت برأسه وقال: لا تقولي ذاك يا بنية! ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]]] لا يريد في هذا الموطن ذكر الشعر وعنده القرآن.

ثناء الله ورسوله على أبي بكر

ثناء الله ورسوله على أبي بكر وقال الله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:17 - 18] إلى آخر السورة، قال ابن الجوزي في زاد المسير: أجمعوا على أنها نزلت في أبي بكر الصديق. وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر، فبكى أبو بكر، وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله} يقول: أنا ومالي لك، تصرف ما شئت، وكان صلى الله عليه وسلم يتدين على أموال أبي بكر، ويتصدق على الجيوش من أموال أبي بكر، ويعطي الناس ويضيف من أموال أبي بكر، ولا يستأذنه: هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحلُه ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائلُه وكان جزاؤه عند الله {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل:17] هذا إخبار من الله، أن الأتقى أبا بكر لا يمر النار {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:18] أي: يتزود من الطاعة.

مقدار ما أنفق

مقدار ما أنفق وأخرج ابن عساكر من طرق عن عائشة رضي الله عنها وعروة بن الزبير [[أن أبا بكر رضي الله عنه أسلم يوم أسلم وله أربعون ألف دينار -وفي لفظ: أربعون ألف درهم- فأنفقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم]] هذه الأموال هي التي بقيت عند الله، لكن أموال الضائعين أين هي الآن؟! أين المليارات؟! أين الملايين؟! شاه إيران، قصص عن حياته، كان كرسي دورة المياه -أكرمكم الله- الذي يجلس عليه من ذهب، سحب كالكلب، وأخرج، ما وجد شيئاً، حتى غرفة النوم ما نقلت معه، ومات بالسرطان طريداً بعيداً، كان الناس في طهران يطلبون الخبز في مظاهرة، فيخرج عليهم طائرة هيلوكبتر يرميهم بالرشاش، فيموتون كما يموت الذباب من المبيدات، قال تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:45 - 46]. خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن وأخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما لأحدٍ عندنا يدٌ إلا وقد كافأناه إلا أبا بكر} يقول: كل الناس الذين قدموا لنا معروفاً أعطيناهم، إلا أبا بكر فبقيت له أيادي عندنا، وإلا فإن يد الرسول صلى الله عليه وسلم هي أعظم الأيادي، ومنته بعد منة الله أعظم المنن، وله صلى الله عليه وسلم بعد الله الفضل في هداية أولئك. قال: {فإن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحدٍ قط ما نفعني مال أبي بكر}. وأخرج البزار عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: {جئت بـ أبي قحافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم -والد أبي بكر كان شيخاً كبيراً- فقال: هلاَّ تركت الشيخ حتى آتيه، قال: بل هو أحق أن يأتيك. قال: إنا نحفظه لأيادي ابنه عندنا} يقول صلى الله عليه وسلم: لماذا ما تركت الشيخ والدك في البيت لأزوره أنا. قال: يا رسول الله! هو أحق أن يأتيك، فقال عليه الصلاة والسلام: إنا نحفظه لأيادٍ لابنه عندنا؛ لـ أبي بكر.

علم أبي بكر الصديق

علم أبي بكر الصديق قال النووي في تهذيبه: استدل أصحابنا على عظم علمه بقوله رضي الله عنه في الحديث الصحيح الثابت في الصحيحين: [[والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كانوا يأتونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه]]. واستدل الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وغيره في طبقاته على أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعلم الصحابة، لأنهم كلهم وقفوا عن فهم الحكم في المسألة إلا هو، ثم ظهر لهم بمباحثته لهم أن قوله هو الصواب فرجعوا إليه. عارضوه في قتال أهل الردة، وأبو بكر يقول: لا بد أن نقاتلهم، وكان رأيه هو الصحيح، وكان هو الفقيه، وكان هو العالم، فانساق له الصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم. وأخرج الشيخان عن أبي سعيد رضي الله عنه: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب خطبة على المنبر، فقال: إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين الآخرة، فاختار ما عند الله، فبكى أبو بكر، فقال الصحابة: ما بال هذا الشيخ يبكي؟ -أي: ماذا ظهر لـ أبي بكر أن يبكي في المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم يحدثنا أن رجلاً ولم يسم الرجل لنا، ففهم- قال: فكان أبو بكر أعلمنا} لأنه فهم أن العبد المخير هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانظر كيف فهم، وما فهم الناس، لأنه لزيادة إيمانه، وتنور قلبه فتح الله عليه فتوحاً عظيمة.

علم أبي بكر بالقرآن

علم أبي بكر بالقرآن وقال ابن كثير: كان الصديق رضي الله عنه أقرأ الصحابة -أي: أعلمهم بالقرآن- وكان صاحب قرآن، كان من عادته إذا أراد أن يخرج إلى السوق فتح صفحات عنده من المصحف في بيته وقرأ كثيراً ثم ينزل إلى السوق، فإذا قضى أغراضه أتى ودخل وفتح المصحف وقرأ، لم يكن عنده إلا المصحف. وانظر الثقافة الميتة ماذا فعلت بنا، هل قدمنا للدين وللإسلام وللحياة مثل ما قدم أبو بكر؟! مع العلم أن أصغر طالب علم الآن يمتلك مكتبة، رفوفاً من المجلدات والمجلات والصحف والنشرات والدوريات، لكن يسمى علم الأموات! {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]. يقول ابن كثير: لأنه عليه الصلاة والسلام قدمه إماماً للصلاة في الصحابة رضوان الله عليهم، مع قوله: {يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى}. وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره} إذا اجتمع أبو بكر في الناس فهو المقدم. تخلف عليه الصلاة والسلام مرة يصلح بين أسرتين من أسر الأنصار، فتأخر عن صلاة الظهر، فأقام بلال الصلاة ولم يأت الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال أبو بكر: تقدم يا عمر صل بالناس، قال: لا والذي نفسي بيده لا أصلي بناس وأنت فيهم؛ أي: هل يستطيع عمر أن يتقدم وأبو بكر موجود؟! أو أي أحد من الناس؟! لأنه دائماً أبو بكر هو الأول، فتقدم وصلى بالناس، وكان لا يستطيع أن يسمع الناس من قراءته. حتى في البخاري: أن عائشة رضي الله عنها لما أصبح صلى الله عليه وسلم في مرض الموت، قال: {مروا أبا بكر فليصل بالناس. قالت: يا رسول الله! إنه رجل أسيف -أي: حزين- لا يستطيع أن يسمع الناس القراءة إذا قام من كثرة البكاء- قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. قالت: يا رسول الله! إنه رجل أسيف}. عائشة تقول: ما أردت إلا لئلا يأتي أبو بكر فيصلي بالناس، فيتشاءم الناس به بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، لأن الناس إذا كان فيهم رجل صالح وولي من أولياء الله، وكان عادلاً، ثم أتى رجل من بعده وانحرف عن سيرته تشاءموا به، حتى إذا لم ينزل المطر قالوا: بسبب فلان، قال صلى الله عليه وسلم: {إنكن صويحبات يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس}.

علم أبي بكر بالسنة

علم أبي بكر بالسنة وكان مع ذلك أعلمهم بالسنة، فقد رجع إليه الصحابة في كثير من المواضع، وفاوضوه، وكان رضي الله عنه وأرضاه هو المفتي؛ لأنه أعلم بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وبأسراره، وأكثر الناس له ملازمة من بينهم. وأخرج أبو القاسم البغوي عن ميمون بن مهران قال: كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب بحث في سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فإن وجد قضى به، وإلا جمع الصحابة وقال: أتاني كذا وكذا فهل علمتم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى بقضاء؟ وإلا استشار الناس، وكان مسدداً لكثرة تقواه، وصدقه، وإخلاصه.

أبو بكر وعلمه بالأنساب

أبو بكر وعلمه بالأنساب كان الصديق مع ذلك علامة في النسب؛ من أعلم الناس بأنساب العرب، لا سيما قريش، وكان عليه الصلاة والسلام يقول لـ حسان وحسان من الأنصار من المدينة، كان يسب قريشاً، فيقول صلى الله عليه وسلم: {كيف بك يا حسان والشعر وقريش؟ قال: عندي لسان يا رسول الله! لو وضعته على حجر لفلقه، ولو وضعته على شعر لحلقه. قال: كيف تسب قريشاً وأنا منهم؟ قال: أسلك كما تسل الشعرة من العجين} قال: أنت الآن تتعرض لقريش تسبهم، لأن منهم أبو سفيان عدونا، فكيف تسب أبا سفيان؟ قال: أسلك منهم كما تُسلَّ الشعرة من العجين، ولذلك يقول: ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلةً فقد برح الخفاء بأن جيوشنا تركتك عبداًَ وعبد الدار سادتها الإماء لو قال: بأن جيوشنا تركتك عبداً وسكت كان فيه احتمال، لكن وعبد الدار؛ رجع إلى أسرته الصغيرة التي تفصله من الرسول صلى الله عليه وسلم. فكان صلى الله عليه وسلم يقول: {اذهب يا حسان إلى أبي بكر يعلمك أنساب قريش} حتى لا يخطئ، ويتكلم في عرض بعض الناس، ويدخل في نسب الرسول عليه الصلاة والسلام، فكان يخرج له الأنساب.

فصاحة أبي بكر الصديق

فصاحة أبي بكر الصديق وقال ابن كثير: وكان رضي الله عنه من أفصح الناس وأخطبهم، كان يرتجل الخطبة، ما كان يحضر لها، ليس عنده أوراق، وقلم، ولا مسطرة، كان يأتي يوم الجمعة يغتسل ويطلع على المنبر، فيتكلم مباشرة بكلام فصيح، يبز القائمين، ولا يتكلم بين يديه أحد، وأول يوم بويع بالخلافة، انظروا المفاجأة، أول يوم مات فيه الرسول عليه الصلاة والسلام، أتى وليس عنده خبر، كان يشتغل في المزرعة، هكذا الإسلام كما يقول أبو الأعلى المودودي: الإسلام الذي يدخل معك المزرعة، والإسلام الذي يدخل معك الدكان، والإسلام الذي يذهب معك في السوق، كان يبيع السمن والعسل، وكان يشتغل بيده بالمسحاة في المزرعة، فكانت مزرعته بـ العوالي على فرسخ، فسمع الخبر، قالوا: مات الرسول عليه الصلاة والسلام، فركب فرسه وعنده عصاً، وأتى وإذا المدينة تدور من أولها على آخرها: جاءتك تمشي رافعاً ذراها أولها ردت على أخراها وإذا بكاء الناس، وإذا النساء خرجن في السكك والأطفال، أعظم مصيبة في تاريخ الإنسان، قال: ماذا؟ قالوا: مات الرسول عليه الصلاة والسلام، فاقتحم الصفوف ودخل حتى أتى المسجد فشق الصفوف، وإذا عمر على المنبر سلَّ سيفه، يقول: [[يا أيها الناس: من زعم أن الرسول عليه الصلاة والسلام مات ضربته بهذا السيف، ما مات الرسول صلى الله عليه وسلم، سوف يصعد أربعين ليلة كما ذهب موسى ويأتي إلينا]] وذلك لأنه خبر مذهل، فأتى أبو بكر بالعصا وفرق الناس، وقال: اجلس يا عمر، فأبى أن يجلس، فقام أبو بكر بجانبه، وقال: [[بسم الله الرحمن الرحيم -فسكت الناس، وسكت عمر يلتفت إلى أبي بكر، ماذا يقول، ما هو الإعلان- قال: أيها الناس-اسمع الكلام أفصح الناس- من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات]] فسقط عمر رضي الله عنه على وجهه من البكاء، وأغمي عليه، ورش بالماء، وذهب أبو بكر قبل أن يدخل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فكشف عن وجهه الغطاء، وقبل وجهه، ودمعه في عينه، وقال: [[بأبي أنت وأمي، ما أطيبك حياً! وما أطيبك ميتاً! أما الميتة التي كتبت فقد ذقتها، ولكن والله لا تموت بعدها أبداً]]. ثم أتى في اليوم الثاني للبيعة الكبرى، فجاء أبو بكر، وإذا هو يبكي على المنبر -الآن بالعكس- أتى يتكلم في الناس فتذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، وتذكر المنبر فأتى يبكي، فيقول: الحمد لله، قال: فينخلس، قال: فيعتمد على أخشاب المنبر فيبكي فيبكي الناس، فيقول: الحمد لله، فيتنحنح ويبكي، ويحاول، فلما رأى عمر الموقف، قام رضي الله عنه وأرضاه فوقف بجانب أبي بكر، وتكلم فما بكى ذلك اليوم، انتهوا في اليوم الأول، فقال: أيها الناس تقدموا، قال: وكانت يد أبي بكر تنتفض من الخوف، قال: فقدم يده للناس هكذا، فقاموا يبايعونه صفاً صفاً رضي الله عنه وأرضاه، ورفع منازلهم، وجمعنا بهم في دار الكرامة. هؤلاء تاريخنا، إذا أردنا أن نتشرف بين الأمم نقدم أبا بكر، ونقدم عمر، ونقدم عثمان، ونقدم علياً، إذا أردنا أن نكون سادة للناس، وعندنا تربية، وعندنا طموح، وعندنا إيمان، فإننا نقدمهم، ونعيدهم، ونبدي سيرهم في المدارس، والمحافل، والمساجد، والنوادي.

علم أبي بكر بتعبير الرؤيا

علم أبي بكر بتعبير الرؤيا يقول: وكان الصديق مع ذلك عالماً بتأويل بالرؤيا، كان يؤول الرؤيا بأمر الله، وكان يعبر الأحلام زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال محمد بن سيرين -هذا محمد بن سيرين كان عجباً في الأحلام، هو المقدم في هذا العلم بالاتفاق- يقول: كان أبو بكر أعبر هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: {أمرت أن أؤول الرؤيا، وأن أعلمها أبا بكر} رواه الديلمي في مسند الفردوس وابن عساكر عن سمرة، ولكنه حديث ضعيف. وكان خطيباً للناس رضي الله عنه وأرضاه في المواسم، ومع ذلك كان من أسد الناس رأياً وأصوبهم، وكانوا يستشيرونه فيأتي رأيه المحقق بإذن الله؛ لكثرة إيمانه ولسداده مع الله. قال النووي في تهذيبه: الصديق أحد الصحابة الذين حفظوا القرآن كله، وقيل: إنه جمع القرآن أربعة من الأنصار، لكن يقولون: أبو بكر حفظ القرآن كله، وهذه مسألة مختلف فيها، ولكن سواءً حفظ القرآن أم لم يحفظ القرآن فهو قرآن يمشي على الأرض، وسواء كان القرآن في صدره فهو يعبر عن القرآن كل القرآن، وسواء كان في ذهنه حروف القرآن فحدود القرآن قام بها؛ لأنه من الناس من يحفظ القرآن ولكن لا يحكم حرفاً منه! زعيم من زعماء العالم الإسلامي، يقول: إنه يحفظ القرآن مثل الفاتحة، لكنه لا يحكم من القرآن حرفاً واحداً أبداً! فما فائدة الحفظ؟! المستشرق جولد زيهر كان يحفظ القرآن كله، وهو عليه عمى ولعنة، ولا فائدة في أن يردد القرآن فقط؛ إنما الفائدة أن يعمل به في الأرض.

فضائل أبي بكر الصديق

فضائل أبي بكر الصديق أما فضله بين الصحابة، فأجمع أهل السنة أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم بقية العشرة ثم باقي أهل بدر ثم باقي أهل أحد ثم باقي أهل بيعة الرضوان ثم باقي الصحابة، هكذا حكى الإجماع عليه أبو منصور البغدادي. روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما وأرضاهما قال: {كنا نخير بين الناس في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان بن عفان} وزاد الطبراني في الكبير: {فيعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره علينا} يقرنا عليه. وعند أحمد والترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من حديث أنس: {أرحم أمتي بأمتي أبو بكر} فهو كان رحيماً، رقيق القلب، عطوفاً على الأيتام والمساكين، وسبق معنا أن ابن القيم أشار إلى قصة أن عمر خرج وراء أبي بكر فوجده عند عجوز عمياء حسيرة يصنع لها الطعام. تصور خليفة يذهب إلى امرأة مسكينة ضعيفة إلى ضواحي المدينة، ويترك أشغاله، ويترك أموره، ويأتي إليها فيكنس البيت، وكان بإمكانه أن يرسل خادماً، أو يستأجر إنساناً، لكن لأنه يعلم أنه سوف يلقى الله يوم يقوم الناس لرب العالمين، فيكنس البيت، ويصنع الطعام، ويقدم الأكل، فيقول عمر عندما دخل: من هذا الشيخ الذي يأتيك؟ قالت: لا أعرفه، لم يقل أنا أبو بكر الصديق، اذكروني للناس حتى يكون هناك دعاية! قالت: ما عرفته؟ قالت: فجلس عمر يبكي، ويقول: أتعبت الخلفاء بعدك، يقول: من يستطيع أن يواصل على هذه المسيرة لك؟ ورويت هذه القصة أيضاً لـ عمر.

ما نزل فيه من القرآن

ما نزل فيه من القرآن وأما ما نزل في مدحه من القرآن، فإنه كثير كثير، واسمع إلى الآيات المباركات. قال سبحانه: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التوبة:40] أجمع المسلمون على أن الصاحب المذكور هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التوبة:40] قال: [[على أبي بكر، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإن السكينة لم تزل عليه]] أي: لم تزل عليه من قبل، لكن أنزلها الله -وهذا رأي ابن عباس - على أبي بكر لأنه خاص. فرق بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر، الرسول صلى الله عليه وسلم يتصل بالله صباح مساء، والملائكة تنزل عليه، وأبو بكر ليس هناك وحي ينزل عليه، فأنزل الله السكينة عليه وثبته؛ لأنه موطن يخيف. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أن أبا بكر اشترى بلالاً من أمية بن خلف وأبي بن خلف ببردة وعشر أواقٍ من فضة، فأعتقه لله، فأنزل الله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:1] إلى قوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:4] سعي أبي بكر وأمية وأبي، سعي أبي بكر إلى الجنة، وسعي أمية وأبي إلى النار، سعي هذا في رفع لا إله إلا الله، وسعي أولئك في رفع (لا إله والحياة مادة) والضلالة والزندقة والانحراف. وفيه نزلت: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل:5] كما ذكر ابن جرير في التفسير؛ نزلت في أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه. {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل:17] ذكر ابن أبي حاتم والطبراني أنها نزلت في أبي بكر. {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل:19] نزلت في أبي بكر الذي أنفق أمواله وما كان ينتظر من أحد شكراً ولا ثواباً، كان يعطي أمواله. وكان أبو بكر كما ذكر عنه، إذا أظلم الليل ونام الناس قام بالطعام فحمله وأعطاه، وكانت تسأله العجوز من أنت؟ فيقول: رجل من المسلمين، ولا يهمه أن تعرفه العجوز فالله يعرفه. قتل شهداء في قندهار في عهد عمر وقندهار في أفغانستان، قال عمر: من القتلى؟ قالوا: فلان وفلان وفلان، وأناس ما عرفناهم يا أمير المؤمنين، فبكى عمر وقال: ولكن الله يعرفهم. بـ قندهار ومن تكتب منيته بـ قندهار يرجم دونه الخبر كان ابن المبارك إذا قاتل في سبيل الله في المعركة غطى وجهه ما تظهر إلا عيناه، فيقال له: مالك؟ قال: ليعرفني الله فقط، الدعايات محبطات، أن تبذل عملاً ثم تدعو الناس وتقول انظروا ماذا فعلت وماذا بذلت، التعداد هذا إحباط المسيرة، ولذلك لا يجعل الله لمن ادعى عملاً، وشهر عمله قبولاً في الأرض. وأخرج البزار وابن عساكر قال علي: [[والذي جاء بالحق: محمدٌ عليه الصلاة والسلام -كتبها البزار هكذا، ولكن الصحيح: والذي جاء بالصدق وصدق به- وصدق به: أبو بكر الصديق]] قال ابن عساكر: هكذا الرواية بالحق، ولعلها قراءة علي بن أبي طالب أي لعل قراءته أن يقرأ: والذي جاء بالحق وصدق به، والقراءة المشهورة {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33]. وعند الحاكم عن ابن عباس، قال: [[نزل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] في أبي بكر وعمر]] أي شاور أبا بكر وعمر، والصحيح أنها عامة، لكن المهم أنه يدخل دخولاً أولياً أبو بكر وعمر. {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم:4] المقصود به: أبو بكر وعمر. وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عند عبد بن حميد عن مجاهد {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب:56] قال أبو بكر: يا رسول الله! ما أنزل الله عليك خيراً إلا أشركنا فيه. فنزلت هذه الآية {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب:43]. وأخرج ابن عساكر في قوله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] نزلت في أبي بكر وعمر، والصحيح أنها عامة، وأول من يدخل فيها أبو بكر وعمر، إلى آخر ذلك من الأفضال.

من كلمات أبي بكر الدالة على شدة خوفه من ربه عز وجل

من كلمات أبي بكر الدالة على شدة خوفه من ربه عز وجل وننتقل لنعيش مع أبي بكر في لحظات مؤنسة في حياته، وإلا فحياته كثيرة كثيرة، وطويلة طويلة. عن معاذ بن جبل عند أحمد والحاكم قال: [[دخل أبو بكر حائطاً وإذا بدبسيٍّ في ظل شجرة -طائر جميل- فتنفس الصعداء، ثم قال: طوبى لك يا طير! تأكل من الشجر وتستظل بالشجر، وتصير إلى غير حساب، يا ليت أبا بكر مثلك]] يقول: ليتني مثلك طائر! هذا أبو بكر، والله على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة، فكيف بنا؟! وعند ابن عساكر عن الأصمعي قال: كان أبو بكر إذا مدح قال: [[اللهم أنت أعلم مني بنفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون]]. وعن مجاهد قال: [[كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع، وقال: وحدثت أن أبا بكر كان كذلك، وكان يقرأ سورة يوسف فإذا بلغ قوله تعالى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] اندفع في البكاء، حتى لا يسمع لقراءته صوت من كثرة بكائه، وكثرة نشجيه]]. وقال أبو بكر فيما أُخرج عن قتادة يقول: [[وددت أنني خضرة، أو نبتة تأكلني الدواب]]. وكان يجلس كثيراً في حوائط المدينة، ويقول: [[يا ليت أمي لم تلدني]]. وكان كثير الزيارة للمقابر ليجدد عهده بالله عز وجل. وكان يلبس ما خشن، ويعمل بنفسه رضي الله عنه وأرضاه، وكان مضيافاً للناس؛ يمتلئ بيته كل ليلة من الضيوف، فكان ينفق عليهم ويعطيهم. يقول: [[حضرت الوفاة ابناً لـ أبي بكر الصديق، فجعل الفتى يلحظ إلى وسادة، فلما توفي قالوا لـ أبي بكر: لحظنا ابنك يلحظ إلى وسادة، فدفعوه عن الوسادة فوجدوا تحتها خمسة دنانير أو ستة، فضرب أبو بكر بيده على الأخرى يتوجع، ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! يا فلان! ما أحسب جلدك يتسع لهذا]] طفل لـ أبي بكر مات فكان الطفل ينظر إلى الوسادة، عنده دراهم كان يدسها، فلما مات لحظ أبو بكر، فرفع الوسادة فوجد خمسة دنانير، فيقول: ما أحسب جلدك يتسع لهذا، يقول: أخاف أن تحاسب، من شدة خوف أبي بكر، يقول: من أين أدخلتها؟ لأنه كان رضي الله عنه هو وعمر يحاسبون بيوتهم. كانت امرأة عمر كما سلف، يأتيها دقيق، كان عمر يوزع الدقيق في كل صباح، لكل بيت وجبة من الدقيق للبيوت، فكانت امرأة عمر تأخذ قليلاً من الدقيق وتحجزه من حصتها، وهي ليست مخطئة وعادلة، فجمعته وجمعته، ولما جمعته أتت بجارية من جواري المدينة، وقالت: اذهبي إلى عمر في بيت المال، ولا تخبريه أن الدقيق من عندي، وقولي له: يعطيك بدل هذا الدقيق حلوى -تريد أن تأكل حلوى هي- فذهبت الجارية بالدقيق في كيس، جمعته من أشهر، فطرقت الباب على أمير المؤمنين وهو جالس، قال: [[من أين هذا؟ قالت: من المدينة. قال: جارية من أنت؟ قالت: من آل فلان. قال: من أرسلك بالدقيق؟ قالت: امرأة. قال: أفي الناس من يخزن دقيقاً، والناس يموتون جوعاً؟ -عام الرمادة- قالت: يا أمير المؤمنين امرأة. قال: من هذه المرأة؟ قالت: اعفني. قال: لا أعفيك. قالت: عاتكة بنت زيد امرأتك فأعاده إلى بيت المال، ونقص من حصتها دائماً بمقدار ما نقصتها]] وحافظ إبراهيم يقول: لما اشتهت زوجه الحلوى فقال لها من أين لي ثمن الحلوى فأشريها قل للملوك تنحوا عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها أي: يأخذها في ساعة، ويعطيها في ساعة، هذا هو الذي فتح الدنيا، ومع ذلك هكذا نفقته رضي الله عنه وأرضاه. وكان أبو بكر يتمثل بهذا البيت ويبكي، يقول: لا تزال تنعى ميتاً حتى تكونه قد يرجو الفتى الرجاء يموت دونه يقول: أنت كل يوم تبكي على الأموات، لكنك ما تبكي على نفسك. وكان فصيحاً، ويتمثل بالأشعار كثيراً، لكن هذا البيت يكرره دائماً: يقول: قد يرجو الفتى آمالاً وطموحات وتسمى المستقبل، لكنه كفنت أكفانه وهو لا يدري، ومع الصباح: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]. وكان رضي الله عنه كثير النوافل، وكان يقوم من الليل فيبكي ويبكي ثم يرتاح قليلاً، ثم يقوم يقرأ ويبكي ويبكي رضي الله عنه وأرضاه. وذكره أهل العلم منهم ابن سعد، وأطنب في ذكره، ونحتسبه على الله عز وجل في هذه الجلسة أن تكون عبادة لنا بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى في ذكر أبي بكر.

وفاة أبي بكر واستخلافه لعمر

وفاة أبي بكر واستخلافه لعمر هذه داهية الدواهي، آخر يوم في حياته، أخرج سيف والحاكم عن ابن عمر: [[كان سبب موت أبي بكر، وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم]] كمد فما زال جسمه يضوي ويضوي حتى مات -يضوي: أي ينقص- لما مات الرسول عليه الصلاة والسلام أتاه هَمَّ وحزن، فكان يذوب ويذوب كما تذوب الشحمة ثم مات. وكان سبب موته أنه أتته حمى قبل أن يموت بأيام، فلما أتى يوم الاثنين، قال: [[أي يوم هذا؟ قالوا: يوم الاثنين في الصباح. قال: أرجو الله أن أموت في هذا اليوم، متى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: مات يوم الإثنين. قال: أموت إن شاء الله يوم الإثنين]] فمات في آخر النهار، وهذه حكمة من الله، كان وفاته يوم الإثنين، ولكن ما مات إلا بعد ما أصلح الأمة، وسوف تسمعون أخباره. وأخرج ابن سعد والحاكم بسند صحيح عن ابن شهاب أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لـ أبي بكر -نوع من الطعام- فقال الحارث لـ أبي بكر: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إن فيها لسم سنة -أي مسمومة لسم سنة- وأنا وأنت نموت في يوم واحد، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة. ودخلوا على أبي بكر الصديق، كما روى ابن سعد وابن أبي الدنيا، قالوا: يا خليفة رسول الله! ألا ندعو لك طبيباً ينظر إليك؟ قال: قد نظر إليَّ الطبيب. قالوا: ما قال لك؟ قال: إني فَعَّالٌ لِمَا أرِيدُ، أي: وصل الموت، يقول أحد شعراء العرب: مات المداوي والمداوى والذي صنع الدواء وباعه ومن اشترى وهذا البيت ينسب إلى أبي العتاهية، وقيل لـ ابن الرومي. نزل به الموت، يقولون: نحن ندعو لك طبيب، نبحث لك عن طبيب. قال: هيهات! يقول الطبيب: إني فعال لما أريد. ودخلوا على ابن تيمية، وهو في مرض الموت رضي الله عنه، وكان يتقلب من ألمٍ ألمَّ به، والله يشدد على الصالحين في سكرات الموت حتى يمحص ذنوبهم، واستدل على ذلك بحديث رواه الترمذي: {المؤمن يموت بعرق الجبين}. فقالوا لـ ابن تيمية: ماذا تشتكي؟ قال: تموت النفوس بأوصابها ولم يدرِ عوادها ما بها وما أنصفت مهجة تشتكي أذاها إلى غير أحبابها هذه من أجمل ما قيل. ودخلوا على أحد الصالحين، قالوا: كيف بك؟ أتريد الطبيب؟ قال: تريدون أن تعيدوني إلى الشباب!! {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ} [يس:68] ثم قال: أترجو أن تكون وأنت شيخ كما قد كنت في عصر الشباب لقد كذبتك نفسك ليس ثوب بلي كالجديد من الثيابِ ودخل عليه بعض الصحابة، فقال له قائل: [[ما أنت قائلٌ لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى غلظته، وشدته، وحزمه، وقوته، فقال أبو بكر: بالله تخوفني؟ أقول لله عز وجل إذا سألني: اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عني ما قلت من وراءك]] أي: من المسلمين، أخبرهم أني استخلفت عليهم خيرهم. وكتب له، وكان الكاتب عثمان، وكان أبو بكر يملي على عثمان، وكان أبو بكر على مخدة وكان مريضاً، وعثمان كاتب الوصية، وصية المسلمين، وكان عمر يبكي في بيته، لكن كان عمر يزور أبا بكر كثيراً، وفي الأخير خرج يبكي ذاك اليوم لأنه عرف أن أبا بكر سيموت، فتأخر علَّ الله أن يصرف عنه الخلافة لأحد من الناس؛ لأنها مشكلة، كارثة، كيف يتولى عمر الأمة. وفي أثنائها قال أبو بكر لـ عثمان اكتب: [[بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها إلى الله، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها -وكان عثمان يكتب الرسالة ودموعه تسقط على القرطاس، هذا عثمان بن عفان الخليفة الثالث- حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آلُ الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً -يقول: والله إني اجتهدت- وإني اجتهدت في هذا فإن عدل في الحكم فذلك ظني به وعلمي فيه -يقول: والله إني أحسنت الظن به، إن عدل بعدي فعسى الله أن يكون، وهذا ظني به- وإن بدل فإن لكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227]-يقول: انتبه يا عمر - والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]]. ثم أمر بالكتاب فختم، فقام به عثمان، وتباكى الصحابة وعثمان يسلم الخطاب لـ عمر، ومعه خطاب آخر يقول: [[يا عمر اتق الله لا يصرعنك الله مصرعاً كمصرعي]] فوصل الخطاب، ففتحه عمر، وبكى وأبكى من معه من أهل البيت، ثم جلس، فقال: ماذا أفعل؟ قالوا: انظر ماذا فعل أبو بكر، فقدموا له بقية التركة، قال ابن سعد والحاكم عن ابن مسعود قال: ما قدموا له إلا شيئاً يسيراً فبكى عمر وقال: [[أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر]] رضي الله عن أبي بكر.

أوليات أبي بكر الصديق

أوليات أبي بكر الصديق منها: أنه أول من أسلم رضي الله عنه. وأول من جمع القرآن، وأول من سماه مصحفاً. وأخرج أحمد عن أبي بكر بن أبي مليكة قال: قيل لـ أبي بكر، يا خليفة الله -أول ما نادوه بالخلافة لم يكن معه اسم، ماذا يقولون له؟ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعين أسماء لمن بعده؟ قالوا: يا خليفة الله، قال: [[أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا راضٍ بهذا]] أي يقول: سموني خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم. وأول من تسمى بأمير المؤمنين: عمر، إنما أبو بكر كان يسمى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنها: أنه أول من ولي الخلافة وأبوه حي. وأول خليفة فرض له رعيته العطاء؛ لما أراد العطاء مع المسلمين، وزع العطاء على المسلمين إلا نفسه تركها، فقام وجمعهم، وقال: [[أيها الناس: إني شغلت بالخلافة عن الكسب، وكنت احترف، وكنت أعمل لأهلي، وأكد على أهلي، فافرضوا لي من بيت المال فرضاً؟ قالوا: لك ألفا درهم. فقام أبو عبيدة قال: لا. أبو بكر رجل مضياف أرى أن نفرض له ألفين وخمسمائة درهم في السنة، فرضي بها رضي الله عنه، وقالوا: لك حلتان، حلة في الشتاء وحلة في الصيف، أي: إذا أتى الشتاء كسوناك من بيت المال ثوب صوف، وإذا أتى الصيف كسوناك ثوباً أبيض تتبرد فيه. قال: رضيت بهذا، فرضي بهذا رضي الله عنه، وفرض له هذا]]. قال: لما بويع أبو بكر أصبح وعلى ساعده أبراد ثياب يذهب بها إلى السوق، فلقيه عمر قال: أين تريد؟ قال: السوق، ترتاح أنت وفلان وفلان وتتركون أطفالي جياعاً، يقول: شغلتموني بالخلافة، أكتب، وأجهز الجيوش، وأدير الدولة، وأطفالي يموتون، أول النهار أشتغل في البز أبيع وأشتري في القماش، وفي آخر النهار أصرف أمور الدولة، قال عمر: لا، فجمع الصحابة وقال: نفرغك للخلافة لكن بشرط أن نعطيك راتباً تقنع به، فرضي الله عنه وأرضاه. وهو أول من جمع القرآن، قال زيد بن ثابت: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة -قتل القراء في اليمامة - وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر في أهل اليمامة، وإني أخشى أن يذهب القراء، ويذهب القرآن معهم، فاجمع القرآن فإنك شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تجمع القرآن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، قال زيد بن ثابت: [[والله لو كلفوني بنقل جبل من مكانه لكان أسهل عليَّ]] فبدأ يتتبعه ويجمعه، وكان يشرف على هذا المشروع أبو بكر بنفسه رضي الله عنه وأرضاه. وكان أبو بكر رضي الله عنه يسأل، ويمر على كثير من بيوت الأنصار، ويسأل عن معاريف الرسول صلى الله عليه وسلم فيصلهم، معاريف الرسول صلى الله عليه وسلم الذين كان رسول الله يحسن إليهم، كان يصلهم بخلافته، وكان إذا قسم شيئاً بدأ بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فأعطاهن، ثم بدأ بالمسلمين، وكانت تستوقفه العجوز رضي الله عنه وأرضاه، فيقف لها طويلاً يحدثها حتى تنتهي.

بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعده

بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعده أما مبايعته فتعرفون أنه لما اختلف الناس بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فضل أبي بكر في سكرات الموت، لما قال: {مروا أبا بكر فليصل بالناس} واجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، واختلفوا من يولوا عليهم، أتى أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فتكلم عمر بكلام لم يعجب الأنصار، كان عمر رضي الله عنه قوياً، وهذه المجالس التي فيها جدل وفيها محاورة وشورى تحتاج إلى رجل لين فصيح، يحاول أن ينظم الكلام، قال عمر: فزورت كلاماً في صدري، فمنعني أبو بكر أن أتكلم، وأسكتني، فتكلم بكلام فوالله ما ترك في صدري شيئاً إلا أتى بأحسن منه وما تهيأ أبو بكر، وقد كان الأنصار يريدون الخلافة لأنهم في الدار، أو يريدون أن يكون منهم خليفة، وعندهم اقتراحات، يكون الخليفة منهم، والاقتراح الثاني: يكون من المهاجرين خليفة ومن الأنصار خليفة. قال أبو بكر: أيها الأنصار: واسيتم وكفيتم وأطعمتم وسقيتم، فجزاكم الله عنا خير الجزاء، والله يا معشر الأنصار ما مثلكم ومثلنا إلا كما قال طفيل الغنوي يمدح بني جعفر: جزى الله عنا جعفراً حيث أشرفت بنا نعلنا في الشارفين فزلتِ هم خلطونا بالنفوس وألجئوا إلى غرفاتٍ أدفأت وأظلتِ أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي الذي يلقون منا لملتِ فلما سمعوا هذا الكلام العجيب، والسحر الحلال، قاموا فبايعوه فبايعه الناس، ثم عاد إلى المسجد فبايعه الناس البيعة العامة، وتولى أمر الأمة، ومكث سنتين وستة أشهر، وكان في خلالها مريضاً، مجهداً، قليل النوم حتى توفاه الله، جمعنا الله به في دار الكرامة. وكان رضي الله عنه وأرضاه إذا أراد الخروج إلى الصلاة مرَّ ببيوت جيرانه، وببيوت أبنائه وأخرجهم معه إلى الصلاة.

طرائف من حياة الصديق

طرائف من حياة الصديق ومن الطرائف في حياته: أنه مر بابنه فأخرجه، فتأخر ابنه فعاد إليه يصيح عليه عند الباب، وكان عند أبي بكر حدة، ويقول: أخرته فلانة، يعني: زوجته، يقول: ما خرج معنا يدرك تكبيرة الإحرام أخرته فلانة. ومن الطرائف في حياته التي رواها البخاري، أن ضيوفاً أتوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر يتصدى للضيافة في أول الناس هو وسعد بن عبادة، فأكثر ما ينطلق من الضيوف مع أبي بكر وسعد لأنهما أكرم الناس وعندهم تجارة وخير، فكان أبو بكر من المهاجرين، وكان سعد بن عبادة من الأنصار، قال: كان بعض الصحابة يضيف اثنين وثلاثة على حسب ما عنده من الطعام، وكان أبو بكر يأخذ الثمانين وحول ذلك، فانطلق بهم إلى سرحة معه، فقال لـ بنت أبي فراص -أي زوجته- اصنعي لهؤلاء طعاماً، وصنعوا طعاماً، وذهب هو وقال للناس أن يتعشوا ويأكلوا، فقدموا الطعام، وذهب هو إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان عنده ضيوف، لكن يريد أبو بكر أن يكون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، قريباً منه حيث تأتيه وفود العرب يسمع ماذا يقولون؟ وماذا يقال له؟ ولا يرتاح أن يكون في بيته ويفارق الرسول صلى الله عليه وسلم، وترك ابنه في البيت، ليضيف الناس، فصنعوا الطعام، وأنزلوا الصحاف للناس ليأكلوا، وقال الضيوف من العرب: والله لا نأكل حتى يأتي أبو بكر، فبرد العشاء عليهم، وأتى أبو بكر بعدما نام الناس، قال: أين الضيوف؟ نام بعضهم وبعضهم لم ينم، قال: قدمنا لهم الطعام، ولكن ما أكلوا، واختفى ابنه -وهذا في البخاري - اختفى وراء الستار خوفاً من أبي بكر. قال: يا غنثر! يقول لابنه، وسبَّ، وجدَّع، لكنه يتأثر، كلوا ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، فأنزل الضيوف يأكلون، قالوا: والله ما رفع لقمة إلا أتى بدلها لقمة، قال: فلما أكل هؤلاء الثمانون ما نقص من الصحاف شيء، فوزعها في أهل المدينة. ونص على ذلك النووي في رياض الصالحين في باب كرامات الأولياء رضي الله عنه وأرضاه. وكان شديد الحدة، دخل مرعى الصدقة الذي تقسم فيه إبل الصدقة ومعه خطام، قال لـ عمر: ادخل معي ولا يدخل أحد. فوقف الناس الأعراب، والمسلمون، والفقراء خارج السور، يريدون أن يأخذوا شيئاً من الإبل، فدخل وقال: للحارس لا يدخل أحد، فدخل أعرابي مع دخول عمر. فنظر إليه أبو بكر، فأخذ الخطام فضرب الأعرابي على رأسه بالخطام، وقال: اخرج. ثم التفت فتأثر، وتذكر لقاء الله {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] قال: تعال يا أخا العرب تعال، اقتص مني خذ الخطام، قال عمر: والله لا تكون، قال: ولم؟ قال: كلما أدبنا الرعية ضربونا، أي: تريد تسنها سنة، يعني: كلما أدبت إنساناً مشاغباً قام يضربني، لأنه لو فعلها أبو بكر كان عمر يفعل ذلك. قال: ماذا ترى؟ قال: أعطه جملاً من الجمال. قال: صدقت، فأعطاه جملاً بالخطام، وقال: خذ، والأعرابي يريد الجمل ولو بعشرين ضربة، فأخذها وخرج وقد عفا عن أبي بكر، وقال: غفر الله لك! وهذا الذي يريد رضي الله عنه وأرضاه. ومن الطرائف في حياته: أنه كتب صكوكاً لأناس يتألفهم على الناس؛ والتألف في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن من الأراضي العامة يتألفهم، فكتب لـ عيينة بن حصن أرضاً قريبة من المدينة يتألفه وادٍ فيه ماء، قال: فأتى عيينة بن حصن إلى أبي بكر رضي الله عنه وقال: أنجز لي ما وعدتني من الأرض، فكتب له رسالة وقال: مر بـ عمر يرى الرسالة؛ لأنه مستشاره، فمر إلى عمر وهو يطين حائطاً له، فقال: أرني الرسالة؟ فأراه فقطعها، ثم رماها، فقال: كنا نتألف الناس في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ونحن ضعفة، فأما الآن فنحن أقوياء، إما أسلمت وإلا هذا السيف. قال: أنت الخليفة أم أبو بكر؟ قال: أنا هو غير أنه إياي! وهذا من أجمل ما قيل في كلام العرب، يقول: أنت الخليفة لماذا تشق المرسوم، قال: أنا وهو شيء واحد. فأقره أبو بكر، وتبسم لما سمع خبره، لأنه يفوضه في كثير من الأمور، ومقصود عمر أنه لا تتألف الناس والإسلام قوي كما في عهد الضعف، أما في عهد القوة فمن يدخل فبها ونعمت! ومن يخرج يقتل بالسيف، بعدما وضح الدين، فألغى أبو بكر الإقطاعيات بسبب كلام عمر رضي الله عنه وأرضاه. وكان أبو بكر إذا تحدث وقف عمر كالحارس على ظهره، أي: كالجندي، يريد أبو بكر أن يتكلم للناس، يقف رضي الله عنه وأرضاه من باب التشريف لـ أبي بكر والتقديم له يقف حتى ينتهي من الكلام، ويسل سيفه بين يديه. وقال الأحنف بن قيس: [[دخلت المدينة فإذا الصحابة مجتمعون، وإذا شيخان أحدهما يقبل رأس الآخر، قلت: من هذان الشيخان؟ قالوا: أبو بكر وعمر]] أي: اختلفوا في مسألة ثم تراضوا، فقام هذا يقبل رأس هذا، وذلك لأن عمر قال لـ أبي بكر: لا تقاتل من منع الزكاة ولكن ادعهم، فقام أبو بكر غضباً من كلام عمر، فأخذ بلحية عمر وكانت كثة، وهز رأسه، وقال: جبار في الجاهلية، خوار في الإسلام؟! يقول: كنت تخوف الناس في الجاهلية، ولما أتيت في الإسلام أصبحت جباناً، فدعا له بالبركة ثم عفا عنه، ثم قام معه، وكان من أول من قاتل معه في سبيل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. انتهت محاضرة " أبو بكر في عصر الذرة" وأسأل الله أن يجمعنا به، وأخباره طويلة، ومن أراد الاستزادة فليراجع كتب التاريخ، وليعش مع أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وليتقدم بين يديه، وليسمع أخباره؛ فإنها مضرجة في الصحيح، بل في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند مسلم قال: {من أصبح منك اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: من زار مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: من شيع جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: من تصدق بصدقة اليوم؟ قال أبو بكر: أنا، وسكت الناس، قال: ما اجتمعت هذه الخصال في امرئ في يوم واحد إلا دخل الجنة} وهو من أهل الجنة نشهد الله على ذلك، ونشهد الله على محبته فإنه كان من أكبر الأسباب والمتسببين من الناس في نشر هذا الدين، وفي اجتماعنا في هذا المسجد، وفي نزول هذا الهدى، وفي انتصار هذا الدين، وهذا المنهج الرباني، وفي بقائه في الأرض، هو من أكبر المناصرين، فرضي الله عنه وأرضاه.

الأسئلة

الأسئلة

الوصول إلى درجة أبي بكر

الوصول إلى درجة أبي بكر Q أريد أن أصل إلى درجة أبي بكر، فماذا أفعل؟ A لن تصل ولا تتعب نفسك أبداً، يقول الشاعر: لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد ولو اجتمعنا كلنا ما وصلنا إلى جزئية من جزئيات أبي بكر {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] عذرت البزل إن هي قارعتني فما بالي وبال ابن اللبونِ وابن البونِ إذا ما لز في قرنٍ لم يستطع صولة البزل القناعيسِ لشتان ما بين اليزيدين في الندى: هذان يزيدان كانا أميرين أحدهما في مصر والآخر في العراق، فأحدهما كان لصاً ومرتشياً يسرق أموال الناس ويبني بها البيوت، ويزيد بن حاتم كان ينفق على الناس وعلى الفقراء ولا يمسك شيئاً، فأتى شاعر عند يزيد القيسي فطلب منه فمنعه، ويقولون: إنه احتال عليه حتى أخذ ما عنده من رحل، بعض الناس إذا أتيت ومعك حذاء جميل أخذها، ومعك سيارة جيدة سلبها، ولكن الآخر أعطاه، فقال في شعره: لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتم فهمُّ الفتى الأزدي إتلاف ماله وهمُّ الفتى القيسي جمع الدراهمِ ولا يحسب التمتام أني هجوته ولكنني فضلتُ أهل المكارمِ والتمتام الذي لا يعرف يتكلم. فعلى كل حال لا نستطيع أن نصل إلى درجة أبي بكر، لكنك بحبك تحشر معه، وبعملك على قدر مستواك، وبجهدك، لأن أبا بكر وفق لأمور: منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم معه. ومنها: أنه عاش في زمن الوحي. ومنها: أن الله أعطاه الإخلاص والإيمان. ومنها: أنه بذل وجاهد. ولكنا نطلب من فضيلتك -أيها السائل- أن تصلي الفجر معنا في الجماعة وكثر الله خيرك، وحفظك، وألا تستمع الغناء، ولا تطيل ثوبك، ولا تحلق لحيتك، ولا تشرب الدخان، وإن شاء الله بإذن الله تنجو يوم القيامة. أما أبو بكر، فالعالم الإسلامي عدده مليار اليوم، لو جمعت المليار وصغتهم في رجل واحد ما صاروا مثل أبي بكر، ولو كان عندنا أبو بكر هنا كنا انتصرنا على العالم بإذن الله، بفضل الله عز وجل، لكن ليس عندنا أبو بكر. يقول محمد إقبال: مخ مائتي حمار لا تساوي مخ رجل، وليس أقصد الناس المستمعين فإنهم أبطال وأسود، ولكني أقصد الأوباش المتخلفين لو جمعت مخوخهم وأدمغتهم ما بلغوا مثل دماغ أبي بكر أبداً. أبو بكر أتى بتربية من الرسول عليه الصلاة والسلام واجتهد.

سيرة أبي بكر الصديق حقائق وليست مبالغات

سيرة أبي بكر الصديق حقائق وليست مبالغات Q أنا أحب الواقعية ولا أحب المبالغة في الأمور، ولا أتأثر بالشيء الذي أرى فيه غرابة، ولكني رقيق القلب عند الموعظة كثيراً كثيراً، وأحاول قيام الليل، وأوبخ نفسي كثيراً؟ A أما قولك في المبالغة إن شاء الله فليس هنا مبالغة، بل نحن ما زلنا في أقل الأخبار عن أبي بكر، وكلها ما صح عنه، إن كان تقصد هذا، إن كان تعرف بنا. فما أتينا إلا بالحق وليست مبالغة {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] البخاري يروي ومسلم والعالم كلهم وأنتم تقولون مبالغة. مايكل هارف يثبت سيرة أبي بكر وسيرة عمر وكريسي موريسون وفلان وفلان، والغربيون ألفوا عنه كتباً، وأنتم نقول: إنها مبالغة، ما بالغنا لأننا نعيش في عصر إذا قارنت ما فيه بذاك قلت: مبالغة، وليس فيه من المبالغة شيء.

المفاضلة بين الصحابة في الحب

المفاضلة بين الصحابة في الحب Q أحب الصحابة كلهم، لكن أحب أبا بكر أكثر؟ A هذا هو السنة، ألا تساوي بين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وهكذا دواليك.

معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: إنكن صويحبات يوسف

معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: إنكن صويحبات يوسف Q ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إنكن صويحبات يوسف}؟ A أي: أن النساء هن مثل اللواتي اجتمعن في بيت امرأة العزيز، فقطعن أيديهن ليمكرن به {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:31] فمن باب أن الرسول يسبهن سب تأديب.

قصيدة في أبي بكر الصديق

قصيدة في أبي بكر الصديق Q هل تسمعنا أبيات في مدح الصديق رضي الله عنه؟ A سوف يكون لي في ذلك قصيدة، ولكن الآن قصيدة حسان، وصاحب الغار: إني سوف أذكره وطلحة بن عبيد الله ذا الجود يقول حسان: إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا التالي الثاني المحمود سيرته وأول الناس طراً صدق الرسلا

أحوال الأمة

أحوال الأمة Q كان الناس يقولون كلمة الحق، وكان العلماء ينصحون، ويوجهون، وكانت الأمة تستمع كلمة الحق، وكان العصاة يتأثرون، فما للأمة أصبحت كما ترى؟ A يقول الأصمعي: مررت بأعرابي يقول: يا رب إني جالس كما ترى وامرأتي جالسة كما ترى فما ترى يا ربنا فيما ترى أي هو فقير فيقول: أنا فقير والمرأة فقيرة، وأنت برأيك؟! أحد الناس الحمقى ذهب إلى غار حراء، فكان يدعو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وكان وراءه حجر صغير فسقط، قال: لا تدفعنا يا رسول الله! أتينا نطلب الله! أيها الإخوة الكرام: إلى لقاءٍ آخر نترككم، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

احفظ الله يحفظك

احفظ الله يحفظك إن كل متمسك بهذا الدين معتز به يعلم أنه إذا حفظ الله فإن الله سوف يحفظه، وكم في هذه الأمة من نماذج رائعة ضربت أروع الأمثلة في الشجاعة والتضحية والعزة في هذا الدين، ولم يكن ذلك إلا بحفظ الله، وقد ذكر الشيخ - حفظه الله- خمسة عشر قصة تبين حال من حفظ الله، فكان بحفظ الله لا يخاف في الله لومة لائم، ولا بطش سلطان ولا جبروت متجبر، ولكن ليعلم كل إنسان أن هذا الحفظ مقرون بالتزامات من ضيعها فإنه ليس ممن يستحق حفظ الله له. وحتى تكتمل الصورة ذكر الشيخ نماذج ممن ضيعوا الله فضيعهم الله.

نص حديث: (احفظ الله يحفظك) وروعة معانيه

نص حديث: (احفظ الله يحفظك) وروعة معانيه الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها المسلمون: عنوان هذه المحاضرة: احفظ الله يحفظك. وهي للمرة الثانية تقال، ولا تزال تُكرر ما دام في الأرض إسلام وما دام في الأرض مسلمون. من يتقِ الله يحمد في عواقبه ويكفه شر من عزوا ومن هانوا من استجار بغير الله في فزع فإن ناصره عجز وخذلان فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان صح عنه -عليه الصلاة والسلام- عند الترمذي وأحمد أنه قال لابن عمه -حبر الأمة- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: {يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} زاد أحمد في المسند: {واعلم أن الفرج مع الكرب، وأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسراً}. وهذا الحديث صحيح، وهو وصية محمد -عليه الصلاة والسلام- للأولين والآخرين. قال بعض الصالحين: إذا أردت أن توصي حبيبك أو صاحبك أو ابنك فقل له: احفظ الله يحفظك. قال أحد العلماء: تأملت في هذا الحديث فكدت أدهش لما فيه من معان جليلة. ولذلك قال سليمان بن داود عليه السلام وعلى أبيه: تعلمنا مما تعلم الناس ومما لم يتعلم الناس فما وجدنا كحفظ الله في الغيب والشهادة. وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه لـ معاذ وأبي ذر: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن}.

نماذج ممن حفظوا الله فحفظهم

نماذج ممن حفظوا الله فحفظهم وعناصر هذه المحاضرة هي: أبو الطيب الطبري يقفز من السفينة بحفظ الله. البرامكة ضيعوا الله فضيعهم الله. العصفور في حفظ الله وفي كلاءته ينقل للحية رزقها. الرجل الإسرائيلي يرسل رسالة في خشبة في البحر فيوصلها عالم الغيب والشهادة. صلة بن أشيم يحميه الواحد الأحد من الأسد وهو في الصحراء. عقبة بن نافع يخترق غابة أفريقيا فيتكلم بحفظ الله مع الوحوش فتعود إلى مستعمراتها. سيف الله أبو سليمان خالد بن الوليد يتكلم مع الروم فينصره الله بكلمة رائعة. إبراهيم عليه السلام يلقى في النار فيتذكر عظمة الله فينصره الله ويحفظه الله. نوح يركب البحر فيتذكر الواحد الأحد ويتخلى عن الأضداد والأنداد فيعلي الله كلمته. يونس بن متى في ظلمات ثلاث حفظه الله عندما حفظ الله في الرخاء. يوسف عليه السلام يسبح في الجب فيحفظه الله في المآزق. موسى بن عمران تدلهم عليه المصائب فيجتبيه الواحد الأحد. الحسن مع الحجاج في صراع رهيب. الأوزاعي مع عبد الله بن علي العباسي في مجلس من مجالس الموت. أعرابي يتكلم مع الحجاج في الحرم. الثوري مع أبي جعفر يصمته بحجة. هذا وبقية العناصر سوف ترد، والله المستعان، وإنها لوصية للأولين والآخرين، وإن هذه المحاضرة لا توجه لصنف من الناس، إنما هي للملوك والأمراء وللوزراء، وللموظفين والأطباء والمهندسين، وللتجار والفلاحين، وللرجال والنساء. دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس يا حافظ الآمال أنتت حميتني ورعيتني وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] قالها يعقوب لما ضاع منه يوسف، وتذكر يعقوب أن الذئاب سوف تأكل يوسف، فقال: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] وتذكر أن الفرقة حلت بينه وبين ابنه الحبيب، فقال: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] وتذكر أن فلذة كبده لا يدري هل يعود أم لا؟! فقال: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. قال بعض العلماء: ضاع يوسف من أبيه يعقوب أربعين سنة، فرده الذي هو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.

أبو الطيب الطبري يقفز من السفينة

أبو الطيب الطبري يقفز من السفينة أتى أبو الطيب الطبري -أحد علماء الإسلام- إلى سفينة فركبها، فلما اقترب من الشاطئ -وهو في السبعين من عمره- أراد أن يدلف إلى الشاطئ فقفز، وكان معه شباب فأرادوا أن يقفزوا فما استطاعوا؛ فقالوا له: كيف استطعت وما استطعنا وأنت شيخ كبير؟ قال: هذه أعضاء حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر. {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] وهذه القصة ذكرها ابن كثير رحمه الله. فالعين يحفظها الله إذا حفظت الله، والسمع يحفظه الله يوم يحفظ الله، وكذلك اليد والرجل: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64].

البرامكة ضيعوا الله فضيعهم

البرامكة ضيعوا الله فضيعهم كان البرامة وزراء لبني العباس، فأعطاهم الله المال من الذهب والفضة، وطلوا قصورهم بكل شيء من الألوان، حتى قال بعض المؤرخين: كانوا يطلون قصورهم بماء الذهب! لكنهم ضيعوا أوامر الله، فالمعصية في داخل القصور؛ غناء وخمر ومجون وضياع وتضييع للصلاة، وزنا وفحش، فأخذهم علام الغيوب الذي يمهل ولا يهمل: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] فسبحانه ما أقدره! ولا إله إلا الله ما أعظمه! ولا إله إلا الله ما أجله! ورد في أثر قدسي: {رقاب الملوك بيدي إذا أردت أن أقصم ملكاً قصمته} وصح في الحديث: {الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري؛ من نازعني فيهما عذبته}. فهؤلاء الوزراء أخذوا في غداة واحدة، سلط الله عليهم أحب الناس إليهم وهو هارون الرشيد، الذي كان صديقهم وأخاهم وهو الخليفة، فغضب عليهم ضحى (قبل الظهر) فأخذ شبابهم، فقتلهم بالسيف قبل الظهر، وأخذ أشياخهم فأودعهم في السجن، وأخذ أبناءهم فجعلهم في المستعمرات تحت الأرض، وأخذ النساء فأوصد عليهن في الغرف. بكاء هنا وبكاء هناك، ودمع هنا ودمع هناك. قيل لـ يحيى بن خالد البرمكي: ماذا أنزلكم في هذا المنزل في الظلام بعد هذه النعم، بعد الذهب، والحرير، والديباج؟! قال وهو يبكي: دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل غفلنا عنها وما غفل الله عنها! جاءت تردى تمشي رافعاً ذراها أولها ردت على أخراها قيل لـ علي أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه: كم بين العرش والتراب؟ قال: دعوة مستجابة. لم يجب بالأميال ولا بالكيلومترات ولا بالمقايسات، وإنما قال: دعوة مستجابة يرفعها الله على الغمام حتى تصل إليه، ثم يقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين. وكان عليه الصلاة والسلام يقول لـ معاذ فيما صح عنه: {واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب}. أُخِذ البرامكة، فبقي الشيخ أبوهم في السجن سبع سنوات، طالت أظافره، وطال شاربه، ما وجد مقراضاً يقلم أظفاره ما وجد مقصاً يأخذ من شاربه، كان يتوضأ ويقضي حاجته في مكانه وفي زنزانته، وهو يبكي بعد النعيم، وبعد السرير والديباج. باتوا على قمم الأجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل واستنزلوا بعد عز من معاقلهم إلى مقابرهم يا بئسما نزلوا! {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. من الذي يصرف الأمور إلا الله؟! من الذي بيده المقاليد إلا الواحد الأحد؟! من الذي يأخذ رقاب الناس ويأخذ لهذا من هذا إلا الله؟! فاعتمد على الله، ولذلك ندد الله بالمشركين والمتخلفين والفجرة فقال: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3].

العصفور ينقل للحية رزقها

العصفور ينقل للحية رزقها قال ابن الجوزي في صفة الصفوة: رأى رجل عصفوراً يطير من شجرة إلى شجرة وبفمه لحم، فصعد هذا الرجل إلى النخلة فوجد فيها حية عمياء، فكان إذا اقترب منها العصفور وشوش لها بصوته فتفتح فمها فيضع قطعة اللحم. حية يصلها رزقها إلى رأس النخلة بعصفور، وهي عمياء يوصوص لها العصفور فترفع فتفتح!! من الذي دل العصفور؟! إنه الواحد الأحد، رب العصفور، ومن الذي رزق الحية؟! إنه الحي القيوم رب الحية: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6].

مالك بن دينار

مالك بن دينار قال ابن رجب وهو يروي عن أحد الصالحين، وهو مالك بن دينار قال: نمت في حديقة، فاستيقظت من نومي وإذا بحية أخذت زهرة في فمها وهي تزيل البعوض والذباب عن وجهي. سبحان الله! ونحن نقر كرامات الأولياء ونشهد أنها حق، وقد أقرها أهل السنة والجماعة، ولكن الشاهد {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64].

يرسل رسالة في خشبة فيوصلها عالم الغيب والشهادة

يرسل رسالة في خشبة فيوصلها عالم الغيب والشهادة وروى البخاري في صحيحه في باب الوكالة: {أن رجلاً من بني إسرائيل ذهب إلى أخيه يستلف منه ويقترض ألف دينار -وكلاهما مؤمنان مصدقان بالله الواحد الأحد- فقال له: أسلفني ألف دينار فأنا محتاج وفقير. قال: من يكفلك؟ قال: الله يكفلني، قال: رضيت بالله} من رضي بالله سلمه الله وأعطاه ما تمنى، قال: رضيت بالله، وهل بعد الله من مطلب؟! يقول النابغة الذبياني لـ النعمان بن المنذر: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب يقول: حلفت لك، وهل تريد بعد الله من قسم؟ حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب لئن كنت قد بلغت عني وشاية لمبلغك الواشي أغش وأكذب {قال: من يكفلك؟ قال: الله الواحد الأحد. قال: رضيت بالله، تعال بالصك؛ فكتب الصك، فلما بقيت خانة الشهادة قال: من يشهد لك؟ قال: يشهد لي الله. قال: رضيت بالله شاهداً، فكتبوا وشهد على ذلك الحي القيوم، وأخذ الصك وأعطاه ألف دينار، وذهب الإسرائيلي من أخيه لا يدري أين يذهب، ولا يدري أين منزله لكنه توكل على الله. وبعد حين جاء وقت أداء القرض فذهب هذا الإسرائيلي ليركب البحر ويوصل الدين إلى صاحبه، فإذا أمواج البحر تضطرب وإذا بالهول أمامه، فعاد إلى بيته، ثم رجع إلى الشاطئ فما وجد سفينة ولا قارباً، فدمعت عيناه، وقال: يا رب! أراد كفيلاً فقلت: أنت الكفيل فرضي بك، وطلب شاهداً فقلت: أنت الشاهد فرضي بك، اللهم ادفع له هذا المال. وأخذ خشبة ونقرها ووضع فيها ألف دينار، ثم كتب رسالة إلى صاحبه، ثم قال: باسم الله، ووضعها في الماء. فأخذها الكفيل الذي ليس بعده كفيل والشاهد الذي ليس بعده شاهد، وأخذت تتدحرج على ظهر الماء ولا تغرق، والرجل الآخر في نفس الميعاد خرج ليستقبل صاحبه في السفينة على الموعد، فانتظر فما قدمت سفينة، وما أتى قارب، ولم يأت صاحبه، وإذا بالبحر يرمي إليه بخشبة، فقال: لا أفوت سفري، آخذ هذه الخشبة حطباً لأهلي، فذهب فكسر الخشبة فوجد الألف الدينار ووجد الرسالة} {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64].

صلة بن أشيم يحفظه الله من الأسد

صلة بن أشيم يحفظه الله من الأسد وقال ابن كثير وأبو نعيم بسندين جيدين: كان صلة بن أشيم يغزو في خراسان مع قتيبة بن مسلم، وكان صلة بن أشيم من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر وهو في صلاة وفي عبادة وفي بكاء، فقل لأهل الغناء وأهل البلوت، قل لأهل الطرب والفواحش صلة بن أشيم من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر وهو في دعاء وفي مناجاة. قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسمار وكان قتيبة بن مسلم يقول: الحمد لله الذي جعل في جيشي مثلك يا صلة وكان إذا قام يصلي الليل يأخذ بردة بألف دينار ويطيبها ويقول: اللهم إنك جميل تحب الجمال ما لبستها إلا لك. فيلبسها في الليل وإذا أتى النهار خلعها، لا يتجمل للناس، ولو أن التجمل للناس مطلوب، لكن الله هو الجميل الذي يحب الجمال، كما في صحيح مسلم. فخرج من الجيش بعد أن ناموا، ودخل الغابة وقام يصلي ويتنفل ويبكي، وهو في الجبهة في سبيل الله، قريباً من كابل التي ضيعناها يوم ضيعنا لا إله إلا الله. بنفسي تلك الأرض ما أحسن الربى وما أحسن المصطاف والمتربعا قام يصلي فأتى الأسد عليه، وأنتم تعرفون الأسد، حيدرة، الهزبر، الليث، الذي سمته العرب ملك الحيوانات، كان إذا زأر في واد يرتحل العرب من الوادي، لا يصارعه أحد. فأتى الأسد وهو في الصلاة، فدار عليه قالوا: فما تحول وما تحرك وما اضطرب، فلما سلم من الركعتين قال: يا حيدرة، ياليث، إن كنت أمرت بأكلي فكلني فإنه ليس معي سلاح إلا حماية الله، وإن كنت ما أمرت بقتلي فلن تسلط علي فاذهب واتركني أصلي، فقام الأسد فلوى ذنبه، وخفض صوته، وذهب كأنه جرو الكلب حتى دخل جحره: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. قال أحد العلماء: لما أطعنا الله سخر لنا الوحوش، ولما عصينا الله سلط علينا الفئران. ولذلك يقول أحد الأدباء لما رأى إسرائيل هاجمت بلاد العرب وأخذت القدس: أيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقُصّرُ وليمون يافا يابس في أصوله وهل شجر في قبضة الظلم يثمر يوم جاء عمر لفتح بيت المقدس كيف جاء؟ جاء ومعه مولاه، وهو يقول له: اركب أنت ساعة وأنا أركب ساعة. فقال: يا أمير المؤمنين! يلقانا القواد ووجوه الناس وأنت تقود الجمل! قال: لا أم لك! من أنا؟ كنت أسمى في الجاهلية عميراً، اركب ساعة وأنا أركب ساعة. فكان عمر يقود الجمل وخادمه يركب، ثم ينزل الخادم ويركب عمر، فلما أشرف عمر على قادة الجيوش: عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة وأبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان ومعاوية، فتقدم عمرو بن العاص وقال: أخجلتنا يا أمير المؤمنين! أتقود الجمل؟!! قال: [[يا عمرو! نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]].

محمد بن واسع

محمد بن واسع فتح قتيبة بن مسلم كابل وطوقها، فلما اقتربت ساعة الصفر وسلت السيوف، وتنزل النصر من السماء: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] قال قتيبة بن مسلم: التمسوا لي محمد بن واسع الأزدي -أحد الصالحين الأخيار- أين هو؟ فذهبوا فوجدوه قد صلى الضحى وجعل رمحه إلى الأرض، واعتمد على الرمح وهو يدعو الله بالنصر: يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام نصرك الذي وعدتنا. فعادوا إلى قتيبة فأخبروه فبكى وقال: والله الذي لا إله إلا هو! إن إصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير ومن مائة ألف شاب طرير. {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64].

خالد بن الوليد وسحقه للروم

خالد بن الوليد وسحقه للروم إنها عقيدة لقي بها السلف الصالح أعداءهم فنصرهم الله، وجاء في ترجمة خالد -وكلكم يعرف خالداً - ومن الذي لا يعرف أبا سليمان؟ من الذي لا يعرف سيف الله المسلول الذي سله الله على المشركين؟ التقى بالروم، وظن خالد أن الروم عددهم نسبي، كان جيش خالد اثنين وثلاثين ألفاً، وجيش الروم كان عدده مائتين وثمانين ألفاً، وفي الصباح مع طلوع الشمس أقبلت كتائب الروم تتهدر، والسيوف تلمع مع الشمس، تنزل الكتيبة حتى امتلأت الأودية والجبال والسهول، إلى أين يلتجئ خالد؟ أيلتجئ إلى هيئة الأمم؟ أو إلى مجلس الأمن؟! التجأ إلى الله الواحد الأحد. {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] وأتى القادة حول خالد، وصدق خالد مع الله في ذلك اليوم، فقد باع نفسه، حتى يقول عليه الصلاة والسلام: {إنكم تظلمون خالداً، لقد ابتاع أعتده وأدرعه في سبيل الله} فبعث خالد إلى شيخ بـ وادي السماوة، وهو عربي مسلم اسمه عياض بن غنم. ولذلك تقول العرب: أقصر كتاب في التاريخ كتاب خالد إلى عياض بن غنم. فالأمر أعجل من ذلك؛ لأن خالداً ليس لديه وقت يملي ولا يكتب؛ فأخذ الرسالة وكتب إلى شيخ قبائل العرب: بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى عياض بن غنم، إياك أريد والسلام. وتمهل خالد لئلا يشتبك في الحرب مع الروم، ووصلت الرسالة إلى عياض بن غنم فبكى يوم قرأها، وقام في قبائل العرب وحشد الحشود، وما أتى في الليلة الثانية إلا وقد اجتمعوا مع خالد بن الوليد، لكن هيهات، قبائل الروم مائتان وثمانون ألفاً كالجبال، جيش عرمرم متدربون وقادة، فلما خرجوا، قال أحد المسلمين لـ خالد: يا خالد ما أكثر الروم وما أقلنا! اليوم نفر إلى جبل سلمى وآجا. فدمعت عينا خالد، وقال: بل إلى الله الملتجأ. ثم جرد السيوف، ولم تأت ثلاثة أيام إلا وقد أوقعهم في كربة وفي سحق ومحق لا يعلمه إلا الله: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45].

عقبة بن نافع ينادي الوحوش

عقبة بن نافع ينادي الوحوش خرج عقبة بن نافع قائداً للمسلمين ليفتح شمال أفريقيا، فلما وصل إلى شمال أفريقيا ودخل غابة أفريقيا الموحشة، وإذا بالأسود في طريقه والحيات والعقارب، فقام فصلى ركعتين، وخرج مترجلاً حتى صعد على صخرة وسط الغابة وقال: أيتها الأسود -ينادي الأسود في الغابة - أيتها السباع! أيتها الحيات! أيتها العقارب! نحن أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام جئنا نفتح الدنيا بلا إله إلا الله محمد رسول الله، ادخلي في بيوتك. قالوا: فدخلت في جحورها وخرج. قال محمد إقبال: بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا كنا نقدم للسيوف رءوسنا لم نخش يوماً غاشماً جبارا هؤلاء الذين حفظوا الله فحفظهم الله.

قصة إبراهيم وإلقائه في النار

قصة إبراهيم وإلقائه في النار ويأتي حفظ الله لأنبيائه ورسله على مبدأ {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. فمن الذي يطفئ النار؟ إنه الله. ومن الذي ينجي من اليم؟ إنه الله. ومن الذي يكسر الحديد لأوليائه؟ إنه الله. ومن الذي يصل الحبل بعبده؟ إنه الله كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. وضعوا إبراهيم عليه السلام في المنجنيق، وأشعلوا له ناراً، وألقوه فيها، وأتى جبريل في تلك اللحظة إلى إبراهيم عليه السلام فقال: يا إبراهيم ألك إلي حاجة؟! قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم. وقد جاء عن ابن عباس موقوفاً عليه عند البخاري أنه قال: {حسبنا الله ونعم الوكيل كلمة قالها إبراهيم لما ألقي في النار، وقالها محمد عليه الصلاة والسلام لما قيل له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]}. ألقوه في النار وهو في الهواء يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل. وفي أثناء وقوعه قال الله للنار: كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، فخرج ونجا.

قصة موسى مع فرعون

قصة موسى مع فرعون يدخل موسى عليه السلام إلى فرعون، وقبل أن يدخل إلى الديوان وهو يعرف أن الموت في الديوان، فإن فيه فرعون الطاغية، وهو إرهابي فتاك، ودكتاتوري مجرم، أعلن خساره في الدنيا والآخرة: {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] فأتى كلام الذي هو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] فتكلم معه بقوة فحفظه الله. نزل إلى الميدان وقال: ألقوا، فلما ألقوا أوجس في نفسه خيفة، فأتاه كلام الذي هو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، قال: {قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [طه:68] أنت مع الله، ولذلك يقول سيد قطب: عند قوله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] قال: نحن الأعلون سنداً، والأعلون متناً، ميراثنا من الله، وعزنا من الله، وصلتنا بالله. أو كلام قريب منه. {قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [طه:68] فأنت الأقوى والله معك، وإذا كان الله معك، فمن تخشى؟! فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان ألقى العصا ونجا، ولما أراد أن يدخل البحر قال الله له: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء:63] فأنجاه الله من فرعون، وفرعون لما ضيع الله ضيعه الله.

يونس بن متى في ظلمات ثلاث

يونس بن متى في ظلمات ثلاث قال أهل العلم: دخل يونس السفينة فتموجت بها الريح وعصفت؛ لأن المعصية أليمة، وخيمة العواقب، وقد أرسله الله إلى قومه، فلم يستأذن في الخروج، فقال ربان السفينة: معنا عاص فلنقترع، فاستهموا فوقعت القرعة عليه، ومن وقعت القرعة عليه يضعوه في اليم، فوقعت عليه! فاستهموا ثانية فوقعت عليه! وفي الثالثة وقعت عليه! فأخذوه وألقوه في اليم في الليل، فابتلعه الحوت فأصبح في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة اليم، وظلمة الحوت. فلما أصبح في بطن الحوت انقطعت صلته بالمخلوقين جميعاً، لا ولد، ولا زوجة، ولا أهل، ولا قوم، ولا مال، ولا رئاسة، ولا منصب، وقال وهو في الظلمات في آخر الليل: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] وانطلقت لا إله إلا الله إلى رب لا إله إلا الله مباشرة: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]. قال بعض أهل التفسير: سمعت الملائكة قول يونس بن متى وهو في ظلمات ثلاث: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] فبكوا وقالوا: يا رب! عرفنا الصوت، ولكن لا ندري أين يونس. الملائكة لم تعرف في أي قارة، هل هو في أفريقيا، أم في آسيا، أم في البحر أم في النيل أم في دجلة؟ لكن الواحد الأحد يدري أين هو، يدري بالزمان والمكان: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52] {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. يقول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16] يا بنى! لو كانت حبة كالخردل، وكانت في صخرة مقفلة صماء يأتي بها الواحد الأحد. قالت الملائكة: يا رب! صوت معروف من عبد معروف لا ندري أين مكانه؛ لأن صوته معروف كان يسبح دائماً، كان في نهاره وفي ليله يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر؛ فعرف صوته في الملأ، ولذلك بعض الناس يعرف صوته بالتسبيح، وبعض الناس يعرف صوته بالفجور والغناء. لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمروٍ والأغر بن حاتم فريق في الجنة وفريق في السعير وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا بكت الملائكة وقالت: يا رب! صوت معروف من عبد معروف لا ندري أين مكانه. قال: أنا أدري، فنجاه الله بكلمة "كن" وقذفه الحوت في الصحراء، وكان عرياناً ليس عليه من الملابس شيء، فأنبت الله عليه في الحال شجرة من يقطين، فأكل من ثمرها، وتظلل بظلها واكتسى، وأرسله الله إلى قومه: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144] لأنه حفظ الله في الرخاء فحفظه في الشدة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك}.

الأوزاعي في مجلس من مجالس الموت

الأوزاعي في مجلس من مجالس الموت قال الذهبي وابن كثير وغيرهما: لما فتح عبد الله بن علي العباسي دمشق، وهو ملك من الملوك، أمره عجيب وخبره غريب! وهو عم أبي جعفر المنصور، من أبناء عبد الله بن عباس ما كان يتبسم، حرسه ما يقارب ثلاثين ألفاً، دخل دمشق فقتل في ساعة واحدة ستة وثلاثين ألفاً من المسلمين، وأدخل بغاله وخيوله في المسجد الأموي، ثم جلس للناس وقال للوزراء: هل ترون أن أحداً سوف يعترض علي؟ قالوا: إن كان فـ الأوزاعي. والأوزاعي هو أمير المؤمنين في الحديث، أبو عمرو زاهد وعابد، راوية البخاري ومسلم. قال: ائتوني به، فذهب الجنود إلى الأوزاعي فما تحرك من مكانه، قالوا: يريدك عبد الله بن علي. فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، انتظروني قليلاً، فذهب فاغتسل ولبس أكفانه تحت الثياب؛ لأنه يعرف أن الأمر ليس فيه إلا الموت، ثم قال لنفسه: الآن آن لك يا أوزاعي أن تقول في الله ولا تخشى في الله لومة لائم. دخل على هذا السلطان الجبار فغضب السلطان لما رآه، قال الأوزاعي وهو يصف القصة: دخلت فإذا سماطين من الجنود -صفان- قد سلوا السيوف ولاقوا بين رءوسها، فدخلت من تحت السيوف حتى بلغت إليه، وقد جلس على سرير وبيده خيزران، وقد انعقد في جبينه من الغضب، قال: فلما رأيته والله الذي لا إله إلا هو كأنه أمامي ذباب، ووالله ما تذكرت أهلاً ولا مالاً ولا زوجة، وإنما تذكرت عرش الله إذا برز للناس في يوم الحساب. قال: فرفع طرفه وبه من الغضب ما الله به عليم، لا يتكلم إلا بالدم، والسياف واقف عنده مسلول السيف، والوزراء جلوس عن يمينه وعن يساره، فهم يريدون ملكاً في الدينا. يقول شاعرهم: نحن بنو العباس نجلس على الكراسي أخذوا ملك الدنيا ستمائة سنة حتى كانوا يطاردون مغرب الشمس، ويطاردون نقفور كلب الروم، ويطاردون كل ملحد في الأرض. فلما جلس قال: ما رأيك يا أوزاعي في الدماء التي أرقناها وأهرقناها؟ قال -آتياً بالسند في موقف ينسى الإنسان فيه اسمه-: حدثنا فلان -بالرواية كأنها من صحيح البخاري - حدثنا ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة} فإن كان من هؤلاء فقد أصبت، وإن لم يكن فدماؤهم في عنقك. قال: فنكت بالخيزران، ورفعت عمامتي أنتظر السيف، ورأيت الوزراء يستحضرون ثيابهم ويرفعونها عن الدم. قال: وما رأيك في الأموال؟ قلت: إن كانت حلالاً فحساب، وإن كانت حراماً فعقاب!! قال: خذ هذه البدرة (كيس مملوء بالذهب). قال: لا أريد المال. قال: فغمزني أحد الوزراء، أي: خذ الكيس؛ لأنه يريد أدنى علة لكي يقتله، قال: فأخذ الكيس فوزعه على الجنود حتى بقي الكيس فارغاً فرمى به وخرج، ولما خرج قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قلناها يوم دخلنا وقلناها يوم خرجنا: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:174]. يقول أحد الصالحين لابنه: هل أدلك على القوة التي لا تغلب؟ قال: نعم، قال: توكل على الله.

ابن أبي ذئب مع المهدي العباسي

ابن أبي ذئب مع المهدي العباسي دخل المهدي الخليفة العباسي مسجد الرسول -عليه الصلاة والسلام- وفي المسجد أكثر من خمسمائة من طلبة الحديث، أهل العمائم والمحابر والأقلام فقام الناس جميعاً إلا ابن أبي ذئب وهو أحد العلماء من رواة البخاري ومسلم، فقال الخليفة المهدي العباسي: يا ابن أبي ذئب قام الناس لي جميعاً إلا أنت لم تقم. قال: والله الذي لا إله إلا هو لقد أردت أن أقوم لك، فلما تهيأت للقيام تذكرت قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فتركت هذا القيام لذاك اليوم. قال: اجلس والله ما بقيت في رأسي شعرة إلا قامت. فقد قال له كلمة من القرآن: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] ثم قال: أردت أن أقوم لك، فتركت القيام لذاك اليوم؛ لأنه لا يقام إلا لله الواحد الأحد.

أعرابي يتكلم مع الحجاج في الحرم

أعرابي يتكلم مع الحجاج في الحرم قال طاوس بن كيسان، وهو من تلامذة ابن عباس الأبرار الأخيار، ومن راوة البخاري ومسلم والمسانيد، قال: دخلت الحرم أعتمر، فلما أديت العمرة جلست عند المقام بعد أن صليت الركعتين، ولما انتهيت جلست ألتفت إلى الناس وأنظر إلى البيت، وإذا بجلبة السلاح والسيوف والدرق والحراب، فالتفت فإذا هو الحجاج بن يوسف! وهو أمير سفاك، تقول فيه ليلى الأخيلية حجاج أنت الذي ما فوقه أحد إلا الخليفة والمستغفر الصمد تقول: أنت يا حجاج ليس فوقك إلا الله ثم الخليفة ثم أنت الثالث. ولقد قتل مائة ألف نفس، وقتل سعيد بن جبير، قال أحدهم: رأيت الحجاج في المنام فقال: إن الله قتلني بكل نفس قتلتها مرة إلا سعيد بن جبير قتلني به على الصراط سبعين مرة. دخل الحجاج فسمعت الجلبة، وعنده خدم وحرس وجنود، قال: فرأيت الحراب فجلست مكاني، وبينما أنا جالس إذا برجل من أهل اليمن فقير زاهد عابد، أقبل فطاف بالبيت، ثم أتى ليصلي ركعتين، فتعلقت حربة من حراب الحجاج بثوب هذا اليمني الأعرابي فوقعت على الحجاج؛ فأمسكه وقال: من أنت؟ قال: مسلم. قال: من أين أنت؟ قال: من اليمن. قال: كيف تركت أخي؟ أخوه ظالم مثله اسمه محمد بن يوسف وهذا الحجاج بن يوسف أي: كيف صحة أخي؟ قال: تركته سميناً بطيناً لكنه ناحل في الدين. قال: ما سألتك عن صحته بل عن عدله؟ قال: تركته غشوماً ظلوماً! فقال: أما تدري أنه أخي؟ قال: من أنت؟ قال: أنا الحجاج! قال: أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله؟ قال طاوس: ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت، ثم أفلته الحجاج. لماذا؟ لأنه توكل على الله: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان

الحسن مع الحجاج في صراع رهيب

الحسن مع الحجاج في صراع رهيب وقف الحسن البصري، وهو إمام التابعين يفضله كثير من العلماء على التابعين كلهم. اجتمع القراء عند قصر الحجاج يطلبون أعطيات (أرزاقاً) فلبس الحسن البصري ثيابه وأتى على القراء، وقال: بئس أنتم، قبحتم، رققتم نعالكم، وشففتم ثيابكم، وتطيبتم تطلبون الدنيا بعلمكم! أنتم المتأكلون. ثم قال: هذا الغشوم الظلوم، يقرأ القرآن على لخم وجذام، ويعظ وعظ الأبرار، ويبطش بطش الجبارين، ويلبس لباس الفسقة! وكان الحجاج في قصره ولكن لديه استخبارات، ثم وصل الكلام إلى الحجاج. فقال: علي به، والله لأقتلنه هذا اليوم. وقتل الناس عند الحجاج كذبح الدجاج. فأرسل إلى الحسن فلما سمع الحسن الجنود قال: أنظروني قليلاً، فدخل في غرفة مع الواحد الأحد {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] فاختلى بالله وبكى وقال: يا رب! يا ذا القدرة التي لا تضام، والركن الذي لا يرام، أسألك أن تسخره لي وأن تنصرني عليه. ثم خرج. وفي أثناء الطريق قلب الله قلب الحجاج؛ لأن قلب الحجاج بيد رب الحجاج {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. فدخل عليه الحسن، فقام الحجاج فاستقبله عند ركن الباب، وقبله على رأسه، وأخذ غالية من طيب، وطيب لحية الحسن، وقال: هيجناك يا أبا سعيد، اعذرنا ولا نعود إلى ذلك. فلما خرج قال الوزراء: أين وعودك وأيمانك؟ قال: ما دخل علي حتى كان عندي من أرهب الناس: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64].

الإمام الزهري وصوت الحق

الإمام الزهري وصوت الحق ذكر الشوكاني وغيره في فتح القدير: أن الزهري -المحدث الكبير- دخل على الخليفة هشام بن عبد الملك فقال هشام للعلماء -وكانوا جلوساً عنده-: من الذي تولى كبره؟ الذي تولى كبره في سورة النور هو عبد الله بن أبي بن سلول، في حادثة رمي عائشة بالفاحشة طهرها الله وزكاها، فخاف العلماء؛ لأن هشاماً كان ناصبياً يبغض علي ويدعي ويزعم أن الذي تولى كبره هو علياً رضي الله عنه وأرضاه. قال لـ مسلم بن يسار: من الذي تولى كبره يا مسلم؟ قال: الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي. قال: كذبت، الذي تولى كبره هو علي بن أبي طالب. قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول. ثم قال للآخر: من الذي تولى كبره؟ فأخبره فكذبه. ثم قال لـ محمد بن مسلم بن شهاب الزهري: من الذي تولى كبره؟ قال: الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي بن سلول. قال: كذبت. قال: بل كذبت أنت وأبوك وجدك، والله لو نادى مناد من السماء أن الكذب حلال ما كذبت، ووالله الذي لا إله إلا هو لقد حدثني علقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وحدثني عروة بن الزبير عن عائشة أن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي بن سلول. فارتعد الخليفة وقال: هيجناك، سامحنا! {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64].

كيف نحفظ الله

كيف نحفظ الله ويبقى حفظ الله -عز وجل- ورعايته لأوليائه، لكن من هو الذي يحفظ الله ليحفظه الله؟ لأن الله يقول: {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:32] والأواب: الرجاع إلى الله، كثير التوبة والندم والاستغفار، كثير العبادة والإنابة، والحفيظ: الذي يحفظ حدود الله. وحفظ الله يأتي بتقوى الله. وتقوى الله: أداء ما أمر، واجتناب ما نهى، وتصديق ما أخبر. وتقوى الله أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية. وتقوى الله: أن يكون أخوف من تخاف منه هو الله، لأن أي شيء إذا اقتربت منه أمنته إلا الله، فإنك إذا اقتربت منه خفته: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. وتقوى الله قال فيها أبو الحسن علي رضي الله عنه وأرضاه: التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. وأنا سوف أفصل التقوى في جمل عل الله أن ينفع بها.

المحافظة على الصلاة

المحافظة على الصلاة سمى الله أداء الصلاة وحفظها حفظاً، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج:34] فمن حفظ الصلاة في أوقاتها وخشوعها وخضوعها وجماعتها حفظه الله يوم يضيع الناس: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45]. كان عمر وهو مطعون في سكرات الموت يقول وعيناه تهراق بالدموع: [[الله الله في الصلاة، لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، من حفظ الصلاة حفظه الله، ومن ضيع الصلاة ضيعه الله]] فمن حفظ الصلاة حفظه الواحد الأحد. وكان رضي الله عنه يكتب لرؤساء الأقاليم والأمراء: عليكم بالصلاة؛ فإنها أول الإسلام وآخر ما تفقدون من دينكم. والله يقول: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238]. واعلم أنك لا تحافظ على الصلاة إلا بثلاثة أسباب: الأول: أن تؤديها في وقتها، فلو أخرتها إلى أن يخرج الوقت ما قبلها الله إلا بعذر، ويرمى بها وجه صاحبها، وتقول: ضيعك الله كما ضيعتني. وأول ما يحاسب عليه العبد في القبر الصلاة، فمن حفظها حفظه الله يوم تضيع الأفهام وتضل العقول، وتندهش الأفكار. الثاني: أن تكون في جماعة، فلا صلاة إلا في جماعة إلا من عذر، يوم ينادى بها في المساجد، يوم يقول لك المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح؛ فتقوم من فراشك، وتزحف إلى المسجد ليحفظك علام الغيوب. ويقول عليه الصلاة والسلام في الفقرة الأولى في الوقت، لما قال له ابن مسعود: ما أفضل العمل؟ قال: {الصلاة في وقتها} وعند الترمذي والحاكم {الصلاة في أول وقتها} وهذا هو الحفظ. الثالث: أن تؤديها بخشوع وخضوع، وأن تعيش مع الإمام وهو يقرأ عليك، وتستمع هذا القرآن العجيب والنبأ العظيم الذي طرق الدنيا، واعلم -كما قال ابن القيم - أن مواقف الناس في الآخرة وفي العرصات كمواقفهم في الصلاة.

المحافظة على الوضوء

المحافظة على الوضوء ومن حفظ الله أن تحافظ على الوضوء، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن} فتكون دائماً متوضئاً متطهراً ليحفظك الله من شياطين الإنس والجن، تذهب إلى العمل وأنت متوضئ، وتجلس على مكتبك وأنت متوضئ، في الفصل وفي السيارة وفي الطيارة، ويعجب ربك للعبد يتوضأ لا يعلم بطهارته إلا هو. من الذي يعلم أن من الناس من يدخل المسجد ليصلي وهو جنب؟! ويظن الناس أنه طاهر، لكن علام الغيوب يعلم، ولذلك قال بعض العلماء: الوضوء سر بين العبد وبين الله. قال عقبة بن عامر الجهني -والحديث عند أحمد في المسند -: روحت إبلي وذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يحدث الصحابة في مسجده وقد فات عقبة شيء من الحديث، قال: فجلست بجانب عمر بن الخطاب، فسمعت الرسول عليه الصلاة والسلام في أثناء حديثه يقول: {من قال: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبيا كان على الله حق أن يرضيه} فقلت: ما أحسن هذا! فالتفت إلي عمر، وقال: التي قبلها أحسن منها، قال: فسكت، فلما انتهى المجلس سلمت على عمر، وقلت: ما هي التي قبلها وهي أحسن منها؟ قال: أما كنت معنا هذه الليلة؟ قلت: لا، روحت إبلي وتأخرت، فما حضرت إلا الآن. قال: يقول عليه الصلاة والسلام: {من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء} وهذا الحديث في البخاري، وزاد الترمذي: {اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين}. فقل لـ بلال العزم إن كنت صادقاً أرحنا بها إن كنت حقاً مصلياً توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا

صيانة القلب عن الشهوات والشبهات

صيانة القلب عن الشهوات والشبهات ومن حفظ الله: حفظ العبد لقلبه، أن يحفظه من الشهوات والشبهات، فهذه المضغة إذا ضاعت منك ضاع كل شيء، وقد قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {التقوى هاهنا} وفي الحديث الصحيح: {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب} القلب إذا أصلحته بالذكر وبطاعة الله؛ صلحت اليد والعين والسمع والرجل والبطن والفرج، فأصلح قلبك: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:89] قالوا: القلب السليم الذي لم تداخله شهوة ولا شبهة، وقالوا: القلب السليم الذي ليس فيه إلا الله، وقالوا: القلب السليم هو القلب الذي امتلأ بلا إله إلا الله محمد رسول الله. وقال سبحانه: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:11] من يؤمن بالله يهد قلبه، من يسجد لله يهد قلبه، من يأت إلى المسجد يهد قلبه، ومن يرفع يديه إليه يهد قلبه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. فالهادي هو الله: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23] فو الله لا يجعلك الله وأنت تأتي لمثل هذه المجالس والدروس والمحاضرات والخير والذكر كمن أعرض وجلس في مقاهي اللغو والزور والفاحشة، ومع الغناء الماجن ومع كل قول رخيص، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36]. فإذا أتيت الله وأنت تمشي أتاك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو يهرول. فمن حفظ العبد لربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحفظ قلبه من الشبهات والشهوات، فيسلم قلبه لله، ويملأ قلبه بحب الله وذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ليهديه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سواء السبيل، قال سبحانه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] وكل الناس لهم قلوب، لكن هنا (قلب) نكَّره، أي: قلب فاهم فقيه مبصر {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19] ولذلك لام الله قوماً ما استفادوا من جوارحهم فقال فيهم: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].

حفظ اللسان عن القول الحرام

حفظ اللسان عن القول الحرام ومن حفظ العبد لربه أن يحفظ لسانه، واللسان هذا أمره عجيب وخبره غريب! وأكثر سيئاتنا وذنوبنا ومعاصينا من ألسنتنا، فلا إله إلا الله كم هتك من عرض، ولا إله إلا الله! كم سجل من معصية! ولا إله إلا اله كم لطخ من سيئة! وكم هدم من حسنة! يقول عليه الصلاة والسلام لـ معاذ وقد سأله: {ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟ قال: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسان نفسه، وقال: كُفَّ عليك هذا. قال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟! قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على أنوفهم، أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟} والله يقول في مدح الأولياء الصالحين: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3] واللغو هو كل ما لا ينفع في الآخرة، أو كل ما يضر في الآخرة هو لغو. ولذلك قال ابن مسعود: [[والله ما شيء أحق بطول حبس من لسان]]. احذر لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان ومن حفظ الله لعبده أن يحفظه في لسانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71] وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من يضمن لي ما بين لحييه وفخذيه وأضمن له الجنة} ضمان من محمد عليه الصلاة والسلام؛ أن من حفظ فرجه ولسانه عن الحرام ضمن له الجنة عند الواحد الأحد: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] من المتقون؟ هم الذين يحفظون ألسنتهم، كان أبو بكر يبكي ويخرج لسانه ويقول: [[هذا الذي أوردني الموارد]].

حفظ الأذن عن سماع الحرام

حفظ الأذن عن سماع الحرام ومن حفظ العبد لربه تبارك وتعالى: أن يحفظه في السمع، وألا يستمع إلاَّ قولاً غالياً كريماً طيباً، لأن الطيب من المؤمنين لا يسمع إلا طيباً: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] وسامع الخنا كقائل الخنا، والراضي بالخنا كفاعل الخنا، وشاهد مجالس الزور كقائل الزور، ومطعم المأكول كالآكل. فالمسلم كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72] قال بعض المفسرين: لا يسمعون الكلام الباطل الزور. وقيل: لا يؤدون شهادة الزور المعروفة.

حفظ العين من النظر إلى الحرام

حفظ العين من النظر إلى الحرام ومن حفظ العبد لربه: حفظه لبصره، وكم جنى البصر على القلوب؟! وأنت متى أرسلت طرفك رائداً إلى كل عين أتعبتك المناظر أصبت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر فالعين إذا انطلقت إلى الحرام فهي سهم من سهام إبليس، و {من غض طرفه عن الحرام أبدله الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه} {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30] والعين إذا شردت فإنما هي سهم يقع في القلب. وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل قال أحد الصالحين: كم من نظرة أودت في حفرة! وكم من عين أدخلت في نار! وكم من التفاتة أعقبت ندماً في الدنيا والآخرة! نعوذ بالله من ذلك، فالعين عليك أن تغضها عن المحارم، وعن الصور الخليعة، وعن معاصي الله عَزَّ وَجَلّ؛ ليحفظ الله عليك إيمانك.

حفظ البطن عن الحرام

حفظ البطن عن الحرام ومن حفظ الله: حفظ البطن عن المطعم الحرام، والرسول عليه الصلاة والسلام قال كما في صحيح مسلم: {إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المؤمنون:51] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!} وقال سعد رضي الله عنه: {يا رسول الله! ادع الله أن أكون مستجاب الدعوة. قال: يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة} ثم قال: {اللهم سدد رميته وأجب دعوته} فما كان يدعو إلا ودعاؤه مستجاب، وما كان يرمي رمية إلا ويصيب بإذن الله؛ لأنه أطاب مطعمه، وعرف من أين يأكل ومن أين يشرب. فمما يحفظ العبد به ربه أن يتخلى عن الربا والحرام والغش، وأن يعرف ملبسه ومسكنه ومأكله ومدخله ومخرجه، ليكون حافظاً لله في ماله وفي دخله.

بين عمر بن عبد العزيز والقاهر العباسي

بين عمر بن عبد العزيز والقاهر العباسي حفظ الله عز وجل كثيراً من الناس في أعمارهم، كالصالحين جميعاً والرسل عليهم الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين، ومنهم على سبيل المثال ولا أذكر الكثرة الكاثرة، لكن أذكر من المتأخرين عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الزاهد العابد، حضرته الوفاة وأطفاله ليس عندهم من المال شيء، خليفة أنفق المال في سبيل الله، فجمع أبناءه، قيل: كانوا سبعة أو ثمانية، وبالبنات كانوا أربعة عشر، فدمعت عيناه وقال: يا أبنائي ما خلفت لكم مالاً، خلفت لكم الواحد الأحد: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف:196] ما تركت لكم مالاً، إن كنتم طائعين فسوف يحفظكم الله، وإن كنتم عصاة فما تركت لكم ما تستعينون به على المعصية. هذا اجتهاده وهذا رأيه الخاص به رضي الله عنه وأرضاه، ثم مات، لكن: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] حفظ الله أبناءه بعده، حتى قال العلماء: كان أبناؤه من أغنى الأغنياء في الناس. وأتى القاهر -خليفة عباسي- فقال: أكتنز للدهر، أحتفظ بالمال لليالي وللأيام السود، فحفر بركاً في الأرض وملأها من الذهب والفضة، لكن ما اعتمد على الله، وقال لأبنائه: يا أبنائي لا تخشوا الفقر، فقد ملأت لكم في هذه الخزانات والبرك ما لو وزع على أهل بغداد لكان كل بغدادي تاجراً. فماذا فُعِل به لما خالف أمر الله؟ خلع من خلافته خلعاً، وسلب سلباً، ثم وسلمت عيناه بالحديد الحار حتى أصبح أعمى، ثم أُخذت أملاكه وصودرت إلى الخليفة من بعده وأُخذت قصوره؛ وأصبح يقف في المسجد في بغداد ويقول: من مال الله يا عباد الله! قالوا: فانظر إليه يوم ضيع الله كيف ضيعه الله، وانظر لذاك يوم حفظ الله كيف حفظه الله: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. عبدالملك بن مروان حضرته الوفاة فأخذ يقول: يا ليتني ما عرفت الخلافة، يا ليتني ما عرفت الملك لأنه فرط في الدماء، ثم قال: يا ليت أمي لم تلدني! قال ابن المسيب لما سمع هذه الكلمة: الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا وقت الموت ولا نفر إليهم.

دور الشعراء

دور الشعراء

حسان بن ثابت

حسان بن ثابت ومن الشعراء من حفظ الله فحفظه الله. فهذا حسان بن ثابت كان يحفظ الله بشعره وأدبه وقلمه وقصائده فحفظه الله، كان يمدح الدعوة ويمدح الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى يقول في بيت يسب مشركي قريش: زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغلب الغلاب قريش تسبها العرب بأنها سخينة، والسخينة: نوع من الطعام كالثريد أو كالرواكة الخاثرة، تحبها قريش وتموت فيها وتحيا، فالعرب إذا سبت قريشاً، قالت: سخينة، فقال حسان: زعمت سخينة أنها ستحارب الله بسيوفها، فليغلبن مغلب الغلاب؛ لأنه الغلاب سبحانه. فقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتبسم: {لقد شكر الله لك بيتك يا حسان!} سمع الله بيتك يا حسان {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10] {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:24 - 25] {لقد شكر الله لك بيتك يا حسان! يوم قلت: زعمت سخينة أن ستغلب ربها فليغلبن مغلب الأغلاب } كان صلى الله عليه وسلم يقرب له المنبر ويجلسه عليه ويقول: {اهجهم وروح القدس يؤيدك} أي: جبريل. فكان يقول: فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء قال الزهري: أفخر بيت قالته العرب قول حسان في بدر: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد فهذا أفخر بيت قالته العرب، يقول: تحت قيادتنا المسلحة جبريل ومحمد، فكيف تغالبوننا؟ فهو قائد الشعراء إلى الجنة؛ لأنه حفظ الله.

كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة

كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة ومنهم كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة، فقد أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: {يا رسول الله! فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا في قصيدة أخرى رائية يقول: لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر فضحك عليه الصلاة والسلام وقال: وإياك فثبت} وثبت الله ابن رواحة، فقد باع نفسه من الله، كما يقول ابن القيم: في بيعة العقبة {والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإذا تفرقا فقد وجب البيع} وذهب إلى مؤتة، فلما أتت ساعة الصفر نزل إلى الأبطال، وخلع درعه، وأخذ سيفه وقال: أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أقبل الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة هل أنت إلا نطفة في شنة يقول له الصحابة وهم يودعونه في المدينة ويبكون: تعود لنا يا ابن رواحة بالسلامة والعافية. قال: لا. لا يريد أن يعود إلى المدينة، ودع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبكى، ولما التفت إلى المدينة وهو على فرسه قال: خلف السلام على امرئ ودعته في النخل خير مودع وخليل ترك زوجته وأولاده وأصحابه الأنصار وأصدقاءه، وما التفت إلا إلى رجل، ومن أجل عين تكرم ألف عين، قال: خلف السلام على امرئ ودعته في النخل خير مودع وخليل يقصد: رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له الصحابة: تعودون بالسلامة. قال: لكنني أسأل الرحمن مغفرة وطعنة ذات قرع تقذف الزبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا فقتل هناك، وروحه هناك في الجنة: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] فحفظه الله وأصبح شهيداً.

شعراء الضياع

شعراء الضياع وكما أن هناك من الشعراء من حفظ الله فحفظهم الله، فإن هناك من ضيعوا الله فضيعهم الله تعالى.

امرؤ القيس ضيع الله فضيعه الله

امرؤ القيس ضيع الله فضيعه الله وممن ضيع الله على ذكر الأدب: امرؤ القيس، ضيع شبابه في المعصية فضيعه الله، ما عرف إلا النساء والخمر فضاع. ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {قائد الشعراء إلى النار امرؤ القيس} ومعه ابن هاني الأندلسي، أحد الفجرة، دخل على خليفة وقال: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار يقول للسلطان: احكم فأنت الواحد القهار، فعلمه الله من هو الواحد القهار، وأعطاه درساً لئلا ينسى من هو الواحد القهار؛ خرج من القصر فأصيب بمرض، قالوا: كان يعوي كالكلب على فراشه ويقول: أنت الواحد القهار، وأخذ يبكي ويقول: أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالق لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق

القروي ضيع الله فضيعه الله

القروي ضيع الله فضيعه الله القروي أحد الشعراء اللبنانيين المنحرفين الفجرة، نزل في دمشق، فاستقبلوه على الأكتاف، وصفقوا له في صالة فقال: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم يقول: أعطوني الأمة العربية أمة واحدة ولو كنا على مذهب البرهمي الهندوكي المجرم، ثم يقول: فيا حبذا كفر يؤلف بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم انظر إلى المجرم الكافر!! فأخذه الله، يقولون: مات في الحمام، وما علم به إلا بعد أيام، وأصبح جيفة كالكلب؛ ليعلمه الواحد الأحد أنه الواحد الأحد.

إيليا أبو ماضي ضيع الله فضيعه الله

إيليا أبو ماضي ضيع الله فضيعه الله ومنهم إيليا أبو ماضي، يقول: جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!! ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!! كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري!! ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!! فما درى، لا دريت ولا تليت، بل توليت وعصيت، وأذنبت وأخطيت، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، فمات في سوء حال. ألا فاحفظوا الله يحفظكم: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أخبار المجتمع

أخبار المجتمع في هذا الدرس رد الشيخ حفظه الله على العديد من الأسئلة المتعلقة بمشاكل المجتمع والنساء وعلى الفتن التي تنتشر بين أوساط المجتمع المسلم، وقد تركزت الأسئلة على الجوانب الاجتماعية وجوانب البيت والأسرة.

الخيرية في هذه الأمة لا تنتهي

الخيرية في هذه الأمة لا تنتهي إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عنوان هذا الدرس: (أخبار المجتمع). وهذا الدرس أنتم شاركتم فيه؛ بل هو من رسائِلكم وأسْئِلتكم وحواركم وخطاباتكم، وأسأل المولى تبارك وتعالى أن يأجركم على حضوركم، وعلى كتابتكم، وعلى حبكم للدين وللإسلام وللقرآن ولمحمد عليه الصلاة والسلام. وأنا أعلم أنكم أتيتم من أماكن بعيدة، ومن القرى والأرياف والضواحي، أتت بكم رغبة ورهبة، رغبة فيما عند الله ورهبة من عذابه، فأسأل الواحد الأحد الذي جمعنا بكم في هذا المكان الطيب الطاهر، على غير نسب إلا نسب الدين وعلى غير سبب إلا سبب التقوى، أن يجمعنا بكم في دار الكرامة وأن يجعل محبتنا فيه. إن شكري لكم لا ينتهي، علمت ذلك من قبل ومن بعد، ولكن بعد ما وصلتني الرسائل والأسئلة التي قرأتها في الأسبوع الماضي والدرس الماضي؛ علمت أن في المجتمع خيراً كثيراً عميماً، وأن هذه الأمة مباركة، وكما ورد في مسند أحمد من حديث أنس أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {أمتي كالسيل لا يُدْرى الخير في أوله أو آخره} فأنتم كالغيث، والذي يستهين بقدرات الناس، أو يحطم الناس بالأحكام العامة، كأن يقول: ليس في المجتمع خير، هو المخطئ وحده، يقول عليه الصلاة والسلام: {من قال هلك الناس فهو أهلَكُهم} وفي لفظ {فهو أهلكهم} رواه مسلم. فما هلك الناس، وما زال الأبرار والأخيار كثر، وما زال الصالحون -والحمد لله- كثر. ولقد وصلتني رسائل حتى قبل صلاة المغرب بربع ساعة من أناسٍ ما حضروا معنا، وأظن بعضهم حضروا وبعضهم لم يحضروا، سمعوا أنني أذكرهم بخير وهم شباب النوادي والملاعب والمقاهي، وأنا أذكرهم لا أريد الشكر إلا من الله، ذكرتهم بالفطرة التي يحملونها؛ فطرة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقلت من قبل وسوف أقول الآن: إنهم يحملون حباً أصلياً، وأصل الحب لا زال في نفوسهم. فقد شرب رجل في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام الخمر أكثر من مرة، وأُتي به ليجلده الرسول عليه الصلاة والسلام، وشارك الصحابةُ في جلده فقال أحد الصحابة: {أخزاه الله، ما أكثر ما يؤتى به في الخمر! قال عليه الصلاة والسلام: لا تقل ذلك، فوالذي نفسي بيده إني أعلم أنه يحب الله ورسوله} فهؤلاء شباب الكرة أو الملاهي أو المقاهي أو من لا يظهر عليهم الالتزام، غالبهم إذا سمع سباً في محمد عليه الصلاة والسلام قدم روحه وسكب دمه في لحظة، ولكن أقول: إن الخطأ منا نحن، إذلم نكسر الحواجز ونصل إلى قلوبهم بالبسمة والكلمة الطيبة والزيارة؛ ليكونوا معنا في هذا المجلس الطيب الذي لولاكم بعد الله لما طاب. ولما جلسنا مجلساً طله الندى جميلاً وبستاناً من الحب ناديا أثار لنا حسن الحديث وذكره منىً فتمنينا فكنتَ الأمانيا نسيت تاريخ هذه الجلسة؛ لأن بعض الأخيار نبهني وحبب إليّ أن أذكر تاريخ الجلسة لتكون ذكراً للمكان والزمان، ونحن الليلة في أبها، في تاريخ (5/ 4/1412هـ) نسأله سبحانه أن يكون لنا عمراً محسوباً في طاعته وليلة مباركة في مرضاته. إن الرسائل ندية، وسوف أخبركم بما فعلت البطاقة التي وزعناها، والليلة سوف توزع عليكم ورقة فيها ما يقارب ستة عشر سؤالاً، أريد الإجابة عليها وإعادتها في غضون الأسبوع هذا قبل السبت، إلى المؤذن أو من ينوب منابه، ولا يغل مسلمٌ ورقته ومن يغلل يأت بما غلَّ يوم القيامة. فالرجاء إعادة الأوراق التي نوزعها عليكم الآن، وهي مكتوبة بكلام ينفعنا؛ في الدروس، والخطب، والدعوة، والخواطر؛ لأن رأي الاثنين أحسن من رأي الواحد، ورأي الثلاثة أحسن من رأي الاثنين، فأنتم ترونها وتكتبونها وتعيدونها وهي أمانةٌ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {على اليد ما أخذت حتى تؤديه}. والرسائل التي وصلت صدرت بكلمة (إنا نحبك في الله) فأقول: أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه، وأُشهد الله عز وجل، ثم أشهد ملائكته، وأشهد حملة العرش أني أحبكم في الله، وما أعلم أنني في هذه الجلسة أكره رجلاً بعينه، إنما هو الحب، لأننا اجتمعنا على غير نسب ولا سبب إلا على لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحب -يا أيها الإخوة- عظيم، وهو قصة عظيمة طويلة، وما يجمع هذه الأمة إلا الحب: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] وأقول لكم -والأبيات ليست لي ولكنها لـ ابن القيم -: أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم وحملها جهد المحب وإنه ليضعف عن حمل القميص ويألم لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتنا إن غبتم أو حضرتم يقول ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[والذي نفسي بيده لو صمت النهارَ لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله، ثم لقيت الله لا أحب أهل الطاعة، ولا أبغض أهل المعصية؛ لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار]]. المسألة الثانية: يطلب كثيرٌ من الإخوة الدعاء، وتأمين الحاضرين. أسال الله عز وجل أن يكشف المرض عن مرضى المسلمين، وأن يرد فاسقهم إلى الطاعة، وأن يهدي عاصيهم، وأن يثبت مهتديهم، وأن يجمع بين قلوبنا على الحق، وأن يتوفانا وهو راضٍ عنا، ونسأله -سُبحَانَهُ وَتَعَالى- رحمةً عامةً وخاصةً. ولولم نحصل من هذا اللقاء إلا هذه الدعوات لكان حسبنا. ولقد مر بي في بعض الدروس أن بعضَ الحضور يقول: أنا لأول مرة تبت وحضرت هذا الدرس، أريد منك ومن الحضور دعوة. فقلت: يا سبحان الله! أي خير ساقه الله لهذا الرجل، لأول مرة يحضر ويتوب ويطلب دعوة أكثر من ألفين ممن حضر أو ثلاثة آلاف، أليس فيهم رجلٌ صالحٌ أو وليٌ من أولياء الله لو أقسم على الله أبره؟ بلى والله، إني أعلم أن فيكم صالحين وعباداً، ومن يقوم الليل ويصومُ النهار، ومن يحب اللهَ ورسولهَ أكثر من نفسه، فهنيئاً لمن دُعِي له في هذا الموقف العظيم، أسأل الله الاستجابة. وأكرر أن الاستجابة كانت جيدةً، وسوف تسمعون نسباً مئوية للأسئلة والإجابات التي وصلت، ومن أخذ البطاقات ولم يعدها؛ إما لأنه باعها أو نسيها في بيته؛ فهي في ذمته إلى يوم العرض الأكبر: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] إما أن يعيد لنا بطاقتنا البيضاء التي أخذناها بدراهمنا، وإما أن يكتب سؤالاً، وإما أن يعطيها زميله.

الأسئلة

الأسئلة

واجبنا تجاه الأمة

واجبنا تجاه الأمة Q ما واجبي تجاه هذه الأمة المحمدية؟ A أشكرك شكراً جزيلاً، وأشكر من يحمل همَّ أمة الرسول عليه الصلاة والسلام، فبعضهم قلبه يغلي ووجهه يتمعر من أجل لا إله إلا الله محمد رسول الله، يحمل همَّ الإسلام يحب الله ورسوله، يقول أحد الشعراء -ولقد أعجبني قوله: إذا كان حُبَّ الهائمين من الورى بليلى وسلمى يسلب اللب والعقلا فماذا عسى أن يصنع الهائم الذي سرى قلبه شوقاً إلى العالم الأعلى يقول: كثير من الناس يحب سلمى وليلى، ويتغنى بها ويحب الوله والمجون والطرب، ولكن ما بالكم بإنسان سرى قلبه، وعبر السماوات العلى إلى سدرة المنتهى، إلى الذي على العرش استوى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165]. واجبك تجاه الأمة: أولاً: أن تقرأ دفترك أنت، خصائصك وشخصيتك وما هو استعدادك؟ أخلقك الله باذلاً منفقاً، أو خطيباً أو مصلحاً، أو آمراً بالمعروف أو ناهياً عن المنكر، أو معلماً، أو مهندساً، أو طبيباً، أو فلاحاً، أو تاجراً، أو جنديا؟ أنت اقرأ نفسك: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] كل ميسرٌ لما خلق له، والله يوزّع المناقب على الناس كما يوزع المثالب، فأنت قدم للإسلام ما تستطيع، ولا يشترط أن نكونَ كلنا خطباء أو مفتين، أو شعراء إنما أنت بما أعطاك الله عز وجل انصر هذا الدين. والحقيقة أنني إن أنسى فلا أنسى الأسبوع الماضي أنني حملتكم أمانتين: الأولى: أن يأتي كلُّ واحد منكم بواحد. والثانية: أن يوزع من ليلته شريطاً ينفع الله به، ولا يوزعه على أمثالكم وأضرابكم من أهل الخير، ولكن يوزعه على من يحتاجه ومن يريد أن يستفيد منه ممن لا يحضر أو لا يستمع الشريط الإسلامي. وأنا أعلم أن (50%) من الحضور في تلك الجلسة نسي الوصيةَ قبل أن يقوم، ونصف النصف نسيها عند الأبواب، ونصف النصف الآخر قبل أن يركب السيارات، ونصف النصف المتبقي قبل أن يصبحوا، وما أدري هل بقي (2%) أو (3%) أتى بأخٍ معه بسيارته؟ وسوف تأتي معنا أزمة نقل الناس إلى المسجد وقد كتبها بعض الإخوة في رسائل. الأمر الثاني: أظن قليلاً من فعل ذلك، فبحسب ما سألت الإخوة حتى المتحمسين قلت: هل سمعت؟ قال: نعم. قلت: وهل فعلت؟ قال: لا، وأستغفر الله. فهذا حال هؤلاء فكيف بغيرهم.

تمني الشهادة في سبيل الله

تمني الشهادة في سبيل الله Q يقول شاب: أتمنى أني أقدم نفسي رخيصة في سبيل الله! A قرأت رسالته في الأسبوع الماضي، يقول: والله إني أتمنى أن أقدم دمي فداءً للا إله إلا الله محمد رسول الله، وشكرته، وأسأل الله أن يسعده بالشهادة في سبيله: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:19] وكان أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام يقول الواحد منهم قبل المعركة: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]]. فشكراً لك، وأظن أنه ليس هناك أغلى من الدم، فإذا بلغ العبد أن يتمنى أن يُقطع رأسُه في سبيل الله، وأن يسفك دمه في الأرض في سبيل الله؛ فبشره بخير: {يضحك ربك إلى ثلاثة: أحدهم رجل كان في كتيبة قاتلت فانهزمت، فعاد هو وحده فقاتل حتى قتل، قال الله: يا ملائكتي! أشهدكم أني قد غفرت له وأدخلته الجنة} ويقول عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده، ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى، اللون لون الدم والريح ريح المسك} وقال صلى الله عليه وسلم: {يأتي الرجل يوم القيامة يحمل رأسه بيده فيقول الله: فيم قتلت؟ فيقول: فيك يا رب قتلت، فيقول الله: أشهدكم يا ملائكتي أني قد أدخلته الجنة}. أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا

واجبنا نحو المنكرات المنتشرة في المجتمع

واجبنا نحو المنكرات المنتشرة في المجتمع Q ما واجبي نحو المنكرات التي أراها في المجتمع مثل كثير من المخالفات التي تقع فيها النساء؟ A هذا لا يعني أنه في النساء فقط، بل في الرجال والنساء، والنساء عالم محترم، وهن نصف هذا المجتمع، والمرأة هي التي أنشأت العلماء والأدباء والشهداء للعالم، وهي الجامعة الكريمة والمدرسة الطاهرة التي أتت بكم، فأنتم أبناء النساء. ولا يعني إذا نُبه أن جانب النساء هو الجانب الملام وحده فقط، بل وجانب الرجال أيضاً، لكن العجيب أن فتنةَ النساء أعظم فتنة! يقول المأمون: ما لي تطاوعني البريةُ كلُها وأطيعهن وهن في عصياني يقول: أنا أحكم العالم الإسلامي شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، ومع ذلك تسيطر عليّ المرأة، حتى أتى رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أشكو إليك ذرية من الذرب وهن شر غالب لمن غلب ولذلك يقول جرير: يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ما تركت بعدي أشد فتنة على الرجال من النساء}. ومن المظاهر المنتشرة: عدم تغطية الوجه، والوجه مكان الفتنة، والجمال والحسن والبهاء، وليت شعري!! إذا لم تغطِ المرأة وجهها أي شيء يحذر منه؟! وبم يطالب الشارع المرأة أن تحجب؟ هل تحجب رءوس أظافرها وبطون أقدامها؟! فالوجه مكمن الخطر، وما كانت العرب تتكلم ولا تقول الشعر إلا في الوجه، دخل أحد الشعراء على الخليفة المكتفي -وهذا من حمقه- وقال: والله لا كلمتها لو أنها كالبدر أو كالشمس أو كـ المكتفي يقول: والله لا أكلمها ولو أن جمالها كالبدر، أو كالشمس، أو مثل جمالك أيها الخليفة. قال الخليفة: اسحبوه، فسحبوه على وجهه وبطنه. ومن المظاهر المنتشرة: خروج المرأة إلى الأسواق لغير حاجة ضرورية ولشيء تافه، كأن تمر على أماكن الخياطة بنفسها، وعلى أناس قد لا يحملون التقوى والورع والخوف من الله، وعلى أماكن بيع الذهب، وتبقى الساعات الطويلة، وغير ذلك من المظاهر التي لا تخفى. والواجب أن تكون هذه أولاً: رسالة النساء الداعيات الملتزمات المستقيمات، مثل من يحضر الدروس منهن؛ أن تكون داعية في صفوف بنات جنسها، وأن تهدي لهن الشريط، ومن رأيي أن الداعية إذا رأى امرأة فله أن يقول: تحجبي يا أمة الله، وكان الصحابة في أسواقهم يقولون هذا، لا ينظر إليها وإنما يقول بكلام لين: تحجبي يا أمة الله، هداك الله. لأن السكوت ليس من خصائص الأمة المحمدية، ويوم تسكت الأمة عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تذوب شخصيتها، ويذهب رونقها، ويطفئ الله نورها: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79].

مقترحات عديدة

مقترحات عديدة وقد وردت اقتراحات بناءة، وقد درستها وخرجت منها بأمور: منها: أن بعض الإخوة لا يعلم بالدروس، ولا يعلم بالنشاط العلمي والمحاضرات واللقاءات؛ لبعده عنها، فهو يقترح هذه وهي موجودة. ومنها: أن بعض الإخوة يريد شيئاً فوق الطاقة لاندفاعيته. ومنها: أن بعضهم يأتيك بخيالات، ونحن نتكلم عن الواقع لا في عالم الأحلام، و"إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع" فهو يقترح ويقول: عليك أن تنشر الدعوة في الأماكن، والبوادي، والقرى، وأرى أن يهبَّ طلبة العلم جميعاً. والكلام سهل والتطبيق صعب، والإنسان قد يقيم حضارة وهو نائم على فراشه هكذا كلام الليل يمحوه النهار. فنريد من الأخ إذا اقترح أن يراعي أنه في الواقع، وأنه يخاطب بشراً، ويعرف استعداد الناس وظروفهم، ثم ينطلق من هذه المنطلقات. لكن هناك بعض المقترحات الجيدة. منها: اقتراح يقول: أريد درساً في الحديث. A أشكرك على هذا، والحقيقة علَّ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يسهل هذا الدرس، ودرس السبت فيه كثير من الحديث. يقول: وأريد درساً في الفقه ولو في الشهر مرة، هناك درس سوف يكون مساء كل أحد في الفقه، في هذا الجامع -جامع أبي بكر الصديق- وفي جامع اليحيى، للدكتور/ جبريل بصيلي، وهناك درس مساء الإثنين في مسجد آل غليظ للشيخ/ سعد الحجري، وهناك درس كل يوم ثلاثاء في السيرة للشيخ/ عبد الله بن محمد بن حميد، عسى الله أن ينفع بالأسباب، ثم لقاء الجمعة مساءً في هذا المسجد، وهو لقاء مفتوح فيه مداخلات ومشاركات وأطروحات. ويقول: وعدتنا بمحاضرة بعنوان "تسهيل العقيدة" وما رأيناها؟ A عليك بالصبر والسكينة حتى يأتيك خبرها قريباً. ومنها: يقول: أريد شرحَ سورتين في كل درس؟ فعلنا ما اقترحت، بل زدنا على اقتراحك وجعلناها ثلاث سور، وسوف تكون سورتين إلى ثلاث إن شاء الله.

مشكلة الحضور إلى المحاضرات

مشكلة الحضور إلى المحاضرات Q الأخ يشكو ويقول: أنا أريد الحضور لكني لا أجيد القيادة وليس عندي سيارة، أريد من الشباب أن يأخذوني معهم، وأن يأخذوا من ليس عنده سيارة حتى يأتوا بهم إلى المسجد. A صدق الأخ، ليس كلٌّ يمتلك سيارة، وظروف الناس تختلف، وبعضهم قد يمتلك ولكن لا يجيد القيادة، وبعضهم يجيد القيادة ولكن لا يستطيع أن يمتلك سيارة، فعلى الإخوة أن يتفقدوا جيرانهم وشبابهم، وإذا وجدته عليك أن تسأله، هل تريد مشاركتنا في الحضور؟ فتكون داعية خير: {من دل على خير فله مثل أجر فاعله، ومن دعا إلى سنة كتب له مثل أجر من أتى بهذه السنة} وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: {ومن كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له} من كان له زيادة جمل، أو حمار، أو فرس، وأنا أقول من كان له فضل مركبة، أو مقعد في السيارة، فليعد به على من لا مقعد له. وأنا أخاطبكم وأطالبكم -أيها الإخوة- أنه إذا كان أحدكم يسير في الطريق ورأى أحداً عليه علامة الخير، أو كان شيخاً كبيراً، أو محتاجاً، أو أعمى، أن يقف ويحمله معه في سيارته حتى ينفعه الله بهذا الفعل: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:89] وفي الأثر {الناس عيال لله أَحبُّهم لله أنفعهم لعياله}. فوصيتي -أيها الإخوة- المشاركة، وأن تنفسح صدورنا، وسياراتنا، وبيوتنا للناس، والعجيب أن السيارات تكاد تكون -أحياناً- ككثرة الحضور فتجد الواحد يأتي بسيارة طويلة عريضة وهو وحده، فالأحسن أن يملأها من عباد الله، وبدلاً من أن تأتي أربع سيارات ويزدحم الشارع تأتي سيارة فيها أربعة أو خمسة فتحل أزمة الازدحام.

بعض المنكرات المنتشرة بين الناس

بعض المنكرات المنتشرة بين الناس Q وردت بعض الرسائل التي تتحدث عن المخالفات، منها: انتشار بعض المجلات الخليعة والأشرطة الغنائية، وبعض مخالفات الناس في أمور السنة مثل الأكل بالشمال، وعدم المحافظة على أوقات الصلاة، وكثرة الحَلِف فجوراً، وشهادة الزور، وحلق اللحى، وشرب الدخان وغيرها. A حقيقة كل هذه تحتاج إلى كلام طويل، ولكن سوف أستعرض فقط ما تم. وهنا أيضاً رسالة تتحدث عن مركز طبي أعلن في بعض النشرات أن فيه دلك، وفرك، وغسيل، ومكيجة، ومشط للشعر، وغير ذلك من هذه اللفائف، وهذه بشرى ليست سارة، بل هي ضارة، ولا نريد من الأخ صاحب المركز هذا إلا أن يتقي الله عز وجل، ويكون محافظاً على الشريعة؛ لأن هذه البلاد تسير بشرع الله عز وجل، وتسير بالكتاب والسنة، فلابد أن يراعي شعور المسلمين وليتق الله في ذلك.

موقف صحيفة صوت الكويت من الإسلاميين

موقف صحيفة صوت الكويت من الإسلاميين Q مقالة ضد الإسلام في جريدة صوت الكويت. A هذه صحيفة صوت الكويت كم أضرت في الجانب والصف الإسلامي، فهي التي تكلمت عن الكاسيت وحذرت المسلمين من الشريط الإسلامي، وتكلمت عن بعض الدعاة والعلماء، فلا تستغرب، ولكن نحيلها إلى الله عز وجل أن ينتقم لنا أو يهدي هؤلاء إلى صراط مستقيم.

إلى كل من اهتدى حديثا

إلى كل من اهتدى حديثاً Q شاب التزم حديثاً وحضر معكم، فماذا تقولون له في هذا الدرس؟ A نقول: حياك الله وبياك، وأهلاً وسهلاً، ونكرر دعاءنا لك، فأنت مكسب لنا.

خطاب أفغانستان

خطاب أفغانستان Q ماذا عن خطاب أفغانستان؟ A لقد أصدر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ومجموعة من العلماء خطاباً سوف أقرؤه عليكم إما يوم الجمعة المقبلة، أو يوم السبت المقبل في الدرس، وهو خطابٌ مهم عن الأحداث التي جرت في أفغانستان في كنر، وعن مقتل الشيخ جميل الرحمن وعن بعض ما قيل، فسوف نقرؤه إن شاء الله فعليكم بالصبر.

مشاركات شعرية

مشاركات شعرية Q وصلتني محاولات شعرية، بعضها جيد، وبعضها وسط، وبعضها المشاركة: السلام عليك يا أبا عبد الله، اسمح لي أن أرحب بجمهورك وبالمحبين الحضور، وأنا لست من أهل أبها لكن أحببتهم لما حضرت مجلس السبت، ورأيت حضورهم وتفاعلهم ومشاركتهم، ورأيت فيهم الخير، ثم رأيت من حسن الكرم وبشاشة الاستقبال ما الله به عليم، وأنا لست من هذه المنطقة، وقد وصف لي أهل الجنوب بالخير والكرم فلما رأيتهم فإذا هم أكبر مما وصفوا لي: مرحباً أهلاً وسهلاً بالضيوف يا ركاب الخير زارتنا الهمم من رياض البر نهديكم قطوف تاج علم وأحاديث قمم وشعاع الشمس تستسقي طيوف أصغت الأذنان من هدي الكَلِم الحقيقة أنها مشاعر فياضة، والقصيدة تحتاج إلى سمكرة، فمن عنده ورشة أدبية كالدكتور: صالح بن عون وهو حاضر فنحيلها عليه. المشاركة: أحدهم من جيزان يقول: وصلت لأول مرة وحضرت الدرس وعدت بمشاعر فياضة، أشكركم وأشكر الحضور الذي أثلج صدري. وقد نظمها في منظومة فقال: يقول تلميذك أبو المغيره أحمد ربي غافر الكبيره مصلياً على رسول الله مذكراً بالله كل لاهي وهذا البيت قد سرقه مني، ويقول: وحملتنا في طريقنا سياره تنحرف تارة وترجع تاره الحقيقة أن بعض الأبيات له وبعضها لي، وتحتاج هذه إلى المراجعة، ولكني أشكره شكراً لا ينتهي. يقول: تلميذكم من جيزان العامرة، عمرها الله بالتقوى، وحرسها الله من كل شر. ووصلت أيضاً قصائد منها يقول: قصيدة من محب محمد رسول الله وهذا مثل بعض الأسماء التي تأتي من الشمال، من وراء نهر سيحون، يأتيك بالاسم وكأنة آيه، مثل بعض أسمائهم "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً" وبعضهم سمى نفسه "شمس الإسلام المعصوم بالتقوى" وغير ذلك من الأسماء، يقول: قف فالورى قد وجهوا الأنظارا لسناء نور قد أضاء نهارا فأضاء ليل الكون حتى أبهرا وأنار صبح الدهر خير منارا الحقيقة أن فيها إقواء ولكن هذا الرجل يلاحظ أن عنده شاعرية فياضة: صلوا عليه معاشر الأخيار فهو الشفيع من اللظى والنار وهذه القصيدة من فلسطين، وهي من القصيم وقد سمعتها، السلام على فلسطين. خذي القلب مني مزقيه وقطعي خذي الدمع إني قد وهبتك أدمعي خذي الروح إن الروح تشتاق للقا تكاد تطير الآن من بين أضلعي خذي الليل والأحزان واليأس والرجا خذي كل ألحاني وغني ورجّعي خذِي العشق يبكي في حروف قصائدي خذيه وضميه إلى الصدر واهجعي هذا شاعر متفوق، أثابه الله. وبعض المقطوعات سأعيدها في اللقاءات القادمة، لأنه سوف يكون الأسبوع الأول من كل شهر هو من أجل اللقاءات والأسئلة. وأقول: من لم يحسن أن يأتي بشعر فلا يتعب نفسه من أول الطريق، ولا يشترط أن يكون شاعراً، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية من أعلم علماء الدنيا وكان بحراً، ولكن شعره كان ضعيفاً جداً، وهو قد نظم لكن ليس بشعر، يقول: أنا الفقير إلى رب السماوات أنا المسيكين في مجموع حالاتي لكنه ينظم نظماً آخر يسلب العقول من رشاقة أسلوبه وقوة علمه وفيض بحره (أثابه الله وغفر له). وشعر العلماء -أحياناً- يكون ضعيفاً، فقد قرأت لـ ابن دقيق العيد قصائد، وقد لاحظ عليه ابن خلدون في المقدمة، يقول: شعر العلماء تدخل عليه المتون فتضعفه، ومن شعره قوله: واختلف الأصحاب في وصلنا فرجحوا نجواك وهو الصحيح وكأنها من زاد المستقنع.

الإخلاص في طلب العلم

الإخلاص في طلب العلم Q من القضايا المطروحة يشكو الإخوة عدم الإخلاص في طلب العلم. A العزوف عن طلب العلم مأساة، يوجد كثير من المثقفين، لكن قليل من يطلب العلم النافع الشرعي أو من يحصّل، حتى ترى من يدرس في كلية الشريعة أو أصول الدين ليس عندهم قدرات على كثرة المطالعة أو الحفظ أو التخريج وتحقيق المسائل، بعضهم يكتفي بدراسة الكليات، والكليات لا تكفي وحدها لتخرج لنا علماء، فأنا أطالبكم -أيها الإخوة- بكثرة القراءة وكثرة الاطلاع، وأن يقرأ كل طالب ما يقع تحت يديه، فإنه سوف تتوسع مداركه، وتتفتح له نوافذ من المعرفة، وسوف ينفعه الله بما علمه إذا كان رائده تقوى الله عز وجل.

أخلاق طالب العلم مع غيره

أخلاق طالب العلم مع غيره Q نلاحظ أنه يوجد عند بعض طلبة العلم عدم لين الجانب مثل الفظاظة والغلظة؟ A أقول: يوجد هذا، ومع التربية وتقوى الله عز وجل والنصيحة وتوجيه هؤلاء يصحح مسارهم، وهم ليسوا معصومين، وقد يوجد -أحياناً- من يتكبر بعلمه ومن يبخل به، والله وصف بني إسرائيل بأنهم: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:37]. قال: فهم بخلاء بالمال والعلم، وهما شر خصلتين إذا وجدتا في الإنسان. وعلى كل حال أرى أن نتناصح فيما بيننا، وأن نسأل الله عز وجل أن يكمل ما نقص منا، وأن نعلم أننا من نقص، ولكن مع الأيام ومع الاستغفار ومع تصحيح المسار يكمل الله لنا طريقنا ويثبت أقدامنا، ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله: لا عبرة بنقص البدايات وإنما العبرة بكمال النهايات. فهذا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لم يكن يوم آمن كمثله لما مات، بل ازداد عند موته إيماناً وصدقاً وتضحية، فلا تيأس من روح الله، واعلم أنك لو حضرت وأنت ناقص الإيمان وصاحب ذنوب ومقصر، فمع الأيام والنوافل والدعاء يكمل الله لك إيمانك: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69]. والحقيقة الذي لفت نظري أن جانب الأطباء، وجانب من يشتغل في المستشفيات والصحة أكثر الناس تفاعلاً مع الدعوة، وأنا أشكرهم من على هذا المنبر، والحمد لله أن أوجد هذه الطائفة الممتازة من الأطباء المسلمين الذين يشرحون صدرك، إذا نظرت إلى الواحد منهم وإذا خصال السنة على وجهه، وإذا حرصه على تطبيق معالم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحافظته على النوافل، وهم كثير، تجدهم بالعشرات في بعض المستشفيات، وتجد عليهم سيماء العلم والتقوى والنور فأثابهم الله. والحقيقة أن في بقية المناطق شعور متبادل حتى عند العلماء والدعاة، أن جانب الأطباء ومن يشتغل في هذا الحقل أنه جانب ضخم نفع مسار الدعوة نفعاً عظيماً، وشكل العمود الفقري في الصحوة، فلله الحمد.

الجدية في الالتزام

الجدية في الالتزام Q أنا أصاحب شباباً ظاهرهم الالتزام ولكن تنقصهم الجدية. A المقصود بالجدية الجدية في الالتزام، أي: أنهم ما أخذوا الكتاب بقوة، وهذا صحيح، فقد يدخل في جدية بعضهم شيء من الهزل وكثرة المزاح، أو يكون التزاماً ظاهرياً، ما يعود على القلب بحرارة الإيمان وبالتفاعل مع الدين، وقد تجد بعضهم يركز على أمور ظاهرية كتربية اللحية وتقصير الثوب والسواك وأمثالها، ولكنه لا يعتني بالنوافل وبحب الله عز وجل وبالخوف والرجاء والتواضع وبالخشية والسكينة، وأعمال القلوب التي هي مكان نظر الرب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم}.

علاج الاكتئاب

علاج الاكتئاب Q أصبت بحالة اكتئاب شديدة، فما العلاج؟ A العلاج أن تشرح صدرك بهذا الدين: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:125] أسأل الله أن يشرح صدرك وصدورنا جميعاً للإسلام، ووالله لن ينشرح الصدر إلا بتقوى الله، ولقد جرب الناس أسباب السعادة في المرأة الجميلة والفلة البهية والسيارة الفخمة والوظيفة فما وجدوها؛ لأن الله عز وجل أخذ على نفسه أن من أعرض عن منهجه ورسالته وكتابه أنه لا يوفقه ولا يشرح صدره ولا يهديه سواء السبيل، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:126].

إنكار المنكر لمن هداه الله

إنكار المنكر لمن هداه الله Q كيف يتعامل الشاب الملتزم حديث التوبة مع أهله، وكيف ينكر المعاصي؟ A صراحة أن هذه لا بد أن توقفنا كثيراً، فقد تجد شاباً يمن الله عليه بالهداية فيتحول مسارُ حياته إلى الهداية، ويريد أن يغيرَ بيته في نصف ساعة، وهذا خطأ، فالبيوت لا تتغير بهذه السرعة ولا المدارس والأمم. فإن من سنة الله في الحياة أن ينمو هذا الدين شيئاً فشيئاً كالشجرة تماماً، فهل بذرت بذرة في الأرض وفي الصباح أخرجت لك شجرةً مثمرة؟! كلا! بل تبقى البذرة ثم تنشق ثم تنمو قليلاً، ثم تأتيها ريح فتصرعها والشمس والماء، ثم تقوم على سوقها، ثم تخرج أوراقها ثم ثمارها، ثم تأكل الثمار وهكذا الهداية. فأنا أطالب الأخ بثلاثة أمور مع أهله: الأمر الأول: أن يقدم المسائل الكبار مع أهله، فيقدم أمر الصلاة قبل أن يتكلم عن الغناء؛ فهي عمود الدين، يتكلم لهم عن هذه المسألة العظيمة التي إذا أقيمت قام أمر الدين: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45]. ثم يبدأ بالمسائل مسألة مسألة، كما أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام معاذاً عندما أرسله إلى اليمن وقال: {إنك سوف تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله}. الأمر الثاني: أوصيك يا شاب الإسلام بالدعوة بالتي هي أحسن؛ فتحبذ نفسك إلى أهلك، ولا تأتيهم بالأوامر وأنت عاص لهم ولا تكن فظاً غليظاً. الأمر الثالث: أرى أنك إذا لم تستطع مباشرتهم في الدعوة أن تستخدم وسائل كالشريط الإسلامي وبعض الكتيبات، وكاستضافة بعض العلماء وطلبة العلم إذا رأيت ذلك، ثم أدعوك أن تدعو لأهلك بالاستقامة ولا تفتر عن هذا.

من معوقات الالتزام

من معوقات الالتزام Q أنا أشكو من أرحامي، أريد أن ألتزم لكنهم يستهزئون بي، وكلما رأوني أطلقت لحيتي استهزءوا باللحية وقالوا: هذا تزمت. A سبحان الله! أنا أحاكمهم إلى الشرع والعقل، وأحاكمهم إلى كل مسلم على وجه الأرض، وأحاكمهم إلى الكتاب والسنة، سبحان الله! أصبح أتباع محمد صلى الله عليه وسلم في قفص الاتهام! أصبحوا هم أهل الملام! سبحانك هذا بهتان عظيم! كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً! لا والله! فالواجب أن يرحب بهذا الشاب ويدعى له بالهداية إلى الله عز وجل. هذا الشاب الذي أطلق لحيته، وحافظ على الصلوات الخمس، وأخذ يتدبر كتاب الله ويدعو إليه على بصيرة لا يستوي مع رجل آخر خرج عن ميثاق السنة وكان متساقطاً أمام بلوى المخدرات، وترك الصلوات واستمع الأغنيات، إن بينهم بون عظيم: {{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36] وما لكم كيف تتصورون! وما لكم كيف تتعاملون! وما لكم كيف تحبون على هذا الأساس وعلى هذا المنطلق! فلابد من إعادة النظر.

الهجر الشرعي

الهجر الشرعي Q كم يهجر المسلم في الله؟ A المسلم إذا أخطأ خطأ شرعياً من الكبائر يهجر حتى يعود من خطئه ويتوب، وأما من أتى بينك وبينه من المسلمين من الأمور الدنيوية فثلاثة أيام: {لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام} رواه مسلم. أما اليوم الرابع فلا، والمتهاجران لا ترفع أعمالهما ولا يغفر لهما، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للملائكة: {أنظروا هذين حتى يصطلحا} أو كما ورد في الحديث.

التوبة من المعاصي

التوبة من المعاصي Q رجل ارتكب معاصي كثيرة، وهو الآن يحافظ على الواجبات والمسنونات، ويذكر الله كثيراً، وقد تاب إلى الله، هل تمحى سيئاته؟ A سبحانك يا رب! من الذي يغفر الذنب إلا الله؟ ومن يعفو عن السيئات إلا الله؟ {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] وأريد منكم -يا أيها الأحباب- أن تزيلوا من أذهانكم -أو البعض- عقدة سوء الظن بالله؛ فقد أتاني بعض الشباب فقالوا: أنا أريد التوبة لكن لسوء عملي مع الله أظنه لا يغفر لي. قلت: ليغفرن الله لك إذا صدقت التوبة. قال: ذنوبي كثيرة، أكثر من الجبال. قلت: ولو كانت ملء السماوات والأرض. فالله عز وجل يقول: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}.

احترام وتوقير كبار السن

احترام وتوقير كبار السن Q هذا الشاب يشكر كبار السن الذين يحضرون الدرس؛ وقال: لأني أتشجع بهم وأعلم أنهم، سبقوني في الإسلام وأنهم أكثر صلاة وصياماً مني، وأنا -والحمد لله- أفرح أن أرى في المجلس وفي الدرس شيخاً كبيراً شابت لحيته. A وأنا مثله أفرح أن أرى شيخاً أمامي شابت لحيته في تقوى الله، وقار، والشيب هيبة ووقار، وحق على المسلمين أن يحترموا ثلاثة: حامل القرآن غير الجافي والغالي فيه، والسلطان المقسط العادل، وذو الشيبة المسلم: {من شاب في الإسلام شيبة كانت له حسنة} وقال صلى الله عليه وسلم: {إن الله ليستحي أن يعذب ذا شيبة في الإسلام} قال صلى الله عليه وسلم: {نظر إبراهيم عليه السلام إلى المرآة فرأى شيبة بيضاء فقال: يا رب ما هذا البياض؟ قال: هذا وقار يا إبراهيم. قال: اللهم زدني وقاراً}. وكان الإمام أحمد لا يقوم لأحد، فإذا رأى شيخاً أقبل في لحيته شيب قام له واحترمه وقبله وأجلسه مكانه. والحقيقة أنه واجب علينا أن نحترم كبار السن وأن نتعلم الأدب معهم وأن نقدمهم، وأنا لو أملك أن أفرغ الصف الأول والثاني لكبار السن لأني أرى بعضهم في الصف الرابع والخامس متأخراً لفعلت، وأرى أن الشباب إذا رأوا شيخاً قد شابت لحيته وهو على أمر الإسلام والسنة أرى أنه إذا دخل المجلس أن يحترموه ويقدروه وأن يقدموه في المجلس والكلام، والرسول صلى الله عليه وسلم أتاه مجموعة من الشباب ومعهم شيخ فأراد شاب أن يتكلم، فقال صلى الله عليه وسلم: {كبر، كبر} فما زلنا بخير ما دام صغيرنا يحترم كبيرنا وما دام كبيرنا يرأس ويرحم صغيرنا، وبعض الشباب يتعامل مع كبار السن كأنه يتعامل مع طلاب، وهذا لا ينبغي له ولا يجوز، فالرسول صلى الله عليه وسلم حتى في الصلاة كان يقول: {وليليني منكم أولو الأحلام والنهى} أي: ليكن في الصف بعدي كبار السن والحفاظ وأهل العلم والفضل. فالرجاء معرفة حقوق هؤلاء واحترامهم، وإهداء البشاشة وحسن الخلق معهم والعطف عليهم، حتى يقيض الله لك عند شيخوختك من يعطف عليك ويرحمك، والجزاء من جنس العمل.

حكم العادة السرية

حكم العادة السرية Q الشباب كثيراً ما يشكون من العادة السرية بالخصوص. A هي محرمة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وهي عادة سيئة مضرة بالصحة، ومذهبة بالدين وأرى وجوب تجنبها وتحريم فعلها، وعلى العبد أن يستغفر ويتوب، وهناك بابان: الأول: من استطاع أن يتزوج فليفعل ولا يتأخر، ولا يعتذر بالدراسة أو العمل أو الوظيفة، وسوف يجعل الله له من أمره يسراً. والثاني: إذا لم يستطع فعليه بالصيام، وعليه بقراءة كتب أهل العلم، وتدبر القرآن وكثرة الذكر؛ حتى يسهل الله له نصيبه، إما أن يموت أو يتزوج.

حكم التلفظ بكلمة الكفر

حكم التلفظ بكلمة الكفر Q ما حكم من تلفظ بكلمة الكفر، قائلاً: إنه كفر بالله وبدينه؟ A نستغفر الله ونتوب إليه، اللهم ثبتنا على الحق: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] {إِنْهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] نعوذ بالله من الشرك، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {يا أبا ذر! لا تشرك بالله ولو قطعت وأحرقت} فكل شيء إلا الشرك بالله، فحرام على المشرك أن يدخل الجنة، وحق له أن يعذب بالنار خالداً مخلداً فيها: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66]. وأعظم دعوة نافعة مفيدة نيرة نفع الله تعالى بها هي دعوة المجدد العالم محمد بن عبد الوهاب، فلله كم أسدى من جميل! ولله كم قدم من يد! أسأل الله أن يملأ قبره نوراً ورضواناً، وعسى الله أن يجمعنا به في دار الكرامة وكتابه: كتاب التوحيد عظيم، وهو قنبلة ذرية على رءوس الملاحدة والكفرة والزنادقة، وأرى أن يقرأ ويدرس وأن يعلم، وأن يكون في الجامعات والثانويات والمدارس والحلقات، فقد اعتنى بجانب التحذير من الشرك وخطره على الأمة، وصور وهيئات الشرك، وما يرد من ألفاظ وأفعال الشرك والمشركين، كلها مبينة، وفتح المجيد وقرة عيون الموحدين من أحسن شروح الكتاب. فعلى الأخ الذي فعل هذا أن يتوب إلى الله ويدخل في الدين من جديد، لأنه قال ما قال كفر بالله وخرج من الملة، لكن التوبة ما زالت مفتوحة، فعليه أن يعود وأن يعلن إسلامه، وأن يدخل في دين الله، وسوف يقبله الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في دينه.

حكم من يمنع زوجته من الحجاب

حكم من يمنع زوجته من الحجاب Q امرأة تريد التحجب وزوجها يمنعها، ماذا تعمل؟ A الرسائل التي وصلت في هذا الموضوع كثيرة فكثير من الناس يمنع زوجته من أن تتحجب، وكثير من الناس يجبر زوجته أن تتكشف أمام إخوانه، هكذا أسئلتهن، تقول: يجبرني زوجي ويخرجني بالغصب والقوة إلى المجلس لأجلس مع إخوانه. تصوروا الإسلام وتصوروا المروءة، امرأة مؤمنة متحجبة ومتسترة لا تريد الكشف على الأجانب، تريد أن يسترها الله حية وميتة ومع ذلك يأتي الزوج بالأمر والقوة لتكشف على إخوانه وضيوفه، وأنا لا أدري كيف أرد على هذا، لكن عسى الله أن يهديه وأن يرده إلى رشده. أما أن زوجها يأمرها أن تترك الحجاب فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، غضب أو رضي، أهم شيء رضا الله، ثم رضا الرسول صلى الله عليه وسلم ثم النظر إلى شرع الله عز وجل لا إلى شرع الناس: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. وأنا أرى أن تقنعي زوجك بالتي هي أحسن، وتقدمي له النصح، وتسألينه بالله عز وجل أن يتقي الله فيك، وأن تعلميه أن الحجاب أفتى أهل العلم بوجوبه، فإذا امتنع من ذلك فلا تطيعيه، ولو اقتضى ذلك الذهاب إلى أهلك ثم هم يتدخلون في المسألة، وإذا علم الله أنك أتقيتيه جعل لكِ من كل ضيقٍ مخرجاً ومن كل همٍ فرجاً: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4].

حكم استخدام الخادمة المسيحية

حكم استخدام الخادمة المسيحية Q ما حكم استخدام الخادمة المسيحية؟ A لا يجوز استخدام الخادمة المسيحية، ولا أظن أن أحداً من العلماء يفتي باستخدام الخادمة إلا بثلاثة شروط: الشرط الأول: للضرورة في البيت؛ كأن تكون المرأة مريضة ولا تستطيع القيام بشئون البيت. الشرط الثاني: أن تكون هذه الخادمة أو الشغالة مسلمة. الشرط الثالث: ألا يراها أجنبي في البيت؛ لأنها أجنبية فتتحجب في مكان خاص. فهذا للضرورة الحاسمة، مع العلم أنني أرى أنه لا خير فيهن ولا في استخدامهن ولا في إدخالهن البيوت، لكن أمام الضرورات التي يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] أما المسيحية فلا يجوز التعامل معها سواء رجل أو امرأة، لا في شركة ولا في تدريس أو هندسة أو أي منحى من مناحي الحياة. وقد دلت على ذلك النصوص، وقد كتب أبو موسى إلى عمر رضي الله عنهما، قال: [[إن عندي كاتباً نصرانياً حذقاً فطناً، فهل أستكتبه؟ قال عمر: لا تستكتبه لا نقربهم بعد أن أبعدهم الله، ولا نودهم بعد أن أبغضهم الله، ولا نكرمهم بعد أن أهانهم الله]].

حكم دخول طالبة مسيحية مدرسة إسلامية

حكم دخول طالبة مسيحية مدرسة إسلامية Q ما رأيكم في مدرسة بنات دخلت فيها طالبة مسيحية؟ A إن كانت هذه الطالبة طالبة وليست مدرسة فأرى أنه لا بأس أن تدرس ويعرض عليها الدين، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن على المسيحيين واليهود، وربما يكون من وسائل دعوتها أن تدعى. ووصيتي للقائمين على هذه المدرسة أن يدعوها إلى الله، وأن يعرضوا عليها الإسلام، وأن يذكروا لها الدين المسيحي الباطل المحرف حتى تعود إلى الله عز وجل وتعلن إسلامها. وهذه من الطرق الطيبة النافعة. أيها الإخوة الكرام: أسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لنا ولكم الرشد والهداية والسداد، كما أسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، كما أسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتوب علينا توبة نصوحاً، ونرجو سداداً وتوفيقاً، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أسرار العبقرية عند ابن تيمية

أسرار العبقرية عند ابن تيمية تحدث الشيخ عن أحد عمالقة الإسلام وهو الرجل العظيم شيخ الإسلام ابن تيمية، فذكر خصائصه وميزاته التي برز فيها عن سائر العلماء. ثم تحدث عن أعدائه من الملاحدة والمبتدعة والزنادقة، وذكر أسباب عداوتهم له، ثم ختم بالإجابة عن بعض الأسئلة المفيدة.

البطاقة الشخصية لشيخ الإسلام ابن تيمية

البطاقة الشخصية لشيخ الإسلام ابن تيمية الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أيها الإخوة الفضلاء: عنوانُ هذه المحاضرة: أسرار العبقرية عند ابن تيمية، ضيفنا هذه الليلة هو شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام. أحييك يا شيخ البطولة والفدا وأرجوك أن تأذن لنا بالتكلم عشقنا معاني فيك جِدَ جميلةٍ وعشنا مع ذكراك في كل موسم الليلة لن أقص عليكم حياة ابن تيمية كما يقصها أهل الترجمة، ولن أتكلم عنه كما يتكلم عنه أهل التاريخ، إنما آتي بأسرارٍ في حياته، ولعلكم تعرفون ابن تيمية. كان ابن تيمية يحمل في قلبه وقوداً لا ينطفئ أبداً، تنطلق على هيئة براكين صاخبة مدوية، إن نفسه تمور كالريح الهوجاء التي تقتلع الشجر، وتقلب الصخور، وتزمجر في الأودية. كان يتحدث من أعماق قلبه، فيملأ الدنيا ضجة، علَّ الدنيا أن تنصت له! علَّ التاريخ أن يصغي له! ويقف كالجبل يتحدى أوهام الموت الموهومة التي بثها الناس في قلوب الناس، يتحدى التقليد والرجعية البائسة، فهو يعيش الانفتاح بكل معانيه -أو سمه أنت البروستريكا- الانفتاح على النور الخالد الذي أرسله في العالم رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، يتحدى ابن تيمية المراسيم المتخلفة التي درج عليها بعض الفقهاء. عاش ابن تيمية يعلو كالنجم، ويسطع كالفجر، يهدر كالسيل، لا للشرك، ولا لصرف القلوب عن باريها، ولا للإقطاع، ولا للديكتاتورية البشر، ولا للنفاق والعمالة أو لحصر الإسلام في الزوايا. عاش الشيخ المعجزة -صاحبنا هذه الليلة- على المنبر خطيباً، وفي الميدان مجاهداً، وفي السجن أسداً محبوساً، وفي الدنيا عبقرياً، وفي التاريخ عظيماً. صوته يكاد يخلع أرواح الجبابرة، إن قلب ابن تيمية يضرب ضرباتٍ سريعة؛ تخفق لضرباته القلوب. إن كلماته قذائف تفجر الصخور. قال جولد زيهر: "وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب، وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن". إن ابن تيمية أتى عالماً جديداً في عالم قديم، إنه مشغولٌ بالتاريخ والتاريخ مشغولٌ به، كأن التاريخ واقفاً مع ابن تيمية، يلاحظ التاريخ حركات ابن تيمية: جاء ابن تيمية، خرج ابن تيمية، جلس ابن تيمية، وقف ابن تيمية، وكأنه يقول: يعيش ابن تيمية يعيش يعيش يعيش. هذا ملخص بطاقة ابن تيمية الشخصية، ونعبر بكم مع فضيلة شيخ الإسلام حيَّاه الله وبياه! أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام كان أبوه نجماً، وجده قمراً، وهو شمساً: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء:12] كان شمساً لكنها تصهر رءوس الملاحدة! {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} [الكهف:17] وكان قمراً ولكنه بديع يستأنس به أحبابه.

أسباب عظمة شيخ الإسلام ومميزاته

أسباب عظمة شيخ الإسلام ومميزاته هنا سؤال يطرح نفسه: ما هي أسباب عظمته؟ أولاً: اسمع لهذه الأسباب التي جعلته عظيماً في الناس، ومثلاً في التاريخ، وشيئاً كأنه أسطورة في عالم العلم، والتضحية والفداء، والعبقرية. وأنا لا أقص هذه القصص لنتزود من المعلومات لتصبح أذهاننا سلة مهملات، بل ليكون الواحد منا ابن تيمية مصغراً، وليكون كلٌ منا ابن تيمية في بيته، وابن تيمية في حارته، وابن تيمية في قريته، وابن تيمية في مدينته، وابن تيمية في بلاده، فأقول ما هي أسباب عظمة هذا الرجل الداهية؟ وقد ولد شيخ الإسلام سنة 661هـ، وتوفي 728هـ.

إخلاصه لله وتجرده

إخلاصه لله وتجرده أولاً: إخلاصه لله وتجرده؛ فقد قدم نفسه وروحه ووقته لله رب العالمين مخلصاً له الدين: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] فأغضب الناس في رضا الله؛ فرضي الله عليه، وأرضى عليه الناس. شيع جنازته ما يقارب من مليون ونصف مسلم، وخرج من النساء على أسقف المنازل ستون ألف امرأة يبكين ويندبن شيخ الإسلام. وقف شيخ الإسلام لله، يريد أن تكون كلمة الله هي العليا، عرض عليه المنصب، قال: لا. لماذا؟ المنصب سوف يعطلني عن دعوتي، عرضت عليه الأموال والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، فقال: لا. لأنها سوف تعطلني عن قول (لا إله إلا الله). عرضت عليه الشهرة وأن يجعل من نفسه محبوب الجماهير. قال: لا. لأن الجماهير لا يرضيها ما يرضي الله، فأنا أرضي الله أولاً والجماهير لا شأن لي برضاها: إذا صح منك الود فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب ترابُ فليتك تحلو والحياة مريرةٌ وليتك ترضى والأنام غضابُ وليت الذي بين وبينك عامرٌ وبيني وبين العالمين خرابُ عاش متجرداً: {إنما الأعمال بالنيات} كان لا يبالي بأحد، يقول كلمة الحق صادقة قوية؛ لأنه مخلص: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: {من أشرك معي في عملٍ تركته وشركه} وعند ابن حبان: {من أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخط الناس برضا الله، رضي الله عليه وأرضى عليه الناس} عاش والله في قلبه، محبةً وتلاوةً وتسبيحاً، وتكبيراً، وجهاداً، المهم عنده أن ترتفع كلمة لا إله إلا الله، ولا بد من إعادة لا إله إلا الله قوية. هذا ملخص الميزة الأولى لـ ابن تيمية، وقد افتقدها كثير من الناس. إن كثيراً من الناس يريد أن يرضي المنصب، ويرضي السيارة، ويرضي الزوجة، ويرضي الجمهور، ويرضي ما يطلبه المستمعون. لكن ابن تيمية إنما يرضي الله أولاً أما غيره فلا. وأنا أدخل بكم في مسارات وفي دخلات قليلة، ثم أعود إلى أصول المحاضرة. لم يتزوج ابن تيمية؛ تزوج الدعوة فأنجب عشرة أبناء: أولها: الجهاد في سبيل الله. وثانيها: أنتم يا شباب الصحوة؛ فأنتم أبناء شيخ الإسلام وهي بشرى سارة. ثالثها: أنجب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي بلغت زنجبار وأندونيسيا. رابعها: أنجب المؤلفات التي تكسر ظهور الحمير من البشر والحمير من الحيوانات. خامسها: أنجب تجديداً للأمة؛ جدد مسار الأمة، وأخرجها إلى عالم الانفتاح. سادسها: رد عقل الأمة إلى الدليل، إلى قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام. سابعاً: علم الناس الجهاد في سبيل الله، وكيف تموت النفوس وهي مقربة في ذات الله. دخلوا عليه وهو مريض فقالوا: ماذا تشتكي؟ قال: لا أخبر أحداً، ثم ردد قائلاً: تموت النفوس بأوصابها ولم يدرِ عوادها ما بها وما أنصفت مهجة تشتكي أذاها إلى غير أحبابها ثامناً: اكتسح الحلف الابتداعي كله؛ اكتسح الملاحدة والحلولية والاتحادية والجهمية المعطلة والصوفية والمعتزلة والنصيرية والأشاعرة: تقدم شاعراً فيهم خطيباً ولولاه لما ركبوا وراءه تاسعاً: وقف ابن تيمية في الضمائر وما مات؛ مات جسمه ومات لحمه ودمه، ولكنه معنا هذه الليلة نحييه ونرحب به، وقد ألف فيه أكثر من ثمانين كاتب من المستشرقين والإنجليز والأمريكان والعرب. عاشراً: وترك ابن تيمية لنا كلمة واحدة أن من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، وأن من جاهد لبطنه ولوظيفته ولسيارته فسوف يموت وينتهي ولا يبقى له أثر في الأرض: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17].

الذكاء المفرط والذاكرة المتوقدة عند شيخ الإسلام

الذكاء المفرط والذاكرة المتوقدة عند شيخ الإسلام الثاني: ذكاؤه المفرط، وذاكرته المتوقدة: رزقه الله موهبة!، يذكر عنه الذهبي أن عينيه كأنهما لسانان ناطقان، يخاف أن تتكلم. ويقول فيه أحد الشعراء اليمنيين: وقاد ذهن إذا سالت قريحته يكاد يخشى عليه من تلهبه يقول: أي من شدة ذكائه يخشى عليه أن يحترق يوماً من الأيام في ثيابه من كثرة توقده، إذا كانت عيناه تكادان تحدثانك؛ فكيف بقلبه الداخلي؟! أما توقده وذكاؤه فحدث عنه ولا حرج، وقد ذكر أبو الحسن الندوي نقلاً عن العلماء كـ البرزالي قال: إنه ما سمع شيئاً إلا حفظه، وكان ذكياً كثير المحفوظ. انظر الرد الوافر (ص66). يقول ابن تيمية: ما قرأت مجلداً إلا انتقش في ذهني من مرة واحدة، أي: يأخذ الكتاب ويفتحه من دفعة واحدة ينتقش في ذهنه، وقرأ كتاب سيبويه الذي لا يقرؤه إلا العلماء، فأخرج منه ثمانين خطأً! وكان يحفظ كتاب الله كحفظ الفاتحة ولا يتلعثم في آية، أما الحديث النبوي فجعله في ذاكرته هنا في آخر مخه في خانة الأحاديث، وأصول الفقه جعلها في مخه في قسم أصول الفقه، والتفسير، فكان إذا استدعى المعلومة في مجلس الذكر أو مجلس الدرس، قال لذهنه: أريد الحديث الذي أخرجه أحمد بسند جيد يحضر الآن فلا يعود إلى كتبه إنما يتدفق. قال ابن القيم: وكان شيخنا إذا صلى الفجر ذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم اعتكف وأخذ الكراريس وجرد القلم، وأخذ يكتب بلا مراجع وبلا كتب، ولا يعود إلى مصادر حتى يأتي الظهر وقد عبأ كراريس لا يفهمها إلا العلماء. ومن ذاكرته المتوقدة -كما ذكروا عنه- أنه كان يجلس بعد صلاة العصر، فيجتمع في جامع بني أمية -الجامع الأموي في دمشق - العلماء، والفقهاء، وعلماء الأصول، والمحدثون، والفلاسفة، والأصوليون، والمناطقة، والقضاة فيغلق عينيه. وكان من طريقته إذا تحدث أن يغلق عينيه، إذا بدأ يتحدث أغلق عينيه تماماً ولا يفتحها إلا قبل المغرب، يقولون: فيتكلم ويهدر كالسيل، ولا يستطيع أحد أن يمنعه أبداً أو يسكته، ويستفيد منه كل المجموعات، بعضهم يدرك ما قال، وبعضهم لا يدرك ما قال: وكلامه السحر الحلال لو أنه لم يجن قتل المسلم المتحرز إن طال لم يملل وإن أوجزته ود المحدث أنه لم يوجز رآه ابن دقيق العيد وقال: "ما أظن أن الله يخلق مثله! " فغضب ابن تيمية وقال: أنا المكدي وابن المكدي وهكذا كان أبي وجدي يقول: أنا ضعيف وفقير، وأبي وجدي ضعفاء وفقراء، ويقول: ما عندي شيء، ولا مني شيء، ولا لي شيء. وقال الذهبي: "لو أقسمت بين الركن والمقام أني ما رأيت مثله ولا رأى مثله لصدقت ولبررت" وصدق فلم ير مثله، وما رأى هو مثل نفسه، وما رأى الناس مثله. وقال ابن الزملكاني وهو فقيه شافعي من أعدائه: "ما أتى قبل خمسمائة عام مثله" من خمسمائة عام قبل ابن تيمية الذي توفي عام 728هـ لم يأت مثله. وأنا أقول من جامع أبي بكر الصديق بـ أبها: لم يأت من عهد ابن تيمية إلى الآن مثل ابن تيمية وأتحداكم، الآن أن تخرجوا لي عالماً، أو داعية، أو مثقفاً، أو أديباً، أو مفكراً في الهند أو في الصين أو في تايلاند أو في بولندا أو في الجزيرة أو في الكويت أو في الإمارات أتى مثل ابن تيمية!! لا يوجد أبداً! وهذه كتب التاريخ بيننا: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111].

شيخ الإسلام والتبحر العلمي والجامعية

شيخ الإسلام والتبحر العلمي والجامعية ثالثاً: التبحر العلمي والجامعية: لم يكن متخصصاً في قسم أصول الدين، أو قسم السنة، كما هو حالنا اليوم، أدخلوا التخصص داخل تخصص، أخرج الجمل خروفاً، والخروف قطاً، والقط فأراً! قالوا: جامعة الشريعة ومنها أصول الدين ومن أصول الدين قسم السنة ومن قسم السنة الحديث، ومن الحديث المصطلح، ومن المصطلح المدرج. هذا ابن تيمية لا يعترف بهذا؛ عالم بالحديث بدرجة ممتاز، وفيلسوف من الدرجة الأولى لكن على {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وقرآنيٌ فريد، ومفسر، ويعرف الواقع، وعلَّامة في الفقه بدرجة مجتهد مطلق. ويقولون عنه -وهي من النقاط التي أخذت عليه- أنه يتسيب إذا أخذ يتكلم. أي: يتفجر فلا يضبط المسألة، وأنت إذا طالعت مجلداته أحياناً تجده إذا دخل في مسألة دخل في علم الكلام، ثم خرج إلى أصول الفقه، ثم إلى الحديث، ثم إلى التاريخ، طالعوا الفتاوى يُسأل عن المسح على الخفين فيتذكر مسألة فيستطرد، ثم مسألة فيستطرد، حتى يكتب لك سبعين صفحة، وهذه -يقولون- مما أخذ على ابن تيمية، لأنه يتفجر، حتى يقول أحد الباحثين العصريين من الدكاترة يقول: "عقله فياض ما استطاع أن يتحكم في جهازه العقلي" أي: عليه ضغط من المعلومات يريد أن يخرجها بكل وسيلة. وقال: "كان يتدفق كالسيل حتى ما يدري الناس ماذا يريد أن يقول بالضبط" أي: ما هي المسألة التي يريد أن يضبطها تماماً لكثرة معلوماته. وجامعيته تأتي من علومه التي أحاط بها فهو عالم بالكتاب والسنة، وعالم بالواقع، وسوف آتي إلى هذه المسألة بالتفصيل والتنصيص إن شاء الله. يسأل عن الإسكندر، يقول له السائل: من هو الإسكندر؟ - الإسكندر من يأتي بالإسكندر الآن؟! قال: " الإسكندر اثنان؛ الإسكندر المقدوني والإسكندر بن فيلبس وابن فيلبس ولد قبل الميلاد 662سنة" ثم سرد لك عشر صفحات في الإسكندر المقدوني وعشراً في الإسكندر بن فيلبس. يسأل عن قصص خزعبلات في الواقع فيفصلها تفصيلاً: في الملل والنحل، والفقه، والحديث، والتوحيد، والتفسير، وعلم الرجال، والتاريخ، وعلم الاجتماع، والتربية، والسلوك لا أقولها والله عاطفة، لكن أحاكمكم إلى كتبه وإلى تراثه. الشيخ متبحر علمياً ولم نسمع بمثله في العلم أبداً، أما في التفسير فسموه ترجمان القرآن، وأما في الحديث فقالوا: الحديث الذي لا يحفظه ابن تيمية فليس بحديث، وأما في علم الرجال فكان يعرف الرجال كأن الله عرضهم له، أيضاً كان يتكلم عن الفرق والطوائف ما استطاع.

الشجاعة والاستقلال الفكري عند شيخ الإسلام

الشجاعة والاستقلال الفكري عند شيخ الإسلام رابعاً: الشجاعة والاستقلال الفكري: المعلومات لا تنفع صاحبها حتى يؤديها بشجاعة، وحفظك للصحيحين لا ينفعك إذا كنت تخاف من القط، والذي دائماً يتوجس من النار لا يستطيع أن يبلغ كلمته بقوة وبحرارة وبهدوء في نفس الوقت. وكان ابن تيمية يمتلك هذه المواهب، كان عنده علم، وكان عنده -أيضاً- قلب كقلب الأسد، يدخل على الناصر قلاوون؛ هذا الناصر قلاوون تدرون، يقول: إذا التفت هكذا في اليمين خفض الوزراء رءوسهم -الموت الأحمر- الناصر قلاوون يدوس الملوك، كان ملك مصر وملك الشام، وكان ينظر شزراً وما ابتسم منذ خمسين سنة، لا يعرف الابتسامة، استدعى ابن تيمية وقد سجنه أولاً في دمشق، واستدعاه في الإسكندرية ليحاكمه، وأخذ ابن تيمية أكفانه تحت ثوبه، ودخل عليه متطيباً متوضئاً، فجلس أمام الناصر قلاوون والسيوف مسلولة، تنتظر رأس ابن تيمية لتقطفه كقطف الزهرة، من يدافع عن ابن تيمية وليس أحد إلا الله؟! فجلس ابن تيمية على ركبه، فقال: تكلم. قال: بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله. قال الناصر: ما أرسلنا لك لتخطب علينا. قال: اسكت! فسكته، ثم اندفع يتكلم بقال الله وقال الرسول، وكاد هذا الناصر يتميز غيظاً، فأخذ يرتعد ويرتعد ويرتعد، وأخذ الناس يجلسون، وأخذ الوزراء يرفعون ثيابهم خوفاً من دم ابن تيمية. قال: ماذا جئت له؟ قال أولاً: أبطل المكوس التي جعلتها على الأمة -أخذ أموال الأمة ظلماً، والمكوس هي الضرائب والجمارك- أبطلها الآن، قال: سمعاً وطاعة! ثانياً: أخرج الأسارى الذين عندك من المسلمين. قال: سمعاً وطاعة! فخرج، ثم قالوا الناصر: كيف وجدته؟ قال: كاد يخلع قلبي! " وهذه هي الاستقلالية التي يعرفها ابن تيمية. دخل على ابن قطلوبك وهو سلطان الشام ووقف أمامه قائلاً: "يا ابن قطلوبك الآن اخرج قاتل التتار؟ قال: يا ابن تيمية لا نستطيع فالتتار اجتاحوا العالم الإسلامي، خرجوا من شمال الصين حتى وصلوا إلى إيران ثم الشام بشر لا يعرفون شيئاً، الثور ترده أما هو فلا يرتد، يمكن أنه تحبس الثور لكن التتري المغولي لا يرتد، يشربون الماء من البحيرات، يأكلون الجراد، يقطفون الشجر ويأكلونه، ويدوسون الأطفال، جاءوا من سيبيريا مثل زحف الجراد، فدمروا بغداد ووصلوا إلى دمشق، فأتى ابن تيمية، ودخل على السلطان، وقال: الآن أعلن حالة الاستنفار -والسلطان ضعيف- قال: لا أستطيع. قال: تخرج تعلن. قال: أخاف أن نغلب. قال: والله لتنتصرن، قال: قل إن شاء الله. قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، وخرج ابن تيمية يقود الجيش، وأخذ الكأس يوم الجمعة في 17 في دمشق أمام الناس الألوف المؤلفة فقال: "اشربوا باسم الله، أفطروا في رمضان فأنتم تجاهدون العدو" فأفطروا وقاتلوا وانتصروا. والشجاعة والاستقلال الفكري هي أن تقول للمخطئ: أخطأت، ولكنه يراهن برأسه، يرفع عمامته ينتظر متى يقطع رأسه بين الفينة والأخرى؛ لأن ابن تيمية ليس عنده أطفال في البيت، ولا عنده زوجة تنتظره، ولا عنده جماهير، ولكنه يريد جنة عرضها السموات والأرض: وليس على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما يقول سراج الدين في العقود الدرية: "وكان إذا ركب الخيل يجول في العدو كأعظم الشجعان، ويقوم كأثبت الفرسان، وينكل العدو من كثرة الفتك بهم، ويخوض بهم خوض رجل لا يخاف الموت" أتى غازان -ابن قائد المغول (التتار) هولاكو الذين اجتاحوا العالم الإسلامي- فنزل قريباً من دمشق، فجاء ابن تيمية لأصحابه في دمشق، قال: "تخرجون معي أكلم ملك التتار؟ قالوا: لا تعرض دماءنا يا بن تيمية للسفك. الله الله يا بن تيمية، قال: أهدأ إن شاء الله -أي: أخذوا عليه موثقاً أن يهدأ- فخرج معه ثلاثمائة من المسلمين الصالحين العلماء، لكن العلماء يصبحون عنده تلامذة: فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب ولما وصل إلى غازان، أخذ يحدثه عن الظلم، وعن الفتك، ويقول: "أنت ظالم، أبوك كان خيراً منك، مع أنه كان كافراً وأنت مسلم لكنه ما فعل بالمسلمين مثل ما فعلت. فأخذ الناس يتكفكفون عن الدماء، وبعدما انتهوا، قال العلماء: والله لا نرافقك بعدها ولا نصاحبك، كدت تقدم رءوسنا" -كما روى ابن كثير - وعودوا إلى كتابه البداية والنهاية. قالوا: والله لا نرافقك، فأتوا من طريق، وأتى وحده من طريق، فلقي أصحابه من العلماء لصوصاً في الطريق فشلحوهم، وهو نجا بإذن الله، واستقبلته دمشق تحييه عن بكرة أبيها، استقبال الفاتحين.

شيخ الإسلام وروح التجديد التي صاحبته

شيخ الإسلام وروح التجديد التي صاحبته خامساً: روح التجديد التي صاحبته: عاش ابن تيمية مجدداً، وقضية: ابق على القديم ولا تخالف الناس، لا يعترف بها ابن تيمية، بل يريد أن يرد الأمة إلى كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد عاش التجديد بكل معانيه. كان هناك ابن عربي ومعه فرقة من الاتحادية والحلولية. وكان هناك صوفية لا يعرفون من الدين إلا تنتنة في الزوايا، هؤلاء ألغاهم من الحسبان، بل قال لهم: الإسلام ليس هذا. أيضاً المعتزلة؛ قدموا عقولهم على النص، فقال أخطأتم. أتى إلى الأشاعرة الذين أولو بعض الصفات، فقال لهم: أخطأتم. أتى إلى النصيرية الذين كفروا بالواحد الأحد، فقال لهم: أخطأتم، وهاجمهم. أتى إلى المناطقة؛ وقال: أخطأتم استدلالكم ليس بصحيح. أتى إلى الفقهاء، الذين لا يخرجون قيد أنملة عن المذهب ولو خالف الدليل، فقال لهم: أخطأتم. يقول أحد العلماء من العصريين من الأدباء: "كان صف المعارضة رهيباً" لكن ابن تيمية أسقطهم جميعاً بإذن الله؛ لأن الله معه، فقد كان صادقاً. فقضية التجديد عاشها -رضي الله عنه وأرضاه- في مسألة رد الناس إلى قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، فأثبت عقيدة أهل السنة والجماعة عند الفرق المخالفة، وأثبت التمسك بالدليل عند أهل الفقه الجامدين على المذهب، وأثبت السلوك الشرعي الذي أتى به عليه الصلاة والسلام عند الصوفية، وأثبت التوحيد الخالص عند النصيرية والجهمية المعطلة، وأثبت الكتاب والسنة بكل معانيها عند المناطقة وأهل الكلام؛ ورد عليهم بقوة.

معرفته بمقاصد الشريعة الربانية

معرفته بمقاصد الشريعة الربانية سادساً: معرفته بمقاصد الشريعة الربانية: الصيرفي الذي يبيع الذهب سنوات يعرف الزائف من الصحيح، والبهرج من الطيب، حتى إذا أعطيته عملة من الذهب. قال: هذا ليس بذهب، هذا زائف. ابن تيمية يعرف الشريعة مثلما يعرف بائع الذهب سلعته، ومثل صاحب الإبل الذي عاش معها ثلاثين سنة يعرف أن هذه إبله وهذه ليست بإبله. وهكذا يعرف ابن تيمية مقاصد الشريعة. يتكلم في مسألة الوضوء وفي ذهنه مقاصد الشريعة، يتكلم عن الآخرة وفي ذهنه مقاصد الشريعة، عن الأخلاق وفي ذهنه مقاصد الشريعة. وهذه ميزة افتقدها كثير من العلماء، فهم يتكلمون عن جزئيات لكن ليس في أذهانهم كليات من مقاصد الشريعة؛ مثل حماية العرض، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، والدين؛ هذه مقاصد من مقاصدها الكبرى. أو من مقاصدها: التيسير على الناس، ورفع الحرج، أو من مقاصدها: إنقاذ الإنسان من الولاء لغير الله، والكينونة والعبودية لغير الله. أو من مقاصدها: إسعاد الناس في حياتهم. هذه لا تغيب عن ابن تيمية أبداً.

شيخ الإسلام وعلمه بالنصوص الشرعية ومعرفته بالواقع

شيخ الإسلام وعلمه بالنصوص الشرعية ومعرفته بالواقع ومن مواصفات شيخ الإسلام؛ أنه عالم بالشريعة، وعالم بالواقع: عنده علم الكتاب والسنة، وكل الأحاديث والقرآن في ذهنه، وله معرفة كبيرة بواقعه الذي يعيش فيه. لم يجلس ابن تيمية في غرفة ويغلق عليه بابها، ولم يجلس تحت المكيف ليرسل لنا كتيبات وأشرطة في المجتمع، لا. كان يخالط الناس، ويعرف ما يدور في المجتمع، وما يدور في العالم في الشرق والغرب. ومن الأدلة على ذلك أنه لما سئل عن ابن تومرت؛ وابن تومرت عاش في المغرب، فأجاب عنه بكتيب، وكذلك تحدث عن القونوي وابن عربي وابن سبعين، والطوائف، والملل والنحل، والدول والشعوب، وما خطر وما سار في العالم، يقرؤها قراءة تامة؛ وهذه تسمى علم الواقع الذي نعيشه. فطالب العلم لا يكون حافظاً للصحيحين صحيح البخاري وصحيح مسلم فقط، ولا يعرف ما يدور في الصحف والمجلات والجرائد، ولا يعرف ماذا في المجتمع، ولا يعرف ما هي الصراعات التي يعيشها الناس، ولا يعرف ما هي المسائل التي يريد أن يتحدث بها في الناس. أما ابن تيمية فأجاد العلمين والفنين على حد سواء. والناس في هذا الباب ثلاثة أقسام: قسم منهم: يعرف الكتاب والسنة، لكنه يعيش مع الترمذي، فهو معنا بجسمه، لكنه مع الترمذي -ورحم الله الترمذي - فلا يدري عن الواقع شيئاً! وهذا خطأ. وقسم ثانٍ: يعرف الواقع، لكن لا يعرف من الكتاب والسنة شيئاً، فهو عالم بالواقع، يقرأ الصحف، والجرائد، حتى أطروحات الواقع يعرفها لكن لا يعرف الكتاب والسنة؛ وهذا نقص. والْكُمَّلُ كـ ابن تيمية يعلمون الكتاب والسنة، ويعلمون الواقع.

تعدد جهاد شيخ الإسلام وبذله على كافة الجبهات

تعدد جهاد شيخ الإسلام وبذله على كافة الجبهات ثامناً: تعدد جهاده وبذله على كافة الجبهات: هو ليس مفتياً فقط، ولا خطيباً فحسب، وليس واعظاً فقط، ولا مجاهداً فحسب، وليس آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر فحسب؛ بل هذه كلها فيه وزيادة، فهو يضرب في كل غنيمة بسهم: محاسنه هيولى كل حسن ومغناطيس أفئدة القلوب وتجد بعض المسلمين متكاسلين الآن إذا طلبت منه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قال: أنا لست موظفاً في الهيئة، سبحان الله! ما هذا السوء؟! ما هذا الكلال واحتقار النفس؟! وما هذا الانهزام والتخلف عن معاني استكمال الشخصية الإسلامية التي يريدها الله من العبد؟! مجاهد، عابد، آمر بالمعروف، ناهٍ عن المنكر؛ هذه من ميزات ابن تيمية، ولذلك استولى على كثير من الجبهات وكأنه التاريخ. وأرجوكم مطالعة الجزء الرابع عشر من البداية والنهاية فسوف تجدون ابن كثير نسي نفسه، ونسي الملوك، ونسي الدول والسلاطين والوزراء، وانتقل مباشرة إلى ابن تيمية كأن التأريخ ابن تيمية؛ دخلت سنة كذا وكذا، وكان ابن تيمية في جبل كسروان، دخلت سنة كذا وكذا وكان ابن تيمية في السجن؛ فأصبح ابن تيمية هو التاريخ لكثرة وتعدد جبهاته واختصاصاته وهكذا يكون المؤمن كـ أبي بكر الصديق باذلاً، ومجاهداً، ومعلماً، ومنفقاً، وصبوراً، وصدوقاً، ومحسناً، وغيرها من صفات الخير.

الحيوية المتوهجة في كلماته وكتاباته

الحيوية المتوهجة في كلماته وكتاباته تاسعاً: الحيوية المتوهجة مع أنفاسه وكتاباته وكلماته: لم يكتب ببرود، بعض الناس إذا قرأت له تنعس ويأتيك النوم؛ لأنه كتبه من قلب نعسان، كتبه وهو ينعس، فتقرأ كتاباته ميتة، تميتك وأنت جالس، ويتكلم لك ببرود كأنه لا يعنيه، مثل بعض الناس الذي يتكلم عن الإسلام وهو لا يحمل الإسلام في قلبه، تجده يأتي بعموميات، ولذلك لا يجعل الله لكتاباته قبولاً، يكتب عن إصلاحات الإسلام، وعن الخير فيه، وعن كراماته، ولكن كلماته ميتة، إن الكلمات إذا خرجت من قلب ميت ماتت قبل أن تصل آذان الناس، وإن الكلمات الحية تخرج حية مدوية من القلوب وتحيا في قلوب الناس؛ وهذه ككلمات ابن تيمية تماماً تحيا، لماذا؟ لأنه يرسلها من قلبه، ويدفعها من روحه، كان الإسلام قضيته هو، وأكبر قضية عنده نصر الإسلام، حتى سجن مرات عديدة، وفي السجن كتب لأمه رسالة، وأمه كانت في حران، وهو في دمشق، وكتبه كانت مع أمه في دمشق، وسجن في الإسكندرية مرة ثانية: بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني كتب لأمه، قال: "بسم الله الرحمن الرحيم -بعد سلام طويل وكلام- فوالله ما تركنا المجيء إليكم وزيارتكم إلا لأمور كبار، يتعين علينا الوقوف معها، ولو أن الطيور تحملنا لسرنا إليكم" وأنا كنت أعلق بشيء من الدعابة، أقول: لو قال شيخ الإسلام لطرنا إليكم أحسن من سرنا إليكم. يقول: ليت الطيور تحملنا إليكم، لكن يستأذن أمه، يقول: سامحيني على بقائي هنا، لأن عندي أموراً كباراً، كالجهاد، وأمور الأمة الإسلامية، وبث الوعي العام، واستنقاذ الهمم، وتحرير العقول، فيقول: يا أماه! أنا قصرت في الزيارة فالسماح السماح. ثم يصف لها ماذا يجد في السجن من سعادة والتجاء إلى الله، قرأ في سجنه في سنة واحدة ثلاثاً وثمانين ختمة للقرآن، ويقول: "إن في الدنيا جنة من لا يدخلها لا يدخل جنة الآخرة" وأدخلوه السجن، فأتى السجَّان -جزاه الله أفضل ما جزى سجَّاناً عن ابن تيمية - ففتح له الدروازة، ولما دخل ابن تيمية ضرب بالباب وراءه وتلاميذه وراء الباب، فابتسم ابن تيمية، كما يبتسم الأسد؛ والأسد لا يبتسم: إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم فتبسم ابن تيمية ونظر إلى السجان وقال: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] ثم تبسم مرة ثانية، وأطلقت كلمات من روحه، فقال: "ماذا يفعل أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أنَّى سرت فهي معي، أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة" ماذا يفعلون، عندي ممتلكات فليأخذوها، عندي غرفة بجامع دمشق فيها ثوبان له؛ ثوب للصلوات العادية، وثوب لصلاة الجمعة، وكان يتغدى بخبزة واحدة مع خيارتين، ويأكل اللحم في الأسبوع مرة، ولا عنده زوجة، بلغ 63 سنة وما تزوج؛ ربما لسبب عنده، أو لأنه مشغول، لكن السنة سنة محمد صلى الله عليه وسلم {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] وربما كان لـ ابن تيمية عذره فالله أعلم، فيقول: على الدنيا العفاء فما لشيخٍ كبير الجسم في الدنيا قرار ويقول: عفاءٌ على دنيا رحلت لغيرها فليس بها للصالحين معرج كدأب علي في المواطن كلها أبي حسن والغصن من حيث يخرج هذا ابن تيمية، في مسألة الحيوية. وأنا أطلب من إخوتي وزملائي وأحبابي أن يكونوا مكتبة لـ ابن تيمية، وأن يقرءوا له كثيراً كثيراً. أحد الفلاسفة قدم من بلد من البلاد، وكان عدواً لـ ابن تيمية، فأخذ يقرأ لـ ابن تيمية -وهذا كان فيلسوفاً ومعه دكتوراة في المنطق- فلما قرأ لـ ابن تيمية ما يقارب أسبوعاً، قال: " ابن تيمية شيء ثانٍ " أي أنه: مذهل ليس بعادي، وبعدها أصبح من أنصار ابن تيمية، وألف عن ابن تيمية رسالة. فأنا أطالبكم بالعودة إلى كتب ابن تيمية، والتكثير من القراءة له حتى تكونوا عقلية جبارة تفهم الإسلام، كما فهمه شيخ الإسلام وليس هو بمعصوم.

شيخ الإسلام وأسلوبه السهل

شيخ الإسلام وأسلوبه السهل عاشراً: أسلوبه سهلٌ ممتنع، والرجل سهلٌ ممتنع، وهو قريب ولكنه متفوق: يعني: يكلمك بأسلوب عادي قد يفهمه الأطفال، لكن لا يستطيع له إلا العلماء، ومن ميزته أنه يحافظ على مقاصد الشريعة، وكليات الدين، ثم لا تجد في كلامه ما تنتقصه -وليس بمعصوم- وأحياناً إذا أراد أن يغوص بك تركك وأنت تقرأ حتى لا تدري أنت في بيتك أو في مدغشقر وأحياناً إذا أراد أن يلف عليك لفات دخل بك في علم المنطق وضيعك، أنت في الصفحة السابعة وقد بلغ العشرين، ثم يعود لك بأسلوب سهل، ثم يفر أحياناً؛ وهذه كما قيل: "يسطع يسطع كالنجم، ويلمع يلمع كالفجر، ويهدر يهدر كالسيل".

شيخ الإسلام ودرجة الاجتهاد المطلق

شيخ الإسلام ودرجة الاجتهاد المطلق الحادي عشر: المجتهد المطلق. خرج عن الأئمة الأربعة في كثير من المسائل، خرج عن أحمد ومالك الشافعي وأبي حنيفة، أي: خالف الأربعة في كثير من المسائل، واتفق الأربعة على مسائل ليست بإجماع بل اتفاق فخرج هو عن الجميع، أتى علماء الحنابلة والأحناف والشافعية والمالكية، وقالوا: ويلك! كيف تخرج؟! قال: أخرج وعندي الدليل. يجادله ابن الزملكاني من الشافعية فيتغلب على ابن الزملكاني كأنه متخصص في مذهب الشافعي، ويأتي عالم الأحناف فيغلبه، وعالم المالكية، وعالم الحنابلة. وابن تيمية أسس فكره الأول على مذهب الحنابلة، ولكنه لا يتقيد بذلك ولو أن أصوله حنبلية، فهو يخرج عن المذهب كثيراً، ويتعبد الله عزوجل بالدليل من الكتاب والسنة. فكلمة أنه حنبلي فيها ما فيها، فلا يتعصب الآن رجل يأتي ويأخذ ابن تيمية في رأسه، ويجعله في كيس الحنابلة، ويقول: صاحبنا! ليس بصاحبكم، بل ابن تيمية صاحب الحنابلة، وصاحب المالكية، وصاحب الأحناف، وصاحب الشافعية.

شيخ الإسلام وخصومته للمنحرفين عن الكتاب والسنة

شيخ الإسلام وخصومته للمنحرفين عن الكتاب والسنة ابن تيمية خصم لكل المخالفين. في كل يوم عنده معركة، ولا يهدأ أبداً. حبسوه وأخذوا عليه تعهداً وقالوا: لا تهاجم البطائحية، فخرج من السجن فأول ما بدأ بـ البطائحية، فبطحهم على الأرض. أدخلوه، وقالوا: لا تهاجم النصيرية، فلما خرج بدأ بهم، وأخذ المسلمين ودخل بهم في جبل كسروان يهاجم النصيرية. قالوا: لا تكثر من مهاجمة المعتزلة، فألف فيهم. سبحان الله! وكل يوم له حادث لأنه يريد أن يثبت لا إله إلا الله في الأرض، والذي يريد أن يثبت لا إله إلا الله، لا يتأتى له ذلك بسهولة، إنما بشيء من الدفع والبذل الباهض، والدم. سيد قطب أراد أن يثبت لا إله إلا الله فذهب رأسه، لكن إلى جنة عرضها السموات والأرض. سعيد الحلبي هذا عالم من علماء الشام، كان أعرج إذا أراد أن يجلس فإنه يمد رجله، فدخل عليه السلطان في المسجد، فقام الناس، أما سعيد الحلبي فما قام، وبقيت رجله ممدودة ولا يستطيع قبضها لأنه أعرج، فغضب السلطان فأراد أن يستدرجه، فذهب إلى البيت وقال: "خذوا هذا الكيس من الذهب، وأعطوه لـ سعيد الحلبي، فإذا قبله قطفت رأسه" فأتوا وهو يدرس في المسجد، فأخذوا الكيس فصبوه على سجادته، وهو يدرس عله أن يقبله، فأخذ السجادة ولفها، وفتح النافذة من القبلة، ورمى بالذهب والسجادة وقال: "قل للسلطان: إن الذي يمد رجله لا يمد يده! ". وابن تيمية -رحمه الله- له مواقف مشهودة. منها أنه لما كان مرة في السوق، وكثير من الناس الآن أموات القلوب يسمعون ويرون المنكر، لكن يقولون: يا أخي! لا تدخل نفسك، عليك بنفسك، كل أكلك واسكت. فسمع ابن تيمية رجلاً يسب الرسول عليه الصلاة والسلام -نصراني اسمه عساف عسف الله عنقه- قال ابن تيمية: "تسبه! واستدعى أهل السوق فأتوا فضربوا النصراني بالأحذية. وارتفعت القضية للسلطان، وأتى المنافقون وشهدوا على أن ابن تيمية المخطئ -سبحان الله!! - بعض المنافقين من المسلمين شهدوا على ابن تيمية للنصراني، فأتى السلطان، وقال: يجلد ابن تيمية الآن، فجلدوه في المجلس، لكن: إن كان سركمُ ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكمُ ألمُ خرج من الديوان، وكتب رسالة الصارم المسلول على شاتم الرسول عليه الصلاة والسلام. وكان يقول: "إنها من أحسن الأيام، يوم ضُربت من أجل الرسول عليه الصلاة والسلام". ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا وقال الآخر، وقد مضى إلى محبوبه أو محبوبته في الليل، فسقط عشرين مرة في الوادي في ظلام الليل، وتجرح وأصابه الشوك، من أجل محبوبه، فيقول: جزى الله المسير إليكِ خيراً ولو كنا تعبنا في الطريقِ فكم من ليلة في الله بتنا نراعي الفجر من أجل الرفيقِ أما ابن تيمية فسقط وجرح من أجل لا إله إلا الله، ومن أجل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه ميزة ابن تيمية أيها الأخيار.

اهتمام التاريخ بشيخ الإسلام

اهتمام التاريخ بشيخ الإسلام ما من مؤلف إلا ويذكر ابن تيمية، حتى أعداؤه، ومن هنا فرض سيطرته عليهم. فهذا السبكي؛ كان العدو اللدود لـ ابن تيمية وهو قاضي القضاة، شافعي المذهب، فكان يحكم على ابن تيمية بالسجن، ومنعه من الكتابه، والذهبي يكتب له ويقول: -أنت لا تعرف ذكاء هذا الرجل، وإخلاصه، وزهده- فيكتب له السبكي كتاباً ونصه في طبقات الشافعية الكبرى، ترجمة العلامة تقي الدين السبكي، يقول السبكي: يقول المملوك: يتحقق كبير قدره، وزخارة بحره، وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده، وبلوغه في كل ذلك المبلغ الذي لا يتجاوزه الوصف، والمملوك يقول ذلك دائماً". قال الشاعر: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالناس أعداء له وخصومُ كضرائر الحسناء قلن لوجهها بغياً وإثماً إنه لدميمُ يريدون أن يطمسوا الشمس! لكن الشمس شمس، والحق حق، والنور نور. فالتاريخ مهتمٌ بـ ابن تيمية جداً جداً، بل حتى ألفت عنه كتب بغير العربية.

اهتمامه بالعبادة، وشدة تضرعه إلى الله

اهتمامه بالعبادة، وشدة تضرعه إلى الله يقولون: السبب في أن الله حماه من الاغتيالات ومن كثير من الحوادث، أنه كان كثير الذكر بعد الفجر، وقبل صلاة المغرب، كان له أوراد صباحية، كان عنده طاقة حرارية في جسمه من الذكر والدعاء، وكان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه مستقبلاً القبلة يردد الفاتحة حتى يرتفع النهار، ويقول: "هذه غدوتي ولو تركت غدوتي سقطت قوتي"؛ ولذلك كان من أقوى الناس جسماً. حتى يذكر ابن القيم يقول: "ما رأيت أقوى منه" يعني: من شيخه ابن تيمية. وكان إذا تكلم يصهل كأنه فرس، وإذا تحدث أمام الناس تحدث كالأسد، وكان يأخذ السيف ويقاتل به كما قاتل في شقحب، وتثلَّم السيف من قتاله حتى أصبح خنين شظايا السيف تمر على رءوس الناس، فكان قوياً، وإذا مشى يتكفأ كأنه ينحدر من صبب، وهي مشية الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا هو إسلام القوة، ليس إسلام الخمول الذي يمثله بعض الناس الآن حتى يوسمون الإسلام بأنه ضعف، أي: إذا التزم الإنسان واهتدى أصبح ضعيفاً يلبس غترة بلا طاقية، ويترك الغترة في عطلة الربيع، ويشتري غترة من عهد السلطان عبد الحميد. لا. الإسلام قوة وروعة، الإسلام حياة، فلا بد أن يتكلم الإنسان بقوة. رأت عائشة رضي الله عنها شباباً في المدينة فأخذوا يمشون بهدوء، يعني: في الشارع كأنهم نملات. قالت عائشة: من هؤلاء؟ قالوا: نُسّاك، قالت: سبحان الله!! عمر بن الخطاب أنسك منهم، وكان إذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا مشي أسرع. هذا عمر الناسك، أي: هل هم أخشى من عمر الذي كاد يقتلع الجبال من قوته؟ وإذا مشى في الطريق فرت الشياطين من اليمين واليسار؟ لا. عمر أقوى، وابن تيمية أقوى، والإسلام أقوى. فالإسلام جمال في الظاهر والباطن، أما إظهار الإسلام بالدروشة، وإظهار الإسلام بالمسكنة، حتى أصبح ذلك وصمة وقالوا: هذا هو الدين الذي يمثله هؤلاء. فعلى هؤلاء أن يراجعوا إلى سيرة عمر، وأن يراجعوا سيرة ابن تيمية وألا يعودوا لنا مرة ثانية ويمثلوا الإسلام في مثلٍ هزيلٍ فاشل. ابن تيمية منهمك في العبادة -كما قلت- كان عنده أوراد تعبدية دائماً يسأل الله إياها، ودائماً يعيش معها، يقول صاحب العقود الدرية: "وكان ابن تيمية في ليلة منفرداً عن الناس كلهم، خالياً بربه عز وجل، ضارعاً إليه، مواظباً على تلاوة القرآن العظيم، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية، وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى تميل يمنة ويسرة، وكان إذا صلى الفجر يجلس في مكانه حتى يتعالى النهار جداً، يقول: هذه غدوتي لو لم أتغدى هذه الغدوة لسقطت قواي". يقول الذهبي: "لم أرَ مثله في ابتهاله، واستغاثته، وكثرة توجهه" ويقول ابن تيمية: إنه ليقف خاطري في المسألة، أو الشيء، أو الحالة التي تشكل عليَّ، فأستغفر الله ألف مرة، أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر، وينجلي إشكال ما أشكل". كان ابن تيمية أيها الإخوة الأبرار -أثابكم الله- دائم التهليل والاستغاثة والالتجاء إلى الله، وهذه ميزة المؤمن. وكان يكثر من ترداد (لا إله إلا الله) كثيراً، ويقول عنه تلاميذه: "كانت شفتاه لا تسكت" أي: تتحرك دائماً، حركة سريعة، فقد تعودت على أن تتحرك كما أوصى به صلى الله عليه وسلم: {لا يزال لسانك رطباً بذكر الله} كان لا يهدأ أبداً، قالوا: "ألا تسكت قليلاً؟! قال: قلبي كالسمكة، إذا خرجت من الماء ماتت، وقلبي إذا ترك الذكر لحظة مات! " أو كما قال.

شيخ الإسلام وجلده وصبره

شيخ الإسلام وجلده وصبره كان إذا أراد أن يحقق مسألة فإنه يصبر ويتجلد، ويؤلف، ويكتب، ويستمر، وهو يعرف أنه لن يموت إلا بقضاء من الله وقدر. وما سمعنا أن أحد من الناس قدم موت أحد ساعة، والله ما وجد في العالم رجلٌ قدم موت رجلٍ ساعة أبداً: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة:52]. خالد بن الوليد خاض مائة معركة، ومات على فراشه والحمد لله، استكمل رزقه وأجله، هل نقص من عمر خالد يوم؟!! لا استكمل ساعاته ودقائقه. والعز بن عبد السلام خاض، ونهى، وأمر، ومات على فراشه. وابن تيمية تعرض لما تعرض له ومات على فراشه، لا يموت أحد قبل أجله، ولا يأتي مرض الوهم هذا فيسيطر على عقل الإنسان، ويصيبه قرحة في المعدة والاثنى عشر خوف الموت وهو ما مات. يقولون: يموت الجبان في اليوم سبع مرات، والشجاع لا يموت إلا مرة واحدة. يصفون ابن تيمية، يقولون: كان قوي البطان، من داخل لا يبالي، مثل علي بن أبي طالب. علي بن أبي طالب يبارز الأبطال وهو ينعس على البغلة! ونحن هنا، والكيماوي بيننا وبينه 1500 كيلو متر، وما نام أطفالنا، يتخوفون في المنام، كلما مرت طائرة قلنا: نعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق! علي بن أبي طالب السيوف مصلتة، وبقي بينه وبين البطل أمتار وينام! واسمع المتنبي يمدح سيف الدولة، ويحيي البطل المقدام الذي خاض معارك ضد الروم، يقول: وقفت وما في الموت شكٌ لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائمُ يقول: ما هذه البطولة، كيف تنام وأنت تقف في جفن الردى! تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً ووجهك وضاحٌ وثغرك باسم من الذي يضحك في المعركة؟!! يضحك علي بن أبي طالب وابن تيمية وسيف الدولة: نثرتهمُ فوق الأحيدِب نثرةً كما نُثرت فوق العروس الدراهمُ هذه من قصيدته الرائعة، وكل شعر المتنبي رائع، حتى يقول: ولا تحسبن المجد زِقَّاً وقينةً؛ يقول: لا تحسب المجد كوب الخمر هذا الذي يوضع فيه الخمر, والقينة تغني: يا ليلي، يا عيني. ولا تحسبن المجد زِقَّاً وقينةً فما المجد إلا السيف والفتكةُ البِكرُ وتركك في الدنيا دويَّاً كأنما تداول سمعَ المرء أنملُه العشرُ هذا هو المجد، وهو الذي يعيشه ابن تيمية في فكره وأعصابه وحرارته، وسوف يبقى معنا يعيش، وكل سنة معنا يتجدد ابن تيمية، وتخرج كتبه إلى النور، وعلمه، وفتاويه إن شاء الله.

أعداء ابن تيمية

أعداء ابن تيمية العداء ضريبة العظمة. يقول العقاد: "إذا رأيت رجلاً اختلف الناس فيه مادحاً وقادحاً فاعرف أنه عظيم" أما الإجماع السكوتي على إنسان لا يستحق منزلة العظمة، أما أن تريد أن يجمع الناس على شخص أنه عظيم فلا يكون، أو يجمعوا على أنه مذموم فلا يكون إلا من أسقط الله قبوله؛ كفرعون -مثلاً- فإن المسلمين أجمعوا على بغضه، لكن هناك خلاف في الرأي العام وهذا معناه: أن فيه عظمة، وابن تيمية كذلك وجد في أوساط المسلمين؛ مادح وقادح، راغب ومناوي، مشجع ومثبط، ثم إن ابن تيمية غرس بنفسه الحسد له في القلوب، يقول الغزالي في جدد حياتك "إن الكُمَّل من الناس يجد المحدودون، ويجد الصغراء والنزلاء غصة في حلوقهم من ارتفاع هؤلاء، فيبدءون ينكثون في مجدهم، ويضربون في نعوشهم" وهذا ابن تيمية هو الذي تسبب بذلك: وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل أي هو الذي تسبب بهذا، لأن معنى ذلك: لو أراد ابن تيمية ألا يسبب لنفسه إزعاجاً، فإن الحل أن يغلق بابه، ويسكت، ويتزوج، ويشرب الشاي، وألا يتدخل في أمور الأمة، وألا يكتب كتاباً، ولا يخطب، ولا يفتي. إذاً الحل في نظرنا؛ ألا يندد بالظلم، وألا يندد بالإباحية، وألا يندد بـ الحلولية، وألا يندد بالشرك. من الذي كان سوف يعترض على ابن تيمية لو أغلق ابن تيمية بابه؟ من الذي كان سيحسده؟ من الذي كان سيناوئه؟ لا أحد. لكن ابن تيمية يرفض: فإما حياة نظّم الوحي سيرها وإلاَّ فموت لا يسرُ الأعاديا هكذا! إما حياة بخلود، وإلا موت لا رجعة بعده، فـ ابن تيمية هو الذي نكث هذا في عيون الناس وفي قلوب الناس: سيدي عللَّ الفؤاد العليلا أحيني قبل أن تراني قتيلا إن تكن عازماً على قتلِ روحي فترفق بها قليلاً قليلا ثانياً: من أعداء ابن تيمية الحلولية والاتحادية والملاحدة عموماً. لأنه كتب عنهم، وبين زيفهم، وندد بهم، واتخذهم أعداء. وليته وقف! لكنه ما وقف، وقد كان يكفيه عدو واحد. ثالثاً: من أعدائه الجهمية المعطلة؛ الذين نفوا الله من أسمائه وصفاته، حاربهم بمجلدات فأصبحوا أعداء، أصبحوا ثلاثة الآن. رابعاً: المعتزلة، فقد انتهى من أولئك ثم شد سيفه على المعتزلة، وبين خورهم، وتساقطهم. خامساً: الصوفية بعد أن حفظه الله وأيده، عاد إلى الصوفية، وبين أنهم زائفون، وأنهم شوهوا معالم الدين، وأنهم أخطئوا في السلوك والأخلاق. سادساً: الروافض ورد عليهم بكتاب منهاج السنة؛ الذي هو من أفراد كتب العالم؛ لأن ابن المطهر؛ وهو شيعي رافضي، ألف كتاب منهاج الكرامة فسماه ابن تيمية منهاج الندامة، ورد عليه بـ منهاج السنة، فاكتسحه، وبدده، وجعله قاعاً صفصفاً لا ترى فيه عوجا ًولا أمتاً، وأتى بـ التدمرية فنكسها على رأس ابن عربي وتلاميذه {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25] وأتى بـ الحموية على المتفلسفة في حماة فأصبحت كالحمى: وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور إلا في الظلام بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي من أعداء ابن تيمية الروافض، فقد شن عليهم الغارة، وبددهم شذر مذر. سابعاً: ثم عاد إلى الأشاعرة، وبين أنهم أقرب الأعداء إلينا، والصلح ممكن، وتبادل السفارات وارد، لكن إذا حلت الخلافات. ثامناً: السلاطين. السلاطين تكلم لهم ابن تيمية في الرسائل؛ فهو: جالس في المسجد يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم من أحمد بن تيمية إلى السلطان أمَّا بَعْد: فقد فعلت كذا وكذا، وهذا خطأ حرام، فيأتي السلطان يقول: من هذا الذي يخاطبني من المسجد؟ تعال! فيأتي فيلقي عليه محاضرة ساعة ونصف، أدخلوه في السجن، فيدخل في السجن، فيرجع أقوى. لماذا؟ لأن الواجب أن يقول هذا، وأن يبلغ هذا. من جبهة المعارضة المقلدون الجامدون من الفقهاء، وبعضهم لا يريد أن تخرج عن زاد المستقنع شبراً، وإذا خرجت فاستغفر وعد، لا دليل ولا آية إنما تبقى محصوراً، أي: ما دام قال الأصحاب هذا فلا تخرج عن الأصحاب، مكانك مكانك! يقول ابن تيمية: لا. من أتى بهذا؟ مالك ليس بنبي، وأحمد ليس بنبي، والشافعي ليس بنبي، وأبو حنيفة ليس بنبي، ولا بد أن نسألهم من أين أخذوا الأدلة بأدب، ونستضيء بنورهم وبأفكارهم، وهذا يذكره في كتاب الاستقامة في أوله وهناك فرق بين هذا والظاهرية التي شنعت على الأئمة لا نريد هذا، لا نريد أيها الشباب! طلبة علم يشنعون على الأئمة، ويقولون: هم رجال ونحن رجال، ويسبون أحمد والشافعي، ويأتي لنا بفقيه مجدد على حساب الأئمة وذم الأئمة، ولا نريد كذلك شباباً يتقمصون الفقه بلا دليل، يحفظون المسائل، ويرفضون الحديث والسنة لا نريد ذلك ولكن نكون كـ ابن تيمية وسطاً بين مدرسة الإرتائيين وبين مدرسة الردايكاليين الظواهر. وهو يمثل روح الإسلام الوسط، ويحيي هو أهل الحديث، ويمتدحهم ويرى أنهم هم الطائفة المنصورة، وأنهم الفرقة الناجية، وأنهم هم الذين يفهمون الإسلام لا غير. من أعداء ابن تيمية الفلاسفة: الذين تكلموا في الله، وفي أسمائه، وفي الدين بغير علم، عاداهم ورد عليهم.

لماذا عودي ابن تيمية

لماذا عودي ابن تيمية لماذا عادوه؟ مسكين، إنسان ما عنده منصب، لم يتول في حياته منصباً أبداً، لم يعرف أن ابن تيمية منذ ولد أنه تولى منصباً أبداً، ولم يستلم خلعة -الخلعة هي: الجائزة والوسام- ولم يستلم كأساً في مباراة، ولم يؤت له بمال إلا رفضه؛ قال ابن عبد الهادي: "وكان يؤتى له بالقناطير المقنطرة، فيوزعها على الفقراء وهو جالس، ولا يحمل درهماً واحداً" وكان عنده ثوبان عليه في برد، فخرج مرة في دمشق فرأى فقيراً، فنزل وراء الحائط وخلع ثوبه وأعطى الفقير، ومشى قليلاً فإذا بفقيرٍ آخر فأخذ عمامته فقسمها نصفين، فأعطى نصف العمامة الفقير، ولف النصف الآخر عليه. وكان يخرج يوم الجمعة بما بقي من إفطاره من الخبز، كان متقشفاً، لم يكن يفطر بتسعة أنواع وبخمسة عشر نوعاً على المائدة، إنما كان عنده خيارة وقليل من الخبز إذا لم يكن صائماً، وغالب أوقاته كان صائماً، كان يفضل بعض أنواع الخبز فيخرج به إلى الأطفال ويعطي الفقراء والمساكين. وكان إذا انزوى في طريق كان يرفع يديه، يقولون: كأنه شحاذ؛ لكن هذه الشحاذة من نوع أعلى لأنها إلى الله، شحاذة راقية، شحاذة محبوبة وهي من الدين، كان يسأل الله، ويسأله، ثم يسأل، حتى تنهمر دموعه، ثم يعيد يديه. فكان مؤيداً دائماً لا ينفك أبداً عن الاتصال بالله، وعن أعمال الخير، إذاً لماذا عودي؟!! ولم يكن عنده مال أبداً، كان عنده بيت صغير مثل الغرفة، وكان يتوضأ في دورات المياه مع المسلمين، ومع ذلك هذا الرجل شيعته الأمة، وبكت عليه الأقاليم، وكاد يقع حيص بيص في الدولة الإسلامية آنذاك لما مات. مات في القلعة، انتهى من الختمة 83 عند قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55] ثم مات. لقد مات بين الطعن والضرب ميتةً تقوم مقام النصر إن فاته النصرُ فتىً كلما فاضت عيون قبيلةٍ دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكرُ وما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمرُ تردى ثياب الموت حمراً فما أتى لها الليل إلا وهي من سندس خضر الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، إنا لله وإنا إليه راجعون. جمعنا الله به في دار الكرامة، وأرانا وجهه، ورفع منزلته، مع هذه العظمة أقول: لماذا عودي؟ أولاً: الحسد. هم يحسدوني على موتي فوا أسفا حتى على الموت لا أخلو من الحسدِ وسبب هذا البيت: أن رجلاً قال: والله لو تمنيت الموت لحسدني الناس على ذلك، قالوا: ما صدقت. قال: اسمعوا، فجمع الناس في المجلس، وقال: رأيت البارحة أن السلطان قتلني وصلبني على خشبة. قالوا: وأنت يا حقير، تبلغ من صلبك السلطان، ما يصلب السلطان إلا الوزراء. فغضبوا عليه وخرجوا. فيقول لهم الناس: لماذا تخرجون؟ قالوا: هذا يقول يموت مصلوباً، كأنه ابن بقية -أي: أحد الوزراء- قال: إن يحسدوني على موتي فواأسفا حتى على الموت لا أخلو من الحسدِ وما خلا جسد من حسد، والحسد ممقوت في القلوب، قيل للحسن البصري: "أيحسد المؤمن؟ قال: ويلك، أنسيت قصة إخوان يوسف ليوسف؛ كانوا صالحين، وأتقياء، وأبوهم نبي، وأخوهم نبي، وقيل في بعض الروايات: إنهم أنبياء، وأخوهم شقيقهم، ثم حسدوه". وهذا يقع فيه كثير من الناس، خاصة في أهل المهن، تجد أن النجار يحسد النجار، والخباز يحسد الخباز، والعالم يحسد العالم، والأديب يحسد الأديب، عدوك صاحب مهنتك. ولذلك إذا أردت أن تبرد مزاج النجار فلا تذكر له نجارين آخرين. كنت أنا مع بعض الشباب نبحث مع بعض العمال في مسألة، فقلنا: نريد مثلك عاملاً أميناً صدوقاً. قال: لا تجد مثلي في الأرض عاملاً أميناً صدوقاً؛ أي: انتهت المعمورة من هذه الماركة المسجلة. قلت: لماذا عودي ابن تيمية؟ أولاً: الحسد. ثانياً: المعارضة لأفكاره؛ لأنه يريد أن يثبت تجديداً في الأمة، لا بد للمجدد الذي ينقم على الأمر السائد الخاطئ من أعداء. ثالثاً: حدته الفوارة، فعقله يلتهب وفيه حدة وكان إذا تكلم ينزل على الخصم، لأنهم يقولون: هذا الذي يؤتى موهبة مثله، أحياناً يجد أنه يجب أن يسمع الناس له، ويجب أن ينصتوا له، فإذا ما أنصتوا غضب، فكان يعتريه حدة، وكان ربما يزمجر مثل الأسد، فيغضب عليه الناس فيوجد له أعداء، وهذه موجودة فيه. رابعاً: اجتهاداته التي ينفرد بها، وذلك يغضب غضب أهل المذاهب، فيقولون: لماذا يخرج علينا؟ لا يجوز البيروسترويكا عندنا، لا بد أن نبقى على السائد، واتركنا على القديم، ويقولون: كيف تخرج؟ فيرفضونه. خامساً: طريقته السلفية في العقيدة. فهو يدعو إلى مذهب السلف، وهو مُنَظِّرُ مذهب السلف، ولذلك الطوائف الأخرى كلها خاطئة بجانبه، فيرى أنهم في صف وهو في صف، ولا التقاء حتى يعودوا. سادساً: مخالفته لـ ابن عربي. ابن عربي كان في الشام، وهو لا يزال مضرب المثل، وهو الشيخ، والقطب، والغوث، والوتد؛ فرد عليه ابن تيمية، يقول: كنت مغتراً به في شبابي فلما قرأت الفتوحات المكية وفصوص الحكم عرفت أنه مخطئ" فبدأ ابن تيمية يبين خطأه للناس، فالجماهير التي انضمت لـ ابن عربي خالفت ابن تيمية، فبقي ابن تيمية ومات ابن عربي. سابعاً: نسبت بعض الأقوال إليه وهو بريء منها، فقد ألفت عليه كتب يقال: إنه قالها وهو بريء منها، وعلقت به بعض الأمور وهو بريء منها، فغضب عليه بعض الناس، وظنوا أن أعداءه صدقوا فيها، ولكنه كذب وخرافة، وقد ذكر أبو الحسن الندوي بعض الكتب التي نسبت إليه وهي خاطئة وليست بصحيحة. والحقيقة أن ابن تيمية بريء من هذه الكتب المؤلفة المخالفة لمنهجه العامر مثل كتاب البحر المورود في المواثيق والعهود قال: قد ألحق بعض الحساد إلى كتابه البحر المورود في المواثيق والعهود، فهو له، لكن هناك زيادات كانت تعارض الشريعة أدخلوها في الكتاب تعارض الشريعة، وتولوا إشاعته في الجامع الأزهر وغيره، حتى نجمت في ذلك فتنة. هذه أسباب عداء الناس لـ ابن تيمية، ولكن مهما عودي فإنه لا يزداد إلا رفعة وعظمة وجلالة، فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً.

الأسئلة

الأسئلة

سيف الدولة في التاريخ

سيف الدولة في التاريخ Q أرجو أن تعطي لنا موجزاً عن سيف الدولة بارك الله فيك؟ A سيف الدولة ابن حمدان بطل كان فيه تشيع يسير، وكان يسكن في حلب، وقد خاض أكثر من ثلاثين معركة ضد الروم، حتى يقول المتنبي وكان شاعره الوحيد المتنبي، ولم يجتمع عند ملك ولا وزير، ولا سلطان ما اجتمع عند سيف الدولة من الشعراء؛ كان على بابه أكثر من ثمانين شاعراً، والمتفوق دائماً المتنبي شاعره الوحيد، يقول: ألا أيها المال الذي قد أباده تعز فهذا فعله في الكتائب ويقول له المتنبي، يحيي سيف الدولة يقول: وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال وماتت أخت سيف الدولة، فرثاها أبو الطيب المتنبي، وقال: طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ فزعت منه بآمالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي ويتغاضب ويتعاتب هو والمتنبي في آخر ويحدث فصام بينهما في المجلس، بسبب أحد الوزراء وهو ابن عم سيف الدولة وهو أبو فراس الحمداني، كان ينشد المتنبي، فأخذ أبو فراس قارورة الحبر فضرب بها المتنبي على وجهه فسال الدم، فضحك سيف الدولة، يضحك من هذا المشهد، فغضب المتنبي، يقول: كيف تضحك عليَّ؟ قال: إن كان سركمُ ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم سيعلم الجمع ممن ضم مجلسه بأنني خير من سارت به قدم كان يحب نفسه، وكان فيه عظمة، هذا المتنبي، وفي الأخير خرج من عند سيف الدولة وألقى عليه قصيدة يقول: فراق ومن فارقت غير مذمم وأم ومن يممت خير ميمم وما منزل اللذات عندي بمنزلٍ إذا لم أبجل عنده وأكرم رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى هوىً كاسر كفي وقوسي وأسهمي إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم وعادى محبيه بقول عداته فأصبح في ليل من الشك مظلمٍ ثم ذهب إلى كافور ومدحه، فجعله بدر الزمان، يقول: لقيت المرورى والشناخيب دونه وجبت هجيراً يترك الماء صاديا أبا كل مسكٍ لا أبا المسك وحده وكل غمام لا أخص الغواديا ثم غضب على كافور، فجعله لا يساوي قرشين، فقال: لا تشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيدُ إلى آخر ما قال من الكلام الذي يحاسبه الله عليه.

كتب ابن تيمية

كتب ابن تيمية Q اذكر لنا بعض كتب ابن تيمية؟ A كتبه الموجودة: الفتاوى، اقتضاء الصراط المستقيم، الاستقامة، الإيمان وغيرها، وابن تيمية لا يعرف بكتبه، أصبحت تعرف هي به، وهي تترجم الآن، فهناك: مركز إسلامي في بعض البلاد الغربية، يترجم كتب ابن تيمية إلى الإنجليزية.

من أجل قوة الذاكرة

من أجل قوة الذاكرة Q أرجو أن تدعو لي بالذاكرة القوية؟ وبماذا توصيني؟ A قوى الله ذاكرتك، لأن المعاصي قد كثرت علينا. أوصيك ألا تأكل البادنجان؛ ذكر بعض العلماء أن الباذنجان يفسد الذاكرة، كما قالوا، ولكن أعظمها ترك المعاصي: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نورٌ ونور الله لا يهدى لعاصي والزبيب يقوي الذاكرة، خاصة إذا كان في جيبك صباح مساء، وكان الزهري في جيبه زبيب ويأكل منه كثيراً، وخاصة الأسود هذا الذي من صعدة يجعلك ترى مصر إذا أكلت منه كيلو!

التقيد بالمذهب الحنبلي

التقيد بالمذهب الحنبلي Q مع احترامي لـ ابن تيمية ولك وللحاضرين جميعاً، ولكن: أنا حنبليٌ ما حييت وإن أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا ؟ A أسأل الله أن يحييك حنبلياً، وأن يميتك حنبلياً، وأن يحشرك في زمرة الحنابلة، وأن يدخلك الجنة مع الحنابلة. وما هذا التحمس يا أخي! كل من عبد الله على مذهب أبي حنيفة أو الشافعي أو مالك أو أحمد، كلهم سواء، لكن كأني بك تتحمس للإسلام أمام هذا العراك الذي سوف يقع في الخليج.

تفرد ابن تيمية بالعبقرية في العصور المتأخرة

تفرد ابن تيمية بالعبقرية في العصور المتأخرة Q من ترشح أن يكون ابن تيمية هذا العصر؟ A حلف الزمان ليأتين بمثله حنثت يمينك يا زمان فكفرِ حلف الزمان ليأتين بمثله، أي: مثل ابن تيمية، حنثت يمينك يا زمان فكفرِ؛ أي: على الزمان أن يصوم ثلاثة أيام يطعم أولاً عشرة مساكين، فإن لم يستطع فليصم ثلاثة أيام. من ترشح أنت؟ قلت لك: من عهد ابن تيمية إلى الآن ما أتى مثله، فعليك أن تفكر شهرين إن وجدت لنا مثله أو قريباً منه أو واحداً على خمسين منه، لا يوجد.

تكملة بيت الشعر

تكملة بيت الشعر Q أكمل هذا البيت إقدام عمرو في سماحة حاتم؟ A إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس لا تنكروا ضربي له من دونه مثلاً شروداً في الندى والباسِ فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلاً من المشكاة في النبراس وهذه الأبيات لـ أبي تمام يمدح فيها المعتصم القائد المجاهد الكبير. هذا المعتصم كان يمد ذراعه ويقول: "أتحدى من يضرب بالسكين في الذراع" فيشد أعصابه، فتضرب السكين فكأنها تضرب في إطار سيارة، أخذ سيخا وكتب اسمه المعتصم بالسيخ، وذكر عنه المؤرخون أنه، ربط أرجله في الأرض وقفز فاقتلع الرباط، واقتلع الخيوط، وكسر ظهر البغلة. كان عنده أربع زوجات، ومائة وخمسون جارية، وتشكو زوجاته منه عند القضاة، هذا موجود، هذا الرجل الذي هاجم عمورية دمرها عن بكرة أبيها وجعلها حيص بيص، يقول: رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصبِ تدبير معتصم بالله منتقم لله مرتقب في الله مرتغب هذه من القصيدة التي يقول: السيف أصدق إنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب والسبب أن امرأة قالت: وامعتصماه! ضُربت فانتفض هو بتسعين ألفاً، ودمر الروم، وجعلها أثراً بعد عين، وشكر الله سعيه، كان قائداً عسكرياً لا يعرف شيئاً من العلوم؛ ولذلك ابتدأ هو على سجن الإمام أحمد، وأعان على جلد الإمام أحمد، لا يعرف شيئاً غفر الله له! ورفع الله منزلة الإمام أحمد، جُلد الإمام أحمد حتى سال دمه. ويقول الإمام أحمد: "والله ما خرجت من القصر حتى دعوت الله أن يغفر له" لأنه مغرر مسكين، قائد عسكري ما أخذها بعلم.

كتاب درء التعارض

كتاب درء التعارض Q هل يمكن التعرض لكتاب درء تعارض العقل والنقل؟ A قال ابن القيم: "ما طرق العالم مثل كتاب درء تعارض العقل والنقل "، ويكفيك هذه الكلمة. ولكن لا يستطاع أن يقرأ للعادي من الناس، يحتاج الإنسان أن يقرأه بتكرار، أو على شيخ، أو يقرأ بعض المواطن منه؛ لأن بعض العبارات لا تفهم.

أبيات منسوبة لابن تيمية

أبيات منسوبة لابن تيمية Q هل تنسب هذه الأبيات لـ ابن تيمية: قل للذي بصروف الدهر عيرنا هل حارب الدهر إلا من له خطرُ ألم تر البحر تطفو فوقه جيفٌ وتستقر بأقصى قعره الدرر وفي السماء نجوم لا عداد لها وليس يكسف إلا الشمس والقمرُ A هذا ليس لـ ابن تيمية -حفظك الله- وإنما لشاعر من شعراء الأندلس ذكره الذهبي.

سيد قطب

سيد قطب Q شوقتنا عن سيد قطب، فاذكر لنا بعض أخباره؟ A رحم الله السيد، وجمعنا وإياه وابن تيمية. بالنسبة لـ سيد قطب فيه نسبة عالية من ابن تيمية؛ كان يحمل روح الاستقلال، والشجاعة الفكرية، فلذلك ذهب إلى الله عز وجل، لكنها خاتمة كانت جميلة جد جميلة، حتى كان يتبسم على المشنقة، وأنا كررت أبيات شاعر مصر وهو يحييه، ويحيي تبسمه، ويقول: يا شهيداً رفع الله به جبهة الحق على طول المدى سوف تبقى في الحنايا علماً قائداً للجيل رمزاً للفدا ما بكينا أنت قد علمتنا بسمة المؤمن في وجه الردى .

وفاة ابن تيمية

وفاة ابن تيمية Q هل قتل ابن تيمية في معركته مع التتار؟ A لا! ما قتل إنما مات على فراشه، لكنها ميتة من أحسن ما يكون، مات مسجوناً محبوساً، مات في قلعة دمشق، ومات مسجوناً، وكان السلطان يصطاد خارج دمشق فمات ابن تيمية لما قرأ قوله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر:54] فدخلوا عليه يعزونه، وقال البرزالي: ودخلت وقبلته وبكيت، وقلت: على مثل ليلى يقتل المرء نفسه وإن كان لا يرضى بـ ليلى المواليا ثم فتحت الثكنات العسكرية، ونزل الجنود فحموا السكك، واندفع الناس كالسيول، وشيعه مليون ونصف مسلم، وخرجوا به في الصباح، وقد يقول: صلي عليه ثلاث مرات أو أربع مرات، وكلما كبر عليه إمام بكى حتى وصلوا إلى المقبرة فصلوا الصلاة الأخيرة، وختمت له عشرات الألوف في تلك الليلة من الختمات، ورئيت له مرائي عجيبة، منها: أنه رؤي أنه على ناقة من نور تطير به إلى السماء، ورؤي مرة أنه جالس على كرسي من زبرجد في وسط الجنة، فغفر الله له ورحمه.

طموحات في الحديث عن ابن تيمية

طموحات في الحديث عن ابن تيمية Q نريد دروساً متصلة عن ابن تيمية؟ A عسى الله أن يسهل! وأنا أريد أن يكون هناك منهج لعلم ابن تيمية في محاضرات من أجل الإخوة؛ منهجه في الدعوة والتعليم، وفي الدراسة والتدريس وهكذا.

حكم لبس البنطلون

حكم لبس البنطلون Q ما رأيك في لبس البنطلون، خاصة الجنز؟ A لا أعرف الجنز ولكن أسمع به، لكن البنطلون إذا كان سابغاً وساتراً، فلا بأس به والحمد لله.

العطلة وشغلها بالفائدة

العطلة وشغلها بالفائدة Q أيها الإخوة الكرام! نحن على أبواب عطلة الربيع، وأكثر أهالي هذه المنطقة يذهبون إلى المنتزهات، فما نعد للدعاة والعلماء في هذه المنطقة؟ A نعد لهم أن نوصيهم بتقوى الله عز وجل، وليت ابن تيمية حياً يزورهم مرة في الأسبوع.

أسباب تفوق ابن تيمية

أسباب تفوق ابن تيمية Q هل كان علم ابن تيمية هذا ناتجاً عن كثرة قراءته للكتب؟ A أولاً: ذكاء من الله متوقد في ذهنه، أعطاه الله موهبة وعبقرية فياضة. الأمر الثاني: كان متصلاً بالله: قبل أن يقرأ الكتاب يستغفر الله ما يقارب ألف مرة، ثم يفتح الكتاب. ثالثاً: كان كثير القراءة، يقول: ربما يطالع في الآية الواحدة أكثر من مائة تفسير، ولا يوافق المفسرين المائة، ويأتي هو بمعنىً من عنده.

الكتب التي ترجمت لابن تيمية

الكتب التي ترجمت لابن تيمية Q ما هي الكتب التي تتحدث عن ابن تيمية؟ A المواهب العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية للبزار والعقود الدرية لـ ابن عبد الهادي من تلاميذ شيخ الإسلام، والحافظ أحمد بن تيمية لـ أبي الحسن الندوي وابن تيمية لـ أبي الأعلى المودودي وابن تيمية لـ إبراهيم الشيباني، وكتب كثيرة كثيرة يقولون: ألف عنه أكثر من 80 رسالة، وبعض الرسائل من الدكتوراة.

جنكيز خان

جنكيز خان Q يقول نريد نبذة عن حياة جنكيز خان؟ A هو قائد التتار الذين دمروا العالم الإسلامي؛ ملك ظالم ضليل، يقال: لا يوجد أفتك منه ولا أسفك منه، ولا يعرف الخوف. ولا أعرف أنه أسلم، يقولون: إن ابنه أسلم، وإسلامه وجهه مثل قفاه، يقولون: كان مسلماً ويشرب الخمر.

محاضرات عن عثمان وعلي

محاضرات عن عثمان وعلي Q ونريد محاضرة عن أبي الحسن علي بن أبي طالب وعثمان؟ A صدقت، لأننا تكلمنا عن أبي بكر وعمر، وبقي الاثنان، وهما لا بد أن يلحقا بالركب لأنهم في سفينة واحدة.

تلامذة ابن تيمية

تلامذة ابن تيمية Q نريد أن تذكر لنا تلاميذ ابن تيمية؟ A أشهر تلاميذه، ومن أصحابه، وممن تتلمذ عليه: ابن القيم، وابن كثير وابن عبد الهادي. هؤلاء الثلاثة هم البارزون في مدرسة ابن تيمية.

أفضل كتب ابن تيمية

أفضل كتب ابن تيمية Q ما هي أفضل الكتب لـ ابن تيمية؟ A المجلد العاشر والحادي عشر من فتاويه واقتضاء الصراط المستقيم من أعجب كتبه، والاستقامة.

أسئلة متفرقة

أسئلة متفرقة Q أنا أريد أن تتكلم عن الواقع، وعن قضايانا وقضايا المجتمع، وتؤجل السير التي تقولها حتى يصفو الجو؟ A وهل هذا إلا من السير، نريد أن نتكلم عن القديم وعن الحديث، وما أظنه -إن شاء الله- إلا كلاماً في الواقع. Q ما رأيكم في كتاب الدرر البهية؟ A كتاب جيد، وهو للشوكاني -رحمه الله وأثابه- من أحسن ما كتب. السؤال: كم عمر ابن تيمية لما توفي؟ الجواب: ثلاث وستون سنة، كعمر الرسول صلى الله عليه وسلم. أما أنا كنت أظن أنه ولد عام (666هـ) وتوفي عام (728هـ) وعليكم الحساب. السؤال: ما اسم الكتاب الذي بين يديك؟ الجواب: ابن تيمية لـ أبي الحسن الندوي، حفظكم الله. السؤال: ما هو دور الشباب في تغيير المنكرات؟ الجواب: أن يغيروا بألسنتهم وأن يتقوا الله، لا يروا منكراً إلا وينكرونه. السؤال: ما الصواب في تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:107]؟ الجواب: الجنة خلود بلا موت، والنار كذلك خلود. ونسأل الله أن يحفظنا وإياكم، وأن يثيبنا وإياكم، ويتولانا وإياكم. وشكراً لـ ابن تيمية، وشكراً لكم، وجمعنا الله وإياكم مع ابن تيمية في دار النعيم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اسمع يا تاريخ!

اسمع يا تاريخ! إن هذه المحاضرة تتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وليست ترجمة له فهو أعظم من أن يترجم له مترجم، وليست مدحاً له فهو أرفع من مدح البشر، فقد مدحه الله وزكاه وشرفه وأعلى قدره، وليست سرداً لتأريخه فالمجلدات والمؤلفات لا تفي بجزئية من جزئيات حياته. ولكنها فيض من خاطر، وهمسة من فؤاد! إنها تعبير عن إعجاب مسلم بإمامه وزعيمه وأستاذه صلى الله عليه وسلم.

صفات القائد الأعظم عليه الصلاة والسلام

صفات القائد الأعظم عليه الصلاة والسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين, وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أيها الكرام البررة: عنوان هذه المحاضرة: (اسمع يا تاريخ) إنها تتحدث عن الرسول عليه الصلاة والسلام؛ إنها وثيقة أهديها لكم أيها العباد البررة الأخيار, يا طلبة العلم؛ يا حفظة لا إله إلا الله؛ يا أتباع محمد عليه الصلاة والسلام. إنها ليست ترجمة له صلى الله عليه وسلم، فهو أعظم من أن يترجم له مثلي, وأنا أقول كما قال شوقي -الشاعر المشهور- لما أتى ليمدح الرسول عليه الصلاة والسلام: أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك غير أن لي انتسابا وليست مدحاً له عليه الصلاة والسلام، فهو أرفع من المدح، فالله هو الذي مدحه، وزكاه وطهره، وشرفه وأعلى قدره, وليست هذه الوثيقة تاريخاً أو سرداً لتاريخه, فالمجلدات والمؤلفات والندوات والمحاضرات كلها لا تفي بجزئية من حياته عليه الصلاة والسلام. ماذا يقول الواصفون له وصفاته جلت عن الحصر ولكن هي فيض من خاطر, وقطرة من قلم, وهمسة من فؤاد, إنها تعبير لغربة المسلم أمام إمامه وعظيمه وزعيمه وأستاذه وشيخه عليه الصلاة والسلام, الله يقول له من فوق سبع سموات: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. وأريد بهذه المحاضرة "اسمع يا تاريخ" أن يسمع سامع, أو يعي واعٍ, أو يستفيق نائم عما يجب عليه نحو الرسول عليه الصلاة والسلام. يقول بعض العلماء لما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] لم يقل: للناس فيخرج الحيوانات, ولم يقل: للمؤمنين فيخرج الكفار, ولم يقل: رحمة للكبار فيخرج الصغار, ولم يقل: للصغار فيخرج الكبار؛ بل قال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] ولكن يعيش عليه الصلاة والسلام معنا دائماً وأبداً، في مشاعرنا وآمالنا وطموحاتنا, يعيش معنا في بسماتنا وفي دموعنا؛ وفي عيوننا وفي أسماعنا، وفي أبصارنا وفي قلوبنا, يعيش معنا دائماً ونحن نراه دائماً، قدوة وأسوة وإماماً ومعلماً, وأباً ومرشداً, وقائداً وأستاذاً, يعيش معنا وقد أحببناه فعاش في ضمائرنا عظيماً, وفي قلوبنا رحيماً, وفي عيوننا آمراً وناهياً, وفي آذننا مبشراً ومنذراً، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب:45 - 46]. أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا وأنت لنا التاريخ أنت المحرر تذوب شخوص الناس في كل لحظة وفي كل يوم أنت في القلب تكبر كلما كثرت الصحوة، وكلما انتشر الصلاح، وكلما أذن المؤذنون، وكلما أفطر الصائمون، وكلما سجد المصلون، وكلما أحرم الحجاج والمعتمرون. ذكرنا محمداً عليه الصلاة والسلام. كلما ارتفعت السبابة تقول: لا إله إلا الله, وكلما استغفر المستغفر، وكلما تاب التائب، وكلما عاد المنيب إلى الله؛ ذكرنا محمداً عليه الصلاة والسلام. ويكرر القرآن ذكر هذا الرجل عليه الصلاة والسلام, الذي هو رجل يأكل ويشرب، وينام ويستيقظ, رجل لكن لا كالرجال, رجل ولكنه يحمل هموم الرجال وعظمة الرجال كل الرجال, وإنسان ولكن لا كالناس, إنسان يجمع مناقب الإنسانية، يتحدث عنه القرآن، فإذا هو الخلوق القريب من القلوب: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. من الذي زكاه؟ من الذي مدحه وأعلاه؟ الله الذي مدحه زين -كما يقول عليه الصلاة والسلام- وذمه شين. أتاه وفد بني تميم فطرقوا عليه الباب فقالوا: {اخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا زين وذمنا شين, قال عليه الصلاة والسلام: ذاك هو الله الذي مدحه زين وذمه شين} , ويذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى رحمة رسوله, وشفقة مبعوثه وحنانه, فيقول عنه: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] وإذا هو اللين السهل الميسر قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:159] أي: كنت قريباً تعيش في القلوب، وتعيش في الأرواح, يحبك الناس جميعاً: أهل الجزيرة، وأهل العراق، وأهل اليمن، وأهل السودان، وأهل المغرب، والعجم يوم يسلمون، والشقر يوم يؤمنون، والحمر يوم يهتدون, كلهم يحبونك لأنك إمامهم.

الإمام القدوة عليه الصلاة والسلام

الإمام القدوة عليه الصلاة والسلام إنه الإمام الذي على الأمة كل الأمة أن تذعن لإمامته في الصلاة وفي الحياة وفي التربية وفي الأخلاق وفي الاقتصاد وفي علم النفس وفي العسكرية وفي السلم وفي الحرب قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. أما الذي لا يرجو الله فليس إمامه محمداً عليه الصلاة والسلام, أما الرعديد، والجبان، والمطبل، والسكير، والمنحرف، والضال، والغاوي، فليبحث له عن إمام غير محمد عليه الصلاة والسلام؛ ليبحث له عن الشيطان وعن فرعون، وعن هامان، وعن قارون، ولا يأتِ لطريق محمد عليه الصلاة والسلام. هل يحق لنا شرعاً وعقلاً أن نبحث عن غيره؟ لا. لن نبحث عن غيره, هل لنا أن نبحث عن سواه؟ لا. لن نبحث عن سواه, حرام حرام حرام أن نتجه إلى غيره فنجعله إماماً, وحرام أن نبحث عن سواه ونجعله قدوة. هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعيش لحظات الحياة، ودقائق الزمن، وثواني التاريخ, يعيش بما يجب أن يعاش, في الصلاة خاشع قانت أواب منيب، قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79] يقول المفسرون: يا محمد صلِّ بالقرآن في الليل، واخشع في صلاة الليل، فإن الله سوف يبعثك يوم القيامة مثلما قمت في الليل، سوف يبعثك مقاماً محموداً. ماهو المقام المحمود؟ المقام المحمود الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون حتى الملائكة, المقام المحمود يوم يجمع الله الأولين والآخرين، والجن والإنس، والكبار والصغار، والأغنياء والفقراء، والملوك والمملوكين، غرلاً بهماً جرداً حفاةً, فينتظرون الله متى يفصل بينهم في القضاء. واستشفع الناس بأهل العزم في إراحة العباد من ذا الموقف وليس فيهم من رسولٍ نالها حتى يقول المصطفى أنا لها عليه الصلاة والسلام. {يأتون إلى آدم يقولون: اشفع لنا إلى الله ليحكم بيننا في هذا اليوم -يوم الفصل- فيقول: نفسي نفسي -فلا يستطيع، الأمر أعظم من أن يشفع فيه- فيأتون إبراهيم فيقول: نفسي نفسي ويعتذر موسى ويعتذر عيسى فيأتون الرسول عليه الصلاة والسلام -فيتخطى الصفوف، ويتقدم التاريخ، ويقف أمام الأجيال، وينحني تحت العرش- ويقول: أنا لها أنا لها ويسجد أمام رب العالمين, ويثني على الله، ويبكي ويسأل, ويدعو ويتضرع, فيقول الله له: ارفع رأسك, وسل تعط, واشفع تُشفَّع، فيسأل الله أن يفصل بين الناس, فيفصل الله بين الناس} يقول الله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79] أي: زيادة في أجرك وأما ذنبك فمغفور, وعيبك مستور, وسعيك مبرور, قال الله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً} [الفتح:2 - 3] نصراً سمعه التاريخ، وأذعنت له البشرية, أتظن أنه نصر على المدينة، أو مكة، أو الحجاز؟ لا. نصر دخل به إلى إشبيليا وقرطبة ونهر اللوار وسيبيريا والجنج والهند والسند.

شجاعته صلى الله عليه وسلم

شجاعته صلى الله عليه وسلم ويأتي -عليه الصلاة والسلام- في الجهاد، فإذا هو الشجاع المبارز والمقدام الصنديد, قال الله: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} [النساء:84] أنت لا تفر إذا فر الأبطال، فلا تهرب من المعركة إذا تأخر الشجعان، فحرام عليك أن تتأخر, يقول علي -رضي الله عنه وأرضاه-: [[كنا إذا اشتد الهول وحمي الوطيس في المعركة، واحمرت الحدق -أي: العيون- كنا نتقي برسول الله عليه الصلاة والسلام فيكون أقربنا إلى القوم]]. أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أدبت فيها هول الردى أبطالها وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب فعلها أقوالها وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم وقف عليه الصلاة والسلام في أكثر من عشرين معركة بالسيف والموت حوله, والاغتيالات تدبر له صباح مساء؛ تعرض لأكثر من إحدى عشرة محاولة اغتيال باءت بالفشل, الخناجر حوله, والسيوف والرماح، والله يقول له: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] يخاف يقول: يا ربِ! هوْل, قال: الله يعصمك من الناس, يا ربِ! مَوت, قال: الله يعصمك من الناس, يا ربِ! الأعداء كُثُر حولي, قال: الله يعصمك من الناس. وإذا العناية لاحظتك عيونها تلقى الحوادث كلهن أمان هكذا كان عليه الصلاة والسلام، يدخل الغار والموت حول الغار, يطوق بخمسين شاباً، كل شاب منهم يساوي جيشاً فتاكاً في القوة والشجاعة, فيلتفت ويخاف أبو بكر، فيقول كما قال تعالى: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]. أبداً وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم هزم عشرة آلاف من غطفان, ووقف يتبسم والكتائب تمر من بين يديه، وهم يلقون السيوف بين يديه يستسلمون، ويقيدون بالسلاسل مهزومين. نثرتهم فوق الأحيدب نثرة كما نثرت فوق العروس الدراهم

جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم

جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم هذا محمد عليه الصلاة والسلام, يعيش -صلى الله عليه وسلم- كريماً معطاءً باذلاً منفقاً, يسألونه كل شيء، فلا يقول: لا. حتى ثوبه الذي على جنبه، ففي صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد: {أن امرأة أتت إليه عليه الصلاة والسلام -أو رجلاً- فسأله ثوبه فأعطاه} لا يعرف لا, إلا في لا إله إلا الله محمد رسول الله. ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم يقول جابر في مسند أحمد بسند جيد: {أتى أعرابي إليه عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! أعطني مالاً, فقال: لا. وأستغفر الله} , لم يكن عنده مال, يقول: أستغفر الله من كلمة لا, إنه ينفق ليل نهار. وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: {كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس} هذا عموم لا خصوص له, أجود الناس, ما ولدت أنثى من وقت آدم إلى قيام الساعة أجود من محمد عليه الصلاة والسلام, {كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن, فلرسول الله عليه الصلاة والسلام أجود بالخير من الريح المرسلة}. يقولون معنٌ لا زكاة لماله وكيف يزكي المال من هو باذله هو البحر من أي النواحي أتيته فدرته المعروف والجود ساحله ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله

صبره على الشدائد صلى الله عليه وسلم وتواضعه الجم

صبره على الشدائد صلى الله عليه وسلم وتواضعه الجمّ ويعيش عليه الصلاة والسلام في الفقر صبوراً متماسكاً محتسباً, عاش فترة من حياته فقيراً, لا يجد كسرة الخبز من البر, يبحث عن التمر فلا يجد التمر, يأتيه الملك من السماء بمفاتيح كنوز الدنيا فيقول: {أتريد أن أحول لك -بإذن الله- الجبال ذهباً وفضة؟ قال: لا. بل أجوع يوماً وأشبع يوماً حتى ألقى الله} يعيش فقيراً، لا يجد فِراشاً حتى يثنيه ثنيتين، ثنية واحدة, ينام على الخصف فيؤثر في جنبه, يدخل عليه عمر ورضي الله عن عمر , فيجد سعف النخل قد أثر في جنب المصطفى الشريف عليه الصلاة والسلام, فيبكي عمر، وتسيل دموعه ويهتز، فيقول له عليه الصلاة والسلام: {ما لك يا عمر؟ قال: يا رسول الله! كسرى وقيصر؛ ملوك فارس والروم؛ وهم أعداء الله، يعيشون في ذهب وفضة؛ وحرير وديباج؛ وأنت حبيب الله تعيش في هذه الحالة؟! -فماذا يجيبه عليه الصلاة والسلام- يقول: يـ ابن الخطاب! أفي شك أنت؟ أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال: بلى}. كفاك عن كل قصر شاهق عمد بيت من الطين أو كهف من العلم تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم إذا ملوك الورى صفوا موائدهم على شهي من الأكلات والأدم صففت مائدة للروح مطعمها هدي من الوحي أو عذب من الكلم عليه الصلاة والسلام في الرقة والرحمة، صاحب الدمعة الحانية, والشفقة البالغة, يرى العجوز المسن فتدمع عيناه عليه الصلاة والسلام, يرى الشيخ الكبير، فيحترمه ويوقره ويقف معه, يرى الطفل فيحمله ويضمه ويشمه ويقبله ويمازحه ويمسح رأسه عليه الصلاة والسلام. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] توقفه امرأة عجوز في طريق من طرق المدينة في حرارة الشمس فيقف معها ساعة كاملة, يقف معها حتى تنتهي وهو إمام العالمين.

دعوته صلى الله عليه وسلم ونشره للإسلام

دعوته صلى الله عليه وسلم ونشره للإسلام وهو عليه الصلاة والسلام الإنسان الذي أتى إلى الأمة الضعيفة المسلوبة المنهوبة المظلومة, فرفع رأسها بين الرءوس, وبنى منبرها بين المنابر, بل أعلى منارتها على كل المنارات. من هي الأمة العربية؟! من نحن قبل البعثة المحمدية؟! من نحن يا عرب؟! يا عروبة! من نحن قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام؟! كنا رعاة غنم, لا مجد. لا تاريخ. لا حضارة. لا ثقافة. لا معرفة. الهند لهم حضارة, اليونان لهم ثقافة, والصينيون لهم تاريخ, أما نحن فرعاة إبل وبقر وغنم. إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها فأخرجنا من الجزيرة العربية لا أنهار. لا حدائق. لا بساتين. أخرجنا بلا إله إلا الله؛ لنسكن على ضفاف دجلة والفرات , وفي مصر أرض الكنانة، أرض النيل , وفي الشام أرض الخضروات والفواكه والغوطة، وما أدراك ما الغوطة؟! وفي صنعاء اليمن أرض البن وأرض الزهراوات وأرض الورود, وفي إشبيليا وقرطبة، وفي الزيتونة وقرطاجة , وفي السند وتركستان , وفي طاشقند وفي كل البلاد أسكننا هناك بلا إله إلا الله. أتى عليه الصلاة والسلام والله يقول لنا: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] كانوا في ضلال ما بعده ضلال, أتى إليها عليه الصلاة والسلام، إلى هذه الأمة وهي ترعى إبلها وبقرها وغنمها في الصحراء القاحلة, صحراء الجوع والظمأ واليأس, فأخرجها بلا إله إلا الله إلى الدنيا وأسمعها بلا إله إلا الله مشارق الدنيا. أخرج عليه الصلاة والسلام هذه الأمة بلا إله إلا الله من النهب والسلب والتشريد والفتك, إلى الإخاء والحب والوئام والصفاء. وهدمت دين الشرك يا علم الهدى ورفعت دينك فاستقام هناكا كيف ترقى رقيك الأنبياء يا سماء ما طاولتها سماء إنما مثل صفاتك للنا س كمثل النجوم للماء كانت هذه الأمة أجدادنا يا عرب. أمة تأكل الميتة, وتعاقر الخمر, وتعبد الصنم, وتطوف بالأوثان, فجعلها بلا إله إلا الله أمة تخطب في الحرمين , والأزهر , بنينا الأزهر عمره ألف سنة, وخطبنا من على الأزهر، وتكلمنا من على منبره. والزيتونة! دخل أجدادنا تونس والزيتونة فبنوا جامعة الزيتونة , ودخلوا قرطبة في الأندلس , والأموي في دمشق , وصلَّوا في كابل وفي جامع صنعاء وصحراء سيبيريا وفي بغداد , وفي كل شبر من أشبار الدنيا التي ذكرت الله, قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103].

معيشة الرسول صلى الله عليه وسلم بيننا بسنته

معيشة الرسول صلى الله عليه وسلم بيننا بسنته يعيش معنا عليه الصلاة والسلام, يعيش معنا بعد خمسة عشر قرناً من وفاته, فكأنه بين أظهرنا الآن, نصلي فنتذكر قوله: {صلوا كما رأيتموني أصلي} نحج البيت العتيق فإذا هو يقول لنا: {خذوا عني مناسككم} ونأكل ونشرب, ونستيقظ وننام فهو يقول لنا: {من رغب عن سنتي فليس مني} نبدأ الطعام فإذا هو يقول: {قل باسم الله} وننتهي من الطعام فإذا هو يقول: {قل الحمد لله} , لباسنا على سنته, ومشينا على هديه, وجلوسنا على منهجه. علمنا التوحيد بعد خيبة الشرك, كان الناس في خيبة ما بعدها خيبة, علمنا التوحيد بعد خيبة الوثنية ورجس الشرك, وعلمنا الحرية بعد ذل العبودية والتبعية لكسرى وقيصر, وعلمنا النبل والشرف والعزة. إنه يتحدث عن دقائق حياتنا وسلوكنا، يتحدث إليك عن لحيتك وشاربك, يقول: اعف لحيتك وقص شاربك، ويتحدث لك عن أظفارك ويطلب منك أن تقلمها, ويتحدث لك عن غسلك من الجنابة، ويوجب عليك أن تغتسل بعد كل جنابة, ويسن لك أن تغتسل للجمعة, يتحدث لك عن ثوبك ما لونه. ؟ ما طوله. ؟ السنة عدم الإسبال، لا تلبس ذهباً ولا حريراً, يتحدث لك عن السواك وعن الطيب، وعن الجلوس والمشي, فإذا هو معك دائماً. تأخرت عن وعد الهوى يا حبيبنا وما كنت عن وعد الهوى تتأخر ظمئنا وفكرنا وشابت دموعنا وشاخت ليالينا وما كنت تحضر أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا وأنت لنا التاريخ أنت المحرر

الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش أطوار الحياة

الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش أطوار الحياة إنه عليه الصلاة والسلام يعيش أطوار الحياة, وأيام العمر في الأعمال والمهن, تاجر عليه الصلاة والسلام بالمال, باع واشترى, رعى الغنم ورعى الأمم, حلب الشاة، وخصف النعل، ورقع الثوب, اغتنى فشكر, وافتقر فصبر, حارب فكان الشجاع الذي يرهبه الأبطال, وتنهزم أمامه الجيوش, وسالم وكان الوفي الملتزم بالمعاهدات, سافر وأقام, مرض وصح, سقم وشفي عليه الصلاة والسلام, بكى وضحك, ليكون لك قدوة في هذه المراحل جميعاً. لبس الجديد إظهاراً للنعمة وإغاظة للباطل, ونحن نلبس الجديد لنقول لله بلسان الحال: لك الحمد يا من ألبسني الجديد, نلبس الجديد لنظهر روعة الإسلام, وجماله, وعظمته, واقتداءً برسولنا عليه الصلاة والسلام, نلبس الجديد لنقول للناس: قد أنعم الله علينا فله الحمد وله الشكر, ولبس عليه الصلاة والسلام البالي تواضعاً للباري, لبس الصوف القديم البالي ليظهر أنه عبد مسكين, يجلس مع الفقراء والمساكين, ويحب الأيتام, ويزور الأرامل, ويقف مع العجائز, ويأخذ بألباب وعقول الناس قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. ذاك هو محمد عليه الصلاة والسلام ربَّى الأطفال وضاحكهم, ومازح الأهل وسامرهم, في الصلاة الفريضة كما في الصحيحين يأخذ عليه الصلاة والسلام أمامة بنت بنته زينب وهي طفلة, فيحملها في الصلاة ويصلي بالناس، وهو بالفريضة والطفلة على كتفه, فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها, لماذا؟ لأنه أبو الأطفال, ويأتي وهو ساجد فيأتي الحسن فيرتقي على ظهره, والحسن عمره ثلاث سنوات أو أربع, فلا يرفع رأسه من السجود حتى ينزل الحسن , فلما سلَّم عليه الصلاة والسلام، يلتفت للناس ويقول: {لعلي أطلت عليكم إن ابني هذا ارتحلني -أي: صعد على ظهري- وخشيت أن أؤذيه فمكثت حتى نزل} , أيُّ خلق. ؟! ويخطب عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة, فيأتي الحسن وعمره أربع سنوات، فيتخطى في ثوبه، ويقع مرة ويقوم مرة, فينزل عليه الصلاة والسلام ويترك الخطبة، ويحمل الحسن ويجلسه معه على المنبر، ويضع يده الشريفة على رأس الحسن ابن بنته فاطمة , ويقول: {إن ابني هذا سيد, وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين} وبالفعل يصبح الحسن سيداً ويصلح الله به بعد أربعين سنة أو خمسين بين أهل الشام وأهل العراق في الواقعة المشهورة, فيحقن الدماء ويضع الحرب والحمد لله. ويأتي عليه الصلاة والسلام مكرماً للضيوف يتحفهم ويسامرهم, ويقطع لهم اللحم, ويبشُّ في وجوههم ويعانقهم.

المعجزة الكبرى

المعجزة الكبرى قاد الأمة فكانت قيادته دستوراً للقادة, ومنهجاً للزعماء, ووثيقة للساسة, يا زمن! يا تاريخ! يا أرض! يا دهر! إن أعظم نبأٍ هز العالم، هو نبأ هذا الرسول عليه الصلاة والسلام, ليست المعجزة في اكتشاف القنبلة الذرية, ولا الهيدروجينية, ولا الصعود على سطح القمر, ولا حرب النجوم, ولا مادة من المواد، لا. إن المعجزة هي مبعثه عليه الصلاة والسلام, وليست المعجزة اكتشاف أمريكا , وليست المعجزة أن تُرى النار تحت البحر, ولا أن تفجر من المادة مادة أخرى, ولا أن يحول من الحديد ذهباً بالكيمياء، لا. المعجزة مبعثه عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:1] مال العالم يتساءل؟ لماذا يسهر العالم ويتساءل؟ ما هو الحدث الذي فض الدنيا؟ ورضخ برأس المعمورة؟ ودوّخ أذن العالم؟ ما هو الخبر؟ محمد عليه الصلاة والسلام {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} [النبأ:1 - 2] ولم يسمِ الله النبأ لأنه أعظم من أن يسمى {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} [النبأ:2 - 3] اختلاف العالم في مبعثه دليل على عظمته, يقول العقاد: إذا اختلف الناس في رجل بين مادح وقادح؛ فاعلم أنه عظيم. أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم فمحمد عليه الصلاة والسلام نام, ولكن العالم ما نام, انشغل العالم يوم بعث عليه الصلاة والسلام, فالكرة الأرضية مشغولة كلها بمبعثه وهو نائم في مكة , كيف؟ لما بعث أرسل الله الشهب من النجوم ترمي الشياطين, كما قال تعالى: {دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات:9] وقال: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات:6 - 9]. كانوا قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام يتسمعون، وكانوا يسمعون الوحي, وكان يصعد الشيطان على رأس الشيطان حتى يصلون إلى السماء، فيستمعون كلام السماء, فلما بعث لأول يوم حرس الله السماء, ممنوع الاستماع كما قال جل وعلا: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء:212] وما ينبغي لهم ولا يستطيعون, الشياطين أتوا يستمعون بعد مبعثه؛ فإذا النجوم تتهاوى بالقذائف عليهم وبقنابل الراجمات فتحرق الشيطان فيصبح رماداً, فيعود بعض الجن لبعضهم كما قال تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} [الجن:8] يقول بعضهم لبعض: لا سبيل لكم من السماء انتهى, حدث في الأمر خبر, أتى في الدنيا عجب نزل في الدنيا كيان لا نعلم {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ} يقول: اقتربنا من السماء {فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} [الجن:8] قال ابن عباس: [[ما بقي على نجم إلا وعليه ملك يرمي بالنجم الشيطان]] الفلك كل الفلك أصبح محفوظاً بمبعثه عليه الصلاة والسلام, فرجع الشياطين يتحدثون عن رسالته ويقولون: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} [الجن:1] يقول سيد قطب: عجباً حتى الجن يتذوقون القرآن! حتى الجن يعيشون مع القرآن! حتى الجن يعرفون بلاغة القرآن! نعم. {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19] انتهى. وأتى عليه الصلاة والسلام يتحدث للإنسانية، فإذا الجن يلحقونه من وادٍ إلى وادٍ. قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف:29] كان في وادي نخلة بين مكة والمدينة يصلي في الليل، فصرف الله له جناً من نصيبين من اليمن؛ ليسمعوا القرآن فسمعوا القرآن, اسمع إلى تعبير القرآن، واسمع إلى روعته وعظمته، قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} [الأحقاف:29] يقول شيخهم خنزر هذا شيخ القافلة، وأستاذ هؤلاء الطلاب الذين أتى بهم من اليمن لما وصل قال: أنصتوا قال تعالى: {فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29] انتهى فولوا منذرين إلى قومهم وعادوا!

الجنة من طريق محمد عليه الصلاة والسلام

الجنة من طريق محمد عليه الصلاة والسلام بعث عليه الصلاة والسلام للثقلين, للجن والإنس, وقال كما في صحيح مسلم: {والذي نفسي بيده! لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار}. أيها القارات الخمس أو الست اسمعي إلى محمد عليه الصلاة والسلام يقول: من لم يؤمن به؛ لن يدخل الجنة أبداً, ولن يجد النعيم ولا السعادة, مهما كان تخصصه وعقله, ومهما كانت مهارته وذكاؤه ونبوغه, مهندساً كان أو عالماً, طبيباً أو جيلوجياً, سياسياً أو اقتصادياً, أديباً أو فناناً, حرام عليه الجنة إلا من طريق محمد عليه الصلاة والسلام. اسمع يا عالم! أيها العالم! إن محمداً عليه الصلاة والسلام يعلن إعلاناً للناس، أنه لن يدخل الجنة أحد إلا من طريقه, قال ابن تيمية: من اعتقد أنه يهتدي بهدىً غير هدى الله الذي أرسل به محمدا ًعليه الصلاة والسلام؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. كل أرض لا تشرق عليها شمس الرسالة، فهي أرض ملعونة, وكل قلب لا يرى نور هذا الدين، فهو مغضوب عليه. ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل لم يهده الهاديان السمع والبصر كان عليه الصلاة والسلام يعيش هذه الأحداث جميعاً, تتساقط عروش الأكاسرة والقياصرة والشاهنشاه والباباوات في مبعثه, لما بعث ألغى بمبعثه إمبراطورية كسرى وقيصر, ما عنده دبابات! ولا صواريخ! ولا جيوش كجيوش كسرى وقيصر جرارة, أتى في المدينة ببردته, نزل هكذا للعالم فتكلم فاهتدى الصحابة ثم قال: هيا على اسم الله اركبي يا خيل الله. فدخلوا على أولئك الظلمة الفجرة فتساقطت عروشهم كما قال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45] وقال: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81]. أيها الإنسان يا بن آدم إن سعادتك رهن باتباعه عليه الصلاة والسلام, إن أبواب الجنة بعد مبعثه أوصدت وغلقت, فلا تفتح إلا لأتباعه على دينه, وأنصاره في دعوته, ومحبيه في مبادئه. يا قومي إن محمداً عليه الصلاة والسلام سيعيش معكم بسنته إذا أردتم أنتم أن يعيش معكم, سوف تجدونه يتحدث إليكم في جلساتكم متى ما أردتم أن يتحدث إليكم. نسينا في ودادك كل غالٍ فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا

الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش معنا

الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش معنا يا مسلم! يا مؤمن! يا عبد الله! إن باستطاعتك أن تجعل الرسول عليه الصلاة والسلام يعيش معك دائماً, في الطائرة, في السيارة, على ظهر السفينة, في البيت, في الحديقة, في السوق, في الدكان, في المكتب, في الفصل, بماذا؟! بذكره, بالصلاة عليه, باتباع سنته صلى الله عليه وسلم, بالعيش معه, باقتداء أثره, تعيش معه وأنت تسمع لسيرته في الشريط الإسلامي, وتقرأ سيرته في الكتاب الإسلامي, وتقرأ عظمته في القرآن العظيم. تعيش معه وأنت فقير, لأنه سيد الفقراء, إذا عضك الفقر بنابيه، وجثم عليك بركبتيه، فتذكر الفقير الأول محمداً عليه الصلاة والسلام. إذا لم تجد ثوباً للعيد تكتسيه أو ثوباً للمناسبات، فاعلم أن محمداً عليه الصلاة والسلام لم يجد ثوباً في بعض المناسبات. البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها إذا لم تجد وجبة شهية تأكلها ونمت جائعاً, فاعلم أنه عليه الصلاة والسلام نام عشرات الليالي بلا طعام, بل أخذ الحجر وربطه على بطنه من الجوع. إذا سهرت من الحمى، وأضناك المرض، وطارحت النجم، وشكوت برحاءك على الله، وسامرت الكوكب, فاعلم أنه عليه الصلاة والسلام قد حمَّ ومرض وعاش المرض والحمى عشرات الليالي. إذا اغتنيت ورأيت المال معك والصحة؛ والفلل والقصور؛ والأبناء والأولاد؛ والسيارات فاشكر الله, واعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم اغتنى وجمع الأموال؛ فكان شاكراً لله مخبتاً منفقاً متصدقاً. إذا انتصرت على الباطل, فلا يجمح بك الهوى، ولا تعجبك نفسك, فقد انتصر عليه الصلاة والسلام فخضع رأسه لله ودمعت عيناه. إذا غُلِبت في الجولات فعليك بالسكينة والصبر, واعلم أنه عليه الصلاة والسلام غلب فسكن وصبر لله عبودية. إذا مات ابنك فاحتسبه عند الله, فقد احتسب عليه الصلاة والسلام ابنه إبراهيم أحب الأبناء إليه وعمره سنتان، يودعه عليه الصلاة والسلام ودموعه تراق على خده. بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا فيقول لابنه إبراهيم: {تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون}. هذا هو الرسول عليه الصلاة والسلام، سيعيش معكم ما أردتم أن يعيش معكم, وسوف يحرم الإنسان العيش معه عليه الصلاة والسلام يوم يغلق بابه عن دخول سنة محمد عليه الصلاة والسلام, يوم يقول للمصحف: اخرج من بيتي! ويضع مكانه المجلة الخليعة! يوم يخرج الشريط الإسلامي المفيد النافع، ويأتي بشريط الغناء الآثم المجرم! سوف يخرج سنة محمد عليه الصلاة والسلام, وسوف يخرج محمداً عليه الصلاة والسلام من بيته, يوم يترك الحلال من الطعام، ويأكل الربا والحرام, ويوم يتخلف عن الصلوات الخمس, ويوم يهاجم السنة في ملبسه ومظهره ومجلسه وممشاه, معنى ذلك أنه يقول للرسول عليه الصلاة والسلام: أنا لا أقبل سنتك! وأنا لا أذعن لمنهجك! وأنا لا أتبع خطاك! وأنا لا أسير على مبادئك!

معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم إن محمداً عليه الصلاة والسلام عالم من المعجزات, الجذع. الاستسقاء. القمر. الطعام، هذا موجز فما هو التفصيل؟! ما معنى الجذع؟ وما معنى الاستسقاء؟ وما معنى القمر؟ وما معنى الطعام؟

بكاء الجذع حنينا للرسول صلى الله عليه وسلم

بكاء الجذع حنيناً للرسول صلى الله عليه وسلم معنى الجذع -وقد تكرر ولكن لا بأس- إنه الجذع الذي خطب عليه الصلاة والسلام عليه من نخلة, جذع نخلة كان يخطب عليها, فصنعوا له منبراً وترك ذاك الجذع في طرف المسجد, فحنّ الجذع له عليه الصلاة والسلام وبكى الجذع وهو من خشب, وسمع الناس بكاء الجذع, كأنه العشار أو صوت الأطفال, ونزل عليه الصلاة والسلام ووضع يده على الجذع يسمي ويبرك ويدعو حتى سكت الجذع, لماذا تبكي يا جذع؟ أبكي لمحمد عليه الصلاة والسلام, لماذا تحن؟ أحن إلى سنته, على ماذا تتلهف؟ أتلهف على منهجه وكلامه ومبادئه, هذا من خشب فأين الأجسام؟! وأين العيون؟! وأين القلوب؟! وأين الأبصار؟!

معجزة الاستسقاء

معجزة الاستسقاء أما الاستسقاء فيقف عليه الصلاة والسلام على المنبر يوم الجمعة: اسمعي يا بشرية! واسمعوا يا قوم! يقف على المنبر يوم الجمعة والسماء صافية لا غمام ولا سحاب ولا مطر, وهذه المعجزة لو ألقيت بين الملاحدة في موسكو لآمنوا إن كان لهم قلوب, فيدخل أعرابي فيقول: {يا رسول الله! جاع العيال وضاع المال؛ فادع الله أن يغيثنا} فيتبسم عليه الصلاة والسلام! لماذا يتبسم؟ الله أعلم, ربما تبسم لأنه ليس في السماء شيء ينبئ عن نزول الغيث, توقعات الفلكيين خطأ. تقضون والفلك المسير دائر وتقدرون فتضحك الأقدار يقول أهل الفلك وأهل التوقعات: غداً سينزل الغيث فما ينزل غيث غداً, فإذا الشمس تقطع الظهور, ويقولون: السماء صافية ولا غمام ولا سحاب ونتوقع عدم نزول الأمطار, فإذا في الصباح سيول تأخذ الجبال وتكسر الجسور، حكمة بالغة، وقدرة نافذة فما تغني النذر! هذه التوقعات لم تكن عنده عليه الصلاة والسلام لكن ثقة بالله, والصحابة أمامه وهو في خطبة الجمعة يتبسم, يتبسم من معجزة سوف تأتي ما مثلها معجزة أبداً, فيرفع يديه ويقول: {اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا، قال أنس: والله ما في السماء من سحاب ولا قزعة -أبداً سماء صافية, حر المدينة يسقط الشعر من على الرءوس- قال: فثارت سحابة كالترس -كالكف- من وراء جبل سلع ثم توسطت سماء المدينة ثم ثارت كالجبال, ثم غطت سماء المدينة , ثم أبرقت وأرعدت وأزبدت ثم أمطرت} فنزل الغيث وهو على المنبر ما زال يتحدث للبشرية, فنزل الماء من على سقف المسجد يتهلل ويتحدر على جبهته الشريفة ولحيته، وهو يتبسم في الخطبة من هذا, يتبسم من العجب, وهو يقول: {أشهد أني رسول الله} ونقول: نشهد أنك رسول الله, ونشهد أنك صادق، ونشهد أنك أمين، ونشهد أنك ناصح، ونشهد أن مبادئك حقة سوف تبقى ما بقي في الأرض مسلمون. {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] أخرافة هذه؟ هل هذه أسطورة؟ هل هذه ألغاز الشعوذة والكهنة والسحرة؟ لا, {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذريات:23]. وبعد أسبوع يستمر المطر أسبوعاً وتسيل أودية المدينة , ويدخل الأعرابي من الباب أو غيره فيقول: جاع العيال من كثرة الأمطار, وضاع المال, وتقطعت السبل, فاسأل الله أن يرفع عنا الغيث, فيتبسم عليه الصلاة والسلام, ويقول بيده الشريفة: {اللهم حوالينا ولا علينا, اللهم على الضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر} فلا يشير إلى جهة إلا وينزل الغيث في تلك الجهة, يشير شرق المدينة فيتحول المطر شرق المدينة , ويشير شمالها فيتحول شمالها، ويخرج الناس من المسجد والمدينة شمس فقط ليس فيها مطر، بدعائه عليه الصلاة والسلام.

معجزة انشقاق القمر

معجزة انشقاق القمر وما أخبار القمر؟ القمر في السماء يشهد أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام, يخرج على أهل الوثنية , يخرج على العملاء الزنادقة وهم في الحرم , {سَامِراً تَهْجُرُونَ} [المؤمنون:67] يشربون الخمر ويكفرون بالرب تبارك وتعالى, فيقول لهم: {قولوا لا إله إلا الله} حتى يقول لـ أبي جهل: أريد كلمة! قال أبو جهل: قل وأعطيك عشر كلمات, وفي رواية مائة كلمة, قال: {قولوا لا إله إلا الله قال أبو جهل: أما هذه فلا} لأن لا إله إلا الله تغير العالم وتغير القلوب والمجتمعات والشعوب, لأن لا إله إلا الله حياة جديدة, وفكر جديد, ومبدأ جديد, ومنهج جديد, {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص:5] هذا خطأ هذا لا يمكن, فيخرج عليه الصلاة والسلام فيقول لهم: {قولوا لا إله إلا الله قال أبو جهل ويقسم باللات والعزى: لا أؤمن لك حتى تشق لي هذا القمر}. ليلة أربعة عشر والقمر صافٍ في سماء مكة , في الليل بعد العشاء فيقول عليه الصلاة والسلام: {أفإن شققته لك -بإذن الله- تؤمن؟ قال: نعم} فدعا عليه الصلاة والسلام وسأل الله أن يشق له القمر, وما هي إلا لحظة فإذا القمر فلقتان, نصفان, نصف يذهب تجاه عرفة , ونصف يتدحرج إلى جبل أبي قبيس , قال: {انظروا اشهدوا} فقاموا ينفضون ثيابهم ويقولون: سحرنا محمد سحرنا محمد! والله ما هو بسحر, والله إنها لا إله إلا الله تعلن شواهدها ودلائلها, والله إنه الحق نزل في الأرض ليثبت وجوده, والله إنها الرسالة الخالدة التي سوف تطوي ثلاثة أرباع الدنيا؛ لتدخل هذه الرسالة بلا إله إلا الله قرطبة وفيافي دجلة والفرات والنيل وجلط والسند والهند , والله إنها المبادئ التي سوف تعيش مع الإنسان يوم يريد أن يكون إنساناً محترماً, قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر:1 - 5].

معجزة نبع الماء من يديه

معجزة نبع الماء من يديه ِويعيش عليه الصلاة والسلام بمعجزته مع الطعام والماء, يقول أنس: {خرجنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام وكان عددنا ما يقارب سبعمائة، فالتمسنا ماءً فلم يجدوا ماءً ووجدوا أداوة فيها قطرات فقال عليه الصلاة والسلام لـ أنس أو بلال: اسكب عليَّ، فسكب على يده الشريفة, فقال: باسم الله، ودعا بالبركة فأخذت أصابعه تثور بالماء كالأنهار أو كالغيول من بين يديه} {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] أهو السحر أم الرسالة الخالدة، والصدق الصراح، والثبات على الحق؟! ويشرب الناس ويروون إبلهم ويغتسلون ويتوضئون به ويبقى عندهم ماء.

عبادته صلى الله عليه وسلم

عبادته صلى الله عليه وسلم وعاش عليه الصلاة والسلام في عالم العبادة, فكان العابد لله, وأقرب الناس من الله, وأخوف الناس من الله, يقول أهل العلم: كل شيء تقترب منه تأمنه إلا الله, كلما اقتربت منه خفته، قال الله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] وأعلم العلماء محمد عليه الصلاة والسلام.

صلاته عليه الصلاة والسلام

صلاته عليه الصلاة والسلام العابد في الصلاة, يقف مع زوجته عائشة يقطع معها اللحم، ويقمُّ البيت، ويخصف النعل عليه الصلاة والسلام, فيسمع الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر, قالت: {فيقوم كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه} كان يهتم ويغتم كما يهتم البشر ويغتمون, فإذا أتاه الهم والغم قال: {أرحنا بها يا بلال} أرحنا بالصلاة أسمعني الله أكبر, قرب لنا هذا الوقت. وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترقى أبواب الجنان الثمانيا ويقف في الصلاة عليه الصلاة والسلام فيصلي فلا يتذكر إلا الله, ولا يخطر بباله إلا الله, فإذا هو الخاشع المخبت المنيب, يقوم الليل. نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك تقول عائشة: كان عليه الصلاة والسلام إذا قام من الليل -والحديث عند مسلم - يقول: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم} يقول ابن عباس -كما في الصحيحين - لما نام معه عليه الصلاة والسلام تلك الليلة فقام صلى الله عليه وسلم، وتوضأ وأتى إلى القبلة -اسمع إلى الدعاء اسمع إلى اختيار الكلمات التي تفجر القلوب- يقول: {اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد, أنت إله السماوات والأرض ومن فيهن، ولك والحمد, أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد, أنت الحق ووعدك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق, اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت؛ فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، لا إله إلا أنت} هذا دعاؤه عليه الصلاة والسلام, وهذه صلاته في السحر يوم تنام العيون. قلت لليل هل في جوفك سر عامر بالحديث والأسرار قال: لم ألقَ في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار ويخبرنا عليه الصلاة والسلام بهذه الساعة, فيقول في الصحيحين: {ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داعٍ فأجيبه؟}.

صيامه عليه الصلاة والسلام

صيامه عليه الصلاة والسلام ويعيش عليه الصلاة والسلام الصيام, فيواصل الأيام والليالي, يواصل ثلاثة وأربعة لا يفطر لا في الليل ولا في النهار والوصال له, ولا نستطيعه نحن, أراد الصحابة أن يجربوا تجربته فما استطاعوا, فيقول لهم: {إني لست كهيئتكم} وقيل: {إنكم لستم كهيئتي؛ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني} قال ابن القيم: يطعمه ربه من لطائف المعارف ومن الفتوحات، ما يطعمه الطعام الذي هو طعامنا الخبز؛ والتمر؛ والزبيب؛ إذ لو أطعمه هذا لما سمي صائماً. فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت ولا شربتا قال ابن القيم: وهذا القوت يعني: المعاني والحكم والمعارف أعظم من قوت البطون, فإن قوت البطون ينتهي، وقوت البطون مشترك بين الحيوان, بين الثور والحمار، والنعجة والإنسان, والكافر يأكل كما يأكل الحمار, قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] وقال: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3] أما قوت الروح فليس إلا للمؤمن, وأعظم المؤمنين محمد عليه الصلاة والسلام, قال ابن القيم ويستشهد: لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نور تستضيء به ومن حديثك في أعقابها حاد

ذكره عليه الصلاة والسلام لله

ذِكره عليه الصلاة والسلام لله ويعيش عليه الصلاة والسلام الذكر، فيكون أذكر الناس لرب الناس, كلامه ذكر, ونومه ذكر, ويقظته ذكر, وأكله وشربه ذكر, وممشاه ذكر, وجهاده ذكر, فهو الذاكر لله. لا يفارق الذكر لسانه ولا قلبه، ولا عينه ولا أذنه, أصبح عليه الصلاة والسلام إنساناً يعيش بذكر الله, ويحيا بهذا الذكر ويعلمه الناس قال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] وأعظم القلوب قلب محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وأقرب الذاكرين محمد عليه الصلاة والسلام, وقال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:41] وأعظم المؤمنين ذكراً محمد عليه الصلاة والسلام.

جهاد المصطفى عليه الصلاة والسلام

جهاد المصطفى عليه الصلاة والسلام يعيش المصطفى صلى الله عليه وسلم الجهاد, فيأبى التصوف الهندي الهندوسي، التصوف الذي أخزى الأمة, التصوف الذي جعل من الإنسان قطعة من قماش بالية في سراديب الظلام, وجعل منه قطعة لحم عفنة لا يعرف معنى الإسلام, يأباه عليه الصلاة والسلام ويقول للناس: {وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ويقول في الصحيحين: {والذي نفسي بيده! لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل, ثم أحيا ثم أقتل, ثم أحيا ثم أقتل} ويقول: {لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما عليها} ويقول عليه الصلاة والسلام لما سأله سائل: هل يعدل أجر المجاهد شيء؟ قال: {هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولا تفطر وتقوم ولا تفتر؟} لا يستطيع أحد. فيركب الخيل عليه الصلاة والسلام، ويركب بغلته ويباري الأبطال، ويضرب جماجم الطغاة في معترك الحرب, ويركب ناقته عليه الصلاة والسلام. يخوض أكثر من عشرين معركة قتال, وأكثر من أربعين غزوة وسرية وقافلة وحج وعمرة وسفر في سبيل الله. يعيش الجهاد بكل شيء, بعينه وأذنه وسمعه وبصره, كلامه جهاد, وتحركه جهاد, وقتاله جهاد, وخطبه جهاد, يقف على المنبر فيعقد الرايات لسيف الله خالد بن الوليد , خالد الذي رباه عليه الصلاة والسلام في المسجد, فلم يربه على الأغنية الماجنة، ولا على المجلة الخليعة، ولا على الكأس والسهرة، يربيهم على لا إله إلا الله, ويعطيه الراية ويقول له من على المنبر: {خالد سيف من سيوف الله سلَّه على المشركين} فيقاتل خالد في مائة معركة ما هزم في معركة أبداً. تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رام الروم إلا طاش راميها هذا خالد وهو حسنة من حسنات محمد عليه الصلاة والسلام. المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء ويعيش عليه الصلاة والسلام الجهاد في كل ميادينه, حتى في ميادين الأدب, لم يحول الأدب صلى الله عليه وسلم تحويلاً يائساً سخيفاً, لم يجعل من الأدب والشعر تغزلاً بامرأة، ولا تشبباً بفتاة, ولا مدحاً لسهرة, ولا تزلفاً إلى قوم، وإنما جعله رسالة يدخل بها إلى الجنة قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:24 - 25]. حسان شاعر الدعوة, حامل لواء لا إله إلا الله في الأدب والشعر والجلسات والأندية والبطولات, يجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قائداً للشعراء للجنة, ويقرب منبره عليه الصلاة والسلام لـ حسان ويقول: {اهجهم وروح القدس يؤيدك} فيقف حسان , وماذا يقول حسان؟ يقول: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد فيدعو له عليه الصلاة والسلام, ويقول حسان: ليدخل بهذه الأبيات, وليست كالأبيات الرخيصة التي يحارب بها الله, ويحارب بها الإسلام, ويضيع بها الوقت والعمر, يقول حسان: عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لجلاد يوم يعز الله فيه من يشاء وقال الله قد يسرت جنداً هم الأنصار عرضتها اللقاء فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء رضي الله عنك يا حسان , وصلى الله وسلم على أستاذٍ علمك, وعلى معلمٍ أنبتك ودربك وأحياك بلا إله إلا الله أديباً وشاعراً.

أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام

أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام ويعيش عليه الصلاة والسلام عالم الأخلاق, فإذا على أخلاقه تدار أخلاق العباد, برهان وميزان وعرفان, يقول الله له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] فإذا هو العظيم في الصبر, وفي الكرم, والعظيم في الحلم, وإذا جزئية من أخلاقه تكفي لعالم من الناس, وأنت إذا استقرأت أحوال الصحابة تجد فيهم رضوان الله عليهم الكمال النسبي, أما الكمال المطلق البشري فللرسول صلى الله عليه وسلم. ويبدأ العدّ التنازلي من أبي بكر حتى يصل إلينا نحن المقصرين الفقراء في عالم الأخلاق, أما الرسول عليه الصلاة والسلام فيعيش تبسماً وتواضعاً وصبراً وشجاعةً وكرماً, يقول جرير بن عبد الله: [[ما رآني عليه الصلاة والسلام إلا تبسم]] والتبسم هذا يسميه بعض العلماء: السحر الحلال, قيل لعالم من العلماء: ما هو السحر الحلال؟ قال: تبسم في وجه الرجال. والتبسم سهل وهو يباع في الأسواق بلا ثمن, وهو أرخص العملات, وما بيع أبداً بقيمة وقد وجدوه أرخص ما يسام، ولكنه غالٍ جداً عند الأتقياء, والمتكبرون لا يتبسمون. وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أوردوا غصباً إلى النار هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار لكن المؤمنين يتبسمون ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري تبسمك في وجه أخيك صدقة لماذا يتبسم عليه الصلاة والسلام؟ ليشتري القلوب, القلوب لا تباع بالذهب ولا بالفضة, ولا بالدراهم ولا بالدنانير, تباع بالبسمات, بقي يتبسم للناس حتى أسر قلوبهم. جمع القبائل والعرب كقرون الثوم, ما يجتمعون أبداً، ما جمعهم ملك، ولا رئاسة ولا إمبراطورية ولا عرفان ولا ثقافة ولا حضارة جمعهم تبسم محمد عليه الصلاة والسلام قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] وقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].

الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينتهي

الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينتهي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام لا ينتهي, لن ينتهي ولماذا ينتهي؟! وكيف ينتهي؟ لأنه إذا انتهى الحديث عنه عليه الصلاة والسلام معناه ينتهي الإسلام, وينتهي وجودنا, وتنتهي عزتنا وكرامتنا وحياتنا. فلذلك إذا قطع في هذه اللحظة فإنما هو إيذان باتصاله في حلقات في مجالسنا، ومع أهلنا وأطفالنا ومجتمعنا, في المحاضرات والدروس, في اللقاءات، في الأندية, ليبقى هو الإمام الوحيد, والزعيم الكريم, والمعلم النبيل قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. انتهت هذه المحاضرة بعنوان "اسمع يا تاريخ".

الأسئلة

الأسئلة

مقطع من قصيدة سأعود للدنيا

مقطع من قصيدة سأعود للدنيا وهنا بعض الأسئلة ربما يكون الوقت ضيقاً عن الإجابة عليها, وهنا أربعة أسئلة تطلب القصيدة الأخيرة, وأنا أذكر المقطع فحسب لضيق الوقت اسمها "سأعود للدنيا". القلب يملي والمدامع تكتب ومشاعري مجروحة تتصبب النجم يشهد أنني سامرته سحراً وطارحني بهم كوكب ما عشت في دنيا السعادة ماجناً كلا ولست بعود سلوى أطرب أبداً وما بعت الغرام شبيبتي كلا ومثلي في الشبيبة أشيب حرمت ليل الوالهين وصغت من دمعي نشيداً للخلود يُرتَب وفي آخرها. سأعود للدنيا بهمة سيد يأبى الخنوع وعود مجدي أصلب والصوت أعلى والمشاعر جمة والفكر أرقى والمعلم منجب أعلي بإذن الله دين محمدٍ ما مقصدي مال يحاز ومنصب

بعض آداب المصطاف

بعض آداب المصطاف Q أيها الإخوة الكرام بعض الإخوة يكتبون أسئلة عن آداب المصطاف؟ A وآداب المصطاف هي آداب المسلم عموماً، وليس هناك أبواب عند أهل العلم، لا عند البخاري ولا الترمذي ولا أبي داود باب المصطاف. إنما باب المسلم في جلوسه، وباب آداب المسلم في ملبسه, وآدابه في أكله وطعامه, نريد من المسلم المصطاف أن ينقلها هنا كما تعلمها من محمد عليه الصلاة والسلام. لكن هناك أمور أنبه الإخوة المصطافين منها: 1 - أن نرحب بهم, ونسأل الله أن يجمعنا بهم في دار الكرامة, في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر. 2 - نقول: إن وقت المسلم ليس تزجية, وهل معنى الاصطياف وطلب النزهة والذهاب إلى المنتزهات أن تعدم هذه الساعات من حياتك؟ كلا. إن معنى ذلك أنك سوف تخسر أياماً وليالي لن تعود عليك. معنى الاصطياف: أنك ترتاح برهة، وأن تنظر وقتاً من الزمن إلى الخضرة والماء وإلى الشجر والزهر, وتتفكر في آيات الله, وتشكر الله على نعمه. معنى الاصطياف: أن تجم روحك فترة من الزمن؛ لتعود قوياً في طلب العلم والعبادة. معنى الاصطياف: أن تأتي داعية في هذه المنتزهات التي عاشت على لا إله إلا الله, أبناؤها لا يرضون بديلاً بلا إله إلا الله, ترابها يؤسس وحجارتها وشجرها على لا إله إلا الله. ولك في الاصطياف دروس من أعظمها: 1 - أن تتفكر في آيات الله, وأن في الرابية وفي سفح الحديقة, ومع الشجرة, لا بد أن تذكر الله عز وجل: من خلق هذه الوردة؟! من صور هذه الشجرة؟! من أبدع هذا البستان؟! وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد فيا عجباً كيف يُعْصَى الإله أم كيف يجحده الجاحد 2 - ومنها أن تغض بصرك, فإن في هذه الأماكن محارم المسلمين, وإطلاق البصر معناه محاربة لدين الله وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن آداب الاصطياف: 1 - أن تقضي وقتك فيما يقربك من الله، من ذكر، وقرآن، وعبادة، ومدارسة علم، في أمر يقربك من رضوان الله, لا غناء، لا لهو، لا غيبة، لا نميمة، لا هتك للأعراض، لا تعدٍ للحرمات. 2 - ومن آداب الاصطياف: أن تقتصد في نعمة الله, فلا تبذر تبذيراً ولا تسرف إسرافاً, واذكر أن ألوفاً من المسلمين يعيشون مجاعة وجهاداً وضنكاً, وأنت في أمن ورغد وعيش فقدر نعم الله. 3 - ومن آداب الاصطياف: أن تصلي صلاة الجماعة, وألا يؤخرك عنها مثبط أو شيطان مارد أو رعديد خائن لمبادئه, إذا سمعت صلاة الجماعة وأذن لها فاحضر, في أي مكان من أمكنة الاصطياف. 4 - ومن آداب الاصطياف: أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر, يقول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] تأمر بالحكمة وتنهى بالحكمة وتدعو إلى سبيل ربك, تأمر الناس فإن في الناس مرضى وهلكى ومبتلين, منحرفين عن منهج الله، توصل إليهم الكلمة الطيبة في قالب من النصح كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. هذه من آداب الاصطياف, وسوف يكون هناك -إن شاء الله- عودة أو درس أو خطبة عن هذه القضية الكبرى؛ لأنها بلد المصطاف يؤمه الناس لطلب الراحة والنزهة, نسأل الله أن يسعد كل مسلم وأن يهنئه بما أعطاه, وأن يجعل ما أعطاه عوناً له على الطاعة. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

اقترب فتح كابل

اقترب فتح كابل استهل الشيخ كلامه بذكر أربعة مواقف كان شعار أبطالها {حسبنا الله ونعم الوكيل} فنصرهم الله نصراً عظيماً، ثم تحدث عن المجاهدين الأفغان فذكر أنهم أيضاً جعلوها شعارهم، وآمنوا بالله وكفروا بما دونه وثبتوا على ذلك، فانتصروا وهزموا عدوهم، ثم ذكر ثلاثة دروس من هذا الجهاد والرابع وجهه إلى أبناء فلسطين. بعد ذلك ذكر موقفاً مشرفاً من تاريخ الإسلام المشرق، فيه إشاراتٌ واضحة إلى عوامل النصر وأسباب الهزيمة، ثم ختم كلامه بالدعاء.

مع الجهاد الأفغاني

مع الجهاد الأفغاني قال الله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] وقال تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار فنجاه الله من النار. وحسبنا الله ونعم الوكيل قالها محمد صلى الله عليه وسلم يوم أحد فنصره الله وأيده. وحسبنا الله ونعم الوكيل قالها خالد بن الوليد لما التقى مع الكفرة فرأى قلة المسلمين وكثرة الكفار، فقال له أحد المسلمين: [[إلى أين الملتجى أإلى سلمى وآجا -أي إلى الجبلين- قال: بل إلى الله الملتجى (حسبنا الله ونعم الوكيل)]] فانتصر بإذن الله. وقالها طارق بن زياد لما سبح في البحر، فلما انتهى إلى الأندلس حرق السفن، وقال: (حسبنا الله ونعم الوكيل) فنصره الله نصراً عظيماً. وقالها عقبة بن نافع لما وقف على المحيط الأطلنطي فرأى البحر والأعداء، فقال: (حسبنا الله ونعم الوكيل) فنصره الله. وقالها المجاهدون الأفغان لما أتت روسيا بقضها وقضيضها ودباباتها وصواريخها وطائرتها تحارب الله الذي فوق سبع سموات، فخرجوا من المساجد مكبرين مهللين يقولون: (حسبنا الله ونعم الوكيل) {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران:174]. شهيدهم في الجنة، وحيهم يعيش العزة والسعادة، واقترب فتح كابل {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:97] {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52].

ثبات المجاهدين وعزتهم

ثبات المجاهدين وعزتهم قيل للمجاهدين الأفغان: تعالوا إلى جنيف! قالوا: آمنا بالله وكفرنا بـ جنيف. قيل لهم: تعالوا إلى هيئة الأمم المتحدة! فقالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـ هيئة الأمم المتحدة. وقيل لهم: تعالوا إلى مجلس الأمن! فقالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بمجلس الأمن. في جحفل من بني الأفغان ما تركت كرّاتهم للعدا صوتاً ولا صيتا قوم إذا قابلوا كانوا ملائكة حسناً وإن قاتلوا كانوا عفاريتا خرجوا متوضئين، مسبحين، مهللين، فاتصلت قلوبهم بالحي القيوم: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] فنصرهم الله من فوق العرش و {اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ} [الروم:5]. أتت القوات، وأتت الحملات، فألهبت السماء، وضرجت الأرض بالدماء، واجتمع الكفر من كل مكان، وصاح الباطل، ولكن الحق ثابت، والإيمان لا يتزعزع، ولا إله إلا الله ثبتت في الساحة: دعها سماويةً تجري على قدرٍ لا تفسدنها برأيٍ منك منكوسِ وأرغم الكافر العميل، وأرغم اللعين؛ الذي ظن أن القوة هي طائرات الميراج، وأنها الصواريخ، والقنابل، والله عنده أعظم من الطائرات والصواريخ والقنابل. هذه هي قوة الإيمان، يوم فتحنا الدنيا بلا إله إلا الله، ورفعنا في كل مكان لا إله إلا الله، يوم كنا صادقين مع الله. والآن ينظر العالم إلى كابل، وينظر الناس وتنظر الدنيا إلى المجاهدين الأفغان، تعالوا وانظروا إلى الإيمان! ماذا يفعل الإيمان؟! سلاحٌ بدائيٌ يسقط الطائرات، وصواريخٌ بدائيةٌ تدمر الدبابات، وتهليل، وتكبير، وتحميد، وتسبيح يزلل كل عميل وملحد وطاغية على وجه الأرض. وهذا من جند خالد بن الوليد: وما أتى بقعة إلا سمعت بها الله أكبر دوت في نواحيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها

دروس من الجهاد الأفغاني

دروس من الجهاد الأفغاني ومن هذا الجهاد نأخذ دروساً: أولها: أن أعظم الهزائم هي المعاصي، وأن شعباً توجد فيه المعاصي والدعارة والتخلف والبعد عن الله، شعبٌ مهزوم في الدنيا والآخرة. وبمفهوم المخالفة: أن أمة وشعباً يصدقون مع الله، ويتوجهون إلى الله، ويطلبون نصرهم من الله، ينصرهم الله في الدنيا والآخرة. ثانيها: أنه لا قوة فوق قوة الله، ولا يغلب اللهَ غالبٌ، ولا يتحدى الله متحدٍ؛ فعنده القوة التي لا تُدَهْدَه ولا تعاند، ولا يوقف في جنبها. ثالثها: أن من اعتمد على البشر خذله الله، وأذله، وأخزاه، وجعله عبرة وعظة للناس جميعاً. رابعاً: أننا ما فتحنا الدنيا بكثرة قوة، وإنما فتحناها بالإيمان وبالعمل الصالح: أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا كنا نرى الأصنام من ذهبٍ فنهـ ـدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاًَ وصاغ الحلي والدينارا قتيبة بن مسلم وقف لفتح كابل وما يواليها، فقال: [[أين العابد محمد بن واسع؟ قالوا: هو يرفع إصبعه داعياً لله. فبكى قتيبة القائد، وقال: والله الذي لا إله إلا هو لإصبع محمد بن واسع خيرٌ عندي من ألف سيفٍ شهير، ومن ألف شابٍ طرير]].

درس لأهل فلسطين

درس لأهل فلسطين والدرس الذي يلي هذا أوجهه إلى إخواننا المسلمين الفلسطينيين من على هذا المنبر، أن يأخذوا درساً من دروس المجاهدين الأفغان، وليعلموا علم اليقين أن فلسطين لن تعود إلا بصلاة المصلين، وبجهاد المجاهدين، وبإبداع الشهداء المستشهدين في سبيل رب العالمين. ثلاثون سنة وتزيد وفلسطين لم تمت، واليهود وأذنابهم وعملاؤهم في الساحة مؤتمرات وتنديد، ولكن والله لا تعود فلسطين إلا بلا إله إلا الله، والله لا يعود بيت المقدس إلا بسلاسل صادقة، وبنصح مع الله، وبتوجه إلى الله: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126]. فيا كل فلسطينيٍ على وجه الأرض، ويا كل مسلمٍ على وجه الدنيا، إن كنتم تريدون عودة فلسطين فاصدقوا مع الله، وعودوا إلى الله، وتعالوا إلى الله، وأبشروا بالنصر والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة. واقترب فتح كابل {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:97] يقولون: ما علمنا أن الإسلام يصنع العجائب! وما علمنا أن الإيمان يفجر الطاقات، وما علمنا أن البدائية بالإيمان بركان يتفجر على الملحدين! {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:97] ظالمين يوم هدموا المساجد ونسوا الله، ظالمين يوم قتلوا الأطفال ونسوا الله، ظالمين يوم ذبحوا الشيوخ والنساء ونسوا الله، ولكن {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود:81] أليس الانتقام بحاصل؟! أليس نصرُ الله بنازل؟! بلى والله. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

دروس من التاريخ

دروسٌ من التاريخ الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس إلى الله أجمعين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الناس! إن من يطالع التاريخ الإسلامي يجد سنن الله في الأرض، ويجد أيام الله لأوليائه، وأيام الله لأعدائه، ويعلم أن الله يجعل العاقبة للمتقين، ويجعل الدائرة على الظالمين، وأنه يثبت المؤمنين، وأنه ينزل خزيه وبأسه بالقوم الكافرين. التقى سعد بن أبي وقاص بجيشه مع رستم الفارسي المتخلف الملحد بجيشه، وقبل المعركة بليلة، أرسل رستم رسوله وجاسوسه، لينظر في جيش المسلمين ماذا يفعلون في الليل، ثم قال: إذا انتهيت منهم فتعال فانظر إلى جيشنا، فذهب هذا الجاسوس فلبس لباس المؤمنين، ودخل في جيش المسلمين في ظلام الليل، فوجد طائفة منهم تصلي لله في ظلام الليل، وطائفة أخرى يدعون ويبكون ويطلبون النصر من عند الله الواحد الأحد، وطائفة أخرى يتدارسون القرآن ويذكرون الواحد الديان، ويتوبون من الخطايا والزلل ومما عصوا به الرحمن. فعاد فدخل في جيشه فرأى الغناء يتردد، ورأى الزنا يفعل في الليل الدامس، يوم ظنوا أنهم غابوا عن عين الله، ووالله ما فاتوا نظر الله: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني وجد أناساً يشربون الخمر، وأناساً في سباتهم يعمهون، فعاد فأخبر رستم الكلب، فعض أصابعه وقال: هزمنا، هزمنا، هزمنا!! وفي الصباح أتى الإيمان مواجهاً للكفر، وأتى التوحيد والإلحاد فانسحق الذين ظلموا وعصوا الله وفجروا وتعدوا حدود الله، وانتصر الذين صلوا لله بالليل: عُبَّاد ليلٍ إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غابٍ إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياهُ يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا واغفر أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضرٍ يحلُّ بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمنٍ وفي دعةٍ فما سقطنا لأن الحافظ الله من أراد النصر فليتب إلى الله، وليتأكد من مطعمه ومشربه، وليترك الربا والزنا والغناء، وقطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، والتسيب في أوامر الله، وتأخير الصلوات، ومتابعة المجلات الخليعات، وليعد صادقاً إلى الله.

مع فلسطين مرة أخرى

مع فلسطين مرة أخرى ومن هذا المكان الطاهر، ومن هذا المنبر العامر، أعود إلى بيت المقدس، إلى أولى القبلتين وإلى أهلها، وإلى أبناء خالد بن الوليد وسعد، فأدعوهم إلى ثلاثة أمور: أولاً: أن يسموا الانتفاضة جهاداً في سبيل الله؛ فإنما هي الجهاد. ثانيها: أن يتوجهوا إلى الله صادقين، وأن يقاتلوا تحت راية لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، لا تحت رايةٍ غربيةٍ ولا شرقية. ثالثها: أن يتوبوا من الذنوب والخطايا، وأن ينتهوا عن المعاصي والمخالفات، من ترك الصلوات، والولاء لغير الله، ونطالب منهم البراء من أعداء الله، وأن يتركوا الزنا والربا، وأن يحققوا إيمانهم، ويتأكدوا من مسيرتهم علَّ الله أن ينصرنا وإياهم. عباد الله، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً واحدةً صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين. وارض اللهم عن صحابته الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بِمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وأرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه. الله أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك، واتبع رضاك يا أرحم الراحمين. وبالمناسبة لا يفوتني أن أشكر ولاة الأمور في هذه البلاد على موقفهم المشرف من الجهاد الأفغاني، ومن موقفهم القوي والمتحمس للجهاد، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فجزاهم الله خيراً، وهداهم سواء السبيل، ورزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تقودهم إلى الخير، وتدلهم على البر. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، وفي فلسطين، وفي كل بلاد المسلمين. اللهم رد شباب المسلمين إليك رداً جميلاً، اللهم ثبتهم على الحق، اللهم ردهم إليك وأحسن عاقبتهم في الأمور كلها. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق: أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاةُ خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الابتلاء

الابتلاء بين الشيخ حفظه الله أن الابتلاء تمييز وتمحيص للناس بين الصادق والكاذب، ثم سطَّر بعض مواقف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وابتلاءاتهم، مبيناً ثمار وفوائد الابتلاء، ثم ختم بذكر الدروس المستفادة من ابتلاء الله تعالى لعباده.

الابتلاء تمحيص وتمييز للناس

الابتلاء تمحيص وتمييز للناس اللهم لك الحمد خيراً ما نقول، ومثل ما نقول، وفوق ما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، من استنصر بك نصرته، ومن تقرب إليك أحببته، ومن اعتمد عليك كفيته، ومن حاربك خذلته، ومن ضادك كشفت أستاره، وهتكت أسراره، وأظهرت عواره، وفضحت أخباره، والصلاة والسلام على معلم الخير، وهادي البشرية، ومزعزع كيان الوثنية صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عنوان هذه المحاضرة "الابتلاء" لعمرك ما مديت كفي لريبة وما حملتني نحو فاحشة رجلي ولا دلني فكري ولا نظري لها ولا قادني سمعي إليها ولا عقلي وأعلم أني لم تصبني مصيبة من الله إلا قد أصابت فتىً قبلي {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3]. أحسب الأبرار والأخيار، والصالحون والعلماء والدعاة أن الإسلام ادعاء، وأن لا إله إلا الله كلمة تقال فقط، إذاً كان يدّعيها المدّعي، ويفتري بها المفتري، ولا يُميز بين المؤمن والمنافق، والصادق والكاذب، ولكن أبى الله إلا أن يميز بين الصنفين: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18]. الله الذي يقذف بالحق على باطل الشائعات والمفتريات والأطروحات، وباطل الكلمات الكاذبات؛ فيدمغه فإذا هو زاهق، ولكم الويل مما تصفون، ومما تتكلمون، ومما تظنون، {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81] ويقول سبحانه: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35] وقال جل اسمه: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان:20] وقال جل اسمه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155 - 157].

الابتلاء من أسرار الدين

الابتلاء من أسرار الدين إن هذا الدين صعب المراس، إنه لا يؤتى لكل أحد إلا بابتلاء، وإن من أسرار خلوده أن يستقر مع المبتلين في الأرض؛ فيظهر الله صدقهم ونصحهم ووضوحهم ويعلم الله ثباتهم، قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران:173] الناس قد جمعوا لكم بالعراقيل، والمخططات، والشائعات، فخافوهم: {فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. رماني الخصم بالأرزاء حتى فؤادي في غشاء من نبال فصرت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال فعشت ولا أبالي بالرزايا لأني ما انتفعت بأن أبالي

يا ضعيف العزم

يا ضعيف العزم يقول ابن القيم رحمه الله: "يا ضعيف العزم! الطريق شاق طويل، ناح فيه نوح، وذبح يحيى، واغتيل زكريا، وطُعن عمر، وضرج عثمان بدمائه، وقُتل علي، وجلدت ظهور الأئمة، وحبسوا لماذا؟ {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3] ولكن من الحق؟ من القوي إلا الله؟ كان عليه الصلاة والسلام يبتهل في الليالي ويقول: {اللهم أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق} {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64] حسبك أن يكفيك الله. يا حافظ الآمال أنتت حميتني ورعيتني وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال:8] {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33] {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين} [آل عمران:54] {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} [النحل:26]. فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان عز جاهه ما أقواه! وما أعظمه! وما أعز جنده! {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52].

الأنبياء والابتلاء

الأنبياء والابتلاء الابتلاء تاريخ وقصة طويلة منذ أن نزلت لا إله إلا الله في الأرض، ابتلي نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، كلٌ مبتلى، وتعال إلى بعض قصصهم وإلى تلك الدروس العظيمة التي نستفيدها من حياتهم عليهم الصلاة والسلام.

ابتلاء موسى عليه السلام

ابتلاء موسى عليه السلام أما موسى فذاق الأمرين، رسول التوحيد أنقى وأوضح من الشمس في رابعة النهار، الذي أتى إلى الطاغية فرعون في القصر يقول له لما قال: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:49 - 50] ولكن على صدقه ونصحه وعصمته ماذا فعل به؟ قال أهل التفسير وأهل التاريخ: أتى قارون بكنز عظيم -جرةً مملوءةً ذهباً- إلى امرأةٍ زانيةٍ من بني إسرائيل فقال: خذي هذه الجرة، فإذا اجتمع الناس وقام موسى فينا خطيباً، فقومي وابكي ومزقي شعرك، وأقسمي أن موسى زنا بك، واجتمع الناس وموسى يتكلم عن التوحيد والإيمان، وقارون يريد أن يمرغ دعوة التوحيد والإيمان، يريد أن يمرغ دعوة موسى عليه السلام في التراب، وأن يمرغ منهجه لئلا يثق به الناس مرة ثانية، ولئلا يصدقه الناس مرة ثانية، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، فالنور نوره، والرسالة رسالته، والرسول رسوله، والمنهج منهجه، فبينما موسى يتكلم، وإذا بالبكاء يرتفع من تلك المرأة تلطم وجهها؛ إنها الخطط البائسة؛ إنها الأكاذيب والتلصيقات، إنها أنواع من المسارح يقدمها بعض المغرضين الحاقدين على الإسلام وعلى علمائه ودعاته. سكت موسى والتفت إلى المرأة، قالت: أنت فعلت الفاحشة بي، فتلعثم وبكى، ليس في الأرض إلا موسى الذي أرسله الله بالرسالة يفعل هذه الفعلة، فوقف يبكي، ولكنه صمد وعرف أنه ابتلاء؛ فرفع عصاه ووقف أمام المرأة وقال: أسألك بالذي شق البحر لي أفعلت ذلك؟ قالت: لا. ثم بينت أمرها، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69] فزاد وجاهةً وقوةً، وإثباتاً لمنهجه أنه صادق.

ابتلاء يوسف عليه السلام

ابتلاء يوسف عليه السلام ومن يشك في يوسف! ومن نحن مع يوسف وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، نحن لا نساوي غبار أقدامهم، نحن لا نساوي الشعرات التي تتساقط من رءوسهم، نحن لا نصلح خدماً لهم. هم أصفى الخلق، وأخلص الناس، وأبر الناس، وأوفى الناس، رموا به في السجن: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:33] ومكث في السجن، وعلم الله أنه صادق ومخلص. أيزني يوسف؟ أيمكن أن يلطخ دعوته؟ أينسى ربه؟ أين رقابة الله؟ وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني ولكن الصبح قريب وأتى الفرج من الله، ولا يأتي الفرج إلا منه سبحانه وحده، حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء أبداً لأن الله معه.

ابتلاء محمد صلى الله عليه وسلم

ابتلاء محمد صلى الله عليه وسلم أما رسولنا عليه الصلاة والسلام فعاش مع ريبةٍ وشائعةٍ استهلكت شهراً من حياته كما يقول سيد قطب رحمه الله: "شهراً كاملاً وقف على أعصابه" ماذا حدث؟ أتى المغرضون، وخصماء الإسلام، وأذناب اليهود، فقالوا: عائشة زنت، لا والله والله لا تزني وهي الصادقة بنت الصادق، والمبرأة من فوق سبع سماوات، ولكن هكذا يُلطخ الحق، ولكن مهما قالوا فالعاقبة للمتقين: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51] {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:127 - 128]. أتى الخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام فلم تكتحل عينه بنوم ولكن يوم يعرف المسلم أن أمامه جيلاً وتاريخاً من الأنبياء والرسل والدعاة والصالحين ابتلوا، وصبروا، وعلموا أنه لابد من هذه المرحلة مرحلة الابتلاء. يقول الشافعي رحمه الله لـ مالك: "أيبتلى العبد أم يُمكَّن" أي: هل يُمكَّن في الإمامة في الدين أم يبتلى؟ قال: "لا يُمكّن حتى يبتلى" {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] الرسول عليه الصلاة السلام أصيب في أعز شيء في حياته، المال يسهل، وكل شيء يهون سواء كان البيت أو الأطفال أو الزوجة، أو المنصب أو الوظيفة، إلا العرض والدعوة والرسالة. إن أعداء الإسلام يريدون أن يُفقدوا هذا الصوت وهذه الكلمة وهذه الرسالة ثقتها؛ فإذا فقد الإنسان ثقته، ولُطخت سمعته، وفُضحت كلمته، فمن يثق به ومن يصدقه، ومن يستمع إليه ومن يسمع كلامه، ومن يستفيد منه؟ أصيب عليه الصلاة والسلام في أعز شيء عنده وهي امرأته، قال المنافقون والمغرضون والحاقدون: امرأته زانية، ياألله وهل تزني الحصان الرزان؟ ياألله وهل تزني الصديقة بنت الصديق؟! وتعطل عليه الصلاة والسلام، وقف ليخطب فإذا العيون تنظر إليه؛ لأن الشيطان أوحى إلى بعض الناس بالخبر، يتكلم إلى الناس، وإذا عرضه قد فضح أمام الناس، فمن يعيد عرضه؟! بل يسهر الليل: نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك فانتظر عليه الصلاة والسلام أن يأتيه خبر من السماء، لعل جبريل -عليه السلام- أن ينزل بآيات، لكن انقطع الوحي شهراً كاملاً ثم أنزل الله تعالى هذه الآيات: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور:11 - 12] لكن كثيراً من الناس لم يقل هذا الكلام. إن الشائعة إذا ظهرت في الناس من يقنع الناس، ويقول للناس: إنها خطأ، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {كيف وقد قيل}. قد قيل ما قيل إن صدقاً وإن كذباً فما اعتذارك من قول إذا قيلا أما الرسول عليه الصلاة والسلام فعاشها شهراً كاملاً، لأنه أصبر الصابرين، وأصدق الصادقين، وأخلص المخلصين، ولكن أراد الله أن يرفع منزلته أكثر وأكثر، ويجعل منهجه باقياً، وأن يعلم تلاميذه وأتباعه وحُفاظ رسالته أن هذا هو الطريق، ففيه تقديم الرءوس، وتقديم الدماء والأموال {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111] وحملها عليه الصلاة والسلام، وسمعت عائشة بالخبر رضي الله عنها قالت: فما رقى لي دمع شهراً كاملاً؛ ويدخل عليها صلى الله عليه وسلم ويقول لها: يا عائشة! إن كنت قد ألممت بذنبٍ؛ فتوبي إلى الله، وإن كنت بريئةً، فسوف يبرئك الله، فقالت لأبيها: رد، فوقف أبو بكر حائراً يبكي ماذا يقول؟! إنها معضلة أودت بسرور وبسعادة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، قال: والله لا أجد ما أقول، ثم قالت لأمها: ردي، قالت: والله لا أدري ما أقول، فقامت هي لتقول: والله ما أجد لي كلاماً إلا كما قال أبو يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18]}. الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه؛ الصبر الجميل الذي يصلك برضوان الله، والحياة والابتلاء تمحيص ليخرج الرجال، وليعلمهم أن دعوتهم ينبغي أن تكون لله، وأن النصر من عند الله، وأنه لا يزكيهم إلا الله، وأنه لا ينبغي أن ينصرفوا بدعوتهم رياءً ولا سمعةً ولا شهرةً ولا ظهوراً، وجلس عليه الصلاة والسلام وإذا بالوحي ينزل، وإذا بالبراءة تنزل من السماء، بَّرأها الله من فوق سبع سماوات، وكذب المنافقين والحاقدين، وكذب عملاء الخيانة واليهود، وأشياع المنافقين في كل زمن. كم تطلبون لنا عيباً فيعجزكم ويكره الله ما تأتون والكرم {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18].

ثمار وفوائد الابتلاء

ثمار وفوائد الابتلاء في الابتلاء قضايا:

من ثمار الابتلاء: معرفة حقيقة الناس ومصداقيتهم

من ثمار الابتلاء: معرفة حقيقة الناس ومصداقيتهم أولها: أن الله عز وجل جعل الابتلاء سنة؛ ليعلم الصادق من الكاذب، وليعلم المؤمن من المنافق، ولو كان الأمر للرخاء والسهولة واليسر؛ لادعى كل مدعٍ أنه صادق، ولكن ليظهر الله الصادقين أهل الصلوات الخمس؛ ولا يخزيهم أبداً. والنبي عليه الصلاة والسلام وهو في غار حراء يوم نزل عليه الوحي، خاف لما رأى عظم الملك، فذهب إلى خديجة رضي الله عنها ترتعد فرائصه، ووجِلَ قلبه وخاف وقال: {خفت على نفسي، قالت: كلا والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتُقرئ الضيف، وتُكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق} أتظن أن الله يخزي أهل الصلوات الخمس؛ أهل القرآن؛ وأهل السنة؛ وأهل التسبيحات؛ والصيام؛ وقيام الليل، والصدق مع الله؟! لا والله. إنما يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون، إنما يخزي أعداءه ومحاربي دينه الذين لا يعرفون الصلاة، ولا القرآن، ولا المسجد، ولا السنة، ولا الصدق مع الله، ولا يعرفون موعود الله، ولا يقدمون دقيقة من أوقاتهم، ولا يعرفون إلاَّ الكأس والعهر، والفحش والخيانة، وانتهاك حرمات الله، يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه: [[صنائع المعروف تقي مصارع السوء]] فمن فعل معروفاً وقاه الله سبحانه منازل الخاسرين: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وقال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31].

من ثمار الابتلاء: تمحيص الصف الإسلامي من المنافقين

من ثمار الابتلاء: تمحيص الصف الإسلامي من المنافقين ومن دروس الابتلاء أيضاً: تمحيص الصف الإسلامي، ليعرف الله من الذي يحب أن يُوصم الأخيار بالوصمات والتهم. إن هذا الدين مستهدف بأساليب الله أعلم بها، حينها يعرف سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19] والله يعلم من الذي يسر بإخفاق الصالحين، إن المنافق يضحك بملء فيه يوم يمرغ الإسلام في التراب؛ حينها ينتصر الباطل ويخطب الدجال كما قال الذهبي قال: "إذا علقت الشائعة وانتشرت وصُدقت؛ حينها يخطب الدجال من على المنبر، وتتعطل المساجد، وتكذب الدعوة الصادقة، ويخرج المناوئون الحقراء الذين لا يتكلمون إلا في الظلام، وليس معنا شيء، ما معنا إلا رسالة محمد عليه الصلاة والسلام. خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريباً فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا وابن القيم رحمه الله يتكلم عن أولياء الله، وقد ذكر كثير منهم الدكتور بكر أبو زيد في حلية طالب العلم، فقال: "بيوتهم المساجد، وإمامهم رسول الله -عليه الصلاة والسلام- اسمهم أهل السنة، لا يريدون إلا وجه الله" دعها فإن معها سقاءها وحذاءها ترد الماء وترعى الشجر. فيريد الله بهذه الابتلاءات وهذه الفتن أن يمحص الصفوف، وأن يعرف من هو الصادق الذي يغتاظ ويتلمظ ويغار على دينه ورسالته يوم تمرغ في التراب، أو الآخر: المعربد السكير الذي يضحك ويفرح ويرقص على موت الإسلام وذبحه، ولكن الإسلام -والله- لا يموت. يقول أحد علماء الإسلام واسمه إسماعيل صبري: "الإسلام والدعاة يمرضون ولا يموتون" {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].

من ثمار الابتلاء: تكفير الخطايا والذنوب

من ثمار الابتلاء: تكفير الخطايا والذنوب المسألة الثالثة: من أسرار الابتلاء التي ينزلها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الأرض: تمحيص الخطايا والذنوب التي تعلق بالأخيار، والتي لا يسلم منها الأبرار، فيحتها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حتاً، فنسأله سبحانه أن نكون ممن إذا أذنب استغفر وإذا أُنعم عليه شكر، وإذا اُبتلي صبر، إن منازل الصادقين ثلاث منازل، إذا ابتلي العبد صبر، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، قالوا لـ عثمان: ادخل على الرسول عليه الصلاة والسلام يبشرك بالجنة على بلوى تصيبك، قال: الله المستعان! وما هي البلوى؟ ضرج في التراب وذبح في بيته على المصحف. جرحان في كبد الإسلام ما التأما جرح الشهيد وجرح بالكتاب دمي وتقدم المغرضون في الصف وقالوا: ظالم، وطعنوه بالخنجر؛ فوقع وهو يقول: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، وهذه سنة ماضية. لما أدخل ابن تيمية السجن -رحم الله ابن تيمية، ورفع الله قدر أبي العباس على ما فعل وبذل من دمعه ودمه، وعروقه وسمعته، وعلمه ووقته- أدخله السجان وأغلق عليه الباب، فقال ابن تيمية: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] يقول له أحباؤه: ماذا أصابك؟ فدمعت عيناه وقال: تموت النفوس بأوصابها ولم يدر عوادها ما بها وما أنصفت مهجة تشتكي أذاها إلى غير أحبابها الابتلاء تمحيص، قال عليه الصلاة والسلام: {ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس} الابتلاء غسل للقلب وللمنهج، وغسل للطريق من القاذورات التي تعلق به، إما شهرة وإما سمعة وإما رياء لا يسلم منها العبد، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {عجباً لأمر المسلم إن أمره كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته نعماء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن}.

دروس في الابتلاء

دروس في الابتلاء والابتلاءات فيها دروس.

من دروس الابتلاء: التوكل والاعتماد على الله

من دروس الابتلاء: التوكل والاعتماد على الله ومنها: أن هذا الإسلام مهما قيل: إنه انتصر، فلا زال في الطريق عقبات، ولو قالوا: صحوة عارمة، فأمام الصحوة ألف عقبة، أعداء الله كثير، يعملون الكثير من العراقيل والمخططات المعقدة التي يحار العبد أمامها، مخططات يعجز الشيطان أن يكتشفها، تأتي من كل باب ومن كل جهة، ونحن ليس لنا حيلة كما يقول ابن القيم: "العبد الصالح يفوض أمره إلى الله، ولا يعتمد على حيلته" ويقول: حالنا كما قال نوح عليه السلام: رب {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [لقمر:10] فاترك الحيلة فيها واتكل إنما الحيلة في ترك الحيل فليس لنا حيلة ولا ذكاء ولا دهاء ولا قوة، وليس معنا إلا حسبنا الله ونعم الوكيل. وكم كالوا عليه من التهم الباطلة عليه الصلاة السلام، فقالوا: شاعر، كذاب، ساحر، كاهن، امرأته فعلت؛ رسالته ليست صادقة؛ يأخذ أجراً على الدعوة؛ إنما يعلمه بشر؛ مفترٍ على الله؛ وهو يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل. ولما دخل غار حراء ومعه أبو بكر رضي الله عنه، فطوقه الكفار، فقال أبو بكر: {يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم إلى قدميه} أرادوا أن يدخلوا الغار؛ فأعمى الله بصائرهم وأبصارهم عن الغار. ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم لم يدخلوا الغار يقول أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا، فتبسم عليه الصلاة والسلام تبسم الواثق، من الذي يتبسم وحوله خمسون شاباً كل شاب معه سيف يريد أن يذبحه؟ من الذي يتبسم وهو في غار صغير وحوله الكفر من كل جهة ولا حرس معه إلا حرس الله؟ لا رمح ولا سيف ولا خنجر ولا سكين ولا شيء. والفيافي حالمات بالمنى تتلقاك بتصفيق مثير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تحزن إن الله معنا ونصره الله}. الخطيب البغدادي صاحب التاريخ ابتُلي بفرية أستحي أن أقولها في هذا المجلس، ورأى في المنام قائلاً يقول: أتريد يا خطيب! أن تصل مبلغ الإمامة بلا ابتلاء، أتريد أن تصل إلى تلك المكانة بلا ابتلاء، فعرف أنه ابتلاء من الله.

من دروس الابتلاء: معرفة مخططات ومكائد أعداء الإسلام

من دروس الابتلاء: معرفة مخططات ومكائد أعداء الإسلام ومن دروس الابتلاء: أن نعرف أعداء الإسلام، ومخططات اليهود، وقد نشرت مجلة المجتمع في آخر عدد لها في أول صفحة أن أول مخطط -الآن- لليهود وأعدائهم تلصيق وتفضيح الدعاة وتلطيخ سمعتهم، فإذا لُطخت بالتراب انصرفت الأجيال عنهم، وعن المساجد والحلقات والمحاضرات، ونظرت الجماهير إلى طلبة العلم والعلماء أنهم ليسوا مصدر ثقة، فلا يوثق بهم، وقد فُعل في كل قطر هذا الفعل، فُعل في فلسطين في رواد الانتفاضة والصحوة وسجلوها في تقارير، ولكن مع معرفتنا بأن الابتلاء حاصل لابد أن نعرف مع من نتعامل، ومع من نجلس، ومع من نتكلم، ونعرف ما حولنا، وأنه يراد بالبلاد الإسلامية والمقدسات وعلماء الإسلام ودعاته وعباده أعظم المكائد. إن من خطط العلمانية وأنتم تجدونها في بعض الأشرطة أو الكتب التي تتحدث عنهم مثل الشيخ سفر الحوالي وغيره، ومثل كتاب التنصير، إن من خططهم تلطيخ سمعة الدعاة، فإذا لُطخت لا يثق بهم أحد ولا يُقبل عليهم أحد، ولا يتعلم عندهم أحد، فإذا حصل هذا انتصر الباطل. أعظم ما يصاب به الناس التشكيك في الرسالة، وأعظم ما يصاب به الناس التشكيك في العلماء والدعاة وطلبة العلم؛ فينفض عنهم الجموع، ويأخذون رموز الباطل، وأدعياء الضلالة وأهل الشهوات، وعباد الأغنية الماجنة، والسهرة الخليعة، والعربدة والكأس، وحينها لا يحقق لهم انتصار، واجهوا الإسلام بالسلاح؛ فانتصر الإسلام عليهم، واجهوهم في فلسطين وفي أفغانستان وفي كل مكان فما استطاعوا أن يحققوا شيئاً، فأخذوا وسيلة أخرى أشد مكراً وخبثاً، ولكن: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30].

من دروس الابتلاء: الابتلاء علامة لمحبة الله للعبد

من دروس الابتلاء: الابتلاء علامة لمحبة الله للعبد ومن دروس الابتلاء: أن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط، وبعض الابتلاءات تجعل ضعاف النفوس يتحول عن الإسلام تماماً، وبعضهم يصاب بمصيبة فيترك المسجد ويكفر بالدين ويعرض عن لا إله إلا الله، ويترك منهج الله! خسر الدنيا والآخرة، انقلب على وجهه، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11] لكن يأبى الله أن ينقلب العبد على وجهه بعد أن ذاق حلاوة الإيمان، وبعد أن أحب محمداً عليه الصلاة والسلام أكثر من أمه وأبيه. {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32] ولكن يقول ابن تيمية لأنه قد افُتري عليه افتراءات وهو في الإسكندرية يقول: "يحق للعبد أن يدافع عن نفسه في وقت البلاء". فأقول: والله الذي لا إله إلا هو إن العبد يتمنى صباح مساء أن يصب دمه خدمة للا إله إلا الله، والله إن أعظم ما يمكن أن أتمناه وأنتم -إن شاء الله- أن تسفك دماؤنا في الأرض لتنتصر لا إله إلا الله، اللهم إنا نسألك أن تصدق قولنا بشهادةٍ في سبيلك، اللهم اسفك دماءنا لترتفع لا إله إلا الله، اللهم قطّع رءوسنا ليبقى الحق حقاً في الأرض وتبقى الرسالة. فداً لك من يقصر في فداك فلا ملك إذاً إلا فداكا أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا لا يحل به إلا لا إله إلا الله، وإلا الرسالة والرسول عليه الصلاة السلام؛ حينها يعرف سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنا نريد أن ينتصر هذا الدين على جماجمنا، ولحومنا ودمائنا، ولا أبقى الله باقية لمن يريد أن يسفل الدين ليرتفع هو، أو يهزم أو يخسر أو ينال شهرة على حساب الدين حاشا وكلا! {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران:193] ربنا إننا أتينا نريد ما عندك. وليس على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما

من دروس الابتلاء: حقارة الدنيا عند الابتلاء

من دروس الابتلاء: حقارة الدنيا عند الابتلاء ومن دروس الابتلاء: أن الحياة تصبح بشهواتها وملاذها ووظائفها وأموالها وبهارجها ودعاياتها، تصبح ضعيفةً ضئيلةً: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27] {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88].

الابتلاء ببعث الهمة في النفوس

الابتلاء ببعث الهمة في النفوس ومن دروس الابتلاء: أن العبد عليه أن يواصل بهمة أعظم وأعلى، وبقوةٍ وصرامةٍ، ويستمر ويؤدي لأنه قد باع نفسه من الله. ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى حينها يجب على المسلم أمور: أولها: أن يخلص لله وأن يصدق في دعوته، وأن يؤدي دعوته على أكمل وجه، وألا يتوقف، وأما هذه الابتلاءات فإنها عواصف: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] الحق سوف يبقى وسوف ينتصر، وسوف تبقى المساجد، وسوف يهيمن الإسلام، وتعود لنا مقدساتنا، ويعود القدس إن شاء الله، وتعود أفغانستان، وينتصر الإسلام، وترتفع لا إله إلا الله وتنتصر هذه الصحوة، ويعم الأرض -إن شاء الله- انتصار خالد، ولكن هذه التقلبات والأعاصير إنما هي في الطريق، ولكن العاقبة سوف تتم اليوم أو غداً -إن شاء الله- وليس رهناً أن نرى انتصار الإسلام في هذه الفترة فما علينا إلا أن نقدم أموالنا وأوقاتنا ودماءنا وجماجمنا ليعلم الله أننا صدقنا؛ وأننا جاهدنا، وليعلم الله أننا ثبتنا، ثم يأتي جيل بعد جيل حتى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:101 - 103]. دخل الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة الحبس واقفاً في القيد فأراد بعضهم أن يتنازل عن عقيدته؛ ولكنه أبى وصبر حتى انتصرت لا إله إلا الله، وانتصر وعلم الله أنه صادق، وبقي مذهب أهل السنة والجماعة يسود، وسوف يبقى ويكتسح العالم. والبخاري ابتلاه أمير بخارى بفرية، فما كان من البخاري إلا أن التفت إلى القبلة وهو راكب وقال: "اللهم اكفنيه بما شئت" فما رفع يديه وما وضعها إلا وقد خنق السلطان مكانه {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52]. وابتُلي مالك وجُلد، وسعيد بن المسيب شُهِّر في قميصٍ شفاف، وهو عابد في الستين من عمره؛ ذرفت عينه اليمنى من كثرة البكاء، يقول: [[ما أذن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في المسجد]] ولكن أُخذ ورُكب على جمل، وهو سيد التابعين، وعلاّمة الدنيا، وزاهد المعمورة، وعالم الحديث الذي حديثه كالذهب، ركب على جمل فأخذ أطفال المدينة، ومواليها وعبيدها يضحكون عليه يطاف به وقد قلبوا وجهه إلى ظهر أو دبر البعير، ويجلدونه بالسياط وهو يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل. هذا هو الطريق، والذي لا يعرف هذه سوف يصاب بصدمات يوم يأتيه الخبر في دينه أو عرضه أو أهله أو أطفاله، ولذلك أكثر الناس انهزاماً الذين لا يعرفون أخبار القرآن والسيرة والتاريخ الإسلامي، إنهم ينهارون تماماً، ولكن ليعد العبد إلى التاريخ، وقبل ذلك إلى القرآن والسنة. اقرأ التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر أيها المسلمون: إن من أفضل المعالم التي نعلمها يقيناً أن العاقبة للحق، وأن الله لن ينصرك إلا بأعمالك، وأن الواسطات والشفاعات والدنيا إذا اجتمعت وأنت على باطل فلن تنتصر أبداً، ولكن. فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان وقل دائماً: حسبنا الله ونعم الوكيل، وتوكل على الحي الذي لا يموت، حينها ينصرك الله. ويقول عليه الصلاة والسلام لـ ابن عباس: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف} والله الذي لا إله إلا هو، لو اجتمع أهل الأرض جميعاً على أن يكيدوك والله معك لن يكيدوك شيئاً، وإن اجتمعوا على أن ينصروك والله ضدك لما فعلوا شيئاً في نصرك، فالقوة التي لا تغلب قوة الله، وهذه أعظم الدروس: أن العبد يتخلى عن الاعتماد على الناس أو على الكيانات أو على الجهات ولا يعتمد إلا على الله.

إظهار التوحيد في الابتلاء

إظهار التوحيد في الابتلاء ومن دروس الابتلاء العظيمة: صدق التوحيد وألا يعتمد إلا على الله، ويعرف من جرب أن لا إله إلا الله لا تظهر حارةً صادقةً قويةً إلا يوم يبتلى العبد، فيقول: لا إله إلا الله من قلبه. ومن أعظم ميزات التوحيد: أنه يقف معك في الأزمات، يقول محمد بن عبد الوهاب رحمه الله المجدد: "عامي موحد يغلب ألف مخلط" وهذا العامي هو الذي يحمل لا إله إلا الله محمد رسول الله بصدق، فالتوحيد يظهر في الأزمات: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] والله لا يريد إلا أن يكون الدين له، فيقول لأوليائه: ذوقوا وجربوا واصبروا واعلموا أنه لا ينصر إلا الله، ولا يهدي إلا الله، ولا يكافح ويناضل عن الأبرار والأخيار والصالحين والعلماء والدعاة والعباد والصادقين إلا الله فيقول: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] فعلى كل حال لابد أن تأخذوا من الابتلاءات في التاريخ درساً عظيماً في التوحيد والإيمان، وأن تعرفوا أنه لا ينتصر العبد إلا بصدقه مع الله، وأن يكون ظاهره كباطنه، وأن يقول كلمة الحق ولو قدم رأسه ودمه، ليعلم أنه صادق ولينصره الله نصراً مؤكداً، هذه هي من القضايا التي ينبغي أن نعيشها، والله له في خلقه أسرار وحكم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

الابتلاء في الدين أعظم الابتلاءات

الابتلاء في الدين أعظم الابتلاءات أما الابتلاءات غير ابتلاءات الدين فكلها سهلة هينة يذوقها الناس جميعاً، والكفار يذوقون ابتلاءت المال والخسائر المالية، وموت الأطفال، والزوجات، والإخوة، واحتراق البيوت، وهذا قدر مشترك بين المؤمن والكافر، ولو كان هذا الابتلاء موت الأطفال أو انهدام واحتراق البيت أو ذهاب المال، فهذا أمر مشترك فية الخواجة الكافر، والفلسفي الأحمر، واليهودي المجرم، وكذلك المسلم لكن أما الابتلاء الصارخ في الدعوة، وتشويه السمعة، وتلطيخ واجهة الدين؛ فهذا لأولياء الله ليحتسبوا دعوتهم، وليخلصوا منهجهم لله؛ وليعلموا أنه لا يكفيهم إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:137] قتل عثمان وسال دمه على هذه الآية ولا زال المصحف موجوداً بشكل موجود على آية: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة:137] طوق المتمردون الثوار على بيت عثمان فقال: [[اللهم لا قوة لي فأنتصر فانصرني]] فدخلوا عليه وهو يقرأ قوله: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة:137] فذبحوه، لكنه ما انتهى فقد بقي ذكره في الآخرين بالذكر الحسن، فسمعته وتاريخه وذكره حسن، بل نحن نترضى عليه في كل جمعة وفي غالب الصلوات، أما أعداء الله الذين سحقوا الدعوات فيلحقون باللعنة، أين فرعون والنمرود وجمال وتيتو وأتاتورك والمغرضون؟ لعنوا ويوم القيامة يوردون إلى النار، ويفضحون ويخزون، ويعرضون على النار؛ جزاءً لما قدموا في محاربة هذه الدعوة. أيها المسلمون: هذا درس في الابتلاء ولعل هناك من التساؤل أو من القصص، أو من التعليق ما سأكمل به هذا الوقت، وأسأل الله عز وجل لي ولكم السداد والثبات. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعلماء رسالة رسولك صلى الله عليه وسلم، والصالحين من عبادك وأوليائك، اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الدين، اللهم من أرادنا والإسلام بسوء فأشغله بنفسه واجعل تدبيره في تدميره، واخذله يا رب العالمين، اللهم اكشف أسراره، واهتك أستاره، وأبد عواره، اللهم أخرس لسانه وأذهب عقله، ودمره تدميراً عظيماً، اللهم أرنا فيه عجائب صنيعك يا رب العالمين، اللهم انتقم لأوليائك، وانتصر لأحبابك ودعاتك ولعبادك الصالحين، اللهم ثبتنا على الحق، اللهم من نصر الدين فانصره ومكنه في الأرض، واجعله يا رب العالمين هادياً مهدياً وتوله في الدارين، نسألك يا رب العالمين أن تحمينا وأن تنصرنا وأن تحفظنا، وأن تهدينا سواءاً السبيل، وأن تمنعنا من كل سيئ يريد بنا والإسلام والمسلمين سوءً، اللهم لا تدابير لدينا ولا حيل، وإنما حسبنا الله ونعم الوكيل: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174] اللهم ثبت واهد ولاة الأمر لما تحبه وترضاه، اللهم قيض لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تهديهم إلى الحق، اللهم انصرهم بالإسلام وانصر بهم الإسلام. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

وصية لمن ابتلي في دينه

وصية لمن ابتلي في دينه Q إن الإنسان قد يبتلى في دينه، فبماذا توصي من حصل له مثل هذا؟ A أولاً: الناس يبتلون على قدر إيمانهم، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه ذكر أن أكثر الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، وصح عنه عليه الصلاة والسلام قوله: {مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع، تفيئها الريح يمنة ويسرة، ومثل المنافق كالأرزة لا تزال قائمة حتى يكون انجعافها مرةً واحدةً} ولذلك لا يبتلى المنافق في الغالب إلا بما يبتلى به الكفار، أو ابتلاءً يشترك معه بقية الناس، فأوصي نفسي وأنفسكم أن نتمنى العفو والعافية، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يعافينا، فإذا وقع الابتلاء عليك بأربعة أمور كما قال ابن القيم: أولها: أن تحمد الله عز وجل أن أبقى عليك دينك، وأنك ما كفرت بالله، وأنك ما خرجت عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، يقولون ولذلك إن عالماً من علماء المسلمين حبس مع نصراني في بيت المقدس -أي: في سجن- فكان هذا النصراني توجعه بطنه وعنده إسهال، فكان كلما أراد أن يقضي حاجته يأخذه معه، فيقول العالم: الحمد لله رب العالمين، فقال الحارس: على ماذا تحمد الله؟! على أن سلسلك في هذا الحبل ويسحبك هذا النصراني إلى الحمام، قال: أحمد الله على أني مسلم ولست نصرانياً، أحمد الله على أن الدين بقي. الثاني: كما يقول ابن القيم: إن الابتلاء سنة من سنن الله، وكما يقال في المثل: في كل واد بنو سعد، وما من واحد إلا ابتلي، والله خلق الخلق ليبتليهم، وليعرف الصادق من الكاذب. الأمر الثالث: أنها أسهل من غيرها، وأنها أهون من أطم وأعم منها؛ فإن بعض الضربات تعمي، وأعمى العمى من يرتد عن دينه. الرابع: أن في الأجر والمثوبة عند الله ما يسلي، فإن الأجور عنده سبحانه كما قال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157]. يقول عمر: [[والذي نفسي بيده! ما عليَّ على أي حالة أصبحت، إن كان على الفقر لهو الصبر، وإن كان على الغنى لهو الشكر]] وقالوا لـ عمر بن عبد العزيز: ماذا تتمنى؟ قال: [[أتمتع بمنازل القضاء والقدر]] قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] فما أعظم الأجر والمثوبة؛ فإن ما فات العبد، وما أصيب به من هم وغم وحزن وتعريض وتعنيف كله في جانب أجره عند الله سهل. ومن المنافع العظيمة في الابتلاء، وهي جزيلة: تمحيصهم من الذنوب والخطايا، ويصفيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بهذا الابتلاء. ومنها أيضاً: أن يُمكَّن الإيمان، ويكتب الإيمان في قلبه كما يقول سيد قطب في كلام له يقول: "هذا الدين لا يأتيه كل من يريده" وهو كما يقول أحد الدعاة العصريين: ليس زريبة بقر، فالدين ليس زريبة بقر يدخل فيه من يدخل ويخرج من يخرج، والدين لا يأتيه إلا من هو صادق، لأن الجنة حُفت بالمكارة، وحفت النار بالشهوات، فلا يأتي الدين إلا من هو صادق، أما الشهواني فلا يريد الدين؛ ولذلك لا يبتلى؛ لأنه قد سقط في أول الطريق. على ماذا يُبتلى الذي لا يصلي الفجر جماعة؟! على ماذا يبتلى الذي لا يعرف بيت الله، ولا يعرف القرآن، ولا يتمنى الشهادة، ولا يريد وجه الله؟!: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3] {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] تماماً كالحيوانات، شهوات، وسهر، وغناء، ومجون، وبطون، وفروج، ولكن لا ابتلاء؛ لأنهم رسبوا في أول الطريق، ولا يزال الابتلاء بالعبد حتى يصل به مثاقيل الذر، وفي أثر: {يتمنى الناس يوم القيامة أنهم قرضوا بالمقاريض يوم يرون المبتلين} وقال أبو الدرداء: [[أول ما يدخل الجنة الحامدون الذين يحمدون الله في السراء والضراء]]. ويقول سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:133 - 134]. فهذه من دروس الابتلاء، ومن ابُتلي عليه أن يكثر من قوله حسبنا الله ونعم الوكيل، ومن ترداد: لا حول ولا قوة إلا بالله، يقول ابن تيمية وذكره ابن القيم أيضاً في الوابل الصيب: "قال الله للملائكة: احملوا العرش، قالوا: لا نستطيع يا رب، قال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما قالوها حملوا العرش" ومنها: كثرة الاستغفار: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:250 - 251]. ومنها: التعلق بالقرآن والنوافل والدعاء، يقول ابن تيمية في المجلد الحادي عشر لما جعلوا له المناظرة في الإسكندرية وهو في بيت قال: "فأعددت في الليل من العبادة والدعاء ما ينبغي للمواجهة" {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] وقوة المؤمن أن يعد من الأذكار والأدعية ما ينبغي للمواجهة.

موقف المسلم من الشائعات

موقف المسلم من الشائعات Q كيف يقف المسلم أمام الشائعات المغرضة التي تنتشر؟ A ذكر الله عز وجل لنا منهجاً في القرآن أمام هذه الأخبار، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] فأمرنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن نتبين الأخبار، ومن حملها وماذا يحف بها، وما هي ملابساتها وما مقاصدها، ومن وراءها حتى نكون على بينة، قال سبحانه: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:36] لا تَقْفُ: أي: لا تتبع ما لا تتأكد منه، وقيل أي: لا تنشر وقيل: أو لا تسأل عن شيء لا أصل له قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] وهذا منهج واضح، والله عز وجل يقول في سورة النور في شأن الصحابة الذين أخطئوا، وليسوا بمعصومين يوم تلقوا خبر الإفك قال سبحانه: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15] يقول: لماذا تتحدثون عن هذه الأخبار؟ أتشكون في الرسالة! أتشكون في الإسلام! أتشكون في القرآن! أتشكون أن الابتلاء وارد! لماذا تعينون هؤلاء؟ لأنهم يريدون القضاء على الإسلام وقد حققوا آمالهم بما يصبون إليه، وهو لا يريد منك صاحب الباطل وعدو الإسلام أن تموت فقط، ولا يريد منك أن تكون خصماً له تضربه ويضربك، هذا سهلٌ، لكن يريد أن يدمر دعوتك ورسالتك وإسلامك ومنهجك حتى ينتصر، فهذا هو المقصود؛ فلذلك لامهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حتى ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بعدها: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19]. والناس قسمان: من أحب هذا ونشره وأفشاه وأشاعه، وتلذذ بذكره واستعاده في المجالس؛ ففي قلبه مرض وهو عدو للإسلام، وهو يريد أن تشيع الفاحشة، ويريد أن يلطخ الدين والإسلام والقرآن والرسالة، والقسم الآخر من قال: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16] وذَكَّره قلبه وقال: هذا إفك مبين؛ حينها هو صادق مؤمن إن شاء الله.

أسباب انتشار الشائعات

أسباب انتشار الشائعات Q لماذا انتشرت الشائعة أكثر من الآية والحديث؟ A نعم. الآن كم تلقى من الدروس، وكم تلقى من المحاضرات، هل تنتشر كما تنتشر الشائعات؟ لا. وذلك لأسباب: أولها: أن الحق ثابت والباطل شاذ، والشاذ تنكره العقول، وينكره كل شيء، والناس ينكرون الشاذ، فإذا أتى خبر شاذ كان له شائعة. الأمر الثاني: أن إبليس يوزع أحفاده وأولياءه في الأرض، قال سبحانه: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175] وله خدمه من الأنس والجن، وله مراسلون ووكالات أنباء، وصحف، وله مذيعون يأخذون خبره: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:112] ثم قال سبحانه بعدها: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام:113] يقول بعض المفكرين عن هذه الآية وهو موجود في شريط: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام:113] قال: يحبونه، ويتلذذون بسماعه، وينشرونه في المجالس، وبعضهم يقول: يا ليته ما حدث! ويعلم الله أن في قلبه رجس فزاده رجساً إلى رجسه: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام:113] أي: لينشروه وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون، ويتحدى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى -أي: بلسان الحال- فماذا يفعلون، والإسلام باقٍ والحق باقٍ لبث قليلاً يشهد الهيجا حمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني رب من أنضجت حقداً قلبه قد تمنى لي موتاً لم يطع ويراني كالشجى في حلقه جلجلاً في حلقه ما ينتزع حسبنا الله ونعم الوكيل. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الإخلاص لله والصدق مع الله

الإخلاص لله والصدق مع الله لا يخفى على المتأمل في الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح ما خص به الإخلاص من اهتمام عظيم، والصحوة الإسلامية اليوم وهي تتلمس طريقها هي أحوج ما تكون إلى الإخلاص والصدق مع الله، فهو كفيل أن يجمع شملها، ويلم شعثها، ويسدد خطاها. وقد ذكر الشيخ في هذا الدرس ما يوجه القلوب إلى هذا العمل الصالح ويزكيها به، واهتم بالنقل عن السلف الصالح لما في قصصهم من أثر عظيم على القلوب.

منزلة الإخلاص

منزلة الإخلاص اللهم لك الحمد خيراً مما نقول, وفوق ما نقول, ومثلما نقول, لك الحمد بالإيمان, ولك الحمد بالإسلام, ولك الحمد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم, عز جاهك, وجل ثناؤك, وتقدست أسماؤك, ولا إله إلا أنت, في السماء ملكك, وفي الأرض سلطانك, وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك, وفي النار سطوتك, وفي كل شيء حكمتك وآيتك. أنت رب الطيبين, لك الحمد حتى ترضى, ولك الحمد إذا رضيت, ولك الحمد بعد الرضا, والصلاة والسلام على من أرسلته معلماً وهادياً وبشيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة, وجاهد في الله حتى أتاه اليقين, فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته سلام عليكم يوم اجتمعت قلوبكم تطلب الإخلاص لله, وتطلب الصدق مع الله, فلا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون, ولا إله إلا الله نلقى بها ربنا تبارك وتعالى، ليكفر بها سيئاتنا وخطايانا, ولا إله إلا الله نقف على عتبات رحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالى نادمين، خاشعين، مذنبين، معترفين، لسان حالنا يقول: إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شِبْتُ في الرق فاعتقني من النار

الإخلاص أكبر قضايا التوحيد

الإخلاص أكبر قضايا التوحيد إن الإخلاص أكبر قضايا التوحيد, إن الإخلاص هو الباب الكبير الذي يدخل به العبد على الواحد الديان, إن الإخلاص هو الذي يبقي العمل موفوراً سليماً من العيوب والنواقص: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] يوم تتساقط الدعاوى والألقاب الأرضية وأوسمة التراب, وتبقى لا إله إلا الله قوية, وتبقى لا إله إلا الله سليمة, وتبقى لا إله إلا الله منجية لصاحبها. ولذلك كان معنى لا إله إلا الله أن تخلص العبادة لله, وكان معنى لا إله إلا الله أنك إذا سجدت أو ركعت أو سبحت أو دعوت أو تكلمت تكون عبداً لله, ظاهرك وباطنك يحمل العبودية للواحد الديان. جاء في كتاب الزهد للإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {قال الله تبارك وتعالى: عجباً لك يا بن آدم! خلقتك وتعبد غيري, ورزقتك وتشكر سواي, أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إليّ بالمعاصي وأنت فقير إليّ! خيري إليك نازل, وشرك إليّ صاعد!} وهذا مثل العبد الذي لا يتشرف بعبودية الله, ومن الذي لا يتشرف بعبودية الواحد الأحد؟! من الذي لا يتشرف بالإخلاص لله والصدق مع الله؟! ومما زادني شرفاًَ وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا إننا نقف أمام موضوع الإخلاص خاشعين؛ لأنه موضوع رهيب وصعب وموضوع مرعب حقاً. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] إي والله! ألا لله الدين الصافي النقي الذي يريده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ويقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] هل أمروا أن يكونوا مرائين؟ أو منافقين؟ أو مشركين؟ وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66].

موسى وكلمة الإخلاص

موسى وكلمة الإخلاص وقف موسى عليه السلام، قائد التوحيد في وجه إعصار الطغيان, موسى العقيدة, موسى لا إله إلا الله, موسى الذي حمل عصا التوحيد ليكسر بها رأس الضلالة والعمالة والجهالة فرعون الطاغية, فنادى ربه وكلمه كفاحاً: {فقال: يا رب! علمني كلمة أدعوك بها وأناجيك. فقال الله: يا موسى! قل لا إله إلا الله -فتعجب موسى؛ لأن الكلمة معروفة ومشهورة- قال: يا رب! كل عبادك يقولون: لا إله إلا الله, فقال الله: يا موسى! لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين في كفة, ولا إله إلا الله في كفة, مالت بهن لا إله إلا الله} رواه الحاكم وابن حبان. فإذا علم أن معنى لا إله إلا الله أن تكون عبداً لله, لحمك وشحمك وعظمك وشعرك وعصبك ملئن نوراً من نور الله, لأن الله يريدك أن تكون عبداً له. ولذلك جاء في البخاري: من رواية ابن عباس وخباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب لصلاة الفجر: {اللهم اجعل في قلبي نوراً, وفي سمعي نوراً, وفي بصري نوراً, وعن يميني نوراً, وعن شمالي نوراً, ومن أمامي نوراً, ومن خلفي نوراً, واجعل لي نوراً} زاد البخاري في رواية: {واجعل في عظمي نوراً, وفي دمي نوراً, وفي مخي نوراً, وفي بشري نوراً, واجعل لي نوراً} فالنور هذا هو نور لا إله إلا الله, وهو قبس وضياء لا إله إلا الله.

أحاديث في فضل الإخلاص

أحاديث في فضل الإخلاص إن الأحاديث في الإخلاص كثيرة، منها:

حديث الثلاثة الذين تسعر بهم النار

حديث الثلاثة الذين تسعر بهم النار فهذا هو موضوع الإخلاص الذي يهاب الشخص أن يتكلم فيه, يقول شفي الأصبحي رحمه الله: دخلت المدينة فوجدت أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه قد اجتمع عليه الناس حلقات بعضها دون بعض, فتقدمت إليه فقلت: يا أبا هريرة! أسألك بالله أن تحدثني حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تسمعه من غيره. قال: فبكى, ثم رفع رأسه وقال: والله لأحدثنك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعته من غيره, ثم بكى حتى نشغ من البكاء, ثم رفع رأسه وقال: والله لأحدثنك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعته من غيره, ثم بكى حتى نشغ, ثم رفع رأسه, وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة, قلنا: من هم يا رسول الله! خابوا وخسروا؟ قال: عالم علمه الله -وفي لفظ صحيح-قارئ علمه الله القرآن، يؤتى به يوم القيامة يجرجر حتى يقف أمام الله, فيقول الله: أما علمتك العلم؟ أما أقرأتك القرآن؟ فيقول: بلى يا رب! قال: فماذا فعلت؟ قال: علمت فيك، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر -ولكن الذي يعلم السر وأخفى ويطلع على القلوب, ويعلم الخفايا ويدرك الأمور هو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- قال: كذبت, وتقول الملائكة: كذبت, ثم يقول الله: بل تعلمت ليقال عالم فقد قيل؛ خذوه إلى النار فيسحبونه حتى يدهده على وجهه في النار, ويؤتى بالشجاع الذي قاتل في الثغور والجبهات, فيعرفه الله النعمة ويسأله أين بذلها؟ وفيم أنفقها؟ وأين أسداها؟ فيقول: فيك يا رب! قاتلت وقتلت, وهو في ظاهره شهيد -ولكن علم الله أنه لايريده في باطنه- فيقول الله: كذبت, وتقول الملائكة: كذبت, ويقول الله: إنما فعلت ليقال شجاع وقد قيل؛ خذوه إلى النار. فيسحب حتى يلقى على وجهه في النار -نسأل الله العافية- ثم يؤتى بالكريم -وما أدراك ما كريم الرياء والسمعة- فيقول الله: أما سودتك؟ أما خولتك؟ أما أعطيتك الأموال؟ فماذا فعلت فيها؟ فيقول: أطعمت الجائع, وكسوت العاري, وأنفقت على المسكين, وما تركت سبيلاً إلا أنفقت فيه. فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت, ثم يقول الله: إنما فعلت ليقال: جواد وقد قيل, خذوه إلى النار} وهذا حديث صحيح. فيا ويل من عمل لغير الله! ويا ويل من صلّى لغير الله يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، يقول تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94] كل شيء عند الله مكشوف الجسد مكشوف, والقلب مكشوف, والتاريخ مكشوف, والسجل من الحسنات والسيئات مكشوف, جئنا إلى الله حفاة عراة غرلاً, كما بدأكم تعودون. فلذلك كان على العبد أن يطلب الثواب من الله, وأن يطلب الدرجات من الحي القيوم, فإنه الذي يبقى والناس يذهبون.

إنما الأعمال بالنيات

إنما الأعمال بالنيات وعن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى, فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله, ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه} متفق عليه.

يا معاذ: أخلص عملك يكفك القليل

يا معاذ: أخلص عملك يكفك القليل وعن معاذ رضي الله عنه وأرضاه قال: كان آخر ما ودعني به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال لي: {يا معاذ! أخلص عملك يكفك القليل} رواه الحاكم , وقَبِلَه المنذري وغيره.

نماذج من إخلاص صحابة النبي صلى الله عليه وسلم

نماذج من إخلاص صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إذا علم هذا، فتعالوا بنا لنقف أمام نماذج من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم, أخلصوا لله فرفعهم الله بالإخلاص, ورفعهم الله بالصدق معه.

إخلاص عمر بن الخطاب أكسبه الشهادة

إخلاص عمر بن الخطاب أكسبه الشهادة منهم: أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه, عمر الخليفة الزاهد الصادق المخلص، الذي يقف على المنبر وفي برده أربع عشرة رقعة, وهو يملك ذهب الأمة وفضتها وكنوزها, ويبقى جائعاً ليطلب الثواب والأجر من الله. عمر الذي يقول: [[يا ليتني كنت شجرة تعضد! يا ليت أمي لم تلدني!]]. وإذا كان هذا في سبيل الله, فأنعم وأكرم بمثله من عمر رضي الله عنه وأرضاه! وقد سأل الله تعالى الشهادة في آخر حجة حجها, فإنه لما حج رفع يديه عند الجمرات، وقال دعاءً حاراً صادقاً فيه، طالباً من الله الشهادة، قال: [[اللهم إنها ضاعت رعيتي, ورق عظمي, ودنا أجلي, فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون, اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتة في بلد رسولك. فقال الصحابة: يا أمير المؤمنين! إن من يطلب الشهادة يخرج إلى الثغور, قال: هكذا سألت! وأسأل الله أن يلبي لي ما سألت]]. وعاد إلى المدينة صادقاً مخلصاً, وعلم الله صدقه وإخلاصه, ففي أول ليلة إذا به يرى في المنام رؤيا مبشرة رأى في منامه كما قال أهل العلم: ديكاً ينقره ثلاث نقرات, فسأل في الصباح أسماء بنت عميس الحثعمية , فقالت: يا أمير المؤمنين! استودع الله في نفسك الذي لا تضيع ودائعه, إنني أرى أنك تقتل بيد رجل من العجم. فأتى عمر في آخر جمعة يخطب, فما كان إلا البكاء على المنبر, يستودع الناس ويستبرئهم, ويطلب المسامحة والعفو, ويطلب منهم أن يتجاوزوا عما أخطأ, ولم يكن منه إلا الجميل. وفي صباح يوم السبت يأتي الصدق لأهل الصدق, والإخلاص لأهل الإخلاص؛ لأنه سأل الشهادة مخلصاً منيباً صادقاً مع الله, فيصلي الفجر ويقرأ سورة يوسف, وما أحسن سورة يوسف يا شباب الإسلام! وما أروعها! وما أقواها! يوم تربي في نفس الشبيبة التقوى, يوم تجعل لهم يوسف عليه السلام علماً ومعلماً من معالم الذين ثبتوا على لا إله إلا الله, وأخلصوا للا إله إلا الله, فحفظهم الله في الخفاء بعين رعايته: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. ويركع أمير المؤمنين, وتمتد يد آثمة, ما سجد صاحبها لله سجدة, يد بغيضة ما ركع صاحبها لله ركعة, لتمزق الأديم الطاهر المجاهد العابد الزاهد. ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا فيهوي في المحراب، وما أحسن الشهادة! وما أحسن الشهيد! وما أحسن البقعة! وما أحسن الصلاة! ويُرفع رضي الله عنه, وجذوة الصدق والإخلاص حية في قلبه, يرفعه الناس على أكتافهم, ودماؤه تسيل على أكتاف الرجال, ويذهب به إلى بيته, فيوضع في البيت, ويوضع تحت رأسه مخدة, فيقول للناس: أزيلوها عن رأسي, وضعوا رأسي على التراب, علّ الله أن يرحمني. رحمك الله يا أبا حفص رحمك الله يا فاروق الإسلام! رحمك الله أيها الصادق المخلص الذي قوى الله به الدين. قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه قال: ضعوا خدي على التراب, لعل الله أن يرحمني, فوضعوه على التراب، ودخل أمير المؤمنين سيف الله المنتضى أبو الحسن علي بن أبي طالب , فقال: يا أمير المؤمنين! هنيئاً لك! والله لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {جئت أنا وأبو بكر وعمر! ودخلت أنا وأبو بكر وعمر! وخرجت أنا وأبو بكر وعمر!} فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك, فدمعت عينا عمر , وقال: [[ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا عليَّ]]. هذا وهم المجاهدون الصادقون, فقل لي بالله: ماذا فعلنا للإسلام؟ وقل لي بالله: ماذا قدمنا للا إله إلا الله؟ وقل لي بالله: ماذا ادخرنا عند الله؟ هل هناك جهاد؟ هل سكبنا دماءنا لرفع لا إله إلا الله؟ هل قطعت رءوسنا من أجل نصرة لا إله إلا الله؟ هل سهرنا نناجي من أنزل لا إله إلا الله؟ نحن برحمة الحي القيوم, ذنوب وخطايا وعيوب ونقص, لكن نسأل الله كما سترنا في الدنيا فلم يفضحنا أن يغفر لنا يوم أن نأتيه مذنبين نادمين في يوم لا ريب فيه. هذا هو الصدق, وقصة عمر رواها أصحاب الصحيح, ويأتي الصحابة الواحد تلو الآخر, وذاك بعد هذا, ليسجلوا صحفاً من نور, منحوتة في الصدور، من الصدق مع الله الواحد الأحد.

عبد الله بن جحش وسعد بن أبي وقاص يبايعان الله

عبد الله بن جحش وسعد بن أبي وقاص يبايعان الله يقول سعيد بن المسيب رضي الله عنه ورحمه الله رحمة واسعة، وهو الذي ما فاتته تكبيرة الإحرام في المحراب في الروضة ستين سنة، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقل لأهل المطاعم الشهية والمراكب الوطية والمساكن الرضية: أين تكبيرة الإحرام؟ وقل لأهل الملابس الجميلة, ولكل من له همم في الدنيا: أين تكبيرة الإحرام؟ وسعيد الذي لا يجد كسرة الخبز, يقول: ستين سنة ما فاتتني تكبيرة الإحرام. يقول -وهذا الحديث مرسل-: لما اجتمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في أحد في معركة أحد الصادقة للصادقين, معركة أحد التي قدمها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قصيدة في جبين الزمن, ونجماً في سماء التاريخ, وقف الصحابة قبل ذاك وهم صفوف, صفوا للمعركة كما صفوا للصلاة. نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا وقبل المعركة قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لـ عبد الله بن جحش: [[تعال نبايع الله هذا اليوم]]. إي والله! قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] لا أصدق من الله, ولا أوفى من الله, ولا أحق بالوفاء من الله, فهل تريدون الثواب من غير الله؟ قال سعد: يا عبد الله تعال نبايع الله هذا اليوم, فانزويا وراء أكمة, فرفع سعد يده وقال: اللهم انصرنا في هذا اليوم, اللهم أعل كلمتك, اللهم أيد دعوتك, فلما انتهى من الكلام تقدم عبد الله جحش أول أمير في الإسلام، الصابر على الجوع والعطش كما سماه صلى الله عليه وسلم, وهو شاب في السادسة والعشرين, فيا أبناء السادسة والعشرين ويا أبناء الثلاثين أين المستقبل مع هذا الدين؟ أين الخدمة لهذا الدين؟ أين العيش في رحاب هذا الدين؟ فيتقدم ويرفع يديه لا يريد إلا إرضاء الله والجنة, لا يريد إلا تلك الرياض, ملّ من الدنيا, فارق الأحباب والأوطان, سافر إلى الحي القيوم فرفع يديه وقال: اللهم إني أسألك صادقاً مخلصاً هذا اليوم أن تواجه بيني وبين عدو لك من الكفار شديد حرده, قوي بأسه, فيقتلني فيك, فيبقر بطني, ويجدع أنفي, ويفقأ عيني, ويقطع أذني, فألقاك بهذه الصورة, فتقول لي: يا عبد الله لِمَ فُعِل بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب! قال سعد بن أبي وقاص: فوالذي نفسي بيده لقد أتيته في آخر المعركة, وإنه لمقتول بين القتلى, مبقور بطنه, مجدوع أنفه, مفقوءة عيناه, مقطوعة أذناه, فقلت: أسأل الله أن يكمل له سؤاله. هذا هو الصدق، ويوم صدقوا مع الله أثابهم الله بالصدق, ولبى لهم ما سألوا.

أعرابي يصدق مع الله

أعرابي يصدق مع الله يأتي أعرابي من الصحراء، لكنه يفهم حرارة لا إله إلا الله, ويدرك عمق لا إله إلا الله, فما لنا اليوم نكررها, ولكن ليس لها ذلك الطعم؟ لأننا خالطناها بالمعاصي والمخالفات, وما يناقضها {يأتي أعرابي فيقول: يا رسول الله! فيقول صلى الله عليه وسلم: نعم. قال: أبايعك على لا إله إلا الله وأنك رسول الله, فيبايعه صلى الله عليه وسلم, وتأتي الرسول صلى الله عليه وسلم غنائم, فيعطي هذا الأعرابي منها, فيقول: يا رسول الله! ما على هذا بايعتك, قال: على ماذا بايعتني؟ قال: بايعتك على أن يأتيني سهم من عدو كافر, فيقع هنا ويخرج من هنا, فتدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم -لأنه أحس صدق هذا الأعرابي ووضوحه وإخلاصه- فقال له: إن تصدق الله يصدقك. وما أن انتهت المعركة إلا ويأتي سهم طائش, فيقع في لبة هذا الأعرابي ويخرج من قفاه, فيراه صلى الله عليه وسلم مقتولاً, فيمسح التراب من وجهه ويقول: صدقت الله فصدقك الله} إنه الصدق! إنه الإخلاص! إنه طلب ما عند الحي القيوم.

إخلاص عبد الله بن عمرو الأنصاري

إخلاص عبد الله بن عمرو الأنصاري وإن ننس فلا ننسى قصة عبد الله بن عمرو الأنصاري , الذي أنزل الله فيه وفي إخوانه قوله تبارك وتعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171]. أتى عبد الله بن عمرو فصلَّى صلاة الليل قبل معركة أحد بليلة, قام فتهجد ورفع يديه يوم أن كان السلف الصالح يتهجدون, ويوم أن كانوا يناجون الله في الثلث الأخير في الساعات الحبيبة القريبة من الحي القيوم, يوم أن يتجلى الله, وينزل نزولاً يليق بجلاله إلى سماء الدنيا, فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داعٍ فأجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ فقام هذا الصحابي في هذه الساعة ودعا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفقه للشهادة، فعلم الله صدقه وإخلاصه, ثم في الصباح قال لابنه جابر: يا بني! إني رأيت في المنام كأني مقتول غداً في المعركة, فعليك بأخواتك، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. وذهب إلى المعركة، واغتسل وتحنط وتكفن, ووقف في الصف صادقاً منيباً مخلصاً مع الله عز وجل. وفي آخر المعركة أتى ابنه جابر فإذا أبوه مقطع أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتأتي أخته, فتبكي وتقول: {يا رسول الله! أهو في الجنة فأصبر وأحتسب، أم هو في غير ذلك؟ قال: أهبلت؟ أجننت؟ إنها لجنان كثيرة, وإن عبد الله في الفردوس الأعلى}. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا جابر! أتدري ماذا فعل الله بأبيك وإخوانه من الشهداء؟ قال: قلت لا أدري يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده لقد كلمهم كفاحاً بلا ترجمان، قال: تمنوا عليّ, قالوا: نتمنى أن تعيدنا إلى الدنيا, فنقتل فيك ثانية. فقال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون فتمنوا. قالوا: نتمنى أن ترضى عنا, فإنا قد رضينا عنك. قال: فإني قد أحللت عليكم رضائي فلا أسخط عليكم أبداً. فجعل الله أرواحهم في حواصل طير خضر, تَرِدُ الجنة, وتشرب من ماء الجنة, وتأكل من ثمار الجنة, وتأوي إلى قناديل معلقة بالسماء أو بالعرش حتى يرث الله الأرض ومن عليها} قال ابن كثير رحمه الله: إسناد هذا الحديث حسن. فقد صدق رضي الله عنه وأحسن, ولما صدق هؤلاء مع الله وفقهم الله.

أنس بن النضر يجد ريح الجنة

أنس بن النضر يجد ريح الجنة ولا ننسى أنس بن النضر , وإنما نورد هذه النماذج لأنها حياة للقلوب, ومدد للأرواح، ومعالم في طريق اليقين يأتي أنس بن النضر رضي الله عنه وأرضاه يوم أحد , فيخترق الصفوف كالسهم ماضياً إلى عاقبته المحمودة، وإلى الشهادة المطلوبة, فيرزقه الله الشهادة, بعد أن قال له سعد بن معاذ: يا أنس بن النضر! أبق على نفسك. قال: إليك عني يا سعد , والله إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]] فيرزقه الله الشهادة, قال أنس بن مالك: [[والله ما عرفته إلا أخته ببنانه, ولقد رأينا فيه أكثر من سبعين ضربة، ما بين ضربة سيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم]].

ذم الرياء والشهرة

ذم الرياء والشهرة هؤلاء صدقوا مع الله عز وجل, وعلم الله صدقهم وإخلاصهم فوفقهم للصدق, وينافي ذلك الرياء نعوذ بالله من الرياء! روى أهل الحديث بسند حسن عن معاذ رضي الله عنه وأرضاه {أنه وقف عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى, ومرّ به عمر فقال: ما لك يا معاذ؟ قال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكاني. قال: وما هو؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طوبى للأخفياء الأغنياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا, وإذا غابوا لم يفتقدوا} فكانوا يذمون الشهرة التي يقصد منها الرياء والسمعة؛ لأنها تنافي الإخلاص, ولأن من يطلب ما عند الله عز وجل لا يلتفت إلى ما عند الناس. وجاء عند ابن ماجة من حديث أبي هريرة بسند حسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ليأتين أقوام يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة يجعلها الله هباءً منثوراً. فقلنا: يا رسول الله! أمسلمون هم؟ قال: مسلمون. قلنا: أيصلون؟ قال: يصلون ويحجون ويعتمرون, ولهم من الليل مثلما لكم, لكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها} أمام الناس عباد وزهاد ونساك, ولكنهم ذئاب في الظلام. وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

أثر الإخلاص

أثر الإخلاص إن مما رفع علماءنا وسلفنا الصالح إخلاصهم وصدقهم مع الله, وكل شيء ينتهي إلا الصدق, فإنه ثابت مع صاحبه, مؤنس له في قبره.

قصة عبد الغني المقدسي

قصة عبد الغني المقدسي روى صاحب طبقات الحنابلة: أن عبد الغني المقدسي المحدث الشهير النحرير, كان مسجوناً في بـ بيت المقدس في فلسطين , فقام من الليل صادقاً مع الله مخلصاً, فأخذ يصلي, ومعه في السجن قوم من اليهود والنصارى, فأخذ يبكي حتى الصباح, فلما أصبح الصباح, ورأى أولئك النفر هذا الصادق العابد المخلص, ذهبوا إلى السجان, وقالوا: أطلقنا فإنا قد أسلمنا, ودخلنا في دين هذا الرجل, قال: ولِمَ؟ أدعاكم للإسلام؟ قالوا: ما دعانا للإسلام, ولكن بتنا معه في ليلة ذكرنا بيوم القيامة! كانت دَعْوَتُهم بإخلاصهم وبعبادتهم وبنسكهم.

رؤية أيوب السختياني تذكر بالله

رؤية أيوب السختياني تذكرِّ بالله قال أهل العلم في ترجمة أيوب بن أبي تميمة السختياني: كان إذا خرج إلى السوق ورأى الناس وجهه, قالوا: لا إله إلا الله. لأنهم يُذكرون برؤيتهم الحي القيوم, ما كان يتحدث ولا يدعو, وإنما كان يخرج على الناس, فإذا رآه الناس قالوا: لا إله إلا الله, وكان يحفظ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عباده بالصدق والإخلاص.

إخلاص الإمام أحمد وصدقه

إخلاص الإمام أحمد وصدقه وما حفظ الإمام أحمد في المحنة إلا بالصدق والإخلاص، وهو القائل: الإخلاص سيف إذا وضع على جرح برئ بإذن الله؛ لأنه دواء وعلاج. دخل الإمام أحمد السجن، وعلم الله أنه صادق، ومكث في السجن ثمانية وعشرين شهراً, صائماً نهاره, قائماً ليله, صادقاً مع مولاه, ما أكل للسلطان لقمة, ولا شرب للمعتصم شربة, وإنما بقي صادقاً مع لا إله إلا الله, فجعل الله الرفعة لأهل لا إله إلا الله, وجعل الخزي لأهل البدع الذين حاربوا لا إله إلا الله. أتي به فعرض على السيف خمس مرات, فأبى أن يلين, وأبى أن يهادن, وأبى أن يستسلم لأنه صادق, والصادق لم يكن له أن يستسلم, يقولون: أَلِن في الكلام اقرب في الخطاب! فيأبى ويصبح بقوة الله أسداً هصوراً. ولما حضرته الوفاة قال: اللهم سامح من شتمني, اللهم سامح من سجنني وضربني إلا صاحب البدعة -يعني ابن أبي دؤاد - فعذبه واحبسه في جسده, فكان جزاء الصدق مع الله أن ينكل الله بعدو هذا الصادق, فيحبس أحمد بن أبي دؤاد في جسده، ويصاب بمرض الفالج, نصفه يابس ميت, والنصف الآخر حي, قال له زواره وعواده: كيف تجدك؟ قال: دعوة أحمد بن حنبل وصلتني في هذه الحياة الدنيا, قالوا: وكيف؟ قال: دعا عليّ أن أحبس في جسمي, فأما نصفه فقد مات منذ زمن, والله ما أحس به ولو قطع بالمناشير, وأما نصفي الآخر فوالله لو وقع ذباب لآلمني ألماً أشد من ألم القتل. أو كما قال. ودعا الإمام أحمد على عدوه الآخر ابن زيات فنكل الله به, وقطعت يده وحبس, لأن الصادق لا بد أن يخرجه الله, ولا بد أن ينجيه الله عز وجل.

أصبع محمد بن واسع خير من ألف سيف

أصبع محمد بن واسع خير من ألف سيف وهذا محمد بن واسع الأزدي، العابد الذي يقول له تلاميذه: لماذا لا تتكئ؟ فقال: أنا خائف والخائف لا يتكئ, إنما يتكئ من أمن عذاب الله! قالوا: فمتى تأمن؟ قال: لا آمن حتى أدخل الجنة. حضر فتح كابول، التي فقدت من أيدينا يوم أن نقص صدقنا وإخلاصنا مع الله, التي ذهبت من أيدينا يوم لم نرفع لا إله إلا الله كما ينبغي كابول التي فتحها العباد الزهاد, والتي وقف على شرفاتها وعلى روابيها محمد بن واسع مع جيش قتيبة بن مسلم. وكان في برنامج محمد بن واسع أن يصوم كل يوم, وأن يصلي لله ما يقارب أربعين ركعة, وأن يستغفر كذا من المئات التي يفتح الله بها عليه, ثم هو في تذكر لقاء الله حضر المعركة مجاهداً مستبشراً بفتح الله ونصره, ولما التقى أهل الإسلام وأهل الأصنام؛ أهل لا إله إلا الله وأعداء لا إله إلا الله؛ التقى أهل الحق وأهل الباطل, قال قتيبة بن مسلم: يا معشر الناس! أين محمد بن واسع الأزدي؟ قالوا: لا ندري. فقال: أسألكم بالله أن تبحثوا لي عنه -ذكر هذا ابن كثير - فذهبوا يبحثون عنه, فوجدوه قد صلَّى صلاة الضحى, ووقف على رمحه رافعاً أصبعه يقول: يا حي يا قيوم! يا حي يا قيوم! يا حي يا قيوم! فعادوا إلى قتيبة بن مسلم فأخبروه, فقال: الحمد لله أبشروا بالنصر! والله الذي لا إله إلا هو لأصبع محمد بن واسع خير عندي من ألف سيف شهير وألف شاب طرير. وانتصر المسلمون, وتقدم قتيبة بن مسلم يوم أن كان صادقاً مع الله, فرأى أصنام داهر , وأتباعه الكفرة في كابول , وهي بالذهب محلاة, فقالوا: خذها كنوزاً لك في بيت مال المسلمين, فقال: لا والله! لا يدخل بيت مال المسلمين كنز عُبد من دون الله ولو كان ذهباً, حرقوها بالنار فنسفوها بالنار ولذلك يقول إقبال: كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لصاغها حلياً وحاز الكنز والدينارا فهؤلاء الصادقون مع الله, والمخلصون لله, نصرهم الله, وحفظهم ووقاهم لصدقهم معه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. يا واهب الآمال أنت حفظتني ورعيتني وعدا الظلوم عليّ كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني إنه حفظه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لأوليائه؛ حِفظهم كما يقول ابن رجب: من العدو الظاهر والعدو الباطن من المعاصي والمخالفات.

صلة بن أشيم والأسد

صلة بن أشيم والأسد روى أهل التاريخ والسير والرقائق والتراجم بأسانيد صحيحة كالنجوم: أن صلة بن أشيم رضي الله عنه وأرضاه حضر معركة في الشمال مع جيش الإسلام, فلما أظلم الليل عليه خلا بالله عز وجل في ليلة عامرة بالذكر والمناجاة ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الحديث القدسي: {أنا جليس من ذكرني} فقام يصلي ويدعو, ويناجي ربه ومولاه حتى أظلم عليه الليل, قال أحد أصحابه: فرقيت شجرة من حيث أراه ولا يراني, وإذا بالأسد يخترق الغابة إلى صلة بن أشيم , فيقف بجانبه وهو يصلي لله الواحد الأحد, جعل بينه وبين الله صلات يوم أن تقطعت صلات الذين لا يريدون وجه الله, يوم أن تقطعت وشائجهم وأعراقهم؛ لأنهم أرادوها لغير الله فلما انتهى من صلاته نظر إلى الأسد وقال: يا حيدرة! -وحيدرة من أسماء الأسد- إن كنت أمرت بقتلي أو بأكلي فتقدم, وإن كنت لم تؤمر بذلك فاذهب في أرض الله, واتركني أناجي الله. قال: فزأر الأسد زئيراً كاد يخلع قلبي، ثم انطلق, واستمر صلة في صلاته، فلما أصبحنا رأيت من الفتور والكسل ما الله به عليم, ورأيت صلة وجهه كفلقة القمر ليلة أربعة عشر.

الحسن البصري يصف الصادقين

الحسن البصري يصف الصادقين قيل للحسن البصري: ما للصادقين المخلصين وجوههم مضيئة نيرة؟ قال: خلوا بنور الله في الظلام فأكسبهم نوراً من نوره. وبالمقابل الذين لا يصدقون مع الله ولا يريدون وجهه تتساقط أعمالهم أحوج ما يكونون إليها, وتذهب سدى، قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23].

معاوية بن أبي سفيان يتأثر لسماع حديث الثلاثة الذين تسعر بهم النار

معاوية بن أبي سفيان يتأثر لسماع حديث الثلاثة الذين تسعر بهم النار قال شفي الأصبحي: دخلت على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه فقال: حدثني حديثاً يا شفي سمعته من أبي هريرة. قال: فحدثنه بالنفر الثلاثة -العالم والجواد والشجاع- الذين تسعر بهم النار, لأنهم ما أرادوا وجه الله, قال: فلما انتهيت من حديثي بكى بكاءً طويلاً, ثم مرغ وجهه في التراب, وقال: صدق الله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] فنسأل الله ألا يحبط أعمالنا وأعمالكم, وأن يحفظها عنده.

ذكر الموت وأثره في الإخلاص

ذكر الموت وأثره في الإخلاص إن المخلص يتذكر إخلاصه يوم أن تأتيه الوفاة, ويراجع حسابه, وكثير من الناس ينام حتى تأتيه سكرة الموت, وكثير من الناس في سكار, وفي خُمار, فلا يستفيق إلا على رنة الموت وضربته, فيراجع حسابه, ويندم ولات ساعة مندم! ساعة الموت التي يذعن فيها الجبار, ويلين فيها المتكبر, ويسلم فيها الكافر, ولكن أنى له ذلك؟! {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91].

عمرو بن العاص في ساعة الاحتضار

عمرو بن العاص في ساعة الاحتضار جاء في صحيح مسلم عن شفي المهري قال: [[حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه وهو في سكرات الموت وهو في مصر , فاشتدت عليه سكرات الموت وجاء في غير الصحيح: قال له ابنه عبد الله: يا أبتاه! إنك كنت تسألني ما هو شدة الموت وأنت في الحياة, فأنت اليوم أحسن من يصف الموت, فصف لي الموت؟ قال: يا بني! والله الذي لا إله إلا هو لكأن جبال الدنيا على صدري, وكأني أتنفس من ثقب إبرة قال شفي فحضرناه وهو في سكرات الموت, وقبل أن تفيض روحه حول وجهه إلى الحائط, وأخذ يبكي بكاءً طويلاً, وينتحب انتحاباً شديداً, ثم التفت إلينا, وابنه عبد الله يحسِّن ظنه بالله, ويقول: يا أبتاه! أما أسلمت؟ أما هاجرت؟ أما جاهدت؟ وكل ذلك لا يزيد p=1000202>> عمرو بن العاص إلا بكاءً, فيقول رضي الله عنه وأرضاه وقد قلص الدمع من عينيه: يا بني! إني عشت حياتي على طباقٍ ثلاث: أما الطبق الأول فكنت في الجاهلية, لا أعرف الإسلام, وكان أبغض الناس إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولو تمكنت منه على تلك الحال لقتلته, ولو مت على تلك الحال لكنت من جثي جهنم, ثم أسلمت, وقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة فلما رآني هش وبش في وجهي]] ما أحسن هذه الكلمات! ما أحسن (هش وبش) للدعاة وللصالحين وللأخيار! قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]. قال عمرو: {فلما جلست قلت: يا رسول الله! مد يدك لأبايعك, فمد عليه الصلاة والسلام يده الشريفة, فلما بسط يده قبضت يدي, قال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أشترط, فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: تشترط ماذا؟ قلت: أشترط أن يغفر لي ربي ذنبي قال: يا عمرو أما تدري أن الإسلام يهدم ما قبله, وأن التوبة تجب ما قبلها} قال: فأسلمت, فوالله ما كان من أحد أحب إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ووالله ما ملأت عيني منه, ووالله لو سألتموني الآن أن أصفه ما استطعت أن أصفه, فلو مت على تلك الحالة لكنت أرجو أن أكون من أهل الجنة, ثم لعبت بي الدنيا ظهراً لبطن, فوالله لا أدري أيؤمر بي إلى الجنة أم يؤمر بي إلى النار, ولكن إذا مت فشدوا عليّ أزراري فإني مخاصم, وفي رواية في الصحيح: فامكثوا على قبري قدر ما تنحر جزور وتقسم, ثم ما عندي من عمل ألقى به الله إلا (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ثم قبض يده عدا أصبعه السبابة ليلقى الله بيده وهي تحمل لا إله إلا الله للصادقين. فيا بشرى من صدق مع الله! ويا بشرى من أخلص لله! لأن كل عمل لا يراد به الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يذهب وينتهي وينقضي, ويبقى ما لله تبارك وتعالى، ويوفى الصادقون بصدقهم عنده تبارك وتعالى.

عبد الله بن المبارك يتذكر ظلمة القبر

عبد الله بن المبارك يتذكر ظلمة القبر ومن الصادقين في السلف الصالح عبد الله بن المبارك، الذي يقول عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: أمير الأتقياء في عهده. كان صادقاً مخلصاً منيباً علم الله صدقه, فبلغه الله ما تمنى من القبول, ومن الخير ومن الثبات والسداد, وبقدر ما يصدق العبد مع الله يرزقه الله الصدق. يقول أحد تلاميذه وهو يروي صدقه وخشوعه وخشيته: سافرنا مع ابن المبارك , فقلت في نفسي: يا عجباً! هذا ابن المبارك يصلي كصلاتنا ويصوم كصيامنا ويتلو القرآن كتلاوتنا؛ فماهو الذي رفعه؟ -رفعه الإخلاص والصدق والخبيئة، وحسن السريرة مع الواحد الأحد- قال: فكنا في ليلة مظلمة, وقد انطفأ علينا السراج, فذهبنا نلتمس سراجاً ونوراً, فأتينا إليه وهو جالس في البيت, وإذا دموعه تنزل من رأس لحيته, فقلنا: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: تذكرت والله بهذه الغرفة المظلمة القبر وما أدراك ما القبر؟! وما أدراك ما ظلمة القبر؟! وما أدراك ما تلك الحفرة؟! أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعقُ نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا أين الأكاسرة الجبابرة الألى كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى ثوى فحواه لحد ضيقُ خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلقُ فالموت آتٍ والنفوس نفائس والمستعز بما لديه الأحمقُ قال: ذكرت والله بهذه الظلمة ظلمة القبر فبكيت, قال التلميذ: هذا الذي رفعك عنا. إنها خبيئة الصدق وسريرة الإخلاص للحي القيوم, ولذلك لما سافر ابن المبارك لقتال الكفار ترك الحرم والفتوى؛ فقال له الناس: أتترك الإفتاء وتذهب إلى الجهاد؟ فقال: خلوا عني, ثم قال: بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا وكان في ليلة واحدة يردد: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1 - 2] إلى الصباح, ويأتي الصباح وإذا هو من أشجع الفرسان. كن كالصحابة في زهد وفي ورع القوم هم ما لهم في الناس أشباهُ عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراهُ وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياهُ يارب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناهُ يشيدون لنا إسلاماً فرطنا فيه, وقرآناًَ ضيعناه ونسيناه, ومعالم من الهداية تركناها وجفوناها, ومساجد هجرناها, وحلقات علم قاطعناها, فابعث من أمثالهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه, وجنينا عليه، وخناه، وصارمناه, وما كان هذا ينبغي لنا, لأننا من سلالة الأخيار, من الذين وزعوا على المعمورة لا إله إلا الله، وأنتجوا للبشرية أروع مثل, وأحسن تاريخ, وأنبل عقيدة, فمالنا ننزوي الآن خجلاً؟ أصابنا خجل وحياء, لئلا نبلغ لا إله إلا الله, أصبحنا في آخر الركب متأخرين يوم فاتنا الصدق والإخلاص مع الله، وأصبحنا نستذل يوم لم نصدق مع الحي القيوم. كان ابن المبارك عالم يفتي على المنبر, ومتحدث يعظ, ومربٍ يربي, ومدرس يدرس, ولكنه مجاهد يضرب رءوس الأعداء بسيف الله, تأتيه رسالة من الفضيل يلومه فيها على الخروج وترك الحرم, فيرد عليه بقصيدة حارة, لقد كان يجيد القصائد القوية الصادقة المخلصة, ويقول للفضيل: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعبُ ليست العبادة فقط الجلوس في الروضة وترك شئون الأمة وأخلاقها ومعاملاتها وما تحتاجونه، وليست العبادة أن نرفع رءوسنا بالتكبير وبالحمدلة فحسب: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعبُ من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضبُ ألا إن الدم الصادق المخلص أغلى عند كل مسلم من الدمع, ألا إن الذي يبكي مهما بكى, فإن دم المجاهد ودم من صدق مع الله، وأراد الله أغلى من الدموع, فليعلم ذلك. هؤلاء قوم رفعهم الله بالصدق والإخلاص، يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه للتابعين: [[والله لقد كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أقل منكم صلاة وصياماً, ولكنهم أكثر صدقاً وإخلاصاً لله]] قال الله جل شأنه: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] فأصدق مع الله وأخلص لله، وأطلب ثواب الله.

تعريفات للإخلاص والصدق من كلام السلف

تعريفات للإخلاص والصدق من كلام السلف قيل للفضيل: ما هو الإخلاص؟ قال: أن يكون العمل خالصاً لوجه الله، وأن يكون تابعاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. وقالوا في الصدق: هو أن تطلب ثوابك من الله, وقالوا فيه: أن تستوي سريرتك وعلانيتك. وقالوا فيه: ألاَّ ترى محاسباً إلا الله، ولا ترى مثيباً على عملك إلا الله. وقالوا فيه: أن يكون بينك وبين الله رقابة. كأن رقيباً منك يرعى خواطري وآخر يرعى مسمعي وجناني وقالوا في الصدق أيضاً: هو أن تقطع في سبيل الله وأن تتبسم بفتح الله. وقالوا فيه: هو أن تبذل من نفسك ما تبذله صادقاً وأن تخجل من عملك. وقالوا فيه: هو أن تفعل العبادة, ثم تستغفر من تقصيرك ونقصك وعيبك في عبادتك لله. وقالوا فيه: هو أن إذا وقفت أمام الله في عبادة نسيت كل من دون الله عز وجل فالله الله في الصدق! أسأل الله أن يوفقني وإياكم إلى الصدق والإخلاص في سبيله سُبحَانَهُ وَتَعَالى, وإلى طلب مرضاته, اللهم إنا وقفنا على أبوابك, ورفعنا أيدينا إليك, يا من لا يسدل حجابه, ولا يرد طلابه, اللهم فارزقنا إخلاصاً من عندك يا رب العالمين! وصدقاً من لدنك, تفيض به على قلوبنا, وتغيث به أرواحنا, اللهم فاجعلنا من الصادقين المخلصين المنيبين. اللهم بعلمك الغيب, وبقدرتك على الخلق, أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا, وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا, اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة, ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا, ونسألك القصد في الغنى والفقر, ونسألك لذة النظر إلى وجهك, والشوق إلى لقائك, في غير ضراء مضرة, ولا فتنة مضلة, برحمتك يا أرحم الرحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

الرياء وعلاجه

الرياء وعلاجه Q فضيلة الشيخ! إنني أشتكي من مرض -أعاذنا الله منه- وهو الرياء, فأقوم أحياناً بأعمال حسنة, فإذا رأيت بعض الإخوة الصالحين المهتدين أشعر أني عملت هذا العمل رياءً وليس لله, وإني أخشى الله كثيراً, ولكن كلما أقدمت على عمل صالح شعرت بالرياء, فماذا أفعل جزاكم الله خيراً؟ A كما سمعتم شكوى الأخ من الرياء، وكلنا ذاك الرجل, ومن لوازم إسلامك -أيها المسلم- أن تخاف من الرياء, فإنه لا يخاف النفاق والرياء إلا مؤمن ولا يأمنه إلا منافق, وهذه المقولة أوردها البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان عن الحسن موقوفة عليه رضي الله عنه وأرضاه, قال: [[ما خافه إلا مؤمن وما أمنه إلا منافق]]. فمن لوازم إسلامك وإيمانك أن تكون حريصاً متحذراً خائفاً دائماً من الرياء, فإن من أمن الرياء وقع فيه, فإن من الأدلة على خيريتك وعلى إقبالك وحسن صدقك مع الله أنك تخاف الرياء, ولكن هذا لا يعني أن العلاج والدواء أن ينتظر العبد ويقول: أخاف الرياء، وهو واقع فيه! بل عليه أن يتوب ويستغفر، وأن تثبت في ذهنه قضايا: 1 - أن الذي ينفع ويضر هو الواحد الأحد, وأن غيره لا يملك له نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً ولا تصريفاً ولا تدبيراً, فهو الذي بيده مقاليد الأمور, فاطلب أجرك وثوابك منه, ولا تطلب من غيره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. 2 - أن تنظر إلى الناس على أنهم بشر كما سلف, وأنه ليس بأيديهم من مقاليد الأمور شيء, وأن الله استأثر بالنفع والضر, وكل ما يجلب لك من خير فمن الله, وما يصيبك فمن الله, وهذه هي العقيدة التي أملاها صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس كما في الترمذي: {وإذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. 3 - عليك أن تدعو دائماً بكفارة الشرك والرياء، وهو ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه, وأستغفرك لما لا أعلم}. 4 - أن تكون في خلوتك محاسباً لنفسك، وترفع كفيك داعياً الله عز وجل أن يرزقك الصدق والإخلاص والإنابة، فإذا أخذت على هذا، وتدربت عليه، وسألت الله في أدبار الصلوات والسجود، فتح الله عليك، ورزقك الصدق، نسأل الله لنا ولك ولكل مسلم الصدق والإخلاص.

التجمل متى يكون رياء؟ ومتى لا يكون؟

التجمل متى يكون رياءً؟ ومتى لا يكون؟ Q أحياناً نعمل الأعمال الطيبة خوفاً من العيب وليس لله, ولولا العيب لما فعلنا, فهل هذا من الرياء؟ A كلمة الأعمال في السؤال عامة, فإن كان يقصد الأعمال الصالحة التي يتعبد بها والتي هي من الشريعة ومن النسك, ويخاف من العيب, فهذا شرك ورياء, ونعوذ بالله من ذلك, كأن يصلي خوفاً من العيب ومن المثلبة ومن التنقص من الناس , أو يصوم خوفاً من ذلك, فهذا في العبادات رياء وشرك. وإن كان في الأمور العامة والآداب العامة في هيئات الجلوس أو غيرها مما لم يرد فيه نص, فله أن يتجمل أمام الناس, وله أن يظهر التجمل والتحسن؛ وقد ورد في ذلك أحاديث، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن الحنظلية مع أبي الدرداء عند أبي داود بسند حسن: {تجملوا حتى تكونوا كأنكم شامة في عيون الناس} فلا بأس أن تدرأ العيب عن نفسك لا في العبادات, ولا بأس أن تذهب عن نفسك مذمة تنقص الناس لا في النسك, فإنها في النسك والعبادة شرك ورياء إذا قصدت بها غير الله عز وجل؛ فليعلم ذلك.

التحدث بالأعمال الصالحة

التحدث بالأعمال الصالحة Q أصوم بعض الأيام وأحدث الزملاء بذلك لأرغبهم في الصيام, فهل هذا ينقص الإخلاص؟ A أما صيامك وإخبار زملائك بهذا فإن الأعمال بالنيات, وهذا الحديث يدخل في سبعين باباً, فإن كنت قصدت من إخبار زملائك بهذا الخبر تشجيعهم وترغيبهم على الخير, ولتكون سانّاً لهم سنة حسنة يقتدون بك, فلك الأجر مضاعفاً بإذن الله, ولك الأجر موفوراً عند الله, ولا يلت الله من عملك شيئاً, ولا يُنقِص منه شيئاً إن شاء الله. وإن كان قصدك ليعلموا ويثنوا عليك, فإنه يذهب بقدره, وقد أشركتهم هذا العمل, فانتبه لنفسك.

الإخلاص في ابتداء العمل يكفي

الإخلاص في ابتداء العمل يكفي Q إن أحدنا ليعمل العمل الصالح يريد به وجه الله, ولكن إبليس ما يلبث أن يداخل إخلاصه بعدة نوايا, ومنها السمعة، حتى يخشى على عمله ونفسه, فما العلاج لهذا الداء؟ A كل مسلم في الغالب يجد هذا الأمر الذي سأل عنه الأخ, فإنه قد يقصد وجه الله والإخلاص, فترد عليه واردات, وتتداعى عليه أمور حتى يذهب ما به من إخلاص, ويقصد أموراً أخرى, فواجبه أن يكون من أول الطريق صادقاً مع الله ومخلصاً له, وقد قال أهل العلم: لا يضره العارضات والواردات, وممن اختار ذلك: ابن تيمية وابن جرير الطبري، كما ذكر ابن حجر في فتح الباري في كتاب الجهاد, فقد عقد البخاري باب: (إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم) ثم أتى بحديث أبي موسى: {قالوا: يا رسول الله! الرجل يقاتل ليرى مكانه, والرجل يقاتل ليسمع, والرجل ليحمد فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله} فأتى بهذا الوارد, ونقل عن ابن جرير أن كلام أهل العلم ينص على أن من سلك الطريق في أولها مخلصاً لله, فلا تضره الواردات وتلبيسات إبليس التي لا بد أن ترد على كل عبد. فأنا أوصيك أن تقصد وجه الله في أول الطريق, ولن تضرك هذه الوساوس والخطرات؛ فإن الشيطان بالمرصاد, يأتي للمصلي الخاشع, فيقول: إنما تصلي رياءً, ويأتي للداعية المتكلم, فيقول: إنما تتكلم رياءً وشهرةً, ولو صدقه كل أحد لتعطلت المنابر والحلقات, وتعطل النسك، وتعطلت النوافل والطاعات, فنعوذ بالله من تلبيسه, ونعوذ بالله من مداخله. فعليك أن تصدق مع الله وعليك بكثرة الدعاء, والله يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.

الخلاص من التأثر بمدح الناس

الخلاص من التأثر بمدح الناس Q أحياناً أعمل أعمالاً صالحة أبتغي بها وجه الله عز وجل, ولكن يتسرب إليّ الرياء بدون سبب، أو بسبب المديح الذي ينصب عليّ من الناس؛ فكيف الخلاص؟ A هذا وارد, وهو أشبه بالأسئلة التي قبله, وعلاج هذا: أن تعلم -وهو العنصر الذي أوردته في علاج الرياء- أن تعلم أن الناس لا ينفعون ولا يضرون, وأنهم لا يعرفون بنقصك وتقصيرك وذنوبك التي هي بينك وبين الله عز وجل, فإنك قد تظهر لهم الجميل والخشوع والخضوع والزهد, ولكنك تظاهر وتكاشف الله عز وجل بالمعاصي والذنوب والخطايا, فعليك أن تعلم أنهم لا يدرون إلا ما ظهر, والظاهر فيك الجميل والستر, فهم يمدحونك على ظاهرك, ولكن يوم تبعثر ما في القبور, وتحصل ما في الصدور, ينتج لك إخلاصك وصدقك ومعاملتك مع الله عز وجل. فهذا علاجه ألا تركن إلى الناس, وأن تعلم أنهم لا ينفعون ولا يضرون, وأن تعرف أن الله هو الذي يعلم السر وأخفى, وهو الذي يثيب ويعاقب, فهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولي كل أمر؛ فعد إليه والتجئ إليه، وادعه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

ما سطره الصحابة والتابعون يمكن تكراره في كل زمان

ما سطره الصحابة والتابعون يمكن تكراره في كل زمان Q ما رأي فضيلتكم فيمن يقول: إن قصص الإخلاص التي سطرها الصحابة والتابعون لا يستطيع أحد أن يحققها في هذا الزمن؟ A إن كان الأخ السائل يقصد أن الفضل الذي حصلوا عليه من هذه القصص التي سطروها فهذا صحيح, فلهم فضل الصحبة, ولهم القدح المعلى والقدم السابقة عند الله عز وجل. وإن كان قصده ألا تقع كهذه الحوادث بعينها؛ فليس بصحيح, بل هذه تتكرر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهي كالسيل لا يدرى الخير في أوله أو في آخره, بل قد يفتح الله عز وجل على يد بعض الناس, ويرزقهم من الإخلاص والصدق إلى قيام الساعة, فيقتل كثير من الناس في سبيل الله, ويصدق كثير من الناس في قيام الليل لمناجاة الله, ويصدق كثير من الناس في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وكثير يصدقون في البذل والعطاء لوجه الله, إذاً فقصص الصحابة, وقد وقع لها شبيه في غيرهم, لكن الفضل ادخره الله عز وجل درجة للصحابة لا يبلغها أحد.

كيف نصدق مع الله

كيف نصدق مع الله Q كيف نصدق مع الله؟ أوليس من صلّى وصام وحج وزكى وأطاع الله وترك المعاصي يكون صادقاً مع الله؟ A من صلّى وزكى وصام وجاهد وحج هو علامة الصدق بإذن الله, لكن إذا علم الله من نيته أنه لا يريد إلا وجهه؛ لأنه ليس كل من صلّى وزكّى وصَام وحج يريد الله عز وجل لا! منهم من يريد الدنيا, ومنهم من يريد الشهرة, ومنهم من يريد أن يعصم دمه في الحياة, ويعصم عرضه وماله وأولاده, فهذا له ما حصل له من الأجر العاجل, لكن ليس له عند الله حظ ولا نصيب, بل له النار ونعوذ بالله من النار! فمن صلّى وصام فعليه أن يعتبر أن هذا العمل لوجه الله, وأنه لا يصلي من أجل فلان وفلان. وهناك ضابط يستفاد منه في الصدق والإخلاص, وهو أن تفعل العمل في الجلوة كما تفعله في الخلوة, أي: تفعل العمل مع الناس كما تفعله وحدك, في خشوعك, وفي ركوعك, وفي ذكرك, وفي عبادتك؛ كأن الناس لا يرونك ولا تراهم، ولا يصح أن تخشع أمام الناس لتطلب مديحاً, ثم إذا خلوت نقرت الصلاة! هذا هو أول النفاق والرياء.

استحضار النية في أول العمل يكفي

استحضار النية في أول العمل يكفي Q هل يشترط استحضار النية الخالصة قبل كل عمل أو يكفي أن يكون ذلك الأمر في قلب المسلم ومن ديدنه؟ A هذه القضية من أعوص القضايا على الإطلاق, قضية استحضار النية عند الأعمال, وقد ناقشها ابن رجب رحمه الله في كتاب جامع العلوم والحكم عند حديث {إنما الأعمال بالنيات} , وناقشها ابن حزم في المحلى , ونتيجة هذا النقاش: أن العبد عليه أن يستحضر أنه يريد بالعبادة وجه الله, لكن لو فاتته في بعض لحظات العبادة فلا يهمه ذلك إذا كان المقصد والمبدأ وجه الله, كأن يقول: أنا أريد الصلاة لله عز وجل, ثم ينسى أنه يريد الصلاة لله, وتذهب عنه هذه النية فلا يهمه؛ لأنه ما قام إلا مصلياً لله عز وجل. والنية عجيبة، حتى قيل للإمام أحمد كما في جامع العلوم والحكم: يا أبا عبد الله! كيف نحصل على نية؟ قال: ليفكر العبد لعل الله أن يرزقه النية. وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: والله لا أدري ما هي هذه النية, وكيف تحصل, وإنما نسأل الله أن يرزقنا النية. لأنه لا يُدْرى كيف تمسك هذه النية, ولا كيف تقيد وتضبط, لكن على العبد أن يصدق ويدعو، وأن يحاول وأن يرجو الله عز وجل أن يمنحه النية الخالصة.

حكم ترك العبادة من أجل الناس

حكم ترك العبادة من أجل الناس Q هل ترك العبادة من أجل الناس رياء؟ A هذه المسألة وردت عن السلف , والذي تكلم فيها بكلمة جيدة هو الفضيل بن عياض كما نقل عنه, فقد قال: "العمل من أجل الناس رياء, وترك العمل من أجلهم شرك, والإخلاص أن يعافيك الله منهما". فأنت إذا عملت من أجل الناس لتحمد فقد راءيت مع الله عز وجل في العبادة, وإذا تركت العمل من أجلهم فقد أشركت, مثلاً: إنسان يصلي الضحى دائماً، فخرج معه أناس فرأى من الحكمة ألا يصلي لئلا يمدح؛ فهذا قد أشرك في العبادة, لأنه ترك شيئاً من العبادة من أجل الناس, وإنسان آخر ما كان من هديه ولا من عادته أن يصلي الضحى, فلما خرج مع أناس صلى الضحى من أجلهم فهذا قد راءى. فالمقصود أن تعمل العمل الذي لله عز وجل بدون أن تنظر إلى الناس, لا تعمل من أجلهم عملاً ولا تترك من أجلهم عملاً, فإنك إذا عملت من أجلهم فقد راءيت, وإذا تركت من أجلهم فقد أشركت, والسلامة أن يعافيك الله من هذين الأمرين, وذلك بأن تعمل العمل مخلصاً صادقاً, تطلب أجره وثوابه من عند الله عز وجل.

نصيحة لمن لم يخلص

نصيحة لمن لم يخلص Q أنا شاب لا أجد الإخلاص في قلبي وفي أعمالي, فبماذا تنصحني؟ A كل ما سلف من الكلام نصيحة لي ولك ولكل مسلم, وعليك بكثرة الدعاء والصدق مع الله, قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] فالله لا يضيع سعيك ولا سجودك ولا ركوعك ولا دعاءك, بل سوف ينفح عليك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من نفحاته, ويلطف بلطفه, لكن عليك أن تستعيذ بالله من الشيطان, وتستعيذ من الهوى, وتستعيذ من قرناء السوء, وأن تجدد نيتك دائماً وأبداً. وأنصحك بما ذكره ابن الجوزي في صيد الخاطر: أن تطالع موضوعات الإخلاص كثيراً في كتب الإخلاص, مثل: موضوع الإخلاص في الترغيب والترهيب للمنذري , وموضوع الإخلاص في رياض الصالحين , ومواضيع الإخلاص عند الحفاظ مثل: مجمع الزوائد وجامع الأصول , وفي غيرها من الكتب الجامعة, فعليك أن تطالعها كثيراً, ثم طالع تراجم الصالحين وسير الأخيار, مثل سير الصحابة, وسيرة سعيد بن المسيب , والحسن البصري , ومالك , وسيرة أبي حنيفة , والشافعي , وأحمد بن حنبل , وابن المبارك , قال الله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90].

ما أعد الله للنساء في الجنة من النعيم

ما أعد الله للنساء في الجنة من النعيم Q تقول بعض النساء: نسمع عن الجنة وما فيها من النعيم؛ من القصور والأنهار والحور العين, مما يعطى الرجال, ولكن نحن النساء ما هو دورنا في الجنة, وما لنا فيها من النعيم؟ وكيف حال من كان لها أكثر من زوج في الدنيا, كيف حالها بعد الموت وفي الجنة؟ A أبشر هذه الأخت المسلمة السائلة وكل مسلمة أن الله أعد للمؤمنات ما أعد للمؤمنين, وهذا السؤال قد ورد على النبي صلى الله عليه وسلم من أم سلمة، كما في تفسير قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران:195]. فقد جاء في الحديث: {قالت النساء: يا رسول الله! الرجال ذكروا في القرآن كثيراً, ووعدهم الله ثواباً, ووعدهم مبرة في الجنة؛ فما لنا نحن؟ فأنزل الله عز وجل في كتابه, ما اكتفى بجواب رسوله صلى الله عليه وسلم بل أفتاهم الله عز وجل فقال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195]} فأبشري وأملي في ربك ما يسرك, فإن الله قد أعد النعيم لكل مسلم من ذكر وأنثى, لأن بعضنا من بعض, فالأم هي أم البيت, وهي العمة والخالة والأخت, وهي القريبة, وهي الحميمة, وهي المدرسة التي تعد الأجيال, والتي تربي البيت؛ فلها عند الله جزاؤها وثوابها موفوراً. وأما مسألة: من كان لها أكثر من زوج, فبمن تزوج في الجنة؟ فقد ناقشها بعض أهل العلم, وخرج بعضهم بأنها تزوج أحبهم إليها وأصلحهم وخيرهم, فهي زوجته عند الله عز وجل, فأحسن الأزواج وخيرة الأزواج وأحبهم إلى قلبك هو زوجكِ إن كنتِ من أهل الجنة نسأل الله أن يدخلنا وإياكن الجنة.

نصيحة لأولياء الأمور في تزويج بناتهم

نصيحة لأولياء الأمور في تزويج بناتهم Q أخت سائلة تقول: لي أخ هو ولي أمري, ولكنه للأسف يرفض من يتقدم لي من الشباب الطيب, بحجة أنه ليس من القرابة أو بحجة الدراسة, فما نصيحتكم لأولياء الأمور الذين يرفضون الشباب الطيب لأسباب ليست من الإسلام في شيء؟ A نصيحتي لكل مسلم عنده مؤمنة في بيته يريد أن يصون عرضها ودينها وشرفها أن يبحث لها عن رجل, وإذا أتاه من يرضى دينه وأمانته أن يزوجه, وألا يرد طلبه فيبتليه الله عز وجل بفساد وفتنة, ففي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} فالله الله! وأي طلب أكبر من رجل صالح يصلي لله الصلوات الخمس, ويتوضأ بماء التوبة والصدق والإخلاص, ويريد ما عند الله، حَسن الخلق قائم بكتاب الله فأين يُذهب بنا؟ وأين يذهب بعقولنا؟ وأين يذهب بأخلاقنا؟ أن نعرض بناتنا وأخواتنا على الفجرة وعلى المردة أعداء الله, لتعيش حياة الضنك, الحياة الجهنمية, حياة المعصية, وترك الصلاة, وهجر كتاب الله عز وجل ومقاطعة ذكره سبحانه، لتستمع الغناء والهراء, وترى المعصية بعينها, فتعذب في الدنيا, ثم لا تجد طريقاً لأن تعبد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فلنتق الله في أنفسنا، ولنتق الله في بيوتنا، ولنتق الله في بناتنا وأخواتنا, ولنطلب لهن بيوتاً صالحة, ولنعنهن على ما يقربهن من الله عز وجل, ولنكن من مفاتيح الخير؛ لأننا لا نرضى ونحن الرجال أن تدخل علينا امرأة فاجرة؛ فكيف ترضى وأنت رجل ألا تزوجها رجلاً صالحاً محسناً قريباً من الله عز وجل, لينقذها الله به من النار, وليصلح لها شأنها وظاهرها وباطنها. فأسأل الله أن يصلح شأننا وشأنكم، وأن يصلح بيوتنا ويصلح قلوبنا, إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

رفع الصوت بالبكاء في الصلاة

رفع الصوت بالبكاء في الصلاة Q هل الأفضل رفع الصوت بالبكاء والخشوع أثناء الصلاة خلف الإمام أو كتم الصوت؟ A المسألة ليس فيها فاضل ولا مفضول, بل لا يرفع صوته, وليكتم ما استطاع لأنها صلاة, ولأن للصلاة خشوعاً وآداباً, وإن كان تكلف هذا الصوت, وتكلف الشهيق والزفير في البكاء, فهو مذموم, وقد خالف الأوْلى, وعليه أن يتقي الله, وليخفِ بكاءه ودموعه، وليكن بكاؤه لله عز وجل. وإن غلبه ذلك فإنه يعذر؛ لأن بعض الناس يغلبه البكاء, فلا يستطيع أن يكتم صوته ولا أنفاسه لما في قلبه من حرارة وكثرة البكاء, فهو مأجور ومشكور, فقد كان أبو بكر رضي الله عنه يسمع نشيجه من آخر الصفوف, وسمع بكاء عمر من الصفوف المؤخرة في المسجد, وفي سنن أبي داود عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعت لصدره أزيزاً كأزيز المرجل من البكاء} والمرجل: هو القدر الذي يغلي إذا استجمع غلياناً على النار. والبكاء فضيلة ولا شك: {عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله, وعين باتت تحرس في سبيل الله} قال تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ} [النجم:59 - 60]. فلذلك مدح الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من يبكي من خشيته, وأعد الله له ثواباً عنده.

الشباب الصالح ومشكلة التأخر عن الصلاة

الشباب الصالح ومشكلة التأخر عن الصلاة Q يلاحظ أن الكثير من الإخوة لا يبكرون للصلاة بعد الأذان مباشرة, بل يتأخرون إلى قرب موعد الإقامة, فهل من نصيحة؟ A النصيحة التي يمكن أن أقدمها إلى نفسي وإلى إخواني من المسلمين أن يتقدموا ليقدمهم الله عز وجل عنده, يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يزال قوم يتقدمون حتى يقدمهم الله فيمن عنده, ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله فيمن عنده} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {خير صفوف الرجال أولها, وشرها آخرها, وخير صفوف النساء آخرها, وشرها أولها}. والصف الأول يصلي عليه لله وملائكته، كما في حديث جابر بن سمرة: {إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف والصفوف الأول} فاغتنم أن تكون وراء الإمام لتحظى بقربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, ولتكون من المبكرين لطاعته. جاء في كتاب الزهد للإمام أحمد في ترجمة عدي بن حاتم أنه قال لما أتته الوفاة: [[ما أتتني صلاة إلا وقد توضأت وأنا لها بالأشواق]]. وذكروا أن أحد الصالحين كان يشتغل بالنجارة, فكان إذا سمع (الله أكبر) وقد رفع المطرقة أسقطها وراء ظهره وقام إلى الصلاة. وورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله, فإذا سمع (الله أكبر الله أكبر) قام كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه}. والذي يلاحظ على كثير من الشباب التأخر عن أوقات الصلاة وهم من أهل الاستقامة ومن أهل الخير, بل إن بعضهم لا يأتي إلا بعد أن يكبر الإمام تكبيرة الإحرام, فأين الصف الأول؟ وأين استغفار الملائكة؟ يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {لا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه أو ما دام ينتظر الصلاة -في رواية البخاري - تقول: اللهم اغفر له, اللهم ارحمه ما لم يحدث} أفلا تريد أن تتقدم قبل الإمام مع الأذان, فتردد الملائكة بأصواتها: اللهم اغفر له, اللهم ارحمه, فنسأل الله أن يغفر لنا ولكم ويرحمنا برحمته.

حكم دخول المسجد وقراءة القرآن للحائض

حكم دخول المسجد وقراءة القرآن للحائض Q امرأة في حلقة علم وهي حائض, فهل يجوز أن تقرأ القرآن؟ A أولاً: قبل أن نخبرها بجواز قراءة القرآن أو عدمه, إن كانت حلقة العلم في المسجد فلا ينبغي أن تأتي إلى المسجد, وعليها أن تجتنب المسجد, فإن الرسول صلى الله عليه وسلم {نهى أن يدخل المسجد حائض أو جنب} كما في رواية أبي داود من حديث علي. وأما إذا كانت حلقة العلم في غير المسجد فلها أن تحضرها, وأما قراءة القرآن عن ظهر قلب للحائض فليس بها بأس, وبعض أهل العلم يقولون: يجوز لها أن تمس المصحف لأنهم يضعفون حديث علي الذي عند أبي داود: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يمس القرآن حائض أو جنب} ضعفوه وجوزوا لها أن تمس المصحف. ولكن الأحوط والأوْلى أن تقرأ القرآن عن ظهر قلب، أما أن تمس المصحف فليس لها ذلك إذا كانت حائضاً.

الأحوط للحائض ألا تمس المصحف

الأحوط للحائض ألا تمس المصحف Q ألا يتعارض مع ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: {إن حيضتك ليست في يدك}؟ A نعم. الحديث الذي ذكر الأخ حديث صحيح، قال لها صلى الله عليه وسلم: {ناوليني الخمرة, قالت: إني حائض, قال: إن حيضتك ليست في يدك} والخمرة كالسجادة يصلي عليها صلى الله عليه وسلم. لكن هذا الحديث -بارك الله فيك- فيه احتمال, وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال؛ فإن مسألة طهارة اليد ومس المصحف من عموم هذا الحديث ليست بواردة, وليست بأكيدة من النص, فعلينا أولاً أن نعود للنصوص لنجمعها, وهناك حديث عند أبي داود عن علي رضي الله عنه, وعلى فرض ضعف الحديث؛ فالأحوط ألا تقرب المصحف, أما أن نأخذ طهارة الحائض وطهارة يد الحائض من هذا؛ فلو كان الأمر كما قلت لترك الرسول صلى الله عليه وسلم لها المجال, ونقول: ما دامت يدك طاهرة, وجسمك طاهراً, فادخلي المسجد, وقد قال صلى الله عليه وسلم لـ أم سلمة لما توضأ معها واغتسل: {إن الماء لا يجنب} مع العلم أن الماء كاليد في وصول الجنابة إليه أو وصول حدث الحائض إليه, ولكم أن تعودوا إلى أهل العلم كسماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن باز وغيره من العلماء. ولكن الذي أعرفه في المسألة أنه لا ينبغي لها أن تمس المصحف, احتياطاً لهذه الأحاديث، ولما ورد من آثار, ولها أن تقرأ القرآن غيباً.

للحائض أن تعبر المسجد ولا تلبث فيه

للحائض أن تعبر المسجد ولا تلبث فيه Q لكن ألا يكون ذلك إذناً من الرسول صلى الله عليه وسلم لها بدخول المسجد؟ A الداخل إلى المسجد غير الجالس اللابث في المسجد, لأن الله عز وجل قال للجنب: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43] فالعابر غير الجالس, فأنا أقول: لا تجلس في المسجد, لا الحائض ولا الجنب, ولها أن تعبر المسجد من طرفه إلى طرفه, ولها أن تمر لتأخذ حاجة كما فعلت عائشة , وإلا ففي الصحيحين عن عائشة ذلك أنها قالت: {كان صلى الله عليه وسلم يدني لي رأسه وأنا في بيتي وهو في المسجد, أرجل رأسه} فلماذا لم تدخل عليه في المسجد لترجله؟ لأنها لو رجلت رأسه للبثت معه, واللبث للحائض ليس بجائز.

قصائد شعرية

قصائد شعرية Q يود كثير من الإخوان من فضيلتكم سماع القصيدة البازية, وقصيدة مجاهدي الأفغان! A قصيدة الشيخ الوالد تكررت مرتين, وقصيدة مجاهدي الأفغان قد سمعت في مناسبة, ولكن لا بأس بإعادتها، فالمكرر أحلى, هذه القصيدة اسمها "مع المجاهدين الأفغان": مروا بقلبي فقد أصغى له البانُ لي في حمى الحب إخوان وجيرانُ نعم لك الله ما قد تبت من ولهٍ أما لكم صاحبي صبر وسلوانُ أنا يراعتك اللاتي كتبت بها رسالة الحب ما في ذاك نكرانُ دع ذا وهات قوافٍ منك صادقة لأمة مجدها بالأمس فينانُ كم ملحد ماجنٍ ظن الحقوق له زفوا له الموت مراً وهو مجانُ وبلشفي أتى كالعير منتخياً رأى المنايا فأضحى وهو جعلانُ ردوه كالقرد لو بيعت سلامته بشعبه لشراها وهو جذلانُ فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ يسعى فيعثر في سروال خيبته في أذنه من رصاص الحق خرصانُ وهناك قصيدة أرسلتها للشيخ سياف وهي بعنوان "المدوية": سياف في ناظريك النصر يبتسم وفي محياك نور الحق مرتسم وفيك ثورة إسلام مقدسة بها جراح بني الإسلام تلتئم حطمت بالدم أصناماً محجلة وصافحت كفك العلياء وهي دم ثأرت لله والدين الحنيف فلم يقم لثأرك طاغوت ولا صنم على جبينك من سعد توقده وخالد في رؤى عينيك يقتحم حلِّق إذا شئت فالأرواح طائرة فعن يمينك من عاهدت كلهم وصغ من المهج البيضاء ملحمة يظل يقرؤها التاريخ والأمم موتاً على صهوات البيد يعشقه أهل البسالة في عليائهم شمم لا موت من تسكر اللذات فطنته حياته في الورى سيان والعدم سياف خذ من فؤادي كل قافية تجري إليك على شوق وتستلم بها حياء إذا سارت لحضرتكم ماذا تقول ويكفي أنك العلم كادت معاليك أن ترويك معجزة لكن تواضعك الأسمى لها كتم كأنما أنت كررت الأُلى ذهبوا هذا صلاح ومحمود ومعتصم السائرون وعين الله ترقبهم السابحون وماء البحر مضطرم أكفانهم نسجوها من دمائهم على مطارفها النصر الذي رسموا ماتوا ولكنهم أحياء في غرف من الجنان وذابوا لا فقد سلموا يكبرون فتهتز الربى فرقاً ويهتفون فيسعى النصر نحوهم والطائرات على صيحاتهم سقطت صرعى وربانها فوق الربى فحم إلى آخرها. نسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم, إنه على كل شيء قدير, وبالإجابة جدير, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأمير العباسي الفقير

الأمير العباسي الفقير من أهم ما جاء من أجله الإسلام تصحيح الميزان الذي يوزن به الناس، فبدلاً من المعايير الجاهلية من الحسب والنسب والمال وضع الإسلام قاعدة أساسية، وهي التفاضل بالتقوى، وتلك هي إحدى مقتضيات (لا إله إلا الله). وقد عرض الشيخ حفظه الله قصتين: الأولى: قصة ذلك الأمير الذي ترك القصر والخدم والحشم وتوجه إلى العبادة نتيجة موازنة طويلة بين الحياتين، حياته هو وحياة العابد الفقير الذي كان يتأمله طيلة تلك المدة. والقصة الثانية: توضح حالة إنسان فقير في إطار المجتمع المسلم وهو قصة الصحابي الجليل: جليبيب رضي الله عنه. وكلا القصتين تصب في بند تصحيح المعايير والموازين، وضبطها بمعيار التقوى والصلاح.

الأمير العباسي في الطريق إلى الله

الأمير العباسي في الطريق إلى الله الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً، واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون حياة ولا نشوراً. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً: {وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب:46] أسكت الله به الجاهلية فلم تتكلم، وهدَّم به الوثنية فلم تُبْنَ، وأزال به أوضار الشرك فلم يعد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ ويا حريصاً على الأموال يجمعها أقصر فإن سرور المال أحزانُ من يتق الله يُحمد في عواقبه ويكفه شر من عزوا ومن هانوا فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركانُ قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:18 - 21]. ما الحياة؟! ما هو ذهبها؟! ما هي فضتها؟! ما هي قصورها ومناصبها ووظائفها؟! كلها لا شيء لعب ولهو تفاخر وتكاثر زهوٌ ورياء إعجابٌ وظهور طلاسم ولموع، ولكن الحقائق والثوابت هي الإيمان والعمل الصالح.

الأمير يتتبع حياة العابد الفقير

الأمير يتتبع حياة العابد الفقير خرج علي بن المأمون -ابن الخليفة العباسي المأمون - من قصره على شرفة القصر، فأشرف من شرفات القصر -البروج العاجية- ذات يوم ينظر إلى سوق بغداد طعامه شهي، ومركبه وطي، وعيشه هنيء، يلبس ما جمل، ويأكل ما طاب، ما جاع يوماً في حياته، وما ظمئ أبداً، وما مست الشمس جبهته، فأخذ ينظر من القصر إلى الناس في السوق، هذا يذهب وهذا يأتي، ولفت نظر الأمير رجل حمال، يعمل للناس بالأجرة، ويظهر على هذا الجمال الصلاح والنسك، حباله على كتفيه، والحِمْل على ظهره، ينقل الحمولة من دكان إلى دكان، ومن مكان إلى مكان، فأخذ يتابع حركاته في السوق، فكان الحمال إذا انتصف الضحى ترك السوق، وخرج منه إلى ضفاف دجلة، فتوضأ وصلى ركعتين، ورفع يديه إلى الحي القيوم: سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا سبحان الذي اتصل به الفقراء والمساكين! سبحان من التجأ إليه المظلومون والمضطهدون! سبحان من عرفه البسطاء، وحجب كثير من الأغنياء والوجهاء! عرفه الذي في الخيمة، وعلى الرصيف وبيده كسرة الخبز، ولم يعرفه الذي في القصر الشاهق، والمنصب العالي، والمنزلة الرفيعة. فأخذ الأمير ينظر إلى هذا، فإذا صلى الحمَّال الضحى، عاد فعمل إلى قبيل الظهر، ثم اشترى خبزة جافة بدرهم، فيأخذها إلى نهر دجلة، فيأتي إلى النهر، فيبل كسرة الخبز في الماء، ويشرب من الماء، ويأكل الخبزة، فإذا انتهى توضأ لصلاة الظهر وصلى، ثم دعا وابتهل وبكى، ونادى الحي القيوم، ثم ينام ساعة، وبعد النوم يستيقظ وينزل إلى السوق، فيعمل ويجتهد، ثم يشتري خبزاً ويذهب إلى بيته، وفي اليوم الثاني يعود إلى هذا البرنامج والجدول ولا يتغير عنه وكذلك في اليوم الثالث والرابع إلى أيام كثيرة، فأرسل الأمير جندياً من جنوده إلى ذاك الحمال ليستدعيه وليكلمه في القصر، فذهب الجندي واستدعى الحمَّال. قال للجندي: ومالي وملوك بني العباس؟ مالي وللخلفاء؟ ليس بيني وبين الأمراء من صلة، ليس لي قضية ولا مشكلة ولا مهمة، إن أشكل علي شيء رفعته إلى الحي القيوم، وإن نابني شيء أعدته إلى الله الواحد الأحد، وإن جعت أشبعني الله، وإن ظمئت أرواني الله، ما عندي لا دار ولا عقار ولا أرض، أنا بالله وبالله أنا. قال الجندي: أمر الأمير أن تحضر إليه اليوم فظن المسكين أن الأمير سوف يحاسبه أو يحاكمه، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، وهذه الكلمة هي سلاح الفقراء، والمضطهدين والمظلومين، وسلاح المساكين، لكنها تكسِّر رءوس الطغاة، وتحطِّم الحواجز الحديدية، وتسحب القلاع. أتي بإبراهيم عليه السلام والنار محرقة، فزجوا به في النار، فأخرج سلاحه: حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلب بنعمةٍ مِنَ الله وفضل. موسى عليه السلام خرج هو وقومه فإذا البحر أمامه، والموت وراءه، فأخرج سلاحه، وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فَنَجَّاه الله. حضر محمد صلى الله عليه وسلم حضر بدراً، وأحداً، والأحزاب، وتبوك وأمثالها وأضرابها في قلة، فرأى الكفر يزدحم، فأخرج سلاحه وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل؛ فانتصر. أتى خالد بن الوليد في اليرموك فرأى جيوش الروم كالجبال! والصحابة في فئة قليلة، يقول أحد الصحابة لـ خالد: اليوم نلتجئ إلى سلمى وآجا -أي: يقول: سوف نفر اليوم من هذا الحشد الكبير إلى سلمى وآجا - وهي جبال في حائل، فدمعت عينا خالد، وقال: [[بل إلى الله الملتجأ، حسبنا الله ونعم الوكيل!]] فانتصر. وسعد رأى فارس ورأى الكفر والعمالة والجهالة، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فداس رءوسهم بأقدامه، وقالها صلاح الدين، وقالها المجاهدون الأفغان. أتت روسيا بقواتها وطائراتها وسلاحها ودباباتها وصواريخها، فخرجوا بسلاحهم من بيوتهم متوضئين مصلين، قال لهم الناس: التجئوا إلى نيويورك إلى واشنطن قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالوا: إلى القوة العالمية، قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالوا: إلى الدول وإلى العواصم، قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:174].

الحوار بين الفقير والأمير

الحوار بين الفقير والأمير دخل هذا الفقير على ابن المأمون الأمير وسلم عليه، قال له الأمير: ألا تعرفني؟ قال: ما أتيتك وما رأيتك حتى أعرفك، قال: أنا ابن الخليفة قال: يقولون لي ذلك، قال: ماذا تعمل أنت؟ قال: أعمل مع عباد الله في بلاد الله. قال: قد رأيتك أياماً ورأيت المشقة التي أصابتك، فأريد أن أخفف عنك المشقة. قال: بماذا؟ قال: بأن تسكن معي في القصر بأهلك آكلاً شارباً مستريحاً، لا هم ولا غم ولا حزن. قال: يا بن الخليفة! لا هّمَّ على من لم يذنب، ولا غم على من لم يعص، ولا حزن على من لم يسئ، أما من أمسى في غضب الله، وأصبح في معاصي الله، فهو في الغم والحزن والهم، قال: ماذا تفعل أنت في نهارك؟ فأخبره، قال: هل وراءك أهل؟ قال: نعم. أمي عجوز كبيرة، وأختي عمياء حسيرة، آتي بإفطاريهما قبل الغروب. وهما تصومان كل يوم، فنفطر جميعاً ثم ننام، قال: فمتى تستيقظ؟ قال: إذا نزل الحي القيوم إلى سماء الدنيا، قال: هل عليك من دين؟ قال: ذنوب سلفت بيني وبين الحي القيوم، قال: ألا تريد معيشتنا؟ قال: لا والله، قال: ولم؟ قال: أخاف أن يقسو قلبي ويضيع ديني، قال: أتحب أن تكون حمالاً في السوق جائعاً في الشمس والعري والهم والغم والكلفة، ولا تكون معي في قصر الإمارة؟! قال: إي والله، فنزل وتركه، فأخذ الأمير يتأمل وينظر وهو في حيرة، فقد ألقى عليه محاضرات من الإيمان، وطرق قلبه بدروس من التوحيد، وألقى عليه كلمات تنفذ إلى القلب، وأخذ يتابعه بطرفه حتى اختفى.

الأمير يهرب من القصر إلى العبادة

الأمير يهرب من القصر إلى العبادة وفي ليلة من الليالي استفاق الأمير من غيبوبته، وصحا من نومه، وعلم أنه كان في سبات عميق، وفي نوم طويل، وأن داعي الله يدعوه ليتنبه تنبهوا يا رقودُ إلى متى ذا الجمود ُ فهذه الدار تبلى وما عليها يبيدُ الخير فيها قليل والشر فيها عتيدُ والعمر ينقص فيها والسيئات تزيدُ فاستكثروا الزاد فيها إن الطريق بعيدُ فاستيقظ الليل، وقال لحاشيته وخدامه: أنا أذهب إلى مكان، فإذا أتى بعد ثلاثة أيام، فأخبروا أبي الخليفة المأمون أني ذهبت، وسوف ألتقي أنا وإياه يوم العرض الأكبر إن كان قد عزَّ في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا قالوا: ولم؟! قال: نظرت إلى نفسي أنني في غيبوبة وسبات، وفي ضياع وضلال، فأريد أن أهاجر بروحي إلى الله، خرج وسط الليل وخلع لباس الملك، ولبس لباس الفقير، ثم مشى في الطرقات، واختفى عن العيون. لم يعلم الخليفة ولا أهل بغداد أين ذهب الأمير، وعهد الحشم والخدم به يوم ترك القصر، ركب إلى واسط كما يقول أهل التاريخ، وغيَّر هيئته كهيئة المساكين، وعمل مع تاجر من التجار في صنع الآجر -البلاط والطين والبناء- وأخذ يعمل في ذلك، يصلي الضحى، وله أوراد في الصباح، ويحفظ القرآن، ويصوم الإثنين والخميس، ويقوم الليل، ويتصل بالحي القيوم، ما عنده من المال ما يكفيه ليوم واحد، ذهب غمه وهمه، وحزنه، وذهب العُجْبُ والكِبْرُ والخُيَلاء من قلبه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122].

وفاة الأمير

وفاة الأمير ولما أتته الوفاة أعطى التاجر خاتمه، وقال: أنا ابن الخليفة المأمون، إذا مت فغسلني وكفني واقبرني، ثم سلم هذا الخاتم لأبي، فغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه، وأتى بالخاتم إلى المأمون، وظن المأمون، أن ابنه قد قُتل أو فقد أو ذهب على وجهه في مكان لا يدرى عنه، فلما رأى الخاتم شهق وبكى حتى ارتفع صوته، فسأل التاجر عنه، قال: أيها التاجر: هذا هو ابني فماذا كان يفعل؟ قال: كان عابداً ناسكاً أواباً ذاكراً لله، يلجأ إلى الله، ما ترك من الدنيا إلا قيمة الكفن، وقد لقي الله وغسلته وكفنته وصليت عليه، فارتفع صوت الخليفة والوزراء بالبكاء، وعرفوا أنه عرف الطريق، لكنهم ما مشوا معه في الطريق {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:125].

العبرة والموعظة في قصة الأمير

العبرة والموعظة في قصة الأمير هذه قصة من قصص التاريخ أثبتت وحفظت ونقلت: {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]. هل من عاقل؟! هل من متدبر؟! هل من سعيد يعلم أن السعادة في السجود لله، وفي تلاوة كتاب الله، وفي ذكر الله، وفي الالتجاء إلى الله؟! فوالله ليست السعادة في الدور ولا في القصور ولا في الحدائق: ألارب ذي طمرين في جنة غدت حدائقه ملتفة ونمارقه قد اطردت أنهاره حول قصره تبهج والتفت عليه حدائقه فكم من نعيم للمساكين عند الله! وكم من سعادة للعارفين بالله! وكم من شقوة لمن جعل الحياة الدنيا هي حياته، فقدم المعاصي والشهوات، ما كف بصره، ولا رد سمعه، ولا حفظ لسانه ولا فرجه ولا بطنه، فسوف يندم ويبكي يوم لا ندم: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفره وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.

الإسلام ومشكلة الفقر

الإسلام ومشكلة الفقر الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس إلى الله أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. صور اللجوء إلى الله، والتمسكن إليه، وعبوديته وحده عاشها الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ودعوتهم ورسالتهم تعيش مع الفقراء، وتحب المساكين، وتهدف إلى الضعفاء؛ لأنها انتصار للحق، وعمق للأصالة، وثبات للصدق في الأرض.

زواج جليبيب

زواج جليبيب هذا جليبيب أحد المساكين من الصحابة، ليست له أسرة معروفة، ولا عنده جسم بهي جميل، وليس عنده مال، ولا يمتلك منصباً يديره، أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في ثيابٍ ممزقة، وفي هيئة الله أعلم بها. بطنه جائع، وكبده ظامئة، وأعضاؤه هزيلة، ووجهه شاحب، فقال له صلى الله عليه وسلم: {يا جليبيب! ألا تتزوج؟! قال: يا رسول الله! غفر الله لك ومن يزوجني -لا جمال ولا مال- ومرة ثانية يقول له صلى الله عليه وسلم: يا جليبيب ألا تتزوج؟! فيقول: يا رسول الله! من يزوجني لا جمال ولا مال؟} لأن كثيراً من الناس لا يزوج إلا على الدراهم والدنانير، يزوج الرجل إذا رأى عنده ممتلكات وسيارات وشاحنات وناقلات وقصوراً، فيبيع ابنته لذاك الرجل كما تباع الناقة والسيارة، في سوق المزاودة، لا ينظر إلى صلاة ذاك الرجل، ولا إلى صدقه، ولا إلى أمانته، قد يكون هذا الرجل فاجراً سكيراً لعيناً طريداً بعيداً ولكن أنساه ذلك كله مال ذاك الرجل، ومنصبه وسيارته وقصره، فيبيع بنته، فيخسر الدنيا والآخرة فيقول له صلى الله عليه وسلم في الثالثة: ألا تتزوج؟! قال: يا رسول الله! من يزوجني لا مال ولا جمال؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: اذهب إلى ذاك البيت من الأنصار، وقل لهم: رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغكم السلام، ويقول: زوجوني بنتكم، هذا مرسوم من كلام محمد عليه الصلاة والسلام: حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقمات قوله القيلُ فذهب فطرق الباب، قال أهل البيت: من؟ قال: جليبيب، قالوا: مالنا ولك يا جليبيب، فخرج صاحب البيت، فقال: ماذا تريد؟ قال: الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغكم السلام، فارتج البيت بالدعاء والرد: وعليه الصلاة والسلام، قال: ويقول: زوجوني بنتكم، فيقول الوالد: الله المستعان! لأن جليبيباً فقير، وأسرته فقيرة لا مال ولا جاه ولا منصب، يملك ثوبه الممزق، فيقول: أعود إلى زوجتي -لأنها تملك الحق، وتملك هذه المراسيم بما يسمونه حق الفيتو في هذه المواقف- فعاد إليها فقالت: الله المستعان! لو كان غير جليبيب، نزوج ابنتنا جليبيبا! فاجتمعا على أن يردا ويرفضا، فسمعت البنت العابدة الناصحة الصالحة، فقالت: أتردان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عليه؟! لا والله فيتوافقان ويتم الزواج، ويدعو له صلى الله عليه وسلم بالخير، فينشئ بيتاً في الإسلام، أساسه على الخير {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] أفمن أدخل ابنته بيتاً مسلماً تالياً لكتاب الله مستقيماً ذاكراً لله خير أم من أدخل ابنته بيتاً مغنياً فاحشاً ضالاً ظالماً؟! لا يستوون، وعاشت هذه المرأة في سعادة، وأنجبوا أطفالاً مشاعل في التاريخ، علماء ودعاة.

استشهاد جليبيب

استشهاد جليبيب أتى صلى الله عليه وسلم في غزوة خاضها بنفسه صلى الله عليه وسلم، وبعد القتال سأل أصحابه: {من تفقدون من الناس؟ قالوا: نفقد فلاناً وفلاناً، قال ومن؟ قالوا: ما نفقد أحداً؟ قال: ألا تتذكرون أحداً؟ قالوا: لا. قال: لكنني أفقد جليبيباً، أين جليبيب؟! وقام يبحث عنه} لأنه يحب القلوب الصادقة، ويهوى الأرواح المخلصة، ويتعاطف مع أهل الحق، {فمر في القتلى وبحث عنه فوجده مقتولاً بجانب سبعة قتلهم من المشركين}. وما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمرُ تردى ثياب الموت حمراً فما أتى لها الليل إلا وهي من سندس خضرُ {مسح صلى الله عليه وسلم التراب عن وجه جليبيب، وقبل وجهه وبكى، وقال: قتلت سبعة ثم قتلوك، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك!} نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا فهنيئاً لـ جليبيب! وهنيئاً للصادقين! وهنيئاً للمخلصين! وهنيئاً للسائرين إلى الله! وقبحاً للمتخلفين عن ركب النجاة! وحسرةً على الضائعين الشاردين عن الله! وخيبةً لمن لم يعرف طريق الله! لقد ضاعوا لقد ضلوا لقد تقطعت بهم الحبال لقد نكسوا على رءوسهم من رءوس الجبال! فيا من أخذَ بأيدي الصالحين! خذ بأيدينا إليك، وردنا إليك، وافتح قلوبنا إليك، وعَمِّرْ بيوتنا وقلوبنا ومجتمعنا بالتقوى، واغْرِس في قلوبنا لا إله إلا الله لتؤتي أُكلها كل حين بإذنك يا واحد يا أحد. اللهم صلِّ وسلم على محمد الذي أمرتنا أن نصلي عليه، فقلت في كتابك العزيز: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقال صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً، صلى الله عليه بها عشرا} اللهم صلِّ وسلم عليه، واعرض صلاتنا وسلامنا عليه في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأبرار، من المهاجرين والأنصار، وعنا معهم بمنك وفضلك يا أرحم الراحمين! اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحيينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك، واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك، ولنصرة سنة نبيك صلى الله عليه وسلم. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم ثبت أقدامهم، واجمع كلمتهم، واعصمهم من الخلاف، اللهم وحد رأيهم وصفهم على الحق يا رب العالمين، اللهم ارفع بأيديهم لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم بَرِّئْهُم من الكفر والشرك والنفاق يا رب العالمين، اللهم طهر جهادهم من النوازع الأثيمة، والأغراض الذميمة، اللهم صف جهادهم لك وحدك يا رب العالمين، وانصرهم على أعدائك وعدوهم من اليهود ومن شايعهم يا رب العالمين! سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الذنوب خراب الشعوب

الذنوب خراب الشعوب الذنوب خراب للأمم الشعوب، وسبب رئيس لهدم الحضارات، وما حل بأمتنا من هزائم وانتكاسات إنما هو بسبب ما وقع فيها من مخالفة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فحق علينا أن نتعظ بذلك، ونعلن التوبة الفردية والجماعية قبل أن يحل بنا ما حل بالأمم التي عتت عن أمر بها من هلاك ماحق.

صلة الذنوب بالواقع

صلة الذنوب بالواقع الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا ربِّ ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله أيها الكرام: عنوان المحاضرة "الذنوب خراب الشعوب"، ولها صلة أكيدة بما نعيشه ونعايشه في هذه الساعات المحرجة, ونحن لا نعيش في عالم آخر, ولا نفسر الحوادث في الأرض كما يفسرها الملاحدة , بأنها تغير في الكون، أو مروج في الشعوب، أو اختلال في الأمزجة، لا. كل شيء بقضاء وقدر, وما يجري ولا يسقط في الكون ساقط ولا تنبت نبتة إلا بإذن الله, قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59] وقال: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40]. ولذلك ضلل أهل السنة والجماعة من قال: إن الذنوب أو الحوادث لا تقع بعلم من الله، وما كان الله يعلم وقوعها, تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. تقضون والفلك المسير ضاحك وتقدرون فتضحك الأقدار

المعاصي سبب المصائب

المعاصي سبب المصائب إن ما يصاب به الناس في أملاكهم وأنفسهم ودورهم وأعراضهم إنما هو ابتلاء من الله عز وجل، وله أسباب ومسببات، وإن من أعظم الأسباب ومن أجلها: الذنوب والخطايا والمعاصي التي يفعلها البشر, وفي الأثر: {من لم يعرفني سلطت عليه من لا يعرفه}. من لا يعرف الله في المسجد، ولا يعرف القرآن والاتصال به والخلود والسكون إليه، والرضا بحكمه والتحاكم إلى شريعته، وأكل الحلال؛ سلّط الله عليه زنديقاً فاجراً بعثياً علمانياً لا يعرف الله, وهذه سنة من سنن الله في الكون؛ قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] وقال: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:43]. لو أنهم يوم سمعوا ببأسنا وتدميرنا وأخذنا العصاة بالعصاة تضرعوا إلى الله وعادوا، وأكثروا من التوبة والاستغفار، ولكن هيهات! في الأثر يقول بعض السلف ولا يصح حديثاً: [[من لم يتعظ بالقرآن والموت، فلو تناطحت جبال الدنيا بين عينيه ما اتعظ]] بعض الناس استمرأ الخطيئة، وشرب المعصية، وأحب الفاحشة، يسمع دكدكة الصواريخ ولا يتوب, ويرى منزله ينسف من على وجه الأرض ولا يستغفر, ويرى عرضه ينتهك وأطفاله يذبحون ولا يعود إلى الله, قال تعالى: {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:43] والتزيين فعلته الأمة الإسلامية في هذا العصر، وزين لكثير من شعوبها الخطأ ورضيت به, فمعظم العالم الإسلامي لا يحكم بشريعة الله, إنما يتحاكم إلى القانون، ويقولون دول إسلامية! ولكن شريعتهم التي يتحاكمون إليها هي قانون نابليون بونابرت، وشرائع حمورابي، ومخططات هتلر , قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] كثير من العالم الإسلامي الآن استمرأ الربا فلا ينكره أبداً, يأكله ويشربه ويلبسه، وأصبح أمراً اعتيادياً؛ بل انبرى بعض الدكاترة الذين أضل الله قلوبهم، فبرروا وجود الربا في المجتمع المسلم. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن الذنوب وعن آثارها التي تقع في مجتمعات الناس: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] قال بعض العلماء: "ما ظهر فساد في الهواء ولا ركود في الماء ولا اختلاف في الناس؛ إلا بسبب الذنوب" قال ابن المبارك: تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع

من قصص الصالحين

من قصص الصالحين يقول بعض العلماء من الذين عاشوا في هذا القرن من الصالحين الثقات الأفذاذ: "كنا نسكن قرية من هذه البلاد الحبيبة المعطاءة، وأتانا عام الجدري -عام عمّ الله فيه ببلاء الجدري وربما سمي الكوليرا- قال: وكان في قريتنا رجل صالح يعرف الله, ويقوم الليل, رجل يصوم النوافل, ويتضرع إلى الله, قال: فكان كلما أصبح الصباح دار على هذه القرية وقرأ آية الكرسي والمعوذات في كل صباح, قال: فوالله ما علمنا إقليماً ولا مدينة ولا قرية إلا دخلها الجدري إلا هذه القرية". وربما يقول أذناب العلمنة والبعث والزندقة: هذا من أساطير الأولين, بل هي من حقائق الصالحين, ومن قواعد العارفين برب العالمين, فعلها محمد صلى الله عليه وسلم فأنجز الله له ما وعد به, الصالحون والأخيار، ومعلوم على مر التاريخ أن النار تحرق ولكن جعلها الله برداًَ وسلاماً على إبراهيم, والبحر يغرق ولكن جعله الله عز وجل يبساً تراباً لموسى عليه السلام, إنها قدرة بالغة من الواحد الأحد. يقول: تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع

وقفات مع حزب البعث

وقفات مع حزب البعث إن الحب الادعائي، والمشاعر الفياضة التي ينطق بها بعض الناس أثبتت الأدلة خطأها. كثير من الناس يفعل المعاصي فإذا أوقفته عند حده رد عليك بالعواطف الكاذبة, يقول: الله يعلم أني أحبه, الله يعلم أني أناصره, الله يعلم أني أحب رسوله! إن هذا حب صوفي هندوكي, قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]. إن كنتم تحبون الله فهلموا إلى المسجد, واتركوا الخمر والغناء والربا والدسيسة واللهو والتمرد على حدود الله, قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:18] انظر إلى الكذبات، ادعاء الشعوب أنها تتصل بالله وهي على خطأ, ادعاء بعض القيادات أنها تحامي عن الإسلام وهي آثمة ظالمة, كما يفعل قادة البعث وزمرته في العراق , وهذا ادعاء فاشل ثبت فشله. يا مدعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا البعث داس المصحف, أفيدافع من داس المصحف عن القبلتين؟ أيدافع عن المقدسات؟ أيتحمس لزمزم والحطيم؟ لا والله! وما كانوا أولياءه! وليسوا أولياءه، قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] تصفيق وصفير ووَلْوَلةٌ كاذبة وشعارات آثمة.

ذنوب مدمرة وكفر بواح

ذنوب مدمرة وكفر بواح يقول سبحانه: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل:52]. ما دمر القرى وأزالها إلا ظلم الناس, وورد في مسند أبي يعلى بسند فيه كلام: أن الله عز وجل يقول في الحديث القدسي: {وعزتي وجلالي لولا شيوخ ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع، لخسفت بكم الأرض خسفاً}. يقولون في ترجمة محمد بن واسع الأزدي: إننا نظن أن الله عز وجل يرعى أهل الكوفة ويحمي أهل الكوفة من الزلازل والفتن بصلاحه ووجوده, والله عز وجل ربما حمى دولة كاملة بصلاح ثلة باقية, والثلة الباقية هم أهل العلم والدعوة، وأهل الزهد والصلاح، وأهل تحكيم شرع الله عز وجل في أنفسهم وفي الناس. ثم لام الله عز وجل قوماً نقضوا ميثاقه ولعبوا بشريعته واستمرءوا معصيته، فقال: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13] في العالم العربي شعوب كانت -والله- وما زالت تسب الواحد الأحد!! إذا تطاول الإنسان -الذي يدعي أنه من أحفاد محمد عليه الصلاة والسلام- إلى أن يسب الله فماذا بقي معه من الإسلام؟ وهل بقي معه من الدين شيء؟ وهل يصلح هذا المجرم أن يكون أخاً لنا وصديقاً وصاحباً؟ بالله عليكم مكتوب في بعض السرايا والتدريبات العسكرية على بعض أعلامهم: آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني قال الله سبحانه: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5] وقال: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66] وقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] يقول شاعرهم العلماني، وهو قومي حملوه على الأكف وعلى الأكتاف يقول: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم ألا مرحباً بكفر يؤلف بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم نعوذ بالله من جهنم, ثم يرفعون شعارات الحمية للإسلام, وفي مذكرات صدام في كتابه الذي أُلف عنه: صدام سياسياً ومفكراً يقول: "القرآن تراث أدبي جيد لمحمد العربي القومي العبقري. فهو لا يميز الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه رسول, ويرى أن ميشيل عفلق والرسول وأبا بكر وعمر وعثمان سواء!! قال تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:112]. وقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13] وما أقسى قلوبهم! ربما يرحم بعض الكفرة فعندهم منظمة حقوق الإنسان ولو أنها منظمة خاطئة كاذبة, فهم الذين أكلوا الإنسان, وشربوا دم الإنسان, وسحقوا الإنسان. قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا لكن مع ذلك ربما يرحمون, يحتجون إذا قتل كلب من كلابهم! لكن الشعب الفلسطيني يسحق بالمئات والآلاف ولا يحتجون. قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر هكذا يتحاكمون! لكن ربما كانوا أرحم من بعض الذين يرفع شعار الإسلام؛ قال تعالى: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13]. هل أقسى من سحق الأطفال؟! هل أقسى من تشريد الآمنين؟! هل أقسى من طرد الحوامل حتى تضع كل ذات حمل حملها؟! هل أشق من هدم المساجد على المصلين؟! هل أنكى من الفتك بالأعراض وارتكاب الفاحشة في نساء المسلمين؟! لا. {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13]. يلعبون على الشعوب, يقرءون القرآن لكن لا يؤمنون بحرف من القرآن.

تطاول على الدين

تطاول على الدين سمعت مرة صداماً وهو يتكلم في إذاعته وهو يقول: كيف يدخل الخميني الجنة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {أنا عربي، ولسان أهل الجنة العربية} والخميني ليس بعربي؟! A أولاً: يا صدام! الحديث موضوع كما أنك أنت موضوع من قائمة المعتمدين, والحديث مكذوب مثلما تكذب. الثاني: الإسلام ليس للعرب قال تعالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] , وسلمان فارسي أسلم وعرف الله, وصهيب رومي أسلم وعرف الله وأصبح ولياً لنا, وكذا بلال حبشي. وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم هذا كلام باطل وسخيف, وينبئ عن عقلية فاجرة متجرئة على الله، تستهزئ بمقدرات وعقول الشعوب والأجيال, والله تعالى يقول في القرى التي كانت آمنة مطمئنة: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] كانوا آمنين مطمئنين، ولكن لما انحرفوا عن منهج الله وأعرضوا فجعلهم الله شذر مذر, وهذه سنة الله في الكون وفي الدول وفي الشعوب.

الذنوب تدمر الحضارات

الذنوب تدمر الحضارات

سقوط الأندلس

سقوط الأندلس سقوط الأندلس عجيب! كان في الأندلس ملوك مسلمون، وأمة مسلمة, مرت بهم الفترة إلى ما يقارب الرابع والخامس من القرون، ثم بدأ اللهو, وتحكيم الشريعة أصبح اسمياً عندهم, أصبحت الجواري المغنيات يمررن في السوق وينادين على أنفسهن من يشتري؟ أبطل الحجاب في الأندلس , أدخل النصارى مع المسلمين، فأصبحوا يمرجون في بيوتهم ويخرجون ويدخلون. كانت ولاَّدة إحدى الشاعرات التي تدعي الإسلام، مثل بعض الشاعرات الآن في العالم العربي تدعي أنها مسلمة، ولكنها ناشرة شعرها, ناشرة فتنتها, مضيعة دينها, مضيعة شرفها وعفافها, وتدعي أنها مسلمة, كتبت ولادة بيت شعر على وجهها تعرض نفسها على الناس, وكان علماء الأندلس محدثون لكن أصبح صوتهم ضعيفاً، وأصبحت النغمة والميدان لأهل المعاصي, وأصبح المتكلمون -أهل الفجور- الذين يتصدرون المجالس أهل غضب الله وسخط الله ولعنته, وأصبح العلماء في الزوايا مندسون، ما عندهم مكانة ولا يسمع لهم أحد, وليس لهم سلطان, إنما السلطان لأهل المعاصي. ويا أيها المسلمون! هذه نظرية مصدقة من التاريخ, إذا كان العلماء في مقدمة الناس وكانوا محترمين ومقدرين؛ فاعلم أن الأمة منتصرة. ويوم يقل شأن أهل العلم ويستذلون ويستضعفون فاعلم أن الأمة طوي البساط من تحتها. الرافضة يبالغون في تقدير علمائهم إلى حد القداسة التي نرفضها نحن, فيصفونهم بأنهم الآيات والحجج وكأنهم رسل بين الرافضة، يطاردونهم في كل مكان يتمسحون بهم وهذا نرفضه, وهذا غلو يخالف شرع الله, نحن نحترم العالم بأن نقدر كلمته وأن نسمع لنصيحته, وأن ننصت له, ونستشيره, ونجعله موجهاً للجيل, ونهيئ له المكانة اللائقة به ليقود الأمة, قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] وقال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] وقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. العلماء هم النجوم ولكن لا أفول لهم. الشاهد: استمرت الأندلس على هذا الوضع المنحط، وأنا أعلم وأنتم تعلمون أنه كان في الأندلس دعاة وعلماء يبكون ويصيحون وينادون: يا عباد الله عودوا إلى الله! لكن: لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد أعرضوا عنهم, وتولوا عنهم, خمر وسكر، وعهر وغناء، وربا، وعدم تحكيم لشرع الله، وتسلط الفجرة، وبطانة سيئة, فسلّط الله عليهم من لا يعرفونه, فاجتاحتهم النصارى مثلما اجتاح صدام الكويت , أمسوا هادئين مطمئنين وفي الصباح أتت جيوش النصارى -الفرنجة- كالجبال, فهدموا المدن وأزالوا المساجد وحولوها إلى كنائس, وأدخلوا جرار الخمر في المنابر, وأخذوا المصحف ومزقوه وداسوه, وأخذوا الشيوخ وذبحوهم, وأخذوا النساء فاستباحوهن, وذلك بسبب المعصية ونسيان عهد الله، قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} [الطلاق:8 - 9]. إنها العبر والعظات، لكن لمن يتذكر ولمن يعي.

قصة سبأ

قصة سبأ ذكر الله قصة قرية في اليمن كما يقول سيد قطب رحمه الله: الآن ينتقل إلى اليمن ليحدثنا عن قرية من قرى اليمن , قرية هادئة مطمئنة، يصفها الله بوصف القرآن البليغ الجميل البديع، واسمع إلى السياق سبحان من أنزله! وسبحان من تكلم به! آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جلال العتق والقدم أتى على سفر التوراة فانهزمت فلم يفدها زمان السبق والقدم قرآن ينتهي من قصة سليمان والجن ثم يقف ويقول: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15]. هذه القرية يقولون: كان للرجل بستانان اثنان عن يمين بيته وعن يساره, ظل ظليل، وماء بارد، وثمر طيب، وزهر وورد، وسلسبيل وخضرة، وطيور وغمام وراحة, وقال الله لهم: كلوا واشكروا، تنعموا واذكروا, والله تعالى لم يحرم علينا الطيبات. اسكن القصر لكن صلِّ الجماعة. اسكن القصر لكن حجّب زوجتك. اسكن القصر لكن لا تدخل فيه الخمر, أو العهر والمعصية. اسكن القصر والبس الجديد لكن استعن به على طاعة الله. لكنهم رفضوا وأعرضوا, فماذا فعل الله بهم؟ أرسل عليهم فأرة, يقول بعض السلف: حتى لا يقولون فأر لأنه ذكر بل يقولون: فأرة, وقد جعلوا الرصاص في سدهم الذي يختزن كميات هائلة من المياه, فأخذت الفأرة تنقض الرصاص فانهد السد فأصبحوا شذر مذر, قال تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [سبأ:16 - 19]. يقول: ما أبقينا من ذكرهم إلا الأحاديث في السمر, أين أهل الأندلس؟ أعندكم خبر من أهل أندلس فقد سرى بحديث القوم ركبان لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان والزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان الولاء لله, والانتصار بالله, والعودة إلى الله, والتوبة من الخطايا، وتصحيح التوحيد، واللجأ إلى الله, ثم يقول سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [المائدة:65] أي: كفرنا عنهم سيئاتهم، وأنعمنا عليهم وسترناهم في الدنيا، ولأدخلناهم جنات النعيم في الآخرة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الله لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة, ويهدم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، وتلك سنة من سنن الله, ثم تلا: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل:52].

إن في ذلك لعبرة

إن في ذلك لعبرة حذر الله أهل القرى والشعوب من الانحراف عن منهجه، وأخبرهم أن عذابه قد يأتي مفاجئاً بغير إنذار مبكر، ولا توعية ولا نداءات, إذا أراد الله أن يهلك قرية أهلكها في لمح البصر، حيث قال سبحانه: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ} [الأعراف:97] وقال: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف:98] إما نوم وإما لعب! وهذا من إبداع القرآن، فانظر إليهم كيف وصفهم في الليل بالنوم وهو فعل بعض العصاة، الليل نوم والنهار لعب, فلا عبادة ولا عودة إلى الله. {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف:98] أهذا وقت غناء؟! أهذا وقت عزف على الموسيقى؟! أينقصنا طرب؟! أينقصنا مسلسلات خليعة؟! أينقصنا شاشات مدمرة؟! أينقصنا لغو؟! لا. الأمة امتلأت بالمعاصي في عيونها وبطونها وأسماعها وأبصارها, بل يوجد بعض الأطفال يحفظ عشر أو عشرين أغنية ولا يحفظ سورة واحدة, بينما نحن أمة التوحيد، ولن ننتصر إلا بإخلاص التوحيد وصدق اللجأ إلى الله, ودائماً يجدد التوحيد من هنا؛ لا نقولها تعصباً لكن الحق يفرض نفسه, وهذه الجزيرة قدرها الإسلام, ولا تصلح إلا بالإسلام, وإني أنصح أهل العلمنة وأهل البعث والزندقة والحداثة أن يبحثوا لهم عن بلد غير هذا البلد, لا تنبت شجرتهم هنا ولا تصلح أبداً, ليس لها قرار, قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] وقال: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:26] فلا! ما يصلح هنا إلا التوحيد. دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس فنحن لا نصلح إلا بالوحي, ولا يصلح هنا كلام استالين أو لينين ولا كلام صدام حسين ولا ميشيل عفلق , بل يصلح هنا قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم, حدثنا البخاري وروى مسلم وعند أبي داود وروى الترمذي وعند الطبراني وعند أحمد هذه بضاعتنا, فأروني بضاعتكم إن كنتم صادقين, كذب ونفاق ودجل على الشعوب.

سذاجة الشعوب ومصارع الطغاة

سذاجة الشعوب ومصارع الطغاة ويبلغ بعض الشعوب من السفاهة والسذاجة إلى أن ينقادوا إلى زعيم مضلل، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:54] فرعون كان يقول: أليس لي ملك مصر؟ قالوا: يعيش يعيش ويصفقون له!! وقال: وهذه الأنهار تجري من تحتي؟ قالوا: صدقت. ويقول: ما علمت لكم من إله غيري. قالوا: صدقت!! فأراهم الله من هو الإله, قال: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي؟ فأجرى الله الماء من فوق رأسه فأصبح كالضفدع في الماء "يا ضفدع! نقنقي ما تنقنقين أسفلك في الماء وأعلاك في الطين". قال تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92]. فهذه مصارع الطغاة, دائماً مصارعهم تأتي عجيبة, هتلر انتحر, ونابليون نفي, وزعيم إيطاليا في الحرب العالمية احتسى سماً, وفرعون احتسى طيناً, يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:53] لكن المثل سوف يقع، والطغاة لهم مصارع, والله لهم بالمرصاد.

عزة المؤمن وذكاؤه

عزة المؤمن وذكاؤه الحجاج مسلم لكن قتل مائة ألفٍ من المسلمين, أتدرون يوم قتل سعيد بن جبير؟! دخل عليه سعيد بن جبير عالم المسلمين ومحدثهم وزاهدهم, ينصح الحجاج ويوجهه, فيهدده الحجاج وقال له -واسمع إلى المناظرة الساخنة الحارة- قال له الحجاج: من أنت -وهو يعرفه-؟ بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر قال تعرفن الفتى قلن نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر قال: من أنت؟ قال: سعيد بن جبير. قال: بل أنت شقي بن كسير. قال: أمي سمتني وهي أعلم. قال: شقيتَ أنت وشقيتْ أمك, ثم قال: والله لأبدلنك يا سعيد! بالدنيا ناراً تلظى. قال: لو كان ذلك لك لاتخذتك إلهاً! قال: ائتوني بالذهب والفضة, فنثروها بين يديه. فبكى سعيد بن جبير وقال: يا حجاج! إن كنت جمعت الأموال لتتقي بها من غضب الله فنعمّا فعلت، وإن كنت جمعتها رياءً وسمعة فلن تغني عنك من الله شيئاً. قال الحجاج وسيفه يقطر دماً من دماء المسلمين ودعاتهم وعلمائهم: علي بالمغنية, فضربت العود مثلما يفعل كثير من الناس, فالحرب قائمة وأهل العلمنة حملوا في وجوهنا السلاح وهو يغني يقول: هل رأى الحب سكارى مثلنا يا من هواه أعزه وأذلني نار يا حبيبي نار! نار من العلمنة والزندقة والإلحاد, احمل السلاح واترك العود والوتر, فاليوم وقت قتال. قد لفها الليل بليل معتكر انزل إلى الميدان وقل كما قال العربي المسلم الأول: وليس على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما ويقول جعفر الطيار جدكم: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها علي إن لاقيتها ضرابها فهذه هي الأصالة والخلود والتعاليم الربانية. قال: أنشدي؛ فغنت الجارية, فبكى سعيد , قال الحجاج: أبكيت من الطرب؟ قال: ما بكيت من الطرب! قال: فما يبكيك؟ قال: بكيت أنها جارية سخرت في المعصية. خلقها الله أمة لله, خلقها الله مسلمة، خلقها الله على الفطرة, من أتى بالمغنية من أهلها، ومن بيتها وأوقفها أمام الشاشة، من قال للمغنية: أن تترك القرآن والمصحف وكتب الحديث وتأخذ العود وتترك أباها وأمها وأخواتها؟ إنهم البشر، وضلالاتهم. قال: بكيت لأنها أمة سخرت في غير طاعة الله، وعود قطع من شجرة في معصية الله، العود خلقه الله ليكون منفعة للناس وليس وتراًً وعوداً.

استخدام وسائل الإعلام للدعوة

استخدام وسائل الإعلام للدعوة بإمكانك أن تجعل هذا الكأس أداة لشرب الماء أو كأساً للخمر, بإمكانك أن تجعل مكبر الصوت لتكبير الدعوة والمحاضرة والدرس أو صوتاً للغناء والفجور والكلام الفاحش, وهذه الوسائل يجري عليها هذا الحكم, وليس بصحيح أن تبقى هذه الوسائل الإعلامية وأعداؤنا يستغلونها في تنبيه الرأي العام في بلادهم، ونبقى نحن نكلم الناس فقط في حدود المسجد وهي تستغل في غير ما وضعت له, ربما يقول البعض: رأيك خطأ؟ أقول: المصلحة تقتضي أن تستغل في الخير, المسألة مسألة إيمان وكفر, ولم تعد مسائل اجتهادية فيها الأرجح والراجح, المسألة إما أن تستغلها في نشر الإيمان، وإلا فغيرك يستغل هذه الأدوات في بلاده لنشر الكفر. يقول أحد الدعاة: السوق سوق مناهبة, الشيطان ينهب وأنت تنهب, ولا بد لمن ينزل إلى الساحة من تنازلات؛ لكن لا يتنازل عن مواثيقه ولا مبادئه ولكن يتنازل ليصل إلى المصلحة. مر ابن تيمية بجيش التتار وهم يشربون الخمر, فقال له أحد العلماء: يا أبا العباس! انصحهم لا يشربون الخمر؟ قال: اتركهم يشربون الخمر، فشربهم للخمر أولى وأحسن لأنهم إذا شربوا الخمر سكروا, ولكن إذا تركوا الخمر صحوا وقتلوا المسلمين, وهذه هي الحكمة. ولذلك يقول ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل: ليس الذكي الفطن هو الذي يعرف الخير من الشر فإن جل الناس يعرفونه, فالطفل يعرف أن هذه جمرة وهذه تمرة, لكن الذكي الفطن الذي يعرف خير الخيرين من شر الشرين. فشاشة تكلم بها الملايين وتعلمهم عقيدة التوحيد, أولى من أن تتركها فيأخذها غيرك في البلاد المعادية فيستغلها في توجيه الناس على الرأي والإلحاد والزندقة, فهذه عارضة. والله عز وجل ذكر الأمم بالتفصيل ثم أتى بالإجمال ثم أتى يفصل فقال: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40]. سنة الله في الكون, وسنة الله في البشر, وقد ورد في الحديث: {إن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه} رزق يأتيك ربما مُنعته بسبب الذنب, يقول أبو سليمان الداراني: "إني أعصي الله فأنكر ذلك، فأعرف ذلك في أخلاق دابتي وامرأتي" قلَّت ذنوبهم فعرفوا من أين أتوا! لكن نحن كثرت ذنوبنا وخطايانا فلا ندري من أين تأتينا اللطمات. تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد الآن ربما يأتي حادث بسبب ذنب -حادث سيارة أو مرض أو احتراق منزل- وعندما يفتش الإنسان نفسه لا يدري بسبب هذا الحادث من كثرة الذنوب, يبحث عن دخله فيجد فيه رباً وغشاً, يرى اللهو في بيته والغناء, يرى أنه متخلف عن صلاة الجماعة, الحجاب لا يقيد به أهله, غض البصر, حفظ نفسه, حفظ سمعه وبصره, فيلطم من كل جهة بسبب الذنوب. قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[إن للحسنة لنوراً في الوجه، وبياضاً في القلب وانشراحاً في الصدر، واتساعاً في الرزق، وإن للسيئة لظلمة في الوجه، وسواداً في القلب، وضيقاً في الصدر، وضيقاً في الرزق]] هذا جزاء من الله حيث قال: {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:26] وهي من سنن الله عز وجل الكونية, فيقول سبحانه عن آدم: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121] غوى عن منهج الله لما عصى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:122].

مناظرة نبوية

مناظرة نبوية أيها الإخوة! أقف معكم في مناظرة مشهورة بين موسى عليه السلام وآدم عليه السلام، وهي في الصحيحين , والذي يرويها لنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: {التقى آدم وموسى عليهما السلام} أين التقيا؟ الظاهر في السماء، وهذا الظاهر من أقوال أهل السنة وفي المسألة اختلاف, وإلا فبينهم آلاف السنوات؛ فموسى متأخر في التاريخ عن آدم, فالتقى الابن وأباه، موسى وآدم, وموسى جريء كثير الأسئلة, فإن فيه جرأةً وشجاعةً ولم يصلح لليهود إلا هو, رجل قوي أمين, إذا غاب عنهم عبدوا العجل, وإذا دخل سكتوا, إذا غاب افتروا عليه وكذبوه واغتابوه, وإذا دخل سكتوا. وجريء يحب الاستطلاع, كلَّمه الله ولم يكلم أحداً من الناس، فلما كلمه الله وبلغه منزلة التكليم قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] فسكت الأنبياء إلا موسى, قال موسى عليه الصلاة والسلام: أنت آدم؟ قال: نعم -عند البخاري - قال: أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، لقد خيبتنا وأخرجتنا من الجنه -يقول: لماذا لم تجلس في الجنة وقد كنت مرتاحاً فيها، ولماذا نزلت بنا إلى الدنيا؟ لو بقيت في الجنة لكنا معك وما خرجنا، ولا تسافكنا الدماء أو أذنبنا، ولا اغتبنا وكذبنا، ولا غششنا- قال: وأنت موسى بن عمران؟ قال: نعم -هذا المدح قبل ثم العتاب- قال: أنت الذي كتب الله لك التوراة بيده وكلمك تكليماً؟ قال: نعم, قال: بكم وجدت أن الله كتب عليَّ الذنب؟ يعني أكل الشجرة بكم وجدته في التوراة؟ قال: بأربعين عاماً, قال: أفتلومني على شيء قد كتبه الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين عاماً؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: {فحجّ آدم موسى، فحجّ آدم موسى، فحجّ آدم موسى} أي: غلبه. وهو الصحيح, وبعضهم يجعل موسى قدرياً، وآدم جبرياً, وجلّ الاثنان وعظما عن هذا التمثيل الخاطئ الذي فعله المبتدعة، ولذلك ينطقون أحياناً: فحجّ آدمَ موسى ويجعلون آدم هوالمحجوج وموسى هو الذي حجه, وهو خطأ بل آدم الذي حجه بالقضاء والقدر. والشاهد أن الخطايا هي التي أنزلته من الجنة، لكنا نلام على المثالب ونعذر في المصائب, وهذه قاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة , فإنسان سقط ابنه من على السطح فتأتي تعزيه وتقول: ويلك من الله! كيف تتركه يسقط من فوق السطح ويموت!! هذا خطأ. لكن إنسان يسرق وتقول له: لماذا تسرق؟ قال: قضاء وقدر, فهذا يكون خطأ أيضاً، فاستخدام القضاء والقدر هنا خطأ, وقد ورد أن عمر رضي الله عنه وأرضاه تقدم إليه سارق، فقال له عمر: لم سرقت؟ قال: بقضاء وقدر, قال عمر: إليّ بالسكين؟ فقطع عمر يده, قال: لم قطعت يدي؟ قال: بقضاء وقدر, ما دام أنك سرقت بالقضاء القدر فنحن نقطع يدك بالقضاء والقدر. فنحن نلام على المعايب، ونعذر في المصائب.

منازل الأمم

منازل الأمم قال سبحانه عن آثار الذنوب: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:55] والمنازل التي يفعلها الله في الأمم أربع منازل: الإملاء - التزيين - الاستدراج - الأخذ.

الإملاء والإمهال

الإملاء والإمهال الإملاء أي: الإمهال. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:183] فتجد بعض الطغاة عمره أطول من عمر الفيل فلا يموت, يسفك دماء المسلمين ويقتل، ويهدم المساجد، ويمزق المصاحف وتقول: عجباً, ما أطول عمر هذا المجرم! لماذا لا يقصم الله ظهره؟ لكن الله يقول: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم:42] فهذا يكدس من الخطايا مثل الجبال, ويكون عنده من الذنوب وسجلات السيئات مثل الجبال، قال تعالى: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء}) [ابراهيم:42 - 43]. سنة من سنن الله أن يملي للظالم, وقد ورد في الحديث الصحيح: {إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته} حتى تجد بعض الظلمة من أنعم الناس, وأقواهم صوتاً وصولةً وقوةً وسمعةً، وتجد بعض المؤمنين مضطهدين, وبعض الأولياء في خيمة وجوع وعطش وعري، وذاك المجرم متسلط, فيأخذه الله أخذ عزيز مقتدر, حتى إذا أخذه لم يفلته, قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]. فهذه مسألة لا تغيب -مسألة الإملاء- وهي أن الله يملي ويمهل للظالم ويعطيه من طول العمر, حتى سمعنا من بعض الناس من يقول عن الطغاة في الشرق والغرب: لماذا يتركهم الله هذه السنوات؟ الواحد بلغ الثمانين لماذا لا يأخذه الله ليستريح الناس منه؟ حكمة بالغة وقدرة من الله، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان:20].

التزيين

التزيين تقول: كيف هذا المجرم -كمجرم العراق - يفتك بالأطفال؟ ويقتل الآمنين؟ ويفسك الدماء، لماذا؟! يقول الله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:8]. يرأى أنه مصيب، وأنه فاتح، وأنه الرجل الذي لا أحد مثله، وأنه ذخر للإسلام، قال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:8] اسمع إليه وهو يتكلم؛ كأن فيه غيرةً على الإسلام، وكأنه منزعج من وضع المسلمين، وكأنه يسعى لمصالح العالم؛ لكن أفعاله تشهد أنه كاذب، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:204 - 206]. فالتزيين هو أن يزين الله له الخطأ, فيزين له أن يسفك الدماء, وبعضهم لا يعيش إلا على الدم, وقد قرأت في ترجمة صدام أنه كان في الثانوية يقرأ كتاب هتلر كفاحي وكان إذا نام وضع كتاب هتلر عند رأسه. ومن يشابه أبه فما ظلم وتلك شنشنة نعرفها من أخزم

الاستدراج

الاستدراج يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:182] فيأتيهم الله من حيث لا يتصورون, فيأخذون الاحتياطات ويحاولون الاستقرار, لكن يأخذهم الله من مكانٍ ما ظنوا أن الله سيأخذهم منه, يقول سبحانه: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} [الزخرف:79] فإذا خططوا لشيء في الليل فتخطيط الله أعظم, والبرم عند العرب: لفُّ الخيط حتى يصبح شديداً, يقول الله تعالى: {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} [الزخرف:79] يقول: إن كان عندهم مخططات في الكواليس والسراديب تحت الأرض؛ فأخبرهم: {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} [الزخرف:79]. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:8 - 9] ثم يقول: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14] أي: يخطب في حماية الإسلام بينما هو يقتل المسلمين, ويشردهم, ويهدم مساجدهم, ويمزق مصاحفهم, ويقول: إنما نحن مستهزءون بهذه الأجيال، قال الله عز وجل: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:15 - 16]. وهذا هو القرآن يعرض نفسه على البشر، يقول سيد قطب: "بدأت سورة محمد بهجوم أدبي على أعداء الله" مطلع السورة مثل السيف، فيقول الله في أول السورة بدون مقدمات: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:1] فهذه أول جائزة وأول أعطية: أن الله أضل أعمالهم. والثانية: قال سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [محمد:2] لماذا؟ قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ} [محمد:3] اتبعوا استالين ولينين وفرعون وإبليس وميشيل عفلق {وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} [محمد:3]. وبعد آيات يقول سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:11] فهو ضائع مثل الحمار الضائع ليس له هوية, يصلح أن يكون مرة بعثياً، ومرة ناصرياًً، ومرة اشتراكياً، ومرة شيوعياً، فتدخل به كل مدخل, ويشتغل على كل موجة, مثل الماس يعطيك مع الشمس كل صورة, أما المؤمن فمبادئه ثابتة في الليل والنهار, في السلم والحرب، مسلم يحمل لا إله إلا الله في دمه، وعروقه ولحمه وشحمه وعصبه، لا يساوم على عقيدته ولو دفعت له الأرض بما فيها, فهذا هو الاستدراج.

الأخذ

الأخذ قال تعالى: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت:40] ثم يبقى قطاف الرءوس وعلى الله قطافها, وهذا عندما يصل إلى درجة الأخذ، ينتهي الإنسان حتى يبلغ من الطغيان والفجور مبلغاً لا يمكن أن يصبر عليه ولا يرضى أبداً، فيزلزله الله زلزلة، ويمزقه تمزيقاً، ويلعنه لعنة دائمة معه.

أخي جاوز الظالمون المدى

أخي جاوز الظالمون المدى يقول العرب: جاوز الحزام الطُّبيين، وبلغ السيل الزبى. وفي العدوان الثلاثي على مصر خرج المصريون بالسكاكين، خرجوا بالسلاح الأبيض على ثلاث دول كبرى اعتدت على أعراضهم، لكن الشعب إذا تجند بالإيمان فلا تغلبه قوة من قوى الأرض. والأفغان خرجوا على روسيا وهي من الدول الكبرى بل هي الدولة الثانية في عظمة أهل الدنيا، خرج المجاهدون بلا تدريب, وإنما على اسم الله عز وجل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17]. يا غارة الله جدي السير مسرعة في أخذ هذا العدو يا غارة الله يطلقون السلاح في الشرق فتقع في رأس المجرم في الغرب. العمال في طهران لما سمعوا أن كابل احتلها الشيوعيون أخذوا السلاح العادي، وأخذوا يكبرون ويقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا ودخلوا أفغانستان وبقوا يقاتلون المجرم أكثر من عشر سنوات, وخرج المجرم هزيلاً ذليلاً ما سمع الناس بمثل هزيمته, وروسيا ليست كمثل بعض الدول التي ليس عندها شيء! بل هي دولة تصنع وتصدر، وعندها صواريخ تنسف المدن من على وجه الأرض, ولكنها عند قوة الله ليست بشيء. يا أمة النصر والأرواح أثمان في شدة الرعب ما هانوا وما لانوا هم الرعود ولكن لا خفوت لهم خسف ونسف وتدمير وبركان كم ملحد ماجنٍ ظن الحقوق له زفوا له الموت مراً وهو مجان وبلشفي أتى كالعير منتخياً رأى المنايا فأضحى وهو جعلان فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيران هذا هو الإيمان!! أولئك في العدوان الثلاثي يقول منشدهم: أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدا أنتركهم يسلبون الشريعة مهد الأبوة والسؤددا فجرد حسامك من غمده فليس له اليوم أن يغمدا انتهى اللهو واللعب, وانتهى البلوت والسلة والطائرة, أتى لعب دندنة السلاح ولا يثبت إلا القوي, وما يردد في الملاعب انتهى بتصفية الحق أن يبقى حقاً، وأن ينزل أهل الحق في ميدانهم، فهم أهل الملعب وأهل الميدان, أما هذه الألعاب فدورها انتهى، أصبح الضحك على الأجيال والشعوب ليس له مكان ولا جدول عندنا, أصبح عندنا مسجد ومصحف، وسلاح وميدان تدريب واستعداد، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] لنحافظ على المقدسات, وعلى التوحيد والأعراض والدماء, ولنحافظ على الرسالة, قال تعالى: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً} [التوبة:10]. أتظن أن أعداء الله سوف يرحمون, والله لا يرحمون! ربما يرحم النصراني، لكنهم لا يرحمون لأن في قلوبهم حقداً مشحوناً على الإسلام. صدام في مذكراته يقول: إن سبب تأخر المسلمين تعلقهم بالقديم الذي ورثوه من القرون المتقدمة، يعني: الإسلام. فهم يسمون المتمسكين بالإسلام رجعيين, أي: أهل اللحى وأهل الصلوات الخمس، وأهل القرآن، وأهل قيام الليل، فيقولون أن هؤلاء الرجعيين هم سبب تأخر العرب. نقول: وماذا فعلتم يا زنادقة؟ أنتم أول من يفر في الميدان, أنتم أهل الفضائح في التاريخ, أنتم سبب هزيمة العرب مع إسرائيل, وأنتم من قتل العلماء، وشرد الآمنين، وروع الأطفال، وذبح النساء، ولعب بالقيم، وفضح أعراض الناس, أما أهل الطهر والعفاف فهم أهل البقاء, قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17].

الذنوب التي هدمت الشعوب

الذنوب التي هدمت الشعوب الذنوب هي التي هدمت الشعوب وأنا أقول: إن كثيراً من الشعوب لا تحكم شرع الله إلا من رحم ربك، ونرجو الله أن يحفظ هذه البلاد بسبب تحكيم شريعة الله عز وجل.

الحكم بغير ما أنزل الله

الحكم بغير ما أنزل الله من الذنوب العظيمة التي وقعت بالبلاد الإسلامية الحكم بغير ما أنزل الله, وأنا لا أعرف بلداً إسلامياً يحكم بالشريعة إلا هذا البلد. تلك البلاد كلها ولو ادعت الإسلام لا تحكم بالشرع, نعرف تاريخهم وكتبهم بين أيدينا, ولو صلّى أحدهم وصام وحج واعتمر وطاف في البيت سبعين مرة، فهؤلاء الزعماء يرون أن الشريعة ليست مصدر ثقة, وأنها لا تواكب العصر, ولا تصلح لقيادة الأمة, ولا تصلح للدولة, ويأخذ الأحكام الشخصية من قوانين نابليون , فكيف ينصر الله قوماً لا يحكمون الشرع؟! وعندهم القرآن يقرأ على الجنائز، وفي المقابر، ويقرطسونه في قراطيس ويعلقونه بخيوط, وينفثون به على المصروع، وإذا جن إنسان يبركون على صدره ويقرءون عليه, قالوا: القرآن أنزل لهذا! وإذا أتى زواج ابتدءوا به في الزواج, أو في حفل، أو افتتاح المشاريع! أما تحكيم القرآن والسنة فما يحكمونه أبداً، فهذه حقيقة يعرفها الرأي العام عندنا بصراحة.

الظلم

الظلم ومنها الظلم: فالظلم عاقبته وخيمة, ومنه التعدي على الحقوق والأعراض والقيم، وعلى ممتلكات الناس، قال تعالى: {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعراف:85] وعاقبة الظلم الزوال والمحق.

أكل الربا

أكل الربا الربا عمّ وفشا وطم, حتى ما كأن الناس يعرفون أن الربا حرام, والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء} , فالربا ذنب عظيم, إذا دخل في البيوت والبطون، ولبس وأكل فانتظر الزلازل والمحق والدمار.

الإعلام في العالم الإسلامي

الإعلام في العالم الإسلامي أيها الإخوة الفضلاء! ومما يلاحظ في كثير من أقطار العالم الإسلامي مسألة الإعلام, فالإعلام في العالم الإسلامي لم يوجه الوجهة الصحيحة, الإعلام -وليسمع رجال الإعلام- لم يقم بدوره الصحيح في توجيه الناس وتعليمهم العقيدة الصحيحة, وتوجيههم إلى الله عز وجل, وتعليمهم العلم النافع. إن إعلام إسرائيل يخدم إسرائيل مع مخططات اليهود فيعرضونها على الناس, وإعلام الشيوعيين يخدم مبادئ الشيوعيين, والنصارى كذلك. لكن أين إعلام المسلمين؟ وما هي مهمة إعلام المسلمين؟ وماذا قدم للأمة؟ صحيح ربما يأتي فيه بعض اللفتات لكن لم يقم بدوره إلى الآن, ويعرف ذلك الكبير والصغير ورجل الشارع. والآن أتى وقت توجيه الإعلام الوجهة الصحيحة، أن يصدر أهل الفضل والفكر والعلم والأدب ليوجهوا الرأي العام من وجهة صحيحة، وليخبروا العالم والأمة والشعب بما يحاك لهم, وما يخطط لهم من مخططات رهيبة يخططها أعداء الله لاجتياحهم ولسفك دمائهم ولانتهاك أعراضهم, دور الإعلام أن يقدم العلماء للناس, وأن يقدم الدعاة للأجيال, وأن يقدم الكلمة الطيبة، الكتاب والسنة، والأدب الإسلامي، وسيرة السلف , أما إغراق الناس في اللهو واللغو، والغناء والمسلسلات، والتمثيليات وضياع الأوقات، فهذا ليس بصحيح وقد أنكرته القلوب. وولاة الأمر يدركون أن المصلحة في توجيه الناس الوجهة الصحيحة إلى العقيدة السليمة ليكونوا أمام أعدائهم في قوة, فنسأل الله لهم التوفيق والعون والسداد, وأن يرزقهم البطانة الصالحة، وأن يحوطهم برعايته، ويحفظهم حفظاً لدينهم من كل مكروه.

الحلول من هذه المعاصي والجرائم

الحلول من هذه المعاصي والجرائم البدائل والحلول عن هذه المعاصي والجرائم هي:

التوبة

التوبة قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] والتوبة هي: الندم على ما فات, والعودة إلى الله, واللجأ, والصدق معه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

شكر النعم

شكر النعم نحن في أمن وسكينة والحمد لله, فنحن جيران المقدسات، قال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:57]. وقال: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص:57] فهذا منطق قريش. وبعض الناس يقول: إذا استقمت على منهج الله أخشى أن أكون متطرفاً متزمتاً, وسوف آتي بهذه المسألة. ومن شكر النعم منها: أولها: المداومة والاجتهاد في تحكيم شرع الله. الثاني: إنزال الناس وأهل الفضل منازلهم. الثالث: أن نتآمر بالمعروف ونتناهى عن المنكر, قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. الرابع: الولاء والبراء, بأن نوالي أولياء الله ونتبرأ من أعداء الله. مسألة أقولها -وقد طالعت فيها وسمعت كلام أهل الفضل والعلم- وهي في هذا الحدث: إن موالاة الكافر غير الاستعانة بالكافر, فالاستعانة بالكافر في وقت الدفع غير موالاة الكافر, أما الحديث الذي فيه: {فلن أستعين بمشرك} فقال عنه بعض الفضلاء: لأنه رجل واحد مشرك لا يغني عن المسلمين شيئاً. الأمر الثاني: أنه في تلك الفترة فترة هجوم على العدو, وكان المسلمون في غنية, وأما الآن فأظهرت المصلحة التي يراها أهل الفضل ونراها أن الاستعانة بمثل هذا لدرء خطر هذا أولى, ويضرب بعض العلماء مثلاً يقول: أخوان شقيقان رضعا من ثدي واحد, ثم كبرا فقام أحدهم بالسكين على أخيه يقتله, قال: اتق الله فيّ, قال: والله أذبحك, قال: خف الله, قال: أنا لا أخاف الله, قال: ويلك من الله, فأتى رجل كافر وقال: تريد أن أمنعك. فماذا يقول؟ يقول: نعم. أيقول: لا. لا تمنعني لأنك كافر؟! لا. المصلحة الظاهرة يستعين بالكافر لدفع أخيه, وإلا فلو لم يفعل ولم يستعن بالكافر في مثل هذا الحدث فما هي النتيجة؟ لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة, الدبابات والطائرات والصواريخ واجتياح المدن قريةً قريةً ومدينةً مدينةً وبلداً بلداً وهتك الأعراض, والزنا, والفحش, والجرائم, وتهديم المساجد, وتمزيق المصاحف. ثم إن علينا أن نعد أنفسنا, وأن نحمل السلاح, وأن نجعل الجهاد من أعظم أمنياتنا في الحياة, وقلت من قبل وأقول: ليس بغريب علينا الجهاد، نحن الذين علمنا الناس الجهاد؛ فـ خالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص، وطارق بن زياد , بل موحد الجزيرة الملك عبد العزيز كان يُعلِّم غيره من هؤلاء الأذلاء الجهاد. في فتية من بني الأفغان ما تركت كراتهم للعدا صوتاً ولا صيتا قوم إذا قابلوا كانوا ملائكة حسنا وإن قاتلوا كانوا عفاريتا

تنبيهات

تنبيهات

لا وطنية في الإسلام

لا وطنية في الإسلام لا وطنية في الإسلام, وليس بين المسلمين وطنية, فكل أوطان الله أوطاننا، وكل بلد يُذكر فيها اسم الله هي بلادنا, أما جعل الإقليمية والوطنية فهذا مبدأ وشعار مرفوض, فلا وطنية في الإسلام, جمعنا الدين ولم يجمعنا الدم, لأن هؤلاء العلمانيين يقولون: أُخوة الدم أُخوة اللغة أُخوة الضاد!! وهذه الشعارات كلها خطأ، هذه كلها أصنام وطواغيت, نحن أُخوة لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فلا وطنية في الإسلام.

عدم اهتمام كثير من الناس بالتوحيد

عدم اهتمام كثير من الناس بالتوحيد ولذلك نجدهم في الأزمات لا يتذكرون التوكل، تجد كثيراً من الشباب يختلفون في تحريك الأصبع، مع أن إخلاص التوحيد وأعمال القلوب قد ركز عليها دعاة الإسلام مثل ابن تيمية، فقد ألفَّ في الخوف والرجاء مجلداً, بينما تحريك الأصبع أتى بها في سطر, والشباب عندنا يتكلمون عنها في مجلدات، والتوكل لا يذكرونه أبداً. أعمال القلوب ممن يخاف من يحب الرجاء في الله الولاء لله التوكل على الله الرهبة الخشوع الخشية هذه لا تدرس إلا القليل النادر في المقررات. نحن مقصرون في تعليم الناس التوحيد الصحيح, وتضخيم المسائل الفرعية الجزئية وينتجح عنه تصغير مسائل المعتقد, وهناك من يقول: " لا نحتاج التوحيد!! الله على العرش استوى درسناه في أول ابتدائي!! ". التوحيد تدرسه حتى تدخل قبرك، مع المحبرة حتى المقبرة. الأمة الإسلامية الآن لم يتجلّ لها التوحيد الصحيح، ولم تعرف الله حقيقة إلى اليوم إلا من رحم ربك, فواجبنا أن نوضح التوحيد الصحيح للناس, فنعرض عليهم كتب أهل العلم: العقيدة الطحاوية , كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومنها كتاب التوحيد , وكتب ابن تيمية وابن القيم , هذه نعرضها للناس. ابن تيمية لم يؤلف في الفرعيات كثيراً, أظنه ألف فقط كتيباً صغيراً، وأكثر كتب ابن تيمية في الإيمانيات، في الأصول، والمعتقد, قالوا له: ما لك لا تؤلف في الفروع؟ قال: الفروع أمرها سهل، وإن عبد العابد ربه على مذهب أبي حنيفة أصاب, وإن عبد على مذهب مالك أصاب، أو الشافعي، أو أحمد، لكن مسألة الإيمان والتوحيد والمعتقد, لا يقبل فيها قولان، بل قول واحد. يسأل عن وجود الله؟ فيقول: فيه قولان!! وعندما يسأل عن الأسماء والصفات؟ يقول: الأمة كلها سواء؛ المعتزلة والأشاعرة والجهمية والمعطلة كلهم من أهل السنة، وهذا خطأ فإن الطائفة المنصورة هي أهل السنة والجماعة فقط.

جهل مكانة العلماء

جهل مكانة العلماء عدم معرفة مكانة العلماء عند كثير من الناس: ففي بعض البلدان العالم ليس له وزن ولا قيمة، ولا يسمع له، ولا يصغى لقوله، ولا ينزل منزلته, وهو أهان نفسه بأمور منها: أنه لم ينشر علمه, أو ما دعا إلى الله, أو ما غضب لانتهاك محارم الله, أو ما حصل التحصيل اللازم واتقى الله فيما عنده. ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما ولكن أذلوه جهاراً ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهما إما أن يستخذي إلى الدنيا، وإما أن يجبن عن قول كلمة الحق، والمناصحة واردة, ومن هدي ولاة الأمر في بلاد المسلمين من السلف والخلف أن يقبلوا النصيحة, ونحن أمة النصيحة, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم}.

حقيقة الحكمة

حقيقة الحكمة كلمة الحكمة وكيف تعرف: بعض الناس يستخدم كلمة الحكمة خطأً, فإذا نهيت عن شرب الخمر, قال لك: لا. عليك بالحكمة، لا تجرح مشاعر الناس, وإذا غضبت من انتهاك حرمات الله, فيقول: الحكمة والأسلوب، لا تجرح المشاعر. وهذا لا يعلم ما هي الحكمة؟ فبعضهم يجعل الحكمة أن تموت ولا تتكلم أبداً, يقول: لا تؤذ، لا تكن متزمتاً اتركنا عليك أن تتقي بنفسك نفسي نفسي أما أن تأمر فإنك تأخذ عداوة الناس تجرح مشاعر الناس!! وهذا كله خطأ بل الحكمة توضع في موضعها, فقد يكون من الحكمة أن تغضب, وقد يكون من الحكمة أن تشكوه إلى ولي الأمر, وقد يكون من الحكمة أن ترفع عليه قضية وتجلسه أمام القاضي, فرجل يسب الله تسمعه في الشارع أتنصت وتذهب وتقول: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها؟ لا. ارفعه إلى السلطان, والله! لو أحدنا سرقت منه عشرة ريالات لغضب, أو أخذ من عرضه لأقام الدنيا وأقعدها, لكن في حدود الله كثير من الناس يسمع ويرى ولا ينكر.

التطرف اللاديني

التطرف اللاديني هم يقولون: أهل الصحوة أهل تطرف, لكنهم ليسوا متطرفين، وهؤلاء الزنادقة والملاحدة وأهل الحداثة هم المتطرفون؟ من المسئول عن الخمر؟ من المسئول عن المخدرات؟ من المسئول عن الفواحش؟ من المسئول عن تضييع الجيل؟ هم. هذا هو التطرف. أما نحن فليس عندنا تطرف, وإن كان فصور نادرة شاذة, يأتي واحد بها من الألف, أما الكثرة الكاثرة فلا يوجد تطرف, بل استقامة في الجميع، فهؤلاء الذين أمامي والألوف المؤلفة من غيرهم من الشباب من أهل السنة والجماعة يعرفون الولاء لله ولرسوله ولأئمة المسلمين، ويعرفون الطاعة، ويعرفون الانضباط والحكمة, وأحدهم تثق بعقله ودينه وعلمه؛ لكن يأتي شاب فيسيء التصرف فيقولون: كل الشباب متطرفون هذا خطأ!!

الأسئلة

الأسئلة

قصيدة في طاغية العراق

قصيدة في طاغية العراق Q هناك سؤال تكرر بأكثر من صيغة يطالب الشيخ بإلقاء القصيدة التي قالها في طاغية العراق مؤخراً؟ A عنوان هذه القصيدة " هتلر الشرق" وقد ذُكرت ليلة أمس: أذاك صدام أم هذا أبو لهب تبت يدا عصبةٍ حمالة الحطب يا حية الحقد يا نار الضغينة كم أبكيت من مقلة في ساعة الحرب يا قاتل المجد يا سفاك ما برحت كفَّاك في دمنا عاثت بلا سبب روعت يا مجرم التاريخ أمتنا هِجْتَ الأرامل بل أفزعت كل صبي يا هتلر الشرق إسرائيل رغت لها وهبتها ونصبت الموت للعرب صغت الصواريخ ألغاماً مفجرة أجريتها في دماء السادة النجب أكلما قام سفاح بأمتنا أفنى الأقارب في ليل من الرهب خطوت خطو جمال في تهوره أذاق صنعاء مر العلقم الوصب يا خائن الشعب يا من باع عزته يا محرق الأمة العرباء بالعطب سيحفظ الدهر والتاريخ ما فعلت يمينك الشؤم أو ما قلت من كذب صه يا عدو العلا ما أنت من دمنا نسلاً وما أنت من أبطالنا النجب لا ينصر الله إلا مؤمناً بطلاً له من الطهر ذكر عامر القرب سجوده في ظلام الليل قوته هزيجه الحلو تسبيح من الحجب إمامه أحمد المختار قدوته أنسابه في الهدى من أشرف النسب والسلام عليكم ورحمته وبركاته.

المفسدون في الأرض

المفسدون في الأرض إن الله سبحانه وتعالى حين خلق آدم وأخرجه من الجنة، قدر أنه لا بد من صراع بين الحق والباطل، لحكم كثيرة ومنافع عظيمة تعود على أهل الإسلام والإيمان. وأوجب سبحانه على أهل الحق أن يجاهدوا لإعلائه، وأن يقمعوا الباطل وحزبه، وقد بعث الله الرسل وأقام المجددين لدحر أهل الباطل من أهل الشرك والبدعة والفسق والمحادة لأمر الله.

صور من الطعن في حدود الإسلام

صور من الطعن في حدود الإسلام الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها الناس: لقد واجه الإسلام تهماً فظيعةً، وطعوناً شنيعةً من أعدائه سلفاً وخلفاً، اتهموه بالرجعية والتأخر، واتهموه بالهمجية في تطبيق الحدود وسن الشرائع وتنفيذ الفرائض. فلنأتِ لنستقرئ أحوال هؤلاء الطاعنين، وموقف الإسلام من هذا الطعن الفضيع. عباد الله: إن الحدود نعمة من نعم الله تبارك وتعالى، سنها لحفظ الإنسان، ولحمايته ورعايته، واعتبر الله عز وجل من عطل حدوده في الأرض كافراً ظالماً فاسقاً، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. يقول جل ذكره: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:44 - 45] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47]. وعندما أتى القرن الثالث، قامت هناك نعرةٌ عدائيةٌ للإسلام، أسسها المذهب الباطني الذي امتد اليوم إلى المذهب الخميني، وما يبثه في الأرض من عداء ضد هذا الدين، واشتركت معه اليهودية والصهيونية العالمية في العداء للإسلام، لكنه لم يظهر العداء كما أظهروه، فإن مذهبه التقية، يتقي ويظهر أنه ناسك عابد وهو الذئب العادي على الاسلام، وهو المنفذ الوحيد للصهيونية، وهو العميل الإرهابي والمدمر للإسلام.

أبو العلاء المعري واستهزاؤه بالدين

أبو العلاء المعري واستهزاؤه بالدين وكان من أجداد المذهب الباطني، الزنديق أبو العلاء المعري الشاعر الفيلسوف المحسوب على الإسلام، الذي امتهن دين الله، وضحك على شريعته، واستهزأ بآياته في أبياته التي يقول من ضمنها، وهو يعترض على قطع يد السارق: يدٌ بخمس مئينِ عسجدٍ وديت ما بالها قطعت في ربع دينار يقول: هذه اليد ديتها في الإسلام خمس من المئين العسجد الذهب -فإذا سرقت ربع دينار قطعت، فكيف تقطع؟ تناقض ما لنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار يقول: هذا تناقض في دين الله. وما التناقض إلا في عقله وقلبه يوم طبع الله عليه، وفضحه وأخزاه، فاعترض على شريعة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك رد عليه جهابذة الإسلام، وقال أحدهم: عز الأمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري وقال له عبد الوهاب المالكي العالم الكبير وهو يحاكمه عند الله، ويقول له: قل للمعري عار أيما عار جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري لا تقدحن بنود الشرع عن شبهٍ شرائع الدين لم تُقدح بأشعار فابتلاه الله بعمى القلب والبصر وأخزاه الله، حتى قال المؤرخون: ما دفن أبو العلاء ووضع في قبره إلا والتقمت لسانه حية لها ذنبان اثنان كما قال ابن كثير وغيره، وهذا خزي الدنيا، وللآخرة أشد خزياً وعاراً ونكالاً.

موقف ابن سينا وابن الراوندي من الدين

موقف ابن سينا وابن الراوندي من الدين إن الملاحدة الذين طعنوا في دين الله كثر، فمنهم ابن سينا المحسوب على الإسلام، والذي سُمي في بعض الأقسام العلمية في جامعتنا: الأسطول، ويسمى: الذكي الفاره، والعبقري المدره، وسميت به كتب وله أقسام، والإسلام منه -إن لم يكن تاب- بريء؛ لأنه اعترض في بعض الأمور على الشرائع وأنكر بعض الأسس اليقينية من دين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ومعه ابن الراوندي الكلب المعفر الذي ألف كتاب الدامغ على القرآن يقول: أدمغ به القرآن والسنة، قال ابن تيمية: إن كان ثبت ذلك عنه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

عداء الغرب للإسلام وأهله

عداء الغرب للإسلام وأهله ثم أتت الدعوات المغرضة تترى حتى وصلنا اليوم إلى أعداء الإسلام، فألفوا الكتب، وعقدوا المؤتمرات، وصرحوا بالرسائل والفتيا، وانتقدوا على الإسلام، وقالوا: دين همجية. كيف يسرق السارق سرقة فتقطع يمينه؟! أهذا من العقل والنقل؟! كيف يقتل القاتل؟ ونقول لهم: يا سبحان الله! نسيتم الشعوب التي دمرتموها، والشيوخ الذين قتلتموهم، والأطفال الذين أبدتموهم، واعترضتم على قتل مجرم بقتله تحيا الأنفس، والله يقول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:179]. قتل مجرم واحد يحيا به شعب يدين لله عز وجل، وقطع يد سارق واحد، تبقى أموال الناس مأمونة مخزونة محفوظة، ويبقى الناس بسلام، وجلد زانٍ واحد، تبقى أعراض الناس سليمة معافاة محماة، فما لكم أنتم لا تفتشون عن أخباركم وصحفكم السود؟ راجعوا سجلاتكم ماذا فعلتم بالشعوب؟ قالوا: هم البشر الأرقى، وما أكلوا شيئاً كما أكل الإنسان أو شربوا، من الذي قتل شعب فلسطين شعباً كاملاً بأطفاله ورجاله ونسائه؟! من الذي هدم مساجده؟! من الذي لعب بأعراض نسائه؟! من الذي مزق كتبه وضيع معالمه وشتت أهله شذر مذر في الأرض؟! أليست هي الصهيونية العالمية ومن ورائها أمريكا التي تدَّعي حقوق الإنسان وحفظه ومناعته وهي عدوة الإنسان؟ من ضرب العمال في بولندا ومن أتى بالرق من يوغندا من دمر البيوت في نزاكي من ضرب اليونان من أتراك من الذي ناصر إسرائيل حتى تصب عنفها الوبيلا؟ إنهم يقتلون الملايين ولكنهم لا يسألون أنفسهم، وأما الإسلام فيتهمونه إذا قتل مجرماً واحداً: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] يستخدمون حق الفيتو إذا وقف بعض الناس بحماسة ورحمة الإنسانية للشعب المضطهد، ولا يأخذون حق الفيتو ضد من قتل الناس وأرهبهم ودمر بيوتهم. أخرج شعب أفغانستان -وهو ثمانية مليون- إلى باكستان لاجئين يموتون جوعاً، لا يجدون ورق الشجر، ولم يستخدموا حق الفيتو، وأخرج شعب فلسطين من خمس وعشرين سنة، وفرق بين الابن وأبيه، وبين الأخ وأخيه، وبين الأم وولدها، فما استخدموا حق الفيتو. فإذا شخص مجرم انتهك أعراض المسلمين على أنه زانٍ، قالوا: همجية وبشاعة وأنه لا يناسب رحمة الإنسان. ما هذا الورع المظلم؟!! وما هذه اللعنة العمياء التي أصيبوا بها في سمعهم وأبصارهم؟ ونرد عليهم أيضاً بواقعهم، فانظروا إلى بلادهم، وانظروا إلى ولاياتهم كيف تعيش الدمار والعار. إن عيد الكرسمس في الولايات المتحدة تغلق فيه الكهرباء وتطفأ لمدة عشر دقائق، وأحصي في بعض الولايات في الشمال كولاية أوكلاهوما أن بعض السرقات بلغت في عشر دقائق ألف سرقة، أما في الإسلام فإننا -والحمد لله- نعيش في أمان، يذهب الذاهب بماله، فلا تتعرض له عصابة ولا مجرمون، ولا يتعرض له قطاع طريق، لأنهم علموا أن الحد سوف يصيبهم، ولذلك وقف عليه الصلاة والسلام بقوةٍ أمام كل من عطل الحدود، وبين أن من عطلها فهو ملعون في الدنيا والآخرة، وأن من عطلها فقد غضب الله عليه، لا يقبل الله من صرفاً ولا عدلاً، ولا كلاماً، ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.

صور من إقامة الحدود في عهد النبوة.

صور من إقامة الحدود في عهد النبوة.

قصة المرأة المخزومية

قصة المرأة المخزومية سرقت امرأة مخزومية كانت تجحد العارية وبنو مخزوم أسرة فارهة ضخمة من أسر قريش المشهورة، فلما جحدت هذه المرأة الحلي، رفع أمرها إلى رسول الهداية صلى الله عليه وسلم، فقال: حكم الله عز وجل؛ قطع يدها، فقامت قيامة بني مخزوم، وقالوا: توسمنا العرب بأن امرأة منا سرقت، لا. والله لا يكون هذا، واجتمعوا وسهروا الليالي الطويلة، وأداروا الرأي، وفي الأخير من الذي يشفع لهم عند الرسول عليه الصلاة والسلام، من الذي ينشر القضية؟ ارتبكوا أيما ارتباك، وفي الأخير قالوا: نذهب إلى أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه، ونعرض عليه القضية؛ عله أن يرفعها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. أتوا إلى علي بن أبي طالب فغضب ورفض واحمر وجهه، وقال: ويلكم أتشفعون في حد من حدود الله، فأتوا إلى فاطمة الزهراء بنت المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأخبروها الخبر، فقالت: ويلكم وغضبت وتحرك إيمانها في قلبها، وقالت: من يشفع في حدود الله؟! وفي الأخير ذهبوا إلى أسامة رضي الله عنه وأرضاه، وهو شاب غر فطن في الثالثة عشر من عمره، فعرضوا عليه الرأي، فاستحسن الفكرة وذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فجلس أمامه، فقال له صلى الله عليه وسلم وأسامة خجول لا يستطيع أن يتكلم بما في صدره، فقال له صلى الله عليه وسلم: ماذا في صدرك؟ قال: يا رسول الله! المرأة المخزومية التي حكمت عليها بقطع يدها نريد أن تعفو عنها، فغضب عليه الصلاة والسلام وقام على ركبتيه ورفع صوته على أسامة، وقال: ويحك! وجئت تشفع في حد من حدود الله. وفي أثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا بلغت الحدود الإمام فلعن الله الشافع والمشفع} إذا بلغت السلطان أو القاضي الحدود كحد الزنا، أو حد شرب الخمر، أو حد القتل، أو حد السرقة، فأتى أناس يتشفعون من الوجهاء والمسئولين، فلعن الله هذا الشافع الذي تشفع ولعن الله من قبل الشفاعة، ثم قام عليه الصلاة والسلام فجمع الناس، وأتى الصوت يدوي في المدينة " الصلاة جامعة، الصلاة جامعة"، ولا يجتمع الناس إلا لأمر فظيع خطير في الإسلام، فلما اجتمعوا قام عليه الصلاة والسلام على المنبر ليبين أن هذا حكم الله، وأن هذه فريضة الله، وأن هذه شريعة الله، وقال: {يا أيها الناس! إنما أهلك الذين كانوا من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله ووالله وتالله وبالله لو أن فاطمة بنت محمد سرقة، لقطعت يدها}. نعم. ليفهم من يفهم، لو أنها فاطمة الزهراء بنت المصطفى صلى الله عليه وسلم، سيدة نساء العالمين: هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟ ماذا يساوي في الأنام علاها أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها لو سرقت -والله- لقطع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يدها. قال الزهري: وحاشاها أن تسرق، ولكن أراد صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس أنه لا تأخذه هوادةٌ في دين الله، وأن الوساطات والشفاعات في تغيير الحدود، أو إرباكها، أو تعطيلها معناها اللعنة والغضب من الله تبارك وتعالى، ومعناه السخط، والخروج عن شريعته.

إقامة الحد على اليهوديين

إقامة الحد على اليهوديين وبنو إسرائيل واليهود يعلمون أن الله فرض عليهم ذلك، لكنهم نقضوا عهد الله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13] أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام مخير بين أن يحكم بينهم في دين الله، أو أن يعرض عنهم، يقول سبحانه: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة:42] فلما أتوا بالزانيين- الرجل والمرأة- فقال اليهود: يا رسول الله! هذا الرجل زنا بهذه المرأة، فقال عليه الصلاة والسلام: {ماذا تجدون في كتابكم} في التوراة، والرسول عليه الصلاة والسلام يعلم أن في التوراة حكم الله وأنه جلد الزاني البكر ورجم الزاني المحصن، فقالوا: نجد في التوراة، أن نحمم وجه الزاني بالفحم، وأن نركبه على حمار ونوجه رأسه إلى دبر الحمار، وأن نعرضه على الناس، فقال الله عز وجل لرسوله: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:93] تعالوا بالتوراة نقرؤها سوياً هل نجد هذا الحكم في توراتكم وكتابكم، فأتوا بها، وهم حيات أخدع وأمكر خلق الله، وهم أساس كل جريمة وكذب ودجل وخيانة في العالم، فأتوا بالتوراة وجاءوا برجل اسمه ابن صوريا منهم، أعور لا يقرأ إلا بعين واحدة، فقالوا: إذا استدعاك محمد لتقرأ عليه التوراة، فاقفز من هذه الآية -آية الرجم- اقرأ ما قبلها وما بعدها واتركها، فأتى فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم التوراة قام حفياً لها؛ لأن فيها شيئاً من الحق، ولأنها أنزلت على موسى عليه السلام، وجعلها صلى الله عليه وسلم على وسادة عنده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب لكنه أعلم خلق الله بشرع الله، فقال للقارئ: اقرأ، وحوله اليهود يتناخرون كالخنازير والقردة، فبدأ القارئ يقرأ وقفز من هذه الآية وقرأ ما قبلها وما بعدها وجعل يده عليها، فقال عبد الله بن سلام اليهودي الذي أسلم وهو من أهل الجنة، والذي قال الله فيه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف:10] فالشاهد عبد الله بن سلام فقال: {يا رسول الله! والذي بعثك بالحق نبياً إن فيها الرجم، ولكنه غطى بيده عليها، فكشف صلى الله عليه وسلم عن الآية وقرأت، فقام عليه الصلاة والسلام فرجم هذا الرجل ورجم هذه المرأة} قال ابن عمر رضي الله عنهما: [[لقد رأيت الرجل وهو يجنأ على المرأة يحميها من الحجارة، فعلمنا أنه زنا بها]] وهذا حكم الله عز وجل وشريعته في الأرض فلابد أن تنفذ، ومن عطلها فهو أساس تعطيل الرزق من السماء، والقطر من الفضاء، والغيث الذي يصب على القلوب، يقول تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] والعجب ممن يعترض على دين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم يقتل عباد الله في الأرض ويسعى في الأرض فساداً ويؤيد الطغيان والاستبداد واستحلال الشعوب وقتل الأرواح والضمائر. قتل امرئ في غابة جريمةٌ لا تغتفر وقتل شعبٍ كاملٍ مسألةٌ فيها نظر ولكننا نرجع حكمهم إلى الله، ونعتز بهذا الدين الذي جعله الله حفظاً للأرواح وللأنفس وللأعراض وللأنساب وللأموال، فالحمد لله الذي شرح صدورنا للإسلام يوم ضيق صدور الآخرين وجعلها كأنما يصعدون في السماء، والحمد لله الذي هدانا لهذا الدين وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، رب زدنا فقهاً في ديننا وثبتنا على ملة رسولنا حتى نلقاك، وافتح قلوبنا لهداك، ولا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتها وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

فوائد إقامة الحدود

فوائد إقامة الحدود الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين وقدوة الناس إلى الله أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: عباد الله: إن من النعم الجليلة أن يطبق حكم الله عز وجل في البلاد، وأن تنفذ حدوده، ولا يعطل منها شيء، فإن معنى ذلك الاستقرار والأمن والازدهار، ورضى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وإنزال سكينته على عباده. والحدود في الإسلام لم تشرع ولم تسن عبثاً، وإنما لها حِكُم وفوائد ومنافع:

طهارة من الذنوب

طهارة من الذنوب أنها مطهرة لمن اقترف هذه الذنوب والخطايا: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136] ويوم يذنب العبد ويطوف به طائف من الشيطان فينسى ربه فيقع في الجريمة حينها يطبق عليه الحد، فيكون مطهراً له من الذنوب فيُقبل على الله عز وجل طاهراً مغفوراً له ذنبه مع توبته مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولقد بلغ هناك من المشاهد والنماذج في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ما يعجب له قلب المؤمن. زنت امرأة في عهده صلى الله عليه وسلم فلما ارتكبت الفاحشة تذكرت ذنبها وخطيئتها وإجرامها، وتذكرت القدوم على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] فأتت إلى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فاعترفت بالزنا، وطلبت منه أن يطهرها فأعرض عنها؛ لأنه لا يريد أن يستجلي أخبار من استتر بستر الله، أتت عن ميسرته فشهدت بالزنا، فأعرض عنها حتى شهدت على نفسها أربع شهادات، حينها رأى صلى الله عليه وسلم أنها حامل، فقال: {اذهبي حتى تضعي ثم تعالي} فذهبت وهي صابرة محتسبة تتفكر في يوم العرض على الله وتريد الحد في الدنيا، فوضعت طفلها. قال سهل بن سعد: والله لا أنسى يوم أتت بطفلها في لفائف من قماش، وهي تطلب التطهير منه صلى الله عليه وسلم، فيقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: {اذهبي حتى ترضعيه وتفطميه، ثم تعالي} وانظر إلى صبرها طول هذه المدة واحتسابها الأجر والمثوبة في تنفيذ الحق، فتذهب فتفطمه بعد سنتين، وتأتي به وفي يده كسرة من الخبز، فيقول عليه الصلاة والسلام: من يكفل هذا الطفل؟ فأخذه أحد الأنصار وذهبوا بالمرأة وهي مقبلة على الله متوضأة بوضوء التوبة وقد فتحت لها أبواب الجنة الثمانية يقول سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] واجتمع عليها المؤمنون ليقيموا شريعة الله، وليظهروا تطبيق حدود الله وانهالت عليها الحجارة، وهي صابرة محتسبة مقدمة روحها إلى الله. يجود بالروح إن ضن البخيل بها والجود بالروح أغلى غاية الجود وتنتثر دماؤها على الناس، فيسبها أحد الصحابة، فيقول له صلى الله عليه وسلم: {مهلاً يا فلان، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم} وفي لفظ: {والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس، لوسعته أو لو وزعت على سبعين بيتاً من بيوت أهل المدينة، لوسعتهم} وهل رأيتم أجود منها يوم جادت بنفسها، ثم يقول عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده لقد رأيتها تنغمس في أنهار الجنة} فأول هذا أنه طهارة لمن أقيم عليه الحد، وقد تاب ما بينه وبين الله، فإن الحدود كفارات وجوابر وزاجر.

استقرار الأمن في البلاد

استقرار الأمن في البلاد والمنفعة الثانية من تطبيق الحدود: أنه استتباب للأمن في البلاد، وقطع لدابر المجرمين والمفسدين في الأرض، وقطاع الطرق وعصابات الإفساد، وعصابات الإرهاب التي تفسد في الأرض، وتعرض الأمة للدمار وللنار، وتزعزع البيوت الآمنة والآهلة بالسكان، فإن الأمن في تطبيق الحدود، وهذا معنى قوله تبارك وتعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) [البقرة:179] ونكّر (حياة) ولم يقل (الحياة) لتكون حياة بمعنى مفهوم الحياة العامة الشاملة الثابتة.

زاجر للمعتدين

زاجر للمعتدين والمنفعة الثالثة: أنها زواجر للمعتدين، وأنها دواحض للمرتابين، وأنها موانع لمن يريد أن ينتهك حرمة عباد الله عز وجل، فإن من مقاصد الإسلام حفظ النفس، والمال، والعرض، وحفظ النسب، والعقل، فجعل الله عز وجل لهذه الأمور الخمسة موانع وحواجز تحفظها من كل من يريد أن يعتدي عليها.

رضا الله وتنزل نعمائه

رضا الله وتنزل نعمائه والمنفعة الرابعة: أنها إرضاءٌ لله عز وجل، والله عز وجل يرضى يوم يرى حدوده تطبق في الأرض، ويوم يرى شريعته تنتشر في الناس، ويوم يرى القائمين بالحدود من سلطان وأمير وقاض ومسئول ينفذ حد الله، حينها ينزل الله القطر من السماء، ويؤلف بين القلوب، ويحمي البلاد من اعتداء المعتدي، ويرد عنها كيد الكائدين وضغينة الضاغنين، وما اعتدي على كثير من البلاد، وما أرهبت كثير من الشعوب إلا بمعاملتها مع الله عز وجل يقول سبحانه: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} [الطلاق:8 - 9] فانظروا إلى جيراننا والشعوب التي تلينا كيف عاشت الدمار والحروب والمجاعة، وكيف عاشت الاختلاف، وكيف عاشت التمزق يوم أعرضت عن شرع الله عز وجل، وأخذت قوانين نابليون وجعلتها مكان القرآن، وادعت أن شريعة الله لا تسير العصر، فأصابهم الله بلعنة وخزي في الدنيا ونار تلظى في الآخرة. فنسأل الله عز وجل لنا ولكم الفقه في دينه، والثبات على أمره، والرشد فيما يعنينا، وأن يؤلف بين قلوبنا، ويصلح ذات أنفسنا، وأن يهدينا سواء السبيل. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وأرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه. اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحينا ما علمت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وثبت أقدامهم وأقم علم الجهاد بهم ووحد كلمتهم، واجمع صفهم يا رب العالمين! اللهم انصر المجاهدين المسلمين في فلسطين على أعدائك أعداء الدين، أبناء القردة والخنازير، الذين قتلوا رسلك، وكذبوا بشريعتك، وآذوا أنبياءك، اللهم رد لنا أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يا رب العالمين. ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أمانة الكلمة

أمانة الكلمة نبي الله يوسف عليه السلام وهو يعاني من السجن والغربة والقذف لعرضه والإيذاء لشخصه، ومع ذلك لم يتخل عن الدعوة إلى الله، وحمل الأمانة التي كلف بتبليغها إلى الناس، وقد ضرب لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التضحية من أجل إيصال كلمة التوحيد إلى قلوب الناس إن كلمة التوحيد هي أعظم الأمانات فهل بلغناها كما أراد الله؟!

كلمة التوحيد

كلمة التوحيد إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أيها الشعر أنت أنت الحداءُ غنِّ شعراً تصغي إليه السماءُ رتل الحق ساطعاً يفضح البهـ ـتان فالحق عزة شماءُ لا تراء يا شعر واسكب شجوناً فقبيح لدى الكرام الرياءُ مرحباً يا دمَّام جئت وبعضٌ من البكاء غناءُ مرحباً مرحباً أتعرف وجهاً نحتته الأنواء واللأواء فجراح الحسين بعض جراحي وبقلبي من الأسى كربلاءُ أيها الاخوة الكرام! أقول كما قال الشيخ عمر الدويش للمتزوج: بارك الله لك وبارك عليك، وجمع بينكما في خير، ليلة مباركة وعرس مبارك واجتماع حافل، ثلاثة أنوار: نور هذا الزواج الإسلامي السني الخالد. ونور ليلة حفتكم وحضرتم أنتم بها. ونور الكلمات العطرة التي تنبعث فتشدو بإذن الله وتشدو بحول الله وقوته. أمانة الكلمة. ما هي الكلمة؟ وما هي الأمانة؟ ومن يحملها؟ ومن هم روادها؟

عظمة الدين

عظمة الدين أما الكلمة: فلا إله إلا الله، محمد رسول الله، الكلمة التي قامت عليها الأرض والسماوات، والتي خلقت من أجلها الجنة والنار، الكلمة التي نصب عليها الصراط وأقيم الميزان، ومن أجلها تتطاير الصحف، دكدكت الدنيا من أجل هذه الكلمة خمس مرات، بالطوفان، والصاعقة، والصرصر، والزلزال، والخسف، لتستقر هذه الكلمة في قلوب الموحدين، فكأن أصوات المدافع في قلوب المؤمنين الروح والريحان.

حملة كلمة التوحيد

حملة كلمة التوحيد كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله من حملها؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام، حملها بدمه وبدموعه وبجراحه وبوقته وبجهده، حملها والدنيا كل الدنيا تتحداه، فأوقف قدمه ورفع يده وقال للشرك: {والذي نفسي بيده لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركته أو أهلك دونه}. أمانة الكلمة: يحملها يوسف عليه السلام الصديق ابن الصديق، الكريم ابن الكريم ابن الكريم، في الحبس وداخل الزنزانة يسأل عن فتيا ورؤيا، فلا يجيب عن الرؤيا ولا عن الفتيا حتى يقول: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:39]. فإذاً الله معه، وإذا هو ملء جوانحه وملء إدراكه وجفونه ومعتقده، فقبل أن يجيب وأن يفتي فإنه يوضح لمن يسأل عن الرؤيا العقيدة الإسلامية الخالدة، التي ترافق المحبوسين في حبسهم، والمسجونين في سجنهم، وأهل المعاناة مع معاناتهم، والتجار في تجارتهم، والفلاحين في فلاحتهم، والأساتذة في مدارسهم، والعلماء في مجامعهم، وكل أحد ترافقه كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا يوسف وهو محبوس ينبعث منطلقاً مشتعلاً بلا إله إلا الله، وإذا هو ينادي إلى معتقد التوحيد الأول الذي نادى به الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. ومؤمن آل فرعون يكتم إيمانه، ولكنه ينبعث في فجوة من فجوات الغيظ والمعاناة فيقول: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر:28] وهي أمانة لا بد أن يحملها الإنسان يوم أن يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، يسأل عنها، فإذا هو أمام الله قد أدى أمانته، وقد سلم جهده، وقد برئت عهدته إذا هو قام بها. ليست الحياة التي يتصورها السادرون المخمورون؛ حياة الأكل والشرب، والشهوة، والظهور، والشبهة، والسيارة، والوظيفة، والقصر، والحديقة، والمنصب، لا: خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا أتى الطفيل بن عمرو الدوسي من زهران إلى محمد صلى الله عليه وسلم يسمعه يشعُّ بلا إله إلا الله، يسمعه يتفجر بلا إله إلا الله، يسمعه يحيي القلوب بلا إله إلا الله، قال: يا رسول الله! ادع الله على دوس، كفرت دوس، عصت دوس يقصد قبيلته، فأتى الرحيم العطوف الحنون صلى الله عليه وسلم ذو الخلق العظيم فرفع يديه، قال الطفيل: هلكت دوس! وظن أنه سوف يسحقها بكلمة يبيدها عن بكرة أبيها، فقال: {اللهم اهد دوساً وأت بهم} فانطلق داعية مؤثراً، فأسلموا عن بكرة أبيهم.

مسئولية الجميع

مسئولية الجميع إن الدعوة دور المجاهد المسلم الباحث عن الحقيقة، المستنير بنور الله، لا الخامل الذي يظن أنه أتى هنا موظفاً فحسب، تاجراً فحسب، جندياً فحسب، أستاذاً فحسب، معلماً فحسب، لا. بل جاء أستاذاً وداعية، جندياً وداعية، تاجراً وداعية، فلاحاً وداعية، موجهاً وداعية، مفتشاً وداعية، وإلا فلا يتبوأ صهوة البراءة الأصلية عند أهل العلم ولا يكون من أهل الميثاق: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران:187] فنبذوا الرسالة وراء ظهورهم: {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] قال الحسن: [[الثمن القليل الدنيا وما فيها!]] ماذا تجدي الدنيا عن رجل غضب الله عليه، ونقض ميثاق الله؟! لا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى ولا يوجه ولا يؤثر ولا يوزع ولا يخطب ولا يغار ولا يغضب، إنما هو جثمان يأكل ويشرب ثم يموت، والله ذكر أعداءه أنهم ينفقون الأوقات والأموال والجهد قال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36] وهم يألمون ويخططون ويعملون ويشتغلون، لكن يقول المولى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:104] ويقول الشاعر: سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا فنحن أهل عقيدة ورسالة، حملناها من القدم يوم أعلنها فينا عليه الصلاة والسلام، ووجه كل إنسان ليحمل أمانة الكلمة لا إله إلا الله. يفور دمي وأنا أطالع تراجم أصحابه، وهم أمامه كالكواكب في المسجد، وهو شاخص على المنبر يتدفق بالكلمات عليه الصلاة والسلام، ثم يثير في قلوبهم لا إله إلا الله من جديد، كل يوم وهو يحرق في قلوبهم عناصر الوثنية. يقول: {من يقتل خالد بن سفيان الهذلي فله الجنة، فيقول الشاب ابن أنيس: أتضمن لي الجنة؟ قال: نعم. } فيقتله ويدخل الجنة بإذن الله، فليس عنده إلا الجنة، وهذه هي قيمة الكلمة التي أتى بها عليه الصلاة والسلام، قيمة لا إله إلا الله وثمنها، والبيعة الأولى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111].

عمر واهتمامه بالدعوة

عمر واهتمامه بالدعوة وانظر إلى عمر وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، مطعون سرى دمه في الأرض، باع الدنيا وترك الخلافة وانتهى، وأسلم روحه إلى الله، ولكن همه في الدعوة ما زال قائماً، يأتيه غلام يجر قميصه أمامه، فقال: [[يا بن أخي! تعال، ارفع إزارك؛ فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك]] فلله دره! أي هم هذا الهم في وقت ينسى الإنسان فيه أخاه وأخته، وأباه وأمه، وابنه وأهله، وكيانه وجيرانه، وإخوانه وخلانه؟! ومع ذلك يأمر في مسألة نظنها نحن جزئية، أية حياة لمن لم يشتغل بهذا الدين؟! أي نفع له؟! وأية خارطة يشكلها؟! أنا لست مهتماً بأصل قبيلتي ورائي قريش أو ورائي تغلبُ فليست بلادي بيرقاً أو خريطةً ولكن بلادي حيث أسطيع أكتبُ فلتؤثر ولتنشر ولتأمر ولتنه، وإلا فتوقع الغضب المقيت، الحال المحتوم من الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160].

الهدهد يحمل هم الدعوة

الهدهد يحمل هم الدعوة وليستح الإنسان أن يكون الهدهد أعز منه جانباً وأقوى همة وأكثر حماساً لدين الله، هدهد يطير من اليمن من سبأ ويقع إلى أرض كنعان أو إلى فلسطين في كلام بعض أهل العلم، فيتأخر على سليمان، ويريد سليمان أن يأخذ منه ضريبة التأخر، فيجيب: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} [النمل:22] ولكن اللافت للنظر أنه يقول عن المرأة تلك: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ} [النمل:24]. هدهد نقم عليهم عملهم الخاطئ الوثني وأتى يخبرهم بعقيدة التوحيد لا إله إلا الله، ثم قال: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل:25] وانظر إليه كيف التفت إلى الخبء! لأنه هدهد ورزقه دائماً يخبئه، وأعظم معجزة عند الهدهد تخبئة الرزق، فمن يكشف رزقه إلا الله! فأشار أي: بلسان الوحدانية، وبفم الصمدانية إلى رب السماوات والأرض، ثم أخبر أن هذه العقيدة بائرة خاسرة لا تصلح، وأن الأحسن منها عقيدة التوحيد، أما أدى دوره؟! أما حمل أمانة الكلمة؟! أما قام بها؟! والله إن منا من هم أبخس حظاً من الهدهد، وأقل حماساً وغيرة، يرون المنكرات والمخالفات والتعديات، ثم لا يغضبون ولا تتمعر وجوههم، ولا يشاركون ولا يؤثرون ولا يتحمسون، فأنى لهم النجاة؟! كيف ينجون من غضب الله عز وجل والله يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143]؟! أمانة الكلمة أمانة الميثاق: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72].

النملة تلقي درسا في الدعوة

النملة تلقي درساً في الدعوة قال بعض المتأخرين لما جمع مذكرة في أمانة الكلمة: وأمانة الكلمة التي حملتها النملة فأنذرت قومها، وأنذرت صويحباتها: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18] فأنذرت وبشرت وأخبرت، وأنكرت وحذرت؛ لأنها تعيش مبدأ حماية النملات مبدأ المسئولية وهي أمانة الكلمة.

الجن يدعون إلى الله

الجن يدعون إلى الله وفد الجن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة المعاناة، بعد أن أغلقت مكة أبوابها في وجه ابن مكة البار والراشد، والطائف أغلقت أبوابها، فنزل في وادي نخلة يبتهل إلى الله وتصعد أنفاسه: محمدٌ في فؤاد الغار يرتجف في كفه الدهر والتأريخ والصحفُ مزمَّل في رداء الوحي قد صعدت أنفاسه في ربوع الكون تأتلفُ من الصفا من سماء البيت جلله نور من الله لا صُوف ولا خزفُ والكفر يا ويحه غضبان من أسف لم يبقه القهر في الدنيا ولا الأسف ولا رعته سيوف كلها كذب في صولة الحق والإيمان تنتسفُ فماذا قال؟! نادى ربه وشكى إليه وبكى، فاستمع له الجن، ولكن هل كانوا سلبيين؟ هل سمعوا المحاضرة والدرس ثم خرجوا وهم في عزلة وانطواء، وفي نظرة سوداوية وتشاؤم؟! هل تركوا الميدان لأعداء الله من العلمانيين والمنافقين والكفرة والملحدين؟! لا. بل قالوا: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} [الأحقاف:31]. وهي مسئولية الإنسان أن يحترم نفسه وأن يحترم مبادئه مستقبلاً، وأن يؤثر؛ وكم نحضر من المحاضرات! كم هي الألوف التي تحف بالمحاضر! وكم هي الألوف التي تحضر الجمعات! وكم هم طلائع الصحوة الذين يزينون شرفات المجامع العامة! أين تأثيرهم؟! أين أمرهم ونهيهم؟! أين توزيعهم للشريط الإسلامي وللكتيب الإسلامي؟! أين دروسهم؟! أين مشاركاتهم؟! أين نصائحهم؟! أين وعظهم؟! لو اشتغل منهم العشر لصلحت الدنيا، لو تأثر منهم العشر وقاموا وأخذوا بحديث: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} لأصلح الله بهم الجيل والأمة.

جد أهل الباطل في دعوتهم

جد أهل الباطل في دعوتهم وانظر إلى أهل الباطل وأهل الوثنية وأهل الانحراف، كيف يخططون ويقررون وينفذون ويسهرون ويتألقون، ويلمعون بمبادئهم الباطلة ويتحمسون لها ويشاركون، فأين أهل الحق؟! قال عمر شاكياً إلى الله: [[اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر ومن عجز الثقة]] جلد الفاجر: أن يكون الفاجر جلداً قوياً حازماً داهية في أمره، وأن يكون الثقة كسولاً فتوراً متخاذلاً، إنها قاصمة الظهر! حين تكون الأمة أعداداً هائلة لكنهم كما قال الشاعر: عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبت وجدتهم أصفارا من كل مفتون على قيثارة كلٌ وجدت بفنه بيطارا أو كاذب خدع الشعوب بدجله عاش السنين بعمره ثرثارا أو عالم لو مالقوه بدرهم رد النصوص وكذب الأخبارا

الأمة بين عهدين

الأمة بين عهدين هذه أمة لا تستحق الريادة، ولا تستحق أن تكون الأمة الوسط، أمة الخلافة، الأمة التي تحمل المنهجية والميثاق في العالم، الأمة التي تتسلم قيادة البشرية، فهي قبلة وكعبة. كعبة للأفكار فتؤخذ أفكار الدنيا من أفكارها، وكعبة للشريعة فشريعة الناس من شريعتها السماوية، من الوحي الصافي الذي نزل من فوق سبع سماوات. وقبلة في الريادة، وقبلة في الأدب وفي الفن، وفي الطموح وفي الإدراك، وفي التربية وفي التعليم، هذه أمة تستحق، أما أمة عاطلة ينزوي صالحوها بحجة ركعتي الضحى وصيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ فلا يأمرون ولا يدرسون، ولا يتكلمون ولا يخطبون، وعندهم وسوسة الخوف من غير الله فيحجمون، لا والذي لا إله إلا هو حتى يذوق الإنسان الأمرين من غير أن يقول: آح. إذا سألت الله في كل ما أملته نلت المنى والفلاح بهمة تذهب ماء الحصى وعزمة ما شابها قول آحْ فليس في الطريق آه ولا آح، وإنما في الطريق صبر ومواصلة ومصامدة للباطل ومراغمة؛ حتى تكون العاقبة للمتقين، والخاتمة لأولياء الله، والنصرة لمن يهتدي بهدى محمد صلى الله عليه وسلم ومن يحمل الكتاب والسنة ومن يقوم على هذا المبدأ، ويقدم رأسه ودمه وكل ما يملك، ليرضى الواحد الأحد، فإذا رضي الله فهو المغنم. وأنا أخبركم بكلمة وهي سر بيني وبينكم، والمجالس بالأمانات، والذي نفسي بيده لو دفع أهل الدنيا ذهبهم وفضتهم وقناطرهم المقنطرة وخيولهم المسومة والأنعام والحرث، ثم غضب الله عليهم فإنها لا تنفعهم شيئاً، وهي خزي في الدنيا والآخرة، فوالذي نفسي بيده لو عاش الإنسان فقيراً مسكيناً، شريداً طريداً، حبيساً مقيتاً مريضاً، ثم رضي الله عنه إنها سعادة الدنيا والآخرة، وهي الرضوان، ولذلك منى الله الصحابة ووعدهم بذلك، وكان وعده حقاً، وبشرهم وهم تحت الشجرة يبايعون: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18]. تخيل أني أنا وأنت تحت الشجرة نسمع قول هذا النداء الحبيب، والله عز وجل ينادينا أنه رضي عنا، ثم ننفض ثيابنا من الغبار، ثم نقوم وقد رضي الواحد الأحد عنا، أي فوز وأي مغنم هذا؟!

الجهاد والتضحية في عهد الصحابة

الجهاد والتضحية في عهد الصحابة كان صلى الله عليه وسلم يقول لأحد أصحابه وقد مات في تبوك: {اللهم إني أمسيت عنه راضياً فارض عنه} ولا يتصور أحد أن رضا الله أمر سهل، من أجل رضا الله سالت دماء الصحابة وهم يقطعون أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، أحدهم يأتيه السهم فيرفع يديه يتلقى السهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الثاني: يضربه الرمح فيمد يده، الثالث: تكسر جمجمته، الرابع: تذهب عينه وتنزل في الأرض، وكلهم يقول: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى: سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا وقاتلت معنا الأملاك في أحد تحت العجاج فما حادوا وما انكشفوا فأي جهد بذلناه؟! ماذا قدمنا لديننا؟! أنا أعلم أن فينا استقامة ظاهرية، والباطن خير إن شاء الله، لكن أيظن ظان أن من أطلق لحيته وقصر ثوبه وحمل سواكه واكتفى بالنوافل التعبدية القاصرة اللازمة لنفسه أنه سوف ينجو من المسئولية يوم العرض الأكبر؟! مسئولية أداء الكلمة وأمانة الرسالة وحمل الميثاق؟! أيظن أنه يعفى؟! كلا. والصحابة قدموا جماجمهم وحملوا دين الله إلى قرطبة والحمراء والسند والهند وكابل وكل بلد من أصقاع الدنيا، يحملون الرماح والسيوف، وينامون الليالي الطوال لا يجد أحدهم كسرة الخبز، ثم يدفنون في الصحراء هنا وهناك. قرأت قصة لـ عمر وقد أتته بشائر الجيش المنتصر مع الأحنف بن قيس، فوصلوا إلى المدينة فاستقبلهم بشغف، لكنه ما يسر جيوشاً كان يعرفها، قتلوا هناك: بـ قندهار ومن تكتب منيته بـ قندهار يرجم دونه الخبرُ خرجوا من المدينة إلى قندهار، بلا طائرة ولا سيارة ولا موكب ولا حشم، خرجوا على أقدامهم يحملون أرواحهم على أكفهم في سبيل الله، خرجوا فتركوا اللذائذ، خرجوا فتركوا الطعام، خرجوا فتركوا الشراب، خرجوا فتركوا البنات والأبناء، فلذات القلوب وشذا الأنفس، خرجوا وتركوها لله، ثم ذبحوا ودفنوا هناك، فقام عمر يعانق الجيش لكنه ما يسر البقية، فأخذ يبكي، القريب الراعي المشغول، قال: أين فلان؟ قالوا: قتل، فترحم عليه، وفلان: قتل، وفلان: قتل، قالوا: يا أمير المؤمنين! وقتل أناس لا نعرفهم، فبكى عمر وقال: [[لكن الله يعرفهم]]، إن لم تعرفوهم أنتم ولم يسجلوا في الدواوين ولم أر أسماءهم في الدفاتر فالله يعرفهم، الله يدري ويعلم من الذي يقتل في سبيله ويجاهد وينفق ويعطي. ونحن والحمد لله في مؤسسة نافعة، أعضاؤها أهل الخير من الأطهار الأخيار الأبرار الذين يتوضئون لصلاة الفجر، وينحدرون في البرد القارس إلى المساجد، فيضعون جباههم، وأبشرهم أنها لا تخزى يوم العرض الأكبر! فوالذي نفسي بيده لا نجعل أبداً رجلاً متمرداً جلس ونام على فراشه، وسمع الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ثم أعرض وسكت وخنع على فراشه كرجل مسلم متوضئ متطهر، سمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، فانتفض من فراشه. وفي صحيح مسلم أن عائشة تقول: {كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع الصارخ وثب، قال الأسود: -راوي الحديث- وأنا أعلم ما تعني وثب} لم تقل: قام، ولم نقل: تحرك، بل وثب صلى الله عليه وسلم حتى يسقط فراشه أو لحافه وهو واقف. والله لا نجعل هذا كهذا الذي يأتي إلى المسجد، فيصلي ويمرغ جبينه للواحد الأحد، هذه المؤسسة أعضاؤها الخيرون وهي مؤسسة محمد صلى الله عليه وسلم أعضاؤها مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد ومعاذ، فمن لم يكن على طريقتهم فليقدم الآن تنازله، ولا يدخل في هذه المؤسسة، وليعلم أنه سوف يندم في يوم من الأيام: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. يسمعني تاجر لعله يظن أنه بدرهمه ووسع بيته وبستانه سوف ينجو، لا. وقد قال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ:37]. إن الذي يقربكم زلفى عند الله: الإنفاق، بناء المساجد، الإصلاح، أن تدفع مالك سخياً للدعوة وللأمانة وللرسالة، وأن تكون متهيئاً في قبرك بمهاد أحسن من مهادك الذي مهدت في فلتك وفي قصرك، تذهب هناك لكنك تتركه هنا، قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] فلا أعطيات ولا سيارات ولا فلل ولا قصور. وكلامي هذا لأستاذ يؤدي مادةً في فصل فيظن أن معنى ذلك: أن يتعاطى أعطية وأجراً في آخر الشهر، أو يقدم مادة سواء فهم الطلاب أم لم يفهموا، ونسي أنه داعية، وأنه خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الله سوف يسأله عن كلامه وعن عباراته وعن جمله، وهل أثر في الجيل والنشء الذي طرحناه أمامه وبين يديه؟! وكلامي هذا لجندي استأمنه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وسهرت عينه لمصالح المسلمين، عسى عينه ألا تمسها النار! فيسأل نفسه: هل قمت بالجندية الإسلامية، وكنت حاملاً للا إله إلا الله محمد رسول الله؟ هل صدقت مع الله؟ هل كنت ساهراً في مرضاة الله؟ هل سهرت كما سهر سعد وعمار وعباد بن بشر؟ هل آمنت بهذه الكلمة الصادقة الحقة لا إله إلا الله؟ وكلامي كذلك لداعية أنفق جهده وساعاته في الدعوة إلى الله عز وجل، ألا يتعالى على الله ولا يتعزز ولا يمن على الله؛ فالفضل لله والعطاء من الله، والكلام والتوفيق والعلم منه سبحانه وتعالى فما لنا شيء: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] ويمنون عليك أن أنفقوا، ويمنون عليك أن جاهدوا، ويمنون عليك أن وعظوا وخطبوا، قل لا تمنوا علي خطبكم ولا وعظكم، ولا دراهمكم ولا أموالكم، المنة لله الواحد الأحد، هو الذي أعطى ووهب ثم امتحن الناس: {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [المائدة:48]. فالإتيان منه، والعطاء منه، والبذل منه، والخير منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فيا أيها الإخوة! لا نبخل بعطاء الله الذي أعطانا فنكون نحن من الخاسرين.

من أحوال الأمة في هذا العصر

من أحوال الأمة في هذا العصر أمر آخر -أيها الإخوة- وهو: أننا ننطلق من الجمعة إلى الجمعة والجمعات دائماً وأبداً، فنسمع الخطيب الذي يوجه الأمة، ثم نعود بعد أسبوع فما قدمنا في المسيرة شيئاً، ولكني أستثني الشرفاء، حملة الكلمة الحقة، الصادقين الصابرين، أستثنيهم، لكن الكم الهائل من أمة تعدادها مليار، أو مليار ومائتا مليون، أمة إسلامية تسمي نفسها أمة المليار، ثلث سكان الكرة الأرضية، ماذا قدمت للعالم الإسلامي؟ ما هو تأثيرها في القرار؟ ما هي مواقفها؟ وأعراض المسلمين في البوسنة والهرسك والصومال وأفعانستان وبورما وكشمير. وغيرها تنتهك، والجماجم تفصل عن الأعناق، والأطفال ينصرون ويهودون، ويحولون عن فطرة الله التي فطر الناس عليها، والصيحات والضجات والدموع والدماء، والأسر والفتك في هذه الأمة، أمة المليار ماذا قدمت لأنفسها؟ ما هو موقفها أمام الله ثم أمام التاريخ؟ هل سألت نفسها: هل قامت بجهد؟ إن بعض الناس من أهل الغنى أو الثراء أو الدعوة أو العلم يظن أنه إذا شحذه داعية وطلب منه أن يقدم شيئاً أنه أحسن لهذا الداعية أو أحسن للإسلام، أحسنت أنت لنفسك: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء:7]. فالإحسان للنفس ليس إلا.

المسلمون ودراسة الإسلام

المسلمون ودراسة الإسلام إخوتي في الله! بقي هناك مسائل أعرضها قبل أن ألتفت إلى الأسئلة إن كان هناك أسئلة، ولا أريد أن أطيل عليكم، والحقيقة أن هذا الزواج يباركه الله لأنه زواج إسلامي، وفيه قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، ولسنا بالذي يريد تحويل الزواجات إلى مآتم، فنذكر فيها القبر، وكيف يكفن الميت أو يغسل، وكيف يبكي عليه قرابته، وعذاب منكر ونكير، وموقف أهل السنة والجماعة من عذاب القبر ومن نعيمه، فهذا له مجال، وهذا له مجال، لكننا نفرح بلقاء أحبابنا وإخواننا الذين قد لا نجتمع معهم في صلاة أو في جمعة أو في عيد، فنتكلم لهم بقضيتنا وبهمنا وبرسالتنا الكبرى التي نُسأل عنها دائماً وأبداً.

مأساة الضياع والحياة بلا رسالة

مأساة الضياع والحياة بلا رسالة يقول أحد الفضلاء: اجعل هم الرسالة في رأسك كالصداع، أتنسى الصداع؟ رجل مصدوع يخرج إلى السوق أينسى صداعه؟ أينسى رسالته؟ أية هامشية يعيشها هؤلاء الذين يعيشون لأنفسهم ولبطونهم ولسياراتهم؟ وأية تفاهة هذه؟ أتعرف عالم التفاهة وعالم الهامشية وعالم الضياع؟ إنه يشكل خارطة كبرى من العالم الإسلامي: خارطة الكرة، والبلوت، والسيجارة، والمقهى، والمجلة، والشريط الكاسيت، والفيديو، خارطة الضياع بأنواعه، والأغنية والمجون والسفه والسقوط، ولا يسقط العبد بهذه حتى يسقط من عين الله، يوم ينظر الله إليه فلا يجد في قلبه مدافعة، ولا يجد في قلبه حباً، ولا تأثيراً بأن يكون عبداً لله عز وجل، لأنه كما قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23] لو علم الله في هذا الجيل، ولا أقصد هؤلاء الفضلاء، ولا هؤلاء الشرفاء، ولا هؤلاء الأخيار، لو علم الله في ذاك الجيل الضائع الهامشي أنه يريد الدعوة والصلاح والاستقامة والتأثير في الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليدخل جنة عرضها السماوات والأرض، وليبيض وجهه يوم تسود وجوه وتبيض وجوه، وليعلي كعبه، وليدخل رضوان الله، لو علم الله في هؤلاء خيراً لأسمعهم الرسالة، فوقعت في قلوبهم، فأحبوا لقاء الله، فدفعوا العرق والدم والمال والوقت وكل شيء في سبيل الله. والله يقول عن أعدائه: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] وهذا الزياغ نسبي يزيغ به المنافق والكافر والفاسق، فالفاسق يزيغ، لأنه بدأ الزيغ فأزاغ الله قلبه، زاغ من المسجد إلى الملعب، وزاغ من المصحف إلى المجلة الخليعة، وزاغ من التلاوة الحقة والشريط الإسلامي إلى الأغنية، فأزاغ قلبه، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن أوليائه وأحبابه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] تعبوا فينا، سهروا فينا، أعطوا فينا، تكلموا فينا، أنفقوا فينا، أي: من أجل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ولقد أحسن من قال: ما أحسن الصبر الجميل بعاشقيك وأجملا إن تحم عيني أن تراك جعلت قلبي منزلا وحقك لو أدخلتني النار قلت للذين بها قد كنت ممن أحبهُ وأفنيت جسمي في علوم كثيرة وما منيتي إلا رضاه وقربهُ ثم يقول: أما قلتمُ من كان فينا مجاهداً سيحمد مثواه ويعذب شربهُ الشباب الآن، هؤلاء الألوف المؤلفة الذي يموت أحدهم وهو على كرة وتسلية وهواية، وحزبية لنادٍ على نادٍ، وتصفيق وزفير وشهيق، ثم يغسل ويكفن ويدفن، أية رسالة قدمها للأمة؟! أي جهد؟! هل كان طياراً؟! هل كان طبيباً؟! هل كان مهندساً مسلماً، داعية مؤثراً؟! أهذا الجهد من أجله خلقت السماوات والأرض؟! من أجله خلق الإنسان، من أجله خلف في الأرض! من أجله بعثت الرسل! أمن أجل هذه الهواية؟: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون:115] عبث صور، وعبث نماذج، وعبث ميادين، وعبث العقول، أحدهم يبلغ الستين وهو ما زال طفلاً عابثاً! وأحدهم يكون طويلاً متيناً قوياً وهو عابث! وأحدهم يدرك ويفهم ويعقل وهو عابث! وأحدهم عنده شهادة ومال ومنصب وهو عابث! فأي عبث؟ أهي رسالة العبث أم رسالة الحق المتلقاة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم؟

البشرية تتعطش إلى الإسلام

البشرية تتعطش إلى الإسلام إخوتي في الله! إنني أسأل مرة ثانية: ماذا قدمنا للناس في عالم الدنيا وفي عالم الآخرة؟ يتحرون منا أن نقدم لهم الإيمان والعمل الصالح، وأن نعيدهم إلى دين الله، فقد احترقت أوراق الباطل، لا الشيوعية العالمية ولا الصهيونية ولا الرأسمالية، ولا غيرها من الملل والنحل والأطروحات، وبقيت ملة الإسلام، وأصبح الإسلام يسير بنفسه بلا أهل، مسكين هو الإسلام! دين قوي صحيح أصيل ولكن لا يحمله أحد، مسكين هو الإسلام! حق ثابت مؤصل من الله، لكن ما له أحد، مسكين هو الإسلام، كم تلقى من الضربات من أعدائه! سحق مرة ولم ينسحق، استولى التتار على العالم الإسلامي، فعاد الإسلام وانتفض، فإذا هو أقوى مما كان. وأتى أهل الصليب فسحقوه ولم ينسحق، فخرج أقوى وأعتى مما كان، ووجهت له الشيوعية ضربة فانتفض وانتصر، والرأسمالية ضربة فانتصر، والصهيونية ضربة فانتصر، فسوف ينتصر، سواء نصرناه نحن وإياكم لم ننصره؛ كما قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] أو نكون في ركام قائمة الهامشية، فلا نعد ولا نحسب، وما وفينا وما صدقنا مع الله وما قمنا بشيء. إن هذا الكلام ليس تنفيساً عاطفياً ليتكلم الإنسان بالكلمات الرنانة، ولكنه يطلب منه أثر وواقع، وأن تكون داعية إلى الله، غيوراً على محارم الله، تقوم بدين الله وبرسالته في الأرض، لتكون صادقاً مع الله عز وجل، وتحمل الميثاق.

المستقبل للإسلام

المستقبل للإسلام أيها الاخوة الفضلاء: أشكر من شاركنا في هذا المكان الطيب من إخوتنا المشايخ والدعاة، والأخيار والقضاة والأحبة، وأسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجمعنا بهم في دار الكرامة، وقد ذكرنا هذا المجلس بأبيات زهير بن أبي سلمى: وفيهم مقامات الحسان وجوههم وأندية ينتادها النبل والفضلُ جزى الله رب الناس خير جزائه وأبلاهم خير البلاء الذي يبلو وما كان من خير أتوه فإنما توارثه آباء آبائهم قبلُ وهل ينبت الخطي إلا وشيجه وتغرس إلا في مغارسها النخلُ أباؤكم هم: معاذ، أُبي، سعد، سلمان، طارق، خالد بن الوليد، فلا عجب أن تنبعث طائفة من المؤمنين تقول: نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا ونتكلم كما تكلموا، ونقرئ الناس ونعلمهم ونرشدهم كما فعل أولئك، وليس على الله بعزيز! وفي مسند أحمد عن أنس قال صلى الله عليه وسلم: {أمتي كالغيث لا يدرى الخير في أوله أم في آخره} سبحانك ربي! أية أمة معطاءة! أو أية أمة مجيدة! كلما قالوا: خمدت، خرج منها آلاف الشهداء، وآلاف العظماء، وآلاف الخطباء، وآلاف الأدباء، وآلاف الدعاة. ضجت أفغانستان قبل ثلاث عشرة سنة، وظن الناس أن الشيوعية سوف تسحقها، فخرج الأبطال في شوارع كابل يحملون الكلاشنكوف ويقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا فمن أخرجهم؟ أخرجتهم لا إله إلا الله، وأهل الصومال يخرجون من بين شجر الكاكاو يقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وفي سراييفو وفي بورما وفي كشمير وفي كل بلد، ميراث محمد صلى الله عليه وسلم ودعاته وجيله وأحبابه الذين يريدون أن يركبوا في سفينته، ولن ينجو إلا من ركب في هذه السفينة. أما الذي لا يركب في سفينته فلا يطمع مرة من المرات أنه سوف ينجو، بل سوف يأخذه الطوفان ويهلك ويدمر: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45] إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد لما كان أرصدا سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

الأنانية وحب الظهور

الأنانية وحب الظهور Q نرجو منكم إلقاء كلمة حول الأنانية وحب الظهور؟ A تتردد قضية بين النسوة والجيل والشباب وهي مسألة الأنانية وحب الذات، والأنا وحب الظهور ونحو ذلك كبار من أمراض القلوب، وإذا وجد في العبد (أنا ولي وعندي) فقد تلف! إلا أن يعصمه الله ويتوب عليه، فتجد بعضهم يحب كلمة "أنا" وأن يكون هو الذي في الصورة وغيره لا، فيتحقر الآخرين ويسخر بهم ويتعالى عليهم ويصادر طاقات الناس، سواء كانوا جماعات أو أفراداً، وتجده بعملية الإسقاط -عند أهل التربية- يسقط الآخرين، إن كان خطيباً أسقط الخطباء، وإن كان داعية سعى لإسقاط الدعاة ليبقى هو، وإن كان منفقاً سعى لإتلاف وإسقاط المنفقين، وهذا ذنب كبير عليه أن يتوب منه.

كثرة الوسائل الدعوية

كثرة الوسائل الدعوية Q أريد أن أشارك في الدعوة لكن ليس لي قدرة على الخطابة فما هي نصيحتكم لي؟ A هناك من يتصور أن الدعوة فقط إنما تكمن في المحاضرة، والدرس، والندوة، والخطبة، وهذا ليس بصحيح، الدعوة أكبر من ذلك، الدعوة هي الحياة الإسلامية، هي التي تقدم لله عز وجل بأية صورة قدمت، لم يكن الصحابة كلهم خطباء، ولا متفوهين ولا مدرسين، هذا مجاهد بماله، وهذا بدمه، وهذا مخطط، وهذا منسق، وهذا منفق، وهذا يصلح بين اثنين، وهذا يقف مع المنكوبين، فهذا جهاد كبير يتوزع على الأمة، والدعوة فقط بالمحاضرة والندوة والخطبة إنما هي صورة من صور هذه الدعوة الكثيرة.

الخوف من العجب

الخوف من العجب Q أريد أن أدعو وأخاف على نفسي العجب؟ A على كل حال أيها الأخ! أنت إذا ذهبت إلى الشيطان تستفتيه عن كل خطوة تريد أن تخطوها فإنه يفتيك بالرفض، فلا يريد أن تتكلم ولا أن تخطب ولا أن تدعو، ويأتيك بالورع البارد المظلم، لأنه هو يدخل من هذه المداخل، إن رآك خائفاً من الورع ورَّعك أكثر حتى تخرج بالغلو من الدين، وإن رآك عابداً مشمراً أخرجك بالغلو إلى أن تبتدع في العبادة ما ليس منها، وإن رآك مقصراً قصر بك حتى تجفو، فانتبه له واحذر أن تستفتيه! إنما يُستفتى مثل هيئة كبار العلماء، أما الشيطان فلا يستفتى في هذه المسائل. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {بلغوا عني ولو آية} ويقول: {نضر الله امرءاً سمع مني مقالة فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلَّغ أوعى من سامع}.

خمول شباب الصحوة

خمول شباب الصحوة Q يشكو بعضهم من تقصير وانشغال وخمول شباب الصحوة. A عسى ألا يستمر هذا الفتور! وعسى أن يكون فتوراً لا بد منه، لأنه لا بد للسائرين إلى الله من فتور، وقد شكا منه الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الصحابة، وهم أهل بدر وأحد والعقبة، فكيف بنا نحن وليس عندنا قدوة كما كان صلى الله عليه وسلم، وما كان أصحابنا وجلاسنا يوماً من الأيام كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي هريرة وابن مسعود؟! وعندنا من المنكرات والوسائل والأساليب والفتن وما فتح من الخزائن ما الله به عليم؟! لكن ما هو الموقف؟ الموقف أن تكون غفوة، أن تكون غفوة ذئب، لا نوم سلحفاة، فلا تنم ثم تقل: هذا فتور لا بد منه!

صلاة الفجر جماعة

صلاة الفجر جماعة Q من مظاهر الفتور أن شباب الصحوة لا يصلون الفجر جماعة، فما قولكم في هذا؟ A إذا بلغ هذا الحال نسأل الله العافية. يقول أحد الصالحين: إذا رأيت الرجل وتفقدته فما صلى الفجر معك في جماعة فاغسل يديك منه! أي انفض يديك منه، العلامة الفارقة بيننا وبينهم صلاة الفجر، أن يأتي إلى صلاة الفجر، هذه الشهادة الكبرى، أنك صليت الفجر في جماعة، أما إذا وصل إلى هذا الحال واغتاله الشيطان، فحاول أن تتأخر عنه أو أن تدعوه أو تقيم الحجة عليه، لأن المسألة مسألة عمل: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] ليس معناه: أن يحب الدين ويحب الله عز وجل، ويقول: أنا متحمس! ويريد التأثير ثم لا يصلي الفجر جماعة! لا والله حتى يصلي الفجر جماعة! كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم في صلاة العشاء فيقول: استووا استووا، وكان هناك ظلمة في جو المدينة، وظن المنافقون أنهم سوف يبتعدون عنه صلى الله عليه وسلم، ويتخلفون في بيوتهم، فقام صلى الله عليه وسلم مغضباً محمرَّ الوجه، وقال: {والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون العشاء معنا أو الصلاة معنا، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار} ماذا تنفع الرتب العسكرية والشهادات العلمية والمناصب العالية والأموال الطائلة لأناس لا يصلون الفجر جماعة؟ أي شهادة هذه وأي رتب؟! من يرضى عنهم إذا غضب الله عليهم؟!

دور المرأة

دور المرأة Q ما هو دور المرأة؟ A حقيقة الشيخ حمد لفت انتباهي لهذا الجانب، وقال: ليس فيه كفاية لكني أقول: إنها مسئولية الكلمة عند المرأة، والرسول صلى الله عليه وسلم تزوج تسعاً من النساء لا لمطمع، إلا لتبليغ دين الله عز وجل من طريق النساء، إلا لتكون المرأة داعية مؤثرة في بنات جنسها، والمرأة مع الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً وأبداً حتى جعل لهن يوماً من نفسه، وعقد البخاري على ذلك باباً، فكان يعلم صلى الله عليه وسلم، فتنتقل هذه المرأة مبلغة ومفهمة حتى يبلغ بـ عائشة أن تكون مجتهدة مطلقة في دين الله، يعود إليها كبار الصحابة إذا أشكل عليهم بعض المسائل.

دور المدرسين

دور المدرسين Q هل هناك كلمة خاصة للأساتذة؟ A على كل حال ورد في الموضوع كلمة للأساتذة، ولكن عندي بعض الوقفات لهم: الأمر الأول: أن علاقة الحب في الله عز وجل هي أقوى العلاقات بين الأستاذ والطالب، لا الإرهاب الفكري وهو أن بعض الأساتذة قد يمارس فرض السيطرة على الطلاب بحجة أن يستمعوا له وأن يهابوه حتى كأنه قيصر أو كسرى في الفصل، وهذه طريقة خاطئة وقد أثبتت عدم جدواها، وأثبتت أن الطالب لن يستفيد أبداً، وإذا وثق فيك الطالب وأحبك في الله استفاد منك ودعا لك. الأمر الثاني: أن هؤلاء الذين في الفصل هم جميعاً في ميزان حسناتك: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. الأمر الثالث: أن الكلمات تكون هباءً منثوراً إذا لم تكن قدوة ماثلة في شخصك، تكلمهم عن الصدق وأنت صادق، عن إعفاء اللحية وأنت ملتح، عن تقصير الثوب وأنت مقصر، عن ترك الغناء وأنت لا تستمع الغناء، عن بر الوالدين وأنت بار بوالديك، عن حسن الجوار وأنت حسن الجوار، هذه هي القدوة، وليعلم الإنسان الذي يتكلم بشيء يخالف ما هو عليه أنه إنما يوبخ نفسه ويكذبها أمام الناس، فكيف بطلبة العلم الذين أمامه؟!

متابعة الأب لأولاده

متابعة الأب لأولاده Q ما هو رأيكم فيمن يترك أبناءه وبناته ولا يسأل عنهم ولا يستفسر عن سلوكياتهم بحجة الثقة؟ A صار الكلام موجهاً إلى الآباء في كثير من المناسبات من الدعاة والعلماء، ولكن بعضهم ما يزال يترك أبناءه وبناته بحجة الثقة المطلقة، فإذا كلمته في ابنه قال: ابني ما علمت فيه إلا خيراً، ابني لا يفعل شيئاً، وكأن ابنه معصوم، وبنته كذلك كأنها صاحبة ثقة، وأمينة لا يمكن أن يحدث منها شيء، فهذه الثقة أودت بكثير من الآباء أن تركوا أبناءهم وبناتهم، ووقعت دواهي -نسأل الله العافية والسلامة- بحجة الثقة.

شمولية الإسلام

شمولية الإسلام Q هل في حياة الإنسان شيء يخرج عن الدين الإسلامي؟ A لا يخرج عن الدين الإسلامي شيء، المسلم محوط بدين حتى في مزحه وفي نومه وفي يقظته، وفي أكله، وشربه، وفي سفره وحله، ويتصور بعض الناس أن هناك ساعة وساعة، {ساعة وساعة} حديث مروي في صحيح مسلم، ومعناها: الراحة بالمباح وهي من الدين، فبعضهم يتصور أن هناك ساعة للدين وساعة للدنيا أو لغير الله، قالوا: ساعة لربك وساعة لقلبك، وكأن الساعة التي لقلبك لا يدخل فيها لله مدخل، وهذا خطأ لا يصح إطلاقه وقد رد عليه أهل العلم من أوجه كثيرة.

تخصيص وقت للتعلم

تخصيص وقت للتعلم Q بعض الناس يعتكف في بيته ليطلب العلم ويتخلى عن الناس فما رأيكم في ذلك؟ A إن كان هذا في وقت محدد فلا بأس به، وقت يخصص لنفسه، وأنا أشير بذلك على إخواني الطلاب والشباب ألا يكونوا مخالطين في كل وقت ليلاً ونهاراً، وليكن لك وقت لكي تطلب العلم فيه في بيتك وتقرأ وتطالع، لأن الذي يخالط ليل نهار سوف تكون أفكاره بسيطة، يعيش بأفكار الناس ولا يكون عنده جديد، ولكن الذي يعتزل الناس دائماً وأبداً، ولا ينفع ولا يحضر الجمع والجماعات ولا المناسبات والأعياد، ولا يستفيد من أهل الوعي فهذا مخالف لدين الله، ودين الله وسط، فالخلوة لا بد منها، وهذا أمر نسبي، ومن ألهمه الله عز وجل عرف الطريق، فيخالط الناس في الخير، ويعتزلهم في فضول المباحات، فما بالك بالمعاصي؟! فهو من الاعتزال الواجب.

حفظ السنة النبوية

حفظ السنة النبوية Q ما هو انطباعكم عن حفل السنة بـ القصيم؟ A حضرته والحمد لله، وكان من أسعد الليالي في حياتي ليلة حضرت ذاك الحفل البهيج، وخرجت منه بمسائل، وقد جلست مع حملة السنة -هؤلاء الحفظة- اليوم الثاني من العصر إلى صلاة العشاء في مجلس خاص، فاستفدت فوائد منها: الأمر الأول: أن الهمة بالإمكان أن تطبع فتصبح طبيعة في حياة الإنسان، وأن الحفظ يمكن أن يطبع، وأن الهيلمان الذي وضع للحفظ، وأن الحفظ مع السلف فقط انتهى والحمد لله، وكسر تلك الليلة في بريدة، فقد رأينا ثمانية شباب يحفظ كل واحد منهم أربعة آلاف حديث، يحفظها كالفاتحة، ويبارونه ويسألونه ويخلطون عليه المخرجين والرواة، ويأتي بهم صباً صباً وتوكيداً توكيداً وحفظاً حفظاً، وهذا نبوغ والحمد لله. الأمر الثاني: استفدت أن العمل المستمر هو الأثبت من المنقطع، فأخبرني أحدهم أنه كان يحفظ كل يوم صفحة، فأنا أرى أن من أراد أن يحفظ شيئاً فليحفظ كل يوم صفحة، حتى قالوا: كنا نحفظ يوم الجمعة، ونحفظ حتى في الأعياد، وكان أحدنا عنده امتحان اليوم الثاني، فكان يحفظ في اليوم الأول، من الحديث ويواصل هكذا. استفدت أيضاً: أن على الأمة يجب أن تراجع موقفها من السنة المطهرة، فقد مر بها فترة من الفترات اعتنت بالقرآن وهذا هو الواجب وينبغي أن تزيد، لكنها أهملت جانب السنة حفظاً ومراجعة وتحقيقاً وتنقيحاً، فإن نَفَس الخوارج التركيز على القرآن وترك السنة، ونفس العصرانيين والعقلانيين أنهم يقولون: القرآن القرآن فقط، ولكنهم لا يأخذون بالسنة، حدثنا أحد المشايخ: أنهم دخلوا الحرم بعد صلاة الفجر، فقام أحد العصرانيين من بعض البلدان العربية، فتحلق الناس لما رأوه فكان يلقي كلمة، وقال: عليكم بالقرآن أيها الناس، فقام أحد الوعاظ في هذه الجلسة، وكان حاداً متحمساً مندفعاً، وقال: والسنة؟ قال هذا العصراني المتكلم: القرآن، قال الواعظ: والسنة، قال: القرآن القرآن، فقام هذا الواعظ المتحمس وفصفعه بعد صلاة الفجر، فقام الناس قسمين: البعض يمسك هذا، والبعض يمسك المضروب، فكأنه يعلمه بهذه الصفعة -وهذه من صفعات أهل السنة - أن هناك وحيين: {ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه} هناك قرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهناك سنة مع القرآن تبينه: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44] أنت يا محمد! صلى الله عليه وسلم تبين للناس ما نزل إليهم. فيجب أن نهتم بهذا وبهذا، أيضاً أرى أن من أراد أن يحفظ منكم لا يحفظ تخليطاً ولا سبهللا، يأخذ مختصراً مثل مختصر المنذري لصحيح مسلم، أو مختصر الزبيدي لصحيح البخاري، هذان المختصران مجيدان، وهنا كتابان: رياض الصالحين وبلوغ المرام، ولا يأتي الإنسان بوسوسات يقول: هؤلاء أوتوا عقولاً، لا. ولكنهم شدوا من هممهم واستعانوا بالله وواظبوا ثم وصلوا. رأيت في مذكرات مثل طه حسين هذا يقول: أنا رجل عادي لكن عندي همة، وابن الجوزي يقول عن نفسه: لي همة في العلم ما مر مثلها وهي التي جلب البلاء هي التي إلى آخر ما قال: لو كان هذا العلم شيخاً ناطقاً وسألته هل زار مثلي قال لا والسبب أنه بهمته وبأخذه على نفسه وصل، وما أنزل الله من السماء عباقرة لا يخطئون ولا يسيئون، لكن جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الأمة من يهتم ومن يحصل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69].

العنصرية القبلية

العنصرية القبلية Q ما رأي فضيلتكم في العنصرية القبلية؟ A أنا قد قلت: أنا لست مهتماً بأصل قبيلتي ورائي قريش أو ورائي تغلب الإنسان ابن نفسه، ولا يعني ذلك اختلاط الأنساب، وأن الإنسان -كما في الغرب- ينتسب أحياناً لزوج أمه، ولو كان رجلاً آخر، مثل بيل كلينتون، فـ كلينتون هذا زوج أمه وليس أباه، لأن أباه طلق أمه، ولما طلق أبوه أمه تزوجها رجل آخر، فلما تزوجها انتسب إليه وأصبح كلينتون أباه، فنقول: خلط النسب ضياع، وهو من الوثنية والجاهلية، ونحن أهل الإسلام نحفظ الأنساب، ولا نجعل هذه الأنساب كأننا ندخل بها الجنة، أنت من قبيلة فلان، وتتنطع بها في المجالس: إذا فخرت بآباء لهم شرف نعم صدقت ولكن بئسما ولدوا فـ أبو لهب تنطع بنسبه، فأكبه الله على منخريه في النار، وأنزل فيه سورة نقرؤها في الصباح والمساء سباً وشتيمة فيه، وبلال من أرض الحبشة وله قصر كالربابة البيضاء في الجنة، من يعرف منكم أباه رباحاً أو يعرف أنسابه أو أجداده؟! سلمان الفارسي من أبوه؟! يقول: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم هذا هو دين الله، أما القبيلة فهي لا تنفع، والواجب علينا أن نحاصرها في نطاق ضيق، وأنا رأيت بالتجربة والاستقراء أني ما رأيت أحداً يفتخر بهذه القبيلة وهذه العنصرية إلا أحد اثنين: إما رجل في قلبه مرض، ولا يحب الدين وأهله، وعنده مركب نقص، فتجده دائماً ليس عنده فضل ولا دين ولا ورع ولا حسن خلق، دائماً يتعلق بالأجداد والآباء والقبيلة. أو رجل جاهل مركب، يظن أن الناس يوم القيامة يدعون بقبائلهم، فلا والله، إنما الإنسان ابن نفسه، قتيبة بن مسلم من باهلة، وباهلة عند العرب لا تساوي درهمين! حتى قيل لأحد الناس: أتريد أن تدخل الجنة وأن جارك في الجنة باهلي؟ قال: نعم. ولكن بشرط ألا يدري أهل الجنة أن جاري باهلي، ومع ذلك أتى قتيبة بن مسلم فكان فاتحاً مجيداً، وفتح الهند والسند ودكدكها بلا إله إلا الله محمد رسول الله، فتشرفت القبيلة به. وأيضاً: مثل من يفتخر بجماعته وينتمي لجماعة يتبجح بهم، ويقول: هذه الجماعة هي العامة الشاملة المؤصلة التي يجعل الله فيها النور والخلافة والريادة، وآخر ينكت عليه، وآخر يفتخر بإقليمه أو قبيلته أو بشيخه، أو بأستاذه، فكلها من الجاهلية.

السعي إلى الزواج

السعي إلى الزواج Q أنا شاب لم أتزوج فادع لي أن يوفقني الله! وما نصيحتكم في هذا؟ A الله يوفقك! ومن أراد الزواج فلا يظل في بيته حتى تدخل عليه زوجته! فالإنسان يتقي الله عز وجل، وإذا لم يستطع فإنه يصبر، ثم إذا وجد مجالاً فليذهب ويخطب ويتزوج، ونحن لا نعطل الأسباب، لأن بعض الإخوة يقول: أنا لا أحفظ في العلم، فادع لي أن يحفظني الله، ثم تجد الناس يدعون له في المسجد، وهو جالس لا يذاكر، ولا يقرأ، يظن أن صحيح البخاري أو مختصر الزبيدي سوف ينزل في ذهنه، وهذا لا يمكن، لا بد من الإيمان بالأسباب وأخذ الوسائل حتى يحفظ الإنسان ويكون عبداً لله.

البث المباشر

البث المباشر Q ماذا عن الدش؟ A الدش وردت فيه فتاوى من الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ ابن جبرين، وقد كثر الكلام فيه، والفتوى موجودة، ونحن أحياناً نجتر الكلام، ونجتر الفتيا، ونجتر المحاضرات، فتجد الواحد يعرف الفتيا، فيشرب الدخان، وتقول له: حرام، فيقول لك: والله أنا سمعت ابن باز يقول: حرام، وسمعت ابن عثيمين وابن جبرين، لكن يأتي يسألك لرابع مرة، لأنه يبحث عن رخص أو يريد أن يسمع وجهات النظر. قرأت في السيرة أن عمر رضي الله عنه أتاه أعرابي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي فسأله وقال: يا عمر! سعيت قبل أن أطوف! قال له عمر: افعل ولا حرج، قال الأعرابي: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك، فقال مثلما قلت، فقال عمر: [[خررت من يدك -أي وقعت من رأسك- تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تسألني]] يعني أن صاحب المنهج موجود، فكبار العلماء أفتوا ونصحوا وأرشدوا وما عندنا يكفينا.

الرفق بالمدعوين ومتابعتهم

الرفق بالمدعوين ومتابعتهم Q إذا ألقى أحدنا نصحه ولم يستجب له، فهل تبرأ ذمته؟ A بعض الإخوة فيه حماس وعاطفة، يظن أنه لو ألقى كلمة في مجلس فقد انتهى دوره، وقال: أنا بلغت! اللهم إني أقمت الحجة عليهم! سواء اهتدوا أو لم يهتدوا، وبعضهم إذا أخبر جيرانه أو نبههم للصلاة قال: اللهم اشهد إني أقمت عليهم الحجة! أبرأ إلى الله منهم! هذه ليست بدعوة، فلا بد أن ندعو بالتي هي أحسن ونستخدم الأساليب والوسائل. لأن المقصود ليس إقامة الحجة فحسب، إنما المقصود: أن تدعو حتى تنقذهم من النار.

شروط الداعية والواعظ

شروط الداعية والواعظ Q ما هي الشروط التي لابد أن تتوفر في الداعية الواعظ؟ A على كل حال كلنا مركب نقص، قال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} [النور:21] لكن زكاة الجربان منها، فنحن معور يروي عن معور بنسبة العصر والأحوال والأشخاص، فبعضنا يعظ بعضاً، ولولا أنه لا يعظ الناس إلا من كان معصوماً، ما وعظهم إلا محمد صلى الله عليه وسلم. يقولون: أبو معاذ الرازي إذا ارتقى المنبر وهو يعظ الدنيا رحمه الله حيث يقول: وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو عليلُ فيبكي ويبكي الناس، وسئل الإمام أحمد: هل يبقى الإنسان حتى يكتمل ثم يدعو الناس؟ قال: ومن يكتمل؟! وصدق! من يكتمل ويسلم من الذنب والخطأ حتى يدعو الناس؟ سدد وقارب، ولعل من نجاتك أنت دعوتك للناس! لعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ينجيك بسبب أنه هدى على يديك رجلاً أو رجلين أو ثلاثة!

صرخة فتاة

صرخة فتاة فتاة تصرخ وتقول: أنتم لا غيركم، أنتم أيها الدعاة والعلماء، أنتم يا شباب الصحوة، أنتم السبب فيما يحدث لنا! أنتم المسئولون أمام الله. يا ترى لماذا هذه الصرخة؟! لماذا هذا العتاب القاسي؟! ماذا حدث لها؟ ماذا تطلب؟ من جنى عليها؟ أين؟ وكيف؟ ولماذا؟ هل هي وحدها أم هناك مئات الآلاف من الفتيات مثل حالتها؟ هذه الأسئلة هي مدار الحديث عنها في هذه المادة.

مقدمة في فضل المرأة المسلمة

مقدمة في فضل المرأة المسلمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: إخوة الإيمان وحملة العقيدة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عنوان هذا الدرس: صرخة فتاة، فتاةٌ صرخت برسالة سوف أقرؤها وأعلق عليها والله المستعان، ولكن قبل هذا ألتمس منكم أن تتقاربوا حتى يتمكن الإخوة الذين هم خارج المسجد من دخول المسجد. تقاربوا أيها الجمع الكريم فكم بقربكم يشرق التوفيق والأمل لقاؤنا بكم للعين قرتها في ساحكم تذكر الأخيار والرسل نعم، أبدأ مستعيناً بالله عز وجل، مجيباً على أسئلتكم، ومنها هذا السؤال المعضل الداهية الدهياء، وهي رسالة من فتاة كتبتها، ولم أكتبها أنا، فأنا في غنيةٍ عن أن أختلق رسالةٍ لأعبر بها عن فتاة، الرسالة أمامي بخط الفتاة، وهي ثلاث عشر صفحة من القطع الصغير، كتبتها هي بقلمها، وأرسلتها، وسألت في آخرها بالله أن أقرأها على الناس، ولكني أستبيحها عذراً أمامكم في أنني تصرفت فحذفت بعض الكلمات، لم أزد ولو حرفاً، ولكنني حذفت بعض الكلمات؛ لأنني أرى من المصلحة أن تحذف، والحقيقة أن في النساء كثيرات هنَّ خيرٌ من كثير من الرجال، يقول المتنبي وهو يرثي أخت سيف الدولة: فلو كنَّ النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء على الرجال فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكيرُ فخرٌ للهلال ألبي باسمكم جميعاً نداء هذه الأخت، وهي تذكر أن معها المئات والمئات من الفتيات يصرخن من معاناتها ويعشن في مثل ظرفها فالله المستعان: لبيك صوتكِ في المسامع يصدعُ وصراخك المحزون فينا يسمع ودموعك الحرى تمزق أضلعي والكل من هذا الندا متوجعُ وأنا أتذكر وأنا أمضي في الرسالة قوله عليه الصلاة والسلام: {رفقاً بالقوارير} فيطلب النبي صلى الله عليه وسلم الملاطفة في العبارة، والملاطفة في التعامل؛ لرقة شعور المرأة، ولضعف نظرها وبصيرتها، فهذا هو مطلبٌ عام من محمد عليه الصلاة والسلام، يقف عليه الصلاة والسلام، ليعلن يوم عرفة في مائة ألفٍ، وتنصت له الدنيا ويذعن له الدهر، ويتكلم صلى الله عليه وسلم للتاريخ ويقول: {الله الله في النساء فإنهن عوان عندكم} ويقول بكل صراحةٍ ووضوح وصدق وإيمان: {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} وصدق عليه الصلاة والسلام، فهو خير الناس وأبرهم وأعظمهم وأصدقهم، ولو قارنا منهجه الحضاري عليه الصلاة والسلام، وطرحه العظيم في حقوق المرأة، لوجدناه هو المتميز الوحيد عليه الصلاة والسلام. كنفشيوس الصيني، وقد أخطأ بعض الكتبة حيث يقول عنه: النبي الصيني، وممن قال ذلك مثل دايل كارنيجي في دع القلق وابدأ الحياة، ومثل مايكل هارف، في كتاب العظماء المائة، وبعض الكتبة المعاصرين!! فإنهم يكتبون أي كنفشيوس نبي الصين وهذا ليس نبياً إنما هو منظر للصينيين، قبل ما يقارب ثلاثة آلاف سنة، يقول: " أنا أشك أن المرأة إنسانٌ " هذا تصوره، وهذا وضعه، وهذا سوء نظره، والجاهلية تعاملت مع المرأة كما تتعامل مع الدابة تماماً، والهنود قالوا: " المرأة شيطانة " وإنما هي تجر لفعل الشيطان، فأتى عليه الصلاة والسلام فبين: من هي المرأة؟! وما هو دورها؟! فعاش أباً وأخاً، وزوجاً، ورزقه الله من البنات أكثر من الأبناء، وكان عليه الصلاة والسلام يكن حباً لبناته وزوجاته في ضميره صلى الله عليه وسلم، وفي وجدانه، والحقيقة أن كثيراً من رسائل النساء يقلن: أنتم معشر الدعاة تتكلمون عن حقوق الرجال على النساء، ولا تتكلمون عن حقوق النساء على الرجال، وأنا أقول: إن كنا ما فعلنا ذلك، فأقول باسم الدعاة، اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. -أيضاً- لا يفهم كلامي هذه الليلة أني أطالب بوقف نفوذ المرأة النفوذ الشرعي، كما يطلب بعض الناس الذين يكتبون الرسائل، ويقولون: إن النساء طولن ألسنتهن في هذا العصر، وأصبح لهن حقوق أكثر من حقوق الرجل، وأصبحتم تدافعون عنهن فلا إفراط ولا تفريط، فالمرأة لها حق ولكن لا يحمل هذا على غير محمله. وبالمناسبة يذكر الشيخ علي الطنطاوي، في كتاب ذكرياته قصة من قلب المفاهيم، وهي دعابة وفكاهة، يقول: في سوريا كان عندهم طبيب، وفدَ عليه شابان قويان، فلاحان مزارعان، الواحد منهم يهد الجدار بعضلاته، ومعهم أمٌ عجوز، تدب دبيباً، فشكت آلامها على الطبيب، فأعطاهم الطبيب قارورة فيها علاج، قال: رجوها، -والضمير يحتمل القارورة أو العجوز!! - رجوها رجاً، وهزوها هزاً، ثم اسقوها ملعقة في الصباح، وملعقة في المساء، فذهب الذكيان العبقريان إلى البيت، فأخذا العجوز، وجعلا يخضانها في الصباح، ويخضانها في المساء، فإذا خضاها وهزاها هزاً حتى تولول من رأسها إلى قدميها، سقوها ملعقة، فإذا أتى المساء رجوها مدة خمسة عشر يوماً، تصور يرجونها في الصباح، ويرجونها في المساء، ويهزونها في الصباح، ويهزونها في المساء، كانت تمشي وفي الأخير أصبحت معطلة في البيت!! فذهبوا إلى الطبيب بعد خمسة عشر يوماً، فقالوا: الله لا يعطيك عافية، كانت أمنا تمشي على الأرض، والآن أصبحت معطلة في البيت، قال: ولماذا؟ قالوا: رججناها خمسة عشر يوماً ومرضت، قال: خض الله رءوسكم، قلت لكم: رجوا القارورة، لا العجوز! فأنا مقصدي هذه الليلة، ألا ترجوا المرأة، إنما المرأة ترجكم، أنا أدافع هذه الليلة عن المرأة، وأبين ذلك والله المستعان! في الحقيقة تفنن العرب في ذكر محاسن المرأة، وفي وصفها في القصائد، يقول أحدهم: حورٌ حرائرُ ما هممن بريبةٍ كنساء مكة صيدهن حرامُ يحسبن من حسن الكلام روانياً ويصُدُهُّن عن الخنا الإسلامُ فلما بعث عليه الصلاة والسلام، أخرج للعالم محجبات ودينات وعاقلات، ومتعلمات، ومربياتٍ ويتغنى حافظ إبراهيم بهذا المجد للمرأة ويقول: الأم مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق هذه زينب أخت الحجاج. يقول: ابن يفعة فيها: تضوع مسكاً بطن نعمان إن مشت به زينب في نسوة عطرات تهادين ما بين المحصب من منى وأقبلن لا شعثاً ولا غبراتِ ثم ذكرهن بوصف المسلمة قال: يخبين أطراف البنان من التقى ويقتلن بالألحاظ مقتدراتِ وقصدي أن العرب بعد الإسلام، أقصد أهل الالتزام الأدبي والثقافي كانوا ينبهون على حشمة المرأة، وأدبها وجلالة المرأة في الإسلام، وعندنا في المجتمع آلاف من هذا الصنف كثرهن الله، في الحياء والحجاب والحشمة والخير بل في العالم الإسلامي، وتصوروا أن مسيرة للنساء المتحجبات في الجزائر إلى صناديق الاقتراع بلغت سبعمائة ألف امرأة متحجبة، وبعض المراقبين يقول: مليون امرأة!! كلهن ينادين: نريدُ الإسلام نريد الإسلام نريد الإسلام فلله الحمد.

رسالة من فتاة

رسالة من فتاة فهذه رسالتها والله الشاهد، كتبتها ورمزت لاسمها وأنا لا أذكر الرمز، ولكن أقرأ الرسالة، وعفواً قد يكون في أسلوبها هي ركاكة في بعض النواحي لا في أسلوبي، أعاذني الله وأعاذها الله لكني أقرؤها كما كتبت وفيها بعض الكلمات العامية، وبعض التحريفات اللغوية، والنحوية لكن للأمانة أقرؤها كما هي عليه. قال الجدار للوتد: لماذا تشقني؟! قال: اسأل من يدقني؟! فأنا أقرأ عليكم ما وجدت. تقول: فضيلة الشيخ فلان بن فلان، حفظه الله وسدد الله خطاه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سمعت محاضرتك الحقيقة أن هذه رسالة -هذا كلامي- تحمل لوعةً وأسى وحرقة، والله لقد تأثرت وكل مسلم يتأثر، وإنها صادقة فيما كتبت من معاناتها، وللعيون دلالةٌ على الصدق وللأقلام وللخطوط وللآثار. قالت: سمعتُ محاضرتك: رسالة إلى الفقراء، أو من الفقراء، وتلك الرسالة التي كتبتها إليك الأخت الغيورة بل المقهورة، من ظلمٍ واستبداد والدها، فحركت شجوني، الآن هي تشكو المجتمع، وتشكو الشباب، وتشكو والدها، وتشكو زوجها، الذي تزوجها وطلقها، واسمعوا: قالت: فحركت شجوني التي ما سكنت، وجرحي الذي أبداً ما التأم، وحزني المضني القاتل، فأمسكت قلمي ومداده دم قلبي الممزق، ودمع عيني الباكية أبداً، وكأنما بصيصٌ من الأمل يتراءى لي من بعيد، وإلا فوالله، ثم والله، ثم والله الذي لا إله إلا هو، أنني قد يئست من كل شيء، ومن كل أحدٍ من أهل الدين والدعاة والصالحين وأهل الخير والمروءة، ومن القضاة، والعلماء، وو إلا من رحمة الله فهي الشيء الوحيد الذي يعزيني فأنا واثقةٌ بل موقنة مؤمنة برحمة الله: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] ذلك أنني أيها الشيخ الفاضل، ووالدي الكريم، وأخي الرحيم، عشت مأساةً وما زلت أعيشها، وأسأل الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، أن يرفع عني عذابه، إن كان هذا عذاباً عليَّ أوقعه الله، ويربط على قلبي إن كان امتحاناً وابتلاءً ويرحم ضعفي وذلي وفقري إنه سميعٌ مجيب يا أيها الداعية الكريم: إليك مأساتي وأيامي المظلمة السوداء، إليك الظلم والقهر الذي أعيشه، إليك معاناتي، أنا وأخواتي في الله، وإن كان لكلٍ منا مأساة، لكنها في النهاية تصبُ في قالبٍ واحد، وهي أننا بلا أزواج، بلا أطفال، بلا حياة، بلا أرواح، أجسادٌ بلا قلوب، حياة قتلها الألم والحزن، سأطيل عليك ووقتك ثمين، لكن تحمل -فقد تحملت أعباء أعظم من هذه الرسالة الثقيلة الظلم- أعمل معلمةً وفي آخر كل شهر يفتح الجابي (والدي) -يعني يجبي الصدقات، يجبي الراتب- يفتحُ والدي الجابي يده ويقول ادفعي جزية بنوتك وإسلامك، فأنتِ ومالك لأبيك -بعض الآباء لا يحفظ إلا هذا الحديث، وفيه ضعف عند بعض العلماء- قالت: بل الجابي كان يعلم منذُ أن كنتُ طالبة، أن محصولي سوف يُصبُّ عنده، وكلما طرق بابي طارقٌ قال: ليس بعد، يعني: كلما خطبها خاطب رفض الوالد، من أجل الراتب، وأقنعه كثير من أهل الخير ولكن ما اقتنع، فيذهب هذا الخاطب في حال سبيله يقول ما هو خير! هي لا تريدك، لا تقبلك، هذا جواب الوالد. أما إن كان ممن هو أطول نفساً من هذا الخاطب، ويستطيع الصبر، ويستطيع المعاودة، فسوف ندخل في باب المديح الحار، فيقول له والدي: البنت حادة الطباع وغير جميلة، وو حتى يقول الخاطب: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وهلمَّ جراً. وعاطفتي كشابة تريد الزواج والأسرة والمنزل الهادئ السعيد، وهكذا ركبنا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأريد طفلاً يمنحني الأمومة يطغى على كل مشاعري، فأوسِّط الأعمام والأجداد، ولكن الأعمام يخافون ولا حول ولا قوة إلا بالله، والأجداد يردُ عليهم بردٍ يخرس ألسنتهم، يقول لهم أبي: هل أشتري لها زوجاً؟! ولا يدرون أنه تقدم لي العشرات من الأزواج، ثم يقول أبي: ما يريدها أحد من الناس، وهو يريدُ راتبي ومصروفي ودخلي، ثم تقول: شابةٌ فتاةٌ في مقتبل العمر، لا أمَّ لنا -تقول: أمها مطلقة- لا أخ، كلهم فروا من منزل أبي الجابي لسوء تعامله مع إخواني، وعندي زوجات أبٍ كالسيدات لا يضربن إلا باللَّي -هكذا كتبت باللَّي- هذه الفتاة عمرها يضيع وشبابها يقتل، وحتى قرشها والرزق الذي من الله يؤكل ثم ماذا؟ أنا في بلادٍ إسلامية!! معنا علماء ودعاةٌ وقضاة، أين هم عن هذه المعاناة؟ حدثتُ أبي توسلتُ إليه، وأخيراً، هددته إن لم يزوجني فسأبحث لي ثم ماذا كان رده؟!! كنتُ أميل إلى الالتزام، وأصارع نفسي، وأجاهد الهوى والشيطان، ونصرني الله عز وجل على كثير من المعاصي، فقد تركتُ الغناء انتصاراً، وداومت على السنن الرواتب والوتر، وانتصرت في أكبر في مواطن يعلمها الله، وسوف يحفظها الله لي -ثم استمرت في حديثٍ سبعة أسطر حذفته وهذا للأمانة العلمية أخبرتكم أني حذفته- تقول: وأخيراً أحضر أحد أعمامي رجلاً من طرفه، فزوجني والدي وأنا مكرهة؛ لأن هذا الرجل لا يخاف الله، انظر كيف منع الصالحين؟! وانظر كيف تقدم لها هذا الفاسق فوافق؟! ولكن والدي لم يكف عن نفث سمومه حولي، لا سامحه الله -أعوذ بالله، والله هكذا كتبت بين قوسين تقول لوالدها: لا سامحه الله- يقول: لا تعطي راتبك زوجك، واعطينيه وو وانظر إلى الجشع، والهلع، والجبن، كأنها نفوس اليهود، تقول: والزوج -هداه الله- فيه من قصور الدين، ومن ضعفه ما الله به عليم، ولكن ماذا تقول؟ كما قالوا: "إذا بليت يا فصيح فلا تصيح" بدأت أحاول معه لعل الله يهديه، فكان يحدث بيننا ما يحدث من شجارٍ أو زعل، خاصة عند صلاة الجماعة، ثم إلى السفر إلى الخارج، وهو يرتكب الكبائر

شكوى الفتاة من ظلم زوجها

شكوى الفتاة من ظلم زوجها وقد ذهب الزوج الحكيم إلى الوالد -هذا زوجها يعني تستهتر به- إلى الوالد الرحوم العطوف، يشكو عليه، فوقع الفأس في الرأس، ثم قال والدي له: هذا طبعها لسانها طويل، بذيء، تعال بها عندي لأربيها، أمها ما ربتها، وهذا من أمها، وأنتَ دللتها، وأنتَ خربتها، وما هو بغريب، أمها عملت هذا بي من قبل الخ؟!! قالت: وأنا أصبر على الزوج، وأدعوه إلى الهداية، وأتحمل الضرب منه والأسى؛ لأنه إذا أعادني إلى والدي، كان والدي أدهى وأمر -تصوروا المعاناة، هذه في بلاد الإسلام- قالت: ومن ورائه، من بيته ورفاقه السيئين ووالده يملأ رأسه، ويحاول معي، ولكن إذا تركتُ زوجي ماذا أفعل؟! ولمن أذهب؟! أخيراً بعد ما كان الزوج كالعسل المصفَّى، بالنسبة لما سوف أحصله، وإلا فهو كالزقوم أصبح كالمهل يغلي في البطون، كغلي الحميم. حتى والله صار يكرهني ويفعل ويرتكب المعاصي ليغضبني، ويضيع ما عندي من دين، كي أَفّرَ وأهرب، فإذا قلت: اتقِ الله فيَّ، قال: إذا أعجبكِ أو اطلبي الطلاق، وطلبت الطلاق، فقال: ردي إليَّ مهري، وما مهر له عندي، لقد أذهب شبابي، وصبوتي وبيتي، وخلقي، وحيائي، وقد أسهرني وأزعجني فجمعت من هنا، واستدنت من هناك، ورددت إليه مهره، لا حرمه الله جمرة في جهنم! فأيّ مهرٍ له؟! وأيّ حق له؟! بعد هذه الأيام الطويلة من الأسى واللوعة!! -ثم حذفتُ ما يقارب خمسة أسطر إلى أن تقول هي-: وحملتُ ثيابي، وهربتُ إلى منزل والدي، فشنَّ والدي عليَّ حرباً هوجاء ضروساً لا هوادة فيها، وسفهني وهددني بالقتل وبالعار، وبالشنار، فقلتُ: حسبي الله ونعم الوكيل!! والآن يخطبني هذا وذاك، فإما أن أتزوج سكيراً فاسداً، أو عجوزاً في الثمانين، أو السبعين، فبالله أيُّ عدلٍ هذا؟! وأيُّ إسلامٍ هذا؟! وأيُّ رحمةٍ أو إنسانيةٍ هذه؟! إلى من أشكو؟ شكوتُ إلى الله، وبكيتٌ أدبار الصلوات، ورفعت دعائي!! فهل من الناس رحيمٌ ينقذني من هذا الوضع المأساوي الذي أعيشه؟!! نعم. يريد أن يزوجني من مسنٍ، قالت: إذا ذهب رجلٌ لأبي سبني وعابني، فإن لم يقتنع الرجل بهذا الكلام، أخرج له البرهان والدليل القاطع، وقال: لا تصلح جربها رجلٌ قبلك، فأفسدت عليه بيته أنا أفسد البيوت؟! نعم، سيحطم مستقبلي فأنا قد تدمرت وعصيت، وقلت: لا للذل ولا للعبودية للخلق، هربتُ إلى أمي، وهي مطلقة، ورفضت أن أعطيه راتبي فجنَّ جنونه، -انظر الرحمة، أين معنى الصلاة؟ وأين لا إله إلا الله- ثم ذهب يشكوني إلى إدارة التعليم، ووالله ثم والله ثم والله لقد كلمني مدير التعليم في منطقتي، وقال: لقد حضر والدك وتهدد وتوعد بالويل والثبور وطلب مِنَّا فصلك، -انظر العداء، يعني حيات تفح فحيحاً، كفحيح الحيات، سمٌ زعاف، سم ثعابين، لا يفعل هذا أحدٌ بعدوه- قال: فقلنا له -قال المدير له- لا صلاحية لنا، فقال: سأذهب إلى من هو فوقكم إلى الرياض، واعلمي أنه إذا ذهب هناك حصل مراده، فإن تمكن من فصلي لم أجد دخلاً أعيش به، وأساعد أمي وإخوتي وأكف نفسي عن منة الناس ودوائر الأيام. ثم قالت: ماذا تقول أيها الشيخ الفاضل؟!! أليس منكم رجل رحيم؟!! ماذا ترى؟! إذا تزوجتُ شاباً فاسداً كسابقه ضاع ديني ودنياي وآخرتي، وإن تزوجتُ هذا الشيخ فأيُّ شرعٍ يجيزه هذا، فتاةٌ في الخامسة والعشرين تتزوج رجلاً في السبعين!! بالله ماذا أتزوج؟ شيبه؟!! أم كحيحه وأنينه؟!! أم حاجبيه اللذين سقطا على عينيه؟!! أم فمه الذي يكون خالياً من الأسنان؟!! لا عاطفة لا حب لا إرادة لا ميل وهل سأطيقُ هذه العيشة؟! أخشى أن أكون أضعف من ذلك فأضيع، وأنحدر في الهاوية التي أهرب منها، أتوب إلى الله من أن أعود إليها، نعم ماذا أفعل؟! ما ذنبي؟! ما جريرتي؟؟!

أنتم يا شيخ المسئولون

أنتم يا شيخ المسئولون تقول: أنتم المسئولين عما يحدث لنا من ضياع، نعم، أنتَ وغيرك من المشايخ، والدعاة والقضاة، نعم، في رقابكم نحن أمانة، على أكتافكم أوزارنا!! -نتوب إلى الله- ذاك أنكم لم تقدموا لنا شيئاً، لم تحررونا من رقِ وظلمِ وقهر آبائنا! أين رحمة الإسلام التي تتحدثون عنها؟! -لا إله إلا الله- -الحقيقة أنها منجرحة لأبعد ما يكون الجراح، الآن تأتي بكلماتٍ هائلة، ولو أن بعض ما يؤثر لم أقرأه نعم، شيخي الفاضل، ويعلم الله، ويشهد الله، أننا نحب الدعاة والمشايخ والعلماء والقضاة، ولكن ما موقفهم من هؤلاء الآباء الظلمة المجرمين، -هكذا تقول، هي تتكلم بما في قلبها- يقول المتنبي: لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى يكون حشاك في أحشائه ولكن عندما تلتزم الواحدة منا، أو تسيرُ على طريق الهدى، تجد من الضغوط ما الله به عليم، حتى الزوج الملتزم لا تجده، بل لا تحلم به، ثم تأتي محاضرتكم عن المرأة، وعن دورها في المجتمع، والتستر والحجاب، وو و، مع أنه لو صلح الرجل الأب والأخ والزوج، لصلحت المرأة، ووالله لو صلح رجالنا، ما وُجِدَتْ امرأةٌ واحدةٌ منحرفة أو ضالة، نعم كلكم ظلمنا!! فالملتزمون خاصة، وأقولها بصراحة لا يريدون إلا حوريات! طويلات! بيضاء! عنقاء! جميلة! الخ. فمن إذاً لمتوسطات الجمال؟! فمن لصاحبات الدين؟! لا يهمهن إلا الدين، وإلا الصلاح، وإلا أن تربي الواحدة أبناءها على الكتاب والسنة؟! ولكن هؤلاء لا يريدون إلا الشروط التي أسلفت، لا تغضب مني، نعم إذا تزوجت رجلاً فاسداً!! فمن سيربي أبنائي؟ من سيكون القدوة لي؟ من سيرد عليَّ آخرتي التي هي أعظم شيءٍ عندي؟ ثم كيف سيكون حال المجتمع، شبابٌ فاسدٌ ضائعٌ وملتزمون لهم شروطٌ لا يستطيعها أحد -ثم تقول-: الملتزم يريد نسباً رفيعاً شابةً صغيرة بنتاً حتى لو كان متزوجاً وله أولاد!!! -حذفت سطرين- هي تجاوزت العشرين، أعوذ بالله يقول الرجل عنها: هي متواضعة الجمال، هو قد عصى وارتكب الذنوب العظيمة، فهل: تأمل عيوبه التي يأتي بها، لكن ذنوب الرجال صغيرة، أما نحنُ فتشخص سيئاتنا الصغيرة حتى تصبح كبائر. بالله عليك، قل لي أين الشاب الملتزم الذي خطب فتاةً فرفض والدها لطمعٍ براتبها، وهذا كثير عند الموظفات، أو في مهرٍ يتاجر به، فإما عجوز تتزوجه، وإما تتزوج فاسقاً لا ذمة له، إنما هو في ترك الصلوات والسيئات، وتناول المخدرات تقول: أين نذهب؟ أنذهب للقاضي؟! أو إلى الشيخ؟! أو رئيس المحكمة؟! ونطلب منه أن يزوج الفتيات اللواتي في البيوت؟! لا، بل هذا الشباب ينفض يده من الموضوع نفضاً، ويبقى بعيداً عن الحياة، وأنتم دائماً تطلبون من الفتاة ألا ترد أو يرددن خاطباً ملتزماً، لكن الآباء هم المشكلة!! وما هناك امرأةً ملتزمة تخاف الله وترجو وعده، إلا وتجيب للطالب والشاب الملتزم، -ثم تقول: بعد أسطر- ثم يأتي رجلٌ: يخطبها عن طريق والدها، ثم يخرج بحاله، ويقال: إذا رفض والدها، أو أحد محارمها، أو طلب من الشيخ أن يعقد لك، سيقبل بهذا، بل سيقول: اللي هذا أوله إنعاف تاليه -يعني: أنا لا أدري؟ لعلها تريد أنها لو ملك لها أحد أقاربها، وتركت أباها، تقول: ما يرضى الزوج المتقدم، ويهرب هذا الملتزم؛ لأنه يشك من تخلي الوالد -ثم إن هناك شابات ملتزمات في البيت الواحد ستٌ أو سبع، أو أقل أو أكثر ما بين الخامسة والثلاثين والخامسة عشرة ينتظرن رجلاً ملتزماً، فلا يحضر، وكلما مرَّ عام، قيل: كبرت، عجزت ويقول الرجل: لا أريدها.

أريد شابا ملتزما وأعطيه المهر

أريد شاباً ملتزماً وأعطيه المهر هل سأل أحد الملتزمين الذين لا يريدون إلا من هي في العشرين؟! لماذا تجاوزت تلك العشرين! هل علموا أن سبب ذلك هو انتظارها لهم؟! ألا يشفع لها ذلك عندهم؟! ثم إنك قلت جزاك الله خيراً: إن هناك شباباً، لا يجدون مهراً ليتزوجوا به؛ لغلاء المهور!! أين هذا الغلاء الذي تتحدثون عنه؟! نحن نريدُ أزواجاً بخاتم من فضة، بمهرٍ يسير، كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام. ولكن أين هم هؤلاء الشباب؟ الذين يشهدون الجماعات، ولا يتعاطون المخدرات، ولا يقضون الصيف في أحضان المومسات، والبغايا الفاجرات، في بانكوك وأشباهها؟!! ثم تقول: أريد أحدهم وسأعطيه المهر أنا!! -هكذا تقول- هذا إذا وصلتك رسالتي هذه، قبل أن أكون دفنتُ في المنزل؛ ذلك المنزل البائس، المنزل الحزين الذي أعيش فيه معاناة، إخوتي يريدون أن أتزوج، من أتزوج؟! لأنهم لا يخافون الله! لا يريدون أي رجلٍ يخاف الله عز وجل، هم يريدون بالعكس، يريدون الفسقة، ثم قالت: الملتزمات الطاهرات العفيفات اللواتي ينتظرن عباد الله الصالحين، يتشوقنَ إلى الأمومة! أين هم؟! أين الشاب الصالح الذي سيتقدم على أبي، ويصم أذنيه عما يقول، ويعمي عينيه عما يعرض عليه أبي، من جرح مشاعري، ومن الإساءة إليه، ثم يقول: إلى منزله على الرحب والسعة، أنا مستعدة أن أبني بيتاً إسلامياً على تقوى من الله ورضوان، وأهيئ الطعام، والسكن، وأربي أبناءه، وأعمل وأعلم أبنائي وبناتي الكتاب والسنة، أنا أريدُ أن أكون من إماء الله الصالحات!!

هذه أدمعي قد سكبتها وهذه كلماتي قد سطرتها

هذه أدمعي قد سكبتها وهذه كلماتي قد سطرتها هذه أدمعي قد سطرتها لك، لا أشكو إلاَّ إلى الله، فالشكوى إلى الله وحده وأفوض أمري إلى الله، إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، ولكن لتعلم ويعلم من أحبهم في الله، من مشائخي الأفاضل والدعاة والقضاة، حفظهم الله للإسلام، وسدد خطاهم. تقول: ونفع بهم الأمة، نعم هذه إنني قد بُحَّ صوتي، فما عاد يقوى على الصراخ -معذرةً الخط فيه رداءة قليلة، يمكن من المعاناة- أبثها إليكم هذه أمانة الكلمة، بحتُ بها لتعلموها، ولأحملكم إياها، لتلقوا الله بها غداً يوم القيامة، وقد علمتم حالنا ووضعنا ومآسينا. ماذا أنتم فاعلون لنا؟ ماذا تقدمون لنا؟ كلام! محاضرات! ندوات! دروس! أشرطة! أين الحل الإسلامي؟! أين إنقاذ المرأة؟! كُن الصحابيات إذا اشتكينَ وجدن لهُنَّ ملجأ بعد الله وهو المعصوم عليه الصلاة والسلام، فكان صلى الله عليه وسلم يحل لهنَّ مشاكلهن، فمن يحل مشاكلنا؟! والله يا شيخ: إنني أخاف في بعض الأحيان أن أكفر بكلمةٍ من قهر تخرج من فمي من غير إرادة، أو حتى هاجس يدور في خلدي لما أعانيه. ثم قالت: أليس الإسلام رحمة؟ أين رحمة الإسلام؟! -أستغفر الله- لا زال الإسلام رحمة، وسوف أجيب عن هذا إن شاء الله، حتى لا أقطع رسالتها. فلو لم يكن إسلامٌ ما استطاع والدي وغيره استعبادي وحرماني من الزوج والأبناء، لا حرمه الله نار جهنم وسعيرها -أستغفر الله- أن أسخط أعترض على قضائه وقدره، ولكنه القهر ثم القهر، ثم القهر!! شيخي الفاضل: إن شئت فاقرأ رسالتي على حضورك، لا، اقرأها أسألك بالله أن تقرأها؟! فانظر أيهم يقبل القدوم لإنقاذي وإنقاذ أخواتي من المئات اللواتي عشنَ وضعي ومأساتي ومعاناتي!! فأين الشباب الذين يبحثون عن زوجات ملتزمات؟! وإن شئت فاقرأ للعبرة والعظة، وإن شئت ورفضت أن تقرأ معاناتي على الناس فمزقها والقها في سلة المهملات، وأضف إلى معاناتي معاناةٍ أخرى، لكن أعلنها من على منبرك، منبر محمد عليه الصلاة والسلام، منبر الإسلام صرخةً مدوية لتحرير الفتيات، أو ارفعها إلى سماحة الوالد القدير الشيخ عبد العزيز بن باز، لينظر في موضوعنا عاجلاً، أو حادث من تريد من أهل الخير، من الفقهاء، من العلماء، من المشايخ، من أهل الحل والعقد. ثم تكلمت بسطرين، ثم تقول: هي أمانة قد حمَّلتها إياك كتبتُ أنا وغيري كثيرات، وها نحن باكيات شاكيات، والله المستعان، لا تنسونا من دعائكم أسأل الله أن يفرج كربتنا. هذه هي الرسالة قرأتها أمامكم وحذفتُ منها ما استطعت أن أحذف، لكني لم أزد عليها حرفاً واحداً، وهي بخطها، وهي أمامي هنا، والحقيقة أنها رسالة مذهلة، لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد. وأنا أضعها بين أيديكم لما جعل الله فيكم من خيرٍ وإيمانٍ وحكمة، ويعلم الله ليست بغريبة عليَّ لما أسمع من الهاتف من معاناة أمهات، وبنات، وأخوات، ومن رسائل واستفسارات وأسئلة، تبين وخاصةً ممن يخالط الناس، ويسمع لمئات الرسائل، وآلاف الأسئلة، تبين أن في المجتمع شريحة، لا يسمعون ولا يفقهون، ولا يعقلون، ولا يتدبرون ولا يعون. تبين أن عندنا في المجتمع أناس، نزع الله من قلوبهم الرحمة، أقولها بكل صراحة من هذا المنبر، وأنا مسئول عما أقول، لا رحمة، ولا إخاء، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23].

موقف الإسلام واهتمامه بالمرأة

موقف الإسلام واهتمامه بالمرأة كأنهم ما قرءوا سيرة المعصوم عليه الصلاة والسلام وهو يقف مع ابنته عليه الصلاة والسلام، تمرض فيبكي، ويقف معها صلى الله عليه وسلم وإذا سافر مرَّ ببناته يودعهنَّ، ويعود من السفر، فيبدأ ببناته، تقول عائشة: كانت فاطمة رضي الله عنها، وعليها السلام إذا دخلت على الرسول عليه الصلاة والسلام، قامَ واستقبلها عند الباب، وجلس معها صلى الله عليه وسلم، والله إن في الرواية الصحيحة قالت: يجلسها مكانه!! ابنته يجلسها مكانه -معذرةً استطراد- يقول محمد إقبال؛ وهو شاعر الباكستان، شاعر الإسلام هذا، يقول ل فاطمة واسم القصيدة فاطمة الزهراء، يقول: هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟ من ذا يساوي في الآنام علاها؟ أما أبوها فهو أشرف مرسلٍ جبريل بالتوحيد قد رباها وعلي زوج لا تسل عنه سوى سيفٍ غدا بيمينه تياها

النبي صلى الله عليه وسلم يغضب لبناته

النبي صلى الله عليه وسلم يغضب لبناته وفي صحيح البخاري أن علياً رضي الله عنه أراد أن يتزوج على فاطمة وله ذلك، وعلي رجل فيه الرجولة، والقدرة، فأراد أن يتزوج بنت أبي جهل وأبو جهل مات إلى جهنم، إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم. فخطب من عكرمة أخته جميلة بنت أبي جهل، أخت عكرمة بن أبي جهل، فذهبت الشائعة إلى فاطمة، فأتاها الخبر في البيت، ومعاناة المرأة، لا تزال المرأة امرأة، بغض النظر عن دينها، أو عن عفافها، أو عن خلقها، فذهبت فاطمة إلى أبيها المعصوم، سيد البشر، أكبر زعماء الدنيا، محرر الإنسان، وجلست أمامه تبكي، قال: {مالك؟ قالت: يزعم الناس أنك ما تدافع عن بناتك، ولا تغضب لبناتك -تستثيره عليه الصلاة والسلام، تريد أن يغضب وتحركه بكلمات، فما وجدت أكبر من هذا، تبكي- وتقول: يزعم الناس أنك لا تغضب لبناتك -فقام صلى الله عليه وسلم مغضباً وجمع الناس، وصعد المنبر}. وهو لا يعارض الشريعة عليه الصلاة والسلام، فهو الذي أتى بالشريعة، وأحل الحلال، وحرم الحرام، وبنى منهجاً ربانياً. {ووقف على المنبر، واجتمع الناس، وعلي بن أبي طالب، في الجماهير. قال: أيها الناس: إني لا أُحلُ حراماً ولا أحرم حلالاً، ولكن لقد بلغني أن علي بن أبي طالب، يريدُ أن يتزوج بنت أبي جهل، بنت عدو الله} -ثارت ثائرته صلى الله عليه وسلم. ويقول شوقي: وإذا رحمتَ فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاء وإذا غضبت فإنما هي غضبة في الحق لا كبر ولا ضغناء وإذا سعيت إلى العدا فغضنفر وإذا جريت فإنك النكباء قال: {أيها الناس: إني لا أُحلُّ حراماً ولا أحرم حلالاً، ولكن بلغني أن علي بن أبي طالب، يريدُ أن يتزوج بنت أبي جهل، بنت عدو الله، فوالله الذي لا إله إلا هو، والذي نفسي بيده لا تجتمعُ بنت عدو الله، وبنتُ حبيب الله تحت سقفٍ واحد، إن فاطمة يريبني ما يريبها، ويغضبني ما يغضبها} ثم نزل، فقام علي بن أبي طالب، فطلق بنت أبي جهل في المسجد علي بن أبي طالب الذي يقدم جمجمته في كل معركة من أجل محمد صلى الله عليه وسلم، ويقدم دمه ودموعه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم غضب، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يحرم الحلال ولا يرفض التعدد، وسوف يأتي لكنها بكت، وانهارت أمامه فماذا يفعل؟ هي قطعة منه، تعيش معه عليه الصلاة والسلام. فكلٌ منا الليلة يتصور أن التي كتبت الرسالة أخته، وأنا أقرأ الرسالة تصورت أختي، وأتاني من الأسى والألم، واللوعة، فالواجب أن تقرأ الرسالة أو تسمعها في الشريط بعد هذه المحاضرة، ثم تتصور أنها ابنتك كتبت لك، وأختك، وكلُ فتاةٍ في المجتمع الإسلامي، وكلُ أختٍ وزوجة، إنما هنَّ أعراضنا ندافع بدمائنا وجماجمنا عنهنَّ، ولا بارك الله في الحياة إذا لم نقدم الرءوس لتبقى البنات والأخوات والزوجات محتشمات محجبات في البيوت، هذا ما أريد أن أقوله. وأقف موقفاً آخر مع العلماء والدعاة والقضاة والخطباء، ومع المصلحين، وقد ركزت على هذا، وهو الصحيح الوارد، فأين دور العلماء؟ وأين دور القضاة والدعاة؟ وصدقت فلا يكفي الكلام، يقول أبو العتاهية: العنز لا تشبعُ إلا بالعلف لا تشبع العنز بقول ذي لطف هو كتبها للخليفة المأمون، يقول: "الناس لا يشبعون بالكلام وإنما يشبعون بالفعال.

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ومساهمته في تزويج الشباب

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ومساهمته في تزويج الشباب الناس لا يشبعهم الكلام، ولا يحل أزماتهم المحاضرات والأشرطة، الحل نرثه من محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يزوج، كان يرسل الشاب، ويرسل ويشفع بنفسه، عليه الصلاة والسلام. مرَّ به جليبيب؛ أحد الفقراء المساكين، لا أهل ولا مال، وإنما عنده ثيابٌ ممزقة من الصحابة، لكن يكفيه أنه من مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام، قال له صلى الله عليه وسلم: {يا جليبيب ألا تتزوج؟ قال: يا رسول الله من يزوجني؟ لا أهل، ولا مال، ولا نسب} ومرةً ثانية كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفكر في البيوت ليزوجه؛ لأنه من مسئولية الدعاة أن يزوجوا الشباب، ومسئولية الدعاة أن يزوجوا الفتيات، وأن يعيشوا هموم الأمة، وليس مسئولية القاضي أن يداوم ثم ينتهي، أو مسئولية العالم أن يفتي فقط، أو مسئولية المصلح أن يتكلم فحسب، بل يعيش الهموم، ويقدم أفعالاً، وأطروحات، هذا هو الصحيح، والناس لا يحبون إلا الذي يعيش مع مشاكلهم، ويعيش معهم ويزورهم، ويقوم باهتماماتهم. فقال صلى الله عليه وسلم مرةً ثانية: {ألا تتزوج يا جليبيب؟ قال: يا رسول الله من يزوجني؟ لا أهل، ولا مال، ولا نسب. قال: اذهب إلى آل فلان وأبلغهم سلامي، وقل لهم: رسول الله، يأمركم أن تزوجوني}. أسمعتم شفاعة في الدهر وفي التاريخ أعظم من هذه الشفاعة، والله الذي لا إله إلا هو، لو كان حياً ونحن على إيماننا هذا، ثم طلب منا أن نقطع رءوسنا لقطعت، الواحد يقدم يده، وتقطع في المعركة، ويقدم رأسه، ويقدم دمه. إن كان سركمُ ما قال حاسدنا فما لجرحٍ إذا أرضاكمُ ألمُ والله الذي لا إله إلا هو، إنني أودُّ أن أقول عن نفسي وإخواني الصلحاء من أمثالكم: أننا نُسَبُّ في أعراضنا، ولا يسبُ في عرضه، وينال منا نحن ولا يُنال منه، ونجازى ولا يُجازى، وتبقى له القداسة، ونحن له الفداء، يقول حسان: أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاءُ ثم يقول: فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمدٍ منكم وقاء فيقول له صلى الله عليه وسلم: {إن الله يشكر بيتك يا حسان}. ذهب جليبيب فطرق الباب، فقالوا: من؟ قال: جليبيب، ماذا تريد؟ قال: الرسول صلى الله عليه وسلم يقرئكم السلام، قالوا: عليه صلاة الله وسلامه، قال: ويقول زوجوني ابنتكم، وارتبك الوالد والوالدة، قالوا: جليبيب نزوجك بنتنا لا أهل، ولا مال، ولا نسب!! وسكتَ ولم يردَّ، انتظر لا يستطيعا أن يقولا: لا. للمعصوم عليه الصلاة والسلام، فوقف عند الباب، وسمعت الفتاة المحجبة الدينة المؤمنة من خدرها، ووالله ليست رغبة في جليبيب، لكن لإجابة المعصوم، قالت: الرسول صلى الله عليه وسلم يأمركما وترفضان، سبحان الله! ألا تخافان من غضب الله، أنا أجيب، قالوا: فقد أجبنا. وتزوج جليبيب، ورزقه الله فتية، ثم حضر المعركة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وقتل سبعة ثم قتلوه، فقال صلى الله عليه وسلم: {من تفقدون؟ قالوا: نفقد فلاناً وما ذكروا جليبيباً ثم أعاد السؤال فأعادوا الجواب فقال: هل بقي أحد؟ قالوا: لا، قال: لكني أفقد جليبيباً وقام عليه الصلاة والسلام، وبحث عنه، ووجده قد قتل سبعة وقد وضع وجهه في التراب، فقلبه صلى الله عليه وسلم وقبله، وهو قتيل شهيد، وقال: قتلت سبعة ثم قتلوك! أنا منك وأنت مني} هذا النسب الخالد.

على العلماء المشاركة في حل قضية الزواج

على العلماء المشاركة في حل قضية الزواج لماذا لا يوجد من أهل الخير، ومن أعيان البلد، والصلحاء، والدعاة والعلماء، من يتبنى هذه الفكرة، كما فُعِلَ في الرياض وجدة والقصيم ومكة، ومعنا الشيخ الفاضل محمد بن محمد البشري، وكثير من المشايخ الذين أراهم، ودكاترة الجامعة، والأساتذة، والدعاة، أنا أعرض عليهم هذا، لماذا لا يفكر فيه؟ فعلاً، أنا أعرف الأسماء التي في الرياض، تقوم بهذا، وفي جدة، وفي القصيم، وفي مكة، وهذه هي من ميراث محمد صلى الله عليه وسلم، وهي مهمةٌ شرعية، وأما أن تبقى المشكلات والأزمات تسير هكذا ونتكلم على المنابر ونسجل أشرطة، فلا يكفي هذا، بل يتبنى من أهل البلد، وممن يعرف الأسر، ويعرف الناس هذه المسألة، ويكون بينهم اتصال، بينه وبين الفتيان والفتيات، حتى يثبتوا أن هذا الإسلام دين عمل، ودين إخاء، ودين تعامل.

عقبات في طريق الزواج

عقبات في طريق الزواج

جشع بعض الآباء

جشع بعض الآباء أولاً: باسمكم جميعاً نخاطب هذا الأب الذي أذاق هذه الفتاة المرارة، نخاطب فيه إيمانه إن كان في قلبه إيمان، وأصل الفطرة إن كان لم يخربها في قلبه، فبالله كيف يلقى الله غداً وهو يتعامل مع بنته هذا التعامل؟! فإن المسلم أصلاً لا يُجوِّز له الإسلام أن يتعامل مع أجنبيةٍ كافرة بهذا التعامل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] ولكن تجد هذا الأب يتعامل مع ابنته، مع المضغة منه، هذا التعامل الجشع فهل سمعتم بجشعٍ أعظم من هذا؟! ما سمعنا إلا جشع اليهود!! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96]. نكرها، يعني: أيَّ حياة، ولو كانت حياة ذلة وتباب وخسار، لكن أحرص الناس على حياة، ما هو الراتب؟ ما هي الدنيا؟ ما هي قصورها؟ ما هو ذهبها؟ ما هي فضتها؟ جشع في بعض الآباء، الواحد منهم في السبعين من عمره، وتجده يحاسب ابنته، على هذا الراتب طريداً شقياً، لا يشبع جوعه، ولا طمعه، ولا هلعه، لينكد عليها حياتها من أجل هذا الراتب!! ثم تصطلي نارين: نار الزوج، ونار الأب، وبعض الأزواج لا يتزوج إلا من أجل الراتب!! ولا يساوم إلا من أجل هذا المال، جشع؛ لأنه ما حل هناك الإيمان، وإلا فالدنيا لا تساوي شيئاً، يقول الزبيري: خذوا كل دنياكمُ واتركوا لي فؤادي حراً طليقاً غريباً فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا ويقول الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] فهذا الأب، من رأى منكم أباً مثل هذا فل يكاشفه، وليفاتحه، وليذهب إليه، إن كان يعرف من جيرانه من هؤلاء الآباء الذين وقفوا حجر عثرة -بجهل، وسوء فهم- في وجوه بناتهم، فعليه أن يتق الله وينصحه، ويصل إليه ويراسله.

غلاء المهور

غلاء المهور والمهور غالية مهما كانت، نحن نعرف الطلاب، ونعرف الشباب، ونعرف دخلهم، وأربعون ألفاً هذا كثير! صراحة، ووافق على هذا كثيرٌ من العلماء والمشايخ والقضاة، صحيح أن بعض الناس، يمكن أن يكون عنده مالٌ وخيرٌ ودخل، لكن أن يقول صلى الله عليه وسلم لـ عثمان بن أبي العاص: {أنت إمامهم واقتد بأضعفهم} فإذا أردت حل مشكلة اجتماعية فانظر إلى أضعف الناس، انظر إلى أقل المستويات، مثل مبلغ عشرة آلاف أو عشرون ألفاً، وبدون حفل، ولا صالة خضراء، ولا حمراء، ولا صفراء، ولا بيضاء، ولا ذبائح عشرين، ولا ثلاثين، ولا عشر، بل ذبيحتان لتسهيل أمور الزواج، حتى يستطيع الشاب أن يتقدم، وقد فتح صندوقٌ لإعانة المتزوجين في كلية الشريعة، ولكن أتى الناس كالسيل بالملفات، كلهم وقف، بعضهم عقد منذ خمس سنوات لا يستطيع أن يدفع المهر فعليه دين، وبعضهم حل حلاً جديداً اتفق مع أبو البنت، على أن يتزوج ويبقى في ظهره دين، يقضي عليه المهر؛ وبعض الآباء لعسره، وفضاضته، حجر عثرة، في الموعد وفي العزيمة، وفي اللقاء، وفي الكسوة، وفي المهر، وفي كل شيء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا} ومع ذلك يأتي ليدفع الأربعين وليتها تكفي، لكنها لا تكفي، فيأتي بالكسوة بقائمة من العمات، وقائمة من الخالات، وقائمة من الجدات والأعمام والأخوات، وأهل العصبة، حتى كأنه يغطي شركة، ثم يأتي ليلة العشاء فيدعو الناس ومن هب ودب، وتبذر ولائم ليست للفقراء، وهذه شر الولائم التي يدعى إليها الأغنياء ويطرد منها الفقراء، حتى إذا وجدوا فقراء، يطردونهم ولا يستطيعون استقبال هؤلاء، إلا من رحم ربك: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال:47].

ترك الزواج بحجة الدراسة

ترك الزواج بحجة الدراسة أيضاً: من المآسي عند الفتيان والفتيات مواصلة الدراسة، الزواج ليس حجر عثرة في مواصلة الدراسة، لا عند الشرقيين ولا عند الغربيين، لا عند المسلمين ولا عند الكافرين، فتزوج وواصل الدراسة، وتواصل هي الدراسة، لكن أن تبقى حتى تصبح في الثلاثين والأربعين، وتصبح هي في الثلاثين والأربعين، ثم تتزوج، فقد ذهب وقت الزواج. تريد عجوزٌ أن تعود فتيةً وقد يبس الجنبان واحدودب الظهرُ تسير إلى العطَّار تبغي شبابها وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟! لا يصلح العطار ما أفسد الدهر، هذه مأساة، تسمى طاغوت مواصلة الدراسة، صحيح أن الدراسة للفتاة من أحسن ما يكون، خاصة والحمد لله في مثل المحافظة التي نعيشها في الجملة، وفي مثل الحجاب، ومثل هذه الرسالة الخالدة، والتوجيه لكنها لا تحجم عن الزواج، ولا تكون حجر عثرة على الزواج، بل يتزوج ويواصل، وتتزوج وتواصل، وهذه هي الحياة وقد فعلها الغربيون والشرقيون، وما سمعنا الغربيين يقفون حتى ينتهون، ثم يتزوجون، لا. لأن هذه هي الحياة.

رفض الخاطبين بدون مبرر

رفض الخاطبين بدون مبرر أيضاً: من المسائل: رفض المتقدمين، يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه وإلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير} رواه الترمذي، وهو حديثٌ صحيح. فالفساد الكبير الذي تعيشه المجتمعات بسبب أمثال هذا الأب الذي سمعتموه في الرسالة، هو بكلماته، وطمعه، وجشعه، وحسده، وبفظاظته وغلظته، طرد الشباب عن بيته، لا يصون كريمته، تقول العرب: "لا يحفظ المرأة إلا بيتها، أو قبرها، أو زوجها". فوالله الذي لا إله إلا هو لو دفع الأب من جيبه على أن يزوج ابنته رجلاً كريماً ديناً خلوقاً، لكان هو الحسن. وما عندنا في الإسلام إلا شرطان: دينه، وأمانته، أو خلقه ودينه، أن يكون ديَّناً، يخاف الله عز وجل، ولا يكون مروج مخدرات، يسكر في النهار والليل، والله لقد أتت رسائل من هذا القبيل، تقول بعضهن: "ما أراه إلا سكراناً، أوقظه إلى الصلاة وهو من الغافلين، سادر". فكيف تعيش وتتعامل مع مثل هذا الجنس؟! لكن الأب هو السبب، فتجده يرفض المتدينين، والملتزمين، بحجة أنهم متزمتون، إن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترط شرطين: الدين والخلق، وأنا لا أقول زَوِّج ديِّناً سيئ الخلق، لا، فبعض المتدينين من أسوأ الناس خلقاً، لو سلمت عليه غضب عليك، والرسول صلى الله عليه وسلم رحيم فنبه على حسن الخلق، يعني: رجل يتفاهم، وعنده عقل، أما الشرس سيئ الخلق فلا نريده ولو كان ديِّناً، فالدين هو الخلق؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى زكى رسوله صلى الله عليه وسلم، بأنه صاحب دين ورسالة ثم قال له: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. ذكر صاحب كتاب المستطرف في كل فن مستظرف "أن رجلاً كان شرس الخلق وذكره ابن قتيبة، وعنده أربع زوجات في البيت، فأغضبته زوجة من الزوجات، فطلقها بالثلاث، فقامت الثانية وقالت: لم تطلقها بعجل؟ قال: حتى أنتِ، فطلقها، قالت الثالثة: ما وددت أنك طلقت الثانية؛ لأنها صالحة، قال: وأنتِ طالق، قالت الرابعة: في ساعةٍ واحدة تطلق ثلاثاً! قال: وأنتِ معهم". فسمعت الجارة؛ لأن كل واحدة منهن قامت تصيح في البيت فسألت: ماذا حدث؟ قال: وأنتِ طالق إذا رضي زوجك. يوزع طلاقاً، يتبرع بالطلاق، وأنتِ طالق إذا رضي زوجك، فمثل هذا لا يستطاع له. يقولون: "إن امرأة فرت من زوجها وأتت إلى أبيها، قال: مالكِ؟! قالت: أنا صبرت عليه، قال: ماذا حدث؟ قالت: ما بقيت في رأسي شعرة، إلا أنزلها بالعصا في الأرض". يعني: من كثرة الضرب، وبعضهم لا يخاف الله أو يتقيه، يضرب بالكرسي وبالكوب وبالهاتف وبكل شيء، وهذا ينتشر في الناس، ونسأل الله العافية! اعلموا أن هذه الممارسات وجدت حتى في المجتمع المثالي، الذي ما شهد التاريخ مثله. فقد أتت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس، فقالت: يا رسول الله! أستشيرك: تقدم لي معاوية بن أبي سفيان وأبو الجهم. وهنا سيقوم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجرح والتعديل لأنه واجب هنا وليس غيبة في مثل هذه، فإذا سألك أهل فتاة، عن فلان فعليك أن تتكلم، ولا تقول: هذه غيبة بل يجوز في هذا أن تبين، إن كنت تعرف عنه شيئاً قالت: تقدم لي فلان وفلان يا رسول الله، ماذا أفعل؟! قال صلى الله عليه وسلم -اسمع إلى المعلم، واسمع إلى الحكمة والعقل- قال: {أما معاوية فرجلٌ صعلوك؛ لا مال له} والحقيقة أن المرأة تريد شيئاً يعني نسبياً، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم استُفْتِي فأفتى: {وأما أبو الجهم فرجلٌ لا يضع عصاه عن عاتقه}. يقول: إن كنتِ تريدين أن يقطع جسمك فتزوجي أبا الجهم أنا أعرفه {ولكن تزوجي أسامة بن زيد}. فتزوجته فاغتبطت به، أي: ارتاحت معه، بمشورة محمد صلى الله عليه وسلم. فلابد أن يختار الدين الخلوق، ويوجد في الفسقه من هو حسن الخلق، فبعضهم يتبسم دائماً وهو فاسق، تجده قد يتناول المخدرات ويترك الصلاة، لكن من أحسن الناس خلقاً، لكن فقد الشرط الأعظم، فلا بد من الشرطين، الدين وحسن الخلق.

التشديد في مواصفات الزوجة

التشديد في مواصفات الزوجة أيضاً: يطلب من الشباب المتقدمين، أن يتنازلوا في الشروط الجائرة، فإنهم يشترطون الوسامة، والرسامة، والرشاقة، والرتابة، وأن تكون طويلة، حورية، في عينيها دعج، وشعرها بنفسجيٌ يميل إلى الحمرة، إن جلست على الكنب استقرت، وإن رأت خوفاً فرت، وإن رأت اطمئناناً اسبطرت، هذه وصفة عامر الشعبي لفأرة عنده، وبعضهم يشترط مثل شروط القاضي المجتهد، وتقدم بعض الناس إلى بعض العلماء، قال: "أريد ابنتك، فقال: أعطني شروطك؟ فكتبها، فإذا هي شروط لا توجد في الحياة الدنيا، قال: انتظر حتى ينزل الله عليك حورية من الجنة، أما هذه الأوصاف فليست عندنا" مع أنك تجده مقلب الشكل، وجهه مثل قفاه، وعندما يتقدم يشترط بنتاً مثل الشمس فهلاَّ كان مثل القمر! يا أخي على وضعك أنت!! زكاة الجرباء منها، كل بلاد لها حد نسبي في الجمال، فالغربيون كالغربيات، والشرقيون كالشرقيات، والجنوبيون كالجنوبيات، والشماليون كالشماليات، وأنت في نفسك لستَ يوسف عليه السلام في الحسن: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف:31]. أيضاً: الظاهرة التي ذكرت في الرسالة كثرة العوانس في البيوت!! صراحة سبع إلى ثمان إلى تسع، إلى عشر لماذا؟! لا يكفي والحل عند المشايخ والدعاة وأعيان البلد هنا، ومن غاب منهم فيه خير أنه لابد أن يجتمعوا ويجدوا حلاً مثل ما وجد في الرياض، عند سماحة الشيخ ابن باز ومثل ما وجد في القصيم عند سماحة الشيخ محمد بن عثيمين، ووجد في جدة ومكة، وهؤلاء أخيار مثل أولئك، فيجدوا حلاً لنا، ماذا يريدون منا؟ نحن أبناؤهم وتلاميذهم، لكن يحلون هذه الأزمة. الفتاة تقول: عندي مئات من الفتيات، يردن حلاً، أنا أطلب حلاً، ما هو الحل؟ ولا يكفي تحديد المهر، لا يكفي أن نقول: تزوجوا تقدموا بل يجدوا حلاً يعني دائرة مسئولة عن هذا، هاتفاً معروف الاتصال وتنسيقاً كيف يصل إلى هؤلاء؟ هذا الذي تريده الفتاة. كذلك نبذ الطمع والجشع في المهور، وبعض الناس يبيع ابنته بيعاً، كأنه يبيع سيارة، فليتقِ الله الأب في مثل هذا، أيبيع بنته!! البنت أصلاً: لا توازنها جبال الدنيا لو كانت ذهباً وفضة، لكن المطلوب أن يسترها بشيءٍ يحله بكلمة الله، ولو برمزٍِ بسيط، وما يمنعك أن تزوج بألف ريال؟

بعض الأخطاء التي نبهت عليها الفتاة في صرختها

بعض الأخطاء التي نبهت عليها الفتاة في صرختها أما أن تتحرى هذا المهر لتكون تاجراً به، والله إن من العيب كثرة المهرِ، اعلم أن تجارة المهر ممحوقة. أيضاً: في هذه الرسالة مسائل:

التفكك الأسري

التفكك الأسري كمسألة التفكك الأسري الذي تعيشه كثير من المجتمعات؛ لعدم وعيها بدين الله عز وجل، ولعدم معرفتها بالكتاب والسنة، فتجد الأب في جانب، والابن في جانب، لا يعرف أحدهم حقوق الآخر، ولا يقوم بها، ولا يتواصى بها، وعسى أن تكون هناك دروس إن شاء الله مفصلة في التفكك الأسري، وما هو علاجه؟ كي نبني بيوتاً على تقوى من الله ورضوان؟ فالتفكك الأسري هذا عجيب، وانظر إلى هذا الأب!! وأرجو أن تتذكر في ذهنك، ماذا فعل؟ لقد فعل أموراً لا يعلمها إلا الله!! أموراً كباراً كالجبال!! يقطع ابنته، ويغلظ عليها، ويمنع الخطَّاب من أجل راتب، سبحان الله!!

قلة الوعي الديني

قلة الوعي الديني ثم في الرسالة، هناك ملمح إلى قلة الوعي والتدين في كثير من المجتمعات وسبب هذا هو الجهل، واعلم أن العلم والفقه في الدين، والتعليم، أن يقوم الدعاة بتعليم الناس، وتكثيف الدروس والمحاضرات، وأن تكون هناك ندوات تحل الأزمات كل هذا حلّ لمثل هذه الأزمات. إنني أطلب من إخواني الدعاة، وطلبة العلم أن يكون هناك ندوات ولو مشتركة -مثلاً- عن العنوسة ويطرح حلٌ للعوانس، ومسألة المهر، ومسألة المتدينين والمتدينات، والتقارب بين الأسر، أو مسائل أخرى، أو موضوعات أخرى؛ لأن الحياة الزوجية مطمح لكل فتاة. وتصوروا -وقد جرى هذا في كثير من المجلات، العربية والأجنبية- أن إحداهن في مقابلة منها وهي في الخمسين من عمرها، وقد حصلت على الدكتوراه، وعلى مراتب عالية، قالت: خذوا كل ما عندي من مراتب وأوسمة وجوائز، وأعطوني ربع زوج!! الرجل له أربع زوجات، فهي تقول: ربع زوج، مطمح المرأة أصلاً أن تتزوج، وأن تأوي إلى كنف. ومن المسائل أن الطلاق في الإسلام حل وليس مقصوداً، فأبغض الحلال عند الله الطلاق، لكن جعله الله حلاً، إذا رأى الإنسان أنه لا يستطيع الاستمرار، أو أنه لا يستطيع أن يقوم بالحق، فهذا حل، لكنه ليس مقصوداً لذاته، فلا ينبغي أن يتسرع الإنسان، وسوف يكون هناك إن شاء الله موضوع منفصل عن الطلاق ومآسيه وما فيه ومتى يكون، ومتى يستحب، ومتى يحرم، ومتى يكره، بأحكامه وأدلته إن شاء الله.

لماذا ترفضين التعدد؟

لماذا ترفضين التعدد؟ أيضاً: لماذا يرفض التعدد في الناس؟ يعني التعدد وارد، ولماذا النساء أثابهن الله يكرهن التعدُّد، وهو سنة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والله ذكر ذلك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وشرعه، والرسول صلى الله عليه وسلم عدد وأصحابه، وللرجل قدرة؛ لأن هناك مآسي ومشكلات سوف تقع، ووقع بعضها في الأمة، وقد ذكروا للتعدد أسباباً، منها: كثرة الحروب الطاحنة في الأمم، حتى يقل الرجال ويبقى النساء بالآلاف بل بالملايين، وقد وقع في الشعوب هذا، حتى في ألمانيا وقع هذا، في حروبهم الأولى والثانية، حتى بقي آلاف ومئات يلتمسن أزواجاً ولا يجدن. ومن الأسباب مرض المرأة، عقم المرأة، قدرة الرجل على أكثر من امرأة، وكما سبق كثرة النساء، وقلة الرجال، ففي إحصائية في البلاد عندنا يقابل الرجل ثلاث نساء، وكنتُ أقول: إنه ست نساء، لكن الإخوة من الأدباء ومن قسم الإعلام في جامعة الإمام قالوا: إن ثلاث نساء يقابلهن رجل، فلابد من حلٍ لهذا، لكن العدل، والرحمة، والقيام بالحقوق، هذا هو المطلوب، والرجاء من النساء ألا يتخذن من الدعاة موقفاً، لأن بعضهن يقلن إنهم يحرضون الرجال على التعدد، وأنا فقط أطرح هذا الطرح! فلماذا لا يكون هناك توعية علمية وإعلامية واسعة لهؤلاء الآباء، فالرجاء من أهل الفكر، وأهل الرأي، وأهل الإعلام، وأهل الدعوة أن يكون هناك توعية إعلامية مكثفة، وندوات ودروس، إلى هؤلاء الآباء لحل هذه الأزمة حتى يعرفوا أنهم في خطأ، وأنا أطالب إخواني من استطاع أن يأخذ هذا الشريط أو غيره ويوصله إلى هذا الأب أو إلى هذا المجتمع، حتى يعي ويستيقظ من هو في غفلة فليفعل. ومما ينبغي الحذر من تزويج الفسقة العصاة، فلا يحب الأب أحداً من أجل ماله، بل من أجل دينه وخلقه، ولماذا تدخل بيتك، وتمكن ابنتك من عاصٍ فاجر، يغضب الله ليل نهار؟! ولذلك وقعت الطامات، ويعرف المجتمع أن بعض الناس زوجوا بناتهم من فسقة، لا يصلي أحدهم لله صلاة، ويتناول المخدرات، فيعود إليها الثانية ليلاً، فعاشت الجحيم وفي الأخير طلبت الطلاق، فهذا نتيجة حب المال، والفزع إلى المال، لا للدين، فالرجاء أن يعرف الإنسان أين يضع بنته، وأخته وقريبته. أيضاً: الإسلام يدافع عن المرأة، ولا يبخسها حقها كما تصورت الأخت الفاضلة، وهي من لوعتها ومن أساها ومما في قلبها أخطأت في بعض الكلام، غفر الله لها، ولكن كما يقول المتنبي: لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى يكون حشاك في أحشائه أيها الإخوة الكرام: تم الدرس وقد أخذ سؤالاً واحداً وهي رسالة هذه الفتاة، أسأل الله أن يجعل لها فرجاً ومخرجاً، ولأخواتها، وأن يسترها، وأن يحفظها، وأن يرعاها، وأن يتولانا وإياها.

رسالة امرأة فقدت ولدها

رسالة امرأة فقدت ولدها أيها الإخوة الكرام: هنا رسالة تقول مرسلتها: إلى أهل القلوب الرحيمة إلى أهل الخير والبذل، رسالةٌ من أمٍ جريحة مصابة في دنياها بمصائب عديدة، بدأت هذه السلسلة من المصائب عندما فقدت ابنها الوحيد منذُ عدة سنوات، ولها أربع بنات غيره، ولأنها أمٌ فقدت، فقد بكت على فقد ولدها، حتى كادت أن تفقد بصرها، إن لم تكن فقدته الآن، وعندما ذهبت إلى المستشفيات قيل لها: إنها مصابة بتمزق في القَرَنيَّة، ليس القَرْنِيَةْ نسبة إلى قرْنة لكن القرَنية بالفتح التي في العين، إحدى العينين في القرنية، ومرضٌ في شبكيةٍ أخرى، فسلمت الأمر لله، وحاولت العلاج، فوجدت أنه يكلف مبالغ خيالية، وهي مع زوجها الفقير لا يكاد دخلهما يسد رمقهما، ويكفي حاجتهما الضرورية، رفعتُ أمري إليكم. أولاً: انظر لمعاناة هذه المرأة مسكينة من بكائها على ابنها، والحقيقة مثلها يعذر، أنا الآن لست في موضع هل يجوز أن تبكي على ابنها؟ لأنها تريد طلباً آخر -أقول له: عَمْرَاً فيكتبه بكراً- هي تريد طلباً آخر، لكن انظر إلى الوله والولع، ولا يحس هذا الفقدان إلا من يعيش لذة الأولاد وحب الأولاد، ولوعة الأولاد، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن يعقوب عليه السلام: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84]. ذهب بصره من كثرة بكائه حتى كانت تقول الملائكة: اتقِ الله واصبر اتقِ الله واصبر فكان يأخذ التراب ويضعه في فمه ويقول: وأسفاه على يوسف!! قال أهل العلم: "لو علم يعقوب عليه السلام بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156] التي أنزلها على أمة محمد؛ لقالها، لكن قال: وآأسفا على يوسف. هكذا أسلوب القرآن، انظر الاشتقاق، وآأسفاً على يوسف {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] البلاغة العالية، ويقول كظيم، يقول أهل العلم: "أنه يكظم شيئاً ولا يتسخط، ويصبر على أمر الله، حتى بكت الملائكة معه، وطالبته أن يصبر، فأنزل الله على الأمة: {وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155 - 157]. وبعض الناس يلوم البعض على البكاء، وفي المثل: لا يعرف الخلي حرقة الشجي، يعني: المعافى لا يدري حال المبتلى، يقول الشاعر الإيراني السني: ما مَرَّ من طيف الهوى بمسمعي ولو سمعت الورق ما ناحت معي يا معشر الخلان قولوا للمعافى لست تدري ما بقلب الموجعِ حتى يقول الشاعر القديم لما مات أخوه مالك بن نويرة فرثاه متمم هذا وبكى وما عنده إلا عين واحدة، ومتمم هذا شاعر العرب وكان أعوراً، فبكى حتى ذرفت عينه العوراء من الدموع!! فكان يقول لها: بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معاً يقول: قلت لهذه العين اليمنى التي تبكي، اتقِ الله واصبري، قال: فبكت اليسرى. ويقول متمم: لقد لامني عند القبور على البكا رفيقي لتذراف الدموع السوافك فقال أتبكي كل قبر رأيته لقبرٍ ثوى بين اللوى في الدكادكِ فقلت له إن الشجى يبعث الشجى فدعني فهذا كله قبرُ مالك الله أكبر نحن نعذرها، ولا بأس فرسول الله صلى الله عليه وسلم، سيد البشر، وإمام الأمة وهو يحتضن ابنه إبراهيم في سنتين، وإبراهيم تتقعقع نفسه كأنه في شن، فتدمع عيناه عليه الصلاة والسلام، ويبكي ويقول: {تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون} لكن الصبر والامتثال لأمر الله عز وجل. والشاهد أيها الإخوة: هذه امرأة وقعت في مأساة عنوانها: عند أحد المشايخ، في كلية إعداد المعلمين، وتقرير الأطباء والمبلغ باهض وتريد المساعدة، كي تتعالج. وامرأةٌ أخرى أرسلت رسالة تقول: زوجها عقيم، ولا يستطيع أن يتعالج ولا عنده مال، هل عندكم مالٌ يتعالج؟ هذه المآسي، إنما توجد هذه المحاضرات حلاً للإشكالات. واسمحوا لنا واعفوا عنا، أنا نجرح المشاعر بهذه المآسي، لكن أنتم الأمة، وأنتم صفوة الناس، وأنتم الأخيار، وما حضر هنا إلا كل خيِّر، وكل صالح. تصوروا الآن: أنا ظننتُ أن الحضور سوف ينقص بسبب الامتحانات، فإذا الناس يتكدسون، من حبهم للخير وتكثيرهم للسواد الإيماني، ومن حضورهم مجالس الملائكة يحضرون، ويحضرُ الطلبة، بمستوياتهم، ويتركون من المغرب إلى العشاء لنا وللمسجد، بل لهم عند الله عز وجل. فأسأل الله أن يثيبهم بذلك، وأشكرهم من الأعماق، حتى في الرياض، مساء الثلاثاء الماضي، كانت هناك محاضرة، وظننت أنه لن يحضر أحد من الامتحانات، فما كان من الشباب -أهل الامتحانات- إلا أنهم ملئوا المسجد، وخارج المسجد، وما حول المسجد، وهذه هي رسالة العلم، أن تكثر سواد المؤمنين، وأن تحضر مجالس الملائكة. أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، والرشد والسداد، والعون والإلهام، وأسأله أن يحفظنا وأن يسددنا، وأن يرعانا، وأن يحوطنا بعين رعايته، وأن يصلح الراعي والرعية، وأن يكلأنا وإياكم برعايته إنه على كل شيءٍ قدير. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

كيف نربي أطفالنا

كيف نربي أطفالنا الأطفال أمانة في أعناق آبائهم، وكثير من الآباء اليوم قد أهملوا أطفالهم، فربوهم على الميوعة، والغناء، والرقص، فخانوا الأمانة التي أئتمنهم الله عليها. وفي هذا الدرس تحدث الشيخ عن كيفية تربية الطفل المسلم التربية الإسلامية الصحيحة.

هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال

هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، الحمد لله الذي جمعنا بالصالحين ووفقنا لسيرة سيد المرسلين، نسأله رحمة منه فإنه أرحم الراحمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،، عنوان هذا الدرس: كيف نربي أطفالنا قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف:46] الأولاد زينة للحياة، جعلهم الله عز وجل قرة عين للآباء وللأمهات إذا أصلحهم الله، ولذلك وصف الله الصالحين بقوله في دعائهم أنهم يقولون: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] وقال كثير من الصالحين: لا تحلو الحياة إلا بالولد؛ ولذلك جعل صلى الله عليه وسلم من الأعمال الصالحة التي تلحق الرجل الصالح {ولد صالح يدعو له} -كما في صحيح مسلم - والعقيم في حياته شيء ليس من قبل الله عز وجل؛ فإن الله قد يعوضه خيراً من هذا الولد؛ لكن في سلوته وراحته وفي عزائه وفي حياته، ولذلك كان زكريا يقول: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء:89] أي: لا تتركني وحيداً بلا ولد وبلا أبناء، ولذلك أرسل الله الملائكة يبشرونه فنادته الملائكة وهو قائم في المحراب يصلي أن الله يبشرك بيحيى، فجعل الله الولد بشارة، وهي من أعظم البشارات لمن أحسن تربية الأولاد، ولكن كيف نربي الأطفال؟ وكيف نحسن تربيتهم؟ وكيف نرضعهم الإيمان والعقيدة الصحيحة التي أتى بها محمد عليه الصلاة والسلام؟ وكلمتي هذه الليلة للآباء وللأمهات، وإن كان من نصيب أوفر فهو للأم، فأقول لها: يا أمنا! يا رائدة الأجيال! يا صانعة الأبطال! يا مدرسة الجيل أرضعي أبنائك عقيدة التوحيد مع اللبن فإن الله سوف يسألك عن أبنائك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ولذلك وصف الشعراء الأبناء بأنهم الأكباد التي تمشي على الأرض؛ كما ذكر ذلك ابن الرومي وغيره، هم أكبادنا التي تمشي على الأرض، وهم شجا قلوبنا، وقرة أرواحنا، دخل عمرو بن العاص الداهية أرطبون العرب على معاوية بن أبي سفيان الخليفة وهو في دار الملك، وعند معاوية فتاة صغيرة نجيبة في الأربع أو في الخمس سنوات. قال عمرو بن العاص: [[يا أمير المؤمنين ما لك تقرب هذه الفتاة، والله إنهم ليقربون البعيد ويبعدون القريب ويوصمون العار! فغضب معاوية وقال: خالفت وأخطأت، والله إنهم شجا الأرواح، وإنهم ريحان الحياة، وإنهم شفاعة في الآخرة]] وصدق رضي الله عنه وأرضاه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم {كان يحمل الحسن والحسين ويقبلهم ويقول: هذان ريحانتاني من الدنيا} يعني: يكفيني من الدنيا الحسن والحسين، وكان ينظر إليهما ويقول: {اللهم إني أحبهما فأحب من يحبهما} وهذا الحديث يروى عنه صلى الله عليه وسلم بسند فيه ضعف، فنشهد الله أنا نحب الحسن والحسين بحب جدهم عليه الصلاة والسلام.

هديه صلى الله عليه وسلم مع الأطفال في الصلاة

هديه صلى الله عليه وسلم مع الأطفال في الصلاة الحسين والحسن جدهما محمد صلى الله عليه وسلم، فنحب الأحفاد لحب الجد الكبير العظيم، وإنما الشاهد في القصة أنه صلى الله عليه وسلم تحبب إلى الأطفال، أتى يصلي إما العصر وإما الظهر صلى الله عليه وسلم فأخذ أمامة وعمرها ثلاث وقيل: أربع سنوات وهي بنت زينب، وزينب بنته صلى الله عليه وسلم، أي: أنها بنت بنته، فحملها في الصلاة، صلى بالمسلمين وبعلماء الصحابة وساداتهم وشجعانهم وشهدائهم فحمل أمامة على كتفه عليه الصلاة والسلام، فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها حتى سلم من الصلاة. وعند النسائي والحاكم أنه عليه الصلاة والسلام: {خرج يصلي بالناس صلاة العصر أو الظهر فلما سجد أطال السجود -بأبي هو وأمي- فلما سلم بالناس قالوا: يا رسول الله! أطلت سجدة. قال: إن ابني هذا (قيل: الحسن وقيل: الحسين) ارتحلني (أي: صعد على ظهري) -لما رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم ساجداً أعجبه المنظر -وكان طفلاً- فصعد على ظهر الحبيب- قال: إن ابني هذا ارتحلني فخشيت أن أقوم فأؤذيه فانتظرت حتى نزل من على ظهري}. يا للخلق! ويا للطافة! ويا للسماحة! {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. يقول أحد الناظمين في الشباب والأطفال: يا للشباب المرح التصابي روائح الجنة في الشباب وهذا البيت لـ أبي العتاهية، يقول: روائح الجنة في الأطفال، وأنت إذا قبلتهم كأنك تقبل شيئاً خرج من الجنة، فهم بريئون، طاهرون، مزكون، لا حقد ولا حسد ولا ضغينة {كل مولود يولد على الفطرة} ولد مسلماً، لا علمانياً، ولا يهودياً، ولا شيوعياً، ولا نصرانياً، وإنما حنيفاً مسلماً، حتى يدخل أبوه وأمه عليه الكفر: اليهودية أو النصرانية أو العلمانية. يا للشباب المرح التصابي روائح الجنة في الشباب يا ليتني ما زلت في الطفولة بنفسي الطاهرة المقبولة لم أحمل الحقد ولم أدر الحسد ولم أنافس في الدنيات أحد يحب كل المسلمين قلبي وليس في قلبي سواك ربي هذا منطق أهل الطفل يوم ينشأ عابداً مخلصاً لله، ولذلك كان الأطفال قرة عين الصالحين، قال الله عز وجل: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:38] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن تربيتهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

هديه صلى الله عليه وسلم مع الطفل عند الولادة

هديه صلى الله عليه وسلم مع الطفل عند الولادة كيف نربي أطفالنا؟ هنا مسائل: يوم يلد الطفل أمر عليه الصلاة والسلام {أن يؤذن في أذنه اليمنى، وفي لفظ -لكنه ضعيف- وأن يقام في اليسرى} ولـ ابن القيم كلام جميل في تحفة المودود يقول: أمر عليه الصلاة والسلام أن يؤذن، ليكون أول ما يطرق قلب الطفل التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فينشأ على حب الله وعلى حب رسول الله، وتغرس في قلبه شجرة الإيمان، ويطرد منه الشيطان؛ لأن الشيطان يفر من الأذان، إذا أذن المؤذن فر الشيطان فهو لا يقبل الأذان ولا يقبل ذكر الله، فالوصية كما ثبت عند أبي داود والترمذي: أن يؤذن في أذنه اليمنى، كما في حديث أبي رافع وابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم {لما ولد لابنته فاطمة الحسن بن علي أذن في أذنه اليمنى} وينسب إلى عمر بن عبد العزيز أنه قال: [[ويقام في الأذن اليسرى]]. هذه معالم التوحيد، بيوتنا تبدأ بلا إله إلا الله وتنتهي بلا إله إلا الله، أول ما يقع رأس الطفل في الأرض ينبغي أن يعلم بأنه لا إله إلا الله، ويؤذن في أذنه، ويوم تقبض روحه عليه أن يختم حياته بلا إله إلا الله. صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، دخل الجنة}. أبو زرعة أحد المحدثين الكبار: رؤي في المنام بعد أن توفي: قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: رفعني ربي في عليّين، قالوا: بماذا؟ قال: كتبت بيدي ألف ألف مرة صلى الله عليه وسلم. لما حضرت أبا زرعة الوفاة، أتى المحدثون وتلاميذه حوله ليذكرونه بحديث لا إله إلا الله عله أن يقولها، قال: فأتوا يتذكرون أول السند فيقولون: عله ينتبه؛ لأنه أصيب بإغماء فكانوا يقولون: حدثنا فلان فأخطئوا في الاسم فاستيقظ -بإذن الله- من غفلته وقال: حدثنا فلان عن فلان قال: حدثنا فلان عن معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، دخل الجنة} ثم توفي فهذه هي الكلمة التي ينتهي بها الإنسان من الحياة.

تسمية الطفل وآدابها

تسمية الطفل وآدابها ومن معالم تربية الأطفال يا موحدون ويا مسلمون: التسمية، وفيها آداب:

اختر لابنك الاسم الحسن

اختر لابنك الاسم الحسن أولها: أن تختار لابنك الاسم الحسن، وهذا من واجب الابن عليك، لا تختار له اسماً يعير به وينادى به في الحياة وينادى به يوم العرض الأكبر، ففي السنن عن أبي الدرداء أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {أحسنوا أسماء أبنائكم فإنهم يدعون بها يوم القيامة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وينادى أين فلان بن فلان؟ فيقوم على رءوس الأشهاد، فالواجب اختيار الاسم الحسن. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدق الأسماء همام وحارث} هذه من الأسماء التي يطلب من المسلم أن يسمي بها وأحبها عبد الله وعبد الرحمن. أما حديث {أفضل الأسماء ما عبد وحمد} فلا يصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام، حديث ساقط السند، ولا يصح رفعه إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم. ومما يجتنب في الأسماء: التعبيد لغير الله مثل: عبد الشمس، أو عبد شمس، أو عبد الكعبة، أو عبد الدار، أو عبد السيارة، أو عبد الفلة فإن هذا لا يجوز وهو محرم، وإنما سموا به أهل الجاهلية فغير صلى الله عليه وسلم ما استطاع أن يغير من أسمائهم. ومما يستقبح أيضاً الأسماء التي ليس لها معنى مثل: شليويح، وصنيهيد، وعضيدان، وهذه الأسماء التي ليست فعل أمر ولا فعل مضارع ولا ماض ولا اسم ولا حرف، وفيما عندنا من الأسماء غنية -والحمد لله- كأسماء الأنبياء، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {تسموا بأسماء الأنبياء} فأسماء الأنبياء مثل: إبراهيم وموسى وعيسى وزكريا وإدريس ومحمد ونوح عليهم الصلاة والسلام جميعاً، وأسماء الصحابة مثل: طلحة والزبير وعلي وعثمان. أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع

إياك وأسماء الكفرة

إياك وأسماء الكفرة ومما يستقبح كذلك التسمية باسم الكافر مثل: جورج، وبولس، وميشل، وريجن، وبوش، وجورباتشوف، وأعداء الله الذين اندرجوا في سند إبليس وهو إمامهم إلى النار يستظلون بظله في النار يوم لا ظل إلا ظله في النار، فهؤلاء محرم أن يسمي بهم المسلم، وقد انتشر عند بعض المستغربين الذين تأثروا بالحضارة المادية وأصبحوا أذناباً للعلمانية والماسونية يسمي أحدهم ولده جورج أو بوش أو ميشل أو ميكل أو بيكر أو أمثالها وأضرابها، فإن هذا محرم وهو من التشبه بالكفار.

إياك والأسماء التي فيها تزكية

إياك والأسماء التي فيها تزكية ومما يلحق بذلك الأسماء التي فيها تزكية، كأن يسمي ابنه إمام المتقين! أو سيد الأولياء أو خيرة الناس! وقد حدثنا رجل من علماء التفسير -وهو ثقة- أن رجلاً من أهل الهند سمى ابنه "خير البرية" قالوا: ما لك؟ قال: موجود في القرآن. فجاء له ابن آخر فسماه: شر البرية! قالوا: ما لك؟ قال: موجود في القرآن فهو لا يفهم اللغة. وحدثنا رجل آخر من الثقات -وهو من منسوبي أصول الدين في الرياض - أن رجلاً من الهند سمى ابنه: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا!! هو لا يفهم اللغة لكنه أخذ الجملة من القرآن، ولذلك تجد بعض الأسماء أكبر من الجبال على بعض المسمين الذين لا دور لهم في الحياة، كأن يسمى: نور الإسلام وهو عدو الإسلام، أو شمس الدين وهو بغيض الدين، أو صدر الدين، أو نجم الدين، أو شهاب الدين، أو تقي الدين، وهو معرض عن الدين فاجر في الدين مخالف له! فهذه التزكيات ممنوعة؛ ولذلك {سمع صلى الله عليه وسلم أنهم سموا "برة" فغير اسمها إلى "زينب" وقال: تزكي نفسها؟!} فهذا من أبواب التزكية التي لا تنبغي كذلك.

إياك وأسماء فيها حزن وشؤم

إياك وأسماءً فيها حزن وشؤم ومما يذم في الأسماء وهي المسألة الرابعة: ما فيه حزن وشؤم كأن يسمي ابنته "مصيبة" أو "فتنة" أو "بلية" أو ما يحلق بذلك، أو ما يسمى الأطفال كأن يسمي "الفتان" أو "العاصي" أو "المخالف" أو "الفاجر" ولا يفعل هذا من عنده عقل أو وعي.

من آداب التربية

من آداب التربية ومن آداب تربية الأطفال:

المطعم الحلال

المطعم الحلال كثير ما فسد الشباب والأطفال بسبب المطعم الحرام، يوم يؤكلَّون الربا، ويسقون الربا، ويلبسون الربا، ويسكنون في الربا، ويحملون في سيارة الربا، كيف يستجيب الله دعاءهم ويصلحهم؟! جسد غذي بالحرام النار أولى به، فيا من اشتغل بالربا! ويا من أطعم أطفاله من الربا! لقد اقترفت خطيئة عظيمة يوم أطعمت أطفالك الربا. في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر {الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب له؟} ولذلك كان الصالحون يحرصون على إطعام أطفالهم الحلال عل الله أن يستجيب صلاة الأطفال ودعاءهم وأن ينبتهم نباتاً حسناً، ولذلك لما ذكر الله اليتيمين في سورة الكهف قال: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:82] فلما كان الأب صالحاً أصلح الله له في الذرية وحفظ عليه أطفاله وحفظ لهم كنزهم حتى وجدوه، فليتنبه المسلم إلى هذه المسألة العظيمة.

مداعبة الأطفال

مداعبة الأطفال ومما ينبغي كذلك على المسلم لأطفاله في سن الطفولة أن يلاعبهم، والملاعبة سنة، ومن قال: إنها هجنة فهو خاطئ، ومن قال: إنها ضياع للوقت فهو مخالف، بل هي سنة محمد صلى الله عليه وسلم، أكثر من اشتغل بأمور الأمة، وحوادث العالم محمد عليه الصلاة والسلام ومع ذلك كان يقبِّل الأطفال، كان يجلس في مجامع الناس فيأتي الحسن وهو صغير فيفتح يديه عليه الصلاة والسلام ويضحك ويخرج لسانه للحسن فيأتي الحسن مسرعاً حتى يرمي بنفسه على المصطفى عليه الصلاة والسلام، خلق كالشهد المصفى، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وغيره: أنه قام يخطب الناس على المنبر فلما انتصف في الخطبة جاء الحسن وعمره ما يقارب خمس سنوات، وعنده ثوب طويل -مسبل وهو طفل لم يبلغ التكليف- فكان يعثر في ثوبه في المسجد بين الصفوف، يقوم إذا عثر ثم يمشي قليلاً ثم يعثر على وجهه؛ فانشغل عليه الصلاة والسلام به عن الخطبة، فترك الخطبة ونزل واحتضنه وقبله وحمله على كتفيه حتى صعد به على المنبر ثم وضعه في جانبه، ثم التفت إلى طفله الحسن وقال: {إن ابني هذا سيد -أي: إنه بطل من السادات- إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين تقتتلان من المسلمين} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وبالفعل أصبح سيداً من السادات، وولياً من الأولياء، وأميراً من الأمراء، وإماماً من الأئمة، وتولى إمرة المؤمنين خمسة أشهر، ولما اجتمع أهل العراق وأهل الشام ثمانون ألفاً مع مائة ألف، السيوف مصلتة وكادوا يقتتلون خرج هو فحقن الله به الدماء وتنازل عن الخلافة وأصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين. وفي ترجمة الحسين بن علي -وكان شاباً صغيراً- أن عمر بن الخطاب تولى الخلافة -ذكرها الذهبي في ترجمة الحسين - فجلس عمر على المنبر ينتظر الأذان ليؤذن ثم يخطب بعد الأذان، فأتى الحسين وكان طفلاً صغيراً، وكان يعهد المنبر لجده صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر وقال لـ عمر: انزل من على منبر جدي؛ فبكى عمر بن الخطاب حتى دمعت عيناه وقال: صدقت، وهل أنبت الله الشعر في رءوسنا إلا بفضل الله ثم برسالتكم. يقصد: من بيتكم خرجت الرسالة، الحسين بن علي هذا ابنه علي بن الحسين الذي تجاهله هشام بن عبد الملك لما طاف قال: لا أعرف من هذا. قال الفرزدق: هذا الذي تعرف البيداء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم صح عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه قدم عليه وفد من بني تميم من نجد، ووفد بني تميم حديثو عهد بالإسلام وكانوا أهل بادية، والجفاء في أهل البادية، تجد الواحد منهم عنده عشرة أبناء ما قبل أحدهم منذ ثلاثين سنة، ما عنده إلا الضرب أما التقبيل والمداعبة والملاعبة فلا يجيد، عنده أبقاس وملاكمة ومرامحة ومناطحة! لأنه في الغالب لا يرى إلا التيس والكلب، ينطح التيس وينبح الكلب، كما قال شاعر المتوكل علي بن الجهم وهو يمدح الخليفة فقال له: أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب فقام الوزراء يريدون أن يبطحوه أرضاً فقال: دعوه، ما عاش إلا مع هذه البيئة، ردوه عند الرصافة في بغداد سنة، فأنزلوه عند النهر وفي الحديقة وعند البساتين الغناء والرياض الفيحاء، فأتى بعد سنة فاستطلع قصيدته بأجمل بيت يقول فيه: عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري فالبيئة لها تأثير، والشاهد من هذه القصة: {أن الأقرع بن حابس رأى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقبل ولده الحسن بن فاطمة، قال الأقرع: تقبلون الأولاد عندكم؟! والله إن عندي عشرة من الأولاد ما قبلت واحداً منهم، قال عليه الصلاة والسلام: وهل أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك} يقول: ما دخلي وما شأني، وهل أملك أنا أن أوزع الرحمات، لا. الذي يوزع الرحمة هو الله. وقال أهل العلم فيما صح عنه صلى الله عليه وسلم: {كانت الجارية تأتيه فتأخذ بيده عليه الصلاة والسلام فتذهب به في شوارع المدينة حتى تعيده إلى مكانه عليه الصلاة والسلام} إلى غير ذلك من القصص التي تنبئ أن من الواجب للطفل ملاعبته؛ لأنه في سن لا يقبل العلم، فلو تلقي عليه محاضرات الدنيا أو علوم الدنيا، فلن يفهم، يريد ملاعبة ومداعبة؛ ولذلك إذا أتيت وأنت متعب تجده يلقي بنفسه عليك، هو ينتظرك وينتظر ابتسامتك ومداعبتك ومزاحك وقد جعله الله سلوة لك، فإن كثيراً من الآباء لا يزيل غمومهم وهمومهم ومتاعب أعمالهم وما يجدونه من نكد في الحياة إلا هؤلاء الأطفال، فحق أن تخصص لهم وقتاً في المداعبة والملاعبة كما فعل عليه الصلاة والسلام. وكان صلى الله عليه وسلم، كما عند الترمذي {ربما مازح الأطفال فيأخذ بأذن أحدهم، أخذ بأذن أنس ففرك أذنه وأرسله} وعند البخاري {أن ابن عباس لما قام عن يسراه أخذ بأذنه ففتلها وحوله على يمينه} قال ابن حجر: وفيه أن يؤخذ بأذن التلميذ ليعلم لأنه أذكى له، قلنا لـ ابن حجر: بشرط أن يكون الأخذ هيناً ليناً لا يفرك أذنه حتى يقطر الدم فإن هذا من التعزير، يعني: فركاً بسيطاً حتى يصيح، فإذا صاح فحسبك بهذا الفرك.

المصاحبة

المصاحبة ومن آداب تربية الأطفال: المصاحبة أما الحديث الذي يقال عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لاعب ابنك سبعاً، وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً} فلا يصح، وليس من كلامه عليه الصلاة والسلام، ولكن نسب إلى علي بن أبي طالب وأظنه ليس لـ علي، وإنما هو من كلام سفيان الثوري أو أحد علماء السلف، يقول: لاعب ابنك سبعاً أي سبع للملاعبة فقط، وسبع سنوات للتأديب وفيها العصا تتدخل، وسبع سنوات للمصاحبة يكون لك صاحباً يحضر معك المنتديات والدروس ومجامع الخير والحفلات؛ فإذا بلغ الواحدة والعشرين فاتركه فقد بلغ رشده، إن اهتدى فبها ونعمت، وإن ضل فقد سلمت قياده، أصبح ذا فكر وذا بصيرة والله يتولاه. أحد الناس أتى إلى عالمٍ من العلماء وقال: أشكو إليك، ابني ضربني على وجهي. قال: أعلمته القرآن؟ قال: لا. قال: أعلمته السنة؟ قال: لا. قال: أعلمته آداب العرب؟ قال: لا. قال: ظنك ثوراً فضربك. أي: يستحق؛ لأنه هو المسئول ولذلك لماذا يشكو الإنسان العقوق ويقول: عقني ابني؛ لأنك عققت أباك وما علمت ابنك بر الوالدين. وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه ولذلك أحد الرجال في أحد البيوت يقول: مرة تأخرت عن الجماعة فصليت في البيت، وكان هذا الرجل من المداومين على المسجد من أهل الروضة ومن أهل الصف الأول، لا تفوته الصلاة أبداً، لكن يوماً من الأيام فاتته الصلاة فصلى في البيت فقام ابنه الصغير وقال: يا أبي أأنت امرأة يوم تصلي في البيت أم أنت رجل؟ وهذا سؤال طيب ينبئ على أن الابن مربى على عقيدة سليمة ومبدأ خالد. والمصاحبة كما ذكر أهل العلم لا تأتي إلا بلين الخلق مع الابن وأن تبجله؛ فإنك إذا أظهرت له الاحترام استحيا من الله عز وجل، فإن بعض الآباء يبكت ابنه ويخزيه ويقطعه ويفضحه بالكلام، فيصبح الابن ميت الإرادة لا يستحي أبداً يفعل ما أراد؛ ولذلك قال المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام

غرس الفضائل في نفسه

غرس الفضائل في نفسه ومن الآداب: غرس الفضائل في نفسه اسمعوا إلى مقطوعة شعرية من أجمل ما سمعت في الأدب العربي، يقولها أحد الشعراء ذاكراً فيها كيف تربى هو على الفضائل، الرجل هذا اسمه المقنع الكندي مسلم، كان يستدين الدين، ويسد حقوق قرابته وينفق عليهم، فكان قرابته دائماً يعيرونه بالدين ويقولون: أنت دائماً مديون مديون! أنت دائماً ذليل لنا! ليس عندك منعة! قال يعتذر إليهم -يقال هذا من باب غرس الفضائل- يعيرني بالدين قومي وإنما ديوني في أشياء تكسبهم حمدا أسد ما قد أضاعوا وضيعوا حقوق أناس ما استطاعوا لها سدا وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا يقول: أنا وإخواني وأبناء عمومتي بيني وبينهم فرق. كيف؟ قال: إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا يغتابونه وهو لا يغتاب، يذمونه وهو لا يذمهم، يقطعونه وهو يصلهم، يحرمونه ويعطيهم، لا يزورونه ويزورهم، يهينوه ويكرمهم، هذه أخلاق النبوة! إذا هتكوا عرضي حميت عروضهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا لهم جل مالي إن تتابع لي غنى وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا يقول: أنا إذا نزل الضيف تحولت من حر إلى عبد، هذه أخلاق المؤمن، كان حراً بطلاً، ولكن لما دخل الضيف تحول إلى عبد بحفظ الله ورعايته، يقدم الطعام والشراب والفراش هذه أشرف الأخلاق؛ ولذلك قال بعض البلغاء: كن حراً في كل موقف إلا إذا نزل بك الضيف فكن عبداً، أنا حر دائماً إلا في الضيافة فإني عبد للضيف، وهذا من أحسن ما يقال في خدمة الضيف! خاصة للمسلم. هذه مسائل في تربية وغرس الفضائل في النفوس، ولا تأتي -يا معاشر الأحباب- إلا بأن يكون الأب قدوة لأبنائه، كيف يصدق الابن وأبوه كذاب؟ كيف يصلي الابن وأبوه لا يصلي؟ كيف يفي وأبوه خائن؟ هذا لا يكون، والابن أول ما ينظر ينظر إلى أبيه، ولذلك تجده يتأثر، فإنه تحت السابعة كالبغبغاء يقلد ما تقول تماماً، ولذلك أنطقه على لا إله إلا الله ولا تنطقه -والعياذ بالله- على اللعنة أو على الكلام البذيء الذي يغضب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

تجنيبه الرذائل

تجنيبه الرذائل ومن الآداب: تجنيبه الرذائل ومن الرذائل الكلام الفاحش، وتربيته على الغرام والهيام. فلم الكرتون الذي يربى عليه الأطفال المسئولة عنه شركة يهودية إيطالية عالمية تريد أن تربي في الأطفال مسألتين:- المسألة الأولى: حب الجنس، والمسألة الثانية: حب المال من دون الله. أتظنون أن اليهودية أو الصهيونية العالمية تلقي فلم كرتون على الأطفال فيأخذ أوقاتاً طويلة؟! أتظنون أنهم يصرفون ملايين الدراهم والدنانير ضياعاً وهباءً منثورا؟! لا. هم أذكى من ذلك، ولذلك يربون في الطفل حب الجنس، يأتي فلم الكرتون -وهذا موجود ومشاهد- فيأتون بفتاة من كرتون وبشاب طفل من كرتون فيطارد الفتاة ويقبلها ويغازلها ويعاشقها ويهاويها فينشأ الطفل في الحي على بنت جاره وقريبته يفعل كذلك! فغرس الرذائل يكون من طريق هذه الأسباب: شريط الغناء، الأغنية الماجنة، المجلة الخليعة، الفيديو المهدم، المسلسلات المتبجحة، المسرحيات الهابطة كلها هدم وغرس للفضائح والرذائل في نفس الطفل حتى ينشأ فاجراً لا يؤمن بالله ولا يعرف الإسلام ويتنكر لهذا الدين {كل مولود يولد على الفطرة}. ومن الرذائل: تعويده الكسل والخمول والاعتماد على الغير. لابد أن تنشئه عصامياً بطلاً يعتمد على نفسه حتى في المعيشة، تجد المترف دائما كسولاً تيساً لا يعرف شيئاً ولا يفهم شيئاً. ثلاث تفسد شباب الإسلام وأطفال المسلمين: إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة! شاب وما عنده عمل والمال في جيبه كيف ينشأ؟ ينشأ لعاباً لاهياً إن لم يتداركه الله برحمته. إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة! فإذا اجتمع ثلاثة مع عدم الإيمان وفقد القرآن وهجر المساجد وعدم وجود العلم الشرعي والبعد عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم ووجود المغريات والفتن والمجلات الخليعة بأنواعها؛ عاش وليس في قلبه روح من الهداية ولا ومضة من النور وأصبح -والعياذ بالله- أشبه بالدابة فليتنبه لهذا.

أن تختار له الأصحاب

أن تختار له الأصحاب ومن معالم تربيته: أن تختار له الأصحاب الصاحب الذي تختار لابنك لابد أن يكون ولياً من أولياء الله {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] أما أهل جمع الطوابع والمراسلة وصيد الحمام والدجاج ومطاردة الأرانب وأهل الصفير والنهيق والتفحيط فهذا لا يليق بك أبداً أن تترك ابنك معهم، فهم عصابات سوف يؤدون بابنك وينتقلون به من مرحلة جمع الطوابع والمراسلة وصيد الأرانب والدجاج إلى المخدرات والكأس والمرأة ثم إلى الفجور والإلحاد والعياذ بالله. فحذار حذار من هذه المسألة!! فإنها خطيرة جد خطيرة، لابد أن تعرف مع من ذهب ابنك ومع من جلس ومع من أتى، من رافقك اليوم؟ من اتصل بك اليوم؟ من هو صاحبك؟ من هو جليسك؟ عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] اسمع إلى قول ابن المبارك إمام المسلمين يقول: وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفاف وحياء وكرم قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم يقاس المرء بالمرء إذا ما هو ماشاه وللمرء على المرء دليل حين تلقاه فأنت لا تسأل عن الإنسان واسأل عن قرينه ومع من يذهب ثم احكم عليه. ذكر ابن قتيبة وغيره من العلماء أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه خرج إلى الصحراء فوجد ابنه عاصم ومولاه أسلم ينشدان، أحدهما أنشد قصيدة في الصحراء فأتى إليهم عمر وهم يرعون إبل الصدقة فقال عمر: من أنشد منكم؟ فخجلا. قال: عزمت عليكم أن تنشدا. فخجلا. قال لابنه: انشد؛ فأنشد، ثم قال للآخر: انشد فأنشد. قال: أنتما كحماري العبادي قيل له أي: حماريك أخس؟ قال: هذا ثم هذا، وهذه منقولة، والشاهد أنه قال العبادي والعبادي هو تاجر من التجار أحمق كان عنده حماران، قيل له: أي حماريك أخس؟ قال: هذا ثم هذا، أي: كلها في الخساسة سواء لكن بعضها درجات فوق بعض، والمقصود: أن الصاحب هذا أعدى من الجرباء، وأنه تلف لمن يصاحب، وإذا استمر الصاحب مع الصاحب سلخه ورده إما من هداية إلى ضلال وإما من ضلال إلى هداية، يقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لأصحابه: اتخذني خليلاً أو تخذ لك صاحباً خليلاً فإني مبتغ صاحباً مثلي يقول: أنا لا أريد من الأصحاب إلا صاحباً مثلي وعلى طريقتي، وقال الشافعي: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة

الاهتمام بوقت الطفل

الاهتمام بوقت الطفل ومن معالم تربيته: الاهتمام بوقت الشاب وهي مهمة جداً: العطل الصيفية تذهب كثيراً على أطفالنا وعلى شبابنا بلا برنامج، لا حفظ قرآن، لا في الجماعة الخيرية، لا في المراكز الصيفية، لا مع علماء ولا مع طلبة علم؛ إنما همهم الأكل والشرب، وفي السكك والشوارع، حتى أبناء الكفرة عندهم برامج، وأبناء المسلمين يبقون هكذا! تنتهي العطلة الصيفية ولا حفظ جزءاً ولا حديثاً، أو طالع باباً أو استفاد فائدة أو تأدب أدباً هذا ليس بصحيح يا مسلمون، ولذلك تكثر الإيذاءات من الشباب الفارغين والأطفال المتفلتين، ليس في الإسلام تفلت {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:36 - 40]. فيا مسلمون أوصيكم ونفسي بالاهتمام بأوقات أطفالكم وأولادكم وبناتكم، وأن يكون هناك تحصيل وفائدة ونفع، وإلا فوالله، إنهم سيضيعوا إيمانهم ودينهم ودنياهم، ثم يكونون في ميزان حسراتكم وسيئاتكم يوم العرض الأكبر.

أمرهم بالصلاة

أمرهم بالصلاة متى يؤمرون بالصلاة؟ في حديث صح عنه صلى الله عليه وسلم عند أحمد وأبي داود وغيرهم من العلماء أنه قال عليه الصلاة والسلام: {مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع} وهذه آداب ثلاثة: أولها: في السن السابعة أن تبدأ تأمره بالصلاة لكن لا تضربه، وإذا تخلف عن المسجد لا تعاتبه، وإنما صل معي، فإن أتى فبها ونعمت وإن تخلف فلا تأخذ على يده؛ لأنه في السبع إلى العشر لكن تصطحبه إلى المسجد، أما حديث: {جنبوا صبيانكم مساجدكم} فهذا الحديث ضعيف، ضعفه أئمة مثل: المنذري والبيهقي وابن الجوزي والبوصيري والعسقلاني والإشبيلي والشوكاني والألباني والسخاوي، وقد رواه ابن ماجه والطبراني وغيرهم من أهل العلم كـ ابن عدي، ولكنه ضعيف السند لا تقوم به حجة، والذي يستدل بهذا الحديث ليس بمصيب، بل يؤتى بالصبي وقد أتى بهم عليه الصلاة والسلام، لكن إذا أتى منهم تشويش وضجة وصجة فيجنبون، أن يتحول المسجد إلى روضة أطفال فلا، المسجد يحترم ويقدر ويوقر من باب تعظيم شعائر الله عز وجل، فلا بأس أن يؤتى بهم بشرط أن تشترط عليهم السكوت والأدب والسمت الحسن والإنصات فليتنبه لهذا. وأما في السن العاشرة فتضربه على ترك الصلاة ضرباً، العصا لمن عصى والعصا من الجنة، فإذا تخلف وهو في العاشرة وقال: إنه صغير. قل: لا. بل كبير بإذن الله، فاضرب رأسه بالعصا حتى يخرج الشيطان، وحتى يتوب أن يتخلف عن المسجد وتستصحبه أنت، ومن الأدب أن تلاحظه في المسجد هل صلى أم لا، وهل حضر معك الصلاة أم لا، وأن تتفقده في كل صلاة. كان عمر رضي الله عنه وأرضاه يوقظ أبناءه لقيام الليل ويأخذ الدرة ويضرب الأبواب ويقول: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17] ما دام يا رب أنعمت علي بالاستقامة والعون والتأييد، فوالله، لا أكون عوناً للمجرم ولو كان ابني هذا هو معنى الآية، وقد قالها موسى عليه السلام. {وفرقوا بينهم في المضاجع} معنى ذلك: إذا بلغوا العاشرة، وقال بعضهم: إن العطف هذا للأول أي: لأبناء السبع، وقال بعضهم: بل العشر، والعشر آكد ولكن الأحوط السبع، فإذا بلغوا السبع أو أكثر إلى العشر فلا يجوز أن ينام الأطفال الأبناء مع البنات في فراش واحد، ويجوز في غرفة واحدة وفي حجرة واحدة لكن بينهم مسافة. هذا أدب محمد عليه الصلاة والسلام، هذه سنته، ومن لم يفعل ذلك يقع في أخطار لا يتصورها العقل، وفي مآثم وجرائم الله أعلم بها، فليتنبه المسلم لهذه الآداب التي أتى بها صلى الله عليه وسلم. ومن الأدب: أن تلاحظهم عند النوم، فتذكرهم بالوضوء إن استطاعوا أن يتوضئوا إذا بلغوا العشر، وتذكرهم بأذكار النوم كالمعوذات وسورة الإخلاص وآية الكرسي؛ ليحفظهم الله ويعصمهم من شياطين الإنس والجن، فإن أكثر ما يصاب الصرع ودخول الجان في الأطفال بسبب أنهم لا يذكرون الله، طفل ينام على الأغنية ويستيقظ على الأغنية يدخله اثنا عشر جنياً، في الصباح جان وفي المساء جان؛ لأنه ما عرف الذكر، لا يطرد الشياطين ولا الجن إلا الذكر {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] والعلماء يحذرون من إدمان الغناء أو إدخال آلات الغناء أو ما يشابهها من مجلات خليعة فإنها سبب لدخول الشيطان في البيت، والملائكة لا تدخل البيوت التي فيها هذه الأمور فعلى المسلم أن يتنبه لهذا ليكون على بصيرة.

رجولة الطفل وأنوثة الطفلة

رجولة الطفل وأنوثة الطفلة الإسلام يميز بين الرجل والأنثى، والمقبول عند المسلم أن يكون الرجل رجلاً لا يتأنث ولا يتخنث ولا يأتي بأسماء أو بألقاب أو بكلام أو بلبسة تخالف لبسة الرجال، قال عليه الصلاة والسلام: {من تشبه بقوم فهو منهم} وهو عند أحمد وأبي داود حديث صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح: {لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال} مثل من يسمي ابنه "دلال" هذا اسم مؤنث لا يحق له، أو يسمي اسماً آخر يكسره تكسيراً أو يأتي الابن يتكلم بكلام يثنيه تثنية فما عرفوا التثني في بنات ولا عرفوا التأنث في بنينا فلا درب المعالي ضيعوه ولكن العلا صيغت لحونا كذلك أخرج الإسلام قومي شباباً مخلصاً حراً أمينا وعلمه المروءة كيف تشرى فخالف أن يقيد أو يهونا فالمقصود: أنه يمنع الطفل إذا أتى يتكلم بكلام مايع أو يلبس دبلة من ذهب: فتقول له: لا. حرام، أو يسبل ثوبه نقول له: لا. هذا لا يجوز، حتى العرب في الجاهلية كانوا يقصرون ثيابهم، ويقول شاعرهم يمدح أخاه البطل: كميش الإزار خارج نصف ساقه من اليوم طلاع السعود لأنجد يقول: إنه بطل يقتحم المعارك، ومن علامة شجاعته أن ثوبه فوق كعبيه إلى نصف ساقيه، ولا يسبل الثياب إلا من تعرفون، قال عمر بن أبي ربيعة: كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول

تربية الشعر وحلقه

تربية الشعر وحلقه كذلك مما ينهى عنه تربية شعر رأسه وحلق لحيته، بعض الناس الآن يربي شعره إلى أكتافه فإذا قلت له: لا. قال: هذه سنة وأنا فعلتها من حبي للسنة، فنقول له: خالفت السنة، لو كنت صادقاً كنت ربيت لحيتك أما أن تحلق لحيتك وتربي شعر الرأس {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85] يا مدعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهويناً خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا تربية على ثلاثة أقسام، وحلق الرأس على ثلاثة أقسام:- تربية الرأس تربية سنة، وتربية معصية، وتربية عادة مباحة، فمن رباه مع لحيته لكن لا يقصد به السنة ولا يقصد به التشبه قلنا: أنت على كل حال في أمر مباح وهذه عادة، مثلما تفعل بعض القبائل، يربون لحاهم ويربون شعورهم، لكنهم لا يعلمون السنة في تربية الشعر ولا في حلقه فنقول: أنت في عادة وفي أمر مباح. وتربية معصية: كأن يحلق لحيته ثم يتشبه بالنساء أو بالكافر نقول: أنت في معصية وقد تشبهت بالمرأة وبالكافر. وتربية سنة: وهي من ربى لحيته وربى شعر رأسه وقال: سمعت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يربي شعر رأسه قلنا: صدقت وأنت مأجور ومشكور. وحلق الرأس على ثلاثة أضراب: حلق معصية، وحلق سنة، وحلق عادة. فمن حلقه ليتشبه بـ الخوارج الذين قال فيهم أبو بكر لـ خالد: [[وسوف تأتي على قوم علامتهم التحليق، يحلقون شعر رءوسهم فاخفقهم بالسيف خفقاً]] فمن تشبه بمثل البهرة الباطنية الذين يحلقون شعر رءوسهم ويتشبه بهم قلنا: هذه معصية وسيئة وجريمة. ومن حلق رأسه في حج وعمرة كان سنة، وقد دعا صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة. ومن حلق رأسه لا لأنه يقصد بها شيئاً قلنا: أنت في أمر مباح وفي عادة فليتنبه لهذا.

رجولة الطفل

رجولة الطفل أما رجولة الطفل فإنها تبدأ من صغره، والإنسان لا يقول: أنا صغير أو يربي أطفاله على التواكل، وكلما أسند إليه أمر قال: صغير صغير؛ فينشأ وعمره أربعين وهو لا يزال صغيراً هذا لا يصح، بل يشعره بالمسئولية من العاشرة، محمد بن القاسم قاد الجيش الإسلامي يوم دخل الهند وعمره خمس عشرة سنة! إن المروءة والسماحة والندى لـ محمد بن القاسم بن محمد قاد الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سؤدداً من مولد وقالوا عن أسامة بن زيد: قاد الجيش لسبع عشرة سنة، وأرسل صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وعمره ما يقارب السابعة عشرة سنة، قال الصحابة لـ عمر وكان يدخل عليه ابن عباس، عُمُر ابن عباس ثلاث عشرة سنة قالوا: كيف تدخل هذا الطفل وعندنا أطفال مثله؟ لأن عند عمر مجلس عالمي سنوي لا يدخله إلا من الأربعين فما فوق، أهل بدر، أهل بيعة الرضوان، شيوخ الصحابة، نجوم الهدى، أسياد الأمة، ولا يدخله غيرهم لا من الأعراب ولا من الأطفال إلا ابن عباس مستثنى في القائمة وله حق الدخول، فكان يدخل فوجد الصحابة، قال ابن عباس: [[فجمع عمر الناس وقال للصحابة: ما معنى قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1]؟ وهو يلتفت إلى ابن عباس يريد أن يريهم ذكاء ابن عباس، قال الصحابة: لا ندري، الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: إذا جاء النصر والفتح فاستغفر وتب، فسألهم جميعاً فقالوا: لا نعرف إلا هذا. قال: وأنت يـ ابن عباس؟ قال: معنى الآية: قد اقتربت وفاتك يا رسول الله، فما دام أن العرب قد أسلمت ودخلت في دين الله فترقب الوفاة أو كما قال. قال عمر: والله ما أعلم منها إلا كما تعلم]] ولذلك أدخلوه معهم في مجلس الشورى. أتى وفد العراق يبايع عمر بن عبد العزيز بالخلافة وكان فيهم شاب صغير جالس، فقام الشاب يتحدث فقال: يا أمير المؤمنين! مرت بنا ثلاث سنوات (يقصد: قحط) والأمير الخليفة الملك بيده المال؟ يريد مالاً، والمشايخ جلوس، وعيون القبائل ووجوه العرب جلوس وقام هذا الشاب يتكلم: يا أمير المؤمنين! مرت بنا ثلاث سنوات، أما سنة فأذابت الشحم، وأما سنة فأكلت اللحم، وأما سنة فدقت العظم، وعندك مال الله فأخرج ما لله من خزائن الله على عباد الله. كلام مثل النجوم!! قال عمر بن عبد العزيز: يا بني اجلس ففي الناس من هو أولى منك بالحديث. فقال الشاب: يا أمير المؤمنين! لو كان الأمر بالسن لكان في الناس من هو أولى بالخلافة منك أنت: تعلم فليس المرء يولد عالماً وليس أخو علم كمن هو جاهل وإن كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفت عليه المحافل وهذان بيتان أنشدهما عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو قدوة، فإنه تولى أمر المسلمين وعمره ثمانية وثلاثين سنة فقادهم إلى بر الأمان وكان من خيرة عباد الله، رضي الله عنه وأرضاه. الخنساء النخعية -لا أعني السلمية- كان لها أربعة أبناء، فلما ربتهم على تقوى الله وطاعته ذهبت بهم إلى القادسية في المعركة، ثم لبستهم الأكفان وكانوا شباباً، ثم قالت: يا أبنائي والله ما خنت أباكم ولا خدعت خالكم، والله إنكم أبناء رجل واحد، والله، ما ربيتكم إلا لهذا اليوم فإذا حضرت المعركة فيمموا وطيسها، واشغلوا أبطالها، ولا أراكم بعد اليوم إلا في الجنة؛ فأخذوا أكفانهم الأربعة فأتوا المعركة فأوقدوها وأشعلوها من أول النهار، وما أتت صلاة الظهر إلا وهم مذبحون في الأرض، فأتى الخبر إليها فضحكت وقالت: الحمد لله الذي أقر عيني بشهادتهم. وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه هذه أسرة عربية مسلمة تربت على تقوى الله، يقال: قتل منها ما يقارب ثمانين شهيداً في سبيل الله، وهي إما من بني خندف أو من قبيلة أخرى الله أعلم بها، لكن مدحهم الشاعر العربي قال: هم القوم يروون المكارم عن أب وجد كريم سيد وابن سيد وهزتهم يوم الوغى أريحية كأن شربوا من طعم صهباء صرخد ويطربهم صوت الصوارم في الوغى بيوم الوغى لا ما ترى أم معبد يقول: لا تطربهم إلا صوت السيوف لا الغناء ولا الأوتار ولا الأصوات الخليعة الماجنة.

تعظيم الله في قلوبهم

تعظيم الله في قلوبهم ومما ينبغي ملاحظته في تربية الأطفال -أيها المسلمون- أن يعظم الله في قلوبهم، وأن يعظم قدره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ومراقبته، كان كثير من الصالحين إذا حضرتهم الوفاة استدعوا أبناءهم وقالوا لهم: ليكن أعظم شيء عندكم الله. قال الأندلسي لابنه: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحِ من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني وقال الأندلسي الآخر يوصي ابنه في طلب العلم: إذا لم يفدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا وإن ألقاك فهمك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا نسأل الله أن يرزقنا وإياكم قرة عين، وأن يثبتنا وإياكم حتى نلقاه. هذه مسحة بعنوان: كيف نربي أطفالنا؟ وسوف يسألنا الله عن أطفالنا يوم العرض الأكبر، وإنني أعود إلى الأم المسلمة فأقول لها: يا أمة الله! يا مدرسة الأجيال! يا من أنت المسئولة الأولى عن تربية أطفالنا وبناتنا اتق الله في أطفالك، واعلمي أنك مدرسة مؤهلة لإخراج الزعماء والعلماء والأدباء الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق الأم نبت إن تعاهده الحيا بالري أورق أيما إيراق فنسأل الله لنا ولكم السداد والعون والرشاد وأن يثبتنا حتى نلقاه، كما نسأله ثباتاً في الدنيا والآخرة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

الأسئلة

الأسئلة

دلني على كتاب في السيرة

دلني على كتاب في السيرة Q أريد أن تدلوني على كتاب في السيرة يكون عليه اعتمادي في سيرة حبيبنا عليه الصلاة والسلام؟ A أولاً: شكر الله لك ألفاظك الواضحة النبيلة الطيبة مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويظهر من السائل حبه للمصطفى عليه الصلاة والسلام، وهذا أمر مطلوب في حبه صلى الله عليه وسلم، كان الصالحون إذا ذكروه قال الواحد منهم: بأبي هو وأمي، ويقول الآخر: بنفسي. ما أعلم كتاباً في السيرة أحسن ولا أجدى بعد كتاب الله عز وجل، والسنن والصحاح من كتاب زاد المعاد لـ ابن القيم، فإني أدلكم عليه أن تقتنوه، وقد خرج محققاً في خمسة مجلدات تحقيقاً جميلاً بديعاً في ديباجة رائعة! ما أحسن منها! بتحقيق الأرنؤوط وهو كتاب جيد، وهناك كتاب عصري جيد اسمه الرحيق المختوم في سيرة النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم.

المرأة لا تؤم زوجها

المرأة لا تؤم زوجها Q هل للمرأة أن تؤم زوجها، وهل لها أن تصلي إماماً وهو مأموم أم لا؟ A في سنن أبي داود أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المرأة أم ورقة أن تؤم أهل دارها، والحديث صحيح، لكن فيه عموم، ولا ندري هل في أهل دارها رجال أم لا، لكن ورد عند ابن ماجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وقال: {لا يؤمّنَّ أعرابي مهاجراً، ولا فاجر مؤمناً، ولا امرأة رجلاً} والحديث ضعيف، لكن قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34] وقوله صلى الله عليه وسلم: {لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة} يدل على أنه ليس للمرأة أن تؤم الرجل، ولكن للرجل أن يؤم المرأة مهما يكن، وهذا الصحيح، ولا أعلم -إن شاء الله- إلا هذا الرأي الواضح الراجح، أما حديث أم ورقة فهو عام، وأهل دارها لا ندري أفيهم رجال أم لا.

طلاء الأظافر

طلاء الأظافر Q هل طلاء أظفار المرأة عند الوضوء يمنع وصول الماء إلى البشرة؟ وهل في الوضوء شيء إذا كان على الأظفار طلاء؟ A أقول: الطلاء هذا إن كان له سمك ويحجب وصول الماء إلى البشرة فإنه لا يجوز لها، وعليها أن تزيله قبل أن تتوضأ ليصل الماء إلى البشرة فهذا حائل مثل البوية ومثل ما في حكمها من الطلاءات هذه، وأدوات التجميل التي لها سمك فلا بد من إزالتها حتى يصل الماء إلى البشرة، أما لو كان لون فقط وليس له سمك فلا بأس مثل الحناء وما في حكمه فلا بأس به، وأما ما له سمك فلا بد من إزالته فليعلم ذلك.

تحريم القات عند العلماء

تحريم القات عند العلماء Q انتشر القات في بعض المناطق، والسائل يقول: إن بعض العلماء في تلك المناطق البعيدة يتناولون القات، وإنهم يأمون الناس ويخطبون فيهم ويفتونهم، فما حكم شربهم وأكلهم للقات وتعاطيهم لهذا الأمر؟ A القات على القول الصحيح من كلام أهل العلم أنه محرم لأمور: أولاً: أنه مفتر، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل مفتر حرام} وقد قال شهود العيان ممن عاشوا وذاقوا وجربوا: إن القات يفتر، ومن علامة تفتيره أن من يتناول القات في مناطقهم يتركون صلاة العصر إلى ما بعد صلاة العشاء أو يؤخرون صلاة الظهر إلى ما بعد صلاة المغرب، ويجمعون بين الصلوات وقد ارتكبوا أمراً محرماً، ولولا أنه يفتر ما فعلوا ذلك. وإذا تناوله أحدهم أغلق على نفسه وبقي في بيته يتصور التصورات حتى قال بعضهم لما سألناه: ماذا تتصور؟ قال: يذهب الهم والغم، وهذا علامة أنه حدث في عقله شيء وفي ذهنه شيء وأنه فتر ولا نقول أنه أسكر فالله أعلم لكنه فتره وكل مفتر حرام. القات يذهب المال؛ فإنه لا يبلغ الغصون البسيطة منه والقليلة ولا تؤخذ إلا بمئات الدراهم والدنانير، وكثير منهم افتقر وأصبح مملقاً وهذا لا يرضاه الله ولا رسوله، وهذا من الضرر، قال عليه الصلاة والسلام: {لا ضرر ولا ضرار} وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] والقات يقيناً من الخبائث المحرمة، وقد نص على تحريمه من علمائنا الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي -رحمه الله- وله منظومة وقصيدة رنانة طنانة في تحريمه ومقالة منثورة في تحريمه ورد على المهدي من علماء اليمن، وممن نص على تحريمه سماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز وغيره من العلماء الأجلاء، فليعلم ذلك فإنه محرم، ومن فعله فقد أساء وتعدى وظلم وأخطأ في حق نفسه. أما الدخان ففيه فتاوى مكتوبة ومسجلة وتكرر في المحاضرات كثيراً، فيكفي أنه محرم وأنتم تعرفون الحكم.

تفسير قوله صلى الله عليه وسلم [فحج آدم موسى]

تفسير قوله صلى الله عليه وسلم [فحج آدم موسى] Q كيف تفسر قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: {فحاج آدم موسى، فحاج آدم موسى}؟ A هذا الحديث متفق عليه بين البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {التقى موسى وآدم} موسى عليه السلام نبي بني إسرائيل وآدم عليه السلام الذي هو أبونا، التقيا، أين التقيا؟ الله أعلم، قال بعضهم: في البرزخ، وقال بعضهم: في السماء، وهو الظاهر، لكن المقصود أنهما التقيا، فالتقى آدم وموسى وكان موسى شجاعاً جريئاً دائماً يحاور ويتكلم، ولذلك كلمه الله تكليماً ولم يكلم أحداً من الناس {فقال موسى لآدم: يا آدم! أنت أبو البشر خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته خيبتنا وأخرجتنا من الجنة (يقول له: أكلت من الشجرة فخرجت فخرجنا معك، نحن في حياة المتاعب والذنوب والمعاصي والدموع والآلام والقلق والأرق بسبب أنك خرجت من الجنة) قال آدم: أنت موسى بن عمران الذي كلمك الله تكليماً واصطفاك بكلماته ورسالته وكتب لك التوراة بيده، بكم وجدت أن الله كتب علي الخطيئة؟ قال موسى عليه السلام: وجدتها في التوراة بأربعين سنة. قال: أفتحاجني على شيء قد كتبه الله علي؟} فأتى محمد صلى الله عليه وسلم يتدخل بعد أن انتهى الحوار قال صلى الله عليه وسلم: {فحاج آدم موسى، فحاج آدم موسى، فحاج آدم موسى} أي: فغلب آدم موسى، فغلب آدم موسى، فغلب آدم موسى. والقدرية يقولون: فحاج آدمَ موسى. أي: يجعلون موسى هو الفاعل وآدم مفعول به، أي: أن الغالب موسى وقد كذبوا، حتى يقول بعض العلماء: يجادلون بين موسى وآدم كأنهم يجادلون بين جبري وقدري. جل الله! وهذا لا نستدل به بالقضاء والقدر إلا في مسألتين: مسألة المصائب: يقول ابن تيمية: نستدل بالقضاء والقدر في المصائب ولا نستدل به في المعايب. يسقط ابنك من قصر ويتكسر تقول: بقضاء وقدر، وتمرض ابنتك فتقول: بقضاء وقدر. لكن يسرق السارق في المعايب لا تقول: قضاء وقدر، ما لك سرقت؟ قال: قضى الله علي أن أسرق. لا يصلي الفجر مع الجماعة فيقال له: ما لك لا تصلي؟ قال: قضى الله علي وكتب ألا أصلي. سرق سارق في عهد عمر فقال: لمَ سرقت؟ قال: كتب الله علي أن أسرق، قال: علي بالسكين. فأتوا بالسكين فقطع يده فقال السارق: لم قطعت يدي وقد كتب الله علي أن أسرق؟ قال: وأنا كتب الله علي أن أقطع يدك! فلا يستدل بالقضاء في المعايب، ويستدل به في ناحية أخرى إذا تاب الإنسان من الخطيئة وأقلع -وهذا ذكره ابن القيم - إنسان كان مسرفاً على نفسه، شاب كان غاوياً ثم اهتدى، قلنا: ما لك كنت غاوياً تتعاطى المخدرات؟ قال: كتب الله علي ثم تبت. قلنا: صدقت -بعد أن يتوب- أما وهو في الخطأ فلا، فهذا هو معنى الحديث.

قطع النافلة عند إقامة الصلاة

قطع النافلة عند إقامة الصلاة Q هل أقطع النافلة للفريضة؟ إنسان دخل المسجد وهو يتنفل ثم أقيمت الصلاة فهل يقطعها أم لا؟ A لأهل العلم رأيان، فقهاء المحدثين يقولون: يقطعها مباشرة؛ للحديث الصحيح عن أبي هريرة عند مسلم وغيره {إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة} وبعض العلماء من الحنابلة وغيرهم يقولون: إذا أقيمت الصلاة أتمها خفيفة، وأقول: إذا كان في آخر التحيات أو في آخر الصلاة النافلة فليتمها أما إذا كان في أولها فيقطعها ويبدأ في الفريضة؛ لأن حديث {إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة} نص في المسألة، ولا أعلم أن قطع النافلة إذا كان واقفاً له سلام، بعض الناس إذا قطع وهو واقف سلم عن يمينه ويساره، لا أعلم في ذلك دليلاً عنه صلى الله عليه وسلم بل يقطع الصلاة ويدخل في الفريضة.

حكم النافلة وقت أذان الجمعة

حكم النافلة وقت أذان الجمعة Q هل لمن دخل يوم الجمعة والمؤذن يؤذن أن يتنفل أم ينتظر حتى ينتهي الأذان؟ A الأصوب والأقرب للسنة أن يصبر حتى ينتهي المؤذن ليتابع المؤذن على أذانه ثم يدعو بالوسيلة ليكسب الأجر ثم لا يجلس حتى يصلي ركعتين، ولا يجلس ولو كان الخطيب يتكلم يوم الجمعة حتى يصلي ركعتين، لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث جابر {أن ابن قوقل دخل يوم الجمعة فأراد أن يجلس قال: أصليت؟ قال: لا. قال: قم فصل ركعتين -وفي لفظ- وأوجز}.

التسوك باليسرى أم باليمنى

التسوك باليسرى أم باليمنى Q هل السواك باليد اليسرى أم باليد اليمنى؟ A هذه مسألة سهلة يسيرة، والمسألة فيها سعة سواءً باليسرى أو اليمنى، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية يختار في المجلد الواحد والعشرين من فتاويه أن السواك باليسرى، ويقول: هو من باب إزالة الأذى، وإزالة الأذى تكون باليسرى، ويختار النووي أنها باليمنى؛ لأنه من باب التكرم والتطيب والتكرم والتطيب يكون باليد اليمنى، ويقول ابن حجر بين الاثنين: إن كان من إزالة الأذى فباليسرى وإن كان من التطيب فباليمنى، ونحن نقول: لا حرج، المسألة فيها سعة، ولو أنه يظهر من حديث عائشة تقول: {كان صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في تنعله وترجله وفي طهوره -وعند أبي داود - وفي سواكه وفي شأنه كله} فالمسألة فيها سعة، والله يتولانا وإياكم لكن لما أورد السؤال أوردت الإجابة.

(صدق الله العظيم) بعد التلاوة بدعة

(صدق الله العظيم) بعد التلاوة بدعة Q قول صدق الله العظيم بعد التلاوة والانتهاء منها هل هو سنة أم بدعة؟ A بل بدعة، لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن السلف الصالح، ولو أن الكلام في حد ذاته صحيح والمعنى صحيح، والله يقول في سورة عمران {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران:95] فهو صادق سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ووعده صدق، وكلامه صدق، لكن هل ثبتت سنة بعد التلاوة؟ لا. {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} كان يتلو صلى الله عليه وسلم فلا يقولها ولا الصحابة ولا الأئمة ولا السلف فنقف مثلما وقفوا.

الحلف بالأمانة

الحلف بالأمانة Q ما حكم الحلف بالأمانة؟ A الحلف بالأمانة شرك، كأن يقول: أمانتك أو أمانتي أو بالأمانة أو والأمانة هذا كله لا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث حسن عند أبي داود {إن الله ينهاكم أن تحلفوا بالأمانة}.

قوله (في ذمتي)

قوله (في ذمتي) Q هل (في ذمتي) قسم أو لا؟ A نعم. إذا قصدت به القسم والحلف فهو حلف، وإنما يعرف ذلك بالقرائن، فإن قلت: في ذمتي دين لفلان فليس بقسم وإنما معناه في عهدتي وفي حوزتي وهذا ليس بقسم، أما إن قلت: في ذمتي لأفعلن كذا فهو قسم بغير الله وهو شرك محرم لا يجوز.

حكم قول غشك الله ونحوها

حكم قول غشك الله ونحوها Q هل يجوز أن أقول لمن غشني: غشك الله، ولمن ضربني: ضربك الله؟ A لـ أهل السنة قاعدة في هذه الصفات ونسبتها إلى الله عز وجل: أما ما أطلق الله في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم فنطلقها بهذا القيد، هل الله يستهزئ؟ هل الله يسخر؟ لا يجوز أن نقول بإطلاق: الله يسخر، الله يستهزئ، أو الله ساخر، أو الله مستهزئ لا يجوز، لكن يجوز أن نقيدها كأن نقول: الله يستهزئ بمن استهزأ به، لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14 - 15] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79] فالله يسخر بمن يسخر به بهذا القيد، وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30] فالله يمكر بمن يمكر به هذا قيد وهذه قاعدة عند أهل السنة، وقوله صلى الله عليه وسلم: {إن الله لا يمل حتى تملوا} فهذا قيد، لكن لما أتت الخيانة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ} [الأنفال:71] هل يقول: فخانهم الله؟ لا. الخيانة صفة نقص مهما كانت سواءً كانت إطلاقاً أو قيداً فلا يقال هذا، إنما قال: {فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال:71] ولم يقل فخانهم {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال:71]. إذاً لا يجوز لك أن تقول لمن غشك: غشك الله؛ لأن صفة الغش نقص سواء أطلقت أو قيدت، ولا لمن خانك أن تقول له: خانك الله. لا. هذا محرم سواء بالقيد أو بالإطلاق، لكن لك أن تقول لمن استهزأ: الله يستهزئ بفلان لأنه استهزأ به، أو أن تقول لمن سخر به: الله يسخر به وهذا قاعدة.

معنى قوله تعالى: (وشهد شاهد من بني إسرائيل)

معنى قوله تعالى: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ) Q ما معنى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ} [الأحقاف:10] ومن هو الشاهد؟ A الشاهد هذا هو عبد الله بن سلام من بني إسرائيل وقد أسلم وشهد على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه مكتوب في التوراة فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف:10] فقد دخل في الدين وآمن، وهو من أهل الجنة.

المقصود بقوله تعالى: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني)

المقصود بقوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) Q من المقصود في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي} [التوبة:49] وما معنى {وَلا تَفْتِنِّي}؟ A الرجل هذا هو الجد بن قيس، وهو منافق من الأنصار، هو ليس أنصارياً لكنه من الأنصار منافق، يقول للرسول -عليه الصلاة والسلام- وقد خرج إلى تبوك: يا رسول الله! أنا لا أريد أن أخرج إلى تبوك. قال: ولم؟ قال: أنا إذا رأيت بنات بني الأصفر (يعني: بنات الروم) أفتتن ولا أصبر فقال الله عنه {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:49] فهو الجد بن قيس.

المقصود بقوله تعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين)

المقصود بقوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) Q من هو المقصود بقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة:75]؟ A المقصود بهذا على الصحيح ابن جميل وليس ثعلبة لأن حديث ثعلبة لا يصح فقد ضعفه الأئمة، لكن المقصود بهذه الآية هو ابن جميل لقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري لما أرسل عمر لطلب الزكاة فمنع ابن جميل {أما ابن جميل فما ينقم إلا أن كان فقيراً فأغناه الله} فهو المقصود بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة:75].

حكم قراءة الفاتحة وراء الإمام

حكم قراءة الفاتحة وراء الإمام Q ما حكم قراءة الفاتحة وراء الإمام؟ A أما في السرية فتقرأ وهو السنة، وأما في الجهرية فلأهل العلم قولان: ابن تيمية يقول: لا تقرأ في الجهرية لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] ولحديث {قراءة الإمام قراءة لمن خلفه}. والصحيح أنه يقرأها المسلم في السرية وفي الجهرية المأموم وراء الإمام لأحاديث منها: {صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج خداج خداج} أي: باطلة، وهو حديث صحيح، ولحديث عبادة كذلك {لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أو بأم القرآن} وهو حديث صحيح، أما الحديث الذي يستدل به ابن تيمية فهو عند الدارقطني ضعيف ضعفه ابن كثير وغيره، والأحناف يقولون: لا في السرية ولا في الجهرية واستدلوا بالحديث الضعيف. إذاً فلا بد من الفاتحة للمأموم في الجهرية والسرية، ويكتفي في الجهرية بقراء الفاتحة ليس إلا وعليه أن يستمع القراءة، وأما في السرية فيقرأ الفاتحة وسورة بعدها. وفي الأخير: نسأل الله أن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت إلى أن نلقاه، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

بريد المستمعين

بريد المستمعين رَدَّ الشيخ في محاضرته على رسائل متنوعة، منها ما هو في العقيدة، ومنها ما هو في الفقه، ومنها ما يدور حول شكاوى ساخنة عما يحصل من النساء العاملات في المؤسسات وغيرها. وتكلم عن بعض أحوال البنوك الربوية، وكان أيضاً من ضمنها رسائل لتائبين يتحدثون فيها عن توبتهم.

ترحيب وشكر للخطوط السعودية

ترحيب وشكر للخطوط السعودية إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أسأل الله الذي جمعنا في هذا المكان المبارك، أن يجمعنا بكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يغفر لنا ولكم ذنوبنا وخطايانا وإسرافنا في أمرنا، وأن يهدينا سواء السبيل، وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور، وأن يسددنا ويحفظنا. اللهم تولنا في من توليت، واهدنا في من هديت، وأعنا واغفر لنا، وتب علينا يا أرحم الراحمين. أيها الكرام البررة: يا كل مسلم! ويا كل مسلمة! يا أبناء العقيدة! ويا حفظة التوحيد! يا رسل الخير! يا كتيبة محمد عليه الصلاة والسلام! إني أحبكم في الله، وما جمعنا هنا إلا الحب، فهو السبب القوي الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، فربط به بين أرواحنا وأفئدتنا. إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. وصلتني أسئلة ورسائل، مقدمة ومتوجة بإعلان الحب في الله عز وجل، وأنا أبادلهم ذات الشعور، وأقسم لهم إني أحبهم في الله، فأسأل الله أن ينفعني وينفعهم بهذا الحب الخالص لوجهه. وهذه مقطوعة شعرية في انتماء المسلم لأخيه المسلم: أنا الحجاز أنا نجد أنا يمن أنا الجنوب بها دمعي وأشجاني بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني وفي ثرى مكة تاريخ ملحمةٍ على ثراها بنينا العالم الفاني دفنت في طيبة قلبي ووالهفي! في روضة المصطفى عمري ورضواني النيل مائي ومن عمان تذكرتي وفي الجزائر أشواقي وتطوان فأينما ذكر اسم الله في بلد عددت وذاك الحمى من صلب أوطاني وهذه كلمة شكر للخطوط السعودية، فقد تبنت خطوة جيدة تشكر عليها، ولو أنها ليست التي نريد، فقد قامت بتحجيب شعور المضيفات ورءوسهن، فشَكَرَ الله لهم هذا التوجه الجيد، وإني باسمكم وباسم كل مخلص وصادق وحامل لهذا الدين، ندعوهم إلى التخلي عن المضيفات اللواتي أصبحن حجر عثرة في طريق الإصلاح، واللواتي يشكلن منحنىً خطيراً في إصلاح البلاد والعباد، ولكن نقول لذلك المحسن بنسبة إحسانه: أحسنت، فقد جعل الله لكل شيء قدراً. وهذه كلمة شكر لمدير مستشفى عسير المركزي ونائبه، والجهاز الإداري، حيث منع جلوس الأطباء مع الممرضات، كما منع استعمال مساحيق التجميل للممرضات، فأشكره باسمكم جميعاً، وأبعث له سلامي من هذا المنبر الشريف، منبر محمد عليه الصلاة والسلام، وأقول له: مزيداً من الوعي والإيمان، ومزيداً من الصدق مع الله. فهذا خطابه -أثابه الله- يقول فيه: " من مشرف مستشفى عسير المركزي إلى رئيسة التمريض: فلانة، وبعد: فنظراً لما تقتضيه مصلحة العمل، ولصدور عدد من الأوامر الوزارية التي تقتضي بمنع وضع أحمر الشفاه ومساحيق الوجه أثناء ساعات الدوام؛ عليه يعتمد التعميم على جميع الممرضات والعاملات بهذا المستشفى بوجوب التقيد بالأوامر الصادرة بهذا الصدد والتي تمنع وضع المساحيق والزينة أثناء الدوام الرسمي، ومن تخالف هذا يتم معاقبتها بما تنص عليه الأنظمة، ولكم تحياتي، المشرف العام على مستشفى عسير المركزي محمد حسن أيوب ". فنقول له: شكراً لك ولنائبك ولأعضاء الجهاز الإداري.

أسئلة واقتراحات

أسئلة واقتراحات أيها الفضلاء، هذا اللقاء -كما قلت- بعنوان: بريد المستمعين. فقد وصلت أسئلة واقتراحات ورسائل، منها الخاصة والعامة، ومنها ما تتحدث عن موضوعات ذاتية شخصية، وموضوعات اجتماعية، وموضوعات عالمية. فهذه نظرة عامة على الأسئلة التي وصلتني عن طريق الإخوة القائمين على المسجد، وهي: ألف وأربعمائة سؤال، منها: سبعمائة وثمانية عشر سؤالاً في المسائل التربوية، وتسعة وعشرون سؤالاً في المسائل العقدية، وثلاثة وخمسون سؤالاً عبارة عن اقتراحات، ومائتان وعشرون سؤالاً في الفقه الإسلامي، وثلاثة وخمسون كتباً شخصية إليَّ، فأربعة وعشرون منها: متفرقة، وعشرون رسالة خاصة فيها إحراجات ومسائل ملتهبة. وكانت الأسئلة تدور حول قضايا سبق الحديث عنها في محاضرات سابقة، مثل: (اللقاء مع الشباب) ومثل: (أين أنتم أيها الشباب؟) ومنها: (قسوة القلب) و (موضوع قيام الليل) و (القرآن) و (التوبة من الذنوب ثم العودة إليها) و (الانتكاس) و (التذبذب) و (مشاكل الزواج) و (مشاكل النساء من الحجاب) و (عدم طاعة الزوج) و (العنوسة) و (مسائل في الدعوة) سبق الحديث عنها في شريط: فن الدعوة، و (المسائل الفقهية التي تدور حول الأسهم والشركات والبنوك). وسوف يكون الحديث مستفيضاً هذه الليلة عن ذلك، فستكون هناك مسائل في الصلاة، ومسائل في الرضاع، وسوف نعرضها في المستقبل إن شاء الله. أما الاقتراحات فتدور حول بعض المحاضرات التي يأمل كاتبوها أن تكون رسالة من القلب إلى القلب، وتكون رسالة للمدرسين، ورسالة إلى الطالب الجامعي، وبعض الدروس خارج المنطقة، كرسالة من أحد وأحد رفيدة ومحايل وقنا والدرب وبعض الضواحي. أما في العقيدة: فهي حول الإيمان والكفر والسحر والشرك والشعوذة المنتشرة في البوادي، وبعض القرى، وهناك كتب وشخصيات سألوا عن بدائع الزهور، وسألوا عن كتب للشعراوي ولغيره. هذا أيها الإخوة استعراض عام عن الأسئلة.

بيان العلماء حول الخلاف في أفغانستان

بيان العلماء حول الخلاف في أفغانستان وعندنا قضية من هذه القضايا، وهي: بيان العلماء، الذي صدر حول مشكلة كوكنر وقتل الشيخ جميل الرحمن، وقد صدر عن علماء البلاد، ممثلاً في سماحة عالم المسلمين الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وغيره من العلماء والدعاة البالغ عددهم: عشرين داعية. يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أمَّا بَعْد:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فغير خاف على أحد ما جرى في أفغانستان من الخلاف، وما ترتب على ذلك من تفاقم الأمر في صفوف الأمة من الدعاة، والخطباء، وطلبة العلم، وعموم الشباب، وسائر الناس، من جراء الخوض في هذه المسائل دون تثبت ولا علم ولا بصيرة، ومن نصرة طرف على طرف، وهجومٍ على طرف أو دفاعٍ عن طرف من أطراف النزاع. إننا نناشد جميع المسلمين، وخاصة الشباب الغيورين على قضايا الأمة بالكف عن الخوض في هذه المسألة بأي صورة تأييداً أو تنديداً؛ لِمَا ينجم عن ذلك من تفرق كلمة أهل الخير في كل مكان، وتشتت آرائهم واختلاف قلوبهم، وربما أدى ذلك إلى التشاحن والتطاحن والتباغض، وأوصل بعضهم إلى الولاء والبراء، والحب والبغض، والاشتغال بتصنيف الناس، على حسب مواقفهم من هذه القضية. وإن أخشى ما يخشاه العقلاء، أن تكون ثمة أصابع خفية، تهدف إلى زعزعة الأمة لصالح أعداء الإسلام من الشرق والغرب، فأفضل وسيلة لتفويت الفرصة على العدو هي ترك الخوض في هذه المسألة نهائياً والإعراض عنها بالكلية، والاشتغال بما هو أجدى وأهم من ذلك، وهو طلب العلم النافع، والدعوة إلى الله، والإقبال على العبادة، وتهذيب السلوك، وتصفية القلوب من لوثات الحقد والحسد والبغضاء، التي يبذرها الشيطان في نفوس الناس. علماً أن ثمة جهود طيبة من جهات عديدة تتدخل بهدف الإصلاح بين الأطراف المتنازعة، وقد قطعت بهذا المجال شوطاً كبيراً، ولعل ترك الخوض في هذه المسألة مما يساعد هذه اللجان على أداء مهمتها، وستعلن النتيجة قريباً بإذن الله. كما أن على الجميع نشر العقيدة الصحيحة في صفوف المسلمين في سائر الأقطار، بالأسلوب الحكيم المناسب البعيد عن التنفير، وبكافة الوسائل المتاحة، كالدعوة، والتعليم، وطباعة الكتب، ونشر الأشرطة المفيدة، وغير ذلك. وإننا إذ نعتبر هذه مسئولية الجميع فإنها منوطة بصفة خاصة بمن أعطاهم الله تعالى مزيداً من العلم والبصيرة في الدعوة، أو في الجاه والمال، فنأمل من إخواننا المسلمين مراعاة ذلك والسعي في تنفيذه بقدر الإمكان. كما نناشد إخواننا المجاهدين الأفغان، وقادتهم خاصة، السعيَ لتوحيد كلمة المجاهدين ولَمِّ صفوفهم تحت راية عقيدة أهل السنة والجماعة، والحرص على حقن دماء المسلمين ووحدة الصف امتثالاً لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103] وقوله تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] وقوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]. ونسأل الله للجميع التوفيق لصلاح القول والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد، رسوله ونبيه، وعلى آله وصحبه أجمعين". التوقيع: عبد العزيز بن عبد الله بن باز. حمود بن عبد الله التويجري. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين. عبد الرحمن بن ناصر البراك. وغيرهم من العلماء والدعاة، بما يبلغ اثنين وعشرين عالماً وداعية.

حكم شراء الأسهم والتعامل مع البنوك

حكم شراء الأسهم والتعامل مع البنوك وهنا قضية تدور كثيراً وقد أتت أسئلة عنها بالعشرات، وهي: قضية شراء الأسهم من صافولا، أو الاكتتاب في صافولا، وأخذ أسهم منها، والتعامل بين بنك القاهرة والدوائر الحكومية بالقروض الربوية. و A أولاً: لا بأس بالتعامل مع شركة صافولا بشرطين:- الشرط الأول: أن نتأكد أنها لا تتعامل بالربا، أي أنها لا تبقي الأسهم في البنوك الربوية كبنك الرياض، والبنك الأهلي وبنك القاهرة، والفرنسي والبريطاني، فإذا علمنا أنها تستثمر أموالها والأسهم التي دفعت إليها في الزيوت أو في غيرها من المشاريع؛ فلا بأس بالمساهمة. الشرط الثاني: أن يكون دفع الأسهم عن طريق غير طريق بنك الرياض أو البنك الأهلي؛ لأنها ربوية بحتة، لا يجوز التعامل معهما، لكن يجوز عن طريق شركة الراجحي، فإنها أسلم وأقرب وأحسن. وهذان الشرطان يتقيد بهما. أما كل من أراد أن يساهم فعليه أن يسأل ويتحرَّى ويتحقق ولا بأس في ذلك، فهو خير له. أما القضية التي وردت في غضون السؤال وهي التعامل بين بنك القاهرة والدوائر الحكومية بالقروض الربوية فهذا محرم؛ لأن بعض الدوائر تقوم بأخذ قرض ربوي من بنك القاهرة، مثل: أن تقترض مائة ألف وتعيدها مائة وعشرين ألفاً، فإن هذا محرم لا يجوز، وهو ربا صرف. قال عليه الصلاة والسلام، كما في صحيح مسلم: {لعن الله آكل الربا وموكله، وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء} وعند الحاكم وابن ماجة وأحمد: {درهم من ربا أشد من ست وثلاثين زَنْية} وغيرها من الأحاديث التي نهى فيها صلى الله عليه وسلم عن الربا. وهذا من جنس ذلك ولا يجوز أخذ هذه القروض، ولا التعامل مع هذه البنوك، ويجب على المسلمين إنكار ذلك بكل ما تقتضيه كلمة الإنكار من حكمة ودعوة ونصح.

كلام الغزالي في من حرم العمل في البنوك

كلام الغزالي في من حرم العمل في البنوك وقد وردت فتوى للأستاذ محمد الغزالي المفكر، يقول فيها: على من يحرم العمل في البنوك أن يعيدوا دراستهم للإسلام، وقد ورد هذا في جريدة اللواء الإسلامي، العدد (507) في: يوم الخميس:2/ 4/1412هـ ومعنى هذه الكلمة: أن على هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية أن يعيدوا دراستهم للإسلام من جديد؛ لأن دراستهم مغلوطة؛ لأنهم أجمعوا جميعاً على تحريم التعامل مع البنوك الربوية، فهذا معنى كلام محمد الغزالي.

كلام الشيخ ابن باز في البنوك الربوية

كلام الشيخ ابن باز في البنوك الربوية واسمعوا إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وهو يتكلم عن هذه القضية، ويبين حكم الله فيها، وهو من تعرفون علماً وصدقاً ونصحاً، قال: "بسم الله الرحمن الرحيم، شراء أسهم البنوك وبيعها محرم وربا". وهذا القارئ ناصر عثمان الرشود من الخرج، بعث إلينا يقول: "ما حكم شراء أسهم البنوك وبيعها بعد مدة؛ بحيث يصبح الألف بثلاثة آلاف مثلاً؟ وهل يعتبر ذلك من الربا؟ وفي غضون كلام الشيخ رَدٌّ على الغزالي. و A لا يجوز بيع أسهم البنوك، ولا شراؤها؛ لكونها بيع نقود بنقود، بغير اشتراط التساوي والتقابض؛ ولأنها مؤسسات ربوية، أي: البنوك، فلا يجوز التعامل معها ببيع ولا شراء، لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه: {لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء} رواه: الإمام مسلم في صحيحه وليس لك إلا رأس مالِكَ، ووصيتي لك ولغيرك من المسلمين بالحذر من جميع المعاملات الربوية، والتحذير منها، والتوبة إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مما سلف من ذلك؛ لأن المعاملة الربوية محاربة لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أسباب غضب الله وعقابه، كما قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة:275 - 276]. وقال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278 - 279].

المساهمة في البنوك الربوية

المساهمة في البنوك الربوية أما المساهمة في البنوك الربوية، فهذه وردت في الدعوة، عدد (949) وهي فتوى ابن باز، وسئل الرئيس العام للإفتاء والدعوة والإرشاد هذا Q هل تجوز المساهمة مع البنوك العاملة في المملكة أمثال البنك السعودي الأمريكي، والبنك السعودي التجاري المتحد -والتي طرحت أسهمها الآن للاكتتاب العام- وغيرها من البنوك، أفيدونا، جزاكم الله عنا ألف خير؟ فيجيب ويقول: "لا تجوز المساهمة في البنوك الربوية، كما لا تجوز المعاملات الربوية مع البنوك وغيرها؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] "، ثم قال: "بسم الله، والحمد لله، ما ذُكر أعلاه من الجوَابَين في حكم المساهمة في البنوك المنقولين من مجلة الدعوة صحيح، وقد صدر مني ذلك بتوقيع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارة البحوث والإفتاء والدعوة والإرشاد، وقد وضع رسمه وختمه، سماحته أثابه الله".

مشكلة تحويل المؤسسات رواتب موظفيها عبر البنوك

مشكلة تحويل المؤسسات رواتب موظفيها عبر البنوك وهناك قضية أخرى تدور في مجتمعاتنا، وبالخصوص في مجتمع أبها وما حولها، وهي أن إدارة الأوقاف والكلية المتوسطة، وغيرها حوَّلت تسليم الرواتب لمنسوبيها بشيكات عن طريق البنوك الربوية، كالبنك الأهلي وغيره، وهذا ليس بجائز، وفيه دعم لهذه البنوك التي تحارب الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام. وأنا أعرف أن الرواتب تمر على البنك قبل أن تسلم، سواءً أذهب الإمام، أو المؤذن، أو خادم المسجد، أو الأستاذ في الكلية المتوسطة، أو غير أولئك إلى البنك، أم لم يذهب فإنها تمر؛ ولكن الطريقة التي استخدمت الآن أشد تحريماً وهي دعم للبنك وتضامن معه وإضفاء شرعية عليه، وهذه البنوك محاربة لله عز وجل. فنصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله عز وجل، وخاصة القائمين على الأوقاف والكلية المتوسطة، ونحوها من المؤسسات الحكومية والدوائر، فإن ذهاب الإمام والأستاذ ووقوفه أمام باب البنك, ووقوفه في طابور معناه: تضامن معنوي ومادي مع هذه البنوك التي هي مخالفة لما أنزل الله عز وجل، ولما أتى به رسوله عليه الصلاة والسلام.

إعلان الجمعية النسائية الخيرية

إعلان الجمعية النسائية الخيرية إعلانات الجمعية النسائية التي تسمى بالخيرية: وصلنا إعلان رسمي عن جمعية الجنوب النسائية الخيرية، بإشراف وزارة العمل والشئون الاجتماعية، فاسمعوا الإعلان بالعربي، ثم أتلوه عليكم بالإنجليزي، وأنا لا أحمل اللغة، ولكن طلبت من ثلاثة من الدكاترة تخصصهم الإنجليزي ترجمة الجمل حتى نكون على بينة من الإعلان. يقول: -إعلان: سيدتي! تدعوك جمعية الجنوب النسائية الخيرية بـ أبها للمشاركة مع الترفيه والتعارف، وذلك يوم الخميس الموافق 24/ 4/1412هـ من الساعة العاشرة صباحاً إلى الساعة الخامسة مساءً، بمقر منطقة الجرة بـ تمنية، وسيكون داخل الشبك، حيث يتضمن هذه اليوم العديد من الفقرات الترفيهية، وتقديم أطباق شهية للبيع، والدعوة خاصة بالسيدات والأطفال، تذاكر الدخول كالتالي:- عشرون ريالاً للصغار. ثلاثون ريالاً للكبار. وسيكون هناك تخفيض إذا زاد عدد الأطفال عن ثلاثة أطفال". ثم ذكر الاستفصال وقال: "مع تحيات لجنة العلاقات العامة". والآن ليس هناك شيء إلا ما سمعتم، والذي ظهر من هذا الإعلان هو ما سمعتم، ولكم أن تتأملوه لكن ظهر الإعلان باللغة الإنجليزية بنفس المكتب والعلاقات العامة، وأدخلت فيه جمل حذفت من العربية؛ لأن المنطقة لا زالت تتكلم العربية والحمد لله، أو لا يزال المثقفون فيها وطلبة العلم يجيدون بعض العربية. أعلنوا الإعلان الإنجليزي وسيروه، ولكن وجدنا في الإعلان الإنجليزي بعد ترجمة ثلاثة من الإخوة الدكاترة، كلمات زائدة، هنا يقول: عنوان: ( Terpack in Time) بالإنجليزي، معناه: رحلة عبر الماضي، وهذا إعلان الإعلان: ( Drum Music) بالإنجليزي، أي: موسيقى الطبل، يقول: تفضل معنا في الجمعية فعندنا موسيقى الطبل، اسمها: ( Drum Music). أنا أرجو أن تجيدوا اللغة؛ لكن خذها كما حوَّلوها أنتم، وهذه موجودة في الإعلان ( dance) بالإنجليزي، أي: عندنا رقص من الدَّنَس، وهذه كلمة ( And Sing) بالإنجليزي، أي: وغناء، وكأنهم يظنون أن الناس صم بكم، ( Sing) يعني: وعندنا غناء، هذا إعلانهم بالإنجليزي ,وإعلانهم بالعربي، ولكن والحمد لله في الملتزمين من يحسن قراءة الإنجليزي، فنحن اكتشفنا في المشايخ من يحسن قراءة الإنجليزي، وهذا من الفتوحات الربانية. وهذه الرائدة الريفية لابد من معرفتها، ومساءلة القائمين عليها، ماذا تريد هذه الرائدة؟ فإن كانت تريد خيراً قمنا ودعونا الناس للمساعدة والمعاونة، وإن كانت تريد غير ذلك وجب علينا النصح والإرشاد والتوجيه.

انتداب الموظف

انتداب الموظف Q قضية انتداب الموظف أربعة أيام، فيأخذ منها يومين فقط وهذه منتشرة في الدوائر الحكومية والجامعات والمؤسسات. وهذا لا يجوز؛ لأن فيه تزوير واختلاس. وقد أفتى كثير من أهل العلم بتحريمه فعلى من انتدب أن يأخذ بقدر انتادبه من الأيام، يوماً، أو يومين، أو ثلاثة، ولا يجوز له أن يأخذ أكثر من انتدابه، هذا هو الحكم الشرعي، وهو الذي تؤيده النصوص والقواعد العامة من الشريعة.

دور هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

دور هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهنا أسئلة كثيرة بالعشرات، منها: Q ما دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نحو تبرج النساء في الأسواق، وعباءات النساء الملونة والمطرزة؟ وباسمكم أرفع هذا السؤال لإدارة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحن ننتظر منها جواباً عن موقفها من هذا؛ لأنها المكلفة شرعياً ونظامياً بالوقوف أمام هذه الظواهر البشعة السيئة، التي تهدد المجتمع المسلم المحافظ بالانحراف والتبرج والاختلاط في بعض الأماكن، والتخلف كذلك عن الصلوات في بعض المحلات. ووُجدت أيضاً رسائل واقتراحات منكم -حفظكم الله- في مراسلة التسجيلات، بما فيها الكاسيت الغنائي، الفيديو المهدِّم المضلِّل، وبعض المحلات, وأنا باسمكم أرفعها إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتأخذ موقفها من هذا، وقد وضعناها بمسئوليها وأفرادها أمام الله تبارك وتعالى.

من محلات الفساد

من محلات الفساد أيضاً إعلان من مركز السيدة الأنيقة، بـ الخميس -السيدة الأنيقة هذه: جمعياتٌ ظهرت علينا ظهور التراب، كل يوم مصيبة- وهذا إعلانهم وزعوه في المحلات والمتاجر، ومجمعات الناس، يقول: "بشرى سارة ": قلت: بل بشرى ضارة. " يعلن مركز السيدة الأنيقة، بـ خميس مشيط، عن افتتاح الأسماء اللامعة البراقة -وراؤها ما وراؤها- عن افتتاح قسم تعليم تصفيف الشعر ": لا إله إلا الله! لا نستطيع أن نصنع الطباشير ونستطيع تصفيف الشعر؟! فالطباشير مستوردة من إيطاليا، والسبورة من النمسا، والأستاذ مستورد من فرنسا، والطالب من الإنتاج المحلي، وبدأنا نصفف الشعر في مصنع. ويقول الإعلان: " ونعلن عن افتتاح قسم تعليم تصفيف الشعر والقص والمكياج، كذلك تعليم الخياطة، وكذلك قسم رياضي يشمل تمارين سويدية وأدوات رياضية ": قلت: هذا للنساء، فما نقص نساءنا إلا تمارين سويدية، فالذي فات أمهاتنا وجداتنا التمارين السويدية، وسوف يلقين الله والواحدة منهن لا تعرف التمرين السويدي! قال: " وذلك على أيدي متخصصات ": عجباً! وعن طريق دورات تدريبية أيضاً، ومدة الدورة ثلاثة أشهر، سبحان الله! أي أنها مدة نسبية، قابلة للتجديد إذا رأوا أن الفتاة تقبل التجديد جددوا لها، وإذا رأوا أنها معقدة انتهت دورتها. " فعلى الراغبة الحضور إلى المركز ": مركز السيدة الأنيقة. " الشارع العام، بجوار الفران تيري سابقاً ": ما أدري من هو الذي سيكون لا حقاً! أشكر من أتى بهذا الإعلان ووتحمس وأتى به غاضباً، وقد احمرَّت وجنتاه من الغضب لله ولرسوله، وسوف ينفعه غضبُه، وتَمَعُّرُ وجهِه: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].

مشاركات شعرية

مشاركات شعرية وهنا قصيدتان مرسلتان أقرأهما تشجيعاً لصاحبيهما، وأنا قد وصلتني مجموعة قصائد أشكركم عليها، وأنتم أمة ومنطقة شاعرة، وعقولكم شاعرة. أما قضية أني كل درس أفحمكم وأضخم عليكم القصائد، فسوف أعدكم أنها تكون على توالي الدروس، وأقدم نتاج أبناء البلاد الموقرة، وإنتاجهم البديع، يقول أحدهم: ارفع جبينك للسماء مجاهداً قد طبت مولوداً وطبت الولدا ونشأت في حلل الكرامة والوفا طهراً ثيابك لست غِراً مفسدا تتلو القران صبيحة وعشية وتردد الكتب الصحيحة مسندا ردد حديثك إن سمعي مرهف عقلي وروحي والفؤاد مرددا قل للحسود تخطفته يد الردى الحقد يزرع في القلوب ليحصدا إن الذي دبرته يا حاسداً نار الجحيم بأم رأس الحاقدا شكراً له وأثابه الله، وقد طلب ألا يُذكر اسمُه، وهذا كما قال عمر عن الشهداء، عندما قال له الأحنف: [[قتل أناس يا أمير المؤمنين! فقد قتل فلان وفلان وفلان، وأناس لا تعرفهم، فدمعت عينا عمر وقال: لكن الله يعرفهم]] فالله يعرفك، والله يشكر لك أبياتك إن شاء الله، كما قال صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم لـ حسان بن ثابت: {إن الله يشكر لك بيتك يا حسان} قال: ما هو يا رسول الله؟ ثم قال له: زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغالب الغلاب سخينة هي: قريش؛ لأنها كانت تحب السخينة فهجاها حسان وقال: وقد شكر الله حسان من فوق سبع سماوات. ويقول الشاعر الآخر مأجوراً: إلى الله نشكو حالنا وافتقارنا وليس إلى قوم عن الحق عزل يقولون هيا نحتكم عند روسيا أو الأم أمريكا ففي القدس تعدل فكيف عدو القدس يرجو نجاته وكيف عدو المسلمين يبجل فيا أمتي هيا إلى العز والتقى وقومي إلى نيل المعالي وجلجلوا ويا فتية الإسلام قوموا إلى العلا سراب من الآمال والحق أطول صلاح أقم من نام منا فإننا غفونا ولم نصح لخطب يجلجل وأنا أذكر القصائد هذه لما فيها من ملاحة وما فيها من صراحة، ولو أنه يلاحظ عليها بعض الملاحظات لكن في أول الأمر: سامحن بالقليل من غير عذل ربما أقنع القليل وأرضى

دكتور يتهجم على العلماء والدعاة

دكتور يتهجم على العلماء والدعاة وهنا دكتور سعودي مشهور بكلية التربية، وهو كثير التهجم على العلماء والدعاة والملتزمين، فانصحوه وادعوا له، أسأل الله أن يهدي قلبه، وأنا لن أذكر اسمه هذه الليلة، لكني أحذره غضب الله وأليم عقابه. وقد أخبرني عشرات الشباب من كلية التربية أن هذا الدكتور في كلية التربية تطاول، وطوَّل لسانه، واغتر بحلم الله عز وجل، واغتر بعدم وصول صاعقة من الله تبيده، فطوَّل لسانه في أثناء المحاضرات، وفي أثناء اللقاءات الشبابية والأندية؛ على العلماء والملتزمين، وعلى طلبة العلم، يصفهم بالتطرف، ويقلد حركاتهم، ويقلد كلامهم؛ ليضحك الناس عليهم. يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الحديث القدسي: {من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب} ألا إنَّا نحذره عذاب الله، ومع ذلك لا أشهر باسمه، ومع ذلك أيضاً: أخاطب فيه بقية الإيمان أو الإسلام، إن كان في قلبه إسلام، أخاطبه أن يتوب إلى الله، وأن يحذر عذاب الله، فإن وقائع الله فيمن عادى العلماء، والدعاة معلومة، وإن أخذه سُبحَانَهُ وَتَعَالى ومآخذه في وجوههم مرسومة، وإن نكاياته سبحانه في جباههم مرقومة. فإني أدعوه هذه الليلة أمام هذا الجمع الحافل عسى أن تبلغه رسالتي، وأن يتوب ويستغفر ويندم على ما فعل، وأن يعلم أنه سوف يلقى ربه فيحاسبه، فإنه قد ارتكب جرماً عظيماً يوم وجه سهام نقده ولسانه على أشرف فئة في الناس وهم العلماء، وطلبة العلم، والدعاة، والملتزمون، والأخيار.

بعض المسائل في الوقف

بعض المسائل في الوقف Q وصلت رسائل كثيرة من القرى المجاورة لـ أبها وغيرها تسأل عن بيع المزارع الموقوفة، أي: مزارع أُوْقِفَت في الأصل، أوقفها أهلُها وقفاً في سبيل الله، فحَبَسوا أصلها وجعلوها لمسجد أو لغيره من مشاريع الخير، لكنها اندثرت أو تعطلت منافعها، فهل لهم أن يبيعوها، ويصرفوا ثمنها في مشروع وقف آخر أو يبنوا بها مسجداً؟ وكذلك وصلني من أحد الإخوة الفضلاء من مدرسة تحفيظ القرآن الكريم سؤال مطوَّل، يقول فيه: إن عندهم مزرعة أُوْقِفَت هناك، واندثر وقفُها، وأصبحت لا يُستخدَم رِيْعُها في منافع الخير، أي: ليس بها نتاج، وبجانب المسجد أرض معروضة للبيع، فهل يجوز لهم مناقلة الأرض التي بجانب المسجد بأرض الوقف، للاستفادة منها في المسجد؟ A هذا جائز -والحمد لله- فإذا تعطل نفع الوقف، جاز بيعه ونقله في نفع آخر ينفع المسلمين، كأرض أوقفتها، أو مزرعة أوقفها أبوك فتعطلت منافعها، يجوز بيع هذه المزرعة وبناء مسجد بها، بشرط أن يكون ما يباع فيه وقف ينفع المسلمين أو استخدامها ينفع في مسجد، كفرش في المسجد أو جهاز، أو كهرباء، أو غير ذلك مما ينفع في الوقف؛ لأن المقصود من الوقف نفع المسلمين. وقد أفتى كثير من أهل العلم بذلك وهو الموافق للشريعة؛ لأن الشريعة مبنية على تحصيل المقاصد، ومن تحصيل المقاصد أن يستمر خير الوقف لمن أوفقه، وإذا تعطل ريع الوقف ومنفعته أصبح المقصد لا غياً، وليس هذا من مقاصد الشريعة، ولا من المصالح العامة. فعلى ذلك ننبه على هذه الفتوى والله أعلم. وشرط آخر وهو: أن يكون البيع عن طريق الحاكم الشرعي، أو هناك بديل آخر إن لم يتوفر الحاكم الشرعي، كالقاضي، أو كاتب عدل الحي، أو يقوم جماعة من الأمناء العدول الذين يخافون الله فيشرفون على المزرعة، ويكونون اثنين أو ثلاثة أو أربعة ويثمنونها بثمن؛ لأن صاحبها قد يثمنها ببخس أو يُغلِّها مثلاً، لكن تُثَمَّن ممن يُرْضى دينُه وأمانتُه، ويقوم على هذا.

حكم الشراء من شركات الراجحي

حكم الشراء من شركات الراجحي قضية كبرى كثر السؤال عنها عبر الأسئلة والرسائل والهاتف، وهي بيع شركة الراجحي للسيارات والأثاث والبيوت. وهذه المسألة الشيء المحرج فيها أن كثيراً من الناس توهموا أن شركة الراجحي تبيع ما ليس عندها؛ فتأتي أنت إليهم والسيارة في وهمنا أنها ليست عندهم وفي ملكهم، والأثاث والبيت كذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام في سنن أبي داود ومسند أحمد لـ حكيم بن حزام: {يا حكيم بن حزام! لا تبع ما ليس عندك} فبيع ما لا يملكه العبد ليس بجائز. ولكن قبل أسبوعين في مساء الثلاثاء قبل الماضي، وصلت أنا ومجموعة من الدعاة منهم الشيخ سلمان بن فهد العودة والدكتور ناصر العمر والشيخ عبد الوهاب الطريري، إلى الشيخ سليمان الراجحي في بيته وسألناه، فأخْبَرَنا أنه يملك هذه الآن، وأن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز بيَّن له ذلك، وأنه أصبح يملك الآن البيوت بعقود عنده، ويملك الأثاث والسيارات، وأنه لا يبيعها حتى يملكها. فإذا كان كما قال الشيخ سليمان الراجحي فلا بأس بالشراء منه سواء من الأثاث أو السيارات أو البيوت؛ لأنه أصبح يملكها بعقود وأصبحت عنده.

حكم الصلاة في جامع بني من أموال ربوية

حكم الصلاة في جامع بُني من أموال ربوية خبر جامع الموصلية والبنك الأهلي. ابن محفوظ بنى جامع الموصلية والحقيقة التي تأكدنا منها: أن البنك الأهلي هو الذي تولى بناءه، وابن محفوظ وراءه، فإن كان الحال هذا هو العمل ليس بصحيح في الإسلام، والمال الخبيث لا تبنى به بيوت الله عز وجل، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267]. وقال عليه الصلاة والسلام، كما في صحيح مسلم: {إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً} وقال عليه الصلاة والسلام: {إذا تصدق العبد المؤمن أو المسلم بصدقة، من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا طيباً}. الحديث. فإذا عُلِم هذا فإن المال الربوي لا يجوز به بناء المساجد، ولا شراء المصاحف، فإنه مال خبيث، والله عز وجل لا يُطاع بالمال المحرم، فمثل هذا ينهى عنه. وأورد بعض الناس احتمالات وقالوا: ماذا نفعل؟! هل يهدم المسجد؟ وإذا تقدم لنا خيرٌ بمال ربوي فكيف نرده؟ نعم يُرَد ولا يُقْبَل؛ لأنه مال الربا، لا يطاع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى به، وهو محاربة له سُبحَانَهُ وَتَعَالى. فإن تأكدت أن هذا المسجد -لأن أكثر الأسئلة حوله- إنما أتى مالُه عن طريق البنك الأهلي وابن محفوظ وهو مُرابٍ بالبنك الأهلي، فإن عُلِم هذا فهو عمل شنيع، ولا يجوز بناء المساجد من المال الربوي، وقد أفتي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عند الضرورة إذا احتدم الحال، وأصبح هناك ضائقة، أن تصرف هذه الأموال في دورات المياه. فالمال الخبيث في الخبيث -الحمامات- أما أن يبنى بها مسجد يُعبد الله فيه، ويُسجد له ويُشكر ويُكبَّر، ويُهلل فلا. وقد قلتُ هذه المسألة لإمام المسجد، فعليهم أن يراجعوا حسابهم في ذلك، والإمام أحمد سئل عن مسجد بناه أبو مسلم الخراساني الجبار السفاك الظالم، فنهى عن الصلاة فيه، وقال: بناه من أموال المساكين، بناه من أموال المساكين. فعلى كل حال تحرر قضية هذا المسجد، وأرى أن الكتبة الذين كتبوا لي الرسائل، والاقتراحات أن يرفعوا رسائلهم إلى هيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للإفتاء، ليخبروهم حتى يكونوا على بصيرة، عن هذا المسجد وعن نحوه من المساجد.

قضية توليد الرجال للنساء

قضية توليد الرجال للنساء هنا قضية كثر السؤال عنها والاقتراحات، وهي قضية مستشفيات الولادة، كمستشفى أبها العام وغيره لتوليد النساء عن طريق الأطباء الرجال، وهذه المستشفيات منتشرة، وقد كثر السؤال عنها، وهذه مسائل محرجة جداً، قد عانى منها المسلمون عناءً عظيماً، وهو أن يذهب الرجل بامرأته وقت الولادة وهي في حالة من الضعف، فينفرد بها رجل أجنبي ليولدها. ولكن -سبحان الله! - اسمع العجائب: في الجو مضيفات، ويقال: إن من فائدة المضيفات في الطائرات أن المرأة إذا قربت من الولادة ولَّدَتها المضيفة. قلنا: سبحان الله! تولدون المرأة في الجو بالمرأة، وفي الأرض تولدون المرأة بالرجل؟! فما دام أنه يجوز أن تولد المرأة في الجو في السماء بالمرأة، فولدوها في الأرض بالمرأة! وهذا عجيب! في الجو الرجل مضيفته امرأة، وفي الأرض المرأة مُوَلِّدُها رجل! وكم هي حالات الولادة في الطائرات؟! فالأصل أن نظام الخطوط لا يسمح للمرأة الحامل في الشهر السادس أو السابع أن تركب وهي حامل. وأيضاً كم تستغرق الرحلة الداخلية من أبها إلى الرياض مثلاً؟! ساعة ونصف، أو ساعتين. وكم سمعتم مرة أن نساء ولدن في الطائرات؟! وكم هي الإحصائيات في هذا؟! فنصيحتي للقائمين على هذا المستشفى أن يتقوا الله، وألا يتركوا نساء المسلمين في خلوة غير شرعية محرمة، ومع رجال يولدونها، بل عليهم أن يختاروا مولدات من النساء، وعليهم أن يأخذوا بحكم الله لا بحكم الجاهلية: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. وكذلك حال الممرضات؛ فوجود الممرضة في خلوة غير شرعية مع الرجل كما في قسم الأسنان، والباطنية، والحنجرة، والرأس، والركبة، والقدم -أمامك في كل مكان بنو سعد- والعجيب أن الممرضات كأنهن مختارات منتقَيات وكأنهن في عروض الأزياء والتجميل، وهذا أمر مزعج وهو في الشريعة محرم، فنرجو الانتباه لذلك.

تحويل مسجد مدرسة إلى صفوف دراسية

تحويل مسجد مدرسة إلى صفوف دراسية المدرسة التاسعة عشرة الابتدائية للبنات في أبها، حوَّلت مسجد المدرسة إلى صفوف دراسية، ولا يوجد الآن مسجد في المدرسة، وحصل هذا عن طريق المدرسات والقائمات على المدرسة، وهذا ثبت بالبرهان والشواهد، فأنا لا ألقِي هذا جزافاً، فإن المنطقة معروفة، وهذه الأوراق أمامي، والرسائل موجودة. فأنا أرسل أولاً باسمكم شكراً للشيخ الفاضل المبارك النبيل قاسم الشماخي وأنا أعرف فيه الالتزام، والغيرة، فعليه أن يتقي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في مثل هذا، وأن يعودنا ما تعودناه منه، من خير وغيرة وتوجيه، وأن يقوم على هذه المسألة، ويرد المسجد للطالبات حتى يتمكنَّ من أداء الصلاة فيه، أثابه الله وحفظه، وهذه دعوة مباركة له. وهذه المدرسة -أيضاً- تسمح بدخول بعض عمال الشركات إلى المدرسة وقت الدوام الرسمي، بحجة فرش المدرسة، أو أعمال السباكة والكهرباء ونحوها، وأنا كذلك أدعو فضيلته أن يراعي هذا، ولعل بعض القائمين أو الموظفين من إدارة تعليم البنات معنا، يرفعون هذا لفضيلته، وعلى هؤلاء الأجانب أن يدخلوا في غير وقت الدوام، وهو الأسلم والأحسن والأبرك.

حكم الصور المعلقة في المكاتب

حكم الصور المعلقة في المكاتب وقد كثرت الأسئلة من كثير من الموظفين والأساتذة والطلاب، عن حكم الصور المعلقة في المكاتب والمجالس لغرض التعظيم، وقد أفتى أهل العلم في ذلك بالتحريم؛ لأنها صور علقت لقصد التعظيم لا لحاجة شرعية، وإنما فقط لتعظيم هؤلاء الأشخاص، فلا يجوز تعليقها لا في المكاتب ولا في الفصول ولا في المجالس. وعلى العبد إذا أتته من الله حجة أو برهان أن يتقي ربه، وأن يتحاكم إلى شرع الله عز وجل، وأن يخاف من ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالى والواجب إنزال هذه الصور، حتى تدخل الملائكة هذه المكاتب والفصول والمجالس. قال عليه الصلاة والسلام: {لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة، وفي بعض الألفاظ: كلب أو صورة}. وللعلم -أيها الأخوة-: أول ما وقع الشرك في أمة نوح بسبب أنهم صوَّروا صُوَراً لعظمائهم أو لأنبيائهم أو لصالحيهم؛ حتى يتذكروهم، فلما طال الزمن عظموهم كثيراً حتى عبدوهم، فخرجوا من الملة والدين والعياذ بالله.

مشكلة الاستهانة بالأوراق المكتوب عليها اسم الله -عز وجل-

مشكلة الاستهانة بالأوراق المكتوب عليها اسم الله -عزَّ وجلَّ- أيضاً وردت أسئلة من بعض المدارس وإدارة التعليم تقول: يكتب بعض الطلاب بعض الكلمات المشتملة على ذكر الله عز وجل في الأوراق من أجل الامتحانات، ثم تلقى بعد الامتحانات في مكان لا يليق بها مثل: الحدائق، والأرصفة، فأرجو التنبه لذلك. وأنا أنبه وأخاطب مدير التعليم، وأسأل الله عز وجل أن يجعله ينتبه لهذه المسألة! وأدعو القائمين على التعليم أن يخافوا الله عز وجل وأن يضعوا حلاً لهذا. إما أن يأخذوا الكتب بعد انتهاء الدراسة من الطالب مباشرة، ويجبروا الطالب على ذلك، كأن يحددوا درجات لمن يأتي بهذا، أو يحجبوا الدرجات حتى تأتي الكتب، أو نحو ذلك من الوسائل، فهذا أمر. أو يجمعوها جميعاً فيحرقوها، أو يرسلوها إلى البلاد الفقيرة التي ترسل رسائل، فقد وصلت رسائل من الجزائر والسودان وبعض البلاد الإسلامية، يطلبون كتباً ومقررات؛ لأنهم يعيشون في وضع مأساوي. فلو أنه أُخِذ الطيب منها وأُرْسل، وما تمزق أُحْرِق بالنار، لكان هذا رأياً سليماً يؤجرون عليه إن شاء الله.

إشادة جريدة عكاظ بطه حسين

إشادة جريدة عكاظ بطه حسين جريدة عكاظ دائماً تباشرنا بلطخات ولطمات على وجوه المسلمين، فهذه الجريدة في لطماتها ولطخاتها دائماً توجعنا تزعجنا، هدى الله القائمين عليها. واجهتنا هذه الجريدة بمقالة في عددها (9238) يوم الخميس 1/ 5/1412هـ، وهي تتكلم عن مقولة مطولة عن طه حسين، تقول في العناوين: " عبقرية متجددة، طه حسين جعل العلم كالماء والهواء، هو رجل التنوير الفكر المستنير، وهو مؤسس الثقافة العربية المعاصرة، وشمس منيرة، هذا طه حسين ". وأنا ليس بيني وبين طه حسين قتال جاهلي، فهو لم يأخذ من ميراثي، وما أخذتُ له مزرعة؛ لكن بيننا وبينه وثيقة لم يحسن التعامل معها، وهي وثيقة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. فقد طعن طه حسين في القرآن، وقال: "إن ذكر إبراهيم عليه السلام، وإسماعيل عليه السلام في القرآن لا يعطينا قناعة أن هناك إبراهيم وإسماعيل". وقال عن بدر: " إنها معركة افتعلت لحزازات بين الأوس والخزرج وبين قريش، أثارها التعصب الديني". وقد تناوله بالرد العلمي الموثق بالبرهان والحجة: محمود شاكر رفع الله منزلته، فقد رد عليه في كتاب أباطيل وأسمار وفي كثير من كتبه. وكتب عنه أنور الجندي مقالات. فأخْبَرونا من هو طه حسين، وأنزلوه منزلته، وذكروا أنه ليس عميد الأدب العربي ولكنه عميل الأدب العربي -باللام ليس بالدال- وتناوله محمد قطب في آخر محاضرة له بعنوان: كيف نكتب التاريخ الإسلامي؟ التي ألقيت في أبها في مسجد الملك فهد قبل أسبوعين، ورد عليه محمد بن محمد حسين فأجاد كل الإجادة. إذاً: يا عكاظ! خافي الله، أتضحكين على العقول والأذهان؟! أتقولين أن طه حسين جعل العلم كالماء والهواء؟! وتجعلينه التنوير والفكر، وشمس مشرقة منيرة؟! إن هذا -والله- ينبئ أن هناك عدم مسئولية أو عدم وعي أو معرفة بنوعية الأشخاص أو الأطروحات أو الأفكار التي تُبَث، ونحن نحذرها، ونحرج عليها؛ لأنها قد عودتنا في صولاتها أنها تحتفي بالحداثيين كثيراً.

مشكلة استهزاء جريدة عكاظ بالعلماء

مشكلة استهزاء جريدة عكاظ بالعلماء ففي عدد سابق لها أتت بمسألة لا أدري هل هي متعمدة تريد أن تستهزئ بالعلماء وأهل الدعوة والإفتاء، أم ماذا؟ ففي الصفحة اليمنى في الفكر الإسلامي، تسأل عالماً من كبار العلماء في البلاد عن سحَّاب المرأة، هل يجوز أن يكون من صدرها أو من ظهرها؟ انظر سبحان الله! فـ عكاظ دقيقة في هذه الأسئلة تريد النفع للعالم الإسلامي، وتوقفنا! وبقيت معنا قضية السَّحَّاب فقط، فتقول: "يا فضيلة الشيخ! هل يجوز أن يكون سحَّاب المرأة من صدرها أو من قفاها؟ " والشيخ على نيته، وهذا الواجب عليه ألا يكتم وأن يتحدث، قال: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله رب العالمين. وبعد: يجوز للمرأة أن تجعل سحابها من على ظهرها أومن على صدرها، وكلا الأمرين جائزان، وما ظهر لي في ذلك شيء إلا إذا كان في ذلك تشبه. وفي صفحة أخرى لطخ عميق في الإسلام، فهناك كاتب حداثي، يكتب عن التراث القديم، تراث الأجداد والجدات والخالات والعمات، أي: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وصلاح الدين وابن تيمية وابن القيم، والله الذي لا إله إلا هو! لولا أن الله رفع هؤلاء القمم الشوامخ النماذج لكانت أنوفنا في التراب. يا أمة المجد قومي مزقي الحجبا وأشعلي في ليالي دهرك الشهبا أتذكرين صلاح الدين سفسطة من غير بذل صلاح الدين قد ذهبا قبر العظيم إذا ما زاره ذنب رغا وأزبد لا حييت يا ذنبا لو أخبروا عمر الفاروق نسبتهم وأسمعوه الرزايا أنكر النسبا أبواب أجدادنا منحوتة ذهباًَ وتي هياكلنا قد أصبحت خشبا من زمزم قد سقينا الناس قاطبةً وجيلنا اليوم من أعدائنا شربا فقصدهم أننا نحتاج العلماء في السواك والحيض والسَّحَّاب على الصدر أو من الخلف، أما في الاقتصاد والإعلام وتسيير شئون الأمة، وتوجيه الجيل، ورد كرامة هذه الأمة المسلوبة المنهوبة، وإعادة هذا المد المقدس، مد محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا ليس من تخصص العلماء، وهذا ضحك على الذقون، ولا يمشي إلا على أمثالهم.

قضية تنقيع المساويك

قضية تنقيع المساويك وهنا قضية خطيرة -يا أيها الأخوة- فانتبهوا لها، فقد أثارت استغراب كثير من الإخوة، وقد أوقفتني، وهي: أن كثيراً من الإخوة، وباعة المساويك يغشون المسلمين، وينقعون المساويك، فانتبهوا لهذا {لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين}. يقول: اكتشفنا أن بعض باعة المساويك يأتي بها وهي قديمة فينقعها، فيوهم العالم الإسلامي أنها جديدة، وهي منقعة: {من غشنا فليس منا}. وأقول: أولاً: هذه تحية لأهل المساويك، فأنا أشكرهم وأسأل الله أن يعلمهم الأدب، فكم أزعجونا في أثناء خطبة الجمعة: من يشتري الزين، من يشتري الزين؟ وهذا يقع منهم بعد النداء الثاني. ثانياً: أطلب منهم أن يتأخروا عن أبواب المساجد، فلا يزاحموا المسلمين. ثالثاً: أطلب منهم ألا ينقعوا المساويك، وأن يأتوا بها جديدةً غضةً طرية، وأن يبيعوها في وقتها، وإن نقعوها فعليهم أن يخبروا بأنهم نقعوها حتى لا يوصلوا العالم الإسلامي في داهية دهياء.

حكم التأجير لمن لا يصلي

حكم التأجير لمن لا يصلي تأجير البيوت لمن لا يصلي صلاة الجماعة من قِبَل القائمين على مكاتب العقارات، ممن همهم المال وليس مراقبة الله عز وجل، فهو يأتي بأناس لا يصلون، أو لا يحافظون على صلاة الجماعة، فيؤجر لهم بيته، فهم لا يؤجرون البيت على الرجل فقط، بل هم يؤجرون البيت على الرجل وأهله، فيبقى الرجل في البيت ما يقارب السنة، لا يصلي في المسجد، ويشتكي أهل الحارة منه. وإذا قيل لصاحب المكتب: اتق الله، قال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] هذا مالي وهذا بيتي. فهذا من نقص الأمانة وسوف يسأله الله عن ذلك: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}. أرى أن يكون في المكاتب العقارية شرط الصلاة في المسجد، يعني: للرجال؛ إلا من عذر شرعي، وعلى المكتب أن يُنبِّه على ذلك، فإن نقض المستأجر الشرط فعليه أن يخرج من البيت؛ لأنه نَقَضَ الشرط، وعند الترمذي وغيره من حديث عمرو بن عوف المازني أنه صلى الله عليه وسلم قال: {المؤمنون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً}. هذا هو المطلوب، فاتقوا الله في ذلك. كذلك قضية تأجير المحلات التجارية على أهل التسجيلات الغنائية محرم، وقد أفتى بذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وفضيلة الشيخ محمد العثيمين في كثير من المناسبات، ويحرم التأجير أيضاً على من يبيع الدخان، وأصحاب أفلام الفيديو المهدمة المهدِّدة لأمن وسلامة المجتمع الإسلامي، ومن فعل معهم ذلك، فقد تعاون معهم على الإثم والعدوان.

حكم العادة السرية

حكم العادة السرية ورد ثلاثون سؤالاً عن العادة السرية، وحكمها، والتوبة منها ثم العودة. وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى بأنها محرمة، والواجب اجتنابها، وقد استدل الشافعي على تحريمها بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:7] فعلى العبد أن يتقي الله عز وجل وأن يبحث عن البديل في الزواج، أو الصيام، أو الاشتغال بالحق، فالعادة السرية محرمة ومسببة لأمراض عدة. وقد أفتى العلماء الآن بتحريمها، وهو الصحيح المعتبر.

حكم التعامل مع الشركة الخليجية للاستثمار

حكم التعامل مع الشركة الخليجية للاستثمار الشركة الخليجية للاستثمار أو دار المال، وردت أسئلة عنها، وهي: أن الشركة الخليجية للاستثمار قد حوَّلت كثيراً من أموالها، وهي تتعامل مع البنوك الربوية، وقد سمعنا أنها لا تتعامل مع البنوك الربوية، أو أنها لا ترصِّد أموالها هناك، وقبل فترة أخبرني بعض الإخوة بذلك، لكن أخبرنا بعض الإخوة ممن تعامل معهم أنهم حولوا له رصيده من بنك ربوي، وأنهم يتعاملون مع البنوك الربوية. فأنا أطلب من القائم على هذه الشركة -وأنا أعرفه وهو رجل فاضل خيِّر- فعليه أن يتقي الله عز وجل، وأن يأتي بالبديل، والعجيب أن محمداً عليه الصلاة والسلام الذي أتى بكل ما يتطلبه الإنسان من حاجات؛ حتى أنه ما ترك طائراً يطير بجناحيه إلا أعطانا منه خبراً! ثم يموت صلى الله عليه وسلم ولا يبين لنا حلاً للمال، حتى يقول بعضهم: لا بد من الربا شئتم أم أبيتم، لا نستطيع أن نعيش إلا بالربا؟! وهذا كذب: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5]. فالرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا مصارف الأموال، وهي شريعة جعلها الله للإنسان، أما فيها قسم للمال؟! أما فيها تدبير لدخل الإنسان، كالمضاربة، والشركة، والبيوع الحلال؟! فكل هذه في شريعة الله عز وجل، ولكن كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50].

مشكلة الملتقى الثقافي في أبها

مشكلة الملتقى الثقافي في أبها وردت أسئلة كثيرة ورسائل من الخاص والعام، فهنا يقول: الملتقى الثقافي في أبها ما رأيكم فيه؟ ولماذا يشارك فيه مجلس سعيد السريحي وهو حداثي، ومعه لفيف من الحداثين؟ سعيد السريحي: سماه بعض الدعاة والمفكرين الإسلاميين: سعيدوف السريحي، سموه سعيدوف على وزن سخروف وبرجنيف وجرباتشوف، اسْتُقْبِل هذا وتُرِك له المجال، فأخذ يتهجم، ومُنع الدعاة وطلبة العلم من المداخلة والمشاركة، وهذا في الصيف القريب في أبها، ومعه لفيف آخر، والدعاة لم يسمح لهم بالمشاركة ولم يُدْعَوا أصلاً، ولو حضروا ما استطاعوا أن يتكلموا؛ لكن يسمح لـ سعيدوف وأمثاله أن يتكلم، أما الآخرون فإنهم من منظرهم يمكن أنهم لا يستطيعون الكلام، أو لا يجيدون فن الكلمة. إذا عَيَّر الطائي بالبخل مادِرٌ وعَيَّر قساً بالفهاهة باقِلُ وقال السهى للشمس أنت كسيفةٌ وقال الدجى للبدر وجهك حائلُ فيا موت زُرْ إن الحياة ذميمة ويا نفسُ جدي إن دهرك هازلُ رواد محمد صلى الله عليه وسلم وأبناؤه وجيله لا يستطيعون أن يعبروا بالكلمة ولا يبدعوا القصيدة، ولا يرتجلوا الخطبة، ومَن أهل الإبداع إلا نحن؟! ومن أصحاب المنبر إلا هؤلاء الجيل الطاهر النظيف البار الراشد؟! لكن ما الحيلة؟! ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتلَّ بالماء فيجوز لك أن تحضر الملتقى الثقافي، ولكن اجلس على الكرسي ولا تتكلم ولا ترفع إصبعك، اسمع سعيدوف وغيره، ثم اذهب. Q ولماذا لم تشارك أنت -وأنت من أبناء المنطقة- في النادي ولا في الملتقى الثقافي؟! A ما دُعِيتُ، ولو ذهبتُ ما لقيتُ مجالاً، فماذا أفعل؟

مشكلة اختلاف المؤذنين واختلاف القبلة

مشكلة اختلاف المؤذنين واختلاف القبلة وهنا قضية اختلاف المؤذنين في الوقت في مدينة أبها، واختلاف القبلة. A نعم ضربت أبها مثالاً رائعاً في اختلاف المؤذنين، فبعض المؤذنين يتأخر ربع ساعة أو ثلث ساعة، نؤذن ونصلي ونخرج، فيستيقظ الشيخ وهو كبير السن من نومه، فيتوضأ بعد أن يسخن له ماءً، ثم يتمضمض ويذهب إلى المسجد فيؤذن، فيفتح المكرفون ربع ساعة، ويستقبل القبلة فيؤذن، فهذه مأساة. وأنا أخاطب مدير الأوقاف -وهو رجل راشد خيِّر، فيه طيبة وفضل- أن يوجد حلاً لهذه المشكلة، وهي أصلاً في الجنوب منتشرة في القرى والمدن، لكنها طيبة، فحلت في الرياض ومكة والمدينة، وجدة، أما هنا فلا زالت، فلا بد من وقت منضبط يحاسب عليه المؤذنون حتى يؤذنوا في وقت واحد، أما أن هذا يُفطر وهذا يتسحر، وهذا يصلي وهذا يخرج من المسجد، فتصبح المسألة فوضى فليس بصحيح هذا. أيضاً اختلاف القبلة، يقول بعضهم: إنهم يستقبلون جهة وادي ابن هشبل وبعضهم جهة وادي الدواسر، وبعضهم في جهة قنا والبحر، وبعضهم جهة مكة. والإجماع بين أهل العلم أنه لا يجوز إلا استقبال مكة، وأما قنا فليست من القبلة ولا وادي الدواسر، فهذا الإجماع الذي أجمع عليه العلماء، فأنا أدعو الإخوة إلى توحيد القبلة في جهة واحدة فقط، لا في ثلاث جهات.

حكم الاجتماع على الاستسقاء

حكم الاجتماع على الاستسقاء Q هل يجوز للناس أن يجتمعوا فيستسقوا لأنفسهم؟ A نعم يجوز لهم أن يجتمعوا فيستسقوا لأنفسهم، وأن تجتمع القبيلة وأهل المدينة، وإمام المسجد والخطيب ويتشاورون فيعلن في الناس أن عليكم غداً أن تخرجوا متذللين متخشعين، خائفين لنستسقي، ولذلك يبارك الله في هذه؛ لأنها تأتي عفوية من القلب. أما إذا خرج الناس بسيارات فاخرة وبشوت لماعة ذهبية، وعقول منكسة أو بلا عقول، فإنهم لا يسقون. ولذلك استسقينا خمس مرات فباءت بالفشل، بل اشتدت الحرارة أكثر، فقد كان عندنا غيم، فلما استسقينا اشتدت الشمس. وقد استغاث الناس ربهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى في كثير من المواطن فما خيب رجاءهم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]. وقد أخبرنا أحد الثقات من الأعيان والصلحاء في قصة حضرها، يقول: "في القديم -وهو كبير السن- قال: كنا في قبيلة اجتمعنا وبحثنا عن طالب علم، في وقت كان طالب العلم كالكبريت الأحمر، يُبحث عنه ليقرأ الرسالة ويكتبها، قال: فما وجدنا، فقلنا: يا جماعة الخير! هل فيكم من يحسن صلاة الاستسقاء؟ قالوا: لا نعرف، فقالوا: ما رأيكم، قحطنا وأجدبنا واحتجنا للغيث؟ فقال أحدهم: نرى أن نجتمع ونسأل الله في مجلس، فإنه قريب سُبحَانَهُ وَتَعَالى. فقالوا: إذاً موعدكم الصباح في الوادي الفلاني، فنزلوا جميعاً كباراً وصغاراً وأطفالاً ونزلوا بمواشيهم، وقام كبارهم فحلَّقوا في حلقة كبيرة. وقام كبيرهم -شيخ القبيلة- وقال: اللهم إنا نسألك أن تسقينا وتغيثنا، والله الذي لا إله إلا هو! لو كنت مكاننا وكنا مكانك ما نرضى لك هذا الحال -قال: لو كنت في ضربنا ولو كنا في ضربك، هذا من نية ومن صدق- قال: والله ما أتى وقت صلاة العصر إلا والسيل في الوديان". {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65] {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] ولكن بنية صادقة مع الواحد الأحد {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219]. يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليلِ ويرى نياط عروقها في نحرها والمخ في تلك العظام النحلِ اغفر لعبد تاب من زلاته ما كان منه في الزمان الأوَّلِ وقال آخر: لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجى كم فرج بعد إياس قد أتى وكم سرور قد أتى بعد الأسى سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزلْ مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخَطا وهناك قبيلة من القبائل في الجنوب خرجت فاستسقت قبل أيام، فأمطرها الله وأتى السيل معها، أي في ذلك اليوم أتى السيل، وأنا أعرف الذين حدثونا بهذا، ولله الحمد ولكم أن تجربوا.

ربا يتساهل فيه بعض الناس

رباً يتساهل فيه بعض الناس Q صرف العشرة بتسعة، أو الإجبار على الشراء، وهذا موجود في البوفية أو المطعم أو الدكان، فتذهب إليه فتطلب منه حاجة، فيقول: لا أصرف لك إلا العشرة بتسعة، أو لا أصرف لك حتى تشتري مناديل، فما حكم ذلك؟ A هذا لا يجوز للآتي: أولاً: لأن فيه صورة من صور الربا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {مثلاً بمثل، يداً بيد، سواء بسواء} رواه مسلم من حديث عبادة. وثانياً: فإن فيه بيعاً وشرطاً، وفي سنن أبي داود: {نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط}.

اختلاط سكن الرجال بالنساء الأجانب

اختلاط سكن الرجال بالنساء الأجانب الاختلاط في سكن العمال والعاملات، مثل: المطارات والشركات وبعض الفنادق، فقد يختلط فيها سكن الرجال والنساء من العاملات والخدم والشغالات ونحو ذلك، وهذا أمر محرم يُنَبَّه عليه، ووصيتي لأهل المؤسسات أو القائمين على هذه الشركات أو المطارات، أن يتقوا الله في ذلك وأن يفصلوا بين هؤلاء وهؤلاء، وأصلاً وجود الشغالات والعاملات ومثل هذا يُعتبر من الأمور المؤسفة التي تبعث الحزن في القلب. وفي بعض الأسئلة طرائف ونكات وأنا آتي بملح أحياناً من الأسئلة حتى لا نهملها؛ لأن فيها خيراً وتنبئ عن روح مرحة يحملها الكثير منكم، أثابكم الله.

طرائف

طرائف Q بعض الغتر تسرق الأقلام، فما رأيكم في حل مثل هذه المشكلة في حضور المحاضرات والدروس؟ A أولاً: أنصحك نصيحة وأنصح غترتك نصيحة أخرى، فعليك بلبس غتر غير مهيئة لسرقة الأقلام، فجرب أن هذه المكتلة عدوة للأقلام، فمثلاً عليك أن تتقي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في ذلك، ولو حصل لك ذلك ووجدت قلماً في غترتك، ولم تعرف صاحبه فبإمكانك أن تبيعه وتتصدق بقيمته على صاحبه أو تعطيه من يحتاج له ولا يستطيع شراء قلم، لكن انتبهوا! من خاف الله عز وجل سدد.

عدم الاهتمام بالقرآن

عدم الاهتمام بالقرآن يقول: القضية عدم الاهتمام القرآن الكريم في الثانوية الصناعية والتجارية، والكلية التقنية، وكلية التربية، والمعهد المهني، والمعهد الصحي. A كأن هذه خارج الخارطة، أي: كأن قلم التكليف رفع عن هذه المدارس، وكأن أهلها لا يصلون، وهم يصلون، ولا يحتاجون قرآناً، وهم يحتاجون قرآناً. وأصل القضية أن القرآن لا يعفى منه قسم إسلامي ولا كلية ولا مدرسة، ولا مصنع ولا شركة، لا مهني ولا تقني ولا فني، ولا تكنولوجي ولا طبي ولا هندسي، ولا أي شيء، ولابد للعاملين حتى النزلاء في السجن أن يدرسوا القرآن. فمسألة المصحف -القرآن الكريم- لا يمكن أن يعتذر أحد من هؤلاء مثلاً، فيقول الصناعي: أنا تخصصي صناعة، كيف تطالبني بالقرآن؟ أقول: نعم، حصة ومحاضرة؛ لأن طلبة المسلمين بين يديك، يصلي الواحد منهم كل يوم خمس مرات، ماذا يقرأ؟ كيف يلقى الله؟ كيف يجود كتاب الله؟ كم يحفظ من القرآن؟ فيا أيها القائمون على الثانوية الصناعية التجارية، والكلية التقنية، وكلية التربية والمعهد المهني، والمعهد الصحي، وغيره؛ اتقوا الله، قرروا حصصاً بدلاً من حصص الفراغ، أو بعض الرياضة التي بُلِيَت بها الأمة واستهلكت أوقات الأمة في مثل هذا، اجعلوها للقرآن، اجمعوا شباب المسلمين على كتاب الله عز وجل، تعاونوا مع الجمعيات الخيرية في المدارس، وادفعوا لهم من الرواتب التي تفيض من صندوق الشاي والقهوة، فاجعلوا لهم ستمائة أو سبعمائة ريال، يدرس أبناء المسلمين حتى يخرج مهندساً قارئاً للقرآن، أو طبيباً قارئاً للقرآن، حاملاً أداة وآلة وقارئاً للقرآن، فقاسمنا المشترك القرآن.

مشكلة ظلم العمال

مشكلة ظلم العمال يقول: مسألة نشكو منها إلى الله وهي منتشرة في المجتمعات، وهي ظلم العمال. كثير من أهل المؤسسات وأهل رءوس الأموال يظلمون عمالهم ظلماً عظيماً، في الرواتب، والتعامل، والإجازات، وغيرها، وسوف أفرد الحديث على ذلك وسوف تكون عنوان الخطبة -خطبة الجمعة المقبلة إن شاء الله-: ظالم من الدرجة الأولى.

التعاون على البر والتقوى

التعاون على البر والتقوى Q هنا أخبركم أن قرى بني مازن والعزيزة وبعض قرى ربيعة ورفيدة، قاموا بمشروع مبارك وهو أنهم منعوا بيع الدخان في متاجرهم، ودكاكينهم، فهل من شكر؟ A أشكرهم من الأعماق، وأسأل الله أن يحفظهم ويرعاهم وقد فعلوا خيراً يؤجرون عليه، وسمعت أنهم أقاموا حفل تكريم لمن فعل ذلك، وأنهم قد جردوا متاجرهم من هذا الخبث وقد أحسنوا بهذا، وقد فعلوا كما فعلت بعض المدن، كـ القويعية الآن ليس فيها شريط غنائي واحد، والزلفي ليس فيها ولا فيديو واحد مهدم، وليس فيها شريط غنائي، كثير من المدن تسلك هذا المسلك، فهم فعلوا الخير ويؤجرون عليه، والواجب أن يشكروا من جميع المسلمين وأن يُدعى لهم. ثم إنه يطالب كذلك أن تحتذي بقية القرى حذوهم فيما فعلوا. وكذلك يضيفوا إلى ذلك المجلات الخليعة فإنهم يقاطعوها. ثم أدعو مثلاً الإخوة أن يقاطعوا البيع والشراء من بعض المحلات، التي تروج المجلات الخليعة والدخان وبعض السلع المحرمة، وأن يشجعوا المتاجر الإسلامية بالبيع والشراء، فهم يؤجرون على ذلك. Q قضية منتشرة بين الشباب خاصة، وبين كبار السن كذلك، وهي: ترك السنن الرواتب؟ A وهذا صحيح، نرى كثيراً من الناس يصلي مع الناس الفريضة، ثم يخرج من المسجد، ولا يصلي السنة الراتبة، وقد سئل الإمام أحمد عمن يترك السنن والرواتب والوتر، فقال: رجل سوء، رجل سوء، ويحاسب العبد يوم القيامة على فريضته، فإذا نقصت كملت من السنن الرواتب. فيا إخوتي! اللهَ اللهَ في السنن الرواتب، وهي عشر ركعات، قال ابن عمر في الصحيحين: {حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، ركعتين قبل الظهر وركعتين بعده، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر في بيته} فحافظوا على هذه والوتر معها. وقضية أخرى أن بعض الشباب أرسل رسائل، يقولون في الرسائل: لم أجد وظيفة؛ ولكن وجدت عملاً؛ ولكن هذا العمل تجسس على المسلمين، فهل يجوز لي هذا العمل وهل يجوز استلام الرواتب؛ لأني أتجسس على المسلمين؟ الجواب: لا يجوز لك ذلك؛ ولا يجوز لك أن تتوظف جاسوساً على عباد الله عز وجل؛ فإن هذا أمر محرم، ودخلك يحاسبك الله عليه، ولا تطعم أطفالك حراماً، وأخاف عليك من دعاء طلبة العلم والعلماء والمسلمين. فأنا أنصحك وأنصح نفسي ألا تتوظف في هذا العمل فتكون جاسوساً على عباد الله ولك أن تخبر عن الشرور، وعن المفاسد التي تحيق بالأمة والفتن، لكن أن تكون جاسوساً، فإن هذا الاسم الشرعي لا يستخدم في غير ما استخدم له، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا يدخل الجنة قتات} وهو النمام الذي ينقل الكلام على وجه الإفساد، ومثل هؤلاء الذين ينقلون الكلام ويشوهون صورة العلماء أو الدعاة أو طلبة العلم أو الأخيار، أو أنهم يدخلون الرعب والخوف في قلوب المسلمين؛ لا يكونون أمناء على أعراض المسلمين وأموالهم، وهؤلاء الجواسيس محرم عملهم في الإسلام. أما قضية التعاون على البر والتقوى، فهذا مطلوب، فإذا رأيت -مثلاً- إنساناً يروج مخدرات أو إنساناً يسعى بالفساد في الأرض، أو إنساناً له مخطط رهيب في معاداة الإسلام والمسلمين، فإن عليك أن تخبر، وهذا من التعاون على البر والتقوى. فهذا المطلوب وهذا المعلوم، ولا يؤخذ تحت مظلة الخدمة لمصلحة العامة أو الأمن أو غير ذلك، فإن هذا ليس وارداً في دين الله عز وجل والأسماء تعفي أصحابها من الحكم الشرعي.

رسالتان من شابين

رسالتان من شابين رسالتان من شابين أرسلاهما: الرسالة الأولى: يقول: أنا لا أستطيع أن أصف نفسي بعد كلامك، إنني أحقر من أن أتشرف بحضور هذه البشكة -يعني الجلسة يسميها البشكة وكأنه قريب عهد ببشكة، تاب الله عليه وحفظه- قال: لأني شاب من هؤلاء الذين تعنيهم في كلامك والحمد لله الذي تفضل عليّ بالحضور، وأريد أن أتوب، ولكن هل تظن أن الله يغفر لي؟ A أولاً: حياك الله وهذا مكسب عظيم، وشرف جسيم أن نحتضنك وتحتضننا هذه الليلة، ونسأل الله أن يثبتك على الحق ويشرح صدرك، ويتولانا وإياك. أما الله فإنه: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:3]. أما الله فهو القائل: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136]. وأما الله فإنه القائل سُبحَانَهُ وَتَعَالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] ويقول سبحانه في الحديث القدسي الذي رواه الترمذي وأحمد بسند صحيح: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}. وهذا الشاب الآخر يقول: يا شيخ! أنا أحد الشباب الذين تتكلم عنهم، وأبشرك فأنا من هذه الليلة سوف أسير معكم على هذه الطريق إن شاء الله، وكنا نراكم ونتمنى أن نصير مثلكم، والله يرحم الحال، ولكن نلعب على أنفسنا، ونحن مرتاحون والله يعلم، ادعُ لنا بالهداية أنا وإخواني الباقين، وأعتبر أن يوم السبت الموافق 26/ 4/1412هـ هو بداية حياتي الحقيقية. A حياك الله في فرصة وحياة جديدة لك، وهذا إشراق جديد؛ لأن الإنسان ميت: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] فأنت وأمثالك أمل لهذا الدين ومستقبل زاهر له. فأنا أدعوك لمواصلة الحضور ومواصلة سماع الشريط الإسلامي وصحبة الصالحين، وحب أهل العلم والدعاة، ثم المحافظة على الصلوات الخمس، وكثرة النوافل ومصاحبة كتاب الله، وسوف تجد أن الله سوف يشرح صدرك ويزيدك هدىً وبصيرة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

من تاب من إيداع ماله في البنك

مَن تاب من إيداع ماله في البنك Q أنا رجل كان يودع ماله في البنك الأهلي، ثم تاب بعد سماع هذه المحاضرة. A جزاك الله خيراً وحفظك، فالآن وصلت رسالتك، وهذه من سرعة استجابة الناس للحق، وهذه الفطرة المعطاءة التي يباركها الله عز وجل لأول طرفة، فكأنهم نهر إذا أحس بالحديد يفجر ذاك المعين، فيتدفق هذا الماء العذب، ماء العطاء والتوبة، وهي الاستجابة الحقة لله ولرسوله، وهذه النوعية مثل نوعية أبي ذر وبلال التي استجابت من أول وهلة. أما النوعية التي تسمع المواعظ والدروس تُلقى عليها ثم لا تستجيب، فهي من نوعية أبي جهل وأبي لهب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24] شكراً لك ولقلبك واستجابتك وهنيئاً لك، ومن الآن. الآن ميلادي الجديد به ولدت وعمري أيامي ويقول آخر إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار

الإنفاق لتغيير الشر إلى خير

الإنفاق لتغيير الشر إلى خير وصلتني رسالة من صاحبها يقول: أحبك في الله. ويقول: إذا وجدتَ رجلاً يدفع تكاليف بناء مسجد الموصلية إلى البنك الأهلي، وأنا أقوم بإتمام المسجد كله، فأنا مستعد؟ A أولاً: أحبك الله الذي أحببتنا فيه. ثانياً: المسألة كأنه يقول: ابحثوا لنا عن رجل يدفع ما سلف من التكاليف إلى البنك الأهلي وأنا أتمم الباقي، والباقي من المشروع كثير وأنت مشكور مأجور، ولعلك تتصل بي أو بفضيلة الشيخ جبريل البويصلي إمام المسجد والذي هو مدرس بكلية الشريعة. وفي ختام هذه المحاضرة أبتهل إلى المولى أن يحفظنا وإياكم، وأن يغفر لنا ولكم، وأن يحفظ ويسدد شباب المسلمين، وأسأله أن يصلح ولاة الأمر، وأن يهديهم سبل الرشاد، وأن يوفقهم لما يحبه ويرضاه وأن ينصر بهم الدين، وأن يهيئي لهم البطانة الناصحة الصادقة، التي تدلهم على الحق وتحذرهم من الباطل. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

معاني وبدع الأعياد

معاني وبدع الأعياد ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن خاف يوم الوعيد وللعيد آداب وسنن فصل فيها الشيخ في هذه المادة، ونبه قبل ذلك إلى الأعياد البدعية؛ كأعياد الميلاد ويوم المرأة والمولد النبوي وعيد الشجرة، وأكد أنه لا عيد للمسلمين إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وبين ما فيهما من المعاني الدالة على الأخوة والتكاتف والتآلف بين المسلمين، وختمت هذه المادة بذكر هديه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان، وبين آداب المعتكف، وتطرق لزكاة الفطر مبيناً بعض أحكامها.

الأعياد البدعية

الأعياد البدعية الحمد لله القائل: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:156 - 157]. والصلاة والسلام على رسول الله القائل: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها الناس: قبل أيام استقبلنا شهر رمضان المبارك وبعد أيام سوف نودعه ليختم حياةً عشناها معاً، ترفع فيها صحفنا إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بحسنات وسيئات، وبعد أيام سوف نستقبل ويستقبلنا العيد وسوف نعيش لحظاته. ونحن معشر أهل الإسلام: لنا عيدان اثنان فحسب؛ عيد فطرنا يوم أن نفطر من صيامنا، ويوم أن نضحي نسكنا لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولا نحتاج إلى غيرهما من الأعياد؛ لأن أيامنا كلها أعياد، وليالينا كلها أفراح، وساعاتنا كلها سرور وحبور.

عيد الميلاد

عيد الميلاد ليس عندنا عيد ميلاد؛ لأن عيد الميلاد أضحوكة يضحك بها الإنسان على نفسه، وسخرية يسخر بها الرشيد إذا سفه وضحل عقله على كيانه، كيف يحتفل بميلاده!! وهو لم يولد بعد في عالم الحياة!! إن المولود حقيقة من ولد لله، وعاش ومات لله، أما هؤلاء الدجالون الخرافيون الذين عندهم عيد ميلاد فلم يولدوا بعد؛ لأن من ولد إنما ولد لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال الله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] إنهم لم يخرجوا من الظلمات ولم يولدوا بعد، فكيف يحتفلون بعيد الميلاد!!

يوم المرأة

يوم المرأة وليس عندنا معشر أهل الإسلام! عيد المرأة، ولا يوم المرأة؛ لأن عيد المرأة عندنا كل يوم، نحن الذين جعلوا للمرأة أعيادها كل يوم وكل ليلة، كرمناها وأهانها غيرنا، وقدمناها وأخرها غيرنا، وحفظناها وضيعها غيرنا، وسترناها كما تستر الشمس بين السماكين، والعين بين الحاجبين، والدر في الصدف، وأخرجها غيرنا وزعموا أنهم هم الذين كرموها، وكذبوا لعمرو الله، فليس لها عندهم عيد ميلاد بعد أن هتكوا كرامتها وحجابها وسترها وديانتها، يهتمون بها إذا بلغت الخامسة عشرة حتى تبلغ الثلاثين، وقبل الخامسة عشرة وبعد الثلاثين لا يهتمون بها؛ لأنهم سفكوا كرامتها، ودعكوا حرمتها وسترها، فأي عيد ميلاد لها؟! نحن أهل عيد المرأة ويوم المرأة، يوم جعلنا ابنها يتقرب إلى الله بحبها، كلما سمع قوله صلى الله عليه وسلم: {الجنة تحت أقدام الأمهات} ونحن الذين جعلنا زوجها يكد ويتعب ويكدح، كلما سمع قوله صلى الله عليه وسلم: {الله الله في النساء، خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} أو كما قال صلى الله عليه وسلم؛ فمن المظلومة إذن، المرأة عندهم أو عندنا؟! تقول كاتبة ساخرة، ماحقة، ماكرة: المرأة المظلومة، ونقول: من هي المظلومة يا ظالمة! أهي عندكم يوم أن ظلمتموها، وعطلتم أهميتها في بيتها، وهتكتم حجابها وسترها، أم هي عندنا يوم كرمناها، ورفعناها، وشرفناها؟

عيد الشجرة

عيد الشجرة ليس عندنا معشر أهل الإسلام: عيد للشجرة، لأننا نهتم بالإنسان أكثر مما نهتم بالشجرة، نحن أهل دين جاء للإنسان، وجاء لتربية الإنسان لا لتربية الكلاب والشجر، نربي الشجرة ونزرعها ونسقيها، ثم نقتل الإنسان، ونجلده ونسجنه، ففي أي كتاب هذا؟!! وفي أي أسطورة؟!! {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]

المولد النبوي

المولد النبوي ليس عندنا معشر أهل الإسلام! عيد المولد النبوي للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن أهل عيد المولد عندنا خرافيون، دجالون، سفهاء، جهلة، لا علم عندهم، ولا عقل، ولا دين؛ لأنهم أحيوا مولده صلى الله عليه وسلم وذبحوا تعاليمه بسكين الدجل والخرافة. أعيد ميلاده صلى الله عليه وسلم أن نجتمع ونرقص وقد عطلنا تعاليمه في الحياة، ومنهجه في الواقع، وسنته في دنيا الناس؟!! أعيد ميلاده صلى الله عليه وسلم أن يتراقص الناس كما يتراقص الحمير، وينشدون ثم تتساقط عمائمهم كما تتساقط مبادؤهم من رءوسهم؟!! أهذا عيد ميلاد له صلى الله عليه وسلم؟! ما هذه الخرافات!! وما هذه الطقوس!! وما هذه التماثيل التي عكف عليها الجهلة!! أحسبت ديني سبحةً وعمامة وقصائداً أطري بها المختارَا كلا فديني دعوةٌ أبديةٌ قد أنبتت في العالمين منارَا رُكزت بصحراء الحنيف وأرضعت بدماء من قد بايعوا المختارَا

سنن العيد

سنن العيد من سننا أيها الناس يوم العيد: أن نخرج إلى الصحراء، والسر في هذا الخروج بعد أن نترك العمارات، والفلل، أن الصحراء تعرفنا ونعرفها، وتحبنا ونحبها، يوم سجدنا على ترابها آلاف السجدات لله، ويوم بنينا عليها آلاف المساجد للحي القيوم، ويوم أدخلنا في ترابها آلاف الشهداء، فحق علينا أن نعود إلى الصحراء مرة ثانية. ونخرج يوم العيد يا أيها الناس! مهللين مكبرين، نقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، نكبر يوم العيد لتكون العظمة والقداسة والاحترام كل الاحترام لله؛ ولئلا يشعر بعض الناس أننا لا نعظمه ولا نحتفل به في مثل هذا اليوم، فنقول له: لا. لا كبير، ولا عظيم، ولا كريم إلا الله، فنقول: الله أكبر من كل كبير، وأعظم من كل عظيم، وأكرم من كل كريم. ونخرج يوم العيد: فنلبس ثيابنا الجديدة الجميلة؛ لأننا أهل الجمال، زرعنا الجمال، وسقيناه، وأنبتناه، وقطفناه، فلا جمال إلا في ديننا، والله ربنا جميل يحب الجمال، طيب يحب الطيب، لا نعترف بالدروشة، ولا نقر بالخرافة، ولا نتحاكم إلى التزمت. نظهر بالجمال في المبادئ والأفكار، ونظهر بالجمال في العقائد والمنقولات والأخبار، ونظهر بالجمال في الشعار والدثار، فنحن أهل الجمال، ولا يسبقنا إليه حي. نلبس وقت الفاقة ووقت المجاعة: الصبر والرضا، ونلبس وقت الغنى ووقت الحبور والسرور: الشكر والثناء، ووقت الأعياد: الجمال والحبرات والمظاهر الحسنة، ونلبس وقت الجهاد: الدروع والرماح والسيوف على مبدئنا: البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بوسها ونخرج يوم العيد فنصلي ركعتين، ويخطب إمامنا يوم العيد ليعلن مبادئنا في الصحراء؛ لا أسرار فيها ولا ألغاز، بل هي واضحة وضوح السماء، صريحة صراحة الصحراء، صافية صفاء الفضاء، فمن أراد أن يسمع مبادئنا فليسمعها في هذا اليوم، ومن أراد أن يستقرئ أخبارنا فليستقرئها يوم العيد وليسمع ماذا سوف يقول الخطيب. ونخرج يوم العيد جماعات؛ لنعلن المحبة والتآلف والتناصر والتعاون، ونشجب الخلاف والفرقة، فمهما اختلفنا في الفرعيات، فإننا نتفق في الأصول، والمبادئ، والأسس والقواعد، فكأننا نقول لأعداء الإسلام، ولمن يريد الكيد للإسلام: هانحن عدنا مرةً ثانيةً متآلفين، متآخين، متحابين: إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها ونخرج يوم العيد من طريق ونعود من طريق أخرى؛ لنقول للفقراء: هانحن نلاحقكم في كل طريق، ونتابعكم في كل مكان؛ لنرفع من جوعكم؛ لأن ديننا لا يقر مبدأ التمايز، بأن يسكن إنسان في الطابق العاشر يطاف عليه بصحافٍ من ذهب، ولحم طير مما يشتهون، وفاكهة مما يتخيرون، وينام صنف آخر على التراب لا يجد كسرة الخبز، ففي أي شريعة هذه؟!! أفي شريعة حمورابي! أم في قوانين نابليون! أم في خزعبلات هتلر! إن محمداً صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يخرجون يوم العيد ومعهم الفقراء، ويعودون ومعهم الفقراء، ويشبعون ويشبع معهم الفقراء، ويجوعون ويجوع معهم الفقراء. ونحن في يوم العيد: لنا أن نروح عن أنفسنا بشيء من الدعابات، والأشعار، ومن طيِّب الأخبار، ومن نكات السمر مع الإخوان والسمار؛ بشرط أن تكون في حدود الوقار، لا نثلم فيها عرضاً، ولا ننتهك فيها كرامة، ولا نفضح فيها مستوراً.

فرق بين عيدنا وعيدهم

فرق بين عيدنا وعيدهم هذا عيدنا، أما عيد غيرنا فهم يرقصون على الهزائم، ويفرحون بالفشل، ويصفقون على الخيبة في عالم لم ننصر فيه بعد أن تولينا عن لا إله إلا الله. أيرقص الذين خرموا حرمة شهر رمضان، وأكلوا فيه، وهزموا فيه، وأسقطوا لا إله إلا الله في رمضان وفي غيره أيرقصون فيه؟! فلماذا يرقصون؟!! أللخيبة أم للفشل! إن أقواس النصر ورفع الأعلام والعيد أن تنتصر الأمة، وأن يعود كيانها ووحدتها وقوتها ومركزها العالمي، وأن يتأخر كل ذنب متأخر، وأن يتقدم كل صنديد متقدم، فهذا هو مفهوم العيد، لا نقول للعيد كما قال المتشائم الأول: عيدٌ بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمرٍ فيه تجديد أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيدٌ دونها بيد ولكن نقول: مرحباً بالعيد، وأهلاً وسهلاً به، ففيه يعود الصفاء إلى قلوبنا، والرحمة إلى أرواحنا، والودُّ إلى نفوسنا. عيدٌ بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمرٍ فيه تجديد نحن الأشاوس ما شجت أرومتنا وفي حظيرتنا نجبٌ صناديد نعم. نحن وإن غفلنا فلن نموت، وإن سكتنا فلن ننتهي، وإن ظن الناس أن هذا الدين قد تأخر فسوف يتقدم، لأنه دين عالميٌ أيها الناس! يعيش في المواسم، وفي الصيام والأعياد وفي الليل والنهار.

لمن العيد؟!

لمن العيد؟! فهذا عيدنا إخوة الإسلام! فلمن العيد إذاً؟! العيد لمن احترم وصام رمضان، وعرف الله فيه وفي غيره العيد لمن عادت على قلبه أنسام التوبة، وراجع حسابه مع الله. العيد لمن صفَّى معاملته مع الله، وتاب من الزلل. نخرج يوم العيد أيها الناس! فنتهم أنفسنا قبل اتهام الناس، ونبش للناس، ونبتسم لهم، ونعانقهم؛ لأن بيننا وبين الأحبة غيوماً تحدث من نقص البشر، ومن ذنوبهم وخطاياهم فنتهم أنفسنا بحدتنا وغضبنا ونقصنا وتقصيرنا، ونعذر إخواننا بصبرهم وإخلاصهم وتضحيتهم فنعود متفوقين ناجحين، فهذا هو عيدنا. إذاً فإن أعيادنا إنما هي عيد الفطر وعيد الأضحى ويوم الجمعة، وأما أعياد الذي لا يعقلون، الذين أخذ الله سمعهم وأبصارهم وختم على قلوبهم، فعيد الشجرة ينبتونها ويسقونها، ثم يقتلون من يسقي الشجرة. وعيد المرأة؛ وهم الذين كفنوها ودفنوها وأقاموا على جثتها مآتم. وعيد ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهم الذين أماتوا سنته، وذبحوا تعاليمه، وعطلوا شرائعه في الأرض. وأعياد كثيرة تفوق الحصر؛ لا يمكن أن تقال، يفهمها اللبيب، ويعرفها الأريب، ويدركها الأديب. يا عباد الله! ننتظر العيد بكل فرحة، ونأمل من الله أن يعيد لنا كرامتنا ومجدنا وعظمتنا وسؤددنا؛ حتى نكون دعاة خير، ورسل هداية، ومشاعل حق، وقادة ركب، وأساتذة عالم، ولا نكون متأخرين، ولا فاشلين، ولا ضالين مضلين. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم

العشر الأواخر من رمضان وأحكامها

العشر الأواخر من رمضان وأحكامها الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد، أيها الناس: {كان من هديه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر أن يشد مئزره ويوقظ أهله ويحيى ليله} عليه الصلاة والسلام. فهو دائبٌ في العبادة أبداً، ولكن إذا دخلت العشر اغتنمها، فهي فرصةٌ لا تعوض؛ لأن فيها ليلة هي خير من ألف شهر. وكان عليه الصلاة والسلام يعتكف في هذه العشر الأواخر من شهر رمضان؛ فكان ينقطع عن العالم الخارجي، ويجلس مع الله في مناجاة وتبتل وذكر ودموع وخشوع؛ ليعيد لقلبه عليه الصلاة والسلام -وهو المعمور دائماً وأبداً- يعيد له أنسه المعهود، الذي ربما تغير من خلطة الناس، وكلامهم، ومن ممارسة مشاكلهم، فهذه العشر كان يعتكف فيها صلى الله عليه وسلم في مسجده؛ فلا يخرج إلا لحاجة لا بد منها.

آداب المعتكف

آداب المعتكف والمعتكف له آداب منها: 1 - أن يبقى في مسجد تجمع فيه الصلاة. 2 - أن لا يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها. 3 - أن يعتزل الجماع وما يدعو إليه. 4 - أن يكثر من قراءة القرآن، والصلاة، ومن الذكر مطلقاً. فهذا هو هديه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر.

زكاة الفطر

زكاة الفطر وهنا مسألة أيها المسلمون! ينبه عليها لأهميتها وهي زكاة الفطر التي أمر صلى الله عليه وسلم بإخراجها. قال ابن عمر رضي الله عنهما: {أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نخرج زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من بر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب عن الذكر والأنثى، والحر والعبد، والكبير والصغير} فهذا الصاع يخرج يوم العيد قبل الصلاة بعد الفجر من يوم العيد، ومن أخرجه قبل يومين أو ثلاثة أيام من يوم العيد فحسنٌ جميل. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: {فرض صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طعمةً للمساكين، وطهرةً للصائم من اللغو والرفث، فمن أخرجها قبل الصلاة فهي زكاة متقبلة، ومن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات}. أيها الناس: هذه الصدقة تخرج طعاماً ولا تخرج دراهم ودنانير؛ لأن الحكمة من إخراج الطعام هي إطعام الجائع والمسكين في الحال، فكأن العالم الإسلامي بعدده الضخم الذي يربو على البليون، أو على ألف مليون، إذا أخرج كل واحدٍ منهم -الكبير والصغير، والذكر والأنثى- صاعاً يوم العيد فتصير بليون صاع، ألف مليون صاع؛ فيا لهذه العظمة، ويا لهذه الكثرة الكاثرة، وهو تعليم من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم لئلا تنسينا فرحة العيد جوع الجائعين، وظمأ الظامئين، ومسكنة المساكين. نخرج يوم العيد لئلا يبقى فقير ولا مسكين، فادفعوا زكاتكم زكى الله عنكم أعمالكم، وطهروا لغوكم ورفثكم طهركم الله؛ فإنها صدقة سنها صلى الله عليه وسلم، تخرج كما قالها في النص عليه الصلاة والسلام، ومن اضطر، أو رأى الحاجة في أن تكون دراهم فلا بأس بذلك؛ نص على ذلك شيخ الإسلام، الجهبذ النحرير ابن تيمية. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة. اللهم ارض عن آله الأخيار، وصحبه الأطهار من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه يا رب العالمين! اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم أنزل السكينة عليهم، اللهم اجعل عيدهم نصراً أكيداً يا رب العالمين! وتفوقاً باهراً يا أكرم الأكرمين! اللهم اخز كل عدوٍ للإسلام، اللهم اشغله في نفسه، اللهم فتت كيده، واعم بصيرته، ومزق قلبه، والعنه لعنة فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض يا رب العالمين! اللهم اجمع كلمتنا، ووحد صفوفنا، وسدد آراءنا، وصوب سهامنا في نحور أعدائنا يا رب العالمين! اللهم لا تشغلنا بالتوافه في حياتنا، اللهم لا تجعل الفرقة أساسنا ومبدأنا، اللهم لا تمزق صفوفنا يا رب العالمين! واجمع قلوبنا على ما تحبه وترضاه يا أكرم الأكرمين! اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، واهدنا سبل السلام، ووفقنا لما تحبه وترضاه. اللهم أصلح شباب المسلمين؛ اللهم تب عليهم، وكفر عنهم سيئاتهم، وأصلح بالهم، ووفقهم لما تحبه وترضاه يا رب العالمين! اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك، واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين! ربنا إننا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة، حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

قل هو الله أحد

قل هو الله أحد سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن في الأجر والمثوبة، يا ترى ماذا تحمل في طياتها من دروس لهذه الأمة؟ وما هي الفوائد التي تستنبط من هذه السورة التي لم تتجاوز السطرين؟ كل هذا ما ستعرفه في هذا الدرس.

فضل القرآن

فضل القرآن إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عنوان هذا الدرس: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). حمداً لمن بلغنا المراما وزادنا من فضله إكراما ثم صلاة الله تترى ما سرى برق على طيبة أو أم القرى مع السلام يغشيان أحمدا وآله المستكملين الرشدا شعب إذا لم يعبد الله الصمدْ ولم يردد قل هو الله أحد لن يعرف النصر ولا لن يعرفه في ذلة وقلة ومتلفة الله يستثير الهمم إلى كتابه، ويمدح كلامه، ويوجه الأمه إلى هذا الدستور الخالد، ويتحدى أعداءه، ويُبَكِّت خصومه، فيقول مثنياً على كتابه: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:1]. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى متحدياً العروبة والعرب، وهم أهل اللسان: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً} [الرعد:31] والجواب مسكوت، ومعنى الجواب عند أهل العلم: لكان هذا القرآن. ويقول الله عز وجل أمام الشعراء والأدباء والخطباء: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88]. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى مقسماً أنه حق: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:23]. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى منادياً للتبرك به في العمل والتلاوة والمنهجية والمدارسة والتحكيم: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:2]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29]. وبَكَّتَ سُبحَانَهُ وَتَعَالى أعداءه، ووصفهم بإقفال القلوب، وأنهم لا يفهمون ولا يفقهون ولا يعون: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]. ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى مخبراً أن غير كتابه من تأليف البشر ومن تصنيف الناس، عُرضة للنقص إلا هذا الكتاب، فقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. ثم ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن كتابه لا يأتيه الباطل، ولا تلعب به الأهواء، وأنه ليس من صنع البشر، وليس من ولادة الطين، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} [ص:29]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]. والآيات في هذا المعنى كثيرة، ولكن الدرس هذا هو في سورة حبيبة إلى قلوبنا، لها أثر خاص، وطعم خاص، وذكريات خاصة، كان يحبها عليه الصلاة والسلام ويعيش معها، وهي تعريف بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالى الله الناصر، القدير الواحد، المحاسب، الشهيد، يعرف نفسه للبشر، ولم يكن البشر يعرفونه، وما كانت العقول تعرف من هو الله، وما كانت العرب والعجم تتطلع إلى درجة أن تتعلق بالله، حتى علقها به رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.

أسباب نزول سورة (الإخلاص)

أسباب نزول سورة (الإخلاص) وفي السورة مسائل: المسالةالأولى: أسباب نزول هذا السورة: من أسباب النزول: سببٌ طريفٌ لطيف: ففي مسند أحمد، وعند ابن أبي حاتم وابن جرير الطبري، وعند البغوي في (معجمه): أن المشركين اجتعموا فقالوا: يا محمد! انسب لنا ربك، نريد نسبته، أباه وجده، من أي عشيرة؟ من أي قبيلة؟ فتوقف - عليه الصلاة والسلام - حياءً من إلهي أن يراني وقد ودعتُ صحبك واصطفاكا ويقبح من سواك الفعل عندي وتفعله فيحسن منك ذاكا ماذا يقول عليه الصلاة والسلام؟ وكيف يجيب عن هذا السؤال المبهم المدهش المحيِّر؟! سؤال من أناس سفهاء وجهلة وأغبياء وبلداء، فتوقف عليه الصلاة والسلام، فأنزل الله عز وجل كلاماً عن النسبة والنسب، وكلاماً عن التعريف: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]. من يستطيع أن يَنْظُم مثل هذا الكلام؟! من يستطع أن يرد ويجمع هذه المقالات البدعية الضالة المنحرفة في سطرين، ثم يصبح السطران ثلث القران، في الفضل والأجر والمثوبة. القرآن ثلاثة أثلاث، ثُلُثُه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]: أجرها تعادل ثلث القرآن، فهي تحمل المعطيات للأمة، والصدارة، والشجاعة، والهوية الروحية لشباب الإسلام، ولأتباع محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين. وسوف أتعرض بإذن الله في آخر الدرس إلى شرك الخوف، التي عالجته هذه السورة، وطردته، وبَكَّتَت أهله، واستهزأت بأصحابه، شرك الخوف، الذي وقعت فيه الأمة، إلا من رحم ربك، وأصبح الناس أو أكثرهم واقعين فيه. ومن أسباب النزول: {أن عامر بن الطفيل ملاعب الأسنة، كان من أشجع العرب، كان فاجراً -يقول: يا محمد! اقسم بيني وبينك الأرض، لك نصف الأرض، ولي نصف الأرض، وأسلِّم لك بالرسالة- وهل الدنيا مناصفة؟! وهل أتى صلى الله عليه وسلم لابتزاز الأراضي؟! وهل كان صلى الله عليه وسلم تاجر قصور؟! وهل كان صلى الله عليه وسلم يريد باستين وحدائق؟! إنه يريد مبادئ يركبها على دماء البشر لترتفع (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) - فرفض عليه الصلاة والسلام، فقال عامر بن الطفيل: (يا محمد! إِلامَ تدعو؟) قال: إلى الله عز وجل، قال: صفه لنا، أمِنْ ذَهَبٍ هو؟ أو مِنْ فضة؟ أو مِنْ حديد؟ -أي: تركيبه الجسماني، أمن ذهب؟ أو من فضة؟ أو من حديد؟ - فأنزل الله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]} رواه البغوي والخازن، عن ابن عباس، وذكره ابن الجوزي في زاد المسير وكثير من أهل العلم. العرب العرباء بغير {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] لا تساوي شيئاً. والعروبة التي يدندنون بها بغير إسلام عروبة البعث، أو عروبة الماركسين، أو عروبة العَلْمَنَة الَخوَنَة، أو عروبة المرتزقة، لا تساوي شيئاً بغير { A=6006221> قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]. هم قَتَلَةٌ بغير {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] نَهَبَةٌ، سَرَقَةٌ، خَوَنَةٌ، ويوم يرتفع عليهم تاج {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] يرفعهم الله من الحضيض. ومن أسباب النزول: كان العربي قبل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] يأتي إلى الصنم، ويجد الثعلب يبول على الصنم، فيسجد هو للصنم، وقد ذُكِر: أن أعرابياً أتى إلى صنم ليعبده، فوجد الثعلب يبول على رأسه، قال: أَرَبٌّ يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالبُ يقول: أهذا الله الذي يرزقنا؟! أهذا الله الذي يوحد مسيرتنا؟! أهذا الله الذي يوجهنا؟! أهذا الله الذي ينزل علينا الدستور؟! أهذا الإله تبول عليه الثعالب؟! لو كان إلهاً صِدْقاًَ ما بالت عليه الثعالب. وأتى أعرابي آخر إلى صنم آخر، فوجد ثعلباً خرج من وراء الصنم، فخافت راحلتُه ونفرت فسقط الأعرابي على وجهه، وقال: أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ففرقنا سعدٌ فما نحن من سعدِ وسبب البيت: أن هذا الأعرابي طلق زوجته في الجاهلية، فاستفتى أعيان القبيلة: مَن يرد علي زوجتي؟ قالوا: إلهك سعد، في مناة -في أرض ثقيف- قالوا: اذهب إلى سعد بالناقة، وقدم له لبناً، لعَلَّه أن يرد زوجتك، فذهب بالناقة، فلما اقترب واللبن معه على الجمل، خرج الثعلب من وراء الصنم، فنفرت الناقة، فسقط على رأسه، أراد أن يرد الزوجة، ففرت الناقة، قال: أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ففرقنا سعدٌ فما نحن من سعدِ فأنزل الله عز وجل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4].

النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى توحيد الله

النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى توحيد الله وعند أبي داود وغيره بأسانيد صحيحة، أن حصين بن عبيد الخزاعي، والد عمران، وفَدَ على الرسول عليه الصلاة والسلام والرسول ذاك الإمام المعصوم، والقائد النِّحرير، والشيخ الجليل يضحك من عقول العرب، والله إنها تستدعي أن يضحك الإنسان طويلاً. فإذا أراد الأعرابي أن يسافر استشار الصنم: هل يسافر أم لا؟ وإذا أرادت زوجته أن تلد أتى إلى الصنم وقدم له لبناً أو دهناً أو سمناًَ. فأتى هذا الأعرابي، فقال صلى الله عليه وسلم: {كم تعبد؟ قال: سبعة} هذه السبعة ليست من الجن الذين يقولون: سبعة، فسبعة هنا بمعنى: 6+1=7، فهؤلاء يتخيلون في هذه الوثنية الحادثة، أن اسم (7) سوف يضره. ولا يضر إلا الله، ولا ينفع إلا الله. لَعَمْرُك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانعُ دعها سماوية، تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوسِ سماوية: أي: أن الأمر من السماء. {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] هذه تجري في دماء المؤمنين، تجعلهم شجعاناً، لا يخافون إلا الله، وسوف يأتي حديث عن ذلك. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {كم تعبد؟ قال: سبعة، قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء -فأوقفه عليه الصلاة والسلام أمام عقله وإرادته، وضميره، وأمام مستواه، وفكره وقال-: مَنْ لِرَغَبِكَ وَلِرَهَبِكَ؟} أي: مَنْ لك إذا اشتدت عليك الضوائق، وضاقت عليك الحيل؟ ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرجُ ضاقت فلما استحكمتْ حلقاتُها فُرِجَتْ، وكنتُ أظنها لا تفرجُ ويقول أبو العلاء الأعمى، ولكنه -أحياناً- يأتي بأبيات جيدة، يقول حين دخل على ملك المعرة صالح بن عبد الله: أطلق لي أسارى المعرة. قال: لا. لا أطلقهم لك. قال: أطلقهم. قال: لا. وفي الأخير قدر الله أن يغلبه ملك آخر يطلقهم، فأطلقهم، فدخل عليه في اليوم الثاني، فقال: تقضون والفلك المسير ضاحكٌ وتقدرون فتضحك الأقدارُ يقول: أنت يتيم، ليس عندك شيءٌ، فالذي يقضي وينفع ويحيي ويميت هو الله. الشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {مَنْ لِرَغَبِكَ وَلِرَهَبِكَ؟}. يعيشُها الطالبُ في قاعة الامتحان، يوم تُقَدَّم له ورقةُ الأسئلة، وتقدم أمامه ورقةَ الإجابة، فلا أبوه يعطيه الإجابة، ولا أمه قريبة منه تُغَشِّشه، ولا الأستاذ يستطيع أن يلقنه، ولا اللجنة تسمح له، فهنا يتصل بالواحد الأحد، وحينها يأتيه المدد إن كان تقياً. ويعيشها الفلاح في مزرعته، حين تموت أشجاره، وتذوب أزهاره، وتجف أمطاره، فيتلفت، فلا الزراعة تعطيه، ولا الناس يمنحونه، ولا القريب يثيبه غيثاً أو يعطيه مطراً، فهنا يلتفت إلى الله. ولذلك أوقف صلى الله عليه وسلم العرب أمام هذه القضية. فعند أحمد في المسند من حديث أبي تميمة الهجيني، قال: وفدتُ على الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان صلى الله عليه وسلم يعطي كل إنسان بمدده، أو ببيئته التي يعيش فيها، أو بقدرته على التلقي، البدوي يخطابه بواقعه من البادية، والملك يخاطبه بملكه وديوانه، والوزير بوزارته، والمتعلم بعلمه، وأهل الكتاب يخاطبهم بعلم الكتاب، والمنافقون بما عندهم من وساوس وخطرات نفاقية، والمشركون بمعالم الوثنية، كلٌّ يعطيه بحسب بيئته وطبيعته. يقول أبو تميمة: فلما وفدتُ قلت: يا رسول الله، إلام تدعو؟ قال: إلى الله؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم: {إلى الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك، وإذا أصابتك سنة مُمْحِلَة فدعوتَه أمطر عليك أرضك، وإذا ضلت ناقتك في الصحراء فدعوتَه رد عليك ناقتك} لا إله إلا الله! لا يعرف البدوي إلا الناقة، وإلا الأرض إذا أجدبت، وإلا المطر إذا جف، فهذه القضايا التي يعيشها ردها عليه الصلاة والسلام على من يكفله في ذلك. ولا بد من مخاطبة الناس ببيئاتهم. ذكر ابن قتيبة في عيون الأخبار قصة، وذكرها أيضاً ابن عبد ربه، وغيره من الأدباء، والقصة معروفة: وفد أعرابي من الصحراء على المتوكل الخليفة العباسي المناصر للسنة - المتوكل هو الذي نصر الإمام أحمد، ووقف معه، وأكرمه، وأعلى قدره- فدخل الشعراء يوم عيد الفطر على المتوكل يمدحونه، فقام الأعرابي الذي أتى من الصحراء، لا يعرف إلا الكلب والتيس، وقال للخليفة: أنتَ من ماجد وصولٍ كريم من كثير العطايا قليل الذنوبِ أنتَ كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوبِ يمدح الخليفة بصورتين اثنتين، فهو يقول له: ما أنتَ بحفظك للود ووفائك للعهد إلا كالكلب الذي معنا في الصحراء، وأحفظ الحيوانات للود الكلب، ومن حفظ الكلب أنه لا ينبح صاحبه، وأنتَ في شجاعتك وفي منازلتك الأبطال وفي قتالك المعارك مثل التيس. فقام الوزراء والجنود يريدون أن يبطحوه أرضاًَ، ويضربونه ضرباً حتى لا يدري أين القبلة، فقال الخليفة: دعوه، من أين أتيتَ يا أخا العرب؟ قال: من الصحراء، قال: دعوه، هذا لا يعرف إلا الكلب والتيس؛ لكن أنزلوه في الكرخ، فإني أراه عنده موهبة شعرية ثم ليأتني بعد سنة، فأنزلوه في خيمة في طرف بغداد عند الرصافة، بين الجسر والكرخ، فرأى الحدائق، ورأى الحضارة، الدنيا، والأسواق، وبعد سنة أتى ودخل على الخليفة وقال: عيون المها بين الرصافة والجسر جَلَبْنَ الهوى من حيث أدري ولا أدري ثم مدح الخليفة، فعذره وأجازه. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {كم تعبد؟ قال: سبعة، قال: مَنْ لِرَغَبِكَ وَلِرَهَبِكَ؟ قال: الذي في السماء، قال: فاترك التي في الأرض، واعبد الذي في السماء}. هذه قضيته عليه الصلاة والسلام أن يبين للناس أنه لا ينفع إلا الذي في السماء، {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد:30]. والله عز وجل يقول: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] والعرب تدري من هو الذي في السماء. الأعرابي وهو مشرك يعبد الصنم، إذا تَرَجْرَجَتْ به سفينتُه في البحر، التَفَتَ إلى السماء، ودعا: يا ألله! يا ألله! يا ألله! {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65] مثل الطلبة الآن، لما طلعت النتائج؛ قليل مِنْهم مَنْ يحضر ليصلي في الجماعة، وقليل مِنْهم مِنْ يقرأ القرآن، ومَنْ يسبح، هل يضحكون على الله؟! الضحك على الله عيب، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] ويقول: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30]. فالذي يضحك على إرادة الواحد الأحد إنما يضحك على نفسه، فالله عز وجل يعلم ما تكنه الصدور، وما تخفيه الضمائر. فالمقصود: أن الناس يعرفون من هو الله، ويعرفون أنه في السماء. رأيتُ في ترجمة عيسى عليه السلام أنه مرَّ، وكان يشفي -بإذن الله- من الأمراض، وكان يعالج، وكان -بإذن الله- يحيي الموتى، فمر ببقرة، وقد اعترض ولدها في بطنها، وأصبحت في مشقة، وفي كرب لا يعلمه إلا الله، فالتفتت البقرة إلى السماء وقالت: يا عيسى، يا روح الله، ادع الله أن يفرج عني، فدمعت عينا عيسى، ودعا اللهَ ففرج عنها. فالكائنات كلها تصمد إلى الله، ولذلك يقول الشاعر: يا رب حمداً ليس غيرك يُحْمَدُ يا من له كل الخلائق تصمدُ أبواب كل ملوكنا قد أوصدت ورأيت بابك واسعاً لا يوصدُ الصالحون بنور وجهك آمنوا عافوا بحبك نومهم فتهجدوا

دعاء الله وتوحيده

دعاء الله وتوحيده ترى الجهات والسلاطين، إذا طرقتهم في الثالثة ليلاً أو الرابعة، لا يفتحون لك وقد يغضب عليك وإذا أتيتهم في غير وقت الزيارة لا يسمحون لك، ولا يستقبلون معاريضك، ولا يسمعون بكاءك، ولا شكايتك، ولا يرحمون دموعك، إلا إذا أتيت في وقت خاص، بأمر خاص، وإذن خاص، وشفاعة خاصة، ثم هو على مزاجه، إن شاء أعطاك وإن شاء رفض. أما الواحد الأحد، ففي كل لحظة، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]. ولذلك فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يُدْخل في أي وقت. قال يوسف بن أسباط: عجباً لك يا بن آدم! خُلِّي بينك وبين الماء البارد، تتوضأ وتدخل على الله متى شئتَ. قال الصحابة وهم في سفر: {يا رسول الله! أربنا قريب فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟}. أي: هل هو قريب فنتكلم إليه بالصوت الخافت؟ أم هو بعيد فنرفع أصواتنا؟ {فأنزل الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]} وهي من أعظم الآيات المؤثرة في حياة العبد، أن تناجي الواحد الأحد في أي وقت، فيسمع دعاءك. قال بعض المفسرين: إن يوسف عليه السلام لبث في السجن سبع سنين لسبب واحد، لأنه كان يقول لزميله في السجن كما في القرآن الكريم: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف:42] أي: اذكرني عند سيدك، الملك، فإذا دخلتَ عليه وقد أطلقك، فحاول إذا أتى ذكري أن تذكرني عَلَّه يطلقني من السجن، فأوحى إلى يوسف: ذكرتَ ربه ولم تذكر ربك؟! لماذا لم تذكر حاجتك إلى الواحد الأحد؟! ولماذا لم تقل أنتَ: يا الله، يا الله؟! من الذي يمنعك أن ترفع يديك إلى الواحد الأحد؟! إنه قريب سميع مجيب. خرج الصحابة، فلما أصبحوا في الربع الخالي، تقطعت بهم المياه وتقطعت بهم الأسباب والأنفاق والحبال، وأصبحوا في درجة من الهلاك والظمأ، لا يعلمه إلا الواحد الأحد، قالوا لأميرهم العلاء بن الحضرمي: [[ادعُ لنا ربك قال: يا عليُّ! يا عظيم! يا حكيم! يا عليم! فأرسل الله سحابة، فأمطرتهم، فشربوا واغتسلوا وملئوا أوانيهم. ]] أليس الله هو القريب: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4].

فضائل سورة الإخلاص

فضائل سورة الإخلاص ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه وأرضاه: {أن رجلاً كان يردد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] لا يزيد عليها، قام من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، يردد {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] حتى الفجر، فأتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وسأله الصحابة في ذلك، كأنهم تقالُّوها، قال: والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن}. فمن قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فكأنما قرأ ثلث القرآن في الأجر والمثوبة. وأخرج الإمام أحمد رحمه الله من حديث أبي سعيد قال: قال عليه الصلاة والسلام: {أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ قالوا: وأينا يستطيع ذلك يا رسول الله؟ قال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ثلث القرآن} فمن قرأها حصَّل ثلث القرآن، ومن قرأها ثلاثاً فكأنما قرأ القرآن مرة بالأجر والمثوبة، لا بالمعلومات والقضايا، فإن هذا أمر آخر. وورد في الصحيح {أن رجلاً جعله صلى الله عليه وسلم أميراً على سرية، فخرج معهم، فكان يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] دائماً، لأنه يحبها، فكان يتأملها ويتعلق بها، فأخبروا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: سلوه، لم يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]؟ فسألوه، قال: إن فيها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأها، قال عليه الصلاة والسلام: حبك إياها أدخلك الجنة}. وفي لفظ آخر: {أخبروه أن الله يحبه}. ما دمتَ أحببتَ كلامه، وما دمتَ تعلقت بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فهذا هو الشرف العظيم. يا شباب الإسلام! يا جيل محمد! يا كتيبة الإسلام! يا عصابة الحق! إن من المدهش والمذهل والمحزن والمبكي أن تستمع لبعض الناس يقال له في مقابلة: ماذا تحب؟ فيقول: أغنية فلان، بتلحين فلان، وكلمات فلان، فيقال له: إلى من تهديها؟ فيقول: إلى أبي وجدي، وإلى أخي وإخوتي، وإلى أبنائي وبناتي. قارنوا بين هذا وبين ذاك العصامي الرجل الأول الذي عاش مع محمد صلى الله عليه وسلم المجاهد الشاب الذي تعلق بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وقرأها في كل ركعة. وفي الصحيح: {أن رجلاً جعله صلى الله عليه وسلم إماماً لقومه في قباء من الأنصار، فكان كلما قرأ الفاتحة قرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ثم أتى بسورة، فقال له قومه: إما أن تكتفي بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فهي تكفي، وإما أن تقرأ غيرها، فقال: إن أردتم أن أؤمكم قرأت بكم في كل ركعة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وإلا فابحثوا عن إمام غيري، وعلموا أنه ليس عندهم إمام غيره، لما فيه من الخير، فأخبروا الرسول عليه الصلاة والسلام فَبَيَّن أن حبه لها أدخله الجنة، وأن الله يحبه} سبحان الله العظيم!!

لماذا كانت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن

لماذا كانت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن المسألة الثانية: لماذا كانت ثلث القرآن؟: قال بعض العلماء: إن القرآن ثلاثة أنواع: الأول: أحكام. الثاني: وعد ووعيد. الثالث: أسماء وصفات. فـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أسماء وصفات، فهي ثلث القرآن. فثلثٌ: أحكام، وتشريع. وثلثٌ: وعد ووعيد، وخبر عن الجنة والنار، وعن الآخرة. وثلثٌ: أسماء وصفات. فتكفلت (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) بالأسماء والصفات، فهي ثلث القرآن. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه فيما رواه مسلم وغيره، قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل جزَّأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) جزءاً من أجزاء القرآن} قال القرطبي: وهذا نص، وبهذا المعنى سُمِّيَتْ سورة الإخلاص.

إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من قراءة سورة الإخلاص

إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من قراءة سورة الإخلاص وكان عليه الصلاة والسلام يحبها كثيراً، ويقرأ بها هي وسورة الكافرون في ركعتي الفجر التي قبل الصلاة، ويقرأ بهما في ركعتي الطواف، ويقرأ بهما في سنة المغرب البعدية، يداوم على هاتين السورتين في هذه النوافل؛ فإنه يبتدئ النهار عليه الصلاة والسلام بركعتي الفجر؛ لأن {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] نفت الشرك، وبينت المفاصلة بين التوحيد والشرك، بين (لا إله إلا الله) وبين لا إله والحياة مادة، بين أولياء الله وبين أعداء الله، بين الكفر وبين الإيمان، بين الظلام وبين النور، أما (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في الركعة الثانية فأخلصت التوحيد لله، وأخلصت الولاء، وذكرته في أجل المحامد؛ فإن الله يحب المدح، الله ممدوحٌ يحب المدح، ولا أحدٌ أحب إليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه، ونزَّه نفسه، وأثنى على نفسه، وحمد نفسه، قال الأسود بن سريع: {ركبت مع الرسول عليه الصلاة والسلام رِدْفاً له، فقلت: يا رسول الله! إني نَظَمْتُ أبياتاً أمدح بها ربي، فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: أما إن ربك يحب المدح} ولذلك انظر إلى استهلالية سورة الأنعام، السورة الهائلة التي شيعها سبعون ألف مَلَك، حتى أنزلوها في الأرض، ولذلك سورة الأنعام هذه رهيبة رهيبة، فهي سياط من الآيات تضرب القلوب، وتستولي على الأرواح، وتطارد النفس من كل أقطارها، افتتحها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بهجوم أدبي على أعدائه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]. ونزه نفسه فقال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:181 - 183]. وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65]. وأخبر بكلٍّ من حكمته، ورحمته، ولطفه. وفي صحيح مسلم: عن عمرو بن الشريد، قال: {رَدِفْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدابة -بغلة أو حمار- فقال لي: أتحفظ شيئاً من شعر أمية بن أبي الصلت؟ قلتُ: نعم. يا رسول الله! قال: هِيْه! أنشدني -كان عليه الصلاة والسلام لا يحفظ الشعر، أتى بشيء أحسن من الشعر، ولو كان يحفظ الشعر لقال عنه الكفار: شاعر، {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69]- فقال: فأنشدتُه بيتاً، فقال: هِيْه، فزدته، فقال: هِيْه، فزدتُه، فقال: هِيْه، حتى أنشدتُه مائة قافية}. من ضمن الشعر المنشود: أن أمية بن أبي الصلت نَظَمَ قصة موسى لما أرسله الله إلى فرعون. وأمية هذا مات كافراً، سبحان الله! آمن لسانه وكفر قلبه؛ لأنه يريد أن تكون النبوة فيه، يريد أن يؤتى صحفاً منشرة، فما أعطاه الله النبوة، فكفر بالرسول عليه الصلاة والسلام. فمن ضمن قصائده: أن الله عز وجل لما أرسل موسى إلى فرعون قال له: أأنتَ يا فرعون رفعتَ هذه؟ أأنتَ يا فرعون نصبتَ هذه؟ أأنتَ أنبت الحب؟ أأنت خلقتَ الزهر؟ فقال نَظْماً: فقولا له أأنت سويت هذه بلا عمدٍ حتى استقلت كما هيا وقولا له من ينبت الحب في الربى فيصبح هذا الحب بالحب دانيا ثم أخذ يقول: وقولا له، وقولا له، وقولا له، فتأثر له عليه الصلاة والسلام وقال: {آمن لسانُه، وكفر قلبُه} {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} [الرعد:36]. وفي صحيح البخاري وغيره: {أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه، أخذ كفيه الشريفتين العادلتين الرحيمتين فقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثلاثاً، ثم نفث فيهما ومسح ما أقْبَل من جسمِه ورأسَه وما والى من وجهه. يفعل ذلك ثلاثاً، ثم ينام}. لماذا؟ ليحفظه الله، وهو محفوظ. وإذا العناية لا حظتك عيونُها نَمْ فالحوادث كلهن أمانُ

النبي يوصي عبد الله بن خبيب بسورة الإخلاص

النبي يوصي عبد الله بن خبيب بسورة الإخلاص كان يحب أن تكون آخر كلامه صلى الله عليه وسلم قبل أن ينام. في السنن ومسند أحمد: عن عبد الله بن خبيب، قال: {كنت أمشي في ظلام، وكان صلى الله عليه وسلم وراءه- ولا يدري أن المعلم والشيخ وراءه في الظلام- قال صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله بن خبيب! قلتُ: لبيك وسعديك يا رسول الله}. وانظر إلى الشباب المتفتح، وإلى الكتيبة الخالدة، وفتيان محمد صلى الله عليه وسلم، كان الواحد منهم إذا ناداه في المعركة يقول: لبيك، فيقدم رأسه ودمه رخيصاً كالتَّفْلَة في الأرض. {فقال: لبيك يا رسول الله، قال: (قُلْ) قلتُ: ماذا أقول يا رسول الله؟ قال: (قُلْ) قلتُ: ماذا أقول يا رسول الله؟ قال (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثلاثاً إذا أصبحتَ، وثلاثاً إذا أمسيتَ لا يضرك شيء} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. معنى ذلك: أنها حرز حريز، وأنها حياطة من الله وسياج، فلا يضرك معها شيء. وإذا قلتها بعقيدة في الصباح، فمن ذا الذي يضرك، إذا أراد الله ألا يضرك أحد فمن ذا الذي يضرك. وعن وهب بن منبه وقد ذكر ذلك ابن كثير وغيره -: أن الله عز وجل يقول في الحديث الصحيح القدسي: {وعزتي وجلالي، ما من عبد اعتصم بي، فكادت له السماوات والأرض، إلا جعلت له من بينهن فرجاً ومخرجاً} أسمعتم؟! من الذي يقسم؟ الله! {وعزتي وجلالي ما من عبد اعتصم بي، ثم كادت له السماوات والأرض ومن فيهن، إلا جعلتُ له من بينهن فرجاً ومخرجاً، وعزتي وجلالي ما من عبد اعتصم بغيري، إلا أسخت الأرض من تحت قدميه}. فالأذلاء الحقراء هم الذين يعتصمون بغير الله، والخونة العملاء هم الذين يلتجئون لغير الله، أما المؤمنون الشجعان فهم الذين يفوضون أمرهم إلى الله قال تعالى: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر:44 - 45]. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:36]. وقال تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران:174]. وكان عليه الصلاة والسلام يحب أن يرددها كثيراً، ويقرأها، ويتأملها، وأن يعيش معها، ولكن تعالوا الآن لنعيش مع مفرداتها، وجملها الرائعة البديعة، التي هي تثبت -صراحةً- أن هذا القرآن ما كان له أن يُفْتَرى من دون الله، ومن غير الله ما يُسْتَطاع، وأن من معجزاته أنه ما يُنْظَم على نفسه، ولا يُوْصَل إلى قدره، ولا يُرَتَّل مثله أبداً، لا من شاعر، ولا من كاتب، ولا بليغ، ولا خطيب، أو عالم، أو مفكر. هذه مسألة.

تفسير سورة الإخلاص

تفسير سورة الإخلاص

تفسير (قل هو الله أحد)

تفسير (قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد) أي: الواحد الأحد، الذي لا نظير له، ولا وزير، هكذا يقول ابن كثير، هل تعلم لله سمياً؟! هل تعلم له نظيراً؟! والله يقول: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} [الكهف:51]. معنى الآية: لا والله لا استشرتُ في خلق السماوات والأرض، ولا طلبتُ إدلاءهم بأصواتهم، ولا كانوا حضوراً، ولا أعانوني في البناء، ولا رفعوا معي هذا السقف، ولا بسطوا معي هذه الأرض، ولا نصبوا هذه الجبال، بل كانوا في عالم العدم، أخِسَّة، حقراء، ليسوا موجودين كما قال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الانسان:1 - 3]. يقول فرعون: أنا خلقتُ الخلق، فأتى الشيطان يضحك على فرعون، فطرق عليه الباب، وفرعون في القيلولة نائم، قال: من؟ قال الشيطان: أما عرفتني؟! قال: ما عرفتُك، قال: تخلقني ولا تعرفني؟! أي إنك تقول: أنك تخلق العالم، أفتخلقني ولا تعرفني؟! لأن فرعون يقول: أنا الذي خلق الناس. وهذه الدعوة قديمة، فـ النمرود الكذاب المجرم، الذي مرغه إبراهيم في التراب، يقول كذلك. فيأتي جمع من الناس، فيصفقون له في المهرجان، ويقول: أنا خلقتكم. فيقولوا: يعيش يعيش يعيش، فيقول: ورزقتكم، وأميتكم، قالوا: يعيش يعيش يعيش، فأراد إمام التوحيد وشيخ العقيدة إبراهيم أن يدخل عليه حتى يمرغ وجهه في التراب، فدخل عليه، كما يصف الله تلك الحادثة: {ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258]. ويقال: أن الفرق بين فرعون والنمرود: أن إبراهيم هو الذي بدأ بالسؤال، أما فرعون فهو الذي بدأ بالسؤال مع موسى. فكان النمرود أذكى قليلاً، وإلا فهما كما يقول عمر، قيل لـ عُبادَي: أي حماريك أخس، قال: [[هذا ثم هذا]] فذاك حمار وهذا حمار؛ لكن بعض الحمير أذكى من بعض. ويقول صاحب (كليلة ودمنة): جمع الأسد الحيوانات وقال: عندي فكاهة، قالوا: تفضل يا أبا حسل، فأورد الفكاهة، فضحكوا جميعاً إلا الحمار لم يضحك وفي اليوم الثالث ضحك الحمار، فقال له الأسد: ما لك؟ قال: فهمتُ الفكاهة الآن. الشاهد أن إبراهيم قال: للنمرود {قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:258] قال: كيف؟ فأخرج النمرود مسجونين، فقتل أحدهما وأطلق الآخر وقال: هذا أحييه أطلقتُه، وهذا أميتُه ذبحتُه، قال إبراهيم: ما دمتَ أنك أستطعت أن تحيي وتميت -والنمرود بالطبع كذاب فهذه ليست إحياء وإماتة- وهي مسألة أخرى، قال: ماهي؟ {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة:258] قال الله: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258]. فالله لا وزير له، ولا نديم، ولا شبيه، ولا عديل. ولذلك فإن الله لا ينام، {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [فاطر:41]. وورد أن موسى عليه السلام، عندما التقى مع الله قال: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143]. ويوم صُعد بالرسول صلى الله عليه وسلم وعرج به قال: يا رب! كيف شرَّفته وقد بُعِثَ بعدي؟! قال ابن تيمية رحمه الله: هذه غيرة محمودة، تنافس في الحق، ليس حسداً. وفي بعض الآثار أنه قال: يا رب! اجعلني من أمة محمد. كان يريد أن يتفضل بأمته على الأمم، وفي الأخير يقول: اجعلني أنا من أمة محمد. وهذا ثابت. ففي (سنن النسائي) بسند صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {والذي نفسي بيده، لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي}. اسمع بعض أسئلة موسى إلى الله عز وجل: قال: يا رب، أتنام؟ -سبحان الله! لقد التقى بالله يكلمه- قال: يا رب! أتنام؟ قال: يا موسى! لا تنم هذه الليلة، فما نام، فأتت الليلة الثانية، فقال: لا تنم، فلم ينم، فأتت الثالثة، قال: لا تنم، فلم ينم، فلما أتت الرابعة قال: يا موسى، خذ قارورتين واملأهما ماءً، فأخذ قارورتين ووقف وملأهما ماءً، فأخذ ينعس، وكادت القارورتان أن تَصْطدمان، فكان ينتبه، ولما أتى في الثلث الأخير من الليل اصطدمت القارورتان، وتكسرت، فقال الله: يا موسى! لو نمتُ لذهبت السماوات والأرض. وأنزل الله مصداق ذلك: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا} [فاطر:41] فسبحان الخالق البديع الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت! اسمع هذه الآية: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد:33] من القائم على كل نفس؟ الله. انظر إلى كل إنسان في الزحام وفي الكثرة وفي الملايين، فالله يحاسبه ويراقبه كأنه ليس مشغولاً إلا به، مع العلم أنه كما قال ابن القيم: يُغْني فقيراً، ويُفقر غنياً، ويرد ضالاً، ويهدي عاصياً، ويتوب على تائب، ويخلع هذا، ويولي هذا، وينزع هذا، ويعطي هذا، ويمنع هذا، ويحيي هذا، ويمرض هذا، ويشفي هذا {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]. ولا يطلق هذا اللفظ على أحد إلا على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله، وقال القرطبي: الواحد: الوتر، والله يحب الوتر فهو واحد لا ثاني له، ويحب من الأفعال الوتر، ولذلك كانت هيئات الوضوء، أو الغَرفات ثلاثاً، والطواف بالبيبت سبعاً، والسعي سبعاً، وأيام الأسبوع سبعاً، وينتهي النهار بالوتر، وهي صلاة المغرب، والليل بالوتر المعروف، فالله وتر يحب الوتر. قال: لا شبيه له ولا نظيراً ولا صاحبة ولا ولداً، والله عز وجل يغضب من يسمي له صاحبة، قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون:91] وما اتخذ الله من شريك، ولا نديد ولا مثيل يشاركه. فتعالى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى! ومما يروى من قصص بني إسرائيل وأهل السنة يروون قصص بني إسرائيل: {حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج}. فقيل: كان بنو إسرائيل إذا غاب موسى اغتابوه وسبوه وشتموه، فإذا حضر هابوه، فدعا موسى ربه وقال: يا رب! أسألك أن تكف ألسنة الخلق عني. ولذلك يقول الله عز وجل: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69] وقال الله: يا موسى! ما اتخذتُ ذلك لنفسي، إني خلقتُهم، ورزقتهم، وأعافيهم، وأشافيهم ومع ذلك هم يسبونني. وورد في الصحيح: {كَذَبَنِي ابن آدم} وفي لفظ: {كَذَّبَنِي ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي فيقول: إني لا أعيد الخلق كما بدأتُه، وإعادته عليَّ أهون من بدئه، وأما شتمه إياي فيقول: إن لي صاحبة وولداً، وتعاليتُ وتقدستُ، لا صاحبة لي ولا ولداً}. وفي بعض الألفاظ: {شتمني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وسبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، أما شتمه إياي فإنه يشتم الدهر، وأنا الدهر، أُقَلِّب الليل والنهار كيف أشاء} والآن الناس يشتمون الدهر، فيسب أحدهم فيقول: فضح الله هذا اليوم وهذا الأسبوع وهذا العام، وفضح الله يوماً عرفتُكَ فيه، ولا بارك الله في زمن لقيتُك فيه، أو صاحبتُك فيه. نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا إن الجديدَين في طول اختلافهما لا يفسدان ولكن يفسد الناسُ فالليل والنهار لا شيء، ولذلك يقول الشاعر الجاهلي متعتباً على الدهر: لحا اللهُ هذا الدهر إني وجدته بصيراً بما ساء ابنَ آدم مُوْلَعا فالدهر لا دخل له، إنما الذي يقلب الليل والنهار هو الله، وهو مسبب الأسباب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

تفسير قوله تعالى: (الله الصمد)

تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ الصَّمَدُ) الصمد لها معانٍ عند أهل السنة من المفسرين، وغيرهم من اللغويين. فقيل الصمد: هو الذي تصمد له الكائنات، أي: تحتاج له، وتتلهف له، وتتجه إليه، وتطلبه، من هو المستغني عن الله؟ من هو الآن الذي يعيش أو سوف يعيش وقد استغنى عن الله طرفة عين؟ هل تستطيع الدواب أو العجماوات أو الطيور أو الزواحف أو الملوك أو الكفرة أو التجار أن يستغنوا عن الله طرفة عين؟ {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29] يسمع دبيب النمل فيعافي ويشافي، وتُرْفَع إليه الحاجات، فلا يمنعه كفر الكافر أن يرزقه، بل يعافيه، ويعطيه، ويبتليه، ويشافيه، وهو كافر بالله، قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6]. قال ابن الجوزي: ذهب بعض الصالحين، فرأى عصفوراً يأتي إلى نخلة فيقع عليها، كل يوم، فتعجب هذا الرجل الصالح، قال: العصفور ليس من عادته أن يعشعش في النخل، العصفور لا يبني عشه في النخل، لكنه يبني في الأرض، أو في الشجر القصير، فتسلق هذا الرجل الصالح إلى رأس النخلة، فوجد حية عمياء، نشبت في رأس النخلة، ليس لها طعام، فإذا احتاجت إلى أكل، أتى هذا العصفور بطعام ولحم، فإذا اقترب منها زقزق، ففتحت فمها، فألقى اللحم في فمها. فمن الذي دَلَّ؟ ومن الذي عرَّف؟ ومن الذي {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50]؟ من الذي عَلَّم النحلة أن تذهب المسافات الشاسعة ثم تعود إلى مكانها، والعاملة تشتغل في بناء هذا البناء، ومنها الآخذة والطاعمة والشاربة. من الذي عَلَّم النمل أنه سوف يمر فصل شتوي قارس البرد كثير الأمطار، لا تستطيع أن تخرج إلى الحب، فتعد وتحسب حسابها من فصل الصيف، فتدخر الحبوب في مخزونها، فإذا أتى الشتاء لا تخرج النمل، ثلاثة أشهر لا يخرج النمل إلا أحياناً؛ لأن عنده مكنون. وأيضاً لا ينبت الحب في بيوتها كما قاله أهل العلم، وهذا من (مفتاح دار السعادة) لـ ابن القيم، قالوا: لماذا لا ينبت الحب الذي في بيتها؟ فقالوا: تأتي النملة إلى الحبة فتخرقها من وسطها، أو تفلقها فلقتين فتصبح غير قابلة للإنبات، ثم تكدسها، وهذه هندسة علمها الذي {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50]. ولذلك سوف أعيد وأكرر كثيراً هاتين المقولتين لموسى، فيقول بعض المفسرين: لله در موسى لَكَمَ فرعون على وجهه؛ لأن فرعون يقول: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49] قال: يا مجرم يا بليد يا حقير! {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] أنت يا فرعون لما ولدتك أمك، من الذي هداك للثدي؟ فالطفل أول يوم يخرج من بطن أمه لا يعرف أحداً إلا أمه، فمن الذي هداه إلى أمه وإلى ثديها؟ ومن معاني الصمد: أي: السيد، أتى سعد بن معاذ على بغلةٍ فلما رآه الأنصار قاموا، قال صلى الله عليه وسلم: {قوموا إلى سيدكم} فقاموا، قيل في الصحيح: أقبل على حمار، وفي (السِّيَر) على بغلة، فأقبل على حمار مُنْكَأ الجراح، وكان عظيماً شديداً، اهتز له عرش الله، وقامت الملائكة بأقطاب العرش، تقول: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]. فلما أقبل، قال صلى الله عليه وسلم: {قوموا إلى سيدكم} والقيام للسادة، إذا كان من باب الحب والاحترام فلا بأس به، أما إذا كان من باب التعظيم كالقيام على رأسه، فلا. كان بعض الفضلاء جالساً فأتى عالم من العلماء أقبل كالفجر، فقام الأديب، فقال العالم: لا تقم، في القيام نظر، وهو مكروه، فقال الأديب: قيامي -والإله- إليك حقٌ وترك الحق ما لا يستقيمُ وهل رجل له لب وعقلٌ يراك تجي إليه ولا يقومُ؟ هل يوجد في الدنيا أحدٌ يراك تقوم مقبلاً إليه، ولا يقوم؟ قال: {قوموا إلى سيدكم} قال ابن عباس: [[السيد الذي كمل في سؤددُه، وعَظُم شرفُه والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كملت عظمته، والحليم الذي كمل في حلمه، والعليم الذي كمل في علمه، والحكيم الذي كمل في حكمته]]. وقال أحد الشعراء العرب، يمدح بعض السادة العرب، يقول: ألا بَكَّرَ الناعي بخير بني أسدْ بـ عمرو بن مسعود وبالسيد الصمدْ المعنى: فوجئنا قبل الفجر بالصائحة والنائحة والباكية، تبكي سيدين شريفين: عمرو بن مسعود، وبالصمد الآخر. وكانت العرب تمدح الرجل الملك، فتقول: يا صمد! أي: يا مَن يُصْمَد إليه. وعند أحمد في المسند من حديث المقداد بن الأسود، أن رسول صلى الله عليه وسلم كان إذا نصب سترة لا يصمد إليها، والحديث فيه: الوليد بن كامل، وهو ضعيف، وبعضهم يحسِّنه، ولكن الظاهر أنه ضعيف. والمعنى -على فرض صحة الحديث- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يصمد للسترة صمداً، بل كان يجعلها على حاجبه الأيسر، أو حاجبه الأيمن. فالذي يُصمد إليه هو الله. والصمد له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على نوعين: الأول: صمود خاص. الثاني: صمود عام. الصمود الخاص: صمود المؤمنين له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الضراء والسراء. الصمود العام: صمود الكائنات فلا يستغني عن الله أحد. قالوا للإمام مالك: ما دليل القدرة؟ والظاهر -والله أعلم- أن القائل هو هارون الرشيد -كما ذكر ذلك ابن كثير في التفسير- في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21]. فقال هارون الرشيد لـ مالك: ما دليل القدرة يا مالك؟ قال: اختلاف اللهجات، وتعدد النغمات في شتى الحاجات أمام الواحد الأحد. أما ترى الناس يوم عرفة يَتَكَلَّمون بأكثر من أربعمائة لغة على صعيد عرفة يتكلمون في ساعة واحدة إلى الحي القيوم، إلى من على العرش استوى، فيفهم لغاتهم، ويجيب طلباتهم، ولا يعييه سؤال عن سؤال، ولا إجابة عن إجابة، هذا يتكلم بالعربي، وهذا يتكلم بالإنجليزي، وهذا بالفرنسي، وهذا بالباشتو، وهذا بالأوردو، وهذا بالفارسي، وهذا بالأطلسي، وهذا بلغة عالمية، وهذا بمحلية، ومع ذلك كلهم يريدون الخير، ويصمدون إليه، فيجيبهم وهم في صعيد واحد. أليس هو الصمد سبحانه؟! بلى. وقال الحسن وقتادة: [[الصمد: هو الباقي بعد خلقه]]. الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:40]. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]. فلا يموت سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ولذلك يأمر عباده وأولياءه أن يتوكلوا عليه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58]؛ لأن غيره يموت. تريد أن تتوكل على الذي يموت؟ لا. توكل على الذي لا يموت سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وقال الحسن: [[الحي القيوم: الذي لا زوال له]] فلا يزول ولا يحول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. يقول أحد الصالحين: سبحانك يا من لا يزول ولا يحول! سبحانك يا من يغير ولا يتغير! أي: يغير غيره ولا يتغير. الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول لأعدائه وهو يُبَكِّتُهم وقد سكنوا في القصور: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} [إبراهيم:45]. فهو يغير ولا يتغير، تعالى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وقال الربيع بن أنس: [[هو الذي لم يلد ولم يولد]] فجعل تفسير الصمد الآية التي بعدها، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد السابع من الفتاوى: قيل لبعض العلماء: ما دليل قدرة الله؟ قال: دليل قدرة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى نَقْضُ الهمم، وإماتة العزائم. من الذي ينْقُضُ هِمَّتَك؟ إنه الله، تهم بالشيء، وتجزم أن تفعله، وتقسم أن تفعله ثم ينقض همتك، ويشتت عزيمتك. وقيل للإمام أحمد كما في تفسير ابن كثير: ما دليل القدرة؟ قال: بيضة الدجاجة، أما سطحها ففضة بيضاء، وأما باطنها فذهب إبريز، تفقس، فيخرج منها حيوان سميع بصير، ألا يدل على السميع البصير؟ بلى. وللعلماء عن القدرة كلام، ففيها أمور عظيمة لا يَفِي المقام ببسطها، وليس هناك مجال لعرضها. وقال عكرمة: يقول ابن عباس: [[الصمد هو الذي لا جوف له]]. فتَصْمُد له الكائنات، وتسأله المخلوقات، بشتى اللغات، وبتنوع الحاجات، على مر الأوقات، والأزمان في الأرض والسماوات. فلا يعييه شيءٌ عن شيء. وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة بعد إيراد كثير من هذه الأقوال: إن الصمد هو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم الظاهرة والباطنة، وإذا أمرٌ لم يسهله الله عز وجل لم يتسهل. يقول الشاعر: إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده فالاجتهاد مع عدم التوفيق لا خير فيه ولا فلاح، والخيبة والخسران من نصيبه. قالوا: الصمد: أي: الذي انتهى سؤدده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وعظُم. وقيل: الصمد: الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب، وقد اختاره البيهقي مع بعض العلماء.

تفسير (لم يلد ولم يولد)

تفسير (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) أما قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3] ففيه قضايا: من هذه القضايا ما يلي: القضية الأولى: لا والد لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولا ولد، وليس له صاحبة. واليهود قالوا: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30]. والنصارى قالوا: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30]. والمشركون قالوا: الملائكة بنات الله، فنفى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنه الولد والوالد. {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:30]. القضية الثانية: لماذا بدأ فقال: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3] فبدأ بالولد، مع أن الوالد أهم؟ قالوا: لأنه لم يُقَل أحد: إن الله له والد، لم يُقَل هذا، أو لم ينتشر ولم يشتهر، وليس هناك ملة أو نحلة تقول: إن الله له والد؛ لكن اليهود يقولون: إن لله ولداً، والنصارى يقولون: إن لله ولداً، ومشركو العرب يقولون: أن لله ولداً. ومشركو العرب {وجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} [الزخرف:19]. والمعنى: أشهدوا خلقهم؟! هل حضروا؟ هل رأوا تركيبهم؟ وأما النصارى فقالوا: عيسى ابن الله لعنهم الله. وقال اليهود: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30]. فرد الله عليهم بنفي الولد أولاً، ثم أتى بالوالد، وإلا فالوالد أهم. قال: (لَمْ يَلِدْ) فلم يلد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كما ولدت مريم. (وَلَمْ يُولَدْ) كما وُلِدَ عيسى، وعزير، وقد رد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على النصارى، واليهود، ومشركي العرب في هذه القضية التي أتوا بها. {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً} [مريم:88]: وهذا القول، ذنبٌ كبير، وليس هناك ذنب أكبر منه. {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:88 - 95] وهذا رد على هذه المقالة الفاجرة الخائنة، وعلى أصحابها، حسيبنا الله عليهم.

تفسير قوله تعالى: (ولم يكن له كفوا)

تفسير قوله تعالى: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً) والكفو: هو المثيل، والشبيه، والنديد. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً} [الإخلاص:4] أي لم يكافئه أحد، يقال: فلان كافأ فلاناً، أي: شابهه ونادَّه وأصبح مثيلاً له. فالله لا مثيل له لا في أسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، ولا في جزئية من جزئيات صفاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا كفء له أحد، أي: لا يوجد أحد. وقرئت: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:1 - 2]: قرئت: على التنوين وصلاً وعلى الضم قطعاً، بتفخيم لفظ الجلالة {اللَّهُ} الثانية، وقرئت وصلاًَ بترقيقها. وقرئت {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحد} [الإخلاص:4] من غير همزة (كُفُواً) على واو، وقرئت: بهمزة (كُفُؤاً) على الواو، وقرئت: (كِِفُواً) بكسر الكاف، قرأها بعضهم وهي قراءة غريبة، والمشهور: (كُفُواً) من غير همزة، أو (كُفُؤاً) بالهمزة.

تفسير قوله تعالى: (أحد)

تفسير قوله تعالى: (أحد) (أحدٌ) أي: ليس له هناك نديد، ولا شبيه، ولا مثيل. {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات:158]. قال المفسرون: أي مُحْضَرون للحساب، ولو كان بينهم وبين الله نسب ما أحضرهم ولا حاسبهم، مثلما قالت اليهود والنصارى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} [المائدة:18].

دروس من سورة الإخلاص

دروس من سورة الإخلاص

الوحدانية في حياة المسلم

الوحدانية في حياة المسلم 1/ وحدانية الحب: أن تحب الله أعظم من كل شيء، {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165] حباً يستولي على مشاعرك، أحب إليك من والدك وولدك والناس أجمعين، حباً لا يوازنه شيء، وعلامة الحب: أن تتمنى الشهادة صباح مساء, يعني: بأن تبيع نفسك من الله، فتكسب هذا الدم الذي يجري في شرايينك، رخيصاً لمرضاة الواحد الأحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هذا هو الحب. والحب: أن تقدم محابَّ الله على محابِّك، فتستيقظ لصلاة الفجر، والجو قارس، والفرش وثير، واللحاف دافئ، والتعب كثير، والنوم عميق، فتنتفض كالأسد وتطير إلى المسجد فتصلي هناك، وفي صحيح مسلم أن الأسود قال لـ عائشة: كيف استيقاظه صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل؟ قالت: [[كان إذا سمع الصارخ يثب]] وإني أعلم ماذا تريد من قولها: يثب، تقصد: يثب كالأسد، كما قال تعالى: {يا يحي خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12] أما المنافق فلا يثب، بل يتدحرج إلى المسجد كأنه يجرجر بالحبال، {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] فهم مثبطون، ميتون، كسالى؛ لأن حياة الحب لا تجري في دمائهم، ولا تجري في عروقهم. 2/ وحدانية الرجاء: ألا ترجو إلا الله، ولا تسأل إلا هو، ولا تعتمد إلا عليه، فالفتوحات والمكرمات منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وإذا لم يرد الله أن ينفعك لا ينفعك أحد، ولا يقدم لك خيراً أحد. 3/ وحدانية الخوف: الناس اليوم يعيشون في شرك الخوف، عندهم التمائم وهي محرمة، والطواف بالقبور، والشعوذة، والكهانة، وغالب الناس لا يعبدون الأصنام، ولا يسجدون للحجارة، ولا يستقسمون بالأزلام، ولا يعبدون الكواكب، ولا يسجدون للنجوم؛ ولكن أصابهم الله بشرك الخوف، وشرك الخوف من نواقض (لا إله إلا الله) وقد تكلم عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والشيخ محمد بن عبد الوهاب. شرك الخوف الذي دبَّ، واسأل نفسك، تجد أن شرك الخوف عندك، وأنك تخاف من البشر أكثر من خوفك من الله، وأنك وإن أظهرت الشجاعة فإنك في وقت ساعات الصفر وفي وقت الشدائد تنهار، وليس عندك من رصيد (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ما يقدم رأسك رخيصاً لخدمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله. واسأل نفسك، ولا تكذب عليها، وقف أمام نفسك خصيماً، واسألها طويلاً: أأنتَ تعيش شرك الخوف؟ نعم. ستجد نفسك أنك تعيش شرك الخوف، وأن غير الله أهول عندك وأهيب من الله، ومن علامة ذلك: أنك تتحرز وتتحفظ وتحتاط من البشر، أما من الله فلا تحتاط، ولا تتحفظ ولا تتحرز، ومن علامة ذلك أيضاً: أنك تظن أنهم يذهبون برزقك، وسوف يعطلون مصالحك، وسوف يضرونك، وسوف يُذْهِبون عليك حياتك، وأنت ستحذر غيرك، حتى أنك تسمع التحذيرات: الله، الله، خافوا! اتقوا! تحفظوا! احتاطوا! احترزوا! الناس متربصون! أعدوا لك خططاً! درسوا لك دراسة! يريدون توريطكم بورطة! حفروا لكم حفرة!!! لماذا؟! من هو المصرف المدبر؟! من هو القادر الحكيم؟! من الذي بيده مقاليد الأمور؟! من هو الغالب على أمره؟! أنه الله سبحانه: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21] {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران:173] اسمع العبارة: (جَمَعُوا لَكُمْ) أي: رصدوا وخططوا، والله يقول: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} [الزخرف:79] أي: أننا نبرم قبلهم، هم يبرمون ونحن نبرم قبلهم {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80]. فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} [آل عمران:173] ارتفعت (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في قلوبهم، {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. أنا أخبركم بتلاميذ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ثم أوقفكم أمامهم، وهم أجدادكم؛ لتروا كيف عاشت {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] قذائف في قلوبهم، وكيف عاشت {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] على ألسنتنا، نرددها في صلاة المغرب وصلاة الفجر، لكن إذا أتينا إلى التطبيق في الواقع، ما استطعنا. نحن أشبه الناس برجل يقرأ كتلوج السيارة كيف تُقاد، وكيف تُساق، ثم يركبها ويريد أن يقودها، فلا يستطيع، أو برجل يريد أن يَتَمَرَّن على التمارين السويدية، فيقرأها في كتاب رياضي، ثم يأتي ليطبقها، فما يعرف؛ لأنه قرأها نظراً، أو رجل مريض مصاب بالسرطان، فقرأ في كتاب كيف يعالج السرطان بالحبة السوداء؟ ثم أطبق الكتاب وقال: الحمد لله الذي شفاني يوم قرأت هذا الكتاب. السلف عاشوا (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في الحياة. سعيد بن جبير يدخل على الحجاج، فيقول الحجاج: والله لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى، قال: لو أعلم أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً. ودخل أبو نصر التمار على المأمون، قال المأمون: والله، لأذبحنك، وأبو نصر التمار من أئمة أهل السنة، يقول إن القرآن غير مخلوق، والبدعي الضال المأمون يقول: إن القرآن مخلوق، فيقول له: قل: القرآن مخلوق، وإلا ذبحتُك، قال: تذبحني؟! قال: نعم. فأخذ زرارة من قميصه في يوم شاتٍ وقطعه ثم رمى به على وجه المأمون، وقال: والله، لرأسي في الحق أخف من هذا الزرار. ومَرَّ بي شاعر نبطي موحد، واسمحوا لي، ولو جعلتها استطراداً أو بين قوسين، ولو أنني لا أحبذ الشعر النبطي ولا أشجعه، لكني عجبت من هذا الصنديد النبطي الموحد، فبعض النبط موحد، وبعضهم ملحد. بعضهم يتغنى بجنات عرضها السماوات والأرض، ويناجي ربه، ويقول قبل المعركة: هبت هبوب الجنة وين أنت يا باغيها؟ وبعضهم يتغنى بالخدود والقدود والرموش والخمر والسهر والضياع. قلتُ: إن شرك الخوف دبَّ في أعراق وأعماق كثير من الناس، فلم يريدوا أن يتخلصوا من شرك الخوف، لا أن يوحدوا الخوف لله عز وجل، فلا يُخف إلا من الله، ولا يُرجى إلا الله، والرسول عليه الصلاة والسلام يقرر هذا لـ ابن عباس، يقول -فيما صح عنه-: {واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشي قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفت الصحف}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك}. والله يقول عن الناس ليقرر لهم: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً} [آل عمران:145]. هل سمعتم أن نفساً ماتت قبل حينها؟ نشرت جريد الندوة قبل شهر قصيدة بديوي الوقداني، أحد الموحدين الشعراء النبطيين، في قصيدة طويلة، منها ثلاثة أبيات أعجبتني، فيقول: إن المنايا إذا مدت مخالبها تدركك ولو كنت في جو السما العالي يقول: أن الموت إذا كُتب عليك، ولو طلعت إلى السماء فسوف يلحقك، فيقول: لا تخف من الموت، الذي يموت في المعركة، مثل الذي يموت في غرفة النوم، والذي يموت تحت الدبابة في سبيل الله مثل الذي يموت تخمة من الكبسة، سواء. إن المنايا إذا مدت مخالبها تدرك ولو كنت في جو السماء العالي اضرب نحور الفيافي مع تراقيها واغرب عن الهم تمسي خالي البال دوس المخاطر ولا تخش عواقبها الموت واحد ولا عند القدر جالي وهذه الأبيات من عقيدة أهل السنة والجماعة. وقد قلتُ لبعض الطلاب: أضيفوها في آخر الطحاوية، خاصة البيت الأخير منها في قوله: دوس المخاطر ولا تخش عواقبها الموت واحد ولا عند القدر جالي يقول: ماذا تخشى؟ أنتَ ميتٌ ميت، انصر دين محمد صلى الله عليه وسلم، لا تخف إلا من الله، ما دام أن دين محمد صلى الله عليه وسلم ينتصر بهذه الطريقة فانصره، فإنك إن لم تُقْتَل مُتَّ. يقول الحجاج الطاغية لعجوز ذبح ابنها في أول النهار، وأتى به بعد صلاة الظهر، فدخلت تتوكأ على عصا، قال: هِيْه! يهنأك ابنك الفاجر، ذبحتُه قبل صلاة الظهر، قالت: لو لم تذبحه لمات. لله درها، تقول: لو لم تذبحه لمات، نعم، هو كذلك. يقول تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً} [آل عمران:145]. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو يعلن لأوليائه، حَمَلَة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أن عليهم ألا يخافوا إلا منه، يقول: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة:52]. فيقول النبطي: دُسِ المخاطرَ ولا تخشَ، ولا تكن جباناً هياباً خائفاً، وكن أشجع من البعثيين، وأشجع من الماركسيين، فهؤلاء البعثيون أقاموا أنظمة في العالم العربي على أكتافهم، ذبَّحوا الشعوب، والواحد منهم يقدم نفسه في متفجرات ويفجر الدبابة وهو بعثي، وتجد شباب محمد - صلى الله عليه وسلم - الواحد منهم يطير من خياله ويُغْمَى عليه إذا دعي للجهاد. وشرك الخوف ينقض التوحيد، مثل النجاسة التي تنقض الوضوء، فما فائدة أن تحفظ متناً وتحفظ القرآن وأنت تخاف من غير الله أخوف من الله؟! وشاعر آخر نبطي موحد يقول: أنا يا كَرى مِثْلَكْ يِحِبِّ العُلا شَجْعانْ يِراهِنْ بْرَاسِهْ ما يْخَافِ الشماليةْ والشمالية عند الشعراء النبطيين: السجن، فيسمون السجن الشمالية رمزاً. فيقول: أنا لا أخاف من السجن، فهو ينظر إلى طائر وهو مسجون في قفص، فيلتفت إلى شجرة من النافذة، وإذا الكرى يغني صباحاً، والكرى: طائر مثل الحمام. فيقول: غنِّ أو لا تغنِّ، حتى أنا في السجن أغني؛ لأني لا أخاف إلا من الله عز وجل. أنا يا كَرى مِثْلَكْ يِحِبِّ العُلا شَجْعانْ يِراهِنْ بْرَاسِهْ ما يْخَافِ الشماليةْ أنا بِعْتْ رُوحي من محمَّدْ وَلَدْ عدنانْ قَبَضْتِ الثمنْ، واللهْ يِشْهَدْ على النيَّةْ يقول: أنا يا طائر بعتُ رأسى، والذى اشترى: الله، والثمن: الرأس، والسلعة: الجنة. {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] هذا من معالم (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وهي أن لا تكون مشركاً في خوفك. 4/ وحدانية الطاعة: فلا تكن مشركاًَ في طاعتك، بأن توجه بعض طاعتك إلى الناس، وبعضها إلى الله، {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23].

الصمدانية في حياة المسلم

الصمدانية في حياة المسلم درس الصمدانية يدرسه أولياء الله في بيوت الله، في مثل هذه المجالس، وهي حاجة القلوب إلى بارئها، فلا يهدي القلوب إلا الله، ولا يردها إليه إلا الله, ولا يشرحها إلا هو، والقلوب تفيض إليه بالشكاوى، فيردها سُبحَانَهُ وَتَعَالى سليمة قوية ثابتة بحكمته، قال تعالى: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} [الفتح:18].

الرزق في حياة المسلم

الرزق في حياة المسلم فلا يرزق إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فإذا فتح الله أبوابه فلا رادَّ لما فتح، وإذا أغلق فلا فاتح لما أغلق.

تفريج الهموم في حياة المسلم

تفريج الهموم في حياة المسلم فإذا أتتك هموم، فأفضها على الله. يقول عبد القادر الجيلاني: إذا اشتد بي الهم، وضعت خدي على التراب وقلتُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] فيفرج الله الهم. الله أكبر! كل هم ينجلي عن قلب كل مكبر ومهللِ

الهداية في حياة المسلم

الهداية في حياة المسلم فلا يهدي إلا الله، وحاجة القلوب إلى هدايتها من ربها أحوج من حاجة البطون إلى الطعام، وإلاَّ فالناس الآن كدُّهم من أجل حاجة البطون، أما حاجة القلوب فقليل، حتى أنك تجد أحدهم إذا عرض له عارض بأن يحضر الدرس أو المحاضرة فبها ونعمت، وإن أتاه ضيف ترك؛ لكنه من الصباح إلى الثانية والنصف ظهراً وهو يطلب هذه اللقمة، ويَكُد، ويُضارِب في السوق، ويُسْجَن ويُحْبَس، ويَخْرُج، ويراجع، وينزل، ويطلع من أجل هذا البطن، ثم يموت.

معالم الشجاعة في سورة الإخلاص

معالم الشجاعة في سورة الإخلاص فإن من مقاصد القرآن أن يربي العباد على عبادة الله وحده، لا عبادة العبيد. فما الفائدة أن تقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وأنت عبد لغير الله. فبعض الناس عبدٌ لوظيفته، وبعضهم عبدٌ لسيارته، وبعضهم عبدٌ لملبسه، قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {تَعِسَ عبد الدرهم، تَعِسَ عبد الدينار، تَعِسَ عبد الخميصة، تَعِسَ عبد الخميلة، تَعِسَ وانْتَكَس، وإذا شِيْكَ فلا انْتَقَشَ}. فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يريد هؤلاء، فالجبناء لا يربيهم، إنما يربي صلى الله عليه وسلم مثل: مصعب بن عمير، الذي قُطِّعَ في أحد، مثل: عمير بن الحمام، الذي كسر غمد سيفه على ركبته في بدر، وقال: [[بَخٍ بَخٍ -والذي نفسي بيده- إنها لحياة طويلة إذا بقيت إلى أن آكل هذه التمرات، فقاتل حتى قتل]]. ومثل أنس بن النضر، الذي ضرب ثمانين ضربة، فطارت روحه إلى جنة عرضها السماوات والأرض، {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30].

التعريف بالواحد الأحد

التعريف بالواحد الأحد فالله يعرف بنفسه في القرآن، ولا يعرف بالله - عز وجل - أحدٌ كتعريفه بنفسه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فإن الله لما التقى بموسى في المكالمة، قال: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:14]. وعرف نفسه للناس، فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]. ليس تعريف المناطقة أو علماء الكلام الجبناء الذين يقولون: إن الله لا داخل العالم ولا خارج العالم، لا متصلاً ولا منفصلاً، لا جوهراً ولا عَرَضاً. بخلاف أهل السنة الذين إذا سُئلوا عن التعريف قالوا: {اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [طه:98] وإذا سُئلوا قالوا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4].

لوازم سورة الإخلاص

لوازم سورة الإخلاص هل نقرؤها ونحفظها فقط؟ لماذا لا نعلمها الناسَ ولا نرسلها في القرى والبوادي، ولا نجلس بها في بيوتنا؟ لماذا لا نحررهم من عبودية غير الله عز وجل إلى عبودية الله؟ ولا نعلمهم التوحيد؟ وأقول لكم: ليس عندنا عبودية أصنام، ولا أوثان، لكن عندنا عبودية الخوف من غير الله أعظم من خوفنا من الله. ووالله إن من المصلين الصائمين من يخاف من غير الله أخوف من خوفه من الله أضعافاً مضاعفة، كيف يقول: سمع الله لمن حمده؟! كيف يقول: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]؟ كيف يلقى الله يوم العرض الأكبر؟! يقول أعز من قائل: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} [آل عمران:175] لا تخافوهم وخافونِ؛ لابد أن نواصي الناس بهذا الأمر، لا يتقدم أحدٌ خطوة، ولا يكتب حرفاً، ولا ينفذ أمراً إلا بيد الواحد الأحد قال تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21]. هذه قضية كبرى من قضايا هذه السورة، أردتها لأمور، منها: أولاً: أننا نريد أن نرتبط بالقرآن، وسوف نحرص -بإذن الله- على أن تكون الدروس والمحاضرات مرتبطة بالقرآن وبواقع الناس. ثانياً: أن هذا الوقت وقت اصطياف، وقد وفد إلينا كثير من أهل الخير وأهل الفضل والدعوة، ونريد أن نتذاكر نحن وإياهم واجبنا نحو الدعوة، ونحو البذل والعطاء لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ونحو التضحية بالقول الجميل وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونفي الشرك من القلوب، وإزالته من البيوت. ثالثاً: أن الأمة طالما عاشت خواء عقدياً، لا يعلمه إلا الله، فهي تتعلق بغير الله، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:41] فنعوذ بالله من التعلق بغيره. ونسأل الله ألا يجعل لنا حاجة إلى غيره، وأن يعلق قلوبنا به، وأن يقطع ما بيننا وبين الناس إلا بسبب يقربنا منه سُبحَانَهُ وَتَعَالى. اللهم إن الناس تعلقوا بأسباب وبأنساب وحبال، اللهم لا أسباب عندنا ولا أنساب ولا حبال إلا ما أمدنا بك. اللهم فاجعل نسبنا وسببنا وحبالنا متعلقة بك. اللهم إن الناس استعز بعضهم ببعض، ولا عزة لنا ولا قوة ولا عشيرة ولا كياناً يحمينا إلا أنت. اللهم فدافع عنا، فإنك قلتَ: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38]. اللهم واحفظنا، فإنك قلتَ: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. اللهم من أراد بنا وبالمسلمين وبالعلماء والدعاة وأهل الخير مكراً فأشغله بنفسه، وخذه أخذ عزيز مقتدر، واقتله بسيفه، ودمره تدميراًَ، واجعله يا رب العالمين أُلْعُوبة، وأُعْجُوبة، وعظة وعبرة لمن سواه.

الأسئلة

الأسئلة

دروس للوافدين في العطلة

دروس للوافدين في العطلة Q هل في الصيف دروس للمصطافين؟ A الذي أعرفه: أنه - بالنسبة للدروس عندنا في المسجد - كل يوم بعد الفجر هناك دروس خاصة لطلبة العلم، ومن يريد الحضور، وكل يوم بعد صلاة المغرب، إلا يوم السبت، فإنه درس عام، وهو هذا اليوم؛ ولكن أعتذر غداً، فإن عندي سفر، والعودة -إن شاء الله- صباح الخميس، حيث يكون هنا درس - بإذن الله - ثم تستمر الدروس بعدها. ووصيتي لإخواني، خاصة الوافدين من مناطق أبها: أن ينفعوا المنطقة بالكلمات الطيبة أدبار الصلوات، وأن ينتشروا في المساجد، وأن يعظوا الناس، ولا يطيلوا عليهم، إنما يشرحوا لهم القضايا الإيمانية، وقضايا الفقه، وما ينفعهم ويفيدهم في أمور دينهم ودنياهم؛ فإن لهم الذكر الجميل والثواب الجزيل عند الواحد الأحد. {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} ولا نريد من المسلم أن يكون سلبياً، بأن يأتي يصيف مع أهله، فيبقى في فيلا، أو في فندق، ويذهب إلى المنتزهات، لأننا أصلاً ليست حياتنا لهواً ولعباً، وليست حياتنا حياة طفولية، لماذا المنتزه والنظر إلى الماء والرابية والزهر؟ نحن لا نأخذ هذه الساعة إلا لنستعين بها على ساعة الجد، أما قضية أننا مضَّينا العطلة الصيفية، ورأينا المنتزهات، وذهبنا إلى الحدائق الغَنَّاء، وعدنا فلا ينبغي هذا، نعم، هذه تستعين بها على طاعة الله؛ لكن لا بد أن تكون إيجابياً في عطلتك الصيفية، وفي نزهتك، وأن تقدم شيئاً لأبناء هذه المنطقة، الذين يرحبون بكلمة الحق من أهل الحق، وبكلمة الخير من أهل الخير.

الموضوعات التي يفضل أن يطرقها الداعية

الموضوعات التي يفضل أن يطرقها الداعية Q نلمح تقصيراً في بعض المنتزهات في صلاة الجماعة؟ A هذه من القضايا التي يطرقها المسلم الداعية، تطرق في المنتزهات هذه الموضوعات: الموضوع الأول: شرح التوحيد للناس. الموضوع الثاني: التحذير من الشرك والبدع والخرافات. الموضوع الثالث: التنبيه على صلاة الجماعة. الموضوع الرابع: الغناء، وخطره. الموضوع الخامس: الربا. الموضوع السادس: حفظ الوقت. الموضوع السابع: حسن الخاتمة، لقاء الله عز وجل. الموضوع الثامن: تجديد التوبة. هذه الموضوعات الثمان هي مدار بحث الدعاة التي يجب أن يتعرضوا لها باستفاضة كثيرة.

نصيحة لمن وقع في الخوف المحرم

نصيحة لمن وقع في الخوف المحرم Q ماذا أفعل وقد أصابني الله بالخوف؟ A يظهر من كلام السائل: أنه أصابه الله بالخوف من غيره. فالخوف نوعان: الأول: خوف طبيعي:- لا يسلم منه أحد، مثل خوف الإنسان من الأسد؛ فإنَّ من جِبِلَّة الإنسان أنه يخاف من الأسد؛ إلا بعض الصالحين الكبار، مثل: صلة بن أشيم لم يخف من الأسد، بل الأسد خاف منه، ومثل: عقبة بن نافع، فإنه تكلم للوحوش ففرت منه، ودخلت جحورها، ومر بالجيش. وأما جِبِلَّة الناس وغالبيتهم فإنهم يخافون من الأسد. فهذا الخوف طبيعي لا يجب أن تتخلص منه؛ لأنه جِبِلِّي. الثاني: خوف مصطنع: لكن الخوف الذي سيطر على الناس حتى عطلهم عن معتقداتهم وعباداتهم، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن ممارساتهم لحقوقهم، وإصلاح مجتمعهم وإصلاح أنفسهم، حتى أصبح الواحد منهم يُمِيْتك وأنت حي، فيدخل عليك، فإذا جلس معك أذاب قلبك {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ويُوصف لك أن غير الله يحمل الضر والنفع، والإحياء والإماتة، والتقديم والتأخير، فإنه يجرد الله عز وجل من الألوهية، إذاً: ما هو حظ الألوهية في قلبه؟! إذاً: ما معنى لا إله إلا الله، محمد رسول الله؟ إذاً: ما معنى الصلاة؟! بعض الناس الآن يريد أن يعيش سلبياً، فيقول: أنا مؤمن، لكن خليني في حالي وشأني، أنا من بيتي إلى المسجد، أما أن تدخلني في قضية فأرجوك اتركونا، منكرات ما منكرات، فواحش ما فواحش، أمر ما أمر، منكر ما منكر، هذه كلها أرجوك لا تدخلني فيها، الله يرضى عليك، لكن هذا الضعيف الجبان، تعالَ إليه وخذ متراً من أرضه، فسيأتيك بالفأس ويفلق رأسك. ففي أمور الدنيا شجعان إلى أقصى درجة الشجاعة، أما أمور الدين فمنهارون إلى آخر درجة الانهيار، وإلاَّ فأهل بدر وأحد وجيل محمد صلى الله عليه وسلم أهل المبادئ هم يحملون ذلك. إن الإنسان ليخجل. عندي مذكرة أتى بها بعض الشباب الجيش الذين دخلوا الكويت، مذكرة عن الجيش العراقي البعثي المجرم، كتابه يُقرأ في الصباح حصة وفي المساء حصة، مكتوب على الغلاف: أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة، وتدخل إلى الداخل وإذا هو يعلمك الشجاعة حتى يفور دمك، ولذلك فهم شجعان هؤلاء الأخباث، قدموا أرواحهم كثيراً؛ لكن في الرخص، وإلى النار والعياذ بالله. ثم تجد الماركسيين الذين أخذوا بعض الأنظمة الفاسدة يحملون هذه المبادئ، كذلك العلمانيين، والشيوعيين واليهود، وتجد المسلم لا يريد أن يقول كلمة، ولا يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، خوفاً على بطنه وعلى سيارته، وسوف يلقى الله يوم القيامة ويسأله عن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]. أيبعثنا محمد صلى الله عليه وسلم جبناء؟! نحن أبناء أحد وبدر يخرجنا للناس جبناء؟! أنا ابن أنصارك الغر الأُلى سحقوا جيش الطغاة بجيش منك جرار يخرجنا محمد صلى الله عليه وسلم جبناء؟! أما كان ربعي بن عامر من تلاميذه -عليه الصلاة والسلام- يوم يقول لـ رستم: [[إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]].

النهي عن تخطي الصفوف في المسجد

النهي عن تخطي الصفوف في المسجد هناك ملاحظات أيها الإخوة، قد تكررت كثيراً، منها: الأولى: تخطي الصفوف:- الرجاء عدم تخطي الصفوف في خطبة الجمعة أو أثناء الدرس؛ لأن هذا مخالف للشريعة، ومخالف للأدب في الإسلام، ولاحترام الناس كمسلمين، أمامك أناس محترمون، وأنا أجزم جزماً وأقولها في كل مناسبة: أن صفوة البلد هم الذين أمامي هنا، ما تجد صفوة البلد، ولا أخيار الناس إلا الذين يأتون إلى هذه المجالس الإيمانية، والله يرعاهم ويحفظهم بعين رعايته، ويقول لهم في آخر الجلسة: انصرفوا مغفوراً لكم، قد رضيتُ عنكم وأرضيتموني. فاحترام مشاعر هؤلاء يهمنا كثيراً، وقلبي يُفَجَّع إذا رأيتُ الإنسان يتخطى الرقاب، ويأتي في الصف، وتجده يزحم الناس برجله في رءوسهم وفي أكتافهم، أي أدب هذا؟! وأي نظام؟! وأي احترام للمشاعر؟! الرسول صلى الله عليه وسلم ينهى أن يشير بالسكين إلى أخيه ولو مازحاً، ولا يبصق أمامه، ولا يمد رجله أمام المسلم، فالمسلم له كرامة واحترام وقدسية. الثانية: وضع الأحذية في المسجد الخارجي خصوصاً والناس يصلون فيه، فلا ينبغي ذلك. الثالثة: مزاحمة النساء عند الخروج فللنساء باب خاص، ولكم باب. الرابعة: تلقي الركبان، وبيع الحاضر إلى البادِ فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان، وعن بيع الحاضر إلى الباد.

حكم إسبال الثياب وحلق اللحى

حكم إسبال الثياب وحلق اللحى Q إسبال الثياب، وحلق الدقون، الدخان، الغناء، أرجو التعليق على هذا. A يا أخي، هذه مفهومة عند الناس، لا أعرف أحداً جالساً الآن إلا وهو يعرف أن حلق اللحية حرام. من الذي يقول: إن حلق اللحية حلال؟! حتى الذي يحلق لحيته. من الذي يقول: إن الدخان حلال؟! من الذي يقول: إن الإسبال حلال؟! من الذي يقول: إن الغناء حلال؟! لكن أردتُ أن أتحدث الليلة عن شرك الخوف، فهو شرك يخرج من الملة، أما مثل حلق اللحية فما تُخْرِج من الملة؛ لكن يُفَسَّق بها، وأجمع أهل العلم على تحريم حلقها، ولها موضوع خاص، لكني هنا أتكلم في الأسس والقواعد الكلية للدين؛ لأن شرك الخوف يكون في الإنسان وهو لا يشعر، حتى إنك تجد الإنسان يربي لحيته ويقصر ثوبه وعنده شرك الخوف، أي: ينقض لا إله إلا الله؛ لأن من نواقض التوحيد: شرك الخوف، وهو: أن يخاف من غير الله أخوف من الله.

كيفية الاستفادة من العطلة الصيفية

كيفية الاستفادة من العطلة الصيفية Q ماذا نفعل في العطلة الصيفية؟ A تجعلها جزءاً من حياتك، وأنت مسئول عنها يوم القيامة، وتنظم لنفسك برنامجاً في أول هذه العطلة، وتجعل لنفسك خطة لا بد أن تنهيها، ولا بد أن تنفذها قبل أن تنتهي العطلة الصيفية. مثلاً: أنا أقترح اقتراحاً وكثير ممن يسأل هذه الأسئلة، من أهل المتوسط، ويدخل فيهم الابتدائي، والثانوي، والجامعة، ومن يأتي من المثقفين والإخوة من كافة الأعمال والوظائف والمؤسسات والإدارات والشركات والمصانع، كلهم على هذه المستويات الثلاث. فأنا أقترح -مثلاً- في العطلة الصيفية -وهي شهران أو أكثر أو أقل- لأهل المتوسط ومنهم الابتدائي: أن يقرءوا فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ويقسمون الكتاب على هذه العطلة بفهم ومساءلة ومناقشة، مع حفظ جزئين من القرآن. وأقترح على أهل الثانوي: أن يقرءوا في العطلة: كتاب (معارج القبول) للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي، أن يقرءوه بتمهل، طيلة العطلة، مع حفظ ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم. وأقترح على أهل الجامعة، ومن في منزلتهم: قراءة: (شرح الطحاوية) وهو معتقد أهل السنة والجماعة، في هذه العطلة، بفهم وتدبر ومناقشة، مع حفظ أربعة أجزاء من القرآن. ثم وزع هذه طيلة الأيام، خذ العطلة من أولها إلى آخرها، وقسمها أياماً، وقسم الكتاب والأجزاء عليها، واجعل لك حصة يومية، ثم شارك في المخيمات والمراكز الصيفية، واحضر الدروس؛ لكن هذا برنامج ثانوي بالنسبة لك، يسمى: رأس مال، وأما المكسب: فهو ما يأتي من الدروس والحلقات والمحاضرات. لا نشكو من قلة الوقت، اسمحوا لي أن أقول: إنا لا زلنا بدائيين في مسألة النظام، غلبنا الكافر بتنظيم الحياة، الأمم الأخرى أمم مبرمجة، تعمل ببرنامج، وتنتج ببرنامج، وتدرس ببرنامج. وأنا أسألكم بالله: أما تلاحظون -مثلاً- الأوربيين والأمريكان في قاعات المطارات، وفي صالات الانتظار، وفي الطائرات، وفي الناقلات، وفي الحافلات، أما تجدون الواحد منهم إذا ركب يخرج كتاباً ويقرأ؟ هذا أمر ظاهر، أصبح ظاهرة مستقرة؛ لكن نحن العرب لا تجد منا من يقرأ، الواحد منا وهو راكب يعدِّد السيارات، الرائحة والآتية، وإذا جلس في المطار ينظر إلى الحقائب التي تدخل بالسلم في الكمبيوتر، فيلمحُها ويوصِّلُها ويأخذ الثانية ويوصِّلُها، والثالثة ويوصِّلُها، حتى أنه لا يصعد الطائرة إلا ورقبته قد أصبحت كأنها ليست منه، وتجد الواحد إذا جلس على الرصيف يعدد الناس، يتعرَّف على النازل والطالع، والخارج والداخل، والإشارات متى تُنَوِّر ومتى تنطفئ، لسنا أمة قارئة، ولا أمة منتجة، لا نقدم للعالم شيئاً، نشكو حالنا إلى الله، وإذا قرأ الكثير منا، فـ (99. 9%) يقرءون جرائد أو مجلات، وقراءتها جائزة، وهي لا تنقض الوضوء! لكن تقرأ بقدر الحاجة، لكن أين من يقرأ القرآن، وكتب أهل العلم؟ هذا الذي نريد أن نقوله لكم. وفي ختام هذه المحاضرة أشكركم شكراً جزيلاً. وأسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق والهداية، وأن يجمعنا بكم في دار الكرامة. وصلَّى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.

التحدي بالمعجزة

التحدي بالمعجزة مهد الشيخ لموضوع الإعجاز والتحدي بذكر أماكن الخير ومن يشهدها، وذكر لنا مثالين من حياة سلفنا الصالح، ثم شرع بالحديث عن سورة البقرة وآية التحدي للكفار فيها، مبيناً أن رحمة الله هي التي تنال بها الجنة مع ذكر مثال من تاريخ بني إسرائيل على ذلك. وبعد ذلك بين تدرج القرآن في تحدي معارضيه، وذكر أمثلة ممن حاولوا معارضة القرآن فانتقم الله منهم، وذكر أن القرآن معجز بجملته، واقتبس عبارات مناسبة للموضوع من كلام سيد قطب رحمه الله. ثم ذكر كلاماً مطولاً عن أهل الجنة ووصف حالهم ونعيمهم، وتطرق في ثنايا الكلام لذكر مزالق أهل الأدب، والكلام عن التقوى ومعانيها في القرآن.

مقدمة عن أماكن الخير وأماكن الشر

مقدمة عن أماكن الخير وأماكن الشر الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً، وتَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. من الوجوه وجوه لا تُرى إلا في الخير، لا تُرى إلا في الصلاة، وفي مجامع الخير، وفي دروس الهدى، وفي حلقات الذكر، وهذه وجوه الذين آمنوا بالله واليوم الآخر، وجوه الذين قال الله فيهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. ومن الوجوه وجوه لا تُرى إلا في الشر، ولا تُرى إلا في مجامع الفساد، وفي الساعات الحمراء من ساعات البغي والفجور: {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [العنكبوت:23]. عمر رضي الله عنه وأرضاه نزل إلى السوق، فرأى سارقاً سرق، ورأى جمعاً من الناس يطاردونه، قال: [[مالكم! ستره الله وتفضحونه، قبح الله تلك الوجوه التي لا ترى إلا في الشر]]. وأبو هريرة دخل إلى المسجد فرأى حلقاً من الناس يتحدثون بالآيات والأحاديث، فأتى إلى تجار الدنيا وهم يبيعون الطعام والحب والزبيب والتمر في السوق، فقال: أتريدون ميراث الرسول عليه الصلاة والسلام؟! قالوا: نعم. قال: فإنه يوزع الآن في المسجد، فتركوا تجارتهم وتسابقوا إلى أبواب مسجده صلى الله عليه وسلم، فما رأوا حباً ولا تمراً، ولا زبيباً ولا دقيقاً، وإنما رأوا قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، ورأوا حلقاً للذكر، ووجوهاً ناصعةً مؤمنة، وسجدات تلوح على الجباه، وقلوباً تتحرك بلا إله إلا الله:- من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسرى بها الساري قال التجار: يا أبا هريرة! أين الميراث؟ قال: ماذا وجدتم؟ قالوا: وجدنا حلق الذكر تفسيراً وحديثاً، قال: [[فهذا والذي نفس أبي هريرة بيده! ميراثه صلى الله عليه وسلم، ما ترك درهماً ولا ديناراً، ولا داراً ولا عقاراً، وإنما ترك العلم فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر]]. كفاك عن كل قصر شاهق عمد بيت من الطين أو كهفٌ من العلم تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم

فضل سورة البقرة

فضل سورة البقرة والسورة التي نحن بصددها هي سورة البقرة، وهي عظيمة جد عظيمة، ومذهلة جد مذهلة، أما عظمتها فلأنها أكبر سورة في القرآن، وهي سرادق القرآن، ثم تأتي كذلك من أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {إن بيتاً تقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان} ثم إنها حفلت بالأحكام، فقد تكلمت عن المؤمنين، ثم تكلمت عن الكافرين، ثم تكلمت عن المنافقين، ثم دعت الناس لتوحيد رب العالمين أجمعين، ثم نزلت نزلات استطلاعية -كما يقول سيد قطب - ونزلات نسفٍ وإبادةٍ على بني إسرائيل، فلما انتهى الله من بني إسرائيل أتى بالأحكام، ما بين نكاح وطلاق وقصاص، وما بين صيام وحج، ثم ختمها بالنفقة، وفي غضونها أعاجيب وقصص لبني إسرائيل، فسبحان الله كم حوت من حكم! عرض له صلى الله عليه وسلم شباب يريدون الغزوة، فقال: {أيكم أكثر أخذاً للقرآن؟ فقال شابٌ: أنا يا رسول الله! أحفظ سورة البقرة. قال: أتحفظها؟ قال: نعم. قال: فاذهب فأنت أميرهم}. فالإمرة بمثل هذا والتصدر والتقدم في الدنيا والآخرة بمثل هذا أيضاً، ولذلك يقول عمر رضي الله عنه -كما في صحيح مسلم -: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين}. ومع السياق، ومع النور، ومع الروعة والجمال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:23 - 24] هاتان الآيتان جاءتا بعد أن نادى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى الناس جميعاً لعبادته، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] ثم ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى نِعَمَهُ، وما أودعه في الأرض من ثمراتٍ وخيرات، فقد غمرك بالنعم من مشاش رأسك إلى أخمص قدميك. فأنت تتقلب في نعمة الله، وتمشي في ستره، وتشرب ماء الله، وتأكل رزقه، فأين تذهب من نعم الله؟! ولذلك قالوا لبعض أهل العلم: كيف نتفكر في النعم؟ قال: تفكروا في الطعام كيف تأكلونه وكيف تخرجونه؟! وقد قال ابن السماك لـ هارون الرشيد: يا هارون! أسألك بالله لو منعت شربة، أتفتديها بنصف ملكك؟ قال: إي والله، فلما شرب، قال: يا هارون! أسألك بالله لو منعت إخراجها أتفتدي إخراج الشربة هذه من جسمك بنصف ملكك؟ قال: إي والله، قال: ملك لا يساوي شربة ليس بملك.

برحمة الله تنال الجنة

برحمة الله تنال الجنة وذكر أهل السنن والتواريخ أن من عباد بني إسرائيل، وبنو إسرائيل فيهم عجب عجاب، سوف يذكر الله لنا من أعاجيبهم أموراً تذهل وتشيب الرأس، ويقول عليه الصلاة والسلام: {حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج} فهذا عابد من بني إسرائيل جلس في جزيرة، ليس عنده جليس يؤذيه، ولا امرأة تقليه، ولا عنده جارٌ يؤذيه ويشتمه ويسبه، إنما كان عابداً لله صباح مساء، عنده رمانة يأكل منها، وعنده عين ثجاجة باردة يشرب منها، فلما عبد الله خمسمائة سنة توفاه الله الذي يتوفى الأنفس، فحاسبه ربه، قال: يا عبدي! أتريد الجنة بعملك أم تريد الجنة برحمتي؟ والله أرحم الراحمين. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لن يدخل أحدٌ منكم الجنة بعمله إلا أن يتغمده الله برحمته} وفي لفظ مسلم: {قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته} فيا من ظن أنه أكثر من الصلاة، كأنك ما صليت، ويا من ظن أنه أكثر من الصيام والجهاد والصدقة والبر والإحسان، كأنك ما تصدقت ولا وصلت ولا بررت ولا فعلت شيئاً، غمرتك نعم الله، فعملك كأنه ذرة في بحر. إذاً فهو هباء منثور. فحاسبه الله، ولكن هذا العبد اغتر بعمله، صلاته خمسمائة سنة، وصيامه خمسمائة سنة، وذكره خمسمائة سنه، قال: بل أدخل الجنة بعملي. ولذلك فإن لـ ابن القيم وقفة عجيبة عملاقة على عادته، وعلى تيقظه وذكائه، يقول: يقول الله عز وجل: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لن يدخل أحدٌ منكم الجنة بعمله} فكيف نجمع بين الآية والحديث؟ الله يقول: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] بصلاتكم، بصيامكم، بجهادكم، بحجكم، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام ينفي، ويقول: لن يدخل أحدٌ منكم الجنة بعمله إلا برحمة الواحد الأحد، قال ابن القيم: ويجمع بينهما بأحد جمعين: أحدهما: أن نزول المنازل داخل الجنة وارتفاع الدرجات يكون بأعمالنا، وأما الدخول الأولي فبرحمة الله. إذاً فالدخول لا يحصل لك إلا برحمة أرحم الراحمين، وإن لم تدركك رحمته فقد تقطعت بك الحبال، وانتهت بك الأسباب، وتدهدهت عليك الجبال، وضاعت عليك الحيل. فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان ولذلك ذكر ابن تيمية وغيره المكفرات العشر منها: الحسنات الماحية -أي الأعمال الصالحة- والمصائب المكفرة، ودعوات المؤمنين، وما يجده الإنسان في سكرات الموت، وما تجده في القبر، وما تجده يوم العرض الأكبر، وما تجده عند الصراط والميزان والحوض، وشفاعة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وشفاعة الأخيار من الأولياء، ثم تأتي العاشرة: رحمة أرحم الراحمين، قال: فإن لم تدركك رحمة أرحم الراحمين، فقد شردت على ربك، كما يشرد البعير الشارد على أهله، فمن يرحمك إذا لم يرحمك الله؟! فـ ابن القيم يرتضي هذا الجمع، قال: الدخول: برحمة الواحد الأحد، ونزول المنازل: بالأعمال، ولذلك بعض الناس يرى في الجنة كالكوكب الدري، وبعضهم في الدرجة الثانية: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [آل عمران:163]. فأما أبو بكر فلا تسل عن درجته، فهو في قصر كالربابة البيضاء يراه من دخل الجنة، فهو في المنزلة الأولى من الصالحين بعد الأنبياء والرسل، ثم يتلوه عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم يأتي الناس على حسب منازلهم، والمحروم من حرم دخول الجنة: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]. وبعض الناس يجمع بجمع آخر، فيقول: عمله من رحمة الله، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {لن يدخل أحد منكم الجنة إلا برحمة الله} يقول: عمل الناس من رحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فيرحمهم فيعملون صالحاً، ثم ينزلون منازلهم ويدخلون الجنة بعملهم، هذا جمع آخر.

تفسير قوله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا)

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) قال الله عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23] يا أيها الناس! يا عباقرة الدنيا! يا أذكياء المعمورة! يا من ظن نفسه فصيحاً! أو بليغاً، أو شاعراً مجيداً، أو صحفياً، أو قصصياً! تعالوا إلى القرآن، هذا إعلان التحدي، وهو إعلان لم يواجه ولم يجابه منذ خمسة عشر قرناً، ومن في رأسه شيء فليأت، ومن في رأسه حب لم يطحنه اليقين، ولا التوحيد والعقيدة الصحيحة، فليقاوم ولو بآية أو بسورة {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} [البقرة:23] أي: في شك، وقد سبق في أول السورة أن قلنا إن الريب يطلق على الشك، وعلى التهمة، أما الشك فهو الارتياب في القلب، يقول الله: {َإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} [البقرة:23] أي: من صدق هذا القرآن، أما صدقتم؟! أما تعلمون أنه حق؟! أما تدرون أنه صدق كالفجر؟! إن كنتم شاكين، فائتوا بسورة من مثله، وقيل: إن كنتم في اتهام لهذا القرآن، يقول جميل بثينة في إحلال التهمة محل الريبة: تقول بثين يا جميل أربتني فقلت كلانا يا بثين مريب تقول: اتهمتني، فيقول هو: وأنت متهمة، فكلنا متهمون، وهذا جميل أذكره، ومجنون ليلى وكثير عزة والشريف الرضي وأبا نواس، وأمثالهم من شعراء المرأة؛ للاستشهاد بشعرهم، وإلا فليست حياة المؤمن كحياة هؤلاء، حياة ستين سنة في حب امرأة، يحبها ويولول بصوتها، وبشعرها وأسنانها، إنها ليست بحياة حياة الذين لا يعقلون، ولا يعلمون، فليست الدنيا حياة مسرح وأغنية وفن، وقد قيل لأحدهم: كم عمرك في الفن؟ قال: أربعون سنة، بل أربعون صفراً، أربعون في ظلام، وأربعون وأنت ضائع، وأربعون وأنت ما رأيت النور أبداً، وميلادك إنما يكون يوم تتوب توبة نصوحاً. قيل لأحد الصالحين وهو في الستين: كم عمرك؟ قال: سنتان، قالوا: سبحان الله! أنت في الستين، قال: ما تبت إلا قبل سنتين، أما ثمان وخمسون فكانت في ضياع، فميلادنا يبدأ من يوم نتوب توبة نصوحاً. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا ولذلك كررت -وسوف أكرر- كلام ابن تيمية في مختصر الفتاوى، قال: "للإنسان ميلادان: الميلاد الأول: يوم أتت به أمه، والميلاد الثاني: يوم تاب إلى الله وأقبل عليه، فأما الميلاد الأول فالخلق كلهم مشتركون فيه، فالثور تَلدُهُ أُمه، والنعجة، والدجاجة، والحمامة، والإنسان، فالإنسان سواء هنا أو هناك؛ الخواجة، الأشقر، الأسود، الأحمر. فهذا ميلاد. لكن الميلاد الثاني لا يولده إلا المؤمن: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. عمر كم عمره؟ ثلاث وستون سنة، أسلم وهو شاب! لكنه ألغى عمره الأول، فكان ميلاده يوم قال: لا إله إلا الله. سعد بن معاذ أسلم وعمره ثلاثون سنة، فشطب على الثلاثين، وألغاها من الحساب، وبقيت له سبع سنوات، وهي عند الله خيرٌ من سبعة قرون. عمر بن عبد العزيز عاش أربعين سنة، أما ثلاثون شهراً فتولى أمر الأمة، وما قبلها لم يحتسب من عمره. وقد قال أبو تمام في محمد بن حميد الطوسي وقد مات شهيداً: عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيتُ الكريمَ الحرَّ ليس له عمر ولذلك بعض الناس يعيش في الإسلام سنة، وهي خيرٌ عند الله من ثلاثين قرناً، وبعضهم يعيش مائة سنة، وهي لا تساوي لحظة واحدة. فما أطال النوم عمراً وما قصر في الأعمار طول السهر (يا أيها الناس) قال أهل التفسير: الخطاب للناس عامة. (مِمَّا نَزَّلْنَا) في القرآن تأتي أنزلنا، وتأتي نزلنا، وللسيوطي وأمثاله لطائف في هذا، يقول: إذا قال: (نزلنا) فهو على التفصيل، أي: (نزلناها) آية آية، سورة سورة، مقطعاً مقطعاً، وإذا قال: أنزلنا، فمعناها: أنزلنا القرآن مرة واحدة من السماء السابعة أو من اللوح المحفوظ -وهو الصحيح- إلى سماء الدنيا. {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1] أي: جملة، من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، وإذا قال: نزلنا، فمعناه: آية آية، منجماً مقطعاً.

معجزات الرسل من جنس ما أبدع فيه أقوامهم

معجزات الرسل من جنس ما أبدع فيه أقوامهم {وَإِنْ كُنْتُمْ} يا أيها الناس! ويا أيها العرب العرباء! فالله عز وجل يتحدى الناس والأجيال بما أجادوا فيه من العلم، كل علم يجيدون فيه أو فن يتحداهم به. فموسى عليه السلام أتى إلى قوم معهم السحر، فقد بلغوا في السحر الذروة، فأعطاه الله العصا، فتلقفت ما صنعوا، وأخذت حتى عصيهم وحبالهم، فأكلتها جميعاً في بطنها، فتغلب عليهم. وإبراهيم عليه السلام أتى إلى قوم بلغوا الذروة في علم الفلك والنجوم، فتحداهم بذلك، فأعجزهم وأربى عليهم. وعيسى عليه السلام أتى إلى قوم أهل طب، وتخصص، فأعطاه الله إحياء الميت بإذنه، وإبراء الأكمه بإذنه فيبصر، وإبراء الأبرص بإذنه فيذهب مرضه. ومحمد عليه الصلاة والسلام أتى إلى العرب العرباء، وهي أفصح أمه أخرجت للناس، العربي البدوي في خيمته تخرجه فيلقي خطبة طنانة رنانة، لا يلحن فيها، ولا يتلعثم، ولا يخطئ، ولا ينسى، فيأتي من عند شاته وناقته، فيلقي قصيدة تقارب مائتي بيت أو مائة بيت، كلها على نسج رفيع، وليس عنده قلم ولا ورقة، يحفظها في ذهنه كأنها قذائف، فأتى صلى الله عليه وسلم إلى مجتمع من أفصح المجتمعات، فأعطاه الله القرآن، فقال صلى الله عليه وسلم: تعالوا، هذا القرآن، وأنتم أفصح العرب وأفصح الناس، وأنتم أفصح أهل الدنيا، هذا هو القرآن فأين شعراؤكم؟ هذا هو القرآن فأين خطباؤكم؟ هذا هو القرآن فأين فصحاؤكم؟ ولذلك لم يسمع أنهم أرادوا أن يتحدوا القرآن، لكن بهتوا!! يقول جبير بن مطعم بن عدي -أبوه المطعم بن عدي هو الذي أجار الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، وقد مات كافراً- حتى يقول عليه الصلاة والسلام في أسارى بدر: {والذي نفسي بيده! لو كان المطعم بن عدي حياً لتركت هؤلاء النتنى له} أي: عفوت عنهم، ابنه جبير هذا يقول: أقسمت باللات والعزى لا أسلم ولا أومن بمحمد أبداً، لكن القرآن -كما يقول سيد قطب وغيره- نفّاذ، فينفذ ويخترق الجدران. فلذلك أقسم ألا يؤمن، ولا يسلم، ولا يشهد أن لا إله إلا الله!! والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة يصلي بالناس صلاة المغرب، فأتى بناقته، فسمع صوت الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان في صوته صحالة، وفيه قوة ونبرة تصل إلى القلوب مباشرة، يقرأ: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} [الطور:1 - 4] قال: [[فو الله لقد كاد قلبي أن يطير]]. الطفيل بن عمرو الدوسي الزهراني الذي أبو هريرة حسنة من حسناته، وتلميذ من مدرسته، سمع أن الرسول عليه الصلاة والسلام بعث، فارتحل بناقته من بلاد زهران، سبحانك يا رب! تأتي بـ سلمان من بلاد فارس، ومن كرمان، وتأتي بـ الطفيل من زهران، وتأتي بـ صهيب من بلاد الرومان، وتأتي بـ بلال من الحبشة السودان، ويسلمون ويؤمنون ويدخلون الجنة، وأبو لهب وأبو طالب عند الركن والحطيم يتردون في نار الجحيم. عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم فأتى الطفيل بن عمرو الدوسي وكان شاعراً مجيداً خطيباً يعرف الكلام، عاقلاً، داهية، فركبت ناقتي وسمعت بمبعث رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: فو الله ما إن نزلت مكة، إلا وتعلقت قريش بناقتي. كلما أتى إنسان من خارج قريش تعلقوا بناقته، يقولون له: انتبه عندنا رجلٌ مجنون! معنا ساحر في هذا المكان! رجلٌ جالس في الحرم معتوه، يتكلم بلا عقل، فانتبه واحذر!! قال: فوالله ما زالوا بي حتى أخذت القطن، فوضعته في أذني. لكن القرآن أقوى من القطن، فهو يدخل ولو كان في الأذن قطن، فيصل إلى القلوب، قال: فدخلت؛ فرأيته في الحرم ما أراه إلا ساحراً أو كاهناً، وهذا الفعل من الدعايات الرخيصة، والشائعات المغرضة، جعلت من الرسول عليه الصلاة والسلام ساحراً وشاعراً، والله يقول: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22]. ويقول: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم:4 - 8] فكان ينظر إليه، فقال: فكنت أسمعه يقرأ فلا أسمع شيئاً، فالقطن في الأذن ولكن الله يهدي من يشاء، قال: فما زلت أقترب، فقلت في نفسي: -أراد الله هدايته- لماذا لا أضع القطن، وأنا رجل، لبيب، فاهم، شاعر، أعرف جد الكلام من هزله، فإن سمعت شيئاً أعجبني اتبعته، وإلا تركته! قال: فوضعت القطن، ويوم وضع القطن في تلك اللحظة وإذا بالقرآن يصل إلى أذنه، ويدخل إلى قلبه، فينتفض ويأتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ويضع يده ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. فهو القرآن الذي يريد الله أن يوصله إلى الناس.

سبب الإشارة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: "عبدنا"

سبب الإشارة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: "عبدنا" يقول: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23] من هو عبده؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام، ولم يقل رسولنا، ولم يقل نبينا، لسببين: السبب الأول كما يقول أهل العلم: بأن الله نادى الناس في أول المقطع بعبادته، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:21] فكأنه يقول: مثل محمد عبدنا، ولم يقل رسولنا، والله إذا أراد أن ينبه الرسول عليه الصلاة والسلام على قضية في بيته قال: يا أيها النبي. وإذا أراد أن يخبره بقضية من قضايا الرسالة قال: يا أيها الرسول، واسمع إلى قضايا الرسالة: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} [المائدة:67] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:1] ثم يتحدث عن الزوجات: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59] فهو يناديه في هذه القضايا الاجتماعية بالنبي، ويناديه بالرسالة للعالمين، ويناديه بالعبودية في موطن التشريف، فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:21] مثلما فعل عبدنا صلى الله عليه وسلم فهو أعبد الناس وأعرفهم. وإذا أراد الله أن يتحدث عن التوحيد والشرك قال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] وفي صحيح البخاري في كتاب العلم، عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث} ولم يقل: أرسلني، وإنما قال: بعثني؛ لأنه بعث بالتوحيد، فكأنه بعث في أموات، وأحمد شوقي -أمير الشعراء كما يسمونه- يقول: أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم يقول: إن كان عيسى عليه السلام يبرئ ويحيي الموتى بإذن الله، فأنت أحييت شعباً وجيلاً وملايين من الناس، فالناس الذين يحيون الآن، وآلاف مؤلفة ممن ماتوا، وآلاف وملايين ممن سوف يأتون كلهم يحيون بالحياة التي أتى بها صلى الله عليه وسلم. قال: والسبب الثاني في موطن التشريف له صلى الله عليه وسلم، يقول: أنت عبدنا، فإذا زكاه الله قال: عبدنا، ولذلك يأبى الرسول عليه الصلاة والسلام، أن يرفعه أحد عن درجته: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء:171].

استطراد في موضوع عبودية الرسول صلى الله عليه وسلم

استطراد في موضوع عبودية الرسول صلى الله عليه وسلم أتى أعرابي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، والأعراب لهم دواهي يأتون بها أكبر من الجبال، فدخل الأعرابي بعصاه المسجد، وقال: {يا محمد! إنا نستشفع بالله عليك، ونستشفع بك على الله -واللفظ عند أبي داود وغيره- إنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك، فقال صلى الله عليه وسلم: ويحك إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد}. وقال له رجل آخر: {ما شاء الله وشئت، قال: قل: ما شاء الله وحده} وجاء وفد بني عامر بن صعصعة -والحديث صحيح- فقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: {أنت سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، وأطولنا طولاً، قال: يا أيها الناس! قولوا ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان}. إذاً: فالكمال لله، والعظمة لله، والإنسان له الفقر والعوز، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله} وأما إطراء المخرفين من الصوفية، ليرفعوه عن منزلته، ويقولون: نحن نحبه، ويقول أحدهم: يا جلاء همومي! يا جلاء غمومي! يا جلاء بصري! يا ذهاب بصري! ويا بقاء سمعي! فهذا ليس بكلام شرعي. وهذا البرعي شاعر اليمن، وهو شاعر مجيد ظريف في الذروة، ولكنه مخرف متخلف في النهاية، يقول: يا رسول الله يا ذا الفضل يا بهجة المحشر جاهاً ومقاما فأقل لي عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاماً - من يقيل العثرات؟ - الله. - من يغفر الذنوب؟ - الله. - من يكشف الكروب؟ - الله. وهو صلى الله عليه وسلم ميت في قبره، مات ولكنه حي بحياة الله أعلم بها، حياة برزخية لا تأكل جسمه الأرض، ولكنه لا يرفع الحوائج في قبره إلى الله، ولا يغيث الناس، ولا يشفي المرضى، ولا ينجح الراسبين، ولا يقضي الدين عن المدينين، ولا يقرب بين المتباعدين، وإنما يفعل ذلك الواحد الأحد، والله يقول عن المشركين: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]. والبوصيري له قصيدة البردة، وهي من أحسن القصائد إي والله، لكنه كدرها، وأساء في آخرها إساءة بليغة، وإلا فقد بدأها بمطلع عجيب، وأتى بأبيات مليحة جد مليحة، يقول: أمن تذكر جيرانٍ بذي سلم مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم أم هبت الريح من تلقاء كاظمة وأومض البرق في الظلماء من إضم إلى أن يقول: بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم وليته استمر على هذا الحسن والإشراق والإبداع! لكنه في الأخير قال: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم سبحان الله! يقول: من جودك الدنيا والآخرة، ومن علمك علم اللوح المحفوظ والقلم. إن لم تكن في مقامي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم وهي إساءة، فلا يغفر الذنوب إلا الله، ولا يكشف الكروب إلا الله. إذاً: هو عبد يجوع كما يجوع الناس، ويظمأ كما يظمأ الناس، لكن شرفه الله بالنبوة، فلا ينطق عن الهوى فهو معصوم، ولذلك هناك فرق بين أن نقول: عبد وبين أن نظن أنه كبعض الناس يخطئ ويذنب كما يخطئ الناس ويذنبون، فهو معصوم، ثم لا نقول: إنه رسول كذلك ليس فيه بشرية، ولذلك لم يجعل الله الرسول صلى الله عليه وسلم ملكاً، لماذا لم يجعله ملكاً؟ لأنه لو كان ملكاً لما اقتدى به الناس، فلو كان رسولنا ملكاً، وقلت للناس: افعلوا مثلما يفعل الرسول، لقالوا: هو ملك، فإذا قلت لهم: لماذا لا تصومون كما يصوم؟ قالوا: هو ملك، لماذا لا تصدقون كما يصدق؟ قالوا: هو ملك، فجعله الله بشراً، ومع بشريته إلا أنك تقول لأحدهم: لماذا لا تفعل كذا؟ فيقول: وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! نعم أين نحن؟! لكنه قدوتك: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. وأعود إلى قصة الإسرائيلي في أول الكلام، فقال الله عز وجل: {تدخل الجنة برحمتي أو بعملك} قال: بعملي، قال: حاسبوه، فالحساب قبل الدخول: {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49] فأتى الملائكة فحسبوا النعم التي أعطاه الله، والعبادة التي عبد في كفة الميزان، فوجدوا عبادته في خمسمائة عام لا تعادل نعمة البصر، قال الله: خذوه إلى النار، قال: لا. برحمتك يا رب. فالآن عرف، فأدخله عز وجل الجنة برحمته. إذاً: فلا يدخل الجنة أحدٌ إلا برحمة الواحد الأحد.

التدرج في التحدي والإعجاز

التدرج في التحدي والإعجاز {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23] فتحدى المشركين من العرب في القرآن على ثلاث مستويات: بالقرآن كله فما استطاعوا! قال: بعَشْر سور فما استطاعوا! قال: بسورة فما استطاعوا! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [القصص:49] فهذه بالقرآن، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] وهذه بالقرآن، فأخفقوا وفشلوا، فما سمعنا أن جاهلياً أتى ليعارض القرآن. فقال الله عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود:13] فما استطاعوا. فانتقل بهم في سورة يونس: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:38] فما استطاعوا.

محاولة الفيلسوف الكندي وابن الراوندي معارضة القرآن

محاولة الفيلسوف الكندي وابن الراوندي معارضة القرآن لكن وجد في القرن الرابع والخامس بعض الملاحدة -نعوذ بالله من إلحادهم- أتوا ليتحدوا القرآن، سمعوا هذه الآيات فقالوا: نحن نأتي بمثله، منهم ابن كندة الفيلسوف الطبيب، دخل بيته وأغلق عليه الباب، وكان زنديقاً ونعوذ بالله من الزندقة، ونعوذ بالله من لعنة الله وغضبه، فقد حوى على قلبه جثمان إبليس فاسود قلبه. أحد الناس يذكر عنه ابن تيمية أنه قيل له: مالك لا تصدق بالقرآن؟ قال: قلبي ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها، قال: عليك أن تصلي وأن تتقي الله، وأن تستغفر عسى الله أن يتوب عليك، قال: لا أستطيع: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54]. فأتى ابن كندة الفيلسوف، وقيل الفيلسوف الكندي، وبعضهم يخلط هذا بغيره، لكن تمييزه أنه الفيلسوف الكندي، فقال له تلاميذه: ماذا تفعل يا شيخنا؟ -هو شيخهم وليس بشيخنا- شيخنا نحن مثل الإمام أحمد، ومالك، والشافعي، وابن تيمية، وابن القيم، فأحمدنا أحمد بن حنبل وأحمد أهل البدعة أحمد بن أبي دؤاد. لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتم فقالوا: ما لك يا شيخنا اعتزلت؟ فقال: أريد أن أكتب كتاباً أبلغ من القرآن؛ ففتح المصحف وهو وحده في الغرفة، فوقعت عينه على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في أول سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:1] فتوقف ورفع القلم، وضرب رأسه، وقال: نادى، وأمر، ونهى، واستثنى، وبين، وختم في آية، فأتى ليرد جسمه فوجد نصف جسمه قد يبس وشل: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16]. وابن الراوندي الكلب كما سماه ابن كثير، أتى وألف كتاب الدامغ على القرآن؛ لأنه يهودي ابن يهودي، وتدسس على الإسلام في لباس الإسلامية مثلما يفعل بعض الناس، يتظاهر أنه مسلم ويريد الخير، لكن تراه يطعن في كلامه بالرسول عليه الصلاة والسلام، كنافخ الشمس: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8] أتى الخبيث الملعون، فكتب كتاب الدامغ، يقول: أدمغ به القرآن، فدمغه الله في الدنيا والآخرة وأخزاه، حتى لما أتته الوفاة أخذ الدود يتناثر من عينيه وأنفه ولسانه، وأخذ يزوره بعض أهل السنة، قالوا: ما زرناك عواداً لكن زرناك شامتين، نشمت بك، ونرى نَصَف الله فيك.

انتقام الله من أهل البدع والظلمة

انتقام الله من أهل البدع والظلمة وأهل البدعة كذلك أنزل الله بهم بأسه في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وقد كررت القصة، لكن لا بد أن تكرر مرة ثانية وثالثة وعاشرة، ابن الزيات وأحمد بن أبي دؤاد، ورجل ثالث تعاونوا على الإمام أحمد، إمام أهل السنة حتى سجنوه وجلدوه بالسياط؛ لأنه يريد الحق، فأما الإمام أحمد فالتجأ إلى الله، ليس عنده حرس ولا سياط في الدنيا، لكن عنده قوة الله. يا غارة الله جدي السير مسرعة في سحق أعدائنا يا غارة الله أحد الصالحين ضربه سلطان على وجهه، فدمعت عيناه، قال: لأشكونك إلى من لا يظلم عنده أحد، قال: ومن تشكو في الدنيا؟ قال: أشكوك إلى الله الواحد الأحد، قال: متى تشكوني، أئذا مت؟! قال: بل أشكوك في الثلث الأخير، يوم تذهب الدعوات في الثلث الأخير إلى الواحد الأحد. قيل لـ علي بن أبي طالب: كم بين التراب والعرش؟ قال: دعوة مستجابة، التراب والعرش لا يقدر بالكيلو مترات ولا بالأميال، فآل البرمكي أسرة سفكوا الدماء، وتبجحوا في الأموال، وظلموا الناس؛ فأتى شيخ كبير السن أخذوا ولده وذبحوه، فرفع يديه في السحر في الثلث الأخير: اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر. فأصبحوا في اليوم الثاني، فغضب عليهم هارون الرشيد حبيبهم وصاحبهم فقتل شبابهم وأخذ كبارهم فجعلهم في السجون حتى جعل كبيرهم في السجن سبع سنوات، يقولون: طال شعر لحيته، وأظفاره، وشعر رأسه، حتى دخلوا عليه، قالوا: أين أنت؟ قال: لست في الدنيا ولا في الآخرة، قالوا: مالك؟! قال: ما رأيت الشمس ولا الهواء سبع سنوات، قالوا: من الذي وضعك في هذا المكان بدل الرفاهية وبدل النعيم؟ -بلغ من نعيمهم أنهم أخذوا يطلون قصورهم بماء الذهب- فقالوا: فمن الذي وضعك هنا؟ قال: دعوة ذاك الشيخ في الثلث الأخير. فهؤلاء الثلاثة الذين دعا عليهم الإمام أحمد استجاب الله فيهم، قال لـ أحمد بن أبي دؤاد: اللهم اسجنه في جسمه؛ فشل جسمه حتى عاده تلاميذ الإمام أحمد، قالوا: يا أحمد بن أبي دؤاد! ما أتيناك عواداً؛ بل أتيناك شامتين، فكيف أنت؟ قال: أما نصفي هذا فلو وقفت عليه ذبابة، فكأن القيامة قامت، وأما نصفي هذا فلوا قرض بالمقاريض ما أحسست به أبداً. وأما ابن الزيات الوزير، فغضب عليه الخليفة؛ فجعله في فرن مطبق، ثم ضرب المسامير في رأسه حتى خرج نخاعه ودماغه من أنفه، وأما ذاك فتردى وقطعت يداه ورجلاه، فقد غضب عليه سلطان آخر، وهذا في الدنيا. ولذلك لا يطلب العون إلا من الواحد الأحد. فالمقصود أنني أتكلم عن أهل الهوى وأهل البدعة ممن يريد معارضة السنة أو القرآن.

بم يكون الإعجاز في القرآن؟

بم يكون الإعجاز في القرآن؟ {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23] أي: تعالوا بسورة من مثله، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: أي سورة؟ سورة كبيرة أو صغيرة؟ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1] هل تستطيع العرب أن تأتي بمثلها؟ تقول المعتزلة: السور التي تحصل بها الإعجاز هي الطويلة، أما مثل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1] والتي هي من ثلاث آيات فلا، وكذبوا. بل أي سورة، معنى الإطلاق لا يستطيع العرب ولا غيرهم من الفصحاء أن يأتوا بسورة من مثله، وحقق ذلك ابن كثير وغيره من أهل العلم رحمهم الله أن أي سورة مثل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1] {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فلا يستطيع أحد أن يأتي بمثل هذا أبداً. وانظر الآن إلى إعجاز القرآن، فالقصيدة تسمعها ستين بيتاً، لا يكون فيها إلا بيت أو بيتان من أحسن ما يكون، وأما غيرها فكذب ودجل وخداع. وتعال الآن إلى موازنة، ولله المثل الأعلى، ولكلامه المثل الأعلى، فنأتي إلى الوصف، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] أليس هذا وصفاً حقيقياً، ثابتاً لا فيه عوج ولا كذب ولا تمويه، إي والله! ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الوصف الآخر: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:10] لكنه جمال في الأسلوب، ما قال: طويلات، بل قال: (بَاسِقَاتٍ). (لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ) ولم يقل: جيد ولا طيب، بل قال: نضيد. وتعالوا الآن إلى الشعراء، يقول بشار بن برد يصف الجيش: كأن مثار النقع فوق رءوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه كذب على الله! ما كان هذا، ذلك الأعرابي يصف المرأة بالنخلة، ويصف وجهها بالقمر، ويصفها لرشاقتها بالغزال، ويصف الكف بشيء من اللجين، وهذا كذب وخداع، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُون * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء:224 - 227]. والله عز وجل إذا أراد التهديد في القرآن اقشعرت الأبدان، وإذا أتى بالنعيم ووصف النعيم ارتاحت القلوب إلى نعيم الواحد الديان، وإذا ذكر الموت أبكى العيون، وإذا ذكر الدنيا وآياتها أتى بالعجب العجاب، وإذا وصف الحدائق والبساتين أتى بشيء تسيل له المقل عجباً، وتندهش له العقول، فسبحان من أنزل هذا القرآن. قال: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} [البقرة:23] من الشهداء؟ قال ابن عباس: آلهتكم، تعالوا بالأصنام والحجارة، تعالوا بالأوثان وادعوها لتعاونكم في الإتيان بمثل هذه الآيات. وسبق في أول جلسة من جلسات التفسير أن ذكرت كلاماً جيداً لـ سيد قطب حيث، يقول: القرآن كلام، وكلامنا نحن كلام، وكلها من حروف، أنت تقول: محمد علي سعيد والقرآن فيه هذه الألفاظ، فكلها من هذه الحروف، قال: ولكن الفارق مثل هذا التراب، خلق الله من هذا التراب الإنسان، فالإنسان يشابه القرآن؛ لأن القرآن من الكلام الموجود والإنسان من التراب الموجود، والإنسان لا يستطيع أن يصيغ من التراب إنساناً فيأتي فيصنع الخزف والأواني والصحاف والأباريق، فهذه الأباريق والأواني والخزف مثل كلامنا نحن، والإنسان مثل كلام الله عز وجل، وأصل المادة واحدة، ولذلك يتحدى الله فيقول: {الم} [البقرة:1] هذه الحروف تعالوا بمثلها، هذه المادة الخام موجودة، اصنعوا مثل القرآن، لكن ما استطاعوا. {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} [البقرة:23] قيل: آلهتكم، وقيل: شهداؤكم أعوانكم، وأذنابكم، وأقزامكم، وعملاؤكم، ومن يسير في مسيرتكم، ومن يجلس معكم في ظلام الليل، ومن يؤزكم بالكلام، تعالوا أنتم وكل عميل على وجه الأرض، وكل ذنب، وملحد، وائتوا بسورة من مثل هذا القرآن. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23] قيل وهو الصحيح: إن كنتم صادقين أنه ليس من عند الله فتعالوا بمثله: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23] وقيل: إن كنتم صادقين أنكم تستطيعون أن تأتوا بمثله، فالمادة معكم والكلام موجود، فتعالوا بمثله، وخسئوا، وخسروا، وخابوا، وما استطاعوا وما فعلوا. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24] معجزتان اثنتان: المعجزة الأولى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) تحداهم الله أن يأتوا بمثل القرآن، فلم يستطيعوا. المعجزة الثانية: قال: (وَلَنْ تَفْعَلُوا) قال أهل العلم: تحداهم الله بالقرآن أن يأتوا بمثله، أو بسورة، أو بعشر سور، ثم قال لهم في نفس القرآن: (وَلَنْ تَفْعَلُوا) وبالفعل قال هذا الكلام بقوة، وورد هذا بغير خوف، وبغير جزع وهلع، وفي الحقيقة ما مر في التاريخ تحدٍّ للقرآن والحمد لله، ولا استطاع أحد أن يتحداه ولا أن يأتي بمثله، وهذا معجزة أخرى أن يقول الله: (وَلَنْ تَفْعَلُوا) فما فعلوا. والمعتزلة يقولون: إن التحدي في القرآن والإعجاز، أن الله كتب على الناس ألا يستطيعوا أن يأتوا بمثله، ولو لم يكتب عليهم لاستطاعوا، وقد كذبوا، بل لا يستطيعون، ما استطاعوا أبداً، يقولون: إنه في القدر أن الله منعهم أن يأتوا بمثله، ولو لم يمنعهم لكان باستطاعتهم أن يأتوا بمثله، ولا والله! لا يستطيعون أن يأتوا بمثله أبداً. يقول الأصمعي: خرجت في البادية فرأيت أعرابية فأخذت أقرأ، وفي بعض روايات هذا القصة أن أعرابية سمعت قارئاً يقرأ يقول: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7] وهي لا تدري أهو قرآن أم لا، فهي عجوز أعرابية بدوية، قالت: سبحان الله! كلام من هذا؟ قالوا: وماذا تريدين؟ قالت: أتى بأمرين، وبنهيين، وبشارتين، كلام من؟ قالوا: كلام الله.

روعة القرآن يدركها من لا يفهمه

روعة القرآن يدركها من لا يفهمه يقول سيد قطب: ركبت أنا وبعض الصحبة من الإخوة سفينة نريد أوروبا فأبحرنا، قال: فحانت صلاة الجمعة، وكنت قد رأيت النصارى يقيمون بعض الطقوس التعبدية، فأخذتني الحمية الإسلامية، والغيرة على الدين؛ فجمعت زملائي، وقلت: أصلي بكم الجمعة في السفينة ليرانا النصارى، قال: فقمت فألقيت خطبة، قال: ومعنا امرأة يوغسلافية من يوغسلافيا -فرت من حرب تيتو -: فأخذت هذه المرأة تنظر إلينا وتسمع الخطبة، لا تعرف من العربية حرفاً واحداً، فأخذت تنظر، قال: وأديت الخطبة، ثم نزلت، فأديت الصلاة، فقرأت في الصلاة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] فلما سلمت وإذا دموعها على خديها، فتقول للترجمان: سله كلام من هذا الذي صلى به؟ قال سيد قطب: فأخبرت الترجمان أنه كلام الله، فاندهشت وزاد بكاؤها، قال: ولم تمكنا الفرصة أن نوصل لها الدعوة، وأن نخبرها بالإسلام، فانظر إليها، فهي يوغسلافية لا تجيد حرفاً واحداً، وسرى القرآن إلى شرايينها، ووصل إلى قلبها.

رحلة الروح مع كتاب الله

رحلة الروح مع كتاب الله ويقول سيد قطب في سورة النجم: كنت أسمر أنا ورفقة معي بعد صلاة العشاء في القاهرة، وفجأة سمعنا صوت الراديو يرتفع بصوت مقرئ يقرأ بسورة النجم، قال: فسكتنا ننصت، فأنصتوا، قال سيد قطب: فأما أنا فسافرت روحي -وهو يجيدها لأن قلمه سيال بديع- سافرت مع المصطفى عليه الصلاة والسلام في رحلته: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:1 - 3] قال: ففارقت الجلاس، وهذا من باب قول ابن تيمية: "إذا جلست مع البطالين فسافر بروحك واترك جسمك معهم". أما الجسم موجود، وأما الروح فسافرت إلى بارئها: {دعها فإن معها سقاءها وحذاءها، ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها} قال: ثم أتاني التأثر، وقد رفع القارئ صوته، فحاولت أن أحبس عن زملائي التأثر فبكيت، قال: فلما بلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم:57 - 58] قال: والله لقد تحول البكاء إلى هزة عضلية في جسمي، ولم أقدر أن أمسك جسمي أبداً. ولذلك انظر إلى هذا الكلام في الظلال، كأنه كلام رجل دخل الجنة، ثم أتى يكتب من الجنة، ولو أن لنا كطلبة علم ملاحظات على الظلال -والعصمة لكتاب الله عز وجل- في بعض الصفات وبعض المواقف، لكن الكتاب عجيب، وفيه دفعة قوية وفهم وعمق وأصالة، فرحمه الله رحمة واسعة، ولا يعفيه من أن ينتقد من كثير من العلماء خاصة في بعض المسائل، وهذا أمر له مجال وبسط آخر.

توضيح معاني التقوى

توضيح معاني التقوى {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24] يا أيها الناس! اتقوا النار، يقولون: التقوى وردت في القرآن باتقاء الله، واتقاء اليوم الآخر، واتقاء النار {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:281] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء:1] ويقول عز وجل: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ} [البقرة:24]. والتقوى هي: أن تجعل بينك وبين الشيء وقاية، يقول النابغة الذبياني: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد فهذه حياة الجاهلية، حياة الربابة والعزف على الموسيقى، لم يكن فيها قرآن، ولا كان فيها أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، ولا صحيح البخاري، ولا صحيح مسلم، بل حياة الضياع والهيام، ولا بأس بالاستشهاد بهذه، فإن فيها ملاحة، وظرفاً، وشيئاً عجيباً من شعر العرب يقول: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد فاتقتنا: جعلت بيننا وبينها وقاية، ولذلك تعريف التقوى: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية. وعرفها بعض أهل السنة كـ ابن تيمية قال: هي أن تؤدي المأمور، وتجتنب المحذور وتصدق الخبر، وقال بعضهم ونسب إلى علي بن أبي طالب، وكلماته لها طريق إلى القلوب، قال: [[هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل]] وقال ابن مسعود: [[التقوى هي: أن يطاع سُبحَانَهُ وَتَعَالى فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر]] وقال بعضهم: التقوى أن تعمل الحسنة على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك السيئة على نور من الله، تخاف عقاب الله، إلى غير تلك التعريفات. لكن هنا من نوع آخر قال: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ} [البقرة:24] انجوا بأنفسكم، وخافوا من الله، وادخلوا في الدين، وأسلموا لله، مادمتم قد عجزتم عن معارضة القرآن؛ فلماذا لا تسلمون؟ ومعجزة رسولنا عليه الصلاة والسلام هي القرآن.

تفسير قوله تعالى: (وقودها الناس والحجارة)

تفسير قوله تعالى: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24] ما هي الحجارة؟ قالوا: حجارة الكبريت الأسود، قالها كثير من المفسرين أنها الكبريت الأسود الذي تحرق به النار، وهو أشد هيجاناً، وأشد حرارة وتلهباً، حتى يوم بلغ العلم الحديث ذروته، أصبحت أكبر المصانع في العالم، مصانع الاحتراق وإذابة الحديد تستخدم الكبريت الأسود، لكن لا تستوي الناران: أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحي غير نسائها فأعوذ بالله من نار وقودها الناس والحجارة، حتى يقول بعض المفسرين: سبحان الله! يقرن الناس وهم لحم ودم وعصب وجلد وعين وسمع وبصر، وهم مضغة بحجارة لا تسمع ولا تبصر ولا تعي، وهذا من أشد الإهانات، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة:24] قيل: يوقدها الناس والحجارة، وقيل: يدخل الحجارة مع الناس من قلة المبالاة بهؤلاء الكفرة. فرجل أعطاه الله سمعاً وبصراً وقلباً، ثم لا ينقذ نفسه من النار، أليس كالحجر؟ بلى. رجل لم يعرف طريق الخير فهو مثل الحجر؛ لأنه لا حياة له، له سمع لا يسمع به، وله بصر لا يبصر به، وله قلب لا يفقه به، ولذلك جعل الله منزلته كمنزلة الحجارة: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] لأن الأنعام لا عقول لها تكليفية، وأما هم فأوتوا العقول، ثم تردوا أشد من الحيوان والبهائم نسأل الله العافية والسلامة.

بشرى لأهل الإيمان: إنما أعدت النار للكافرين

بشرى لأهل الإيمان: إنما أعدت النار للكافرين {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24] والحمد لله هذه فيها بشرى وفيها إنذار (أعدت للكافرين) قيل: الحمد لله الذي قال: أعدت للكافرين، ولم يقل: أعدت للناس، وقالوا: الحمد لله الذي قال: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:17] ولم يقل: وهل نجازي إلا الناس، فإن الذي يستحق الجزاء هو الكافر، والحمد لله الذي جعلها معدة للكفار. فيا من أعدها للكفار! يا واحد يا قهار! نشهد أن لا إله إلا أنت، ونشهد أن محمداً عبدك ورسولك، نلقاك بهذه الكلمة تنجينا من نار أعددتها للكفار إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24] فيها بشرى لنا أننا مسلمون، مع أننا خطاءون، مذنبون، مسيئون، لكن معنا كلمة نتعلق بها، لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومعنا الصلوات الخمس، والفرائض، ولكننا مرة علينا ومرة لنا، ونحن في الأخير أهل فرائض. حضرت الوفاة عمرو بن العاص كما في صحيح مسلم، فبكى وكان ابنه يُرجِّيه ويُحسِّن ظنه بالله، فقال: [[يا بني! كنت على أطباق ثلاث، كنت في الجاهلية لا أعرف الإسلام، فلو مت لكنت من أهل جهنم، وأتيت في الإسلام مهاجراً، واستقبلني صلى الله عليه وسلم، فلما أسلمت كان أحب الناس إلي، فلو مت لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم لعبت بي الدنيا ظهراً لبطن وتخلفت بعده، فليت شعري هل يؤمر بي إلى النار أو إلى الجنة، ولكن عندي كلمة أحاج لنفسي بها عند الله. لا إله إلا الله محمد رسول الله]]. وهذه الكلمة لا تكفي إلا بالصلاة والفرائض، وإلا فقد يقولها المنافق والكافر، لكن ليس مخلصاً من قلبه، أعني ليس مصلياً صادقاً مع الله. {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24] فالحمد لله الذي أعدها للكفار، والحمد لله الذي جعل المسلم ينجو برحمة الله عز وجل من النار؛ فإنه الواحد الغفار.

الكبائر من المسلمين

الكبائر من المسلمين ولعلمكم -يا أيها الأخيار الأبرار- إن من المسلمين من أهل الكبائر من قد يدخل النار، لكنه لا يخلد في النار، لكن قولوا لي بالله: من يستطيع منا تحليلها يوماً واحداً أو شهراً أو سنة أو مائة سنة أو ألف سنة، فلا إله إلا الله، لحظة واحدة لا يصبر عليها الإنسان. ذكر ابن تيمية في الفرقان، أن الأحنف بن قيس كان إذا قام من الليل يصلي يضع أصابعه على النار، فيحرقها ويقول: ذوقي قبل نار الآخرة ويبكي، وهي نار سهلة، فهي جزء من سبعين جزء من نار جهنم، غمست في البحر حتى أطفئت وأصبحت ناراً يوقد عليها، فأنقذوا أنفسكم من النار بالفرائض، وأنقذوها بالتوبة النصوح، وأنقذوها بإصلاح قلوبكم وبيوتكم عل الله أن يرحمنا وإياكم.

أهل الجنة وبيان حالهم

أهل الجنة وبيان حالهم ثم اسمع إلى أهل الإيمان بعد أهل الكفر وأهل الزيغ والنفاق والطغيان، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة:25] من المبشِّر؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام، يقول: قم بشر هذه الأمة، وبشر المصلين في جنح الليل، والعابدين الصادقين، وبشر الناصحين، والذي رأى الحرام فغض بصره، وبشر الذي سمع الخنى فأعرض بسمعه، وبشر الذي وجد الحرام فرفض أكله، ورفض شربه ولبسه، بشره بجنات تجري من تحتها الأنهار. فالرسول عليه الصلاة والسلام مبشر ومنذر، لكن إذا أتى التخويف قال له الله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد:7] وإذا أتى النعيم قال: (وَبَشِّرِ) وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب:45] فيقول: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد:7] وهنا يقول: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة:25] في هذه الآية رد على المرجئة وهي: طائفة ابتداعية تقول: يكفي الإيمان بلا عمل، وهذا خطأ وكذبوا على الله، يقولون: يكفي النطق والاعتقاد بدون أن يعمل الإنسان ولو لم يصل فهو مؤمن، لا: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة:25] وعمل الصالحات كثير يحتاج إلى بسط وعرض طويل، لكن من الصالحات ألا تتقاصر عن كل فعل صالح أن تفعله. تبسمك في وجه أخيك على قلته صدقة، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقة، صلح وإصلاح، نيتك أن تقوم الليل ثم لم تقم عمل صالح يكتب لك، وأن تصب من إنائك في إناء المستقي صدقة.

أقسام المؤمنين

أقسام المؤمنين قال: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة:25] الذين آمنوا ثلاثة أقسام: سابق، ومقتصد، وظالم لنفسه، وسبق بيان ذلك. فالسابق: مثل الصحابة رضوان الله عليهم، وهم الذين فعلوا الفرائض والنوافل، وتركوا الكبائر والصغائر. والمقتصد: هو الذي فعل الفرائض ولكنه لم يأت بالمستحبات، وترك الكبائر ولكنه يأتي بالصغائر. والظالم لنفسه: من ترك بعض الواجبات، وارتكب بعض الكبائر، فالظالم قد يدخل النار، ولكنه يخرج برحمة الله لأنه موحد، فقد تدركه شفاعة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، أو رحمة أرحم الراحمين.

وصف الجنة وأنهارها

وصف الجنة وأنهارها {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة:25] جنات جمع جنة، وما في الدنيا من الجنة إلا الأسماء: لواحد منهم بدا أساوره أضاءت الدنيا له أو ظفره لهم من الحرير أعلى ملبس إستبرق فيها وخضر السندس صفوفهم عشرون بعد المائة أما ثمانون فمن ذي الأمة الشجرة الواحدة كما في صحيح مسلم، {يطوف الراكب المجد بها مائة عام لا يقطعها}. وفي الجنة أربعة أنهار ثجاجة، نسأل الله أن يرينا تلك الأنهار، ولا يحرمنا الشرب من تلك الأنهار، وأن يدخلنا برحمته وهو الواحد الغفار لا بعملنا؛ فإننا مسيئون، بعيدون عن أعمال تلك الدار. نهر من ماء غير آسِنٍ لم يتغير، بل هو ثجاج يثج حلاوةً وخيراً وبراً، ونهر من عسل مصفى لا تشوبه شائبة، ونهر من لبن لم يخالطه شيء، ونهر من خمر لذة للشاربين ليس فيها صداع ولا ذهاب للعقل كخمر الدنيا، قال أهل العلم: هذه الأنهار الأربعة تطوف في الجنة جميعاً، ولكل إنسان في الجنة أنهار خاصة، وهذه الأنهار العامة، أما الأنهار الخاصة فهي لكل إنسان، وأدنى أهل الجنة منزلة يملك -كما في صحيح مسلم - عشرة أمثال الدنيا من ذهب وفضة وقصور وبساتين، ففي الجنة له عشرة أمثال الدنيا: {ولموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها}. أما شجرها فيتدلى، إن كنت قائماً ارتفع الغصن حتى تناله وأنت قائم: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:23] وإن كنت جالساً أتاك الغصن وأنت جالس، وإذا اضطجعت أتاك الغصن وأنت مضطجع، لا تهتم، ولا تحزن، ولا تغتم، ولا تنصب، ولا تجوع، ولا يأتيك مما يأتي الناس في الدنيا من الغائط والبول والأذى والقذى، هل فيها شمس؟ قال بعض أهل العلم: أما جوها فكالجو الصحو الصافي قبل طلوع الشمس في الفجر، فهذا الجو الزاهي البهي هو جو الجنة. أما لحمها فهو طير مشوي مما يشتهيه الناس، وفواكهها متعددة الأنواع، أما أسرتها فحدث ولا حرج، للإنسان المسلم المؤمن اثنتان وسبعون حورية، وقال بعض أهل العلم في الأحاديث: زوجتان، وكل حورية وجارية يرى مخ ساقها من وراء العظم. فاعمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها والطير تهفو على الأغصان عاكفة تسبح الله جهراً في نواحيها ولذلك لا نعيم في الدنيا أبداً بالمقارنة مع تلك، وهذه الحقائق لا بد أن تفهم اليوم، قال رجل للحسن البصري: أشكو إليك بطني، قال: ماذا فعل بطنك؟ قال: إن شبعت كظني، وإن جعت آلمني، قال: التمس لك أرضاً غير هذه الأرض، أي: الجنة، وقال الحسن البصري: [[فضح الموت الدنيا، فلم يدع لذي لب فرحاً، لقد بقي المؤمن مهموماً مغموماً، ولا فرج له إلا دخول الجنة]]. ولذلك رئي الصالحون في الجنة، ولا بأس أن نذكر بعض ذلك، ذكر ابن كثير أن الإمام أحمد رئي على كرسي من زبرجد، فقالوا: بم نلت هذا؟ فقال: بآية من القرآن، ورئي مالك كذلك، فيقول الذهبي: على ناقة من نور، وهو يطير بها في سماء الجنة، ولكن الشهداء أعظم وأعظم، وأحسن وأحسن. فيا أخي: اجعل لك منزلاً هناك، وإذا أتاك الفقر والعوز ولم تجد سعة في هذه الدنيا فاعلم أن السعة هناك، واعلم أن ما فاتك في الدنيا سهل، بيت الدنيا يخرب، وزوجة الدنيا تفارق، ومال الدنيا يذهب، وصحة الدنيا بعدها السقم، فو الله لا راحة فيها، والمغرور والمخذول والذي لا يملك مسكة من عقل هو الذي قدمها على الآخرة نعوذ بالله من الخذلان. قال: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة:25] كيف تجري؟ قالوا: تجري من تحت قصورها، ولأنهار الجنة حفيف في الآذان عجيب، ويخرج أهل الجنة كما حقق ابن القيم إلى سوق من أسواقها، فتثور رياح تهب بكثبان المسك، فتدخل في ثياب أهل الجنة، فيعودون إلى زوجاتهم فيقولن: والله لقد ازددتم حسناً إلى حسنكم ونعيماً إلى نعيمكم، ويلتقي أهل الجنة يوم الجمعة يوم المزيد، فيرون الله الواحد الأحد رؤية حقيقة، وهي أعظم المنازل، نسأل الله ألا يحرمنا تلك النظرة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23 - 23] فأول ما توضع الكراسي للأنبياء والرسل، ثم للشهداء، ثم للصالحين، ثم يجلس الناس على كثبان المسك والزبرجد، ويتجلى الله لهم ويكلمهم ويكلمونه. فهناك قم طرباً بحبك منشداً إذ سوف تكشف دوننا الأستار فنسأل الله أن يرينا وجهه، وأن يذيقنا لذة النظر إلى وجهه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وفي الجنة زيارة الصالحين، فتزور محمداً صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وحمزة، وأضرابهم، وأشرابهم، فاجعل لنفسك منزلاً هناك، لأنك إن لم تفعل ذلك في الدنيا، فإننا نخاف أن يحال بيننا وبين تلك المنازل نسأل الله العافية.

ثياب أهل الجنة وأطعمتهم

ثياب أهل الجنة وأطعمتهم للفائدة يقولون: إن ثياب أهل الجنة من أكمام في الشجر، تطلع الشجرة فتأتي بأكمام الثياب بزاً وقماشاً فيلبسونها وهي مفصلة جاهزة، وعرقهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، الواحدة منهم لو أشرقت على الدنيا لكسفت الشمس من نورها وبهائها {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25]. {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً} [البقرة:25] في هذا المقطع مسائل: قوله: (كُلَّمَا رُزِقُوا مِنها) أي: من الجنة. (مِنْ ثَمَرَةٍ) يقولون: من طلع الشجرة الذي يؤكل وكل ما في الجنة يستفاد منه: {رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} من قبل ماذا؟ لأهل العلم رأيان: الرأي الأول: يقولون: رزقنا هذا في الدنيا، هذا الثمر الذي أعطيتمونا في الجنة قد رزقنا مثله في الدنيا! فتقول الملائكة: ذوقوا فإن اللون والطعم غير الطعم. الرأي الثاني: وهو الصحيح (هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ) يقولون: قبل قليل أعطيتمونا هذا أكلناه، فكيف تعيدون لنا هذا؟ قالوا: اللون واحد ولكن الطعم مختلف، من كثرة ما جعل الله فيها من العجائب والألوان؛ ومن العجب أن جعل اللون واحداً، ولكن يذوقونه فإذا الطعم مختلف تماماً، (قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً) متشابهاً أي: يشبه هذا هذا، ولكنه يختلف في الطعم ولو اتفق في اللون، والمشبه يتفق مع المشبه به في بعض الوجوه، ولكن يختلف من وجوه أخرى؛ فلله الحكمة البالغة. وورد عن ابن عباس أنه قال: [[ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء]] فالرمان: ذكر في الجنة وهو في الدنيا، لكن والله ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء فحسب: الرسول صلى الله عليه وسلم {صلى بالناس صلاة الكسوف، فتأخر خطوة ثم تقدم خطوة، فقالوا: مالك يا رسول الله؟ قال: رأيت الجنة، ورأيت عنقود عنب فيها فأردت أن آخذه، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار، ورأيت عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار -لأنه أول من سيب السوائب وأدخل الأصنام جزيرة العرب - ورأيت في النار امرأة تعذب في هرة لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض}.

مسألة خلق النار والجنة وعدم فنائهما

مسألة خلق النار والجنة وعدم فنائهما وللفائدة يا أيها الإخوة! فاتني مسألة استدل بها أهل العلم في قول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) على أن الجنة والنار موجودتان الآن، وهما مخلوقتان الآن، والجنة مما علم أنها في السماء، والنار الله أعلم، ولكن قال أهل العلم: هي في سجين تحت الأرض، ولكن على كل حال هما موجودتان، باقيتان، مخلوقتان الآن، لا فناء لهما. والنار والجنة حق وهما موجودتان لا فناء لهما وهذا قول أهل العلم، وهو قول مستند إلى الكتاب والسنة، فلا تفنى الجنة ولا النار، فنسأل الله أن يجعلنا من سكان الجنة. سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً} [البقرة:25] أي: من قبل قليل في الجنة لا في الدنيا، هذا هو الراجح، (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً) أي: أعطوا هذه الثمار متشابهة: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25] أزواج مطهرة، ولم يقل (أزواجٌ) وسكت، وإنما قال: مطهرة، قال قتادة: [[من الحيض والنفاس، والبول والغائط والبصاق وغير ذلك]].

نعيم النساء في الجنة

نعيم النساء في الجنة ووردني سؤال من بعض الإخوة يقول: تنفر النساء كثيراً إذا ذكر النعيم للرجال في القرآن ولا يذكر للنساء؟ أقول: المرأة المؤمنة لها نعيم كنعيم المؤمن في الجنة: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] والمرأة الصالحة يتزوجها زوجها الصالح الذي تحبه في الحياة الدنيا، ولكن أهل العلم اختلفوا في مسألة من تزوج زوجات ثم فارق بعضهن، فهل يخير يوم القيامة في من يحب من زوجاته، وإن أخذهن جميعاً فله ذلك، والتي ليس لها زوج لم تتزوج في الحياة الدنيا، أو مات زوجها عنها، أو فارقها، إما أن ينشئ الله زوجاً لها، وهو الصحيح من الجنة لتتنعم كما يتنعم الرجل: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21]. {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25] وهذا هو النعيم، فإن أي نعيم تشعر أن وراءه انتهاء ليس بنعيم، لو قيل لك: اجلس في هذا البيت عشر سنوات متنعماً، ثم يضرب رأسك في السوق وتقتل، فلن تحس بالنعيم!! لو قيل لك: اجلس منعماً سعيداً سنة، ثم تقطع تقطيعاً، ليس هذا بنعيم، وإنما يقال لك: (وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). فيا من سعى لستين سنة وسبعين وثمانين ومائة ما هي الحياة؟!! نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجات من راح لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي

نماذج من العاملين للجنة

نماذج من العاملين للجنة الإمام أحمد يقدم له المال من السلاطين والخلفاء في أكياس من الذهب والفضة، فيقول: لا، وهو لا يجد كسرة الخبز، وهو إمام أهل السنة والجماعة، يحفظ ألف ألف حديث، قالوا: مالك لا تأكل أما تجوع مثلما يجوع الناس؟ قال: طعام وطعام، وشراب وشراب، وأيام قلائل، ثم نرتاح إن شاء الله، وبالفعل ارتاح راحة ما بعدها راحة إن شاء الله. وقالوا للحسن البصري: سبقنا التجار بأموالهم وقصورهم، قال: [[نأكل ويأكلون، ونشرب ويشربون، وننظر وينظرون -أي: ينظرون في قصورهم وننظر نحن في قصورهم- ثم نترك ويحاسبون]] يقصد في المال، وإلا فالحساب على الناس جميعاً. وهذا إبراهيم بن أدهم جلس يأكل خبزاً على رصيف في ليلة شاتية، قالوا: أنت زاهد الدنيا إبراهيم بن أدهم، وأنت في هذا؟ قال: والله إنا في عيش لو علم به السلاطين لجالدونا عليه بالسيوف. ويقول ابن تيمية: أنها تمر بالقلب خطرة أو فرصة أو لحظة، أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا العيش إنهم لفي عيش طيب. فسجدة في مجلس واحد أفضل من مُلْك ملوك الملوك سجدة أو تسبيحه، أو ركعتان واطمئنان القلب، والوصول إلى الله الواحد الأحد، ومعرفة الطريق إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هو المُلْك الذي ما بعده ملك أبداً، وهذه لها قصص، ولو طال الوقت لكنا عرضنا لبعض قصص الصحابة والسلف الصالح، وإنما نقول: {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25] إذا قيل خالدون، فهو خلود أبدي سرمدي، ليس له منتهى، وهذا هو النعيم الذي لا يدرك غوره.

علاج أمراض القلوب

علاج أمراض القلوب فالذي يطلب منا -وهو المطلوب من القرآن قبل أن نعرف الفاعل والمفعول به والحال والتمييز- أن نعرف ما هو حظ قلوبنا من القرآن، وما هو حظ القرآن من قلوبنا، وأن نأتي إلى أمراض هذه القلوب فنضع عليها دواء القرآن، وبلسمه وعلاجه علَّ الله أن يشافينا، فإن قلوبنا أصبحت مريضة. والمرض ذكر في القرآن على ثلاثة أضرب: 1 - مرض الجسم: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء:43]. 2 - مرض القلب وهو على قسمين: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في مرض الشك والشبهة والنفاق، ومرض التكذيب بالرسول عليه الصلاة والسلام: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10] وقال في مرض الشهوة، وحب الفاحشة: {وَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32]. إذاً: فما هو العلاج؟ العلاج القرآن والدعاء والذكر والتسبيح، والعلاج الصلوات الخمس جماعة، والتوبة النصوح، فلو خرجنا -وهذا معلوم- نستسقي وندعو ونرفع أكفنا، لكن أما أكلنا الربا؟! أما فشا الزنا؟ أما انتشر الغناء؟! أما كثر الكذب؟! أما عق الوالدان؟ أما قطعت الأرحام؟! فنعود من المصلى ولم تنزل قطرة، جفت الآبار، وانقطعت الأمطار، وذبلت الأشجار، وذهبت الأزهار، ونشكو حالنا إلى الواحد القهار. لكن علينا أن نقوم بالإصلاح: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] لا نقل في الدنيا: نفسي نفسي! بل نقول نفسي نفسي في الآخرة، لو قام كل منا بحكمة وبعقل وبروية وبنية وحسن خلق وأرشد، وقدم إلى المجتمع كلمة نصح، لكنا والله في أحسن حال، كم في هذا المسجد في هذه الجلسة، لو تبرع كل واحد منا إذا مر بالسوق أن يقول كلمة حسنة، يرى امرأة متبرجة فينهاها، يرى رجلاً يروج لشريط الأغنية الماجنة الخليعة، فينهاه وينصحه بتقوى الله، يرى مجلة خليعة تباع في الأسواق فينصح صاحبها، يرى المرابين فينصحهم، يرى من يروج للزنا، من يعق والديه، من يقطع رحمه. ولكان النصح قد تكرر كثيراً، فيتكرر عليه في اليوم الواحد عشر مرات فيتنبه، تمر به أنت فتنصحه، وأمر به أنا فأنصحه، والثالث والرابع والخامس فسوف ينتبه، لكن رضينا بكثير من المنكرات وسكتنا، وقلنا: للدعوة أناس، وأهل العلم مسئولون عن هذا، وأنت والله لا تبرأ ذمتك حتى تقدم كلمة وتنصح وتوجه! ونحن لا نقول: قاتل الناس أو شاتمهم أو سبهم، أو هدِّم بيوتهم، ولكن نقول لك: قُدِ الناس إلى الجنة، وأنقذ الناس من النار، بصر الناس بطريق الواحد الديان سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهم سوف يستمعون لك إذا علموا منك الإخلاص والصدق، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {بلغوا عني ولو آية} ويقول: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان،} {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79]. فيا أيها الإخوة: لا يفوتني في هذه المناسبة التنبيه بأن نستفيد من هذه الدروس ومن سماع آيات الله عز جل، وأتوجه إلى الحي القيوم بأسمائه الحسنى، وأتعلق بكل اسم له، وبكل صفة مثلى له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أن يرحمني وإياكم وكل مسلم رحمة عامة، ورحمة خاصة، وأن يملأ قلوبنا إيماناً ويقيناً ومحبة له ولرسوله، وأن يطهر قلوبنا من الشك والريبة، والنفاق والكفر، والمعصية والفاحشة، ونسأله فتحاً مجيداً، وتوفيقاً، وحظاً سعيداً، وبصيرةً وفقهاً في الدين. ونسأله رحمةً عامةً وخاصة، ونسأله أن يجعلنا من المؤمنين الذين عملوا الصالحات، الذين تجري من تحتهم الأنهار: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25]. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

مقتل طاغية

مقتل طاغية رئيس رومانيا كان رجلاً مجرماً من المجرمين وظالماً من الظالمين، كان له من الحرس ما يقارب السبعين ألفاً، وقد ظن هذا الطاغية أن قبضة الله لن تدركه، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وقد حكم هذا الطاغية أكثر من ربع قرن، فهل من معتبر!!

مقتل طاغية رومانيا

مقتل طاغية رومانيا الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر:1] أشهد أن الله حق، واليوم الآخر حق، والنبيين حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والجنة حق، والنار حق، وأشهد أن هذا الدين حق. اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، لا إله إلا الله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. {قُل اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:26 - 27]. قبل أيام قتل الله مجرماً من المجرمين، ودكتاتوراً عاصياً ظالماً هو رئيس رومانيا حيث ذبح كما تذبح الشاة وذلك بعد خمس وعشرين سنة أو أكثر، من الظلم الأحمر ظلم الآمنين روَّع الأطفال، وقتل الشيوخ استولى على أموال الناس وظن أن قبضة الله لا تدركه، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، فطرح في الأرض، وديس هو وزوجته على التراب: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45] لقد ظلم وعتا وتجبر واستكبر وذهب بنفسه هو وجنوده، فأخذه الله وجنوده: {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ} [القصص:81] {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129] فالناس حين تركوا منهج الله، وعصوه، وكفروا بلا إله إلا الله، وعطلوا القيم، وخرجوا عن المبادئ، وكفروا كفراً بواحاً، وما اتجهوا إلى الله، فسلط الله عليهم هذا الديكتاتور فعتا في الأرض وأفسد، ولكن قبضة الله نالته وانتهى أمره، وأخذت قصوره التي ليست في الدنيا ما يشابهها إلا القليل، وسار لسان الحال يقول: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل:52] {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]. كم حكم هذا الطاغية؟ لقد حكم أكثر من ربع قرن، ولكن حلم الله واسع، فمن الناس من يظلم ويتجبر ويسفك الدماء، ويظن أن الله لا يراه، ولكن الله يقول: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم:42 - 43]. ذهب وانتهى، ولذلك قال سبحانه في الطغاة لما قتلهم: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأعراف:5] وقال سبحانه: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ} [الأنبياء:15]. وهذا المجرم كان قد أخذ من الحراسة سبعين ألفاً من الشرطة السرية، كان ينام كل ليلة في قصر، وتمتلئ الشوراع بالحراسة إذا خرج، ولكن لا حراسة من الله، لأن الذي لا تحرسه عناية الله وعينه، فلا حامي له ولا حارس. وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان فهو حرس نفسه، لكنه لم يحرسها من المعاصي والإجرام والظلم فانهارت هذه الألوف المؤلفة كان معه سبعون ألفاً ولكن! سبعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب مدججون بالسلاح، يقفون لهذا المجرم بإشارة، ويجلسون بإشارة، ولكنه ما حرس الله فما حرسه الله، لقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام كلمة هي قاعدة في الحياة لكل مخلوق، يقول: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة}. أيها الدكتاتور المجرم! إن الحراسة ليست بالجنود ولا بالسلاح والعتاد، إنما الحراسة بالعدل. ويا أيها المجرم الظالم! إن الحراسة ليست بالسلاح والرشاش، ولكنها بأن تحرس حدود الله وتراقب حرماته.

رعاية الله لعمر بن الخطاب

رعاية الله لعمر بن الخطاب جاء رجل أرسله كسرى من بلاد فارس ليفاوض عمر بن الخطاب - عمر العادل الأمين الصادق، عمر الزاهد العابد-: حسبي وحسب القوافي حين أرويها أني إلى ساحة الفاروق أهديها فأتى الهرمزان وبه من الخوف ما لا يعلمه إلا الله، لأنهم سمعوا جلجلة وصيت عمر في الأقاليم، فهو قد فضفض الدنيا ودوخ المعمورة، فأتى الهرمزان فقال: كيف أقابل عمر؟ وكيف أدخل عليه؟ وكيف أستطيع أن أتكلم مع هذا الرجل الذي ضربت جيوشه الدنيا؟ قياداته وكتائبه وصلت إلى المدائن، فقال هو والوفد: أين بيت الخليفة عمر؟ قالوا: تلقاه في تلك السكة، فذهبوا إليه، فوجدوا بيت عمر مطروحاً في سكة من سكك المدينة، قال: أهذا بيته؟ قالوا: نعم. هذا بيته، قال: أين هو؟ قالوا: نطرق عليه الباب، طرقوا فخرج ابن لـ عمر فقال: التمسوا أبي في المسجد، فإن من عادته أن ينام في الضحى، فذهبوا إلى المسجد، فبحثوا فلم يجدوه في المسجد، فخرج أطفال المدينة يبحثون عن الخليفة، فوجدوه نائماً تحت شجرة عليه بردة فيها أربع عشرة رقعة، وقد أخذ حجراً مخدة تحت رأسه واستقبل القبلة وبجانبه عصاً اسمها (الدرة) يخرج منها شياطين الجن من رءوس الإنس، فقال الهرمزان: أهذا أمير المؤمنين؟! قالوا: هذا أمير المؤمنين، قال: أهذا عمر؟! قالوا: هذا عمر، قال: أهذا الخليفة؟! قالوا: هذا الخليفة، فأخذ يرتعد ويقول وعمر نائم: حكمت فعدلت فأمنت فنمت. سجلها شاعر وادي النيل وتغنى بها للتاريخ، فقال: وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها رآه مستغرقاً في نومه فرأى فيه الجلالة في أسمى معانيها وعهده بملوك الفرس أن لها سوراً من الجند والأحراس تحميها فقال قولة حقٍ أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها واستيقظ عمر وفاوضه. هذه عظمة الإسلام، وهذه حراسة الله، أن تحفظ الله ليحفظك الله، وإلا فلا عاصم من الله إلا إليه: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:8] والعجيب في أسلوب القرآن أنه قال: ملاقيكم، ولم يقل: أمامكم، وإنما تفرون والموت يلاقيكم: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:8]. وقال سبحانه: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78]. يا باني القصر! الله أعظم منك، يا من طغى وبغى وتجبر! الله أقوى منك، يا من افتخر بالغنى! الله أغنى منك، لا إله إلا هو: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]. وفي قتل هذا الديكتاتور المجرم درس، وهو أن البنيان المهدم ينهار، والله يقول: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. فهو أسس بنيانه على ظلم وخيانة وجريمة ومعصية فانهار، ولذلك انظر إلى دول الظلم كالدول الشيوعية، بالأمس روسيا وقبلها ألمانيا الشرقية واليوم رومانيا. لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب لماذا؟ لأنهم ما امتثلوا أمر الله، وما طبقوا منهج الله، وما أتاهم قبس من الإسلام: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} [الأحقاف:26] وانهارت هذه الخرافة، وكانت للناس آية، ويد الله وراء كل ما حدث في الكون وسبحان من يغير ولا يتغير!: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. فيا من أراد حراسة الله ورعايته! احفظ الله يحفظك، واعلم أن من ضيع الله ضيعه الله: {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ} [القصص:81]. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين؛ فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

مميزات الأمة الإسلامية

مميزات الأمة الإسلامية الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. نحن نمتاز عن أمم الأرض بأمور: أولها: التوحيد، حيث وحدنا الله، ورضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فنحن موحدون يجري التوحيد في دمائنا ولا نريد إلا الله، ورفعنا بالأمس لا إله إلا الله، ورفعنا اليوم لا إله إلا الله، ونرفع غداً لا إله إلا الله، سجدنا لله عز وجل وسجد غيرنا لشهواته ومطامعه، أحببنا الله وأحب غيرنا الهوى والضياع والهيام. فنحن موحدون نرفض كل من يحاول أن يخدش وجه التوحيد، ولذلك أما رأيتنا يوم أن أنكر على أذناب الحداثة يوم حاولوا أن يشوهوا وجه التوحيد، أما رأيت غضبة المسلمين ودماءهم وشجبهم واستنكارهم يوم أراد أذناب أولئك أن ينفثوا سمومهم في أرض التوحيد، لقد غضب الناس وأنكروا، لأن هويتنا لا إله إلا الله محمد رسول الله، نحن مسلمون ولنا تميز على الأمم؛ لأننا أهل شريعة نتعامل بشريعة نعبد الله على شريعة، أخلاقنا بشريعة، وسلوكنا بشريعة، ومعتقدنا بشريعة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]. شريعتنا من الواحد الأحد: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4 - 5] {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] لا شريعة حمورابي ولا نابليون، ولا قواعد هتلر ولا الكتاب الأخضر، بل كتاب وسنة: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]. نحن المسلمين نمتاز على الناس أن لنا قدوة وهو محمد عليه الصلاة والسلام: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] جعلناه في عيوننا وأبصارنا، وفي قلوبنا. نسينا في ودادك كل غالٍ فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا زعيمنا ورمزنا وحبيبنا وإمامنا محمد عليه الصلاة والسلام. نحن المسلمين إذا صلينا تذكرنا صلاته، وإذا حججنا تذكرنا حجه، وإذا تعلمنا، تذكرنا تعليمه، وإذا تخلقنا تذكرنا أخلاقه. نحن المسلمين أهل أصالة، فنحن لم نولد اليوم، فملة الإسلام لها أكثر من ألف وخمسمائة سنة -خمسة عشر قرناً- وماركس الملعون ما مكثت مذكراته إلا اثنتين وستين سنة، وأخذت تنهار اليوم، يذبح أصحابها وأدعياؤها، ويداسون بأحذية الناس في الشوارع؛ لأنها لعينة قبيحة، أما الإسلام فينتشر كالشمس صادقٌ كالفجر عميق كالحق ثابت كالصدق. أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه قد شربنا من كئوس المجد حقاً وارتوينا وكتبنا بدماء العز تمجيد الإله {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة:143] فحيا الله تلكم الأمة التي أخرجت أبا بكر وعمر وعثمان وعلي وصلاح الدين وطارق وأبيَّ ومعاذ وأحمد ومالك وابن تيمية وابن القيم إنها أمة المجد، ومن أراد السعادة فليسلك هذا المسلك، وليدخل في هذه الأمة، وليعلم أن أمم الأرض جميعاً غير المسلمين على ضلالة: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]. أيها المسلمون! صلوا وسلموا على رسولنا صلى الله عليه وسلم، وأكثروا من الصلاة عليه وعلى آله وأصحابه، فإن صلاتنا تعرض عليه في هذه الساعة. اللهم صلِّ وسلم عليه، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه. اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، واهدنا سبل السلام. اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً. اللهم انصر المجاهدين المسلمين في أفغانستان وفلسطين. اللهم ثبت أقدامهم، وأنزل السكينة عليهم، وأيدهم بروح منك. ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين.

هدي السلف في رمضان

هدي السلف في رمضان لشهر رمضان خصائص تميزه عن سائر الشهور، فهو شهر القرآن، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدارس جبريل القرآن، وكان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة. والأمة الإسلامية اليوم تعاني قصوراً شديداً في استغلال مواسم الخير، وبدلاً من السمو والارتفاع الذي كانت تحياه في عصر السلف، تقع في أخطاء فاحشة تحرمها فضيلة هذا الشهر الكريم.

فضل شهر رمضان

فضل شهر رمضان إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحييكم هذه الليلة بأبيات ابن القيم الرائدة: أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم وحملها قلب المحب وإنه ليضعف عن حمل القميص ويألم لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتها إن غبتم أو حضرتم وشكر الله لفضيلة الشيخ الأخ/ خليل السبيعي على هذه المقدمة، وقد تكلم هذه الليلة بلسان الرضا وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا وعنوان المحاضرة: هدي السلف في رمضان. بشرى سارة لكم يا معاشر الساجدين، ويا معاشر المصلين والصائمين؛ لقد أظلكم شهر كريم، فهنيئاً لكم ولنا، ونسأل الله جل في علاه أن يجعلنا من عتقائه في هذا الشهر مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام قد لقيناك بحب مفعم كل حب في سوى المولى حرام فاقبل اللهم ربي صومنا ثم زدنا من عطاياك الجسام لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلق أسهرنا جنح الظلام جاء عند الإمام أحمد في المسند والنسائي بسند صحيح، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول للصحابة في أول رمضان: {أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب الجحيم، وتغل مردة الشياطين، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم} فنسأل الله ألا يحرمنا خيرها، وأن يعتق رقابنا وإياكم من النار. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار أيها المسلمون: يقول -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه ابن ماجة وغيره من أصحاب السنن: {إن في الجنة أبواباً ثمانية باب يسمى باب الريان يدخل منه الصائمون} وفي الصحيح: {أن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون، فإذا دخلوا أغلق فلا يدخل أحدٌ غيرهم} يقول الله تَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183]. من الذي كتب؟ ومن الذي فرض؟ إنه الله ومن الذي يجازي على الصيام؟ ومن الذي يثيب؟ إنه الله ومن الذي يطلع على صوم الصائمين؟ إنه الله وفي الصحيحين أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول في الحديث القدسي: {كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فأنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوته من أجلي} كيف هذا؟ تصلي فيراك الناس، وتزكي فيراك الناس، وتحج فيراك الناس، إلا الصيام فمن يدري؟! لعلك قد تأكل بين الحيطان، وقد تشرب بين الجدران، لكن علام الغيوب يراك {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219].

رمضان شهر القرآن

رمضان شهر القرآن يقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] هذا الشهر لنا فيه ذكرى جميلة، وشرفٌ لنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فقد رفع الله رءوسنا في رمضان يوم استنقذنا بكتاب خالد، وأنزله من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في رمضان، ثم نزل منجماً إلى الدنيا، لكن في ليلة القدر نزل كلام الله وكتابه من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، فنحن نعيش في رمضان ذكرى مجيدة لا تتكرر، وهي نزول هذا القرآن الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، ورفع رءوسنا، وجعلنا سادة الأمم في رمضان. ونحن نعيش في رمضان ذكريات عظيمة، فقد وقعت معركة بدر في رمضان، وانتصر رسولنا عليه الصلاة والسلام في رمضان، وعاش غزوة الفتح في رمضان {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:1 - 2] هذا شيء من شهر رمضان الذي ننتظره في هذه الليالي ببالغ الشوق.

أقسام الناس في استقبال رمضان

أقسام الناس في استقبال رمضان والناس أمام شهر رمضان على قسمين: قسم فرح به، وأتاه من الفرح ما الله به عليم، وهو مقدم على خير وعلى بر، ينتظر أن يعتق من النار، فسجل اسمك في الأسماء التي تعرض على الله كل ليلة، عل الله أن يعتق رقبتك من النار، فإن الفوز أن تزحزح عن النار {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] ويقول سبحانه: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران:192]. أيها الناس: إن بعض الناس يجعل أعلى أمنية له في الحياة أن يحصل منصباً، أو وظيفة، أو مالاً، أو زوجة، أو سيارة، وهؤلاء من أخسر الناس في هممهم ومقاصدهم. القسم الثاني: الذي يستقبل رمضان استقبالاً بارداً ميتاً، يعيش في غفلة في رمضان وبعد رمضان، قومٌ إذا دخل عليهم رمضان أمضوا ساعاته في النوم، وأمضوا ليله في السهر، في لعب ولهو وغفلة نسأل الله ألا يجعلنا منهم متى يهديك قلبك وهو غافلٍ إذا الحسنات قد أضحت كالخطايا {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. شهر رمضان موسم للعفو وللرحمة وللعتق من النار كان لبعض العظماء في الجاهلية يومٌ يسمى يوم العفو، ويوم العفو هذا -ولله المثل الأعلى- يشبه شهر رمضان، فقد كان للنعمان بن المنذر يوم العفو، يستقبل رعيته في ذلك اليوم، فمن زاره أعفاه من الإعدام ومن الحبس، ومن الضرائب فمن أراد العفو من الله فلينتظر هذا الشهر الكريم؛ فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر} وقد يخطئ كثير من الناس، فيظن أنه إذا صام رمضان كفِّر عنه حتى الكبائر التي اقترفها بين رمضانين، وهذا فهم خاطئ، فإن التكفير خاص بالصغائر، ولا بد أن تجتنب الكبائر {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31]. فترى بعض الناس يظن أنه إذا ارتكب الكبائر وترك الواجبات والفرائض، وصام رمضان كفَّر الله عنه ذلك، وهذا خطأ في الفهم، وضلال في العقل، حتى أن بعضهم إذا دخل رمضان أحياه، فإذا انتهى رمضان عاد إلى حالته الأولى، وإلى سيرته الأولى يقول صلى الله عليه سلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: {كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي الله فرح بصيامه}.

إقبال السلف في رمضان

إقبال السلف في رمضان وكان رمضان عند السلف الصالح أمنية، وكان بعضهم يهنئ بعضاً برمضان، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يبشر أصحابه بقدومه، وكانوا يجدونها فرصة لا تتعوض؛ لأنك لا تدري أيها المسلم هل يعود عليك رمضان أم لا، ولا تدري هل يتكرر عليك أم لا أما عاش معنا الآباء؟ أما عاش معنا الإخوة؟ أما صاحبنا قوم صاموا في رمضان المنصرم، ثم لم يصوموا رمضان القادم، أين ذهبوا؟ أخذهم هادم اللذات، مفرق الجماعات، ميتم البنين والبنات {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]. وسيدهم وخيرهم هو رسولنا عليه الصلاة والسلام، فقد جعل رمضان مدرسة روحية يجدد لقاءه بربه تبارك وتعالى، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس -هذا عمومٌ لا خصوص له- وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة} وقد اشتمل هذا الحديث على أمور: أولها: مشروعية كثرة قراءة القرآن في رمضان. ثانيها: البذل والعطاء في رمضان. ثالثها: مدارسة القرآن في رمضان. رابعها: أن من بركة قراءة القرآن أن تنفق المال، قال الإمام الزهري: [هذا رمضان شهر قراءة القرآن وإطعام الطعام]].

الإمام مالك والشافعي في رمضان

الإمام مالك والشافعي في رمضان وكان مالك إمام دار الهجرة إذا دخل رمضان أغلق كتبه، وامتنع عن الفتيا، وأقبل على القرآن، وذكر ابن حجر بسند صحيح أن الشافعي كان يختم القرآن في رمضان ستين ختمة وأنا لا أتكلم عن سنية ذلك، لكن عن وروده عن الشافعي بالذات، وذكر الحافظ أيضاً عن البخاري أنه كان يختم القرآن في رمضان ثلاثين مرة، وكان الإمام أحمد يختمه في كل أسبوع، فإذا دخل رمضان ختمه في الأسبوع مرتين: في الليل مرة وفي النهار مرة. وكان عليه الصلاة والسلام يعرض القرآن مع جبريل الذي نزل عليه بهذه الآيات البينات في رمضان مرة، فلما كان آخر رمضان يعيشه صلى الله عليه وسلم عرضه عليه ودارسه مرتين، وكان عليه الصلاة والسلام يجود في رمضان أكثر من غيره، الجود من العدم، والجود من الفقر يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود يقول: وفي مسند أحمد بسند صحيح عن جابر، قال: سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: {لا، وأستغفر الله، وأستغفر الله} أي: أستغفر الله من (لا) لأنها كلمة صعبة ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم جاء عند البخاري من حديث سهل بن سعد، قال: {أهدت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوباً، فقالت: يا رسول الله! هذا الثوب نسجته لك. فأخذه صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليه، فعرض له رجلٌ، فقال: يا رسول الله! أعطني هذا الثوب. فدخل صلى الله عليه وسلم البيت، وخلعه ولبس ثوباً آخر وأعطاه الرجل، فقال الصحابة للرجل: فعل الله بك وفعل، لبسه صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليه، ثم سألته هذا الثوب، وتدري أنه لا يرد أحداً! قال هذا الرجل: والله ما سألت هذا الثوب إلا ليكون كفني، فكان كفنه} وما أحسن الكفن! كفن لبسه صلى الله عليه وسلم، كفن مس بشرته، ووضع على جنبه. ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا وكان صلى الله عليه وسلم يعيش رمضان دعاءً منقطع النظير، وقد جاء عند أبي داود بسند صحيح: {للصائم دعوة لا ترد} وهي قبل الإفطار، إذا ظمئت كبدك، وجاع بطنك، وأحسست بحرارة الجوع ولمن جعت وظمئت وتعبت وسهرت؟ كل ذلك لله. إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم فقبل الغروب وقبل أن تأكل التمرات وتشرب الماء، ارفع يديك، ثم ادع بما تيسر لك دعوة لا ترد {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].

رمضان شهر التوبة وشهر الانتصارات

رمضان شهر التوبة وشهر الانتصارات ورمضان -أيها الأخيار- شهر التوبة، فقد أذنبنا، وأسأنا، وقصرنا، وأخطأنا كيف أذنبنا؟ أكلنا النعم فما شكرنا، ورأينا المنكر فما نهينا ولا ائتمرنا، وتناولنا نعم الله عز وجل، فما قمنا بحقها وما يجب علينا نحوها، وأخطأنا كثيراً، وحان منا في الموسم المقبل أن نعلن استسلامنا لله، وأن نعود إلى الله، والله يقول: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. فرمضان موسم للتوبة؛ أن يعود العاصي من معصيته إلى الله، فالذي كان يرتاد المقاهي لاهياً لاغياً عليه أن يرتاد المساجد، وصاحب المجلة الخليعة عليه أن يقبل على القرآن، وصاحب الأغنية الماجنة عليه أن يقبل على التلاوة، وأن يبكي وتدمع عينه، وأن يسلم قلبه إلى الله فيا رب ها نحن أقبلنا إليك، فاللهم لا تخرج رمضان إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وتجارة لا تبور.

أحاديث في التوبة

أحاديث في التوبة وبشرى لكم! أبشروا وأملوا في ربكم ما يسركم، فلو كان التعامل مع البشر لما رحمونا، ولما عفوا عنا، ولما قبلوا حسناتنا، ولو كانت الخزائن بأيديهم لما أنفقوا، لكن الله رب العالمين يقول: {يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم} رواه مسلم، وعند الترمذي وأحمد، من حديث أنس وهو صحيح: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لقيتك بقرابها مغفرة} فيا رب غفرانك ورحمتك وإذا نظرت إلى الناس وجدت تعاملهم مع الناس شديداً، ولكن -لله الحمد- أن جعل الحساب بيده، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:135]. من يوقع على قرار مغفرة الذنب إلا الله، ومن يملك أن يغفر سيئاتك إلا الله سبحانه وصح عنه -عليه الصلاة والسلام- {أن رجلاً من بني إسرائيل وكان عابداً، كان يقول لأحد العصاة من بني إسرائيل: تب إلى الله. قال: اتركني وربي. فقال له مرة ثانية: تب إلى الله. قال: اتركني وربي. قال: تب إلى الله. قال: اتركني وربي. فقال له: والله لا يغفر الله لك} سبحان الله! ما هذا التألي؟ أيملك خزائن السموات والأرض؟! أبيده رحمة الله؟! أعنده صك الغفران أو الحرمان؟! {فقال الله عز وجل: من هذا الذي يتألى علي؟ أشهدكم يا ملائكتي أني غفرت لهذا العاصي، وأحبطت عمل هذا العابد} ليثبت سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه يغفر ويرحم، وأنه ينفع ويضر، وأنه يحيي ويميت، تبارك الله رب العالمين.

ذكرياتنا في رمضان

ذكرياتنا في رمضان كانت أعلامنا مرفوعة في رمضان، يوم أن كنا نسجد لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فالرسول صلى الله عليه وسلم في بدر -كما ذكرت- انتصر ورفع لا إله إلا الله، يقول حسان: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد وهذه هي القيادة العليا والفتح كان في رمضان، وصلاح الدين هاجم الصليبية وكسر الصليب في رمضان، وانتصر يوم الجمعة في رمضان. تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن قال أهل العلم: أكثر المعارك الإسلامية وقعت في رمضان، فنصرنا الله عز وجل، فنسأل الله أن يرينا نصره الأكيد في رمضان.

البيت الإسلامي في رمضان

البيت الإسلامي في رمضان لا بد للبيت أن يكون بيتاً إسلامياً في رمضان وفي غير رمضان، لكن في رمضان بالخصوص، فلابد أن يعيش البيت الإسلامي معالم رمضان، والبيت الإسلامي هو الذي أسس بنيانه على التقوى، قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. ومن المسئول عن هذا البيت؟ إنه الأب، والأم، والزوجة، كلهم يشتركون في المسئولية {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] وسوف يأتي -إن شاء الله- ما يمكن أن يلمح عن مواصفات البيت الإسلامي وصفاته، الذي يستحق المغفرة والرحمة من الله رب العالمين.

أخطاؤنا في رمضان

أخطاؤنا في رمضان ما هي أخطاؤنا في رمضان التي تتكرر؟ نذكر بعض هذه الأخطاء:

ضياع الوقت

ضياع الوقت فإن كثيراً من الناس يضيع الوقت في رمضان وهل سمعت بأمة تلعب البلوت في ليالي رمضان؟ يعتق الله عز وجل الرقاب من فوق عرشه، وهذه الأمة تلعب البلوت في الأرض! الله عز وجل يقول في الثلث الأخير من الليل: {هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟} متفق عليه، وهذه الأمة تلعب البلوت، وتسمع الأغنية والموسيقى، وتعيش الليلة الحمراء في الليل!! فأين رقابتها؟ وأين عودتها إلى الله؟ فقد ضيعنا الأوقات، وأصبحنا أمة لا تقدر الساعات، إلا من رحم ربك. يقولون -بالاستقراء-: أرخص وقت هو وقت المسلمين، فإن الأمم الأخرى مصانعها ومعاملها منتجة معطية، وهذه الأمة إن لم تهتد بهدى القرآن والسنة ضاعت، وإذا تركنا هذا الدين القيم الذي نحمله، أصبحنا ضائعين؛ لأننا لا نحمل الدنيا، لا ننتج، ولا نقدم للبشرية مصانع ولا منتجات، يقول الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. ورد عن سفيان الثوري أنه جلس في الحرم مع رفقة معه، فقالوا له: اجلس يا أبا عبد الله حدثنا -أي: من حديث مجالسنا، قصص ومجريات الحياة- قال: احبسوا الشمس وأنا أحدثكم. معنى الكلام: هل تستطيعون أن توقفوا الشمس التي تنقض الأعمار لأحدثكم؟ ومن يضمن لي الدقائق التي أصرفها معكم، ومن يعيدها لي يوم القيامة؟ قال الله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة:1 - 2] قال بعض أهل التفسير: نفس المؤمن تلومه، تقول له: فيم صرفت عمرك؟ فيم صرفت وقتك؟ وقال الحسن البصري: [[ما من نفس إلا تلوم صاحبها يوم القيامة]]. وقال:: [[يقول المؤمن لنفسه: لم أكلت هذه الأكلة؟ ولم شربت هذه الشربة؟ ولم جلست هذا المجلس؟ ولم قلت هذه الكلمة؟]]. ويقول عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} وسيعلم الذين فوتوا أعمارهم في الضياع ما هو الثمن يوم العرض الأكبر ينفقونها من أعمارهم، ويقدمونها من أغلى ما يملكون، وإذا أوقفوا يوم العرض الأكبر قالوا: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] وليته سهر في طاعة، لكن الكثير من الناس جعل رمضان موسماً للضياع، فيلعب البلوت، ويسمع الأغنية، والسهرة، ويشاهد الفلم المهدم المخرب إلى صلاة الفجر، ثم يصلي إن كان بقي فيه لمعة من خير، يصلي الفجر ثم ينام جيفة إلى صلاة الظهر، وبعضهم لا يستيقظ إلا قرب العصر فأين معاني رمضان؟!

النوم في النهار

النوم في النهار كذلك من الأخطاء: النوم في النهار. الله سبحانه وتعالى جعل الليل سباتاً والنهار معاشاً، وهؤلاء حولوا الليل إلى النهار، فجعلوا النهار نوماً، والليل ضياعاً، فتجد بعضهم ينام النهار كله، فلا يجد جوعاً ولا ظمأً ولا مشقةً، وقبل الغروب يستيقظ من نومه وكسله وخموله، لا قرأ قرآناً، ولا ذكر ذكراً، ولا تنفل بنافلة، ولا دعا الحي القيوم. فمن الأخطاء الوخيمة: كثرة النوم في النهار، وقد رأيت لبعض الفقهاء من الشافعية تساؤلاً: من نام النهار كله هل يصح صومه أم لا؟ وهو استفتاءٌ عجيب، والحنابلة يرون صحة صومه، وكأن هذه المسألة مثل مسألة الجرباء: هل يجوز أن يضحى بها أم لا يجوز؟ أما الأجر فشيئٌ آخر. إنسان ينام من بعد صلاة الفجر، ولا يستيقظ إلا للظهر والعصر، ثم ينام إلى المغرب! أين معاني الصيام؟ لأن من معاني الصيام أن تذوق الجوع كما ذاقه الفقراء، والمساكين، وأن تذوق الجوع كما ذاقه أطفال اللاجئين والمجاهدين. ومن معاني الصيام: أن يكسر شهوتك وشبهتك، وأن يرد قلبك إلى الحي القيوم؛ لأن الله يقول: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] وهذا لا يحصل إلا بالصيام، وأن تذوق الجوع؛ لأن كثيراً من الناس لا يعرف الجوع، يعيش أربعين سنة لا يجوع، يعيش مدللاً، لا الشمس تمسه، ولا الجوع يذوقه، ولا الظمأ يحس به، في نعيم مقيم، الموائد والأكلات والشراب والثياب والنعيم، فأراد الله أن يذيقه الجوع ليعرف جوع الجائعين. يذكرون أن ملكة بريطانيا في عهدها قام الناس متظاهرين يطلبون الخبز، -أهل الشارع الجمهور ماتوا ويريدون كسرة الخبز اليابس- فحفوا بقصرها يقولون: الخبز الخبز، فخرجت من النافذة، وقالت: لماذا لا يأكلون البسكويت حتى يأتي الخبز؟ لو كان هناك بسكويت ما طلبنا الخبز فأهل النعيم والترف يظنون أن الناس كلهم مترفون، فلا بد أن يذوقوا الجوع، ولا بد أن يروا الذين ينامون على الأرصفة أطفال أفغانستان، والجائعين في السودان، واللاجئين في أنحاء الأرض الذين لا يجدون كسرة الخبز. وجاء في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء} فالصوم يكبح جماح الشهوة العارمة، ويحد من طغيان النفس، ويسدد مسالك الشيطان التي يجري فيها؛ لأن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، والصائم إذا صام قلَّ طعامه وشرابه، فضمرت عروقه من الدم، فقلَّ سعي الشيطان فيها. وقد سمعت كلمة لعالم أعجبتني، وهو عالم مطِّلع، يعرف الإعجاز العلمي، وهذا إنما هو من الورد الذي يشم ولا يؤكل، يقول: إنما جعل -صلى الله عليه وسلم- صيام الثلاثة الأيام البيض؛ لأن المد يكثر فيها، فالبحر يمد في الليالي القمراء بسبب جاذبية القمر -بقدرة من الباري سبحانه- ويصيبه الجزر في الليالي الظلماء، قال: والدورة الدموية مثل مد البحر، تمتد مع الثلاثة أيام، الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر مع القمر، فيزداد ضخ الدم، ويزيد الشيطان من عتوه وتمرده، فطالب صلى الله عليه وسلم المسلم -من باب الاستحباب- أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وهي أيام البيض، وهذا جيد، ولا يعارض النصوص والحمد لله، وفيه خير كثير إن شاء الله.

كثرة الأكل ومفاسده

كثرة الأكل ومفاسده ومن الأخطاء التي نقع فيها: كثرة الأكل في رمضان. يقول الغزالي في الإحياء: من مقاصد الصيام أن تخفف الوجبات، فإذا جمعت الإفطار والغداء والعشاء بعد صلاة المغرب فكأنك ما صنعت شيئاً، فقد جمعتها دفعة واحدة، والذي يلاحظ على الناس أنهم يذهبون أوقاتهم وأموالهم في رمضان، فيعددون من أشكال الأطعمة ما الله بها عليم، وسوف ترى الأسواق بعد ليال تمتلئ بالمارة والمشترين من كل الأنواع، من أحمر وأصفر، وحلو ومر، ومطعوم ومشروب، ومكسور وملتوت ومفتوت، حتى أنك ترى المائدة ولا تعرف ماذا تقرأ عليها من الأسماء وبعضهم يأكل من كل نوع لقمة كـ المأمون، ثم يقوم إلى الصلاة وقد بقي الطعام بحاله، وهذا فيه نظر حتى في الطب، قال أهل الطب: إذا نوعت المطعومات أصبح الجسم قابلاً للأمراض، وكلها بإذن الله، لكن من أسباب الأمراض تركيب الغذاء الذي أكثرنا منه، كالحلويات والمشروبات والقلويات والحمضيات، وما أدارك وهيهات هيهات، فهذه هي أسباب المرض. ومن مفاسد كثرة الأكل: أنها خسارة في المال، ونعوذ بالله من قوم أذهبوا أموالهم في بطونهم وأجسامهم، وهؤلاء يأتون يوم القيامة وهم من أفقر الناس، فإن الناس قد دفعوا أموالهم لإطعام المساكين، وإعطاء المحتاجين، وهؤلاء فقط في المطاعم والمشارب، وقد صح عن ابن عباس مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم: {أن الله يقول يوم القيامة للعبد: يا بن آدم! جعت فلم تطعمني. قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان جاع فما أطعمته، أما إنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي، يا بن آدم! مرضت فلم تعدني. قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده، أما إنك لو عدته وجدت ذلك عندي}. فعلينا أن ننفق ما زاد من الأطعمة والأموال للفقراء والمساكين، فإنا -والله- نعرف أسراً وبيوتاً كثيرة يعيشون هَمَّ النفقة في رمضان. الأمر الثاني: أن فيها إرهاقاً للأهل، كالأم والزوجة والأخت، بل إن كثيراً من النساء لا تعبد الله في النهار؛ لأنها مشغولة بالإفطار، فإذا استيقظت من نومها بقيت في المطبخ تشتغل وتحضر وتطبخ وتقلي إلى صلاة المغرب، وعرقها يتصبب من أجل هذه البطون، وهذا أمر معلوم، حتى أن بعض النساء لا تقرأ من القرآن شيئاً، إنما هي في إحضار الطعام، وما بقي إلا أن يستدعى الدفاع المدني في المطبخ (خطر ممنوع الاقتراب) بسبب الشربة والسمبوسة، واللقيمات والطعميات، والرز المحروق والرز المفلفل، والأبيض والأحمر والأصفر، فتبقى في هم، تحضر هذا وتسحب هذا فأين معاني رمضان في حياة المرأة؟ لماذا لا نكتفي بثلاثة أنواع أو أربعة؟ التمر وشيء من الخبز، وشيء من الشربة، وشيء من الرز فقط، هكذا أربعة أنواع، نرتاح ونريح، أما أن نأخذ ثلاثين أو أربعين شكلاً فهذا فيه خطأ في الحسبان، وحتى الكفرة غير المسلمين لا يفعلون هذا من باب الاقتصاد في حياتهم؛ لأنهم أجادوا في الحياة، وأجادوا في الطعام والشراب، كما قال سبحانه: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66].

عدم الاستفادة من دروس الصيام

عدم الاستفادة من دروس الصيام ومن الأخطاء أيضاً: عدم الاستفادة من دروس الصيام فإن البعض أخذ الصيام عادة، يدخل عليه رمضان ويبارك لجيرانه بدخوله، ويخرج رمضان وهو لم يتأثر ولم يتغير في حياته، وإذا هو الذي يشرب الدخان في رمضان وبعد رمضان وقبل رمضان، وإذا هو المغني المطبل في رمضان وفي غيره، وإذا هو عاق لوالديه في رمضان وغيره، وقاطع الرحم في رمضان وغيره، والمغتاب في رمضان وغيره فأين أثر الصيام؟! يا أيها الأحباب: ليست الحكمة من الصيام أن تجوع وأن تظمأ، فإن الله غني عن جوع العبد وعن ظمئه، والرسول صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه قال: {من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه} إنما المقصود من الصيام ردع النفس، وتربيتها وتهذيبها.

برنامج مقترح في رمضان

برنامج مقترح في رمضان أيها الفضلاء: هذا برنامج مقترح للصائم، وهو نسبي فلك أن تحول فيه، وليس واجباً عليك، إنما من وجهة نظر ومن باب النصيحة للأحبة

بعد الفجر

بعد الفجر هذا الوقت مبارك، ولكنه يضيع منا دائماً، فيضيعه كثير من الناس بالنوم، أو بالشرود والغفلة، وقد جاء عند أحمد والترمذي من حديث أبي صخر الغامدي مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم: {بارك الله لأمتي في بكورها} وأبرك وقت هو بعد الفجر، فأنا أقترح للصائم بعد الفجر أن يجعله في المسجد، والمرأة في مصلاها، يذكرون الله عز وجل حتى طلوع الشمس، فإذا ارتفعت الشمس صلى ركعتين، يقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى الصبح في جماعة، ثم جلس في مجلسه الذي صلى فيه يذكر الله عز وجل حتى ترتفع الشمس، ثم صلى ركعتين كان له أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة} رواه الترمذي وهو حديث صحيح فيما أراه، وقد صححه بعض الفضلاء والعلماء، وهذا مكسب عظيم، فإن جلسة ساعة تكسبك أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة، ولكن هذا لمن صلى الفجر في جماعة. وجاء عند الإمام مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار}. من خان حي على الصلاة يخون حي الكفاح ولما تركت صلاة الفجر في جماعة، فتحت الدور للواقعين في المخدرات، ولقاطعي الآباء والأمهات، ولعاصي رب الأرض والسموات، وللساقطين في الأغاني الماجنات والمجلات الخليعات، والمسلسلات المخربات. ثم بعد ذلك ينام العبد ليرتاح؛ لأن غالب الناس يسهرون في رمضان، في العبادة أو في غير ذلك، فينام الإنسان حتى يبدأ دوامه، ثم يقوم فيتوضأ، والوضوء سلاح المؤمن، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم: {والطهور شطر الإيمان} فيصلي ركعتي الضحى، وذلك إذا استيقظ في العاشرة أو قبلها، وركعتا الضحى خير من الدنيا وما فيها، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام} وقال صلى الله عليه وسلم: {كل سلامى من الناس عليه صدقة، فكل يوم تطلع فيه الشمس تصلح بين اثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته صدقة، وكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما أحدكم من الضحى} فالله الله في ركعتي الضحى. ثم يذهب الإنسان إلى عمله أو كسبه أو دراسته أو سوقه أو دكانه؛ لأن الإسلام حركة وحياة، فالإسلام في السوق، وفي الدكان، وفي المكتب، وفي الفصل وعليه أن يتجنب اللغو، قال الله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3] وأن يكثر من الذكر، وأقترح على المسلم أن يكون مصحفه في رمضان في جيبه، وإن كان حافظاً فليقرأ من حفظه، وإن كان أمياً لا يقرأ القرآن فليكثر من التسبيح والتحميد والتهليل، فهي غراس الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: {الجنة قيعان وغراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر} رواه الترمذي، وليردد ما يحفظ من السور. ثم يصلي الظهر في جماعة، وحذار حذار -يا أيها الإخوة- من تفويت صلاة الجماعة، فإن بعض الناس يفوت صلاة الجماعة حتى في رمضان، وهذه خطيئة كبيرة، بل يرى كثيرٌ من أهل العلم -وهو القول الصحيح- أن صلاة الجماعة واجبة، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من سمع النداء ولم يجب فلا صلاة له إلا من عذر} رواه أحمد وابن ماجة والحاكم، وصححه ابن تيمية وعبد الحق الأشبيلي، وهو صحيح فالله الله في صلاة الجماعة خاصة في رمضان.

بعد العصر للقرآن

بعد العصر للقرآن ثم يواصل في عمله أو في عبادته حتى تأتي صلاة العصر فيصلي، أما من بعد العصر فهو وقت القرآن إلى الغروب، وأرى أن تخفف أعمال الدنيا بعد صلاة العصر، وأن يتشاغل الإنسان بالمصحف وفي المسجد أحسن، وكان السلف يجلسون في المسجد في رمضان بعد العصر، وأرى أن تبقى في مسجدك إذا لم يكن لك غرض في بيتك، فإنه: {ما جلس قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم؛ إلا حفتهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وتنزلت عليهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده} وجاء عند أبي داود وهو صحيح فيما أرى، ولو أن بعض الفضلاء يحسنونه، يقول صلى الله عليه وسلم: {لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس؛ أحب إلى من أن أعتق أربعة} وهذا فضل عظيم، وهو أفضل من عتق أربع رقاب، فاجلس من العصر إلى صلاة المغرب واحتسبها في سبيل الله عز وجل. فالمطلوب -يا أخي- مني ومنك أن نبقى في المسجد بعد العصر لنقرأ كتاب الله عز وجل، ونردده ونعيش معه ونتأمله، وإذا اقترب الغروب فعليك بالدعاء، وارفع أكف الضراعة، وعليك بجوامع الدعاء المأثورة عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام، كأن تقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، أو: اللهم إني أسألك العفو والعافية، أو: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، وغير ذلك من الأدعية.

الإفطار

الإفطار ثم تفطر على الذي ورد في السنة وهو الرطب، فإذا لم يكن رطب فتمر، فإن لم يكن تمر فلتحس حسوات من ماء، ولك دعوة لا ترد، وعليك أن تعجل إفطارك إذا سمعت الأذان وغربت الشمس، فقد جاء في الصحيح: {لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطور وأخروا السحور} وهذا هديه عليه الصلاة والسلام، وكان يقول: {إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم} فعليك أن تبادر بالإفطار، وأن تحمد الله عز وجل على نعمة الإفطار. يقول أهل العلم: إن من لطائف هذا الدين ومن أسراره أن جعل الإفطار شيئاً حلواً؛ لأن المعدة الخالية لا يناسبها إلا الحلو، فجعل صلى الله عليه وسلم الإفطار رطباً أو تمراً، فأفطر، ثم قم لصلاة المغرب، واحمد الله عز وجل على هذه النعمة {للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه} فإن الصائم الذي يتعب في العبادة، إذا اقترب منه إفطاره فرح به وسر، ويفرح إذا لقي الله يوم العرض الأكبر. وبعد صلاة المغرب تعود لتناول طعام العشاء، وعليك أن تخفف منه نسبياً؛ لأن بعض الناس يشتغل شغلاً عارماً في الأكل، حتى أنه لا يستطيع أن يصلي التراويح مع الناس، ويصبح مقعداً، وتجده يتدحرج إلى المسجد تدحرجاً، لأنه جعل على بطنه مخلاةً من الطعام من كل ما لذ وطاب، وأفلت يده، وهذا أساس الكسل، والأحسن أن يأكل الإنسان إفطاره على فترات، لا بأس أن يأكل شيئاً، ثم يترك إلى بعد التراويح شيئاً، حتى يستطيع أن يقوم للعبادة نشيطاً؛ ولا يصلي صلاة التراويح جالساً أو مغمىً عليه.

صلاة العشاء والتراويح

صلاة العشاء والتراويح أما صلاة العشاء جماعة فقليل من الناس من يترك ذلك، لكن صلاة التراويح يتركها كثير من الناس خاصة من الشباب، فيذهبون إلى ملاعب الكرة، أو إلى التنس والطاولة، أو إلى دور السباحة، أو إلى اللهو واللعب فحذار حذار من هذا! وصلاة التراويح فضلها عظيم، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد وابن حبان: {إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة} حديث صحيح، فلو صلى بك الإمام إحدى عشرة ركعة، وصليت معه حتى ينتهي كتب الله لك كأنك صليت الليلة كلها. وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعاً: {من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه} ألا تريدون هذا الأجر؟! والقيام هنا المراد به صلاة التراويح فيما أعلم، والله أعلم. والأقرب للسنة -وهو نص أهل العلم وعليه كلام الأئمة من المحدثين- أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما زاد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، لحديث عائشة في الصحيحين، فأرى أن الأئمة يقتصرون على إحدى عشرة ركعة بخشوع وخضوع، ويخففون على الناس، ويتدبرون كتاب الله، وهذا هو الأقرب لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ثم يعود إلى بيته بعد التراويح، فإن أراد أن يزور قريباً أو صديقاً زاره أو يستقبل أحد الناس استقبله، وأرى أن يكون له قبل السحر إغفاءة ولو قليلاً ليرتاح جسمه، وأهل الطب يقولون: لا يعوض نوم النهار نوم الليل أبداً سبحان الله! مهما نام الإنسان في النهار لا يعوض نوم الليل؛ لأن الله جعل النهار معاشاً، والليل لباساً وسباتاً، والسر في ذلك -كما يقول بعض الأطباء الجهابذة-: أن الخلايا التي في الجسم لا تنام إلا في الليل؛ لأن الشمس تغرب، فإذا غربت الشمس نامت الخلايا، أما في النهار فلا تنام بل تبقى متحركة ولو نمت أنت، ولذلك يوصون أن يكون لك ولو ساعة من الليل تنامها.

وقت السحر

وقت السحر ثم تستيقظ قبل السحر فتتوضأ وتصلي ما تيسر ولو ركعتين أو أربعاً، وتدعو الله عز وجل فإن وقت السحر وقت فاضل. قلت لليل هل بجوفك سرٌ عامر بالحديث والأسرار قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار قال الله تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18] قال الحسن البصري رحمه الله: [أمضوا الليل بالصلاة فلما أتى السحر استغفروا]] وقال بعض الفضلاء: عجيب، أنهم كانوا في عبادة وفي قيام، ومع ذلك في السحر يستغفرون. وإنه لفضل عظيم أن تقوم بعد العبادة والتعب وتقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وكأنك كنت مقصراً، أو أتيت بمعصية، وهذه علامة التوفيق والقبول بإذن الله. ثم تتسحر على بركة الله، والسحور فيه بركة، يقول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {تسحروا فإن في السحور بركة} وبعض الشباب يتعشون ولا يتسحرون، وليس المقصد هو الأكل لذاته، ولكن السحور له مقاصد، منها: مخالفة أهل الكتاب؛ فقد جاء في السنن من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهو حديث حسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {فصل ما بيننا وبين أهل الكتاب أكلة السحر} فيجب علينا أن نخالف أهل الكتاب، فإذا شرقوا غربنا، وإذا غربوا شرقنا، إلا ما أتت فيه النصوص. ومنها: أنك تدعو الله في السحور، ومنها: أنك تستعين به على طاعة الله؛ لأنه قد يطول عليك اليوم، فعليك أن تستعين بهذا السحور على طول النهار، ومنها: أنك تحمد الله على النعمة، ومنها: أنك تتبع سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام. قيل لـ زيد بن ثابت، والحديث في الصحيحين {كم كان بين سحوره صلى الله عليه وسلم وأذان الفجر؟ قال: قدر قراءة خمسين آية} لله درك! ما أحسن هذه الإجابة! خمسون آية يقرؤها الإنسان بين سحوره عليه الصلاة والسلام إلى أذان الفجر، أي: بقدر ربع أو ثلث ساعة، ومن أكل حتى يؤذن فله ذلك، فإن بعض الناس يبقى يأكل ولا يكف، ثم يأتي يسأل ويقول: بقيت آكل حتى الإقامة، فما الحكم؟ وقد جاء عند أبي داود والحاكم: {إذا رفع أحدكم الإناء في يده وسمع الأذان فلا يضع الإناء حتى يقضي نهمته} وهذا إذا قدر أن الإنسان ضايقه الوقت وهو يأكل فرفع اللقمة فسمع الأذان، فله أن يأكل هذه اللقمة، أو رفع الإناء وسمع الأذان فليشرب، أما أن يستحدث عملاً بعد الأذان فلا لا يرفع لقمة، ولا يرفع إناءً بعد الأذان، لكن يأكل الذي في يده، وهذا رحمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمة، أن رخص لهم في هذا، وهذا هو الصحيح. لكن أرى أن يكف المسلم قبل الأذان بثلث أو ربع ساعة، يتأمل فيها ويستغفر، ويتوضأ ويبادر إلى المسجد، وحذار أن ينام -وهذا ليس محرماً لكن خشية أن تفوت صلاة الفجر جماعة- بين السحور والفجر، بل يذهب متوضئاً إلى المسجد، وينتظر صلاة الفجر مهللاً مكبراً داعياً مولاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويحضر صلاة الفجر في جماعة. هذا جدول نسبي تقريبي يقبل وجهة النظر، ولعل هناك جدولاً أحسن منه، ولكن هذا إنما هو من باب التواصي.

خصائص رمضان

خصائص رمضان أيها الإخوة الكرام: لرمضان خصائص نذكر بعضاً منها

خلوف فم الصائم

خلوف فم الصائم قال صلى الله عليه وسلم: {لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك} والخلوف هو الرائحة التي يخرجها الإنسان بعد الجوع، وهي أطيب عند الله عز وجل من ريح المسك، وأنت قد تتأذى لو شممت رائحة صائم ولا تصبر، لكن الله عز وجل جعلها أحسن من ريح المسك، ودم الشهيد في المعركة يأتي اللون لون الدم، والريح ريح المسك فما أحسن ذلك! وما أحسن الرائحة والطعم واللون! أما اللون فلون دم الشهيد في المعركة، وأما الرائحة فرائحة خلوف فم الصائم. وقد جاء عند ابن ماجة حديث: {استاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي} وهذا حديث لا يصح، بل هو أقرب إلى الوضع، وهو موقوف على بعض الصحابة، ولا يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل الصحيح أن تستاك أول النهار وآخره، والشوافع يقولون: يسن السواك أول النهار، ويكره بعد الزوال. وهي رواية للحنابلة، وهذا خطأ مخالف للأدلة، ولهم استنباط في ذلك، يقولون: لو أنك استكت بعد الزوال لأذهبت الخلوف الذي هو أحب إلى الله من ريح المسك وهذا ليس بصحيح؛ لأن الخلوف يأتي من المعدة، لا من الفم، ومهما استاك الصائم فلا ينقطع هذا الخلوف، فبطل ما قالوا سنداً واستنباطاً. وفي حديث عامر بن ربيعة الصحيح عند الترمذي: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك ما لا أحصي وهو صائم} وقد علقه البخاري؛ لأنه ليس على شرطه، ويكفي في ذلك عموم حديث أبي هريرة مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة} وفي رواية: {عند كل وضوء} وهذا عموم في رمضان وفي غيره.

استغفار الملائكة للصائمين

استغفار الملائكة للصائمين ومنها: استغفار الملائكة للصائمين، نسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلنا وإياكم ممن استغفرت لهم الملائكة وقد ثبت هذا في أحاديث كثيرة منها: {إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين} وهذا حديث حسن ثابت، والملائكة تستغفر كذلك للصائمين، وتسأل الله لهم القبول والتوبة.

تزين الجنة

تزين الجنة ومنها: تزين الجنة لأولياء الله عز وجل في رمضان.

تصفد الشياطين

تصفد الشياطين ومن خصائص رمضان: أنه تصفد فيه مردة الشياطين وهناك سؤال لابد منه، وهو: هل تصفد جميع الشياطين، مع العلم أننا نرى بعض الناس يقتل في رمضان، وبعض الناس يزني في رمضان، وبعض الناس يسرق في رمضان؟ أجاب الحافظ ابن حجر، فقال: لا، بل التي تصفد إنما هم المردة، وأما غيرهم فلا. وصدق -رحمه الله- فإن المردة وهم الشياطين الأقوياء الرءوس الذين لهم مسح شامل وقوة فريدة في إغواء الناس، هؤلاء يصفدون، أما بقية الشياطين الضعاف فيبقون يزاولون أعمالهم حتى في رمضان وهذا استنباط عجيب! ولله در ابن حجر! وقد سبقه بعض الحفاظ إلى هذا، وهذا صحيح، فإنك تجد أن المعاصي والجرائم تقل -والحمد لله- في الناس في رمضان؛ لأن الشياطين تصفد، فتنكسر النفوس وتخشع القلوب.

فتح أبواب الجنة وغلق أبواب النار

فتح أبواب الجنة وغلق أبواب النار ومنها: أنه تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار تفتح أبواب الجنة استعداداً لقبول عباد الله عز وجل، وتهيئةً وكرامةً لهم، وتغلق أبواب جهنم، نسأل الله أن يغلق عنا وعنكم أبواب جهنم.

ليلة القدر

ليلة القدر ومن خصائص رمضان: أن فيه ليلة القدر، قال الله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] وهي في العشر الأواخر، وبالأخص في الأوتار، وفي ليلة سبع وعشرين أرجى، ويوفق لها من وفقه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فنسأل الله أن يوفقنا لليلة القدر، وفي الصحيحين مرفوعاً: {من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه} إيماناً بالله، أي أنه لا يحمله إلا الإيمان، واحتساباً: أي أنه صادق النية محتسب الأجر على الله.

أمور لابد أن ينتبه لها الصائم

أمور لابد أن ينتبه لها الصائم والآن أنبه على بعض الأمور الذي يقع فيها بعض الصائمين:

سماع الغناء

سماع الغناء فإن الغناء محرم في رمضان وفي غيره، لكن كثيراً من الصائمين يقعون في سماعه، فلا يتغير في بيتهم شيء، فالمعازف، واللهو، والموسيقى، والأغنيات موجودة بأنواعها، وهذا دمار للروح وإفساد للصوم.

الغيبة

الغيبة ومنها: الغيبة فإن البعض لا يتحاشى الغيبة، والذي يظهر -والله أعلم- أنها لا تفطر، لكنها تذهب الأجر، وقد توقف ابن حزم عند هذه كثيراً، وهناك قول ضعيف يرى أن الغيبة تفطر، وأن على الصائم أن يقضي يوماً آخر، ولكن جمهور أهل العلم لا يرون ذلك، ويرون أن الإنسان يستغفر ويتوب إلى الله، أما أجره فقد يذهب بالغيبة.

الأفلام الخليعة والرفقة السيئة

الأفلام الخليعة والرفقة السيئة ومنها: الأفلام الخليعة فإن بعض الناس صامت بطونهم وما صامت عيونهم، وصامت بطونهم وما صامت آذانهم، وصامت بطونهم وما صامت قلوبهم، فهذا صوم ناقص ليس مقصوداً في الإسلام. ومنها: أن بعض الناس يرافق رفقة السوء حتى في رمضان، وهل أفسد شبابنا إلا رفقة السوء وعصابة الانحراف، الذين صدوا الناس عن منهج رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وعن صراط الله المستقيم، وهذا خطر عظيم، نسأل الله أن يكفينا وإياكم شر كل ذي شر.

الاهتمام بالعشر الأواخر

الاهتمام بالعشر الأواخر ومن الأمور التي ينبه عليها: الاهتمام بالعشر الأواخر فعلى المسلم أن يكثف من عبادته في العشر الأواخر، فيختم القرآن كثيراً، ويصلي في الليل كثيراً، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام {أنه كان إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله} قال بعض الشراح: شد مئزره أي: اعتزل النساء، وقال بعضهم: بل شد وشمر للعبادة، (وأحيا ليله) أي: أحياه بالعبادة حتى صلاة الفجر، (وأيقظ أهله) أي: طلب من أهله أن يصلوا معه، فالعشر لها تميز آخر. وحبذا لمن استطاع أن يجعل العشر الأواخر في الحرم الشريف؛ فإنه أسكن لقلبه وأخشع، ولم يكن عنده ظروف ولا مشقة، ولا يترك من المصالح أعظم مما يذهب إليه وهنا تنبيه: كثير من الأئمة يسافرون في رمضان ويتركون المساجد خاوية على عروشها، فيوكل في أول رمضان، والوكيل يوكل، ووكيل الوكيل يوكل، فيصبح المؤذن يصلي بالناس، فتنتقل صلاة التراويح إلى الفراش، ثم يذهب الأئمة ويغلق المسجد، وهذا خطأ تترك وأنت إمام وتذهب إلى الحرم! أي أجر تحصل عليه وقد ضيعت أكبر الفرائض وهي إمامة الناس التي كلفت بها؟! وبعض الدعاة له نفع في بلده وفي مدينته، فيترك هذا النفع ويترك الدروس ويذهب إلى الحرم، وهذا يكون نفعه لازماً، والنفع المتعدي هو الأعظم؛ لأن كونك تدرس وتعلم، أعظم من أن تكون عابداً منزوياً في طرف الحرم، ولو كانت المسألة هكذا لرجع الصحابة من سجستان، ورجعوا من بغداد ومن دمشق إلى الحرم، لكنهم ما فعلوا؛ لأن الأصلح أن يكونوا هناك.

العمرة في رمضان

العمرة في رمضان ومنها: أن على المسلم أن يحرص أن يعتمر في رمضان، ففي حديث أم معقل بنت يسار، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لزوجها: {لماذا ما حججت معي؟ قال: يا رسول الله شغلني شاغل -أو كما قال- قال: فاعتمر في رمضان فأن عمرة في رمضان كحجة معي} وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قاله للمرأة، وهذا ثابت في الصحيح، فعلى المسلم أن يحرص أن يعتمر في رمضان، عسى الله أن يتقبل منا ومنه.

الإنفاق في سبيل الله

الإنفاق في سبيل الله ومن التنبيهات: أن على الناس أن يغتنموا تفطير الصائمين والمحتاجين، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {من فطَّر صائماً فله مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء} أي: أنك إذا فطَّرت صائماً كتب الله لك كأجر الصائم دون أن ينقص من أجره شيء. قيل عن الوزير ابن هبيرة الحنبلي: كان يفطر كل ليلة عشرة آلاف لكنه وزير، وعنده ميزانية ضخمة، فهو يستطيع ذلك، وكان مستجاب الدعوة، فقد روي: أنه حج مرة وقد قحط الناس، فقال: " اللهم أغثنا " فنزل الغيث حتى شرب الناس الثلج، فبكى وقال: " يا ليتني سألت الله المغفرة " هذا الوزير ابن هبيرة أمره عجيب، وهو صاحب الإفصاح، كان يفطر في كل ليلة عشرة آلاف، وهذا من ماله الخاص، وإلا لو كان من المال العام لما كتب الله له أجراً، وهذا أمر معلوم لا بد أن ينتبه له. فاحرص على أن تفطر فقيراً، أو مسكيناً، أو محتاجاً، أو اثنين أو ثلاثة، كل إنسان على قدره، وما تجود به نفسه، وحبذا أن يحضر شيئاً من التمر، وشيئاً من الماء واللبن إلى المسجد؛ لأنه قد يجد فقيراً أو محتاجاً أو منقطعاً في المسجد، ويسأل عن الفقراء؛ علَّ الله عز وجل أن يكرمه يوم العرض الأكبر. هذا ما أردت أن أقوله في هذه العجالة، مع العلم أن المسألة مسألة عمل، والكلام كثير، وعندنا نحن المسلمين ترف في الحديث، ولكن علَّ الذكرى أن تنفع، وعلَّ الكلام أن يجد قبولاً، جعلنا الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

نداء للمرأة المسلمة

نداء للمرأة المسلمة وأنبه في آخر هذه المحاضرة الأمهات والأخوات المسلمات أن يتقين الله عز وجل، وأن يحرصن في هذا الشهر القادم الفضيل على استغلاله واغتنامه فيما يقربهن من الواحد الأحد، بالصلاة والذكر والدعاء والحجاب، وأحذرهن من نزول الأسواق في كل وقت وخاصة في رمضان، فإن الكثير من النساء حتى في رمضان بعد التراويح وفي أثناء التراويح ينزلن إلى الأسواق، وهذا دليل على قلة الفقه، وعلى قلة الورع والتقوى، وليس في الأسواق خير، وهذا مما يجر الويلات والسيئات على الأمة وعلى الأفراد والشعوب، من الاختلاط، والأمور التي تسبب غضب الله تبارك وتعالى. وأوصي الأمهات أيضاً بتربية أبنائهن على الصيام إذا قاربوا البلوغ، وإذا وصلوا إلى العاشرة، فعليهن أن يعودنهم على الصيام كما كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يعودون أبناءهم على ذلك، وأن تكون الأم حصيفة في بيتها، وأن تقوم على شئون بيتها في رمضان أمراً ونهياً، وتستفيد من هذه الدروس والعبر، وألا تشغلها شواغل عن أن تقدم حسنات لنفسها من قراءة وتلاوة وذكر. أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية والرشد والسداد، وأشكر الله عز وجل على أن جمعني بكم في هذا المقام، ونسأل الله أن يبلغنا رمضانات عديدة، ويحيينا في الخيرات أياماً مديدة، وأن يجعلنا ممن انسلخ عنهم الشهر وقد رضي عنهم، ونسأله أن يجمعنا بكم في رمضان آخر، فإن عز ففي مقعد صدق عند مليك مقتدر. إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

واجبنا نحو المجاهدين الأفغان

واجبنا نحو المجاهدين الأفغان Q إن رمضان شهر الجهاد، ولنا إخوان يجاهدون في سبيل الله في أفغانستان وغيرها، فما هو واجبنا تجاه هؤلاء المجاهدين في سبيل الله في هذا الشهر المبارك؟ A هؤلاء المجاهدون اجتمع عليهم في رمضان جهادان: جهاد الأنفس وجهاد الأعداء الكفار، جهاد بالسلاح وجهاد الجوع والظمأ والمشقة، ونحن -والحمد لله- في أمن واستقرار، أزال الله عدونا، ونحمده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على أن أسبل علينا ثوب الأمن، وعلى أن حمانا من العدو الظالم المعتدي، الذي أراد أن يجتاحنا، فوالله لولا نصر الله ما انتصرنا، ولولا أن الله كتب أن ننتصر ما سحق هذا العدو، وكما قلت لكم: ما أشهاها وما أحسنها أن يعفر وجه البعث بالتراب! يقول أبو تمام: ما ربع مية محفوفاً يطوف به غيلان أبهى لها من خدها التيب لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصب من الذي أصاب؟ إنه الله {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] ولولا أن الله كتب لنا النصر لاجتاحنا العدو، ولصمنا رمضان في بلاد أخرى، لكن لله الحمد على أن حمانا ورعانا ووقانا وكفانا، فنسأله أن يزيدنا أمناً وإيماناً واستقراراً وإخواننا في أفغانستان يحتاجون إلى المدد، فهم فقراء يحتاجون إلى من يطعمهم، وإلى من يعطيهم ويكسوهم، وأنتم قد عودتمونا وعودتم العالم أنكم أنتم الذين تبذلون الأرواح، وليس الدراهم والدنانير فقط، فأبناؤكم هم الذي سحقوا تحت الدبابات في أفغانستان، وقصفوا بالقنابل هناك في الجبال، فليس بعزيز عليكم أن تنفقوا أموالكم في سبيل الله خاصة في رمضان.

كلمة للإخوة الكويتيين

كلمة للإخوة الكويتيين Q نريد من فضيلة الشيخ همسة حب، ولفتة محب للأمة بعد انجلاء الغمة، وخصوصاً لإخواننا الضيوف علينا، أعني: الكويتيين، فتفضلوا جزاكم الله خيراً. A تكرار الكلام يكلف على النفس، وقبل ليلتين كانت هناك محاضرة في جامع التركي بعنوان: واجب الأمة بعد زوال الغمة، فلا أريد أن أكرر الكلام الذي قيل، ولكن أستغلها فرصة، وأغتنمها مناسبة؛ فأحمد الله عز وجل على أن رد هذا الشعب إلى أرضه، وأهنِّئ هؤلاء الإخوة والجيران الأشقاء على أن عادوا، ولكن مع التهنئة أوصيهم ونفسي بتقوى الله، وأن يحمدوا المنعم سبحانه، وأن يسجدوا له سجود الشكر، فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا انتصر سجد لله سجود الشكر، ثم إني آمرهم أن يقيموا أوامر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في أنفسهم وفي مجتمعاتهم، قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] هذا ما أريد أن أقوله. بقيت مسألة وهي: كيف نعبر عن النصر؟ هناك محاضرة في مسجد الذياب في حي السلي، وسوف يكون فيها لفتات عن التعبير عن النصر، كيف نعبر عن النصر؟ هل نعبر عن النصر بحفلات الاختلاط، وبالسهرات الحمراء، وبالغناء، وبتعدي حدود الله؟ لا التعبير عن النصر يكون بالخضوع لله، والشكر له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وتحكيم شرعه، والانضواء تحت مظلة لا إله إلا الله محمد رسول الله، والتشرف بحمل وثيقة إياك نعبد وإياك نستعين. وأقول للإخوة الكويتيين: تأملوا وتفكروا في حالتين: تلك الليلة التي شردتم فيها من دياركم، وأخرجتم من أهلكم وذويكم، من الهلع والخوف والمشقة والغربة والأسى واللوعة، وهذه الليلة التي تعودون فاتحين منتصرين راجعين إلى أماكنكم، فاحمدوا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فهو الذي ردكم وهو الناصر وحده، كما قال عليه الصلاة والسلام: {لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده}.

أخاف على نفسي من الانتكاسة

أخاف على نفسي من الانتكاسة Q أولاً: نقول من صميم قلوبنا: إننا نحبك في الله. سؤالي: أنا شاب أبلغ من العمر ستة عشر عاماً، قد هداني الله عز وجل منذ أشهر قلائل، ولي إخوة ما زالوا على ضلالهم، ويعيشون من المنكرات ما الله به عليم، وكان لي إخوة في الله ينصحونني، ويوجهونني، ويحثونني على كل خير، ولكن قلت في نفسي: أترك إخوتي في الله لكي أتفرغ لإخوتي من أبي، فتركت إخوتي في الله، وأنا اليوم في حيرة من أمري، وأخشى على نفسي من الانتكاسة بعد الهداية، فما نصيحتك لي مع بداية هذا الشهر الكريم؟ A أولاً: أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه، وهذا الأخ المقبل على الله عز وجل أسأل الله أن يثبته ويثبت كل مسلم، وأن يزيده بصيرة وتوفيقاً، وفي الحقيقة أن هذا السن -سن السادسة عشرة وما يقاربها- سن خطير، والإنسان فيه بين مفترق الطرق، مع نقص نسبي في العقل، ومع كثرة العواطف والاندفاع، ومع قلة العلم، ومع الشهوة العارمة، ويسميه بعض الناس من القدامى: سن الجنون، وقد روي عن عمر: [[الشباب شعبة من الجنون]] وهذا أمر معهود عند كثير من الناس والأمم، أن سن الشباب هو سن الغلطات والعواطف إن لم يعصم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويوفق. وتجد الإنسان اليوم يلوم نفسه على فعل فعله بالأمس أو في الصغر، ويرى أنه ارتكب حماقات، وغلطات، وأخطاء، فأقول لك: عليك بأمور، منها: أن تنضوي -بعد التجائك إلى الله عز وجل- إلى شيخ عالم فقيه ورع، أو طالب علم تثق به، فيكون بينك وبينه مدرسة وصلة ونسبة، دائماً تستفتيه وتشاوره وتجلس معه، ثم يكون لك رفقة صالحون من عباد الله الأتقياء البررة. الأمر الثاني: أرى أن تطلب العلم، فإن سنك يطلب فيه العلم، فالذهن متفتح ومتفتق وقابل، فأرى أن تستعد لحفظ النصوص، وما تيسر من كتاب الله، ومن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وتدعو الله دائماً: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني. الأمر الثالث: طاعة الوالدين، وأمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر بالتي هي أحسن، والقيام على البيت، فإن بعض الشباب إذا اهتدى ترك والده وبيته، واشتغل بالدعوة، وخرج من البيت في المخيمات، وفي اللقاءات، والسمرات والسهرات، مع العلم أنه -أحياناً- ليست هناك دعوة، لكن باسم الدعوة، وإذا أمره أبوه قال: أنا في الدعوة، وإذا نهته أمه، قال: أنا في المحاضرة، أنا مع الشباب، أنا في المخيم، وهذا خطأ كبير، حتى أنك تجد بعض الآباء يصد ابنه عن الاستقامة بسبب هذا الأفعال، ويقول: إذا كان الاتجاه والالتزام والاستقامة يسبب لي ابناً عاقاً لا يقوم معي، ولا يقضي أغراضي، ولا يلبي طلبي، فلا أريد هذا الابن وهذا مسلك خطير، حتى أن الأبناء الذين يفعلون ذلك لا يتقبل منهم أهلهم في بيتهم؛ لأن أهله يرون أنه عاص، وأنه لا يقوم معهم، ولا يحضر عزائمهم ولا ولائمهم، ولا يقضي أغراضهم، ولا يوصل مريضهم إلى المستشفى، ثم يأتي ينصحهم: اتركوا هذا وافعلوا هذا، فلا يتقبلون منه. أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان فوصيتي للشاب ألا يكون سلبياً في بيته، بل ولا في حيه، وعليه أن يقدم الخدمات للناس، حتى يستولي على قلوبهم، ويقبلون كلامه، ويعيشون واقعه، وإذا اغترب عنهم تحروه واشتاقوا له، هذا هو الداعية الحق، أما الكلام وحده فلا يكفي، يقول أبو العتاهية: العنز لا تشبع إلا بالعلف لا تشبع العنز بقول ذي لطف وهذا فيه حكمة جليلة، يقول: الناس لا يشبعون بالكلام، والمحاضرات لا تشبع أحداً، والرسول صلى الله عليه وسلم لو بقي فقط يتكلم من فوق المنبر بكلمات: افعلوا واتركوا ما أقبلت له العرب، لكنه كان يعطي ثوبه للفقير، ويعطي مائة ناقة لصناديد الناس، ويعطي دموعه، ويسلم خدماته، ويتبسم، ويضيف في بيته، ويذهب إلى المسكين، ويقف مع العجوز، ويمسح رأس الطفل، ويعطي اليتيم، ويحل مشاكل الناس، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويصل الرحم، ويعفو عن الزلة. فعاش صلى الله عليه وسلم وإذا أفعاله مثل الجبال. زاد معروفك عندي عظماً وهو في نفسك مستور حقير تتحاماه كأن لم تأته وهو عند الناس مشهور خطير {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62 - 63] فهذه أياديه البيضاء التي طوقت الأعناق عليه الصلاة والسلام، وهي وصية للأخ الشاب.

التوبة من الذنوب

التوبة من الذنوب Q وقعت في ذنب بدافع الشهوة، وكلما تبت عدت إليه ثانية حتى ملت نفسي وتعبت كثيراً، وأملي في الله كبير، وبقدوم شهر رمضان شهر التوبة أخشى ألا أدركه، فوجهني جزاك الله عني وعن المسلمين خير الجزاء. A أولاً: أوصيك ونفسي الآن بالتوبة، الآن وأنت جالس أن تعقد العزم على أن تتوب، ولا تنتظر رمضان؛ لأنه قد تؤخذ نفسك من بين جنبيك قبل أن تصلي العشاء، فالآن اعقد التوبة، وأنا وإياك والحضور نعلن التوبة النصوح عل الله أن يتوب علينا جميعاً. ثانياً: ما ذكرت من الذنب والخطيئة، فإن هناك رباً يغفر ويرحم، وقد جاء عند ابن حبان عن عائشة {أن رجلاً قال: يا رسول الله! إني أذنب. قال: تب إلى الله، قال: ثم أذنب، قال: تب إلى الله، قال: ثم أذنب، قال: تب إلى الله. قال: إلى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المدحور} وفي بعض الآثار: {ولو عاد في اليوم سبعين مرة} فأنت ما معك إلا التوبة، وكما يقول ابن عباس: [[اصبحوا تائبين، وامسوا تائبين]] وقال ابن مسعود: [[تحترقون تحترقون، ثم يكشف ما بكم، ثم تحترقون تحترقون، ثم يكشف ما بكم]] فما معي ومعك إلا أن نتوب ونستغفر دائماً، ونجدد توبتنا واستغفارنا علَّ الله أن يرحمنا، هذا ما أطالبك به. ثالثاً: أرى أن تستغل شهر رمضان في تكفير السيئات الماضية، فتحضر صلاة الجماعة، وتقرأ القرآن، وترافق الصالحين، وتبكي على ما فات منك، وتتأسف وتندم، فإن الندم توبة، وما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة، فاندم على ما فات تقطعني على التفريط دأباً وبالتفريط نفسك قد قطعتا وفي صغري تحدثني المنايا وما خطرت بقلبك إذ كبرتا وتشفق للمصر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمتا مشيت القهقرى وخبطت عشوا لعمرك لو وصلت لما رجعتا إذا ما لم يفدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا وإن ألقاك فهمك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا فنسأل الله أن يفهمنا وإياكم، وأن يتوب علينا وعليكم أكرر الشكر لإمام هذا المسجد ولكم، والشكر أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اعرف دينك

اعرف دينك كان الأعرابي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتعلم منه الإسلام في كلمات قليلة، أما نحن فلو جاءنا من يسألنا عن الإسلام حتى يعرفه ويدخل فيه فلربما وقعنا في حيص بيص. وهنا يحرص الشيخ أن يعطي ملخصاً للدين في كلمات يسيرة مبسطة يفهمها كل من يسمعها أو يقرؤها، وهي مع ذلك تشتمل على أصول الإسلام.

سهولة تعلم هذا الدين

سهولة تعلم هذا الدين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. إخوة الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عنوان هذا الدرس (اعرف دينك) في مساء يوم السبت السابع من شهر ذي القعدة لعام ألف وأربعمائة واثنى عشر للهجرة. (اعرف دينك) موجز مبسط سهل ميسر لهذا الدين الذي بعث به محمد عليه الصلاة والسلام. من أسرار رسالته عليه الصلاة والسلام أنها ميسرة ومبسطة وسهلة قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17]. ومن خصائص هذا الدين أنه يفهمه الشيخ الكبير المسن، والأمي العامي، والطفل والأعرابي، فقد جعله الله ديناً عاماً للبشر، فكان لزاماً على من يدعو إلى الله عز وجل أن يحاول أن يعرضه وأن يطرحه للناس، علَّ هذا الدين أن يدخل في أهل المدر وأهل الوبر وأن يعيه الناس، ولو قدمنا الإسلام سهلاً ميسراً كما قدمه الرسول عليه الصلاة والسلام لدخل الناس في دين الله أفواجاً، فقد عرضه عليه الصلاة والسلام على الجارية الصغيرة حين تأتي إلى المعلم العظيم عليه الصلاة والسلام فيقول: أين الله؟ فتشير إلى السماء، فقال: {أعتقها فإنها مؤمنة}. يأتيه الأعرابي يسأله عمن رفع السماوات وبسط بالأرض ونصب الجبال، فيخبره النبي عليه الصلاة السلام فيؤمن ويدخل الجنة، أعرابي آخر يأتي من الصحراء وقد ترك ناقته وغنمه، ويسأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن الدين قال: {أنا أدعو إلى الله الذي إذا أصابك قحط فدعوته كشفه عنك، وإذا ضلت ناقتك في الصحراء فدعوته ردها عليك} فكيف نعرض الدين؟ وكيف نخبر الناس بموجز مبسط. أما سبب المحاضرة فإني أريد من نفسي وإخواني أن نتنزل في المعلومات والمصطلحات، وأن نقرب الكلمات ليعي الناس هذا الدين بشكل موجز مبسط. أما فائدة مثل هذا الدرس: فهو مفتاح الجنة، إذا عملت به أخذت المفتاح ودخلت الجنة، وثمرته النجاة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ومعناه أن تتابع محمداً عليه الصلاة والسلام وتركب سفينته، وسنته كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك.

ملخص لدعوته عليه الصلاة والسلام

ملخص لدعوته عليه الصلاة والسلام بعث عليه الصلاة والسلام والعرب لا يفهمون شيئاً عن الله ولا عن الكون ولا عن الحياة ولا عن الإنسان ولا عن اليوم الآخر قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] يخونون يغشون يعبدون الصنم يطوفون بالوثن. تصور الإنسان العربي قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام بعقله وجثمانه، بدمه، وتفكيره وبصيرته وبصره، يأتي فيجمع حفنة من التمر، فيسجد لها من دون الله، فإذا جاع أكلها، ويذهب إلى الصنم فيرى الثعلب يبول على الصنم فيسجد للصنم، إن حتى أحدهم أنف من هذا فيقول: أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب فأتى عليه الصلاة والسلام فعلمنا من هو الله، وكيف خلق السماء، وكيف خلق الأرض، وماذا يستحق، وكيف ندخل الجنة، وكيف نتجنب النار، فأخبرنا أن الخالق هو الله، والرازق هو الله، وأنه لا يستحق العبادة إلا هو سبحانه، وأنه لا يجوز أن يشرك هذا العبد مع الله إلهاً غيره، ثم أخبرنا عليه الصلاة والسلام أنه بشر وأنه يبلغ الدعوة، ولكنه لا يملك ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِك مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً، ولا يشافي ولا يعافي ولا يحيي ولا يرزق إلا الله.

معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله

معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله وبعث عليه الصلاة والسلام بلا إله إلا الله محمد رسول الله، أما لا إله إلا الله فمعناها لا معبود بحق إلا الله، فمن ظن أو اعتقد أو فعل شيئاً من العبادة التي يستحقها الله عز وجل لغيره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم. لا إله إلا الله معناها: أنه لا يعبد إلا الله الواحد الأحد؛ لأنه كان هناك آلهة، وكفار قريش آمنوا بالرب سبحانه أنه خالق ورازق، لكنهم جعلوا معه آلهة أخرى، فتوجهوا لها بالعبادات، فأتى صلى الله عليه وسلم يقول: لا إله إلا الله، لا يعبد إلا الله، ولا يسأل إلا الله، ولا يستغاث إلا بالله، ولا يرجى إلا الله، ولا يخاف إلا الله، ولا يرغب إلا فيما عند الله، ولا يرهب إلا مما عند الله عز وجل، حتى يقول لكفار قريش: {قولوا كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم، فقال أبو جهل: وأبيك وعشر كلمات، قال: قولوا لا إله إلا الله. قال: أما هذه فلا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5]} فامتنعوا واعترضوا عليه صلى الله عليه وسلم.

شروط لا إله إلا الله

شروط لا إله إلا الله الأول: العلم المنافي للجهل: أن تعلم أنه لا يستحق العبادة إلا الواحد الأحد، لا أن تفعل شيئاً وأنت لا تعتقده، أي تعلمه علم اليقين من قلبك، ولا بد أن تعلم طفلك وأمك الكبيرة وجدتك معنى هذه الكلمة حتى تموت على لا إله إلا الله، لأن بعض الناس يظن أنه إذا قال: لا إله إلا الله نجا، وأنه لا يعذب في الآخرة، ثم تجد لا إله إلا الله في وادٍ وهو في وادٍ، فلا يصرف العبادة لله، ولا يعبد الله، ولا يخلص له ديناً، ويقول: يكفي أن أقول لا إله إلا الله وقد أخطأ؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما سئل عمن هو أسعد الناس بشفاعته عليه الصلاة السلام قال: {من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه} قال أهل العلم: مخلصاً: أي يعمل بمقتضى لا إله إلا الله؛ فأنت تعلم أنه لا إله إلا الله علماً، أي تدرسها دراسة، لا تقلد الآباء، لأن كثيراً من الأجيال والشرائح في المجتمع يقلدون آباءهم وأجدادهم، قالوا: وجدناهم يعبدون فعبدنا، وهذا منطق أبي لهب وأبي جهل، فلا تأخذ الدين وراثة، بل تتعلمه وتدرسه، وتسأل آباءك وأستاذك، وتسأل العلماء عن معنى لا إله إلا الله. الثاني: اليقين: ومعناه أن تتيقن بقلبك وتعتقد اعتقاداً جازماً بهذا؛ لأن المنافق قد يعلم لا إله إلا الله، ولكن لا يعتقد جدواها، يعلم مثلاً أنه لا يستحق العبادة إلا الله، لكن قلبه يأبى، أما المؤمن فيتيقن يقيناً لا شك فيه. الثالث: القبول: فبعضهم يعلم ويتيقن، ولكن لا يقبل لا إله إلا الله، ولا يقبل ما بعث به عليه الصلاة والسلام، فلابد أن تقبله وتجعله على عينك ورأسك قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] وبعض الناس يأخذ شيئاً من الإسلام ويترك شيئاً، انظر إليهم في السنن الآن، بعضهم يتضايق من بعض السنن، يقول: يكفي أن أصلى وأن أصوم وأن أحج، أما هذه فثقيلة أو لا أستطيع، فهم من الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، وهم من الذين جعلوا دينهم عضين، ومن الذين فرقوا دينهم، فهؤلاء لا يرضى الله عملهم حتى يتموا القبول من الرسول عليه الصلاة والسلام، فعليك أن تقبل وأن تجعل ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم أغلى عندك من مالك ودمك وأهلك ونفسك. الرابع: الانقياد: إذا قبلت ما جاء به صلى الله عليه وسلم فعليك أن تنقاد كما ينقاد الجمل لصاحبه، والمؤمن أكرم لكنك تسلم مقاليد نفسك وحياتك للرسول صلى الله عليه وسلم، فتعطيه معتقدك وحياتك وأدبك وسلوكك وأخلاقك، وتلزم كل حياتك على منهجه صلى الله عليه وسلم، فإن بعضهم الآن يأخذ منهج حياته في المعتقد من الإسلام، وفي الأخلاق من الغرب، وفي السلوك من الشرق، وفي الأعمال والمعاملة من فلان وعلان، فخذ أنت منهجك من محمد عليه الصلاة والسلام وحده: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. الخامس: الإخلاص: فلا تقولها رياءً، أو لا تعبد الله عز وجل رياءً بل كما قال تعالى: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] فهو الذي يطلع على السرائر، وهو الذي يعلم ما في الضمائر، فتخلص له العبادة. يقول الله عز وجل: {من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه} رواه مسلم. ولو ذرةً، تركه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وما عمل، فلابد أن يكون عملك خالصاً لوجه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. السادس: الصدق: فلا تكن كاذباً في قولك، ولا فعلك، ولا كاذباً في اعتقادك، ويظهر الكذب في بعض الناس، فمن يقل: لا إله إلا الله ولا يصلي الفجر في جماعة فهو كاذب في لا إله إلا الله، ومن يقل: لا إله إلا الله وأمواله في البنوك الربوية فهو كاذب في لا إله إلا الله، من يقل: لا إله إلا الله وهو يوالي أعداء الله على أولياء الله فهو كاذب في لا إله إلا الله! لا إله إلا الله ليست كلمة فقط، فلو كانت كلمة فحسب لقالها اليهودي والنصراني والبوذي والشيوعي ودخلوا الجنة، لكن حرمها الله عليهم لأنهم ما عملوا بمقتضاها وما صدقوا فيها. من الكذب في الأخلاق: أن تتعامل مع المسلمين بأخلاق اليهود فتخونهم، وتتعرض لهم، وتضمر لهم الدسائس، وتكيد لهم المكائد، وتطلب لهم العثرات، وتفرح بزلاتهم، وهذا كذب في لا إله إلا الله، وقس على ذلك كثيراً من السنن. السابع: المحبة: أن تندفع إلى الدين بمحبة وبقلب، أن تأتي للمسجد وصدرك منشرح، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال في المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] ويقول: {وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54] فالمنافق ينفق وهو كاره، ويأتي للمسجد وهو كاره، ويحضر المحاضرة وهو كاره، أما أنت فتحب وتحمد الله عز وجل على أن أجلسك في المسجد، وعلى أن جعلك تصلي وتصوم وتحج وتعتمر، ولم يجعلك شيوعياً ولا نصرانياً ولا يهودياً ولا بوذياً. وقد كان في استطاعة الله وبحكمته أن يولد الإنسان كافراً وأن يعيش كافراً وأن يموت كافراً، لكن اختارك الله واجتباك واصطفاك من بين الألوف المؤلفة والملايين المملينة لتكون مسلماً، تقول: لا إله إلا الله بمحبة، وتعتقد لا إله إلا الله محبة، وتعمل السنن بمحبة، بعض الناس يتضايق من السنن، يعمل بعض السنن ويقول: والله في قلبي حرج، ولولا بعض الأمور والمجاملات لما فعلت، فهذا في قلبه حرج، لا يحب ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. الثامن: الكفر بما سوى الله تعالى قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} [البقرة:256] التخلي والتحلي؛ أن تكفر بغير الله عز وجل فلا تتعلق بغيره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من وثن أو صنم أو نجم أو كوكب أو شمس أو قمر أو شيخ أو معلم أو مرءوس، فلا تتجه إلا إلى الله الواحد الأحد قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65] وصور الشرك كثيرة، منها متطور ومنها بسيط، ومنها أبجدي ومنها عالي المستوى معقد، فكل بحسبه، الأعراب عند المشعوذين والكهنة والسحرة والأنصاب والأزلام إلا من رحم الله، بعض الذين تعلموا وأخذوا نصيباً من العلم عند المشايخ، يقدم رأي الشيخ على كلام الله عز وجل وكلام رسوله إلا من عصم الله عز وجل، بعض الناس عند الكيانات والاتجاه إلى غير الله عز وجل وإلى المصادر التي ما أنزل الله بها من سلطان، هذه صور من صور الشرك، وهي تتطور مع تطور الزمن، ولكن تبقى مظلة لا إله إلا الله محمد رسول الله.

معنى محمد رسول الله

معنى محمد رسول الله ما معنى محمد رسول الله؟ أن تشهد أن هذا الرجل الأمي الهاشمي التهامي عليه الصلاة والسلام بعثه الله خاتماً للرسل، فهو معصوم لا ينطق عن الهوى ولا يقول إلا وحياً، وأنه قدوة للناس، وأن من لم يتبعه دخل النار، وأنه عليه الصلاة والسلام لن يبعث أحد بعده، وأنه صلى الله عليه وسلم ما كتم من الوحي شيئاً ولا خان ولا غش ولا ضل عليه الصلاة والسلام.

حق الله على العبيد

حق الله على العبيد لله عليك حقوق ولك حقوق أوجبها الله على نفسه، ولم يوجبها أحد من الناس. أما حقوقه سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليك فمنها ما يلي:

العبادة حق الله على العبد

العبادة حق الله على العبد قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وهذه لا يختلف فيها الناس: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:93] والله يطلب من الإنسان أن يقترب منه بالعبودية، ولا تقترب إلى الله ولا يحبك إلا إذا عبدته، وفي صحيح البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال عن الله عز وجل أنه قال: {وما تقرب إلي عبدي بأحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به الحديث} دل الحديث على أنه كلما اقتربت من الله بالنوافل قربك، وأن أقرب الناس منه العابدون، قال عن الأنبياء: {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:73].

الاستعانة بالله حق لله على العبد

الاستعانة بالله حق لله على العبد ثم الاستعانة: ألا تستعين إلا به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال صلى الله عليه وسلم: {وإذا استعنت فاستعن بالله} وهذا فيه تفصيل لأهل العلم قالوا: يستعان بالبشر فيما يقدر عليه البشر، فلك أن تستعين بالإنسان أن يحمل معك غرضاً في سيارتك أو أن يوصلك مكاناً أو يدلك على مقصد، أو أن يبني معك بيتاً، لكن الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله حرام أن تستعين فيها بغير الله كالمشافاة والمعافاة، وطلب الرزق، والإماتة والإحياء، وتسهيل الأمور وتفريج الكرب، لا يستطيع عليها ولا يقدر عليها إلا الله قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] وقال صلى الله عليه وسلم: {وإذا استعنت فاستعن بالله}.

الاستغاثة بالله حق لله على العبد

الاستغاثة بالله حق لله على العبد ومنها الاستغاثة قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:9] قيل عن معروف الكرخي أنه كان يجلس في المجلس الواحد ويقول: واغوثاه! واغوثاه! أكثر من ألف مرة، فقيل له في ذلك، فقال: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:9] فلا تستغث إلا به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والناس يظنون أن بعض الناس له يد في نزول القطر والمطر، وأن بوجوده أو بحضوره أو بحصوله أو ببركته ينزل الغيث، وهذا شرك بالواحد الأحد، لا ينزل الغيث إلا الله، ولا يعلم ما في الأرحام إلا الله.

الرجاء حق لله على العبد

الرجاء حق لله على العبد ومنها الرجاء: أن ترجو الواحد الأحد، فلا يرجى إلا هو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لدفع المكروه، وتجد بعض من يشرك في مسألة الرجاء يرجو غير الله أكثر من الله، ويقول للناس: أنتم الذي سهلتم هذه المسألة ولو لم تفعلوا ما تسهلت، وهذا شرك بالمولى، فوالله الذي لا إله إلا هو إن لم يسهلها الله ما تسهلت، ويقول لي آخر: أنت الذي فعل وصنع، وأنت الذي قرر، وأنت الذي سهل، وأنت الذي يسر، ونسي الواحد الأحد، فمقاليد الأمور بيد الواحد الأحد، بيده تفل الحبال وتفتل، تبارك الله رب العالمين!

الخوف من الله حق لله على العبد

الخوف من الله حق لله على العبد ومنها الخوف قال تعالى: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175] في الرجاء والخوف والرغبة والرهبة: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} [الأنبياء:90]. ألا تخاف إلا منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيما لا يخاف إلا منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ليس الخوف الطبيعي، فإن الإنسان قد يخاف من الأسد، ويخاف من الثعبان، فهذا مركب في الفطرة، لكن بعض الناس يخاف من بعض الناس أن يمنعه الرزق أو يعطله من الحياة، أو يغير عليه القضاء والقدر، أو يمنعه من الولد أو غير ذلك، وهذا سوء ظن بالمولى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويدخل في المسألة: {وإذا سألت فاسأل الله} فلا تسأل فيما لا يقدر عليه غير الله عز وجل إلا الله تبارك وتعالى، فإذا سألت غيره ما كان لك من نصيب، وما لُبِّيَ طلبك وخسرت الدنيا والآخرة. قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] وفي حديثه لـ أبي ذر: {لا تشرك بالله -هذا حديثه صلى الله عليه وسلم لـ أبو بكر - وإن قطعت وحرقت} وقال تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31].

عدم الذبح لغير الله حق لله على العبد

عدم الذبح لغير الله حق لله على العبد ومنها عدم الذبح لغير الله عز وجل؛ ومعناه: ألا يذبح ذبيحته لغير الله عز وجل، كأن يتقرب بها إلى وثن أو مخلوق أو إلى دفع ضر أو جلب منفعة، فإن هناك بعض الصور جائزة، كأن تذبح للضيف بقصد إكرام الضيف، ما ذبحت أنت للضيف معتقداً أن الضيف يشافي ويعافي، أو أنه يدفع المكروه ويجلب الرزق، لا، إنما المقصود بهذا الإكرام، هذه صورة أخرى، لكن أقصد بالذبح لغير الله الذين يذبحون عند الكهنة والمشعوذين أو يوصوهم بالذبح في صور متعددة، وبعضهم إذا بنى البيت ذبح ليخرج الجن، ولئلا يسكن الجن في البيت، وبعضهم يذبح إذا وصف له مرض مريض فقالوا: لا يشفى مريضك حتى تذبح له تيساً أسود أو تيساً أبيض أو ديكاً رومياً مولوداً بعد الحرب العالمية الثانية من مواليد (1411 هـ) في شهر صفر، فيذبحه معتقداً ذلك. ومما يلحق بهذا الذبح بعض الاعتقادات التي توجد في بعض المجتمعات أن المرأة إذا انتهت عدتها فإنه لا بد أن يذبح لها ذبيحة، وهذا في حد ذاته مخالف لسنة المعصوم عليه الصلاة والسلام، وهو بدعة، ولم يعرف عنه عليه الصلاة والسلام ولا عن أصحابه أنه أمر أو سن الذبح للمعتدة إذا خرجت من العدة. إن المرأة تكرم في أي وقت، لكن أن تتخذ مراسيم ثابتة دائمة مستمرةٌ، فهذه البدعة التي نهى عنها النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد}. ومنها عدم صرف أي شيء من العبادة لسوى الله عز وجل: مثل الدعاء أو التوجه أو القصد أو المسألة أو الخوف أو الرجاء، وكلها تنافي معتقد التوحيد.

واجب المكلف تجاه هذا الدين

واجب المكلف تجاه هذا الدين أنا وأنت والمسلمون مكلفون، وواجبنا أربع مسائل لابد أن تحفظ، ولابد أن تلقى الله بها، ولابد أن توقف حياتك عليها، وهي ما يأتي:

المسألة الأولى: التعلم

المسألة الأولى: التعلم وليس معناه أن تتعلم دقائق المسائل وتفصيل العلوم، فتصبح دكتوراً أو عالماً من العلماء، أو بحراً من البحور، لا! يجب على كل مكلف من مسلم ومسلمة أن يتعلموا أصول المسائل، أن تتعلم الواجبات والمحرمات ثم تعلمها أمك وجدتك وأباك وجدك وكل من تدعوه إلى الله عز وجل، وسيأتي ذكر ذلك في فقرة مستقلة.

المسألة الثانية: العمل بما علمت

المسألة الثانية: العمل بما علمت المسائل التي تتعلمها لابد تعمل بها وإلا فلا تنفعك في الدنيا والآخرة، قال تعالى عن اليهود لأنهم تعلموا وما عملوا: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13] والذي يتعلم العلم ولا يعمل به معذب من قبل عباد الوثن.

المسألة الثالثة: التبليغ

المسألة الثالثة: التبليغ أن تبلغ ما تعلمت للعالمين، وهي المرتبة الثالثة بعد العلم والعمل، ومن فعل هذه الثلاث فيدعى في الملكوت الأعلى بالرباني، والرباني هو: الذي يتعلم العلم ويعمل به ويعلمه ويصبر عليه قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79].

المسألة الرابعة: الصبر على الأذى

المسألة الرابعة: الصبر على الأذى ولم نذكر الشكر على الموهبة، وإنما ذكرنا الصبر على الأذى؛ لأن الصبر على الأذى لا بد منه قال: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] قالوا: لأنه إذا أمر ونهى وعلم ودرس ودعا فلابد أن يؤذى وعليه أن يصبر، فمن فعل هذه الأربع فهو رباني، ويشفع في ملأ عظيم يوم القيامة، وهو من أتباع الرسل ومن الفائزين عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال سبحانه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3].

العلم النافع

العلم النافع قلنا: ما هو العلم الذي نتعلمه؟ العلم هو: العلم النافع الذي بعث به عليه الصلاة والسلام وقال: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث} وقال سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] قال البخاري: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، والمقصود بالعلم النافع هو علم الشريعة؛ وإذا أطلق العلم في الكتاب والسنة فالمقصود به علم الشريعة، أما إذا خصص وقيد فيقصد به مثل: علم الهندسة علم الفلك علم الطب، فالعلم النافع هو معرفة الله تعالى ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دين الإسلام، ثلاث مسائل، وهي القضايا الكبرى التي تنجيك عند الله عز وجل. فتعرف الله معرفة كما عرفها الأنبياء والرسل، والثاني الرسول عليه الصلاة والسلام تعرف من هو هذا الرسول، والثالث: الإسلام.

معرفة الله عز وجل

معرفة الله عز وجل أما معرفة الله عز وجل فإنه لا بد أن تعتقد ثلاثة اعتقادات وثلاث مسائل وهي: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وربما يقول بعضكم: هذا الكلام حفظناه! لا لم نحفظه، بل لابد أن نكرره ونعيده وندرسه ونعمل به ونبسط القول فيه ليل نهار، فقد دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة. أما توحيد الربوبية فقد أقربه أبو جهل وأبو لهب ومشركو قريش قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر:38] وأقر أبو جهل أن من خلق الشجر الله والجبال والأحياء هو الله، لكنه خالف في توحيد الألوهية، والأنبياء بعثوا بتوحيد الالوهية، ويقول شيخ الإسلام في كلام ما معناه: الأمم جميعاً تثبت توحيد الربوبية لله، حتى فرعون أنكر الصانع في الظاهر، لكن أثبت الخالق في الباطن، حتى يقول له موسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102]. ثم توحيد الألوهية: أن تعتقد أن لا إله إلا الله، ولا يستحق العبادة بأنواعها إلا الله من ذكر ودعاء واستعانة ومسألة وخوف ورجاء وحب إلى غير ذلك. وأما توحيد الأسماء والصفات: فهي أن تقر وتثبت لله ما أثبته له أنبياؤه ورسله عليهم الصلاة والسلام من صفة أو اسم من غير تمثيل ولا تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل؛ كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. وأهل السنة لهم قواعد أربع في الأسماء والصفات: الإثبات المفصل، النفي المجمل، الإثبات المقيد، الاستفصال. فأما الإثبات المفصل فهم يثبتون صفات الكمال مفصلة، فيقول: كريم، رحيم، عليم، حليم، واسع، بر، لطيف، إلى غير ذلك، فيثبتونها مفصلة. وأما في النفي فإنهم ينفون مجملاً فيقولون: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] فلا يقولون: الله لا يجوع أو لا ينسى، الله لا يضل والله لا يبخل لا يقولون هذا، وهذه طريقة علماء الكلام. الإثبات المقيد يثبتون لله الصفة مقيدة مثل قوله تعالى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة:79] فالله عز وجل لا يقال له ساخر، ولكن تثبت هذه الصفة مقيدة، فيقول: يسخر بمن يسخر به: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:14 - 15] فهو يستهزئ بمن يستهزئ به إثباتاً مقيداً، ومنه: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30] و {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142]. وأما الاستفصال فـ أهل السنة يستفصلون في ألفاظ ليست في الكتاب ولا في السنة، كأن يقال لك: الله مهندس الكون فإن ذهبت تقول: نعم، أخطأت لأنه قد يكون في الكلام أسرار لا تدري بها، وإن قلت: لا، أخطأت لأنك قد تنفي معنى صحيحاً، لكنك تستفصل، فتقول للقائل: ما معنى مهندس الكون؟ فإن قال: خالق الكون والذي صنع الكون فتقول: معناك صحيح، ولكن اللفظ خطأ، قل: الله خالق الكون، هذا استفصال، وإذا قال: مهندس الكون معناه أنه يهندس الكون مثلما يهندس المهندس العمارة فإنك تقول: أخطأت في المعنى وفي اللفظ، فهذه مسائل أهل السنة في هذا.

الغاية من بعثة الرسل

الغاية من بعثة الرسل اعلم أن الرسل بعثوا جميعاً بتوحيد الله كما قال الله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] بعثوا بلا إله إلا الله، فهي دعوتهم جميعاً عليهم الصلاة والسلام، وقد تختلف شرائعهم في التفصيل، لكن لا تختلف في المعتقد.

الولاء والبراء

الولاء والبراء ومن الأمور المهمة ألا توالي إلا في الله، وأن تتبرأ من أعداء الله، وأن تحب في الله، وتعطي في الله، وتبغض في الله وتمنع في الله عز وجل، فإذا فعلت ذلك فقد استكملت الإيمان، الولاء: أن توالي في الله عز وجل؛ أي: بسبب أن هذا الشخص ملتزم بأمر الله أحببته بحسب ما فيه من طاعة، وتبغضه بحسب ما فيه من معصية، فلا تبغض الرجل؛ لأنه من قبيلة أخرى، أو لأنه من شريحة أخرى، أو من لون آخر، أو من بلد أو شعب آخر، فمن فعل ذلك فقد خان لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وتبغض في الله؛ فصاحب المعصية تبغضه لا لأنه من قبيلة أخرى أو من أسرة أخرى، إنما لأنه عاصٍ، ثم تحبه بحسب ما فيه من طاعة، فقد يجتمع الحب والبغض في شخص واحد، ومنها المنع والعطاء، فتعطي لأنك تريد ما عند الله عز وجل، وتمنع لأن المصلحة في المنع لمرضاة الله عز وجل.

معرفة الله عن طريق الكتاب المنظور

معرفة الله عن طريق الكتاب المنظور يعرف الله عز وجل بآياته ومخلوقاته من ربك؟ ربي الله الذي رباني بنعمه، سؤال لابد أن نجيب عليه بالعمل، بم عرفت ربك؟ بآياته ومخلوقاته: الشمس والقمر الليل والنهار الشجرة والوردة السماء والضوء الماء والجبل الرابية وكل شيء: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحدُ فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحدُ {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس:101] {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:10 - 11] وقال تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20]. هذه آياته دلت عليه، كل شيء مكتوب عليه بقلم الوحدانية ويراع الصمدانية؛ لا إله إلا الله، يقرؤها الأمي وغير الأمي، أما تأملت الروض؟ أما دخلت الحديقة؟ أما فتشت البستان؟ كل ورقة من زهرة، وكل نبتة من نامية، وكل لمعة من ضوء وكل قطرة من ماء تدل على الله. تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيونٌ من لجين شاخصاتٌ بأحداقٍ هي الذهبُ السبيكُ على قُضُبِ الزبرجدِ شاهداتٌ بأن الله ليس له شريكُ كل الكون كتاب مفتوح؛ بعث الأمي الذي ما حمل قلماً ولا طبشورة، ولا رأى سبورة ولا شيخاً ولا أستاذاً، بعثه فقيل له: (اقرأ) وهو في الغار، وما عنده أقلام ولا دفاتر ولا مراسم ولا طباشير، أين يقرأ؟ قيل: معناها اقرأ في الكون، اقرأ في السماء من خلقها ورفعها وأوجدها. وكتابي الفضاء أقرأ فيه صوراً ما قرأتها في كتابِ فلا بد أن نقرأ جميعاً. ويا أيها الإخوة! تبلد إحساسُنا وماتت عواطفنا، فما أصبحنا نقرأ في الكون، شغلتنا الغسالة والبرادة والثلاجة والحفارة والطائرة والسيارة عن الكون، وعن الجمال في الكون، الزرع بديع، والروض مخضر، والسماء تتحدث، وقلم الصمدانية ويراع الواحدانية يكتب، ولكن من يقرأ؟ لا بد أن نقرأ وأن نتأمل.

معرفة دين الإسلام

معرفة دين الإسلام

تعريف الإسلام

تعريف الإسلام وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك، فجمل مستسلم إذا قيد بزمامه وخطامه، لا تترك في قلبك ذرة، يقول أحد الكتبة العصريين: الفرق بيننا وبين الصحابة أن الصحابة وضعوا ثياب الشرك عند أول عتبات الإسلام وخلعوا كل شيء، وتبرءوا من الشرك، ونحن خلطنا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فتجد الإنسان فيه شيء من الولاء للقبيلة ولو كان فيها جهل، وفيه شيء من الولاء للعنصرية، وفيه ذرة من الدعاء لغير الله، وفيه ولاء لغير من يحب الله عز وجل، فما ميزنا عملنا كما يريد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

أركان الإسلام

أركان الإسلام أما أركان الإسلام فهي خمسة كما تعرفون: لا إله إلا الله محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج، من أتى بها دخل الجنة: كان الرسول صلى الله عليه وسلم واقفاً في عرفات فأتاه أعرابي فأخذ بزمام ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: {يا رسول الله! ما الإسلام؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج دع الناقة} فأطلق الزمام فقال: والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، قال: {أفلح إن صدق} إسلام سهل ميسر. والإسلام الآن يعبر الكرة الأرضية، فهذا القرن الذي نعيشه قرن الإسلام، هذه الجمهوريات الشمالية انهارت على رءوس الشيوعية وعلى أنقاض الوثنية، وبدأ التكبير على المآذن: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر. في موسكو العام الماضي خرج منها ثلاثة آلاف حاج يحرمون من موسكو من أرض لينين واستالين، يقولون عند الكرملن: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لأنه دين حق يصل إلى الفطرة، أصيل كالمعدن الأصيل، تقبله العقول، ليس فيه خرافات، وليس أضحوكة مثل دين اليهود أو دين النصارى، لا يضحك على العقل، حتى الطفل لا يضحك عليه، بل يخبره أن هناك إلهاً قديراً، وأن هناك رسولاً بصيراً، وأن هناك مصيراً، فيسلم الإنسان ويصدق لأنها حقائق: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس:101] قال تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:23] أصيل يصل إلى القلب ويخاطب الوجدان.

أركان الإيمان ومعنى الإحسان

أركان الإيمان ومعنى الإحسان والإيمان ستة أركان، وسبحان من علم هذا الأمي الذي ما قرأ ولا كتب، فرتب المسائل عليه الصلاة والسلام وعلم، ثم ما تُرِكَ الإنسان يوم مات عليه الصلاة والسلام في أية مسألة إلا وعنده من الرسول صلى الله عليه وسلم فيها علم: تقليم الأظافر قص الشارب إعفاء اللحية الصلاة الزكاة النكاح المعاملات أمور الحياة كلها، ما ترك فيها صلى الله عليه وسلم مسألة إلا بينها كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فمن فعل ذلك فهو مؤمن، وارتفع الدرجة الثانية. الدرجة الثالثة العليا: الإحسان، وهو: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219] وهذا أغلى وأعلى شيء، وهي درجة أبي بكر الصديق، ذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد عن أبي بكر أنه قال على المنبر: [[يا أيها الناس! استحيوا من الله حق الحياء، فوالله الذي لا إله إلا هو إني لأذهب إلى الخلاء لقضاء حاجتى، فأضع ثوبي على وجهي حياء من ربي]] بلغ منزلة ما بلغها أحد وهي درجة الإحسان، ولابد أن ندرب أنفسنا مع الأيام، ومع التوبة والاستعداد والعمل والمزاولة إلى أن يصل الإنسان إلى هذا المستوى، فهذا ليس خاصاً بالأنبياء، بل يصلها العباد، وربما كان منكم الآن من بلغ درجة الإحسان، فما خلت الدنيا ممن بلغ درجة الإحسان، وربما كان منكم الآن من لو أقسم على الله لأبره. فالإنسان لا ييئس من روح الله، والإنسان يثق فيما عند الله، ويعرف أن الولاية لا تنقطع، كما قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63] فالإنسان يتأمل ويتشوف وتكون همته عالية. عجباً من همم بعض الناس كيف تكون محصورة في أمور ضيقة، ثم لا تطمح هممهم إلى المنازل العالية التي تقربهم من الله، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: عجباً لـ أبي مسلم الخراساني هددنا بهمته وإذا همته منصب وملك، ثم ذبح على الملك، فعلى ماذا حصل؟ لا على جنة عرضها السماوات والأرض، ولا ندري فمصيره إلى الله، والمتنبي يقول عن نفسه: أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمودِ يقول: أنا في الأمة المحمدية مثل صالح عليه السلام في ثمود، فماذا قدم لنا؟ قصائد معدودة يطلب بها جدوى ويعطى دارهم، ثم مات مذبوحاً في بادية فزارة، هذا هو المكسب، لكن أعظم الناس همة من يصل إلى درجة الإحسان {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:17] {أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يرك} والله! لا أعلم همة أعلى من همة الصحابة. والبراء بن مالك يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في برد ممزق فيقول صلى الله عليه وسلم: {رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك} فكان البراء بن مالك يقف على التراب ويقسم على الله ويقول: والله لتنصرننا هذا اليوم؛ فينصرهم الله، أية درجة؟! لماذا لا نجرب أنفسنا؟! الأبواب مفتوحة، والعطايا ممنوحة، والله كريم سبحانه

حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم

حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم

الطاعة فيما أمر

الطاعة فيما أمر من حقوقه صلى الله عليه وسلم طاعته فيما أمر، وما أمر به صلى الله عليه وسلم إما واجب وإما مستحب، فلا يأمر عليه الصلاة والسلام بمحرم ولا مكروه، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فإما واجب وإما مستحب، وكل ما أمرك به النبي صلى الله عليه وسلم فهو خير لك في الدنيا أو في الآخرة.

التصديق فيما أخبر

التصديق فيما أخبر وتصديقه فيما أخبر؛ وأخباره صلى الله عليه وسلم على قسمين: الأول: خبر ما مضى من القرون السابقة فنصدقه صلى الله عليه وسلم، فإذا أخبرنا عن أمة نوح أو عن قوم فرعون أو عن أية قرية صدقناه صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لا ينطق عن الهوى ولا يكذب على الله، وهو معصوم من الكذب. الثاني: أخبار الأمور المستقبلة كأن يخبرنا بعلامات الساعة، وخروج الدجال والدابة، وطلوع الشمس من المغرب وغيرها من الآيات، صدقناه عليه الصلاة والسلام واعتقدنا أن ما قاله صحيح، ثم إذا أخبرنا عن الأمور الغائبة كاليوم الآخر والصراط والميزان والعرش والكرسي والجنة والنار صدقناه عليه الصلاة والسلام، ومن لم يفعل هذا فهو كاذب عند الله؛ لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.

اجتناب ما نهى عنه وزجر

اجتناب ما نهى عنه وزجر اجتناب ما عنه نهى وزجر صلى الله عليه وسلم، والذي ينهى عليه الصلاة والسلام عنه إحدى مسألتين: إما مكروه، وإما محرم، فلا ينهى عن واجب ولا مستحب صلى الله عليه وسلم، فإذا نهاك عن شيء فاعلم أن الفلاح والنجاح والخير في اجتناب ما نهى عنه عليه الصلاة والسلام.

الاتباع وترك الابتداع

الاتباع وترك الابتداع ألا يعبد الله إلا بما شرع؛ فإن بعض الناس يعبدون الله عز وجل ببدع ويظنون أنهم أحسن، كبعض العباد المجتهدين بجهالة، تجد عندهم طقوساً ومراسيم ما أنزل الله بها من سلطان، قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن من طلبة العلم من سوف يقع فيما وقع فيه اليهود في أن يتعلموا ولا يعملوا، وأن من العباد من سوف يقع فيما وقع فيه النصارى أن يعبدوا الله بغير علم.

المحبة والولاء

المحبة والولاء ومحبته عليه الصلاة والسلام المحبة الشرعية التي تظهر الولاء له صلى الله عليه وسلم، وتقدمه على روحك، وعلى والدك ووالدتك، وعلى أهلك وكل ما تملك، فتحبه صلى الله عليه وسلم، ثم لا تغالِ في حبه، فتعتقد أنه ينفع، وأنه صلى الله عليه وسلم يأتي بالغيث، وأنه يشفي المريض، أو كمن يذهب إلى قبره في الروضة فيقول: يا رسول الله يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما فأقل لي عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما من فعل ذلك فقد أشرك، أو من يذهب ويقول: يا محمد يا رسول الله امرأتي مريضة شافها يا رسول الله، فقد أشرك بالله إلى غير ذلك، وهنا قصص طويلة، لكني أحببت أن يكون هذا ملخصاً ميسراً لا استطراد في مسائلة.

تحريم إتيان السحرة والكهان

تحريم إتيان السحرة والكهان ألا يؤتى السحرة ولا العرافون ولا المشعوذون، وهؤلاء أعداء للأنبياء والرسل، وقد نشروا في العالم القديم خرافات وخزعبلات، وتحكموا في ضمائر كثير من البشر، ولو أنهم أذكياء، لكن الله أضل هؤلاء بهؤلاء، وجعل الله هؤلاء فتنة لهؤلاء، قال تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:102] وقال: {من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد} وهو حديث صحيح: {من أتى عرافاً أو كاهناً لم تقبل منه صلاة أربعين يوماً} وهو حديث صحيح. عجباً للإنسان يوم يمرض أو تمرض زوجته أو طفله، فيذهب إلى رجل يقرطس ويشعوذ وينفث ويسمي، ثم يدعي أنه شافيه ومعافيه، ويعود بدون لا إله إلا الله، فيعود بلا دين! وهؤلاء الواجب الأخذ عليهم ومضايقتهم ومحاربتهم ورفعهم، والتنكيل بهم، وتشهير أمرهم والوقوف ضدهم، فهم أخطر من أي مجرم في الأرض. الساحر عند أهل العلم أخطر ممن يروج المخدرات؛ لأن ذاك شهواني صاحب فجور، وهذا صاحب كفر في الدين ومروق عن الملة وحرب على لا إله إلا الله. ومن هؤلاء من يدعي أنه يعرف الماء في الآبار، ومن علامة كذبه أنه لا يأتي إلى مكان البئر، فيدعي أن فيها ماء، فإذا حفرت كذا متراً وجدت الماء، فهذا كاذب عدو لله عز وجل، ويجب رفع أمره، ومنهم من يدعي أنه يعرف أسماء المرضى فيقول: اسمها فلانة بنت فلان، واسم أبيها كذا، فهذا كذلك كاذب يستخدم الجن ولا يجوز إتيانه.

اجتناب الألفاظ الشركية

اجتناب الألفاظ الشركية الألفاظ الشركية، مثل قول بعض الناس -وهي منتشرة- ما شاء الله وشئت، بل ما شاء الله وحده، وقول بعضهم: الله والنبي، وهذا شرك بالواحد الأحد، بل الله وحده، فالنبي عبد الله عز وجل فكيف تقرنه بالله. أيضاً من الملاحظات أنني رأيت في بعض المجالس يكتبون اسم الجلالة في الميمنة (الله) وفي الميسرة (محمد) وهذا لا يجوز نبه كثير من العلماء على هذا، اللوحات التي يكتب فيها الله ومحمد لا تجوز، فإن الله إله، ومحمد بشر وعبد خلقه الله، فحتى الموازاة في الاسم لا تجوز، الله وحده لا إله إلا الله! ومنها ما يقوله بعض الناس: الله والنبي محييك. وهذا خطأ وشرك، ولا يجوز قولهم: لولا الله وفلان، إنما يجوز لولا الله ثم فلان، أما وفلان فهذه من الألفاظ الشركية المخالفة لما أتى به عليه الصلاة والسلام.

تقديس العادات ومعارضة الشرع بها

تقديس العادات ومعارضة الشرع بها بعض الناس رسخت في ذهنه عادات من عادات القبيلة والقرية والبادية والأهل والجدة والجد حتى لا يستطيع أن يتنازل عنها أبداً، فإذا أتيت بالدين قال: عشنا عليها، ونشأنا على هذه الأمور، وتأتينا أنت فيما بعد وتريد أن تغيرنا، الآن بصغرك وأنت ما زلت طفلاً تغير أشياء نشأنا عليها منذ خمسين سنة، فهؤلاء ككفار قريش الذين قالوا كما حكى الله عنهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23] وبعضهم يقول: سلوف القبائل، حتى إنهم في بعض المكاتبات يقولون: فإذا اعتدي على واحد من القبيلة قامت القبيلة ضد تلك القبيلة جميعاً ومن تخلف فليس منا. وهذا شرك، وهذا حلف باطل لا يجوز، فهو ظلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً} فأما مظلوماً فمعروف وأما ظالم فترده، وبعضهم يقول في نصر القبيلة: ما للواحد إلا رفيقه إما باعه وإلا شراه ليس للواحد إلا رفيقه في القبيلة فإما أن تبيعه في الدنيا أو تشتريه، سواء في الظلم أو في الباطل، فمهما يكن فأنت معه، وهذا حلف يخالف منهج الرسول عليه الصلاة والسلام، ويخالف الإخاء الإيماني الذي بعث به عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} [آل عمران:103]. ومنهم من يقول: حشرني الله مع قبيلتي ولو في النار، أعوذ بالله! ويقول: لا أريد إلا قبيلتي ولو كانوا في جهنم، أي من حبهم وموالاتهم حتى على الباطل، ومنهم من يقوم فيحلف مع قبيلته على جبل لا يعرفه أو على أرض لا يعرفها، ولا يدري بما قال، وإنما من أجل القبيلة ويظن أن هذا موقف تظهر فيه الرجولة، وهذا من الحلف المبتدع المعاند لما بعث به عليه الصلاة والسلام. وبعضهم يخالف في مسألة الحجاب، إذا أمرتهم بالحجاب رفضوا وقالوا: ليس في قلوبنا شيء، نشأنا والمرأة عندنا لا تتحجب، والجماعة إخوانها وأقاربها وأعمامها، وليس في قلوبنا شيء، قلوبنا نظيفة وطاهرة وطيبة، أما القراطيس التي أتيتم بها فلا نريد أن نسمعها، قال ابن القيم: يخالفون الشرع الحنيف بعاداتهم، فهي من الطواغيت، وهذا طاغوت يسمى طاغوت القبيلة وطاغوت القرية وطاغوت البادية.

دعاء غير الله وتعليق التمائم والحجب

دعاء غير الله وتعليق التمائم والحجب من الكلمات التي قد تفشو في بعض الأماكن دعاء فاطمة: قد يمرض بعض المرضى في عينه، " فيقول: يا فاطمة بنت النبي! أزيلي هذا الذي بي" أو غيره من الكلمات، وقد ذكر ذلك بعض العلماء الذين كتبوا رسائل في أحوال بعض المناطق، ومنهم من يقول: يا فاطمة يا فاطمة! وبعضهم ينادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد يا محمد، حتى إن بعضهم خرج بثور يبيعه في السوق، فكاد الثور يتلف من مكان مرتفع، فيقول: يا محمد يا محمد! قال أخوه: خل الثور تتلف والله إن محمداً يحب المرقة! عليه الصلاة والسلام. فينادي الرسول عليه الصلاة والسلام ولا ينادي الواحد الأحد سبحانه، ومحمد صلى الله عليه وسلم ميت لا يملك ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً، وهو ينادي رسولاً ويترك الواحد الأحد: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219]. ومنهم من يعلق تميمة، قال صلى الله عليه وسلم: {من اتخذ تميمة فلا أتم الله له} أي: لا أتم أموره. ومنهم من يأخذ فتخة أو خاتماً أو دبلة، ورأيت بعضهم يحزم خيطاً صغيراً قلت: مالك؟ قال: فيَّ عين، والشيخ الفلاني ربط أصبعي، نسأل الله أن يهديه. صد عن منهج لا إله إلا الله بهذا التصرف؛ خيط بسيط يربط في الكف حتى يشفى من العين! والرسول صلى الله عليه وسلم بُعث لرفع الجهالات والخزعبلات والمضحكات، حتى إن الأمم الأخرى لو رأت مثل هذه الأمور لضحكت علينا، مع العلم بأن ديننا أصيل صادق مبني على حقائق، وتقبله العقول ولا تخالفه. ومنها تعليق الحجب، والحجب هذه قراطيس يضعونها على المرضى، ورأيت بعضها ملفلفة في مثل الدفتر الصغير، وخيطت بإبرة أو بمخيط، ومكتوب فيها كلمات لا تعرف، فمن علق هذه فلا أتم الله له، ولا شفاه ولا عافاه ولا كفاه، ومنهم من يدفع دراهم ونقوداً ليعلق هذا، ومنها أن العقيم تأخذ خيطاً لتحمل من مقرطس أو مشعوذ، وهذا مخالف لمنهجه صلى الله عليه وسلم. ومنها أن بعضهم يأخذ شيئاً يمنعه من العين، ويعلقه على باب البيت، ومنهم من كان يعلق بيض الدجاج ويقول: هذه تمنع من العيون والحساد، ومنهم من يتشاءم بأصوات مثل صياح الثعلب، فيقول: أعوذ بالله من البلاء! أعوذ بالله من الشر! فال الله ولا فالك! والثعلب لا يملك ضراً ولا نفعاً، ومنهم من يتشائم بالغراب حتى يقول: نعب الغراب فقلت نُحْ أولا تَنُحْ فلقد قضيت من الغني ديوني وقال آخر: زعمَ البوارحُ أن رحلتنا غداً وبذاك تنعابُ الغرابِ الأسودِ يقول: ولذاك صاح الغراب، وأخبرنا أننا سوف نرتحل غداً، والغراب لا يعرف شيئاً. ومنهم من يتشاءم بالأرقام، فإن بعضهم يأتي إلى سبعة يقول: ستة وهو يكيل فيقفز السبعة يقول: موفي ثمانية! فمن فعل ذلك فقد اعتقد في الأرقام وقد أشرك في هذه الأمور، واعتقد أن غير الله يضر، مع أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله عز وجل، فلا بد للإنسان أن يقول هذا الرقم معتقداً أنه رقم، لا أنه يدعو الجن ولا أنه يناديهم، فهم لا يضرون ولا ينفعون.

الاستغاثة بالجن

الاستغاثة بالجن ومن الألفاظ الشركية دعوة الجن، فيقول -ونسأل الله عز وجل أن يعافينا- خذوا فلاناً ودمروه وطيروا به وهكذا، فهذه ألفاظ شركية، ومن اعتقدها فقد أشرك، ومن لم يعتقد أنهم يضرون أو ينفعون وقالها لفظاً أذنب ذنباً عظيماً، ولقي الله بعمله.

بدع عند الموت

بدع عند الموت ومنها الحفارة، وهي تذبح عند موت الميت، واتخذها الناس مراسيم؛ كأنه لا بد إذا مات الميت أن يذبح بعده ذبيحة أو ذبيحتين أو ثلاثاً أو أكثر، فإن كان صدقة فلا بأس بالصدقة، ولكن المشكلة أنها أصبحت عند الناس كأنها سنة لابد منها: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}. قد ترد وتقول: كيف تقول: إنها بدعة وهي صدقة وإطعام للجيران وللضيوف وفيها فعل الخير؟! {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:8] أنا أقول لك وأسألك: ما دليلها من الشرع؟ لأنه لو فتحنا الباب الذي تذكر أنت انفتحت المسألة، ما دليل هذه الحفارة على الميت؟ ليس عليها دليل، تصدق عنه، أما أن يكون كلما مات ميت يذبح غنم بعد موته، ويجمع الناس أو يتصدق بها فإنها بدعة، أقولها جازماً بذلك بعد مداولة ومشاورة وتأمل وسؤال أهل العلم. إن بعض النساء تعتقد أنه لا يجوز لها أن تلبس إلا السواد مدة الحداد، وغيره من الألوان لا يجوز، وهذا لا يصح وليس بثابت، ولها أن تلبس الألوان غير المتشبهة بالرجال.

الحلف بغير الله عز وجل

الحلف بغير الله عز وجل ومنها الحلف بالطلاق وهو منتشر وفاش، يحلفون بالطلاق ولا يحلفون بالله عز وجل، وهذا شرك، وتجد بعضهم يعظم هذا اللفظ أكبر من تعظيمه (والله وتالله وبالله) فتجد بعضهم لا يعزم لك ولا تصدقه أو لا يصدقه الآخر حتى يحلف بالطلاق، وبعضهم إذا حلفت له وأقسمت عليه أن يأتيك أو يزورك لا يوافق، فإذا طلقت وافق، فجعل الطلاق أعظم من اليمين، وهذه من الألفاظ الشركية عند أهل العلم، ولا يجوز الحلف بالطلاق، ومن حلف بالطلاق، فعليه أن يتوب ويستغفر ويكفر كفارة يمين، فإن كفارة الطلاق إذا كان يميناً أو بمعنى اليمين كفارة يمين إطعام عشرة مساكين أو ما ورد في الآية. ومقصودي من هذا أن كثيراً من الناس يعظمون القسم بغير الله أعظم من تعظيمهم للقسم بالله، وبعضهم بالحرام ونسأل الله العافية، وبعضهم يقول: وحياتي وشرفي ونجاحي والنبي والكعبة، وكلها ألفاظ شركية ما أنزل الله بها من سلطان، والواجب على طلبة العلم إذا سمعوا رجلاً يقول هذا أن ينبهوه في الحال، ومنهم من يقسم بالأمانة، وهذا من الشرك أيضاً، ومنهم من يظاهر بقصد اليمين، وهذا له حكمه لكن أحذر إخواني من استخدام الحرام والطلاق وأن يبقوا على الأيمان الشرعية في وقت الحاجة، يقول الشافعي: ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً. وذلك لتوقيره لله عز وجل وحدوده ولتأدبه مع ربه لم يحلف بالله صادقاً ولا كاذباً.

ضرورة الإيمان بالقدر وترك الاعتراض على الله

ضرورة الإيمان بالقدر وترك الاعتراض على الله إن بعض الناس يعترضون على القضاء والقدر ويتسخطون عليه، فإذا مات لأحدهم ابن قال: يا رب ما اخترت إلا ابني؟! وبعضهم إذا رسب ابنه قال: يا رب ترسب ابني وتنجح أبناء الجيران؟! يعترض على حكم الله عز وجل، ويلوم الله على قضائه وقدره، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى له الخيرة والأمر أولاً وآخراً، وما لنا إلا الرضا والتسليم، وبعضهم يتشاءم من رزقه حتى يقول: ما هذا الفقر الدائم يا رب؟ وكيف؟ وأين؟ لا تقل كيف ولا أين الوصول واتبع خير الملا ذاك الرسول

الاعتراض على الله كفر

الاعتراض على الله كفر وممن تسخط في القضاء والقدر وكفر بالملة من اعترض على منهج الله في قضائه وشرعه وفي كونه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وخلقه، منهم من قيل له: غض البصر، وكان ينظر إلى الحرام، فقال وهو يلتفت إلى السماء: أيا رب تخلق ألحاظَ حورٍ وأوراق رند وكثبان رمل وتنهى عبادك أن يعشقوا أيا حاكم العدل ذا حكم عدل يقول: يا رب تجمل وتزين، ثم تقول: لا تنظروا، فاعترض على الله فكفر بهذا، وهذا يقوله زنديق من الزنادقة. ومنهم ابن الراوندي كان على نهر دجلة يأكل خبزاً يابساً، وكان فيلسوفاً ذكياً لكنه كلب معفر، يقول الذهبي: الكلب المعفر ابن الراوندي، وقد ذكرت هذا كثيراً، كان يأكل خبز الشعير، فمرت عليه خيل مسومة عليها قناطير مقنطرة من الذهب والفضة قال: لمن هذه الخيل؟ قالوا: لفلان المولى، فالتفت إلى السماء قال: يارب أنا فيلسوف الدنيا وذكي العالم، ولي من الكتب كذا وكذا، وهذا مولى لا يجيد اسمه، وتعطيه الخيل المسومة والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وتعطيني كسرة خبز، إن هذه لقسمة ضيزى، فأخذ الخبز وضرب به في النهر، فكفر وخرج من الملة.

ترك الاعتراض الصامت على القضاء

ترك الاعتراض الصامت على القضاء وبعضهم لا يتكلم، لكن من داخل نفسه يعترض على القضاء والقدر، حتى قال ابن الجوزي: قوله حتى يموت: رضيت وسلمت، لكن في داخله لا رضي ولا سلم أبداً. سمعت أن أحد الناس في بعض البوادي كانت له طفلة صغيرة، ولجاره تسع بنات، فمرضت بنته وَمَرَّضَهَا، وقد كان مشفقاً عليها لأنه رزقها بشق الأنفس، كانت امرأته عقيماً، ثم رزقه الله هذه الطفلة، والله الحكيم هو الذي يأخذ ويعطي ويتصرف في الكون ونحن ودائع عنده، له أن يأخذ الوديعة متى شاء {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] فلا أحد يسأل الله، فيقول له: لماذا قدمت هذا وأحييت هذا، أو نجحت هذا، أو رسبت هذا، أو أفقرت هذا، أو كبرت هذا، أو صغرت هذا، فهو له الحكمة فهو الحكيم نحن عبيد والعبد لا يسأل سيده، بل يسلم ويؤمن ويصدق ويتبع. فمرضت هذه البنت، ولما أشرفت على سكرات الموت خرج من بابه والتفت إلى السماء وقال: أما فلان لأن عنده تسع بنات فلا تستطيع تأخذ منهن بنتاً، أما أنا فعلي، لأنها بنت واحدة أخذتها، فنسأل الله العافية والسلامة، ونسأل الله أن يتوب علينا. فبعض الناس لا يتكلم وتراه من داخله يتطاحن. حتى إن بعضهم الآن يرسب في مستويات حتى جامعية، فيتطاحن من داخل ويغضب، وتجده أحياناً يؤخر الصلاة كالمغضب على الله، في أيام الامتحان يقوم قبل الفجر بنصف ساعة، والآن انظر إلى الطلاب إذا أتت الامتحانات، فهم في صلاة الفجر في الصف الأول مع الدعاء والابتهال: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65] فإذا طلعت النتيجة تركوا المساجد إلا من رحم ربك، فقد أثرت النتيجة في عمله فلا يندفع إلى المسجد، وتجده لا يقرأ القرآن، تقول: لماذا؟ يقول: أنت ما قرأت النتيجة! فكأنه يعترض على الله من داخله. أيها الناس! هذا موجزٌ بسطته للمقصرين من أمثالي حتى يعرف هذا الدين وأسأل الله أن ينفع به. في المحاضرات السابقة والدروس كنا نتوسع في الجزئيات والمصطلحات والنقولات، ولطلب كثير من العلماء وكثير من الفضلاء عُرض هذا العرض، فإن وفقت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه بريئان، ثم اعلموا أنني أشكر الله عز وجل على أن سهل هذا الاجتماع وعلى أن علمنا ديننا، وأشكركم على حضوركم، ولا أنسى أن أشكر المشايخ الأساتذة في جامعة الإمام بكلية الشريعة وأصول الدين، والأساتذة في مدرسة تحفيظ القرآن الذين نفعوا ببعض الملاحظات وبعض الاقتراحات في هذا الدرس، أسأل الله أن يثيبهم جميعاً وأن يثيبكم، وما بقي من الوقت فللأسئلة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم القسم بآيات الله وبرب المصحف

حكم القسم بآيات الله وبرب المصحف Q ما حكم هذه الأيمان: أقسم بآيات الله، أقسم برب المصحف؟ A القسم بآيات الله عند كثير من أهل العلم جائز، فقد جوز كثير من أهل العلم القسم بآيات الله وبكلامه، أما رب المصحف ففيه تفصيل، ولو قال منزل القرآن لما كان هناك بأس، لكن (رب) توقف فيه بعض الأئمة؛ لأن القرآن ليس مربوباً وليس مخلوقاً، بل القرآن كلام الله، وليس من خلقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فكلمة رب يوهم أنه خلق المصحف أو خلق الكلام، وهو ما خلقه بل هو كلامه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فالواجب الانتهاء وترك هذا اللفظ. أيها الإخوة الكرام: أسأل الله أن يجمعنا على كلمة الحق، وأن يوحد بين قلوبنا على ما يرضيه، وأن يفقهنا في الدين، وأنا أمامكم أخ لكم ومحب أقدم رسالة متواضعة إلى جنابكم الشريف، والأمة تنتظر منكم كل خير، لأنكم صفوة الناس أن تنقلوا هذه المعلومات المبسطة الميسرة أو انقلوها إن شئتم من أي كتاب، وأكثر ما نقلت من مثل الأصول الثلاثة للشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فأدعوكم أن تنقلوا هذه المعلومات للناس في البوادي والقرى وألا يتخلف كل إنسان منكم عن نقل مثل هذه المعلومات المبسطة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} ويقول: {بلغوا عني ولو آية} وهي مسئوليتكم أمام الله وجهادكم الأكبر في طرد الشرك والشعوذة والسحر وتعليم الناس الدين، وهو الجهاد الأكبر، ولا جهاد أعظم منه، وهو أن ترد الناس إلى منهج الله، وهذه وصية أقدمها لكل واحد، لا أعلم أحداً في هذا المسجد من هذه الوجوه المئات الحاضرة الطيبة مهما قل مستواه إلا ويستطيع أن يبلغ هذه المعلومات للناس جميعاً. فأسأل الله أن يثبت وينفع بالأسباب، وأن يهدي وأن يسدد وأن يصلح منا الطوية والنية، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أكبر لغز في الحياة

أكبر لغز في الحياة السعادة هي لغز أعجز الأذكياء، وكبت الفلاسفة، وأعيا الشعراء والأدباء، والباحث عنها لا يجدها إلا في هذا الدين، وسورة التكاثر لها علاقة كبيرة في التذكير بالنعيم الحقيقي، وبيان أن ما سواه مسئول عنه يوم القيامة، وفي هذا الدرس نحلق حول هذه المعاني.

قضايا في سورة التكاثر

قضايا في سورة التكاثر إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. في هذه الروضة نجلس هذه الليلة مع ميراث محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، مع القرآن العظيم ومع الهداية المطلقة للبشرية الحائرة، في ظلال آيات بينات نعيش معها هذه الليلة، علّ الله أن يرحمنا ويفتح علينا بهذا القرآن. يا منزل الآيات والقرآن بيني وبينك حرمة القرآن يا من سترت معايبي ومثالبي وحلمت عن سقطي وعن طغياني والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام عليّ من يلقاني أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:1 - 8]. هذه السورة محزنة ومبكية، وفيها من اللوعة، والحرقة ما الله به عليم. كان يقرؤها عليه الصلاة والسلام متأثراً، ويقرؤها داعية، ومربياً، ويقرؤها عليه الصلاة والسلام عالماً عاملاً بها هو وأصحابه. هذه السورة لها أهداف جليلة ومقاصد نبيلة، هذه السورة مطلقة الأحاسيس، قوية البنيان، تهز القلب المسلم هزاً عنيفاً. هذه السورة لها وقائع في قلوب الموحدين، ولها صدى في أنفس العابدين، ولها رجةٌ في أذهان المتوجهين إلى الله هذه السورة تحدد مسار العبد، وتفصل بين المسلم والكافر، وتوجه العبد توجيهاً تربوياً ربانياً. هذه السورة تعيش بك بين جو الدنيا الآسن المتخلف العفن، وبين جو الآخرة المشرق الباهر، الرائع البديع، هذه السورة تحددأيامك ولياليك وعمرك وساعاتك وثوانيك.

التكاثر بالعلم

التكاثر بالعلم فاستمع إلى قضاياها الكبرى يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] هكذا تبدأ السورة -كما يقول بعض التربويين- بهجوم أدبي هجوم أدبي على القلوب اللاهية السادرة المخمورة بخمار الدنيا، إن الدنيا تسكر العبد، وتسكر الروح كما تسكر الخمر العقول، فالله (عز وجل) بدأ بالسورة هكذا ضرباً عنيفاً، وكأنه يوقظ الغافلين؛ انتبهوا، فكروا تدبروا حاسبوا، وراءكم عقاب، وراءكم حساب، وراءكم ثواب، وراءكم جنة ونار ففكروا وتدبروا. ألهاكم التكاثر فما هو التكاثر؟ ألهاكم: شغلكم وأبعدكم وخلف بكم عن الركب والمسير، فمالكم متخلفين؟ ألهاكم التكاثر، وما هو التكاثر؟ التكاثر في منظوره التجريبي الاستقرائي على أقسام عدة عند أهل العلم منها التكاثر بالعلم، والعلم إذا لم يرزقك خشية وإنابة، فهو ضلال، أرأيت إلى الضلال إذا لم يقربك العلم من الله عز وجل، فليتك ثم ليتك ما علمت. إذا ما لم يفدك العلم شيئاً فليتك ثم ليتك ما علمتا وإن ألقاك فكرك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا فنادِ إذا اتجهت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا العلم -وهو علم- إذا لم ينفعك ولم يفتح بصيرتك، ولم يجعلك تحضر الصلوات الخمس متوضئاً طاهراً، وتغض بصرك عن المحارم، أو تسمع أذنك حراماً، فلا تجلس الليالي الحمراء مع أعداء الله الفجرة؛ إذا لم ينفعك العلم هذا النفع، فليتك ثم ليتك ما علمت.

كالحمار يحمل أسفارا

كالحمار يحمل أسفارا إذا لم يوجهك العلم توجيهاً صحيحاً، ووجه بيتك وأبناءك وزوجتك وأختك وأمك، فهذه فائدة العلم. لأن الأجانب يعلمون، لكن يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون. علم الأكل علم القدور والبطون علم الفروج علم الفجور؛ يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66]. أمّا الدنيا فأذكياء، صنعوا الطائرة والصاروخ، وقدموا المصنع والثلاجة والبرادة والسخانة؛ لكن رسبوا في عالم الآخرة، إذا أتيت به في الآخرة فحمار، رياء وسمعة في الدنيا، وأن يكون للمواجهات فحسب، فإذا أصبح العلم في هذا المستوى فقل على صاحبه السلام، عفا عليه الدهر، إذا كان العلم علم شهادة لا يصل إلى القلوب، لا يرزق صاحبه الإخبات والاتجاه إلى الله، والاستقامة في السلوك والأدب؛ فليس بعلم بل هو كثرة، ولذلك نعى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على المتكثرين بالعلم يقول سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارا} [الجمعة:5]. سبحان الله: لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار حمار عليه أسفار ومجلدات لكن حمار. أينفع الحديث للحمار؟! هل ينفع التفكير للحمار؟! هل ينفع الفقه للحمار؟! لا. ولذلك ذكر صاحب " كليلة ودمنة " أن الأسد جمع الحيوانات في الغابة، فحدثهم بفكاهة فكلهم ضحكوا إلاّ الحمار ما ضحك، وفي اليوم الثاني ضحك الحمار. قال له الأسد: ما لك تضحك اليوم؟ قال: اليوم فهمت الفكاهة من أمس وأنا أتذكر وأتحفظ إلى اليوم، فالله (عز وجل) وصف بني إسرائيل بالحمار، ووصفهم بالكلب فقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوُينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176].

العلم والشهادة العلمية

العلم والشهادة العلمية التكاثر بالعلم أن تجد البراويز محملة بالشهادات في البيت؛ لكن تنظر إلى الوجه فلا تجد عليه أثر علم، ما عليه نور ولا سفرة ولا وضوح، تنظر إلى الصلاة فإذا هي مهزوزة، المجلة الخليعة في البيت، مكان المصحف الأغنية الماجنة تدوي في البيت، والموسيقى مكان القرآن، التبرج والسفور، النظرة المسئولة وغير المسئولة التي تطلق على محارم الناس، تهتك أعراض الناس، الملبس من ربا السيارة من ربا الفلة من ربا أكل الأطفال من ربا التخلف عن الجماعات؛ وهذه الشهادة المعلقة لا تشفع له يوم القيامة. نحن لم نفتح الدنيا بالشهادات لقد كان ابن مسعود من علماء الدنيا، كان رحباً كأنه الميدان الواسع إذا عبئ نسيماً، أو كأنه الوادي المتسع إذا ملئ ماءً، ما كان عنده شهادة، لكنه ظل في الدنيا كالنجم من قمر محمد صلى الله عليه وسلم. من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري ابن عباس أخذ علمه من مناجاته لله في الليل، كان يسجد ويبكي ويقول: [[يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني]] فأصبح حبر الأمة، وترجمان القرآن ولم يحمل شهادة، قال الخطيب البغدادي في كتاب اقتضاء العلم العمل: العلم كالكنز لا ينفعك إلا ما أنفقت منه، فإذا لم ينفعك العلم، فما هي الفائدة إذاً. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن بني إسرائيل جهلة العملاء الظلام: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِه} [المائدة:13]. والرسول عليه الصلاة والسلام نعى على الذين لا يفهمون ولا يفقهون ولا يعملون بعلمهم نسأل الله العافية والسلامة، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال كما في سنن أبي داود: {من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من أعراض الدنيا، لم يجد عرف الجنة، وإن عرفها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً} أو كما قال عليه الصلاة والسلام {من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة}. وفي لفظ: {ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً}. إنسان أتى يتعلم قال الله وقال رسوله للوظيفة، للشهرة، للسمعة، ثم لم يظهر عليه أثر العلم؛ حرام عليه أن يجد عرف الجنة، وهذا الحديث يبكي والله، نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم، وأن يمن علينا برحمته وفضله وعطفه وكرمه. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من تعلم العلم ليجاري به العلماء، وليماري به السفهاء، فليتبوأ مقعده من النار} من تعلم العلم ليجاري به العلماء، أي ليدخل في حلبة العلماء وفي صراع مع العلماء، ومشاجرةٍ، ومناظرةٍ ساخنة، ومباحثة ليكون محسوباً على العلماء. أو ليماري به السفهاء أي: يستهتر به في المجالس، ويماري به كل سفيه؛ فليتبوأ مقعده من النار. وصح عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يسهر الليلة الكاملة من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر وهو يبكي ويردد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123]

التكاثر بالأموال

التكاثر بالأموال والتكاثر قد يكون في الأموال، وهذا الذي تشير إليه الآية أصلاً؛ والتكاثر في الأموال هو أن يكون الإنسان تخصصه وعمله في الحياة تزويداً لدراهمه ودنانيره، لكن تضيع حسناته، تضيع قيمته عند الله ثم عند الناس، ولا يشعر بذلك؛ فلا دين ولا استقامة ولا رصيد من العمل الصالح. فلو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شي الزاد هو العمل الصالح فهذا ثابت البناني أحد الصالحين من التابعين ذهب إلى خراسان جنوب إيران في نزهة يريد مهمة هناك، فمر بالحدائق الغناء، والبساتين الفيحاء، والأنهار المتدفقة والتلال المترعة؛ فكأنه ما رآها، فلما عاد إلى البصرة سأله أهل البصرة: كيف رأيت جمال الطبيعة؟ قال: والله ما كأني رأيت شيئاً، وما أعجبني في سفري هذا إلا أنني رأيت عجوزاً تصلي ركعتي الضحى. هذا ثابت البناني الذي يقول عنه الذهبي: كان يبكي من خشية الله حتى تكاد أضلاعه أن تختلف، في سفرته كلها ما رأى جميلاً من الأشياء إلاّ رأى عجوزاً تصلي ركعتين. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس}. فأين أهل القناطير المقنطرة من الذهب والفضة؟ أين أهل البنوك؟ أين أهل الشيكات الذين ظنوا أن المستقبل لهذا الرصيد؟ لا والله لا رصيد إلا لمن له رصيد عند الله عز وجل. إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد لما كان أرصدا والتكاثر بالمال فلسفة، يعبر عنها بعض الناس بقوله: يترك كل شيء إلا المال، يسبح بحمد المال، وبعض الناس يعبد المال من دون الله، يسجد للريال، ويركع للريال، ويسبح ويحمد الريال، لو سألت بعض الناس عن اسمه ربما يغلط فيقول: الريال. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام وهو يتحدث عن هؤلاء: {تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة} هؤلاء عبيد. لماذا؟ لأن أكبر معنى عندهم في الدنيا هذا المال، فحديثهم في المجالس في المال، وكلامهم في المال، أخذهم وعطاؤهم ومحبتهم وبغضهم على المال. وهذه عبودية من دون الله عز وجل. قال ابن تيمية: " أإله غير الله يعبدون" أو " لا بد لهم من معبود غير الله يعبدوه " لا بد، لأن الإنسان كما في الحديث الصحيح: همامٌ حارث؛ قلبه همام، وأعضاؤه حارثة فاعلة تتحرك وتزاول، فلا بد له من مقصود، ولذلك اسم الله لفظ الجلالة قيل معناه: أنه تأله له القلوب، فلا تسكن إلا إلى الله، ولا تطمئن إلا إلى الله، ولا تصمد إلا إلى الله، ولا ترتاح إلا إلى الله، قال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] فإذا عرف هذا، فليعلم العبد أن من التكاثر، التكاثر في المال، وحدُّ المال الكثرة أن يشغلك عن طاعة الله، فإذا أشغلك عن طاعة الله، فاعلم أنه عارٌ ودمارٌ، وشنارٌ ونارٌ في الدنيا والآخرة.

التكاثر بالأولاد

التكاثر بالأولاد ومن أنواع التكاثر عند المفسرين وأهل العلم: التكاثر بالأولاد، وبعض الناس لقلة فهمهم يتصور إذا رزق نفراً كثيراً من الأبناء؛ أن ذلك لحسنه ولمكانته عند الله، وكذلك المال والعلم، وهذه كلها ابتلاءات من الله، قال تعالى: {فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} [الفجر:15] {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ) [سبأ:37]. {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها أي: نعطيهم منها {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:20 - 21]. والأولاد قد يكونون فتنةً، ولعنةً، وسخطاً، وغضباً، وشقاءً، قد يدخلون عليك البؤس والحسرة واللوعة والحرقة والفتنة، وفي بعض الآثار التي لا تصح مرفوعةً إلى المعصوم بل هو من كلام أحد الحكماء "في آخر الزمان لأن يربي أحدكم كلباً أوجرواً خير من أن يربي ولداً " هذا في بعض الأماكن يوم يرفع القرآن من البيت، يوم تنزك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم من البيت، تتربى الأسرة على غير لا إله إلا الله، على الأغنية الماجنة، على الصورة الخليعة، وعلى السهرة الآثمة، ولذلك ينشأ النشء معوجاً غير مستقيم، الابن ضال مضل، والبنت فاتنة مفتونة؛ لأن غرساً لا يربى على نهر محمد عليه الصلاة والسلام غرس ميت. ونحن بالخصوص في هذه البلاد بلاد تعيش على ثلاثة أمور: إيمان وطموح وحب، بلاد هواها نشأ على لا إله إلا الله، وهواها سار على لا إله إلا الله، وتدفق ماؤها على لا إله إلا الله، وعلى الإيمان بالله وبرسول الله، كتب اسمها وقدرها -هذه الجزيرة - على لا إله إلا الله، فقدرها الإسلام وهي قدر الإسلام، ولا نزري بغيرنا من البلاد، فأولياء الله عندهم ربما يكونون أكثر من عندنا؛ لكنْ القبلتان، والعقبتان، والبيعتان، والهجرتان هي من هذه الأرض: بنفسي تلك الأرض ما أحسن الربى وما أحسن المصطاف والمتربعا فيوم يأتي بيت من البيوت، أو جيل من الأجال في هذه البلاد ليخرج القرآن من البيت، ويحل مكان القرآن الأغنية، أو يخرج المصحف ويحل المجلة الخليعة، أو يخرج حلقات السيرة والسمر مع هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ليجعل لعب الورقة مكانها؛ معناه يقضي على لا إله إلا الله ويشطب على لا إله إلا الله من مسيرته. لا حياة للأمة إلا بالإيمان يقول إقبال: إذا الإيمان ضاع فلا أمانٌ ولا دنيا لمن لم يحي دينا ومن رضي الحياة بغير دينٍ فقد جعل الفناء له قرينا أمة بلا إيمان معناها قطيع من البهائم، جيش بلا إيمان هَوْشرة وهوش، فصل بلا إيمان شلة من المشاغبين، بيت بلا إيمان خراب؛ فيه غربان وبوم وعقارب، قلب بلا إيمان قطعة لحم متمزقة، كتاب بلا إيمان صحف ممزقة، قصيدة بلا إيمان أبيات مقفاة، كلمة بلا إيمان وخطبة بلا إيمان حروف مجمعة، والحب تعيش عليه الأمة، وإذا لم تعش على الحب فلا مصدر لها، وهو إكسير الحياة يحول المعدن إلى معدن آخر. وإذا دخل الحب لغير الله ورسوله القلب فقد فسد، وظن الفنانون والفنانات، والمغنون والمغنيات، والماجنون والماجنات الأحياء منهم والأموات أن الحب عندهم. ونحن الدعاة أو نحن أهل الدعوة وأهل قال الله وقال رسوله؛ إن كنا من أهل ذلك ما عندنا حب، بل الحب كل الحب والأصالة كل الأصالة في المصحف والسنة، أما حبهم فحب الضياع، حب العشق، حب الهيام، حب الانهزامية والفشل والبعد عن الله عز وجل، هذا أمر لا بد أن يتذكر وأن يفهم. ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1 - 2] حتى زرتم المقابر، قبل أن أنفذ إلى الآية التي تلي هذه؛ أقول: التكاثر بالأولاد تكلم الله عز وجل عن هذا في القرآن كثيراً، وذكر قصة محزنة عن رجل، ضال مضل، عميل، كفر بلا إله إلا الله، هذا الرجل هو الوليد بن المغيرة كان له عشرة أبناء، من أبنائه خالد بن الوليد سيف الله المسلول، خالد الذي قال عنه العلماء وقال هو عن نفسه أنه حضر أكثر من مائة معركة في سبيل الله وفي غير سبيل الله قبل الإسلام، ما فيه موضع شبر إلا أصابه إما طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم. نعم:- تسعون معركة مرت محجلةً من بعد عشرٍ بنان الفتح يُحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها أبوه كافر بالله العظيم، وخرج من صلبه هذا المؤمن العظيم، سبحان الله الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي. الوليد بن المغيرة كان يحضر أندية قريش، ويدخل الحرم وعن يمينه خمسة أبناء وعن يساره خمسة، فقد كانوا عشرة، كان يلبسهم الحرير، وأسورة الذهب، وتيجان اللؤلؤ، كان تاجراً، ذهبه يكسر بالفئوس في مكة، فدعاه صلى الله عليه وسلم إلى لا إله إلا الله؛ فكفر بلا إله إلا الله، قرأ عليه القرآن حتى بلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:13] فقام ووضع كفه على فم المصطفى عليه الصلاة والسلام وقال: أسألك بالله وبالرحم -لأنه قطع قلبه- لا تواصل في القرآن، يعلم أنه حق، يعلم أنه مبدأ، يعلم أنه صدق، فرجع إلى قريش وأراد ان يسلم قالوا: لا نتركك. يا أبا المغيرة حتى تقول، حتى تقول كلاماً، فقال: هذا القرآن سحر، فتنزل له الله بآيات وقال: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} [المدثر:11]. أتى وحده، وقع أعمى، أصم، أبكم، جائع، ظمآن على الأرض، والآن يتفلسف في القرآن، يحارب لا إله إلا الله. {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً} [المدثر:11 - 13]. يشهدون معه الحفلات والمراسيم {وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً} [المدثر:13 - 14] أي: مهدت له أموره، أهذا هو الجزاء؟! وهذا رد المعروف؟! وهذا حفظ الجميل؟! تكبر علينا اليوم، اليوم يعرف شخصيته. {وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً} [المدثر:14 - 16] وجزاؤه {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} [المدثر:17] صعود: جبل في جهنم يصعد فيه سبعين سنة إذا انتهى إلى أعلاه سقط على آخره وهكذا {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} [المدثر:17] لماذا؟ {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} [المدثر:18] تفلسف في القرآن، ما عرف لا إله إلا الله، قلبه آثم مجرم، دماغه ما فهم، ما عنده انفتاح ولا ذكاء ولا فهم {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:18 - 26] أي: جهنم {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} [المدثر:27 - 28] نعوذ بالله من النار، نعوذ بالله من سقر، نعوذ بالله من الفجور، نعوذ بالله من عدم الفهم لآيات الله عز وجل، هذا في التكاثر بالأولاد.

التكاثر بالمناصب والزينة

التكاثر بالمناصب والزينة ومن الناس من يتكثر في الظهور والمناصب والزينة، ويتكثر بالشهرة، وهي أمور مغروسة في الفطر، محببة إلى النفس لا يوجهها إلا الإسلام. {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] أيها الناس! ألهاكم التكاثر، أيها التجار! ألهاكم التكاثر، أيها النائمون! إلى متى والموت قد حضر؟! {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:2] لأهل العلم مسلكان في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أورد ذلك ابن كثير وابن جرير منهم من قال: سبب نزول هذه الآية والسورة: أن قريشاً عددوا الأسر على كثرتهم: أسرة بني سهم، وأسرة كذا، وأسرة كذا؛ فلما عددوا الأسر قالت هذه الأسرة: نحن أكثر عدداً من تلك الأسرة، حتى قالوا: نعد أمواتنا وأمواتكم، فخرجوا يعدون الأموات في القبور، فيقول تعالى:: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:2]. والمسلك الثاني: قال المفسرون: معنى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] أي تكثرتم بالأموال والأولاد والزينة والشهرة والعلم حتى جاءكم الموت فأشغلكم وهذا هو الراجح والظاهر إن شاء الله. ليس في الزيارة المعروفة الشرعية للمقابر، أو الزيارة العادية الذي يفعلها بعض الناس، لا. إنها زيارة غير الزيارات، زيارة اضطرار. كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا زيارة لابد أن ينتقل ويفعلها ويزاولها كل إنسان، الملك والمملوك، الغني والفقير، الكبير والصغير، الأنثى والذكر. {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:2]: زرتم ولكنها على منوالها وعلى ظاهرها، زيارة ولكنها ليست بزيارة، وهي الموت؛ زيارة على النعوش، زيارة في الأكفان، زيارة ونحن جثث نحمل على أكتاف الرجال. وهذا تلطفٌ في الأسلوب وعجبٌ في الكلام. {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:2]: وعلى ذكر الزيارة لا نستطرد في أحكامها؛ فلها باب آخر، إن هذه الزيارة ليست الزيارة المعروفة التي تزور فيها الأموات ثم تعود إلى بيتك، إنك إذا فعلت هذه الزيارة فلن تعود إلى بيتك مرةً ثانية، إن الله عز وجل كما في الحديث القدسي يقول: {إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون} زيارة تفقد فيها أحبابك، وأصحابك، وأترابك، وإخوانك، وأخدانك، زيارة لن تعود إلا إلى جنة أو إلى نار، زيارة لن ترى فيها بيتك مرةً ثانية، ولا طفلك الوليد الحبيب، ولا طفلتك الوديعة الهادئة، ولا زوجتك الحبيبة، ولا بيتك ولا فراشك، زيارة تنقطع فيها عن أسباب الحياة وعن معالم الحياة. تنبهوا يا رقود إلى متى ذا الجمود فهذه الدار تبلى وما عليها يبيد الخير فيها قليلٌ والشرُ فيها عتيد والبر ينقص فيها والسيئات تزيد فاستكثر الزاد فيها إن الطريق بعيد

حقيقة الدنيا

حقيقة الدنيا وقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه في الليل الدامس، فأخذ لحيته بيديه يبكي، ويقول: [[يا دنيا يا دنية طلقتك ثلاثاً لا رجعة بعدها، زادك حقير، وسفرك طويل، وعمرك قصير آه من وحشة الزاد، وبعد السفر، ولقاء الموت]]. {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1 - 2]. يا أيها الذين قرب رحيلهم إلى المقابر، ماذا أعدتم للمقابر؟ يا أيها الذين استبشروا بطلعاتهم، وخافوا من وهج الشمس أن تغير بشرتهم، سوف تحشرون في المقابر، يا أيها الذي تظلل في الظل الهانئ الوارف؛ سوف تطرح في المقبرة، يا من تمتع برؤية أطفاله، والجلوس على منابره وكنباته، سوف توسد التراب، يا من تلذذ بالطعام والشراب؛ سوف يأكلك الدود. ستنقلك المنايا من ديارك ويبدلك البلى داراً بدارك وتسلب ما غنيت به زماناً وتنقل من غناك إلى افتقارك فدود القبر في عينيك يرعى وترعى عين غيرك في ديارك مر عمر بن عبد العزيز -كما في البداية والنهاية لـ ابن كثير - الخليفة الزاهد العابد، المجدد الأول بعد الصحابة؛ مرّ بالمقابر في دمشق فقال: يا موت ماذا فعلت بالأحباب؟ ماذا فعلت بالأحبة؟ ثم بكى حتى جلس، فجلس معه الأمراء والوزراء وهم يبكون قال: [[أتدرون ماذا يقول الموت؟ قالوا: لا. قال: يقول: ذهبت بالعينين، وأكلت الحدقتين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، وفصلت القدمين عن الرجلين، والرجلين عن الساقين]]. ساعة الموت -كما يقول أحد الأساتذة العصريين- يذل فيها الجبار، ويذعن فيها المتكبر، ويسلم فيها الكافر؛ لكن لا ينفعه حينها إسلامه. فإذا أعددت لنفسك زاداً في ذاك القبر آنسك الله، فوالله الذي لا إله إلا هو لا مؤنس في القبر إلا العمل الصالح والتسبيح والذكر والصلاة والقرآن، يا عالم الدراهم والدنانير يا عالم الملابس والمعطيات يا عالم الأكل والشراب يا عالم العمارات والسيارات. هذه عملة لا تنفع في القبر، صيرفي القبر يقول: هذه عملة بهرجٌ زائف. لا يدخل القبر إلا عملةٌ عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله، ووقع عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى بعلامتها جبريل، ورضيها الله، ودخلت بالإخلاص، ووضعت بالتواضع، وسلمت بالقبول، ورفعت إلى أبواب الجنة الثمانية.

كلا سوف تعلمون

كلا سوف تعلمون {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:1 - 3] سبحان الله! كلمة (كلّا) كأنها صاعقة في القرآن، لا تأتي إلا في أسلوب وهجوم أدبي، الهجوم الأدبي تستخدم فيه كلا. {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون:99 - 100] (كلّا) هذه كالجبل، تتحرك كأنها القوارع أو القذائف على الرءوس. {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] أهذا صحيح؟! كلا هذا خطأ؛ أخطأتم في الأسلوب، وأخطأتم في العمل، وأخطأتم في الفهم، وأخطأتم في الإدراك والإرادة. {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:3] سوف تظهر، لكم أمور ما ظهرت، كان ابن عمر رضي الله عنهما يقرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] فبكى حتى أغمي عليه. وفي كتاب الزهد لـ وكيع بن الجراح بسند جيد إلى ابن عمر أنه قرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين:1] حتى بلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فبكى حتى أغمي عليه ورش بالماء {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]. {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:3] صلوا وصاموا وحجوا؛ لكن رياءً وسمعة، وظنوا أنها رصيد عند الله، فلما حضروا وجدوها هباءً منثوراً، فبكوا وتضرّعوا ولكن حيث لا ينفع التضرع والبكاء.

كلا لو تعلمون علم اليقين

كلا لو تعلمون علم اليقين {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:2 - 3] سوف تعلمون غداً يوم العرض الأكبر. {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:4] وهذا تأكيد بالتثبيت والإرادة بعد المبادئ، والتفريع بعد التفصيل، وهو منهج استقرائي لأهل التفسير، بل لأهل اللغة العربية قبل أن يكون لأهل التفسير يوم تؤكد الكلام. {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:1 - 3] {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1 - 2] هذا التأكيد يقرع القلوب لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؛ لكن الذي ليس له قلب لا يفهم، والذي ليس له فكر لا يتفكر، والذي ليس له إرادة أو فسدت إرادته لا يعي ولا يفهم أبدا. ً - مراتب اليقين:- {َكَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمّ َكَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:3 - 5] كيف علم اليقين؟ في القرآن حق اليقين، وعلم اليقين، وعين اليقين؛ فما هو الفرق بين عين اليقين وحق اليقين وعلم اليقين؟ يقول ابن القيم في مدارج السالكين: علم اليقين: هو أن تسمع بالشيء ولا تراه فهذا علم، ولكنك إذا تيقنت منه فهذا علم اليقين؛ فإذا علمت بشيء فتيقنت منه كان لديك علم اليقين. وحق اليقين: هو أن يخبرك الثقاة بأمور تواترية تبلغ درجة حد التواتر، فتتيقن دوماً أن هذا الأمر صحيح، فيكون عندك درجة حق اليقين. وعين اليقين: هو أن ترى الشيء بنفسك. ثم ضرب على ذلك مثالاً؛ فقال: تسمع من الناس أن العسل لذيذ الطعم، وأنه طيب المساغ، وأنه سلس المذاق، فيكون عندك جزم من استقراء كلام الناس عن العسل أنه طيب فهذا علم اليقين، يخبرك أطباء ومدربون وأناسٌ كثيرون أن العسل من أحسن المطعومات فيكون عندك حق اليقين. تأتي فتذوق العسل فيصبح عندك عين اليقين. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمّ َكَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:4 - 5] لو كان عندكم في الدنيا علم يقين يصل إلى القلوب ما فعلتم هذه الأفاعل، بالله هل يترك الصلاة من عنده علم يقين؟ بالله! هل يستهزئ بآيات الله ويستهتر بالمبادئ الخالدة في الدين من عنده علم يقين؟! بالله هل يقضي وقته باللعب واللهو والغناء والمجون والسفور من عنده علم يقين؟! بالله هل يخل بفرائض الله من عنده علم يقين؟! لم تقع هذه الأمور إلا يوم نقض علم اليقين، ومات علم اليقين في القلوب، فلو وصل علم اليقين إلى القلوب، لكنّا وصلنا إلى الله عز وجل. ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل أيها اللاهي بلا أدنى وجلْ اتق الله الذي عز وجل واستمع قولاً به ضرب المثل اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل - الوصول إلى اليقين عند غلاة الصوفية: الوصول هو التقوى، وهو علم اليقين، إذا وصل إلى القلب وصلت إلى الله عز وجل، إذا عرفت الله عز وجل، وعملت بأوامر الله، فقد وصلت، لا كوصول الصوفية، فعند غلاة الصوفية إذا وصلوا إلى درجة اليقين بزعمهم لا يصلون ولا يصومون ولا يحجون، قيل لهم: مالكم؟ قالوا: نحن نتعبد حتى نصل إلى درجة؛ فإذا وصلنا إلى درجة أسقط الله عنّا التكاليف، فالصلاة معناها: صلة مشايخنا، قلنا: والصيام؟ قالوا: الصيام حفظ أسرارنا. قلنا: والحج؟ قالوا: زيارة أحبابنا. قيل لـ أبي علي الروذباري: يقول الصوفية الذين تركوا الفرائض: أنهم وصلوا. قال: صدقوا، وصلوا لكن إلى سقر، إلى جهنم. ما كل من وصل وصل، ولا تصل أنت إلا على طريقٍ قائده محمد عليه الصلاة والسلام، وزادك فيه القرآن -كما سلف التنويه بهذه العبارات في أول المحاضرة-. {ثُمّ َكَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:3 - 6]-نعوذ بالله من الجحيم- وهنا أسلوب القرآن ممتع مع فواصل الآيات، وهو أسلوب المد المحزن البكائي في الفواصل التي تمد في حركات. {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:5 - 6] قال: الجحيم ولم يقل: النار؛ لأن النار تمد وهو تناسب سورة [ص] والسور التي مدت فيها الألف ثم جاءت بعدها حروف، مثل المهاد، المئآب، الثواب، العقاب، القرار، لكن هذه كانت تناسب التحزين لأن السورة سورة بكاء ثم {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر:6 - 7] الجحيم ترى يوم القيامة. وصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام في أحاديث أنه: {يؤتى بجهنم يوم القيامة يقودها بأزمة سبعون ألف ملك} ولها زمجرة ولها تغيظ وزفير تكاد أن تتميز وتتقطع من الغيظ، وتريد أن تغير على أهل الموقف -نعوذ بالله من ذلك- ولكنها تصبر حتى يدخل فيها المجرمون. نعم {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر:7] أتى هنا عين اليقين الرؤية، ويأتي عين اليقين هنا، وهي الدرجة التي ذكرها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى علم وعين.

لتسألن عن النعيم

لتسألن عن النعيم {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ} [التكاثر:7 - 8] هذه الآية من أعظم الآيات وكل ما أمدنا الله عز وجل به في الحياة الدنيا فهو نعيم، واختلف أهل العلم في أجلِّ نعمةٍ في الحياة، فقال أهل المنطق من الأشاعرة: أجلُّ نعمة نعمة الحياة، وخالفهم أهل الحديث وقالوا: أجلُّ نعمة نعمة الإسلام، ووافق ابن تيمية على هذا القول الثاني وهو الصحيح، فأجلُّ نعمة في الحياة هي نعمة الإسلام. خذ كل شيء، إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عوضٌ من كلِّ هذه، وليس من الله عوض، من وجد الطريق إلى الله فقد وجد كل شيء، ومن فقد الطريق إلى الله فقد فَقَدَ كل شيء، من نام على الرصيف وما وجد إلا كسرة الخبز وقطعةً يواري بها عورته، ووجد الإيمان فقد ملك الدنيا، ومن ملك الدنيا ثم فقد الإيمان، فقد أصبح في لعنة وأمسى في غضب، قال تعال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] النعيم على أنواع، ما هو النعيم؟ قيل: الماء البارد. وهذا قول ابن عمر قال: [[تسألون عن الماء البارد]]. يوم تظمأ وتتحرق كبدك، وتريد أن تقدم كل شيء عندك لشربة ماء. وقيل النعيم: هو السكن إلى الأهل، والرضا بالرزق مع الاستقامة. وقيل النعيم: هو المدد بالجوراح وبالحواس فلا يطرقك حدث حتى تموت، وهذا من النعيم. وقيل النعيم: هو ألا تطرقك طوارق الأحداث، وأن يتلطف بك في القضاء والقدر -وهذا من النعيم-. وقيل النعيم: أن تسلم من فتنة الحياة (التفكير) وفتنة الابتلاء الذي يصل ببعض الناس إلى التسخط -وهذا من النعيم- والصحيح أن كل ما أعطاك الله عز وجل مما أمدك به فهو نعيم، ولكن النعيم قد ينقلب عند من لا يحسن استخدامه واستعماله إلى جحيم. هذا أبو تمام يقول: قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم كتب علي بن أبي طالب أبو الحسن أمير المؤمنين إلى رجل يعزيه في ابنه قال له: [[يا فلان! إن احتسبت موت ابنك آجرك الله، وإن لم تحتسب موته سلوت بعد حين كما تسلو البهائم]]. انظر إلى العقل انظر إلى أستاذ الكلام، رجل العبارة، وأستاذ الكلمة الحارة (علي بن أبي طالب) يرسل الكلمات قذائف تصل إلى القلوب؛ يقول: إذا احتسبت موت ابنك كان نعيماً، وكان ثواباً لك عند الله، وإذا لم تحتسب سلوت بعد حين كما تسلو البهائم، فأخذ أبو تمام هذا المعنى وقال: أتصبر للبلوى رجاءً وحسبةً فتؤجر أم تسلو سلوَّ البهائم نعم. البهيمة بعد حين تسلو عن فصيلها وعن ولدها، وهذا مثل بعض الناس يتسخط وقت موت الأب والابن والأخ، ويبكي، ويتذمر على القضاء والقدر، ويتعدى حدود الأدب، ولكن بعد أشهر يسلو كما تسلو البهيمة، فلا احتسب أجراً ولا جعله نعمةً وذخراً عند الله، ولا سلم من الذنوب والخطايا. والنعم متنوعة: منها نعمة الابتلاء، ونعمة الرخاء، تليت هذه الآية في مناسبة صحَّ عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5] أنه قال: [[لا يرضى محمد وأحدٌ من أمته في النار]]. فأسأل الله عز وجل أن يرضي عينه، وان يقرَّ عينه بدخولنا في الجنة، لأنه رحيم يشفق على هذا الجيل، ويشفق على هذه الأمة يقول في صحيح البخاري عن أبي موسى: {آخذ بحجزكم، وتتهاوون كما تتهاوى الفراش في النار}. يقول: لا تزنوا ولا تكذبوا ولا تغشوا ولا تخادعوا. لكن كثيراً منا يخالفون أمره. - حديث رسول الله: لتسألن عن النعيم:- خرج عليه الصلاة والسلام ذات يوم جائعاً علَّه أن يجد طعاماً في أحد الأمكنة، يطلب رزق الله، فخرج أبو بكر جائعاَ، وخرج عمر الفاروق جائعاً، فقال عليه الصلاة والسلام: ما أخرجك يا أبا بكر؟ قال: الجوع يا رسول الله. قال: وما أخرجك يا عمر. قال: الجوع يا رسول الله. سبحان الله! العظماء يجوعون، نعم يجوع العظماء، والذئاب والأسود تجوع، والكلاب تشبع من لحوم الضأن. يقول الشافعي: تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب ليس الحبق والتبجح والسخط من العظمة، إنَّ الحمار يأكل ما يعادل عشرة أنفس من الرجال لكنه حمار، وهذا مقدور ومقدر، الرزق يأتي ويذهب، والأكل يأتي ويذهب. طول الحياة إذا مشى كقصيرها والعصر للإنسان كالإعصار لكن العظمة في القلوب، فالعظماء يجوعون، عظماء الأمم جميعاً في المسلمين وغير المسلمين من أجوع الناس. فخرج قال: والله ما أخرجني إلاَّ الجوع، اذهبوا بنا نلتمس طعاماً، فخرجوا إلىبيت أحد الأنصار الأبطال الأخيار الذين قدموا كل شيء للإسلام، قدَّموا عرقهم، وقدَّموا دماءهم، وقدَّموا أموالهم وأبناءهم، جزى الله الأنصار خير الجزاء! الله أكبر! يا للأنصار من مفخرة في الإسلام {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] يقول بعض المفسرين: كان الأنصاري ينام جائعاً ويذهب بطعامه ويعطيه جاره، فيشبع الجار وينام وهو جائع. هينون لينون أيسار بنو يسرٍ صيد بهاليل حفاظون للجار لا ناطقون عن الفحشاء إن نطقوا ولا يمارون إن ماروا بإكثار فجزاؤهم عند الله خير الجزاء، قالت عائشة المربية العالمة الصديقة بنت الصديق: والله ماضرَّ أحداً من الناس أن ينزل بأهله بجانب بيت من بيوت الأنصار، بكى أبو بكر بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: يا معشر الأنصار! جزاكم الله خيراً من جيران، ما وجدنا والله مثلكم من جيران، ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال طفيل الغنوي في أبيات لطيفة ظريفة، يقول: جزى الله عنَّا جعفراً حيث أشرفت بنا نعلُنا في الشارفين فزلتِ همُ خلطونا بالنفوس وألجئوا إلى غرفات أدفأت وأظلتِ أبوا أن يملونا ولو أنَّ أمنا تلاقي الذي يلقون منا لملَّتِ فخرج صلى الله عليه وسلم وصاحباه الشيخان، الكبيران، الجليلان، اللذان هما قطب الإسلام بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم ودخلوا المزرعة وما وجدوا الأنصاري، كان يذهب يأخذ ماءً من بئر له في المزرعة، فوجدوا أماً وداعيةً، ومستقبلةً، وامرأة عاقلة فهشت وبشت في وجه الوفد العظيم الذي ما دخل البيت أعظم منه، وأخذت ترحب حتى أخذت تبكي من الفرح تقول: والله ما أحسن منَّا ضيفاً هذا اليوم. طفح السرور عليًّ حتى إنني من عظم ما قد سرَّني أبكاني وأخذت ترحب ويسألها صلى الله عليه وسلم عن زوجها قالت: خرج يستعذب لنا الماء، ويأتي في هذا الوقت، فأتى الأنصاري، فلما سمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته أخذ يكبر فرحاً الله أكبر الله أكبر الله أكبر والله ما أحد أحسن منا ضيفاً هذا اليوم!! تصور في ذهنك -أيها المسلم- يا صاحب اللوعة والحرقة على سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تذكر أنك في بيتك وبين أطفالك ويطرق على بيتك طارق، فتفتح الباب فإذا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وإذا أبو بكر وعمر ضيوفك، أيُّ مكتوب في الأذهان؟! أيُّ كنز يقدَّم إليك إن كنت مسلماً؟! ما سمع في الدهر بجائزة أعظم، ولا وسام أعظم من هذا، فيفتح ويتقدَّم ويأتي بسفرته، ويذبح الشاة وهذا الكرم العظيم: تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله فيشبع بطن المصطفى عليه الصلاة والسلام، بطن الذي ربَّى الأجيال، بطن الذي فتح الممالك بلا إله إلاَّ الله، بطن الذي أخرج الأساتذة والدعاة والعلماء والأدباء والقواد والشهداء، بطن الذي رفع لا إله إلا الله في طاشقند وسمرقند والهند والسند وكل بقعة على الأرض، فلما شبع قال: {والله لتسألن يوم القيامة عن هذا النعيم} هذا عليه الصلاة والسلام شبع مرةً في أشهر طويلة، ويتحرَّى السؤال من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وكم نسمع في اليوم والليلة ما كأن هناك وجبة تمر إلا بلحم، والوجبة التي تمر بلا لحم وجبةٌ نحاسب أنفسنا عليها، ونستغفر من تقصيرنا فيها، ما بقي إلا أن نسجد سجدة السهو إذا فات اللحم من وجبةٍ من الوجبات، كأنه قُرِّر علينا أنه لابدَّ أن يقدَّم اللحم على الموائد؛ حتى أصبحت بطوننا فتنة للحيوانات، تذبح بأصنافها ومطعوماتها من مثلجةٍ، وطازجةٍ، ومذبوحةٍ على الطريقة الإسلامية، والدانماركية، وعلى الإنجليزية، والفرنسية، وظلمات بعضها فوق بعض، والإنسان إذا لم يعرف أنَّ هذه نعم لا يقدرها، ولا يشكر الله عليها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. - مالك بن دينار يعظ رجلاً بالنعيم:- اللقمة يوم ترفعها يسألك الله عنها لكن سؤال تقرير، يسألك الله يوم القيامة، أما إذا أكلت فشبعت قيل: نعم. فماذا فعلت بالأكل؟ لأن كثيراً من الناس إذا أكل وشبع قام يرقص ويترك الصلاة، وإذا قيل له: لماذا لا تصلي؟ قال: إن لنفسك عليك حقاً! ألنفسك عليك حق في اللهو واللعب أما الصلاة فليس لها حق؟! وكثير من الناس إذا أكل وشرب ذهب ليعصي الله عز وجل بطعامه وشرابه، ويمسك حدود الله، ويتجرأ على محرمات الله، ويلعب بآيات الله وقد أكل نعم الله، استظلَّ بسماء الله، ومشى على أرض الله، وشرب ماء الله، وعصى الله. أتى رجل إلى مالك بن دينار أحد الدعاة الأذكياء أحد الدعاة الواجهات في الأمة الإسلامية فقال: يا مالك بن دينار! أنا تبت من كل ذنب إلا من ذنب واحد. قال: تب إلى الله. قال: جربت نفسي فما استطعت. قال: فتب. قال: فما استطعت. قال: أجل، أسألك أسئلة. قال: سل. قال: إذا أردت أن تعصي الله فاخرج من أرضه، كيف تعصي الله في أرضه؟ رجلٌ يكرمك في بيته ويدخلك في بيته فإذا تغديت وتعشيت أخذت السوط تضرب أبناءه؛ فإذا قال لك هذا الرجل: أطعمتك وأسقيتك وأكرمتك وتضرب أبنائي؟! تقول: أنا حر أتصرف كما أشاء. قال: اخرج من أرض الله. قال: وأين أخرج والأرض أرض الله والملك ملك الله؟! قال: وإذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزق الله. أتأكل نعم الله وتعصي الله؟! قال: من أين آكل ولا رزق إلا رزق الله. قال: إذاً فإذا أبيت ذلك فحاول ألا يراك الله، اختفِ في مكانٍ لا يراك الله فيه، وأين يختفي الإنسان بين الجدران من الواحد الديان، بين الحيطان من الرحمن، بين البساتين والأشجار من الواحد القهار. لا والله. وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ والنفس داعيةٌ إلى الطغيان فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني قال: لا أستطيع، الله يراني في كل مكان. قال: فإذا أصريت على ذلك عصيت الله فحاول ألا يجدك يوم القيامة، فإنه إن وجدك عذبك عذاباً عظيماً. قال: لا مفر ولا ملجأ ولا ملتجأ من الله إلى إليه، ثم أخذ يبكي وقال: أشهدك أني أتوب إلى الله.

نعيم الابتلاء

نعيم الابتلاء {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] النعيم: نعيم الابتلاء وهذا لا يعرفه إلا قليل من الناس، قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31] قال: الفضيل بن عياض: [[اللهم لا تبلونا فتفضحنا]]. بعض الناس إذا ابتلاه الله افتضح، فالستر الستر! ولذلك أحسن الدعاء: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] ابتلي الصالحون فرفع الله درجاتهم بالابتلاء، وأولهم الأنبياء. مرض أيوب عليه السلام مرضاً عظيماً سنوات عديدة، فلما أتاه الزوار قالوا: ادع الله أن يشفيك، قال: شافاني الله أربعين سنة، وأمرضي ثماني عشرة سنة؛ فإذا تساوى البلاء والعافية دعوت الله عز وجل. ونحن يمرض الواحد منا أياماً قليلة فيقول: طوَّل بي البلاء؛ دخلت المستشفى من شهرين وأنا طريح الفراش، وأين وأنت بالعشر، عشرين، ثلاثين، أربعين سنة تأكل صحيحاً معافى، أما حسبت هذا الوقت أما تذكرت هذا الزمن أما حاسبت نفسك على هذه النعم. وذكروا عن عمران بن الحصين: أنه مرض ثلاثين سنة، فما شكا ولا اكتوى حتى صافحته الملائكة -كما في الإصابة وغيرها- بأياديها، لأنه شكر نعمة الله. وكثير من الصالحين عدُّوا الابتلاء نعمة قطعت رجل عروة بن الزبير من فخذه، ونشرت وهو في الصلاة فقال: [[اللهم لك الحمد إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت، أعطيتني أربعة أعضاء وأخذت عضواً واحداً، وأعطيتني أربعة أبناء وأخذت ابناً واحداً، فلك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا]]. وابتلي كثير من الناس منهم أبو ذؤيب الهذلي مات له سبعة من الأبناء فيقول: والنفس راغبةٌ إذا رغبتها وإذا تُرد إلى قليل تقنع والابتلاء نعمة إذا قدرها العبد لكن إذا تسخط أصبحت نقمة. فما هي النعم إذاً؟ النعم على ثلاثة أضرب: نعمٌ توصلك إلى رضوان الله عز وجل وهي الإيمان والعلم الصالح، وهذا لا يعادله نعمةٌ من النعم أبداً، ولا يمكن أن يرقى إليها أحدٌ من الناس، ولا يصل إلى مستواها بشرٌ من البشر إلاَّ المسلمون، وهذا تفوقنا على الأمة الكافرة وعلى أعداء الله بنعمة الإيمان، ونعمة الإيمان لا يعادلها شيء، وقد أسلفت الحديث عن هذا. ولذلك يقول إبراهيم بن أدهم: نحن في نعمٍ لو علم بها السلاطين لجالدونا عليها بالسيوف، فما هي هذه النعمة؟ هي نعمة الرضا بالله عز وجل رَبَّاً، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً.

من قصص الملوك

من قصص الملوك عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، هذا الرجل الكبير، المنظِّر السياسي لدولة بني أمية؛ حضرته الوفاة فبكي حتى تلبط بالأرض وهو في سكرات الموت، فسمع غسالاً يغني في وقتٍ هو فيه في سكرات الموت في قصره في دمشق، وبالقرب منه وادٍ فيه غسال يترنم بقصيدة فقال: يا ليتني ما عرفت الحياة، يا ليتني ما توليت الخلافة، ياليتني كنت غسالاً، فقال سعيد بن المسيب العالم الزاهد لما سمع هذه الكلمة: [[الحمد لله الذي جعلهم يفرُّون إلينا وقت الموت ولا نفرُّ إليهم]].

المعتصم العباسي

المعتصم العباسي المعتصم الخليفة العسكري العباسي، فاتح عمورية، مدمر الروم الذي أحرق جيوشهم فقال أبو تمام: تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب المعتصم الذي كان المصحف دائماً في حضنه. ولا بأس أن أورد القصة باختصار حتى نعرف كيف كنا نغضب للا إله إلا اله إذا انتهكت، كنا نعيش للا إله إلا الله، كنا نموت من أجل لا إله إلا الله. ذهبت امرأة مسلمة تبيع الثياب وتشتري إلى عمورية في بلاد الروم، والبلاد بلادٌ كافرة، فبسطت بضاعتها في السوق ضحى، وهي إمرأة غريبة بين قومٍ كفار؛ مثلما تذهب المرأة المسلمة اليوم إلى بريطانيا أو أمريكا أو إسرائيل، وبينما هي تبيع وتشتري أتى رجل كافر، فربط ثوبها بحجيزتها أو برأسها؛ فقامت فتكشفت عورتها فصاحت بأعلى صوتها في السوق وامعتصماه، وامعتصماه، وامعتصماه! تقول: أين الخليفة المعتصم عن هذا الأمر، أيرضى أن تنتهك حرمتي، وأن يؤخذ عرضي في السوق؟! أيرضى وهو خليفة للمسلمين أن يفعل بي هذا، فضحك الرومي الذي فعل هذا وقال: انتظري المعتصم حتى يأتي على فرسٍ أبلقٍ، وكان مستبعداً الرد، فسمع رجل مسلم في السوق هذا الصراخ العجيب الذي يدخل إلى القلوب ويقرع الأرواح. وانطلق وركب البحر، ووصل إلى المعتصم في دار الخلافة في بغداد دار السلام، ودخل على المعتصم وكان عسكرياً قوياً متقياً لله. فأتى هذا الرجل المسلم الذي سمع المرأة الصارخة المستنجدة بـ المعتصم بعد الله، فدخل عليه وقال: كنت يوم كذا وكذا في عمورية، ووقع للمرأة المسلمة تلك كذا وكذا فقالت: وامعتصماه، فضحك منها الروم وقالوا لها: انتظريه على فرسه الأبلق حتى يأتيك ينصرك، فقام المعتصم من على مجلسه وكرسيه واقفاً. فقال: والله الذي لا إله إلا هو لا يصيب رأسي غسلٌ من جنابة حتى أطأ أرضهم بالخيل. ثم أعلن الاستنفار في العالم الإسلامي وقال: لا بد من كل بيت من المسلمين أن يخرج منهم مجاهد ومن تخلف يضرب عنقه، ثم توجه وجعل العلماء في قيادة الجيش يفقهون الناس، ومشى حتى وصل إلى عمورية، ثم قاتلهم فكان يفتح كل مدينة بلا إله إلا الله، فإذا فتح المدينة أحرق حصونها حتى أخذت تشتكي هذه المدينة على هذه المدينة، وترى هذه المدينة نار هذه المدينة، ثم دخل عمورية فطوقها حتى استسلم قوادها، وأنزلهم وقال: عليَّ بالرجل، والله لا أغادر مكاني حتى يأتيني الرجل الذي أساء لتلك المرأة، فأتوا بالرجل يسحبونه، فأوقفه عند المرأة فقال لها: هذا الرجل رقيق لك. إن شئت أعتقتيه لوجه الله، وإن شئت فهو عبدٌ لك قالت: بل أعتقه لوجه الله. قال المعتصم وقد انتحى: أنا المعتصم، وهذا فرسي الأبلق، وقد جئت أنصرها بلا إله إلا الله. يقول أبو ريشة. ربَّ وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتَّمِ لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصمِ ألإسرائيل تعلو رايةٌ في حمى المهد وظل الحرمِ أوما كنتِ إذا البغي اعتدى موجةً من لهبٍ أو من دمِ كيف أغضيت عن الظلم ولم تنفضي عنك غبار التهم ما كأننا كنَّا أمة نفتح بلا إله إلا الله، ونقدم لا إله إلا الله، ولذلك المناسبة يوم يقول أبو تمام: تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب إلى أن يقول في القصيدة: تدبير معتصمٍ بالله منتقم لله مرتقبٍ في الله مرتغب الشاهد أن هذا الخليفة لما حضرته الوفاة تذكر لقاء الله قال: أموت؟! قالوا: تموت اليوم، وهو شاب. يظن بعض الناس أنه لا يموت حتى تنتهي فترة العمل، ويتقاعد، ثم يبدأ عملية الموت، ينظر إلى لحيته وهي سوداء. قال: لا لن أموت، ما دامت اللحية سوداء، فلا يموت الإنسان. لكن أفتى أهل العلم بالإجماع أنه يجوز أن يموت الإنسان وهو شاب، فيقول المعتصم: أموت اليوم. قالوا: تموت فنزل من على سريره يبكي ويقول: والله لو كنت أدري أنني أموت في شبابي ما لهوت عن ذكر الله ساعة. سبحان الله! ولا يتذكر هذا المصرع إلا عند سكرات الموت.

معاوية بن أبي سفيان وهارون الرشيد

معاوية بن أبي سفيان وهارون الرشيد عن شفي الأصبحي قال: لما حضرت معاوية الوفاة كشف الستار ثم مرَّغ وجهه في التراب وبكى وقال: صدق الله {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. حضرت الوفاة هارون الرشيد الخليفة العباسي، أقوى خليفة، الخليفة الحضاري الذي قدم لخلافته وملكه ما لم يقدمه أحد من أهل عصره، والذي كان يخرج على شرفات القصر ويقول للسحابة: " أمطري أنَّى شئت، فإن خراجك سوف يأتيني " أي: أيَّ مكان أمطرت فيه فهي من بلادي. حضرته الوفاة في طوس فخرج يبكي وقال: اجمعوا لي الجيش، فجمعوا الجيش، فأشرف على الجيش ونظر إلى السماء وهو يبكي وقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه، فبكى الناس

أنواع النعيم

أنواع النعيم فالنعيم الأعظم -وهو النعيم الأول- هو أن يوصلك إيمانك إلى رضوان الله هو نعمة الإيمان، والتعلق بالله، وبكتاب الله. النعيم الثاني: ألا تجعل لك إماماً ولا قدوةً ولا هادياً إلا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فمن لم يجعل الرسول عليه الصلاة السلام إمامه وأسوته وقدوته؛ فلا يزال ضالاً حقيراً لا يساوي عند الله فلساً. ليس هناك أعظم من الرسول صلى الله عليه وسلم في المربين، ولا في المعلمين، وشريعته تؤخذ كاملة، فأما التجزئة والترقيع فهذا أمرٌ لا يرضاه الله عز وجل قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85]. والنعيم الثالث: -وهو يدخل في النعيم الأول والثاني؛ لكنه ينفصل بجزئيات- نعيم العبودية، نعيم النوافل بعد الفرائض، ولا أنعم ممن وضع وجهه في الأرض ساجداً لله عز وجل. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً الدنيا كلها والله لا تساوي ركعتي الضحى. حين تخرج من عملك، من مكتبك أو من إدارتك أو من فصلك، فتتوضأ وتصلي ركعتي الضحى في أربع دقائق أو خمس دقائق، والله إن الدنيا كنوزها وذهبها وملكها لا يساوي تلك الركعتين. النعيم أن تأخذ المصحف تتلو آيات الله، فإذا لم تبكِ فتباك النعيم هو أن تقوم في السحر إن وفقك الله لقيام السحر والليل، فتقوم فتبتهل إلى الله عز وجل أن يعافيك ويشفيك النعيم: أن تعد بأناملك دائماً وأبداً وأنت في المجالس أو وأنت سائر، بالتسبيح والتهليل والتكبير النعيم أن يصل قلبك بالله عز وجل النعيم أن ترضى بما أعطاك الله عز وجل من الأرزاق، ومن الأولاد، ومن البيوت، وتعدَّ نفسك في رغدٍ من العيش. وقل لمن أخذ الدنيا: خذها ومعها مثلها إذا بقي الدين فهو الاستقامة والفلاح والنجاح. فهذا نعيم العبودية نعيم اللذة. يقول ابن تيمية كما ثبت ذلك عنه: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. إنها لذة العبادة والذكر، ولذلك لما أدخل القلعة أغلق عليه السجان الباب قال ابن تيمية: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] ثم قال: "ماذا يفعل أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري أنَّى سرت فهي معي أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة" فجنته وبستانه الذكر والعبادة والاتصال بالله عز وجل. ولذلك انظر إلى المؤمنين الذين يداومون على الصلوات الخمس في الجماعة أهل المصاحف أهل قيام الليل أهل صيام النوافل أهل التسبيح وركعتي الضحى كيف تجد عندهم من السكينة، والاطمئنان، والصلاح، والخير ما لا تجده عند أولئك الذين لا يعرفون هذه الأمور. يبحثون عن السعادة لكن ما وجدوا طريقها. هذا الأمريكي دايل كارنيجي في كتاب دع القلق وابدأ الحياة أتى بطرق السعادة، وفي الأخير تنبه واستفاق وسط الليل يقول: اكتشفت أن السعادة أن تجلس نصف ساعة مع الله عز وجل. أين أنت يا عدو الله ما بحثت عن السعادة إلا في هذه النصف ساعة، نحن إن شاء الله سعادتنا ليل ونهار، أما أنت فتظن أن السعادة في الدراهم والدنانير لأنك ما عرفت السعادة. رغم أن هذا الكتاب ترجم إلى تسع وخمسين لغة، والحكمةُ ضالةُ المؤمن يأخذها أنَّى وجدها، والشيطان علَّم أبا هريرة آية الكرسي، وهي موجودة في القرآن، ففي الصحيحين قال له الشيطان: اقرأها في كل ليلة فلا يزال عليك من الله حافظ، فقال عليه الصلاة والسلام مقرراً ذلك وهو يتبسَّم: {صدقك وهو كذوب}. صدق هذه المرَّه وقد كذب مليون مرة، ولذلك لا بأس أن نأخذ هذه الأساليب التجريبية والاستقراءات لنرى كيف وصلوا إليها، وكيف المستوى المنحط الذي وقعوا فيه. فهو بعد أن ألَّف كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) أخذ سكيناً ونحر نفسه في آخر المطاف سبحان الله! يطبب الناس وهو مريضٌ، يقتل نفسه بسكِّين أيُّ طبٍّ هذا؟! لأنه ما عرف المسجد. من النعيم الثالث، نعيم المسجد، يوم تدل ابنك على المسجد معناه أنَّك تجنبه السجن، والخمارة، ودور الدعارة، والمقاهي اللاهية، والجلسات السيئة يوم تقوده إلى المسجد معناه أنك ترفع وتشرف رأسه في الدنيا والآخرة يوم تعلمه طريق المسجد معناه أنك تؤسس له مستقبلاً متيناً؛ ليس مستقبل الشهادة والمال؛ لأن الذي يعتمد على غير الله ينهار ويكسل وينهزم: فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركانُ فإذا عرف ذلك فليعرف النعيم أنه القرب من الله عز وجل، والعبودية لله، أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا أن يقرَّ عيوننا وعيونكم بالنعيم الخالد، وبعبوديته سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأن يرزقنا وإياكم الاستقامة. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنَّا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك.

الإنسان المبتلى

الإنسان المبتلى الخطاب الرباني يصاحب الإنسان وهو لم يزل في عالم الذر في ظهر أبيه آدم، ثم يصحبه هذا الخطاب جنيناً ووليداً وطفلاً، فإذا ما بلغ السابعة من العمر أمر بالصلاة، فإذا بلغ العاشرة ضرب على تركها، فإذا بلغ الأربعين فإنه غالباً ما يستمر على ما وصل إليه من الهداية والضلال، ثم بعد فراقه للدنيا يبقى الجزاء، فليس الموت نهاية كل حي، بل هناك اليوم الآخر حيث يستمر الخطاب الرباني الذي يتضح به مصير هذا الإنسان.

شمول الخطاب الرباني للحياة الإنسانية

شمول الخطاب الرباني للحياة الإنسانية الحمد لله ملء الأرض والسماوات، وعدد أنفاس الكائنات، الحمد لله ما وقف الحجيج بـ عرفات، وما باتوا بـ المزدلفة أحسن مبات، والحمد لله ما رموا الجمرات، وسكبوا عند البيت العبرات، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومربياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:1 - 2]. الله عز وجل يلاحق حياة الإنسان قبل أن تحمل به أمه، وقبل أن يكون نطفة، وقبل أن تضعه أمه على الأرض ناشئاً وصبياً، ثم طفلاً، ثم شاباً، ثم فتياً، ثم رجلاً، ثم كهلاً، ثم شيبة، ثم ينتقل إلى الله.

رعاية الله للإنسان وهو جنين

رعاية الله للإنسان وهو جنين قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:172] هذا هو الميثاق الغليظ، أخذه الله على الناس وهم في أصلاب أبيهم آدم، فدلهم على التوحيد، من هو ربكم؟ من هو إلهكم؟ من القادر الذي يخلقكم؟ من الذي يستحق العبادة؟ تحمل أم الإنسان بالإنسان، فإذا الله يتحدث عنه وهو في بطن أمه، فتضعه على الأرض لا ضاحكاً أو صامتاً أو ساكتاً أو نائماً أو مستيقظاً، إنما تضعه باكياً، ولم نسمع في تاريخ الإنسان أن رجلاً أو أنثى ولدوا وهم ساكتون، إلا عيسى بن مريم فما بكى، أما نحن جميعاً فقد بكينا يوم أن أتت بنا أمهاتنا، قال بعض الفلاسفة: بكى الإنسان لأنه خرج من السعة إلى الضيق. وقال آخر: بكى الإنسان من هول الابتلاء، ومن عظم المشقة التي سوف يجدها من الضيق والهم والحزن. وقال آخر: بكى الإنسان لأنه سوف يرى التكاليف أمام عينه والله أعلم، وقد قال: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً} [النحل:78]. كان أبكماً أصم أعمى، لا يأكل ولا يشرب ولا ينطق، فتولاه الله، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {كل مولود يولد على الفطرة} ما هي الفطرة؟ أيولد مغنياً مطبلاً؟! أيولد ماجناً ممثلاً؟! أيولد مسرحياً معربداً؟! أيولد كروياً لاهياً؟! أيولد وبيده الكأس في الليالي الحمراء؟! لا. بل يولد على لا إله إلا الله، يقع رأسه على لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، يقول سبحانه: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30]. لكن من بدل خلق الله؟ إنهم العملاء، إنهم الخونة، إنهم أعداء الإسلام، بدلوا الإنسان من إنسان إلى كلب، ومن مؤمن إلى خنزير، ومن عبد صالح إلى بهيمة: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف:179] كقلوب الحيوانات تماماً، يحفظون ويدرسون ويقرءون كل شيء إلا الدين، ويفهمون كل شيء إلا الإسلام، ويعرفون كل شيء إلا القرآن والسنة، قال تعالى: {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف:179] ويؤذن لهذا الطفل كما أذن عليه الصلاة والسلام، في أذن الحسن أول ما أتت به فاطمة الزهراء رضي الله عنها، لماذا؟ لينشأ على التوحيد والإيمان، أخذ أذنه الرقيقة الضعيفة فاقترب منها عليه الصلاة والسلام وقال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر حتى أكمل الأذان ليقع الأذان في قلبه، لينشأ عبداً مصلياً وعابداً ذاكراً. لكن لما أتت التربية المعكوسة، وولد الابن على الموسيقى الإيطالية، أصبح لا يعرف إلا المجلة الخليعة، والسهرة الماجنة، ينشأ ويشب وهو يحفظ من الأغنيات العشرات، ولا يحفظ من الآيات البينات شيئاً. ثم يقول الله للإنسان: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6]. من الذي خدعك؟ من هذه الطغمة الفاسدة والجلساء السيئون الذين حرموك من منهج الله؟ من المسئول عنك؟ {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8] لكنه يوم شب وقوي، وكبر كاهله، ونسي القرآن، أصبح معربداً لا يعرف الله.

العاص ينكر إعادة الله للخلق

العاص ينكر إعادة الله للخلق أتى العاص بن وائل السهمي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والعاص هذا -على اسمه- عاص لله، تاجر رعديد عدو للإسلام، ليله خمر، ونهاره فسوق وإلحاد وزندقة وانحراف، وعداوة أكيدة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، أتى بعظم قديم وفتته في يده وحتحته، وقال: يا محمد! أتزعم أن ربك يعيد هذا العظم؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى للناس يقول: إن هناك حساباً وعقاباً، وإن هناك يوماً آخر ومصيراً محتوماً نقف كلنا أمام الله فيه، قال: أتزعم أن ربك يعيد هذا العظم؟ ثم حتحته، ونفخه أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام: {نعم. يعيده الله ويدخلك النار} وفي الجواب زيادة "ويدخلك النار" لأنه عدو لله. واسمع إلى رد الله يقول: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:79] ونلاحظ أنه الله لم يسمه لأنه حقير. إنك أيها المجرم! لو نظرت إلى خلقك وأنت نطفة، ثم نزلت ثم اعتمدت ثم اعتمرت، ثم أصبحت كهلاً، لاعتبرت أن الله هو الخالق، هذه هي مرحلة الإنسان.

تسمية المولود

تسمية المولود يطالب عليه الصلاة والسلام بحسن الاسم، فإننا ندعى يوم القيامة بأسمائنا وأسماء آبائنا، عبد الرحمن، أحمد، محمد، ليست الأسماء الدخيلة التي حولت أجيالنا إلى جيل رخيص، إلى جيل -إلا من رحم ربك- يأكل وينشأ في أرضنا، ثم يحمل عداوة الإسلام، باسم غربي، أتى اسمه من لندن أو من باريس ولم يأتِ من بلاد الإسلام، من بلاد المصطفى عليه الصلاة والسلام: من بلادي يطلب الفهم ولا يطلب العلم من الغرب الغبي وبها مهبط وحي الله بل أرسل الله بها خير نبي قل هو الرحمن آمنا به واتبعنا هادياً من يثرب وحينما يصل الطفل إلى السابعة، يقول عليه الصلاة والسلام: {مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع}.

سن الأربعين وما بعدها

سن الأربعين وما بعدها ثم يصل الإنسان إلى الأربعين، فإذا الله يقول: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [الأحقاف:15]. الأربعون تمام العقل، وتمام القوة والإرادة والعزيمة، الأربعون رقي في الفهم، ونضوج في الإدراك والمعرفة، يقول بعض العلماء: إذا بلغ ابنك الأربعين ولم يهتد فاغسل يديك منه، لأن الله يقول: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} [الأحقاف:15] لكن بعد أن يصل الأربعين ثم لم يهتد، ولم يتعرف على بيوت الله، ولم يسجد لله، ولم يكن عبداً لله، ولم يخلص لله، فاعلم أنه مجرم إلا أن يتداركه الله، ما بعد الأربعين شيء، ويصل القرآن مع الإنسان، فإذا شيبه قد أنذره، قال ابن عباس: وهو يقرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] قال: النذير هو الشيب، من شاب رأسه أو شابت لحيته ثم لم يكن له رادع، ولم يكن له منذر وواعظ، فاعلم أنه رجل مخذول أصابه خذلان. يقول الإمام أحمد إمام أهل السنة لما رأى الشيب في لحيته في المرآة: والله ما وصفت الشباب إلا كشيء كان في يدي ثم سقط، يقول أبو العتاهية: بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغن البكاء ولا النحيبُ ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيبُ أتدرون ماذا فعل المشيب؟! الآن الذين هم منا في السبعين والثمانين كلت أظفارهم، وضعفت أسماعهم، واحدودبت ظهورهم، وملوا الحياة، لا نوم ولا هدوء ولا لذة للطعام، قال تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ} [يس:68] ومن نعمره في الحياة نعيده، فيصبح أكله كأكل الطفل، وإدراكه كإدراك الطفل، أفلا يعقلون؟ يقول أحد الشعراء: إذا الرجال ولدت أولادُها وأخذت أسقامها تعتادُها وكثرت من مرض عوادُها فهي زروع قد دنا حصادُها (إذا الرجال ولدت أولادها) إذا أتى لأولادك أولاد وأصبحت جداً، فانتظر الموت، وانتظر لقاء الله، قال سفيان الثوري: من بلغ الستين فليشتر كفناً. (وكثرت من مرض عوادها) يعاد في المستشفى وفي البيت وفي الطريق، سعال، وسهر وزفرات، وشكوى من السبعين والثمانين. نام قيس بن عاصم المنقري وعنده عشرة أبناء، وكان أغنى العرب، لكن كل شيء له دواء إلا الهرم، وكل شيء له علاج إلا كبر السن، كان عنده عشرة من الأبناء، وهو سيد قبيلة بني تميم، وعنده من الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم ما الله بها عليم، لكن ما كان ينام الليل، وكان عمره ثمانين، إذا أتى لينام أتاه السعال والزفرات والهم والغم، فيقول له أبناؤه أزعجتنا، ما تركتنا ننام، فنظم قصيدة: قالوا أنينك طول الليل يزعجنا فما الذي تشتكي قلتُ الثمانينا أشتكي الثمانين، وأبكي من ثمانين سنة. لكن ما هو الختام؟ وما هو التاج الذي يمكن أن يتوجه الإنسان لحياته؟ إنه العمل الصالح، قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94].

سكرات الموت

سكرات الموت يأتي الإسلام فيقول للإنسان: إذا أتتك سكرات الموت، فاحرص على أن تموت على (لا إله إلا الله) يقول عليه الصلاة والسلام: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة} وهو حديث صحيح، لكن كيف؟ لا يثبت على لا إله إلا الله إلا مؤمن، ولا يقولها في سكرات الموت إلا مؤمن، {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. ذكر الذهبي المحدث الكبير: أن أبا زرعة المحدث رحمه الله حضرته سكرات الموت فأغمي عليه، فأراد تلاميذه أن يذكروه بلا إله إلا الله وهو مغمى عليه، ولكن استحيوا أن يقولوا له: قل: لا إله إلا الله، لأنه شيخ المسلمين. قالوا: نتذاكر سند حديث لا إله إلا الله، فلو ذكرناه بالسند فسوف يتذكر المتن هو، فقال أحد التلاميذ: حدثنا فلان عن فلان -وهذا أبو زرعة يحفظ ألف ألف حديث مليون حديث- فاستيقظ وسمع السند، ولكنهم من هول المصيبة ومن هول الكارثة نسوا السند، فأخذوا يقولون: حدثنا فلان، فيقول الثاني: لا. بل فلان، فاستيقظ وقال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا فلان، حدثنا فلان، عن معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة} ثم مات بعد ذكر الحديث. وأما ابن القيم فيلوم المارقين العابثين الماجنين السفهاء المغنين في سكرات الموت، يقول: قيل لسفيه معربد وهو في سكرات الموت: قل: لا إله إلا الله، قال: أين الطريق إلى حمام منجاب، قال: فمات عليها لأنه عاش عليها، ومن شب على شيء مات عليه، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. يقول أحد العلماء -وذكره ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل وشكر هذه الأبيات- يقول يخاطب الله: وحقك لو أدخلتني النار قلت للذين بها قد كنت ممن أحبهُ وأفنيت عمري في علوم كثيرة وما منيتي إلا رضاه وقربهُ أما قلتم من كان فينا مجاهداً سيحمد مثواه ويحسن شربهُ أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم

الإيمان باليوم الآخر

الإيمان باليوم الآخر الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. في بعض المقررات الدراسية كلمة هي من الإلحاد فهي كلمة زندقة تؤخذ من مذكرة استالين ولينين والإسلام منها بريء، وهي تصادم العقيدة مصادمة كاملة مطلقة عامة، وهي قولهم في عبارتهم التي يحفظونها ويدرسونها: "المادة لا تستحدث ولا تفنى"، ويقيمون عليها قانون الكيمياء ويؤصلونه على هذا المبدأ، وهذه تعارض قول أهل السنة، بل قول أهل الإسلام قاطبة بما فيهم المبتدعة. ومعنى أنها لا تستحدث: أنها قديمة وأنه لم يخلقها أحد، ولكن الله يقول: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54] {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96]. قالوا: لا تفنى وقال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:27] وقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] ومقصودهم من هذا أن الإنسان إذا مات فقد انتهى، أرحام تدفع وأرض تبلع، وقالوا: إذا انتهى الإنسان عفا عليه النسيان، ولكن الله يقول: لا. والقرآن يقول: لا. ومحمد عليه الصلاة والسلام يقول: لا. قال تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} [طه:102] {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] وقال تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:52].

قصر الحياة الدنيا في نظر أهل الآخرة

قصر الحياة الدنيا في نظر أهل الآخرة إنها الحياة الآخرة، وإنها مرحلة ومسألة حياة الإنسان في الآخرة، يقول سبحانه وهو يسأل الناس يوم القيامة خاصة الغافلين: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون:112] كم مكثتم من فترة؟ يا أهل الثمانين ويا أهل المائة! كم لبثتم من فترة؟ بعض الصحف وبعض المجلات تجري مقابلة مع بعض الناس، قالوا: بلغ مائة وأربعين سنة، لكن تعال وابحث ما هو المحصول بعد مائة وأربعين سنة؟ لا شيء، يسألونهم ماذا يفطر في الصباح؟ وما هي وجبة الغداء؟ وماذا يجيد من العرضات الشعبية والقصائد النبطية؟ ولكن لا آية ولا حديث ولا نافلة ولا صيام ولا ذكر ولا قيام ليل ولا صلة رحم، كل هذه لا تعرض في الأسئلة، ولا يسألونه ما هو أثره على أسرته؟ أو على نفسه؟ ولا يسألونه ما هي آماله عن اليوم الآخر؟ وما هي تطلعاته؟ إنما هي هذه الأسئلة، فيقول لسان الحال: ليت هذا العمر الطويل لشيخ الإسلام ابن تيمية أو الإمام أحمد {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون:112] والله يدري والله يعلم بما لبثوا {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون:113] يقولون: لبثنا يوماً واحداً في الحياة، فأدركهم الورع، وخافوا أن يكذبوا، فقالوا: أو بعض يوم، وليس يوماً كاملاً، ويقولون لله: اسأل الملائكة والكتبة، نحن لا ندري. قال الغزالي: من هول الموقف لا يدرون كم لبثوا! لا إله إلا الله! إذا بلغ بك الحال يوم القيامة ألا تعرف عمرك، فكيف هذا اليوم؟! يا له من يوم ما أهوله! قال سبحانه: {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [طه:114 - 116].

الإنسان بين النسيان والجحود

الإنسان بين النسيان والجحود يقول عليه الصلاة والسلام: {نسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته} والسبب أن آدم عليه السلام نثر الله ذريته أمامه كصورة الذر، فرأى داود عليه السلام وهو يزهو أمامه كالدر، قال: يا رب! من هذا؟ قال: ابنك داود، قال: كم عمره؟ قال: ستون سنة، قال: يا رب! زده من عمري أربعين، فزاده الله: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] فلما حضرت آدم الوفاة عجل الله وفاته قبل أربعين، قال: يا رب! بقي من عمري أربعين، قال: قد أعطيتها ابنك داود، فجحد آدم ذلك، قال: فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته، {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [طه:114 - 116] ولكن أمام نسيان الإنسان وجحود الإنسان يخرج الله له كتاباً منذ أن أتت به أمه إلى أن مات، اقرأ كتابك ولا يقرؤه غيره، يستوي الأمي والمتعلم والجامعي والتاجر والفلاح وراعي الغنم كلهم يقرءون، قال تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14]. فيقرأ الإنسان: يوم كذا فعلت كذا وكذا، ويوم كذا قلت كذا وكذا، فيطوي الإنسان كتابه ويقول: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49].

دروس وفوائد

دروس وفوائد من هذه المقالة وهذه الخطبة نأخذ دروساً: أولها: أن الإسلام معك وأنت في بطن أمك، حتى تدخل الجنة أو تدخل النار. ثانيها: أنك لست متروكاً هملاً ولا سدى، بل إنه وحي من الله لا ترفع خطوة ولا تنام ولا تستيقظ ولا تأكل ولا تشرب ولا تتحدث إلا والوحي معك: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]. ثالثها: أن الذي لا يضبط حركاته ولا سكناته مع الوحي، فهو سفيه قد سفه نفسه، وهذا الرجل الذي لا يتجه إلى الرسالة الخالدة. رابعها: أننا لسنا في حاجة لأي مبدأ، أو أي قانون، أو رسالة أو أطروحة غير رسالة محمد عليه الصلاة والسلام. فإما حياة نظَّم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا أيها المسلمون! فلنعد إلى القرآن والسنة، ولنستهد بهدى الله الذي أُرسل به عليه الصلاة والسلام، فإن كل قلبٍ ملعون إلا قلباً أشرقت عليه شمس الرسالة، وكل أرض مغضوب عليها إلا أرضاً رأت شمس هذا الدين، ومن اعتقد أنه سوف يهتدي بهدى غير هدى الله الذي أُرسل به محمد عليه الصلاة والسلام فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. أيها الناس! صلوا وسلموا على رسول الهداية ومعلم البشرية، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. اللهم ارض عن أصحابه الأطهار، وعن المهاجرين والأنصار، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميره، واخذله يا رب العالمين! اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح سرائرنا وظواهرنا وبيوتنا وشبابنا يا رب العالمين! سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الرجاء والدعاء

الرجاء والدعاء عبادة الله لابد أن تكون بالخوف والرجاء، والشيخ قد ساق في درسه هذا أحاديث في باب الرجاء، واستنبط منها فوائد جليلة، وذكر أموراً جليلة وقصصاً يتبين منها عظم أثر الدعاء، به نجا الغريق، وبه أصبحت النار برداً وسلاماً، وبه ينصر المسلمون، وبه تهطل الأمطار، وبه ينزل ملكاً من السماء لينقذ رجلاً إلخ.

معركة قطز مع التتار

معركة قطز مع التتار إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، معنا في هذا الدرس حديث عظيم، هو قاعدة من قواعد الإسلام، وأصل من أصول الدين، رواه الإمام الترمذي في كتابه السنن يقول: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {قال الله تبارك وتعالى: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عِنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً للقيتك بقرابها مغفرة} هذا الحديث رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وهو حديث قدسي؛ أي: أن لفظه من الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله الواحد القهار، وهو حديث تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله. والترمذي هو صاحب السنن التي قدمها هدية للأمة الإسلامية، وهي من الكتب الأصيلة، فهي من الكتب الستة التي عليها بعد القرآن ومدار رحى الإسلام، والتي نواجه بها أعداء الدين، والتي نفتخر ونتشرف أن تكون من ميراثنا ومن تراثنا، ومن حكمة الله عز وجل أن الله حفظ لنا الوحي الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة بهذه الكتب. لما قدم التتار -المغول- مع جنكيز خان من صحراء سيبيريا واجتاحوا العالم الإسلامي وذلك حين ضعفت لا إله إلا الله في قلوب المسلمين؛ وتركوا المساجد؛ وتلفتوا إلى المغنين والمغنيات والخمارات، فابتلاهم الله عز وجل بأمة لا تعرف الرحمة، ولذلك في الأثر: {من لم يتعرف إليَّ سلَّطُّت عليه من لا يعرفني} فهؤلاء التتار المغول ما عرفوا الله عز وجل، وهم برابرة القلوب؛ فيهم قسوة لا يعلمها إلا الله، لا يعرفون الرحمة، إنما يعيشون على الدم، وهم أول شعب امتاز بسفك الدم في العالم، فاجتاحوا العالم الإسلامي، ودمروا المساجد، وحولوا بيوت الله عز وجل إلى إسطبلات للخيول، وكان أحدهم يصعد على المنبر ويشرب كأس الخمر والناس جلوس، وكانوا يقفلون باب المسجد، وكلما دخلت جماعة داخل المسجد يدخل أحدهم بالسيف فيقتل من في المسجد جميعاً. وبلغ من الذلة والقلة والهوان لما هانت الأمة في عين الله عز وجل أن يأتي التتري ويقول للمسلمين وهم جماعات: ابقوا هنا حتى أذهب إلى البيت فآخذ سيفاً وأقتلكم به، فلا يتحركون خوفاً حتى يأتي، ويقول للمسلم -يوم كان الإسلام اسماً-: ضع رأسك على الصخرة حتى آتي، فيضع رأسه فيأتي التتري يذبحه بالسيف، ولكن ما كان الله ليعطل رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كان الله لينهي لا إله إلا الله في الأرض؛ لأنه دينٌ عالمي، يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله في تفسير قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم:52] قال: يا ألله! إنها دعوة تعلن عالميتها من اليوم الأول. الرسول صلى الله عليه وسلم وحيد، معه ثلاثة زيد بن حارثة وأبو بكر وعلي، وقريش بالسيوف وبالموت من كل جانب، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى من السماء: {وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم:52]؛ وبالفعل سرت الدعوة العالمية حتى سجد لله أهل السند الذين ما عرفوا الله، وأهل أسبانيا الذين ما عرفوا لا إله إلا الله، فلما أراد الله أن يعيد للأمة قوتها، هل تعود قوتها بالطائرات والدبابات وبالتدريب؟ لا. إنما تعود قوتها إذا عادت إلى الله عز وجل؛ لأن هذه الأمة مختارة اختارها الله للخلافة في الأرض، واختارها لأداء الرسالة، فإذا تعرَّفت على الله عرف الله الناس قدر هذه الأمة وعظمتها وسموها.

قطز ينادي واإسلاماه

قطز ينادي واإسلاماه فأتى قطز السلطان المملوكي الذي كان يباع ويشترى في السوق فأعتقه كثير من أهل العلم، ثم تولى بقوته وشجاعته الحكم، فعاد إلى الله عز وجل وجمع الأمة الإسلامية، فصعد على المنبر يوم الجمعة في القاهرة، فقطع قلبه بالبكاء، والعالم الإسلامي أصبح ممزقاً، التتار من كل مكان، والناس إذا سمعوا صوتاً أو رجفةً ظنوها تترياً فيكاد أحدهم يسقط، حتى إذا دعت المرأة على ابنها كما يقول المؤرخون تقول: لاقى الله بينك وبين مغوليٍ أو تتري. فصعد هذا يوم الجمعة، واختطب خطبة شجاعة إيمانية وقطعها بالبكاء، ثم نادى: واإسلاماه، فتحرك الإسلام في القلوب، وتحركت لا إله إلا الله في النفوس، وعادت القلوب إلى بارئها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الذي يكسب القوة، واجتمع المسلمون من كل حدب وصوب في مصر، حتى إن الذهب والفضة أصبح صُبَر -أي: أكواماً- وكانت المرأة تلقي خاتمها وخرصها ولا تبقي عليها من الذهب شيئاً؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال:60] فلا تكفي القوة الروحية؛ لأنها رهبنة، لكن مع القوة الروحية قوة جسمية وفكرية وعلمية وعسكرية؛ فكان قطز يستعرض مع العلماء بعد كل صلاة من القاهرة إلى القناطر يستعرض الجيش الإسلامي؛ فكانوا يتدربون، وكانوا يبارون السهام، وكانوا يتناضلون حتى الغروب، ثم يبدءون من الغروب في صلاة واستغفار حتى الفجر. وكان يصلي بهم الحاكم قطز، فيدعو ويبكي، ويقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض؛ معنى ذلك: أن الجيش الذي اجتمع في مصر إذا سحق فعلى لا إله إلا الله السلام، سوف تنتهي الدعوة الخالدة والمسلمون من الأرض، واجتمع معه العلماء وأمروه أن يحرم الربا، ويمنع الخمور، وينهى عن المعاصي والفحش فمنعها؛ لأن الأمة كلما عصت الله عز وجل سلط الله عليها من هو أعصى له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من هؤلاء العصاة، فعادوا، وحرم الربا، وحرم الخمور، حتى يقول أحد الزهاد وهو يعظ قطز قبل المعركة: حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور ويقول في أولها: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور فبكى حتى سقط من على كرسيه، هذا قطز، وفي الأخير اجتمع مع العز بن عبد السلام؛ العالم الشافعي الكبير، واستعرض آخر استعراض للجيش، وأوصاهم بتقوى الله عز وجل، وأمرهم أن يصوموا قبل المعركة ثلاثة أيام؛ لأنها من أعظم المعارك التي عرفها التاريخ، فعرفوا اللجوء والرجوع إلى الله عز وجل حين ضاقت الضوائق وحين قالوا: واغوثاه واإسلاماه.

المسلمون يلحقون التتار إلى أبواب دمشق

المسلمون يلحقون التتار إلى أبواب دمشق والتقى المسلمون والتتار بين الشام ومصر في معركة طاحنة، وتقدمت كتائب التتار كالجبال، ابن جنكيز خان الذي كان القائد ما كان يعرف الرحمة أبداً، وظن بعض المؤرخين أنهم لن يهزموا في التاريخ، فلما تقدموا أرسل التتار والمغول الجمال وكان عليها شوك فأخذت تجتاح جيش المسلمين فانهزمت المقدمة، وانهزم القلب، وانهزمت الميمنة، وانهزمت الميسرة، وبقي قطز وسط المعركة يقول: لا إله إلا الله، فلما انهزم الجيش أخذ قلنسوة الجيش المسلم أخذ خوذته التي على رأسه وتحميه من الضرب فوضعها في الأرض وداسها بقدمه وقال: واإسلاماه؛ معنى ذلك: أن الإسلام قد انتهى، ولكن: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] فلما سمع الجيش (واإسلاماه) رفع الله هذا الصوت، يقولون: ما قالها إلا بكلمة منخفضة لكن رفعها الله حتى سمعها كل الجيش، فعادوا يقاتلون كما يقاتل الإنسان عن ابنه أو عن نفسه، وجاء وقت الظهر وقد ولى التتار أدبارهم، فيقول قطز: لا ترفعوا السيوف عنهم حتى ندخلهم دمشق، فأخذوا يأسرون ويضربون ويقتلون حتى تهاوى العشرات والمئات على وجوههم، وأصبحوا يقتلونهم ثلاثة أيام بلياليها، حتى اقتربوا من دمشق. يقول المؤرخون: أصبحت الريح تأخذ أظفار هؤلاء التتار من الأموات فيسمع لها خشخشة كخشخشة الأوراق من كثرتها، وأصبحت الأرض منتنة من روائحهم، حتى تهب الريح العاصف فيجدها أهل المدائن وأهل القرى من روائح القتلى؛ مجزرة في التاريخ ما سمع بمثلها.

شيخ الإسلام يتصدى للتتار في دمشق

شيخ الإسلام يتصدى للتتار في دمشق أوشكوا على دخول دمشق فتصدى لهم شيخ الإسلام ابن تيمية، فعندما أرادوا الدخول واجتياح دمشق قام في رمضان وشرب الماء أمام الناس، وهو صائم والناس صيام، وقال: لا صيام لكم والمعتدي الأجنبي قد دخل البلاد، فأفطروا جميعاً. ثم وقف ابن تيمية وألقى خطبة من سمعها يظن أن القيامة قامت، وكان يقطع صوته بالبكاء، ويقول: والله لننتصرن، والله لننتصرن، والله لننتصرن، فيقول الصف المقدم: قل إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً. والتقوا في معركة شقحب، وسحق بقية التتار وفرَّ قائدهم ومن معه من زعمائهم. وقبل ذلك وصلهم ابن تيمية يعظهم في مخيماتهم، فقال له قازان حفيد جنكيز خان: ادع لي، فيقول ابن تيمية وقد رفع يديه: اللهم إن كان في حياة هذا العبد خيرٌ لدينك فأحيه، وإن كان فيه شرٌ لدينك فأمته واسحقه واقطع دابره، فكان يقول: آمين، ولا يدري ما معنى الكلام، وفي الأخير هداه الله إلى الإسلام، ودخل كثير من التتار في الإسلام، وعاد الإسلام منصوراً. والشاهد من القصة: أن التتار لما قدموا على بغداد أخذوا الكتب كل الكتب إلا ما شاء الله ووضعوها في النهر فجعلوها جسوراً تمر عليها الخيول المسلحة. فيقول أهل التاريخ: الحمد لله ما فاتنا شيء من التفسير، ولا من الحديث، ولا من الفقه،، إنما فاتتنا كتب الخزعبلات، والتراهات، وكتب النفاق، والمنطق، وعلم الكلام التي أدخلها المأمون وأبناؤه وأضرابه التي جاءت بالشقاء والنكد على الأمة، وأبقى الله لنا من ضمن ما أبقى سنن الترمذي، وكذلك يرفع الله المخلصين بكتبهم وكلماتهم، كما قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]. واليوم تؤلف المؤلفات الكثيرة طعناً في الإسلام، ويؤلف أهل الشعر من الحداثيين الذين ينهجون نهج الإلحاد قصائد لكنها سوف تموت؛ لأن الحق حيٌ وأما الباطل فيموت في كل يوم عشر مرات. فالمقصود: أنه من ضمن هذا التراث سنن الترمذي؛ الذي تسمعونه دائماً على المنابر، وفي المحافل والإذاعات، وفي فصول الدراسة، حين يذكر حديث ويقال: رواه الترمذي؛ لأن الله علم إخلاص هذا الرجل فرفعه بكتابه. الترمذي رجل بسيط ولكن عظَّمه الإسلام والتقوى والعلم، يقول عنه الذهبي: ثبت عن الترمذي أنه بكى حتى عميت عيناه، فكان أعمى في آخر حياته، يتلقى العلم، ويملي على تلاميذه، فأصبح من أحفظ الناس، تسمعه يورد الحديث بروعة فائقة ثم يقول: حديث حسن صحيح، أو حديث حسن، أو حديث صحيح, أو حديث غريب؛ وهذه مصطلحات تعرف من علم المصطلح.

الدعوة بالرجاء والخوف

الدعوة بالرجاء والخوف أما الحديث الذي معنا في هذا الدرس، فإنه حديث بشرى، يزف لكل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر. والرسول عليه الصلاة والسلام كان كلما أرسل داعية، أو أرسل معلماً، أو مربياً، قال: {بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا} لأن معاذاً لو جاء إلى اليمن رضي الله عنه وأرضاه وأمثاله، فقال: ويل لكم من نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى. ويل لكم من الله الذي سوف يأخذكم أخذ عزيز مقتدر، مالكم لا تبكون؟! أتضحكون؟! لنفر الناس من الإسلام ولما دخلوا في دين الله، وهذا مجرب، وأنا كطالب عالم -أو طويلب علم- أرى أن من الحكمة أن يقرن الرجاء بالخوف، وأن تخصيص جلسات للخوف مطلقاً إنما هو إرهاب للفكر المسلم، بل لا بد من إقران الخوف بالرجاء. دخل الفرنسيون الجزائر وحطموا منارات الإسلام في الجزائر، وقام أحد علماء الجزائر - p=1000507>> عبد الحميد بن باديس - ليخاطب شعب الجزائر ليردهم بالخوف من الله عز وجل حتى يتركوا الخمور والزنا والربا، فلما سمعوا هذا الكلام يئسوا من رحمة الله عز وجل، وقنطوا وزادوا في المعاصي، فعاد فدعا الله عز وجل، ما هو المفتاح لقلوب الجزائريين حتى يعيدهم إلى الله، فتذكر أنه لا يوجد مفتاح إلا الرجاء في رحمة الله، ثم قال كلمته المشهورة على المنبر في جنوب الجزائر: شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب من قال قد هودته قلب الحقيقة أو كذب أو كما قال، ثم قال: شعب الجزائر لا يعود إلى الله إلا بالرجاء، فأتى بأحاديث التوبة، ومثل هذا الحديث في الرجاء، فلما سمع الناس أن هناك رباً رحيماً غفوراً وأنه يقبل توبة العبد، ويغفر له؛ دخلوا في دين الله أفواجاً، وما هي إلا سنة واحدة حتى قدموا مليوناً من القتلى، وسحقوا فرنسا بكبريائها وعتوها وغطرستها في الأرض، وأخرجوا المستعمر من بلادهم.

الرجاء باب عظيم

الرجاء باب عظيم فالمقصود أن الرجاء باب عظيم، وأنه مفتاح للدخول على الله عز وجل، حتى مدح ابن القيم كتاب الرجاء، وقال: هو الباب الذي يجنح بالعبد إلى الله، والعجيب أنه في رياض الصالحين أتى بكتاب الخوف فيما يقارب أربع صفحات، ثم أتى بكتاب الرجاء في ثمان صفحات ثم أتى بفضل الرجاء في ست صفحات لتأتي القلوب إلى الله عز وجل. قال ابن القيم في مدارج السالكين: العاقل لا يبني قصراً ويهدم مصراً. ثم قال: هناك رجل اسمه الحارث المحاسبي ألف كتاباً اسمه الرعاية، فلما قرأه الناس تركوا المساجد، وكتاب الرعاية كتاب رقائق وأدب وسلوك، لكنه ليس تربوياً؛ لأنه ظن أنه سوف يخوفهم، ويضربهم بسوط الخوف حتى يأتوا إلى بيوت الله، فلما دخل وتعمق، وأكثر من الخوف؛ ترك الناس المساجد وتعطلت بيوت الله عز وجل، وهذا معروف، يقول ابن الوزير في العواصم والقواصم: إن الخوف إذا كثر على النفوس كلت وملت، فإنك لو تقوم في مجتمع صغير أو قرية فتقوم لهم كل صباح وكل مساء: مالكم لا تبكون؟! أين أنتم من كذا؟! ثم تجمع قصص الخوف لقطعت قلوبهم، وقالوا: ما هي أعمالنا؟ إذاً هذه الصلاة لا تنفعنا، والذكر لا ينفعنا، وقراءة القرآن، ونترك الصدقة، ونترك الإخوة، وييئسون من رحمة الله، لكنك إذا أعدتهم إلى الله عز وجل بباب الرجاء مع لذع من الخوف لعادوا بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا يستغرب مستغرب أننا نكثر دائماً من أحاديث الاستغفار والرجاء؛ لأن أهل أبها أناس لا يعودون إلى الله إلا بالرجاء مع شيء من الخوف، كما يعود الجزائريون إلى الله عز وجل بالرجاء، فيقول صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي} لا أحلم من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك يحلم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن الكافر الفاجر، تجد بعض الفجرة يقتل المسلمين ويسحقهم سحقاً، يسحق المدينة، ويقتل الأطفال والنساء، ويعذب، ويشنق، ويربط، وينصب الزنزانات، ثم يلتفت المؤمن يقول: أما هناك انتقام؟! أما هناك محاكمة؟! أما يعلم الله ما يفعل هذا الفاجر؟! قال الله عز وجل في سورة إبراهيم: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:42] أي: لا تحسب أن الله غافل عنهم إنما هو وراءهم بالمرصاد، لكن: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} [إبراهيم:42 - 43]. حتى يقول سيد قطب رحمه الله في سورة البروج: الحياة ليست طويلة حتى ينتقم الله من أهل الفجور وأهل الظلم، لا تكفي ستون سنة ليعذب الله هذا المجرم، فيدخر الله له العذاب آلاف السنوات. فالله عز وجل حليم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فكيف إذا كان هذا المخطئ مسلماً في الأصل، ويحب الله عز وجل، ثم عاد فحاسب نفسه وتفكر فيما فعل في شبابه، ثم عاد إلى الله عز وجل يقول صلى الله عليه وسلم: {إن الله أفرح بتوبة العبد من أحدكم ضلت منه راحلته عليها طعامه وشرابه، فبحث عنها، فلما وجدها وقد أيس منها قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح} فالله أفرح بالعبد إذا عاد إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من هذا بناقته. ولذلك قال أهل العلم: آيات في كتاب الله عز وجل ما نريد أن لنا بها حمر النعم. وقال ابن مسعود رحمه الله: [[آية في كتاب الله والله ما أريد أن لي الدنيا بما فيها بهذه الآية، قالوا: وما هي؟ قال: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31]]] قال بعض أهل العلم: من اجتنب الكبائر كفر الله عنه الصغائر. ثم تأتي الكفارات وسوف أذكرها، فيقول عز من قائل في كتابه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] وقال جل ذكره: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136].

بشروا ولا تنفروا

بشروا ولا تنفروا أورد ابن القيم وابن كثير أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لما أنزل كلمات إلى يحيى عليه السلام ليبلغها قومه، والحديث في المسند وفي الترمذي، تأخر فما بلغها يحيى عليه السلام بني إسرائيل، فإن الله كان يبعث في بني إسرائيل في الفترة الواحدة نبيين وثلاثة وأربعة وربما وجد العشرة من الأنبياء في فترة واحدة، فكان يحيى وعيسى عليهما السلام ابني خالة، وكانا مبعوثين في بني إسرائيل فتأخر يحيى فما بلغ، فقال عيسى عليه السلام: إما أن تبلغ ما أنزل الله إليك وإلا فاتركني أبلغ أنا، قال يحيى: أبلغ، فجمع بني إسرائيل وقام فيهم خطيباً فوعظهم. قال أهل العلم: كان يحيى عليه السلام دائم العبوس، لا يتبسم، وذلك: من حزنه، ومن تذكره للقاء الله، وكان عيسى عليه السلام كلما لقي أحداً تبسم له، ولذلك أخذ صلى الله عليه وسلم من هذا أنه يقول للصحابة إذا أرسلهم: {بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا} وأخوف الناس وأعلمهم بالله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان بساماً، وفي الصحيح أن جرير بن عبد الله قال: {ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي}.

مقتطفات من سيرة محمد بن سيرين

مقتطفات من سيرة محمد بن سيرين قال أهل العلم في ترجمة ابن سيرين رحمه الله: ومن مثل ابن سيرين؟! كنا نلقاه في النهار بساماً ضحاكاً، فإذا أظلم عليه الليل سمع جيرانه بكاءه من خشية الله، كان يبيع ويشتري في الزيت، وورد أنه أتت له جرار زيت، وقع فأر في جرة من الجرار، قيمة الجرار مائة ألف درهم، ووقع فأر في جرة فما درى أين الجرة، فأمر بإهدار جرار الزيت حتى لا يغش بها مسلماً، قالوا: وما وقع الفأر إلا في جرة. قال: ومن يؤمنني أنه في بعضها، أو أنه تلوث بعضها، ولا أعرف الجرة التي وقع فيها، فأتلف الزيت بمائة ألف، فعوضه الله صبراً وإيماناً ورفع منزلته، ولذلك يسمى التاجر الأمين، ولا يظن الناس أن العبادة ليست إلا بالذكر والصلاة، بل هناك عباد يدخلون الجنة من باب النفقة والصدقة، وهم التجار، ويفتح الله للعلماء باباً، ويفتح للدعاة، ويفتح للمصلين، وللمتصدقين، وللمجاهدين، وللصالحين، وللذاكرين؛ فانظر إلى بابك الذي تريد أن تدخل منه فادخل.

معنى: (لو بلغت ذنوبك عنان السماء)

معنى: (لو بلغت ذنوبك عنان السماء) قال عليه الصلاة والسلام: {يقول الله عز وجل: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عِنان السماء} وفي رواية: {عَنان السماء} العنان هو: الغمام، لو بلغت ذنوب العبد الغمام يعني: من الأرض إلى الغمام فتزاحمت وتراكمت حتى بلغت هناك فلقي الله عز وجل واستغفر لغفر له ولا يبالي سُبحَانَهُ وَتَعَالى، لأن الله لا يريد تعذيب العبد، لكن يطلب الله من العبد أن يذل ويخضع، وأن يرجع إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ليغفر له تبارك وتعالى. ورد في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه: لما كان في المسجد بعد صلاة العصر وأراد صلى الله عليه وسلم أن ينتقم من قريش؛ لنقضها صلح الحديبية؛ فإن نص المكاتبة أو مفهومها أن تضع الحرب أوزارها عشر سنوات إلا من ينقض العهد منهم، فإنه يكون المحروب والمنتقم منه، فنقضت قريش عهدها وميثاقها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشاً قتلت بعض أحلاف الرسول عليه الصلاة والسلام، فأراد أن يتثبت حتى يأتيه الخبر، فصلى صلاة العصر، وجلس صلى الله عليه وسلم يسبح والصحابة حوله، فدخل رجل من أحلافه -أتى من مكة - على جمل وقد قتلت قريش إخوانه وأبناءه، غدرت بعهد الله، ثم أتوا على أحلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في منى وفي الوتير فقتلوهم، فدخل وبيده عصا فقال: يا ربِ إني ناشدٌ محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا يقول: أين المحالفة والمكاتبة؟! نُقضت. فانصر هداك الله نصراً أيدا وادعُ عباد الله يأتوا مددا في فيلق كالبحر يجري مزبداً إن قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا وقتلونا ركعاً وسجداً فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: {اللهم إن قريشاً نقضت عهدك، اللهم فانصرنا عليهم} فمر السحاب من قبلة المسجد يتقطع كأنه قذائف يمر تجاه مكة، يقول صلى الله عليه وسلم: {هذا العِنان أبشروا بالنصر} قام عليه الصلاة والسلام واستقبل القبلة قال: {اللهم عم عليهم أخبارنا} على قريش، ثم استنفر صلى الله عليه وسلم أصحابه فكانوا عشرة آلاف مقاتل، المهاجرون فيما يقارب ألفاً، والأنصار في ألف، وسعد بن هذي في ألف، وجهينة في ألف، وأسد في ألف، ومزينة في ألف، وجعل صلى الله عليه وسلم على كل كتيبة قائداً، وأراد الخبر أن يكون مكتوماً وألا يصل إلى قريش. حاطب بن أبي بلتعه كتب إلى قريش فأمسكت الرسالة وقرأها صلى الله عليه وسلم ودعا حاطب بن أبي بلتعه قال: {ما حملك؟ فأخبره الخبر، فقال عمر: يا رسول الله! دعني لأضرب عنقه فقد نافق، قال: يا عمر! وما يدريك لعلَّ الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فدمعت عينا عمر} ولم يدر كفار قريش، وما أتاهم خبر، ولا علموا حتى طوق صلى الله عليه وسلم مكة. جبل أبي قبيس في ليلة من الليالي يقول عليه الصلاة والسلام للجيش: {إذا وصلتم فليشعل كل واحد منكم ناراً} هم عشرة آلاف يعني: عشرة ألف نار، فنزلوا فاحتلوا جبل أبي قبيس وجبل قينقاع والثنية السفلى والثنية العليا وكديم وكل مكان، وبعد صلاة المغرب أوقدوا النيران وإذا بـ مكة تضطرم ناراً كلها، فخرجوا من بيوتهم لا يعلمون ماذا هناك، فيقول أبو سفيان للعباس عم الرسول عليه الصلاة والسلام: ما هذا؟ قال: لا أدري؛ والعباس لم يدر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا أن يعمي الله عليهم أخبارهم، قال: أظن أنها خزاعة، قال: خزاعة أقل وأذل من ذلك، فأتى الخبر أنه صلى الله عليه وسلم ثم كان الفتح، حتى يقول حسان قبل المعركة بأشهر يقول: فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء يقول: اتركونا نعتمر ندخل البيت. وإلا فاصبروا لجلاد يوم يعز الله فيه من يشاء عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع مطلعها كداء يقول: جعل الله خيلنا ما تعود إلينا. عدمت خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء ينازعن الأسنة مصعدات على أكتافها الأسل الظماء تظل جيادنا متمطرات يلطمهن بالخمر النساء لما دخل صلى الله عليه وسلم الحجون، فإذا بالخيل تأتي من كداء منطلقة وهي خيل خالد بن الوليد لأنه أتى من كداء، وإذا هي تلهث، وإذا نساء مكة يأخذن الخمر من رءوسهن -كأن حسان شهد الوقعة- ثم تمسح المرأة وجه الفرس بالخمار وذلك لعزتها، فيتبسم عليه الصلاة والسلام ويلتفت لـ أبي بكر ويقول: {كيف يقول حسان؟} لأنه عليه الصلاة والسلام ما كان يحفظ الشعر {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69] كان يكسر الأبيات، لأنه لو كان يحفظ الشعر كانت قالت قريش: كان ينظم القرآن شعراً. فيقول صلى الله عليه وسلم: {كيف يقول حسان؟} يقوله لـ أبي بكر وأبو بكر كان نسابةً، علامةً، داهية، قال: يقول: عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء فتبسم صلى الله عليه وسلم، وسره هذا. وفي تفسير قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} [الواقعة:66 - 69] قال عليه الصلاة والسلام: {ما هذا؟ قالوا: غمام يا رسول الله! قال: والمزن. قالوا: والمزن يا رسول الله! قال: والعنان؟ قالوا: والعنان} فالعنان هو: الغمام، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: لو بلغت ذنوبك أيها العبد عنان السماء ثم جئت لا تشرك بالله شيئاً -أو استغفرته- غفرها لك سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

أحاديث فيها بشرى للمؤمن

أحاديث فيها بشرى للمؤمن هنا أحاديث لا بد أن نعيش معها في الاستغفار والتوبة، وهي مبشرات تُدفع لكل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، وصراحة أننا نعلن عجزنا وضعفنا وقلتنا، ونسأل الله ألا يفضحنا على رءوس الأشهاد؛ فإنَّا أهل ذنوب وخطايا وسيئات لا يعلمها إلا الله، لكننا نسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يكفر عنا سيئاتنا، ويتقبل منا أحسن ما كنا نعمل في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون، {كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون}.

حديث من أذنب ذنبا ثم استغفر الله

حديث من أذنب ذنباً ثم استغفر الله الحديث الأول: حديث أبي بكر الصديق الإمام المعتبر رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من ألمَّ بذنب -أي: من أصاب ذنباً سواء كبير الذنب أو صغيره- فتوضأ وصلى ركعتين ثم استغفر الله من ذاك الذنب، إلا غفر الله له} روى هذا الحديث الإمام أحمد وهو حديث صحيح عند جماهير المحدثين، ولذلك يقول علي لما رفعت له البشرى من أبي طالب يقول: {كان الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حدثني الحديث استحلفته -يقول: احلف لي- فإن حلف صدقته، وحدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر} لا يستحلف أبا بكر، من يستحلف أبا بكر؟! قال بعض المفسرين: في قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33] الذي جاء بالصدق هو رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي صدق به هو أبو بكر، فكيف يُستحلف أبو بكر!! فقال: {وصدق أبو بكر أن العبد إذا أذنب فتوضأ وصلى ركعتين غفر الله له ذاك الذنب}.

دعاء علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر

دعاءٌ علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وفي الصحيحين عن أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه قال: {قلت: يا رسول الله! علمني دعاءً أدعو الله عز وجل به في صلاتي}. ما أحسن هؤلاء الصحابة! وما أرضاهم رضوان الله عليهم! والذي يريد أن يعرف الإسلام فليقرأ سيرهم، بساطة ويسر وسهولة. فدله صلى الله عليه وسلم على دعاء قال: {فقال قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم} فكان أبو بكر يقولها دائماً؛ أبو بكر الذي جاهد في سبيل الله وأنفق أمواله ودمه ووقته وكل شيء، يقول: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً. وبعض الناس مغتر بالله عز وجل، حتى إذا قلت: سدد وقارب وعليك أن تكثر من الذكر، قال: الحمد والشكر لله، نصلي، ونصوم، وكم حججنا! وكم اعتمرنا! وكم تصدقنا! ونعدد على الله؛ وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه خائف من الله، حتى أنه كلما سمع القرآن بكى. تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها في صحيح البخاري: لما قال عليه الصلاة والسلام: {مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس، فقالت: يا رسول الله! إن أبا بكر رجلٌ أسيف -حزين لا يملك عينيه من البكاء، متى ما يقم مقامك لا يسمع الناس من البكاء- فقال عليه الصلاة والسلام: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صويحبات يوسف} فكان من خوفه ومن وجله لا يسمع الناس قراءته من بكائه رضي الله عنه وأرضاه. فيقول صلى الله عليه وسلم: {قلْ: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً-وفي لفظ: كبيراً-}. قال النووي في كتاب الأذكار: اجمع بينها في الدعاء قل: كثيراً وكبيراً، والصحيح أنه لا يجمع بينها فقل إما: كثيراً أو كبيراً؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما قال لـ أبي بكر إلا كثيراً أو كبيراً، ومن حسن نية الإمام النووي أن يريد حفظ الروايتين، لكن لك أن تدعو بها مرةً كثيراً ومرةً كبيراً. {اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم} هذا من الدعاء الذي حفظ لنا، والذي ينبغي على العبد أن يلازمه كثيراً، وأحسن ما يكون في العبد المسلم أن يستغفر من الذنب، وأن يعلن التوحيد؛ ولذلك يجمع إلى الله عز وجل التوحيد كثيراً والاستغفار، يقول جلَّ ذكره: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. وعند أبي يعلى في المسند قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يقول الشيطان: أهلكت الناس بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار}. وورد أنه قال عليه الصلاة والسلام: {جددوا إيمانكم. قالوا: ماذا نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا لا إله إلا الله} فتجديد الإيمان بلا إله إلا الله، وتصفيته بالاستغفار، فالاستغفار مقرون بالتوحيد، ولذلك يقول يونس بن متى عليه السلام لما وقع في ظلمات ثلاث: ظلمة البحر، وظلمة الحوت، وظلمة الليل، قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] فهو اعتراف مع توحيد.

حديث سيد الاستغفار

حديث سيد الاستغفار في صحيح البخاري عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت} معنى أبوء: أرجع، يقول العبد وهو ينادي الله: يا رب! أنت الرحيم الغفور أبوء لك أي: أرجع لك بأمرين، من شر ما صنعت ونعمة منك، فمني أنا خطيئة ومنك نعمة وعطاء، فأنت صاحب الجميل والمعروف، فما دام أنك أنعمت عليَّ وكرمتني وخلقتني ورزقتني فكمل من إكرامك وإنعامك بمغفرة ذنوبي، أجل ليس من العبد شيء، النعمة من الله، والتقصير من العبد، يقول: أرجع إليك بإحدى اثنتين بذنب مني ونعمة منك، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: السائر إلى الله عز وجل يسير بنظرين: نظر في جلال النعمة من الله عز وجل، ونظر في عيب النفس والعمل وتقصيرها، فأنت تعود إلى الله بذلك، وقد سبق في كتاب الزهد للإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {يقول الله تبارك وتعالى: عجباً لك يا بن آدم! ما أنصفتني! خلقتك وتعبد غيري! ورزقتك وتشكر سواي! أتحبب إليك بالنعم وأنا غنيٌ عنك، وتتبغضُّ إليَّ بالمعاصي وأنت فقيرٌ إليَّ! خيري إليك نازلٌ وشرُّك إليَّ صاعد!} فهذا مفهوم العبد المسلم، يوم يعرض نفسه على الكتاب والسنة يجد أن ما عنده حول ولا طول ولا قدم شيئاً إلا التقصير والذنب والخطيئة. قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[اجلسوا إلى أفواه التائبين فإنهم أرقُّ أفئدة]] وإذا أراد الله أن يكسر العبد، ويكسر قلبه وكبره وعتوه وجبروته كتب عليه الذنب، فيذنب فينتهي الغرور، والغطرسة، والكبر، والعتو، والجبروت، ويعود ذليلاً، يعرض على ربه وعلى عتبات مولاه نفسه وروحه، فإذا أراد الله أن يترك العبد تركه؛ ولذلك بعض الناس بالطاعات يزهو ويتكبر وتعجبه نفسه، ويرى أن الناس في شقوة دائماً، وإذا جلس في مجلس أخذ يهتك أعراضهم ويقول: نسأل الله العافية، فلان مقصر، فلان نسأل الله أن يعافينا مما ابتلاه، فلان كذا وكذا. قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: {من قال: قد هلك الناس فهو أهلكَهم} وفي لفط: {هو أهلكُهم} ومعنى هذا: يقول من قال: أن الناس قد هلكوا، وكثرت المعاصي، وأنهم شردوا عن الله، فعلامة ذلك أنه معجب بنفسه، وأنه مغرور، فهو أهلك الناس، أو على لفظة: هو أهلكهم، يعني: هو الذي أهلكهم بهذا الكلام؛ لأن بعض الناس إذا سمع بفاحشة، أو حد أقيم، أو إنسان تناول مخدرات، أو إنسان -نسأل الله العافية- زنا، يجلس في المجلس ويقول: ما سمعتم فلان بن فلان من آل فلان يقولون: إنه ارتكب فاحشة، وينتقل في المجلس هذا، وفي هذا، ويعرض الفاحشة، ليهونها في قلوب الناس؛ لأن الرأي العام كلما تحدث عن الفاحشة هانت الفاحشة في قلوب الناس، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور:19] ولذلك كان من الحكمة ألا يتحدث في ذلك كثيراً، أنا لا أقول: نسكت، ونغلق أعيننا، ونسد على آذاننا، ونقول: الناس ما شاء الله تبارك الله على عصر الصحابة، التفاح والموز والبرتقال يباع في السوق بأرخص الأثمان ونعمة من الله جليلة، لأن بعض الناس يرى الموز والتفاح والبرتقال أفضل نعمة، وهي إذا وجدت في الأسواق وتوفرت بالأثمان الرخيصة فالأمة في الرقي، وفي العظمة، وفي الدرجة الأولى، وهذه نَعْمة ليست بنِعْمة، النِعمة مع هذه النَعمة أن تتصل القلوب، وأن تمتلئ المساجد، وأن ترى الناس في صلاة الفجر، وأن ترى القرآن يُعمل به، وأن ترى مدارس تحفيظ القرآن متجهة ومقومة، وأن ترى الكتاب والسنة يقرأ ويتدارس، وحلقات العلم حية، والدعوة قوية، وأن ترى الفواحش وأهل الضلالة وأهل الباطل مقموعين؛ هذه هي النعمة؛ أما أن نخدع أنفسنا ونطلي أجسامنا بالزيت، ونقول: ما شاء الله تبارك الله وإنما نحن في سلام، لا ينبغي هذا المنهج، والمنهج الآخر أن نكون كلما جلسنا في مجلس قلنا: هذا المجتمع كله في ضلال، ولا يغرك إقبال الناس في المساجد، ولا تغرك الصلاة، ولا تغرك الدعوة، ولا تغرك كذا، لا، بين وبين؛ مثل منهج الكتاب والسنة، ومن قومه الله سدده.

استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم

استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم وجاء من حديث أبي هريرة كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إني لأستغفر الله وأتوب إليه أكثر من سبعين مرة} وورد عن الأغر المزني: {يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه فإني أستغفر الله أكثر من مائة مرة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. قال ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه وهو يجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كان يعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة من قبل أن يقوم: رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم} فإذا عُلم هذا فإنه ينبغي علينا أن نكثر من الاستغفار، وأن نلتجئ إلى الله عز وجل، وأن نطرح ذنوبنا، وأن نعلن عجزنا وتقصيرنا عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

من قصص الخائفين من الله

من قصص الخائفين من الله الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقوم الناس بالحدود في المدينة، لم يكن مقصود الحدود أن تنهي المعاصي لأنها مقدرة من الله، لكن أن تقوِّم سلوك الناس وتؤدبهم.

قصة الغامدية

قصة الغامدية فأتي إليه صلى الله عليه وسلم بامرأة قد زنت، ولا يعني ذلك أن المسلم إذا فعل المعصية فقد خرج من الإسلام كما تقول الخوارج نسأل الله العافية! {أُتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشارب خمر، مرات كثيرة، فيقول أحد الصحابة للشارب هذا: أخزاك الله ما أكثر ما يؤتى بك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تقل ذلك، لا تُعِن الشيطان على أخيك، فإني والله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله} فانظر إلى الحب كيف بقي مع المعصية، فهو عليه الصلاة والسلام يعرف أنه سوف يحدث هذا الأمر. وامرأة ورد في السنة ذكرها وورد حدها في القرآن في سورة النور، أتت هذه المرأة من دون أن تستدعى، ودون أن يُخبر بها صلى الله عليه وسلم فإذا هي مقبلة وهي حامل، وانظر إلى الإيمان كيف ارتقى في قلبها، فسألت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطهرها، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما كأنه سمع، يريد أن يدرأ الحدود بالشبهة، يقول: {ادرءوا الحدود بالشبهات}؛ يعني: تصامم عليه الصلاة والسلام، فأتته من على يساره فطلبت التطهير، فتصامم عليه الصلاة والسلام، يريد أن يستر الناس، حتى يقول على المنبر: {يا أيها الناس! من ابتلي منكم بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله} فأخذت تقول: يا رسول الله! تريد أن تردني كما رددت ماعزاً، ثم حلفت بالله أنها وقعت في الفاحشة، فقال صلى الله عليه وسلم: {عودي حتى تضعي حملك} علَّها ربما تنكر، أو تسكت، أو تنسى، فعادت والإيمان مرتفع عندها، وتقوى الله عز وجل في قلبها، فلما وضعت أتت بابنها في لفائف وعرضته عند الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: {عودي حتى ترضعيه} علَّها تنسى، أو تترك، أو لا تطلب إقامة الحد، فعادت حتى فطمته بعد سنتين وبيده كسرة خبز، فأتت به وعرضته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتفت عليه الصلاة والسلام، وأراد عليه الصلاة والسلام أن يدرأ، ولكنها صمدت وطلبت إقامة الحد والتطهير، ما معنى إقامة الحد؟ ترمى بالحجارة حتى تموت؛ لأنها ثيب، ليس بالسيف، أو بطلقات نارية قد يقتل الإنسان في فترة، لكن تضرب بالحصى حتى تموت، فقال عليه الصلاة والسلام: {من يكفل هذا الصبي وهو معي في الجنة كهاتين} فأخذه رجل من الأنصار، وأرسل صلى الله عليه وسلم الصحابة ليرجموا المرأة، وهم في الطريق صممت، وآمنت بالله، وبموعود الله، وبما عند الله، فنصبوا لها وحفروا لها ثم بدأت الحجارة عليها حتى نضخ دمها على خالد رضي الله عنه وأرضاه، فتكلم عليها، فقال عليه الصلاة والسلام: {مهلاً يا خالد! لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم} معنى ذلك: بسبعين من العصاة المردة الفجرة ما هو بسبعين من الصحابة، {لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم -وفي لفظ: لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم هذه التوبة} وفي لفظ: {مهلاً يا خالد! فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر الله له}؛ ثم قال صلى الله عليه وسلم: {فوالذي نفسي بيده لقد رأيتها تنغمس في أنهار الجنة} لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136] فما جزاء المذنب إلا أن يستغفر ويعود إلى الله عز وجل. في كلام لأحد العلماء في ظلال هذه الآية يقول: يا سبحان الله! يثقل الدم واللحم عند بعض الناس فيقع في الفاحشة، ثم يتذكر عظمة الله، وموقف الله، والعرض على الله؛ فيتوب إلى الله عز وجل، فيحببه ويقربه مولاه!! أو كما قال. المقصود: أن هؤلاء النماذج التي عاشت مع الرسول عليه الصلاة والسلام ما منعهم ذلك إلا أن يتوبوا ويستغفروا إلى الله الواحد الأحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

قصة رجل من بني إسرائيل خائف من الله

قصة رجل من بني إسرائيل خائف من الله في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: {كان في من كان قبلكم رجلٌ من بني إسرائيل أسرف على نفسه} أي: وقع في الإسراف في الذنوب، بقي معه التوحيد والإيمان، أما لو كان مشركاً فهذا خالد مخلد في النار، لن يدخله الله الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، أبداً حرامٌ عليه الجنة، لكن وقع في ذنوب، فلما حضرته الوفاة، وكثير من الناس كما يقول الكتبة العصريون: لا يتذكرون الله، في غفلة وسكار وفي خمار حتى يصرعون في مصرع الموت، ثم يستفيقون، ونقلت لنا أخبار أن كثيراً من الناس لما أتاهم اليقين وأتاهم الموت، استفاقوا قبل سكرات الموت ثم أخذوا يبكون، قالوا: مالكم؟ قالوا: فعلنا، وفعلنا، وفعلنا، فأتى الحساب، قال: الناس في سكار حتى يحضرهم الموت فيستفيقون، ولذلك يقول عبد الحق الإشبيلي في كتابه العاقبة: المعتصم الخليفة العباسي لما حضرته الوفاة، بكى بكاءً طويلاً لا يعلمه إلا الله، فقالوا: مالك؟ قال: كم عمري؟ قالوا: عمرك ثمان وأربعون. قال: أموت اليوم؟ وكان في سكرات الموت- قالوا: تموت. قال: والله لو أدري أن عمري قصير ما فعلت ما فعلت؛ سفك الدماء، وفعل ما فعل وأمره عند الله، يقول: لا أدري أني سوف أموت الآن، فالناس كثير منهم لا يستفيق إلا في سكرات الموت، وهذا حدث لـ عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي لما حضرته الوفاة قام يتقلب ويبكي ويقول: يا ليتني كنت غسالاً، يا ليتني ما عرفت الخلافة، يا ليتني كنت في البادية، فسمع سعيد بن المسيب -أحد الزهاد والعباد والعلماء- قال: [[الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا وقت الموت ولا نفر إليهم]]. فالمحاسبة في الدنيا ليست عند سكرات الموت، بل على الإنسان أن يراجع حسابه قبل أن يأتيه الموت؛ قال تعالى: {وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:22] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]. {فلما حضرت هذا الرجل الوفاة استعرض أبناءه فقال: كيف أنا لكم؟ قالوا: خير الآباء} وهذا فعل بعض الناس، تجده مع أبنائه وزوجته ومع جيرانه من أحسن الناس خلقاً، ليناً، سهلاً، بشوشاً، صاحب هداية، وصدقات، وبر، ومعروف، وكرم، يعزم هذا، ويذبح لهذا، ويضيف هذا، ويخدم هذا بماله وبسيارته؛ لكنه فاجر مع الله، لا يصلي في المسجد، ولا يعرف القرآن، ولا يعرف الانصياع إلى كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، يا سبحان الله! من أولى بالإكرام؟ أأهلك، وزوجتك، وجيرانك، أم الحي القيوم؟! الأولى برد الجميل الذي خلقك وأعطاك ما تتمتع به، وهذا كثير في الناس؛ فإنهم عندهم حسن خلق لكنهم لا يعرفون المساجد، ولا الاستقامة ولا الدين، لكنك لو طلبته في شيء سكب لك دمه في إناء من الحب، أما أن تقوده إلى المسجد فكأنك تجرجره بسلسلة محمية بنار، ومقلب القلوب هو الواحد القهار، فلو أراد أن يكمل الله هذا العبد؛ لأعطاه من الإيمان ما يجعله محبوباً عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وعند الناس. فهذا الرجل لما حضرته الوفاة قال: {يا أبنائي! أيُّ أبٍ لكم؟ قالوا: من خيرة الآباء، قال: فإني ما فعلت مع الله جميلاً -كنت أتظاهر لكم وللناس بالحسن وإذا خلوت مع الله عز وجل انتهكت محارمه- فإذا أنا مت -إذا حضرتني الوفاة- فاجمعوا لي حطباً، وأشعلوا لي ناراً}. هذا في الصحيحين، وتكلم عنه ابن تيمية في الرسائل والمسائل والرد على البكري والمسائل الماردينية، وهو من أصول المعتقد، فيه مسائل لا بد أن نقف عندها. قال: {فاجمعوا لي حطباً، فإذا جمعتم لي حطباً فأشعلوه في النار، ثم أحرقوني، ثم اسحقوني، ظن أنه سوف يفوت على الحي القيوم- قال: فإذا سحقتموني فذروني في يومٍ فيه ريح} -يعني: ليس أي يوم، لكن يوم فيه ريح قوية هوجاء تنثر جسمي في كل مكان، أوقدوا له النار، واشعلوها، ثم أحرقوه حتى أصبح حمماً كالفحم، ثم سحقوه فلما سحقوه عرضوه للريح فأخذته في كل مكان -لكن الذي بدأه أول مرة، والذي إذا أراد أن يقول له: كن، فيكون، {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3] فجمعها الله بكلمة كن، ما قال للملائكة: اجمعوا لنا رميم هذا العبد، وأحضروه بعد ساعتين، إنما قال: كن رجلاً، أي: مثلما كان فكان كما قال تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40] فإذا الرجل أمامه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد حاسبه وتكلم معه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والله يتكلم بما شاء متى شاء سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال: يا عبدي! ما حملك على ما صنعت؟ سبحان الله! يقرر الله العبد، ويحاسبه، ويكلمه، وكما جاء في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم {ما منكم من أحدٍ إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان} سوف يكلمك الله ليس بينك وبينه ترجمان، ويقول: {أما فعلت كذا وكذا يوم كذا كذا، أما فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا} فإن كنت من أهل الستر -نسأل الله أن يسترنا وإياكم- قال الله: {لقد سترتها لك في الدنيا وغفرتها لك اليوم} وأما إن كان من المجاهرين، المتعدين، المنتهكين للحدود، المنتهكين للحرمات، فهذا أمره لله عز وجل. {قال: يا عبدي! ما حملك على ما صنعت؟ -وسدده الله للجواب، الجواب كان سليماً جيداً- قال: يا رب! خفتك وخشيت ذنوبي. فقال الله: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة} وهذا الرجل قصته عجيبة، قال ابن تيمية: قد شك في القدرة؛ لأنه ظن أن الله لن يجمعه، لكن توبته كانت كبيرة عظيمة طغت على هذا الشك وعلى تلك الذنوب التي زحفت. والذي نطلبه أن نعود إلى الله عز وجل عوداً حميداً، أما أن نأتي ونستعرض ذنوبنا وخطايانا فنحن في ستر الله عز وجل، ونعلن عجزنا وتقصيرنا وما منا شيء أبداً، ومن تصدق أو صلى أو صام فإنما يفعل لنفسه، ومن أعرض عن الله، فالله غني عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فهذا هو الرجل الذي ذكره عليه الصلاة والسلام، وتلك هي المرأة التي عرضت نفسها على رسول الله عليه الصلاة والسلام.

علاقة الدعاء بالعبادة

علاقة الدعاء بالعبادة الشق الثاني في هذا الحديث: الدعاء. يقول عليه الصلاة والسلام: {قال الله عز وجل: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني} فالدعاء له آداب، وهو من أفضل العبادة، وقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث فيه بعض المقال في الترمذي: {الدعاء مخ العبادة} والذي يصح من هذه الأحاديث: {الدعاء هو العبادة} وإذا رأيت العبد يكثر الدعاء كثيراً كثيراً؛ فاعرف أنه متجه إلى الله، وأنه كثير الإيمان.

قصة لرجل في الصحراء

قصة لرجل في الصحراء أحد الناس يقول: نزلت في قفرة أنا وأهلي وانقطع عنا الماء وكنا في بادية، فذهبت لألتمس في وديانٍ أخرى فما وجدت شيئاً، فالتمست في مكانٍ يمنة ويسرة فما وجدت شيئاً، فعدت إلى أهلي فوجدت أطفالي كادوا يتلفون من الظمأ، وأوشكوا على الموت، قال: فتفكرت ثم تذكرت أن الحي القيوم بيده خزائن السموات والأرض، وكان مؤمناً {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاه} [النمل:62] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] قال: فانقطعت كل الحيل التي حولي في الوديان، قال: فتيممت وصليت ركعتين ثم رفعت يدي ودمعت عيناي. قال: والذي لا إله إلا هو -وهو صادق، ويعرف الإيمان، والصدق والنضوج -في وجهه- ما غادرت مكاني إلا وغمامة فوق رأسي وما كان في السماء شيء قال: ثم مطرت على الوادي الذي أنا فيه حتى امتلأت الغدرة. وهذا لا يحتاج إلى إثبات، والسنة والآثار والتاريخ فيها أكثر من ألف قصة {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاه} [النمل:62].

رجل أرسل الله له ملكا ينقذه

رجل أرسل الله له ملكاً ينقذه ويكفي كما تعلمون أن كثيراً من أهل العلم أوردوا قصة الرجل الذي خرج في تجارة، فعرض له لص مجرم في الطريق فأخذه معه، وقال: أوصلني إلى ذاك المكان بالأجرة، فصدقه فمشى معه، فلما مشى معه؛ فإذا بهذا المجرم معه خنجر فأخرجه، وقال: والله لأقتلنك الآن، لكن ادفع ما معك من مال؟ قال: أسألك بالله ما مع أهلي إلا أنا، قال: حلفت أن أقتلك؛ لأنه لو تركه وأخذ ماله أخبر الناس بوجود لص في الوادي، فقال: دعني أصلي ركعتين. قال: صلِّ واستعجل. قال: فقمت فتوضأت في ذاك الوادي، وقمت أصلي ركعتين، قال: والله لقد نسيت كل شيء في القرآن إلا قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاه} [النمل:62] قال: فكررتها، فلما انتهيت من الركعتين وإذا بفارس على فرس من آخر الوادي بيده خنجر كالمشعف قال: فأطلقه على هذا اللص، فوقع في لبته، فإذا هو يسقط على قفاه مقتولاً. قلت: أسألك بالله من أنت؟ قال: أنا رسول {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاه} [النمل:62] لما دعوت الدعوة الأولى كنت في السماء السابعة، ودعوت في الثانية فكنت في الرابعة، ودعوت الثالثة فكنت في الأرض، فالله عز وجل يقول: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاه} [النمل:62].

رجل يطارده جمل في الصحراء فيرى أمامه ثعبان

رجل يطارده جمل في الصحراء فيرى أمامه ثعبان هناك قصة وهي من ثقات اشتهرت بين الناس وأوردوها في بعض الأخبار الموجودة العصرية وهي: أن شخصاً كان في البادية طارده جمل، قال: فمشيت في الصحراء والجمل ورائي يطردني -والجمل إذا طاردك فلا يعصمك إلا رب السموات والأرض، إلا أن يكون هناك جبل ترتقي فيه، أو مكان -قال: فأخذ الجمل ورائي، حتى كاد نفسي ينقطع، فإذا هو ورائي ما يغادرني أبداً، قال: فقلت على لساني: يا من يجيب المضطر إذا دعاه! قال: فعرض لي في الأرض شق فنزلت فيه، قال: يكفي الإنسان وزاد شيئاً، قال: فلما دخلت فيه جاء الجمل فجلس على ركبته حتى يلاحقه، قال: فيدخل رأسه فكنت أقول: يا من يجيب المضطر إذا دعاه! قال: وإذا بشيء يضايقني بجانبي، وأنا في هذا الثقب وهذا الشق، قال: فالتفت إليه فإذا هو ثعبان أسود، قال: فإن بقيت فالثعبان معي، وإن خرجت فالجمل فوقي، هذا نتيجة يا من يجيب المضطر إذا دعاه! سبحان الله! بل الله عز وجل أكرم وأجلَّ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال: فبقيت أقول: يا من يجيب المضطر إذا دعاه! قال: فخرج هذا الثعبان، كان يتكي على كتفه وهو يخرج، لكن هنا موت وهنا موت، قال: فخرج ثم أخذ بأنف الجمل، قال: فرأيته يتعاصر هو والجمل، فخرجت أنا بحفظ الله ورعايته، وبعد فترة وإذا بالثعبان ميت والجمل ميت، وأنا أقول: هذه من تجارب الناس التي لا ننقلها حدثنا فلان عن فلان لكنها موجودة وملموسة ومحسوسة يجدها من يتصل بالحي القيوم، قل يا من يجيب المضطر إذا دعاه! وفي القرآن أهول من هذه القصص، فإن إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار بالمنجنيق قال الله تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] فكانت برداً وسلاماً، وصاحب الحوت نجاه الله من البحر وأنبت عليه شجرة من يقطين، فخرج بعد أن دخل في بطن الحوت، وأكلته وابتلعته؛ لأنه قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]. فإذا رأيت العبد يكثر من الدعاء فاعرف أنه قريب من الله، وأن الله عز وجل سوف يقربه.

أوقات يستحب الدعاء فيها

أوقات يستحب الدعاء فيها وأحسن أوقات الدعاء يا أيها المسلمون!

أدبار الصلوات

أدبار الصلوات سئل عليه الصلاة والسلام كما في مسند أحمد {أيُّ الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الغابر، ودبر الصلوات} ويقول عليه الصلاة والسلام لـ معاذ {لا تنس أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك}.

في السجود

في السجود في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجداً، فأكثروا من الدعاء؛ فقَمِنٌ أن يستجاب لكم} فإذا وضعت رأسك في الأرض ساجداً بعد أن تقول: سبحان ربي الأعلى، فعليك أن تدعو بما تيسر. يقول الأندلسي وهو يوصي ابنه: وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون ابن متَّى وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا فإذا وضعت رأسك في الأرض فعليك بالدعاء، فإن الله قريب منك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، حتى يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] ما قال: إذا سألك عبادي عني فقل: إني قريب؛ لأن (قل) يقولون: تفصل بين القرب من الله والعبد، ولكن للمباشرة والمفاجأة لقربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ترك (قل) وقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186]. قال أحد الصالحين: جلست إلى معروف فسمعته يقول في مجلسه: واغوثاه ألف مرة، واغوثاه، واغوثاه، قلت: ما معنى واغوثاه؟ قال: أستغيث بالله، أما سمعته في القرآن يقول: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:9] فالإنسان كما يقول الحسن البصري رحمه الله: [[المسلم في الحياة كالغريق. أي شيء يتمسك به]] الغريق في البحر إن عرضت له خشبة قفز عليها، إن رأى خيطاً ولو لم يكن شيئاً تمسك به، وإن رأى شجرة ولو ضعيفة تمسك بها، فنحن كالغرقى ما علينا إلا أن نتمسك بشيء من ذكر، وصلاة، ودعاء، واستغفار، وعلينا دائماً أن نرفع أكفنا إلى الله عز وجل، والعجيب أن عند الترمذي في السنن عن سلمان رضي الله عنه وأرضاه؛ حين افتخر الناس بآبائهم وأمهاتهم وأجدادهم فقالوا: من أنت؟ قال: أنا ابن الإسلام. قال الذهبي في ترجمته: سلمان بن الإسلام، أبوه هو الإسلام، ويقول: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم فيقول سلمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يستحيي من أحدكم إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً} لا أكرم من الله عز وجل، ولا يمكن أن يكون هناك أكرم منه تبارك وتعالى فلا يمكن أن ترفع يديك إليه وتعود بخفي حنين، وبالمناسبة هذه الجملة تسمعونها كثيراً، وكثير منكم يعرف المثل: مرَّ بـ حنين صاحب ناقة، فأراد حنين أن يعطيه الحذاء ويأخذ الناقة، فعرض له الحذاء، فمر صاحب الناقة بحذاء واحدة -وكان طماعاً- فقال: حذاء واحدةٌ لا تنفعني، فمر قليلاً فرأى الحذاء الثانية، فبرك ناقته مكانها وأناخها، وأخذ هذه وعاد يأخذ الثانية، فأخذ حنين الناقة وذهب ذاك بخفي حنين، فإذا قالوا: رجع بخفي حنين، فإنهم يعنون أنه لا يعود إلا بشيء زهيد، والله عز وجل لا يعيد العبد إلا بشيء إذا لم يدع بثلاث: إما ببلاء عام أو بقطيعة رحم أو بإثم، وإذا أخلص الدعاء وأكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم في دعائه، وإذا ألحَّ وأكثر، ودعا من قلبٍ صادق، لأن بعض الناس يبايع ويشاري في السوق، ويقول: اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا، وقلبه ليس في المغفرة ولا في الرحمة ولا في التوبة، ولكن ورد عن ابن مسعود: [[إن الله لا يقبل الدعاء من قلبٍ غافلٍ لاهٍ ساهٍ]] وبعضهم يرفع الحديث، فالواجب القصد والاتجاه والإخلاص وكثرة الدعاء. أسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاه، وأن يبيض وجوهنا وإياكم بنور الإيمان، وأن يتولانا في من تولى، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إمام أهل السنة أحمد بن حنبل

إمام أهل السنة أحمد بن حنبل الإمام أحمد بن حنبل علم من أعلام أهل السنة، وكما نصر الله الإسلام بأبي بكر في يوم الردة فكذلك نصر الله الإسلام في يوم المحنة -محنة خلق القرآن- بأحمد بن حنبل، فحري بكل من يحب السنة وأعلامها أن يطلع على تاريخ الإمام أحمد حتى يدرك عظمة هذه السنة التي يحبها، وذلك من خلال التضحيات التي قدمها علماء الإسلام في سبيل المحافظة على صفائها ونقائها

نشأة الإمام أحمد

نشأة الإمام أحمد الحمد لله القائل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:30 - 33]. والصلاة والسلام على رسول الله؛ أفصح من بلغ عن الله، وأصدق الناس مع الناس، وأنصح الناس للناس، صلى الله على لسان الصدق الذي بلغ الدعوة العالمية إلى الناس، وأذن الخير التي وعت وحي السماء فبلغته بأمانة، صلى الله عليه وسلم ما اتصلت أذن بخبر، وما تعلقت عينٌ بنظر، وما غرد قمريٌ على شجر، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ شهادةً أدخرها لي ولكم ليوم العرض على الله. أمَّا بَعْد: فيا أيها الناس! إن سير الصالحين مدرسةٌ أسسها القرآن، ووعتها السنة، ومعنا في هذا اليوم صالح من الصالحين، بل إمام الدنيا، وحافظ العصر، أحفظ أمة محمد صلى الله عليه وسلم للحديث، وعت الدنيا اسمه، وحفظت القلوب رسمه، ما أظن هناك مسلماً يصلي خمس صلوات في اليوم والليلة إلا ويعرف هذا الإمام، حتى أعداؤه من الكفار والمنافقين يعرفونه إلى قيام الساعة؛ هو الإمام أحمد بن حنبل، إمام السنة الواقف يوم المحنة الزاهد فيما سوى الله، المتقن للحديث، فمن هو الإمام أحمد؟! علنا نقتدي بشيء من سيرته، فإن لم نستطع فلنحبه في الله، فإن المؤمن يحشر مع من أحب، والخليل على دين خليله، والله عزوجل يقرن الأصناف مع أصنافهم، والأنواع مع أنواعهم، والأشباه مع أشباههم: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة

مولده وطفولته وحفظه للقرآن

مولده وطفولته وحفظه للقرآن ولد الإمام أحمد في آخر القرن الثاني، وعاش في بيتٍ فقير، مات أبوه وهو طفل، فتكفلت أمه الزاهدة العابدة الصائمة القائمة بتربيته، وهذا دور المرأة يوم أن تكون صالحة، ويوم أن تكون عابدة، ويوم أن تكون مستقيمة، ينشأ أطفالها على لا إله إلا الله، ويحبون الله ورسوله، ويحبون كتاب الله، وينقادون إلى بيوت الله. قال أحمد رحمه الله: فحفظتني أمي القرآن وعمري عشر سنوات، فحفظ كتاب الله واستوعاه في صدره، ففرت الوساوس والشياطين من صدره، فأصبح عابداً لله. وفي الأثر: {من حفظ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه}.

رعاية أمه له

رعاية أمه له قال أحمد رحمه الله: كانت أمي تلبسني اللباس، وتوقظني، وتحمي لي الماء قبل صلاة الفجر وأنا ابن عشر سنوات، ثم كانت تتخمر وتتغطى بحجابها وتذهب معه إلى المسجد؛ لأن المسجد بعيد، ولأن الطريق مظلمة، فانظر إلى المرأة الصالحة. لقد عاش في هذا الجو، وفي هذا البيت، وكان كل همه أن يعبد الله بكلام الله، وأن يكون عبداً خالصاً لله.

رحلته في طلب الحديث

رحلته في طلب الحديث قال: فلما بلغت السادسة عشرة من عمري، قالت لي أمي: اذهب في طلب الحديث، فإن السفر في طلب الحديث هجرة إلى الله الواحد الأحد. قال: فأعطتني متاع السفر. أتدرون ماذا أعطته من الزاد؟! كم أعطته من الألوف؟! كم أعطته من الدراهم والدنانير؟! ما كانت تملك شيئاً، وإنما صنعت له ما يقارب عشرةً من أرغفة الشعير، ووضعتها في بقشية من قماش معه، ووضعت معها صرة ملح، وقالت: يا بني! إن الله إذا استُودع شيئاً لا يضيعه أبداً، فأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه. فذهب من عند أمه من بغداد، عاصمة الدنيا، دار السلام، لماذا ذهب؟! أذهب للسياحة كما يفعل اللاهون اللاغون اللعابون؟! أم ذهب إلى التفرجة كما يذهب السادرون المخمورون المسرفون؟! أم ذهب إلى تزجية الأوقات والتدحرج على الثلج كما يذهب الذين رفعت عنهم أقلام التكليف؟! لا، بل ذهب يبحث عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى جانب المصطفى عليه الصلاة والسلام، إلى مكة والمدينة: من زار بابك لم تبرح جوارحه تروي أحاديث ما أوليت من منن فالعين عن قرة والكف عن صلة والقلب عن جابر والسمع عن حسن فذهب رضي الله عنه وأرضاه. قال: مضيت من بغداد على رجلي إلى مكة، فضعت في الطريق ثلاث مرات، فكنت كلما ضعت استغفرت الله، ودعوته، وقلت: يا دليل الحائرين! دلني، فوالله ما أنتهي من كلامي إلا ويدلني دليل الحائرين على الطريق. من هو دليل الحائرين؟ إنه الله، من هو ملجأ الخائفين؟ إنه الله، من هو مناص العارفين؟ إنه الله. فكان كلما ضاع في الصحراء التجأ إلى الله، ليس عنده علامات، ولا هناك مواصلات، ولا نقلٌ ولا خطوط، صحراء يبيد فيها اللبيد، ويضيع فيها الذكي والبليد، فضاع الإمام أحمد ولكن رد اتجاهه إلى الله: {احفظ الله يحفظك} فلما حفظ الله؛ حفظه الله في سمعه وجوارحه ودينه ومستقبله وسمعته إلى يوم القيامة، وحفظ الله اسمه للملايين، عند مسلمي الصين واليابان والملايو والعراق والجزيرة وسوريا والجزائر، ومسلمي أمريكا، كلهم يسمعون بـ أحمد بن حنبل؛ لأنه حفظ الله. ثم وصل إلى مكة وأخذ الحديث من أهل مكة، وبعدها سافر إلى اليمن إلى صنعاء، إلى عبد الرزاق بن همام الصنعاني يطلب الحديث، وبينما هو في طريقه ضاع مرة رابعة، قال: وانتهت نفقتي من الخبز، أما الدراهم فما كان عندي دراهم، فماذا فعل؟ قال: نزلت إلى قوم أهل مزارع يحصدون ويصرمون، فأجرت منهم نفسي ثلاثة أيام. يا سبحان الله! إمام الأئمة الذي يحفظ ألف ألف حديث كما يقول الذهبي وابن كثير، يحفظ مليون حديث، بل ما حفظ أحدٌ من الأمة أبداً كحفظ أحمد، يؤجر نفسه من الحصادين فيحصد معهم!! ووصل بحفظ الله إلى صنعاء، وأخذ الأحاديث النبوية وكتبها.

عبادته وعلمه

عبادته وعلمه كان الإمام أحمد يسهر الليل حتى الفجر، ويصوم النهار حتى الغروب، يقول ابنه عبد الله: "كان أبي يصلي من غير الفرائض في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة". انظروا في تذكرة الحفاظ وسير أعلام النبلاء للذهبي والبداية والنهاية لـ ابن كثير وتاريخ بغداد وتاريخ دمشق، ففيها روايات متواترة على أنه كان يصلي من غير الفرائض في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة. وكان يسرد الصوم إلا في بعض الأيام، ووصل إلى صنعاء فوهبت له جوائز من السلطان ومن بعض الأغنياء، فرفضها، وقال: أعمل بيدي، فاشتغل في بعض الصناعات بيده حتى أعطاه الله بعض الأموال، ثم عاد إلى بغداد. أما علمه رحمه الله فهو البحر وحدث عن البحر ولا حرج! {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] العلم ليس بالمؤسسات ولا بالشهادات ولا بالجامعات، العلم تقوى الله، العلم من الحي القيوم. يقول الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] وقال الله لإبراهيم: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} [الكهف:65] ويقول لداود وسليمان: {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} [الأنبياء:79] ويقول لسليمان: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء:79] فالفَهمُ والعلمُ والفقهُ والذكاءُ من الله. فيا من اغتر بشهادته أو بمستواه أو بمنصبه، والله ما تغني عند الله جناح بعوضة، العلم أن تتعلم وتعمل وتعلم الناس، ليس إلا، سواءٌ كان عندك شهادة أو لم يكن عندك، سواءٌ تعلمت في مدرسة أو لم تتعلم {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. فعلم الله الإمام أحمد فحفظ ألف ألف حديث مع القرآن، مليون حديث يستحضرها كما يستحضر الفاتحة، حتى أنه كتب المسند من حفظه وهو أربعون ألف حديث. أكبر مسند في الدنيا وفي المعمورة وعلى البسيطة هو بين أيدينا، لكن من يقرأ المسند؟ ومن يطالع المسند؟ ومن يتفقه في المسند؟ أأهل الصحف اليومية والخزعبلات، أم أهل الملاهي والملاغي إلا من رحم الله؟ لكن في الناس بقية، أصبح المسند مطبوعاً لنا طبعةً فاخرة، وأصبح معروضاً لنا عرضاً جيداً، وأصبح محققاً في الدواليب لكننا وضعناه ديكوراً وزينة، فيا أمة محمد من يقرأ مسند أحمد؟ إن من يقرأه يجد فيه التقوى والزهد والرفعة، والخوف من الله والخشية. أفتى الإمام أحمد في ستين ألف مسألة بقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، ذم المنطق، وذم الرأي، وذم الفلسفة والجدل، وقال للناس: نحن قومٌ مساكين اجتمعنا لندرس حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

تواضعه

تواضعه أما تواضعه فمنقطع النظير، فطالب العلم، والعالم، والمسئول إذا لم يكن متواضعاً لله فلا تنظر إليه، فإن الله قد مقته من فوق سبع سموات، وقد سقط من عين الله، وقد باء بخزيٍ من الله إن لم يتب، كان متواضعاً جد التواضع، قال الحفاظ: رأينا الإمام أحمد نزل إلى سوق بغداد، فاشترى حزمة من الحطب وجعلها على كتفه، فلما عرفه الناس ترك أهل المتاجر متاجرهم، وأهل الدكاكين دكاكينهم، وتوقف المارة في طرقهم يسلمون عليه، ويقولون: نحمل عنك الحطب. فهز يده، واحمر وجهه، ودمعت عيناه، وقال: نحن قومٌ مساكين لولا ستر الله لافتضحنا. والعجيب في الإسلام أن العبد كلما ازداد تواضعاً لله، زاده الله رفعة، وكلما تكبر زاده الله حقارة ومهانة ومذلة {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:26]. قال أبو بكر الصديق لـ خالد بن الوليد لما أرسله إلى اليرموك، أخذه بتلابيب ثوبه وهزه، وقال: [[يا أبا سليمان فر من الشرف يوهب لك الشرف، واطلب الموت توهب لك الحياة]] وصدق رضي الله عنه وأرضاه. أتى رجل يمدح الإمام أحمد، فقال له الإمام أحمد: أشهد الله أني أمقتك على هذا الكلام، والله لو علمتَ ما عندي من الذنوب والخطايا لحثوتَ على رأسي بالتراب. انظر إلى الإمام العابد! جاءه قوم فقالوا: يا أحمد بن حنبل! إن الله قد نشر لك الثناء الحسن، والله إنَّا نسمع ثناءك في كل مكان، حتى في الثغور مع الجيش وهم يقاتلون العدو يدعون لك حينما يرمون بالمنجنيق. فدمعت عيناه، وقال: أظنه استدراجاً من الله عز وجل.

زهده

زهده أما زهده في الدنيا، فقد عرفه كثير ممن عاش معه، أتته الدنيا راغمة إلى باب بيته فأبى، طُلب منه أن يتولى القضاء فامتنع أبداً، وقال: إن تركتموني، وإلا فوالله لأهاجرن إلى مكانٍ لا تجدوني فيه أبداً. يقول الذهبي وابن كثير: إن دخل الإمام أحمد كان في الشهر سبعة عشر درهماً، قال: هذه تكفينا، يقول أبناؤه: يا أبتاه! لا تكفينا هذه. قال: أيامٌ قلائل، وطعام دون طعام، ولباس دون لباس، حتى نلقى الله الواحد الأحد. يقول ابنه عبد الله بسند صحيح إليه: "بقيت حذاء أبي في رجله ثماني عشرة سنة، كلما خرمت خصفها بيده"، وهو إمام الدنيا. أرسل إليه المتوكل ثمانية أكياس من الذهب والفضة، حملها الوزراء على أكتافهم مع سرية من الجيش بعد المحنة، فردها، وقال: والله لا يدخل بيتي منها درهم ولا دينار.

خلقه

خلقه وأما خلقه فأحسن الناس خلقاً؛ لأن من يتعلم صباح مساء من القرآن، ومن يجلس مع القرآن فسوف يؤثر فيه ولو طالت السنوات والأعوام، والذي لا يأخذ أخلاقه من القرآن والسنة، فمن أين يأخذ الأخلاق؟! ومن أين يتعلم الآداب؟! أمن ديكارت وكانت -فئران البشرية- الذين نقلوا ثقافتهم إلينا لنتعلم منهم؟! متى كانوا أساتذة؟! متى كان المجرمون معلمين؟! بل هم أحقر الناس، وأخبث الناس مع الناس، إنما يتعلم من وحي السماء الذي ربى به محمد صلى الله عليه وسلم. يقول الإمام أحمد: رحم الله أم صالح -يعني: زوجته وكانت قد توفيت- صاحبتني ثلاثين سنة، والله ما اختلفت أنا وإياها في كلمة واحدة. زوجته في بيته صاحبته ثلاثين سنة ما اختلف معها في كلمة واحدة. أتاه رجل من أتباع المعتصم، فسب الإمام أحمد أمام الناس، وجدعه، وشتمه، وأخزاه بالكلام ولكن ليس بمخزي إن شاء الله، فقال الناس: يا أبا عبد الله! رد على هذا السفيه؟ قال: لا والله فأين القرآن إذاً؟! يقول الله عز من قائل: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63]. هذا هو القرآن الذي يمشي على الأرض. كان يجلس للناس رضي الله عنه وأرضاه، فيتعلمون منه، وينظر إليهم.

خوفه من الله ومراقبته لله

خوفه من الله ومراقبته لله قال ابنه عبد الله: دخلت على أبي وهو جالس في البيت متربعٌ مستقبل القبلة، ودموعه تنهمر على خديه، فقلت: يا أبتاه! مالك؟ قال: تذكرت في هذه الغرفة موقفي في القبر وحدي لا أنيس إلا الله. قال: فأراك متربعاً لماذا لا تتكئ وتريح نفسك؟ -لأنه شيخ كبير- قال: أستحي أن أجالس الله وأنا متكئ، أما يقول الله: أنا جليس من ذكرني. دخل عليه الأديب الكبير ثعلب، فقال له الإمام أحمد: ماذا تحفظ من الأدب والشعر؟ قال: أحفظ بيتين. قال: ما هما؟ قال: قول الأول: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيبُ ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيبُ فوضع الإمام أحمد الكتاب من يده وقام وأغلق على نفسه باباً وبقي في الغرفة، قال تلاميذه: والله لقد سمعنا بكاءه من وراء الباب، وهو يردد البيت: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيبُ ولا تحسبن الله يغفل طرفةً ولا أن ما يخفى عليه يغيبُ ورحم الله القائل: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني كانت أكبر أمنية في حياته أن يحمل السيف مجاهداً في سبيل الله. نظر إلى قدميه وقت الوفاة فبكى، وقال: يا ليتها جاهدت في سبيل الله! لكنه -والله- جاهد أعظم الجهاد، فقد بذل علمه، وخلقه، وجاهه، وبذل ماله، وكل ما يملك في رفع لا إله إلا الله؛ فكان إمام الدنيا بحق.

ثناء الأئمة على الإمام أحمد

ثناء الأئمة على الإمام أحمد قال يحيى بن معين: والله ما رأيت أحداً كـ أحمد بن حنبل، والله لا أستطيع أن أكون مثله ثلاثة أيام. وقال علي بن المديني: "لو كان الإمام أحمد في بني إسرائيل كان نبياً من الأنبياء". وقال إسحاق بن راهوية: إذا رأيت الإمام أحمد رأيت كأن الله بارزاً على عرشه، وكأنه يحاسب الناس، فيذكرني بالآخرة. وقال الإمام الشافعي رحمه الله: خرجت من بغداد، وسكانها ألفا ألف -مليونين اثنين- فوالله ما خلفت رجلاً أتقى لله، وأعلم بالله، وأزهد لله، وأورع عن محرمات الله، ولا أجود من أحمد بن حنبل. رحم الله الإمام أحمد، وأسكنه فسيح جناته، وحشرنا في زمرته، يوم يوفى الصادقون بصدقهم، يوم يتقبل عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

محنة الإمام أحمد

محنة الإمام أحمد الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3] ويقول عز من قائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31] لما قرأ الفضيل بن عياض رحمه الله هذه الآية بكى، وقال: اللهم إن بلوتنا فضحتنا! فنحن في ستر الله، نسأل الله ألا يفضحنا وألا يفتننا، وأن يجعلنا في عافية وستر حتى نلقاه، لكن للفتنة نتائج طيبة يجعلها الله للصابرين، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. والمحنة والفتنة التي تعرَّض لها الإمام أحمد رواها أهل التاريخ جميعاً، وسمعت بها الدنيا شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، فهي مسطرة إلى قيام الساعة، وهي محنة خلق القرآن التي أورثها المأمون في الأمة.

سبب المحنة

سبب المحنة وسبب هذه المحنة أن المأمون كان مشوباً برأيٍ منطقيٍ معتزلي. يقول ابن تيمية رحمه الله: إن الله لا يغفل عن المأمون، لما أدخله من علم المنطق على المسلمين. يقول المأمون الخليفة العباسي ابن هارون الرشيد: إن القرآن مخلوق، وكذب على الله، فالقرآن كلام الله عزوجل، والله يتكلم بما شاء متى شاء، لم يزل متكلماً سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يقول عز من قائل: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54] فالأمر هنا: القرآن، فقال هذا الخليفة: إن القرآن مخلوق. واستخدم السيف ليثبت هذه القضية في الأمة، وقتل ما يقارب ألفاً من من علماء الأمة من زملاء الإمام أحمد، وملأ بهم السجون، فبعضهم أجاب خوفاً من السيف، وبعضهم رفض، وقال: لا أجيب؛ فقتل في الحال، ومنع التدريس في المساجد، ومنعت الخطابة إلا للمعتزلة، وانتشر الشر الكثير، فنصر الله الإسلام بالإمام أحمد بن حنبل. وقف وحده، وقال: لا والله، القرآن كلام الله، فاستدعي إلى الخليفة.

الإمام يقص خبر المحنة

الإمام يقص خبر المحنة قال الإمام أحمد: أُخذت من بيتي وسط الليل وأنا أصلي، فوضع الحديد في يدي وفي رجلي حتى كان الحديد أثقل من جسمي -القيود التي حمل فيها أثقل من وزنه هو- ووضع على فرس، قال: فلما وضعت على فرس، أتيت أتمسك فما استطعت أن أتمسك، فكدت أسقط ثلاث مرات، كل مرة أقول: اللهم احفظني! فكان يردني الله حتى أتساوى على الفرس: {احفظ الله يحفظك} وكان الجندي الذي معه يضرب الفرس علّ الإمام أحمد يسقط على وجهه. قال: فلما أدخلت السجن سحبت على وجهي فنزلت، قال: فكنت أستغفر الله، فنزلت في آخر الليل، قال: فلا أدري أين القبلة؟ ولا أدري أين أنا، في ظلام وفي وحشة لا يعلمها إلا الله، فكنت أقول: {حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129] قال: فمددت بيدي فإذا بماء بارد، فتوضأت منه وقمت أصلي إلى الفجر. انظر إلى حفظ الله، حتى في الساعات الحرجة لا ينسى ربه تبارك وتعالى، لأنه العون تبارك وتعالى: فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركانُ قال: فلما أصبح الصباح، حملت على الفرس ثانية، وما طعمت طعاماً، وكدت أسقط من الجوع، فأدخلت على المعتصم الخليفة العسكري الثاني، صاحب عمورية بعد المأمون. قال: فلما دخلت عليه هز السيف في وجهي، وقال: يا أحمد! والله إني أحبك كابني هارون، فلا تعرض دمك لنا. فقال الإمام أحمد: ائتوني بكتاب الله أو بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! حاول المعتصم معه ليجيب ويقول: القرآن مخلوق، فرفض، فدعا بالجلادين، ودُعي بجبار من الجبابرة؛ رأس الحرس الذي يتكون من خمسين ألفاً، يرأسه عجيف. فقال المعتصم لـ عجيف: اضرب هذا الرجل -أي: الإمام أحمد - قال: فجلده مائة وستين سوطاً حتى غشي عليه، ثم استفاق، وكان يقول: لا إله إلا الله حسبي الله ونعم الوكيل؛ لأنها أقوى الكلمات، إنها قوة هائلة! إنها قوة فتاكة! حسبي الله ونعم الوكيل! يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[قالها إبراهيم فنجاه الله من النار، وقالها محمد فنجاه الله من كيد الكفار]] صلى الله على رسوله وسلم تسليماً كثيراً. ورفض أن يجيب حتى تملغ وتجلد ظهره من كثرة الجلد، فرفع على الفرس وأعيد، وبقي في السجن ثمانية وعشرين شهراً، وسرد الصيام وهو في السجن في هذه الفترة كما قال ابنه عبد الله، فما أفطر يوماً واحداً، يعرض عليه الإفطار، وكان الخليفة يحبه، يقول: لا تأتوني بالعشاء حتى تعرضوه على الإمام أحمد. فيعرضون له المائدة ليأكل، فيقول: والله لا آكل لهم لقمة، ولا أشرب لهم شربة. على ماذا كان يتغذى الإمام أحمد؟ كان عنده جراب فيه سويق، فإذا اقترب وقت المغرب أخرج كفاً منه، ثم وضعه على الماء وشربه، هذا غذاؤه في ثمانية وعشرين شهراً. ثم في الأخير عرض على السيف مرات ورفض، فلما أعجزهم وأكلَّهم وأملَّهم أعادوه إلى بيته، فأنزلوه وهو جريح. يقول ابنه عبد الله: دخل أبونا علينا في الليل بعدما أُطلق من السجن، فأنزلناه من على الفرس، فوقع من التعب ومن الإعياء ومن الضعف والهزال والمرض على وجهه، قال: فبقي أياماً، ثم تولى الخلافة المتوكل فنصر السنة، وأتى بالمال والذهب إلى الإمام أحمد، فبكى الإمام أحمد وقال: والله إني أخاف من فتنة النعمة أكثر من فتنة المصيبة والمحنة، فرفض وما أخذ شيئاً، وبقي على هذا الحال. وكان يقول: يا ليتني ما عرفت الشهرة! يا ليتني في شعب من شعاب مكة لا يعرفني الناس!

وفاة الإمام أحمد

وفاة الإمام أحمد لمَّا أراد الله أن يرفع ذكر الإمام أحمد قبضه إليه في يوم من أسعد الأيام، مرض تسعة أيام، ومحص الله ما بقي عليه من خطايا وذنوب وسيئات؛ لا يخلو منها البشر في هذه التسعة الأيام، وفي اليوم الأخير منها عرف الخليفة أنه مريض؛ فأمر الناس بزيارته، فانقلبت بغداد العاصمة؛ عاصمة الدنيا، بغداد، صاحبة المليونين من البشر، انقلبت ظهراً لبطن متجهة في طوابير وفي كتائب إلى بيت الإمام أحمد لتزوره في اليوم الأخير. قال أبناؤه: والله لقد أغلقت المتاجر حول بيوتنا، وتوقف الباعة، وتوقف حرس المتوكل من ممر الثكنات إلى بيتنا من كثرة الناس، فرفض الإمام أحمد أن يدخل عليه إلا الصبيان والمساكين، فأدخلوا الأطفال عليه، فأخذ يبكي ويقبلهم، ويمسح على رءوسهم، ويدعو لهم، ثم أدخل عليه الفقراء فأخذ ينظر إليهم، ويقول: اصبروا فإنها أيامٌ قلائل، لباس دون لباس، وطعامٌ دون طعام، حتى نلقى الله. وفي سكرات الموت التفت إلى طرف غرفته، وقال: لا! بعدُ، لا! بعدُ، لا! بعدُ فقالوا: مالك؟! قال: تصور لي الشيطان، ورأيته يعض على إصبعه، ويقول: فتني يا أحمد، فتني يا أحمد! أي: هربت مني، فقد فتنت الناس إلا أنت، فيقول الإمام أحمد: لا! بعدُ، أي: انتظر إني أخاف على نفسي. فقبضه الله عز وجل، واستودع أبناءه، وأوصاهم بوصية إبراهيم عليه السلام لأبنائه؛ ألا يشركوا بالله شيئاً، وأن يقيموا فرائض الإسلام، وأن يتخلقوا بالخلق الحسن. أتدرون ماذا كان آخر كلماته؟! قال: اللهم اعف عمن ظلمني، اللهم اعف عمن شتمني، اللهم سامح من ضربني، اللهم سامح من سجنني إلا صاحب بدعة يكيد بها دينك فلا تسامحه أي: عدو الإسلام لا تسامحه، أما عدوي لنفسي فسامحه. وقبضت روحه رضي الله عنه وأرضاه، فماذا كان؟ طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ فزعت منه إلى آمالي الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذر ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعة غداة ثوى إلا اشتهت أنها القبر

تشييع جنازته

تشييع جنازته لما توفي الإمام أحمد أعلن المتوكل في الناس أن عليهم أن يشيعوا الجنازة؛ ففتحت الثكنات العسكرية لجيش الخليفة، وبقي الناس يتوضئون من وقت الضحى إلى صلاة العصر، وحملت الجنازة، وارتفعت في الصباح من بيته، ووصلت إلى مصلاها قريباً من ضاحية بغداد في العصر، من كثرة الزحام. شيَّعه -كما يقول أهل العلم- مليون وثلاثمائة ألف، وستون ألف امرأة؛ كما أثبت ذلك أصحاب التواريخ، وتوقف اليهود والنصارى من بيعهم ذاك اليوم، وهبت رياح على بغداد حتى قال بعض الجهلة: قامت القيامة وخرج الجيش وقوامه تسعون ألف في مقدمة الناس يرتبون الصفوف، وتراددت بغداد بالبكاء من أولها إلى آخرها، ووصلت جنازته، حتى قال بعض أهل التاريخ: كانت تذهب الجنازة على رءوس الناس تحمل بالأصابع، وتعود إلى المؤخرة وتذهب وتأتي. فلما وضعت ارتفع البكاء، وقام الناس يصلون عليها: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:27 - 29].

بشائر فوزه

بشائر فوزه دفن أحمد لكن ما دفن علمه، ولا تواضعه، ولا زهده، ولا ذكره الحسن، أبقى الله له ذكراً إلى قيام الساعة. قال ابن كثير: رآه كثير من الصالحين تلك الليلة، قالوا: ما فعل الله بك؟ -بعد أن توفي- قال: ناداني فقال: يا أبا عبد الله، إلحق بـ أبي عبد الله وبـ أبي عبد الله وبـ أبي عبد الله قلت: من هم؟ قال: بـ الشافعي وسفيان الثوري والإمام مالك؛ كلهم أبو عبد الله {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16].

دروس من سيرة الإمام أحمد

دروس من سيرة الإمام أحمد أول الدروس من سيرة الإمام أحمد رضي الله عنه وأرضاه: أن الرفعة من الواحد الأحد، وأن من يحفظ الله يحفظه الله. الأمر الثاني: أن الدنيا لا تساوي جناح بعوضة، لعنها الله وقد خلقها، وما التفت إليها منذ خلقها. الأمر الثالث: أن العلم النافع والعلم الصحيح والعلم القويم هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. الأمر الرابع: أن من أراد الرفعة، ومن أراد المنزلة، والمكانة عند الله؛ فعليه أن يتواضع وينزل نفسه، ويلغي اعتباراته ليرفعه الله. الأمر الخامس: أنك كلما سجدت لله سجدة رفعك الله بها درجة، وهذا الإمام يصلي كل يوم ثلاثمائة ركعة؛ لأن كل سجدة بدرجة عند الواحد الأحد. الأمر السادس: أن في سير هؤلاء أثراً في القلب، وتربية للروح، وهداية إلى الواحد الأحد، فطالعوا أخبارهم، وتلمحوا سيرهم، وكونوا متشبهين بهم، علَّ الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة وارض اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفي فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين. اللهم ثبت أقدامهم، اللهم أنزل السكينة على قلوبهم، اللهم أيدهم بروح منك، وأيدهم بنصرك يا رب العالمين. اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بكيد؛ فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره في تدميره، وحطمه ومزقه، والعنه كل ملعنة، وخذه أخذ عزيز مقتدر يا رب العالمين. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أين أنتم يا شباب؟

أين أنتم يا شباب؟ وجه الشيخ حديثه هذا إلى صنف من الناس لا يحضرون المساجد ولا مجالس الخير، وذكر أنه يحبهم رغم أخطائهم لأن في قلوبهم بقية من الإيمان، وفيهم بقية خير: (الفطرة، والغيرة إلخ). موضحاً أنهم بعد تعليمهم وإرشادهم سيكونون رصيداً للإسلام والدعوة والجهاد، وألمح إلى المنكرات والمخالفات التي يقع فيها هؤلاء الشباب والشابات، ورأيه فيها، وإسقاط الأحكام الشرعية المناسبة عليها، وعد منها ما يزيد على أربعة عشر منكراً. ثم شرع يتكلم عن علاج الأمراض السابقة وعن التوبة والصبر على الهداية والنظر إلى معالي الأمور. ثم تكلم عن الاقتداء بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم ختم بعبارة نفيسة عن الموت وتذكره، والإجابة على أسئلة الحاضرين، وحث على قراءة كتاب (صيد الخاطر) لابن الجوزي.

نداء للشباب اللاهي

نداء للشباب اللاهي إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عنوان هذا الدرس: أين أنتم يا شباب؟ أيها الإخوة الكرام البررة! كانت المحاضرة السابقة بعنوان (لقاء مع الشباب) وكانت لصنف من الشباب الذين يحضرون الدروس، والذين يواظبون على الصلوات الخمس، والذين يحبون الله ورسوله، والذين يتولون الله ورسوله ولاية خاصة، وهذه الليلة حديث مع صنف من شباب آخر، ليسوا هنا، لكني أبلغهم سلامي وسلامكم من هنا، فسلام الله عليهم ورحمة الله وبركاته. إن قلبي يحن إليهم وأنا أريد أن يحضروا، وعسى أن نراهم في القريب العاجل، ربما حضر بعضهم، ولكن الكثير لم يحضروا، إنهم هناك على الأرصفة، وفي المقاهي، وفي المنتزهات، وفي أماكن اللهو، يا ليتهم يحضرون ليروا إخوانهم من المؤمنين الصادقين المصلين، أهل الصلوات الخمس، أهل الولاية العامة والخاصة، الذين يحبون الله ورسوله إنني أبلغهم قول القائل: أهلاً وسهلاً والسلام عليكم وتحية منا تزف إليكمُ أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم لا تقبح الدنيا وفيها أنتم أهتف من كل قلبي إليهم أن يشاركوا شباب الصحوة في مسيرتهم الخالدة، وفي صلاحهم واستقامتهم. أيها الشباب الذين لم يحضروا وألهاهم المباح، أو الذي يؤدي إلى المكروه، أو الأمر المحرم عن الحضور، نناديكم لأن بيننا وبينكم عهداً وميثاقاً هو ميثاق: إياك نعبد وإياك نستعين، وعهد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فحقٌ علينا أن نناديكم، وأن نهتف بكم، وأن نزوركم، وأن ندعوكم إلى رحاب محمد عليه الصلاة والسلام. إلى هنا؛ حيث البر والعفاف والاستقامة والذكر. إلى هنا حيث الأمجاد والتاريخ وحيث الحنيفية السمحة والشريعة. إلى هنا حيث القبسات الإيمانية وإشعاع النور، والانطلاقة التي بثها في الكون محمد عليه الصلاة والسلام، أنادي في قلوب هؤلاء الشباب بقية الإيمان، وفي قلوبهم بقية من إيمان، فلم ينتزع الإسلام أصلاً من قلوبهم؛ بل مازالت بذرة الإيمان في قلوبهم، وأنادي بقية النور نور الهداية في قلوبهم، وأنادي الحب لله ورسوله عليه الصلاة والسلام، الذي في قلوب أولئك الذين يحملونه، ولو كانوا يتأخرون عن الصلاة، ولو كانوا يسمعون الغناء، ولو كانوا يصاحبون المجلة الخليعة، فما زال أصل الإيمان يشع يشع ويذوي يذوي في قلوبهم: تعالوا تعالوا نكتب الحب موثقاً بدمعٍ غزيرٍ يغسل الحوب والذنبا تعالوا نعيد العهد بين قلوبنا أتيناكم طوعاً نبادلكم حبا إنهم أحفاد مصعب، ولكن مصعباً لم يكن لاغياً لا هياً في الحياة. كان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين، قطع جسمه في سبيل الله ليظهر أنه يحب الله ورسوله، أليس هذا دليلاً على الحب؟! أليس هذا برهاناً على ولاية الله؟! أليس هذا شاهداً على حبه لله؟ إي والله لقد قطع في أحد. فيا أيها الشباب الذين لم يحضروا: شلل، وعصابات، وجماعات، همهم السيجارة والكيرم والسهرة، والضحك الذي لا ينتهي، واللهو، والعبث، إن مصعباً يعتب عليكم أنكم ادعيتم أنكم أحفاده، ولكنكم لستم بأحفاده إلى الآن، نعم بينكم وبين مصعب نسب لا إله إلا الله محمد رسول الله. ويا أحفاد معاذ بن جبل لم يكن معاذٌ مضيعاً لأوقاته، كان معاذ يحملُ الكتابَ والسنةَ ويعلم العالمين: عُبَّاد ليل إذا جن الظلامُ بهم كم عابد دمعه في الخد أجراهُ وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه يا أحفاد أُبي! لم يكن أبي هاجراً للكتاب، بل كان سيد القراء، يصحب الكتاب كتاب القرآن ربيع قلبه، ونور بصره، وأنيس روحه، كان يحب القرآن، ويعمل بالقرآن، فأين أنتم يا شباب الإسلام من كتاب الله عز وجل ومن قراءته وتدبره؟! وقِّفَا بي على النقى وقفا بي واتركاني هنيهة وارفقا بي واعذراني من الدموع فهذي قصةُ الحب صاغها أحبابي هذه مقدمة، وأنا أعلن أني أحب أولئك كما أحبكم في الله؛ لأن الحب يتجزأ والولاية مع هؤلاء في الله عز وجل وفي رسوله عليه الصلاة والسلام تتبعض، فهو حب نسبي وولاء نسبي، نحبهم لأصل الإيمان الذي عندهم، فعندهم خير كثير.

جوانب الخير عند الشباب

جوانب الخير عند الشباب أنا أحدثكم عن جوانب الكمال التي في هؤلاء:

من جوانب الخير: الفطرة

من جوانب الخير: الفطرة أولاً: إن عندهم الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله، أنا أعلم أنهم لم يحضروا، وأنا أعلم أن بعضهم يصلي في بيته، وأنا أعلم أن كثيراً منهم يستمع إلى الأغاني الماجنات أكثر من سماعه إلى الآيات البينات، وأنا أعلم أن الكثير يطالع المجلات الخليعات أكثر مما يطالع الأحاديث النبويات الموروثة عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام، ولكن عندهم الفطرة، مكتوب في قلوبهم لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقد نزلت رءوسهم من بطون أمهاتهم إلى الأرض وهي تحمل مبدأ التوحيد: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:172]. فأنا أخاطب الفطرة فيهم، وكثير من الناس يظن أن هؤلاء يعيشون بلا فطرة أو يعيشون بلا دين اذهب إليه وحرك الفطرة، اسقها بماء الهدى، وابعث فيها الأنوار، واجعلها تنمو وتنمو وتكبر وتكبر حتى تراه بجانبك في الصلاة وفي الدرس، وفي المحاضرة، لكنك أنت أخطأت، وأنا أخطأت، وهو أخطأ. فأخطأت أنت لأنك لم تشارك في الذهاب إليه، ولم تبعث له بحبك، ولم تقف معه، ولم تبادله الأشواق والمودة، وأخطأت أنا لأنني ما خصصت جزءاً من دعواتي ومحاضراتي لأولئك، وأخطأ هو لأنه لم يلتمس النور، ولم يبحث عن الهداية، ولم يأت مرة ليجرب نفسه في مثل هذه المحاضرات والدروس، إنه جرب نفسه في المقهى، وجرب نفسه في المنتدى، وجرب نفسه على الرصيف، وجرب نفسه مع الكرة، وجرب نفسه مع الأغنية، لكنه ما جرب مرة واحدة طعم الهداية والنور: أين من يدعي ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه أين توجد معالمه عليه الصلاة والسلام؟ في المحراب. أين توجد أنواره؟ في المحراب. أين يوجد دستوره؟ في المحراب. أين توجد مسيرته المباركة؟ في المحراب. أين يوجد منهجه المستقيم؟ في المحراب. اذهب إلى أولئك وتعال بهم إلى المحراب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} هذه هي المكاسب الغالية يا شباب الإسلام.

من جوانب الخير: الغيرة

من جوانب الخير: الغيرة ثانياً: أخاطب في أولئك الغيرة، إن عندهم غيرة، إي والله! ابحث عن الغيرة، تجد الواحد منهم أسداً هصوراًً إذا سمع أن عرضه سوف ينتهك، إنه يغار على أمه، ويغار على أخته، ويغار على بنته، فاحيي في قلبه هذه الغيرة، غيرة سعد بن عبادة سيد الخزرج المضياف الكريم الذي كان يضيف المئات في الجلسة الواحدة، يقول وهو يسأل المصطفى عليه الصلاة والسلام: {يا رسول الله! لو وجد أحد منا رجلاً مع امرأته ماذا يفعل؟ قال عليه الصلاة والسلام: يذهب ويستشهد أربعة من المسلمين، قال: يا رسول الله! أتركه معها، وأذهب لأجمع أربعة؟! والله يا رسول الله! لأضربنه وإياها بالسيف غير مصفح} والأنصار إذا قالوا فعلوا، فهم الذين قاتلوا العرب من أجل مبادئ محمد صلى الله عليه وسلم، وقُتل منهم في المعارك ثمانون في المائة حتى يقول حسان: لنا في كل يوم من معد قتالٌ أو سبابٌ أو هجاءُ فنحكم بالقوافي من هجانا ونضرب حين تختلط الدماءُ فضحك عليه الصلاة والسلام، وقال: {تعجبون من غيرة سعد؟! والذي نفسي بيده إني أغير منه، وإن الله أغير مني} هؤلاء الشباب الذين على الأرصفة وفي الملعب وفي المقهى والمنتزهات، الواحد منهم يسلم روحَه رخيصة دون أمه وأخته وزوجته، فأنا أقول لهم: ومبادئ محمدٍ عليه الصلاة والسلام ألا تحتاج إلى غيرة؟! ألا تحتاج إلى دفاع عنها؟! ألا تحتاج حماساً؟! من ينصر مبادئ محمد صلى الله عليه وسلم؟! أنتم جنده وأنتم كتيبته، فتعالوا هنا لتتعرفوا على سيرته، والله إني أعلم أنكم أشجع من حزب البعث ومن الأنظمة العلمانية في الساحة، ومن الماركسيين الشرقيين والغربيين، ولكنكم خدرتم بالأفلام والمجلات وبالميوعة والضياع، حتى أصبح الأسد كالسنور: عجبت لدنيا تهضم الليثَ حقَّه وتفخرُ بالسنور ويحك يا مصر سلام على الدنيا سلام على الورى إذا ارتفع السنور وانخفض النسر

من جوانب الخير: حب الله ورسوله

من جوانب الخير: حب الله ورسوله أيها الإخوة! إن في أولئك حباً لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، أنا أعرف أنه ليس كحبكم لأن حبكم موار، ومن حبكم: أنكم تصلون الصلوات الخمس، وأنكم تسمعون كلام مثلي إلى صلاة العشاء، وتفرحون بالحكمة والموعظة الحسنة، وبعضكم يأتي بأهله. وبعضكم يحمل الشريط، فيوزعه على المسلمين. والآخر يدعو، والآخر يقوم الليل، هذا حب فوار موار. والرابع: يقوم ويناجي ربه في السحر. والخامس: يتلو كتاب الله ويبكي، هذا هو الحب المتفوق. هم عندهم حب، ولكن ليس مثل حبكم؛ حبهم يبرز في المصادمات، تجد الواحد في يده سيجارة وفي اليد الأخرى مجلة خليعة، تجده لاهياً لاعباً، وتجد عنده العود والموسيقى والناي والوتر، ولكنك لو تنال من محمد عليه الصلاة والسلام عنده، لقدم رأسه رخيصاً ليقاتلك ويذابحك، وتجد الواحد منهم عنده حب؛ ولذلك لو قلت له: يا كافر لا يصبر، بعضهم يترك الصلاة، ومن ترك الصلاة في الإسلام فقد كفر، لكنك لو قلت له: يا كافر! لقاتلك وما صبر على ذلك لأنه لا يتفاهم، قل له كل شيء إلا كافر، لأن الكفر عنده أعظم شيء: فأثبت في مستنقع الهول رجله وقال لها من تحت أخمصك الحشرُ وقد كان فوت الموت صعباً فرده إليه الحفاظ المر والخلق الوعرُ ونفس تعاف الذل حتى كأنه هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفرُ لا يرضى أحد منهم أن تقول: يا فاسق، ولا يا كافر، ولا يرضى أحد منهم أن تأخذ المصحف وتمزقه بينهم، هم أكبر درجات من شباب البعث قاتلهم الله، الذين أخذوا المصحف مع أحمد حسن البكر ومزقوه في شوارع بغداد، وداسوه بالجزمات، عندنا خير من هؤلاء الشباب، عندنا طلائع إيمانية، عندنا كنوز، لكنها تحتاج إلى من يأتي إليها ويبعد الغبار عنها، ويمسح عنها ذلكم الصدأ، لتعود نقية طاهرة طيبة قوية بإذن الله، وأنتم أهل المهمة، اذهبوا إليهم وجربوا. حدثني أحد الأخيار، وأظنه معنا في هذا المجلس، وهو من أهل الفضل، ولكن لا أذكر اسمه فالله يعرفه، ولا يغيب عن الله هو وأمثاله، قتل بعض الصحابة في قندهار، تبعد أكثر من ألف ميل عن المدينة [[فأتى عمر، فقال للصحابة: من قتل في قندهار؟ قالوا: فلان وفلان وفلان، وأناس لا نعرفهم، فانسكبت دموع عمر على لحيته، وقال: لكن الله يعرفهم]]. هذا الأخ الكريم يذهب مع مجموعات في العطلة الصيفية الماضية، وكان يجلس في حلقة وهم حلقات، والعود مع أكبرهم الذي علمهم الطرب، يجلس في وسط حلقة الذكر، على مذهبهم فيجلس مجموعة من هنا، ومجموعة من هنا، وعندهم أدب في استماع الغناء، كأن على رءوسهم الطير، يجلسون في جلسة حتى كأن الجلسة في الصلاة، وهذا يجلس في الوسط، والثاني يسكب الشاي ولا يقاطعه أحد، حتى لا يقطع عليه الدورة، فيعزف بالناي، ثم يتحرك بالصوت فيما بعد، ثم يبدأ التصفيق، فيأتون يعمدون إلى الكبير هذا فينزعج، ولكنهم يحيونه ويهدءونه لأنه رأس الحية، فيسكتونه ثم يبدءون معه في حوار وفي أخذ وعطاء، فيبدأ أولاً بوضع العود على التراب، وهذه خطوة جيدة، إنها تنازل معك، الثاني يبدأ ويلتفت، ويسألهم من أين أتيتم؟ الثالث: يأخذون معه في الحديث ثم يسألون المجموعة، ثم تبدأ الموعظة، ولا تسأل كم من الاستجابة! ثم يهدون لهم الشريط الإسلامي، من دعا منكم شخصاً فجابهه أو ضربه أو شتمه؟! هذا نادر! أنا لا أظن أنه يأتي في الألف واحد، الذي يقول لك: إن هؤلاء العصاة يجابهون. لا يجابهون إلا أحد شخصين، إما جاهل لا يعرف عرض الدعوة، وإما رجل قاسٍ فظ غليظ يتحكم عليهم في الصوت، وهذا لا يرضاه أحد، أنا لو أتاني أحد ونهرني بعنف لا أقبله. إذاً يا أيها الإخوة! حُبُّ الله وحب الرسول عليه الصلاة والسلام في قلوبهم ثابت، فاستغلوا هذه الفرصة واعلموا أن المرء يحشر مع من أحب، وأن بيننا وبينهم خيط الود.

من جوانب الخير: أنهم رصيد الإسلام

من جوانب الخير: أنهم رصيد الإسلام أيها الإخوة! إن هؤلاء رصيد للإسلام، لا بد أن نتعرف عليهم، ولا بد أن نهديهم إلى الله، لأنهم سوف يكونون مجاهدين في سبيل الله لو حلت في البلاد فتنة. أيضاً يكونون عوناً في الأزمات بإذن الله، أيضاً رصيد للدروس والمحاضرات، وطاقمٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم يحملون الدعوات الإيمانية والرسالات النبوية، وفيهم خير كثير لكن إذا عرفنا كيف نستغلهم وكيف ندخل إلى قلوبهم. وكثير من الدعاة أثابه الله أحسن في الدخول إلى قلوبهم من القديمين والمحدثين، وأذكر من الأمثلة التي تحضرني الآن من الدعاة في هذا العصر، ولو أنه توفي قبل سنوات رحمه الله وأسكنه الله فسيح جناته، وهو الشيخ عبد الله القرعاوي وقد دعا في منطقة جيزان، ولكنه ضرب أروع الأمثلة في الصبر والحلم والعطاء والبشاشة، والدخول إلى قلوب الناس، ذكر لنا أحد تلاميذه من العلماء قالوا: أتى مرة يخطب في السوق، واجتمع الناس عليه، وشيخ القبيلة كان غاضبًا، وأحياناً بعض الناس من وجهاء القبائل أو وجهاء البلد، إذا غضب لا تسير الأمور في مسارها الطبيعي، قالوا: فأرسل إليه من أقوياء هؤلاء الذين معه، فأرسل إليه شيخ القبيلة، فأوقفه، وقطع عليه كلامه، فذهب من السوق هذا الداعية، ماذا قال؟ أدعى على هذا؟ لا. أسب وشتم؟ لا. هل قال: كفى؛ قد بلغت ما عندي ويكفي إذ قد منعت؟! لا. إنما أخذ كيساً من الدراهم على وقته، وذلك قبل ثلاثين أو أربعين سنة وهذه عقاقير طبية نافعة، من جربها عرف أنها فيتامين (واو) والرسول صلى الله عليه وسلم استغلها كثيراً في خدمة لا إله إلا الله، أعطى بعض الصناديد مائة ناقة حتى دخل في الإسلام، وأعطى بعضهم ثياباً وذهبًا وفضة. ذهب هذا الداعية (ببقشة) وفيها ملابس وشيء من دنانير وكأنه ما عرف شيئاً عن تصرف هذا الشيخ، التصرف الجارح المؤذي، وطرق عليه الباب، قال: من؟ قال: أنا فلان، قال: أنت الذي يتكلم ويجمع الناس ويفعل، وانهد عليه بمحاضرة شاتمة، قال: مهلاً! جئت أولاً أسلم عليك، وقصدتك في هدية، ومعي بعض الثياب، وأنا أردت أن أعرض عليك دعوتي، فإن أحسنتُ في عرض دعوتي فاتركني أحدث الناس وإلا فرأيك، قال: وكانت عنده شيشة. ونحن لا نؤيد أهل المعاصي في شيشهم ولا في دخانهم، ولا نقرهم عليها، لكنها مرحلة كما فعل عليه الصلاة والسلام، الأصنام كانت حول الكعبة، ومع ذلك ما كسرها أول يوم، حتى أقر في القلوب لا إله إلا الله، لا تبدأ بالمعاصي الصغيرة، فينفر عنك الناس، لا تبدأ مباشرة على الرجل، تقول: ولماذا تحلق لحيتك؟ حتى تغرس في قلبه لا إله إلا الله، لا تناقشه وتشاتمه على إسبال الثوب حتى تزرع في قلبه زهرة: إياك نعبد وإياك نستعين. فانشرحت أسارير هذا الشيخ، وأخذ البقشة أولاً، وأَخْذُها خطوة جيدة، بمجرد الأخذ انتهى الأمر وقال: اعرض علي، قال: أنا أدعوهم إلى الإيمان، وإلى التوبة النصوح، وإلى الصلوات الخمس، وإلى طاعة من ولاه الله أمرهم مثل طاعتك، وطاعة أمثالك، لأني أسمع أنهم قد يعصونك أحياناً، قال: أثابك الله، قال: يا فلان -لذاك القوي الذي أرسله- اجمع الناس، ومن تخلف فلا يلومن إلا نفسه، فجمعهم وقام الداعية، فقال فيهم كلاماً عجيباً، وأخذهم بالمدارس، وبالدعوة والتحفيظ، حتى ردهم إلى الله، حتى أثبت جدارته في منطقة شاسعة، فيها ألوف مؤلفة من البشر. هذه هي الدعوة التي تدخل إلى القلوب بدون استئذان، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الحكمة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125].

من جوانب الخير: بقاء ملامح الخير

من جوانب الخير: بقاء ملامح الخير هؤلاء الشباب أيضاً ما زالت ملامح الخير فيهم، فإن الكثير منهم ما أظنهم يتركون الصلوات الخمس، نعم. قد يؤخرونها عن وقتها، وهذا خطأ كبير، نعم. قد لا يصلونها جماعة، وهذا خطأ كبير، لكني كنت أرى بعض الرسائل من الذين تابوا ما كانوا يتركون الصلاة، والنادر منهم من يترك الصلاة، لكن تسمع عنهم معاصي، ومخالفات، وكبائر، ولكن يندر أن يتركوا الصلاة، فهؤلاء نستغل أنهم يصلون، وهذا أمر طيب مقبول، ولله الحمد والشكر.

منكرات يقع فيها بعض الشباب

منكرات يقع فيها بعض الشباب بقي هناك مسألة، وهي أن هؤلاء -صراحة- قد لا يوفقون بالصحبة الحسنة من بيوتهم ولا في مجتمعاتهم، فيبقون بعيدين، حتى لا يتصورون الوعي الموجود، ولا الصحوة والمحاضرات، ولا الدروس، فتجد بعضهم كأنه في عالم آخر، قد تجرى أحياناً أسئلة في بعض اللقاءات كبعض المعاهد وبعض المستويات وبعض المؤسسات فتسأل: كم في البلد من دروس؟ فلا يجيبك أحد، ولا يدرون، تعرف للداعية الفلاني اسم شريط، قال: لا أعرف شريطاً له، ما هي الكتب التي تعرفها لـ أهل السنة والجماعة؟، قال: ولا كتاب! فهذا دليل على أنهم يعيشون في عالم آخر، وأنهم قد عزلوا ببرمجة خاصة من اللهو والضياع حتى وصلوا إلى هذا المستوى، فإذا بصروا وعلموا فسوف تراهم إن شاء الله مقبلين على الله عز وجل إقبالاً طيباً مباركاً. عند هؤلاء الشباب صور ضياع، وكلنا -نحن وإياهم- مقصرون، أنا لا أزكي نفسي، ولا أزكي أحداً على الله، ونحن وإياهم تحت رحمة أرحم الراحمين، نسأل الله أن يرحمنا وإياهم، وأن يتوب علينا وعليهم، وأن يردنا وإياهم رداً جميلاً، وأن يسترنا ويحفظنا وأن يهدينا ويتولانا. ونشفق عليهم، وإلا فما الداعي لهذا الكلام؟ كان بإمكاني أن أوجه مسار الحديث لدرس في التفسير، أو في الحديث، أو في الفقه، أو قضية اجتماعية، أنا أعرف أنهم طبقة هائلة، إذا حضر هنا ستة آلاف يحضر في مباراة الكرة على الأقل ستون ألفاً، ويسمون هذا (اجتماعاً طبيعياً!) طبيعي أن يجتمع ستون ألفاً، وليس لك أن تنكر بقلبك؛ لأنه أصبح مع طول الأزمان اجتماعاً طبيعياً، بل منهم من يحجز مكانه من أيام، ولهم بطاقات دخول وخروج، وآداب في التشجيع، ومشاركات وحماسات وغير ذلك.

الاستهزاء بالعلماء

الاستهزاء بالعلماء هؤلاء لهم صور ضياع يعيشونها، وأنا أخبركم ببعضها وهم يعرفونها، ما أصبحت خافية لشهرتها على الناس، منها الاستهزاء بالعلماء والدعاة، والسخرية منهم، وأكل لحومهم، وربما تجدها فاكهة لمجالسهم، فتجد من يستهزئون بشيخ من المشايخ، بلحيته أو بوعظه أو بكلامه في الدروس أو بحركاته أو بصوته أو بسعاله، وهذه خطيئة كبيرة. الله الله! انتبهوا لها يا شباب الإسلام! فقد قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]. رأيت فيلماً كاد قلبي أن يتقطع وأنا أراه، وهو مشهور عند بعض الإخوة، رجل من الشباب من بعض النوادي الرياضية، يمثل المشايخ، يمثل أصواتهم وحركاتهم، كعالم الأمة وعالم البلاد الشيخ عبد العزيز بن باز، وغيرهم من الفضلاء، يمثل الحركات بشيء من السخرية، ومعه جماعة شلل ملء قاعة، يضحكون ويتمايل بعضهم على بعض، ويصفقون له. سبحان الله! إلى هذا المستوى؟! أي أمة يمكن أن تقدس ولا يقدس علماؤها ودعاتها؟! سبحان الله! ما وجد في نقاط الضعف إلا أن تصل إلى العلماء والدعاة في عقر دارهم وهم صمام الأمان، وهم المسيرة البارة الراشدة، وهم بإذن الله الحبل الوثيق، وما يقوم الأمن ولا الرخاء ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا على العلماء، يقول المولى سبحانه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]. وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات} [المجادلة:11]. وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِين} [الزمر:9]. وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]

هجر أماكن الخير

هجر أماكن الخير أيضاً من نقاط الضعف وصوره عند هؤلاء الشباب؛ هجر المساجد وحلق العلم والدروس والمحاضرات، شاب يعيش في حارة وتسأله: هل تصلي في مسجدك. قال: لا. لا يعرف الإمام! ولا يعرف المؤذن! ولا يعرف أهل الصف الأول! ولا يصلي في المسجد! وإن صلى نادراً ففي الصف الأخير، يدخل آخر الناس ويخرج أول الناس. أيها الإخوة! كيف يهتدي مثل هذا؟ إن طرق الهداية عندنا هي المسجد، والعالم، والداعية، والمنبر، والكتاب، والمصحف، والشريط، والدعاء، فكيف يهتدي من أغلق النوافذ؟! وتجدهم تعمر بهم المقاهي، وأماكن اللهو واللغو والأرصفة، والجلسات الخلوية على الضَّياع، ويجلسون أكثر من ساعتين أو ثلاث لا يذكرون الله، ولا يصلون على الرسول صلى الله عليه وسلم، بل في كلام فحش أو غيبة أو نميمة، أو نهش في أعراض المسلمين، فنسأل الله أن يتوب علينا وعليهم، ونسأل الله أن يردهم إليه رداً جميلاً.

الاستماع إلى السوء

الاستماع إلى السوء إن هؤلاء إذا استمر الحال يشكلون على أنفسهم وعلى المجتمع وعلى الأمة خطراً عظيماً، وقد حدث هذا في صور سوف أذكرها فالله المستعان! يحفظون الأغاني المائعة، والقصائد الساقطة الفاحشة، وعندهم أشرطة فاسدة من أشرطة الغناء الفاسد، وقد نبه بعض كبار العلماء عن بعض كلمات الأغاني التي دخلت إلى درجة الكفر، تصوروا أنه ضبطت أغنية لأحد المغنين في بعض البلاد وهو يغني: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]. وآخر يقول: حبيبتي حمالة الورد لا حمالة الحطب وآخر يرنم على سورة: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى:1 - 2]. على مقاطعها ويأتي بقصائد الحب على ذلك، وثالث يأتي بكلمات كفر، يقول: أيا رب تخلق أغصان رند وألحاظ حور وكثبان رمل وتنهى عبادك أن يعشقوا أيا حاكم العدل ذا حكم عدل ويقول: نصبوا اللحم للبزاة على ذروة عدن ثم لاموا ريادتي في فتونٍ من افتتن لو أرادوا صيانتي ستروا وجهك الحسن يقول: لو أراد الله ألا يفتني ما خلق لك وجهاً حسناً، فنعوذ بالله، وهذه أيضاً منتشرة. وهناك أفلام هائلة الدمار، فيلم واحد يهدم شعباً كاملاً، يوجد عند الواحد منهم مجموعات، ويجتمعون إليها من بعد صلاة العشاء إلى الثانية ليلاً، ثم ينامون عن صلاة الفجر، وبعضهم يصلي قبل أن يذهب إلى الدوام، وبعضهم قد لا يصلي، وتجد سواد المعصية عليه، تاب الله علينا وعليه.

مأساة الرياضة وتقليد نجومها

مأساة الرياضة وتقليد نجومها أيضاً عندهم إسراف في ممارسة الألعاب الرياضية، ومتابعة أخبارها ودوراتها، حتى تصبح شغلهم الشاغل وهمهم الأول، فيعرف الواحد منهم أسماء المنتخب والفريق، وحارس المرمى، والقلب، والمقدمة، والمؤخرة، والجناح، ويعرف أخبارها وأعلامها ونجومها، ومتابعاتها، وأول ما يأخذ الجريدة يفتح على الصفحة الرياضية، وتجده يتحرك مع أولئك، كأنه يرى في هؤلاء أنهم المهاجرون والأنصار، أو العشرة المبشرون بالجنة، أو أهل بدر، أو أهل بيعة الرضوان، فالله المستعان! وصدق الله إذ يقول: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23]. أيضاً يرتدون الملابس القصيرة التي لا تجوز الصلاة فيها، وهي إلى نصف الفخذ، ولا يجوز النظر إليهم، ولا يجوز اللعب معهم، لأن عورة المؤمن من السرة إلى الركبة، وهذا ثابت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام، أيضاً يطيلون الشعور إطالة فوق الحد، تقليداً لما يسمونه بالنجوم الكفرة، نجوم وليسوا بنجوم، يقلدونهم في قصات الشعر، وفي التسريح، لأن ذاك فعل، ولهم صور لأولئك يحتفظون بها، ويعشقونهم ويحبونهم، ويتولونهم، وهذا جرح في العقيدة وفي معالم التوحيد، أيضاً تجد بعضهم يربي شعره تربية مذهلة ويحلق لحيته، فإذا فاوضته في ذلك تكلم لك بذكاء وبخداع، وقال: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يربي شعره، وهو قد حلق لحيته! {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85]. تؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم في الرأس وتكفر به في اللحية، لماذا تؤاخيه صلى الله عليه وسلم هنا، وتتركه هنا، وأصبحنا في درجة من الدروشة أن يضحك علينا بمثل هذا، وبلغ من حرص هذا أن يطبق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في رأسه، وهو لا يصلي معنا الصلوات الخمس في جماعة، أيضاً تجد بعضهم يطول أظفاره، حتى تخاف منه إذا صافحته أن يخدشك، وقد يقاتل بها أحياناً، وبعضهم يطول ظفراً واحداً، وهذه والعياذ بالله خطورة ما بعدها خطورة، لأنهم يمثلون مسارات خاطئة من المعصية والانخلاع والدمار في الخلق. تعليق السلاسل في الرقاب، وربط الخيوط في المعاصم، وهي موضة خاصة يفعلها جيل من الشباب وطائفة، نسأل الله أن يتوب علينا وعليهم. أيضاً إهمال الرياضة الحقيقية: رياضة محمد صلى الله عليه وسلم ورياضة أصحابه، وهي السباحة والرماية وركوب الخيل، ويأتون بهذه الرياضة الأخرى التي تورث الذلة والقلة، والانهيار عند الأمة، أما رياضة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي القوة والمناعة والحصافة والرجولة، فيهملونها تماماً، ولا يفعلونها! أيضاً إطلاق الصرخات والصيحات بالشتم والسب والألفاظ النابية، وبعضهم من يحيي بها بعضاً، وقد سمعتها بأذني، وكثير منكم يسمع هذا إذا لقيه لعنه، أول ما يراك يقول: لعنك الله أعوذ بالله! وقد أتى في الآثار أنه سوف تكون تحيتهم في آخر الزمان اللعن. وذاك يضحك ويرد عليه اللعنة بأحسن منها، وهذه خطورة والعياذ بالله! ويشتمه شتماً لو تقولها لبعض الناس ذابحك وقاتلك، ويتلقاها ذاك برحابة صدر، فهذا دليل على أنه لا يتصور شيئاً عن الرسالة التي أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم في الخلق، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتابع الألفاظ ولا يمكن أن يجرح، وكان يقول: {لا يقل أحدكم خبثت نفسي، ولكن يقول: قلست نفسي} لأن الخبث لا يذكر في مثل هذا فكيف بالشتم واللعن؟! كيف بالقذف؟! كيف بأمور تشيب لها الرءوس يقولونها ويزاولونها؟! هذا أمر موجود يجده من يذهب منكم إلى المنتديات وإلى أماكن التجمع والأرصفة والملاهي. نعم. تخرج الرياضة عندنا وفي البلاد الأخرى عن المنافسة، أو عن شغل الوقت أو عن أمر من المباح، إلى شيء يصل إلى درجة التحريم؛ إلى الحزبيات، فهذا يدعي أنه هلالي إلى آخر قطرة من دمه، فيعيش باسم الهلال، وهذا نصراوي يتعشق نادي النصر في كل حركة، لباسه نصراوي، وسيارته نصراوية، وميداليته نصراوية، ويحب المجلة النصراوية، وإذا أتى مباراة هز كتفه وقلبه، ودموعه وأشجانه، وقام ليله ونهاره، وتبرع بالغالي والرخيص، وحضر وشجع، يسببون إرباكاً في الأمن، وفي مسيرة الأمة، يعرف ذلك من عرفه لولا أن حُد من هذه الظاهرة والحمد لله. يذكرون أن رجلاً كان هلالياً، قدس الله روحه، وامرأته نصراوية نور الله ضريحها فغلب الهلال النصر، فدخل عليها فرحاً، فأعطته من الشتمات تدافع عن ناديها، كرمها الله وأعز الله قدرها، دفاع خولة بنت الأزور والخنساء وأسماء وزينب، فطلقها! إنه الهوس التشجيعي، في الملبس والحديث وعند اللقاءات حتى تكون ديدن الإنسان ليل نهار، يشجع ويموت، ويتفانى ويدافع عن ناديه فرداً فرداً، ويأتي بالمحاسن إلى هذا النادي، ويتبجح بفضائل وانتصارات هذا النادي، كأنه أعاد لنا القدس وأفغانستان والأندلس المفقود وعمورية: لهم شموخ المثنى ظاهراً ولهم هوىً إلى بابك الخرمي ينتسب وقاتلت دوننا الأبواق صامدة أما الرجالُ فماتوا ثَم أو هربوا عفواً هديت أبا تمام تسألني كيف احتفت بالعدى حيفا أو النقب ماذا فعلنا غضبنا كالرجال ولم نَصدُق وقد صَدَق التنجيم والخطب ناديت بالأمس عمورية اتقدت وللمنجم قالوا إننا الشهب واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب تقليد الغرب في الرياضة والملابس والتمرينات والجوائز والدروع والكئوس والميداليات: {حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه} أمة تقلد في كل شيء. قال أحد المفكرين: لو أتى غربي في لندن أو واشنطن ووضع حذاءً على رأسه، فأصبحت الموضة، لأصبح الناس بعد ثلاثة أيام في البلاد العربية يأخذون أحذيتهم ويضعونها على رءوسهم، فتقول لهم: لم؟ فيقول: موضة! تقليد أعمى. قلدناهم في القشور فقط كما قال الغزالي والقرضاوي، وقد أصابا في هذا، لا صنعنا صاروخ جو أرض ولا أرض أرض ولا جو جو. اختلفنا على تحريك الإصبع هل تتحرك جو أرض أم أرض أرض حتى تقاتلنا، ولا بد منها ولكن بحديث واحد، لم نصنع شيئاً الطباشير مستوردة من إيطاليا، والمسَّاحة من النمسا، والسبورة من بلغاريا، والأستاذ من بلد آخر، والطالب من الإنتاج المحلي. فأنا أقول: يا أيها الكرام! لماذا لا نقلدهم في الإنتاج، وفي الإبداع، وفي التصنيع؛ صنع الطائرة، والميكرفون، والراديو، والمسجل؟ فقط في الخنافس، وفي الغناء، وفي الضياع، والتزلج على الثلج، والإقبال الشديد على متابعة المسابقات الرياضية، حتى أن المدرجات تزدحم بالجماهير، وكأنك في يوم عرفة، وصاحب اللاقط المرئي (صاحب التلفزيون) يظهر لك شباب الإسلام جيل محمد صلى الله عليه وسلم أنهم حضروا، فتمر الكاميرا يميناً ويساراً وتجد شباب الإسلام وهم يتمايلون على التصفيق، وشامير احتل فلسطين، وابتلعها، ونجيب الشيطان ابتلع أفغانستان، ومع ذلك شباب محمد عليه الصلاة والسلام يتمايلون في المدرجات، ألوف مؤلفة، ونقول: ما شاء الله! ما شاء الله، يا الله قويهم، على ماذا؟! على ضياع الأمة، وعلى موت الضمير، وموت الأعصاب! الاهتمام بالرياضة حتى تطغى على المشاعر والعواطف، فترى البعض يبكي لفوز فريق أو لهزيمة فريق، وهذا بكاء لا أجر فيه {عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله} لا لانتصار فريق ولا لانهزام فريق، لدرجة أن يبكي الواحد منهم كالفتاة، وينهد وينكسر أمامك، لماذا؟ قال: غلب الفريق.

العزوف عن الزواج

العزوف عن الزواج ومن ذلك عزوف الشباب والشابات عن الزواج، وخاصة خريجو الجامعات، ورفض الزواج بحجة إكمال الدراسة، أصبحت الدراسة عندنا طاغوتاً، كأنه صنم يعبد من دون الله، ولا بد أن يكمل الدراسة، ومن يمنع أن تتزوج وتكمل الدراسة، ويتزوج ويكمل الدارسة، إذا أصبحت المرأة جَدَّة فإنها لا تتزوج، أصبح وهو مولود بعد الحرب العالمية الثانية وما تزوج، تجد الشيب في رأسه وفي لحيته، مالك لا تتزوج؟ يقول: ما زلت شاباً! لأنه رسب في المستوى الواحد ثمان مرات، ويقول: إذا تخرجت تزوجت، وهذا سن الفتوة، وهذا عمار الحياة: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. وبعضهم يقول: الزواج متاعب في الحياة، فإنه يتطلب مصاريف، ويحتاج إلى تكلفات ونفقة، والعجيب أن السلف الصالح على شبه إجماع أن من كان فقيراً فعليه أن يتزوج، كما قال تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32]. قال عمر: [[من كان فقيراً فعليه بالزواج]] كان السلف يرون أن الزواج هذا فاتحة خير، وهذا صحيح ومجرب بالاستقراء، أفقر الناس العزوبيين، حتى تجد براديدهم، وثيابهم ما هي من ثياب الناس ولا براديد الناس مكسرة مقربعة، الفقر معهم أينما حلوا وارتحلوا حتى المكاتب العقارية لا ترحب بهم، ولا تؤجر منهم، إذا دخل عليهم في الحارة سألوا عنه، فإذا قيل: عزوبي، قالوا: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، يذهب في كل مكان، أما المتأهل فالطيب يستقبلك من الشارع الثاني، والبخور والقهوة والشاي والمرطبات، هذه الحياة التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم، إلى متى يكون الإنسان عزوبياً؟! حتى يموت! أو يتزوج في الأربعين ويأتيه الطفل في الخمسين، ويموت وهو في الستين، طبيبة بلغت الثلاثين من عمرها ولم تتزوج، وأخرى بلغت الأربعين، وأخرى تتكلم وهي في الخمسين تقول: خذوا كل شيء وامنحوني زوجاً، ألمانية جلست تواصل دراستها ليست مسلمة، تقول: ليتني رابعة للمسلمين عند رجل مسلم، وتمدح الرسول صلى الله عليه وسلم أنه دعا إلى التعدد عليه الصلاة والسلام، يقول شوقي للرسول صلى الله عليه وسلم: شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سبات بأيمانهم نوران ذكر وسنة فما بالهم في حالك الظلمات

الإعجاب والافتتان بالمشركين

الإعجاب والافتتان بالمشركين أيضاً الإعجاب بغير المسلمين والمبالغة في الحديث عنهم وعن حضارتهم، والتشبه بهم في الملبس والهيئة وقص الشعر والتسريحات، وطريقة الأكل والشرب والتحدث وغير ذلك، حتى أصبحنا الآن نقلدهم في الفلل، الفلل الآن بنيت على طريقة الفلل الأمريكية، غرفة النوم يكشفها المطبخ في الدور الأرضي، ويكشف غرفة النوم في الدور الأعلى، درجة في وسط المنزل، فيدخل الداخل والضيف يرى كل شيء في البيت، أنا رأيت فلة كهذه، ودخلتها ورأيت أنها على الطريقة الغربية، وقد نبه بعض المفكرين في الرياض في شريط له عن مسار التفكير عند المسلمين عن هذه الظاهرة فيقول: الغزو الهندسي والمعماري في بناء البيوت، فهي على الطريقة الأمريكية، أو على الطريقة البريطانية أو الإيطالية أو غير ذلك، تجد الواحد منهم إذا سافر لا يتحدث إلا عن تلك الأمة، وعن عدالتهم، وعن حوارهم، وعن نظافتهم، وعن صدقهم، وإخلاصهم، تحدثه عن أبي بكر وعمر قفز لك عند شامير وريتر وبيتر، تحدثه عن المدينة، وهو يحدثك عن دالاس وعن تكساس، كل شيء هناك هناك، حتى إن بعضهم يقول: القوم هناك.

متابعة الموضة وملاحقة أخبار الأزياء

متابعة الموضة وملاحقة أخبار الأزياء أيضاً متابعة مايسمى بأخبار الموضة وملاحقة أخبار الأزياء، والحرص على اقتناء وشراء المجلات الباهضة السعر، يقول هاري فورد اليهودي: إن اليهود من أجل تحقيق غايتهم قد سيطروا على ثلاثة أمور، منها الأزياء. هذه الأزياء دخلت على المسلمين دخولاً عظيماً، تصور أن المرأة تفصل لها ثوباً بألوف مؤلفة، الشُرْعة تصل بعشرين ألفاً أو بخمسة وعشرين ألفاً في عالم بعضه يموت في الخيام جوعاً، لا يجد كسرة الخبز. ندعو الناس نقول لهم: تبرعوا يا جماعة الخير لبناء مسجد، الناس يصلون في المطر، ويصلون في الشمس، فيتبرعون من عشرة ريالات، ويشترط الواحد منهم بهذه العشرة فيقول: اللهم أدخلني على يمين الجنة، وابنِ لي فيها قصراً! صراحة يعذر كثير من الشباب أنهم لا يستطيعون الزواج، أنا أعرف أن المهر قد يكون مقبولاً نسبياً، لكن تصور أن هذا الشاب يكون زواجه في الصالة، وسوف يدعو إخوانه، وأقاربه، وجماعته، وقبيلته، وسوف يصنع وليمة تكلفه لحمه ودمه، وسوف يعطي أخوات هذه المرأة، وعماتها، وخالاتها، وقريباتها، والأمهات، والعمات، والجدات الأحياء منهم والأموات، وهو ليس شركة موزعة، إنما عنده مبلغ بسيط يريد أن يتزوج امرأة، أما أن يشتري لمجموعة من النساء فليس بصحيح. أيضاً هذه فتنة، توزع مجلات الآن في أماكن يراها الكثير منكم، وتشتريها كثير من الفتيات يرسلن لها فتأتي بأسعار باهضة جداً جداً، وفيها صورة الفتيات والأزياء، والخلاعة، نسأل الله العافية والسلامة

أخبار النجوم والإصدارات الوافدة

أخبار النجوم والإصدارات الوافدة أيضاً من نقاط الضعف ومن السلبيات والدمار عند هؤلاء متابعة أخبار من يسمون بنجوم الفن والموسيقى، وتقليدهم في كل شيء، وتأثرهم بسلوكهم، فتجدهم معهم في كل مراحل حياتهم، يحتفظون بصورهم وتوقيعاتهم وأشرطتهم وأفلامهم وأخبارهم حتى الشخصية منهم، وإذا تاب الواحد منهم لا يتعظون به، بل يتركونه ويسقطونه من الحساب، ويبقون مع القديم منهم ممن بقي على الغواية، يقلدونهم في الغواية، ولا يقلدونهم في الهداية. أيضاً افتتان الشباب بالصحف والمجلات وخاصة الوافدة، والمجلات الوافدة الآن تقارب ثلاثاً وعشرين مجلة، هذا حسب معلوماتي، وفيها خطورة، وفيها تهديد الفكر والمسار العقدي، ولا يعلم إلا الله عز وجل مدى خطورتها وجرمها، حتى عدها البعض من أخطر وسائل التغريب، وأبرز وسائل الغزو الفكري، وقد جاء في الإحصائيات أن عدد الصحف التي تصل إلى أسواقنا في الشهر تزيد عن أربعين صحيفة ما بين أسبوعية وشهرية، يزيد عدد نسخها عن خمسة ملايين نسخة شهرية، يصل أسواقنا ومدننا وبلادنا أكثر من خمسة ملايين، هذا في قطعة من العالم الإسلامي، فكم يصل مصر والعراق واليمن والكويت والمغرب والهند وباكستان وتركيا؟ وهذه كلها غزو فكري لتحويل جيل محمد صلى الله عليه وسلم عن مساره الطبيعي -الذي هو رفع لا إله إلا الله محمد رسول الله- إلى الانهيار، قرأت في بحث أن هناك حظراً على الجيش الإسرائيلي أن تدخل المجلات الخليعة، والبرامج الملهية التلفزيونية وغيرها، والأفلام الهابطة، إن كان صدق هذا البحث، يبقى الجيش محتفظاً بإرادته وبقوته وبكرامته وتأهبه في مواقع القتال، كل هذا يصرف الجيل عن القراءة المفيدة والاطلاع النافع في الكتب والسير والتراجم من النماذج المضيئة الخالدة التي حفل بها تاريخنا الإسلامي المجيد.

الدعايات والإعلانات

الدعايات والإعلانات والأخطر هي الدعايات والإعلانات التي طغت على إعلامنا ووسائله المرئية والمقروءة بشكل لا يصدق، حتى أصبح الأطفال والشباب والشابات والشيوخ والعجائز يصدقون الدعاية الإعلامية أكثر من تصديقهم لبعضهم، وقد أشارت دراسات إلى أن الفتيات أكثر تأثراً بالدعاية، وأسرع تجاوباً معها. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك ما جرى عليه الشباب والشابات خلف ما يسمى إعلامياً بآخر الصيحات في عالم العطور، والتي طغت على إعلانات الصحف والمجلات والتلفزيون، بل إن هناك لا فتات داخل الشوارع، وفي أطراف السكك، وعلى الأرصفة، وعند إشارات المرور، لوحات بعضها تشتغل بالكمبيوتر، تجلب الأذهان والأفهام إليها بدعاية شركة أو مؤسسة أو صورة أو شيء يجلب انتباه هذا الجيل وهذه الأمة؛ حتى يصبح الشاب والشابة لا هم له إلا ثوبه وشريطه وفيلمه وأغنيته، وتسريحته وموضته وزيه، يضيع مستقبله مع الله عز وجل، وحياته، وصراطه المستقيم، ضياع ألقي على الأمة الإسلامية لا يعلمه إلا الله، ضياعٌ صُب عليها صباً بتخطيط ماكر واستراتيجية عابثة، دبرتها كواليس الماسونية العالمية والصهيونية العابثة بالقيم، حتى خلعت هذه الأمة التي كانت في فترة من فترات التاريخ تقود الركب، وتتكلم على لسان الدهر، وتحكم ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، وأصبحت مفترية مغنية، راقصة، عابثة، متخلفة، فنشكو حالنا إلى الله

ارتياد دور التجميل

ارتياد دور التجميل من نقاط الضعف ارتياد محلات الكوافير ودور التجميل التي انتشرت هنا وهناك، هنا للتزيين، وهناك للقص، وهناك للتسريح، وهناك للدلك، كلها تعلن وتوزع، ورأينا نشراتها، ومعنا منها الكثير، وهذا عبث في مسار الأمة، وخطورة توجه للشباب والشابات، وقد طاوعها كثير منهم، وقد عبثت مثل هذه بشعور المسلمات، ولطختها بالصبغات، وأفسدتها بالمقصات، والعرب تقول: ليس التكحل في العينين كالكحل وقال المتنبي: حسن الحضارة ممزوج بتطريةٍ وفي البداوة حسن غير مجلوب فالحسن الذي أنبته الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والذي ما تدخلت فيه الأيادي العابثة، هو الحسن المطلوب وهو المقرب، ولذلك لعن الرسول صلى الله عليه وسلم النامصات، والواشمات، والواشرات، والمتفلجات للحسن، والمتشبهات من النساء بالرجال. إن الجمال الخلاق أحسن وأكمل من جمال الحلاق، وإن الواحد الأحد أحسنَ صورةَ الإنسان وأبدعها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] فله الحمد وله الشكر

التدخين

التدخين أيضاً من الظواهر عند هؤلاء: التدخين الذي أوله دلع وآخره ولع، وقد نجح الشيطان في جعل أبناء المسلمين يستبدلون السيجارة بالسواك، وقد جاء في إحدى الدراسات أن المدخن إذا كان يستغرق ست دقائق لشرب سيجارة واحدة، فإنه يهدر من وقته ثمان ساعات يومياً، أي: ثلث اليوم، ومائتين وأربعين ساعة شهرياً، وألفين وثمانمائة وثمانين ساعة سنوياً، أي ما يعادل مائة وعشرين يوماً في السنة الواحدة، خلاف ما يهدر من صحته ودينه وماله ومستقبله، فكل حياته عبث بسبب سيجارة واحدة.

السفر لغير حاجة إلى بلاد الكفار

السفر لغير حاجة إلى بلاد الكفار أيضاً من نقاط الضعف عند هؤلاء ومن المخالفات: السفر إلى الخارج بكثرة لا لحاجة، بل لغير حاجة؛ فإن بعضهم يسافر لا لدعوة ولا لطلب علم يستفاد من تلك البلاد، ولا لعلاج، وإنما فقط للضياع، بعضهم يجعل هذا مدعاةً للتفاخر في المجالس، وبعضهم يكدس أموالاً من رواتبه للعطل، ليذهب هناك في بلاد يعلم الله عز وجل ماذا يفعل، بل بعضهم جاهر لما نصح في مثل تلك البلاد وقالوا: اتق الله، قال: الله في الجزيرة فقط، سبحان الخالق الأحد الذي يقول: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7]. {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219] {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:18 - 19] مع ما يحدث لهم من مشكلات هناك، وما يعاني أهل هؤلاء من مشقة من غيابهم، ومن ترك بيوتهم، ومن ترك أعمالهم، ومن ترك دراستهم، ومن إذهابهم لأموالهم ورصيدهم الذي كان يمكن أن ينفعهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، يلقونه في المعصية والعياذ بالله.

المخدرات

المخدرات أيضاً إدمان المخدرات، هذا الوباء الذي فتك بالأمة الإسلامية التي دلها رسول الهدى على سبيل النجاة، ولذلك كانت المخدرات أخطر على الأمة من البندقية والدبابة والصاروخ والقنبلة، وقد استعملها المستعمر في الصين عندما عجز في حروبه، قالوا: إن اليابانيين استعملوا سلاح الأفيون ضد الجيش الصيني، فانهزم عن بكرة أبيه، وأحياناً بعض الأمور وبعض الوسائل تهزم الجيوش، ولو لم تكن أسلحة، التقت داحس والغبراء في معركة ما غابت نجومها في ليلة من الليالي، فأتت قبيلة داحس إلى القبيلة الأخرى، وحملوا عطوراً معهم، ثم قالوا: لعطارة اسمها منشم إذا اشتبكت المعركة اذهبي إلى أولئك ووزعي بينهم العطور، فوزعت بينهم العطور، فلما شموا العطور، ماتت أعصابهم وارتخت، وتذكروا بالعطور أشياء أخرى، فانهزموا فأتى لهم هؤلاء بالسيوف، فيقول زهير بن أبي سلمى، يمدح هرم بن سنان وقيس بن زهير: تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله رجال بنوه من قريش وجرهم يميناً لنعم السيدان وجدتما على كل حال من سحيل ومبرم تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم كيف تنتصر أمة شبابها غرقى وراء المخدرات، وفي السجون حبسوا من أجل حبوب لاهية عابثة، أرسلها الكافر إليهم في بلادهم؟ هؤلاء أحفاد عمر وخالد وصلاح الدين؛ تحولوا إلى هذا، ولكنا نرجو أن يعودوا وأن يعرفوا مستقبلهم، وليس على الله بعزيز، وأنا أطلب منكم مسألة وهي أمانة لمن يستطيع، وهي أن تهدوا لهم الأشرطة، خاصة مثل هذا أن تعطوه لواحد منهم، علهم أن يسمعوا ويعوا، وقد قال الله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ} [التوبة:6] وهذا للمشركين فكيف بالمسلمين؟! أسمعه يا أخي الشريطَ، أسمعه المحاضرةَ، أسمعه الدرسَ، أسمعه الموعظةَ، تحدث إليه، ناقشه، حاوره، كن جريئاً، ادخل معه مباشرة، استضفه في بيتك، أركبه سيارتك، أما أن نبقى في عزلة، ويبقى بيننا وبينهم جسر، فهذا ليس بصحيح. وكلما تذكرنا، قلنا: الله المستعان! ضاع شباب الأمة! ونحن من ضيعَ شباب الأمة، نحن المسئولون عن شباب الأمة، فلنتق الله فيهم. أيها الإخوة الكرام! إن من الناس من عباد الله من يقاد إلى الجنة بالسلاسل، فاذهب إلى هؤلاء وقدهم بالسلاسل إلى جنة عرضها السماوات والأرض.

التلفزيون والسينما

التلفزيون والسينما أيضاً مما هو عند هؤلاء مشاهدة المسلسلات التلفزيونية، ومتابعة الأفلام السينمائية، عن طريق أشرطة الفيديو، والتي نعلم جميعاً أنها تخالف تعاليم ديننا، وهدي رسولنا صلى الله عليه وسلم، وعاداتنا وتقاليدنا؛ لأنها تعتمد على الحب والغرام، والجريمة والقتل، والسرقة والرشوة، والاختلاط، وخروج المرأة، فتدبلج وتخرج في صور، وتبرمج مع دعاية، حتى ينشأ الطفل والعياذ بالله سارقاً أو زانياً أو شارب خمر. حتى فيلم الكرتون أنتجته شركة يهودية إيطالية، يربون به الأطفال الصغار على مسألتين: مسألة: حب المال، حب يطغى على حب الله، رأسماليين، فيظهر الطفل وقد وضع الدينار والدرهم والدولار على فمه ثم يبتلعه في بطنه ويكبر بطنه بهذا، فينشأ الطفل وأكثر ما يحبه المال. والمسألة الأخرى: يربونهم على الجنس، طفلة وطفل يطاردها، ويقبلها، ويشاديها، ويناغمها، فينشأ الطفل متعشقاً، لابساً ثوب الجنز وهو لا يزال طفلاً صغيراً. أيضاً ضياع الأوقات وصرفها فيما لا فائدة فيه: كالسهر لساعات طويلة، على مشاهدة الأفلام أو لعب الورق، أو الشطرنج، أو نحو ذلك من وسائل قتل الوقت، أو المعاكسات الهاتفية التي أزعجت البيوت ودمرت المنازل، وخربت الأسر، أو النوم لساعات طويلة في النهار، حتى تضيع أوقات الصلوات، وتفقد بركة العمر، ومنشأ هذا كله عدم معرفة قيمة الوقت. دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوانِ فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثانِ

الدواء الشافي

الدواء الشافي لقد عرضنا الأمراض، والأدواء، فما هو العلاج والشفاء؟ عند محمد صلى الله عليه وسلم صيدلية، يرسل منها عقاقير يحملها أتباعه على مر الدهر لمن أراد أن يتطبب ويتشافى بإذن الله ومنها:

الأسئلة

الأسئلة

المحاسبة علاج لأمراض الشباب

المحاسبة علاج لأمراض الشباب من العلاج أن أوقف هؤلاء أمام ضمائرهم، وأمام إيمانهم، وتاريخهم، وأمام أمتهم، وأقول للواحد منهم: قف تدبر تأمل اتق الله في نفسك وفي مستقبلك، إنك قادم على الله: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8]. أيها الشاب! ألم يجعل لك ربك عينين ولساناً وشفتين وهداك النجدين؟! أيها الشاب! ألم يقل الله لك ولأمثالك: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3]. أيها الشاب! أنا أوقفك أمام تاريخك المجيد، وأمام سيرة الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام، وأمام القبر، وأمام النشر، والميزان والصراط، وأمام الجنة والنار، أوقفك في يوم تتذكره أنت: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]. يقول سيد في الظلال عند تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] قال: الجسد مكشوف، والضمير مكشوف، والقلب مكشوف، والصحيفة مكشوفة، والتاريخ مكشوف، أمام الله عز وجل. أنا أوقف هذا الشاب الذي في الرصيف، والذي في المقهى والمنتدى، أوقفه بجسمه وبلحمه ودمه وشحمه وأعصابه وشعره وبصره وأظفاره، أوقفه أمام رب العالمين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، في يوم يقول فيه: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6]. إنك متعب سواء تغني أو تصلي، سواء تسمع الموسيقى أو تقرأ القرآن، وكل سيلقى ربه فيحاسبه. أيها الإخوة! أنا أعلم أن هناك شباباً ما كانوا يحافظون على الصلوات الخمس، أصيبوا بحوادث انقلاب سيارات، وذهبوا ضحيتها، أسأل الله أن يرحمهم، وأسأل الله أن يرحم كل من مات مسلماً، كنا نعزي أهاليهم؛ أمهاتهم وآباءهم، فيقول الأب وهو يبكي: ما علي ليته كان مستقيماً! إذن لهانت مصيبتي، لكن والله أتذكر أنه ما كان يحافظ على الصلوات الخمس، وكأن قلبي يتقطع، أنا أبكي على ابني لأنه يحاسب الآن في القبر عن الصلاة، يتقطع قلبي حسرة لهذا الابن؛ كيف يموت وهو ما كان طائعاً؛ لا أدري هل هو في روضة من رياض الجنة أم في حفرة من حفر النار! هذه مأساة لا يتصورها الإنسان. الموت سهل، أن يموت لك ابن صالح، يلقى الله وهو صالح، يحافظ على الصلوات الخمس، عنده قرآن، وعنده ذكر، وعنده تسبيح، وعنده خير، وعنده استقامة، لكن أن يموت ابنك وهو عدو لله في صلاته وفي عبادته وفي سلوكه وأخلاقه، هذه مأساة كبرى لا يتصورها الإنسان.

التفكر في نعم الله علاج يوقظ الغافلين

التفكر في نعم الله علاج يوقظ الغافلين أيضاً يتفكر هذا الإنسان في نعمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، حيث أعطاه العينَ والسمعَ والبصرَ والفؤاد والنعم الوفيرة، أعطاه الشباب والقوة والمال، فهل جزاء ذلك أن يذهب ويعبث بهذه النعم؟! هل جزاء الصحة والفراغ والمال أن يذهب في الملاهي والمعاصي؟! أهكذا رد الجميل؟! أهكذا رد المعروف؟! الواحد منهم كالسارية، ولكن عند الصلاة لا يقوم ولا يتحرك: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4].

التفكر في السيرة النبوية

التفكر في السيرة النبوية أيضاً أوقفك مع رسولك عليه الصلاة والسلام، أيها الشاب الذي هو هناك لا هنا! لأنكم هنا أبرار، ونسأل الله أن يجعلهم أبراراً كما أنتم، أيها الشاب هناك! أمحمد صلى الله عليه وسلم أخرجك للدهر وللتاريخ بهذا المستوى، وأرادك أن تكون هكذا؟! إن محمداً صلى الله عليه وسلم أخرج لنا معاذاً وسلمانَ ومصعباً وبلالاً، نماذج في التاريخ الواحد منهم يساوي أُمَّةً ودهراً وتاريخاً، وأوقفك مع الناس، بل أولاً مع والديك، أوالدك وأمك يرضون هذا المستوى؟! سلوا من يخالط المجتمع كخطيب الجمعة وإمام المسجد، أو من يكون له دعوة، سلوا كم من المشكلات تُعرض عليه، يأتيني شيخ في الستين من عمره يبكي وتدمع عيناه، قلت: مالك؟! قال: ابني فظ غليظٌ عليَّ يتهددني، تجد الواحدَ من الآباء ربى ابنه بدمه وبدموعه وبماله وبكل ما يملك، وأعطاه كل شيء في حياته، منحه الحب والسهر، وأعطاه المال، وجاع ليشبع، وظمئ ليروى، وسهر لينام، وتعب ليرتاح، وبعدما اكتمل نمو هذا الشاب، وأصبح قوياً، عقَّ أمه وأباه، وأغلظ لهما وطردهما، حتى أنه يوجد في المجتمع من لا ينفق على والديه وهم بحاجة إلى الصدقة والزكاة! تصور أين شعور هذا الشاب الذي يأكل مع زملائه على الخضروات، وعلى الفواكه والمطعومات والمفروشات، ووالده في حاجة ماسة إليه! تصور أن بعض الآباء لا يبرهم إلا أبناء الجيران، تجده مع أبناء جيرانه إلى المستشفى، وإلى المسجد، وإلى المحاضرة، وإلى الدرس، فتسأله أين ابنك؟ قال: عقني وتركني وعصاني، هذه مأساة أيضاً مع الناس. تصوروا -أيها الإخوة- كم خسرنا من شباب لو أنا استفدناهم، ولو أني وإياكم كنا صادقين، لذهبنا إليهم وجلسنا معهم، وأهدينا لهم الشريط الإسلامي والكتيب، وزرناهم وتفقدنا أحوالهم، وأتينا بهم، إذن سيكون مع هذا الجمع مثله خمس مرات، لكن قلنا: أنفسنا! وسكتنا، وحضرنا واستمعنا، وخرجنا وما قدمنا شيئاً. أيضاً أنا أنادي هذا الشاب: هل هو يرضى حياته هذه؟! أيرضى أن يكون ابنه مثله؟! إما مروج مخدرات، أو متعاطياً لها أو سامعاً للأغنيات تاركاً للصلوات، أو نازلاً في الشهوات؟!! والله لا يرضى إذا كان عاقلاً! لكن سبحان الله! الهوى يعمي: إذا ما لم يفدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا مشيت إلى الصروح بغير علم لعمرك لو وصلت لما رجعتا تفر من الهجير وتتقيه فهلا من جهنم قد فررتا وتشفق للمصر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمتا هو يرحم الناس، أنت لو ذكَّرت شاباً برجلٍ يعذب في النار لربما بكى، ولكن نفسه هو لا يتأملها ولا يدعوها ولا يذكرها.

باب التوبة مفتوح

باب التوبة مفتوح أيضاً أقول لهم: باب التوبة مفتوح لي ولكم ولكل مسلم، ولا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، بشرى: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها}. طوبى لمن يأتي إلى الله تائباً! فتوبوا إلى الله جميعاً أيها الشباب، ولا يقل أحدكم: لطخت صحائفي؛ فهذا أدعى لك أن تتوب،؛ حتى تغير الصحائف إلى حسنات، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. تدرون من هو أجرم الناس؟ إنه فرعون الطاغية، أرسل الله له موسى، فقال: لعله يتذكر أو يخشى، يقول أحد العلماء: لا ييأس أحد من رحمة الله؛ فإن الله قد دعا فرعون إلى رحمته، بل قد دعا الله إبليس، إلى أن يتوب، فكيف بك وأنت من أسرة مسلمة، وأنت تحب الله، وأنت تسأل الله التوبة؟ إن الله لا يخيب سعيك. أيها الإخوة! أدعو نفسي وإياكم ألا نُقنِط الناس من رحمة الله، وألا نجعلهم يائسين من رضوانه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ومن قبوله، يروى في الأحاديث الإسرائيلية أن قارون فعل الأفاعيل مع موسى عليه السلام، حتى دبر عملية، وأرسل زانية أعطاها قنطاراً من الذهب لتدعي أن موسى عليه السلام زنى بها، فلما اجتمع بنو إسرائيل قام موسى خطيباً، فقامت هذه المرأة تضرب وجهها، وتشق شعرها وتصفق وتولول، فوقف موسى عن الكلام، قال: مالك؟! فقالت: موسى زنى بي، فوقف موسى واجماً مذهولاً، ووقف بنو إسرائيل، فقال: أسألك بمن شق البحر لي أفعلت ذلك؟ قالت: لا والله، قال: من أعطاك؟ من أرشاك؟ من دفعك؟ قالت: قارون، قال: اللهم خذ قارون أخذ عزيز مقتدر، وكان قارون في بيت من ذهب في غرفة مشرفة كالمصطبة، وكالدكان المرتفع من ذهب، فأخذ بيته ينزل في الأرض، وقد حبست أقدامه في البيت حتى لا يفر، كما قال تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص:81]. أخذ البيت ينزل تدريجياً تدريجياً في الأرض، يسقط ويغوص، فأخذ يولول: يا موسى! يا موسى! وهو قريب لموسى، يناديه حتى ينقذ الموقف، فسكت موسى، صامتاً مجروحاً يريد أن ينتقم منه، حتى أخفي وبيته تماماً عن وجه الأرض، فقال الله لموسى: يا موسى ما أشد قلبك! وما أغلظك! وعزتي وجلالي، لو دعاني بكلمة مما دعاك به لأنقذته. وموسى رفض لأنه قد فعل الأفاعيل وذهب قارون إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم. وكذلك لابد من رد الإخوة إلى الله عز وجل، وتذكيرهم بأن الرب الرحيم يغفر الذنب، ويتجاوز سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنه. إن السعادة يا شباب الإسلام في الاستقامة، وفي العمل الصالح، ليس هذا شعاراً، سلوا من كان لاغياً ثم تاب، سلوا من عرف الذكر والقرآن وصلاة الجماعة وحب الصالحين وحضر دروس الخير.

الصبر والنظر إلى معالي الأمور

الصبر والنظر إلى معالي الأمور أيضاً أوصي أولئك الشباب إذا اهتدى الواحد منهم أن يستمر وأن يصبر، وأن يواظب، ولا يظن أن الهداية كلمة تقال، يوماً أو يومين: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]. فعليه أن يصبر حتى يفرج الله عز وجل كربه، حتى يجعل الله له الإيمان كالغذاء: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. أيضاً على هؤلاء الشباب أن ينظروا إلى معالي الأمور، فليس المقصد عندنا تجارة ولا بلوت، ولا أغنية ولا لهو ولا لذة عندنا مقاصد مهمة، جنة عرضها السماوات والأرض، حب الله ورسوله، ورفع الدين في العالم، وتصحيح مسار الأمم، وإعادة التاريخ من جديد مشرقاً، وحمل الهداية إلى الناس، ورد العاصين إلى الله، وإعمار الدنيا، وإقامة العدل في المعمورة، هذه مقاصدنا و: على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم قارن بين هؤلاء وبين مصعب بن عمير , وعبد الله بن عمرو الأنصاري ومعاذ بن جبل، تجد البون الشاسع: لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعدِ عندي عواطف وأشواق، ولو أعلم أني أستطيع لذهبت لكل واحد في مكانه، وسلمت عليه وعانقته، صدقوني لا أقوله من باب تزكية النفس، والله أعلم بما عندنا من التقصير، والله إني أفرح إذا رأيت الشاب الذي بدأ لأول مرة في الالتزام حتى لا تظهر عليه علامات الالتزام أنه ملتزم، إذا عانقني وإني أسلم عليه، وإني أفرح أنه يهتدي وأنه يحضر الدرس، وأنه أحب الدعاة، وأنه اقترب من طلبة العلم، حتى كأنه أهداني شيئاً عظيماً، فلله الحمد. يا إخوة: لا نقابل هؤلاء مقابلة فظة غليظة. أحدهم يريد الهداية فتقول له: يا عاصي الله ورسوله تأتينا وتسلم علينا، ليس هذا بمجلسك، هذا مجلس غيرك، أعوذ بالله! بعضهم يشكو في رسائل من الفظاظة والغلظة والمقابلة الباردة التي ليست مقابلة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكسب الناس كالمغناطيس، يقول أحدهم في الرسول صلى الله عليه وسلم: محاسنه هيولى كل حسن ومغناطيس أفئدة الرجال يأتيه المشرك وهو يعبد الصنم، فيقبله ويعانقه، ويهش له ويبش، ويجلسه ويطعمه، فيصير جندياً من جنوده، ويجره الأعرابي ببردته، فيضحك ويتبسم له ويكسبه معه، فيعود الأعرابي داعية إلى قبيلته، فتسلم قبيلته عن بكرة أبيها. دعونا من هذه المواجهات الساخنة مع الناس، أو الكلام الفظ الغليظ الذي يكسر بيننا وبينهم الزجاج، أو يقطع جسور المحبة، اجعلونا نصل الحب ونسكبه في قلوبهم حتى يشعروا أنا إخوانهم، وهم أبناء العمومة، وهم أبناء الجيران، وأبناء الخال، ما فاتوا عنا، وما فتنا عنهم.

الحث على الاقتداء بالرسول قولا وفعلا

الحث على الاقتداء بالرسول قولاً وفعلاً أيضاً أدعو أولئك الشباب، وأسألهم سؤالاً، وأوقفهم أمام التاريخ، وأوقفهم أمام الأيام، أمام الدهر، وأوقفهم أمام الكرة الأرضية بأسرها، من هو قدوتهم؟ أنا أعرف أنهم سوف يقولون لي: إن قدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا باللسان وليس بالفعال، لكن الواحد منهم يقتدي بمغنٍ أو بلاعب أو بموسيقار عابث، أنا أدعوهم أن يقتدوا بخير من خلق الله، أنا أدعوهم أن يقتدوا بصفوة الله من خلقه، أنا أدعوهم أن يتأسوا بأصدق من خلق الله، وأكرم من خلق الله، وأبر من خلق الله، وأحلم من خلق الله، بأبي هو وأمي: يا قاتل الظلم فارت ها هنا وهنا فضائح أين منها زندك الواري يا صاحب المثل العليا وهل حملت روح الرسالات إلا روح مختار أنا أسألهم أن يقتدوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن يدرسوا سيرته، ليست السيرة الجزئية التي صورت لهم محمداً صلى الله عليه وسلم أنه متعبد في مسجد دعا مرةً في مكة، ومرة في المدينة، وأن عنده بعض الصحابة كان يدرسهم بعض الأحاديث، محمد صلى الله عليه وسلم فجر للأمة، محمد صلى الله عليه وسلم رحمة؛ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. محمد عليه الصلاة والسلام بركة، محمد معصوم، محمد نعمة لهذه الأمة، أنقذها من الظلمات، وأخرجها إلى النور، قادها بإذن الله، أنا أدعوهم أن يقتدوا به، فهو قدوة الناس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. سيد قطب يقول في الظلال، وقد كان في مصر وهو في الأربعين من عمره، وكان في القاهرة، يقول ذلك في سورة النجم، ونعود إلى الظلال حيث القصة، كان يستمع يقول: فسمعت فجأةً صوت الراديو عند أحد جيراننا، يقرأ المقرئ في الراديو سورة النجم، فسكت أنا وزملائي لأسمع المقرئ وهو يقرأ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم:1] فصحبت الرسول بروحي وعشت معه، وفارقت المجلس الذي أنا فيه، أبقيت شبحي معهم، أما روحي فقد ذهبت وسافرت، فمشيت مع الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلة إلى العالم العلوي، وعشت مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تفجرت باكياً، وحاولت أن أحبس من هزة جسمي، فتحول جسمي إلى هزات عضلية، هكذا قالها في معاناته، أنا أريد الشباب أن يعيشوا القرآن، وأن يعيشوا حب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يعيشوا الأشواق والحب الحي الذي يسري في كل ذرة من ذرات دمائهم. أيضاً من الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم: أن تدرس هديه دراسة واعية، من زاد المعاد ومن أمثاله من الكتب، حتى تكون على بينة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تذكر الموت

تذكر الموت أخيراً: أذكر أولئك الشباب بالموت قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:8]. عمرو بن العاص الفاتح المسلم والداهية العظيم، في سكرات الموت، في ساعة الصفر قال له ابنه عبد الله: [[يا أبت! أسألك بالله أن تصف لي الموت، فقد أصبحت أنت في الموت، في ساعة لا تكذب فيها، قال عمرو: والله يا بني لكأن جبال الدنيا أصبحت على صدري، وكأني أتنفس من ثقب إبرة]]. وقال عمر بن الخطاب لـ أبي بن كعب: [[أسألك يا أُبي أن تصف لي الموت، قال: يا أمير المؤمنين! مثل الموت كشجرة كثيرة الشوك في جوف ابن آدم، فليس منه عرق ولا مفصل، وهو كرجل شديد الذراعين، فهو يعالجها وينتزعها، فلا تبقى شوكة إلا انتزعت عرقاً أو مفصلاً حتى تخرج كل شوكة بعرق، فبكى عمر حتى كاد يغشى عليه]]. الموت صعب! السكرةُ الواحدةُ منه تعادل ما يضرب به إنسان سبعين ضربة بالسيف، محمد عليه الصلاة والسلام أبر الناس: لما حضرته سكرات الموت كان يقول: {لا إله إلا الله! اللهم هون علي سكرات الموت، اللهم خفف علي سكرات الموت} أنا أذكر أولئك الذين يجلسون الآن في المقاهي والمنتزهات، الآن يلعبون البلوت، الآن مع الأغنية، ومع المجلة، ومع الضياع، أذكرهم بالموت، فإذا لم يتذكروا فلن يتذكروا أبداً، خوَّف الله حتى اليهود بالموت، وقال: {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة:106] {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]. هُوَ الموتُ ما منه ملاذ ومهرب متى حط هذا عن نعشه ذاك يركب نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها لعل الردى مما نرجيه أقربُ ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخربُ كان سفيان الثوري إذا ذكر الموت مات كل عضو منه في جهة، وبعض الصالحين حفر له قبراً يراه كل يوم ليتذكر الموت، دخل بعض الصالحين على بعض السلاطين الظلمة فأراد أن يبطش به قال: أذكرك الموت فوقف، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {أكثروا ذكر هاذم اللذات، فما ذكر في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثره} آخذ البنين والبنات، مفرق الجماعات، مهدم البيوتات. أنا أذكر أولئك الشباب ألا يغتروا بالصحة ولا بالسيارة ولا بالفلة، ولا بالوظيفة، أذكرهم بالموت، وكل يوم نحمل شباباً إلى القبر، ونصلي على مجموعة من الشباب، ونسمع أخبار حوادث السيارات، وهي تلقي بأولئك الشباب أقوياء الأجسام، خرجوا من بيوتهم، جيوبهم مليئة بالدراهم والقروش والدنانير، وبطونهم مليئة بأنعم الله، خرجوا وهم يغنون ويطبلون ويرقصون، وعادوا جثثاً إلى بيوتهم، افترستهم الحوادث، فأصبحوا شذر مذر، فلا استطاع أحد منهم أن يقدم أو يؤخر أجله ساعة، ولا يعود ليستأذن والدته ووالده ولا يقبل أهله {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]. خرجوا بساعات في أيديهم، وبملابس جميلة، وخرجوا بعطورات، وخرجوا في شخصيات وبهيئات، وخرجوا ببزات، ثم سلبوا كل ما خرجوا به، ثم حفر لهم في الأرض حفرة، وغسلوا بالماء، وأْرِجوا في قطعة قماش: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر وأين المذل بسلطانه وأين العظيم إذا ما فتخر تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر فيا سائلي عن أناس مضوا أمالك فيما مضى معتبر تروح وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور أسأل الله أن يغفر لنا ولمن مات من أموات المسلمين، وأن يرد شباب المسلمين رداً جميلاً. اللهم رد شباب المقاهي إلى المساجد، وشباب المنتزهات إلى الصلوات، وشباب النوادي إلى نوادي الحق والعلم والذكر، اللهم رد العابثين صالحين، ورد المفسدين مصلحين، اللهم ارحمهم بالتوبة النصوح، اللهم وفقهم للعمل الصالح، اللهم ائتنا بهم في مجالس الخير والعلم والطهر والعفاف، اللهم أنقذهم من الظلمات يا رب العالمين، واجمعنا في دار الصالحين في دار الكرامة يا أرحم الراحمين! أخوة الإيمان! في ختام هذه المحاضرة أرجو أن تكون رسالة تبلغ أولئك مع حبي وأشواقي، وسلامي ودعائي لهم في ظهر الغيب، وأشكر بالمناسبة الذين كتبوا لي رسائل واقتراحات وشاركوا في هذا الموضوع باقتراحاتهم وإرشاداتهم ببعض الملامح، وتحمسوا لهذا الموضوع الحار أشكرهم، وأسأل الله أن يثيبهم على ما فعلوا. أخ في الله قدم لي رسالة، كنى نفسه أبا البراء، أشكرك يا أبا البراء! وأسأل الله أن يكتب لي ولك وللحضور براءة من النار، أشكرك على رسالتك، وأنا أتيت على أسفلها في المحاضرة، وهو يشكو من ضياع الأوقات عند الشباب ومن اهتمامهم بالمظهر على حساب المخبر، ومصاحبتهم للأشقياء، ومن هممهم الرخيصة التي لا تعدو عن الرياضة، وعالم الفن، وعالم الصور، وعالم الأزياء، وعالم الموضات الجديدة، أشكرك شكراً جزيلاً، وقد أتيت في المحاضرة على ما ذكرتَ.

توبة المغنين

توبة المغنين Q يسألني بعض الإخوة عن توبة بعض المغنين هل هو صحيح؟ A ادعوا الله أن يتوب علينا وعليهم، وأن نراهم قريباً في دروس العلماء والمشايخ والدعاة.

عقوق الوالدين

عقوق الوالدين Q يقول أحد الإخوة وكتب بالخط الأحمر، أنا دائماً أعق والدتي والعياذ بالله، كلما حاولت أن أبتعد وجدت في نفسي عقوقاً، فأنا عاق، فماذا تنصحني؟ A أولاً: أسأل الله أن يلين قلبك لوالدتك. ثانياً: اتق الله في هذه المرأة التي خَرَجتَ قطعة منها، ولا أعرف أن إنساناً قدم جميلاً لإنسانٍ آخر أعظم مما قدمته الأم لولدها، ولا يمكن أن يكافئ الولد أُمَّه مهما فعل. [[رأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً من أهل اليمن، يحمل أمَّه عجوزاً على منكبيه يطوف بها في البيت، في حرارة الشمس في الظهيرة، يوم تتوقد الشمس في مكة، يطوف بها حول الكعبة، وهذا الرجل المسلم اليمني يسيل عرقه، وقد بلغ به الإعياء مبلغاً عظيماً لا يعلمه إلا الله، فلقي ابن عمر رضي الله عنه، قال: يا ابن عمر! أسألك بالله هل كافأت أمي بما قدمت لي، وبما فعلت لي من جميل؟ قال: لا والله ولا بزفرة من زفراتها]] فاتق الله! تذكَّر كيف وضعتك، وكيف حملتك، وكيف أرضعتك، وكيف غسلت عنك الأذى، وكيف ألبستك، وكيف أطعمتك، وكيف سقتك، إن الذي عنده دم وعقل، وعنده مروءة ودين، يتفكر، أنا أتركك تتفكر وتتأمل، ولا أزيد على ذلك.

مدمن خمر يطلب الهداية

مدمن خمر يطلب الهداية Q أنا كنت مدمن خمر، وأنا جئت من مدينة أخرى خوفاً من العار، فدلوني؟ A أولاً: حياك الله في هذا المجلس، ولله الحمد أن حضر معنا تائب هذه الليلة، فهو مكسب عظيم، ما هي مكاسب أهل الدنيا مع مكاسبنا، صفقة تجارية، عمارة، أرض، سوق، نحن والحمد لله مكاسبنا أجيال تهتدي، فلك الحمد يا رب، فأنت الهادي، ليس عندنا شيء، ولا منا شيء، ولا عملنا شيء، لكن لله الحمد هذا تائب حضر هذه الليلة ضيفاً عليكم، أسأل الله أن يثبته، وأسأل الله أن يستره، وأسأل الله أن يحفظه وأن يزيده إيماناً.

من آثار الرفق في الدعوة

من آثار الرفق في الدعوة Q أنا شاب كنت في مجلس من مجالس اللهو مع مجموعة من الشباب نسمع الغناء، وأنا أول مرة أراك وأحضر هذا الدرس، عمري الآن حوالي تسع عشرة سنة، وقد سررت بهذا الدرس، وكنت أظن أن الدروس فيها تشديد، ولكن الحمد الله أعجبني الدرس وحضرت، حفظت ستة وثمانين بيت غناء، فأريد أن أمحو هذا، فكيف تأمرني؟ وكيف تدلني؟ A أسأل الله أن يمحو النفاق والشك والشبهة من قلبك، وأن يقذف في قلبك الإيمان، وأن يهديك سواء السبيل، أنا أقول: واصل الحضور، واستمع الشريط الإسلامي، وصاحب الدعاة وطلبة العلم، وأكثر من الدعاء بدءاً من الآن أن الله يهديك ويردك إليه رداً جميلاً. خاتمة: أيها الإخوة! سوف أجعل في كل أسبوع كتاباً أدلكم عليه، لا أقرأ الكتاب، ولا أعرف أفكاره، وإنما أدلكم عليه، كل أسبوع إن شاء الله إذا تذكرت، وهذه مسئولية الإخوة أن يذكروني، كل أسبوع أختار لكم من المكتبة الإسلامية كتاباً لا طويلاً مملاً ولا قصيراً مخلاً، سوف يكون هو مادتكم خلال الأسبوع، اخترت لكم كتاباً بديعاً رائعاً جميلاً مجيداً، هو صيد الخاطر لـ ابن الجوزي، مجلد واحد في ثلاثمائة صفحة، أو ما يقاربها، بسبعة ريالات، فإن غلا فبعشرة ريالات، اسمه صيد الخاطر، أطلب منكم أن تقرءوه، ومن يستطيع منكم أن يقرأه ثلاث مرات، فليقرأه، صيد الخاطر هذا عجب من العجب، كتبه ابن الجوزي بعد أن بلغ السبعين من عمره، فدبجه، وشارك بدمه، وقلبه وعمله وفكره، ليس معصوماً، لكنه أجاد كل الإجادة، كتاب ليس فيه تكلف، كتاب يحدثك ويسامرك ويعيش معك، صيد الخاطر لـ ابن الجوزي، لأن هناك فيض الخاطر لـ أحمد أمين لكن: لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتم فهم الفتى الأزدي إتلافُ ماله وهم الفتى القيسي جمع الدراهمِ فلا يحسب التمتام أني هجوته ولكنني فضلت أهل المكارمِ ولعلي أراكم بعد أسبوع في كتاب آخر، لكن أنا لا أبيع وليس عندي مكتبة، حتى تقولوا أني أعمل لي دعاية، ولكن أحببت هذا الكتاب حتى جعلته عند رأسي أقرأ منه، حتى يقولون عن كتاب علي الطنطاوي: هذا الكتاب له القصة -لأنه قدم له- أخي ناجي القاضي، كان عند رأسه كل ليلة حتى كاد يحفظه عن ظهر قلب، والحقيقة أني رأيته أكثر مما قاله الأستاذ وأرفع وأجل وأحسن، وليس هذا من المبالغات، وفيه بعض الأمور مما في كلام البشر، أبى الله أن يكون الكمال إلا لكتابه، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. ففيه بعض الأمور، لكن أنا أنصح طلبة العلم أن يقرءون كثيراً كثيراً، ومن أراد أن يكتب لي عنه ملاحظةً، أو يستفسر قضية فيه، فأنا مستعد أن أفاوض فيه، أو يتصل بي، أو يلقاني. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كبيراً.

أيها العاق!

أيها العاق! إن الأمة الإسلامية اليوم تعيش في ضياع ونكبات وويلات وفتن عظيمة، وماذاك إلا جزاء من الله سبحانه وتعالى بسبب ماظهر منها من عقوق، فترى الشاب يعق والديه، وتجد المسلمين يعقون خالقهم ونبيهم، ويبتعدون عن منهجه وأحكامه. فالأمة تعيش في عقوق: عقوق الله، عقوق النبي صلى الله عليه وسلم، عقوق الوالدين، عقوق لعلماء الأمة، عقوق للملتزمين.

عقوق الوالدين

عقوق الوالدين الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، اللهم صلِّ وسلِّم على أذن الخير الذي استقبل وحي السماء فبلَّغه بأجمل عبارة، وأوصله بألطف إشارة، أنقذ الأمة من الهاوية، وكشف الغمة وأخرج الجيل من الظلمات إلى النور، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. أيها الناس! عنوان هذه الخطبة: أيها العاق! العقوق الذي تعيشه الأمة صوره كثيرة، ومن أبرز صور العقوق: عقوق الابن لأبيه ولأمه، اكتظ الحرم في الطواف بالحجاج والشمس حارة، والناس واقفون عند الكعبة المشرفة يسألون المولى، وبين الألوف المؤلفة حاج من اليمن، يحمل أمه على كتفيه، تصبب عرقه، واضطربت نفسه، وكلَّ متنه وهو يطوف بها لأنها مقعدة، ويرى أن من الواجب عليه أن يكافئ الجميل، فهذه العجوز المقعدة الجالسة على أكتافه كان في فترة من الفترات جنيناً بين أحشائها، وكان طفلاً في بطنها، أرضعته، وضمته وقبلته، سهرت لينام، وجاعت ليشبع، وضمئت ليروى، فظن أنه كافأها حقاً بحق، ومر هذا الحاج وابن عمر الصحابي الجليل واقف عند المقام، فقال: السلام عليك يا ابن عمر! أنا الابن وهذه الوالدة، أترى أني كافأتها؟ قال ابن عمر: والذي نفسي بيده ولا بزفرة من زفراتها، ولا بزفرة واحدة. لا يأتي هذا التعب والعرق والجهد والإعياء ولا بزفرة واحدة زفرتها في ساعة الولادة. هذه صورة واحدة من صور المعاناة التي يقدمها الوالد وتقدمها الوالدة لهذا الإنسان.

صورة من عقوق الوالدين

صورة من عقوق الوالدين جلس الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وإذا بشيخ كبير يدلف عليهم يتكئ على عصا، احدودب ظهره ورق عظمه واشتعل رأسه شيباً، وقف على رأس المعلم الجليل يشكو إليه مظلمة، فمن ظلمه؟ أيهودي ظلمه؟ أنصراني اعتدى عليه؟ لا. إنه ابنه، يشكو ودموعه تهراق من رأس لحيته، يقول: يا رسول الله! ابني ظلمني، قال: وماذا؟ قال: ربيته يا رسول الله! حتى أصبح كبيراً، جعت ليشبع، وظمئت ليروى، وتعبت ليرتاح، فلما اشتد ساعده تغمط حقي وأغلظ لي ولوى يدي، قال عليه الصلاة والسلام: وهل قلت فيه شعراً؛ لأن العرب أمة شاعرة تشكو شجونها في أبيات وتخرج مكنونها في عبارات، قال: نعم يا رسول الله! قال: ماذا قلت؟ قال: قلت له: غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململ يقول: إذا زارك المرض وأتتك الحمى أيها الابن! فكأني أنا المريض والمحموم لا أنام كما تنام أنت. كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به دوني فعيناي تهمل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام، وبكى أصحابه وقال: علي بابنه، فذهب الصحابة فقادوا ابنه، فإذا هو في جسم البغل، فأوقفه أمامه وأخذه بتلابيب ثوبه، وهزه المعصوم وهو يبكي ويقول: {أنت ومالك لأبيك} أي أنك شبه الرقيق لهذا الوالد يبيعك ويشتريك، وما أنت إلا من متاعه ودنياه، وهو من أسباب إيجادك بعد إيجاد الله. هذا موقف الوالد والولد. إنَّ هذه الصورة تتكرر في اليوم مرات من أناس شبوا عن الطوق، قويت سواعدهم، واشتدت كواهلهم وكبرت جماجمهم؛ فعقوا ربهم أولاً، فما عرفوا بيوته وأعرضوا عن كتابه، وعن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم عقوا الوالدين في وقت الضعف، وليس الوالد أو الوالدة في وقت قوة لكن في أرذل العمر. أذهب الوالد شبابه، وفتوته وصحته وقوته من أجل هذا الشاب، فلما أصبح ثمرة الحياة أمامه وأصبح مستقبله يتمثل في هذا الشاب عقه، فما ترى إلا الشيوخ وهم يبكون، وكم رأينا من طاعن في السن يدب على الأرض دبيباً يشكو ابنه، ونحن نرفع شكواه إلى الواحد الأحد الذي ينصف سبحانه ولا تسقط عنده مظلمة.

صورة من بر الوالدين

صورة من بر الوالدين يروي لنا المعصوم صلى الله عليه وسلم قصة ثلاثة خرجوا في الصحراء من بني إسرائيل وأظلم عليهم الليل البهيم، فصعدوا جبلاً ودخلوا غاراً فانطبقت عليهم الصخرة فسدت بوابة الغار، فلا اتصال ولا عشيرة، ولا قبيلة ولا أهل، وهذه ساعة الاضطرار: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62] {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:67] وهذه هي وحدانية التحدي عند أهل التوحيد، وهي تعني ألا يجيب المضطر إلا هو، ولا يكشف المكروب ولا يفرج عن المغموم إلا هو، ولا يجيب صاحب الحاجة ولا يكشف الضر إلا هو. ولقد ذكرتك والظلام مخيم والأسد تزأر في ربا الصحراء في وحشة لو غبت عني ساعة لحسبتني شلواً من الأشلاء ضل الرفيق فلست أدعو غير من خلق الوجود مصور الأحياء هذا هو الله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى:10] أتوا يدفعون الصخرة فما اندفعت، لا طعام ولا كساء ولا شراب؛ موت محقق!. فاتصلت حبالهم بحبل الله، الذي يدعوه المظلوم في ظلمات الليل فيسمعه، يونس بن متى في ظلمات ثلاث، ظلمة الليل وظلمة اليم وظلمة الحوت، فهمس في الظلمات بكلمة قوية: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" فأنقذه، قال الثلاثة: والله لا ينجيكم أحد إلا الله، فادعوه بصالح أعمالكم. فقام الأول -وهو الشاهد- فتذكر أعماله فلم يجد أحسن ولا أرجى ولا أطيب من بره بوالديه، فخاطب الله علاَّم الغيوب، الذي يعلم السر وأخفى، قال: {اللهم إنك تعلم أنه كان لي والدان شيخان كبيران، وكنت لا أُقْدِّمُ عليهما أهلاً ولا ولداً، وقد غبت ورحت عليهما -غاب في غنمه وإبله- قال: فأتيت وإذا هما قد ناما، فحلبت غبوقهما -وهو الشراب من اللبن في المساء- وقمت بالإناء وأتيت به فوجدت الوالدين نائمين -انظر إلى الصورة انتظرا ولدهما ليأتي باللبن فتأخر فناما، فأتى بالإناء مترعاً باللبن ووقف، ومن البر أنه لم يوقظ والديه، لكيلا يزعجهما من النوم، فكيف بالذي أزعج والديه في الليل والنهار؟ وكيف بمن أبكى والديه صباح مساء؟ وكيف بمن أدخل المشاكل في بيت والديه؟ وأذاقهما المر الأمر وقد أذاقاه السعادة والراحة- وقف باللبن فقال: فكرهت أن أوقظهما وأطفالي يتضاغون عند قدمي من الجوع يريدون اللبن -لكن اللبن من نصيب والديه- قال: فلم أقدم أطفالي، ولم يسقِ أطفاله قطرة واحدة، وفلذاته يتقطرون تحت قدميه ويتضاغون كفروخ الطير من الجوع، قال: فقمت بالإناء من صلاة العشاء حتى لمع الفجر، فاستيقظا من نفسيهما، فقدمت الإناء فشربا، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك؛ ففرج عنا ما نحن فيه، فتدهدهت الصخرة} من عظم الخطاب، ومن قوة الجواب، ومن جلالة المقام، صخرة عاتية دهدهها الله بأنه استجاب، ثم تكلم الاثنان. والشاهد هنا البر وكيف أوصل هذا الرجل إلى درجة أن يزحزح الله الصخرة عنهم.

عاقبة قاطع الرحم

عاقبة قاطع الرحم يقول المعصوم عليه الصلاة والسلام: {لا يدخل الجنة قاطع} وما له حتى يدخل الجنة؟ ولماذا يدخل الجنة؟ ولماذا يقترب من أبواب الجنة وقد قطع والديه؟! الرحم خلق من خلق الله؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لما خلق الله الرحم تعلقت بالعرش -بعرشه هو- قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة -معنى الكلام: أشكو إليك القطيعة في الدنيا، أنصفني من القاطع- قال الله لها: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأن أقطع من قطعك، قالت: بلى. قال: فذلك لك}. فالقاطع يقطعه الله، قال تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23]. والله سبحانه قرن بالوحدانية المتفرد بها حق الوالدين فقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:24]. كلمة "أف" لا يجوز إطلاقها على الوالدين، فكيف بمن تنعم في القصور والفلل، وأهان والديه! وكيف بمن قدم زوجته على أمه! وكيف بمن أغلظ لهما في الخطاب! وعصى في الجواب! وفظ في التعامل! إنها صور تحدث في المجتمع، يعرفها من يعيش في المجتمع بآلامه وببؤسه وبمشكلاته، فنشكو حالنا إلى الله.

السلف وبر الوالدين

السلف وبر الوالدين أيها الناس! البارّون لهم قصص عَبر التاريخ، يضربون أروع الأمثلة، منهم الإمام ابن سيرين حيث بلغ من بره بوالدته أنه قال: والله ما ارتقيت سطح بيت ووالدتي في البيت -لئلا يرتفع عليها- كان يقدم لها الطعام فلا يبدأ حتى تبدأ، ولا يأكل من الإناء الذي تأكل هي منه، فقيل له: لمَ؟ قال: أخشى أن تقع عينها على شيء من الطعام فآخذه فأكون عاقاً، وكان إذا جلس أمامها لا يبدُّها بصره، بل كان يخفض البصر كأنه عبد مملوك، وهذا حق الوالدة. والإمام أحمد جعل من نفسه -وهو إمام أهل السنة والجماعة - خادماً لوالدته في البيت -خادماً بمعنى الكلمة- يغسل ثيابها، ويصنع طعامها، ويكنس بيتها، وهذا تاجٌ على رأسه يلقى الله به: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. ما فائدة العلم والثقافة!؟ وما فائدة التبجح بالإسلام صباح مساء؟! وهذا العقوق الصارخ يدوي في مجتمعاتنا، وفي أسرنا، كل يوم تسمع أماً أو أباً يقطع عباراتهم البكاء، يشكون إلى الله هذا الظلم من العاقين، إنه تحذير لكل من عق أن يتوب إلى الله، وأن يتقي الله في والديه، وأن يخشى أخذ الله الذي لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم

صور العقوق كثيرة

صور العقوق كثيرة الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أيها الناس! للعقوق صور كثيرة في هذه الأمة، وهي أمة عاشت في فترة من فتراتها الجمود والجحود، جمدت في الإبداع والابتكار والاكتشاف والاختراع، وجحدت حقوق مولاها ورسولها ووالديها، وليس عقوق الوالدين إلا صورة واحدة من الصور التي تعيشها الأمة.

عقوق العلماء

عقوق العلماء فالأمة عاقة -إلا من رحم الله- مع علمائها، ومع رواد الرأي فيها، ومع مفكريها وأدبائها، وهذا الرصيد الضخم والعملة النادرة والكبريت الأحمر يجب أن نضعه تاجاً على مفرق الأمة، أعني العلماء والأخيار والصلحاء والمفكرين والأدباء الملتزمين، نضعه على جبين الأمة، لكن الأمة لم تفعل ذلك، لقد عقَّت هؤلاء في حقبة من حقب التاريخ، وجعلت روادها أهل الهوايات من أساطين الفن وعشاق الكرة وصُرّع التسلية؛ لقد مات النمو والاختراع والابتكار في هذه الأمة؛ لأن العبقري عندها يُكسر قلمه، والأحوذي يُلغى ذكاؤه، والمبدع يُشطب على عقله. أمة هي ترى الناصح متهَماً، والمخترع مهدَداً، والمكتشف عميلاً، يهددها المخترع فتخافه، ومن يكتشف خيراً عُدَّ عميلاً مظنوناً به السوء. اكتشف الحمر والشقر وسائل التقدم والترفيه والتقنية لا لأنهم أذكى، ولكن لأنهم وجدوا التشجيع وإلهاب الحماس والتكريم والجوائز. نجومهم المخترعون والمكتشفون والمبدعون ورواد الصناعة، فمن هم نجومنا اليوم في وسائل الإعلام، وعلى مستوى الرأي العام، وعلى مستوى تجمعات الناس؟ من هم نجومنا الذين نباري بهم الأمم في ثقافتنا وتقدمنا وحضارتنا؟! أتدري من هم؟! إما بطل كرة، أو مغن جماهيري شهير، أو موسيقار أو مسرحي، هؤلاء هم اللامعون في الحقبة الأخيرة من حقب أمة محمد عليه الصلاة السلام، فكيف لا تتخلف، وكيف لا تكون في الذيل، وكيف لا تكون تابعة لا متبوعة، ومأمورة لا آمرة، ومقودة لا قائدة؛ إننا نشكو الحال إلى الله.

عقوق رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم

عقوق رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي أمة عقت رسالة رسولها عليه الصلاة والسلام، فتنكرت لمبادئه، فشعوب الإسلام اليوم غالبها أنظمة علمانية كافرة لا تحكم بالكتاب ولا بالسنة، يؤدبها ربها صباح مساء بأصناف الويلات والحروب والتمزيق؛ لتعود إليه فما تزيد إلا طغياناً وكفراً: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]. يؤدبها فلا ترتدع ولا تتوب، وهذه صورة من صور العقوق، عقوق للرسول عليه الصلاة والسلام ولمبادئه، يأخذون مبادئ الشرق والغرب، ويطرحون مبادئه عليه الصلاة والسلام قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً منها، فالشريعة والقرآن والسنة عند هؤلاء قراطيس، تمائم للمرضى ولصلاة الاستسقاء وللجنائز وللمولد النبوي، أما لتسيير الحياة فعقوق ما بعده عقوق. يقول شوقي: شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سبات بأيمانهم نوران ذكر وسنة فما بالهم في حالك الظلمات

عقوق لأمجاد الأمة وعظمائها

عقوق لأمجاد الأمة وعظمائها الأمة تعيش عقوقاً لأمجادها، لأن هؤلاء الأعداء المغرضين ظنوا أنهم هم اللامعون اليوم، وهم الذين على الساحة، وليسوا بلامعين، ولكن أمجادنا؛ عمر وعلي وصلاح الدين ونور الدين، وتلكم القائمة البيضاء. إذا تفاخر بالأهرام منهزم فنحن أهرامنا سلمان أو عمر أهرامنا شاد طه دعائمها وحي من الله لا طين ولا حجر إن الأمة عقت عظماءها، ولم تجعل لهم الصدارة، حتى في كتب التاريخ المبسطة التي تدرس في الابتدائية والمتوسطة، تجعل لـ سليمان فرنجيه مساحة في التاريخ كمساحة محمد عليه الصلاة والسلام وكمساحة أبي بكر وعمر، ولكل رذيل حقير مكان يعادل مكانة الأنبياء والرسل، فكيف يفهم الجيل أجدادهم، وكيف يعرفون أمجادهم، وكيف يحبون عظماءهم، وكيف يقرءون تاريخهم: أمتي تاريخها ذو خطر لو تأمنَّاه ما كان الخطر هذه من صور العقوق. ولك أن تعدد العقوق ما شئت: عقوق في التاريخ، وعقوق في التربية، وعقوق في منهج الدراسة، وعقوق في الأدب والسلوك والأخلاق والقيم، ولا يصلحنا إلا الواحد الأحد، فنسأله لنا ولكم هداية ورشداً، وتسديداً وتوفيقاً. أيها الناس! صلوا على المعصوم عليه الصلاة والسلام، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان. اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم أصلح ولاة الأمور وهيأ لهم البطانة الناصحة الصالحة التي تدلهم على الحق، وتحذرهم من الباطل. اللهم اهد شباب المسلمين واجعلهم بررة أخياراً، ووفقهم إلى كل خير، وكفِّر عنهم سيئاتهم، وأخرجهم من الظلمات إلى النور. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

بر الوالدين وصلة الرحم

بر الوالدين وصلة الرحم بين الشيخ -حفظه الله- منزلة بر الوالدين وصلة الأرحام في الإسلام، ثم ذكر نماذج من العقوق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء، ثم ذكر في المقابل نماذج من البر بالوالدين، وبين أن العقوق مشكلة معاصرة وجدت في المجتمعات وانتشرت في البيوت، ثم تحدث عن صلة الأرحام ودلل على ذلك بأمثلة من تسامحه صلى الله عليه وسلم مع المشركين من قريش لأجل الرحم التي بينه وبينهم.

من لوازم العبودية طاعة الوالدين وصلة الرحم

من لوازم العبودية طاعة الوالدين وصلة الرحم الحمد لله القائل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 - 24] والصلاة والسلام على رسول الله، الذي بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: عباد الله: إن من أعظم المعاصي التي عُصي الله بها في الأرض قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين؛ ولذلك توعد الله عليهما بالعذاب الأليم للعاق والقاطع، وهي معصية فظيعة، وجريمة شنيعة، تقشعر لها الأبدان، ويندى لها الجبينُ، أنكرها حتى الجاهليون، واليهود والنصارى في شرائعهم؛ ولذلك يقشعر جلد المؤمن يوم يرى الابن كلما شب وقوي، وكلما تعمر؛ تغمط حق والديه، يوم أذهبا العمر والشباب وزهرة الحياة في تربية هذا الابن، سهرا لينام، وجاعا ليشبع، وتعبا ليرتاح، فلما كبر هو وضعفا هما، ودنيا من القبر وأصبحا منه قاب قوسين، أو أدنى؛ أنكر جميلهما وقابلهما بالغلظة، وجحد حقيهما، وجعلهما في مكان من الذلة والصغار لا يعلمه إلا الله؛ لذلك قرن الله حقَّه بحقهما، وجعل من لوازم العبودية برَّ الوالدين وصلةَ الرحم، يقول جل ذكره: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] قضاؤه وأمره وإيجابه سُبحَانَهُ وَتَعَالى ألا يعبد إلا هو، ومِنْ عبادته تبارك وتعالى: بر الوالدين وصلة الأب والأم وصلة الرحم. {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ} [الإسراء:23] وانظر إلى هذه الصورة العجيبة، التي صورها القرآن: صورة الأب وهو محدودب الظهر، قليل الصبر، شاب رأسه وشابت لحيته، وصورة الأم وهي جعداء الشعر، شمطاء الرأس، قد دنت من القبر، وأصبحت تتلهب على شبابها وفتوتها وصباها الذي أنفقته في تربية هذا الابن؛ فلما ترعرع وقوي ظهره واشتد ساعده؛ كان نكالاً وغضباً ونكداً على والديه: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء:23] حتى كلمة أفٍّ من سمح لك؟ ومن عفا عنك أن تقول لهما أف؟!! فقل لي بالله أيهما أعظم: كلمة أف، أم الذين جحدوا حقوقَ الوالدين، ولعنوا الوالدين، وعقوهما وقاطعوهما، وجعلوا جزاءهما السب والشتم والغلظة والنكال والقطيعة؛ حتى وجد في المجتمع من يعيش في الفلل الزاهية البهية، وفي الشقق الضخمة، ويركب المراكب الوطية، ويأكل الموائد الشهية، ووالداه في فقر مدقع، وفي حاجة ملحة، وفي ضنك لا يعلمه إلا الله. أي قلوب هذه القلوب؟! وأي أرواح هذه الأرواح؟! ولقد بكت العرب في جاهليتها وفي إسلامها العقوق، وتوجعت له، وتظلمت وتبرمت، واشتكت إلى بارئها منه.

صور من العقوق

صور من العقوق ورد في الأدب والسير: أن أعرابياً وفد على بعض الخلفاء وهو يبكي، فقال الخليفة: مالك؟ قال: أصبت في مال بأعظم من مصيبة المال، قال: وما هو؟ قال: ربيت ولدي؛ سهرت ونام؛ جعت وشبع؛ وتعبت وارتاح، فلما كبر وأصابني الدهر، واحدودب ظهري من الأيام والليالي، تغمط حقي، ثم بكى، وقال: وربيته حتى إذا ما تركته أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه تغمط حقي ظالماً ولوى يدي لوى يَدَهُ اللهُ الذي هو غالبه قيل: فلويت يد الابن فأصبحت ملوية وراء ظهره. وفي السير وبعض التفاسير كـ الكشاف بأسانيد فيها نظر: أن رجلاً وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال مالك؟ فقال: مظلومٌ يا رسول الله! قال: من ذا الذي ظلمك وأنت شيخ كبير فقير؟ قال: ابني ظلمني، قال: كيف ظلمك؟ قال: ربيته، فلما كبر وضعف بصري، ورق عظمي ودنى أجلي، تغمط حقي، وظلمني وقابلني بالغلظة والجفاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل قلت فيه شيء؟ قال: نعم. قلت فيه أبياتاً، قال: ما هي؟ فقال له: غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململ يقول: ما هذا جزائي! وما هذا رد الجميل معي! وما هذا رد المعروف! حتى الليلة التي تصاب فيها بالسقم ولا تنام؛ أشاركك السهاد ولا أنام، أنت السقيم ولكن أخذت السقم عنك، وأنت المريض لكن أخذت المرض عنك. إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململ كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به دوني فعيناي تهمل ثم يقول: أهذا جزاء الجميل؟! أهذا رد المعروف؟! أهذا حفظ اليد البيضاء؟! فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل جعلتَ جزائي غلظةً وفظاظةً كأنك أنت المنعم المتفضل فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، وحق للقلوب اللينة، وللعيون الرقراقة بالدموع أن تدمع لهذه المآسي التي وجدت في بلاد الإسلام، والتي شكت قلوب الوالدين إلى بارئها هذا الظلم الفظيع، وهذا الجرم الشنيع، فهل أظلم وهل أكبر، وهل أشنع من أن تربي ابنك؛ فإذا قوي واشتد ساعده، وأصبح في مصاف الرجال -بعد أن أعطيته شبابك، وزهرة عمرك، ولذة روحك، وشجا نفسك- رد عليك الجميل منكراً؟! فإذا صوته صائلٌ في البيت، لا يجيب لك دعوة، ولا ينفذ لك أمراً، ولا يخفض لك جناحاً. إنها -يا عباد الله- مأساة ما بعدها مأساة؛ ولذلك عدّ الإسلام بر الوالدين من أعظم الحقوق.

صور من بر الوالدين

صور من بر الوالدين يقول عليه الصلاة والسلام وهو يسأل عن الأعمال الصالحة: أيها أزكى وأيها أعظم؟ فقال: {الصلاة في وقتها، قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله}.

من تاريخ الأمم السابقة

من تاريخ الأمم السابقة ويسافر صلى الله عليه وسلم بالقلوب ليحدثها عن رجل من بني إسرائيل كان باراً بوالديه، ويا عجباً! أن يوجد في اليهود والنصارى من تلين قلوبهم وهم أبناء القردة والخنازير، وهم أعداء الله، الذين لعنهم من فوق سبع سماوات؛ تلين قلوبهم لوالديهم، ويوجد في بلاد المسلمين وأبنائهم، من قسا قلبه، وطمس على فكره، فلا يلين قلبه أبداً. يقول عليه الصلاة والسلام: {كان فيمن كان قبلكم ثلاثة آواهم المبيت إلى غار في جبل، فلما دخلوا الغار أمطرت عليهم السماء، فأتت صخرة من الجبل فتدحرجت فسدت باب الغار -فأصبحوا في مكان ضيق لا ملجأ ولا ملتجأ منه إلا إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، تقطعت الحبال، وأشرفوا على الموت وتأكدوا من الهلاك- فقال بعضهم لبعض: تضرعوا إلى الحي القيوم فإنه لا يكشف الضر إلا هو ولا يجيب المضطر إلا هو، فتقدم أولهم فتضرع إلى الله بأحسن العمل، وقال وهو يبكي عند فم الغار -والغار مظلم لا يكشف ظلمته إلا الله- قال: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وإني قد نأى بي طلب الشجر -كان يرعى بغنمه ذاك اليوم فابتعد بغنمه فلم يأتِ إلا في الليل- قال: وأتيت مرة وقد ناما، وكنت لا أغبق عليهما أهلاً ولا ولداً -أي: لا أقدم في إعطاء اللبن ولدي الذي من صلبي، ولا زوجتي ولا أحداً من الناس حتى يشرب أبي وأمي- وإني قد أتيت ليلة من الليالي فوجدت أبي وأمي قد ناما، فحلبت وأتيت باللبن في الإناء فوجدتهما قد ناما فخشيت أن أوقظهما}. يا للطف! يا للسماحة! يا للبر والجود! حتى وهو قائم باللبن في أول الليل خشي أن يزعجهما من النوم، وهذا فعل الوالد والأم مع الابن يخفضان أصواتهما في البيت حتى لا ينزعج، تلحفه أمه بكسائها، وهي في البرد وهي تنتفض ليتدفأ، ولئلا يجد برداً أبداً، تكسوه في حرارة الشمس وتبقى هي في توقد الشمس حارة ساخنة، فيقول: {فخشيت أن أوقظهما وأبنائي يتضاغون عند رجلي -أطفال يمزق الجوع أكبادهم وأمعاءهم يطلبون اللبن في الإناء، وهو واقف عند رأس والديه وأطفاله لا يستطيعون الوثوب إلى اللبن، وإنما يتدحرجون عند أقدامه- قال: فوالله ما سقيت أبنائي حتى قام والديَّ مع الفجر -فلما لمع الفجر قام الوالد وقامت الوالدة، فقدم الإناء إليهما فشربا، ثم سقى أطفاله، ثم توجه إلى الحي القيوم الذي يعلم الصادق بصدقه- قال: اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء مرضاتك، ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بقدر ما أجاب الله سؤال هذا السائل}

العقوق مشكلة معاصرة

العقوق مشكلة معاصرة عباد الله: إن العقوقَ مأساة وجدت في المجتمعات، وانتشرت في البيوت، وأصبحت أكبر المشكلات على الآباء، وفي بعض الآثار: يود المؤمن في آخر الزمان أن يربي كلباً ولا يربي ابناً. نعم، وجد هذا ورأينا ورأى غيرنا الآباء الذين طعنوا في السن وأصابتهم الشيخوخة، وهم يتباكون ويتضرعون ويتوجعون لهذه الذرية الظالمة العاتية، فهل من عودة يا شباب الإسلام إلى الله؟ وهل من عطف وحنان؟ وهل من خفض جناح؟ وهل من بر وجودة مع الآباء والأمهات؟ يأتي رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: {يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحبتي، قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال أبوك. } فالأم لها ثلاثة أرباع الحق، فهي التي تعبت وحملت، وأرضعت وغسلت، وألحفت وأدفأت، فجزى الله آباءنا وأمهاتنا خير الجزاء، وسقاهما الله من الحوض المورود شربة لا يظمئون بعدها أبداً.

ثمار البر وأضرار العقوق

ثمار البر وأضرار العقوق عباد الله: إن من ثمار بر الوالدين: أن يهديك الله سواء السبيل، وأن يصلح الله لك ذريتك، وأن يمدك بعون منه، وأن يرزقك قبولاً في الناس، وأن يمتعك متاعاً حسناً، وأن يسددك في أقوالك وأفعالك. ومن نتائج العقوق: اللعنة من الله: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23] قال بعض أهل العلم: أصمهم فلا يسمعون ولا يستفيدون، وأعمى أبصارهم فلا يتدبرون ولا يعقلون. ويقول جلَّ ذكره: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد:25]. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يدخل الجنة قاطع} من قطع رحمه، قطع الله حبله من السماء، وقطع حبله وذمته وعهده؛ ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {لما خلق الله الرحم، تعلقت بالعرش، فقالت: يا رب! هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟! قالت: بلى يا رب. قال: فذلك لك، فمن وصلكِ وصلته ومن قطعكِ قطعته} فأنزلها الله إلى الأرض.

فخر الجاهليين بصلة الرحم

فخر الجاهليين بصلة الرحم ويفتخرون بصلة الرحم، يقول المقنع الكندي: وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلفٌ جدا إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في صلة الأرحام

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في صلة الأرحام الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس إلى الله أجمعين؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرق الناس، وأعفهم، وأوصلهم، وأحلمهم؛ ولذلك ذكر الله خُلُقَه ومجد أنفاسه، وذكر مناقبه في القرآن، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقال له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. فقد بلغ في صلة الرحم مبلغاً عظيماً، ضرب به المثل على مرِّ التاريخ، فما سمعت الدنيا بأوصل منه صلى الله عليه وسلم، قام قرابته -أبناء عمه وأقاربه- فأخرجوه من مكة، وطاردوه وشتموه وسبوه وآذوه، حاربوه في المعارك، ونازلوه في الميدان، وقاموا بحرب عسكرية وإعلامية واقتصادية ضده، فلما انتصر ماذا فعل؟ دخل مكة منتصراً، ووقفت له الأعلام مكبرة، وطنت بذكر نصره الجبال والوهاد، فلما انتصر، وقف عند حلق باب الكعبة صلى الله عليه وسلم منحنياً، وهو يقول للقرابة وللعمومة: {ما ترون أني فاعل بكم؟ فيتصورون الجزاء المر والقتل الحار والموت الأحمر، فيقولون وهم يتباكون: أخ كريم وابن أخ كريم، فتدمع عيناه، ويقول: اذهبوا فأنتم الطلقاء!} كأنه يقول: عفا الله عنكم وسامحكم الله.

صور من سيرته صلى الله عليه وسلم في صلة الأرحام

صور من سيرته صلى الله عليه وسلم في صلة الأرحام ويأتي ابن عمه أبو سفيان بن الحارث، فيسمع بالانتصار وقد آذى الرسول عليه الصلاة والسلام، وسبه وشتمه وقاتله، فيأخذ هذا الرجل أطفاله، ويخرج من مكة، فيلقاه علي بن أبي طالب، ويقول: يا أبا سفيان! إلى أين تذهب؟ قال: أذهب بأطفالي إلى الصحراء فأموت جوعاً وعرياً! والله إن ظفر بي محمد ليقطعني بالسيف إرباً إرباً! فيقول علي -وهو يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم- أخطأت يا أبا سفيان! إن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصل الناس وأبر الناس وأكرم الناس، فعد إليه وسلم عليه بالنبوة، وقل له كما قال إخوة يوسف ليوسف: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91] فيأتي بأطفاله ويقف على رأس المصطفى صلى الله عليه وسلم ويقول: يا رسول الله! السلام عليك ورحمة الله وبركاته: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91] فيبكي عليه الصلاة والسلام وينسى تلك الأيام، وتلك الأعمال، وتلك الصحف السوداء، ويقول: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:92]. فهل من متسم بأخلاقه؟ وهل من مقتد بأفعاله؟ فإنه الأسوةُ الحقة، وإن اتباعه نجاة من العار والدمار والنار. تأتيه أخته من الرضاعة صلى الله عليه وسلم، وقد ابتعدت عنه ما يقارب أربعين سنة، فتأتيه وهو لا يعرفها وهي لا تعرفه، مرت سنوات وسنوات، وأيام وأيام، وأعوام وأعوام، وتسمع وهي في بادية بني سعد في الطائف بانتصاره، فتأتي لتسلم على أخيها من الرضاع وهو تحت سدرة عليه الصلاة والسلام، والناس بسيوفهم بين يديه، وهو يوزع الغنائم بين العرب، فتستأذن، فيقول لها الصحابة: من أنت؟ فتقول: أنا أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أنا الشيماء بنت الحارث أرضعتني أنا وإياه حليمة السعدية، فيخبرون الرسول عليه الصلاة والسلام فيتذكر القربى وصلة الرحم والوشيجة والعلاقة، التي أنزلها الله من السماء، ويقوم لها ليلقاها في الطريق ويعانقها عناق الأخ لأخته بعد طول المدة، وبعد الوحشة والغربة، ويأتي بها ويجلسها مكانه، ويظللها من الشمس. تصوروا رسول البشرية، ومعلم الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية يظلل هذه العجوز من الشمس برضعة واحدة، فأين الذين قطعوا عماتهم وخالاتهم، وبناتهم وأخواتهم؟ وهم كثيرٌ! حرموهن من الميراث الذي فرضه الله لهن وقطعوهن من الصلة والزيارة؛ حتى سمعنا ورأينا من العجائز الطاعنات في السن من تقف الواحدة في فقرٍ، وهي تبكي وتقول: ظلمني! أنصفني الله منه، فأين هذا الخلق من ذاك الخلق؟! ويقول لها الرسول عليه الصلاة والسلام: كيف حالكم؟ ويترك الناس وشئون الناس ويقبل عليها ويسألها، ويقول لها أخيراً: يا أختاه اختاري الحياة عندي أو تريدين أهلك؟ فتقول: أريد أهلي، فيمتعها بالمال ويعطيها مائة ناقة عليه الصلاة والسلام، ليعلمِّ الناس صلة الأرحام قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22] معنى الآية: إذا توليتم في الأرض، وأدبرتم عن طاعة الله، وكفرتم بتعاليم دين الله، فأكملوا المعصية بقطيعة الرحم، ليستحق غضب الله، ولعنته وعذابه، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:23] فيا عباد الله: هل من واصل لرحمه علَّ الله أن يرحمنا؛ عله أن يمطر بلادنا وأن يرحم عباده، وإن الله تعالى يقطع من قطع رحمه، وإن الله يغضب إذا انتهكت محارمه؛ ولذلك يقول جل ذكره في الحديث القدسي: {أبي تغترون أم علي تجترئون؟! فبي أحلف لأنزلن فتنة تدع الحليم حيراناً}. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، وارضَ اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمةَ المسلمين، اللهم وحد بين صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه. اللهم اصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك، واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم وحد كلمتهم، اللهم خذ بأيديهم إلى كل خير، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم أعل كلمة الحق بهم يا رب العالمين، اللهم رد على أيديهم أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، اللهم مزق بأيديهم أعداءك إخوان القردة والخنازير: الذين قتلوا رسلك وكفروا بكتابك وأفسدوا في أرضك يا رب العالمين. اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين. ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

حبة أنبتت سبع سنابل

حبة أنبتت سبع سنابل أنفع الناس للناس هم حملة القرآن، أما أهل الموسيقى والغناء فلا يمكن أن يكونوا هم الصفوة المختارة. والذين تلطخت أيديهم بالدماء من الزعماء هم نماذج مخزية من الظلم والفساد والاستبداد. وإن شهر رمضان هو شهر القرآن، فينبغي لنا الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالسلف الصالح حيث كانوا يكثرون من تلاوته وتدبره في هذه الشهر الكريم. ومما ينبغي تذكره في رمضان ما وقع فيه من الانتصارات العظمى كبدر وفتح مكة وحطين وشقحب. والصدقة من أفضل أعمال البر والخير فعلى من يريد فكاك رقبته من النار في هذا الشهر أن يكون أجود الناس بالخير كما كان رسوله صلى الله عليه وسلم.

أهل القرآن والتوحيد أنفع الناس للناس

أهل القرآن والتوحيد أنفع الناس للناس إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. تساؤلات تمور في الذهن، ويعيشها القلب، ويفرغ لها الروح، وهي: من هم أنفع الناس للناس؟ ومن هم أهل المنجزات؟ من الذين قدموا أحسن ما يقدم للناس؛ يزعم بعض الناس أنهم أنفع الناس للناس؟ وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا فالفنانون زعموا أنهم تراث الأمة، وأنهم شعبيتها، وأنهم صوتها الحر، قدموا العود والموسيقى والوتر، وقالوا: هذا إنجاز الشرق للغرب، وهذه حضارتنا. الفنانون من قديم الزمن يقف أحدهم عند الكعبة والمقام يناجي رب العزة ويقول: أتوب إليك يا رحمن مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب وأما عن هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب ويأتي فنان آخر عند الجمرات في الحج ويقول: فوالله ما أدري وإن كنت داريا بسبع رمين الجمر أم بثمان فهل يُرشح هؤلاء وأمثالهم ليكونوا هم الصفوة المختارة؛ التي تقدم ثقافة الأمة وحضارتها وصوتها؟! ويزعم بعض الزعماء: أنهم هم محررو الشعوب، الذين رفعوا عن الشعوب التخلف والرجعية، والظلم والاستبداد والطغيان، ولكننا إذا قرأنا التاريخ؛ لوجدنا نماذج مخزية؛ من الظلم والفضيحة والاستبداد. يسجن الحجاج بن يوسف مائة ألف مسلم ويمر عليهم يوم الجمعة، فيبكون عله أن يخرجهم من السجن فيقول: اخسؤا فيها ولا تكلمون. ويقتل أبو مسلم الخرساني من المسلمين مائة ألف، وقيل عند الذهبي: ألف ألف مسلم -أي: مليون- وكان الحاكم بأمر الله المصري ينزل إلى السوق فإذا رآه الناس؛ سجدوا له في السوق من دون الله! ومن أمثالهم الخميني وصدام حسين فهذه لافتة الزعماء التي تدعي أنها حررت الأمة الإسلامية ورفعت رأسها، ويدعي القوميون العرب، والمظلة العربية: أنهم هم أهل السيادة في الأرض، وأن النصر سوف يتم لهم. وحدويون والبلاد شظايا كل جزء من لحمها أجزاء لو قرأنا التاريخ ما ضاعت القدس وضاعت من قبلها الحمراء إنهم فضائح في جبين التاريخ، يقولون: القومية العربية، وإخاء عربي، ودم عربي، وحرف عربي، لكن بدون لا إله إلا الله. هذه العروبة رأيناها في أيلول الأسود، وفي داحس والغبراء، وفي احتلال الكويت، وفي حماة وفي بعاث وفي صبرا وشاتيلا، تأتي جولدا مائير العجوز، فتسحق العالم العربي، وتستحذيهم؛ لأنهم تركوا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فمن هم أنفع الناس؟ من هم البررة في الأمة؟ يوم خرّج الغرب المهندس والطيار والطبيب وخرجنا اللاعب والمغني والموسيقار، فهاهي أمريكا تعلن أنها أجرت ستين بروفة؛ لإنزال أبولو على سطح القمر، ونحن نعلن أننا أجرينا بروفة؛ لإخراج أغنية للجماهير! منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا نصنع السيارة استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا فمن أنفع الناس؟ إنهم حملة القرآن إنهم حملة لا إله إلا الله إنهم حفظة كتاب الله عز وجل، وهذا شهرنا يعيد لنا ذكر القرآن: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185]. هاأنتم تعيشون ذكرى أجدادكم، الذين فتحوا العالم بالقرآن، لم نفتحه بأغنية ولا بوتر، ولا بكرة أو موسيقى، أو ببلوت أو مجلة خليعة، بل فتحناه بهذا القرآن. سمعتك يا قرآن والليل واجم سريت تهز الكون سبحان من أسرى فتحنا بك الدنيا فأشرق نورها وسرنا على الأفلاك نملؤها أجرا

شهر رمضان شهر القرآن والإنفاق

شهر رمضان شهر القرآن والإنفاق يقول عليه الصلاة والسلام كما عند الحاكم بسند صحيح: {يأتي القرآن والصيام يوم القيامة فيقول القرآن: يارب! منعت هذا نومه بالليل -أي يتهجد ويقرأ- فيشفع في صاحبه، ويقول الصيام: يارب! منعته طعامه في النهار فيشفع في صاحبه}. ويقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه}. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة}. إننَّا نستشف من الحديث فائدة كبرى وهي: أن القرآن والإنفاق لهما فضل كبير، وهذا شهر القرآن والإنفاق: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:29 - 30]. وكلكم يعرف الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم ويسمع بجهدها ويطلع على ما تقوم به، أهي مؤسسة غنائية؟ لا. أو للفنون التشكيلة؟ لا. أو للكرة؟ لا. بل هي لكتاب الله، وهي مؤسسة نيرة أخذت على عاتقها أن تأتي بشباب الأمة من المقاهي والنوادي الحمراء، والضياع والمنتزهات والسقوط في المخدرات إلى المساجد. قد أخذت على عاتقيها أن تحفظ أبناءنا كتاب الله، إنها جمعية يجب أن يصرف لها أكبر قدر من أموال المسلمين، فهي تعيش في ضمائر كل مسلم، سل ابنك، وسل ابن جارك، وسل حفظة كتاب الله ما هي أنعم جمعية مروا بها في الحياة؟ إنها الجمعية الخيرية لتحفيظ كتاب الله، لكنها تحتاج إلى الدعم والتبرع والإنفاق. ووالله! لقد عجبت وعجب كثير من الإخوة ونحن نطلع على مقالة لمغني مطرب، وهو يخبر بما أتاه من دعم وتبرع في ليلة واحدة، وقدرناه بالملايين، فقلنا: ماذا أعاد علينا هذا الفنان وهذا المطرب؟! ماذا أنتج لنا وقدم لأمتنا وماذا أسدى لنا؟! ثم ننظر بالمقابل وإذا الجمعية الخيرة تقف على أقدامها في الأرض، إنها تحمل تكاليف هائلة؛ لتدريس شباب المسلمين وأطفالهم، وهي تحتاج إلى دور ضخمة، وإلى مدارس، وناقلات، ورواتب أساتذة وجوائز. وهذا اليوم يوم مشهود؛ يطلع الله على ما تقدمونه -بعد الصلاة- لرواد الجمعية الخيرية، الذين حضروا طالبين لا لأنفسهم ولكن لأولياء الله، ولكتاب الله، ولحفظة كتابه سُبحَانَهُ وَتَعَالى. ويظهر لنا هذا مدى عظمة الإسلام حيث يربط بين الصيام والإنفاق، وأعظم ما تنفقه أنت لكتاب الله، أما هؤلاء الذين ينفقون الملايين في الضياع، والألوف المؤلفة في الخسار فاسمع ما يقول سبحانه فيهم: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36]. هل سمعت أن الأمة انتصرت بفنان؟ أو رفع رأسها مطرب؟ أو بيض وجهها موسيقار أو ممثل؟ لا. لكن بحامل كتاب الله عز وجل رُفع رأسها. فيا مسلمون يا بررة! كل الأمة تتحرى منكم ما تقدمونه هذا اليوم، فابذلوا سخياً سخياً، بل على القول الصحيح من أقوال أهل العلم: أنها من مصارف الزكاة، فمن عنده زكاة أو من أراد أن يساهم مساهمة عند الواحد الأحد الذي لا تضيع الودائع عنده: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] من أراد ذلك فليساهم وليعتق رقبته وليرفع ميزانه هذا اليوم، أنت صائم في يوم الجمعة وأنت متصدق، وأين تذهب صدقتك؟ إلى حملة كتاب الله: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261]. واعلموا أن أجدادكم كـ عثمان وابن عوف هم الذين فتحوا أبواب الجنة بأعمالهم، وصل إلى ابن عوف سبعمائة جمل ودخلت المدينة في حرارة الشمس، محملة بالتمر والزبيب والبر، فقال تجار المدينة: يـ ابن عوف! نشتريها منك، قال: بكم؟ قالوا: نعطيك في الدرهم درهماً -أي: الثمن مضاعف- قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك في الدرهم درهمين، قال: وجدت من زادني. قالوا: لا. نحن تجار المدينة وما زادك أحد علينا، قال: وجدت من زادني في الدرهم عشرة أضعافه إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة؛ أشهدكم أنها بأحلاسها وجمالها وأقتابها وبرها وزبيبها وتمرها في سبيل الله، فتولى الفقراء والمساكين وهم يقولون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة. وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: {من يجهز جيش تبوك وله الجنة، فقام عثمان فجهزه؛ فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام وقال: اللهم اغفر لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم}. ولعلكم ترون بإذن الله عز وجل في سيرة أسلافكم الذين ما كان أحدهم يجد ما يسد جوعه؛ من الإنفاق والبذل والعطاء ما يدفعكم أنتم أكثر وأكثر مع كثرة الأموال لدعم هذا المشروع الخيري، وقد شاهدتُ في بعض المناطق كـ الوسطى والقصيم، دعماً هائلاً للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن، فمن متصدق بعمارة، ومن متصدق بسيارة، ومن متصدق بألوف مؤلفة، وما أظن أن الناس يفوقوننا حماساً وغيرة وحباً لكتاب الله، هذه مسألة علَّ الله عز وجل أن يفتح صدوركم لها، وليس بغريب عليكم؛ فأنتم أبناء الذين قدموا أرواحهم في سبيل الله. أرواحنا يارب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا أسأل الله أن يتقبل منكم ما فعلتم: {الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار} كما قال صلى الله عليه وسلم، واليوم -بعد الصلاة- تطفئون خطاياكم وسيئاتكم، وتطفئون غضب ربكم؛ بما تنفقون ثم يحفظ لكم في: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. الله أعطاك فابذل من عطيته فالمال عارية والعمر رحال المال كالماء إن تحبس سواقيه يأسن وإن يجر يعذبْ منه سلسال أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

شهر رمضان هو شهر الانتصارات على مر التاريخ

شهر رمضان هو شهر الانتصارات على مرّ التاريخ الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام قد لقيناك بحب مفعم كل حب في سوى المولى حرام اجتمعت في رمضان مسائل عظيمة لهذه الأمة الخالدة: أولاً: أنه شهر انتصاراتها على مر التاريخ، فـ بدر والفتح وحطين وشقحب كلها في رمضان. فهو الشهر الذي ارتفع فيه رأس الأمة وانتصرت بإذن الله، في رمضان كانت ساعة الصفر بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش، فقتلهم قتلة ما سمع التاريخ بمثلها، وفي رمضان وفي يوم الجمعة الساعة السادسة، كان اللقاء الرهيب بين العالم الإسلامي وبين العالم الصليبي المسيحي، ومن الذي يقود العالم الإسلامي؟ أهو عربي؟ لا. إنه كردي صلاح الدين الأيوبي الشافعي رحم الله تلك العظام؛ كما قال ابن كثير. صلاح الدين ذلك الشاب الذي نشأ على القرآن في المسجد، كان لا يتبسم ويقول: والله لا أتبسم حتى أعيد المسجد الأقصى إلى المسلمين. وحضر يقود العالم الإسلامي كله في معركة حطين قال له قواده: نبدأ في الصباح، قال: لا. إذا بدأت الساعة السادسة وارتقى الخطباء في العالم الإسلامي على المنبر، بدأنا المعركة عل الله أن ينصرنا بدعوات المسلمين. هذه الدعوات الحارة التي مرغت القوى العالمية، وكسرت ظهر الشيوعية بالأمس، ومرغت وجه البعث بالتراب اليوم، وكم سرّنا وأتحفنا وأثلج صدورنا أن يكسر ظهر البعث كسرة لا يقوم بعدها أبداً! البعث الذي داس المصحف وقتل أبناء صلاح الدين في حلبجة والذي ذبح العلماء والدعاة. حضر صلاح الدين وبدأ الهجوم وأخذ يقول في المعركة: وإسلاماه! وإسلاماه! وإسلاماه! ثم انتصر بإذن الله. وفي الجمعة الثانية دخل بيت المقدس يصلي، وهو كردي ليس بعربي؛ لأن العرب في فترة صلاح الدين تركوا القرآن والجهاد، وتولوا إلى الموسيقى والأغنية، وإلى السهرة والبلوت والله يقول: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89]. وانتصر، وأذن المؤذن وقام الخطيب، وفي الصف الأول صلاح الدين الكردي، عليه العمامة محملة بغبار المعركة وعليه بعض قطرات الدم في لحيته، كالخضاب من جروح كانت تنز عليه من وجهه، قام الخطيب وأخذ يقول: الحمد لله مجري السحاب، منزل الكتاب، هازم الأحزاب. من هم الأحزاب؟ بريطانيا وفرنسا وإيطاليا تدعمهم سويسرا وألمانيا في حزب ضد المسلمين، ومع ذلك كسرهم صلاح الدين كسرة ما سمع التاريخ بمثلها. ثم التفت إلى صلاح الدين وقال: تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا وهكذا يعصف التوحيد بالوثن أمنياتنا في رمضان النصر، وقد نزل القرآن فيه في ليلة القدر، نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا. ثانياً: أنه شهر التقوى، فقد انكسرت فيه القلوب، وذبلت فيه الأرواح، وجفت فيه الأكباد، وتذكر الأثرياء الذين يسكنون في العمارات الشاهقة والذين تتخالف عليهم موائد الطعام، الفقراء والمساكين، وتذكروا الذين ينامون على الأرصفة، ولا يجدون كسرة خبز ولا مذقة اللبن، هذه من الأمنيات. وأعود إلى الموضوع السابق، يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا أنفق العبد صدقة فإن الله يتقبلها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه، حتى تبلغ كـ جبل أحد} ويقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {إن لله ملكين يناديان في كل صباح: يقول الأول: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً}. فنعوذ بالله من البخل وهو من شيم اليهود: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:37]. أيها المسلمون: لا يكفر الخطايا، ولا يغسل السيئات كالصدقات، وإذا كانت لرفع كتاب الله عز وجل، ولدعم هذا المشروع الخيري النير فإنها من أحسن ما تكون، سواء زكاة مفروضة أو زكاة نافلة، والله يتقبل منا ومنكم في: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. أيها الناس: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحب وترضى. اللهم وفق أئمتنا وولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، وأصلح لهم البطانة واهدهم سبل السلام، ووفقنا وإياهم لكل خير. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

سلعة الله غالية

سلعة الله غالية تحدث الشيخ عن تأسيس بنيان التقوى، وذكر في هذا الدرس عاملاً أساسياً من عوامل التقوى وهو الجود، وفصّل في أنواع الجود المأمور بها شرعاً: الجود بالنفس، الجود بالعلم، الجود بالوقت، الجود بالجاه ثم ذكر نماذج من جود الصحابة وبذلهم، وختم بقصة طريفة لأحد العلماء.

الجود ومنازله

الجود ومنازله الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً وتَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرا، وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، هدى به الله الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أمَّا بَعْد: فيقول الله تبارك وتعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] أفمن أسس حياته ومستقبله على تقوى من الله وعلى رضوان من الله وعلى خوف من الله وعلى خشية لله خير أم من أسس بنيانه على معصية وتمرد وعدوان لحدود الله وانتهاك لحرمات الله. ومن سنن الله الكونية القدرية والشرعية الأمرية: أن ينصر أولياءه وأن يحفظ أحبابه ويؤيد عباده، ومن سننه كذلك: أن يخذل أعداءه وأن يمقت من ضاده وحاده؛ ولذلك أتى صلى الله عليه وسلم من غار حراء خائفاً وجلاً، لما أتاه جبريل ظن أن سيموت أو يهلك أو يخزى؛ لأنه رأى صورة ما رآها قبل، فقالت خديجة رضي الله عنها وأرضاها: {كلا والله لا يخزيك الله أبداً! إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق} فاستدلت بحسن فعاله وبجميل صنعه على أن الله لا يخزيه أبداً. هل رأيتم متصدقاً أخزاه الله؟! هل رأيتم صادقاً أخزاه الله؟! هل رأيتم صالحاً محسناً أخزاه الله؟! إنما يخزي الله أعداءه ومن حاده، أهل المعاصي وأهل الفواحش وأهل السيئات هم الذين يخزيهم الله، والله عز وجل ذكر أهل البر وأهل المعروف فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261]. ولم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو وأما وجهه فجميلُ

الجود بالنفس

الجود بالنفس يقول ابن القيم رحمه الله: الجود والبر منازل ودرجات أعظمها الجود بالنفس. أرأيت إنساناً يجود بنفسه لمرضاة الله، هل هناك أكرم منه؟! لا والله فيا من بخل بدرهمه وديناره! أصحاب الرسول عليهم الصلاة والسلام جادوا بنفوسهم وأرواحهم في سبيل الله، يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجودِ أتى الصحابة وما عندهم مال ولا عقار ولا درهم ولا دينار، فاستقبلوا القبلة متوضئين، ورفعوا سيوفهم شاهدين ظاهرين مقبلين، وقالوا: يارب لا نملك من الدنيا قليلاً ولا كثيراً، وإنما نملك نفوسنا قد أهديناها إليك فتقبلها منا، {جِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف:88]. ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيءٍ فاشترى أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا خالد بن الوليد باع نفسه في المعركة، وذلك جميل ومعروف لنفسه، صلاح الدين، طارق بن زياد، محمود بن سبكتكين، وأحفاد محمود من المجاهدين الأفغان، ومن أمثالهم قالوا لله بلسان حالهم: يا رب نحن فقراء ما عندنا مال ولا عقار، ما عندنا قصور ولا سيارات، ما عندنا ملابس ولا مشروبات ولا مرطبات، لكن هذه نفوسنا قدمناها لك! أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا

الجود بالعلم

الجود بالعلم قال ابن القيم: ومن الجود: الجود بالعلم وهو من أشرف الجود! فيا دعاة الإسلام! يا طلبة العلم! يا حملة الدكتوراة والماجستير! يا من تفنن في أساليب التفنن العلمية والتخصصات الشرعية! الأمة ماتت جهلاً وشركاً وتخلفاً وعامية، فمن ينقذها بعد الله إلا أنتم! {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] اشتروا به مناصب ووظائف وتكدسوا في بيوتهم، وتركوا الأمة غارقة في الجهل وفي الخرافة والشرك، فبئس ما يشترون! والله لساعة من التعليم واحدة خير من مناصب الدنيا ومن وظائفها وأموالها. هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مضارب من أردتا وكنز لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا والله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160]. كم من القضاة في بلادنا! كم من الأساتذة! كم من العلماء! كم من الدعاة؟ ألوف مؤلفة! ومع ذلك القرى جاهلة، والبوادي تعيش الخرافات، وكثير من الناس لا يعرفون أحكام دينهم ولا أمور شرعهم، وحولهم الماء لكن بخل أهل الماء بالماء، وفي الركاز الخمس، أرأيت البخيل إذا بخل بماله، كيف يكون ممقوتاً مذموماً مسبوباً مشتوماً من الناس! والله إن من بخل بقال الله وقال رسوله أكثر ذماً ومقتاً وبخلاً منه! وانظر إلى أهل الباطل، كيف بذلوا علمهم الباطل وعلمهم المتخلف، ولعنتهم بذلوها ووزعوها، كتبوا وتكلموا وحاضروا وأنتجوا وطبلوا وزمروا وغنوا ورقصوا، لكن أهل الحق في خجل أن يرفعوا حقهم ويوزعوه.

الجود بالمال

الجود بالمال ومن الجود ومن منازله الكبرى: الجود بالمال، ونحن في هذه البلاد نعيش رغداً وعيشاً هنيئاً مريئاً، نحن أثرياء بالنسبة للعالم، إن متوسط دخل الواحد منا يعادل دخل كثير من تجار العالم، فهل قدمنا لأنفسنا؟ هل قدمنا للقبر؟ هل قدمنا للصراط؟ هل قدمنا ليوم الكربات يوم الفضائح؟ لقد رأينا ورأيتم كثيراً من الناس يشكون العوز! مدين لا ينام الليل وأطفاله لا يجدون كسرة الخبز، لا يجدون قطعة القماش، يتقدمون بصكوك إلى أهل القصور، ويتقدمون بالدمعات الحارة إلى أهل المطاعم الشهية والملابس الوطية والمراكب الزهية، فيا أيها الناس! من فعل خيراً فإنما يفعل لنفسه، والله يقول: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261]. الخير أبقى وإن طال الزمان به والشر أخبث ما أوعيتَ من زادِ يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: {إن لله ملكين يناديان كل صباح، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً} فمن أراد أن يخلف الله عليه وأن يبارك في رزقه وفي دخله، فلينفق على الفقراء، وعلى المجاهدين، وعلى المساكين، وفي مشاريع الخير، فهذا من باب البر. كان الجاهليون وهم وثنيون يعبدون الأصنام والأوثان لا يرضون أن يعيش في مجتمعهم جائع ولا مسكين، كان ابن جدعان جاهلياً ما عرف لا إله إلا الله وما سجد لله، عنده صحاف تعرض كل صباح بلباب البر وبمسيل العسل، فينادي مناديه على جبل أبي قبيس في مكة: من أراد الإفطار فليأت فتمتلئ صحافه من المساكين، فإذا أتى الظهر قدم صحافه لحماً وخبزاً ثريداً، وقال: من أراد الغداء فليأت! يقول أمية بن أبي الصلت في آل جدعان أهل الكرم والجود: لا ينكتون الأرض عند سؤالهم لتطلب الحاجات بالعيدانِ بل يشرقون وجوههم فترى لها عند السؤال كأحسن الألوانِ وإذا الغريب أقام وسط رحالهم ردوه رَبَّ صواهلٍ وقيانِ وإذا دعا الداعي ليوم كريهة سَدُّوا شُعاعَ الشمس بالفرسانِ

الجود بالجاه

الجود بالجاه ومن الجود: الجود بالجاه -الجود بالوجاهة- بعض الناس آتاه الله جاهاً وواسطة وشفاعة، يعرفه المسئولون، يعرفه الأمراء والوزراء وأهل المناصب في الدولة بوجاهته وبمنصبه وبصدارته في المجتمع، والله يقول: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً} [النساء:85] ما هي الشفاعة الحسنة؟ يعني: يا أهل المناصب! يا أيها المسئولون في هذه البلاد وفي غيرها: أن تشفع للمحتاجين، أن ترفع حاجة المظلومين المضطهدين الأرامل العجائز، تتكلم إلى المسئول تتكلم إلى الأمير، تتكلم إلى الوزير في حاجتهم وفي مضرتهم وفيما أصابهم من ظلم وفيما أتاهم من جوع، وحينها تكون مشفوعاً لك عند الله، والجزاء من جنس العمل، يشفع لك محمد عليه الصلاة والسلام في دخول الجنة وفي الرضى الأبدي السرمدي عند الله: {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْل مِنْهَا} [النساء:85] كما يفعل الذين انتقصت حقوقهم عند الله يسعى في إضرار المسلمين وفي التنكيد عليهم وفي تنغيص عيشهم وفي زلزلة أمرهم وفي تقديم دمائهم وأموالهم للشيخ، وهذا عنده عند الله مرصاد يتحراه: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]

الجود بالوقت

الجود بالوقت الجود بالوقت: أن تجعل وقتك للمسلمين، فتذهب إلى المريض في المستشفى أو في بيته فتواسيه، وكم تعادل زيارتك للمريض من الأجر والمثوبة، إنك تدخل الأنس عليه والفرج بعد فرج الله عليه، إنك تدخل ماء الحياة إلى قلبه، إنك تغرس شجرة الأمل في نفسه وفي روحه، وتعود مأجوراً. ومنها أن تصل الأرامل وأن تتفقد المحتاجين: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ} [التوبة:109] أفمن بنى حياته ومستقبله على بر وخير وأصالة ومعروف. {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} [التوبة:109] أسس قواعده على المعصية، أسس قواعده على الجريمة، على البغض للمسلمين، على تنكيد حياتهم، على تنغيص عيشهم، على التثلج بدمائهم وأموالهم {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ_ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. ما أحسن المعروف! وما أحسن الجميل! يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: [[ما أحسن الجميل! والله لو كان الجميل رجلاً لكان حسناً، ما أقبح القبيح! والله لو كان القبيح واللؤم رجلاً لكان قبيحاً]]. جاءه رجل فاستحيا أن يسأل علي بن أبي طالب، فكتب حاجته في التراب فقال علي رضي الله عنه وأرضاه: أمسكت ماء وجهك وأعفيتنا من ذل سؤالك لألبين مسألتك فقال الرجل: كسوتني حلة تبلى محاسنها لأكسونك من حسن الثنا حللا والثناء من أحسن ما وضعه الله للناس في الأرض. إنما المرء حديث بعده كن حديثاً حسناً لمن وعى حاتم الطائي نذكره اليوم وهو مشرك، حاتم نتبجح بذكره في المجالس وهو وثني، لأنه كان كريماً جواداً. فيا عباد الله! قوا نفوسكم من نار تلظى، وقوا وجوهكم من لفح النار، بالمعروف، بالكلمة الطيبة، بالبسمة، بالصدقة، بالزيارة، بالشفاعة لما يرضيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، غفر الله لي ولكم، وأنقذني وإياكم من النار، وهداني وإياكم سواء السبيل، هنيئاً لكم إقبالكم على الله وتوبتكم إلى الله وثباتكم على ما يحبه الله ورسوله، وصلى الله على محمد وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

نماذج في الجود

نماذج في الجود الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: عباد الله: فإن ما ذكرته في الخطبة الأولى عليه نماذج من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وهم القوم المقتدى بهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] لم نقدم للإسلام عشر ما قدموا، وما فعلنا لرفع لا إله إلا الله ولو قيراطاً مما رفعوا- فرضي الله عنهم وأرضاهم وألحقنا بهم، بذلوا نفوسهم رخيصة في سبيل الله.

بذل الصحابة لنفوسهم في سبيل الله

بذل الصحابة لنفوسهم في سبيل الله أتى حمزة فترك أطفاله وأهله وداره وعقاره وأتى بثيابه الممزقة التي تستر جسمه الطاهر، فقاتل في أُحد حتى قتل، فكان أسد الله في أرضه، وكان سيد الشهداء في الجنة، وأتى أنس بن النضر، فرأى الناس فروا يوم أحد، فأقبل إلى الله وشم ريح الجنة من دون أحد، فقتل وضرب بأكثر من ثمانين ضربة، وأتى خالد وسعد فباعوا أرواحهم من الحي القيوم. هذه أعظم المنة وأعظم الصدقة والبذل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111].

بذل الصحابة في العلم

بذل الصحابة في العلم وبذلوا العلم رضوان الله عليهم وأرضاهم. وسيدهم وخيرهم وأبرهم محمد صلى الله عليه وسلم أحيا الله به الأرواح من الجهل، حتى يقول شوقي: أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ معنى ذلك: إن كان عيسى عليه السلام أحيا الأموات بإذن الله، فأنت أحييت الأرواح وأحييت الشعوب الميتة، وعلمت الجاهلين، ورفعت الأميين، وعلمت الذين ما كانوا يتعلمون ولا يفقهون ولا يتدبرون، ويقول الآخر: أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه كان أبي بن كعب يجلس للناس بعد كل صلاة فيقول: هل من متعلم؟! هل من سائل؟! هل من مستفتٍ؟! فيفر بالعلم كالبحر الثجاج، وكان ابن عباس يجلس للناس من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر، إذا انتهى أهل التفسير قال: [[اخرجوا علي بأهل الحديث، فإذا انتهوا قال: علي بأهل الفقه، فإذا انتهوا نازل أهل الفتاوى والأحكام، فإذا خلصوا قال: علي بأهل الأدب والشعر واللغة]] {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21].

بذل الصحابة أموالهم في سبيل الله

بذل الصحابة أموالهم في سبيل الله وبذلوا أموالهم في سبيل الله، عثمان شرى بئر رومة من اليهود، وقال له صلى الله عليه وسلم وللصحابة: {من يشتري بئر رومة وله الجنة!} فشراها فكان الثمن روحه إلى الجنة، يقول عليه الصلاة والسلام: {من يجهز جيش تبوك وله الجنة، فجهز جيش تبوك، فكان ثمن روحه، فلما جهزه قال عليه الصلاة والسلام: اللهم اغفر لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم}.

قصة ابن أبي حاتم

قصة ابن أبي حاتم ذكر الذهبي في ترجمة ابن أبي حاتم، عبد الرحمن الإمام الورع الحبر: أنه ذهب إلى خراسان، فجلس في مجلس، فأتى قوم يقولون: نريد أن نبني مسجداً، فمن يبني لنا مسجداً؟ فقام هذا الإمام العالم، فقال: من يبني لهؤلاء الناس مسجداً فقد آذاهم الحر والبرد والمطر، فقام تاجر من التجار وقال: يا ابن أبي حاتم! أنا أبني لهم مسجداً، ولكن والله لا أبني لهم مسجداً حتى تشهد لي بمثله في الجنة، وتشهد أن لي بيتاً بمثله في الجنة، فتبسم الإمام وقال: من يتقول على الله؟ ومن يشهد على الله؟ لكن ثبت في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {من بنى لله مسجداً بنى له الله بيتاً في الجنة ولو كمفحص قطاة}. قال: أما أنا فلا أبني حتى تكتب لي كتاباً أن لي مثله في الجنة، قال: الله المستعان! اللهم اعلم أني أحسنت الظن بك فلا تخيب ظني، علي بورقة وعلي بقلم، فكتب بسم الله الرحمن الرحيم: لقد قاله: ابن أبي حاتم على الجواد الكريم الذي لا تنفذ خزائنه ولا ينتهي معروفه ولا بره أن فلان بن فلان بنى في الحياة الدنيا مسجداً، فإنني أسألك يا ذا لجلال والإكرام أن تبني له بيتاً في الجنة مثله، وقد شهدت على ذلك وشهد فلان بن فلان وفلان بن فلان، ثم وقع الورقة وسلمها الرجل. قال الذهبي فنام ابن أبي حاتم تلك الليلة، وكان عابداً زاهداً ولياً لله، فرأى في المنام قائلاً يقول: أمضينا لك ما كتبت من صك ولا تعد إلى ذلك، أي نفذنا ذلك الخطاب لك ما دمت أحسنت الظن، ولكن لا تعد إلى ذلك، فإن معروف الله لا ينتهي ورحمته وسعت كل شيء، وهل تُدخل الجنة إلا بالمعروف: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72]. أيها الناس صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، فقد قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:6] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا}. اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، اللهم بلغه صلاتنا وسلامنا وتحياتنا وحبنا، واجعلنا ممن يحشر في زمرته ويظل تحت ظله ويعمل بسنته. اللهم إنا نسألك من العيش أرغده، ومن العمر أسعده، ومن الوقت أعمه، ومن العمر أتمه. ونسألك من النعيم منتهاه إنك على كل شيء قدير، اللهم ارض عن الصحابة الموفقين الأطهار من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك ولرفع رايتك، اللهم انصر المجاهدين الأفغان الذين أرضوك بجهادهم يا واحد يا ديان. اللهم ألف كلمتهم، واجمع شملهم وانصرهم على عدوهم، وأعد عليهم بلادهم ومساجدهم ومصحفهم وعزهم يارب العالمين، اللهم أنصر المجاهدين في فلسطين، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. اللهم أعد لنا المسجد الأقصى وكرامته وقداسته، اللهم العن اليهود ومن شايع اليهود. اللهم اخزهم، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم اسلب إرادتهم، واجعل تدبيرهم في تدميرهم. اللهم أنزل الصواعق عليهم، اللهم خذهم من كل مكان، اللهم اجعل أعداء المسلمين غنيمة للمسلمين بأطفالهم وأموالهم إنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم أصلح بيوتنا وشبابنا وأمهاتنا وأخواتنا وبناتنا. اللهم أصلح قلوبنا ووفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم أصلح ولاة أمورنا ومسئولينا ومن تولى ولاية فينا، اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم خذ بأيديهم، اللهم وفقهم للعمل بكتابك وللعمل بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

عمر بن عبد العزيز

عمر بن عبد العزيز إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا ينقطع فيها الخير، فهي كالسيل لا يدرى الخير في أوله أم في آخره، والله سبحانه وتعالى يبعث على كل رأس قرن مجدداً يجدد لهذه الأمة معالم دينها ويحيي مبادئها ومن أمثال هؤلاء، بل هو أعظمهم على الإطلاق، عمر بن عبد العزيز، وهو ممن عرفوا الله حق المعرفة، فأطاعوه حق الطاعة، ولم تأخذهم في الله لومة لائم.

صفات عمر بن عبد العزيز

صفات عمر بن عبد العزيز الحمد لله، الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً. أحمده الحمد كله، وأشكره الشكر كله، اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، أشهد أن لا إله إلا الله شهادة أدخرها ليوم العرض على الله، شهادة مبرأة من الشكوك والشرك، شهادة من أنار بالتوحيد قلبه، وأرضى بالشهادة ربه، وشرح بها لبه. وأصلي وأسلم على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، صلى الله وسلم على كاشف الغمة، وهادي الأمة، ما تألقت عين لنظرٍ، وما اتصلت أذن بخبر، وما هتف حمام على شجر، وعلى آله بدور الدجى، وليوث الردى، وغيوث الندى، وسلم تسليماً كثيراً، أمَّا بَعْد: السلام عليكم يا أبناء الأمة المجيدة، التي اختارها الله واسطة العقد في التاريخ، أنار بها حضارة القرون، ورفع بها كيان الأمجاد، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، الأمة التي تمرض ولكنها لا تموت، وتغفو ولكنها لا تنام، وتغلب ولكنها لا تسحق أبداً، فقد أخرج الله من أجدادكم وأسلافكم منائر التوحيد، ومشاعل الحضارة، ورسل الإنسانية وهداة البشر. سنقف في هذا الدرس مع علم من الأعلام، ومجدد من المجددين، وعابد من العباد، وزاهد من الزهاد، يجب أن يكون حديث الشيوخ في السمر، وأن يكون قصة تقص للأطفال، وأن يكون حديث البيوت، إنه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، إنه أبو عبد الملك الذي أطاع الملك سبحانه وخافه، وخشيه. فسلام عليك يا عمر بن عبد العزيز يوم توليت الخلافة فخشيت الله في الخلافة، وسلام عليك يوم خفت الله، فلم يكن أحد من الناس أخوف منك من الله، وسلام عليك يوم لقيت الله راضيًا مرضياً، هذا الرجل بشر به صلى الله عليه وسلم أن يكون مجدداً في القرن الأول على رأس المائة الأولى، تولى الخلافة فكانت خلافته ثلاثين شهراً لكنها خير عند الله من ثلاثين قرناً، أول يوم بويع فيه بالخلافة مضى إلى المنبر، فتعثر من الخوف والوجل من الله: حياءً من إلهي أن يراني وقد ودعت دارك واصطفاكا أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا وقف على المنبر ليتحدث إلى من في المسجد من الوزراء والعلماء والعباد والفقهاء، والجنود المجندة والجيوش المجيشة، فقال: [[يا أيها الناس! بويعت بالخلافة على غير رغبة مني، فخذوا خلافتكم لا أريدها، فضج الناس بالبكاء، وقالوا: لا نريد إلا أنت، فقال: الله المستعان وعليه التكلان، وحسبي الله ونعم الوكيل]] ولما انتهت الصلاة عرضت له الدواب والبغال ليركبها فأعرض عنها، وقال: ما أنا إلا رجل من المسلمين: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83] {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16].

زهد عمر بن عبد العزيز

زهد عمر بن عبد العزيز عاد عمر إلى بيته، وترك قصر الخلافة الشاهق في دمشق، ونزل إلى غرفته، وجلس على الحصير وقال: هذا حظي من الخلافة، ثم استدعى زوجته الزاهدة فاطمة زوجة الخليفة وبنت الخليفة وأخت الخلفاء، وقال لها: [[إني بعت نفسي من الله عز وجل، فإن كنت تريدين العيش معي فحيهلاً وسهلاً وإلا فالحقي بأهلك]] فبكت وقالت: الحياة حياتك والموت موتك، ثم سلمت له ذهبها وفضتها وحليها إلى بيت المال، وعاد رضي الله عنه وأرضاه ليرد الأمة إلى الله الواحد القهار، عاد ليربيها من جديد مع ربها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فكان يصدق قوله فعله، وكان لا يشغله عن الله شاغل. أما ليله فبكاء وسجود وتبتل وخشوع مع الله، وأما نهاره فتعليم للناس وعدل وإنصاف وبذل وعطاء، كان بعد كل صلاة ينادي المنادي: أين الفقراء؟ أين المساكين؟ أين المحتاجون؟ أين الذين يريدون الله؟ أين الذين لم يأخذوا من الدنيا شيئاً؟ فيبذل لهم المال، فتقام به قلوب حية وتحيا بهم أرواح كانت ميتة. رزقه الله الخشية، والذي يجعل الله نصب عينيه دائماً؛ يفتح الله عليه فتحاً لا يدور بالخيال، ولا يخطر بالبال؛ فكان من أخشى الناس لله. دخل عليه أحد العباد من أهل المدينة، واسم هذا العابد زياد مولى ابن عياش، فقال لـ عمر بن عبد العزيز: "ما دهاك؟ ماذا أصابك؟ قال: وماذا تقول؟ قال: والله لقد رأيتك وأنت من أجمل الفتيان في قريش، تلبس اللباس اللين، وأصبحت في هذه الحالة، والله لو دخلت عليك في غير هذا المكان لما عرفتك، فبكى عمر وقال: والله لو رأيتني بعد ثلاثة أيام من دفني لأنكرتني شديداً، حين تسقط عيناي على وجنتي، وتخلع أذناي من رأسي، ويتغير خدي، وينهش بطني، إذاً لرأيت منظراً فظيعاً؛ فبكى ذاك العابد".

عمر بن عبد العزيز يذاكر العلماء

عمر بن عبد العزيز يذاكر العلماء ولما تولى الخلافة أرسل إلى علماء الأقاليم فقال: [[أوصوني فإني قد توليت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم]] فكتب له محمد بن كعب: " يا أمير المؤمنين! والله الذي لا إله إلا هو ما بقي من الخلفاء على قيد الحياة إلا أنت، فاتق الله أن تصرع كما صرعوا ". وكتب له سالم بن عبد الله من أخواله: " يا أمير المؤمنين! صم هذا اليوم، حتى تلقى الله فتفطر عنده يوم يستبشر الصائمون بفطرهم "، وكتب له مطرف بن عبد الله الشخير: " يا أمير المؤمنين! لو كان لك خصم لديد لأعجزك، فكيف بخصمين؟! فكيف بثلاثة؟! وكيف بك وكل واحد من رعيتك خصم لك يوم القيامة عند الله؟!! فأخذ هذه الرسائل وطواها ينظر فيها كل يوم، وجمع سبعة من الصلحاء ومن الزهاد والعباد وقال: أنتم جُلَّاسي وسُمَّاري كل ليلة، أشترط عليكم ثلاثة شروط، الأول: ألا تغتابوا في مجلسي أحداً، والأمر الثاني: ألا تتحدثوا في الدنيا أبداً، والأمر الثالث: ألا تمزحوا وأنا جالس، فكانوا يجتمعون بعد صلاة العشاء، فيتحدثون في الموت -وما أدراك ما الموت؟! - وما قبل الموت وما بعده، ثم ينفضون من مجلسهم كأنهم قاموا عن جنازة. وفي أثناء الخلافة كتب له سالم بن عبد الله بن عمر كتاباً فظيعاً شديداً مدهشاً، يقول: " يا أمير المؤمنين! والله لقد تولى الملك قبلك أناس ثم صرعوا، فها هنا مصارعهم في القبور فانظر إليها لترى، كانوا ينظرون بعيون إلى اللذات فأكلت، وكانوا يأكلوا في بطون فنهشت، وكانوا يمسون بخدود أكلها الدود، فاحذر أن تكون مع المحبوسين يوم القيامة يوم يطلق العادلون ". عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه تولى الخلافة فنام بعد صلاة الظهر في ذاك اليوم، فقال له ابنه الصالح العابد المجاهد عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز -وعمره آنذاك تسعة عشر سنة- قال له: يا أبتاه! أتنام وقد توليت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يسألك الفقير ويشكو إليك المسكين، ويتحاكم إليك المظلوم، فمن لك بهؤلاء إذا أتوا خصومك يوم القيامة.

عمر بن عبد العزيز وخوفه من الله

عمر بن عبد العزيز وخوفه من الله ولما تولى رضي الله عنه وأرضاه خلع كل لباس كان يلبسه، وأبقى ثوباً واحداً، فكان إذا أراد أن يغتسل يوم الجمعة نشف له ثوبه هذا بعد أن يغسل، واغتسل ثم لبسه وصعد المنبر، لم يبق قليلاً ولا كثيراً، يقول رضي الله عنه وأرضاه للناس: أيها الناس! وهو يخطب: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير:1] قال: ما للشمس تكور؟ ثم قال: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير:2] قال: ما للنجوم تنكدر؟ ثم بكى حتى صرع على المنبر. وحج بالناس فوقف في عرفة فأخذ الناس يتسابقون مع الغروب إلى مزدلفة فقال: [[لا والله. ليس السابق اليوم من سبق جواده وبعيره، ولكن السابق من غفر له هذا اليوم]] ونزل هو والأمراء في منتزه وبستان من البساتين، فلما جلسوا استأنسوا واستراحوا إلا هو جلس يبكي، قالوا: مالك؟ قال: هذه دنيانا وبساتيننا، فكيف بنا يوم العرض على الله إذا دخل الناس بساتينهم ولا بساتين لنا؟! فبكى الناس. عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر إذا شجرات العرف جذت أصولها ففي أي غصن يوجد الورق النضر لما تولى الخلافة قال لأهله: إني قد آنست عقبة كؤداً لا يجوزها إلا المخف. تقول امرأته: والله ما كان يأوي إلى فراشه إلا كما يأوي العصفور إلى عشه، وإنه ليرتجف صدره كل ليلة، فأقول: مالك؟ قال: أريد أن أنام فأتذكر قوله تعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] فلا يأتيني النوم. وكان الخطباء في عهده يسبون أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه وأرضاه، فنسخ هذا وأبدل الخطباء بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90].

ميزان التقوى هو الحكم عند عمر بن عبد العزيز

ميزان التقوى هو الحكم عند عمر بن عبد العزيز كانت موازينه عنده التقوى، يقول: " والله ما رأيت متقياً لله إلا وددت أنني في جلده ". استدعى يوم تولى الخلافة مولاه مزاحماً، وقال له: يا مزاحم! -وهو مولى- رأيتك تصلي الضحى في شعب من الشعاب، حيث لا يراك إلا الله فأحببتك والله، فإذا رأيتني ظلمت فخذني بتلابيب ثوبي وقل: اتق الله يا عمر بن عبد العزيز. بينما هو جالس للناس إذا بثلاثة من الشباب عليهم ثياب جميلة، ومنظر بهي، دخلوا عليه في ديوان الحكم، فجلسوا بجانبه، فالتفت إليهم وقال لهم: من أنتم؟ قال أولهم: أنا ابن شريك بن سحماء تولى أبي ولاية كذا وكذا، فأعرض عنه عمر بن عبد العزيز كالمغضب، وقال للثاني: وأنت من أبوك؟ قال: أبي كان والي دار الحسبة في دمشق فأعرض عنه، وأتى إلى الرجل الثالث وقال: أنت ابن من؟ قال له: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد هذا الرجل أبوه قتادة بن النعمان من الأنصار، شارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة أحد، فلما قاتل ضرب بالسيف على عينه، فنزلت عينه حتى أصبحت على خده، فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها بيده الشريفة إلى مكانها، فكانت أجمل من أختها، فيقول هذا الابن: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد فدمعت عينا عمر بن عبد العزيز، وقال: تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن فلذلك رضي عن هذا وغضب عن أولئك؛ لأنهم انتسبوا إلى الدنيا وانتسب هذا إلى الآخرة، والذي ينتسب إلى الآخرة أعظم عند الله من الذي ينتسب إلى الدنيا. كان رضي الله عنه وأرضاه لا يرضى مظلمة، لما تولى دخل عليه الأمراء يبايعونه بالخلافة، فمدوا أيديهم، فقبض يده إلى حضنه رضي الله عنه وأرضاه، فقال أولهم وهو شريك: بايعني، قال: اغرب عني غرب الله بك، والله لا تتولى لي عملاً أبداً، قال: ولماذا؟ قال: جلست أنت وأبناؤك في خيمة في الغزو والشمس تصيب الناس، وجلست تتظلل وتركت الناس في الشمس، والله لا تتولى لي، ثم تقدم له عدي بن أرطأة، فقال: اغرب عني! والله لا تتولى لي، قال: ولم؟ قال: جلدت فلاناً سبعين جلدة؛ لأنه آذى ابنك، فما غضبت لله ولا غضبت لرسول الله، ثم ولى العباد والزهاد فقامت الدنيا. يقول ميمون بن مهران رضي الله عنه وأرضاه: والله لقد أخبرنا رعاة الأغنام أن الذئب في خلافة عمر بن عبد العزيز ما كان يعدو على الغنم، فلما توفي عمر في ذاك اليوم عدا الذئب على الغنم فعرفوا أنه مات، فسألوا الناس، فقالوا: مات في ذاك اليوم. وقال ابن كثير: لما توفي رضي الله عنه وأرضاه نزلت في قبره صحيفة من السماء مكتوب فيها: براءة لـ عمر بن عبد العزيز من النار، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32].

عمر بن عبد العزيز قدوة لمن بعده

عمر بن عبد العزيز قدوة لمن بعده ذلك هو عمر بن عبد العزيز لمن أراد أن يقتدي به، وليس هناك حاجب يحجب المسلم عن الحسنات ولا عن المناقب، وإنما يحجبه الهوى والشهوات والمعاصي، وهذا عمر بن عبد العزيز الذي جلس للناس معلماً ومربياًَ وموجهاً أنفق كل الأموال في طاعة الله، وما أخذ من الدنيا لا قليلاً ولا كثيراً، وكان من أشظف الناس عيشاً، ومن أشعثهم رأساً، دخل عليه ابن سلام فقال: يا أمير المؤمنين! قال: لبيك، قال: حدثني ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وما حدثك ثوبان؟ قال: حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن حوضي طوله كما بين أيلة، وصنعاء}. فبكى عمر بن عبد العزيز حتى سقط من كرسي له من خشب، ثم أجلسوه فقال: لمن هذا الحوض؟ ومن يشرب منه؟ قال ابن سلام: يشرب منه الذي لا يتزوج المتنعمات، ولا يجلس على الديباج، ولا يعدد الأصناف ولا يظلم الناس، فجلس وتربع، وقال: لا جرم، والله لا أغسل رأسي حتى يشعث، ولا أغسل ثوبي حتى يتسخ، ولا أجلس على ديباج حتى ألقى الله، علَّ الله أن يسقيني شربة من الحوض لا أظمأ بعدها أبداً. ولما توفي حلت المصيبة بالمسلمين كافة، وأغلقت الحوانيت، وأغلقت القلوب بحزنها، والعيون بدموعها: لعمرك ما المصيبة فقد مال ولا شاة تموت ولا بعيرُ ولكن المصيبة فقد شهم يموت بموته بشرٌ كثير أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

وفاة عمر بن عبد العزيز

وفاة عمر بن عبد العزيز الحمد لله ولي الصالحين، رب العالمين، عضد المهضومين، التائب على التائبين، محب المنيبين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وحجة الله على الناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، صلى الله على من ربى هؤلاء الأخيار الأبرار وأخرجهم هداة للناس، فهم ورقات من دوحته، وقطرات من بحره: المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم ولكل حي وفاة، ولكل بقاء نهاية إلا الله؛ فإنه الباقي سُبحَانَهُ وَتَعَالى بقاءً أبدياً سرمدياً قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] وقال عز من قائل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. وتنتهي حياة الأخيار بنهاية حميدة بروضة من رياض الجنة، وتنتهي حياة الفجار بحفرة من حفر النار، فكأن الأخيار ما بئسوا مع من بئس، وما كأنهم سهروا في طاعة الله ولا تعبوا، ولا كأنهم جاعوا بعد أن تنعموا؛ لأنهم صبغوا في الجنة صبغة، فزال كل ألم، وما كأن الفجار تنعموا مع من تنعم، ولا أكلوا مع من أكل، ولا شربوا مع من شرب؛ لأنهم صبغوا في النار صبغة، فزال كل نعيم. تأتي الوفاة لهذا الإمام والخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، وكان أعظم ما قاده إلى طاعة الله ذكر الموت، والموت مصيبة كما سماه الله في كتابه حين قال: {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة:106] وكان الحسن البصري يقول: [[والله ما في الدنيا مصيبة أعظم من الموت]] وكان يقول: [[فضح الموت الدنيا، فلم يدع فيها لذي لب فرحاً]]. فلما حضرت سكرات الموت عمر دخل عليه الأطباء، فقال: هيهات هيهات! لقد تعالج قوم هود وعاد فماتوا بأطبائهم، فجلس حوله الأطباء، وقال: ما هو مرضي؟ قالوا: نرى أنك أصبت بسم -وضع له سم في طعامه- فقال: ما هو علاجي؟ فوصفوا له العلاج، قال: والله لو كان دوائي في أن أرفع يدي اليمنى إلى أذني ما فعلت، والله ما أنا بحريص على الحياة وقد مللتها، ثم استدعى خادمه وقال: أسألك بالله، أسألك بمن شق البحر لموسى، أسألك بمن يجمع الناس ليوم لا ريب فيه، أأنت وضعت السم لي في الطعام؟ قال الخادم: إي والله، قال: فكم أعطوك من المال؟ قال: أعطوني ألف دينار، قال: اذهب على وجهك أنت عتيق لوجه الله والله لا أمسك بسوء، فذهب الخادم ومرض عمر رضي الله عنه وأرضاه، ودخل عليه الناس يعودونه، فكلما عاده أحد، قال له عمر: اعف عني عفا الله عنك، ثم أدخل عليه الأطفال في آخر يوم من رمضان وهو مريض، فقبَّلهم ومسح على رءوسهم وبكى، وفي عيد الفطر يوم يخرج الناس في ثيابهم الجميلة، يوم يخرجون يتعايدون ويتزاورون، يوم تمد المواكب والسرادقات جلس في بيته، وأرسل إلى رجاء بن حيوة أحد العلماء الصالحين، قال: صلِّ بالناس فإني مرتهن اليوم وإني محبوس إن لم يطلقني الله، وخرج رجاء بن حيوة وخرج الناس، لكن ليس معهم الخليفة أمير المؤمنين، بقي في بيته مع ملائكة الرحمن: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] فلما كان الضحى من يوم العيد قال لامرأته: اخرجي من بيتي؛ فإني أرى قوماً ليسوا بإنس ولا جن، أظنهم ملائكة، فخرجت وفاضت روحه إلى الحي القيوم، وكان يقول قبل وفاته لأهله: إذا غسلتموني وكفنتموني ووضعتموني في القبر فاكشفوا عن وجهي فإن ابيضَّ فاهنئوا وامرءوا، وإن اسودَّ فويل لي وويل لأمي، قالوا: ولم؟ قال: والله ما دفنت خليفة إلا كشفت عن وجهه فوجدت وجوههم مسودة. {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:106 - 107]. وصرع ذاك المصرع الذي لا بد لكل حي أن يصرعه: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94] {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذرُ تردى ثياب الموت حمراً فما دجا لها الليل إلا وهي من سندس خضرُ لقد مات بين الضرب والطعن ميتة تقوم مقام النصر إن فاته النصرُ وما مات حتى مات كل موحدٍ من الهمِّ واستولت عليه القنا السمر عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر

خاتمة

خاتمة اللهم أخرج من أصلاب هذه الأمة الموحدة أمثال عمر بن عبد العزيز، اللهم رد شبابنا ليقتدوا بـ عمر بن عبد العزيز، اللهم وفق كهولنا ليعرفوا زهد عمر بن عبد العزيز، وردنا إليك رداً حميداً يا عزيز؛ إنك على ذلك قدير، وبالإجابة جدير. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأخيار، عن الصديق السباق الرفيق في الغار، الخائف من الواحد القهار، وعن فاروق الإسلام أبي حفص المنصف العادل، وعن ذي النورين، جامع القرآن، المخضب بدماء الشهداء عثمان بن عفان، وعن الإمام المرتضى سيف الله المنتضى الزاهد في كل شيء إلا في رضا الواحد القهار علي بن أبي طالب، وعن بقية العشرة، وعمن بايع رسولك تحت الشجرة، وعن كل صالح وعابد، وعن كل مجاهد وزاهد، وعن كل خيِّرٍ وعالم، وعنا معهم بفضلك وكرمك ومَنِّك يا رب العالمين. اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم ثبت المجاهدين في أفغانستان وفي فلسطين اللهم أنزل عليهم السكينة، وثبت أقدامهم، واربط على قلوبهم، ووحد صفوفهم، واجمع كلمتهم، وسدد سهامهم في نحور أعدائهم. اللهم العن كل من حادك وحاربك ونازل أولياءك، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم أبدهم كل إبادة، ومزقهم كل ممزق، ودمرهم تدميراً، واجعلهم هم وأطفالهم وأموالهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين. ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

كيف يربى الشباب؟

كيف يربى الشباب؟ إن لكل صاحب علم، ولكل داعية ومعلم، يهتم بالأمور التربوية ويعمل في حقل بناء الرجال، قاعدة راسخة في أقوال وأفعال مربي البشرية صلى الله عليه وسلم، فهي تربية بالفعل والترك، عقيدةً وإيماناً، أخوة وحباً في الله، مع معرفة عميقة للنفسيات، وتقويم سديد للاعوجاجات.

مواقف من تربيته صلى الله عليه وسلم لأصحابه

مواقف من تربيته صلى الله عليه وسلم لأصحابه الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد: فهذه الحلقة الثانية من درس "آداب تربوية" ولعلها تكون بضابط (كيف يُربَّى الشباب؟) ويوم نعرف كيف نربي الشباب، وندعوهم ونوجههم؛ نعرف كيف نكون دعاة، وفي هذا الدرس أمور: الأول: الاهتمام بجانب الإيمان في حياة الشاب. الثاني: الاعتناء بالفرائض قبل النوافل. الثالث: إحياء روح الاقتداء في نفس الشاب، بإيجاد القدوة الحقة التي تعمل بما تقول. الرابع: ترسيخ معنى الأخوة الإسلامية على ضوابطها. الخامس: تجنيب الشاب السب والشتم والتجريح والتشهير. السادس: موقف الشاب من الخلاف، وما هي ضوابط الخلاف؟ السابع: الفتيا، متى يكون مفتياً؟ ومتى يحمل تبعة الفتيا؟ وما هو موقفه منها؟ الثامن: أدبه في دعوة الناس. أما تربية الشباب فإنه أمر ليس بالسهل، وإن من أعظم مهماته عليه الصلاة والسلام في الحياة أنه كان مربياً، فكانت تربيته صلى الله عليه وسلم أكثر من كلامه، وكان عمله مع الصحابة أكثر من قوله صلى الله عليه وسلم، فكان يربي بحركاته وسماته وصفاته عليه الصلاة والسلام أكثر من خطبه ومحاضراته. ولذلك فكلامه في المناسبات قليل، لكنه كان صلى الله عليه وسلم يأخذ من الموقف درساً ونتيجة، فجعل ليله ونهاره وقفاً على التربية. صحيح أنه يوجد في الساحة اليوم دعاة، ولكننا نفتقر إلى مربين، إلى من يأخذون بالشاب إلى طريق الله المستقيم، إلى من يهدونه ويربونه في سلوكه، وفي أخلاقه، وسماته وصفاته، ولذلك تلحظ حماساً عند بعض الناس، ولكنه يفتقر إلى الأدب، وإلى التوجيه والتربية. لهذا كان لزاماً علينا أن نعود إلى أصول التربية التي أتى بها صلى الله عليه وسلم، فنستعرض كيف ربى أصحابه، وكيف دلهم على الطريق المستقيم. انظر إلى مواقف أستعرضها معك من تربيته عليه الصلاة والسلام:

الموقف الأول: مع الصحابي الذي طلب الإذن في الزنا

الموقف الأول: مع الصحابي الذي طلب الإذن في الزنا صح في الحديث: {أن رجلاً أتى إليه صلى الله عليه وسلم -قيل إنه من ثقيف وقيل من غيرها- فقال: يا رسول الله! أريد الإسلام ولكني لا أستطيع أن أترك الزنا؛ فوجم الصحابة، واستنكروا هذا الكلام بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام - لأنه فعل رجل مستهتر في الظاهر، فماذا فعل عليه الصلاة والسلام؟ -قال: دعوه- ثم أتى إليه بحوار العقل والإقناع، ولم يشهر به، ولم يبكته أمام الناس، ولم ينكر عليه ما قال- فقال: أترضاه لأمك؟ قال: لا. قال: أترضاه لأختك؟ قال: لا. قال: أترضاه لابنتك؟ قال: لا. قال: أترضاه لعمتك؟ قال: لا. قال: أترضاه لخالتك؟ قال: لا. قال: فكيف يرضاه الناس؟! فأتت الرجل غيرة دينية إسلامية، وتذكر مواقف الناس حين يزني بقريباتهم، كموقفه هو يوم يغار على قريباته -فقال: أتوب إلى الله من الزنا، قال صلى الله عليه وسلم: اللهم حصن سمعه وبصره وفرجه}. ما أسهل الكلام وما أحسن الهدي.

الموقف الثاني: مع الأعرابي الذي بال في المسجد

الموقف الثاني: مع الأعرابي الذي بال في المسجد نموذج آخر -وهذا الحديث في الصحيحين - يجلس الرسول عليه الصلاة والسلام مع أصحابه في المسجد، فيأتي أعرابي فتضيق به الدنيا بما رحبت في مسألة البول، فيبول في مسجده عليه الصلاة والسلام، فقد كان مسجده شماسياً مفروشاً بالبطحاء، فقام الصحابة والأعرابي يبول يريدون أن يبطحوه أرضاً. كل بطاح من الناس له يوم بطوح والبطح معروف عند بعض الناس، وقد يستخدمه في الدعوة فلا ينتج شيئاً، وبعضهم قد يستخدم الضرب، أو السب والتجريح، فلا يكسب إلا صفراً بيده، تراه يجهد عشر سنوات فما كسب مخلوقاً، ولا رد عاصياً إلى الطاعة، ولا كسب شاباً في حياته، عنده كلمات محفوظة لو وضعت على صخر لفلقه، أو على شعر لحلقه!! فقام الصحابة لضربه، قال صلى الله عليه وسلم: {لا تزرموه -اتركوه- فجلسوا، فتركه صلى الله عليه وسلم حتى انتهى، فقال: علي بذنوب من ماء -المسألة سهلة، ولكن المقاصد أعظم- فأتوا بذنوب، قال: ضعوه على بوله، فصبوا الماء على البول وقال: عليَّ بالرجل فأتى ووضع يده عليه -هذه يد الرتابة والرحمة، يد الأنس، واللطف، يد وضعها هنا لِدرسٍ معناه: تسكين صاحب الخطأ، ما كأنه أخطأ- فقال له: إن هذه المساجد لا يصلح شيء منها للأذى والقذر وإنما هي للصلاة ولذكر الله وللتسبيح والتكبير والتهليل} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وقام الرجل، وقال بعض العلماء في الرواية: صلى قبل أن يفعل ما فعل، فقال في آخر التحيات: "اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً" وسلم عليه الصلاة والسلام وهو يدري من الرجل، ولكن أليس من الحكمة أن يعمي السؤال؟ كان بإمكانه أن يقول: "لماذا قلت ما قلت؟ " لكنه قال: {من القائل آنفاً: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً؟ فقال: أنا يا رسول الله! قال: لقد حجرت واسعاً} والمعنى: لقد ضيقت رحمة الله التي وسعت كل شيء: {ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] وانتهى الجدل والمشكلة التي وقعت في المسجد بفوائد: أولاً: استفدنا حكم النجاسة، فإنها إذا وقعت على الأرض، أو على التراب فتطهر بإراقة الماء عليها. ثانياً: أن المساجد إنما هي للذكر ولتلاوة القرآن وللصلاة. ثالثاً: وهو المقصد العظيم: كيف نتعامل مع المخالفين، ومع العصاة، ومع الذين قللوا من الأدب، أو لم يعرفوا الأدب الحق؟

الموقف الثالث: مع الأعرابي الذي قاطعه في الخطبة

الموقف الثالث: مع الأعرابي الذي قاطعه في الخطبة جاءه أعرابي فقاطعه -كما في البخاري - في الخطبة، فما نهره، ولا سبه، ولا شتمه، واستمر عليه الصلاة والسلام في حديثه حتى انتهى، ثم قال: {أين أراه السائل عن الساعة؟ فأخبره}. فالمسألة سهلة كان بإمكان غيره عليه الصلاة والسلام في مثل هذا الموقف أن يقول: يا قليل الأدب! لم تفعل هكذا؟ قاطعتنا قطعك الله! وفعلت بنا فعل الله بك! لكنه سوف يخسر بهذه الكلمة جمهوراً هائلاً من المسلمين. فإن النفوس تغار، وإنها تغضب إذا لم تنزل منازلها.

الموقف الرابع: مع الصحابي الذي تكلم في الصلاة

الموقف الرابع: مع الصحابي الذي تكلم في الصلاة وفد معاوية بن الحكم السلمي على النبي عليه الصلاة والسلام -والحديث عند مسلم - فسأله سؤالاً، وعند مسلم أنه صلى معه صلاة -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- فعطس رجل من المسلمين، فقال معاوية -في الصلاة، وهو لا يعرف الحكم-: يرحمك الله -يتبرع بالدعاء داخل الصلاة، لشخص آخر عطس داخل صلاة- قال: فضربوا على أفخاذهم، قلت: ويل لأمي ماذا فعلت؟ -زاد الطين بلة، يعني لو اكتفى بالتشميت لكان أسهل ولكنه زاد فتكلم- قال: فلما سلم عليه الصلاة والسلام دعاني، فما نهرني ولا سبني ولا شتمني -أولاً: عَذَرَه وقال بصحة صلاته، لأنه تكلم عن جهل فهو لا يعرف الحكم، وهذا مكسب عظيم، الأمر الثاني- قال له: {إن هذه الصلاة لا تصلح لشيء من كلام الناس، إنما هي للذكر والتسبيح والتكبير} الأمر الثالث: عاد هذا الرجل بهذا الأسلوب داعية إلى قومه بني سليم، فدخلوا في دين الله أفواجاً.

الموقف الخامس: مع الأعرابي الذي طلب منه مالا

الموقف الخامس: مع الأعرابي الذي طلب منه مالاً نموذج خامس: يأتي أعرابي، فيقول: يا محمد! -لم يقل يا رسول الله! لا يعرفون كيف يتكلمون معه صلى الله عليه وسلم {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63] كان الواجب أن يقول: يا رسول الله! يا نبي الله! لكن يقول: يا محمد! فحملها عليه الصلاة والسلام وسكت عنها. {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]- قال: أعطني من مال الله الذي عندك -وليته سكت هنا لكنه أضاف قائلاً- فليس من مالك، ولا من مال أبيك، فقام الصحابة يريدون تأديبه وتلقينه درساً لا ينساه، فأسكتهم عليه الصلاة والسلام وأخذه، وذهب به إلى البيت فأعطاه زبيباً وتمراً وثياباً، قال: {هل أحسنت إليك؟، قال: نعم. جزاك الله من أهلٍِ وعشيرةٍ خير الجزاء، قال: إذا خرجت لأصحابي فقل هذا الكلام، فإنهم قد وجدوا عليك، فلما أخرجه أمامهم، قال: يا أعرابي! هل أحسنت إليك؟، قال: نعم! جزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خير الجزاء، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال للصحابة: أتدرون ما مثلي ومثلكم ومثل هذا الرجل؟ قالوا: لا ندري يا رسول الله! قال: مثلنا كرجلٍ كانت له دابة فرت منه -دابة: إما بغل، أو فرس، أو جمل- فأخذ يلحقها ويلحقها الناس، فما زادوها إلا فراراً}. والدابة إذا رأت الناس يجرون خلفها أعلنت فيهم حالة الاستنفار وطارت، بدلاً من أن تمشي على الأرض، وتصبح في سرعة لا يعلمها إلا الله، قال: {فقال الرجل: دعوني ودعوا دابتي، ثم أخذ شيئاً من خشاش الأرض وخضارها، فأشار به للدابة فأتت فأمسكها، ولو تركتكم وهذا الأعرابي لضربتموه فكفر فدخل النار}. أتدرون ماذا فعل الأعرابي بعد هذا الموقف؟ عاد ينادي قومه، وهم قبائل من قبائل العرب، يقول: يا قوم! أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، فأسلموا ودخلوا في دين الله أفواجاً. والفيافي حالمات بالمنى تتلقاك بتصفيق مثير والرمال العفر صارت حللاً عجباً من قلبك الفذ الكبير

المسألة الأولى في التربية: الاهتمام بالإيمانيات

المسألة الأولى في التربية: الاهتمام بالإيمانيات كيف نوصل الإيمان إلى قلوب الناس؟ إن التحدث في السلوك قبل الإيمان لا يجدي، وقد يتأدب الكافر، ولذلك -أنا أقول هذا-: قد تجد الكافر أحياناً في باب السلوكيات أكثر تأدباً من المسلم الذي يصوم ويصلي، وتجد الآن بعض الأعراب لا يعرفون من السلوكيات شيئاً، لكنك لو تعاملت مع الأمريكي والفرنسي لوجدته في باب الأدب عنده شيء عجيب، عندهم من أصول الأدب أن يتبسم في وجهك، هذا موجود ومعلومٌ من سيرتهم، ومن رؤيتهم، ومن معاشرتهم، عندهم من الأدب مثلاً: ألا ينظر إليك نظر استغراب، لأنهم يرون في العرف ألا ينظر الإنسان بنظر غير نظر حاجة، فإن هذا يتركك وشأنك، لكن تعال إلى بعض الناس ممن يصوم ويصلي فقد تجده لا يعرف هذا، قد يطؤك برجله في السيارة ولا يعتذر إليك بل يقول: لماذا تطأ رجلي؟ يضربك بكوعه، أو بيده، فيقول: ليس عندك أدب! فيتعامل معك بغلظة وهو يطلب منك العذر، فمسألة الأدبيات قد يفوز بها الكافر، لأنهم يتعاملون بالتعايش السلمي، أو بالنفع المادي، أو بالمقابلة المشتركة، وهذا يريدون به الدعاية، أو يريدون به أغراضاً مادية، أو أنهم جبلوا على ذلك من تربيتهم، فعندهم تربية، ويدرسون التربية في جامعاتهم. وبعضهم يدعو إلى الأخلاق، ويقول: إن الوحدة المشتركة بيننا وبين العالمين الأخلاق، وهذه خطة ماسونية، يقولون: دعونا والناس، كلنا إذا أصلحنا أخلاقنا صلحنا، مثل بعض المفكرين في بعض كتبهم يقولون: المسلم ليس جراحاً، ولا عياباً، ولا سباباً، وصدقوا في هذا، لكنهم يريدون أن يتوصلوا إلى الوحدة الإنسانية، فيقول: تعامل مع الروسي مثلما تتعامل مع المسلم، لماذا هذه الغلظة؟ لماذا تشوهون الإسلام؟ افعل مع اليهودي مثلما تفعل مع المصلي، وافعل مع العلماني مثلما تفعل مع الموحد، كل الناس سواسية، ولا تجرح مشاعر الناس، حتى إن بعضهم قد جعل في كتاب تربوي له، أو أظنه في علم النفس قاعدة: إن المسلم الحق هو الذي لا يؤذي الناس، ونقول: هذه ليست منضبطة، فإن بعض الكفار لا يؤذي الناس، وليس الضابط والخلاف بيننا مسألة سلوك أو أخلاقيات؛ بل إيمان، فكان صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على الإيمان: الإيمان بالله، والإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالإسلام. في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام يقول في دعاء الليل: {اللهم لك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق -هذه المبادئ- ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق} ومحمد صلى الله عليه وسلم دعاؤه وكلامه وخطبه إيمان، حتى إن ابن القيم يذكرها في زاد المعاد يقول: كانت خطبه تربي الإيمان في القلوب، لأن بعض الناس يخبر الناس بمسلَّمات؛ يأتي يوم الجمعة على المنبر فيقول: إنكم سوف تموتون يا أيها الناس! وتخرب دياركم، وتهدم أشجاركم، وتجف آباركم، وتنقطع أمطاركم، وهذا تحصيل حاصل، فهو معلوم حتى الكافر يعرف هذا. الكافر يعرف أنه سوف يموت، وتخرب دياره، وتجف آباره، وتموت أبقاره، لكن ليس هذا هو الضابط، إنما الضابط لقاء الله عز وجل الذي يفرق بالإيمان به بين الكافر والمؤمن، فكان صلى الله عليه وسلم ينشئ أصحابه على مبدأ الإيمان وهو منهج القرآن، فعلى المسلم، أو الداعية، أو طالب العلم، أو الأب في البيت إذا أراد أن يربي أن يبدأ بالإيمانيات، فيرسخ العقيدة. وإذا قلنا: ترسيخ العقيدة. فقد يقول بعض الناس: عقيدة عقيدة دائماً! لقد فهمنا العقيدة!!! فالعقيدة معناها: استواء الله عز وجل على العرش، أو العقيدة معناها: لا إله إلا الله! فنقول: إن العقيدة بمعناها الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم تصاحب الإنسان منذ أن يسقط رأسه على الأرض إلى أن يموت، ولكنها تتفرع، ويبنى عليها غيرها، فالأدبيات والسلوكيات تبنى على العقيدة، ولا نريد بالعقيدة الأمور المجملة التي ذكرها أهل العلم، بل الأمور العملية المفصلة التي أتى بها صلى الله عليه وسلم. كان صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى التفكر في آيات الله، كان إذا صعد مكاناً عالياً كبَّر، وإذا نزل سبَّح، والله يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190]. إن الأستاذ المربي يجعل من التاريخ مادة إيمان وعقيدة، كيف؟ هم يدرسون الآن ترجمة زنوبيا الزباء ملكة تدمر أكثر من ترجمة أبي بكر الصديق، ولدت وكان عندها جيش وفعلت وصنعت. والملك الأبرش (وجدع قصير أنفه). وعنترة بن شداد أين كان يسكن. وداحس والغبراء، وهذه الطلاسم، ولكن الأستاذ المؤمن المؤرخ حين يقف عند السبورة أمام الطلاب فإنه يحول درس التاريخ إلى عقيدة، فيتحدث عن آيات الله في الكون، ويأتي بقوله تعالى عن التاريخ: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} [إبراهيم:45]. إن المؤرخ المسلم حين يقف عند السبورة يميز بين ترجمة أبي بكر الصديق وترجمة زنوبيا الزباء، فيقول: زنوبيا ملكة كافرة، وعنترة رجل شجاع وثني فلابد أن يذكر التمايز، ويدخل إلى أبي بكر فيتحدث عن أبي بكر ويتحدث عن معركة عين جالوت، ولكن بإسلام، يتحدث عن معركة بدر ولكن بإيمان. يا أيها الإخوة! أحد المفكرين الذين لامهم الناس ونقدوهم في الساحة، وهو يستحق النقد في بعض الجوانب، وقد أخطأ كثيراً في جوانب كثيرة، لكنه في مسألة أصاب فيها، ولا يعني أنه إذا أخطأ كثيراً ألا يصيب ولو مرة، يقول في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم: أنا لا أكتب السيرة كرجل متجرد من العاطفة، إنني جندي من جنوده عليه الصلاة والسلام، بيني وبينه وشيجة كما بين الجندي والقائد، أنا لا أتجرد من عاطفة الإيمان. وصدق في هذا، وكلامه صحيح، بل هو من أصح الكلام. تجد بعضهم الآن يقولون وهم يكتبون في تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم: نحن نتجرد عن عاطفته، وعن حبه في أول الطريق لنكتب ببراءة، ونكتب بعدم تدخل، ولنقول نحن حياديون. حيادي! ويلك من الله! حيادي عن محمد عليه الصلاة والسلام كأنك متهم أمام العالم باتباعه! أو ربما يقيدون عليك أنك عميل استخبارات محمد عليه الصلاة والسلام، إنك إن لم تكن موصولاً به بعاطفة حية وبإيمان وإلا فإنك أنت المتهم الوحيد، أنت لا تكتب عن نابليون، ولذلك أخطأ العقاد في كتابه عبقرية محمد، وقد فعل سعيد حوى ذلك غفر الله له. تدرون بماذا أتوا في العسكرية؟ أتوا يقارنون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في العسكرية وبين نابليون، جاء بها سعيد حوى في كتابه الرسول صلى الله عليه وسلم وأتى بها العقاد في كتابه عبقرية محمد، فأخطأ الاثنان، أخطأ ذاك يوم قارن بين عبقرية هذا وهذا في العسكرية، وأخطأ هذا يوم قلده وتوسع في ضرب الأمثلة. من هو نابليون؟ نابليون يستمد تعاليمه من المحيط الأطلسي من البحر ومن الطين، ومحمد صلى الله عليه وسلم يأخذ تعاليمه من فوق سبع سماوات. {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:1 - 6] كيف تقارن بين هذا وهذا؟ نابليون خرج لسحق العالم ولقتله مثل: هتلر النازي، ومحمد صلى الله عليه وسلم جاء لإحياء العالم، جاء بتوحيد الله وبرد الفطرة السليمة إلى ربها بعد أن انتكست. فمسألة الإيمان أمرها عجيب، أنا ذكرت وأكرر هذا: أستاذ داعية مشهور وله مذكرة في الساحة غفر الله له، دخل فصلاً من الفصول فسأل الطلاب: ما هي المادة؟ قالوا: رسم -يعني مادة فنية- وأكثر ما يرسمون البط والماعز، والدجاج والحمام، وهل يستطيع الطالب أن يميز بين الدجاجة والبطة في الرسم؟ فأتى هو برسم آخر فرسم زهرة، ثم ألقى محاضرة في العقيدة على الزهرة، من أنبت الزهرة؟ ومن جملها؟ من باين بين ألوانها هذه حمراء، وتلك صفراء، وهذه خضراء، من كل زوج بهيج! فأبكى الطلاب وأدخل الإيمان إلى الطلاب. أستاذ الجغرافيا حينما يحمل التربية الحقة يحول الجغرافيا إلى مادة إيمان، نحن لا يهمنا معرفة عواصم الدول، ولا منتجاتها، فهي ثقافة عامة يعرفها الكافر مثلما يعرفها المسلم، ولا المحيطات، ولا التضاريس، ولا المناخ، ولا أن الرياح ترتفع في المرتفعات، وتنخفض في المنخفضات، هذا أصغر مما يهمنا. يهمنا: من سوَّى الكون؟ ومن أرسى الجبال؟ ومن أجرى الريح؟ وقواعد عمل الجغرافيا في القرآن: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] ولذلك أجاد العلامة الشيخ/ عبد المجيد الزنداني -رفع الله منزلته- يوم استنبط من هذه القضايا الكبرى حياةً وإيماناً للإنسان، عندما يأتي بهذه القضايا الكبرى، فيطرقها ويربطها بالقرآن، فإذا الإيمان، وإذا القرآن، وإذا الجمال في الطبيعة التي جملها الله عز وجل كلها تقود الإنسان إلى الواحد الأحد. مجرى النهر، الماء، الريح، إنها لآية من آيات الله، لكن أن يبقى الإنسان يحفظ كأنه آلة، كأنه كمبيوتر، ويعرض على الطلاب تضاريس الدول ومناخاتها، ومنجاتها وأشجارها، وصادراتها، ووارداتها دون أن يربطهم بالإيمان، لقد أخطأ كثيراً، وما الفرق الآن بين أستاذ مثلاً: فرنسي، أو ياباني، أو صيني وبين أستاذ مسلم وكلهم يتحدث عن الجغرافيا بنفس الطريقة والأسلوب؟!. إن ذاك المسلم يختلف عن الجميع بأنه مؤمن.

المسألة الثانية في التربية: الاعتناء بالفرائض أولا

المسألة الثانية في التربية: الاعتناء بالفرائض أولاً إن من التربية التي بناها صلى الله عليه وسلم دعوة الصحابة إلى الفرائض أولاً. في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في الحديث القدسي: {يقول الله: وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به الحديث} كان صلى الله عليه وسلم يعتني بالفرائض، يأتيه رجل فيسأله عن الإسلام، فيقول: {شهادة أن لا إله إلا الله -والحديث في الصحيحين من حديث طلحة بن عبيد الله - وأن محمداً رسول الله، قال: ثم ماذا؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: هل علي غيرها؟، قال: لا. إلا أن تطوع} الحديث، لكن بعض الناس إذا أتى يدعو يسأله عامي: ماذا تدلني؟ قال: أولاً عليك بالصلوات الخمس، والوتر، وأربع ركعات في الضحى، وقيام الليل، وتحية المسجد، فيكثر عليه، فيقول: ما دام أن الأمر هكذا أتركها جميعاً، وإذا سأله سائل عن نافلة: ماذا أفعل في التسبيح؟ -رجل بسيط جاهل، مبتدئ في الإسلام- قال: هلل مائة تهليلة بعد الفجر، وعليك بالأذكار عند الغروب، وقبل النوم قل هذه الأذكار وبعده، ثم يسرد له قوائم من الذكر فيتركها جميعاً. يقول أبو بكر: يا رسول الله! أخبرني بدعاء أدعو به في صلاتي، قال -وهذا في الصحيحين -: {قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم} حفظه دعاء واحداً فَحَفِظه. يقول علي: دلني يا رسول الله على دعاء أقوله، قال: {قل: اللهم اهدني وسددني}. وقال حصين بن عبيد في سنن أبي داود: يا رسول الله! أريد دعاءً، وقيل بل بدأه صلى الله عليه وسلم فقال: {يا حصين! قل: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي} أدعية محفوظة مضبوطة. يقول للصحابي الآخر: {لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك} ويقول للثالث: {أفلا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: بلى. قال: قل لا حول ولا قوة إلا بالله}. إنه السهولة في العرض، والتدرج في التربية، ولكن المقصد البداية بالفرائض. تجد بعض الناس يُغلِّب جانب النوافل على الفرائض، تجده يتحدث إلى الناس دائماً عن قيام الليل بينما لا يصلي كثير من الناس صلاة الجماعة في المسجد، أو تجده إذا أتى في ركعتي الضحى خشع وأحضر قلبه واستحضر ما يقول وما يقرأ، ولكن في الفريضة يهزها هزاً ويفنيها فناءً. وبعضهم عند تلاوة القرآن يخشع، ولكن في تلاوة القرآن في الصلاة لا يخشع وربما شرد ذهنه، وبعضهم تجده يعتمر كثيراً لكنه لم يحج، أو تجده في نوافل الدعوة في كل مكان يتنقل مع الشباب من مدينة إلى مدينة، ولكن والدته عجوز حسيرة كسيرة مريضة في البيت ولم يقم بخدمتها. وبعضهم عنده والدان شيخان كبيران ليس عندهم من يقوم بخدمتهما، ولا من يقدم المئونة لهما، ويقول: أريد الجهاد، ولا أقول في هذا الباب إلا أن من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، والبداية بالفرائض، والأولويات في الدين هي منهجه عليه الصلاة والسلام. أحد الأعراب يقول كما في صحيح مسلم: {يا رسول الله! أرأيت إن أديت الصلوات الخمس، وصمت رمضان، وأديت الزكاة، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام أأدخل الجنة؟ قال: نعم. }. انتهى الأمر. لم يقل له فيما بعد: وركعتي الضحى، وتحية المسجد، والكسوف والاستسقاء، والصلاة على الجنازة، هذه القلوب في قضية العرض تتعب، ولا ترتاح لهذا العرض.

المسألة الثالثة في التربية: إحياء روح الاقتداء في نفس الشاب

المسألة الثالثة في التربية: إحياء روح الاقتداء في نفس الشاب إن الذي ينقص كثيراً من المسلمين اليوم هو: القدوة: وكيف نبني قدوة؟ كيف نوجه قدوة؟ يلتمس الشاب قدوة يقتدي بها في المجتمع، فلا يجد إلا قليلاً نادراً، أو لا يجد. القدوة التي تعمل بما تقول، القدوة التي يحس بها الشاب، لأن إلقاء المعلومات على الشباب لا يكفي، محاضرات ودروس دون أن يكون بينهم قدوة، أو رابطة بتعامل، أو رجل يتوجهون إليه فيجدونه مقتدياً برسول الله عليه الصلاة والسلام هذا أمره عظيم. يقول أحد السلف: كنت إذا وهنت في العبادة، وكسلت فيها ذهبت إلى محمد بن واسع الأزدي، فنظرت في وجهه فتنشطت على العبادة أسابيع. فقط في النظر هكذا. ويقولون: كان محمد بن واسع إذا رُئي ذُكر الله. ويقولون: إنه ما اتكأ، لا اتكأ على اليمين، ولا على اليسار، وإلا فالأمر فيه سعة فقد اتكأ عليه الصلاة والسلام على يمنيه وعلى يساره، لكن انظر العبرة. قيل له: لماذا لا تتكئ؟ قال: أنا ما جزت الصراط فلا أدري هل أنا من أهل الجنة، أو من أهل النار، ولا يتكئ إلا آمن، وأنا لست بآمن كان إذا جلس وحده تربع وخشع في جلوسه، فقيل له: نراك معنا تتبسم كثيراً فإذا جلست وحدك انضبطت وخشعت، قال: في الحديث: {يقول الله: أنا جليس من ذكرني} فكان يذكر الله وهو جالس، هذا محمد بن واسع، وهو صاحب قتيبة بن مسلم يوم صفوا في حدود كابل، يوم أتى قتيبة بن مسلم -رفع الله منزلته- يفتح تلك المنطقة، وقبل المعركة بدقائق قال لقواده: التمسوا لي محمد بن واسع، العالم العابد خرج يجاهد في سبيل الله. يقول ابن القيم: بالليل عباد وعند لقائهم لعدوهم من أشجع الأبطال خرج يجاهد في سبيل الله، عالم وعابد وزاهد. قال قتيبة: التمسوا لي محمد بن واسع، ماذا يفعل في هذه الساعة؟ ساعة ضاقت، بلغت فيها القلوب الحناجر، غفر الله لـ قتيبة بن مسلم فأمره عجيب! كان يدخل المسجد ولا يخرج، يقولون: إذا أراد غزوة يدخل المساجد التي في الثغور، ثم يستقبل القبلة ووراءه القادة والجنود، وكان يرفع يديه ولا يخرج حتى يبكي ويُبكي القادة معه، يطلب النصر، ولذلك اجتاح تلك المناطق بإيمانه، ونصره الله، قال: التمسوا لي محمد بن واسع، فأتوا إلى محمد بن واسع، فوجدوه قد ركز الرمح وهو يشير بإصبعه يا حي يا قيوم! انصرنا، فعادوا إلى قتيبة فأخبروه قال: [[والله لإصبع محمد بن واسع خيرٌ عندي من ألف سيف شهير، وألف شاب طرير]] وانتصر المسلمون، وله قصة. لكن الشاهد هنا: أنهم كانوا يرون وجهه فيتقوون على العبادة أسابيع، فكيف لو كان معهم، يخالطهم ويتكلم إليهم، كانت رؤية الصالحين تنفع في ذاك الوقت، لكن قَلَّ الأعوان، وذهب الإخوان، ولا نشكو حالنا إلا إلى الرحمن. هذه مسألة أثر الاقتداء في تربية الشاب وأمرها عظيم، وإذا لم تجد قدوة تمشي، فعد بهم إلى القدوة الحقة أعني: محمداً عليه الصلاة والسلام. تقول عائشة وقد سئلت عن خلقه صلى الله عليه وسلم: {كان خلقه القرآن}.

المسألة الرابعة في التربية: ترسيخ معنى الأخوة الإسلامية

المسألة الرابعة في التربية: ترسيخ معنى الأخوة الإسلامية كثير من يتحدث عن الأخوة، ويدعو إلى الأخوة على المنبر، لكن إذا نزل تعامل مع الناس بالهراوة والكرباج، أخوة بالكلام فقط، لكن عند التعامل لا يسمح لهم في مثقال ذرة من الخطأ، تجده إذا أخطئوا عليه بكلمة ردها عليهم بعشر كلمات، يدعو إلى الأخوة لكن إذا جلس في المجلس بدأ يتكلم في عباد الله، فلان منهجه خطأ، انتبهوا لفلان في العقيدة، فلان أساء الأدب، فلان ليس عنده علم، فلان متهور، فأين معنى الأخوة؟ تريد مني أن أؤاخيك وقد هتكت عرضي، وسفكت دمي، وأذهبت ماء وجهي! تريد الأخوة وقد سببتني وشتمتني، متى نلتقي؟! لا، والله! أتوا إلى الحسن، فقالوا: اغتابك رجل، فقال: خذوا له رطباً -قالها الغزالي في الإحياء - فذهبوا بالرطب إلى الرجل، وقالوا: أرسل الحسن إليك هذا وقال: [[تهدي لنا حسناتك، ونهدي لك رطباً]] وما سبه ولا جدّعه. جاء رجل إلى ابن السماك الواعظ قال: غداً نتعاتب -يقول: غداً أحاسبك وتحاسبني- قال: غفر الله لك، بل غداً نتغافر، ولا نتحاسب، غداً نلتقي وأقول: غفر الله لك، وتقول: غفر الله لي. ومعنى الأخوة ليس بالسهل، ففي الأخوة واجبات، يقول عليه الصلاة والسلام: {حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه} لقد وجد من أبناء الجيل، ومن أبناء الصحوة -وهذا يقين ليس ظناً ولا رجماً بالغيب- من يلتقي مع أخيه المسلم الشاب ولا يسلم عليه، نعم. وُجد هذا وثبت كثبوت هلال العيد، فأي تربية ترباها هؤلاء؟! وهل يريدون نصر الإسلام؟! لا يسلم عليه، ولا يصافحه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {إذا لقيته فسلم عليه} والبشاشة مع السلام: {ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق} أو طلْق، أو طَلِق، وبعض الناس تراه منبسطاً مرتاحاً، فإذا رأى أخاه قبَّض وجهه، لأنه خالفه في جزئية! قال: {وإذا استنصحك فانصحه} والبعض يجعل أخطاء أخيه معروضة أمام الناس، مع أنه لم يكلمه أبداً، بل تجده يتشفى فيه في المجالس بقوله: أخطأ حسبه الله في هذه المسألة، فإذا سألته: بالله عليك -وأنت تعرض أخطاءه على الناس- هل نصحته يا أخي؟ هل كلمته؟ أو كتبت له؟ فسيقول: لا. إن أهل السنة يتناصحون، وإن أهل البدع يتفاضحون. تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة {وإذا دعاك فأجبه} صعب على المسلم أن يدعو أخاه لمناسبة ليس فيها حرام فيعتذر دائماً، صحيح أن للناس أعذاراً، لكن لا يعتذر معتذر إلا لأحد أمور: الأول: أن يكون له عذر شرعي، من مرض، أو سفر، أو ارتباط، أو موعد فله ذلك. الثاني: أن يكون الاعتذار لبدعة، أو منكر عند الداعي، فله ذلك، فإن الإمام أحمد لم يكن يجيب دعوة أهل المنكرات، ولا أهل المعاصي الظاهرة مثل: أن يكون في بيته خمر يدار في المجلس، أو غناء يُضرب ويُستمع إليه في أثناء الجلسة أو أن هذا الرجل يشعر بعلو على إخوانه، فلا يجيب دعوته. بعض الناس تجده لا يجيب دعوة الناس ويقول: أو كلما دعيت أجيب! أنا فاضل هل أمشي إلى المفضول؟! هم أقل قدراً مني، ولو لم يقله لسانه، ولكن قلبه يقول ذلك، والعجب هلاك محقق والعياذ بالله! وإن من حقوق الأخوة الإسلامية: أن تدعو له بظهر الغيب، وعلامة الصدق أن تدعو له بظهر الغيب، وهو أمر مطلوب منا، ومطلوب منكم، انظر كيف رفع الله أحمد والشافعي. أحمد بن حنبل رحمه الله رأى ابن الشافعي -بعد ما توفى الشافعي - فقال: [[أبوك من السبعة الذين أدعو الله لهم في السحر]] سبعة كان يدعو لهم الإمام أحمد من زملائه وإخوانه، يقولون في المثل العامي: (عدوك صاحب مهرتك) ولكنه ليس بصحيح بل أخوك هو الذي ينتهج نهجك، ويسير في مسيرتك. كان أبو الدرداء يدعو لسبعين من أصحابه بظهر الغيب، وأسرع إجابة؛ دعوة غائب لغائب. ومن حقوق الأخوة: إذا مرض أن تعوده، وإذا مات أن تتبع جنازته، وإذا عطس أن تشمته إلى غيرها من الحقوق، فترسيخ معنى الأخوة يأتي في الامتثال في أرض الواقع، وقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك وفي صحيح البخاري أصل الحديث، ولكن قصته: أن الصحابة اجتمعوا في مجلس، فتكلم بلال - بلال حبيب القلوب، يقول عمر: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]]- فقال له أبو ذر: [[حتى أنت يا بن السوداء تتكلم]]- أبو ذر هذا الذي تعلم في مدرسته عليه الصلاة والسلام- لكنه أخطأ وزل، فقام بلال، فشكاه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فغضب عليه الصلاة والسلام وتغير، فلما جاءه أبو ذر، لا يدري أبو ذر هل رد صلى الله عليه وسلم عليه السلام أو لم يرد، وقال: {أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية -وقعت كأنها صخرة، أو قذيفة، أو صاعقة- قال أبو ذر: يا رسول الله! على كبر سني فيَّ جاهلية، قال: نعم. إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم} الحديث، فخرج أبو ذر - هذه القصة في غير البخاري - يبكي، ولما مر به بلال، قال: [[لا أرفع رأسي عن الأرض حتى تطأه برجلك، ووضع خده على التراب]]. إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد وضع أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه خده على الأرض، وقال: يا أخي! لا أرفع خدي حتى تطأه برجلك، فأبى بلال لكرمه وسموه وأخلاقه وقال: [[أنت أخي]] وقاما وتعانقا وتباكيا. إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها

المسألة الخامسة في التربية: تجنيب الشاب السب والشتم

المسألة الخامسة في التربية: تجنيب الشاب السب والشتم من أسس التربية للشباب المسلم: تجنيب الشاب السب والشتم، والتشهير والتجريح، لأن بعض المدارس تخرج من الشباب من هو مثل: القذيفة، يعبأ مثل الساعة الخراشية، ثم يطلق على الناس، فيهتر عليهم هتراً، أي أنه: يشحن بديناميت في قلبه من السب والشتم، فإذا وقف عند المنبر ينسى كل قضية ويبدأ يسب بعد أن يحمد الله، وقد فعلها فلان، وفعلت الطائفة الفلانية، وصنع وبدَّع، هذا أول خسارة له في الدعوة، لأن هذا استعلاء النفس، وهذا الرجل قد ركَّب على رأسه لافتة: السبَّاب والشتَّام. لم يكن صلى الله عليه وسلم بذيئاً ولا فحاشاً، ولم يكن سباباً ولا مجرحاً، ولذلك جمع الله له قبائل العرب التي مثل قرون الثوم لا تجتمع أبداً، ولم يكن عنده مُلك، وما اجتمعوا على ملك من العرب أبداً، وكل قبيلة لها مملكة خاصة، كل قبيلة تؤسس حضارة لوحدها هي حضارة السيف والدم، وحضارة الهتك والسلب والنهب، فلما أتى عليه الصلاة والسلام وصفه الله فقال: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. بعد الإسلام والهجرة جلس الأنصار في مجلس، والأنصار كما تعرفون قبيلتان: الأوس والخزرج، كانت القبيلتان في الجاهلية تقتتلان قتالاً ضريعاً لم يسمع الناس بمثله، فلما أتى صلى الله عليه وسلم أصبحوا أنصاراً، وأُلغي هذا الاسم "الأوس والخزرج" إلا من النسب وأصبح مكانه "الأنصار"، ولكن الشيطان دخل وهم في المجتمع المسلم يستمعون القرآن في المسجد، فأتى يهودي اسمه ابن شاس فجلس بينهم، فقال للأنصار: كيف وقعت معركة بعاث بينكم؟ -يعني: الأوس والخزرج، ذكرهم تلك الأيام المريرة- فقالوا: وقعت كذا وكذا، فقال أوسي: نحن غلبناكم، قال خزرجي: لا. نحن الذين انتصرنا، فقام أوسي يسب الخزرجي، وخزرجي يسب الأوسي، فقال رجل منهم: اللطيمة اللطيمة! موعدنا وإياكم الصحراء -يقول: تعالوا واخرجوا لنا في الصحراء- والوحي نازل والرسول صلى الله عليه وسلم في بيته والقرآن وجبريل صباحَ مساءَ، وانتهت الجاهلية، لكن انظر، وهذه يذكرها ابن جرير الطبري في تفسيره، في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:100 - 101] وهؤلاء أهل الكتاب، فخرج الأوس والخزرج وقد صاح صائحهم: اللطيمة اللطيمة إلى الصحراء، عادوا إلى السيوف فاخترطوها من أغمادها. إذا خرجت من الأغماد يوماً رأيت الهول والفتح المبينا أخذوا السيوف من الأغماد وتوافوا في الصحراء -نسوا الآن وطارت من أذهانهم مسألة الإيمانيات- ووقف الأوس في جهة والخزرج في جهة، ووصل الخبر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فخرج خائفاً يجر إزاره ليدرك القوم، ووقف بين الصفين، ثم أخذ يذكرهم، ويدعوهم، ويتلو عليهم من آيات الله حتى سالت الدموع -وكانوا أسوداً من أسود الله، هم أهل بدر وأهل أحد وحنين - فوضعوا السيوف في الأرض وتعانقوا وتضاموا وارتفع البكاء، وهذه يوردها ابن جرير وأمثاله. إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها فقال الله بعد هذه الآية: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103] {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]. إذاً يا أيها الإخوة! إن من معالم تربية الشاب أن يُجنَّب السب، إذا سمعته يسب وينتقد عالماً فقل له: لا. لا تقل هذا، فهو خطأ، وعلمه كيف يتأدب مع العلماء، وإذا سمعته ينال من داعية، فقل له: سامحك الله، هذا ليس بأسلوب. وإذا سمعته يشهر بجيرانه وبإخوانه، فخذ على يديه. إن من يتعود السب يصبح له نهمة، مثل المدمن على الخمر، لا يستقر باله حتى يشرب الخمر، ومثل المتعود على شيء من الأمور تصبح العادة له مثل العبادة. فحذارِ حذارِ من هذا الأسلوب فإنه مقيت، وهذا لا يكسب العبد قلوباً، ولا تحبه القلوب ولا ترضاه: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] {وليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء} {والرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، والله رفيق يحب الرفق}.

المسألة السادسة في التربية: موقف طالب العلم من الخلاف

المسألة السادسة في التربية: موقف طالب العلم من الخلاف إن اختلاف أهل العلم له أعذار وهم معذورون ومأجورون ومشكورون، وخلافهم في المسائل الفرعية: إما أن يبلغ الدليل أحدهم ولم يبلغ الآخر. وإما أن يكون الدليل ثابتاً عندك وعندي منسوخاً. وإما أن يكون صحيحاً عندك وهو عندي ضعيف. وإما أن يكون الحديث ثابتاً وصحيحاً وبلغني وبلغك ولكني أفهم منه شيئاً وتفهم منه شيئاً آخر. وأدب الخلاف يتمثل في أن يبين المسألة بعضنا لبعض، فإذا توصلنا إلى شيء وإلا فليعمل كل بما رأى، وهذا في الفرعيات. ولا يعنف المخالف على المخالف، ولا يشهر به، فقد أخذت مسألة تحريك الإصبع اثنتي عشرة سنة من حياة المسلمين، بلاد المسلمين شذر مذر ونهب وسلب، وكثير من الفواحش طمت وعمت: مخدرات، وغزو فكري، وعلمنة في الساحة، وإلحاد وزندقة، بينما فئة من الشباب تقول: هل تحرك الإصبع كذا أم كذا؟ وهل يحركها كلها من أول التحيات إلى آخرها أو لا؟ حتى إن بعضهم -كما تعرفون- يحرك يده كلها، خروجاً من الخلاف، أي أنه قد أدرك التحرك. ثم يأتيك بعضهم ويقول: هل العمامة سنة؟ وكيف تكون الذؤابة؟ وهل لنا أن نلبسها بالغتر الحمر؟ لأن العصر عصر اقتداء وأظن أننا لا نُعفى من أخذ السنة والعمامة، لأننا قصرنا في باب العمامة، ثم يلقي عليك محاضرة. والأمر أسهل وأيسر، لكن منافذ الخلافيات من تكثير المسائل التي يختلف فيها. واليد هل هي على الصدر أم هي تحت السرة، ويتهاجر متهاجران من أجل هذه المسألة!! يقول شكيب أرسلان كلمة طيبة سأنقلها عنه وما عليَّ من الرجل، فلو سئلت عنه لبينت ما فيه، لكن ربما قال المعرض كلمة حق، والحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها. يقول شكيب أرسلان: المسلمون اليوم بين جاحد وجامد، فهم بين جحود وجمود. جاحد يعني: زنديق، حداثي عميل، ذنب لـ استالين وجرباتشوف، وربما صلى مع الناس، لكنه يحمل حقداً وضغينةً وكفراً في قلبه، ويكتب ويغزو بالأفكار، وليس ما يهمه من التحريك بل يضحك علينا نحن، يقول: صحوة تحريك الأصابع، وصحوة تقصير الثياب إلى الركب، وصحوة اللحى والدروشة، هذا جاحد جزاؤه السيف الأملح، ولو كان في عهد عمر لفصل رأسه وعن كتفه. وقد أصيب المسلمون بهذا الداء. وجامد أي: جامد فقط، أنا لا أقول جموداً على الحق، فإن الجمود على الحق فضيلة، لكنه جامد على مرئيات في ذهنه، لا يرى أن تتحول الأمور أبداً، إذا تحدثنا في صالة، قال: لا. السنة في الحديث أو المحاضرات أن تكون في المسجد، وإذا بدأنا بالقرآن مثلاً واستفتحنا أحياناً به، قال: لا. وينكر علينا ذلك. وأنا أقول: لا بد أن يكون هناك سنن وأن تُبيَّن البدع، لكن الجمود على شيء رأى الناس مصلحته كوسيلة مثلاً من وسائل الدعوة، مثل هذا الميكرفون، فلو لم يوجد لما سمع آلاف الناس كلامي، لكنه يقول: لم يرد هذا الميكرفون في صحيح البخاري ولا في صحيح مسلم، وما أتى به السلف، وما جُني علينا إلا حينما أتت هذه الوسائل والمسجلات والأشرطة. لا يا أخي! لماذا هذا الجمود؟ لماذا تُضحِك علينا أعداء الله؟! حتى هؤلاء أهل الجحود يضحكون على هؤلاء ويقولون: إنهم يتساءلون في مجالسهم: هل يجوز النظر إلى المرآة أم لا؟ ويضحك بعضهم ويقهقه بملء فيه؛ لأنه وجد جامداً، ولو وُجد رجل يعرف الدين الذي عرفه صلى الله عليه وسلم فإنه يُسكت هؤلاء وأمثالهم، لأنهم ضحال الثقافة والإيمان، ليس عندهم شيء ولا عندهم نور. موقف الشاب من الخلاف: إن كان خلافاً في الأصول فلا يعذر من خالف، وهو ما أجمع عليه الصحابة، فإذا أجمع الصحابة على مسألة فلا يخالفنا فيها أحد، فقد أجمعوا على أسماء الله وصفاته، فلا يأتِ مخالف ويقول: أنا مأجور إذا خالفت، لا. لست بمأجور ولا مشكور بل موزور. والمسائل التي اختلف فيها الصحابة يجوز لمن بعدهم أن يختلفوا فيها، أما ما أجمعوا عليه فلا يجوز لمن بعدهم الخلاف فيها.

المسألة السابعة في التربية: الفتيا

المسألة السابعة في التربية: الفتيا الفتيا هذه سلم إلى الظهور، وكثير من الناشئة إذا حفظ سورتين وحديثين ومقطعين قام يفتي الناس، فلا يرد أي سؤال، ويأتي أمام الناس فيثني رِجلاً تحت رجل، وعمره خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة ويقول: الذي تطمئن إليه نفسي. ومن أنت يا شيخ الإسلام! حتى تطمئن نفسك؟! وتطمئن نفسك بعد ماذا؟! كم تحفظ من الأحاديث؟ وكم تجيد من الآيات؟ وكم استقرأت من كلام أهل العلم؟ والناس في مسألة الفتيا طرفان ووسط: أناس بلغ بهم الورع البارد إلى أن حرموا الناس العلم! والذين في الثانوية الآن باستطاعتهم أن يفتوا في بعض المسائل، كما لو سئل: كم أركان الإسلام؟ يقول: خمسة، لكن بعضهم عنده علم ومع ذلك تجده متحرجاً في كل مسألة -ورع بارد- فهذا اسمه ورع سامج مظلم، يقولون له: كم يتمضمض المتوضئ. ؟ يقول: الله ورسوله أعلم. أو كم الخلفاء الراشدون؟ يقول: الله ورسوله أعلم. فهذا ورع بارد. وبعضهم يقابله بالطرف الآخر وهو من يفتي في كل مسألة، حتى في مسائل لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر، أما هو فيفتي، بل يسابق السائل في المجلس ويفتي في الطلاق والحيض، وتجد بعض الشباب الناشئة يفتون في هذا، رأى حديثاً واحداً فأفتى به في مثل هذه المسائل الصعبة، وحتى بعضهم يفتي في الرضاع، ثم يكتشف في البيت بعدما يعود أن المسألة خطأ، فلا يتصل بمن سأله ويقول: دعها تلحق بأخواتها، لأن له مسائل أخرى أخطأ فيها فقال: لا عليك. ويسألونه في المجلس، فيقول له الشيطان: حاول أن تجيب لأنك إذا قلت: لا أدري؛ قالوا: ليس عندك علم، وتسقط من عيونهم، قال: على الله، عليك تثور وعليها تدور باسم الله، ثم يبدأ يتكلم. ألا تدري أن الفتيا منصب الرسالة، وأنك تُوقِّع عن رب العالمين، وأن المفتي يوقف نفسه على الصراط، إما أن يزلق إلى النار، وإما أن ينجو إلى الجنة. يقول ابن عمر للناس: [[تجعلوننا سلماً إلى النار؟!]] إن المستفتي لا يهمه أن تدخل النار أنت وأهلك وجيرانك، فالمسألة عنده فقط أن ينقذه المفتي ولذلك تجده أحياناً يقول: يا شيخ! أنا كنت غضباناً وطلقت زوجتي، فتفتيه أنت بالرفض مثلاً، وتقول: قد وقعت عليك طلقة، فيقول: أرجوك، والله لو تعرف ظروفي يا شيخ! -أصبحت مساومة وكأن المسألة بيع وشراء- أنا يا شيخ! عندي ظروف، وأنا مسافر، وعندي والدة في البيت، وأنا أحب زوجتي، أرجوك رجاء خاصاً! أتريد أن تدخلني النار وتدخل أنت الجنة؟! أأرد عليك زوجتك حتى أكون من حطب جهنم؟! أعوذ بالله!! [[كان علي بن أبي طالب يُسأل فيقول: لا أدري -الأمر سهل- ويقول: ما أبردها على قلبي!]]. أتى سائل من أهل العراق يسأل مالكاً إمام دار الهجرة، فسأله عن أربعين مسألة، فأفتاه في ثمان ورد اثنتين وثلاثين مسألة في بعض الروايات، قال السائل: ألا تعرف هذه المسائل؟! قال: عد إلى أهل العراق وقل: مالك لا يعرف شيئاً. وكيف يرضي أهل العراق على حساب أن يدخل هو النار؟! نعوذ بالله من النار. والوسط هم الذين أفتوا بعلم وسكتوا عما لا يعرفون وأولئك عباد الله الصادقون.

المسألة الثامنة في التربية: الأدب في دعوة الناس

المسألة الثامنة في التربية: الأدب في دعوة الناس المسألة الثامنة وهي ختام هذا المجلس، الأدب في دعوة الناس، وقد كان في الحلقة الأولى (آداب تربوية) التركيز على هذه المسألة أكثر، ذلك أن الشاب الذي تربيه مخاطب بالدعوة إلى الله، وبإمكانه أن يكون داعية، لكن لابد من التنبيه على أن هناك فرق بين الداعية والمفتي، فبإمكانك أن تكون داعية، ولا تكون مفتياً، لأن مفهوم الداعية يصل إلى درجة من عنده آية أو حديث، فيدعو إلى هذه الآية والحديث، أما المفتي فلا يفتي حتى يتمكن من علمه، ويعرف أدلته. إذاً فكلنا دعاة، والمفتون عندنا قليل، والدعوة أشرف، إذ هي منزلة الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والرجل في الجندية وفي العسكرية، والتجارة، والفلاحة، والهندسة، والطب، وفي الخطوط يكون داعية، لكن لا يكون مفتياً، وعليه فلا بد أن توجه هذا الشاب إلى الدعوة وتبين له آدابها وتحثه على التزامها: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

لبيك أختاه!

لبيكِ أختاه! إن الدين الإسلامي هو دين العدل، دين شامل ينظم الحقوق والواجبات، وعندما جاء الإسلام كانت المرأة كالسلعة تباع وتشترى وتدفن وهي حية، وكانت محرومة من جميع الحقوق، فجاء الإسلام فرفع من شأنها وجعلها نصف المجتمع ولبنة الأسرة. وقد تحدث الشيخ عن معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة، وعن مكانة المرأة في الإسلام مبيناً المؤامرات التي تستهدف المرأة في دينها وكرامتها.

مكانة المرأة في الإسلام

مكانة المرأة في الإسلام الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، سلام الله عليكن ورحمته وبركاته. نعم عنوان المحاضرة لبيك أختاه: يا فتاة الدين يا بنت الحجاب أنت في أوطان أسما والرباب أنت يا من يحفظ الله لها عرضها بين الأفاعي والذئاب استري وجهك عن حر اللظى وارتدي في زمن الفسق الثياب وارفضي كل داعٍ خائن ليس يخشى الله في يوم الحساب وانعمي في ظل دين خالد رددي يا أختنا أم الكتاب فرصةٌ سانحة ومباركة، أن نُسمع أختنا كلمة الحق والنور. وعناصر هذه المحاضرة: منها الإيمان والنور الذي أتانا به معلم الخير عليه الصلاة والسلام، ثم مكانة المرأة في الإسلام، ثم الرسول عليه الصلاة والسلام والمرأة، ثم ما معنى أن تتحرر المرأة؟ وهناك لفتات: هل يراد من المرأة أن تكون مغنية مطربة؟ أو عارضة أزياء؟ أو شرطي مرور؟ أو جندياً في الجيش؟ غزو المرأة وما هي طرقه؟ المجلة الخليعة، الغناء الماجن، كتب الجنس، الفيديو المهدم، الشاشة الخليعة. موانعٌ أمام هذا الزحف: تقوى الله تبارك وتعالى، الحجاب الشرعي، الدعوة إلى الله عز وجل، الزواج. أتى عليه الصلاة والسلام بالنور، وهذا النور لا يكون إلا في شرعه، في الوحي المقدس الذي نزل به جبريل على الرسول عليه الصلاة والسلام: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. وشارك في استقبال هذا النور المرأة والرجل جنباً إلى جنب: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء:1]. إذاً فالرجال والنساء يستقبلون نوراً من الله عز وجل، ويتطهرون ويحملون الإيمان ويتعبدون لله عز وجل على طريقة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] إذاً فالرسالة للرجال والنساء، والتكريم للجميع، وحمل هذه المبادئ للذكر والأنثى، قال سبحانه: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195]. فتشارك الأنثى مع الرجل في استجابة دعوة الله عز وجل، وفي الرحمة من الله قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:35] إن الدين معلمٌ خالد يشارك فيه الصنفان: الذكر والأنثى، ويوم تطمس معالم النور، ولا تهتدي المرأة إلى طريقها الحق، حينها تضل وتصبح لا قيمة لها في الحياة. يقول زولا رجل الجنس الفرنسي، الأديب المجرم وهو يتهتك بالمرأة، يقول: إنها لا أثر لها في عالم الحياة، ويشكك الناس هل المرأة إنسان أو حيوان. تعالى الله عما يقول ذاك المجرم، بل هي المطهرة، أم العلماء والقادة والفاتحين والزعماء. أليست هي أم عمرو وطارق؟ أليست هي أم صلاح الدين وأحمد وأبي حنيفة ومالك والشافعي؟ أليست هي أم ابن تيمية، وابن القيم؟ أليست هي المربية التي يربي بها سُبحَانَهُ وَتَعَالى الجيل، ويحفظ بها الفتوة، ويرعى بها البيت، لكنها لا تكون أماً إلا يوم تحمل لا إله إلا الله وتسجد لله، وتخشى من الله، ويوم تتجه إلى الله متحجبةً طيبةً ورعة!!

النبي صلى الله عليه وسلم يرعى المرأة ويوصي بها خيرا

النبي صلى الله عليه وسلم يرعى المرأة ويوصي بها خيراً أما الإسلام فقد رعى المرأة أيما رعاية، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعلن حقوقها في عرفات، ونادى الناس عليه الصلاة والسلام وهو يقول: {الله الله في النساء فإنهن عوان عندكم} وكان يقول صلى الله عليه وسلم: {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي}. فعاش صلى الله عليه وسلم، مع المرأة زوجاً وأخاً، وابناً وأباً، وأكرمه الله عز وجل بأربع بنات، وعشنَ معه كثيراً، بينما أبناؤه من الذكور كانوا يموتون في الصبا، وكانت بناته عليه الصلاة والسلام يسكنَّ قلبه، كان إذا سافر زار فاطمة وإذا عاد بدأ بها، وتقول عائشة كما في صحيح البخاري: {كان عليه الصلاة والسلام، إذا زار فاطمة قامت له وقبلته وأجلسته مكانها، وإذا زارته قام لها، وقبلها وأجلسها مكانه}. أي عطفٍ وأي حنانٍ، وأي شفقةٍ وأي رحمة، إن هذا المعلم معلم الأبوة والرأفة لا يوجد عند غير المسلمين، ولقد رأينا والله الحالة التي تعيشها المجتمعات الكافرة ومن أراد أن يطلع فليقرأ الولايات المتحدة الأمريكية للكاتب مصطفى الليبي المشهور وهو يتكلم عن ذاك المجتمع المتفكك، ليس فيه أبوة ولا حنان ولا أمومة، لا تجد أسرة مجتمعة في بيت ولا في سيارة؛ لأن بناءهم كان على خواء، قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. وجاء الإسلام للمرأة ليجعلها متحجبة كالشمس في الغمامة، وكماء المزن، وكالدرة في الصدف، وأبى المجرمون إلا أن يخرجوها سافرةً متهتكة، تبيع الأزياء، وتعرض نفسها، وتكون للدعاية. أما رأيتن الصحف وهي تدعو بواسطة المرأة للعطور وللأزياء، وللمشتريات، هذه قيمة المرأة عند من لا يؤمنون بالله، أن تكون سلعةً وغرضاً ودعاية. أقيمتها أن تكون جندية؛ تقاتل الجيوش وتبارز الأبطال؟! أقيمتها أن تكون شرطي مرور تقف في الشوارع، وتصنف سيارات الناس مع المارة؟! لا. قيمتها أعز وأشرف في الإسلام، وقيمتها كما قال الله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]. ولكنها تقر في البيت والمدرسة، والجامعة، متحجبة مؤمنة، طاهرة، والعرب قبل الإسلام كانوا لا يعترفون بالمرأة السافرة المتهتكة. ويروى أن أعرابياً نظر إلى امرأته فوجدها تنظر إلى الأجانب فغضب وفارقها، وقال: إذا وقع الذباب على طعامٍ رفعت يدي ونفسي تشتهيه وتجتنب الأسود ورود ماءٍ إذا كن الكلاب ولغن فيه

العلمانية تغزو نساء الجزيرة

العلمانية تغزو نساء الجزيرة كان هذا حال المرأة يوم كانت مسلمة مؤمنة، كانت أشبه شيءٍ بماء زمزم، أو بماء الغمام، كانت قريبة من الله عز وجل، حتى أتى المجرمون مع الثورة الفرنسية عام 1778م، وكان هناك في فرنسا حجاب ولو أنه مجتمعٌ كافر، لكنهم كانوا يريدون أن ينقذوا بلادهم، فلما أتت العلمنة فسخت الحجاب، ودخلت العلمنة تركيا على يد المجرم الصنم مصطفى كمال أتاتورك، فنزع الحجاب وداسه بقدمه، وبدأ يدوس المصحف معه، وألغى المسجد من حياة الناس، وخرجت المرأة المسلمة العفيفة التركية إلى المجتمعات فأنبتت جيلاً فاسداً واصطدم العهر، وكثر الفساد، وانتشرت الفاحشة، وضلَّ الناس: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19]. وكنتُ أظن أن الأمر نسبيٌ، وأن هناك بقية، وأنه لا تصل الجرأة بالمجرمين إلى هذا الحد، حتى طالعتُ مقالات وصحفاً وقصاصات جمعت، وخرج في ذلك شريط (الفتاة السعودية والعلمانيون) وهو موثق بالتاريخ والعدد والرقم، ووجدت فيه العجب العجاب، يقصدون المرأة هنا في الجزيرة، المرأة المصلية الصائمة العابدة، التي تتجه إلى الله كل يومٍ خمس مرات، يقصدون بنت زينب وفاطمة وعائشة؛ لأنهم أدركوا المرأة هناك في الجزائر، وفي تركيا وباكستان، فأرادوا أن يلحقوا المرأة هنا بالمرأة هناك. وكان من ضمن ما طالعته في تلك المقالة، وهي مقالة سيدتهم، أو سيئتهم بالهمز، وهي تتكلم عن المرأة السعودية، تقول في مقالة الافتتاحية: المرأة الكويتية ما شاء الله عليها، ثم تتحدث لنا، وفي جانب هذه المقالة، ستٌ من الفتيات الكويتيات، وهن متبرجات، ناشرات الشعر، وامرأة سعودية بجانبهن، وهي متحجبة عفيفة ساكنة، فيصفونها بالرجعية والتخلف، ويصفون أولئك بالتحرر، ثم تأتي المقالات تتوالى، ولعله أن يأتي في الوقت فراغ حتى تسمعن هذا الشريط إن شاء الله. على كل حال: ما ظننا أنه يبلغ بهؤلاء المعتدين على شرع الله عز وجل ما بلغ، بل ينادون المرأة، ويخبروننا بمكان الأزياء والعرض في جدة، وأخبروا بالرقم والعنوان والمكان، ويقولون: إنه على مستوى المكان في باريس، ثم يتكلم أحد المحررين وهو يلقي مقابلة مع امرأة، فتخبره بأنها تريد أن تثور على القديم، وأنها عافت حياة القديم والأفكار القديمة، ومعناه أنها عافت الدين، عافت: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1] وعافت: (الم) [البقرة:1]. وعافت: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. معنى الثوران هو الثوران على القرآن! والتنكر لشرع الله عز جل، وأنتن تعلمن ماذا حدث، وما حدث ذلك إلا من كفر صراح، ومن زندقة صريحة نعوذ بالله منها، وعلمنة تفتك في جسم الأمة، إن لم نتدارك بناتنا، وعماتنا، وزوجاتنا، وأخواتنا.

حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم في معالجة جريمة الزنا

حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم في معالجة جريمة الزنا وفد على الرسول عليه الصلاة والسلام رجل فقال: {أتوب إلى الله يا رسول الله من كل ذنب، إلا من الزنا، فتأثر عليه الصلاة والسلام، وقال: أترضاه لأمك؟ قال: لا. قال: أترضاه لأختك؟ قال: لا. قال: أترضاه لعمتك؟ قال: لا، قال: أترضاه لخالتك؟ قال: لا، قال: أفتريد من الناس أن يرضوه لأمهاتهم، وبناتهم وعماتهم، وخالاتهم؟!! قال: فإني أتوب إلى الله يا رسول الله}. إن المسلمة تريد أن تحفظ أسرتها، وتحفظ بيتها وعرضها وشرفها، والله إن من المآسي الكبرى، والمصائب العظيمة التي تنتظر الأمة، هي مأساة المرأة يوم تتنكر لشرع الله، وتبتعد عن منهج الله، ويوم تضل المجتمع، إنهم لا يحاربوننا -أقصد الغرب- بالقوات ولا بالصواريخ، ولا بالطائرات، ولا بالمدمرات، إنما يحاربوننا بوسيلة كشف وتبرج المرأة واختلاطها وخروجها وتهتكها -فمعاذ الله- ونسأل الله أن يبقي فينا باقية، قد وجدنا هذه البقية في أمثالكن، من الأمهات الملتزمات المستقيمات العاقلات، اللواتي يردن أن يثبتن في موطن الخطر.

تحرر المرأة

تحرر المرأة

مجرمو تحرير المرأة في الأمة الإسلامية

مجرمو تحرير المرأة في الأمة الإسلامية دخل تحرر المرأة على يد مصطفى كمال، وليس بتحرر، لكنه استحذاء المرأة، وبيع المرأة في سوق النخاسة، وضياع المرأة، وقد ألف قاسم أمين كتاب: تحرير المرأة، فكان هلاكاً لها، ودماراً لها إي والله ودخل أحمد بن بيلا في الجزائر، ونادى الشعب الجزائري بعد أن سفك من دم الجزائريين أكثر من مليون قتيل، يريدون الإسلام، ويريدون تحكيم لا إله إلا الله، فلما استقل أحمد بن بيلا الحكم هناك؛ ضيع الإسلام! وطرد الإسلام ورفضه! وامتهن المصحف! وأتى بالحجاب أمام الشعب الجزائري ومزقه تمزيقاً!! وخرجت المرأة العفيفة الجزائرية باكية مسكينة تصارع هذا الطوفان من العهر والفساد، والسكر والنكر، فوقع المجتمع في ما وقع فيه. والشعب الباكستاني كن النساء فيه يلتزمن الحجاب، ويردن تحكيم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فلما تولى محمد علي جناح كرسي الحكم تنكر للإسلام، ورفض الإسلام، وأتى بالحجاب ومزقه {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:53].

بعض المجلات التي تنادي بالفجور

بعض المجلات التي تنادي بالفجور شرع محمد صلى الله عليه وسلم هو شرع الستر والجمال والعفاف إن من تقدير المرأة أن تتحجب، وأن تتوقر، وأن تكون عفيفة لتكون محبوبةً إلى القلوب، فوالله إن الفجرة لا يحبون الفاجرة، وإن الناس لا يميلون إلا إلى العفيفة المحجبة المجلببة التي تريد ستر الله عز وجل. وباختصار فهم يريدون من تحرير المرأة أن تصبح مغنية، وفي مجلة سيدتهم تقول: المرأة السعودية أصبحت مذيعة، وذكرت لنا قصة بإمكانكم مراجعة تلك القصة في المجلة ومعناه: أنه يجب علينا أن ننتج للناس مطربين ومطربات. ويا للعجب نحن لم ننتج طياراً، ولا مكتشفاً، ولا مخترعاً، ولم يسمع الناس أننا أنتجنا آلة تنفع الناس، وما اكتشفنا كهرباء ولا طائرة ولا صاروخاً، ولا ثلاجة ولا برادة، لكن اكتشفنا في مجتمعنا مذيعة تعرض خدها للجماهير، وتتكلم بصوتها الرقيق، وتغضب الله ورسوله والمؤمنين صباح مساء، وتعلن الحرب على الإسلام، وعلى المسجد والمصحف. وكم تتمعر الوجوه بالألوف المؤلفة من هذا الشعب المسلم إذا رأى هذه المرأة المسلمة خرجت من بيت مسلم متحجب وهي تعرض جمالها، وشعرها الفاتن، وسحر عينيها وشفتيها، وتتكلم برقة، والله عز وجل يأمرها أن تستتر، ويأمرها أن تتحجب، وأن تكون درةً مصونة، وشمساً في غمام، كم يتحدى شعور المسلمين، وكم هي والله اللوعة والأسى، وكم هي المصيبة: أن نرى من بناتنا من أمثال أولئك. ثم تذكر لنا المجلة عن أفنان، وهي اسم لفتاة سعودية أصبحت مضيفة في الطيران، والخبر هناك، ومن أراد أن يعود فليعد، أو يستمع شريط (الفتاة السعودية والعلمانيون) وهو بالعدد والتاريخ، وتعرض المجلة هذه الفتاة المسماة أفنان وكأنها حررت القدس، أو كأنها أتت بشيءٍ عجيب للأمة. والعلمانيون يريدون من المرأة صراحةً أن تكون كالمرأة في أمريكا وفرنسا وبريطانيا، وأن تشارك في الجيش، وتكون جندية مرور، والأمريكان لم يزجوا المرأة في الجيش كما تعلمن إلا بعد الحرب العالمية الثانية، بعد ما قتل الرجال، وأبيد كثير من الرجال، زجوا بالمرأة لتشارك في الجيش، والله خلقها لوظيفة أخرى، والله أعلم بحال المرأة وبضعفها، وبرقتها وبحنوها وعطفها، ما كان لها أن تمتطي الدبابة، وأن تركب الزورق في البحر، وأن تطلق الصاروخ: كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول هكذا يقول عمر بن أبي ربيعة، وهو مبدأٌ يقره الإسلام، فلها وظيفة، وللرجل وظيفة، والله هو الذي خلقها فهو أعلم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وأكرم، ويريدون من المرأة أن تكون عارضة أزياء. كنا نمر في شوارع لوس أنجلوس وتكساس ودنفر ووانديانا، وإذا على الصابون صورة فتاة، وكذلك الببسي والميرندا، والمجلات، والسيارات، فيعرضون هذه المرأة لتباع السيارة، ولتباع العملة، وليباع هذا الغرض، فأصبحت المرأة من المهانة بهذه المكانة، ولا أنسى والله مهانة المرأة هناك، وهي تعرض للرجال، وتتبسم لتجري له السلعة، ولتباع لها. أهذا حظ المرأة من الحياة أن تعرض نفسها لكل فاجرٍ وفاسقٍ ومجرم؟ أهذا نصيبها من التقدم والتطور؟! وقد صدق الله حين قال: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] وقال: {بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66].

تحذير علماء الغرب من دمار الجريمة

تحذير علماء الغرب من دمار الجريمة إن وليام جيمس: عالم النفس الكبير أنذر أمته، وأخبر شعبه وأنه يهوي وأنها تسعى إلى الهاوية (100%). واندير كارنيد: يصف الناس هناك أنهم يسعون للقلق؛ لأنهم أعرضوا عن الدين. كريسي موريسون: يصف المجتمع أنه منهار تماماً، وهذا إنما يقوله علماؤهم، ينادون أنهم قد أصبحوا قريباً من الهاوية والدمار أفيريدون لنا هاوية؟! أيريدون أن نجرب تلك التجربة التي عاشوها؟! وذاك الدمار، الذي صنعوه؟! كنا في أكلاهوما؛ وهي مدينة في شمال أمريكا، فأُخبرنا أخباراً نستحي صراحة أن نعرضها هنا؛ لأن المكان هنا مقدس له شرعية، أمام أخواتٍ مسلمات متحجبات ساجدات، فلا يحق لي أن أتكلم بهذا الكلام، ولو أنه ذكر في شريط: أمريكا التي رأيت، لكن هناك ذكر لمناسبة، وهنا لا أذكره لأني أقدس المكان، وأحمل شرعيةً لهذا الجمع الطاهر الطيب.

طرق غزو المرأة

طرق غزو المرأة

المجلة الخليعة

المجلة الخليعة غُزيتْ المرأة، وحوربت بالمجلات الخليعة، أنا أسكن في أبها مدينة في الجنوب صغيرة، مررتُ في بقالة فوجدت فيها ثلاثاً وعشرين مجلة خليعة، كلها من مستوى النهضة والأناقة، مجلة واحدة تكفي لتدمير شعب كامل، صورة المرأة وهي مفتونة، الكلام جنسيٌ منحط، يهدم القلوب، ويُغضِبُ رب الأرض والسماوات. ما هذا العدوان الصارخ على المرأة، وما هو القصد من ورائه، حتى بائع البقالة يبيع صابونه وسكره ويبيع مجلة خليعة. ورأيت السائق ترسله الفتاة من البيت، فيجمع هذه المجلات جميعاً ويأخذها في سيارته، ليهدم بها البيت، ويهدم بها الأسرة قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. فالمجلة الخليعة تعرض صورة المرأة، وفي كل عددٍ تعرض ملكة الجمال فيه، فأين الله؟ وأين الشرع؟ وأين الأمة التي تعيش الإسلام؟ وأين العمل بقول الله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]؟

الغناء الماجن

الغناء الماجن ومما غُزيتْ به المرأة الغناء الماجن، وهو من أسهل الأمور عند الناس الآن، والحصول على الشريط الكاست أصبح سهلاً ميسراً وهو يحمل في طياته السم الزعاف، واللوعة للقلوب، والخراب للشعوب، ومع ذلك يستحي الذي يحمل المروءة أن يستمعه، فكيف بالمسلم المؤمن، إنَّ هؤلاء المطربين فئةٌ من الناس خرجوا من المجتمع، وتنكروا للمسجد، وللقرآن، واستمروا في غيهم، وأسرفوا في خطاياهم، أرادوا إغواء الأمة، وتكلموا عن العشق والوله والغرام، ينبح أحدهم أمام الملايين، وهو يصف محبوبته، ويصف هيامه وعذابه، فتلقفت هذه الأشرطة وهذا الكلام وأذاعته في البيوت!! ولتعلمن أن الغناء حرامٌ ولا يقره الشرع. يقول الشوكاني في نيل الأوطار: أجمع أهل العلم على تحريم الغناء. وذكر الآجري إجماع أهل العلم على تحريمه، وإن الغناء فسق، وما داوم عليه عبد إلا سقط في الزنا -والعياذ بالله- وهو وحشةٌ بين العبد وبين الله، وهو الذي يمزق القلوب، ومن استمعه حُرم غناء الجنة عند الله عز وجل، قال ابن القيم: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصانِ فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزانِ يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدانِ نعوذ بالله من الغناء! فإنه والله ما نبت في قلبٍ إلا نبت معه النفاق، وهو هدمٌ للأسر، وكم رأينا من الملتزمين، ومن المستقيمين من خذل فاستمع الغناء، فسقط سقطة ما بعدها سقطة. وإننا نخجل أمام الشعوب أن يخرج منّا مغنية أو مغني، وهؤلاء لا يقدمون لنا كسباً، وما اكتشفوا لنا اكتشافاً ولا صناعة، ولا نفعونا بمادة، فمعاذ الله، ونسأل الله الحفظ والرعاية، وإني أنبه هذا التنبيه؛ لأن هذه الأشرطة دخلت البيوت وأخطر منها أشرطة الجنس في الفيديوهات، وشريط واحد يستعد أن يدمر مدينةً كاملة، وهي تتناول بسهولة في البيوت، وتدخل بلا رقابة، وتناولها سهل، وهي عظيمة الأثر، سيئة النتائج، وقد حذر منها أهل العلم، ونحذر منها، وعسى الله عز وجل أن يقينا وإياكم هذه الضلالات والفتن التي هي كقطع الليل المظلم.

كتب الجنس

كتب الجنس ومما غزيت به المرأة كتب الجنس، وهي كثيرة وموجودة ومتوفرة، والتنبيه عليها من باب العلم بالشر: عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه ويقول سبحانه: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]. لـ نزار قباني هذا المجرم ثلاثة كتب في الجنس، أحدها اسمه: سمير العاشقين فيه من الخزي والعار والشنار ما يستحي منه اليهود، يقول أحد العلماء المفكرين: يستحي اليهود أن يقرءوه في مجامعهم إذا اجتمعوا!! اليهود الذين صدروا الزنا والجريمة والخيانة في العالم، ربما استحوا عن قراءة هذا الكتاب، يقول في مقطوعةٍ له: يجوز أن تثوري يجوز أن تعربدي يجوز أن تخرجي عاريةً أمام الناس هذه مقطوعة له، وهذا يقوله الذين صدوا عن منهج الله الذين قال الله فيهم: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. يقول إذا هذا الذين ما أشرقت أرواحهم، وما رأوا النور، وما أبصروا ضياء محمدٍ عليه الصلاة والسلام: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] وفي بعض الصحف الغربية، يخرج بنات من هنا، ويكتبن ويراسلنَ هناك، تقول: إنها ما رأت النور، ما هو النور الذي فقدته، وما هو النور الذي تريد أن تصل إليه؟ أن تكون سائقة؟! أو تكون جندية مرور؟! أو تصبح مطربةً مغنية؟! أو تصبح عارضة أزياء؟! الإسلام يريد لها أن تكون متعلمة، مربية، منتجة للأجيال، حافظة للغيب بما حفظ الله، أماً محترمةً مكرمةً، محجبةً مستورةً، محبوبةً مكرمةً مشرفة، وهي تقول: لا، أي نورٍ هذا؟! قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257].

الدعوات الهدامة

الدعوات الهدامة ومما تصاب به المرأة الدعوات الهدامة، ما معنى هذه المجلات وكثرتها، إن معناها التأثير على المرأة بشكلٍ أو بآخر، إنَّ عرض الأفلام والمسلسلات الخليعة، والتمثيليات الباهتة، أمام امرأة متحجبة، وأمام مجتمعٍ ملتزم نسبياً، ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أن يفعلوا مثلما فعل أولئك. وهو نداء لهم: أن اخرجوا وتمردوا على شريعة الله، فلا حجاب بعد اليوم، وقد فعلوا ذلك، فهل حصلت المرأة على السعادة؟ ولعلكن رأيتن ماذا كتبت جريدة الهدف قبل سبعة أشهر، أو ثمانية أشهر، وهي تستفتح الافتتاحية الأولى وتقول: امرأة فنزويلية تلد كلباً، سبحان الله!! متى كانت المرأة تلد كلباً، لقد لقحت المرأة بمني كلبٍ والعياذ بالله، لأن هذا العلم المتطور لم يحكمه الإيمان، ولم تحكمه العقيدة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]. لم تتوجه إلى الله، فأتت هذه الكارثة، وأفتى العلماء المسلمون آنذاك بتحريم هذا الفعل، وأنه يعارض الشريعة، لأنه فصل العلم عن الإيمان، يقول سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ} [الروم:56]. وقال عن العلمانيين الذين فصلوا العلم عن الإيمان: {بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66]. وقال سبحانه: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الرعد:19]. وقبل فترة طويلة رأيتن ماذا أخبرت جريدة المسلمون عن ثلاث نساء دخلن بلداً عربياً، وجعلن حبوب المخدرات في أرحامهن في أكياسٍ، أهذا منتهى المرأة أن تصل إلى هذا المستوى وهذه الدرجة؟! ولا نزال نسمع ونرى من الملفات الصحفية التي جمعها بعض الناس، مستوى ماذا يراد بالمرأة، وماذا يخطط لها في هذه البلاد وأي نتيجة سوف تصلها؟ وأي نهاية تنتظرها إن لم تعتصم بحبل الله وتتقي الله؟ وإن لم تخف ربها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى!! هذه مسائل أردت أن أعرضها في مسألة غزو المرأة.

الكتيبات الصغيرة الهدامة

الكتيبات الصغيرة الهدامة وغزو المرأة كذلك في الكتيبات الصغيرة التي يكتبها الذين لا يؤمنون، ولا يخافون الله عز وجل، وهم يأسفون كلامهم في عموميات: {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13].

موانع أمام غزو المرأة الزاحف

موانع أمام غزو المرأة الزاحف ما هي موانعنا أمام هذا الزحف؟ وكيف نتقي هذا الزحف الهائل وهذا الإجرام والكفر والزندقة؟ بأمور:

تقوى الله عز وجل لمنع الغزو العلماني على النساء

تقوى الله عز وجل لمنع الغزو العلماني على النساء أولها: تقوى الله عز وجل، ولا أجد والله في هذه المناسبة إلا أن أقول: لا حافظَ إلا الله، ولا أجد كلاماً إلا أن أقول: اتقين الله عز وجل، اتقين الله في هذا العصر، وفي هذه الفتنة المدلهمة {يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا}. يمر العبد، وتمر الأمة في آخر الزمن، على القبر فتتمنى أنها في مكان المدفون، تتطور الأمور حتى يأتي عهد لا يقال في الأرض: لا إله إلا الله، تعطل الشريعة، فلا مسجد، ولا مصحف، ولا تحكيم لشرع الله، ولا قرآن، ولا حجاب، ولا شيء، وتصبح المجتمعات باهتة، إلا فئة يحميهم ربهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هي الطائفة المنصورة الذين يريدون منهج الله، ويحافظون على دين الله، ويريدون شرع الله، وتقوى الله عز وجل بامتثال أمره واجتناب نهيه. والمرأة يوم تتقي الله لا تأتينا بالمناظر الباهتة المخزية المخيفة المرعبة، لا تأتينا وتأخذ السائق معها من بيتها، وتنزل إلى السوق، فلا ترجع إلا الساعة الثانية عشرة ليلاً، تمر على بائع الذهب، وعلى بائع الفيديو، وبائع الشريط المسجل، وعلى الخياط، وعلى كل مجرم، وتتصل بفلان وعلان. أي إيمان هذا؟ أين {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]؟! أين: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]؟! أين الحياة الآخرة؟! أين ذكر القبر وضمته؟! أين تلك الجلسة المخيفة مع الحساب المخيف؟! يوم تجلس المرأة وحدها في قبرها، ويسألها المحاسب عن ربها، وعن دينها، وعن رسولها صلى الله عليه وسلم؟ يسألها عن حياتها، وعن لياليها، وعن أيامها، وساعاتها؟. والله لو عاش الفتى في عمره ألفاً من الأعوام مالك أمره متلذذاً فيها بكل لذيذةٍ متنعماً فيها بنعمة عصره ما كان ذلك كله في أن يفي بمبيت أول ليلةٍ في قبره وكان بعض الصالحين إذا ذكر أول ليلة في القبر أغمي عليه؛ وهي ليلة مرعبة، تكون المرأة مع أهلها، ومع زوجها، ومع أطفالها، متجملة متطيبة ناعمة ساكنة، فيبغتها الموت، فتنقل إلى أول ليلة في القبر، إلى مكان لا أنيس فيه، ولا حبيب ولا صاحب، ثم يظهر -والعياذ بالله- لبعضهن أنها خانت زوجها وربها، وخانت أسرتها وأمتها، وخانت كتاب ربها وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيا للعار، ويا للدمار، ويا للخسار، ويا للنهاية المؤلمة الأسيفة: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281] {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمْ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]. والموت فاذكره وما وراءه فما منه لأحدٍ براءه وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّ هذه قضية كبرى أدعها أمامكن، لعل المرأة أن تتأمل، ولعلها أن تفكر طويلاً، يقول سبحانه: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حيّ ولكنا إذا متنا بعثنا ويسألُ ربنا عن كل شي فارتقبن ذاك اليوم، وذاك الحساب، وذاك الموقف، وما بعد الموت أشد منه، لمن لم يعرف منهج الله عز وجل، ولم يتقِ الله، ولتتأمل المسلمة يوم تقف يوم العرض الأكبر أمام الناظرين، فإن فضحت نفسها واشتهرت بالجرم، فضحت أمام الناس، وأمام عرضها، وأمام بيتها، وأهلها وقبيلتها، فمعاذ الله: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف:23].

الحجاب الشرعي

الحجاب الشرعي ثانياً: من الموانع الحجاب الشرعي. هذه السمة العظيمة التي أتى بها صلى الله عليه وسلم، وهذه القيمة للمرأة المتحققة، وسمعتن قبل ما يقارب سنة ونصف أو سنتين أن في فرنسا؛ الفرنسيات ينادين بالحجاب؛ لأنهن وجدن أن الشعب يسعى إلى الدمار والهاوية، وأن الأعراض مزقت، وأن المرأة ما أصبحت لها مكانة، وأن المجرمين يتعدون الحدود، وأن الإنسان أصبح لا يجد مكاناً للعيش، وأصبحت بناته وأخواته وزوجاته نهباً وسلباً، هذا في المجتمع الضال المنحرف عن منهج الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لذلك بدأن ينادين بالحجاب؛ لا خوفاً من الله عز وجل، ولا تقوى لله عز وجل، ولكن يردنَ أن يحافظن على أقل حدٍ من الحياة أو من الأمن! الحجاب الشرعي الذي أتى به رسولنا عليه الصلاة والسلام هو تغطية الوجه والكفين، وإلا فلو لم تغط المرأة وجهها ظهرت للناظرين، وظهرت زينتها وفتنتها، وإني آسف كل الأسف أن يوجد في هذه المدينة، وفي بعض المدن، من خذلن الحجاب ونبذنه واكتفين فقط بتغطية الرأس، وتعلقن ببعض الأدلة الواهية، وخرجن في الشوارع، وخالطن الرجال، وإن هذه كارثة، ومخالفة لدين الله عز وجل، وهذا أولُ الهدم، وأول الشرود عن منهج الله عز وجل، فحذار حذار من هذا. ومن كان عندها شك فلتراجع كتب أهل العلم، وتراجع الأدلة والبراهين لتتقي الله في عصر الفتنة، ولو أجيز في القرن الأول لما أجيز في هذا القرن، الذي أصبح الذئاب فيه كُثر، وأصبح المعرّضون والفجرة فئامٌ لا يحصيهم عاد، وإني لأعرف أناساً لا ينزلون إلى الأسواق إلا للمتعة في وجوه الأجنبيات، والنظر والتغزل بالمحاسن، والفسق والفجور، والتعدي على مناهج الله عز وجل، فالله الله في الحجاب، والله الله في الستر، والله الله في لزوم طاعة الله عز وجل، واجتناب نواهيه.

الدعوة إلى الله عز وجل

الدعوة إلى الله عز وجل الثالث: مما يحصن المرأة الدعوة إلى سبيل الله: الدعوة إلى منهج الله، أن تكون المرأة داعية مؤثرة، وإني أشكر كل الشكر داعيات كثر في بلادنا، بدأن بإرسال الكلمة، وبالتأثير على أخواتهن بواسطة الهاتف، والمراسلة، والجلسة، والمحاضرة، والدعوة، وإهداء الشريط الإسلامي والكتاب الإسلامي، وهذا أمرٌ محبب، وهذا هو والله الحسن، وهذا هو الأجر والمثوبة، عافا الله من فعلت ذلك وآجرها، وثبتها. فإنه لا يستمع للمرأة إلا النساء، ولا يؤثر في النساء إلا النساء، ولا يعرف مشاكل وطموحات النساء، ومسائل وخصوصيات النساء إلاَّ النساء. فوصيتي: أن تنبعث المرأة داعية مؤثرة في بني جنسها، وفي ما حولها، وتكون حاملةً لكتاب الله عز وجل، وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن العلماء أجادوا في جانب الرجال، لكن القطاع المهم والأهم هو المرأة، وهذا النصف الكثير من أمتنا يحتاج إلى داعيات مخلصات منيبات صادقات، يوصلن كلمة الحق والنور إلى القلوب، ويتكلمن عما يراد بهن. عجيب أن تجد في الصحف بعض الكاتبات المتخليات عن دينهن يكتبن كلاماً، ويدعين إلى أمور تخالف دين الله، فأين المستقيمات الملتزمات الداعيات؟ عجيب!! هناك داعيات ينادين بنبذ الحجاب وقيادة السيارة، وخروج المرأة، وترك هذا الحياء، فأين الصف المقابل؟! أين داعيات الحق؟! قال تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104]. فولينا ووليكم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وتراثنا خالد من الوحي، وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، والواجب علينا وعليكن أن ننصح الناس، ولا نخشى في الله لومة لائم؛ لأن الحق معنا. لماذا لا تخجل المغرضة؟! لماذا لا تخجل المتسممة بالأفكار اليهودية؟! لماذا لا تخجل التي درست في الفرسايد ولوس أنجلوس؟ وهي تلقي علينا في بلاد الحرمين، وبلاد المقدسات سمها وعذابها، وتلقي علينا إفسادها، ولا تخجل!! والمرأة تخجل أن تقول كلمة الحق، وأن تدعو إلى منهج الله، وإلى سبيل الله، لماذا؟ إنه إحباط، وهكذا يفعل ضعف الهمة والعزيمة، أن تجعل المرأة سلبية، وأن تبقى خائفة محايدة في مكانٍ لا يكون فيهنَّ مفاصلة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]. أقول: هذا وقد قرأنا من التجارب الوخيمة التي عاشتها البلاد الأخرى، ووصلت إلى مستواها، يعلم ذلك من رأى، ومن قرأ، ومن أبصر، وطريقة الإنقاذ أن نعود إلى الله عز وجل في أمتنا، وفي جيلنا ونسائنا.

الزواج يمنع السفور والفجور

الزواج يمنع السفور والفجور الرابع من الأمور التي أتحدث عنها: مسألة الزواج. والله عز وجل سن الزواج، بين الذكر والأنثى قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] لتحفظ الأعراض والأنساب، وتحفظ الأسر والمجتمعات، تكون الأمة شريفةً، وتعيش شريفةً عفيفةً مطهرةً، فإنه يوم يترك هذا السياج، وهذه الشريعة الربانية، والسنة الخالدة تضيع الأمة. لقد وجد في المجتمع تكاسل عن هذه السنة، أو تأخر عنها، وهذا أنتج لنا عنوسةً، وهذه العنوسة لابد أن يقضى عليها، وهي من نتائج عدم تقبل الصالحين، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض}. والمرأة عليها أن تتزوج إذا وجدت الكفؤ، وكذلك الشاب إذا وجد المرأة الصالحة عليه أن يتزوج، وأن يتقي الله في شبابه، وتتقي الله في شبابها. عند الطبراني بسندٍ حسن: {من تزوج فقد أتم نصف دينه، فلتيقِ الله في النصف الآخر} ولتتق المرأة ربها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن تسوف لزواجها، وألا تصدق هذه الدعوات التي نسمعها في بعض الجامعات والمؤسسات، من تأمين المستقبل، حتى تنتهي المرأة من الجامعة، أو الدكتوراه، أو الماجستير، وهي لن تتزوج حتى يذهب جمالها، وفتوتها، وشبابها فتصبح غير مرغوبة ولا مطلوبة، فتضيع عمر الحياة الزوجية، عمر البيت، عمر الأطفال، الذي هو من أحسن ما يكون، وهو سر السعادة بعد الإيمان، وبعد العمل الصالح، فوصيتي هذه الوصية، ونشر هذا الفكر في جانب النساء، وفي جانب الفتيات، ألا يتأخرن عن الزواج، فإن العنوسة مأساة لا تصلح، وقد شكى منها الغربيون فكيف بالإسلاميين. وأسأل الله عز وجل لي ولكن الهداية والثبات، والسداد والاستقامة والرشد والعون، وأسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحفظنا وإياكن من كل مكروه، ومن كل سوء، ومن كل من يريد بنا فساداً، أو بالبلاد والعباد شراً؛ أن يكفيناه بما شاء، وأن يحفظنا وإياكن، وأن يحفظ علينا أعراضنا وبيوتنا وديننا وشرفنا.

الأسئلة

الأسئلة

مفهوم الابتلاء

مفهوم الابتلاء Q في خضم الأحداث الأخيرة التي نزلت بـ الكويت، يظن بعض الناس أن الابتلاء خاصٌ بأهل الكويت، فهل من كلمةٍ للأخوات عن مفهوم الابتلاء؟ A أولاً: أشكركن على هذه المشاعر الحية. ثانياً: ما أصاب أي شعب، فبقضاء من الله وقدر: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] وقد أخبر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن سننه في الناس، وفي الأمم، وفي الأيام، أن من عصاه وانحرف عن منهجه أدبه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} [الطلاق:8 - 9]. ولا يكون العقاب فقط زلزالاً أو بركاناً، بل قد يكون جيشاً جراراً، أو دبابات صارخة، أو طائراتٍ قاصفة، والذي حلَّ بأهل الكويت لابد أن نتأمله كثيراً، وقد جلست مع كثير من علمائهم، ودعاتهم، كالشيخ أحمد القطان، وأخبرنا بما وصلوا إليه، وأنا زرتهم قبل سبع سنوات، ورأيت هناك العجب العجاب، ولسنا بشامتين، فنحن والحمد لله ولا فخر، والمنة لله عز وجل، آويناهم ورأينا أنهم إخواننا وأخواتنا وقمنا معهم، لكن النتيجة: إياك أعني واسمعي يا جارة: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنْ الْقُرَى} [الأحقاف:27]. وصلوا إلى مسألة أنهم تركوا الحجاب وصارت المرأة مشاركة في الحياة، وأصبحت معروضة للناس في الفنادق، ولسنا عارضين لمساوئ الناس، فإنهم إخواننا وجيراننا، لكن ننبه أمتنا ونساءنا وأخواتنا إلى الخطر المحدق، الذي حل بتلك الأمم: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. بل وصل الحال كما أخبرت من بعض الدعاة أن امرأة أخذت مصحفاً وهي حائض، وأخذت أمام البنات تقول: هذا وثيقة التخلف والرجعية، تعني: القرآن. {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} [الكهف:5] والذي يظهر والله أعلم، أن هذه الأحداث التي أنتجت لنا أنها ركزت على المرأة كثيراً، الإعلام بأقسامه، والكتب والمجلات، وكل شيء، حتى إن هؤلاء العلمانيين الذين في بلادنا كانوا يتغنون بالوطن، ويتغزلون الوطن وقشرة الأرض، فلما أتت الأحداث ورص على حدودنا آلاف الدبابات، ومئات الألوف من الجيوش المدمرة والصواريخ التي تحمل الرءوس النووية والكيماوية، وغير ذلك؛ تركوا الحدود، وتركوا العدو، وأتوا ينادون المرأة هنا، أهذا وقت لمناداة المرأة؟!! أهذا وقت خروج المرأة؟! أهذا وقت مطالبة المرأة أن تقود السيارة؟!! هذا ينبئنا أنهم كذبوا لعمر الله، وأنهم يريدون الفتك بالعباد والبلاد وأنهم ليسوا بصادقين في وطنيتهم على أن الوطنية لا تجوز، يعني: الميل للوطن وتغليب الوطن على منهج الله عز وجل ليس بجائز، ولا وطنية في الإسلام، لكن انظرن كيف تركنا الأحداث، والخليج يمر بأزمة، والقوات العالمية قد اجتمعت، وأتوا إلى هنا إلى داخل البلاد ينخرون في جسم الأمة عن طريق المرأة وحدها، وهي يوم تصلح يصلح الله الأمة بها، ويوم تفسد تفسد الأمة بعدها، هذا ما عندي في هذه المسألة.

الشروط التي يشترطها الشباب في الزواج

الشروط التي يشترطها الشباب في الزواج Q ما حكم اشتراط كثير من الشباب شروطاً قد لا تتوفر في بعض الفتيات حين الرغبة في الزواج؟ A سبق أن تحدثت في بعض المحاضرات للشباب عن هذا، وقلت: إن بعضهم يشترطُ شروطاً حتى شروط الترمذي في صحة الحديث، أو شروط ابن حبان لا تصح عنده، أي: لا يمكن أن توافق هواه، وبعض الشباب يشترط شروط المجتهد عند الرازي، وربما ينتظر حتى يعطى حورية من الحور العين، إنه يشترط أن تكون زرقاء العينين، طويلة، إذا مشت تحت البواري فرت، وإذا جلست استقرت، لا هي بطويلةٍ ممشوقة، ولا بقصيرةٍ مرموقة، حاكمة إذا تكلمت، ناطقة إذا تبسمت، كالليل إذا أدبرت، وكالنهار إذا أقبلت، فقلنا له: ينتظر حتى يموت ولا يتزوج في هذه الحياة الدنيا، وهو ينتظر حتى يرضى ببني جنسه، وهو من الطبيعة ومن الجبلة، وموجود معنا من بني جنسنا، فيرضى من إنتاج بلده والحمد لله، وأظن أن هذه ظاهرة عند الشباب ومعلومة، وإذا توفر في المرأة الدين، فإن الدين يصلح كل شيء، وما أظن أنها أصبحت ظاهرة عند بعض الشباب بحيث أنهم يحجمون عن الزواج لهذه الشروط، هم يتساهلون إذا وجدوا الملتزمة المستقيمة التي تفهم أمر ربها، وتكون حسنة الخلق، أما الشروط هذه فما أظن أنها ظاهرة إلا في بعضهم، وهم قليل إن شاء الله.

حكم الزواج من تارك الصلاة

حكم الزواج من تارك الصلاة Q من أختٍ تقدم لها شابٌ ليتزوجها وتصفه بأنه مستقيم، ولكنه لا يصلي؟ A بسيط ما دام عيبه فقط ترك الصلاة فهو كافر. لقد ظننت أنها ستقول: يسبل ثوبه، أو يستمع الأغنية، أما أنه لا يصلي فهذا يلحق بأعداء الله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من ترك الصلاة فقد كفر} ويقول: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} {بين المسلم والكافر ترك الصلاة}. للمرأة المسلمة أن تتساهل في بعض الأمور، حتى تؤثر هي بصلاحها على زوجها، أما إنسان مبتور الرأس، إنسان مريض، إنسان فيه هذه الزندقة والعياذ بالله فلا، ترك الصلاة، لا! لا موافقة، ولا يحق له أن يتقدم لامرأةٍ مسلمة؛ لأن أهل العلم كما تعرفن ينادون بأن المرأة لا تتزوج إلا بمسلم، وأنها لو تزوجت كافراً كان العقد لاغياً، ويلحقون بذلك تارك الصلاة. بل قال كثيرٌ من المحدثين: لو تزوجت مسلماً ثم ترك الصلاة، لكفر ولأصبح العقد لاغياً، ولا يجوز أن تمكنه أبداً، وتصبح أجنبية عليه، هذا حكم أهل العلم في هذه المسألة، فهذه الأخت لا توافق ولو وافق أبوها وأمها، حتى يكون مصلياً خائفاً من الله، أما بعض المشاكل التي قد يكملها إن شاء الله بالتربية معه، والجلوس معه، فهذه سهلة. ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه وكذلك يوجد في جانب البنات، من تتشدد في الشروط كثيراً، فأحياناً تشترط أن يقوم الليل، وأن يحفظ القرآن كله، وأن يكون على درجة من الورع، كدرجة أبي ذر، ومن العلم كعلم مالك، ويكون من الفصاحة كفصاحة علي، فهذه تترك الزواج، ولا تجد لها زوجاً حتى تموت.

حكم معاشرة أهل المعاصي

حكم معاشرة أهل المعاصي Q امرأة تشتكي من قريباتها اللاتي يلبسن الثياب الشفافة ويزرنها كثيراً، ونصحتهن فلم يستجبن للنصيحة، فما كان منها إلا أن هجرتهن، مما أدى إلى غضب والدتها؟ A ما فعلتيه أيتها السائلة، هو الصواب، لأنكِ كما ذكرتِ قد قصدت بدعوتهن إلى طاعة الله عز وجل، بواسطة الشريط الإسلامي والكتيب والتأثير فما استجبن فهجرتيهن، وهذه هي أصلاً طريق الدعوة في الإسلام هكذا، الدعوة باللين، المناصحة، إبلاغ دين الله عز وجل، فإذا لم يرتدع هذا العاصي فيهجر، أما غضب الوالدة فلا يضرك بإذن الله، إذا لنتِ مع الوالدة، وطلبت سماحها لأنه {لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق}. وإذا علم الله عز وجل أن هذا الغضب من أجل طاعته، فلن تجدي أثراً بإذن الله لهذا الذنب، فإنك أرضيت الله عز وجل، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخط الناس برضى الله رضي الله عليه وأرضى عليه الناس}. وأما قولك: إنهن ذهبن، فلا يعدنَ، إذا كان على هذا المنهج، وهذا التكشف، وهذا التبرج، فلا يعدن: لقد ذهب الحمار بأم عمرٍو فلا رجعت ولا رجع الحمارُ

ظاهرة تعارض الزواج مع الدراسة

ظاهرة تعارض الزواج مع الدراسة Q تسأل عن تعارض الزواج مع الدراسة، فهي إما أن تتزوج، وإما أن تكمل دراستها، التي تستمر ثلاث سنوات؟ A هذا ليس فيه نصوص شرعية، ولكن وجهة نظر، وأنا أشير على هذه الأخت مثلما أشير على قريبتي لو كانت في موقعها، وأرى أنها تتزوج ولا تنتظر ثلاث سنوات، لأن زواجها وحفظ نفسها، وعصمتها، وحياتها الزوجية، وسعادتها مع الزوج، أعظم من هذه الدراسة المرحلية، هذه وجهة نظر، وأرى هذا وعسى الله عز وجل أن يسددها للأحسن والأقوم، وثلاث سنوات يشيب فيها الغراب لطولها.

التشدد في شروط الزواج

التشدد في شروط الزواج Q فتاة تقدم لها شابٌ ملتزم ولكنه يشترط شروطاً تبدو مشددة؟ A هذه الشروط بعضها فيها إجحاف، وأرى أن يتفاوض معه، ولا يُفَّوت مثل هذا الملتزم، ولكنه يُناظر على منهج الشريعة، وأرى أن هذه الفتاة تحاكمه إلى أحد العلماء، فإن رخص العالم في هذا كان وارداً، مثل أدوات التجميل، لابد منها للمرأة، مثل الثوب الفضفاض الذي لا يبدي الزينة، وليس فيه ريبة ولا تشبه ليس به بأس، فقصدي لا بد أن تحاكمه إلى النصوص، وتسأله هل هذا فيه أثر، هل قال به أحد العلماء حتى يقتنع، أما أن ترفض فلا أرى، وإن استطاعت أن تلبي طلبه، وتقوم بهذه الشروط فهو الأولى، وقد أخذ بالورع والحيطة من أمره، ولو أني أرى فيها شيئاً، لابد أن ينظر من منظار الشريعة، ولسنا بالمتساهلين الذين يفلتون الحبل على الغارب، ويدعون إلى كثير من التساهل حتى تصل إلى المنهيات، ولسنا بالذين يشددون على الناس، ويتنطعون في الدين ما لم ينزل الله به سلطاناً، ولم تؤيده الشريعة، هذا رأيي.

مفهوم الابتلاء

مفهوم الابتلاء Q فتاة تدعو الشيخ إلى مزيد بيان لمفهوم الابتلاء؟ A شكراًَ لهذه المسلمة، والضيفة القادمة من الكويت، ويعلم الله عز وجل أننا لا نريد جرح مشاعرهم، ولا أعد مثل هذه المتكلمة إلا أختاً، ونشعر باللوعة والحسرة، ويتمثل الإنسان في نفسه، أن يقع بأهله مثلما وقع بأهل الكويت، ولعلها تدرك ماذا فعل الدعاة في هذه البلاد والعلماء وطلبة العلم، لقد ذهبوا والله الشاهد إلى الخفجي وحفر الباطن، والحدود الشمالية، والتقوا الأخوات بالبطانيات والعباءات والماء البارد، والطعام، وبالسيارات، ونقلوا وواسوا، وهذا المنة لله عز وجل فيه، وكنا والله نتأسف كثيراً، ونندم: ألهفي لشعبٍ بات في خير نعمة وأصبح في ليلٍ من الهول يمرجُ سيصغي له من عالم الغيب ناصرٌ ولله أوسٌ آخرون وخزرج وما قصدي الإنالة أبداً، فإنا بلدٌ واحد: وحيثما ذكر اسم الله في بلدٍ عددت ذاك الحمى من صلب أوطانِي ومن أحب الناس إليَّ كثير من الأصدقاء من الكويت، طلبة علم، وأخيار وشرفاء ونزهاء، ونستعد أن نقدم دماءنا عن معتقدهم، وعن لا إله إلا الله التي يحملونها، وما كنا شامتين يوماً من الأيام، ولا نفعل والعياذ بالله، كفعل الناس الذين وقفوا متفرجين، وقد قلتها في كثير من المحاضرات: شعب الكويت قدم دعاة من أشهر الدعاة، وقدم العلماء، وطلبة العلم، شعب الكويت عنده جمعية الإصلاح وإحياء التراث التي دعمت المشاريع العالمية الإسلامية في كل بلد، والله لقد تأثر الشعب الأفغاني من احتلال الكويت، وتأثرت هيئة الإغاثة الدولية، وتأثر مجلس المساجد، وتأثرت رابطة الشباب العربي المسلم، وتأثر كل مكان؛ لأن الدعم السخي كان يأتي من هناك، فما أقصدك ولا أقصد أمثالك من الكريمات، فأنا أعرف بأن في كل دار بني سعد، وأنا أعرف أن هناك بيوتاً طيبة بنيت على الحق والعدل والسلام، وما كنتُ شامتاً، لكنك ربما اتفقت معي في مسألة ما ننتظر بذنوبنا، وما نزل عذابٌ إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]. وسنة الله عز وجل أن يؤدب، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] ونحن نعرف أن الكوارث والمصائب تحدث لنا بسبب ذنوبنا، وما هو بسبب الكفر، لكنه تمحيص للخطايا، فأنا معك أنه تمحيص وأن سنة الله أن يؤدب، وأنا أعلم أن هذا الشعب تلقن درساً، وأنه وعى للمرحلة التي سوف يعيشيها، وإذا عاد كان أحسن بإذن الله، ونحن ما حكمنا على شعب الكويت حكماً عاماً، وإنما عشنا معهم وعرفناهم، وعرفنا أن هناك مثل شعبنا، لكنَ ربما تتفق معي الأخت أن الحجاب هناك، ما كانت له تلك المنزلة، والشريعة ما كانت تحكم، ولا تستطيع هي أن تقول: أن الشريعة كانت تحكم هناك، وأنا أحيلها على شريط للشيخ القطان فهو أعرف مني بـ الكويت، وهو قريبها وأخوها من بلد الكويت، فقد تكلم في تدمير الأخلاق عن قصص ما أرويها لكُنَّ، وأنا أعرف أنه في بلادنا بعض القصص، لكن الفرق أن هنا مداً هائلاً للحجاب، وكثرةٌ كاثرة تدعو إلى منهج الله عز وجل. هذا ربما وجهة نظر، وإلا فنحن ننادي الناس على المنابر! انتبهوا لا يقع بكم ما وقع بجيرانكم، ولسنا في ذلك شامتين، ووافقنا على ذلك جيراننا، ردهم الله سالمين منتصرين غانمين.

الحجاب الشرعي

الحجاب الشرعي Q عن بعض جوانب مسألة الحجاب، وما يتعلق بحكمه في الإحرام؟ A هذا السؤال مركب ومتداخل في فقرات، اللباس الشرعي للمرأة: هو ما كان ساتراً لجسمها، وما أعلم في ذلك أي نصٍ يحدد لباساً معيناً، إنما المهم أن يكون ساتراً لجسم المرأة فيستر وجهها وكفيها وقدميها، وقد سألت أم سلمة الرسول عليه الصلاة والسلام، فطلب منها أن يكون سابغاً تطيل ذيلها شبراً قالت: {يا رسول الله: ينكشف. -يعني: في الأرض ينكشف- قال: فذراع} فأخبر صلى الله عليه وسلم بذلك، (والكاب): عرفته، لا بأس به إذا كان فضفاضاً، لأن الحجاب فقط ليس عباءة فقط، إنما إذا كان أي لباس فضفاضاً ساتراً فلا بأس به مع القفازين، أما في العمرة والحج فلا تلبس المرأة القفازين، ولا تستر وجهها إذا أحرمت إلا إذا عرض لها الأجانب أو كانت في الطواف ورأت الرجال تستر وجهها، لحديث عائشة في الصحيح: {كنا محرمات -نساء يكشفن عن وجوههن- فإذا عرض بنا الركبان أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها} أو كما قالت رضي الله عنها.

حكم تعلم المرأة لعلوم الدنيا

حكم تعلم المرأة لعلوم الدنيا Q ما حكم تعلم المرأة لبعض العلوم المادية، كالكيمياء والفيزياء؟ A ليس بإثم، ما أعلم في ذلك نصاً: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116]. أما واقعنا فالرجل بحاجة إلى أن يدرس هذه العلوم؛ لأن المعامل تستقبلهم كالكيمياء والفيزياء، ونحن بحاجة ماسة إلى هذه العلوم، وبحاجة إلى أن نطور أنفسنا، ولنواكب الركب الدنيوي هذا مع ركب الآخرة؛ لأن هؤلاء غلبوا في عالم المادة، ونحن تأخرنا فيه، فمع الإيمان لابد لنا من ذرة، ولابد لنا من إنتاج، وتكنولوجيا، واختراع، لنعيش حياة راقية، والله جعلنا في الأرض نستعمرها، أما المرأة ما أجد لها مجالاً في مثل هذا الأمر؛ لأن لها مجالات أخرى في الإسلام، علم الشريعة، التربية، الرعاية، التعليم، الدعوة إلى منهج الله عز وجل، وليتنا قمنا نحن الرجال بإنتاجٍ واختراع، حتى تقوم النساء بواجبهن، وأنا فوجئت أن امرأة من هذا البلد ذهبت تدرس في بروكسل، لا أعرف أنها هندسة التربة، أو بيطرة البقر، فما أدري كيف تعود لنا من بروكسل نحن ما أنتجنا شيئاً، الطباشير التي عندنا في الفصل مستوردة، كذلك المساحة والسبورة، والكرسي والماسة، والميكرفون، فنحن ما أنتجنا، ونحن الرجال فننتظر من المرأة أن تذهب إلى بروكسل لتدرس لنا هندسة التربة، وتأتي تكتشف لنا ثلاجةً أو جرجيراً لا أدري كيف ذلك؟!

مجاهدة النفس

مجاهدة النفس Q كيف تكون مجاهدة النفس؟ A { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] لو أن الجنة سهلة المآخذ، أو سهلة المطلب أو سهلة المسير لدخل الناس كلهم الجنة، ولكن أبى الله إلا أن يميز من يريد الشهوات، فقد حفت الجنة بالمكارة وحفت النار بالشهوات، وليس للمرأة المسلمة ولا للرجل إلا الصبر والاحتساب في مواطن الصبر، وأما أن يستقيم الإنسان في كل دقيقةٍ وجليلة، فهذا قد يكون صعباً، ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {سددوا واستقيموا وقاربوا، ولن تحصوا} قال بعض العلماء: لن تحصوا: لن تستطيعوا الاستقامة؛ ولكن الإنسان يسدد بالتوبة والاستغفار والصدقة وإذا أخطأ تاب إلى الله عز وجل، وإذا نقَّص يتصدق، وهكذا حتى يصل إلى الله عز وجل.

المحبة والابتلاء

المحبة والابتلاء Q يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا أحب الله قوماً ابتلاهم}. هل يعد ابتلاء أهل الكويت لحب الله لهم؟ A أولاً: هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا أحب الله قوماً ابتلاهم} وأنا أسأل الله أن يكون أحب أهل الكويت فابتلاهم بهذا، وأسأله أن يكون كفارة لهم ورفعاً لدرجاتهم وماذلك على الله بعزيز؛ فإني أعرف من العلماء عندهم والدعاة والأخيار من الصالحين من أوذوا، فربما هذا من المحبة، وأنا قد أتفق مع هذا اتفاقاً نسبياً، وقد يكون تأديباً للعصاة، وكذلك نحن لو ابتلينا يقولون: محبةً ورفعة، وتأديباً للعصاة الذين عندنا، والذي ذكرته الأخت الكويتية أنا اتفق معها، وأنا في أول المحاضرة ذكرتُ لها ما يوجد في المجلات عندنا في بلادنا هنا، وذكرت لها شريط: (الفتاة السعودية والعلمانيون) لعلها أن تسمع هذا الشريط لأخبرها ببعض ما تعيشه المرأة عندنا، فلسنا هنا نفرق بين الكويت والسعودية ومصر، ولا السودان ولا باكستان ولا تركيا، البلاد بلاد الله، والدين دين الله، والأمة أمة الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10].

كيفية القراءة والاطلاع

كيفية القراءة والاطلاع Q عن كيفية قراءة الشيخ للكتب التي ورد ذكرها في شريط: السيرة الذاتية؟ A ظروف الناس تختلف، وليس كل من وجد بيئةً أو حيثيات أو ملابسات يجدها الآخر، والإنسان يعيش ظرفه، والمرأة يختلف ظرفها عن ظرف الرجل، ولكن ليس المهم القراءة، ولكن المهم العمل بما يقرأ، ومن رتبت وقتها، واعتنت ببرنامجها اليومي قرأت بإذن الله عز وجل، وأثمرت وأنتجت وتعلمت، وأنتن في مجال العلم بإذن الله أعرف وأحرص، حتى من الأسئلة المعروضة رأيت الثقافة الواسعة، والحمد لله، فلا يلزم صراحةً أن تكون المرأة عاكفة، فتترك الحياة، وتقرأ في هذه المجلدات، لا. الحياة لها شئون من صلاةٍ، وعبادة، وزواجٍ ودعوةٍ، وحياة، أي: كلٌ فيما يخصه.

كشف الوجه والكفين حال الإحرام

كشف الوجه والكفين حال الإحرام Q ما هو مدى تمكن المحرمة من كشف وجهها وكفيها حال إحرامها؟ A ربما تخلو المرأة في خيمة وهي حاجَّة، أو تجلس وحدها وهي حاجَّة فتكشف، لأن إحرام المرأة في وجهها وكفيها، لكن مع كثرة الناس، وكثرة الأوقات التي يتواجد فيها الناس فلها أن تغطي وجهها.

المانع من دراسة المرأة لعلوم الدنيا

المانع من دراسة المرأة لعلوم الدنيا Q ما المانع من دراسة المرأة للكيمياء والفيزياء ونحوها؟ A أنا لا أقول: إن المرأة أقل ذكاءً من الرجل، وأنا أعرف ذلك، وأدرس في جامعة الإمام محمد بن سعود وأكثر الطلاب ذكاء الطالبات، والأولى عندنا في العام الماضي مستوى ثاني أصول الدين طالبة، بتفوقٍ باهر، وهي منتسبة، والثاني من الرجال، وهذا أمرٌ معلوم. ثانياً: إذا وجدت الضوابط الشرعية التي لا تخل بالدين ولا تدخل في معصية الله عز وجل، وأنا أقول: ليس هناك دليل يمنع، لكن واقعنا الذي نعيشه نحن لا يسمح، وأنا لا أقول: إنه حرام، لكن في الواقع أصلاً ما وجد عندنا رجال ينتجون في الفيزياء والكيمياء، ويكتشفون ويخترعون، فكيف بالنساء! ما دام قصر هؤلاء وأمامهم المجالات، وأمامهم السفر، وأمامهم الفرص المتاحة، فكيف بالنساء، أما التحريم فأنا لا أقول هذا، إذا وجد المكان المناسب في حجابٍ وسترٍ، وعدم وجود ما يؤدي إلى انتهاك حدود الله، عز وجل، أو خلطة بالأجانب فلا بأس، لكن هذا التحفظ لأنه إذا وجدت المرأة ودرست الفيزياء طالبت المرأة بأن تختلط مع الرجال وطالبت بفتح مصانع مشتركة، ثم تطوير الحال، ثم نصبح في حيص بيص.

إذا كان الزوج يشرب الخمر

إذا كان الزوج يشرب الخمر Q فتاة تزوجت رجلاً يصلي، ولكنها اكتشفت بعد الزواج أنه يشرب الخمر، والعياذ بالله؟ A لا تحتاري، انصحيه أولاً وأنذريه؛ لأنه إن بقي على شرب الخمر فسوف يكون الفراق هناك، وإن استمر فأرى أن تذهبي إلى أهلك فترة من الفترات، وتنذريه بعدم العودة حتى يتوب من هذه المعصية؛ لأنها كبيرة من الكبائر، ولا يجوز لك البقاء معه في هذا، لكنه ليس كترك الصلاة ذاك كفر وهذا فسق، فالفاسق ينذر ويحذر، فإن ارتدع فبها ونعمت، وإلا فاذهبي إلى أهلك من باب التهديد، ومن باب ممارسة حق النقض (الفيتو).

حقوق الزوجة على زوجها

حقوق الزوجة على زوجها Q عن حقوق الزوجة على زوجها؟ A أنا إذا جلست في محاضرة أمام النساء، تكلمت عن حقوق الرجل على المرأة، وإذا جلسنا مع الرجال تكلمنا عن حقوق المرأة على الرجل، وهناك شريط اسمه: صفات المرأة المسلمة، ربما ذكر فيه شيء من هذا، ومن حقوق المرأة على الرجل: النفقة، وحقوق المعاشرة، والاحترام، وعدم الإيذاء والتقبيح والضرب المبرح المؤذي لغير سبب، وعدم الهجران لغير سببٍ، وإذا كان عنده زوجتان أو أكثر العدل في النفقة، وفي السكنى، وفي الطعام والشراب، ومن حقوق المرأة أيضاً: تعليمها إذا لم تكن متعلمة، وإعطاؤها حقها مثلاً في الزيارة والخروج والنزهة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن لأهلك عليك حقاً} الجلوس معها، إيناسها والمزاح معها، أي: أن تكون باختصار تعيش عيشةً طيبة، وهذا موجود في كثير من النساء يقلن: أنهن عشن في مثل الجنة من السعادة مع الأزواج المتقين الخائفين من الله عز وجل، هذا أمرٌ موجود.

حكم إطالة الأظافر والتشبه بالرجال

حكم إطالة الأظافر والتشبه بالرجال Q ما حكم إطالة النساء للأظافر، وقص الشعور كالرجال؟ A أما قص الشعور كقص الكافرات، فهذا تشبه، ومن تفعل ذلك تشبهاً بالرجال فقد لعنها الله، لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. وأما تطويل الأظافر، فلم تأت به سنة ولا آية، وهو من التشويه لخلق الله عز وجل، والاعتداء على حدوده، وهو تشبه بالكافرات، وهو مخيف مرعب، حتى يمثل أن كف المرأة ككف الذئب أو الثعلب، والرسول صلى الله عليه وسلم مدت له امرأة من قريش يدها تريد أن تبايعه، وكان لا يصافح النساء، وكان يبايع، قال: {ما هذه اليد كأنها يد سبع} فعلى المرأة أن تختضب وأن تكتحل، وأن تكون متجملة لكن بالسنة. وفي السنن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {إني أكره أن تكون المرأة سلتاء مرهاء} السلتاء: التي لا تختضب، والمرهاء: التي لا تكتحل.

الاحتجاج على المعصية بالقدر

الاحتجاج على المعصية بالقدر Q فتاة لها صديقة، تحتج بقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56] وترد النصيحة، بحجة أن الأعمال مقدرةٌ سلفاً؟ A هذه الفتاة جبرية، يعني: تقول بالجبر، وإذا لم تقتنع بالشريعة فقد تقتنع بشيء من التأديب من أبيها أو أمها؛ لأبيها أو لأمها؛ لأنها عارضت شرع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وقدره الكوني سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهي قالت شيئاً تتظاهر بأنه حق، وهو في احتجاجها باطل، وقد سرق أحد الناس في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، وقال له عمر: [[لم سرقت؟ قال: قدر الله عليَّ أن أسرق، فأخذ عمر السكين فقطع يده: قال: لم قطعت يدي؟ قال: قدر الله عليَّ أن أقطع يدك]]. فقضية أن تضحك علينا وتضحك على الشريعة، وتترك الصلاة، وتترك الحجاب، وتقول: قدر الله عليَّ فهذا خطأ: أولاً: أسألها: من أخبرها أن الله قدر عليها هذا؟ {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3] والهداية مسلوكة ومعروفة، هل تعرف أن الله قدر عليها الغواية؟ {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] هم بدءوا بالمجاهدة فهديناهم، فلما زاغوا وبدءوا بالزيغ أزاغ الله قلوبهم، فأهل العلم يقولون: من أراد الهداية هداه الله ووفقه. ثانياً: إننا نراها في المصالح الدنيوية حريصة على ما يصلح لها، تأتي مثلاً: لا تأكل الجمر وتأكل التمر، إذا أحست بالبرد تغطت والتحفت، إذا أحست بالظمأ شربت الماء، فمن أخبرها أن هذا ظمأ، وهذا ري، وهذا جوعٌ وهذا شبع، إلا لأنها تفكر بهذا، هذا هداية، وهذا ضلال، أما استدلالها بذاك فليس بصحيح وهي مخطئة، ويدل على قلة علمها، فعليها أن تتوب وتستغفر، وأن تجاهد نفسها وسوف يهديها الله إذا اقتربت منه، وإذا دعت، أما أنها ما بدأت بشيء، ولا دعت ولا صلت، وتريد أن تأتيها الهداية، فلن تأتيها {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23].

ترك صلاة الجماعة وهجر الأقارب

ترك صلاة الجماعة وهجر الأقارب Q تسأل عن زوجٍ لا يصل أهل زوجته، ويصلي في البيت؟ A أما المسألة الأولى: الصلاة في البيت، فمخالفة للسنة ولأمر الله عز وجل، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأرى أن تنصحيه كثيراً، وأن تقومي عليه حتى يصلي في المسجد، وأما أنه في غاية الطيبة، فهذا شيءٌ طيب يشكر عليه، وأما أنه لا يَصِل والديك؛ فهي معصية، وعليك بالمناصحة وعدم المفارقة لكن انصحيه كثيراً؛ عسى الله أن يهديه، وإن حاولت أن تشكيه إلى والديه عسى أن يسمع منهما، أو من أقاربه لعل الله عز وجل أن يصلح قلبه.

الاستهزاء بالحجاب

الاستهزاء بالحجاب Q عن حكم الاستهزاء بالحجاب؟ A فيه تفصيل: إن كان قصدها الاستهزاء من الحجاب لأن الله عز وجل سنه أو رسوله صلى الله عليه وسلم سنه، فهو كفر {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]. وإن كان لم يبلغها النص الشرعي فيه، وظنت أنه ليس بثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأمر آخر، يؤخذ على يديها، وتخبر بالأمر، لكن الذي يظهر لي أن اللواتي يستهزئن بالحجاب، ويدسن الحجاب أنهن يردن الاستهزاء به؛ لأن الإسلام أتى به وهذه ردة كما قالها كثير من العلماء.

حكم انتحار المرأة فرارا بعرضها

حكم انتحار المرأة فراراً بعرضها Q ما حكم انتحار المرأة فراراً بعرضها، أن ينتهك؟ A لا. ليس للمرأة أن تنتحر، أو تقتل نفسها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {من قتل نفسه بشيء عذب به في النار} والعياذ بالله، وقتل النفس والانتحار كبيرةٌ من الكبائر من استحله يكفر، لكنه على العموم كبيرة من الكبائر، والله عز وجل ينقذ المرأة ويحميها، لكني لا أرى لها رخصة أن تنتحر أبداً مهما كان، ولا يرخص للإنسان أن ينتحر، فهو محرم بإجماع أهل العلم، ولم يجيزوه حتى في حالات الضرورة.

من قتل عبد الله عزام؟

من قتل عبد الله عزام؟ استهل الشيخ خطبته الأولى بالحديث عن فضل الشهادة، وفضل الشهداء، ثم تكلم عن الشيخ عبد الله عزام وعن استشهاده، وأن الموت بهذه الطريقة (الشهادة) هو سنة عظماء الإسلام، وأورد أمثلة على ذلك. ثم تكلم عن وصية الشهيد عزام، وعن بعض مناقبه، وكرّس خطبته الثانية للحديث عن طبيعة اجتماع الرئيسين الأمريكي والسوفييتي الذي تجلت فيه آية عظيمة من آيات الله.

استشهاد عبد الله عزام

استشهاد عبد الله عزام الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد الزعماء، وصفوة العلماء، وخيرة الأولياء، وأفضل الشهداء، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. إن من أسمى ما يطلبه المؤمن في الحياة الشهادة في سبيل الله، وإن من أعظم ما يتمناه الموحد الصادق مع الله أن يُقتل في سبيله {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171]. نحن أمة الشهداء، قدمنا لله ألوفاً مؤلفة من أبنائنا عبر التاريخ، سيدنا وإمامنا وحبيبنا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام يقول: {والذي نفسي بيده! لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل} ويقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {والذي نفسي بيده! ما من مكلومٍ يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه كما كان، اللون لون الدم، والريح ريح المسك} وصح عنه عليه الصلاة والسلام: {أن الله -عز وجل- يجمع أرواح الشهداء فيجعلها في حواصل طير تلج الجنة؛ فتأكل من أشجارها، وتشرب من أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش حتى يرث الله الأرض ومن عليها}. {يتجلى الله للشهداء في الجنة؛ فيقول: تمنوا، فيقولون: أما أرضيتنا، أما بيضت وجوهنا، فيقول: تمنوا، فيقولون: نتمنى أن تعيدنا إلى الدنيا فنقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمنوا، قالوا: نتمنى أن ترضى عنا فإنا قد رضينا عنك، قال: فإني قد أحللت عليكم رضواني لا أسخط عليكم أبداً} وقبل أيام قليلة فقدنا داعيةً ومجاهداً وعالماً ذهب إلى الله - نسأل الله أن يبدله بمسعاه الجنة، وأن ينزله الرضوان، وأن يجمعنا به في دار الكرامة - {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. فقدنا الشيخ/ عبد الله عزام -عليه رحمة الله- أحببناه حياً وأحببناه ميتاً، حفظنا له العهد حياً، وحفظنا له العهد ميتاً، فسلام عليه يوم جاهد، وسلام عليه يوم كتب بقلمه وبدمه، وسلام عليه يوم قتل، وسلام عليه يوم يبعث حيا. تردى ثياب الموت حمراً فما دجا لها الليل إلا وهي من سندس خضر فتىً كلما فاضت عيون قبيلةٍ دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعةٌ غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر لقد مات بين الطعن والضرب ميتةً تقوم مقام النصر إن فاته النصر وما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمر عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر

هكذا يموت عظماء الإسلام

هكذا يموت عظماء الإسلام هكذا ليمت العظماء، إذا مات الناس في الليالي الحمراء غارقين في الخمر فليمت الشهداء مرضيين عند الله، إذا مات اللاغون اللاهون اللاعبون وهم يتزلجون على الثلوج، فليمت أحباب الله وأولياء الله برصاص الغدر وبخناجر البغي من الشيوعية والعلمانية والصهيونية العالمية. عظماء الإسلام شهداء، طلب الشهادة رسول الله عليه الصلاة والسلام قال ابن كثير: فمات مسموماً فهو شهيد، فهو سيد الشهداء وسيد الأنبياء. وحج عمر بن الخطاب وقد قدم دمه ودموعه، ووقته، وماله ولياليه وأيامه لخدمة هذا الدين، فلما أصبح عند الجمرات في آخر حجة حجها رفع يديه، وقال: [[اللهم إنها ضاعت رعيتي، ورق عظمي، ودنا أجلي، وشاب رأسي، فاقبضني إليك، أسألك شهادة في سبيلك، وموتةً في بلد رسولك، وعاد إلى المدينة، وكان صادقاً، فأعطاه الله ما تمنى، فصلَّى بالناس الفجر، وروحه تتوق إلى الشهادة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] طعن في المحراب في صلاة الفجر ووقع شهيداً على التراب، يقول من قتلني؟ قالوا: أبو لؤلؤة، قال: الحمد لله الذي جعل قتلي على يد رجل ما سجد لله سجدة، رفعوه إلى البيت ووضعوا رأسه على وسادة، فقال: ضعوا رأسي على التراب علَّ الله أن يرحمني، يا ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا علي]] وقتل عثمان صائماً، وكان قد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العصر حين أغفى إغفاءه، فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كأنهم في روضةٍ في الجنة، فقال له- صلى الله عليه وسلم-: يا عثمان! سوف تفطر عندنا هذا اليوم، وقتل قبل الغروب. وقتل علي بن أبي طالب والحسين وجعفر وابن رواحة وزيد بن حارثة والألوف المؤلفة كلهم يطلبون الشهادة من الله الواحد الأحد. أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا كنا نرى الأصنام من ذهبٍ فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا أتى ابن رواحة إلى مؤتة مسافراً من المدينة، فبكى أطفاله حوله، فقال: لا تبكوا، قال له الصحابة: ترجع بالسلامة يـ ابن رواحة؟ قال: لا. لكنني أسأل الرحمن مغفرة وطعنة ذات فرغٍ تقذف الزبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غازٍ وقد رشدا وذهب وألقى روحه في مؤتة، ويأتي شهيداً يوم القيامة مع الشهداء. وصاحبنا هذا اليوم: هذا الشيخ المفضال الذي خرج من فلسطين الجريحة فلسطين الدامية، ترك كل شيء؛ الوظيفة والمنصب، وذهب إلى الجبال المثلجة في أفغانستان، يسهر الليل يكتب ويدعو، ويحمل البندقية والرصاص، ويجاهد ويجمع الشمل، ويؤلف القلوب، ويقول عن نفسه: والله لمال المجاهدين الأفغان عندي كالخمر وكالميتة، ذهب إلى الله ونسأل الله أن يجزل له ما أعطاه، أو ما قدمه لهذا الدين. عفاءٌ على دارٍ رحلت لغيرها فليس بها للصالحين معرج كدأب علي في المواطن كلها أبي حسن والغصن من حيث يخرج وفيه إعلام للعالم بأن هذه الأمة لا تزال صامدة بطلة قيادية، ولا يزال أبناؤها يقدمون أرواحهم لله. عجباً للكافر، أو المعرض الفاجر! أيظن أن الحياة سيجارة، أو كأس، أو مجلة هابطة، أو أغنية ماجنة؟! لا، الحياة كحياة هذا القتيل الحياة كحياة هذا الذاهب إلى الله الحياة كحياة هذا المجاهد الذي ذهب وما ترك شيئاً.

بعض مناقب الشهيد عزام

بعض مناقب الشهيد عزام كتب الشيخ وصيته قبل أن يموت بأيام، فأوصى أبناءه بالتوحيد، وأن يكونوا مسلمين، وأوصاهم بوصية يعقوب التي أوصى بها أبناءه، أوصاهم بطلب العلم النافع، وبالجهاد في سبيل الله , أوصاهم بصيام النهار، وقيام الليل، وصلة الأرحام، أوصاهم بكثرة تلاوة القرآن. وأنا أعرف هذا الرجل عليه شآبيب الرضوان، كان من أكثر الناس قراءةً للقرآن، يقرأ القرآن قائماً وجالساً وعلى جنبه رأيته في بلاد الكفر وهو يتحدث عن عظمة الإسلام، وقوة الإسلام، ودموعه تسيل من لحيته الطويلة ويختم كلامه ويقول: أسأل الله أن يرزقني الشهادة في سبيله، يدخل القاعة في بلاد الكفر في أمريكا أمامه خمسة آلاف من شباب المسلمين، فتدوي القاعة بالتكبير، فلا يرد عليهم إلا بالسلام ودموعه تذرف، لأنه يتحرى مجد الإسلام، وعظمة الإسلام، وكرامة الإسلام. نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا رحمه الله وجمعنا به في مستقر الرحمة، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فأخلصوا له ولإخوانه الدعاء، والهجوا إلى الله أن ينصر هذه الأمة وأن يرزقنا الشهادة في سبيله، وألا يجعلنا نموت حبطاً من كثرة المأكولات والمطعومات، وألا يجعلنا ضحايا للمعاصي والفجور والبعد عن الله. عجباً للمعرضين عن الله! يتزلق أحدهم من على المسرح، فيقولون: شهيد، يغص بكأس الخمر، فيقولون: شهيد، تصيبه تخمة من كثرة ما أكل من الربا فيقولون: شهيد!! لا، الشهداء أحباب الله. {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111]. أيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت على شرجع يعلى بخضر المطارف ولكن شهيداً ثاوياً في عصابةٍ يصابون في فج من الأرض خائف إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى وساروا إلى موعود ما في المصاحف أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

قدرة الله تتجلى في مالطا

قدرة الله تتجلى في مالطا الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أيها المسلمون! لله في كونه أعاجيب، وله في خلقه أسرار، وما حدثت حادثة وما وقعت واقعة إلا بقضاء من الله وقدر، والكون الذي نراه ذرة في ملك الواحد الأحد، فهو الذي يعلم الغيب، وهو الذي يصرف الأمور، وهو الذي بيده مقاليد الأمر، وهو قاصم المتجبرين والمتكبرين، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. قبل أيام قليلة بثت وكالات الأنباء والصحف خبراً عجيباً سمعه الكافر وقرأه، فظن أنه من الطبيعة، وقرأه المؤمن فعلم أنه بقضاء من الله وقدر. اجتمع الرئيس الأمريكي والرئيس السوفيتي في مالطا على الساحل، يريدون مكاناً هادئاً يتباحثون فيه، والناس يجعلون هذين الصنمين الطاغيين الكافرين اللعينين سيدين من سادات العالم، ويتصورون أن قوة وبطش وصمود العالم هو في يدي هذين الضالين المنحرفين، جلسا في مكان هادئ لا موج فيه، ولا أعاصير، ولا رياح، جلس هذا في سفينة وهذا في سفينة، عليهم الحراسة وقد هدأ البحر، وابتدأت المباحثات، ولكن الواحد الأحد أراد أن يخبرهم أن الأرض ملكه، والبحر ملكه {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:79 - 80]. الماء لله، والهواء لله، والسماء لله، والكافر لعين دخيل على أرض الله، وكأن لسان القدر يقول: ماذا جاء بكم هنا؟ جئتم إلى أهدأ مكان ما هي قوتكم؟ أنتم لا تملكون شيئاً، القوة قوة الله، والعظمة عظمة الله. قتل النمرود بن كنعان ببعوضة، وقتل بعض الطغاة بذبابة، وقتل بعضهم بشلقة، وبعضهم أُخِذ جثةً هامدةً، حَوَّل الأرض خمس مرات، ودمرها خمس مرات، مرة بالماء، ومرة بالحاصب، ومرة بالصاعقة، ومرة بالخسف. هاج البحر عليهم، وأقبلت السحب، يقول من رأى ذاكم الفيلم الذي نُقِلَ حياً على الهواء: أقبلت السحب كالجبال {أَمْ أَمِنتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِنْ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً} [الإسراء:69] أتى الموج كالجبال وضرب السفينتين ففصل هذه عن هذه، وأتت فرق الإنقاذ لتنقذ الضالين المجرمين، وذهب هذا هنا وهذا هناك، وقدرة الله في الوسط. فكأن لسان الحال يقول: أأنتم أعظم أم الله؟ أأنتم أقوى أم الواحد الأحد؟ من الذي بيده مقاليد الأمور؟ من الذي يرسل من الريح قاصفا؟ من الذي يرسل البحر هائجا؟ من الذي يشعل النار؟ من الذي بيده ملكوت كل شيء؟ هو الله. انفصلوا على مرأى من العالم، وبشرت بعض الوكالات أنهما نجيا سليمين ولم يصابا بعاهة- وهذه بعض آيات الله- {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ} [إبراهيم:44 - 45]. يا من يطالع الأخبار، يا من يقرأ الصحف، اعلم أن وراء هذا الكون مدبراً حكيماً خبيراً قوياً بيده مقاليد الأمور سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى! ما أقواه! وما أعظمه! عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، اللهم صلِّ وسلم على حبيبنا وقدوتنا وأسوتنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان، وارض اللهم عن أصحابه الكرام، من المهاجرين والأنصار، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وما ترضاه. اللهم إنا نسألك بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أن تحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضى، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم رد شباب المسلمين إليك رداً جميلاً، اللهم تب عليهم، واغفر ذنوبهم وخطاياهم، وأعدهم إليك، وحبب إليهم القرآن والإيمان وزينه في قلوبهم يا رب العالمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وقفات مع السبع المثاني

وقفات مع السبع المثاني لقد جمع الله في هذه السورة كل ما يحتاجه المسلم في حياته، وجمع فيها القرآن كله باختصار بديع، فجعل الحمد له وحده في السراء والضراء، وله الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأنه مالك يوم الدين، وحصر العبادة له والاستعانة لا تكون إلا به، وأمرنا بطلب الهداية منه والسير على صراطه المستقيم ومباينة غيره من السبل.

قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم

قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أشهد أن الله حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن النبيين حق، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم حق. أشهد أن الدين خالد، وأن الكفر خاسر، وأن محمداً خاتم. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. جئتُ هذه الليلة وأنا محمل بالشكر للواحد الأحد، الذي أسعد عينيَّ برؤياكم، وقلبي بحبكم، ثم أشكر لأهل الفضل فضلهم، وعلى رأسهم فضيلة الدكتور إبراهيم الهويمل الذي دعاني لهذه المحاضرة، وكان سبباً في هذا الحضور، وأشكر أخي وزميلي فضيلة الشيخ الداعية سعد البريك على هذه الكلمات المباركات. عنوان المحاضرة: (وقفات مع السبع المثاني) وقبل أن أعبر هذا البحر الخضم، والطريق الطويل أقف مع من أنزلت عليه السبع المثاني محيياً ومرحباً، وكلي لهفة له ولمنهجه، وأنتم كذلك. محمدٌ عليه الصلاة والسلام، إمام الأمة أستاذ الصحوة شيخ المسيرة، أحييه من بنات القريحة، فأقول له بين يدي السبع المثاني: محمدٌ في فؤاد الغار يرتجفُ في كفه الدهر والتاريخ والصحفُ مزمل في رداء الوحي قد صعدت أنفاسُه في ربوع الكون تأتلفُ من الصفا من سماء البيت جلله نور من الله لا صوف ولا خصفُ والكفر يا ويحه غضبان من أسف لم يبقه الحقد في الدنيا ولا الأسفُ ولا رأته سيوف كلها كبدٌ في صولة الحق والإيمان تنقصفُ أتى الرسول إلينا والربى جثث مطمورة وعليها يضحك القَرَفُ والمارد المجرم المعتوه محترمٌ جماجم الجيل في أسيافه نُطَفُ نأكل أموال موتانا وسهرتنا ليل الضياع وليل أحمرٌ دنفُ

فضل الفاتحة ووقفات مع آياتها

فضل الفاتحة ووقفات مع آياتها أيها الإخوة الفضلاء! الكلام في السبع المثاني إنما هو ملخصٌ للقرآن. {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:1 - 7] في هذه السورة قضايا: القضية الأولى: (الْحَمْدُ) لِمَن؟ ومن الذي يُحمد في السراء والضراء؟ حمدُ الله لذاته، وأفعاله، وأسمائه، وصفاته. القضية الثانية: (الله) لفظ الجلالة، وأقوال أهل العلم فيه، وأثر هذا الاسم في الخليقة. القضية الثالثة: (الْعَالَمِينَ) وما فيها من معاني. القضية الرابعة: (الرَّحْمَنِ الرَّحِِيم): لماذا صفة الرحمن وصفة الرحمة؟ وأثرهما في الإنسانية. القضية الخامسة: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وما سر العكوف على يوم الدين بالذات؟ وفيها قضايا: سقوط ملوك الدنيا في العرض الأكبر -أخنع الأسماء- أثر هذا الاسم في مشاعر المسلم. القضية السادسة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ملخص دعوته عليه الصلاة والسلام: العبادة تمنع الكبرياء، والاستعانة تمنع الرياء. القضية السابعة: (اهْدِنَا): ومعالم اهدنا في حياة المسلم، الهداية العامة والهداية الخاصة. القضية الثامنة: (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ): صفاته الخمس: قربه، اتساعه، استقامته، إيصاله للحبيب الإمام الذي يقود المسير على الصراط، وجود الإمام في أوله. القضية التاسعة: (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ): مَن هم الذين أنعم الله عليهم؟ وما هي صفاتهم؟ القضية العاشرة: (الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ): مَن هم المغضوب عليهم؟ ولماذا غضب الله عليهم؟ القضية الحادية عشرة: (الضَّالِّينَ): مَن هم الضالون؟ ولماذا ضلوا؟ وكيف نجتنب المغضوب عليهم، ونجتنب الضالين؟ تلكم هي أفكار هذا الدرس، وإن قصر الوقت، فعَلَّ الله أن يأتي بوقت آخر تُكْمَل فيه، أو يكْمِلُها أي داعية، أو يعاد لكتب أهل العلم، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق. سامحن بالقليل من غير عزم ربما أقنع القليل وأرضى

فضائل سورة الفاتحة وشرفها

فضائل سورة الفاتحة وشرفها افتتح الله عز وجل هذه السورة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] لماذا؟ قال أهل العلم: لأن الله عز وجل يُحمد في السراء والضراء، ولا يُحمد في السراء والضراء إلا الله، وكان عليه الصلاة والسلام يغتبط بسورة الفاتحة، ويفرح بالسبع المثاني، ويُسَر بها أيما سرور. ففي صحيح البخاري وأبي داود والنسائي وأحمد، عن أبي سعيد بن المعلى قال: {كنتُ أصلي مع الرسول عليه الصلاة والسلام فدعاني، فلم أجبه، فلما سلم أجبته، قال: لِمَ لَمْ تجبني؟ قال: كنتُ في الصلاة يا رسول الله، قال: ألم يقل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24]؟ ثم قال عليه الصلاة والسلام لأعلمنك أعظم سورة أنزلت عليَّ قبل أن تخرج من المسجد، فلما أراد أن يخرج من المسجد علمه السبع المثاني} التي معنا هذه الليلة. وعند مسلم وغيره، أنه عليه الصلاة والسلام قال: {قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: قَسَمْتُ الصلاة بيني وبين عبدي قسمين} يقصد: الفاتحة، فتسمى: الصلاة، وتسمى: الفاتحة، وأم القرآن، والشافية، والكافية، والسبع المثاني، والقرآن العظيم، بل عند أحمد والطبراني والدارقطني، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {أم القرآن، والسبع المثاني، والقرآن العظيم هي الفاتحة} {قال الله: قَسَمْتُ الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، إذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمٍ} [الفاتحة:3] قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال: مَجَّدني عبدي، وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي، وإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيْمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّيْنَ} [الفاتحة:6 - 7] قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل}. كان عليه الصلاة والسلام يسعد بالفاتحة أيما سعادة، ويعدها أشرف سورة في القرآن. وفي الحقيقة أن تفاصيل القرآن، وقضاياه, وقضايا الأمة وهمومها وأفكارها في هذه السبع الآيات. وعند أحمد في المسند بسند فيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد استشهد به الأئمة الكبار، عن عبد الله بن جابر الأنصاري قال: {أتيت الرسول عليه الصلاة والسلام وقد اهراق الماء، فقلت: السلام عليك يا رسول الله! فلم يجبني، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يجبني، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يجبني، فلما توضأ قال: عليكم السلام ورحمة الله، وعليكم السلام ورحمة الله، وعليكم السلام ورحمة الله، ثم قال:- أما رأيت آيات أنزلت عليَّ لم أر مثلهن، ثم تلا السبع المثاني}. تلكم هي الفاتحة، وكان عليه الصلاة والسلام يرى الفاتحة كنزاً، وقد بشره بها جبريل، فعند مسلم وغيره، من حديث ابن عباس، بل أصله عند البخاري: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً ومعه جبريل، فسمع نقيضاً في السماء، قال جبريل: هذا باب فتح نزلت منه سورة الفاتحة، وأواخر البقرة، لم تقرأ منهما بحرف إلا أوتيتَه}. والحقيقة: أنها شافية، وشفاؤها قسمان: - شفاء معنوي. - وشفاء حسي. فالشفاء المعنوي: أنها تشفي من الأفكار الدخيلة، والزندقة، والإلحاد. والشفاء الحسي: أنها تشفي كذلك من الأمراض الظاهرة، فعند البخاري ومسلم، من حديث أبي سعيد، في قصة الملدوغ الذي قرئ عليه الفاتحة مِن قِبَل أبي سعيد وغيره، وعند مسلم: أن أبا سعيد هو التالي، فلما رآه عليه الصلاة والسلام قال: {ماذا قرأت عليه؟ قال: قرأتُ عليه الفاتحة، فتبسَّم عليه الصلاة والسلام، وقال: وما يدريك أنها رُقية؟} أي: ما يدريك أن فيها شفاء، وأنها تزيل الأوهام والأمراض، والأدواء. تلكم هي الفاتحة، فمع الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]: في هذه الكلمة قضايا:

وقفات مع لفظ: (الحمد)

وقفات مع لفظ: (الحمد)

لماذا يحمد الله عز وجل؟

لماذا يحمد الله عز وجل؟ الله يمدح نفسه في السراء والضراء، ولا يُمْدَح أحدٌ في السراء والضراء إلا الله، وكان عليه الصلاة والسلام إذا أتاه أمر يسوءه قال: {الحمد لله على كل حال} لماذا؟ لأن الله عز وجل لا يُنْسب إليه الشر، فعند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {والشر ليس إليك}. فقضاؤه سُبحَانَهُ وَتَعَالى وقدره حكمة بالغة، فهي بالنسبة للقضاء والقدر خير، فلذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: {الحمد لله على كل حال}. ولما قَطع الله دابر المجرمين وأهلك الكافرين قال: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45]. واستفتح سُبحَانَهُ وَتَعَالى سوراً من القرآن بالحمد.

مواطن ذكر الحمد

مواطن ذكر الحمد والحمد يُذكر في ثلاث مواطن: -الأول: يُذكَر في السراء والضراء. -الثاني: يُذكَر إذا نفي العيب والوَصْم عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. -الثالث: يُذكَر عند الخلق والإنعام. قال سبحانه في أول سورة الأنعام، وهي سورة بُدئت بهجوم أدبي على المشركين، ردَّت على المشركين في مكة، وعلى المانوية العجم في الشمال، يقول سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]. قال بعض الفضلاء: ردَّت هذه الآية على طائفتَين: الأولى: طائفة المشركين: الذين جعلوا لله شركاء في حكم السماوات والأرض. الثانية: طائفة المانوية التي قالت: إن للكون إلهين، إله الخير وهو النور، وإله الشر وهو الظلمة. فأخبر سبحانه أنه هو الذي جعل الليل والنهار، وليست المانوية. وكانت المانوية ترى أن من قاتل في الليل لا ينتصر، وأن من طلب مطلباً في الليل لا يكسبه، فيقول المتنبي -وهذا من الاستطراد- يمدح سيف الدولة، يقول: فكم لظلام الليل عندك من يدٍ تحدث أن المانوية تكذبُ يقول: أنت تنتصر في ظلام الليل، وهذا ردٌّ على المانوية التي تقول: إنه لا يمكن للإنسان أن ينتصر في جنح الظلام، وأنت تنتصر وتدوس خصمك في ليالي الليل وتقطع جماجمهم. ولما ذكر الله بديع خلقه، استفتح بالحمد، فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر:1]. وكان عليه الصلاة والسلام -كما في صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري - كان يقول: {والحمد لله تملأ الميزان}. فأشرف الكلمات بعد (لا إله إلا الله): الحمد لله. ضاع فرس لـ جعفر الصادق، فقال: [[لئن وجدتُ الفرس لأحمدنَّ الله بمحامد ما حُمِد بمثلها فلما وجد فرسه، ركبه، وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]]]. ويقول الله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180 - 182] انظر كيف مَدَح وحَمِد نفسه في ختام هذه السورة لينفي الوصْم والعيب عنه تبارك وتعالى!! وعند أحمد وأبي داود والترمذي وغيرهم: أن الأسود بن سريع وفد على الرسول عليه الصلاة والسلام وكان شاعراً، فقال: يا رسول الله! عندي محامد، حمدت بها الله، هل أسمعك منها؟ يعني: قصائد حمدت الله فيها، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: {أمَا إن ربك يحب المدح} الله يحب المدح، فلذلك مدح نفسه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقدَّس نفسه، ونزه نفسه، ووصف نفسه.

أقسام الناس في حمد الله

أقسام الناس في حمد الله تفرقت الأمةُ أمام {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] على ثلاثَ فِرَق: الفرقة الأولى: كَفَرَت بالنِّعَم، ظاهراً وباطناً، لساناً وجَناناً وأركاناً، ولم تقبل حمد الله، ولم تثن بنِعَم الله على الله، واستخدمت نِعَم الله في معاصيه وفي محاربته، وهذه أخطر فرقة على وجه الأرض. هذه الفرقة ذُكِرَت في الحديث القدسي الذي رواه أحمد في كتاب الزهد بسند جيد: أن الله يقول في الحديث القدسي: {عجباً لك يا بن آدم! خلقتُك وتعبد غيري! ورزقتُك وتشكر سواي! أتحبَّب إليك بالنعم وأنا غني عنك! وتتبغَّض إليَّ بالمعاصي وأنت فقير إليَّ! خيري إليك نازلٌ! وشرك إليَّ صاعد} وهذا هو حال العبد. الفرقة الثانية: حمدت الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى باللسان، ولم تحمده بالأركان، أما الشكر فباللسان، تقول: الحمد لله، لكن المعاصي التي يفعلونها والمخالفات وانتهاك الحدود، ومحاربة الواحد الأحد تفضح ادعاءهم. والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياءُ والله عز وجل لم يقبل قولاً إلا بعمل، وهؤلاء ككثير من الأمة، يمدحون الله إذا أكلوا خبزاً وشربوا ماءً؛ ولكنهم يذهبون بهذا الخبز والماء في غير ما يرضيه، بل يتقوون به على معصيته. الفرقة الثالثة: المحمديون، الذين أثنوا على الله عز وجل فحمدوه باللسان والأركان والجَنان.

أركان الشكر عند المتكلمين

أركان الشكر عند المتكلمين أركان الشكر عند المتكلمين ثلاثة: الأول: حمد باللسان: أن تثني على الواحد الأحد بلسانك. الثاني: حمد بالأركان: أن تسخر أعضاءك في عبادة الله الواحد الأحد. الثالث: حمد بالجَنان: أن تعلم أنَّ مَن أنعم عليك وأعطاك وسلبك ومنعك ووهبك وأحياك وأماتك هو الله، وهذا استقرار لعظمة الألوهية في القلب.

الحمد والشكر والفرق بينهما

الحمد والشكر والفرق بينهما قرأت في بعض الكتب أن داوُد عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك؟ قال: يا داوُد! أتعلم أن النعم مني؟ قال: نعم. علمتُ يا رب! قال: فقد شكرتني، فجمع داوُدُ آلَ داوُدٍ! وقال: آتاكم الله النبوة والملك والعلم؛ فاشكروا الله، قالوا: وماذا نفعل؟ قال: تَجَزَّءُوا الليل ساعات وتَناوَبوا، كل ساعة يصلي فيها نفر، فقال الله: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]. فمهما فعل العبد، فإنه لا يصل ولا يفي بهذه المقامات الثلاث. فـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] في السراء والضراء، وفي الأثر: {نعم عبدي المؤمن! أبتليه بجسده، ويقول: الحمد لله}. وفي الإصابة لـ ابن حجر والاستيعاب لـ ابن عبد البر: أن عمران بن حصين أصيب بمرض، فمكث ثلاثين سنة، لا يرتفع عن فراشه، وكان يقول: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله رب العالمين، الحمد لله رب العالمين، فإذا قيل له: ماذا أصابك؟ يقول: الحمد لله رب العالمين. تموت النفوس بأوصابها ولم يَدْرِ عُوَّادها ما بها وما أنصفتْ مهجةٌ تشتكي أذاها إلى غير أحبابها وهذا مثل ما قال المتنبي: إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرحٍ إذا أرضاكم ألَمُ فإذا رضي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فهذا مما يُحْمد عليه في مواطن القضاء والقدر، وهي منزلة الصديقين عند الله عز وجل. وهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى محمود لذاته، فليس في صفاته صفات عيب، بل صفاته صفات كمال، فهو محمود لذاته جلَّ وعلا. قال الزمخشري: الفرق بين الحمد والشكر: " أن الشكر على صنيع، والحمد بغير صنيع ". فالحمد: أعم، سواءً قدم لك المحمود خيراً أو يداً أو عطية، فهو محمود، ولذلك تحمد الواحد الأحد. وأما الشكر: فإنه لا يكون إلا على صنيع، فلا تقل للإنسان: شكراً، إلا إذا أعطاك شيئاً، أو قدم لك خدمة. أما الله فهو محمود سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لصفاته، وأفعاله. محمود في أفعاله؛ لأن أفعاله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كلها خيرة، ولذلك لا يُنسب الشر إليه، ولما قالت الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الجن:10]: بَنَتْه للمجهول، وأتَتْ بنائب الفاعل، فما أحسن الكلام! يقول أحد المفسرين: عجيبٌ! حتى الجن يتذوقون اللغة! فلما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} [الجن:1] قال: عجيب! يعرفون أن القرآن عجيب! كيف تذوقوا اللغة؟! فتَعَجَّبُوا منه. وقال إبراهيم الخليل عليه السلام في القرآن الكريم: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء:78] فلما بلغ إلى المرض نسب المرض إليه، وإلاَّ فالممرض حقيقةً هو الله، فقال: {وَإِذَا مَرِضْتُ} [الشعراء:80] وهذا تأدب مع الواحد الأحد. والخليقة أقل الناس فيهم من يحمد الواحد الأحد، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] قال ابن الجوزي: أهل الإسلام أقل أهل الأرض، وأهل السنة أقل أهل الإسلام، وأقول هنا: والمخلصون أقل أهل السنة. وقد كانوا إذا عُدُّوا قليلاً فقد صاروا أقل من القليلِ ويحكى أن عمر كان في السوق، فسمع رجلاً من الأعراب يقول: [[اللهم اجعلني من عبادك القليل، قال عمر: مَهْ؟! -أي: ما هذا الدعاء؟ - قال: يا أمير المؤمنين! يقول الله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] فسألتُه أن يجعلني من القليل، قال عمر: كل الناس أفقه منك يا عمر]] بل أنت الفقيه، وأنت العالِم، وأنت الشيخ العظيم.

تفسير قوله: (الحمدلله رب العالمين)

تفسير قوله: (الحمدلله رب العالمين)

لفظ الجلالة وأقوال أهل العلم فيه

لفظ الجلالة وأقوال أهل العلم فيه (الله) لفظ الجلالة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أبى كثير من النحاة أن يكون مشتقاً، وقالوا: إنه جامد، وهو عَلَم على الله. وبعضهم قال إنه مشتق مِن: (أَلَهَ) إذا سكن، ولا تسكن القلوب إلا إلى الله، فقد جَرَّبَتِ القلوبُ أن تسكن إلى البشر فرفَضَتْ، جَرَّبَتْ أن تسكن إلى الكراسي فأبَتْ، جَرَّبَتْ أن تسكن إلى المناصب والسيارات والوظائف والوزارات والكيانات والأوسمة والمنظمات فرفَضَتْ وعصَفَتْ وأبَتْ وفَكَّتْ قِيادَها. إلى أين تسكن؟ إلى الله {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:36] فكل هذه الكيانات كمثل بيت العنكبوت، وبقي الله وحده تسكن إليه القلوب، فقالوا: إذاً الله مِن (أَلَهَ). وقال بعضهم: إنه مشتق مِن: (وَلهَ) أي: تحير، فتتحير وتندهش من الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وقدرته وعظمته، ولا تستطيع أن تصفه، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. سيبويه في كتابه العظيم الكتاب عندما وصل إلى كلمة (الله) قال: الله عَلَم لا يحتاج إلى تعريف. يقول ابن يعيش في ترجمته لـ سيبويه: رؤي في المنام، فقيل: يا سِيْبَوِيْه! ما فعل الله بك؟ -ويطلق عليه المحدِّثون: سِيْبَوْيَة، والنحاة: سِيْبَوِيْه- قال: غفر لي، قيل: بماذا؟ قال: بكلامي في لفظ الجلالة. ورأيتُ ابن القيم في مدارج السالكين نسب كلمات إلى شيخه ابن تيمية رحمهما الله يقول: إن الله دليلٌ على الكائنات، وليست الكائنات دليلٌ على الله. والحقيقة: أن القول الظاهر عند أهل السنة والجماعة: أن الكائنات دليلٌ على الواحد الأحد سبحانه! والنحلُ قُل للنحل: يا طير البوادي ما الذي بالشُّهد قد حلاَّكا وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله: كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا فالحمد لله الكريم لذاتهِ حمداً وليس لواحدٍ إلاكا فكل الخليقة تدل على الواحد الأحد. وهذا كتاب الكون، يقول إيليا أبو ماضي -قبحه الله- وقد أجاد في هذا البيت: وكتابي الفضاء أقرأ فيه سوراً ما قرأتها في كتابِ ونحن نأخذها ونقول: نعم. لأن الأمي الذي كان في الغار قيل له: {اقْرَأْ} [العلق:1] فأين شيخه؟ وقيل: {اقْرَأْ} [العلق:1] فأين أستاذه؟ وقيل له {اقْرَأْ} [العلق:1] فأين سبورته وطباشيره؟ يقرأ أين؟ قيل له: اقرأ في الكون، في السماء المرتفعة، والنجوم الساطعة، والشمس اللامعة، واقرأ في الشجرة، وفي التل، والهضبة، فقرأ: اقرأ فأنت أبو الأيتام رائده من كل جيلك كل الجيل يغترفُ إن لم تصُغْ منك أقلامٌ معارفها فالظلم ديدنها والزور والتلفُ فقرأ وأقرأ الأمة، فأصبحت قارئة عليه الصلاة والسلام.

أثر كلمة (رب) على الخليقة

أثر كلمة (رب) على الخليقة وأما {رَبِّ} [الفاتحة:2] فأثرها على الناس: أنه ربانا بالنعم، فهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى المنعم على الكافر والمؤمن: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6] وقال صلى الله عليه وسلم: {ولو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء} حديث صحيح. ينعم عليهم ويكسوهم ويغدقهم وهم يحاربونه أغدق عليهم العقول، وهم ينحتون العقول لمحاربة وتكذيب الوحي، خلق لهم أفكاراً وشعراً وأدباً ونثراً، فجعلوا الشعر والأدب والنثر محاربة لـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].

لفظة (العالمين) وما فيها من معان

لفظة (العالمين) وما فيها من معان أما (العالمين) فأنا أجتزئ الكلام، ولا أدخل في انشقاقات لغوية، مثل: (علامة). ومن أحسن من تحدث فيها ما قاله الزمخشري، ولو أنه معتزلي غير محمود؛ لكنه داهية في اللغة، قال: والعالمون علامة على وجود الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالى. قال سفيان بن عيينة في تفسير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام:38]: [[هذه الحيوانات تشابه الناس، والناس يشابهون الحيوانات، فما من إنسان إلا وفيه شبه من حيوان، إما حَسُنَ أو قَبُحَ، وكلهم يدلون على الله، فهم عالمون]]. وأستطرد فأقول: من الناس من يشابه الخيول، وهي أجود ما تشابَه. قال ابن القيم: وهي أجود الحيوانات. ويقول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة}. فمن الناس مثل الفرس: وهو الرجل الشهم الأصيل صاحب المبادئ. ومن الناس مثل الضأن: وقد مدحها صلى الله عليه وسلم, وفيها السكينة، والوقار، والهدوء، وذكر صلى الله عليه وسلم أنها من أحسن ما يكون من الحيوانات. ومن الناس مثل البقر: لا يفهمون أبداً، ولا يعون، {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:179] قال الله لبقر بني إسرائيل، وهم بقر: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67] وهذه تسمى: (عقدة البقرة) قال ابن عباس: [[لو أخذوا بقرة وذبحوها أغنت]] ولكن قالوا: كم رقمها؟ وكم سنها؟! وما لونها؟ وهاتفها؟ فبقوا في تحدٍّ للواحد الأحد حتى طلسم عليهم فاشتروها بملء جلدها ذهباً، فقال تعالى على لسانهم: {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:70]. روى البغوي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {والذي نفسي بيده! لو لم يقولوا: إن شاء الله ما وجدوها} ولذلك تعنتوا على الوحي. ومن الناس مثل الطاووس: وهذا أمام {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] ظاهره جميل وليس عنده في الداخل شيء، بل كله رياء وسمعة وتبجح؛ فهذا لا يقدم ولا يؤخر. لا بأس بالقوم من طول ومن قصرٍ جسم البغال وأحلام العصافيرِ ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى في هذا الطراز: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4]. شعراء، أدباء، ينحتون الفكر، وتصفق لهم الجماهير، ولكن -والله- أجهل عامي أقرب إلى الله منهم! وإن العامي يقدم رأسه لترتفع {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وإن هذا الأديب والشاعر والكاتب، يهتز وينهار أمام كأس من الخمر، أو ليلة سكر، أو موسيقى حالمة في ظلام الليل، فانظر إلى هؤلاء من جواهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، المجدد والإمام والأصيل أنه يقول: عامي موحد يغلب ألف مُخَلِّط. وهؤلاء المُخَلِّطون هم النخبة المثقفة صراحةً، ولا أستطرد فسوف يأتون في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]؛ لأنهم ينهارون عند {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].

تفسير قوله: (الرحمن الرحيم)

تفسير قوله: (الرَّحْمَنِ الرَّحِِيمِ) ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِِيمِ} [الفاتحة:3]. كيف اختار الاسمين لصفتين؟ ولم يقل: الجبار، ولا القهار؟ وذلك ليطمئن القلب في أول استفتاح القرآن، ولذلك ترى القرآن بدأ بسورة الفاتحة، ففيها الجمال، والتهدئة، والسكينة؛ لكن ادخل قليلاً إلى سورة البقرة تنظر إلى النسف والإبادة، كقوله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]. قال صاحب الظلال: " لا بد من هذا النسف والإبادة في أول سورة البقرة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يعيش معالم لا بد أن يؤسسها في الأرض، وقبل هذه المعالم هذه العثرات من بني إسرائيل. "

معنى (الرحمن الرحيم)

معنى (الرحمن الرحيم) (الرَّحْمَنِ) أي: الممتلئ رحمة، يقال للرجل الممتلئ غضباً: غضباناً، وللمتلئ ندماً: ندماناً، وللممتلئ خزياً: خزياناً، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الرَّحْمَنِ} [الفاتحة:3]. قال عيسى عليه السلام، كما في الإحياء أي: "رحمان الدنيا ورحيم الآخرة. " وقالوا: الرحمن: للكفار وللمؤمنين، فرحمته واسعة رحم الكافر: أسقاه، ومهَّله، ولم يأخذه ورحم الناس: فلم يُقِمْ عليهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى طلباً حتى أقام عليهم الحجة، وأعذرهم بالرسل، كما قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33]. ولذلك يقول أهل العلم: "لم يخلق الله خلقاً إلا لحكمة ورحمة، فلا يُعْتَرَض على خلقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. "

أثر (الرحمن الرحيم) على الإنسانية

أثر (الرحمن الرحيم) على الإنسانية الفلاسفة لهم مقالة مفادها: لماذا خلق الله الذباب؟ وهذا ابن ابن الراوندي ألف كتاب الدامغ على القرآن -دمغ الله رأسه في نار جهنم- يسميه الذهبي: الكلب المعفَّر، والناس هذا يسمونه: فيلسوف الإسلام، والإسلام منه بريئ، ثوبه مشقوق، وهو صاحب الأبيات التي يقول فيها: أيا رب تخلق أغصان رندٍ وألحاظ حورٍ وكثبان رملْ وتنهى عبادك أن يعشقوا أيا حاكم العدل ذا حكم عَدْلْ؟ أستغفر الله! هذا الكلب المعفَّر وقف على نهر دجلة وعنده قرص شعير يريد أن يأكله، فمر خادم من خدم الخليفة، وعنده خيل وجمال وبقر، فالتفت إلى السماء وكأنه يخاطب الله، وقال: أنا الفيلسوف -فيلسوف الإسلام -تعطيني كسرة خبز من شعير، وتعطي هذا العبد الخيول!! ثم رمى بالكسرة في النهر. هذا الكلب يقول: لماذا خلق الله الذباب؟ وهذا السؤال عرضه أبو جعفر المنصور على ابن السماك، واعظ الدنيا وأبو جعفر - كما قال الإمام أحمد - يذبِّح الملوك كتذبيح الغنم، فقد ذبح أعمامه، وذبح أبا مسلم الخرساني، فلا يقاومه أحد إلا ذبحه بيده. فيذكرون أن أبا جعفر كان جالساً في اجتماع، جمع فيه العلماء والوعاظ والوزراء والأمراء، وكان أبو جعفر خطيب الدنيا، فلما جلس دخل ذباب في المجلس وأزعجه فخَنْخَنَ عليه في ديوان القصر، فضاقت به الدنيا؛ لكن أراد الله أن يهين أبا جعفر؛ فلما هبط على أنفه، قال: يـ ابن السماك! لماذا خلق الله الذباب؟! قال ابن السماك ليذل به أنوف الطغاة. وهذا من أحسن ما يقال، وما أملحه! ولا شُلَّ لسانُه ولا شُلَّتْ يمينُه. دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوسِ فالمقصود: أن لله في أفعاله حكم بالغة، لا يعترض عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك قال: {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:41] أي: توقيعه الأخير، وحكمه النهائي، ولا أحد يُوَقِّع بعده، قال سبحانه: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقَاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:115] ويقول ابن كثير في تفسيره، وهذا من أحسن ما يقال! قال: (صِِدْقَاً): في الأخبار، و (عَدْلاً): في الأحكام. أما (الرحيم) فرحمته بالمؤمنين خاصة {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43] وهذا بخلاف (الرَّحْمَنِ) التي تشمل الناس جميعاً.

تفسير قوله: (مالك يوم الدين)

تفسير قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) في هذه الآية ثلاث مسائل:

في يوم الدين لا مالك إلا الله

في يوم الدين لا مالك إلا الله يقول أبو جهل: " يا محمد! تهددنا بالزبانية، لآتين بقريش معي" أي: يوم القيامة يخرج من القبر ومعه قريش، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) [مريم:93 - 95] اسمع الرد الأدبي! لأنه ليس هناك حرس، ولا موكب، ولا ضباط، ولا رواد، ولا جنود، ولا استخبارات كما قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً} [مريم:93 - 94] فلا يضيع أحد بين الجماهير. يقول بعض المُوَسْوِسِين: يوم القيامة تزدحم الخلائق، إما أن نفر من هنا أو من هنا، أو نتأخر! ولم يعلم أن الله لا يغيب عنه أحد {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) [مريم:94 - 95] أي: وحيداً يحاسبه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وفي الصحيح: {إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا أخذ السماوات والأرض بيديه قال: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ فلا يجيبه ملك مقرب ولا نبي مرسل، لكن يجيب نفسه بنفسه، فيقول: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أين ملوك الدنيا؟ أين ملوك الدنيا؟ أين ملوك الدنيا؟}. وفي حديث أسماء بنت يزيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إذا جمع الله الأولين والآخرين نادى: يأيها الناس! إني وضعتُ نَسَباً ووضعتم أنساباً، فرفعتم أنسابكم ووضعتم نسبي، فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم، قلتُ لكم: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] فقلتم: أكرمنا فلان بن فلان} انتهى الحكم لله الواحد القهار، فهو الذي يحكم سبحانه، فالصراط صراطه، والميزان ميزانه، والجنة جنته، والنار ناره، ولا معقب لحكمه، قال جل شأنه: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54].

أخنع الأسماء: ملك الملوك

أخنع الأسماء: ملك الملوك إن الملوك وهم الذين يجعلون لأنفسهم رموزاً وألقاباً يقدسهم البشر بها. يا صاحب المبدأ الأعلى وهل حَمَلَتْ روح الرسالات إلا روح مختارِ أعلى المبادئ ما صاغت لصاحبها من الهدى والعلا تمثال تذكارِ وهذا كما فعله عليه الصلاة والسلام، أبى الشموع واللموع والسطوع في الدنيا، وأبى أن يقدس ويرفع فوق منزلته التي أنزله الله إياها. أتاه وفد عامر بن صعصعة - كما صح ذلك - فقالوا: أنت أفضلنا وسيدنا وأفضلنا فضلاً وخيرنا، قال: {يا أيها الناس! قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان، إنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله} صلى الله عليه وسلم، كلما زاد تواضعاًَ تعلقت به القلوب أكثر، فجعله الله أشرف الناس. ملك الملوك: أخنع الأسماء عند الله يوم القيامة -كما في الصحيح- قال سفيان بن عيينة: كمثل شاهٍ شاه، وقاضي القضاة، وسلطان السلاطين، ورب الأرباب لا مالك إلا الله، وأقضى القضاة وقاضي القضاة الله، والحاكم على كل حاكم الله، فأوسمة الأرض تنهار، لأنها خلقت من الطين، أما المواهب والأعطيات من الله فسوف تبقى لأهلها.

أثر اسم (يوم الدين) في مشاعر المسلم

أثر اسم (يوم الدين) في مشاعر المسلم إذا علم المسلم أن هناك يوم الدين رَضِيَ وسَلًّم، فالجراحات، والآهات، والأحزان، والدموع، والمظالم، والمال الذي اغتُصِب، والجلود التي ضُرِبت بسياط الظلم، والكرامة التي دِيْسَت، والإنسانية التي احتُقِرَتْ، وحقوق الإنسان، وكرامة المؤمن، وحقه في الحوار، وحقه في الكلمة يمكن ألا يحصل له شيء من هذا في هذه الدنيا، متى يحصل له؟ يوم العرض الأكبر. دمع الليل، وسهام السَّحَر، ودعاء المظلوم، وزفرات المحسور، كلها تُنْصَف يوم العرض الأكبر. كتب أبو العتاهية للمهدي وهو في السجن، عندما سجنه المهدي، قال: أما والله إن الظلم شينٌ وما زال المشين هو الظلومُ إلى ديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصومُ فالمتصف بـ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) هو الله، فإنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي ينصف أولياءه وأحبابه.

النظرية الوجودية

النظرية الوجودية يقول الناس: إن الذي اكتسبها هو الأستاذ الألماني المستشرق: كانت. والصحيح: أن الذي اكتسبها هو المغيرة بن شعبة، وهذا مذكور في السير، وفي دلائل النبوة. يقول كانت: إن هذا الكون مسرحية، ودوره الأول: هو الدنيا، والدور الثاني: لم يأتِ؛ لأنه لا بد من دور ثانٍ. فإنا نرى في المسلسل الأول للمسرحية أن هناك ظالم ومظلوم، ثم يموت الناس، فلماذا لا يُنْصف المظلوم؟ قال: لا بد من دور ثانٍ يُنْصف فيه المظلوم. يقول المغيرة بن شعبة: لما رأيت الناس يموتون وينتهون، علمتُ أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سوف يبعثهم في يوم آخر لينصفهم، فكان ذلك مما دعاني إلى الدين، وإلى الدخول في الإسلام، لأن هذا (مالك يوم الدين). فيا أيها المظلوم! ويا أيها المتحسر! ويا أيها الباكي! ويا أيها المندوب! ويا أيها المجروح! انتظر (مالك يوم الدين) قال عمر: [[والله لولا أن هناك يوماً آخر لكان غير ما ترون]] والمعنى: لكان بطش القوي بالضعيف، وأكل الظالم المظلوم، واستُبِيْحَت أعراض ودماء الناس؛ ولكن موعدنا ذاك اليوم {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. آخر مقالة قالها سعيد بن جبير للحجاج لما سل السيف عليه، بعد المناظرة الحارة الساخنة بينهما: [[يا حجاج، لا إله إلا الله محمد رسول الله، خذها يا حجاج حتى تلقاني بها غداً]] متى غداً؟ يوم العرض الأكبر.

تفسير قوله: (إياك نعبد وإياك نستعين)

تفسير قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) هذه الكلمة العظيمة الهائلة.

(إياك نعبد وإياك نستعين) ملخص دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ملخص دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام قال الحسن البصري، كما عند ابن ماجة: [[أنزل الله مائة وأربعة عشر كتاباً، جمعها في التوراة، والإنجيل، والزبور، ثم جمعها في القرآن، ثم جمعها في المفصل، ثم جمعها في الفاتحة، ثم جمعها في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]]]. فـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] هي سر دعوته عليه الصلاة والسلام، وملخص رسالته. من هو الملك الذي كانت رايتُه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]؟ هذا هو محمود بن سبكتكين، المسلم الساجد لله، فاتح بلاد السند، وما وراء سيحون وجيحون والهند كانت رايته التي يرفعها، والعَلَم الذي يمشي به في الجيش، كانت رايته مكتوب عليها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. ولما قال له ملك الهند: يا محمود بن سبكتكين! خذ الأصنام من ذهب فاستشار مولاه وخادمه إياز، قال: ما رأيك نأخذ الأصنام؟! فقال: كسرها، وأحرقها، أتريد أن تدعى يوم القيامة: يا مشتري الأصنام؟ كسرها ليدعوك الله: يا مكسر الأصنام، فقام عليها محمود بالفأس هو وجيشه، فحياه محمد إقبال بالقصيدة المشهورة، فمن أبياته قال: كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا محمود مثل إياس كل منهما لك بالعبادة تائب مستغفرا يقول: المولى والسيد عندنا سيان بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] كلاهما قاتلوا من أجلك، ورفعوا دعوتك، ودينك، واستماتوا لترتفع رايتك. (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فيها مسائل:

مسائل وأحكام من قوله: (إياك نعبد وإياك نستعين)

مسائل وأحكام من قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) انظر! كيف قدم الضمير (إِيَّاكَ) لتنحصر العبادة لله وحده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولم يقل: نعبد إياك. ومن مسائل هذه الآية: أنها تمنع الكبرياء والرياء، قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: العبادة تمنع الكبرياء، والاستعانة تمنع الرياء. وهذا صحيح، فإن من سجد لله في الصلوات، ووضع جبينه على الأرض، يمنعه الله من الكبر في العموم الغالب، ومن استعان بالله منعه الله سبحانه وتعالى من الرياء.

حال الناس أمام (إياك نعبد وإياك نستعين)

حال الناس أمام (إياك نعبد وإياك نستعين) إن الناس، أو الخليقة، أو الأمم، أمام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أربع فِرَق: الفرقة الأولى: مَن عبدوا الله عز وجل، واستعانوا به، وهم: المحمديون الربانيون الموحدون، أجدادكم أنتم، وأهل الطلائع أهل الصحوة، والمسيرة المباركة، الذين عبدوا الله واستعانوا به، نسأل الله أن يجعلنا منهم. الفرقة الثانية: مَن عبدوا الله عز وجل واستعانوا بغيره، وهولاء: مثل عصاة الأمة، وظلمة الموحدين، وهؤلاء {خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} [التوبة:102] وهذا من ذنوبهم وخطاياهم. الفرقة الثالثة: مَن عبدوا غير الله واستعانوا بالله، وهؤلاء: مثل المشركين، الذين يعبدون غير الله، {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [العنكبوت:65] يستعينون -فقط- بالله، ويعبدون غيره. الفرقة الرابعة: مَن لا يعبدون الله، ولا يستعينون به، وهم: الملاحدة والزنادقة {عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة:161]. فانظر لنفسك أين تضعها من (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ولابد أن تضع نفسك عند أحد هذه المراتب.

شرف العبودية

شرف العبودية أشرف شيء عبودية الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. يقول شيخ الإسلام رحمه الله كما في المدارج: " من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية. " وقال أهل العلم: " أقرب الطرق إلى الله العبادة. " وكتب عمر لـ سعد بن أبي وقاص: [[يا سعد! لا يغرنك قول الناس: إنك خال الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، إن أقربهم عند الله أتقاهم]] {أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد} {ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه} {أعِنِّي على نفسك بكثرة السجود} {إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة}. القرب القرب العبادة العبادة، لا قرب آخر لا المال، ولا الولد، ولا المنصب، لا قرب من الواحد الأحد إلا بالعبادة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5]. أما شرف العبودية: فاسمع إلى الله وحين ذكر عبده في أشرف المنازل. فيقول في الإنزال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:1]. ويقول في الدعوة: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19]. ويقول في الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1]. مرت عجوز كبيرة في السن، وتعريف العجوز: هي من احدودب ظهرها، ويبس بطنها، وجفَّ شعرها، واحضَوْضَلَت عيناها. تريد عجوزٌ أن تعود فتيةً وقد يبس الجنبان واحدودب الظهرُ تسير إلى العطار تبغي شبابها وهل يصلح العطار ما أفسد الدهرُ؟ مرت بالرسول عليه الصلاة والسلام فقالت: إنه يأكل كما يأكل العبد، ويجلس كما يجلس العبد. فقال: {وهل هناك عبد أعبد مني} عليه الصلاة والسلام، نعمْ. أنت العبد صراحةً، وأنت الذي أخرج العبيد من ظلم العبيد، إلى عبادة رب العبيد، كنا عبيداً قبل أن نبعث، وكانت الأمة في عداد الحيوانات، ولا أقول بتلك الأمة التي أكرمها الله؛ لأنها قبل الرسالة يوم كانت مشركة كانت في عداد البهائم، حتى جاء سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بهذا الرسول عليه الصلاة والسلام، فرفع رءوسها، فأصبحت عابدة لله، فأعتقها، فلم تتعبد إلا له، إلا من شاء أن يكون عبداً لآخر. ولذلك كان عمر بن الخطاب يرفض عبودية العبد للعبد، فعبودية العبد للعبد حرام بالإجماع. ففي مصر: كان محمد بن عمرو بن العاص ابن أمير مصر يتسابق ذات يوم مع قبطي مصري، فسبق القبطي فرس الأمير، ويجوز عند أهل العلم أن يسبق فرس بعض الناس فرس الأمير، فسبق هذا الفرس، فنزل محمد ابن الأمير فلطم القبطي كفاً، فقال له القبطي: [[والله لأرفعنك إلى أمير المؤمنين، قال: اذهب، فذهب إلى عمر، وقال: ضربني كفاً وأريد أن تنصفني، قال عمر: مَن ضربك؟ قال: محمد بن عمرو، فأخبره القصة، فاستدعى عمرو بن العاص وابنه محمد، فلما قدما كان الصحابة جلوساً، قال عمر: والله لا يحول بيني وبينهما اليوم أحد، ثم أخذ الدرة، فأخذ محمداً فبطحه، ثم جاء على عمرو بن العاص فوضعه عليه، ثم ضربهما بالدرة، وقال: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!]] من أين هذا؟ لماذا تُبْطَل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] لماذا تلغى (لا إله إلا الله)؟! لماذا تلغى قداسة الإنسان، وقيمته، ومعنويته، وكلمته، ودمه، ودموعه؟! هذه مصداقية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] في حياة عمر. كهنوت التصوف ينهار أمام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. الدروشة، واتخاذ المشايخ آلهة، ورسل من دون محمد صلى الله عليه وسلم، هذه من مذهب غلاة التصوف، وهي أن يُنَصَّب شيخ، فيفرِض ويسُن ويُحَلِّل ويحرم من كيفه، وهذا هو الجهل الذي وقع بالأمة، وسوف يأتي ذلك في تفسير (الضَّالِّينَ) وتأتي النخبة المثقفة العلمانية في (الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ). لكن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] تلغي على هؤلاء أغراضهم، ولذلك لا يحب الصوفية قراءة القرآن، ولا يحرصون على علم الحديث، لكن عندهم رقص، وليلة سهر، وتصفيق، وليلة مولد، يقف منشدهم فيقول -واسمع النشيد الذي يعارض {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]- يقول: يا رسول الله! يا من ذكرهُ في نهار الحشر رمزاً ومُقاما فأقل لي عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما ويقول أحد الصوفية: نحن نأخذ علمنا من الرزاق، لا من عبد الرزاق؛ لأن أهل السنة يقولون: حدثنا عبد الرزاق. قال ابن القيم: والله الذي لا إله إلا هو لولا عبد الرزاق وأمثال عبد الرزاق ما عرفتم الخلاق! وقالوا:: [علمكم علم الورق، وعلمنا علم الخرق] علم الضلالة والمرقَّعات والخفافيش. ولا علم إلا علم محمد صلى الله عليه وسلم. {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] تلغي عصمة الأئمة عند الضُّلاَّل -الأئمة الاثني عشر- فجعلوهم كاثني عشر رسولاً، بل جعلوهم في بعض المقالات أعظم من رسل الله عز وجل. وليس هناك رسول خاتم إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو خاتم الرسل، وهو المعصوم. فـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ترد عليهم. و {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] يقف أمامها الشهوانيون أهل الكأس، والمرأة الخليعة، والمجلة، والسهرة، والضياع، والأماني المتساقطة، والشبهات، واللهو، يقفون أمامها حيارى، ولذلك لا يريدون {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]؛ لأنها تلغي ما يمكن أن يقيموه من كيان، أويقيموه لأنفسهم من شهرة.

وقفات حول كلمة (اهدنا)

وقفات حول كلمة (اهدنا) في كلمة {اهْدِنَا} [الفاتحة:6] ست مسائل: المسألة الأولى: الهداية العامة والخاصة. المسألة الثانية: هداية الدلالة والتوفيق. المسألة الثالثة: طُرُق الهداية. المسألة الرابعة: كيف يطلب عليه الصلاة والسلام الهداية؟! وهو المهتدي، بل وهو الهادي صلى الله عليه وسلم. المسألة الخامسة: الهداية المجملة والمفصلة. المسألة السادسة: حاجة الأمة والفرد إلى الهداية.

الفرق بين الهداية العامة والهداية الخاصة

الفرق بين الهداية العامة والهداية الخاصة أما الهداية العامة: فهو أن الله عز وجل هدى الناس جميعاً -الكافر والمؤمن- إلى هداية عامة، وهذه الهداية مَهْدِي بها حتى الحيوان. فالهداية العامة أمر مشترك. فالتبيع -ولد البقرة- إذا ولدته أمه رضع من ثديها، والطفل إذا ولدته أمه رضع من ثديها، والنحلة تذهب فتأخذ رحيق الزهر من على بُعد عشرات الأميال ومئات الكيلو مترات وتأتي إلى الخلية، وهدى النملة أن تأخذ الحب فتدخره في الصيف للشتاء، فمن هو الهادي؟ إنه الله، ويُسَمى هذا: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] وهذا موسى عليه السلام وذلك حين سأله فرعون، وقال له: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49]؟ قال الحسن البصري: [[كان فرعون طياشاً]] لأن المجرم هو الذي بدأ بالسؤال، وإلاَّ فالواجب أن يترك الضيف ليتكلم؛ لأن من عادة الناس أن القادم يتكلم أولاً، أما أنك تلقي عليه الأسئلة، أو محاضرة، فهذا من السفاهة، والسخف {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49]؟ موسى ألهمه الله وعنده ترجمان؛ لكن أعطاه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فصاحةًَ معنوية، فلو قال: ربي العالِم، لقال فرعون: وأنا عالِم؛ لأن العلم قدر مشترك، ولو قال: الحكيم، لقال: وأنا حكيم، ولو قال: الحليم، لقال: أنا حليم؛ ولكن قال: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] قال الزمخشري: لله دره من جواب! كيف لكمه على وجهه!! ولذلك سكت وانتقل إلى سؤال آخر: من الذي أعطى كل شي خلقه ثم هدى؟ هل يستطيع فرعون أن يقول: أنا أعطيت كل شيء خلقه ثم هديت، لا. فهما صفتان اثنتان تختصان بالواحد الأحد لا توجد في غيره، فـ {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54] هذه في الله الواحد الأحد. انظر لتلك الشجرةْ ذات الغصون النضرة من الذي قومها حتى استقامت شجرة ذاك هو الله الذي قدرتُه مقتدرة ذو قدرة باهرةٍ وحكمة منتشرة تقرأ {اهْدِنَا} [الفاتحة:6] في النحل حكمته، وفي النمل، والبستان، والحديقة والصحراء، والسماء والأرض. وأما الهداية الخاصة: فهي للمؤمنين المهتدين إلى الخير خاصة.

الفرق بين هداية الدلالة وهداية التوفيق

الفرق بين هداية الدلالة وهداية التوفيق أما هداية الدلالة: فهي للرسول عليه الصلاة والسلام. وميزتنا أن لنا على الصراط هادٍ يهدينا، والصراط صراطان: صراط هنا في الدنيا، وصراط هناك في الآخرة. فالصراط هنا: طوله من هنا إلى الجنة أو إلى النار، وفيه كلاليب، وكلاليبه: الشهوات، والشبهات. والصراط هناك: كما في الأثر: {طوله شهر، أحد من السيف، وأدق من الشعرة، وأحمى من الجمرة، على متن جهنم، فيه كلاليب} وكلاليبه: مثل شوك السعدان، فمن تخطفته كلاليب الشهوات والشبهات في صراط الدنيا تخطفته الكلاليب في صراط الآخرة. والناس على الصراط الأخروي مثلهم على الصراط الدنيوي، والله المستعان. فإن مِن الناس مَن تختطفه الشهوات فتخطفه هناك، ومنهم من تخطفه الشبهات فتخطفه هناك، ومنهم من يسلم قليلاً فيصبح ساعياً، ومنهم من تخدشه فيُجْرَح ويَنْجُو، ومنهم من يُكَرْدَس في جهنم. والرسول صلى الله عليه وسلم وصف الناس هناك كوصفهم هنا، فقال: {منهم من يمر على الصراط كلمح البصر، ومنهم كالبرق، ومنهم من يسعى، ومنهم من يمشي، ومنهم من يحبو، ومنهم المخدوش الناجي، ومنهم المكردس على وجهه في النار}. فالناس على الصراط هناك مثل ما هم على الصراط هنا. قيل في الرسول عليه الصلاة والسلام: في كفك الشهم من حبل الهدى طرفٌ على الصراط وفي أرواحنا طرفُ ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله في وصف الصراط المستقيم: أنه يحمل خمس صفات: الأولى: قربه. الثانية: اتساعه. الثالثة: استقامته. الرابعة: إيصاله للمقصود. الخامسة: وجود الإمام في أوله. وقصدي: أن الذي يدل على هذا الصراط محمد صلى الله عليه وسلم. يقول أحد الشعراء، يمدح الرسول عليه الصلاة والسلام: إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا أدلجنا: أي: مشينا في الليل. فإما حياة نَظَّم الوحيُ سيرَها وإلا فموت لا يسر الأعاديا رضينا بك اللهم رباً وخالقاً وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا فالإمام -إمام الصراط- هو محمد صلى الله عليه وسلم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]. والله على صراط مستقيم، قال أهل العلم: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:56] فهو سبحانه على صراط مستقيم، ورسوله على صراط مستقيم. وفُسِّرَ (الصِرَاطٍ المُسْتَقِيمٍ): بالقرآن, وفُسِّرَ أيضاً: بالإسلام، وفُسِّرَ كذلك: بمحمد صلى الله عليه وسلم. قال أبو العالية: [[الصراط المستقيم: محمد وصاحباه]]. قال الحسن البصري: [[صَدَقَ ونَصَحَ]]. والصحيح أن الصراط المستقيم: هو الإسلام، والقرآن، ومحمد صلى الله عليه وسلم، وهو النور كل النور. وأما هداية التوفيق: فلا يملكها إلا الواحد الأحد. يربى الشاب في بيت شيخ علم من علماء الدنيا، فينشأ الشاب مارداً فَتَّاكاً لصاً مجرماً مروِّج مخدرات. وينشأ الشاب في بيت المجرم المروج للمخدرات فإذا هو ولي من أولياء الله، كأبناء الصحابة. فمن الذي أهدى وأغوى؟ إنه الواحد الأحد {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56]. فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرعون مؤمن فموسى (السامري) رباه جبريل فكفر، وموسى رباه فرعون فأصبح رسولاً. فالهادي هو الواحد الأحد.

طرق الهداية

طرق الهداية طرق الهداية لا تكون إلا بالشريعة والرسل عليهم الصلاة والسلام. يقول أبو المعالي الجويني: طرق الهداية: النظر والاستدلال. وقد ذكر هذا ابن حجر صاحب فتح الباري، فرد عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله في الحاشية، فقال: لا. لا النظر ولا الاستدلال، بل قول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ومتابعة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول لله}. نَظَرُ في ماذا؟ واستدلالٌ في ماذا؟ يقصد: أن تفكر، وأحياناً قد يستغني بعض المتكلمين والمناطقة بالتفكير بالعقل، أي: أن تفكر بعقلك، فما يُقَبِّحْه العقل قَبِّحْه، وما يُحَسِّنْه حَسِّنْه. يقول الجويني في تفسير قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] يقول: ما حرَّمه العقل وقبَّحه حرَّمه، وما حسَّنه العقل واستملحه حلَّله. وهذا خطأ، بل عليه الصلاة والسلام مُشرِّع من عند الله، لا ينطق عن الهوى.

كيف يطلب عليه الصلاة والسلام الهداية؟!

كيف يطلب عليه الصلاة والسلام الهداية؟! كان النبي صلى الله عليه وسلم دائماً يقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيْمَ}. والصحيح عند العلماء: أن هناك درجة في الجنة مرتفعة، هي مجلس واحد لرجل واحد، وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك ندعو له بعد كل صلاة: {اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته} وزاد البيهقي زيادة حسنة: {إنك لا تخلف الميعاد}. فهذه الدرجة العالية، هي درجة الهداية التي يريدها النبي صلى الله عليه وسلم وقد وصل إليها. وقال بعض الفضلاء: بل طرق الهداية بعدد الأنفاس، فهو يطلب عليه الصلاة والسلام أن يهديه الله كل الطرق. وقال بعضهم: يحتاج المسلم والمؤمن في كل نفسٍ من أنفاسه إلى هداية خاصة من الله، لهذا فهو يطلبها عليه الصلاة والسلام. وأنتَ كل يوم تطلب الهداية، لأنك وأنتَ إما أن تتقدم أو تتأخر، ولا تستقر على حالة {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:37]. قال شيخ الإسلام رحمه الله: العبرة بكمال النهايات، لا بنقص البدايات. والمعنى: أن المؤمن قد يبدو في إيمانه ناقصاً، فيزداد من الهدى، والنور، والعمل الصالح، ومجالسة الصالحين، وطلب الفقه في الدين، وحب الأخيار، والاستفادة من العلماء، فيزداد نوراً على نور، والإيمان يزيد وينقص بحسب مقتضياته وأسبابه.

الفرق بين الهداية المجملة والهداية المفصلة

الفرق بين الهداية المجملة والهداية المفصَّلة بعض الناس يعرف الدين مجملاً، وتصوُّراً عاماً للإسلام لكنه لا يعرف تفاصيل الإسلام. وأنا أضرب لذلك مثلاً: رجلان رأى أحدهما قصراً من خارجه، فرأى أبوابه، وطوله، وعرضه، ولونه، فتصوره تصوراً معيناً، فنقول عن هذا: إنه يعرف القصر معرفة مجملة، ورأى الآخر نفس القصر من داخله، ففتحه، ورأى أبوابه، ودخل مساريبه، وأسيابه، ورأى مجالسه وغرفه، ونوافذه، وطوله، وعرضه، فنقول عن هذا: إنه يعرف القصر معرفة مفصَّلة. فالناس كمثل هذين الرجلين. فأما الهداية المجملة: فمثل رجلٌ عرف أركان الإسلام، وأركان الإيمان إجمالاً ولكن لا يعرف دقائق الفقه، ولا فروع الشريعة، ولا الأدلة، ولا يعرف كيف يعبد الله عز وجل في كل مسألة. وأما الهداية المفصَّلة: فمثل رجلٌ آخر تفقه في الدين، وفي الصحيحين: {من يرد الله به خيراً يفقه في الدين}. فهذا مثل ذاك، و {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35].

حاجة الأمة والفرد إلى الهداية

حاجة الأمة والفرد إلى الهداية الأمة كلها تحتاج إلى هداية الله أحوج من حاجتها إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب إذا قُطعا عن العبد فقُصاراهُ أن يموت، والهداية إذا قُطعت عن العبد فقُصاراه أن يدخل النار ويخلد فيها. كل قلب لا تشرق عليه شمس الرسالة فهو قلب ملعون، وكل عين لا ترى بدر محمد صلى الله عليه وسلم فهي عين مغضوب عليها، أو كما قيل.

وقفات مع قوله: (الصراط المستقيم)

وقفات مع قوله: (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الصراط المستقيم له خمس صفات: الصفة الأولى: القُرْب. الصفة الثانية: الاتساع. الصفة الثالثة: الاستقامة. الصفة الرابعة: إيصال المقصود. الصفة الخامسة: وجود الإمام في أوله.

من صفات الصراط المستقيم: القرب

من صفات الصراط المستقيم: القُرب ذالصفة الأولى: القُرْب: وصراحةً: هناك بعض الملاحظة على طنطاوي جوهري في تفسير الجواهر، حيث حوَّله إلى كتاب هندسة، وما بقي عليه إلا المثلث، والفرجار، والمسطرة، ويقول: إنه أنشأ أصول الهندسة من القرآن، والقرآن -كما يقول بعض الفضلاء- ما نزل للهندسة ولا للطب، إنما نزل لهداية الناس، ولا شك أن فيه لُمَعاً من هذه العلوم؛ لكن أن يخصص للهندسة فلا. فمثلاً: يقول في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} [المرسلات:30] يقول: فيه دليل على أن زوايا المثلث منفرجة أو حادة. ما شاء الله! ويقول في {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]: أن فيه دليل على أن أقرب موصِّل بين نقطتين الخط المستقيم. وهل هو الخط المُعْوَج؟! والمقصود: أن ابن القيم في مدارج السالكين عندما قال: أقرب خط بين نقطتين الخط المستقيم وهو صحيح؛ لكن ابن القيم لا يريد أن يفسر الصراط المستقيم بأنه نزل ليبين لنا في علم الهندسة هذا الأصل؛ لكن يبين لنا أن أقرب الخطوط الموصلة هو المستقيم. فالله ذكر خطَّه بأنه مستقيم، وذكر خطوط أعدائه بأنها مُعْوَجَّة، أي: لا توصَّل إلا بعد عناء، وإلى أين توصله؟! توصل العبد المنحرف -والعياذ بالله- إلى نار جهنم، أما هذا الخط المستقيم فيوصل مباشرة ودون عناء إلى الجنة. من الصراط هنا إلى الصراط هناك ثم إلى الجنة.

من صفات الصراط المستقيم: الاتساع

من صفات الصراط المستقيم: الاتساع فما أوسع من الصراط المستقيم، فلم يقل: الطريق المستقيم؛ لأن العرب تقول للطريق الواسع: صراط، والصراط هو الذي يبتلع المارة، ولا تقول للطريق الضيق: صراطاً، وهذه من لغة العرب العجيبة الجميلة {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7]. فهو طريق واسع، ووُسْعُه: أن الناس لا يزدحمون فيه، ولا يتحاسدون، فأهل الآخرة لا يحسد بعضهم بعضاً؛ لأنهم في طريق واحد يتعاونون على طاعة الله، مثل: الإمام أحمد، والإمام الشافعي، فمن مقتضيات عقول البشر أن الإمام الشافعي مهنته مهنة أحمد، وهو صاحبه. ويقال في المثل العامي: (عدوك صاحب مهنتك) فتجد النجار -الآن- عدو للنجار -إلا ما رحم ربك- يريد أن يقدح في صنعته، إذا دخل النجار إلى البيت فسنتقد الأبواب، ويقول: لو ركبها هكذا، ولو أصلحها هكذا، والخياط ينقد الخياط، والشاعر على الشاعر وهكذا. لكن الإمام أحمد والشافعي هما من أهل الآخرة، يقول الإمام أحمد لـ ابن الشافعي: "أبوك من السبعة الذين أدعو الله لهم وقت السَّحَر" فالطريق واسع. أما أهل الدنيا فيزدحمون؛ لأن طرق الدنيا ضيقة، إذا ذهبت إلى وظيفة سبقك إليها مائة، وإذا ذهبت إلى سيارة سبقك إليها مائة، وزاحمك على شراء الأرض ألف، أما طريق الآخرة فواسعة.

من صفات الصراط المستقيم: الاستقامة

من صفات الصراط المستقيم: الاستقامة فهو ليس بمُعْوَج، وهذه الصفة تندرج في الصفة الأولى: وهي القُرْب.

من صفات الصراط المستقيم: إيصال المقصود

من صفات الصراط المستقيم: إيصال المقصود فلا يوصِل أبداً إلى الله تعالى إلاَّ هذا الصراط ولهذا {خَطَّ النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مستقيماً، وخطَّ خطوطاً عن يمينه وشماله، وقال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]}.

من صفات الصراط المستقيم: وجود الإمام في أوله

من صفات الصراط المستقيم: وجود الإمام في أوله فإن الطريق إذا لم يكن له إمام لا يوصل عادة، والإمام هو الدليل. فمن هوالدليل؟ من هو الماهر الذي يجيد الخط؟ من هو الذي يعرف أسرار وعلامات هذا الطريق نزله منزلة منزلة، هبطه وادياً وادياً، وعرفه جبلاً جبلاً، وساحة ساحة، وأدركه وفهمه؟! إنه محمد عليه الصلاة والسلام. ولذلك رشحه الله للإمامة، فيقول في الصلاة: {صلوا كما رأيتموني أصلي} كما في صحيح البخاري، ويقول في المناسك: {خذوا عني مناسككم} ويقول: {من رغب عن سنتي فليس مني} ويقول كما في كتاب الحجة ورواه النووي بسند صحيح، يقول: {لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به}. إذاً: هذه هي الإمامة. والله لا يرضى منك يوم القيامة عملاً حتى تتبعه {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف:157] النبي الأمي فقط، فلا ثَمَّ إمام ولا شيخ إلا هو، ولا أستاذ إلا هو، وإن أتيت من غير طريقه لا يُفْتَح لك الباب يوم القيامة؛ لأن أول مَن يَقْرَع باب الجنة هو محمد صلى الله عليه وسلم، فيُفْتَح له، ثم يذهب ومعه أتباعه. وأما الذين تخلفوا عن ركبه، وهم: النخبة المثقفة!! أشياخه صفر الجباه بـ دنفر هنري كسنجر خير مروياته أما هؤلاء النخبة المثقفة وغيرهم فما اهتدوا صراحةً بهداه عليه الصلاة والسلام؛ لأن لهم أشياخاً من نوع آخر، فلذلك يراهم صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فيرى أن السنة ليست عليهم، يقولون: يا رسول الله! نحن أتباعُك. فيقول: لا، لستم بأتباعي؛ لأن أتباعه لهم علامات، صاحب الخيل البلق يعرف خيله البلق، وصاحب الدُّهم يعرف الدُّهم، حتى البدوي الأعرابي إذا ضلت ناقته في الصحراء، يصفها بلونها، ووبرها، وطولها، وسمتها. فالرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أمته {إن أمتي يُدعون يوم القيامة غُرَّاً مُحَجَّلِين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يُطيل غُرَّتَه فليفعل} فهو يعرفهم صلى الله عليه وسلم. أما أولئك فيقول لهم: {سحقاً سحقاً} فنسأل الله أن يهدينا وضال المسلمين.

تفسير قوله: (الذين أنعمت عليهم)

تفسير قوله: (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) من هم الذين أنعم الله عليهم؟ قال تعالى: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69] وهذا هو حزب الله وهؤلاء هم أوليائه، وهذه هي صفاتهم، الذين يسلكون معك. إذاً لست وحيداً في الطريق؛ بل معك حشد هائل يصحبك فيه، ويمشون معك، ويمضون، فلا تستوحش، وهم: الأنبياء، والصديقون، والشهداء، والصالحون، هؤلاء معك في المسيرة. ما هي النعمة الحقيقية؟ النعمة الحقيقية هي الهداية ليس إلا، وهي أعظم نعمة، ولو أن النعيم الأخروي من النعم؛ لكن أجلها وأعظمها أن يهديك الله صراطاً مستقيماً. ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7]. هذا الصراط لا يسلكه المغضوب عليهم، ولا يسلكه الضالون.

تفسير قوله: (المغضوب عليهم)

تفسير قوله: (الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ) من هم المغضوب عليهم؟ ولماذا غضب الله عليهم؟ المغضوب عليهم: اليهود، والضالون: النصارى، وقد بشرهم بذلك رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، كما في الصحيحين. غضب الله على اليهود لأنهم أهل علم وثقافة، لكن ما أجْزَتْ عنهم، لأن علمهم بغير عمل. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]. فهؤلاء مغضوب عليهم؛ لأنهم تركوا العمل.

تفسير قوله: (ولا الضالين)

تفسير قوله: (ولا الضَّالِّينَ) الضالون: هم النصارى، لماذا ضلوا؟ لأنهم تركوا العلم. فأولئك -أي: اليهود- علموا ولم يعملوا. وهؤلاء -أي: النصارى- عملوا ولم يعلموا. قال سفيان بن عيينة: [[من فسد من علمائنا، ففيه شبه باليهود، ومن فسد من عبادنا، ففيه شبه بالنصارى]]. وقد شابه كثير من هذه الأمة هاتين الطائفتين, فالأمة فيها الطوائف الثلاث: طائفة: ((الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] أي: الذين أنعم الله عليهم، وهم: أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء هم الذين نرجو الله أن نكون منهم ومن روادهم. وطائفة: (الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ) أي: الطائفة الأخرى المعرضة، ما يُسَمون بالمثقفين ثقافة التي لا توصل أحدهم إلى الإيمان، نعم. عندهم شهادات عالية؛ لكن لا توصلهم شهادتهم إلى أن يصلوا الفجر في جماعة، أو أن يبروا بالوالدين، أو يصلوا الرحم، أو يخافوا من الله، أو يحترموا أهل العلم، أو يتعاطفوا مع الدعاة، أو يغاروا على انتهاك محارم الله عز وجل، أو يذبوا عن مبدأ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] نعم! مثقف يحمل شهادة، لكنها شهادة للبطن، وللسيارة، وللوظيفة، يأكل بها عرضاً من الدنيا، ولكنها تنفعه في الآخرة، {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. إذا ما لم يفدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا وإن ألقاك فهمُك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا فهذا العلم غير نافع، فالذهن بالنسبة له سلة مهملات لا يحمل خشية، ولا استقامة، ولا غَيْرَةً لله ولرسوله، ولا يحمل المبادئ الخالدة التي أتى بها صلى الله عليه وسلم. هذا القطيع المثقف الذي غُزِيت به الأمة من الغرب، والذي سُلِخ من ظاهره وباطنه، وأصبح ملغماًَ من الداخل بأفكار منحرفة، هذا يشابه (الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ). نحن نعرف أن منهم من قد يصلي، ويقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] لكن ينقض {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] بعد خروجه من المسجد يلغيها بقلمه، ويشَطِّب عليها بفكره، وبقصيدته، وبسهره، وباستهزائه وسخريته بحملتها. وطائفة: (الضَّالِّينَ) أي: الجهلة، كغلاة الصوفية، ومن شابههم من جهلة الناس، الذين يعبدون الله على غير بصيرة يجتهدون في العبادة؛ ولكن على غير علم، وعلى غير سنة، أحدهم يهتم بأمور عبادته؛ ولكن لا يهتم بنجاحها، وصلاحها، وقبولها، فإنه لا يُقْبَل عملٌ إلا بإخلاص ومتابعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. لا كهنوت في الإسلام ولا رهبنة، ولابد من إمام إن عمل بهذا عملنا، وإن ترك تركنا، نقف عند حدود شرعنا. فهذه -الأمة أيها الإخوة- بين {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].

لا التقاء بين الهداية والضلالة

لا التقاء بين الهداية والضلالة قضية كبرى في {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] وهي من الفوائد، وهي أنه لا التقاء مع الصليب، ولا التقاء مع نجمة إسرائيل. {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] هناك عداء أصيل شرعي، لا يدخل فيه التعايش السلمي، ولا الوفاق الدولي، ولا الحب الإنساني، ولا مجلس الأمن، ولا هيئة الأمم المتحدة، عداء أصيل من القدم، لأن اليهود ماذا يقولون؟ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:64] {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30] فكيف يلتقي المسلم مع النجمة؟! وكيف يلتقي مع اليهود؟! وكيف يلتقي مع النصارى؟! لا التقاء أبداً. الصليب والنجمة أعداء لنا لا وفاق دولي، ولا تعايش سلمي معها {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1 - 6]. {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] فلسنا بالذين يتمسحون على عتبات شامير، أو يتقربون من الصليب، وإنما نحن لنا تميز، وكيان، لنا شِرْعة، وواجهة، وإمام، وإمامنا على الصراط يدعونا ألا ننحرف هنا، حتى لا ننحرف هناك. هذه من أسرار {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7]. {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6 - 7] تطلب من الأمة مطلباً عظيماً، وهو: أن يتعلموا العلم النافع، والعمل الصالح. قال رسول الله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين، من حديث أبي موسى: {مثل ما بعثني الله فيه من الهدى والعلم كمثل الغيث} الهدى: العمل الصالح، العلم: العلم النافع. فلا بد أن تجمع بين العلم والعمل، وعسى الله أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، لا صراط المغضوب عليهم، ولا صراط الضالين. وهذا هو معلم الولاء والبراء، أن نكون أولياء لله نغضب لله، ونرضى لله، ونجاهد من أجل الله عز وجل، ونقف على الصراط المستقيم.

طلب الهداية من الله

طلب الهداية من الله ومن قضايا {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] أن العبد بحاجة إلى أن يلتجئ ويمرغ وجهه ساجداً لربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى علَّه أن يقبل في مَن قَبِلَ، وأن يهديه في مَن هَدَى، وكان صلى الله عليه وسلم يعلم الحسن -كما عند أحمد والأربعة وغيرهم- فكان يقول له في الوتر: {قل: اللهم اهدني في مَن هديتَ، وعافني في مَن عافيتَ، وتولني في مَن توليتَ}. فالهداية في مَن هَدَى: أن تطلب بلهف أن يهديك الله، وإن لم يهدِك الله فلن تهتدي {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً} [الكهف:17] ولن تجد له هادياً. فالاستغاثة بالله، والاستعانة به، وصدق اللجوء إليه، والإلحاح في المسألة، هذه من أسرار (اهْدِنَا) والهداية لا تكون إلا من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. أيها الإخوة الفضلاء! هذه وقفات مع السبع المثاني، أسأل الله عز وجل أن ينفع بها، وأن يجعلها في ميزان الحسنات، وأسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن كانت له الفاتحة حجة ومحجة وكافية وشافية وواقية. وأسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يهدينا وإياكم الصراط المستقيم، وأن يجعلنا وإياكم ممن عبدوه واستعانوا به. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلًَّم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم البسملة في الفاتحة

حكم البسملة في الفاتحة Q الفاتحة، هل البسملة من آياتها؟ وهل يجب الجهر بها، أم لا؟ A مسألة: هل البسملة آية من الفاتحة فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم، ذكرها ابن كثير والقرطبي وغيرهما، والصحيح: أنها ليست بآية من آيات الفاتحة، فهي سبع بدون البسملة. أما الجهر بها فوقع نادراً من الرسول عليه الصلاة والسلام، واختار ابن القيم في زاد المعاد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسر بها غالباً وجهر بها نادراً، ولو أن بعض العلماء يرون أن الجهر بها بدعة، ولكن هذا القول فيه حيف، بل الجهر يقع نادراً، وأما الإسرار فهو الغالب، والمشهور من فعله عليه الصلاة والسلام.

الخروج عن نطاق السنة بقصد اتباعها

الخروج عن نطاق السنة بقصد اتباعها Q فضيلة الشيخ! ما رأيكم في بعض الشباب -أسأل الله لهم ولي الهداية- ممن يبالغ بعضهم في تقصير ثيابه أكثر من اللازم، حتى إذا ركع في الصلاة وجدتَ الثوب يرتفع فوق أو قرب ركبته، فهل في هذه المناسبة من كلمة؟ A مثل هذه الصور التي تقع في الناس تُعالَج من أهل العلم ومن طلبة العلم بالتي هي أحسن، وليس هناك مبرر لأعداء الله عز وجل من العلمانيين وأمثالهم أن يتعدو على شباب الصحوة والاستقامة بمثل هذه التعليقات السخيفة، ويتعرضوا لهم، ودائماً أكرر قول الأول: ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني هؤلاء الشباب ليسو مروجي مخدرات، ولا مسئولين عن بيوت الدعارة، ولاتزلجوا على الثلج، ولا باعوا قيمهم في سوق النخاسة، ولا باعوا مبادئهم، إنما هم أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، يريدون الحرص على اتباع سنته، هؤلاء الشباب قدموا رءوسهم تحت الدبابات في أفغانستان. جيوش أعزتها بلاد محمد فما عذرها ألا تعز محمدا ولكن قد يقع التقصير من سوء فهم، أو عدم معرفة تطبيق السنة، فيُفَهَّم هؤلاء بالتي هي أحسن. صحيحٌ أنني قد سئلتُ في محاضرة سابقة عن الثياب التي إلى الركبة، فقلت: هذه فنائل، وأنا أتكلم عن الثياب، أما الفنائل العلاقية فأنا لم أتحدث عنها. ولكن على كل حال وما أعرفه أنه إلى الركبة ففيه إجحاف، وبهذه تبدو العورة وقد ثبت عند أحمد في المسند أنه: تحت الركبة بأربع أصابع؛ لكن أرى أن هذا في الإزار، والإزار غير الثوب، الإزار عند السلف مثل الشرشف، أو مثل لفافة من قماش يُلف به الإنسان، ولو لم ترفعه ما استطعت أن تمشي خطوة، أما الثياب فإنك إذا رفعت أكثر؛ شاهَ منظرُك، وأنا أقول: إنه ليس الضابط أن يشُوْهَ منظرُك أو لا، إنما الضابط هو السنة، فالإزار يمكن أن يتحمل إلى تحت الركبة، كالإحرام في الحج إلى تحت الركبة بأربعة أصابع، أما أن تجعل الثوب إلى تحت الركبة بأربعة أصابع فإنه منظر مؤذٍ وقد يعرض الشباب وطلبة العلم للإيذاء والسخرية والاستهزاء من المنافقين، والله حدد من نصف الساق إلى فوق الكعب، وما فوق الكعب كذلك ما زال في السنة، ومجاله واسع، هذا ما لزم في هذه المسألة، والله يعيننا وإياكم، ويهدينا وإياكم سواء السبيل.

عدم جواز نسبة الشر إلى الله تعالى

عدم جواز نسبة الشر إلى الله تعالى Q فضيلة الشيخ، هل يصح أن يُنْسَبَ الشرُّ إلى الله جل وعلا؟ A لا ينسب الشر إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، بل قال عليه الصلاة والسلام: {والخير بيديك، والشر ليس إليك}. وأهل السنة لا ينسبون الشر إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وإلاَّ فالحقيقة: أن الذي قدَّر الخير والشر هو الله؛ لكن تأدباً معه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لايقال: الشر إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أو لماذا قدر الله الشر؟ أو كذا. وقال بعضهم: بل إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا يقدر إلا خيراً؛ لكنه بالنسبة لبعض الناس شر، وإلاَّ فهو من حيث التقدير والقضاء خير، فالله يقدر الخير والمصلحة المحضة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. والجن تأدبت مع الله حيث قالت: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن:10]. وقال إبراهيم عليه السلام: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80].

النشاط في الدعوة إلى الله

النشاط في الدعوة إلى الله Q فضيلة الشيخ: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أحبك في الله حباً صادقاًَ، والله قد أراد بي خيراً، وجئت لسماع صوتك من المنطقة الشرقية، وهناك إخوة يتمنون سماع صوتك، فأطلب من الله ثم منك زيارة لهذه المنطقة، وأبشرك أن الدعوة الإسلامية على قدم وساق، ووصل عدد المسلمين الجدد من الجنسية الأمريكية بمركز القاعدة ما يقارب (600) مسلم أمريكي، وزيارتك للمركز وللمنطقة الشرقية يزيدنا شرفاً، ويزيد في عزيمتنا، لا سيما وشباب المنطقة بأمس الحاجة إلى توجيهاتكم ونصحكم وتثبيتكم. أحد المسئولين عن الدعوة بالقاعدة! A أثابك الله وحفظك ورفع منزلتك، ونسأل الله أن يعيننا وإياك على طاعته، وسوف يكون هناك زيارات، وأشير لك أن تعمم هذه الدعوة لطلبة العلم والدعاة، وكما قيل: ففي كل واد بنو سعد. وكلما كثر عرض الخير بأساليب متعددة كان أمكن وأمتن له، فكل داعية له طريقة خاصة في العرض، وطريقة خاصة في التكلم والتحدث، ويفتح الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على يد البعض ما لم يفتح على يد الآخر، فإذا اجتمعت الجهود فهذا طيب. وهذا سوف يتم -بإذن الله- وهذه بشرى سارة بشرتنا بها، وأسأل الله أن يجعلنا وإياك من مفاتيح الخير، إنه على كل شيء قدير.

تركيز العلمانيين على المرأة في كثير من المجالات

تركيز العلمانيين على المرأة في كثير من المجالات Q في هذه الفترة نجد العلمانيين أصبحوا يزيدون تركيزهم على المرأة في كثير من المجالات، حتى ظهرت إعلانات في الصحف تدعو النساء لشراء السيارات، أو تمنح شيئاً من الخصم أو التقسيط للنساء فقط، وذلك عن طريق تسهيلات مميزة! ما دورنا حيال هذه الهجمة الشرسة على المرأة في جميع هذه المجالات والوسائل؟ حتى أصبح الحجاب عندهم ذلك اللثام الذي يخرج عيني المرأة بشكل مغري، أو أخبث من هذا، فبم تنصحون هذه الجموع؟ A إجابةً على هذا السؤال لا بد أن أبين قضايا: أولها: جهل العلمانيون بطبيعة وأسرار هذه الجزيرة؛ لأن هذه الجزيرة لا تصلح إلا للإسلام، ولا تنبت فيها إلا شجرة الإسلام، ولا يمكن أن تنبت فيها شجرة أخرى. صحيحٌ أنه قد يكون في بعض بلاد الإسلام شيء مزدوج مع الإسلام أو تحالف أو تعايش، أما هذا البلد فلا، ولا نقول هذا تعصباً، لكن لتاريخه ولسر أراده الله فيها، ولقداسة بقاعها، لا يصلح فيه إلا الإسلام، فهؤلاء أخطئوا التقدير يوم أرادوا أن يكون مع الإسلام شيء، أو أن يطرأ على الإسلام شيءٌ آخر. ثانيها: أن هؤلاء العلمانيون يملكون من الوسائل أكثر مما يملكه الدعاة. أرى ألف بانٍ لم يقوموا لهادمٍ فكيف ببانٍ خلفه ألف هادمِ نعم! يجتمع أهل الخير والنصح من أمثالكم في المحاضرات، ومهما اجتمعوا وكثر عددهم إلى عشرة آلاف أو إلى خمسة عشرة ألفاً فإن في منتدى الكرة يجتمع ستون ألفاً، وفي الأسواق وفي أماكن اللهو والضياع عشرون وثلاثون وخمسون ألفاً، ولكن {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]. والحقيقة: أنهم يملكون وسائل التأثير ولهم دخول إلى العقول، وينفذون، بينما وسائل طلبة العلم والعلماء قليلة تخاطب مستوىً من الناس، ولكن فمهما يكن فحبل الباطل قصير، قال تعالى: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36]. ثالثها: طبيعة هذا الدين أنه مصارَع دين عالمي، بدأ بالصراع من أول لحظة، فهو لا ينتهي من الصراع، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31]. فأنت جند نفسك أن تكون داعية، وأن يكون لك ضد، واعلم أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى معك، ولن يَكِلَكَ، وأن للحق صولة، وللباطل جولة، (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128].

التطبيع اليهودي العربي

التطبيع اليهودي العربي Q فضيلة الشيخ: نسمع في هذه الأيام من الصحف العالمية مفاوضات لإتمام صفقة بيع فلسطين المسلمة، فما حديثكم حول هذا تحت ستار التطبيع؟ A أولاً: بيت المقدس ملك كل مسلم، لا يملكه ياسر عرفات، ولا غيره، وهذا عقد من الله عز وجل أن بلاد المسلمين المقدسة للمصلين، يملكونها بعقد سماوي منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والأرض لله يورثها من يشاء. أما الخونة والعملاء فهم يستطيعون بيع الأرض، أما استرداد الأرض فلا يجيدونه، والذي يسترد الأرض هم المصلون، أهل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. ثانياً: تحت أي مظلة تُباع فلسطين؟! أين الدموع ودماء الألوف المؤلفة التي ذُبِحَت؟ وأين المقدسات التي أُهينَت؟! وأين العداوات التي استمرت في التاريخ؟! ثالثاً: لا تعايش مع إسرائيل؛ لأن إسرائيل معنا في القرآن، نصلي في كل صلاة ونقرأ القرآن فإذا القرآن يلعنهم ويهاجمهم؛ لأنهم أعداء الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو تركت الكلاب نباحَها، والخيول صهيلها، والحمام هديرها، ما ترك اليهود عداءهم لـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. ما هو موقفنا أمام الله إذا أتينا نصلي، ونسمع ميثاق الأمم المتحدة في تصالح العرب مع إسرائيل وبيعهم فلسطين، ثم نقول: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7]؟ أيا عمر الفاروق هل لك عودةٌ فإن جيوش الروم تنهى وتأمرُ نساء فلسطين تكحَّلن بالأسى وفي بيت لحم قاصراتٌ وقُصَّرُ وليمون يافا يابس في حقولهِ وهل شجرٌ في قبضة الظلم يثمرُ>> تعال إلينا فالمروءات أقفرت وموطن آبائي زجاج مكسرُ يطاردنا كالموت ألف خليفةٍ ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصرُ أيا صلاح الدين هل لك عودةٌ فإن جيوش الروم تنهى وتأمرُ رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ تناديك من شوق مآذن مكة وتبكيك بدر يا حبيبي وخيبر ويبكيك صفصاف الشام ووردها ويبكيك نخل الغوطتين وتدمر فوالله لن تستعاد فلسطين إلا بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] لن تستعاد إلا بالمصلين، والأكفان، والتكبيرات، والجهاد المسلح، أما أن يصبح شامير أخي فهذا حرام بالإجماع، يعارض الكتاب والسنة. الله الذي على العرش استوى جعلهم أعداء لنا، أرادوا اغتيال رسولنا نددوا بنا حاربونا انتهكوا أعراضنا قتلوا شيوخنا قتلوا نساءنا أطفئوا نورنا داسوا مسجدنا الذي صلى فيه رسولنا عليه الصلاة والسلام، لا صلح معهم متى نصطلح؟! نصطلح إذا دخلوا في دين الله {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64]. في جنيف ياسر عرفات الضائع وقف يقرأ الآية، فقال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64] ثم (وقف حمار الشيخ في العقبة) أكمِلِ الآية؟ {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]. إن المسلم يوم يراهن بدينه، وبمعتقده، وبأرضه، مفضوحاً أمام العالم لا كرامة له، يصبح ضائعاً، أرض بسِلْم، وسِلْم بأرض، رباً لا يجوز، وانتهاك لمواثيق {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ولا يقرها عالِِم، ولا مسلم، ولا داعية، ولا تدخل الدماغ، ولو كُتِبَت فهي على أوراق، وسوف يأتي المصلون أهل الأكفان يدوسون هذه الأوراق، ويدخلون -بإذن الله - بيت المقدس، كما أخبر عليه الصلاة والسلام. فليتشرف الإنسان ألا يتقارب مع هؤلاء؛ لأن الفتح قريب قادم -بإذن الله- والفجر آتٍ، {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود:81].

مساعدة أهل تهامة

مساعدة أهل تهامة Q صاحب الفضيلة! سمعنا في أحد أشرطتكم عن فقراء تهامة، ونريد من فضيلتكم بيان حالتهم؛ لمساعدتهم حسب الاستطاعة؟ A نعم. يا أيها الإخوة! منطقة تهامة -الساحل- أكثركم يعرفها أو يسمع بها، إنها إقليم واسع، تمتد من الليث، إلى جازان، إلى حدود بلاد تهامة قحطان، هذه المنطقة واسعة، وفيها آلاف القرى ومدن كثيرة، وبوادي شاسعة، وجبال، وسكان كالذر، وهؤلاء ينقصهم أمران: الأول: أمر العلم: فهم يعيشون جهلاً مطبقاً، بل بعض المناطق لا يعرف بعضهم قراءة الفاتحة وهو في السبعين من عمره، نحن نعرف هذا، فقد وصلنا إليها قرية قرية، وبلداً بلداً، أحدهم لا يعرف قراءة الفاتحة، وأنا أعرف أن بعضكم أتى مصطافاً ونزل هناك، وأتى يكلمني ويكلم بعض الإخوة، ويقول: لماذا لا تدعونهم؟ وأنتَ ألستَ من بلادنا؟ ألستَ مكلفاً؟ ألستَ داعية؟ شاركنا الجهد، وهم ينتظرونك، والإنسان الداعية مهما فعل لا يغطي هذه المساحات الهائلة، أناس يعيشون جهلاً مطبِقاً، بل بعضهم يقع في الشركيات، وبعضهم لا يعرف التوحيد، ولا يتصور الرسالة التي بُعث بها محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف كثيراً من المحرمات. الثاني: أمر الفقر فهم يعيشون فقراً مدقعاً. وأنا أدعو التجار والباذلين والمعطين الذين ينفقون أموالهم، أن يسارعوا لهؤلاء؛ لأنهم أقرب، وأنا أعرف أن كثيراً من التجار ذهبت أمواله وأحسن جزاه الله خيراً في الفلبين وسيرلانكا، وهذا مأجور؛ ولكن الأقربون أولى بالمعروف. وكذلك جانب آخر: وهو الشريط الإسلامي، نفع الله به هناك نفعاً عظيماً، وكان له أثر بالغ في هداية الناس، فهم بحاجة إليه، فأهل التسجيلات والباذلين والدعاة عليهم أن يجتهدوا في إرسال أشرطة: العقيدة، والإيمان، والرقائق، والآداب، والعبادات، والسلوك، وما يخص المرأة، فإنها تُسْمَع ويتحول الناس بها بين عشية وضحاها. هذا ما لزم في هذه المسألة، وأنا قد بلغتكم، اللهم فاشهد.

يا حبذا الجنة!

يا حبذا الجنة! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ هذا السؤال طرح قبل ألف وأربعمائة سنة، وأجاب عليه أفضل الخلق الذي لا ينطق عن الهوى، محمد صلى الله عليه وسلم، وأكده في غير ما موضع من كلامه ليزيد من إيمان الصحابة وشوقهم إلى الدار الآخرة، فلماذا لا نتأسى بهم، ونعد أنفسنا بالأعمال الصالحة، كي نرى ربنا سبحانه وتعالى؟!

رؤية المؤمن لربه يوم القيامة

رؤية المؤمن لربه يوم القيامة اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق. اللهم لك أسلمنا وبك آمنا، وعليك توكلنا وبك خاصمنا، وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، شهادة ندخرها للعرض الأكبر على الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، شهادة نعدها لذاك اليوم يوم الأهوال والنكال، يوم لا ينفع من الأقوال والأعمال إلا ما كان لوجه ذي الجلال والإكرام. اللهم إنه ليس عندنا من الأعمال ما نعده إلا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها المسلمون: لنستمع إلى أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه وهو يروي لنا حديثاً يصل إلى القلوب مباشرة، حديثاً يخاطب أهل القلوب ولا يفهمه إلا من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. يقول رضي الله عنه وأرضاه: قال الناس للرسول عليه الصلاة والسلام: {يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: أما إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب -ثم استطرد عليه الصلاة والسلام قائلاً- يجمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، فيأتيهم تبارك وتعالى، فيقول لهم: من كان يعبد شيئاً فليتبعه -وهذا في العرصات- فمن كان يعبد الشمس اتبع الشمس، ومن كان يعبد القمر اتبع القمر، ومن كان يعبد الطواغيت اتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فيأتيهم ربهم -وفي صحيح مسلم: على صورته تبارك وتعالى- فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيوضع الصراط -نسأل الله السلامة والعافية- ويقف الملائكة بجنبة الصراط فلا يتكلم أحد إلا الأنبياء والرسل، يرددون: اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم، ويقول عليه الصلاة والسلام: وعلى جنبتي الصراط كلاليب مثل شوك السعدان، قال: ألا تعرفون شوك السعدان، قالوا: بلى يا رسول الله! -وفي صحيح مسلم: كأنك رعيت الغنم يا رسول الله! يوم عرفت شوك السعدان، قال: نعم، وما من نبي إلا رعى الغنم- قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم عظمها إلا الله الواحد القهار، فتتخطف الناس فناج مسلَّم -يسلم من شوك السعدان الكلاليب- فذلك الذي لا خوف عليه -نسأل الله العافية- ورجل مخدوش منها ثم يسلم، ورجل مكردس على وجهه في النار- ولا تزال أصوات الأنبياء تردد: اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم- فيأمر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى الملائكة أن تخرج من النار من كان يعبد الله لا يشرك به شيئاً، فيخرجون وقد امتحشوا -أحرقوا وصهروا -وهم موحدون لله، ولا يخرج من النار مشرك أبداً- وقد أكلتهم النار إلا مواضع السجود، فإن الله حرم على النار أن تأكل موضع السجود لفضل السجود، فيخرجون وقد امتحشوا كالحِبة - بالكسر- في حميل السيل، تخرج صفراء ملتوية، فيغمسون في نهر الحياة، ثم يدخلون الجنة -وفي الصحيح: على جباههم، أسماء هؤلاء الجهنميون عتقاء الله من النار} ثم أخذ عليه الصلاة والسلام ينتقل إلى حديث الرجل الذي أضحك الله تبارك وتعالى، يقول الأعرابي: لا نعدم من رب يضحك خيراً، هذا الرجل هو آخر من يدخل الجنة من أهل النار، يخرجه سُبحَانَهُ وَتَعَالى من النار فيقف ووجهه مقابل للنار، فيقول: {يا رب! اصرف وجهي عن النار فقد أحرقني ذكاؤها وقشبني ريحها، فيقول الله له: يا ابن آدم! هل عسيت إن صرفت وجهك عن النار أن تسأل غير ذلك؟ قال: لا وعزتك وجلالك لا أسأل غير ذلك، فيصرف الله وجهه عن النار قبل الجنة} نسأل الله الجنة. يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها يا من أتعب نفسه في عمارة القصور وفي رفع الدور: يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان {فلما رأى زهرة ونعيمها وسرورها قال: يا رب! قدمني إلى باب الجنة، قال الله: ويلك يا ابن آدم! ما أغدرك وما أظلمك، لئن قدمتك إلى باب الجنة لا تسألني غير ذلك؟ قال: لا، وعزتك وجلالك! لا أسألك غير ذلك، فيقدمه تبارك وتعالى إلى باب الجنة، غير أنه لم يدخل الجنة، فلما رأى أنهارها ودورها، وقصورها، ونعيمها وسرورها، قال: يا رب! أدخلني الجنة، فيقول الله له: ويلك يابن آدم! ما أغدرك وما أظلمك أما أعطيتني العهود والمواثيق ألا تسألني غير ذاك؟! فيقول: يا رب! بعزتك وجلالك لا أكون أشقى الناس بك هذا اليوم، فيدخله الله الجنة، فلما وصل الجنة، قال الله له: تمن} ما أكرم الله وأحلمه وأرحمه، يا من رحمته وسعت كل شيء! ارحمنا برحمتك، يا من فضله عمّ البار والفاجر! تفضل علينا بفضلك، فإنه ليس لنا أعمال ولا صلوات ولا صدقات، ولا أقوال ولا شيء نتقرب بها إليك: إن لم تجرني برشد منك في سفري فسوف أبقى ضليلاً في الفلا تيهاً إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار {فيدخله الله الجنة، فيقول الله: تمن، قال: أتمنى كذا وكذا} وفي صحيح البخاري: {فيذكره الله بالأشياء، يذكره بالقصور والأنهار والدور وبالحور العين، ولا يزال ربه يذكره حتى تنقطع أمانيه، فيقول: ألا تتذكر شيئاً، فيقول: لا يا رب قال: فإن لك ذلك ومثله معه، ومثله معه، ومثله معه ومثله معه} وفي رواية أبي سعيد الخدري {لك مثل أعظم ملك من ملوك الدنيا، وعشرة أمثاله معه -وفي رواية صحيحة- لك مثل الدنيا وعشرة أمثال ملك الدنيا} لا إله إلا الله كل الدنيا، ذهبها وفضتها وقصورها ودورها، وعشرة أمثالها معها، بلا مرض أو خوف ولا حرب أو هم، أو حزن. ولما قال: {يا رب! أدخلني الجنة، ضحك الله تبارك وتعالى} ضحك يليق بجلاله، له حقيقة لا نكيفه ولا نمثله ولا نشبهه ولا نعطله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] فضحك عليه الصلاة والسلام وفي الصحيح فضحك ابن مسعود لضحكه صلى الله عليه وسلم من تذمر هذا العبد وهذا الحديث صحيح رواه البخاري في باب فضل السجود في كتاب الأذان، وفي كتاب الرقاق باب صفة الجنة والنار، ورواه مسلم في الفتن، وفي صفة الجنة، وفيه قضايا:

فوائد الحديث

فوائد الحديث أولاً: شوق الصحابة وإيمانهم ويقينهم الذي جعلهم يتركون الدنيا وملذاتها وشهواتها، وأتوا يتذكرون ذلك اليوم ويقولون: {يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟} ما أعظم السؤال وما أعظم الإيمان! إننا أصبحنا في مهلة وغفلة وبعد عن الله حتى أصبحنا لا نتذكر هذه القضايا. هل تساءل أحد منا في مجلس هل نرى الله؟ هل تكلم بعضنا مع بعض في رؤيتنا لربنا وهي أفضل النعيم وأجل القربات؟ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]. ورؤية الله تتحقق للمؤمنين في الآخرة ولا يراه المشركون: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] موسى عليه السلام لما أعطاه الله التكليم وكلمه تبارك وتعالى وجد من الإيمان والسرور والحبور ومن اللذة ما لا يعلمه إلا الله، فقال الله عنه: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:143] ورؤية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للمؤمنين ثابتة لمن حافظ على صلاتين، ولا يفهم منه ألا يحافظ على الثلاث، من حافظ على هاتين الصلاتين وهي صلاة الفجر وهي قبل طلوع الشمس، وصلاة العصر وهي قبل غروب الشمس وهما صلاة البردين، فالمحافظ عليهما يدخل الجنة ويرى ربه يوم القيامة. يقول الصحابة: كيف نرى الله؟ يقول عليه الصلاة والسلام: {أترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب} ليس المرئي كالمرئي تبارك وتعالى الله، لكن المقصود تشبيه الرؤية بالرؤية: {أترون الشمس في يوم صحو ليس دونها سحاب؟ قالوا: نعم. قال: سترون ربكم كما ترون الشمس ليس دونها سحاب} فهنا شبه الرؤية بالرؤية قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. ثانياً: أن عصاة الموحدين لا يخلدون في النار، خلافاً لمن ذهب لذلك من أهل البدع، فمن كان موحداً فإنه لا يخلد في النار. ثالثاً: أن من المصلين من يدخل النار، منهم من يصلي الصلوات الخمس ويدخل النار، كأن يكون عاقاً أو قاطع رحم أو آكل ربا، أو زان أو فاجر أو منتهك لحرمات الله، فهو من الساجدين على جبينه ولكن تصهره النار غير أن الله حرم على النار أن تأكل مواضع السجود. رابعاً: فضل الله وكرمه وأن الدنيا لا تساوي شيئاً، وإذا كان أقل الناس في الدنيا يملك في الجنة أعظم مما يملكه ملوك الدنيا ومثله عشر مرات، فقل لي بالله يا من امتلك قصراً أو داراً أو ثياباً ما امتلكت مع مرض وخوف وهم وحزن. ستنقلك المنايا من ديارك ويبدلك البلى داراً بدارك فدود القبر في عينيك يرعى وترعى عين غيرك في ديارك فيا من أعد لذاك الموقف إن كنت تريد أن ترى الله وهي أعظم لذة عند أهل السنة والجماعة، وهو يوم الزيادة فعليك أن تكون مستقيماً على أمر الله، ليسكنك الله داراً لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها، دار غرس الله أشجارها بيده، وبنى قصورها بيده، فقال لها: {تكلمي -والحديث عند البزار بسند حسن- فقالت: قد أفلح المؤمنون} فيا سعدكم أيها المصلون وهنيئاً لكم أيها التائبون العابدون، وتباً وخساراً لمن أنكر ذاك اليوم ونعيمه، وألحد وكفر به. أيها الناس: إننا نسأل الله ألا يعجل لنا طيباتنا في الحياة الدنيا فنكون من المحرومين، ألا إننا نستجير بالله أن نكون من أناس أكلوا وشربوا وتمتعوا في الحياة، فلما أتوا إلى الله أفلسوا وخسروا، قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ*أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:16] {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:20 - 21] {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35]. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

الشوق إلى الآخرة

الشوق إلى الآخرة الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيءٍ قدير. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد:

زهد السلف في الدنيا والتنافس على الآخرة

زهد السلف في الدنيا والتنافس على الآخرة أيها المسلمون: أتى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الناس فدعاهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض، لم يمنهم بملك في الدنيا، أو يعدهم أنهم سوف يجدون مالاً أو نعيماً أو رغداً فيها، ولم يبن لهم قصوراً ولم يهيئ لهم دوراً أو يلبسهم لباساً، إنما يأتي أحدهم ببردته الممزقة لا يجد ما يشبع بطنه من خبز الشعير، ويأتي عليه الصلاة والسلام بحجرين يربطهما على بطنه في حفر الخندق من شدة الجوع، ولكنه يعلم الناس حب الجنة، ويصف لهم الطريق إليها، وأن هذه الدار ليست دار قرار، إنما هي دار عبور، وليست دار للمكث فيها ولا الرضا بها، ومن رضي بها واتخذها سكناً وأخلد إليها فذاك ملعون شقي مبعد عن الله. وقف عليه الصلاة والسلام يتحدث إلى الجوعى من الصحابة الذين تركوا الدور والقصور والجيران والإخوان والخلان، وباعوا أنفسهم من الواحد الديان، وقف إليهم قبل معركة بدر، والمشركون أمامهم وسيوفهم بأيديهم، لم يخرجوا رياءً ولا سمعة، وقف يتحدث إليهم وهم الذين قال فيهم بعد ذلك: {إن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} فيقول لهم قبل المعركة: {والله! ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة} فيأتي عمير بن الحمام -صحابي فقير من الفقراء وزاهد من الزهاد لا يملك إلا ثوبه وسيفه -فيقول: يا رسول الله! أسألك بالله ما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء فأدخل الجنة، قال: إيه والذي نفسي بيده، ومع عمير تمرات يأكلها من الجوع- لكنه ما استصاغ أكل التمرات- فرمى التمرات وأخذ غمد سيفه فكسره على ركبته واستقبل الجنة، وقال: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى، والله إنها لحياة طويلة إذا بقيت حتى آكل هذه التمرات ثم أخذ درعه فأنزله عن منكبيه- وهذا علامة الخطر والفداء، والشجاعة النادرة- وتقدم فقتل حتى قال عليه الصلاة والسلام: {لقي عمير بن الحمام ربه وهو يضحك إليه} ويأتي مالك بن عامر من الأنصار فيقول: يا رسول الله! وذلك في يوم أحد، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول للصحابة: نقاتل الأعداء هنا داخل المدينة، لأن من الخطة الحربية الرائعة أن يدخل العدو في المدينة فيقصف في زقاق المدينة وفي سككها، لكن قام هذا الشاب وهو في الثانية والعشرين من عمره من الأنصار، من الذين أرادوا الله والدار الآخرة، فقال: يا رسول الله! لا تحرمني دخول الجنة، اخرج بنا إلى أحد ولا تحرمني دخول الجنة، والله لا إله إلا هو لأدخلن الجنة، فتبسم عليه الصلاة والسلام وهو على المنبر وقال: -والناس يستمعون والأبطال لبسوا دروعهم في المسجد، والمهاجرون والأنصار صامتون ساكتون يستمعون إلى الحوار الحار بين المصطفى وبين جندي من جنوده -فقال: بم تدخل الجنة؟ قال: بخصلتين: أني أحب الله ورسوله، ولا أفر يوم الزحف، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: إن تصدق الله يصدقك -إن كنت صادقاً فأبشر ثم أبشر- وبدأت المعركة في الصباح وأتى هذا الشاب فوضع درعه وأخذ غمد سيفه فكسره على ركبته، وقال: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى. يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود فقتل وأتى عليه الصلاة والسلام وإذا هذا الرجل وجهه معفر في التراب فمسح الغبار عن وجهه وقبله وبكى، وقال له: {صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله} هؤلاء أهل الإيمان والحب والطموح شهداء في الأرض وليسوا شهداء الفن والغناء الماجن والمسرح الذي يموت على أغنية، أو ينزل من المسرح فتنكسر رقبته فيسمى شهيد المسرح، بل شهيد الكذب والرجعية، وشهيد الفكر العفن والتخلف. يقف جعفرالطيار يوم مؤتة وهو في أرض الأردن وقد ترك زوجته وأطفاله وماله وداره وخرج إلى الله الواحد الأحد، فأتى في مؤتة والصحابة ثلاثة آلاف بينما الروم مائة وثمانون ألف، فوقف جعفر وأخذ يلتفت إلى المسلمين وهم يقولون: كيف نقاتل مائة وثمانين ألفاً ونحن ثلاثة آلاف فقال: أما أنا فقد بعت نفسي يوم أن خرجت من المدينة: ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا أتى جعفر وقال: [[اللهم اشهد، اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]] الدم ليس المال ولا الدار ولا العقار، فأقبل على العدو كالأسد الهصور، فقطعت يمينه في أول النهار، فأخذ الراية في يسراه وأعلن لا إله إلا الله محمد ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فقطعت اليسرى، فأخذ الراية بساعديه على صدره، فأقبل الروم بالرماح فدكوا الرماح في صدره حتى وقع شهيداً على الأرض، والرسول عليه الصلاة والسلام يتابع جعفر من المدينة وجعفر في مؤتة قريباً من أرض معان في الأردن وراءها مئات الأميال، فلما قتل جعفر نحب عليه الصلاة والسلام بكاءً عليه، فهذا شوق الحبيب لحبيبه، وجعفر لم يبك يوم قطعت يمينه؛ لأن العظماء لا يبكون في وقت العظمة، وإنما أخذ يتبسم ويقول: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها عليَّ إن لاقيتها ضرابها ويأتي القائد الثالث ابن رواحة فإنه تقدم في المعركة زيد بن حارثة فقتل فتقدم جعفر فقتل فتقدم ابن رواحة، وقام عليه الصلاة والسلام يلقي خطبة تأبين وتعزية على الناس ويخبرهم بمصير القواد العظماء الثلاثة فيقول: {والذي نفسي بيده لقد عرضوا عليَّ على ثلاثة أسرة من ذهب وقد دخلوا الجنة، أما جعفر فكلمه الله كفاحاً بلا ترجمان} جعفر الطيار بن أبي طالب كلمه الله، وأبدله بيديه جناحين اثنين يطير بهما في الجنة حيث شاء، من شجرة إلى شجرة، ومن روضة إلى روضة، ومن قصر إلى قصر، سلام عليك يا جعفر! سلام عليك يا من بعت الحياة لأجل أن ترفع لا إله إلا الله في الحياة، سلام عليك يوم نلقاك ونسأل الله أن يجلسنا معك، فلسنا من الشهداء وما قدمنا وما فعلنا للإسلام شيئاً ما قمنا الليل ولا نهكت منا الأعراض، لكن يا جعفر! نحبك والمرء يحشر مع من أحب: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة أيها المسلمون: هبت نسائم الجنة وظلالها وهواؤها، فهل من مستنشق للجنة؟ يقول أنس بن النضر في معركة أحد -قبل المعركة- وسعد يقول: لا تقدم يا أنس! -أحد شباب الصحابة- قال أنس: [[يا سعد! إليك عني، والله الذي لا إله إلا هو إني أجد ريح الجنة دون جبل أحد]] وفي الضحى قتل أنس وضرب ثمانين ضربة حتى ما عرفته أخته إلا ببنانه وأصابعه وحارثة بن الربيع وأتت أمه تبكي وتقول للنبي صلى الله عليه وسلم: {ابني في الجنة فأصبر وأحتسب، أم هو في غير ذلك؟ قال: أهبلتِ -أجننتي- أهي جنة واحدة والذي نفسي بيده إنها لجنان كثيرة وإن ابنك في الفردوس الأعلى} أيها الناس: صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ على نبيك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين! اللهم ارض عن الصحابة الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان واجعلهم من الراشدين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر المجاهدين الأفغان، اللهم انصرهم في أرض أفغانستان، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم من قتلته منهم فاجعله شهيداً مع جعفر وزيد، وابن رواحة، اللهم ارفع كلمة الإسلام بجهادهم وثبتهم على الإسلام، اللهم انصر المسلمين في فلسطين، اللهم رد إلينا مقدساتنا وحرماتنا ومجدنا وكرامتنا يا رب العالمين! اللهم أذل اليهود ومن شايعهم وسار في ركبهم، إنهم لا يعجزونك يا رب العالمين! اللهم رد شباب المسلمين إليك، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الجريمة الكبرى

الجريمة الكبرى الذنوب خراب الشعوب، وفساد الأمم، وضياع الأخلاق، والصلاة عمود الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين، فلذا أعظم الجرم تركها، ومن أفجر الذنوب التكاسل عنها، وأداؤها في جماعة مطلب شرعي ملح. والإنسان خطاء وخير الخطائين التوابون، ومما يكفر الذنوب عشر خصال ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

خطر الذنوب والمعاصي على الفرد والمجتمع

خطر الذنوب والمعاصي على الفرد والمجتمع الحمد لله، الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. صلى الله وسلم على صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود، والصراط الممدود. صلى الله وسلم على صاحب الرسالة الخالدة، والشريعة الرائدة، والقيادة الحكيمة. صلى الله وسلم على من شرح الله به صدور البشرية، وأنار به أفكار الإنسانية، وزعزع به كيان الوثنية، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله: انقطعت الأمطار، وجفت الآبار، ويبست الأشجار، وذبلت الأزهار، وغضب الواحد الجبار، من كثرة الذنوب والسيئات والأوزار. عباد الله! الذنوب والخطايا قطيعة بين العبد وربه، ووحشة بين الإنسان ومولاه. عباد الله! الذنوب والخطايا هدم للحضارات، وضرب لثقافة الإنسان ومعرفته، وغضب من الواحد الديان. عباد الله! الذنوب والخطايا محق للأرزاق، وفساد للأبناء والأخلاق، وتدمير للبيوت. فلا إله إلا الله، كم دمرت الذنوب والخطايا من شعوب! ولا إله إلا الله كم أفسدت من قلوب! ولا إله إلا الله كم شتتت من أُسر! ولا إله إلا الله، كم أوجبت من لعنة وغضب على أصحابها ومقترفيها! وقد نعى الله -تبارك وتعالى- على أهل الذنوب والخطايا خطاياهم وذنوبهم، فأخبر أن سبب تدمير قوم نوح؛ هو الخطايا والذنوب، فقال جلَّ ذكره: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً} [نوح:25] فإغراقهم في الدنيا، وإدخالهم على وجوههم في النار؛ سببه الخطايا والذنوب، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن اليهود وصانعي الصهيونية العالمية، وأهل اللعنة الخالدة الأبدية، والذين نشروا الزنا والدعارة في العالم، قال عنهم: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13]. وقال عنهم في موطن آخر: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً} [النساء:160] حرم الله عليهم الطيبات، وجعلهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى يبوءُون باللعنات، وأغلق عليهم أبواب الرحمات، بسبب الذنوب والسيئات. وقال الله عنهم في موطن ثالث: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة:66] فباءوا بغضب من الله على غضب. ولما أفنى الله الأمم، ودمر الشعوب الملعونة البغيضة التي لم تعرف الله، ولا عرفت الطريق إلى الله؛ صنفهم في العذاب: فقوم هددهم بالطغيان، وقوم أبادهم بالريح، وقوم زلزلهم بالمحق، وقوم أغرقهم بالماء، وقال في آخر المسيرة المبكية المحزنة، مسيرة الدمار، والعار، والشنار: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40]. تتوسل الملائكة إلى الله في السماء، أن يغفر للمؤمنين، وأن يقيهم السيئات والذنوب، يقول جلَّ ذكره عنهم: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:9].

أعظم السيئات المنتشرة ترك الصلاة وحكم تركها

أعظم السيئات المنتشرة ترك الصلاة وحكم تركها عباد الله: إن من أعظم السيئات التي انتشرت في أمتنا، والتي هي سبب لهزائمنا وفشلنا أمام العالم، وسبب لتكدير قلوبنا، وضياع أرواحنا، وهدم نفوسنا، وفساد أبنائنا، وخراب شعوبنا، وسوء معاملة حكامنا لمحكومينا، ومحكومينا لحكامنا: ترك الصلاة، وتضييعها، وإفساد أدائها، وعدم الاهتمام بها. ومعنى ترك الصلاة عباد الله: الكفر البواح، والنفاق الصراح، والقطيعة بين العبد ومولاه، ومعناها: اللعنة وقطع الميثاق، وتردية هذا العبد في الشقاء، فلا يسعد بعدها أبداً. ترك الصلاة -يا عباد الله- معناه: الخروج جملة وتفصيلاً عن الإسلام. ومعناه: خلع ثوب الهداية، وإعلان الكفر البواح الصراح أمام العالم. ومعناه المناداة على النفس بالنفاق، والوثنية، والشرك، والعناد، والزندقة. ومعناه كتابة اللعنة على هذا التارك إلا أن يتوب ويعود إلى الله تبارك وتعالى. كتب الله على تارك الصلاة اللعنة حتى يتوب، فهو ملعون في السماء، ملعون في الأرض، ملعون مع الماء والهواء، ملعون في الكتب، ملعون على ألسنة الرسل، ملعون على أيادي الملائكة البررة الكرام. تارك الصلاة -يا عباد الله- مقترف لأكبر جريمة في تاريخ الإسلام، ولذلك لما وصف الله المشركين وتوبتهم، قال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] أي: فإذا لم يقيموا الصلاة فلا تخلّوا سبيلهم. ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {أُمِرتُ أن أقاتل الناس} يعني: أمرت أن أسل السيف، وأقطع الأعناق، وأضرب الرءوس، وأندر الأكتاف عن المناكب: {أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله} ولا يكفيهم ولا يخلصهم ذلك، حتى - ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله}. وقد جعل الله عزَّ وجلَّ تارك الصلاة خارجاً عن الإسلام وإن ادعاه، ولو تجلبب بجلبابه، وتقمص بقميص الهداية، ولو تتوج بتاج الرسالة، فإنه كاذب والله! ومُفْتَرٍ على الله. أيُّ إسلام بلا صلاة؟! أيُّ توحيد بلا صلاة؟! أيُّ رسالة بلا صلاة؟! يوم تركنا الصلاة ضعنا والله، وأصبحنا على موائد الشعوب، وأصبحنا في فشل، ومذلة، وخزي، وعار لا يعلمه إلا الله. لما تركنا الصلاة دُخِلَت جيوشنا فسُحقت بقنابل اليهود، وضُربت مدننا بطائرات اليهود، ودمرت كياناتنا ومنتجاتنا بصواريخ اليهود، أرذلُ العالمِ خنازيرُ الدنيا قردة المعمورة ضربونا بالهراوات لما تركنا الصلاة، دخلنا المعركة بلا صلاة فانهزمنا ونحن ملايين مُمَلْيَنَة؛ لأننا ما دخلنا بالصلاة. لما تركنا الصلاة؛ فسدت مؤسساتنا العلمية، وفسد مدرسونا، ومربونا، وفسد الذين يقولون: "أنهم ينقذون العالم". يقول صلى الله عليه وسلم في هذه الصلاة كما في صحيح مسلم: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} فهي مرتبة واحدة إذا زل منها الإنسان فقد كفر، ووازِه بما شئت من كفرة الدنيا: بإبليس، أو فرعون، أو قارون، أو هامان، بـ ريغن، أو شامير، أو رابين، بكل لعين في الدنيا. ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر}.

صلاة الجماعة

صلاة الجماعة

وجوب أداء الصلاة في المساجد والأدلة على ذلك

وجوب أداء الصلاة في المساجد والأدلة على ذلك ولا يقبل الله الصلاة إلا في المساجد يا أمة المساجد! ولا تؤدى الصلاة إلا: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ} [النور:36 - 37] {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:18] {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء:102]. فلا صلاة إلا في المسجد، يقول رسول الهداية، ومنقذ الإنسان، ومعلم البشرية، المحرر للإنسان من رق التبعية صلى الله عليه وسلم: {أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا، ومعي رجال معهم حزم من حطب، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً، أو مِرْماتَين حسنتين لشهد الصلاة معنا} وعند أحمد: {والذي نفسي بيده لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم بالنار} يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه البيهقي، وصححه عبد الحق الإشبيلي: {من سمع النداء للصلاة فلم يأت، فلا صلاة له إلا من عذر} وعند البيهقي عن علي: [[لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد]]. ويأتي أعمى إلى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، قيل: هو ابن أم مكتوم الأعمى الذي سماه الله في القرآن: أعمى كما في سورة عبس، لكنه والله ليس بأعمى، والذي لا يعرف هدايته، إن الأعمى الذي لا يعرف مستقبله، إن الأعمى الذي لا يتبع كتاب ربه، ويقطع الصلة بينه وبين الله لكن ابن أم مكتوم أعمى البصر، وليس أعمى البصيرة، أما أعمى البصيرة فهو الذي يقول الله فيه: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19] {أتى ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله! أنا أعمى، بعيد الدار، ليس لي قائد يلائمني، وبيني وبين المسجد وادٍ مسيل وظلمة، فهل تجد لي من رخصة؟ فأرخص له، ثم تذكر صلى الله عليه وسلم عهد الله وميثاقه وفريضته، فدعاه، فقال: هل تسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، قال: نعم، قال: فأجب، فإني لا أجد لك رخصة} أي: من أين أرخص لك وهذه فريضة الله، والترخيص لا يصدر إلا من الله، أما أنا فلا أجد لك رخصة أبداً، ولذلك: مَن خان (حيَّ على الصلاة) يَخون (حيَّ على الكفاحْ) مَن خان (حيَّ على الصلاة) يَخون (حيَّ على الفلاحْ) هاتوا مِن المليار مليوناً صِحاحاً مِن صحاحْ لما خنّا حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، خنّا حيّ على الكفاح، وحيّ على الجهاد والتضحية.

اهتمام السلف بصلاة الجماعة

اهتمام السلف بصلاة الجماعة وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لم يَعُدُّوا عملاً، ولم يُجْمِعوا على عمل أن تركه كفر إلا الصلاة. قال شقيق بن عبد الله العقيلي: [[أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن من ترك الصلاة فقد كفر]] ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يشتاق للصلاة دائماً وأبداً في المسجد، تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: {كان صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله -في خدمة أهله- يقطع اللحم، ويخصف النعل، ويرقع الثوب فإذا سمع الله أكبر، قام إلى الصلاة كأننا لا نعرفه ولا يعرفنا}. هذا معنى لا إله إلا الله، هذا معنى التوجه إلى الله، ليس الإسلام افتراءً ودجلاً وكذباً، ليس الإسلام نفاقاً وخنوعاً في البيوت والناس يصلون في المساجد، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: [[والله لقد رأيتُنا مع رسول صلى الله عليه وسلم وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتي بالرجل يهادى به بين الرجلين، حتى يقام في الصف]]. لذلك كان السلف الصالح رضي الله عن السلف، وسلام على السلف الصالح لا يفتئون إذا سمعوا: الله أكبر، إلا أن يقوموا مباشرة إلى المسجد. يقول سعيد بن المسيب رحمه الله وهو في سكرات الموت، وبناته يبكين عليه، قال: [[لا تبكين عليَّ فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الإمام أربعين سنة]] وقال الأعمش سليمان بن مهران؛ الزاهد العابد، العلامة النحرير، وهو في سكرات الموت، وابنه يبكي عليه، قال: [[يا بني لا تبكِِ عليَّ، فوالله ما فاتتني صلاة الجماعة ستين سنة]] وكان ثابت بن عبد الله بن الزبير كلما أصبح بعد الفجر يرفع يديه، ويقول: [[اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، فقال له أبناؤه: ما هي الميتة الحسنة يا أبتاه؟ فقال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد في الصلاة. ومضى عمره، فلما حضرته سكرات الموت سمع التكبير لصلاة المغرب، فقال لأبنائه: احملوني إلى المسجد، فقالوا: يا سبحان الله! أنت في سكرات الموت والله عذَرك، قال: لا والله! لا أسمع حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح وأبقى في بيتي، فحملوه على أكتافهم، فلما صلى صلاة المغرب، وكان في السجدة الأخيرة توفاه الله في سجوده]] هذه هي الميتة الحسنة، هذا هو المصير المحمود، هذا هو المستقبل الرائع.

الحض على صلاة الجماعة

الحض على صلاة الجماعة يا شيوخ الإسلام! ويا شباب الإسلام! أي إيمان بالله لمن يصلي بالبيت ويسمع داعي الله وليس له عذر، وأي إسلام لمن يتخلف عن المساجد، إنه منافق معلوم النفاق، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي: {من رأيتموه يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان} فإن الله يقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:18] وهذا هو الرسول عليه الصلاة والسلام في لحظات حياته الأخيرة، وفي أنفاسه الأخيرة في سكرات الموت يلفظ الشهادة، ويقول: {الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم}. الله الله في الصلاة، الله الله في الصلاة. وطُعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه فأصبحت عيونه تهراق بالدموع، وهو لم يكمل الصلاة، فأعانه الله على إكمالها، فأخذ يقول: [[الله الله في الصلاة، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة]]. وقد قال بوجوب الصلاة في الجماعة جمهرةٌ مِن أهل العلم، منهم: عمر ومعاذ وعلي وعائشة وابن عباس والأوزاعي وأبو ثور والشافعي، وحقق ذلك ابن حزم في المحلى، واشترطها ابن تيمية شيخ الإسلام، قال: "هي شرط في صحة الصلاة" أي: الجماعة، فكأنها إذا صُلِّيت فُرادى لا تصح عند هذا الإمام العملاق، ولا تُقبل إلا من عذر. فالله، الله، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم في الصلاة جماعة، إن كنتم تريدون وجهَ الله، إن كنتم تريدون المستقبلَ الرائع الطيب، إن كنتم تريدون الثباتَ والخاتمةَ الحسنة، والرزقَ الحلال، والولدَ الصالح، والسعةَ في الرزق، والراحةَ في البال، واليقينَ، والاتصالَ بالحي القيوم، والأمنَ، والسكينةَ فالصلاة في الجماعة. وإنه -والله- لا تعمر بيوتكم، ولا يصلح أبناؤكم، ولا يبارك الله في رزقكم، إلا إذا عبدتموه في المساجد خمس مرات، فمن صلى معنا خمس مرات شهدنا له بالله العظيم أنه مؤمن، ومن تخلف عنا بلا عذر شهدنا عليه أنه منافق: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] فنحن شهداء الله في أرضه، من شهد له المسلمون بخير فهو خيِّر، ومن شهدوا عليه بشر فهو شرير. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

مكفرات الذنوب

مكفرات الذنوب الحمد لله، الحمد لله ولي الصالحين، رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وقدوة الناس أجمعين، وحجة الله على العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماًَ كثيراً. عباد الله: علمنا ما للذنوب من نكبات، وما لها من خلفيات، وما لها من نتائج، فما هو الحل من هذه الورطات؟ وما هو الحل للخروج من هذه النكبات؟ وما هو الدواء لهذا البلاء؟ وما هو البلسم لهذا الشقاء؟

المكفرات العشر للذنوب والخطايا

المكفرات العشر للذنوب والخطايا إن الدواء من الذنوب والخطايا، والحل من السيئات والذنوب يكمن في عشرة أمور، من أدركه واحدٌ من هذه العشرة، أنجاه الله، ورحمه وغفر له، ومن لم يدركه واحد من هذه العشرة فقد خسر الدنيا والآخرة، وقد شرد على الله، وتفلت على حدود الله، كما يتفلت الجمل الشارد على أهله، وهذه العشرة، اسمها: الكفارات العشر، أو المكفرات العشر للذنوب والخطايا، فيجب على المسلم أن يعتني بها، وأن يبادر بها، وأن يحققها، وأن يحاول أن يتشبث بواحدة منها حتى ينقذه الله، وحتى يسلمه الله، وحتى يعافيه الله من البلاء، ومن الضنى، والضنك، والردى. أول هذه العشر: التوبة:- فإنها واجبة على عموم الناس، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8] {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} [النساء:64]. فالتوبة يا عباد الله! وثانيها: الاستغفار: قال ابن تيمية شيخ الإسلام في المجلد العاشر من فتاويه وكرر ذلك في الحادي عشر، وفي رسالة رفع الملام عن الأئمة الإعلام: "قد ينفع الاستغفار بلا توبة" والله قد أمر بالاستغفار، فهو العامل الثاني، وهو مطهر من الذنوب. فأوصيكم بكثرة الاستغفار، فإنه مكفر للخطايا والذنوب. وثالثها: دعوات المؤمنين لك:- والتي اكتسبتها بحسن خُلُقِك، وتعاملك معهم، فدعاؤهم لك بظهر الغيب، يكفر الله به عنك الذنوب والخطايا. ورابعها: ما تجده في الحياة الدنيا من مصائب: من زلازل، ومحن، وكوارث، فهذه المصائب يكفر الله بها من سيئاتك، كما تَحُتُّ الشجرةُ ورقَها، حتى تخرج نقياً من الذنوب، بشرط أن تكون قائماً بفرائض الله. وخامسها: الحسنات التي تفعلها: من الصدقات، والنوافل، وحسن الخلق، وصلة الرحم، وحسن التعامل مع الناس، من الأذكار، من أعمال البر جملةً وتفصيلاً قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]. سادسها: ما تجده عند سكرات الموت، يوم يأتي الوعد الحق، يوم تأتي ساعة الصفر، يوم يأتي اليقين، يوم يتخلى عنك الأحباب، والأصحاب، والولد، والزوجة، والرحم والقريب، يوم لا يقف معك إلا الواحد الأحد: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] فما يأتيك من سكرات فهي من المكفرات بإذن الله. سابعها: ما تجده في القبر من منكر ونكير: من فتنة الفتان أعاذنا الله وإياكم من تلك الفتنة وثبتنا الله وإياكم يوم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [إبراهيم:27]. والقبر روضةٌ من الجنانِ أو حفرةٌ من حُفَر النيرانِ إن يكُ خيراً فالذي مِن بعدِهِ أفضلُ عند ربنا لعبدِهِ وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ ثامنها: ما يجده المسلم من أهوال يوم القيامة:- من المنظر الرهيب الرعيب البهيت، المدهش المذهل، من الصراط، ورؤية تطاير الصحف، ورؤية الشمس وقد دنت، والعرش وقد اقترب من الناس، وكثرة الخلائق، وكثرة الهلع والخوف والفزع، هذا كله مكفر للذنوب. والمكفر التاسع: شفاعة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: لا أحرمنا الله وإياكم شفاعته، ونسأل الله أن يدخلنا في شفاعته: واستشفعَ الناسُ بأهل العزم في إراحة العباد من ذا الموقف وليس فيهم من رسول نالها حتى يقول المصطفى أنا لها فهذا مكفر تاسع: يدخل فيه أهل الكبائر، مَن شاء الله أن يرحمه من أهل الكبائر أدخله في شفاعة سيد الخلق، ومَن شاء أن يعذبه منهم كبَّه الله على وجهه في النار، لكن لا يُخلَّد في النار إذا كان موحداً. والعاشر: رحمة أرحم الراحمين: يوم تنتهي التسعة الأسباب، وتتقطع الجبال، وتُوصَد الأبواب، وتنتهي هذه التسعة، يبقى السبب العاشر، تأتي رحمة أرحم الراحمين. فنسأل الله أن يرحمنا وإياكم برحمته، وأن يتولانا بولايته، فمن فاتته هذه العشر فلا يلومَنَّ إلا نفسه، ولا يبكي إلا على حظه ونصيبه، ولا يندم إلا على كسبه، ولا يعود باللائمة إلا على ذاته، فهو الذي أساء كل الإساءة، وفرط كل التفريط، وضيع كل الإضاعة. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، اللهم اعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة. يا رب العالمين، اللهم اجزه خير الجزاء، جزاء ما قدم للبشرية، وما أهدى للإنسانية، وما دفع به في نحر الوثنية. اللهم ارفع مقامه، واكتب له الوسيلة، وارفع درجته عندك يا رب العالمين. وارضَ اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تَبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك، يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، واهدهم سبل السلام، وأيدهم بتأييد منك، يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الرحمين. اللهم من أراد للإسلام عزاً ونصرةً وتمكيناً فمكنه في الأرض يا رب العالمين، وأصلح باله، واشرح حاله، ووفقه لكل خير، وأيده بتأييد منك، يا رب العالمين. اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين والصالحين بشرٍ فاشغله بنفسه، واجعله كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

حق المسلم على المسلم

حق المسلم على المسلم استشرى الاختلاف في الأمة الإسلامية بين الدعاة، وتوسعت الفجوة، ولكي تنتهي هذه الفرقة وهذه الاختلافات لابد من العودة إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلى غرس الإخاء والمودة بين المسلمين، ومعرفة حقوق المسلمين على بعضهم البعض. وفي هذه المادة ذكر لهذه الحقوق العظيمة التي لابد من وضعها في الاعتبار.

عظم حق المسلم

عظم حق المسلم الحمد لله العلي الغفار، الواحد القهار، مكور النهار على الليل، والليل على النهار، أحمده وأشكره وأستغفره، وأنيب إليه وأتوب إليه من جميع الأوزار، وأشهد أن لا إله إلا هو شهادة تبلغني وإياكم تلك الدار، دار النعيم التي أعدت للأبرار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خيرة البشر، صلى الله عليه وسلم ما تألقت عين لنظر، وما اتصلت أذن بخبر، وما هتف طير على شجر، وما انهمل مطر، وعلى آله وصحبه أجمعين. أمَّا بَعْد: أيها الناس! إن من أعظم مقاصد الرسول عليه الصلاة والسلام، بل إن من أجل أهداف الإسلام أن يؤلف بين قلوبنا، وأن يوحد بين صفوفنا، وأن يرأب الصدع بيننا، فإذا لم يتم ذلك؛ فلنعلم جميعاً أننا تلبسنا بالإسلام، وما اهتدينا إلى طريقه، وما تشرفنا بحمله، يقول الله تعالى ممتناً على الأمة العربية التي كانت ضائعة ضالة متفرقة، متحاسدة متحاقدة متقاطعة: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. فسبحان من ألف هذه القلوب ووحد بينها، ورأب صدعها؛ فاستقلت بحمل الرسالة إلى البشرية والله يأمرنا بالاعتصام، وينهانا عن الفرقة وموجباتها من بغضاءٍ وحسد وغيبة، ومن هتك الأعراض، ومن تشريح وتجريح، يقول الله سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103].

اقتران الإيمان بالمحبة بين المؤمنين

اقتران الإيمان بالمحبة بين المؤمنين اعلم أيها المسلم أنك لن تنال رضوان الله ولا عفوه ولا رحمته حتى تود لأخيك المسلم ما توده لنفسك، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ قال: أفشوا السلام بينكم}. وإفشاء السلام معناه: بسمة الوجه وإطلاقه وبشاشته، وحرارة العناق ويوم أن توجد البغضاء بين الأسر والمجتمعات وطلبة العلم، يحل الغضب والمحق واللعنة والعياذ بالله، يقول عليه الصلاة والسلام: {إياكم وفساد ذات البين، فإن فساد ذات البين الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين}.

سلامة الصدر

سلامة الصدر إذا أردت أن تنام وطرحت نفسك على الفراش، وأوكلت نفسك باريها، فتذكر هل تضمر للمسلمين غشاً، هل تحمل لهم حقداً أو ضغينة، إن كنت تحمل ذلك فصحح إيمانك، وجدد إسلامك، فإن في قلبك غشاً وحقداً على عباد الله. كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه في المسجد وهو مع الشبيبة الطاهرة التي حملت لا إله إلا الله إلى البشرية، فبينما هو يحدثهم قطع الحديث فجأة، وقال: {يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة}. إذا بهذا الرجل تتقاطر لحيته بماء الطهور والوضوء البارد الذي يشبه برد قلبه ويقينه، وحذاؤه في يده اليسرى، فيدخل ويصلي ركعتين ويجلس، وفي اليوم الثاني يعيد صلى الله عليه وسلم هذا الكلام ويدخل هذا الرجل، وفي اليوم الثالث يكرر الكلام ويدخل ذاك الرجل عجيب بم دخل الجنة؟! أبصيام وصلاة؟! أبكثرة قراءة ومحاضرات؟! أبصدقة وبذل وعطاء؟! لا. الأمر أعظم من ذلك، إن من الناس من يدعو ولكنه حقود، ومن الناس من يتصدق ولكنه حسود، ومن الناس من يبذل ويضحي ولكنه يبغض عباد الله، ويرصد لهم. ولما سمع عبد الله بن عمرو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، حرص على معرفة سر ذلك، فلازم هذا الرجل، وأمسى عنده ثلاث ليال، انتظر ليقوم يصلي الليل فلم يقم ليصلي الليل، نظر للصدقة فليس هناك صدقة كثيرة، نظر إلى صلاته في النهار فوجده يصلي الفرائض فحسب، فودعه وقال: يا أيها الرجل! ما أمسيت عندك ثلاثاً؛ إلا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبرنا أنك من أهل الجنة ثلاث مرات، فأسألك بالله ما هو عملك الذي بلغك دخول الجنة؟ فما رأيت عندك قيام ليل ولا كثرة صلاة ولا صدقة! قال: أما وقد سألتني فوالله الذي لا إله إلا هو إنني لا أبيت وفي قلبي لأحد من المسلمين غش ولا حسد كائناً من كان، لا أجد على المسلمين غلاً ولا حقداً ما أبرد قلبه! ماذا التقاطع في الإسلام بينكم وأنتم يا عباد الله إخوان لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان اليهودية والنصرانية، والصهيونية العالمية، والشيوعية وأهل الحداثة، وأهل الفجور يختلفون، لكنهم في حرب المسلمين يتفقون، أما أهل الإسلام فمتفرقون على أساليب وأطروحات وحقد دفين، وغيبة في الأعراض.

حرمة المسلم

حرمة المسلم جاء في الأثر أن الرسول صلى الله عليه وسلم نظر إلى بيت الله الذي بناه إبراهيم، ثم قال: {ما أعظمك! وما أجلك! والذي نفسي بيده للمسلم أعظم حرمة عند الله منك}. ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام لنا ولكم، ولمن سلك طريق الإسلام: {المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه}. يا أيها الذي جلس في المجلس ليغتاب عباد الله المؤمنين! يا أيها الذي انتهك حرمات العابدين المتوجهين! أما تعرف أنك تحارب الدين الإسلامي؟! أما تعرف أنك تقوم بحرب شعواء ضد الرسالة الخالدة؟! اتق الله في نفسك اتق الله في مصيرك وتذكر أننا أمة واحدة، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] فأكبر صفات المؤمنين أنهم إخوة إن كيد مُطَّرف الإخاء فإننا نسري ونغدو في إخاء تالد أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمامٍ واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد إن الذين يسعون إلى الفرقة بدعوتهم وأساليبهم وحقدهم، إنهم يحاربون الرسالة الخالدة التي أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم عجيب كيف يتحد الباطل صفاً في حربنا، ونحن شيع وأحزاب ومجالس وأساليب لا نتحد ولا نتفق ولا نتآخى؟! إنها قاصمة الظهر!! حتى الجهاد الأفغاني، جهاد المجاهدين الأفغان وهم على الجبهات يلتحفون السماء ويفترشون الغبراء، لا يجدون كسرة الخبز، سلَّموا لله دماءهم وأموالهم وأطفالهم وهدمت بيوتهم وقعقعت مساجدهم، ودكدكت مآويهم، ثم يدخل فيهم من يفرق الكلمة، وينظر أنه هو المصيب وأن غيره المخطئ فلسطين يقوم الأطفال والنساء بالحجارة الصغيرة يدافعون بها الدبابات والطائرات والقنابل، ومع ذلك يجلس بعض الناس على الكنبات والمأكولات والمشروبات والفلل والسيارات، ولا هم له إلا أن يغتاب عباد الله: أقول لهؤلاء: أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا إن كنتم لا تستطيعون أن تخدموا الرسالة الخالدة، وأن تدفعوا العدو المارد، فنسألكم بالله أن تكفوا ألسنتكم عن عباد الله. البغضاء -يا عباد الله- شتتت الأسر في مجتمعاتنا، فقد وجد أن من الأرحام من يحقد على رحمه، ومن يتعرض له، ويكيد له المكائد، ولذلك قست القلوب، وجفت العيون، وانقطعت البركة في الأرزاق بذنوبنا وخطايانا {والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم}

معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه

معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عمر حين استأذنه للعمرة -كما عند الترمذي - يقول عليه الصلاة والسلام وهو يعانقه ويودعه: {لا تنسنا من دعائك يا أُخي. قال عمر: كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما فيها} وجد من الناس ممن نصب نفسه داعية أو منظراً أو مفيداً من له مواصفات مع الناس؛ يبتسم لهذا ولا يبتسم لذاك، ويهش لهذا ولا يهش لذاك، وليعلم الذي يخسر الناس أنه إنما خسر نفسه؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {تبسمك في وجه أخيك صدقة} ويقول: {ولو أن تلق أخاك بوجه طلِق أو طلْق أو طليق} ويقول جرير رضي الله عنه: {والله ما رآني صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي}. فيا عباد الله! الله الله في حقوق المسلمين الله الله في أعراض المسلمين الله الله في دماء المسلمين إن الله سوف يسألكم يوم العرض الأكبر {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].

من حقوق المسلم

من حقوق المسلم واعلموا أن للمسلم على المسلم حقوقاً كثيرة، نذكر بعضها.

نصيحته إذا استنصحك

نصيحته إذا استنصحك فمن حقوق المسلم: أن تنصح له فإذا أتاك في قضية، أو شاورك في أمر؛ فأخرج الغل والغش من نفسك، واجعله مكانك، وأحب له ما تحب لنفسك، ودله على ما ترى أنه الصواب؛ لأن من الناس من هو خائن، فإذا استنصحه أخوه أودى به في داهية؛ لأنه يريد به النكاية والنكال في الدنيا والآخرة.

تشميته وإجابة دعوته

تشميته وإجابة دعوته ومن حقوق المسلم: أن إذا عطس فحمد الله فشمته وهي سهلة عندنا في المنظور، لكنها كبيرة في الواقع. ومن حقوق المسلم: أن إذا دعاك فأجبه، إلا أن ترى أمراً منكراً، ودعوة المسلم ليست بالسهلة، وبعض الناس لا يجيب إلا طائفة من الناس لكبر نفسه فلا يجيب إلا طائفة الأغنياء والمترفين والسادة، أما المساكين والفقراء والمحرومون فيجد خجلاً أن يذهب إلى بيوتهم، سبحان الله! أأنت أكرم أم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؟! يقول صلى الله عليه وسلم: {لو أهدي إلي كراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت}. تدعوه العجوز على كسرة خبز، فيذهب فيجلس على حصير ويأكل معها، وهو أشرف من طرق الإنسانية وهدى البشرية، ودكدك كيان الوثنية. توقفه امرأة مسنة في حرارة الشمس فيقف معها حتى تنصرف هي، وتأتي الجارية فتأخذ بيده فيذهب معها فتريه حدثاً في السوق، ولعلها عناق ماتت، وهو حدث سهل لكنه حدث كبير عند الطفلة، فيبتسم معها ويعيش مشاعرها، ويموت طائر لأحد أطفال المدينة، فيذهب يواسيه في البيت سبحان الله! يقول الله له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] فإذا دعاك المسلم فأجبه؛ لأنك تجبر الكسر الذي في قلبه، فما أحسن أن يراك أجبت دعوته، وأكرمته بالحضور، وأريته نفسك في بيته!

إلقاء السلام عليه

إلقاء السلام عليه ومن حقوق المسلم على المسلم: أن إذا لقيته فسلم عليه ومعنى السلام أن تقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإذا قلت له ذلك فكأنك أعطيته عهداً ألا تحاربه، وألا تحمل الضغينة عليه، وألا ترصد له المراصد ومن الناس من لا يسلم إلا على المعرفة، وهذا من علامات الساعة، ونمر بالأسواق وعلى مجامع الناس وبقالاتهم ودكاكينهم فلا نسلم إلا على من نعرف، وهذا نقص في مفهوم الإسلام، يقول عليه الصلاة والسلام لما سئل: {أي الإسلام خير؟ قال: أن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف} ويوم أن نسلم على بعضنا يزيل الله الضغينة من القلوب ويخرج الأضغان.

عيادة المريض واتباع الميت

عيادة المريض واتباع الميت ومن حقوق المسلم: أن إذا مرض فعده، وفي الحديث: {من عاد مريضاً مسلماً شيع بسبعين ألف ملك} وجاء عند الإمام مسلم: {من عاد مسلماً كان في خرفة الجنة حتى يعود إلى بيته} سبحان الله! يمرض أخوك المسلم ثم لاتعوده! وقد أصبحت عيادة المرضى على أوسمة الدنيا ومقامات الدنيا، وبعض الناس لا يعاد إلا رياءً وسمعة، فلا يكتب الله الأجر لمن عاده ويمرض الفقير بجانبك فلا تعوده، ويمرض طفل جارك فلا تنظر إليه ولا تسأل عنه، لكن إذا مرض سيد من سادات الدنيا، فتذهب وتعتذر وتخدمه من أجل الدنيا، سبحان الله! إن ما عند الله خير. ومن حقوق المسلم: إذا مات أن تتبع جنازته فإن المسلم محتاج إلى أخيه المسلم في الحياة الدنيا بعد الموت؛ محتاج إلى دعائه، وما أحسن أن تقف على جنازته فتدعو له {ما دعا أربعون مسلماً لا يشركون بالله شيئاً لمسلم إلا شفعهم الله فيه} فإذا وقفت على جنازته فأخلص الدعاء له. يقول عقبة بن عامر: {كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فاقتربت منه حتى مست ثيابي ثيابه، ثم سمعته يدعو للجنازة -انظر إلى الدعاء الحار الصادق، انظر إلى الدعاء الذي ينبعث من القلب، في أعظم مصرع يصرعه الإنسان، وهل تُعَلَمُ كارثة في الحياة أكبر من أن يلف المرء في الأكفان، ويطرح أمام الناس ميتاً؟! - قال: فسمعته يقول: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراًَ من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، قال عقبة: فوددت والله أني أنا الميت}. قال ابن مسعود: {أتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي البجادين، فأنزله قبره، فلما وضع التراب تحت رأسه قال: اللهم إني أمسيت عنه راض فارض عنه}.

من حق المسلم العفو عنه

من حق المسلم العفو عنه ومن حقوق المسلم: أن تعفو عنه، خاصة إذا طرح أمامك في صلاة الجنازة، فكل ما أخذ من حقك، تقول: عفا الله عنه، سامحه الله، انتهك عرضك أو سبك أو شتمك في الحياة، فتعفو عنه؛ لتلقى الله وأنت مرحومٌ، فإنه من يرحم الناس يرحمه الله عز وجل. أيها المسلمون! أنتم أبناء دين واحد، كتابكم واحد؛ ورسالتكم واحدة، فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم التآخي والتآلف والمودة والصلة والكلمة اللينة، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

الغيبة من أمراض المجتمعات

الغيبة من أمراض المجتمعات الحمد لله المعروف بالإحسان المحمود بكل لسان {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن:1 - 6] والصلاة والسلام على رسول الإسلام، هادي الأنام، أفضل من صلى وصام وطاف بالبيت الحرام، مدكدك دولة الأصنام، صلىالله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها المسلمون: لقد انتشر في أوساطنا وفي بيوتنا ومجتمعاتنا مرض الغيبة، والمشتتة للقلوب وهي المفرقة للكلمة، ولا يغتاب إلا أحد رجلين: رجل نسي الله، ونسي موعوده ولقاءه، فهذا همه أن يتفكه في أعراض المسلمين، وأن يأكل لحوم المسلمين، قال الله: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12]. ورجل آخر ركبه الهوى، وأراد أن يتشفى في الأعراض، وأن ينتقم لنفسه، فشغل نهاره وليله باغتياب عباد الله عز وجل قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: {ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره قيل له: أرأيت إ ن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته}.

مواقف للسلف من الغيبة

مواقف للسلف من الغيبة أتى رجل إلى الحسن البصري رحمه الله فقال: يا أبا سعيد، فلان بن فلان اغتابك صباح هذا اليوم، سبك وشتمك في المجلس، فقال انتظر قليلاً، فذهب فأتى بطبق فوضع فيه رطباً، ثم قال له: اذهب إليه وسلم عليه، وقل له: أهدى لنا حسناته وأهدينا له رطباً، والحسنات أغلى من الرطب. وأتى رجل إلى جعفر الصادق، فسب رجلاً من المسلمين في مجلسه، فقال له جعفر الصادق -وهو من العلماء الكبار في الأمة: أقاتلت الروم؟! أقاتلت فارس؟! قال: لا. فقال: يسلم منك الروم وفارس ولا يسلم منك المسلمون!!

موعظة لمحمد بن واسع

موعظة لمحمد بن واسع أتى رجل إلى محمد بن واسع، فأخذ ينتقد عباد الله ويغتابهم، فقال محمد بن واسع: أما ذكرت إذا لففت في الأكفان؟ أما ذكرت إذا وضعت على الخشب وغسلت بالماء بعد الموت؟ أما ذكرت إذا وضع القطن على عينيك وفي فمك؟ قال: نعم ذكرت قال: اتق الله في أعراض المسلمين. عرض المسلم أمره عظيم، يوم أن يجلس المسلم فينسى الله وموعوده ويتحدث عن أعراض المسلمين بالهوى، ويسب ويشتم استجابة للهوى، ولقد عرفنا وعلمنا واستقرأنا، وعرفتم وعلمتم واستقرأتم، أن من الناس من يسب غيره وهو يعلم أنه أتقى لله منه وأزهد منه، لكنه يعتدي عليه لأسباب دنيوية، إما لأنه ما وافقه في مشربه وهواه وطريقته وأسلوبه، أو لأنه خالفه في قضية، أو لأنه اعتلى عليه في بعض الأمور النفعية الكسبية في الدنيا. فيا أيها المسلمون: الله الله في حفظ اللسان لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن وعينك إن أبدت إليك معايباً لقوم فقل: ياعين للناس أعين

الدفاع عن المسلم وستر عورته

الدفاع عن المسلم وستر عورته ومن سنن الله في الكون أن من حفظ أعراض المسلمين حفظ الله عرضه، وأن من جرح المسلمين فضحه الله على رءوس الأشهاد، وفي الحديث: {يا أيها الناس! لا تتبعوا عورات المسلمين؛ فإن من تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في عقر داره}. ومن سنن الله أنه يدافع عن المؤمنين، فاجعل الدفاع بيده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يدافع عنك قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:38]. كان السلف الصالح تسود المودة بينهم فمن منا اليوم يدعو لإخوانه في السحر ويسميهم بأسمائهم؟! يقول أبو الدرداء وهو يؤسس مدرسة الحب والإخاء: [[والله إني لأدعو في السحر لسبعين من إخواني بأسمائهم]] ويقول الإمام أحمد يوم رأى ابن الشافعي: أبوك من الذين أدعو الله لهم في السحر بأسمائهم ولذلك يقول الإمام الشافعي لما عوتب في زيارة الإمام أحمد، والشافعي أكبر سناً: قالوا يزورك أحمد وتزوره قلت الفضائل لا تغادر منزله إن زارني فلفضله أو زرته فلفضله فالفضل في الحالين له ويكتب الإمام الشافعي يكتب للإمام أحمد ويقول له: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة فالله الله في الدعاء للمسلمين والله الله في حفظ عوراتهم والله الله في العفو عن زلاتهم وخطاياهم، فإن الخلاف في الفرعيات لا يوجب الفرقة ولا التنازع، والذين قالوا: الاختلاف سنة ولابد منه هم مخطئون، والحديث الذي يقول: (اختلاف أمتي رحمة) لا يصح، وابن تيمية يقول: الاختلاف رحمة واسعة، والإجماع حجة قاطعة وقال العلماء: الاختلاف في فرعيات العبادة التي تورث سعة للأمة، أما الاختلاف الذي يوجب الضغينة والحقد والبغضاء فإنه حرام، فإن ذلك يجعل الكافر والمستعمر واليهودي والنصراني يعتلي ظهورنا. فليتنبه دعاة الإسلام، وليتنبه علماء الإسلام، وليتنبه كل مسلم على وجه الأرض. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].

ذئب يتكلم

ذئب يتكلم أرأيتم الذئب؟ إنه حيوان أبكم لا يتكلم، لكن الله الذي أنطق كل شيء أنطقه. أرايتم إلى جذع النخلة؟ إنه جامد لا حياة فيه، لكنه حن حنين الناقة، وبكى على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم. أرأيتم طفلاً في المهد؟ أنى له أن يتكلم وهو لا يعقل شيئاً، ولكن الله الذي أنطق جذع النخلة أنطق ثلاثة أطفال وهم في المهد.

الذئب يبشر بالنبي صلى الله عليه وسلم

الذئب يبشر بالنبي صلى الله عليه وسلم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله - عز وجل - على فترة من الرسل فبصر به من العمى، وأسمع به من الصمم، أتى إلى أمة ضالة فهداها، وإلى أمة غافلة فوعاها، وإلى أمة عمياء فبصرها، وإلى أمة صماء فأسمعها - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً-. أمَّا بَعْد: فلنستمع إلى المنقذ العظيم، وإلى الرسول الكريم , وإلى المعلم النبيل، وإلى الهادي الجليل في كلماته المعطاءة النيرة، وفي حديثه العذب، عليه أفضل الصلاة والسلام. في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة} يعني في الطفولة والصبا ما تكلم إلا ثلاثة أطفال، ثلاثة يرضعون اللبن من ثدي أمهاتهم، تكلموا وأنطقهم الله الذي أنطق كل شيء، والذي ينطق الحجارة فتتكلم، والجلود ينطقها يوم القيامة فتتحدث، والأعضاء يستشهدها يوم العرض الأكبر فتشهد، ويختم على الأفواه التي كانت تتكلم، فلا تتكلم. أرأيتم إلى الذئب، الذئب حيوان أبكم لا يتكلم، لكن أنطقه الله الذي أنطق كل شيء، ففي الصحيح {أن رجلاً ذهب يرعى غنماً في ضاحية من ضواحي المدينة المنورة -في عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام- فأتى الذئب فأخذ شاة، فطارده الرجل حتى أمسك الشاة وانتزعها من الذئب، فجلس الذئب على أرجله يقول للرجل: أتأخذ رزقاً رزقنيه الله، كيف بك إذا أخذت الشاة ولا راعي لها إلا الذئب، قال الرجل -وقد ذهل-: يا عجباً ذئب يكلمني! قال: نعم، وأعجب من ذاك رسول بين النخل -يقصد الرسول عليه الصلاة والسلام- يخبركم بما سبق وبما أتى هو أعجب من هذا، فترك الرجل غنمه، وأتى بعصاه إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله، وقع لي هذا اليوم كذا وكذا، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وجمع الناس وأخبرهم، ثم قال: آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر}. فالرسول عليه الصلاة والسلام هنا يخبرنا أن الله أنطق ثلاثة في المهد، والله ينطق الخشب وهو جامد، ففي الصحيحين عن جابر قال: {خطب صلى الله عليه وسلم على جذع نخلة، ثم ترك الجذع واتخذ منبراً، فبكى ذاك الجذع وحن كما تحن النوق، وله بكاء كبكاء الأطفال، فنزل عليه الصلاة والسلام إلى ذاك الجذع فدهدهه بيده حتى سكت}. فمن أنطقه؟! إنه الله الذي أنطق كل شيء. انظر إلى النملة حشرة لا تكاد ترى، مر سليمان عليه السلام بجيشه فتكلمت في النمل وقالت: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18].

ثلاثة تكلموا في المهد

ثلاثة تكلموا في المهد أ- عيسى عليه السلام: هو الذي أنطق كل شيء، فيقول عليه الصلاة والسلام: {لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة} قبل أن يتكلموا وقبل أن يفصحوا، من هم؟ -قال: عيسى عليه السلام أتت به أمه مريم، وليس له أب عليه السلام، والله خلق الخلق على أصناف ثلاثة: خلق بلا أب ولا أم كآدم عليه السلام، وخلق بأم ولا أب كعيسى عليه السلام، وبقية الخلق من أم وأب، فأتت به من النخل تحمله قال بنو إسرائيل: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} [مريم:28] فلم تتكلم وأشارت إليه، فتضاحكوا، وقالوا: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} [مريم:29] فتكلم بإذن الله، مع أنه لم يمض عليه إلا ساعات، وقيل: ثلاثة أيام، فتكلم بلسان فصيح نصيح مليح، وقال: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} * {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} * {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} [مريم:30 - 32] فانذهلوا. هذا أولهم. ب- قصة جريج:- وثانيهم الطفل في قصة جريج، كان جريج عابداً من عبّاد بني إسرائيل، في صيام وصلاة، في ذكر ودعاء، في صدقة وبذل، فقام يصلي، فلما كبر واستقبل قلبته، أتت أمه قالت: يا جريج فقال في الصلاة: يا رب أمي وصلاتي، يا رب أمي وصلاتي، يا رب أمي وصلاتي؟! أي: يا رب! هل أقطع الصلاة وأجيب أمي؟ أم أستمر في صلاتي؟ انظر إلى بر الوالدين. الآن والداك لا يطالبانك بأن تقطع الصلاة وإنما يدعوانك إلى طلب خفيف، فتجد ممن يعق الوالدين، ويلعن الوالدين، ويقطع الوالدين، ويهجر الوالدين، وهما يقدمان له كل شيء! وجد في مجتمعنا من الآباء من فعل بابنه العجب العجاب، بنى له بيتاً، وزوَّجه، وملَّكه سيارة، وأعطاه من المال، ثم تجد هذا الابن من أفجر الناس، قلبه من قلوب اليهود والنصارى، فلا يطيع أباه، بل يتنقصه في المجالس، ويستهزئ به، فهذا أفجر من أفجر فاجر في الدنيا. فهذا الرجل العابد تحير في الصلاة لكن رأى أن طاعة الله مقدمة على ذلك، هو ما عصاها لكن ما أجابها، فغضبت عليه -وكانت عابدة- وقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات -أي لا تحكم عليه بالموت والإعدام حتى يرى وجوه الزانيات- وكان عابداً، والله يحفظ العبّاد. أرأيتم إنساناً يحافظ على الصلوات الخمس ويشرب الخمر؟ لا. هل رأيتم إنساناً والمصحف في يده يعتدي على المحرمات، أو يزني ويسرق؟ لا. احفظ الله يحفظك: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21]. إنسان يحافظ على صلاة الفجر جماعة كل يوم لن يتردى في الكبائر أبداً، وهذا معروف بالاستقراء، أكثر من يدخل السجون الآن بالمخدرات الذين لا يصلون في المساجد. لماذا؟، لأن الذي لا يعرف طريق المسجد يعرفه الله طريق السجن، والذي لا يعرف القرآن يعرفه السوط، والذي لا يعرف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم يذيقه الله السيف. فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات -تعني: الزانيات- فمكث فتحدث بنو إسرائيل بعبادته، وصيامه، وصلاته، فقالت امرأة فاجرة -نعوذ بالله من الفجور- والفجور انتشر في بني إسرائيل كما قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] تركوا الحجاب ثم اختلطوا، فوقعوا في الزنا فلعنهم الله ومسخهم قردةً وخنازير. ولذلك لا يوجد أحد أطهر من موسى إلا من أمثاله من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، أتى قارون إلى امرأةً زانيةً فأعطاها قنطاراً من ذهب، وقال: إذا اجتمعنا نحن والناس وقام موسى يدعونا إلى الله، فقومي وابكي وسط الناس -هذه الإشاعة الباطلة المفتراة ضد الدعاة- قالت: ماذا أقول؟ قال: قولي: إنه صنع بك الفاحشة -سبحان الله! موسى عليه السلام- فلما اجتمع بنوا إسرائيل ومعهم قارون والأغنياء والأمراء والناس؛ قامت تبكي وتضرب وجهها وتنفث شعرها، قالوا: مالك؟ فادعت أن موسى زنا بها، فقام موسى بالعصا، وقال: يا أمَةَ الله أسألك بمن شق البحر لي، وأنزل علي التوراة هل أنا فعلت ذلك؟ قالت: لا والله، قال: اللهم خذ قارون، فخسف به وبداره، فأخذ قارون وداره فزلزل في الأرض يصيح: يا موسى! يا موسى! يا موسى! حتى اختفى صوته وماله وجسمه وداره في الأرض، وفي بعض الروايات الإسرائيلية يقول الله: "يا موسى لماذا لم ترحمه؟ لقد كدت أن أرحمه، سُبحَانَهُ وَتَعَالَى! " أو كما قال الله عز وجل، وهذه من الإسرائيليات. المقصود: أن هذه المرأة ذهبت إلى جريج، فذهبت إلى بني إسرائيل، فقالت: زنا بها جريج، فأتوا إلى جريج وكان عابداً في صومعةٍ فأنزلوه وضربوه، وهدموا صومعته، فقال: مالكم؟! قالوا: زنيت بتلك المرأة، فأتوا وإذا هي حامل، وقد وضعت وطفلها معها يرضع، قال: يا أيها الطفل! أسألك بالله رب العالمين من أبوك؟ قال: أبي الراعي -راعي غنم كان يدور حول الصومعة زنى بهذه المرأة فكان ابنه هذا الولد- فرجعوا فقالوا: نبني صومعتك من ذهب، قال: أعيدوها من طين، فأعادوها من طين. جـ- الطفل الرضيع:- والطفل الثالث: طفل كان مع أمه يرضع ثديها، فمر بها رجل جميل عليه ثياب حسنة على فرس، فقالت: يا رب أسألك أن تجعل ابني مثل هذا الرجل الفارس، فترك الطفل الثدي، وقال: اللهم لا تجعلني مثل هذا الرجل، فانذهلت فقالت: يا عجباً ابني يتكلم! وبعد قليل مروا بجارية يضربونها ويشتمونها، فقالت المرأة: اللهم لا تجعل ابني كهذه الأمة، فترك الثدي ورفع طرفه إلى السماء، وقال: اللهم اجعلني كهذه الجارية، فانذهلت، فسألت ابنها: مالك؟! قال: أما الرجل الأول، فإنه رجل فاجر ملعون في السماء، وفي الأرض، وأما هذه الأمة الجارية؛ فمظلومة، يقول لها أهلها: زنت وسرقت، وما زنت ولا سرقت، وفي بعض الروايات: وهي من أهل الجنة. وشاهد هذه القصة الاعتماد على العمل، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {احتجت الجنة والنار، فقالت النار: مالي لا يدخلني إلا المتكبرون والمتجبرون؟ وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا الضعفاء والمساكين، فأوحى الله إليهما فقال للنار: أما أنت فعذابي أعذب بك من أشاء، وقال للجنة: أما أنت فرحمتي أرحم بك من أشاء} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. والشاهد من هذه القصص: أن الاعتماد لا يكون إلا على العمل، فزكوا أعمالكم، وانظروا إلى قلوبكم، وأصلحوا أرواحكم، فو الله لا يجدي إلا ما أسلفته من عمل، وما قدمته من تقوى، وما أعددته بين يديك من صلاح. أسأل الله أن يصلحني وإياكم، ظاهراً وباطناً، سراً وعلناً، وأن يجعلنا من المتقين المهتدين، الذين يسلك بهم الصراط المستقيم، وهداهم إلى البر العميم والأجر العظيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

التواضع سبب الرفعة عند الله

التواضع سبب الرفعة عند الله اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، لك الحمد عدد الكائنات، وملء الأرض والسماوات، ينطق بها البريات، وتحصيها سبحانك كما تحصي الحسنات والسيئات، اللهم صلِّ وسلم على النعمة المهداة، والمنة المسداة، على من بعثته رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، وإماماً للمتقين، وخاتماً للمرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28]. يأمر الله تعالى رسوله في هذه الآية بأن يتواضع مع المتواضعين، وأن يجلس مع الفقراء والمساكين، وألا يقوِّم الناس بأموالهم ولا بما عندهم، وإنما يقومهم بأعمالهم وصلاحهم. مر البراء بن مالك على رسول الله صلى الله عليه وسلم والبراء بن مالك كان رجلاً فقيراً زاهداً من الصحابة، لا يملك من الدنيا إلا بيتاً من طين، وأسمالاً بالية من ثياب، وسيفه المثلم الذي يقاتل به أعداء الله، فقال عليه الصلاة والسلام -وهو ينظر إليه-: {رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره} رب أشعث: معناه متغير الشعر متفلفله، ومعنى أغبر: متغير اللون -ذي طمرين: أي: ثوبين باليين- لو أقسم على الله: أي لو حلف على كرمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لأعطاه من بره وصلاحه. حضر المسلمون معركة تستر، فقالوا: يا براء بن مالك! قم فقد وعَدَكَ الله خيراً، أقسم على الله أن ينصرنا هذا اليوم، قال: انتظروني قليلاً، فذهب واغتسل ولبس أكفانه وتحنط وأتى، ثم وقف أمام الجيش وقال: اللهم إني أقسم عليك هذا اليوم أن تجعلني أول قتيل في سبيلك وأن تنصر المسلمين، فبدأت المعركة فكان أول من قتل، وكان النصر حليف المسلمين، وهذا لأنه أخلص لوجه الله تبارك وتعالى ولأن الله لا ينظر إلى الصور ولا إلى ما على الإنسان من دنيا، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

أويس القرني وبر الوالدين

أويس القرني وبر الوالدين وفي المسند يقول عليه الصلاة والسلام للصحابة: {سوف يأتيكم وفد من أهل اليمن فيهم رجل صالح له أم هو بها بار، علامته أنه أبرصاً؛ فشافاه الله فبقي في بطنه كالدرهم من البرص اسمه أويس بن عامر القرني، فإذا قدم فمن أدركه منكم فليسأله أن يدعو له, ويستغفر له} فكان أبو بكر كلما قدم وفد من وفود الحجاج من أهل اليمن يسألهم: أفيكم أويس القرني؟ فيقولون: لا. حتى مات أبو بكر، فلما تولى عمر أخذ يسأل وفود اليمن: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتت حجة، فأتى وفد اليمن يسلمون على عمر رضي الله عنه وأرضاه، فقال: أفيكم أويس بن عامر؟ قالوا: من هذا أويس بن عامر؟ فأخبرهم بوصفه. قالوا: معنا رجل يرعى لنا الغنم في واد من وديان المدينة تركناه -يعني لعدم النظر إليه، وعدم الاعتداد به، وعدم التهيؤ له، تركوه يرعى الغنم- قال: أله والدة؟ قالوا: نعم. قال: أصابه برص؟ قالوا: نعم، وشافاه الله. قال عمر لـ علي بن أبي طالب: قم بنا إلى أويس فركب عمر حماراً، نعم عمر الذي هز دول الدنيا، عمر الذي وفدت كتائبه إلى المحيط الأطلسي، عمر الذي سجل كتب النصر بدماء الشهداء، وهز كسرى وقيصر على منبر الضلالة والعمالة حتى ولاه الله الدنيا، فقام وذهب الصحابة حوله وهو على الحمار، فوصل إلى الوادي وأتى إلى أويس، وإذا أويس يرعى الإبل والغنم وهو يصلي الضحوات، متصل بالله، لا يعرفه إلا الله، لا مال ولا ولد. خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا نزل عمر فرآه فعانقه، وقال: أأنت أويس بن عامر؟ قال: يقولون ذلك -يريد أن يتواضع-. قال: ألك والدة؟ قال: نعم، قال: اكشف عن بطنك فكشف عن بطنه، فرأى عمر كالدرهم من البرص، فقبَّل بطنه، قال: استغفر لي، قال: من أنت؟ قال: أنا عمر بن الخطاب، قال: لا إله إلا الله، أستغفر لك وأنت عمر، وعمر أفضل منه بلا شك، وعمر أرفع منه، وعمر أمكن منه، لكن هذا لصلاحه طلب منه الدعاء. قال: استغفر لي، قال: إني أستغفر للمسلمين مع كل صلاة، قال: خصني بدعوة؛ فاستغفر لـ عمر، قال عمر: تعال معي الحياة حياتي، والموت موتي، قال: أسألك بالله أن تتركني أدخل في غمار الناس أجوع وأشبع ولا يعرفني أحد، فتركه عمر، فلما أمسى في الليل ذهب وترك الإبل والغنم، فأخذوا يلتمسونه فما وجدوه، وبعد سنوات وجدوه في خراب من خراب الكوفة وهو يعبد الله ويقرأ القرآن. وإن أويساً هذا يشفع كما في الحديث وهو حديث حسن؛ يشفع يوم القيامة لمثل قبائل مضر يدخلهم الله الجنة باستغفار هذا وبصلاحه. هؤلاء هم الصلحاء، وهؤلاء هم الأخفياء، وهؤلاء هم الأغنياء، وهؤلاء هم المقربون من الواحد الأحد. فيا من قرَّب من شاء من عباده! قرِّبنا، ويا من أسدل الستر على من شاء من عباده! أسدل الستر علينا، اللهم إنا بحاجة ماسة إلى رحمتك، وعفوك، وبرك، وكرمك، اللهم لا تحجب عنا دعاء الصالحين، واحشرنا في زمرة المقربين، واجعلنا من أتباع سيد المرسلين. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن الأصحاب الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم إلى ما تحبه وما ترضاه يا رب العالمين، اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر المجاهدين الأفغان وثبتهم وأيد كلمتهم، وارفع رايتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين المسلمين في فلسطين، اللهم رد لهم المقدسات وأنقذها من براثن اليهود يا رب العالمين، اللهم وفقنا للعمل بكتابك والاهتداء بسنة رسولك، اللهم رد شباب المسلمين إليك مرداً جميلاً، اللهم فقههم في الدين، اللهم تب عليهم، اللهم أصلح بالهم، وكفر عنهم سيئاتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

شعاع في الأفق

شعاعٌ في الأفق إن قراءة القرآن في شهر رمضان من أفضل الأعمال، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان يدراسه جبريل بالقرآن. وكذلك كان السلف الصالح يخصصون هذا الشهر لقراءة القرآن وينشغلون به عما عداه، ومن الأعمال الصالحة التي تتأكد في شهر رمضان قيام الليل الذي هو دأب الصالحين وشرف المؤمنين.

رمضان والقرآن

رمضان والقرآن الحمد لله صاحب الإحسان، الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ، الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ، وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ. والصلاة والسلام على النعمة المهداة، والرحمة المسداة، حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، صاحب المناقب والمكارم، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: عباد الله! فهذا شهر القرآن، الكتاب العظيم، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] يوم أنزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، أنزل في رمضان، يوم أنزل القرآن على الأمة الجاهلة الأمية ليقول لها الله انفضي عنك غبار التخلف والتبعية، يوم يقول لها الله انبعثي للدنيا، وفجري الكون بشعاع من التوحيد، واسجدي لله رب العالمين. الأمة التي نامت ألف سنة، فما عرفت (لا إله إلا الله) أنزل الله عليها القرآن لتستيقظ من جديد، ولتنبعث رسالة خالدة للمعمورة. الأمة التي كانت تخاف من سوط كسرى وقيصر، فأصبح كسرى وقيصر يخافون من خيالها، الأمة الرائدة القائدة، التي كان يقف خليفتها وعليه الثوب الممزق وهو يأكل كسر الخبز من الشعير في أدم الزيت، وينام في الكوخ، ويهتز منه كسرى وقيصر. يا مَن يرى عمراً تكسوه بُردَتُهُ والزيتُ أُدْمٌ لهُ والكوخُ مأواهُ يَهْتَزُّ كسرى على كرسِيِّه فَرَقاً مِن خوفِهِ وملوكُ الرومِ تَخشاهُ الأمة التي يقول ملكها -وهو يشرف على قصره- للسحابة: أمطري حيثُ شئتِ، فإن خراجك سوف يأتيني. كانت قبل القرآن جاهلة التعاليم، عقيمة المبادئ، ميتة العزيمة، فأخرجها الله للناس، وقال لها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] فخرجت للناس فملأت الدنيا علماً وفهماً وفقهاً، وأسمعت بالعلم القبلتين والحرمين، والأزهر، والزيتونة، وقرطاجه والزهراء، وجلَّط، ودار السلام وقرطبة. والصحاري حالماتٌ كلها تَتَلَقَّاكِ بتصفيقٍ مثيرْ في خطاها ألفُ عامٍ باسمٍ عجباً من قلبك الفذ الكبير

قراءة القرآن في شهر رمضان

قراءة القرآن في شهر رمضان هذه الأمة ناداها الله أن تقرأ القرآن في شهر رمضان، وأجزل الله لها المثوبة يوم تتدبر القرآن في شهر رمضان، يقول جلَّ ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29] وناداهم - سُبحَانَهُ وَتَعَالَى - بتدبر القرآن في رمضان وفي غير رمضان، فقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] وقال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]. فيا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! يا من جاعت بطونهم في مرضاة الله، يا من ظمئت أكبادهم لِذَات الله، يا من حرموا أنفسهم الطعام والشراب والمتعة واللذائذ، هنيئاً لكم، وزيدوا على ذلك بتدبر القرآن، فهذا شهر القرآن. كان عليه الصلاة والسلام يوم يدخل عليه الشهر يجلس مع جبريل متعلماً ومتربياً من أول إهلال الشهر إلى آخره، فيقرأ معه القرآن آية آية، وكلمة كلمة، وجملة جملة، وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يمضي ساعاته كلها مع القرآن، ويحب أن يسمعه من غيره، وأن يتلذذ بسماعه من سواه. ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اقرأ عليَّ القرآن. قلت: يا رسول الله! كيف أقرأ عليك القرآن وعليك أُنزل؟! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. قال: فابتدأت سورة النساء، فلما بلغت قوله تبارك وتعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال: حسبُكَ الآن. قال: فنظرت، فإذا عيناه تذرفان عليه الصلاة والسلام}

أحاديث في فضل قراءة القرآن

أحاديث في فضل قراءة القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ينادي كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر؛ أن يجعل هذا القرآن والصيام شفيعين له عند الله، فعند أحمد في المسند والحاكم في المستدرك؛ أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {يأتي القرآن والصيام يشفعان لصاحبهما يوم القيامة، أما الصيام، فيقول: يا ربِّ، منعتُه طعامه، وشرابه، وشهوته فشفعني فيه، وأما القرآن فيقول: يا ربِّ، منعته نومه بالليل فشفعني فيه} ويقول عليه الصلاة والسلام -وهو ينادي من يريد الله والدار الآخرة- فيما صحَّ عنه في مسلم، من حديث أبي أمامة: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} فلا يرد القيامة وارد إلا والقرآن إما أمامه يقوده إلى الجنة، وإما وراءه يدفعه إلى النار. ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث النواس بن سمعان، عند مسلم: {اقرءوا القرآن} وفي لفظ: {يأتي القرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقْدُمُه سورة البقرة وآل عمران تحاجَّان عن صاحبهما يوم القيامة} ويقول عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري ومسلم: {تأتي سورة البقرة وسورة آل عمران -الزهراوان- كغَمامَتَين، أو غَيابَتَين، أو غَيايَتَين، أو كفَرَقان من طيرٍ صواف، تظلان صاحبهما يوم القيامة} وقال وهو يتحدث صلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه} فخير الأمة من عاش مع القرآن، وتعلم القرآن، وتدبر آيات القرآن. وفي حديث عائشة المتفق عليه، يقول صلى الله عليه وسلم: {الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة} والماهر: المنطلق اللسان، والمجوِّد، الذي يقرؤه آناء الليل وأطراف النهار، يجعله الله مع الملائكة في عليين {والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاقٌّ له أجران} وفي لفظ مسلم: {يتتعتع فيه} أي: يكسر في بعض سكناته، أو ممدوده، لا حركاته {له أجران أجر التلاوة وأجر المشقة}. سمعتُك يا قرآنُ والليلُ ساجدٌ سريتَ تهزُّ الكونَ سبحان مَن أسرى فَتَحْنا بكَ الدنيا فأشرقَ نورُها فصارتْ بعيدِ النصر في حُلة حمرا

مضاعفة أجر قارئ القرآن

مضاعفة أجر قارئ القرآن ويقف عليه الصلاة والسلام ليعلن للأمة قضية لا تغيب عن الأذهان، وهي قضية مضاعفة الأجور عند الله، فعند الترمذي بسند صحيح، عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اقرءوا القرآن، فإنه من قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (ألم) حرف، ولكن ألف حرفٌ، ولام حرفٌ، وميم حرفٌ} وهو علامة مضاعفة الأجور عند الله.

حقيقة من ليس في قلبه شيء من القرآن

حقيقة من ليس في قلبه شيء من القرآن بل جعل الرسولُ صلى الله عليه وسلم القلبَ الذي لا يحفظ شيئاً من القرآن قلباً خرباً خاوياً على عروشه، قلباً ما عرف الله. ففي الترمذي وأبي داود بسندين حسنين، قال صلى الله عليه وسلم: {إن الذي ليس في صدره شيء من القرآن كالبيت الخَرِب}.

لا حسد إلا في اثنتين

لا حسد إلا في اثنتين لا حسد في الدنيا، ولا في مناصب الدنيا، ولا في إمرتها، ولا في ذهب الدنيا، ولا في فضتها. خذوا كلَّ دنياكمُ واتركوا لي فؤاديَ حُراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا لا حسد إلا في تدبر القرآن، وفي تلاوة القرآن، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار}. وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم منازل الناس في الجنة على تلاوتهم للقرآن، فعند أبي داود والترمذي بسندين صحيحين، عن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ، وارتَقِ، ورتِّل، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها}. فيأتي قارئ القرآن في الدنيا، فإن كان تالياً من حفظه تلا من حفظه، وإن كان من مصحفه تلا من مصحفه، فيرفعه الله بكل آية درجة، حتى يصل إلى أعلى عليين، أو إلى درجة تلاوته في الدنيا، والمؤمن هو من يعيش مع القرآن، ويتلذذ بسماعه.

تفقد النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الليل

تفقد النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الليل جاء في تفسير ابن أبي حاتم بسند جيد، أن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج ذات ليلة من الليالي، بعد أن أظلم الليل، فمرَّ ببيوت الأنصار يستمع كيف يقرءون القرآن، يوم كانت بيوتهم حية بكتاب الله، حين لم تكن تعج بالأغاني المائعات الماجنات، وبالمغنين والمغنيات، يوم كان ليلهم تعبداً، ونهارهم سجداًَ، يوم كانوا عباداًَ لله في الليل والنهار، خرج عليه الصلاة والسلام يتفقد أصحابه، وينظر ماذا يفعلون في الليل الدامس، فسمع عجوزاً تقرأ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] فوقف صلى الله عليه وسلم يستمع إليها وهي لا تدري، تبكي وتردد: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] فأخذ يبكي معها ويقول: {نعم أتاني، نعم أتاني} وهو المخاطب بحديث الغاشية، وهو المنزل عليه حديث الغاشية. وعند البخاري: {أنه صلى الله عليه وسلم سمع أبا موسى الأشعري يقرأ ذات ليلة من الليالي -وصوته حسن يخلب العقول، ويسري في الأرواح، ويجذب الأنفس إلى الله الحي القيوم- فوقف صلى الله عليه وسلم يستمع لتلاوته وأبو موسى لا يشعر، ولما أصبح الصباح قال له صلى الله عليه وسلم: لو رأيتَني البارحة وأنا أستمع إلى تلاوتك، لقد أوتيتَ مزماراً من مزامير آل داود، فيقول أبو موسى: أئنك كنتَ تستمع لي يا رسول الله؟ قال: إي والله. قال: والذي نفسي بيده لو أعلم أنك كنت تستمع لي لحبَّرتُه لك تحبيراً}. أي: جوَّدتُه، وحسَّنتُه، وجعلتُه مثيراً.

حال النبي صلى الله عليه وسلم والسلف في شهر رمضان

حال النبي صلى الله عليه وسلم والسلف في شهر رمضان كان عليه الصلاة والسلام يوم يدخل شهر رمضان ينقطع عن العالم الخارجي، إلا عن الله وعن كتاب الله، فكان يجلس مع جبريل، فيتلو معه كتاب الله حتى ينسلخ الشهر، عرف ذلك السلف الصالح، فخصصوا رمضان لتلاوة القرآن، يقول الإمام مالك -وقد أتاه طلبته وتلاميذه يقرءون عليه الدروس والعلم- قال: هذا شهر القرآن، لا دروس ولا فتيا فيه. وعلق كتبه، وأخذ المصحف. وكان سعيد بن المسيب يختم القرآن في كل ليلة مرة، صح ذلك عنه. وليس المقصود من إيراد هذه القصص أن نقتدي بهم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ألا يُختم القرآن في أقل من ثلاث، ولا ينقص من ذلك، لكن المقصود، أن نرى مقامنا من مقاماتهم، وحالنا من حالاتهم، ولذلك ثبت عن مسروق أنه لما دخل عليه شهر رمضان حمل سريره بيديه، وأدخله في مسجد الكوفة، وقال: [[لا أخرج سريري حتى ينتهي الشهر]] فكان ساجداً راكعاً متعبداً حتى بشره الناس بالعيد. وكان الأسود بن يزيد إذا دخل الشهر، أما نهاره فصائم، وأما ليله فقائم يبكي حتى السحر، فتقول له زوجته: ما لك؟ والله لو قتلت نفساً لكان أخف من هذا العذاب عليكَ، فقال: [[أنا الذي قتل نفسي بالمعاصي]]. وأورد ابن حجر في ترجمة البخاري في فتح الباري، في المقدمة: أنه قرأ يقرأ القرآن في رمضان ستين مرة، مرة في النهار ومرة في الليل. وهذا حق يقين لا مرية فيه، ولكن لا يقتدى بهم، إلا فيما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم. وذكر المروزي في قيام الليل بسند صحيح [[أن عثمان رضي الله عنه قام عند المقام في البيت العتيق من بعد صلاة العشاء، فتلثَّم، وبدأ من أول القرآن يقرأ ويبكي حتى انتهى من آخره مع طلوع الفجر]]. عثمان الذي كان ينشر المصحف من بعد الفجر إلى صلاة الظهر، يقرأ ودموعه تنهل على كتاب الله، فيقول له الناس: لو خففت على نفسك، فيقول: [[لو طَهُرَت قلوبُنا لما شبِعنا من القرآن]]

الحث على تلاوة القرآن

الحث على تلاوة القرآن فيا أيتها الأمة! يا من أحياها الله بالقرآن! يا من رفع الله رءوسها بالقرآن! هذا شهر القرآن والتلاوة، هذا شهر مضاعفة الأجور، اقرءوه فإن الله يأجركم بالتدبر وبالتلاوة، وبالنظر في المصحف، وبمعايشة القرآن في بيوتكم، يملأ الله بيوتكم رحمة وبركة وهداية ونوراً، ويملأ صدوركم إيماناً، ويقيناً، وخيراً وبراً، ويملأ مسيرتكم إشراقاً وفلاحاً ونجاحاً. عاشروا القرآن، جالسوا القرآن، علموه أبناءكم وبناتكم، حفظوه نساءكم ومن تعولون، أحيوه في حياتكم، فإن تلاوته على قسمين: تلاوة حكمية: وهي أن تؤمن بمن أنزله، وتؤمن بما فيه، بمحكمه ومتشابهه، بوعده ووعيده، بترغيبه وترهيبه، بأمره ونهيه. وتلاوة لفظية: وهي أن تقرأه بتحزينٍ وخشوع، عله أن يكون معك يوم تفد إلى القبر، ويوم تمشي على الصراط، ويوم تقف في تلك العرصات. أسأل الله لي ولكم هدايةً ونوراً ورشداً وفلاحاً. اللهم أعنا على تلاوة كتابك آناء الليل وأطراف النهار، واجعلنا مِمَّن يقرءونه فيقودهم إلى الجنة، لا مِمَّن يتركونه فيقذفهم على وجوههم إلى النار. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

قيام الليل

قيام الليل الحمد لله، الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً. بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين. أمَّا بَعْد:

فضل قيام الليل

فضل قيام الليل قلتُ لليل هل بجوفكَ سرٌ عامرٌ بالحديث والأسرار قال لم ألقَ في حياتي حديثاً كحديثِ الأحباب في الأسحارِ قيام الليل: من أفضل الأعمال التي يلقى بها العبد ربه تبارك وتعالى، وصلاة التراويح قيام ليل، وهي إيمان وإعلان بالإيمان، وهي تغلب على النفاق، وهي إعلان على انتصار الإنسان على نفسه الأمارة بالسوء، وهي كذلك إعلان للتضامن مع المسلمين، ويوم تقومُ في التراويحِ مع الإمام يكتب الله لك قيام ليلة كاملة، وقد تكون مسيئاً، ومن يدري؟ قد تكون أسأت كل الإساءة، فلما صليتَ التراويحَ ارتَفَعَتْ دعوةٌ صادقة ممن بجانبك أو عن يمينك أو عن يسارك؛ فقبلها الله عزَّ وجلَّ وأسعدك بسبب سعادة ذاك. فإنهم إذا اجتمعوا في المساجد باهى الله بهم ملائكته فوق سبع سماوات؛ فتقول الملائكة: {يا رب فيهم فلان، عبد خطاء ليس منهم، إنما دخل المسجد لحاجة، قال: وله غفرتُ، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم}. ومن يدري؟ قد تكون شقياً في علم الله عزَّ وجلَّ، أو قد تكون مذنباً آثماً فاجراً، فتدخل مع المسلمين، وتضع رأسك مع رءوسهم سجداً لله خاشعين، فيدخلك الله في إحسانهم، (وهَبِ المسيئين مِنَّا للمحسنين). ومن يدري؟ قد كانت مرت بك صحف سوداء، لطختها بالذنوب، فمرت عليك ليلة من السعادة، فأسعدك الله سعادة لا تشقى بعدها أبداً، كلما سجدت لله سجدة رفعك بها درجة، وحط عنك بها خطيئة، كما صحَّ في حديث ثوبان عند مسلم، {عليك بكثرة السجود لله فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة وحط عنك بها خطيئة}. فهنيئاً لك وأنت تُتعِب قدميك وساقيك وأنت تسمع كلام الله يتلوه الإمام، وهنيئاً لك يوم تكون ساجداً، وراكعاً، أتظن أن الله لا يدري بك؟! أتظن أن سجداتك تذهب سدى؟! أتظن أن ركعاتك تذهب هباء منثوراً؟! لا والله، لا يقع رأسك على الأرض إلا ويرفعك الله درجة عنده.

الثلث الأخير من الليل

الثلث الأخير من الليل وفي آخر الليل -وما أدراك ما آخر الليل، حين يبقى الثلث الأخير من الليل- ينزل الله إلى السماء الدنيا، نزولاً يليق بجلاله، فيقول: {هل من سائل فأعطيه؟! هل من داعٍ فأستجيب له؟! هل من مستغفر فأغفر له؟!} أفلا تريد أن تكون ممن مرغوا وجوههم سجداً لله ولو بركعتين، ولو بسجدتين اثنتين، ولو بتسبيحات قليلة، يحفظها الله تبارك وتعالى عنده. فيا أيها المسلمون! عليكم بقيام رمضان، وصلاة التراويح مع المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: {من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه}. فكأني بك وقد كتبك الله في السعداء، في صحيفة من نور، وكأني بك وقد استوجَبْتَ دخول النار، فأعتقك الله مع من أعتق في ليلة من ليالي رمضان. فالله الله في صلاة التراويح! أعلنوا قوة الإسلام بصلاة التراويح، ومراسيم الدين الخالد بصلاة التراويح مع المسلمين، وأعلنوا التكافل والتضامن في دخولكم صفوفاً وراء صفوف لتقولوا للشيوعية: ها نحن المسلمين انبعثنا للإسلام من جديد، وتقولوا للصهيونية العالمية: ها نحن أجيال محمد جئنا للدنيا من جديد، فيرحمكم الله في من رحم، ويتغمدكم في من تغمد، ويرفعكم عنده درجات. هنيئاً لكم الصيام والقيام، كتب الله صيامكم في صيام الصائمين، وقيامكم في قيام القائمين، وأعتق الله رقابنا ورقابكم من النار، وجنَّبنا العار والدمار والشنار، إنه على ذلك قدير. عباد الله! صلوا على المعلم الأول، رسول الهدى، وباني مجد الإسلام، فإن الله أمركم بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، اللهم اعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين. اللهم ارضَ عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم وفق ولاة المسلمين لما تحبه، وترضاه، اللهم اجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم وفق كل مسئول لكل خير، وخذ بيده إلى الصواب والرشد، وجنبه مزالق الفتنة والشر يا رب العالمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ونصرة رايتك، وتأييد سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، وفي فلسطين، وفي كل صِقْع من بلادك، يا رب العالمين. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضى، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم تب على شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم كفر عنهم سيئاتهم، وأصلح بالهم، وتقبل منهم أعمالهم، يا رب العالمين. ربنا إنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

نور على نور

نور على نور إن الفطرة وحدها لا تكفي للهداية، ولابد من نور الإيمان معها لكي تستقيم، والنور لا يأتي إلا من عند الله، ومن طلبه من غير الله ضل وأضل، وهذا النور له أقسام بحسب العبد واجتهاده، والنور يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي. ومثله الظلمة فهي أقسام، وتزيد بالمعاصي وتنقص بنقصانها. وللنور والظلمة صفات تتعلق بهما، ولكل منهما أهل معلومون قديماً وحديثاً.

من معاني النور

من معاني النور إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. صلى الله على من أخرجنا من الظلمات إلى النور بإذن ربه. صلى الله وسلم على من علمنا من الجهالة، وبصرنا من العمى، وأنار عيوننا وقلوبنا بعد الظلمة، وأسمع آذاننا بعد الصمم: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. أيها المسلمون: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257] ما أدراك ما النور؟ وما هو النور الذي يذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالى؟ وكيف نصل إلى هذا النور؟ وكيف نحصل على هذا النور الذي امتن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى علينا به. النور في القرآن يذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالى في مواضع عديدة، وفي سور كثيرة، وفي آيات متنوعة، والنور خلق من خلق الله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] فالنور خلقه الله عز وجل، وهو محسوس وملموس، وهو نور معنوي، ونور يتعدد بتعدد ما ينسب إليه، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى في أول سورة البقرة: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17]. والنور هنا هو القرآن، وهؤلاء هم المنافقون الذين يتكلم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عنهم، يوم يضيء لهم الوحي والقرآن والسنة، ثم لا يهتدون بها، مثلهم كمثل قوم مشوا في ظلمة الليل، فأضاءت لهم نار، فلما وقفوا ذهب الله بنورهم ولم يقل بنارهم؛ لأن النور أصل وجود الضياء فذهب من أصله. وهذا مثل المنافق يوم يهجر الإيمان، والقرآن، والسنة، والمسجد، وأهل الخير -والدعوة- والصلاح، يذهب الله بنوره ويتركه في ظلمة، وسوف نعود ونقرر إن شاء الله أصولاً في باب النور. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى في النور: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور >) [البقرة:257] سمى الظلمات جمعاً، وذكر النور مفرداً؛ لأن ظلمات الباطل متعددة، وطرق الباطل متنوعة، والحق واحد، فهو نور واحد. والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35] سبحانه! قيل: أشرقت بنور وجهه السماوات والأرض، وقيل: قامت بنور وجهه السماوات والأرض، وعلى ذلك دلت السنة.

من أنوار النبي صلى الله عليه وسلم

من أنوار النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، في ليلته العطرة المباركة يوم بات مع خالته ميمونة رضي الله عنها وأرضاها، قال: {نمت في عرض الوسادة، فدخل صلى الله عليه وسلم، فنظر إلي، قال: نام الغليم؟ قالت: نعم نام} ظنت أنه نام ولكنه ما نام، لماذا أتى؟ أتى ليرى الرسول عليه الصلاة والسلام، ليرى سيرته في الليل، وصلاته ودعاءه وبكاءه وخشيته، ليستفيد منه في الليل. نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك فقام عليه الصلاة والسلام، فأتى إلى فراشه، فقرأ، ودعا، وهلل، وكبر وذكر الله، ثم نام، وعند البخاري: حتى سمعت خطيطه، وهو صوت يحدثه النائم من كثرة نومه أو استغراقه في النوم، لكن تنام عيناه ولا ينام قلبه، عليه الصلاة والسلام، فاستفاق من الليل يعرك النوم من عينيه، ويقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]. ثم قام عليه الصلاة والسلام فذهب لحاجته، فأتى ابن عباس فوضع له ماءً عند الباب، وهذا من الفقه في الدين، يدري أنه إذا انتهى يحتاج ماءً، فوصل عليه الصلاة والسلام، وقال يسأل نفسه: من وضع لي هذا الماء؟ ثم قال: {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} فكانت من أعظم الليالي في حياة ابن عباس، بل ميلاده وتاريخه بدأ من تلك الليلة. فقام يتوضأ ووقف عن ميسرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم يده إلى أذن ابن عباس ففركها في الصلاة؛ لأنه وقف خطأً، وموقف المأموم الواحد عن يمين الإمام، فأعاده عن يمينه، وكان ابن عباس يحفظ الحركات والسكنات والكلمات تلك الليلة. كانت من كلماته عليه الصلاة والسلام، وهو شاهدنا هذه الليلة: {اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن} انظر نص الكلام، كلام يصل إلى القلوب. {اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد -وفي لفظ: أنت إله السماوات والأرض ومن فيهن- ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت}. ثم خرج إلى الصلاة صلى الله عليه وسلم في الفجر، فكان يقول: {اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً} وعند البخاري: {واجعل في شعري نوراً، وفي عظمي نوراً، وفي مخي نوراً، وفي عصبي نوراً، وأعظم لي نوراً} إنه نور الله الذي ينزله في قلب من يشاء من عباده.

نور الهداية والفطرة

نور الهداية والفطرة يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35]. {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:35] أي: نور الفطرة على نور الحق الذي هديت به، وهو القرآن والإيمان، فطر الله الناس على الإيمان، خلقك الله مؤمناً، يوم أسقطتك أمك من بطنها ولدت مؤمناً موحداً، تعترف بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً عليه الصلاة والسلام ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا يوم سقطت على الأرض سقطت مؤمناً، ويوم وقعت على الأرض وقعت موحداً، ويوم نزلت إلى الأرض نزلت مسلماً، فهذا نور الفطرة، قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: {كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه}. {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:35] المسلم مولود مفطور على النور، على الهداية، لا يعرف إلا الله ربه، فلما عاش في بيت ضال انحرف، ما كان للابن أن يفجر لولا فجور أبيه -في الغالب- وأمه، بعد قضاء الله وقدره، يولد كما تولد البهيمة جمعاء، ثم تجدع البهيمة. (نُورٌ عَلَى نُورٍ) نور الفطرة، ونور المولد، ونور يوم وقع على الأرض وهو مسلم لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلما وقع مسلماً آتاه الله عز وجل الوحي، والكتاب، والإيمان، والإسلام: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35]. والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ذكر النور، فقال عز من قائل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1].

وقفة مع نور أبي بن كعب

وقفة مع نور أبي بن كعب أحد المترجمين يترجمون لـ أبي بن كعب، وهو سيد القراء، من مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام. أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] فهو سيد القراء إلى يوم القيامة، وهو رجلٌ من الأنصار دخل الإيمان قلبه، وغرس محمدٌ عليه الصلاة والسلام الإيمان في قلبه، فآتى أكله كل حين بإذن ربه. تعال يا من نفسه في وبال ونفسه محبوسة في عقال يا راقداً لم يستفق عندما أذن في صبح الليالي بلال روض النبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال سوف يموت الإنسان ويبقى ميتاً حتى يصله النور، لكن نقف مع أبي، كان يقول عنه أهل العلم: كان أبيض اللحية، أبيض الجسم، أبيض الرأس، أبيض الثياب: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم ٌ} [النور:35]. ورد في السير للذهبي أنه دعا على نفسه بالحمى، فأصابته الحمى سنوات، وذلك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ما من مسلم يصيبه هم، ولا نصب، ولا وصب، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه} فقال أبي: اللهم إني أسألك حمى. كلكم يسمع بالحمى، وهي تفرفر الأضلاع فرفرة، ولا تترك عضواً حتى تدخله، ويقولون: تكفر ثلاثمائة وستين سيئة؛ لأنها تدخل كل عضو. والحمى من صفاتها أنها لا تأتيك إلا في الليل، أما في النهار فلا تزور، حتى يقول المتنبي: وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور إلا في الظلام بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي قال أبي: [[اللهم إني أسألك حمى لا تعطلني عن فريضة ولا حج ولا جهاد ولا عمرة، لتكفر خطاياي]]. فأصابته الحمى فشاب شعر لحيته ورأسه، وكان يلبس الثوب الأبيض؛ لأنه قارئ من القراء، وفي الموطأ للإمام مالك في كتاب الأدب، قال عمر: [[يعجبني أن يلبس القارئ اللون الأبيض؛ لأنه نور]]. وفي صحيح البخاري في كتاب الأدب، باب لبس البياض، من أين يستدل البخاري، قال: " ورأى سعد ملكين نزلا يوم أحد عليهما الثياب البيض ". فـ أبيٌ هذا كان لباسه أبيض، وقلبه أبيض، وكلامه أبيض، وحديثه أبيض (نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ). نقف مع أبي صاحب النور قليلاً، يقول له صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {يا أبي! أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم - وهذا حياء وإلا فهو يدري- قال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] فأخذ صلى الله عليه وسلم بيده، وضرب في صدره، وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر} فهذا علم تحسد عليه. وفي الصحيحين أن الله عز وجل لما أنزل سورة: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} [البينة:1] أمر رسوله أن يقرأ هذه السورة على أبي بن كعب، فقام عليه الصلاة والسلام وزار أبياً في بيته، وجلس أمامه، وقال: {إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة، قال: وسماني في الملأ الأعلى؟! قال: وسماك، فأخذ يبكي}.

نور المنافقين

نور المنافقين والنور -أيها الفضلاء- يأتي بأسباب، لكن نستطرد مع القرآن لنصل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]. وهناك فرق بين بين النور والضياء، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً} [يونس:5] ولذلك سمى الله عز وجل القرآن نوراً، والتوراة نوراً، وسمى التوراة ضياءً. والله عز وجل يقول: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ} [الحديد:12] نورهم، قيل: ثوابهم وأجرهم، والصحيح أنه نورٌ يمنحه الله عز وجل للمؤمنين، أما المنافقين فكما خادعوا الله في الدنيا خدعهم في الآخرة: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142]. ثم انطفا نور المنافقينا فوقفوا إذ ذاك حائرينا لأنهم بالوحي ما استضاءوا فكذبوا فذا لهم جزاء فيظهر الله للمنافق نوراً يوم القيامة، فإذا أصبح على الصراط قطع الله عنه النور، وتركه في الظلمة، فتردى على وجهه في النار، وورد في الحديث: {إن من الناس من يأتي نوره كالقمر ليلة البدر، ومنهم كالكوكب الدري، ومنهم كالمصباح، ومنهم من يكون نوره في رأس ظفره} نسأل الله أن يؤتينا من نوره.

النور في الكتاب والسنة

النور في الكتاب والسنة وقد ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى النور في آيات، قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد:28]. والنور على ثلاثة أقسام: نور الفطرة: ولا يكفي إلا بالإيمان. نور الإيمان. ونور الصالحات بعد الإيمان. ولذلك ذكر الله الإيمان، فزاد عليه من أعمال الصالحات ما زاد سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

نور القبور

نور القبور وهذا رسولنا عليه الصلاة والسلام، وقد خرج في جنازة -والحديث في صحيح مسلم - فلما وصل المقبرة دعا للموتى وقال: {إن الله ينور عليهم قبورهم بدعائي}. وعند الترمذي أن الرسول عليه الصلاة والسلام. وقف على جنازة فدعا لصاحبها: {اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم عافه، اللهم اعف عنه، اللهم افسح له في قبره ونور له فيه، قال عقبة بن عامر: فوددت أنني أنا الميت،} فالنور هنا معنويٌ وحسي، نور الطاعة والعمل الصالح، ونور يوسع لك في القبر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الفرقان: "وقد رئى قبر الأحنف بن قيس، وهو أحد الصالحين وقد وسع له مد البصر لما دفنه الناس" رأوه بأعينهم وهم أحياء بعدما دفنوه، فوسعه الله عز وجل له، وصح عنه صلى الله عليه وسلم، أن قال: {إن هذه القبور مملوءة ظلمة، وإن الله ينورها بدعائي لهم} فالدعاء نور. وعند صاحب الحلية من حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير، أنه كان يمر بالمقبرة من الكوفة إلى البصرة ليصلي الجمعة، فكان يمر على المقابر فيدعو لهم، ويقول: لا إله إلا الله، فمر ليلة من الليالي فما وقف؛ لأن الجو كان بارداً عليه، فذهب فرأى في المنام قائلاً من أهل المقابر يقول -والمنامات لا يعقد عليها عقائد ولا عبادات ولا حلال ولا حرام، ولكنها مبشرات-: يا بن الشخير حرمتنا الليلة من دعائك، والله الذي لا إله إلا هو إن الله ينور علينا قبورنا بدعائك أسبوعاً كاملاً، وقال له: أكثر من قول لا إله إلا الله فقد حيل بيننا وبين لا إله إلا الله. {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ:54] فهم يشتهون أن يقولوا لا إله إلا الله، ويقولوا: سبحانه الله فما يستطيعون. أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ينور القبور بالدعاء، والدعاء نور، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما عند أبي داود والترمذي وأحمد وابن ماجة: {بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة}. طوبى لك يا من مشيت إلى بيت من بيوت الله في ظلمة الليل بنور يسعى بين يديك يوم العرض الأكبر! طوبى لك يا من سريت إلى علم أو فهم أو دعوة بنورٍ تام! طوبى لك يا من وصلت رحمك بنور تام. طوبى لك يا من بررت والديك بنور تام. طوبى لك يا من وصلت أرحامك بنور تام! {بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة}: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الحديد:12] ما أحوجنا إلى النور، وما أفقرنا إلى النور: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] نعوذ بالله أن ينطفئ نورنا، وأن يطمس نورنا، ويذهب. والرسول عليه الصلاة والسلام ذكر أن النور إذا دخل القلب انفسح وانشرح بإذن الله، وعلى ذكر المرور في الظلمات، قال أبي بن كعب كما في السنن: {كان رجل من الأنصار لا أعلم رجلاً أبعد منه من المسجد، فقال له الناس: لو اتخذت حماراً تركبه في الرمضاء والظلماء، قال: لا والله! إني أسأل الله أن يجعل لي نوراً، وأن يكتب ممشاي ورجوعي من بيتي إلى المسجد، ومن المسجد إلى بيتي، فأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: بشروه أن الله كتب له ذلك كله}.

نور القلوب وعماها

نور القلوب وعماها والله عز وجل قال في القرآن: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد:16] لا تستوي، والنور هنا نور القلب، وليس نور البصر، فبعض الناس مبصر، فترى عيناه لكن لا يبصر قلبه: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. فبعض الناس قلبه أعمى، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19] فهل الأعمى هنا أعمى البصر؟ لا والله! بل أعمى القلب. ابن عباس -كلكم يعرفه - عمي في آخر عمره، لكن قلبه ما عمي، فقلبه سراج، قلبه شمس وقمر بالعلم والفقه بالدين وقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، دخل على شبيبة، فاستهزأ به بعضهم، وقالوا: لا أساءك الله في بصرك يا بن عباس، فقال يخبرهم أن النور ليس في العين، وإنما في القلب: إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور قلبي ذكي وعقلي غير ذو عوج وفي فمي صارم كالسيف مأثور يقول: إذا عميت عيناي فما عمي قلبي، وإذا انطفأ نور العينين فما انطفأ نور القلب، بل قلبي مبصر، وحي عارفٌ بالطريق إلى الله عز وجل. أتدرون من هو الأعمى؟ {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الحجر:19] فالأعمى الذي لا يعلم أن هذا حق، وأن الإسلام خير، وأن المسجد فيه صلاح وبر: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الحجر:19]. من هو الأعمى؟ الأعمى قسمان: رجل فقد النور من عينيه، فهذا لا يضره، بل هو كفارة له إذا كان من المسلمين، ففي صحيح البخاري عن أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: {يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا ابتليته بحبيبتيه فصبر إلا الجنة} والحبيبتان هما العينان. وقد قيل لـ يزيد بن هارون الواسطي المحدث الكبير وقد عمي، قال له تلاميذه: أين العينان الجميلتان؟ قال: " أذهبهما والله بكاء الأسحار "، رواه الذهبي في السير، فهذا العمى في العين للمسلم كفارة. عبد الله بن أم مكتوم أعمى، يخبر الله عنه في القرآن فيقول: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس:1 - 2] لكن قلبه ليس بأعمى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس:1 - 10] هل تدري أن هذا الأعمى أفضل من ألوف من الذي تبصر عيونهم؟! قال ابن كثير في البداية وهو يروي قصة عبد الله بن أم مكتوم، حين ذهب إلى القادسية؛ فأخذ الراية، فقال له الصحابة: إنك أعمى والله قد عذرك، قال: والله لأنفرن إلى المعركة؛ لأن الله يقول: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41] فسوف أنفر، فلما ذهب، أخذ الراية وهو أعمى ثم قتل في المعركة رضي الله عنه وأرضاه. والله سمى القرآن نوراً، فقال: {ومَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] فالقرآن نور، وفي صحيح مسلم في كتاب التفسير، قال عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل: {قال جبريل: أبشر بنورين أوتيتهما، لا تقرأ بحرف إلا أوتيته، بسورة الفاتحة وخواتيم سورة البقرة}. والنور -أيها الكرام الأبرار- يذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالى في معرض الامتنان، فيقول عز من قائل: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. يقول ابن تيمية: " للإنسان ميلادان: الميلاد الأول يوم أتت به أمه، والميلاد الثاني يوم تحلى بالإيمان "، فالله يقول في الميلاد الثاني: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] أومن كان ميتاً بالكفر فأحييناه بالإيمان وجعلنا له نوراً من العلم والحكمة يمشي به في الناس.

نماذج من الذين أحياهم الله بنوره

نماذج من الذين أحياهم الله بنوره ومن الأموات الذين أحياهم الله أذكر نماذج: عمر بن الخطاب كان ميتاً قبل الإسلام، كان يأكل ويشرب لكنه ميت، لأنه ما وصل القرآن والإيمان إلى قلبه، وروحه، وكل من لم يصل الإيمان إلى قلبه فهو ميت: (قلب لا تشرق عليه شمس الإيمان قلب ملعون، وأرض لم تشرق عليها شمس الرسالة أرض مغضوب عليها، وقلب يعتقد أنه سوف يهتدي بغير هدى الله الذي بعث به محمد عليه الصلاة والسلام فعلى هذا القلب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). كان عمر ميتاً: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:26 - 27]. خرج عمر من صلب أب كافر، فلما خرج عاش شطر عمره لا يعرف شيئاً، يأكل ويشرب، لكنه ما اهتدى إلى الإيمان والحب والطموح، فلما أتى عليه الصلاة والسلام ووضع يمينه في يمين عمر انسلخت الوثنية والشرك والتخلف من كل ذرة من ذرات جسمه، وأصبح إنساناً آخر؛ قرآناً يمشي على الأرض: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. عمر كان قلبه قاسياً جلفاً شديداً، فلما أسلم لان قلبه بالإيمان، يصعد المنبر يوم الجمعة كما يقول أهل السير فيقرقر بطنه عام الرمادة من الجوع، فيقول لبطنه: [[قرقر أولا تقرقر، والله! لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]]. عمر رضي الله عنه وأرضاه يمر بـ أبي وهو يقرأ في سورة الصفات: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:24 - 25] قال: فألقى عصاه وبكى حتى أغمي عليه، وبقي شهراً كاملاً يعاد من المرض. عمر يقول فيما يؤثر عنه: [[والله لو عثرت دابة على شاطئ دجلة -في العراق - لخشيت أن يسألني الله عنها يوم القيامة]] يقول في المسجد يوم الجمعة: [[يا أيها الناس! ما رأيكم لو ملت عن الطريق هكذا، فقام أعرابي فسل سيفه، وقال: يا أمير المؤمنين! لو رأيناك ملت عن الطريق هكذا لقلنا بالسيوف هكذا، فتبسم، وقال: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من لو قال عن الطريق هكذا، قالوا بسيوفهم هكذا]]. سافر إلى دمشق في طريقه إلى بيت المقدس، فقال: أين أخي؟ قالوا: من أخوك؟ قال: أبو عبيدة، فأتاه وعانقه، وقال: [[مل بنا عن الطريق نبكي أنا وإياك حياتنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام]]. قالوا لـ عاتكة بنت زيد زوجته: صفي لنا عمر، قالت: ليله أو نهاره؟ -أي: أصف الليل أم أصف النهار- قالوا: الليل، أما النهار فنعرفه، قالت: كان إذا دنا منه الليل وأتى إلى الفراش، وضع قدحاً رحراحاً فيه ماء بارد، فإذا أقبل عليه النوم أخذ من الماء فغسل وجهه فاستفاق، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، قالت: فيبقى يتململ حتى ينتصف الليل، ثم يقوم يصلي ويبكي حتى الفجر، فتقول له: يا أمير المؤمنين! لو أرحت نفسك، قال: [[لو أرحتها بالنهار لضاعت رعيتي، ولو أرحتها بالليل لضاعت نفسي]] أي إنسان هذا؟! إنسان ولد مع النور، كان ميتاً فأحياه الله. يرسل كسرى رسولاً، فيصل إلى المدينة، ويسأل عن بيت عمر، فقالوا: بيته هنا، فيذهبون معه، ويشيرون على بيت من طين، قال: أهذا بيت الخليفة؟! قالوا: نعم. فطرقوا عليه الباب فلم يجدوه، قال: أين هو؟ قال أهله: التمسوه في المسجد، فذهبوا في المسجد فلم يجدوه، فقال: أين هو؟ فبحثوا عنه فوجدوه تحت شجرة في ضاحية من ضواحي المدنية قد نام، فقال هذا الفارسي: حكمت فعدلت فأمنت فنمت. وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها فقال قولة حق أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها أتته سكرات الموت، فسأل الله الشهادة قبل أن يموت، فأعطاه الله الشهادة في المحراب، صباح يوم السبت في صلاة الفجر: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35]. ووصل إلى بيته وعزاه الناس في حياته، فقال ابن عباس كلمة من الكلمات النيرة التي حفظت له: [[طوبى لك يا أمير المؤمنين! أسلمت فكان إسلامك نصراً، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، وتوليت الخلافة فكانت ولايتك رحمة، فهنيئاً لك]]. قال وهو يبكي: [[يا ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا علي]] يمر به شاب وهو في سكرات الموت وهو مطعون والدم يسري من جسمه، فيقول للشاب: تعال يا بن أخي. يريد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وروحه تقعقع: [[يا بن أخي! ارفع إزارك؛ فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك]] وذلك لأنه يحمل الإيمان والحب والطموح. ومن الذين أخرجهم الله من الظلمة إلى النور عبد الله بن عمرو، رجل من الأنصار والد جابر، عاش ما يقارب الأربعين سنة في الجهالة والظلمة: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] أمة لا تستحق المجد، ظالمة، ضائعة، ضالة، فأتى هذا الرجل فسمع بـ مصعب فأسلم ودخل في الإسلام، فأعطاه الله نوراً: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35] وأتى في معركة أحد فباع نفسه في قصة مشهورة، فكلمه الله كفاحاً بلا ترجمان.

سعد بن معاذ

سعد بن معاذ وممن هداهم الله سعد بن معاذ، باع نفسه وقتل، مرض في المسجد، ومات شهيداً، واهتز عرش الله له، والحديث حسن. وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لـ سعد أبي عمرو أورد الذهبي أنه شيع جنازة سعد سبعون ألف ملك، لماذا؟ لأنه اهتدى إلى النور: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35]. والذي يبقى في الظلمة ميت، مثل فرعون، عاش وأكل وشرب، ولكنه ميت: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19]. وممن عاش في الظلمة ومات في الظلمة فهو ميت، أبو جهل؛ كفر بالله، وبالرسالة، وبالرسول عليه الصلاة والسلام، فمات متردياً، وكـ الوليد بن المغيرة {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً} [المدثر:13 - 14].

أقسام النور

أقسام النور ما هو النور؟ وما هي أقسام النور؟ النور على أقسام: أول نور لك في الحياة الصلاة، ففي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم، قال: {الصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء} الحديث، فأعظم نور لك في الحياة الدنيا الصلاة، فمن لم يتنور بالصلاة فلا نور الله عليه، ومن حُبس عن الصلاة فقد حبس عن النور، وإذا رأيت الإنسان يتهاون بالصلاة فاعلم أنه ليس عنده نور، ولا هداية، ولا إيمان، وأنه في ظلمة: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. والرسول عليه الصلاة والسلام صح عنه أنه يقول: {صلوا في بيوتكم، فإن الله جاعل لكم في بيوتكم من صلاتكم خيراً أو نوراً} فالصلاة في البيت نور، بشرط أن تكون النافلة، لا الفريضة إلا لعذر، فمن صلى الفريضة في البيت فقد أثم وأذنب إذا صلاها بلا عذر. ومن النور القرآن؛ قال تعالى: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] وقال: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة:15] فالقرآن نور، قال أهل العلم: ولا يكون القرآن نوراً للإنسان إلا بثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يعمل بمحكمه، ويؤمن بمتشابهه، فمن شك في القرآن، أو في شيء من القرآن لم يجعل الله له نوراً أبداً. الشرط الثاني: أن ينزع الشهوات من قلبه، فلا يقرأ القرآن بظلمة وشهوة وفجور، فإنه لا يستفيد منه شيئاً أبداً. الشرط الثالث: أن يلقي سمعه، وهو شهيد القلب؛ قال تعالى: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] فإذا اكتمل هذا أثر القرآن في قلبه تأثيراً بيناً. والذكر في حياتك نور، فإذا رأيت الإنسان يذكر الله كثيراً فاعلم أن عنده نوراً، ومن لم يذكر الله فليس له نور، والله وصف المنافقين الذين ذهب الله بنورهم بأنهم لا يذكرون الله إلا قليلا، كلما ذكر الله النفاق -هذه قاعدة- ذكر الذكر، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] وفي آخر السورة يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون:9] ويقول سبحانه تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] وفي الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى تميل ثم ينقر أربع ركعات لا يذكر الله فيها إلا قليلاً}. فالمنافق يصلي ويحج، ويعتمر، لكنه مصاب بداء خطير، وهو على قسمين: نفاق اعتقادي مخرج من الملة. ونفاق عملي، وهذا فيه نظر، وهو أقل من ذاك خطورة. فالنفاق المخرج من الملة هو نفاق من يعتقد كذب القرآن، أو كذب الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو منافق ملعون في الدرك الأسفل من النار، ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم. ومن النفاق الاعتقادي من استهزأ بشيء من كتاب الله، أو من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو من عباد الله من أجل صلتهم بدين الله، فهو كافر؛ قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]. أما النفاق العملي فهو على أضرب: {إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر} فهذا منافق نفاقاً عملياً وهو من المذنبين، ومن المتلبسين بصفات أهل النفاق، لكن لا يخرج من الملة. فالذكر -يا أيها الأبرار- نور، فعن عبد الله بن بسر -كما في الترمذي بسند حسن- أن رجلاً قال: {يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب} [الرعد:28] {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]. والصدقة نور، وقد سماها صلى الله عليه وسلم ووصفها بقوله: {تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار} ويستظل بها العبد يوم القيامة: {كلٌ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس} كما صح في الحديث، وفي حديث ابن مسعود في البخاري: {وإذا تصدق أحدكم فإن الله يأخذ صدقته بيمينه، فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون كـ جبل أحد} وفي رواية: {ولا يقبل الله إلا طيباً}.

أنواع الظلمات ونماذج لمن مات فيها

أنواع الظلمات ونماذج لمن مات فيها وأما الظلمات فقد ذكرها الله عز وجل في كتابه على صيغة الجمع، قال: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة:257] والظلمات ثلاث: ظلمة الكفر: وهذه أعظم ظلمة نجانا الله وإياكم منها، وهي ظلمة ما بعدها ظلمة، وهي ظلمة شديدة متلفة مهلكة لصاحبها. والظلمة الثانية: ظلمة الكبائر، فإن الكبيرة إذا أصيب بها العبد أظلم قلبه وقسا، وبعدت روحه، وشردت نفسه، ولا يكفرها إلا واحد من المكفرات العشر، التي ذكرت في بعض الدروس. والظلمة الثالثة: ظلمة الصغائر من الذنوب، فمن نجا من الظلمات فقد نجاه الله، ومن وقع في الظلمات، فهو في ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور. ومن هم الذين ماتوا في الظلمة ولم يروا النور: الجد بن قيس أحد المنافقين، قال له صلى الله عليه وسلم: {تعال اخرج معنا في غزوة تبوك قال: يا رسول الله! أنا رجلٌ أحب النساء، وإذا رأيت نساء بني الأصفر لا أصبر} وبنو الأصفر هم الروم، انظر إلى الكذاب الدجال، فقال الله عنه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:49]. ضاع جمله في الحديبية، قالوا: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله! لأن أجد الجمل خير لي من أن يستغفر لي محمد، نعوذ بالله من الخذلان في الدين والحرمان في الدنيا. أتدرون ما هو الخذلان؟ الخذلان أن يكتب الإنسان، أو أن يعتقد كفراً، أو يخدم أو أن يتكلم، أو يكون تحت مظلة الكفر؛ صحفياً، أو شاعراً، أو خطيباً، أو قصصياً، أو مسرحياً. والكفر هو أعظم ذنب عصي الله به في الأرض، قالوا: تعال يستغفر لك، فلوى رأسه، فلماذا فعل ذلك ولم يقل: لا؟ ولماذا لم يتكلم؟ لأنه خاف أن يكشفه الوحي بكلامه، فينقل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فنقل الله الصورة والحركة لرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ} [المنافقون:5] الآية. يقولون: حتى الحمار يلوي رأسه. ومما يذكر أن التبغ قدم لحمار -التبغ شجر الدخان- ليأكله، فلوى الحمار رأسه، كأنه يقول: لا أريد، وهذه كالزهرة تشم ولا تعك. ويوصف بها المنافقون: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المنافقون:5 - 6] وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5]. وحينما يذكر الله عدم الهداية يعللها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بأنهم فسقوا في أول الطريق: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5]. ومن المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول -نعوذ بالله من الكفر والخذلان- كان يصلي مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقوم ويقول يوم الجمعة للصحابة: اسمعوا لمحمد، استمعوا واستفيدوا، ولكن ما استفاد هو، خرج في غزوة فتشاجر مهاجري وأنصاري، وعبد الله بن أبي من الأنصار، لكن ما ناصر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فقال يوم رأى المهاجري يتشاجر مع الأنصاري، قال: صدق الأول! جوع كلبك يتبعك، وسمن كلبك يأكلك، ثم قال كما حكى الله عنه: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون:8] فسمع ابنه الكلام، وكان ابنه عبد الله مؤمناً؛ لأن الله: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الروم:19]. من هو عكرمة؟ إنه ابن أبي جهل، أبوه ميت، وقطعة من كلب، ميت لأنه ما آمن بالله عز وجل، فخرج منه عكرمة الذي لبس أكفانه يوم اليرموك، واستقبل القبلة، وقال: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]] وقتل في المعركة، وأتي به إلى خالد بن الوليد قائد المعركة، فقال خالد: ماذا تريد؟ فأشار إلى الماء يريد أن يشرب، لأنه لا يستطيع الكلام، فأتى خالد له بكوب ماء بارد وهو يحتضر، فلما أعطاه الماء البارد ليشرب نظر إلى عمه الحارث بن هشام، فأشار أعطه، يؤثرون حتى في ساعة الصفر كما قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] فقدموا الماء للحارث، فرأى الحارث رجلاً آخر فأشار إليه، فأبى أن يشرب قبل عكرمة، فردوا الماء لـ عكرمة فإذا هو قد مات، ثم إلى الحارث فإذا هو قد مات، ثم إلى الثالث فإذا هو قد مات، فرمى خالد بالكوب من يده، وقال: [[اسقهم من جنتك]] فهذا خرج من صلب أبي جهل. فأتى عبد الله بن عبد الله بن أبي، وقال: يا رسول الله! ائذن لي في قتل أبي، فإني لا ترضى نفسي أن أرى رجلاً يقتل أبي ويمشي على الأرض، لكن والله إن أذنت لي لآتينك برأس أبي هذا اليوم، فقال عليه الصلاة والسلام: {بل نترحم على أبيك، ونصحبه خيراً، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه} فلما أتى أبوه ليدخل المدينة، وقف عبد الله بالسيف على مدخل المدينة، وقال لأبيه: والذي لا إله إلا هو لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ولم؟ قال: لأنك الأذل وهو الأعز، فإذا أذن لك فادخل؛ ويقول الله عز وجل عن هذا: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8] فالعزة لله وللرسول عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين.

نماذج لظلمات أهل الفن

نماذج لظلمات أهل الفن وممن عاش الظلمة وتردى في الظلمة أناس كثير يعيشون على مر الدهور، وأنا أذكر نماذج من أهل الأدب والفن في هذا، وإلا فله حديث آخر، لكن حديثي الآن حول قوله تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35] وقوله تعالى: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. أحد الناس، يقول في مقطوعة له وهو يعيش في ظلمة وهو إيليا أبو ماضي يقول: جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!! ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!! كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري!! ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!! في ظلمة، لكن سوف يدري: {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9 - 10] {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. أحدهم يقول لسلطان: ما شئتَ لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار فابتلاه الله بمرض؛ لأنه يعيش في ظلمة: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. ورجل ثالث، مجرم من المجرمين، قام يقول للناس ويخاطب العرب: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم فكان يعيش ظلمة، ومات في الظلمة: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40].

طرق الظلمة الموصلة لها

طرق الظلمة الموصلة لها إخوتي في الله: الطرق الموصلة إلى الظلمة ثلاث: الشهوة- والغضب- والغفلة. فإذا غضبت أوقعك الشيطان في حبائل القتال، وهي نفس غضبية، وجعلك من جند فرعون -نعوذ بالله من ذلك- إن لم تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ليجعل الله لك نوراً، وإذا غضبت فتوضأ، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، واقرأ شيئاً من القرآن، ليأتيك النور على هذه الظلمة. وإذا أصابتك الشهوة، ووقعت في حبائل إبليس، وقعت في التردي والمعصية، وكنت من جند الشيطان ومن أهل الشهوات قارون وأمثاله. وإذا غفلت وقعت في نسيانه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19]. إذا علم هذا -إخوتي في الله- فلا بد أن تتنبه للأبواب الثلاثة التي تدخل عليك منها الظلمة، وتجعلك في الظلمة: الغضب والشهوة والغفلة.

تفسير قوله تعالى: (الله نور السماوات والأرض)

تفسير قوله تعالى: (الله نور السماوات والأرض) ونعود للآيات: ((اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور:35] ما معنى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35] قيل: معنى هذا مثل نور الله عز وجل الذي أعطاه المؤمن في قلبه، كمثل مشكاة فيها مصباح، وهذا ذكره ابن كثير، وأسنده إلى ابن عباس، وهو من أقرب الأقوال. فالنور الذي في قلبك أيها المؤمن: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور:35]. قال عليه الصلاة والسلام: {اللهم اجعل في قلبي نوراً} فالنور هذا هو نور الإيمان، والقرآن، والذكر، والدعاء: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35] ذكر ابن إسحاق في السيرة بسند فيه إعضال -والمعضل ما سقط من سنده رجلان على التوالي- قال: لما نزل صلى الله عليه وسلم بـ وادي نخلة، استقبل القبلة، وقام يصلي، ثم دعا الله، وقال: {اللهم إني أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة} فذكر لوجهه سبحانه وتعالى نوراً. وفي صحيح مسلم قال أبو ذر: {يا رسول الله! هل رأيت ربك؟ قال: نورٌ أنى أراه}. وجمهور أهل السنة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في الإسراء، وقد أخطأ من ذهب من بعض أهل العلم إلى ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم نفى ذلك عن نفسه، قال: {نورٌ أنى أراه} أي: ما رأيت الله، والله عز وجل يقول: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103]. ومن معتقد أهل السنة والجماعة أن الله يراه المؤمنون في الآخرة، ويحجب عنه الكفار والمنافقون: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ} [المطففين:15 - 16] {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]. ويقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري يصف ربه، قال: {حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره} فهو نور سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهو النور، وهو المنزل للنور، وهو الهادي إلى النور، فنسأله أن يهدينا وإياكم إلى النور. والنور في القرآن ذكر على ثلاثة أضرب: نور معنى كما في قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35] ونور حس كما في قوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1] ونور هداية كما في قوله تعالى: {يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة:257] فهو على ثلاثة معان.

من أقوال أهل العلم في النور

من أقوال أهل العلم في النور وقبل أن أفرغ إلى حديث آخر أحب أن استطرد في قضايا: مما قال أهل العلم: إن القلب يسرج سراجه فيه النور -لحديث حذيفة في الصحيح- فإذا استكمل العبد في الهدى وزاد في الصالحات، وأكثر في النوافل، نور الله قلبه حتى يصبح أبيض لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض -نسأل الله من فضله- وأن العبد إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء، فتجتمع هذه النكات حتى يصبح القلب أسود كالكوز مجخياً -أو منكوساً- لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه. ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن العبد إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب صقلت وأزيلت، حتى يعود أبيض، وهذه الذنوب والخطايا تؤثر في ثوب الإيمان الأبيض، فتنكته فيصبح أسود، فإذا أزلته بالاستغفار والتوبة أعاده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أبيض. في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: {قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ قال عليه الصلاة والسلام: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد} ما أجمل هذه الكلمات! تصل إلى القلوب، لا أجمل منها ولا أعبق إلا القرآن، فهو كلام من أنزله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فلذلك قال: {اللهم نقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس} والبخاري يستشهد على هذا بلباس البياض، ويأتي بمثل هذا. فإذا علم هذا فالخطايا هي التي توردك في الظلمة، ولا يوردك في الظلمة إلا الخطايا، وواجبك في الخطايا أن تتوب ليصقل قلبك، ومن ترك نفسه للخطايا أظلمت روحه، وأظلم قلبه فأصبح في ظلمة: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [النور:40]. أحد المناطقة يذكره ابن تيمية في المجلد الرابع من فتاويه، يقول: سئل عن قلبه، قال: ظلمات بعضها فوق بعض، سبحان الله! الذي لا يهتدي بالقرآن لا يهتدي بالوحي ويقع في الظلمات، قالوا له: لماذا لا تقرأ وتستغفر وتتوب وتعبد الله؟ قال: لا أستطيع: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54]. فإذا وصل الخطأ إلى هذا المستوى والظلم والعصيان والفجور أظلم القلب، فأصبح مغلقاً، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] بل: {طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [محمد:16] {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13]. قال ابن المبارك: [[من ترك الآداب ابتلاه الله بترك السنن، ومن ترك السنن ابتلاه الله بترك الفرائض، ومن ترك الفرائض ابتلاه الله بالكفر]] ومن فعل هذه أصبح في ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور. ما هي الآداب؟ هي آداب الإسلام. ما هي السنن؟ سنن الإسلام التي أتى بها صلى الله عليه وسلم، ولذلك سئل الإمام أحمد عن رجل ترك الوتر وداوم على تركه، قال: "هذا رجل سوء لا خير فيه" وإذا رأيت الإنسان يترك النوافل ويداوم على تركها، فاعرف أنه سوف تمر به مرحلة يترك الفرائض.

كيفية الحفاظ على النور

كيفية الحفاظ على النور خطوط الدفاع ثلاثة: آداب، وسنن، وفرائض، فمن ترك الآداب ابتلاه الله بترك السنن، ومن ترك السنن وقع الثلم والنقص في الفرائض، ومن ترك الفرائض ابتلاه الله بالكفر. وهذا أمر لا بد أن يعلم، وحجاب، أو ساتر الإيمان أمور أذكرها: منها: ذكر ابن تيمية في المجلد الأول من فتاويه، قال: "للقلب أو محركان الذكر والفكر" فأعظم ما يحصل لك به النور الذكر والفكر: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] والذكر ذكر الله بالقرآن وبأي ذكر، والفكر التفكر في آيات الله المشهودة والمقروءة، وهذا أمر لا يغيب عنكم أيها الإخوة الكرام.

مسائل حول الفطرة والنور

مسائل حول الفطرة والنور وأخلص من هذا الدرس إلى مسائل ألخصها: المسألة الأولى: أن الفطرة وحدها لا تكفي للهداية، وقد أخطأ الفلاسفة لما قالوا: ليس هناك داعٍ أن يرسل الله الرسل؛ لأن الله خلق السماوات والأرض وأقام الكائنات، وعرض الآيات البينات، فلماذا يرسل الرسل؟ وقد كذبوا، فالفطرة وحدها لا تكفي، ولو كفت الفطرة لاهتدى الناس، لكن الناس مفطورون على الهداية، ولكنهم يزيغون فيحتاجون إلى الرسل، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15]. المسألة الثانية: أن النور لا يأتي إلا من عند الواحد الأحد، وأن من التمس النور من غير هداية الله أضله الله، ومن التمس العافية من غير الله أمرضه الله وأسقمه وأتلفه، ومن التمس السداد من غير الله أضله وأعماه وأهلكه، فالهداية من الله، والنور من الله، وهو في الإيمان والقرآن. المسألة الثالثة: أن النور أقسام وهذا معلوم بالنصوص، وأننا نأتي يوم القيامة على أنوارنا في الدنيا بصالحاتنا -نسأل الله من فضله- منا من يأتي كالقمر ليلة البدر، ليلة أربعة عشر، ومنا من يأتي كالكوكب الدري اللامع في السماء، ومنا من يزهر نوره إزهاراً كالنجم، ومنا من يأتي نوره كالمصباح، ومنا من يأتي نوره على رأس ظفره وأصبعه. المسألة الرابعة: أن النور يزيد وينقص بزيادة الإيمان، ومعتقد أهل السنة والجماعة أن الإيمان ينقص ويزيد كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4] والنور يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي. ومن اعتقادنا أن موقدات الإيمان اثنان: الذكر والفكر، والذكر بالقرآن وبالتسبيح، والفكر في آيات الله الكونية وآياته الشرعية، ومما يعرض في هذا الباب أن النور ينقطع. فإنه يكون للمنافقين في الدنيا بحسب ما استضاءوا بالنور ظاهراً. -كيف استضاءوا بالنور ظاهراً؟ - كانوا يصلون معنا ويصومون، ونعوذ بالله من النفاق، ومن لم يخف من النفاق خيف عليه من النفاق. قال الحسن في صحيح البخاري -معلقاً-: [[ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق]] وقال عمر لـ حذيفة: [[أسألك بالله يا حذيفة أسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ قال: لا. ووالله! ولا أزكي أحداً بعدك]]. وهناك نور يجعله الله للمنافقين بالصلوات الظاهرة فيأتي يوم القيامة لهم نور، ثم يقطع الله عنهم النور، فيتساقطون في نار جهنم: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ} [البقرة:17]. المسألة الرابعة: الظلمات على أنواع ثلاثة: كفر، ونفاق، ومعاص، والظلمة تزيد بالمعاصي، وتنقص بنقصان المعاصي، وأكثرها للكافر والمنافق، والظلمة هي معنوية وحسية كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الحسية: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1] وقال في المعنوية: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة:257] وأن المؤمن قد توجد في قلبه ظلمة، لكن لا تخرجه من الإسلام والدين. المسألة الخامسة: وصف النور والظلمة وصفات أهل النور: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257]. ما هو وصف الكفر وظلمة الكفر؟ ووصف الإيمان ونور الإيمان؟ أما وصف الإيمان ونور الإيمان، فيوصف بالنور وبالماء البارد على القلب، وبالحبل الممدود إلى السماء، وباستطاعتنا أن نوجد من النصوص أمثلة وشواهد لهذا. والظلمة توصف بأمور: توصف بانعقاد الخاطر، وظلمة القبر، وتوصف بانعقاد القلب، فلا يرى النور ولا ينشرح، فيكون: {ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125] {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الزمر:22]. وأهل النور -يا أيها المسلمون- هم أهل السنة والجماعة. وصفات أهل النور - أهل السنة والجماعة - أربع صفات: الأمر الأول: أنهم لا يأخذون منهجهم، ولا عقيدتهم، ولا عبادتهم، ولا سلوكهم إلا من الكتاب والسنة: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35]. الأمر الثاني: أنهم يقصدون بعملهم وجه الله تبارك وتعالى، فلا يشركون مع الله شيئاً في عبادتهم، ولا في أخلاقهم، ولا في سلوكهم. الأمر الثالث: أنهم يتعاونون ويتواصون بالحق والصبر: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3]. الأمر الرابع: أنهم وسط، وقد وصفهم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، وهذا نور على نور، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] فهم وسطٌ في المعتقد، ووسطٌ في العبادة، ووسطٌ في الأخلاق والسلوك. وهذه هي صفات أربع لأهل النور، وهم أهل السنة والجماعة. فنخلص من هذه المحاضرة إلى أن أهل النور هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، جعلنا الله منهم، وجعل الله لنا نوراً نمشي به في الناس، وأحيانا الله بالنور، وأماتنا على النور، وشرح صدورنا للنور، وهدانا إلى صراط مستقيم.

حكم السحرة والكهان والعرافين

حكم السحرة والكهان والعرافين هذا أخ يشتكي من انتشار الكهنة، وقد سمعنا بعض العلماء والمشايخ يتكلمون بهذا، ويندبون الناس إلى التحدث عنه خاصة الدعاة، لأنه انتشر في أوساط الناس، وهو في المدن أكثر منه في القرى فيما سمعنا، وهي مسألة خطيرة، وهذه ليست مسألة إسبال ثياب، أو أخذ اللحى أو شرب الدخان، بل إنها مسألة خطيرة، ومن أعظم المسائل الخطيرة في تاريخ الإنسان، فهي مسألة شرك وكفر في القرن الخامس عشر، قرنٌ بلغت فيه كتب العلم والسنة مبلغها، ووجد العلماء وانتشرت المساجد والوعي والدعاة والعلماء، ثم يغزونا الشرك إلى قعر بيوتنا، وإلى داخل مدننا وقرانا، فهذه هي الخطورة التي ما بعدها خطورة، وهي قاصمة الظهر. وهذا الأخ يشتكي ويقول: وجد في أماكننا وقرانا ومدننا كثيرٌ من الدجالين والسحرة والمشعوذين والعرافين والكهنة، فماذا تقول في هذا الباب؟ وهؤلاء نسأل الله أن يكفينا شرهم، وأن يزيلهم عن مجتمعاتنا، فإنهم أعداء الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأعداء الكتب السماوية، وهم الذين قطعوا الطريق بين الخلق والخالق تبارك وتعالى، وهم الذي صرفوا القلوب إلى غير باريها، وهم الذي عطلوا الأرواح عن أن تسافر إلى واليها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فعليهم من الله ما يستحقونه، وهؤلاء كفرة بلا شك. وفي صحيح مسلم {من أتى عرافاً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} وفي لفظ صحيح: {من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام} والسحرة هؤلاء كثير، ووجدوا في القرى والمدن، وهم أناس يدعون الغيب، وقد كذبوا ودجلوا على الله عليهم لعنة الله، وهؤلاء السحرة يدعون علم الغيب، ويقول أحدهم: أنا أعلم الغيب: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65].

ما يقوم به الساحر حتى تخدمه الجن

ما يقوم به الساحر حتى تخدمه الجن فمن ادعى الغيب فإنما هو مخدوم من الجن، وقد قرر ابن تيمية في المجلد العاشر والحادي عشر أن هؤلاء يستخدمون الجن في أغراضهم، فأنت تأتي الساحر وما أخبرته باسمك، ولا باسم زوجتك وابنتك وأختك، فيخبرك بهذا، يقول: اسمك كذا وكذا، واسم ابنتك كيت وكيت، وسيارتك كذا، وأنت تسكن في كذا، فمن أخبره؟ إنهم الجن، وهو لا يخبره الجان حتى يكفر بالله. حتى يقول بعض أهل العلم: إنه اكتشف أن بعض السحرة اشترط الجن عليه أن يبول على المصحف فبال على المصحف، والسحرة هؤلاء لا تخدمهم الجن في القرى ولا الأماكن ولا الضواحي حتى يكفرون بالله العظيم، إما بأن يستهزئوا بالآيات، أو أن يدوسوا شيئاً من أوراق المصحف أمامهم، أو يصلوا بالنجاسات، كما ذكر ابن تيمية، فبعض السحرة قد يكون من أئمة المساجد، وبعضهم قد يكون خطيب يوم الجمعة وهو ساحر، وبعضهم قد يكون إماماً وهو مشعوذ كاهن، فيأتي يصلي بالناس وعليه جنابة. فهذا الساحر يكفر بالله العظيم، فلا يخدمه الجان إلا بعد أن يكفر بالله ويبول على المصحف، فيأخذ المصحف في زاوية ويبول عليه، فإذا بال عليه كفر بالله وانسلخ من الإسلام ومن لا إله إلا الله، فتأتي الجن تنقل له الأخبار من مكان إلى مكان، والجن لا تنقل له خبراً وهو مؤمن أبداً.

الفرق بين كرامات الأولياء وشعوذة المشعوذين

الفرق بين كرامات الأولياء وشعوذة المشعوذين كيف نفرق بين كرامات الأولياء وشعوذة المشعوذين؟ هنا وليٌ من أولياء الله تأتيه كرامة، مثل أن يرى نوراً في بيته، مثل أن يطوي الله له الأرض، مثل أن يأتي الأسد له فيطأطئ الأسد رأسه له، ويأخذ الأسد ويمسكه، أو يمسك الثعبان فلا يؤذيه الثعبان، وبين مشعوذ يأتي إلينا فيأخذ الثعبان فإذا هو عصا، ويأخذ العصا فإذا هي ثعبان. أحد الناس قال: رأيت مشعوذاً أخذ فنجاناً فحوله إلى بيضة دجاجة، وأخذ براداً فحوله إلى حمامة، وهذا من المشعوذين، فكيف نفرق بين هذا وبين هذا؟ قال ابن تيمية: نفرق بين الكرامة والشعوذة بفارقين اثنين، وهذا من الفرقان الذي يجعله الله لأهل النور: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35]. الفارق الأول: أن الكرامة لا تجري إلا على يد رجل صالح عامل بالكتاب والسنة، فإذا رأيت الرجل الفاجر تجري على يديه خوارق للعادات فالعنه والعن خارقته ولا تقبل منه كلمة، رجل فاجر يصلي بجنابة، رجل يأوي الزبالات، ولذلك كثير من السحرة والكهنة -كما نقل إلينا برجال ثقات- يبيتون في المزابل والرماد والمذابح والحمامات، لأن الجن لا تأتيهم ولا تسخر لهم إلا في هذه الأماكن، ولذلك إذا دخلنا الحمام قلنا: نعوذ بالله من الخبث والخبائث، فهؤلاء إذا أتى علي أيديهم شيء فنكفر بهم ونكفر بما أتى على أيديهم. ليست كرامة، بل هي ندامة، ولعنة، وخزي، ودمار، وعار في الدنيا والآخرة، ومن أتاهم وصدقهم فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا يزكيه ولا ينظر إليه، وله عذاب أليم، وقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام. فالضابط أن الكرامة لا تأتي إلا على يد رجل صالح، عامل بالكتاب والسنة، صاحب سنة واستقامة، يعتقد اعتقاد السلف الصالح، فهذه كرامة أتت علي يده، وإذا أتت على يد النجس الآخر القذر المشعوذ الكاهن، فهي خيبة وندامة ولعنة وابتلاء من الله. الفارق الثاني: ألا يستخدم الكرامة إلا فيما يرضي الله وينصر بها دين الله، مثلما فعل الصالحون، فالصحابة أكرمهم الله بكرامات فكانت في سبيل الله، مثل الطفيل بن عمرو الدوسي أكرمه الله بنور جعله في جبينه، فسأل الله أن يحوله في عصاه، فكان إكرامه بجعل النور في العصا آية في الدعوة.

أمثلة من كرامات الأولياء وشعوذة المشعوذين

أمثلة من كرامات الأولياء وشعوذة المشعوذين ذكر ابن كثير والذهبي أن خالد بن الوليد رضي الله عنه ذهب إلى أرض الروم يقاتل، فقال له قائد الروم: يا خالد! إن رسولكم -عليه الصلاة والسلام- يخبركم أنكم إذا توكلتم على الله لا يضركم شيء، وهذا يا خالد! سمٌ زعاف في قارورة، جمعناه شهراً كاملاً، فإن كنت صادقاً فاشربه ولا يضرك شيئاً، فأتى خالد فكشف القارورة، وأزال غطاءها، وقال: [[بسم الله، توكلت على الله، حسبي الله، لا إله إلا هو عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم]] فشربها كلها فما أصابه شيء. يقول ابن تيمية: هذا وأمثاله تأييد للحق ورفعٌ لـ (لإله إلا الله) فكان في سبيل الله؛ لأنه خالد بن الوليد صاحب الكتاب والسنة، 1000028>خالد الذي غزا في سبيل الله مائة معركة، تكسرت في يده تسعة أسياف لأنه ينصر دين الله. تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها أما المشعوذون والسحرة والكهنة، فحدهم السيف: {حد الساحر ضربة بالسيف} وهذا الحديث تكلم فيه، ولكنه حسن، وهذا معلوم لولاة الأمور وأهل التنفيذ أنهم إذا ظفروا بساحر يتقربون إلى الله بدمه؛ لأن بعض الناس يتقرب إلى الله بدماء المبتدعة والسحرة والمشعوذين. ولذلك ابن القيم يتفنن في مقطوعة له في مثل هؤلاء، فـ الجعد بن درهم، هذا الظالم العميل، المبتدع، الخرافي، الساحر، المشعوذ، أتى به خالد بن عبد الله القسري يوم عيد الأضحى، وقد كان خالد بن عبد الله القسري والي العراق، فخطب الناس، فقال: أيها الناس! ضحوا تقبل الله منكم فإني مضحٍ بـ الجعد بن درهم، فنزل فأخذ خنجره، وبرك على صدر الجعد بن درهم، وذبحه مستقبلاً به القبلة، وهذا يكفي عن سبعة. قال ابن القيم: ولأجل ذا ضحى بـ جعد خالد الـ ـقسري يوم ذبائح القربان إذا قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان من أراد أن يتقرب فليقرب بمثله، فهؤلاء السحرة من ظفر بأحد منهم فليرفعه إلى الجهات، وحكمهم السيف، وهم ملعونون في الكتب، وعلى ألسنة الرسل، وهم أعداء الرسالات الخالدة، ومن وصلهم وصدقهم فقد كفر بالقرآن، وكفر بالسنة، ولا تنفعه صلاته ولا صيامه، ولا حجه، ولا عمرته، وهو ضالٌ مضل. وقد رأيت أشخاصاً حدثوني، أنهم ذهبوا إلى ساحرة مشعوذة، فوصفوا لها جفاف البئر، فوصفت لهم من أين يحفرون، وهي ما حضرت، وما رأت، وما سمعت، وهي في بيتها، فعليها لعنة الله. وأحدهم ذهب بابنه إلى مشعوذ كاهن ساحر، فوصف له داءه، فقرأ عليه ورقاه، وأراني هذه الأوراق، فإذا فيها طلاسم وخطوط، فتشافى الابن ابتلاءً من الله، فلعنة الله على الذاهب والماضي إلا أن يتوب. فعلموا أهلكم وجيرانكم ومجتمعكم، وإلا فالأمة سوف تذهب مع السحرة والمشعوذة والكهنة، وسوف يسحتها الله بعذاب من عنده، وتفتري على الله، وتكون أمة فاشلة منهزمة مشركة، نعوذ بالله من الخذلان والحرمان. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الجوائز السخية

الجوائز السخية أي عمل لابد بعده من جائزة، ولكل مجتهد نصيب، فالذي يجتهد في أمور الدنيا ينال، والذي يجتهد في أمور الآخرة ينال، والنبي صلى الله عليه وسلم وضع الجوائز العظام التي لا توزن بما في هذه المعمورة، فمن أجل أن تعرف هذه الجوائز والأعمال التي تنال بها هذه الجوائز؛ تصفح هذه المادة وستعرف الكثير؛ وستعرف بالإضافة إلى ما سبق لطائف من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حياة أبي بكر وعمر، وابن المبارك.

النبي صلى الله عليه وسلم يعرض الجوائز

النبي صلى الله عليه وسلم يعرض الجوائز إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عنوان هذا الدرس: "الجوائز السخية". يقول عليه الصلاة والسلام: {من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا؛ نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يطلب فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه} رواه مسلم وغيره. هذه هي الجوائز السخية التي يعلنها عليه الصلاة والسلام للمؤمنين، إذا جعل الناس جوائز من الذهب والفضة، ومن السيارات والقصور، ومن الدور والبساتين، جعل عليه الصلاة والسلام جوائزه أغلى وأعلى وأجلَّ، أتى الناس إليه عليه الصلاة والسلام يريدون الدنيا وحطامها فأعطاهم الدنيا والآخرة، أتى الناس يطلبون بيوتاً ومزارع فأعطاهم جنة عرضها السموات والأرض. وقف خطيباً في الناس، يقول: {أيها الناس! إني أعطي بعضكم لما جعل الله في قلوبهم من الهلع، وإني لأدع قوماً لما جعل الله في قلوبهم من الإيمان منهم عمرو بن تغلب: قال عمرو بن تغلب كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما فيها} وهذا منطق المؤمن أن يقف أمام مغريات الدنيا، ويعلم أنه مهما جمع، ومهما حصل فيها فهو قليل في جانب ما عند الله {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] يقول الزبيري: خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا وقد شاهد الإنسان وهو يقرأ التاريخ؛ السلاطين، والأغنياء، والأثرياء، وأرباب الدنيا، وهم يمرون كمر السحاب {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88] جمعوا وذهبوا. في رحلة ابن بطوطة قال: " وصلت مكاناً وراء نهر سيحون وجيحون فوقفت في تربة هناك، فقال لي أحد الناس: في هذه التربة رأس ألف ملك " في هذه التربة مدفون ألف ملك من ملوك الدنيا انظر إليهم، فيقول الشاعر لما وقف على التربة: وسلاطينهم سل الطين عنهم والرءوس العظام صارت عظاما وكان علي بن أبي طالب في الكوفة، فدعا بإناء يشرب فيه من ماء، فأتي له بإناء من خزف من طين فخار الذي خلق منه الإنسان، فأتي بالإناء فبكى علي، قالوا: مالك؟ قال: [[الله يا طين، كم فيك من خدٍ أسيل، ومن طرف كحيل]] المعنى: كم وضع فيك من الأشلاء، وربما مزجت أنت والطين الذي معك من المقبرة، وكان فيه بقية أموات، يعبر عن ذلك أبو العلاء المعري بقصيدته الرائعة، السائرة، وهو يقول: غيرُ مجدٍ في ملتي واعتقادي نوح باكٍ ولا ترنم شادي وسواءٌ صوت الشجي إذا قيس بصوت النعي في كل نادي خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد صاح هذه قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد وهذا منطق سديد، ولو أن صاحب هذه الأبيات ليس برشيد، لكن قد يقول الشيطان كلمة يصدق فيها أحياناً. أما حبيبنا عليه الصلاة والسلام فإنه يتكلم لنا بأبلغ ما يتكلم به الإنسان للناس، ويحيي من هذه الكلمات أمة ما كان لها أن تعيش إلا بهذه الكلمات: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] والأمم لكل أمة مثلٌ أعلى، ولكل أمة وشدان وجدان؛ يعني: يشدها فمثلاً: الغربيون تشدهم الموسيقى، فالموسيقى معهم حتى في صفوف القتال، فمثلاً الصينيون يفخرون بالرقص، الشرقيون يحبون الترانيم، فهم دائماً إذا اجتمعوا ترنموا في مجالسهم، وأهل إفريقيا يحبون الألوان الباهتة والمزركشة، أما هذه الأمة فأحياها عليه الصلاة والسلام بالقرآن، حركها فتحركت وقامت مهللة مكبرة، ومع القرآن كلامه عليه الصلاة والسلام، فإن كلامه يؤثر ويصل إلى القلوب وينفع الله به.

سبب قوله: (كرب الآخرة) وعدم قوله: (كرب الدنيا والآخرة)

سبب قوله: (كرب الآخرة) وعدم قوله: (كرب الدنيا والآخرة) يقول عليه الصلاة والسلام في هذه الجمل التي جعلتها بعنوان الجوائز السخية: {من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا؛ نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة} هنا سؤال، لماذا لم يقل عليه الصلاة والسلام: نفس الله عنه كربة من كرب الدنيا والآخرة، مع العلم أنه قال بعدها: {ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة}.

كرب الدنيا لا يقارن بكرب الآخرة

كرب الدنيا لا يقارن بكرب الآخرة أجاب أهل العلم بجوابين: الجواب الأول: أن كرب الدنيا إذا قيست بكرب الآخرة، فإنها تكون سهلة، وليس فيها مضرة أبداً، ولا ألم إذا قيست بألم الآخرة، ففي الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار، فيغمس في النار غمسة واحدة ثم ينزع، فيقول الله له: هل رأيت نعيماً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا يا رب. ويؤتى بأبئس أهل الدنيا من أهل الجنة، فيغمس في الجنة غمسة واحدة، فيقول الله له: هل مر بك بؤس قط؟ هل رأيت بؤساً قط؟ فيقول: لا يا رب}. إذاً فألم الدنيا بالنسبة لألم الآخرة كلا شيء، ولا يعتبر شيئاً، ولا يقاس معه أي مقياس، لا حبس الدنيا، وجلدها وضربها، ولا جوعها وظمأها ومشقتها، لهذا لم يسمها عليه الصلاة والسلام كربة. كان عامر بن عبد الله بن الزبير يزن نفسه، وكان يخرج ديته، وأعتق نفسه أربع مرات، فقد اشترى نفسه من الله أربع مرات، يحسب ديته فيتصدقها في الأيتام والفقراء والمساكين، قالوا: لماذا تفعل هذا؟ قال: [[لكربات يوم العرض الأكبر]].

غالب الناس لا تصيبهم كرب في الدنيا

غالب الناس لا تصيبهم كرب في الدنيا الثاني: قال أهل العلم: إنما قال عليه الصلاة والسلام: كربة من كرب يوم القيامة ولم يقل: كربة من كرب الدنيا: لأن بعض الناس يعيش في الدنيا ولا تمر به كربة، وهذا مشاهد من أحوال العالم، فإنك تجد بعض الناس سليماً معافى لا يصيبه شيء. يقول صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري في كتاب المرضى: {المؤمن كالخامة من الزرع تفيئها الريح يمنة ويسرة، والمنافق كالأرزة لا تزال قائمة منتصبة حتى يكون انجعافها مرة واحدة}. فدائماً المؤمن مصاب، ودائماً في أسى ولوعة، والفاجر تجده متماسكاً، لكن خزيه يوم العرض الأكبر. والإنسان يتساءل: سبحان الله! كيف أن فجرة التاريخ، ومردة العالم لا يأتيهم قاصم يقصمهم! فيجيبك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بقوله: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:42] الله يعلم وليس بغافل، ولكنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يصبر ولا أصبر ولا أحلم منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ} [إبراهيم:42 - 43] فمثلاً انظر إلى التاريخ: جنكيز خان وهولاكو ونصير الدين الطوسي وأبو مسلم الخراساني والحجاج وغيرهم من المجرمين، والمردة، والظلمة، تجد الواحد منهم يعتو ويعتو، والإنسان منا في نفسه يقول: سبحان الله! لماذا لم يهلكهم الله؟! بلغ السيل الزبا، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم:42] هذا الجواب.

كرب الدنيا وكرب الآخرة

كرب الدنيا وكرب الآخرة ما هي كرب الدنيا، وما هي كرب الآخرة؟

كرب الدنيا

كرب الدنيا أما كرب الدنيا فلا تسمى كرباً في الجملة، ولو سميت بذلك فذلك بنسبة الدنيا، كالدين، والحبس والمصائب والكوارث والحوادث، ولكنها عند المؤمن أسهل ما يكون، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن}. وقوله عليه الصلاة والسلام: {من نفَّس عن مؤمن كربة} معنى نفَّس: أزال، وأزاح كربة مثل كربة الدَّين والجوع والمرض، وذلك يكون بقضاء الحوائج، والوقوف معه، والشفاعة، ورفع الظلم عنه، ونصرته، والذب عن عرضه، والمحاماة عنه؛ لأن {المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً} ومن خذل مؤمناً في مجلسٍ كان يجب عليه أن ينصره فيه خذله الله عز وجل، ولا يجد له ناصراً. وهذا أمر معلوم، لا يقل الإنسان: نفسي نفسي في المناصرة، بل لا بد للمسلم أن ينصر أخاه المسلم وذلك حق واجب عليه. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يقول الله عز وجل يوم القيامة -يوم يحاسب العبد-: يا بن آدم! استطعمتك فلم تطعمني، فيقول: كيف أطعمك، وأنت رب العالمين؟! فيقول الله: استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا بن آدم! مرضت فلم تعدني، فيقول: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! فيقول: مرض عبدي فلان، فلم تعده أما إنك لو عدته لوجدت ذلك عندي، يا بن آدم! استسقيتك فلم تسقني، قال: كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان ظمئ فما أسقيته، أما إنك لو أسقيته لوجدت ذلك عندي}. وعند الترمذي قال عليه الصلاة والسلام: {أيما مؤمنٍ أطعم مؤمناً على جوعٍ أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مؤمنٍ سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم -انظر إلى العبارات الهائلة وانظر إلى البلاغة في أرقى صورها- وأيما مؤمنٍ كسا مؤمناً على عري كساه الله من خضر الجنة} لماذا قال: من خضر الجنة؟ لأن ثياب أهل الجنة تأتي من ورق الجنة، تخرج هناك أوراق في الجنة فتفصل للعبد المؤمن ثياباً جاهزة كل يوم، هذه خضر الجنة.

كرب يوم القيامة

كرب يوم القيامة الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم للأمة أمة التكافل، فيقول هنا: {نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة} والقيامة فيها كرب، ومن أعظم الكرب يوم القيامة ما يقع عند تطاير الصحف -نسأل الله لنا ولكم السلامة- فإنه يعطى فريقٌ باليمين وفريقٌ بالشمال: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} [الحاقة:19 - 22] ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:25 - 28]. ثم من الكرب عند الميزان؛ فإن هناك ميزاناً دقيقاً، من الذي يحكم على الميزان؟! ومن الذي يقف عليه؟! هل تقف عليه الملائكة، أم الرسل، أم ملوك الدنيا، أم قضاة العالم؟! إنه الله رب العالمين: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:17] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] لا ظلم، ولا هضم لحق أحد، فيقف الإنسان مبهوتاً أمام الميزان وهو خائف وجل أن ترجح السيئات بالحسنات، والله المستعان، ومن كرم الله عزوجل أنه إذا تساوت كفتا الحسنات والسيئات أدخل الله العبد الجنة. ومن كرمه أيضاً أن يأتي بحسنات ما تصورها الإنسان، فيضعها الله في ميزان حسناته فيدخل الجنة. ثم يقول عليه الصلاة والسلام: {ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة} انظر ما أحسن كلمة "يسر! " والله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم ميسراً قال: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8] وقال: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:1 - 3] وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ووصف رسوله بأنه مسهل فقال: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157]؛ أغلال اليهودية، وأغلال النصرانية، والأحكام الجائرة، والتكاليف، والشدائد في العبادات، ولو وضعت علينا ما استطعنا، كان الرجل من بني إسرائيل إذا مس البول شيئاً من ملابسه قطع الذي مسه البول، فلما أتى عليه الصلاة والسلام قال: {بعثت بالحنيفية السمحة} وكان يقول: {إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه} فهو سهلٌ في لباسه، يلبس مرة الجميل البديع، ويقول: {إن الله جميل يحب الجمال} ومرة يلبس المتواضع الذي يجده، حتى يلبس أحياناً صوفاً من شعر: البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها ويأكل أحياناً ما لذ وطاب من الطعام، كالعسل واللحم، وأحياناً لا يجد كسرة الشعير. وينام أحياناً عليه الصلاة والسلام هادئاً في مكانٍ مريح، وأحياناً ينام على التراب، ليكون قدوة لطبقات الناس جميعاً؛ لأنه مربي، فلا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لا إلى المترفين الذين جعلوا حياتهم -فقط- أكلاً، وشرباً، ومناماً، ولا إلى الذين أزروا بأنفسهم وكانوا كالرهبان، وكعباد النصارى، لا. {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143].

ارحم الناس يرحمك الله

ارحم الناس يرحمك الله وقال صلى الله عليه وسلم: {ومن يسر على معسر} المعسر: تطلق على من أعسر في الدين، فتيسر عليه بأن ترجئه، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] أي: تنظره إلى أن ييسر الله عليه، ولا تلح عليه وأنت في سعة، ولا تذهب به إلى القاضي، ولا ترفع أمره، ولا تفضح ستره، بل ترجئه من دينه حتى يفرج الله دينه، فإنك إن فعلت ذلك تجاوز الله عنك يوم القيامة، وهذا أمر معلوم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: {من سره أن ينجيه الله عز وجل من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه} وممن يتجاوز الله عنهم يوم القيامة كما في الصحيحين: {رجلٌ كان يداين الناس في الدنيا، فيقول لكتابه: تجاوزوا عن فلان علَّ الله أن يتجاوز عنا، ففي يوم القيامة يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: تجاوزوا عنه -وفي لفظ- أنا أولى بالكرم منك تجاوزوا عنه} أي: لست أكرم مني، ما دمت تجاوزت أنت عن عبادي؛ فأنا أتجاوز عنك، فيتجاوز سُبحَانَهُ وَتَعَالى عنه ويدخله الجنة. فقوله صلى الله عليه وسلم: {من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة} وبعض أهل العلم يقول: إن من وجد معسراً فأسلفه وأقرضه مالاً وأعطاه يدخل في هذا، بل يدخل في هذا دخولاً أولياً. وهذا من التراحم، والجزاء من جنس العمل، ومن رحم الأمة رحمه الله، وفي صحيح مسلم تقول عائشة رضي الله عنها: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به} فالجزاء من جنس العمل.

الترهيب من كشف ستر الله على العباد

الترهيب من كشف ستر الله على العباد وأما قوله عليه الصلاة والسلام: {ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة} فإننا نعلم من قوله صلى الله عليه وسلم: {الله ستيرٌ يحب الستر} المروي في الترمذي، أي أنه: ستير سُبحَانَهُ وَتَعَالى يحب الستر، ويحب أن يستر على العباد وألا تكشف أمورهم ولا يفضح ما أسروه؛ لأنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى يحب أن يضع كنفه وستره على العباد. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يا من آمن بلسانه ولم يؤمن قلبه! لا تتبعوا عورات المسلمين؛ فإن من تتبع عورات المسلمين فضحه الله ولو في عقر داره} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وفي بعض الألفاظ: {تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في عقر داره}. قال ابن رجب: يقول أحد العلماء: " وجدت أناساً لم تكن لهم ذنوب ولا عيوب، فبحثوا عن عيوب الناس فأبدى الله عيوبهم للناس، وكان هناك أناس لهم عيوب وذنوب ستروا الناس فستر الله عيوبهم وذنوبهم ": لا تضع من مكان قدر عظيم بالتجري على العظيم الكريم فالعظيم العظيم يصغر قدراً بالتجري على العظيم العظيم ويقول الشافعي: إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى ودينك محفوظٌ وعرضك صيِّنُ لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ فكلك عورات وللناس ألسنُ وعينك إن أبدت إليك معايباً لقوم فقل يا عين للناس أعينُ يقول كعب بن زهير: ومن دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل وهذا هو الذي يتكلم عن عيوب الناس وعن ذنوبهم، ويفضح تاريخهم، ويحب أن يشهر بهم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19] قالوا: عذابهم في الدنيا: أن يشيع الله عنهم كل خبث، وعذابهم في الآخرة أن ينكل الله بهم جزاءً وفاقاً. وعن ابن عمر عند الحاكم، وفي الموطأ مرسلاً قوله صلى الله عليه وسلم: {من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه الحد -وفي لفظ: نقم عليه كتاب الله}. قال أهل العلم: يجب على المسلم إذا ابتلي بشيء من الذنوب ولو من الكبائر أن يستتر بستر الله، ولا يذهب فيشهر بنفسه، بل يتوب ويقلع عن الذنب. وقال الإمام مالك: " أرى ألا يرفع إلى السلطان ". وقال أحمد: لا يرفع إلى السلطان؛ لأن السلاطين كثيراً منهم من يقيمون الحدود على الضعيف ويتركون الشريف. فيرى الإمام أحمد ألا يرفع إليهم. وعند أبي داود والنسائي وأحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان قوله صلى الله عليه وسلم: {أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم} قال ابن القيم أي: في الحقوق وليس في الحدود، وهو الذي لا يعرف منه زلة، والمقصود هنا قوله عليه الصلاة والسلام: {ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة}. إن على المسلم أن يستر المسلم، فلا يتتبع عورته، ومن ضمن ذلك: لا يجوز للمسلم أن يتسلق حائطاً ليرى أحداً إذا سمع عنه أنه يشرب الخمر، هل يشرب الخمر في عقر داره، ولا يصح له أن يتجسس عليه في بيته هل يستمع إلى الغناء أم لا حتى يرفع فيه، وليس له أن يدخل منزله ليرى هل فيه فواحش أو منكرات، وليس له إذا سمع أنه فَعل فِعلةً أن يرفعها إلى السلطان إلا من اشتهر بالفجور فأصبح فاجراً من الدرجة الأولى، فهذا يرفع، هذا هو الصحيح عند أهل العلم. وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: {كل أمتي معافى إلا المجاهرون، وإن من المجاهرة: أن يبيت الرجل يستره ربه على ذنب، فيصبح يقول: يا فلان! فعلت كذا وكذا، وفعلت كذا وكذا، فأصبح يكشف ستر الله عليه، وقد بات ربه يستره} ولذلك بعضهم يتمدح، إذا فعل أفاعيل سرد تاريخه على الناس، حتى بعضهم إذا سافر مثلاً إلى أوروبا أو إلى بعض المدن المتهتكة، فأتى يذكر ويقول: كنا نفعل كذا، وكنا نفعل كذا، وهذا من المجاهرة. وبعضهم يقول ذلك بحسن نية بعد أن يتوب، وهذا خطأ، حتى إن بعضاً ممن يعظ الناس ويرشدهم يقول: أنا -وهو أنا- كنت أفعل وأفعل، وكأنه من الخلفاء الراشدين: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} [النور:21]. وهناك طرفة ما أدري هل وقعت أم لا؛ يقولون: أحد الناس قام في مسجد، وقال: يا أيها الناس! كلنا على خطأ، أنا -وهو أنا- والله ما أضمن لنفسي دخول الجنة! ومن أنت؟! من أهل بدر الذي اطلع الله عليهم فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟! قضية سرد القصص والحوادث التي مرت بالإنسان هي على خلاف منهج الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهم الصحابة، ويكفي أن الإنسان يتوب ويقلع، أما أن يكون كلما وقف في موقف قال: كنت أسرق وأشرب الخمر وأفعل وأفعل، هذا خطأ، بل يتوب إلى الله عز وجل ويقلع، ولا يذكر لنا هذا فلسنا بحاجة إليه، وبعض الوعاظ يقول: إنها أمور تربوية، من أين تربوية؟! ولم يفعلها السلف الصالح، لا الصحابة ولا التابعون. وورد في حديث ابن عمر الصحيح: {إن الله عز وجل يحاسب العبد يوم القيامة، فلما يقرره بذنوبه، يقول: أنا سترتها لك في الدنيا وأغفرها لك اليوم}. ومن ستر المسلم: ألا تتحدث عما ستر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى من الذنوب والخطايا، فإن الجزاء من جنس العمل، وكذلك من الستر ألا تذكر الفواحش التي تقع كالمتلذذ بها؛ لأن بعض الناس يذكر ذلك تلذذاً، فيذكر فواحش المجتمع، ويذكر ما حدث من المواقف، ويذكر ما رأى وشاهد من أفلامٍ خليعة، ومن أشرطة جنس، ومن أماكنٍ اطلع عليها مثلاً، ويبدي صوراً خليعة، ويشيعها في المجالس بتشاؤم عجيب، وبروح متفطرة، وبنظرة سوداوية إلى هذا المجتمع وهذه الخليقة، وهذا خلاف نهج الرسول عليه الصلاة والسلام. يقول في صحيح مسلم: {من قال: هلك الناس، فهو أهلكهم} وضبطت أهْلَكَهُم، وقيل: أهلكُهم، ومعنى: (أهلكُهم) أشدهم هلاكاً؛ لأنه أعجب بنفسه، وإن كان أهلكَهم بصيغة الفعل الماضي فمعناه: هو الذي أهلكهم بهذا الكلام؛ لأن الناس إذا كثر فيهم إشاعة الفاحشة تساهلوا بالمعاصي. الشاب إذا سمع أن عشرين قصة عن الزنا قد وقعت، هان الزنا عنده؛ ولذلك يجب على الإنسان ألا يشيع الفاحشة في الذين آمنوا.

الترغيب في إعانة العباد

الترغيب في إعانة العباد وأما قوله عليه الصلاة والسلام: {والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه} العبد: عبد الله، و {الناس عيال لله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله} وكلما أردت أن تتقرب إلى الله فحاول أن تتحبب إلى خلقه بإسداء المعروف إلى عباده سُبحَانَهُ وَتَعَالى. يقولون: أرسل الحسن البصري رحمه الله رجلاً إلى ثابت البناني؛ ليذهب مع هذا الرجل ويشفع له عند السلطان، فأتى إلى ثابت البناني وهو معتكف في المسجد، فقال الرجل: أرسلني إليك الحسن لتذهب معي إلى السلطان لتشفع لي، قال: أنا معتكف، فرجع إلى الحسن وقال: ثابت يبلغك السلام، ويقول: هو معتكف! فيقول الحسن: اذهب وقل له: يا أعيمش -وأعيمش تصغير أعمش وهو الذي في عيونه صغر أو قلة بصر- يا أعيمش! ذهابك في حاجة أخيك المسلم أفضل من حجة بعد حجة. فذهب إليه، فقطع اعتكافه وذهب معه إلى السلطان. ويقول الحسن البصري: [[يقول: أحدكم: أحج أحج أعتمر أعتمر نفس عن مكروب، صل رحماً، اعط فقيراً]] أو كما قال.

مواقف من إعانة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه

مواقف من إعانة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه {الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه} وذكر الإمام أحمد في المسند أن خباب بن الأرت، لما ذهب يجاهد في سبيل الله كان عليه الصلاة والسلام يأتي إلى أهل خباب بن الأرت فيحلب لهم غنمهم، الله أكبر! الله أكبر! هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بالعظمة والكبرياء، لا تصلح وجوههم أحذية للرسول صلى الله عليه وسلم، جلد جباههم لا تصلح أحذية له، يحلب شياه أسرة خباب بن الأرت. معلم البشرية، أصفى جوهر خلقه الله من الخليقة، شفيع الناس، وأبرهم وأكرمهم، المنقذ بإذن الله، الذي هدى الأمة إلى صراط الله المستقيم، الذي يتنزل عليه جبريل صباح مساء بالوحي، يذهب إلى أحد الموالي من أمته، فيحلب لأهله الشياه في الأواني، ويدفع لهم اللبن، كما روى الإمام أحمد في المسند. ولعلك تتأمل هذه القصة، لتعيش عظمة الإنسان الذي عرف طريقه، وعرف كيف ينقذ هذه الأمة، ثم تقارن بينه وبين أناس لا يسلمون على الناس، البشر ليسوا عندهم بشر إنما هم عنده كالحيوانات الأليفة، لا يسلم، ولا ينظر، ولا يتبسم، ولا يمد يده؛ وكأنه من جنس آخر، ودمه دم آخر، ففرق بين أن يأتي الإنسان يحمل هذا الدين: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فيأتي إلى إخوانه المؤمنين، فيرى أنه يوم يكون ذليلاً لهم قريباً منهم يكون قريباً من الله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54]. أسد عليَّ وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر هلا برزت إلى غزالة في الوغى إذ كان قلبك في جناحي طائر هذا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يحلب شياه خباب بن الأرت لبناته وأطفاله، هو الرجل الذي في حنين يصدم كتيبة قوامها ألف مقاتل من المقاتلين المدججين بالسلاح، يصدمها وحده، ويقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب كان الجيش الذي أمامه عشرة آلاف، وفر الصحابة جميعاً. يذكرون ويقولون: عمر على شجاعته فر؛ لأنه رأى شيئاً لا يطاق، أصبحت السماء تلتهب بالنبل، ويقولون: أصبحت كالغمام حجبت شعاع الشمس، وفر الناس جميعاً، ووقف عليه الصلاة والسلام في موقف ضنكِ، ونزل عليه جبريل بقول الله: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} [النساء:84] معنى الكلام: لا تفر، احذر أن تتأخر خطوة، معناه: إذا تأخرت سوف ينكسر الدين، وتسحق {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. شاعرهم دريد بن الصمة يمدح هذا الجيش البالغ تعداده عشرة آلاف، ويمدح الكتيبة التي تسمى كتيبة القلب وكان فيها مالك بن عوف النصري، فيقول: فقلت لهم ظنوا بألفي مدججٍ سراتهم في الفارسي المسرد يقول: هؤلاء الألف كلهم كالفارس المسرد؛ يعني: في الحلق الحديد، الدرع من أذنه إلى كعبه، لا يمكن أن يخترقه شيء، ووقف صلى الله عليه وسلم أمام الكتيبة فأخذ حفنة من التراب، ورماها في وجوههم وقال: شاهت الوجوه، ثم أخذ السيف وسله، فدمغ الكتيبة. هذا هو الذي يحلب الشياه عليه الصلاة والسلام.

مواقف من إعانة أبي بكر لرعيته

مواقف من إعانة أبي بكر لرعيته وكان أبو بكر الصديق له جيران، ذكر ذلك ابن رجب في جامع العلوم والحكم، كان له جيران قبل أن يلي الخلافة، كان يذهب إليهم بعد أن يحلب ناقته، فيذهب إليهم ويحلب شياههم، فلما تولى الخلافة قالت إحدى البنات: أبو بكر تولى الخلافة سوف يتركنا، قال: لا والله. لا أغير عادتي قبل الخلافة. فكان إذا انتهى من أمور الخلافة ذهب وحلب لهم الشياة، أبو بكر الصديق الذي يدعى يوم القيامة من ثمانية أبواب، من باب الصدقة، وباب الجهاد، وباب الريان، وباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن العلم، يدعى يوم القيامة من كل باب؛ لأنه برز في كل ناحية، هذا يحلب الشياه.

مواقف من إعانة عمر لرعيته

مواقف من إعانة عمر لرعيته وعند أبي نعيم في الحلية، وكنت أنسبها أنا قبل لـ أبي بكر كما ذكر ابن القيم وأظنه قد وهم، فصاحب الحلية يقول: هي لـ عمر: - يقول: " كان عمر يخرج إلى جيران في طرف المدينة في خيمة فيحلب لهم شياههم، وكان معهم عجوز عمياء، لا عندها والي إلا الله، وهو خليفة، فلما خرج من الخيمة لحق طلحة وراءه، فقال للعجوز: من هذا؟ قالت: لا أعرفه. قال: ماذا يفعل؟ قالت: يصنع طعامنا، ويكنس بيتنا، ويحلب شياهنا، فجلس طلحة يبكي ويقول: أتعبت الخلفاء بعدك يا عمر. من يستطع أن يفعل مثلك؟! إنسان معه هموم الدنيا، يقاتل الفرس والروم، ويفتح سيحون وجيحون، وقادته تنتشر في كل مكان، ويدير الدولة الإسلامية في ثلاثة أرباع الكرة الأرضية من المدينة ومع ذلك يحلب الشياه لبعض رعاياه.

الصحابة والتابعون من أنفع الناس للناس

الصحابة والتابعون من أنفع الناس للناس قوله عليه الصلاة والسلام: {والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه} يقولون: سيد الناس خادمهم، وهذا مثل صحيح. وكان ابن المبارك إذا رافق الناس وصحبهم في السفر، يشترط عليهم شرطاً وهو: أن يخدمهم في السفر، وهو أمير المؤمنين في الحديث؛ صاحب: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا وقال مجاهد: [[صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني وكان يركبني على الفرس، ويسوي عليَّ ثيابي]] وابن عمر صحابي ومجاهد تابعي. ونزل الناس في عهده عليه الصلاة والسلام منزلاً، فقام أحدهم وقال: أنا أذبح الشاة، وقال الثاني: أنا أسلخها، وقال الثالث: وأنا أطبخها، وقال صلى الله عليه وسلم: {وأنا أجمع الحطب} عليه الصلاة والسلام، فقام صلى الله عليه وسلم يجمع الحطب، وهذا يشتغل في شغله، وقرب إليهم عليه الصلاة والسلام مؤنتهم. وفي الصحيحين: {أن الصحابة سافروا، فصام بعضهم، وبعضهم لم يصم، فأما الصوام فوقعوا في الأرض من الجوع والتعب، وأما المفطرون فقاموا وشدوا الخيام وملئوا البرك بالماء وطبخوا، فقال صلى الله عليه وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر} لماذا؟ لأن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

الإسلام لا يعرف البطالة

الإسلام لا يعرف البطالة كان هناك رجل عابد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: {من ينفق عليه؟ قالوا: أخوه، قال: أخوه خير منه}. وورد في بعض الآثار أن الرسول صلى الله عليه وسلم صافح رجلاً فوجد يده خشنة من العمل، قال: {إن هذه يد يحبها الله} هذه اليد الخشنة التي تأخذ وتزاول وتفعل يحبها الله، ومن المصائب أن الأمة الآن تعيش في بطالة، وكثير من الناس حتى الشباب الآن تجده ملتزماً مستقيماً لكن فيه بطالة، ويأتيه الشيطان ويترك الدراسة، والوظيفة، والعمل، وإذا قيل له: أتشتغل في البنشر؟ قال: هذا عيب في سوبر ماركت؟ قال: عيب أنا فلان أتنازل إلى هذا!! إذاً في مزرعة، قال: عيب، إذاً في مكتبة؟ قال: عيب، إذاً في التسجيلات؟ قال: عيب، وهكذا تأتيه الأنفة حتى يكون بلا عمل، وليس كل ذلك بعيب إنما العيب في البطالة، والعيب أن يجلس الإنسان عاطلاً وكلاً على أبيه مثل: الحجر الأدرن، لا تبني به ولا يتدحرج. ولذلك تجد بعضهم عندهم تصوف هندوكي، وتخيلات في الحياة، يجلس في البيت حتى تأتيه الوسوسة. لماذا لا تدرس؟ قال: الدراسة في الكليات ليس فيها بركة، ولماذا لا تعمل؟ قال: ما وجدت عملاً يناسبني، قال: ماذا تريد؟ قال: إن شاء الله أتزوج فيما بعد وأبحث عن عمل مناسب، ودائماً يتدين من الناس، ولو أدركه عمر بن الخطاب لمرغه في التراب. كان في عهد عمر شباب دخلوا المسجد يعبدون الله عز وجل، وظنوا أنها سوف تنطلي هذه البطالة على عمر؛ لأن عمر يقوم على الدولة الإسلامية، التي أقيمت على {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وكان يلاحظ كل ما يجري، ويلاحظ كل منحى، ويسأل عن الداخل والخارج، وعن أمور الشباب والعلم، والقصاصين، والوعاظ، وعن كل دقيقة وجليلة يحاسب الناس، دخل المسجد وإذا مجموعة في الضحى، والناس في المزارع يشتغلون، والأنصار العباد الذين قدموا أنفسهم في بدر وحنين يسقون النخل، وهذا يجر الدلو من البئر ويصب، وهذا نجار، وهذا خشاب، وهذا يبيع السمن، وهذا يبيع العسل، وهذا يبيع الغنم، وعمر بنفسه يبيع ويشتري في السوق، إلا هذه المجموعة في المسجد!! قال عمر: [[من أنتم؟ قالوا: عبَّاد. قال: سبحان الله! -كأن: عمر ليس بعابد؛ لأنه جاء من خارج المسجد! - قال: فمن يأتي لكم بطعامكم؟ قالوا: جيرانٌ لنا -أي أنهم يبقون في المسجد وقت الغداء، فإذا حانت الساعة الثانية أتى الأكل- انظروا العبادة كيف تكون!! قال عمر: انتظروا قليلاً -ظنوا أنه على العادة أنه سيأتي بأكل فذهب فأتى بالدرة- وتعرفون ما الدرة؟ وهذه درة عند عمر تخرج الشياطين من الرءوس، وهذه الدرة ما ضُرب بها إنسان إلا خرج سليماً بإذن الله، وزاد عقله ورشده، وأصبح يعرف طريقه! فأخذ الدرة، وأغلق أبواب المسجد وأتى يضربهم ضرباً حتى يبطحهم فلما أدماهم، قال: اخرجوا إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، فأخرجهم من المسجد، وأغلق أبواب المسجد]] أي أن الإسلام لا يقر الإنسان أن يبقى عالة وأيضاً متى كانت هذه الأعمال عيباً، متى كانت النجارة والخشابة، والبنشر عيباً؟! العيب: هو ترك هذه الأمور، أما هذا فهو شرف في الحياة، فقد عمل عليه الصلاة والسلام، وعمل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وقال صلى الله عليه وسلم: {لأن يأخذ أحدكم أحبلة فيذهب إلى جبل من الجبال، فيحتطب على ظهره فيبيع ويشتري خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه}.

الجوائز التي ينالها طلاب العلم الشرعي

الجوائز التي ينالها طلاب العلم الشرعي

سهولة الطريق إلى الجنة لطلاب العلم

سهولة الطريق إلى الجنة لطلاب العلم ثم قال عليه الصلاة والسلام: {ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة} أقرب الطرق إلى الله طريق العلم الشرعي، علم قال الله وقال رسوله، فلا يدل على الله إلا العلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] كلما زاد علم الإنسان بالحقائق، وبالكون، وبأسرار هذه الخليقة، زاد قربه من الله. الآن تجد المخترعين والمكتشفين أقرب الناس إلى الإسلام، وفي فترة من الفترات أسلم أذكى أذكيائهم. سخروف هذا الذي مات قبل ستة أشهر، الذي أثبت ذبذبات النبات اقترب كلامه من الإسلام، لكنه ما اهتدى، لأنه ما وجد داعية يوجهه، فإن أساطينهم، وأذكياءهم أكثر من يدخل الدين. وتجد رعاة البقر عندهم أبعد شيء عن الدين؛ لأن هؤلاء بلغوا من العلم حداً عجيباً، فدلهم العلم على الله، والله يقول: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران:18] العلم هنا: هو العلم الشرعي، قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وما قربك من الله كعلم التفكر في الكون، والمخترعات، وأسرار الكون وما وراء الكون كله يدلك على الله بشرط أن يكون عندك وثيقة لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، فكلما ازداد الإنسان علماً كلما ازداد قرباً من الله. قال صلى الله عليه وسلم: {ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً} قال أهل العلم فيه: من أتى درساً، أو إلى عالمٍ، أو إلى طالب علم سهل الله طريقاً إلى الجنة، والآن ذهابك من بيتك إلى المسجد فإن الله يسهل لك به طريقاً إلى الجنة؛ لأنك تركت أشغالك وأعمالك وقصدت المسجد لا تريد شيئاً من الدنيا ولا تهرب من شيء فما أرغمك أحد أن تأتي هنا، وليس عندنا تحضير الأسماء والغياب، وليس عندنا أعمال سنة، ولا درجات، إنما الدرجات عند الواحد الأحد {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] أتيت حباً وخرجت حباً.

غفران الذنوب لطلاب العلم

غفران الذنوب لطلاب العلم وأيضاً من الجوائز غفران الذنوب، {انصرفوا مغفوراً لكم قد رضيت عنكم وأرضيتموني} ولا يرضى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كرضاه عن مجالس الذكر، لأنها تظهر عظمة الإسلام؛ فمن صور عظمة الإسلام أن يجلس طالب صغير من طلاب العلم، فيجتمع جمع هائل بما فيهم العلماء والدعاة والصالحون والبررة والأخيار، فيستمعون إليه وهو يقول: يقول الله ويقول رسوله عليه الصلاة والسلام كذا وكذا، فالله سبحانه يرضى عنه. وتجدون الآن في آخر الحديث ما هي الجوائز التي يحصل عليها الجلاس، وأنا أقول لكم بصراحة: إنه بالإمكان أن يأتي أضعاف مضاعفة على هذا العدد، ووقت المغرب إلى العشاء وقت مستهلك، إما أن تجلس في البيت فترد على الهاتف إلى صلاة العشاء كلامٌ أشبه شيء بالهذيان، وإما أن تجلس تشرب الشاي أو القهوة، وإما أن تتحدث كلاماً مع أطفالك وأنت معهم أربعاً وعشرين ساعة، وغيرها مما فيه مضيعة للأوقات وفي المقابل أنت تستطيع في الوقت الذي بين المغرب والعشاء أن تحصل على الأجور ما لا يحصل عليها كثير من العباد الذين صاموا وقاموا إذا قصدت بمجلسك وجه الله. قال عطاء بن أبي رباح: " مجلس الذكر يكفر سبعين مجلساً من مجالس اللغو". وكن كالعلماء الربانيين، والعلماء الربانيون هم الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كباره، وقال: هم الذين اتصلت نسبتهم بالله، وهم الذين دلوا الخليقة على الله عز وجل، والطرق المحذروة، وطرق الشيطان، وعرفوهم طريق الرحمن هؤلاء هم الربانيون، والله عزوجل تكفل أن ييسر كتابه لمن أراد أن يقرأه لقصد الهداية، فقال سبحانه: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17]. قال مجاهد: " أخذ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على نفسه أن ييسر كتابه لمن أراد " أما من لم يرد أن يهتدي فقد قال الله عنهم: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت:44]؛ يعني: القرآن، قالوا: لا يقوم قارئ من القرآن إلا بزيادة أو نقص والله المستعان.

سهولة اجتياز الصراط يوم القيامة لطلاب العلم

سهولة اجتياز الصراط يوم القيامة لطلاب العلم وقال ابن رجب: وفيه أن الطريق الحسي يسهل يوم القيامة لمن طلب العلم الشرعي. والطريق الحسي هو الصراط المستقيم، فأسعد الناس بالصراط المستقيم من طلبوا العلم الموروث عن محمد عليه الصلاة والسلام، فمن تَعَلَّمَ آية أو حديثاً أو جلس في موعظة أو محاضرة، فإنه يسهل عليه المرور على الصراط يوم القيامة. وقال أهل العلم: الناس بخير ما دام عندهم علماء. وقال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العلماء، ولكن بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا} وإذا مات طلبة العلم والعلماء ولم يكن لهم أثر، ولم يكن لهم تواجد، فاعلم أن هذا هو أول دمار الأمة. وإذا قلَّت الدروس عند الأمة، والمواعظ، والحلقات، والمحاضرات وحجمت فهي خطوات دمار الأمة، وإذا رأيت الدروس منتشرة، والمحاضرات، والدعاة، والكلام في العلم الشرعي، والمسائل، والمفتين، وقال الله وقال رسوله، والحديث فيما يقرب من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فبشر الأمة بخير عميم.

حديث آخر يبين فضائل طلب العلم

حديث آخر يبين فضائل طلب العلم قال عليه الصلاة والسلام: {وما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده}.

خيركم من تعلم القرآن وعلمه

خيركم من تعلم القرآن وعلمه أولاً: في مسألة: تدارس كتاب الله عزوجل، وأنه من أشرف الأمور، وفي صحيح البخاري: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه}. وكان الصحابة يجتمعون عند عمر أحياناً، فيقول عمر لـ أبا موسى: [[ذكرنا ربنا يا أبا موسى]] فيندفع أبا موسى يقرأ والصحابة عنده، ويبكي عمر والصحابة، وكان صوت أبي موسى جميلاً، يقول له صلى الله عليه وسلم: {لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود} لكن مجالس الذكر الآن واجتماع الناس على القرآن قلت كثيراً؛ بسبب المغريات العصرية، والفتن التي تشهدها الأمة والمسلسلات والأغنيات والتمثيليات والنزوات والشهوات حتى تجد الإنسان إذا سمع القرآن لا يخشع أبداً ولا يتأثر؛ بسبب ما رأى، إنسان يرى عشرين مسلسلاً أو ثلاثين مسلسلاً ثم يأتي يوم الجمعة يسمع سورة تقرأ عليه، أين تقع هذه السورة من العشرين مسلسلاً، ومن المائة أغنية، ومن عشرين مجلة خليعة، والمائة فيلم، وشريط جنس، أين تقع؟! أرى ألف بانٍ لم يقوموا لهادمٍ فكيف ببانٍ خلفه ألف هادمِ فإذا أتت الأمة، وأتت قلوبها، وصودمت بهذه المفاجئات؛ أصبح الذكر ميتاً أو ضعيفاً أو مريضاً فلا يكون له أثر. وهنا ألفت عنياتكم إلى أن الأوزاعي ومالكاً ذهبا إلى بدعية أن يجلس الناس جميعاً بعد صلاة الفجر في المسجد فيتحلقون ويقرءون القرآن. وهذا رأيهما، وقد نقل عنهما، وإنما أقول ذلك لطلبة العلم للفائدة. وسئل الأوزاعي عن ذلك فذكر أن حسان بن عطية يقول: " أول من أحدثه هشام بن إسماعيل المخزومي في عهد عبد الملك بن مروان ولم يكن معروفاً عند السلف. لكن الجمهور من العلماء ذهبوا إلى أن هذا مما يقرب من الله عزوجل، وأن هذا عمل صالح، وليس ببدعة؛ واستدلوا على ذلك بما في الصحيحين عن أبي هريرة: {إن لله ملائكة يطوفون يلتمسون حلق الذكر، فإذا وجدوا حلقةً من حلق الذكر، جلسوا فيها إلى أن يصعدوا إلى الله ويسألهم} الحديث طويل، وهو في الصحيحين. فهناك ملائكة يسيحون في الأرض يلتمسون حلق الذكر، فإذا وجدوا حلقة يذكر فيها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أو رسوله أو دينه جلسوا وحفوهم، فنسأل الله أن يجعلهم جلساءنا هذه الليلة. وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله: {هم القوم لا يشقى بهم جليسهم} روى هذا الحديث البخاري ومسلم والترمذي وأحمد وابن حبان، وفي صحيح مسلم ومسند أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان عن أبي سعيد الخدري قال: {معاوية على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله عز وجل، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن كنت مع نفر من الصحابة ونحن نذكر الله في المسجد فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله عز وجل ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن علينا بك، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك؟ قال: والذي نفسي بيده، لقد نزل عليَّ جبريل الآن فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم ملائكته} ومعنى يباهي: يفاخر، أي يقول: يا ملائكتي! انظروا إلى هؤلاء جلسوا في مسجد كذا وكذا يذكرونني، ومجالس الذكر أرضى ما يرضي الله عز وجل؛ وهي التي يفر منها الشيطان، ويتعمق فيها الإيمان، ويتقوى بها هذا الدين، وهي من أعظم الأمور.

من الفضائل: نزول السكينة

من الفضائل: نزول السكينة وقال عليه الصلاة والسلام: {يتلون كتاب الله إلا نزلت عليهم السكينة} والسكينة من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد نزلها على رسوله عليه الصلاة والسلام في الغار، ويوم حنين، وفي مواطن كثيرة، وهي اطمئنان وبرد وسلام، وراحة، وسعادة ينزلها الله على القلوب، فتسعد سعادة ما بعدها سعادة، وتفرح وتتمايل أشجارها، وتسيل أنهارها، ويسيل القلب في طرب شرعي لا يعلمه إلا الله. فإذا نزعت السكينة من هذا القلب، أصبح خائفاً، ومضطرباً، وقلقاً، وفزعاً، لا يستقر على شيء {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. وهذه السكينة تحصل بالإيمان، وتحصل بمجالس الذكر التي يذكر فيها الرحمن. في الصحيح أن أسيد بن الحضير رضي الله عنه وأرضاه؛ وهو أحد الأبطال الكبار، قيل: إنه قتل في معركة اليمامة رضي الله عنه وأرضاه وهو من الأنصار، وكان مقداماً، وقتل عديداً من الكفار، وهو من سادات بني عبد الأشهل {قام يصلي بالليل ويقرأ سورة الكهف بصوت شجي، فكانت فرسه تدور في مكان البيت، وتكاد أن ترفس، أو أن تطأ ابنه وهو نائم، فلما كادت أن تقطع حبلها، أنهى صلاته وسلم ثم أخذ الفرس ونظر إلى السماء، فإذا ظلة كالمصابيح فوق البيت، فوقف مدهوشاً مذهولاً، ثم ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره قال: أرأيتها؟ قال: نعم. قال: والذي نفسي بيده إنها الملائكة تنزلت لسماع قراءتك. قال: ولو بقيت تقرأ حتى الصباح لرآها الناس لا تتوارى عنهم} {} [الإسراء:78] قال مجاهد: تشهده الملائكة، وما أحسن العبارة! ما أحسن التفسير! قال: "تشهده الملائكة" وقال غيره: تشهده ملائكة السماء. والمقصود هنا بالقرآن قيل: هو قرآن الفجر الذي يتلوه الإمام في صلاة الفجر وقال غيرهم: القرآن بعد الفجر، والقرآن قبل الفجر، والصحيح كلها، فإذا بدأ الإمام يقرأ في صلاة الفجر نزلت الملائكة تشهد وتسمع القرآن الذي هو كلام الله عزوجل، وهذه من السكينة.

من الفضائل: غشيان الرحمة

من الفضائل: غشيان الرحمة وأما غشيان الرحمة فإن رحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى واسعة وهي خاصة وعامة؛ خاصة للمؤمنين وهي معنى الرحيم {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43] والرحمن عامة للمؤمن والكافر وفي الدنيا والآخرة، يقول سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] وفي الحديث الصحيح: {إن رحمتي سبقت غضبي} فنسأل الله أن يرحمنا وإياكم رحمة عامة وخاصة. في مجالس الذكر تغشى الرحمة الجالسين كلهم، فيدخل فيهم حتى من قصر في العمل؛ لأن المؤمنين يقولون: وهب المسيئين منا للمحسنين، والمعنى: من جلس منا محسناً فأدخل المسيء منا معه، ولذلك يقول أحدهم: يا أيها المقصر! اهجم هجمة الكذابين على باب الباذلين كأنك طفيلي، وقف بيدك على الباب وقل: تصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين، علَّ الله أن يفتح لك الباب. فأنت إذا جلست مع الأخيار لحقت بهم. يقول ابن كثير في تفسيره: "الكلب لما رافق الأخيار في القرآن، ذكره الله في القرآن: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18] ". ذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان أن الخليع الشاعر كان رافضياً، يحب الرافضة، فلما أتته سكرات الموت أمر أن يدفن في النجف، وأمر أن يكتب على قبره {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18] يستحق، قالوا: فلما مات، حملوه، وحفروا له قبر في النجف، وكتبوا: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18]. يقول ابن كثير: فانظر كيف شرفه الله، لما رافق الصالحين فبقي الكلب يصاحبهم في القصة من أولها إلى آخرها. هكذا تكون رفقة الصالحين: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة وقال غيره: عن المرء لا تسألْ وسل عن قرينه فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي ولذلك تجد الخيّر إذا رافق الأشرار أصابه الشر والذلة والحسرة حتى يلحق بهم، ولو كان بريئاً، فيقولون: فلان يرافق فلاناً السيء انتبهوا له، فتصبح عليه وسام عار، ووصمة عيب.

من الفضائل: أنهم تحفهم الملائكة

من الفضائل: أنهم تحفهم الملائكة وأما قوله عليه الصلاة والسلام: {وحفتهم الملائكة}؛ فإن لله ملائكة، ومعتقد أهل السنة والجماعة أن لله ملائكة، نؤمن بهم على الجملة والتفصيل، وأن الله جعل لهم تخصصات: منهم ملائكة القطر، وأخرى لتنزل الذكر كجبريل الذي نزل على الرسول عليه الصلاة والسلام، وملك الجبل هذا مهمته فقط الجبال، وملك للريح، وملك آخر لقبض الأرواح {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام:60] وملك للصحف، وحفظة يحفظونه من أمر الله أي: بأمر الله، وملائكة فضلاً، يقول في الحديث عند مسلم فضلاً: أي زائداً على عدد الملائكة وليس لهم عمل خاص محدد غير البحث عن حِلَق الذكر يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موطن أربع أصابع إلا فيه ملك ساجد أو راكع أو قائم} {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] لما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:30]؛ يعني: على النار تسعة عشر، فضحك أبو جهل، ووضع رداءه على وجهه يضحك، المجرم؛ الخبيث؛ ويغمز لأصحابه المجرمين، ويقول: تسعة عشر، أنا أكفيكم يا قريش بعشرة واكفوني بتسعة؛ انظر بطولة الفجور والخيانة!! فأنزل الله بعدها: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] هذا للتسعة عشر منهم، الواحد له من الأجنحة ما يسد الجناح الواحد ما بين المشرق والمغرب، فهذا جبريل عليه السلام بجناح واحد أخذ قرى قوم لوط ستمائة ألف، ورفعها حتى سمعت الملائكة نباح الكلاب ثم قلبها وألحقهم بالحجارة، هذا ملك من الملائكة، فكيف بالآخرين الذين في السماء الرصد الهائل والجيوش؟ الله عزوجل لما اتصل به رسوله في بدر، يقول: إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض، فنزل جبريل يقود معه ألف من الملائكة، فيقول حسان؛ ويحق لـ حسان أن تندفع قريحته الشاعرية الهائلة، يتفجر بأشرف بيت قالته العرب يقول: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمدُ يقول: يا مجرم يا أبا جهل! من عندك تحت اللواء؟ من هي قيادتك؟ من الذي يصدر لك الأوامر؟ الشيطان!! {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:48]. وأقصد من كلامي هذا أن أقول: إن هناك ملائكة فضلاً؛ -أي زيادة- يدورون على حلق الذكر وهم الذين يحفونها؛ لأنه ليس عندهم عمل إلا هذا، ولله المثل الأعلى. يقول: عملهم أنهم يخبرون، ويرفعون الأذكار، كما في صحيح مسلم، قال: {هل رأوني؟ -وربهم أعلم بهم- قالوا: ما رأوك. قال: كيف لو رأوني؟! قالوا: كانوا أكثر تسبيحاً لك، قالوا: ويستعيذونك. قال: مم يستعيذونني؟ -وهو بهم أعلم- قالوا: من النار. قال: هل رأوها؟! قالوا: ما رأوها. قال: كيف لو رأوها؟! قالوا: كانوا أشد استعاذة. قالوا: ويسألونك، قال: ماذا يسألونني؟ قالوا: الجنة، قال: هل رأوها؟! قالوا: ما رأوها قال: كيف لو رأوها؟! قالوا: كانوا أكثر مسألة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقولون: يا رب! معهم فلان إنما جلس معهم هكذا} ما جلس للدرس أو للمحاضرة إنما صلى المغرب ثم اضطر للجلوس لحاجة {قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم} قال أهل العلم: هكذا أي: ما قصد المجلس ولا قصد الذكر وما قصد أن يستفيد، فغفر الله له بسببهم.

من الفضائل: أن الله يذكرهم

من الفضائل: أن الله يذكرهم ويذكرهم سبحانه عنده، وفي الصحيحين: {أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم} اذكرونا مثل ذكرانا لكم رُبَّ ذكرى قربت من نزحا واذكروا صباً إذا شاد بكم شرب الدمع وعاف القدحا {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وهذا جزاء الذاكرين الله، خاصة في ملأ؛ لأنك الآن ذكرك مع مجموعة أفضل من ذكرك وحدك، فمع المجموعة تعلن قوة الإسلام فإننا لماذا نصلي الجمعة سواء؟ ولماذا نحج سواء؟ ولماذا نصلي العيد سواء؟ كل ذلك لنظهر تضامن المسلمين، وعظمة الدين، وأن هذه الكثرة الكاثرة تعلن أنها تحت عبودية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].

تقوى الله هي ميزان التفاضل بين الناس

تقوى الله هي ميزان التفاضل بين الناس وأما قوله عليه الصلاة والسلام: {ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه} المعنى: إن من اعتمد على نسبه، ولم يعتن بعمله فإنه لا ينفعه ذلك عند الله شيئاً، وأن صاحب النسب العظيم والعمل الحقير لا ينتفع بنسبه، ولا ينفعه عند الله إنما ينفعه العمل. وكان عليه الصلاة والسلام يقول في الصحيح: {يا بني هاشم! لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم} لأن بعض الناس الآن يعتمد على نسبه، ودائماً في كل مجلس يذكر سلالته، وأنه ابن فلان، وأن أباه فعل وصنع، وجده كذلك، وهذا كما في الأدب المفرد للبخاري بسند حسن: {من افتخر بتسعة آباء في الجاهلية فهو عاشرهم في النار} فبعض الناس دائماً يفتخر على حساب الآخرين بسلالته وبنسبه وبأصالته وبإقليمه وبمنطقته وببلده، وهذا التمييز العنصري الذي قسم العالم الإسلامي وجزأه ما أنزل الله به من سلطان. أنزل الله عزوجل نسباً عظيماً للأمة وهو: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] رفع بلالاً وجعله أكرم من أبي جهل المخزومي، ومن الوليد بن المغيرة، ومن أمية بن خلف. وجعل سلمان الفارسي من أهل البيت، ورفع صهيباً وخباباً وابن مسعود، لكن بعض الناس لعدم تصوره لهذا الدين، ولعدم انشراح صدره لهذه الرسالة؛ لا يزال يحمل في رأسه التمييز العنصري على الأجناس والأشخاص، والدول، والأقاليم -أقصد المسلمين- العالم الإسلامي، فتجده يتميز وينحاز، ويظهر التفاخر على الناس؛ لأنه من إقليم كذا، أو من أسرة كذا، أو من قبيلة كذا، وهذا خطأ ومخالف للكتاب والسنة. لهذا يقول صلى الله عليه وسلم: {يا بني عبد المطلب! أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئاً} والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا} فالنسب الطيب مع الإيمان، خير على خير، أما أن يكون النسب مصدر إزعاج للآخرين وتعالي وتكبر وتفاخر فهذا هو الويل والدمار: إذا فخرت بآباء لهم شرفٌ نعم صدقت ولكن بئسما ولدوا إن الفتى من يقول: هأنذا ليس الفتى من يقول: كان أبي وقال الآخر: خذ بحد السيف واترك نصله واعتبر حسن الفتى دون الحلل إلى آخر ما قال. وأما مجتمع المسلمين الآن فهم بعيدون عن: {من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه} فإن بين الناس أموراً تعارض السنة من ضمنها -وهذه لم يستطع لها أعلم العلماء وأعظم الدعاة حلاً- وهي مسألة النسب، وهذا قبيلي وهذا غير قبيلي، وعدم التزاوج من الصنفين، وهذا الأمر يخالف الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم. فبعض الأسر جعلت تتناءى أن تتزوج من أسرٍ أخرى أقل نسباً منها، ولو عدنا إلى أصل السند ورأس الشجرة وصلنا كلنا إلى آدم وحواء، فكل هذا العالم -الأحمر والأسود والأشقر- يرجع إلى آدم وحواء {كلكم من آدم وآدم من تراب}. فهذا الذي يفتخر على الناس يرجع إلى التراب، وما على الإنسان إلا أن يعرف أن الفضل في الإسلام إنما هو بتقوى الله، وليس بغير، وأن من قدم أموراً أخرى كالنسب والمال والجاه والمنصب، إنما هو من قلة فقهه في دين الله عزوجل، ولعدم معرفته بشرعه تبارك وتعالى. هذا ما لزم في هذا الدرس، وقد انتهى، وبقي بعض الأسئلة، ونسأل الله أن يتولانا وإياكم بعين رعايته، وأن يهدينا وإياكم سبل السلام.

الأسئلة

الأسئلة

راجيف غاندي

راجيف غاندي Q ما رأيك في راجيف غاندي؟ A لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار هذا يفرح بموته. طفح السرور عليَّ حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني من بشرنا بقتل مثله فله حمل بعير وأنا بذلك زعيم على الدعاة.

النوم على الفرشة ليس من التصوف

النوم على الفرشة ليس من التصوف Q إذا كنت لا أرغب إلا في النوم على الفرشة دون فراش، وقد يكون ذلك أنفع لصحتي فهل هذا تصوف؟ A لا. بارك الله لك في فرشتك، ولو نمت على الرصيف ما عليك، ما دام أنفع لصحتك فافعل ما بدا لك. لكن لا يكون هذا تحريماً لما أحل الله، أو تقشفاً قد يضر بالصحة؛ لأن بعض الناس بلغ به التقشف مبلغاً عظيماً، ومن يقرأ في سير بعض الناس يجد عجباً عجيباً. يقول الذهبي في سيرة أحدهم: "ترك الطعام والشراب ثلاثة أيام يعبد الله في غرفة" يسبح ويستغفر وترك الغداء والعشاء ثلاثة أيام، فظهرت له أشباح دخان، فأخذ يقول: الملائكة تنزلت عليَّ. فقال الذهبي: "لا والله ما تنزلت عليك الملائكة، ولكن عقلك طاش وفاش وخاش". وذكر الخطابي عن رجلٍ أنه جعل على عينه اليسرى لاصقاً، وقال: من الإسراف أن أنظر إلى الدنيا بعينين!! هذا هو المذموم.

الوساطة قسمين: حسنة وسيئة

الوساطة قسمين: حسنة وسيئة Q هل تعتبر الواسطة من باب العون للمسلم، ويؤجر عليها؟ A الواسطة على قسمين: واسطة محرمة، وواسطة مأجور صاحبها، وهذه تسمى شفاعة، ولكن الواسطة اسم حادث. فأما من شفع، أو من توسط في إزاحة حق عن مسلم أو توسط في باطل، أو دون حد من الحدود؛ فهذا مأزور غير مأجور، وهذا من دعاة أبواب جهنم -والعياذ بالله- ممن يصرفون الحق عن مستحقيه، كبعض الناس ما همه إلا أن يصرف الحقوق عن أهلها، أو يتعدى على أموال الناس، أو يعطل أرزاقهم، الناس يصبحون كل صباح يقولون: نسأل الله من فضله، وهو دائماً في باب الفضل، ودائماً في باب أرزاقهم، فبعض الناس مهمته هكذا كلما أتى خير دفعه، وكلما أتى شر أكده، وكلما أتى شيء عفو منعه. حتى يذكر شيخ الإسلام رحمه الله وابن القيم عن نصير الدين الطوسي الرافضي الذي كان مستشاراً لـ هولاكو أن هولاكو أتى إلى بغداد وأراد أن يعفو عن المسلمين لما رأى الأيتام والمساكين والأرامل، لكن هذا المجرم نصير الدين الطوسي قال: لا تعف عنهم هم فعلوا وفعلوا وأرى أن تقتلهم بالسيف، فقتل في ساعة واحدة سبعة وثلاثين ألفاً، فهذا ومن كان على شاكلته دائماً يوحي بالشر ويقف في وجه الخير ويوقد نار الفتنة، وإذا قال الناس كلمات الخير نطق بكلمة الشر فلا يحب العفو ولا التسامح، ولا أن يستمر الخير. وأما شفيع الخير؛ فهو الذي جعل الله له جاهاً طيباً، وهو الذي له الثناء الحسن، كما حكى الله عن إبراهيم إذ يقول: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء:84] وهو الثناء الحسن، وهو الذي يتحمل حمالات الناس، ويقف بحوائجهم عند أبواب السلاطين، ويرفع شكاياتهم، ويرفع الضيم عنهم، ويأخذ أمورهم ومعاملاتهم ويقدمها، ويقف معهم كأنه يقف مع أموره الخاصة، فهذا جزاؤه عند الله، أن يكون الله في عونه، وأن ينفس عنه كرب الآخرة، وأن يتولاه في من تولى، وهذا صنفه كثير في العالم الإسلامي، كـ رجاء بن حيوة رحمه الله ورضي الله عنه؛ فهو الذي كان سبباً في تولية عمر بن عبد العزيز، انظر هذا المستشار العظيم الصالح العالم،! كان رجاء بن حيوة؛ مجتهداً مطلقاً، وكان مستشاراً لـ سليمان بن عبد الملك وسليمان أراد أن يولي ابنه أيوب الخلافة، فكتب مرسوماً أني إذا مت تولى بعدي ابني أيوب، فمات أيوب قبل أن يموت الخليفة، فلما حضرت سكرات الموت سليمان بن عبد الملك تلعثم ماذا يقول، إخوانه الأشقاء يريدون الخلافة وهم ظلمة، ورجاء بن حيوة يريد أن يعطيها الولي الصالح المجتهد المطلق عمر بن عبد العزيز ابن عمهم، فوقف فكان سليمان يبكي على فراش الموت ويقول وهو في سكرات الموت: إن بني فتية صغار أفلح من كان له كبار قال عمر بن عبد العزيز: لا والله لكن {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14 - 15]. فقال لـ رجاء بن حيوة: من أولي؟ قال: إن أردت أن تلقى الله وأنت من السعداء، فول عمر بن عبد العزيز. فقال اكتب: فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، وليت عمر بن عبد العزيز ثم مات، فلفَّ رجاء الورقة وجعلها في جيبه وقدم على المنبر وصعد، وقال: يا أيها الناس! تبايعون لمن في الصحيفة؟ قالوا: نبايع. فقام يزيد وهشام إخوان سليمان بالسيوف، قالوا: اقرأ الصحيفة، قال: لا أقرؤها حتى يبايع الناس؟ قالوا: إما بايعتم وإلا قتلناكم. قالوا: نبايع. فأخرج الصحيفة فإذا هو عمر بن عبد العزيز. فهذا شفيع عند الله يقول: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} [النساء:85]. والناس كثير منهم لا يستطيع أن يرفع حاجته، ولا أن يرفع ضيمه، ولا أن يقدم لنفسه نفعاً، على سبيل المثال: بعضهم تجده سنوات تمر به لا يستطيع أن يدخل لبيته مثلاً خدمة الماء أو الكهرباء أو الهاتف، بينما بعض الناس في لحظة يتصل بالهاتف: بسم الله أنا أبو فلان لا يأتي صلاة الظهر إلا والهاتف موجود، فهذا يستخدم ثقله في نفع الناس، ونفع المصابين، والأرامل، وهو المأجور عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو صاحب قدم الصدق. هذا تقسيم الوساطات منه الحسن ومنه السيء، والله المستعان.

ثلاث نصائح للداعية المسلم

ثلاث نصائح للداعية المسلم Q حصلت على بطاقة داعية وأريد التوجيه لي والإرشاد؟ A أولاً: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير! وهذه البطاقة سوف تكون لك شهادة عند الله عزوجل إذا صدقت وأحسنت استخدامها فيما ينفع، وأنا أوصيك بثلاث مسائل: الأولى: أن تخلص العمل لوجه الله، فتكون دعوتك ليكون الدين كله لله؛ لأنه لا يصلح أن يكون قصد الداعية إلا أن يكون الدين كله لله، وترتفع (لا إله إلا الله) أرفع من كل شيء في الأرض، تكون لا إله إلا الله دائماً رفيعة، وتبقى كلمة الله هي العليا. الثاني: أرى أن تطلب العلم دائماً؛ فإن الداعية لا بد له أن يتعلم، ولابد أن يتزود من الفقه في الدين حتى يكون على بصيرة. الثالث: أرى أن تلين للناس، ولا تكن فظاً، ولا تتخذ قصص بعض الناس ممن مروا في التاريخ يقولون: كان هذا يكسر، وكان هذا يضرب، وكان هذا يلطم؛ هذه لا تصلح {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] {وما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه} فالله الله في الرفق، وفي الهدوء، وفي مخاطبة الناس باللين حتى تكسبهم. بقي بعض المسائل أشير إليها وهي: حاول أن تتكلم للناس في كبار المسائل قبل صغارها؛ فإن الاشتغال مثلاً بصغار المسائل ليس من الحكمة. الآن تجد من الناس من جعل قضية تقصير الثياب قضية كبرى، فلا يتحدث في المحاضرات إلا عنها، وهي لابد منها، لكن لابد أن تأخذ حجمها، لا أن تترك العقيدة وأمور الإسلام والأركان والكبائر، وتأتي إلى هذه الجزئية تستهلك بها وقتك، ليس من الحكمة. ثم أرى كذلك أنك لا تظهر عيوب الناس عندهم؛ وأنكم تفعلون كذا، وتفعلون كذا، وسمعت عنكم كذا، بل اذكر ما فيهم من مناقب، ونبه على المثالب بشيء من الأدب والاحتياط حتى يقبلوك؛ لأن الناس لا يرضون بأن يقف إنسان فيهم يجرحهم، ويجرح مشاعرهم، يعني: أحياناً بعض الناس يذهب إلى قرية، أو قبيلة من القبائل فيجتمعون ويقوم واعظاً فيهم، ويقول: سمعت عنكم أنتم يا أهل هذه القبيلة، أنكم من أغلى الناس في المهور، وأن بينكم الحسد والبغضاء، وأنكم متناحرون، هؤلاء تنغلق أفهامهم، وأسماعهم وأبصارهم تماماً، كيف تجرح الناس وتريد أن يسمعوا منك؟! كان عليه الصلاة والسلام إذا تحدث يقول في سوق عكاظ لبني عبد الله؛ وهي قبيلة من قبائل العرب، قال: {يا بني عبد الله! إن الله أحسن اسم أبيكم فأحسنوا استجابتكم لله} ما أحسن المقدمة! وكان يتودد إلى الناس ويحبب بنفسه حتى كسبهم، حتى يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. وهذه هي الأعجوبة أن يصيد قلوب قبائل العرب، وأن يوجههم معه عليه الصلاة والسلام. ونسأل الله لنا ولكم الهداية، والتوفيق والسداد، والعون والرشاد. ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ألا يصرفنا من هذا المكان إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وتجارة لن تبور. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أمسية شعرية في القرعاء

أمسية شعرية في القرعاء إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحراً، والأدب والشعر على مدار التاريخ كان وما يزال وسيلة لنشر الأفكار والمبادئ بين الجماهير، وذلك لما يشتمل عليه من الطرافة والمتعة ونقل الكلمة بأسلوب يأخذ بالألباب. وإن الدعوة الإسلامية لم تأخذ حظها بعد من هذه الوسيلة الجماهيرية في هذا العصر مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم وظفها في خدمة الدعوة. والشيخ عائض لامتلاكه ناصية الشعر قولاً ونقلاً أراد أن يختط هذا الخط جنباً إلى جنب مع كثير من دعاة الإسلام الذي يمتلكون هذه الموهبة، ومن ضمن أمسياته الأدبية الممتعة هذه الأمسية الشعرية المتنوعة.

مقطوعة ترحيبية

مقطوعة ترحيبية الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراًً ونذيراًَ، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد، أتى بالقلم والسيف، أتى باللسان والسنان، أتى بالمنبر والميدان، أتى بالكلمة الصادقة والدعوة الناجحة، أتى بالخلود، أتى بكلمة الأدب، يوم لا يعرف الناس الأدب إلا ما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. شكراً لهذا الاستقبال وهذه الحفاوة. أهلاً وسهلاً والسلام عليكمُ وتحيةً مِنَّا تُزَفُّ إليكمُ ولو علمتُ أنني أُسْتَقْبَل بهذه المقطوعة؛ لهيأت مقطوعة أخرى، لكنني أعدكم، وهو دين إن شاء الله وعارية مضمونة تصلكم إلى بيوتكم. ضيوف الخير قد شرفتمونا بلقياكم ربوع الجو طابا فـ (أبها) من زيارتكم تباهت بثوب الخلد أطلقت الضبابا كأن اشبيليا نُقِلت بـ أبها فأحيت في ضمائرنا الطلابا وسار شذا العبير بكل وادٍ فعانق في تسرعه الضبابا وتبدو الشمس من خدرٍ خجولاً وإن شاءت تكنفت السحابا فيا عصر الشبيبة دُمْت عصراً ويا عصر الصبا حي الشبابا فإني سوف أذكرك اعتباراً إذاضمر القنا والرأس شابا ومثلي ومثلكم هذه الليلة كمثل الشاعر الإيراني السُّنِّي/ الشيرازي سعد، وهو شاعر من شعراء العالم، يقول: قال لي المحبوب لما زرته مَن ببابي قلت بالباب أنا قال لي أخطأت تعريف الهوى حينما فرقت فيه بيننا ومضى عام فلما جئته أطرق الباب عليه موهنا قال لي من أنتَ قلتُ انظر فما ثَمَّ إلا أنتَ بالباب هنا قال لي أحسنتَ تعريف الهوى وعرفتَ الحبَّ فادخل يا أنا فأقول لكم: أنا أنتم، وأنتم أنا، فمن أنا؟! وهذه القصائد، أسأل الله -عز وجل- أن يجعلها في ميزان الحسنات، صحيحٌ أن الكلمة الطيبة لا يُقْتَضَى أن تكون نثراً فحسب، بل نرجو الله أن تكون كذلك شعراً، يوم يُحَاسَبُ المبطلون على كلماتهم، والناكثون على تصرفاتهم. وسوف أختار لكم هذه الليلة بعض المقطوعات، ولا بأس أن أُوْقَفَ أثناء القصائد، فمن عنده طرفة، أو سؤال عن بيت، أو طلب لبعض القصائد العربية المشهورة، أو الإسلامية فلا بأس؛ لأننا نريد أن يكون هذا مجلساً مفتوحاً، لا يكون حكراً على أحد، أو حرماً لا يباح إلا لشخص، بل هو لنا جميعاً، فمن عنده شيء أو تذكر شيئاً أو مقطوعة أو بيتاً، فليرفع يده مشكوراً ويسأل.

قصيدة: أين الشباب عن الساحة

قصيدة: أين الشباب عن الساحة هذا بعض القصيد، وهذه قصيدة عنوانها: (أين الشباب عن الساحة) سوف أختار منها بعض الأبيات: يا طالع اليُمْن حيوا لي محياهُ نداء حق من الفصحى سمعناهُ قد أطرب الأذن فانصاعت لنغمته وأطرقت برهة تصغي لفحواهُ يقول للجيلِ والإيمانُ رافده عودوا إلى الله قد ناداكم اللهُ صحا فؤادي على صوت وموعظة ولام من كان قبل اليوم أغفاهُ وجاءكم في رحاب الهدي مبتهجاً لعله أن تنال الخير يُمناهُ نادٍ كريمٌ شباب الحق مهجته الدين نغمته والحق معناهُ إسلامُ! أبشر بجيلٍ أنتَ رائدهم قد فاز من منهج الإسلام ربَّاهُ يا رب! عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناهُ كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناهُ ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناهُ ونركب الجو في أمن وفي دعةٍ فما سقطنا؛ لأن الحافظ اللهُ كن كالصحابة في زهد وفي ورعٍ القوم هم، ما لهم في الناس أشباهُ عباد ليل إذا جنَّ الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأُسْدُ غابٍِ إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياه يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه وربما كانت هذا القصيدة (وهي طويلة) تربو على (80) بيتاً، معارضة لقصيدة محمود غنيم التي يقول فيها: ما لي وللنجم يرعاني وأرعاهُ أمسى كلانا يعاف الغمضَ جفناهُ إلى أن يقول: يا من يرى عمراً تكسوه بردتُه والزيتُ أدم له والكوخ مأواهُ يهتز كسرى على كرسيه فََرَقاً من خوفه وملوك الروم تخشاهُ

قصيدة: أرحنا بها يا بلال

قصيدة: أرحنا بها يا بلال وهذه قصيدة أخرى اسمها: (أرحنا بها يا بلال) كان - عليه الصلاة والسلام - إذا كربه أمر، أو اهتم، أو حزن، قال لـ بلال: {أرحنا بها} أي: بالصلاة، فحُق لكل مسلم أن يرتاح بالصلاة: وقل لـ بلال العزم من قلبِ صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به تلق أبواب السماء الثمانيا قم أطرب الدنيا بلال بنغمة قدسية تحيي بها الأسحارا ليموت صوت البغي في ميلاده وأداً ويبقى صوتكم قهَّارا قم يا بلال أعد نشيدك في الورى للعالمين ورتل الإنذارا ودع التماثيل التي قد صورت جذذاً ومزق عبدها الخوارا هذا نموذج منها، وسوف ننتقل إلى بعض القصائد المطولة.

قصيدة: ثناء وتبجيل لمعلم الجيل

قصيدة: ثناء وتبجيل لمعلم الجيل قصيدة في الثناء والتبجيل لمعلم الجيل صلى الله عليه وسلم، والرسولُ عليه الصلاة والسلام أصْدَقُ المدْحِ ما صُرِفَ له، والله عز وجل يحب المدح. في الطبراني: عن الأسود بن سريع قال: {وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إني نَظَمْتُ قصيدة أمدح بها ربي سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إن ربك يحب المدح} وفي (الأدب المفرد) للبخاري قال الأسود بن سريع: {ركبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتحفظ شيئاً من شعر أمية بن أبي الصلت، قلتُ: نعم. قال: هاتِ، فأنشدتُه قافية، قال: هيه، فأنشدتُه الثانية، قال: هيه، حتى أنشدته مائة بيت، فقال: آمَنَ شعرُه، وكَفَرَ قلبُه} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. الأماني على لسانك أحلى فأعد يا حبيب عصراً تولى لم أقضِّ لبانة العمرفيه ونهاني المشيب لما أطلا أعصر الليل في كئوس من الحزن وأدعو الصباح حتى أملا وأنادي الدجى بهمسة حب فارغ الصبر من لسان لعلا ذكريات مع الرسول وحب تستثير الشجون منه الأجلا كلما مر ذكره في فؤادي قال قلب المحب: أهلاً وسهلا كيف أحكمت يا عظيم بناءً هو من كل مشرق العمر أعلى وتفانيت في بناء كيان أنت أوليته عطاء وبذلا كلما صغت جملة من نضار أنبتت دوحة من المجد جلا وإذا ما ابتسمت أبدعتَ جيلاً مرهف الحس يمتطي كل مُثلى المعالي تصوغ منك وتبني فيك آمالها وترجوك خلا والليالي تنورت بشموس أنت أرسلتها عفافاً ونبلا والصحاري إذا مشيتَ رياضٌ ملئت بالجمال حسناً ودلا

البوصيري وقصائد المديح النبوي

البوصيري وقصائد المديح النبوي وأنا مسبوق من كثير من الشعراء في مدحه صلى الله عليه وسلم، منهم: البوصيري الإمام الصوفي، ولولا أنه إمامٌ في صوفيته، ولولا أنه عكر قصيدته ببعض الشركيات في آخرها، لكانت من أروع القصائد، إذ يقول في مطلعها: أمِن تَذُكُّر جيران بـ ذي سلم مزجت دمعاً جرى من مقلة بدمِ أم هبت الريح من تلقاء كاظمة وأومض البرق في الظلماء من إضم إلى أن يقول في مدحه صلى الله عليه وسلم: بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدمِ لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأممِ

شوقي يعارض البوصيري في المديح النبوي

شوقي يعارض البوصيري في المديح النبوي وقد عارض أحمد شوقي البوصيري بقصيدته التي يقول في مطلعها: ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحُرُمِ إلى أن يقول فيه صلى الله عليه وسلم: أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدمِ كنت الإمام لهم والجمع محتفل أعظم بمثلك من هادٍ ومؤتممِ لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلمِ حتى بلغت مكاناً لا يطار له على جناح ولا يسعى على قدمِ وقيل كل نبي عند رتبته ويا محمد هذا العرش فاستلمِ ومن المقطوعات فيه صلى الله عليه وسلم: نسينا في ودادك كل غالٍ فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا ولم نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمرالله بعدك ما سلينا

من أشعار الزهد

من أشعار الزهد ومما يؤثر عن الإمام علي رضي الله عنه أبي الحسن أنه كان يقول: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيش نابت فيها وعلى منوال هذه القصيدة قلت: دنياك تزهو ولا تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموتُ أجيالاًَ فيفنيها يا رب نفسي كبت مما ألم بها فزكها يا كريم أنت هاديها هامت إليك فلما أجهدت تعباً رنت إليك فحنت قبل حاديها إذا تشكت كلال السير أسعفها شوق اللقاء فتعدو في تدانيها حتى إذا ما كبت خوفاً لخالقها ترقرق الدمع حزناً من مآقيها لا العذر يجدي ولا التأجيل ينفعها وكيف تبدي اعتذاراً عند واليها فإن عفوت فظني فيك يا أملي وإن سطوت فقد حلت بجانيها إن لم تجرني برشد منك في سفري فسوف أبقى ضليلاً في الفلاتيْها

قصيدة: على أرض الكويت

قصيدة: على أرض الكويت ومن القصائد التي أتذكرها قصيدة اسمها: (على أرض الكويت) ألْقِيَتْ هذه القصيدة في مهرجان شباب جامعات الخليج في الكويت، وهذا اللقاء كان بين شباب جامعات المملكة والإمارات وقطر والبحرين والكويت والعراق: حيوا الكويت ففيها الملتقى الرحِب والرأي والعزم والأبطال والنجب وانثر ثناءك مسكاً زاكياً عبقاً كأنما هو صوت الخلد ينسكب اسق المعنى بنار الحب علله ماء الخليج فقلب الصب ملتهب كويت ما عرف الأحباب غربتنا وقد أساء بنا الواشون إذ كذبوا لا تحسن العذر منا ألف قافية لأن من يطلب الأعذار لا يهب هذي الجزيرة قد غادرتها وجلاًَ من الفراق وقد أضناني النصب أما تراني براني الهم في صغري لم يبق يا صاح إلا العظم والعصب تركت نجداً شذا الريحان يأسرها في أرضها يتغنى الشعر والخطب وللحجاز عتاب في أرومته يسبي القلوب فيا أهلاً به عتب سل الجمال بأرض الله أين غدا تجيب أبها ويروي السهل والحدب من فقد ذياك صار الهم يصحبني فالطرف منتبهٌ والنجم منتصب وخفف الوجد إخوانٌ لنا هتفت لهم شئون فؤادي والتقى النسب فجددت ذكريات الحب رؤيتهم فقد نسيت غداة الجمع من ذهبوا خذوا سلامي إلى أرض العراق ففي أحشائها الدهر والتاريخ والحقب وعرجوا بـ دبي فانثروا قبلي على تراب الرُبى هذي هي القرب كم في المنامة من خل ومعرفة وكم على دوحة الأخيار من صحبوا فيحفظ الحب قلبي في عمان ولو قالوا: بعدت فإن الوصل مقترب أتيت أحمل أحزاني لأنثرها في محفل زانه الإفضال والأدب وأمتي في بحور الخوف غارقة لم تدرِ أين هو المسلوب والسلب أضحى يمزقها من ليس يرحمها وفي دماها هواة القتل قد خضبوا تحاول اللات والعزى خديعتها وتعتري أرضها الأصنام والنصب إلى آخر القصيدة.

تحية للحاضرين

تحية للحاضرين هذه تحية، ونحولها هذه الليلة إليكم، قيلت في أناس غيركم، هذه رباعية فقط: مع الأشواق أحملها إليكم على كف النسيم المشرئب ترتلها دموع الحب لحناً ويرسلها الضمير إلى المحب غرست به أمانٍ رائعات فأطلعت الوداد بأرض قلبي لهيب الشوق تطفئه دموعي مع الإخوان قد خلفت صحبي

أرجوزة القرني

أرجوزة القرني ونقف مع أرجوزة مشهورة، وأظن أنه يعرفها الكثير؛ ولا بأس من إعادتها. هذا الأرجوزة قيلت بمناسبة أمسية شعرية كانت في الرياض. والأراجيز عند العرب هو: بحر الرجز، وهو حمار الشعراء، أي أن كل إنسان لا يستطيع أن يَنْظم، له أن يركب هذا الحمار، فيصبح ناظماً وشاعراً، ولذلك أكثر ما ينظم العلماء على بحر الرجز، مثل ابن مالك في منظومته الرائعه في النحو: قال محمد هو ابن مالك أحمد ربي الله خير مالك وعارضه كثير من الناس على هذا المنوال. ومن بين نَظَم ابن مالك يقول: ولا يجوز الابتدا بالنكره ما لم تُفِدْ كـ (عندَ زيدٍ نَمِرَه) فقلتُ في منظومتي: ولا يجوز الابتدا بالنكره ومن أجاز ذاك فهو بقره فقلت في القصيدة: يقول عائض هو القرني أحمد ربي وهو لي وليُّ مصلياً على رسول الله مذكراً بالله كل لاهي قد جئت من أبها صباحاًباكرا مشاركاً لحفلكم وشاكرا وحَمَلَتْنَا في السما طياره تطفح تارة وتهوي تارة قائدها أظنه أمريكي تراه في هيئته كالديكِ قد حدث الحجة في طهران عن آية الله ورفسنجاني بأن من مات قريب كربلا فهو إلى الفردوس حقاً مقبلا وأن من فر من اليهود فمات خوفاً فهو كالشهيد وهذه القصيدة تحكي قصة سفري إلى المدينة المنورة، ومن المدينة إلى عنيزة إلى الشيخ/ ابن عثيمين، ثم إلى الرياض، إلى أن أقول: وابن عثيمين وصلنا داره أمتعنا بمجلس أداره وقد وصلنا حلقة الجزائري فقال: أهلاً مرحباً بزائري الجزائري: هو أبو بكر الجزائري

المغزى من هذه الأرجوزة

المغزى من هذه الأرجوزة وهذه القصيدة ليست فكاهية، على ظاهرها أنها مزح فقط، بل إن لها إن شاء الله معانٍ، فمن ضمن الأبيات: أنني قلت في بعض الناس من الشباب الذين نسأل الله أن يهديهم والذين آثروا طريق الغواية على طريق الرشد، ويفتخرون بالسفر إلى البلاد الأجنبية، فبعضهم يفتخر أنه سافر إلى لندن، وإلى واشنطن وأمريكا، ويحدث الناس، ويعيد هذا الخبر ويبديه، وهذا من الذلة التي وقعنا فيها، كانوا قديماً في القرون الفاضلة يفتخرون أن يسافروا إلى بلادنا، فيأتي الفرنجة يجلسون مجالسهم، ويقولون: زرنا بغداد، وزرنا دمشق، ووصلنا إلى مكة، وإلى المدينة، وأصبحنا الآن نفتخر أن زرنا بلادهم، فهولاء قلتُ فيهم: ومن يزور لندناً في عمرة له ثواب حجة وعمرة وشيخهم (ريجان) في الفرائضِ وعلمه قد جاء بالنقائضِ وذلك على مذهبهم، فنسأل الله لنا ولهم الهداية.

حب الإمارة

حب الإمارة مما يُبْتلى به بعض الناس والذي نهى صلى الله عليه وسلم عنه، حب الإمارة وحب المنصب، وبعض الناس مجبول في بنيته وفي خلقته حب الإمارة، إذا تخاوى مع الناس أحب أن يتأمر، وأن ينفذ الناس ويسمعوا لقوله، فهذه فتنة المناصب التي ذمها صلى الله عليه وسلم ونهى أبا ذر عن الإمارة، وقال: {نعمت المرضعة، وبئست الفاطمة} وهذه قصيدة رباعية في المناصب، أربعة أبيات: يتهاوون كالفراش هياماً كلهم همه حصول المناصب علمتهم أفكارهم كيف يرقون وفي الجو منهم ألف غاصب لم تخولهم المواهب تقديراً فما القوم من رجال المواهب حينما شابهوا الزمان دعاهم والزمان التعيس يهوى الحبايب

ذم الكبر ومدح التواضع

ذم الكبر ومدح التواضع وهذا متكبر، ونعوذ بالله من الكبر، والكبر قرين الشرك، بل هو ركن من أركان الكفر، وإذا رأيت إنساناً متكبراً، ولو تقمص قميص الدعاة أو طلبة العلم، فقد تمت خسارته في الدنيا والآخرة، ومن تكبر فقد نازع الله - سُبحَانَهُ وَتَعَالى - رداء الألوهية والربوبية، ومن أخذ الكبر قصمه الله وعذبه؛ فنعوذ بالله من الكبر. قلت في رباعية نظمتها في خطبة جمعة عن المتكبرين؛ لأن الخطبة كانت في مدح التواضع وذم الكبر والمتكبرين، ومن صفات المتكبر أنه دائماً غضبان، ويظهر عليه التزمت والانقباض وقلة الابتسام، بخلاف الطلق السهل البشوش؛ الذي يرحب ويحيي ويبش ويهش؛ فهذه علامات التواضع، ولذلك كانت هذه سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، كما يقول جرير بن عبد الله البجلي: {ما رآني صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي} وسئل أحد العلماء: ما هو السحر الحلال؟ قال: تبسمك في وجوه الرجال، ويقول زهير بن أبي سلمى، يمدح هرم بن سنان: تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله فقلت: وجوههم من سواد الكبر كالحة كأنما أوردوا غضبى إلى النارِ هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري أي: المتواضعين من طلبة العلم والدعاة من أمثالكم واشباهكم. تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري بدون أن تأكل أو تشرب إذا رأيتهم تروى وتشبع. من تلقَ منهم تقل: لاقيتُ سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري وفي المتكبر يقول: أنت من أنت يا شبيه الزرافه يا عظيماً في كِبْرِهِ والسخافة من هو هذا المتكبر؟ كيف أتى؟ وإلى أين يذهب؟ خفف الوطء ما رأيناك شيئاً كلما زدت كبرةً زدت آفه هل توهمت أن جدتك الكبرى تولت على الأنام الخلافه جدتك الكبرى: أي: الثالثة. أم لأن العلوم صيغت جميعاً في دماغ ما فيه إلا الخرافه

أهلا رمضان

أهلاً رمضان وفي رمضان رباعية ترحب بشهر رمضان: مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام قد لقيناك بحب مفعم كل حب في سوى المولى حرام فاغفر اللهم ربي ذنبنا ثم زدنا من عطاياك الجسام لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلق أسهرنا جنح الظلام

قصيدة: صوت الريح

قصيدة: صوت الريح وهذا صوت الريح، يقول: على كتلة من رمال الهموم رقدت لأسمع صوت الرياح لأنسى بها كل ما زارني من الحزن حتى يزور الصباح ففاجأني الليل في غمضة ثقيل الخطى جاثماً في الوشاح فقلت: أما كان يكفي أسى مآسي حتى نكأت الجراح فقال يقولون إن اللبيب إذا سَلَّ همته ما استراح

قصيدة: بلال بن رباح

قصيدة: بلال بن رباح وأما بلال بن رباح فلنا معه عودة، يقول في بلال، وفي ندائه بـ (لا إله إلا الله) على منائر المسلمين: ماست على شفتيك نغمة بلبل فانساب ماء الحب في الخد الجلي وتطايرت ومضات عينك أنجماً تُهْدى لكل مكبر ومهلل تسقي حُمَيا الموتِ ألف أمية أحدٌ هتفت بها لكل معطل نازلتهم وقذائف التوحيد من كفيك تهوي للجبان الأنذل فسحقت طاغوت الضلالة معلناً نصراً على رغم المهين الأعزل أبلال فاسلم يا سواد محاجر أشبهت إنسان العيون الأجمل

محمد إقبال يفتخر بالمسلمين

محمد إقبال يفتخر بالمسلمين هذه قصيدة تهدى لكل طالب علم، ولكل داعية يترك أهله، ويترك الحواشي، ويترك بيته ساعات من الزمن ليخرج مع شباب الأمة، وليفقه في دين الله، وليعلم، وليبذل من وقته؛ لأن للوقت زكاة، وللعلم زكاة، وللعمر زكاة، وما خيرة الحياة أن يبقى الإنسان مع بنياته، ومع أطفاله، وفي مطبخه، والأمة ضائعة هائمة ما تجد من يوجهها، فلذلك يدعى كل شاب بهذه القصيدة، وكل من عنده ثقة، وكل من عنده عزيمة، وكل من يريد الله والدار الآخرة إلى أن يخرج إلى ساحة المسلمين، إلى أن يخرج مع شباب الإسلام، إلى أن يبذل من وقته، إلى أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، مثلما خرج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حتى يقول إقبال، يصف تلك النهضة التي بعثها محمد صلى الله عليه وسلم وبثها في الناس، فخرجوا من المدينة، وبعد خمس وعشرين سنة أصبح بعض الصحابة والتابعين في بلاد السند، وفي طاشقند، وفي الأندلس، وأصبحوا في جنوب أفريقيا، يقول محمد إقبال يمدح الصحابة: ومن الذي رفع السيوف ليرفع اسـ ـمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالا في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا بمعابد الأفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنسَ إفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها حلياً وصاغ الكنز والدينارا أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا

ربعي في موقف العزة

ربعي في موقف العزة دخل ربعي بن عامر، وهو شاب في سنٍ كأسنانكم، وثيابه ممزقة، ورمحه مثلم، وفرسه هزيل، دخل على رستم الكافر العاتي الفاجر، في معركة القادسية، قبل أن تبدأ المعركة، مع رستم ثلاثمائة ألف، ومع ربعي وهو مع سعد بن أبي وقاص في جيشه ثلاثون ألفاً، فلما دخل ربعي على رستم ضحك رستم وضحك وزراؤه، وقال رستم: جئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور، وهذا الرمح المثلم، وهذه الثياب الممزقة؟ فضحك ربعي ضحكة المنتصر الذي يعتز بدينه، والذي خرج من وطنه يرفع اسم الله - عز وجل - قال: [[نعم. جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان، إلى عدل الإسلام]] وبعد ثلاثة أيام أتت هذه الخيول الهزيلة، والرماح المثلمة، والثياب الممزقة، فدكت - بإذن الله - إمبراطورية كسرى، وسوتها بالأرض، فأصبحت قاعاً صفصفاً، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً. ودخل سعد فلما رأى قصر كسرى، قصر العمالة، قصر الضلالة، قصر البغي والعدوان والجهالة، دمعت عينا سعد دموع الفرح المبتسم المبتهج بنصر الله وقال: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عليهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29] وهناك: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45]. إلى حيث ألقت رحلها أم قشعمِِ

قصيدة عن شمولية الإسلام

قصيدة عن شمولية الإسلام هذه القصيدة القيت في الرياض يا رياض الخير قد جئت وفي جعبتي أبها بلقياك تسامى حلفت لا تشرب الماء ولا تأكل الزاد ولا تلقى مناما أو ترى الأحباب في نجد فإن لم تجدهم صار ممساها حراما أنت يا جارتنا والجار لا يهجر الجار ولو باع الذماما ما ذكرت الرَّبع إلا زادني ذكره دمعاً على الخد وساما ومَن التي حلفت؟ هي: أبها، والضمير يعود إلى أقرب مذكور. إلى أن قلت: لا تحدثني عن العمران في أرضكم يا صاحِ والأهل يتامى بعض الناس يتصور أن العمران هو أن تبنى القصور الشاهقة، وناطحات السحاب، وأن تسفلت الطرق، وأن تكهرب، وأن تبنى الحدائق، وهذا كله عمران لكنه دنيوي، وأعظم العمران عمران القلوب والأرواح، وأن نسير إلى الله عز وجل، وأن نتحد في المسير إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى. أنا لا أرغب سكنى القصر ما دام قلبي في جثى الذل مُساما صل ما شئت وصم فالدين لا يعرف العابد من صلى وصاما أي: صلى وصاما فحسب، وظن أن هذه كل العبادة. واجعل السبحة مترين وخذ عُمَّة بيضاء واصبغها رخاما واترك العالم في غوغائه يتلظى في لياليه اضطراما أنت قسيس من الرهبان ما أنت من أحمد يكفيك الملاما تترك الساحة للأوغاد ما بين قزم مقرف يلوي الزماما للأوغاد: أي: لكل فاجر. أو دَعِيٍّ فاجر أوقع في أمتي جرحاً أبى ذاك التئاما لا تخادعني بزي الشيخ ما دامت الدنيا بلاءً وظلاما أنت تأليفك للأموات ما أنت إلا مترف حب الكلاما لأن هناك تأليفاً للأحياء، وتأليفاً للأموات، فتأليف الأحياء: أن يخلص الإنسان اتجاهه ومنهجه إلى الله، منتهجاً كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي بهذا الكلام فيصبه في قلب كل شاب، وفي قلب كل مؤمن، فهذا التأليف للأحياء، والتأليف للأموات: أن يغلق عليه بابه، ثم يأتي بكتب السلف، فيتلقف ما كتبوا فيها، ويعارضه، ويدلل على بطلان مسمياته، فيزيد على الحواشي حواشياً، وعلى المتن متناً، وعلى الغبار غباراً، وهذا ليس بتأليف. كل يوم تشرح المتن على مذهب التقليد قد زدت قساما والحواشي السود أشغلت بها حينما خفت من الباغي حساما لا تقل شيخي كلاماً وانتظر عمر فتوى مثلكم خمسون عاما والسياسات حِمَىً محظورة لا تدانيها فتلقيك حطاما فخذ الأجيال في ساح الوغى واسق أعداء الهدى كأساً زؤاما رتل الحق بصوت الحق في لجة الأمواج لا تخش الزحاما صوتك المعروف فجر صادق فحنانيك تقدمنا إماما

مع النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته

مع النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته وقلت في وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة: عد بذكراك على قلب كسير راعه الحزن وأضناه المسير حزناً من أمة غارقة في الأمالي وهي في نوم نكير سامها الأعداء خسفاً فجثت تتحامى سطوة الباغي الحقير خالفت نهج رسول الله بل نَسِيَت سيرته وهو البشير في ضمير الكون سجلت الهدى وسقيت القلب من وحي نمير كلما أبصرك القلب هفا حولك البِيْد رغاء وزئير قاطع الصحراء وثباً للعلا دونما أي جواد أو بعير والفيافي حالمات بالمنى عجباً من قلبك الفذ الكبير هل درت أم القرى ماذا جرى لبِِسَتْ بعدك ثوباً من سعير وبكى الغار على فرقاك لو أسْعَفَتْه الرجل أضحى في مسير والرمال العُفْر صارت حللا تتلقاك بتصفيق مثير والبشارات همت في يثرب كهنيء الغيث في اليوم المطير والمحبون قليل صبرهم قبل لقياك ألا أين البشير فدموع الحب تروي قصصاً إنما الحب دموع وزفير شخصت نحوك أبصار الورى طلع البدر فذا ليل منير ولكم أن تسألوا، ومن ليس عنده سؤال فليتهيأ بسؤال؛ لئلا تبقى الجلسة سرداً؛ لأننا نريد بعض المشاركة. هذه القصائد فيها جديد وفيها قديم، وما أظنكم اطلعتم على: (مع بلال) أو (بلال ماسِت على شفتيك) ولا (متكبر) ولا (الهمة) ولا بعض المقطوعات، فأريد أن أعتذر؛ لأن الجديد يحتاج شيئاً من الوقت، وأنا وعدتكم بمقطوعة لكم خاصة هدية؛ لأنني فوجئت بتلك المقطوعة، فإن شاء الله تكون سَلَفَاً، وإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم.

مع ابن المبارك

مع ابن المبارك ابن المبارك: تعرفون أنه من علماء الأمة، كان يحفظ ما لذ وطاب، وكان يقول ما لذ وطاب، وهو صاحب تلك الأبيات التي قالها يوم خرج يبذل مهجته في سبيل الله، خرج من مكة، ومعه الفضيل بن عياض، فأبى الفضيل أن يخرج، وأما ابن المبارك فخرج رضي الله عنه وأرضاه فقال له الناس: ابقَ معنا، فقال: بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا ولما أصبح ابن المبارك في الجبهة أتته رسالة من الفضيل يلومه على الخروج، فكتب إليه تلك الأبيات الرقيقة التي جُلُّكم يحفظها: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب فأنا أشكر للأخ/ زيدان هذه المشاركة، وإن دل على شيء فإنما يدل على أنه يريد أن يتحف دعوته ونثره بشيء من الشعر، ويدوِّن منه خُطَبَه؛ ليكون من دعاة الإسلام، هو وأمثاله من شباب هذا الدين.

رثاء

رثاء في سنن الترمذي: قال أحد الرواة: وقفت عائشة رضي الله عنها على قبر أخيها عبد الرحمن فبكت ثم قالت: وكنا كندماني جذيمة برهة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا وعشنا بخير في الحياة وقبلنا أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا فلما تفرقنا كأني ومالكاً لطول اجتماع لم نبت ليلة معا فهي قد استشهدت بأبيات لـ متمم بن نويرة في أخيه مالك. وأعتذر لمقالة الشيخ أن هذا قديم، ويريد الجديد، وأعتذر بأني شغلت عن الشعر بما أسأل الله أن يكون خيراً منه، وهو الحديث النبوي. فقد يأخذ الشعر من وقت المسلم أكثر مما يراد، وإنما كل شيء بقدر: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3] فأنا أبحث في الحديث النبوي، وهذا شرف شرفني الله به، أسأل الله أن يعيذني وإياكم من تبعاته، وأن يجعلنا ممن إذا علم شيئاً عمل به.

الأسئلة

الأسئلة

إنشاد شعر الغزل في المسجد

إنشاد شعر الغزل في المسجد Q هل يجوز إنشاد شعر الغزل في المسجد؟ A أولاً: الشعر في الجملة: يجوز في المسجد إذا خلا من أمور: ففي صحيح البخاري: {أن حسان كان ينشد في المسجد، فلحظ إليه عمر فقال حسان: كنت أنشد وفيه من هو خير منك، فقال حسان إلى أبي هريرة: فقال: نعم}. وكان صلى الله عليه وسلم يقرب منبره لـ حسان، ويقول: {اهجهم وروح القدس يؤيدك}. ومما يروى أن كعب بن زهير أنشد: (بانت سعاد) في المسجد. ولكن أورد ابن حجر في الإصابة حديثاً، يقول صلى الله عليه وسلم: {من سمعتموه ينشد في المسجد فقولوا: فض الله فاك} فيُجمع بينهما: أن الشعر الإسلامي، والمطلوب، والذي يشيد بالدعوة وبالكتاب والسنة، هذا ينشد في المسجد. أما إن كان شعراً فيه غزل أو مجون أو هجاء لأعراض الناس، فهذا لا ينشد في المسجد، ويُذَم. أما الغزل العفيف فلا أرى بأساً، أن يفتتح به في قصيدة في المسجد. مثل: بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ متيم إثرها لم يفد مكبولُ ومثل شعر حسان: طوبى لمعتَرَك من الآرام قبل الأصيل كعاكف أو رامي إلى آخر ما قال. فمثل قصائده، تكون عفيفة، وبقدر الحاجة، وفي استهلال القصيدة، فلا بأس بذلك.

قصيدة بانت سعاد

قصيدة بانت سعاد Q سمعت أن قصيدة كعب بن زهير: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول، أنه ليس هو القائل، بل قائلها غيره، لما فيها من الغزل؟ A لا. بل هو قائلها، وهو الذي اشتهرت عنه، وكتب السيرة تقول ذلك، وما قالها أحد غيره، وأما الغزل: فقد قلت لك: إنه قد قال الغزل من هو خير من كعب، كـ حسان في شعره، ولا بأس به إذا كان عفيفاً، ولم تُشَبَّه فيه النساء. صل على من شق له طلعة القمر شفيع الملا يوم نبعث من القبور وانت رفيقي لا تزود من الغرر وخذ لك متاعك واترك الفاني الغرور أي: خذ متاعك من الدنيا، وهو الزاد: العمل الصالح، واترك الفاني الغرور: الذي هو العمل الذي لا يرضي الله عز وجل إلى غير ذلك، لكن لا نشجع على النبطي؛ لأنه هدم للغة العربية، ومحاربة لها وللنحو وللغة الضاد، ولكتاب الله عز وجل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل المرجو إلغاء هذا النبطي، ومحاربته، ومحاصرته، والتضييق عليه، وتشجيع الكلمة الفصيحة، والشعر الفصيح؛ لأن هذا هو المطلوب.

ذم الشعر الحر

ذم الشعر الحر Q ما هو الشعر الحر؟ A الشعر الحر بارك الله فيك: {ما أسكر كثيره فقليله حرام} هذا الشعر الحر أصبح الناس على هذه الوتيرة كلهم شعراء، فيكفي أن الإنسان إذا أراد أن يقول كلاماً أن يأتي بكلام لا يفهمه الناس، فيقول: أنا شاعر، وأنا قد لا أقبل الحكم؛ لأن توجه بعض الناظمين والأدباء إلى الشعر العربي الفصيح المقفى الموزون. فهم ما يقبلون حكمنا في هذا، ونحن كذلك ما نقبل قولهم، لكن لم يعرف عند العرب هذا الشعر، وإنما هو حادث، والبحور عند العرب (16) بحراً، وجعله بعضهم إلى (17) بحراً، ولكن ما عندهم (18) بحراً، أن يأتي بقصائد منثورة ومقامات، وخطب ومواعظ ومحاضرات، ويقول: هذه قصائد. هذا شعر فرنسا، جاء من هناك.

العرضة

العرضة Q ما رأيك في (العرضة)؟ A نحن خرجنا من الأدب إلى الفتاوى، نقول في العرضة: لا تجوز، وليس هذا مجال بحثنا، وليست جائزة للرجال إذا كان فيها طبل ومزمار، لأنها من آلات العزف التي أخبر صلى الله عليه وسلم أن الأمة سوف تستحلها.

شعر سعد الشيرازي وفكرة وحدة الوجود

شعر سعد الشيرازي وفكرة وحدة الوجود Q أبيات الشيرازي سعد أليس فيها شيء من فكرة وحدة الوجود؟ A قد يكون فيها شيءٌ من فكرة وحدة الوجود، لكن أنا استدللت بها هذه الليلة في أمر، وهو أننا نحن وإياكم شيء واحد من الحب، أي: أننا متساوون في الحب ونتبادل الحب؛ لأننا أصبحنا هيكلاً واحداً كما يدعي أهل وحدة الوجود، {وإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم}.

أبها في أمسية شعرية

أبها في أمسية شعرية Q نرجو أن تعطونا شعراً في مدينتكم؟ A وهذا موجود، وهذه قصيدة (أبها في أمسية شعرية) سوف تسمعونها بإذن الله: أيها العاذل لا تعتب علي قد كفاني عذل نفسي يا أُخَي أرعني سمعك فالقول الذي نمقوه الناس لم ينسب إلي هاك أشواقاً عِذاباً تُجْتَلى أهدها (أبها) وعانقها وحَي وامتدحني عندها فالمدح في لغة الأحباب محبوب لدي فدموع الوجد في وجنتها كالظبا بين كداء وكُدَي يابنة الأطياف أحسنت القِرى قد كفاني الزاد من شِبْع ورِي دع بلاد الهند واهجر ذكرها عند (أبها) وتغافلْ عن دبي واطَّرح روما ومن فضلها وكذا مدريد ما تِيْكُم بِشَيْ أهلها كل همامٍ ماجد جده سعد وعمرو وعلي وأنا مَلَّكْت قلبي حبَّه ويكَأن القلب بالتمليك وَيْ حب من يتقي الله وما كان حبي حبَ غيلان لِـ مَيْ هذه من قصائدي في (أبها).

مدح العلماء

مدح العلماء Q اعطنا القصيدة التي فيها مدح العلماء؟ A القصيدة التي فيها مدح العلماء: مدحت الشيخ/ عبد العزيز بن باز، وسمعتم منها قبل أمس، ومنها: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً لك الله قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي أغراهم المال والدنيا تجاذبهم ما بين منتعل منهم ومن حافِ وأنت جالست أهل العلم فانْتَظَمَتْ لك المعالي ولم تولع بإرجافِ بين (الصحيحين) تغدو في خمائلها كما غدا الطل في إشراقه الضافي " الصحيحين ": صحيحا البخاري ومسلم، وأوصي كل شاب مسلم بعد كتاب الله بـ (الصحيحين) أن يتبحر فيهما، وأن يكرر قراءتهما، وأن يجيدهما أكثر من تكرار كثير من الكتب التي لا تنفع.

شرح أبيات شعرية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

شرح أبيات شعرية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم Q أرجو شرح البيت الثاني والثالث من القصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم؟ A يقصد من القصيدة التي مدحت بها الرسول صلى الله عليه وسلم: الأماني على لسانك أحلى فأعد يا حبيب عصراً تولى لم أُقَضِّ لَبانَة العيش فيه ودعاني المشيب لما أطلا أعصر الليل في كئوس من الحز ن وأدعو الصباح حتى أملا الأماني على لسانك أحلى: معروف. فأعد يا حبيب عصراً تولى: والإنسان يتعلق بحبيبه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. لم أُقََضِّ: في هذا العصر. لَبانَة العيش: لبانة العمر: أي: أنني دنا مني المشيب قبل أن أنتهي من الشباب. أعصر الليل: هذا من الوجوه البلاغية. في كئوس من الحزن، وأدعو الصباح حتى أملا: ولا فرجة للإنسان من ليل همومه، ولا ليل شهواته، ولا ليل معاصيه إلا بمنهج محمد صلى الله عليه وسلم، كما سلف في مناسبة قول ابن تيمية: من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدى غير هدى الله الذي أرسل به محمداً صلى الله عليه وسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، نعوذ بالله من ذلك، فلا بد للإنسان أن يخرج من ليله الذي يعيش فيه، وهو ليل المعصية وليل الغواية إلى صباح الهداية الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام. يا حبيب: لا يُقْصَد به الدعاء، وليس المقصود به هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما أي حبيب، وأنا جعلته كل أخ في الله عز وجل، وليس كل نداء مذموم، بل إن كان للاستغاثة أو لطلب العون، فهذا هو المذموم، وإلا فنحن نقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي والأحسن: ألا ينادى الرسول صلى الله عليه وسلم سواء لاستغاثة أو لغيرها، أي: ألا يقول الإنسان: يا رسول الله.

نونية وميمية ابن القيم

نونية وميمية ابن القيم Q هل تحفظ النونية والميمية لـ ابن القيم؟ A النونية أحفظ منها أبياتاً، منها: في الغناء. من نونية ابن القيم في الغناء: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان ويقول في وصف الصالحين في آخر الزمان، أن لهم أجر خمسين من الصحابة: إسناده حسن ومصداق له في الترمذي فافهمه بالبرهان إلى أخر ما قال.

قصيدة ابن المبارك

قصيدة ابن المبارك Q قلت لنا قصيدة: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من هو عابد الحرمين؟ A ابن المبارك يخاطب الفضيل بن عياض، سماه عابد الحرمين، أي: الحرم المكي، والحرم المدني. يقول: يا عابد الحرمين! لو أبصرتنا ونحن في جبهات القتال؛ لأن ابن المبارك عالم زاهد معلم مرب، خرج يجاهد الكفار فيقول: يا عابد الحرمين! كيف تلومنا، وتقول: أننا خرجنا في الجبهة، وتقول: لو أننا بقينا معك؟ فيقول: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب لو رأيت كيف تضرب رءوسنا في سبيل الله، ودماؤنا تسيل في سبيل الله، وأنت تظن أن العبادة فقط محصورة في هذه الركعات أو التسبيحات! فكأنك تلعب بالعبادة؛ لأن الدين الإسلامي دين حياة، ودين جهاد، ودين كلمة، ودين دعوة، في المسجد، وفي المحراب، وعلى المنبر، وفي الساحة، ومقابلة العدو في كل مكان. فـ ابن المبارك يريد أن يعمم الفهم لدى الفضيل بن عياض، فيقول: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب يقول: إذا كنت تبكي في الليل، فنحن دماؤنا تسيل علينا من نحورنا من الضرب في سبيل الله، والدم أغلى من الدمع. ولا يخطر في الذهن أن قصد ابن المبارك بعابد الحرمين أنه يعبد الحرمين: مكة والمدينة؛ إنما يقول: يا عابد الحرمين، بمعنى: أنها صفة إضافية، مثل أن تقول: إمام الحرمين، أو كذا، لا أنه يعبدهما.

نظم ونقد

نظم ونقد Q ما رأيك في هذين البيتين: يا أرض أبها في الدنا فلتفخري لما حوت قرعاء كل غضنفر أحلامهم تزن الجبال رزانةً ولهم من الأعمال فوق المشتري A ميزة مخيمكم: كثرة الشعراء فيه، وكثرة النبوغ، والنابهين. أجاد، ولكنه سرق نصف بيت. يقول: يا أرض أبها في الدنا فلتفخري لما حوت قرعاء كل غضنفر هذا يدل على أنه شاعر، وسوف يكون شاعراً. ,الغضنفر: الأسد أحلامهم تزن الجبال رزانة: هذا للفرزدق يقول: أحلامنا تزن الجبال رزانة وتخالنا جناً إذا ما نجهلُ فهو سرقها جزاه الله خيراً، وهذا تضمين، وليس سرقة؛ وليس اقتباساً؛ لأن الاقتباس: يكون من الآيات والأحاديث، والتضمين: أن يأخذ نصف بيت من شاعر قديم، فيجعله في قصيدته، أو يأخذ بيتاً ويشير إليه. وبمناسبة القرعاء؛ هنا مقطوعة في القرعاء، لكن صاحب السؤال لا ينساه، حتى نأتيه في القرعاء: في ربى القرعاء: لك يا حديث العارفين منازل في كل قلب طيب الأردانِ كم طهرتك دموع صبٍّ مغرمٍ نزحت به الفرقى عن الإخوانِ رتلت آيات الحنين بنغمة تبكي القلوب بلوعة الهجرانِ أحببتكم في الله حتى لم يعد لسواكم في القلب شخص ثانِ من حبكم أوطانكم أحببتها ونسيت في أوطانكم أوطاني لَمُخَيَّمٌ أنتم به يا إخوتي فيه القداسة مشرق العرفانِ غرس البراعة في قلوبكم غداً متأرجاً بالرَّوح والريحانِ انظر إلى القرعا تجدها مسجداً متجاوب الأرجاء بالقرآنِ هل تذكرونا مثل ذكرانا لكم هذا الوفاء المحض يا إخواني وبالمناسبة! أخبرني أحد الإخوة من الذين أتوا هذه المخيمات فقال: تهت في هذا المكان، فسمعت قبل ليلة من المايكرفون وهم يشرحون أبواب الطهارة، فوجدت من الأنس، وأنا في الليل، ومن الراحة والفرحة، واستحيت أن أدخل عليهم وهو يقصد مكانكم هذا. وهل أعظم من أن تأتوا في هذا المكان فترتلون آيات الله البينات وتتدارسون أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وتشرحون أبواب العلم، هذا هو الشرف في الدنيا والآخرة.

مداخلات ومشاركات

مداخلات ومشاركات فيارب إن حانت وفاتي فلا تكن على شرجع يعلى بخضر المطارفِ ولكنَّ قبري بطن نسر مقيله بجو السماء في نسور عواكف وأمسي شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فج من الأرض خائف فوارس من شيبان ألَّف بينهم تقى الله نزالون عند التزاحفِ إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف تعليق الشيخ على القصيدة: الأمر الأول: الأخ/ محمد جزاه الله خيراً ذكرنا بالجهاد في سبيل الله والاستشهاد بهذه المقطوعة، وهذا من خير ما نحفظ، والخوارج يحفظ شعرهم، ولا بأس من الاستشهاد به؛ لأنهم من أجود الناس شعراً؛ ولكن مع ملاحظة ضلالتهم وانحرافهم عن منهج أهل السنة والجماعة. والذي أريده من الأخ أن يواصل حفظ مثل هذه المقطوعات، التي تنفعه في الدعوة في سبيل الله إن شاء الله. والأمر الثاني: أن يعتني أكثر؛ لأن بعض الأبيات فيها كسر؛ لأنه أقحم بعض الكلمات، ويعود إلى عيون الأخبار لـ ابن قتيبة؛ لأن المقطوعة موجودة فيها، و (العقد الفريد) لـ ابن عبد ربه. Q ما رأيكم في هذا البيت: أحببتكم واللهُ يعلم أنني في القول لم أكذب ولم أتكلفِ A هذا بيت مستقيم، وهو على نسق بيت لـ ابن الفارض، ونفس القافية، ونفس البحر، يقول ابن الفارض: قلبي يحدثني بأنك مُثْلِجِي روحي فداك، عرفتَ أم لم تعرفِ فيقول: أحببتكم والله يعلم أنني في القول لم أكذب ولم أتكلفِ فصدق جزاه الله خيراً، ما تكلف في البيت، ولا تكلف في الحب، ونحن نحبه كذلك، أحبنا الله وإياكم، وجعلنا من المتحابين فيه. ويقول: فادع لي بالثبات والهداية. نسأل الله أن يثبتنا وإياك وكل مسلم.

مشاركة وسؤال

مشاركة وسؤال Q يتحفنا هذا الأخ ببعض الأبيات ويقول: من قائل هذه الأبيات؟ رأيتُ الناسَ قد ذهبوا إلى مَن عنده ذهبُ ومَن لا عنده ذهبُ فعَنْه الناسُ قد ذهبوا رأيت الناسَ مُنْفَضَّةْ إلى مَن عنده فِضَّةْ ومَن لا عنده فِضَّةْ فعَنْه الناسُ مُنْفَضَّةْ رأيتُ الناسَ قد مالوا إلى مَن عنده مالُ ومَن لا عنده مالُ فعَنْه الناسُ قد مالوا A لا أعرف من قالها، وَلَيْتَه سكتَ! وما عليكم إلا أن تسمعوها، وهي مثل أبيات أحد الشعراء حيث يقول: الليل ليلٌ والنهار نهارُ والأرض فيها الماء والأشجارا أي: أنه لم يأت بشيء جديد. ما أحسن الكلمات! ولكن المعنى ليس فيه شيء. وبعض الشعراء اجتمعوا في مكان، ومعهم رجل لا يحسن الشعر، فقالوا: والله لا تقوم حتى تقول بيتاً، وهم بجانب نهر. ففكر طويلاً، ثم نكس رأسه، ثم رفع رأسه فقال: كأننا والماءُ مِن حولِنا قومٌ جلوسٌ حولهم ماءُ هذا تكلف في الأبيات. مثل مَن يقول: كأننا والسقف من فوقنا قوم جلوس فوقهم سقفُ

توبة الفضيل بن عياض

توبة الفضيل بن عياض Q هل كان الفضيل بن عياض فاسقاً في أول حياته؟ A الله أعلم، إنما نسب إليه أنه كان يعتدي في الطرقات وهو شاب، فأنصت لشيخ وهو يقرأ في الليل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عليهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] فبكى، وتاب، وأناب، وأصبح من العباد الكبار الذين نتولاهم ونشهد الله على محبتهم، ونسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم. خاتمة: في ختام هذه الجلسة: أتوجه إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتجاوز عنا وعنكم سيئها في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وشكراً لكم على حسن إصغائكم. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

كيف نعلم الناس؟

كيف نعلم الناس؟ رسالة المعلم في المؤسسات التعليمية عظيمة، فهو الذي يرسم للجيل الطريق، وهو قدوة الطلاب وقائدهم، وفي هذه الخطبة يخاطب الشيخ المعلمين، ويرشدهم إلى الطريق الذي ينبغي أن ينتهجوه، ويوضح دورهم في الحياة.

أهمية العلم النافع

أهمية العلم النافع الحمد لله القائل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 - 5]. والصلاة والسلام على رسول الله القائل: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} صلى الله وسلم على مؤسس حضارة الأمة, ومعلم الأجيال, وهادي الشعوب, والذي أقام صرح الحضارة, وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, أمَّا بَعْد: عباد الله: غداً يبدأ العام الدراسي، وتفتح الجامعات والمعاهد والمدارس أبوابها, وغداً يخرج شبابنا وكريماتنا لتلقي العلم النافع, وغداً تستهل السنة الدراسية يومها الأول. و Q ما هو موقفنا من العلم؟ وما هو العلم الذي نريده؟ وما هو واجب العلم علينا؟ وما هي مسئولية الأساتذة الأخيار والمعلمين الأبرار تجاه شباب وكريمات الأمة، وأجيالها؟ غداً يومٌ يرسل الأب فيه فلذة كبده إلى الأساتذة والمعلمين, فماذا يفعلون بهذه الفلذة؟ وبهذه القلوب التي تجلس أمامهم؟ وما هو موقف الإسلام من العلم؟ أولاً: أيها الأبرار: لقد نادى الله بطلب العلم ومدحه، وأثنى على العلماء وبجلهم وذكرهم في كثير من الآيات, وذم صنفاً آخر من العلماء، ومقتهم وندد بهم، وذم مسعاهم. يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لرسوله في أول طرق الدعوة وخطواتها: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. قبل أن تبدأ في الدعوة والحياة والمسيرة عليك بطلب العلم، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] فاملأ قلبك بالإيمان, وجوارحك باليقين, وكن عبداً لله قبل أن تتعلم العلم. ويقول الله له ممتناً عليه يوم أن أخرجه من بين جبال مكة ووهادها وشعابها -فإنه ما تعلم في مدرسة ولا دخل جامعة، ولا تلقى العلم على شيخ- قال الله له: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113] فمن الذي علمك؟ من هم شيوخك؟ من هم أساتذتك؟ الله هو الذي علمك وفقهك ونوّر بصيرتك: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. واستشهد الله بالعلماء وطلبة العلم على أكبر شهادة في الدنيا, وأكبر شهادة عرفتها الإنسانية وهي شهادة التوحيد, فقال عز من قائل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] فانظر كيف جعلهم شهداء على وحدانيته, وألوهيته؛ وذلك لعظم قدرهم. ووصف الله طلبة العلم بأنهم يخشونه تبارك وتعالى, ويقفون عند حدوده, ولا ينتهكون حرماته, وبأنهم يراقبونه في السر والعلن. فالذي لا يراقب الله ولا يخشاه ولا يتقيه ولا يتقه ليس بطالب علم, قال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. ووصف الله طلبة العلم بأن عندهم من الفهم للدعوة، والفقه في الدين، والاستنباط من النصوص شيئاً كبيراً، فقال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] فالرسالة الخالدة والمبادئ الأصيلة، والأهداف الجليلة لا يعقلها إلا من يفهم عن الله أمره ونهيه. ولم يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالتزود من شيء إلا من العلم فقال له: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] لا يكتفي بعلم ولا يقف عند نص, وإنما همته تمر مر السحاب, كل يوم في ازدياد, وكل لحظة في تحصيل, وكل ليلة في مواصلة في هذا الصرح الجميل فهذا العلم هو الذي يغبط عليه صاحبه. كل وقت في ازدياد العلم إرغام العدا وجمال العلم إصلاح العمل لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل والله عز وجل حكم بين طلبة العلم وبين غيرهم فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] وسكت عن الجواب؛ لأنه لا يوجد للسؤال إلا جواب حاصل، ولا ينبغي أن يجاب للعلم به. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. يا أيها المسلمون: يا أبناء من تعلموا العلم النافع الذي أوصلهم إلى الدرجات العليا في الجنة! أبناؤكم إذا لم يتعلموا العلم النافع، ويطلبوه لمرضاة الواحد الأحد، فأقلل به من علم! ويا لحسرة صاحبه! ويا لندامته وخسارته! علم لا يجعلك تشهد أن لا إله إلا الله، وتعظم الله فليس بعلم, وعلم لا يجعلك تحافظ على الصلوات الخمس في جماعة فليس بعلم, وعلم لا يجعلك باراً بوالديك وصولاً لرحمك صادقاً وفياً، خاشعاً منيباً متقياً سنياً ليس بعلم. العلم ليس حفظ النصوص، فمن الناس من يحفظ القرآن ولكنه فاجر, يلعنه القرآن وتلعنه السنة, ومن الناس من يدهده بالكلمات ولكن قلبه ما عرف الله.

التحول الجذري في الجزيرة العربية

التحول الجذري في الجزيرة العربية العنصر الثاني: كيف حول النبي صلى الله عليه وسلم الجزيرة العربية من جزيرة يسكنها بدو رحل, جزيرة لا تفهم ولا تفقه ولا تعي شيئاً, أهلها قتلة نهبة، سلبة سرقة، زناة كذبة، ولو ظن القوميون أن العرب لهم مجد قبل الإسلام, وأيُّ مجد؟ مجد الإبل والبقر والغنم! مجد القتل والنهب والحقد والضغينة؟! لا والذي رفع السماء بلا عمد, ما بدأ مجدنا وتاريخنا وعظمتنا، وما ارتفعت رءوسنا إلا بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم. أتى عليه الصلاة والسلام إلى الأمة الضائعة المسكينة الضالة، فهداها إلى الله, قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] لكن كيف علمهم؟ أعلمهم بالسوط والسيف؟ أعلمهم بالحبس والسجن؟ أعلمهم بالحديد والنار؟ لا والله، قال الله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] لو كنت سفاكاً ما اجتمعت عليك القلوب, ولو كنت قتالاً نهاباً ما أحبتك القلوب, لكن كما قال الله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:159] وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] وقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. أتيت أيها المصطفى إلى العرب الذين هم كقرون الثوم، يتقاتلون على مورد الشاة ومربط الناقة, فأتيت بالخلق الفاضل، والبسمة, واللين, والرفق والنصيحة, فانقادت لك القلوب, فحررتها من وثنيتها وشركيتها وقدتها إلى الله. إن الدعاة الذين يحاولون اليوم أن يصلحوا بالتجريح والعنف، وبالتعريض بالناس, وبالنقد لبعض العلماء الذين لهم زلات انغمرت في بحار حسناتهم؛ هؤلاء لا يفقهون ولا يعلمون، ويفسدون أكثر مما يصلحون, وسوف يعلمون أنه ليس بأيديهم نتيجة. يرسل الله موسى وهارون إلى فرعون السفاك المجرم، وقال لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] قال سفيان الثوري كما في تفسير ابن كثير: القول اللين أن يكنياه أي: نادياه بالكنية وكنية فرعون: أبو مرة، -مرّر الله وجهه في النار- فأخذ موسى يقول: يا أبا مرة، إذا أسلمت أنعم الله عليك بملكك وصحتك وشبابك. فالرسول عليه الصلاة والسلام جاء إلى هؤلاء البدو الرحل، الذين لا يتفاهمون إلا بلغة الهراوات والمشاعيب, فأتى إليهم بالهدوء واللين حتى قاد قلوبهم، يقول الله له من فوق سبع سموات: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62 - 63] إنها معجزة، كيف استطعت أن تؤلف بين غطفان وبني تميم؛ وتؤلف بين قريش والأوس والخزرج؛ وتؤلف بين هوازن وفزارة، حتى أصبحوا إخواناً متحابين متصافين متقاربين؟

خطاب الناس على قدر عقولهم

خطاب الناس على قدر عقولهم أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام بدوي جلف لا يفهم شيئاً، تربى مع التيس والكلب, فدخل على المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأخذ جبته وسحبها وقال: يا محمد! أعطني من مال الله الذي عندك، لا من مال أبيك ولا من مال أمك. فغضب الصحابة، وتبسم عليه الصلاة والسلام حتى بدت نواجذه, وأراد الصحابة أن يبطشوا بهذا الأعرابي ويطرحوه أرضاً، فيضربوه ضرباً مبرحاً ينسيه أباه وأمه, فقال عليه الصلاة والسلام: خلوا بيني وبين الرجل وأخذه وشبك أصابعه بأصابعه، وأخذه يقوده إلى بيته ويمازحه ويلاطفه ويداعبه, ثم أتى به إلى غرفته وقال: خذ ما شئت من تمر وزبيب وحب وثياب, هل أحسنت إليك؟ قال: نعم. جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً قال: اخرج إلى أصحابي فأخبرهم بما فعلت بك، وبما قلت لي ليذهب غيظهم الذي وجدوه في أنفسهم عليك. وخرج أمام الجماهير فقال له صلى الله عليه وسلم: هل أحسنت إليك؟ قال: نعم. جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً, ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله, ما رأيت معلماً قبلك ولا بعدك أحسن منك. فقال عليه الصلاة والسلام للصحابة وهو يتبسم: {أتدرون ما مثلي ومثلكم ومثل هذا الإعرابي؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: مثلنا كمثل رجل كانت له دابة انفلتت منه فأخذ يلاحقها، فلما رآه الناس أخذوا يلاحقونهها معه, فلما رأتهم ما زادها إلا فراراً, فقال: أيها الناس! خلوا بيني وبين دابتي أنا أعلم بها، فأتى بشيء من حشائش الأرض -أي: من خضار الأرض- وأخذ يلوح به أمام الدابة حتى أتت فأمسكها فقيدها, قال: لو تركتكم وهذا الأعرابي فضربتموه لكفر فدخل النار}. وذهب الأعرابي إلى قومه، فكان داعية فيهم حتى أسلموا عن بكرة أبيهم, فسبحان من علمه! سبحان من ثبته! سبحان من سدد خطاه على هذا التعليم! أفلا يأخذ الأساتذة الأخيار والمعلمون الأبرار درساً من هذا الأسلوب الراقي في تعليم شباب المسلمين؟! لقد أخطأ كثير من الأساتذة والمدرسين يوم استخدموا السوط في جلد البشر، وفي ضرب أبناء المسلمين. إن العنف لا يولد إلا عنفاً, وإن البغض لا يأتي إلا ببغض. يقول عليه الصلاة والسلام: {ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه} فالجمل إذا رأى منك صلفاً وحدة، قطع حباله وغضب عليك وناهش وباهش! فكيف بالأجيال؟ وكيف بأبناء المسلمين؟ والرسول عليه الصلاة والسلام كان في تعليمه يخاطب الناس على قدر عقولهم, فأستاذ الابتدائي ليس كأستاذ الجامعة, فهو يريد أن يصل إلى عقول هؤلاء الناشئين وإلى أفهاهم, فلا ينبغي عليه أن يكبر عليهم المعلومات، ولا يحجم عليهم المقتضيات، وعليه أن يخاطبهم بقدر عقولهم. جاء في صحيح البخاري أن أحد أطفال المسلمين -وهو أبو عمير أخو أنس - كان له نغر (طائر) يلعب به، فمات الطائر, فأراد صلى الله عليه وسلم أن يسلي هذا الطفل، فلما ذهب إلى بيتهم سأل أمه عن حاله فأخبرته، فقال له صلى الله عليه وسلم: {يا أبا عمير ما فعل النغير؟} قال أهل العلم: فيه درس عظيم على أن الناس يخاطبون على قدر عقولهم, وأن المعلومات تصلهم على قدر العقول. وكان عليه الصلاة والسلام إذا تكلم مع الأعراب خاطبهم بكلام يفهمونه, بكلام على مستواهم وعلى ما تبلغه أفهامهم, فإذا أتى إلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وجلة الصحابة، كلمهم في القضايا الكبرى.

التعليم بالقدوة الحسنة

التعليم بالقدوة الحسنة كان عليه الصلاة والسلام في التعليم ينهج طرقاً شتى, منها: التعليم بالقدوة في نفسه, ووالله ما قال كلمة إلا عمل بها, ووالله ما دعا الناس إلى خير إلا كان أسبقهم إليه, كان يتأثر بما يقول, يدعو إلى الصدق وهو صادق, يدعو إلى الصلاة وهو مصلِّ, يدعو إلى الخشية وهو يخشى الله. أما الذي يدعو وهو كاذب فلن يجعل الله في دعوته خيراً, ولن يكون لها تأثيرٌ, يدعو بعض الناس -ونعوذ بالله أن نكون منهم- إلى بر الوالدين وهو يعق والديه, ويدعو إلى صلة الرحم وهو قاطع لرحمه, فلا يجعل الله لكلامه نوراً ولا لدعوته تأثيراً, قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] أي: أما تستحون؟! تتكلمون كلاماً جميلا ًوتحاضرون وتؤسسون وتؤلفون، ولكن الأفعال تكذب الأقوال! أين الحياء من الله؟! خيبة لمن يفعل ذلك إن لم يتب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليه. فكان عليه الصلاة والسلام يربي بالقدوة، يراه أول من يفد عليه ساعة من الزمن فيهتدي بمرآه, لأنه يراه صادقاً أميناً مخلصاً، محباً للخير، قائداً إلى البر والتعاطف. وكان عليه الصلاة والسلام يربي بالتطبيق, فهل يعي الأساتذة هذا المبدأ؟ كان إذا أراد أن يعلم الناس الصلاة قام فصلى أمامهم. إن كثرة الحصص النظرية والمحاضرات بلا تطبيق معناه: إدخال المعلومات في الأذهان وخروجها من الآذان. جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد الساعدي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فقال: {يا أيها الناس صلوا كما رأيتموني أصلي} ثم قام فصلى لهم, فأراهم كيف يركعون ويسجدون، وكيف يخشعون ويسبحون. فهل فكر أحد من الأساتذة بدلاً من أن يكتب كثيراً على السبورة معلومات لا تنفع أطفال المسلمين، أن يريهم الوضوء أو الصلاة, أو أن يريهم كيف يسبحون الله عز وجل, أو أن يريهم هيئة صلاة الكسوف والاستسقاء وصلاة الخوف؟! ليكون علم التطبيق نافعاً محفوظاً مجدياً. وكان عليه الصلاة والسلام يضرب الأمثال المذهلة التي تبقى في النفوس فلا تزول, أراد أن يصف لهم فضل الصلوات الخمس, فماذا عسى أن يقول؟ في الجزيرة العربية القاحلة قال: {أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل كل يوم منه خمس مرات, أيبقى من درنه شيء؟ -وتوقف الصحابة عند هذا المثال في الصحراء التي تلتهب، وتصوروا النهر وهو يمر أبوابهم وكأن الماء البارد يتدفق على رءوسهم- فقالوا: لا يا رسول الله! قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا}. وورد مع الصحابة في السوق فرأى جدياً أسك ميتاً -ليس له أذان، ومع ذلك ميت- فرفعه بيده الشريفة وقال لأصحابه: {من يشتري هذا بدرهم؟ قالوا: والله لو كان حياً ما يستحق درهماً لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟! قال: أفرأيتم هوانه على أهله؟ قالوا: من هوانه رموه في السكك قال: والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذا على أهله} هذا هو التعليم ووضوح المنهج.

أنواع العلم

أنواع العلم والعلم علمان: 1 - علم ضار لا ينفع, وهو العلم الذي يسلخ الشاب من مبادئه ودينه، ومن تقوى الله وخشيته، فيخرج حاملاً الشهادة وهو فاجر, ويحمل مؤهلاً علمياً وهو فاسق، لا يعرف من الدين قليلاً ولا كثيراً. فهذا هو العلم الضار، قال تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة:102] فعلم لا يصل إلى القلوب, ولا تدمع منه العينان, ولا يشدك إلى كثرة الذكر والتلاوة, والنوافل, ويجعلك داعياً ليس بعلم. 2 - العلم النافع، وقد سبق تفصيله في بداية الكلام. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

فضل المعلم ودوره في المجتمع

فضل المعلم ودوره في المجتمع الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً, وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً, وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها الأخيار فإنني أدعو كل معلم وأستاذ أن يتقي الله عز وجل في أجيال المسلمين, وأن يخلص النية، وأن يصدق مع الله عز وجل في تعليم شباب المسلمين, ولا يظن أنها مجرد وظيفة واستلام راتب وقضاء وقت, لا والله! فالأمر أعظم من ذلك, الأمر رسالة خالدة واتباع للرسول عليه الصلاة والسلام. إن المعلم كاد أن يكون نبياً من الأنبياء, فإن أتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام وورثة الأنبياء هم الدعاة إلى الله والأساتذة والمعلمون. فأدعو كل أستاذ إلى أن يكون مربياً متقياً، وأن يعلم أن هذه البلاد تختلف تماماً عن كل بلاد -أقصد من غير بلاد المسلمين- في التعليم والتوجيه, فنحن لسنا في فرنسا ولا أمريكا ولا الصين بل نحن في مهبط الوحي وقبلة المسلمين، وفي بلد الحرمين، نحن في بلاد انبعثت منها لا إله إلا الله, وانطلقت منها الدعوة الخالدة, وخرجت منها الكتائب التي فتحت بلاد الدنيا, وعلمنا يؤخذ من فوق سبع سموات، كتاب وسنة, ونسأل الله ألا نتعلم لغير الأغراض التي يريدها الله عز وجل. فيا أيها الأستاذ مهما كان تخصصك؛ تاريخاً، أو جغرافيا، أو رياضيات، أو تربية، أو علم نفس، فإنك معلم ومن المأجورين المشكورين في الإسلام, اجعل هذه المادة عبادة، وصلة تصل الشباب بربهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى, فإنك -والله- مسئول عن هذا الدرس وعن هذه المادة التي تقدمها عند الله. لقد أزرى الله عز وجل وندد ببني إسرائيل يوم تعلموا وما استفادوا منه, غضب الله عليهم ولعنهم حيث قال: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] نقول: ما للبركة في أرزاقنا قلَّت؟ ما للشباب -إلا من رحم الله- فسد؟ ما للأجسام أصابها المرض؟ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ، ولو اتقينا الله في تطبيق العلم لرحمنا الله عز وجل. ووصف الله بني إسرائيل بأنهم كالحمير, تعلموا علماً لكن ما استفادوا منه, حمار يحمل مجلدات ومصنفات، فهل يستفيد الحمار؟! فدماغه دماغ حمار! تكلمه فلا يفهم, قال تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] والآيات والأحاديث تقرأ في الفصل صباحَ مساءَ, ولكن كما قال الله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18].

العمل بالعلم

العمل بالعلم يا شباب الإسلام هذا القرآن وهذه السنة، وهذه الجامعات والمعاهد والمدارس، ما أقيمت إلا لتقودكم إلى جنة عرضها السموات والأرض, فالخواجات يتعلمون للدنيا، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] وينتهي علمهم إلى المادة، ولكن ما وراء عالم الشهادة يخفقون فيه, قال تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] وقال: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176] هذا مثل لعالِم السوء, ولطالب العلم الفاسق الفاجر. رجل من بني إسرائيل اسمه " بلعام بن باعوراء " تعلم العلم، فأراد الله أن يرفعه بالعلم لكنه ما ارتفع؛ لأنه خسيس, جعل مكان التلاوة أغنية ماجنة, وجعل مكان المصحف مجلة خليعة, وجعل مكان الدروس وحلقات العلم رفقة السوء في المقاهي والملاهي، والليالي الحمراء، وليالي السوء في تاريخ الإنسان؛ فما اهتدى ولا ارتفع، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:175] يريد الله أن يكرم الإنسان فيأبى الإنسان, ويريد أن يلبسه ثوب الستر فيخلع ثوب الستر, ويريد أن يرفعه من الطين والرذيلة والفاحشة فيرفض!! فمثله كمثل الكلب، إذا أدخلته الظل أخرج لسانه ولهث واطرد نَفَسُه, وإن أخرجته في الشمس لهث وأخرج لسانه, فالظل والشمس سيان عند الكلب, ولذلك بعض الناس يتعلم ويسمع المواعظ والخطب والنصائح مما غيرت في حياته ذرة. {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف:175] فهو أغوى الناس, لأنهم يقولون: هذا خريج كلية الشريعة وأصول الدين، وهو فاسق! فيمكن أن يكون عنده دليل على جواز الفسوق والفجور! فقد أضل الناس، (وزلة العالِم زلة عالَم) والعالِم إذا زل زلّ به فئام كثيرة من الناس, قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} لو علم الله منه صدقاً لرفعه ولكنه ما ارتفع. فيا أيها الأساتذة أروا الله من أنفسكم الصدق! ويا طلاب المسلمين! أروا الله من أنفسكم النصح، وطلب العلم لوجهه، والقوة في التحصيل. إن هذه الدعوة تقام على علم, وإن من يهون من شأن العلم، أو يقلل من شأن الحلقات والدروس والتحصيل معناه أنه يضرب في صميم الإسلام، ويهدم بمعوله حصن الإسلام، ويدوس كرامة الإسلام. الإسلام ما بني إلا على علم, وما نشر إلا بقال الله وقال رسوله؛ فبماذا ندعو الناس؟ أنصفف لهم كلمات؟! أنجعل لهم خطباً إنشائية رنانة طنانة لا علم فيها ولا توجيه ولا نصوص ولا أدلة؟! غداً أيها المسلمون يبدأ هذا العام، ونسأل الله أن يكون عاماً حافلاً بالخير واليُمن, حافلاً بالصدق والنصح, وأن يتقي أساتذتنا ربهم فيما ولاهم الله جل وعلا, وأن يحملوا الأمانة بصدق، وأن يعلموا أن الله سوف يسألهم: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] وقال: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27 - 29]. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه, فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلّى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على نبيك وحبيبك محمد، اللهم اعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين, اللهم ارض عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بمنّك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين, اللهم وحد صفوفهم, اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه, اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور, اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا, وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة, ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا, ونسألك القصد في الغنى والفقر, ونسألك لذة النظر إلى وجهك, والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

مدرسة الاستهزاء

مدرسة الاستهزاء تحدث الشيخ حفظه الله عن الاستهزاء بالمؤمنين، وأنه قديم قدم الصراع بين الحق والباطل، وأنه لابد من وجوده في كل عصر ومكان، وقد آذى هؤلاء خير البشر، فكيف بنا نحن؟! ثم تحدث عن الشائعات في الإسلام، وواجب الناس تجاهها، وأهمية سؤال أهل العلم عنها. وختم حديثه بضرورة التوبة في كل زمان ومكان وعلى كل حال.

الاستهزاء عبر التاريخ

الاستهزاء عبر التاريخ الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها المؤمنون! عنوان هذه الخطبة "مدرسة الاستهزاء". وهي مدرسة قديمة أقامها الأفاكون المارقون ضد الصالحين عبر حقب التاريخ، وقد عاش مرارتها وقسوتها وبأسها رسولنا عليه الصلاة والسلام. لقد مرغ الأفاكون عرضه في التراب، وشوهوا مسيرته، ونالوا من مبادئه، وأحرقوا وجدانه، فكان يقوم الليالي السود مجروحاً متأثراً شاكياً إلى ربه يقف في وادي نخلة، بعد أن طرده القريب والبعيد، وشوهت سمعته في مكة والطائف، ويشكو إلى الواحد الأحد، ويقول: {اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. ثم يقول: إلى من تكلني، إلى بعيدٍ يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن رحمتك أوسع لي، لك العتبى حتى ترضى}. كل يوم وهو عليه الصلاة والسلام يدافع عن عرضه ونفسه ومبادئه بما استطاع، ويكلُّ أحياناً فيأتي الوحي من السماء، يدمغ أنوف المارقين المستهزئين.

الاستهزاء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

الاستهزاء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم جلس الرسول عليه الصلاة والسلام مع أصحابه في المسجد يعلمهم ويربيهم ويزكيهم، وانطلق من الجلوس شاب صغير في السادسة عشرة من عمره، اسمه عمير بن سعد، مُلئ حكمة وإيماناً، ودخل على عمه وهو شيخ كبير في الستين من عمره، ولكن النفاق في قلبه كالجبال، يصلي مع الناس في المسجد، ولكنه مكذب بالرسالة والرسول. قال له عمير بن سعد: يا عماه! سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن الساعة حتى كأني أراها رأي العين. فقال الجلاس بن سويد -وهو عمه-: يا عمير! والله إن كان محمد صادقاً فنحن شر من الحمير. فامتقع وجه عمير بن سعد، واهتز جسمه وانتفض كيانه؛ فقال: يا عم! ووالله إنك كنت عندي من أحب الناس، ووالله لقد أصبحت اليوم من أبغضهم إلى قلبي، يا عم! أنا بين اثنتين: إما أن أخون الله ورسوله فلا أخبر الرسول، وإما أن أقطع علاقتي بك وليكن ما يكن، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت. ما معنى هذه الكلمة؟ معناها الكفر بلا إله إلا الله، والاعتراض على رسول الله عليه الصلاة والسلام. قال الجلاس بن سويد: أنت طفل غرّ لا يصدقك الناس فقل ما شئت. فذهب عمير وجلس أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: {يا رسول الله! إن عمي الجلاس بن سويد خان الله ورسوله، وقد تبرأت إلى الله ثم إليك منه، فلا علاقة لي به. قال: ماذا قال؟ قال: يقول: إن كنت أنت صادقاً فهم شر من الحمير. فجمع الرسول عليه الصلاة والسلام الصحابة واستشارهم في هذا الكلام، فقالوا: يا رسول الله! إن هذا طفل لا تصدقه، وليس بواع، وهو ينقل الكلام وشاية، والجلاس بن سويد يصلي معنا، وهو شيخ كبير وعاقل. فسكت عليه الصلاة والسلام ولم يصدق هذا الشاب. وسالت دموع الشاب، وانتفض جسمه، والتفت إلى السماء حيث القدرة وعلم الغيب، وحيث الذي يعلم السر وأخفى، وقال: اللهم إن كنت صادقاً فصدقني، وإن كنت كاذباً فكذبني. فوالله ما غادر مجلسه وما قام من المسجد إلا وجبريل يهبط من فوق سبع سموات بالوحي المقدس {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [التوبة:74] واستدعى الرسول صلى الله عليه وسلم الجلاس، وسأله عن الكلمة فحلف بالله ما قالها، فقال عليه الصلاة والسلام: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} [التوبة:74] أما أنت يا جلاس فقد كفرت بالله، فاستأنف توبتك؛ لأن الله يقول: {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ} [التوبة:74] واستدعى الرسول صلى الله عليه وسلم عمير بن سعد وفرك أذنه وقال: مرحباً بالذي صدقه ربه}. ماذا يستفاد من هذا؟ يستفاد أن هناك معسكراً يستمر مع الصالحين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يلغ هذا المعسكر في أعراض الصالحين كما تلغ الكلاب في الماء، ولا بد: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31]. يقول المتنبي: كم تطلبون لنا عيباً فيعجزكم ويكره الله ما تأتون والكرم ما أبعد العيب والنقصان عن ملأٍ هم الثريا وذان الشيب والهرم ومعنى ذلك: أن المستقيمين على أمر الله، والطائعين لله، والخائفين منه من شباب الصحوة ودعاتها وعلماء الأمة وصالحيها، والذين يحملون سنته عليه الصلاة والسلام يواجهون بحرب دعائية مفتعلة لا هوادة فيها، فهم يوصفون بالتطرف والتزمُّت، وقلة العقل، والتشديد والتنفير والتحريم، وتكليف الناس بما لا يطاق، إلى غير ذلك من العبارات، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5]. إن أتباع محمد عليه الصلاة والسلام لم يسرقوا أراضي الناس بالغصب والقوة إن أتباع محمد عليه الصلاة والسلام لم يضايقوا الناس في أرزاقهم إن أتباع محمد عليه الصلاة والسلام لم يعطلوا مصالح الناس، ولم يستهزئوا بالفقراء، ولم يقفوا حجر عثرة في طريق المستضعفين: إنهم هم الذين يبينون الظلم ويكشفون أوراقه، ويقولون للظالم: اتقِ الله يا ظالم، ويقفون مع الفقراء والمستضعفين والمستذلين حتى يأخذوا حقهم الشرعي الذي أحقه الله لهم. ولكن مع هذا كله! هناك صنف لا يعجبه هذا، يلحق الوشاية بحملة الشريعة، من القضاة، وأهل التمييز، والعلماء، وديوان المظالم، وكتاب العدل، ونجوم الدعوة، وحملة السنة، وأساتذة الجامعات والمربين كل هؤلاء يريد أولئك أن تسقط عدالتهم في الأمة؛ لأنهم يحمون دين الرسول عليه الصلاة والسلام، ويبلغونه غضاً طرياً للأمة. فحذار من أولئك، وحذار من الإنصات إليهم. وقد كشف الله أوراقهم، فما رأيناهم إلا لاغين، لاهين، طربين، عابثين، مسرفين، أسرفوا في الأموال وضيعوها، ولعبوا بالأوقات وأنفقوها، وتهتكوا في الأعراض ومزقوها، فكلما نصحتهم وصفوك بأنك عنيد جاف غليظ متزمت. حملة الشريعة يقومون في الثلث الأخير من الليل، ويحفظون كتاب الله في حين تجد أولئك يسهرون على اللعب المحرمة، وعلى الأعراض المشوهة، يمزقون أعراض المسلمين، فدخلهم حرام، وكلامهم حرام، وليلهم حرام، ونهارهم حرام، ومع ذلك لا يحرص أحدهم على أن يتعلم سنة محمد عليه الصلاة والسلام، فتجده في واد والسنة في واد آخر. قام نفر في عهده عليه الصلاة والسلام في تبوك فاتهموا الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه بأنهم جبناء لا يستطيعون المواجهة، وأنهم يأكلون كثيراً، فاستدعاهم عليه الصلاة والسلام في صباح اليوم التالي، فسألهم وحجهم، فقالوا: يا رسول الله! معذرة، إنما كنا نخوض ونلعب. فأنزل الله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:66] والمعنى: أنهم خرجوا من الملة بكلمة واحدة قالوها في عرض الرسول عليه الصلاة والسلام وفي عرض أصحابه.

الاستهزاء في واقعنا المعاصر

الاستهزاء في واقعنا المعاصر وما أدري ماذا يعجب هؤلاء؟!! هل يريدون أن تتحول الأمة إلى أمة تشجع الكرة، أو أمة تحمل الفن وتشجع الفنان والأغنية، أو تتحول الأمة إلى أمة لاهية لا تحمل رسالة، ماذا يريدون صراحة؟ ما هو الحل الذي يرضيهم؟ إن تمسك الشباب بالسنة بغّضُوهم إلى المجتمع وحذروا منهم الأمة، وشبابنا وشباب العالم الإسلامي الذي تمسك بالسنة تاج على جبين هذه الأمة، فلا تطرف ولا تمزق ولا عنف ولا خروج عن المعهود. أهم أفضل أم أولئك الملأ من الشباب الذين خرجوا عن معالم الإسلام، يتزلجون على الثلج في العطل الصيفية، ويسافرون إلى المدن اللواتي تعرفونها بالفساد والخيبة والندامة، فيصرفون الملايين المملينة؟ وإن حضروا ما شهدوا الصلاة، وإن قرءوا ففي غير المصحف، وإن شهدوا فبغير الحق، وإن استمعوا فلغير القرآن، وإن حضروا فإلى غير المساجد والندوات والمحاضرات، وإن غضبوا فلغير انتهاك الحدود والمحرمات. فأي أولئك أسعد وأحسن وأبرك؟ {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36]. لقد وجدنا الملتزمين أكثر الناس دفاعاً عن المبادئ، وعن البلاد الإسلامية في فلسطين وأفغانستان تحت دبابات الغزو المستعمر، وفي الخفجي تحت نيران البعث، فهل كانت لهم جريرة؟ وهل كان لهم ذنب؟! لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتم هم الفتى الأزدي إتلاف ماله وهم الفتى القيسي جمع الدراهم ولا يحسب التمتام أني هجوته ولكنني فضلت أهل المكارم >> قال الله: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79] وقال أيضاً: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:16] أيها المسلمون! يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بلقبه، لا تتبعوا عورات المؤمنين، فإن من تتبع عورة مؤمن تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في عقر داره}. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

الشائعات في الإسلام

الشائعات في الإسلام الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: أيها الناس! إن ضعاف النفوس يتلقون الشائعات ثم يفشونها في الناس وينشرونها في المجالس، وقبل أيام كثر الحديث عن شائعة أن مولوداً ولد لأمه، فلما وضعته في الأرض تكلم، وأخبر أن في الشهر السادس الداخل هذا سوف تقع حوادث ووقائع وكائنات، ويحذر الناس هو من هذا الشهر ثم مات، فماذا كانت ردة الفعل؟ كان الذين حظهم من العلم الشرعي والفقه الشرعي في الدين قليل خائفين وجلين من هذه الشائعة، فمنهم من جدد توبته مصدقاً لهذا الطفل، ومنهم من أعلن أنه سوف يترك المعاصي، ومنهم من سهرت عينه خوفاً من الوقائع والكوارث، وهذه عجائب بعضها أدهى من بعض.

واجب الأمة تجاه الشائعات

واجب الأمة تجاه الشائعات أما أهل العلم فقرروا أموراً: أولاً: لا يعلم الغيب إلا الله {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65] {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام:59] فلا يعلم متى تقوم الساعة، ولا متى تأتي القيامة إلا الله، ولا يعلم متى ستنتهي الدنيا إلا الله، فليس لأحد من الناس أن يعلم شيئاً من علم الغيب إلا من أطلعه الله على علم الغيب من رسله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام، وليس لأحد أن يصدق هؤلاء الكذبة الأفاكين المارقين. الأمر الثاني: من هدي الإسلام أنه إذا شاعت شائعة أن يعودوا إلى أهل العلم والدعوة فيسألونهم مباشرة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن المرجفين والمروجين للشائعات، والمحبين لإشاعة الشائعات والفواحش: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] فالواجب الرد إلى أهل العلم وسؤالهم مباشرة عن الكائنة إذا كانت، وعن الشائعة إذا شاعت. الثالث: عجباً لهذه الأمة! لا تتوب إلا إذا سمعت شائعة، ولا تعود إلى الله إلا إذا هددت ببركان أو زلزال، فكم أصابتنا من السياط؟! وكم لدغتنا من اللوادغ ونحن نراوح في حالنا وفي مكاننا لا نتعداه؟! {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة:126].

التوبة واجبة في الشدة والرخاء

التوبة واجبة في الشدة والرخاء الناس في الرخاء يضحكون على أنفسهم، وإذا اشتدت بهم الفتن والكوارث والمحن أعلنوا عهداً جديداً لله أن يفوا معه، ثم يخونون ربهم، يتوبون الآن من شائعة قالها مروج كذاب على لسان طفل ما قال ولا تكلم ولا نطق، فيعلنون أنهم سوف يحضرون صلاة الجماعة، ويحافظون على قراءة القرآن، وينتهون عن الكبائر والمخالفات، فإذا بردت الشائغة رُدوا لما كانوا عليه وعادوا إلى حالهم الأول، وهو فعل الذين خالفوا أمر الله ونسوا موعوده. أيها الناس! إن الواجب علينا أن نتوب إلى الله توبة نصوحاً، وأن نستعد للقائه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنه قد يموت الواحد منا قبل الوقت المؤجل الذي حُدد في الشائعة المذكورة، ومن يدري؟ ومن يعلم؟ لعله أن يموت اليوم، فليتهيأ وليتجهز. وبادرن بالتوبة النصوح قبل احتضار وانتزاع الروح لا تحتقر شيئاً من المآثم وإنما الأعمال بالخواتم ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حبا وعكسه الكاره فالله اسأل رحمته فضلاً ولا تتكل فتوبة نصوحاً أيها الناس، وعودة إلى الله، وتصديقاً بالوحي، وإقراراً مع الفقه في الدين وسؤال أهل العلم. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.

من أحكام التعزية

من أحكام التعزية وقبل أن أنتهي من هذه الخطبة هنا فتوى عن مسألة انتشرت في المنطقة ولم تنكر، وأصبحت سائدة كأنها من السنة، وهي: حكم الاجتماع في التعزية. Q يسأل بعض الإخوة عن حكم اجتماع بعض الناس في بيت الميت وقت التعزية، وجلوسهم ثلاثة أيام في هذا البيت، سواء صُنع لهم طعام في بيت الميت أم لا، فهل هذا من السنة؟ وهل ورد فيه شيء عن الرسول عليه الصلاة والسلام؟ A الحمد لله، السنة تعزية المصاب من المسلمين بقولك له: (آجرك الله وغفر الله لميتك) ونحو ذلك، والسنة إرسال الطعام لأهل الميت؛ لاشتغالهم بالمصيبة، لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث عبد الله بن جعفر {اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم} رواه الخمسة، وصححه ابن السكن والترمذي، وأخرجه أحمد وابن ماجة والطبراني من حديث أسماء بنت عميس، وهو حديث صحيح. ولا يجوز اجتماع الناس في بيت الميت لاستقبال الناس، سواء صُنع لهم طعام أم لا؛ لحديث جرير بن عبد الله البجلي قال: {كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعه الطعام بعد دفنه من النياحة} رواه أحمد وابن ماجة وهو حديث صحيح. فالسنة تعزية صاحب المصيبة عند القبر، أو في الطريق، أو بالذهاب إلى بيته بدون تجمع، أو بالاتصال به، وليس من السنة ذهاب القبيلة أو غالبها أو جماعة منها إلى قبيلة أخرى من أجل التعزية، فهذا لم يفعله رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه ولا التابعون لهم بإحسان، وهذا من البدع المخالفة للشريعة الإسلامية. وأشد من هذا وأخطر نصب الخيام، وصنع الطعام، واجتماع الناس في بيت الميت، مع مافي ذلك من مفاسد كتعطيل الناس عن أعمالهم، وكثرة الكلام بغير ذكر الله، وحصول المزاح واللغو والضحك. فالواجب النهي عن هذا من قبل أئمة المساجد وخطباء الجوامع ومشايخ القبائل، والله أعلم. أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، وأسأل الله لنا ولكم الحفظ والرعاية، وأن يعصمنا من البدع ومن مضلات الفتن، وأن يجمع قلوبنا على طاعته. وأسأله أن يرضى عن أصحاب رسوله وعن التابعين لهم بإحسان، وأن يصلح ولاة الأمر وأن يهديهم سبل السلام، وأن يوفق المسلمين لكل خير. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

نعم الله

نعم الله نعم الله علينا عظيمة، من انسلخ منها فمثله كمثل الكلب، كما بين الله سبحانه وتعالى ذلك، وفي هذه المادة بيان للشكر وبماذا يكون، وذكر بعض الأمثلة على كفر النعمة وجحودها كقصة بلعام بن باعوراء مع موسى عليه السلام، ثم قوم سبأ وما فعل الله بهم من تدمير وتشتيت.

المنسلخ عن آيات الله

المنسلخ عن آيات الله الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فيقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في محكم كتابه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * ولَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176] ضرب الله هذا المثل لكل من جحد نعمته، ورد معروفه عز وجل، فإن كثيراً من الناس ينعم الله عليهم بنعم ظاهرة وباطنة فيكفرونها ويجحدونها؛ فيسلبها سُبحَانَهُ وَتَعَالى منهم، ثم ينكل بهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى جزاء ما جحدوا من المعروف وأنكروا من الجميل. وكثيرٌ من الناس يمنحهم الله الشباب، فيفسدون به، ويستغلونه فيما يبعدهم عنه عز وجل فيسلب الله نعمة الشباب منهم. وكثيرٌ منهم يرزقهم الله الصحة في الأجسام، فلا يُرونَ الله عز وجل ثمرة هذه الصحة ولا العافية، فيأخذهم الله عز وجل بهذا. وكثيرٌ يمنحهم الله الأموال فلا يؤدون حق الله فيها، بل يجعلونها سلماً إلى المعاصي، وسبباً في المنكرات والفواحش، فيأخذهم الله عز وجل، ويحاسبهم بأموالهم. فالله عز وجل يقول: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} [الأعراف:175] وهذا الرجل اسمه بلعام بن باعوراء من بني إسرائيل، منحه الله عز وجل نعمة العلم والفهم والفقه، ولكنه لم يستغلها فيما يقربه من الله عز وجل، بل نسي حق الله وموعوده، ونسي أمره عز وجل ثم عصاه، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف:175]. هذا الرجل كما قال أهل التفسير: كان مع موسى عليه السلام، وعلمه الله التوراة فلما تعلمها ذهب إلى قوم كفار ليفاوضهم على الصلح مع موسى عليه السلام، فلما رأى دنياهم، وكنوزهم، وذهبهم، وفضتهم، استهواه هذا؛ فكفر بالله العظيم، وقدم الدنيا على الآخرة، وقدم موعود أهل الدنيا على موعود رب الدنيا والآخرة؛ فسلب الله نعمة الفقه والفهم منه، وتركه بليداً كالحمار، ومؤخراً كالخنزير، ونجساً كالكلب، نعوذ بالله من ذلك. حتى قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} [الأعراف:176] لو شئنا أن يرتفع بلا إله إلا الله وبمعناها؛ لرفعناه بها. وهذا جزاء العبد الذي يرتفع بالطاعة، والذي يحب أن يتقرب إلى الله عز وجل بطاعته فيرفعه الله، وأما العبد الذي يتأخر إلى المعصية، ويتأخر عن كل ما يقربه من الله، فلا يزال يتأخر حتى يؤخره الله، قال تعالى: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} [الأعراف:176] أي: قدم الدنيا على الآخرة. قال تعالى: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176]. يقول عز من قائل: مثل هذا الرجل مثل الكلب، والكلب من طبيعته أنه يلهث، فهو يمد لسانه ويلهث سواء في الظل أو في الشمس، فهذا مثل رجل يلهث في الجهل والمعصية، سواء تعلم أو لم يتعلم؛ لأن قلبه خبيث؛ ولأن فيه مكراً؛ ولأنه صادٌ عن الله عز وجل، وإلا فلو كان فيه خير يوم أن قربه الله عز وجل إليه لعرف النعمة والجميل، ولعرف عطاء الله عز وجل فانقاد إليه.

كفران النعم سبب لعذاب الله

كفران النعم سبب لعذاب الله وضرب الله مثلاً في القرآن للأمم والشعوب، يوم تنحرف عن منهج الله عز وجل، وتترك طرق المساجد، وتميل إلى الخمارات. يوم تترك سماع كتاب الله عز وجل، وتميل إلى سماع الغناء. يوم تنحرف عن منهجه صلى الله عليه وسلم وسنته المطهرة، وتميل إلى كتب الشياطين؛ شياطين الإنس والجن، ويوم تعكف وتسهر على الأفلام، والأغاني الماجنة، ويوم ترخص قيمها ومبادؤها ودينها وأخلاقها، وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، ماذا يصنع الله بها؟ يدمر شبابها، ويبعد سُبحَانَهُ وَتَعَالى علماءها، ويبتلي إناثها ونساءها، فتبقى أمة مظلومة مهضومة متأخرة، يبتليها الله عز وجل بالخوف والجوع. يقول عز من قائل: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. قال أهل العلم: لا تزال كل قرية في أمن الله ما أقامت فروضه، وما نهت عن المعاصي التي تغضبه، فإذا انحرفت أخذها الله كما يأخذ الظالم ثم لا يفلتها أبداً، قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} [الطلاق:8 - 9]. أعد الله لهم عذاباً شديداً في الآخرة، ما كفاها عذاب الدنيا، بل أعد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لها الخزي والعار والدمار والنار؛ لأنها انحرفت عن منهج الله. فتشوا واسألوا كل مدينة وكل قرية أخذها الله في هذا العصر، أو قبل هذا العصر، واسألوا جيراننا، ومن حولنا ومن دوننا: مالهم ابتلوا بالحروب والمنكرات والفواحش والبعد عن الله؟! إنما ابتلوا بذلك لأنهم عصوا أمر الله، وخرجوا عن طاعته سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ويوم أن يعود الشخص إلى الله ولو ببصيص من نور؛ ينصره سُبحَانَهُ وَتَعَالى ويؤيده، ويسدده ويهديه. وقد جربنا وجرب غيرنا، وسمعنا وسمع غيرنا، أن أناساً كثيرين وقفوا في وجه الطغيان، في وجه اليهود، فما استطاعوا أن يقفوا أمامه؛ لأنهم أهل معاصٍ؛ ولأنهم خرجوا عن لا إله إلا الله، حتى أتى في هذا العصر حفنة قليلة من الناس في أفغانستان، تسجد لله، وتعترف به، وتتحاكم إلى شرعه، فوقفت في وجه أكبر قوة من قوى الأرض. فلما رجعوا إلى الله أراهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى نصره، ورفع لهم كلمة لا إله إلا الله، وثبت أقدامهم. فكيف لو رجعت الأمة كلها إلى الله عز وجل؟! والله لو رجعنا إلى الله لما كان في الدنيا يهود يسيطرون على بلاد الله، وعلى عباده، ويمتهنون شرائعه. والله لو رجعنا إلى الله عز وجل لما كان هناك جوع ولا خوف، ولا دمار ولا نار، ولا عار ولا شنار، لكننا لما تخاذلنا عن أن نجتمع في بيوت الله، وأن نتناصح بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبنا بهذا. قال عز من قائل: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ:15 - 19]. قرية كانت منفلتة في اليمن، كانت غائصة في الحدائق والبساتين وأنواع الثمرات من بين يديها ومن خلفها، لهم سد عظيم يختزن آلاف آلاف البراميل من المياه، أغدق الله عليهم النعم، فسماؤهم مليئة بالغيوم، لا شمس لديهم تحرقهم، وثمارهم يانعة يقطفونها، حتى قال الأئمة من أمثال ابن كثير: تمر المرأة بزنبيلها فيمتلئ مما يتساقط من الأشجار. يشربون ماءً بارداً، ويتظللون في ظل وارف، ويتعاونون في معيشة هادئة ساكنة. فأرسل الله إليهم الرسل ليقولوا: لا إله إلا الله، وليؤدوا شكر نعمة الله، وليسجدوا له، وليتناهوا عما يغضبه، فماذا فعلوا؟ كفروا، وجحدوا، وأنكروا، وتمردوا على الله، شأن الشاب الذي لا يعرف بيوت الله، جسمه كجسم البغل، يتنهد على الأرض من كثرة النعم، ومن كثرة المشروبات والمطعومات والملبوسات، فإذا سمع الأذان كأن في أذنيه وقراً، لا يعرف طريق المسجد، إنما يعرف طريق المعصية والانحراف، فهذا مثل هذه القرية. فأتتهم رسلهم وفاوضتهم على لا إله إلا الله، وفاوضتهم إلى الرجوع إلى الله عز وجل، وأخذتهم بالتي هي أحسن ليعودوا إلى الحي القيوم، فكفروا وقالوا: {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ:19] معنى ذلك: أنهم رفضوا حتى أداء الزكاة من هذه الأموال والصدقة، وقالوا: اجعل بيننا وبين هذه القرى مسافات؛ حتى لا يأتينا فقير ولا مسكين، ولا يأتينا طالب حاجة. فماذا فعل الله بهم؟ هل حاربهم بطائرات أو بجيوش جرارة، أو بدبابات مصفحة؟ لا -والله- أتي بفأر صغير فنحت في هذا السد، وهو سد مأرب العظيم، ثم دخل الماء وسقط السد، وذهبت دنياهم وآخرتهم، لقد اجتاحهم ماء السد، فدمر قراهم بعضها على بعض، وبيوتهم بعضها على بعض، واجتاح أشجارهم وأعنابهم ونخيلهم ومزارعهم، فصاروا حدثاً بعد عين لكل معتبر. قال تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً} [الفرقان:40] فأوقع الله بهم ما هم له أهل، فذهبوا وتفرقوا حتى صاروا مثلاً، فتقول العرب: تفرقوا أيدي سبأ. وخرجوا من بلادهم على وجوههم وهم يتباكون، الحبيب فقد حبيبه، والوالد فقد ولده، والأخ فقد أخاه، والزوجة فقدت زوجها؛ لأنهم عصوا الله عز وجل. ولذلك قيل لرجل من البرامكة الوزراء لما سجنوا في عهد هارون الرشيد: لم سجنتم وذهبت دنياكم؟ لم أخذت قصوركم؟ ولم جلدت ظهوركم؟ فدمعت عينا خالد البرمكي وقال: بغينا، وطغينا، ونسينا الله، وسرت دعوة مظلوم في جنح الليل فسمعها الله والناس عنها هجوع. ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {دعوة المظلوم يرفعها الله عز وجل على الغمام، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين}. ومروا برجل مقعد -كما في السير- قد نهشته الأمراض، وأصابته الأوصاب، وهو في حالة مزرية، لا يستطيع حراكاً ولا قواماً، ولا يستطيع أن يمد يده، فقالوا: مالك؟ قال: كنت في صحة وعافية، وفي قوة لا يعلمها إلا الله، وكنت إذا سمعت نداء الله أتباطأ، فيقال لي: اتق الله عز وجل، وتعال إلى بيوته، وأقم فرائضه، فكنت أقول لهؤلاء: وماذا يصيبني إذا لم أفعل؟ فابتلاني الله بهذا المرض.

شكر الله على نعمه

شكر الله على نعمه إخوتي في الله! إن شكر الجسم أن تؤدي حقه مع الله عز وجل، فتستخدمه فيما يقربك من الله. وشكر اللسان الثناء، وشكر اليد الوفاء، وشكر العين الإغضاء، وشكر الوجه الحياء منه سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وقد كان عليه الصلاة والسلام، وهو يعظ أصحابه، ويردهم إلى الله وينصحهم، وهم من أحيا الناس مع الله، ومن أقربهم إليه، يقول صلى الله عليه وسلم: {استحيوا من الله حق الحياء -فيقولون له عليه الصلاة والسلام، وهم يظنون أن الاستحياء دخول الإسلام، وهذا من الحياء، لكن مرتبة الحياء الكبرى أن تجعل بينك وبين المعاصي حجاباً- قالوا: يا رسول الله! والله إنا لنستحيي من الله حق الحياء. قال عليه الصلاة والسلام: ليس ذلك بحق الحياء، حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ومن تذكر البلى ترك زينة الحياة الدنيا}. قال أهل العلم: الحياء في العين: ألاَّ تنظر بها إلى ما يغضب الله عز وجل، وحياء الأذن: ألا تسمع بها ما يغضبه تبارك وتعالى، وحياء اليد: أن تكون محبوسة تحت طاعة الله عز وجل، وحياء الرجل: ألاَّ تمشي بها إلا في مرضاته عز وجل، ولذلك كان من معالم المحاسبة عند أهل السنة والجماعة: أن الله عز وجل يجمع الأولين والآخرين يوم القيامة، فيحاسبهم كما خلقهم وكما بدأهم أول مرة، يحاسبهم على الأعضاء، ولن تجد عضواً أشد خطورة ولا ضراوة على الإنسان من لسانه. ويحق لـ أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ومن مثل أبي بكر في إيمانه وزهده وعبادته؟ أبو بكر الذي أنفق ماله كله في سبيل الله، وأتعب جسمه لرفع لا إله إلا الله، وبقي ساهراً حريصاً على الأمة يقودهم إلى الله عز وجل، وهو مع هذا يقف في مزرعة رجل من الأنصار، ويمد لسانه ويبكي ويقول: [[هذا الذي أوردني الموارد]] أي: المهالك، فإذا كان الصديق خائفاً، فما بالنا نحن لا نخاف؟! وما بالنا لا نعود ونحاسب أنفسنا؟! وقل لي بالله عليك كم نذكر الله في اليوم؟ وكم نتكلم بكلام ليس بذكر؟ وإذا عادلنا كلامنا مع الناس، وهذاءنا، وهراءنا، وتسويفنا، كم نعادله؟ هل هو بمعشار العشير مع سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؟ ومقصود هذا الكلام حفظ النعم التي أنعم الله بها علينا، فإن الله عز وجل إذا أنعم على العبد انتظر سُبحَانَهُ وَتَعَالى حتى يرى ماذا يفعل العبد هذا، فإن حفظ النعمة بالطاعة زاده سُبحَانَهُ وَتَعَالى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7] وإن ضيعها أخذه الله أخذ عزيز مقتدر. فيا من أنعم الله عليه بنعمة الشباب، إن كنت تريد حفظ هذا الشباب فليس حفظه إلا بحفظ الله. ويا من أنعم الله عليه بالمال، حفظ المال بحفظ الله. ويا من أنعم الله عليه بجاه، أو بمنصب، أو بولد، إذا أردت المحافظة على ذلك فاحفظ الله عز وجل، وإلا فانتظر الزوال والنكبة إن عاجلاً أو آجلاً. قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: والله إني لأعصي الله عز وجل في الليل فأجد جزاءها في النهار. فقال له بعض أهل العلم: نحن لا نجد الجزاء في النهار، جربنا أنا نعصي الله عز وجل في الليل كثيراً فلا نجده في النهار. قال: إنكم أكثرتم من الذنوب فما تعلمون من أين تؤتون. أي: لا تعلمون من كثرة جزاءاته من أين تؤتون. ولا يظن ظان أن الجزاء والعقاب أن تنزل عليه صاعقة أو قذيفة، أو يعذب بمرض، لا. إن أشد العقاب أن يقسي الله قلب هذا المجرم، وأن يطبع على فؤاده، وأن يبتليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالصد عن سبيله، ويزيده سُبحَانَهُ وَتَعَالى ضلالاً؛ لأنه هو الذي زاد ضلالاً وحياداً عن الله، قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5]. وحكي عن بعض الصالحين وقد ذهب إلى صلاة الجمعة، فانقطعت حذاؤه، فقالوا له: مالك؟ قال: تذكرت أني لم أغتسل للجمعة؛ فانقطعت حذائي. قال ابن تيمية: قللوا الذنوب فعرفوا من أين يؤتون. فلما أكثرنا الذنوب والخطايا أصبحنا لا ندري من أين نصاب، أبالهموم والغموم والأحزان؟ أم بفساد الأبناء؟! وليست النعمة في مفهومها عند عقلاء المسلمين أن تكثر الأرزاق، هذه نعمة، ولكن النعمة أن نستقيم مع الله، وأن نتجه إليه، وأن نحسن معاملتنا معه، وإلا لو كانت النعمة بهذا المعنى لكان الكفار وهم أكثر منا قصوراً ودوراً، وذهباً وفضة، وجاهاً ومنصباً، وأموالاً وأولاداً، أصحاب نعمة. لكن الله يقول: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ} [الزخرف:33 - 34].

كيفية الشكر

كيفية الشكر والشكر يكون بثلاثة أمور؛ فما أتاك من نعمة فواجبك أن تشكرها بثلاثة أشياء، أو بثلاثة مقاصد: أولها: أن تردد على لسانك: "الحمد لله"، فإنها تملأ الميزان، وإن سبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماوات والأرض، ويعجب ربك إلى العبد إذا قال: الحمد لله. وأول من يدخل الجنة الحامدون الذين يحمدون الله في السراء والضراء، فقد ضاع فرسٌ لـ جعفر الصادق، فقال: والله لئن ظفرت بفرسي لأحمدنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بمحامد ما حمدها به إلا أولياؤه وأحباؤه، فلما وجد الفرس، قال: الحمد لله، فقال له أبناؤه: أين المحامد؟ قال: وهل أبقت الحمد لله محامد بعدها؟! ولذلك قال عز من قائل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]. فواجبك أن تردد دائماً الحمد على لسانك؛ ليبقي الله عليك النعمة، البس ثوبك إن كنت مسلماً وقل: الحمد لله، وكل طعامك وقل: الحمد لله، واشرب شرابك وقل: الحمد لله، وقم من نومك وقل: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور. وكلما لمع لك لامع من النعمة، أو لمح لك لامح من الجميل فقل: الحمد لله، ليبقي الله عليك النعمة. ثانيها: أن تعقدها بقلبك، وأن تتصور أن ما أتاك من النعيم إنما هو من الله لا من الناس، وما صرف عنك من العذاب ومن المصائب، إنما صُرف عنك من الله عز وجل. يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، في كلام ما معناه: [[إن من النكران أن ينعم الله عليك بنعيم فتقول: هذا بسبب فلان، أو يصرف الله عنك سوءاً، فتقول: هذا بسبب فلان، والله ما أتى من نعيم، ولا صُرف من عذاب إلا بتقدير الله ورحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى]]. أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام فقال له داود في أثناء الكلام: يا رب! بأي لسان أشكرك؟ أنعمت علينا بنعم ظاهرة وباطنة فبأي لسان أشكرك؟ قال الله عز وجل: يا داود! أتدري أن هذه النعم مني؟ قال: نعم يا رب! قال: إن علمت ذلك فقد شكرتني. قال: يا رب! إني أريد أن أشكرك بالعمل، قال: يا داود! تقرب إلي بما استطعت من عمل. وفي كتب التفسير أن داود عليه السلام جمع آل داود، وكان عددهم ما يقارب ثلاثين ألفاً، وهم الملوك في بني إسرائيل، فيهم المملكة كابراً عن كابر، ومنهم سليمان بن داود، فجمعهم أعماماً وأخوالاً وأبناءً وأقارب، حتى ملئوا الشرفات في بيت المقدس، فقال داود عليه السلام وهو يبكي: يا آل داود! إن الله أنعم علينا نعماً ظاهرة وباطنة، فعليكم بطاعته، فوالله إن لم تطيعوه ليسلبنها الله منكم. قالوا: ماذا نفعل؟ قال: قسموا ساعات الليل والنهار، فليكن منكم في كل ساعة من ليل أو نهار مصلون وصائمون وذاكرون ومستغفرون، فقسم عليهم الساعات في الليل والنهار، فكان قوم منهم يسبحون، وقوم يستغفرون، وقوم يصلون، وقوم يصومون، فقال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] وقليل من الناس من يشكر الله. فالأمر الثاني: أن تعتقد أنها من عند الله، وأن ما ساق الله لك من نعيم، إنما هو بقضائه وقدره، ولم يسقه لك أحد من الناس، فو الله {لو اجتمع الناس على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} فالقضاء والقدر من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ثالثها: أن تظهر آثار النعمة عليك، بالعمل وبالتجمل، فإذا أنعم الله عليك بنعمة، فإنه يحب أن يرى أثرها عليك، فإذا أنعم عليك بمال فالبس من الجمال ما يري الناس أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قد أنعم عليك بنعيم، ولا تزري بربك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا تشكوه بثيابك، أو بملبسك، أو بمسكنك، أو بمركبك، فكأنك تقول: لم يعطني الله شيئاً. والله يقول: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] أي: بلسانك وبفعلك. ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله إذا أنعم على عبد أحب أن يرى أثر نعمته عليه} والواجب عليك أن تستغل هذه النعمة في مرضاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية والرشد والسداد، وأن يستغلنا بنعمته في طاعته، وأن يجعلنا ممن إذا أنعم عليه شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، والحمد لله رب العالمين.

أحكام الموت وما بعده

أحكام الموت وما بعده الموت حقيقة ماثلة أمام كل مخلوق، وكل يوم والناس يودعون أحدهم إلى القبر، وفي هذا دافع للإنسان المسلم أن يعرف الأحكام المتعلقة بالموت وما بعده. وفي هذا الدرس بيان لهذه الأحكام لمن لم يطلع على كتب الفقه أو عسر عليه فهمها.

حقيقة الموت

حقيقة الموت الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أيها الفضلاء الأخيار! عنوان هذه المحاضرة (أحكام الموت وما بعده) ورقمها (305) وأسأل الله أن ينفع بها، وأن يجعلها في ميزان الحسنات. أيها الكرام! الموت مخلوق من مخلوقات الله عزوجل، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:1 - 2] ولكن إلى الآن ما اكتشف ما هو الموت، وصل العالم المادي إلى الذروة لكن ما اكتشف حقيقة الموت، لا يدرون ما هو، ولا كيف يموت الإنسان، ومتى يموت، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى اختص بعلمه. وقد توعد الله أعداءه بالموت فقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:8]. يقول الحسن البصري رحمه الله: [[فضح الموت الدنيا، فلم يدع لذي لبٍّ فرحاً]] والمعنى: أن كل من انبسط وارتاح وسر بما عنده من مال وولد، وما عنده من منصبٍ ووظيفة، إذا ذكر الموت تكدر، إلا الحمقى والبلداء، فالله عزوجل جعل هذا الموت منغصاً. دخل أحد الفضلاء على خليفة من الخلفاء العباسيين فقال له الخليفة: "أما ترى القصر؟ قال: رأيته. قال: أما تراني؟ قال: رأيتك. قال: أرأيت جيشي؟ قال: رأيته. قال: ماذا تقول؟ قال: أنت نعم الخليل لو كنت تبقى غير أن لا بقاء للإنسانِ والله عزوجل لام الذين غُرُّوا، ولهوا بمتاعهم ولعبهم، فقال: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:45 - 46]. يقول عدي بن زيد؛ وهو شاعر جاهلي، خرج مع النعمان بن المنذر قبل الإسلام، وكان عدي بن زيد رجلاً عاقلاً، أقسم ألا يشرب الخمر أبداً وهو في الجاهلية، فلما جلس مع السلطان الملك النعمان، أخذ السلطان يشرب الخمر، فقال له عدي بن زيد: "أبيت اللعنة -هذه كلمة تقال للملوك، ومعناها: أستأذنك في الكلام لا تغضب عليَّ- قال: قل، قال: أتدري ماذا تقول هذا الشجرة؟ وهي لا تتكلم، لكن أراد هذا الشاعر أن يدخل بموعظة إلى السلطان قال: لا أدري ماذا تقول. قال: تقول الشجرة: رب ركبٍ قد أناخوا حولنا يخلطون الخمر بالعذب الزلال قد مضوا حيناً وساروا زمناً ثم صاروا جثثاً تحت الرمال يقول: ألا تعتبر بأجدادك وقد أصبحوا جثثاً وأنت تشرب الخمر!! ألا تتفكر وتتأمل!!. ويا أيها الإخوة: موضوع الموت، وما بعد الموت، والاستعداد للموت هو حديث الساعة؛ لأن كثيراً من الناس بعد الأحداث أصبح في هلعٍ ورعبٍ من الموت، ولا يخاف من الموت إلا اليهود، قال الله عنهم: {يَوَدُّ أحد هُمْ لَوْ يُعمر أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة:96] لأنهم ليس لهم آخرة ولا جنة عند الله، أما المسلم فالآخرة خيرٌ له من الدنيا، وأبقى وأحسن، يوم يكون مؤمناً بالله. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وقد أخبر رسوله عليه الصلاة والسلام بالموت وأنه كتبه على جميع الكائنات: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] والخلد في الدنيا من المستحيلات ولا يخلد من البشر أحد، وهو قول واحد بإجماع العقلاء من الناس قاطبة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34] ولكن ما هو أعظم زادٍ نتقدم به إلى الله؟ إنه الإيمان. والبشرية الآن تبحث عن الإيمان، والإلحاد أصبح لا حقيقة له، أصبح كذباً ولعنةً، لا قرار له، حتى رؤساء الإلحاد والشيوعية في العالم تبرءوا من الإلحاد والشيوعية في العالم. فهذا جرباتشوف -رئيس الشيوعيين في العالم، رئيس الاتحاد السوفيتي - يقول: في البروستريكا: "إن الإلحاد خرافة " ولذلك اعتنق النصرانية، وأثبت بعد الصفحة الخمسين من البروستريكا، يعني: إعادة البناء أنه مسيحي؛ لأنه وجد أن كفر الإنسان بالله كذب ولو وفق بداعية مسلم، وبإمام يقوده إلى الله، لكان مسلماً، ولكن الحكمة لله. والشاهد أيها الإخوة: أريد أن أصل إلى الموضوع الذي أريد أن أتحدث عنه، وهو أحكام فصلها أهل السنة والجماعة في كتبهم، أريد أن نتدارسها اليوم؛ لأن الوعظ كثُر، ونحن بحاجة إلى فقه الأحكام، وما يقربنا من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

أحكام ما قبل الموت

أحكام ما قبل الموت يقول سبحانه: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] ومعنى الآية عند كثير من المفسرين: من رخاءٍ إلى شدة، ومن نعيم إلى بؤس، ومن حياة إلى موت. فالله يداول الأيام، حتى يقول عدي بن زيد: أيها الشامت المعير بالدهر أأنت المبرأ الموفور هل رأيت المنايا خلفن أمناً من ذا لا يُضام عليه مجيرُ أين كسرى، كسرى الملوك أنوشروان أم أين قبله سابور؟ معنى الأبيات؛ يقول: يا من يشمتنا بالموت، ويعيرنا بالفناء، أأنت تبقى؛ ولذلك تجد بعض الحمقى يعيرون بعض الناس، ويشمتون إذا ماتوا، وليس في الموت شماتة، لأنه يموت الشريف والدنيء، ويموت الكريم والبخيل، ويموت المؤمن والكافر، لكن الشماتة فيمن أعرض عن منهج الله، وصدف عن آيات الله.

تذكر الموت

تذكر الموت السؤال الأول: يقول عليه الصلاة والسلام: {أكثروا ذكر هاذم اللذات فما ذكر في قليل إلا كثره} فما هو هاذم اللذات؟ وكيف نذكره؟ وما الفائدة من ذكره؟ و A روى الترمذي والنسائي وابن حبان عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {أكثروا ذكر هاذم اللذات فما ذكر في قليل إلا كثره} والحديث من رواية أبي هريرة. وهاذم اللذات بالذال: هو الموت، وهو الذي يهدم اللذة على العبد، ويعكرها، ويقطعها؛ واللذة: كل ما تلذذ به من مال، أو حسب، أو نسب، أو جاه، أو منصب؛ أرأيت إنساناً أحمق في منصب، أو مال يذكر الموت ثم لا يتنغص!! فقوله صلى الله عليه وسلم: {أكثروا ذكر هاذم اللذات} أي: الموت. زاد بعض الناس: {أكثروا ذكر هاذم اللذات، ومفرق الجماعات، وآخذ البنين والبنات} والجملتان الأُخريان ليستا من كلامه عليه الصلاة والسلام. وأما قوله: {فما ذكر في قليل إلا كثره} يعني أن من يتذكر الموت دائماً يصبح القليل عنده كثيراً، القليل من المال، والمنصب أو الجاه يكفي، ما دام أنها عبور، ويقول الأول: طول الحياة إذا مضى كقصيرها واليسر للإنسان كالإعسار فسيان كثرة المال وقلته؛ بل القلة قد تكون أنفع. قال: "وما ذكر في كثير إلا قلله " أي: أن، أهل الأموال الكثيرة تقل في عيونهم أموالهم يوم يذكرون الموت. دخل أبو العتاهية على هارون الرشيد، وكان هارون الرشيد في قصره، والشعراء يهنئونه بقصر افتتحه، فقال لـ أبي العتاهية: "كيف رأيت القصر؟ قال: اسمع مني أبياتاً، قال: ما هي؟ قال: >> قال: هيه، يعني: زد. قال: يسعى عليك بما اشتهيت مع الرواح أو البكور قال: زد. قال: فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور هذا غرور أهل الدنيا، وهو غرور يشبه غرور البهائم، يوم يصدفون عن ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

تمني الموت

تمني الموت السؤال الثاني: هل يجوز للمسلم أن يتمنى الموت؟ ومتى يجوز له أن يتمناه؟ و A منع عليه الصلاة والسلام المسلم من أن يتمنى الموت، هذا من حيث الأصل، وهو أصل متفق عليه. ففي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال من حديث أنس: {لا يتمنيَّن أحدكم الموت لضرٍ نزل به، إن كان محسناً فلعله أن يزداد إحساناً، وإن كان مسيئاً فلعله أن يتوب} فالأصل أن لا تتمنى الموت، واعلم أن عمر المؤمن لا يزيده إلا خيراً عند الله. لحديث جابر عند مسلم {المسلم لا يزيده عمره إلا خيراً} وعند أحمد في المسند من حديث طلحة: {أن رجلين أسلما عند الرسول عليه الصلاة والسلام -دخلا الإسلام سواء، في يوم واحد، وفي ساعة واحدة، مسلم وأخوه أسلما عند الرسول عليه الصلاة والسلام- فقتل الأول شهيداً في سبيل الله، ومكث الآخر بعده أربعين يوماً ثم مات -هذه رواية أحمد - فرأى طلحة الرجلين بينهما في الجنة أربعون درجة، فسأل الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: كم تخلف ذاك بعده؟ قالوا: أربعون يوماً يا رسول الله، قال: كم صلى فيهن من صلوات؟ فحسبوها. قال: فإن الله رفعه بصلواته التي صلاها بعد أخيه، هذه الدرجات} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والحديث حسن، والمقصد أنه إذا أصابك ضرٌ، أو مرض فلا تتمنى على الله الموت، أو أن يتوفاك؛ لأنك لا تدري ما الخير، والخيرة فيما اختار الله. تنبيه: ذكر أهل السنة كـ الطحاوي وابن كثير والذهبي: أن عمر رضي الله عنه وأرضاه لما حج آخر حجة حجها، رفع يديه عند الجمرات، وقال: [[اللهم إنها كثرت رعيتي، ورق عظمي، ودنا أجلي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون. اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وفي بلد رسولك]]. و Q لماذا يتمنى عمر الموت، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يتمناه؟ و A عند أهل السنة بجوابين: الجواب الأول: لم يتمن عمر الموت، ولم يحدد وقته، وإنما تمنى الشهادة في سبيل الله؛ وتمني الشهادة مطلوب، وهي من أفضل الأعمال، وقد قال عليه الصلاة والسلام: {من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه} رواه مسلم. بينما تجد الرياء والسمعة إذا دخل في العمل لا ينفع، حتى لو قتل الإنسان في الجبهة، وهو مراء فلا ينفع، بينما إذا صدق ومات على فراشه فهو شهيد وعند أحمد في المسند بسند حسن: {ربَّ قتيلٍ بين الصفين الله أعلم به، -وفي لفظ- الله أعلم بنيته} فقد يكون مرائياً، وصح عنه عليه الصلاة والسلام: {أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة، منهم: المجاهد الشهيد -فيما يظهر للناس- الذي قتل في المعركة، وقاتل رياءً وسمعةً ليقال: جريء، وقد قيل، فيقال: خذوه إلى النار}. والجواب الثاني: أن المرء إذا تحقق أنه وقع في فتنة، وأن الناس قد فتنوا فله أن يطلب من الله أن يتوفاه، وقد دل على ذلك نصوص كإخباره عليه الصلاة والسلام، أن المؤمن في آخر الزمن من كثرة الفتن يمر على القبر فيقول: {يا ليتني مكان صاحب هذا القبر من كثرة الفتن} من قلة من يقول: لا إله إلا الله، ومن قلة من يعترف بأوامر الله، أو يكف عن محارمه.

المؤمن يموت بعرق الجبين

المؤمن يموت بعرق الجبين السؤال الثالث: ما معنى {المؤمن يموت بعرق الجبين}؟ وهل عرق الجبين علامة عند أهل السنة أم لا؟ A صح عنه عليه الصلاة والسلام عند ابن حبان والثلاثة؛ أبي داود والنسائي والترمذي أنه قال عليه الصلاة والسلام: {المؤمن يموت بعرق الجبين} فما معنى الحديث؟ قيل: أنه إذا حضرته سكرات الموت أصابه عرق، وأتاه رشح، وهذا معنىً موجه، وهو صحيح. وقيل: أنه يموت كداً وكدحاً في العمل الصالح؛ وهي كناية عن اجتهاده في العمل الصالح، وعن بذله، وعن تقواه لله عزوجل حتى يلقاه الله عزوجل وقد بلغ من نفسه مبلغاً من العبادة، والمجاهدة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] على ذكر هذه الآية، فإن ابن أبي الحديد وهو معتزلي؛ شاعر عملاق، من أكبر شعراء المعتزلة، ذكره ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل، يقول في هذه الآية، لما أتته سكرات الموت قرأ هذه الآية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] ثم قال أبياتاً، يخاطب الله، يقول: وحقك لو أدخلتني النار قلت للـ ـذين بها قد كنت ممن أحبه وأفنيت جسمي في علوم كثيرة وما منيتي إلا رضاه وقربه أما قلتمُ من كان فينا مجاهداً سيكرم مثواه ويعذب شربه وهي أبيات لطيفة، أعجبت ابن تيمية شيخ الإسلام، لكن من الذي يجاهد في الله؟ هو الذي يصدق مع الله عزوجل، ويفعل المأمور، ويجتنب المحذور، ويتبع الكتاب والسنة باختصار. هذا معنى (المؤمن يموت بعرق الجبين). وبعض العلماء يقولون: "من علامة المؤمن أنه قد يتبسم في سكرات الموت، ويعرق جبينه، وتأتيه مبشرات" وقد حدث هذا لـ ابن المبارك، فيما نقلوا عنه أنه تبسم، وقال: " {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:61] " وقد ترى له رؤيا حسنة في الحياة الدنيا؛ والرؤيا من المبشرات يراها المؤمن، أو تُرى له كما قال عليه الصلاة والسلام.

ما يلزم من حضر المحتضر

ما يلزم من حضر المحتضَر السؤال الرابع: ماذا يلزم من حضر المحتضر، الذي حضرته الوفاة؟ A يلزمه تلقينه (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فكلمة التوحيد، لا إله إلا الله ندخل بها في الدين، ونختم بها حياتنا، وقامت من أجلها السماوات والأرض، ونزلت من أجلها الكتب، وأرسلت من أجلها الرسل، وأقيمت من أجلها النار والجنة، ونصب الصراط، ونزلت الصحف، ونصب الميزان، لا إله إلا الله وثيقة أتت بها الرسل عليهم الصلاة والسلام من لدن نوح إلى محمد عليه الصلاة والسلام، وجرت من أجلها بدر وأحد وحطين والقادسية وعين جالوت ومعارك الإسلام، وهي فيصل بين أهل التوحيد وأهل الكفر وهي الميثاق الذي أخذه الله عز وجل بقوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف:172 - 173] فعليك إذا حضرت محتضراً أن تلقنه لا إله إلا الله. إما شهيداً في المعركة، أو مريضاً، أو مصاباً بحادث، ورأيت أنه في الرمق الأخير، فالله الله أن تجري هذه اللفظة على لسانه، فإنها أعظم اللفظات، وأحسن الكلمات، وهي أكبر الحسنات. قال أبو ذر للرسول صلى الله عليه وسلم: {يا رسول الله! لا إله إلا الله من الحسنات؟ قال: أعظم الحسنات} هل بعد لا إله إلا الله حسنة؟ هي أعظم الحسنات. يقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم وعند الأربعة: {لقنوا موتاكم لا إله إلا الله} من حديث أبي سعيد وأبي هريرة؛ ومعنى: لقنوه أي: قولوا له لا إله إلا الله، فإذا قالها فلا تعدها ولا تكررها عليه حتى يتكلم بكلام غير لا إله إلا الله؛ لأن هذا من الأدب. ويذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ قصة عن أبي زرعة الحافظ الكبير، وأبو زرعة هذا عملاق، مجرح ومعدل يقولون: كتب بيده ألف ألف حديث -مليون- حضرته الوفاة فأراد تلاميذه أن يلقنوه لا إله إلا الله لكن استحيوا منه، فهو عالم الدنيا، ومحدث المعمورة، فاستحوا أن يقولوا قل: لا إله إلا الله -ولا حياء في هذا- فأرادوا أن يذكروه بسند الحديث، وأغمي عليه، فأرادوا فقط أن يقولوا: حدثنا فلان لأنه يعرف بضاعته، فإذا قالوا حدثنا فلان قال: حدثنا فلان تذكر بـ السند المتن فقال: لا إله إلا الله، فتلعثموا لا يدرون من السند أهو شعبة أو الأعمش سليمان بن مهران، فاستفاق وسمعهم يتضاربون بالكلام بينهم في الحديث فقال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن فلان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لقنوا موتاكم لا إله إلا الله} وحدثنا فلان عن فلان عن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة} لا إله إلا الله محمداً رسول الله ثم مات. وهذه من علامات حسن الختام والثبات قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. وهذا هو التلقين الذي على المسلم أن يلقن العبد به. وأهل السنة يقولون: يدخل العبد في الإسلام بلا إله إلا الله. ليس كما قال أهل الفلسفة وأهل المنطق بالنظر والاستدلال، بل قالوا: بلا إله إلا الله، وهي التي طلبها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام. فقال في الصحيحين: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، -وفي رواية- أو أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله} الحديث.

قراءة سورة (يس) على الميت

قراءة سورة (يس) على الميت السؤال الخامس: هل يصح في قراءة يس على الميت حديث أم لا؟ A تعلمون أن بعض المذاهب يرون أن على المسلم إذا حضر المحتضر، أن يقرأ على الميت سورة (يس) ويقولون: إنها تخفف من النزع ومن السكرات. والصحيح عند أهل السنة من المحدثين أنه لا يثبت في ذلك حديث، وليس من السنة أن يقرأ على الميت سورة يس. وما رواه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث معقل بن يسار عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {اقرءوا على موتاكم يس} لا يصح، قال الدارقطني: "حديث مضطرب لا يثبت، وفي سنده أبو عثمان، وليس بـ النهدي لا نعرفه ولا أباه " واختلف سنده على كثير من الحفاظ فردوه، والسنن العقدية لا تثبت بمثل هذا الحديث الضعيف الذي ضعفه العلماء ولم يثبتوه، والمسلم يقف عند المأثور ولا يبتدع في دين الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} ومن نظر في سند ذلك الحديث وجد أنه لا يصح أبداً {ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه} ورحم الله امرءاً وقف مع الأثر ومع الكتاب والسنة. إذاً، لا يقرأ على المحتضَر سورة يس.

أحكام ما بعد الموت

أحكام ما بعد الموت

تسجية الميت

تسجية الميت السؤال السادس: هل للتسجية قبل التكفين أصل وارد؟ يعني: تسجية الميت بثوب، أو ببرد، أو بشيء، هل ورد في ذلك شيء؟ A نعم. ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- {أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما توفي سجي ببردة حبرة من برود اليمن}. وهذا من السنة لكي يكون الميت مستوراً، حتى تجهيزه في الغسل والتكفين والدفن والصلاة عليه؛ فالمقصد من هذا أن يستر الميت، سترنا الله وإياكم، وهي سنته عليه الصلاة والسلام.

دين الميت

دين الميت السؤال السابع: ورد عنه عليه الصلاة والسلام التغليظ في الدين على الميت، فما هو الأثر في ذلك؟ A جاء عنه عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي بسند حسن أنه قال: {نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه} فعلى العبد أن يجتهد في أن يقضي دينه، لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة، والحق الذي بينك وبين الله مبنيٌ على المسامحة، فعليك أن تجتهد في أن تقضي دينك، وأن ترد حقوق الناس قبل أن تلقى الله عزوجل. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يغفر للشهيد كل ذنبه إلا الدين} أي: شهيد المعركة إذا قتل في سبيل الله غفر الله ذنبه إلا الدين، قال: {أخبرني بذلك جبريل} لأنه لا مبرر أن تترك حقوق الناس ومظالمهم، ثم يموت العبد ويتركها ضائعة، ليس هذا بوارد. لكن على العبد أن يترك وصيته، فإذا لقي الله عزوجل كان عند ورثته خبر ونبأ ووصية مكتوبة بهذا، لما صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {ما حق امرئ مسلم يبيت ثلاث ليالٍ إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه} من حديث ابن عمر، فكان ابن عمر يكتب وصيته، ويضعها عند رأسه رضي الله عنه وأرضاه.

الماء الذي يغسل به الميت

الماء الذي يغسل به الميت السؤال الثامن: ما صفة الماء الذي يغسل به الميت؟ أعاننا الله على هذه المواقف فسوف تمر بنا جميعاً: هو الموت ما منه ملاذٌ ومهربُ متى حط ذا عن نعشه ذاك يركبُ نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلَّ الردى مما نرجيه أقرب ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب ورد عنه عليه الصلاة والسلام في الرجل الذي وقصته ناقته، وهو محرم في عرفات، قال: {اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه -وفي لفظ: وجهه-} وابن القيم متردد في إثبات لفظة وجهه. هذا حاج من المسلمين، وقف مع الرسول عليه الصلاة والسلام في عرفة، فسقط من على ناقته فوقصته برجلها فمات، وهو محرم، فأتي به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فأخبروه الخبر قال: {اغسلوه بماء وسدر} لأن الماء والسدر أنقى {وكفنوه في ثوبيه} أي: ثوبي الإحرام {فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً} وقد أتى في ذلك خبر، أنه: يخرج من قبره يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، ولذلك لم يغط رأسه ولا وجهه لأنه محرم، والمحرم لا يغطي رأسه على الصحيح، وفي تغطية وجه المحرم خلاف، والصحيح أنه لا يغطيه. فالمقصود أنه لا بأس بأن يمزج الماء الذي يغسل به الميت بسدر، أو كافور، كما في حديث زينب، أو صابون؛ لأن المقصود الإنقاء. وهذا الشيء الطاهر الذي يضاف إلى الماء لا ينجسه، بل يزيده -إن شاء الله- طهارة، وسوف يأتي معنا تفصيل في ذلك إن شاء الله.

غسل النبي صلى الله عليه وسلم

غسل النبي صلى الله عليه وسلم السؤال التاسع: كيف غُسل الرسول عليه الصلاة والسلام؟ A روى أحمد وأبو داود عن عائشة {أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أتى علي بن أبي طالب والعباس والفضل وأسامة يغسلونه، كان في ثيابه المطهرة صلى الله عليه وسلم فلا يدرون هل ينزعون ثيابه ويباشرون جسمه الطاهر الطيب -بأبي هو وأمي- أم يغسلونه من فوق الثياب، فاختلفوا} وفي رواية أبي داود: {فألقى الله عليهم النعاس فناموا الأربعة في الغرفة فسمعوا هاتفاً يقول: اتركوا ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، واغسلوه من فوق الثياب} فغسلوه بالماء ودلكوه والثياب عليه، عليه الصلاة والسلام وما نزعوا ثيابه لأنه مستور حياً وميتاً، وطيبٌ صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وقد كان وهو طفل في السنة الثانية من عمره صلى الله عليه وسلم كما قال أهل السير: إذا تعرى بكى حتى يلبس ثوباً، ويوم أخذته حليمة السعدية كانت تقول: [[كان إذا عري يبكي، ويحاول أن يضم نفسه حتى يستتر عليه الصلاة والسلام]] فالله الذي حفظه. فهذه صفة غسله عليه الصلاة والسلام، أنه غسل من على ثيابه ودلك صلى الله عليه وسلم، فهو الطيب المطيب حياً وميتاً، ولذلك لما أتاه أبو بكر قال: [[فداك أبي وأمي ما أطيبك حياً وميتاً]].

تقبيل الميت وصفة غسله

تقبيل الميت وصفة غسله وهذا فيه سؤال في تقبيل الميت، هل يقبل الميت من القريب والصاحب؟ نعم. فقد أتى أبو بكر والرسول عليه الصلاة والسلام مسجى قد مات، فكشف الغطاء عن وجهه وبكى وقبله وقال: [[فداك أبي وأمي ما أطيبك حياً! وما أطيبك ميتاً! أما الميتة التي كتبت عليك فقد ذقتها، ولكن لا تموت بعدها أبداً]] وهذا وارد. السؤال الحادي عشر: صفة غسل الميت، وحديث غسل زينب. روت أم عطية في الصحيحين أن زينب بنت الرسول عليه الصلاة والسلام توفيت- وقد توفيت بناته عليه الصلاة والسلام في حياته إلا فاطمة، وهذا من الستر لهن- فلما توفيت زينب، أتى الرسول عليه الصلاة والسلام فوقف على النساء في الباب، وقال لـ أم عطية: {اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك -وفي لفظ: تسعاً (وبعض الحفاظ لا يثبتها) - واجعلن في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني، فلما انتهين من غسلها أُخبر رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فأعطاهن حقوه -والحقو: إزاره الذي يلي جسده صلى الله عليه وسلم- وقال: أشعرنها} هذا من الرحمة، واللطف ببنته صلى الله عليه وسلم، إزاره الذي يلي جسمه، أمر أن يجعل شعاراً لها مما يلي جسمها، لأنها حبيبته وقرة عينه صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الحديث قضايا: منها: أن المرأة تغسل المرأة ولو كانت أجنبية. ومنها: أن السنة في الغسل أن يكون ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً على الوتر. ومنها: أنه لا بأس أن يخلط شيئاً من كافور، أو من أطياب؛ حتى تكون رائحة الميت طيبة. ومنها: التبرك بآثار الصالحين؛ وهذا له خاصة عليه الصلاة والسلام ليس لأحد غيره، فيما نعلم، وهو أصل عند أهل السنة، ولو أن البعض تجوز لكن آثارة صلى الله عليه وسلم فقط، ثيابه، وشعره، وأظفاره؛ هي التي فيها البركة صلى الله عليه وسلم، وليست لغيره.

صفة الكفن

صفة الكفن السؤال الثاني عشر: ما هي صفة الكفن؟ A ورد في الصحيحين من حديث عائشة: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية -نسبة إلى سحول قرية في اليمن - من كرسف} يعني: من قطن- كفن فيها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فثلاث قطع بيض تلف على الميت، هذه صفة الكفن. ومن كفن في قميصه فوارد عند أهل السنة، وجائز أن يكفن في ثوبه إذا كان نظيفاً جميلاً طيباً، والسنة أن يكون أبيض كما سيأتي معنا.

التكفين بالقميص

التكفين بالقميص السؤال الثالث عشر: التكفين في القميص. أتى عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول لما مات أبوه المنافق؛ عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين، وحربة الحاسدين الناقمين على الإسلام، فقال: {يا رسول الله، أعطني قميصك حتى أكفن أبي فيه} وأبوه عدو للإسلام، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام تقديراً لابنه المسلم المؤمن، أعطاه قميصه، فكفن هذا المنافق فيه، جزاءً لابنه وإكراماً له. فاستدل به البخاري وأمثاله على أن القميص لا بأس به على أن يكون كفناً، وحمل هذا المجرم إلى القبر، وقام عليه الصلاة والسلام يصلي عليه، فأتى عمر أمامه قال: {يا رسول الله، تصلي على عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين؟!! قال: دعنا يا عمر. قال: يا رسول الله كيف تصلي عليه، أما فعل كذا، أما فعل كذا، أما فعل كذا، كيف تصلي عليه، وقد قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:80]!! قال عليه الصلاة والسلام: دعنا يا عمر والذي نفسي بيده لو أعلم أن الله يغفر لهم بعد السبعين لاستغفرت لهم بعد السبعين} فلما صلى أتى العتاب من الله عزوجل إليه عليه الصلاة والسلام، وقال: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84] فجعلها صلى الله عليه وسلم خاتمة عمله في هذه المسألة أن لا يُصلي على من علم نفاقه، وكفره، وضرره على الإسلام والمسلمين. والشاهد في هذا التكفين بالقميص. ويقولون ابن المبارك رضي الله عنه وأرضاه المحدث الزاهد العابد كان له ثوب يصلي فيه دائماً، وكان يصلي فيه صلاة الليل، فلما حضرته الوفاة قال: كفنوني في ثوبي هذا؛ فإني قد صليت فيه لله كثيراً، وكنت أقوم فيه الليل. وابن القيم له كلام في مدارج السالكين، يقول: " إن آثار الصالحين لها أثر على الصالحين؛ كثياب الصالحين، وعمائم الصالحين، وأحذية الصالحين، قال: حتى ترى وسام الصلاح عليها. وكذلك الفسقة؛ تعرف ثيابهم، وتعرف عمائمهم مما عليها من الفجور والفسق، وهذا أمر يعلمه أهل التقوى، وأهل الفراسة الإيمانية ".

لون الكفن

لون الكفن السؤال الرابع عشر: هل هناك سنة في لون الكفن؟ A روى ابن عباس عند الخمسة إلا النسائي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم}. والبياض لون جميل، وهو من أحسن ما يلبسه العبد المؤمن، والبياض مذكورٌ في كثير من الأحاديث، يقول عليه الصلاة والسلام في دعاء الاستفتاح: {ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس}. وقال عمر رضي الله عنه كما ذكر مالك في الموطأ، في آخر الباب: [[يعجبني أن يكون ثوب القارئ أبيض]] فقوله صلى الله عليه وسلم: {البسوا البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم} دليل على أن السنة في الكفن أن يكون أبيض، تفاؤلاً أن يبيض الله وجه هذا الميت، وأن يكون هذا الثوب منقى من الأوضار والأوساخ والأدران. والله المستعان، وقد قيل: خذ القناعة من دنياك وارضَ بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن فانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير اللحد والكفن أو كما قيل. ولذلك لم يذهب أحد من الناس من القرون الأولى والأخيرة إلا بالطين والكفن، وهذه عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين؛ أنه لا يذهب الإنسان من هذه الدنيا إلا بالطين والكفن أبداً قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. يقولون: لما حضرت أبا بكر -رضي الله عنه وأرضاه- الوفاة أتوا بثيابٍ جديدة، فقال: [[ما هذه الثياب؟ -وهو في سكرات الموت- قالوا: نكفنك فيها. قال: لا. الحي أولى بالجديد من الميت، وأنا ميت فإذا مت فاغسلوا ثوبي هذا -ثوب قديم كان يصلي فيه ويجاهد ويتصدق ويقرأ القرآن ويسبح؛ أبو بكر الإسلام، وأبو بكر الدين، وأبو بكر الإيمان، وأبو بكر المجاهد صاحب المواقف الخالدة- قال: إذا مت فاغسلوا ثوبي هذا، وكفنوني فيه وقال: اذهبوا بثوبي الآخر إلى عمر، وبالبغلة، وبهذا الجمل، وقولوا: يا عمر اتق الله، ليصرعنك الله مصرعاً كمصرعي. فلما ذهبوا بهذا إلى عمر، بكى حتى جلس وقال: أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر]] لأنه أوصاه وقال: هذا الميراث، وهذا بقية الميزانية، فهل أكلت أموال الأمة؟، وكان أبو بكر الصديق يحكم الشام والعراق والجزيرة واليمن، يحكم ما يقارب ست دول الآن، فلما حضرته الوفاة ترك في بيت المال بغلةً له وجملاً وثوباً وقال: ردوه إلى بيت المال، إلى عمر الخليفة الذي بعدي، وقولوا: يا عمر انتبه، ما تركت أنا إلا هذه، فلا تلعب بالأموال، ولا تبدد الثروات، ولا تحاول أن تلغي العدل في مملكتك فيأخذك الله، فبكى عمر وقال: [[أتعبت الخلفاء بعدك]]. واستطراداً أنا أذكر قصة ذكرها ابن القيم، يقول: كان أبو بكر يخرج بعد صلاة الفجر كل يوم -كان إذا صلى الفجر في المسجد يخرج إلى البادية، إلى ضاحية من ضواحي المدينة قريبة- فيجلس في خيمة هناك حتى طلوع الشمس ثم يعود فافتقد عمر أبا بكر -رضي الله عنهم جميعاً- وسأل أين يذهب هذا الخليفة؟ -خليفة المؤمنين، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم- فذهب وراءه، فلما خرج أبو بكر من الخيمة اختفى عمر ودخل بعده فوجد عجوزاً عمياء جالسة معها أطفال. قال: يا أمة الله من أنت؟ قالت: عجوزٌ عمياء. قال: أين أبوكم؟ قالت: مات منذ زمن، وأنا وأطفالي ليس لنا عائلٌُ إلا الله، ثم الشيخ الذي يدخل علينا هذا. قال: أعرفتيه؟ قالت: ما عرفته -وهو أبو بكر، لأن أبا بكر ما قال: أنا أبو بكر، ولم يعلم بنفسه، ولم يخبر باسمه- قال عمر: فماذا يفعل إذا دخل عليكم؟ قالت: يقُّمُّ بيتنا -يكنس البيت أولاً- ويحلب شياهنا، ويغسل ثيابنا، ويصنع لنا طعامنا. فجلس عمر وكان واقفاً وبكى وقال: أتعبت الخلفاء بعدك]]. فهذه سيرة حميدة، وهذا سجل التاريخ، وهكذا تساس الأمة، ويقاد الأجيال، ويعلم وينشر الدين بهذه الأخلاق النيرة، حتى الغرب، وحتى أعداء الله عزوجل يعترفون بهذه السيرة. وقد قرأت أن أحدهم يسمى كرس مرسن أمريكي يقول: "أعطوني إسلاماً كالإسلام الذي يعيشه عمر وأدخل في الدين". ولذلك جعل مايكل هارف وهو أمريكي؛ صاحب العظماء المائة، عمر رقمه (56) وقال: إنه عظيم، وإنه أثبت عظمته بسيرته التي طوقت الدنيا. هل تدرون من الأول عند مايكل هارف؟ هو الرسول عليه الصلاة والسلام، جعله الأول في الكتاب وقال: " إني أعلم أن الشعب الأمريكي سوف يغضب يوم جعلت محمداً الأول "، قلنا: أرغم الله أنفك وأنف الأمريكان، وهل كان عليه الصلاة والسلام إلا عظيماً، سواء رضيت أم أبيت، وهذا هو المقصود.

إحسان الكفن

إحسان الكفن السؤال الخامس عشر: هل ورد في إحسان الكفن حديث؟ A نعم. روى مسلم عن جابر عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا ولي أحد كم أخاه فليحسن كفنه} أي: إذا توليت أنت كفن المؤمن، قريباً، أو حبيباً، أو صديقاً فأحسن كفنه وحسناً لا يدخل في المغالاة؛ لأن المغالاة قد ورد فيها النهي، ومهما غاليت فلا ينفع الميت إلا عمله، وتسبيحه، وذكره، وصلواته، ووالله لو نسجت له كفناً من ذهب، وألبسته تاجاً في القبر، وحكت له بردة من ديباج، وصنعت له كساءً من فضة؛ فإنه لا ينفعه إلا أن يكون من أولياء الله؛ وإذا كان من أولياء الله فلو كان بغير كفن، فـ حمزة ما وجدوا له كفناً، وجدوا له أذخراً وحشيشاً غطوه به، وكان سيد الشهداء عند الله. وكذلك مصعب -رضي الله عنه وأرضاه- لكن الحسن معناه أن تختار ثياباً جميلة نسبياً بيضاء طيبة نقية؛ هذا هو الإحسان. أما المغالاة في الكفن، فقد نهى عنه عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح فقال: {لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعاً} أي يصبح هباءً منثوراً، تأكله الدود في ثلاثة أيام. وقد كان عمر بن عبد العزيز؛ الخليفة، الزاهد، الراشد، الذي جدد أمر الأمة في المائة سنة، وتولى الخلافة وعمره تسعاً وثلاثين سنة، وقاد الأمة بالزهد، ما كان عنده إلا ثوب واحد، وهو خليفة يملك اثنين وعشرين دولة، إلى حدود أسبانيا وسيحون وجيحون والسند والهند يملكها كلها، ومع ذلك ليس عنده إلا ثوب يغسله يوم الجمعة، ويبقى في ثيابه الداخلية حتى يجف ثوبه، ثم يصلي فيه، يقول له الناس: [[ألا تتزين، وتتجمل؟ قال: كيف لو رأيتموني بعد ثلاث ليالٍ في القبر، إذا تولى عني الأحباب والأصحاب ووسدت التراب]]. فقوله صلى الله عليه وسلم: {لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعاً}؛ معنى ذلك: لا تأتوا به غالياً فإنه ثلاثة أيام فينتهي، ولا يبقى إلا العمل الصالح: يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ؟! ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزانُ يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسرانُ أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ

جمع الموتى في قبر واحد

جمع الموتى في قبر واحد السؤال السادس عشر: هل يجوز أن تجمع بين ميتين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة، أو أكثر في قبر؟ وهل هذا وارد إذا أتت حروب -نسأل الله أن يستر، وأن يلطف بنا، وأن لا يرينا فتنة، وأن يقبضنا غير مفتونين، ولا مضيعين- إذا أتت حروب مدلهمة، أو موت كاسح في الناس، هل يجمع بين اثنين فأكثر؟ A الأصل أن يدفن كل ميت وحده، لكن إذا اضطر إلى ذلك من كثرة القتلى، أو كثرة الأموات، فيجوز أن يدفن اثنان أو أكثر في قبر واحد، لما روى جابر في البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {أنه جمع قتلى أحد الاثنين والثلاثة في قبر وقال: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فيقدمه} ليكون إماماً لهم وقريباً لهم، وشفيعاً لهم. وكان صاحب القرآن عند الرسول عليه الصلاة والسلام سيداً من السادات. يقول أنس: [[كان الرجل إذا حفظ سورة البقرة وآل عمران جدَّ فينا]] يعني: نبل وفضل وأصبح سيداً. وعندما أتى كوكبة من الصحابة يريدون الغزو قال عليه الصلاة والسلام: {أفيكم أحد يحفظ سورة البقرة؟. قال أحدهم: أنا يا رسول الله! قال: اذهب فأنت أميرهم}. فالإمارة في الإسلام بالفضل، والقرآن وبتقوى الله، والقرب منه، بالمؤهلات التي أتى بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وليس بغيرها. فالشاهد هنا: أنه يجوز أن يجمع بين الثلاثة، والأربعة، ويستحب عند أهل العلم أن يجمع الأحباب في الدنيا في القبر؛ يعني: المتوافقين، والزملاء، والأحبة، والجيران المتآخين أن يكونوا هم في قبر واحد. ولا يجمع بين غير المحارم؛ كأن يجمع بين الأجنبية والأجنبي، لا، والأصل المنع من ذلك.

غسل أحد الزوجين الآخر

غسل أحد الزوجين الآخر السؤال السابع عشر: هل لأحد الزوجين أن يغسل الآخر؟ A نعم، فقد روت عائشة في مسند الإمام أحمد وابن حبان أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لها قبل أن يموت بأيام: {لو متِ قبلي لغسلتك}. وزار بقيع الغرقد فسلم عليهم في ظلام الليل، ثم عاد وهو معصوب الرأس عليه الصلاة والسلام من الصداع، وقال: {وارأساه}. بل في الصحيح أن عائشة قالت: {وارأساه! قال عليه الصلاة والسلام: بل أنا وارأساه! -وهذا على الندبة- ثم تفكهت عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لو مت أنا -لا تدري أن أجله قد دنا عليه الصلاة والسلام- لو مت أظن أنك تتزوج بعدي؟ -انظر إلى غيرة المرأة، حتى بعد الموت- قال عليه الصلاة والسلام: بل أنا لو مُتِ لغسلتك} ترك المزح عليه الصلاة والسلام، وكأنه يتخيل أنه قريب الميعاد من لقاء الله عزوجل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3]. أخذ من هذا أهل العلم، أن الرجل يغسل زوجته، وأن المرأة تغسل زوجها، فإن علياً غسل فاطمة، لما رواه الدارقطني بسند صحيح عن أسماء بنت عميس قالت: [[لما توفيت فاطمة بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام، غسلها علي]]. فلأحد الزوجين أن يغسل الآخر.

حكم الصلاة على من قتل حدا

حكم الصلاة على من قتل حداً السؤال الثامن عشر: هل لنا أن نصلي على من مات في حد؟؛ كرجل مسلم زنى وهو محصن فرجم بالحجارة حتى مات، فهل نصلي عليه؟ أو رجل قتل نفساً ثم قتل فهل نصلي عليه أم لا؟ A روى بريدة بن الحصيب في صحيح مسلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام: {صلى على الغامدية التي رجمت من الزنا} فما أرحمه، وما أحسنه، وما أحسن هذا الدين!. ونحن أهل السنة والجماعة لا نكفر بالكبائر، وأهل الكبائر الذين لم يستحلوها لا زالوا مسلمين لكنهم فسقة، يقول حافظ الحكمي: لكن عصاة من أولى التوحيد قد يدخلونها بلا تخليدِ وإنما كفر بالكبائر الخوارج -عليهم غضب الله- وهم مخالفون مبتدعة. فالمقصود من هذا أن من ارتكب حداً أقيم عليه فإنه يصلى عليه ولا زال مسلماً؛ كالمحدود من الزنا إذا تاب، وعلمت توبته، وندم، وأتى يطلب الحد، فإنه يقام عليه الحد، ثم يصلى عليه كما فعل صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم.

الصلاة على قاتل نفسه

الصلاة على قاتل نفسه السؤال التاسع عشر: الصلاة على من قتل نفسه، رجل انتحر، والانتحار حرام، واحتساء السم حرام، ومن فعل ذلك فهو خالد مخلد في النار، يحتسي سمه كما صح عنه عليه الصلاة والسلام، ومن قتل نفسه بالسكين فسكينه معه يطعن نفسه ويجأ بها صدره في نار جهنم، أي يجعله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في النار يفعل بنفسه هذا الفعل. روى جابر بن سمرة في صحيح مسلم أن رجلاً قتل نفسه بمشاقص؛ قيل المشاقص: شيء من السكاكين الطوال، وقيل: هي الأسهم التي يرمى بها، أي: نحر نفسه فمات، فلم يصل عليه النبي عليه الصلاة والسلام، ترك الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- ولم يصل عليه. قال أهل العلم: تعزيراً من الإمام ألا يصلي على هذا. نسأل الله العافية والسلامة.

الصلاة على القبر

الصلاة على القبر السؤال العشرون: هل يصلى على الميت في قبره إذا فاتت الصلاة عليه في الحياة؟ أي: أتيت وصاحبك قد توفي، ولم تدرك الصلاة عليه مع الناس، وأتيت وقد نقلوه وقبروه، ودفنوه، فماذا تفعل؟ A السنة لك في ذلك أن تذهب وتصلي عليه صلاة الجنازة، وهو في القبر. لكن يقول أهل العلم: إذا كان العهد قريباً، قدر بعضهم ذلك بشهر، أو ما يقاربه. لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: {كانت امرأة تقم المسجد -وفي لفظ: رجل- فماتت -فكأنهم سهلوا شأنها، وما أرادوا أن يخبروا الرسول عليه الصلاة والسلام بشأنها -فصلوا عليها ودفنوها، فسأل عنها عليه الصلاة والسلام، فأخبروه أنهم دفنوها أو دفنوه، فقام على قبرها أو قبره فصلى عليه الصلاة والسلام صلاة الجنازة}. وعند البخاري من حديث ابن عباس موقوفاً عليه، وهو من قبيل المرفوع الفعلي الحكمي، قال: {مر بنا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى على قبر دفن لشهر} فبعض أهل السنة يحددها بشهر. وأما من طالت مدته فلا، ويكفي الدعاء له والاستغفار.

حكم النعي

حكم النعي السؤال الحادي والعشرون: ما حكم النعي في الإسلام؟ A روى الإمام أحمد والترمذي عن حذيفة قال: {نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن النعي، وقال: لا نعي في الإسلام}. والنعي المنهي عنه يا أيها الإخوة! هو الإخبار على وجه التشهير؛ أن تشهر بهذا، وتجعل له منزلة كما يفعل الناس الآن في الصحف والمجلات، فيقولون: ننعى إليكم فلان بن فلان الذي توفي يوم كذا وكذا، وينشرون إعلانات في الصحف؛ فهذا من النعي المحرم؛ لأنهم يريدون به الشهرة. ثم يكتبون بعد ذلك إعلانات شكر لمن شاركهم في العزاء، أو اتصل بهم في الهاتف، وإعلانات شكر لمن زارهم، وواساهم، ولمن بكى من بكاهم أو غير ذلك، وهذه ليست واردة في الإسلام، وهذا خلاف السنة، لأنه لا نعي في الإسلام، لأنه تشهير بالميت. ولكن روى البخاري عن أبي هريرة قال: {نعى إلينا الرسول صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه} فكيف نجمع بين الحديثين؟ يقول هنا: {نعى إلينا} وهناك نهى رسول الله صلى الله عن النعي، وقال: {لا نعي في الإسلام}. أما حديث النجاشي {أنه نعى} أي: أخبرنا؛ فالخبر لا بأس به، ولك أن تخبر بموت الميت ليحضر الناس ليصلوا عليه، أما أن تشهر به في الناس، وتندبه، وتخبر به؛ فهذا ليس وارداً، وليس من السنة، وإنما النعي هنا بمعنى: أخبرنا صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه، فصلى عليه الصحابة كما سيأتي.

الصلاة على الغائب

الصلاة على الغائب السؤال الثاني والعشرون: هل يصلى على الغائب؟ فلو أن رجلاً مات في مدينة الرياض ونحن هنا في الخميس فهل نصلي عليه هنا؟ A قد كثر الحديث في هذه القضية، وكثر القيل والقال، والعجيب أن للعلماء أربعة أقوال في المسألة. بعضهم يقول: -كـ الروياني من الشافعية- إذا كان الميت تجاه القبلة فنصلي عليه؛ وهذا لا دليل عليه أبداً. وبعضهم يقول: يصلى عليه مطلقاً؛ واستدلوا بحديث معاوية بن معاوية الليثي {أنه مات في المدينة، والرسول عليه الصلاة والسلام في تبوك فصلى عليه صلى الله عليه وسلم من هناك} والحديث ضعيف لا يصح، بل يصل إلى درجة الوضع. ولكن ما هو الصحيح، والراجح في المسألة؟ الراجح -إن شاء الله- أن المسلم إذا مات في بلد لم يصل عليه فيها فيصلى عليه؛ أي: مسلم مات في بلد ولكن ما سمعنا أن أحداً صلى عليه، فنصلي عليه صلاة الغائب. لأن بعض العلماء قالوا: النجاشي لما توفي؛ توفي بأرض الحبشة وكانوا نصارى وما صلوا عليه، فصلى عليه صلى الله عليه وسلم في المدينة، صلاة الغائب، فالمسلم إذا مات وتيقنا أنه لم يصل عليه مسلم صلينا عليه. الحالة الثانية قالوا: إذا كان للمسلم بلاء حسن؛ كإنسان مشهور، كعالم من العلماء الكبار، كما يفتي علماؤنا الآن بالصلاة على عالم من العلماء، أو مجاهد من المجاهدين الكبار، أو رجل؛ كان له عدل، وكان يحكم بالكتاب والسنة، فهذا يصلى عليه. فهي حالتان: إذا لم يصل على الميت في بلده الذي مات فيه. والحالة الثانية: إذا كان له أثر وبلاء حسن. أما أنه كلما سمعنا بميت مات قمنا صلينا، كلما مات في الطائف ميت، أو في الرياض، أو في جدة، أو في تبوك قمنا وقلنا للناس مات فلان بن فلان، وليس له أثر وقدم صدق يعرف بين الناس، فليس هذا بوارد في السنة فيما أعلم، هذا في صلاة الغائب.

المرغوب في عدد المصلين

المرغوب في عدد المصلين السؤال الثالث والعشرون: هل ورد عنه عليه الصلاة والسلام عدد مرغوب فيه في الصلاة؟ A ورد عند مسلم عن ابن عباس، قال عليه الصلاة والسلام: {ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه}. وكلما كثر العدد كان أحسن، والسنة أن يكونوا ثلاثة صفوف، وكان ابن عباس يوزع الناس ثلاثة صفوف، لأنه من أحسن ما يكون، وفعل ذلك جابر وكثير من الصحابة. فالأربعون وما فوق أحسن، وورد عن ابن عباس في رواية (120) لكن الأكثر كأنه على زيادة الأجر. والله أعلم. فهنيئاً لمن صلى عليه أربعون أو أكثر لا يشركون بالله شيئاً، وأخلصوا له الدعاء، فعسى الله أن يشفعهم فيه.

الصلاة على الجنازة في المسجد

الصلاة على الجنازة في المسجد السؤال الخامس والعشرون: هل يجوز لنا أن نصلي على الجنازة في المسجد؟ A الأصل في ذلك أن تكون في الجبانة -في الصحراء- هذا الأحسن والأحوط، وكان الصحابة يفعلونه، وهو الأغلب في فعلهم مع الجنازة. لكن روت عائشة كما في الصحيح قالت: {والله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل وسهل ابني بيضاء إلا في المسجد} احتاجت -رضي الله عنها- أن تدفع حجة من يقول لا يجوز، لأن المشهور عند الصحابة أنه صلى هناك. وسبب الحديث أن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه وأرضاه- توفي، فأتوا به من البادية، فأدخلوه في المسجد؛ مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام يصلون عليه، فأنكر بعض الصحابة. فقالت عائشة {ما أسرع ما نسي الناس! والله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل وسهل ابني بيضاء إلا في المسجد}. فعلم أنه جائز ووارد أن يصلى على الميت في المسجد إذا كان الجمع أكثر، أو كانت الجبانة أو الصحراء بعيدة، ولا يمكن أن يذهب الناس إلى هناك، فالأمر وارد، وهو وارد في السنة وله أصل ولكن الأولى والأحوط إذا كانت المقبرة قريبة، والناس يتواجدون هناك أن يصلى عليه في الصحراء، (في الجبانة).

صفة الصلاة على المرأة والدعاء لها

صفة الصلاة على المرأة والدعاء لها السؤال الرابع والعشرون: صفة الصلاة على المرأة؟ A ورد عن جابر بن سمرة: {أن امرأة ماتت في عهده صلى الله عليه وسلم -قيل: ماتت بسبب الولادة، أو ولدها مات في بطنها فماتت بهذا- فقام صلى الله عليه وسلم وسطها فصلى بالناس}. فالسنة أن يقوم الإمام وسط المرأة، وعند رأس الرجل هذه سنته عليه الصلاة والسلام في الصلاة، والدعاء للمرأة يتغير بلفظ المؤنث، وعلى الرجل بلفظ المذكر، وسوف تأتي الأدعية التي كان يدعو بها صلى الله عليه وسلم.

الصلاة على الميت والدعاء

الصلاة على الميت والدعاء السادس والعشرون: وصف الصلاة على الميت والدعاء؟ ورد أربع تكبيرات، وورد خمس، والراجح الأربع كما يقوله الحنابلة وغيرهم من المحدثين: وكان عليه الصلاة والسلام يكبر التكبيرة الأولى فيقرأ سورة الفاتحة، وكان ابن عباس يجهر بها أحياناً يعلمها الناس، قال: [[ليعلموا أنها سنة]]. وورد أن ابن عباس كان يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} [الإخلاص:1] مع الفاتحة، ويكبر الثانية ويصلي على الرسول عليه الصلاة والسلام -الصلاة الإبراهيمية-: {اللهم صل على محمد وعلى آل محمد} الحديث، ويكبر الثالثة ويدعو للميت كما في حديث عوف بن مالك قال: {توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فاقتربت من الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لامست ثيابي ثيابه، فسمعته يقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم عافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه قال عوف بن مالك: فوددت والله أني أنا الميت} يعني: من حسن الدعاء. وكان عليه الصلاة والسلام، ربما قال: {اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تفتنا بعده واغفر لنا وله} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ثم يسلم تسليمة واحدة على اليمين، كما هو المعروف، وإن سلم تسليمتين فوارد، وفي حديث معقل بن يسار وهو صحيح، وحديث ابن مغفل وهو صحيح {أن الرسول صلى الله عليه وسلم سلم تسليمتين} فللإمام أحياناً أن يسلم تسليمتين إذا أراد، ولكن الغالب والراجح تسليمة واحدة.

أجر من شهد الجنازة وما يتعلق بذلك

أجر من شهد الجنازة وما يتعلق بذلك السؤال السابع والعشرون: أجر من شهد الجنازة: صح عنه عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة أنه قال: {من شهد الجنازة حتى يصلى عليها وتدفن عاد من الأجر بقدر قيراطين، كل قيراط كجبل أحد}.

موقع المشيع من الجنازة

موقع المشيع من الجنازة السؤال الثامن والعشرون: أين يكون المشيع للجنازة؟ A المشيع الذي يمشي السنة أن يكون أمام الجنازة، لما روى الخمسة وابن حبان {أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة} أما الراكب؛ الذي يشيعها وهو راكب سيارة أو دابة فالسنة أن يكون خلف الجنازة، وأما الماشي فيمشي أمام الجنازة وإن مشى بجانبيها فحسن ولا بأس، ولكن الأفضل أن يكون خلفها.

اتباع النساء للجنازة

اتباع النساء للجنازة السؤال التاسع والعشرون: اتباع النساء للجنازة. تقول أم عطية في الصحيح: {نهينا عن اتباع الجنازة، ولم يعزم علينا} نهاهن صلى الله عليه وسلم لكن كما تقول لم يعزم عليهن، وكثير من أهل العلم يرون أن لا تتبع المرأة الجنازة، ويلحقونها بباب زيارة القبور للنساء؛ لأنها سريعة الهلع، وقليلة الصبر، فليس لها أن تتبع الجنازة بل تبقى في بيتها، وتتقي الله عزوجل، ولو كان الميت قريبها، أو ابنها، أو أخاها، أو أباها، فلا تفعل، بل تبقى في بيتها وتتقي الله، وبيتها أستر لها.

أحكام في الدفن وغيره

أحكام في الدفن وغيره

إدخال الميت القبر

إدخال الميت القبر السؤال الثلاثون: كيف يدخل الميت قبره؟ A روى أبو داود من حديث عبد الله بن يزيد أنه قال: {السنة أن يدخل الميت من قبل رجلي القبر} أي: أول ما يدخل رأسه من عند رجله حتى يوضع في قبره.

زيارة القبور

زيارة القبور السؤال الحادي والثلاثون: زيارة القبور للرجال والنساء. زيارة القبور سنة للرجال لقوله صلى الله عليه وسلم: {كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر بالآخرة} وهذا الحديث -أيها الإخوة الفضلاء- عند مسلم من حديث بريدة بن الحصيب. وأما النساء فالراجح عند أهل العلم أنه لا يجوز للمرأة أن تزور القبور، لقوله صلى الله عليه وسلم: {لعن الله زائرات القبور، والمتخذات عليهن المساجد والسرج} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ولو أن بعضهم يقول يجوز للمرأة أن تزور نادراً لأن لفظ الحديث (زوارات) يدل على الكثرة، لكن الصحيح أن (زائرات) ورد، ولو كان (زوارات) لما أخرجنا اللفظ من أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع الزوارات، ومن يخبرنا أن المقصود به من تكثر الزيارة، ولو كان اللفظ للمبالغة، وقطع مادة الإفساد هي الأولى والأحسن، وذلك سداً لذريعة المفسدة، فنمنع النساء أن يزرن المقبرة. أما ما ورد في صحيح مسلم الذي يستدل به الشيخ الألباني وغيره من العلماء، يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ عائشة لما قالت: {يا رسول الله! إذا زرت القبور ماذا أقول؟ قال: قولي: السلام عليكم دار قوم مؤمنين} الحديث، فهذا -والله أعلم- يقول بعض الشراح، ولا أدري كيف يخرج هذا قال: إذا اضطرت أن تمر بالقبر، أو صادف أن مرت به فلها أن تسلم، كأن تكون في سيارة، أو مرت مع ابنها، أو وحدها ورأت قبوراً فلها أن تسلم وتقول: {السلام عليكم دار قوم مؤمنين} الحديث الذي في مسلم. هذا هو المقصود، وأما أن عائشة زارت قبر أخيها عند الترمذي من حديث عطاء في مكة وبكت وأبكت، ففي سنده انقطاع، ثم عمل الصحابي وحده لا يقوم به حجة إذا خولف، والمسألة فيها بحث طويل. والخلاصة: زيارة القبور سنة للرجال، والنساء ممنوعات من ذلك لهلعهن وجزعهن.

عذاب الميت ببكاء أهله

عذاب الميت ببكاء أهله السؤال الثاني والثلاثون: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم {أن الميت يعذب ببكاء أهله} كما في الصحيح، ولكن البكاء كما قالوا: البكاء الذي فيه نياحة، ورفع صوت، وفيه ندبة وتسخط على القضاء والقدر، أما البكاء الذي يحزن فيه القلب، وتسيل الدموع فهذا ليس فيه بأس. والرسول عليه الصلاة والسلام دمعت عيناه، وحزن قلبه، وقال في موت إبراهيم: {تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

التعزية

التعزية السؤال الثالث والثلاثون: السنة في العزاء. أورد الشوكاني: أن مدة العزاء ثلاثة أيام، وألا يتجمع الناس في بيت الميت، ولا ينصبوا خياماً كما يفعل بعض الناس، ولا يصنع أهل الميت للناس طعاماً، وإنما قال عليه الصلاة والسلام عند الخمسة: {اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم} في قتل جعفر والمقصود أن هذا ليس بوارد في العقل ولا النقل، وما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا الصحابة. ولسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز كتاب في ذلك تعرفونه، وهو رسالة خاصة يخص أهل الجنوب، لأن السائل من أهل الجنوب. والسنة أن تعزي ولا تجلس، ولا يذهب الناس جماعات، ولك أن تعزي عند المقبرة، أو في الطريق، أو في السوق، أو بالهاتف، أو برسالة.

مصير أهل الكبائر، والشهادة لمعين بالجنة أو النار

مصير أهل الكبائر، والشهادة لمعين بالجنة أو النار الرابع والثلاثون: معتقد أهل السنة في قضيتين: عصاة الموحدين: سلف أنه يخاف عليهم العذاب، ويرجى لهم الرحمة، ولكن لا يخلدون في النار، ويسمون فسقة من أهل الكبائر، هذا أهل الكبائر. الثاني: هل نشهد لأحد بجنة، أو نار؟ أما الجنة، فقال ابن تيمية لـ أهل السنة فيها قولان: القول الأول: لا نشهد بالجنة لأحد إلا من شهد له الرسول عليه الصلاة والسلام. القول الثاني: من استفاضت عدالته وزهده وصلاحه وخيره؛ شهدنا له بالجنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: {وجبت وجبت -للجنازتين ثم قال-: أنتم شهداء الله في أرضه}.

الأسئلة

الأسئلة

تلقين الميت في القبر

تلقين الميت في القبر Q حاضرنا دكتور في جامعة من الجامعات، وأخبرنا أن تلقين الميت في القبر وارد وفي بعض البلاد الإسلامية، يلقنونه ويقولون له: يا فلان قل لا إله إلا الله. فهل هذا صحيح؟ A الحديث الذي ورد فيه، ضعيف عند أهل العلم، أورده ابن حجر في بلوغ المرام، وهو ضعيف لا يعمل به، وعليه فلا ينبغي إذا حضرت المقبرة أن تقول: يا فلان، وهو في القبر، إذا قال لك الملك: من ربك؟ فقل: ربي الله. ومن رسولك؟ فقل: رسولي محمد صلى الله عليه وسلم. وما دينك؟ فقل: الإسلام، ليس بصحيح، ولا يفعل، والسنن لا تأتي بهذه الأحاديث الواهية، وأنتم لكم أن تراجعوا سنده عند ابن حجر في بلوغ المرام، وأظن ابن حجر يرى ذلك لأنه شافعي المذهب، وللشافعية كلام في هذا، ولكن أهل الحديث يقولون: لا يثبت هذا، ولا نفعله، ونقف مع النص.

بطلان قصة عمر مع الملكين في القبر

بطلان قصة عمر مع الملكين في القبر Q سمعت خطيباً في شريط يقول لما دفن عمر رضي الله عنه وأتاه الملكان، قام من قبره فقال للملكين: من ربكما؟ وما دينكما؟ وما نبيكما؟ وهذا الخطيب مشهور عند الناس؟ A هذا ليس بوارد، ولم يقله عمر، ومن أخبر الخطيب أن عمر قال ذلك.

الصلاة على شارب الدخان

الصلاة على شارب الدخان Q هل يصلى على شارب الدخان إذا مات؟ A نعم يصلى عليه، ولا زال مسلماً موحداً، وهو من العصاة، وما منا إلا مذنب، وغالب الناس يذنبون، وليس فيهم معصوم، ولكن نرجو منه أن يتوب، وأن يستغفر ربه قبل أن يلقى مولاه.

الصلاة على تارك الصلاة

الصلاة على تارك الصلاة Q والدي لا يسجد لله سجدة، ولا يصلي أبداً، فهل نصلي عليه إذا مات؟ A لو مات على هذا الوضع فالصحيح أنه لا يصلى عليه أبداً، وإنما هو كافر، وهذا قول أهل العلم وهو شبه إجماع. وينص ابن تيمية على أن من ترك الصلاة فقد كفر، وأحاديثه عليه الصلاة والسلام تدل على هذا، مثل قوله: {} {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} فعليك أن تدعو لوالدك في الصلوات، وأن تحذره من لقاء الله عزوجل، وأن تنذره وعيد الله عزوجل، وأن تحاول أن تؤثر عليه حتى يلقى الله وهو مسلم، فإنها والله مأساة ما بعدها مأساة أن يموت كافراً على هذا الحال، وهل الكفر إلا ترك الصلاة؟!

القبلة في الصلاة على القبر

القبلة في الصلاة على القبر Q بالنسبة للصلاة على الميت وهو في قبره، هل نجعله إلى القبلة؟ A تجعل القبلة أمامك، يعني: القبر بينك وبين القبلة ثم تصلي إلى القبلة، أي: لا تستدبر القبلة، وهذا أمر معلوم. أيها الإخوة الفضلاء! في ختام هذه المحاضرة أشكركم شكراً جزيلاً، وأسأل الله أن يجمعنا بكم في دار الكرامة، وأن يثبتنا وإياكم على القول الثابت. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الذين يستحقون اللعنة

الذين يستحقون اللعنة اللعنة: هي الطرد والإبعاد من رحمة الله ومن كرم الله؛ فيجب على المسلم أن يحذر من لعنة الله, ويجب عليه أن يعلم الأشياء التي إذا فعلها أو اتصف بها وقعت عليه اللعنة, وقد ذُكر في هذا الدرس ستة عشر حديثاً تبين من هم الذين يستحقون اللعنة من الله والطرد من رحمته تبارك وتعالى, فما هي هذه الأحاديث التي يجب علينا معرفتها وتجنب ما فيها مما يؤدي إلى اللعن؟

أحاديث اللعن

أحاديث اللعن الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين. فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها الناس: بين يدي الآن وثيقة شرعية، وقائمة نبوية بأسماء الذين لعنهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فنعوذ بالله من مقته، ونعوذ بالله من لعنته، ونعوذ بالله من غضبه. سوف أقرؤها بين أيديكم، علنا أن نجتنب هؤلاء الملعونين وهذه اللعنة. واللعنة: هي الطرد والإبعاد من رحمة الله ومن عفوه، وكرمه. وتوخيت في هذه القائمة الأحاديث الصحيحة والحسنة التي ثبتت عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم إلا في بعض الألفاظ فنبهت على ذلك، وتجنبت الضعيفة، وإلا فالملعونون والملعونات عشرات في كثير من الأحاديث النبوية. وسوف أسرد الأحاديث ثم أعود فأعقب بشرحٍ موجزٍ على كثير من الألفاظ. - يقول عليه الصلاة والسلام: {لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها} رواه أبو داود، وصححه الحاكم عن ابن عمر. - وقال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما} رواه أحمد عن ثوبان وللترمذي والحاكم نحوه، وكلمة الرائش في ثبوتها نظر. - وقال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء} رواه مسلم. - وقال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده} رواه البخاري ومسلم. - وقال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء} رواه أحمد وأبو داود والترمذي. - وقال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل} رواه أبو داود وصححه الحاكم. - وقال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله المحلل، والمحلَّلَ له} رواه أحمد والأربعة. - قال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله النائحة والمستمعة} رواه أحمد وأبو داود. - قال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله} رواه البخاري ومسلم. - قال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة} متفق عليه. - قال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله زوارات القبور} رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وعند الثلاثة: {زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج} وفي الجملة الثانية ضعف, ولها شواهد تحسن بها. - قال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله من لعن والديه، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غير منار الأرض} رواه مسلم وأحمد والنسائي. - قال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله من مثل بالحيوان} متفق عليه. - قال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور} رواه ابن ماجة، وصححه ابن حبان.

الملعونون في الخمر

الملعونون في الخمر فلنعد إلى بعض الألفاظ، ولنستمع إلى هؤلاء الملعونين وصفاتهم، علَّ الله أن يدرأ عنا وعنكم لعنته، وغضبه، ومقته، وويله. يقول عليه الصلاة والسلام: {لعن الله الخمر وشاربها} ويدخل في ذلك المتعاطي للمخدرات بأنواعها؛ لأن العلة واحدة وهي: السكر وذهاب العقل، فمن باع المخدرات حبوبها، وحشيشها، وأنواعها فهو ملعون، ومن حملت إليه، ومن روّجها، ومن سار فيها، ومن تستر على أصحابها. {ومبتاعها وعاصرها} الذي يزاول عصر العنب والتمر وما في حكم ذلك. {ومعتصرها} من تعصر له. {وحاملها} من بلد إلى بلد، ومن شخص إلى شخص. {والمحمولة إليها، وآكل ثمنها} وهو الذي يبيعها ويأخذ ثمنها.

الملعونون في الرشوة

الملعونون في الرشوة ويقول عليه الصلاة والسلام: {لعن الله الراشي والمرتشي والرائش} الراشي: هو الذي يرشي المسئولين والعمال والوجهاء ليحصل على حق ليس له، ويصرف حقاً استحقه صاحبه، فمن دفع رشوة لمسئول، أو لعامل، أو لوالي أمر من ولاة المسلمين، فهو ملعون، ومن قبلها فهو ملعون، ومن سار بينهما في الواسطة فهو ملعون على لسان المصطفى عليه الصلاة والسلام. والله أكبر، ولا إله إلا الله، كم للرشوة من فساد في مجتمعنا! كم عطلت من حق، وكم هدمت من حق، وكم ركبت من ظلم، وكم ضيعت من حقوق لأصحابها، وهي جريمة شنعاء، ملعونٌ من زاولها، ملعون من رضي بها، ملعون من حملها. والرشاوى إما من أجل أن يسهل له خدمة، أو يقدم له جائزة، أو يسهل له أرضاً، أو يدفع له مالاً؛ كلهم يدخلون في لعنته صلى الله عليه وسلم.

الملعونون في الربا

الملعونون في الربا وأما قوله: {لعن الله آكل الربا} وهو من زاول أكله. {وموكله} وهو من أعطاه وقدمه وبذله. {وكاتبه} أي: من توظف في كتابته، ومن زاول العمل الذي فيه ربا. {وشاهديه} من يوقع على الصك، ويمضي العقد، ويصرف الحوالة؛ فهو ملعون على لسان أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم.

لعن السارق

لعن السارق {ولعن الله السارق يسرق البيضة} قيل: بيضة الدجاجة، ولا يقطع عليها لكن يتدرج حتى يسرق ما هو أكبر منها فتقطع يده. وقيل: البيضة التي يضعها المقاتل على رأسه، فتقطع يده لدناءته، وحقارته في الإسلام.

لعن المتشبهين من الرجال والنساء

لعن المتشبهين من الرجال والنساء {ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال} وهن اللواتي يلبسن لباس الرجال، ويمشين مشية الرجال، ويتكلمن كلام الرجال، ويجلسن جلسة الرجال، ويزاولن أعمال الرجال؛ هن ملعونات على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم بلعنة الله. ويدخل في ذلك: المغنيات، والراقصات، والداعرات؛ فإنهن خرجن عن الحجاب والستر، وفعلن ما يفعل المغنون والماجنون والراقصون، وحسابهم عند الله. {والمتشبهين من الرجال بالنساء} هم الذين يتأنثون في مشيتهم، ولبسهم، ودبلهم، وخواتمهم، وشعورهم، وأظافرهم، وكعوبهم؛ فهم ملعنون، وهم يسمون في الشريعة المخنثون، ولا حظ لهم في الخير إلا أن يتوب الله عليهم توبة نصوحاً. ويدخل في ذلك: من رقق صوته كالمرأة، ومن جلس جلسة المرأة، ومن مشى مشية المرأة، ومن تثنى تثني المرأة، ومن استخدم المزينات والمكاييج التي تتزين بها المرأة فهو يدخل في هذه اللعنة. وقال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل} قال أهل العلم: اللباس الخاص بالرجال في عرف الناس للرجال، واللباس الخاص بالنساء في عرف الناس للنساء، فمن لبس من الرجال لبسة المرأة فهو ملعون، ومن لبسن من النساء لبسة الرجال فهن ملعونات على لسان أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم.

لعن المحلل والمحلل له

لعن المحلل والمحلل له وقال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله المحلل والمحلل له} المحلل: هو الذي يأتي إلى الزوجة المطلقة وهي التي طلقت ثلاثاً وأخذت العدة، فلا تجوز للأول حتى ينكحها زوجٌ آخر، كما نص على ذلك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فيأتي هذا الرجل فيتزوج هذه المرأة باتفاق مع الزوج الأول لا لقصد أن تكون زوجة له، ولكن ليحللها فيمكث معها فترة، أو يدخل بها ثم يطلقها فيتزوجها الأول باتفاق بينهما؛ فهذا ملعون وذاك ملعون. وإنما يجوز أن يتزوجها لقصد أن تكون زوجة، ثم إذا بدا له أن يطلقها فيطلقها ويتزوجها الزوج الأول. فمن فعل الصورة الأولى فهو ملعون بلعنة الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الملعونون في النياحة

الملعونون في النياحة وقال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله النائحة} النائحة: التي تنوح في المأتم، وتدعو بالويل والثبور، وتصيح في وقت المصائب والثواكل والكوارث، إذا مات أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها، رفعت صوتها وولولت، وناحت، وقالت: يا فلان ابن فلان! يا ظهراه! يا جبلاه! واكريماه! واشجاعاه! فهي ملعونة. ويدخل في ذلك المستمعة، قال بعض أهل العلم: هي التي تأتي بالنائحة، وتدفع لها أجرة، وتمهد لها، وتدخلها بيتها، فهي ملعونة، والسر أنهم ما رضوا بقضاء الله، وتسخطوا على حكم الله، وأثاروا الفاحشة في عباد الله، فهن ملعونات.

الملعونون في الوشم والنمص وتغيير خلق الله

الملعونون في الوشم والنمص وتغيير خلق الله قال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله الواشمات، والمستوشمات} الواشمة: هي التي تضع الوشمة في خد النساء، والوشم كالحبر، وكالصبغ الأخضر والأسود وما يدخل في حكمه، فهي: تأتي بعقاقير معها وبمخايط، وتدخل الوشم في خدود النساء فهي ملعونة. {والمستوشمات} هن اللواتي يأتين بالوشم ويضعنه في خدودهن وعلى أنوفهن وتحت شفاههن، فهن ملعونات، وهذا الوشم حرام. {والنامصات والمتنمصات} والنامصة: هي التي تقلع شعر حاجبها، وتنتف شعر حواجبها لتزججه، وتطريه، فهذه ملعونة، هذه النامصة تفعل بالأخرى، والمتنمصة التي تستدعيه، وتحبذه، وتفعله بنفسها بواسطة هذه النامصة، فهن ملعونات بلعنة الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. {والمتفلجات} وهن اللواتي يوشرن أسنانهن، وينشرن أسنانهن، ويحددنها فهن ملعونات، أو يجعلن فرجات بين الثنايا والأسنان، فهن ملعونات بلعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. {المغيرات خلق الله} وهن اللاتي يفعلن في أنفسهن ما يغير خلق الله بهن. ثم قال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله الواصلة والمستوصلة} الواصلة: التي تصل شعر غيرها؛ فوصل شعر المرأة حرام، لا يكون إلا من أصل, أما الوصل حرام، ملعونة الواصلة، والمستوصلة التي تطلب من النساء أن يوصلن شعرها, فملعونة الأولى وملعونة الثانية بلعنة الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه اللعنة للنساء، لكن -والله- وجد من بعض الشباب الذين ضيعوا لا إله إلا الله، وجهلوا لا إله إلا الله، وضيعوا أصالتهم، وكرامتهم، وعزهم، وإباءهم، ونخوتهم؛ من يوصل شعره، ويركب الباروكة على رأسه فهو حقيق باللعنة من الله من فوق سبع سموات. نسأل الله أن يدرأ عنا وعنكم غضبه ولعنته، ونسأله رضوانه ورحمته، وأن يفقهنا وإياكم في الدين، ويجعلنا وإياكم من الراشدين المهديين المتفقهين في الدين، الذين يعيشون على نور من الله. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله الكريم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

لعن زوارات القبور

لعن زوارات القبور الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين، وقدوة الناس إلى الله أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فبقي من هذه الأصناف التي صحت بلعنهم الأحاديث، وحسنت عن المصطفى عليه الصلاة والسلام قوله صلى الله عليه وسلم: {لعن الله زوارات القبور} رواه أحمد وابن ماجة والحاكم ومعنى: زوارات: بصيغة المبالغة: هن اللواتي يتعاهدن القبور بالزيارة، ويكون لهن زيارة مكثفة على القبور، وقد نهى صلى الله عليه وسلم أن تزور المرأة القبور؛ لما في زيارتها من فتنة، وجزع، وهلع، وتسخط. ولأنها: ضعيفة القلب. ولأنها: متعرضة للعيون، فمنع عليه الصلاة والسلام زيارة المرأة للقبور. ولعن من اتخذ من النساء زيارة القبر عادة لها وأكثرت منها، فمن فعل ذلك من النساء فقد استحقت اللعنة. وفي لفظ: {لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج} وقال بعض أهل العلم: لا تشملهن اللعنة حتى تتخذ المسجد والسراج. ولكن أبعد للريبة وأبعد للمعصية ألا تزور المرأة القبر بحال من الأحوال، وإذا أتت على القبر فاتخذت مسجداً، أو مصلىً، أو سراجاً، أو بنت بناءً شملتها اللعنة وأحاطت بها؛ لأنها خالفت أمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.

لعن من لعن والديه

لعن من لعن والديه وقال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله من لعن والديه} وقد استحق اللعنة، ولا يفعل ذلك إلا فاجر، وقد وجد من هذا الصنف كثير، بل أخبرنا كثير من الإخوة الثقات أن هناك شباباً ضربوا أمهاتهم ضرباً مبرحاً, وقد استدعي بعضهم إلى رجال الأمن في بعض المناطق بشكوى من أمه ضربها سبع مرات، فلما أوقف أمام رجال الأمن بكى وأخذ يقبل رجلي أمه، قال: أتوب. قالت: لا والله اضربوه، لطالما أبكاني. يبكي هو مرة والله لقد ضربني مرات، فهذا فجور وهو ملعون، ومن لعن والديه ملعون. واحذر من استدعاء سب الوالدين، بأن يتعرض بعض الناس بقلة الأدب بسب والدي الناس فيسبون أباه وأمه. نسأل الله العفو والعافية.

لعن من ذبح لغير الله

لعن من ذبح لغير الله وقال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله من ذبح لغير الله} وهي الذبيحة الشركية، التي تذبح في النذور الشركية، وعند القبور، وعند الأصنام، وبأخبار الكهنة والسحرة والمشعوذين، أن يقولوا: اذبح ذبيحة لونها كذا، وصفتها كذا، فمن فعل ذلك وأطاعهم فهو ملعون. وهذه الذبائح كثرت في هذا الزمن خاصة في البوادي والقرى مع الكهنة والمشعوذين والسحرة أعداء الله. فليعرف المؤمن لمن يذبح، وليكن نسكه لله وقصده بذبيحته وجه الله، ولا يتقرب بشيءٍ من هذه إلى غير الله تبارك وتعالى.

لعن من آوى محدثا

لعن من آوى محدثاً {ولعن الله من آوى محدثاً} المحدث: هو الفاجر المتهتك في حدود الله، الذي اشتهر فجوره، كالسارق الذي تمرد على ولاة الأمور وعلى حدود الله، وكالمروّج للمخدرات، وكالفاجر الذي عرف فجوره، فمن ستره، وتستر عليه ودرأ عنه الحد، وحاول أن يتلبس به، وأخفاه عن ولاة الأمور، فهو ملعون؛ لأنه فعل جريمة، وجرح شعور المسلمين، ولأنه سبب في انتشار الجريمة والفاحشة في المجتمع المسلم.

لعن من غير منار الأرض

لعن من غير منار الأرض {ولعن الله من غير منار الأرض} منار الأرض: هو الحد الذي يفصل بين حق الرجل والرجل, في المزارع والحقول والديار والدور، وهو يسمى باللغة العامية التي ليست بصحيحة: الوتد، ويسمى: الحد، فمن غيّره على غير ما وضع له فهو ملعون، ولا يفعل ذلك إلا من قلَّ إيمانهم ويقينهم. نسأل الله العفو والعافية.

لعن من مثل بالحيوان

لعن من مثّل بالحيوان وقال صلى الله عليه وسلم: {لعن الله من مثّل بالحيوان} أي: شوه الحيوان، أو قتله من غير ذبحه، كأن يقطع رجله وهو حي، أو يقطع ذيله، أو يصعقه صعقاً، أو يرميه وهو واقف مربوط برصاص، فقد مثل به، أو قطع أذنه، أو فقأ عينه، فهو ملعون بلعنة الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لعن المتسخطات

لعن المتسخطات {ولعن الله الخامشة وجهها} في المآتم والمعازي، وهي التي تخمش وجهها من الجزع والهلع. {والشاقة جيبها} في مناسبة الموت تشق ثوبها فهي ملعونة. {والداعية بالويل والثبور} وهي التي تتسخط على القضاء والقدر، وقد سبق بيان ذلك في {النائحة}. فيا عباد الله! أخبروا أسركم بهذا، وأخبروا بناتكم وزوجاتكم وعماتكم وخالاتكم، وانشروا الخير في بيوتكم، وأخبروهم بمحارم الله وحدود الله؛ لئلا تنالهم لعنة الله وغضبه. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. وصلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين!

حب الصالحين

حب الصالحين إن الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، وبالحب في الله يجد العبد حلاوة الإيمان، ولكن في هذا الزمان انقلبت موازين الحب والبغض، فأصبح الناس يحبون أهل المال والفجور والغناء. فعلى المسلم أن يعرف من يحب، ومن يصاحب، ومن يجالس، وهناك ثلاثة أصناف من الناس لا تُصاحَب، وللإخوة حقوق يجب على المسلم مراعاتها.

مصاحبة الصالحين

مصاحبة الصالحين اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت من أطاعك قربته، ومن تقرب إليك أحببته، ومن عصاك أدبته، ومن حاربك خذلته وأهنته، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي النار سطوتك، وفي الجنة رحمتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك. لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، والصلاة والسلام على معلم الخير، وهادي البشرية، ومعلم الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، صلى الله عليه وسلم ما تعلقت عين بنظر، وما اتصلت أذن بخبر، وما هطل مطر، وما هتف ورق على شجر، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفاف وحياء وكرم قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم هذان بيتان للمجاهد الزاهد عبد الله بن المبارك رضي الله عنه يدعو فيهما إلى حب الصالحين، وتولي الأبرار، ومرافقة الأخيار.

الولاء والبراء من عقيدة أهل السنة والجماعة

الولاء والبراء من عقيدة أهل السنة والجماعة إن الولاء والبراء من عقيدة أهل السنة والجماعة، وإن حب الصالحين جعل محمداً عليه الصلاة والسلام يشتاق لـ بلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي. إن هذا الدين أخرج صلاح الدين من الأكراد، ومحمد الفاتح من الأتراك، فجعلهم في سبيل الله. إن التولي عن هذا الدين جعل أبا طالب وأبا لهب وأمية بن خلف في النار، وعقيدة الولاء والبراء وحب الصالحين وبغض المعرضين هي عقيدة كعقيدة الصيام والصلاة والزكاة. والله يصف أولياءه فيقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71]. فحب الصالحين طريق إلى الجنة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول عن هذا الحب: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان} وللإيمان حلاوة وذوق، لا يذوقه أهل البارات والخمارات، ولا أهل القصور والدور، ولا أهل المناصب والبساتين، ولا أهل ناطحات السحاب إذا كانوا بلا إيمان. فالإيمان له حلاوة يذوقها أولياء الله: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان -منها-: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله} لا للونه أو نسبه، ولا لمنصبه أو شهامته أو عصبه، ولكن لأنه مؤمن بالله العظيم. ويقول سبحانه: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] والعداوة تظهر يوم القيامة، وفي أثر: {أن الله ينادي الناس يوم القيامة، فيقول: يا أيها الناس! إنني جعلت نسباً، أو جعلتم نسباً فوضعتم نسبي ورفعتم أنسابكم، قلت: إن أكرمكم عند الله أتقاكم، فقلتم: أكرمنا فلان بن فلان وفلان بن فلان، فاليوم أضع أنسابكم وأرفع نسبي، إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. وقف حبيبنا صلى الله عليه وسلم على الصفا يعلن حقوق الإنسان، ويتكلم عن فضل الإنسان، وما ميزه الله به، وما هو أساس التمايز والتفاضل بين الناس، فيقول لبني هاشم -أسرة الريادة في العالم ولا يوجد أشرف من بني هاشم في الكرة الأرضية- قال: {يا بني هاشم! لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه} والمقصود هنا: أن من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان -وهذا هو أساس الدين-. قال ابن عمر: [[والله الذي لا إله إلا هو، لو أنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله وصمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، ثم لقيت الله لا أحب أهل الطاعة، ولا أبغض أهل المعصية، لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار]].

حب السلف بعضهم لبعض

حب السلف بعضهم لبعض الشافعي -الإمام العلم- هاشمي، ولكن ما نظر إلى هاشميته، ولا إلى قرشيته، بل نظر إلى تعامله مع الله، يقول في البيتين المشهورين: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة يقول: أنا عاصي، لكن لا أحب العصاة، وأنا مقصر في الطاعة، لكني أحب الطائعين، يقول الإمام أحمد له: تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم يرتجى نيل الشفاعة يقول: من أين خرج الإسلام إلا من بيتكم، ومن أين أشرقت شمس الرسالة إلا من عقر داركم، فأنت من الصالحين، ومن مثلك تطلب الشفاعة لصلاحك وخيريتك. كان الشافعي أكبر سناً من أحمد، وكان أكثر علماً في أصول الفقه والفقه، وكان يزور أحمد في بيته، فقال له تلاميذه: تزور أحمد وأنت أكبر سناً من أحمد، فرد ببيتين يقول فيهما: قالوا: يزورك أحمد وتزوره قلت: الفضائل لا تغادر منزله إن زارني فلفضله أو زرته فلفضله فالفضل في الحالين له

فضل الحب في الله

فضل الحب في الله رفعهم الله، لأن محبتهم في الواحد الأحد، وصح عنه عليه الصلاة والسلام: {أن رجلاً زار أخاً له في قرية، فأرصد الله في طريق هذا الزائر ملكاً من الملائكة، فوقف للزائر، قال: أين تريد؟ قال: أريد فلان بن فلان، قال: ماذا تريد منه؟ قال: أحبه في الله، فأريد زيارته في الله، قال: أمالك من نعمة عنده تربها؟ - أي: تردها بقاءها؟ - قال: لا. والله الذي لا إله إلا هو، ما زرته إلا في الله، قال: فأنا ملك أرسلني ربي أخبرك أن الله غفر لك ولصاحبك}. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا التقى المسلمان فتصافحا، تحاتت خطاياهما كما تحت الشجرة ورقها}. الإسلام يُبنى على الحب، والحب شجرة الإسلام، ولا يمكن أن تكون ولياً لله حتى تحب أولياء الله، فمن هم أولياء الله؟ هم أهل المسجد والمصحف والحديث والاستقامة والخير للمسلمين، قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ} [المائدة:55 - 56].

أثر غياب عقيدة الولاء والبراء

أثر غياب عقيدة الولاء والبراء لما مات الولاء والبراء، أصبح الكافر مقدم عند بعض المسلمين على المؤمن المصلي، ورأينا من سلخت شعائر العبادة والتوجه إلى الله من قلبه؛ يقدم الكافر الأشقر الوثني على المسلم المصلي لا لشيء، وإنما لأنه مهزوم من داخله، في قلبه مرض فزاده الله مرضاً، ينظر لهذا المسلم بعين الحقارة، وينظر لهذا الأشقر الأحمر بعين التعظيم والحضارة والمادة والصناعة، وهذا من الرذيلة التي ما بعدها رذيلة. كتب أحدهم سؤالاً يقول لنا: أخٌ في شركة إذا حضر وقت الغداء، تركنا وذهب يتغدى مع الخواجات. قلنا: المرء يحشر مع من أحب، فهو يحشر معهم، ولولا هذه الانهزامية في قلبه، ما فَعَل ما فَعَل، بل تجد بعض الناس يقدم للكافر من الخدمات والاحترام مالا يقدم عشر معشاره لإخوانه المسلمين، لأن صورة الإسلام ما وضحت في قلبه. [[عمر رضي الله عنه كتب له أبو موسى من العراق، فقال: عندنا نصراني وهو كاتب حذق فطن، فهل يكتب لي؟ فكتب له عمر: لا يكتب لك، فرد أبو موسى وقال: إنه كاتب حذق، فرد عمر قال: قاتلك الله! تقربهم بعد أن أبعدهم الله، وترفعهم بعد أن أهانهم الله، وتكرمهم بعد أن أذلهم الله، لا يكون لك كاتباً أبداً]]. إذا علم هذا، فيا إخوتي المسلمين! عاش السلف على هذا المنهج الرباني: أن تحب الرجل لا تحبه إلا لله. {قام عليه الصلاة والسلام خطيباً، فتحدث فقاطعه أعرابي، وقال: متى الساعة يا رسول الله؟ فلما انتهى قال: ماذا أعددت للساعة؟ قال الأعرابي: يا رسول الله! والله ما أعددت لها كثير صيام ولا صدقة ولا صلاة، ولكني أحب الله ورسوله، قال عليه الصلاة والسلام: المرء يحشر مع من أحب} وهذه قضية كبرى في حياة المسلم تجعله يحب الصالح لنفسه.

معرفة صاحبك وجليسك

معرفة صاحبك وجليسك قال رجل لـ ابن المبارك: مع من تنصحني أن أجلس؟ قال: اسمع مني، قال: نعم قال: من كان ملتمساً جليساً صالحاً فليأت حلقة مسعر بن كدام فيها السكينة والوقار وأهلها أهل العفاف وعلية الأقوام في الناس مجالس تقرب من النار والعار في الدنيا والآخرة، فهناك مجالس في المجتمع من مجالس جهنم، من مجالس إبليس يدار في بعض مجالس اللاهين العابثين الاستهزاء بالله ورسوله وبالجنة والنار ولقاء الله، وبعضهم يستهزئ بالدعاة والعلماء وطلبة العلم، فالجلوس مع مثل هؤلاء قطعة من النار والعار والدمار والشنار في الدنيا والآخرة إلا أن يعظهم وينصحهم، وإن من الناس من حبه بُعدٌ من الله عز وجل. قال جعفر الصادق لابنه: [[يا بني! لا تصاحب ثلاثة، فقد غضب الله عليهم: لا تصاحب عاق الوالدين فإن الله قد تبرأ منه، ولا تصاحب الكذاب فإنه يقرب لك البعيد ويبعد عليك القريب، ولا تصاحب البخيل فإنه يبيعك بأدنى سبب]]. إذا علم هذا فليعرف العبد من يجالس، ومن يؤاكل، ومن يحب، قال صلى الله عليه وسلم في حديث حسن: {لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي} ولما حضرت عمر سكرات الموت قال: [[ما آسى على الحياة إلا على ثلاث -وذكر منهم-: رفقة أجلس معهم ينتقون أطايب الكلام كما ينتقون أطايب التمر]]. وهؤلاء أولياء الله إمامهم محمد عليه الصلاة والسلام، ودستورهم القرآن، وبيوتهم المساجد. ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري وفي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: {يقول الله يوم القيامة: أين المتحابون في جلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي}.

عاقبة جلساء السوء

عاقبة جلساء السوء يا إخوة الإسلام! يا شباب الإسلام! أحذركم جلساء السوء: قوم جلسوا على الأرصفة يروجون المخدرات ويرتكبون المحرمات ويقاطعون الصلوات، ويستمعون الأغنيات الماجنات، قوم تخلوا عن الأدب، وحاربوا منهج الأنبياء والرسل، معهم كل لهو ولعب، صدوا عن منهج الله، وحرفوا شباب الإسلام عن بيوت الله. الجليس السيء مؤذٍ، قال ابن القيم: وهل كان أشأم على أبي طالب من أبي جهل؟ أبو طالب أراد أن يتحرك في سكرات الموت ليقول: لا إله إلا الله -ولو قالها؛ لسعد في الدنيا والآخرة- ولكن منعه أشأم الناس عليه. معلم الخير الزعيم العالمي المصلح عليه الصلاة والسلام كان عنده حين حضرت عمه سكرات الموت، فأخذ -صلى الله عليه وسلم- رداءه مسرعاً من البيت، وعلي بن أبي طالب -الشاب المؤمن- يقول: يا رسول الله! عمك الشيخ الضال في سكرات الموت، انظر الولاء والبراء عند علي يقول: عمك، يعني: أبي الشيخ الضال، لأنه ليس مسلماً فأخذ صلى الله عليه وسلم رداءه مسرعاً يريد أن يلحقه في ساعة الصفر -ساعة الموت- التي يذعن فيها المتكبر، ويسلم فيها الكافر، ويفتقر فيها الغني، ويلين فيها القاسي، يريد أن يظفر بلا إله إلا الله، يريد أن يحاج له بلا إله إلا الله، فدخل فجلس عنده، ولكن الجليس السيء المجرم السفاك الأجرب أبو جهل كان جالساً من قبل، فيقول عليه الصلاة والسلام: {يا عمِّ! قل: لا إله إلا الله؛ كلمة أحاج لك بها عند الله، فتنحنح أبو طالب واتكأ وأراد أن يقولها، فقال أبو جهل: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ لا تقل لا إله إلا الله، فمات على غير لا إله إلا الله}. انظر إلى الجليس السيء هامان وقارون كان أحدهم عن يمين فرعون والآخر عن يساره، فكلما أراد أن يهتدي ويعلن لا إله إلا الله، خيبوا طريقه وأظلموا بصائره. وهذه هي حاشية السوء وبطانة الردى، كلما أراد أحد أن يعمل خيراً أو وينتج أو ينصر الدين؛ أزوه أزاً وهم شياطين الإنس والجن، فلذلك كان فرعون في قلبه لا إله إلا الله، يقول له موسى: يا مجرم! والله إنك لتعلم أنه لا إله إلا الله، كما قال تعالى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] ولكن رفضها مستشاراه ووزيراه ومفوضاه، كلما أراد أن يعلن لا إله إلا الله، رفضا ولم يضر المسيرة الإسلامية إلا جليس السوء. والعرب تقول: الصاحب ساحب، وهو لصٌ يأخذ منك ما لا تأخذ منه. عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي يقول عليه الصلاة والسلام كما صح عنه: {مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، أما حامل المسك فإما أن تشتري منه وإما أن يحذيك، وأما نافخ الكير فإما أن يحرق ثيابك أو تجد منه رائحة منتنة} فأنقذوا أنفسكم من جلساء السوء، وعصابات الإجرام، وأصحاب الفاحشة الذين يريدون أن يكون الدين عوجاً ولا يريدون صلاحاً للعباد والبلاد والأمة. وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، أقول هذا وأستغفر الله العظيم الجليل فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

حقوق الأخوة في الإسلام

حقوق الأخوة في الإسلام الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، الحمد لله على ما أعطى، والحمد لله على ما أسدى، والحمد لله على ما رفع وسوى، الحمد لله جعلنا خير أمة أخرجت للناس، الحمد لله جعل إمامنا خير الرسل وكتابنا خير الكتب وقبلتنا خير ما يتوجه إليه، والصلاة والسلام على معلم الخير، وهادي البشر خير من بعث بالرسالة الخالدة، فأخرج الإنسان من الظلمات إلى النور وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الدعاء في ظهر الغيب

الدعاء في ظهر الغيب الإخاء في الإسلام له حقوق، ومن حقوق الإخاء: دعوة الغائب للغائب، أن تدعو لأخيك بظهر الغيب، وأن تسأل الله -عز وجل- له التوفيق والسداد. {عمر بن الخطاب ذهب يؤدي عمرةً -والحديث عند الترمذي - فاستأذن الحبيب عليه الصلاة والسلام ليأذن له أن يعتمر، فلما مرَّ ووقف في ساعة الوداع، قال له عليه الصلاة والسلام: لا تنسنا من دعائك يا أخي} عجباً! التلميذ يدعو لشيخه؟ الطالب يدعو لمعلمه؟ ورقة عمر من شجرة محمد عليه الصلاة والسلام. كان عمر يتذكر هذه الكلمة، فنسي عمر كل شيء إلا هذه الكلمة، وغفل عن كل شيء إلا هذه الكلمة، كان إذا ذكرها في أيام الخلافة بكى، وقال: [[عجباً {لا تنسنا يا أخي من دعائك}. كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما فيها]]. وعند أحمد في المسند وغيره أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {يقدم عليكم رجل من أهل اليمن اسمه أويس بن عامر القرني، له والدة هو بها بار، أصابه برص فبرئ منه إلا موضع درهم، فمن لقيه منكم، فليطلبه ليدعو له، أو يستغفر له} سبحان الله! رجل لم يدرك الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه رجل صالح دعاؤه مقبول، في بعض الروايات: {يشفع يوم القيامة في مثل قبائل مضر يدخلهم بإذن الله الجنة}. قدمت وفود اليمن سنة بعد سنة، وكان أبو بكر وهو خليفة ينتظر الوفود ويسألهم، لكن ما حظي بهذا، وتوفي أبو بكر، وتولى عمر وسأل قوافل اليمن: [[أفيكم رجل اسمه أويس بن عامر؟ حتى لقي وفداً قالوا: نعم فينا، قال: أين هو؟ قالوا: يرعى الإبل في الصحراء، وجئناك نسلم عليك -لم يكن له ميزان ومكانة من تفاهته عندهم في ميزان البشر وميزان الجاهلية، جعلوه يرعى الإبل- قال عمر: أله والدة هو بها بار؟ قالوا: نعم. قال: أصابه برص فشفي منه وبقي منه أثر؟ قالوا: نعم. قال: قوموا بنا، فقام هو وعلي على حمار والصحابة حوله]]. جزى الله المسير إليك خيراً وإن ترك المطايا كالمزاد سلام عليك يا عمر تركب الحمار ولكنك أرغمت الدنيا للا إله إلا الله، تركب الحمار، ولكن أبطالك دخلوا حدائق الأندلس بسيوف لا إله إلا الله، تركب الحمار، ولكنك دست تحت حذائك إمبراطورية كسرى وهرقل عظيم الروم، وأعلنتها في الخافقين أن لا حكم إلا لله. عمر تاريخ أمة، ودستور حياة، وقصة مجد، فوصل إلى أويس ووجده يصلي الضحى ما عنده من الدنيا قليل ولا كثير. ديننا هذا يجعل الإنسان المسكين الذي ينام على الرصيف خيراً من ملايين مملينة من الذين ينامون في ناطحات السحاب وهم لا يعرفون الله، صاحب القصور بلا إيمان دابة، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:125 - 126]. [[وقف عمر عليه على أويس فقال: من أنت؟ قال: أويس بن عامر، فسأله قال عمر: ادنُ مني، فدنا، فقبله عمر، فبكى هذا الرجل -قبلة حظي بها من عمر بن الخطاب الزاهد الشهيد الشهير، هي خير من الدنيا وما فيها- قال: استغفر لي، فبكى أويس، وقال: يا أمير المؤمنين! أأنا أستغفر لك وأنت أفضل مني؟! -إي والله، والله لـ عمر أفضل من أويس وآلاف أويس، ولكن دعوة أويس طيبة- قال: استغفر لي، قال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين، قال: أتبقى معي؟ قال: يا أمير المؤمنين! اتركني في غمار الناس لا أعرف، فتركه في غمار الناس حتى مات]]. دعوة الصالح للصالح من أحسن ما يكون وأفضل الدعاء دعوة غائب لغائب. وصل ابن الإمام الشافعي بعد وفاة أبيه إلى أحمد، فقال له أحمد: أبوك من السبعة الذين أدعو الله لهم في السحر وأنا في السجود، سبعة أسماء كان يحفظها أحمد بأسمائهم وأسماء آبائهم، اللهم اغفر لفلان بن فلان، وفلان بن فلان سبعة، وهذا يوم كان حب الله في قلوبهم، فلما نزل حب الدنيا في قلوبنا؛ تحاسدنا وتباغضنا وتقاطعنا وتحاربنا إلا من رحم ربك. أيعقل أن أمة تربى على الكتاب والسنة يجلس عند القضاة الصهر مع صهره؟! سل المحاكم والقضاة، أصبح النهب والسلب والقتل بين الجيران والأرحام، جار ما سلم على جاره أكثر من عشر سنوات من أجل قطعة أرض، أمة أعرضت عن نور الرسالة وملأت قلوبها بالتراب؛ فامتلأت غضباً وحقداً وحسداً.

صفاء القلب للأخ المسلم

صفاء القلب للأخ المسلم ومن حقوق الأخوة: صفاء القلب للأخ المسلم أن تصافيه، وألا تجد عليه موجدة، وألا تحمل عليه ضغينة ولا غشاً، وصفاء القلوب هذا يوصل العبد إلى درجة الأبرار ويجعله أعظم من الشهداء. محمد عليه الصلاة والسلام يجلس مع أصحابه، فيقول في الحديث المشهور: {يخرج عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فيأتي رجل معه حذاؤه بيده اليسرى مبلل من الوضوء ويتقاطر من لحيته -الجميلة الرائدة- الماء فيصلي ركعتين، وفي اليوم الثاني كذلك وفي اليوم الثالث، فيسأله أحد الصحابة بعد أن بات عنده: ماذا كنت تعمل؟ قال: أنا لست بكثير صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكن -والله- ما نمت ليلة فوجدت في نفسي على مسلم حقداً أو حسداً أو ضغينةً أو بغضاً، قال الصحابي: تلك التي ما استطعناها}. بعض الناس يصلي في المسجد ويزكي ويصوم، ولكن لو أذن له أن يقتل كثيراً من الناس لفعل، في قلبه نارٌ مدلهمة مؤصدة على المسلمين، وهذا يدل على انطفاء نور الإيمان.

الدفاع عن الأخ في غيبته

الدفاع عن الأخ في غيبته ومن حقوق الأخوة: أن تدافع عن أخيك في ظهر الغيب، والأعراض اليوم رخيصة، يغضب اليهودي في فلسطين لليهودي في هولندا واليهودي في هولندا يغضب لليهودي في روسيا، أما المسلمون اليوم فأصبحت أعراضهم رخيصة، كثير ممن يدعي نصرة الإسلام، ولكنَّ عدوه اللدود أخوه المسلم، يهتك عرضه في المجالس، وينهمر في دمائه ولحمه، يعدد أخطاءه ويضخمها ويكبرها وينسى حسناته، وهذا هو الذي عطل مسيرة الدعوة وانتصارها سنوات طويلة، ولن ننتصر إلا يوم نكون تحت راية واحدة، وحب واحد، ووراء إمام واحد وهو محمد عليه الصلاة والسلام.

النصيحة

النصيحة من حقوق الأخوة: النصيحة: ويعترف بالنصيحة ولا يعترف بالفضيحة، يقول الشافعي: تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة تفضحني أمام الناس، وتنصحني وتشهر بي، وتعرض سيئاتي في المجالس، وتقول: أريد هدايته، والله لو صدقت لأسررت النصيحة، ولقدمتها بقالب من الود والحب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم}. فأما النصيحة لله: فتجريد العبادة والتوحيد له. وأما لرسوله: فتجريد المتابعة. وأما لكتابه: فالإقبال عليه بشغف، وتدبره والعمل به. وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فعدم شق عصا الطاعة ما لم يُر كفر بواح، وجمع الكلمة والدعاء لهم بظهر الغيب. وأما النصيحة لعامة المسلمين: فأن تشفق عليهم، وتقدم لهم النصيحة بقالب من الود، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة ويوم الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله! كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت -أي بليت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء}. اللهم صلِّ وسلم عليه ما ذكره الذاكرون وما غفل عنه الغافلون، وصلِّ على صحبه الأبرار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم أصلح بالهم، اللهم كفر عنهم سيئاتهم، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، واهدهم سبل السلام، اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر المسلمين المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر كل من نصر هذا الدين، وأعلِ كلمته، ووحد صفوف المجاهدين، واجمع شملهم على الحق يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

كيف تكون جبانا؟

كيف تكون جباناً؟ الشجاعة وسام لا يأخذه إلا من كانت روحه عنده رخيصة في سبيل غايته، ولايخاف الموت. أما الجبن فهو صفة ذم، والرجل الجبان يكون دائماً ذليلاً مهاناً، وقد ضرب لنا التاريخ صوراً رائعة لأناس قدموا أرواحهم ليقيموا مبادئهم. والشجاعة غالباً صفة في المؤمنين، وقد تجد في العصاة والكفرة شجعاناً.

ذم الجبن

ذم الجبن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: أصحاب الفضيلة، يا شباب الصحوة، أيها الأخيار الأبرار: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. اللقاء يتجدد، والحب يزيد، والصلة تنمو، والمقصد الله فهو يعلم ما نريد. عنوان هذا الدرس: كيف تكون جباناً؟ وما هي الطرق التي تساعدك على أن تكون جباناً مع التعلم والممارسة ومع التدرب هذا هو ملخص ما أريد أن أقوله. سأل الرسول عليه الصلاة والسلام ربه أنه يعيذه من الجبن، فقال صلى الله عليه وسلم: {اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال} واستعاذ الصالحون من الجبن، وقد عدته العرب جريمة كبرى وسيئة في الرجل، ومن أعظم مميزاته وأعطياته صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة المحمدية أنه أخرجهم شجعاناً، يقول المتنبي في الشجاعة: أطاعن خيلاً من فوارسها الدهر وحيداً وما قولي كذا ومعي الصبر وأشجع مني كل يوم سلامتي وما ثبتت إلا وفي نفسها أمر تمرست بالآفات حتى تركتها تقول أمات الموت أم ذعر الذعر وأقدمت إقدام الأبي كأن لي سوى مهجتي أو كان لي عندها وتر إلى آخر ما قال. ولكن أقصد في هذه المحاضرة مقاصد تهم المسلم، وهي من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتوحيد الذي أتى به رسولنا عليه الصلاة والسلام عدو للجبن والخوف من غير الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، والجبناء يموتون في اليوم مرات والشجاع يموت في عمره مرة واحدة، والجبان يتوهم كل شيء ضده، والشجاع يتصور أنه ضد كل شيء إلا كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وما والاهما. ولقد سطر أبو بكر الصديق كلمة رائدة حفظها الناس وتكلم عنها المفكرون حتى الغربيون منهم، وهي قوله للصحابة: [[اطلبوا الموت توهب لكم الحياة]] فإن من طلب الموت وهب الله له حياة سعيدة هنية، فيعيش منشرح الصدر، وقال ابن القيم في أسباب انشراح الصدر في زاد المعاد: ومنها الشجاعة وسعة صدر الشجاع، فإن الله يشرح صدره بشجاعته وإقدامه. وهذا أمر معلوم، فإن الهم والذلة وحقارة الحال والهلع والجزع تأتي مع الجبن، وإن السعادة والانشراح والضحك والبسمة تأتي مع الشجاعة والإقدام، وفرض الرأي، وقول كلمة الحق التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، قال عبادة في الصحيحين: {با يعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عصابة حوله أن نقول الحق ولا نخشى في الله لومة لائم} وعند ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: [[أخذ عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول الحق ولو كان مراً]] والحق مرٌّ قد يذهب بالنفوس ويطير بالرءوس، لكن لأن الحق في الأرض لا يقوم إلا على قطع الرءوس وإذابة النفوس؛ وجب أن يكون هناك شجاعة إيمانية يحملها رواد محمد عليه الصلاة السلام. ولما قام مسيلمة الكذاب في اليمامة، وادعى النبوة؛ زج أبو بكر الصديق بشباب من شباب محمد عليه الصلاة والسلام في وجهه وقال: [[والذي نفسي بيده لأقاتلنه بقوم يحبون الموت كما يحب الحياة]] وقالها عمر لأهل فارس، وقالها كثير غيره فرضوان الله عليهم، وقال أبو بكر الصديق على المنبر: [[والذي نفسي بيده لأرسلن لهم خالداً يذهب وساوس الشياطين من رءوسهم]].

الفرق بين الشجاع والجبان

الفرق بين الشجاع والجبان قال المتنبي: أرى كلنا يبغي الحياة بجهده حريصاً عليها مستهاماً بها صبا فحب الجبان النفس أورده البقا وحب الشجاع الحق أورده الحربا يقول: إن الجبان يحب الحياة وكذلك الشجاع، ولكن الفرق بينهما أن هذا يحيا سعيداً مكيناً مرفوع الرأس، وذاك يحيا خائفاً جباناً فاتراً متخلفاً، ويقول الله عز وجل عن شجاعة أهل الإيمان وإقدامهم، وعن فرضهم لرأيهم الحق، وعن كفاحهم ومدافعتهم عن آرائهم وأقوالهم ومبادئهم: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة:52] أي: قل يا محمد أنت وأصحابك وجيلك للكفرة والعملاء والزنادقة والمارقين والمرتدين: إنكم تتربصون بنا إحدى الحسنيين؛ إما أن نعيش أعزة نحمل المبادئ ونحن أقوياء، أو أن نموت في سبيل الله شهداء وهذا مكسب عظيم، ويقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]. فبين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن الأجل بيده، وأنه لا يتدخل أحد في تقديم ساعة أو تأخيرها ساعة، ولا يملك النفوس إلا الله. وتهدد الله اليهود الجبناء بالموت فقال: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجمعة:8] فأخبر أنهم جبناء يحبون الحياة، وقال تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96] قال أهل العلم: إنما نكَّرها لِتعم فمعناها حياة، لكنها أي حياة، حياة البهائم، وحياة الوحوش والزواحف وحياة القردة والخنازير، أي حياة ولو كانت بلطم الوجوه، ولو كانت بكسف البال. قال الله: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة:96] ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للصحابة ولمن سار على منوالهم من أمثالكم ممن يتوضأ خمس مرات، ويحمل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] في قلبه: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] يقول: إن تعبتم أو أرهنتم أو خفتم؛ فإن العدو الكافر المنافق يناله مثلما ينالكم. وهذا صحيح، فإنكم تعلمون أن كثيراً من المخطئين الضالين، من البعثيين والماركسيين والعلمانيين والحداثيين، والدجالين الماكرين وشربة الخمور والزناة يحبسون ويجلدون ويقتلون، ومع ذلك تجد الواحد يصامد ويجالد من أجل فاحشته ومنكره ومبدئه الخاطئ. ولكن يقول الله: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] يقول: اصبروا قليلاً كما صبروا، مع العلم أنه ينالهم الأذى والقرح، وأنتم كذلك ينالكم الأذى والقرح، ولكن النتيجة مختلفة. وهذا كما قال النابغة الجعدي لما وفد على الرسول عليه الصلاة والسلام واستهل قصيدته يمدح قبيلته: تذكرت والذكرى تهيج على الفتى ومن عادة المحزون أن يتذكرا فلما قرعنا النبع بالنبع لم تكن على البعد في عيدانه أن تكسرا سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا يقول: ما أتوا إلينا وهم نساء، أتوا ومعهم سيوف تقطع الرءوس ومعنا سيوف، فسقيناهم الموت وسقونا الموت بها، وصبرنا قليلاً فانتصرنا. وننكر يوم الروع ألوان خيلنا من الضرب حتى نحسب الجو أشقرا إلى أن يقول في نهاية قصيدته: بلغنا السما جوداً وجداً وسؤددا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا قال عليه الصلاة والسلام وهو يهتز متبسماً: إلى أين يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة. قال: لا فض فوك، فعاش مائة سنة ما سقط له سن ولا ضرس والشاهد هنا أن المسلم يناله الضر لكن النتيجة مختلفة.

المؤمن شجاع والكافر جبان

المؤمن شجاع والكافر جبان قال عمر بن الخطاب: [[اللهم إني أعوذ بك من عجز الثقة وجلد المنافق]] فكون الفاجر شجاعاً والمؤمن جباناً؛ هذه مصيبة وداهية لا تتصور، ولذلك انظر إلى أبناء البعث الآن الذين رباهم الخونة والعملاء مثل: ميشيل عفلق وأحمد حسن البكر وصدام حسين " تجد الواحد ينطلق ويتفجر تحت الدبابة، ويقف أمام المدفع، ويطلق العيارات النارية وكأنه يزغرد في أبهة العيد، وتجد الماركسيين يدخلون أفغانستان وتنفجر بهم الدبابات وتشدخ رءوسهم على الجبال، وكأنهم يغنون ويطبلون ويرقصون، وتجد بعض الناس من المؤمنين ممن يصلي الصلوات الخمس إذا هبت الريح من الباب أغمي عليه ورش بالماء، فيقول عمر: [[اللهم إني أعوذ بك من عجز الثقة، وجلد المنافق]] وسوف تأتي أخبار لهؤلاء. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران:145] فهل سمعتم أن أحداً مات بغير إذن الله؟ لا. لأن الله غالب على أمره، ولأن الأوامر من عنده؛ ولا يسبق أحد أجله، فإذا أذن الله فالموت، وإذا لم يأذن فلو اجتمع أهل الأرض على أن تموت فلن تموت أبداً. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمران:157] يقول: اتقوا الله واعملوا صالحاً، وقولوا الحق، وقدموا الرأي الصائب، فإن قتلتم فإلى جنة عرضها السماوات والأرض، وإن عشتم فإلى خير، أما الجبان فإنه يموت حقيراً ويعيش حقيراً. وقال تعالى عن أوليائه: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب:39] فهم يبلغون الرسالة ويظهرون مبدأهم ويقولون رأيهم، ويقولون لصاحب المنكر: خف الله واتق الله، ويمنعون المنكر في الأرض، ومع ذلك لا يخافون إلا من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم مدح الله أوليائه فقال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23]. دخل طلحة وعليه ثياب خضر، وقد رد بيده عن المصطفى في أحد كل سيف ورمح وسهم، فدخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23] ونظر إلى طلحة فقال: {هذا ممن قضى نحبه} هذا من الجيل الصادق الذين قدموا رءوسهم في المعركة. ومنهم عمير بن الحمام يأكل التمر يوم بدر، قال عليه الصلاة والسلام: {يا أهل بدر إن الله اطلع عليكم فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، يا أهل بدر، والله ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة، فألقى عمير التمرات من يده وقال: بخ بخ، إذا بقيت إلى أن آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة} ثم أخذ غمد السيف وكسره على ركبتيه -وهذه ساعة الصفر عند العرب- ثم أخذ السيف وقاتل حتى قتل وهو ينشد: فليس على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما يقول: أحسن الحياة أن أتقدم قبل أن أقتل وأنا مهزوم، فهي خيبة في الدنيا وخيبة في الآخرة. يقول السموءل، وهو يهودي كان يسكن خيبر، وقد أقر له الناس بالشجاعة، وقد يوجد في اليهود شجعان، والجبن صفة عامة فيهم، لكن النادر لا حكم له، فقد يخرج منهم اليوم شجاع، وبالأمس شجاع مثل مرحب والسموءل، فهو يقول: يقرب حب الموت آجالنا لنا وتكرهه آجالهم فتطول وإنا لقوم لا نرى القتل سبة إذا ما رأته عامر وسلول وعامر وسلول جارتاه من القبائل، ترى الموت سبة أما نحن فنراه مدحاً.

مواجهة المؤمنين الموت لأجل مبادئهم

مواجهة المؤمنين الموت لأجل مبادئهم قُتل مصعب بن الزبير في العراق، فقال أخوه عبد الله في مكة: [[والله الذي لا إله إلا هو لا نموت نحن آل الزبير حبطاً ولا حبجاً كما يموت بنو مروان، إنا نموت تحت ضرب السيوف وقصع الرماح]] وقد صدق؛ فقد قتل الزبير وأبناؤه وعائلته كلهم في سبيل الله، بل عبد الله بن الزبير تطيب وتحنط ولبس أكفانه وأتى إلى أمه أسماء ذات النطاقين الطاهرة الصادقة، فقال: يا أماه! الحجاج قد أغلق علي الحرم ومعه اثنا عشر ألفاً وما عندي إلا خمسمائة، فماذا أفعل هل أسلم نفسي؟ قالت: لا. اتق الله لا تسلم نفسك، قاتل حتى تقتل. قال: والله ما أخاف القتل ولكن أخشى أن يمثل بي إذا قتلني -يعني يقطع أنفي ويبقر بطني - قالت: لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها - لله درها - فصمد وصمد حتى قتل، فصلبه الحجاج ومرت به وسلمت عليه وهو مصلوب، فقالت: السلام عليك أما آن لهذا المصلوب أن يترجل وللفارس أن ينزل. وفي مثله يقال: علو في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات لعظمك في النفوس تبيت ترعى بحراس وحفاظ ثقات

العقيدة منهج حياة

العقيدة منهج حياة يقول عليه الصلاة والسلام كما عند أحمد والترمذي بسند صحيح: {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك} فلماذا لا نربي في نفوسنا عقيدة التوحيد؟ ولماذا لا نأخذ العقيدة التي ندرسها في الطحاوية ومعارج القبول وكتاب التوحيد ونجعلها عملاً وحياةً ورأياً ونصيحة؟ أما أن نحفظها ولا نطبقها فهذا لاينفعنا لا في الدنيا ولا في الآخرة. أيضاً: يقول عليه الصلاة والسلام لـ ابن عباس: {واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشي لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} وهذا قضاء من الله. وعند أهل السير حديث ذكره ابن كثير في التفسير عنه عليه الصلاة والسلام أن الله عز وجل قال: {وعزتي وجلالي ما اعتصم بي عبد ثم كادت له السماوات والأرض إلا جعلت له من كيدها فرجاً ومخرجاً، وعزتي وجلالي ما اعتصم بغيري عبد إلا أسخت الأرض من تحت قدميه}. وهذا بأن يجعل الله عز وجل أمر العبد إليه وأن يكله إلى نفسه؛ لأنه لم يعتمد على الله، ولم يقل كلمة الحق، ولا شجع نفسه، ولا علم أن الخالق والرازق هوالله، وأن الناس لا يملكون ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً. العجوز التي دخلت على الحجاج وقد قتل ابنها في أول النهار، ثم أخذها بعد صلاة الظهر وأدخلها عليه وقال: "أتدرين يا فلانة أنا قتلنا ابنك؟ قالت: لو لم تقتله لمات". فقد قتلته وهذا أجله قضاءً وقدراً من الله. وأتت الخنساء النخعية في معركة القادسية ومعها أربعة أبناء كأن وجوههم القمر ليلة أربعة عشر، وقد لبسوا أكفانهم، فأخذت الأربعة وقبلتهم وقالت: "يا أبنائي، والله ما خنت أباكم ولا هجنت خالكم، والله إنكم من نسل رجل واحد، وأنتم والله من أحب الناس إلى قلبي، فإذا أتيتم المعركة فيمموا أبطالها، واقصدوا وطيسها، ثم لا تعودوا، فإني ما ادخرتكم إلا لهذا اليوم، فقتلوا جميعاً، فلما أخبروها ضحكت وقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم جميعاً في سبيل الله "، فلله درها ما أجمل تلك العبارات! ومرض الجبن في الجبناء يكثر بالوهم، وأكثر مرض الناس وَهْمٌ من أحاديثهم وما تفتعله خواطرهم، وما يترصدونه من الحوادث، وما يشعرون له من نقص إيمان، حتى يقول الله عز وجل عند ذلكم الصنف من المنافقين: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:4] فإذا تحرك الباب خاف وأغمي عليه، وإذا سمع طقطقة الأحذية أو أن هناك قراراً يكتب قامت قائمته وثائرته وما نام الليل، وإذا سمع أن هناك تدبيراً تقلب على الفراش، والله يقول لأوليائه: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] فيقول: الإبرام عندنا وفتل الحبال عندنا، وهذه كما يقول أحدهم: تقضون والفلك المسير ضاحك وتقدرون فتضحك الأقدار فالحبال تفتل من فوق سبع سماوات، والتقدير من عنده سبحانه فلا ضرر ولا نفع ولا حياة ولا موت إلا من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

الخوف من الله هو الحق

الخوف من الله هو الحق الجبناء يخافون من البشر أكثر مما يخافون رب البشر، وأنا أقولها كلمة صادقة لا أكذب فيها بإذن الله: والله العظيم لو أن كثيراً من الناس خافوا من الله كما يخافون من البشر لصلحت أمورهم في الدنيا والآخرة. ووالله إنا نعلم من أنفسنا ومن كثير من الناس أننا قد نغتاب أو ننم أو نعصي الله، ولكن عند الناس نراعي ألفاظنا ونراعي كتبنا ومحاضراتنا، كل هذا خشية من لفت النظر، أفلا خشينا من لفت نظر الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، الذي يعلم السر وأخفى، والذي كل الأمور بيده، والذي لا ينفع ولا يضر أحد إلا بإذنه! وكيف لو أن هذه التقوى والمراعاة والحرص والتأني كانت في جانب العبادة؟ وكيف لو أن هذا الهدوء والانضباط والتعقل والحكمة كانت في جانب الدين؟ كيف لو أن هذا الرشد والنضوج العقلي كان مع الله عز وجل؟ لصلحت الأمور، وارتاح الناس في دنياهم وأخراهم، وكفل الله لهم النصر ما داموا على قيد الحياة والأجر والمثوبة من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. قال علي بن أبي طالب -وهي كلمة متينة نفيسة عظيمة -: [[الأجل درع حصينة]] يعني: أجلك درع لك، فلن تموت إلا بأجل. خرج يوم صفين فخلع الدرع، قال ابنه: كيف تخلع الدرع يا أبتاه وهو يقيك، قال: أي يومي من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر سبحان الله! يقول: لماذا أخاف من القدر؟ إن كان كتب الله عليَّ الموت فسوف أموت، ولا تغني الدروع {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] وإن كان الله كتب لي الحياة فلن يصلني موت، وهذه عقيدة علي بن أبي طالب الذي قدم رأسه في كل معركة، ثم قتل في المسجد رضي الله عنه. خالد بن الوليد يطلب الموت والشهادة في كل مكان، وكلما حضر معركة سأل الله الشهادة، وقد خاض في الجاهلية والإسلام مائة معركة، كان قائدها ومؤججها وأستاذها. تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها وللعلم فإنه مات على الفراش، لأن الله كتب له أنه يموت على الفراش، وقال: [[لقد طلبت الشهادة في أكثر من مائة معركة، وما في جسمي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وهأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء]] رضي الله عن خالد، أخرجوه في الجنازة من حمص، فقامت أخته فاطمة من داخل البيت وجنازته يمر بها الأبطال على رءوسهم، فتقول: أنت خير من ألف ألف من القوم إذا ما كبت وجوه الرجال ومهين النفس العزيزة للذكر إذا ما التفت صدور العوالي

أعظم الشجاعة الخوف من الله

أعظم الشجاعة الخوف من الله وأعظم الشجاعة خوف الله، والخائفون من الله هم أشجع الناس، وهم الذين يؤدون أوامر الله عز وجل ويجتنبون نواهيه، كما قال الأول: ليس الشجاع الذي يحمي فريسته عند القتال ونار الحرب تشتعل لكن من رد طرفاً أو ثنى وطراً عن الحرام فذاك الفارس البطل فأشجع الناس من راعى مابينه وبين الله، ورد نفسه عن الحرام، وكسرها وقت الغضب ووقت الشهوة ووقف عند الحدود، هذا هو الشجاع المحفوظ بحفظ الله عزوجل الذي ينتصر، ولذلك قال بعضهم: لا ينتصر العبد في المعركة حتى ينتصر في نفسه على الشهوات والمعاصي والمخالفات.

الجبناء عند العرب

الجبناء عند العرب أما الآن فأتوقف بكم قليلاً مع الجبناء وأخبارهم؛ لأن المحاضرة بعنوان: كيف تكون جباناً؟ فما هي الطرق السليمة الموصلة لأن تكون جباناً؟! ضربت العرب أمثله لجبناء، فقالوا عن الجبان: نعامة فتخاء وقالوا عنه: دجاجة. وقالوا: الحدأة القتول وقالوا: الظليم. وكلها من أمثلة الجبن وكانت العرب لا تولي سيداً جباناً، بل تشترط فيه شرطين: الأول: أن يكون شجاعاً. والثاني: أن يكون كريماً. ولكن قد يكون الجبن جبلة، والإسلام يرد الجبناء فيعلمهم أن يحملوا شجاعة الرأي والفكر والعلم والقتال، ليصبح الناس مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ومثال شجاعة الرأي شجاعة العلم، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُون إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:160].

من أجبن العرب

من أجبن العرب من أجبن العرب، أبو حية النميري، كان جباناً يضرب به المثل، أخذ سيفاً من خشب، فكانت قبيلته إذا قاتلت أخذ السيف من الخشب وجلس في آخرهم، فإن انتصروا ضارب معهم وإن هزموا فر، وكان يسمي سيفه (ملاعب الأسنة) وكان يعرض سيفه من الخشب أمامه ويقول: يا سيف، كم من نفس أهدرتها ومن دم أسلته!! قال عنه ابن قتيبة في عيون الأخبار وصاحب العقد الفريد: دخل كلب في ظلام الليل بيته، فخرج هو وزوجته وتناول السيف -سيف ملاعب الأسنة- وخرج خارج المنزل وأخذ يقول: الله أكبر وعد الله حق. فاجتمع أهل الحي -وأظنه عاش في الإسلام في القرن الأول، وقالوا: مالك؟ قال: عدو محارب انتهك عرضي ودخل عليَّ في البيت وهو الآن في البيت. ثم قال: يا أيها الرجل اخرج إن كنت تريد مبارزة فأنا أبو المبارزة، وإن كنت تريد قتلاً فأنا أم القتل كل القتل، وإن كنت تريد المسالمة فأنا عندك في مسالمة. فبقي يتراود ويضرب الباب بالسيف وينادي، فلما أحس الكلب بجلبة الناس خرج من بينهم، فألقى السيف من الخوف وقال: الحمد لله الذي مسخك كلباً وكفانا حرباً. ومنهم أيضاً: قائد مشهور أخذ القيادة بغير كفاية وجدارة وقدرة، يسمونه: ابن عبد ربه، ويسميه المؤرخون: ضرطة الجمل، أخذ أبناء المسلمين وذهب بهم إلى فارس، وكان يمضي في الليل وينام في النهار شهراً، حتى استعد أهل فارس وتترسوا وقووا كتائبهم، ثم بدأ الهجوم فكان هو أول من انهزم، ودخل المدينة على بغلته وترك أبناء المسلمين يقاتلون أهل فارس، يقول الشاعر في قصيدة طويلة: تركت أبناءنا تدمى كلومهم وجئت منهزماً يا ضرطة الجمل يقول: فررت أول المعركة وتركت أبناءنا يذبحون. يقول فيه قتيبة بن مسلم: والله لا أوليه ولو على شاة، أي: لا يقود شاه، فقد جربوه مرة واحدة، والطعن في الميت حرام.

أبو دلامه من الجبناء

أبو دُلامَهَ من الجبناء قال أبو جعفر المنصور: أين أبو دلامة؟ وهو رجل مزاح فكاهي، ليس من سادات المعارك فللميادين أبطال، وللأقلام أبطال، وللمنابر أبطال، فـ أبو دلامة مضحك للخليفة فقط، ويوم بدت الدشرة في مسيرة الأمة كان الخلفاء رقاصين ومروجين ومهرجين ومطبلين ومزمرين، وتأخر العلماء والدعاة، وأهل الفكر ورواد النهضة الإسلامية؛ لأنهم يفسحون المجال للمهرجين والسمار واللاعبين، فـ أبو دلامة لما أتت المعركة قال الخليفة: أين أبو دلامة؟ قال: حاضر. قال: اخرج بارز ذاك الفارس. قال: تعلم أني لست للمبارزة. قال: عزمت عليك أن تبارزه. فخرج فلما قرب من الفارس وضع سيفه وقال للفارس: والله إنك تعلم أني أكره الموت على فراشي فكيف تقتلني هنا؟ فضحك أبو جعفر وضحك الناس، وعاد أبو دلامة.

أمور تعينك على أن تكون جبانا

أمور تعينك على أن تكون جباناً أولها: انطماس التوحيد، فإذا انطمس التوحيد الذي في القرآن والسنة، وخاف القلب وأصبح البشر أعظم من الله؛ أصبح الإنسان جباناً، يراعي الإنسان من أجل مصالحه ومن أجل منصبه ووظيفته ومكانته، وتجد أنه يدبج لك الجبن ويلفلفه في لفائف ويقول: مصلحة الدعوة! الحكمة والأناة! {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:159]. الثاني: عدم اعتقادك أن الخالق والرازق هو الله، ونعرف أن كثيراً منا يعتقد أن الرازق والخالق غير الله، وقد لا يقولها ولكن هذا هو اعتقاده وتصوره بحسب الممارسات العملية في حياته في يومه وليلته، يترجم عن هذا الأمر. الثالث: نسيان تقدير الآجال وأنها بيد الواحد الأحد، فأنت تعيش ستين سنة لا تزيد ولا تنقص، أو تعيش أربعين لا تزيد ولا تنقص. أفنقول: إن الذين قتلوا أنس بن النضر عجلوا عليه موته؟ أو الذين قتلوا عبد الله بن رواحة أو زيد بن ثابت أو جعفر الطيار أنهم قصموا أعماراهم؟ لا والله، ما تقدموا دقيقة ولا تأخروا دقيقة، وما تركوا من أرزاقهم لقمة واحدة. الرابع: اعتقاد نفع الناس وضرهم بغير مشيئة الله، فإن بعض الناس قد يقول: أخشى أن يضرني فلان لا. فعليك أن تتوكل على الله، وعليك بتقوى الله: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً} [آل عمران:111] قال أهل العلم: أذى في أعراضكم، فأما تلطيخ العرض فيلطخون عرضك ويسبونك، أما الضرر فلا يضرونك إلا بإذن الله: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:102].

أخبار الشجعان

أخبار الشجعان والآن إلى قائمة الشجاعة في الجاهلية والإسلام والعصر الحاضر.

عنترة بن شداد

عنترة بن شداد كان عنترة بن شداد مولى أسود لسيده شداد العبسي، وكان عبسياً، وقد بلغ من الشجاعة مبلغاً عظيماً، وقد قيل له: كيف تغلب الأبطال؟ قال: أبدأ بالجبان فأضربه وأقسمه قسمين، فإذا رأى الشجاع الجبان مقسوماً فر مني. وقيل له: كيف تنتصر على الناس؟ قال: بالصبر.

عمرو بن معد يكرب الزبيدي

عمرو بن معد يكرب الزبيدي ومنهم: عمرو بن معدي كرب الزبيدي: وهذا حطم الرقم القياسي في كثرة الأكل، كان يأكل خروفاً وفرقاً من الذرة في مقعد واحد بحفظ الله ورعايته، دخل على عمر رضي الله عنه، فقال: أطعمني يا أمير المؤمنين. فأطعمه خبزاًَ، قال: زدني. فأطعمه ثريداً، قال: زدني، فأطعمه زبيباً، قال: زدني. قال: انتهى ما عندي - ميزانية عمر قليلة - قال: زدني. قال: من الحرة أي: من حجارة الحرة وقال له عمر: أين صمصامتك التي تقاتل بها الناس؟ قال: هذه. فوجد عمر أن السيف ليست قوية، فقال: ما أرى قوة. قال: إنك رأيتها وما رأيت الساعد الذي يضرب بها، فقال عمر: الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمراً واعتدي على قبيلته مذحج في ظلام الليل -اعتدت عليها قبيلة كندة أو قبيلة أخرى- فسلبت نساءهم وأخذت أموالهم، فخرجوا في الصباح يقاتلون فانهزمت القبيلة، ولم يكن عمرو معهم؛ فلما حضر أخذ فرسه وأخذ السيف ونازل قبيلة كندة كلها، فأخذ يقاتلهم ويقاتلونه حتى يقول في قصيدته: أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع فأخذ يكيل لهم الضربات إلى صلاة العصر فهزمهم جميعاً، فسمته العرب (أقدم العرب) حتى يقول أبو تمام للمعتصم: إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس وقد أسلم ثم ارتد رضي الله عنه، ثم أسلم وعاد إلى الإسلام، فقاتل في القادسية وانتصر نصراً مؤزراً مع المسلمين، ويضرب به المثل في الشجاعة.

محمد بن حميد الطوسي

محمد بن حميد الطوسي ومنهم: محمد بن حميد الطوسي، لله دره! عمره تقريباً اثنان أو ثلاث وثلاثون سنة، أعطاه المعتصم قيادة الجيوش الموحدة الإسلامية، وكان له إمام حنفي يقوده وقاض، والعلماء معه يقاتلون الروم، فلما حضرت المعركة خرج محمد بن حميد فلبس الأكفان عليه، فلما لبس الأكفان أخذ يقاتل من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر، ومن الظهر حتى صلاة المغرب، ثم قتل قبل الغروب، فلما قتل بدأت النوائح، وهذا أمر مخالف للإسلام، ولكن كانت النائحات في بغداد يبكين عليه؛ لأنه كان رجلاً يفدى بالعيون والقلوب، فقام أبو تمام فألقى قصيدة يعزي فيها المعتصم، وقد انتصر جيش محمد بن حميد والحمد لله، حتى يقول الذهبي: "الحمد لله" ويقول ابن كثير: "ولله المنة، أن الله نصر الموحدين بمثل هذا البطل بعد نصر الله ". يقول أبو تمام: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر توفيت الآمال بعد محمد وأصبح في شغل عن السفر السفر فتى كلما فاضت عيون قبيلة دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر تردى ثياب الموت حمراً فما دجى لها الليل إلا وهي من سندس خضر يقول: لبس أكفانه تقطر بالدم، وفي الليل ألبسه الله سندساً أخضر في الجنة، ثم يقول: ثوى طاهر الأدران لم تبق بقعة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر فسمع المعتصم القصيدة ودموعه تهراق، فقال: يا ليتني أنا المقتول وقيلت فيّ.

أبو دجانة والبراء

أبو دجانة والبراء ومنهم: أبو دجانة، وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، مد النبي صلى الله عليه وسلم في أحد المعارك السيف فقال: {من يأخذ السيف؟ فمد الصحابة أياديهم، قال: بحقه. فخفضوا وبقيت يد أبي دجانة، قال: أنا آخذه بحقه يا رسول الله، وما حقه؟ قال: أن تضرب به في الأعداء حتى ينحني} [رواه مسلم]. فأخذ السيف ففلق به هامات المشركين ولما أخذ السيف أخرج عصابة حمراء، ومعناها في مفهومنا خطر ممنوع الاقتراب، يقول الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت، فلما رآها الناس ذهلوا، حتى يقول في قصيدته: أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل ألا أقوم الدهر في الكيولي أضرب بسيف الله والرسول ففعل فعلاً يشكر عليه، فلق هام المشركين وقتَّلهم قتلاً، حتى أتى بالسيف مع صلاة العصر وقد انحنى، وهذه هي الشجاعة الإيمانية. ومنهم: البراء بن مالك. قال صلى الله عليه وسلم: {رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك} فكان إذا حضر المعركة يقول له المهاجرون والأنصار: يا براء أقسم على الله أن ينصرنا. حضروا معركة تستر وهو معهم، فقال أبو موسى: [[يا براء نسألك بالله أن تقسم على الله أن ينصرنا. فقال: اللهم إني أقسم عليك هذا اليوم أن تنصرنا وتجعلني أول قتيل]] فانتصروا وكان أول القتلى رضي الله عنه وأرضاه. ومنهم حبيب بن زيد الأنصاري. قطع مسيلمة الكذاب جسمه قطعة قطعة فصمد حتى آخر قطرة من دمه. ومنهم: خبيب بن عدي: وقف على المشنقة وجسمه يقطع وهو ينشد ويقول: ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع إن هذه الكلمات لا بد أن تخرج جيلاً يحمل لا إله إلا الله ويقتحم معاقل اليهود، ويدمر أهل الصليب، ويوجد في الأرض قوة إسلامية يقودها أصحاب وأحباب وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم.

السورماري وشبيب بن يزيد

السورماري وشبيب بن يزيد ومن الشجعان: أحمد السورماري المحدث، شيخ البخاري. قتل في المبارزة ألف مشرك، وقال أحد الناس للبخاري: سمعنا أنك تقول إن أشجع الناس في الإسلام السُرماري وقد بالغت. قال: ما قلت إن أشجع الناس في الإسلام السُرماري. قالوا: ماذا قلت؟ قال: قلت: أشجع الناس في الجاهلية والإسلام السُرماري. قطعة من حديد وزنها عدة أرطال، وكان لا يبارز بالسيف وإنما يبارز بهذه القطعة، فإذا أتى الفارس ضربه على رأسه، فإذا نخاعه ثراً ودماؤه في الأرض، قتل ألفاً مبارزة من غير من قتل وافترس في المعركة. ومنهم: شبيب بن زيد الخارجي. وهو من أشجع الناس وهو قائد الخوارج، كان عنده ستون من الخوارج فهزم الحجاج ومعه ثلاثة آلاف، ثم تتبع الحجاج في كل غزوة، وكان من شجاعته أنه كان ينام على البغلة، ترجم له ابن كثير فقال: كان ينعس على البغلة من قوة قلبه. وهو في المعركة، ومن ينام في المعركة؟! وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم ونحن في أبها ما نمنا وصواريخ الأسكود تضرب في حفر الباطن، وحفر الباطن في الصحراء، ونحن أغلقنا النوافذ والأبواب وأغلقنا السطوح، وتصورنا صدام في الماء، والأطفال خافوا من صدام، والحيوانات والعجماوات والطيور والزواحف، فإذا سمعنا طلقة الصاروخ أخذ الواحد منا ترعده الحمى. وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور إلا في الظلام أهؤلاء أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؟! أهذا جيل يستطيع أن يقتحم على اليهود؟! سبحان الله أين الشجاعة؟! كيف لو أن المعركة في طرفنا؟ وكيف لو أنك في الصف الأول؟ ومع ذلك كدسوا الأرز والشاي وعلب الليمون وكل شيء في البيوت وأغلقوا عليه وكأنهم لا يموتون: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة:96] سبحان الله! أين المحاضرات الرنانة والدروس؟ لقد ضاعت وقت الصفر. وشبيب أمره عجيب أتدرون ماذا فعل؟ قاتل الحجاج وكاد أن ينتصر عليه، لكن فرسه رأى بغلة فاقتحم نهر دجلة من على الجسر فوقع في النهر مع هذا الفارس، وكان مربوطاً في الفرس، فأراد أن يسبح فما استطاع، ففرق به الفرس وارتفع فأخذ يقول: "لله الأمر من قبل ومن بعد" ثم مات، يقول أحد الجبناء: "يا ليتني أظفر بمشركٍ مقتول فأقطعه قطعة قطعة". وامرأته لديها شجاعة مثله، اسمها غزالة، حضرت المعركة وقاتلت الحجاج بعده، ودخلت بيت الإمارة فهرب الحجاج من الباب الثاني، فدخلت المنبر وأخذت السيف وخطبت في الناس، قال أحد المسلمين ممن سجنهم الحجاج: يا مجرم يا حجاج! سجنتنا وعذبتنا وفررت من غزالة! أسد عليَّ وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر هلا برزت إلى غزالة في الوغى أم كان قلبك في جناحي طائر

الشجاعة في إبداء الرأي وقول الحق

الشجاعة في إبداء الرأي وقول الحق نحن أمة لا نعيش الحوار، فالحوار معدوم عندنا للأسف، والواجب علينا أن ننمي نفس الحوار، فعندنا موت في الحوار، فقد أدرس في الفصل والطلاب لا يعيشون الحوار، قد تأتي إلى الجامعة والمدرسة والنادي والمسجد والمحاضرة وكلهم يخافون منك لأنك تتحدث، لكن إذا طلبت منهم أن يكتبوا ملاحظات أتتك عشرات الملاحظات، أما أمامك فكل شيء على ما يرام، ويقول لك: أحسنت وقدس الله روحك يا شيخ ونور ضريحك. هذا هو منطق الاستسلام، لكن الحوار أن تكون محاوراً بالتي هي أحسن، وتبدي رأيك بشجاعة، ما الذي يمنعك أن تقول رأيك وأن تكتب؟! أو أن تعترض على الأستاذ؟ أو أن تكتب إلى المسئول؟ أو أن تناصح؟ أما أن تسكت وتموت أفكارك في قلبك فهذا ليس من الإسلام في شيء. وقد قال صلى الله عليه وسلم: {أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر} وقال عليه الصلاة والسلام: {سيد الشهداء عند الله حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره أو نهاه فقتله} فهؤلاء هم سادة الشهداء.

لماذا الخوف من النقد؟

لماذا الخوف من النقد؟ والأمر الذي أريد أن أنبه عليه ألا تخافوا من النقد -أيها الإخوة- كونوا عصيين على النقد، ولا يرهب أحدكم أن ينقد، فإن كان النقد صحيحاً موجهاً فعليه أن يقبله وأن يدرسه ويتأمله، وإن كان النقد لا يصلح فعليه أن يرميه. ودائماً يتلقى أحدنا عشرات الأوراق، يعرف أن بعضها من منافقين أو مغرضين أو حسدة، فجزاؤها أن يأخذها إلى سلة المهملات فيقطعها إرباً إرباً ويرميها ويقول: ترد عليكم هذه السلة. وأما البعض فيعرف أنها من أخ أو من ناصح أو من محب؛ فيقرؤها ويتأملها ويصحح من مساره ويستفيد منها. فلماذا نخاف من النقد؟ ولماذا نعتبر أن الإنسان إذا نقد أن هذا النقد هو من العداء وأن الناقد عدو لنا؟ هذا ليس بصحيح، فلابد من النصيحة قال علي رضي الله عنه: [[المؤمنون نصحة، والمنافقون غششة]]. أيضاً: أطالب إخواني ونفسي أن نظهر الرأي في قالب الأدب، فعلينا أن نتكلم بأدب في رأينا وحوارنا ومناقشتنا، وأنا لا أعرف أن الدعاة يجرحون، ولو أنها وصلتني رسائل من بعض الناس يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول على رءوس الناس: {ما بال أقوام يفعلون كذا} فالواجب على الدعاة ألا يجرحوا المؤسسات ولا الهيئات والأشخاص، وأنا قلت: ما جرح الدعاة أحداً، ولا جرحوا مؤسسة، إنهم يتكلمون من واقع، ولأنه ما دام قد نشر الفساد فلا بد أن ينشر الحق، ولا بد أن ينبه على الباطل، أما أن تعلن كلمتك بين ألف وتطلب مني أن أعلن كلمتي في سر وأنت تتكلم بجهر، فلا يصح هذا. الأمر الثاني: من قال إن الدعاة بهذا المستوى؟! الحقيقة أن صورة الدعاة ملطخة، ليست بصورة صحيحة كما هي عليهم يقولون عنهم: متطرفون ومتزمتون، ويرون الخروج على الحاكم ويرون نقض البيعة. وأنا والله لا أعلم داعية يعتقد هذا، فمثل هذا الكلام لا يصح ولا يحمل، لكن يا أيها الإخوة لا بد أن نعيش الحوار، فلماذا إذا نقدنا مؤسسة غضب أهلها، أهم يريدون مدحاً فقط؟! فلا رأي ولا دراسة ولا ملاحظة ولا نصيحة، وهذا لا يصح، يعتبر الغرب بما فيهم الأمريكان وحتى الاتحاد السوفيتي أن أعظم دولة ديمقراطية تعيش الحوار هي إسرائيل، هكذا اعتبارهم في الإعلام، والله أعلم بهذا، لكنها عندهم أعظم دولة في الشرق تعيش بالحوار وإبداء الرأي والأخذ والرد والمساءلة، ويمكن أن يكون هذا، مع العلم أني أبرأ إلى الله من اليهود، وأسأل الله أن يمكننا منهم وأن يجعلنا شهداء في الحرب معهم.

شجاعة الأنبياء

شجاعة الأنبياء وكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام شجعاناً، فإن إبراهيم عليه السلام لم يحمل التوحيد متكاسلاً متوانياً في بيته، بل قام على الأصنام بالفأس فكسر رءوسها: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} [الصافات:93] قال أهل العلم: لإبراهيم عليه السلام روغتان: روغة شجاعة وروغة كرم، راغ إلى الأصنام فكسرها، وراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين. فالذي يريد أن يروغ يروغ كإبراهيم عليه السلام لكن في حدود الأدب، فلا تأخذوا من قصة إبراهيم أن للداعية تغيير المنكر باليد أو بالكسر، فإني أخشى أن تكون العواقب أعظم والفساد أكبر والمنكر أشنع، لكن عليه أن يسلك الطريق الأمثل في إنكار المنكر؛ كأن يقول كلمة الحق أو يهدي نصيحته في قالب من الأدب، وقبل أن نكون مؤدبين ومعزرين للناس، يجب أن نكون محببين إليهم، ثم يرفع إلى أهل الحل والعقد وإلى القضاة والمسئولين بأمر هذا المنكر حتى يتلافى. أيضاً موسى عليه السلام بارز في الميدان بقوة الحجة ومعه العصا، يقول لفرعون اللعين والله يأمره: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] قال كلمة اللين، قال له: يا أبا مرة، لكن لما أتت المصارحة يقول له فرعون: {فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً} [الإسراء:101] قال له موسى: يا مجرم. {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102]. فالقول بقوة وإبداء الرأي بشجاعة مطلوب من المسلم. أيضاً محمد صلى الله عليه وسلم ما علمت أشجع منه على مر التاريخ. ينام في بيت واحد ويطوق بخمسين مقاتل ويخرج عليهم ويحثو عليهم بالتراب: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9]. ينام في الغار ويقول: {لا تحزن إن الله معنا} ويحضر الحروب بنفسه صلى الله عليه وسلم، ويدمر الأعداء ويعيش صلى الله عليه وسلم شجاعة، ويبتسم في المعركة وهو أنيس القلب مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

شجاعة الصحابة والصالحين

شجاعة الصحابة والصالحين في حرب الردة وقف أبو بكر الصديق على المنبر يعلن الحرب على الردة، فيعترض بعض الصحابة عليه فيقول: [[والذي نفسي بيده لو منعوني عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم عليها]] ثم جند الجنود، وقال في رواية أخرى: [[والذي نفسي بيده لو أتت الكلاب فأخذتني بأعقابي -لأنهم يقولون اترك الصحابة يحرسون المدينة - ما خلفت جيشاً عن الغزوة في سبيل الله]] فهذا هو الرأي؛ أن تقدم رأيك وتثبت عليه بشجاعة وبتفان أيضاً. وهذا ابن تيمية في مصاولة الباطل؛ فإنه بلغ مبلغاً عظيماً، كان يخطب وحوله السيوف تلمع والسياط والجنود، وكان يتكلم بشجاعة، فيقول له السلطان: كأنك تريد ملكاً يا ابن تيمية قال: "ما ملكك ولا ملك آبائك عندي يساوي فلساً، إني أريد جنة عرضها السماوات والأرض". وكان يتكلم أمام الناس بقوة ويعلن الحق ويبينه لأن الله أخذ الميثاق: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] جعلوه قراطيس أي: جعلوا هذا القرآن قراطيس في الجيوب يخرج وقت الحاجة ويتلف وقت الحاجة، فلابد أن تعرض فكرتك بأدب ووضوح وأن تطالب بحقك ونصرة الإسلام، ولا بد أن تطالب بالحق أن يكون حقاً والباطل باطلاً، مثل مطالبة أهل الباطل بالباطل. أيضاً: الثوري؛ فإنه كان ينصح ويقف للظلمة في وجوههم، وينكر عليهم وقد قال لـ أبي جعفر -وهو ظالم-: اتق الله يا أبا جعفر! ودخل طاوس على أبي جعفر، فقال له: ناولني الدواة يا طاوس قال: لا والله إن كنت تكتب باطلاً فلا أعينك على الباطل، وإن كنت تكتب حقاً فلست بخادم لك. وأتى الخليفة المهدي فدخل مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، فقام له الناس، إلا ابن أبي ذئب المحدث، فقال: لماذا لم تقم يا ابن أبي ذئب؟ قال: أردت أن أقوم لك، فتذكرت قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فتركت القيام لذلك اليوم، فقال له: اجلس، فوالله ما تركت شعرة في رأسي إلا قامت. ومنهم أيضاً: الأوزاعي؛ فإنه أنكر على عبد الله بن علي عم أبي جعفر، فيما قتل في دمشق وما فعله بالمسلمين والسيوف تقطر حوله دماً، حتى يقول بعض الوزراء: كنت أجمع ثيابي خوفاً من دم الأوزاعي، وكان الأوزاعي ينصحه ويزجره ويحذره مما فعل بصوت يجلجل كصوت الأسد. ومنهم: سيد قطب رحمه الله. فإنه بلغ أمام حكومة ضباط التحرير أو التدمير مبلغاً عظيماً، وأعلن التمرد عليهم، وأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، وأرسل قذيفة معالم في الطريق ذاك الكتاب الذي وزع تصويراً في موسكو بعد سنة من كتابته، حتى حذرت موسكو حكومة الضباط بأن ينتبهوا لهذا المجرم -أي: سيد قطب - فأخذوه وسجنوه عشر سنوات لا يرى النور، يقول: والله إن الشمس كانت تدخل علينا من ثقب من السجن، وكنا نتداول في السجن على الشمس بالدور ما رأى الشمس عشر سنوات. ومع ذلك يقوم الليل ويكتب في ظلال القرآن، ويرسله من السجن كتاب كأنه يكتبه بدمه. جاءه الوزراء والضباط وجاءته الحاشية وقالوا له: اكتب لنا ورقة تنازل واعتذار. قال: إن أصبعي التي أعلنت الوحدانية لله في كل يوم خمس مرات، ترفض أن تكتب كلمة استجداء، إن كنت حبست بباطل فأنا أكبر من أن أستجدي الباطل، وإن كنت حبست بحق فأنا أصغر من أن أعترض على الحق. قالوا: إنه سيقتلك. قال: لا إله إلا الله، أنا أبحث منذ أربعين سنة عن هذا. يقول: أنا أبحث عن القتل. فماذا فعل به؟ لقد شنقه أعداء الله. وقد حرر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى رسالة لـ جمال عبد الناصر قال فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى الرئيس جمال عبد الناصر: السلام على من اتبع الهدى، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] ثم أتى الشيخ بالآيات والأحاديث، وقد تلوتها في ترجمة الشيخ، وهي محفوظة في ملف الشيخ وفي ذكرياته التي كتبها طلابه عنه، وهي من أعظم البرقيات. ولما أتوا بـ سيد إلى المشنقة تبسم، حتى يقول أحد الشعراء في سيد: يا شهيداً رفع الله به جبهة الحق على طول المدى سوف تبقى في الحنايا علماً قائداً للجيل رمزاً للفدا ما بكينا أنت قد علمتنا بسمة المؤمن في وجه الردى رحمه الله وجمعنا به. ومنهم الأستاذ العلامة: أبو الأعلى المودودي -رحمه الله وأثابه- سجن تسع سنوات، سجنه خان وما قبل الشفاعات فيه إلا بشرط أن يكتب ورقة اعتذار، قال: ولو كتب لي قدر كفه ورقة اعتذار لقبلت منه، فقال: أنا أكبر من أن أكتب له ورقة اعتذار، فقالوا له: إذا كتبتها تخرج من السجن. فقال: لا أخرج. يقول فيه العطار: نفسي فدتك أبا الأعلى وهل بقيت نفسي لأفديك من أهل ومن صحب أما استحى السجن من شيخ ومفرقه نور لغير طلاب الحق لم يشب ثم مات رحمه الله، ودوى العالم الإسلامي بموته، مع أنه يموت في اليوم عشرات العلماء والمفكرين، والأدباء، لكن الذين يحملون الحق بجدارة قليل، والذين يقدمون التضحيات قليل، والذين يصطفيهم الله عزوجل مثل ابن تيمية وأحمد والعز بن عبد السلام وسيد وأبو الأعلى المودودي هم أيضاً قليل.

شجاعة العصاة

شجاعة العصاة والعصاة فيهم أناس شجعان إلى أبعد ما تتصورون، فأنت قد تتصور أنهم ليسوا بشجعان، لكن عندهم شجاعة متناهية، قال الإمام أحمد وهو في السجن: "ما ربط على قلبي إلا قول رجل كان معي من المحبوسين، حبس على الخمر قال: يا أحمد بن حنبل! اصبر على الحبس واصبر على السوط، فإنك من أجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والله يا أحمد لقد جلدت في الخمر ألفاً وستمائة سوط وما تراجعت. قال الإمام أحمد: فربط على قلبي. فهذا يشرب الخمر ويجلد، ويشرب الخمر ويجلد، ومن الناس من يجلد الواحد منهم مرات، على محجر أو على ساقية، ويقول: الحمد لله والشكر له، لا ارتشيت ولا أرشيت، وإنما عن حقي وأملاكي، والله لو سال دمي قطرة قطرة ما أتنازل عن شبر من أرضي. فتعيش الشجاعة، وهذه شجاعة أهل الدنيا.

شجاعة مرحب اليهودي

شجاعة مرحب اليهودي ومنهم: مرحب اليهودي فإنه كان شجاعاً بلا شك، بارز الصحابة وقتل سبعة، حتى خرج له علي رضي الله عنه، وقطع رأسه وكأنه ما خلق له رأس، وكان يقول مرحب: قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب قال علي: أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظره أكيلكم بالسيف كيل السندرة

بابك وأبو مسلم الخراساني

بابك وأبو مسلم الخراساني ومنهم: بابك الخرمي. فقد قتل من العرب والعجم ومن الكفار والمؤمنين، ألف ألف رجل، وهو أعظم مجرم في التاريخ، حتى إن المعتصم يقول: إنه سهر ليالٍ طويلة ما أتاه النوم، وخاف أن يدخل عليه في بغداد، هذا الهامة الطامة، وقف في الشمال يرسل الكتائب ويقاتل. فقال المعتصم: من يأتيني به وله ألف ألف درهم، وأكتب اسمه مع اسمي ويدعى له على المنابر. من هذا البطل الذي يأتي به؟! فأرسل الإفشين بن قطلوبغا، وأصله تركي لكنه قائد مسلم مشهور، فأرسله فبقي يقاتله سنة، صيفاً وشتاءًَ وليلاً ونهاراً، فظفر به ثم قطع رأسه، فصلب المعتصم رأسه في سامراء حتى يقول البحتري: فجعلته علماً بـ سامراء. ومدحه الخليفة ودعا له عدة جمع ثم أصدر المعتصم مرسوماً بألا يدعى له، فقد أخذ حاجته منه والحمد لله. ومنهم: أبو مسلم الخراساني وكان من الشجعان الكبار، وكان يقدم نفسه، وهو عاص خطير، حتى استفتي الإمام أحمد: هل نصلي في مسجده؟ قال: لا. مسجد عاص. أخذ أموال المساكين وبنى بها مسجداً كبيراً في خراسان، وكان يخطب يوم الجمعة وعليه عمامة سوداء، فقام أحد الناس -وليته ما قام- فقد أجرى دماء المسلمين، وقتل منهم القتلى، وأخذ أموالهم وأراضيهم، وهذا قام يلاحظ عليه ملاحظة، فقال له أبو مسلم: ماذا؟ -وكان فصيحاً- قال له الرجل: أتلبس السواد وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس السواد؟ قال: كذبت، حدثني فلان عن فلان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، والحديث في مسلم: {أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في عمرة القضاء وعلى رأسه عمامة سوداء} يا غلام اضرب عنقه. فقام الغلام فضرب عنقه. هذا هو أبو مسلم الخراساني، أمره إلى الله، لكن عنده شجاعة متناهية، ما كان ينام الليل كان يتقلب فتقول له أمه: مالك؟ فيقول: همة تنطح الجبال. حتى يقول فيه أحدهم: همة تنطح الثريا وعزم نبوي يزعزع الأجبال ولذلك نقل دولة بني أمية إلى بني العباس، كأنه نقلها من جيبه الأيمن إلا جيبه الأيسر، وفي الأخير، ذبحه أبو جعفر المنصور. ومن شجاعة أهل الدنيا أن بعضهم يقاتل على أكياس الشعير التي تباع في الشاحنات إلى آخر النهار، ويحبس أسبوعين، ويقاتل على الغنم وعلى بيعه وعلى الفحم، ويقاتل بعضهم على الحبحب وعلى كل شيء، أما على الدين فلا. والمؤمنون هم أشجع الناس، ولماذا كان المؤمنون أشجع الناس؟ لأنهم باعوا أنفسهم وأموالهم من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] ولأن ما عند الله خير من الدنيا، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] ولأنهم يحملون مبدأ، أما المنافق فليس عنده مبدأ، فالمنافق يجلس مع المتدين فيصبح متديناً، ويجلس مع شارب الخمر فيصبح شارب خمر، ويجلس مع المغني فيصبح مغنياً، يقول الله في المنافقين: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء:62] أنا أعرف بعض الناس إذا جلس معك أصبح ولياً، يسألك عن أحاديث رياض الصالحين، ويسألك عن ركعتين بعد صلاة الظهر، وعن صلاة الضحى متى تكون؟ والشارب هل يقص أم يحلق؟ وكيف يقصر الثوب؟ ويسأل مسائل دقيقة، ولكنه يظلم في أراضي المسلمين وفي أجسامهم وأعراضهم، ويظلم ظلماً عظيماً، وهذا لا ينفعه سؤاله ولا ورعه. ولن المؤمنين يثقون من حفظ الله ورعايته، فإن الله يقول: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173] ويقول: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ، يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52] ولأن العاقبة لهم ولا محالة، فإن الله جعل العاقبة والخاتمة والسمعة الحسنة ودرء الحوادث والأعراض لأوليائه، وجعل لهم النتيجة الطيبة في الدنيا والآخرة. هذا ما للمؤمنين عند الله عز وجل إذا احتسبوا أنفسهم وكلامهم في ذات الله، وقام أحدهم يحمل مبدأه، وعلم أنه سوف يلقى الله عز وجل ملوماً إن لم يدع إلى الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصبر على ما أصابه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17]. إخوة الإيمان: هذا هو درس كيف تكون جباناً؟ ولكني أسأل الله أن نكون كلنا من الشجعان الذين يحملون أرواحهم على أكفهم، والذين لا يخشون إلا الله، ويقولون كلمة الحق، ويتقربون بدمائهم وأموالهم وأعراضهم في خدمة دينه سبحانه وتعالى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

كيف تكون محدثا؟

كيف تكون محدثاً؟ ابتدأ الشيخ بذكر فضل وشرف علم الحديث. وذكر أن الحديث هو المصدر الكافي والينبوع الصافي للعقيدة, وأنه أمان من الوقوع في مزالق الاعتقاد. ثم تحدث عن كيفية دعوة أهل الحديث إلى الله، وعن أهميه عملهم بما يعلمون, وأهمية إكثارهم من النوافل والطاعات, بعدها نبّه على بعض الأشياء المهمة التي يجب مراعاتها مثل: ترك المعاصي, الإنفاق من العلم , أدب الخلاف إلخ. ثم أشاد في ختام الموضوع بمكانة علم الحديث والاتجاه العام إليه هذه الأيام، ثم أجاب الشيخ على بعض الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع.

فضل علم الحديث وأهله

فضل علم الحديث وأهله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته؛ سلام الله عليكم يا أصحاب الحديث، ويا أهل الحديث، وإن كان من شكر فإني أشكر الله تبارك وتعالى ثم أشكر مدير هذه الدار، ثم أشكر هيئة التدريس، وأشكركم يا طلبة العلم. وأنا أشهد الله أني أحبكم فيه؛ أما الحب الأول فهو مشترك بين المسلم وأخيه؛ وهو الحب الذي يعيشه المسلم مع إخوانه المسلمين، وأما الحب الثاني الذي أشعر به في قلبي وأنا أدخل هذه الدار؛ فهو حب أهل الحديث، والسرور برؤيتهم والجلوس معهم، وأهل الحديث لهم مكانة في القلوب، ولهم جلالةٌ في النفوس. وسوف نتكلم على أهل الحديث، من هم أهل الحديث؟ قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: إذا رأيت محدثاً، أو رجلاً من أصحاب الحديث فكأني رأيت صحابياً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم. وسئل الإمام أحمد؛ إمام أهل السنة والجماعة، من هي الطائفة المنصورة؟ قال: إن لم يكونوا أهل الحديث فما أدري من هم. فأنا كنت بشغف الشوق إلى أن أزور هذه الدار، وكنت سعيداً يوم دخلت هذه الدار؛ لأنني أسمع عنها الذكر الحسن، وأعلم بأنني سوف ألتقي فيها بأحفاد الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وأبي داود: نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا هم النجوم، وهم الشموس التي ما أفلت حتى اليوم، واعلموا بارك الله فيكم أن الحديث معكم إنما هو من بضاعتكم، وكأنكم تقولون: {بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} [يوسف:65] ولكني أقول: جئت ببضاعة مزجاة فأوفوا لنا الكيل، وتصدقوا علينا من علمكم، إن الله يجزي المتصدقين. ما أتيت إلا لأعلن الحب فيه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأتكلم في بعض القضايا؛ أتكلم عن شرف هذا العلم، وهو علم شريف لكن لمن علم أنه شريف {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] وإن لم يكن علم الحديث أشرف العلوم فأيُّ علمٍ يتوج لهذه المكانة!! وأيُّ علمٍ يرشح لأن يحتل على علم الحديث مكانه!! لا والله لا يكون هذا أبداً. يقول ابن عبد الباقي؛ أحد العلماء الأجلاء، من أحفاد أبي أيوب الأنصاري، الذي ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء وأثنى عليه كثيراً، وهو من علماء السلف والسنة، قال في آخر عمره: تبت من كل علم إلا علم الحديث. يقول القرطبي المحدث: نور الحديث مبينٌ فادن واقتبسِ واحد الركاب له يا ابن الرُضا الندُسِ واطلبه في الصين فهو العلم إن رفعت أعلامه برباها يابن أندلسِ ويقول الآخر: أهل الحديث هم صحب النبي وإن لَمْ يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا فهم صباح مساء مع أنفاس المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ مع حدثنا، وأخبرنا، وسمعت، وعن، وأن؛ وهي كلمات أهل السنة والجماعة، وهي أسانيد أهل السنة والجماعة، وهو علم أهل السنة والجماعة. العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان ما العلم نصبك للخلاف سفاهةً بين الرسول وبين رأي فلانِ صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وفي السنن قوله صلى الله عليه وسلم: {نضر الله امرأً سمع مني مقالةً فوعاها، فأداها كما سمعها، فربَّ مبلغٍ أوعى من سامع} وعند ابن حبان في الصحيح: {رحم الله امرأً} ولبعض أهل العلم من أهل الحديث رسالة اسمها المسك التبتي في شرح حديث (رحم الله امرأً سمع مني مقالتي)؛ المسك التبتي نسبة إلى التبت: وهي الهضبة في الهند التي تنفح بالمسك، في فضل هؤلاء الوعاة الحملة. ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} وهو من حديث معاوية، ومفهوم المخالفة: أن الذي لا يريد الله به خيراً لا يفقهه في الدين، ولا يعلمه السنة، ولا يوجهه إلى الجلوس في دار الحديث، ولا الاستماع إلى كلامهم، ولا إلى العيش معهم، ولا إلى أخذ السنة منهم. وأنتم أصبحتم أسانيد بين الأمة المحمدية وبين تراثها، فالله الله في هذه الأمانة! والله الله في هذه الرسالة، والله الله في هذا التراث المحمدي الخالد! يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري من حديث أبي موسى: {مثل ما بعثني الله به من الهدى} انظر ما أحسن كلمة بعثني، ولم يقل: أرسلني، أو كلفني، لأن البعث عادةً يأتي في ذكر التوحيد والشرك {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] قال: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث}؛ وقال: (الهدى) ولم يكتفِ بل ذكر (العلم) وقال: (العلم) ولم يكتفِ بل ذكر (الهدى)؛ لأن الهدى هو العمل الصالح، والعلم هو العلم النافع، واليهود أوتوا علماً لكن لم يؤتوا عملاً، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13] وقال في عالمهم: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176] وقال فيهم: مثلهم {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] حمار لا يفقه، ولا يعي، على ظهره صحيح البخاري وصحيح مسلم وفتح الباري وتحفة الأحوذي؛ لكنه حمار: قال حمار الحكيم توما لو أنصف الدهر كنت أركب فإنني جاهلٌ بسيطٌ وصاحبي جاهلٌُ مركب والجاهل المركب: هو الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري. وشرف أهل الحديث أجمعت عليه الأمة الإسلامية، ذكر الذهبي في ترجمة الإمام أحمد: أن رجلاً ذُكر للإمام أحمد أنه يتنقص أهل الحديث، فهز يده وقال: زنديق زنديق زنديق، في درجة الملحد وإنما تزندق أبو العلاء المعري وأمثاله؛ لأنهم استهزءوا بـ أهل السنة وأهل الحديث. وفي سيرة أبي داود صاحب السنن أنه قال: دخل عليه سهل بن عبد الله التستري قال: طلبٌ يا أبا داود أريد أن تنفذه لي، أسألك بالله، قال: ما هو؟ قال: أن تخرج لي لسانك. فأخرج لسانه فقبلها، وقال: لسانٌ وعت كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتحدثت به أولى بالتقبيل. وذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة أبي زرعة؛ حية الوادي، المحدث، المعدل، إمام أهل الجرح والتعديل أنه لما توفي رئيَ في المنام، فقالوا: ماذا فعل الله بك؟ قال: رفعني في عليين، قيل: بماذا؟ قال: صليت على الرسول عليه الصلاة والسلام في كتبي كتابةً ألف ألف مرة. وشرف أهل الحديث يأتي من ثلاثة أمور: أول شرف: أنهم من أكثر الناس صلاةً على الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن: إذا فات المحب سماع من يهوى تلذذ باستماع حديثه فهم أكثر الناس صلاةً على الرسول عليه الصلاة والسلام؛ في دروسهم ولقاءاتهم ومناظراتهم وحوارهم. الأمر الثاني: أنهم حفظوا أصول الإسلام. وهل العلم إلا قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. قال أبو عمرو الأوزاعي: ما أتاك من الكتاب والسنة فعلى الرأس والعين، وما أتاك من أحدٍ يخالف الكتاب والسنة فضعه في الحش؛ والحش هو الكنيف. فالعلم قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فأهل الحديث حفظوا علينا أصول الإسلام؛ بمدارستهم وبحفظهم، ولا تؤخذ العقيدة إلا من الكتاب والسنة، ولذلك لي عودة مع عقيدة أهل السنة وعقيدة أهل الحديث. وأما شرف أهل الحديث فيأتي من النضرة على وجوههم، فأهل الحديث يتميزون عن أهل النحو -ولا نتنقص أحداً- وعن أهل اللغة، والجغرافيا، والتاريخ؛ بأن على وجوههم نضرة ومهابة، من دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومهابة لهم: من تلقَ منهم تقل لا قيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بذكرهم ذكروك الواحد الباري فأهل الحديث تلوح على محياهم أنوار الحديث، وسمته، وهيبته وملاحته، وحلاوته.

نصائح لطالب العلم

نصائح لطالب العلم لكن ما هو الطلب الأول لأهل الحديث؟

سلامة المعتقد

سلامة المعتقد الطلب الأول: المعتقد، فهم يحرصون على ضميمة معتقد السلف، وهذا هو المعهود، وما أقول هذا إلا لأن الدعاوى قد كثرت: والدعاوى ما لم يقيموا عليها بيناتٍ أصحابها أدعياءُ ويقول ابن عباس: [[لو ترك الناس ودعواهم لادعى قومٌ دماءَ قومٍ وأموالهم، ولو ترك الناس ودعواهم لادعى الخليُّ حرقة الشجي]]. ولما ادعيت الحب قالت كذبتني ألست أرى الأعضاء منك كواسيا أين العلامات؟ أين البراهين؟ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:14] {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]. فأقول: إن الأخذ بمعتقد السلف ومعتقد أهل السنة والجماعة ينبغي أن يكون عملاً، وأن يكون دعوة وتأثيراً. وأنا أرى بعض العلماء، شكر الله لهم محافظتهم على معتقد السلف، وكتابتهم في ذاك الجانب، وطبع كثير من النسخ وإرسالها وهذا من الجهد المشكور لهم عند الله تبارك وتعالى؛ وأقول هذا: لأنه وجد من العلماء، وأنا على باعي القصير، وعلى قلة بضاعتي، كانت لي رسالة في أهل البدعة الذين رموا بها في أهل الحديث فوجدت في البخاري وفي مسلم تسعة وسبعون راوياً رموا بالبدعة، مرجئة وقدرية وخوارج وشيعة رافضة وغيرهم، لكن ما نقصوا من قيمة الصحيحين؛ لأن هناك أعذاراً لا أتمكن من ذكرها الآن. فلا يكفي الإنسان أن ينتظم في دار الحديث، أو أن يحمل صحيح البخاري ومسلم، أو أن يجلس مع سنن البيهقي لنقول هذا: سلفيٌّ صِرفٌ لا غبار عليه؛ لأنه وجد من أهل الحديث من كان معتزلياً فشيخ الشافعي ابن أبي يحي؛ معتزليٌ جهميٌ قدريٌ، قال الإمام أحمد: كل شرٍ فيه، وعمران بن حطان له حديثان، بل كان يزعم على نفسه أنه من أهل الحديث، لكنه خارجيٌ صِرفٌ، وداعيةٌ من دعاتهم، وفطر بن خليفة كذلك، وغيرهم كثير، بل قد تجد من دعاة الجهمية من يحفظ عشرة آلاف حديث، وأنا أعرف تسعة وعشرين رافضياً يدعون إلى مذهب الرفض وهم يحفظون عشرات الآلاف من الأحاديث. فمعتقد السنة لا يأتي فقط بالانتساب إلى أهل الحديث، إنما يأتي بمعرفة القرون المفضلة الثلاثة الذين أثنى عليهم صلى الله عليه وسلم، والذين حافظوا على ضميمة وعقيدة السلف، ولم يلووا أعناق النصوص حتى توافق أهواءهم، وترجم الذهبي لـ عفان الراوية الكبير، فأتى بالحديث الذي في الصحيحين: {أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ينزل إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير} نزولاً يليق بجلاله, وقد أجمع أهل المصنفات والمسانيد والسنن على إخراجه، فقال عفان: ينزل بذاته، وكلمة (ذاته) ليست في الحديث، فقال الذهبي: قلت: كلمة (بذاته) من كيس عفان والسلام؛ يعني: أنها ما وردت في اللفظ وفي هذه الطريق، كثرة الكلام، والادعاء، ولي أعناق النصوص لتوافق الأهواء ليست بواردة. ثم على هذه القضية فأهل الحديث أكثر محاربة لأهل البدع؛ فإن ميزة أهل الحديث أنهم يقفون في وجه أهل البدع، وما رفع الله به الإمام أحمد إلا بوقوفه في وجه أهل البدع، وكذلك البخاري ومسلم والدارمي، وغيرهم كثير. وأهل البدع يوقف معهم بثلاثة أساليب: بالكتابة، والمراسلة، فإن لم تُجْدِ فبالهجر والمقاطعة، فإن لم تُجْدِ فبالتشهير في المجالس. تقدم ثور بن زيد؛ أحد الرواة الذين لهم حديثٌ عند البخاري فسلم على سفيان الثوري بيده، فأمسك سفيان الثوري يده وقال: إنه الدين، ولو كان غير الدين لسلمت عليك، وعرضت جنازته ليصلي عليها الناس، فمشى سفيان الثوري واخترق الصفوف، ثم خرج من تلك الجهة ليري الناس أنه لا يصلي عليه؛ لأنه مبتدع. والإمام مالك قال: لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تحدثوهم. وقال ميمون بن مهران؛ المحدث الكبير: [[ثلاث لا تدخل نفسك فيها: لا تجلس مع امرأةً أجنبية وحدك، ولو قلت أعلمها القرآن؛ فإن الشيطان يكون ثالثكما، ولا تفاوض مبتدعاً لترد عليه؛ فإنه يلقي في قلبك من بدعته ما الله به عليم. ولا تدخل على السلطان لتنصحه؛ فإنه يخاف أن يؤخذ دينك]] أو كما قال.

البصيرة في الدعوة

البصيرة في الدعوة الأمر الثاني: كيف يدعو أهل الحديث إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؟ ذكر الله أن الدعوة تكون على بصيرة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108] قال أهل العلم البصيرة هي: العلم، وزاد ابن تيمية: والحكمة. العلم هو البصيرة، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لما أرسل موسى وهارون إلى طاغية الدنيا؛ إلى فرعون، فيوصيهما وهما في الطريق: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] وقد يوجد من أهل الحديث -لأنهم ليسوا معصومين- من يشتد ويغلظ في دعوته، فيكون فظاً غليظاً في رده، وفي كلامه، وأمره، ونهيه، ودعوته، وهذا خلاف دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ويقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. دخل رجلٌ من الوعاظ على هارون الرشيد، فقال: اسمع إليَّ، وتحملني فإني سأقول كلاماً شديداً. قال: كلامٌ شديد! قال: نعم. قال: والله لا أسمع، والله لا أسمع، والله لا أسمع. قال: ولمه؟ قال: أرسل الله من هو خيرٌ منك إلى من هو شرٌ مني فقال له: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. فلماذا القول الشديد؟ ترجم الذهبي لـ قتادة بن دعامة السدوسي؛ راوية الصحيحين، الجهبذ، العلامة، الذي يقول ابن المبارك فيه: إذا أطفأ الدهر حفظ أحدٍ فما أطفأ حفظ قتادة فهو حافظ، بارعٌ من الدرجة الأولى. جلس عند سعيد بن المسيب، فقال سعيد: اقرأ عليَّ شيئاً من القرآن، قال: خذ المصحف، قال: فسمعت له سورة البقرة، فما نسي حرفاً منها في مجلسٍ واحد. وكان يسرد الحديث سرداً. حتى في ترجمة ابن سيرين: أن رجلاً أتاه، فقال: رأيت البارحة في المنام حمامةً، التقطت درةً، فأخرجتها أكبر مما أدخلتها، ثم أخذتها فأخرجتها أصغر، ثم أخذتها فأخرجتها كما أدخلتها، فتبسم ابن سيرين؛ وكان مؤيداً في الرؤيا كما يقول الذهبي، وقال: تدري ما تأويلها؟ قال: لا، قال: أنا وقتادة والحسن البصري؛ أما الحسن البصري فيسمع الحديث فيوشيه، ولا يزيد فيه، ولا يكذب، لكن يشرحه فيخرج أكثر، وأما أنا فأخاف من حفظي، فأقلل وأنقص من الحديث، وأما قتادة فيحفظه كالسهم فيخرجه مثل ما حفظه. فالشاهد أن الذهبي ترجم لـ قتادة وقال: فيه بدعة؛ وهذه البدعة هي بدعة القدر. قال: ولكنه رأسٌ في القراءة، رأسٌ في العلم، رأسٌ في الحديث، رأسٌ في الورع، ومع ذلك فلا ننسى بدعته، ولكننا نغمر سيئاته في بحار حسناته. فالمقصود العدل، لأن الله عزوجل طالبنا بالعدل في الردود، وطالبنا بالعدل في الكلام مع الناس {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8]؛ فالعدل في القول، يقول ابن تيمية: إن الإنسان من طبيعته ظلوم جهول، كما سماه الله، فهو يتكلم بلا علم ويتكلم بلا عدل، فحق على العالم وطالب العلم، خاصة طالب الحديث أن يكون عالماً عادلاً، وأن ينزل الناس منازلهم كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم معلقاً عند مسلم وموصولاً عند أبي داود {كان صلى الله عليه وسلم ينزل الناس منازلهم} وصح من قوله: {أنزلوا الناس منازلهم} فهذه مسألة.

التطبيق والعمل وأهميته لطالب الحديث

التطبيق والعمل وأهميته لطالب الحديث المسألة الثالثة: أن على طلبة الحديث ألا يكتفوا برواية الحديث. فإن رواية الحديث وحدها لا تشفع عند الله، ورواية الحديث وحدها بلا عمل إنما هي تزيد من الحجج على الكتف، وتزيد من حجج الله على الظهر، وهي علامة الإفلاس والخذلان؛ إذا لم يعمل العالم بعلمه. وقضية حفظ الأحاديث بدون عمل، كمثل الكنز كما يقول الخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل: العلم إذا لم ينفعك كالكنز الذي لم تُنفق منه، ولو أن بعض أهل العلم صحح هذا الحديث مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم، لكن في صحته نظر. فلا يظن الواحد منا إذا حفظ الصحيحين، أو السنن الأربع، أو مسند الإمام أحمد بدون أن يعمل بما فيها؛ أنه سوف يكون من الأولياء الكبار، أو يشفع لمثل مضر أو لمثل ربيعة، لا والله حتى يعمل بالحديث، فانظر إلى كم يحفظ أبو بكر الصديق؟! كم يحفظ عمر؟! كم يحفظ عثمان؟! كم يحفظ علي؟! رضي الله عنهم أجمعين يحفظون عشرات ومئات الأحاديث، لكنهم مع ذلك سنة تمشي على الأرض، وكل واحدٍ منهم إذا رأيته كأنه قرآن يمشي على الأرض، خلقهم القرآن، وحياتهم الكتاب والسنة، أما المتأخرون فإنهم التفتوا إلى الرواية وغفلوا عن الرعاية. ذكر الذهبي، أن رجلاً ولا أريد أن أسمي الأسماء يحفظ مائة ألف حديث، قال: وكان فاسقاً لا يصلي. محدثٌ يحفظ مائة ألف حديث بأسانيدها، ويجرح رجالها، ويعدلهم؛ لكن كان فاسقاً لا يصلي! وترجم لمحدث آخر شهير، له جلالة في الدنيا، وليس في القلوب إنما في الدنيا، قال: وكان يشرب المسكر سامحه الله؛ يشرب الخمر! أين الحديث؟! أين حدثنا، وأخبرنا، وعن، وسمعت؟! وترجم لراويةٍ آخر، وقال: كان مبتدعاً صرفاً حاسبه الله بفعله. بل كثير من رءوس المبتدعة كان لهم مجالس الإملاء؛ يجلس في مجلسهم خمسون ألفاً، أو أربعون ألفاً من الناس. فيا صاحب الحديث والله لو لم تحفظ إلا حديثاً واحداً، وعملت بما سمعت فإنك أفضل مما لو حفظت أحاديث الدنيا ثم لم تعمل بما سمعت وقرأت. الحديث عمل وتطبيق، الحديث خشية ومخافة من الله، الحديث أن تظهر السنة على معالمك، وهيئتك، وعلى تطبيقك وسلوكك. روي عن الإمام أحمد أنه قال: الحمد لله كتبت المسند من أربعين ألف حديث بالمكرر ما من حديثٍ يقبل العمل إلا عملت به؛ يخبر الناس ليقتدوا به، فقال له أحد تلاميذه: وحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام بقي في غار ثور ثلاثة أيام، قال: نزلت إلى غارٍ في الكرخ لما أتت محنة القول بخلق القرآن فجلست ثلاثة أيام، هذا هو التطبيق، وهذه هي السنة. وسعيد بن المسيب يسأله سائل في حديث وهو في مرض الموت، فقال: أجلسوني، قالوا: أنت مريض، قال: سبحان الله يذكر الرسول عليه الصلاة والسلام وأنا مضطجع!! لا والله حتى أجلس. وإبراهيم بن طهمان؛ وكان فيه إرجاء، رحمه الله رحمةً واسعة، لكنه كان من العلماء المشاهير، أثنى عليه الإمام أحمد، وكان الإمام أحمد في مرض الموت فسألوه عن إبراهيم بن طهمان، فجلس، وتربع، وقال: لا ينبغي أن يذكر عندنا الصالحون ونحن مضطجعون. أو كما قال، وذكر القصة الذهبي وابن كثير. والشاهد هو: كيف كان تطبيقهم للحديث وأثره؛ في سمتهم، وأخلاقهم وصفاتهم وسننهم.

أهمية العناية بالعبادات لطالب العلم

أهمية العناية بالعبادات لطالب العلم ثم إنه ينبغي على أصحاب الحديث أن يكونوا من أكثر الناس نوافلاً، ومن أكثر الناس تقرباً، وأن يكثروا من ذكر الله. وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتُذكر في السماء إذا ذَكرتا ونادِ إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذوالنون بن متى إذا ما لَمْ يزدك العلم فضلاً فليتك ثم ليتك ما علمتا وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا فإن العلم: هو مخافة الله عز وجل، وبالخصوص أهل الحديث فإن الناس ينظرون إليهم نظرة أخرى، والناس يحترمونهم، مرَّ أبو حنيفة رحمه الله، فسمع بالجسر قائلاً يقول لصاحبه وهو يحاوره: أبو حنيفة يقوم الليل كله ولا ينام، فقال أبو حنيفة بينه وبين نفسه: سبحان الله! يظن الناس أني خيِّرٌ وأنا أنام الليل، فكان يقوم الليل. ولكن المقصود أن على صاحب الحديث أن يكون كثير النوافل، وكثير التقرب إلى الله؛ فيحافظ على ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن يكون القرآن خدينه ورفيقه. وقد تكلم الذهبي عن رجلٍ، فقال: ينبغي أن يكون لطالب العلم نوافل، قال: نعم، إذا رأيت طالب العلم منصرفاً إلى العلم، وليس لديه نوافل فاعلم أنه مخذول، وإذا رأيته يعبد الله على جهالة فاعلم أنه محروم. ولذلك ذكر الله هذين الصنفين في القرآن، فذكر العلماء الفسقة، وذكر العباد الجهلة فقال في العلماء الفسقة: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] وقال في العباد الجهلة: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] الآية. إذا علم هذا؛ فأدعو نفسي وإياكم يا أصحاب الحديث! إلى كثرة النوافل والعبادات.

كيفية طلب الحديث

كيفية طلب الحديث وفي هذه الفقرة سأتحدث عن كيف يطلب الحديث؟ وأنا ما جئت الآن لأخبركم بوسائل الطلب، فأنا أعرف أن هنا مشايخ قضوا أعمارهم في الطلب، والمعرفة، والتجربة، والاستقراء، وأظن هذه الدار أنشئت قبل أن أولد، سأتكلم من باب أن نتذاكر، ونتواصى، ونتعاون على الخير، وأن يأخذ بعضنا بيد بعض. فطلب الحديث أمره عظيم، وحفظه يأتي بالاستغفار والخوف من الله، يقول ابن تيمية: إنها تعجم عليَّ المسألة، فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر أو أقل؛ فيفتحها الله عليَّ. انظر! الإمام أحمد كما يقول الذهبي عنه: يحفظ ألف ألف حديث، قال: بالمرسلات، والمقطوعات، وأقوال الصحابة وتفسيراتهم، يحفظ ألف ألف حديث.

أثر المعاصي على طلب العلم

أثر المعاصي على طلب العلم وفي ترجمة الشافعي، أن الشافعي كان إذا قرأ كتاباً يضع يده على الصفحة اليسرى فيغطيها لئلا يسبق نظره إليها فيحفظها. قال لشيخه وكيع بن الجراح؛ الإمام الكبير، الذي يلقب بأمير المؤمنين في الحديث، قال له: يا شيخ! ما هو أنفع للحفظ، فإني سمعت الناس يقولون: اللبان، وناسٌ يقولون: الزبيب. قال: أنفع شيء للحفظ ترك المعاصي. ليس أكل الزبيب ولا أكل الباذنجان، ولا البطاطس، إنما أنفع شيء للحفظ هو ترك المعاصي، فقال: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نورٌ ونورُ الله لا يهدى لعاصي إذاً: فمن أحسن ما يعين على حفظ الحديث: ترك المعاصي. ذكر الذهبي وابن كثير، وغيرهما عن عامر الشعبي، أن عامر الشعبي قال: إني لأضع إصبعيَّ في أُذُني إذا نزلت السوق لئلا أحفظ أصوات الناس. وهو في هذا الشأن رجل داهية، لماذا؟ لأنه اتقى الواحد الأحد، عرف طريقه إلى الله، فبصره الله، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] قالوا: من العلم؛ فإنهم لما عصوا الله، وفسقوا، ونظروا إلى المحرمات، نسوا العلم، فقل لي بالله: كيف يحفظ طالب الحديث الحديث وهو ينظر إلى المرأة الفاتنة؟! وإلى المجلة الخليعة، أو يستمع إلى الأغنية الماجنة، ويجلس مع الفسقة، أو يتخلف عن الصلاة، أو لا يذكر الله إلا قليلاً، أو يغتاب في مجلسه، أو ينم، أو يلبس الذهب والحرير، أو يرائي، أو يعجب بنفسه، أو يتكبر، فكيف يحفظ الحديث؟!! إذاً، أيها الإخوة الأخيار: إن المعاصي أكثر ما يسقم القلب، فممّا يوصى به طالب الحديث أن يستغفر كثيراً، وإذا أخطأ أن يتوب؛ لأن طالب الحديث ليس معصوماً، قيل لـ الجنيد بن محمد: أيزني الولي؟ قال: سبحان الله! {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} [الأحزاب:38] لكن عليه إذا أخطأ أن يتوب إلى الله، وأن يعود إلى الله، فعند الترمذي بسند صحيح، قوله صلى الله عليه وسلم: {يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} وعند مسلم: {يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} وعند مسلم: {والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ آخرين يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم} وعند الترمذي بسند حسن: {كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون} فالتوبة التوبة، والاستغفار الاستغفار.

أهمية إنفاق العلم لحفظه

أهمية إنفاق العلم لحفظه ثم أقول: إنه لا بد أن ينفق من علمه الذي آتاه الله عزوجل. يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا وفي الركاز الخمس. فعلى طالب الحديث أن ينفق ويزكي مما آتاه الله، وأهل الحديث إذا فعلوا ذلك فإن ما يأتي منهم من تقصير في بعض الأمور يتسامح الناس فيهم، وقصدي بالتقصير هنا؛ كمثل الحدة، لأن أقول: أهل الحديث يميزهم الحدة بين الناس، فصوتهم دائماً قوي، وأمرهم دائماً شديد، ويريدون تنفيذ الأمور، وهذا كله من حرارة السنة في قلوبهم، ولكن {إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث} فما داموا قد حافظوا على معتقد السلف، وحافظوا على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعندهم سنة، فلابد للناس أن يتحملونهم، لكن على الداعية أن يكون بصيراً حكيماً.

أهمية إعطاء الأمور حجمها لطالب العلم

أهمية إعطاء الأمور حجمها لطالب العلم ثم إن هناك ملاحظة عن أهمية إعطاء الأمور حجمها؛ لأنهم يقولون: وجد في بعض المحدثين من يعطي المسألة أكبر من حجمها؛ مسألة فرعية يقاطع المسلمين عليها، ويقول: لا ينبغي أن نسلم عليه، ونهجره، لأنه خالف الحديث والسنة، كمثل وضع اليدين على الصدر سنة من الرسول عليه الصلاة والسلام؛ وحديث وائل بن حجر صح فيها، وهي المعتمدة عند فقهاء المحدثين، وبعض الفقهاء أتى بحديث علي عند أبي داود وهو ضعيف قال: تحت السرة، فيأتي المحدث ويقول: من السنة وضع اليدين على الصدر، فيقول صاحبه وهو يحاوره: لا، تحت السرة، فيقول: أشهدك وأشهد الله وملائكته وحملة عرشه ألا أكلمك حتى أموت! وقد وردني سؤال أن بعض الناس يقول ذلك، ويستدلون بكلام ابن عمر في صحيح مسلم أنه قال لابنه بلال: يقول صلى الله عليه وسلم: {لا تمنعوا إماءَ الله مساجد الله} قال ابنه: [[والله لنمنعهن, إذاً يتخذنه دغلاً، فقال: والله لا أكلمك حتى أموت]]؛ وفرق بين هذا وهذا: فإن ابنه عارض السنة بلا تأويل؛ يعني: جهاراً نهاراً رضي الله عنهم أجمعين، وأما ذاك فهو متأول. يقول ابن تيمية في كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام: إن لأهل العلم أعذاراً يعذر بعضهم بعضاً فيها، ثم قال كلاماً ما معناه: إما أن يكون الحديث وصلك ولم يصل ذاك، وإما أن يكون منسوخاً عنده وهو ثابتٌ عندك، وإما أن يكون ضعيفاً عنده وهو صحيحٌ لديك، وإما أن يفهم منه فهماً وتفهم أنت فهماً آخر. إذاً فمسائل الخلاف الفرعية لا توجب الفرقة بين العلماء، ولا بين طلبة العلم، مثل: الجهر ببسم الله، ومثل: وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر، ومثل: جلسة الاستراحة وما شابهها فهذه الأمور الجزئية لا توجب الفرقة عند أهل العلم.

الاهتمام بالعلوم الأخرى

الاهتمام بالعلوم الأخرى ثم وصيتي لأهل الحديث: أن يكون عندهم علوم الآلة، وهي ما تقوم به الدار والحمد لله، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: بعض المحدثين لا يعرف من التاريخ شيئاً، ولا من الفقه شيئاً، وذكر من ذلك أمثلة. لكنني أنا أعرف أن هذه الدار أصيلة، وعريقة، وتعتني بهذه العلوم، فإنه من النقص على طالب الحديث أن يجلس في مجلس فيقولون: أتعرف هارون الرشيد؟ فيقول: لا أدري، أسمع به، ولكن ها ها لا أدري. ويسأل عن ولاية الحجاج هل هي ولاية راشدة أم أنه فاسق سفاك؟ فيقول: لا أدري، الحجاج، أظنه من الخلفاء الراشدين، ويسأل عن بعض الأحداث التي لا يعذر أحدٌ بجهلها فيقول: لا أدري، فلا بد له أن يكون له حدٌ أدنى من العلوم تعينه في هذا الطريق كما فعل السلف الصالح؛ حيث أنهم كانوا يطلبون العلم، ولكن كان لهم حدٌ أدنى، أو علمٌ مشترك من العلوم الأخرى يستضيئون به مع الحديث. فأسأل الله يا أهل الحديث, أن يبصرني وإياكم، وأن يجعلنا وإياكم ممن يعمل بعلمه؛ فإن العمل بالعلم هو المقصود، ثم يجعلنا نوزع من هذا الميراث على الناس؛ فإن الناس والله بحاجة ماسة إلى علم الحديث.

مكانة علم الحديث اليوم

مكانة علم الحديث اليوم وعلم السوق الإسلامي اليوم، وعلم الساحة هو علم الحديث، فقد مل الناس الآن من كتب الخزعبلات الفكريات الطويلة -ونحن لا نذم أحداً وفيها منفعة- وكتب الإنشائيات، والمقالات الموسعة، ورجعوا إلى علم الحديث. العالم يتحدث في المجلس، فيقولون: ما هذا الحديث؟ من رواه؟ وما درجته؟ وما صحته؟ فالسوق سوق الحديث. ثم إن العقيدة تؤخذ من الحديث، وأنا أقول وأنتم تعرفون ذلك أنَّا لو أخذنا علم العقيدة من الكتاب والسنة فهذا علم شريف والحمد لله كما فعل بعض الكتبة كفضيلة الشيخ محمد جميل زينو ورأيت كتابه وهو من أحسن ما كتب, أثابه الله على هذا الكتاب، ونريد أن يوسع من هذه المقالات؛ لتشمل كثيراً من القضايا التي اختلف فيها أهل السنة مع أهل البدع والفرق؛ ليكون كتاباً ضميمة، ويدر على الناس، فإن علم السلف وعلم الصحابة والقرون المفضلة كانوا يقولون: هل الرحمن مستو على العرش؟ قالوا: نعم، لقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] أما أهل البدع فإذا سألتهم عن المسألة هذه قالوا: العرض لا يستوي؛ لأن الجوهر ما تمَّ إثباته وإنما هو عرضٌ فكيف يستوي العرض؟! وهذا ممن قاله ابن سيناء , يقول ابن تيمية عن علم المنطق، قال: لا ينتفع به البليد، ولا يستفيد منه الذكي، وقال: هو كلحم جمل غثٍ على رأس جبل وعر؛ لا سهلٌ فيرتقى ولا سمينٌ فينتقل، فأغنانا الله من خزعبلاتهم، وشركياتهم، وعن خرافاتهم بالكتاب والسنة. ولو أن هناك بعض المؤسسات العلمية الآن تدرس بعض الكتب التي فيها شيءٌ من المنطق وعلم الكلام، وهذا إن كان لضرورة ليوصل إلى فهمها فلا بأس، أما أن تجعل على أنها مناهج وأنها هي طريقة أهل السنة في إثبات المعتقد فليس بصحيح، بل هو الخطأ كل الخطأ، والخلل كل الخلل، نسأل الله لنا ولكم الثبات. ويوجد في الساحة من يأتي بالمعتقد في شكل مسائل فكرية، ويقول: لا توجب خلاف بين الأمة، وهذا يلحق بأهل علم الكلام {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. إذاً، ربما يكون في الأسئلة بعض الإجابات، وأنا لا أريد أن أطيل عليكم، وأنتم من يأتي إليكم كمن يحمل التمر من صنعاء إلى هجر: من زار بابك لم تبرح جوارحه تروي أحاديث ما أوليت من مننِ فالعين عن قرة والكف عن صلةٍ والقلب عن جابرٍ والسمع عن حسنِ سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

خطورة الرياء وعلاجه

خطورة الرياء وعلاجه Q نرجو من فضيلتكم التعرض بشيء من الكلام عن الشرك الخفي؛ الذي هو الرياء المنتشر بين كثير من طلاب العلم، فنجد الطالب يناقش شيخه، وهو أحياناً قد يجادل معه في الكلام عند إحدى المسائل، وقد يفتح باب المراء وهو لا يعلم، فنرجو الموعظة في هذا وجزاكم الله خيراً؟ A مرض الرياء والشرك الخفي -كما ورد عن السلف الصالح - مرضٌ خطير، وكثيرٌ من الناس يبتلى به، وكفارته: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم} ولو أنه تكلم في سند هذا الحديث، لكنه عند كثير من أهل السنة مما يقبل العمل به، وهو في درجة الحسن. وقد شكا الصحابة إليه صلى الله عليه وسلم من هذا المرض -مرض الرياء- فقال: {ليقل أحدكم: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم} وفي الصحيحين من حديث جندب قال: قال صلى الله عليه وسلم: {من راءى راءى الله به، ومن سمَّع سمَّع الله به} فمن طلب بعمله رؤية الناس ليروه راءى الله به على رءوس الأشهاد، وفضحه، ومقته، وكذلك من سمع، وعند مسلم في الصحيح: {من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه}. وصح عنه صلى الله عليه وسلم: {أول من تسعر بهم النار ثلاثة: منهم قارئ قرأ القرآن، يقول الله عزوجل له: ألم أعلمك القرآن؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت به؟ والله أدرى، قال: تعلمته فيك، وعلمت الجاهل، فيقول الله تعالى: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: خذوه إلى النار، فيدهده على وجهه في النار -ثم ذكر الصنفين الآخرين- ثم قال: أولئك أول من تسعر بهم النار} ومقصود التوحيد: هو الإخلاص، وثغر الشرك هو الرياء. فلذلك الفيصل بين الرياء وبين الإخلاص أن تقصد بعملك وجه الله عزوجل {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى}. إذاًَ: على المسلم أن يتقي الله في إخلاصه، وعلاج الرياء ثلاثة أمور: أولها: أن يعرف أن الناس لا يملكون ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً، ولا نشوراً، وأن النفع من الله الواحد الأحد، وأنه هو الذي يملك الثواب، ويملك الأجر، وعنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كل نفع. الأمر الثاني: أن يعرف قدر الناس، وضعفهم وقلتهم {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] والله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65] وقال في المرائين والمشركين: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23]. الأمر الثالث: من ابتلي بشيء فعليه أن يلتجئ للواحد الأحد، وأن يصدق مع الله، ويستغفر {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] ويقول: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم}.

من أحكام البدعة

من أحكام البدعة Q أريد منكم أن تعرفوا لنا المبتدع، وهل الأشاعرة من المبتدعة؟ وكيف نعامل المبتدعة؟ وهل تقبل توبة المبتدع؟ A المبتدع يعرفه صلى الله عليه وسلم، كما عند مسلم من حديث عائشة: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} فمن أتى بشيء من المعتقدات، في الأقوال، أو في الأفعال لم يأتِ به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت بالكتاب والسنة؛ فهو مبتدع. والمبتدعة أصناف ودرجات: فمنها بدعة مكفرة، ومنها بدعة مفسقة. ومن أحسن من تكلم عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، في المجلد الأول، والمجلد الرابع من الفتاوى، وعرض لهم في بعض المجلدات الأخرى. وأما الأشاعرة فهم بالنسبة لـ أهل السنة هم من المبتدعة، بلا شك، بل من العجيب أن الذي سجن شيخ الإسلام ابن تيمية هم الأشاعرة، سجنوه في الإسكندرية، آل ابن مخلوف وآل السبكي هؤلاء أشاعرة شوافع، فهم من المبتدعة بلا شك, وبالخصوص في الأسماء والصفات، قد يشتركون مع أهل السنة في بعض المسائل ويوافقونهم فيها، لكنهم إجمالاً خالفوا أهل السنة في المعتقد؛ لأن معتقد السلف إقرار الأسماء والصفات لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كما جاءت من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، والأشاعرة ما أفلحوا في ذلك، وهم قسمان: أشاعرة أهل الرأي، وأهل المنطق والكلام كـ الرازي ومن لف لفه؛ وهؤلاء قدموا العقل على النقل، ورد عليهم ابن تيمية في كتاب درء تعارض العقل والنقل فأتى بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم. وبعض أهل الحديث والأثر يريدون التنزيه لكنهم أخطئوا فيما قالوه، ومنهم ابن حجر وهو صاحب فتح الباري المشهور، وتجده مرة يسكت على معتقد السلف ولا يعلق، ومرة يؤول مع الأشاعرة، ومرة يتلعثم عند أهل السنة: يومٌ يمانٍ إذا لاقيت ذا يمنٍ وإن لقيت معدياً فعدنان فإما أن تكون أخي بصدقٍ فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطَّرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني لكن بالعدل نقول: الأشاعرة في الإسلام أقرب المبتدعة إلى أهل السنة فالمبتدعة درجات: أقربهم الأشاعرة ثم المعتزلة ثم الجهمية؛ الجهمية هؤلاء في درجة الزنادقة، بل كثير من أهل العلم قالوا: إنهم ملاحدة، لأن معنى أقوالهم أنهم ينفون وجود الله. والمعتزلة قدموا العقل على النقل، وقدموا آراءهم، ونفوا الصفات جملةً وتفصيلاً. أما الأشاعرة فتجد فيهم أئمة، فإن ابن الأثير نسب إليهم، والنووي وأبو الحسن الذي رجع فيما بعد عن معتقده، بل قال ابن تيمية: أبو الحسن الأشعري خيرٌ في المعتقد من ابن حزم الظاهري؛ صاحب المحلى وابن حزم محسوب على أهل السنة على كل حال. لكني أقول: العدل أنهم أقرب الطوائف، ولكنهم على كل حال مبتدعة. فلا بد أن يقروا بما أقرت به القرون الثلاثة الفاضلة المفضلة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يفعلوا ذلك فبقية بدعتهم عليهم، والله أعلم.

هل يعذر الجاهل بجهله

هل يعذر الجاهل بجهله Q هل يعذر الجاهل بجهله بعد أن أرسل الله الرسل وأنزل الكتب؟ A هذه المسألة أصبحت من فضول المسائل، كأطفال المشركين، وأهل الفترة، والذين ما بلغتهم الدعوة، والجاهل هل يعذر بجهله أم لا، وقد تكلم ابن تيمية بكلام طويلٍ يحتاج إلى تلخيص، ويحتاج إلى تقسيم وتوزيع، فإن هناك جهلاً عاماً مطلقاً وجهلاً خاصاً مقيداً، والله يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15]. فأما الناس الذين أدركوا الرسالة فقد قال صلى الله عليه وسلم: {لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار} فمفهوم المخالفة أن الذي لا يسمع به أمره إلى الله. إذاً فلا يُعذَر أحد بعدم بلوغه الدعوة وهو في أرض الدعوة، وفي محيطها، فيلزمه أن يتعلم، حتى يعرف أصول الدين. وأما من كان في البوادي, وفي أراضٍ بعيدة لم تبلغها الإسلام فأمره إلى الله عزوجل كأطفال المشركين، وأهل الفترة. ولأهل العلم فيهم ثلاثة أقوال: قولٌ يقول: يبعث الله لهم في العرصات رسلاً؛ وليس على هذا دليل. وقولٌ يقول: الله أعلم بما كانوا عاملين. وقولٌ يقول: يعذبون؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أتاه رجلٌ فقال: {أين أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك في النار، فلما ولَّى دعاه، وقال: أبي وأبوك في النار} والحديث في صحيح مسلم. وأنا أعتذر عن كثير من التفصيل، ويعاد إلى أهل العلم في هذه المسألة؛ لأنه لا طائل من البحث والاختلاف فيها على حسب اعتقادي.

حكم بناء المساجد على القبور

حكم بناء المساجد على القبور Q ما حكم المسجد الذي بني على قبر؟ وهل يجوز الصلاة فيه؟ وفيما إذا عزلت عنه؟ هل يكون خلاف بين الناس في ذلك؟ يعني: إذا كان بعيداً من المسجد، أو من القبلة؟ A تعرفون النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في مرض موته: {اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد} ويقول: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} وفي صحيح مسلم عن بثينة الهذلي قال: {نهى صلى الله عليه وسلم أن يصلى إلى القبر، وأن يجلس عليه} وصح عن عمر أنه رأى أنساً يصلي إلى قبر، قال: [[القبر القبر]] أي: انتبه لا تصلي عليه. فمسجد بني على القبر لا تجوز الصلاة فيه؛ لأنه أصبح مظنة للشرك، وإنما دخل الشرك في الأمم لأنهم تقربوا من مساجدهم ومعابدهم بقبورهم فدخلوا في الشرك، وهذه مظنة اتخاذ هذا المدفون شفيعاً، أو رفع الحاجات إليه، أو التبرك بضريحه، وهذا هو الشرك الذي حذر منه صلى الله عليه وسلم. أما إذا كان القبر بعيداً عن المسجد، كأن يكون بينه وبين المسجد حاجزاً، وبعيد فلا بأس، كما في البخاري وغيره: {أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقبور المشركين فنبشت، فسوى صلى الله عليه وسلم النخل قبلة المسجد، ثم صلى في مسجده عليه الصلاة والسلام}. فإذا كان القبر بعيداً وهناك حاجز فلا بأس. أما في القبلة فالأولى أن يكون على مسافات بعيدة عن المسجد بعداً للشرك، وحماية لجناب التوحيد.

حكم المجاز والتأويل وحقيقة الصوفية

حكم المجاز والتأويل وحقيقة الصوفية Q ذكرت في كلامك ما أتى من الكتاب والسنة في فضل أهل الحديث، وأنه ما جاء من غير الكتاب والسنة فضعها في الحش، وقوله تعالى في اليهود: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء:46] فضيلة الشيخ: نريد أن نعرف رأيك في المجاز والتأويل في القرآن، ما قولكم فيمن يستدل بهذه الأشياء، و (97%) من المفسرين يستعملونه. السؤال الثاني: هل الصوفية في وقتها الحاضر من أهل السنة والجماعة، نرجو التوضيح، وجزاكم الله خيراً؟ A أولاً مقصود كلمة الأوزاعي: ما أتاك من غير الكتاب والسنة فضعها في الحش؛ أي: مما خالف الكتاب والسنة، وصح عن الإمام مالك أنه يقول: كلٌ يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام. وأما مسألة المجاز، وما أدراك ما المجاز؟! فهي مسألة خلافية، لكن كثيراً من أهل السنة يرون ألا مجاز في القرآن والسنة، بل إن ابن تيمية يرى ألا مجاز لا في الكتاب ولا في السنة ولا في لغة العرب، ومعه ابن القيم، ومن العلماء المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي وله رسالة في ذلك، وهناك بعض أهل السنة قالوا بالمجاز، ولو أن هذا قولٌ ضعيف، ومقصود من نفى المجاز ألا يترك للمبتدعة طريق؛ لأن مدخل المعتزلة والأشاعرة في الأسماء والصفات أن جعلوه من باب المجاز، فمثلاً يقول: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22] قال: جاء أمر ربك، و {يضحك ربنا} قال: ثوابه أو رضاه. فقلنا لهم: لماذا؟ قالوا: أنتم تستخدمون المجاز، قلنا: مثل ماذا؟ قالوا: جاء الأمير؛ يعني: جاء أمر الأمير، رأيت الأسد؛ يعني: رأيت رجلاً، يقول الله عزوجل في القرآن: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف:82] هل القرية تتكلم؟ قلنا: لا. قالوا: كيف يقول: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف:82] أي: اسأل أهل القرية. إلى غير ذلك من الأمور، لكن ابن تيمية يقول: إن الأصل هي لغة العرب هكذا {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف:82] {جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف:77] فالعرب تستخدم هذا الأسلوب, وليس من باب المجاز. أما الأسماء والصفات فإنها تجري على ظاهرها، ولا تكيف، ولا تؤول، ونلزمهم في الصفات التي نفوها بالتي أقروا بها وأثبوتها، مثل صفة الضحك ينفونها، نقول: لماذا؟ قالوا: لأن الضحك من صفات المخلوق، فلو أثبتنا ضحكاً للخالق لشابه المخلوق، قلنا لهم: العلم، قالوا: لا العلم أمرٌ آخر، قلنا كيف يكون أمرٌ آخر؟ قالوا: لله علمٌ يليق بجلاله لا يشابه علم المخلوق، قلنا لهم: قولوا كذلك له ضحكٌ يليق بجلاله لا يشابه ضحك المخلوق {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85] وهذه إلزامات باللغة العربية. وقضية التأويل والمجاز أمرٌ يطول وليس من المصلحة نشره بين الناس، يقول علي رضي الله عنه وأرضاه: [[حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذب الله ورسوله]] ويقول ابن مسعود: [[إنك لست محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم فتنة]]. أما الصوفية هل هم من أهل السنة والجماعة؟ فأقول الصوفية درجات، حتى من يتكلم لا بد أن يتكلم بعدل ويفصل، لأن إلقاء الحكم مجملاً عاماً على الناس لا يصلح: أما إن كانوا لم يبلغوا الضلالات في المعتقد؛ كأن يكون عندهم اجتماعات أو يأتون بطقوس ومراسيم وهيئات ما أتت بها السنن، فنقول: هؤلاء مبتدعة وليسوا من أهل السنة، لكنهم في منزلة المبتدعة. وثم أناسٌ بلغوا إلى درجة تقديس المشايخ، وعبادتهم، ورفع الحاجات إليهم فهم مبتدعة من البدع المغلظة التي تدخلهم في الشرك. ثم مبتدعة من درجة أخرى؛ وهم ملاحدةٌ زنادقة، وهم الذين قالوا بالحلول والاتحاد، ومنهم أناسٌ وجدوا في هذا العصر، يقول أحد مشايخهم من الأولين: ما في الجبة إلا الله -جلَّ الله عما يقول- ويقول: الله في كل مكان حالٌّ معنا، حتى جعلوا أنه يحل سبحانه وتعالى في الكلاب والخنازير جل الله سبحانه وتعالى، ولذلك لما رد عليهم ابن تيمية قال: فإن كان صح عن بعضهم ما يقال, فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ولسنا بحاجة إلى هذا اللفظ، ولسنا بحاجة إلى أن يكون هناك فرقة متصوفة خرافية؛ لأن الله أغنانا بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وبكتاب ربنا، لأن التصوف الآن على ثلاثة أضرب: تصوف في المعتقد، وتصوف في الأعمال، وتصوف في الأقوال، وقد يجمعه بعض الناس ليكون ظلمات بعضها فوق بعض. فأنا أقول: يا أيها الإخوة! علينا أن نبصرهم بالتي هي أحسن، وأن نعلمهم بالسنة، وإذا نسبوا لنا عن شيخ عن شيخ عن شيخ نأتي بـ البخاري عن فلان عن فلان عن محمد عن جبريل عن رب العالمين فهذه أسانيدنا وهذه أسانيدهم. أما أسانيدنا فكالنجوم في الليل، وأما أسانيدهم فكخيوط العنكبوت لا يتعلقون منها بشيء فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

كثرة النوافل عند طالب العلم

كثرة النوافل عند طالب العلم Q ذكرتم في المحاضرة أهمية كثرة النوافل عند طالب العلم، لكن كثيراً من أهل العلم اعتبروا أن كثرة النوافل تشغل عن علم الحديث، بل كثير من المحدثين جرحوا المشتغل بكثرة العبادة، حتى يقال في مقام الجرح: شغلته العبادة عن الحديث وغفل، فاعتماداً على هذا نحن نكثر السهر في مطالعة الحديث، فهل يُعدُّ طلبنا للحديث من العبادة، حتى نجمع بين الخصلتين، فما رأيكم في ذلك جزاكم الله خيراً؟ A قول الأخ: إن كثيراً من المحدثين جرحوا بعض المحدثين بسبب كثرة العبادة، فيا سبحان الله! وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهرٌ عنك عارها إذا لم تكن العبادة هي المقصود من طلب الحديث فلا حيا الله هذا التشاغل، ولا هذا السهر، ولا هذا الحفظ؛ لأن المقصود من العلم هو العبادة، ترجم الذهبي لـ ابن الراوندي الملحد الزنديق الفيلسوف قال: الكلب المعثر الملعون، صاحب كتاب الدامغ على القرآن، الذي يدمغ به القرآن، وكان ذكياً، وحافظاً، لكن لعن الله الذكاء بلا إيمان، وحيا الله البلادة بالتقوى، مرحباً ببلادة بتقوى وبسجدات وبركعات. وأما قول الأخ، فينبغي أن يفصل قوله: جرحوه، هم لم يجرحوه بسبب عبادته، لكن هو ترك الرواية وترك التشاغل بالحديث فضعف في الحديث، مثل: رشدين بن سعد وقيس بن الربيع، وغيرهما من الأئمة الأخيار الذين يقومون الليل، لكن تركوا الحديث جانباً، ست سنوات لا يراجع الحديث ثم يسأل عن الحديث فيزيد فيه متراً أو مترين، حتى يقول الإمام مالك: يخرج من عندنا الحديث شبراً ويعود من العراق ذراعاً، فهم يزيدون؛ لأنهم وهموا فيه، فليست كثرة العبادة مما يشغل، بل هي مما يصحح الذاكرة، ويقوي القلب، لكن قد جعل الله لكل شيء قدراً، أنا ما أقصد عبادة الصوفية، يذكرون عن أحدهم أنه صلى في اليوم خمسمائة ركعة ولما أتت صلاة الظهر نام عنها وتركها. وأحدهم ذكروا عنه أنه سهر، فلما اقتربت صلاة الفجر نام حتى صلاها في الضحى، قالوا: مالك؟ قال: شغلني قيام الليل، فانظر إلى قلة فقهه، ترك الفريضة من أجل النافلة، ولكم أن تعودوا إلى كتاب العزلة لـ أبي سليمان الخطابي ذكر عن بعض الصوفية الجهلة الذين ما استناروا بنور السنة، قال: لصق على عينه اليسرى بلصقة، فقالوا: مالك؟ قال: إسرافٌ أن أنظر إلى الدنيا بعينين، والله عزوجل يمتن فيقول: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد:8 - 9] فأين عقل هذا؟! وذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة: أن أحدهم قال: أين أنتم مني لم آكل الرطب منذ أربعين سنة، سبحان الله من حرم عليك الرطب؟! والله عزوجل يقول: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المؤمنون:51] فهذا الجهل ليس من العبادة لكنه من عدم الانصراف للعلم. فأقول: وازن السنة التي ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم كركعتي الضحى وأربع قبل الظهر وأربع بعدها إلى غير ذلك، وعليك بـ البخاري ومسلم، خذ العبادة من الكتب الستة ومسند أحمد فإنها لا تأخذ عليك وقتاً طويلاً، واحذر من كتاب الرعاية، وهو للمحاسبي، ونحوها من كتب البدع، والتي فيها يذكرون أن فلاناً كان يصلي طول وقته، فهذا متى يتفرغ لصلة رحمه ولمساعدة المساكين! والغزالي رحمه الله قال في الإحياء: إذا طلعت الشمس قام فتوضأ فصلى أربعاً، ثم ينتظر قليلاً حتى ترتفع ثم يقوم فيتوضأ فيصلي أربعاً، أين الأدلة على هذه؟ يمكن عموم {من سجد لله سجدة رفعه الله بها درجة} لكن التوازن بين العلم، والتحصيل، والعبادة مطلوب لتكون عالماً، وعابداً، وزاهداً، وحنيفاً لله، إماماً يقتدى بك في أقوالك وأفعالك. وأنا أوصيك بتراجم بعض الناس لترى العبادة والعلم؛ انظر إلى سيرة الإمام أحمد، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وابن تيمية، وابن القيم، والمزي، وابن كثير، وغيرهم من الأئمة الجهابذة سوف ترى كيف وازنوا بين العلم والعبادة.

حقيقة الجهاد الأفغاني

حقيقة الجهاد الأفغاني Q لقد سمعنا بعض الناس يشككون في الجهاد الأفغاني، ويقولون: إن عندهم بدع ولا يجوز الجهاد معهم، ولا مساعدتهم، فهل الكلام هذا صحيح أم ماذا؟ أرشدوا طلاب العلم إلى الصواب، جزاكم الله خيراً؟ A أولاً من آداب أهل الحديث وأهل السنة ألا يلقوا الأحكام جزافاً بلا تفصيل، وبلا تبيُّن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] فعلى طالب الحديث أن يكون متبيناً، وأن يكون مفصلاً في أحكامه وفي إلقائه لكلامه. أما الجهاد الأفغاني، فنحن لا نقول: إنهم كالصحابة الذين حضروا بدراً وأحداً، ولا الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، فنحن أنفسنا نحن جوار الحرم وبيت الله عزوجل، ويتلى علينا الحديث جهاراً ونهاراً لا نبرئ أنفسنا من النقص، ولا من الذنوب والخطايا، ففيهم من أهل السنة وفيهم من فيه بدعة، وفيهم مذنب، وفيهم من يرتكب الكبائر، وفيهم من يرتكب الصغائر، ولكن انظروا ماذا فعلوا: والدعاوى ما لم يقيموا عليها بيناتٍ أصحابها أدعياء مجملاً: أجادوا كل الإجادة. وأنا أذكر مجاهدين من أهل السنة المؤمنين الصادقين أنهم رفعوا رءوس المسلمين، وأرغموا الملحد وسحقوه، {الذين قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174] قال لهم الناس: هيئة الأمم، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـ هيئة الأمم: في فتية من بني الأفغان ما تركت كراتهم للعدى صوتاً ولا صيتا قومٌ إذا قابلوا كانوا ملائكةً حسناً وإن قاتلوا كانوا عفاريتا فالمقصود، من كان في رأسه شيء فليدخل أرض الأفغان، نحن مع إسرائيل وشامير أكثر من ثلاثين سنة ونحن نشكو إلى جنيف، وإلى واشنطن وموسكو {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] إلى غير ذلك من الآيات. فالمقصود أيها الإخوة! الحمد لله، الآن قد أشرفوا على النصر، فواجبنا إن كنا نريد الإصلاح أن نسافر ونبين لهم السنة، ونعلمهم المعتقد، ما دام أنهم أجادوا في ذبح الروس على الطريقة الإسلامية فعلينا أن نعلمهم الطريقة الإسلامية في المعتقد، ومن عنده حديث فليذهب، بل سمعت من بعض قاداتهم مباشرة يقول: يتهمنا الناس بأنَّا مبتدعة وقد فتحنا صدورنا ومجالسنا وبيوتنا لمن يعلمنا السنة! فليأتوا. وفيهم والحمد لله خير كثير، والآن أشرفوا على دخول كابول، واقترب فتحها فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين. فنسأل الله أن ينصرنا وإياهم بالإسلام، وأن يعزنا بالإسلام ويعز الإسلام بنا. وبالمناسبة هنا مقطوعة في المجاهدين الأفغان، قصيدة أورد بعضها، واسمها: تحية للمجاهدين الأفغان: مروا بقلبي فقد أصغى لي البانُ لي في حمى الحب أصحابٌ وإخوان نعم لك الله ما قد تبت من ولهٍ أما لكم صاحبي صبرٌ وسلوان دع ذا وهات قوافٍ منك صادقةً لأمةٍ مجدها بالأمس فينان والله لو أنصف التاريخ أمتنا لسجل المدح عذباً وهو سهران مجالس العلم تروي كلَّ قصتنا إن قلت حدثنا يحيى وسفيان الساكبو العلم من مشكاة دوحتهم علم ابن عباس ياقوت ومرجان والصانعو الزهد والدنيا بحوزتهم يروي علاها أبو ذر وسلمان وإن طلبت مثالاً من أرومتنا يكفيك عن مضرب الأمثال أفغان يا أمة المجد والأرواح أثمان في شدة الرعب ما هانوا وما لانوا هم الرعود ولكن لا خفوت لها خسفٌ ونسفٌ وتدميرٌ وبركان كم ملحدٍ ماجنٍ ظن الحقوق له زفوا له الموت مراً وهو مجانُ وبلشفي أتى كالعير منتخياً رأى المنايا فأضحى وهو جعلان ردوه كالقرد لو بيعت سلامته بشعبه لشراها وهو جذلان فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ يسعى فيعثر في سروال خيبته في أذنه من رصاص الحق خرصان سياف في حكمة شاهٌ بمملكة لها من الدهر طول الحق برهان

القصيدة البازية

القصيدة البازية (طلب من الحضور أن يلقي الشيخ القصيدة البازية) أنتم يا أهل الحديث قرأتم قوله صلى الله عليه وسلم: {أنه نهى عن تلقي الركبان، ولا يبيع حاضر لباد} فالواجب ألا تتلقوا الركبان مرةً ثانية، وأن تتركوا أصحاب البضائع يردون بها الأسواق. أما البازية فهي في سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ولكثير من المحدثين أشعار فيه. مِنْ أمثال تقي الدين الهلالي محدث المغرب له قصيدة للشيخ، يقول فيها: خليلي عوجا بي لنغتنم الأجرا على آل باز إنهم بالثنا أحرى وزهدك في الدنيا لو أن ابن أدهم رآه رأى فيه المشقة والعسرى وشاعر سوري يقول في الشيخ عبد العزيز: روى عنك أهل الفضل كل فضيلة فقلنا حديث الحب ضربٌ من الوهم فلما تلاقينا وجدناك فوق ما سمعنا به في العلم والأدب الجمِّ فلم أرَ بازاً قط من قبل شيخنا يصيد فلا يؤذي المصيد ولا يدمي وأما قصيدتي في سماحة الشيخ فاسمها البازية، قلت فيها: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً لك الله قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي أغراهم المال والدنيا تجاذبهم ما بين منتعلٍ منهم ومن حافي مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعالي ولم تولع بإرجافِ بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطلُّ في إشراقها الضافي تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصداف أقبلت في ثوب زهدٍٍ تاركاً حللاً منسوجةً لطفيليٍ وملحاف تعيش عيشة أهل الزهد من سلفٍ لا تبتغي عيش أوغادٍ بتطوافِ فأنت فينا غريب الدار مرتحلٌ من بعد ما جئت للدنيا بتطوافي سر يا أبي! واترك الدنيا لعاشقها في ذمة الله فهو الحافظ الكافي ومنها: أراك كالضوء تجري في محاجرنا فلا تراك عيون الأغلف الجافي كالشدو تملك أشواقي وتأسرها في نغمة الوحي من طه ومن قاف ما أنصفتكَ القوافي وهي عاجزة وعذرها أنها في عصر أنصاف يكفي محياك أن القلب يعمره من حبكم والدي أضعاف أضعافِ يفديك من جعل الدنيا رسالته من كل أشكاله تفدى بآلافِ وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

عائد إلى الله

عائد إلى الله باب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها أو إلى أن يغرغر العبد، والتوبة واجبة من كل الذنوب والمعاصي، والتائبون إلى الله كثير، فكل من أذنب ثم تاب إلى الله تاب الله عليه، وقد ذكر الشيخ حفظه الله قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ثم تاب إلى الله، وذكر بعض العبر من هذه القصة، وذكر قصة أخرى عن رجل تاب الله عليه من بني إسرائيل.

باب التوبة مفتوح

باب التوبة مفتوح إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أمَّا بَعْد: عباد الله: فتح الله باب التوبة، فلن يغلق إلى أن تطلع الشمس من مغربها، فباب التوبة مفتوح كلما أذنب عبد، وكلما عصى وأخطأ وأساء، قال الله في الحديث القدسي: {إلي يا عبدي! تب أتب عليك}. قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:135]. من يستر العيوب إلا الله؟ من يتجاوز عن السيئات إلا الله؟ من يغفر الخطأ إلا الله؟ {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].

توبة الله على الرجل الذي قتل تسعا وتسعين نفسا

توبة الله على الرجل الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً تعال معي -أيها المسلم الوقور التائب المنيب- إلى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وهو يحدثنا عن رجل سلف به الدهر، أذنب ذنباًً بيناً، وأخطأ خطأً فاحشاً، وارتكب جريمة من أكبر الجرائم في تاريخ البشرية، يقول عليه الصلاة والسلام فيما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم: {كان فيمن كان قبلكم -أي: من بني إسرائيل- رجل قتل تسعاً وتسعين نفساً}. فهذا رجل تلطخ بالدماء، لطخ أصابعه وثيابه وأياديه وسيفه بقتل تسع وتسعين نفساً، والنفس الواحدة المعصومة لو اجتمع أهل الأرض والسماوات على قتل رجل مسلم؛ لكبهم الله على وجوههم في النار، فكيف من أتى بسيفه باطشاً فتَّاكاً مجرماً ليقتل تسعاً وتسعين نفساً؟ فهذا الرجل فعل هذه الجريمة وتلطخ بالدم، وأباد هذه الأرواح المعصومة التي عصمها الله، وأزهق هذه النفوس، وبعد أن تلطخ بالجريمة وأخطأ راجع حسابه مع الله، وتَفكَّر في لقاء الله، وتذكر القدوم على الله، وعلم أنه لا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ولا يحاسب على الذنب، ولا يوقف العبد على الذنب إلا الله. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار

ذهابه إلى الراهب

ذهابه إلى الراهب فخرج وثيابه ملطخة بالدماء، وسيفه وأصابعه تقطر، وأتى كالمذهول المدهوش يقول للناس: هل لي من توبة؟ فقال الناس: ندلك على راهب في صومعة، اذهب إليه واسأله هل لك من توبة؟ -لأن المعروف عند الناس أنه لا يفتي إلا مفت، ولا يتكلم في مسائل العلم إلا عالم، ولا يتحدث إلى الناس إلا فقيه- اذهب إلى ذاك الراهب في تلك الصومعة في الكهف، فاسأله: هل لك من توبة؟ فذهب إلى ذاك الراهب -والراهب عابد من عباد بني إسرائيل- ما عبد الله على بصيرة: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] وهذا الدين لا بد له من دليل، لا بد له من علم وتفقه، من جلوس في الحلقات وسؤال أهل العلم، فالدين لا يبنى على الجهل. ذهب هذا المخطئ المذنب الباكي الحاسر، الذي راجع حسابه مع الله وندم على ما فعل، ذهب بخطاياه وأسفه وذنوبه، فطرق باب الغار، فخرج له هذا العابد الذي حرم على نفسه اللحم، والله لم يحرم عليه اللحم، وحرم على نفسه الزواج، والله لم يحرم عليه الزواج، وحرم على نفسه الراحة، والله لم يحرم عليه الراحة، فتح له الباب فدخل الرجل وإذا ثيابه تقطر بالدماء، فقال الراهب: أعوذ بالله منك! وهل يفعل العالم هذا؟ وهل يفعل الداعية للمذنبين هذا الفعل؟ باب الله مفتوح، وعطاؤه يغدو ويروح، ونواله ممنوح {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها} فقال هذا التائب: يا أيها الراهب العابد! أنا قتلت تسعاً وتسعين نفساً، فهل لي من توبة؟ أنا راجعت حسابي مع الله، وقد أسأت مع الحي القيوم، فلما تذكرت القبر وما بعد القبر والصراط والميزان والجنة والنار تبت إلى الله، فهل لي من توبة؟ أيهذا الشاكي وما بك داءٌ كيف تغدو إذا غدوت عليلا أترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقه الندى إكليلا والذي نفسه بغير جمالٍ لا يرى في الوجود شيئاً جميلا فقال: هل لي من توبة؟ قال: لا توبة لك. سبحان الله! أتغلق باباً فتحه الله؟! أتسد طريقاً أمضاه الله؟! أتقطع حبلاً أرسله الله؟! أتكف قطراً بعثه الله؟! أتسد أنبوباً فتحه الله؟! الله الذي خلق وقدر، والله الذي يغفر ويحاسب، والله الذي يناجي العبد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. فما دخلك بين العباد وبين الله؟ أأنت تفتي في هذه المسائل؟! قال: لا توبة لك فيئس هذا المجرم من الحياة، وأظلمت في عينيه الحياة، وصغرت في عينه الإرادة والعزيمة، وأصبح الجمال في وجهه ليلاً مظلماً، قطع حبل الله الذي بينه وبين عباده، وأغلق باب الله الذي فتحه بينه وبين عباده، فحمل سيفه فقتل هذا المفتي الراهب، فوفى به المائة جزاءً نكالاً. وانظر إلى فساد الفتوى، الذي يتصدر للفتوى وهو لا يجيدها يهدم أكثر مما يبني، ويخرب المجتمعات، ويفسد القلوب، ويعطل الإرادات، ويغلق الهمم، ويهدم حصون العزائم.

سؤاله للعالم

سؤاله للعالم قتله ثم خرج والتفت إلى الناس، بالأمس قتل تسعة وتسعين واليوم قتل مائة، فقال للناس: هل لي من توبة؟ قالوا: ندلك على فلان بن فلان عالم من العلماء، ليس راهباً، لكن عالم فقيه مصداق، كلامه نهل من وحي السماء، قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49] {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران:18] {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ} [القصص:80] فهو فقيه متبصر عبد الله على بصيرة. وبالمناسبة يا أيها الناس! إن من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود -كما يقول ابن تيمية - ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى، يقول الله في اليهود: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13] وقال في النصارى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد:27] إذا أخذت شهادة ومستوىً علمياً ثم لم تظهر آثار العلم عليك، فكأنك من بني إسرائيل، وإذا انزويت في كهف تعبد وتصلي وتصوم وما تعلمت وما تفقهت، فكأنك من النصارى. فديننا علم وعمل، فقه وإرادة، تقنين واستقراء، تجربة وأخلاق، تعامل وشورى، دين وسع كل شيء، ولذلك دل على العالم، فأتى إلى العالم وهو في حلقة التدريس يربي الأجيال، ويرفع الأرواح، وينمي الأنفس، ويفقه في دين الله. ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمةً من عفاء والعلم: هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مقاتل من أردتا وكنزٌ لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا فطرق عليه بابه، فخرج وهش وبش في وجهه -وهذه عادة أطباء القلوب الدعاة إلى الله- تبسم وأجلسه بجانبه، وعانقه وحياه وقال: ما عندك؟ قال: أنا أذنبت، قتلت مائة نفس معصومة، فهل لي من توبة؟ قال: نعم. لك توبة، ومن يغلق عليك باب التوبة؟ باب الله لك مفتوح، أبشر بالمغفرة، أبشر بالسعود، أبشر بالتوبة النصوح، سوف يرضى الله عليك إذا تبت، فحيهلاً بك، فقال: أتوب إلى الله وأستغفر الله، قال: أسأل الله أن يتوب عليك. وانظر إلى حل هذه المشكلة والعقدة، ثم قال له العالم: إنك كنت تقيم في قرية سوء، إنها قرية ظالم أهلها -وبعض القرى والمدن، وبعض الأحياء والحارات والقبائل تعينك على المعصية والجريمة، لا يعينونك على الطاعة، فيحملونك على الغيبة، وعلى شهادة الزور، وعلى القتل، وعلى الزنا؛ لأن هذه البقعة خبيث منتداها، خبيث قوامتها، خبيثة مصداقيتها وعطاؤها- قال: قريتك ظالم أهلها، فاخرج إلى قرية صالحة هي تلك القرية، فأخذ جهازه وتطهر بماء التوبة، وخلع ثيابه الملطخة بالدماء، ووضع سيفه، وأخذ عصاه، وأخذ يستغفر الله ويتوب إلى الله، وأقبل على الله.

وفاة هذا الرجل

وفاة هذا الرجل وبينما هو في أثناء الطريق أتته سكرة الموت، قال الله: {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] فلما أتته سكرات الموت وحضره اليقين قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قبضت روحه، ما صلى ولا صام ولا تصدق ولا زكى وما فعل خيراً قط، إنما تاب إلى الله، وأتت الملائكة من السماء بسرعة، ملائكة الرحمة معها السجلات، وملائكة العذاب معها السجلات، وقفت عند رأس الميت، تقول ملائكة الرحمة: هذا عبد مصيره الجنة، هذا تاب إلى الله وأناب، ورجع إلى الله، وتوضأ بماء التوبة. وقل لـ بلال العزم من قلب صادقٍ أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا قالوا: مصيره الجنة، قالت ملائكة العذاب: لا. هذا مجرم قتل مائة نفس، تلطخ بالدماء، ارتكب جريمة لا تغتفر، ولكن ما فعل خيراً قط، ما صلى ولا زكى ولا تصدق وما فعل خيراً قط، فكيف يدخل الجنة؟ ووقف الجدل والحوار الساخن بين الطائفتين، فأوحى الله من فوق سبع سماوات إلى ملائكته في شأن هذا العبد، قال لهم: قيسوا ما بين المسافتين {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] من المكان الذي توفي فيه إلى القرية التي خرج منها، ومن المكان الذي توفي فيه إلى القرية التي خرج إليها، فإن وجدتموه أقرب إلى إحدى القريتين فهو منها، فقاموا يذرعون بالأشبار ما بين القريتين، فأوحى الله إلى تلك القرية الصالحة أن تقاربي. يا لرحمة الله! وعطائه وفضله وغفرانه! يوم أن يتلطخ العاصي، ويوم أن يجرم المجرم، ويوم أن يقتل القاتل، ويوم أن يسرق السارق، ويشرب الشارب، ويفجر الفاجر، فلا يغفر له الناس، ولا يسامحون ولا يقبلونه، ولكن يقبله ربهم، ويغفر له، فقاسوا فوجدوه أقرب إلى تلك القرية، وأخذوه وهو في سكرات الموت -كما في الروايات الصحيحة- ينوء بصدره ويقترب عله أن يقرب ولو شبراً من القرية الصالحة، لأن قلبه تاق إلى التوبة وإلى العمل الصالح. فقاسوا ما بين المسافتين فوجدوه أقرب إلى تلك القرية، فغفر الله له وأدخله الجنة. فيا لرحمة الله! {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} [آل عمران:135] هكذا نكرة، فاحشة كبرى تحت أستار الظلام، أو بين الحيطان، لا يراهم إلا الرحمن. وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ والنفس داعيةٌ إلى العصيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يرانيِ {{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ}} [آل عمران:135] والعبد تمر به فترات ينسى عقله وإرادته، وينسى صدقه وأمانته، بل ينزع عنه الإيمان فترة من الفترات. يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الشارب الخمر حين يشربها وهو مؤمن} قال أهل العلم: يرتفع إيمانه كالظلة على رأسه في وقت مزاولة الجريمة، وبعد أن ينتهي يراجع حسابه مع الله، يتذكر القبر حفرة من الحفر يدس فيها كقطعة الطين، أو كقطعة من الحجر، لا أنيس ولا حبيب ولا قريب ولا مال ولا ولد، يتذكر الصراط، ويتذكر موعود الله، ولقاء الله، فيقول: أستغفر الله. {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران:135] ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى متحدياً كبراء ورؤساء الأرض، يقول: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:135] هل هناك أحد يغفر الذنب إلا الله؟ الناس لا يغفرون، ولا يسترون، ولا يسامحون، ولكن الله يسامح ويغفر ويستر. {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136]. إلهي لا تعذبني فإني مقرٌ بالذي قد كان مني فما لي حيلةٌ إلا رجائي وعفوك إن عفوت وحسن ظني يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم، وارجوا لقاءه، وتوبوا إليه من الجرائم والفواحش، فقد فتح بابه لكم، وقد رفع حجابه لكم، وقد مد يده وبسطها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، غفرانك ربي أسأنا وأخطأنا وأذنبنا وأجرمنا، فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

قصة أخرى لرجل من بني إسرائيل

قصة أخرى لرجل من بني إسرائيل الحمد لله، الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس إلى الله رب العالمين , وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الناس! يلاحظ رسول الهدى صلى الله عليه وسلم القصص الحق، قصص التائبين، قصص الذين أذنبوا وأخطئوا وأجرموا ثم عادوا إلى الله. وفي قصة أخرى يتحدث رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة، يتحدث إليهم عن رجل كذلك من بني إسرائيل-والحديث صحيح سنده كنجوم السماء- يتحدث إليهم عن رجل أذنب ذنباً عظيماً، وهو موحد لم يشرك بالله، ولكن أخطأ وعصى الله وأساء فيما بينه وبين الله، ونحن أهل السنة والجماعة لا نكفر الناس بالذنوب، إنما يكفرهم الخوارج الذين لا يفقهون إلا قليلاً ولا يفقهون. أذنب هذا الرجل، وما ترك معصية إلا ارتكبها، شرب الخمر وزنى وقتل وسرق، كذب وغش ونم واغتاب، أساء كل الإساءة، ضيع عمره، أعجب بنفسه فتكبر واغتر، فلما حضرته ساعة الصفر، سكرة الموت الذي كنت منه وكان العبد منه يحيد بالطب وبالاستشفاء، حضرته هذه السكرة والجلسة والمصرع -الذي نسأل الله أن يعيننا وإياكم عليه- ساعة الموت يذل فيها المتكبر، ويذعن فيها الجبار، ويستسلم فيها القوي، ويفتقر فيها الغني، ساعة الموت تذهب فيها العزيمة والإرادة، ساعة الموت تتفتت الصخور والعزائم، وتتقطع الحبال ولو كانت من حديد، ساعة الموت ينسى الحبيب حبيبه، وينسى القريب قريبه، والصاحب صاحبه، والولد أباه، والأب ولده، والأم ابنها، ساعة الموت ما أعفي منها أحد، أخذت رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أخشى الناس، وأصدقهم وأعلمهم وأبرهم وأكرمهم وأكرم الناس، فأخذ يقول وهو في سكرات الموت: {لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، لا إله إلا الله، اللهم هون علي سكرات الموت، لا إله إلا الله، اللهم خفف علي سكرات الموت}. فلما حضرت الوفاة ذاك الرجل جمع أبناءه، وأصبحوا أمامه في ساعة لا ينفع فيها الولد، ولا ينفع فيها المال ولو كانت قناطير مقنطرة، ولا ينفع فيها المنصب ولو كان منصب فرعون، يأتي ويدس الملك كالفقير في قطعة قماش، والحساب عند الله تعالى، يأتي الغني الذي ملك القناطير المقنطرة ويحمل على أكتاف الرجال، لا يحمل درهماً ولا ديناراً ولا خميصةً ولا قطيفةً. فجمع أبناءه وقال: أي أبٍ لكم أنا؟ قالوا: من خيرة الآباء، قال: فوالذي نفسي بيده، ما فعلت مع الله جميلاً أبداً، عصيت، وتعديت حدود الله، واقترفت معاصي الله، وتطاولت على حرمات الله، فإذا أنا مت، فاجمعوا لي حطباً، ثم أشعلوا هذا الحطب، فإذا أصبحت ناراً عظيمةً فاجعلوني في النار. هذا على دين الهندوس أهل الهند، حرق الجثث وتذريتها والتبرك بآثارها، فسحقوه، وذروه في الريح، لكنه موحد، إنما اقترح هذا الاقتراح لأنه ظن أنه سوف يفوت على الله. سبحان الله! أين يفلت من حساب الله؟ الذي أتى بالإنسان من نطفة فجمعه ثم كونه ثم خلقه، ثم أسمعه وبصَّره، ثم رزقه، ثم يحاسبه يوم القيامة، قال الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:2] {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79]. فلما توفي أخذوا جثمانه وجمعوا الحطب وأشعلوا له ناراً مدلهمة، ووضعوه في النار، فأكلت جسمه حتى أصبح فحماً حمماً فسحقوه ثم اعترضوا به الريح، فأخذته الريح الهوجاء، فتفرقت به في كل مكان ووزعته على الأنهار وعلى رءوس الأشجار وفي الجبال وفي السهول، لكن الذي بدأه أول مرة أمره في قول: كن فيكون {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40] فقال الله: كن رجلاً، فكان رجلاً في لحظة، في أقل من طرف العين، جمع وأصبح رجلاً بعيونه وآذانه وسمعه وبصره، بشحمه ودمه وعظامه وأعصابه، وجمع الله ملائكته للحساب، وقال: يا عبدي! ما حملك على ما صنعت؟ لماذا أوصيت بنيك بهذه الوصية؟ لماذا فعلت بنفسك هذا الفعل؟ أما علمت أني أغفر الذنب وأستر العيب وأتجاوز عن المسيء؟ قال: يا ربي -ما أحسن الكلمة! اسمع- قال: يا ربي خفتك وخشيت ذنوبي. فقال الله: يا ملائكتي! أشهدكم أني قد غفرت له وأدخلته الجنة. ما دام أنه خاف موعودي ولقائي والحساب بين يدي ونكالي وناري، فقد غفرت له وأدخلته الجنة، فدخل الجنة. وهذا يعرض لكل الناس، شريعة تبلغ في المجالس وفي الأندية، لأننا في عصر كثرت فيه المعاصي والجرائم، كثر التخلف والإعراض عن رحمة الله، فإذا وقفنا بباب التشاؤم أمام الناس، وقلنا لهم: ويلكم من الله فحسب، وعرضنا لهم النار فقط، ولم نعرض لهم الجنة، يئسوا من رحمة الله، وتمردوا على الله وأعرضوا عن باب التوبة إلى الله، لكن حقاً علينا أن نخبرهم برحمة الله ولطفه ورعايته وحفظه، ولا ننسى أن الله شديد العقاب، ولا ننسى أن الله أعد ناراً وجحيماً، وأعد نكالاً وسلاسل وأغلالاً. نعم. إنه رحمان ورحيم، لكنه شديد العقاب. عباد الله: يقول المتكلم والسامع: من اقترف منا ذنباً فليتب إلى الله، اللهم إنا نشهدك في هذه الساعة الفضيلة المباركة النبيلة أننا تبنا إليك، أسأنا وأخطأنا وتعدينا حدودك وانتهكنا حرماتك، أكلنا رزقك وما شكرناك، وأكلنا عطاءك وما استخدمناه في طاعتك، وأسأنا كثيراً، وضيعنا أوقاتنا، أذنبنا كل الذنب، وأخطأنا كل الخطأ، وأسأنا كل الإساءة، ومن يغفر الذنوب إلا أنت، ومن يستر العيوب إلا أنت، اللهم فاغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وتقبلنا فيمن تقبلت، اللهم تقبل منا أحسن ما عملنا، وتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. من يفتح لنا الباب إذا أغلقته؟ ومن يرفع لنا الحجاب إذا أسدلته؟ ومن يعطينا من العطاء إذا منعته؟ اللهم فارفع لنا باب التوبة واجعله لنا مفتوحاً، وأسدل علينا من منِّك وكرمك واجعل لنا منه عطاءً ممنوحاً، اللهم صل على نبيك وحبيبك الذي بعثته رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الناس! صلوا وسلموا عليه، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاة خيراً لنا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

صفات المرأة المسلمة

صفات المرأة المسلمة المرأة سواء أكانت معلمة أو مربية أو ملتزمة لبيتها لا بد أن تتعلم من علوم الشرع ما يكفيها، وقد خصص لها هذا الدرس بعنوان: صفات المرأة، فذكرت لها عشر صفات تتحلى بها لتكون امرأة كاملة، وهذه الصفات مجموعة من الكتاب والسنة وأقوال العلماء، تتحدث عن المرأة وإيمانها وتوكلها على الله، ولزوم البيت، وطاعة الزوج، وغض البصر، وصون السمع، وحفظ السان، والتخلق بأخلاق المرأة المسلمة، والدعوة إلى الله سبحانه في وسط بنات جنسها، وقد ذكر صوراً للمرأة المسلمة من نساء الأنبياء وغيرهن.

سبب اختيار موضوع صفات المرأة المسلمة

سبب اختيار موضوع صفات المرأة المسلمة الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. عنوان هذه المحاضرة: (صفات المرأة المسلمة) كيف تكون مسلمة؟ وكيف تكون مؤمنة وعابدة؟ تلكم القضايا هي التي يجاب عنها في هذا الدرس وغيرها. واخترت هذا الموضوع لثلاثة أسباب: أولها: لكثرة الفتن التي طمَّت وعمَّت ومدخلها النساء، وقد حذر منهن عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح فقال: {اتقوا الدنيا واتقوا النساء}. ثانيها: تقصيرنا كدعاة وعلماء وطلبة علم في جانب المرأة. ثالثها: لعل الله أن ينفع بهذا الشريط لمن أدخله بيته أو سمعه أو أهداه. إذا عُلِم ذلك فقد قال عليه الصلاة والسلام لـ فاطمة في أول أيام الدعوة {يا فاطمة! أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك من الله شيئاً} وأنا أقول لكل امرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر: أنقذي نفسك من النار فإنا لا نملك لك من الله شيئاً، وقبل أن أبدأ بعناصر هذا الدرس التي هي عشر قضايا وأصول لا بد أن تفهمها المرأة، معلمة، ومربية، وشابة، ولازمة بيتها؛ لتكون مؤمنة بالله، يرضى الله عنها في الدنيا والآخرة، وإن لم تفعل ذلك فلتعلم أنها سوف تخسر عرضها ودينها ومستقبلها ودنياها وأخراها. قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {عُرِضت عليَّ النار، فإذا أكثر أهلها النساء. قالت امرأة: يا رسول الله! ما بال النساء؟ قال: يكفرن. قيل: يكفرن بالله؟! قال: يكفرن العشير، ويكثرن اللعن} يكفرن العشير أي: الزوج، ينكرن معروفه، وينسين جميله، قال: {لو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك معروفاً قط أو خيراً قط} وقال عليه الصلاة والسلام: {اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أكثر فتنة بني إسرائيل في النساء} حديث صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: {أخوف ما أخاف على أمتي النساء} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

نماذج من النساء الصالحات

نماذج من النساء الصالحات إذا عُلِم ذلك فهناك نماذج أوجدها الله من المؤمنات على مر التاريخ، منذ أن خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، هناك مؤمنات مسلمات، قانتات خاشعات، حافظات للغيب بما حفظ الله. منهن -على سبيل العرض قبل أن آتي إلى الموضوع-:

سارة بنت هاران

سارة بنت هاران سارة بنت هاران، زوجة إبراهيم عليه السلام، كانت عابدة لله منيبة مخبتة، أسلمت قلبها للواحد الأحد فعصمها وحماها من الفواحش، ذهب إبراهيم عليه السلام مع زوجته سارة إلى مصر وكان على مصر ملك، طاغية من الطغاة، وفاجر من الفجار، وجبار من الجبابرة، كان يغتصب النساء غصباً، فاغتصب سارة من إبراهيم، فلما أدخلت عليه توضأت وصلت ركعتين وأسلمت قلبها إلى الله، وسألت الواحد الأحد أن يعصمها من هذا الفاجر، فأقبل منها الملك فرُكضت رجله ورُفست وخُسفت في الأرض، فرفع عنها، ثم أقبل منها فاستعاذت بالله، فانحدرت رجله في الأرض وأخذت به قشعريرة، ثم رفع عنها، ثم رجع ثالثة فاستعاذت بالله، فحماها وخُسفت رجله في الأرض قال: إنما قربتم لي شيطانة، خذوها -وهو الشيطان- فذهبت، فأعطاها جارية فقالت لإبراهيم: "كفانا الله الفاجر وأخْدَمَنا جارية". وهذا درس للنساء، أن من اعتصمت بالله واتكلت عليه والتجأت إليه، عصمها الله وحمى عرضها، وأسلم قلبها للواحد الأحد.

قصة هاجر وابنها

قصة هاجر وابنها ومنهن: هاجر، امرأة إبراهيم عليه السلام أيضاً أم إسماعيل، موحدة منيبة قانتة عابدة، خرجت مع إبراهيم إلى مكة، وادٍ قاحل، صحراء، جبال سود، لا شجر ولا حدائق، لا بساتين ولا أنهار، فتركها إبراهيم، وأوحى الله إليه أن اترك هاجر وولدها، واذهب إلى الأرض، قيل: إلى العراق وقيل: إلى فلسطين. فذهب فقالت: "إلى من تكلنا يا إبراهيم؟ قال: إلى الله، ومن اكتفى به كفاه ومن احتمى به حماه، ومن التجأ إليه آواه، قالت: أمرك الله؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا الله، ترك جواباً من تمر، لا ماء ولا طعام لكن شيء من تمر، ثم التفت، فلما اختفى إبراهيم خلف الجبل دمعت عيناه، إمام التوحيد، وأستاذ العقيدة، وحامل لا إله إلا الله، اختفى عن العيون فدمعت عيناه فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37] ما أحسن الكلام! أحسن كلام في تاريخ الإنسان، وبالفعل رزقهم الله الثمرات، ففي مكة الحجاج لا يموتون من الجوع، يموتون من الشمس أما الجوع فلا، ثمرات الأرض تأتي إلى مكة، وتهوي قلوب الملايين المُمَلْيَنَة إلى مكة، يقول ابن القيم: "عجيب تتقطع الأحذية في الطريق إلى مكة، والبغال، والخيول، والجمال، وهدير الطائرات، ومخارات السفن، وجلجلة السيارات كلها تهوي إلى مكة بالملايين، مسلمو الصين ومسلمو اليابان ومسلمو السودان، كلهم يقولون: لبيك اللهم لبيك، أليس دعاء؟ تركهم، فلما ظمئ ولدُها، قامت تبحث عن الماء، سبعة أشواط وهي تبحث في الوادي، فرفس برجله، فخرج الماء فأخذت تحول الماء وتقول: زمزم زمزم، قال صلى الله عليه وسلم -رسولنا حبيبنا يعلق على القصة- قال: {رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت وادياً معيناً أو نهراً جارياً لكنها حفته فأصبح بئراً} عليها صلاة الله وسلامه، وعلى رسولنا صلاة الله وسلامه، وفيها درس للمرأة المسلمة أن تعود وأن تلتجئ إلى الله. شبَّ هذا الغلام وكبر، وتزوج بزوجة لكنها قليلة التوكل على الله، لا تلتجئ إلى الله، فقيرة القلب -مثل بعض النساء لو جمعت لها ملاذ الدنيا، وذهبها وفضتها وثيابها، تجدها دائماً فقيرة تتشاءم، وتقول: ليس عندنا شيء، نحن نعيش في فقر، ليتنا في حالة غير هذه الحالة، ماذا جمعني بك؟ متى يتبدل هذا الحال؟ البؤس دائماً في وجهها والفقر في قفاها، تدخل، وتدبر وتولي، وتقوم وتقعد وهي شاكية باكية، ولاجة خراجة- فأتى إبراهيم عليه السلام يزور ابنه من أرض العراق كان يجوب الدنيا ينشر التوحيد، فلما وصل إلى مكة وجد إسماعيل قد خرج للصيد في أرض نعمان فوق عرفات. ألا أيها الركب اليمانون عرجوا علينا فقد أضحى هوانا يمانيا نسائلكم هل سال نعمان بعدنا وخب إلينا بطن نعمان وادياً خرج هناك يصطاد بقوسه وأسهمه، فأتى إبراهيم فطرق الباب فخرجت هذه المرأة. قال إبراهيم: أين زوجك؟ -لا تعرف هذا الشيخ الجليل، أعظم شيخ بعد محمد صلى الله عليه وسلم في تاريخ الإنسان، ولذلك هو أول من يُكسى يوم القيامة، وهذه تزكية من الله، وليست من يحي بن معين ولا من أحمد بن حنبل ولا من البخاري، لا قال فيه: ثقة، ولا ثَبْتٌ، ولا علامة، إنما الله يزكيه من فوق سبع سماوات {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل:120 - 121] أتى هذا الشيخ ولحيته بيضاء؛ لأنهم يقولون وهذا استطراد: أنه رأى المرآة فقال: يا رب! ما هذا البياض يقصد الشيب؟ قال: وقار يا إبراهيم. قال: اللهم زدني وقاراً- فأتى بعصاه وضرب الباب فخرجت هذه الزوجة، قالت: من؟ قال: أين زوجك؟ قالت: يصطاد. قال: كيف حالكم؟ قالت: في بؤس وفقر، ومسكنة وضنك وضنى، جائعون، ليس عندنا شيء. قال: إذا أتى زوجك فأقرئيه السلام -والسلام لا يعرفه إلا الموحدون؛ لأن الجاهلية حوله- وقولي له أن يغير عتبة الباب، ثم ذهب إبراهيم عليه السلام، وأتى في المساء إسماعيل قال: هل أتاكم أحد؟ قالت: أتانا شيخ كبير يتوكأ على عصا، وسألني عنك فأخبرته عن حالنا، فقال: أقرئيه السلام، ويقول: غيِّر عتبة الباب، قال: هذا والدي إبراهيم وهو يعرف السلام، ويأمرني أن أغير عتبة الباب، وأنت عتبة الباب: الحقي بأهلك- لأنه في الحديث: {إن كان الشؤم في شيء ففي ثلاثة: المرأة، والفرس، والدار} بعض الدور -ونحن لا نتشاءم بل نتفاءل- إذا دخلتها أتاك من البؤس والضنك والضنى ما الله به عليم، وبعض النساء، وبعض الخيول أيضاً- فقال: الحقي بأهلك، فذهبت وتزوج غيرها. وأتى إبراهيم بعد وقت، فأتى إلى باب ابنه فطرق الباب فخرجت المرأة الصالحة المنيبة الذاكرة التي ترى كل شيء كأنها ترى الحياة، التي تقدم لها الخبز اليابس والماء كأنك قدمت لها مائدة كسرى أنوشروان، تكون في عيش ما أحسن منه، تقول: أثابك الله. يخبرنا بعض الفضلاء أنه عاش في ضنك وضنى وهو كبير السن، وفي فقر مدقع، فكان لا يجد الخبز إلا في بعض الأيام، فإذا أتى بالخبز قبَّلت زوجته يده وقالت: جزاك الله من خير صالحاً، والآن سوف أنقل لكم حقائق عن بعض نساء هذا العصر- فطرق الباب، فخرجت، فقال: كيف حالكم؟ قالت: في أحسن حال، وفي أرغد عيش، في سعة من الله، وفي نعمة ومنه، قال: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له يثبِّت عتبة البيت، فأتى الزوج فسألها فأخبرته، قالت يقرئك السلام، ويقول لك: ثبت عتبة البيت، قال: أنت عتبة البيت وأمرني بإمساكك. هذه قصة إبراهيم مع إسماعيل، وهم يعيشون حياة المرأة ودورها، وقسم في منزلة بين امرأتين: امرأة لم تتكل على الله ولم ترض بقضائه وقدره، ولم تشكر نعمته، وامرأة انصرفت إلى منهج الله وأحبته، وتوكلت عليه.

حنة امرأة عمران

حنة امرأة عمران حنة امرأة عمران، امرأة صالحة منيبة، عمران زوجها، كان من عباد بني إسرائيل، والعبد الصالح يرزقه الله على نيته وعلى اتجاهه، كانت حنة هذه عابدة تقرأ وتبكي كل صباح في حديقة بجنب بيتها في أرض فلسطين المحتلة -التي اغتصبها اليهود، وأخذوا دماءها، وشربوا دم أصحابها، الذين أخذوها غصباً من أيادي المسلمين، ولم تزَل وصمة عار في جبيننا، وعلينا العار والدمار والشنار حتى نستعيد فلسطين وبيت المقدس إلى أرض قومي. أي شرف نتشرف به وفلسطين في يد رابين، وفي يد إسحاق شامير، وفي يد الملاعين أبناء القردة والخنازير. أو ما كنتِ إذا البغي اعتدى موجة من لهب أو من دَمِ؟! كيف أغفيت على الذل ولم تنفضي عنك غبار التُّهَمِ؟! رُبَّ (وا معتصماه) انطلقت ملء أفواه الصبايا اليُتَّمِ لامَسَتْ أسماعهم لكنها لم تلامِس نخوة المعتصم في فلسطين اليوم طفل يقول: واإسلاماه! وعجوز تقول: وا إسلاماه! وشيخ يقول: واإسلاماه! ومصحف يقول: وا إسلاماه! ومسجد يقول: وا إسلاماه! فأين بليون مسلم؟! فأتت حنة فرأت هذا الطائر معه ولد، فقالت: "يا رب ارزقني ولداً، والذرية مكسب عظيم، والعقم إفلاس؛ لكن أفضل الولد: العمل الصالح، فرزقها الله، فحملت بحمل فتمنت أن يكون ولداً، ونذرت لله إن أنجبت أن يكون خادماً لـ بيت المقدس، فأتت بـ مريم، أتت بأنثى {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:36] اسمع ما أحسن الكلام! {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران:37] أتت مريم وقالت أمها: ظننتُ أنه ولد، ونذرتُ أن يخدم المسجد؛ لكن أتت بنتٌ فقالت: وأنت أعلم"، فتقبَّلْها يا رب! فأصبحت خيراً من ألوف مؤلفة وملايين مُمَلْيَنَة من الرجال، وأصبحت خادمة للمسجد، وكفَّلها اللهُ زكريا، وأصبحت عابدة، يأتيها رزقها صباحاً ومساء كرامة من الله، وأتت بعيسى ابن مريم، الذي هو من أولي العزم، نؤمن به عليه السلام.

أم المؤمنين خديجة

أم المؤمنين خديجة وأما خديجة، زوجة محمد عليه الصلاة السلام فهي أول امرأة في عصر تاريخ الدعوة سكبت عرقها ودمها ودموعها لنصرة هذا الإنسان العظيم، الذي قاد سفينة الحياة إلى شاطئ النجاة، أتى من الغار صلى الله عليه وسلم في أول لقاء حارٍّ مع جبريل، أتاه جبريل فغَتَّه ثلاث مرات، لا يدري محمد صلى الله عليه وسلم ما هذا الحدث، فقد عاش في أمة جاهلية أمية، فغَتَّه وقال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] فأتى يولول ويجلجل ويرتعد، قالت: {لا عليك! كلا والله لا يخزيك الله، إنك تصل الرحم، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف}. وهذه المرأة عصامية، فإذا وجد في البيت من أمثالها تشد من عضد زوجها، إذا أصيب بنكبة قامت معه وقالت: كلا. الحياة سهلة. ويصيبه حادث سيارة فتقول: الأمر سهل ما دام أن الله أبقى علينا ديننا، فلا رعى الله السيارات. وينهدمُ البيت تقول: الأمر سهل. ويرسب الأطفال فتقول: قضاء وقدر، معنا الإسلام، معنا الصلوات الخمس. أما امرأة شاكية، يأتي جرح ويأتي رسوب ويأتي شيء فتولول وتجلجل وتبكي وتجمع المصائب، وتأتي بالأحداث والفتن والمشاكل، فليست على طراز خديجة رضي الله عنها وأرضاها. هذه امرأة عصامية في تاريخ الإسلام، جعلها الله عز وجل من أهل الجنة، قال عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح: {يا خديجة! إن جبريل أتاني يقرئك من الله السلام، ويبشرك ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب} من قصب: من جوهر ولؤلؤ، يُرى ظاهره من باطنه، وباطنه من ظاهره، لا صخب فيه ولا نصب: لا صوت ولا صياح ولا مشكلة، فرضي الله عنها وأرضاها، ما أحسنها! وما أروعها في تاريخ الدعوة! ولها قصة ثانية: قال صلى الله عليه وسلم: {يا خديجة! أرى رجلاً يدخل علي البيت! قالت: تعال، فجعلته عن يمينها صلى الله عليه وسلم قالت: أتراه؟ قال: نعم. فجعلته عن يسارها قالت: أتراه؟ قال: نعم. فكشفت عن شيء من رأسها فقالت: أتراه؟ قال: لا. قالت: هذا مَلَك وليس بشيطان} لأن الملك لا ينظر إلى المرأة. قالوا: كانت من أعقل النساء في تاريخ الدعوة، كانت تاجرة دفعت مالها لمحمد عليه الصلاة والسلام ليقدم أعظم رسالة في تاريخ الإنسان، ولِتَعْبُرَ رسالتُه المحيطات، ويكون لـ خديجة أجر هذه الدعوة المباركة التي جلسنا نحن وإياكم على مائدتها في هذا الدرس. بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدمِ لما دعا الله داعينا بطاعته بأكرم الرسْل كنا أكرم الأممِ

صفات المرأة المسلمة

صفات المرأة المسلمة صفات المرأة المسلمة عشر صفات، إذا وُجِدَتْ في المرأة فلتبْشِر بالجنة من أول الطريق، ونبشرها من هذه الليلة بجنة عرضها السماوات والأرض، فنحن شهداء الله في أرضه. {مُرَّ على الرسول عليه الصلاة والسلام بجنازتين: الأولى شهدوا لها بالإيمان قال: وجبت وجبت وجبت، والثانية: شهدوا عليها بالسوء قال: وجبت وجبت وجبت، فسألوه قال: الأولى أثنيتم عليها خيراً فقلت: وجبت لها الجنة، والثانية أثنيتم عليها شراً فقلت: وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه}. الصفة الأولى: إيمانها بالله تبارك وتعالى:- إيمان يصاحبها في الليل والنهار، في الحل والترحال، قائمة وقاعدة وعلى جنبها، إيمان يجعل رقابة الله أقرب إليها من حبل الوريد، تتذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الخلوة والجلوة، في السر والعلن، والضراء والسراء. وسوف أعود للصفات بشيء من البسط. الصفة الثانية: لزومها بيتها، وعدم تبرجها، وعدم خروجها إلا لحاجة ماسة:- فبيتها أمانها، ومعبدها وسترها، وحياؤها ومستقبلها، وهذا مسئوليتها في الإسلام، لا يطلب منها أن تكون موظفة ولا عاملة ولا وزيرة، ولا يطلب منها أن تكون جندية في الجيش، ولا حارسة في الشرطة، وإنما بيتها بيتها. الصفة الثالثة: غض بصرها وحفظ نفسها وزوجها بظهر الغيب:- يوم تنام العيون إلا عين الله، ويوم تغفل الرقابات إلا رقابة الله، ويوم لا يستطيع البشر كشف السرائر وما في الضمائر ولا يكشفها إلا الواحد الأحد، فتستر نفسها وتغض طرفها، وتحفظ سمعها وبصرها، فيجازيها الله أن يكسوها يوم العرض الأكبر ويدخلها جنة عرضها السماوات والأرض، وينجيها من نار تلظى. الصفة الرابعة: حفظ لسانها عن الغيبة والنميمة واللعن والفحش والأذى:- فهي صائمة في لسانها، صائمة عن الكلام البذيء، عن الغيبة، والنميمة، واللعن، لا تتكلم إلا بذكر الله، صَيِّنَة دَيِّنَة، يحمي الله عليها عرضها كما حمت أعراض المسلمين. ويا مسلمون: والله الذي لا إله غيره إن من أكثر مجالس اللغو، ومجالس الغيبة، واللعن، مجالس النساء، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {أُرِيْتُ النار فرأيت أكثر أهلها النساء} النساء أمرهن عظيم، وشأنهن إن لم يعصمهن الله بالدين عظيم، المرأة إذا فسقت من النساء، تصبح كالساحرة تفرق بين المرء وزوجه، وبين الإخوان، وبين الرجل وأبنائه، وبين الجيران، وبين القبائل، وبين العشائر، وما أَشْعَلتْ حربَ داحس والغبراء إلا امرأة، وعبس وذبيان سكبوا دماءهم على امرأة، قال زهير: تداركتما عبساً وذُبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر مَنْشِمِ وهي امرأة؛ ولكن كم لها من الأجر إذا صلحت. الصفة الخامسة: حفظ سمعها عن الغناء والخنا وما في حكمه: هذا عصر الغناء والمسرحيات والمسلسلات والتمثيليات والضياع، إن لم يحفظ الله العبد في بيته. انظر لعبد يترك بيته، ثم يملأه بالفواحش والغناء والمسلسلات، والمسرحيات والتمثيليات، والمجلات الخليعات، كيف تصلح البنات؟ وكيف يصلح الأطفال؟ كيف يهتدي البيت؟ وكيف تدخله الملائكة؟ وكيف يأتي رغد العيش؟ أي رجل هذا؟! تكفيه الصلوات الخمس في المسجد ويضيع بيته؟! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] عصر فتنة، عصر تنقُلُ لك الشاشةُ فيه ما يحدث في باريس وواشنطن وموسكو، عصر تأتيك فيه المسرحية بما يأتي في بيوت الدعارة والخمارات والبارات، وأنت في البيت، عصر ترى فيه الأشكال، من يهودية، وصهيونية عالمية وشيوعية وماسونية وعلمانية، تأتيك وأنت في البيت، إن لم تتحصن بالإيمان. الصفة السادسة: على الزوجة احترام زوجها، والقيام بحقه، والحرص على راحته، وطاعته في طاعة الله عز وجل:- الزوج أوسط أبواب الجنة إن حفظته الزوجة دخلت من هذا الباب إلى الجنة، وإن ضيعته ضيعت طريق الجنة، الزوج يقول عليه الصلاة والسلام عنه في حديث صحيح: {لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها} فلا إله إلا الله كم للزوج من حقوق؟! ولا إله إلا الله كم له من واجبات؟! ولا إله إلا الله كم ضُيعت حقوق الزوج؟! بعض النساء اليوم لا ترى لزوجها عليها فضلاً، بل هي تتأمر في البيت، ترفع صوتها وتفحش عليه، تلقاه بالغضب، تضاربه، تناقشه، تُمَشْكِل عليه الخصومات، تجمع عليه المشكلات، وهو الذي يكدح عليها، وهو الذي حمى عرضها، وهو الذي أخذها من بيت أبيها فعصمها بإذن الله من الفاحشة، وهو الذي أنجبت بواسطته أبناءً، وهو الذي رعاها، وهو الذي قدم عرقه ودموعه ووقته من أجل لقمة العيش، وهو الذي يقوم بكل شيء في البيت، ويصول ويجول من أجل هذه المرأة. الصفة السابعة: اقتصاد المرأة في المعيشة، وعدم الإسراف في المسكن والملبس، والمأكل والمشرب: يوم وُجدنا في عصر التبذير وعصر الإسراف، رأينا بعض الناس يغير أثاث البيت كل سنة، ليس عنده وعي، لا يتفكر في القبر، يعيش على هيجان وعلى طفرة هائلة، يغير أثاث بيته كل سنة، فيقدم من الكنبات ويباهي الجيران والجارات، والممثلين والممثلات، والمغنين والمغنيات، مع امرأة لا ترضى إلا بأغلى شيء في السوق، ولا ترضى أن تقدم لها شيئاً رخيصاً، وهذه المرأة لا بد لها أن تراجع حسابها أولاً مع الله، يقول الشيخ أبو بكر الجزائري في كتاب المرأة المسلمة:" امرأة هنا في هذه البلاد ثبت لدينا أنها كلفت زوجها أن يشتري لها ثوباً بثمانية عشر ألف ريال"، وهذه القصة عودوا إليها في كتابه، وهو ثقة لدينا، ثَبْتٌ عالم علامة، ثمانية عشر ألفاً في ثوب واحد، وأخبرنا بعض الثقات أن شرعة في بعض الحفلات من حفلات الزواج بخمسة وعشرين ألفاً. أين عقل الزوج؟! وأين عقل هذه المرأة؟! يريدون الآخرة! تفكروا في القبر! قال الله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21]. أين هم عن قول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:8 - 12]؟! أين هم عن هذه الآيات؟! أين هم عن قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]؟! أين هم عن قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37]؟! أين هم عن قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]؟! أين هم عن قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95]. امرأة تشتري ثوباً بألف أو بأكثر! معلمات في بعض المدارس، كُتِبَ لنا في شأنِهِنَّ أمر عظيم، ونحن لسنا بمتصرفين إنما آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، معلمة تتطيب وتتجمل وتلبس أحسن اللباس، بثياب تبلغ قيمتها ما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة، والقليل منها من خمسمائة إلى ستمائة، وتذهب لتعلم بنات المسلمين، كيف تُخْرِجُ بناتٍ! كيف تَدُلُّ بناتٍ، تهديهن إلى صراط الله عز وجل؟ ويأتي لهذا بسط. الصفة الثامنة: الفقرة (أ): عدم التشبه بالرجال:- {لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال} حديث صحيح عنه صلى الله عليه وسلم، عصر انعكست فيه المفاهيم، كثير من شبابنا ينزل إلى السوق يخط ثوبه بالأرض يمسح الشوارع ويكنس الأرصفة بثيابه، لماذا؟ أسنة محمد صلى الله عليه وسلم هذه؟! أئسبال للرجال وتقصير للنساء! وامرأة تلبس إلى أنصاف الساقين؟! محمد صلى الله عليه وسلم يأمر المرأة أن تسبل إزارها وتستر قدميها حتى يعفي أثرها، ويأمر الرجل أن يقصر ثيابه إلى فوق الكعبين فتقول الأمة: لا. الرجال يسبلون والنساء يقصرون. امرأة تنزل إلى السوق وعليها ثياب من هذا الجديد الذي رمتنا به فرنسا والغرب اللعين المستعمر يوم هدموا عقيدتنا وعبادتنا وسلوكنا، ثياب تجدها ممشوقة مشقوقة من الركبة إلى الكعب تلبسها المرأة، ثم عليها شراب شفاف، وتخرج من بيت زوجها متطيبة متعطرة، وأين هذا الزوج؟ عربي جاهلي رأى رجلاً ينظر إلى امرأته فقال لامرأته: الحقي بأهلك، وأقسم: لا تحل له أبداً، قالت: نظر هو إليَّ. قال: إذا وقع الذباب على طعامٍ رفعت يدي ونفسي تشتهيه وتجتنب الأسود ورود ماءٍ إذا كُنَّ الكلاب ولغن فيه يقول: أنا أسأل: الكلاب ينظرون؟ لا. لا تلحقين بي زوجة. لكن زوجة تجوب الست والسبع الساعات من أول النهار إلى الظهر، ثم تأتي في الظهيرة وقد مرت بخياط، وبائع ذهب، وفاسق وفاجر ليس عنده إيمان، نشكو حالنا إلى الله، فالمسألة هنا عدم التشبه بالرجال. الفقرة (ب): عدم تغيير خلق الله: {لعن صلى الله عليه وسلم الواصلة، والمستوصلة} والواصلة هي: التي تصل الشعر بشعر غيرها؛ لتُظهر أن شعرها طويل. ومن ذلك {النامصة، والمتنمصة} والنامصة هي: التي تنتف شعر الحواجب فترققه إلا إذا كان الشعر زائداً يشوه الخلقة فيؤذن للمرأة أن تأخذ بقدر الحاجة، أما أن تنتف شعر الحواجب وهي في خلقة طيبة حسنة فلا يجوز لها ذلك. ومنها: {الواشمة} وهي: التي تغرز الإبر فيها الحبر أو المداد الأسود أو الأحمر في خدها أو في أنفها أو في عنفقتها فهي ملعونة إن فعلته بنفسها أو فعلته بغيرها، و {والمتفلجة} وهي: التي تنشر الثنايا وتوجد فراغاً بين الثنايا والأسنان لتظهر الجمال وكأنها شابة، فهذه ملعونة أيضاً: {والواشرة} وهي: التي تحد أسنانها، كبيرة في السن عمرها مائة وعشرون وتحد أسنانها. أرادت عجوزٌ أن تكون فتية وقد يبس الجنبان واحدودب الظهر تسير إلى العطار تبغي شبابها وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟! هل سمعتم أن العطار يصلح ما أفسده الدهر؟ مائة وعشرون سنة وتحد أسنانها لتظهر كأنها في ستة عشر عاماً! هذا من التدليس وهي ملعونة إن فعلت ذلك، أنا قلت: مائة وعشرون وإلا فإن النساء يفعلنه في الخمسين وفي الستين من أعمارهن, فعلى المسلمة أن تظهر بصورتها الحقيقية، وجمالها في إسلامها، والله يتولى السرائر. الصفة التاسعة: عمل الطاعات: عمل الطاعات والتقرب إلى الله في الأعمال الصالحات من صلاة وصدقة وصيام وذكر وا

الإيمان بالله

الإيمان بالله الصفة الأولى: إيمان المرأة بالله تبارك وتعالى، قال سبحانه: {إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج:10] فأفرد المؤمنين رجالاً وأفرد المؤمنات نساءً ليدلل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على أن المؤمنات مخاطبات بهذا الدين. قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96] قال بعض أهل العلم: " وُدَّاً: خاصاً بينهم وبين الله ودّهم وحبهم، وقالوا: وُدَّاً: في قلوب الناس"، فالمرأة المسلمة يجعل الله لها وداً في قلب كل مسلم، وسمعنا ونسمع دائماً بالصالحات في المجتمع، زاد الله من أمثالهن ورفع الله درجاتهن، امرأة وريثة أبيها الوحيدة، تصلي الليل، متحجبة، عاكفة على تربية أبنائها، مستقيمة، بنت ثلاثة مساجد، وهي الآن في مشروع المسجد الرابع، تختم القرآن في الأسبوع، تصوم الإثنين والخميس، لها أوراد من التسبيح والأذكار، هذه المرأة يمكن أن يصلح الله بها أو يحمي بها مدينة كاملة، وهذه هي المرأة الصالحة. زبيدة امرأة هارون الرشيد لما توفيت رآها ابنها الأمين هذا الذي تولى الخلافة بعد أبيه، قال: "ما فعل الله بك يا أماه؟ قالت: كدت أهلك وأهلك أي: أدخل جهنم، قال: وأين عين زبيدة التي أجريتها للحجاج؟! وعين زبيدة في الحرم، قالت: هي أضر عمل علي- لم يأتني السوء إلا من هذا الطريق وهذا المشروع، وهي أجرت العين للحجاج يشربون -قال: كيف؟ قالت: أردت بها رياءً وسمعة {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] قال: فماذا نفعك بإذن الله؟ قالت: نفعتني ركعتان كنت أركعهما في السَّحَر في القصر، قصر أبيك هارون فقد كنت أخرج إذا طلع النجم فأطوف بشرفات القصر قبل أن أصلي ركعتين وأقول: لا إله إلا الله أقضي بها عمري، لا إله إلا الله أدخل بها قبري، لا إله إلا الله ألقى بها ربي، لا إله إلا الله يغفر الله بها ذنبي، ثم أصلي ركعتين، فكانت خيراً من هذا المشروع الهائل". وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف:30]. فعلى المرأة: أن تتصل بالله دائماً وأبداً، وأن تربي الإيمان في قلبها، وأن تزرعه بالذكر والنوافل، والتفكر والتأمل في آيات الله عز وجل، الحياة ليست ذهباً وفضة! والحياة ليست زوجاً! بإمكان المرأة أن تعيش بلا زوج، بلا ذهب، بلا فلة، بلا فيلا، بلا سيارة، بلا قصر، إذا كان معها إيمان وعمل صالح، فهي السعيدة الناجية بإذن الله، لكن إذا أخلت بالصلوات الخمس وبطاعة الله وبفرائضه وبالحجاب فوالله لو سكنت في قصور الدنيا واستخدمت أفخر السيارات، وأكلت ألذ المطعومات لكانت هذه عليها لعنة ومقتاً وغضباً من الله، قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} اسمع {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] (حياة طيبة) قالوا: حياة الأمن في القلوب {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] حياة لا يجدها إلا المؤمن. بعض الناس في قرى آمنوا بالله عز وجل على خبز الشعير، وعلى الماء البارد، يجدون اللذة كأن لذة الدنيا جمعت لهم، في رغد من العيش، وفي فرحة وحبور، ونور وسرور، بماذا؟ بالإيمان. وقوم وُجِدوا يسكنون في ناطحات السحاب وفيهم ضنك وضنى وهَمٌّ وغَمٌّ وقلق ومرض نفسي، لماذا؟ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. عهد من الله أن من آمن وعمل صالحاً أن يحييه حياة طيبة، وأن من أعرض أن ينكد عليه حياته، وأن يغلق عليه الأبواب ويكون خصمه وعدوه الله، والله له بالمرصاد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال سبحانه: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران:195] هذا جزاء المؤمنة عند الواحد الأحد، ويناقض ذلك الكفر والنفاق والعياذ بالله، {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ} [الأحزاب:73] أخذ الله على نفسه عهداً أن يعذب كل كافر وكافرة، وكل منافق ومنافقة، المنافقة: هي التي تكذِّب بالصلوات أو لا تصلي، وتكذِّب بشيء من الرسالة، أو تخون زوجها في الخفاء، وتظهر بالخشوع والنسك والاستقامة وهي خائنة لله ولرسوله.

لزوم البيت

لزوم البيت الصفة الثانية: لزوم بيتها وعدم تبرجها. ماذا يريد منا دعاة العلمانية؟ وماذا يريد منا أهل الهدم؟ يريدون أن تخرج المرأة الإسلامية -خاصة في هذه البلاد التي قامت على الكتاب والسنة، وولاة الأمر يأمرون بالكتاب والسنة- يريدون أن تتبرج وأن تسفك حياءها، وأن تذهب كما ذهبت المرأة في أمريكا وبريطانيا وروسيا سلعة ممجوجة بالأفواه، أدخَلوها الجيش في الحرب العالمية الثانية، أدخَلوها المصنع والوزارة والبرلمان، ففشلت وتركت بيتها وأطفالها ودينها وعرضها، لا. امرأتنا من نوع آخر فهي دُرَّة مصونة، يقول الله فيها: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] وقرن يعني: لتقر المرأة وتمسك بيتها، فهو أصلها وروعتها وجمالها وحسنها. قيل لـ فاطمة في حديث يُروَى عنها: [[ما أحسن وصية للنساء؟ قالت: ألا ترى المرأة الرجال ولا يرونها]] هذه أحسن وصية، قال سبحانه: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم من حديثٍ حسن: {إذا خرجت المرأة من بيت زوجها متعطرة متزينة فهي زانية} وقال عليه الصلاة والسلام -وهذا عند أبي داوُد والحاكم بسند صحيح-: {صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها خير من صلاتها في بيتها}. ما الحجرة والبيت والمخدع؟ البيت: هو غرفة النوم مثلاً، فصلاتها في غرفة النوم خير من أن تصلي في البيت الواسع، وصلاتها في المخدع: وهو شبه بيت صغير شبيه بالهودج، تدخل فيه المرأة للنوم، لو صلت في هذا المكان فهو خير لها من أن تصلي في الغرفة الخاصة، وصلاتها في بيتها خير من صلاتها في المسجد، ولو أنه قال صلى الله عليه وسلم: {لا تمنعوا إماء الله مساجد الله} ولكن لزوم بيتها وحبسها فيه وسترها وعفافها وحفظ عِرضها أعظم لها عند الله عز وجل أجراً، ويدل على أصالتها وديانتها. والمرأة التي تلزم البيت يغدق الله عليها من الإيمان والعمل الصالح ويصلح لها ذريتها، أما الخرَّاجة الولاجة فقد ذمها أهل العلم والإسلام، وأنكروا سيرتها، وهذه تأتي بمفاسد، ولا يبارك الله في وقتها. الخرَّاجة الولاجة التي تجدونها دائماً في كل مكان، لا تهدأ في البيت ولا ترتاح! وبيتها خير لها، فبيتها عصمتها، قالت العرب: "لا يعصم المرأة إلا ثلاثة: زوجها، أو بيتها، أو قبرها" إما القبر أو البيت أو الزوج. ويوم تخرج المرأة فإنها تضيع والعياذ بالله. قل لي بربك: هل توجد هناك امرأة تسافر إلى الخارج وحدها؟ شابة في السادسة عشرة من عمرها تسافر لتدرس في بلجيكا؟! أين دينها؟ لقد باعت إسلامَها هنا في الجزيرة وسافرت لتدرس، وما هي فائدة دراستها التي سوف تعود علينا بها؟ لا بارك الله فيها ولا في دراستها! نحن أغنياء عنها وعن دراستها، أتذهب امرأة مسلمة شابة فتية بلا محرم إلى أرض الكفر والدعارة، والخمارات والبارات، أرض المخمورين المسكورين السافرين الفجرة، ثم تعود لتعلمنا هنا؟! لسنا في حاجتها ولا حاجة دراستها، ورجل يفعل ذلك بِبِنْتِه انسلخ تماماً وغسل دماغه، أصبح يعيش بلا مبادئ. قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23] {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] تسافر تدرس وتعيش أربعة أشهر أو سنتين أو ثلاث سنوات في فندق في بلجيكا أو فرنسا أو أمريكا، أين صَلاتها؟ أين القرآن؟ وأين سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، لا إله إلا الله! إنها لقاصمة الظهر {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:35 - 37].

غض البصر

غض البصر الصفة الثالثة: غضُّ بصرِها وحفظُ نفسها قال سبحانه: {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:25] فليس في الإسلام، بل هو أمر عجيب أن تتخذ المرأة صديقاً لها، ففي البلاد الغربية الكافرة لا بد للمرأة أن يكون لها صديق غير الزوج، انظر إلى القماءة والحقارة، حضارة السفول والانحدار، وحضارة الحديد. أما الحديد فقد أجادوا فيه، وفي الكهرباء، والطائرات، والصواريخ، وأما الروح فسحقوها، وجعلوا روح الإنسان كروح الحيوان، امرأة تتخذ صديقاً ويأتي صديقها وزوجها جالس -ومن يريد التأكد من ذلك فليقرأ مذكراتهم، وليَرَ أخبار من ذهبوا إلى بلادهم- يأتي الصديق ويجلس معها ويقبلها والزوج ينظر ذلك فإذا قال: مالك؟ قالت: صديقي، وله هو صديقة في الخلاء: {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:25]. المرأة إذا اتخذت صديقاً فقد فجرت وخانت رسالة الله، وخانت زوجها، لا صديق لها إلا زوجها ومحارمها، أما أن تتخذ صديقاً من الأجانب فيحرم عليها بعد وقبل عصمة زوجها إلا أن يتزوجها رجل بعقد فهذا أمر آخر: {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:25] والأخدان: جمع خدن والخدن هو: الصديق، وقال سبحانه: {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34] والله يحفظ من يحفظه، فهي تحفظ زوجها إذا غاب عنها، قال صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، يوم أعلن حقوق الإنسان ومبادئه وحقوق المرأة قال: {ولا يجلسن أو يدخلن أو يوطئن فرشكم من لا ترضونه} امرأة تسافر أنت عنها وتغيب، فتأتي ترحب بالضيوف كأنها قهوجية تستقبل الناس، أي كرم حاتمي هذا؟!! تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله قالت العرب: مرحباً بالمرأة البخيلة لا الكريمة، فهذه لا يطلب منها أن تفتح بابها وترحب بالناس، حتى لا يصبح كل الناس أقارب لها، فأصبح المجتمع -ما شاء الله- قرابة وعصبات يرثون، من أين هذا؟! {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5]. وأين لحم هذا الرجل ودمه وعقله؟! رجل أجنبي شاب يأتي إلى زميله وصديقه في قرية أو مدينة أو مكان فلا يلقاه، فيطرق الباب فتخرج الزوجة، قالت: من؟ قال: فلان, قالت: مرحباً يا أبا سعود! الله يحييك، غبت عنا، أتيت بالمطر معك، ثم تفتح الباب وتجلسه في المجلس وتباشر عليه بالقهوة والبخور، أهذا إيمان؟ أهذا من رسالتنا؟ لا. لا تفتح البيت، فإسلامنا ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: {ولا يوطئن فرشكم من لا ترضونه} والأجنبي لا يُرْضَى. ولا يدَّعي مدعٍ كبعض الناس الذي يقول: امرأة فلان بخيلة سود الله وجهها، لا ترحب بالضيف ولا تفتح الباب، نعم. هي على السنة وهم على الجهالة! هي على الحق وهم على الضلال! هي على النور وهم على الظلام، ولا يهمها، فإن الله يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] فهذا الأصل لا بد أن يفهمه كثيرون، وهذا الذي ينبغي على المرأة ألا توطِئْ فراشَ زوجها غيرَه، قيل -والعياذ بالله- في الفاحشة الكبرى، وقيل: في الضيافة والجلوس والاستقبال، فليس لها أن تدخل إلا المحارم. وقال سبحانه: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31] أي: عند الريبة والشهوة تغض بصرها ولا تنظر إلى الرجال، وهذه البراقع ليست من الإسلام، وقد تكرر هذا الأمر وهو أمر يجر إلى الفتنة، بل قال بعض الخبراء الذين استقرءوا أحوال المجتمع: إنها أفتن من أن لو كانت المرأة سافرة. وأحياناً المرأة تكون كبيرة بالسن فلا تُشْتَهَى، لكن إذا لبِسَت البرقع وغطت وجهها ورأى الناس عينيها السحريتين العسليتين الزرقاوتين قالوا: هذا شيء عجيب! فافتتنوا بها وفتنت الناس، والبرقع أمرٌ مستحدَثٌ مخالفٌ للحجاب الإسلامي.

حفظ اللسان

حفظ اللسان الصفة الرابعة: حفظ لسانها عن الغيبة والنميمة، قال سبحانه: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} [الحجرات:12]. وأكثر ما ينتشر بين النساء الرمي والقذف والعياذ بالله، فهو عندهن أمر سهل، يجلسن في المجالس فتقذف الحاضرة منهن الغائبة، وتقول فيها كَيت وكَيت، وتفتري على الله، وتأتي بجريمة كهذا المسجد، وهذا من اللسان الذي يدخل المرأة النار، وما رآهن صلى الله عليه وسلم في النار إلا من كثرة الفحش واللعن وكفران العشير، وكثرة السباب والشتام، والمرأة إذا حبست لسانها فهي المرأة المستقيمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يدخل الجنة قتات} والقتَّات: النمَّام، وفي رواية صحيحة: {لا يدخل الجنة نمام} والنمام: الذي ينقل الكلام، وهذا يشتهر بين النساء إلا من عصم ربك، تأتي المرأة عند زوجها وتقول: سمعنا أن فلاناً يقول فيك كذا وكذا، وهو أخوه أو أبوه أو ابنه أو جاره، فتفسد بين القبائل والعشائر والأسر، وتوجد قطيعة وهجراً وحروباً وخصومات لا يعلمها إلا الله، فإذا فعلت ذلك فقد باعت حظها من الله، وهي كالساحرة التي تفرق بين المرء وزوجه، وهذه أشد خطورة من السحر؛ لأن السحر قد يُتعالج منه، أما هذا فتذهب فيه الرءوس والاكتاف والدماء ولا يكفي شرها إلا الواحد الأحد. وقال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {أكثرن من الصدقة فإني رأيتكن أكثر أهل النار، قالت امرأة: ما بالنا يا رسول الله! أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير؛ لو أحسن إلى إحداكن الدهر ثم رأت منه شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط} وقال عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح: {لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة} فمن يكثر اللعن -رجلاً كان أو امرأة- لا يستشهده الله يوم القيامة، ولا يقبل شهادته لأننا شهداء على الناس، ولا يشفعه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لأن الله يشفع الصالحين في أهلهم، فبعض الصالحين يشفع في عشرة من أهل بيته أو أسرته أو حارته أو قبيلته، أما اللعان من الرجال والنساء فلا يستشفعه الله ولا يقبل شفاعته ولا شهادته.

الابتعاد عن الحرام

الابتعاد عن الحرام الصفة الخامسة: حفظ سمعها عن الغناء والخنا وما في حكمه: والغناء محرم عند علماء الإسلام، ومن احتج علينا ببعض الفتاوى الهابطة التي لا تستند إلى دليل احتججنا عليه بالكتاب والسنة، وتحريم الغناء مذهب أبي حنيفة والأحناف ومالك والمالكية والشافعي والشافعية وأحمد والحنابلة قال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان:6] وقال صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف} واستحلالها إنما يكون بعد التحريم، وفي صحيح ابن خزيمة بسند صحيح قال عليه الصلاة والسلام: {إني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة، وصوت عند مصيبة}. وهذا الغناء الرخيص الذي من استمعه عاقبه الله بثلاث عقوبات: أولاًَ: قطيعة ووحشة بينه وبين الله الواحد الأحد، وقسوة قلب. ثانياً: لا يحب القرآن أو الذكر أو الحديث النبوي ولا السيرة. ثالثاً: يحرمه الله سماع الغناء في الجنة، قال ابن القيم: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان فهذا جزاء من استمع الغناء، ويدخل فيه الموسيقى والوله، وجلجلة المعازف، فوجب على المسلمة بعد أن سمعت هذه الحجة أن تنتهي عن الغناء، ويصف ابن القيم الغناء بأنه بريد الزنا، ولا يدمن عليه عبد إلا وقع في الفاحشة، وهو ينبت النفاق في القلب ويكسل عن الصلاة، ويحبب إلى المرأة التبرج والتطلع إلى الأجانب، وهو مفسد للبيوت، مخرج لذكر الله وللملائكة من البيت.

القيام بحقوق الزوج

القيام بحقوق الزوج الصفة السادسة: احترام الزوج والقيام بحقه والحرص على راحتِه، وطاعته في طاعة الله. ورد في حديث عنه صلى الله عليه وسلم: {إن المرأة إذا صلت خمسها وصامت شهرها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها} وهل تريد المرأة أن تدخل الجنة وهي لم تطع الزوج في طاعة الله؟! من طاعة الزوج: إراحته إذا دخل؛ الابتسامة في وجهه، تطييب خاطره، عدم إحداث المشاكل عليه، عدم تكليفه التكاليف الباهضة في الإنفاق، عدم تخسيره، حفظه في ماله، طاعته في طاعة الله، حفظه في ظهر الغيب، الرضا معه، السكوت حينما يتكلم، تربية أبنائه على الإسلام، عدم مخالفته فيما يأمر، يقول لها: لا تذهبي إلى آل فلان فإني سمعت أنهم لا يطيعون الله ورسوله، وجب عليها أن تمتنع، أو اذهبي إلى أهل فلان فإنهم مطيعون، وجب عليها أن تطيع، والبيت الذي يصادقه الزوج يعتبر صديقاً لها من الأمهات والبنات.

عدم الإسراف

عدم الإسراف الصفة السابعة: الاقتصاد في المعيشة، وعدم الإسراف في المأكل والمشرب، والملبس والمسكن، قال سبحانه: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:27] وقال سبحانه: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141] وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67] والنفقة المطلوبة على قدر الزوج؛ إن كان غنياً فبحسبه، وإن كان متوسطاً فبحسبه، وإن كان فقيراً فبحسبه، ونحذر من بعض السفيهات في المجتمع، الجاهلات اللواتي شكا أزاوجهن منهن شكاية رهيبة، وتحملوا الديون من أجل هؤلاء السفيهات، تحمل زوجها دائماً سيارة فاخرة، وتكلفه أن يغير ذهبها كل سنة، وأثاث وكنب البيت، وعمولة وأثاث المطبخ كل سنة، أهذه امرأة؟! فيتحمل ديوناً للناس، وراتبه لا يغطي دخله، فيصبح راتبه شذر مذر بين الماء والهواء، والكهرباء والهاتف، والخس والجرجير، واللحم والفواكه، والضيف والملابس، ولعب الأطفال والبسكويت، وهذه المرأة الهرارة الجرارة الخوارة، لا نقول: جرارة من باب الجرارة، لا. لكنها جرارة الكلام، ونعصم ألسنتنا أن نتعدى على حق امرأة مسلمة، لكن: اللهم مازل اللسان من خطيئة فاجعله حسنات، واعصم أمهات المسلمات واجعلهن مؤديات، فإني أعلم أن نسبة هائلة في المجتمع قد استقمن واتجهن إلى الله. وإني رأيت في الثانويات، وسمعت من بعض المسئولين خبراً عظيماً: صحوة في جانب النساء، وحجاباً مطبقاً، وسنة هادئة وشريطاً، وكتاباً إسلامياً، ودعوة مخلصة، فلك الحمد يارب! صحوة في الرجال وصحوة في النساء. لكن أبشر هذا الكون أجْمَعه أنا صحونا وسرنا للعلا عجبا بفتية طهَّر القرآن أنفسهم كالأسد تزأر في غاباتها غضبا عافوا حياة الخنا والرجس فاغتسلوا بتوبة لا ترى في صفه جنبا فلذلك أُحَذِّر من الإسراف والتبذير وإرهاق شباب الإسلام، خاصة مَن ليس عنده دخل، وليس عنده طائل من المال، وليس عنده مرجع يرجع إليه، أن ترهقه، بل ترضى بمقسوم الله، وتعلم أن ركعتين خير من ملذات الدنيا وذهبها وفضتها. وشكر الله لامرأة مسلمة سمعنا عنها أنها قدمت حليها للمجاهدين الأفغان، وكنا في أمريكا في أوكلاهوما، فأتت امرأة معها ثلاث بنات، وقد دعا داعية من المسلمين بالتبرع للمسلمين في فلسطين، في هذه الانتفاضة المباركة، فتبرعت المرأة بذهبها وبذهب بناتها للانتفاضة، فبكى الحاضرون، وكان لها دعوة بظهر الغيب. وهذه من أمثال عائشة بنت أبي بكر الصديق، الصديقة بنت الصديق، قالوا: دفع لها معاوية مائة ألف درهم في يوم واحد فتصدقت بها ونسيت نفسها، وكانت صائمة فما اشترت بدرهم واحد إفطاراً، وأفطرت على التمر والماء: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] هذا هو العالَم الخالد، وهذا هو الإسلام الراشد، وإنما أحذر من بعض الصور، ولا يسمع السامع أنه قد فسد الناس، {ومن قال: هلك الناس فهو أهلكهم} كما عند مسلم في الصحيح. فهذا الذي يقول دائماً: سمعنا بالفواحش وينثرها في الناس، ويستقرئ الخبر ويستمرئه ليس بصحيح: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19] فالناس في خير واتجاه واستقامة؛ ولا يعني ذلك أن الناس خلصوا جميعاً، بل هناك تقصير، ومعاصٍ، وفجور، نشكو حالنا فيه إلى الله.

عدم التشبه بالرجال وتغيير خلق الله

عدم التشبه بالرجال وتغيير خلق الله الصفة الثامنة: تنقسم إلى أمرين: الأمر الأول: عدم التشبه بالرجال: تأتي امرأة تتحدث كما يتحدث الرجل، وتمشي مشية الرجل، وتتكلم كلام الرجل، وتجلس جلسة الرجل، فهذه ملعونة، وكذلك بعض الشباب يتحدث كما تتحدث النساء، تستجوبه أنت فيتكلم لك كما تتكلم المرأة، ويمشي كما تمشي المرأة، ويتختم بخاتم الذهب كما تتختم المرأة، ويتحنى ويختضب ويتنمص، وهذا ليس بصحيح، بل أنت رجل وهي امرأة، والعرب لا ترضى من الرجل إلا أن يكون رجلاً. كميش الإزار خارج نصف ساقه من اليوم طلاع السعود لأنجد فتكون مثل محمد بن حميد الطوسي وهو بطل عباسي، عمره ثلاثون سنة قاد الجيش للمعتصم، وكان هذا الرجل يحافظ على قيام الليل والنوافل، وكان من أشجع الناس، آتاه الله جسماً من أقوى الأجسام، فلما التقى في المعركة فر الجيش إلا هو، فالتفت إلى السماء وقال: والله! لا أفر حتى أقتل، فأخذ السيف وأخذ يقاتل من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر، وفي الأخير كسروا السيوف عليه وقُتِل، فيقول فيه أبو تمام: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر تردى ثياب الموت حمراً فما أتى لها الليل إلا وهي من سندس خضر فتىً كلما فاضت عيون قبيلة دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر وقد كان طعم الموت صعباً فرده عليه الحياض المر والخلق الوعر ثم يقول: فأثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت أخمصك الحشر ثم قال له: عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر يقول: تفعل هذا وأنت في الثلاثين، فتقبله الله فأصبح شهيداً في الإسلام، أبناؤه لما سمعوا بهذه القصيدة فيه -أعظم قصيدة قيلت في الرثاء في القواد- بنوا على قبر أبي تمام قبة، وقد خالفوا السنة؛ لكن أقول: فعلوها من عجبهم، حتى يقول المعتصم: يا ليتني أنا المقتول، وقال فيَّ أبو تمام هذه القصيدة. فأقصد من هذا أن شباب الإسلام يخرجون كمثل هذا، جدهم طارق وسعد وعمرو وخالد. وأحد الناس له قصيدة نبطية تعجبني يمدح فيها شباب الصحوة يقول: جدهم سعد والفاروق وابن المعلى نصرة الدين يوم الكفر طاغٍ وعات ما بهم مطرب عن فرض ربه تولى صاحب العود مكسور القنا والقناة من فتح غيرنا الدنيا وهلا وصلى يوم هتلر ونابليون في الفاحشات نصرنا يا عرب من ربنا قد تدلى قرب الجيش والبارود والطايرات وهو يقصد شباب الإسلام يقول: جدنا عمر الفاروق وسعد، وليس جدنا نابليون وهتلر -ربما استطردنا؛ لكن طبيعة الدرس لا بد أن تكون هكذا-. والأمر الثاني: وهو عدم تغيير خلق الله: وقد مر بنا هذا وفيه خطبة مستقلة في التبرج لمن عاد إليها.

طاعة الله والتقرب إليه

طاعة الله والتقرب إليه الصفة التاسعة: عمل الطاعات والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة من صلاة وصدقة وصيام وذكر: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] وأحسن نوافل المرأة أن تربي أبناءها، وتطيع زوجها، صحيحٌ أن للمرأة ظروفاً غير ظروف الرجل، فهي تَمُرُّ بحيض وحمل وولادة ورضاع، فهي في مشقة عظيمة، فإذا اقتصدت في الطاعة أثابها الله، ولو حافظت على الخمس وشهر رمضان وطاعة زوجها في طاعة الله فهي من أعظم النساء، صحيحٌ ألا نرهقها، ونقول: تصوم الإثنين والخميس، وقد تكون مريضة أو حاملاً أو عليها مشقة لكن تتقي الله في المستطاع، وأنا أدلها على الصدقة وذكر الله، فتكثر من التسبيح والتحميد والتهليل؛ عَلَّ الله أن يتقبل منها ومنا، وتفعل المعروف، وهذا هو نجاتها عند الواحد الأحد، كسرة من خبز، وجرعة من ماء، وحفنة من تمر، ودعوة صالحة، وتسبيحة، وركعتين في ظلام الليل، وذكر لله أسعد من الدنيا وما فيها. ولكن تقتصد، وأحذر بعض النساء ألا تنقلب في البيت إلى راهبة، يريدها زوجها فتقول: صائمة، والمرأة لا تصوم إلا بإذن زوجها، يأتي في الليل وهي عاكفة مصلية باكية حتى يبكي الزوج من هذه الحالة، فهو تزوج امرأة يسعد بها وتكون مؤمنة، أما أن يأتي في النهار فتقول: اللهم إني أصبحت صائمة لمرضاتك يا رب العالمين! فتقبل مني إنك أنت السميع العليم، يأتي في الليل وهي مصلية حتى الفجر فمتى تجد الحياة، وثيابها قديمة، ومعها مسبحة، وهي مستقبلة القبلة وتبكي صباح مساء، فلا بد للحياة من شيء، ولابد للمرأة أن تكون امرأة، تُقْبِل بقبول حسن إلى زوجها، متطيبة له، متجملة متعطرة كأن البيت معطارة، يقول العربي في زوجته: ألم تَرَ أني كلما جئتُ زينباً وجدت بها طيباً وإن لم تطيب وقال آخر يمدح زوجته: تضوَّع مِسكاً بطن نعمان إن مشت به زينب في نسوة عطرات تهادينَ من بين المحصب من مِنَى وأقبلن لا شعثاً ولا غبرات يخبئن أطراف البنان من التقى ويقتلن بالألحاظ مقتدرات هذا هو الإسلام، ولا ندعو في المحاضرة إلى أن تصبح المرأة لا تعرف الغسل والطيب، ولا تعرف البسمة والمزاح والدعابة، لا. فمحمد عليه الصلاة والسلام عاش مع زوجاته، يدخل البيت فيحوله إلى كوكبة من نور، بسمة ومزاح وهدوء، حتى تقول عائشة: {كان يقطع معنا اللحم} قيل لها: {كيف كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليكم قالت: كان ضَحَّاكاً بسَّاماً} تكون حائضاً فيضطجع في حجرها ويقرأ القرآن عليه الصلاة والسلام، وكان يخرج رأسه من المسجد فترجل وتمشط رأسه وهي حائض، كان يتحدث ويمزح وتمزح معه، كان يرقع الثوب، ويخصف النعل، ويكنس البيت، وهو أشرف وأورع وأحلم وأكرم خلق الله؛ لكن حياته وقت البكاء فيها بكاء، ووقت الصلاة صلاة، ووقت المزاح مزاح، حياة إسلام متكاملة. فأنا أدعو لهذا؛ لأن بعض الناس قد يشكو، فيأتي إلى زوجته فلا يجد استقبالاً، يدخل عليها فتظل تغسل الصحون وتنسى نفسها، تكنس البيت دائماً، ولا تلبس الجميل ولا تتطيب له؛ فلذلك قد يصد عنها، فليُعْلَم ذلك، وليُفْهَم هذا؛ فإن ذلك من أعظم ما يقود إلى الحب والوئام، والنفوس مجبولة على الطيب والجمال، والله جميل يحب الجمال سبحانه.

الدعوة إلى الله

الدعوة إلى الله الصفة العاشرة والأخيرة: وهي دعوة أخواتها في سبيل الله وأمرها بالمعروف، والدعوة ليست حكراً على الرجال فقط، فمن يدعو النساء؟ نحن لا نستطيع أن ندعو النساء، بل المرأة تدعو المرأة، فتتصل بها في الهاتف، وتحاول أن تؤثر عليها، وتزورها أو تجلس معها، وتهدي لها كتاباً أو شريطاً إسلامياً، وتدلها أو تفتيها إذا كانت متعلمة هي وتلك ليس عندها علم، فهذه دعوة في سبيل الله ولا بد أن يوجد في صفوف نسائنا داعيات خيرات مستقيمات منيبات حافظات للغيب. أيها المسلمون: هذا درس (صفات المرأة المسلمة) وإنه أمانة هو وأمثاله من الأشرطة لدعاة وطلبة العلم والصالحين، أن يصل إلى بيوت المسلمين، في القرى والمدن؛ لأن الداعية والمتكلم لا يستطيع أن يدخل كل بيت ولا أن يتكلم في كل قرية، ولا أن يصل إلى كل منطقة، وأنتم دعاة وفيكم من الفضل ما هو خير منا وأفضل، وأسأل الله أن تكون في ميزان حسناتكم وقد أسمعتكم ما علمنا الله عز وجل ورسوله، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي، وأبرأ إلى الله من حولي وقوتي.

الأسئلة

الأسئلة

حكم نظر الحمو إلى الزوجة

حكم نظر الحمو إلى الزوجة Q لي أخت رفض زوجها أن تحتجب عن إخوانه، فماذا تفعل؟ A عليها أن تعصيه وتطيع الواحد الأحد، وتحتجب، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فزوجها أساء وتعدى وظلم نفسه في هذا الأمر فلتعصه في هذا الأمر، ولتطع الله ولتحتجب عن إخوانه، فإن أرادها وإلا تذهب إلى بيت أهلها ويقف أهلها معها لأنها مصيبة وهو مخطئ، وهذا يتكرر في الأسئلة كثيراً من الشاكيات مثل قولهن: إن زوجها يرفض -أو بعض القرابات- يرفضون الحجاب وهؤلاء يعارضون أمر الله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50].

حكم الحناء للرجال

حكم الحناء للرجال Q ما حكم الحناء للرجال في الأرجل؟ A تعلمون أن الحناء للنساء سنة، وقد أورد ابن الأثير في جامع الأصول حديثاً في السنن أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى يد هند، امرأة أبي سفيان قال: {ما هذه اليد التي كأنها يد سبع} يعني: ليست متخضبة بالحناء، وقال صلى الله عليه وسلم: {إني لأبغض المرأة أن أراها سلتاء مرهاء}. والسلتاء هي: التي لا تختضب، والمرهاء هي: التي لا تكتحل، فلا بد أن تختضب المرأة وتكتحل وتتحنى لتخالف الرجال وتكون أجمل، أما أن تبقى سلتاء هكذا كأن يدها يد رجل أو يد سبع أو كأن يدها يد ذئب أو يد أسد، فلا، إن المرأة خلقت للتجمل ولعبادة الله الواحد الأحد، أما الخضاب للرجال بلا داعٍ في غير اللحية والرأس كاليدين والرجلين فمحرم. وعند أبي داوُد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً مختضباً فنفاه إلى غدير الخضمات جزاء له، ولكن في الحديث مجهولان كما قال النووي في المجموع، وعلى كل حال إن من يختضب بالحناء في أرجله لمرض ووصف له أنه دواء للمرض فلا بأس أما لغير ذلك فلا، وأنا أنصح الرجال ألا يستخدموا الحناء لهم علاجاً، والمستشفيات والحمد لله منتشرة وكثيرة وكذلك الأدوية والعلاجات، فلا يُلجأ إلى الحناء، فنحن لسنا في العصور الوسطى.

حكم الغيبة

حكم الغيبة Q ما حكم جلوس المرأة مع جاراتها وشرب الشاي والقهوة والغيبة؟ A أنت جمعت بين حلال وحرام، فشرب الشاي والقهوة جائز بالإجماع والحمد لله، وللمرأة أن تزور جاراتها وتفطر عندهن وتشرب شاياً وقهوة، وتكيف معها ولا تغتاب، فالغيبة حرام بالإجماع، فالغيبة شيء والشاي والقهوة شيء آخر، فلها أن تشرب شاياً وقهوةً ولكن لا تغتاب.

كيفية رد المرأة على الهاتف

كيفية رد المرأة على الهاتف Q كيف ترد المرأة على الهاتف؟ A ترد بالقول المعروف، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32] يعني: لا ترقق وتميع صوتها حتى يطمع المنافق الفاجر، لأن بعض الناس لو وجد فرصة، ولو وجد ثقب إبرة أدخل منها الجمل، مثل البدوي، يقولون: تضيفه أول مرة، فثاني مرة يأتي بأطفاله، وثالث مرة يأتي بالجمل ويدخل به في البيت، وهذا لبعض البدو وفي البدو مؤمنون متقون صالحون كرماء أجلاء أفضل منا. لكن أقول: هذا مثل شعبي. فلذلك المرأة لا يجوز لها أن ترقق صوتها أو أن تخضع بالقول، فتقول: حياك الله، يا مرحباً، آنَسْتَنا، أهلاً وسهلاً، يتصل وهي لا تعرفه، ليس بقريب لها ولا محرم فيطمع ويزيد في الكلام، ويتصل مرة ثانية: هل جاء زوجك؟ متى يأتي؟ ما كنيته؟ أين تسكنون؟ ثم يدخل إبليس. والله سبحانه يقول: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب:32] ثم لا يحمل هذا بعض النساء أن إذا سمعن قوله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب:32] أن يشددن أصواتهن، لا. بل قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32]. وبعضهن إذا كلمت إحداهن تأتي لك بالمصائب لتخوفك، وتقول: ماذا تريد؟ طعنة، وسم، والموت، ورمح، وهذه ليست بِوارِدَةٍ في الإسلام وليست بجائزة، قال سبحانه: {وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32] سمعت من بعض طلبة العلم أنه يقول: تضع إصبعها في فمها، وهذا ليس بصحيح، بل لِتَقُل قولاً معروفاً، فتقول: نعم. وعليكم السلام، يأتي بعد وقت، فهذا قول سديد، وهو معروف ليس فيه فحش ولا ترقيق، بل هو يقول وسط: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] ولا يطلب من المرأة أن تلقي محاضرة إذا اتصل بها رجل، بل تجيب بقدر السؤال.

حكم صلاة الرجل في البيت مع الزوجة

حكم صلاة الرجل في البيت مع الزوجة Q إذا كان الرجل يصلي في البيت فهل تصلي معه زوجته؟ A ما شاء الله! هذا الرجل في بيته داجن؛ لأنهم يسمون ما يُرَبى من الحيوانات في البيت داجناً، فهو لا يحب المسجد، أخبرني بعض الصالحين أنه تخلف مرة عن صلاة الفجر وهو حريص دائماً، يريد أن تنزع روحه ولا يصلي في البيت، فيه توقد إيماني لكن النوم غلاب فغلبه فنام، ومحمد صلى الله عليه وسلم غلبه النوم وقال: {ليس في النوم تفريط} وقال في الحديث الصحيح: {من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها} فنام مرة في حياته أو مرتين، ولا يأخذ من هذا بعض الناس أن ينام عن صلاة الفجر دائماً ويقول: ليس في النوم تفريط، ويفتي بهذا. فقال: الرجل: نمت عن صلاة الفجر ثم قمت وقد صلى الناس فصليت في البيت، فقام طفله الصغير وهو لا يدرس في المدرسة لكن على الفطرة يرى أباه حريصاً، قال: يا بابا! أأنت امرأة حتى تصلي في البيت؟! يقول: كأنك تحولت اليوم إلى امرأة. فالمقصود هل تصلي زوجته معه؟ إن كان غُلب وفاتته الصلاة من نوم فإنها تصلي معه. أما أن يتخذها دائماً هو إمام وهي مأمومة أو هي إمامة وهو مأموم فهذا ليس بصحيح، ولا تنعقد جماعته وقد أساء، وهذه علامة النفاق {من سمع النداء ولم يجب فلا صلاة له إلا من عذر} رواه ابن ماجة والحاكم وهو حديث صحيح، وأحاديث أخرى وردت في صلاة الجماعة لا أحب أن أطيل بذكرها.

حكم إنفاق المرأة من مال زوجها

حكم إنفاق المرأة من مال زوجها Q هل للمرأة أن تنفق من مال زوجها؟ A للمرأة أن تنفق على نفسها وأولادها وبيتها بالمعروف من مال زوجها، ولو لم يعلم زوجها، أتت هند -كما في الصحيحين - إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح، وهو أبو سفيان بن حرب، وبعض الناس شحيح بخيل يمص الذباب، لا يخرج الذباب إلا ويمصه، فتجده عنده مفاتيح وللمفاتيح مفاتيح وللخزنة خزنة، ومفاتيحه معلقة في غترته، يصلي وهو ينظر إليها في الصلاة هل هي موجودة أم لا، فمثل هذا قد تبتلى الزوجة به فلا ينفق عليها، ولا يكسوها ولا يعطيها، يطلب أطفاله دفاتر المدرسة فيقول: لا. يكفيكم ما اشتريت لكم في العام الماضي دائماًَ دفاتر دفاتر! أو يطلبون أقلاماً، فيقول: اشتريت لكم قبل خمس سنوات طقماً من الأقلام، فهل كل يوم أقلام؟ فهؤلاء من أين يأخذون؟ فأتت هند فقالت: {يا رسول الله! أبو سفيان رجل شحيح لا يعطيني ولا يعطي أطفاله، قال: خذي من ماله لك وأطفالك بالمعروف} فتأخذ بالمعروف، تفتح الدولاب أو الشنطة أو الصندوق وتأخذ بالمعروف، تأخذ شيئاً يكفيها، ما يطعم أطفالها، وكسوتها، وكسوة بناتها، وتأخذ دفاتر وحقائبَ المدرسة لكن دون زيادة. فلا تأخذ لتتصدق على الجيران والمجاهدين، لا. بل بالمعروف وكلمة بالمعروف مطلوبة، وليُعلم ذلك.

حكم رد المرأة للسلام

حكم رد المرأة للسلام Q هل ترد المرأة السلام؟ A هذا أمر مختلف فيه، والأولى أن إذا سُلِّم عليها من وراء الباب أن ترد بالمعروف، وفي التليفون، إذا قال رجل: السلام عليكم فعليها أن ترد، فلا تقل إذا قال: السلام عليكم ورحمة الله؛ ماذا تريد؟ فهذا ليس برد، قال الله: {أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] يعني التحية. ترد بأحسن منها أو تردها، وأما نزول المرأة -إذا نزلت مضطرة- أو السلام عليها بكثرة فهذا ليس بصحيح. سئل الإمام أحمد عن رجل جلس فسمع امرأة تعطس فشمتها فقال: "ذاك رجل أحمق"، يجلس في آخر المسجد فكلما عطست امرأة يقول: رحمك الله، وكلما سلمت امرأة قال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، هذا أحمق، أو يمر في الطريق فيجد النساء، فيقول: السلام عليكن ورحمة الله، كيف أمسيتن؟ عساكن طيبات؟ فهذا أحمق، إلا أن تكون عجوزاً كبيرة؛ لأن هذا السلام أحياناً يأتي بجرائم. نسأل الله العافية.

حكم نقض المرأة لشعرها عند الغسل

حكم نقض المرأة لشعرها عند الغسل Q هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل؟ A تنقض المرأة شعرها عند الغسل من الحيض، أما الغسل من الجنابة فلا، لكثرة تكرره، فيكفيها أن ترش رأسها وتروي أصول الشعر، أما من الحيض فتنقض شعرها لحديث أم سلمة الصحيح.

حكم الحمرة للمرأة على الشفتين

حكم الحمرة للمرأة على الشفتين Q ما حكم الحمرة للمرأة على الشفتين؟ A لا أعلم فيها بأساً، وهي من أدوات التجميل، وقد أفتى بجوازها كثير من العلماء.

حكم الذهب المحلق للمرأة

حكم الذهب المحلق للمرأة Q هل الذهب المحلق محرم على المرأة؟ A ليس محرماً على المرأة، ولو قاله قائل، بل هو حلال للمرأة تلبسه محلقاً أو غير محلق، فعند أحمد وبعض أهل السنن أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً وذهباً وصعد على المنبر وقال: {إن هذين حرام على ذكور أمتي حلال لنسائها} فلها أن تلبس المحلق وغير المحلق، وتتزين من الزينة التي أوجدها الله لها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فتلبس دبلة محلقة وخاتماً، ولكن أحذرها من صور التمثال التي تأتي على الحلي كالأسد والثعبان، وصورة العقرب والحية والفيل والحمار والأرنب.

حكم الزكاة في الحلي

حكم الزكاة في الحلي Q هل في الحلي زكاة؟ A نعم. على الصحيح من أقوال أهل العلم أن في الحلي زكاة؛ لحديث أم سلمة وعمرو بن شعيب عند أبي داوُد والحاكم وهما صحيحان بسندين جيدين، وليس لهما مُعارض إلا حديث ضعيف، ففي الحلي زكاة ولا يلزمها أن تخلع الحلي كالأساور والمُسَك وغيرها، لكن تثمنها بثمن وتخرج من رأس الثمن. هذا هو الصحيح إن شاء الله.

حكم حضور المرأة للدروس والمحاضرات

حكم حضور المرأة للدروس والمحاضرات Q هل للمرأة أن تحضر الدروس والمحاضرات؟ A نعم. تحضرها للفائدة إذا كانت متحجبة متسترة لا متطيبة ولم تخش على نفسها الفتنة ولن تفتن الناس فتحضر، ولها أجر، والنساء حضرن في عهده صلى الله عليه وسلم الدروس والمحاضرات العامة والتعليم، وجعل لهن صلى الله عليه وسلم درساً من أيامه، يوم الإثنين أو غيره.

بعض الكتب الخاصة بالمرأة

بعض الكتب الخاصة بالمرأة Q ما هي الكتب التي تنصح المرأة بها؟ A هناك كتب خاصة بالمرأة مثل كتاب المرأة المسلمة لـ أبي بكر الجزائري، وإليك رسالة لامرأة اسمها أمل العبد الله من أحسن الكتيبات، وهناك رسالة الفتاوى النسائية لسماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز وغيره من أهل العلم، وهنا قد ينفعها كتاب اسمه شباب عادوا إلى الله والعائدون إلى الله، ورسائل من هذه الرسائل لأنها خفيفة، ومثل كتيب سِرِّي وخاص للنساء فقط لـ أحمد القطان والشريط الإسلامي أنصح به المرأة أن تخصص شيئاً من مالها فتشتري وتهدي وتتصدق: {لأنْ يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}.

حكم الإسراف في بعض الأنشطة

حكم الإسراف في بعض الأنشطة Q ظاهرة الإسراف في بعض الأنشطة عند المدرسات والمعلمات قد انتشرت فما حكمها؟ A أنا سمعت بهذا وأنصح المدرسات والمعلمات بعدم إرهاق الطالبات بالنفقات، دائماً تتبرع، وتأتي الطالبة إلى أهلها -أبيها وأمها- وتطلب تبرعاً ودراهم كل يوم، فهذا إسراف مُنافٍ، في لوحات من النيون ونجارة وملابس فاخرة وجلسات في الفسحة للمدرسات تكلف مئات الريالات، ونحن لا نحرم الجلسة، فلهن أن يجلسن ويفطرن ويأكلن ويشربن لكن في اقتصاد، أما هذه الصناديق الباهضة من جيوب الطالبات فهذا ليس بصحيح، لأن ظروف الناس تختلف وفي الطالبات فقيرات فاتقين الله يا معلمات بنات المسلمين! في بنات المسلمين.

حكم إخراج الوجه والكفين في الصلاة

حكم إخراج الوجه والكفين في الصلاة Q هل للمرأة أن تخرج وجهها وكفيها في الصلاة؟ A نعم هو السنة، فالسنة أن تخرج كفَّيها ووجهها في الصلاة ولا تتحجب في الصلاة، إلا إذا كانت مثلاً في الحرم وخافت من نظر الأجانب فإنها تتحجب، وأما وحدها فإنها تظهر وجهها ويديها، والحجاب الشرعي تغطية ما ظهر من الزينة وفيه الوجه والكفان إلا في الصلاة.

حكم التصفيق

حكم التصفيق Q ما حكم التصفيق في بعض المدارس للرجال وللنساء؟ A ليس بوارد وليس بجائز، وليس من السنة، والتصفيق لم يأتِ إلا في مورد الذم، قال سبحانه: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] قيل: صفيق وصفير، والتصفيق أتى من الغزو الاستعماري والغزو الفكري على بلاد الإسلام، ولم يأتِ من بلاد الإسلام أبداً. فليُعْلَم ذلك. والمسلمون إذا أعجبوا بشيء يكبرون: الله أكبر، فهذا هدينا، فإن أجاب الطالب أو أجابت الطالبة فنقول: الله أكبر، قال ابن مسعود: {كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما ترضون أن تكونوا نصف أهل الجنة؟ فقلنا: الله أكبر} وقتل علي عمرو بن وُد في الأحزاب فقال الصحابة وقد انجلى الغبار: الله أكبر، هذا تكبيرنا، أما التصفيق فليس من الإسلام وهو أقرب إلى آراء أهل الجاهلية ومذاهبهم الجاهلية فليُعْلَم ذلك.

حكم حضور النساء حفلات الزفاف

حكم حضور النساء حفلات الزفاف Q ما رأيك في حضور حفل الزفاف للنساء في هذا الوقت؟ A الزواج على قسمين: زواج إسلامي خالٍ من الغناء الماجن ومن اختلاط الرجال بالنساء فلا بأس بحضوره، ولا بأس بالدف للنساء أن يجتمعن وحدهن بلا دقَّاقات مستأجَرات؛ لأن الدقَّاقين والدقَّاقات، والمغنيين والمغنيات، والمطبلين والمطبلات ليسوا مرضيين أحياءً ولا حال كونهم أموات، فليعلم ذلك للمسلمين والمسلمات، فلا تستأجَر المطبلة والدقَّاقة، إن أتت فأجرها على إبليس، تدق في الليل وتأخذ أجرها من الشيطان، كل دقة بعشر سيئات، وإلا فيضربن بينهن بالدف، وهو جائز لهن وسنة من سنن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف} فتحضر المرأة وتكون متحشمة مع النساء ولا بأس. أما زواج فيه مغنٍ مستدعَىً ومغنية متبرجة عندها عود وكمنجة وكوبة فهذا محرم، أو فيه اختلاط الرجال والنساء، أو دخول مجموعة من الرجال مع الزوج على المرأة وهي منصوبة على منصة الإعدام، لبست شرعتها فيدخل الزوج ومعه قرابته وأعمامه وأخواله وأبناء العمومة فهذا محرم، لا يراها إلا الزوج أو المحارم، هذا ما انتهينا إليه. والأسئلة أكثر ولكن الوقت أقصر. وأسأل الله أن يجمعنا بكم في دار الكرامة، وهذا الدرس موجه للنساء ولبيوت المسلمين، أسأل الله أن ينفع به وأن يتقبله عنده، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أزمات الشباب المسلم

أزمات الشباب المسلم إن المسلم في مرحلة الشباب ومقتبل العمر يواجه كثيراً من الشبهات والشهوات، وقد تشغله الشواغل عن طلب العلم وذكر الله، وهو يحتاج إلى حلول لهذه المشاكل، وأقل الحلول معرفة هذه الإشكاليات لاجتنابها. وفي هذه المادة عرضٌ لبعض مشاكل الشباب وحلولها.

تساؤلات بين الماضي والحاضر

تساؤلات بين الماضي والحاضر الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للسنة، فانقادت لاتباعها، وارتاحت لسماعها، وأمات نفوس أهل الباطل بالبدعة بعد أن تمادت في ابتداعها، وتوانت في نزاعها. والصلاة والسلام على أشرف رسول وأكرم نبي، حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، الذي شرح الله له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وإن كان من شكر فإني أشكر الله تبارك وتعالى أن أجلسني في هذا المجلس بين أساتذتي ومشايخي وبين زملائي، من أراهم أفضل وأعلم وأفهم، ولكن كما قال أحمد شوقي: قد يضيق العمر إلا ساعةً وتضيق الأرض إلا موضعا وللمواضع وللأمكنة وللبلاد سمات في القلوب، وشجىً في الأرواح، وأثر في النفوس، وهذا المكان درجت في رحابه، ونبتُّ في جنابه، فهو معهدي الذي أتشرف بأني درست فيه، وأساتذتي هم أساتذته، ومشايخي هم مشايخه، فمن الحق أن أقضي بعض الدين الذي كلفني الله بقضائه، نصيحةً للمسلمين، وأداءً للواجب. فهذا الموضوع (أزمات تواجه الشباب المسلم). الشباب الذين يريدهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لحمل لا إله إلا الله، وليعيشوا للا إله إلا الله، وليموتوا من أجل لا إله إلا الله. الشباب الذين حداهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانوا أكثر كتائبه في الإسلام، وكانوا خطباءه على المنابر، وكانوا أدباءه في الحفلات والأسمار، وكانوا رسله عليه الصلاة والسلام. كلما قتل قتيل إذا فتشتم عنه فإذا هو شاب، وإذا تكلم متكلم ثم بحثتم عنه فإذا هو شاب. أولئك الشباب كانوا خياراً، وكانوا نوراً، وكانوا فخراً، وما لشبابنا اليوم تتجاذبهم الشهوات والشبهات، اختفى النور الوهاج الذي أتى به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يقول شاعر البنجاب محمد إقبال وهو يطوف قبل أربعين سنة بالبيت العتيق، ويبحث أين الشباب الذين رفعوا معلم التاريخ؟ أين الشباب الذين قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله، وقدموا أرواحهم ثمناً لمرضاة الله، أين هم؟ وجد شباباً يطوفون بالبيت لا تبدو عليهم معالم الإسلام، ولا تلوح على محياهم آثار السنة، ولا يتتوجون بتاج لا إله إلا الله. صحيح أنهم يصلون ويصومون ويزكون ويحجون ويعتمرون، ولكن أين الآثار؟ أين الحياة؟ أين الحماس المتوهج؟ فبكى طويلاً وسجل قصيدته التي نثرها من دمه، وهي: تاجك مكة -أي: مكة البلد الكبير- يقول: من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنس إفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا إلى أن يقول: كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا

شباب النبي صلى الله عليه وسلم بطولات وتضحيات

شباب النبي صلى الله عليه وسلم بطولات وتضحيات يا رب! أين الشباب الذين عمروا الدنيا بلا إله إلا الله؟ يا رب! أين الشباب الذين امتطوا البحار حتى بلغوا لا إله إلا الله؟ اللوار ونهر الجانج وصحراء سيبيريا، وحدائق الأندلس. أين طارق بعد سعد؟ وأين صلاح الدين بعد خالد؟ وأين ابن تيمية بعد ابن عباس؟ وأين أبو تمام بعد حسان؟ أين أولئك الشباب؟ أليسوا بشباب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ بلى والله. يقول أبو حمزة الخارجي: شباب مكتهلون في شبابهم، غضيضة عن الباطل أعينهم، ثقيلة عن الشر أرجلهم، أنضاء عبادة، وأطلاح سهر، ينظر الله إليهم في جنح الليل يتململون على جنباتهم خشعاً لله وسجداً. أو كما قال.

تضحيات حبيب بن زيد

تضحيات حبيب بن زيد يوم أتى مسيلمة الكذاب، ورفع راية الإلحاد في أرض اليمامة فوصمه الله بوصمة الكذاب، فهو كذاب إلى يوم الدين، انتدب له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاباً ليبلغه دعوة الله؟ فكم كان عمره؟ حبيب بن زيد في الثانية والعشرين من عمره، قال صلى الله عليه وسلم للناس: {من يذهب إلى مسيلمة الكذاب وأستودعه الله الذي لا تضيع ودائعه؟ أي: أنه لن يعود في الحياة أبداً، معناها: القتل والإبادة، لأن ذلك لن يسلم رسول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فقال حبيب بن زيد: أنا يا رسول الله! فمر بأمه -وكان أبوه ميتاً- فأخبرها بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما من أمر رسوله بد! فاذهب إلى سبيلك؛ فوالله إنك رضيعي ووحيدي الذي تموت نفسي قبل أن يموت} وودعته والدموع تسيل على خديها وذهب، فاستودعه الله من شهيد. وصل إلى مسيلمة وقلبه يتوهج بلا إله إلا الله ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] لا أحد. فوصل ودخل سرادق مسيلمة، فقال مسيلمة: من أنت؟ قال: أنا رسول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. قال: أتؤمن أنه رسول؟ قال: إي والله. قال: أتؤمن أني رسول؟ قال: لا أسمع شيئاً، فأعاد عليه الكلام فأعاد عليه حبيب بن زيد الجواب، فأمر أحد جلاديه أن يتقدم إليه بالرمح فضربه بالرمح، فقطع منه قطعة في الأرض، فأعاد عليه الكلام، وقال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: إي والله، قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع شيئاً، فلما قال له هذا الكلام أمر جلاديه وجنوده أن يتقدموا من ذاك الشهيد، فتقدموا فهذبوه بالسيوف، فكان يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، ما زاده هذا الموقف إلا إيماناً وتسليماً، وثقة برسالة لا إله إلا الله، ثم قال: السلام عليك يا رسول الله! اللهم أبلغ رسولك ماذا فعل بي الغداة. وبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذ يقول: {عليك السلام يا حبيب بن زيد! عليك السلام يا حبيب بن زيد، عليك السلام يا حبيب بن زيد}.

قتل خبيب بن عدي في سبيل الله

قتل خبيب بن عدي في سبيل الله وخبيب بن عدي شاب آخر، وقف على مشنقة الموت في ساحة الإعدام وجميع مشركي مكة مطوقوه، نساءً وأطفالاً وشيوخاً، ينظرون إلى، مثلة الإعدام، اعتداء الباطل على جثمان الحق وهو صابر محتسب، ما أراهم خنوعاً ولا خضوعاً، يتبسم تبسم المستعلي بإيمانه، المستظهر بيقينه، حتى يقول أبو سفيان وهو يستهزئ به: يا خبيب! أتريد أن محمداً مكانك؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو ما أريد أني في أهلي ومالي، وأن رسول الهدى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصيبه شوكة، فرفعوه، وقبل أن يرفعوه، قال: ائذنوا لي أن أصلي ركعتين، فتركوه، فتوضأ وصلى ركعتين، ثم التفت إليهم وقال: والذي لا إله إلا هو لولا أني أخاف أن تقولوا: أطلت الصلاة جزعاً من الموت لأطلتها، فرفعوه وتقدمت إليه السيوف، وقال: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم أبلغ رسولك ماذا لقيت الغداة -يعني أبلغه هذا اليوم ماذا يفعل بي- ثم قال: السلام عليك يا رسول الله. هذا في سيرة موسى بن عقبة، قال موسى بن عقبة: وصح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في تلك اللحظة: {عليك السلام يا خبيب! عليك السلام يا خبيب، عليك السلام يا خبيب} وقبل أن تنتهي نفسه؛ قال أغنية المعركة الخالدة: ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع

ثمار التربية الحقة

ثمار التربية الحقة فمن أخرج هؤلاء للناس إلا كتاب الله عَزَّ وَجَلّ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تربية رسول الهدى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم يلقى الشاب وعمره ثماني سنوات كـ ابن عباس فيقول له: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. أي كلام هذا الكلام؟! أسمعت أصدق وأنبل -بعد كتاب الله- من هذا الكلام؟! يغرسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القلوب فيؤتي أكله كل حين بإذن ربه. وأما نحن فكانت تربيتنا للشباب أن نسأل أحدهم: ما هي هوايتك؟ فيقول: جمع الطوابع، ومطاردة الحمام، والمراسلة، والسباحة!! إذاً تنكست منابرنا، وهدمت حصوننا، وخلت مساجدنا، ولذلك يقول الفيلسوف المسلم: أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي؟ وجلجلة الأذان بكل حيّ ولكن أين صوت من بلال منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خالِ إن الذي يجعل حياته لجمع الطوابع لا يكون عبداً لله؛ بل يكون عبداً لشهوته. وإن الذي يهتم بمطاردة الحمام والمراسلة والسباحة والتصفيق والتشجيع سوف يكون خاملاً في الحياة.

التربية الحقة عند ابن تيمية

التربية الحقة عند ابن تيمية ابن تيمية يدخل وعمره عشرون سنة على ابن قطلوبغا فيقول السلطان ابن قطلوبغا: يا بن تيمية! ماذا تريد؟ نسمع أنك تريد ملكنا -يريد وهو في العشرين من عمره- فيضحك ابن تيمية، ويقول: ملكك! والله ما ملكك وملك آبائك وأجدادك يساوي عندي فلساً. وذلك لأنه عرف الله، وعرف لماذا يعيش، وعرف ما هو مصيره، ولذلك يقول وهو يدخل السجن، وهو يلتفت إلى البواب، ويضحك ضحك المؤمن القوي يوم غرس في نفسه لا إله إلا الله، يقول لما أغلقوا عليه الباب: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:12] ثم يقول: ماذا يفعل أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أنَّى سرت فهي معي، أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة. فيا سبحان الله! كيف عمّر الله تلك القلوب باليقين والتوحيد، فجعلها نوراً تمشي على الأرض؟! قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام:122] هذا زرع محمد عليه الصلاة والسلام، وهذه تربية محمد عليه الصلاة والسلام.

التربية الحقة عند معاذ رضي الله عنه

التربية الحقة عند معاذ رضي الله عنه يأتيه أهل اليمن؛ فيقولون: يا رسول الله! أرسل لنا من أصحابك رسولاً يعلمنا ويفقهنا في الدين، فمن يرسل يا ترى؟ هل يختار الذين بلغوا في السن عتياً، يتلفت فإذا أصحابه شباب، فتقع عينه على معاذ رضي الله عنه وهو في الثامنة عشرة من عمره، فيرسله معلماً إلى اليمن. يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة معاذ: لما ودعه رسول الهدى عليه الصلاة والسلام بكى معاذ بكاء عظيماً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {ما لك يا معاذ؟ قال: والله يا رسول الله! ما أبكي على الدنيا، ولكني أبكي خوفاً من ألا أراك بعد هذا اليوم إلا يوم القيامة، قال: لا تجزع يا معاذ فإن البكاء من الشيطان} فودعه صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن، يا معاذ اُذكر الله عند كل حجر وشجر ومدر} فذهب رضي الله عنه وأرضاه، فأصبح سراجاً وهاجاً ينشر لا إله إلا الله في بلاد اليمن، وفي جبال وأرض اليمن ينشر مبادئ الدين الخالد وعمره (18) سنة، ووجد في الأمة من بلغ من العمر عتياً وهو لا يفهم لا إله إلا الله، ولا يحسن أن يتوضأ ولا يصلي. يعرف كل شيء في حياته إلا الدين، يجيد قيادة سيارته وهندستها وإخراجها وإنتاجها، وثوبه ولبسه وطعامه وشرابه ومسكنه ومدخله ومخرجه، ولكنه أصم أغلف عن الدين، والله له حكمة بالغة؛ ولكنه يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

أصناف الناس والأزمات التي يواجهونها إجمالا

أصناف الناس والأزمات التي يواجهونها إجمالاً الذين قدموا وحاولوا أن يفهموا فهمهم الله، والذين يريدون أن يفقهوا الدين فقههم الله، والذين يريدون الله والدار الآخرة اجتباهم الله، وهذا مصداق لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث القدسي عن ربه عَزَّ وَجَلّ: {من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بأحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها الحديث}. ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يشرح هذا الحديث في المجلد الحادي عشر وما قبله: هذا الحديث يقسم الأمة إلى ثلاثة أقسام: وقد أغفل قسماً ثالثاً وهو: الظالم لنفسه، وذكر: المقتصد والسابق بالخيرات، لذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:32] فقسمهم الله عز وجل هذا التقسيم. فالظالم لنفسه يقع مسلماً في هذه الأمة، لا يخرجه من الإسلام إلا الخوارج، يفعل الكبائر ويترك بعض الفرائض غير الصلاة، أو يقترف كثيراً من حدود الله عز وجل، لكنه لا يزال مسلماً. والمقتصد: يفعل الفرائض ويجتنب الكبائر؛ لكنه يترك المستحبات ويفعل بعض المكروهات. والسابق بالخيرات -نسأل الله من فضله، وأن يحبب إلينا السابقين وأن نحشر في زمرتهم، وإلا فأين الثرى من الثريا- هو الذي يفعل الفرائض والنوافل والمستحبات، ويترك الكبائر والمحرمات والمكروهات: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21]. أزمات تواجه الشباب المسلم في هذا العصر وفي كل عصر، لكنها تختلف بالبقاع والأزمنة والأمكنة والهيئات والأشخاص: أولها: مرض الشبهات. وثانيها: مرض الشهوات. وثالثها: أزمة جلساء السوء. ورابعها: الفراغ وإضاعة الوقت. وخامسها: البيت وانحرافه يوم ينحرف عن لا إله إلا الله. وسادسها: الضغينة والبغضاء بين شباب الإسلام.

مرض الشبهات

مرض الشبهات فأما الشبهات فهو مرض خطير، ذكره الله عز وجل عن كل ملحد وطاغية من يوم خلق الله الأرض والسماوات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

مرض الشبهة عند فرعون والرد عليه

مرض الشبهة عند فرعون والرد عليه ذكر الله هذا المرض عن فرعون في سؤاله موسى: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:49 - 50] فهذا مرض شبهة: شك في الخلق، وفي الخالق تبارك وتعالى. ولذلك يقول موسى لهذا الخبيث الملحد: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102]. ولذلك يقول هارون الرشيد -كما أورد ابن كثير ذلك في تفسيره في سورة البقرة- يقول وهو عند الإمام مالك: يا أبا عبد الله! ما دليل القدرة؟ -هو لم يشك، لكن من باب ورود الشبهة- قال: ما دليل قدرة الله عز وجل؟ قال الإمام مالك: عجباً لك!! اختلاف الأصوات والنغمات، وتعدد الهيئات دليل على رب الأرض والسماوات. وأورد ابن كثير أن أبا حنيفة سُئِلَ هذا السؤال، فقال: ذكر لي سفينة تمخر عباب دجلة، وتقف في الشاطئ، ثم تنزل حمولتها ليس لها ربان ولا ركاب ولا حرس، قالوا: هذا جنون! قال: يا سبحان الله!! أَكَوْنٌ وسماء وأرض ونجوم وقمر وشمس ليس لها مدبر؟! بل هو السميع البصير. وعرض هذا السؤال أيضاً على الإمام أحمد كما ذكر ذلك ابن كثير، فقال: سبحان الله! هذه البيضة -بيضة الدجاجة، أو بيضة أي طائر آخر- أما سطحها ففضة بيضاء، وأما باطنها فذهب إبريز، تفقس فيخرج منها حيوان سميع بصير، ألا يدل على السميع البصير؟! ويقول الشافعي كما ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية: ورقة الإبريسم تأكلها الدودة فتخرج حريراً، وتأكلها الغزال فتخرجها مسكاً، وتأكلها النحلة فتخرجها عسلاً، ألا يدل ذلك على السميع البصير؟!

معنى مرض الشبهة

معنى مرض الشبهة فيا سبحان الله!! ولذلك يعالج الله عز وجل مرض الشبهة، وقبل المعالجة أذكر معنى الشبهة حتى يتضح لكثير من المقصرين -من أمثالي-!! مرض الشبهة والتحيل والاضطراب. إنه مرض يأتي إما من نقص العلم الوارد، أو بالبيئة التي يعيش فيها العبد، أو الخطوات التي تزلزل الإيمان، وهو أقسام: منهم من يشك في وجود الخالق سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا هو الإلحاد الذي طم وعم في مجتمعاتنا، وأخذ كثيراً من الشباب -نسأل الله العافية- وهو يركب مراكب، منها: مركب الحداثة في الصحف والمجلات، ويستخدم الرموز، ويقود الناس إلى لينين وماركس وهرتزل وأمثالهم من أعداء الله، وهذا المرض خطير جد خطير. ومنهم من يشك باليوم الآخر؛ يؤمن بوجود الله، لكن لا يؤمن باليوم الآخر! ومنهم ابن سيناء فإنه كان يشير إلى الكواكب، كما يقول ابن تيمية. ويقول: إن اليوم الآخر إنما هو لمحات وإشارات وليس بحقيقة، والله عز وجل ذكر هذا الصنف، فقال في آخر سورة البقرة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:258] ثم ذكر الله ثلاث قصص، أولها قصة النمرود بن كنعان، وقرر الله الحجة عليه وبهت، والله لا يهدي القوم الظالمين. والقصة الثانية: قصة الرجل الذي قيل: إنه عُزير، وقيل: غيره من بني إسرائيل. والقصة الثالثة: قصة إبراهيم عليه السلام يوم أراد أن يطمئن قلبه.

علاج مرض الشبهات

علاج مرض الشبهات هذا مرض الشبهة عالجه القرآن بثلاث علاجات: أولها: النظر والتفكر في الكون؛ يقول الله عز وجل: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس:101] وقال تبارك وتعالى لكفار مكة: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] ولم يدقق الله عز وجل في دقائق الكون، وإنما نصب لهم العلامات والآيات، ولم يأت بالدقائق؛ لأن عقولهم لا تدرك إلا ما يرون، فخاطبهم الله بهذا. ويذكر الله عز وجل السماء وما فيها من آيات، والأرض وما فيها من عجائب، يذكر خرير الماء، وخلق الطير، ويذكر الشجر، والزهر، والخلق البهيج، ويذكر الشجر صنوان وغير صنوان، والماء كيف كان أصله؟ ويذكر النطفة كيف تدرجت حتى أصبحت إنساناً، ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الأخير: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [يونس:3]. إذاً: فالعلاج الأول لمرض الشبهة التي صادفت كثيراً من الشباب، وشكا منها كثير من الشباب حتى ممن صلى وصام وحج واعتمر. العلاج الأول: النظر في الكون، والنظر في آيات الله عز وجل والتدبر، ولذلك جعل الله عز وجل من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: {رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه} وإنما قال: خالياً ليكون بعيداً عن الرياء والسمعة. ذكر آيات الله؛ يقول كثير من العلماء: لا يقتصر على ذكر الله بالتسبيح، والتحميد والتهليل فقط، بل إذا نظر إلى الجبال والوهاد والتلال، ففاضت عيناه فهو مأجور، وإذا نظر إلى المبتلين والمرضى ففاضت عيناه فهو مأجور، وإذا نظر إلى الأطلال والقبور ففاضت عيناه فهو مأجور، وإذا نظر إلى تعدد الهيئات واختلاف الأصوات والنغمات ففاضت عيناه فهو مأجور، فسبحان الله! من يذكر عبده فيذكره، فيثني عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بهذا. يقول تقي الدين بن سكير: خرجت وراء شيخ الإسلام ابن تيمية بعد صلاة العصر من الجامع الأموي، فلما اختفى في غوطة دمشق رفع بصره إلى السماء، وقال: لا إله إلا الله، ثم فاضت عيناه، ثم بكى وقال: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا فهذا ذاكر ذكر الله في خلوة، فالنظر والاستدلال على قدرة الله بالتفكر في الكون أعظم ما يقضي على مرض الشبهة. ثانياً: الذكر؛ فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وصف الذكر مع الفكر، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]. يقول ابن تيمية وهو يتحدث عن أحد الملاحدة الذين أرادوا الإيمان، ولكن ما أراد الله لهم ذلك وهو أحد الفلاسفة -قد يكون ابن الراوندي، الذي يقول عنه الذهبي: الكلب المعفر الخبيث؛ الذي ألف كتاب الدامغ على القرآن يدمغ به القرآن، شكا حاله على بعض علماء الإسلام- قال: في قلبي ظلمات بعضها فوق بعض، يريد أن يهتدي لكن على قلبه ظلمات وححب وآصار وأغلال وحديد؛ حجب لا يعلمها إلا الله، يريد أن يصلي ويذكر الله فلا يستطيع، فقال له هذا العالم: عليك بكثرة الذكر بعد الصلاة، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت؛ قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5]؛ والله يقول: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. وقد جعل شيخ الإسلام ابن تيمية من العلاجات لهذه الأمراض الذكر، وقال: إن الله يقرن في كتابه بين التوحيد وبين الاستغفار، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] وقال عن يونس بن متى يوم أن يروى قصته: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]. وعند أبي يعلى في مسنده {يقول الشيطان: أهلكت بني آدم بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار} فأعظم ما يمكن أن يقضي على مرض الشبهة والشك والحيرة والاضطراب في الإيمان بالرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم وبالله عز وجل وباليوم الآخر وبالغيبيات بعد التفكر والاستدلال والنظر هو الذكر. وثالثها: النوافل، وإنما قدمت الذكر لأنه أهم، بل هو أفضل من كل نافلة، فالنوافل هي التي تنهي الاضطرابات، ولذلك وجد في الشباب من تسمعه يشكو أن في قلبه اضطراباً وحيرة من خلود أهل النار في النار، كيف يخلدون؟ ولماذا يخلدون آلافاً؟ ولا أذكر الشبهات، لأنه لإيراد الشبهات لا بد أن يورد الحلول لها، وهذا المجال لا يتسع له إلى غير ذلك. فعلاج مرض الشبهة النظر في الكون والتفكر. ومن ذنوبنا قلة التفكر حتى أصبحت أحاسيسنا باردة من كثرة ما ألفنا، وإلا فو الله الذي لا إله إلا إلا هو إنها لآيات باهرة: الشمس، هذا الفلك، وهذا الجرم الكبير كيف يسير؟ وكيف يذهب باحتساب؟ ويذهب بتؤدة ويذهب بمقدار ثم يأتي وهكذا. النجوم من جملها؟ الجبال من نصبها؟ الشجر من أبدع خلقه؟ الزهر من نوعه؟ قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا والنحل قل للنحل يا طير البوادي من الذي بالشهد قد حلاكا وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا فالحمد الله العظيم لذاته حمداً وليس لواحد إلاكا يقول إبراهيم بن أدهم: جلست تحت شجرة فرأيت أحد الصالحين نام، وإذا بالبعوض على وجهه وشيء من الذباب، قال: فوالله الذي لا إله إلا هو إني لبحية خرجت من جحرها فأخذت زهرة بفمها، ثم أخذت تزيح عنه البعوض والذباب. ويقول ابن الجوزي في صفة الصفوة: رأى بعض الصالحين في أول هدايته -كان سبباً لهدايته- عصفوراً يأتي بقطع من اللحم ويذهب إلى نخلة، فقال الصالح في نفسه: العصفور لا يعشعش في النخل، فلماذا يذهب؟ فتسلق النخلة، فاطلع فرأى حية عمياء -يأتي هذا العصفور بقطعة اللحم، فإذا اقترب منها فغرت فاها فأوقع فيه اللحم، فشهد أن لا إله إلا الله وتاب. وهذه آيات باهرات من كرامات الأولياء، يطول شرحها في هذا المقام. وهذا مرض وأزمة خانقة واجهت شباب الإسلام، لكنها حلت بإذن الله، بكثرة علم الكتاب والسنة، وكثرة النوافل عند كثير من الشباب، وكثرة الذكر، وكثرة الموجهين، لأن الأمة تعيش في صحوة؛ نرجو الله أن يسددها ويصلحها ويهديها سواء السبيل.

مرض الشهوات

مرض الشهوات الأزمة الثانية: الشهوات. الشبهات مرض العقائد والشهوات مرض الأعمال والمعاصي، وهذا المرض وقع فيه بنو إسرائيل، قال تعالى عنهم: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13]. والأمراض في القرآن ثلاثة: مرض الشك والشبهة وهذا يقع فيه ملاحدة العالم حتى يرث الله الأرض ومن عليها. ومرض الشهوة وقع فيه بنو إسرائيل. ومرض الجهل وقلة العلم والفقه وقع فيه النصارى. ولذلك يذكر الله الضلال مع النصارى، ويذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى الغضب واتباع الهوى مع اليهود. قال سفيان بن عيينة كما أورد ذلك ابن تيمية في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم قال: من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى. وصح عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن الناس إلا هم} وفي رواية: {فمن إلا هم}. ولذلك قرر ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم أن كل خطأ سلف سوف تقع الأمة فيه، ولذلك وجد من طلبة العلم والعلماء من لم يعمل بعلمه -نعوذ بالله من ذلك- قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]. {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176]. فالنظر للحرام شهوة، واستماع الأغنية، والنظر إلى المجلة الخليعة، ومجالسة البطالين، واللغو، والكذب، والنميمة والزور والبهتان شهوات، وقد وقع في هذا قطاع عظيم من الشباب. أعني أن الذين انحرفوا وقعوا في الشهوات لا في الشبهات، لأن مرض الشبهات يحد ويقلص بأمور، أما الشهوات فإن علاجها خفي وإن كان أسهل من الأول، والذي وقع في الشهوات أسهل من الذي وقع في الشبهات، فالذي في الشهوات قصاراه أن يكون مذنباً أو ظالماً لنفسه، وأما الذي وقع في الشبهات فقصاراه أن يكون ملحداً زنديقاً -نعوذ بالله من ذلك-.

علاج مرض الشهوات

علاج مرض الشهوات إذاً فما هو علاج الشهوات؟ ذكر الله عز وجل في القرآن علاج الشبهات باليقين، وذكر علاج الشهوات بالصبر، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] قال أهل العلم: صبروا عن الشهوات، وتيقنوا عند الشبهات، فنصرهم الله وجعلهم أئمة، فمن لم يصبر عند الشهوة فليس بإمام ولن يكون إماماً، وليس بمهتد، ومن لم يتيقن عند الشبهة فليس بإمام ولن يكون مهتدياً. إذاً: فمرض الشبهة يعالج باليقين، ومرض الشهوة يعالج بالصبر: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:127]. قال الإمام أحمد: ما رأيت كالصبر، تدبرت القرآن فوجدت فيه تسعين موضعاً يتحدث عن الصبر. فالله الله يا شباب الإسلام في الصبر، فهو علاج الشهوات! علاج الشهوات: أولها الصبر، أن تصبر عن محارم الله، يقول حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله: وعن محارم الإله فاصبر واستعن بالله وإياه اشكر ولتك بالخوف وبالرجا ولا تيئس وللنفس فجاهد عجلا وإن فعلت سيئاً فاستغفر وتب إلى الله بداراً يغفر وإنما الأعمال بالخواتم لا تحتقر شيئاً من المآثم إلى آخر ما قال في علاج الشبهة وعلاج الشهوة، هذا أمر. واعلموا بارك الله فيكم أنه لا يتأتى العلاج إلا بأمور: أولاً: كما يقول ابن تيمية: إصلاح الصلوات الخمس ظاهراً وباطناً، فإن من أحسن خضوعها وخشوعها، وأحضر قلبه فيها، واستحضر عظمة الله وهو يصلي، وحافظ على أوقاتها عصمه الله من الشهوات، وما طفح نظر من نظر إلى الحرام وإلى المحرمات إلا لأنه أساء في الصلاة، وما استمع من استمع إلى الغناء إلا لأنه أساء في الصلاة، وما نظر من نظر إلى المجلة الخليعة إلا لأنه أساء في الصلاة، فهذا مرض وقد سلف علاجه.

جلساء السوء

جلساء السوء الأزمة الثالثة: أزمة جلساء السوء؛ وقد ذكر الله عز وجل في القرآن جلساء الخير وجلساء السوء، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:51 - 57].

خطر جلساء السوء على الإنسان

خطر جلساء السوء على الإنسان هذان رجلان: جليس صالح وجليس سوء، كان السيئ يقول في الحياة للجليس الصالح: أتصلي؟! أتزعم أن ربك يبعثك إذا كنت عظاماً وتراباً؟! أتظن أنك تدخل الجنة؟! أتظن أن هناك جنة وناراً؟! وهذا موجود في كل طائفة، والله عز وجل من سننه القدرية الخلقية أن يجعل جلساء السوء بجانب جلساء الخير؛ قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] هادياً يهدي القلوب، ونصيراً ينصر بالسيف سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. إذاً فهذا الجليس استهزأ بذاك، ولكنه ما أطاعه، فأسلم هذا وكفر ذاك، فلما توفيا دخل هذا الجنة ودخل ذاك النار، فيقول المهتدي لإخوانه وزملائه وهم على الأرائك -نسأل الله من فضله-: هل أنتم مطلعون؟ يقول: تريدون أن تطلعوا على النار لتروا زميلي وجليسي السيئ الذي استهزأ بي في الحياة: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:54 - 55] أي: وسط النار {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:56 - 57]. يقول: كدت تغويني في الحياة، وأصبحت من الغواية قاب قوسين أو أدنى، وفي بعض الأوقات أكاد أصدقك وأترك طاعة الله، وعبادته، والاتجاه إليه، لكن الله سلم: {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:57] ثم ذكر نعيمه واستقراره: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ} [الصافات:58]. ويقول الله سبحانه عن الجلساء: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} الزخرف:67] قال أحد الوعاظ: إياك والجليس السيئ ولو زعمت أنك تهديه فإنه يضرك؛ لأن الجرباء تعدي الصحيحة، ولا تعدي الصحيحة الجرباء. هل سمعتم أن صحيحة حولت الجرباء إلى صحيحة، لكن الجرباء هي التي حولتها إلى الجرب. وقال أهل العلم في كلامٍ ما معناه: ليحذر المسلم أن يداخل الناس إلا أن يكون ذا قدم في الصلاح والعلم، لأنه إذا نقص في الصلاح أصابه الفسق، وإذا نقص في العلم أصابته الشبهة. ولذلك جاء في صحيح مسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه، قال: {لما حضرت أبا طالب الوفاة، دخل عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدخل أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فجلسا عند رأس أبي طالب، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله} الحديث فلولا دخول هؤلاء الجلساء لقال: لا إله إلا الله، لكنهم ما زالوا به حتى في سكرات الموت، فأدخلوه النار. والجليس السيئ يدخل بمداخل، منها: أن يغريك بالمال وهو فتنة، يقول ابن تيمية في المجلد الأول من الفتاوى: من احتجت إليه فأنت أسيره، ومن احتاج إليك فأنت أميره، ومن استغنيت عنه واستغنى عنك فأنت نظيره، فالناس علىطبقات؛ إما أن تكون: أسيراً، أو أميراً، أو نظيراً. والجلساء على هذه الطبقات، إما أن يجالسك فيصبح أميراً لك، أو أسيراً لك، أو نظيراً لك، فإن احتجت له في معاملاتك الدنيوية من مال أو واسطة أو كسب أو أسرة أو غرض دنيوي؛ فقد تأمر عليك، وبإمرته عليك باستطاعته أن يوجهك إلى الخير أو إلى الشر. فاحذر أن يكون للناس عليك منّة، ولذلك يقول شيخ الإسلام: من تصفية العقائد ألا تسأل الناس شيئاً، ولما بايع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر وسبعة معه؛ اشترط عليهم ألا يسألوا الناس شيئاً، حتى كان يسقط سوط أحدهم من على الفرس، فينزل ويأخذ السوط، ولا يقول لأحدهم: ناولني سوطي. ولذلك ماسمع في الحديث ولا في السيرة أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ادع الله لي يا رسول الله، مع أن بعض الأعراب يقول: يا رسول الله! ادع الله لي، لكن أبا بكر لأنه لا يسأل شيئاً لم يقل يوماً: ادع الله لي يا رسول الله، مع أنه في حياته صلى الله عليه وسلم، ولم يطلب منه الدعاء. وصح في ذلك أحاديث كثيرة؛ ولكن لعظم درجة هذا ما طلب رضي الله عنه وأرضاه، وفي الحديث الصحيح: {الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون} وأما رواية: {لا يرقون} فليست بصحيحة، وهي شاذة؛ لأنهم يرقون غيرهم كما رقى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيره، ووجدت في بعض الأحاديث، لكن ابن تيمية قال: هذه الكلمة ليست بصحيحة، فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رقى غيره، والصالحون يرقون غيرهم، لكن لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، لكمال توحيدهم. الشاهد من هذا: أن الجلساء يدخلون من هذه المداخل، وإذا احتاج إليك كنت أسيره فاتق الله فيه، إذا احتاج إليك في خدمة دنيوية فاجعلها وسيلة لأن تهديه إلى الله عز وجل، وتكون سبباً من أسباب الهداية، أما إذا لم يحتج إليك ولم تحتج إليه فهو نظير لك. والعجيب أنه وجد جلساء سيئون يسهرون الليالي، ويحبكون المؤامرات والمداخل، وينصبون الشباك لشباب الإسلام، فأين دعاة الإسلام؟ وأين طلبة العلم؟ وأين العلماء؟ أتصدق أن ملحداً يسهر الليل ويصنف المذكرات، وينظم الأمسيات والمحاضرات والندوات والتمثيليات، في كثير من المجتمعات ليضل عباد الله؟! فأين جهود الأخيار الأبرار الذين يريدون الله والدار الآخرة؟!

الجلساء على قسمين

الجلساء على قسمين منهم من تستطيع أن تؤثر فيه فخالطه، واستعن بالله واتق الله فيه، فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر من خالط جلساء السوء، خالط المشركين والمنافقين واليهود والنصارى، ولكنه كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤثراً لا متأثراً. وجليس إذا خالطته أثر فيك، فاهرب منه، وفر منه فرارك من الأسد، لأن بعض الناس قوي الشخصية ولو كان ضالاً، إذا دخلت معه في المجلس استولى على الحديث وتكلم، وأخذ الوقت في محاضرة؛ فلا تستطيع أن تتكلم معه بكلمة، يقودك وأنت لا تقوده، يوجهك وأنت لا توجهه، ففر منه؛ لأنه لا قدرة لك عليه، والناس منهم -كما يقولون- مائي وهوائي وسمائي، إلى أقسام كثيرة تدخل في علم النفس لا ندخل فيها. فمن الناس من يكون هوائياً تأخذه الريح يمنة ويسرة، ومائي ينداح في اليد، وسمائي روحه متألقة، وشفافة لا تطغى عليها الأرض، وهذه فطر فطر الله الناس عليها.

الفراغ وضياع الوقت

الفراغ وضياع الوقت من الأزمات التي واجهت شباب الإسلام: الفراغ وضياع الوقت؛ وكثير من الشباب حتى ولو اهتدى، ولو صلى وصام وحج واعتمر، أزمته ضياع وقته في غير طائل، وتمر عليه الساعات الطويلة ولم يقدم لنفسه ما ينفعه في الدنيا أو الآخرة، وليس الوقت في الإسلام حظراً على الآخرة فحسب، لكن يعمل الإنسان للدنيا لتكون في خدمة الآخرة.

علو همة السلف الصالح في حفظ أوقاتهم

علو همة السلف الصالح في حفظ أوقاتهم وصح عن عمر رضي الله عنه أنه يقول: [[إني لأرى الرجل ليس في مهنة في الدنيا، ولا في عمل للآخرة فيسقط من عيني]]. وأصل حفظ الوقت من كتاب الله عز وجل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:61 - 62] أي: جعل الليل والنهار يخلف هذا هذا، ليستخدم ويستغل في طاعة الله عز وجل. دخل أحد الصحابة وإذا رجل في مسجده صلى الله عليه وسلم، وإذا هو حزين، فقال: مالك مهتم مغتم؟ انظر إلى أسباب الحزن عند السلف الصالح، أسباب حزننا: إما رسوب في امتحان الابن، وإما صدام سيارة وقعت، وإما شجار مع الجيران، وإما غلاء الأسعار، وإما تأخر الأمطار، وأما عمل الآخرة فقليل من يهتم، حتى أمر عادي إذا دخل الإنسان المسجد وخرج الناس من الصلاة ما تجد عليه سفعة الهم ولا الغم. فيقول: فاتتني صلاة الجماعة في عمري مرة، فما عزاني إلا ثلاثة، ولو مات ابني لعزاني أهل بغداد، والحمد لله أن عزاه ثلاثة، لكن هنا لو تفوته صلاة الجماعة أربعين سنة ما عزاه أحد إلا من رحم ربك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فالأصل في ذلك: {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الإسراء:62] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] والمسلم الشاب وغيره إذا عاش بدون حفظ وقت، وبدون تسيير وقته فقد ضل في حفظ وقته.

أسباب الضياع

أسباب الضياع يقول ابن القيم: الضياع على عشرة أسباب، وأعظم ضياع ضياع القلب وضياع الوقت، ولا عوض عنها أبداً، والقلب إذا ضاع فقد انتهى مصير العبد إلا أن يحفظ الله عليه قلبه، والوقت إذا ضاع فقد انتهى العمر ولن يعود عليه أبداً، دقيقة تمر من حياة المؤمن والله لا تعود إليه أبداً: أشاب الصغير وأفنى الكبير كر الغداة ومر العشي إذا ليلة هرمت يومها أتى بعد ذلك يوم فتي نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي ونسب ابن رجب الحنبلي في كتاب جامع العلوم والحكم للحسن البصري، أنه قال: [[ما أصبح صباح إلا ونادى مناد: يا بن آدم! اغتنم هذا اليوم، فوالله لا يعود إليك إلى يوم القيامة]]. قيل لـ كرز بن وبرة وكان من العباد الكبار: اجلس معنا قال: احبسوا الشمس وأنا أجلس معكم؛ من يمسك الشمس وهي تذهب في فناء الأعمار، واختصار الأوقات؛ لأنها لن تعود مرة ثانية. يقول ابن عقيل الحنبلي -كما نسب ذلك ابن الجوزي له في صيد الخاطر، وذكر ذلك عنه صاحب طبقات الحنابلة وهو يترجم له- قال: إنه لا يحل لي أن أضيع شيئاً من وقتي، إذا ما أغمضت عيني قبل النوم تفكرت ماذا أكتب في الصباح، وإذا أتيت إلى فراشي لا أنام حتى أكتب ورقات، وإذا استيقظت كتبت، فإذا تعبت استلقيت على ظهري وسبحت الله عز وجل -حتى يتندر ويتلطف ابن الجوزي تلميذه وهو يتحدث عن ابن عقيل، قال: كان يأكل الكعك ولا يأكل الخبز! فقلنا له: لماذا؟ قال: حسبت أن بين أكل الكعك وبين أكل الخبز مقدار خمسين آية، قال: وألف كتاب الفنون وهو ثمانمائة مجلد كلها في أوقات الفراغ والأوقات الخاصة، أما أوقات التدريس وأوقات العبادة فشيء آخر، لكن الأوقات الثانوية الخارجية قد ألف فيها كتاب الفنون ثمانمائة مجلد. يقول ابن تيمية: إني لأنزل السوق فلا أزال أذكر الله وأسبح حتى يظفرني ربي بحاجتي، وحاجته من الحاجات الأخروية، أو فتح علم حتى يقول: إنها لتعجم علي مسألة فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر أو أقل فيفتحها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليّ. ويروي عن جده عبد السلام؛ لأن ابن تيمية هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام. يقول الذهبي في ترجمته: أحمد هذا شمس، وعبد الحليم نجم، وعبد السلام قمر، فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة، أي: أن الشمس أحمد بن تيمية هذا، وكان جده قمر، يقول: كان جدي لا يضيع شيئاً من وقته، كان إذا دخل الخلاء قال لأحد أبنائه: اقرأ في الكتاب وارفع صوتك حتى أسمعك وأنا هناك، فأي حرص على هذا الوقت كحرص هؤلاء السلف الأخيار. ولذلك أنتجوا وقدموا المجلدات التي ما استطعنا أن نقرأها، وهي محققة ومنقحة ومقدمة، وفي الرفوف، ونحن في راحة عظيمة، ولكن لا نستطيع أن نقرأ، فنسأل من الله عز وجل أن يحفظ علينا أوقاتنا. وهذا العنصر يحتاج إلى كلام طويل وجلسة، لكن لا أريد الإطالة؛ لأن الإطالة معناها الإملال والسأم، وما بقي من الوقت فإن كان هناك حوار أو نقاش أو سؤال فله، وأثني بالشكر على الواحد الأحد الذي وفقنا للاجتماع في هذا المجلس المبارك، ثم أثني بالشكر لمدير هذا المعهد، ولأساتذته ولطلبته، ولكم أيها الحضور، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

العادة السرية

العادة السرية Q أما المشكلة الأولى والأزمة التي تواجه الكثير من الشباب فهي قضية شهوة الجنس، والعادة السرية، والشكوى منها، حتى إن كثيراً من الملتزمين أو الذين يخبرون عن أنفسهم أنهم التزموا شرع الله تبارك وتعالى لم يستطيعوا تركها، فما الحل لهذه الأزمة؟ A الحمد لله؛ إن مسألة شهوة الجنس من أعظم الشهوات التي ابتليت بها الأمم، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قدرها لحكم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر هذا في أكثر من حديث بعدما ذكره الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في القرآن، وأكثر ما تخوفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النساء، فإنها فتنة بني إسرائيل وفتنة هذه الأمة. فإذا علم ذلك؛ فشهوة الجنس عارمة، وهي تختلف من شخصٍ لآخر بأسباب ومسببات، وبجوامح وبطموحات، ولكن علاجها بأمور منها: غض البصر وهو أعظمها، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] فغض البصر أعظم ما يمكن أن يعالج به الإنسان شهوة الجنس، فيرد جماحه، وهيجان قلبه، واندفاعه وطموحاته في هذا الأمر والله معه، ومن غض بصره أبدله الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه، وما غض أحد بصره إلا جعل الله له فراسة، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر:75] والمتوسمون هم الذين عندهم فراسة؛ لأنهم غضوا أبصارهم، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل فقال: {غض بصرك، لك الأولى وليست لك الثانية} هذا علاج. والعلاج الآخر: الصيام؛ ذكره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للشباب بعد أن ذكره الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في القرآن؛ يقول عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] ولم يقل: لعلكم تذكرون أو تعقلون، لأن التقوى سببها الصيام، فهو يكسر النفس ويخضعها ويجعلها منقادة لصاحبها، وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء}. فأنا أرشد إخواني أن من لم يتزوج أن يكثر من الصوم، بشرط ألا يعطله الصيام عن أمر أوجب منه كطلب العلم، أو الفرائض، أو بعض الأمور المهمة في الدعوة، لكن يكثر من الصيام. الأمر الثالث: أن يكثر من الذكر؛ لأن هذه الأمور لا تأتي إلا من الفراغ في القلب، فإذا فرغ القلب فكر في هذا الأمر. والأمر الرابع: أن يشغل نفسه بالنافع المفيد، لأنه إذا وجد فرصة الفراغ وسوس وخطرت له الخطرات. أما الصحيح في العادة السرية ذكر ذلك ابن تيمية وغيره من أهل العلم، قال: والواجب اجتنابها، واستدلوا على ذلك بقوله سبحانه تعالى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:7] فحرمت وحرمها كثير من أهل العلم لهذا، ولم يصح في إباحتها ولا في حلها حديث، فليتق الشاب الله عز وجل في هذا الأمر، وليكثر من الذكر وتلاوة القرآن والدعاء خاصة إذا سجد: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) وفي الأسحار وفي أدبار الصلوات، فإذا هداه الله وجهه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وعليه بأن يتخلى ثم يتحلى، فالتخلية قبل التحلية، فهذه المجلة الخليعة سبب من أسباب هيجان الجنس الأغنية الماجنة وجلساء السوء المفاتن كثرة النزول إلى الشوارع والنظر إلى النساء لأن بعض الناس ولو من الشباب المستقيم همه دائماً النزول إلى الشوارع، والطوفان بالبلد، لا لغرض وإنما لأتفه الأغراض، ولو حفظ وجلس في غرفته وقرأ وسبح وهلل لكان أحسن وأقوم سبيلاً، وإذا وجد فراغاً فليذهب إلى المسجد، أو إلى أحد الصالحين، أو أحد الدعاة أو العلماء أو طلبة العلم، هذا ما يحضرني والله أعلم.

مجالسة الأمرد والابتلاء بحبه

مجالسة الأمرد والابتلاء بحبه Q فضيلة الشيخ! إنني -ولله الحمد- شاب مستقيم، ولكني أجلس مع شباب مرد الوجوه، وحاولت أن أترك معاشرة شاب وهو أمرد فلم أستطع، وكلما شاجرته وسببت مشاكل بيني وبينه، يقول: لكني أعود إليه، وأذل نفسي عنده حتى تعود الارتباطات بيني وبينه، وقد نصحت منه ولم آخذ بهذا الكلام، أرجو من الله ثم منكم أن تدلوني على حل، وجزاكم الله خيراً؟ A هذا سؤال خطير، وقد ألف في هذه المسألة أبواب كثيرة، ولا يصح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث الأمرد ذاك، وقد رده ابن تيمية الذي يقول: جعله وراء ظهره. لكن صح عن السلف أنهم حذروا من النظر والهيجان، والتطلع إلى المحرمات عموماً، ومنها: النظر إلى الأمرد، فالإنسان أعرف بنفسه، والشيطان له مداخل عجيبة على النفوس، فالإنسان مأمور بعموم قوله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] فغض البصر يشمل المرأة ويشمل الأمرد إذا وجد، إلا إذا كان الإنسان يجد أن نفسه لا تتحرك ولا ريبة ولا شهوة، والأمرد إنما جعل حراماً لما عليه من سيئات أو ما يتحمل من نتائج سيئة، فهو أدرى بنفسه، وليتق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإذا كان لضرورة كأن يعلم درس قرآن أو حديث، أو في جلسة أو مركز فعليه أن يغض بصره، وأن يتقي الله، ولا يخلو به؛ فإن هذا أمر خطير. وأما ما ذكرت وأنك وجدت هذا في نفسك فاتق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وابتعد عنه، وعليك أن تقنعه بهذا الأمر، وإذا حضرت عنده أن تغض بصرك، لأنه لا حياء في الدين، فهذه المسألة ألف فيها رسائل، ونوقشت في مجالس لأهل العلم على مستويات كبيرة من الأئمة الكبار، كـ أحمد بن حنبل فقد كتب وأفتى فيها، والإمام النووي له فتوى، وابن تيمية، فلا حياء في الدين، وقد ذكر الله عز وجل في القرآن ذاك الذنب العظيم الذي وقعت فيه أمة لوط، وسبب التدمير والإبادة التي أوقعها الله تعالى بتلك الأمة، وثنى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وأعاد، فهذا ينتبه إليه، وأنا أقول: على الشباب أن يغضوا أبصارهم، وأن تكون اجتماعاتهم اجتماعات جماعية، ليس فيها خلوة، وأن إذا حضروا في مخيم أو في مكان أن يكونوا على مرأى ومسمع من الناس، ولا يقرب الإنسان من نفسه الشبهة والشك والريبة، فلو سلم منها أحد لسلم منها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن الناس قد يتهمون البريء ولو كان من كان. الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما زارته صفية وخرج يشيعها مر رجلان من الأنصار فأسرعا، فقال: {على رسلكما، إنها صفية بنت حيي -زوجته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! - قالوا: سبحان الله يا رسول الله! قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم} فالإنسان يبتعد عن التهم، وعن مواقع الريب؛ لأن الناس يسرعون إلى الشك والتهمة والله أعلم.

مشكلة الغناء والدخان

مشكلة الغناء والدخان Q أنا شاب ملتزم -إن شاء الله- ولكني بليت بأشرطة الغناء، ولا أستطيع الصبر عنها، فأفيدوني ماذا أعمل جزاكم الله خيراً؟ مع بيان عقوبة الغناء في الدنيا والآخرة وطريقة علاجه وشكراً؟ والمشكلة الثانية: أطلب حكم الدخان؟ A الغناء محرم؛ حرمه علماء الإسلام لأدلة منها ظنية ومنها ما يقبل القطع من الأحاديث النبوية، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً} [لقمان:6] {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء:64] قال كثير من المفسرين: الغناء، وقال ابن مسعود -ومنهم من رفع هذا الحديث، والصحيح أنه موقوف عليه-: [[والذي نفسي بيده، إن الغناء لينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل]] وعند البخاري: عن هشام بن عمار إلى أبي مالك الأشعري: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف} واستحلالها يكون بعد التحريم، فالذي ظهر أنه محرم، وأن له نتائج وسيئات عظيمة. منها: أنه يحبب الزنا، قال ابن القيم: الغناء بريد الزنا. ومنها: أنه يخلي القلب من محبة الواحد الأحد، ومن محبة القرآن والمساجد. ومنها: أنه يجعل الإنسان ضائعاً يتبع هواه. ومنها: أنه يعدم عليه وقته. ومنها: أنه يصب في أذنيه الآنك يوم القيامة وهو الرصاص المذاب. ومنها: أنه يحرمه الله عز وجل لذة الأصوات، حتى يقول ابن القيم في منظومته: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان فإن من أخذ العود هنا واستمع الغناء حرمه الله سماع لذة الغناء في الجنة، وعند الإمام أحمد في المسند: {في الجنة غوان وجوار، ينشدن ويغنين: نحن الناعمات فلا نبأس، نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا} وهذا جزاء من حرم على أذنيه سماع الغناء، والله يجعل الجزاء من جنس العمل، فمن شرب الخمر في الدنيا سقاه الله من ردغة الخبال من النار، وحرمه الله خمر الجنة التي لا غول فيها ولا تأثيم، وهذا يقاس عليه. فاعلم أن الغناء محرم، واعلم أنه يجرك إلى سيئات كبرى، وأنه يوقعك في حبائل الشيطان، وفي الفاحشة والجريمة -نعوذ بالله من ذلك-. وعلاجه أن تتوب إلى الله وتستغفر، وتستبدل أشرطة القرآن والمحاضرات والندوات والخطب، وأن تتقي الله في نفسك، وتعلم أن حياتك وسمعك وبصرك محسوب عليك. أما المسألة الثانية: الدخان؛ فالذي ظهر من عمومات الأدلة وهي استنباطية من الأدلة ليست نصية حرفية؛ أنه محرم، وبعض الناس لجهلهم بالسنة، وجهلهم بالاستنباط والعلم نصبوا من أنفسهم مجتهدين، الواحد منهم إذا أراد أن يشرب الدخان جعل من نفسه مجتهداً مطلقاً، وقال: ائتوني بآية في القرآن تحرم الدخان أو حديثاً. عجباً لك!! أتريد أن يكون القرآن قاموساً يتحدث عن كل شيء وقع في الدنيا، فيتحدث عن التفاح والموز والميرندا والبيبسي والدخان؟! لا. إن كتاب الله عز وجل كما يقول ابن تيمية والشاطبي وغيرهما: قواعد كلية، وتحت القاعدة تندرج آلاف القضايا، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] فالطيبات عد ولا حرج، كم من طيبة خلقها الله وسوف يخلقها الله تدخل في هذه الكلمة، والخبائث حدها ما ضر في الدين أو المال أو العقل أو العرض والنسب، فهذه الأمور إذا أضرت فهي محرمة، والدخان عرف عند الناس أن فيه ضرراً على المال، وعلى الجسم، وعلى النسل، فهو محرم لهذا الاستدلال فليعلم ذلك.

الوسوسة في الصلاة والكسل عن صلاة الفجر

الوسوسة في الصلاة والكسل عن صلاة الفجر Q من المشاكل التي وصلتنا في الصلاة أن كثيراً من الشباب يشتكون من الوسوسة في الصلاة، والتفكير في أمور خارج الصلاة، وهو في أثناء الصلاة، فما حكم ذلك؟ والمشكلة الأخرى هي عدم استطاعة الشباب القيام لصلاة الفجر؟ A أما وسوسة الصلاة فهي مشكلة عريقة عظيمة وقديمة من عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام، وعند النسائي من حديث عمار: {إن من الناس من يصلي فلا يخرج من صلاته إلا بعشرها} وبعض أهل العلم يجعل الحديث تنازلياً وبعضهم تصاعدياً، بعضهم يقول في رواية الحديث كما عند النسائي: {يخرج من الصلاة وصلاته كاملة، ومنهم من يخرج بنصفها، ومنهم من يخرج بثلثها، بربعها، حتى وصل إلى عشرها}. وهذه الوسوسة لها أسباب: إما قلة عظمة الله عز وجل في القلب، أو كثرة الشواغل والدواعي والواردات، فإن بعض الناس ترد عليه واردات قبل الصلاة تشغله في الصلاة، وحل ذلك يكمن في ثلاثة أمور: أولاً: أن تعرف أن الكبير وملك الملوك الذي دخلت بين يديه أولى بالتعظيم ممن تذكر، ومعنى (الله أكبر) أي: من كل مذكور، أو كل ما خطر ببالك، أو كل ما شغلك في الصلاة. والأمر الثاني: أن تشغل نفسك بتدبر القرآن، فإن كنت قارئاً فتدبر ما تتلو، وإن كنت مستمعاً فعش مع الإمام وهو يتلو عليك الآيات لتشغل نفسك عن الشواغل. والأمر الثالث: أن تصلي صلاة مودع، وكأنها آخر صلاة تصليها في الحياة الدنيا، ولا تدري هل تعيش بعدها أو تموت. والناس يختلفون على في هذا درجات. وشكي إلى أبي حنيفة رحمه الله، فقال له رجل: حفرت لمالي مكاناً وما علمت أين وضعته، قال: قم فصل في الليل؛ فإن الشيطان سوف يذكرك في الصلاة -ما يذكر إلا في الصلاة- فقام الرجل، فلما استفتح بالقراءة بالفاتحة تذكر المال، وقطع الصلاة وفر يبحث عن المال، وليته أكمل الصلاة، لكن خاف أن ينسى بعد الصلاة أين وضع المال. وأما المشكلة الثانية: مشكلة صلاة الفجر؛ وهذه لها أسباب كسبية من العبد، فالله عز وجل لا ينوم الناس عن الصلاة، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جعل الأشياء بمسبباتها، فقال في المهتدين: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] وقال في الضُلَّال: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] فإن من يسهر السهر الطويل المميت القاتل ثم ينام عن صلاة الفجر، ثم يقول: نام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صلاة الفجر هو وأصحابه، والله المستعان! دائماً يستدل بها، فعلها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة فيجعلها دائماً ألف مرة. يقول الغزالي: مثل هؤلاء كمثل أناس سمعوا أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى الحبشة يلعبون الحراب في المسجد مرة في العمر -في تاريخ الدعوة مرة- فأقره الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا كلما صلى الصلاة أخذ حربته ولعب في المسجد، وقال اقتداء بالحبشة، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أقرهم! فالذين يأخذون نوادر المسائل في السنة ويجعلونها اطرادية؛ هؤلاء ضلوا من طريقين: من طريق قلة الفهم، ومن طريقة التعدي بالكسب السيئ في العبادات. ولنتحدث في صلاة الفجر: كان السلف الصالح يشكون من عدم قيام الليل، أو تأخر قيام الليل، أما نحن فوصلنا إلى أَلا نقوم الفجر، فحله -بارك الله فيكم- أمور ذكرها الغزالي في الإحياء وغيره. منها يقول: أن يكون لك قيلولة في النهار، رأى الحسن البصري أناساً في سوق البصرة وقت القيلولة لا يقيلون، قال: إن ليل هؤلاء ليل سيئ، ما دام أنه لا ينام في النهار فمعناه أنه سينام في الليل. ومنها: أن تنام مبكراً، فإن من سهر فإنه سوف يفوته الفجر إلا من رحم ربك. ومنها: أن تقلل من عشائك، وهذا فيه نظر، وأنت أبصر بنفسك. ومنها: أن تقرأ الورد الذي ذكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لـ علي وفاطمة في الترمذي: {أن تسبح ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وتكبر أربعاً وثلاثين، وقال لهما: فهو خير لكما من خادم} فهو قوة بإذن الله لقيامك لليل، وبعض أهل العلم جرب، وقال: إن من قرأ آية الكرسي سبع مرات أيقظه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن توضأ ونم مبكراً واسأل الله عز وجل أن يوقظك. ثم الوسائل الجديدة، كأن تأخذ لك ساعة موقظة، أو تلزم بعض أهلك بإيقاظك، والله معك.

مضايقة الأهل وصعوبة دعوتهم

مضايقة الأهل وصعوبة دعوتهم Q من المشاكل التي تواجه الشباب: قضية علاقة المرء مع أهله، فبعض الشباب يشتكون من مضايقة أهليهم وإخوانهم الكبار، وبعضهم يريد أن يدعو أهله إلى الصلاح، وإلى فعل الطاعات وترك المعاصي، ولكنه يجد في ذلك صعوبة، فما حل هاتين المشكلتين؟ A أزمة الاختلاف في البيوت موجودة ومشهورة، وقد يكون السبب أن كثيراً من الشباب حينما يهتدون يتحمسون للدين والالتزام فيبدءون مع أهليهم بحدة وعنف، فيريدون أن يطبقوا الإسلام في ساعة واحدة من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، ربما أصول الإسلام ما استقرت في أذهان أهله كالصلاة، كأمور الحجاب، كأمور التطلع والاختلاط بالأجانب، كأمور كبرى، فيبدأ هو إذا رأى أخاه يشرب باليسار أقام الدنيا وأقعدها في البيت، وصاح وناح، ويبدأ بإخوانه الكبار في إسبال الإزار، وفي اللفتات والوضوء، ويقول: عليكم أن تبدءوا إذا دخلتم البيت بالدعاء، لأنه ثبت في سنن أبي داود وصححه الألباني، وبدأ بالتصحيح والتضعيف، والتعديل والتجريح، فأقام الدنيا وأقعدها في البيت، وهذا ليس بأسلوب. أولاً: هم ربما كانوا في غربة ووحشة عن الإسلام الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم. ثانثاً: أن التدرج سنة من سنن الله في الحياة حتى في الخلق، فإنه سبحانه تدرج في خلقه، والله عز وجل يستطيع أن يقول للشيء: كن فيكون، لكن تدرج سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في خلق هذا الخلق. ولما بعث الله الأنبياء نبههم إلى هذا، فقال لموسى وهارون أن يقولا لفرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] وقال عليه الصلاة والسلام لـ معاذ لما بعثه إلى اليمن: {فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله} هل يصح إذا كان إخوانك لا يصلون، أو يتركون الصلاة أن تبدأ معهم بالدعوة، فتقول: ارفع الإزار؟ لماذا لا تربي لحيتك؟ يربي لحيته وهو لا يصلي!! أو يرفع إزاره وهو لا يصلي!! والقضايا قضية قضية، فيبدأ في قضية الصلاة، حتى ينتهى منها، ثم القضية الأخرى وهكذا. يقول سيد قطب في كتابه في ظلال القرآن: إن هذه الدعوة كشجرة الصنوبر، تعيش نبتة نبتة، ثم تبدو من على الأرض، ثم يصلب عودها، وقد ذكر الله هذا فقال: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29] فانظر كيف بدأ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بتدرج الدعوة، أو وصف الإيمان في نفوس الصحابة بهذا الأمر؟! فعليك أن تكون طويل النفس، وأن تكون صابراً. ومن الناحية الأخرى فإن كثيراً من الشباب يوم كان سيئاً كان حسن الخلق، فلما اهتدى قطب جبهته وجبينه، ودخل مغضباً، وخرج مغضباً، ودائماً يردد: إنا لله وإنا إليه راجعون حسبنا الله ونعم الوكيل سلط الله عليكم اللهم اجعل تدبيرهم في تدميرهم وحط بهم وزلزهم يا رب العالمين، وهذه ربما تقع، أو شبه هذه، وهذا ليس بأسلوب. يقول الطفيل بن عمرو الدوسي: {يا رسول الله! طغت دوس فادع الله عليهم، فرفع يديه، فقلت: هلكت دوس؟ قال: اللهم اهد دوساً، اللهم اهد دوساً}. فالواجب أن يدخل العبد ويقول: اللهم اهد أهلي، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، هداك الله يا أخي، أما الكلام النابي المجحف، وتقطيب الجبين، والحرارة الزائدة؛ فإنها تنفر الناس وتبغض، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] وقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] وقال: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].

التخلص من قرناء السوء

التخلص من قرناء السوء Q ما هي الطريقة المتبعة لمفارقة جلساء السوء رغم كثرتهم واستهزائهم بمن يرونه محافظاً على الوقت وعدم تضييعه؟ A أما الاستهزاء؛ فليستهزئ من يستهزئ، فهذا كطنين الذباب لا يأبه به الأخيار، فما تضر أبداً، ولو سلم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أحداً من الاستهزاء لسلم أنبياءه، فقد صح أن موسى عليه السلام لقي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في مكالمة بين موسى وبين رب العزة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فقال الله عز وجل: يا موسى! أتريد شيئاً؟ قال: أريد يا رب أن تكف عني ألسنة الناس، فإنهم يتكلمون في عرضي، قال: يا موسى! ما اتخذت ذلك لنفسي، إني أرزقهم وأشافيهم وأعافيهم، ويقولون: إن لي ولداً، وإن لي صاحبة وأنا الله لا إله إلا أنا ما اتخذت ولداً ولا صاحبة}. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة: {قال الله عز وجل: يسبني ابن آدم، ويشتمني ابن آدم، وما كان له أن يسبني ويشتمني؛ أما سبه إياي، فيقول: إن لي ولداً وصاحبة، وأنا الله لا إله إلا أنا ما اتخذت ولداً ولا صاحبة، وأما شتمه إياي: فيشتم الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء}. فهذا في جانب رب العزة تبارك وتعالى، كيف ما سلم من عباده الذين خلقهم حقراء من التراب الذي يوطأ بالأقدام، يخرج كالحشرة، فإذا أبصر وسمع وأكل وشرب بدأ يتكلم في رب العزة تبارك وتعالى؛ يقترح عليه، ويعترض عليه في حكمه، ولذلك موسى عليه السلام كان إذا خلا بدءوا بألسنتهم يهتكون في عرضه، فإذا حضر سكتوا، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69] فلا يزيدك هذا إلا رفعة، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا عنه: ساحر، وشاعر، وكاهن، وسبوه، وهتكوا عرضه، ولكن رفع الله ذكره، وبرأه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فاستهزاء من يستهزئ دليل على حقارته ومذلته ومهانته، وهو في الحضيض، فهو ينظر إليك وأنت في سمو ورفعة، ولا يزيدك إلا ثباتاً واستقامة فليفعل ما شاء، وما عليك ممن شرق أو غرب إذا كنت على الصراط المستقيم. وهذا حتى عند الأمم الكافرة، يقولون: افعل ما هو صالح، ثم أدر ظهرك لكل جرح سخيف، أو كما قالوا. أما جلساء السوء، فإذا استطعت أن تؤثر عليهم، فما عليك من الكلام ولو استهزءوا فادخل معهم، مؤثراً بكتاب أو بمقالة أو بمراسلة أو باتصال، لأن الوسائل جدت عند المسلمين، فاستخدم هذه الوسائل. بعض الناس يستطيع أن يكلم زملاءه بالتليفون أحسن من أن يتكلم إذا حضر، لأنه إذا حضر عرق وضاع الكلام، ونسي الآيات والأحاديث والقصص. وبعضهم إذا كتب رسالة كتب وحبرها كأنها من رسائل القاضي الفاضل، تصل إلى القلوب. وبعض الزملاء لا يأتي به إلا الهدايا، فأرسل له شريطاً أو كتاباً، أو اهد له هدية، أو قدم له خدمة، أو ادعه إلى بيتك، هذا إذا أردت أن تؤثر فيهم. أما إذا جربت نفسك معهم ففر بنفسك وما عليك، والله عز وجل لا يحشرك في زمرتهم، ولا يحشرهم في زمرتك، ولن تحشر في قبورهم، فلكل قبره، ولكل عمله.

الخروج من البيت بغير رضا أحد الأبوين

الخروج من البيت بغير رضا أحد الأبوين Q إن أمي تمنعني من الذهاب إلى المعهد العلمي لكي أستفيد وأفيد، ولقد جئت إلى هنا ولم توافق، ولكن أبي وافق، وهما منفصلان؟ A هذه المسألة تمر كثيراً، وفيها تفصيل، إذا منع الوالد والوالدة العمل أو الإذن وهو من عمل الفرائض فلا يطاعون أبداً، ويعصون: {لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق} وإذا منعوا من النوافل ومستحبات الأعمال كطلب العلم، والمشاركة في هذه المجتمعات الطيبة كالمراكز الصيفية والاجتماعات والمحاضرات، ففيه تفصيل. من أهل العلم من قال: يعصون في الطاعة، وتقدم الطاعة. ومنهم من قال وهو الصحيح: أن في نوافل الطاعات يقدم طاعة الوالد والوالدة، ففي مثل هذا إن منعتك -مثلاً- من المعهد العلمي، فهذا فيه تفصيل: فإذا كنت تريد الدراسة بالمعهد ومنعتك فلا تطعها، لأن طلب العلم فريضة وواجب، فتذهب وتقنعها بالتي هي أحسن، وتذهب وتدرس وتتعلم ولا عليك. وإن كانت منعتك من مراكز، أو مخيمات، أو هذه الندوات فلك أن تطيعها حتى تقنعها، فإن اقتنعت فبها ونعمت، وإلا فتجلس معها، ولذلك تساءل الإمام البخاري في كتاب الصلاة، قال الحسن: إذا منعته أمه عن حضور صلاة العشاء فليحضر صلاة العشاء ولا يطعها، لأنها فريضة، ففهم بمفهوم المخالفة أنه لو كان أقل من صلاة الجماعة كان الأمر أيسر، فطاعة الوالدين أعظم، ولكن أقنعها حتى لا تبقى جاهلة بما ينفعك ويقربك من الله عز وجل، وخذها بالتي هي أحسن، علَّ الله أن يهديها.

حب الظهور

حب الظهور Q أعاني من مصيبة حب الظهور أمام الناس، فما هو حل هذه الحالة القاصمة؟ A هذه الأمور التي فطر الناس عليها فيها جوانب تحمد وجوانب تذم، وما جعل الله -عز وجل- خصلة إلا جعل فيها مركباً من مراكب الحق، ومركباً من مراكب الباطل، الكرم وهو كرم من استخدمه في طاعة الله عز وجل كان سبيلاً إلى السعادة وإلى الجنة، وربما كان سبيلاً إلى الرياء والسمعة والتبذير. الشجاعة تكون نصرة لعباد الله، ونصرة للا إله إلا الله، ولدين الله، وتكون كذلك هجوماً على عباد الله، وتهوراً، وأذية لعباد الله عز وجل، إلى غير ذلك. يذكر ابن القيم وهو يتكلم عن الأخلاق في مدارج السالكين أن الظهور يمكن أن يوجه إلى الخير، وقد يوجه إلى الشر، غرست في نفسك صفة حب الظهور، وولدت معك فاستخدمها في طاعة الله، واجعل ظهورك يقربك من الله عز وجل، وطلب الشهرة مذموم، وهو من الأمور التي يعاقب عليها العبد إذا كان للشهرة نفسها، أما إذا كان قصدك إعلاء كلمة لا إله إلا الله فأشهر الناس محمد رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي. وحب الخمول ليس محموداً دائماً، فإن أخمل الناس هم أهل الرهبانية من النصارى، فهم في الصوامع والكهوف، فما حمدوا على ذلك، إذاً فليس كل شيء من الصفات محموداً على إطلاقه ولا مذموماً على إطلاقه، فإذا بليت بهذا فاستغفر الله، واطلب من الله الإخلاص، وليكن ظهورك من أجل إظهار كلمة لا إله إلا الله، ولإظهار الدعوة، ولتنشر هذا الدين ليجعلك الله عز وجل من الشهداء، فـ ابن تيمية استقل المنابر، وحضر المحافل، ودخل على السلاطين، وقاد الكتائب، وحمل لا إله إلا الله والرايات، وحضر المعارك، وهذا من أظهر الظهور، حتى إن ابن كثير في البداية والنهاية نسي التاريخ، ونسي الناس، وأصبح يترجم لـ ابن تيمية من كثرة ظهوره، لكن أخذ ظهوره في ذات الله عز وجل، ولمرضاة الله والإخلاص. فأنا أنصحك أن يكون ظهورك لذات الله، لكنك تتعوذ بالله من الشيطان، ودائماً تردد في نفسك: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه}.

الحداثة

الحداثة Q ما هي الحداثة؟ وهل الرجل الحداثي مرتد يقتل؟ A الحداثة طنطنة وشنشنة ودندنة، وكثر التحدث بها، وكثرت الأسماء والألقاب، والحداثة كلمة إن كانت في اللغة فهو الشيء المستجد الجديد، قال تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء:2] أي: جديد ما سبق أن سمعوه. وأهل الحداثة في مفهوم الأدب: هم أناس يدعون إلى الحداثة، بعضهم يقول: الهجوم أو التدمير لكل ما سلف، ويدخل في ذلك الإسلام والكتاب والسنة، وميراث الصحابة، يقول: لا نؤمن إلا بالجديد، كل قديم نفرغ عليه، وهؤلاء ألحدوا في دين الله عز وجل، وحكمهم السيف الأملح الأحمر الأبتر، وعلم من كثير من العلماء أنهم أفتوا بذلك. ولكن التعميم عرضة دائماً للخطأ. أما من زعم أن الحداثة معناها أننا نثور على كل قديم ولا نقبله، فهذا حكمه القتل وهو مرتد، إلا أن يتوب ويسلم، ويدخل في دين الله من جديد، وأما من ظن أن الحداثة معناها تغيير قوالب الشعر؛ وأنسجة الشعر، ولكن بغير مساس بالكتاب والسنة والرسالة الخالدة فما عليه، هذه وجهة نظر، وهذا يقبل وله ذلك، ولا يكفر إذا زاد بحراً في البحور الستة عشر، لأنه إذا خالف الخليل لا يكفر، ولا يخرج من أهل السنة والجماعة. وإذا قال: أريد أن يكون هذا البحر كذا، والقافية تكون كذا، نقول: هذا رأيك ووجهة نظرك، لكن نقول له: لا تتدخل في الدين؛ فدونه خرط القتاد، والسيف الأملح، لا يرضى الله عز وجل ولا رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا المسلمون عامة وخاصة أن تتدخل في هذا، وإن تدخلت فنار تلظى لك في الآخرة، وسيف في الدنيا إذا كان هناك سيف. ولذلك يقول ابن تيمية وهو يتحدث عن العفيف التلمساني: إن صح عنه ما يقول فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وجزاؤه أن يقتل ردعاً له ولأمثاله، والحداثيون كما سبق لي في بعض المناسبات ثلاثة أقسام. منهم حداثي ما درى أين يسير؛ فقد سمع الناس يكتبون فكتب، يكتب في البيت، ويرسل لـ عكاظ تنشره، يكفي أن تخرج صورته في الصباح واسمه فلان بن فلان من مدينة أبها، وله قصيدة لا تساوي ريالين أو ثلاثة، فهذا يريد الظهور، وأمره إلى الله تبارك وتعالى، إن شاء عذبه أو غفر له، ويحاسبه الله تعالى. ومنهم حداثي مجرم عميل ضال -نعوذ بالله منه- فهذا وسوس الشيطان له، ولعب به، ومقصوده هدم الدين، وهذا يتولاه الله في من تولى، ويرديه ناراً تلظى. وأما الثالث: فمسلم مصلِّ صائم، لكن يحب الشعر الذي لا يكون مقفى، لأنه ما استطاع أن ينسج على المقفى، ما استطاع أن يمسك الراء في ثلاثين بيتاً، فقال: لا، ما دام هذا الشعر بلاش ورخيص؛ فأنا أنظم عليه ليكون شاعراً، فهذا بأجره وبوجهة نظره. فهؤلاء أقسام ثلاثة: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:32] {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:9 - 10].

عوامل الاستقامة وحفظ القرآن

عوامل الاستقامة وحفظ القرآن Q ما هي الوسائل التي تعين الشباب على الاستقامة؟ وما هي العوامل لتثبيت حفظ القرآن الكريم؟ A نحن منذ صلاة المغرب ونحن في هذه الوسائل التي تعين على الاستقامة، وأما التي تعين الإنسان على حفظ القرآن فأمور، أذكرها في نقاط: أولها: تقوى الله عَزَّ وَجَلّ، قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. ثانيها: كثرة الاستغفار، فإن الذنوب تجعل الإنسان لا يفهم ولا يحفظ كثيراً، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لما ذكر: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة:48] ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:106] يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: واستغفر الله، قالوا: فمن أسباب الحفظ والفهم كثرة الاستغفار. ومنها: المراجعة؛ أن تراجع ما حفظت، فإن بعض الناس يتعب فيحفظ ثم يترك المراجعة، ثم ينسى ما حفظ، ثم يبدأ وهكذا، فلا يصلح إلا بمراجعة، ومن أحسن وسائل المراجعة: الشريط، أن تستمعه في سيارتك، وفي بيتك، وأن تسمع قراءة المقرئين في السور وفي الصلاة. ومنها: أن يكون لك زميل تحفظ معه في أوقات هادئة وطيبة. ومن أسباب حفظ القرآن: معرفة معاني القرآن (التفسير) فتطلع على المعاني؛ لأنك إذا عشت الأحداث، وعشت تذييل الآيات، وعشت خواتم الآيات حفظته بإذن الله. بعض الشباب لقلة معرفتهم بالتفسير يأتي إذا أراد أن يختم الآية يقول: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور:1] ولو فهم المعنى ما ختم بهذا، لقال: لعلكم تسمعون، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في آيات الليل يذكر السمع، وفي آيات النهار يذكر البصر. قال الرازي: لأن البصر في النهار هو الآلة، والسمع في الليل هو الآلة، فلو فهم هذا المعنى وتلك النكات واللطائف لأعانته على حفظ هذه المعاني وغيرها، هذا ما يحضرني في هذا الباب.

الأكل والشرب مع الكفرة

الأكل والشرب مع الكفرة Q أنا أعمل في إحدى الشركات، وغالب من يعمل في هذه الشركة من الأجانب الكفرة، وأنا آكل وأشرب معهم، فهل في ذلك شيء، جزاكم الله خيراً؟ A الرسول عليه الصلاة والسلام أكل مع المشركين، وذكر ذلك في أحاديث، ومع المنافقين ومع اليهود، لأنه يدعوهم عليه الصلاة والسلام، فإن كان قصدك الدعوة وقصدك التأثير عليهم فلا بأس بذلك، لأن مقصدك جميل وهذه وسيلة يتنازل بها لما هو أعظم منها. وأنت إذا أردت أن تدعوهم إلى الله عز وجل فلا يمكن أن تتركهم فلا تأكل معهم، فإذا أتى الأكل تتركهم وتذهب في غرفتك، أو أتى وقت الشرب لا تشرب معهم، وأتى وقت الجلوس لا تجلس معهم، ثم تأتي بعد وقت، وتقول: أدعوكم إلى الإسلام، الإسلام الذي قدمته بأخلاقك لهم، وأنت تجانبهم، وتجافيهم، وتظهر لهم الكره والبغضاء، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما فعل هذا، بل ثبت عنه أنه أكل مع المشركين لأنه داعية. أما إن كنت رجلاً صالحاً ولست داعية، وليس عندك استطاعة للتأثير، وليس في مقدرتك أن تدعوهم؛ فاجتنبهم في أكلهم وشربهم، وأظهر لهم العزة بالإسلام، واجعلهم صاغرين، ولا تصافحهم، واجتنبهم إلا في حد الضرورة، كأن يكون مرءوسك، ويستطيع الإضرار بك، فلك بحد الضرورة أن تدخل عليه وتسلم وتحيي لأنه يقع عليك ضرر أعظم مما تنازلت عنه، هذا ما يحضرني في هذا. وأنا أقصد دعوة بأي وسيلة؛ كأن يكون هناك ترجمان، أو تظهر من نفسك الخلق لتمهد الباب لأن تعطيه كتباً فانظر هل من مقصودك أن تدعوه وتؤثر فيه فاعمل بما يليق، وإن كان قصدك أن تعيش في هذه الشركة ولا تدعو فاجتنبه ولا تأكل معه.

أسباب السعادة وكيف نحصل عليها؟

أسباب السعادة وكيف نحصل عليها؟ إن السعادة في هذه الدنيا هي مطلب كل إنسان؛ ولكن ليس كل من طلب السعادة يجدها؟ هناك من يبحث عن السعادة في المال؛ وهناك من يبحث عنها في الجاه والقوة والسلطان، وهناك من يبحث عنها في الشهرة، وهناك من يبحث عنها في الملذات والشهوات، وفي هذا الدرس بيان لأسباب السعادة، وأنها في طاعة الله وعبادته والعمل الصالح مع شواهد من أخبار الصحابة والتابعين.

أهمية موضوع أسباب السعادة

أهمية موضوع أسباب السعادة الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكوراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين. فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. هذه المحاضرة بعنوان (أسباب السعادة وكيف نحصل عليها). ولأنه موضوع طارئ وجد لبعض الأمور، ولكثرة الأسئلة في هذا الباب، وهو موضوعٌ تجدر العناية به؛ فقد كتب عنه المسلمون والكفار، وتكلم به الخطباء، واعتنى به العلماء والأدباء والشعراء؛ وكانت السعادة هدفاً لكل الأمم مسلمو الأمم وكافروها. وهذه السعادة هدفٌ يطلبها كل الناس فمنهم من ظن أن السعادة في الملك؛ فسعى في طلبه، وسفك الدماء للحصول عليه، وحاول كلَّ جهده أن يجعل حياته تحقيقاً لهذا المطلب؛ وكان منهم فرعون الطاغية، الذي لما وصل إلى الملك قال: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي. وظن آخرون أنها في المال فسعوا في طلبه، وبذلوا الأرواح والمهج رخيصةً حتى حصلوا عليه، ولكن ما وجدوا فيه السعادة وكان منهم قارون قال تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79]. وظن آخرون أنه في كثرة الأولاد، ومنهم الوليد بن المغيرة قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً} [المدثر:11 - 13] إلى غير تلك المسالك.

كتب ومؤلفات عن الموضوع

كتب ومؤلفات عن الموضوع وأعرف كتباً كثيرة ألفت في هذا الباب -قديمةً وحديثة- وقد تكلم علماء الإسلام عن هذه السعادة وكيف تحصل منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في" الفتاوى " وفي غيرها، ومنهم ابن القيم في" مدارج السالكين " وفي" طريق الهجرتين ". ومن المحدثين الأستاذ/ محمد الغزالي في كتاب " جدد حياتك " وقد جمع هذا الكتاب وأخذه من كتاب دع القلق وابدأ الحياة " لـ دايل كارنيجي. ومن آخر ما علمت أنه كتب في هذا الباب الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته. وألخص ما كتبوا إن شاء الله في بنود وعناصر.

قصة علي بن المأمون

قصة علي بن المأمون ومن القصص عن أهل القرون السابقة القرن العباسي أن علي بن المأمون والمأمون هذا هو الخليفة العباسي الكبير- كان خليفةً من أعلم الخلفاء، لكن علمه ممزوج بالاعتزال والبدعة ما كان علمه سلفياً صافياً، ولذلك اعترض عليه شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: إن الله سيسأل المأمون عما أدخل من الفلسفة في بلاد المسلمين، وهو الذي تزعم القول بخلق القرآن، ونشر هذا المبدأ، وجعل هناك تحالفاً بدعياً مع أحمد بن أبي دؤاد وبشر ومحمد بن جهم وأمثالهم، والشاهد أن ابنه علياً كان أميراً من الأمراء، وكان إذا أصبح الصباح خرج في شرفة القصر -في بغداد دار السلام - وقصور بني العباس كانت تلمع مع إشعاع الشمس من جودتها، وسموها، وسمقها، وورد أنهم كانوا يموهونها بماء الفضة؛ فإذا رأتها الشمس لمعت لمعاناً عجيباً، وبهرجاً غريباً، فكان يشرف على الشرفة -شرفة القصر- وينظر إلى الناس في أسواق بغداد ذاهبين وآيبين من دجلة إلى داخل بغداد، ولفت نظره رجلٌ مسكينٌ فقيرٌ، كان يعمل حمالاً يحمل أكياساً ومتاعاً للناس بأجرة، فإذا أتت صلاة الضحى توضأ من ماء دجلة، ثم صلى أربع ركعات، ثم يعود ليعمل إلى قرب الظهر، فإذا اقترب الظهر ذهب فنام؛ فإذا سمع أذان الظهر قام فتوضأ، ثم ذهب إلى المسجد فصلى، فإذا صلى أتى فأخذ قطعةً من الخبز اشتراها من السوق وشيئاً من البقل، فأتى فغسل البقل في نهر دجلة قريباً من قصر الأمير، وأكل هذه القطعة مع هذا البقل، ثم يقوم ويصلى إلى العصر، ثم يعمل بعد العصر، ثم يأخذ شيئاً ويذهب إلى بيته فأخذ يلمحه طيلة الأيام؛ وما تغير في سيرته، ولا في برنامجه شيء، فلفت نظره! وقال: أهو سعيد أم شقي؟ وما هي نفسيته؟ وأراد أن يتساءل معه؛ فأرسل بعض خدمه إليه وقال له: الأمير يدعوك. قال: ما لي وللأمير أنا ما دخلت في حياتي على أمير من الأمراء، ولا أريد شيئاً من الدنيا، أي: ليس عندي من المشاكل، ولا من الطلبات، ولا من الأمور التي أعلمها شيء، وما تكلمت في أمير، وما أظن أنني أعرف أحداً منهم. قال: إنه يريدك لأمر. قال: آتيه غداً. قال: إنه يريدك اليوم فأتى بهيئته، وأسماله البالية، وبثيابه. وهذه القصة في التاريخ، ومن ضمن من ذكرها صاحب" رجال من التاريخ "، وصاحب" قصص من التاريخ " الشيخ علي الطنطاوي، وهي موجودة؛ لكنه بسطها بأسلوب أدبي، فهو إذا كتب في هذا المجال أجاد وأفاد، فهو صاحب قلمٍ سيال، وقلمه أحسن من لسانه. فالمقصود أنهم دخلوا بهذا الفقير المسكين على الأمير؛ فأجلسه عنده، فلما رآه قال له الأمير: أأنت سعيد؟ قال: الحمد لله أنا في سعادة ما بعدها سعادة. قال: أتريد شيئاً من الدنيا؟ قال: لا والله ما أريد شيئاً. قال: فإني أعرض عليك شيئاً من هذا المال. قال: أسألك بالله عز وجل إلا تركتني وحالي. قال: فكن عندنا في قصرنا، قال: لا لا أريد الشقاء، أريد السعادة فيما أنا فيه. قال: ما هو عملك؟ وما هو دخلك، وأهلك؟ قال: أنا لي زوجةٌ وأخت؛ زوجة مقعدة وأخت عمياء، وليس لي من الدخل إلا ما أقوته في اليوم أذهب في الصباح، فأعمل إلى الظهر، ثم أتغدى بهذه الكسرة التي أجدها من العمل، بعد أن أتوضأ وأصلي الضحى، ثم أنام، ثم أصلي الظهر، وبعدها أصلي إلى العصر، ثم أعمل قليلاً لآخذ إفطاراً لزوجتي ولأختي؛ لأنهما تصومان الدهر. قال: وهل تخافُ شيئاً؟ قال: لا والله. قال: هل عليك دينٌ؟ قال: ما عرفت الدَّين. قال: أعندك مشكلةٌ ترفعها إليَّ؟ قال: ما شاكلت أحداً في حياتي. قال: ما تريد؟ قال: أن تتركني. قال: فتركه فنزل. فلما نزل أخذ الأمير ينظر إليه متعجباً من هذا الصنيع، وفي آخر المطاف أتى هذا الأمير وكان عاقلاً حازماً، فاستدعى بعض المقربين من إخوانه وعشيرته، وقال: إنني سوف أذهب إلى مكان الله أعلم به، فإن تخلفت فأخبروا أبي أنني ذهبت إلى أرض، وأنني بخيرٍ إن شاء الله، فخلع ثيابه في غداةٍ من الأيام، وأخذ خاتماً بيده، وترك أمواله، وأوصى بكل شيءٍ من ذويه، ثم ركب. قالوا: فنزل واسط وهي بلدٌ في الشمال، فأخذ يعمل، وغير مهنته حمالاً وهذه في ترجمة علي بن المأمون الخليفة العباسي. وكان يصلي الليل، ويصوم النهار ويقرأ القرآن، وأخذ المأمون يقلب الدنيا ظهراً لبطن عنه، فما وجده، وما ظن أنه سوف يكون حمالاً، يُمر به ولا يعرفه أبداً. فلما حضرته الوفاة ذهب إلى الذي يعمل عنده، فقال: أنا ابن المأمون الخليفة، فإذا أنا مت فخذ هذا الخاتم، وهذه الدراهم فاشترِ لي بها كفناً، فإنني قد وجدت السعادة في الحياة، وأوصل هذا الخاتم لأهلي. فلما توفي غسل وكفن من دراهمه وما ترك تركةً، ولا دنياً فقد كان عابداً زاهداً مستقيماً فأتي المأمون بخاتمه بعد أن توفي؛ فبكى وذهب إلى قبره ليزوره، وقال: وجدت السعادة. وهذه قصةٌ من قصصٍ سوف تمر معنا إن شاء الله، نقلت في التاريخ والسير، ونستعرض الآن أسباب السعادة، وما هي الأمور التي تقرب السعادة للمؤمن؟

وسائل وأسباب السعادة

وسائل وأسباب السعادة من الوسائل:

الإيمان بالله عز وجل

الإيمان بالله عز وجل فإن الكافر لا سعادة له مطلقاً بإجماع العلماء والعقلاء، فالكافر لا سعادة له، والفاجر لا طمأنينة ولا سكينة له، كما قال سبحانه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في المؤمن: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]. فالحياة الطيبة في الإيمان والعمل الصالح؛ والناس يتفاوتون بحسب إيمانهم وعملهم الصالح درجات، وبحسبها تكون السعادة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ) [الأنعام:125]. ويتكلم ابن تيمية عن بعض المناطقة الفلاسفة أهل الشك والريبة، الذين شكوا في قدرة الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فأصابهم الله بغمٍ، وهمٍ، وظلامٍ، وقلق، واضطراب، حتى كادوا أن يموتوا. قيل لأحدهم: بماذا تشعر؟ قال: أشعر أن قلبي ظلمات بعضها فوق بعض. قالوا: يقول العلماء: ليس لك علاج إلا العبادة. قال: لا أستطيع العبادة. وهذا هو الخذلان، والعجيب أن بعض الناس يؤلف في السعادة؛ ولا يدرك السعادة، فإن دايل كارنيجي الأمريكي الذي ألف" دع القلق وابدأ الحياة " الكتاب الذي ترجم إلى تسعٍ وخمسين لغة في العالم، وهو من أكثر كتب الكفار انتشاراً، هذا في آخر عمره أخذ سكيناً ونحر نفسه؛ لأنه ما عرف الطريق إلى السعادة، وما عرف الإيمان، فهؤلاء دلُّوا على طريق العبادة فقالوا: لا نستطيع العبادة، فأعظم الناس سعادةً المؤمن الذي يعمل الصالحات. وفي صحيح مسلم عن صهيب أنه صلى الله عليه وسلم قال: {عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن}. قال عمر رضي الله عنه: [[والله ما أبالي أيهما ركبت: مطية الفقر أو مطية الغنى، إن كان فقراً فصبرٌ وأجر، وإن كان غنى فشكرٌ وأجر]]. وقال ابن مسعود: [[والله ما أصبح لي من سعادة، إلا أن أتلمح القضاء والقدر، ففي أي موقع يقع القضاء والقدر فهي السعادة]]. وقال عمر بن عبد العزيز وهو ينظر إلى أبنائه كأنهم الدنانير أمامه: [[والله الذي لا إله إلا هو ما أصبح لي من سعادة إلا في القضاء والقدر، ولو استلب هؤلاء من بين يدي؛ ما شعرت بقلق في أمر الله عز وجل]] ولهذا بلغوا منزلةً عظيمة في الإسلام، ولذلك حاول الناس في الحصول على السعادة، ونجح منهم من حصل على الإيمان. وبلال رضي الله عنه وأرضاه يوم ذاق حلاوة الإيمان، كان يسحب على الصخور وهو يقول: [[أحدٌ أحد أحدٌ أحد]]. أحدٌ هتفت بها بصوتٍ صارخٍ تثني بقولتها لكل معطل وهو يوم يسحب على الرمال، ويجر على وجهه، يقول: أحدٌ أحد؛ لأنه ذاق حلاوة الإيمان، وارتفع الإيمان في قلبه إلى درجة أنه لا يشعر بالعذاب. وخبيب بن عدي أخذوه على مشنقة فرفعوه ثم أخذوا يضربونه بالسيوف، فقالوا له: أتحب أنَّ محمداً مكانك في مكة، وأنك في أهلك ومالك؟ قال: [[والله ما أحب أني في أهلي ومالي، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تصيبه شوكة]] ثم لما رفعوه قال: ولست أبالي حين أُقتل مسلماً على أي جنبٍ كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أشلاء شلو ممزع أتي بـ عبد الله بن حذافة الصحابة الشباب -فأخذ أسيراً إلى بلاد الروم فقال ملك الروم: أخرجوا إلي أسرى المسلمين. فأخرجوه. قال: هاتوا زيتاً وأغلوه في قدور، فغلوا الزيت حتى أصبح له أزيز في القدور؛ فأمر بالأسرى، وأخذ يوقعهم مكتفين في القدور، فينفصل اللحم عن العظم، فقال الملك لـ عبد الله بن حذافة أتريد أن تعود عن دينك، وأعطيك نصف ملكي؟! قال: والله الذي لا إله إلا هو لو أعطيتني ملكك وملك آبائك وأجدادك على أن أترك دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما تركته قال: خذوه إلى القدور، وألقوه في القدر، فذهبوا به وهو مكتوف الأيدي، فلما رأى الأسارى تغلي بهم القدور وقد انفصل العظم عن اللحم، بكى! فأعادوه وظنوا أنه سوف يذعن لأمر الملك؛ فقال: مالك تبكي؟ قال: والله ما بكيت جزعاً من الموت، وما أتيت أقاتلكم إلا لطلب الشهادة، لكن أبكي لأنه ليس عندي إلا نفس واحدة، وأحب أن لي بعدد شعر رأسي نفوساً تعذب في سبيل الله فعجب منه! قال: لا أُطْلِقُكَ حتى تقبل رأسي، وأطلق معك الأسارى جميعاً -الذي بقي منهم- فاقترب منه، وأوهمه أنه قبل رأسه، وقد تفل على رأسه؛ فأطلق معه الأسارى، فلما وصل إلى المدينة؛ لقيه عمر، فعانقه وعمر يبكي، وقال: حقٌ على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، فقال عبد الله، وكان مزاحاً: أتريد أن يكون رأسي من كثرة التقبيل أصلع كرأسك؟ فقام الناس يقبلونه، وكان أولهم عمر رضي الله عنه وأرضاه (حقٌ على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة. ودخل ابن تيمية على أحد السلاطين السلاجقة في دمشق، وكان هذا السلطان إما ابن قطلوبك أو سلطان آخر، فقال له ابن قطلوبك يا ابن تيمية: الناس يقولون: إنك تريد ملكنا، وملك آبائنا وأجدادنا، فضحك ابن تيمية -ضحك المستعلي الشجاع المتحدي- وقال: والله الذي لا إله إلا هو ما ملكك وملك آبائك وأجدادك يساوي عندي فلساً، إني منذ عقلت رشدي أريد جنةً عرضها السماوات والأرض فلما سجنوه؛ أخذه السجان فأغلق عليه باب السجن، فتبسم ابن تيمية، وهو يقول: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} ثم يقول: " ماذا يفعل أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري -القرآن والذكر والتسبيح والتهليل والمناجاة- أنا جنتي وبستاني في صدري، أنّى سرت فهي معي، أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة، ثم قال: المأسور من أسره هواه والمحجوب من حجب عن ربه ". يقول القاضي الزبيري: خذوا كل دنياكم واتركوا لي فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا وسعيد بن المسيب سيد التابعين، والإمام الكبير للسُنة في عهد التابعين، الذي كان من أعظم عباد الله عبادة، بقي يبكي في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام من كثرة التلاوة والعبادة حتى ذهبت عينه اليمنى، فقالوا: نخرج بك إلى العقيق -والعقيق وادٍ وارف الظلال، وبستان أخضر حول المدينة - علَّ بصرك أن يعود إليك، ثم قال: أتخرجون بي لتفوتني صلاة بألف صلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لا والله، ما بقي لي من لذة إلا البكاء من خشية الله، وإلا المشي في الظلمات!! وقال: [[الحمد لله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الإمام، وما نظرت إلى قفا إنسان غير الإمام أربعين سنة]]. كان رضي الله تعالى عنه وأرضاه سعادته في سماع الأذان! أتته سكرات الموت، فتلي عليه حديث من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: أجلسوني. قالوا: أنت في سكرات الموت. قال: سبحان الله! يذكر الحبيب ولا أجلس، وأنا مضطجع والله لأجلسن فأجلسوه، ثم أضجعوه، فمات رضي الله عنه وأرضاه. ولذلك قال إبراهيم بن أدهم وكان زاهداً عابداً، وما كان يجد إلا كسرة الخبز قال: نحن في عيش لو علم به السلاطين لجالدونا عليه بالسيوف، يعني عيش السعادة، والاطمئنان، والإيمان والرضا بما عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فمن لا إيمان له، ولا عمل صالح فهو في عيشةٍ ضنك، ولو ملك من القصور ما ملك، من الدور ومن العمارات والفلل والمناصب ومن الأموال فوالله إنه في ضنك، وفي عنت، وفي مشقة! لأنه ما اهتدى إلى طريق الإيمان.

العمل الصالح

العمل الصالح ومن أسباب السعادة: العمل الصالح: فعمل الصالحات هو من أكبر الأمور التي تحصل لك السعادة، وهي قرة العين، فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر قال: {أرحنا بالصلاة يا بلال!} وكان يقول: {وجعلت قرة عيني في الصلاة} يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] قال سيد قطب رحمه الله: إذا انتهى مدد الصبر وطاقة الصبر أتت الصلاة لتكون معيناً وطاقةً وزاداً، فالصبر ينتهي، ولكن تزيده الصلاة. وفي ترجمة الحافظ ابن حجر أنه خرج للنزهة، فطوقه لصوص يريدون سلبه وقتله، فتوضأ وقام يصلي، فتبدد اللصوص وخافوا وهربوا، فلما سلم قال له تلاميذه: مالك هربت إلى الصلاة. فقال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45]. ولذلك كان عباد الله يفزعون إلى الصلاة، ويفرون إلى طاعة الله إذا حزبهم أمر. ومن أعظم ما يسهل الخاطر، ويزيل الهموم والغموم عمل الصالحات -كما قلت- ومن أجلِّها: الصدقة، وجرب ذلك. مَرضَ كثير من الصالحين فتصدقوا، فكشف الله مرضهم؛ وأصابتهم كرب فتصدقوا، فأزاح الله كربهم؛ ولذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما جبتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما، فكلما هم المتصدق بصدقته اتسعت عليه حتى تعفي أثره، وكلما هم البخيل بالصدقة انقبضت كل حلقة إلى صاحبتها، وتقلصت عليه وانضمت يداه إلى تراقيه، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع}. والبخيل بالمال، والبخيل بالجاه، والبخيل بالبسمة وبالكلمة الطيبة من أضيق الناس نفساً، ومن أسوئهم خلقاً، ومن أقلقهم حياةً؛ لأنه ما عرف سبيل السعة. ولذلك كان الكرماء أوسع الناس صدوراً، وجرب ذلك! فإنك لا تفعل خيراً للمسلمين إلا ويرزقك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سعةً في الصدر، فإنه غفور شكور -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- غفور يغفر الذنب، وشكور يشكر على الحسنات في الدنيا والآخرة.

الرضا بالقدر

الرضا بالقدر ومن أسبابها كذلك الرضا بالقضاء والقدر: ذكر عن ابن قتيبة أنه قال: ما كان يتسلى الجاهليون في جاهليتهم وأهل الشرك في شركهم إلا بالقضاء والقدر، تموت ناقة المشرك فيقول: قضاء وقدر، يموت ابنه فيقول: قضاء وقدر. قال بعض العلماء: من يؤمن بالقضاء والقدر يتسلى بأجر! وقد قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد:22 - 23]. وهذا عروة بن الزبير وكان عابداً زاهداً من العلماء والفقهاء السبعة، فقرروا قطع رجله من الفخذ، فقالوا: نسقيك كأساً من الخمر علَّ عقلك أن يذهب، فقال: والله لا أذهب عقلاً منحنيه الله، ولكن إذا توضأت ودخلت في صلاتي وناجيت ربي؛ فاقطعوا رجلي فلما دخل في الصلاة، أخذوا المناشير فبتروا رجله، فإذا هو مغمىً عليه! وبقي يوماً كاملاً، فلما استفاق، قالوا له: أحسن الله عزاءك في رجلك، وأحسن الله عزاءك في ابنك؛ فقد رفسته دابة من دواب الخليفة فمات فرفع طرفه وقال: اللهم لك الحمد! إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت أعطيتني أربعة أبناء وأخذت ابناً واحداً، وأعطيتني أربعة أطراف، وأخذت طرفاً واحداً، فلك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. يقول وهو يتمثل: لعمرك ما مديت كفى لريبةٍ وما حملتني نحو فاحشةٍ رجلي ولا دلني فكري ولا نظري لها ولا قادني سمعي إليها ولا عقلي وأعلم أني لم تصبني مصيبةٌ من الله إلا قد أصابت فتىً قبلي ومرض عمران بن حصين أحد الصحابة الأخيار ثلاثين سنة، فما شكى ولا بكى ولا تذمر، حتى كانت الملائكة تصافحه عند السحر بأيمانها وهذا في الإصابة لـ ابن حجر. ومرض أبو قلابة حتى قطعوا أطرافه الأربعة، أصابه مرض الآكلة في أطرافه -في رجليه ويديه- حتى قطعوها، وكان يتبسم حمداً لله وشكراً! قال ابن الجوزي في" صفة الصفوة " مروا بمولى أسود وهو مريض، وهو في زقاق من زقاق المدينة المنورة، وهو يتبسم، فقال له الناس: نمر عليك وأنت تذكر الله وتتبسم وأنت في مرض وفي حالة لا يعلمها إلا الله، فقال: أنا في سعادة، وكلما أصابني قليل بجانب الإيمان الذي أعطانيه الله عز وجل والعمل الصالح. وذكروا عن أيوب عليه السلام أنه لما ابتلي بالمرض في جسمه قال: اللهم أبق علي قلبي ولساني، قلبي أشكرك به، ولساني أذكرك به فكل شيءٍ دخل فيه المرض إلا لسانه وقلبه، فما كان لسانه يفتر من ذكر الله، وما كان قلبه يفتر من شكر الله. الرضا بالقضاء والقدر، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن:11]. قال ابن عباس رضي الله عنه: [[هو العبد تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم؛ فيهدي الله قلبه]].

الإحسان إلى الناس بالقول والفعل

الإحسان إلى الناس بالقول والفعل ومن أسبابها الإحسان بالبسمة، وبلين الكلمة، والشفاعة الحسنة، والصدقة، والبر، والصلة، والزيارة، وبمساعدته بأي نوع من المساعدة كلها تدخل عليك الطمأنينة، في الدنيا، وقد سلف شيء من هذا.

النظر في الدنيا إلى من هو أدنى

النظر في الدنيا إلى من هو أدنى ومن أسبابها: النظر إلى من هو دونه في الحظوظ الدنيوية؛ لأن الحياة قليلة وزهيدة. قالوا: " الحياة قصيرة، فلا تقصرها بالهموم والغموم ". قال: هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي، لأحد أصحابه: ما رأيك نعد الأيام التي سعدنا فيها، ولم يأتنا أمر مكدر فعد الأيام -وكان عمره ما يقارب ستين سنة- فما وجد فيها إلا ثلاثة عشر يوماً ذكر ذلك الذهبي، قالوا: عدوا أيامه في حياته التي سلم فيها من الهم والغم والكدر؛ فما وجدوها إلا ثلاثة عشر يوماً، وأما البقية فكانت هماً وغماً وكدراً فالحياة قصيرة، فلا تقصرها بالهم والغم والكدر. فمن أسباب السعادة النظر إلى من هو دونك في الحظوظ الدنيوية فلا في الحظوظ الدينية، لا تنظر إلى من هو دونك في الدين والاستقامة، وقيام الليل، وتلاوة القرآن، والعلم، والتحصيل، والذكر، والصيام، بل ينبغي أن تنظر إلى من هو فوقك؛ لكن انظر إلى من هو دونك في الرزق والمال والصحة والسكن والمعيشة، لترى نعمة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليك ولا تزدريها. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:20 - 21]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35].

السعادة في طاعة الله

السعادة في طاعة الله استدعى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه سعيد بن عامر أحد الصحابة الفقراء الشباب المجاهدين العُبَّاد، وما كان له من المال شيئاً كان له صحفة يأكل ويغسل منه ثوبه؛ وعنده إبريق يغتسل فيه، ويتوضأ فيه؛ وعنده عصا، وعنده شملة يفترشها؛ فاستدعاه عمر وسعيد بن عامر هذا من المهاجرين الكبار، قائم لليل صائم للنهار، فاستدعاه عمر، وقال له: [[يا سعيد بن عامر: إني فكرت في أمر حمص وحمص بلدٌ في الشام في سوريا، وفكرت من أولي عليها أميراً، فما وجدت إلا أنت، فقد أرسلتك عليها أميراً. قال: يا أمير المؤمنين اعفني، لن أتولى، فدمعت عين عمر، قال: تجعلون الخلافة في عنقي، ثم تتركونني، وتتركوها لي، والله لتعينني عليها قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فأرسله أميراً، ثم أعطاه عطاءه- لا أدري ثلاثة آلاف درهم، أو ثلاثة آلاف دينار- فأخذ هذا العطاء، وجمع بعض المال معه، وقال لزوجته: ما رأيك في هذا المال نعطيه شريكاً يعطينا، في الدرهم عشرة دراهم وزيادة، فقالت: وهل تجد من يعطيك هذا، قال: نعم، قالت: هذا مالي مع مالك وتاجر فيه ما دام أنه يعطينا ضعفه؛ فأخذه فأنفقه في سبيل الله مرة واحدة، ثم ذهب بصحفته وشملته وإبريقه وعصاه، ووصل إلى أهل حمص ودخل عليهم في نسك وخشوع لا يعلمه إلا الله، فلما رأوه قالوا: من أين أتيت؟ قال: من المدينة، مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام، قالوا: هل رأيت أميراً، أرسله عمر سمعنا أنه سوف يصل، قال: هو أنا، قالوا: لست أنت أميرنا، وما هيئتك أنك أمير! قال: إن شئتم أن أدخل دخلت المدينة، وإن شئتم أن أخرج خرجت، قالوا: ادخل؛ فدخل، فاستمر في إمرته فما مرت الأيام حتى جلس عمر بن الخطاب يتتبع أخبار الأمراء، وكان يحاسبهم كل سنة والعصا بيده. فكان يجمع عوام الناس وأعيان الناس وأعيانهم وعلمائهم وكبراءهم، ويجمع الأمراء، فلما سأل عن سعيد قال: ماذا تنقمون عليه، وماذا ينقم عليكم؟! فقالوا: يا أمير المؤمنين والله ما أخذنا عليه شيئاً، فقد كان من أحسن الناس سيرة وجهداً وعبادة، إلا أربعة أمور، قال: ما هي؟ وقال عمر في نفسه: اللهم لا تخيب ظني فيه، فإني ما علمته إلا من خيرة أصحاب رسولك صلى الله عليه وسلم، قالوا: أما الأمر الأول فما يخرج إلينا حتى يتعالى النهار فيجلس إلينا أي ما يخرج إلينا إلا ضحى. وأما الأمر الثاني: فإن له يوماً في الأسبوع لا نراه ولا يرانا. وأما الأمر الثالث: فإنه يغمى عليه أحياناً فيصرع في مجالسنا. وأما الأمر الرابع: فلا يخرج إلينا في الليل مهما طرقنا. فقال عمر: أجب عن نفسك يا سعيد! قال: اعفني يا أمير المؤمنين! -لا يريد أن عمله وأوراقه تعلن أمام الناس- قال: والله لتجيبن قال: اللهم إنك تعلم أني ما قمت رياءً أما قولهم: إني لا أخرج حتى يتعالى النهار، فأنا رجلٌ امرأتي مريضة منذ سنوات، فأنا أصلح طعامي، وأجهزه وأهيئه، ثم أفطر، ثم أكنس البيت، ثم أخرج إليهم. قال: هذه واحدة -ودموع عمر تسيل على لحيته- قال: والثانية؟ قال: أما قولهم: لا أخرج بليل فقد جعلت النهار لهم، والليل لربي، فما أصلي العشاء، إلا وأقوم وأتنفل حتى صلاة الفجر، قال: واليوم الذي لا تخرج فيه؟ قال: وأما اليوم الذي لا أخرج فيه؛ فليس لي خادم وامرأتي مريضة، فأنا أغسل ثيابي وثياب أهلي يوماً في الأسبوع. قال: وما لك تصرع ويغمى عليك في المجلس؟ قال: يا أمير المؤمنين! إني حضرت قتل خبيب بن عدي في مكة، وأنا مشرك يوم قتل خبيب بن عدي فحضرت قتله، فلما رفع التفت إلينا جميعاً، وقال: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحدا، فما ذكرت ذاك الموقف لأني ما نصرته إلا أغمي عليَّ، فبكى عمر حتى كاد يغمى عليه، وقال: [[الحمد لله الذي لم يخيب ظني فيك]]. ذاك الطراز الرفيع الذي أخرجه عليه الصلاة والسلام، من مثل هذا الرجل فرضي الله عنهم، وأرضاهم، وألحقنا بهم في دار كرامته.

السعادة ليست بالمال

السعادة ليست بالمال دخلوا على أبي ذر وهو في سكرات الموت، وهو يبكي، فقالوا: مالك؟ قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن وراءنا عقبةً كئوداً، وأنه لا يتجاوزها إلا المخف وقد جمعت الدنيا فالتفتوا فما رأوا إلا قعباً وصحفةً وشملةً في بيته. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} [الفجر:15] ومعنى الآية أن بعض الناس إذا أراد الله أن يبتليهم ويمتحنهم أغدق عليهم المال فقال هذا الإنسان -من جهله بالله- أكرمني بكرامتي عنده، وهذا ليس بصحيح! فقد يكون من أفجر الناس، ومن أخبث الناس؛ ولكن يعطيه الله المال فتنة. وبعض الناس يبتليه الله بالفقر، فيقول من قلة قيمتي واعتباري عند الله؛ ابتلاني بالفقر، وهذا ليس بصحيح! فقد قد يكون المرء من أتقى الناس، وأعظمهم وأرفعهم، ولكن ابتلاه الله بالفقر ليرى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى صبره. يقول المتنبي: وفي الناس من يرضى بميسور عيشه ومركوبه رجلاه والثوب جلده ولكن قلباً بين جنبي ما له سوى المجد مجد الأكرمين يحده يحاول أن يكسى ثياباً ترفه فيختار أن يكسى دروعاً تهده وتعالوا إلى المتنبي هذا الذي طنطن ودندن وأشغل الناس بهذه الهمة العالية. يقول ابن الجوزي: عجبت للمتنبي هذا الذي يقول: أنا مطامحي عظيمة وأنا أريد شيئاً وحتى يقول: وكل ما خلق الله وما لم يخلق مستصغرٌ في همتي كشعر في مفرق أو كما قال! أي أن البشرية كلها شعرة في مفرقة، وكان يقول: أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود فما هو مطلبه؟ المطلوب هو الإمارة، حتى يقول لـ كافور: ليعلم قوم خالفوني وشرقوا وغربت أني قد ظفرت وخابوا قال ابن الجوزي: خاب وخسر! والله إنها من أخس المطالب في الحياة، وإن الذي لا يطلب رضا الله فليس له من همةٍ في الحياة أبداً، وعجيب أن يطلب هذا الهمة ثم يقع فيما وقع عليه.

السعادة ليست في القوة والسلطان

السعادة ليست في القوة والسلطان أبو مسلم الخرساني قتل ألف ألف -مليوناً من المسلمين- حتى تولى السلطان، ثم ما أمهله الله، فما بقي إلا سنوات فأخذه أبو جعفر المنصور، فذبحه كما تذبح الشاه. وذهب الحجاج بن يوسف فقتل مائة ألف، وقتل العلماء، وأهان الصحابة، ثم ابتلاه الله بمرض، فكان يخور كما يخور الثور. وأتى الوليد بن يزيد الفاسق فأخذ المصحف -وهو خليفة أموي كما يقول ابن كثير - فأخذ يضرب المصحف ويهجوه، ويتكلم فيه، فطورد حتى أُدرك، فأخذوا جلد حمار فأحرقوه في جلد الحمار: (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم:45 - 46] وحضرت الوفاة الخليفة المعتصم وهو العسكري الكبير وهو من أشجع الخلفاء فاتح عمورية الذي يقول فيه عمر أبي ريشة: رب وا معتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم أدركته الوفاة وهو فوق الأربعين، وظن أنه سوف يبقى إلى الثمانين؛ فلما حضرته الوفاة وكان العلماء بجانبه قال: أموت اليوم؟ قالوا: نعم تموت فقال للطبيب: انظر إليَّ -ذكر ذلك عبد الحق الأشبيلي في تذكرته. كأنه يقول: غير معقول هذا! أنا شاب، فقالوا: ولو كنت شاباً فأخذ يبكي، ويتخبط بالأرض، ويقول: والله لو كنت أعلم أني أموت في شبابي؛ ما فعلت الفعل الذي كنت أفعله سبحان الله! يكون الناس في غفلة، فإذا ماتوا انتبهوا. يبقى الإنسان في سكار وفي غفلة، وفي إعراض؛ فإذا نزل به الموت؛ انتبه كأنه قام من النوم ولذلك كثير من الشباب -إلا من رحم الله- يرى أنه لا يموت، لماذا؟ لأنه شاب، فكيف يموت وهو شاب؟! وكثير من الأغنياء من السلاطين لا يرى أنه سيموت - نسأل الله العافية والسلامة- وهذا هو الغرور. تنبهوا يا رقود إلى متى ذا الجمود فهذه الدار تبلى وما عليها يبيد الخير فيها قليل والشر فيها عتيد والبر ينقص فيها والسيئات تزيد فاستكثر الزاد فيها إن الطريق بعيد وهذا هارون الرشيد أدركته الوفاة وهو في طوس وقيل طرطوس، فلما أدركته الوفاة؛ نزل في غدير، فرأى سمكةً كأنها خنجر فمد يده؛ فتسمم جسمه، فقال: أخرجوني للجيش، فأخرجوا الجيش له، وهو في سكرات الموت، فبكى حتى بكى الناس، وقال: يا من! لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه. وهارون هذا هو ابن المهدي بن أبي جعفر المنصور، وكان يخرج في الشرفات، فإذا رأى السحاب تحداها وقال: أمطري حيث شئتِ فإن خراجك سوف يأتيني. يقول: سيري حيث أردتِ في أي أرض هطلتِ، فإن تلك الأرض أنا أحكمها، لأنه يحكم إلى مشارف أسبانيا، وإلى السند وإلى طاجكستان. فبنى هارون الرشيد قصراً فأدخل عليه الناس يهنئونه العلماء، والوزراء، والأمراء، والشعراء، فدخلوا جميعاً، يهنئونه ويمدحونه فهو الخليفة، ودخل في آخرهم أبو العتاهية، -وهو شاعر الزهد والحكمة- فوقف أمامه، فقال هارون الرشيد: ماذا تقول فيَّ وفي القصر يا أبا العتاهية؟ قال: عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصور قال: ثم ماذا؟ قال: يجري عليك بما أردت مع الرواح أو البكور يعني تأتي عليك الأمنيات والمسرات، مع الرواح مع البكور، قال ثم ماذا؟ فرفع أبو العتاهية صوته يبكي وقال: فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور فبكى حتى نزل من على سريره. نور الدين محمود زنكي من أعدل الحكام في الإسلام. يقول ابن كثير عنه في البداية والنهاية: " رحم الله تلك العظام! أمر جنوده إذا انتصف الليل أن يضربوا له بالصولجان، فيقوم هو وذريته وأزواجه وبناته، فيصلون حتى الفجر، وكان كثير الصيام وكان متجهاً إلى الله من أعدل العدول في الأرض، وقد ذكروا في ترجمته أنه رأى في المنام أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: أنقذني يا محمود! فقام فزعاً من الليل، فتوضأ وصلى ركعتين، ثم عاد فنام، قال: فرأى الرسول عليه الصلاة والسلام في صورته يقول: أنقذني يا محمود! فتوضأ وصلى، ثم عاد فنام، فرآه عليه الصلاة والسلام يقول: أنقذني يا محمود! وإذا برجلين عليهما من الشعرة والهيئة كلبس المغاربة. فقام في الصباح، فجمع العلماء وسألهم، فقالوا: كأن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم يؤذى، أو كأنه يحفر حوله، وكأنه يؤذى في روضته عليه الصلاة والسلام، فأدرك الروضة. فاستنفر الجيش من دمشق، جيشاً عرمرماً وكان هو قائد الجيش، وجعل القواد على الميامن والمياسر في الكتائب، ودلف حتى وصل إلى المدينة، وطوق المدينة، ثم عمل مأدبةً عظيمةً لأهل المدينة، وقال لا يتخلف عنها أحد، ومن تخلف عنها ضربت رأسه. فذهب الجنود يحضرون الناس من بيوتهم للمأدبة خارج المدينة، وبسطت السفر، ومدت بالأطعمة؛ فلما أصبح الغداء، سأل جنوده: هل تخلف أحد؟ قالوا: ولا أحد، قال: ولا أحد! قالوا: ما تخلف إلا رجلان في المسجد النبوي، يذكران الله يقولان: لا يريدان الحضور، ولا يريدان الطعام فقد سئماه فخشينا من إحضارهما وإحراجهما، فتركناهما قال: عليَّ بهما. فأُتي بهما، وإذا هما اللذان رأى في المنام، فجلدهما على رءوسهما وقال: ماذا فعلتما بقبر المصطفى صلى الله عليه وسلم فاعترفا، فقالا: نحن نصارى أتينا من عكا، وركبنا القوارب إلى جدة وقد أعطانا ملك عكا -وكان نصرانياً تابعاً لملك فرنسا الذي زحف بالزحوف الهائلة- وأعطانا مالاً هائلاً لحمل الجثمان إلى القارب في جدة، ثم أخذه إلى عكا. قال: وهل حفرتم؟ قالوا: نعم نمد البساط في النهار ونجلس عليه ونحفر في الليل، وقد قاربنا القبر فأمر بهما فضربت رءوسهما على مداخل ثنية الوداع في الميمنة والميسرة، وعلقا بأرجلهما وتقدم ورأى القبر قد قارب؛ فصبه قيل برصاص وقيل بفضةٍ رضي الله عنه ورحم الله تلك العظام. نور الدين هذا كان في حفل عسكري يتهيأ لفتح بعض البلاد، فأعجبته نفسه، كانت الخيول تمر آلافاً مؤلفة وكانت القادات والأعلام أمامها، فأتى أحد العلماء فلبس لباساً، من لباس الزهد، ودخل بيته وتوضأ وصلى ركعتين وقال: اللهم افتح لي قلب هذا الملك، ثم أتى ووقف أمامه بالعصا، وقال: عندي كلمات يا نور الدين محمود! قال: تكلم، قال: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إن قيل نور الدين جاء مسلِّماً فاحذر بأن تأتي ومالك نور حرمت كاسات المدام تأففاً وعليك كاسات الحرام تدور إلى أن يقول: يوماً يشيب لهوله الولدان من خوفٍ ويأكل عظمه المجبور هذا بلا ذنبٍ يخاف لهوله كيف المصر على الذنوب دهور فسقط مغشياً عليه على الأرض من البكاء، ثم أمر بقطع هذا المهرجان، وكان هذا هو الدخول إلى القلوب التي ما وعت إلا بهذه الحكم، وهذه الاستطرادات من الوعظ من نثر وشعر.

حفظ الوقت

حفظ الوقت هذا الذي أخفقنا فيه إلا من رحم الله، حفظ الوقت، الساعات الطويلة تمر علينا بلا استثمار بلا تلاوة وبلا تسبيح وبلا مطالعة في الكتب وبلا سماع للشريط الإسلامي وبلا جلوسٍ مع طلبة العلم، وبلا زيارة للأخيار؛ كل هذا نشكو حالنا فيه إلى الله. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115 - 116] وقال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ}.

قصر الأمل

قصر الأمل ويعلق على هذا دايل كارنيجي (يومك يومك) فيقول: " لا تعش إلا في حدود يومك " لكن أغنانا الله بما عندنا عن بضاعتهم؛ وبضاعتهم مزجاة وميراثنا يغنينا ويغني غيرنا. هو يقول: يومك يومك، عش في حدود يومك، قال محمد الغزالي في كتاب جدد حياتك: يغني عن هذا قوله عليه الصلاة والسلام -رفع هذا الحديث مرة ووقف عن ابن عمر - {إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح}. وفي بعض الآثار: {صلوا صلاة مودع} ونحن لو عشنا في حدود اليوم، لكثرت أعمالنا، ولعظمت موازيننا عند الله عز وجل ولجدينا واجتهدنا في أعمالنا إذا عرفنا أننا سوف نموت. قال السعدي في الوسائل المفيدة للحياة السعيدة: الاشتغال بالماضي حمق وجنون، والاشتغال بالمستقبل من السخف، نحن نجني للمستقبل، لكن نشتغل بالماضي فتجد بعض الناس حزيناً، دائماً حزين، تقول له: مالك؟ قال: أخطأت قبل شهر، تكلمت مع فلان في كلمة فأخطأنا فيها؛ قضى الله واستغفر! وتجد الآخر ذاته حزيناً، مالك؟ قال: ماتت ناقتي قبل ثلاث سنوات. ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها قال أهل التربية: " الاشتغال بالماضي تفويت للحاضر الحاضر " وأكثر ما هد الشباب هذه الهواجس والخواطر، حتى تبلغ إلى درجة الجنون. ولذلك يقول كارنيجي: المستشفيات في أمريكا وجد أن أكثر من نسبة (80%) من الهواجس لا حقيقة لها وأنها أوهام. ولذلك لما قل الإيمان، وقلت تلاوة القرآن عند كثير من الشباب، وقلَّ الاستغفار، والذكر، وقيام الليل؛ أتت هذه الهواجس والخطرات حتى وصلت إلى درجة الجنون، ولا يمكن التخلص منها إلا بأن نعود إلى الكتاب والسنة، ثم نأتي إلى قصر الأمل فنعيش في حدود اليوم. {إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح}. وقد ذكر الذهبي أن ثلاثة من السلف كانوا يوصفون بقصر الأمل، قيل لأحدهم: ما بلغ من قصر أملك؟ قال: والله ما دخلت في صلاة إلا ظننت أني لا أصلي الصلاة الأخرى، قال له صاحباه وهما يحاورانه: أنت طويل الأمل، قالوا للثاني: وأنت، قال: والله ما رفعت لقمةً إلا ظننت أنها لا تبلغ فمي حتى أموت، قال: طويل الأمل. وأنت أيها الثالث قال: ما خرج نفس من أنفاسي إلا ظننت أنه لا يعود إلا وقد توفيت. وهؤلاء بلغوا في قصر الأمل مبلغاً عظيما ً، وهو الذي مدحه عليه الصلاة والسلام. قيل للإمام أحمد: كيف يُحصل على قصر الأمل؟ قال: " هو توفيق من الله " أي ما يوفِّق إليه إلا الله؛ ولذلك تجد بعض الناس طموحاته أكثر من عمره بكثير، ولو تيقن أحدنا أنه لا يعيش إلا سنتين وسوف يموت بعدها قطعاً لرأيت من اجتهاده وعباداته وأذكاره وسموه وأخلاقه ما الله به عليم. فاستحضر أنك سوف تموت لا محالة.

كثرة الذكر

كثرة الذكر ومن أسباب السعادة: كثرة ذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ودعائه ومناجاته واللجوء إليه: وإذا أردت أن تعرف المؤمن من غير المؤمن، أو زيادة الإيمان ونقصه عند الناس، فانظر إلى يديه، وإلى أذكاره، ولسانه، وشعوره، وإلى اتصاله بالحي القيوم، فإذا رأيته دائماً يقول: يا رب! يا حي يا قيوم! يا الله! أسألك التوفيق. وإذا رأيته دائماً في التسبيح، والاستغفار، والمناجاة، والابتهالات، وإذا رأيت لمحاته ترتفع دائماً إلى الحي القيوم؛ فاعرف أنه مؤمن. أما إذا رأيت الإنسان مغفلاً، مصمتاً، مغلقاً عليه يذهب سبهللاً، ويأتي سبهللاً، فاعرف أن قلبه مات! صحيح أن قلبه موجود، لكنه كتلة لحم، ميت ليس فيه حراك. من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميتٍ إيلام إن ميزان العبادة الذكر، وإن ميزان قوة الإيمان الذكر، فأنا أوصي نفسي وإياكم بكثرة الذكر والابتهال والمناجاة وكثرة الاستغفار، وقد قالوا عنه: يكون كلفة، ثم يكون ألفة أي: يكون كلفة في أول الطريق هي أشهر سوف تتكلف فيها وتحاول أن تجهد نفسك؛ لكنه سوف يكون ألفةً لك؛ لأن من كلف نفسه التسبيح دائماً، سوف تمر عليه أشهر وهو يسبح ولا يشعر بكلفة. كان أحد العلماء ذكره صاحب روضة الناظرين في ترجمة علماء نجد وعبرها ومن بعدها من السنين يقولون: كان له الذكر كلفة، ثم أصبح ألفة فكان يذكر الله على مر الأنفاس، وكان يقول في المحبة لله عز وجل: إذا كان حُبَّ الهائمين من الورى بـ ليلى وسلمى يسلب اللب والعقلا فماذا عسى أن يصنع الهائم الذي سرى قلبه شوقاً إلى العالم الأعلى قال ابن كثير: سئل أحد العلماء لماذا رفع الله إدريس مكاناً عليا؟ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} [مريم:57]. فنقل عن بعض الصحابة كـ ابن عباس وغيره، قالوا: كان إدريس! عليه السلام خياطاً، يخيط الأقمشة، قالوا: ما غرس الإبرة في مكان -يعني ما بين الثقبين- إلا قال: سبحان الله، فقال له الله في ليلة من الليالي عند المساء: يا إدريس، لأرفعنك مكاناً علياً، فبكى وسجد، قال: ولم يا رب! وقد رفعتني في الدنيا رفعةً ما بعدها رفعة- نبي من الأنبياء، ورسول من الرسل- قال: لقد نظرت إلى صحائف الناس كل ليلة فوجدتك دائماً أكثر الناس تسبيحاً واستغفاراً. كان لا يغرس الإبرة إلا ويقول: سبحان الله، ونحن نتكلم كلاماً من السفه، والسخط، ومن الهذر الذي لا يزن جناح بعوضة في ميزان الحق؛ فلماذا لا نجعل ذلك الكلام في ميزان الحسنات؟! وفي سنن الترمذي بسندٍ صحيح: {من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلةٌ في الجنة} قال ابن الجوزي: لا إله إلا الله كم يفوتنا من النخلات! إن قلت سبحان الله غرست نخلة. يقول صلى الله عليه وسلم: {لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس}. وكان موسى عليه السلام إذا مشى ليكلم الله في طور سيناء؛ يمشي قليلاً ويسجد على الأرض، ويبكي ويقول: [[اللهم إليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك]]. فكان يرفعه الله درجة حتى كلمه. ويقول ابن كثير في تفسيره وأهل الأثر: كان الله إذا كلم موسى وجد النور على وجهه أربعين يوماً من آثار ذاك الكلام وذكر ابن كثير في سورة طه: أن الله قال لموسى: أتدري لماذا اخترتك من بين الناس رسولاً ونبياً؟! قال: لا، قال: نظرت إلى قلوب الناس فوجدت قلبك يحبني أكثر الناس، ووجدت قلبك أكثر الناس تواضعاً لي. ولذلك ضرب السلف الصالح في هذه المبادئ السمة العليا؛ ومنهم أبو مسلم الخولاني فقد ترجم له الذهبي في المجلد الرابع من سير أعلام النبلاء، فقال: كان لسانه لا يفتر من ذكر الله أبداً، دخل على معاوية، وهو خليفة، فكان يتمتم، فقال له معاوية: أجنون هذا يا أبا مسلم! قال: جنون يا معاوية! وقال آخر قيل له وهو يسبح: أجنون هذا؟ قال: هذا طب الجنون. وفي بعض الآثار وفيها ضعف ذكرها الشوكاني في تحفة الذاكرين في شرح الحصن الحصين لـ ابن الجزري: [[اذكر الله حتى يقول الناس: مجنون]] وهذا لا يتأتى إلا بألا تجعل للناس قيمة؛ لأنك إذا نظرت إليهم فسوف يأخذون عليك وقتك، لأن بعض الناس لا يريد أن يسبح في المجلس؛ لئلا يقولوا: راءى، أو لأنهم ينظرون إليه، أو موسوس، دعهم يقولون ذاك. فليتك تحلو والحياة مريرةٌ وليتك ترضى والأنام غضابُ وليت الذي بيني وبينك عامرٌ وبيني وبين العالمين خرابُ إذا صح منك الود فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب ترابُ أبيات لـ أبي فراس، ونسبت إلى رابعة العدوية، والصحيح أنها لـ أبي فراس قالها في البشر، قال أحد العلماء: أحسن كل الإحسان في نظم الأبيات، وأساء كل الإساءة يوم جعلها للبشر. أتى ابن هانئ الأندلسي الشاعر أتى إلى ملك من الملوك فقال: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار نعوذ بالله من الخذلان! فأخذه الواحد القهار أخذ عزيزٍ مقتدر، الذي لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد، عطله بعد القصيدة مباشرة بمرض، فكان ينبح كما ينبح الكلب، ويخور كما يخور الثور، ويتقلب على فراشه، ولما علم أن المرض بسبب هذه الأبيات، قال: أبعين محتقرٍ إليك نظرتني فأهنتني ورميتني من حالق لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق فمن علق أمله بغير الله؛ خذله الله في أحرج الأوقات، وجعل كيده في نحره، وسلبه من قدراته، وعطله من معطياته، وجعله طريداً بعيداً، ومن توكل على الله؛ كفاه وسدده.

الأسئلة

الأسئلة

عقد التسبيح باليدين

عقد التسبيح باليدين Q يقول الأخ: ما رأيكم بالتسبيح باليد اليمنى فقط دون اليسرى؟ وهل يترك التسبيح باليد اليسرى، أم هو جائز، أم ماذا؟ A الأمر فيه سعة والحمد لله؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام مر بنساء فقال: {اذكرن الله -أو كما قال صلى الله عليه وسلم- وسبحن، واعقدن بالأنامل، ولا تغفلن فتنسين؛ فإنهن مستنطقات}. ولكن ورد عند أبي داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: {أنه صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيمينه} فلك أن تأخذ باليمين، وهذا يفعله كثير من العلماء والسلف وإن فعلت باليسار فالأمر فيه سعة- والحمد لله- لكن هذه الرواية عند أبي داود.

لبس الساعة في اليد اليمنى أم اليسرى

لبس الساعة في اليد اليمنى أم اليسرى Q ما رأيكم في لبس الساعة في اليد اليمنى؟ هل الأفضل لبسها في اليد اليمنى أم في اليد اليسرى؟ A هذا والحمد لله من المسائل السهلة، والذي يلبسها في اليد اليسرى فلا يخرج من أهل السنة والجماعة، وكذلك من لبسها في اليد اليمنى، فيجوز لك أن تلبسها في اليد اليمنى، أو في اليد اليسرى، أو في الجيب، أو في الرجل، حتى الرجل من لبسها في رجله فإن شاء الله أنه ما زال على خير، فالمسألة فيها سعة. أما من يلبس في اليد اليمنى سمعت من بعضهم وجهة نظر يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كان يحب التيمن في طهوره وتنعله وترجله وفي شأنه كله} لكن ما ورد في الحديث: (وفي لبس ساعته)؛ لأن الساعة محدثة فالمسألة فيها سعة، فلا ينكر على من لبسها في اليد اليمنى، أو في اليد اليسرى أو جعلها في جيبه، أو جعلها في رجله، إنما المقصود أن تعلم بالوقت؛ لأن بعض الناس يقول: إنها من علامة الاستقامة أن تلبس في اليد اليمنى؛ لأن في السنة التيامن، ونحن رأينا بعض المنحرفين يلبسونها في اليمنى، وبعضهم يلبس في اليسرى قال: لأن اليسرى كذلك ليست مشغولة، واليمنى للعبادة وللأخذ والعطاء، فالأمر فيه سعة والحمد والشكر لله.

الخشوع في الصلاة

الخشوع في الصلاة Q هل يأتي الخشوع والإخبات وشدة الخوف من الله والشوق إلى الدار الآخرة وإلى لقاء الله بالتكلف أم يأتي رزقاً من الله؟ A يأتي منك ومن مجاهدتك كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] فإذا علم الله أنك تريد ذلك وأنك صدقت، أعطاك الله فوق ما تتمنى، عطاءً لا يدور في الخيال ولا يحظر في البال، فابذل جهدك وسوف ترى الفتح من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

حكم الصفير

حكم الصفير Q ما حكم الصفير؟ وهل يجوز إذا كان هناك أحدٌ لا يحب الغناء، فصفر كي لا يسمع الغناء؟ A لا أعرف نصاً، لكن ورد في التفسير أن من صفات قوم لوط - أعوذ بالله من تلك الصفات - أنهم كانوا يناقرون بين الديكة، يجمعون الذكران من الديكة ويحارشون بينها تتلاطم قبلهم، ويراهصون بين الكلاب، ويناطحون بين الخراف، وكانوا يصفرون، والصفير من قلة المروءة يفعله خفاف العقول، ولا يفعله أهل الرزانة والحكمة وأهل الهدوء. فأنا أنصحك بتركه؛ لأنه من خوارم المروءة، ولأن فيه رجة، وقد ذكر المفسرون أنه من صفات قوم لوط، ولكني إلى الآن لا أعرف فيه نصاً.

حكم تعلم اللغة الإنجليزية

حكم تعلم اللغة الإنجليزية Q ما حكم تعلم اللغة الإنجليزية؟ A تعلمها من حيث هو جائز مباح؛ لكن إذا بلغت درجة الضرورة، أي إن احتاج المسلمون إلى هذه اللغة، واحتاجوا إلى ترجمة دعوتهم، أو أخذ علوم من العلوم الضرورية في حياتهم؛ أصبحت فرض كفاية، لابد من قيام بعض الناس بتعلمها؛ ليأخذوا هذه العلوم، وينقلوا هذه التكنولوجيا إلى بلاد المسلمين ويستفيدوا من هذه الخبرات والطاقات؛ لأنهم غلبونا وبرعوا في هذا المستوى وفي هذه المادة. منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا نصنع السيارة أما العود واللهو والموسيقى وهذه الأمور فأجدنا وقلدناهم فيها؛ لكن ما صنعنا شيئاً حتى الطباشير فكلها مستوردة؛ فإذا أتى بعض طلبة العلم أو بعض الأخيار وعنده طاقة فليتعلم، والرسول صلى الله عليه وسلم كلف زيد بن ثابت بتعلم اللغة العبرية، فتعلمها في خمس عشرة ليلة، أما أن يسرف في تعلم الإنجليزية، فليس بصحيح. ومن استخدمها كما يقول ابن تيمية: من يتعلم اللغات غير اللغة العربية لا لفائدة وإنما للإعجاب والاضرار بالعربية؛ فهي من علامة النفاق، وتجني علامة قصور الإيمان؛ وقلة الاعتزاز بالإيمان، وتجد بعضهم يدخل على المجلس ويقول: (هلو جودمورنينج) ليظهر للناس أنه مثقف، وتجد كثيراً من الناس من هذه الطبقة يجدون في المجتمع فمن فعل ذلك فهي شعبة من النفاق، وإن أردتم البحث فاقرءوا اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية.

حكم صبغ الشعر

حكم صبغ الشعر Q يقول هناك حنا سوداني اللون هل يجوز صبغ الشيب به وهل ورد وعيد شديد لمن صبغ شيبه بالسواد؟ A أولاً: الحناء فيما أعلم أنه أحمر، إلا إذا كان اكتشف في هذا العصر مع القنبلة الذرية أن هناك حناء أسود، فقد يكون وأما الصبغ بالسواد من حيث هو؛ فهو منهيٌ عنه، وبعض الناس يقولون: زيادة مدرجة لا تصح؛ فيصبغون بالسواد، يريدون أن يدرجوا الزيادة، إذا أراد الإنسان أن يفعل شيئاً قال: زيادة مدرجة، والحديث فيه نظر، وفيه ضعف، والمسألة فيها سعة، ويجوز للضرورة هذه فتاوى جاهزة أصبحت ترفرف في كل مكان، أما الصبغ بالسواد فنهى صلى الله عليه وسلم في حديث ابن أبي قحافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: {غيروا شيب هذا وجنبوه السواد}. وفي سنن أبي داود بسند فيه كلام: {يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة}. وهذا فيه تدليس وتغيير لعباد الله، رجل عمره تسعون سنة يريد أن يخطب امرأة، فيصبغ رأسه ولحيته فيصبح كأنه شاب، فيغرر بها، وبعد أن يتزوجها يموت بعد شهر ونصف. هذا من التغيير ومن خديعة عباد الله، والصحيح في حكم السواد أنه لا يجوز، لكن يصبغ بالأحمر، وبالأصفر، وإن تركها بيضاء فلا بأس لكن الأحسن أن يغير الشيب؛ أما بالسواد فلا يصبغ. وهناك رسالة للشيخ: مقبل الوادعي جيدة في هذا الباب، ورسالة لـ ابن الجوزي ورسائل في هذا الباب وبحوث طيبة، ورسالة اسمها الاقتضاب في حكم الخضاب نسأل الله أن يسهل طبعها ونشرها. وفي الختام نسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، والرشد، والسداد، وأعتذر عما بقي من الأسئلة لضيق الوقت. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه.

آفاق لا إله إلا الله

آفاق لا إله إلا الله إن الأمة العربية كانت تعيش قبل الإسلام في جهل وظلام، فجاء الإسلام بـ (لا إله إلا الله) التي رفعت الأمة، وجعلتها أمة قائدة لا مقودة، وأمة متبوعة لا تابعة، فيجب علينا أن نعرف (لا إله إلا الله) ونعرف فضلها ومعناها في حياتنا، ونعرف نواقضها وشروطها ومقتضياتها، حتى نحذر مما يلبسه علينا أصحاب الاعتقادات الباطلة الذين يغالطون في فهمها، ويجب أيضاً أن نعرف ما هي العوامل التي تثبتنا على (لا إله إلا الله) حتى نلقى الله عليها.

فضل لا إله إلا الله

فضل لا إله إلا الله إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إن الاجتماع تحت مظلة (لا إله إلا الله) من أسعد الفرص في الحياة، وإن النسب الذي جمعنا بكم والذي ألف بين قلوب هذه الأمة هو نسب (لا إله إلا الله) وإنني بهذه المناسبة أشكر أهل الفضل على فضلهم، وعلى رأسهم فضيلة الشيخ سليمان الجمعان الذي دعا لهذه المحاضرة ونظَّم لها، فعسى الله عز وجل أن يجعل هذه المحاضرة في ميزان الحسنات، وأن يجعلها عربون مودة نجتمع بها وإياكم في دار المودة، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55]. وعنوان هذه المحاضرة: (آفاق لا إله إلا الله) وعناصرها هي: الأول: فضل لا إله إلا الله وحديث معاذ رضي الله عنه وأرضاه. الثاني: أحاديث في لا إله إلا الله. الثالث: الأمة قبل لا إله إلا الله. الرابع: ومعنى لا إله إلا الله في حياة المسلم. الخامس: نواقض لا إله إلا الله. السادس: الفهم الخاطئ الذي يفهمه بعض الناس في لا إله إلا الله. السابع: لا إله إلا الله والمرجئة. الثامن: من لوازم قول: لا إله إلا الله قول: محمد رسول الله. التاسع: أول واجبات المكلف: الشهادة لا النظر والاستدلال. العاشر: عوامل الثبات بلا إله إلا الله وكيفية الثبات بها حتى نلقى الله.

حديث معاذ أصل من أصول التوحيد

حديث معاذ أصل من أصول التوحيد جاء في الصحيحين عند البخاري ومسلم وأصل الحديث عند أحمد في المسند، عن معاذ رضي الله عنه، وأنا أذكره بلفظ قريب من لفظ المسند، قال: {ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار اسمه: عفير أو يعفور} هذا اسم حمار الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول بعض الزنادقة: لماذا يذكر المحدثون اسم الحمار؟ وما هي الفائدة من ذلك؟ ولماذا يذكرون لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ركب الحمار؟ وهذا خطأ في فهمهم فإنه يترتب على ذلك فوائد جمة: منها: جواز الركوب على الحمار. ومنها: أن ملامسة الحمار لا تنجس. ومنها: طهارة لعاب الحمار عند بعض أهل العلم وسؤره. ومنها: جواز الإرداف على الدابة. ومنها: تواضعه عليه الصلاة والسلام. هذا الرسول -بأبي هو وأمي- الذي يركب الحمار؛ أنقذ الله به الأمة من النار إلى الجنة؛ وأخرجها من الظلمات إلى النور، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] قال معاذ: {فركب صلى الله عليه وسلم، فقال -لما ركب الحمار- اركب يا معاذ!} وعند أبى داود: {الرجل أحق بصدر دابته} والرسول صلى الله عليه وسلم هو صاحب الدابة، وهذا الحمار أهداه إليه مقوقس مصر، قال: {اركب يا معاذ! قلت: امض يا رسول الله -رفض أن يركب معاذ خجلاً وحياءً من الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: اركب، فركبت فمضينا قليلاً، فعثر الحمار فسقطنا}. هذه رواية أحمد تجدونها في الفتح الرباني في المجلد الأول- قال: {فقمت أذكر أسفاً وخجلاً، وقام صلى الله عليه وسلم يضحك}. انظر التواضع! وانظر هذا الإنسان الذي عصم الله سمعه وفؤاده وبصره! قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:1 - 3]. قال: {فركبنا مرة ثانية فعثر الحمار فسقطنا، فقام صلى الله عليه وسلم يضحك وقمت خجولاً -يقول معاذ رضي الله عنه- ثم ركبت مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فمضى قليلاً، فقال: يا معاذ! قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله! -وهذه أحسن كلمة يقولها المسلم- قال: أتدري ما حق الله على العباد؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم مضى قليلاً، وقال: يا معاذ! أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حقهم إذا فعلوا ذلك ألا يعذبهم} وهذا الحديث أصل من أصول التوحيد، وهي الكلمة العليا التي أتى بها صلى الله عليه وسلم.

فضل كلمة التوحيد

فضل كلمة التوحيد وأما فضلها فإن العبد يخرج بها من الكفر إلى الإيمان، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام من حديث معاذ أنه قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة} والمعنى: من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فنسأل الله أن يتوفانا وإياكم على هذه الكلمة. وقد قرأت لـ أبي زرعة قصة عن لا إله إلا الله؛ وهذا المحدث الكبير ذكر عنه الذهبي في التذكرة، وفي غيرها من الكتب: أنه لما حضرته الوفاة أُغمي عليه، فقال أصحابه وتلاميذه: نريد أن نُذكِّر الإمام بلا إله إلا الله، واستحيوا أن يقولوا: قل: لا إله إلا الله؛ لأنه عالم وفقيه، فقالوا: نتذاكر سندها فإذا ذكرنا السند فسيذكر هو لا إله إلا الله، فأتوا يتذاكرون السند فنسوه، قالوا: فاستفاق من إغمائه وكان مغمىً عليه، وقال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان، عن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة} ثم مات، وهذا من التثبيت الذي يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنه: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. وقد سمع عليه الصلاة والسلام -فيما يروى عنه- أعرابياً خرج من بيته في ظلام الليل يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: {نجوت من النار ورب الكعبة} وسوف نذكر الفهم الخاطئ الذي يفهمه بعض الناس، وهو أن يقول: لا إله إلا الله ثم يرتكب المنهيات ويترك الواجبات، فإن هذا فيه تفصيل.

أحاديث في فضل لا إله إلا الله

أحاديث في فضل لا إله إلا الله أولاً: اعلم أن القرآن والسنة والرسل -عليهم الصلاة والسلام- إنما جاءوا من أجل لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ بل الأرض ما دمرت إلا بسب الكفر بلا إله إلا الله؛ بل إن الجنة والنار ما أقيم سوقهما إلا من أجل لا إله إلا الله، فهي أعظم كلمة أتى بها عليه الصلاة والسلام، وهي كلمة التوحيد، وليس في الدنيا كلمة أعظم منها، نسأل الله أن يتوفانا عليها.

حديث عبد الله بن عمرو في فضل لا إله إلا الله

حديث عبد الله بن عمرو في فضل لا إله إلا الله جاء عند الحاكم وغيره، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال موسى عليه السلام -وكان موسى يكلم الله كفاحاً بلا ترجمان-: يا رب! أسألك كلمةً أدعوك بها وأناجيك، قال الله عز وجل: يا موسى! قل: لا إله إلا الله، قال موسى عليه السلام: يا رب! كل عبادك يقولون: لا إله إلا الله -يريد كلمة جديدة لم يسمع الناس بمثلها- قال: يا موسى! لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين في كفة، ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله!!}. الله أكبر كل هم ينجلي عن قلب كل مكبر ومهلل وقد قدم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أرواحهم من أجل لا إله إلا الله، وقطعت رءوسهم من أجل أن ترتفع لا إله إلا الله، ومزقت لحومهم من أجل بقاء لا إله إلا الله، وهي الكلمة التي من أتى بها يوم القيامة فقد سعد سعادةً لا يشقى بعدها أبداً، ومن أعرض عنها وكفر شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً. قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات:35] وأنزل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على رسولنا عليه الصلاة والسلام، كلمة التوحيد وقرنها بالاستغفار من الذنب، فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قرن سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بين التوحيد والتنزيه عن الأنداد والأضداد، وبين الاستغفار من الذنوب، فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. وقرن سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بين ذلك في قصة ذي النون بن متى في قوله: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] فانظر كيف اعترف بالوحدانية، ثم اعترف بالذنب، فإنه لما أصبح في ظلمات ثلاث، انقطع حبله عن الأولاد، وعن الزوجة، وعن الأحباب، وعن الأقارب، وما بقى إلا حبل الله، وهذه الكلمة التي تستخدم في وقت الأزمات؛ قالها صلى الله عليه وسلم وهو يعتدى عليه، ويقول: لا تحزن إن الله معنا ويقول: {يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما} وقالها فرعون في غبة البحر، فلم تنفعه، يقول: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] فلم تنفعه: {َ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]. وورد عن نوح -عليه السلام- أنه جمع أولاده عند الوفاة، وقد عاش ألف سنة إلا خمسين عاماً في صبر وجاهد من أجل لا إله إلا الله، وما أسلم معه إلا رهط قليل، قيل: اثنان، وقيل: ثلاثة، وفي هذا درس للدعاة وطلبة العلم والعلماء ألا يستعجلوا الثمار، وأن يعلموا أن أجرهم عند الله عز وجل؛ سواءً استجاب لهم الناس أم لم يستجيبوا لهم، وسواءً تاب الناس على أيديهم أو لم يتوبوا، المهم أن تُبلِّغ وتدعو وتسمع الناس لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلما حضرته الوفاة قال: يا أبنائي! قولوا: لا إله إلا الله، فإن لا إله إلا الله لو كانت في حلقة من حلقات الحديد لقصمتها لا إله إلا الله، والمعنى: أن لا إله إلا الله تنقذ صاحبها إذا أتى بها صادقاً مخلصاً.

أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم

أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم جاء عند البخاري من حديث أبي هريرة قال: {قلت: من أسعد الناس بحسن شفاعتك يوم القيامة يا رسول الله} ومعني الحديث: يقول: يا رسول الله! من هو السعيد بحسن شفاعتكم؟ وجاء أيضاً في حديثٍ حسن أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي} والظاهر أن الله عز وجل -كما نطق بذلك القرآن- يغفر لهم باجتنابهم الكبائر، ففي سورة النساء قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31] وقد جعل شيخ الإسلام المكفرات للكبائر عشر مكفرات وقد ترد إلى سبع: منها: المصائب التي يبتلي الله بها العبد. ومنها: الحسنات الماحية. ومنها: ما يصيب المؤمن عند سكرات الموت. ومنها: ما يبتلى به المؤمن في القبر من سؤال منكر ونكير، وهي الفتنة الفتانة. ومنها: شفاعة سيد الخلق -عليه الصلاة والسلام-. ومنها: دعاء المؤمنين له. ومنها: رحمة أرحم الراحمين. يقول ابن تيمية بعد أن ذكر هذه العشر المكفرات: "ولا يفوت عن هذه العشر المكفرات إلا شارد عن الله عز وجل كما يشرد البعير عن أهله"، والذي لا يريد أن يتوب، ولا يريد أن يُكفر عن سيئاته، لا يمكن أن يحصل له شيء. قال: {من أسعد الناس بحسن شفاعتك يوم القيامة يا رسول الله؟ قال: لقد ظننت ألا يسألني أحد قبلك يا أبا هريرة -لما رأيت من حرصك على الحديث- أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه}. كيف يكون مخلصاً من قلبه؟ قالوا: من عمل بمقتضى لا إله إلا الله، هذا هو المخلص من قلبه، ولذا فإننا نجد بعض الناس يقول: لا إله إلا الله، لكن عمله في واد ولا إله إلا الله في وادٍ آخر.

فضل قول لا إله إلا الله في اليوم مائة مرة

فضل قول لا إله إلا الله في اليوم مائة مرة ومن فضائل لا إله إلا الله ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قال: لا إله إلا الله وحدة لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يومه مائة مرة، كتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له عدل عشر رقاب، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحد بمثل عمله إلا رجل عمل مثل عمله أو زاد عليه} وهذه هي من فضائل لا إله إلا الله. ولذا فإني أوصيك ونفسي أن تكررها كثيراً، وأن تبعد بها الهموم، وتزيل بها الغموم، وتذهب بها الأحزان، وأن ترددها صباح مساء، فإنها -بإذن الله عز وجل- شافية للأمراض التي يعيشها الناس ويشكون منها وخاصة الشباب لما انحرفوا عن المساجد، والقرآن، واستبدلوا المجلة الخليعة، وعاشروا جلساء السوء، فابتلوا بالهموم والغموم؛ لأن الله أخذ على نفسه أنه من يعرض عن القرآن، والسنة فلا يسعد أبداً، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] وقال سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].

العرب قبل لا إله إلا الله

العرب قبل لا إله إلا الله كانت العرب قبل لا إله إلا الله أضعف وأذل وأبعد أمة عن الله؛ أمة تسفك الدم، وتزني، وتخون، وتعبد الصنم، وتسلب وتنهب، فأراد الله عز وجل أن يرفع قدرها، فأنزل لها (لا إله إلا الله). إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمةٍ جبت الكنوز فكسرت أغلالها فالأمة قبل لا إله إلا الله لا تساوي شيئاً، وسمعت بعض الناس يكتبون في بعض الصحف، وهؤلاء يعبدون القومية من دون الله، ويسمونها وحدة العرب، واشتراكية العرب، وحدة صدام حسين، واشتراكية صدام حسين، وقومية صدام حسين: وحدويون والبلاد شظايا كل جزء من لحمها أشلاء ماركسيون والجماهير جوعى فلماذا لا يشبع الفقراء؟ ناصريون والهزائم تترى فلماذا لا ترفع البيضاء؟ لماذا لا ترفع (لا إله إلا الله) إذا كانوا ناصريين؟ لكن هؤلاء لما تولى الناس أتوا يكتبون اليوم عن وحدة ودم ولغة العرب.

الإسلام سبب الرفعة

الإسلام سبب الرفعة من هم العرب بغير لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ ماذا يساوي العرب بغير الإسلام؟ لا يساوون شيئاً. فالعرب بغير لا إله إلا الله استذلتهم إسرائيل ذلة ما سمع التاريخ بمثلها، وعاشوا وأنوفهم في التراب، وأصبحت عجوز تسمى جولدا مائير تهجيهم وتحتقرهم لأنهم فقدوا لا إله إلا الله. إذاً العروبة بدون لا إله إلا الله محمد رسول الله عروبة خاطئة لا تساوي شيئاً، فأريد أن أقول للذين قد يغترون بهذه الكتابات، وأنا سمعت حتى من بعض الملتزمين يقولون: تاريخ العرب، وأمة العرب. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] إذا ترك العرب لا إله إلا الله محمد رسول الله، أعطاها الله الأكراد، وإذا تركها الأكراد أعطاها الأتراك، وإذا تركها الأتراك أعطاها الهنود، وإذا تركها الهنود أعطاها الأفغان، هذا هو التاريخ. من الذي فتح بيت المقدس؟ من الذي أخذه من الصليبية؟ إنه صلاح الدين. أهو عربي؟ لا. بل هو كردي من الأكراد، لكن يعرف لا إله إلا الله محمد رسول الله، يعرف الصلوات الخمس جماعة، ويخاف الله. صلاح الدين ونور الدين -رضي الله عنهما- ورحم الله تلك العظام. محمد الفاتح تركي، وإقبال هندي، وبلال حبشي، وسلمان فارسي، وصهيب رومي، قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] أقول: نبهوا المسلمين ألا يغتروا بهذه الصيحات، كـ (وحدة العرب، وعلاقة العرب، وإخاء العرب) ما العرب إلا أمة من الأمم، إذا تركت لا إله إلا الله محمد رسول الله لا تساوي شيئاً؛ بل نحن العرب إذا وازنا أمورنا بمستوى الحضارة والفن ليس لنا قبل الإسلام شيء، فيلس عندنا حضارة ولا فن ولا معارك، وإذا نظرنا في الأمم الأخرى نجد عند اليابانيين فنون، وعند الصينيين فنون، وعند الإنجليز فنون، إلا العرب، فنوننا وحضارتنا لا إله إلا الله، وثقافتنا لا إله إلا الله. تاريخنا من رسول الله مبدؤه وما عاداه فلا ذكر ولا شان فهذا هو واقع الأمة.

محاربة كفار مكة لدعوة الإسلام

محاربة كفار مكة لدعوة الإسلام {أتى صلى الله عليه وسلم ووقف على الصفا، فجمع الناس فاجتمعوا جميعاً عند الكعبة، فقالوا: لماذا جمعتنا؟ قال: أرأيتم لو أني أخبرتكم أن خيلاً بهذا الوادي تصبحكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً -يقولون: أنت الأمين الصادق- قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا} قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:2] هذا الأمي يعلمهم لا إله إلا الله، قال أبو لهب: تباً لك ألهذا جمعتنا -من أجل هذا الكلام؟ - فأنزل الله {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1]. وفي السيرة أن أبا جهل جمع رؤساء قريش، وذهبوا إلى أبي طالب -عم الرسول عليه الصلاة والسلام- فقالوا: يا أبا طالب، قال: نعم، قالوا: إن ابن عمك هذا سب آلهتنا -يقصدون الأصنام لعنهم الله- {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:5] سب آلهتنا وسفه أحلامنا، وشتم أجدادنا، فماذا يريد ابن عمك هذا؟ ماذا يريد ابن أخيك؟ إن كان يريد ملكاً ملكناه، وإن كان يريد زوجة زوجناه أجمل فتاة، وإن كان مطبوباً -أي: مسحوراً- عالجناه، فقال أبو طالب: أعرض عليه الأمر، والحديث في سنده نظر لكنه من حديث السير، فعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه}. الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبار ورجع عليه الصلاة والسلام يقول: أريد كلمة، قال قائل: أهبك عشر كلمات، ما دام أن كلمة واحدة تصلح ما بيننا وبينك قال: (قل لا إله إلا الله محمد رسول الله) قال: أما هذه فلا، أعوذ بالله {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات:35] وقال تعالى: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5]. العربي هذا الذي يفتخرون به، كان يجمع التمر ويعبده، فإذا جاع أكله، وقد روي أن أعرابياً ذهب بلبن يريد أن يضعه بنصب من الحجارة يعبده فلما ذهب باللبن أتى وإذا الثعلب قد بال على هذا الصخر فقال: أرب تبول الثعلبان برأسه لقد خاب من تبول عليه الثعالب يقول أهذا إله يدفع، وينفع ويضر؟ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف:194] وذكر الله سبحانه وتعالى: أنها ليس لها أسماع، ولا أبصار، ولا تعي، ولا تضر، ويقول سبحانه وتعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]، وذكر نفسه فقال: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:26 - 27]. وعربي آخر أتى يعبد صنماً اسمه سعد فأتى بأبله حول سعد، يريد أن يصلي لسعد، فلما اقترب خافت الإبل من الصخرة ففرت، قال: أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ففرقنا سعد فما نحن من سعد يقول: أتينا ليجمع علينا الإبل والرحمة، فشردت علينا الإبل منه، أنا لا أريد هذا الإله، عقول ضحكت بها الجاهلية والخرافة.

الإسلام دين الفطرة

الإسلام دين الفطرة يقول صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود لـ حصين بن عبيد الخزاعي: {كم تعبد يا حصين؟ -كم عندك من آلهة؟ لأن العربي أحياناً كان عنده خمسة أو ستة أو سبعة من الآلهة؛ إله في الخرج -في خرج الحمار- وإله في السفر، وإله عند مرعى الغنم، وإله عند مربط الثور، وإله عند النوم- قال: كم تعبد؟ قال: سبعة، قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: من لرغبك ولرهبك؟ -يقول: من الذي إذا اشتدت عليك الضوائق، وضاقت عليك الحيل، وانقطعت عنه الحبال، من الذي إذا دهتك الكوارث؟ - قال: الذي في السماء} وقد ذكر الله ذلك فقال: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:67]. هل سمعت أن أحداً في لجة البحر يدعو رئيساً أو عالماً أو أميراً؟ لا. لا يدعو إلا الله، يقول: يالله، وقد فعل ذلك فرعون وكان ينكر التوحيد في الظاهر، يقول ابن تيمية: "ينكر الصانع في الظاهر" يقول فرعون: [أنا الإله] ويُقال له: قل: (لا إله إلا الله) فيقول: لا. {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] اسمع الدجال الخبيث، مجرم إلى هذه الدرجة، قالوا: كيف تكون إلهاً؟ قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] فوافقه قومه: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:54] لكن يقول له موسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102]. يقول: والله -يا مجرم- إنك تعلم في قرارة نفسك أنك ما خلقت السماوات والأرض، ولا خلقت الليل والنهار، ولا شافيت ولا عافيت، ولكنك تكبرت، فلما أتت المحاقة، وساعة الصفر، قال -وهو في آخر نفس-: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90] هل ينفع هذا؟ مثل إيمان بعض الناس -نسأل الله أن يصلح ظاهرهم وباطنهم- يبقى أحدهم في المعاصي، فإذا أصيب بحادث سيارة ثم أصبح في المستشفى، قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90]. فعلى الإنسان يستخدم قوته وشبابه في طاعة الله قبل أن تذهب منه، أما أن يأتي وهو مريض في حالة سيئة؛ فيقول: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90]. فهذا هو واقع العرب قبل لا إله إلا الله، وهو واقع سيء، لا يُرضي، فلما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بلا إله إلا الله محمد رسول الله، خرج لنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس؛ تلك الأمة التي أخرجتها لا إله إلا الله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].

معنى لا إله إلا الله في حياة المسلم

معنى لا إله إلا الله في حياة المسلم معنى لا إله إلا الله في حياة المسلم أنه لا معبود ولا مقصود ولا مرهوب ولا مرغوب بحق إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فوجب على المسلم أن يصرف عبادته إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأن يتوجه إليه، وأن يدعوه رغبة ورهبة، وألا يخاف إلا منه، ولا ينذر ولا يذبح إلا له، ولا يتقرب إلى غيره سُبحَانَهُ وَتَعَالى بما يخدش لا إله إلا الله محمد رسول الله. فمعناها: أن الحياة تصرفها لا إله إلا الله، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:163] فهذه معنى الحياة. وبعض الناس يتصور أن معنى الحياة في المسجد، لكنه يرفض أن يدخل لا إله إلا الله في الأدب، فتجد الأديب وهو يكتب في الصحيفة ينسى لا إله إلا الله؛ يكتب أي كلام، حتى يقول بعضهم: لماذا تدخلون الدين حتى في الفن؟! وما هي علاقة الفن بلا إله إلا الله؟! وما هي علاقة الدين بالغناء؟ سبحان الله! ما هي حياة المسلم؟ من الذي يسأل عما اقترفته الجوارح -السمع والبصر- إلا الله عز وجل، هل لك حياة غير حياة لا إله إلا الله، في المسجد عبد، وفي خارج المسجد مجرم ومعرض عن الله، وهذا هو الفهم الخاطئ، وهذا هو فصل الدين عن الحياة وجعله طقوساً تعبدية فقط، وهذه قاصمة الظهر. فمعنى لا إله إلا الله في حياة المسلم أن يكون معتقده، وأخلاقه، وعبادته وسلوكه، واتجاهاته وآماله كلها لوجه الله عز وجل، وقد ورد عند الدارقطني وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به} قال النووي: حديث حسن رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح. فإذا كان الهوى تبع للرسول عليه الصلاة والسلام لا يأمر بشيء إلا وافقته، ولا ينهى عن شيء إلا تركته، فقد آمنت بلا إله إلا الله محمد رسول الله.

نواقض لا إله إلا الله محمد رسول الله

نواقض لا إله إلا الله محمد رسول الله لا إله إلا الله محمد رسول الله لها نواقض منها:

أولا ترك الفرائض

أولاً ترك الفرائض من نواقض لا إله إلا الله: ترك فريضة من فرائض الدين التي قام عليها الدليل، وقام عليها الوجوب من الشارع الحكيم، فإن بعض الناس يظن أنه إذا قال: لا إله إلا الله كفته ثم يترك الصلاة، ويقول: لا إله إلا الله ويجحد الزكاة، ويقول: لا إله إلا الله، ويجحد وجوب الصيام، فبعض الناس يؤمنون إيمان المرجئة الذين يقولون: من قال: لا إله إلا الله كفتك، ويستدلون على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: {من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة} نقول: أنت لو كنت مخلصاً لفعلت الطاعات واجتنبت المحرمات.

ثانيا الاستهزاء بالدين

ثانياً الاستهزاء بالدين الاستهزاء بشيء مما أتى به رسول الهدى عليه الصلاة والسلام من نواقض لا إله إلا الله قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:66]. فإن كثيراً من الناس يكفر ببعض الكلمات أو بكلمةٍ واحدة، يستهزئ بالدين، أو بالقرآن، أو بالرسول عليه الصلاة والسلام، أو بأهل العلم فيكفر، وسبب نزول الآية السابقة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم -كما ذكر ذلك ابن جرير وغيره- كان في غزوة تبوك فأتى المنافقون وجلسوا في طرف المخيم وأخذوا يتحدثون، فيقول أحدهم لغيره وهم يتضاحكون: ما رأينا كقرائنا هؤلاء أرغب بطوناً وأكذب ألسنة، وأجبن عند اللقاء -والمعنى: أن أصحاب رسول الله من العلماء ما رأينا أكثر أكلاً ولا أكثر جبناً وفراراً من المعركة منهم- فأخبر الله رسوله بهذه المقالة الشنيعة وأتى جبريل فأخبره، فقام المنافقون وأخذوا بزمام ناقة الرسول عليه الصلاة والسلام، وقالوا: يا رسول الله! أعفوا عنا، إنما كنا نخوض ونلعب ونمزح؛ وكنا نقطع الليل؛ وكنا نتحدث، فأنزل الله فيهم {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]. فحذار -أيها الإخوة- من الاستهزاء بالدين، وكثير من الناس في مزحه يجرح (لا إله إلا الله) ويجرح دينه، وربما يكفر. وقد رأينا وسمعنا عن بعض الناس أنه يستهزأ ببعض الآيات من القرآن -والعياذ بالله-. وسمعت عن مجرم من المجرمين، بلغ من عتوه أنه ترك الصلاة، وكان يخرج للفسح ويدرّس في مستوى جامعي فيجلس مع طلابه - مثل ما جمع المنافقون فريقهم في تبوك - يجمعهم ويمزح معهم استهزاءً بالدين، واستهزاءً بالصالحين، واستهزاءً بالأحاديث. يقول ذات مرة وقد جمع زملاءه عن أبي هريرة قال: جمع رسول الله أصحابه يوماً، فقال: أتدرون ما الببسي؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أتدرون ما السيكل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قوموا عني لا تعرفون لا الببسي ولا السيكل. قال بعض أهل العلم لما بلغتهم مقالته: كفر بها، وخرج من الملة وأصبح دمه حلالاً وهذا هو الصحيح. بل مر في التاريخ أن بعض الخلفاء قتل كثيراً من الزنادقة لكلمات أقل من هذه، وقد قرأت عن القاسم بن عبيد الله -الله يتولاه بما هو به أعلم إن لم يكن تاب- وقد ترجم له الذهبي وقال: "إنه كان يستهزئ بالقرآن الكريم"، دخل عليه أحد العلماء، فقال: ماذا قال الله في بقرتكم؟ -أي: في سورة البقرة- وهذا كفر. وحذار حذار أن يتعرض الإنسان لشيء من الإسلام، أو يستهزئ بشيء من الملة أو الدين؛ كاللحى، وتقصير الثياب، ومشية الرسول صلى الله عليه وسلم، ومشية الصالحين الذين يتبعونه لأجل أنهم يتبعونه، أو شيء مما أتى به صلى الله عليه وسلم. الحذر الحذر، فإنه قد يترك ويفارق الإنسان الإسلام وهو لا يشعر، وهذه هي الكلمة التي تكب صاحبها على وجهه في النار، ولها أمثلة كثيرة.

اعتقاد أن شريعة غير الله أفضل

اعتقاد أن شريعة غير الله أفضل ومن نواقض لا إله إلا الله أن يعتقد الشخص أن شريعة غير الله أحسن من شريعة الله عز وجل، وأن شريعة الله لا تليق بالزمن ولا تناسبه ولا تواكب الدهر، ولا تستطيع أن تكفل حاجة الإنسان، وهؤلاء في قلوبهم مرض، مثل ما يقول بعض الناس -الآن- ولو سألته: هل تصلى في المسجد الصلوات الخمس الآن؟ يقول: لا. بمعنى: أن الشريعة كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن تطورت الأزمنة الآن، وتطورت المنتجات والتكنولوجيا والصناعات؛ إذا اعتقد هذا الكلام الذي قاله فقد كفر، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47].

المساواة بين شريعة الله وغيرها

المساواة بين شريعة الله وغيرها من نواقض لا إله إلا الله أن يرى أن غير شريعة الله مثل شريعة الله عز وجل، كأن: يساوى بين القرآن وبين قانون نابليون الفرنسي أو قواعده وشريعته التي تُحكم بلاد المسلمين الآن، ويا للأسف! ويا للخيبة! ويا للضياع! أن يأخذوا قوانين نابليون، ويتركون قوانين: إياك نعبد وإياك نستعين. فهذه بعض النواقض وتركت بعضها لمتابعة العناصر؛ لكي يكون الموضوع في قضية ومسار واحد.

الفهم الخاطئ لكلمة لا إله إلا الله

الفهم الخاطئ لكلمة لا إله إلا الله العنصر السادس: مسألة الفهم الخاطئ الذي يفهمه بعض الناس عن لا إله إلا الله، بمعنى أنهم يفهمون أن هذه الكلمات تنجيهم من النار، ولو تركت الأعمال أو ناقضتها، ولو كان كما قالوا لكان الكافر الذي يقول: لا إله إلا الله داخل في الإسلام، والوثنيون يقولون: لا إله إلا الله ولكن لا يعتقدونها، فلا بد -أولاً- من اعتقادها، ولا بد -أيضاً- من النطق بها للمستطيع، ولا بد من العمل بمقتضاها.

مقتضى لا إله إلا الله

مقتضى لا إله إلا الله يعرف أهل السنة الإيمان: بأنه اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان. والاعتقاد بالجنان -بالقلب-: أن تعتقد أن لا إله إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ولا رسول إلا رسوله صلى الله عليه وسلم. والنطق باللسان: أن تشهد بلسانك أن لا إله إلا الله، وتشهد برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم. وتعمل بالأركان؛ أي: تزاول بجوارحك الأعمال التي تقتضيها لا إله إلا الله محمد رسول الله.

لا إله إلا الله والمرجئة

لا إله إلا الله والمرجئة

بطلان شبهة المرجئة في الإيمان

بطلان شبهة المرجئة في الإيمان المرجئة قوم يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، ويقولون: إن إيمان الفاجر مثل إيمان أبي بكر الصديق!! والسبب في ذلك: لأن أبا بكر يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، والفاجر الذي يشرب الخمر ويسرق يقول: لا إله إلا الله -إذاً- فحصل الإيمان عند الجميع. وقالوا: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وكذبوا وعارضوا الكتاب والسنة؛ بل الإيمان يزيد وينقص، قال سبحانه: {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً} [الفتح:4] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] وروي عن الإمام مالك في روايةٍ أنه قال: "الإيمان يزيد، أما النقص فما أدري"، والسبب أن الإمام مالك لم يجد نصاً فيه نقصان الإيمان، لا في الكتاب ولا في السنة، والصحيح أن الإيمان يزيد وينقص، وقال البخاري وغيره: "إن يقبل الزيادة يقبل النقصان بمفهوم المخالفة، وهذا أمر معلوم، أن كل شيء يزيد فهو يقبل النقصان. ونعلم ونشهد بالله العظيم أن إيمان أبي بكر أعظم من إيماننا، وجهاده أعظم من جهادنا، وإخلاصه أعظم من إخلاصنا، وأن إيمان عمر أعظم من إيماننا. سبحان الله! نحن الذين نترك صلاة الفجر في الجماعة، نحن الذين أكلنا نعم الله وما شكرناه، نحن الذين نرى المنكر وما غيرناه، وأبو بكر قد دفع دمه ووقته ودموعه وكل ما يملك من أجل لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم نتساوى مع إيمان أبي بكر، فكيف بالفجرة والفساق؟! فهذا مذهب خطير وقد ألفت فيه رسائل.

خطر الإرجاء على الأمة الإسلامية

خطر الإرجاء على الأمة الإسلامية والمرجئة فرقة خطيرة وهم موجودون في هذا العصر، ولو لم يتسموا بـ المرجئة، بل بعض الناس يقول: لا تحكموا على الناس بالمعاصي، فما دام أني أحب الله عز وجل، وشهدت أن لا إله إلا الله، ولو صليت في بيتي، فما الداعي أن أصلي في المسجد، ويقول: أيجب أن أصلي في المسجد؟ وهو يرتكب المعاصي، ويقول: والله أني أحب الله ورسوله، محبة ماذا؟! يقول ابن المبارك: تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع وهذا هو الصحيح؛ فإن من علامات المحبة موافقة المحبوب، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على لسان اليهود: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ}] المائدة:18] أي: لو كنتم صادقين فلم يعذبكم وأنتم مذنبون. {أتى اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد! أما الله فنشهد أنه موجود وأما أنت فلا نتبعك، فأنزل الله عز وجل قوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]} فليعُلم أن إيمان المرجئة خطير، وهو الذي جعل كثيراً من الناس لا يصلون في المسجد، فتجد بعض الناس -الآن- ربما تمر به أشهر لا يعرف صلاة الفجر في المسجد؛ بينما لو كان دوامه في العمل قبل صلاة الفجر لحضر إلى دوامه، ولو دعاه مسئول قبل صلاة الفجر لحضر، وهذا مشاهد ومعروف، ففي بعض المناسبات بعض الناس طُلب منهم الحضور في بعض الأمور عند صلاة الفجر فقام الذين لم يكونوا يصلون إلا متأخرين وحضروا. فهذا إيمان المرجئة -والعياذ بالله- ولو كان هناك إيمان والله لما قر للإنسان قرار حتى يقوم ليصلى صلاة الفجر في المسجد. ومنها: أنك تجد كثيراً من الناس يمر به كتاب الله ولا يقرؤه ولا يتدبره؛ بل يهجره، بينما يقرأ من الصحف والمجلات في الأسبوع ويتدبرها ويبحث عنها أكثر بكثير من قراءته للقرآن، وهذه المجلات والصحف هي كلام فارغ وأكثره زبد: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17].

قوة دين الإسلام ومتانته

قوة دين الإسلام ومتانته أسلم أحد الغربيين، فقالوا له: ما سبب إسلامك؟ قال: أنظر إلى كل كتابٍ يؤلفه البشر، فأجد المؤلف في أول صفحة يقول: سامحوني على التقصير إن أتى خلل في مؤلفي، ومعذرة إذا أخطأت، والقرآن أتى مخالفاً لذلك، بل تحدَّى الله في أول كتابه فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2]. انظر إلى كتب السنة، وكتب الفقه، والتفسير، والتاريخ، وافتح كلام المؤلف، تجده يقول: فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله منه ورسوله، ومعذرةً إن حصل من هذا بيان أو تلعثم لفظ، ومن وجد خطأً فلينبهنا مشكوراً مأجوراً، إلا الله فقال سبحانه: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:1 - 2] وقال سبحانه: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] أي: أن كتبكم هذه التي بين أيديكم فيها اختلاف، فسبحان الذي تفرد بالكمال، وتفرد رسوله صلى الله عليه وسلم بالعصمة، والآن ما هو أصح كتاب بعد كتاب الله هو كتاب البخاري؟ وقد وجد فيه خطأ ليبقى الكمال لكتاب الله، ففيه بعض الأوهام وقد نبه عليها كثير من الحفاظ، وهي مجموعة في بعض المجاميع؛ ليبقى الكمال لله عز وجل: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. قالوا: فأسلم هذا الرجل الغربي، ودخل في دين الله عز وجل؛ لأنه بهذه القوة والمتانة أن يتحدى الله الناس أن يخرجوا خطأً من كتابه، وتحداهم أن يأتوا بسورة، بل بعشر السورة، بل بالقرآن، قال تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23] وقال سبحانه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88]. وأُحذِّر -إخواني- من أن يغتروا بأعمالهم، إذا سمعوا مثل حديث معاذ. ترك معاذ التحديث به حتى حضرته سكرات الموت، فقال: [[خشيت أن أكتم علماً، ثم أخبر به عند موته تأثماً]]. فبعض الناس إذا سمع حديث (لا إله إلا الله وأنها تدخل صاحبها الجنة) ترك الأعمال الصالحة، وارتكب المحرمات، وقال: أدخل بلا إله إلا الله الجنة، ولو صدق لعمل المأمور، واجتنب المحذور، وصدّق الخبر.

لوازم لا إله إلا الله

لوازم لا إله إلا الله من لوازم لا إله إلا الله: شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلمة لا إله إلا الله لا تنفع بمفردها إلا أن تقرنها بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بالشهادة له بالرسالة، فمن شهد أنه لا إله إلا الله قادراً قاهراً محيياً مميتاً ولم يشهد بالرسول صلى الله عليه وسلم، دخل النار، ومن شهد بمحمد رسول الله وآمن بها ولكنه كفر بلا إله إلا الله؛ دخل النار. فهما كلمتان مقترنتان لا بد للأولى من الثانية، ولابد للثانية من الأولى، ولا يسعد العبد إلا بهذه الكلمة، وبالعمل بمقتضاها -لا إله إلا الله محمد رسول الله- ولا تصح لا إله إلا الله وحدها إلا بهذه الكلمة؛ لأن من عارض محمد رسول الله فما آمن بالله وحده، ولا صدَّق بألوهية الله عز وجل؛ لأن معرفة ألوهيته سُبحَانَهُ وَتَعَالى إنما أتت عن طريق الرسول عليه الصلاة والسلام.

أول ما يجب على المكلف

أول ما يجب على المكلف أول واجبات المكلف -أيها الإخوة الكرام-: الشهادة -شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله- فأول ما ينزل الطفل من بطن أمة ينزل على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، سبحان الخالق! حتى أبناء الخواجات والوثنيين والشيوعيين والبعثيين والناصريين والقوميين أول ما ينزل الطفل من بطن أمة ينزل على التوحيد، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]. وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:172]. هذا هو الميثاق، يقول أحد النبلاء: ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سروراً فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً وصح عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال: {كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فتجد أول ما المولود يأتي على لا إله إلا الله إلا الله محمد رسول الله، ثم تبدأ الأم والأب بتعليمه الكفر والانحراف، والزندقة -والعياذ بالله- أو الإسلام والتوحيد والهدى والنور.

أول واجب على المكلف عند أهل الكلام

أول واجب على المكلف عند أهل الكلام أول واجب على المكلف هو أن يشهد أن لا إله إلا الله؛ لأن المناطقة وعلماء الكلام قالوا: يجب على العبد قبل أن يقول: لا إله إلا الله أن يفكر وينظر في السماء والأرض وبتأمل، وهذا خطأ، وتجدون تعليقاً في فتح الباري، لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز على كلام الجويني حين ذكره الحافظ ابن حجر يقول: "لا بد من النظر والاستدلال"، فقال الشيخ ابن باز -رحمة الله-: لا. بل أول واجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن: لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله تعالى} فانظر! كيف بين عليه الصلاة والسلام أنه لا بد للمكلف أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

النطق بالشهادتين أول واجب على المكلف

النطق بالشهادتين أول واجب على المكلف وعند مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان: {أن أسامة بن زيد خرج إلى الحرقات من جهينة تجاه ساحل البحر، فتقاتل هو والصحابة مع المشركين، فأتى مشرك فطارده أسامة، فلما أراد أن يقتله قال المشرك: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقتله أسامة، فعادوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فدخلوا عليه، فسبق بعض الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: يا رسول الله! إن أسامة قتل رجل يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم وغضب، فأتى أسامة! فقال: السلام عليك يا رسول الله! قال صلى الله عليه وسلم: أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله! إنما قالها تعوذاً، قال: أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله! إنما قالها تعوذاً، قال: أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله! إنما قالها تعوذاً، قال: يا أسامة! من لك بلا إله إلا الله إذا أتته يوم القيامة تحاج عنه، قال أسامة: فوالذي نفسي بيده! لقد وددت أني ما أسلمت إلا تلك اللحظة} أي: كأن إسلامه الأول ذهب. فالمقصود هنا أنه يجب على المكلف أن ينطقها قبل النظر والاستدلال!!

عوامل الثبات على لا إله إلا الله

عوامل الثبات على لا إله إلا الله عوامل الثبات على لا إله إلا الله محمد رسول الله، كيف نكون صادقين بلا إله إلا الله محمد رسول الله؟ كيف تبقى معنا لا إله إلا الله؟ وكيف نقيم لا إله إلا الله إلا الله بلا ضعف؟! وهناك عدة عوامل للثبات على لا إله إلا الله منها:

أولا: العبادة

أولاً: العبادة في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: {ما تقرب إلي عبدي بأحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به} ومما يُقوي لا إله إلا الله في القلب النوافل مع الفرائض والسنن، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والصدقة، وبر الوالدين، وحسن الخلق، وحسن الجوار فهذه تقوي لا إله إلا الله محمد رسول الله. انظر كيف فترت لا إله إلا الله محمد رسول الله في قلوب المسلمين؟! فالآن تجد الجيران عندهم من المشاكل إلا ما رحم ربك، ترى الجار مع جاره إلى القاضي والمحكمة في خصومة ما، فأين لا إله إلا الله؟ بعض المسنين بلغ من العمر سبعين سنة وهو يشهد شهادة الزور؛ وقد أخبرنا بعض القضاة أن بعض الناس في السبعين من عمره وهو لا يزال يشهد شهادة الزور ليختم بها حياته، فأين لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ وتجد بعض الناس ممن يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ولكنه يعق والديه سنوات مديدة؛ لا يسلم على أبويه، ولا يتلطف معهما، لا يلين ولا يرحم ولا يجيب طلب، ومع ذلك يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فأين مقتضى لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ تجد الغش في البيع والشراء، والمخادعة، وأكل الربا، والتهتك في الحدود، وكلها من مخالفة لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ثانيا: التفكر في آيات الله الكونية

ثانياً: التفكر في آيات الله الكونية كل شيء في الكون يدلك على لا إله إلا الله محمد رسول الله: وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد فوا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد ترى الزهرة، والشجرة، والنهر، والسماء، والأرض، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191].

ثالثا: التفكر في آيات الله الشرعية

ثالثاً: التفكر في آيات الله الشرعية ومن لوازم ما يقوي لا إله إلا الله التفكر في الآيات الشرعية، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] وأعظم ما أوصي به نفسي والمؤمنين بالله عز وجل؛ وخاصة المهتدين بهداية الالتزام: أن يكثروا من التأمل في كتاب الله عز وجل، والنظر إليه، وتدبر آياته، ويحرصوا على الخشوع عند تلاوته، ليزدادوا إيماناً، فإن الإيمان الشرعي لا يأتي إلا من السماع الإيماني، والسماع الرحماني، والمحمدي، لا السماع الشيطاني الغنائي، الذي هو من رجس وكلام المغنيين والمغنيات، أعاذنا الله وإياكم منه.

متابعة النبي صلى الله عليه وسلم

متابعة النبي صلى الله عليه وسلم متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام من عوامل الثبات على لا إله إلا الله، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. فمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في السنن الظاهرة والباطنة تقوي لا إله إلا الله محمد رسول الله، لأنك تجد بعض الناس يخالف السنة، في لبسه، وجلوسه، وأكله، فتقول له: لماذا؟ قال: يكفي لا إله إلا الله. وأقول: من لوازم لا إله إلا الله أن تتبع الرسول عليه الصلاة والسلام، ومما يصدِّق هذه الكلمة أن تقتفي أثره صلى الله عليه وسلم، فهذا مما يثبت لا إله إلا الله محمد رسول الله في قلوبنا.

كيفية الثبات على لا إله إلا الله

كيفية الثبات على لا إله إلا الله هناك مسألة: وهي أن بعض الناس يظن أنه قد يُسدد عند الموت من قول: لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقولها ويموت، فيسعد ويدخل الجنة، مع العلم أنه ليس كل أحد يستطيع أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله في سكرات الموت، ولو كان يحمل الدكتوراه في العلم، ولو كان من أعلم أهل الدنيا وهو منحرف فلا يكفي، بل لا بد من دافع ومن قول: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) في سكرات الموت؛ لأن الله يقول: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] وقد ذكر ابن القيم -رحمة الله- في الجواب الكافي: أن رجلاً حضرته سكرات الموت، وكان عاشقاً مغنياً شارداً عن الله عز وجل منحرفاً، فقالوا له: قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ قالوا: قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال: أين الطريق إلى حمام منجاب، فمات عليها. والله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. وذكر ابن أبي الدنيا: أن رجلاً حضرته الوفاة، فقالوا: قل: لا إله إلا الله كان تاجراً منحرفاً عن أمر الله فقال: خمسة في ستة كم تصير؟ قالوا: قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ قال: خمسة في ستة كم تصير؟ لا يثبت بها إلا من اعتقدها وعمل بمقتضاها، أما المخادعة فالله يقول: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] فنعوذ بالله من المخادعة، ونعوذ بالله من خاتمة سيئة تختم للعبد على غير لا إله إلا الله محمد رسول الله. وأسأل الله أن يحيينا وإياكم على لا إله إلا الله، وأن يتوفانا وإياكم على لا إله إلا الله، وأن يدخلنا وإياكم الجنة بلا إله إلا الله، وأن يجعلنا من أنصار لا إله إلا الله، وأن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويوم يقوم الأشهاد، وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، وأن يتولانا وإياكم، وصلى الله على محمد وعلى آل محمد وسلم تسليماً كثيراً

الأسئلة

الأسئلة

الدين الإسلامي دين الثبات والمرونة

الدين الإسلامي دين الثبات والمرونة Q ما رأي فضيلتكم فيمن قال: إن الدين الإسلامي يتصف بالثبات والمرونة، فالثبات في الأصول والمرونة في الفروع، والقياس على ما يستجد؟ ثم أرجو من فضيلتكم أن تبين كيف يكون الدين الإسلامي مواكباً للحضارة ومستجدات الحياة؟ A هذا السؤال يحتاج إلى محاضرة، وإلى كلام طويل، وتفريعات، ولكن أذكر بعض الأمور: أما قضية الثبات والمرونة، فكلمة لا غبار عليها، فالإسلام ثابت في أصوله، مرن في مسألة مستجدات العصر، أما الصور التي وقعت وفقه النوازل التي نزلت على المسلمين، فإن الإسلام أوجد لها حلاً بالقياس، وغيره من صور التشريع، وعلى كل حال كلامك وارد أيضاً، وأما مواكبة الإسلام للزمن فهذا وارد، والشاهد أننا نعيش -الآن- في القرن الثامن عشر والحمد لله، فإن أحسن الناس اجتماعاً وأمناً من حكم شريعة الله عز وجل، وما وجدنا مسألة وجدت إلا وفي الإسلام جواباً لها {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] لكن من يأتي بهذا A { فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] فما وجدت مسألة إلا واجتمع العلماء وقالوا: قولهم في المسألة وأفتوا بذلك؛ إلا أن الأصول ثابتة، والشريعة ثرية، والكتاب والسنة موجودان، يقول شوقي: شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سبات بأيمانهم نوران ذكر وسنة فما بالهم في حالك الظلمات فعندنا القرآن والسنة، ولكن كثيراً من الناس في حالك الظلمات؛ لأنه ما عرف كيف يهتدي إلى الكتاب والسنة، ومن قال: إن الكتاب والسنة والإسلام لا يواكب الزمن، فقد افترى على الله عز وجل؛ بل -والله- إن من أسعد الأمم الآن هي الأمم الإسلامية. كم عمر الشيوعية؟ اثنتان وسبعون سنة، ولكنها انهارت ولعنت وتمزقت، والبعث كُسر ظهره الآن، واحترقت أوراق الشرائع الدنيوية الأرضية، وما بقى إلا الإسلام والمستقبل له، وسوف يطوق الدنيا بإذن الله، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] فعلى كل حال هذا يحتاج إلى محاضرة حتى نبين هذه المسألة، وهي: مواكبة الشريعة للزمن، ومرونة وثبات وشمول الشريعة. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبة وسلم تسليماً كثيراً.

فن الدعوة

فن الدعوة للدعوة إلى الله آداب لا بد أن يلتزم بها الداعية؛ ولأن الداعية المسلم يمثل في شخصيته أمام الناس دين الله. فلا بد أن يتقن فن التعامل مع المدعوين، فيجتنب ما ينبغي اجتنابه، ويأتي ما ينبغي الإتيان به. وفي هذا الدرس عرضٌ لهذه الآداب والأخلاق.

الإخلاص في الدعوة

الإخلاص في الدعوة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. إخوة الإيمان! إخوة الإسلام! إخوة العقيدة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشكركم شكراً جزيلاً على حضوركم، وأعلن أمامكم أني أحبكم في الله، وأسأل الله أن ينفعني وإياكم بهذه المحبة، فإن الله يقول في محكم التنزيل: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] اللهم إنا نسألك صدق النية، وصلاح الذرية، والعيشة الرضية، اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، وحب أوليائك وكره أعدائك، اللهم أصلح منا القلوب، واستر منا العيوب، واغفر لنا الذنوب. وفي الحقيقة أنني مدين بالشكر لكم، إذ إن هذا الدرس وهو بعنوان (فن الدعوة) هو نتاج أفكاركم، ومن الفتوحات التي فتحها الله عليكم في اقتراحاتكم ورسائلكم، ومشاركاتكم، ومثلي ومثلكم هذه الليلة كما قال الشاعر: كالبحر يمطره السحاب وما له فضلٌ عليه لأنه من مائه الدعوة -يا معاشر أهل الإيمان، ويا حملة لا إله إلا الله- فنٌ يجيده الدعاة الصادقون، كفن البناء للبناة المهرة، وفن الصناعة للصناع الحذاق، وكان لزاماً على الدعاة أن يحملوا هموم الدعوة، ويجيدوا إيصالها للناس؛ لأنهم ورثة محمد صلى الله عليه وسلم، ولابد على الدعاة أن يدرسوا الدعوة، ولوازمها ونتائجها، وأساليبها، وما يجدُّ في الدعوة، وكان لزاماً عليهم أن يتقوا الله في الميثاق الذي حملوه من معلم الخير عليه الصلاة والسلام، فإنهم ورثة الأنبياء والرسل، وهم أهل الأمانة الملقاة على عواتقهم، إذا علم ذلك فإن أي خطأ يرتكبه داعية؛ يؤثر في الأمة، ويكون الدعاة هم المسئولون بالدرجة الأولى عما يرتكب من خطأ، أو ما يحدث من فشل؛ بسبب أنهم هم رواد السفينة التي إذا قادوها إلى بر الأمان نجت بإذن الله. واعلموا -حفظكم الله- أنه ينبغي على الدعاة ويجب عليهم آداب لابد أن يتحلوا بها حتى يكونوا رسل هداية ومشاعل حقٍ وخيرٍ يؤدون الرسالة كما أرادها الله. وإن مما ينبغي على الدعاة -أيها الكرام- أولاً: الإخلاص في دعوتهم، وأن يقصدوا ربهم في عملهم، وألا يتطلعوا إلى مكاسب دنيوية زائلة، وإلى حطامٍ فانٍ، ولسان الواحد منهم يقول: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الشعراء:127] {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ:47] فلا يطلب الداعية منصباً، ولا مكانةً ولا منزلةً، ولا شهرةً، بل يريد بعمله وجه الواحد الأحد إنك تعلم ما نريد. خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريباً فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا وكذلك يكون مقصود الداعية: إقامة الدين وهيمنة الصلاح، وتقليص الفساد في العالم {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] والداعية -أيها الإخوة- كالمجاهد في سبيل الله، فكما أن ذاك على ثغرٍ من الثغور، فهذا أيضاً على ثغرٍ من الثغور، وكما أن المجاهد يقاتل أعداء الله، فهذا يقاتل أعداء الله من الذين يريدون تسيير الشبهات والشهوات، وإغواء الجيل، وانحطاط الأمة، وإيقاعها في حمأة الرذيلة {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27] فوجب على الداعية أن يتحلى بما يتحلى به المجاهد، وأن يصابر الأعداء {فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد:4].

طلب العلم النافع

طلب العلم النافع ويلزم الداعية أن يطلب العلم النافع الموروث عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم؛ ليدعو على بصيرة، لأن الله قال في محكم التنزيل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108] قال مجاهد: البصيرة: العلم، وقال غيره: البصيرة: الحكمة، وقال آخر: البصيرة: التوحيد، والحقيقة أن المعاني الثلاثة متداخلة، ولابد للداعية أن يكون موحداً للواحد الأحد، لا يخاف إلا من الله، ولا يرجو ولا يرهب إلا الله، ولا يكون أشد حباً إلا لله عز وجل، ولابد له أن يكون ذا علم نافع، وهو علم (قال الله، قال رسوله صلى الله عليه وسلم) ليدعو إلى الله على بصيرة، فيحفظ ما تيسر من كتاب الله، ويعنى بالأحاديث عناية فائقة، فيخرجها، ويصحح الصحيح منها، ويضعف الضعيف حتى يثق الناس بعلمه، ويعلم الناس أنه يحترم أفكارهم، وأنه يحترم تواجدهم، فإنني أعتبر مثل هذا الجمع أولاً: أنه حبٌ لله عز وجل، الثاني: أنه احترام لي، فلولا الحب بيني وبينكم ما حضرتم، فلم تجمعكم رغبة ولا رهبة، فكان لزاماً عليّ وأمثالي من المقصرين من طلبة العلم أن نحترم الجمهور في أن نقدم علماً نافعاً جديداً بناءً، مرسوماً على منهج أهل السنة والجماعة. كذلك ينبغي على الداعية أن يكون حريصاً على أوقاته في حله وترحاله، في إقامته وفي سفره، وفي مجالسه، فيناقش المسائل، ويبحث مع طلبة العلم، ويحترم الكبير، ويستفيد من ذي العلم والتجربة والعقل، وإذا فعل ذلك سدد الله سهامه ونفع بكلامه، وأقام حجته ورفع برهانه.

البعد عن المثاليات

البعد عن المثاليات ومما ينبغي على الداعية: ألا يعيش المثاليات، وليعلم أن الناس مقصرون وأنه مقصر، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور:21] فهو الكامل وحده، والنقص لنا. ذهب الله بالكمال وأبقى كل نقصٍ لذلك الإنسان فما دام أن الإنسان خلق من نقص؛ فعلى الداعية أن يتعامل مع المجتمع، ومع الشبيبة، ومع النساء، ومع العامة على أنهم من مصدر نقص، قال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [النجم:32] فما دام نشأتم من الطين والتراب، فأنتم ناقصون لا محالة، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الناس على أنهم ناقصون ومقصرون، يرى المقصر منهم فيعينه ويساعده ويشجعه، ويأخذ به إلى الطريق، والداعية الذي يعيش المثاليات لا يصلح للناس، فإنه يتصور في الخيال أن الناس ملائكة إلا أنهم يأكلون ويشربون، والخلاف بينهم وبين الملائكة الأكل والشرب، وهذا خطأ، خاصةً في مثل القرن الخامس عشر -الهجري- الذي لا يوجد بيننا فيه محمد عليه الصلاة والسلام، ولا الصحابة الأخيار وقلّ أهل العلم، وكثرت الشبهات، وانحدرت علينا البدع من كل مكان، وأغرقنا بالشهوات، وحاربتنا وسائل مدروسة درست في مجالس عالمية، وراءها الصهيونية العالمية وأذنابها، فحق على العالم والداعية أن يتعامل مع هذا الجيل وهو يتصور أنه سوف يخطئ، وأن الإنسان سوف يحيد عن الطريق، فلا يعيش المثاليات، ولا يغضب إذا سمع شاباً طرح عليه مشكلة، أو أنه وقع في معصية. فقد {أُتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم برجلٍ شرب الخمر -وهو من الصحابة- أكثر من مرة، فلما أتي به أقيم عليه الحد، قال بعض الصحابة: أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به في الخمر، فغضب عليه الصلاة والسلام وقال للرجل: لا تقل ذلك، لا تعين الشيطان عليه، والذي نفسي بيده، ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله} فلا إله إلا الله ما أحسن الحكمة! ولا إله إلا الله ما أعظم التوجيه! خمسون مرة وهو يشرب الخمر وبعدها يحب الله ورسوله. ولذلك ينبغي ألا نيأس من الناس، مهما بدرت منهم المعاصي والمخالفات والأخطاء، بل لا بد أن نعتبر أنهم رصيد محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم أمل هذه الأمة، وأنهم في يومٍ من الأيام سوف تفتح لهم أبواب التوبة، وسوف تراهم صادقين، مخلصين، تائبين، متوضئين.

عدم اليأس والقنوط من إعراض الناس

عدم اليأس والقنوط من إعراض الناس ينبغي على الداعية ألا ييأس من الناس، بل عليه أن يصبر ويصابر ويسأل لهم في السجود، وفإنه سوف يفرح بهم غداً، ولا يستعجل عليهم، فإن رسولنا عليه الصلاة والسلام مكث في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى لا إله إلا الله، فلم ييأس على كثرة الإيذاء والسب والشتم، وعلى كثرة ما تعرض له من الصعوبات، التي -والله العظيم- لو جمعت المصائب التي يتعرض لها الدعاة والعلماء، فإنها لا تعادل ذرة أمام المصاعب التي تعرَّض لها النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك صبر وحاسب نفسه، وحبس أعصابه -عليه الصلاة والسلام- ولم يغضب حتى يأتيه ملك الجبال، فيقول: أطبق عليهم الأخشبين؟ قال: لا، إني أسأل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً، فأخرج الله من أصلاب الكفرة القادة: خالد بن الوليد من صلب الوليد بن المغيرة، ومن صلب أبي جهل عكرمة بن أبي جهل. فما أحسن الطريقة! وما أحسن ألاَّ ييأس الداعية! وأن يعلم أن العاصي قد يتحول بعد المعاصي إلى إمام مسجد أو خطيبٍ أو عالمٍ. من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه تريد مهذباً لا عيب فيه وهل عود يفوح بلا دخان هذا لا يصلح على منهج الكتاب ولا على منهج السنة. ومما ينبغي على الداعية ألا يقنط الناس من رحمة الله تعالى، فإن رحمة الله وسعت كل شيء، وهو الرحمن الرحيم، الذي يقول في الحديث القدسي الذي رواه أحمد والترمذي بسندٍ صحيح: {يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} فلا تقنط شارب الخمر من توبته إلى الله، ولا تقنط الزاني ولا القاتل ولا السارق، بل حببهم إلى الهداية، وقل: هناك ربٌ رحيم، يقول في محكم التنزيل: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] قال علي رضي الله عنه وأرضاه: [[الحكيم من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يورطهم في معصية الله]].

الداعية ومشكلة تهوين المعاصي على الناس

الداعية ومشكلة تهوين المعاصي على الناس ومن آداب الداعية ألا يهون على الناس المعاصي، بل يخوفهم من الواحد الأحد، فيكون وسطاً بين الخوف والرجاء، فإن بعض الناس قد يتساهل مع الناس في المعاصي، فكلما فعل عاصٍ معصية قال: ما عليك، وكلما ارتكب كبيرة، قال: سهلة، وكلما أتى بأخطاء، قال: أمرها سهل بسيط يسير، لا. بل علِّمه أن هناك رباً يغضب إذا انتهكت حدوده، وأن هناك سلطاناً عظيماً على العرش استوى، لا يرضى أن تنتهك محارمه، وقد صح في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {تعجبون من غيرة سعد، فوالذي نفسي بيده، إني أغير من سعد وإن الله أغير مني} وقد ورد من صفاته سُبحَانَهُ وَتَعَالى، كما في الصحيح من حديث ابن مسعود: {أن الله غيور، ومن غيرته سُبحَانَهُ وَتَعَالى أنه يغار على عبده المؤمن أن يزني، وعلى أمته المؤمنة أن تزني}.

الداعية ومهاجمة أشخاص معينين

الداعية ومهاجمة أشخاص معينين ومن صفات الداعية ألا يهاجم أشخاصاً بأسمائهم، فلا يلمزهم على المنابر بأسمائهم أمام الناس، بل يفعل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، فيعرف صاحب الخطأ خطأه، ولكن لا نشهر به، وأحب أن أفسر لكم مسألة قد تخفى أو لا تظهر وهي مثلاً: رجلٌ جاهر الله عز وجل بكتاباته، أو بانحرافاته أو بأدبه أو ببدعته أو بدعوته إلى المجون، فهذا لا بأس أن يشهر به عند أهل العلم حتى يبين خطره، فقد شهَّر أهل العلم بـ الجهم بن صفوان، وقال ابن المبارك في الجهم هذا المجرم الذي قاد الأمة إلى الهاوية، وابتدع بدعة في الدين، قال: عجبت لدجالٍ دعا الناس جهرة إلى النار واشتق اسمه من جهنم فشهروا به وشهروا بـ الجعد بن درهم وكتبوا أسماءهم في كتب الحديث، وحذروا الناس في المجالس العامة والخاصة منهم، فمثل هؤلاء يشهر بهم، لكن الذين يتكتم على أسمائهم أناسٌ أرادوا الخير فأخطئوا، وأناسٌ زلت بهم أقدامهم، وأناس أساءوا في مرحلة من المراحل، فهؤلاء لا تحاول أن تظهر أسماءهم في القائمة السوداء، فإن ذلك قد يغريهم على أن تأخذهم العزة بالإثم.

الداعية وتزكية النفس

الداعية وتزكية النفس وعلى الداعية أن لا يزكي نفسه عند الناس، بل يعرف أنه مقصر مهما فعل، ويحمد ربه سبحانه أن جعله متحدثاً إلى الناس، ومبلغاً عن رسوله صلى الله عليه وسلم، فيشكر الله على هذه النعمة، فإن الله قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} [النور:21] وقال له في آخر المطاف وهو يؤدي الرسالة كاملة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3]. قال أهل العلم: أمره أن يستغفر، والمعنى قد تكون مقصراً فيما فعلت فاستغفر ربك، وما تدري فإن المنة لله الواحد الأحد، وهو المعطي سُبحَانَهُ وَتَعَالى. فلا يأتي الداعية فيزكي نفسه ويقول: أنا آمركم دائماً وتعصونني، وأنهاكم ولا تمتثلون نهيي، وأنا دائماً ألاحظ عليكم، وأنا دائماً أرى، وأنا دائماً أقول في نفسي، وأنا دائماً أحدث نفسي إلى متى تعصي هذه الأمة ربها، فيخرج نفسه من اللوم والعتاب وكأنه بريء، وهذا خطأ، بل يجعل الذنب واحداً، والتقصير واحداً، ويقول لهم: وقعنا كلنا في هذه المسألة، وأخطأنا كلنا، والواجب علينا حتى لا يخرج نفسه من اللوم والعتاب، فما نحن إلا أسرة واحدة، وربما يكون -بل هذا حاصل- في المجموع الجالس من هو أزكى عند الله من الداعية، ومن هو أحق وأقرب إليه، وعلم الله عز وجل أنني لا ألتمس بعد التوحيد الذي أدين الله عز وجل به، مثل حب الصالحين ودعائهم فإنه من أعظم ما يقربنا إلى الله.

خطر الإصابة بالإحباط عند الداعية

خطر الإصابة بالإحباط عند الداعية ومنها: أن يعلم الداعية أن الانحراف في الناس أكثر، وأن المفسدين في الناس كثير، فلا تصاب نفسه بإحباط، ولا يصاب بخيبة أمل، ولا يرى الألوف المؤلفة تتجه إلى اللهو واللغو والقليلة تتجه إلى الدروس والمحاضرات، ويقول: ما هذا؟! أقول: سنة وقضاء، سنة الله {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الفتح:23]؛ لأن الله سبحانه ذكر في محكم التنزيل أن أهل المعصية والضلال أكثر، وأن المفسدين أكثر، وقال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99] {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22] لست عليهم بوكيل {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48] فنحن لا نملك سوطاً، ولا عصى، ولا عذاباً، ولا حبساً، إنما نملك حباً ودعوةً وبسمة، نقود الناس بها إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض، فإن استجابوا حمدنا الله، وإن لم يستجيبوا ورفضوا أوكلنا أمرهم إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى الذي يحاسبهم. قال بعض العلماء: الكفار في الأرض أكثر من المسلمين، وأهل البدعة أكثر من أهل السنة، والمخلصون من أهل السنة أقل من غير المخلصين.

ضرورة فقه الواقع للداعية

ضرورة فقه الواقع للداعية ومن مواصفات الداعية أن يعيش واقع الناس، ويقرأ حياتهم، ويتعرف على أخبارهم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55] ومن حكمة الله تعالى إحياء رسوله أربعين سنة في مكة، فعاش في شعاب مكة، وفي أودية مكة، عرف مساربها ومداخلها، عرف الأطروحات التي وقعت في مكة، وعرف بيوت أهل مكة، واعترض الكفار وقالوا: لولا نزل عليه ملك، وقالوا: لو كان هو ملك، والله عز وجل ذكر أنه لابد أن يكون بشراً يعيش آمال الناس وهمومهم ومشكلاتهم، واحتياجاتهم، فحقٌ على الداعية أن يقرأ واقعه، وأن يستفيد من مجتمعه، وأن يعرف ماذا يدور في البلد وماذا يقال؟ وما هي مصادر المعلومات، ومن أين تأتي؟ وما هي القضايا المطروحة؟ ويتعرف حتى على الباعة، وعلى أصناف التجار، وعلى الفلاحين، وعلى طبقات الناس، وعلى أن يلوح في طرحه على مجامع الناس، وفي الأسواق والمحلات، وفي الجامعات والأندية، حتى يكون صاحب خلفية قوية يتكلم من واقع يعرفه. وجعل أهل العلم من لوازم الداعية إذا أتى إلى بلد أن يقرأ هذا البلد، وقد كان بعض العلماء إذا سافر إلى الخارج يأخذ مذكرات عن البلد، عن تاريخه، وجغرافيته، ودراسة علم النفس فيه، وأمزجة أهل البلد، وتربية البلد، حتى يتكلم على بصيرة.

أهمية تقديم الصورة الصحيحة للقضية وعدم تهويلها

أهمية تقديم الصورة الصحيحة للقضية وعدم تهويلها ومنها: ألا يهول عليهم الوعظ، وألا يبالغ في النقل، ولا يجازف في العبارات، بل يأتي بكتاب الله عز وجل، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يزيد على ذلك، فإن بعض الوعاظ يحملهم الإشفاق والغيرة على أن يزيدوا على الكتاب، فتجده إذا تكلم على معصية جعل عقابها أكثر مما جعله الله عز وجل، حتى إن من يريد أن ينهى عن الدخان وشربه، يقول مثلاً: يا عباد الله! إن من شرب الدخان حرم الله عليه الجنة، وكان جزاؤه جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً، وهذا خطأ؛ لأن هناك موازين في الشريعة، هناك شركٌ يخرج من الملة، وهناك كبائر وصغائر، وهناك مباحات {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3]. فوضع الندى في موضع السيف بالعلى مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى فعلى الداعية: أن لا يهول على الناس، كذلك لا يهول جانب الحسنات كالحديث -وهو ضعيف- الذي يقول: {صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاةٍ بلا سواك} وحديث آخر باطل: {من قال: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، بنى الله له سبعين قصراً في الجنة في كل قصر سبعون حورية على كل حورية سبعون وصيفة} ويبقى في سبعين من صلاة العصر إلى صلاة المغرب، مع العلم أن الأجر الذي عليه محدد من الشارع الحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتهويل ليس بصحيح، بل يكون الإنسان متزناً في عباراته، يعرف أنه يوقع عن رب العالمين، وينقل عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم.

حكم الاستدلال بالحديث الموضوع

حكم الاستدلال بالحديث الموضوع ومما ينبغي على الداعية ألا يستدل بحديثٍ موضوع، إلا على سبيل البيان، فإنه يعلم أن السنة -والحمد لله- ممحصة ومنقاة، وأنها معروضة، وأن أهل العلم نقوها، ولذلك لما أُتي بالمصلوب الذي وضع أربعة آلاف حديث على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كذباً وزوراً أُتي به إلى هارون الرشيد ليقتله، فسل هارون الرشيد السيف، قال: اقتلني أو لا تقتلني فوالله، لقد وضعت على أمة محمد أربعة آلاف حديث، قال هارون الرشيد: ما عليك يا عدو الله ينبري لها الجهابذة يزيفونها ويخرجونها كـ ابن المبارك وأبي إسحاق المروزي، فما مر ثلاثة أيام إلا وقد نقاها عبد الله بن المبارك وأخرجها وبين أنها موضوعة، فلله الحمد على منته. فالأحاديث الموضوعة مبينة، وأنا أحذر إخواني الدعاة ألا يذكروا الناس بحديثٍ موضوع، ولو قال: إن فيه مصلحة ردهم إلى الله، فالمصلحة كل المصلحة فيما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والأحاديث الموضوعة كأحاديث علقمة وما واجه مع أمه، وكأحاديث ثعلبة والزكاة، وكأحاديث أخر بواطل، لا يصح الاستشهاد بها؛ لأن ضررها على الأمة عظيم، وأثرها على الأمة سقيم، لكن يجوز للداعية أن يبين للناس في مثل محاضرة أو درس أو خطبة الأحاديث الموضوعة وينبه الناس عليها. كذلك الأحاديث الضعيفة لها شروطٌ في الاستدلال، فيستدل بالحديث الضعيف عند بعض أهل العلم بثلاثة شروط: أولاً: ألا يكون شديد الضعف. ثانيا: أن تكون القواعد الكلية في الشريعة تسانده وتؤيده. ثالثاً: ألا يكون في الأحكام، بل يكون في فضائل الأعمال. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله وأسقاه من سلسبيل الجنة- عن الإمام أحمد في المجلد الثامن عشر من الفتاوى أنه قال: إذا أتى الحلال والحرام شددنا، وإذا أتت الفضائل تساهلنا. وهذا كلامٌ جيد، ولو أنه غير مجمع عليه.

عدم القدح في الهيئات والمؤسسات مع تبيين الحق والباطل

عدم القدح في الهيئات والمؤسسات مع تبيين الحق والباطل ومما ينبغي على الداعية ألا يقدح في الهيئات ولا في المؤسسات بذكر أسمائها، ولا الجمعيات، ولا الجماعات، لكن يبين منهج الحق، ويبين الباطل، فيعرف صاحب الحق أنه محق، ويعرف صاحب الباطل أنه مبطل؛ لأنه إذا تعرض للشعوب جملة، أو للقبائل بأسمائها، أو للجمعيات، أو للمؤسسات، أو للشركات أتى الآلاف من هؤلاء فنفروا منه، ولم يستجيبوا له، وتركوا دعوته، وهذا خطأ. وفي الأدب المفرد مما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن من أفرى الفرى أن يهجو الشاعر القبيلة بأسرها} وهذا خطأ، فإن من يقول: قبيلة كذا كلهم فسدة وفسقة، مخطئ لأنه لم يصدق في ذلك، والتعميم عرضة للخطأ، فالوصية أن يكون الداعية لبقاً في اختيار العبارة حتى يدخل للقلوب، ولا يثير عليه الشغب؛ لأن الناس يغضبون لقبائلهم ولشعوبهم ولشركاتهم، ويغضبون لمؤسساتهم ولجمعياتهم، فليتنبه لهذا.

عدم التكبر على الناس

عدم التكبر على الناس ومنها: ألا يظهر الداعية بهالة المستعلي على جمهوره وأحبابه وإخوانه، وعلى المدعوين كأن يقول مثلاً: قلت وفعلت، وكتبت، وراسلت، وألفتُ، فإن (أنا) من الكلمات التي استخدمها إبليس، قال ابن القيم في كلامٍ ما معناه: اجتنب ثلاث كلمات (أنا) و (لي) و (عندي) فإن إبليس قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] وقال فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف:51] وقال قارون: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] فاجتنب (أنا) واجتنب (لي) واجتنب (عندي) ولكن قد تستخدم (أنا) في مثل: أنا مقصر، كما قال شيخ الإسلام -سقاه الله من سلسبيل الجنة-: أنا الفقير إلى رب البريات أنا المسيكين في مجموع حالاتي أحد الناس مدح الداعية الكبير ابن تيمية الجهبذ، فغضب ابن تيمية وقال: أنا المكدي وابن المكدي وهكذا كان أبي وجدي يقول: أنا مذنب وأبي مذنب، وجدي مذنب إلى آدم عليه السلام. هذا واجب الداعية أن يظهر دائماً بالتواضع وأن يلتمس العذر من إخوانه، وأن يبادلهم الشعور، وأن يطلب منهم المشورة والاقتراح، وأن يعلم أن فيهم من هو أعلم منه وأفصح وأصلح، لكن الله رشحه وكلفه، وكان أكثرهم حملاً، قال بعض السلف: الساكت ينتظر الأجر من الله، والمتكلم ينتظر المقت، فإن المتكلم خطير، فنسأل الله أن يسلمنا وإياكم.

الداعية لا يعطي المسألة أكبر من حجمها

الداعية لا يعطي المسألة أكبر من حجمها ومنها ألا يعطي المسألة أكبر من حجمها، فالدين مؤسس، ومفروغٌ منه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فلا يعطي المسائل أكبر من حجمها، ولا يصغر المسائل الكبرى أو يهونها عند الناس. ومن الأمثلة على ذلك أن بعض الدعاة يعطي مسألة تربية اللحية أكبر من حجمها، حتى كأنها التوحيد الذي يدخل به الناس الجنة، ويخلد الناس بتركه في النار، مع العلم أنها من السنن الواجبات، وأن من حلقها فقد ارتكب محرماًً، لكن لا تأخذ حجماً أكبر من حجمها، وكذلك إسبال الثياب، وكذلك الأكل باليد اليسرى، وغيرها من المسائل، لا يتركها الداعية أو يقول: إنها قشور فيخطئ، ولكن لا يعطيها أكبر من حجمها، {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3] فعليه أن يفعل كما فعل عليه الصلاة والسلام، تكلم عن التوحيد في جل أحاديثه ومجالسه، وأعطى المسائل حجمها حتى لا يصاب الناس بإحباط، فإن التربية المعوجة أن تصف له المسألة السهلة فتكبرها عنده، وتصغر المسألة الكبرى. فأحياناً: بعض الناس يصغر من مسألة السحر واستخدام السحر ويقول: إنه ذنب، مع العلم أنه عند كثير من أهل العلم مخرجٌ من الملة، وحد الساحر ضربةٌ بالسيف، ومع ذلك تجد بعض الدعاة يصغر من شأن السحر. وأحياناً: بعض الدعاة أيضاً يصغر من شأن الحداثة أو الهجوم على الإسلام في بعض المقالات والصحف والمجلات والجرائد، ويقول: هذا أمرٌ محتمل، والمسألة سهلة ويسيرة.

عدم الاشتغال بمسائل لا فائدة منها

عدم الاشتغال بمسائل لا فائدة منها أيضاً على الداعية ألا يشغل الأمة في مسائل مفتعلة، لا يحسون بها ولا يعيشونها، فإن بعض الدعاة يختلق مسائل ولم يأتِ وقتها، أو الأمة مشغولة بمسائل أعظم منها، مثل: مسألة المهدي المنتظر، فيؤلف فيها كتاباً، ويرد عليه الآخر، مع العلم أن المهدي ما ظهر، وسوف يظهر في آخر الزمان، وعندنا من المشاكل ومن الدواهي، والمصائب ما يشغلنا عن ذلك. أيضاً مثل مسألة: أين أدنى الأرض في قول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} [الروم:1 - 3] قال بعضهم: بحيرة طبرية، وقال بعضهم: غور الأردن، وقال بعضهم: أقرب الأرض من جزيرة العرب، وألف في هذه رسالة، ورد عليه ذاك برسالة! وهذا إشغال للأمة، بمثل هذه المسائل التي مر عليها أهل السنة والجماعة، وقالوا: نمرها كما جاءت من دون تعطيل!

لين الداعية في خطابه مع الناس

لين الداعية في خطابه مع الناس ومنها أيضاً اللين في الخطاب، والشفقة في النصح، كما كان عليه الصلاة والسلام، كلامه ليِّن ووجهه بشوش، وتواضع عليه الصلاة والسلام للكبير والصغير، فتراه يقف مع العجوز ويقضي غرضها، ويأخذ الطفل ويحمله عليه الصلاة والسلام، ويذهب إلى المريض ويزوره، ويقف مع الفقير، ويتحمل جفاء الأعرابي، ويرحب بالضيف، ويوافق الإنسان، وكان إذا صافح شخصاً لا يخلع يده من يده حتى يكون ذلك هو المنتهي، وكان إذا وقف مع شخص لا يعطيه ظهره حتى ينتهي ذاك، وكان دائم البسمة في وجوه أصحابه -صلى الله عليه وسلم- لا يقابل أحداً بسوء. فإذا فعل الإنسان ذلك كان أحب إلى الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ويرسل الله موسى وهارون عليهما السلام، إلى أطغى طاغية فيقول لهما وهما في الطريق: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] فالقول اللين سحرٌ حلال، قيل لأحد أهل العلم: ما هو السحر الحلال؟ قال: تبسمك في وجوه الرجال، وقال أحدهم يصف الدعاة الأخيار من أمة محمد صلى الله عليه وسلم: هينون لينون أيسار بني يسرٍ صيدٌ بهاليل حفاظون للجار من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري فأدعو إخواني إلى لين الخطاب، وألا يظهروا للناس التزمت، ولا الغضب، ولا الفضاضة في الأقوال والأفعال، ولا يأخذوا الناس أخذ الجبابرة فإنهم حكماء معلمون، أتوا رحمةً للناس، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] فالرسول صلى الله عليه وسلم رحمة، وأتباعه رحمه، وتلاميذه رحمة، والدعاة إلى منهج الله رحمة.

مشاورة الآخرين وعدم الاستبداد بالرأي

مشاورة الآخرين وعدم الاستبداد بالرأي ومنها: أن يقبل على أهل الخير، قبل ذلك يشاور إخوانه، فلا يستبد برأيه والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38] فيشاور طلابه في الفصل، ويشاور إخوانه، ويشاور أهل الدين وأهل الخير ممن هم أكبر سناً، ولا بأس أن يعرض عليهم حتى المسائل الخاصة التي تخصه هو حتى يثقون به، ويبدون له النصح، ويكونون على قربٍ منه، ويشاور أهل الحي والحارة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جلب الناس بسبب المشاورة، وكان يشاورهم حتى في المسائل العظيمة التي تلم بالأمة، كنزوله في يوم بدر، ومشاورته لأصحابه في الأسرى والغنائم ونحو ذلك وأمثالها من القضايا الكبرى. فأنا أطلب من الداعية أن يشاور المجتمع، ولا بأس أن يكتب لهم بطاقات، وأن يطلب آراءهم، وإذا وجد مجموعة منهم يقول: ما رأيكم يا إخوتي في كذا وكذا؟ فإن رأي الإثنين أحسن من رأي الواحد، ورأي الثلاثة أحسن من رأي الإثنين.

الثناء على أهل الخير

الثناء على أهل الخير ومنها: أن يثني على أهل الخير، ويشكر من قدم صالحاً، فإن المسلم والداعية إذا أثنى على أهل الخير، عرفوا أنه يعرف قدرهم، وأنه لا يترك الجميل بلا جميل وبلا شكر، ولا يترك المخطئ بلا إدانة وبلا تنبيه، فكأنك لم تفعل شيئاً، بل لابد أن تقول للمحسن: أحسنت وللمسيء أسأت، فكبار السن يحبون منك أن تحتفل بهم، وأن تعرف أن لهم حق سن الشيخوخة وأنهم سبقوك في الطاعة، وأنهم أسلموا قبلك، وأنهم دخلوا في الدين قبلك بسنوات، فتعرف لهم قدرهم، وكذلك العلماء والقضاة، وأعيان الناس وشيوخ القبائل، ونحو ذلك من أهل الفضل، وأهل المواهب، كالشعراء والكتبة الإسلاميين، ومن له بلاءٌ حسن، والتجار الذين ينفقون في سبيل الله عليك أن تظهر لهم المنزلة وتشكرهم على ما قدموا، حتى تحيي في قلوبهم هذا الفعل الخير. وكان عليه الصلاة والسلام يقول على المنبر: {غفر الله لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم} وكان يقول: {ألستم تاركو لي صاحبي} -يعني أبا بكر الصديق - وكان يشكر عمر ويخبر ما رأى عن عمر، وكان يقول: {سمعت دف نعليك يا بلال البارحة في الجنة} ويقول: {دخلت الجنة البارحة فرأيت الرميصاء} ويثني على هذا ويمدح هذا، ويشكر هذا، فإن هذه من أساليب التربية، وليست من التملق في شيء.

الإسرار والجهر بالدعوة

الإسرار والجهر بالدعوة ومنها: أن يعلن الدعوة للمصلحة ويسر بها للمصلحة، فمرةً يعلن بها، حيث يكون الإعلان مناسباً كالمحاضرة العامة، والموعظة العامة في قرية أو في بلدة، أو في مدينة، ولكن إذا أتى ينصح شخصاً بعينه فليأخذه على حدة، بينه وبينه، ويتلطف له بالعبارة، وينصح له بينه وبينه، قال الشافعي: تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوعٌ من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت قولي فلا تجزع إذا لم تعط طاعة يقول: إذا خالفتني، ونصحت الإنسان أمام الناس، فلا تجزع فسوف يجابهك هذا وينتقم لنفسه، وقد تأخذه العزة بالإثم، وكم شكا لي بعض الشباب -حفظهم الله- أن بعض الناس جابههم في مجمع من الناس، وانتقدهم، فأصابهم من ذلك تذمر وانقباض واشمئزاز، وهذا ليس من المصلحة في شيء.

الاهتمام بالقضايا العصرية

الاهتمام بالقضايا العصرية ومنها أيضاً: أن يطلع على الأطروحات المعاصرة والقضايا الحالية، ويتعرف -كما قلت- على الأفكار الواردة، فيقرأ الكتابات الواردة، ويقرأ للمؤلفين، وليس بصحيحٍ ما قاله بعض الناس حتى من الفضلاء: لا تقرءوا الثقافة الواردة، ولا تقرءوا هذه الكتب البيضاء العصرية التي وردت من وراء البحر، فإن هذا ليس بصحيح، ولو لم نقرأ هذه لما عرفنا أين نعيش وكيف نعيش؟ وكيف نتعامل مع هؤلاء؟ بل أرى أن على الدعاة أن يقرءوا الصحف والمجلات، لكن بحيطة وحذر، حتى لا تصل بعض الثقافة إلى بعض المجلات الخليعة، فتفسد عليهم قلوبهم، فإني أحذر من هذا، لكن إذا أراد أن يطلع هو فليطلع على انفراد، وليطلع بالتأمل وبحذر، ليعرف الداء في الأمة ويداويه ويعالجه. عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه وقال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[تنقض عرى الإسلام عروة عروة من أناس وُلدوا في الإسلام ما عرفوا الجاهلية]] فالذي لا يعرف الجاهلية، لا يعرف الإسلام، ولا يتصور دين الله عز وجل، فحقٌ على الدعاة التنبه لهذا الأمر الخطير. وأنا أطالب الإخوة الفضلاء، من وجد منهم كلاماً، أو وجد مقالاً فيه شبهة، أو فيه نظر أن يعرضه عليَّ أو على إخوانه من الدعاة، أو غيرنا ممن هو أعلم منا حتى نكون على بصيرة، ونخرج بحلٍ إما بتنبيهٍ أو بنصيحة عامة.

مخاطبة الناس على قدر عقولهم

مخاطبة الناس على قدر عقولهم ومنها: أن يخاطب الناس على قدر عقولهم، فإن على الداعية أن يكون حاذقاً، يخاطب الناس على قدر عقولهم، فإذا أتى إلى المجتمع القروي تحدث بما يهم أهل القرية من مسائلهم التي يعيشونها، وإذا أتى إلى طلبة العلم في الجامعة حدثهم على قدر عقولهم من الثقافة والوعي، وإذا أتى إلى أهل الابتدائية حدثهم في مسائلهم مع التبسيط، وإذا أتى إلى أهل البادية نازلهم في مسائلهم التي يعيشونها، فإن لكلٍ مسائل، فمسائل البادية مثلاً: الشرك، والسحر، الكهانة، أو الإخلال بالصلاة، أو السفور أو نحو ذلك، ومسائل أهل الجامعة مثلاً: الأفكار الواردة من علمنة وإلحاد وحداثة وشبهات وشهوات، ومن مسائل أهل الابتدائية مثلاً الجليس، بر الوالدين، حقوق الجار، حفظ الوقت، قراءة القرآن، حفظ المتون، ونحو ذلك من المسائل حتى يكون ذلك على بصيرة، فلابد من مخاطبة الناس على قدر عقولهم ومواهبهم، واستعداداتهم، وانظر إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم يخاطب معاذ بن جبل بخطاب لا يخاطب به أحداً غيره من الأعراب مثلاً، فيخاطبه عن العلم وعن أثر العلم، وعن حفظ الله، وعن حدود الله، ويخاطب الأعراب بالتوحيد، ويقودهم إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض ونحو ذلك.

الحذر من رفع النفس بانتقاد الآخرين

الحذر من رفع النفس بانتقاد الآخرين ومما ينبغي على الداعية أن لا ينتقد الآخرين ليرفع نفسه، وهو ما يسمى في التربية أسلوب الإسقاط، أن تسقط غيرك لتظهر أنت، ويفعله بعض الناس من أهل حب الظهور والشهرة -والعياذ بالله من ذلك- وأهل الرياء والسمعة، فإنه إذا ذكر له عالم قال فيه كيت وكيت، وإذا ذكر له داعية قال: لا أرضى مسيرة في الدعوة، وإذا ذكر له كاتب انتقده كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -سقاه الله من سلسبيل الجنة-: بعض الناس كالذباب لا يقع إلا على الجرح. الذباب يترك البقعة البيضاء في جسمك، فإذا كنت تلبس ثوباً أبيض فإنه لا يقع عليك، لكن إذا رأى جرحاً في إصبعك، وقع عليه، فهذا خطير وتجد أسلوب الإسقاط عند بعض الناس، يقول: شكر الله للداعية الفلاني، لكن فيه كذا وكذا، فلا يترك لكن ولا يترك الانتقاد، ولا يترك الاستثناء، ولا يترك الاستطراد حتى يظهر هو كأنه هو الذي لا عيب فيه قط، وتجد من الأساليب المدبلجة التي دبلجها الشيطان على بعض الدعاة أنه يأتي مثلاً ويدعو في قالب النصح للداعية، وهو يريد أن ينتقصه، فإذا ذكر له داعية قال: هداه الله، أسأل الله أن يهديه، فتقول له لماذا؟ قال: أسأل الله أن يهديه فقط، فتعرف أن وراء هذا الداعية شيء، وأنه يريد بها شيئاً، وهذا دعاءٌ لا يؤجر عليه، قال ابن المبارك: رب مستغفر أذنب في استغفاره، قالوا: كيف؟ قال: يذكر له بعض الصالحين فيقول: أستغفر الله، ومعناها أنه ينتقد عليهم فلا يكتب له أجر هذا الاستغفار، بل قد يسجل عليه خطيئة.

الداعية قدوة للآخرين

الداعية قدوة للآخرين ومنها: أن يتمثل القدوة في نفسه، وأن يسدد ويقارب ويعلم أن أخطاءه تضخم، وأن الخطأ منه كبير، وأن الناس ينظرون له. قد هيئوك لأمرٍ لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل وأنه أصبح أمامهم كالمرآة، كلما وقع فيها نقطة صغيرة كبرت وضخمت، فليتق الله في هذه الأمة، ولا يكون سبباً لهلاك كثير من الناس، فإنا رأينا كثيراً من العامة وقعوا في كثير من الخطايا بسبب فتاوى، أو بسبب تصرفات اجتهادية من بعض الفضلاء، ربما أجروا عليها، وأخطئوا خطأً واحداً، ولكن وقع بسببه عالَم، قال بعض الفضلاء: زلت العالِم زلت العالَم، فعليه أن يدرس القرار، أو التصرف أو الفعل أو الخطوة التي يريد أن يخطوها، قبل أن يقدم عليها حتى لا يكون عرضة لتوريط كثير من الناس، وكم جوبه الإنسان بفتاوى من عامة الناس، يستدلون بفعل الفضلاء والأخيار، وهذا خطأٌ عظيم.

الداعية يتألف الناس

الداعية يتألف الناس أيضاً مما ينبغي على الداعية أن يتألف الناس بالنفع، فيقدم لهم نفعاً، فليس مهمة الداعية فقط أن يلقي عليهم الخطب والتنبيهات والمواعظ، لكن يفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يتألفهم مرة بالهدية، ومرةً بالزيارة، ولا بأس بالدعوة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا الناس وتألفهم وأعطاهم وأهدى لهم، بل كان يعطي الواحد مائة ناقة، وكان يأخذ الثياب الجديدة ويسلمها للناس، ويأخذ الإنسان ويعانقه ويجلسه مكانه، فكان يقدم الخير للناس، فهذا من التألف وهو من المحمدة، حتى إني أرشح أن من عنده رأس مال أن يتألف به الناس، وأن يدعو إلى سبيل الله عز وجل، ويا ليت أن هناك صندوقاً لتأليف كثير من الناس وردهم إلى الله عز وجل، مثل تأليف كثير من الشباب العصاة، فإذا رأيت الشاب عاصياً، وعلمت أنه لا يستطيع الزواج، ودفعت له المهر، أو شيئاً من المهر وقلت له: بشرط أن تصلي صلاة الجماعة، وأن تعود إلى الله وتتوب، فكم تساوي هذه؟ أو أن تتألف إنساناً تراه مثلاً: مدمناً على المخدرات، بشيءٍ من المال بشرط أن يتركها وأن يجتنبها، أو أن تتألف إنساناً لا يصلي في المسجد، بتقديم شيءٍ من النفع له، وبإهدائه شيئاً من المال، ولو سيارة، فإنا رأينا أن بعض الناس ممن أجادوا بعض الفنون الدنيوية أو بعض الأمور التي هي لهو ولعب، سلمت لهم بعض السيارات والشيكات والهدايا، مع العلم أنها زيادة في الضياع واللهو واللغو، فأين هذه المشاريع لا تطرح للدعاة ولطلبة العلم؟! ومنها: ألا ييأس من المدعوين بسبب بعض معاصيهم، فتعايش الشاب وتعايش العاصي، أو تعايش المنحرف وتعلم أنه في يومٍ من الأيام إن شاء الله سوف يكون في رصيد الدعوة، وسوف يكون من أولياء الله، ولا تيأس، وعليك أن تتدرج معه، وأن تأخذه رويداً، وألا تجابهه وألا تقاطعه، بل تحلم عليه.

الداعية يشارك الناس أحزانهم وأفراحهم

الداعية يشارك الناس أحزانهم وأفراحهم كذلك على الداعية: أن يشارك الناس أحزانهم ويحل مشكلاتهم ويزور مرضاهم، فإن الانقطاع عن الناس ليس بصحيح، فإن الناس إذا شعروا أنك معهم، تعيش سرورهم، وأعراسهم، وتعيش أحزانهم، ومشاكلهم أحبوك، ولذلك أقترح على الدعاة أن يحضروا الأعراس، وقد يعتذر الداعية أحياناً، من عدم حضور الزواج لما عنده من الإرهاق، أو الالتزام ولا يعني ذلك أنه لا يحب المشاركة، لكن إذا كان يحضر الزواج فيبارك للعريس، ويبارك لأهل البيت، ويفرح معهم ويقدم الخدمات، ويرونه متكلماً في صدر المجلس، ويرحب بضيوفهم معهم، فإنهم يحبونه كثيراً، وأنا أقترح أن يقدم الدعاة أطروحات لمن أراد أن يتزوج ويقول: عندنا الشباب ونريد أن نساعدك وأن نعينك، فماذا ترى وماذا تقترح علينا لنقدم لك ما يساعدك على ذلك،؟ وكذلك إذا سمع بموت ميت، فعليه أن يذهب إلى أهله وأن يواسيهم ويسليهم، ويلقى عليهم موعظة، إذ كيف يراك الناس تدعوهم يوم الجمعة ثم لا يرونك في أفراحهم ولا في أحزانهم. وكذلك تشارك في حل مشاكلهم، فالداعية مصلح، يذهب في شفاعة حسنة، وما أحسن الداعية مثلاً أن يذهب مصلحاً! وأن يذهب مستشاراً! وأن يذهب حالاً للمشاكل! حينها يكسب ود الناس كما فعل عليه الصلاة والسلام، فإنه قد تأخر كما في صحيح البخاري عن صلاة الظهر مرة؛ لأنه ذهب إلى بني عمرو بن عوف يحل مشاكلهم ويصلح بينهم، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سمع عن مريض -حتى من الأعراب البدو في أطراف المدينة - ذهب بأصحابه يزوره، وهذه من أعظم ما يمكن أن تحبب الداعية إلى نفوس الناس.

التدرج في الدعوة وتجديد أساليبها

التدرج في الدعوة وتجديد أساليبها كذلك ينبغي على الداعية أن يتدرج في دعوته، فيبدأ بكبار المسائل قبل صغارها، فلا يقحم المسائل إقحاماً، فإنني أعلم أن بعض الناس من المقصرين من أمثالي، يذهبون إلى نواحٍ في البادية في بعض القرى أو في تهامة، فيريد أن يصب لهم الإسلام في خطبة جمعة واحدة، وما هكذا تعرض المسائل! عليك أن تأخذ مسألة واحدة تعرضها لهم، وتدرسها معهم، كمسألة التوحيد، أو مسألة المحافظة على الصلوات، أو مسألة الحجاب، أما أن تذكر لهم في خطبة أو درسٍ أو موعظة، التوحيد والشرك والسحر، والحجاب والمحافظة على الصلوات وحق الجار، فإنهم لا يمكن أن يحفظوا شيئاً: أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل إنما تورد ناقةً ناقة، وهاهو الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل معاذاً إلى اليمن فيقول: {ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة} هكذا يعرض الداعية كبار المسائل قبل صغارها، فلا تأتي إلى أناس قد لا يصلون وتطالبهم بتربية اللحى، وماذا ينفعنا في الإسلام أن يربي الناس لحاهم وهم لا يصلون في بيوت الله؟ وماذا ينفعنا أن يربوا لحاهم والواحد منهم لا يسجد لله سجدة؟ فلا تطالبهم بصغار المسائل حتى تخرج أنت وإياهم على مسائل كبرى وتتفقون على قدر مشترك؛ لتعلم هل هم معك أو لا؟ ومنها: أن يجدد الأساليب على الناس، مرةً بالموعظة ومرةً بالخطبة، ومرةً بالرسالة، ومرةً بالندوة ومرةً بالأمسية، حتى يسلك كافة السبل، فإن بعض الناس يتأثر من خطبة الجمعة ما لا يتأثر بالدرس، وبعضهم على العكس من ذلك، فتفنن في أساليب دعوتك للمدعو ونوع فيها فأحياناً يكتب له رسالة، وأحياناً يتصل به بالهاتف، وأحياناً يرسل له بعض الدعاة، فأرى أن تجديد الأسلوب مطلوب وفي عصرٍ جُددت فيه أساليب الباطل، في عصرٍ أخذ الباطل كل الإمكانيات، فالأقمار الصناعية في يد الباطل، والوسائل الهائلة في يد المبطلين، ومعظم الإمكانيات الضخمة، مع العلم أن الدعاة لا يملكون شيئاً من هذه الوسائل، يملكون المنبر، ويملكون الدرس، ويملكون الكتيب، لكن أسأل الواحد الأحد الذي بيده كل شيء أن يتمم الأمور، وأن ينفع بالأسباب، والله يقول عن أهل الباطل ويخبر أنهم أكثر مالاً، وأكثر إنفاقاً، وأكثر وسائل قال: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36] وعليه فلا ييأس الداعية من قلة وسائله، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت ثقافات العالم حوله في جزيرة العرب هائلة، إمبراطورية كسرى، وإمبراطورية قيصر، تملك الميزانيات الضخمة، ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم في بيت طين، ولكن بوسائله مع الإخلاص والصدق، بلغه الله ما تمنى، وبلغ الدين مشارق الأرض ومغاربها.

إنزال الناس منازلهم

إنزال الناس منازلهم كذلك ينبغي أن ينزل الناس منازلهم، فلا يجعل الناس سواسية العالم له منزلة، والشيخ الكبير له منزلة، والشاب له منزلة، {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] فلا يكون دائماً ميزان الناس عنده واحد، لا يختلف في مسألة اللقاء، وهذا ليس من التفريق أو التمييز العنصري، بل هذا من أدب الإسلام، يختلف لقاء هذا عن ذاك، ويختلف منزل هذا عن ذاك، وبعضهم لا يرضى إلا بصدر المجلس، وبعضهم يرضى أن يكون طارفاً، وبعضهم من الحكمة ألا تركب أمامه في السيارة أو أن تخرج وتفتح له الباب وتجلسه أمامك، وبعضهم إذا لقيته عانقته عناقاً حاراً، وبعضهم عناقاً من نوع آخر، وهذه من الحكمة التي يتحلى بها الداعية في تعامله مع الناس، كما فعل عليه الصلاة والسلام مع كثيرٍ من أصحابه، ومع المسلمين، وكان صلى الله عليه وسلم ينزل الناس منازلهم، وهذا الحديث في صحيح مسلم ورواه مسنداً وأبو دواد وهو صحيح من كلام عائشة.

محاسبة الداعية لنفسه

محاسبة الداعية لنفسه على الداعية أن يحاسب نفسه محاكماً في ذلك قوله، فيستمع قوله إذا قال، ويحاسب عمله، هل هو يعمل بما قال؟ وهل هو يطبق ما اقترح؟ حتى يكون قريباً، ثم يسأل ربه العون والسداد، وعليه أن يبتهل إلى الله في أول كل كلمة، وأول كل درس، ويسأل الله عز وجل أن يسدده، وأن يفتح عليه، وأن يهديه، ومما يؤثر في ذلك كما ورد في الحديث {اللهم بك أصول، وبك أجول، وبك أحاول} وكان كثير من العلماء إذا أرادوا أن يدرسوا الناس سألوا الله بهذا الدعاء، وبعضهم كان يقول: اللهم اهدني وسددني، وبعضهم يقول: اللهم افتح عليّ من فتوحاتك، وبعضهم يقول: اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين فأهلك، فإن الإنسان لو بقي إلى رشده أو إلى صوته أو إلى ذاكرته وقدراته، لتقطعت به السبل، فليس لنا معين إلا الله، فالداعي إذا أراد أن يصعد المنبر، وأن يمتطي المنبر عليه أن يبتهل إلى الله أن يسدد كلماته، وعباراته وأن يهديه سواء السبيل، وأن ينفع بكلامه وأن يلهمه رشده، فإنه لو شاء الله عز وجل ما استطاع أن يواصل، ولو شاء الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لخانته العبارة، أو أتى بعبارة ربما تورطه وتورط الناس، أو أتى بعبارة خاطئة تخالف الدين، أو أتى بعبارة لا تصلح أن تعرض، فعليه أن يسأل الله السداد والثبات، فإن من سدده الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى سُدد، ومن خذله الله فهو المخذول.

التقرب إلى الله بالنوافل

التقرب إلى الله بالنوافل ومنها: أن يكون للداعية نوافل من العبادات، وأوراد من الأذكار والأدعية، فلا يكون عادياً كسائر الناس، بل يكون له تميزٌ خاص، فيحافظ على الدعاء بعد الفجر، وقبل الغروب حتى يحفظه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولو وقع عليه القضاء والقدر فإنه يتلطف به سُبحَانَهُ وَتَعَالى بسبب دعائه، فيكون له جمعية خاصة -أقصد جمعية من الدعاء- ويكون له وقت إشراق مع نفسه، يحاسب نفسه بكلمات مباركة وبدعاء، وله وردٌ يومي بعيداً عن أعين الناس، يقرأ فيه القرآن ويتدبر أموره، ويكون له مطالعة في تراجم السلف بعيداً عن الناس، لأن كثرة الخلطة مع الناس تعمي القلب، وتجعل الإنسان مشوش الذهن، ملولاً، سئوماً، وقد تقسي قلبه، فلابد من العزلة ولو وقتاً من الأوقات، كآخر الليل، أو العزلة يوم الجمعة، أو ساعة من الساعات، أو بعض الأوقات في اليوم والليلة يعتزل وحده، فلا يجلس مع زائغ، ولا يلتقي بأحد ولا يتصل بهاتف، ولا يقرأ إلا فيما ينفعه، ثم يحاسب نفسه على ذلك.

التفكر في الارتحال من الدنيا والتقلل منها

التفكر في الارتحال من الدنيا والتقلل منها وعلى الداعية أيضاً أن يتفكر في الارتحال من هذه الدنيا، وأنه سوف يرتحل قريباً، وأن الأجل محتوم سوف يوافيه، فلا يغتر بكثرة الجموع، ولا بكثرة إقبال الناس، فإن الله يقول: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95] فليعلم أنه سوف يموت وحده، ويقبر ويحشر وحده، وأن الله تعالى سوف يسأله عن كل كلمة قالها، فليتأمل لماذا يدعو؟ ولماذا يتكلم؟ وبماذا يقول؟ وبماذا ينطق؟ حتى يكون على بصيرة. كذلك على الداعية: أن يتقلل من الدنيا تقللاً لا يحرجه، لكن عليه بالوسط، يسكن كما يسكن وسط الناس، ويلبس كما يلبس وسط الناس، مع العلم أن هناك حيثيات أريد أن أذكرها، قد تخفى على كثيرٍ من الناس. فإن بعض الناس يرى أن على الداعية أن يلبس لباس الفقراء، أو يلبس لباساً من أوضع اللباس، وهذا ليس بصحيح، فإنه على مقصده، والله أحل الطيبات، والرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى التجمل {تجملوا كأنكم شامة في عيون الناس} {إن الله جميلٌ يحب الجمال} وقد يكون من الفرضيات المحتومة المطلوبة العظيمة النتائج؛ أن يكون الداعية متجملاً متطيباً، ويكون مجلسه وسيعاً يستقبل فيه الأخيار والبررة، ويكون له مركبٌ طيب، فإن هذا لا يعارض كتاب الله عز وجل، ولا يعارض سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. بل عليه أن يكون له في كل حالة ما يناسبها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتني بذلك، ففي صلاة الاستسقاء خرج صلى الله عليه وسلم في لباس متبذل -لباس قديم- ليظهر الخشية والخشوع والفقر أمام الله عز وجل، ولكنه في الأعياد لبس بردةً تساوي ألف دينار، وخرج بها أمام الناس، بل أهديت له هدية صلى الله عليه وسلم قيمتها مائة ناقة. البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بوسها وإن من الإجحاف أن يطالب الدعاة أن يعيشوا في بيوت الطين في هذا العصر، الذي لا تبنى فيه البيوت إلا من الفلل، وفيها من الأشياء التي تعرفونها، أو نطالب الدعاة أن يكونوا على الحصير، مع العلم أن الناس يجلسون على الكنب، أو نطالب الداعية أن يلبس لباساً متمزقاً قديماً ويكتفي بثوبٍ على طول السنة، مع أن الله قد وسع عليه، والله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. لكن مقصودي بكلامي: ألا يتشاغل الداعية بالدنيا تشاغلاً هائلاً يعميه عن طريقته، فإنه من الحسرة أن تجد كثيراً من الدعاة، أو بعض المشايخ، أو بعض طلبة العلم غارقاً في الدنيا إلى أذنه، له من المؤسسات والشركات والدور، ويتشاغل بها عن الدعوة، أنا لا أعارض أن يكون لطلبة العلم تجارة، ولهم عَمَار في الأرض، ولهم دخل، فهذا مطلوب كما فعل عثمان وابن عوف وغيرهم من الصحابة، لكن أن يستغرق طالب العلم والداعية وقته في هذه الأمور، فتجده دائماً في مكاتب العقار، في البيع والشراء، مع الشيكات ويترك الأمة للمهلكات، فهذا ليس بصحيح، وهذا محرج، ومخجل، فإن الله عز وجل استخدمك في أحسن طاعة وفي أجل قربة، ولا بأس أن يكون لك أسهمٌ وأن يكون لك مشاركات وتجارات، لكن وكلها غيرك من الوكلاء، واهتم أنت بالدعوة وبرفع راية التوحيد، وبتثقيف الناس وتعليمهم.

اهتمام الداعية بمظهره الشخصي

اهتمام الداعية بمظهره الشخصي أيضاً أيها الإخوة! أرى كذلك اهتمام الداعية بمظهره الشخصي، وأن تكون حليته إيمانية، وأن يظهر عليه الوقار والسكينة، وأن يلبس لباس أهل الخير والعلم، فإن لكل قومٍ لباسا، فإن تميز أهل العلم مثلاً بلباس، فيلبس لباسهم ويمشي مشية أهل العلم، ويكون مظهره جميلاً، ويعتني بخصال الفطرة، وقد أكدت على ذلك كثيراً كالسواك وتقليم الأظافر، وإعفاء اللحية، وأخذ الشارب، ومعاهدة أمور الجسم الأخرى من خصال الفطرة، وأن يكون متطيباً، يحافظ على الغسل، ويحافظ على مظهره الجميل حتى يمثل الدعوة تمثيلاً طيباً أمام الناس.

الداعية لا يتقمص شخصية غيره

الداعية لا يتقمص شخصية غيره كذلك أرى أن على الداعية ألا يتقمص شخصية غيره، وألا يذوب في بعض الشخصيات، فتجد أن بعض الدعاة إذا أحب داعية أو عالماً آخر، قلده في كل شيء حتى في صوته، ومشيته، وحتى في حركاته فذاب في شخصية ذاك، والرسول صلى الله عليه وسلم يروى عنه وهذا الحديث في سنن الترمذي، لكن في سنده عبد المهيمن بن عباس فيه نظر يقول: {لا يكن أحدكم إمعة إن أحسن الناس أحسن وإن أساء الناس أساء، لكن إذا أحسن الناس فأحسن، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم} بل في هذا الحديث اضطراب عند أهل العلم. فذوبان الشخصية ليس بجيد للداعية، بل عليك أن تستقل في شخصيتك، وتعلم أن الله خلقك نسيجاً وحدك، وأن الأرض لا تستطيع إلا بإذن الله عز وجل أن تخرج واحداً مثلك، فأنت من بين الملايين التي خلقها الله منذ آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وحدك، صوتك وملامح جسمك واستعدادك وما عندك من مواهب لا يشابهك فيها أحد، فأنت تقدم نفسك وتقدم ما عندك، لكن لا تذوب في الآخرين، ويسمي الغرب هذا ذوباناً وينهون عنه ويقولون: لا تتقمص شخصية غيرك. قالوا عن الطاووس: أراد أن يقلد الغراب في مشيته، فنسي مشيته وما استطاع أن يقلد الغراب، وهذا يدخل يقع فيه بعض القراء، فإن القارئ منهم يريد أن يقلد قارئاً آخر فيتعب، فلا يحسن صوت ذاك، ولا صوته المعهود الذي منحه الله عز وجل، ويستثنى من ذلك ما إذا كان يستطيع أن ينطق مثل صوت ذاك بدون كلفة، وصوته جميل فلا بأس إن شاء الله. وقس على ذلك الخطباء، حتى إنه يوجد من الناس من يتنحنح كما يتنحنح ذاك الشيخ، وليس به نحنحة، ومن يسعل كما يسعل ذاك الشيخ وليس به سعال، وهذا ذوبان مفرط، ويسمى انهزاماً نفسياً لا يقره الإسلام، بل الإنسان يبقى على شخصيته. وقد كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع أصحابه على أن شخصية عمر قوية في الحق، أثنى عليه بقوته وقال: {مثلك يا عمر كمثل نوح وكمثل موسى} وأثنى على أبي بكر برقته وأبقى رقته له وقال: {ومثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم وكمثل عيسى} عليهم السلام، فالقوي قوي، يبقى على قوته، لكن فيما ينصر به الدين، ولذلك نحتاج نحن -عالم الإسلام- إلى من هو قوي، في رأيه وفي إرادته، ونحتاج إلى من هو رقيق رحيم ونحتاج إلى كل طاقات الناس، فإن هذا له باب وهذا له باب، وقد سلف معنا كثيراً أن الرسول صلى الله عليه وسلم نوع اختصاص الناس وجعلهم على جبهات بسبب مواهبهم، فسيد القراء أبي بن كعب وحسان للشعر، وزيد بن ثابت للفرائض، وأبو بكر للإدارة وعمر للقوة والصرامة والحزم وقس على ذلك.

المساهمة في النصيحة للمسلمين

المساهمة في النصيحة للمسلمين أيضاً أرى: أن الداعية كذلك يساهم في النصيحة لمن جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليه واجب النصيحة، لكن بالحكمة، بالمكاتبة الغير علنية، فيناصح بالتي أحسن، ولا يحتقر نفسه مهما كبر ذاك المنصوح، فإن عليك أن ترسل له رسالة دافعها الحب، رسالة من يريد الخير للمسلمين، ولا يقول أنا لست معروفاً، أو أنا نكرة، أو أنا مجهول، بل يكتب لعل الله ينفع برسالته، ويتلطف في الكلام {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44].

الاهتمام بجانب النساء

الاهتمام بجانب النساء كذلك على الداعية أن يهتم بجانب النساء، فلا يغفل هذا الجانب في كلامه ولا في محاضراته؛ لأنهن نصف المجتمع. والكلام الذي سمعتموه من أول المحاضرة إلى الآن موجهٌ أيضاً إلى المرأة المسلمة؛ لأن الداعية المسلمة تأخذ كما يأخذ الداعي المسلم، ولذلك أكون حريصاً -إن شاء الله- في اللقاء مع الشباب على أن أخاطب الرجال والنساء، والشباب والشابات، والذكران والإناث بمشاكلهم الاجتماعية، وما يدور في استفساراتهم وأسئلتهم وأطروحاتهم. أسأل الله التوفيق والهداية، والرشد والسداد، كما أنه لا يفوتني في آخر هذا الدرس قبل أن أجيب على بعض الأسئلة أن أقول لكم: ينبغي أن يحتسب الإخوة في إخبار إخوانهم من الشباب وطلبة العلم والجيران وحثهم على الحضور، وأن يساهموا في ذلك حتى نتعاون على البر والتقوى، ونكون يداً واحدة ويرضى عنا سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى نهى عن التفرق والتخاذل، فقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]. نسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يرضى عنا وعنكم، وأن يجمعنا بكم في دار الكرامة، وأن يحفظنا وإياكم من كل مكروه، وأن يسدد منا الأقوال والأفعال، وأن يتولانا فيمن تولى، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

مهتدون جدد

مهتدون جدد هذا أخ كتب يخبر أنه حضر لأول مرة مجموعة من الشباب المهتدي وشرفوا هذا المسجد لأول مرة، وأنسنا بهم ولله الحمد، أقولها يميناً يسألني الله عنها ما أريد أن لي بهداية واحد منهم حمر النعم، ولا مبلغاً مفروحاً به أو دنيا طائلة وإن الإنسان يعتبر أن من يهتدي كأنه أخوه من أبيه وأمه، وإنه فرحٌ لنا عظيم يجب أن يكون كعيد أن يأتي عشرات من الشباب جدد مهتدون أنقذهم الله من عذابه وهداهم إلى صراطٍ مستقيم {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] فليس الفضل في المراتب العالية؛ لأنها منهارة، وليس في المناصب فإنها منتهية، وليس في الأموال، فإنها محسوبة يحاسب عليها العبد، وليس في الكنوز ولا في القناطير المقنطرة، لكن أن يهتدي وأن يقبل إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولله الحمد والشكر. أسأله تعالى وهو الواحد الأحد أن يثبت هؤلاء، وأن يزيدهم إيماناً وأن يردهم من هذا المكان وقد غفرت ذنوبهم، فإنه في كثير من الآثار أن الله يقول للمجتمعين على طاعته: قوموا مغفوراً لكم، فقد رضيت عنكم. والشاب الذي حضر هذه الليلة وترك اللهو واللغو، وترك زملاء السوء ورفقة الانحراف أنا أعتبر أنه ولد من جديد، وقد ذكرت لكم أن شيخ الإسلام -سقاه الله من سلسبيل الجنة- كان يقول: لابد للإنسان من ميلادين اثنين: الميلاد الأول: يوم ولدته أمه، والميلاد الثاني: يوم وُلد في هذا الدين. اليوم ميلادي فرحت لتوه في ليلة الإسراء والمعراج فليلة الإسراء والمعراج بالنسبة لهذا الشخص، معراج العلوم والفنون والحكم والمعارف هي هذه الليلة، فاشكروا الله على فضله، وكونوا أعضاء خيرين في جمعية محمد صلى الله عليه وسلم وعليكم أن تدلّوا الناس على مرضاة الله عز وجل، يعني إذا وجد أحد منكم مجموعة من الناس أن يدعوهم لحضور مجالس الخير، وقد لا يستفيد مني شخصياً، لكن يوم يراكم ويرى حرصكم وجلوسكم والإيمان فيكم، ويوم يرى سمتكم تكون عنده هذه كمائة محاضرة. أيضاً أظن أن غداً أول أيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، إن كان غداً أو بعد غدٍ فعلى كل حال أنتم أعلم، ومن صامها فكأنما صام الدهر كله، وهناك لطيفة عند بعض الفضلاء يقول: لماذا خص الشارع أيام البيض؟ بعض الأطباء العصريين قالوا: ربما كانت دورة الجسم تزداد وضخ الدم يزداد في ليالي البيض، والشيطان يجري في الإنسان مجرى الدم فيزداد نشاطه في الأيام البيض، فيحاصر في الصيام، هكذا قالوا، ودعها سماويةً تجري على قدرٍ. وأنبه على كثير من النساء أن بعض الحجاب ليس حجاباً شرعياً، فكشف الوجه في الأسواق، وفي المجامع العامة قد أصبحت ظاهرة، كذلك العباءة المفتوحة من الأمام والتي تظهر فيها مفاتن المرأة وتكون مغرية، وفاتنة وجالبة للنظر، فلتتقي الله المرأة في طاعة ربها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولا تكون عرضة لعيون السيئين أو لتعريض نفسها لعذاب الله ومقته.

بعض المحاضرين في الجامعة لهم أفكار منحرفة

بعض المحاضرين في الجامعة لهم أفكار منحرفة Q أنا من طلبة الجامعة الملتزمين الذين يواجهون بعض المحاضرين أصحاب الأفكار المنحرفة، فهل نناقشهم أم لا؟ A بالمناسبة، اقترح عليَّ كثير من الفضلاء من طلبة الجامعة درسٌ بعنوان رسالة إلى طالبٍ جامعي وسوف أفعل هذا -إن شاء الله- وعدٌ غير مكذوب، وأحضر له بإذن الله مستعيناً بالله ثم بأفكاركم وما تكتبونه إلينا من مسائلكم، لكن أرى أن صاحب الخطأ يرد عليه تواً في خطئه لكن بأدب، فالأستاذ الذي يعرض الكفر عند السبورة لا نسكت عليه، ونقول: سوق نحاوره فيما بعد ولا نزعجه الآن؟ لا. بل نقوم بأدب ونقول: ما قلته مخالفٌ لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتورد له الخطأ، على أني أعلم وقد بلغني أن بعض من يتكلم في بعض المحاضرات يسيء في فهمه للإسلام، ويسيء لبعض النصوص وبعض الأحاديث النبوية، ويرد بعض القواعد العامة من الإسلام، ويستهزئ ببعض السنن النبوية، وينتهك حرمة بعض العلماء والدعاة، ويتعرض لهم ولأشخاصهم ولأعراضهم، فهذا لا نحاكمه نحن، فنحن أضعف من ذلك، لكن نحيله للواحد الأحد، ونقول كما قال نوح: رب! {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10] لكنا مع ذلك لا نعلن الاستسلام بأفكارنا؛ لأنا منتصرون أصلاً، والحق حقنا، والأرض أرضنا، وأفكارنا هي الثابتة بإذن الله {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] على ذلك أرى أن يناقش هؤلاء ويحاوروا لكن من أناس يفهمون ويدركون، وإذا لم تستطع مناقشته، فلا أقل من أن تقدم له شريطاً لداعية أجاد في مناقشته، أو تقدم له كتيباً بأدب، أو مقالة أو تدعوه إلى بيتك، وتستضيف أحد الدعاة أو تذهب بأحد الدعاة إليه ليناقشه في مكتبه، أو في إدارته حتى نوقف هذا الطوفان الجارف، حتى لا يؤثر في غيره، لأن الجرباء تعدي غيرها من الصحاح، أما الصحاح فلا تعدي الجرب، فينتبه لهذا الأمر.

علاج قسوة القلب

علاج قسوة القلب Q أنا أحضر كثيراً وأنا من المواظبين ولكن أشكو إلى الله عز وجل قسوة قلبي؟ A يقول الشاعر القديم ابن عثيمين رحمه الله في قصيدة يرثي بها الشيخ العجيري أحد المشايخ الكبار من علماء نجد الأبرار يقول: إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندب هو الموت ما منه ملاذٌ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب نؤمل آمالاً ونرجوا نتاجها وعلَّ الردى مما نرجيه أقرب ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندب وكلنا ذاك الرجل، لكن يا أخي لا نيأس من روح الله، {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد:17] أتت هذه الآية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] ثم طمعهم الله في فضله، وفتح لهم أبواب الرجاء وقال {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد:17] فسوف يحيا قلبك بإذن الله، وسوف تدمع عينك ولا تيأس وأنت في أول الطريق، والعبرة في كمال النهايات، لا بنقص البدايات، وعليك أن تواظب على الدروس وعلى مجالس الخير والمحاضرات وسوف تجد انشراحاً -بإذن الله- لأن الدعوات التي تلقى هنا ليست بالسهلة، الواحد الأحد يرفعها سبحانه، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10] وأنا أجزم جزماً أنه بإذن الله في هذا الجمع الحاشد، ولو واحد ممن تستجاب دعوته، فكم من صالح، وكم من عابد، وكم من قائم لليل، وكم ولي من أولياء الله، الأولياء لم ينقطعوا، الأولياء كثير، وأنتم إن شاء الله من أولياء الله عز وجل على ما فينا من المعاصي جميعاً، فإنه لا زال عندنا ولاية مطلقة، ولاية الإيمان، والتوحيد: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63] أما روح الإحباط الذي يذكرها بعض الناس يقول: أنا دعوت فلم يستجب لي، فهذا خطأ، أو كم دعونا فلم يستجب لنا، أو نحضر في جامع كبير وأظن كلنا لا يستجاب لنا، فهذا خطأ -والعياذ بالله- وهذا سوء ظن بالله، فلا يظن بالله السوء، بل الله يستجيب والله تعالى يحمي، ودعاء الصالحين مطلوب ومرغوب ومبذول، والذي أرجوه مني ومنكم أن تكثروا من الدعاء بإلحاح، وأن تسألوا الواحد الأحد في صلاح ونصرة هذا الدين، واستقامة الصالحين، وفي نصرة أولياء الله عز وجل، كما أطلب منكم كذلك الدعاء بعضكم لبعض في ظهر الغيب، والتواصي بالمعروف حتى نكون ممن قال الله فيهم: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. أشكركم شكراً، وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا بكم مراتٍ عديدة، وأعماراً مديدة، وأن يكون آخر اجتماع بكم في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

فتية آمنوا بربهم

فتية آمنوا بربهم إنهم أصحاب الكهف، ما هو سبب انعزالهم عن قومهم في الكهف؟ ولماذا بعثهم الله بعد نومتهم؟ ولماذا ذكر الله هذه القصة؟ تصفح وانظر الفوائد الجليلة من هذه القصة العظيمة.

أسئلة اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم

أسئلة اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بمحمد صلى الله عليه وسلم، عزَّ جاهك، وجلَّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، أنت رب الطيبين لا إله إلا أنت، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. والصلاة والسلام على صاحب الصراط الممدود، واللواء المعقود، والحوض المورود، صلى الله على أفضل من نطق بالضاد، فوعته أذن البشرية، وعلى من تكلم بالدعوة فهَّد بها كيان الوثنية، وعلى من فتح له باب الفتح، فهدى به الله الإنسانية. كسَّر الله به ظهور الأكاسرة، وقَصَّر الله به آمال القياصرة، وزلزل به عروش الظلمة الذين طغوا وبغوا حتى أرداهم ظلمهم في الحافرة، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد:

سبب ذكر الله لقصة أصحاب الكهف

سبب ذكر الله لقصة أصحاب الكهف أيها الناس: اجتمع كفار قريش -وقد أورد هذه القصة ابن إسحاق - في الحرم يوم بعث رسول الهداية صلى الله عليه وسلم، فقال قائلهم: ما ترون لهذا الرسول الذي يزعم أنه نبي؟ قال النضر بن الحارث: ما نرى إلا أن نذهب إلى اليهود في المدينة، فنسألهم أسئلة نضعها بين يديه، فإن كان صادقاً اتبعناه، وإن كان كاذباً طردناه، قالوا له: اذهب أنت وعقبة بن أبي معيط. فذهب الرجلان الكاذبان الآثمان الغاشمان الظالمان إلى أحبار اليهود في المدينة، فعرضوا عليهم نبأ رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم، قالوا: اعطونا من كتبكم شيئاً، فأنتم أهل كتاب نسأله عنه، فإن كان صادقاً اتبعناه، وإن كان كاذباً طردناه، قال أحبار اليهود: إذا رجعتم إليه في مكة، فاسألوه عن ثلاث: سلوه عن شباب سلف بهم الدهر، وفتية مشوا في أول الزمان أين ذهبوا؟ وأين اختفوا؟ واسألوه عن ملك من الملوك ملك الدنيا من شرقها إلى غربها -ذهب إلى المشرق وإلى المغرب- واسألوه عن الروح. فرجعوا واجتمعوا بالرسول صلى الله عليه وسلم -بالأمي الذي لا قرأ ولا كتب: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:48 - 49]. واستدعوه من بيته، وأتى الصادق الأمين الواضح المبين الوفي -عليه الصلاة والسلام- فجلس معهم، قالوا: نسألك عن ثلاث، قال: اسألوا ما بدا لكم. فسألوه عن الفتية، وعن الملك، وعن الروح. فقال: {أنظروني إلى غد، وفي الغد أخبركم} ولم يقل: إن شاء الله، ولو قال: "إن شاء الله" لنزل جبريل غداً بالوحي من السماء، فتعاليمه طاهرة قدسية. {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:4 - 6] كلامه ومنهجه ومبدؤه وعقيدته تأتي من فوق سبع سماوات، لا من التراب والطين؛ والخرافات والخزعبلات؛ والكهنة والشعوذة، وإنما يأتي وحياً صادقاً واضحاً من السماء، لكنه ما قال: "إن شاء الله" وفي الغد اجتمعوا ودعوه وأتىصلى الله عليه وسلم خجولاً مستحياً متحسراً حزيناً، على أنه لم يأته الوحي، لأنه لم يقل: "إن شاء الله" قال: أنظروني، فاستهزءوا به خمسة عشر يوماً، وبعد خمسة عشر يوماً نزل جبريل بقول الحق من السماء، ولنستمع سوياً إلى الله عز وجل، وهو يخبرنا ويجيب على هذه الأسئلة الثلاثة. فالله يفتي فيها من فوق سبع سماوات، ويخبر عن الفتية، وعن الملك، وعن الروح. أولاً: يبتدئ القصة بأسلوب عجيب، وبنبأ غريب، يقول للرسول عليه الصلاة والسلام: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً} [الكهف:9 - 12]. قال ابن كثير: هذا مختصر للقصة وسوف يأتي بسطها، أو هذا موجز وسوف يأتي تفصيل الأنباء فيما يأتي.

تفصيل قصة أصحاب الكهف

تفصيل قصة أصحاب الكهف يقول الله للرسول عليه الصلاة والسلام: نحن نخبرك بالحق، فاسمع إلى كلام هؤلاء الفتية، وإلى قصتهم ونبئهم.

مجتمعهم يعبد الأصنام

مجتمعهم يعبد الأصنام فتية عاشوا في زمن من الدهر مع ملك من الملوك، وهو ملك ملحد ظالم سفاك مجرم لا يعرف الله، وهؤلاء الفتية خرجوا معه يوم المهرجان، ورأوا قومهم يعبدون الأصنام، ويسجدون للأوثان، ويتقربون للحجارة التي لا تنفع ولا تضر، وأراد الله أن يحيي قلوب هؤلاء الشباب، وأن يدخل لا إله إلا الله في قلوبهم. {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام:122] {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125] فأتى شاب منهم عمره يقارب الاحتلام، قال: هذا دجل وكذب وافتراء على الله أن تعبد هذه من دونه، من رفع السماء؟ من بسط الأرض؟ من كوكب الكواكب؟ من جعل النجوم بهية إلا الله؟ فانزوى تحت ظل شجرة وأتاه زميله وقد ألقى الله في قلبه الإيمان كما ألقى في قلب خدنه ورفيقه، وأتى الثالث، والرابع حتى أتوا سبعة، فاجتمع رأيهم أن هذا ضلالة: {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} [الكهف:15] أي: الحجج والبراهين التي تبين أن هؤلاء آلهة من دون الله.

اعتزال أهل الباطل

اعتزال أهل الباطل فلما اعتزلوهم وما يعبدون من دون الله، وهب الله لهم فتحاً مبيناً. وهم قد اعتزلوهم بأرواحهم، قال الله: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً} [الكهف:16]. عجيب! أصبح الغار في الجبل أوسع من القصور، وأوسع من الدور، والبساتين، والساحات والميادين!! فقصور ليس فيها إيمان، وبساتين ليس فيها يقين وتوحيد؛ مظلمة خاوية ملعونة مسخوط ومغضوب عليها من الله. أما الغار والكهف والخيمة إذا دخله الإيمان فرحب ووسيع. سم الخياط مع الأحباب ميدان بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصرا فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا وأكبر محاولة وأعظم مطلوب عند أهل العقول من أهل الإسلام: أن تكون عبداً لله. فذهبوا ودخلوا الغار، ولما جلسوا، تبعهم كلب الملك، فالله يريد أن يعلي بصحبة هؤلاء الأخيار الكلب، فالكلب إذا صاحب الأخيار؛ أصبح شريفاً مذكوراً في القرآن، والشريف إذا صاحب الأشرار؛ أصبح كلباً، فدخل الكلب معهم، لكنه ما دخل الغار، ولكنه يحرسهم عند الباب: {والملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب} كما في الحديث الصحيح. فجلس من أدبه وسكينته عند الباب يحرس هؤلاء السبعة، أما السبعة فألقى الله عليهم النوم. {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} [الكهف:13] أسانيدنا موثوقة ليست من اليهود، ولا من النصارى، ولا من القوانين الأرضية إنما هي من السماء. سند كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} [الكهف:13] شباب قلوبهم متفتحة للا إله إلا الله، وأرواحهم متطلعة للا إله إلا الله، ونفوسهم تحب لا إله إلا الله، ومن الذي رفع لا إله إلا الله في الإسلام إلا الشباب، ومن الذين رفعوا منائر الحق في سيبيريا وفي الأندلس والسند وطشقند إلا الشباب. أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا فـ أبو بكر شاب وعمر وعلي شاب وعثمان والزبير وطلحة مزقوا في سبيل الله، إما صدِّيق أو شهيد وإما زاهد أو عابد. فاسألوا التاريخ عنا كيف كنا نحن أسسنا بناءً أحمديا {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} [الكهف:13] ما هي مواصفاتهم؟ {آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:13] وأنت يوم تقبل على الله، يزيدك هدى، ويوم تدبر عنه؛ يزيدك ردى وبعداً عنه.

ربط الله على قلوب الفتية

ربط الله على قلوب الفتية {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} [الكهف:14] لا خوف على من ربط الله على قلبه، فارقوا الأولاد والإخوة والزوجات والأصدقاء والفرش الوفيرة واللحاف الدافئة، والطعام والشراب، لكن إذا ربط الله على القلب، فقد ربط. يا حافظ الآمال أنتت حميتني ورعيتني وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان فربط الله على قلوبهم: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً} [الكهف:14]. ثم التفتوا وهم في الغار يديرون حواراً وندوةً عن التوحيد: {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} [الكهف:15] إنه لا أظلم ممن اتخذ من دون الله إله يعبده. فلما انتهى حوارهم ألقى الله عليهم النوم: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً * هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} [الكهف:14 - 15] وضرب الله على آذانهم النوم؛ فناموا.

نائمون كأنهم أيقاظ

نائمون كأنهم أيقاظ {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف:18] عيونهم مفتحة، قال أهل التفسير: لئلا يأكلها الدود. سبحانك يا رب! ثلاثمائة وتسع سنوات ما أغلقت عيونهم! كانت مفتحة حية تدور، لكن بلا نور: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:18] لئلا تأكلهم الأرضة في الأرض، ولئلا تبلى أجسادهم {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18] عند الباب، انظر إلى المشهد وإلى الصورة والروعة في الإبداع!! {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:18] ولم تنم عيونهم كما ينام الذئب: ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} [الكهف:18] لا يقترب منهم مقترب، فقد أخفى الله خبرهم عن الناس، كلما أتى راعي غنم فقرب من الغار؛ صرفه الله، وكلما أتى رجل من آبائهم أو إخوانهم يبحث عنهم؛ صرفه الله كما فعل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى برسول البشرية وهادي الإنسانية وهو مع الصديق الأكبر سيد الأولياء أبي بكر في الغار. قال أهل العلم: قصة غارنا أعظم من قصة غارهم، وأصحابنا الذين في الغار أعظم من الأصحاب أولئك؛ لأن الله عز وجل حفظهم، فقصة غارنا أعظم وأعجب. {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40].

ما حدث بعد الاستيقاظ

ما حدث بعد الاستيقاظ ناموا ثلاثمائة وتسع سنوات كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وانتهت الفترة، وأذن الله أن يقوموا من منامهم، فاستيقظوا وجلسوا: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف:19]. كان المكثر منهم يقول: لبثنا يوماً كاملاً، والمقل يقول: نصف يوم، لكن سوف يخبرهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فجلسوا، قال أهل العلم: لما ناموا في الصباح واستيقظوا بعد هذه الفترة مع العصر، فظنوا أنه يوم واحد . قالوا: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} [الكهف:19] أي: بفضتكم يأخذ لنا طعاماً أو إفطاراً من السوق وليتلطف، وقد كانوا أذكياء، فقالوا: ليذهب بخلق حسن، فلا يخاصم الناس، فيأتون بنا مع هذا المجادل للناس، فذهب بالعملة وكانت مضروبة قبل ستة ملوك، فقد أخذ الزمن ستة ملوك وماتوا جميعاً، وتغيرت المدينة والطرقات والميادين والسكك والعملة والناس، فأتى هذا الرجل، فدخل المدينة، وقد تغيرت ملامحها قال أهل السير: كان يقول: أنا نائم أم أنا يقظان؟ فلما ذهب وجد جماعة يبيعون طعاماً، فقال: ائتوني بطعام وخذوا هذه العملة، قالوا: هذه في عهد الملك دقيانوس، وقد مضى عليه ثلاثمائة وتسع سنوات، من أين أتيت؟ قال: أنا في عهد الملك دقيانوس وأنا أعيش معه في مملكته ما مضى علي إلا يوم! قالوا: كذبت! أنت مجنون! فاجتمع الناس عليه حتى رفع إلى الملك، فلما رفعوا أمره، أتى بهم وذهب برعيته إلى الغار، ولما أشرف على الغار، قال صاحب الطعام: انتظروني قليلاً، لأدخل الغار، لأرى أصحابي يتهيئوا لاستقبال الملك، فدخل عليهم، فلما وصل الغار، ألقى الله عليهم الموت فماتوا، ودخل الملك ورعيته، فوجدوهم أمواتاً {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} [الكهف:21]. فهؤلاء قوم اهتدوا بهداية الله، ووجدوا الهداية في الغار عندما لم يجدوها في الدور والقصور، ولم يجدوها في المناصب والثروة والأولاد، ووجدوها في الغار يوم أنزلها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم، وللحديث بقية. وأتى عليه الصلاة والسلام ليقص هذا النبأ على قريش فمن مؤمن ومن كافر، ومن مصدق ومن مكذب. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين؛ فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

الغار وعدد الفتية

الغار وعدد الفتية الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد:

العلم لا يؤخذ إلا من الأتقياء

العلم لا يؤخذ إلا من الأتقياء كم عدد أهل الكهف؟ سيقولون: ثلاثة، أي: أحبار اليهود، -يا محمد- سوف يتعاطون بين يديك ويكذبون عليك، فاسمع إلى الأسانيد الصحيحة والكلام الظاهر الباهر. {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ} [الكهف:22] وهذان القولان ضعيفان وليس عليهما حجة: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف:22] وهذا الصحيح. {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} [الكهف:22] قال ابن عباس: [[أنا من القليل الذين يعلمون ذلك، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم]]. {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً} [الكهف:22] أي: لا تسأل اليهود عن هذه الأخبار، فإن اليهود قوم كذبة مردة فسقة فجرة لا يؤخذ عنهم علم، ولذلك قال أهل العلم: لا يؤخذ العلم إلا عن الأتقياء الأبرار الأخيار، الذين يخافون الواحد القهار، ويريدون عقبى الدار، أما الفجار فلا يؤخذ منهم العلم، فالفسقة لا يترك لهم التربية في المجتمع، ولا يسيرون أجيال المسلمين، ولا يقررون المناهج، ولا يشرفون على المبادئ، ولا يقومون على تربية النسل والجيل؛ لأنهم فسقة.

تعليق الأمور بمشيئة الله تعالى

تعليق الأمور بمشيئة الله تعالى قال سبحانه تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً} [الكهف:23] يوم قالوا لك: أخبرنا، قلت: غداً، لماذا لم تقل: إن شاء الله؟ وهل الأمور إلا بيد الله، إذا يسرها تيسرت وإذا عسرها تعسرت؟! فإذا وعدت الناس، أو أردت أن تقول أو تفعل أو تحدث شيئاً، فعلق أمرك بمشيئة الله، فإن الأمور مقاليدها بيد الله: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:23 - 24] في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال: {قال سليمان: لأطوفن الليلة على مائة امرأة كلهن يلدن رجالاً يجاهدون في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن، فما ولدن إلا امرأة ولدت نصف إنسان، والذي نفسي بيده لو قال: إن شاء الله لولدن جميعاً رجالاً يجاهدون في سبيل الله}. {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:23 - 24]. قال بعض أهل العلم: إذا غضبت فقل: "إن شاء الله" واذكره، وقال بعضهم: إذا نسيت شيئاً؛ فتذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لتذكره. {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً} [الكهف:24] واستمع إلى النهاية: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً} [الكهف:25] ثلاثمائة بالشمسية وثلاثمائة وتسع سنوات بالقمرية. {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ} [الكهف:26] أي: ما أبصره بكل ما يبصر! وما أبصره بكل موجود! وما أعلمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:26] جل الله عن الأنداد والأولاد.

ما يستفاد من قصة أهل الكهف

ما يستفاد من قصة أهل الكهف ومن هذه القصة تؤخذ دروس: الدرس الأول: أن ضيق الدنيا وسعتها لا تقارن بالدور، والقصور، والأموال، والأولاد، ولكن السعة بالإيمان الذي يجعله الله في صدر من يشاء، فمن رزقه الله الإيمان، فقد وسع عليه، ومن حرمه الإيمان، فقد ضيق عليه وسخط عليه ولعنه وأذله وبكته وخذله وحرمه. الدرس الثاني: أن الإيمان يطلب، ومن طلبه وجده، وأنه لا يعلق بملك أو تجارة، أو بولد: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] يعطى الإيمان لـ بلال وهو عبد حبشي من أثيوبيا قدم رقيقاً، ويحرم الإيمان أبو طالب وهو سيد قرشي كان بين الركن والحطيم. ويعطى لـ سلمان وهو من فارس. أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم الدرس الثالث: أن ضيق الدنيا وسعتها أمر نسبي وإضافي، فمن وجد السعادة في الإيمان، ولو كان في كهف أو في غار، ولو كان على كسرة خبز وينام على الرصيف فهو السعيد. ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان ومن لم يجد الإيمان، فإن الله يضيق عليه ويحييه حياة ضنكاً، ولو جمع الملاذَّ والمطاعم والمشارب. الدرس الرابع: أن الفرار بالدين من الفتن سنة، وأمر شرعي مطلوب كما فعل أهل الكهف، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يوشك أن يكون خير مال المرء المسلم غنم يتتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن} فمن وجد فتنة، فليركب رجله وليفر وليذهب في الأرض الواسعة ولا يبقى في القرى الظالم أهلها الذين ينشرون الجريمة والمعصية، ويعينون على المنكر. الدرس الخامس: أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا تولى حفظ، وإذا سدد هدى، ومن استكفى بالله كفاه، ومن احتمى بالله حماه، ومن توقى بالله وقاه، ومن استرعى الله رعاه، ومن ضيع الله ضيعه الله. الدرس السادس: أن فيها نبأ عجيباً! وهو أن هذا الدين يتلقى بالوحي السماوي فليس بخزعبلات ولا ضلالات، وليس بتقليد وتبعية وإنشاء، إنما هو وحي يوحى، آية أو حديث، كتاب أو سنة، ويرد العلم إلى الله ثم إلى رسوله. الدرس السابع: أن الرسول عليه الصلاة والسلام ما أتى بعلم من لدنه، وإنما أتى بعلمه ورسالته من عند الواحد الأحد. إلى غير تلك القضايا الكبرى التي من تدبر القرآن وجدها وأبصرها وعرفها واهتدى بهدى الله الذي هدى به رسوله صلى الله عليه وسلم. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدةً صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على حبيبك ونبيك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، اللهم وفقنا لاتباع سنته، والسير على هديه، والاستفادة بمنهجه، وتعلم العلم الذي ورّثه، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور يا رب العالمين! اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين، اللهم حبب إليهم الكتاب والسنة، واجعلهم خدماً لهما، متشرفين بخدمتهما، رافعين لعلمهما يا رب العالمين. اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم كفِّر عنهم سيئاتهم، وأصلح بالهم، واهدهم سبل السلام يا رب العالمين. ربنا إننا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً، وإن لم تغفر لنا وترحمنا؛ لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأحاديث الواهية

الأحاديث الواهية ذكر الشيخ -حفظه الله- بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبين كلام السلف -رحمهم الله- فيها وتضعيفهم لها سنداً ومتناً، وذلك لأنه قد انتشر الكذب بين الناس، حتى تجرأ بعضهم، فأصبحوا يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سخر الله لهذا الدين علماء ينقون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ويبينون الضعيف من الصحيح.

الكذب من أكبر الذنوب والخطايا

الكذب من أكبر الذنوب والخطايا الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أما بعد: فعنوان هذا الدرس: الأحاديث الواهية.

خطر الكذب على الله ورسوله

خطر الكذب على الله ورسوله ولما كان لزاماً على كل طالب علم أن يبين للناس ما يخشى أن يقعوا فيه، ومن أعظم ما يخشى على الأمة الكذب على الرسول عليه الصلاة والسلام والافتراء عليه، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار} والله عز وجل يقول: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً} [النساء:50] فبين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن الكذب من أكبر الذنوب والخطايا؛ خاصة إذا كان على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم. الكذب على الناس كبيرة، فكيف إذا كان على رسول الناس؟! فكيف إذا كان على رب الناس سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟! قال سبحانه: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر:60] مسودة من الكذب؛ لأن الكاذب دائماً خجول ودائماً حقير وذليل. والمقصود من هذا الدرس: هو بيان بعض الأحاديث التي انتشرت بين الناس وهي ضعيفة أو موضوعة، وسوف أبين بحول الله الموقف من الأحاديث الضعيفة، هل يستشهد بها، وهل يستدل بها؟ ومتى وما شروط ذلك؟ ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] ومعنى (لا تقف): قيل: لا تتبع، وقيل: لا تقف على ذلك، وقيل: لا تورده على الناس وأنت لم تتحقق منه، وقيل: لا تشيعه بين الناس فإن بعض الناس يحدث بكل ما سمع. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع} أي: يكفي الإنسان إثماً وخطيئة أنه كلما سمع قصة ومقالة قالها ونشرها بين الناس. وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، وحرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات} ومعنى قيل وقال: أي كثرة الكلام، قال فلان ورد عليه فلان، وقالوا وقلنا، وهذا معناه: ضياع الوقت والعمر والدين. يقول سبحانه: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] وهذا تهديد لمن يتكلم في غير مرضاة الله عز وجل. والمقصود هنا من الحديث: أن أبين بعض الأحاديث التي يستدل بها بعض الخطباء وبعض المتحدثين وهي منتشرة بين العوام فيحذر منها؛ لئلا تنتشر، وفي الأحاديث الصحيحة غنية والحمد لله.

خساسة الكذب

خساسة الكذب الكذب ذميمة عند العرب في الجاهلية فكيف بالإسلام؟! يقول أبو سفيان عند هرقل: فلولا أن يأثروا عني الكذب لكذبت، أي: أخاف أن ينقل عني العرب أني كذبت فتركت الكذب. وهو يومئذٍ مشرك! والنابغة الذبياني وفد على النعمان بن المنذر -وهو أحد الملوك في الجاهلية- وكان النابغة رجلاً شاعراً افتري عليه عند النعمان بن المنذر فأمر بقتله؛ فوفد وقال له: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب لئن كنت قد بلغت عني وشاية لمبلغك الواشي أغش وأكذب ويقول كعب بن زهير للرسول عليه الصلاة والسلام: لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت فيَّ الأقاويل وذلك في قصيدته الرائعة الجميلة التي يقول في مطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول إلى أن قال: إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول إلى أن يقول فيه وهو يمدحه عليه الصلاة والسلام: مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت فيَّ الأقاويل ثم انتهى منها فأعطاه عليه الصلاة والسلام بردته، وعفا عنه وسامحه. يقول عليه الصلاة والسلام عن سمرة عند مسلم: {من حدث عني بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبين} أي: أحد الكاذبين على الله؛ لأن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ككذب على أحد، ولأن كلامه وأفعاله صلى الله عليه وسلم تشريع، وهو مسئول من الله، ومبعوث لإحياء جيل، ولإقامة شريعة، فمن كذب عليه فقد سنن للناس الكذب.

ظهور الكذب في آخر الزمان

ظهور الكذب في آخر الزمان وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة عند مسلم في المقدمة: {سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم} أي: يتركون القرآن والسنة، ويتحدثون بالخزعبلات والمضحكات، والقصص الواهية التي ليس لها أساس، وليس لها عمق، وإني في هذا المكان أتعجب كثيراً من جريدة المسلمون! هذه الجريدة التي طالما تأتي بخزعبلات، فما ندري ما هو المقصد من هذه الجريدة؟ هل الذين يكتبون فيها بأقلامهم جهلة؟ أم في قلوبهم مرض؟ أم ارتابوا من هذه الرسالة الخالدة؟ يأتون بقصص واهية، ويظهرون شناعة لهذا الدين، وفي ظاهرهم أنهم يريدون الدفاع عن الإسلام، لكن يزرون بالإسلام وأهله. قبل أشهر ذكروا امرأة من نجران وصوروا المرأة، وقالوا: هذه تشافي المرضى وتخرج الزجاج من العيون، ثم أظهروها وهي تدخل لسانها في عين مريض، ماذا يقول الغربيون إذا رأوا هذه الجريدة وهي تقرأ في كل بلاد العالم؟! كلما أتت خزعبلة في مكان من الأمكنة من بلاد الإسلام نقلوها للناس، وكأنهم يدافعون عنها وهم يحللونها ويطرحونها، مثل بعض المبتدعة يقولون: يُؤتى بالشبهة فيتوسع فيها كثيراً، ثم يرد عليها رداً ضعيفاً، فتتمكن الشبهة في قلوب الناس، فعلى كل حال عل هذا الكلام أن يبلغ بعض قراءهم أو محرريهم، وقد كتب لهم تنبيه في ذلك عل الله أن يصلح حالهم؛ لأن المسلم مسئول عما يكتب ويقرأ ويقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:24 - 25].

جزاء من كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم

جزاء من كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: {من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوء مقعده من النار} أي: من قال عليَّ كلاماً لم أقله فليتهيئ وليتجهز لمقعد في النار جزاء له على فعله الشنيع، بالتشريع للأمة بشيء لم يشرعه عليه الصلاة والسلام، والحمد لله على أن حديثه محفوظ عليه الصلاة والسلام. عمر الإسلام ألف وخمسمائة سنة وهو محفوظ قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] والشيوعية عمرها اثنان وسبعون سنة منذ أن كتب ماركس مذكراته في سويسرا ودخول لينين موسكو؛ عمرها اثنان وسبعون سنة ثم انهارت، ولكن الإسلام يزداد قوة، والإسلام الآن ينتشر انتشاراً رهيباً حتى انتشر في ولايات روسيا وألمانيا الشرقية، هذه الولايات يدخل أهلها في الإسلام زرافات ووحدانا؛ لأنه الدين الحق {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109].

تثبت الصحابة والتابعين في قبول الأحاديث

تثبت الصحابة والتابعين في قبول الأحاديث وقبل أن أبدأ في سرد الأحاديث الضعيفة الواهية أو الموضوعة التي أحذر نفسي وإياكم من الاستدلال بها في المجالس، أو في الأندية، أو في المجامع العامة، أذكر فصلاً وهو تثبت الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم في قبول الحديث. في الصحيحين عند البخاري ومسلم: {أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه أتى إلى عمر بن الخطاب -وعمر خليفة- يريد أن يكلمه في بيته فطرق على عمر الباب فلم يرد أحد، فاستأذن مرة ثانية فلم يفتح له، فاستأذن ثالثة فلم يفتح له؛ فذهب أبو موسى، وفتح عمر الباب ونادى أبا موسى قال: تعال، ما لك عدت؟ قال: سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع، قال عمر رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لتأتينَّ بشاهد لك على هذا أو لأوجعنك ضرباً} وهو رضي الله عنه يعلم أنه صادق ولكن يريد أن يتثبت من الرواية، ولا يكون الإنسان كلما تأتيه قضية يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث وفي الأثر، وهذا خطر عظيم على طلبة العلم فكيف بالعامة؟! فذهب أبو موسى إلى الأنصار، فاستشهدهم فقام معه أبو سعيد فشهد عند عمر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال الحديث. وكان ابن مسعود فيما صح عنه -وهذا يرويه جمع من أهل العلم كـ ابن ماجة وغيره- إذا قام يوم الخميس يعظ الناس، يرتعد وينتفض ويرتعش خائفاً أن يوقع كلمة مكان كلمة أو يخطئ في لفظة، حتى إذا انتهى قال: أو شبه هذا أو نحو هذا أو مثلما قال الرسول عليه الصلاة والسلام؛ حذراً أن يزل في حرف لم يقله عليه الصلاة والسلام. ويقول الدارمي راوياً عن أنس: [[لولا أن أخطيء على الرسول عليه الصلاة والسلام لحدثتكم بأشياء سمعتها منه]]. وصح أن عروة بن الزبير رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: كان أبي إذا أراد أن يتبرد في الحر وضع ثيابه أي: نزع ثيابه وكنت ألعب في آثار الجروح التي أصيب بها في المعارك. ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب تخيرن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جربن كل التجارب هذا الزبير بن العوام يأتي يوم القيامة والشهادات في آثار جسمه رضي الله عنه وأرضاه مما أصيب به في سبيل الله، يقول له ابنه: ما لك لا تتحدث إلا كالسحابة؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من كذب عليَّ متعمداً فليتبوء مقعده من النار} فكانوا يحذرون أشد الحذر!! قال الإمامان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية: إن العالم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم والناسخ والمنسوخ من الحديث لا يسمى عالماً. هذا ذكره صاحب معرفة علوم الحديث، لا يسمى عالماً من يورد السقيم، حتى يقول الشاعر: أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل ونصيحتي للإخوة خطباء المساجد وطلبة العلم والأساتذة، إذا أرادوا أن يحضروا موضوعاً أن يراجعوا الأحاديث، وأن يخرجوها أو يسألوا طلبة العلم، ولا يقول قال الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يدري من أخرجه ومن رواه، وهل هو صحيح أو ضعيف أو باطل حتى يكون على بينة؛ لئلا يفتري على الله. تجد أن بعضهم من أسهل ما يجد عليه أن يورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أحاديث، وهذا خطر عظيم.

بعض الأحاديث الواهية المنتشرة بين الناس

بعض الأحاديث الواهية المنتشرة بين الناس أما الأحاديث التي أريد أن أوردها هذه الليلة ففيها ضعيف وفيها موضوع وفيها ما بينهما، وفيها ما ينجبر؛ لكنني أورد الضعيف والواهي؛ ليتنبه العبد المسلم عند سماعه الحديث؛ لأنها طالما تذكر في كتب التفسير والقصص وبعض المحاضرات.

حال حديث: (حسبي من سؤالي علمه بحالي)

حال حديث: (حسبي من سؤالي علمه بحالي) الحديث الأول: قال إبراهيم عليه السلام: {حسبي من سؤالي علمه بحالي} هذا لا أصل له، وقد أورده ابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة والموضوعة، قال ابن تيمية: هذا الحديث موضوع. وقصة الحديث: أن إبراهيم عليه السلام لما وضع في المنجنيق ليلقى في النار جاءه جبريل عليه السلام، فقال: ألك إلي حاجة؟ قال: أما إليك فلا وأما إلى الله فنعم، ثم قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي، وهذا يخالف القرآن والسنة، ويخالف أصول الشريعة، وليس بصحيح. معنى الكلام يقولون: إن إبراهيم عليه السلام يقول: حسبي من سؤالي علمه بحالي، أي: ما دام أن الله يعرف حالي فلا داعي أن أسأله، وهذا خطأ، لا يكفي أن يعرف الله حالك عن الدعاء، هو يعلم أنك فقير ومريض ومحتاج، فلا يصح أن تقول: الله يعلم أني فقير فلا داعي أن أدعوه. أو لو كنت مريضاً في المستشفى وقيل لك: ادعو الله أن يشافيك، فتقول: لا، الله يعلم أني مريض نقول: هذا خطأ، وهو خلاف كلام أهل السنة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف:55] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]. والله جل وعلا يذكر الأنبياء في القرآن فيقول: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] إذاً الحديث معناه لا يصح؛ بل هو موضوع، لأن إبراهيم عليه السلام يقول: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37] وكل نبي دعا الله عز وجل، فكيف يقال: إن علم الله يكفي عن السؤال، لا يكفي، ولو كفى لما كتب علينا الدعاء: {الدعاء هو العبادة} لأن أصل الدعاء مطلوب سواء وقعت الإجابة أم لم تقع؛ لأن الدعاء عبادة، فلا يكفي أن تقول: ما دام أن الله يعلم أني فقير، إذاً لا أدعوه، ولذلك غلاة الصوفية يأخذون هذا المبدأ، فمنهم من يقول: أنا لا أدعو قلنا لماذا؟ قال: أستحي أن أذكر مسألتي بين يدي ربي كأن الله جاهل عن مسألتي! سبحان الله! الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو وإبراهيم ونوح وموسى وعيسى عليهم السلام وأنت لا تدعو! وكان الصوفية هؤلاء يستشهدون ببيت لشاعر عربي وهو أمية بن أبي الصلت يقول لـ ابن جدعان: أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحباء إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء يقول هذا الشاعر لعظيم من عظماء الجاهلية: أنا لا أطلب منك سؤالاً؛ لأنك تعرف حالي، وهذا خطأ. ومن غلاة الصوفية من يذكر الاسم مجرداً بدون سؤال، يأتون في الليل ويقولون: يا كريم! يا كريم! يا كريم! يا كريم! يا كريم! يا كريم! ولا يسأل. يقول أحدهم وهو جالس عند روضة المصطفى عليه الصلاة والسلام في المسجد النبوي بجانب القبر -صوفي من الغلاة، عنده مسبحة طولها ما يقارب مترين، ما تحمل إلا على حمار- فيقول: يا لطيف! يا لطيف! يا لطيف! يا لطيف! يا لطيف! يا لطيف! من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، فيقول له أحد طلبة العلم: أنت تدعو من العشاء إلى الفجر يا لطيف يا لطيف، ماذا تريد من اللطيف؟ قال أوصاني شيخي -شيخ الطريقة- أن أردد يا لطيف! يا لطيف! سبعة آلاف مرة. ولله المثل الأعلى لو طرق شخص باباً وقال: يا محمد! فتخرج وتقول له: نعم. قال: يا محمد! يا محمد! قلت: نعم. قال: يا محمد! يا محمد! قلت: ماذا تريد؟ قال: يا محمد! يا محمد! هذا ليس بحق، ولا يصح في الأذهان وكيف يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل وهذا الحديث: {حسبي من سؤالي علمه بحالي} ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء، وأشار إلى ضعفه، ومعنى الحديث باطل؛ لأنه يخالف الكتاب والسنة.

حال حديث: (الصبر نصف الإيمان)

حال حديث: (الصبر نصف الإيمان) حديث: {الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله} رواه أبو نعيم في الحلية، ومن باب الفائدة: أنبهكم على أن أحاديث الحلية أكثرها واهية، وحلية أبي نعيم مثل السراب والخطيب البغدادي في تاريخه - تاريخ بغداد - يقول: وهو حديث منكر، وعلته محمد بن خالد المخزومي قال عنه ابن الجوزي: مجروح، وقال الحافظ في اللسان: هذا حديث منكر لا أصل له. إذاً: حديث: {الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله} ليس بصحيح، ولفظه وسنده منكر، ولا يصح رفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. أما قوله: الصبر نصف الإيمان فلا أعرف في ذلك حديثاً لكن ورد {الصوم نصف الصبر} وهذا معناه صحيح.

حال حديث: (من خاف من الله خوف الله منه كل شيء)

حال حديث: (من خاف من الله خوَّف الله منه كل شيء) حديث: {من خاف من الله خوَّف الله منه كل شيء، ومن لم يخف من الله خوفه الله من كل شيء} هذا الحديث يذكر في كثير من الأمكنة والمناسبات، وهو ليس بصحيح. روى هذا الحديث القضاعي، وذكره المنذري في الترغيب من رواية أبي الشيخ، ثم قال: ورفعه منكر، وضعفه العراقي وغيره، فيظهر لنا تضعيفه.

حال حديث: المؤمن كيس فطن حذر

حال حديث: المؤمن كيس فطن حذر أيضاً حديث: {المؤمن كيس فطن حذر} لا يصح بهذا اللفظ، وورد: {المؤمن كيس فطن} أما زيادة (حذر) فلا تصح، بل هي موضوعه عند أهل العلم، رواه كذلك القضاعي عن سليمان بن عمرو النخعي عن أبان عن أنس بن مالك مرفوعاً. وهو موضوع؛ لأن النخعي هذا وضاع كذاب، وأبان هو أبان بن أبي عياش وهو متروك متهم. ومن الطرف كما ذكرها ابن الجوزي وغيره- أن أحد الحمقى من المصحفين كان يقرأ على الناس في المسجد: فأراد أن يقرأ: المؤمن كيس فطن، فقال: المؤمن كيس قطن! وهذه يضعفونها كثيراً. ويذكر ابن الجوزي -أيضاً- عن أحد من الحمقى الذين لا يعرفون القراءة، يقول: كان عنده مصحف قديم، ويدرس الأطفال في المسجد، فقرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} [الحديد:13] فقال هو: فضرب بينهم بسنور له ناب، وهذا من جهله. ومر ابن تيمية على أحد الجهلة وهو يقرأ: فخر عليهم السقف من تحتهم، بدلاً"من فوقهم" السقف دائماً لا يخر إلا من فوق، وما سمعنا أبداً أن سقفاً خر من تحت، فقال ابن تيمية: لا قرآن ولا عقل، أي: ليس عندك قرآن ولا عندك عقل تعرف أن السقف دائماً من فوق، يقول الله عز وجل يقول: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:26] والسقف لا يأتي من تحت، وخذها قاعدة العرصة من تحت والسقف من فوق. وأما قوله: حذر، فهي زيادة في الحديث تضعفه في هذا السياق، بل تجعله موضوعاً.

حال حديث: الفاجر خب لئيم

حال حديث: الفاجر خب لئيم وكذلك حديث: {والفاجر خب لئيم} والفاجر أي الخداع؛ ولذلك الآن المصطلحات العصرية تجعل من الفاجر ذكياً، ومن المؤمن غبياً، يقولون: سياسي وداهية، وعنده أفكار دبلوماسية، ويستطيع أن يخدع الناس بسهولة، وهذا يعني أنه منافق، وكذاب، ومخادع، بينما يقول الله عز وجل: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14] وكثير من الفجرة يتمدح لإخوانه ويقول: لا عليكم من فلان أنا سأخدعه، وسوف أضحك عليه، وسوف ألعب على عقله، وسوف أجعله لا يدري أين شماله من يمينه، وهو ما ضحك إلا على نفسه! قال تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14 - 15].

حال حديث: مفتاح الجنة لا إله إلا الله

حال حديث: مفتاح الجنة لا إله إلا الله 7000415وكذلك حديث: {مفتاح الجنة لا إله إلا الله} ذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي وقال: خرجه الإمام أحمد بسند منقطع. وهو على كل حال ضعيف، وقد أخرجه في الجامع الصغير براوية الطبراني عن معقل بن يسار: {لكل شيء مفتاح ومفتاح السماوات قول: لا إله إلا الله} وهو ضعيف، لكن يصح حديث: {من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة} أما: {مفتاح الجنة لا إله إلا الله} فليس بصحيح؛ بل هو ضعيف.

حال حديث: توسلوا بجاهي

حال حديث: توسلوا بجاهي {توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم} هذا الحديث لا أصل له، نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة فقال: لا أصل له. وهذا طريق للمبتدعة، فيتوسلون بجاهه عليه الصلاة والسلام، ويتوسلون بمشائخهم وبالأولياء في الأضرحة كـ السيدة زينب وأحمد البدوي والجيلاني. وهؤلاء إذا قلت لهم: ما لكم؟ هذا شرك. قالوا: لا، نحن نريد البركة فقط، ونحن لا نعبد إلا الله، وهؤلاء حالهم مثل المشركين، قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] قال لهم صلى الله عليه وسلم: لا تعبدوا الأصنام، قالوا: نحن لا نعبد الأصنام ولا نسجد لها ولكن نتقرب بها إلى الله. وهذا مثل من يطوف بضريح الحسين والسيدة زينب وأحمد البدوي والجيلاني وأمثالهم في العالم الإسلامي، هؤلاء تماماً مثل من قال: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]. واسمحوا لي الآن -عفا الله عنكم- أن أقرأ عليكم كلمة مفيدة للشيخ العظيم شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة وهي مفيدة جداً يقول: والأحاديث الواردة في التوسل به صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين: صحيح وضعيف، أما الصحيح فلا دليل فيه البتة على أنه توسل بذات أو بجاه النبي صلى الله عليه وسلم مثل توسلهم به صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء وتوسل الأعمى به صلى الله عليه وسلم؛ فإنه توسل بدعائه لا بجاهه ولا بذاته صلى الله عليه وسلم، ولما كان التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير ممكن، كان التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته غير ممكن وغير جائز. وأحسن من كتب في هذا الموضوع هو شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه التوسل والوسيلة فلينتبه لذلك. لك أن تقول: اللهم بحبي لك اغفر لي، اللهم بمتابعتي لرسولك عليه الصلاة والسلام ارحمني، اللهم ببري لوالدي اغفر لي، وهذا نص عليه صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت: {أن ثلاثة انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فقام أحدهم يتوسل ببره بوالديه، والثاني، أن بنت عمه دعاها فلما تمكن منها تركها خوفاً من الله والثالث بأنه كان له أُجراء فأعطاهم حقهم إلا أجيراً فر ثم أعطاه حقه، فأزاح الله لهم الصخرة حتى خرجوا} فهؤلاء توسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة فهذا يصح، أما من يذهب إلى قبر صالح ويقول: يا أيها الرجل -وهو في قبره- اغفر لي، أو ادعو الله أن يغفر لي أو افعل بي كذا، كما فعل البرعي وهو شاعر يمني يجيد الشعر، ولكن سيء في العقيدة أتى إلى المسجد النبوي على صاحبه الصلاة والسلام فوقف عند قبر الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما فأقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب بالذنب سبعين عاما وهذا شرك وخطأ وابتداع. ويقول البوصيري: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم إن لم تكن في قيامي آخذ بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم وهذا شرك وابتداع. ويقول أحدهم وهو ابن عربي الطائي فيما ينسب إليه -نسأل الله أن يعافينا مما ابتلاه به- يقول وهو واقف عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ يقول في بيتين جميلين لكنه أساء في البيتين: في حالة البعد نفسي كنت أرسلها تقبل الأرض عنكم وهي نائبتي وهذه دولة الأشباح قد حضرت فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي قال الخرافيون: فانشق القبر، ومد الرسول صلى الله عليه وسلم يده وقبلها وهذا كذب {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5] وهذه القصة موجودة يذكرها مثل النبهاني وأمثاله من الخرافيين.

حال حديث: نية المؤمن خير من عمله

حال حديث: نية المؤمن خير من عمله من الأحاديث الضعيفة التي لا يستند إليها: {نية المؤمن خير من عمله} رواه العسكري في الأمثال والبيهقي في الشعب عن أنس مرفوعاً، وقال ابن دحية: لا يصح، وقال البيهقي: إسناده ضعيف. ولو أن ابن تيمية في مختصر الفتاوى قال: يروى في الحديث، وكلمة يروى في الحديث تشعر بالتضعيف. وقد يكون معناه صحيحاً؛ لكن من حيث السند لا يصح، وإلا فأحياناً تكون نية المؤمن خير من عمله إذا نوى الخير، ثم لم يدرك هذا الخير، مثلاً: نوى أن يصوم وما وفق للصيام، خير من أن يصوم ويرائي بصيامه الناس {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23].

حال حديث: من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد

حال حديث: من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد ومن الأحاديث ما يروى: {من تمسك بسنتي عند فساد أمتي؛ فله أجر مائة شهيد} هذا ضعيف جداً، ولا يستشهد به، رواه ابن عدي في الكامل وابن بشران في الأماني، وعلته الحسن بن قتيبة، قال الذهبي في الميزان: هالك، أي: هالك منهار. لا إله إلا الله! هذه الأمة -الأمة المحمدية- محصت الرجال مثل علم الماس، فبينت الصحيح منهم والضعيف، فحفظت الشريعة، ومعجزتنا عند الغربيين والمستشرقين كما قال جولد زيهر: ليست معجزة المسلمين في الفقه، أو التفسير، أو أصول الفقه؛ فهذه علوم قد يشترك فيها الناس، لكن العجيب في الحديث النبوي: قالوا: فلان ثقة، وفلان ثبت، وفلان ضعيف، وفلان هالك، وفلان كذاب، وفلان متروك، وفلان لين، وفلان سيء الحفظ، كل محدثوا الأمة وضعوا عليه اسماً معروفاً. ولذلك يخرجون الأحاديث المكذوبة إخراجاً، ويعرفونها تمحيصاً، ويدركونها إدراكاً عظيماً، لا يوضع حديث إلا وفي اليوم الثاني تنبيه على هذا الحديث قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. وقال الدارقطني في الحسن بن قتيبة: هذا متروك الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال الأزدي: واهي الحديث، إذاً هذا الحديث لا يصح.

حال حديث: من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر شهيد

حال حديث: من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر شهيد الحديث الذي يليه حديث: {من تمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد} لا يصح هذا الحديث، وهو ضعيف أخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق الطبراني، وأنا أنصح إخواني ألا يعتمدوا على كتاب الحلية لـ أبي نعيم دائماً؛ إنما يعتمدوا على صحيح البخاري وصحيح مسلم. وأنا أرى يا أخي! أن يكون لك مكتبة ولو مصغرة، واصنع قائمة صغيرة بالكتب التي تكون في مكتبتك مع الأشرطة الإسلامية مثل: القرآن الكريم، وتفسير ابن كثير أو أحد مختصراته، ورياض الصالحين وبلوغ المرام وجامع العلوم والحكم وكتاب الاستقامة ومنهاج المسلم وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب وشرحه فتح المجيد هذا إن شاء الله خير كثير، أرى أن تقرأ في هذه الكتب لكي تنفعك وتقربك من الله، هذا كحدٍ أدنى من الكتب. إذاً هذا الحديث: {المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد} لا يصح عنه عليه الصلاة والسلام، أخرجه أبو نعيم في الحلية والطبراني، وقال الهيثمي في المجمع - مجمع الزوائد - رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن صالح العذري ولم أجد له ترجمة وبقية رجاله ثقات.

حال حديث: (اختلاف أمتي رحمة)

حال حديث: (اختلاف أمتي رحمة) حديث: {اختلاف أمتي رحمة} ضعيف، يقول ابن تيمية في مختصر الفتاوى: (والإجماع حجة قاطعة، واختلاف الأمة رحمة واسعة. لكن ليس الاختلاف مقصوداً، والله لا يحب الاختلاف، وقد ذمه الله ورسوله فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]. فيا أيها الإخوة الكرام! اعلموا أن هذا الحديث ليس بصحيح، ولا بثابت عنه عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث: {اختلاف أمتي رحمة} ذكره البيهقي في رسالته الأشعرية تعليقاً وأسنده في المدخل من حديث ابن عباس: {اختلاف أصحابي لكم رحمة} وإسناده ضعيف كما قال العراقي في تخريج الإحياء فليعلم ذلك. لكن أهل السنة يختلفون في الفرعيات ولا يختلفون في الأصول، واختلافهم في الفرعيات رحمة للأمة ليوسع الله على العباد، لكن هذا اللفظ ليس بثابت عنه صلى الله عليه وسلم، فليعلم ذلك ولتكونوا على حيطة.

حال حديث: (أصحابي كالنجوم)

حال حديث: (أصحابي كالنجوم) حديث: {أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم} لا يصح، وهو موضوع، رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله وابن حزم في الأحكام، وهذا إسناد لا تقوم به حجة؛ لأن الحارث بن غصين مجهول، وقال ابن حزم: هذه رواية ساقطة، أبو سفيان ضعيف والحارث بن غصين هذا هو أبو وهب الثقفي وسلام بن سلمان يروي الأحاديث الموضوعة؛ وهذا منها بلا شك فليعلم، وأظن ممن ذكر هذا الحديث صاحب الروض المربع وهو لا يتحرى رحمه الله في الأحاديث؛ يروي أحاديث بعضها موضوعة وبعضها ضعيفة جداً. إذاً هذا الحديث لا يصح.

حال حديث: (خذوا شطر دينكم عن الحميراء)

حال حديث: (خذوا شطر دينكم عن الحميراء) من الأحاديث أيضاً حديث: {خذوا شطر دينكم عن الحميراء أو عن هذه الحميراء} وهو حديث لا أصل له. ومن هي الحميراء؟ هي: عائشة رضي الله عنها؛ وهي من أوثق نساء الأمة، بل هي عالمة الأمة، وكان الصحابة يعودون إليها في كثير من الأحكام. وقد صح استخدام لفظ الحميراء في ثلاثة أحاديث عنه عليه الصلاة والسلام. يقول ابن القيم في زاد المعاد: لم يأت في حديث صحيح ذكر الحميراء. فرد صاحب الحاشية الأرنؤوط وقال: بل ورد في ثلاثة أحاديث صحيحة، وأتى بها وبأسانيدها وقد صدق، أما هذا اللفظ: {خذوا شطر دينكم عن الحميراء أو عن هذه الحميراء} ليس بصحيح. قال ابن حجر: لا أعرف له إسناداً، وابن حجر إذا قال: لا أعرف له إسناداً فحسبك به: خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل ويقول: ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلا في النهاية لـ ابن الأثير، ولم يذكر من خرجه، وذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير أنه سأل المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه، وإذا لم يعرف الحديث المزي ولا الذهبي فمن يعرفه؟!!

حال حديث: (الخير في وفي أمتي)

حال حديث: (الخير فيَّ وفي أمتي) حديث {الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة} معناه: صحيح ولكن لا أصل له، فلا تستشهد به، ولا تقله، مع أن معناه صحيح، ولا يعني أنه إذا كان معنى الحديث صحيحاً فإنه وارد لا، بعض المفكرين العصريين يقولون هذا، وقد نشرته جريدة الشرق الأوسط في عدد لها، ونشرت هذه المقالة في ملحق لها عن معهد المفكرين الإسلاميين يقول: إذا كان معنى الحديث صحيحاً فيكفي، وهذا خطأ فاحش، بل لابد من صحة سنده ومتنه، فحديث: {الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة} لا أصل له، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: لا أعرفه، وقال ابن حجر الهيثمي: لم يرد بهذا اللفظ. وأورده السوقي في ذيل الأحاديث الضعيفة، ويغني عنه حديث البخاري ومسلم: {لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك}.

حال حديث: (ما فضلكم أبو بكر)

حال حديث: (ما فضلكم أبو بكر) أيضاً حديث: {ما فضلكم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره} أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من قول بكر بن عبد الله المزني، ولا أصل له مرفوعاً، قاله العراقي في تخريج الإحياء وأقره السخاوي في المقاصد الحسنة. هذا الحديث مشهور بين الناس: {ما سبقكم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولا صدقة ولكن بإيمان وقر في صدره} لكنه ليس من كلامه عليه الصلاة والسلام.

حال حديث: (من توضأ ومسح عنقه)

حال حديث: (من توضأ ومسح عنقه) كذلك حديث: {من توضأ ومسح عنقه لم يغل بالأغلال يوم القيامة} لا يصح لا معنىً ولا سنداً، ولم يرد فيما أعلم في مسح العنق حديث صحيح، فأنت إذا توضأت لا تمسح عنقك، ولا تستدل بهذا الحديث، فهو حديث موضوع رواه أبو نعيم في أخبار أصبهان، وروي عن الدارقطني وقال: منكر الحديث، وقال الحاكم: ساقط؛ وضعفه العراقي في تخريج الإحياء.

حال حديث: (صلاة بسواك أفضل)

حال حديث: (صلاة بسواك أفضل) ومنها حديث: {صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك} هذا في مسند الإمام أحمد لكنه ضعيف، رواه أحمد وابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما والبزار في مسنده وقال البيهقي: إسناده غير قوي؛ وذلك لأن مداره على محمد بن إسحاق عن الزهري ويغني عنه حديث: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة} أو: {عند كل صلاة} أو: {عند كل وضوء} أما هذا الحديث فليس بصحيح؛ بل هو ضعيف فليتنبه لذلك.

حال حديث: (الصلاة عماد الدين)

حال حديث: (الصلاة عماد الدين) الحديث الذي يروى: {الصلاة عماد الدين، فمن تركها فقد هدم الدين} ليس بصحيح، ولفظ {الصلاة عماد الدين} مشهور، ويذكرونه كثيراً؛ يقولون: قال الرسول عليه الصلاة والسلام: {الصلاة عماد الدين} وهو ليس بثابت، بل هو واهٍ، ولم يقله عليه الصلاة والسلام، وقد رواه البيهقي في الشعب بسند ضعيف من حديث عمر، قال الحاكم: عكرمة لم يسمع من عمر، ولم يقف عليه ابن الصلاح فقال في مشكل الوسيط إنه غير معروف، كذلك في الإحياء.

حال حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا)

حال حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا) وحديث: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا، فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه}. هو من كلام عائشة، ولكن مع ذلك فهو ضعيف، أخرجه الأزدي في الضعفاء من حديث سويد بن غفلة مرسلاً، كذا في تخريج الإحياء، وهو ضعيف لا يصح.

حال حديث: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر)

حال حديث: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر) وكذلك حديث: {من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر؛ لم يزدد من الله إلا بعداً} ضعيف سنداً ومعنىً، ومعناه: أن الإنسان إذا كان يصلي ويرتكب الفحشاء مثل أن يصلي ويزني، أو يصلي ويشرب الخمر، أو يصلي ويسرق، أو يصلي ويكذب معنى الحديث: أن الصلاة تزيده بعداً؛ لأنه يرتكب الفاحشة ويصلي، إذاً فليترك الصلاة، معنى الحديث لو أنه يزني ويترك الصلاة أحسن؛ لأنه لو صلى وزنى زادته الصلاة بعداً من الله! وهذا خطأ سنداً ومتناً ومعنىً؛ لأن الصلاة لا تزيد العبد إلا قرباً من الله؛ حتى لو كان يرتكب الفواحش فإنه سوف تمر به فترة إذا داوم على الصلاة بخشوع وخضوع وصدق وإنابة وإخلاص وسوف تدفعه إلى تقوى الله، والخشية منه، وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45]. وهنا قضيتان من قضايا الساعة عندنا نحن المسلمين، وهما قضيتان مطروحتان: القضية الأولى: المخدرات، والقضية الثانية: البث المباشر. أما المخدرات الآن فقد أحدثت ضجة إعلامية في العالم، فـ روسيا تحارب المخدرات، وأمريكا بل كل دول العالم كافرها ومؤمنها، يحاربون المخدرات، ولا نعلم شعباً في الأرض يرضى بالمخدرات، لكن يحاربونها بالحديد والرصاص ونحن نحاربه بالإيمان والإخلاص، يحاربونه بالتنديد والتهديد ونحاربه نحن بكلمة التوحيد، فنحن متى ننجح في منع الناس من المخدرات؟ إذا أتينا بالشباب إلى المسجد، وإلى القرآن، وإذا كان الشاب يسمع الأغنية، ويطالع الصورة الخليعة، ويسهر مع الفيلم، والسهرة، والبلوت، هذا وشيك وقريب أن يقع في المخدرات. إذا نجحت بإدخال الشاب إلى المسجد، وإجلاسه في مجالس الحديث والدروس والمحاضرات، إذا نجحت في أن تُهدي له كتيباً أو شريطاً فقد قدته إلى الله، وقد جعلت بينه وبين المخدرات حائلاً، نحن لا نستطيع أن نسيطر على الفواحش والمنكرات إلا بالصلاة، وبالإيمان، والقرآن، وذكر الله، وخشيته هذا علاجنا. البث المباشر أصبح الآن أخطبوطاً في العالم، خاصة العالم المسلم، أما العالم الغربي فهو الذي أنتجه، وبعض الدول العلمانية في العالم العربي التي تريد أن تشوش على الشاشة؛ لئلا تستقبل الصور من الرادار، وبعضها ترى أن تطور شاشتها قبل أن يفد إليها هذا الوافد، وإذا أتى هذا السيل بطلت سيولهم، وبعضهم احتار ماذا يفعل؟ والذي ورد من المحققين، ومن أهل الصحافة والمراقبين أن هذا البث المباشر سوف لا يجدي فيه التشويش، وسيصبح مثل الراديو، ينقل المحطات والقنوات مباشرة، ولا يستطاع أن يشوش عليه. لا تحدثني عن البث المباشر والعرب سات وأقمار المقامر أنا بثي دعوة قدسية تطفئ الشمس وتخزي كل كافر والمذيعون علي والبراء وأبو بكر وعمار بن ياسر أكبر ما يشوش عليه الإيمان، وعندنا أناس من أبنائنا ومن السعودية، ومن مصر، والكويت، والإمارات، والسودان، واليمن، والعراق يدرسون في أمريكا، لكنهم يعيشون مثل حياة الصحابة، مؤمنون كإيمان أبناء الصحابة وهم هناك!؛ عندهم ثمانية وخمسون قناة، عندهم قناة في الشارع وفي المكتبة وفي الأوتيل وفي الطريق وفي المقهى، ولكنهم بإيمانهم انتصروا عليها، عندهم زوجاتهم وأطفالهم ويعيشون كحياة الصحابة؛ وعندهم قيام ليل وصيام الأيام البيض ويقرءون القرآن وهم في أمريكا! وعندنا أناس قد يسكنون بجانب الحرم لكنهم فجرة بل من أكبر الفجار! ذاك في أريزونا وهو مؤمن، وهذا في مكة وهو فاجر، فلا يجدي المكان ولا الزمان، ولا يجدي إلا الإيمان، بأن نأتي بهذا الإيمان ونغرسه في قلوب الناس حتى ننتصر على هذه التخطيطات التي يخطط لها الكافر شرقيه وغربيه. أنا ذكرت هذا بمناسبة من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر؛ لأن الناس إذا سمعوا مثل هذا الحديث، قالوا: ما دام أنها لا تزيدنا من الله إلا بعداً؛ إذاً نرتكب الفواحش ثم نتوب فيما بعد ونترك الصلاة معها، ثم نقضيها مرة واحدة! وهذا خطأ كبير في الفهم نسأل الله العافية والسلامة.

حال حديث: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة)

حال حديث: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة) أيضاً من الأحاديث الواهية أو الموضوعة حديث: {رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه} وهذا لا يصح، بل هو حديث موضوع، وقد عزاه السيوطي في الجامع الصغير إلى الحكيم الترمذي في النوادر وقال العراقي في شرح الترمذي: فيه سليمان بن عمر وهو متفق على ضعفه، وقال ابن عدي: إن سليمان يضع الحديث. هذا من بركة سليمان! سليمان بن عمر من بركته هذا الحديث أن وضعه للناس. ويقولون: إنه من كلام سعيد بن المسيب رحمه الله، وليس من كلامه عليه الصلاة والسلام.

حال حديث: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)

حال حديث: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) حديث: {لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد} ضعيف، أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي وفيه سليمان بن داود اليمامي، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث. وقال الذهبي: قال البخاري: من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل رواية حديثه. وهذا الحديث على الصحيح أنه من كلام علي بن أبي طالب، وهو موقوف على علي بن أبي طالب، لكن كأنك تفهم أن معنى ذلك ما دام أنه لا يصح هذا الحديث، فإنه يجوز للإنسان أن يصلي في بيته وهذا خطأ؛ بل وردت أحاديث أن صلاة الجماعة واجبة وليست سنة، إذاً واجب عليك أن تصلي جماعة في المسجد مع الناس. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم بالنار} وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام عند ابن ماجة وأحمد وصححه ابن تيمية وعبد الحق الإشبيلي أنه قال: {من سمع النداء فلم يأت، فلا صلاة له إلا من عذر}.

حال حديث: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد)

حال حديث: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد) كذلك من الأحاديث حديث: {إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان فإن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:18]} هذا الحديث رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وفي سنده دراج أبي السمح وهو ضعيف في حديثه عن أبي الهيثم، وقال الذهبي: دراج كثير المناكير. فالحديث ضعيف.

حال حديث: (من صلى بعد المغرب ست ركعات)

حال حديث: (من صلى بعد المغرب ست ركعات) أيضاً حديث: {من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء؛ عدلن له بعبادة اثنتي عشر سنة} ضعيف جداً، أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب، وفيه عمر بن أبي خثعم قال عنه البخاري: منكر الحديث، وتعرف هذه الصلاة: بصلاة الأوابين، التي لم يرد في فضلها حديث صحيح.

حال حديث: (اطلبوا العلم ولو في الصين)

حال حديث: (اطلبوا العلم ولو في الصين) ومن الأحاديث: حديث: {اطلبوا العلم ولو في الصين} لا يصح عنه عليه الصلاة والسلام، وهو باطل، موضوع وكذب، رواه ابن عدي وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله وأبي نعيم في أخبار أصبهان، وعلته أبو عاتكة طريف بن سلمان قال عنه البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة.

حال حديث: (من عمل بما يعلم)

حال حديث: (من عمل بما يعلم) حديث: {من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم} لا يصح، وهو موضوع، وكذب، أخرجه أبو نعيم من طريق أحمد بن حنبل عن يزيد بن هارون عن حميد الطويل عن أنس مرفوعاً، وهذا لا يصح لأن فيه وهم عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وبعض التابعين يجعله عن عيسى عليه السلام.

حال حديث: (كلمة من الحكمة)

حال حديث: (كلمة من الحكمة) حديث: {كلمة من الحكمة يسمعها المؤمن فيعلمه ويعمل بها خير من عبادة سنة} ضعيف، أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق من رواية زيد بن أسلم مرسلاً، ونحوه في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة قال العراقي في تخريج الإحياء: سنده ضعيف.

حال حديث: (صنفان من أمتي إذا صلحا)

حال حديث: (صنفان من أمتي إذا صلحا) حديث: {صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس: الأمراء والعلماء} لا يصح؛ بل هو موضوع وكذب، أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، وفي سند هذا الحديث محمد بن زياد اليشكري قال عنه أحمد: كذاب أعور يضع الحديث، وقال ابن معين والدارقطني: كذاب.

حال حديث: (إذا أتى علي يوم)

حال حديث: (إذا أتى عليَّ يوم) كذلك حديث: {إذا أتى عليَّ يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله تعالى؛ فلا بورك لي في طلوع شمس ذاك اليوم} لا يصح عنه صلى الله عليه وسلم، وهو موضوع، فليتنبه له، وهو موجود في بعض المذكرات والمدارس، فليتنبه له ويشطب عليه لأنه كذب، وليس من كلامه عليه الصلاة والسلام، أخرجه ابن عدي في الكامل وأبو نعيم في الحلية من طرق كثيرة كلها باطلة.

حال حديث: (من حمل من أمتي أربعين حديثا)

حال حديث: (من حمل من أمتي أربعين حديثاً) كذلك حديث: {من حمل من أمتي أربعين حديثاً لقي الله عز وجل يوم القيامة فقيهاً عالماً} أخرجه ابن عبد البر، وذكره العراقي في الإحياء، وهو حديث باطل لا يصح، وبعض أهل العلم يجمعون له طرق، ويقولون: بمجموع طرقه يستشهد به، لكن يظهر أنه واهن شديد الوهن، ولا يستشهد به ولا يستدل به. حمل هذا الحديث بعض الناس أن يضعوا أربعين حديثاً في الفنون مثل الأربعين النووية والأربعين في الجهاد والأربعين في العلم والأربعين في الزهد؛ بسبب هذا الحديث.

حال حديث: (من أخلص لله أربعين يوما)

حال حديث: (من أخلص لله أربعين يوماً) حديث: {من أخلص لله أربعين يوماً ظهرت ينابيع الحكمة على لسانه} ضعيف، أخرجه أبو نعيم في الحلية وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ثم قال: لا يصح، فيه يزيد بن أبي يزيد عبد الرحمن الواسطي كثير الخطأ، وحجاج مجروح، ومحمد بن إسماعيل مجهول، ولا يصح سماع مكحول لـ أبي أيوب.

حال حديث: (إنكم في زمان)

حال حديث: (إنكم في زمان) أيضاً حديث: {إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك، ثم يأتي زمان من عمل منكم بعشر ما أمر به نجا} حديث منكر، رواه الترمذي وأبو نعيم في الحلية، ولا يصح سنده.

حال حديث: (فكرة ساعة خير من عبادة ستين سنة)

حال حديث: (فكرة ساعة خير من عبادة ستين سنة) حديث: {فكرة ساعة خير من عبادة ستين سنة} موضوع، ذكره ابن الجوزي في الموضوعات.

حال حديث: (النظر في وجه العالم عبادة)

حال حديث: (النظر في وجه العالم عبادة) أيضاً حديث: {النظر في وجه العالم عبادة} لا يصح، وهذا الحديث أورده الديلمي بلا سند عن أنس مرفوعاً، قال السخاوي في المقاصد الحسنة: لا يصح. ولو نظر فاجر في وجه عالم أو في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم مائة سنة ما نفعه ذلك، كان عبد الله بن أبي ينظر في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك أدخله الله النار، وكذلك أبو جهل نظر في وجهه عليه الصلاة والسلام؛ فهذا لا يصح سنداً ولا متناً.

حال حديث: (النظر في الكعبة عبادة)

حال حديث: (النظر في الكعبة عبادة) وكذلك حديث: {النظر في الكعبة عبادة} حديث ضعيف.

حال حديث: (ذاكر الله في الغافلين)

حال حديث: (ذاكر الله في الغافلين) كذلك حديث: {ذاكر الله في الغافلين بمنزلة الصابر في الفارين} وهو ضعيف جداً، رواه الطبراني وعنه أبو نعيم وفيه الواقدي ولا يصح حديثه.

حال حديث: الدعاء مخ العبادة)

حال حديث: الدعاء مخ العبادة) كذلك حديث: {الدعاء مخ العبادة} لا يصح وهو ضعيف، أخرجه الترمذي من حديث أنس وضعفه بقوله: غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام حديث {الدعاء هو العبادة} عند الحاكم وغيره.

حال حديث: (أكثروا ذكر الله)

حال حديث: (أكثروا ذكر الله) كذلك حديث: {أكثروا ذكر الله، حتى يقولوا: مجنون} ضعيف، أخرجه الحاكم وأحمد، وهو ضعيف بأسانيده، وهذا الحديث لا يصح عنه صلى الله عليه وسلم فليعلم هذا.

حال حديث: (ما خاب من استخار)

حال حديث: (ما خاب من استخار) كذلك حديث: {ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد} موضوع، رواه الطبراني في الصغير عن عبد القدوس بن عبد السلام بن عبد القدوس إلى الحسن مرفوعاً، وعبد القدوس الجد كذاب وابنه اتهم بالوضع، وكذلك ابنه فهي سلسلة كذابين، الأب والولد والجد كلهم كذابون، ورث أبوه عن جده بصك شرعي، ثم ورث ابنه الكذب عن أبيه، فهو سند مظلم فلان عن فلان عن فلان كلهم كذابون؛ فلا يصح هذا الحديث.

حال حديث: (أدبني ربي فأحسن تأديبي)

حال حديث: (أدبني ربي فأحسن تأديبي) كذلك حديث: {أدبني ربي فأحسن تأديبي} رواه ابن عساكر وهو حديث باطل لا يصح، معناه صحيح وسنده باطل لا يصح، وابن تيمية يقول في مجموع الرسائل الكبرى: معناه صحيح ولكن لا يعرف له إسناد ثابت، وأيده السخاوي والسيوطي.

حال حديث: (الأقربون أولى بالمعروف)

حال حديث: (الأقربون أولى بالمعروف) كذلك حديث: {الأقربون أولى بالمعروف} لا يعرف حديثاً؛ وهو مشهور بين الناس، حتى يظن البعض أنها آية، وهي ليست بآية ولا توجد هذه الآية في القرآن من أوله إلى آخره، إذاً هذا الحديث لا أصل له بهذا اللفظ كما أشار إليه السخاوي في المقاصد الحسنة.

حال حديث: (اعمل لدنياك كأنك تعيش)

حال حديث: (اعمل لدنياك كأنك تعيش) من الأحاديث المشهورة: حديث: {اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً} لا يصح ولا أصل له، وليس مرفوعاً إليه عليه الصلاة والسلام، وأخرجه ابن قتيبة وهو في غريب الحديث، وأخرجه البيهقي في سننه مرفوعاً، ولكنه ليس بصحيح.

حال حديث: (أوحى الله إلى الدنيا)

حال حديث: (أوحى الله إلى الدنيا) كذلك حديث: {أوحى الله إلى الدنيا أن اخدمي من خدمني، وأتعبي من خدمك} وهو موضوع أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد والحاكم في معرفة علوم الحديث، ولا يصح مرفوعاً أبداً.

حال حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر)

حال حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر) كذلك حديث: {رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر} ليس بصحيح لا معنىً ولا سنداً، والجهاد الأكبر هو جهاد الكفار؛ لأن من يجاهد الكفار في الجبهة يجاهد نفسه ويجاهد الكفار، فكيف يقول عليه الصلاة والسلام: {رجعنا من الجهاد الأصغر} هذا لا يصح؛ لأن من كان في الجبهة يجاهد نفسه مثل من هو مقيم، ويزيد على جهاد نفسه مجاهدة الكفار، إذاً هذا لا أصل له، قال ابن تيمية: لا أصل له، ولم يرو أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وجهاده، ثم يقول: وجدت أن البيهقي أخرجه في الزهد من حديث جابر وقال: هذا إسناد فيه ضعف ولا يصح، بل الجهاد الأكبر جهاد الكفار.

حال حديث (يا عم! والله لو وضعوا الشمس)

حال حديث (يا عم! والله لو وضعوا الشمس) كذلك حديث: {يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك فيه} وهذا مشهور وموجود في السير مثل ابن إسحاق وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم نازله الكفار، وقال: {يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك فيه} وهذا لا يصح، وقد أورده بعض الشعراء في قوله: الشمس والبدر صوت من الغور أم نور من الغار أم ومضة الفكر أم تاريخ أسرار يا عيد عمري ويا فجري ويا أملي ويا محبة أعمارٍ وأقطار تطوي الدياجير مثل الفجر في ألق تروي الفيافي كمثل السلسل الجار الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار لكن هذا اللفظ لا يصح، بل هو ضعيف الإسناد أخرجه ابن إسحاق من طريق ابن جرير، وكذلك أخرجه ابن جرير عن ابن إسحاق، وهو لا يصح لعلل كثيرة في سنده.

حال حديث: (كيفما تكونوا يولى عليكم)

حال حديث: (كيفما تكونوا يولى عليكم) أيضاً حديث: {كيفما تكونوا يولى عليكم} ضعيف الإسناد، ولو أن في معناه صحة لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129] فالله يولي على الناس مثل أعمالهم؛ إن كانوا عدولاً وأخياراً وليَّ عليهم عدولاً وأخياراً، وإن كانوا ظلمة وفجرة وليَّ عليهم ظلمة وفجرة. يذكر في التاريخ: أن عبد الملك بن مروان تولى الحكم، وكان هذا الرجل يحب الإقدام والشهرة، فكان الناس يحبون الشهرة، وتولى الوليد بن عبد الملك بعده فكان يحب العمار والتوسعة، فكان الناس يحبون العمار، وتولى سليمان بن عبد الملك فكان يحب الأكل كثيراً وكان مغرماً بالأكل، وكان أكثر الناس أكلاً رحمه الله، فكان الناس يحبون الأكل، ولا يتحدثون في المجالس دائماً إلا بالأكل، وتولى بعده عمر بن عبد العزيز فكان رجلاً صالحاً عابداً خاشعاً زاهداً ولياً فأصبح الناس يزهدون ويتوجهون إلى الآخرة: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129]. أما لفظ هذا الحديث فلا يصح: {كيفما تكونوا يولى عليكم} أخرجه الديلمي عن أبي بكرة مرفوعاً، قال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف في إسناده إلى مبارك مجاهيل.

حال حديث: (كل إناء بما فيه ينضح)

حال حديث: (كل إناء بما فيه ينضح) وكذلك حديث: كل إناء بما فيه ينضح ليس بحديث عنه عليه الصلاة والسلام؛ بل هو مثلٌ ونصف بيت شعر، كما يقال: المعدة بيت الداء، والحمية رأس كل دواء هذا لا يصح، وهو من كلام الحارث بن كندة وهو طبيب من أطباء العرب المشاهير، وعنده فلسفة، وهو طبيب يكتشف العقاقير وكان ذكياً، لكن -سبحان الله- أخفق في عالم الروح، يقول: أنا أستطيع أن أعارض القرآن، وأستطيع أن آتي بكلام مثل القرآن؛ قال له الناس: اتق الله يا حارث! لأنه ذكي، فغره ذكاؤه، قال: لا، أنا آتي بمثل القرآن؛ فدخل في غرفة، وأغلق عليه الباب، وفتح المصحف لينظر وليعارض المصحف بكلام مثل المصحف، ففتح على سورة المائدة وأخذ القلم وأخذ الورقة يكتب مثل القرآن، فقرأ أول سورة المائدة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:1] فبقي مذهولاً والقلم في يده وقال: سبحان الله! نادى ثم أمر ثم نهى ثم استثنى ثم بين ثم حكم ثم ختم في آية! هذا لا يستطاع له، فلما أراد أن يرد يده وجدها قد شلت؛ وأصبح يأكل بيسراه: شلت يمينك إن قتلت لمسلماً حلت عليك عقوبة المتعمد

حال حديث: (أحب الأسماء ما عبد وحمد)

حال حديث: (أحب الأسماء ما عبد وحمد) وكذلك حديث: {أحب الأسماء ما عُبِّد وحُمِّد} لا يصح، ذكره السيوطي، وهو موجود بيانه في كشف الخفاء.

حال حديث: (أحبوا العرب لثلاث)

حال حديث: (أحبوا العرب لثلاث) وكذلك حديث: {أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي} موضوع، أخرجه الحاكم في المستدرك والعقيلي في الضعفاء وفي سنده العلاء بن عمر، فلا يصح هذا الحديث.

حال حديث: (صوموا تصحوا)

حال حديث: (صوموا تصحوا) وكذلك حديث: {صوموا تصحوا} سنده ضعيف، رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الطب النبوي من حديث أبي هريرة بسند ضعيف.

حال حديث: (من حج ولم يزرني)

حال حديث: (من حج ولم يزرني) كذلك حديث: {من حج ولم يزرني فقد جفاني} لا يصح، بل هو موضوع، أورده الصاغاني في الأحاديث الموضوعة، وكذا ابن الجوزي ووافقه الذهبي في الميزان، ولا يصح هذا الحديث؛ بل هو موضوع. أيها الإخوة الكرام! هذه طائفة من الأحاديث، وإذا يسر الله عز وجل وكان في العمر بقية فستعرض إن شاء الله سلسلة من الأحاديث الضعيفة وتبين، وكلام أهل العلم عنها؛ حتى يكون الإنسان على بصيرة من دين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولأهل العلم آراء للاستدلال بالحديث الضعيف: منهم من يرى الاستدال بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال بثلاثة شروط: الأول: ألا يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله. الثاني: ألا يكون شديد الضعف. الثالث: أن تؤيده قواعد الإسلام. ورأى قوم من العلماء ألا يستدل بالحديث الضعيف لا في الأحكام ولا في الفضائل، وهذا هو الصحيح والراجح إن شاء الله.

الأسئلة

الأسئلة

مقطوعات من الشعر في الزهد

مقطوعات من الشعر في الزهد Q أسمعني مقطوعة من الشعر عن الزهد في الدنيا فقد حيرتنا الدنيا. A تكلم الشعراء بكثرة في وصف الدنيا وذموها، وأنا أذكر بعض المقطوعات، يقول أبو العتاهية في جنازة المهدي الخليفة العباسي وقد خرجوا في جنازته، وكان هذا الخليفة شهير بـ ابن أبي جعفر المنصور، وخرج معه بناته في الجنازة، وخرج الناس والأمراء والوزراء والعلماء والجيش، وأخذوا يتباكون، ورأى بناته يلطمن خدودهن فقال أبو العتاهية: نح على نفسك يا مسكيـ ـن إن كنت تنوح سرن في الصباح معهن الحرير وعدن من البكاء والندم عليها المسوح كل بطاح من الناس له يوم بطوح ستر الله بنا إن الخطايا لا تفوح ويقول المتنبي في مقطوعة عامرة من أجمل قصائده: أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعق نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا أين الجبابرة الأكاسرة الألى كنزوا الكنوز فلا بقينا ولا بقوا من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى ثوى فحواه لحد ضيق خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق فالموت آت والنفوس نفائس والمستعز بما لديه الأحمق ويقول الألبيري وهو شاعر من شعراء الأندلس -من أسبانيا - وهو من أشعر الشعراء: ولم تخلق لتعمرها ولكن لتعبرها فجد لما خلقتا وإن هدمت فزدها أنت هدماً وحسن أمر دينك ما استطعتا وتطعمك الطعام وعن قليل ستأكل منك ما منها طعمتا مشيت القهقرى وخبطت عشوى لعمرك لو وصلت لما رجعتا تفر من الهجير وتتقيه فهلا من جهنم قد فررتا وتشفق للمصر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمتا ويقول نبطي حكيم -واسمحوا لي أن أذكرها بالنبطية، ولو أن النبطي هذا يحارب العربية لكن نذكره لمن يفهم النبطي -: لحى الله دنيا تتعب القلب والبصر إذا قلت طابت يخدش العود عودها صحبنا بها الأخيار في الحضر والسفر فلما تصافينا بكتنا عهودها بنينا بها بيتاً من الطين والحجر فدكت مبانيها وهزت نوردها هذه بعض المقطوعات، والكلام له بقية.

حال حديث: (اللهم أجرني من النار) سبع المرات بعد صلاة الفجر والمغرب

حال حديث: (اللهم أجرني من النار) سبع المرات بعد صلاة الفجر والمغرب Q ما صحة قول من يقول بعد صلاة الفجر والمغرب: اللهم أجرني من النار (سبع مرات)؟ A هذا حديث صحيح يقال به بعد الفجر والمغرب، وهو حديث مسلم بن الحارث التميمي.

ضعف حديث: (سووا صفوفكم فإن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج)

ضعف حديث: (سووا صفوفكم فإن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) Q حديث {سووا صفوفكم فإن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج}. A لا يصح بهذا اللفظ، وليس بثابت عنه عليه الصلاة والسلام.

نبذة عن الواقدي

نبذة عن الواقدي Q من هو الواقدي؟ A الواقدي صاحب السير كذاب وضاع، يقول الإمام أحمد: اغتررت به، وكنت أظن أنه عالم. فلما اكتشف الإمام أحمد أنه ليس بعالم أخذ الكتب التي كتبها الواقدي كلها، وجعلها مجلدات يجلد بها كتبه تحميها من المطر والشمس، أي جعل كتب الواقدي أغلفة لكتبه.

العقيدة أولا لو كانوا يعلمون

العقيدة أولاً لو كانوا يعلمون Q عرض سيد قطب رحمه الله بوجوب دعوة الناس إلى العقيدة قبل الخطوات الأخرى، لكن عند دعوة الناس إلى العقيدة فإنهم يتضايقون لوجود هذه المعلومات عندهم. A من يتضايق فهو لا يعرف شيئاً في الإسلام، نبدأ بالعقيدة ولا ننتهي عنها، ونكررها في المجالس والمحاضرات وفي الدروس، وهي قضيتنا الكبرى. ومن خطط العلمانية الآن التهوين من شأن العقيدة، فهم لا يريدون عقيدة ولا سلوكاً، ويقولون: الآن العقيدة مفهومة عند الناس، وبعض الدعاة السذج صدقوهم، ويقولون: انتهى عصر العقيدة، ويقولون: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب انتهى عصرها، وهي تصلح للعوام وللقبوريين الذين كانوا يعبدون القبور وينذرون لها، وقد انتهى عصرها، ونحن الآن في عصر التكنولوجيا وعصر تحديث الناس عن الصناعات وسر الخلق وعن هذه المعلومات لا، قضيتنا الكبرى قضية الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وهي العقيدة، لا بد أن نكررها ونبدأ بها ونعيدها ونقول للناس: لا ينذر ولا يذبح لغير الله، ولا يستغاث بغير الله، ونخبرهم بالوسيلة والتوكل وأحكام العقيدة بكل صيغة وبكل أسلوب وهذا هو الصحيح.

تقويم كتاب: المستطرف في كل فن مستظرف

تقويم كتاب: المستطرف في كل فن مستظرف Q ما رأيك في كتاب المستطرف في كل فن مستظرف؟ A هذا الكتاب غير جيد ولا يليق أن يدخل الدور، يبدأ في أول الموضوع بآية وحديث لكن يلخبط المسألة بشيء يُستحى منه، ولا يليق بالمسلم أن يقرأ هذا الكتاب إلا أن يكون طالب علم حاذق وحذر، يقرأ ما يفيده، ويحذر من مطباته، ولكن يتجنبه، ولو قرأ مثلاً في العقد الفريد كان أسهل وأهون ولو أن فيه مطبات، وعيون الأخبار أحسن منهما، وأحسن منها كلها أنس المجالس لـ ابن عبد البر؛ لأن ابن عبد البر محدث يخاف الله، وأقبح منها كتاب الأغاني لـ أبي فرج الأصبهاني، فيه كلام ماجن تستحي أن يذكر في المجالس -خمر وخمريات وبلاوي وسفاهات وخزعبلات- فعليك بـ أنس المجالس لـ ابن عبد البر وهو من أحسن ما كتب.

رأي الغزالي في الحديث المعارض للعقل

رأي الغزالي في الحديث المعارض للعقل Q نشر في جريدة المسلمون أن الغزالي قال: أنه يرد الحديث إذا عارض العقل ولو كان في البخاري. A رأي الغزالي معروف، غفر الله له، وقد كتب هذا في كتبه وذكره في مقابلاته، وقد خالف العلماء جميعاً، وهذا رأي المعتزلة الفرقة المبتدعة، وقد رد عليه، وتجدون الرد عليه في كتاب حوار هادئ مع الغزالي لـ سلمان العودة، وهنا كتاب: الغزالي في مجلس الإنصاف.

حال حديث (من كان في قلبه مثقال ذرة من الحقد والحسد لن يدخل الجنة)

حال حديث (من كان في قلبه مثقال ذرة من الحقد والحسد لن يدخل الجنة) Q ما صحة حديث: {من كان في قلبه مثقال ذرة من الحقد والحسد لن يدخل الجنة}؟ A لا يصح هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

اختيار الزوج المناسب

اختيار الزوج المناسب Q أنا فتاة أبلغ من العمر عشرين سنة، وقد حال أبي رحمه الله دون زواجي، ثم استلم المهمة بعده إخوتي، وقد أمضيت العمر وأنا أرغب في الزواج، ولكن أبى أهلي من تزويجي؛ حيث يرغبون تزويجي من شاب صاحب دين وخلق حسن، وأنا أرغب الزواج من الشاب الأول؛ لأني أحببته حباً عظيماً دخل في قلبي وعظمي ولحمي، وفي النهاية خسرته وزوجوني أهلي من شاب دين وأخلاقه عالية، ولكن ما زلت متعلقة بالحبيب الأول: كم منزل في الأرض يعشقه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل A أولاً: نسأل الله عز وجل أن يتوب علينا وعليك، وفي هذا السؤال قضايا: أولها: غفر الله لوالدك فقد أساء لما أخر زواجك وأنت أصبحت في سن الزواج، فهو بذاك أساء إساءة عظيمة نسأل الله أن يغفر له؛ لأن تأخير البنت والقريبة والأخت إذا حان زواجها؛ وتقدم لها الكفء يعتبر من الذنوب العظام والخطايا الجسام، والآثام العظيمة الوخيمة؛ التي يتسبب فيها هؤلاء السفهاء في تضليل المجتمع وإيراث الفاحشة والجريمة وقتل المبادئ. صدق أو لا تصدق! أن فتاة أصيبت بهستريا لما منعت من الزواج حتى بلغت الثامنة والعشرين، وهذه بأسانيد صحيحه مثل الشمس، أتاها مرض؛ لأن الله عز وجل فطر الناس على أن يتزوج الرجل من المرأة: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات:49]. القضية الثانية: الخطأ الوارد عندنا وهو كثير في المجتمع أن الأب يريد أن يزوج ابنته بمن يريد هو لا ما تريد هي، كأنه هو الذي سيتزوج! بعض الآباء كأنه هو الخطيب، إذا أعجبه رجل ذهب وقال لابنته: تزوجيه؟ فتقول البنت: لا أريده. قال: لا، والمشعاب جاهز والهراوة في يده! أي أنه دكتاتوري، وهذا خطأ عظيم. بل تتزوج هي بمن ترغب؛ لأنها هي التي ستعايشه في البيت وفي الفراش، أتعطيها رجلاً مثل الصخرة عليها، لأنه قدم ماله أو أعجبتك زيارته ووظيفته! أنت الذي سيتزوج أم هي؟! أنت ما عليك إلا أن تسحب المال والمهر والسيارة وأول ليلة، ثم تدخلها جحيم ستين سنة! ولذلك فشلت الزواجات التي تسير على هذا الأمر؛ لأن الأب والأخ يريدان أن يكيفا البنت على ما يريدان هما وهذا خطأ، بل لابد أن تعرض عليها وتسألها: هل تريدين فلاناً؟ فلو أرادته فوافق على زواجها ولو كان من أفقر الناس، ولو رفضته فارفضه أنت ولو كان ملك الدنيا. وهذه الأخطاء تكررت في المجتمع كثيراً، وسببت في الطلاق بعد شهر أو شهرين من الزواج، بمعنى أن الحياة تحولت إلى جحيم! أتى شاب أخبرني وهو يقول: أبي طلق بالثلاث ألاَّ أتزوج إلا من فلانة، وأنا أريد بنت عمي، فتزوج من فلانة التي أراد أبوه، وبعد ثلاثة أشهر طلقها وكان هذا جزاء والده. هذا الزواج ليس شراءً ولا بيع سيارات ولا عقارات. الزواج حياة، والزواج إذا لم يأتِ من الحب لا يستقيم ولا يصلح، ولا يستقيم المجتمع عليه. وقد سن الرسول صلى الله عليه وسلم رؤية الخاطب للخاطبة قبل العقد، فيراها رؤية أي: يكون أقاربها موجودون في البيت وتدخل هي ويراها الرجل، وتراه حتى يؤدم بينهما، لأنه قد لا يتألف عليها بعد أن يعقد عليها، فتوصف بأنها حوارء شقراء جميلة زرقاء، إذا جلست قرت وإذا قامت استقرت، لا طويلة ولا عريضة، سحراوية العين في الليل، بيضاء في النهار، طويلة الشعر؛ أما إذا دخل بها وإذا بها عكس الأوصاف تماماً فيطلقها! هذا ليس بصحيح. ويوصف لها الزوج بأنه عنترة في الشجاعة، وحاتم في الكرم وابن تيمية في العلم، وعلي بن أبي طالب في الخطابة، فإذا دخلت وجدته كالصخرة؛ فتبغضه وهذا لا يصح، فلا بد من الرؤية. إذاً: هؤلاء أخطئوا خطأً بيناً، أما وقد تزوجت من رجل دين ومستقيم فاحمدي الله على ذلك، واسأليه أن يؤلف بينك وبينه. واعلمي أن تعلقك بالأول ليس له أصل وارضي بما قدره الله لك، والله عز وجل يدري أي الخير لك، وقد كتب لك هذا، فأسأل الله أن يرضيك بهذا، وأن يرضيه عنك، وأن يحييك معه حياة سعيدة فإنه على ذلك قدير، ونسأل الله أن يصرف قلبك عن الأول فقد انتهى وذهب، وكل ميسر لما خلق له. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المسجد المحزون

المسجد المحزون إن الإسلام هو دين الجهاد والكرامة، فإذا تخلى المسلمون عن هذا الدين وتهاونوا فيه، وتركوا الجهاد؛ سلط الله عليهم الأعداء حتى يراجعوا دينهم. ويوم أن تمسك المسلمون بالدين، ورفعوا راية الجهاد؛ فتح عمر بن الخطاب القدس، ويوم أن تخاذل المسلمون عن الجهاد أخذها الصليبيون، حتى ظهر صلاح الدين وحررها منهم. واليوم تخاذل المسلمون وتقاعسوا عن الجهاد فاغتصبها اليهود وهي الآن أسيرة تنادي: هل من صلاح الدين؟! هل من عمر؟! ولكن لا مجيب لها إلا أطفال الحجارة، فإلى الله المشتكى.

المسجد الأقصى عبر التاريخ

المسجد الأقصى عبر التاريخ الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. القدس السليب دمعة في عين كل مسلم، وطعنة في قلب كل مسلم، وقضية كل مسلم، فالعرب والمسلمون قضيتهم القدس، والأفغان المسلمون قضيتهم القدس، والهنود المسلمون مصيبتهم القدس، والباكستان والأتراك يعيشون آلام القدس. القدس قضية إسلامية وليست عربية، القدس مصيبة يحتسبها كل مسلم، ويعيش آلامها وآمالها وجراحها ودموعها كل من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً. مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى أو المحراب مروان أجابني المسجد المحزون واختلفت على المنابر أحرار وعبدان فلا الأذان أذان في منائره من حيث يتلى ولا الآذان آذان مسجد استقبل محمداً عليه الصلاة والسلام، وصلى فيه إماماً بالأنبياء، وأمهم في ليلة الإسراء، مسجد فتحه وصلى فيه وبكى فيه، وأخذ مفاتيحه عمر، مسجد وصله صلاح الدين ورفع سيف العدل فيه، وأذن فيه وصلى، فبيد من هو اليوم؟ ومن يصلي فيه؟ ومن يؤم الناس في محرابه؟ ومن يخطب على منبره؟ يا ألله شامير وبيريز وموشي ديان أعداء الله، وأعداء الإنسانية يلطخون المسجد الأقصى. مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى أو المحراب مروان أين عمر؟ أين طارق؟ أين صلاح الدين؟ أين معاذ وبلال؟ أين من فتحوك وطهروك، وسبحوا لله فيك؟ لا أحد، تغير على المسجد الأقصى أحرار وعبدان. فلا الأذان أذان في منائره من حيث يتلى ولا الآذان آذان {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَولَهُ} [الإسراء:1] أسري بالنبي عليه الصلاة والسلام في ظلام الليل، ليصلي بالأنبياء هناك في مسجدنا، في أول قبلة لنا، وفي أرضنا، في مكانٍ سكبنا فيه دموعنا ودماءنا، أين هو اليوم؟ أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم كنت الإمام لهم والجمع محتفل أعظم بمثلك من هاد ومؤتمم أين ضاع؟ أين صار المسجد؟ ضيعناه يوم ضيعنا لا إله إلا الله، الأمة أمة جهاد، ولكنها نكلت عن الجهاد. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا تبايعتم بالعينة، واتبعتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم} وبالفعل تبايعنا بالعينة، وأكلنا الربا، وسمعنا الغناء، وعشنا على المعازف، وأصبحت سهراتنا على البلوت، ونظرنا إلى الصور الخليعة، وتلهينا في النزوات والشهوات، فسلب منا المجد والكرامة والمسجد الأقصى. أُبطل الجهاد، فلا جهاد، إسرائيل تعد وتسكت، والعرب لا يعدون ولا يتكلمون. إسرائيل تبني كل يوم قوة، وتجهز كل شهر جيشاً، وتصنع وتدرب، وتغطي شعاع الشمس عن الأرض بطائراتها؛ لأنها تعلم أنه لا قرار لها إلا بالقوة، ولكن علم الجهاد لم يرتفع! وذهبت القدس، وأصبحت لعبة بين يدي العالم، فطعن كل مسلم في الأرض، وبكى كل مسلم يؤمن بالله في الأرض، من أجل ضياع القدس.

عمر يفتح القدس

عمر يفتح القدس خرج عمر من المدينة -ورضي الله عن عمر، عمر العدل، والجهاد، والصدق- خرج ليأخذ مفاتيح بيت المقدس، كان بإمكانه أن يرسل نائباً، أو مستشاراً، أو مندوباً، لكن المهمة خطيرة إنه بيت المقدس أولى القبلتين، وخرج بنفسه، فهل خرج بسلاح؟ لا. وهل خرج بعتاد؟ لا. وهل خرج بحرس؟ لا. أخذ ناقة وأخذ مولاه وذهب معه في ثيابه القديمة وعصاه، وقال لمولاه: تركب مرة وأنا مرة، فكان المولى يقود الجمل وعمر يركب، فإذا انتهت مدة عمر، نزل عمر فقاد الناقة وركب مولاه، واقترب عمر من بيت المقدس {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء:97] خرج النصارى وخرج الأطفال وخرجت النساء ينظرون إلى عمر، هذا الذي ملأ سمع الدنيا، والذي دوخ رأس المعمورة، وداس الأكاسرة والقياصرة وذبحهم ذبح الشياه، والذي بلغت جيوشه جورجان وأذربيجان والسند وطشقند والهند، يريدون أن يروا عمر أمن لحم ودم أم من حديد؟ ما هو لباسه؟ كيف تاجه؟ كيف جيشه؟ كيف حرسه؟ كيفت كتائبه؟ وكانت جيوشه هناك على مشارف بيت المقدس، لأن الجيوش لما فتحت جاء القائد الأعلى ليأخذ المفاتيح، فأتى عمرو بن العاص واقترب من عمر وقال: فضحتنا يا أمير المؤمنين! قال: ولم؟، قال: أتيت في ثيابك هذه وناقتك ومولاك! أما أخذت قوة ترهب الأعداء؟ فلقد خرج الناس، فانظر إلى الألوف قد جاءوا لاستقبالك، فدمعت عينا عمر، وقال: [[نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]]. واقترب عمر من بيت المقدس داخلاً المدينة، وقد امتلأت السكك بالرجال والنساء والأطفال ينظرون إلى هذا العلم البارز، فكان عادياً، ثيابه مرقعة، لكن إيمانه كالجبال الراسية، صنع الله الذي أتقن كل شيء، فلما اقترب وإذا الطين وبلل الطين في سكك بيت المقدس، فأتت نوبة المولى ليركب على الجمل، قال: يا أمير المؤمنين! وصلنا والعقبة عقبتي لكن أتنازل بها لك لتركب، لأننا أصبحنا أمام النصارى، قال عمر: لا. والله لا يركب إلا أنت، فركب المولى، وأتى عمر يقود الجمل ويرفع ثيابه عن الطين. فماذا فعل النصارى؟ بكوا وارتفع البكاء على أسطح المنازل، وفي السكك منظر غريب، أهذا عمر في الطين؟! أعمر يقود الجمل ومولاه على الجمل! أعمر بهذه العصا وهذه الثياب الممزقة، وقد خفناه شهراً كاملاً! نصرت بالرعب شهراً قبل موقعة كأن خصمك قبل القتل في حلم إذا رأوا طَفَلاً في الجو أذهلهم ظنوك بين جنود الجيش والحشم فبكى النصارى، وقالوا: بهذا الفعل فتحتم الدنيا، وتقدم وسلم على الصحابة، وقبل أن يجلس في بيت المقدس أخذ المفاتيح، فكانت مراسيم هائلة وبكى الصحابة بنصر الله وبمثل نصر الله يبكي فرحاً المؤمنون. طفح السرور علي حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني وحانت صلاة الظهر، وقال عمر: [[يا بلال! قم فأذن، قال بلال: يا أمير المؤمنين! قد حلفت ألا أؤذن لأحد بعد الرسول عليه الصلاة والسلام -لأن بلالاً لما مات عليه الصلاة والسلام اعتزل الأذان وأقسم بالله لا يؤذن لأحد بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم- فقال عمر: عزمت عليك أن تكفِّر، وأن تؤذن، فقام وأذن]] ليرفع صوت الحق لأول مرة: الله أكبر، الله أكبر. الله أكبر، الله أكبر. فكان عمر أول من بكى من الناس، ثم ارتفع البكاء لمسألتين عظيمتين: الأولى: ذكرهم بالحبيب عليه الصلاة والسلام، وذكرهم بالأيام الخالدة وبالعهد الأول. وداعٍ دعا إذ نحن بـ الخيف من منى فهيج أشواق الفؤاد وما يدري دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أطار بـ ليلى طائراً كان في صدري والثانية: فتحٌ من الله، ونصر عظيم لهذه الأمة، أن تسترد بيت المقدس، وأن تصلي فيه، وأن تعيش فيه. ومات عمر واستمر بيت المقدس مع المسلمين، فلما تخاذل المسلمون عن لا إله إلا الله وقاطعوا المساجد، وهجروا المصحف، واشتغلوا بالأغنية، وبالعود وبالكوبة، وبالورقة وبجمع الطوابع، وبالمراسلة وبالنزهات؛ ضاع بيت المقدس من المسلمين، وانهار العالم الإسلامي، ولكن أراد الله أن يعيد لنا بيت المقدس في القرن السادس على يد من؟ أعلى يد العرب؟ لا يشترط أن يكون العرب هم الذين يؤيدون هذا الدين {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89]. إذا كفر العرب، ففي الترك مسلمون. وإذا أعرض العرب، ففي الهنود مؤمنون. وإذا نكس العرب، ففي الأفغان مجاهدون. الدين هذا ليس حجراً للعرب، الدين هذا ليس لـ صنعاء، أو بغداد، أو الرياض، أو جدة، أو مكة، أو تونس، أو الجزائر، الدين هذا للعالم، للكرة الأرضية، من اتقى الله فهو حبيب الله ولو كان مولى، ومن عادى الله فهو عدو لله، ولو كان سيداً قرشياً.

صلاح الدين يحرر القدس

صلاح الدين يحرر القدس أتى الله بـ صلاح الدين وصلاح الدين كردي من الأكراد، وليس بعربي، لكنه مؤمن يصوم النهار ويقوم الليل. صلاح الدين ولي من أولياء الله، تعلم في مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام، كان شاباً لا يضحك ولا يتبسم، قال له الناس: لا نراك تضحك ولا تتبسم!، قال: سبحان الله! أضحك والمسجد الأقصى مأسور، أتبسم والمسجد الأقصى بيد الأعداء، لا والله. وعاش صلاح الدين، فلما اكتمل نموه واشتد ساعده، حمل السيف، وقال: لا إله إلا الله، والعرب والعجم إذا سمعوا لا إله إلا الله تحركت الفطرة في قلوبهم، وتحرك الإيمان في أرواحهم, كما قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم:30] فقال: لا إله إلا الله وكبر في المعمورة، فأتى المسلمون وعادوا إليه مهللين ومكبرين، وتابوا من المعاصي، وتركوا الخمارات والبارات، وهجروا الغناء؛ كسروا الأعواد وسبحوا وتوضئوا، وحملوا السيوف. رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقصر وليمون يافا يابس في أصوله وهل شجر في قبضة الظلم يثمر؟! يبس ليمون يافا، وبكت نساء فلسطين يوم أصبح الجهاد قرارات لـ هيئة الأمم الظالمة الملحدة التي عليها كل صهيوني وعميل. والأفغان كفروا بـ هيئة الأمم، فنصرهم الله، وما قدموا عريضة ولا شكوى، إنما أخذوا الرشاش، وأخذوا السلاح، وذبحوا الروس كذبح الدجاج وداسوهم في الأرض على التراب، وقالوا: لا نعرف هيئة الأمم ولا جنيف ولا مجلس الأمن، وهل هو من عند الله؟!! {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] أربعون سنة والعرب يشكون على مجلس الأمن، فإذا قتل قتيل مجرم في ناحية قامت الدنيا وقعدت بأسرها، وشعب فلسطين يذبحون بالآلاف، وأطفال فلسطين يكدسون مع القمامات، وشيوخ فلسطين يجرجرون على وجوههم في التراب، ثم لا شكوى ولا اعتراض ولا استنفار، إلى متى؟ فخرج صلاح الدين يوم الجمعة، يوم وقف الخطباء على منابر العالم الإسلامي وأرسل لهم أن ادعوا لنا. فاليوم يوم التصفية، والملحمة والفرقان، اليوم يشفي الله قلوب المؤمنين وأرواح المضطهدين، ووقف صلاح الدين وصنف الكتائب، وأعد الجيوش، والتقى بالنصارى الصليبيين أعداء الله، وبدأت المعركة مع أذان الجمعة الثاني، وصدق صلاح الدين مع الله، وطلب النصر من الله، وكان صلاح الدين في المعركة يجول ويذبح ويقتل، ثم يعود ويستقبل القبلة ويسجد ويبكي ويمرغ وجهه في التراب، ويقول: نصرك اللهم، نصرك اللهم، ومع الغروب وإذا بأعداء الله يزحفون على الرمال، وإذا بسيوف الله تأخذ في أكتاف أعداء الله وتسحقهم سحقاً، وتفنيهم فناءً، وتبيدهم إبادة، وفي اليوم الثاني يدخل صلاح الدين بيت المقدس، ويؤذن المؤذن مرة ثانية بأذان الظهر، وترتفع الخطبة التي يلقيها أحد العلماء، خطبة ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية ما سمع الدهر بمثلها، وما بقي أحد إلا بكى، ولو كانت الشجر لها مقلتان لبكت من فرح النصر ومن عظمة الدين. ومات صلاح الدين وعادت الأمة إلى ما كانت عليه، أمة لاهية، أموالها في البنوك الربوية، وشبابها في المنتزهات، وسهراتها مع الورقة والباصرة، وتلاوتها الأغنية الماجنة، ومصحفها المجلة الخليعة، وهوايتها جمع الطوابع والمراسلة، تصفيق وزفير، وشهيق وضياع، وسفر وأغنية ومجون، فضاعت القدس. مليون يهودي جاءوا من فرسنك وبولندا وهولندا. ومن أطراف الأرض، فأرغموا مليار مسلم على التخلي عن القدس وأخذوا فلسطين، بل هددوا العالم الإسلامي، وأصبح يسميهم بعض العرب إرهابيين فخفنا منهم وتصورنا خوفهم في الماء، والله يقول: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة:61] لعنهم الله ونحن نقول: شجعان إرهابيون، خفنا وتبددنا، ولكن هل من عودة إلى الله؟ هل من رجوع إلى الله؟ فقضية القدس قضية المسلمين، ولا بد أن تجعلها من أول اهتماماتك في الحياة، دعاءً وبذلاً، وجهاداً وتضحيةً وتوعيةً في الناس. أقول هذا، وأستغفر الله الجليل لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

العزة في الجهاد في سبيل الله

العزة في الجهاد في سبيل الله الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله على قدوة الناس أجمعين وبعد: أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدا أنتركهم يغصبون العروبة أرض الأبوة والسؤددا فجرد حسامك من غمده فليس له بعد أن يغمدا - إلى متى نشكو؟ - إلى متى نصمت؟ - إلى متى نفكر؟ والقدس الحزينة في أيدي أعداء الله، أنجاس العالم أهل الدعارة والزنا والربا في المعمورة يملكون القدس، اليوم يأخذون الشيخ فيسحبونه على الأرض، ويفجرون بطن الحامل بالخنجر، ويقسمون الأطفال بالسكاكين، كسروا عظام الحوامل، وأجاعوا الأرامل، وهدموا البيوت، وداسو المصاحف، نجسوا المساجد، فإلى متى؟

مثل للجهاد في فلسطين

مثل للجهاد في فلسطين ومن أشهرٍ قامت انتفاضة مباركة، يوم عق الآباء وتركوا الجهاد؛ خرج الأطفال يكبرون، خرجوا بالحجارة لا يملكون قنابل ولا طائرات ولا صواريخ. خرجوا على الأعداء يلقون الحجر ويكبرون وفي حناجرهم عمر كتبوا على الأرض السليبة بالدما إسلامنا يعلو ويهلك من كفر فإذا الحجارة كالقنابل في الردى والطفل ليث في المعارك والخطر أعلامهم رفعت وفي هالاتها الله أكبر كل أمر مستقر وترى صلاح الدين بين صفوفهم حيَّت معاليه الحدائق والشجر انتفاضة مباركة بدأت بالإسلام ولها نصر مؤزر بإذن الله، وقودها أطفال متوضئون خرجوا من المساجد فلم يجدوا إلا الحجارة، فقاتلوا بها، شهد العالم باستبسالهم، وحيا الإسلام شجاعتهم، وقال لهم الإيمان: حيا الله بكم أبطالاً، أنتم أبناء عمر وصلاح الدين، آباؤكم تركوا المسجد، وعقوا الرسالة، واشتغلوا بالدنيا، وتبايعوا بالعينة، تبعوا أذناب البقر، فهزمهم اليهود، فحيا الله بكم يا أطفال، أعيدوا ملحمة خالدة من ملاحم عمر، أو صلاح الدين. اللهم فنصرك وتوفيقك وهدايتك لهذه الأمة، اللهم رد إلينا بيت المقدس والمسجد الأقصى، اللهم رد إلينا بلادنا فلسطين، اللهم إنا لما سلبنا إرادتنا، وظلمنا في العالم ولا ناصر لنا إلا أنت، اللهم فاملأ قلوبنا إيماناً، وبيوتنا يقيناً، وأفئدتنا نوراً، اللهم رد لنا مجدنا الخالد، اللهم إنا نسألك صلاة في ذاك المسجد تشفي بها عليلنا، وتروي بها غليلنا، وتوسع بها أرزاقنا، وتسهل بها همومنا، وتمسح بها على جراحنا. اللهم انصرنا، اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم ارفع علم الجهاد، واقمع أهل الكفر والزندقة والبغي والإلحاد، الذين يفسدون في البلاد، ويخربون بين العباد، يا رب الدنيا ويا رب الآخرة.

الدجالون في الأرض

الدجالون في الأرض تكلم الشيخ عن الشرك وبين أن التعلق بالتمائم والحروز وأمثالها خروج عن منهج الرسل، وأن من يروج هذه الخزعبلات دجال من الدجاجلة، وذلك لا يليق أن يكون في بلاد النبوة ومهبط الوحي.

التحذير من الباطل

التحذير من الباطل الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، ونصح الأمة، ودعا إلى الله، وأقام الملة، وجاهد في سبيل الله، ورفع راية الحق، ونشر العدل، وصدح بالمعروف صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله! أتم الله لنا الشريعة، وأتم لنا برسالة محمد عليه الصلاة والسلام الملة، فقال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك}.

الإسلام دين كامل

الإسلام دين كامل ذهب عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى قرية من قرى اليهود، فوجد فيها التوراة، فأخذ نسخة من التوراة المحرفة المبدلة، وأتى بها إلى رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فلما رآها عليه الصلاة والسلام بيد عمر تمعر وجهه وغضب واشتد غضبه واحمر وجهه، وقال: {أمتهوكون فيها يـ ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لو كان موسى حياً، لما وسعه إلا اتباعي، يا عمر! أما أتيت بها بيضاء نقية} أما أتى عليه الصلاة والسلام بالقرآن والسنة التي لا يحتاج عبدٌ إلى عقيدة، أو عبادة، أو معاملة، أو أخلاق، أو سلوك إلا وجدها في الكتاب والسنة، أما علمنا لا إله إلا الله أكبر الأمور، وإماطة الأذى عن الطريق من أدنى الأمور، أما علمنا أن كيف نأكل وكيف نشرب وكيف ننام، فما لنا نصد عن منهج الله؟ ولهذا الكلام سبب سوف أذكره الآن. شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهفٍ في عميق سبات بأيمانهم نوران ذكرٌ وسنةٌ فما بالهم في حالك الظلمات

المشعوذون والسحرة أعداء الرسل

المشعوذون والسحرة أعداء الرسل عندي الآن دفتر صغير منتشر بين كثير من الناس اسمه" حجاب الحصن الحصين " خزعبلات ظلمات بعضها فوق بعض {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] فيه كلام باطل ألفه أحد الكهنة، أو المشعوذين، أو السحرة، عليهم لعائن الله صباحاً ومساءً، فهم أعداء الرسل. وهو منتشر في كثير من القرى والمدن والبوادي يقول هذا السفيه الأحمق المعتوه الذي ألفه: إنه ينفع من أمور كثيرة إذا وضعته المرأة في حرير ووضعته في رأسها وكانت شابة جاءها الخطاب من كل مكان، وإذا وضعه صاحب الدكان وعلَّقه لا يحترق دكانه، وأتى عليه الزبائن -زبائن الجن- من كل مكان، وإذا وضعه الإنسان في البيت لا يحترق. نبئوني عن علم إن كنتم صادقين، أفي بلاد الوحي؟! أفي بلاد الرسالات؟ أهنا تأتي الخزعبلات؟! أتحولت الأمة إلى بوذية، أو هندوسية؟! أتحولت الأمة إلى غلاة صوفية لا يعرفون شيئا؟ ماذا سوف يقول النصارى إذا قرأوا هذه الكتب؟ أرسالة محمد عليه الصلاة والسلام هذه الدفاتر، أم أتى بها بيضاء نقية؟!! أتى بها كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ * بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66] أتى ليقول وليتلو قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] فلماذا هذه الضلالات؟ ولماذا هذه البدع؟ ولماذا هذا التشويه لوجه الإسلام؟ الإسلام جميل، الإسلام حق وصدق، وسوف أعرض لكم بعد قليل دور الإسلام في اكتساح الشيوعية في العالم، لكن يوم يأتي الغريب ويجد أن في مقدسات البلاد الإسلامية، وفي الأرض التي بعث منها محمد عليه الصلاة والسلام، وفي أرض أبي بكر وعمر وعثمان وعلي في منطقة من هذه الأرض، في أبها، أو حولها وبجانبها من ينشر هذه السخافات على الأطفال والعجائز والجهلة ليردهم عن منهج الله. صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أتى عرافاً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أتى كاهناً، أو عرافاً فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد} خيوط وختم ودبل وأسلاك وتمائم وقطع من القماش وأناس من المشعوذين السحرة الكهنة أعداء الرسل، عليهم لعنة الله، يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن منهج الله. رأى عليه الصلاة والسلام رجلاً في يده حلقة -حلقة من صفر من نحاس- قال: {ما هذه؟ انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهنا، وإنك لو مت وهي عليك، لما أفلحت أبداً} وفي الصحيح: {أنه جاء صلى الله عليه وسلم إلى رجل في يده خيط علقه من المرض فقطعه ونهاه وزجره} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من تعلق تميمة فلا أتم الله له} التميمة: إما ورقة يكتب فيها غير القرآن وحتى القرآن على الصحيح لا تعلق آيات القرآن على صدر الطفل، ولا الطفلة، ولا المريض، فكيف إذا كان المعلق طلاسم كما يفعل هذا المعتوه المجنون السفيه؟! كلمات أعجمية ليلبس على الناس، ومثله وأمثاله يأكلون أموال الناس بالباطل. وقبل أيام ذهب رجل إلى كاهن في اليمن ليستشفي لمرض ابنته ودفع أموالاً طائلة، قلنا له: قد خسرت دينك ودنياك وآخرتك إن لم تتب إلى الله، لقد كفر برسالة الرسول عليه الصلاة والسلام تماماً بذهابه إلى هؤلاء الكهان. صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من تعلق تميمةً فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعةً فلا ودع الله له} لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا أنجح الله مطلوبه، ولا شفى مريضه، ولا نجح راسبه، ولا رزقه، ولا سد دينه، لأنه عادى الله. والودعة: صدف يخرج من البحر تعلق في بعض البيوت. فلا ودع الله له أي: لا ودعه ولا حفظه ولا رعاه ولا تولاه لا في الدنيا ولا في الآخرة. يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! يا أبناء من نشر التوحيد في العالم! أمثل هذه السخافات والخرافات والخزعبلات تنتشر بين أيديكم؟! من ينشر الإسلام في العالم؟ من يخبر الناس بصفاء هذا الدين وصدقه ووضوحه وأنه دين كالشمس؟ لكن يأتي المشعوذون الكهنة السحرة المتفلسفون أعداء الله، فيشوهونه، {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65] {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر:38].

الله قريب من عباده

الله قريب من عباده سبحان الله! ما أجل الله! إذا مرضت شفاك، وإذا طلبت أعطاك، وإذا دعوت أجابك، ليس بينك وبين الله حجاب أبداً فاتصل به مباشرة، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:186] وإذا سألك المريض أين الطبيب؟ فهو قريب، وإذا سألك المديون أين الذي يسد الرمق والحاجة؟ فهو قريب، وإذا سألك المنهزم المنهار أين العضد والنصير؟ فهو قريب، وإذا سألك الفقير البائس أين المغني؟ فهو قريب، وإذا سألك الضعيف أين القوي؟ فهو قريب، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]. سبحانك ما أعظمك! لقد أساءت الأمة، يوم لطخت وجه التوحيد وأساءت إلى هذا الوجه الجميل، يوم عرضت الإسلام للعالم مشوهاً حتى يقول عبدة الكأس والمرأة الداعرة وعبدة الأصنام وأهل الكنائس التي تحولت إلى دور دعارة: الإسلام خزعبلات، والإسلام إرهاب، وهمجية، وبربرية والإسلام براء من ذلك، والإسلام جميل، لكن شوهه بعض أبنائه الذين ما فهموه وما عرفوه حق المعرفة. أيها المسلمون! حذار حذار من هذه الأمور، فإنها نقضٌ لعقيدة أهل السنة، وضرب للتوحيد وتشويه للإسلام، ومعناها: أن نفقد ديننا وأخلاقنا وسيرتنا. أيها المسلمون! أنكروا هذا المنكر وانهوا عنه، ومن وجد منكم مثل هذه الأمور، فليرفعها إلى السلطان وإلى القضاة وإلى ولاة الأمر، وليأخذ على يد هؤلاء السفهاء وليعزرهم وليفضحهم أمام الناس، فإن هؤلاء أعداء الرسل عليهم الصلاة والسلام، هؤلاء كهنة، وهم حرب على الإسلام، يوم أتى هؤلاء أتى الجفاف في الأرض والنهب والسلب والقطيعة وقسوة القلوب وفساد الأبناء نسأل الله أن يطهر البلاد منهم. لقد كان عمر رضي الله عنه وأرضاه إذا سمع بساحر، استدعاه ثم قطع رأسه، ففصل الرأس عن الجسد، ليبقي منار التوحيد ونور الإسلام. اللهم احفظ علينا إسلامنا وتوحيدنا وإيماننا، اللهم إنا نعوذ بك أن نلقاك مشركين، أو مرتدين، أو ناكصين، أو خونة مارقين، نسألك الثبات حتى نلقاك. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

الإسلام قادم

الإسلام قادم الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

الإسلام يدحر الشيوعية وفلسطين تبرق بالأمل

الإسلام يدحر الشيوعية وفلسطين تبرق بالأمل أيها المسلمون! اليوم بل كل يوم والأخبار تتوالى ووكالات الأنباء تتناقل ما حل بـ الشيوعية الملعونة الغبراء القبيحة، فقد دهست في الأرض، وطئت في التراب، ورغم أنفها في الطين. الشيوعية عمرها اثنان وستون سنة وانهارت ولعنت وسحقت، والإسلام عمره ألفٌ وخمسمائة سنة وهو يزداد علواً ورفعة، والمستقبل له، الإسلام اليوم يطوي روسيا طي الليل للنهار، يدخل في كل بيت، دخل أوزبكستان بعد ولاية تركستان، ودخل إرمينيا بل دخل في قلب موسكو العاصمة، فهناك مركز إسلامي والخطب بدأت تلقى من على المنابر؛ لأن الإسلام حق؛ ولأنه يصل إلى القلوب. وقد أتى هذا المجرم" جرباتشوف " فلعن الذين من قبله، {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا} [الأعراف:38] فأخرى هذه الأمم تلعن أولاها، يلعن استالين ولينين ويرمي باللائمة عليهم، وما معنى ذلك إلا شيء واحد: أن المستقبل لهذا الإسلام، مسلمون من أستراليا أتوا يحجون ويعتمرون، حجاجهم أكثر من ستة آلاف، وأناس من روسيا -رأيناهم والله يبكون يريدون الإسلام. وانهارت ألمانيا الشرقية وتشوكوسلوفاكيا وأمثالها وأضرابها؛ لأنها ما وجدت في هذه الشيوعية اللعينة حلاً لها، فهل للعرب أن يتنبهوا؟ هل لليساريين العرب أعداء الله الذين فشلوا أربعين سنة في الانتصار لهذه الشيوعية في الأرض أن يتنبهوا؟ هل لهم أن يعلموا أنهم لن ينتصروا أبداً وأن القلوب لا ترغب في أطروحاتهم، وأن الشعوب قد انتهت من هذه الخزعبلات والكذبات ولا تريد إلا الإسلام؟ هل لليساريين أن يعرفوا تجربتهم في فلسطين يوم دخلوا بأعلام المطرقة والمنجل، بأعلام برجنيف فهزموا وسحقوا؟ والآن الإسلام يدخل فلسطين تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، الفلسطينيون يرفعون لا إله إلا الله ولسان حالهم يقول: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا أمتي هل لك بين الأمم منبرٌ للسيف أو للقلم أتلقاك وطرفي حاسرٌ أسفاً من أمسك المنصرم ألإسرائيل تعلو رايةٌ في حمى المهد وظل الحرم أو ما كنتِ إذا البغي اعتدى موجةً من لهبٍ أو من دم الآن أهل فلسطين يفعلون كما فعل الأفغان؛ لأن نسبتهم إلى خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي وطارق بن زياد، وعمر وسلمان وبلال، أما نسبتهم الخاطئة التي أتى بها جورج بوش وأمثاله من الملاعين إلى جرباتشوف وبرجنيف ولينين واستالين وكارل ماركس فهي لعينة طريدة لن تنجح، وارتقبوا سنوات، ماذا سوف يحل بالعالم من النور؟! وماذا سوف يعيش فيه من الأمن؟! لأن الناس جربوا الرأسمالية فإذا هي ملعونة سحيقة، وجربوا العلمانية فإذا هي بغيضة، وجربوا الشيوعية فإذا هي قبيحة، فعادوا إلى الإسلام {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81] {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:17]. ذهب بعض الناس ملحداً من بلاد الإسلام، فلما وصل إلى روسيا وجد دعاة الإسلام فعلموه الإسلام فرجع داعية. سبحانك ما أجلك! وما أعظمك! نسألك أن تشرق بنور هذا الدين على الأرض، وأن تبلغه مبلغ الليل والنهار، فإنك حق، ودينك حق، ورسولك حق، والجنة حق، والنار حق، كل شيء أتى به القرآن والسنة حق، والشيوعية باطل والرأسمالية باطل، والعلمانية باطل، وكل من عارض الدين باطل. ألا كل شيء ما خلا الله باطل أيها المسلمون! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد، اللهم اعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر المسلمين في أفغانستان وفي فلسطين، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم أنزل السكينة على قلوبهم، اللهم أيدهم بروح منك، اللهم اكتب لهم النصر يا رب العالمين. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

اليوم الخالد

اليوم الخالد يوم أحد يوم عظيم، استشهد فيه سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قبل المعركة رؤيا فسرها بقتل رجل من أهل بيته ونفر من أصحابه. وذكر بعض المواقف البطولية، فقد عرض النبي صلى الله عليه وسلم سيفه على الناس ليأخذوه بحقه فأحجموا إلا أبا دجانة فأخذه وفلق به هام المشركين. وذكر قصص بعض الذين استشهدوا في هذه المعركة: كمصعب بن عمير وعبد الله بن جحش وعبد الله بن عمرو الأنصاري.

يوم أحد الخالد

يوم أحد الخالد إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الناس: يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم! يا حملة لا إله إلا الله! نعيش هذا اليوم مع رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في يوم أحد الخالد؛ ذاك اليوم الذي دفع صلى الله عليه وسلم إلى الجنة سبعين من أصحابه، ذبح سبعون من أقرب الأقرباء وأتقى الأتقياء إلى قلب سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165]. قبل المعركة بليلة رأى صلى الله عليه وسلم أن سيفه قد ثُلِمَ ثلمة، وكان تعبير الرؤيا موت سيد الشهداء، ومضى صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى جبل أحد ولما اقترب منه، جلس هناك يستعرض الصحابة ويتكلم إليهم، ثم سل سيفاً في يمينه وقال: {من يأخذ مني هذا السيف يقاتل به هذا اليوم؟ فمد الناس أيديهم؛ كلهم يريد أن يأخذوا سيف الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: من يأخذ مني هذا السيف بحقه؟ -وكلمة بحقه صعبة وضريبة باهظة، من يدري ما هو حق هذا السيف؟ - قالوا: ما حقه يا رسول الله؟ قال: حقه أن يضرب به في الأعداء حتى ينحني -ويعوج في رءوس الكفرة والملاحدة- فنزلت الأيدي وبقيت يدا أبي دجانة مرفوعة، يقول: أنا آخذ السيف بحقه يا رسول الله! فأخذ السيف ووقف ينشد أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل ألا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسول }. ومضى إلى المعركة، وابتدأت معركة الإيمان والكفر، معركة بين لا إله إلا الله وبين لا إله والحياة مادة؛ لأن الشهادة في الإسلام لمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لتكون كلمة لا إله إلا الله خفاقة منصورة وباقية ثابتة.

استشهاد حمزة بن عبد المطلب

استشهاد حمزة بن عبد المطلب واستعد الرسول صلى الله عليه وسلم بألف ولكن انخزل المنافقون بثلاثمائة مقاتل، ووقف عليه الصلاة والسلام يقاتل وقتل حمزة، ووقف صلى الله عليه وسلم على عمه سيد الشهداء عند الله وقال: {والذي نفسي بيده ما وقفت موقفاً أغيظ ولا أبغض إلى قلبي من هذا الموقف، والذي نفسي بيده لئن ظفرت بهم لأمثلن منهم بسبعين، فقال الله له: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128]} لا تتدخل في هذا هو شهيد عندنا ونحن نتولاه والله يصلح من يشاء، ويرجئ من يشاء، ويقبل من يشاء، ويرد من يشاء.

استشهاد مصعب بن عمير

استشهاد مصعب بن عمير وأتى مصعب بن عمير البطل المجاهد الشاب، الذي ترك الدنيا وذهبها وفضتها، وخرج مهاجراً إلى الله تعالى، فأتى يدور بسيفه كالأسد في جبل أحد يقول: [[أين رسول الله؟ قالوا: قتل، ظنوا أنه قتل، فقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]]] فأنزلها الله آية بكلام مصعب، ثم قتل، {فأتى عليه الصلاة والسلام فوجده مقتولاً فبكى، وأتى ليكفنه فما وجد إلا نمرة إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطى بها رجليه بدا رأسه، وقال: أنت شهيد وأنا عليك شهيد} أي: أنت شهيد عند الله وأنا أشهد أنك شهيد، وذلك يوم يستشهد الله رسوله صلى الله عليه وسلم. إنها التضحيات والبذل ودفع الروح رخيصة في سبيل الله، أما ترى الاشتراكيين والوطنيين والصليبيين والشيوعيين يوم يدفعون أرواحهم من أجل الدنيا، ويقولون: "نصنع التاريخ؟! أما أصحاب الرسول عليهم الصلاة والسلام فيدفعون أرواحهم لتبقى لا إله إلا الله".

استشهاد عبد الله بن جحش

استشهاد عبد الله بن جحش قال سعد بن أبي وقاص خال الرسول عليه الصلاة والسلام لما التقينا يوم أحد قبل المعركة، والقتال آنذاك ليس كالقتال في هذا العصر، إنه قتال سيف ورمح وخناجر إنها الشجاعة تظهر نفسها، قال: فلما التقينا أخذني عبد الله بن جحش؛ وهو أحد أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فذهبت معه وراء الجبل وقال: يا سعد دعنا ندعو الله هذا اليوم بما شئنا، قال سعد: فدعوت الله بالنصر والتأييد، قال: فلما انتهيت، رفع كفيه وقال: اللهم إنك تعلم أني أحبك! اللهم إذا بدأت المعركة والقتال فلاق بيني وبين كافر من الكفار؛ شديد حرده، قوي بأسه يقتلني فيك -ولم يقل: أقتله- فيبقر بطني ويجدع أنفي، ويفقع عيني، ويقطع أذني، فإذا لقيتك يوم القيامة! وقلت لي: لم فعل فيك هذا؟! أقول: فيك يا رب! قال سعد: والله ما انتهت المعركة إلا ورأيته مقتولاً مبقوراً بطنه مجدوعة أنفه مقطوعة أذناه، فسألت الله أن يكمل له ما سأل، وكلها رخيصة في سبيل الله. والله يقول: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:169 - 170]: أرى كلنا يبغي الحياة بعيشه حريصاً عليها مستهاماً بها حبا فحب الجبان النفس أورده البقا وحب الشجاع الحق أورده الحربا أتى قتادة بن النعمان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد وسط المعركة، وقد ضربت عينه، فنزلت حتى أصبحت على خده -نزلت عينه بعروقها من مكانها، حتى سالت على خده- وقال: {يا رسول الله! أنظر لعيني! فقال عليه الصلاة والسلام: ادن مني، فدنا منه فأخذ براحته الشريفة ورد عينه مكانها وقال: باسم الله تبارك الله فعادت أحسن من العين الأخرى}. يقول ابنه: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد وهذه من الأيام المشهودة في تاريخ الإسلام، التي دفع أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام فيها أرواحهم رخيصة في سبيل الله، لتكون كلمة الله هي العليا. ولينتصر الإسلام، ولتبقى شعائر الله، ويبقى القرآن، وأنا وأنت حسنات من حسنات جهدهم عبر التاريخ.

الصحابي الذي كلم الله

الصحابي الذي كلم الله وفي ذلك اليوم المشهود تجلت فيه بطولات الصحابة، وأعظم قصة في معركة أحد هي القصة التي تسمعونها دائماً وأبداً، ولكننا سوف نذكرها ما بقي في الأرض إسلام، وما بقي في الأرض مسلمون. إنها قصة الشهيد الذي كلم الله! إنها قصة المؤمن الذي تحدث مع الله مباشرة! عجباً لهذه الأمة؛ أمة الصحراء، لما حملت لا إله إلا الله؛ تكلمت مع الله كفاحاً بلا ترجمان، فمن هو؟ إنه عبد الله بن عمرو الأنصاري الفقير الزاهد لكنه غني بالإيمان، قوي بالتقوى، خرج من بيته وقد رأى قبل ليلة: أنه يقتل في معركة أحد فاستودع أهله، واستودع بناته واستودع ماله الله الذي لا تضيع ودائعه: بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا وذهب إلى المعركة؛ فقتل بعد أن ضُرب بأكثر من ثمانين ضربة، وسجي بثوب، وقال عليه الصلاة والسلام لابنه جابر وهو يبكي على أبيه: {يا جابر ابك أو لا تبكِ، والذي نفسي بيده ما زالت الملائكة تظل أباك بأجنحتها حتى رفعته، والذي نفسي بيده لقد كلم الله كفاحاً بلا ترجمان}. يعني: لم يجعل بينه وبينه مترجم، بل لما قتل في سبيل الله كلمه الله مباشرة، قال: {تمن يا عبدي، قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمن، قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً}. فجعل الله روحه وأرواح إخوانه في حواصل طير، ترد الجنة فتأكل من ثمارها، وتشرب من أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش، حتى يرث الله الأرض ومن عليها. ومن قاتل لسمعة فلا قبل الله قتاله ولا تضحيته! ولا نفعه جهاده! ومن قاتل لوطنية، أو رياء، أو حمية، أو ليقال: قاتل، أو لمذهب هدام؛ فقد خسر مستقبله وروحه ودمه، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. أقول: ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

القتال من أجل ماذا؟!

القتال من أجل ماذا؟! الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أيها الناس! يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: {أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: رجل آتاه الله شجاعة وجرأة وقاتل في المعركة حتى قتل، فاستدعاه الله على رءوس الأشهاد يوم العرض الأكبر، فقال له: لم قتلت؟ قال: فيك يا رب! -يعني: قاتلت من أجلك- قال الله: كذبت، وقالت الملائكة: كذبت، وقال الله: إنما قاتلت ليقال جريء وقد قيل خذوه إلى النار، فيؤخذ فيلقى في النار}. هذا صنف خرج رياء وسمعة وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: {جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله} من قاتل لبقاء لا إله إلا الله، ولينتصر الإسلام، وليبقى الدين فهو في سبيل الله.

قصة قزمان

قصة قزمان وفي معركة أحد خرج قزمان؛ وكان من الشجعان، من أهل المدينة خرج يقاتل معه سيف لا يترك فاذة ولا شاذة للكفار إلا عقرها، ثم انتهت المعركة وقد قتل، فقالوا: {هنيئاً له الشهادة يا رسول الله! فقال: كلا! والذي نفسي بيده إنه في النار، قالوا: يا رسول الله! ما ترك شاذة ولا فاذة للكفار إلا عقرها، قال: والذي نفسي بيده إنه في النار، فاسألوا أهله ماذا فعل؟ فذهبوا إلى أهله فسألوهم، قالوا: ماذا فعل قزمان؟ قالوا: أصابته جراحة في المعركة، في رأسه، حتى وصلت عظم رأسه فاشتد عليه الألم، فما صبر؛ فاتكأ على سيفه حتى خرج من ظهره}.

قصة البردة المغلولة

قصة البردة المغلولة وفي غزوة من الغزوات قالوا: {يا رسول الله فلان شهيد، قال: كلا، والذي نفسي بيده؛ إن البردة التي غلها في المعركة لتشتعل عليه ناراً}. فبحثوا فوجدوه قد سرق من الغنيمة بردة، لا تساوي أربعة دراهم، وقاتل فقتل، وفي الظاهر أنه شهيد، وفي الباطن أنه ليس شهيداً لأنه خرج لمقصد آخر فانتهى.

النصر على أعداء الإسلام

النصر على أعداء الإسلام ضوالأمة تعيش الآن أزمة، وهي حادثة ما تكررت حتى في تاريخ اليهود، إنها دماء تسيل وأموال تنهب، وإنا نعرف أن الطغاة يجب تأديبهم ويجب الأخذ على أيديهم، ولكنها أزمة وفتنة وقى الله المسلمين شرها، وإن الأنظمة الكفرية التي أعلنت الإلحاد، وأعلنت الكفر بالله، تحتاج إلى تأديب من الله، لطالما عتت ولطالما بغت، ولطالما أعرضت عن منهج الله، والآن أتى وقت تأديبها، ونسأل الله أن يرينا يوماً أسوداً في أعداء الإسلام؛ من اليهود والصليبيين، الذين كان لهم تاريخهم الأسود في حرب لا إله إلا الله، وفي أخذ المسجد الأقصى، وفي تمزيق وحدة المسلمين وضربهم. ونسأل الله أن يزيل كل طاغية، وأن يمحي أثر كل عاتٍ ومتمرد، وأن ينصرنا بلا إله إلا الله. عباد الله: صلوا وسلموا على الرسول المجاهد الصادق المخلص، وعلى آله وصحبه والتابعين. اللهم انصرنا وثبت أقدامنا، اللهم احفظنا واحفظ إيماننا، اللهم من أرادنا بسوء فاشغله بنفسه، اللهم من سل على المسلمين سيفاً فاقتله به، اللهم اهد ولاة الأمر لما تحبه وترضاه، وأصلحهم واجمع كلمة المسلمين وأزِلْ عنا هذه الفتنة وهذه الأزمة، وأخرجنا منها سالمين، واهلك واضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا سالمين غانمين يا رب العالمين. عباد الله: سلوا الله الثبات، وسلوا الله العصمة، وسلوه النور، يوم يهدي الله الذين آمنوا بنورهم في الظلمات وفي المهلكات. اللهم إنا نسألك إن أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، ولا مضيعين، ولا مفرطين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

زلزال في أمريكا

زلزال في أمريكا لله في خلقه شئون، وله سنن كونية لا تتبدل ولا تتغير في هذا الكون، فإنه ما كفرت القرى إلا وأصابها سنة الله في الأولين، كأمثال قوم سبأ، وعاد وثمود. ونحن اليوم نرى أمريكا وعلى ما فيها من جبروت وطغيان ومحاربة لله وكفر بأنعمه، أصابها تلك السنة ففي خلال اثنتي عشرة دقيقة يسلط الله على واحدة من مدنها زلزالاً يقلب عاليها سافلها بإذن الله: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102].

قصة الزلزال

قصة الزلزال الحمد لله رب العالمين {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر:1]. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الناس: إن في وقائع الله عبراً، وفي أيام الله عظات، وإن الذي لا يتدبر في الحوادث، ولا في الأيام، ولا في تصريف الأمور؛ لهو أحمق بليد.

عقاب الله يحل بالأمريكان

عقاب الله يحل بالأمريكان وقبل أيام ضرب زلزال عنيف أمريكا، ضربها على أنفها، من الله الواحد الأحد، زارها في الليل، أمست في ليلة هادئة، معها قوادها، وجيوشها، ومصانعها، وطائراتها، ولكن لم يخبرهم الله أنه سوف يدمرهم. أتاهم العذاب بغتة: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ} [الأعراف:97] أتاهم فيما يقارب الساعة الثامنة، وهذا موعدٌ (لمن يعرف ذاك التوقيت) بعد أن انتهوا من أعمالهم بساعة ونصف، فلما باتوا بيّتهم الله، لم يخبرهم جهاز الإنذار، ولا الرادار أن هناك جزاءً لهم موعوداً عند الواحد الأحد، بل وصل الموعود من الله بأمةٍ تهتكت في حدود الله، أتاهم في أكبر مدنهم؛ في سان فرانسيسكو، ومن يعرفها يعلم أنها من أكبر المدن، اكتظت بالسكان، وهدرت بالمصانع، فأرسل الله عليها زلزالاً، كم أخذ من مدة؟ اثنتي عشرة ثانية. ما بين غمضةِ عينٍ وانتباهتها يقلب الله من حالٍ إلى حال أين القصور التي كانت مشيدة أين العمارات من رئلٍ ورئبالِ صاروا هباءً منثوراً. مدته اثنتي عشرة ثانية، فتحولت الجسور إلى الأرض، والقصور إلى الساحات، وارتفعت أصوات النساء العاهرات في الفنادق، وكبكبت الخمور على رءوس المجرمين، وتحطمت السيارات، وتعطلت الطائرات، وفرقعت القطارات، وتوقف الناس يقولون: مالنا؟ مالكم! {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:97 - 99]. ماذا فعلت أمريكا، أتدرون ماذا فعلت؟ صنعت الطائرة، قدمت الثلاجة، أنتجت البرادة، صنفت الصواريخ، لكنها أفسدت في عالم الروح: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] ما استعدوا للقاء الله، حياتهم نجاسة، وعهرٌ، وزناً، ورباً، وفحشٌ، ونهبٌ، وسلب. هذه أمريكا فسدت في عالم الروح: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66]. أمريكا، يقول عالمهم كريسي موريسون مؤلف كتاب الإنسان لا يقوم وحده: إن أمريكا تسعى إلى الهاوية مائة في المائة؛ لأنها لم تعرف الله. وفي كتاب: الله يتجلى في عصر العلم؛ الذي معنا بين أيدينا، وقد ألفه نخبة من الأمريكان؛ الذين أسلموا يحذرون شعبهم العار، والدمار، والنار، ولكن من يعي؟!

أمريكا في الحضيض

أمريكا في الحضيض أخبرنا مسلمٌ أمريكيٌ من ولاية أكلاهوما أنه ثبت في التقارير أن جامعة أكلاهوما فيها عشرون ألف فتاة كلهن حبلى من الزنا، عشرون ألف فتاة يدرسن في جامعة واحدة كلهن حبلن من الزنا، أي حضارة هذه!! في بلدٍ أفكاره منكوسه تثقله بصائر مطموسه يقدسون الكلب والخنزير ويبصرون غيرهم حقيرا ما عرفوا الله بطرف ساعه وما أعدوا لقيام الساعه فهم قطيع كشويهات الغنم جدٌ وهزلٌ وضياعٌ ونغم من دمر العمال في بولندا ومن أتى بالرقِّ في أوغندا من الذي ناصر إسرائيلا حتى تصب عنفها الوبيلا استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا منهم أخذنا العود والسجاره وما عرفنا نصنع السياره إننا مخطئون؛ لأننا لم نصنع كما صنعوا، وإنهم آثمون؛ لأنهم لم يسلموا كما أسلمنا، نقصوا في الإسلام ونقصنا في العمل، ولا يعفينا نقصنا، فأما هم فكفارٌ ملاحدةٌ زنادقة. في أمريكا تقدم قبل سنتين رجلٌ يشتكي رجلاً اعتدى على كلبه في كلورادو في المطار فضربه، والكلب عندهم آية من الآيات؛ يغسلونه في الصباح، ويقبلونه في المساء، ينام على السرير، ويستيقظ مبكراً على الإفطار، ويركب السيارة مع أكبر أمير أو مسئول منهم. ضُرب كلب، فقدمت عريضة فيه، قال العالَم: وأين شعب فلسطين؟! ضُربوا بالهراوات، كُسرت رءوس الأباء والأمهات، أُسقط الشيوخ على الأرصفة، هدمت المساجد، سحقت الدور، دمرت القصور؛ ولا احتجاج، تنصفون كلباً -يا أعداء الله- من أنفسكم، ولا تنصفون شعباً كاملاً؛ إن هذا درسٌ للمسلمين عام، ودرسٌ للفلسطينيين خاص، أنَّ هيئة الأمم لن تُصنع لهم، ولن تنتج لهم نصراً ولن تقدم لهم طائلاً. ولقد ظن الروس أن أفغانستان سوف يتقدمون إلى هيئة الأمم، لكن كفروا بهيئة الأمم، لم يقدموا شكوى، قدموا الصواريخ، لم يقدموا عريضة، حملوا الكلاشنكوف: يا مجلس الأمن هدَّ الله ركنك ما تزل للظلم دوماً غلت مغتصبا أنت الذي حرم المسلوب دمعته وأنت أرضيت أهل الفحش والغربا هذا لمن يحكم بالطاغوت.

أخذ العبر من زلزال أمريكا

أخذ العبر من زلزال أمريكا درسنا اليوم كيف نأخذ عبراً من ذلك الزلزال الذي ضرب أمريكا على أنفها، قام جهاز ريختر فسجل سبعة وواحد من عشرة، ولو كان عشرة من عشرة لدمرت أمريكا، قوةٌ عظمى ولكن الله أعظم، صواريخ ولكن {أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] قدرة الواحد الأحد! فمن الذي يعترض على الله؟! ومن الذي يريد أن يحارب الله؟! وكيف حاربوا الله؟ حاربوا الله يوم كفروا. حاربوا الله يوم أخرجوا الفتاة عاهرةً، زانيةً، سافرةً في الجيش، في المصانع، في الوظائف. حاربوا الله يوم سيروا الدعارة، والخمر، والزنا، والربا في العالم. حاربوا الله يوم قاموا مع الأقوياء، فسلبوا حقوق الشعوب، وتراث الشعوب، وجاه الشعوب، قال سبحانه: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. يقول أحد التقارير من هناك: خرج كبار الموظفين في المدينة، وأخبروا أهاليهم بالهاتف أنهم يصلون بعد دقائق، لكن الله لم يمكنهم، وكتب ألا يصلوا، وضربهم بالزلزال فدمر الآتي، ودمر المستقبل، فأصبحوا شذر مذر. وقف رئيسهم قبل أيام بوش، فنظر إلى العمارات وهي منكسة، وقال: لقد أخطأ علماء الهيئة يوم لم يقرءوا تقارير التربة والقشرة الأرضية، قلنا: يا ويلك من الله! الأمر أعظم من ذلك، القدرة من السماء {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] أنتم الذين تسببتم في هذا، وهذا قليلٌ من عقاب الله {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16]. وقال سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} [الطلاق:8 - 9] والله يقول وهو يصنف الأقوام على مسرح الحياة كما يقول بعض المفكرين: كلما كشفت ووقفت على المسرح أهلكها، ثم يرفع الستار عن أمة أخرى فيهلكها، ثم يقول الله في الأخير، استمعوا يا أمة محمد! يا أمة الإسلام! يا أيتها الأمة الخالدة! اسمعوا إلى العقوبات: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:45 - 46]. {وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} [العنكبوت:38] انظروا إلى الأحقاف، انظروا إلى سواحل اليمن، انظروا إلى قرى قوم ثمود، انظروا إلى أراضي المؤتفكات {وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} [العنكبوت:38 - 39]. هذا موجز، وإليكم التفصيل: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40]. يا مسلمون من ينجينا من الزلازل والفتن؟! من ينجينا من البراكين والمدلهمات؟! من ينجينا من عذاب الله، ومن لعنة الله؟! ومن عقاب الله؟! وأخذه، ومن ينجينا من نار تلظى؟! لا ينجينا إلا الإيمان، والمساجد، والصلوات الخمس، والقرآن، وسنة محمدٍ عليه الصلاة والسلام، والتواصي بالمعروف والنهي عن المنكر، فعل الخير؛ هذا النجاح، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف:30]. ولكن نسأل الذين ينهارون، وينهمرون، وينسحقون، ويسرعون إلى حضارة الغرب في أرواحهم، نقول لهم: أتريدون أن يتحول المجتمع المسلم إلى مجتمعٍ كمجتمع أمريكا؟! أو فرنسا؟! أو إسرائيل؟! أتريدون أن يبقى الإنسان نهباً، وسلباً، وخوفاً، وتمزقاً، والله لقد عاشوا الويلات في قلوبهم؛ فاضطربوا، ومرضوا، واهتّموا، واغتّموا، ومن أراد الوثائق فليراجع كتاب الأمريكي (دع القلق وابدأ الحياة) فوالله لقد عاشوا التوتر في أعصابهم، وعاشوا الانهيار الخلقي العجيب. امرأةٌ تستقبل رجلاً مع زوجها يفعل فيها الفاحشة في بيت زوجها، وهو يعلم ولا ينكر! فتاةٌ تسافر من عند أبيها، وتعود حبلى إلى أبيها بلا زواج! وخمرٌ يشرب كما يشرب الماء! وزناً يعلن، والفحش، والعهر في الصحف، والمجلات والمسلسلات! وأشرطة الفيديو، وأفلام الجنس تعرض على العالم! وبعض الناس طمس الله على قلبه: وقل للعيون الرمد للشمس أعينٌ تراها بحقٍ في مغيبٍ ومطلع وسامح عيوناً أطفأ الله نورها بأبصارها لا تستفيق ولا تعي {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. يا من طالع الصحف وسمع الأحداث! يا من استمع إلى الأخبار! اعلم أن كل ما تم في العالم فبقضاءٍ وبقدرٍ من الواحد الأحد، وفيه عظاتٌ ودروس، ولكن (مِن الناس) كما قال الله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37].

من أخبار الأمم الماضية

من أخبار الأمم الماضية الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد:

قصة قوم سبأ في القرآن الكريم

قصة قوم سبأ في القرآن الكريم عباد الله: إن الله يذكر لنا ما فعل بالقرى يوم كفرت بأنعم الله، ويوم عطلت حدوده، وتنكرت لشرعه! اسمع إلى قول الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ:15 - 19] سبأ: قبيلة تسكن في اليمن، معهم سدٌ عظيم، يملؤه الله كل سنة بالماء، أنبت لهم أنواع الثمرات؛ مثل ما أنبت لنا اليوم أنواع الخيرات. سلْ العالم كيف نعيش من رغد، سلوا الدنيا أي بلدٍ أسعد من بلادنا؛ أمنٌ ورخاء، سهولةٌ ويسر، فواكه الدنيا، وثمراتها، وملابسها، وأدواتها: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]. عاشوا في سبأ كما عشنا {جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} [سبأ:15] لكل رجلٍ من أهل سبأ بستانان عظيمان عن اليمين وعن الشمال، ذكر المفسرون أن عذق النخلة في سبأ كان لا يحمله إلا فرسان اثنان، النخلة تثمر في السنة مرتين، وكان الماء ينهمر كالسلسال تحت أرجلهم، وظلل الله عليهم الغمام، فلا يرون الشمس إلا نزهة، والمرأة تأخذ المكتل، وتضعه على رأسها، وتذهب من تحت الشجر فيمتلئ المكتل من كثرة ما يتساقط فيه، والطيور التي ترفرف على الرءوس، والعليل مع النسيم، والرخاء مع السعد. لكن ماذا فعلوا؟ عطلوا أمر الله، الله يقول: آمنوا بالله، فيقولون: كفرنا، يقول: واسمعوا، قالوا: سمعنا وعصينا؛ كما يفعل بعض الناس، له بيت فخم، وسيارة فاخرة، ومنصب مرتفع، ومالٌ وشيكات، وأولاد، جار للمسجد لا يصلي في المسجد، طبع الله على قلبه، مجرم، بل يعين على فساد قلبه بقلبه: يقال له: استمع القرآن، فيقول: لا، بل أستمع إلى شريط غنائي. يقال له: انظر إلى آيات الله في الكون، يقول: لا، بل انظر إلى الأفلام الماجنة. يقال له: استمع التلاوة؟ يقول: بل أستمع إلى أغنية ماجنة. يقال له: اقرأ في كتب الإسلام، يقول: بل أقرأ في مجلة هابطة. سبحان الله! لأنه لا يرى إلا بعينه التي يرى بها الحيوان، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] قال الله: آمنوا، قالوا: كفرنا، فماذا أرسل الله عليهم؟ أأرسل عليهم جيشاً من السماء؟ لا، هم أقل وأذل من ذلك، ماذا فعل الله بهم؟ أرسل عليهم فأرة. يقول المفسرون: أراد الله أن يخوف قوم فرعون؛ فأرسل عليهم قملاً وضفادع وجراداً. وأراد أن يهلك نمرود بن كنعان فأرسل عليه بعوضة فدخلت في دماغه فقتلته. وأراد أن يهلك سبأ فأرسل عليهم فأرة، ثم قال سبحانه: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الحج:73 - 74] نخرت الفأرة سدهم، وفي الصباح تدكدك السد، واجتاح الماء الهائل بأمواج كالجبال مزارعهم وبيوتهم، ومطارحهم وأشجارهم، وأصبحوا يولولون ويبكون في رءوس الجبال، لماذا؟ {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ:16] ويقول سبحانه: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ:19]. معظم القبائل من اليمن وأجدادكم الأزد كانوا في سبأ فتفرقوا أربعة أقسام؛ لأنهم عصوا الله، فلا نريد نحن أن نعصي ربنا، فمنهم أزدٌ في عمان، ومنهم الغساسنة في الشام، ومنهم أزد شنوءة وهم نحن في الجنوب، ومنهم الأوس والخزرج أنصار محمد صلى الله عليه وسلم. أنا ابن أنصارك الغرِّ الألى سحقوا جيش الطغاة بجيشٍ منك جرار نحن اليمانيين يا طه تطير بنا إلى روابي العلا أرواح أنصار نريد أن ننتسب إلى الأنصار، لا إلى جدنا الظالم الأول الكافر الذي كفر بنعم الله. نريد أن نكون مؤمنين مصلين، وصائمين صادقين؛ ليحشرنا الله مع أبناء عمومتنا؛ سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وحسان بن ثابت؛ لا أن يحشرنا الله مع الظلمة الذين حاربوا شريعة الله. فصلتنا بالله الواحد الأحد أيها المسلمون! {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. اللهم صلِ على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الأطهار، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح الملك، وولي العهد، والأمراء، والمسئولين، والقضاة! اللهم أصلح الطلبة والأساتذة! اللهم أصلح البيوت! اللهم أصلح القلوب، اللهم أصلح الشعوب، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم لا تعم أبصارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك، واتقاك، واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين! سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

عيش النبي وأصحابه وتخليهم عن الدنيا

عيش النبي وأصحابه وتخليهم عن الدنيا إن هذه الحياة الدنيا قد ذكر الله عز وجل حقارتها في كتابه الكريم، وذمها النبي صلى الله عليه وسلم واستصغر من شأنها كما ورد في سنته، لذلك لابد أن نزهد فيها، ونعلم أننا راحلون منها وملاقو الله عز وجل، ونقتدي في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهم خير مثال. وقد تعرض الشيخ حفظه الله في هذا الدرس لحديث أبي هريرة مبيناً حال النبي صلى الله عليه وسلم وزهده في هذه الحياة، ومبيناً اقتداء الصحابة بالرسول صلى الله عليه وسلم وتخليهم عن الدنيا، ثم أورد فوائد مستنبطة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وختم بها هذا الدرس.

نص حديث أبي هريرة في زهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

نص حديث أبي هريرة في زهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. اعلموا بارك الله فيكم أنه لا بد للعبد المسلم كل يوم من نقلة يعيشها مع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وكل ما أتانا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو سنة، لابد أن نعيش معه في حاله صلى الله عليه وسلم وفي أعماله، وفي جهاده وهجرته، وفي طعامه وشرابه، وفي قيامه وقعوده، وفي يقظته ونومه؛ لأن الله جعله أسوة لنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا تفتح أبواب الجنة إلا من بابه، ومن أتى من غير طريقه فحرام عليه الجنة. إذا علم ذلك فإن الله يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. ومعنا هذه الليلة حديث طويل نعيش فيه مع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، والذي يروي هذا الحديث هو حافظ الأمة وحامل لواء السنة أبو هريرة رضي الله عنه، يقول الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل: (باب: كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا) ثم قال رحمه الله: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا عمر بن ذر، قال حدثنا مجاهد أن أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه كان يقول: {آلله الذي لا إله إلا هو لقد كنت أعتمد ببطني على الأرض من الجوع، آلله الذي لا إله إلا هو لقد كنت أربط على بطني الحجر من الجوع، وإني صليت صلاة المغرب في ذات ليلة في عهده صلى الله عليه وسلم، فلما صليت خرجت في طريق الناس وهم يمرون علي -وسوف يمر عليه من هذا الطريق الصحابة من المهاجرين والأنصار- قال: فوقفت وبي من الجوع ما لا يعلمه إلا الله، والله ما أوقفني إلا الجوع، قال: فمر بي أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فسألته عن آية من كتاب الله، والله الذي لا إله إلا هو ما سألته إلا ليطعمني ويشبعني في بيته، قال: فأخبرني ثم مر ولم يدعني إلى بيته، ثم مر عمر رضي الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله، والله الذي لا إله إلا هو ما سألته إلا ليطعمني فما فعل، ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم -وعند البخاري من طريق مجاهد - ثم مر أبو القاسم بأبي هو وأمي، فلما رآني واقفاً قبل أن أتكلم تبسم في وجهي، وقال: يا أبا هر! حيهلاً بك. قال: فأخذ بيدي فتبعته، فدخل بيته عليه الصلاة والسلام، فلما دخل استأذنت فأذن لي فدخلت، فقال عليه الصلاة والسلام لأهله بعد صلاة المغرب: أعندكم شيء؟ قالوا: لا. إلا شيء من لبن. قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هر! قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله! وظننت أنه سوف يدفع لي هذا اللبن لأسد به رمقي من الجوع. قال: يا أبا هر! قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله! قال: انطلق إلى أهل الصفة في المسجد -وأهل الصفة قوم فقراء من الصحابة الأخيار من خيرة الصحابة، اجتمعوا في المسجد وتخلوا عن الدنيا، لا أهل معهم ولا مال ولا ولد، في النهار يحتطبون من الجبال ويبيعون، وفي الليل يتعبدون الله في مسجدهم ويستمعون ما أنزل على رسول الهدى صلى الله عليه وسلم- قال: فقلت في نفسي -هكذا في رواية البخاري - قلت: يا سبحان الله! إذا دعوت أهل الصفة ثم أتوا وشربوه ماذا سوف يبلغني منه؟ أفما كان بدأ بي فأسقاني ثم أرسلني؟ قال: فما كان من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بد، قال: وأهل الصفة كانوا قوماً فقراء لا أهل لهم ولا مال ولا ولد يسكنون في المسجد، فإذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة دفعها إليهم، وإذا أتاه هدية أشركهم معه في الهدية -لأنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة- قال: انطلق إلى أهل الصفة ادعهم لي، قال: فذهبت إليهم وقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوكم. فقاموا وذهبوا معي، فاستأذنت لهم فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذوا مقاعدهم في البيت، فلما جلسوا سلمني صلى الله عليه وسلم القدح في يدي، وقال: اسقهم يا أبا هر! هو أبو هريرة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يتلطف معه. أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقب كذاك أدبت حتى صار من أدبي أني وجدت ملاك الشيمة الأدب قال: فأخذت القدح وأخذت أسقيهم واحداً واحداً، كلما شرب أحدهم دفعت القدح إلى الآخر، فإذا شرب عدت إلى الآخر، وهكذا حتى انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -الرسول صلى الله عليه وسلم هو صاحب الضيافة، وهو صاحب المنزل، وهو في آخر الضيوف- قال: فلما وصلت نظر إلي وتبسم في وجهي، وقال: يا أبا هر! بقيت أنا وأنت. قال: قلت: صدقت يا رسول الله! قال: اقعد، فقعدت، قال: اشرب. فشربت، ثم قال: اشرب. فشربت، ثم قال: اشرب. فشربت، ثم قال: اشرب في الرابعة، قلت: والله يا رسول الله! ما أجد له مسلكاً. قال: فأخذ الإناء من يدي وفيه فضلة ثم قال: الحمد لله، ثم سمى وشرب، عليه أفضل الصلاة والسلام}.

وقفات مع حديث أبي هريرة في زهد النبي وأصحابه

وقفات مع حديث أبي هريرة في زهد النبي وأصحابه في هذا الحديث قضايا تعرض لها ابن حجر وغيره من الشراح ومن المحدثين الجهابذة.

سند الحديث وتفنن البخاري في التبويب

سند الحديث وتفنن البخاري في التبويب أولها: سند هذا الحديث. البخاري رحمه الله تعالى تفنن في كتابه، مرة يعيش معك في الأحكام، وهذا هو أسلوب الكتاب الكريم، فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى تعرض للأحكام والأخبار، وللقصص والآداب والسلوك، يتحدث القرآن معك في الطلاق، وأنت في موضوعات الطلاق وإذا به ينتقل بك إلى اليوم الآخر، ويوم أن يعيش بك في اليوم الآخر والعرض والحساب والحوض والصراط والميزان، والناس يهرعون، أعمالهم شتى، فريق في الجنة وفريق في السعير، وإذا بالقرآن يعود بك إلى الحدائق الغناء في الدنيا، ويتحدث لك عن البساتين ومن خلقها، وعن النجوم ومن أبدعها، وعن السماء ومن رفعها، وعن الصور ومن صورها. وأنت معه في هذه الصور والملامح وإذا به ينتقل بك إلى ساح الجهاد، وعن المجاهدين والشهداء وماذا أعد الله لهم، وبعد أن ينتهي يتحدث عن أهل العلم وماذا ينبغي لهم، وعن الصلحاء والأخيار. وأتى البخاري فتناول كتابه على أسلوب القرآن، فعندما بدأ بدأ بالإيمان، ثم العلم، ثم الأحكام، ثم أتى بالرقائق والزهد والسلوك والفتن والملاحم واليوم الآخر، فكان بحق أعجب كتاب بعد كتاب الله عز وجل، حتى أن ابن تيمية سأله سائل: دلني على كتاب قال: لا أعلم كتاباً ينفعك بعد كتاب الله كـ صحيح البخاري. فيقول البخاري: (باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا) ثم يقول: حدثنا أبو نعيم وأبو نعيم شيخ البخاري، اسمه: الفضل بن دكين وأبو نعيم إذا ذكر في السيرة وفي السنة فهما رجلان: أبو نعيم الفضل بن دكين صاحبنا هذه الليلة، وأحمد بن عدي صاحب الحلية، وهو في القرن الرابع، أما هذا الرجل فهو ثبت خير زاهد عابد، سرد الصيام ما يقارب أربعين سنة، وعمي في آخر عمره من كثرة ما بكى من خشية الله في الليل، ومع حفظه للحديث وزهده وعبادته كانت فيه دعابة ومزح، وكان خفيف الروح؛ ولذلك يقول ابن كثير: إن المحدثين فيهم خفة روح. يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: طرق على أبي نعيم طارق ذات يوم، فقال أبو نعيم: من؟ قال: أنا رجل. قال أبو نعيم: ممن؟ قال: من ذرية آدم، ففتح أبو نعيم الباب وقال: ما ظننت أنه بقي لآدم ذرية، فحياك الله يا ذرية آدم. وعمر بن ذر هو الزاهد، شيخ أبي نعيم، ومجاهد بن جبر أكبر من فسر كتاب الله عز وجل بعد ابن عباس، ولذلك يقول: عرضت القرآن ثلاث مرات في الحرم على ابن عباس من أوله إلى آخره، أوقفه عند كل كلمة أسأله عن معناها. قال سفيان الثوري: إذا أتاك التفسير عن مجاهد فحسبك به. أي: إذا سمعت أن مجاهداً فسر آيةً فلا تتجاوز تفسيره إلى غيره في الجملة. يقول أحد أهل العلم: رأيته فرأيت في وجهه كأنه يريد الله والدار الآخرة، وتذكرت بوجهه خوف الله عز وجل. أو كما قال. كان مغرماً بالأسفار، ما سمع ببلد ولا بأعجوبة في الأقطار إلا سافر لها، ولذلك طاف أكثر البلاد الإسلامية، ووصل إلى عدن وإلى آبار هناك، ووصل إلى بابل وإلى البئر التي فيها هاروت وماروت، فإنهم في بابل كما ذكر الله في كتابه {بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة:102] قال: فلما دخلت وجدت خازنها عند الباب فقلت: ائذن لي أن أدخل. قال: أدخلك بشرط ألاَّ تتكلم. قال: فدخلت وأطللت على بئر -وهذا في ترجمته- فوجدت اثنين معلقين بقدميهما ومنكسة رءوسهما في قعر البئر. قال: فلما رأيت هذا المنظر قلت: سبحان الله! فأغمي عليَّ وعلى صاحبي، ثم استفقت بعد برهة فقال الخازن: أما قلت لك لا تتكلم؟ قال: نسيت. هذا مجاهد يروي الحديث عن أبي هريرة وساق لنا الحديث، وأبو هريرة يتحدث عن تلك الحال التي عاشها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورد الحديث هذا لأنه تولى الإمارة في عهد معاوية، أو في عهد مروان بن الحكم، فلما تولى الإمارة كان يأتي في ثياب القطن، وكان يقول: أفطر الخمير، وألبس ثياب القطن، وأنا كنت أهوي بين المنبر وبين المسجد من كثرة الجوع. فكأنه كان يتذكر تلك الأيام ليقمع عجبه ونفسه أمام الناس. إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في الموطن الخشن وإن أولى الموالي أن تواليه عند السرور الذي واساك في الحزن ولذلك يقولون: من عادة الكرماء أن الله إذا أنعم عليهم ذكروا أيامهم الخالية في الفقر وفي الخشونة والمشقة. فهو يتحدث للناس عن هذه الأيام التي مرت به رضي الله عنه، وبعض المهاجرين والأنصار على فقرهم كانوا يجدون ما يسدون به رمقهم، لكنه حتى الأكلة الواحدة ما كان يستطيع لها، حتى يقول: [[والله لقد كنت أؤجر ظهري -يحمل الحطب- على الأكلة الواحدة]] وقد مرت هذه بكثير من الصحابة، مرت بـ أبي الحسن أمير المؤمنين، الذكي النابه التقي الزاهد علي بن أبي طالب، يقول وهو يتحدث عن نفسه تواضعاً لله على منبر الكوفة وهو خليفة للمسلمين: [[لقد مر بي يوم من الأيام جعت أنا وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما وجدنا ولو دقل التمر -رديء التمر- قال: فقالت: اذهب فالتمس لنا أكلاً وطعاماً. فلبست في البرد جبة معي من صوف، وذهبت أسأل الله عز وجل وأستغفره أن يرزقنا -لأن الاستغفار يأتي بعده الرزق- رزقاً حلالاً في ذلك اليوم، فذهبت فتذكرت رجلاً تاجراً من اليهود، له مزرعة في خيبر، فانطلقت فإذا هو يسوق على سانية له، فجمعت نفسي فدخلت مع قائد الماء -المجرى الذي يجري منه الماء- قال: فلما دخلت رآني اليهودي وقال: من أدخلك؟ قلت: أتيت أعمل. فقال: انزح كل غرب بتمرة. قال: فقمت أنزح على الجمل كل غرب واحد بتمرة، فلما نزحت ما علم الله من الغروب دعاني فملأ كفيه لي وأعطاني إياه على عدد الغروب. قال: فذهبت فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر فتبسم ودعا لي، ثم أكل منه بعض التمر، وذهبت إلى ابنته عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنها، فبارك الله في ذلك التمر فكفانا ردحاً من الزمن]] أو كما قال.

قدوم أبي هريرة المدينة وإسلامه

قدوم أبي هريرة المدينة وإسلامه قدم من دوس من أرض زهران من جبال السراة، وليس عنده شيء من مال ولا متاع، وإنما يريد الله والدار الآخرة، فأبدله الله ذكراً جميلاً في الدنيا، وأبدله جنة -نسأل الله أن يجمعنا به في مستقر رحمته- وجعله حافظ الدنيا للحديث النبوي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكان قدومه يوم قدم ومعه مولىً له، فضاع عليه المولى في ظلام الليل، فلما قدم أتى والرسول صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه، فلما رآهم قال: أيا ليلة من طولها وعنائها على أنها من دارة الكفر نجتِ يقول: ما أطول هذه الليلة وما أشد عناءها! لكنها بحمد الله نجتني من دار الكفر. فأسلم وشهد أن لا إله إلا الله وآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ورأى هذا الوحي والنور يخرج من ثنايا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ طمع أن يحفظ شيئاً من هذا الوحي العظيم، وأخذه الحرص الشديد على أن يتلقن من فم الطاهر المطهر شيئاً من هذه التركة والميراث. قال: {قلت: يا رسول الله! إني أسمع منك حديثاً كثيراً فلا أعيه. قال: يا أبا هريرة! ابسط رداءك. قال: فخلعت ردائي وبسطته، فحثا لي عليه الصلاة والسلام حثوات بيده هكذا ودعا لي وقال: ضم رداءك عليك فضممته، فوالله ما نسيت بعد هذا حرفاً واحداً} فهو يحفظ خمسة آلاف وسبعمائة وستة وعشرين حديثاً، ما بين طوال وقصار لا يفلت منها حرفاًُ واحداً كالفاتحة، ولذلك كان ليله ثلاثة أجزاء: الجزء الأول يتهجد، والجزء الثاني يدارس الحديث، والجزء الثالث ينام. ولما وصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أتت أمه ولحقته من أرض دوس، فدخلت فسلم عليها وحاول أن يدعوها إلى الإسلام فأسمعته كلاماً غليظاً فيه وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يبكي ويقول: {يا رسول الله! ادع الله لأمي فإنها أسمعتني فيك وفيَّ كلاماً غليظاً. فرفع عليه الصلاة والسلام يديه ودعا لأمه بالهداية، قال: فعدت إليها في البيت وإذا هي قد أغلقت بابها عليها، وسمعت خشخشة الماء، فقلت: يا أماه مالك؟ قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وهو لم يأتها ولم تر الرسول صلى الله عليه وسلم فعاد يبكي من الفرح. طفح السرور علي حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني فقلت: يا رسول الله! والله لقد أسلمت، فادع الله لي ولأمي، قال: اللهم حبب أبا هريرة وأمه إلى صالح عبادك وحبب صالح عبادك إلى أبي هريرة وأمه، قال أبو هريرة: فوالله ما رآني أحد أو رأى أمي إلا أحبنا في الله ونحن نحب كل صالح في الله}.

حال أبي هريرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم

حال أبي هريرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم واستمر أبو هريرة على هذا الحال، وبقي ثابتاً على العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحفظ ويتلقن ويبلغ وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم، ويخرج الأجيال تلو الأجيال من المسجد العامر، مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أسس على التقوى. قال شفي الأصبحي: دخلت المدينة المنورة فسمعت لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم دوياً في الحديث، فلما دخلت وجدت أبا هريرة وسط الحلقات يحدث، فشققت الحلقات حتى بلغته فجلست عنده، فقلت: يا أبا هريرة! أسألك بالله أن تحدثني بحديث سمعته أنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بينك وبينه واسطة. قال: فبكى حتى نشغ -أي: حتى غشي عليه- ثم رفع رأسه وقال: والله لأحدثنك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه واسطة، ثم نشغ من البكاء ثم رفع رأسه وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة -نعوذ بالله أن نكون منهم- أولهم: عالم علمه الله العلم وأقرأه كتابه، يستحضره الله يوم القيامة ويقول: أما علمتك العلم؟ أما فهمتك؟ فيقول: بلى يا ربي، فيقول: ماذا عملت؟ -والله أعلم وأدرى- قال: علمت الجاهل وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر. فيقول الله: كذبت، إنما تعلمت ليقال: عالم. خذوه إلى النار. فيسحبونه على وجهه حتى يلقى في النار، ويؤتى بالجواد فيفعل به هكذا، ويؤتى بالشجاع المجاهد في سبيل الله في الظاهر فيفعل به هكذا} فذهب هذا الرجل فدخل على معاوية وهو خليفة في دمشق، وحوله الوزراء والأمراء، وعلى رأسه الجنود بالسيوف، فقال: يا معاوية! قال: نعم. قال: أحدثك بحديث. فحدثه بالحديث، فبكى معاوية حتى سقط من على كرسيه، ثم رفع الفراش ومرغ وجهه في التراب وقال: صدق الله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16].

قصة لأبي هريرة

قصة لأبي هريرة ومجمل القصة -كما مر معنا- أنه مر به الجوع حتى كان يعتمد على الأرض من شدة حرارة الجوع، وربما ربط على بطنه الحجر، وفي السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حفر الخندق ربط على بطنه قطعة حجر، ولكن في هذه الرواية ضعف. قال الخطابي: إنما ربط أبو هريرة الحجر على بطنه لئلا يجد حرارة الجوع. وقيل: ليلتصق ظهره ببطنه فيستطيع أن يقوم ويتحامل على أرجله. والجوع تعوذ منه صلى الله عليه وسلم حيث يقول: {اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة} والجوع يصيب الإنسان بدهش، وتتساقط أقدامه وعظامه فلا تستطيع أن تحمله، فيقول أبو هريرة: كنت أربط على بطني من شدة الجوع فأقوم. هذا وهم خيرة الله، ولكن لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء، كسرى وقيصر يتمتعون في الديباج ويلعبون بالذهب والفضة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين فتحوا الدنيا وعلموا الإنسانية ورفعوا منائر الإسلام ما يجدون كسرة خبز من شعير. ولذلك يقول عمر كما في صحيح البخاري في الفضائل وفي غيرها، وأورده في الإيلاء وفي أزواجه صلى الله عليه وسلم قال: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة، فسلمت عليه فرد علي السلام وهو مغضب حزين، فقلت: يا رسول الله! أما تسمع من عاتكة بنت زيد -يعني امرأته- قال: ماذا فعلت؟ قال: تسألني النفقة. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أضحك الله سنك -فـ عمر يريد أن يضحك الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه وجده مغضباً وحزيناً، يقول: انظر إلى امرأتي، ما نجد كسرة خبز الشعير وتسألني أن أحليها بالذهب والفضة، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: فلما استأنس جلست عنده عليه الصلاة والسلام، فحولت نظري} لأن للرسول صلى الله عليه وسلم هيبة، نعم. هو من أسهل الناس وأرق الناس، وأيسر الناس، ومن أشد الناس تبسماً، لكنه مع ذلك من أشدهم هيبةً وحشمةً، فكان الصحابة من أشد الناس له توقيراً، ولذلك يقول شوقي: وإذا سعيت إلى العدا فغضنفرٌ وإذا جريت فإنك النكباء قال: {فحولت نظري في غرفته صلى الله عليه وسلم فرأيت شيئاً من شعير معلق، ثم تربع عليه الصلاة والسلام وجلس فنظرت فإذا حصير قد أثر في جنبيه} والرسول صلى الله عليه وسلم كان رقيق البشرة، يقول أنس: {مسست كفه صلى الله عليه وسلم -وهذا في الصحيح- فوالله ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كفه صلى الله عليه وسلم حتى إذا صافحه الرجل تبقى أصابع الرجل مؤثرة في يده، وكان وجهه كالبدر ليلة أربعة عشر، قال: فلما جلس رأيت الحصير أثر في جنبه فدمعت عيناي فانتبه لي} وقد كان عمر رقيقاً رغم قوة قلبه وشجاعته في الإسلام كان رقيق الدمعة حتى أثر البكاء في خديه، قال: {فلما رأى الدموع في عيني تهمل على خدي قال: مالك يا عمر؟ قلت: يا رسول الله! كسرى وقيصر في النعيم الذي تعلم وأنت في هذا الحال. فالتفت إلي صلى الله عليه وسلم وقال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال: بلى يا رسول الله} فكان عمر دائماً يتذكر هذه الكلمة قبل خلافته وفي خلافته حتى لقي الله عز وجل. فيقول أبو هريرة: فلما أصابني ما أصابني. وعند أحمد قال: {فوالله لقد كنت أسقط بين المنبر وبين بيت النبي صلى الله عليه وسلم من الجوع، فيأتي الناس فيقولون: جُن أبو هريرة وصرع، قال: فيأتي الرجل منهم فيبرك على صدري فيقرأ علي شيئاً من القرآن، والله ما بي شيء من المس وما أصابني إلا الجوع}. فلما أصابه ما أصابه ليلة من الليالي صلى المغرب، وخرج قبل الناس يتصدى لهم، لعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يفتح على رجل منهم فيدعوه إلى بيته، وفتح الله عليهم جميعاً، فخرج أبو بكر رضي الله عنه وهو لا يدري بالسر، وإلا فهو من أكرم الناس، ولن تجد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم من أبي بكر، فإنه كالريح المرسلة، جعل أمواله كلها للإسلام، فلما خرج أبو بكر لقيه أبو هريرة وقال: يا أبا بكر! ما معنى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وما هي تكملة هذه الآية؟ فكملها أبو بكر وذهب إلى بيته، وأبو هريرة يحفظ الآية، فذهب والتفت إليه حتى دخل بيته، ثم أتى عمر فسأله عن الآية فأخبره بالآية ثم ذهب ودخل، فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبل أن يتكلم أبو هريرة لمح صلى الله عليه وسلم في وجهه، فضحك عليه الصلاة والسلام وأخذه بيده، وعلم أنه ليس السؤال مفاده على ظاهره، وإنما هناك حاجة في نفس يعقوب قضاها، فدخل معه، فلما دخل عُرض عليه شيء من لبن، فيقول أبو هريرة: ففرحت علني أصيب من هذا اللبن. قال: اذهب إلى أولئك النفر فتعال بهم إلخ القصة، فلما أتى بهم شربوا فشرب رضي الله عنه بعدهم، ثم شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأخير.

فوائد الحديث

فوائد الحديث وفي هذا الحديث مسائل:

جواز الحلف بدون استحلاف

جواز الحلف بدون استحلاف أولها: جواز الحلف بدون استحلاف، فلك أن تحلف إذا تكلمت في قصة أو حديث ولو لم يستحلفك أحد، قال جل ذكره: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7] مع أنهم لم يستحلفوه هنا، ويقول جل ذكره: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [يونس:53] وهم أيضاً لم يستحلفوه، ولكن الله أمره أن يحلف في ثلاثة مواطن، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: لا ومقلب القلوب. وهو لم يستحلف، فلك أن تحلف للحاجة ليتأكد حالك، ولتقوم حجتك ودليلك، ولو لم يطلب منك أحد أن تحلف.

الإخبار عن حال الضر ليس لأجل التشكي

الإخبار عن حال الضر ليس لأجل التشكي المسألة الثانية: الإخبار عن حال الضر لا على وجه التشكي، فلك أن تخبر عن أيامك السالفة في الجوع والمشقة، ولك أن تخبر عما أصابك من أمراض، لا على أن تشكو الرحمن الرحيم إلى الناس، فإنك إذا شكوت الرحمن الرحيم كأنك تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم. ولا تشيم إلى شخص لتشمته شكوى الجريح إلى الغربان والرخمِ فالذي يشكو إلى العباد كالجريح الذي يشكو إلى الغربان والرخمِ، يقول: أنا جريح فانظروا إلى جرحي. فهذا الأمر جائز إذا لم يكن على وجه التشكي، وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم، {أن الرسول صلى الله عليه وسلم زار بقيع الغرقد، ثم عصب رأسه عليه الصلاة والسلام، فقالت عائشة رضي الله عنها: وارأساه -كان بها صداع ذلك اليوم- قال: بل أنا وارأساه، والله لقد هممت أن أدعو أباك وأخاك فأكتب لهم كتاباً} لأنه مرض الموت، فشكا عليها لا لأنها شكوى، ولكن أخبرها إخباراً عليه الصلاة والسلام، لا على وجه التسخط والتذمر لكن على وجه الإباحة. ولا بد من شكوى على ذي قرابة يواسيك أو يسليك أو يتوجع فهذا جائز، ولذلك أخبر الصالحون عن أحوالهم، وللعبد أن يخبر بما مر به من نكد عيش وفقر؛ ليقمعه هذا وليرده عن الكبر والعجب، ولأن بعض الناس إذا ترأس أو اغتنى أو كان له أولاد أو أملاك نسي ما قدم في الأيام؛ فأخذه الجموح والغلو ونسي ما عند الله وما أعد وما كان فيه، ولذلك يقول ابن عمر رضي الله عنه: [[جمع أبي الناس -يعني عمر - فنصبنا له منبراً فجلس عليه، فقال: أيها الناس! من أنا؟ قالوا: أنت أمير المؤمنين. قال: أنا عمر بن الخطاب، كنت أدعى في الجاهلية عمير، كنت أرعى الغنم لـ ابن أبي معيط على حفنة من تمر. قال: فلما انتهى المجلس قلت: يا أبتاه! ما حملك على ما صنعت؟ قال: زهتني نفسي وأعجبتني فأردت أن أكسرها أمام الناس]] فهذا هو الأدب، وهذه هي التربية، وهذا هو الوصول والاتصال بالحي القيوم. وسعد رضي الله عنه سوف يتحدث وسوف نسمع كلامه بعد قليل عن نفسه وعن حاله، وعلي كذلك وغيرهم من الصحابة الأخيار، لكن هناك مسألة استثناها أهل العلم وهي: من كان في معاصي وفي سيئات فتاب الله عليه، فليس له أن يتحدث للناس بمعاصيه ولا بماضيه الغابر، بل عليه أن يتوب إلى الله ويستغفر، وأن يستر ما بينه وبين الله عز وجل، فإن الله يستر على العبد في الدنيا إذا ستر على نفسه، ويغفر له في الآخرة، وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر قال: {حدثنا صلى الله عليه وسلم عن النجوى. قيل له: كيف حدثكم عن النجوى؟ قال: يدني الله عز وجل عبده يوم القيامة حتى يضع كنفه على كنفه، ثم يقول: يا عبدي! أما فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا؟ قال: بلى يا رب. قال: أما فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا؟ قال: بلى يا رب، قال: فإني سترتها عليك في الدنيا وغفرتها لك اليوم} فليس للعبد أن يقوم أمام الناس أو في المجالس ويقول: فعلت كذا وكذا في الجاهلية، وفعلت كذا وكذا في وقت الجهل، وفعلت كذا وكذا في شبابي. بل عليه أن يستتر بستر الله، وإذا ابتلي العبد بشيء من الفضائح فليستتر، فإن الله يغفر الذنب ويتجاوز عن السيئات ويعلم ما تفعلون، والله ستير حيي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، كما قال عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الغسل والإنسان متكشف قال: {إن الله حيي يحب من عبده أن يتستر} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وفي حديث سلمان عند الترمذي: {إن الله عز وجل حيي يستحيي من أحدكم إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً}. إذا علم هذا فليس للإنسان أن يتحدث بالأخطاء ولا بالمعاصي ولا بالذنوب، لكن يأتي بوابل من الاستغفار، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: في الدنيا ثلاثة أنهار، فمن لم تطهره ثلاثة أنهار أو واحد منها فسوف يدخل يتطهر في كير جهنم ثم يخرج إلى الجنة. ثلاثة أنهار في الدنيا لابد للعبد أن يحرص أن يتطهر فيها، لأننا كلنا أهل سيئات وخطايا، فمن لم يتطهر بنهر من الأنهار الثلاثة فلا بد له من كير جهنم يتطهر فيها ثم يخرج ويدخل الجنة، النهر الأول: نهر التوبة، وهو أعظم الأنهار، والله عز وجل ما أغلق باب التوبة ولن يغلقه حتى تطلع الشمس من مغربها، ولا يزال الله يتوب على العبد مهما اقترف من السيئات والخطايا إذا تاب وأناب وصحت التوبة. النهر الثاني: الحسنات الماحية، فإن بعض الناس كثير الإساءة، ثم يأتي بأعمالٍ صالحةٍ من قراءة وذكر وصيام ونوافل ودعوة إلى الله وعمل صالح، فتغمر هذه الأنهار جبال السيئات وتمحوها فلا تبقي لها أثراً ولا عيناً. والنهر الثالث: المصائب المكفرة، فإن بعض الناس يبتلى بالسيئات والخطايا فيسلط الله عليه المصائب والمحق، ويسلط عليه الفتن والمحن والهموم والغموم، حتى يلقى الله وهو طيب مطيَّب، طاهر مطهَّر.

جواز التعريض بالسؤال

جواز التعريض بالسؤال المسألة الثالثة: التعريض بالسؤال دون التصريح. فقد استحيا أبو هريرة رضي الله عنه أن يقول لـ أبي بكر: أطعمني هذه الليلة إني جائع، ولم يقل لـ عمر، ولكنه عرض ولم يصرح، ولمح ولم يوجه الخطاب، وهذا من عفته وحيائه، ولذلك كان العرب يستحيون من السؤال، ومن مروءة الرجل ألاَّ يسأل إلا في حاجة ملحة؛ لأن الذين يسألون الناس ولهم ما يغنيهم يأتون يوم القيامة ولا لحم على وجوههم بل عظام فقط، {إن الذي يسأل الناس وله غنى يغنيه يأتي يوم القيامة ووجهه خدوش من المسألة} وفي رواية الزبير {يأتي وليس في وجهه مزعة لحم} فاستحيا أن يسأل وأن يعرض بنفسه فعرض بالكلام، وهذا أسلوب وارد عند العرب. يقول ابن كثير وغيره من أهل العلم والسير: كان قيس بن سعد بن عبادة جالساً في مجلس، وهو من سادات العرب ومن أغنى الأغنياء ومن أجواد الإسلام، فدخلت عليه عجوز فقالت: يا قيس! قال: نعم. قالت: أشكو إليك قلة الفئران في بيتي. ليس في بيتي فئران، قال: والله لأملأن بيتك فئراناً، ثم دخل بيته وأرسل جمالاً محملة من تمر وحبوب وزبيب. ثم عادت بعد وقت فسلمت عليه ودعت له وقالت: لقد امتلأ بيتي فئراناً. فقال الناس لـ قيس بن سعد: ما هذا الخطاب؟ قال: إنها شكت من قلة الفئران والفئران لا تأتي إلا مع الطعام ومع الغنى، ومعناه الفقر، قال: فأعطيناها ما فتح الله علينا، فأتت تخبرنا أن في بيتها فئراناً. وهذا من التعريض. وذكر صاحب العقد وصاحب عيون الأخبار أن علياً رضي الله عنه دخل عليه رجل فاحمر وجه الرجل، فقال علي: مالك أخجلت؟ قال: في نفسي مسألة وأستحي أن أسألك عنها. قال علي: اكتبها على الأرض، فكتبها بأصبعه، فقضاها علي رضي الله عنه، فقال الرجل: كسوتني حلة تبلى محاسنها لأكسونك من حسن الثنا حللاً يقول: أنت كسوتني حلة ولكنها سوف تبلى في الدنيا، لكن والله لألبسنك من الثناء العاطر والدعاء المسموع ما لا يبلو أبداً. ولذلك يقول إبراهيم لما كان كريماً مضيافاً للناس: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء:84] قالوا: هو الذكر الحسن. وإنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى

دقة فهمه صلى الله عليه وسلم

دقة فهمه صلى الله عليه وسلم المسألة الرابعة: دقة فهمه صلى الله عليه وسلم. فإن أبا بكر وعمر لم يفهما مراد أبي هريرة، والرسول صلى الله عليه وسلم علم أن أبا هريرة يريد طعاماً، وإلا فإن الإشارات: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:30] وسيماء الحديث، ومقارنة القصة تبدي هذه الأمور أنه يريد شيئاً، وإلا فكيف يخرج سريعاً من المسجد ويقف في طريق الناس يسألهم عن الآية؟ هل ضاقت به الدنيا بما رحبت وضاقت به الأوقات إلا بعد صلاة المغرب يسأل عن هذه الآية؟ ثم هو رجل فقيه وعالم بإمكانه أن يسأل في أحد الأوقات، فعرف صلى الله عليه وسلم وأدخله بيته.

الاستدلال بالعلامات

الاستدلال بالعلامات المسألة الخامسة: الاستدلال بالعلامات. فإن بعض الناس لما رزقهم الله من الفطنة والفهم يعرفون بالعلامات والإشارات، فإن إبراهيم عليه السلام قرب الأكل للملائكة فما اقتربوا للأكل {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [هود:70] يقول: لماذا لا يأكلون طعامي؟ لابد أن فيهم شيئاً، ثم خاف منهم؛ لأنهم إما أعداء فالعدو لا يأكل طعامك، وإما أنهم ملأ آخر خلقهم الله عز وجل ليس من حقهم الطعام. فعلم أنهم ملائكة، فأخبروه في الأخير أنا لا نأكل الطعام؛ لأنهم جسم نوراني، لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب. وهكذا خلق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى خلقه وتصرف فيهم، فنحن خلقنا من الطين، نمشي على الطين، ثم ندس في الطين، وقوم خلقهم من النار، فهم دائماً في نار أحرقوا العالم ودمروا المعمورة وهم الشياطين، وقوم خلقهم من نور، فكلامهم نور، ويأتون بالنور، ويذهبون بالنور، ويسجلون النور، ويشهدون على أهل النور، وهم الملائكة، فلله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في خلقه شئون.

استحباب الشرب جالسا

استحباب الشرب جالساً المسألة السادسة: استحباب الشرب جالساً، قاله ابن حجر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أتى أبو هريرة بالإناء وانتهى وفرغ من سقي الناس؛ أخذ الإناء وقال: اقعد، فقعد فقال: اشرب، فشرب، ومن أدب أبي هريرة أنه ما قال للرسول صلى الله عليه وسلم: اشرب أنت يا رسول الله! لأن أمامه رسول البشرية صلى الله عليه وسلم، ولأن أمره واجب أن ينفذ فالسنة الشرب من قعود إلا لحاجة ملحة، كأن تكون في زحام ما تستطيع أن تجلس فلك ذلك، كما فعل صلى الله عليه وسلم يوم شرب من زمزم وهو واقف، أو تكون على عجلة ما يتسنى لك أن تشرب جالساً، أو يكون المكان مرتفعاً وليس عندك إناء فلك أن تشرب قائماً، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

خادم القوم يتولى المناولة

خادم القوم يتولى المناولة المسألة السابعة: خادم القوم يتولى المناولة. فمن كرم ضيافته صلى الله عليه وسلم أن جعل أبا هريرة يدور بالإناء، ما قال للضيوف من أهل الصفة: قوموا أنتم وخذوا اللبن، بل جعله هو يدور عليهم، ويأخذ الإناء ويسلمه للآخر تلو الآخر، وإلا كان بإمكانه أن يسلم الإناء ثم يقول: أنت سلم للذي بجانبك، لكن من كرمه أن يأخذ لئلا يمتهن الضيف كما قال ابن حجر، قالوا: ومن لؤم الرجل أن يستخدم ضيفه، أن يدخل عليك ضيفك في المنزل فتقول: بارك الله فيك ناولني هذا الصحن، قرب لي هذا الإدام. فقد أصبح طباخاً ولم يصبح ضيفاً، وهذه الضيافة ليست في الكتاب ولا في السنة ولا في أخلاق العرب، أما الضيف فلابد أن يحترم، وبعض الناس إذا دخل عليه الضيف جلس في صدر المجلس واتكأ وجعل الضيف في آخر المنزل، فكلما أتوا بالفنجان بدأ ويبدأ بكل شيء، ويجعل الضيف في خبر كان وربما ينساه، فهذا ليس من الضيافة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم أهل الصفة، وهم تلاميذ له وأعراب، وجلس عند الباب وأخذ يقول لـ أبي هريرة: ناول الناس، فأخذ يناولهم حتى انتهى إليه صلى الله عليه وسلم.

معجزة النبي صلى الله عليه وسلم

معجزة النبي صلى الله عليه وسلم المسألة الثامنة: معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في بركة اللبن. لبن قليل يسير في إناء يكفي أكثر من مائة رجل كلهم بحاجة إلى هذا اللبن، وفضل منه فضلة وبقي لأهله صلى الله عليه وسلم، وما ذلك إلا من بركته صلى الله عليه وسلم، فإنه مبارك أين ما كان، فكلامه وفعله ولحظاته كلها مباركة، وكلما جلس في مكان أثر فيه البركة عليه الصلاة والسلام.

جواز الشبع في الأكل

جواز الشبع في الأكل المسألة التاسعة: جواز الشبع ولو بلغ أقصى غاية. قاله ابن حجر وأيده ابن القيم على هذا؛ لأن بعض الناس من المغالين في التصوف يقول: إنه لا يجوز الشبع، وإن الإنسان حرام أن يشبع، ويلقون محاضرات في الشبع، هذا غير صحيح فـ أبو هريرة شبع حتى حلف بالله العظيم أنه لا يجد له مسلكاً. دخل أبو دلامة على هارون الرشيد الخليفة العباسي، فقال هارون الرشيد: يا أبا دلامة! سمعت أنك تطلب الحديث في هذه الأيام -وأبو دلامة رجل مزاح فكاهي، يرافق الخلفاء في الجهاد والغزو والسمر- قال هارون الرشيد: سمعت أنك تطلب الحديث في هذه الأيام. قال: نعم. تعلمت الأحاديث فنسيتها كلها إلا ثلاثة أحاديث. قال: وما هي؟ قال: قوله صلى الله عليه وسلم: {إذا حضر العِشاء والعَشاء فابدءوا بالعَشاء قبل العِشاء} وقوله عليه الصلاة والسلام: {اشرب يا أبا هريرة! قال: والله لا أجد له مسلكاً} وقول الصحابي: {كان صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل} فضحك هارون الرشيد حتى ترح برجله. فهذه الأحاديث تحفظ والحمد لله، ولذلك سوف ننسى كل هذه القصة ونحفظ قوله: فشبعت حتى ما وجدت له مسلكاً. قال ابن القيم: شبع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم مرة من المرات. لماذا؟ لأنهم ما يجدون الطعام دائماً كما نجده نحن، وإلا فنحن والحمد لله الوجبات تلو الوجبات بالساعة والدقيقة ما تختلف، والصحابة قد تمر بهم وجبة اللحم في الشهر أو الشهرين أو الثلاثة، وبعضهم أكثر من ذلك، فإذا حصلت هذه المكرمة أكثر منها؛ لأنه لا يدري ماذا سيحدث له فيما بعد، فهذا وارد. لكن يقول ابن حجر: ورد عند الترمذي بسند حسن: {إن أكثر الناس في الدنيا شبعاً أكثرهم جوعاً يوم القيامة} وهذا يقصد به أهل الشهوات الذين لا يستخدمونها في طاعة الله عز وجل، ولا يستعينون بها على مرضاته تبارك وتعالى، وإلا فالله يقول: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المؤمنون:51] وأمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين، فلو أن الإنسان إذا أكل طيباً وعمل صالحاً؛ لكان صالحاً عند الله، كلامه وأكله طيبٌ وفعله، لكن أن يأكل طيباً ويفعل القبيح، يأكل نعم الله ثم يعصيه ويتمرد عليه، هذا ليس بلائق. وهل من المروءة أن يضيفك رجل في بيته فكلما أكلت طعامه قمت تضاربه في البيت؟ ولله المثل الأعلى. فمن يأكل طيباً ويعمل صالحاً فهو مأجور ومشكور، ولو احتسب أكله عند الله لآجره الله في الدنيا والآخرة.

كتمان الحاجة أولى من إظهارها

كتمان الحاجة أولى من إظهارها المسألة العاشرة: أن كتمان الحاجة أولى من إظهارها، يقول تعالى: {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة:273] فتكتم حاجتك بينك وبين الله، تفتقر فلا يشعر الناس أنك افتقرت، وتمرض فلا يشعر الناس أنك مرضت. ذكر أهل القصص أن أبا بكر رضي الله عنه أصابه وجع في ضرسه حتى اسود جانبه، ما كان هناك مستشفيات ولا أطباء ولاخدمات، وإنما عاشوا في تلك الفترة يوجهون البشرية حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأراد الله من حكمته أن يعيشوا في تلك الفترة، لئلا يشتغلوا بهذه المشغلات والملهيات، والأمور التي جدت؛ ليتفرغوا لإبلاغ الوحي إلى الناس، فلما مرض زاره الصحابة وقد أسند ظهره على الفراش، فقالوا: يا خليفة رسول الله! نراك وجع. قال: الحمد لله. قالوا: ألا ندعوا لك طبيباً؟ قال: الطبيب قد رآني. قالوا: ماذا قال لك؟ قال: إني فعال لما أريد. كيف أشكو إلى طبيبي ما بيا والذي قد أصابني من طبيبيا قال أحد الصالحين -لما حضرته الوفاة- لابنه: يا بني! لا تشكو على أحد مصابك إلا على الله، فوالله لقد فقدت عيني هذه منذ أربعين سنة ما أبصر بها وما أخبرت بها أحداً إلا الآن. ذكر صاحب طبقات الحنابلة وغيره من أهل العلم عن الوزير ابن هبيرة الحنبلي الكبير، صاحب كتاب الإفصاح، وهو قد تولى الوزارة في عهد الخلافة العباسية وكان من الصلحاء الأخيار عند الله عز وجل، وعظ وهو جالس على منبره فسقط على وجهه من كثرة البكاء وحج بالناس هو وجعل نفقات الحجاج من بغداد على حسابه وتركته، فلما وصل إلى منى عطش الحجيج وأصابهم من الظمأ ما لا يعلمه إلا الله، فتوضأ وصلى ركعتين وقال: اللهم ارحمنا، اللهم اسقنا. قالوا: فوالله ما نزع من مكانه حتى تساقط الثلج والماء على الناس، فبكى، فقالوا: مالك؟ قال: يا ليتني دعوت الله بالمغفرة. قال أحد أهل العلم: كنت جالساً مع ابن هبيرة في ديوانه، وبينما أنا جالس إذا برجل فقير دخل عليه، فقام ابن هبيرة فاستقبل الفقير هذا، وهو وزير، دولة الإسلام كلها في وزارته، بل هو من أعظم الناس، كان يملي الحديث وهو وزير، يملي صحيح البخاري وصحيح مسلم. قال: فلما دخل هذا الفقير عليه قام له وحياه وأجلسه ثم أعطاه حلةً، وأعطاه شيئاً من المال وقام ومسح على رأسه، ثم خرج الفقير، فقال له الناس وهم في ديوانه جالسين: مالك -أطال الله بقاءك- مسحت على رأسه؟ قال: أتدرون ما قصتي وهذا الرجل؟ لقد عرفته وما عرفني. قالوا: كيف؟ قال: كنت أنا وإياه شباب فضربني على رأسي فأبطل عيني هذه، فما أرى بها منذ ثلاثين سنة، فلما دخل عليَّ الآن تذكرته وعرفته فمسحت على رأسه وعفوت عنه؛ ليعفي الله عني يوم يجمع الله الأولين والآخرين، فتباكى الناس، وهذا من كتمان المصائب والبلايا. كيف أشكو إلى طبيبي ما بيا والذي قد أصابني من طبيبيا ودخلوا على شيخ الإسلام وهو مريض فقالوا: ماذا أصابك؟ قال: تموت النفوس بأوصابها ولم يدر عوادها مابها وما أنصفت مهجة تشتكي أذاها إلى غير أحبابها فالشكوى إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ولذلك كان الأنبياء والرسل إذا بلغ الحزام الضبيين، والسيل منتهاه، وانتهى الأمر إليه، فوضوا الأمر إلى الله، قال إبراهيم: حسبنا الله ونعم الوكيل. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في حالة -يوم أحد - لا يعلمها إلا الله، وقد قتل سبعون من أقاربه وأعمامه وأصحابه، وبعدها يأتي يهودي استؤجر بشعير فيقول: إن الناس قد جمعوا لكم، فرد الرسول صلى الله عليه وسلم رشده ودعواه والتجاءه إلى الله وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل. فكان ماذا؟ {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران:174]. وقال يعقوب وقد بكى حتى -كما في بعض التفاسير- كان يوصيه جبريل بالصبر على يوسف فما يستطيع أن يصبر، فيجعل كفه على فمه ويقول: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [يوسف:86] ولذلك قالوا في ترجمة أبي بكر رضي الله عنه أنه كان إذا وصل إلى هذا المقطع في صلاة الفجر خار من البكاء: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86] ويقول قبلها: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18] فمن أصابه شيء أو ضر فليلتجئ إلى الحي القيوم، فإنه هو الرزاق، والنافع والضار، وإن مقاليد الأمور بيده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لا يتصرف في ذرة متصرف إلا بأمره وقدرته تبارك وتعالى.

كرم النبي صلى الله عليه وسلم

كرم النبي صلى الله عليه وسلم المسألة الحادية عشرة: وفيها كرم النبي صلى الله عليه وسلم، وإيثاره على نفسه وأهله وخادمه. فلن تجد في الأمة أكرم من الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في مسند أحمد عن جابر بسند جيد قال: {ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إلا مرة، سأله أعرابي شيئاً فقال: لا. وأستغفر الله} أي: أستغفر الله من كلمة (لا) فالمؤمن إذا كان في موجوده شيء فلا يقل: لا؛ لأن الله ذم الذين يمنعون الماعون، وهم الذين يمنعون القدْر عاريةً، أو الإبرة أو الخيل أو الخيط أو الخدمة، حتى ذكر أهل العلم أن من يمنع البسمة عن الناس فهو من أبخل الناس. والناس عيال لله عز وجل أحبهم إلى الله عز وجل أنفعهم لعياله، والله عز وجل جعل أسباب بعض الناس ببعض، فإنه هو الغني، والله قادر أن يغني كل أحد عن أحد، لكنه جعل هذا ليبتلي به هذا {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان:20] قيل: (جعلنا بعضهم لبعض فتنة) ابتلى الغني بالفقير، وابتلى الصحيح بالسقيم، وابتلى هذا بهذا؛ ليرى الله من الذي يؤدي حقوقه تعالى. وفي حديث ابن عباس الصحيح: {يقول الله يوم القيامة للعبد: يابن آدم! مرضت فلم تعدني. قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته وجدت ذلك عندي. يابن آدم! جعت فلم تطعمني. قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً جاع فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي} الحديث. فالرسول عليه الصلاة والسلام كان من أكرم الناس، يجود بكل ما ملك، ولو استغنى عن قميصه لجاد به، بل حدث -كما في صحيح البخاري - أنه جاد بقميصه الذي عليه، يقول سهل بن سعد في الصحيح: {أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! خذ هذا الكساء، فقد نسجته لك بيدي بأبي أنت وأمي، فأخذه عليه الصلاة والسلام ولبسه محتاجاً إليه، فلما لبسه تعرض له رجل من الناس، فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي أعطني هذا الكساء. قال: انتظر قليلاً، فدخل بيته عليه الصلاة والسلام وتأزر بأزرة وخلع له الكساء وأعطاه إياه. فقال الصحابة: بئس ما صنعت، لبسه صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليه ثم سألته وتعلم أنه لا يرد أحداً. قال: والله! ما أخذته إلا ليكون كفناً لي بعد أن لامس جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سهل بن سعد: فوالذي نفسي بيده لقد كان كفنه ودفن فيه}. ولذلك قال ابن المبارك: أرى أن يكفن المسلم في ثيابه التي كان يكثر فيها الصلاة وقيام الليل؛ لأن الله يقول: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس:12] أي: الآثار التي كانت عليهم، وممشاهم وقعودهم، والله يقول في محكم كتابه: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} [الدخان:29] قالوا لـ ابن عباس: [[أتبكي السماء على الصالح؟ قال: نعم. والذي نفسي بيده إنه ليبكي ما يماثله من السماء، ويبكي عليه مصلاه ويبكي ممشاه إلى المسجد]] والله أعلم كيف الحالة، فهو الذي خلق وتصرف، فنحيلها على علمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فالرسول صلى الله عليه وسلم من أجود الناس. وفي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم كان أجود بالخير من الريح المرسلة، ما يمسك شيئاً، فإذا دخل رمضان دارسه جبريل القرآن فيكون صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، ولذلك ذكر أبو نعيم وابن كثير والذهبي في ترجمة زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عموداً قال تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران:34] علي بن الحسين سمي زين العابدين؛ لأنه كان يصلي حتى أخذ السجودُ في أنفه وجبهته وسمة، فإذا خرج إلى الناس ورأوا وجهه تذكروا الله عز وجل، فقالوا: لا إله إلا الله. ولما حضرته الوفاة أتوا يغسلونه -كما يقول أبو نعيم الأصفهاني والذهبي وابن كثير -فوجدوا في كتفه أثر الحبل، كأنه حبل أثر في كتفه، فسألوا أهله فقالوا: والله إن هذا وسم ما كان يحمل للفقراء، كان يصلي فإذا أظلم الليل قام فأخذ حمول التمر والزبيب والحب وحمله إلى فقراء المدينة حتى يأتي الفجر. فهذا هو علي بن الحسين الذي يقول فيه الفرزدق: ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعمُ لما رآه داخلاً الحرم وقد ازدحم الناس، وما استطاع هشام بن عبد الملك أن يطوف، فتأخر إلى زمزم وجلس على كرسي وهو خليفة، فلما رأوا علي بن الحسين وأقبل بوجهه كأنه فلقة قمر وبيده خيزران وعليه ثيابه، فلما رأوه انقشعوا عن وجهه وأخذوا يفسحون له الطريق ويدعون له ويسلمون عليه، فأخذ يطوف فقال أهل الشام لـ هشام بن عبد الملك: من هذا ما عرفناه؟ قال: ما عرفته. مع أنه يعرفه، لكنه حدسه وغمط حقه، فقام الفرزدق، فقال: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا إلى أن قال: ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم يقول: أنه ما يعرف (لا) إلا في لا إله إلا الله، أما في غيرها فلا يعرفها.

ضيق الحال عند الصحابة

ضيق الحال عند الصحابة المسألة الثانية عشرة: ما كان عليه بعض الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من ضيق الحال. فقد كان الصحابة في أول الإسلام في ضيق حالٍ حتى آخر خلافة عمر رضي الله عنه، فكانوا لا يشبعون في غالب الأوقات من التمر، حتى وقف عمر رضي الله عنه في آخر خلافته فجلس على المنبر وبكى ثم رفع رأسه وقال: أيها الناس! أما يُغدى على أحدكم بجفنة مكللة بالثريد، ويراح بجفنة مكللة بالثريد؟ قالوا: بلى. قال: والله الذي لا إله إلا هو لقد كنا نتلوى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجد أحدنا ما يملأ بطنه من رديء التمر. وكان يمتنع عن الملاذ رضي الله عنه؛ لأنه عاش في شظف عيش. فلما أطل عصر عثمان أقبلت الدنيا والموائد والمطاعم والمشارب، وتوسع الناس، وبقي أهل العهد على عهدهم، ومنهم من توسع وأراد بتوسعه وجه الله عز وجل، ولذلك ذكروا في سيرة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه: أنه ذهب يعتمر، فلما أصبح في عسفان قدم له إفطاره، وكان إفطاره طير مشوي وشيء من اللحم، فلما قدموه قال: يا سبحان الله! يقتل حمزة ولا يلقى ما يكفن به، ويقتل مصعب ولا يلقى ما يكفن به، وأفطر على هذا! ثم بكى حتى رفع إفطاره ولم يفطر. ويقول سعد رضي الله عنه وأرضاه، وهذا في صحيح البخاري في كتاب الرقاق، باب (كيف كان عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا) قال سعد: [[والله الذي لا إله إلا هو لقد مر بي زمن يوم أسلمت ما كان لي من طعام إلا ورق الشجر، وإن أحدنا ليأكل ثم يضع كما تضع الشاة ماله خلط، ثم أصبح بنو أسد يعزرونني على الإسلام، خبت إذن وخسرت]]. يقول: أسلمت وأكلت أوراق الشجر، وأنا صابر محتسب على الإسلام، وأدخلت الناس من هذه القبيلة في الإسلام بهذا السيف، ثم يأتي أهل هذه القبيلة الذين أدخلتهم في الإسلام ويقولون: أني لا أحسن أصلي. والسبب في ذلك: أن أهل الكوفة -بني أسد- ذهبوا إلى عمر فقالوا: نشكو إليك سعداً. كلما ولى عليهم عمر والياً شكوه، ما يبقى فيهم إلاّ أسبوعاً ويقدمون فيه شكوى. فقال عمر: ماذا حدث؟ قالوا: ما يحسن يصلي. قال عمر: سبحان الله! أبو إسحاق ما يحسن يصلي! قالوا: نعم. لا يحسن يصلي. فـ عمر رضي الله عنه ما استخدم ظنه، وإنما أراد أن يتبين بالدلائل والحقائق والعلم، فأتى بـ سعد وأجلسهم أمامه وقال: إنهم شكوك في كل شيء حتى في الصلاة، فكيف تصلي؟ قال سعد: يا سبحان الله! والله لقد مر بي زمن ما كان لي من طعام إلا ورق الشجر، والله لقد كنت ربع الإسلام -أي: رابع أربعة في الإسلام- والله لقد أدخلتهم -بني أسد- في الإسلام بسيفي هذا، ثم يعيرونني أني لا أحسن أصلي، أما أنا فأركد في الأوليين -أي: في الركعة الأولى والثانية- وأحذف في الأخريين. فقال عمر: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق! ثم قام أهل العراق فقالوا: أرسل معنا من تسأله عنا وعن سعد -والقصة لا بأس بإيرادها- فأرسل معهم محمد بن مسلمة، فلما وصل ما ترك مسجداً من مساجدهم إلا ويسألهم عن سعد، فيثنون عليه خيراً ويدعون له، حتى وصل إلى رجل معثر شقي في مسجد من مساجد بني عبس في طرف الكوفة فسألوه، فقال: إن سألتمونا فوالله! إن سعداً لا يمشي مع السرية، ولا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية. فرفع سعد يديه واستقبل القبلة وقال: اللهم إن كان قام رياءً وسمعةً كاذباً علي فأطل عمره وعرضه للفتن. وفي روايةٍ عند عبد الملك -أحد الرواة- وأكثر ماله وولده وعرضه للفتن. فطال عمر هذا الرجل حتى سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وأخذ يتعرض للجواري في سكك الكوفة يغمزهن بيديه، ويقول: شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد. لأن الله علم أن سعداً صادق وأنه يريده، وأن دعوته مستجابة، فكان سعد على هذه الحالة، وغيره من الصحابة كثير يتحدثون عن هذا. يقول أبو موسى رضي الله عنه: [[والله لقد رافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع فكنت ألف القماش على قدمي حتى تساقطت أظفاري في الأرض]] ثم ترك هذا الحديث في آخر عمره فما أصبح يحدث به، وخاف أن يكشف للناس عملاً يريد أن يكون بينه وبين الله عز وجل. إذن فالصحابة إلى آخر عهد عمر رضي الله عنه كان غالب وقتهم الشظف في العيش والخشونة والفقر، ولكن يغنيهم الله عز وجل من خزائنه لما أعد لهم من ثواب وأجر عميم عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

فضل أبي هريرة

فضل أبي هريرة وفي هذا الحديث، فضل أبي هريرة رضي الله عنه وتعففه، فإنه ما أظهر حاجته، ولكنه تعفف وصبر وتحمل، وذلك من حسن أدبه الذي أدبه الله به.

فضل أهل الصفة

فضل أهل الصفة وفي هذا الحديث: فضل أهل الصفة، وأهل الصفة -كما قلنا- قوم من الصحابة فقراء مساكين، لا أهل لهم ولا مال ولا ولد، جلسوا في المسجد يتعلمون ويتفقهون في الدين، وسوف يأتي معنا مسألة بهذا الخصوص. والصوفية يقولون: إنهم نسبة إلى الصفة، وهذا خطأ، فإن النسبة إلى الصفة (صفي) لا (صوفي) وقد رد هذه النسبة شيخ الإسلام في المجلد العاشر والحادي عشر من فتاويه، وأهل الصفة وصلوا إلى أربعمائة رجل، ثم نزلوا إلى ثلاث مائة يجتمعون ويفترقون. ومن أهل الصفة عمرو بن تغلب، وقف عليه الصلاة والسلام والمسجد مكتظ بالناس فقال: {يا أيها الناس! إني أعطي بعض الناس من الدنيا لما جعل الله في قلبه من الجشع والطمع، وأترك أناساً لما جعل الله في قلوبهم من الإيمان والخير، منهم عمرو بن تغلب، قال عمرو بن تغلب: والذي نفسي بيده! ما أحب أن لي الدنيا بما فيها} أي: في هذه الكلمة. فهو من أهل الصفة، الذين كانوا يحتطبون في النهار ويبيعون ويكتسبون ويقعدون في المسجد يتفقهون، وسوف يأتي حكم هذا الفعل عند المسلمين.

ضرورة استئذان المدعو

ضرورة استئذان المدعو المسألة الخامسة عشرة: أن المدعو إذا وصل إلى دار الداعي فلا يدخل بغير استئذان، فـ أبو هريرة لما ذهب مع الرسول صلى الله عليه وسلم استأذن ودخل. وهناك حديث في السنن: {إذا أرسل الرجل رسوله فهو إذنه} والمعنى: أنك إذا أرسلت إلى أحد الناس ابنك أن يأتي، فإنه يدخل مع ابنك ولا يستأذن مرة ثانية، والجمع بينه وبين هذا الكلام أنه يختلف باختلاف الحال، فإذا علمت أن هذا الرجل دعاك وليس قبله أحد يهيئ المكان ولا يصلح الشأن، فلا يحق لك أن تدخل مباشرة، بل تقف بعيداً عن الباب، وهذا من أدب الإسلام، وتدعه يدخل ويأخذ راحته ويهيئ المكان، وينظم المجلس، فربما يكون البيت في حالة لا يحسن أن تدخل عليها، فإذا علمت أنه تهيأ وقال: ادخل، وأذن لك أن تدخل فادخل، أما أن تدخل معه مباشرة فإنه قد يستحي منك ولا يقول لك: انتظر. فهذا من أدب الإسلام، فـ أبو هريرة انتظر حتى قال له صلى الله عليه وسلم: ادخل، وهذا أمر واجب. وقد مر معنا باب الاستئذان، ومن فقهه الله في دينه تفقه.

جلوس الضيف في مكانه اللائق به

جلوس الضيف في مكانه اللائق به المسألة السادسة عشرة: جلوس كل واحد في المكان اللائق به؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه المضيف جلس في آخر المجلس، وقدم ضيوفه عليه الصلاة والسلام، فلا ينبغي للإنسان أن يدخل ضيوفه، ثم يتربع وسط المجلس ويجلسهم في أطراف المجلس، ويستخدمهم، فليس هذا هو اللائق به، بل يجلس في مكانه. وكذلك إذا دخل العالم الكبير له أن يجلس وسط المجلس وكذلك السلطان فلا يأتي ويقول: أظهر التواضع وأجلس على الأحذية. فهذا غير صحيح فإن الله قد جعل لكل شيء قدراً {أنزلوا الناس منازلهم} فإن الذي يجلس في مكان غير لائق به سخيف، والذي يجلس في مكان أكبر من قدره متكبر، فالإنسان يعرف قدره ويعرف أين يجلس.

ملازمة أبي بكر وعمر للنبي صلى الله عليه وسلم

ملازمة أبي بكر وعمر للنبي صلى الله عليه وسلم المسألة السابعة عشرة: ملازمة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فالرسول صلى الله عليه وسلم دائماً يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وذهبت أنا وأبو بكر وعمر، فأكثر القصص يذكر فيها أبا بكر وعمر؛ لأنهما شيخا الإسلام، وفي سنن الترمذي يقول عليه الصلاة والسلام: {اقتدوا بالذَين من بعدي أبي بكر وعمر وتمسكوا بعهد ابن أم عبد} أي: ابن مسعود. فالشيخان الجليلان عينا الإسلام ويداه، اللذان امتهنهم الرافضة نسأل الله أن يفعل بهم فعائله بالقوم الفجرة، فإنهم أساءوا إلى الشيخين، وقد دافع عنهم ابن تيمية بأكثر من مائتي صفحة في كتاب منهاج السنة، فهم أجلة الإسلام، وهم أهل المواقف المشهودة، وأهل الحالات المعروفة الظاهرة التي لا ينكرها إلا كل كافر زنديق.

مناداة الخادم بالكنية

مناداة الخادم بالكنية المسألة الثامنة عشرة: دعاء الكبير خادمه بالكنية. فالرسول صلى الله عليه وسلم تلطف مع صاحبه أبي هريرة وقال: {يا أبا هر!} ومن الأدب عند المسلمين أن يدعى بالكنى ولا يتنابز بالألقاب، فالواجب أن تختار أحسن اسم لأخيك المسلم فتقول: يا فلان! أو يا أبا فلان! والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: يا أبا بكر! يا أبا حفص! يا أبا هريرة! فهذا من الإكرام والتبجيل، وهو يورث لك المحبة في صدر أخيك. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا هر! وهذا الأسلوب يسمى (ترخيم) والترخيم هو: حذف آخر المنادى، أن تنادي ثم تحذف آخر الاسم، قال ابن مالك في الألفية: ترخيماً احذف آخر المنادى كقولهم في يا سعا سعاد وقد قيل لأحد الصالحين من التابعين: ما معنى قوله تعالى: (وقالوا يا مال ليقض علينا ربك)؟ والقراءة المشهورة (يا مالك) وهو خازن النار، يناديه أهل النار أن يقضي عليهم، يقولون: قل لربك يقضي علينا فقد سئمنا الحياة. نعوذ بالله من النار ونستجير به منها. وقد قرأ بعض الناس بقراءة (يا مال) بحذف الكاف للترخيم، فسئل ابن عباس فقال: أهل النار في مشغلة عن الترخيم. أي: هم في عذاب ونكال، لا يستطيعون أن يرخموا في تلك المنزلة، فهذا هو الترخيم.

قبول النبي صلى الله عليه وسلم للهدية ورده الصدقة

قبول النبي صلى الله عليه وسلم للهدية ورده الصدقة المسألة التاسعة عشرة: قبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ورده للصدقة. وهذا من خصائصه؛ فإنه لا يأخذ الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس، ولكنه صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، فقد أهدي إليه خميصة أبي جهم فصلى بها فرأى أعلامها -كما في البخاري - فشغلته في الصلاة، فخلعها وقال: {اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بإنبجانية أبي جهم} لماذا يقول: ائتوني بها؟ لئلا يجد في نفسه، فالإنسان المسلم لا يرد الهدية؛ لأن المسلم يجد في نفسه، إلا إذا كانت الهدية هذه ثمناً لدينه أو رشوة عمل فإنها لا تقبل، أو غرضاً ليدخل به في حرام فلا تقبل، والمسلم على بصيرة. والرسول صلى الله عليه وسلم قبل جبةً من ديباج أهداها له وفد بني تميم، فلما صلَّى بها صلى الله عليه وسلم أخذ الصحابة يتعجبون منها ويمسكونها ويتمسحون بها، قال: {أتعجبون منها؟ والله لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها} وقد قرئ هذا الحديث على محمود بن سبكتكين فبكى حتى أغمي عليه، وهو سلطان المشرق الذي هدم ألف صنم في أرض داهر والهند والسند، وهذا السلطان العظيم ترحم عليه علماء الإسلام لما توفي، وقد وقف أملاكه كلها في خدمة الإسلام والمسلمين، وأتى إلى صنم فإذا هو من أوله إلى آخره من ذهب وياقوت وزبرجد، فقال له الملك داهر: خذ هذا الصنم واشتره مني واترك لي هذه الرعية. فقال: والله لا أفعل، أتريد مني أن أدعى على رءوس الأشهاد يوم القيامة يا بائع الأصنام؟ بل أريد أن أدعى يوم القيامة يا مكسر الأصنام. فقال محمد إقبال: كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا يقول: نحن نكسر الأصنام ونهدم فوقها الكفار، أما غيرنا فيبيع ويشتري الأصنام.

جواز السكنى في المسجد للحاجة

جواز السكنى في المسجد للحاجة المسألة العشرون: جواز السكنى في المسجد للحاجة، فلك أن تسكن في المسجد لحاجة، إما لطلب علم، أو تفقه في الدين، أو لأن الله ما فتح عليك فلم تلق بيتاً لا شراءً ولا بيعاً ولا بالإيجار، فعليك أن تنتقل بما معك وتسكن في المسجد ولا عليك، وإذا اعترض عليك معترض فأخبره بهذا الحديث من صحيح البخاري بسنده وقدمه له، فلا يعترض معترض، بل المساجد تسكن للمسلمين وينام فيها، وهناك عشرات الأحاديث تبين هذا الأمر للمصلحة، لكن إذا وجد الإنسان غنية عن المسجد فله أن ينزح عن المسجد.

جواز التخلي عن الأهل والولد إذا كانوا مشغلة

جواز التخلي عن الأهل والولد إذا كانوا مشغلة المسألة الحادية والعشرون: جواز التخلي عن الأهل والولد إذا كانوا مشغله. فإن بعض الناس لا يستطيع أن يجمع بين الإيمان والعمل الصالح وكثرة الطاعات مع كثرة العيال، وهم المشغلة، فهؤلاء تخلوا عن الدنيا وجلسوا في المسجد، ولكن غيرهم ممن قام بشئون العيال والمال كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي خير منهم وأفضل عند الله. قيل للإمام أحمد: يا أبا عبد الله! لو تركت الزواج كان خيراً لك. قال: ولم؟ قالوا: لأن إبراهيم بن أدهم ترك الزواج. قال: أوه! يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] أبمحمد نقتدي صلى الله عليه وسلم أو بـ إبراهيم بن أدهم؟ فلذلك كان فعله صلى الله عليه وسلم أجمل من كل فعل، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يتخلَّ بل جمع بين العمل الصالح وبين هذا. وقال الإمام أحمد لما قيل له في الزواج والأهل والأطفال، قال: والله! لبكاء الطفل عند رأسي يطلب مني كسرة خبز خير من قيام ليلة. لأنه يهديهم للإسلام ويربيهم، ومن أصلح جاريتين كن له حجاباً من النار. فالأهل بركة ونور، وما يأتي من مشقة وهموم وغموم فهو تكفير للخطايا والذنوب، ورفعة في الدرجات، وثواب عند الله عز وجل، فليحتسب العبد ذلك عند الله.

التقلل من الدنيا

التقلل من الدنيا المسألة الثانية والعشرون: فيه ما كان عليه الصلاة والسلام من التقلل، فإنه تقلل حتى لقي الله عز وجل وليس عنده من الدنيا لا قليل ولا كثير، وترك ما تركه صدقة وما ورث أهله شيئاً.

أيهما أفضل: الغني الشاكر أم الفقير الصابر

أيهما أفضل: الغني الشاكر أم الفقير الصابر المسألة الثالثة والعشرون: مسألة أوردها ابن تيمية في الفتاوى، وهي هل الغني الشاكر أفضل أم الفقير الصابر؟ قال ابن تيمية: ألف بعض أهل العلم كتباً في هذا، والمسألة يسيرة والحمد لله، فبعضهم قال: الغني الشاكر أفضل؛ لأنه ينفق ويضيف ويعطي ويمنح. وقال بعضهم: الفقير الصابر أفضل لأنه صبر وأخذ وجاهد وتحمل. قال ابن تيمية: وليس بصحيح هذا الجواب. و A أن أتقاهم لله هو أفضلهم، إن كان غنياً شاكراً وهو أتقى من الفقير الصابر فهو أتقى وأفضل، وإن كان الفقير صابراً وأتقى من الغني الشاكر فهو أتقى عند الله وأفضل. ولذلك تجد أن بعض الناس عنده ملايين، وهو أتقى لله عز وجل من الفقير الذي لا يجد عشاء ليلة، وتجد بعض الفقراء تقياً لله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] فلا تسأل عن مال الإنسان ولا عن أولاده ولا عما عنده من تراث، ولكن اسأل عن تقواه لله عز وجل، فقيراً كان أو غيناً.

انبساط الدنيا لا يكون على حساب الآخرة

انبساط الدنيا لا يكون على حساب الآخرة المسألة الرابعة والعشرون: من بسط له في دنياه لا يكون ذلك على حساب ثوابه. فإن المطاعم والمشارب والملابس التي نأخذها في الدنيا تنقص من أجرنا عند الله، ولا يزال العبد يهدب من ثمرته حتى ينهيها أو يبقيها. ولذلك دخلوا على خباب بن الأرت وهو يبني مزرعة له بالطين في المدينة، وهذا في الصحيح وقد اكتوى على بطنه سبع كيات، فقالوا: مالك؟ قال: كل شيء يؤجر فيه العبد إلا ما وضع في هذا التراب. أي: في البناء، ثم قال: والله لقد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كنا نجد شيئاً، ثم مات مصعب فما وجد كفناً، ومات حمزة فما وجد كفناً، ثم بكى كثيراً حتى نشغ، ثم قال: أما نحن فتدلت ثمرتنا فنحن نهدبها من ذاك اليوم. أي: أجرنا تدلى لنا فنهدب منه. فالأولى بالإنسان أن يأخذ الشيء الطيب ولكن لا يسرف فيه، يقول سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31] ولا يعتدي، ولكن يبحث عن مسترة حاله ويكون وسطاً في الناس، ليس بالملح ولا الذي يظهر التفقر والتمسكن وهو غني، وليس من الذي يظهر الترف والتعالي على الناس، وخير الأمور أوسطها، وليستتر بستر الله عز وجل.

أفضل الطعام

أفضل الطعام المسألة الخامسة والعشرون: اللبن أفضل الطعام، ولذلك كرره البخاري في أبواب، والرسول صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه سلم إليه إناء من لبن فشرب منه حتى قال: {رأيت الري يخرج من تحت أظفاري، ثم سلمت فضلي عمر بن الخطاب. قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم}. {ولما عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء قدم له إناءان، إناء من خمر وإناء من لبن، فقالوا: اختر واحداً واشربه، فشرب الذي فيه اللبن، فقال جبريل: أصبت الفطرة، لو شربت الخمر غوت أمتك، ولكن شربت اللبن فصلحت أمتك بإذن الله}. فالحمد لله الذي أصلح هذه الأمة، وجعلها خاتمة الأمم، كما جعل محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء. نسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كما جمعنا على ذكره وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجمعنا هناك مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يسقينا من حوضه، وأن يتقبل منا أعمالنا، وأن يتجاوز عن سيئاتنا، وأن يصلح سرائرنا وعلانيتنا وظاهرنا وباطننا، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

شطر الإيمان

شطر الإيمان إن الوضوء معلم من معالم الدين, فقد وردت فيه أحاديث كثيرة بعضها يبين فضائله، وبعضها يبين كيفيته، وأخرى تذكر ما يقال بعده من الأذكار. وفي هذه المادة الحديث عن هذه المسائل والأحكام.

فضل الوضوء

فضل الوضوء الحمد لله رب العالمين, الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، ما يفتح الله لناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم. والحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور، والصلاة والسلام على رسول الإسلام, مكسر الأصنام, علم الأعلام، خير من صلى وصام، وحج البيت الحرام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, ما غرد على الأيك الحمام، وما تدفق بالودق الغمام، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها المسلمون! فيا لسعادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدثهم عن الجنة ونعيمها وراحتها، لأن من أخذ هذه الدنيا داراً ومستقراً فقد أصابه الله بالحرمان، وكتب عليه الخذلان. يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت نفسك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران خرج عليهم صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث لهم عن نعيم الجنة, ثم قال: {دخلت الجنة البارحة فسمعت دفّ نعليك يا بلال! فما كنت تصنع أو تفعل؟ قال: يا رسول الله! والله ما كنت كثير صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكن ما توضأت في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بعد الوضوء هذا ركعتين}.

الوضوء معلم من معالم الدين

الوضوء معلم من معالم الدين إن الوضوء معلم من معالم هذا الدين، وليس في الدين قضايا سهلة ولا بسيطة، وليس فيه ورق ولا قشور، بل هو كله أصل ووحي من عند الله عز وجل. أعظم قضايا الإسلام هي: لا إله إلا الله، وأيسرها إن كان فيه يسير: إماطة الأذى عن الطريق، لكن من قصد بكل قضية وجه الله أدخله الله الجنة، والعجيب أن لهذه الجنة أبواباً ثمانية. يقول عقبة بن عامر رضي الله عنه وأرضاه: {روحت إبلي عند المساء -وهذه رواية أحمد في المسند - قال: ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصليت معه العشاء فتأخر عن العشاء حتى ابهارّ الليل -أي: انتصف- ثم خرج عليه الصلاة والسلام فصلى بنا، ثم تلبثت ليلة أخرى وقال لنا في تلك الليلة: أما ترون البدر؟ قلنا نعم يا رسول الله! قال: أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، قال: ثم جئت ليلة أخرى فروحت إبلي وأتيت فإذا الناس سكوت وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يتحدث للناس، قال فسمعته يقول: من قال: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً كان حقاً على الله أن يرضيه -أن يرضي قلبه وأن يشرح صدره ويرفع ذكره ويتولاه فيمن تولى- قال: فضربت بكفي اليمنى على اليسرى وقلت: ما أحسن هذا! فسمعني عمر رضي الله عنه وكان جالساً بجانبي، فقال: التي قبلها أحسن منها، قلت: ما هي يا أبا حفص؟ قال: أما كنت معنا من أول هذه الليلة، قلت: لا. ما أتيت إلا متأخراً، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء} زاد الترمذي بعد الشهادة: {اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين} فهنيئاً لكم أيها المتوضئون! وهنيئاً لكم أيها المتطهرون! أبشروا وأمّلوا في ربكم ما يسركم، هنيئاً لكم, تتوضئون وغيركم من الملايين تمر عليهم السنوات لا يعرفون الوضوء، وهنيئاً لكم الطهارة وغيركم من الملايين يعيشون كعيشة الكلاب والخنازير لا يتطهرون، وهنيئاً لكم يعرفكم رسولكم صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بوضوئكم متطهرين متجملين يوم العرض الأكبر على الله. يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه: {مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ بقيع الغرقد -بالمقبرة- فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ثم التفت إلى الصحابة صلى الله عليه وسلم فقال: وددنا أننا رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا نحن إخوانك يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم أصحابي، ولكن إخواني قوم يقتدون بسنتي وما رأوني، قالوا: يا رسول الله! كيف تعرفهم بين الأمم يوم القيامة -يقصدون بين الملايين، بين أمم يحشرهم الله كالتراب في عدد الذر, أمة إبراهيم، ونوح، وموسى، وعيسى، والألوف من الرسل عليهم الصلاة والسلام- قالوا: كيف تعرف أمتك يا رسول الله! بين الأمم يوم القيامة؟ قال: أرأيتم لو كان لرجل خيل غر محجلة -أي: فيها بياض في وجوهها وأرجلها ويديها- بين خيل دهم ألا يعرف خيله؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: فإن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء} فيعرفك صلى الله عليه وسلم وما قد رآك، لكن يعرف أنك من أمته، وأنك من أهل حزبه وملته، وأنك من الذين يَردون حوضه ويشربون من كوثره بعلامة الوضوء، وجهك يبرق كالقمر، وتبرق يداك ورجلاك كأسارير النور لأنك توضأت في الحياة الدنيا. فقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا

الوضوء سبب للمغفرة

الوضوء سبب للمغفرة في الأثر {أن الله عز وجل ينظر لعبده المؤمن إذا قام من فراشه في صلاة الفجر ينتفض, ويقوم خائفاً وجلاً من فراشه, فيعمد إلى الماء البارد فيتوضأ به في شدة البرودة، ثم يأتي إلى الصلاة فيقول الله لملائكته: يا ملائكتي! انظروا لعبدي المؤمن ترك فراشه الدافئ، ولحافه الوثير، وقام إلى الماء البارد يتوضأ, وقام إلي يناجيني ويتملقني أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة}. فيا لعظمة المسلم يوم يقوم من فراشه مع صلاة الفجر، وأهل النفاق والفجور والإعراض عن الله والغفلة في فرشهم متغمصون بنفاقهم وفجورهم! فيقوم إلى الماء البارد فيتوضأ ثم يرفع سبابته ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. وفي حديث حسن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {عجب ربك من ثلاثة - ولله أن يعجب من عبده يوم خلقه، وسواه في أحسن صورة وعدله، ويوم حفاه وكفاه وهداه، فإذا منحه الهداية عجب منه عجباً يليق بجلاله -قال: يعجب ربك من ثلاثة: أحدهم كان في قافلة, سافر مسافة طويلة حتى أتى آخر الليل، فأتى أهل القافلة إلى الأرض فقالوا: ما رأيكم لو نمنا، فألقوا أنفسهم على الأرض في نومة ما أحسن على المسافر منها, إلا أحدهم رفض النوم, وعمد إلى الماء البارد, فتوضأ منه فقام يصلي حتى الصباح فيقول الله لملائكته: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة، ترك النوم وقام يناجيني ويتملقني، ورجل ثانٍ: كان في سرية قاتلت الأعداء الكفار فانهزمت السرية عن بكرة أبيها إلا هذا الرجل لما رأى أصحابه انهزموا دعاهم إلى الله -ودعاهم إلى القتال, وإلى الرجوع- فأبوا عليه، فخلع درعه وسل سيفه ثم أقبل إلى العدو حاسراً فقاتل حتى قتل فيقول الله: أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة، ورجل ثالث: كان مع قوم فمروا بفقير مسكين -ليس معه إلا ما عند الله من الصبر واليقين- فمد يده إليهم يسألهم فتخلف أحدهم عنهم ومشى ذاك الركب، فلما تخلف -هذا الرجل الثالث- أخرج من جيبه ما يسر الله، فأعطاه هذا الفقير ومسح على رأسه, قال الله: أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة}.

فضل الوضوء

فضل الوضوء وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الطهور شطر الإيمان, وسبحان الله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض, والصلاة نور والصبر ضياء, والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها} رواه مسلم، وإنما جعل صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الإيمان؛ لأنه طهارة للظاهر، والباطن أمره عند صاحبه إذا طهره فقد استكمل الطهارة، فجعل صلى الله عليه وسلم الطهارة أو الوضوء نصف الإيمان لأنه علامة اليقين، والله ثم والله، ثم والله، لا يحافظ على الوضوء إلا المؤمن، فإنه سر بين العبد وبين ربه الحي القيوم، ولا يعلم السر وأخفى إلا الله، ولا يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور إلا الله، ولا يعلم ما بينك وما تضمر, وما تسر إلا الله، بإمكان الرجل أن يصلي وعليه جنابة فلا يعرف الناس أن عليه جنابة، وبإمكانه أن يدخل المسجد وهو منتقض وضوؤه ولكن الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور هو الله، فإذا توضأت علم الله أنك مؤمن, وإذا حافظت على الوضوء علم الله أنك مسلم. عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال صلى الله عليه وسلم: {ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قلنا: بلى. يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط} رواه مسلم، ومعنى إسباغ الوضوء على المكاره أن تسبغ وضوءك في شدة البرد، يوم ألا يمس المنافقون الماء البارد, ويتأذون به, فتقوم فتشرشر بالماء البارد على أعضائك الدافئة طلباً للفضل والأجر من الله، فيحت الله عنك الخطايا كما تحات الشجرة ورقها في شدة البرد, أو في الرياح الهائجة. وقال أبو هريرة: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق -واستمعوا لطلاوة الحديث وحسنه- قال عليه الصلاة والسلام: {إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت خطاياه من عينيه حتى تخرج مع آخر قطر الماء} وفي رواية عند مسلم {خرجت خطاياه التي نظر بها -أي: نظر بعينيه في خطأ أو في حرام خرجت من الوضوء مع آخر قطر الماء- فإذا تمضمض خرجت خطاياه مع آخر قطر الماء، فإذا غسل وجهه خرجت خطاياه مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت خطاياه مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت خطاياه مع آخر قطر الماء، ثم إذا أتى المسجد ما مشى خطوة إلا رفع له بها درجة, وحط عنه بها خطيئة, فإذا جلس ينتظر الصلاة جلست الملائكة تدعو له وتقول: اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث}. فهل يطلب المسلم أجراً بعد هذا، أو يريد نشاطاً بعد هذا الترغيب لينشطه على عبادة الله. فيا من أراد أبواب الجنة! دونك أبوابها ثمانية فتحت لك، فتوضأ وادخل على الله من أقرب الأبواب وأيسرها، وتعال إلى المسجد طاهراً مطهراًَ من الذنوب والخطايا, فما أعظمك أيها المسلم! وهنيئاً مريئاً لك يوم تتوضأ كل يوم خمس مرات، وهنيئاً لك يوم تتطهر بالماء البارد فتخرج خطاياك من أعضائك، هنيئاً لك يوم تطلب رضوان الله، وجنته. فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيشٌ نابت فيها أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

الوضوء سبب في تكفير الخطايا

الوضوء سبب في تكفير الخطايا الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة السلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وحجة الله على الناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فإن من السعادة التي نحمد الله عليها سُبحَانَهُ وَتَعَالى: أن رزقنا الإسلام، فنسأله كما رزقنا وإياكم الإسلام أن يسترنا، وألا يفضحنا، وأن يصلح بواطننا وظواهرنا، وإن من النعيم كل النعيم أن تتلذذ بطاعة الله وبذكره بالوضوء لأداء فرائضه بتلاوة كلامه سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالصيام له بمناجاته في غلس الليل بالصدقة بطلب مرضاته بحسن الخلق لرفع الدرجات عنده ولقد كان العلم عند السلف الصالح سهلاً يسيراً، عند أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كان علمهم مسهلاً لم يعرفوا هذا التنظير العلمي الذي شغل أوقاتنا، وهذا الجدل العقيم الذي ضيع ساعاتنا، علمهم سهل يعلمون المسألة فيعملون بها؛ فيرزقهم الله علماً إلى علمهم؛ ولذلك أثر عنه صلى الله عليه وسلم وقد حسن هذا الحديث: {أن من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم}.

كيفية الوضوء

كيفية الوضوء ولذلك دعا عثمان رضي الله عنه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا جميعاً فجلسوا عنده وهو خليفة، خارج المسجد، أتدرون لماذا دعاهم؟ هل يلقي عليهم محاضرات تستغرق الساعات الطويلة فيحدثهم عن مسائل غامضة لا يمكن أن يعملوا بها؟ لا. حدثهم في مسألة سهلة -فلما اجتمعوا قام فدعا بماء وضوء فلما أحضروه عنده توضأ فقال: {باسم الله -في بعض الروايات، وفي بعضها- غسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمض، واستنشق ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه: اليمنى ثلاثاً واليسرى ثلاثاً، ثم مسح رأسه فذهب بيديه إلى قفاه، ثم أعادهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثاً ثم اليسرى كذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا، وسمعته صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ مثل وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه إلا غفر الله له خطاياه} هذا هو الإسلام، وهذه هي المسائل العلمية وهذا هو عرض الصحابة للعلم وللإسلام، لا تكلف, توضؤ وتطبيق عملي, ثم استشهدهم على هذا الوضوء فشهدوا له، ثم أخبرهم أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من توضأ كوضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه إلا غفر الله له}. ويقول أخوه وزميله وقرينه سيف الله المنتضى أبو الحسن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه: {كان الصحابي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا حدثني بالحديث عنه صلى الله عليه وسلم استحلفته فإذا حلف صدقته فنفعني الله بذاك الحديث ما شاء، وحدثني أبو بكر الصديق وصدق أبو بكر -أي: لا يستحلف أبو بكر لأنه صادق مصدق من عند الله- قال: حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ألمَّ بذنب أو من ارتكب فاحشة أو من ظلم نفسه فتوضأ وصلى ركعتين ثم استغفر الله من ذاك الذنب غفر الله ذاك الذنب}. وهذا الحديث صحيح فاستبشروا به، فإذا ألمَّ أحد منكم بخطأ أو فاحشة, أو بظلم كبير فليذهب إلى الماء البارد وليتوضأ به وليطفئ نار الذنب, والخطيئة, وغضب الله, وليصل ركعتين ثم ليستغفر الله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] ومن يغفر الذنوب، ويستر العيوب، ويتجاوز عن السيئات إلا الله، ومن يغفر للعبد ويرحمه، ويمجده، ويهديه إلا الله، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر53] فاستبشروا بسنة الوضوء واستصحبوا السواك، وإذا توضأتم فارفعوا سباباتكم إلى الله، وأصابعكم إلى الحي القيوم, وأعلنوا الوحدانية قوية رائعة، وأعلنوها حية طلقة، قولوا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله, يفتح الله لكم أبواب الجنة الثمانية, وتسلم عليكم الملائكة, ويدعو لكم المقربون, ويشهد لكم الأنبياء والرسل. فسلام على كل من توضأ, وأتى إلى بيت من بيوت الله منيباً، وسلام على من تطهر لله ظاهراً وباطناً. اللهم اجعلنا من التوابين والمتطهرين، اللهم كما طهرت أعضاءنا بالماء البارد فطهر قلوبنا من النفاق، والكفر، والغش، والكبر، والحقد, والرياء والحسد, والغل, يا رب العالمين. اللهم كما سترت ظواهرنا من العيوب، والجروح، والأمراض فاستر بواطننا. اللهم كما أغفيت عنا لباس الستر في الدنيا, فلا تفضحنا على رءوس الأشهاد يوم نأتيك حفاة عراة غرلاً بهماً تسمعنا بالداعي وينفذنا بالبصر. عباد الله! وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه, فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد, واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم إلى ما تحبه وترضاه يا رب العالمين، اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم تب عليهم وكفّر عنهم سيئاتهم وخطاياهم. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفي فلسطين، وفي كل أرض من بلادك يا رب العالمين، اللهم ثبت أقدام المجاهدين، اللهم أنزل السكينة عليهم، اللهم اجعل لهم مدداً من توفيقك ونصرك، اللهم اجعل كلمتك مرفوعة على بنادقهم، اللهم سدد سهامهم في نحور أعدائهم، اللهم من أراد بالإسلام مكيدة فالعنه كل لعنة، واشغله بنفسه، ودمره تدميراً، ومزقه كل ممزق إنك على كل شيء قدير. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

المعتدون على حرم الله

المعتدون على حرم الله إن الله سبحانه وتعالى أنزل كتاباً مباركاً متضمناً للأحكام والعبر والعظات، فتارة يأتي عن طريق الترغيب، وتارة عن طريق الزجر والوعيد وذِكر أخبار الأمم الماضية وما حل بها من عذاب الله. واليوم أخي الحبيب هلم بنا لنعش مع القرآن ونتدبر بعض هذه الأخبار والقصص في سورة الفيل وما فعل الله بأصحابه.

وقفات مع سورة الفيل

وقفات مع سورة الفيل الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير. الحمد لله الذي كسَّر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ظهور الأكاسرة، وقصّر بمبعثه آمال القياصرة، الذين طغوا وبغوا حتى أرداهم ظلمهم في الحافرة. والصلاة والسلام على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المبعوث بالخُلق الجميل، وبالدين الجليل، الذي كان مولده يوم رد الله أصحاب الفيل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: نقف اليوم وقفةً مع سورة عظيمة، وهذه السورة تروي قصة تاريخية وحدثاً عظيماً يمتن الله بها على أهل الجزيرة العربية، وكأن لسان الحال يقول:" يا أهل الجزيرة! أما رددنا عنكم المعتدي وحميناكم من الظالم؟ يا أهل الجزيرة! أما منعناكم من المستعمر الأجنبي فكيف تقابلون نعم الله، ودينه ورسالتة؟! وملخص القصة: أن أبرهة الأشرم -الملك الحبشي الذي تولى الملك في اليمن، وكانت عاصمته صنعاء - غضب من وجود بيت الله الحرام، فبنى في صنعاء كعبة عظيمة هائلة طويلة شاهقة، زخرفها وبناها وليته اكتفى -هذا العميل الضال المجرم- بهذا الفعل فقط، بل دعا الناس لحج هذا البيت الذي بناه، وصرف وجوه الناس إلى كعبته التي أسست على الظلم والفجور وعلى المكر والعناد، وكانت تسمى: القُلَّيس، إذا نظر إليها الناظر، سقطت قلنسوته من على رأسه، فلما دعا الناس لحجها؛ غضبت العرب قحطانية وعدنانية، وأرسلت قريش شباباً في ظلام الليل، فدخلوا كعبة أبرهة وأضرموا فيها النيران، فغضب وأرسل جواسيسه لأخذ الخبر، فأخبروه أن قريشاً هي التي أججت بيته وأحرقته، فأعلن الحرب على بيت الله، سبحان الله! يحارب الله! أيها المعتدي رويداً رويداً إن بطش الإله كان شديدا إن بطش الإله أهلك فرعون وعاداً من قبلكم وثمودا وتهيأ لهدم الكعبة، وسمعت العرب أنه سيخترق الجزيرة العربية من جنوبها إلى شمالها ليصل إلى مكة، وقامت قيامة العرب، لكن ماذا يستطيعون أن يقدموا؟ خرج بجيش قوامه ستون ألفاً معهم اثنا عشر فيلاً أكبرها وبطلها وشجاعها: محمود، ومهمته أن يتقدم الجيش وعلى متنه أبرهة الأشرم الظالم الضال، وسمعت قبائل اليمن بذلك، فغاضهم هذا، وإلا فهم وثنيون مشركون لكن العرف العربي سرى في أجسادهم، فاستنفروا قبائلهم واعترضوه، ولكنه سحقهم وقطع دابرهم، وأخذ يخترق جبال السروات والصحيح أنه أتى من الجبال المطلة على تهامة، وسمعت خثعم بقدومه، فأعلنت الحرب عليه، وقاد قائدهم نفيل بن حبيب الخثعمي - كما قال أهل السير -ونازلوه في جبال خثعم وبالخصوص قبيلة شهدان وناهس، فسحقهم لأمر أراده الله، ليري الله أهل الجزيرة كيف حماهم ووقاهم ورعاهم، وأخذ يخترق الجبال حتى وصل إلى الطائف فاستقبله أهل الطائف وقدموا له الخدمات - وهذا شأن العميل الذنب، الذي يحب المستعمر الأجنبي ويقدم له الخدمات على دماء قومه وعلى شرفه وعرضه وملكه وملك أجداده- وما اكتفوا بذلك؛ بل قام أبو رغال أحدهم، فدل أبرهة على طريق مكة من الهدى، ولذلك لما مات أبو رغال كان العرب يرجمون قبره غضباً لبيتهم ولدين آبائهم، ونزل أبرهة الأشرم وأتى موعود الله ونصره فأخذه. وتمركز أبرهة في المغمّس قريباً من الحرم، وقريباً من وادي محسر وأخذ جيشه الظالم يغير على سوارح مكة وعلى إبلها وغنمها فيسبيها. ولما سمع عبد المطلب جد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وكان رجلاً شهماً سيد مكة وابن سادتها، وكان له مائتان من الجمال أخذها أبرهة وجيشه، لبس لباسه وتوجه إلى أبرهة، وسمع بقدومه أبرهة، فلما رأى عبد المطلب وجلالته وسمته ووسامته نزل من على كرسيه وعانقه وأجلسه معه على البساط، فقال يا عبد المطلب! - بواسطة الترجمان-: ماذا تريد؟ قال: أريد جمالي التي أخذها جيشك، فقهقه أبرهة وضحك مستعلياً مستهزئاً، قال: لما أتيت ظننت أن فيك عقلاً، فأنا أتيت لآخذ بيتك وبيت أجدادك وآبائك، فلما كلمتني في الجمال احتقرتك واستصغرتك. قال عبد المطلب: أنا رب الجمال، وللبيت رب يحميه. أنا رب الجمال آخذها وأمنعها ولو أن ربها هو الله، لكن البيت لا نحميه، وإنما يحميه الذي أمر ببنائه، والذي أمر خليله أن يدعو الناس لحجه يحميه الذي سوّى سمكه ورفع بنيانه، فأخذ جماله وولى وترك المشهد هكذا. وفي الصباح أراد عدو الله أن يتقدم ليهدم الكعبة -أول بيتٍ أسس على التقوى على لا إله إلا الله، وبعثت منه الرسالة الخالدة، وانطلقت منه الأجيال، لترد أهل الطاغوت إلى الحق، وأهل الظلام إلى النور، وأهل الغي إلى الرشد- وأراد أبرهة أن يذهب بجيشه وفيلته فإذا أصبح عند الكعبة، ربط الجدران بالفيلة، ثم زجرها ليهوي البيت مرة واحدة، لكن الذي في السماء يرى ويبصر، والذي فوق سبع سماوات لا يغلبه غالب، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52]. أما عبد المطلب جد الرسول عليه الصلاة والسلام وكان مشركاً، وكانوا إذا اشتدت بهم الأزمات، هربوا إلى الله، وإذا حلقت بهم فزعوا إلى الله، وإذا أدركهم الخسف والموت والهلاك دعوا الله، قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65]. أتى عبد المطلب في الصباح، فأخذ بحلق الكعبة وأخذ يهزها، ويقول: لاهم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبداً محالك ثم ولَّى ودعا القرشيين إلى أن يخرجوا إلى الجبال، فأخذوا أطفالهم وقد اختلط صوت بكاء الرجال والنساء والأطفال، وأخذت المواشي تهرب من مكة، والحمام يهاجر ويفر خوفاً وهرباً من اعتداء الظالم، وأخذوا يستعصمون بالجبال، ولا عاصم من أمر الله إلا الله.

حماية الله لبيته

حماية الله لبيته أعلن أبرهة القدوم إلى الكعبة، فلما أصبح في وادي محسر قال للجيش: وجهوا الفيل "محمود" إلى الكعبة، فكلما وجهوه رد رأسه إلى غير الكعبة، فيضربونه فيلزم مكانه، فيوجهونة يمنة ويسرة وخلفاً فيعود ويمشي، فإذا وجهوه إلى البيت العتيق برك مكانه، ضربوه ووخزوه بالسيوف والرماح فأبى، لأن الله أنزل في خَلَده أن هذا البيت بيته، وأن هذه كعبته لا يمكن أن يتجرأ عليها معتدٍ أو يهجم عليها غاشم، سبحان الله! وبينما هم يحاولون مع الفيل في وادي محسر في المغمس وإذا بالله عز وجل من فوق سبع سماوات لم يقاتل أبرهة بجنودٍ ولا بملائكة؛ فـ أبرهة أقل وأذل وأضل من أن يقاتل بجنود، ولم يرسل عليه طوفاناً فهو ذليل خسيس حقير، ولم يأمر الجبال أن تصطدم عليه فهو حقيرٌ وصغيرٌ، ولم يزلزل عليه الأرض لأن سنة الله في الجبابرة والكفار أن يحاربهم بأصغر الحشرات، فقد حارب فرعون بالجراد والقمل والضفادع، وحارب النمرود بالبعوض، وأما أبرهة فأمر الله طيراً أتت من البحر كالخطاطيف واحدها أبيل، وهي طيور كثيرة خرجت من صباح ذاك اليوم الذي أعلن فيه أبرهة الهجوم على بيت الله، وأخذت ترسم طلعات على سماء مكة لترى مواقع العدو الفاجر وأعداء الله الخاسرين، وعادت لتقصف مواقع الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر. قال ابن عباس: [[كانت طيراً خضراً يحمل كل طائر ثلاثة من الحجارة: حجرين في أرجلها وحجر في منقارها، فإذا أصبح فوق الجيش أطلق وصاح بصوت له أزيز في السماء فتقع الحجارة وعليها أسماء جنود أبرهة لئلا يأخذ أحد غير نصيبه]] كل بقسطه وحظه وجائزته التي ألحقت به العار والشنار واللعنة والمقت، وأخذت الطير من البحر تقف كالخطاطيف، وأهل مكة يصيحون مذهولين مما رأوا من العجب العجاب! وأخذت الطيور تغطي الشمس عن الناس حتى أصبحت كالسحب المتكاثفة أو كالغمام، وأما الحجارة فأخذت تنزل بعمق. يقول مجاهد: [[لا تنزل في رأس الكافر إلا نزلت من دبره، ولا تأتي من جنبه إلا نزلت من الجنب الآخر]]. سبحان الله! ما أعظم الله وما أجله يا أهل الجزيرة! كيف منعكم وحماكم؟ كيف أعلى بيتكم ورد المعتدي على الكعبة فلماذا لا تشكرونه؟ أبعد هذه المنة من منة؟! لاوالله. وقتل الجيش وأصبح بعضه على بعض كالعصيف -وهو الزرع إذا عصف وأكل وديس بالأرجل- أما أبرهة الأشرم فعاد وأصبح يتقطع في الطريق إصبعاً إصبعاً وقطعةً قطعةً حتى ما وصل اليمن إلا وهو كفرخ الطائر، ولما وصل صنعاء أخذ المرض ينخر قلبه حتى مات وهو كالعصفور. {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1] ألم تر قوة الله وعظمته؟ ألم تر يا محمد! ويا كل مكلف مسلم! ماذا فعل الله بالأعداء؟ كيف دمرهم وقطع دابرهم؟ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1] ولم يقل: أصحاب أبرهة، فـ أبرهة حقير لا يذكر في مثل هذه المواطن، إنما جعلوا رئيسهم الفيل فهو صاحبهم وقائدهم، وقد ضل من كان قائده فيله وحماره وثوره؟ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} [الفيل:1 - 2] في تباب وضلال وخسار {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:4 - 5]. هذه قصة من قصص التاريخ التي أثبتها القرآن وذكر الله بها المسلمين وأهل الجزيرة، وكأن الله يقول لهم:" الله هو الذي بنى لكم البيت، ورد عنكم المستعمر، وقتل الأجنبي الكافر، فلماذا لا تعبدونه؟! ولماذا لا توحدونه؟! ولماذا لا تشكرونه؟! فيا أهل البيت العتيق! ويا خدمة بيوت الله! ويا من عاش في مهبط الوحي! ويا جيرة بيت الله! اتقوا الله في أنفسكم، واذكروا نعم الله عليكم ولا تخافوا على هذه المقدسات فالله يحميها، لكن احموا أنفسكم بالطاعة، ووحدوا الله واشكروه فلا خوف على بيوت الله، فإنه يحميها، لكن الخوف عليكم أنتم من معاصيكم وتعديكم لحدود الله، واقترافكم لمحرمات الله. أسأل الله لي ولكم الهداية والثبات، والرشد والسداد، والتوفيق والعون. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

وقفة مع سورة قريش

وقفة مع سورة قريش الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذِّكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً. أمَّا بَعْد: فإلحاقاً لهذه السورة يقول الله تبارك وتعالى: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:1 - 4]. يقول الله من أجل اجتماع قريش وائتلافهم واستيطانهم وأمنهم وعيشهم: جعلنا لهم رحلة الشتاء والصيف، وأمنَّاهم من العدو، وأشبعناهم من المجاعة، فلماذا يشركون بالله قاتلهم الله؟! ولماذا يريدون إلهاً غير الله أنى يؤفكون؟! كيف ينعم الله عليهم ويؤمنهم ويعبدون غيره؟! عجباً للإنسان ولعقله يوم ينعم الله عليه ويرزقه الأمن في الأوطان، والصحة في الأبدان، والعافية والشباب، والمكانة والرغد والسعادة، ثم يعبد غير الله! وقد ورد في كتاب الزهد للإمام أحمد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {يقول الله تبارك وتعالى: عجباً لك يابن آدم! خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إليَّ، خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد} عجباً للإنسان الذي لا يذكر نعم الله عليه! ولذلك يقرر الله العباد بنعمه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فيقول: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ} [قريش:1 - 2] لاجتماعهم وأمنهم ورغدهم جعلنا لهم رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:3 - 4] ومكة خالية من الثمار والزروع، قاحلة جافة، لا بساتين ولا حدائق ولا أعناب ولا نخل، ولكن إبراهيم عليه السلام أخذ من الله سبحانه وتعالى عهداً أن يشبع جائعهم، ويطعم فقيرهم، ويكسو عاريهم: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]. أما رأيتم يا أهل الجزيرة! نعم الله عليكم وبلادكم قاحلة جافة صحراوية؟! ولكن لدعوة إبراهيم أتت كل الثمار من أنحاء الدنيا، وكل الخضروات والفواكه تأتي طازجة تحملها الطائرات من مدن العالم لتغذيكم في جزيرتكم علَّكم تعرفون نعم الله وتشكرونه، وعلَّكم تعودون إلى أمر الله تبارك وتعالى. والحجيج ملايين مملينة ما شكى أحدهم قلة الخبز أو الفاكهة أو الماء، وهذا لدعوة إبراهيم، لكن يوم أن نترك أمر الله، ونتعدَّى حدوده، وننتهك حرماته، يسلب الله عنَّا النعم، ويزيل عنَّا الأمن، فليس عندنا عهد من الله ألا يأخذنا أخذ عزيز مقتدر. قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. إن معنى بقاء الأمن والعيش ورغد الحياة والستر والعافية هو أن نبقى مع الله عز وجل، وأن نقوم بأوامره، وأن نعرف بيوت الله ونتلو كتابه، ونكون على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدةً، صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على حبيبك ونبيك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه. اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، وأرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم كفِّر عنهم سيئاتهم، وأصلح بالهم، واهدهم سبل السلام يا رب العالمين. ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

العلمانيون في كتاب الله

العلمانيون في كتاب الله العلمانيون هم منافقو هذا العصر، ولهم علامات ذكرها الله عنهم في كتابه، ولهم أفكار يطرحونه في الساحة، ولهم معتقدات يريدون بها هدم الدين، وهم من أخطر أعداء الإسلام في هذا العصر.

العلمانيون في مجتمعاتنا

العلمانيون في مجتمعاتنا الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ: وشكر الله لمن كان سبباً في هذه الدعوة، وأشكر عميد الكلية وهيئة التدريس. عنوان هذه المحاضرة (العلمانيون في كتاب الله عَزَّ وَجَلَ) وهي المحاضرة الثالثة عشرة بعد المائة الثالثة. وقد اختير هذا الموضوع لاعتبارات كثيرة: من هذه الاعتبارات: أننا نعيش مأساة العلمانيين الذين تربوا على موائد الغرب، وتلقوا علومهم هناك، وأتوا ينفثون سمومهم هنا. ومن هذه الاعتبارات: أنه بدأ يلوح لنا في الأفق سيف العلمنة يريد أن يقصم ظهر الإسلام، وأن ينهي المسجد والمصحف والصلاة والتسبيح. ومن هذه الاعتبارات: أن من الحكمة أن نتكلم عن المقام الذي يتحدث فيه، ولعل الله أن يهيئ من الوقت والطاقة ما نتحدث بإذنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن موضوع (المفكرون في القرن الحالي من المسلمين) {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257] ويقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [البقرة:161 - 162]. أيها الأبرار: العلمانيون قوم يمثلون المنافقين في عهده عليه الصلاة والسلام، ولو كان عدونا يهودياً لكنا حذرناه وعرفناه، ولو كان نصرانياً لكنا أبصرناه، ولو كان شيوعياً لكنا أدركناه، لكن هذا العدو الذي أتكلم عنه هذه الليلة يلبس عقالاً ومشلحاً، وقد يصلي يوم الجمعة، وقد يصلي صلاة العيد، ويحضر صلاة الاستسقاء، ولكنه في داخله وفي نفسه يحمل ناراً تلظى على لا إله إلا الله، ويكره عباد الله، ويريد أن تهدم الكعبة، وفي زعمه أن القديم من الدين الإسلامي هو سبب تأخر المسلمين وتخلفهم ورجعيتهم. هذا الصنف سافر إلى الخارج، ولكنه ما أتانا ليصنع طيارة، ولا سيارة، ولا بنى عمارة، ولا هندس لنا قاطرة؛ وإنما أتانا وقد حلق لحيته وفي زعمه أن هذه اللحية تخلف، وأنها تمثل وجه أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وصلاح الدين وابن تيمية. وأتانا وقال: إن الثوب القصير رمز الرجعية التي ما زال يعيش عليها الناس في الجزيرة العربية، وأتانا يضحك على جده الذي يقوم الليل ويصوم الإثنين والخميس والثلاثة البيض من كل شهر. وأتى يضحك على الناس يوم يجتمعون في صلاة الاستسقاء، ويقولون: اللهم اسقنا اللهم أغثنا. درس هناك في دنفر أو لوس أنجلوس أو باريس أو لندن، ولكنه ما أتانا بتلك الحضارة التي قدموها للإنسان. نعم قدموا لنا كهرباء، ومكبر صوت، وطاولة وكرسياً، وأسباب المادة، وليته أتانا وقدم لنا ما قدم أولئك للعالم من أسباب مادية، ولكنه أخذ القشور وترك اللباب. منهم أخذنا العود والسيجاره وما عرفنا نصنع السياره استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا

نشأة العلمانية

نشأة العلمانية والعلمنة مذهب ونزعة فكرية نشأت في فرنسا مع الثورة الفرنسية عام (ألف وسبعمائة وتسعة وثمانين ميلادياً) وهذه الثورة استهدفت أول ما استهدفت الكنيسة. وكانت الكنيسة آنذاك ظالمة آثمة عقيمة متخلفة تعادي العلم، فثاروا عليها، وقد اكتشفوا بعض الكشوفات، فقررت الكنيسة إحراق المكتشفين وشنقهم، وبدأت العلمنة تبني أصولها على فصل الدين عن الدولة حتى تصبح لا دينية؛ والعلم هو السيد، والإله الذي يعبد من دون الله. وقالوا: إن الدين سبب التخلف؛ لأن الكنيسة منعتنا من الاكتشاف والعلم، وهي كلمة حق أريد بها باطل، لأنهم أجروا هذا القياس على كل دين حتى الإسلام، وقد أخطئوا في ذلك. ومن أساتذة العلمنة في العالم دوركايم وفرويد ودارون -صاحب النظرية- وماركس صاحب المذكرة في المبدأ الاشتراكي الإلحادي الذي بنيت عليه سبع دول من الحلف الشرقي، وسار على منهجه سوهارتو ووسوكارنو وأبو رقيبة ومصطفى كمال أتاتورك وثلة كثيرة من العالم الإسلامي، فقد تبنوا الفكرة وأدخلوها إلى البلاد، ودخلت العلمنة في الجزائر بعد الثورة الجزائرية على المحتلين، وكان عبد الحميد بن باديس يريد أن تكون لا إله إلا الله و: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] هي التي تسيس الأمة، ولكن أبى أحمد بن بلا المنافق الذي يدعي الآن أنه يعود إلى الإسلام ويتشبث بلا إله إلا الله، وقالوا عنه: إنه يحفظ القرآن في السجن، وكذب عدو الله! لو كان يحفظ القرآن لكان عرف نور القرآن. ودخلت العلمنة في مصر على يد الخديوي إسماعيل وقد أساء كل الإساءة للمسلمين في مصر. ودخلت في تركيا على يد الرجل الصنم أتاتورك، ثم قس على ذلك بقية البلاد، وعندنا الآن طابور سادس في بلادنا لهم مكانات، وهم يحملون الفكر الإلحادي، ومنهم من يحمل الفكر البعثي، ويجتمعون في أن الدين لا يصلح أن يقود الحياة.

أهم مبادئ العلمانية

أهم مبادئ العلمانية وللعلمانيين علامات سوف أتعرض لها وأمور، ولكن أفكار العلمنة تبنى على مسائل:

إنكار وجود الله

إنكار وجود الله أولاً: بعض العلمانيين ينكرون وجود الله أصلاً، ولم يسبقهم أحد في هذا حتى فرعون، فهو يثبت وجود الصانع تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أما بعض العلمانيين فيرى أن الله ليس موجوداً وأن الحياة مادة على مذهب الإلحاد. وأخبرتكم أن ماركس اليهودي هو الذي تزعم هذا الفكر المنشطر، بعضهم يؤمنون بوجود الله لكنهم يعتقدون عدم وجود أي علاقة بين الله وبين حياة الإنسان، وهذه المسألة يتبناها جرباتشوف الآن، وقد نص عليها في البروسترويكا بعد الصفحة الخمسين، فهو يرى أنه يعتنق المسيحية، ولكن لا دخل لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في نظام، ولا في قوانين، ولا في قواعد الدنيا. وأبو رقيبة كان يخرج على الناس بالكأس في رمضان في التلفزيون التونسي ويشرب أما الناس ويقول: وما علاقة الله في الشعب التونسي أن يصوم؟! نعم كان الصيام يصلح للأعراب في عهد محمد عليه الصلاة السلام، ولكن الآن لم يعد صالحاً.

قيام الحياة على أساس العلم المطلق

قيام الحياة على أساس العلم المطلق ومن مبادئهم أن الحياة تقوم على أساس العلم المطلق وتحت سلطان العقل والتجريب، يقولون: العلم إله يعبد من دون الله، وسبب تقدم الشعوب العلم وسبب تأخُرِنا نحن المسلمين تَرْكنا للعلم، وقد أنذر بعضهم أنه سوف تكون دولته دولة علمانية في الساحة وهو كفر بالله عَزَّ وَجَل وإلحاد وزندقة. وسوف أخبركم وأنتم تعرفون ذلك أن الإسلام أتى بالعلم، وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي فجر كما أمره الله بقوله: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] وقال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] وأن خلفاء الإسلام كانوا يعطون جوائز لمن يكتشف أمراً أو يجيد فناً أو يؤلف كتاباً. هل العلم في الإسلام إلا فضيلة وهل أمة سادت بغير التعلم فكان روتينياً عند أهل الإسلام أن يكون العلماء هم المنتجون والمكتشفون والمخترعون وقد قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] وحق على المسلمين أن من اكتشف عندهم اختراعاً أن يبجلوه، ويكرموه، ويحترموه ويعطوه من الجوائز ما يليق به، لكن ضلت العقول.

فصل الروح عن الجسد

فصل الروح عن الجسد ومن مبادئهم: إقامة حاجز سميك بين عالم الروح والمادة، والقيم الروحية لديهم قيم سلبية، المادة شيء، والروح شيء، فعندهم فصل المسجد عن الكلية، والمعمل عن حلقة التدريس، والكتاب والسنة عن السوق والشارع والمصنع والمعمل؛ حتى يكون الإنسان إذا أراد أن يصلي يأتي يسبح وحده، فإذا خرج إلى المصنع فلا بأس أن يخرج ملحداً مرتزقاً. يقول أبو الأعلى المودودي -جمعنا الله به في دار الكرامة- ذاك الأستاذ الخطير الذي سجن وعذب في سبيل الله: نفسي فدتك أبا الأعلى وهل بقيت نفسي لأفديك من أهل ومن صحب أما استحى السجن من شيخ ومفرقه نور لغير طلاب الحق لم يشب يقول: إن الدين الذي أتى به محمد عليه الصلاة السلام يدخل مع الإنسان في المسجد والمعمل والسوق، إنه يلاحق الإنسان ما دام حياً، ويلاحقه ما دام ميتاً؛ حتى يدخله جنة عرضها السماوات والأرض، هذا هو دين محمد عليه الصلاة والسلام قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162].

فصل الدين عن الدولة

فصل الدين عن الدولة ومن مبادئهم: فصل الدين عن السياسة وإقامة الحياة على أساس مادي، يقول أحدهم وهو أحد حكام العرب الهالكين: (لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة) وللبرلمان يقول إذا اجتمع مجلس الشعب ومجلس الشورى ومجلس الوزراء لا تأتوا بلفظ الإسلام، وكان يمزق الأوراق إذا رأى عليها بسم الله الرحمن الرحيم. وكان يقول لأحد وزرائه لما أتى يقرأ وقال: الحمد لله قال: اخسأ، وهذه حرب وطعنة نجلاء في ظهر كل مسلم على وجه الأرض، فنسأل الله أن ينصفنا من هؤلاء المرتزقة الزنادقة. فعندهم فصل الدين عن السياسة، وسير أمور السياسة بكل شيء لكن لا يجوز لك أن تتكلم في السياسة إذا كنت دَيِّناً، ولا يجوز للسياسي أن يتدخل في الدين إذا كان سياسياً، ما لله لله وما لقيصر لقيصر.

نشر الإباحية

نشر الإباحية ومن مبادئهم: نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية وتهديم كيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية، وقد سلف يوم السبت أن ذكرت في محاضرة (الفتاة السعودية والعلمانيون) بعض ما ينشره في صحافتنا المحلية والعالمية بعض أبنائنا الذين كتبوا عن المرأة، وكان أحدهم يقول: أبشركم أن أفنان أصبحت مضيفة الطيران في الخطوط الجوية العربية السعودية، وهذه أفنان سعودية، ويبشرنا أن هناك دوراً للأزياء فيها اختلاط في جدة، ويخبرنا أن المرأة السعودية أصبحت تتكلم مع الرجل، وأصبحت تريد الحرية -الحرية المزعومة في ذهنه- حرية أن تكون عارضة أزياء وأن تكون خادمة، وأن تكون متعرضة في الليالي الحمراء والسكر وفي الدكاكين والمحلات، وأن يكون لها ألف عاشق وألف حبيب. رضينا بك اللهم رباً وخالقاً وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا فإما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا ومن معتقداتهم تكثير الإباحية، ولذلك الدول العلمانية في الدول العربية أنشأت دوراً للدعارة، وجعلت على ميمنة المسجد وميسرته دارين للدعارة، وسمح للزنا ببطاقات وبإذن رسمي من تلك الدول التي يحكمها دين العلمنة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

معتقدات العلمانية في العالم العربي والإسلامي

معتقدات العلمانية في العالم العربي والإسلامي أما معتقدات العلمانية في العالم الإسلامي والعربي التي انتشرت بفضل الاستعمار والتبشير فهي:

الطعن في حقيقة الإسلام

الطعن في حقيقة الإسلام الأول: الطعن في حقيقة الإسلام والقرآن والنبوة، طعناً مباشراً أو غير مباشر، وكم جلسنا معهم، وسمعنا أفكارهم في الغرب، وكانوا يرون أن القرآن للعبادة وللصلاة وللتراويح، لكن لا يجوز للقرآن أن تطوره إلى المادة، ويضحكون على الشيخ عبد المجيد الزنداني حين يتكلم في الإعجاز العلمي للقرآن، ويضحكون على بعض العلماء عندما يستنبطون من القرآن أحكام الحياة وأحكام الحاكمية، وكانوا يستهزئون بـ سيد قطب يوم أخرج الظلال تلك القنبلة الذرية التي حركت الآلاف من الناس لتردهم إلى منهج الله عَزَّ وَجَلَّ، وتخبرهم أن الإسلام هو المعهود. لقد بلينا بعلمانيين يقولون: الإسلام لا يتدخل في شئون الحياة أو النظام أو المعمل أو المدرسة، وإنما الإسلام في التمائم، وزيارة القبور والغسل للجنابة والحيض والمسبحة، أي: أن الإسلام للدراويش فقط وللمتطرفين المتزمتين، أما أن تطور الإسلام حتى تخاطب الدكاترة في الجامعات والمعامل والمصانع والكليات، فقد أخطأت نصيبك: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227].

شبهة أن الإسلام قد استنفد أغراضه

شبهة أن الإسلام قد استنفد أغراضه الثاني: الزعم بأن الإسلام استنفد أغراضه، وهو عبارة عن طقوس وشعائر روحية، وسمعت زعيماً يتكلم مرة في الراديو بعد صلاة العشاء وهو يقول: الإسلام أخذ حقبة من التاريخ وأدى دوره الكامل، وهو مشكور في تلك الحقبة، فكانوا يصفقون له، ومعنى كلامه أنه قد انتهى دور الإسلام وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو والصحابة قد أدوا دور الإسلام وانتهى، فهل تريد أن تأتي بالإسلام من عند محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى تضعه في عصر الذرة والاكتشاف والتكنولوجيا؟! وهل تريد أن تحدثنا بالإسلام حتى اليوم؟!

شبهة أن الفقه الإسلامي من القانون الروماني

شبهة أن الفقه الإسلامي من القانون الروماني الثالث: الزعم بأن الفقه الإسلامي مأخوذ من القانون الروماني، بل بعضهم يقول: كثير من زاد المستقنع من قواعد حمورابي ومن شريعة حمورابي، سبحان الله! الله عَزَّ وَجَلَّ يأخذ أحكام كتابه وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرومان؟! ومن الذي خلق الرومان؟! ومن الذي بدأ صناعتهم وثقافتهم إلا الواحد الديان؟!

شبهة أن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة

شبهة أن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة الرابع: الزعم بأن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة، ويدعو إلى الخلف ويمثلون التخلف في مظهر المسلم، ويرون أنه لا يستطيع أن يؤدي دوره في الحياة، وأنه لا يستطيع أن يكتشف ويتعجبون إذا اكتشف مكتشف وعنده لحية، قالوا: سبحان الله! يكتشف وعنده لحية؟! كيف يستطيع وعنده مسواك أن يكتشف؟!

رمي الزي الإسلامي بالتخلف

رمي الزي الإسلامي بالتخلف الخامس: يزعمون أن الزي الإسلامي يمثل التخلف، أي: أنه زي الدول النامية، بحيث يلبس غترة وثوباً، ويكون قصيراً وعنده سواك ومسبحة، وهذا لا يستطيع إلا أن يصلي، أو يصلي الاستسقاء، ويصوم رمضان، أما أن يكتشف فلا يستطيع، وبالفعل نحن الملامون وليس الإسلام، فإننا الذين تركنا للعالم بأن يسمونا دولاً نامية، وأهل رجعية وتخلف، وجلسنا في هيئة الأمم ومجلس الأمن في المجالس الأخيرة، ومندوبونا كانوا ينامون في وقت انعقاد القمة وانعقاد مجلس الأمن، وكانوا يوافقون برءوسهم فقط، وإذا اعترضوا لا يقبل اعتراضهم ولا نقدهم. ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستشهدون وهم شهود وأصبحت الدول التي تملك حق النقض (الفيتو) خمس كافرة كلها بالله، وليس فيها دولة إسلامية: أمريكا وفرنسا وبريطانيا والصين والاتحاد السوفيتي، وكانوا يضحكون ويقولون: بعض ممثلي الدول العربية كان نائماً في آخر الجلسة في مجلس الأمن، فقد كان ساهراً في السباحة، وفي المرقص، وأتى وحضر فنام، فقام من الجلسة فقال: موافق موافق، ولم يصوت على القرار الآن، لكن أخذها عادة أنه يوافق سواء سمع له أو لم يسمع، لذلك تسمع في الأخبار قالوا وأجمع مجلس الأمن على كذا وكذا، وخالفت دولتان ولكن هذه المخالفة ليس لها أثر، ولكن حينما يأتي الرد على إسرائيل يجمع مجلس الأمن وتخالف دولة ممن يملك حق النقض الفيتو فلا يسري القرار ويعتبر لاغياً. ومليار مسلم في الهند وباكستان وأفغانستان وتركيا والعرب والأكراد والمصلون والصائمون ليس لهم نقض ولا فيتو إنما جزاهم الله خيراً الذين أدخلونا مجلس الأمن! ودعونا نرى المباني وناطحات السحاب، وأجلسونا هنا، فهذا: {فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4]!! أما الجذور الفكرية فتعرفون أنه العداء المطلق للكنيسة، تلك الكنيسة المتخلفة التي لا نقرها، وكان لليهود دور بارز في جعل العداء بين الدين والدنيا، حتى ينفصل الدين بما فيه الإسلام عن مسيرة الناس، حتى يأتي الإنسان كافراً ملحداً يكتشف الذرة ويصور الضوء وهو لا يؤمن بالله تعالى. متعجب مني بأن خالفته وأنا على أخلاقه متعجب أخشى أراه لأن جلدي ناعم يسبى إذا والاه جلد أجرب

أوصاف العلمانيين

أوصاف العلمانيين أيها الأحباب: جمعت لأهل العلمنة وللعلمانيين عشرة أوصاف أو اثني عشر وصفاً في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، وأنتم تأخذون هذه الأوصاف وتفصلون هذه الثياب على أجسامهم، وسوف تجدونهم في الساحة، وإذا رأيت آيات المنافقين في القرآن، فهم أهل العلمنة، فهم أناس لا يستطيعون مجاهرتك بسب الدين. قد يحضر المجلس، ويأخذ معه مسبحة، ويسبح أمامك إذا نظرت إليه، ويمدح أبا بكر وعمر وعثمان، ويقول: إن الصلاة طيبة، والمسجد فيه خير وهناك صحوة والحمد لله، ولكن في باطنه نار تغلي على الإسلام، وهو يريد أن يهدم المسجد ويمزق المصحف.

اللمز والسخرية

اللمز والسخرية {يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} [التوبة:79] يلمزون الشباب، وهيئة الإذاعة البريطانية بين الفينة والأخرى ترشق علينا بالمتطرفين، وأستاذها مايكل هو من أصل أمريكي يهودي من دنفر من كلورادو وأظنه أزيل الآن، ولكن أتى بعده يهودي -إن مات عير فعير في الرباط- وهو الذي يتولى نشرة الأخبار. ولذلك إذا قام شباب الصحوة يطالبون بحقوق في بعض الشعوب الإسلامية يقول: وقام بعض المتطرفين وضربوا بغازات مسيلة للدموع وبهراوات، شباب في تونس ما توا جوعاً وأرادوا الخبز فطردوا فقال: وقام بعض المتطرفين، حتى الذين يلاحقون الخبز وحتى من يطلب بيع الخيار، والسُكَّر متطرف! وهذه مسئولية الصهيونية العالمية. وأتى السذج في بلاد المسلمين فنقلوها، حتى إن كبير السن الذي عمره سبعون سنة كان يصلي ويصوم ولا زال يصلي ويصوم لكن من تموج الإعلام ومخلطات الإعلام أصبح بعضهم يعادي ابنه إذا تطوع، وقال: سوف تصبح متطرفاً! لا تقصر ثوبك كن وسطاً كذا لا تأخذ الدين بعروقه؛ لأن الدين هو أن تمشي حالك وتكون مناسباً، لا تجرح مشاعر الناس، أما أن تشدد في الدين، فلا أريد أن تتشدد في الدين صل مثل الناس واخرج مثل الناس واستمع الغناء والله غفور رحيم (ومع الخيل يا شقرا) (وحط رأسك مع الرءوس) وقد دخل هذا في أذهان العامة ممن يسمع إذاعة لندن، حتى العجائز عندنا، وذلك من عدم مصداقية الإعلام، وأصبحت العجوز تأخذ حبر قلم وتحطه على الإذاعة -إذاعة لندن- وهذا أمر معروف، والعجائز لا يسمعون الآن إلا إذاعة لندن، لم يعودوا يثقون إلا في هذه الإذاعات، فيسمعون ويثقون، ويقولون: هذا هو الخبر الصحيح، وتأتي العجوز في الصباح مع العجوز وكالة يونايتد برس، وتنشر عليها أخبار احتلال العراق والكويت، وتحلل تحليلاً سياسياً، وتقوم هي وإياها عن المشكلة وقد أنهتها والحمد لله. فهؤلاء يلمزون ويسخرون، يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79] يقول أهل السنة: لا يسمى الله ساخراً، لكننا نطلق هذه الصفة بقيد، الله يسخر ممن يسخر منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فماداموا يسخرون فالله يسخر منهم، يقول أبو الطيب المتنبي في رجل كان أبكم وأبو الطيب هذا فصيح وشاعر عجيب يملك الكلمة ويسير الحرف، وهو صاحب الأبيات التي يحفظها رعاة الغنم عندنا التي يقول: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم وهو القائل في قصائده المشهورة: تحملوا حملتكم كل ناجية فكل بين علي اليوم مؤتمن إلى آخر ما قال لهذا الأبكم: تعيرنا لأنا غير بكم وتهجونا لأنا غير عور يقول: تعيرني وتسبني لأني غير أبكم، تريد أن أكون مثلك، وتسبني لأني غير أعور، تريد أن أكون أعور، وهذه مشهورة عند الناس وعند العرب، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذكر أن هؤلاء فيهم صيغة اللمز، قال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1] وهو الذي يهمز ويلمز، والهمز: تكسير الحاجب، وكم رأينا في مجلس من مجالس هؤلاء العلمانيين إذا دخل شاب عليه سيما الخير والصلاح والصدق مع الله عَزَّ وَجَلَ؛ غمز لأخيه في المجلس، انظر تفرج انظر للشكل رقم سبعة عشر، وهذا موجود، ونقول لهم: ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني وأقول: إن الشكل سبعة عشر هو الذي يفتح الدنيا إن شاء الله، وهم الذين كان منهم صلاح الدين الذي دمر الصليبيين، وفتح بيت المقدس، ومنهم قطز الذي دمر رءوس التتار، ومنهم أبو بكر الذي قاتل المرتدة، ومنهم طارق. ولكن هؤلاء العلمانيين لما وقفوا أمام جولدا مائير فروا وتركوا أحذيتهم في سيناء، وكانت تضحك عليهم، وأرجوكم راجعوا مذكرات جولدا مائير وهي موجودة اسمها الحقد، وانظروا من صفحة مائة وثمانية وستين، تضحك علينا وتضحك على العرب؛ لأنها كانت تقود مليونين والعرب كانوا مائة مليون. واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب

الاستهزاء بالإسلام وأهله

الاستهزاء بالإسلام وأهله فهم يستهزءون بالثياب، والشكل، والديكور، والصلاة، والحركة والمشية، والدين حتى الذكر، ووجدت أحدهم -عليه من الله ما يستحق- يستهزئ بعلماء الحديث، وهو حداثي مشهور يقول: حدثتني عمتي أن خالتها حدثتها عن جدتها قالت: يعني: الحديث النبوي، عندما يقول: البخاري: حدثنا فليح، فهذا السند، هو السنة والقوة والعمق والأصالة ويقول البخاري حدثنا علي بن المديني، قال: حدثنا سفيان، أو كما قال، فيستهزئ من هذا الطريق ومن هذه الأحاديث. وكان هناك فاسق في المدينة المنورة من العلمانيين جلس في الفسحة مع الطلاب -درس في أمريكا - فقال: حدثنا صنيهيت، قال: حدثنا شليميح أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -هذه من الفكاهات التي يتزندق بها- جلس مع أصحابه فقال: أتدرون ما البيبسي؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أتدرون ما السيكل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: قوموا غربت وجوهكم لا تعرفون السيكل والبيبسي، وهذه يستباح بها دمه في الإسلام، ولا يصلى عليه ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين. ويقول الله في العلمانيين عن هذه المسألة: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14 - 15] إذا جلسوا مع المؤمنين والمشايخ وكبار السن في القرية قالوا: نحن مؤمنون، والحمد لله، والله يغيثنا ويرزقنا وإياكم الصلاح والتوفيق، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ويهز رأسه عند الموعظة وتدمع عيناه ويعصرهما، ولكن ليس فيهما دمع، وإذا أتى إلى زملائه في المقهى ومع البلوت والكيرم، قالوا: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14] بهذه الشلل المتخلفة: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:15 - 16]. وهذا هو الغبن، فأكبر غبن في الحياة هو غبن هؤلاء؛ لأنهم فقدوا أكبر شيء في الحياة -الدين- وأكبر شيء يعتز به الإنسان. يا أيها الإخوة: شباب البلاشفة الحمر الروس يسحقون تحت الدبابات والمجنزرات في أفغانستان، وتشدخ رءوسهم على جبال أفغانستان من أجل مبادئ لينين واستالين، واليهود يقتلون في سيناء، والصليبيون شذر مذر في العالم من أجل مبادئهم، وأنتم يا حملة الرسالة ألستم أولى أن تتحملوا الاستهزاء والسخرية في سبيل إقامة لا إله إلا الله؟! يقول أبو الطيب: إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم وعاد هؤلاء من الغرب ناقمين على الأجداد والجدات وعلى الأخوال والخالات، وسبب نقمتهم عليهم أنهم متمسكون بالقديم الذي تركه هؤلاء. من دنفر قد أتى في دينه قد عتا إلى متى ذي الصلاة إلى متى هل أتى {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان:1]؟! وبعضهم له مقولة كفرية يقول إلى متى: تبت يدا أبي لهب وتب، يعني متى تنتهي. مازال هذا السجود من عهد تلك الجدود متى يزول القديم فقد سئمنا السكوت

الإعجاب بحضارة الكفر

الإعجاب بحضارة الكفر اجلس مع المسمومين فكرياً المنهزمين روحياً، وقل حدثني عن أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا، أتريد أن يحدثك عن الانفصام الأسري الذي يعيشه الغرب؟! الانفصام الأسري الذي تحدث عنه سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي في ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ أتظن أنه سوف يتحدث لك عن قيمة رخص الإنسان هناك وعن ارتفاع قيمة الكلب؟ أصبح الكلب يغسل ويطيب وتعلق السلاسل في عنقه ويجلس مع السائق في السيارة! أيحدثك عن المسارح التي أصبحت المرأة فيها أقل من الحذاء، وأرخص من الصفر، وأصبحت زانية عاهرة في كل مكان؟ أيحدثك عن الانتحار؟ قرأت وما أزال أقرأ، وأنا معجب بذلك الكتاب، وعسى الله أن يعينني أو بعض طلبة العلم على أن أنسج على منواله، مذكرة وهو كتاب دع القلق وابدأ الحياة الذي ألفه دايل كارنيجي اللماح الذكي، فهو كتاب أعجب من العجب، بيع منه ثمانية ملايين نسخة، وطبع ست عشرة طبعة، ويتحدث عن المأساة التي يعيشها الغرب هناك وعن حالات الانتحار، أظنه يقول: في كم ثانية تحصل حالة انتحار في أمريكا، وعد في ولاية تكساس كم عدد الذين ينتحرون، وبإمكانكم أن تراجعوا هذا الكتاب، وهو يدعو إلى الإيمان، لكن على طريقة المسيحيين. ومحمد الغزالي المفكر العصري له كتاب اسمه جدد حياتك حاول أن ينسج على منواله وللشيخ عبد الرحمن السعدي العلامة الكبير -رحمه الله- كتاب اسمه الوسائل المفيدة للحياة السعيدة. وفي نظري أن كتاب دع القلق، يحتاج هذا إلى أن تؤخذ الأحكام التي فيه والقواعد والتجارب التي أتى بها علماء الغرب مثل وليم جيمس وألكسس كارل، وغيرهم وتوضع مع الأحاديث النبوية والقصص والآيات ثم تقدم في كتاب، وإن شاء الله يحصل هذا. ومقصودي من هذا: أن هؤلاء لا يتحدثون عن الانتحار، أو الزنا، أو الفحش، أو التدمير الذي بلغه أولئك، لكن يحدثونك عن ناطحات السحاب. يقول: في تكساس عمارة ارتفاعها مائة وستة وخمسون دوراً، وهناك في الأرض ممرات أرضية، وضغطنا لأحد الأزرار فنقلنا مرة واحدة أربعين دوراً، وننزل في عربية وتحملنا إلى القطار، وهناك الطائرة لا تحجز من قبل، تأخذ أنت كأنك في سيارة تذكرة وتركب. وحضاراتهم من أكثر من مائتي سنة، ويذيع أنهم تطوروا تطوراً عجيباً. لكن لماذا يعجب بحضارة الكافر المادية، ولا يخبرنا بما بلغوا إليه من التردي في الروح؟ يقول الله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] والله يقول عنهم: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] ويقول سبحانه عن حضارتهم: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35]. خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا يعجبون بحضارة الكافر، والله يقول: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ} [التوبة:55]؟! أتعجب من إنسان ما عرف مصيره؟! يعملون هم لستين سنة فقط لكن عالم الغيب لا يعرفونه، فهم محجوبون عنه تماماً، فأي حضارة تنبني على كفر وإلحاد لا خير فيهما. ومن أحسن الكتب التي ألفت في هذا الباب كتاب أبي الحسن الندوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين فهو من أروع ما كتب! على يد رجل جرب الثقافة الغربية وعرفها، ومن أحسن من يتحدث عنها رجلان؛ أديب شاعر ومفكر كاتب؛ أما المفكر الكاتب فـ سيد قطب في الظلال، وأما الأديب الشاعر فـ محمد إقبال، وكلا الرجلين توافقا حتى يقول سيد قطب: ربما توافقنا حتى في الألفاظ، وكلا الرجلين سافر إلى الغرب ودرس هناك وحضّر شهادته من هناك، ولكنه عاد بقضية أن الإسلام هو دين الله الحق في الأرض، وأنه لا سعادة للإنسان إلا بالإسلام. أخبرنا بعض الأساتذة الدعاة الكبار أن رجلاً إنجليزياً من بريطانيا كلف بأن يبحث بحثاً للدكتوراة في كتب التفسير، وأخذوا عليه موثقاً ألا يقرأ الظلال لـ سيد قطب، يقولون اقرأ التفاسير كلها: تفسير الخازن وفتح القدير لـ الشوكاني وتفسير ابن كثير وتفسير ابن جرير وتفسير الطبري، لكن احذر الظلال فهو ليس من مهمتك، وأحب شيء إلى الإنسان ما منع منه، فأنت إذا منعت الطالب أن ينظر إلى النافذة في وسط الحصة جلس دائماً ينظر إلى النافذة كلما غفلت عنه، اترك طفلك في الغرفة، ولا تقل له: لا تخرج فسوف يبقى، لكن قل له: لا تخرج، ولئن خرجت لأضربنك فسوف يخرج. يقول علي بن أبي طالب: [[لو منع الناس من فت البعر لفتوه]] يعني: لو أتيت الناس تخطب يوم الجمعة تقول: لا تفتوا البعر فهذا حرام؛ لخرجوا من المسجد وفتوه، وقالوا: ماذا فيه؟ أي أن الإنسان مغرم بالمخالفة فأتى هذا الرجل، فقال: لماذا منعوني من سيد قطب في الظلال وذهب إلى القاهرة، وأتى أول ما أتى المكتبة قال: أين الظلال لـ سيد قطب؟ قالوا: هذا هو، وكان يجيد اللغة العربية فقرأ لرجل يستفيض إلهامات، فقد درس سيد قطب ثقافة موسكو بل جلس فيها فترة، وفي دنفر فترة، وفي أوروبا فترة، فتكلم معه وحاوره في الكتاب -وسيد قطب قتل كما تعرفون- وبعد ما وصل سورة الأنفال أعلن هذا الرجل إسلامه، وألغى رسالته، وأنا أدلكم أن تقرءوا هذا الكتاب كثيراً.

فرحهم بالدنيا

فرحهم بالدنيا العلمانيون يفرحون بمقدراتهم الدنيوية ومعطياتهم الأرضية: الشهادات، التخصصات، السيارات، القاطرات، لكن لا يفرح أحدهم بركعتين في الليل، ولا بقراءة القرآن، ولا بالتأمل في آيات الله، ولا بالصدقة، يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] ويحبون الدنيا حباً جماً أكثر من الدين قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة:58] لا يحبون إلا المادة فقط، ويموتون للريال، ويعبدون الدينار من دون الله، لكن مسألة العبادة ليس لها ذكر، ولذلك لا تسمع في مجالسهم فضل قيام الليل، أو فضل السواك، أو الذكر، أو التسبيح، يقول: حدث بهذا في المسجد، حدثنا الآن عن الحياة، وهذا لأن الإسلام مفصول عندهم عن الحياة.

الاهتمام بالمظهر دون المخبر

الاهتمام بالمظهر دون المخبر الاهتمام بالمظهر على حساب المخبر، أي: أنك ترى الإنسان منهم في أحسن الثياب في الليل والنهار، حتى ربما إذا نام نام وهو كذلك، لكنه من الداخل مهدم لا يحمل عقيدةً ولا مبدأً ولا نوراً، فهو كالبيت المطرز من الخارج، ولكنه من الداخل خرابة، قال تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13]. قال سبحانه في العلمانيين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4]. وتجد أن أهل الجهاد والتضحية، والبذل، وقيام الليل فيهم ضمور، وربما يظهر عليهم الجهد والإعياء، لكن هؤلاء الفرد منهم، كالبغل يهد الجدار، لكن قلبه ممسوخ، تموت طفلته فينهار مثل الصبي، وينقل إلى المستشفى مباشرة، ليس عنده رصيد من الإيمان، لا يعرف كلمة إنا لله وإنا إليه راجعون. يقول سبحانه: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4] يخافون من الحروب؛ لأن الحرب لو قامت عنده في الخليج لا تتركه يأكل بطاطس، ولا يشتري خياراً من السوق، ولو وقع بركان في الفلبين فإنه ينتفض ويتابع الأخبار: يا الله سترك، يا الله حوالينا ولا علينا، ومن أجل ماذا؟ لأن عنده عشرين عمارة وعشرين سيارة وعشرين مرتباً، وعشرين دخلاً، أما المؤمن فقد باعها بجنة عرضها السماوات والأرض، ومعنى ذلك يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا} [التوبة:52] أحد المفكرين وصل إلى الصحراء المغربية ووجد جماعة من المسلمين البربر يرعون الغنم هناك، وهو يريد أن يدفع القلق، وقد ذكره دايل كارنيجي في آخر كتابه دع القلق، قال: فعشت معهم سنة طعمت الإيمان، وطعمت الاستقرار، وذهب عني القلق، قالوا: كيف؟ قال: رأيت بعضهم تمر عليه الريح فتأخذ نصف الغنم، وتموت نصف الغنم، يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويواصل يرعى البقية، تموت طفلته فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون حسبنا الله ونعم الوكيل، ويدفنها، ويعود وهو سعيد يتبسم. فأقول: إن هؤلاء يخافون: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:4] الأحداث تزعجهم، ولذلك لا يريدون أن يفادوا بأرواحهم، ولا بمقدارتهم، وهم خائفون من كل ما يسمعون، ويريدون أن تبقى الأمور هكذا بدون تحرك، على خلاف المؤمنين، فالمؤمنون أمرهم سهل. وليس على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما

موالاة أعداء الله ومعاداة أولياء الله

موالاة أعداء الله ومعاداة أولياء الله ومن صفاتهم: تولي أعداء الله عَزَّ وَجَلَّ ومعاداة أولياء الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وقد ذكر هذا عنهم في القرآن، يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء:51 - 52] فالعلماني يتولى الكافر ويقول: هو أحسن من المؤمن سبيلاً، وكم نسمع من التعليقات، ينظر إلى الشارع فيقول: الشارع في واشنطن أحسن من شارعنا هذا المكروه، وشبكة الكهرباء هناك أحسن من هنا، والناس مشيهم هناك أحسن، وهؤلاء لا يعرفون المشي ولا يعرفون الجلوس، الناس والعالم يتطورون وهؤلاء مازالوا على حالتهم القديمة، كلما تكلمنا له بشيء نقلنا إلى الغرب، ويرى أن منهج الغرب أسد وأحسن، حتى تجدوا الآن أنهم يدعون إلى أن تقود المرأة السيارة، ولعلكم سمعتم بالأخبار الأخيرة التي وقعت، وأخذوا لا فتات، وكان من الكلمات المؤسفة التي أصبحت منهجاً لبعض المتخلفين كلمات نزار قباني -حاسبه الله- يقول للمرأة: يجوز أن تثوري يجوز أن تعربدي يجوز أن تخرجي إلى السكة كسلة السيف عريانة وتولي أعداء الله عَزَّ وَجَلَّ هزيمة نفسية أصبنا بها في العموم الغالب، والآن انظر وأنت في المطار، تريد أن تركب -مثلاً- ومعك في السير خواجة أو أي غربي أو أي كافر تجد حتى الجندي من الهزيمة النفسية التي يحملها قد يقدم عليك الخواجة: هلو مستر خواجة، بينما إذا أتى إليك أنت -وأنت ابن لا إله إلا الله وأنت معه وحبيبه وأخوه- يتقطب جبينه في وجهك، ولا يتعامل معك بالتي هي أحسن، ورأينا بعض الناس قدم علينا نساء غربيات في الطابور، فقلت له: على الأقل هم نساء، إذا كنت لا تعاملنا بلا إله إلا الله وتعاملنا بلا إله والحياة مادة، على الأقل نحن رجال فأدخلنا، قال: هؤلاء الأجانب لهم علينا حق الاحترام والتقدير، فنحن ننظر إلى المستعمر أنه الذي لا يغلب، وكأن هذا الأشقر ملك نزل من السماء، ويقول سبحانه: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [النساء:139] {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8] لا يدرون بهذا، ولا يدري بها إلا أهل المسجد من أمثالكم يا طلعات الخير ويا سيما الفضيلة ويا منائر الحق.

الكذب في الأقوال

الكذب في الأقوال ومن صفاتهم: الكذب، فتجده يحلف لك خمسين يميناً وهو كاذب ولا يكفر ولا يستغفر؛ لأنه نقض عهده مع الله، والله يقول للرسول عليه الصلاة السلام وقد كذب بين يديه ثلة من الناس: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43] وقال سبحانه: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] فالكذب وحلف الأيمان عندهم سجية، وعجباً تسمع بعض الناس يطلق طلاقاً، ثم لا يسأل عالماً ولا يستفتيه، وتبقى زوجته معه في البيت، أي: أن بعضهم أصبحت معاشرته لزوجته زنا ولا يسأل، وهذا من اندثار الإيمان ومن الغزو الفكري المرسوم في ذهنه الذي أحبط مسعاه، وأغطش نوره.

الكسل عند أداء الصلوات

الكسل عند أداء الصلوات ومن صفاتهم: عدم التحمس في النوافل والعبادات وعدم وجود محبة لما افترض الله عَزَّ وَجَلَّ، يقول الله عنهم في القرآن: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] فربما صلى ولكنه كسول وبه إعياء وتذمر، وغضب حتى من الصلاة، ومن المسجد، ودائماً يتخذ أعذاراً، مرة يتكلم عن المؤذن أنه أخر الأذان أو الإمام أنه طول أو قصر، أو المسجد ليس على القبلة، فيأتي بمشكلة في المسجد، لأنه متضايق من المسجد، وقد يصلي أحياناً للمناسبات وللظروف {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] فالمؤمن قوي وله إرادة. عندنا شاب سافر إلى بريطانيا يحمل لا إله إلا الله، ويحمل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] له تخصص يدرس هناك، لكن أسكنوه مع عائلة، وفي هذه العائلة عجوز بريطانية، فكان هذا الشاب مع صلاة الفجر يأتي إلى الصنبور في الثلج والجليد ويصلي الفجر، فتقول العجوز: لو تأخرت قليلاً قال: لو تأخرت ما قبل الله صلاتي، لا بد أن أصلي في هذا الوقت، قالت: هذه إرادة تكسر الحديد. دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس فهكذا تكون الهمم، وهذا هو انتصار الإرادات، وهذا هو الاكتساح العارم الذي يخشاه الغرب والشرق من الإسلام، فهم يسمونه المارد، ويسمونه العملاق، لأن هذا الإسلام لا يرضى فقط أن يكون في الزاوية. إسلامنا لا يستقيم عموده بدعاء شيخ في زوايا المسجد إسلامنا نور يضيء طريقنا إسلامنا نار على من يعتدي فهذا الإسلام أراهم النجوم وسط النهار، دخل الفرنسيون الجزائر وحاولت الثورات: ثورة علمنة، وثورة شيوعية أن تخرج الفرنسيين فما استطاعت، فأتى عبد الحميد بن باديس -العالم الكبير السلفي- وأقام دعوة على لا إله إلا الله، والمصحف، وأخرج شباب الجزائر من المساجد، وقامت المعركة وقدم الجزائريون مليون شهيد، وأخرجوا فرنسا. ولذلك الآن الصحوة في الجزائر لما سمع بها ميتران هذا رئيس فرنسا قال: سوف نوقفها عند حدها، فقال له: قائد الصحوة الجزائرية هناك: إن كنت شجاعاً فأت إلينا، فسوف نريك أياماً مثل أيامك الأولى، فقال لسان حاله: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. والإسلام رأوه في أفغانستان ماذا فعل بالروس؟ وكيف ردهم خائبين؟ ونحن نحتاج الإسلام أن يأتي إلى فلسطين مرة ثانية ليخرج اليهود خارج المرمى.

الرياء

الرياء ومن صفاتهم: أنهم يراءون الناس بأعمالهم حتى إن بعضهم ما تراه يصلي -والعياذ بالله- إلا ليراه إمام المسجد والجيران. وقد ذكروا في بعض الأماكن أن بعض الناس كانوا متحمسين للصلاة، وكانوا يحضرون عند صلاة الفجر في سجل عند الإمام، فإذا سلم قال: فلان، قال: حاضر، فلان قال: حاضر، فأتى في صباح جمعة فحضر هذا الإمام، وغاب أحد المصلين، فلقيه مع صلاة الجمعة في الظهر، قال له: أين أنت يا فلان لم تصل معنا؟ قال: والله قال لي فلان جاري: إنك لن تحضر صباح الجمعة، أي لك لو كنت تحضر لكنت حضرت. أي: أن ذكر الله عليهم ثقيل، ولذلك إذا أتى إلى المسجد يقول: سبحان الله! ثم يجلس ربع ساعة، ويقول: الحمد لله يلتفت إلى الناس، فلا يعجبه الوضع في المساجد ولا في المجالس أو الطريق أو السيارة أو الطائرة، ولذلك تشاهد كثيراً من الناس -وهذا من الغزو الفكري- إذا استقل الطائرة أخرج الجرائد فيقرأها ظهراً لبطن من أولها إلى آخرها حتى إعلانات الأسمنت، ومن ضيع تابعية، ومن غير اسمه، وإعلانات العطور، والأزياء، ودرجات الحرارة، والصيدليات المناوبة، والسهرة هذه الليلة، ثم يطويها ويأخذ الثانية، وهكذا حتى تصل الطائرة، وما فتح مصحفه، وما تأمل كتاب الحديث، أو استغفر أو كان له ورد من الأذكار، وأنا لا أقول: لا تقرءوا الصحف والجرائد بل لابد من قراءتها، حتى نعرف الواقع، لكن أين الإيمان؟ أين الرصيد؟ أين القرآن؟ أين دستور الحياة؟ محمد إقبال شاعر الباكستان دخل على نادر شاه حاكم أفغانستان وقال: والله يا نادر! لن تجد طعم السعادة والحياة حتى تقود أفغانستان بهذا المصحف، فهو وثيقة سماوية. فتحنا بك الدنيا فأشرق نورها وسرنا على الأفلاك نملؤها أجراً سمعتك يا قرآن والليل واجم سريت تهز الكون سبحان من أسرى

قلة الفقه في دين الله تعالى

قلة الفقه في دين الله تعالى ومن صفاتهم في القرآن قلة الفقه في دين الله، قال تعالى: {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:7] لا يفقهون دين الله، وليسوا مستعدين أن يفقهوا، فهم تعلموا كل جزئيات الحياة وكل تخصصات الدنيا، ولذلك بعضهم عنده موهبة في أمور الدنيا، ولكن لا يعرف من الدين شيئاً، حتى المسح على الخفين والتيمم، فلا يعرفها ولا يجيدها، وليس له استعداد أن يستفتي أو يسأل؛ لأن من علامة الإيمان الفقه في دين الله عَزَّ وَجَلَّ، ومن علامة الإقبال على الله عَزَّ وَجَلَ أن تسترشد في أمور دينك وأن تسأل أهل العلم والفضل والخير، يقول عليه الصلاة السلام كما في الصحيحين من حديث معاوية: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} ومفهوم المخالفة في الحديث أن الذي لا يريد الله به خيراً لا يفقهه في الدين. فإذا رأيت الإنسان لا يتفقه في الدين فاعلم أن الله لا يريد به خيراً، ولا يريد هو خيراً لنفسه. فهؤلاء العلمانيون ليسوا مستعدين للتفقه في الدين، أما علوم الدنيا فقد امتلئوا منها وقد توسعوا فيها، وقد أجادوها كل الإجادة، لكن علم الفقه في الدين علم الصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة لا يعرف أحدهم في ذلك شيئاً لا قليلاً ولا كثيراً، بل بعضهم الآن يحمل شهادة دكتوراة، وهي معلقة في بيته، ولكنه لا يعرف مدة المسح على الخفين -وهذا موجود- وبعضهم لا يعرف سنية التيمم ولا أقل جزئية في الإسلام، فهذا قاسم مشترك بين العلمانيين أنهم قليلو الفقه في كتاب الله ودينه وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

السرور بمصائب أولياء الله والتنغص بمسراتهم

السرور بمصائب أولياء الله والتنغص بمسراتهم ومن صفاتهم السرور بمصائب أولياء الله والتنغص بمسراتهم، فهم يُسَرُّون إذا أصيب أهل الفضل والتقوى والدين والعلم والدعوة، ويضحكون ملء أفواههم، ولكنهم يتنغصون إذا سمعوا بخير ومسرة لهم: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ * قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة:50 - 52] فنحن على منهج رباني، إن عشنا فسعداء، وإن متنا فشهداء، وإن أصابتنا بلية فأجر ومثوبة ورفعة وحسن وحط من الخطايا، ولكن أنتم إن متم فكالميتة التي ما ذكيت، وإن عشتم فكقطيع من البهائم. ولذلك يسر هؤلاء لمصائب المؤمنين والموحدين والمصلين الصادقين أيما سرور، ولكنهم يتنغصون بما يسرّهم. فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني

الاعتراض على أقدار الله

الاعتراض على أقدار الله ومن أوصفاهم: الاعتراض على القدر والتسخط منه، فلا قضاء ولا قدر عندهم، قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] {وما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك} {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] لكن هؤلاء يتسخطون. ويقول الله في القرآن عن هؤلاء العلمانيين: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:168] يقولون في معركة أحد لبعض المؤمنين: اجلسوا هنا فسوف تقتلون إذا ذهبتم، فتركهم المؤمنون وخالفوهم وعصوهم وذهبوا، فقتلوا شهداء في سبيل الله، فقال المنافقون: نصحناهم، ولكن رفضوا النصيحة، حذرناهم من القتل ولكن رفضوا أمرنا، يستحقون ما أتاهم، فيقول سبحانه: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا} [آل عمران:168] أي: في المدينة: {لَوْ أَطَاعُونَا} [آل عمران:168] أي: في الجلوس: {مَا قُتِلُوا} [آل عمران:168] هناك، فقال الله متحدياً لهم: {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:168] فأنتم سوف تموتون لكن وأنتم أذلاء على الفرش، تموتون وروائحكم منتنة، وأما أنس بن النضر وعبد الله بن عمرو ومصعب بن عمير والشهداء، فماتوا ولكنهم أخيار مرفوعون عند الله عَزَّ وَجَلَّ، فكلمهم الله بلا ترجمان. يقول أحد المسلمين من المهتدين في الشهادة: أيا رب لا تجعل وفاتي إذا أتت على شرجع يعلى بخضر المطارف ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فج من الأرض خائف إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى وصاروا إلى موعود ما في المصاحف وإقبال شاعر الباكستان يقول: نحن أمة رفعنا أرواحنا بين أكفنا لنسلمها لك شهداء: أرواحنا يارب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا أليس هذا هو الإيمان؟ أليست هذه هي الأصالة التي تركها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نفوس محبيه وأتباعه؟!

إقصاء الإسلام عن الحياة

إقصاء الإسلام عن الحياة ومن مبادئهم: إقصاء الإسلام عن الحياة. يريدون أن يبقى الإسلام في المسجد، وأن يبقى الإسلام مسألة شخصية تتعلق بالإنسان فقط، أما إدخال الإسلام في الحياة فهذا لا يجوز عندهم، ويفصلون الإسلام كما ذكرت عن المصنع والمعمل والمدرسة والسوق والشارع، وهذا هو الكفر بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. فالإسلام دين ودولة، والإسلام مدرسة ومسجد، ومصنع ومعمل، وصلاة واستشهاد: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] ويسميها سيد قطب ولله درّه: (جاهلية الفن) وجاهلية الفن هي مخالفة أمر الله في الرسم، لأن: رسم الأرواح محرم عندنا، فلنا في الإسلام أن نرسم الشجر والمدر والحجر والزهر والليل إذا أقبل، وأن نرسم النجوم والقمر والنهر، إذا تدله بالماء، والأغصان، والروضة الفيحاء، ولكن لا يجوز لنا أن نرسم ذوات الأرواح، لكن جاهلية الفن تقول: يجوز هذا. وهناك جاهلية الأدب ولنا أن ننشد الشعر، وأن نسمع جميل القول، وأن نتأثر بالكلمة الطيبة المؤثرة، وهناك شريط اسمه (دور الأدب في معايشة النكبات) على من وجد فرصة أن يستمع إليه لمواصفات الأدب المسلم، وهناك محاضرة بعنوان (الأدب الذي نريده) ومحاضرة بعنوان إقبال شاعر الحب والطموح؛ وقصدي بهذا أن نعرف مسارات الأدب الملتزم لئلا نعيش جاهلية الأدب. ما هي جاهلية الأدب؟ جاهلية الأدب أن يأتينا أديب كافر مثل نزار قباني أو أدونيس قطع الله دابره، فكثير منهم سب الله عَزَّ وَجَلَّ، وأحفظ نماذج من ذلك، أو رجل يدعو إلى الفاحشة والجريمة، فهذا أدب جاهلي، وهذا أدب محرم، فالأمة لابد أن تعيش الإسلام في الأدب والفن والصناعة والهندسة والاقتصاد والسياسية؛ لأن الإسلام يحكم مسار الأمة، فليس إسلام المسجد فقط، وليس إسلام الخطيب يوم الجمعة فحسب، بل إسلام الحياة وإسلام كل شيء، يقول سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:44 - 45] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] والله يقول مُقْسِماً سبحانه جل قَسمه وجل اسمه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] فوالله لا يهتدون ولا يجدون طعم السعادة حتى يتبعوك أنت أيها العظيم. وأنا كررت في محاضرات أن مايكل هارف الأمريكي صاحب العظماء المائة جعل الأول محمداً عليه الصلاة السلام، وهذا حق رغم أنفه. من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول فهذا المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد منك أن تعيش الحياة، والله يقسم أنك لا تجد طعم السعادة والإيمان حتى تتبعه وتحكمه في كل شيء، فتحكمه في لا إله إلا الله، وتحكمه في الصلاة، واللحية، والثوب، وتقليم الأظافر والاقتصاد، والإعلام والأدب والحياة كل الحياة، إن كنت تريد أن تكون متبعاً للرسول عليه الصلاة والسلام. ولكن العلمانيين قالوا: الإسلام في المسجد، وليس في المصنع، وقالوا: الإسلام عند صلاة الجنازة، وقالوا: ليس له حكم في الإعلام، وقالوا له: نعم. عند الرقية على المصروع، وقالوا له: لا. عند الاقتصاد، وقالوا للإسلام: نعم. عند المسبحة، وقالوا للإسلام: لا. عند الحاكمية، فبتروا الإسلام من مصدره وصلته وطريقه وعمقه؛ فحسبنا الله ونعم الوكيل. أيها الفضلاء: أقول لهذا المرتدي لهذا الثوب والذي نحت فكره من أفكار الآخرين وتنكر لعقيدة المسلمين: أحاكم عقلك المنهوب جهدي إلى قاضي الهداية والمعالي أشرع محمد فيه التباس ومنزله عظيم ذو جلال أو كما قال الآخر: تركت الردى خلفي لمن قل دينه ويممت قلبي في حماك فيمما وخالفت من قد خالف الله جهرة وفارقت من قد لابس الحق مسلما وعسى الله أن يرينا وإياكم الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. والمقصود من هذه المحاضرة أمور ثلاثة: الأمر الأول: إظهار الجاهلية وتعرية أهل الجاهلية كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]. الأمر الثاني: أن نغرس اعتقاداً جازماً عند الناس أن القرآن يلبي حاجة الناس، وأنه يعايش المشكلات العصرية التي يعيشها الناس والتي دائماً تعيش ظروفهم ودائماً تلابسهم. الأمر الثالث: أن نكون على بصيرة ممن يعايشنا، وممن نعيش معه، حتى نعرف عدونا من صديقنا. عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه وما بقي من وقت فللأسئلة، وشكر الله لكم اجتماعكم وإنصاتكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

غزو الطفل المسلم

غزو الطفل المسلم Q كما حرص الأعداء على هدم الأسرة المسلمة لم يغفلوا عن الطفل المسلم، وإن في دعاية البسكويت وأفلام الكرتون وغير ذلك في التلفزيون ما يندى له الجبين مما رأيناه ولاحظناه، فنرجوكم أن تتكلموا عن مثل هذه الأمور وتنبهوا عليها، أو تخصصوا لها محاضرة؛ لأنها من الأمور التربوية الخطيرة التي أتتنا من الغرب؟ A الحمد لله، قد تُعرض لهذا قبل فترة بمحاضرة بعنوان (الرسول عليه الصلاة والسلام مع الأطفال) وما ذكره الأخ ذكر هناك، وذكر في كثير من المحاضرات، ونبهنا الأخ على بعض المسائل لا بأس أن أعيدها هنا، وهي مسألة (غزو الطفل المسلم) ومن أدواتهم في ذلك فيلم الكرتون، ومنتجته شركة إيطالية يهودية، وهو يربي الأطفال على ناحيتين: الناحية الأول: ناحية عبادة الدولار والدرهم من دون الله عَزَّ وَجَلَّ، وتحبيبه إلى المال، حتى تجد في القفز والأخذ والعطاء درهماً أو ديناراً في فمه، ويصعد ويأخذه ويجتذبه من ذاك، ثم يطارد زميله، ثم يقاتله من أجل هذا الدرهم والدينار؛ لأن هذا الفكر ماركسي، وهي تربية الإنسان على عبادة المادة من دون الله. الناحية الثانية: تربية الطفل على الجنس، فهناك طفل وطفلة، تقبلها وتقبله، غرام وعشق وهيام ومطاردة، والطفل لم تكن عنده الغريزة وما نشأت إلا الآن، فيصبح في ذلك متذكراً متلهفاً، وتغرس مع الأيام في هذا، ولو لم يكن فيه إلا تضييع وقت الطفل عن تربيته بالآيات، وبالآداب الشرعية، وبالأشرطة الإسلامية، وبالأناشيد الطيبة، وبتثقيف لسانه باللغة الحية، لكان أعظم خسارة من هذا الضياع. وأما الإعلانات والدعايات فهي سموم كثيرة طمت وعمت، كتشهير أعداء الله عَزَّ وَجَلَّ بزعيم مجرم كان قد حارب الإسلام يشهر به في بعض الإعلانات، أو رجل معتوه، أو رجل صاحب فن في فن الغرام والطرب، ولا عب كرة مشهور فيجعل دعاية في شركة أو مؤسسة أو منتدى أو على لعبة أو سلعة تباع، وهذا كله هدم لمؤسسات العقيدة وتشويه لمسار الإسلام في قلوب الأمة.

المؤامرة على المرأة

المؤامرة على المرأة Q الرجاء أن تحدثنا عن المؤامرة التي تحيط بالمرأة السعودية في الوقت الحاضر، وقد كان هناك عدد من الأسئلة يسأل عن صحة ما أذاعته بعض الإذاعات الغربية مثل لندن حول مظاهرات في مدينة الرياض؟ A الذي وصلنا من هذا كما وصلكم، أن هناك ما يقارب ثلاثة وأربعين امرأة علمانية خرجن في شوارع الرياض يقدن السيارات وينشرن منشوراً هناك يطالبن فيه أن المرأة تقود السيارة، وأذيعت هذه في الإذاعات الأجنبية، ولكن أسأل الله عَزَّ وَجَلَّ أن يكف الشر، وقد تكلم كثير من العلماء والدعاة في المسألة، وأرى أن هذه الفترة فترة تمايز بين أهل الحق وأهل الباطل، ولا يكون هناك فريق ثالث إما يمين وإما يسار، إما أهل لا إله إلا الله، وإما أهل الطاغوت والكفر بمبادئ الله -عَزَّ وَجَلَّ - التي أنزلها على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فواجبنا أن نعود بالأمة إلى لا إله إلا الله وإلى مصداقية لا إله إلا الله في القلوب والميدان. وقد سلف كما قلت في محاضرة (الفتاة السعودية والعلمانيون) بعض الحقائق عمّا يراد بالمرأة هنا، يراد بها أن تكون مضيفة في الطائرة، ومغنية ومهرجة وتظهر للناس، يراد أن تكون في المصنع، وجندية تحمل السلاح، وتقود الدبابة، وتغامر مع الجيوش والطوابير إلى غير ذلك، ويراد منها أن تكون عارضة أزياء، وخادمة، ووسيلة للدعاية، ولقمة سائغة لكل مهرج ومروج وفاجر. على كل حال فيما سمعت أن الفتنة انتهت بطريق جيد إن شاء الله، وقد تفاهم ولاة الأمر في هذه المسألة مع هيئة كبار العلماء، وأوقفوا هذا المد، وأخذوا تعهدات على هؤلاء الخاسرات، وأظنها أول نغمة يفعلنها بعد نغمات كثيرة كانت من وراء الستار ليروا أهل الفضل والعلم والصحوة ما هي ردود الفعل هناك؛ وأنا أعرف أن أولئك النساء لسن بحاجة ماسة لقيادة السيارة، ولكن مقاصدهم أعظم وأعظم، وهي أطوار مرت بها المرأة في بعض البلاد الإسلامية. وكما تعرفون قصة الميدان هدى شعراوي وقصة سعد زغلول مع النساء ومصطفى كمال أتاتورك في أنقرة وغيره بدءوا بهذا، ولكن عسى الله عَزَّ وَجَلَّ أن يوفق القائمين حتى يوقفوا هذا الخطر، وأن يرشد طلبة العلم والدعاة والعلماء أن يقفوا بحكمة أمام هؤلاء الذين يهددون مقدراتنا ومسيرتنا.

العلمانيون في بلادنا

العلمانيون في بلادنا Q هل يوجد في بلادنا علمانيون، وهل تنصحنا بعدم قراءة بعض كتبهم؟ A بلادنا لا تسلم بل عدد العلمانيين كثير، وهؤلاء يتميزون بما ذكرت في المحاضرة من صفات تعرفونها، وهم يسمون في علم الكتاب والسنة المنافقون، ولكنهم هنا يتدبلجون لنا، وقد يلمعون أنفسهم بحضور المحاضرات أو مدح الإسلام في العلانية وقتله في الخفاء، ومدح الدعاة أمامهم وقتلهم في الخفاء، والتهوين من شأن الإسلام أو تحجيم الإسلام بأي وسيلة، وهؤلاء هم قوم كثر. ولهم كتب في الساحة، ولكن كتب الغرام والهيام والحب والفن عندهم أكثر من الكتب الفكرية؛ لأنها لا تجد رواجاً في هذه المرحلة؛ لأن المسيرة ما زالت والحمد لله قائمة، وأهل الخير وأهل الفضل لهم مسار صحيح ومقدر بإذنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

مقالات العلمانيين في المجلات

مقالات العلمانيين في المجلات Q ذكرت في المحاضرة السابقة مقالات في مجلات متعددة مثل مجلة سيدتي وغيرها، وهي مقالات غير طيبة للعلمانيين، فلماذا لا تصادر تلك المجلات؟ A لا تسألني أنا، بل السؤال يوجه إلى من بيده الحل والربط، أما أنا فلا يطاع لي أمر (لا يطاع لقصير أمر) فأنت اكتب للمسئولين، وقل: أريد أن تُصَادر هذه المجلة لأنكم حريصون على إقامة التوحيد، وعلى حماية الإسلام، ومما يحارب الإسلام والتوحيد هذه المجلات، وسوف يستجيبون لك إن شاء الله.

فرق شاسع بين الديمقراطية والشورى

فرق شاسع بين الديمقراطية والشورى Q يقول أحد الكتاب في إحدى الجرائد اليومية بعد أن تكلم عن الشورى وأنها من الدين الإسلامي: إن الشورى كما نفهمها الفهم الصحيح الذي نؤمن به أنها ديمقراطية الرأي التي نريدها أن تقوم على مبدأ الإسلام بزعمه، فماذا تقولون؟ A هذا خطأ! وما صدق في هذا؛ بل الديمقراطية تختلف عن الشورى باختلافين اثنين: أولاً: الشورى في الإسلام هي احترام الرأي: أن يكون لك رأي محترم يسمع منك، وتكون لك مكانة في المجتمع ولا يقتل صوتك، فهذا معنى الشورى، فالشورى كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38] {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] أن تضاف الآراء جميعاً إلى أن تكون رأياً واحداً أو بالأغلبية. أما الديمقراطية فهي تعلن التحرر حتى بين الإنسان وبين الله فيقولون: ليس لله عليك هيمنة، ولا ألوهية، ولا لله عليك حق، وإنما لك حرية حتى مع الله عَزَّ وَجَلََّ. ولذلك يقول محمد إقبال في بعض رسائله: أرفض الديمقراطية الغربية بوضعها؛ لأنها تخرج الإنسان بهيمة مع الله، أي تجوز الكفر بالله حتى تقول له: صلِّ، يقول: أنا حر مع الله، فهذا معنى الديمقراطية عندهم، فهذا جانب. ثانياً: أن الشورى في الإسلام تختار أهل الرأي وأهل الحل والعقد، فتختار الفضلاء، وطلبة العلم والعلماء، والصالحين الناصحين المثقفين، ومن له دور في المجتمع وله تأثير. أما الديمقراطية فهي على حسب الرءوس، ولذلك يقول محمد إقبال: مخ مائتي حمار يساوي عندهم رأساً، وقال: ولكن رأس مائتي حمار لا ينتج لك رأس إنسان. فهذا ريجن كان ممثلاً -كما تعرفون- من كالفورنيا من روفر سايد أتى حتى أصبح رئيس جمهورية بالأصوات، قد يكون جديراً أو قد لا يكون جديراً فهذه هي الديمقراطية، وهذا كارتر كان يزرع فولاً في جورجيا وأتى حتى صعد، وقد يكون جديراً أو ليس جديراً حتى أصبح رئيساً. لكن في الإسلام لا بد أن يكون هناك أهل حل وعقد وعلماء وفضلاء وأخيار لا يساوون بغيرهم، يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] ولذلك كان الصحابة يختارون صفوة هم الذين يدبرون شئون الأمة، لكن تأتي بمعربد وبمتفلت على شرع الله وأهوج وأحمق ومتزلف ومطرب ضائع، وتجعله مثل هذا، وتقول: هو صوت وأنت صوت، وهو مقعد وأنت مقعد، فهذا ليس بصحيح، وهذا هو اختلاف الشورى في الإسلام عن الديمقراطية.

الترابي، وعباس مدني، وراشد الغنوشي

الترابي، وعباس مدني، وراشد الغنوشي Q ما رأيك في الترابي وعباس مدني وراشد الغنوشي من مبدأ العلمانية؟ A أنا أرجو الله عَزَّ وَجَلَّ أن يكون هؤلاء الثلاثة بعيدين من العلمانية، عليهم ملاحظات، وقد يكون الحديث عن كل واحد على حده، وأما الترابي فقد قرأت له بعض الكتب، وعتبت عليه كثيراً لقلة ثقافته الحديثية والسنة عن الرسول عليه الصلاة السلام، وقلة اطلاعه على السنة، حتى رأيته يرى أن الغناء لا بأس به، والحجاب متساهل فيه، والموسيقى وأمور كثيرة، فعتبت عليه من هذا الجانب. ومما نعتب عليهم أيضاً موقفهم من العدوان الذي جرى على الكويت فقد أجمعت الأمة على أنه عدوان وبغي، وظالم اعتدى على مظلوم، فالواجب أن يعلنوا أن صدام قد ظلم واعتدى، هذا الذي نريده منهم، وما سمعنا تصريحاً منهم يشير، وقد تكلمت عنهم بعض أجهزة الإعلام وعن بعض كلامهم، وما أدري هل هو ثابت لهم أم لا، لكن ما زلنا نطمح بأن نسمعهم ينددون بالعدوان والطغيان والبغي خاصة أن عباس مدني في الجزائر له كلمة في وسط الناس هناك. وراشد الغنوشي في تونس له كلمة في الصحوة والترابي في السودان له كذلك مكانة فنريد من هذه الجزئية، وما أريد أن أتكلم بتفصيل؛ لأنه -أحياناً- قد ينقل الكلام إلينا وليس بصحيح ونحتاج إلى تثبت ومجالسة معهم.

مؤلفات مصطفى محمود العقاد

مؤلفات مصطفى محمود العقاد Q ما رأيك في مؤلفات الدكتور مصطفى محمود، وخاصة كتاب رحلتي من الشك إلى الإيمان؟ A مصطفى محمود رأيت له مما يقارب ستة كتب، وبعضها ما يساوي الحبر الذي كتب به، ورأيت منها مقالات كثيرة ولكنها هراء، وكلها في عالم الخيال، ويتكلم عن مسائل تافهة، وقد أغرق في كتاب اسمه الحب في مسألة الجنس إغراقاً عجيباً، وجعل المرأة كأنها مقصودة، وهذه أظنها في فترة حياته؛ لأنهم يقولون: إنه تحسن وضعه فما ندري، لكن على كل حال: كتبه غالبها: {كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] وهو يقول مثلما يقول عمر لابنه حين مر بابنه ومولاه وهم ينشدون شعراً فلما سمعوه سكتوا قال: من الذي أنشد منكما فقالا: ما أنشدنا، قال: لتنشدان، فأنشد الأول ثم أنشد الثاني ليرى صوتيهما، فقال: أنتما كحماري العبادي له حماران قيل له: أي حماريك أحسن؟ قال: هذا ثم هذا. وأحياناً قد يجيد في عالم المادة، لكنه يخلطها بشكوك وارتياب، وأنا قرأت كتابه هذا فيشكك الإنسان، هو يريد أن يخرج من الشك لكنه يرسب في الشك. لأن طريقة المناطقة التي سلكوها للإيمان بالله ليست بصحيحة عند العلماء وهي تورث الشك والحيرة، وطريقة القرآن هي الطريقة الصحيحة، التفكر في آلاء الله والذكر والتسبيح وكثرة العبادة، والاهتداء بنور محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52].

تأثير العلمانيين على التعليم

تأثير العلمانيين على التعليم Q هل ترى أن للعلمانيين دوراً مؤثراً في مؤسساتنا التعليمية؟ وماذا تنصح من يقوم على هذه المؤسسات التعليمية؟ A أنا أرى ذلك وأرى أن لهم كلمة في هذا ولهم تأثير، ومن تأثيراتهم: تقليص حصص الدين، وإضعاف منهج القرآن، بينما تكثف المناهج الأخرى، والاعتناء بها كما ترون، حصة القرآن الخامسة والسادسة بعد أن ينام الطلاب وينعسوا، تخريج دفع من الثانويات والمعاهد لا يجيدون قراءة القرآن، صرف أوقات القرآن في الحصص الرياضية وأشباهها، جعل المادة الفنية (الرسم) حصتين أو ثلاث حصص والقرآن حصة، اختصار التاريخ الإسلامي وسيرة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء الراشدين في خمس عشرة صفحة، بينما زنوبيا وسليمان إفرنجية في تاريخه ثلاث وعشرون صفحة، وإظهار الإسلام أنه دين طيب للصلاة والصيام والحج والعمرة، لكن ليس بإظهار الإسلام في الثقافة بأنه الدين الحي الذي يفرض هيمنته في العالم، ويسيطر على الوجود، وبإمكانه أن ينقذ الأمة إلى غير ذلك.

ضرورة الإخلاص في العمل

ضرورة الإخلاص في العمل Q أنا موظف على بند الساعة، ولكن عملي لم أخلص فيه نظراً لظروفي القاسية، حيث إني طالب، وعندي أسرة أعولها، وقد حاولت مراراً أن أخلص ولم أستطع أبداً، فهل أترك هذا العمل أم ماذا؟ A أدعوك أولاً إلى أن تخلص في عملك عل الله أن يثبتك وأن يكون رزقك حلالاً، ولكن إن لم تستطع فأنت أمام خيارين: إما أن تقدم استقالتك من العمل، وهذا الأسلم والأتقى والأنقى لك عند الله، والله يرزقك ما تستطيع، وإما إن لم تستطع هذا فتفاوض مع المسئول المباشر عليك في هذه المسألة، وتخبره بظروفك ليكون على بصيرة، ويعرف الساعات التي تغيبها، ويعرف كيف يتصرف معك، فإن أذن لك فلا بأس في تلك المرحلة.

حكم كشف الطبيب على المرأة

حكم كشف الطبيب على المرأة Q امرأة مصابة بمرض ويتطلب هذا المرض الكشف على أعضائها التناسلية، وليس هناك امرأة طبيبة متخصصة في مستشفى أصيل، فما هو رأيكم أن يكشف عليها رجل؟ A لا بد من أن يكون هناك طبيبة مسلمة، ولكن في مرحلة الضرورة القصوى، التي هي مرحلة الضرورة التي ما بعدها إلا الموت فلا تأت بمسألة زكام، وتقول: يكشف عليها الدكتور؛ لأن الزكام ليس ضرورة أو صداعاً في الرأس، أو حرارة أو حموضة، ولا يجوز أصلاً للطبيب أن يكشف على المرأة، فكيف بالأجهزة التناسلية التي هي من أحرج ما يمكن؟! ولكن إذا وصلت قدر الضرورة التي تصل إلى درجة الموت، ولم توجد امرأة وبحث عنها، ولم توجد طبيبة، فإن أهل العلم جوزوا ذلك من باب الضرورات لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] وحد الموت، مرض مهلك، أما غيرها من الأمراض فلا.

حكم الصور في مادة الأحياء

حكم الصور في مادة الأحياء Q تكلمتم عن رسم الكائنات الحية، فما حكم رسم الكائنات الحية في كلية العلوم أو في المدارس كمادة الأحياء، مع العلم أنه في الأبحاث يجب أن تستخدم الرسم في الشكل الخارجي والداخلي سواء، كما تحت المجهر والكليات المختلفة؟ A أنتم تعرفون تحريم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصور الحية، ولكن للضرورات هناك بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعض الوسائل التي قد تعفينا من التحريم، وهي مثل: قطع الرأس حتى يكون كأنه شجرة، لحديث النسائي، فإذا أردت أن ترسم بطة لك أن تقطع رأسها، ولا يلزمك أن يكون الرأس موجوداً، وبعض العلماء يقول: يكون هناك فاصل حتى لا تستطيع الحياة لو كانت حية، فأرى قطع الرأس أو رسم جزئية من الحيوان أو رسم الحيوان على أجزاء أربعة مثل الرأس وحده والجناح وحده والرجل وحدها وهكذا، فهذا الذي أراه.

كتب حول الواقع

كتب حول الواقع Q هلا ذكرتم لنا -جزاكم الله خيراً- أبرز المؤلفات التي تعين الشاب على معرفة ما يدور حوله، ونرجو من السامعين جزاهم الله خيراً هذه المؤلفات وقراءتها؟ A الكتاب الأول بعد كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ: (في ظلال القرآن) لـ سيد قطب. (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) لـ أبي الحسن الندوي. (واقعنا المعاصر) للأستاذ المفكر محمد قطب. (تذكرة الدعاة) لـ أبي الأعلى المودودي. (مبادئ الإسلام) لـ أبي الأعلى المودودي. (حصوننا مهددة من الداخل) لـ محمد محمد حسين. (الغارة على العالم الإسلامي) لمجموعة من الكتبة، وقد ترجمه مجموعة من العرب وهو موجود في الأسواق. (دمروا الإسلام أبيدوا أهله) كتيب لـ جلال العالم لا بد أن تقرءوه. (جند الله ثقافة وأخلاقاً) لـ سعيد حوى. (معالم في الطريق) لـ سيد قطب رحمه الله. (الإيمان والحياة) للدكتور يوسف القرضاوي، وفي هذه المرحلة أنصحكم بكتاب (عودة الحجاب) لـ محمد إسماعيل وهو من أحسن ما كتب. وهناك (الحجاب) لـ مصطفى العدوي. (معالم الانطلاقة الكبرى عند أهل السنة والجماعة). فهذه تكفي إن شاء الله مع كتب السلف وبالخصوص كتب ابن تيمية وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رحمة واسعة. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستغفار

الاستغفار شهر رمضان شهر التوبة والغفران، ومتى يتوب من لا يتوب في رمضان؟! ويلي رمضان عيد يفرح فيه الطائعون لله، ويسن في العيد التكبير وصلاة العيد ولبس الجديد والمعاودة للأهل والأقارب إلى غير ذلك من الأحكام في العيد.

شهر رمضان شهر الاستغفار

شهر رمضان شهر الاستغفار اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، ومثلما ما نقول، وفوق ما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالصيام، ولك الحمد بالقيام، عز جاهك، وجلَّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآياتك. من تقرب إليك قربته، ومن أحبك أحببته، ومن توسل إليك قَبِلته، ومن عصاك أدبته، ومن حاربك كبته. لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. والصلاة والسلام على من رفعت به منار الإسلام، وحطمت به دولة الأصنام، وفرضت به الصلاة والصيام، والطواف بالبيت الحرام، خير من أفطر وصام، وخير من سجد وقام، رسول البشرية، ومعلم الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها الناس! فإنكم تعيشون الأيام الأخيرة من هذا الشهر المبارك. شهرٌ رضي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عمن صامه وقامه. شهرٌ فتح الله به أبواب الجنان، وأوصد فيه معامل الشيطان، شهرٌ أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتقٌ من النار. شهرٌ أنفاس الصائمين فيه خيرٌ عند الله من المسك. شهرٌ يعتق الله في كل ليلةٍ منه مائة ألفٍ ممن استوجبوا دخول النار. شهرٌ جعله الله عز وجل صلةً بين المذنبين وبينه تبارك وتعالى. والله عزوجل طلب من المكلفين أن يستغفروه بعد كل عمل صالح، فقال للرسول عليه الصلاة والسلام في آخر عمره: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى للحجيج بعد أن قضوا مناسكهم، وانتهوا من أعمال حجهم: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199]. فواجبك في هذه الأيام والليالي، أن تعود إلى الملك العلام، وأن تختم هذه الساعات القريبة الوجيزة، التي بقيت من هذا الشهر الفضيل، ومن هذا الموسم الجليل، أن تختم هذا الشهر بالاستغفار والتوبة، علَّ الله أن يقبلك في من قبل، وأن يعفو عنك في من عفا عنهم، وأن يردك سُبحَانَهُ وَتَعَالى إليه.

استغفار الأنبياء

استغفار الأنبياء إن الأنبياء عليهم السلام سلفاً وخلفاً استغفروا الله عزوجل على حسناتهم وبرهم وصلاحهم، قال نوح عليه السلام لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10 - 12]. وقال آدم وزوجه لما أذنبا: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. وقال عز وجل: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:3]. وقال سليمان عليه السلام وقد رأى ملكه وجيشه: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [صّ:35]. وقال إبراهيم عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82].

الله الغفور الرحيم

الله الغفور الرحيم والله عزوجل وعد المستغفرين ألا يأخذهم بنقمة في الدنيا إذا استغفروا الله، فقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33]. ونادى الله الناس جميعاً، فقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مادحاً من استغفر يوم يذنب، ومن تاب يوم يسيء, ومن راجع حسابه مع الحي القيوم، فقال: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136]. ومن صفات الله عزوجل الحسنى أنه تواب رحيم: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى:25]. وقال لبني إسرائيل: {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:74]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مخبراً أن من اجتنب الكبائر غفر الله له الصغائر، فقال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31] وقال جلَّ ذكره: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} [النساء:64] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:110]. فسبحان من بسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار! وسبحان من بسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها! والله يقول في الحديث القدسي: {يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم}.

رمضان والتوبة

رمضان والتوبة متى يتوب من لا يتوب في رمضان؟ ومتى يعود إلى الرحمن من لا يعود في رمضان؟ ومتى يراجع حسابه مع الواحد الديان من لا يراجع حسابه في رمضان؟ ينسلخ الشهر ولا يمحى الذنب. ينسلخ الشهر ولا تسارع في فكاك رقبتك من النار. أليس من الحسرة والندامة أن يعفو الله عن مئات الألوف ثم لا يعفو عن البعيد؟! أليس من العار والخزي والخسار والتبار أن ينسلخ الشهر ثم لا تكون من الذين رضي الله عنهم -ونعوذ بالله من ذلك- والأعمال بالخواتيم؟! فسارع في فكاك رقبتك في هذه الليالي، واغتنم كثرة الصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكثرة التوبة والاستغفار، وبادر بالحسنات؛ فمن يدري لعلك أذنبت ذنباً كبيراً لا يغفر إلا في هذه الليالي، ولعلك أسأت إساءة كبرى لا يمحوها إلا التوبة في هذه الأيام، فبادر في فكاك رقبتك، وارفع يديك إلى الله عزوجل فإنك لا تدري لعل رمضان لا يعود إليك مرة أخرى. فوداعاً يا شهر الصيام والصلاة! ووداعاً أيتها الأيام العطرة التي عشناها في ذكرٍ وتلاوة! لا ندري أتقبل منا فنخرج يوم العيد في فرح وسرور وحبور ونور، أم ردت أعمالنا علينا -والعياذ بالله- فنخرج في ويل وثبور، وفي حسرة وندامة. فإن السعيد من أسعده الله وكتبه في صحائف الخلود والسعادة، والشقي من أخزاه الله وغضب عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. إذا عُلم ذلك -يا عباد الله- فأوصي نفسي وإياكم بالتوبة النصوح، وكثرة الاستغفار في هذه الليالي، ورفع يدي الضراعة إلى الحي القيوم علَّ الله أن يغفرلنا؛ فوالله! ليس لنا من الأعمال ما نتقدم به إلى الله، كل أعمالنا خطيئة وذنب، كلنا فقرٌ ومسكنة، كلنا عجز وتقصير، نخشى من أعمالنا أن يشوبها الرياء والسمعة فيبطلها الله أولاً وآخراً. ليس منا شيء، إن فعلنا من الحسنات فقد قابلها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بنعمٍ مدرارة ٍغزيرة لا نقوم بشكرها أبداً. يظن العبد يوم يصلي ساعة، أو يقرأ، أو يذكر الله؛ أنه فعل شيئاً عظيماً. وأين ساعات النعيم؟! وأين ساعات الأكل والشرب؟! وأين ساعات اللهو واللعب؟! وأين ساعات الترح والمرح والذهاب والمجيء؟!

الله الله في بقية رمضان

الله الله في بقية رمضان فيا أيها المسلمون! يا من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً الله الله في هذه الليالي! بقي ليلتان أو ثلاث وما أدراك ما يكتبك الله فيها، من يدري لعلك أن تكون شقياً فيمحوك الله ويكتبك سعيداً، لعلك أن تكون بعيداً فيقربك الله ويجعلك سعيداً، لعلك أن تكون من المغضوب عليهم -نعوذ بالله من ذلك- فيتولاك الله في من تولى. وإنما الأعمال بالخواتم لا تحتقر شيئاً من المآثم ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حبا وعكسه الكاره فالله اسأل رحمته فضلاً ولا تتكل ولتك بالخوف وبالرجا ولا تيئس وللنفس فجاهد عجلا وإن فعلت سيئاً فاستغفرِ وتب إلى الله بدار يغفرِ وبادرن بالتوبة النصوحِ قبل احتضار وانتزاع الروحِ تالله لو علمت ما وراءكا لما ضحكت ولأكثرت البكا قد حفت الجنة بالمكارهِ والنار بالذي النفوس تشتهي مع كون كل منه ما لدينا أدنى من الشراك في نعلينا فسبحان من بسط ميزان العدل للعادلين! وسبحان من نشر القبول للمقبولين! وسبحان من فتح باب التوبة للتائبين! فمن مقبل ومدبر، ومن سعيد وشقي، ومن تائب وخائب. فنسأل الذي بيده مفاتيح القلوب، أن يفتح على قلوبنا وقلوبكم، وأن يعتق رقابنا ورقابكم من النار، وأن ينقذنا من عذاب جهنم، وأن يجعلنا ممن قبل صيامه وقيامه وذكره وتلاوته. ربنا تقبل منا أحسن ما عملنا، وتجاوز عن سيئاتنا: {فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين؛ فاستغفروه وتوبوا إليه. إنه هو التواب الرحيم.

مع قدوم العيد

مع قدوم العيد الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً وشاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله! في صباح يوم العيد، يوم تطل شمس العيد، ويبزغ نورها، وترسل أشعتها، في ذاك الوقت الباكر السافر الساحر، تتنزل الملائكة من السماء زرافات ووحداناً، تتنزل ملائكة الرحمن في ثوبٍ مهيبٍ، جميلٍ بهيج، تتنزل الملائكة في صباح عيد المسلمين ومعها الصحف، فتقف على السكك والمنحنيات والطرقات ومداخل الشوراع تسجل الذاهبين والآيبين إلى المصلى، وترسل إليهم الهدايا المعنوية، والجوائز الرمزية التي كلفهم الله بإعطائها العباد، فمن آخذٍ جائزته بيمينه فمقبول ومدخول ومستأذن، ومن مطرود خائب خاسر نادم. والملائكة يوم ينصرف الناس من المصلى يشهدون للمقبولين بالقبول، وللمردودين بالرد، فلا إله إلا الله كم من مقبول يوم العيد فرح مسرور! ولا إله إلا الله كم من مطرود يوم العيد خائب مثبور! فمن قضى الشهر في الصيام والقيام والذكر والتلاوة والعبادة والخشوع؛ قبله الله يوم العيد، وألبسه جديد التوبة مع جديد الثياب، وجعله من أهل دار المغفرة والرضوان. ومن خيب أوقاته، وضيع عمره في رمضان، وعصى الله واجترأ على حرمة الشهر، وتعدى حدود الله وانتهك محارم الله، لا ينفعه -والله- لبس الجديد، بل يعود خائباً نادماً حاسراً فاشلاً.

ماذا في يوم العيد؟!

ماذا في يوم العيد؟! يوم العيد سرٌ من أسرار هذه الأمة، ففيه تخرج الأمة الإسلامية معلنة تضامنها وخلودها وانسجامها وتكافلها. يوم العيد يكون ترنيمنا ونشيدنا الخالد: الله أكبر كبيراً، والله أكبر من كل قوة، والله أكبر من كل هيئة، والله أكبر من كل كيان، الله أكبر له البقاء والرفعة، الله أكبر له الثناء والمجد، الله أكبر له البقاء أبداً سرمداً. والتكبير يوم العيد سنة سنها صلى الله عليه وسلم في المناسبات وغيرها، فكأننا نقول للناس: يا من تكبر وتجبر! الله أكبر منكم، ويا من عتا واستكبر! الله أكبر منكم، ويا من غفل وسها وتمرد على الله! الله أكبر منكم. ويوم العيد نلبس الجديد؛ ومعناه: أن نظهر النعمة التي أنعم الله بها علينا، فنقول بلسان الحال: يا رب! هذه نعمك علينا، يا رب! هذا اللباس الذي ألبستنا، ونقول للناس: انظروا لنعم الله علينا، وانظروا إلى فضله وكرمه فعند البيهقي بسند حسن قال صلى الله عليه وسلم: {إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده} وخرج صلى الله عليه وسلم يوم العيد ليصلي بالأمة الإسلامية، وليقود الجماهير لخطبة عاطرة رضية؛ فلبس حلة حمراء من أحسن الحلل؛ ليظهر جمال الإسلام. ويوم العيد نتوضأ ولا بد، ويغتسل من أراد منا، وبعض أهل العلم جعل الغسل سنة؛ لنخرج طيبين ونقول: يا رب! طهرنا الأعضاء فطهر المعنويات، طهرنا الظاهر فطهر الباطن، طهرنا ما كشف للناس فطهر ما خفي عنهم. ويوم العيد نخرج من طريق والأحسن أن نأتي مشاة؛ لنقول لكل عدو في الإسلام: ها نحن الأمة المسلمة خرجنا تائبين إلى الله، منيبين إليه، شاكرين نعماءه، ونمشي على الأرض وهو الأفضل؛ لنعلن التواضع لله عزوجل، ولنقول: عليك أيتها الأرض نمشي، وعلى ظهرك نأكل ونشرب، وفي باطنك نقبر، فنحن العباد من تراب. ونعود يوم العيد من طريق ليرانا الذين لم يرونا من الطريق الأولى، فكأننا حشود منظمة، أو كتائب منسجمة، أو أطلال من إطلالات الفجر، أو شعاعات من شعاع النور. وفي يوم العيد أمرنا صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر؛ لنغني الفقراء، فلا يصح أبداً أن نلبس الملابس الغالية، ونركب المراكب الضخمة، ونسكن القصور الشاهقة، والفقراء يموتون على الأرصفة جوعاً وعرياً وعطشاً. في أي ملة وأي دين؟! أن يسكن بعض المسلمين بالشقق العامرة الفخمة الفاخرة ويموت بعضهم عرياً وجوعاً وعطشاً. في أي ملة وأي مبدأ نأخذ ما لذ وطاب من الثياب والطعام والشراب، والأكباد تتمزق جوعاً وعرياً وعطشاً وندماً وبكاءً؟! فقال عليه الصلاة والسلام للفقراء: {أغنوهم في ذاك اليوم} لنظهر الشعائر.

من معاني العيد وأسراره

من معاني العيد وأسراره يا أمة العيد! يا من لبسوا الجديد لمولاهم وأعلنوا أنه أحق بعبادة العبيد! من أجلَّ سمات ومعاني العيد، وأسرار العيد؛ أن نعود للحي القيوم، فمن لا يعود إلى الله، ولا يعلن العودة إلى الله فليس له عيد. لماذا يفرح وقد ابتعد عن الله؟! لماذا يفرح وقد قطَّع حباله بينه وبين الله؟! لماذا يفرح وقد أوصد أبواب التوبة بينه وبين الله؟! فمعنى العيد: أن تعود إلى الله، وتعلن توبتك كما يأبق العبد فيعود إلى مولاه. ومن معاني العيد: أن نقف صفوفاً في المصلى، وكأننا نقول: يا رب! إن قبلت فزدنا قبولاً، وإن غضبت فأتنا رضاً، وإن أذنبنا فتب علينا. ومن أجلَّ أسرار العيد: أن نتعاود فيما بيننا ونتزاور، يأتي القاطع الذي قطع أرحامه السنوات المديدة، واستوجب اللعنة العتيدة، فيمحو لعنة الله بزيارة أرحامه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23]. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد:25] فحينها تأتي يوم العيد فتزور أباك وأمك، وأخاك وأختك، وعمك وعمتك، وخالك وخالتك، وكل قريب يقرب منك ووصلك الله بوصيلة منه: {فإن الله لما خلق الرحم وتعلقت بالعرش قال: تكلمي، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى. قال: فذلك لك} فأنزل الله الرحم، فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله. فالذي لا يصل رحمه يوم العيد كأنه ما فعل شيئاً. فإن من أسرار العيد المعاودة؛ أن تدخل السرور على من جعل الله بينك وبينهم وشائج قربى، وأن تريهم نفسك، وأن يسمعوا حديثك وتسمع حديثهم؛ لأن الحياة قصيرة فلا تقطعها بالقطيعة. ومن أسرار العيد: أن تعود إلى صف المسلمين في الجمع والجماعات، والمناسبات، والأعطيات، والتبرعات، وأن تقف صفاً معهم واحداً، فأنت عضو حساسٌ من أعضائهم، وأنت مضغة من جسمهم، وأنت ذرةٌ من هذا الكيان الخالد. فمن أسرار العيد أن تعود مع المسلمين في صلاة الجماعة والجمعة، وأن تتوب إلى الله. بئس قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان. بئس عبدٍ أتى رمضان فصام وقام وتلا آيات الواحد العلام، فلما سمع إعلان يوم العيد رجع على ما كان عليه من الفرقة فإنه هو البعيد، لما سمع إعلان يوم العيد تمرد على رب العبيد، أليس رب رمضان رب شعبان وشوال؟! أليس رب رمضان هو الذي يدرك السر وما يدور في الخلدان؟! أليس رب رمضان هو المطلع على ما تخفيه الضمائر في الوجدان؟! فيا عباد الله! من عرف الله في رمضان فليواصل معرفته كل آن، ومن تاب إلى الله في رمضان فليواصل توبته إلى الله في كل زمان ومكان. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقنا من النار عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين. وارض اللهم عن أصحابه الأطهار؛ من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بكرمك ومنِّك يا أكرم الأكرمين!

الظلم ظلمات

الظلم ظلمات بدأ الشيخ خطبته بتلاوة آيتين عن الظلم، وحديثين منهما حديث أبي ذر الذي فيه أن الله حرم الظلم على نفسه وعلى الناس، ثم تلا آياتٍ أخرى عن الظلم، ثم ذكر أربعة أمثلةٍ من حياة الأولين، رأى أنها مناسبة لموضوع الظلم، ثم أورد أثراً عن محاسبة الله للظالمين، وإنصافه للمظلومين. وفي خطبته الثانية، تكلم عن التوبة، وحث عليها، ثم ختم كلامه بالدعاء.

ظلمات الظلم

ظلمات الظلم الحمد لله القائل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47]. والحمد لله القائل: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49]. والصلاة والسلام على رسول الله القائل: {إن الظلم ظلمات يوم القيامة}. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، أمَّا بَعْد:

تحريم الظلم

تحريم الظلم فعن أبي ذر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: {يقول الله عز وجل: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي! كلكم ضالٌ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحدٍ منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منكم؛ ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته؛ ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي! إنما هي أعمالكم أوفيها لكم ثم أجزيكم بها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه} رواه مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجة. وهذا حديث شريف، وهو أشرف حديث لأهل الشام وأهل سوريا، وهذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام وأصل من أصول الدين، وكان التابعون إذا حدثوا به جلسوا على ركبهم من عِظَمِه. وأكبر قضية في هذا الحديث أن الله عز وجل حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرماً، فقال عز من قائل: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران:108] وقال تبارك وتعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]. فالظلم حرمه سبحانه على نفسه، فلا يظلم ولا يهضم، والظلم أن يزيد في سيئات من لم يسئ، والهضم أن ينقص من حسنات من أحسن، قال عز من قائل: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً} [طه:112] والظلم من شيم العبد. والله عز وجل حذر العباد من الظلم، فأظلم الظالمين هو العبد الذي يشرك بالله، قال الله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:82] قال الصحابة: {يا رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق، فأينا لم يظلم نفسه؟! قال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]} وعلم الله عز وجل لقمان أن يقول لابنه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] ووصف الله العبد بأنه ظالم، فقال: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] فالعبد ظالم مع الله وظالم مع نفسه وظالم مع الناس. أما مع الله فصح من الحديث القدسي أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال: {عجباً لك يا بن آدم ما أنصفتني! -أي ما عدلت بيني وبينك- خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إليَّ بالمعاصي وأنت فقير إليَّ، خيري إليك نازل وشرك إليَّ صاعد} وصح في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {يقول الله تبارك وتعالى: يسبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، ويشتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، أما سبه إياي فيدعي أن لي صاحبة وولدا وما اتخذت صاحبة ولا ولداً، وأما شتمه إياي فإنه يشتم الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء}. وحذر صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من الظلم بين الناس فقال صلى الله عليه وسلم: {من اغتصب مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان، قالوا: ولو كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: ولو كان قضيباً من أراك} أي ولو كان سواكاً وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من ظلم من الأرض قيد شبر طوقه يوم القيامة من سبع أرضين}.

أمثلة على الظلم

أمثلة على الظلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة وهو سعيد بن زيد شكته امرأة وتظلمت إلى مروان بن الحكم منه، وقالت: غصبني أرضي، فحاكمه مروان بن الحكم، وقال: لم غصبتها أرضها، فدمعت عيناه رضي الله عنه وهز رأسه وقال: والله ما كان لي أن أظلمها بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من اغتصب شبر أرض طوقه من سبع أرضين} فلتأخذ أرضي إلى أرضها، وبئري إلى آبارها، ونخلي إلى نخلها، فإن كانت كاذبة فأعمى الله بصرها، وقتلها في أرضها، فاستمر بها الحال ثم عميت في آخر حياتها وذهبت إلى بئرها لتستقي الماء فتردت ميتةً على وجهها: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]. قال أحد التابعين: إذا مررت بأرض قد خربت، وبأهلها قد تفرقوا، وبأنس قد تشعب، وببهاء قد ذهب، وبمال قد فني، وبصحة قد سقمت، فاعلم أنها نتيجة الظلم، ولذلك روى ابن كثير في تاريخه أن البرامكة الأسرة الشهيرة الخطيرة التي كانت تتولى الوزارة لـ هارون الرشيد في بغداد، بلغوا من الترف والرقي أن أحدهم كان يصبغ قصره من الداخل والخارج بماء الذهب والفضة، فكانت تلمع قصورهم مع الشمس، فلعبوا بالأموال وسفكوا الدماء وبغوا وطغوا؛ فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، والرسول صلى الله عليه وسلم كما صح عنه يقول: {إن الله يمهل للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]}. فسلط الله على هذه الأسرة أحب الأحباب إليهم، وأقرب الأقارب إلى قلوبهم، وأصدق الأصدقاء، وهو هارون الرشيد الخليفة، فأخذهم في ليلة واحدة، فجلد كل واحد منهم ألف سوط ثم قطع بعض أياديهم وأرجلهم وقتلهم شر قتلة، واستولى على أموالهم، وهدم قصورهم، وسجن نساءهم، فدخلوا على شيخ منهم من البرامكة وهو يعذب، ويبكي تحت السياط، فقال له بعض العلماء: ما هذه المصيبة التي حلت بكم؟ قال: دعوة مظلوم سرت في الليل نمنا عنها والله ليس عنها بنائم. وقد قال عليه الصلاة والسلام: {دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين} ويقول عليه الصلاة والسلام -وهو يوصي معاذاً لما أرسله إلى اليمن {اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} ولذلك لما أهين الإمام أحمد إمام أهل السنة رضي الله عنه، كان الذي سعى في سجنه وظلمه وجلده أحمد بن أبي دؤاد أحد الوزراء المقربين من الخليفة المعتصم؛ فرفع الإمام أحمد يديه إلى الحي القيوم ثم قال: اللهم إنه ظلمني فاحبسه في جسمه، وعذبه وشرده أيما مشرد، قال العلماء: فوالله ما مات حتى أصابه الله بالفالج في نصفه، فنصف مصاب بالفالج قد مات ويبس نصف جسمه، وبقي نصفه حياً، دخلوا عليه وهو يخور كما يخور الثور، فقالوا: مالك؟ قال: دعوة الإمام أحمد أصابتني، أما نصفي الأيمن فوالله لو وقع عليه ذباب لكأن جبال الدنيا سقطت عليه، وأما النصف الآخر -فوالله- لو قرضتُ بالمقاريض ما أحسست ألماً. وهذه سنة الله في الأرض، فإن الله دمر الديار، وأهلك الأمم، وأفنى الشعوب لما ظلموا، وهذه سنة محكمة منه تبارك وتعالى. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: دخل أحد المشايخ الصالحين الأولياء العباد على أحد الطغاة المتكبرين فنازعه في بعض الكلام، وأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، فقام إليه هذا الطاغية فضربه على وجهه، فقال: لطمتني، أسأل الله أن يقطع يدك، قال: اعف عني، قال: لا والله حتى نحتكم عند الله، قال الذهبي: فأثر أنه ما مر عليه أسبوع إلا وقد استولي على ما عنده، وأخذ من قصره، وقطعت يده، وعلقت أمام الناس. إن الظلم ظلمات يا عباد الله! إن الظلم مسخطة ومغضبة ولعنة، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لعن الله من غير منار الأرض} ومنار الأرض حدودها التي تقتسم في المزارع والأراضي والأملاك، فمن غيره بغيبة شريكه وعدم رضاه فهو ملعون عند الله عز وجل.

عاقبة الظلم

عاقبة الظلم وفي الأثر أن الله إذا جمع الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، حفاة عراة غرلاً بهماً، قد وقفوا في صعيد واحد، وتجردوا للحساب، وتجلى الله تبارك وتعالى على عرشه يحمله ثمانية، فنادى بصوت يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد فيقول عز من قائل: {أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ ثم يقول: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل؛ فيجيب نفسه بنفسه تبارك وتعالى ويقول: لله الواحد القهار، ثم يقول: إني حرمت على نفسي الظلم وجعلته بينكم محرماً، فوعزتي وجلالي لا تنصرفون اليوم ولأحد عند أحد مظلمة، فينصب الموازين، وترفع الصحف، ويحضر الملائكة، ويأتي الظلمة يعض كل ظالم على يده حتى يأكلها؛ فيقتص الله للمظلوم ممن ظلمه، بحكمه العدل كما قد علمه حتى يؤتى بالبهائم فتحشر كالجبال، ما بين الإبل والبقر والغنم والعجماوات والطيور، فيتجلى الله لها فيقتص لبعضها من بعض، حتى يقتص للشاة الجماء من ذات القرن، فإذا انتهى من المحكمة بينها تبارك وتعالى قال لها: كوني تراباً، فتكون تراباً، فيقول الكافر عندها: يا ليتني كنت ترابا!}. فالله الله! يا عباد الله! فما جف القطر، وما نزعت البركة، وما تباغضت القلوب، وما فسد الأولاد؛ إلا من الظلم. إن الظلم ظلمات في القلب، وفي القبر والحياة والآخرة. إن الظلم لعنة ومسخطة. فالله الله أوصي نفسي وإياكم باتقاء الظلم، في المعاملات والأقوال والأخلاق، فإنكم سوف توقفون عند ربكم في العرض الأكبر: {ولَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. والظلم يدخل في البيع والشراء، ويجمع الله المتماكسين الغششة ليوم لا ريب فيه؛ فينصف الناس منهم، والظلم يدخل فيه ظلم الولد لوالديه وهو العقوق، وقد حرم الله العقوق، ولا يدخل الجنة قاطع رحم، وقال الله عز وجل: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23]. والظلم يدخل على القضاة والمسئولين؛ فيأتي كل قاض ومسئول -كما صح الحديث في ذلك- مغلولة يده اليمنى خلف ظهره، فإن عدل أطلق الله يده، ونور وجهه، وبشره بالنعيم المقيم، وإن ظلم وفجر كبه الله على وجهه مغلولاً في النار، فنعوذ بالله من الظلم. سجن هارون الرشيد أبا العتاهية فأرسل له من السجن رسالة يقول فيها: أما والله إن الظلم شينٌ وما زال المشين هو الظلوم إلى ديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم فبكى هارون الرشيد حتى فحص برجله، وأمر باسترضائه وأطلقه، ولذلك يقول: أيا رب إن الناس لا ينصفونني فكيف ولو أنصفتهم ظلموني سأمنع قلبي أن يحن إليهمُ وأحجب عنهم ناظري وعيوني ولكن الأسلم لمن ظلم أن يستغفر الله، فما أصابه الظلم إلا بذنوبه، وأن يرجو الثواب والجزاء والأجر عند الله، وأن يتصدق بعرضه على الناس، قال عليه الصلاة والسلام للصحابة: {من منكم مثل أبي ضمضم؟ قالوا: وما فعل يا رسول الله؟ قال: قام البارحة فناجى الله وبكى وقال: اللهم إنه ليس عندي مال أتصدق به، ولا دنيا أنفق منها، اللهم إني قد تصدقت بعرضي على المسلمين، اللهم من سبني أو شتمني أو ظلمني، فاغفر له وارحمه، واجعلها لي أجراً ومثوبة}. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

فاستغفروني أغفر لكم

فاستغفروني أغفر لكم الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبي الرحمة إمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين، وهداية السالكين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد:

الكلام عن التوبة

الكلام عن التوبة ففي الحديث المتقدم يقول الله تبارك وتعالى: {يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} وهذا دل عليه الكتاب والسنة قال عز من قائل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] وقال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] ولذلك أثر عند كثير من أهل العلم أن عابداً من بني إسرائيل عبد الله أربعين سنة، ثم رجع على عقبيه وعصى الله أربعين سنة، ثم نظر إلى المرآة فإذا الشيب قد غطى لحيته ورأسه فبكى، وقال: يا رب! أطعتك أربعين سنة، وعصيتك أربعين سنة فهل لي من توبة؟ فسمع هاتفاً يقول: أطعتنا فقربناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإن رجعت إلينا قبلناك. فالله الله في العودة إلى الله دائماً وأبداً؛ فإننا كلنا أهل ذنب وخطيئة، وأهل فحش وفجور، كما قال صلى الله عليه وسلم: {كلكم خطاء، وخير الخطائين التوابون} وقال عليه الصلاة والسلام: {والله لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ آخرين يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم} فما حلنا من ورطة الذنب والخطايا، إلا بالتوبة النصوح والاستغفار صباح مساء، وأن ندرأ بالحسنة السيئة فإن الله مدح قوماً فقال: {وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:22] وقال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين فإنكم في الذنب والخطيئة صباح مساء]] وصدق رضي الله عنه فإن عيوننا تذنب وقلوبنا تذنب، وأبصارنا وآذاننا وأرجلنا وأيدينا ولا يغسلها إلا التوبة والاستغفار، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] واستغفروا الله يغفر لكم وقدموا من الحسنات ما يكفر عنكم السيئات، ومن فعل منكم في سابق العمر ذنباً مهما بلغ من الكبائر، ولو كانت كالجبال، فليعلم أن الله يغفرها بعد التوبة، وأن الله لا يتعاظمه شيء، وأن الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم أضل راحلته في الصحراء، ثم وجدها عليها طعامه وشرابه. فيا فرحة التائبين، ويا قرة عيون المنيبين، ويا سرور المستغفرين لله تبارك وتعالى! عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا} اللهم صلِّ على حبيبك ونبيك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم إلى ما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه. اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، إنك على كل شيء قدير. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفلسطين وفي كل بلد من أرضك يا رب العالمين. اللهم ارفع رايتهم وثبت أقدامهم، وأنزل النصر والسكينة عليهم، اللهم وحد صفوفهم واجمع شملهم، واجعل سهامهم في نحور أعدائهم، يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلّم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الرحمن على العرش استوى

الرحمن على العرش استوى بعض الناس اليوم إذا خلا بنفسه في مكان ما، ورأى الجدران من حوله والسقف من فوقه ظن أنه ليس هناك أحد يراه، وينسى الله عز وجل الذي يعلم السر وأخفى، وقد بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ليزرع في قلوب الناس مراقبة الله عز وجل، حتى يطيعوه في السر كما يطيعونه في العلانية.

عظمة الله

عظمة الله الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السموات والأرض، ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديراً، واتخذوا من دون الله آلهةً لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً؛ بلغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، صلى الله عليه وسلم ما هطل المطر، وما غرد البلبل على الشجر، وما اتصلت عينٌ بنظر، وما تألقت أذنٌ لخبر، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل ويرى نياط عروقها في نحرها والمخ في تلك العظام النحل اغفر لعبدٍ تاب من زلاته ما كان منه في الزمان الأول {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62] من هو الله؟ وما هي أسماؤه؟ وما هي صفاته؟ وما هي آثاره في الأرض؟ سأل موسى عن ربه فقال: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50]. وسأل إبراهيم عن مولاه، وعن مميته ومحييه، فقال: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء:78] {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء:81] والله يقول لرسولنا عليه الصلاة والسلام في سورة بالغة التأثير: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه:1 - 8]. يعرف الله بنفسه لرسوله صلى الله عليه وسلم، أنه الله الذي لا إله إلا هو {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:6] ما هي آياته؟ وما هي بيناته؟ وما هي علاماته؟ الكون كل الكون، السماء، والأرض، والجبال، والزهرة، والغدير، والجدول، والشجرة، والهواء، والضياء، والسناء تشهد أن لا إله إلا الله. {طه} [طه:1] من هو طه؟ حرفان متقطعان وليس اسماً له صلى الله عليه وسلم، ليس من أسمائه {طه} [طه:1] ولكن {طه} [طه:1] كـ {حم} [الأحقاف:1] وكأن المراد من هذه الحروف نسج الله القرآن، ومن هذه الحروف تكلم الله بالقرآن، فتعالي يا أمة الضاد، يا أمة الشعر الرقراق، ويا أمة البيان البراق، تعالي أيتها العرب العرباء! تعالي فانسجي من مثل {طه} [طه:1] كلاماً؛ كما يأتي بعد {طه} [طه:1]. {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} يخرجك بالقرآن من الظلمات إلى النور، ونخرج أمتك بالقرآن؛ من الظلمات إلى النور، ونرفع رءوسكم بالقرآن من أمة كانت تسجد للوثن، وتعبد الصنم، وتقدس الخرافة، وتسجد للوثنية، وتتقلد التقليد، وتركن للأمم، وتقاد بالحبال كما تقاد الشياه، إلى أمة ترفع رءوسها وتسجد لله. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} لكن والله لتسعد، وليشرح بالك، وليستنير قلبك، وليرتفع رأسك. وكل مخلوق لا يهتدي بهذا القرآن فهو ملعون القلب، خائن الضمير، فاشل الإرادة، مهزوم العقيدة، متخلف الركب، يتردى في نار جهنم. وقلب بلا إيمان كتلة لحمٍ ميتة، وعينٌ بلا إيمان مقلةٌ عمياء، وأذنٌ بلا إيمان إشارةٌ خاطئة، ومجتمع بلا إيمان قطيع من الضأن. كنا أمة عربية ضائعة، لا تعرف شيئاً؛ إنما تعرف الوثن والصنم والزنا والسرقة، والخنا، والغدر، والخيانة، والفحش، والتفلت على أمر الله، فأتى محمد عليه الصلاة والسلام بالقرآن فبعثها من جديد: أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعبٌ من الأموات أحياه أتى ليقول: إن الربا حرام، والزنا حرام، والكذب حرام، والغناء حرام، وضياع الوقت حرام، والانهزام حرام، والتخلف والتبعية لأعداء الله حرام، وإعطاء الولاء لغير الله حرام. فماذا فعل؟ في خمسٍ وعشرين سنة ترك أمة رائدة، يأتي علمها ويرفرف على المحيط الأطلنطي بقيادة عقبة بن نافع، وعلمها الآخر يدخل كابول مع قتيبة بن مسلم، والثالث مع محمد بن القاسم في الهند والسند، والرابع مع طارق بن زياد في أسبانيا. من الذي أخرج العرب؛ أمة الشاة والماعز، وأمة البقر والإبل، وأخرجهم الله من الظلمات إلى النور. والمقصود: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:1 - 3].

خشية الله تعالى

خشية الله تعالى ولكن من يخشى؟!! الذي يقرأ القرآن، ويعمل بالقرآن، ويعيش مع القرآن، هو الذي يخشى ويسعد، أما من يعرض عن القرآن ويستبدله بالأغنية الماجنة، وبالمجلة الخليعة، وبالتخلف في سمرات اللهو على الشواطئ، وفي الساعات الحمراء، وفي البلوت والزفير والشهيق والتشجيع والتطبيل؛ فهذا مجتمع مدمر، وهذا شباب متخلف، وهذا جيلٌ ما عرف الله ولا عرف مهمته في الحياة. تعال يا من حاله في وبال ونفسه محبوسةٌ في عقال يا راقداً لم يستفق عندما أذن في صبح الليالي بلال روض النبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال هذا الجيل الذي بعثه -سُبحَانَهُ وَتَعَالى- من الظلمات إلى النور هو الذي يهتدي، لكن قل لي بالله، في جيلٍ ما عرف الله؛ لا يعرف القرآن، لا يحفظ من القرآن شيئاً، تلاوته الأغنية الماجنة، ومصحفه مجلةٌ خليعة، وسواكه السيجارة، يتشبه بأعداء الله الكفرة، بأذناب الشعوب، بأقزام المعمورة، بمدمري البشرية، فكيف يسعد؟ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} [طه:3 - 4] ألا سألت الأرض من خلقها، والسماء من رفعها، والجبال من أرساها، والزهرة من جملها، والنسيم من أجراه، والليل من كساه، والتل من غطَّاه، والغدير من أجراه ووسعه، والمجتمع من حماه؟ إنه سوف يقول: الله. يقول الله للرسول في أول سورة: {اقْرَأْ} [العلق:1] وهو أميٌ فأين يقرأ قال أهل العلم: يقرأ في الشمس الساطعة، وفي السماء اللامعة، وفي النجوم المتوهجة، وفي التل، وفي الجدول والغدير، وفي الماء النمير؟! وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد فيا عجباً كيف يُعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد

الإيمان بأن الله مستو على العرش

الإيمان بأن الله مستوٍ على العرش {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] انظر إلى القرآن كيف يصل القلوب بالرحمن، عقيدة لا تعقيد فيها، ولا أحاجي، ولا ألغاز، ولا صعوبات. عقيدة سهلةٌ كالماء، خفيفةٌ كالهواء، أصيلةٌ كالصدق، واضحةٌ كالفجر.

رقابة الله سبحانه وتعالى

رقابة الله سبحانه وتعالى الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين على العرش، الذي يعلم نيتك وخطراتك وسكناتك، على العرش. الذي يعلم صدقك، ويرى نظرتك، وتحركك، على العرش. الذي يعلم صدق الصادقين، وخيانة الخائنين، وربا المرابين، وزنا الزانين، وكذب الكاذبين، وغش الغشاشين، على العرش. يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. جاء عمير بن وهب إلى صفوان بن أمية -جاهليان، مشركان قبل أن يسلما- جلسا عند الكعبة تحت الميزاب، والرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة، وهما في مكة، جلسا يدبران جريمة اغتيال المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ أكبر جريمة في تاريخ الإنسانية، جلسا تحت الميزاب عند الكعبة يتشاوران في قتله صلى الله عليه وسلم، لكن الذي على العرش استوى {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] وخطتهم، فكشف مخططاتهم، وأخبر رسوله في المدينة صلى الله عليه وسلم. قال صفوان لـ عمير بن وهب: اذهب إلى المدينة فاقتل محمداً، دمك دمي، وهدمك هدمي، وأنا أتولى أطفالك ومالك. فأخذ عمير سيفه، فسمه بالسم الأزرق شهراً كاملاً، ثم ذهب إلى المدينة، ولكن الله يحمي الله رسوله؛ لأنه على العرش، فلما وصل المدينة رآه عمر مقبلاً فيه خيانة وغدر، وحقد دفين، وموت أحمر، فأخذه بتلابيب ثيابه وبسيفه، وأدخله المسجد بالقوة وبالجبروت، وبالصمود والتحدي، وأجلسه عند الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول! الله هذا الشيطان أتى لأمر، فقال صلى الله عليه وسلم، وهو يتبسم: {ما جاء بك يا عمير بن وهب؟ قال: جئت لأسلم على إخواني من أسارى بدر وأفديهم بالمال، فتبسم صلى الله عليه وسلم؛ لأن الذي على العرش استوى أعلمه، قال: بل جلست أنت وصفوان تحت ميزاب الكعبة ليلة كيت وكيت في الليل، وقال لك: كذا وكذا، وقلت له: كذا وكذا، وأتيت لتقتلني وما كان الله يسلطك عليّ قال عمير: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، وأسلم}. ذهب فضالة أحد العرب، وأخذ خنجراً ليقتل المصطفى عليه الصلاة والسلام، فطاف معه في الطواف، وظن أن الذي على العرش لا يعلم رسوله، لكنه أخبره وقال له: انتبه من فضالة، غادرٌ يريد قتلك، فأتى عليه الصلاة والسلام إلى فضالة وهو يطوف، قال: {ماذا تقول يا فضالة؟ قال: أستغفر الله وأتوب إليه، أسبح وأهلل، قال: تب إلى الله يا فضالة، بل أتيت بخنجرك لتقتلني، وما كان الله ليسلطك عليّ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله}. جاءت امرأة أوس بن الصامت تشكو زوجها، دخلت على المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو في بيت عائشة، فأخذت تخفض صوتها لئلا تسمع عائشة الصوت، ولكن {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] سمع الصوت، قالت عائشة: [[والله ما سمعت صوتها، ولا أدري ما قالت، وهي بطرف البيت بجانبي]] وأنزل الله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1]. {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] يراك وأنت وراء الحيطان، والجدران: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها: إن الذي خلق الظلام يرانِ أتى أحد الأدباء إلى الإمام أحمد، فقال له الإمام أحمد: من أنت؟ قال: أنا أديب أحفظ أشعار العرب، قال: أسمعني بعض الأبيات، الإمام أحمد؛ إمام أهل السنة والجماعة، الذي إذا جلس في الغرفة وحده كفكف جسمه، وتهيأ، وانضبط في جلسته، وخشع لله. فيقول له أبناؤه: إذا جلست مع الناس جلست مستريحاً منبسطاً، وإذا جلست وحدك كفكفت نفسك، قال: أما يقول الله: {أنا جليس من ذكرني فهو معي}. قال له الأديب هذا، اسمع يا إمام، يقول الشاعر: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل: عليَّ رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب فترك كتبه ومحفظته وقلمه وقام، وأغلق غرفته، قال هذا الأديب: والله لقد سمعت بكاءه من وراء الباب، وهو يردد البيت: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل: عليَّ رقيب أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

مراقبة الله لعباده

مراقبة الله لعباده الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وحجة الله على الناس أجمعين، خيرة المتقين، وصفوة الأولياء الصادقين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: فكما يقول الناظم: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل: عليَّ رقيب أورد أهل العلم أن رجلاً خلا في غابةٍ بمعصية، وظن أنه لا يراه أحد، رأى الشجر قد غطَّاه فنسي الله، ورأى الليل قد حماه وتكنفه وآواه ونسي الله، فيقول في نفسه وقد أقبل على المعصية: لا يراني أحد، ولا يعلم بي أحد، فسمع هاتفاً يقول: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]. مرَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه براعي غنم في طريق المدينة، راعٍ يرعى ضآن لكنه يحمل عقيدة الإيمان ويخاف الرحمن، قال له عمر: [[بعني شاةً من غنمك؟ قال: الغنم لسيدي، وأنا مولىً عنده، قال: إذا سألك عن الشاة فقل: أكلها الذئب -يريد أن يختبر إيمانه- قال: لا إله إلا الله، كيف أقول: أكلها الذئب، فأين الله؟!! فجلس عمر يبكي ويقول: أين الله]]. فهل سأل كلٌ منا نفسه أين الله؟ هل سأل المسئول نفسه في الدائرة، وفي العمل، وفي المؤسسة أين الله؟ فحاسب نفسه على الساعات، وحاسب نفسه على المعاملات، وحاسب نفسه على الإجراءات، وهل سائل نفسه عن الناس الذين أوقفهم، وعذبهم على معاملاتهم، وقطع أوقاتهم، وأتعب أحوالهم، أتوا من القرى والبوادي فترك معاملاتهم وإجراءاتهم، وأوراقهم، عذبهم؛ لأنه نسي الذي على العرش استوى. وهل سأل الموظف نفسه، يوم يأخذ مالاً حراماً، ومرتباً حراماً، ويكدس معاملات الأمة، فيخون الله، ويخون ولاة الأمور، ويعذب الناس والشعب، هل تذكر أن الرحمن على العرش استوى سوف يسأله عن هذه المعاملات، وعن هذه المسئوليات، وعن هذه المرتبات، وعن هذه الأوقات؟ يخرج من على كرسيه فيهيم في السكك والشوارع، أو يأخذ انتداباً فيزيد في الأيام، ويأكل الحرام، ويأتي وما أدى عمله؛ فيطعم زوجته حراماً، وأطفاله حراماً، ويبني بيته من الحرام، ويشتري سيارته من الحرام، هل تذكر أن الرحمن على العرش استوى؟ ويأتي الأستاذ إلا من رحم ربك فيدخل على طلابه، لا يحمل رسالةً، ولا يحمل إيماناً، ولا يحمل مادةً علمية؛ فيزجي الحصص، ويضيع السنة، ويفسد في المادة، ويضيع القلوب، ويخرج وهو لم يقدم لأبناء المسلمين إيماناً ولا علماً ولا نفعاً ولا فائدة، فلماذا لا يتذكر أن الرحمن على العرش استوى. وقد يوجد من القضاة من يرى الباطل يدندن في محكمته، والزور يُعمل في قضائه، والرشوة تتناول، والظلم والحيف، والاعتداء على الضعفاء والمساكين منتشر، فهل تذكر أن الرحمن على العرش استوى. ويأتي البائع فينسى الرحمن الذي يعلم السر وأخفى فيغش في بيعه، ويدجل في أخذه وعطائه، مرابٍ، مدلسٍ، مزور، ظن أنه فات عن الله، فوالله ما ذهب عن قبضة الله. ومقصود رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام أن تعلم الأمة بباريها تبارك وتعالى، وأن تقود القلوب إلى فاطرها، وأن تقيم العدل والحق والسلام في العالم. وإذا تذكر الناس مولاهم، وتذكروا أنه يراهم، وأنه يعلم سرهم ونجواهم؛ صلح الحال، لكن غابت مراقبة الله وخشيته؛ فأكل الحرام والربا، ووجد الزنا، وانتشر الغناء، وغش في البيع والشراء، وخان الموظف -إلا من رحم ربك- في وظيفته، ودجل في عمله، ونقّص الأستاذ من مهمته، وتفلت الطالب على حصته ودراسته، وذهبت العيون إلى المحرمات، وكثر الفساد، وضاع العباد، وقحطت البلاد. سددنا ما بيننا وبين السماء بالمعاصي، ثم قلنا: يا رب! يا رب! يا رب! اسقنا، فما كان لدعائنا رداً، وما كان لدعائنا نجاحاً وفلاحاً؛ لأن معاصينا تغدو وتروح، ولأن ذنوبنا تفوح، فنشكو حالنا إلى الله، إلى الرحمن الذي على العرش استوى. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلَّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين. وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسانك إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وما ترضاه. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، ووفقنا للحق، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، ولا فاتنين ولا مفتونين، ولا مضيعين ولا مفرطين يا رب العالمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك. اللهم انصر المجاهدين الأفغان؛ اللهم ثبتهم، وانصرهم، وارفع كلمة الحق بهم. اللهم انصر المجاهدين في فلسطين؛ اللهم انصرهم على اليهود، أعدائك وأعداء المرسلين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم رد شباب المسلمين إليك رداً جميلاً، كفِّر عنهم سيئاتهم، وأصلح بالهم، وتقبل منهم أحسن ما عملوا، وتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

شهيد القسطنطينية

شهيد القسطنطينية إن الأمة الإسلامية يجب عليها أن تتبع سيرة نبيها محمد عليه الصلاة والسلام والصحابة الأخيار؛ لأنهم خير قدوة وخير مثال لهذه الأمة في دينها وقيمها وأخلاقها، ولذا فإن في هذه المادة سيرة صحابي جليل، ألا وهو أبو أيوب الأنصاري شهيد القسطنطينية، وقد اشتملت سيرته على بعض المواقف الدالة على محبته للنبي صلى الله عليه وسلم وبيان علو همته في الجهاد في سبيل الله مع كبر سنه رضي الله عنه.

هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واستقبال الأنصار له

هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واستقبال الأنصار له الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها المصلون: أيها الساجدون! أيها المؤمنون! عنوان هذه الخطبة (شهيد القسطنطينية) من هو هذا الشهيد؟ إنه رجل مؤمن ولد في الجزيرة، قتل في الثمانين وقد اشتعل رأسه شيباً، قتل في سبيل الله تحت أسوار القسطنطينية والمسلم ليس له أرض واحدة، البلاد كلها بلاده لأنها بلاد الله، كما يقول الأول: أنا الحجاز أنا نجد أنا يمن أن الجنوب بها دمعي وأشجاني بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني وفي ثرى مكة تاريخ ملحمة على ثراها بنينا العالم الفاني في طيبة المصطفى روحي وا ولهي في روضة المصطفى عمري ورضواني النيل مائي ومن عمَّان تذكرتي وفي الجزائر آمالي وتطوان فأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني فمن هو هذا الرجل الشهيد؟ إنه الذي استقبل الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة من الإرهاب فر من السيوف التي تقطر حقداً ودماً، باع أهل مكة أملاكه وحاصروه وآذوه وشتموه ووضعوا الشوك في طريقه وسلى الجزور على ظهره، وضاقت به الدنيا بما رحبت، فخرج يحمل مبادئه معه أبو بكر الصديق.

خروج الأنصار مع الظهيرة ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم

خروج الأنصار مع الظهيرة ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم استمر عليه الصلاة والسلام سائراً إلى المدينة، إلى الأنصار إلى أحباب الله إلى كتيبة الإسلام، أخذ عليه الصلاة والسلام عشرة أيام في السفر يقتلع أقدامه من حرارة الصحراء، وقد امتلأ جوعاً، وتعباً، وظمأ، وسهاداً، ومشقة، لكن كلها في سبيل الله، كان الأنصار يخرجون مع الظهيرة جميعاً عن بكرة أبيهم ليستقبلوا أعظم فاتح عرفه التاريخ، وأعظم رجل مشى على الأرض، أما الرجال فيخرجون السيوف والرماح ليحيون الرسول المنتظر، وأما النساء فكن يصعدن على أسطحة المنازل علهن أن يظفرن بنظرة ولو واحدة إلى وجه العظيم، وأما الأطفال فكانوا ينتشرون كالدرر والجواهر على الأرصفة ينشدون ويرددون: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع وفي ظهيرة من الأيام الخالدة التي لا تنسى أبداً وإذا بالصائح على أسطحة المدينة قدم الرسول عليه الصلاة والسلام، فخر الأنصار بسيوفهم كأنهم خرجوا من المقابر، بعثوا من جديد وسال الحب في دمائهم من جديد، وعادت لهم الحياة من جديد، يقول أحد الناس في الرسول عليه الصلاة والسلام: سافرت نفسه الكريمة فيضاً فالليالي محسودة بالليالي وعلى يثرب أهازيج نصر طلع البدر نظمة الأطفال واستفاقت على صباح جديد ملء آذانها أذان بلال وصل عليه الصلاة والسلام على ناقته يقول أنس: [[والله الذي لا إله إلا هو ما كنت أظن أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت الأنصار يبكون من الفرح لما قدم الرسول عليه الصلاة والسلام]]. طفح السرور علي حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني

النبي صلى الله عليه وسلم يحيي قبائل الأنصار

النبي صلى الله عليه وسلم يحيي قبائل الأنصار ووقف الرسول عليه الصلاة والسلام يحيي القبائل قبيلة قبيلة، يأخذون زمام ناقته ليكون ضيفهم فيقول: {دعوها فإنها مأمورة فإذا هبطت الناقة في مكان فأنا معها، فيمر ببني بياضة فيخرجون بالسيوف والموت يقطر من عيونهم نصرة لله ولرسوله، فيقولون: أنت ضيفنا قال: دعوها فإنها مأمورة، ويشير لهم ويتبسم لهم، ويشكرهم، ويمر ببني عمرو بن عوف وقد اصطفوا على جنبات الطرق يحيونه قالوا: أنت ضيفنا قال: دعوها فإنها مأمورة، وتخترق الصفوف وتمر إلى أن تأتي بني النجار فيخرج أطفال بني النجار يقولون: نحن بني النجار يا مرحباً بالجار أو كما قالوا في نشيدهم، فيتبسم صلى الله عليه وسلم، ويُرفع له الأطفال على ناقته فيقبلهم ويتركهم صلى الله عليه وسلم -لكنه أسر قلوبهم فلا تعود لهم أبداً- ثم أناخت الناقة في مكان مسجده الآن، ولما أناخت انتظر قليلاً ولم ينزل من على ظهرها، فقامت ثم مضت قليلاً ثم رجعت إلى مكانها فناخت وبركت ونزل عليه الصلاة والسلام}.

شهيد القسطنطينية مع النبي صلى الله عليه وسلم

شهيد القسطنطينية مع النبي صلى الله عليه وسلم ولما نزل سارع هذا الشيخ الذي قتل في أرض الروم إلى متاع الرسول عليه الصلاة والسلام وإلى ملابسه وما عنده من شيء على الناقة فأخذه، فقال بنو النجار: عندنا يا رسول الله أنت ضيفنا قال: لا. الرجل مع رحله فذهب وراء الشيخ الذي هو أبو أيوب الأنصاري ووصل معه إلى البيت فقال: يا رسول الله! عندي هذا البيت سفلى وعليه، اسكن في الأعلى وأنا هنا في الأسفل قال صلى الله عليه وسلم: أريد أن أكون قريباً من الناس وقريباً من المسجد فأريد هذا، يريد الأرضي فأسكنه وصعد أبو أيوب الأنصاري وزوجته الطاهرة النقية الشريفة إلى الدور الأعلى، وأتى وقت النوم فأخذ يتقلب أبو أيوب الأنصاري كأنه يتقلب على الرمضاء لا ينام قالت له زوجته: مالك يا أبا أيوب لا تنام؟ قال: والله ما أتاني النوم كيف أنام في العلو والرسول عليه الصلاة والسلام تحتنا، وفي الصباح حاول أبو أيوب أن يقنع الرسول عليه الصلاة والسلام فأبى، كان الطعام يقدم لـ أبي أيوب فيرفع يده وترفع زوجته يدها ويقولان: والله لا نأكل حتى يأكل الرسول عليه الصلاة والسلام فينزل بالصحفة ويقدم الثريد، ويشوي اللحم، ويضيف النبي صلى الله عليه وسلم أحسن ضيافة عرفها التاريخ. وفي ليلة من الليالي يقوم أبو أيوب ليصلي فيقع في جرة الماء فتنكسر فينصب الماء في الأرض وينسكب في الأرض، فيأخذ شملته وينشف بها الأرض لئلا يتصبب الماء على المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم يقول: يا رسول الله! أسألك بالله أن تصعد في العلو وأنا في السفلى فصعد عليه الصلاة والسلام، قدم له من الإكرام ما لم يقدمه عربي لعربي، ولا مسلم لإمام عظيم ولا مضيف لضيف، إذا أراد صلى الله عليه وسلم أن يخرج قدم أبو أيوب حذاءه وألبسه في رجليه، يقف ليستقبله ويقف ليودعه، حول نفسه إلى طباخ في البيت يقدم جهده وعرقه وكل ما يملك ليفي بالضيافة، وحفظها له عليه الصلاة والسلام ولم يضيعها أبداً فكان يدعو له، ويتفقده، وكان يرى أنه الشيخ المبارك الذي أصبح فيه كل شيء أبيض، دينه ولحيته ورأسه ومبادؤه.

يجوع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه فيأتون إلى أبي أيوب الأنصاري

يجوع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه فيأتون إلى أبي أيوب الأنصاري وتستمر الأيام وفي بعض الروايات أنه المقصود بالقصة الآتية: يجوع عليه الصلاة والسلام لما انتقل إلى بيته ويحاصره الجوع فلا يجد في بيته عليه الصلاة والسلام لقمة ولا تمرة ولا قطعة تُؤكل، فيخرج عليه الصلاة والسلام إلى الطريق وإذا بـ أبي بكر وعمر واقفان أمامه عليه الصلاة والسلام قال: ماذا أخرجكما الآن؟ قالا: والله يا رسول الله ما أخرجنا إلا الجوع قال: وأنا أخرجني الجوع -الذي حرر الجزيرة العربية وما جاورها وفتح الدنيا يجوع فلا يجد تمرة، ولا لقمة، ولا خبزة في بيته، الذي سلم مفاتيح الدنيا لأتباعه لا يجد كسرة في بيته!! قال: هيا بنا، وذهبوا جميعاً ودخلوا على أبي أيوب في مزرعته وكان غائباً وامرأته حاضرة، قال عليه الصلاة والسلام وهو يعرفها: أين أبو أيوب؟ قالت: ذهب يستعذب لنا الماء، فأتى أبو أيوب وإذا الرسول عليه الصلاة والسلام وصاحباه على البساط. هل هناك ضيوف في الدنيا أعظم من الثلاثة؟ هل سمعتم أن ثلاثة اجتمعوا منذ أن خلق الله السماوات والأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أشرف من الثلاثة؟ لا. ماذا فعل أبو أيوب؟ ألقى الماء والقربة وأخذ يبكي من الفرح وقال: مرحباً والله ما أحد أسعد مني ضيوفاً هذا اليوم، ثم ذهب يأخذ عذقاً من النخل ويذبح شاة ويشوي ويطبخ ويقدم فهو مضياف الإسلام، حظه في الضيافة أن يشبع خير بطن خلقها الله، وأن يروي خير كبد خلقها الله؛ كبد وبطن محمد عليه الصلاة والسلام.

خروج أبي أيوب لقتال الروم

خروج أبي أيوب لقتال الروم ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يموت كما يموت البشر، ومبادئ أبي أيوب لم تمت أبداً، بقي شاباً وهو في الثمانين، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن أصحابه سوف يركبون البحر غزاة في سبيل الله {دخل صلى الله عليه وسلم عند عجوز هي أم حرام بنت ملحان فنام عندها في الظهيرة ثم استفاق صلى الله عليه وسلم وهو يضحك قالت: ما لك يا رسول الله! أضحك الله سنك؟ قال: أناس من أمتي عرضوا علي يركبون البحر غزاة في سبيل الله كالملوك على الأَسِّرَةِ قالت: ادع الله أن يجعلني منهم قال: أنتِ منهم} وتستمر الأيام وينادي المسلمون كتائب الإسلام أن تجاهد في سبيل الله لتفتح القسطنطينية لتغزو بلاد الروم ولتوسع دائرة الإسلام، ولما سمع أبو أيوب الجهاد والإعلان لبس سيفه، ورمحه، وركب بغلته. قال أبناؤه: أنت شيخ كبير في الثمانين. حملت الثمانين الطوال مجاهداً كأنك في العشرين تقرا وتكتب قال: لا. قالوا: عذرك الله أنت شيخ كبير، ومريض، ولا تستطيع القتال قال: لا والله. إن الله يقول: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:41] وأنا ثقيل والله لأنفرن، وذهب إلى الجهاد وانظر إلى هذا العمر المبارك، أين كثير من أهل الثمانين الآن الذين حولوا آخر المطاف إلى شهادة الزور أو الاستيلاء على أراضي الفقراء؟ ويقبح بالفتى فعل التصابي وأقبح منه شيخ قد تفتى إذا مالم يفدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها ما بال أشيب يستهويه شيطان شيوخ كبار وما تابوا، والله عز وجل يوم القيامة لا ينظر إلى ثلاثة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم منهم {أشيمط زان} شيخ كبير ويزني، وتفاجأ بشيخ كبير ويسرق، وشيخ كبير ويحلف أيمان الغموس، وشيخ كبير يقطع الأرحام، وشيخ كبير يؤذي الجيران، وشيخ كبير يمشي بالنميمة بين الناس.

استشهاد أبي أيوب ودفنه تحت أسوار القسطنطينية

استشهاد أبي أيوب ودفنه تحت أسوار القسطنطينية أما أبو أيوب فجعل الثمانين طاعة لله وركب مع الجيش وصعد على السفينة، وعبرت به البحر وهو ينشد نشيد الخلود: لا إله إلا الله محمد رسول لله، وتبدأ المعركة فيغتسل ويلبس أكفانه ويتطيب ويتحنط ويقول للمسلمين: أسألكم بالله إذا قتلت اليوم فالتمسوا آخر أرض من أراضي المسلمين تجاه الروم فادفنوني تحت أسوار القسطنطينية علَّ الله أن يبعثني يوم القيامة مؤمناً بين كافرين، يبعث يوم القيامة وحيداً مؤمناً بين كافرين، إذا قامت القيامة {بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9 - 10] خرج أبو أيوب من قبره ينفض التراب عن رأسه وهو يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة لك والملك لا شريك لك. وبدأت المعركة فقاتل قتالاً مستميتاً وهو في الثمانين حتى قطع رأسه. يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب قتل ودفن هناك، ومن وصل منكم هناك فليسلم عليه، وليبلغه سلام الأمة الإسلامية، وليقف على قبره طويلاً وليشكره على حسن الضيافة والاستقبال، وعلى حسن الحياة، وعلى حسن العطاء والفداء والتضحية، سلام عليك يا أبا أيوب الأنصاري من جزيرة العرب وجزاك الله خير ما جزى ولياً عن أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وأحسن الله إليك أحسن ما أحسن مضيف إلى ضيفه، وجمعنا الله بك في دار الكرامة. ذلكم هو شهيد القسطنطينية وهو من أجدادنا ومن أراد أن يمشي على منواله فما ذاك بعزيز، وإنه ليسير على من يسره الله عليه. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

الإسراف في الأعراس وصوره

الإسراف في الأعراس وصوره الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أيها الناس! إنما وضع المنبر في كل جمعة لنتدارس أخطاءنا، ولنعود إلى حساباتنا، ولنرى مشاكلنا أمام العين، نحلها بكتاب الله عز وجل وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وقد أخطأنا جميعاً خطأً اجتماعياً مرت عليه سنوات، وقليل من ينبه عليه، وقليل من يستنكره، وقليل من يلاحظه، حتى كان سائداً بين الناس، وكأنه من الكتاب والسنة، وقد أضر هذا الخطأ الجم بكثير من الناس ألا وهو الإسراف في الزواج، ومن صور هذا الإسراف الذي لا يرضاه الإسلام الإسراف في صالات الأفراح، وفي الولائم التي يقوم بها الناس في وقت الزواج، وقد علمت من شباب كثير كيف أثقلهم هذا الفعل وكيف جعلهم يستدينون أموال الناس، عندهم قلة ذات يد وحاجة ملحة ولكن يرفض العرف الجاهلي إلا البَطَر والرياء والسمعة والإسراف. تصوروا إلى شاب مقدم على حياة جديدة وبيت جديد، راتبه زهيد ودخله حقير، يريد زوجة يسكن إليها ويربي بيتاً إسلامياً، فأول ما يواجهه من العقبات صالة الأفراح، عشرون ذبيحة إلى ثلاثين، إلى أربعين، إلى خمسين من أين يدفعها؟ يذهب إلى الناس يستجدي من أجل العرف الجاهلي الذي ما أنزل الله به من سلطان، فأين العقلاء وأهل الرأي، وأهل العلم، وأين القضاة والدعاة، وأين العلماء الذين يقفون أمام هذا الخطأ الفادح؟

مضار الإسراف

مضار الإسراف إن هذا يجر أموراً خطيرة في الأمة منها: الإسراف الذي نهى الله عنه، {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:26 - 27] ثلاثون ذبيحة ترمى والفقراء في البادية وفي تهامة لا يجدون كسرة الخبز، ثلاثون ذبيحة ترمى والشعوب الإسلامية بعضها يأكل أوراق الشجر، ثلاثون ذبيحة ترمى للقطط والكلاب وكثير من المساجد لم تعمر من عشر سنوات، أليس هذا هو البطر بعينه قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ} [الأنفال:47]. في العطلة الماضية في أبها وقع أكثر من اثنين وستين زواجاً كلها مغالاة، ومفاخرة، ومرءاة في صالة الأفراح، وعلمت من كثير ممن تزوج أنهم اقترضوا ديناً لتلك الوليمة، فهل يرضى الإسلام بهذا؟ وهل يقره المسلمون؟ إن العالم الكافر الآن أصبح يتعامل بالعقل في أموره الاجتماعية والاقتصادية، ويقننوا مساراته، ويعرف دخله وما يخرج ويعرف أموره النافعة من الضارة، ونحن أمة بالكتاب والسنة، فينا العلماء وأهل الرأي والأخيار والأبرار ونسكت بالإجماع عن هذا الخطأ. ثم إن ذلك يورث -أيضاً- إحجام كثير من الشباب عن الزواج، إذا كانت هذه التكلفات من الشرعة، والوليمة، وإيجار الصالة، وكثرة الذبائح والحلي والمهر، فمن يجمع هذه لهذا الشاب حينها تقع العنوسة ويتوقف الشباب والشابات عن الزواج، وتقع أمور لا تحمد عقباها ولا يرضاها الله.

الحلول المقترحة تجاه الإسراف

الحلول المقترحة تجاه الإسراف إن الحل الأكبر هو فعل محمد عليه الصلاة والسلام، أن نفعل كما فعل -بأبي هو أمي- فهو أغلى الناس وأبرهم وأحلمهم أن نقتصد، ولا تساير الناس في أفكارهم ولا آرائهم بل عليك بما يرضي الله عز وجل، ففي الحديث {من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخط الناس برضى الله رضي الله عنه وأرضى عنه الناس} وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فتزوج تسعاً من النسوة أو أكثر بعضهن لم يجد ذبيحة واحدة، وإنما قدم زبيباً وشيئاً من شعير، وشيئاً من سويق فأكله الصحابة وتمضمضوا وقاموا يصلون، وزواج آخر وجد ذبيحة واحدةً جمع عليها أكثر من ثمانين من الصحابة، وكذلك أصحابه، لماذا ما تعمل هذه الحفلات في البيوت؟ لماذا لا نكتفي بالقرابة وبالزواج العائلي فقط؟ لماذا نأخذ أموال الناس ديناً في ظهورنا؛ لنباهي الناس ونرائيهم ونفاخرهم؟ أما تكفي الذبيحة والذبيحتان فحسب؟ أليس هذا هو العقل؟ أليس هذا هو الدين؟ وأليس هذا هو الترشيد؟ ومن عنده فائض من المال فمشاريع الخير وأبواب الجنة ثمانية يدخل بماله من أيها شاء من أي باب شاء، أما هذه الأموال التي يصرفها للرياء والسمعة فلا يكفي أن ينجو كفافاً لا له ولا عليه، بل يحاسب بها عند الله يوم القيامة {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36]. أيها المسلمون: لابد على أهل العقل من الناس أن يضعوا حداً معيناً، ويبدأ فيهم الرشيد منهم، فإنه من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. أسأل الله أن يحفظنا وإياكم من المتالف ومن الأخطاء والمخالفات الشرعية. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا} اللهم صل على نبيك وحبيبك واعرض عليه صلاتنا، وسلامنا في هذه الساعة المباركة، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين ووحد بين صفوفهم وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم أصلح ولاة الأمور، اللهم وفقهم إلى الحق وإلى العمل بكتابك وبسنتك نبيك يارب العالمين، اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك ولرفع رايتك. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أهل الشبهات وأهل الشهوات

أهل الشبهات وأهل الشهوات القلب هو المضغة التي إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، وأمراض القلوب ترجع إلى قسمين رئيسيين هما: مرض الشبهة، ومرض الشهوة. هذا الدرس علاج لهذين المرضين، وقد تخلل هذا ذكر عدة نماذج ممن أصيبوا بمثل هذه الأمراض، ومنهم عبد الله بن أبي ابن سلول، والجد بن قيس. كما قارن الشيخ بين هؤلاء المصابين بهذين المرضين، وبين نماذج من الأصحاء الذين امتلأت قلوبهم بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وذكر من هذه النماذج الصادقة: عبد الله بن جحش، وعمر بن الخطاب، وسعيد بن المسيب، وغيرهم.

أمراض القلوب

أمراض القلوب الحمد الله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض، ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيد بجبريل، المعلم الجليل، صلى الله وسلم عليه كلما تضوع مسك وفاح، وكلما غرد حمام وصاح، وكلما شدا بلبل وناح، وعلى الطيبين الطاهرين من المؤمنين، والصالحين الصائمين المصلين. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. يا أيها الصحب في الزلفى سررت بكم وحبكم في سبيل الله يكفينا آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا إن السلام وإن أهداه مرسله وزاده رونقاً منه وتحسينا لم يبلغ العُشر من قول يبلغه أذن الأحبة أفواه المحبينا نسلم عليكم ثانية وثالثة ورابعة، حتى نلقى الله، ونسأل الله كما جمعنا بكم في هذا المكان، في روضة من رياض الجنة، أن يجمعنا مع المقبولين في الجنة، يوم يتقبل الله منا أحسن ما عملنا، ويتجاوز عن سيئاتنا، في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. عنوان هذه المحاضرة أهل الشبهات وأهل الشهوات. والقلوب تمرض كما تمرض الأجسام، وتصيبها الحمى كما تصيب الأجسام، ويأتيها السقام كما يأتي الأجسام. ومرض القلب على قسمين:

مرض الشبهة

مرض الشبهة القسم الأول: مرض الشبهة: وهو إما كفر أو نفاق، أو شك وريبة، نسأل الله العافية من ذلك كله.

مرض الشهوة

مرض الشهوة القسم الثاني: مرض الشهوة: وهو حب المعصية والفاحشة. وقد ذكر الله المرضين في القرآن، فقال عن مرض الشبهة: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10]. وقال في مرض الشهوة: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] فهو مرض حب الفاحشة، وذاك مرض الشبهة والنفاق، والريبة والشك والكفر.

مرض الشبهة

مرض الشبهة وقال الله في أهل الكفر بعد أن ذكر أخبارهم كالمنافقين وأمثالهم وأضرابهم وهو يذكر حال المنافقين وأهل الريبة والشك وهم أهل الشبهات قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:8 - 10]. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: مبنى النفاق على الكذب. فذكر الله الكذب لأنهم يكذبون، فكلما ذكر الله النفاق ذكر الكذب، وكلما ذكر الكذب ذكر النفاق، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} [البقرة:8 - 11] فكلامهم فساد، وفعلهم فساد، ونظرهم فساد، وحركتهم فساد: {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ} [البقرة:11 - 13]. قل لهم -مثلاً-: صلوا كما صلى المصلون، وصوموا كما صام الصائمون، وأقبلوا كما أقبل الشباب الملتزمون: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة:13] أنفعل كما فعل المتطرفون والمتزمتون؟! {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:13 - 16].

نماذج ممن أصابهم مرض الشبهة

نماذج ممن أصابهم مرض الشبهة عاش صلى الله عليه وسلم مع هذه الفئة التي أصابها المرض في القلوب، ومنهم عبد الله بن أبي بن سلول، سمع لا إله إلا الله، وطرقت سمعه لا إله إلا الله، ورفرفت على رأسه لا إله إلا الله، لكن ما دخلت قلبه لا إله إلا الله، من الذي يهدي إلا الله. ومن الذي يسدد إلا الله. ومن الذي يوفق إلا الله؟ {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:23 - 24] {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. فيا من هدى قلوب الصالحين! نسألك هداية قلوبنا وأن تردها إليك، وألا تورثها شكاً ولا شبهةً ولا نفاقاً يا أرحم الراحمين. عبد الله بن أبي يجلس مع الرسول عليه الصلاة والسلام في مجلسه، ويصلي معه، ويذهب معه في الغزوات، لكن على قلبه ظلمات النفاق: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] ولذلك ألا ترى أن بعض الناس يصلي ويصوم مسلماً مقلداً إسلاماً ساذجاً تقليدياً؟! لكنه يطعن في العلماء، ويستهزئ بالرسول عليه الصلاة والسلام، ولا تعجبه الصحوة الإسلامية، ويبغض السنن والصالحين، ألا ترى أنه منافق بينه صلى الله عليه وسلم؟! عبد الله بن أبي صدرت منه كلمات تثبت أن الرجل فيه دسيسة وشبهة ومرض، والله أعلم بمرضه، يقول -وقد تقاتل رجل مهاجري وأنصاري-: صدق الأول إذ يقول: سَمِّن كلبك يأكلك. وهو يقصد إكرام الأنصار للمهاجرين، ويقول: أكرمناهم فأكلونا، ولو جوعناهم وطردناهم لتبعونا، ساءت كلمة! وساء معتقداً! وساء خبثاً ونفاقاً! سمع الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الكلمة فحاكمه إلى الله، قال له الصحابة: يا رسول الله نقتله، قال: {لا. لا تتحدث العرب أن محمداً يقتل أصحابه} وأتى ابن هذا المنافق، ابنٌ امتلأ قلبه بـ (لا إله إلا الله) وأصبح عبداً لله. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا سمع أن أباه يقسم إذا عاد من الغزوة ليخرجن الأعز منها الأذل، يعني بالأعز هو، وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة، فتصدى له ابنه بالسيف عند مدخل المدينة، وقال: [[والله الذي لا إله إلا هو، لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنك الأذل وهو الأعز]] {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:27]. انظر إلى بعض الآباء، رأيناهم واستقرأنا أحوالهم في بعض المجتمعات، فتجده يكره أن يرى ابنه مصلياً، أو ملتحياً أو مستناً بسنة محمد صلى الله عليه وسلم، أو ذاكراً، أب فاسد وابن صالح، يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي. تجد أباً ناسكاً عابداً باكياً خاشعاً داعياً، وابنه فاجر من الفسدة الكبار فسبحان الله! نوح نبي عليه السلام وابنه ضال، وإبراهيم رسول نبي وأبوه ضال فاجر عميل، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم يدعو إلى لا إله إلا الله، فيسمعها أبو طالب فلا تدخل قلبه، ويسمعها أبو لهب فيتصدى لها ولا يرتاح لها! فيتدهده على وجهه في النار. ويأتي بلال من أرض الحبشة -من إثيوبيا - ليقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، فيدخل الإسلام، ويقول فيه عمر: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]] ويقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين (صحيح البخاري وصحيح مسلم): {دخلت الجنة البارحة، فسمعت دف نعليك يا بلال في الجنة، فماذا كنت تفعل؟ قال: يا رسول الله! والله لست بكثير صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكن ما توضأت وضوءاً في ساعة من ليل أو نهار، إلا صليت بعده ركعتين} ما أحسن الركوع! وما أحسن الوضوء! وهذه أسباب دخول الجنة، ففرق بين هذا وبين ذاك الملحد والوثني الذي رانت الشبهة على قلبه. أحد الزنادقة أتي به إلى عالم من علماء المسلمين، فقال العالم: تب إلى الله، قال: لا أستطيع أن أتوب، قال: ادع الله لعل الله أن يرزقك توبة، قال: قلبي ظلمات بعضها فوق بعض. إذا علم هذا -أيها المسلمون- فإن قضية الشبهة مرض خطير، وقد تجدد في عصرنا هذا في مركب الإلحاد والحداثة، وتجدد في صور أذكر بعضها إن شاء الله، لكن لنأخذ نماذج ممن عاش الشك والريبة. العاص بن وائل -ابنه عمرو بن العاص - أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو ملحد، فأخذ عظماً ففته ونفخه، وقال: يا محمد! أتزعم أن ربك يحيي هذا العظم بعد أن يميته ويفنيه؟ قال: نعم، ويدخلك النار، فقال الله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79] فسبحان من يحي العظام وهي رميم! وسبحان من يحيي الأرض بعد أن تموت! وسبحان من يحيي القلوب بعد أن تقسو وتصيبها الشبهات! يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في القلوب: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] ثم قال: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد:17] فيا من أحيا الأرض بعد موتها بالأمطار! ويا من بث فيها الورود والأزهار! ويا من أخرجها للنظار! نسألك أن تحيي قلوبنا بالإيمان يا واحد يا غفار! الجد بن قيس منافق، وحديث قصته صحيح: {ضاع جمله في البيعة عند الشجرة، فقالوا: تعال وبايع رسول الله صلى الله وعليه وسلم، قال: والله لئن ألقى جملي الأحمر خير لي من بيعتي لمحمد، فقال عليه الصلاة والسلام: كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر}. وهذا عبد الله بن أبي قال له: تب وعد إلى الله، وراجع حسابك مع الله، وتعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ يلوي رأسه ولا يتكلم، خوفاً أن ينقل الله كلامه للرسول عليه الصلاة والسلام، فنقل الله صورة حركة رأسه، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون:5 - 6] فلا إله إلا الله! كم هدم النفاق من حصن للإسلام! ولا إله إلا الله كم دمر من أعلام! ولا إله إلا الله كم أدخل قلوباً، وملأها بالظلام! نشكو حالنا وقلوبنا إلى الواحد الأحد؛ فإنه الذي يخلصها تبارك وتعالى. هذه مسألة هؤلاء أهل الشبهة.

علاج مرض الشبهة

علاج مرض الشبهة ما هو علاج الشبهة؟ قيل لشيخ الإسلام ابن تيمية: بم تنال الإمامة في الدين؟ قال: بالصبر واليقين، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] فعلاج الشبهة اليقين وهو العلم، وعلاج الشهوة الصبر عن محارم الله عز وجل.

نماذج من المؤمنين الصادقين

نماذج من المؤمنين الصادقين فتعال وقارن بين أهل الشبهة، الذين في قلوبهم شك من اليوم الآخر والرسول عليه الصلاة والسلام ومن البعث والنشور وعذاب القبر وبين المؤمنين الصادقين. في السير بسند جيد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قام يخطب في الناس، يوم معركة أحد فقال للصحابة: ماذا تريدون؟ أنقاتل الأعداء في المدينة، أم نخرج للقائهم؟ فقال الكبار: نقاتلهم داخل المدينة يا رسول الله. فقام شاب وهو نعيم بن مالك بن ثعلبة وقال: {يا رسول الله! لا تحرمني دخول الجنة، فوالله الذي لا إله إلا هو لأدخلن الجنة، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: بم؟ قال: بخصلتين اثنتين، أولها: أني أحب الله ورسوله، والثانية: أني لا أفر يوم الزحف}. يقول سعد بن أبي وقاص -والحديث في مسند سعيد بن المسيب من روايته وذكر ذلك الإمام أحمد وأبو يعلى - قال: [[لما حضرنا معركة أحد وقف بجانبي عبد الله بن جحش]] أحد الشباب الذين باعوا أنفسهم من الواحد الأحد. ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا فيا من باع نفسه بامرأة حسناء أو بسيارة فاخرة، أو بفلة بهية، أو بوظيفة أو بمنصب! والله لقد خسرت الدنيا والآخرة. ويا من باع نفسه بمجلة خليعة، أو بأغنية ماجنة، أو بكأس أو بحبوب مخدرة، أو بمجلس آثم! والله لقد خسرت الدنيا والآخرة. يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان يا ساعياً لخراب الدهر مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران أما القصور فزيناها، وأما المجالس فوسعناها، وأما السيارات فتفاخرنا بها، وبالأموال والمناصب، ولكن نشكو أحوالنا وقلوبنا وأعمالنا إلى الله! والله لا منجى ولا ملتجأ من الله إلا إليه. فيأتي عبد الله بن جحش أحد الشباب، أتى بثيابه وسيفه لا يملك من الدنيا شيئاً، باع كل شيء لوجه الله، فوقف فقال: [[يا رب! اللهم إنك تعلم أني أحبك، اللهم إني أسألك هذا اليوم أن تلاقي بيني وبين عدوي فيك، فيقتلني فيك، فيبقر بطني، ويجدع أنفي، ويفقأ عيني، ويقطع أذنيّ، فإذا لقيتك يا رب قلت: يا عبد الله لم فعل بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب]] قال سعد: [[فوالله الذي لا إله إلا هو! ما انتهت المعركة إلا وقد رأيته مقتولاً مبقور البطن، مجدوع الأنف، مفقوء العينين، مقطوع الأذنين، قلت: فأسأل الله أن يلبي له ما سأل]]. وفي صحيح البخاري وهو أصل الحديث وأورده ابن كثير في تفسيره وغيره، وزيادته حسنة، أن عبد الله بن عمرو الأنصاري، والد جابر بن عبد الله، رأى في المنام قبل معركة أحد بليلة، أنه قتل في المعركة، فقام في الليل وصلى ركعتين، وأيقظ جابراً ابنه وقال له: [[يا بني! إني رأيت أني ممن يقتل غداً، فأوصيك بأخواتك خيراً]] ثم خرج إلى المعركة. يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود فيا من بخل على نفسه بصلاة الجماعة! أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام قدموا أنفسهم رخيصة في سبيل الله. ويا من حرم نفسه صدقة في سبيل الله! أصحاب الرسول عليهم الصلاة والسلام قدموا قلوبهم وأنفسهم في سبيل الله. من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا فلما قتل عبد الله بن عمرو في المعركة، قال جابر -والرواية في البخاري -: {فأتيت أبكي، والناس ينهوني، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني}. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا جابر! أتدري ما فعل الله بأبيك؟ قال: لا والله يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده لقد كلمه كفاحاً بلا ترجمان، فقال: تمن يا عبدي، قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا، فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمن، قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال: فإني أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً، فجعل الله روحه وأرواح إخوانه في حواصل طير} وهذا الحديث حسن بزيادة: {طير ترد الجنة فتشرب من مائها، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، حتى يرث الله الأرض ومن عليها}. وأنزل الله مصداق ذلك: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:169 - 170] فهؤلاء أهل البطولات، وهؤلاء أهل الصدق مع الله تعالى.

عمير بن الحمام

عمير بن الحمام عمير بن الحمام يأكل تمرات من الجوع قبل معركة بدر، فيقول عليه الصلاة والسلام: {لا يقاتل أحد في هذا اليوم، فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، إلا دخل الجنة} فسمع عمير بن الحمام ذلك فقال: بخ بخ، ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء. وألقى التمرات من يده، وأخذ السيف وقاتل القوم. فهؤلاء هم أهل الصدق مع الله.

آثار الشبهات في حياة المسلمين

آثار الشبهات في حياة المسلمين لكن انظر ماذا فعلت بنا الشبهات؟! كيف نأتي متخلفين عن الصلوات؟! يؤذن في آذاننا صلاة الفجر فيثبطنا الشيطان في الفراش، وداعي الله يتحرك في قلوبنا؛ لكن جذوة الإيمان منطفئة، وحرارة الإيمان ضعيفة، وحبل الإيمان يتقطع كل حين. في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صلى الفجر في جماعة، فهو في ذمة الله} وأورده أحمد بلفظ آخر: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله، لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من طلبه من ذمته بشيء أدركه ومن أدركه كبه على وجهه في النار}. قال بعض أهل العلم: مما علم بالاستقراء أن من صلى الفجر في جماعة، وحافظ على ذلك، حفظه الله من الكبائر. لماذا يدخل شبابنا السجون في المخدرات؟ لماذا يرتكب الزنا؟ لماذا يؤكل الربا؟ لماذا يؤتى بالأمور الشاذة والأمور الكبيرة؟ لأنه ترك صلاة الفجر في جماعة! ولأنه ترك الوضوء بالماء البارد، فلما تركوا المساجد، أتى بهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى ليؤدبهم بالسجون: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36].

سماحة الإسلام ويسر تعلمه والعمل به

سماحة الإسلام ويسر تعلمه والعمل به والإيمان -أيها المسلمون- سهل يسير لا يحتاج إلى كثرة تفكير، بل الإسلام بسيط قريب سهل: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2] فالإسلام سهل كما يقدمه صلى الله عليه وسلم، وليس هو كما يقدمه من في ذهنه شبهات عن صعوبة وتعقيد هذا الدين، وهم يلقون هذه الكلمات في الساحة. في الصحيحين، عن أنس بن مالك قال: {كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم علينا رجل فعقل ناقته في طرف المسجد، ثم أتى يتخطى الصفوف، والرسول عليه الصلاة والسلام متكئ بين الصحابة، فأخذ الرجل يقول: أين ابن عبد المطلب؟ -أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهو ابن عبد الله، لكن يسميه بجده لشهرته بين العرب- قال الصحابة: هو ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق، فتقدم حتى وقف أمامه، والرسول صلى الله عليه وسلم متكئ على يسراه، قال: يا بن عبد المطلب. قال: قد أجبتك، قال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، قال: سل ما بدا لك -ظن عليه الصلاة والسلام أن السؤال سهل في فرعية أو في جزئية، لكنه يسأل عن النجاة، ويسأل عن الأصول، ويسأل عن الدين- فرفع صوته وقال: يا رسول الله! من رفع السماء؟ قال: الله، قال: من بسط الأرض؟ قال: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ فتربع عليه الصلاة والسلام وقال: اللهم نعم -هذا أعظم سؤال في تاريخ الإنسان، وأعظم أطروحة في تاريخ البشرية- قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بزكاة تؤخذ من أغنيائنا وترد على فقرائنا؟ قال: اللهم نعم -فأخذ يسأله حتى انتهى من أركان الإسلام- قال الأعرابي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، ثم يتولى ويفك عقال ناقته ويركب الناقة، فينظر عليه الصلاة والسلام ويقول: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا} ما أسهل طريق الجنة! وما أقرب الجنة! وما أسهل السلوك إلى الجنة! لكن أين الذي يريد الجنة؟ إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار في جامع الترمذي ومسند أحمد عن معاذ قال: {كنت مع الرسول عليه الصلاة والسلام في غزوة -وعند أحمد في غزوة تبوك - قال: فاقتربت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله! دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، فقال: يا معاذ! لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، يا معاذ! ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر: الإسلام، وعموده: الصلاة، وذروة سنامه: الجهاد في سبيل الله، يا معاذ! الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا عليه الصلاة والسلام: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] يا معاذ ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: كف عليك هذا؛ وأخذ بلسان نفسه، فقلت: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم} والحديث صحيح، ولا إله إلا الله ما أسهله وما أيسره! هذا الطريق، فأين السالك؟ ووضحت الجادة فأين المسافر؟ وفتح الباب فأين الداخل؟ فيا من عطاؤه ممنوح! ويا من بابه مفتوح! ويا من خيره يغدو ويروح! نسألك أن تدخلنا مع عبادك الصالحين.

انتشار مرض الشبهات

انتشار مرض الشبهات هذا مرض الشبهات وهو ينتشر في الكلمات، لماذا يستهزأ بالدين في بعض الأوساط الإسلامية؟ لمرض الشبهة، يستهزأ بالمستقيمين ويسمون متطرفين ومتزمتين، مطاوعة رجعيين ومتخلفين، لأن هذه الكلمات صدرت عن شبهة. أبو العلاء المعري هذا الشاعر ظريف في شعره وقوي في شعره، لكنه مظلم القلب وما زكاه الله، وإلا فشعره في الذروة، وهو الذي يقول، ويستحسنها ابن القيم وابن تيمية: يا ساري البرق أيقظ راقد السمر لعل في القوم أعواناً على السهر يود أن ظلام الليل دام له وزيد فيه سواد السمع والبصر لكن ليته كف وليته سكت على جودة الشعر، لكن حارب الله بشعره، واستهزأ بالشريعة، يقول: يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار تناقض ما لنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار يا للخيبة والخسارة! أوردت نفسك النار! وتأتي الآن لتستعيذ من النار!! فأين مذهبك عن النار؟ يقول: لم دية الكف خمسمائة دينار ذهب وإذا سرقت ربع دينار قُطعت؟ فرد عليه أحد علماء السنة عبد الوهاب بن المالكي رحمه الله فقال: قل للمعري عار أيما عار جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري لا تقدحن بنود الشرع عن شبه شرائع الدين لا تقدح بأشعار فأخذه أعني الله نكال الآخرة والأولى، وله قصة عند ابن كثير في البداية والنهاية. وعندنا في الأوساط، رجل يستهزئ بالحجاب، ويقول: هذه خيمة تركب على النساء، ورجل آخر يقول: هؤلاء الشباب المقصرو ثيابهم، والمطيلو لحاهم لا يفقهون ولا يعلمون شيئاً: {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13] والله! إن ذاك هو السفيه والمتخلف ومريض القلب: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10] ورجل آخر يقول: الدين لا يواكب العصر، والقرآن قد ذهب وقته، والسنة مشكوك فيها، ورواة الصحابة يروون المرويات ليتشفوا بها من غيظهم: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]. ومرض الشبهة أكثر ما يصيب من عنده علم، وليس العلم إذا أطلق، فإنه لا يكفي العلم بلا إيمان، فهذا أتاتورك أتى بعلم لكنه طاغوت عبد علمه من دون الله، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وإنما نعني بالعلم: قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم، علم القرآن والسنة، وقد ورد في مختصر الفتاوى لـ ابن تيمية أنه قال: "من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدى غير هدى الله الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". وهذه قد يحملها ويعتقدها بعض الناس، حتى من المثقفين، ومن خريجي الجامعات، والمؤسسات العلمية وحملة الشهادات، ولذلك قد أصبنا ببعض الفسقة من طلبة العلم، طالب علم ربما حمل الماجستير والدكتوراه، ولكنه فاسق أعمى، قلبه ظلمات بعضها فوق بعض، لا يعرف الصلاة في المسجد، ولا يفتح المصحف، ولايعرف بر الوالدين، والذكر، ولا يدعو إلى الله، ولا يعين عباد الله على ما يرضي الله، فهذا مثل عابد بني إسرائيل، ولذلك يقول سفيان بن عيينة: كما ذكر ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: "من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى". قال الله في فاسق وفاجر بني إسرائيل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176]. ونحن لا نحتاج إلى كثرة المتعلمين، كحاجتنا إلى كثرة المؤمنين المتعلمين: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:56] فعلم بلا إيمان لعنة، وكتاب بلا إيمان كلام مصفف، وقلب بلا إيمان قطعة لحم، وعين بلا إيمان مقلة عمياء، وكف بلا إيمان إشارة خاطئة، وبيت بلا إيمان ثكنة متهدمة، ومجتمع بلا إيمان قطيع من الضأن الضائع، فالمسألة مسألة لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأقول: إنه يكثر مرض الشبهة في المثقفين، ولكن الثقافة التي لا تصل إلى القلوب، ثقافة الماجريات، وثفاقة التخلف؛ خير منها الجهل وهي جهل بحد ذاتها.

مرض الشهوات

مرض الشهوات وأما الشهوات، فإن الله عز وجل ذكر في آياته أهل الشهوات وقال: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35].

عاقبة مرضى الشهوات

عاقبة مرضى الشهوات ولذلك تجد أهل الشهوات ماذا يفعلون؟ والله! إن أحدهم يريد أن يجلس مع أفسق فاسق ولا يجلس مع عالم من علماء المسلمين أو رجل صالح أو داعية، أحدهم يجلس ويثبطه منصبه وكرسيه وسيارته وطفله وزوجته، عن بيت من بيوت الله وفريضة من فرائض الله، وجزاؤهم من جنس العمل، يموتون على سوء الخاتمة، لأن الله عز وجل جعل على نفسه أن يثبت من تثبت وأن يضل من ضل: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] يقول ابن القيم: من أحسن ما قالت العامة: "من شب على شيء شاب عليه" وهذا مثل معروف: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

نماذج من مرضى الشهوات

نماذج من مرضى الشهوات يقول ابن القيم في كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: أحد الناس أغرم بجارية، ذهبت إلى حمام منجاب فكان يتغنى في حياته: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ فأتته سكرات الموت وأتاه الوعد الحق، وأتاه يوم لقاء الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:19 - 21] قيل لهذا الرجل المفتون قل: لا إله إلا الله، قال: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ قالوا: قل لا إله إلا الله، قال: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ فمات عليها لأنه عاش عليها. وفي كتاب المحتضرين لـ ابن أبي الدنيا بسنده قال: كان أحد التجار في الحياة الدنيا شغله المزاودة، وبعض التجار يدخل في تجارته بالصلاة ويدخل بها في الحج والعمرة والصيام، فدكانه وتجارته وخبزه وفواكهه ورزه معه في الصلاة، وفي التحيات والسجود والركوع، قيل في سكرات الموت لهذا التاجر: قل لا إله إلا الله، قال: خمسة في ستة كم تصير؟ تصير إلى سوء الخاتمة والعياذ بالله!!

نماذج من حسن الخاتمة للطاهرة قلوبهم

نماذج من حسن الخاتمة للطاهرة قلوبهم حدثنا بعض الدعاة من الجزائر ذلك البلد والشعب المسلم، قال: والله لقد أشرفت بنفسي على حادثة، شاب جزائري عرف الطريق وهداه الله: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:213] مصحفه في جيبه، لا يغادر عينه إلا في أوقات لا يستطيع أن يقرأ فيها، والصلوات الخمس لا يؤذن إلا وهو في المسجد؛ لأن بعض الناس حتى من شباب الصحوة، والمقبلين على الله، تجدهم مع حرصهم قد تفوتهم ركعات أو يصلون في الصف الأخير فأين نحن من السلف الصالح. ترجموا للأعمش سليمان بن مهران راوية الصحيحين، فقالوا: بكى أبناؤه عليه وهو في سكرات الموت، فقال: ابكوا أو لا تبكوا، والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الإمام ستين سنة، فهذه مؤهلات الجنة، وهذه مفاتيح الجنة. وسعيد بن المسيب صح عنه أنه قال وهو في سكرات الموت: الحمد الله، والله! ما أذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، قبل أن يؤذن المؤذن هو على مأدبة الله في روضة من رياض الجنة. وعامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير كان إذا صلى الفجر رفع يديه وقال: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، قال له أبناؤه: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فأعطاه الله ما تمنى، وصدقه الله كما صدق مع الله، صلى المغرب وفي السجدة الأخيرة قبض الله روحه؛ لأنه صدق مع الله. فهذا الشاب الجزائري عرف طريقه إلى الله، هجر جلساء السوء، وترك المجلات الخليعة، وقاطع الأغنيات الماجنة، حفظ عمره مع الله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] فأتته سكرات الموت بحادث بين العاصمة الجزائر ووهران، فانقلبت به السيارة، وفقد وعيه أربعة أيام، قال هذا الرجل الذي يروي القصة وهو من الصالحين: والله! لقد أغمي عليه أربعة أيام، ما جفت لسانه من قراءة الفاتحة، كلما أنهاها بدأ من أولها، لماذا؟ لأنه عاش على الفاتحة وسوف يموت على الفاتحة، ويدخل قبره على الفاتحة، ويحشر على الفاتحة، ويدخل الجنة إن شاء الله على الفاتحة. وعندنا في بعض المناطق شاب وقع في حادث وهو في سكرات الموت، تحت سيارته مسجله يرفع صوته بالأغنية والمغنية تقول: هل رأى الحب سكارى مثلنا؟ وهو يردد وهو في سكرات الموت: هل رأى الحب سكارى مثلنا؟ ما رأى أفشل منك، ولا من صاحبك في الحياة، فمتى نسير إلى الله؟ ومتى نتجه إلى الله؟ ومتى نحاسب أنفسنا مع الله تبارك وتعالى؟

مظاهر مرض الشهوات

مظاهر مرض الشهوات مرض الشهوات هو الذي نشكوه كثيراً، فإن علائم التوحيد ظاهرة، والعلم منتشر، وعلم الكتاب والسنة مبذول، والدعاة متواجدون، والعلماء متوفرون، فهذا يخفف من مرض الشبهة إن شاء الله، لكن أصبنا بالشهوات. امرأة سافرة تركت دينها ونسيت ربها، وعصت زوجها، وتطيبت وخرجت من بيتها؛ فأخذت لعنة الله، ففتنت نفسها وفتنت غيرها، والرسول عليه الصلاة والسلام صح عنه أنه قال: {ما تركت على أمتي فتنة أشد من النساء} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ومجلة خليعة يروج لها، تحمل صورة فتاة فيراها الشاب، فيذهب لبه وعقله وحياته وذكره وتوبته مع الله، وأغنية ماجنة أشرطة متوفرة ومغنون لا يخجلون، وهل سمعتم أن مغنياً خجل واستحى أن يظهر على المسرح؟ المغني الآن يستطيع أن يقف أمام الجماهير ليغني، وما سمعنا بمغنٍ خجل، لكني أعرف رجلاً في قرية من قرانا، تخرج من كلية الشريعة، أتوا به ليصلي بهم صلاة المغرب، قال: لا، أنا لو صليت في صلاة المغرب تورطت في صلاة العشاء، مقيم مع أهل القرية لا يجيدون قراءة الفاتحة، ولا يعرفون الوضوء، ولا التيمم، ولا غسل الميت، ولا تكفين الميت، ولا الصلاة على الميت، ومع ذلك يخجل، أما دعاة الباطل أما المغنون أما الفسقة أما المطربون أما الراقصون فما سمعنا بأن أحداً منهم خجل أو استحى، كيف يستحي داعية الإسلام؟! كيف يخجل طلبة العلم؟! وأهل الفساد والفسق لا يخجلون! سبحان الله! انقلبت الموازين، فلذلك سرى الغناء، ودمر من القلوب ما لا يعلمه إلا الله، وكما يقول الشيخان ابن تيمية وابن القيم: "الغناء بريد الزنا" فلا يسمعه القلب إلا ويتوله ويضيع في كل الشعاب، ويتفلت على صاحبه. وصاحب الغناء يصاب بأربع عقوبات:- العقوبة الأولى: قسوة القلب، فلا يعي ولا يفهم. العقوبة الثانية: وحشة بينه وبين الخالق سُبحَانَهُ وَتَعَالى. العقوبة الثالثة: ينسيه الله ذكره. العقوبة الرابعة: يحرمه الله الغناء الذي في الجنة. وفي مسند الإمام أحمد بسند جيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة جوار، يغنين وينشدن، يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا}. قال ابن القيم يعلق ويدبج بمقطوعة مليحة ظريفة، يقول: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان يا من أراد الغناء والنعيم في الجنة! حرم على نفسك هذا الغناء الماجن، غناء الفاحشة، غناء الدعارة والمعصية والفجور، والعياذ بالله!

الصالحون وحياة الزهد والعبادة

الصالحون وحياة الزهد والعبادة ولكن هناك نماذج للذين انتصروا على الشهوات، وهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

حياة عمر بن الخطاب

حياة عمر بن الخطاب يقف عمر بن الخطاب على المنبر يوم الجمعة، وكلكم يسمع ويعرف عمر بن الخطاب، فيقف وهو خليفة المسلمين، تحت يديه ذهب، وفضة الدنيا، وأموال الدنيا، فيقرقر بطنه من الجوع فقال لبطنه: [[قرقر أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]] وذلك في عام الرمادة، يقول: لماذا تشبع وأطفال المسلمين ما شبعوا؟ ثوبه مرقع، ومع ذلك يهتز كسرى وقيصر من عظمته وذكره. يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه قال البخاري في الصحيح في كتاب الرقاق: باب الرقاق، وقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد:36] وقال علي بن أبي طالب، أبو الحسن، أمير المؤمنين الذي ما ملك من الدنيا لا قليلاً ولا كثيراً، عنده ثوب وسيف يقطع به رءوس أعداء الله، ومصحفه في صدره، وعنده طريق إلى الجنة، وعنده ثوب يواري به جسمه، وكسرة خبز، يقول في صحيح البخاري: [[ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل]]. قال معاوية لـ ضرار بن الحارث الصدائي كيف رأيت علي بن أبي طالب؟ -بعد ما مات- قال: [[والله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته في ظلام الليل، وهو يبكي بكاء الفطيم، ويتململ تململ السليم، ويمسك لحيته بيديه، ويقول: يا دنيا يا دنية طلقتك ثلاثاً، غري غيري زادك حقير وعمرك قصير، وسفرك طويل، آه من وحشة الزاد وبعد السفر، ولقاء الموت]]. ونسبت إليه مقطوعة يقول فيها، هي مقطوعة لمن يريد الجنة: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الموت نبنيها فا عمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها

ربيعة بن كعب والهمة العالية

ربيعة بن كعب والهمة العالية في صحيح مسلم والحديث بقصته عند الإمام أحمد في المسند لكن رواية مسلم مختصرة، عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: {قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل تعط فقلت: أريد مرافقتك في الجنة، قال: أوَ غير ذلك؟ قال: هو ذاك يا رسول الله، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود}. وعن ثوبان في مسلم: {فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة} كلما سجدت قربت من الله، وكلما ذكرت الله قربك إليه، وفي الصحيحين: {وما تقرب إلي عبدي بأحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل، حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها} إذا علم هذا؛ فإن هذه هي النماذج التي تركت الدنيا لوجه الله.

ابن أدهم ولذة العبادة

ابن أدهم ولذة العبادة إبراهيم بن أدهم أحد الصالحين ينام على الرصيف، يأكل الخبز اليابس، ولا يجد مشروباً إلا الماء، فيقول له أحد الناس: أترضى بهذا العيش؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو! إنا لفي عيش لو علم به الملوك لجالدونا عليه بالسيوف.

ابن تيمية والزهد في السلطة

ابن تيمية والزهد في السلطة مسكين من عاش لغير الله، فقير من لا يعرف السجود لله، فقير من لم يغنه الله عز وجل بتقواه. ابن تيمية شيخ الإسلام -رحم الله تلك العظام- دخل على أحد السلاطين، ابن قطلوبغا فقال له ابن قطلوبغا: يا بن تيمية يزعم الناس أنك تريد ملكنا، فتبسم ابن تيمية، وقال: سبحان الله، ملكك؟! قال: نعم، يزعم الناس أنك تريد ملكنا، قال: والله الذي لا إله إلا هو ما ملكك وملك أبيك وجدك يساوي عندي فلساً واحداً. ابن تيمية يريد جنة عرضها السماوات والأرض، يريد النظر إلى وجه الأحد الواحد، ويريد النعيم المقيم، أما دنيا البطون والسيارات، ودنيا المظاهر الكاذبة، والشهرة الآثمة، فلا يريدها: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16].

ندم أهل الغرور

ندم أهل الغرور

المعتصم يؤخذ على حين غرة

المعتصم يؤخذ على حين غرة ولما حضرت الوفاة المعتصم الخليفة العسكري العباسي وهو في الأربعين، قال: أموت اليوم؟! قالوا: تموت اليوم، لأنه تعجب كيف يموت وهو شاب؟ في ذهنه أنه لا يموت إلا الشيوخ الكبار! قالوا: تموت، قال: سبحان الله! والله لو علمت أني أموت في شبابي لتركت ما فعلت من المعاصي، لأنه ظن أن في العمر مهلة.

الرشيد وضراعته عند الموت

الرشيد وضراعته عند الموت وذكر أن هارون الرشيد لما حضرته الوفاة قال: اعرضوا عليَّ الجيش، فرأى الجيش فقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه. فلا ملك إلا من ملكه الله التقوى، وأعطاه الله عز وجل اليقين، وأرشده الله بالعلم النافع، إلى جنة عرضها السماوات والأرض. فهذه بعض نماذج الصالحين الذين عاشوا لله وانتصروا على الشهوات، غضوا أبصارهم وحفظوا فروجهم وأسماعهم وأياديهم، فقلوبهم طاهرة، وألسنتهم بالذكر عامرة، ووجوههم بأنوار التقوى باهرة، فلا إله إلا الله! كم سافرت قلوبهم إلى الله، ولا إله إلا الله كم غرس في قلوبهم من شجرة: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:25] وأعظم ما يمنى به أهل الشهوات يصابون بداء المعاصي في حياتهم، فيعاقبون بعقاب أليم في الحياة، قبل أن يأتي يوم الله الموعود. لذلك ذكر الله بني إسرائيل ومعاصيهم، فقال: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] قال أهل العلم: من عقوبة الذنوب نسيان العلم، فقال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] ومن عقوبة المعاصي أنها تنسي المحفوظ، قال الإمام الشافعي: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي ورأيت في بعض كتب السير، أن أحد الناس نظر إلى منظر لا يحل له، فقال له أحد العلماء: سبحان الله! تنظر إلى منظر لا يحل لك! لتجدن عقوبتها ولو بعد حين، قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة، فهذه عقوبة المعاصي.

الدواء من أمراض القلوب

الدواء من أمراض القلوب فما المخرج من مرض الشبهة ومرض الشهوة؟

عودة إلى علاج مرض الشبهة

عودة إلى علاج مرض الشبهة أما مرض الشبهة فالتفكر في آيات الله الكونية والشرعية: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] فاليقين بالتدبر والتأمل. تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك وأنا أكرر بعض المقالات التي ذكرها ابن كثير في التفسير في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] فذكر عند هذه الآية أن أبا حنيفة سأله الزنادقة عن دليل القدرة وخلق السماوات والأرض قال: سفينة تعبر دجلة من الشاطئ إلى الشاطئ ليس لها ركاب ولا حارس ولا قائد، قالوا: هذا ليس بصحيح، قال: سبحان الله! سماوات ذات أبراج، وأرض ذات فجاج وليل داج! ألا تدل على السميع البصير؟! وقال ابن كثير: وقال هارون الرشيد لـ مالك بن أنس: ما دليل القدرة؟ قال: سبحان الله! اختلاف النغمات وتعدد الأصوات، وتباين اللهجات. والشافعي سئل عن دليل قدرة الباري تبارك وتعالى؟ قال: هذه الورقة -الصنوبر- تأكلها الدودة فتخرج إبريسماً حريراً، وتأكلها الغزالة فتخرج مسكاً، وتأكلها النحلة فتخرج عسلاً، ألا تدل على السميع البصير؟! والإمام أحمد يذكر عنه أنه قال: دليل القدرة بيضة الدجاجة، أما سطحها ففضة بيضاء، وأما باطنها فذهب إبريز، تفقس فيخرج منه حيوان سميع بصير، ألا يدل على السميع البصير؟! وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فياعجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد

علاج مرض الشهوة

علاج مرض الشهوة أما دواء الشهوة فالصبر والعبادة. وعن محارم الإله فاصبر واستهد بالله وإياه اشكر وبادرن بالتوبة النصوح قبل احتضار وانتزاع الروح لا تحتقر شيئاً من المآثم وإنما الأعمال بالخواتم ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حبا وعكسه الكاره فالله اسأل رحمته فضلاً ولا تتكل والقبر فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءه وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ فأما الشبهة فاليقين والعلم دواؤها وعلاجها، وأما الشهوة فالصبر والعبادة والتوبة دواؤها وعلاجها، نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم، وأن يفقهنا وأن يبصرنا، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، نشكو عليه حالنا، ونعرض عليه قلوبنا، ونسأله من رحمته، ومن عطائه أن يغيثنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا نشكو حالنا إلا إليه. اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وإن كان لي من شكر فإني أشكر الله تبارك وتعالى على أن جمعني بكم وأراني هذه الوجوه، التي سجدت لله، وأبى غيرها أن يسجد، وركعت لله وأبى غيرها أن يركع، فهنيئاً لكم مجلسكم، ثم شكراً لكم على كريم استقبالكم، وجميل إصغائكم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة حفظ الوقت

نصيحة حفظ الوقت Q ناشدتك الله يا شيخ أن تدلني رحمك الله على طريقة أحفظ بها وقتي، فأنا منذ صغري وأنا أحاول، لكن يأتيني ما يشغلني فتضيع أوقاتي، وقد ذهب معظم عمري وأنا بهذه الحال، فكيف أحفظ وقتي فيما يرضي ربي، دلني دلك الله على كل خير. A الأخ السائل مادام أنه شعر بهذا المرض، فهو متجه إلى الصحة بإذن الله، ولكن المصيبة هي في المريض الذي لا يشعر بالمرض. من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام فما دمت قد عرفت أنك فرطت، وأنك أخطأت وأسأت، فأبشر ثم أبشر وعد إلى الله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. والوقت أغلى مايسام فهو أغلى من الذهب والفضة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. وفي صحيح البخاري عن ابن عباس مرفوعاً: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ}. فإذا علم هذا فأوصيك ونفسي أن تجتهد بحفظ الوقت، وأحسن ما ينظم لك أوقاتك، الصلوات الخمس: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] يقول بعض أهل العلم عن الصلاة: حتى في تنظيم الأوقات، تنظم أوقاتهم، فليكن بعد الفجر دائماً حفظ كتاب الله عز وجل أو ما تيسر منه، فإنه وقت طليق، ووقت مبارك بإذن الله، فاحفظ ما تيسر ولو أن تقلل على نفسك، ثلاث آيات أو أربعاً أو خمساً وتستمر على ذلك، وهذا البرنامج يختلف باختلاف الناس، وبحسب أعمالهم وأشخاصهم، لكنه شبه مقرب للجميع. بعد الظهر للمطالعة إن كنت من طلبة العلم، خاصة في الكتب الجامعة، وبعد العصر مطالعة مسددة وتخريج، وتحقيق مسائل، وبعد المغرب زيارة لإخوانك في الله عز وجل، وللدعاة ولأقاربك ممن تستفيد بزيارتهم وتفيد. وبعد العشاء لك ولأهلك من ذكر واستغفار، وأوراد ووتر ثم نوم، أما ما تحفظ به وقتك فأعظم ما تحفظ به الصلوات الخمس، ثم حفظ الله في الذكر والدعاء، ثم حفظ الله بحفظ جوارحك. فتحفظ عينك وسمعك وقلبك ويدك وفرجك، لعل الله أن يحفظك. وتحفظ العلم، وذلك بجمع المختصرات ومجالسة العلماء والمشايخ وطلبة العلم، فيقربون لك ما في هذه المختصرات، ولتحاول حفظها، عل الله أن يعينك عليها، ثم اقرأ الشروح والله معك، ولن يترك من عملك شيئاً، وهذه إجابة مقربة، وإلا فإن هذا السؤال يتكرر كثيراً، ولكن إذا صدقت مع الله صدقك الله، وهنيئاً لك إقبالك على الله، نسأل الله أن يسددنا وإياك لما يحبه ويرضاه.

أسباب المصائب والعقوبات التي تحل بنا

أسباب المصائب والعقوبات التي تحل بنا Q في هذا العام، كما يعلم الجميع مع قلة الأمطار، جاء برد شديد توفي على إثره أناس، وماتت بسببه كثير من المواشي والنخيل وسائر الأشجار، وتفجرت كثير من صنابير المياه ومضخاتها، وحدث كثير من الأمراض، فما رأيك بمن لا يعتبر بذلك، وينسبه إلى الطبيعة دون ربطه بأسبابه، وأنه عقوبة من عقوبات الذنوب والمعاصي المتتابعة؟ A بل هذا أعظم شاهد وأعظم دليل على ما فعلناه من الذنوب والخطايا، فإن ما وقع هو من ذنوبنا: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] فقلة الأمطار، وجفاف الآبار، وموت الأشجار، وذبول الأزهار، كلها مما أغضبنا به الواحد الجبار، فنشكو أحوالنا إلى الله عز وجل، وقد سلف في أثناء الكلمة قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في بني إسرائيل: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] ونوح عليه السلام يقول لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10 - 12]. وفي بعض الآثار التي في أسانيدها نظر أن الرسول عليه الصلاة والسلام، كما يروى عنه أنه قال: {إن العجماوات والبهائم تشكو فسقة وفجرة بني آدم إلى الله، وتقول: يا ربنا منعنا القطر بسببهم} وأورد السيوطي حديثاً وقد أثر عن بعض السلف أنه نسب إلى أحد الأنبياء أن الله يقول: وعزتي وجلالي لولا الشيوخ الركع، والأطفال الرضع، والبهائم الرتع، لخسفت بكم الأرض خسفاً. وصح في حديث: {أن سليمان عليه السلام خرج يستسقي ببني إسرائيل، فوجد نملة وهي في القحط والجدب رفعت رجليها تدعو، فتبسم عليه السلام وقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعاء غيركم}. فمن معاصينا ومخالفاتنا: التخلف عن الصلوات، ومقاطعة الجماعات، وتزايد الربا, وأكل الربا ولبسه، وركوب سيارات الربا، وبناء منازل الربا، وإطلاق النظر في المحرمات، وتبرج المرأة إلا من رحم الله، وكلها من المعاصي، فكيف لا يذهب الجمال؟! وكيف لا تقصى الديار؟! وكيف لا تيبس الأزهار؟! وتنقطع الأنهار؟! وتجف الأمطار؟! هي المعاصي يا عباد الله! فلنعد إلى الله، ولنكثر الاستغفار والتوبة، ولنعتبر إن كنا من المعتبرين، ولنتعظ إن كنا من المتعظين، رزقنا الله وإياكم توبة نصوحاً.

أبو العلاء المعري في الميزان

أبو العلاء المعري في الميزان Q أبو العلاء المعري يروى أنه في آخر حياته تاب ورجع وأناب كما ذكر صاحب كتاب رهين المحبسين عبد الكريم الخطيب، فهل هذا صحيح؟ A أولاً: الذين يكتبون عن توبته، مشكوك في توبتهم، فلا بد أن يصححوا الأسانيد قبل أن نصل إلى أبي العلاء، لأنهم أحالونا على مجاهيل، وهم نصبوا أنفسهم وليسوا بثقات، فإنهم قالوا هذا الكلام، لكن نحن نعود إلى أناس، وإلى أسانيد قوية. سند كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عموداً وأنا أنقل عن الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة أبي العلاء المعري وابن كثير في البداية، وذكروه وحطوا عليه، وهو يستحق الحط، والنكاية لنبين شره، أما الأمور الاحتمالية بعد أن تثبت الأمور اليقينية، فهذه من أوهى الأدلة ومن أضعف الاحتجاجات، ولو أخذ بهذا، لأسلم فرعون، ولأسلم إبليس، وأدخل أبو لهب الجنة بمثل هذه الحجج ولكن هيهات!

كيفية التخلص من ضغط الشهوة

كيفية التخلص من ضغط الشهوة Q لقد كنت قبل سنة تقريباً أمارس عادة محرمة نتيجة الشهوة وبالعزم والإصرار تركتها وعدت لها بعد أشهر، فتركتها قبل أشهر عديدة، فماذا أفعل لكيلا أعود إليها مرة أخرى جزاك الله خيراً؟ A الأمر الأول: لعل السائل يقصد العادة السرية، وهذه محرمة عند كثير من أهل العلم، وهو الصحيح، واستدل مالك من القرآن على تحريمها بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:7] وابن تيمية ينص على أنها محرمة، وهي من الفاحشة والعياذ بالله. فعلى المسلم أن يتوب ويستغفر الله من هذا العمل وأن يراجع حسابه مع الله وله أمور يستطيع أن يظهر بها على نفسه وأن ينتصر على نفسه. منها: الصدق مع الله واللجؤ إلى الله بالدعاء. الأمر الثاني: الصيام إذا لم يستطع الزواج، والحديث في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء}. ومنها: أن يشغل نفسه بقراءة القرآن، والذكر، ومجالسة الصالحين وطلبة العلم والدعاة، وأن يكثر من النوافل، وأن يشتغل بالدعوة والتحصيل.

حث طلبة العلم على الدعوة

حث طلبة العلم على الدعوة Q ما أكثر طلبة العلم وأهل الخير في هذا البلد ولله الحمد والمنة، ولكن ليس لهم نشاط في الدعوة إلى الله وإقامة حلق العلم في المساجد، فنرجو من فضيلتكم حث أهل الخير وطلبة العلم على تعليم الناس والدعوة إلى الله، أثابكم الله. A بلدكم وما جاوره من البلدان فيها علماء، ونحن تلامذة لهم، ونأتي لنستفيد من أمثالهم، وهم مشايخ لنا، ولم يقصروا في الدعوة، لكن ليس كل عالم له أن يتكلم، أو عنده وقت ليتكلم، قد علم كل أناس مشربهم، فالبعض عليه أن يكون واعظاً، والبعض محققاً، والبعض مفتياً، والبعض خطيباً، لتتوزع المهمات على الأمة. فالعلماء منهم من يحقق كتباً ويخرجها للأمة فتكون أنفع وأفيد، ومنهم من يحقق مسائل، ومنهم من يصحح أحاديث، ومنهم من يفتي الأمة، ومنهم من يوجه باستلام منصب وبإدارة، فينفع الله به في ذاك السبيل. فنسأل الله أن يأخذ بيد الجميع، وما مثل علمائكم نوصي بأن يستفاد منهم في مثل هذا المكان.

أدعية تحجز الإنسان عن الشهوات والشبهات

أدعية تحجز الإنسان عن الشهوات والشبهات Q فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ففي الله أحببناك والله شاهد وإنا غداً عما نقول سنسأل وبعد: فالإنسان محفوف بالشهوات، فهل هناك أدعية تكون حاجزاً بين الإنسان والشهوات؟ A حفظ في السنة أدعية كثيرة عنه صلى الله عليه وسلم، لكن تحديد الشهوات، أمر قد يكون غير منضبط، فهي أدعية خاصة لا تحضرني الآن، لكن حفظ كما في صحيح مسلم عن ابن مسعود أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول: {اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى} وهي تشمل الرد على الشبهات والشهوات. حفظ عنه صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم {يا علي! قل: اللهم اهدني وسددني، واذكر بهدايتك هدايتك الطريق، وبتسديدك تسديد السهم} وعند أبي داود بسند حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال لـ الحصين بن عبيد والد عمران: {يا حصين! قل: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي} وصح من حديث أم سلمة أن الرسول عليه الصلاة السلام: {كان إذا خرج من بيته قال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله} وهذه الزيادة صحت في بعض الروايات، وفي رواية: اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل عليّ} زاد السيوطي عن بعض النقلة: {أو أبغي أو يبغى عليّ} فبمثل هذه الأدعية وبأمثالها يحفظك الله ويسددك الله، مع النية أن تكف عن المعاصي وأن تنتصر على الهوى، والله معك.

نصيحة في تربية الأبناء

نصيحة في تربية الأبناء Q لي ابن غير صالح وغير مستقيم وحاولت تعديله فلم أفلح، فما هي إرشاداتكم جزاكم الله خيراً حتى تبرأ ذمتي، وينجو ابني من العقاب؟ A المسألة الأولى: أنصحك أولاً بكثرة الدعاء لابنك، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دعوا لأبنائهم، والصالحون كان دأبهم الدعاء للأبناء، والدعوة الصادقة تنفذ إلى عرش الرحمن، ويجيبها تبارك وتعالى، وعند أبي داود: {ثلاثة لا ترد دعواتهم، منهم: دعوة الوالد لولده} فالله الله في الاجتهاد بالدعاء لولدك! والنصح والصدق مع الله والتقوى والطاعة. المسألة الثانية: اللين، فإن كثيراً من الآباء فيهم فظاظة وغلظة وشدة، تنفر أبناءهم عنهم، والله يقول في محمد عليه الصلاة والسلام: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] وقال تبارك اسمه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فالله الله في اللين! ويرسل الله موسى عليه السلام مع هارون إلى طاغية الدنيا، وليس هو ابنه ويقول: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. المسألة الثالثة: التدرج في دعوته فلا تحاول أن يهتدي في يوم أو يومين أو ثلاثة، بل طول له الحبل ومد له في الوقت، واصبر وصابر لعل الله أن يهديه. المسألة الرابعة: أن تبدأ معه في الأولويات والمهمات، فتبدأ بالصلاة، ثم بما كبر ثم بما بعدها وما يليها، حتى تصل إلى السنن والمستحبات، وإذا صدقت مع الله هدى لك الله ذريتك، لأن الله يقول في زكريا: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] وقال: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74].

أهمية الصلاة

أهمية الصلاة Q ينشغل بعض شبابنا هدانا الله وإياهم ببعض شهواتهم عن الصلاة، وربما بعضهم يتركها بسبب انشغاله باللعب أو النوم، فنأمل التنبيه لأهمية الصلاة وعقوبة تاركها، جزاك الله خير الجزاء. A ما ورد من كلامي في المحاضرة فهو حول قضية الاشتغال بالشهوات عن الفرائض، والطاعات، وما على المسلم إلا أن يتقي الله عز وجل ويجيب داعي الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71] وعليه أن يسمع لنداء الرسول عليه الصلاة والسلام ولوصيته، فعند الترمذي وأحمد بسندين حسنين، قال عليه الصلاة والسلام لـ ابن عباس رضي الله عنهما: {يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} فأوصيك بحفظ الله عز وجل والكف عن الاعتداء على محارمه والتجاوز في حدوده، وأما عقوبة تارك الصلاة، فأنت تعرف ويعرف الإخوة أن تارك الصلاة كافر بأحاديث كثيرة، كقوله صلى الله عليه وسلم: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة} والحديث في الصحيحين. ومفهوم المخالفة أن من لم يؤد الصلاة، فلا عصمة لدمه، وحديث آخر صحيح قوله صلى الله عليه وسلم: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} وحديث ثالث عنه صلى الله عليه وسلم قال: {بين المسلم والكفر ترك الصلاة} فيا خيبة من ترك الصلاة! ويا خسارة من فرط في الصلاة! لقد أعلن كفره وتمرده وزندقته وإلحاده والله المستعان.

طرق الأعداء في إضلال الشباب

طرق الأعداء في إضلال الشباب Q أعداء الله لهم طرق كثيرة في صد الشباب عن الإقبال على الإسلام واتباع أهل الحق، أريد من فضيلتكم كلمة ضافية تنبه فيها الشباب والدعاة إلى الله بهذا الكيد الذي يراد. A في العالم معسكران: المعسكر الشرقي معسكر حلف وارسو، وهؤلاء أهل الشبهات وهم أهل الإلحاد والزندقة، استالين ولينين وماركس وهرتزل، وهم الذين بثوا الإلحاد، وبثوه قبل أربعين سنة على مركب الاقتصاد، وأتوا اليوم يبثونه على مركب الحداثة، ليخرجوا من أبناء الجزيرة رجلاً متخلفاً متحلقاً متلقفاً ملقوفاً، يقول في قصيدته: ما معناه: الجزيرة ما رأت النور منذ أن ألقى عليها الهاشمي رداءه. من هو الهاشمي؟ إنه محمد صلى الله عليه وسلم. ومن هو الهاشمي الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور؟ ومن هو الهاشمي الذي سارت كتائبه مهللة ومكبرة حتى فتحت بلاد الأندلس؟ من هو الهاشمي الذي أقام العدل ورفع لا إله إلا الله محمد رسول الله في الأرض؟ فهذا سرت فيه الشبه والإلحاد من موسكو إلى الجزيرة الخالدة، التي سجد أبناؤها لله، وهذا مرض الشبهات والإلحاد، وعلاجه العلم النافع، قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، والتدبر في الكون، في آيات الله الكونية، وآيات الله الشرعية. وحلف الأطلسي الرأسمالي أمريكا وأوروبا ومن سار مسارها، هم أهل الشهوات، ما استطاعوا بالطائرات ولا الصواريخ حتى قالوا في مؤتمر بلغراد: إنما ينجح فيهم المرأة والكأس. فأتوا بالمرأة الفاتنة، والمجلة الخليعة، والأغنية الماجنة، وأتوا بالحبوب المخدرة، وأتوا بالسفور، وأتوا بالشهوات، فضل كثير من شبابنا، وعلاجهم الصبر والعبادة والتوبة النصوح إلى الواحد الأحد. فالشباب على هذين القسمين، ولكن لله الحمد، نزل الآن كثير من العلماء بـ (قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم) في الساحة، وأقبل كثير من الشباب مستقيمين تائبين منيبين إلى الله الواحد الأحد، فله الحمد والشكر، ونسأله أن يزيد من الخير.

كيفية التخلص من الشرود في الصلاة

كيفية التخلص من الشرود في الصلاة Q إنني أعاني من الشرود والتفكير أثناء تأدية الصلاة، فما هي نصيحتكم لي ولأمثالي أثابك الله؟ A الشرود في الصلاة، كلنا ذاك الرجل، وكلنا الذي يشكو حاله، قد أتت أحاديث عنه صلى الله عليه وسلم، منها حديث في مسلم: {أن عثمان بن أبي العاص الثقفي شكا إليه صلى الله عليه وسلم شيطاناً لبس عليه صلاته} يقول بعض أهل العلم: لبس عليه حتى لا يدري هل قرأ الفاتحة أم لا، قال: {ذلك شيطان يدعى خنزب، فإذا أحسست به فانفث وأنت في صلاتك عن يسارك ثلاث مرات، واستعذ بالله منه} قال بعض أهل العلم: هذا إذا لبس عليه فلا يدري أقرأ الفاتحة أم لم يقرأ، فإذا وصل إلى هذه الدرجة، فله هذا الحكم، أما من شرد وسها، فعليه أن يتقي الله عز وجل وأن يحاول بأمور ليستحضر قلبه، وليكون من الخاشعين في الصلاة. الأمر الأول: أن يعلم أنه لا أكبر من الله، وإذا قال الله أكبر، فالله أكبر من كل شيء، وليتفكر في الصلاة. الأمر الثاني: أن يصلي صلاة مودع. الأمر الثالث: أن يتأمل ويتدبر الآيات التي يقرأ. الأمر الرابع: أن يفرغ نفسه للصلاة. وهناك كلام للفقهاء في كراهية أن يصلي وهو يدافعه الأخبثان، وصلاة الحاقن، والصلاة في شدة البرد، أو في شدة الحر، وإنما قالوا هذا ليصلوا إلى نتيجة وهي الخشوع في الصلاة، رزقني الله وإياكم وكل مسلم الخشوع في الصلاة.

ضرورة الاتعاظ بآيات الله الكونية

ضرورة الاتعاظ بآيات الله الكونية Q قرأنا في الصحف أن القمر سوف يحصل له كسوف ليلة الرابع عشر والخامس عشر، فما توجيهك لمن يتهاون بالصلاة ويلهو ويبيع ويشتري وليس لهذه الآية الكونية أي وزن ولا أهمية عنده؟ A { وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف:105] كثير من الآيات، كخسوف القمر، وكسوف الشمس، وموت الأحبة، ودفن الآباء والأولاد والأجداد، ومفارقة الأصحاب وما نصاب به من مصائب وكوارث وحروب في الدول، وفتن في الشعوب كلها آيات، لكن من يعتبر؟! ومن يتذكر؟ والقبور الماثلة فيها الآباء والأجداد والإخوان والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات. أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر فيا سائلي عن أناس مضوا أما لك فيما مضى معتبر فأين من يعتبر؟! وهذه الآيات يخوف الله بها من يشاء من عباده، كما في الصحيحين من حديث المغيرة وأبي موسى: {إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وإنما هما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما من يشاء من عباده} يخوف تارك الصلاة ليصلي، ويخوف متعاطي الربا ليترك الربا، ويخوف الزاني ليترك الزنا، والمغني والمطبل وسامع الغناء ليتوبوا من الغناء والزنا والربا، فنسأل الله أن يجعلنا من المتعظين المعتبرين أولي الألباب.

الحث على التبرع للمجاهدين الأفغان

الحث على التبرع للمجاهدين الأفغان Q لا يفهم ما يعانيه إخواننا الأفغان من مكايد وضغوط عالمية تريد الإجهاض على قيام دولة التوحيد هناك، لا سيما وأنهم على وشك قطف الثمار، أرجو توجيه كلمات تحث بها الحاضرين على دعم إخوانهم والدعاء لهم، وبيان فضل الإنفاق في هذا السبيل، لا سيما وأنه سيجمع تبرعات من الحضور لهم أثابكم الله، ونرجو ذكر الأبيات التي قلتها فيهم؟ A الحمد لله على ما تم وعلى ما أشرف وما قرب من نصر على أعداء الله، وعلى الوثنيين والملحدين، في أفغانستان، والمجاهدون شكر الله لهم، أعني المجاهدين المسلمين الذين أشرفوا على فتح كابل وقدموا بتوفيق الله نصراً عجيباً للمسلمين، وهذا ما قدموه إلا لما وثقوا بالله عز وجل وتوكلوا على الله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173] قال لهم الناس: تعالوا إلى هيئة الأمم المتحدة، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـ هيئة الأمم المتحدة، قالوا: تعالوا إلى جنيف، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـ جنيف، قالوا: تعالوا إلى مجلس الأمن، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـ مجلس الأمن. يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلي الإنسان خابوا ما لهم إلا الرماد جثث البرايا منهم في كل رابية وواد فأتى المجاهدون وخرجوا من بيوتهم متوضئين ساجدين مصلين، وأخذوا بأيديهم الكلاشنكوف لغة النار، فأخرجوا المستعمر، وذبحوه على الطريقة الإسلامية، ولي فيهم قصيدة منها: مروا بقلبي فقد أصغى له البان لي في حمى الحب أصحاب وجيران نعم لك الله ما قد تبت من وله أما لكم صاحبي صبر وسلوان أنا يراعاتك اللاتي كتبت بها رسالة الحب ما في ذاك نكران دع ذا وهات قوافٍ منك صادقة لأمة مجدها بالأمس فينان والله لو أنصف التاريخ أمتنا لسجل المدح عذباً وهو سهران مجالس العلم تروي كل قصتنا إن قلت حدثنا يحيى وسفيان الصانعو الزهد والدنيا بحوزتهم يروي علاها أبو ذر وسلمان والساكبو العلم من مشكاة دوحتهم علم ابن عباس ياقوت ومرجان وإن طلبت مثالاً من أرومتنا يكفيك عن مضرب الأمثال أفغان يا أمة النصر والأرواح أثمان في شدة الرعب ما هانوا وما لانوا هم الرعود ولكن لا خفوت لهم خسف ونسف وتدمير وبركان كم ملحد ماجن ظن الحقوق له زفوا له الموت مراً وهو مجان وبلشفي أتى كالعير منتخياً رأى المنايا فأضحى وهو جعلان ردوه كالقرد لو بيعت سلامته بشعبه لشراها وهو جذلان فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ يسعى فيعثر في سروال خيبته في أذنه من رصاص الحق خرسان سياف في حكمة شاه بمملكة لها من الدهر طول الحق برهان وأنا أتضامن مع فضيلة الشيخ في دعوته للتبرع، فكأنك بدراهمك تقتل شيوعياً أو تجزر ملحداً، والله يتقبل منا ومنكم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الدقائق الغالية

الدقائق الغالية قال تعالى: (وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) [فاطر:37] ما المقصود بالنذير؟ أهو محمد؟! أم الشيب؟ أم الموت؟! لكي تعرف الإجابة تصفح هذه المادة، وأيضاً ستجد لطائف من سيرة السلف الصالح.

وجاءكم النذير

وجاءكم النذير الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. عنوان هذا الدرس: الدقائق الغالية. الدقائق الغالية هي حياة المسلم، فكل دقيقة تمر من حياة المسلم وعمره فسوف تحسب عليه عند الله عز وجل، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37].

من هو النذير

من هو النذير قال أهل العلم في النذير، هو: الموت. وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: القرآن. وقيل: الإسلام. وقيل: الشيب. وذكر عن بعض السلف أنه قال: "من بلغه الله ثماني عشرة سنة فقد أعذر إليه وأنذر"، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من بلغه الله ستين سنة فقد أعذر الله إليه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فإذا تفكر المسلم أنه قد جاءته من الله نذارة وإعذار وجب عليه أن يستغل هذه الدقائق في مرضاة الله الواحد الأحد: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني أما معنى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر:37] فالمعنى: أولم نمهلكم؟ ألم نمد لكم في الأجل؟! أما تركناكم تعيشون حتى جاءتكم النذارة؟! أما تركنا لكم مهلة بإمكانكم أن تتذكروا فيها القدوم علينا فهل تذكرتم؟ وهذا بإيجاز. ولذلك قال بعض أهل العلم: الشيب هو النذير، فمن شابت لحيته ورأسه فقد أتاه من الله النذير. قال سفيان بن سعيد الثوري: " من شابت لحيته أو رأسه فليعد للقبر عدته وليشتر كفناً ". ولقد بكى العلماء والصالحون الشيب، وعلموا أنه داعي القبر، وأنه بريد الموت، وأنه سائق إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. قال الإمام أحمد: " والله ما مثلت الشباب -يعني: أول العمر- إلا بشيء كان في يدي ثم سقط من يدي " وقال أبو العتاهية: بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغن البكاء ولا النحيب ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب يقول: يا ليت الشباب -أول العمر- يعود إليَّ فأخبره ماذا فعل بي المشيب؟ غيَّر لوني، وغير بهجتي، وحطم قوتي، وأذاب سخونة شِعْري، ودنف ظهري، وأسهرني، وأبكاني. ولذلك نام شباب مع شيخ كبير في بيت، وكان هذا الشيخ قد بلغ الثمانين من عمره، ومن المعروف أن الشباب ينامون من أول ما يضع أحدهم رأسه، وهكذا غالب الشباب، أما هذا الشيخ فما نام طول الليل؛ دائماً في أنين في شهيق وزفير حتى صلاة الفجر، فقال له الشباب لما صلوا الفجر: لم تتركنا ننام البارحة، فقال قصيدة يقول فيها: قالوا أنينك طول الليل يزعجنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا قالوا: أنينك طول الليل يزعجنا؛ سهرنا سئمنا لم يتركنا ننام فما الذي تشتكي؟ أظلمك ظالم؟ هل اعتدى عليك معتد؟ هل سلب حقك سالب؟: قالوا أنينك طول الليل يزعجنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا أشتكي إليكم سن الثمانين.

احفظ الله في الشباب يحفظك الله في المشيب

احفظ الله في الشباب يحفظك الله في المشيب قال ابن قتيبة: مر شيخ كبير من بني غفار عليه لحية بيضاء على صدره -والعرب كان فاجرهم ومؤمنهم، قويهم وضعيفهم لا يعتدون على لحاهم، مر هذا الشيخ وإذا شباب يلعبون في الطريق، فقال أحد الأطفال: يا عم! من الذي باعك هذا القوس؟ -يعني: هذه اللحية كالقوس على صدرك ممن اشتريتها؟ - فدمعت عينا الشيخ، وقال: يا بني! هذه اللحية أعطانيها الدهر بلا ثمن، وسوف يعطيك شيباً مثلها. أي: اصبر وسوف تجد مثلها، ولذلك قال الصالحون: "من حفظ الله في الشباب حفظه في الهرم". وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}.

أبو الطيب الطبري حفظ الله؛ فحفظه الله

أبو الطيب الطبري حفظ الله؛ فحفظه الله وفي حديث عند الترمذي بسند حسن: {اغتنم خمساً قبل خمس: -ثم ذكر منها صلى الله عليه وسلم- شبابك قبل هرمك}. قال ابن كثير وهو يترجم للمحب الطبري؛ -وهو إمام شافعي كبير، من أجل الأئمة الشافعية، كان مزاحاً دعوباً، وكان متقياً لله عز وجل- يقول: ركب معه شباب في سفينة، فلما اقترب من الشاطئ قفز من السفينة إلى الشاطئ، وحاول الشباب أن يقفزوا فما استطاعوا، فقالوا: كيف استطعت أن تقفز وأنت في الثمانين، ونحن شباب لم نستطع؟ قال: هذه أعضاءٌ حفظناها في الصغر فحفظها الله لنا في الكبر. ومعنى الكلام: هذه أعضاءٌ حفظناها من المعاصي فحفظها الله علينا لما كبرنا، فما أصابها وهن، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: {احفظ الله يحفظك}. أبو الطيب الطبري أعطى حذاءه للخراز وأخذ حذاء، فأخذها الخراز وكان مشغولاً -عنده أحذية- فأخذ الطابور عنده، فمر به في اليوم الثاني، قال: أعطني حذائي، قال: إن شاء الله غداً، فمر به غداً. فقال: إن شاء الله غداً، فمر به بعد غد. فكلما رآه الخراز وضع حذاءه في الماء ليظهر أنه سوف يصلحها، قال أبو الطيب الطبري: يا عم! أنا أعطيتك الحذاء لتصلحها، لا لتعلمها السباحة. فهذا هو الرجل الذي يقول: هذه أعضاءٌ حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر. وذكر أهل العلم في كتب الحديث وغيرها أبواب الشيب وعدوه من الإنذارات للمؤمن قبل أن يأتيه نذير الموت. ولذلك قال أهل السير: قام عابد من بني إسرائيل عمره ثمانون سنة، فوقف أمام المرآة فرأى شيبة -وكان هذا الرجل قد أطاع الله أربعين سنة، ثم عصاه أربعين سنة، نعوذ بالله من الخذلان! بعض الناس يصيبه الخذلان بعد أن يستمر في طريق الهداية، ولا يثبِّت ولا يهدي إلا الله تبارك وتعالى- قال: فنظر إلى المرآة، فقال: يا رب! أطعتك أربعين سنة وعصيتك أربعين سنة فهل تقبلني إذا عدت إليك؟ فسمع هاتفاً يقول: أطعتنا فقربناك، وعصيتنا فأمهلناك، فإذا عدت إلينا قبلناك. وقد يلحق الإنسان الخذلان في آخر عمره -نعوذ بالله من الخذلان- لأسباب سوف أذكرها.

عبد الملك بن مروان عند الموت

عبد الملك بن مروان عند الموت ذكر الذهبي في ترجمة عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، أنه لما تولى الخلافة، وكان عبد الملك عالماً من العلماء، بل كانوا يعدونه من الفقهاء السبعة في بعض الروايات، فكان فقهياً، عالماً، عابداً، فلما تولى الخلافة سل السيف وسفك دماء الأمة، يقولون: أول ما بويع بالخلافة أخذ كتاب الله عز وجل ثم نشره، ثم قرأ فيه قليلاً ثم طبقه، وقال: هذا آخر العهد بك، قال الذهبي معلقاً: اللهم لا تمكر بنا، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، فأدركه الخذلان -والعياذ بالله- لما مكنه الله في الأرض. ولذلك لما أتته سكرات الموت بكى طويلاً ونزل من على سرير الملك، ونزل إلى الأرض، فمرغ وجهه في التراب، وبكى وقال: يا ليت أمي لم تلدني! يا ليتني ما عرفت الحياة! يا ليتني ما توليت الخلافة! فسمع وهو في سكرات الموت؛ غسالاً يغسل الملابس، لا يحمل هم الأمة، ولا أي هم، ولا خاف من الظلم ولا الإجحاف، فكان يغني؛ لأن أسعد الناس أهل المهن الحرفية، تجد أحدهم كأنه يملك الدنيا بين يديه، فأنت إذا رأيت الخباز وهو على الفرن يترنم كأنه المتنبي: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم فهو يتغنى لأنه ليس على ظهره هموم، مشغلته في يده، فسمع الغسال يترنم، فقال عبد الملك: يا ليتني ما عرفت الحياة! يا ليتني كنت غسالاً! قال سعيد بن المسيب -أحد علماء التابعين- لما سمع هذا الكلام: [[الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا وقت الممات، ولا نفر إليهم]]. وإنما يتذكر قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] لمن عقل وفهم عن الله عز وجل، أما الذي غلبه هواه فهذا لا يسمع الآيات، ولا يستفيد من المواعظ، ولو أسمعته خطب ومواعظ ومحاضرات الدنيا لا يستفيق أبداً. وبالمناسبة للاستطراد وللطرفة، النساء أغضب ما يغضبهن الشيب، فالمرأة تصاحبك حتى ترى الشيب، فكأنها رأت ثعباناً عليك، يقول حسان: رأين الغواني الشيب لاح بعارضي فأعرضن عني بالخدود النواضر فالشيب عدو النساء، ولذلك أخذ بعض الناس السواد وصبغوا به لحاهم، وهذا على الصحيح من أقوال أهل العلم أنه محرم، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {وجنبوه السواد} والسر في ذلك -كما قال بعض الفقهاء-: أنه يوهم وأن فيه تدليساً، حيث يأتي الرجل عمره ثمانون سنة -شيبة عجوز- ما بقي بينه وبين القبر إلا شبرين أو ثلاثة، فيخطب شابة فتية فتتزوجه فيموت بعد شهرين، قالوا: فيه تدليس، ولأن التدليس أمر محرم فلا يجوز التدليس بالشيب، ويجوز بالورس وبالحناء وبالكتم، وهذا على سبيل الاستطراد.

من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم

من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم ينبغي على الناس أن يوقروا الشيخ الكبير فيهم، ولذلك قال بعض الصالحين لما حضرته الوفاة: اللهم ارحم شيبتي! فإني سمعت في الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إن الله يستحي أن يعذب شيخاً في الإسلام}. وذكر الذهبي في ترجمة يحيى بن أكثم؛ وهو أحد العلماء القضاة، وقد تولى القضاء للمأمون، لكن سياسته في القضاء كانت غير محمودة، إنما كان محدثاً صالحاً فيه خير، فلما توفي رؤي في المنام: قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: والذي نفسي بيده! لقد أوقفني بين يديه تبارك وتعالى، ثم قال: وعزتي وجلالي لولا شيبتك لعذبتك بالنار، ثم أدخلني الجنة. وهذا لا يعني أن الشيخ الكبير له أن يفعل ما يشاء؛ لأن الله يستحي من شيبته، بل معناه: أن الله يستحي منه إذا استحى من الله، وإلا ففي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ثلاثة لا ينظر الله إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم -وفي لفظ: ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم- منهم: أشيمطٌ زانٍ} شيخ كبير في السن زانٍ، هذا ليس له عند الله قبول، ولا يكلمه الله يوم العرض الأكبر، ولا ينظر إليه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم، فشيخ أخذ في عمره ما أخذ، ثم أتى إلى الله فختم صحيفته بالزنا، لا قبول له عند الله: {وملك كذاب} ملك ويكذب لأنه لا داعي له، لأن إنما الإنسان إنما يكذب؛ خوفاً أو رغبة أو رهبة، والملك ليس عنده لا رغبة ولا رهبة، والثالث: {عائل مستكبر} رجل يلصق بطنه بالثرى، وينام على الرصيف، وليس عنده درهم ولا دينار ويتكبر على عباد الله. يقول شيخ الإسلام في كلام ما معناه: ملوم الغني إذا تكبر، وغير الملك إذا كذب، والشاب إذا زنى؛ لكن هؤلاء لقلة دواعي هذه الأمور فيهم كان عذابهم أشد وأنكى عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. نظر إبراهيم عليه السلام في المرآة فرأى شيبة بيضاء، وكان أول مرة يرى إبراهيم الشيب، فقال: يا رب! ما هذا البياض؟ قال: هذا وقار يا إبراهيم! قال: "اللهم زدني وقاراً". قالوا عن الإمام أحمد: كان الإمام أحمد لا يقوم لأحد، لا لملك أو وزير أو سلطان ولا لغني أو وجيه، إلا إذا رأى شيخاً كبيراً شابت لحيته، فإن الإمام أحمد يقوم ويقبله ويعانقه ويجلسه بجانبه. وإن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم، وثلاثة يوقرون: السلطان المقسط -أي العادل- وحامل القرآن -أي: طالب العلم العامل بعلمه- والشيخ الكبير، فهؤلاء يوقرون لما أعطاهم الله عزوجل. ومقصودي من هذا أيها الأحبة: أن نصل إلى مسألة، وهي مسألة حفظ العمر مع الله عزوجل، فإن كثيراً من الناس ذهبت لياليهم من بين أيديهم سدى، وما استغلوها في طاعة؛ فبكوا وندموا غير ساعة مندم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن المفرطين: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عنهم: {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:31] قال أهل العلم في هذه الآية: يقولون: يا ويلتنا على ما ضيعنا في حياتنا من الأوقات الثمينة.

نماذج من أحوال السلف في حفظ الوقت

نماذج من أحوال السلف في حفظ الوقت دخل عمر رضي الله عنه وأرضاه المسجد، فوجد رجلاً حزيناً من الصحابة جالساً في المسجد، فقال: مالك؟ قال: فاتتني صلاة الليل البارحة. أي: قيام الليل، أما نحن فالكثير منا تفوته صلاة الفجر ولكن قلبه بارد لا يجد حزناً فيه ولا قلقاً ولا هماً ولا خوفاً، كما قال المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام أي: من يصبح بالهوان بمنزلة يسهل أن تهون عليه الأمور، كالميت إذا أتيت تنحره وتقطعه بالسكين لا يتأثر، ما لجرح بميت إيلام. قال هذا الرجل: نمت عن ورد البارحة من قيام الليل فحزنت، قال عمر: سبحان الله! قم فصل، أما سمعت الله يقول: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62] يعني: جعل الليل خلفة عن النهار، والنهار خلفة عن الليل، فمن فاته ورده في النهار، وقراءة القرآن، والذكر في النهار، فليعوضه في الليل، ومن فاته في الليل فليعوضه بالنهار، فهي منة من الله عزوجل. هذا أحد الصالحين اسمه: الجنيد بن محمد كان يسبح في اليوم ثلاثين ألف تسبيحه، ذكر هذا أهل العلم في ترجمته، فلما حضرته الوفاة أخذ يقرأ القرآن وهو في سكرات الموت، فقال له أبناؤه: تقرأ القرآن وأنت مشغول بالموت! قال: وهل هناك في الدنيا أحوج مني إلى العمل الصالح؟ فقد أصبح في ورطة الآن. فيا أخوتي في الله! إن الدقائق الغالية في حياة المسلم لا تُقدَّر بثمن، والساعة الواحدة يأخذها فلان فيستقل بها إلى رضوان الله الواحد الأحد من قرآن، أو تسبيح، أو مطالعة، أو ذكر، أو دعوة، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، ويأخذها هذا فيصل بها إلى غضب الله ولعنته وسخطه، من ترك صلاة، أو زنا، أو فعل فاحشة، أو جريمة، أو غيبة، أو نميمة، أو معصية تغضب المولى تبارك وتعالى. يقول النووي -والعهدة على النووي - في التبيان في آداب حملة القرآن؛ وهي رسالة طيبة وجيزة، يقول فيها: كان كرز بن وبرة يختم القرآن في الليل أربع مرات، وفي النهار أربع مرات. لكن ليس هذا هو السنة، فلا يفقه القرآن في أقل من ثلاثة أيام، لكن أذكره من باب الجد والمثابرة، وكان أصحاب كرز بن وبرة يقولون له: اجلس معنا نتحدث معك، قال: احبسوا لي الشمس وأتحدث معكم، معنى ذلك: أن الشمس تذهب في أعمارنا وتقرضها، فمن يضمن لي يوماً كهذا اليوم. قال الحسن البصري: [[والذي نفسي بيده! ما أصبح صباح إلا نادى اليوم في صباحه: يا بن آدم! اغتنمني فوالله إني لا أعود لك إلى يوم القيامة]] قال الجاحظ في كتابه الحيوان؛ وأحسن ما أنشد العرب في حفظ الوقت أبيات الصلتان السعدي، يقول فيها: أشاب الصغير وأفنى الكبير كرُّ الغداة ومر العشي إذا ليلة حرمت يومها أتى بعد ذلك يوم فتي نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي هذا من أحسن ما قيل! وأنا أذكر -وهذا يجوز بالإجماع- بعض الأبيات النبطية لأحد الشعراء، يذكرها في العمر وفي الشيب، ابتدأها بحمد الله، يقول: لك الحمد يا من صور الشمس والقمر وسوى السما سبعاً وقوى عقودها وصلى على المختار من صفوة البشر مع أنصار دينه يوم كانوا جنودها أبى أوصيك يا مسلم دليل من افتكر ودرب السعادة عزكم من يرودها؟ إذا ما ذكرت القبر يا عبرة العبر مع الحفرة الظلما دهتنا بدودها لحى الله دنيا تتعب القلب والبصر إذا قلت طابت تخدش العين عودها صحبنا بها الإخوان في الحضر والسفر فلما تصافينا بكتنا عهودها بنينا بها بيتاً من الطين والحجر فدكت مبانيها وهزت سنودها تعبنا بها والله من كثرة الخطر كرهنا مغانيها وعفنا بنودها ويصدِّق هذا الكلام قوله عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: {يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الأرض -أي: أنعم أهل الأرض من الفجرة الذي ما عاش إلا في الحرير والقصور وفي الورود الرائجة، والحدائق الناعمة، وفي الحلي والحلل، والدنيا والزلل وفي كل شيء- فيغمسه الله في النار غمسة، ثم يقول الله: هل رأيت نعيماً قط؟ قال: لا -والله- يا رب! ما مر بي نعيمٌ قط، فذهبت الفلل، والقصور، وذهب النعيم، وبقيت المعصية تلاحقه حتى أدخلته النار- ويؤتى بأتعس أهل الدنيا -هذا الرجل الطائع الذي ينام في الخيمة، ولا يجد إلا كسرة الخبز، ولا يجد إلا جرعة الماء، دائماً جائع، مطرود بالأبواب، كسيف البال، مغير الخلقة، عليه ثياب بالية، عليه وضر الضر والفاقة والفقر- فيغمسه الله غمسة في الجنة، ثم يقول الله له: هل مر بك بؤس قط؟ قال: لا -والله- يا رب! ما مر بي بؤس قط} وهذه هي الحياة. ولذلك سل من تنعم، وهو في الحياة الآن، كم مر في النعيم، هل تتذكر النعيم؟ يقول: لا. الذي تغدى اليوم لا يذكر الغداء لأنه جاع الآن، والذي جاع في الأمس لا يذكر الجوع؛ لأنه شبع اليوم، ولا تبقى إلا طاعة الله الواحد الأحد. ولذلك تواصى بها الصالحون قديماً وحديثاً.

قصة سلميان عليه السلام والفلاح

قصة سلميان عليه السلام والفلاح ذكر ابن القيم في كتاب الفوائد أن سليمان عليه السلام، قال: "تعلمنا مما تعلم الناس ومما لم يتعلموا فما وجدنا كتقوى الله". وقال عون بن عبد الله لزملائه وهو يودعهم: أوصيكم بوصية: عليكم بتقوى الله فإن المتقي لا وحشة عليه. ولذلك فإن القليل من العمل الصالح يعادل جبالاً من جبال ونعيم الدنيا لو كانت في ميزان الحسنات. ونذكر هنا قصة سليمان عليه السلام مع الفلاح: كان سليمان عليه السلام كان عنده مُلْك الدنيا خيولها، ووحوشها، وطيورها فسخرها الله له، عمل مهرجاناً ذات يوم فاستعرض الدنيا، وخيولها، ووحوشها، وطيورها، ثم مرت به الخيل فأشغلته عن صلاة العصر، قال بعض العلماء: فأخذ السيف فقتل الخيل جميعاً، وتصدق بلحومها؛ لأن لحوم الخيل يجوز أكلها. وقالوا: بل مسح مسحاً -مر بيده- على أكتافها وأذنابها وأعتقها أو تصدق بها في سبيل الله، فعوضه الله عزوجل -لما علم حرصه على صلاة العصر- بالريح بدل الخيل، فسخرها له، فكان إذا أراد أن ينتقل من مكان إلى مكان قال للريح: يا ريح! أريد تلك الأرض فانقليني إليها، ومهما بلغت الصناعات أو التقدم العلمي فإنه لا يصل إلى هذا المستوى، فكان يقول للريح: تعالي. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12] أي: أن مسيرها في الصباح تقطع مسافة شهر، وإذا عادت فإنها تعود مسيرة شهر. ومرة من المرات أراد بلاد الهند وكان مقيماً في فلسطين، فقال للريح: أريد الهند، فأتت: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] معنى رخاءً حيث أصاب، أي: أنه إذا أراد أرضاً فلا تنزله بسرعة فتحطمه، بل تقلل من سرعتها (رخاء) رويداً رويداً (حيث أصاب) حيث أراد. وقال أهل العلم في قوله: (حيث أصاب) حيث أراد، فهو إذا أراد هذه البقعة فلا تنزله في البقعة الأخرى، فإذا أراد الطائف فلا تنزله في جدة، وإذا أراد الرياض فلا تنزله في الدمام. (حيث أصاب) أي: حيث أراد بنيته، فهي ريح بكماء صماء، لكن الله سخرها له. فقال: أريد الهند، فنقلته ومعه حاشيته وأمراؤه ووزراؤه، فلما أصبح بين الأرض والسماء، قالوا: لاح له ثوبه، وكان عليه ثوبٌ جميل فالتفت إليه، فأرادت نفسه أن تعجبه، فأوحى الله إليه: يا سليمان! وعزتي وجلالي لو أعجبتك نفسك لأمرت الريح أن تحطمك في الأرض. والأنبياء معصومون لكن هذا إنذار من الله عزوجل. فلما مر حجب الشمس عن فلاح، وهو فلاح في الأرض معه مسحاة يزرع بها، ولا يعلم عن هذا الملك العظيم ولا عن الريح، فهو فلاح في الأرض لكنه موصول القلب بالله عزوجل، ويعرف الله عزوجل. وتقدم الحياة والقلب هو بمعرفتك بالله الواحد الأحد، وانطماس وظلمة القلب هو ألَّا تعرف الله ولو كنت في ناطحات السحاب: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن الكفار الذين ملكوا الدنيا: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن قوة الكافر، وجماله ودنياه: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35] مر سليمان عليه السلام فحجب الشمس عن الفلاح، فنظر الفلاح فرأى سليمان على بساط الريح، وكانت الريح تعمل بنفسها بساطاً، فقال الفلاح: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، فذهبت الكلمة؛ لأن هذه الكلمة -سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر- لا تنزل في الأرض بل تصعد في السماء، والدليل على أنها تصعد هو قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]. الكلمات الطيبة تتجه إلى الله الواحد الأحد، أما الكلمات الخبيثة: اللعن الشتم البذاء الغيبة النميمة الزور، فإلى سجين وهي محسوبة على العبد، أما الكلمات الطيبة، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]. ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {إن لتسبيح العبد المسلم دويٌ كدوي النحل حول العرش} وهذا الحديث في سنده نظر، وورد في حديث آخر يورده أهل العلم في فضل القرآن: {أن القرآن في آخر الزمان يعود من قلوب الناس فيكون له دويٌ كدوي النحل، فيقول الله: عد إلى صدور الناس، قال: يا رب! كيف أعود إلى أناس هجروني بالنهار بالعمل، وهجروني في الليل، وتوسدوني عند رءوسهم، فيقبضه الله من قلوب العباد} وهو من علامات الساعة، وهذا الحديث ولو أن سنده لا يقوم، لكن دلائل وقواعد الإسلام تؤيده فهو من علامات الساعة. قال الفلاح: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، فسمع سليمان الكلمة فقال للفلاح -وقد هبط عند الفلاح-: ماذا قلت؟ قال: مررت بي فرأيت ملكك فأعجبني ملكك، فقلت: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً. فقال سليمان: والذي نفسي بيده! لقولك: سبحان الله خير مما أوتي آل داود. ويؤيد ذلك ما ثبت في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس}. فلذلك رفع الله إدريس عليه السلام مكاناً علياً. وقد كان إدريس عليه السلام خياطاً يخيط بالإبرة ويبيع على الناس وهو نبي مرسل، وزكريا عليه السلام كان نجاراً، وداود عليه السلام كان حداداً، فلما علم الله تواضعهم رفعهم سبحانه، أما إدريس فقال الله عز وجل: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} [مريم:57] يقولون: كان عندما يدخل الإبرة ويخرجها يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ثم يخرج الإبرة، فأوحى الله إليه: يا إدريس! وعزتي وجلالي لأرفعنك مكاناً علياً، قال: يا رب! بماذا وأنا مذنب؟! -أي: معترف بالتقصير- قال: إنه يُرفع عملك مع عمل أهل الدنيا، فيعادل عملك نصف عمل أهل الدنيا بالتسبيح والتهليل. وهذا تسديد من الله أن تجد العبد دائماً يسبح ويهلل. قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: "كان خالد بن معدان يسبح في اليوم مائة ألف تسبيحة". وهذا توفيق من الله عز وجل.

ضرورة استغلال الأوقات في الذكر

ضرورة استغلال الأوقات في الذكر تجد بعض الناس دائماً يتمتم بالتسبيح حتى يقول عنه المنافقون: هؤلاء موسوسون، وفي حديث ضعيف ضعفه الشوكاني وغيره من الأئمة: [[اذكر الله حتى يقول الناس: إنك مجنون]] ولو أن بعض العلماء صححه لكنه لا يصح بل هو ضعيف، ومعنى الحديث: أي: كأن الإنسان موسوس. حتى إن أحد الصالحين وقد كان يسبح كثيراً، قال عنه أحد الشباب: عمنا موسوس، فقال في قصيدة: ومن هيامي بكم قالوا: به مرض فقلت: لا زال عني ذلك المرض يقول: من ذكري لك -يا رب- يقول الناس: إن بي مرضاً، فقلت: لا زال هذا المرض. وقال ابن القيم في بيت جميل: إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس ولذلك تجد الصالحين دائماً يتمتمون، وقد مرَّ معنا في أحد الدروس: أن أحد المسلمين ذهب إلى المدينة النبوية فرأى أناساً من نيجيريا معهم مسابح طويلة يسبحون لكنه لا يدري ماذا يقولون، إنما يسمعهم يتمتمون بالتسبيح -وهذه المسابح فيها كلام سوف يأتي إن شاء الله فالبعض معه مسبحة لا يحملها الحمار، وكل حبة مثل التفاحة!! وهؤلاء هم غلاة الصوفية - فوجدهم يسبحون ويتمتمون لكنه لا يسمعهم وهو لا يعرف المسابح إلا ذاك اليوم، فاشترى مسبحة ورجع إلى قريته فكان يجلس في المجلس فيتمتم ويشتغل في المسبحة، فيقول له الناس: ماذا تقول يا فلان؟ قال: أقول: الحقي أخواتك الحقي أخواتك، فهو لا يعرف التسبيح فتمتم بباطل أو بمباح من القول. وهذا ضياع للعمر فالسنة أن تعلق قلبك بذكر الله عز وجل سواء لامك الناس أو لم يلوموك. قال النووي في كتاب الأذكار في مسألة: هل يترك الإنسان التسبيح والتحميد من أجل الناس؛ لأن بعضهم إذا جلس في المجلس يقول: لو هللت، قالوا: ماذا في هذا الإنسان؟ وهذا صحيح أنه ملفت للنظر، وينبغي للإنسان ألا يلفت الأنظار إليه لكن هل يترك الذكر فلا يسبح؟ لأنه يقول: لو سبحت لقالوا: ماذا حدث لي هل أنا موسوس أو مراء، قال النووي: "ومن راقب الناس في هذه الأمور فاته أجر كثير". وهذا صحيح؛ فمن راقب الناس: قالوا وفعلوا ولاحظوا راقبوا، فاته أجر كثير، كما قال الفضيل بن عياض فيما صح عنه: "العمل من أجل الناس رياء، وترك العمل من أجلهم شرك، والسلامة أن يعافيك الله منهما، وأخلص العمل من أخلص العمل لله عز وجل". فهذه مسألة حفظ الوقت مع الله عز وجل، وكيف يستغل هذه الدقائق الغالية. والله ولي التوفيق والقادر عليه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم بعض العبارات التي يطلقها بعض الناس

حكم بعض العبارات التي يطلقها بعض الناس Q يقول السائل ما صحة هذه العبارات: فلان غني عن التعريف، العصمة لله ولرسوله، المرحوم فلان بن فلان إذا توفي، انتقل إلى مثواه الأخير، قول القائل: الله ورسوله أعلم؟ A أما قولهم: فلان غني عن التعريف فالعبارة خطأ، يعني: يأتي محاضر أو شيخ أو عالم أو داعية أو مسئول فيقدمون له، ويقولون: فلان غني عن التعريف. قال بعض العلماء: الغني عن التعريف هو الله، والعبد لا بد أن يُعرَّف به وليس بغني عن التعريف. وفي سنن الترمذي بسند ضعيف أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {إذا لقي أحدكم أخاه فليسأله عن اسمه ونسبه فإنه واصل المودة}. وعند مسلم في الصحيح من حديث وفد عبد القيس الذي رواه ابن عباس: {إن الوفد قدموا على الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: من الوفد؟ -أو من القوم؟ - فقالوا: من مضر، قال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى} فسألهم عن أسمائهم عليه الصلاة والسلام وهو من باب التعريف. ودليلهم من القرآن قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]. فلا تقل: فلان غني عن التعريف، ولا تسل عن قبيلته وعن نسبه، فالغني عن التعريف هو الله، ولذلك صاحب أعظم كتاب من كتب النحو سيبويه، وقد كان ذكياً من أذكياء الدنيا مات وعمره (32) سنة، فلما مات رئي في المنام -وأهل الحديث يقولون: سيبوْيَه، وأهل النحو يقولون: راهوَيْه، وأهل الحديث يقولون: راهوْيَه، وسيبويه أعجمي وهو لا يستطيع أن يتكلم، فإذا قام يتكلم في الخطب تلكأ، لكن إذا كتب تجده حافظ الدنيا. قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: لأني عندما أتيت إلى لفظ الجلالة قلت: الله لفظ الجلالة أعرف المعارف غني عن التعريف فما عرفته. فالغني عن التعريف هو الله عز وجل؛ لأنه تعرف إلينا بآياته في كل مكان؛ فلا تلمح ولا تنظر ولا تتأمل إلا ويدلك ما تنظر إليه إلى قدرة الله، نظري إليكم ونظركم إلي، ونظركم في أجسامكم ونظركم في السماء، ونظركم في الأرض والشجر والمدر والحجر والماء والضياء والسماء تدل على رب الأرض والسماء: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد فكلمة غني عن التعريف هي لله عز وجل، والإنسان يُعرَّف، ولو كان معروفاً عند الناس فإنه يقال: فلان بن فلان، يشتغل في كذا، من قبيلة كذا، وهذا ليس من باب العنصرية؛ لأن القبائل التي جعلها الله عز وجل ليس لفضل قبيلة على قبيلة؛ بل المقصود التعارف: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13]. - العبارة الثانية: العصمة لله ورسوله: صحيح أن العصمة للرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز أن نقول: العصمة لله؛ لأن المعصوم لا بد له من عاصم، والله لا عاصم له، وجلَّ الله أن يكون له عاصم. فالله هو الذي يعصم غيره ولا يعصمه غيره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فتجد بعض الناس يقولون: نحن أخطأنا، العصمة لله ورسوله، فالعصمة للرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى زكى الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:1 - 6]. فالله عز وجل غني قادر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يحتاج إليه غيره ولا يحتاج إلى غيره أبداً. فالذي يقول: العصمة لله فكأن الله معصوم من غيره، وهذا ليس بصحيح. - العبارة الثالثة: المرحوم فلان بن فلان، والذي انتشر في الصحف والجرائد والمجلات -الآن- أنه إذا توفي رجل قالوا: المرحوم فلان بن فلان، وهذه تعتبر شهادة ولا يعلم الغيب إلا الله، بل يقال له من باب الإنشاء: رحمه الله وغفر الله له، وأسكنه فسيح جناته، ولا يقال له: المرحوم من باب الخبر، ولا يقال: المغفور له، ولا المرحوم، ولا الشهيد، فإن هذا من باب الخبر. والخبر فيه تقوُّل على الله؛ لأن الخبر لا يأتي إلا عن طريق الكتاب أو من المعصوم عليه الصلاة والسلام، ونحن ليس عندنا خبر، لكن يجوز من باب الإنشاء أن تقول: غفر الله له رحمه الله. وفي صحيح البخاري: {أن امرأةً لما توفي عثمان بن مظعون قالت: طوبى له من أهل الجنة، فغضب عليه الصلاة والسلام وقال: وما يدريك وأنا رسول الله ينزل عليَّ الوحي صباح مساء، والله ما أدري ما يُفعل بي} يقول: أنا رسول الله يأتيني الوحي من الله ولا أدري ماذا يفعل بي، وأنتِ تشهدين لرجل أنه من أهل الجنة، ما يدريك؟ فالعلم عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وفي أحد قاتل قزمان وكان من أشجع الناس، وقد سمع بالمعركة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، فأخذ سيفه وقاتل قتالاً شديداً، فأصابته ضربة سيف في رأسه حتى أثخنته الجراح، فحمل إلى دار بني ظفر، ثم لم يصبر على قضاء الله، فسلَّ السيف واتكأ عليه حتى خرج من ظهره وكان إذا ذكر عند الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إنه من أهل النار}. فلا يشهد لأحد أنه من أهل الجنة إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لأحد من أهل النار خصوصاً من المسلمين إلا من شهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. مسألة: يشهد للشهداء على الأجناس ولا يشهد لهم على الأشخاص، مثلاً: من يقتل في أفغانستان فنقول على الأجناس: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، أما أن نقول: فلان بن فلان المولود عند دار فلان شهيد، فهذا تقوُّل على الله، فنحن لا ندري، لكن نتمنى أن يكون شهيداً، ونسأل الله عز وجل له الشهادة، فالله عز وجل يقول عن أجناس الشهداء: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169] فقوله: قتلوا أي -أجناس القتلى- لكن الأشخاص علمهم عند الله عز وجل. - العبارة الرابعة: انتقل إلى مثواه الأخير، وهذه العبارة اشتهرت -أيضاً- في الصحف وفي بعض الأندية وفي المجامع العامة والمجالس، قال كثير من أهل العلم: إن كلمة (مثواه الأخير) توهم معنىً إلحادياً، فإن أهل الإلحاد -عليهم لعنة الله- يقولون: إن القبر هو المثوى الأخير، أي: لا جنة بعده ولا نار، ولا حساب ولا صراط، ولا ميزان، ولذلك فإن عمر الخيام صاحب الرباعيات الذي يقول: فما أطال النوم عمراً وما قصر في الأعمار طول السهر يقول: أعطني الخمر اليوم لأنني إذا وصلت القبر لم يعد هناك لذائذ، وليس في القبر حساب ولا عقاب ولا جنة ولا نار، يقول: أعطني اللذائذ اليوم، وقدم لي المعاصي: فما أطال النوم عمراً وما قصر في الأعمار طول السهر لبست ثوب العمر لم أستشر وتهت فيه بين شتى الفكر يقول: أنا لم أستشر عند خلقي، ولو استُشرت لقلت: لا أريد أن أخلق، سبحان الله! {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون:91] {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5]. فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فهو عبد مخلوق، ويقول: لبست ثوب العمر لم أستشر وتهت فيه بين شتى الفكر ثم أتى يقول لصاحبه: اعمل فإن مثواك الأخير القبر. وهذا رأي للملاحدة، ولا نريد من أهل الإسلام أن يشابهوهم فيه، فليس المثوى الأخير هو القبر، وليست النهاية الأخيرة هي القبر، بل بعد القبر جنة أو نار، وحساب، وموقف، وصراط وميزان، وتطاير الصحف: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إن قيل: نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي ومالك نور حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور لا بد من الوقوف، والله! لنبعثن ولنقفن عند الواحد الأحد. فلا يقال: إلى مثواه الأخير، بل يقال: إلى القبر، أو مات، أو انتقل. هذا هو الصحيح، لأن هذه الكلمة يستغلها الملاحدة كثيراً. ولذلك يقول إيليا أبو ماضي وهو أعمى القلب، وهو شاعر لبناني عليه غضب الله: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت يقول: لا أدري لماذا أتيت؟ ولماذا خلقت؟ ولماذا أكلت؟ ولماذا شربت؟ فهو دابة بهيمة: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. >جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!! ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!! كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري!! ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!! لكنه سوف يدري: {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9 - 10]. وقال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94]. فهذه الأسماء اللامعة -يا شباب الإسلام- موجودة كتبهم ودواوينهم في الساحة، مثل: بشارة الخوري هذا المجرم النصراني الخبيث، والشاعر اللبناني الكافر، الذي كفر بالله، ويوم نزل في دمشق حملوه على الأكتاف حتى أوصلوه من المطار إلى الفندق. يقول هذا المجرم: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم يقول: أعطوني أي دين يؤلف العرب. ثم يقول: بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم يقول: قدم بلادك ووطنك وتراب أرضك على كل دين، ثم يقول: فيا حبذا كفراً يؤلف بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم نسأل الله أن يصليه بعدله جهنم. ونزار قباني المجرم الآخر عابد الجنس والمرأة؛ استهزأ بالرسول صلى الله عليه وسلم أعظم وأصلح من خلق الله وأشرف من رفع الله، هذا المجرم له أبيات من الإلحاد، وأشرِّف هذا المكان أن أذكرها على لساني ولكن يجازيه ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وإنما نبين هذا من باب البيان: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]. - أما العبارة الخامسة فقولهم: الله ورسوله أعلم. أما في حياته صلى الله عليه وسلم فتطلق، فهو يعلم بعلم الله له في حياته، أمَّا بَعْد موته فلا يصح أن نقول: الله ورسوله أعلم، وإنما نقول: الله أعلم، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام مات وهو في قبره لا يعلم ولا يشافي ولا يعافي ولا يرزق، وهذا على خلاف معتقد غلاة الصوفية الذي يقول شاعرهم القبوري المشرك البرعي شاعر اليمن لما أتى إلى قبره عليه الصلاة والسلام وأخذ الحديد وبكى وهو يقول: شافي مريضي، لأن عنده بنت مريضة في اليمن، ويقول: أنا مذنب يا رسول الله، والرسول صلى الله عليه وسلم في قبره! يقول في قصيدته: يا رسول الله يا ذا الفضل يا بهجة المحشر جاهاً ومقاما فأقل لي عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاماً وهذه كلمة شركية تخرجه من الملة. والبوصيري صوفي غالٍ من أصحاب المسابح الذين لا يعرفون من الإسلام شيئاً، وليس عندهم من نور الإسلام ولا من الهداية إلا الخرافة والخزعبلات، فهؤلاء مشركون، وقف البوصيري فقال: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم إن لم تكن في معادي آخذ

اسم ملك الموت

اسم ملك الموت Q هل اسم ملك الموت عزرائيل أم لا؟ A اشتهر هذا ولكنه ليس بصحيح، ولا يوجد في الكتاب ولا في السنة ولا نُقِلَ عن سلف الأمة أن اسمه عزرائيل، بل سماه الله: ملك الموت، ولم يسمه عزرائيل، وقد صح من أسماء الملائكة: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، أما عزرائيل فليس بصحيح.

سبب نزول قوله تعالى: (ومنهم من عاهد الله)

سبب نزول قوله تعالى: (ومنهم من عاهد الله) Q ما سبب نزول: {* فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ} [التوبة:75 - 76]؟ A قال أهل العلم: نزلت هذه الآية في ابن جميل، وكان من الفقراء، فقال: {يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالاً، فوالذي نفسي بيده! لأن رزقني الله مالاً لأتصدقن في سبيل الله} وأصل الحديث عند البخاري، فرزقه الله مالاً، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب لجمع الزكاة، فمر بـ ابن جميل فقال: أعطني الزكاة؟ فقال ابن جميل: الحقوق كثيرة وهذه أشبه بالجباية، وليس لكم حق في مالي وأنا سأدفع الأمانة، ومر على خالد بن الوليد فلم يدفع الزكاة، ومرَّ على العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم فامتنع أيضاً. فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {أعطاني الناس كلهم زكاتهم وصدقاتهم إلا ثلاثة: عمك العباس، وخالد بن الوليد، وابن جميل -فقام صلى الله عليه وسلم يفصل لـ عمر - فقال: أما العباس فهو عمي، لقد قدَّم زكاة عامين إليَّ، هي له عليَّ ومثلها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ومعنى ذلك: أن العباس قدم زكاته لسنتين، فاستحيا العباس أن يقول لـ عمر: إنه قد أعطى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا أعطيكم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يعلم أنها عنده، وقد قدمها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم احتاج في غزوةٍ من الغزوات إلى الزكاة، فقال للعباس: قدِّم لي زكاة سنتين فقدمها له، فلما أتى عمر لم يخبره صلى الله عليه وسلم أنه أخذ زكاة العباس، فقال العباس: لا. فقال: هي علي ومثلها، أي: زكاة العباس. {وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، لقد احتبس أدرعه وأعتده في سبيل الله} كان خالد عنده مائة فرس أوقفها كلها في سبيل الله، والمخرج في سبيل الله ليس فيه الزكاة. يقولون معن لا زكاة لماله وكيف يزكي المال من هو باذله يقولون: كان معن بن زائدة من أغنى الناس ولم تجب عليه الزكاة؛ لأنه كلما حال الحول على ماله، أنفقه في سبيل الله، فما وجدوا عليه زكاة ولا سنة، فلامه بعض الناس: أين زكاتك يا معن؟! فقام مروان بن حفصة أحد الشعراء يعتذر له، ويقول: يقولون معن لا زكاة لماله وكيف يزكي المال من هو باذله هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله يقول: أتطلب منه الزكاة وقد أنفق أمواله في سبيل الله؟! ثم قال عليه الصلاة والسلام: وأما ابن جميل: {فما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله} يقول: ما ينقم ابن جميل حتى ينكث عهده مع الله، فقد كان فقيراً ثم أغناه الله فمنع الزكاة. فهذا سبب نزول هذه الآية.

قصيدة نبطية في اللحى

قصيدة نبطية في اللحى Q أتلمس من الشيخ إعادة القصيدة النبطية في اللحى؟ A هذه القصيدة قد مرت وأظنها كثرت ومُلَّت، وهي مختصرة قليلاً، وهي لشاعر مجيد في الشعر النبطي مثل امرؤ القيس، يقول: إنه حضر في مجمع ومحفل فرأى بعضهم يحلقون اللحى ويخالفون السنة، فقال هذه الأبيات: يا ربعنا ياللي حلقتم لحاكم وايش علمكم ترمونها في القمامه هي سنة ما سنها مصطفاكم علامة يا شينها من علامه شابهتم الشيطان شغلة عداكم من شابه الشيطان يلقى الملامه ثم يقول: ما احد جبركم فعلكم من رضاكم من شابه الشيطان يلقى الندامه ترى اللحى يوصي بها يصيبها مصطفاكم صفوة قريش اللي رفيع مقامه عفوا لعل الله يغفر خطاكم وتفوزوا يوم اللقا في القيامه هذه وصية إن كان ربي هداكم أقولها يا الربع مع السلامة

صحه حديث: لو خشع قلب هذا

صحه حديث: لو خشع قلب هذا Q حديث اشتهر على الألسنة: {لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه} ما صحته؟ A هذا الحديث موضوع، وهو من كلام عمر بن الخطاب، وقد ذكره الأثرم وغيره من الأئمة، ولا يصح رفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد أوردوا قصة له فقالوا: {إن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يُصلي وهو يتحرك ويعبث بلحيته، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه} فهذا لا يصح إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو من كلام عمر بن الخطاب، ويصح إلى عمر، أما إلى غيره فلا يصح، وقد أورده سعيد بن منصور في سننه إلى عمر بن الخطاب.

بعض خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم

بعض خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم Q هل للرسول صلى الله عليه وسلم خصائص يختص بها عن الأمة؟ A نعم له صلى الله عليه وسلم خصائص، وأحسن من ألف في ذلك الشيخ ملا خاطر في كتاب: خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام وذكر له ما يقارب عشر ومائة خصيصة. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم: أنه لا يتثاءب؛ لأن التثاؤب من الشيطان؛ وما تثاءب في حياته صلى الله عليه وسلم أبداً؛ لأن الشيطان لا يتلاعب به، وفي صحيح مسلم: {ما منكم من أحد إلا ومعه شيطان قرين، قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا، ولكن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير} وهذا بعد أن أسلم، وبعضهم يضبط كلمة (أسلم) أي: فأسلمَ من الإسلام، وبعضهم يقول: أسلم يعني أسلمُ من شره، ولكن الصحيح أنه من الإسلام، أي: أسلم وهداه الله ودخل في الدين. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم: أنه لا يحتلم في المنام، فالاحتلام الذي يأتي الإنسان لا يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الاحتلام تلاعب من الشيطان. أحد الأعراب تلاعب به الشيطان، فاحتلم في المنام، وكانت الليلة باردة، فقام يغتسل بالماء وكان الماء بارداً مثل الثلج، فأخذ الماء يرميه وراء ظهره، ولا يصله إليه شيئاً فقالوا: مالك؟ فقال: ما دواء الكذاب إلا الكذاب، فالاحتلام كذب عنده. فهذا الاحتلام من الكذب، ولكن الغسل منه واجب والرسول صلى الله عليه وسلم لم يحتلم في حياته ولا مرة؛ لأنه معصوم، والشيطان لا يتلاعب به عليه الصلاة والسلام. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم: أنه تزوج بأكثر من أربع من النساء، فقد جمع بين تسع وتزوج إحدى عشرة صلى الله عليه وسلم، لكنه جمع تسعاً، وليس لأحد من الناس أن يجمع أكثر من أربع. وبعض النساء يرين التعدد بأكثر من واحدة محرم وقد خالفن الإجماع، ولذلك سمعت -ولا بأس بنقل هذه القصة لأنها قد ذكرت في أكثر من مناسبة-: أن رجلاً من أهل شقرة المدينة الفاضلة، قال لزوجته: أريد أن أتزوج بثانية؟ قالت: لا يجوز، قال: بل يجوز، يقول سبحانه: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3]. قالت: هذه الآية نزلت في أهل بريدة أما أهل شقرة فما نزلت فيهم هذه الآية. فهذه الآية نزلت في المسلمين جميعاً، فعلى النساء أن يعرفن أن التعدد مباح. الشاهد: أنه صلى الله عليه وسلم أوتي قوة ثلاثين في الجماع، وكان صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه التسع. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُواصل الليل بالنهار في الصيام إلى ثلاثة أيام إلى أربعة، فقد كان من أقوى الناس، حتى يقول بعض المفكرين مثل سيد قطب: أنه كان مهيأ لقيادة العالم -يعني: في جسمه- فكان قوي الإحساس قوي الجسم، تصوروا أنه كان إذا ضرب بالسيف تكسر السيف ويسمع له شظايا على رءوس الناس، وإذا خطب سمعه من في السوق، وإذا تحرك كان عرقه يتحدر كالدر والجوهر ويوجد منه رائحة المسك، فهو قوي مهيأ لقيادة العالم، فأعطاه الله قوة في جسمه وفي هيكله. حتى يقول أحد الأنصار: دهدهنا صخرة في الخندق فما استطعنا لها، واجتمع لها نفر من الصحابة من المهاجرين والأنصار، كـ خالد وسعد وعمر وأمثالهم، فأرادوا الصخرة فما استطاعوا، فأتى صلى الله عليه وسلم فرآهم فتبسم، قال: فكأني به يوم شمر عن ساعديه صلى الله عليه وسلم ثم أخذها، قال الأنصاري: والله لقد حملها من على الأرض، ثم وضعها خارج الخندق. أتاه ركانة -والحديث في السير- وكان مصارعاً لا يغلبه أحد وهو بطل المصارعة، فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: من أنت؟ قال: أنا رسول الله، قال: من أرسلك؟ قال: الله. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، قال: لا. حتى تريني آية، قال: ما هي الآية؟ قال: تصارعني فإن صرعتني أسلمت وإلا فلا أسلم، قال صلى الله عليه وسلم: قم، وكان الصحابة جلوساً، فأخذه صلى الله عليه وسلم فحمله كالريشة من على الأرض ثم لطمه في الأرض.

تفسير قوله تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)

تفسير قوله تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) Qما معنى قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45]؟ A أي: الصلاة بخشوع وخضوع تمنع صاحبها من الفحشاء والمنكر، أما حديث: {من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً}. فلا يصح وهو حديث باطل، قال ابن تيمية: الذي يأتي الفاحشة ويصلي أجدر أن يقترب من الله فيقترب ويقترب حتى يتوب. فلا تزيده الصلاة بعداً بل تزيده قرباً. {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45]. ما معنى أكبر؟ قال بعض المفسرين: أكبر من كل شيء، وهذا صحيح، لكن المعنى الصحيح: يقول ابن تيمية في الصلاة فائدتان: الفائدة الأولى: أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر. والفائدة الثانية: أن الصلاة يقام فيها ذكر الله، وإقامة ذكر الله في الصلاة أكثر إفادة لك من نهي الصلاة لك عن الفحشاء والمنكر. ولا فض فوك يا أبا العباس! لا يأتي إلا بالجواهر، ولذلك أنصح من يريد الله والدار الآخرة أن يتبحر في كتب ابن تيمية، فإنها تربي طالب العلم وتنمي ثقافته وإيمانه وصدقه وإخلاصه وتقوده إلى الله، وهي تكفي أن تكون مكتبة، فتكوِّن لنفسك مكتبة فيها المصحف، وكتب السنة، وكتب ابن تيمية، وهذا الرجل من قبل سبعمائة عام أو أكثر ما طرق العالم مثله، يقول ابن دقيق العيد لما رأى ابن تيمية: والله! ما كنت أظن أن الله يخلق مثلك. (لكن الله قدير) تصور هذا الإمام عمره ثلاث وستون سنة، حفظ علوم الدنيا، وكان كالبحر يقول: أقرأ المجلد الواحد فينتقش في ذهني، قام مجاهداً ومفتياً وخطيباً ومقاتلاً وزاهداً ومعلماً حتى أمضى دقائقه وأوقاته في خدمة هذا الدين، فرحمه الله رحمة واسعة.

حكم الإسبال

حكم الإسبال Q ما حكم تطويل الثوب علماً أنني لا أقصد بذلك التبختر أو الكبر ولكن أقصد بذلك مجرد المنظر فقط، أفيدونا في ذلك؟ A إسبال الثوب أو ما يلحقه، من بشت أو سروال أو مئزر أو غير ذلك إلى أسفل من الكعب محرم على لسان محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز سواء كان ذلك للبطر والكبر أو لغير ذلك من المقاصد. قال بعض العلماء في تفصيل المسألة: - من جره بغير كبر فما أسفل الكعبين ففي النار. - ومن جره بكبر استحق جزاءين: الأول: أنه في النار، أي: ما تحت الكعبين. الثاني: لا ينظر الله إليه. فإن في الحديث الصحيح -حديث أبي ذر في مسلم -: {لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء} قال أهل العلم: هذا فيمن جره خيلاء. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما تحت الكعبين في النار} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. قال أهل العلم: هذا سواء جره خيلاء أو بغير خيلاء. إذاً: فلا يجوز للمسلم أن يسبل ثوبه تحت الكعبين أبداً، وليس فيه رخصة. وأما حديث أبي بكر لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: {يا رسول الله! إن إزاري يرتخي لولا أن أتعاهده؟ قال: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء} قال أهل العلم: لا بد أن يفهم بمفهومين: الأول: أنه قال: (يرتخي لولا أن أتعاهده) فالإزار يرتخي عليه بدون قصد وليس بعمد. والثاني يقال: (أتعاهده) أي: أرده، فهذا ليس فيه إسبال، ولم يداوم عليه رضي الله عنه. وأما قول السائل: إنه يريد الجمال أو المنظر؟ فما أظن أن في مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم منظراً جميلاً، ويكفي مخالفة السنة قبحاً، بل ما أتى به صلى الله عليه وسلم فهو الجميل والطيب والمبارك، وما عارض سنته فهو الخبيث، المحقر، المشوه، ومن رضي بالرسول صلى الله عليه وسلم أرضى الله قلبه، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65].

نصيحة لمن يضيق صدره في مجالس الذكر

نصيحة لمن يضيق صدره في مجالس الذكر Q إذا حضرت مجالس الذكر وجدت وساوس، ويضيق خاطري، حتى أخرج من الدرس، فما توصيني به؟ A نوصيك -أولاً- أن تجاهد شيطانك، فهذا الذي يطردك من مجالس الخير والمحاضرات والندوات هو شيطان، والرحمن يدعوك إلى دار السلام، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:208 - 209] وذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الشيطان فقال: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16]. فوصيتي لك المجاهدة، ولذلك ذكر بعض العلماء أن الشيطان يأتي في أوقات العبادة؛ كأن تقوم تصلي فيأتيك الشيطان وفي الحديث الصحيح: {حتى يخطر بينك وبين نفسك يقول لك: اذكر كذا، اذكر كذا، اذكر كذا} لشيء ما كنت تذكره، ويأتيك وقت الذكر، ووقت العبادة. فوصيتي لك أن تجاهد الشيطان وسينصرك الله عزوجل إذا جاهدت. {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

حكم المني والاحتلام

حكم المني والاحتلام Q هل المني الذي يخرج من الإنسان عند الاحتلام طاهر أم نجس؟ وإذا وقع في ثوبي وصليت فهل صلاتي صحيحة؟ وإن كانت صحيحة والمني طاهر فما الهدف من الاغتسال؟ A من خرج منه مني باحتلام أو جماع أو غير ذلك فعليه الاغتسال، والاحتلام إذا وجد منه بلل فإنه يوجب الاغتسال والمني طاهر، بخلاف المذي. فالمني طاهر أما المذي فنجس؛ لحديث علي في المذي عن المقداد عند البخاري ومسلم: {أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن المذي؟ قال: فيه الوضوء}. أما المني فهو طاهر لكن يغتسل منه. أما سؤالك: لماذا أغتسل وهو طاهر؟ فهذا أمر الله الذي أتانا به محمد صلى الله عليه وسلم وما كنا نفقه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2].

الانصات عند قراءة القرآن

الانصات عند قراءة القرآن Q قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] هل يجب الإنصات حتى في غير الصلاة؟ A قال الزهري: نزلت هذه الآية في الصلاة، وقد ذكرها ابن تيمية في كتابه، لما تكلم عن قراءة الفاتحة في مجموع الفتاوى قال: إنها نزلت في الصلاة؛ فيجب في الصلاة الإنصات، أما في غيرها فهو مندوب وهو الأحسن والأولى.

حكم الذكر بقلب غافل

حكم الذكر بقلب غافل Q بعض الناس يسبح وقلبه غير حاضر، ويتمتم بشفتيه وقلبه شارد، فهل يؤجر أم لا؟ A الذكر على ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: ما توافق فيه اللسان والقلب، فهذا مأجور أجراً كاملاً. المرتبة الثانية: ما انفرد فيه القلب فهذه المرتبة الثانية ويؤجر عليها. المرتبة الثالثة: ما انفرد فيه اللسان بلا قلب، فهو مأجور لكن ليس كالقلب واللسان، ولا كالقلب وحده؛ لأنه ثبت عند الترمذي من حديث سلمان بسند حسن، قال صلى الله عليه وسلم: {قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه} فدل الحديث على أنه إذا تحركت الشفتان ففيه أجر ومثوبة من الله عزوجل، وعند الترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن بسر قال: {جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به؟ قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} فدل على أن ترطيب اللسان بذكر الله ولو كان القلب شارداً فيه أجر كثير. ووالله! لا يجعل الله المغني والمزمر والمغتاب وشاهد الزور كالذاكر المتمتم بذكر الله ولو شرد قلبه: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36].

حكم قول القائل: الكمال لله والعصمة لرسوله

حكم قول القائل: الكمال لله والعصمة لرسوله Q إذا قيل: الكمال لله والعصمة للرسول صلى الله عليه وسلم، فهل هذه العبارة صحيحة؟ A هذه العبارة صحيحة، فلو قال: الكمال لله فهذا صحيح، والكمال المطلق إنما هو لله، ويوجد بعض الناس فيه كمال نسبي مقيد على مستوى البشر، أما الكمال المطلق فهو لله تبارك وتعالى.

حكم المغالاة في المهور

حكم المغالاة في المهور Q زوجت قريبتي بمبلغ أربعين ألف ريال، وأدخلت فيها الذهب والتكاليف، فهل هذه من المغالاة في المهور؟ A أنت بالنسبة للموجودين من أحسن ما يكون؛ لأنك أدخلت الذهب والتكاليف فكفت أربعين ألفاً، لأن بعضهم يقول: لا آخذ إلا أربعين ألفاً لكن يعطي عمتها عشرة، وجدتها عشرة، وخالتها عشرة، وبنت جدتها عشرة، وبنت خالتها عشرة!! فيدخلون فيأخذون عشرة عشرة حتى يصل المهر إلى مائتين، وهذا أساء وظلم وتعدى، فبعضهم فقط بالصورة الظاهرة أخذ عشرة أو أربعين، لكنه يزيد في التكاليف وفي هذه الإسرافات حتى يكلف ويبهظ صهره، ويخالف سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. لكن بالنسبة للسلف فأنت مغالٍ، لأن سعيد بن المسيب زوج ابنته بدرهمين، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتزوج بأربعمائة درهم، قال بعض أهل العلم: هي تعادل اليوم (170) ريال، وكان يزوج بناته بذلك، وقالوا: بارك الله في أيسرهن مهراً، لكنك أحسنت، فأنت بالنسبة لغيرك لا بأس بالمهر ولو خففت لكان أحسن. ونحن وإياكم ندعو إلى التخفيف، ومن رحم وشفق بالأمة رحمه الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه قال: {اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه}.

نصيحة لشخص سرق حذاؤه في المسجد

نصيحة لشخص سرق حذاؤه في المسجد Q في مرة من المرات حضرت محاضرة في مسجدكم هذا وسرقت عليَّ حذاء، فدعوت على السارق، فما حكم هذا، وهل عليَّ كفارة، والسلام؟ A الله المستعان: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157]. رد الله عليك فقيدك، وجبر الله قلبك، وأخلف الله عليك في حذائك. أما ما ذكرت من هذه المصيبة فإنها تحدث، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي كتبها، وهو من باب القضاء والقدر، فقد كتب الله عليك أن تسرق حذاؤك قبل أن تخلق بخمسين ألف سنة في كتاب عنده. فعليك أولاً: أن تصبر وتحتسب، وأن تكتم شكواك ولا تخبر أحدأً. ثانياً: دعوت على من سرقها، وما أظنه إلا إنساناً وهم، وما أظن أن أهل الخير هؤلاء وصفوة الناس، وصفوة الرأي العام والمجتمع يسرقون، لكن قد يهم بعضهم، أو ينسى أو احتاج إليها، فهذا من هذه الأعذار. وأما أنك دعوت عليه فقد انتصفت؛ لأن المظلوم إذا دعا على ظالمه فقد انتصف، ولو تركته لأنصفك الله من حسناته يوم القيامة ووضعها لك، وأخذ من سيئاتك ووضعها عليه، فما دام أنك دعوت عليه فقد انتصفت، ثم ليس لك حسنات منه ولا يوضع عليه سيئات منك. وأريد ألَّا تُشهر بهذا الأمر، وأن تحتسب. فأحد الناس في قرية وكان يبيع على الناس فطائر في مقهى، فسرقت عليه طاوة لا تساوي ثلاثة ريال، فكان يصلي الصبح ويقرأ سورة يس ويبكي ويدعو على من سرق الطاوة، فقال له أحد الدعاة: لو صرفت هذا الدعاء وقراءة سورة يس في شيء آخر لنفعك الله به، أما أن تدعو على هذا الإنسان صباح مساء كأنه اقترف أكبر الجرائم، وهي طاوة لا تساوي ثلاثة ريالات. فهذا الحذاء أمره سهل، واحتسبه عند الله عزوجل، ونسأل الله لك ولنا الهداية. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الله الله في الصلاة!

الله الله في الصلاة! الصلاة عماد الدين الأعظم وقطبه الأكبر؛ تاركها بالكلية كافر بالله تعالى، جزاؤه القتل، والتخلف عن صلاة الجماعة من غير عذر نفاق، ولقد ضرب سلف الأمة أعظم الأمثلة في حرصهم عليها وتنديدهم بتاركها. عن تفصيل هذا كله تحدث الشيخ في خطبته الأولى، ثم عرج في الخطبة الثانية على فضل يوم الجمعة وأحكامها وذكر بعض المسائل المتعلقة بها.

أهمية الصلاة

أهمية الصلاة الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أخرج الأمة المظلومة المنهوبة المسلوبة، إلى فضاء النور والريادة والقيادة، أخرج الأمة المسكينة من التبعية المقلدة إلى أمة قائدة رائدة معلمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

حكم تارك الصلاة

حكم تارك الصلاة يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله} أمره الله أن يقاتل هذا الإنسان حتى يسجد لله، فالمفاصلة بين الإنسان وبين الدين، يوم أن يتهاون أو يترك الصلاة، أو يتنكر للصلاة، أو لا يتعرف على بيت الله، أو لا يسجد لله، حينها يصبح هذا الإنسان لا قداسة له، ولا حرمة أو مكانة، أو قيمة. هذا الإنسان يوم يترك الصلاة يكون دمه رخيصاً لا قيمة له، يسفك وتهان كرامته ويعزر بقطع رأسه، قيل: حداً، وقيل: قتلاً على الكفر وهو الصحيح، والرسول عليه الصلاة والسلام يأمره الله أن يشهر السيف، فيقاتل هذا الإنسان حتى يعترف بالصلاة ويصليها، يقول الله عن جيل من الأجيال تهاونوا بالصلاة: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59]. قال أحد السلف: أما إنهم ما تركوها، ولكن أخروها عن أوقاتها، أي إسلام لمسلمٍ يدعي الإسلام وهو يترك الصلاة حتى يخرج وقتها؟ أي دين له؟ ما معنى لا إله إلا الله لرجل تأخره تجارته أو وظيفته أو عمله أو منصبه، أو اجتماعه عن الصلاة، ثم يأتي بعدها يتبجح على الأمة وعلى العالم، أنه مسلم بهويته، لا إله إلا الله، وأين الصلاة؟ {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] إنهم يصلون، لكن صلاة العصر مع غروب الشمس، وصلاة الظهر الساعة الثانية، وصلاة المغرب مع العشاء، وصلاة الفجر مع طلوع الشمس فأين الإسلام؟ وأين لا إله إلا الله؟ وأين التحمس للدين؟ حضرت رسول الله عليه الصلاة والسلام معركة الأحزاب -قبل أن تنزل صلاة الخوف- فقام يقاتل المشركين ويجاهدهم، دمه يثعب من جراحه، في مخاصمة لأعداء الله، فنسي صلاة العصر حتى غربت الشمس، ما نسيها لأنه في لهوٍ حاشا وكلا، أو في سهوٍ حاشا وكلا؛ بل نسيها من احتدام الخصم، اليهود والمشركون، عملاء الصهيونية العالمية والمنافقون، أنسوه صلاة العصر، فلما غربت الشمس قال لـ عمر: {أخرونا عن صلاة العصر أو شغلونا عن صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً} ثم قام عليه الصلاة والسلام فصلاها فأنزل الله صلاة الخوف، وهذه الصلاة يصليها الخائف في صف القتال، يصليها الذي يمتطي الدبابة، والمريض على السرير، والجريح وهو في جراحه، ولا يعذر أحد، كل عبادة لها مجال في الغالب إلا الصلاة، إن تأخير الصلاة عن وقتها معناه النفاق الصريح الذي وقع فيه كثير من الناس، إلا من رحم ربك، يقول عليه الصلاة والسلام في سكرات الموت: {الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم} أي دين بلا صلاة؟ ما معنى لا إله إلا الله؟! وما معنى الانتساب إلى الإسلام بلا صلاة؟! يقولون: مسلمون ولكن لا صلاة! أو تهاون ونقر وتأخير للصلاة فأين الإسلام؟! وأين لا إله إلا الله؟! وأين الصدق مع الله؟ صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناسٍ لا يشهدون الصلاة معنا فأحرَّق عليهم بيوتهم بالنار} وعند أحمد: {والذي نفسي بيده، لولا ما في البيوت من النساء والذرية، لحرقت عليهم بيوتهم بالنار} لماذا؟ لأنهم أصبحوا في عداد المنافقين، يتذرعون بالإسلام، ولكن لا يصلون الجماعة مع الناس، ويدَّعون لا إله إلا الله، لكن تؤخر الصلاة إلى آخر وقتها، أو حتى يخرج وقتها، سئل عليه الصلاة والسلام عن أفضل الأعمال فقال: {الصلاة في أول وقتها} يقول عليه الصلاة والسلام: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} دمه مسفوك بسيف الشريعة، وهو خارج من الملة، لا طهر له ولا قداسة وحرمة، وعرض، ويصبح لا حماية له أو حصانة أو صيانة؛ لأنه حارب الله.

هدي السلف في المحافظة على الصلاة

هدي السلف في المحافظة على الصلاة يقول عليه الصلاة والسلام: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} لم يعذر الرسول عليه الصلاة والسلام أحداً في ترك صلاة الجماعة، إلا من عذره الله، مريضاً كأن يكون مرضاً لا يصل به جسمه إلى المسجد، ومع ذلك يقول ابن مسعود: [[والذي نفسي بيده لقد كان يؤتى بالرجل يهادى به بين الرجلين من المرض حتى يقام في الصف]]. مرض أحد التابعين -اسمه ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير - وهو في مرض الموت سمع أذان المغرب، قال لأبنائه: احملوني إلى المسجد، قالوا: أنت مريض وقد عذرك الله، قال: لا إله إلا الله، أسمع حيّ على الصلاة حيَّ على الفلاح، وأصلي في البيت، والله لتحملوني إلى المسجد، فحملوه إلى المسجد، ولما سجد السجدة الأخيرة، من صلاة المغرب، قبض الله روحه، يقول: أهل العلم: كان هذا الرجل في حياته إذا صلى الفجر يقول: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، يعني: الجميلة البديعة الرائعة. فقال له بعضهم: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد. الميتة الحسنة: أن يتوفاك ربك بعد فريضة أو في صف الجهاد في سبيل الله، أو وأنت على طهارة، أو وأنت في السجود، أو وأنت تطلب العلم، أو وأنت منفق في سبيل الله. والميتة القبيحة: أن يتوفى الله البعيد وهو على الأغنية الماجنة، أو على السهرة الخليعة، أو على كأس الخمر، أو في سفر في طلب الفاحشة، هذه هي الميتة القبيحة، التي تعوذ منها الصالحون. وهذا سعيد بن المسيب عالم التابعين، كان بيته في أقصى المدينة، وكان يأتي في ظلام الليل إلى مسجد المصطفى عليه الصلاة والسلام، قال له إخوانه: [[خذ سراجاً لترى به الطريق في ظلام الليل، قال: يكفيني نور الله]] {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. ولذلك في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة} هل سمعتم أجمل من هذه العبارة: {بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة} أفي القيامة ظلمات؟! أفي القيامة ليل؟ إي والله، ليل أدهى من الليل، وظلمة أدهى من الظلمة، يجعلها الله لأعداء المساجد، وللذين انحرفوا عن بيوت الله، فتظلم عليهم طرقاتهم: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد:13] فلا نور لمن لا نور له. كان سعيد بن المسيب عالم التابعين، على عين واحدة، ذهبت عينه، لماذا؟ قالوا: من كثرة البكاء في السحر من خشية الله، وكان يذهب بهذه العين في ظلام المدينة إلى المسجد، يقول في سكرات الموت وهو يتبسم: [[والله ما أذن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في المسجد]] فهو قبل الأذان في المسجد، لكن أتى خلف أكلوا نعم الله، وتمرغوا في أيادي الله، ونسوا حظهم من الله، فأصبحت الصلاة في حياتهم من آخر الاهتمامات. ودع عمر رضي الله عنه وأرضاه سعداً إلى القادسية فأخذه إلى جنب وقال: يا سعد! أوصِ الجيش بالصلاة، الله الله في الصلاة، فإنكم إنما تهزمون بالمعاصي، فأوصيهم بالصلاة. وكان الصحابة إذا حضر الخوف وامتشجت السيوف، وأشرعت الرماح وتنزلت الرءوس من على الأكتاف تركوا الصفوف لطائفة، وقامت طائفة تصلي: نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا حضر أجدادنا الذين فتحوا الدنيا بلا إله إلا الله، حصار كابل عاصمة أفغانستان، فطوقوها من كل جهة، ولبسوا أكفانهم، لا إله إلا الله، لباسهم الأكفان! لأنهم يريدون الحياة في عز، أو الموت في سبيل الله: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة:52]. إما الموت، وإما الحياة: فإما حياة نظّم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا وقفوا بأكفانهم يحاصرون كابل، ولما صلوا الظهر قال القائد العظيم قتيبة بن مسلم، وقد كان قبل المعركة يبكي ويمرغ وجهه في التراب ويقول: اللهم انصرنا فإن النصر من عندك، فلما وقف بعد صلاة الظهر، وكان جيشه مائة ألف، قال: ابحثوا لي عن الرجل الصالح محمد بن واسع، أين هو؟ وكان محمد بن واسع هو مفتي الجيش، الإمام الزاهد العلامة، قال: ابحثوا لي أين هو في هذه الساعة؟ فهذه هي ساعة الصفر، ساعة يتنزل النصر من السماء، وهي ساعة بيع الأرواح، وتفتح الجنان، واستقبال الحور العين للشهداء، ساعة حضور الملائكة، فالتمسوه فوجودوه، يبكي وقد اتكأ على رمحه ورفع أصبعه يقول: يا حي يا قيوم! فأخبروا قتيبة فدمعت عيناه، ثم قال: والذي نفسي بيده، لأصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير، وابتدأت المعركة، وانتصر المسلمون وصلوا صلاة العصر داخل كابل. إنها الصلاة التي هي الحياة، حياة القلوب، إنها الميثاق، والعهد الذي بين الإنسان وبين الله ألا يتركها، ويوم يتركها أو يتهاون بها، أو لا يصليها مع استطاعته جماعة، فاعلم أنه قد أدركه الخذلان، وأن حبل الله قد انقطع منه، وأن اللعنة قد نالته. عباد الله: إن من أسباب سعادتنا وحفظ الله لنا، ورغد العيش الذي نعيشه، أن نحافظ على عهد الله في الصلاة، وأن نتواصى بها، يقول لقمان عليه السلام لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17]. فهل من مصل؟ وهل من داع إلى الصلاة في أول وقتها؟ وهل من حريص على تلكم الشعيرة العظيمة، التي أتى بها عليه الصلاة والسلام؟ طعن عمر رضي الله عنه في صلاة الفجر، ففاتته ركعة واحدة عندما غلبه الدم، وحمل على أكتاف الرجال، ووصل إلى بيته، فقال: هل صليت؟ قيل: بقيت عليك ركعة، فقام يصلي فأغمي عليه، ثم عقد الصلاة فأغمي عليه ثم أتم الركعة، فقال: [[الحمد لله الذي أعانني على الصلاة، الله الله في الصلاة، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة]] من حفظ الصلاة حفظه الله ومن ضيع الصلاة ضيعه الله: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45]. وربما أخرت الصلاة عند بعض الناس في ظرف الاصطياف، وهذا الظرف ربما هذا الرغد والأمن والسكينة تجعل بعض النفوس تلهو وتبتعد عن الله، أو تأخر فريضة الله، بحجة النزهة، أو الزيارة، أو التفرجة، فالله الله يا عباد الله في الصلاة، في وقتها، بخشوعها وخضوعها علَّ الله أن يثتبنا ويحفظنا ويرعانا. فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

أحكام يوم الجمعة

أحكام يوم الجمعة الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

فضل يوم الجمعة

فضل يوم الجمعة أيها الناس: يوم الجمعة أفضل الأيام عندنا أهل الإسلام، وهو عيد لنا وتاريخ، وله قصة من أعظم القصص، هذا اليوم الذي نعيشه في هذه اللحظات، خلق الله فيه آدم، وأدخله الله الجنة، وأخرجه فيه من الجنة، وفيه تقوم الساعة. هذا اليوم وهذه الساعات، كانت هي موعد النزال بين موسى وفرعون، يوم الصراع العالمي بين الحق والباطل، يوم نزل موسى بلا إله إلا الله والعصا، ونزل فرعون بالدنيا، ودجاجلة وسحرة الدنيا: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحىً} [طه:59] ولكن ما هو الواجب علينا في هذا اليوم؟ إن مما يؤسف له أن كثيراً من الناس جعلوا هذا اليوم موسماً للنزهة، وفي طريقهم يضيعون صلاة الجمعة، فلا يحضرون الخطبة، ولا يأدون شعائر الصلاة، ولا يتهيئون لهذا الجمع العظيم، الذي هو من أعظم الأيام في أيام الله. من الصباح الباكر والملائكة في أبواب المساجد، تسجل الأول فالأول، فإذا دخل الخطيب، طوت الصحف، وأنصتت لسماع الخطبة. من الصباح والكائنات صائخة مصغية تنتظر الساعة، كما صح به الحديث. العجماوات -الحيوانات-: الببغاوات الحيتان والأسماك الطيور والزواحف منتظرة قيام الساعة! لكن هذا الإنسان، يوم يلهو ويلغو وينسى الله، يجعل هذا فسحة في عهده، فيخرج ويترك صلاة الجمعة. وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على أن المسافر إذا حضر صلاة الجمعة في المدينة فإن عليه أن يحضرها في المسجد، فالمسافر -وهو في حال السفر- إذا نزل بمدينة تقام فيها الجمعة، فإن عليه وجوباً أن يحضر صلاة الجمعة ليستمع الخطبة، ويعيش مع المسلمين مشاعرهم وأحاسيسهم.

الاغتسال والطيب ليوم الجمعة

الاغتسال والطيب ليوم الجمعة أيها المسلمون: يوم الجمعة، له علينا واجبات: منها: الاغتسال والطيب، وقد أوجبها بعض أهل العلم والجمهور على سنية الغسل، لماذا؟ لأنك تتهيأ للقاء الله؛ لأنه عيد، وربما أسكتتك المنية في هذا اليوم، وهو يذكرك بيوم العرض الأكبر على الله، واليوم الأكبر يوم القيامة يتجمل له بغير هذا الجمال الظاهري، ليس في يوم القيامة ملاحف ولا مطارف ولا ثياب، ولا زينة ظاهرية: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]. فهناك السجل مكشوف، والبدن عاري، والقلب مفتوح، والضمائر معروضة، والتاريخ مفتوح أمام من لا تخفى عليه خافية: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49]. كان عمر رضي الله عنه وأرضاه، ينبه الناس على ذاك اليوم، ويأمرهم بالتهيؤ فيقول: [[حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتهيؤوا للعرض الأكبر على الله]] أما الظواهر فجميلة، ولكن البواطن لا نعلم ما حالها. لبسنا واشياً من كل حسن فما سترت ملابسنا الخطايا وتلك قصورنا بالعمر باتت وتلك قبورنا أضحت صلايا

قراءة القرآن يوم الجمعة

قراءة القرآن يوم الجمعة أيها المسلمون: من المشاعر الحية يوم الجمعة: كثرة قراءة القرآن، وهل يعقل أن الخطيب يدخل وبعد دقائق يدخل المصلون بعده؟! بل إن المساجد يبقى فيها مجال واسع للناس؛ فإذا سلم الخطيب دخل المتخلفون بلا أجور، يشهدون الصلاة هكذا مع الناس، أين الساعة الأولى والثانية؟ وأين أهل الصفوف الأولى؟ ولا يزال قوم يتقدمون حتى يقدمهم الله {ولا يزال قوم يتأخرون حتى يأخرهم الله}.

حرمة البيع بعد النداء الثاني

حرمة البيع بعد النداء الثاني وبعض الغوغاء الذين لا يفهمون أحكام الله يبيعون ويشترون بعد النداء الثاني ودخول الخطيب، أي بيع لهم؟! لا أربح الله بيعهم، ولا أربح الله تجارتهم! الملائكة تنصت للاستماع، والسماء مفتوحة لصعود الدعاء، وخطباء الأمة الإسلامية الخالدة على المنابر، وقلوب الناس منفتحة لسماع كلام الخطيب، والسكينة تغشى الناس، والرحمة تحف بهم، والله يباهي بهم في السماء، وهؤلاء اللاهون يبيعون ويشترون، ويجرحون مشاعر المسلمين! إنه جرح لمشاعر المسلمين أن يباع وأن يشترى بعد النداء الثاني، وإنه لتعد على حرمة صلاة الجمعة، إن أولئك قد نبهوا مراراً وتكراراً، واليوم نخبرهم أنهم قد خالفوا أمر الله، وقد عصوا أوامر رسول الله عليه الصلاة والسلام.

الكلام وقت الخطبة

الكلام وقت الخطبة ثم إذا أذن المؤذن فإنما هو الإنصات، بل الجالس ليس له أن يكلم من بجانبه، ولا أن يسلم عليه، ولا أن يحيه، قال بعض العلماء: وليس له بعد دخول الخطيب وبدء الخطبة، أن يكلمه حتى بأمر بمعروف أو نهي عن منكر: {من قال لصاحبه يوم الجمعة والخطيب يخطب: أنصت فقد لغى} وزاد بعضهم: {ومن لغى فلا جمعة له} وفي الصحيح: {من مس الحصى فقد لغى} حتى اللعب بالسواك، أو مشط اللحية، أو تهيئة الغترة أو الحركة، فليس للسامع أن يتدخل في ذلك. وللخطيب أن يحدث حركات لمصلحة الصلاة والخطبة، فيتكلم مع بعض الناس في أثناء الخطبة، أما المصلون فلا؛ بل هدوء وسكينة وخشوع واطمئنان.

من معالم الجمعة

من معالم الجمعة ومن معالم صلاة الجمعة: أن تتطيب لها، وأن تأتي متجملاً متزيناً {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] أما أن يأتي الإنسان بثياب المزرعة أو النوم، أو بدلة التجارة، فهذا دليل على عدم توقير الله عز وجل. إن من يذهب إلى وجوه الناس وأعيان الناس يتلبس لهم، ونحن في الأعراس والمناسبات نتلبس، والله جميل يحب الجمال، والله هو الذي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يتجمل ويتطيب له، فإنه طيب لا يقبل إلا طيباً. فيا مسلمون: غسل وسواك وطيب ولباس وخشوع وقراءة عل الله أن يرحمنا وإياكم. فما هو الجزاء لمن يفعل ذلك؟ أن يكفر الله له ذنوب عشرة أيام، من الجمعة إلى الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام، وهذا وعد من محمد عليه الصلاة والسلام. ومن معالم الجمعة: قراءة سورة الكهف: فقد صح عند الدارقطني والبيهقي أن من قرأها، أضيء له نور ليلة الجمعة ويوم الجمعة، وفي بعض الروايات، حتى الجمعة الأخرى والذي نور هذا النور هو النور، ونور ما سواه ليس بنور: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. أيها الناس: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الظالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

انتفاضة الشعب الفلسطيني

انتفاضة الشعب الفلسطيني إن الله عز وجل لا يسلط الأعداء على هذه الأمة إلا بسبب الذنوب والمعاصي، فإذا عصت الأمة ربها انهزمت أمام أعدائها؛ وهذا الذي ركز عليه الشيخ حفظه الله، وذكر أن على الأمة أن تأخذ العبرة والعظة من جهاد الأفغان، وتستفيد من ذلك، وذكر مثالاً رائعاً للغيرة على الإسلام، وهي قصة فتح عمورية، ثم ختم الخطبة بالدعاء.

الخطبة الأولى: تسلط الأعداء بسبب الذنوب والمعاصي

الخطبة الأولى: تسلط الأعداء بسبب الذنوب والمعاصي سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فبلغه آيات المنى وأوصله، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. أشهد أن لا إله إلا الله ربٌ أحد فرد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من عمر بالتوحيد قلبه، وأرضى بالإيمان ربه، وأشهد أن محمداً رسول الله باني دولة الإسلام، ومحطم الأصنام، وهادي الأنام عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عن الخليفة السباق أبي بكر الذي سبق إلى الإسلام، وأعطى الإسلام كل شيء يملكه، ورضي الله عن عمر الذي خلع الصلبان عن بيت المقدس يوم فتحه، وعن عثمان ذي النورين جامع القرآن، وعن سيف الله المنتضى العبد المرتضى علي بن أبي طالب، وعن كل صاحب وصديق، وكل مجاهد وولي، وكل داعية وعالم، وكل خير وإمام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وسلم تسليماً، أمَّا بَعْد: فإن الأمة كلما عصت ربها، وجحدت معروف باريها، وتنكرت لجميله تبارك وتعالى؛ سلط عليها أعداءها، فاستباحوا ديارها، وحطموا كيانها، وهدموا مساجدها، ومزقوا كتابها، وأذلوا شيوخها وأطفالها، وفي الأثر أن الله تبارك وتعالى يقول: {إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني} وهذا هو الذي وقع مع الشرذمة الفاجرة، إسرائيل وما أدراك ما إسرائيل؟ الصهيونية العالمية اليهود أبناء القردة والخنازير، يوم خلت لهم الساحة فطرطروا بأصواتهم، ورفعوا راياتهم، ويوم أن دخلنا معهم المعارك فما دخلت معنا لا إله إلا الله، دخلنا بأعلام مهيضة وبأجنحة مخفوضة، وعدنا والهزيمة شعارنا، والانتكاس دثارنا، لأننا ما قاتلنا اليهود بلا إله إلا الله، قاتلناهم بـ علمانية وقومية وبعثية فهزمونا، والله تعالى ينظر إلى هذه الأمة لأنه صاغها من فطرة عنوانها، وموكبها السجود وسطر لها صحائف من خلود، لا تنتصر إلا أن تكون أمة له، ولا يرتفع رأسها إلا أن تكون له متجهة، فيوم اتجهنا لغيره هزمنا. وأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا تسعون ألفاً لـ عمورية اتقدوا وللمنجم قالوا إننا الشهب واليوم تسعون مليوناَ وما بلغوا نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب

انهزامية الأمة

انهزامية الأمة ثم تتلفت الأمة بعد ثلاثين سنة، وإسرائيل بعددها الضئيل وبجيشها الهزيل وبإمكانياتها الضحلة، وحولها العرب يبربرون ويكبرون ولكن لا تكبير، نسمع قعقعة ولا نرى طعناً، لأن الذي يطعن إنما يطعن بروح الله، والذي يرمي إنما يرمي بسهم الله، والذي يريد أن يقاتل لينتصر إنما يقاتل بلا إله إلا الله.

قيام الانتفاضة

قيام الانتفاضة وفي هذه الأيام تثور ثائرة القلوب المؤمنة بعد صبر طويل، وبعد مرارة حاسمة قاسية لتتحرك لا إله إلا الله مرة ثانية، وحق على كل مسلم أن يتحرك قلبه، وأن يشتعل ضميره ضد هؤلاء اليهود الذين قتلوا أنبياء الله، وذبحوا رسله ومزقوا كتبه، وكفروا بآياته وألحدوا في بيوته. وهم الذين نشروا الزنا في العالم، وأسسوا الربا في المعمورة، ما تركوا للإسلام قصراً إلا هدموه، ولا حصناً إلا دمروه، ولا علماً إلا كسروه. دسوا الغوائل ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالفعل هم الذين اغتالوه؛ فإنه مات رسولاً شهيداً نبياً عليه أفضل الصلاة والسلام، سموه فمات من أثر السم.

الشعارات الزائفة

الشعارات الزائفة واليوم تتردد الصيحات هنا وهناك، يكبرون ويرددون لا إله إلا الله، جربوا الشعارات في الساحة فسقطت وهزمت، ولو كانت عندهم طائرات وصواريخ ودبابات وأخذوا درساً من جهاد الأفغان، تلك العصبة المؤمنة، التي عارضت ذاك المد الكافر والزحف الفاجر الأحمر، وأين إسرائيل من روسيا؟! روسيا أقوى من إسرائيل، والفترة الزمنية التي عاشها العرب مع إسرائيل خمسة أضعاف التي عاشها الأفغان مع الروس، والمال الذي يملكه العرب يضاعف ملايين المرات الأموال التي يملكها الأفغان، والسلاح الذي بأيدي العرب فتاك لا يملك عشر معشاره الأفغان، لكن الأفغان دخلوا الساحة متوضئين ساجدين مكبرين مهللين: في فتية من بني الأفغان ما تركت كراتهم للعدا صوتاً ولا صيتا قوم إذا قابلوا كانوا ملائكة حسناً وإن قاتلوا كانوا عفاريتا

النصر حليف الإسلام

النصر حليف الإسلام فعلم أن الإسلام إذا دخل الساحة سوف ينتصر بإذن الله؛ لأن الله كتب على نفسه فقال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج:40] {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47] وجربت الأمة الإسلامية طيلة ثمانية قرون أنها كلما ابتعدت عن الحي القيوم، وعصت ربها، وتمرغت في الشهوات، وأكثرت من المخالفات؛ كلما سلط الله عليها جباراً من أنفسها أو غيرها، فأذلها وداس كرامتها ومحق بركتها.

تسليط التتار على المسلمين

تسليط التتار على المسلمين في القرن الخامس إلى السادس إلى السابع ابتعدت الأمة الإسلامية عن الواحد الأحد الفرد الصمد، هجرت المساجد، وعطلت نهج الإيمان، واشتغلت بالملهيات والأغنيات الماجنات، والتراهات والسفاهات والسخافات؛ فسلط الله عليها قوماً لا يعرفون الله، أتوا من الصين يزحفون على الصحراء: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18] قوم اسمهم المغول (التتار) دخلوا العالم الإسلامي فاجتاحوه مدينة مدينة، وقرية قرية، يحرقون المدينة بمن فيها، ويهدمون المسجد على من فيه، ويقتلون عباد الله زرافات ووحداناً. دخلوا بغداد فقتلوا في يوم واحد أربعمائة ألف، ودخلوا إلى مسجد دار السلام فقتلوا فيه خمسة وعشرين ألفاَ سجداً لله، وأتوا إلى دار الحكمة التي فيها آلاف مؤلفة من الكتب فأركبوها على خيولهم، ثم ألقوها في نهر دجلة، ثم مرت الخيول من فوقها. كان التتري المغولي الواحد يقول للنفر العظيم من المسلمين: اجلسوا هنا وانتظروا لآخذ سلاحاً وأقتلكم به، فيجلسون وينتظرون، فيأتي بشفرة فيذبحهم ذبح الشياه واحداً تلو الآخر؛ لأن من ذلت نفسه بالمعصية أذله الله بمن لا يعرف أن هذه معصية.

خروج التتار من ديار المسلمين

خروج التتار من ديار المسلمين واستمر الحال، ودخلوا كثيراً من البلاد، ويئس الناس وقنطوا، وارتفعت أصواتهم لله بالدعاء، وأراد الله أن يعلم الأمة الإسلامية أن النصر قد يأتي على غير أيدي العرب، وأن العرب إنما هم أمة وبشر من خلق الله، إن استقاموا على أمر الله نصرهم، وإن خالفوا دحضهم وهزمهم، فأتى قطز السلجوقي المملوكي، وهو عبد -وكلنا عبيد لله- فدعا الأمة الإسلامية وهو ليس بعربي، فاستجابوا له، والأمة تتحرك بلا إله إلا الله، ولا تحيا إلا على الجهاد: يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلي الإنسان خابوا ما لهم إلا الرماد جثث البرايا منهم في كل رابية وواد فدعا قطز في القاهرة بالجهاد الإسلامي المسلح، وأعلن أن المعركة معركة لا إله إلا الله، فاستجاب له المسلمون، وطمت الكتائب، وماجت الجيوش الإسلامية إلى مصر، فاستعرضها فكانت مهللة مكبرة، خرج الشرك من دمائها ومن عروقها وحل مكانه الإيمان، فالتقى في عين جالوت مع المغول والتتار، وكادت في أول معركة أن تكون خطة عظيمة على الإسلام والمسلمين من الهلاك، فعادوا إلى الله ولم يعودوا إلى شرق ولا إلى غرب، ولا إلى مجلس أمن ولا إلى مجلس خوف! وإنما عادوا إلى الواحد القهار، ورددوا في المعركة: (يا حي يا قيوم! لا إله إلا أنت برحمتك نستغيث). تقطعت الحبال بهم إلا حبل الله، وأغلقت الأبواب أمامهم إلا باب الله، وهزمت الميمنة والميسرة، وبقي قطز في المقدمة، فلما رأى أن الهزيمة سوف تحصل؛ ألقى الخوذة من على رأسه وداسها برجله وقال: وا إسلاماه، أيهلك ويموت الإسلام؟! وأخذ يردد (وا إسلاماه) ففاضت عيون الجيوش الإسلامية بالدموع، وألقوا الدروع من على أجسامهم، وقاتلوا قتال من يريد الله والدار الآخرة، فهزم الله التتار شر هزيمة وقتلهم وفرقهم شذر مذر. ودخلت طائفة منهم دمشق فرأت في نفسها القوة فخرج لها شيخ الإسلام ابن تيمية العالم الإمام العبقري النحرير، المجدد القوي، خرج وهو في رمضان، فتناول كأساً من الماء وهو صائم أمام الناس، وأمرهم بالفطر، ثم قال لهم: " والله لتنتصرن! والله لتنتصرن. فقال له الناس: قل إن شاء الله: قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً ". تحقيقاً يقع: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج:40] وخرجوا إلى شقحب وظهر الحق وبطل كيد الجائرين، ونصر الله الأمة.

زحف الصليبيين

زحف الصليبيين ولما انتصروا وعادوا إلى الله، ومكثوا على هذه التوبة والعودة ما يقارب مائة سنة، ثم نسوا ما ذكروا به، وعادوا إلى الغفلات والشهوات والمخالفات، فأدبهم الله تعالى بالصليبيين، الذين لا يعرفون الله طرفة عين، فاجتاحوا بلادهم، فأراد الله أن يوقظهم مرة ثانية، فأتى صلاح الدين الأيوبي الكردي، وهو ليس بعربي ولكنه من الأتراك، عرف الله وعرف طريقه إلى الله، فنادى بالجهاد، وأعلن التضحية؛ فاستثار المسلمون، واستنفر القلوب المؤمنة، ومضوا معه حتى دخل حطين وكانوا صياماً في ذلك اليوم، واستعرض جيشه وكان يقرأ عليهم سورة الأنفال، ودخل المعركة بلا إله إلا الله، فسحق أعداءه سحقاً ما سمع التاريخ بمثله: الحمد لله زالت دولة الصلب وعز بالكرد دين المصطفى العربي وارتفعت راية لا إله إلا الله، ودخل القدس وقد أحاطها ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع دخل بجيش يهللون ويكبرون، لا يغشون ولا يخونون ولا يكذبون ولا يزنون، لأن من أراد النصر فعليه أن يرعى وأن يتقي الرب الذي يأتي بالنصر، قال عمر لـ سعد رضي الله عنه وأرضاه: [[يا سعد! اعلم أني أخاف عليكم من المعاصي أخوف من أعدائكم]].

أخذ العبرة من جهاد الأفغان

أخذ العبرة من جهاد الأفغان فهل آن للفلسطينيين وللعرب عامة أن يأخذوا من جهاد الأفغان درساً لا ينسى، فإن عندهم الطائرات والصواريخ والدبابات والجيوش؟ هل آن لهم أن يدخلوا بلا إله إلا الله كما دخل الأفغان بلا إله إلا الله، فعفروا وجه الكافر الملحد بالتراب، وأذلوا روسيا الحمراء على الطين، وداسوا كرامتها أمام العالم؟ وحق لهم النصر والشهادة والتمكين في الأرض؛ لأن الأفغان خرجوا عزلاً من القوى إلا من قوة الواحد الأحد، والذي يعتمد على قوته أو على هيئة غير الهيئة الواحدة وهو الله عز وجل؛ فإنه سوف يهزم. فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركانُ والذي نرجوه من الواحد الأحد أن يحقق على أيدي هذه الانتفاضة المسلمة النصر المتين للأمة الإسلامية، وأن يرد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين للأمة، وأن يكبح جماح تلك الطغمة الفاجرة؛ اليهود أعداء الله، الذين عاثوا في الأرض فساداً، حينها ترتفع لا إله إلا الله، وتعود كرامة الأمة، ويصلح بالها ويصفو حالها، وترتفع أعلامها، وتعود قائدة للركب خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. ربنا فانصرنا على القوم الكافرين، ربنا ثبت أقدام كل من جاهد في إعلاء كلمتك، وفي تثبيت سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم مكن لعبادك المؤمنين في الأرض، وآتهم رشدهم، وانصرهم على أعدائهم، إنك على ذلك قدير وبالإجابة جدير. وصلى على محمد وسلم تسليماً كثيراً.

الخطبة الثانية: صورة مشرقة للغيرة على الإسلام

الخطبة الثانية: صورة مشرقة للغيرة على الإسلام الحمد لله القائل: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ * وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء:104 - 106] والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وخيرة النبيين، وإمام المتقين، وقدوة السالكين، وحجة الله على الناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم أتلقاك وطرفي حاسر أسفاً من أمسك المنصرم ألإسرائيل تعلو راية في حمى المهد وظل الحرم أوما كنت إذا الموت اعتدى موجة من لهب أو من دم رب وا معتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم أتت امرأة مسلمة إلى أرض الروم تبيع وتشتري في تجارة، ووقفت في سوق عمورية -بلد من بلاد الروم- وهي تبيع فأتاها رجل علج كافر، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، فسبها وشتمها، فصاحت ورفعت صوتها تقول: (وا معتصماه!) تنادي الخليفة العباسي المعتصم وهو في قصره في بغداد، فتضاحك الروم حولها في السوق، وقالوا: انتظري المعتصم يأتيك على فرس أبلق لينصرك، فذهب رجل من المسلمين الحاضرين في السوق، ودخل على المعتصم في بغداد في قصر حكمه، وقاله له: رأيت امرأة أهينت كرامتها وسبت وشتمت، فقالت: وا معتصماه! فاستهزءوا بها وبك، فوقف المعتصم قائماً وقال: والله الذي لا إله إلا هو، لا يغشاني غسل من جنابة حتى أطأهم بجيش جرار، ثم نادى بالجهاد، وأعلن لا إله إلا الله، وزحف بجيش قوامه تسعون ألفاً: تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت أجسامهم قبل نضج التين والعنب فالنصر في شهب الأرماح لا معة بين الخميسين لا في السبعة الشهب فدخل بهم من مدينة إلى مدينة، كلما دخل مدينة أحرقها وفرَّ أهلها، حتى وصل إلى عمورية، فطوقها واستنزل أهلها أسارى، ودعى بذاك الرجل الذي سب تلك المرأة، وقال للمرأة: "هو مملوك لكِ إن شئت أعتقتيه وإن شئت بعتيه أو أبقيتيه عندك. قالت: بل أعتقه. فقال له المعتصم: أنا المعتصم، وهذه المرأة، وهذا فرسي الأبلق، أما رأيتني جئت؟ " رب وا معتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتمِ لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم واليوم كثير من اليتم والصبايا والأطفال في فلسطين، ينادون: وا إسلاماه!! وا إسلاماه!! فهل من مسلم ينقذ؟! وهل من ذي غيرة يغار مما يرى؟! وهل من متحمس ومخلص يصدق مع الله؟! وهل من متيقظ يرى ماذا يفعل بكتاب الله وبيوته وبعباده؟! إننا نبشر بإذن الله بجهاد إسلامي صحيح في فلسطين.

استغلال الإسلام ثم تنحيته جانبا

استغلال الإسلام ثم تنحيته جانباً ولكننا نخاف من مثل هذه الموجات، أن يستغل أهل الإسلام في تثبيت الأمن والاستقرار لغيرهم وقد فعل أتاتورك في تركيا، وأخذ الفتية وغررهم وأسقط الخلافة، وقال: نعم للإسلام لما دخل به، فلما استقل بالحكم قال: لا للإسلام، ودخل تلاميذ ابن باديس في الجزائر ضد فرنسا بالإسلام، وقال لهم أصحابهم: نعم للإسلام، فلم استقر لهم النصر واستتب لهم الأمان قالوا: لا للإسلام، ودخلت باكستان في الإسلام وغامر شبابها، فلما اتحدت واستقلت أخذ محمد علي جنة فقال: لا للإسلام! وكذلك في مصر. فالذي يحذر منه أن تؤخذ هذه الدماء ثم يقال: لا للإسلام، لكن أملنا في الله عز وجل الواحد القهار؛ أن يعيد لنا مجدنا وكرامتنا وريادتنا وتصدرنا، وأن يجعلنا كما كنا خير أمة أخرجت للناس. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلّ وسلم على حبيبك ونبيك محمد، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين ووحد صفوفهم وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم وفقنا لكل خير، اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر عبادك المجاهدين في أفغانستان وفي فلسطين وفي كل بقعة من أرضك يا رب العالمين، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم انصرهم على أعدائهم، اللهم وحد كلمتهم واجمع شملهم وسدد سهامهم في نحور أعدائهم. اللهم وفق أئمتنا وولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، واهدهم سبل السلام. اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا. وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

عناية الله بأوليائه

عناية الله بأوليائه إن الله جل وعلا قد أيد رسله بحفظه ورعايته، فهو الذي أيد موسى عليه السلام عند لقاء فرعون، وهو الذي أيد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سلمه وحربه، وكما أيد الله الأنبياء أيد أتباعهم، فقد أيد سبحانه سعد بن أبي وقاص ومن معه حين عبروا النهر لفتح المدائن، وأيد أبو مسلم الخراساني حين ألقى به الأسود العنسي في النار.

حفظ الله لأبي قتادة

حفظ الله لأبي قتادة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد بن عبد الله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومرضاته ومغفرته وعفوه وكرمه وإحسانه، وشكراً شكراً لمن قدمني وأتحفني، وحاول أن يكرمني أكرمه الله، فإنما هو دوحة للندى وللإخاء وللوفاء، وكل إناء بالذي فيه ينضح. موضوعي في هذه الليلة عنوانه: عناية الله عز وجل بأوليائه، والله يرعى أولياءه عز وجل، ويحميهم ويحرسهم. يا واهب الآمال أنـ ـت حفظتني ورعيتني عدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني أو إن أجد بالمال فالأموال أنت وهبتني كان صلى الله عليه وسلم إذا ما ودع أصحابه وحانت لحظة الفراق، وانهمرت الدموع، وتحركت القلوب يقول صلى الله عليه وسلم لصاحبه ولتلميذه الذي يودعه: {أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك} وما أجلها من كلمات! وما أروعها من عبارات! (أستودعك الله التي لا تضيع ودائعه) وهذا ثابت عنه صلى الله عليه وسلم. والله إذا استودع شيئاً حفظه عز وجل، وانظر ما أجلها من كلمة: أستودعك الله التي لا تضيع ودائعه فالله عز وجل إذا حفظ حفظ، وإذا استودع شيئاً حفظه عز وجل من كرمه وبره ووإحسانه. يقول أبو قتادة رضي الله عنه فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم: رافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة من غزواته، قال: فسهرنا ليلتنا تلك، فلما أتى الصباح وصيلنا الفجر، رافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته، فنعس صلى الله عليه وسلم وأصابته سنة وراحلته تمشي، نعس بعد ليلة جهيدة سامرة من الفداء والبناء والتضحية لهذه الأمة، ما كان يعرف الفراش الوثير صلى الله عليه وسلم، ما كان يعرف المراقد الناعمة، كان دائماً في الأسفار وعلى التلال وفي الصحراء ليرفع هذه الأمة. في مجلسنا هذا أدركنا حسنة من حسناته صلى الله عليه وسلم، ولولا الله ثم هو ما جلسنا في هذا المجلس المفعم بذكره عز وجل، وما تقابلت هذه الوجوه النيرة، وهذه الأعلام البينة، وهذه المقل التي ترنو بالدموع عند الوداع إلا بإحسانه صلى الله عليه وسلم وفضله بعد فضل الله. المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء يقول أبو قتادة: فنعس صلى الله عليه وسلم فكاد أن يسقط من على راحلته فدعمته قال: فنعس ثانية فقربت منه فدعمته، ثم نعس ثالثة حتى كاد أن يسقط، قال: فدعمته حتى استوى، فاستيقظ صلى الله عليه وسلم فمد طرفه فرآني فقال: {حفظك الله بما حفظت رسوله} دعوة من محمد صلى الله عليه وسلم -لا كالدعوات- تنفذ وترفع فوق الغمام ويفتح الله لها باب الإجابة: حفظك الله بما حفظت رسوله، وحفظ الله أبا قتادة في حياته فما ضل مع من ضل، وما أخذته فتنة وما اجتاحته مصيبة، بل بقي محفوظاً بحفظ الله عز وجل. والليلة سوف أعرض عليكم نماذج من حفظ الله لأوليائه عز وجل، فإنه الحافظ على كل شيء والوكيل، قال الله عن نفسه: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] خير حافظاً، قالها يعقوب عليه السلام لابنه الفقيد الوليد الجليل يوسف حينما فقده، مرة؛ يقولون: أكله الذئب، ووالله! ما أكله، ومرة يقولون: ابتلعته الصحراء، ووالله! ما ابتلعته، ومرة يقول القصصيون: لقد ذهب هو غيظاً على إخوانه وعلى أبيه، وما ذهب ولكن ذهب في رعاية الله ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، وتلك العصابة المؤمنة التي خرجت من القصور الشاهقة إلى الكهف فحفظهم الله عز وجل ورعاهم، وهكذا يحفظ الله كل من تولاه.

موسى عليه السلام ورعاية الله له

موسى عليه السلام ورعاية الله له ونموذجنا الليلة الذي نعيش معه ببسط من الحديث وباتساع من القول هو موسى عليه السلام، وإذا ذكرت موسى فاذكر الشجاعة، والأمانة، واذكر القوة والعظمة، واذكر الفداء والتضحية، موسى عليه السلام لم يستطع لبني إسرائيل إلا هو لأنه قوي أمين، ولو كان غير موسى لأخفق مع الحيات الرقط، رأى فرعون -عليه لعنة الله- في المنام أن شرارة انطلقت من بيت المقدس وأخذت باتجاهها إلى مصر فأحرقت قصور مصر، فخرج كئيباً ذاك الصباح، فجمع السحرة والكهنة والمشعوذين والمنجمين وعرض عليهم رؤياه، فقالوا بالإجماع: "هذا غلام من بني إسرائيل سوف يهدم مملكتك وينهي ملكك". فأصدر أمراً صارماً بقتل كل غلام في تلك الفترة الحرجة؛ ليحمي ملكه وليؤيد سلطانه، وبالفعل ذهب جواسيسه وجنوده يقتلون الأبرياء من الأبناء، ويقتلون الغلمان ممن ولد لبني إسرائيل، وأخذت الدماء تسيل، وأخذت الحوامل تجهض، والنفوس ترتفع إلى الله بالشكوى، وفي هذه الفترة ولد موسى عليه السلام، يا ألله! أما تقدم سنة أو تأخر عن هذا القرار الذي صدر من فرعون! يا ألله! من يحمي موسى؟ وما ذكر القرآن أن له أباً وإنما هي أمه المسكينة الوالهة الحزينة تحتضنه في لفائف من القماش لتعرضه للجزارين والجلادين يا ألله! من يحمي هذا الطفل وقد قتل مئات الأطفال، بل ألوف الأطفال من أمثاله؟

عناية الله لموسى من القتل وهو رضيع

عناية الله لموسى من القتل وهو رضيع ولكن تتدخل عناية الله، اسمعوا إلى القصة وإلى العرض، وإلى الجمال والروعة في عرض القصة! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: بسم الله الرحمن الرحيم: {طسم} [القصص:1] ومعنى (طسم) أي: هذا القرآن المعجز الذي ينفذ إلى القلوب، ويداخل الأرواح، هو من جنس هذه الأحرف المقطعات وحتى يتضح هذا المعنى فنضرب مثلاً: التراب الذي ندوسه بأقدامنا ونلعب به ونبني به السقوف والمنازل والأسطحة: هو الذي خلقنا منه، فالله خلقنا من هذا التراب ونحن لا نستطيع أن نخلق منه بشراًً، وهذا الكلام الذي نتداول به ونتمازح به هو من جنس هذا الكلام لكن الله جعل منه قرآناً. {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ} القصص:2 - 4] لقد علا وتجاوز حده وتكبر وما كان ينبغي له أن يتكبر، {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:4] إلى أن قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بعدها بأربع آيات: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7] يا الله! {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ} [القصص:7] كان المنطق أن يقال فاحفظيه أو فأمسكيه أو فخبئيه ودسيه ولكن (فَأَلْقِيهِ). والإنسان إذا خاف على شيء، حفظه والتزمه ومسكه وخبأه ولكن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يسير قصة مكشوفة، وعملية سافرة على فرعون، يحاربه -كما يقال: كذا على المكشوف- بطفل يأتي إليه مباشرة، ثم يكون هذا الطفل هو النقمة والانقلاب، وهو نهاية هذا الملك الظالم الغاشم في الأرض. فقال الله لها: فألقيه، أي: اتركيه لتتولاه رعاية الله، ودعيه لتتكفله عناية الله، وتخلي عنه فإن الله هو الحافظ عز وجل، من الذي يحفظ الطيور وهي لا تملك ضراً ولا نفعاً؟! من الذي يشبعها؟! من الذي يؤيها؟! من الذي يحفظ السوارح في البراري؟! من الذي يحفظ الوالهين والضائعين واليتامى؟! إنه الله عز وجل. فألقته أمه تحت رعاية الله وعنايته: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى) والوحي إنما يأتي من الله عز وجل لمن يشاء من عباده، فوثقت بهذا الوحي ولو كان من عند غير الله ما وثقت به أبداً، لو قال لها فرعون وهو يملك القوة والجنود والحرس أن تلقيه والله ما صدقت، ولا آمنت، ولا فعلت، لكن قال الله لها: ألقيه فألقته، وانظروا إلى هذا المشهد: أم والهة حزينة تلقي طفلها في اليم ولا تدعه عند أحد من الناس، إنما تلفه وتلقيه. في اليم: أي في الماء مباشرة ولن يغرق أبداً؛ لأن من يحفظ الله فإن الله يحفظه ومن يحفظه، الله لا يهلك أبداً. وألقته في الماء وأخذه نهر النيل الرقراق، ليتجه به ولكن إلى أين يتجه به؟ البساتين كثيرة في مصر والحدائق غناء ولكنه سوف يترك كل الحدائق والبساتين؛ ليدخل حديقة فرعون؛ لأن نظام الصرف والري في مصر استخدم في عهد فرعون حيث يدخل ماء النيل إلى كل بستان، ولكن هذا الطفل الذي يرعاه الله يتخلل تلك البساتين ويتركها وراء ظهره ليدخل بستان فرعون، هذا المغنم وهذا الصيد الذي يريد أن يحصل عليه فرعون يدخل بستانه، ويستبشر الحرس الظلمة الغشمة بهذا الطفل الوديع الذي رأوا أنه من بني إسرائيل، فأخذوه في لفائفة وقدموه لفرعون، وصدر أمر فرعون بقتله ولكن عناية الله تتدخل مرة ثانية لتحفظ هذا الغلام. يقول الله عز وجل: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7] تأتي امرأة فرعون المؤمنة آسية فتقول: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [القصص:9] وانظر إلى الخطاب! وانظر إلى عناية الله! وإلى الأسلوب! تقول لزوجها الظالم الغاشم: هذا قرت عين لي ولك، هذا غلام سوف نربيه لعله أن ينفعنا، وسوف ينفعها -إن شاء الله- ووالله، لقد نفعها موسى عليه السلام، نفعها في الدنيا بأن أسلمت على يديه ونفعها في الآخرة بأن أدخلها الجنة -بإذن الله- أليست هي التي قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11]؟ بلى. سمع فرعون هذا الكلام منها وصدَّقها وترك الطفل وتحت عناية من الله أراد الله عز وجل أن يهيئ له مرضعاً؛ لكن من ينبري لإرضاع هذا الطفل؟ إن الله وعد أم موسى أن يرد هذا الطفل إليها، تأتي المرضعات ويقدم الطفل للنساء فيأبى أن يرضع، ويأبى أن يشرب الحليب ليوفي الله وعده عز وجل، وتتدخل أخت موسى عليها السلام وعليه وعلى أنبياء الله ورسله جميعاً، فتقول: هل أدلكم على من يكفله ويحفظه ويرعاه ويرضعه لكم؟ فيستبشرون، ويعاد الطفل الوديع إلى أمه فترضعه وتربيه في حنان، بل وتأخذ على الإرضاع أجرة وكأنها ليست له بأم!

عناية الله لموسى وهو غلام

عناية الله لموسى وهو غلام ثم يعود بعد الإرضاع ليتربى في قصر هذا الظالم الغاشم، قالوا: ولما درج وأصبح على وعي وعلى بصيرة ولكنه لا زال صغيراً؛ ضرب فرعون مرة من المرات كفاً قوياً على جبهته، وهذا الكف إيذان بهدم ملكه، وتدكيك إمبراطوريته؛ وإنهاء استعباده للعباد، كفاً حامياً يعلن القوة والعظمة، ويعلن أنه سوف يزلزل من هذا المكان، وغضب الكافر المارد، وازداد غضبه وتميز غيظاً وأمر بقتل هذا الغلام، ومرة ثانية تتدخل امرأة فرعون عليها السلام، فتقول: هذا لا يعقل ولا يعي شيئاً، أعرض عليه تمرة أو جمرة؛ فإن أخذ التمرة فقد وعى فاقتله، وإن أخذ الجمرة فهو لا يدري بشيء فاتركه. ففعل وعرض عليه جمرة وتمرة، ولكن عناية الله تحرسه وتحفظه في أساليب لا يدركها البشر، امتدت يده عليه السلام إلى الجمرة فأخذها ووضعها على لسانه وبالفعل لذعت تلك اللسان الرطيب العذب الناطق بالحق، فتركه وأعفاه واستمر هذا الشاب ينمو في هذا القصر تحت رعاية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وحمايته، وينزل من القصر ويتركه، لكن ما ندري ماذا حدث في هذه الفترة؟ لأن القرآن لا يتحدث إلا عن العبر والعظات في القصة، ينزل إلى الشارع يعاشر الناس وليعيش معهم.

عناية الله لموسى وهو شاب

عناية الله لموسى وهو شاب ومرة من المرات يأتي حطاب إسرائيلي يعمل عند مصري، فيأتي المصري على كبره وعنجهيته وتغطرسه؛ لأن فرعون وراءه وجدات فرعون وخالاته، فيضرب هذا الإسرائليلي، فيستدعي الإسرائيلي موسى لينقذه ويستصرخه ليغيثه، فيتدخل موسى، وموسى كان قوياً، وأبشركم ببشرى سارة لأهل الجنوب وهي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {كأنه رجل من أزد شنوءة} وأهل شنوءة هم أهل جبال السروات، فهو أحمر ربعة كما عرض للرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه قوة عظيمة، لكن قوة الجسم لا يغتر بها الناس ما لم توفق قوة القلب، ويقول صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى: {أريته كـ عروة بن مسعود الثقفي} فيتدخل موسى، فيضربه ضربةً قوية فيصرعه، فإذا هو في الأرض جثة هامدة، ويفر، ولما علم فرعون بذلك اجتمع بوزرائه وقرر قتل موسى عليه السلام، ويأتي الرجل الصالح إلى موسى ويقول: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} [القصص:20] إنهم قد دبروا لك الدسائس والحيل ليغتالوك {فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص:20] الفرار الفرار والنجاة النجاة! وأترك قصة الرجل الثاني لأنها لا تهمنا، لكن موسى عليه السلام بعد أن قتل هذا وأحس بالذنب {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ} [القصص:16] قال المفسرون: هنا بلاغة عجيبة، ولطيفة حبيبة إلى النفوس، وهي أن الله ما فصل بين الذنب والمغفرة، فما أن قال موسى: رب اغفرلي، حتى قال الله: فغفر له مباشرة؛ لما توسخ بالخطيئة، وأصبح في طينة من خبال الرذيلة اتجه إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فنظفه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] قال: (فَغَفَرَ لَهُ) بدون شروط، ولم يأمره بأن يقدم شيئاً من العبادات، بل غفر له، وهذا من الجزالة والعفو والكرم والعطاء الجزيل الذي لا يدركه أحد. ولكن إلى أين يتجه؟! المدينة قد أوصدت أبوابها، والحرس وقفوا على الطرق يبحثون عن الناس ويأخذون هوياتهم لعلهم يرون صورة موسى التي أعلنت استخبارات فرعون عن قبضه أم ماذا يفعل؟ لكن خرج في وقت قيلولة على غفلة من الناس، وإذا أردت أن تخرج من المدينة ولا يدركك المرور ولا يحبسون سيارتك فاخرج وقت الظهيرة، فإنهم يقيلون في ذاك الوقت، فخرج عليه السلام في تلك الساعة المباركة الميمونة، ثم يسأل الله أن يهديه إلى مكان آمن لأنه لا يعرف الطريق فقد عاش في المدينة، وأبناء المدينة لا يعرفون الفيافي ولا البوادي ولا الصحاري، عاش في المدينة لا يعرف الطرق ولا يعرف الناس لكن حتى في الطريق يسأل الله الهداية منه عز وجل، يقول: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} [القصص:22] سواء السبيل يعني: الطريق، فوجهه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهداه في الصحراء لا مرشد ولا هادي، إنما يمشي وكأن رجلاً يستدعيه، كأنه يقول: هلمَّ إليَّ؛ لأن الله يحفظه ويحرسه، ومشى يخترق هذه الرمال حتى وصل إلى أناس وإلى وادٍ عظيم الماء، وفيه أناس رعاع وفيه حركة وسكون وهو يريد الاستئناس بهم، والإنسان كما يقولون: مدني بالطبع، وزهاد الصوفية إنما خالفوا طبائعهم؛ لأن أمزجتهم قد وقع فيها شيء من الاضطراب، فتركوا الناس وخرجوا إلى الرهبانية التي ذمها صلى الله عليه وسلم. أما هو فوفد فإذا الناس يسقون، وإذا بابنتين اثنتين تقفان وتذودان غنمهما عن الماء، تريدان أن يخف الزحام وأن ينتهي هذا الفئام من الناس حتى توردان غنمهما، وفي الأخير جاء عليه السلام بعد أن رأى موقف هاتين البنتين، فأخذ الغنم بقوته وشجاعته وزاحم الرجال ودفعهم -وهو من هو في قوته وصلابته- حتى اسقى تلك الأغنام وأعادها للبنتين، ولكن به من الجوع العظيم مالا يعلم به إلا الله، وبه من الغربة ما لا يدركها إلا الله، وبه حتى من المرض، أورد الإمام أحمد في كتاب الزهد: أن موسى عليه السلام قال لما رجع إلى الماء: يا رب! مريض غريب جائع فقير، قال الله عز وجل: يا موسى! الفقير من لم أكن أنا مغنيه، والمريض من لم أكن أنا طبيبه، والغريب من لم أكن أنا مؤنسه، والجوعان من لم أكن أنا مشبعه. ولكن القرآن يأتي باختصار لأعظم قضية {ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:24] وتتدخل عناية الله مرة ثانية، وتأتي إحدى البنتين فتخبر أباها بما حدث عند الماء وتعود أدراجها؛ لتطلب هذا الرجل العظيم لتوفيه حقه من أبيها، فسلمت عليه ويقول المفسرون: ما رد عليها، ويدرك من يقرأ القرآن لمحاً -تلميحاً لا تصريحاً- أن الرجل كان على عفة عظيمة، وهكذا فليكن أولياء الله؛ ما نظر إليها ولا فاتحها بل قيل: إنه جعلها وراءه لتدله على الطريق، ووصل إلى بغيته. قواصد كافور توارك غيره ومن قصد البحر استقل السواقيا ولما وصل إلى هذا الرجل الصالح سلم عليه، قيل: إنه شعيب، وقيل غيره، ولا يهمنا فإنما يهمنا هو القصة والرجل الصالح، فلما سلم عليه وقص عليه القصص، وأخبره بالأنباء المفجعة، والحوادث الرهيبة، والإرهاب الذي استعمله واستغله فرعون عليه لعنة الله: {قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:25] لقد استقر قلبك وارتاح ضميرك وأنت في ولاية الله ورعايته؛ لا تخف أبداً نجوت من القوم الظالمين، ثم بدأ بينهما معاهدة، وكتبت بينهما ورقة صك على أن يرعى لشعيب عليه السلام مدة من الوقت فإن شاء عشر سنوات وإن شاء ثمان سنوات: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص:27] أي: زيادة تفضل وكرم وعفو {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص:27] وفعلاً وفىَّ موسى عليه السلام عشر سنوات، يقول ابن عباس: [[وفىَّ أبرهما وأكرمهما وأحسنهما أحسن العهدين]] ولما انتهت العشر السنوات أخذ زوجته وأخذ طفله وغنمه وشاته، وأعطاه الرجل الصالح عصا، والعصا هذه سوف تقلب الدنيا ظهراً لبطن، وسوف يكون لها حديث في القرآن وسوف يكون لها خبر مع فرعون، وتصارع الطغاة والسحرة، وتقف موقفاً وتتكلم بكلام، وتتحدث بحديث فاسمع، فخرج وساق أغنامه وقطع تلك الفيافي، وانظروا لعناية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنه أعلم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كيف يجعل رسالته. يتوقف في ليلة من الليالي وقد أظلم عليه الليل لا يجد نوراً، ولا يجد شيئاً يستدفئ به أهله، فتلمع له نار في وادي طوى بجانب الطور، فيستأذن من أهله في رقة، ويقول: سوف آتيكم بقبس لعلكم تصطلون، أو بشهاب من النار، أو لعلي أجد على النار هدى، قيل: إنسان يهديني أو صبر يصبرني، أو شيء يصرف كربتنا في هذه الليلة، ولما قرب من النار، وكما يقولون من اللطائف: أنه كان عنده حذاءين من جلد حمار ميت -والله أعلم- إنما قال له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: اخلع نعليك، المقام مقام قداسة، والمقام مقام عبادة، والمقام مقام إجلال وإكرام، فالنعلان لا تليقان أن تدخلا في هذا البساط القدسي، فخلعهما وتقدم، وبعد لحظة من اللحظات سمع كلاماً ما عهده، كلام الله عز وجل يكلم هذا العبد الذي وضعته أمه في الماء، هذا الذي لذعته النار، وهذا الذي رعى الأغنام، وهذا الذي أتى في الصحراء ضائعاً والهاً لا يحفظ شيئاً، وليس عنده مؤهلات لكن تدركه عناية الله عز وجل {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [طه:14] ووقعت (لا إله إلا الله) في قلب موسى وتحركه وارتعدت جوارحه، واهتز كيانه، وتذكر من هو الله عز وجل {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [طه:14] انظر إلى السماء! ترى إبداع الله عز وجل، وانظر إلى الأرض! تجد صنعه سبحانه، وانظر إلى كل شيء! وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد ثم يقول له: (وألق عصاك) فألقى العصا التي كان يرعى بها الغنم، فإذا هي حية تسعى، فتركها وولى مسرعاً هارباً لا يلوي على شيء، يا ألله! العصا التي كنت أذود بها الأغنام تتحول إلى ثعبان، ما هذه الاضطرابات، وهذا التموجات في هذه الليلة؟ ما هذه الأحداث الضخام في هذه الليلة؟ من أنا؟ أنا كنت راعياً أرعى الأغنام، ولكن يعود النداء من الله عز وجل: {أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل:10] فأقبل وقال له الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لما أوحى إليه أن ياخذ عصاه ليعيدها سيرتها الأولى، فأخذ عصاه، قيل: وضع يده في لسان الحية، فعادت عصا في يده كسيرتها الأولى أي: عصاه الأولى، ثم آية ثانية قال له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} [النمل:12] فأدخلها ثم أخرجها فإذا هي بيضاء من غير سوء، ليس فيها برص ولا بهق، إنما هي بيضاء تلمع كالبدر آية ثانية. ثم قال له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] وتوقف هل هذا صحيح؟ كنت أرعى الضأن، وكنت أبحث عن سراج في هذه الظلمة، ثم الآن أذهب إلى فرعون، ومن يدخلني على فرعون؟! ومن يتركني أتجاوز إلى قصره، وأدخل إلى بساطه، ثم أدخل إلى ديوانه وأتكلم معه وأنا طريد؟ قتلت رجلاً منهم ولو أمسك بي جواسيسه لقطعوني إرباً إرباً؟! لكن الله يقول له: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] أي: تجاوز الحد وبطر، وأنت رجل الموقف، وأنت رجل الساعة، فما كان رده إلا أن قال: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه:25] وكأن إنساناً ضربه، يتصور أن إنساناً ضربه في صدره كذا أو أخبره بخبر مفجع أو أنه ألقيت عليه قذيفة، فقال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [طه:25 - 26] ووالله إنه لأمر صعب، وإنها لمسئولية ضخمة: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طه:25 - 27] وتأتي قصة اللسان، وكان موسى ألثغاً لا يجيد ولا يبين حتى يقول فرعون: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52] لا يفصح ولا ينطق الحروف من مخارجها، لكن قالوا: إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يعطي الأنبياء والمرسلين بقدر ما يسألونه فقط، فأعطاه الله بياناً لكن ليس شافياً كبيان هارون الذي يختطب ويرج الموقف. يقول: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه:27 - 28] يقول: لا أريد إلا أن يفقهوا قولي، ثم يقول: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه:29 - 31] وهناك في آية أخرى يقول: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} [القصص:34] يعني: هو أفصح مني لساناً، ولكن إذا أصبح في الحجة والبيان والتضحية وبسط المقالة تأثر الناس، وهكذا الناس، يقول صلى الله عليه وسلم: {إن أحدكم ربما يكون ألحن بحجته من الآخر، فأقضي له على نحو ما أسمع}. فلذلك ربما تجد صاحب الحق لا يجيد أن يتكلم يقول: نعم هذه ناقتي ضاعت

عناية الله لموسى أمام فرعون

عناية الله لموسى أمام فرعون ذهب الاثنان، ولذلك يقول: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً} [طه:29 - 33] لأنه من المعروف أن الاثنين يسبحان أكثر من الواحد وهذا معروف في العدد، والثاني: إذا أعان أخاه على الذكر تذاكرا جميعاً، ولذلك إذا أردت أن تسافر فسافر برفيق، يقول صلى الله عليه وسلم: {الراكب شيطان}. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه:42] أي: لا تضعفا؛ بل سبحا وهللا وكبرا حتى تتقويان على الدعوة وعلى تنفيذها. فلما وصلا إلى بساط فرعون واستأذناه ودخلا عليه ومعه جنوده وحاشيته، دعواه إلى الله عز وجل. فضحك والتفت إلى أصحابه يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة الشعراء: {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} [الشعراء:25 - 30] الآيات. ولذلك يقول اشتكى موسى عليه السلام إلى الله عز وجل من فرعون، يريد رعاية الله وحمايته له وهي الشاهد يقول: {رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] يفرط أي: يستعجل، والمعنى أنه يخاف أنه ما إن يدخل من الباب وهو لا يعرف القضية، ولم يتكلم معه في شيء، فيستعجل في حكمه عليه، أو أن يطغى أي: بعد أن نخبره، قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] وإذا كان الله معك يسمع ويرى، فلا تخف من الدنيا كلها، ولذلك هذه العقيدة هي درجة عالية ما أدركناها، ونسأل الله أن يوصلنا إليها. يقول صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: {واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك} وتتدخل عناية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فيوفقه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويتكلم معه؛ لكن الخبيث رفض، ويعيده للميدان ثانية، ويجمع سحرته في يوم الجمعة، يطلب أن يحشر الناس ضحى، ويخاف موسى عليه السلام، ويتكرر منه الخوف أيضاً، ويأتي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويقول: لا تخف، أنا معك أسمعك وأراك، لكن الإنسان بشر والبشر يخاف ويوجل وتتهدم جوارحه، حتى أنك لو حلفت للإنسان أنه لا يأتيه شيء، وتحلف له أيمان القسامة أن الذئب لا يأكله لا يصدقك، يخرج ولكن يبقى في نفسه شيء. فألقى السحرة عصيهم وكل ما في أيديهم، فإذا العصي حبال تسعى، أصبحت الخيزران تلعب كأنها ثعبان، وهو عليه السلام يصدق بوعد الله عز وجل لكن البشر بشر، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى} [طه:67 - 68] سوف تجد من يفشل هذا اليوم وينهزم، فألقى عصاه فأخذت تبتلع كل العصي وكل الحبال، وأخذت هذه الحيات في بطنها، وكبرت ما شاء الله واتجهت إلى منصة فرعون لتبتلعه كذلك، لكن الخبيث يشرد، يقول الحسن البصري رحمه الله: [[كان فرعون طياشاً خفيفاً جباناً لأنه ما يقف إلا على الدعاية. هلا برزت إلى غزالة في الوغى أم كان قلبك في جناحي طائر أسد عليَّ وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر وهكذا إلى نهاية القصة، والله يتولاه إلى آخر مرحلة حتى خرج فرعون يطارده من مصر، واتجه إلى البحر ويا سبحان الله! أين يتجه؟! البحر أمامه، وفرعون وراءه؟ لكن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول له: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ} [الشعراء:63] ويا عجباً لهذه العصا! مرة يضرب بها الغنم، ومرة تصبح حية تسعى، ومرة تلتهم الأشياء، ومرة تشق البحر نصفين؛ وهذه عناية الله تدرك العصا، وانشق البحر، وخرج موسى من الماء، ولا يزال فرعون يحاول إدراك موسى ومن معه، فدخل الجنود، هذا إن شئتم صدقتموه وإن شئتم كذبتموه؛ لكن لا تكذبون ولا تصدقون قولوا: دخل فدخل بجيشه، ولما انتصف في الماء أطبق عليه فهلك هو وجنوده، وانتصر موسى عليه السلام وأصبح رجل الموقف. من الطفل الذي في اللفائف، والذي ألقي في اليم إلى رجل الموقف ورسول الأمة الناجح في هذه المعركة، هذا ملخص القصة التي تبين أن عناية الله عز وجل تدرك أصحابه وأولياءه وأحبابه في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

عناية الله بمحمد صلى الله عليه وسلم

عناية الله بمحمد صلى الله عليه وسلم ولنعيش مع حبيب القلوب، وقرة العيون، وبهجة النفوس صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه حين قرر كفار مكة في بيت الندوة اغتياله صلى الله عليه وسلم، وأرسلوا شباباً معهم سيوف حادة قاطعة تقتل كل من رأت، وشحذوها بالسم، وأخذ كل شاب معه هذا السيف يهزه كأنه نعجة أو هزبر، ووقفوا عند بابه صلى الله عليه وسلم ينتظرون متى يخرج، وظنوا أن إهراق دمه صلى الله عليه وسلم أمر هين، ويخبره الله في المنام بأن كفار قريش قد طوقوا البيت، ونصبوا كميناً لاغتيالك فاخرج، ولكن ما خرج كأي رجل يخاف ويرتعد، بل خرج مستعلياً ظاهراً شجاعاًَ منتصراً، وأخذ حفنة من التراب يحثوهم على رءوسهم، هذه الثلة من الشباب الذين خرجوا لاستقباله صلى الله عليه وسلم. فلما خرج وتوجه صلى الله عليه وسلم إلى الغار ودخله، خرج كفار مكة كأنهم مجانين، كأن كل إنسان سرق غنمه محمد صلى الله عليه وسلم أو سرق ناقته، خرجوا بالسيوف يطاردونه لكي يخرج من مكة، انظر إلى هذه العقول السخيفة الضالة الضائعة، لماذا ما تركوه يخرج؟ وهذا من العجب! ألم يقولوا: لا نريد أن يبقى معنا؟ إذاً يخرج، والآن هم يطاردونه، فخرجوا واجتمعوا على الغار الذي كان فيه صلى الله عليه وسلم، يا ألله! من يحميه غير الله عز وجل؟ وأبو بكر معه خائف عليه ولم يكن معه سيف، وإلا فسيقاتل رضي الله عنه، والقضية ليست هي قضية قتال؟ هؤلاء مغتالون سفاكون لو رأوه لمدوا أيديهم بسيوفهم. فقال صلى الله عليه وسلم: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] انظروا عقيدته صلى الله عليه وسلم. ومن اللطائف يقولون أنه قيل: أتت العنكبوت فبنت عشها عند الباب وأتت الحمامة فضربت بيتها: ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحمِ عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم وخرج صلى الله عليه وسلم. وأتت المحاولة الثالثة لاغتياله وهي محاولة سراقة فإنه لما رآه في الصحراء انطلق بفرسه وسيفه ليدرك الجائزة، وليقبض على محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن خرجت كلمة خافتة ساكنة من الرسول صلى الله عليه وسلم يرفعها إلى الله: {اللهم اكفناه بما شئت} هكذا بلا تكلف، وبلا محاضرة، وبلا خطب، وإنما دعاء خفي إلى مولاه، فكفاه الله، وغاصت قدما الفرس ويداه في الأرض حتى سقط. وانتصر محمد صلى الله عليه وسلم بعد الاغتيالات والمعاناة، وبعد ما تعرض صلى الله عليه وسلم للكرب العظيمة التي ما تعرض لها إنسانٌ أبداً، فالنصر والتأييد من رعاية الله سبحانه وتعالى.

أسباب استجابة الدعاء

أسباب استجابة الدعاء تأتي إجابة الدعاء؛ مع أنه من الملاحظ أن إجابة الدعاء ليست بالأمر السهل عند أولياء الله عزوجل، بل له أمور تسوغ إجابة الدعاء، وتجعل هذا الدعاء مجاباً بإذن الله عزوجل، فمنها: 1 - الولاء التام لله عزوجل. 2 - المطعم الحلال. 3 - ألا تدعو بإثمٍ ولا قطيعة رحم. 4 - أن تدعو دعاء المضطر؛ فلا تدعو بقلبٍ لاهٍ غافل. 5 - أن تتحرى أماكن الاستجابة، وأوقاتها التي هي معروفه عند الناس؛ فإذا اجتمعت هذه الشروط فإنه أدعى لحصول الإجابة، وهو الفتح من الله، والبركة والرضوان والاستجابة السريعة. عمر رضي الله عنه حج آخر حجة، فلما مشى يقود الحجيج إلى عرفات سمع هاتفاً يهتف: عليك سلام من إمام مبارك وبارك في ذاك الأديم الممزق فكُلم رضي الله عنه في ذلك، قال: هذا أجلي نعي إليَّ، وكان رضي الله عنه عنده طلاقة وفهم، وهو ملهم حيث يقول صلى الله عليه وسلم: {إن يكن في أمتي محدثون فإنه عمر بن الخطاب} أو كما قال صلى الله عليه وسلم؛ فهو محدث ملهم تأتيه السكينة والإلهام من الله عزوجل، هو ليس بنبي لكن تأتيه الفتوح؛ لصفاء قلبه، وقوة عقيدته رضي الله عنه. ولما انتهى من المناسك قيل: حصبه رجل من اليمن، ووقعت هذه الرجمة في رأس عمر؛ وكان أصلع فسال الدم، والتفت عمر مرةً ثانية، وقال: [[هذا أجلي نعي إليَّ]]. وبعد أن انتهى من المناسك، وانتهى من عبادة الله، اضطجع على البطحاء؛ قيل: في محصب الحجيج، وقال: [[اللهم قد انتشرت رعيتي، ورق عظمي، ودنا أجلي، اللهم فإني أسألك شهادة في سبيلك، وموتاً في بلد رسولك]] وما أعظم ما طلب! طلب أمرين اثنين يصعب أن يجتمعا: شهادة في سبيلك، وموتاً في بلد رسولك. قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: [[يا أمير المؤمنين؛ شهادة في سبيل الله، وموت في بلد رسول الله، كيف يكون ذلك؟ الناس يقتلون على حدود الروم، وفي بلاد فارس، وفي القادسية، وفي اليرموك، وليس في المدينة قتال، قال: قد دعوت الله]] انتهى. رجع رضي الله عنه وأرضاه، وأكرم مثواه، وحشرنا في زمرته وزمرة محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق، وأجلسنا معهم على بساط من نور عند مليك مقتدر لا نخاف ولا نحزن إن شاء الله. وعاد إلى المدينة، وما إن وصل إلى المدينة إلا ورأى رؤيا كما تعلمون؛ رأى أن ديكاً رومياً نقره، وعرض رؤياه على الناس، وقال: [[لقد أخبرت أسماء بنت عميس فأخبرته بأنه سيقتل]]؛ وبقي متوجساً بين الخوف والرجاء، يرجو رحمة الله ويرغب في لقائه، ويتلهف وهو يدعو أن يقرب دائماً من الموت؛ وهذا من الأدلة على أن الإنسان إذا خاف على نفسه خوفاً زائداً أن يدعو بالموت، وإلا فهو منهيٌ أصلاً، فدعا بهذا الموت: ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حباً وعكسه الكاره فالله اسأل رحمته فضلاً ولا تتكل وامتدت يد آثمة وهو يقرأ في صلاة الفجر؛ في قراءة رزينة، متمكنة. قتل رضي الله عنه، وارتفعت روحه ليوفي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ما وعده، وما سأله؛ وسؤاله له عزوجل: أن يرزقه شهادةً في سبيله، وموتةً في بلد رسوله.

المعجزات يؤيد الله بها أولياءه

المعجزات يؤيد الله بها أولياءه ومن تأييد الله ورعايته لأوليائه: المعجزات والكرامات، ومن المعجزات التي شهد بها التاريخ لرسولنا صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة حتى قال بعض العلماء: إنها ألف معجزة؛ لكن ما أحصيناها حتى نقول: إنها ألف ولا يهمنا أنها ألف أو أقل أو أكثر، ولكن يهمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وقعت له كثير من المعجزات:

جذع الشجرة يحن للنبي صلى الله عليه وسلم

جذع الشجرة يحن للنبي صلى الله عليه وسلم يقف مرة صلى الله عليه وسلم أمام أصحابه الكرام البررة الأخيار السفرة، يقف ليتكلم إليهم، ثم يدعو صلى الله عليه وسلم بمنبر له صنع، فيجعل المنبر بجانب الجذع الأول الذي كان يعتمد عليه، وحس هذا الجذع بفراق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، جذعٌ لا ينطق ولا يتكلم، ولا يأكل ولا يشرب، ولا ينفع ولا يضر، لكنه يحن ويبكي على مرأى من الناس ومسمع، يقول جابر: [[والله لقد سمعنا له صوتاً كصوت العشار]] الناقة العشراء إذا فارقت ولدها في الصحراء أخذت تحن، فحنَّ هذا الجذع كحنين هذه العشار، وقالوا: سمعنا له صوتاً كصوت الأطفال، واقترب صلى الله عليه وسلم على مرأى من الناس ومسمع يسكن هذا الجذع، ويضع يده الشريفة العطرة الوقورة على هذا ليقر وليسكن، وسكن؛ لكن Q لماذا يبكي؟ قالوا: بكى مما فارق من الحكمة التي كان يسمعها، ومن النور الذي كان يتوهج عليه، ومن البركة التي كانت تتغشاه. وبكى من فراق الحبيب؛ لأنه سوف يخرج من المسجد ويرمى فإذا هو جذع. وبكى؛ لأنه ما كانت له قيمة حتى أدخل مع محمد صلى الله عليه وسلم، فما ميزته إذاً وهو عودٌ خارج المسجد، حيث دخل بعدها ووقف عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم.

مائدة جابر تكفي ألفا من المسلمين

مائدة جابر تكفي ألفاً من المسلمين مرةً ثانية الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل مع الناس في الخندق، وأصابه من الجوع ما الله به عليم، مرة يفكههم صلى الله عليه وسلم ويداعبهم؛ والدعابة للمرهق بلسم شافٍ بإذن الله، والدعابة إذا كانت خفيفة لطيفة شريفة أحيت بعض العروق ونبضت به الدماء. أتى صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت يعمل ولكنه رفض، عمل حتى كلَّ وملَّ فألقى مسحاته ورقد، فقال صلى الله عليه وسلم: {قم يا نومان، فاستيقظ الرجل فداعبه صلى الله عليه وسلم}. وكان من عادة الصحابة حينما اشتغلوا في الخندق أن يجعلوا كل رجلين معاً؛ فرجلٌ يحفر ويملأ الزنبيل بالمسحاه، ويعطيه الآخر ليوصله إلى مكان معلوم، فجعلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً اسمه عمير؛ وكان عمير رجلاً ضعيفاً لا يستطيع أن يأخذ الأحمال، إنما جعلوه مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخذ صلى الله عليه وسلم يسميه يا ظهير؛ يعني: كان اسمه عمير فيناديه بظهير لأن فيه قوة. في هذه الأثناء بلغ صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الجوع الشيء العظيم، فذهب جابر إلى بيته، ورأى زوجته وقال: [[عندكم طعام؟ قالت: عندنا هذه الداجن -عنز صغيرة لا تساوي عشرين ريالاً، يعني: ضعيفة- قال: وما عندكم شيء؟ قال: عندنا مد من شعير]] تعرفون أن المد من الشعير يكفي اثنين أو ثلاثة بالأكثر، فرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: [[يا رسول الله! تعال أنت وثلاثة معك]] يعني: همس حتى لا يسمع رابع فيدخل في المسألة -فيما لا يعنيه- فوقف جابر، فقال صلى الله عليه وسلم: {يا أهل الخندق! -وأهل الخندق ألف رجل- إن جابر بن عبد الله صنع لكم طعاماً فحيهلا بكم} ووقف جابر حتى كاد أن يسقط، فخرج أمام الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: الله ورسوله أعلم. أتى وهو وجل خائف، فقال لامرأته: [[دعوت الرسول صلى الله عليه وسلم وثلاثة معه، فدعا أهل الخندق كلهم]] قالت: عليك السكينة والوقار، الله ورسوله أعلم. وانظروا كيف يكفي ألف رجل عنزة صغيرة ومد شعير. فأتى صلى الله عليه وسلم، وقال لـ جابر: {قل لأهلك -يعني: امرأتك- أن تترك الطعام حتى آتى} فأتى صلى الله عليه وسلم فتفل على الطعام؛ ويا ألله ما أنبله من تفال! وما أجمله! وما ألذه! وما أعذبه! حتى إن فضلاته صلى الله عليه وسلم يستشفى بها؛ إنها البركة، حتى تفاله، ووضوءه، وظفره، وشعره؛ كل هذه بإذن الله من المكرمات التي لو حصلها الإنسان لطار فرحاً. يقول عبيدة السلماني كما في صحيح البخاري؛ وعبيدة السلماني هذا من أحد كبار التابعين العظماء، الزهاد العباد: [[والله الذي لا إله إلا هو، لوددت أن عندي شعرة من شعر الرسول صلى الله عليه وسلم بالدنيا وما فيها]]. فدخل صلى الله عليه وسلم فلما برك على الطعام ودعا، قال: {هلم عشرة عشرة} فلذلك من السنة إذا كان عندك ضيوف عددهم أكثر من عشرة إما عشرين أو ثلاثين؛ أن تجعلهم عشرة عشرة، لا تذهب وتجعل ثلاثين على المائدة، بل اجعل عشرة في كل مائدة. فأدخلهم صلى الله عليه وسلم عشرة عشرة، فأكلوا حتى أكل الجيش كله، فلما انتهوا من ذلك الطعام، قالت امرأة جابر: [[والله الذي لا إله إلا هو، ما نقص منه قليل ولا كثير]] ويقول جابر: [[إنه بحاله حينما وضعناه]] قال صلى الله عليه وسلم: {أعطوا جيرانكم منه} فلو لم يأت الرسول صلى الله عليه وسلم ما أعطوا الجيران، بل كان الثلاثة سوف يأكلونه، لكن الآن شبع الجيش والجيران، وهذا من بركاته صلى الله عليه وسلم.

النبي صلى الله عليه وسلم يرد عين قتادة بعد قلعها

النبي صلى الله عليه وسلم يرد عين قتادة بعد قلعها وقتادة بن النعمان رضي الله عنه، يأتي يوم أحد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ضربه رجلٌ كافرٌ ماكرٌ ماردٌ جبار بسيفه، فأوقع عينه على خده حتى سالت إلى لحيته، فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بمنظر ما بعده منظر، يا ألله! لا موتاً فينعى ولا حياة فيرجى، وقف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: {انظر يا رسول الله، فأخذها صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة وأعادها، وجعلها مكانها ثم مسحها فإذا هي على سيرتها الأولى} لا فيها لا خلل، ولا اضطراب، ولا مرض، ولا ألم. يقول الأنصار: [[والله لقد رأيناها أجمل من أختها]] حتى أن حفيده ابن ابنه دخل على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، ودخل ومعه شباب من الأنصار، قال: من أنتم؟ -يقول عمر بن عبد العزيز في يوم عيد مهرجان في دمشق - قال: أنا ابن فلان، وكان أميراً في البصرة؛ كان يأكل ثلاثة أمداد، وكان عنده كثير من المواشي، أي: مناصب في الدنيا يفتخر بها كل إنسان، قال: وأنت؟ قال: ابن فلان ابن فلان ابن فلان الذي فعل كذا وصنع كذا، قال: وأنت؟ قال: ابن فلان، فلما أتى إلى حفيد قتادة بن النعمان، قال: وأنت ابن من؟ قال: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد في قصيدة طويلة، فبكى عمر رضي الله عنه بدموعه ما يتكفكفها، قال: تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا أي: يقول: هذه المفاخر ليست حقيقية، فلا تفتخرون عندي، تقولون: كان أبي وزيراً، وكان أبي أميراً، وكان أبي في المكتب الفلاني، لا. إن كنت صادقاً، فافتخر أنك قدمت للإسلام شيئاً، وأنك فعلت شيئاً، وأنك حققت من العبادة شيئاً، أما هذه كلها لا يفتخر بها، فقد كان كسرى ملكاً، وكان فلان إمبراطوراً، لكنها ليست مفخرة يفتخر بها. نأتي إلى الكرامات:

الكرامات تأييد وتشجيع من الله للعبد

الكرامات تأييد وتشجيع من الله للعبد الكرامات جمع كرامة أثبتها أهل السنة والجماعة، لكن متى يحصل الإنسان على الكرامة؟ تأتي الكرامة إذا بلغ الإنسان في طورين اثنين: يقولون: من بلغ في التصفية والعبادة درجة عالية، قال سبحانه: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:32] ومرة ثانية: إذا كان إيمانه مزعزعاً، يكاد ينهار، فتأتيه الكرامة فترقيه درجة حتى توصله إلى عباد الله الصالحين، فهذه لها مرتبتان، ولذلك من رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، فلا يظن أنه من الصحابة، فيعتريه عجب بنفسه واحتقار للآخرين، فيقول: ما هذا! الناس ضالون في الحياة الدنيا وفي الآخرة؛ لأنهم لا يرون النبي صلى الله عليه وسلم في المنام. ولذلك يقولون: العوام يخشى عليهم إذا رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام أن يخرجوا الصباح، ويقولون: الحمد لله رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام يحسب أنه قد انتهى، وهذه فقط تشجيع له، وتأييد، ولذلك يقول العلماء: الكرامة تأييد وتشجيع، وهي كجائزة وكهدية وقربى وعطية للعبد.

كرامة وقعت لأيوب السختياني

كرامة وقعت لأيوب السختياني وقعت كرامات لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لتدركوا هداية ورعاية الله لهم، وقبلها لا بد أن أقدم قصة لـ أيوب بن أبي تميمة السختياني؛ وأيوب هذا رحمه الله عليكم بقراءة سيرته، هو والصفوة المختارة من عباد الله وأوليائه، ومجاهدو الأمة وعبادها. كان الحسن: [[يقول عنه: إذا رأيت أيوب السختياني تذكرت شباب الجنة]] ويقول: [[سيد فتيان البصرة أيوب السختياني]]. كان يجلس يحدث الناس في المسجد فيبكي، فيأتي بعمامته يلف على عينيه ويمسحها، ويقول: [[ما أشد الزكام]] لايريد أن يعرف الناس أنه بكى. وكان يخرج إلى السوق إذا اجتمع الناس، فإذا رأوه هللوا وكبروا وذكروا الآخرة من نور وجهه. وقد روي أن أيوب السختياني ذهب إلى مكة فسأله رجل: [[يا فلان! هل الكرامات حقيقة لأولياء الله؟ قال: نعم. قال: وما دليلك؟ قال: انظر هل بجانبنا أحد؟ قال: لا. قال: فنظر الرجل فما بجانبهم أحد، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم ووضع يده في الصخرة، قال: فانسكب منها الماء فإذا هو يجري، قال: اشرب، فشرب، قال: ثم شرب أيوب، ثم قال: بسم الله؛ يعني: فرد يده ثانية على الصخرة فعادت]]. فهذه الكرامات تكون لمن بلغ في التصفية درجة عالية.

كرامة وقعت للعلاء الحضرمي

كرامة وقعت للعلاء الحضرمي خرج العلاء الحضرمي؛ أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولما أصبح في الربع الخالي؛ توسط بجيشه يريد البحرين، لكنه ضل وأضاع الطريق، ذهب يميناً وشمالاً وأماماً وخلفاً وفي الأخير ضاع، وأتاهم من الظمأ ما لا يعلمه إلا الله، فقال له أصحابه: [[يا علاء! إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وعدنا خيراً في أمة محمد، ولا يمكن أن نهلك]] سبحان الله! أيهلكهم ضمأ فمن يُشرِب إذن؟ ويهلكون جوعاً، فمن يشبع إذن؟! ويضيعون إذاً فمن يحفظ إذن؟ فقالوا: [[ادع الله عز وجل، فتوجه إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في كلمات مختصرة، يقول: يا حكيم يا عليم! يا علي يا عظيم! اللهم أغثنا، قالوا: فوالله، ما انتهى من كلامه إلا وجاءت سحابة مباشرة فتوسطت الجيش، وغطت سماء الجيش، ثم أرعدت وأمطرت، حتى سقوا، وشربوا، وغسلوا، وتوضئوا ثم ارتفعت]] انظروا إلى هذه الكرامة العظيمة التي ما بعدها كرامة! ولو رآها أهل موسكو لأسلموا ولآمنوا ولصلوا صلاة الضحى ذاك اليوم، لكن حكمة بالغة وقدرة عظيمة، قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [الفرقان:43].

خالد بن الوليد يشرب السم

خالد بن الوليد يشرب السم تعرفون أبا سليمان رضي الله عنه من هو؟ وقد سرد سيرته أحد المؤرخين، وقال: أتى رومي فأراد أن يسمم خالداً، فناوله كوباً فيه ماء وفيه سم، وناوله الماء، فأتى رجل من جند خالد فقال: إن هذا الماء مسموم، قال خالد: [[أسم الماء؟ قالوا: نعم. قال: فإني أتوكل على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، حسبي الله ونعم الوكيل، بسم الله! فشربه فما أتى له شيء]] لأن الله رعاه، وحماه، وأيده، وتولاه.

سعد بن أبي وقاص يتجاوز النهر بالخيل

سعد بن أبي وقاص يتجاوز النهر بالخيل يقولون: إن سعداً رضي الله عنه حال نهرٌ بين جيشه وجيش فارس، وأراد رضي الله عنه أن يدخل جيش فارس ويتجاوز الجسور، فقطعوا الجسور، فاضطرب رضي الله عنه هل تتوقف المعركة أو لا؟! وفي الأخير ألهمه الله عزوجل وقال: [[يا خيل الله! اركبي]] وسمع الخيول سعد بن أبي وقاص، والخيول لا تفهم كلام الناس، لكن لما جعل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيهم من البركة، ولما وهب لهم من الكرامة، أسمع الخيول صوت سعد؛ فتوجهت الخيول وكأنها مأمورة تقتحم بأصحابها النهر، وجمَّد الله النهر فلا هو بالثلج فتقع من عليه، ولا هو بالماء فتغرق فيه، ولكن جعله الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كالتراب تمشي بحكمة بالغة حتى نفذ الجيش إلى الجهة الأخرى، ولما انتهوا إلى الناحية الأخرى قال الرجل منهم: أتفتقدون شيئاً؟ قال رجل: أفقد المخلاة؛ يعني: المخلاة أظن فيها خبز كثير، قال: عد إليها، فعاد إليها فإذا هي متعلقة بشجرة في داخل النهر، فأخذها وعاد، هذه كلها من رعاية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وحسن توفيقه لأوليائه.

بردا وسلاما على أبي مسلم الخولاني

برداً وسلاماً على أبي مسلم الخولاني أبو مسلم الخولاني والأسود العنسي. تعلمون أن كثيراً ممن طمس الله على قلوبهم يتفننون في تعذيب الناس، ويحدثون من الأساليب في تعذيب البشر ما لا يعلمه إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وكان أبو مسلم الخولاني؛ لا يفتر من ذكر الله عزوجل. ولذلك ورد في الأثر: [[اذكر الله حتى يقول الناس: إنك مجنون، واذكر الله حتى يقال: إنك منافق]] وفي رواية: [[اذكر الله حتى يقول المراءون: إنكم تنافقون]] ولذلك تجد الإنسان الذاكر لله إذا ذكر الله، قالوا: يمكن أنه يحسب ما معه من أموال أو ما عنده من مكاتب عقارية أو سيارات، وهو يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. دخل هذا التابعي على الأسود العنسي، فقال له الأسود العنسي: أتؤمن بي؟ يعني: إنه رسول. قال: لا. قال: أتؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: بأبي هو وأمي، نعم أؤمن به، قال: والله لأقتلنك قتلة ما قتلها أحدٌ قبلي، يظن أن فرعون ما تقدم عليه. فجمعوا له حطباً حتى أسعروا هذه النار، ثم أتى الجنود فسحبوه بيده ليلقوه، فلما اقترب من النار قال كلمة إبراهيم عليه السلام: حسبي الله ونعم الوكيل، ثم القوه فيها، فجعلها الله برداً وسلاماً عليه، خرج من النار، وأخبروا الأسود العنسي، وقالوا: ألقيناه في النار فطفأت، قال: أخرجوه، هذا أكبر سحرة اليمن، أخرجوه حتى لا يفسد علينا الناس. فخرج رضي الله عنه وتوجه إلى المدينة. سمع عمر بن الخطاب في خلافة أبي بكر رضي الله عنه بشأن أبي مسلم، فقال: تصدوا لوفود اليمن، تصدوا واسألوا الركبان أفيكم فلان؟ فسألوا عنه حتى يئسوا منه، وفي يوم من الأيام دخل المسجد على وقت غفلة فقام يصلي، وخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورآه الناس، ورأى هذا الرجل الخاشع المتبتل في صلاته إلى الله، لأن الإنسان يخبرك من صلاته، ولذلك يقول المحدثون: كنا ننظر إلى الشخص فإن رأينا في صلاته حسناً وطمأنينة وخشوعاً كتبنا عنه، وإن رأينا فيه اضطراباً واعوجاجاً تركناه، فقام عمر بن الخطاب فلما انتهى، قال: أظن ذاك الرجل أنه أبو مسلم الخولاني، وقد كان لا يعرفه عمر رضي الله عنه، لكن رأى سكينة، فلما سلم على عمر قال: [[أأنت أبو مسلم؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فعانقه طويلاً فذهب به إلى أبي بكر الصديق وأجلسه بينه وبين أبي بكر، وقال عمر: الحمد لله الذي أرانا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن عليه السلام]]. نماذج عظيمة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلها تثبت حفظ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ورعايته وولايته لأوليائه، ومن الذي يحفظ الإنسان إذا لم يحفظه الله عزوجل؟!! ولذلك يقال عند النوم: اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك. وإذا حفظت الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حفظك أبداً.

الأمور التي يحفظ الله بها العبد

الأمور التي يحفظ الله بها العبد من الحفظ للإنسان أمور، سوف أذكرها ليتحفظها الإنسان، وتكون له عصمة -بإذن الله- أبداً في يومه، ولا يخاف أبداً، فمن الأمور التي تحفظ الإنسان:

الوضوء من الأمور التي بها يحفظ العبد

الوضوء من الأمور التي بها يحفظ العبد الوضوء هو سلاح العبد، يقول صلى الله عليه وسلم: {الوضوء سلاح المؤمن} وإذا توضأ الإنسان عصمه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من الشكوك، والشبهات، والأرواح الخبيثة التي تخالطه، والعيون الغادرة الماكرة الحاسدة، والنقمات بإذن الله.

أذكار الصباح والمساء من الأمور التي بها يحفظ العبد

أذكار الصباح والمساء من الأمور التي بها يحفظ العبد والحفظ الثاني: الأوراد والأذكار، وسوف أعرض عليكم أوراداً وأسأل الله أن يعيننا وإياكم على الذكر بها دائماً صباح مساء. منها: آية الكرسي؛ وآية الكرسي لها حديث عجيب عند العابدين، ولها جلالة عجيبة عند الموحدين لا يعرفها إلا من يداوم عليها؛ لذلك يقول ابن القيم: إني لأسأل الله عزوجل أن يمهل في عمري حتى أكتب مجلدات في تفسير وتخريج كنوز هذه الآية؛ يعني: آية الكرسي، لكن أخذته المنية عليه رحمة الله، وتعلمون ما جاء فيها من فضل وما تعصم به العبد في يومه وليلته. أيضاً خواتيم سورة البقرة؛ يقول علي رضي الله عنه: [[عجبت لمسلم له عقل ينام ولا يقرأ خواتيم سورة البقرة]]. ومن الحروز: المعوذات، يقول صلى الله عليه وسلم لـ عقبة بن عامر: {قل، قلت: ما أقول يا رسول الله؟ قال: قل، قلت: ما أقول؟ قال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] ثلاث مرات حين تصبح، وحين تمسي يكفينك من كل شيء} يعني: من الأذكار والأوراد. والأمر الرابع: قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، في الصباح مائة وفي المساء مائة، من قالها فله أربعة أشياء من الله وعد غير منقوص ولا مردود، وغير منسي بإذن الله، هذا ثابت في الصحاح: {تكتب له مائة حسنة، وتكفر عنه مائة سيئة، وتكون له عدل عشر رقاب، وتكون له حرز من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت يوم القيامة أحد بمثل ما جاء به إلا رجل عمل بمثله أو زاد عليه}.

قراءة القرآن أعظم الأمور التي يحفظ الله بها العبد

قراءة القرآن أعظم الأمور التي يحفظ الله بها العبد ومن الحروز التي جربت، والتي هي أنفع الحروز: قراءة كتاب الله عزوجل، ولا إله إلا الله! كيف يعيش الإنسان في هذه الحياة بلا قرآن؟! وكيف يستطيع أن يعيش يومه وليله بلا قرآن؟! هذا المصحف يجعل الإنسان كالثوب الذي عليه، يموت ويحيا مع المصحف، ما معك في الدنيا إلا القرآن، وما معك شيخ وأستاذ إلا القرآن. كان أبو بكر رضي الله عنه إذا أراد أن ينزل السوق، قرأ قليلاً في القرآن ثم أطبق صحفاً عنده ورفعها ونزل، ثم إذا أتى من السوق فتحها. ويقول الذهبي: يروى عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان مصحفه في البيت، فإذا دخل توضأ ونشر المصحف فقرأ فيه. يقول نافع: [[ما كان شغل ابن عمر في بيته إلا الوضوء والمصحف]]. متى ينتهي الإنسان من كتب الدنيا؟! متى ينتهي من مجلات الدنيا؟! متى ينتهي من جرائد الدنيا؟! لا يتركها أبداً لكن يترك كتاب الله عز وجل! ما كان المحدثون كـ حماد بن سلمة يقرأ حديثاً واحداً حتى يقرأ مائة آية. ولذلك فإن القرآن هو حرز الحروز، وهو الحافظ بإذن الله في الأزمات، والنكبات، والحزن، والهم، والغم، وليس مثله شيء من الحروز.

الصلاة في جوف الليل من الأمور التي يحفظ الله بها العبد

الصلاة في جوف الليل من الأمور التي يحفظ الله بها العبد ومن أحسن ما ينفع الإنسان ويشرح صدره الصلاة في جوف الليل، ولو ركعتين في خمس دقائق أو عشر دقائق، ولو قبل الأذان بربع ساعة أو بثلث ساعة، يقوم في تلك الساعة الساكنة الهادئة حينما يتنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في السماء الدنيا، الناس نيام، فلا لغو ولا ضجة، فيقول الله عزوجل: {هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟} ما ظنك لو سأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يقول: {هل من مستغفر فأغفر له؟} وأنت تقول: اللهم اغفر لي، {هل من داع فأستجيب له؟} وأنت تقول: اللهم أجبني، اللهم افتح علي. هذه من أعظم الفتوح، لكن لما سهرنا في أول الليل ضيعنا آخر الليل، والموفق من وفقه الله تعالى. نسأل الله أن يوفقنا فيما نستقبل من أعمارنا.

فعل النوافل من الأمور التي يحفظ الله بها العبد

فعل النوافل من الأمور التي يحفظ الله بها العبد ومن الحروز: التزود بالنوافل، وأنا أحجج بنفسي أمامكم، قبل أن أوصيكم أوصي نفسي، لابد للإنسان أن يتزود كثيراً، لأن الله عزوجل يقول: {ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته؛ كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به} فالنوافل النوافل. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم. سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

من أخبار النساء

من أخبار النساء النساء إذا اجتمعن تكلمن عن الرجال وهذا شيء دائم فيهن، وقد ذكر الشيخ حديث أم زرع المتفق عليه والذي ترويه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهي قصة إحدى عشر امرأة اجتمعن في الجاهلية، وتعاهدن على وصف أزواجهن بما فيهم، فقصت عائشة رضي الله عنها هذا الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستمع إليها تواضعاً.

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، الحمد لله ما اجتمع الصالحون، وما تواصل الأخيار الأبرار المفلحون، والحمد لله ما ذكر إلههم الذاكرون، والحمد لله ما غفل عن ربهم الغافلون، وصلى الله وسلم على المعلم الأول، الذي أتى وقال الله له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]. وأتى بـ {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) [القلم:1]. الذين تكلم للناس فكان أفصح الناس وهو ما قرأ ولا كتب!! كفاك باليتم في الأمي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم وعلى آله مصابيح الدجى، وغيوث الندى، وليوث الوغى، ومن سار على منهجهم إلى يوم الدين، ثم اعلموا -بارك الله فيكم- أن عنوان هذا الدرس من أخبار النساء. وللنساء أخبار وعجائب، وسوف نأخذ هذه الأخبار من ثقة، من عائشة رضي الله عنها، من أم المؤمنين، من الصديقة بنت الصديق، من الطاهرة بنت الطاهر، من المبرأة من فوق سبع سموات، نأخذ هذه الأخبار -أخبار النساء- من بيت محمد عليه الصلاة والسلام، من البيت الذي أسس على التقوى، والذي شعت منه أنوار القداسة، وأنوار الرسالة والهداية، والذي صدع منه النور حتى غطى العالم، والذي وصفه حاله أنه بيتٌ من طين: كفاك عن كل قصرٍ شهاقٍ عمدٍ بيت من الطين أو كهف من العلم تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم بيت من الطين، إذا نام فيه عليه الصلاة والسلام مس رأسه طرف البيت ورجلاه الطرف الآخر، أما بساطه فمن سعف النخل يؤثر في جنب المصطفى عليه الصلاة والسلام، وسقفه من سعف النخل، ومصابيحه إنها إضاءات من أعوادٍ كانت توقد في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن يكفي أن محمداً صلى الله عليه وسلم في البيت. إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا وإني لأستغشي وما بي غشاوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا نورٌ بعثه الله جلس في هذا البيت؛ فاسمع إلى الخبر، كانت عائشة تجلس معه رضي الله عنها وأرضاها، ووجد عليه الصلاة والسلام فراغاً في برنامجه اليومي، وجد ساعة زمنية وكان يلاطف نساءه ويمازحهن، ويسأل عن أخبارهن، فهذا الدرس اليوم هي تلك الساعة أنقلها لكم، وقد نقلها الإمام البخاري ومسلم والطبراني، أنا سوف أعرضها لكم كما عرضتها أم المؤمنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقته عبادة، ووقته رسالة وجهاد، وتضحية وبذل وعطاء، لكن وجد ساعة يرتاح فيها، فجلس مع عائشة يسألها عن الأخبار، وهو حديث أم زرع، وسبب هذا الحديث عند بعض العلماء أن الرسول عليه الصلاة والسلام سألها: هل ترضى بمعاملته صلى الله عليه وسلم؟ وكانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها فصيحة، كانت تعرف أخبار الجاهلية، قال بعض الرواة: كانت تحفظ ثمانية عشر ألف بيت شعر، هي راوية للأشعار، وهي كأبيها أبي بكر الصديق من أفصح العرب، وكان يعرف أنساب العرب، وإذا أتى إلى أبي بكر رجل قال: من أين أنت؟ قال: من غطفان قال: من أي بيوت غطفان؟ قال: من فزارة قال: من أي فزارة؟ حتى يوصله إلى بيته فهو نسابة وبنته نسابة، ومن يشابه أبه فما ظلم. نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا وكان صلى الله عليه وسلم يحب عائشة حباً جماً ويقول كما في الصحيح: {فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام} وهي زوجته في الجنة، فسمع حديثها، وحديث المرأة الدينة العاقلة كما قال ابن الرومي في زوجته: وحديثها السحر الحلال لو انه لم يجن قتل المسلم المتحرز إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ود المحدث أنها لم توجز سلسٌ يسلي القلب في غمراته بمطرزٍ عذبٍ وغير مطرز

حديث أم زرع

حديث أم زرع الآن يستمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محاضرة كاملة عن أخبار نساء الجاهلية، وسوف يعلق في آخر الخبر، ويجلس إمام البشرية، وهادي الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، متواضعاً أما فتاة صغيرة السن فتية، لكنه أوتي خلقاً عظيماً يقول الله فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. وهذا الحديث من كلام عائشة، تقول: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً. فليس معهن رجال، وهذا مجلس للنساء خاصة، وعددهن إحدى عشرة امرأة، وسوف تتكلم كل امرأة بوصف زوجها، تصفه لأخواتها وزميلاتها وقريناتها، واسمع إلى الداهية الدهياء، بعضهن ستمدح، وبعضهن ستذم، وبعضهن ستتوسط، يقول ابن حجر: وغالب أحاديث النساء إذا خلون تكون عن الرجال، وغالب أحاديث الرجال عن المعيشة والمال، وهذا أمرٌ معلوم إلا في النادر، كان لكل واحدة منهن زوج، وتبدأ الأولى، والذي يستمع لهذه الأخبار محمد عليه الصلاة والسلام، والتي تتكلم عائشة، وكانت تحفظ القصص بالنقل، ولذلك تأتي بها بالحروف، وهي من أحفظ الناس، ومن علماء الصحابة وكان يعود إليها الصحابة في كثير من القضايا الفقهية والحديثية، فهي فقيهة مجتهدة اجتهاداً مطلقاً رضي الله عنها وأرضاها.

الأولى: زوجها كلحم جمل غث على رأس جبل وعر

الأولى: زوجها كلحم جمل غث على رأس جبل وعر بدأن بالدور، فقالت الأولى: {زوجي لحم جملٍ غثٍ، على رأس جبلٍ وعر، لا سهلٍ فيرتقى ولا سمينٍ فينتقل} وصفت زوجها وصفاً سيئاً رديئاً تقول: مثل لحم الجمل، ولحم الجمل أردأ اللحوم، وهو يثير نزلة معوية عند كثيرٍ من الناس، فتقول: انظروا للحم الجمل هو مثله، ليس كلحم الضأن أو كلحم الأرانب أو كلحم الدجاج، إنما هو كلحم الجمل، يقولون: لحم الجمل لا يعصد فيصبح ثريداً، ولا يخلط فيصبح مرقاً، وإنما يضطر إليه اضطراراً ولو أن بعض العرب تشرف به وتأخذه، وليته لحم جمل وكفى، قالت: غث، والغث الهزيل، كجملٍ قحمٍ ساق به أهله ثم ذبحوه فانظر إلى لحمه على عظامه، قالوا: قليل الخير إن أتى عبس، وإن خرج أفلس، وإن دخل ضرب، وإن قام شجب، لا يأتي بخير، ولا يذهب بخير، كَلٌّ على مولاه، صخابٌ لا يقيم ديناً، ولا يحترم مروءة، وهذا مثل: قليل البركة في البيت الذي لا بركة فيه من دخوله على أهله، فلا يربيهم على شعائر الإسلام، وإنما يترك الحبل على الغارب بالملاهي والأغاني واللعب واللهو: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأنعام:70]. قالت: {على رأس جبلٍ وعر} على أنه لحم جمل وهزيل فهو على رأس جبل، والجبل ليته سهل، لكنه وعر وصعب {لا سهلٍ فيرتقى، ولا سمينٍ فينتقل} عبرت أنه شديد بالمال يعني: عنده سبعة أقفال، ومفتاحه في غترته، ولا يفتح حتى يقرأ آية الكرسي، وإذا فتح قلل العطاء، ويسأل عن أعواد الكبريت، وعما دخل وعما خرج، والسمن عنده بالملعقة، والدقيق بالدانق، فهو كأبي الدوانيق أبي جعفر المنصور، يقولون: أبو جعفر المنصور كان يحاسب مواليه على الثياب التي يلبسونها، وعلى الدراهم التي يأخذونها، وكانت في خزينته آلاف الملايين من الدنانير، تبني مدناً، ولذلك أبناؤه وبني أبنائه بنوا مدناً، على كل حال قالوا: عرف بالشراسة، وقالوا: قليل الخير، لا يتبسم إلا نادراً، بعض الناس لا يتبسم في ستة أشهر إلا مرة، ويتبسم في السنة مرة أو مرتين أو يخطئ أحياناً فيتبسم، وهذا خلاف نهج محمد عليه الصلاة والسلام {سئلت عائشة عن خلقه عليه الصلاة والسلام إذا دخل فقالت: كان ضحاكاً بساماً} ونحن لا نغير من طبائع الناس، ولكن على الإنسان أن يتوازن، ولا نقول: إن الإنسان معصوم ولكنه قد يهذب من حاله ومن روحه مع أهله قليلاً قليلاً، لكن اسمعوا لأخبار النساء وأقول لأحدكم: لا تستبعد أن امرأتك تقول في غيبتك كهذا الكلام، المرأة لا بد أن تتكلم في زوجها، ولو قالت: إنها لا تذكر خبره، بل تتكلم وتترجم له وتحاضر عنه الليل والنهار. قالت: {لا سهلٍ فيرتقى، ولا سمينٌ فينتقل} هذا لم يكن له جانب حسن فيعذر به، أبو سفيان يقولون: كان حسن الخلق لكنه شحيح على أهله، ولذلك شكته هند بنت عتبة، بنت الملأ الأشراف من قريش {أتت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجلٌ شحيح، فهل آخذ من ماله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف} فللمرأة إذا منعها زوجها من النفقة أو العطاء، أو من اللباس، أو النفقة الضرورية، أو منعها من أن تعطي أبناءها ما يذهبون به إلى المدرسة، أو الملابس، أو الطعام، فلها أن تأخذ من ماله بدون علمه لكن بالمعروف، لا تفسد ماله بل تأخذ قدر الحاجة ولا تزيد عليها، ولا تستأذنه ولا تخبره؛ لأن هذا رخصة من محمد عليه الصلاة والسلام، وإذا رخص صلى الله عليه وسلم فلا نعود لأحدٍ غيره: خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحلِ انتهت الأولى بكلمة واحدة.

الثانية لا تبث خبر زوجها لفظاعة أخباره

الثانية لا تبث خبر زوجها لفظاعة أخباره {قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره} تقول: أستره لكنها ما سترته، وهذه مقدمة، تقول: أنا أستر زوجي لو أخبركم بزوجي كان أمراً عجيباً {لا أبث خبره، إن أذكره أذكر عجره وبجره} تقول: اتركوني لا تفتحوا طريقاً لي على زوجي فأتكلم بكلام تصم منه الآذان، أنا لا أريد أن أذكره لو ذكرته أتيت عليه، فاتركوني وخبره وقولها: عجره وبجره، العجر في الأصل التورم في الظهر، والبجر: التورم بالبطن، وعلي بن أبي طالب ذكر ذلك في خطبة صحيحة عنه، وقف على المنبر بعد معركة الجمل، قال: [[إلى الله أشكو عجري وبجري]] بعد أن قتل طلحة وقتل الزبير وقتل كثير من الصحابة، ووقعوا في كثير من المسائل حزن علي رضي الله عنه وأتته هموم في صدره، قال على المنبر وهو حزين يتمنى لقاء الله: [[إلى الله أشكو عجري وبجري]] والمعنى: همومي وأحزاني، وما في نفسي، فتقول هذه المرأة: أنا إذا تكلمت نثرت عليكم من أخباره وأعلامه وأسراره ما الله به عليم، فاتركوا الأمر سراً ولا تسألوني عن شيء، إني إن أذكره أذكر عجره وبجره، وانتهت إلى هذا الكلام واللبيب بالإشارة يفهم، ويقولون: هذا من التكنية والتعريض، كما فعل حسان في شعره فكان يعرض بالكفار تعريضا، وقال الحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي محتمل عند العرب يقولون: اترك المكارم لا ترحل لبغيتها قد أتت المكارم إليك، وأنت الطاعم تطعم غيرك وتكسوه، فذهب الزبرقان عرف أن الرجل هجاه هجاء ما بعده هجاء، فذهب إلى عمر قال: يا أمير المؤمنين! انقذني من الحطيئة فقد تكلم علي؟ قال: ماذا قال لك؟ قال: يقول لي: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي عمر فصيح، عربي قح، يعرف الكتاب والسنة والشعر، لكنه قال: ما هجاك، يريد عمر أن يصلح قال: يا أمير المؤمنين! لقد هجاني. قال: لا. ما هجاك يقول: أنت الطاعم وأنت الكاسي وكلنا مطعوم مكسو من الله الواحد الأحد؛ لكن قبل هذا التخريج قال: لا. نتحاكم إلى غيرك، قال: إلى من؟ قال: إلى من يعرف الشعر قال: تعالوا بـ حسان فأتوا بـ حسان فتلوا عليه البيت: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي قال عمر: ما رأيك في البيت؟ قال: ما هجاه ولا سبه؛ لكن سلح عليه فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه: اليوم ننصفه منك، فأنزله في قعر بئرٍ وقصته طويلة وقد أبكى بقصيدة له عمر، كان يصيح الحطيئة مثل الثعلب من أقصى البئر، بئر ليس فيه إلا قليل من الماء، أنزله عمر بحبل فكان يصيح مثل الثعلب من أقصى البئر ويبكي، وأبناؤه في نجد، يقول لـ عمر وعمر يسمع كلامه: ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ زغب الحواصل لا ماء ولا شجرُ يقول: ماذا تقول لله يوم تركت أطفالي في نجد وأنا في البئر في المدينة ألقيت كاسبهم في قعر مظلمةٍ فاصفح عليك سلام الله يا عمر أنت الأمين الذي من بعد صاحبه ألقت إليك مقاليد النهى البشرُ لم يؤثروك بها إذ قدموك لها لكن لأنفسهم كانت بها الأثر فدمعت عينا عمر قال: أشتري منك عرض المسلمين ألا تسبهم، خذ ألف دينار، حتى لا يتعرض لأعراضهم، وأعطاه ألف دينار فلما توفى عمر عاد الحطيئة يهجو المسلمين ويقول: لو علم عمر لقطع لساني، الشاهد أن هذا هو التعريض.

الثالثة تصف زوجها بالحمق والتسرع والغلظة

الثالثة تصف زوجها بالحمق والتسرع والغلظة أما الثالثة: فاسمعوا كلامها قالت: {زوجي العشنَّق، إن أنطق أُطَلَّق، وإن أسكت أعلق}. قالت العشنق: طويل العنق فيه خبل، وقيل: هو الطويل الذاهب الطول، ولله سبحانه في خلقه ما يشاء، ونحن لا نذم الطويل، ولا القصير، وليس عندنا معامل كيماوية للناس: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. وليس عندنا أبيض ولا أسود، ولا أخضر ولا أحمر، وفي الحديث الصحيح عند مسلم: {إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم} لكن هي غضبت حتى من صورته تقول: طويل رأسه يصطدم في السقف دائماً، والطول على كل حال من أحسن ما يكون؛ لكن إذا كان معتدلاً، لأن الله عز وجل وصف طالوت قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لما قالت اليهود {أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة:247]. قال المفسرون: كان طويلاً، والطول طيب إذا صاحب تقوى، والقصر طيب إذا صاحب تقوى الله، ولا بارك الله في طولٍ أو في قصرٍ بلا تقوى، فلا يقاس الناس يوم القيامة بالسنتيمتر، ولكنهم يقاسون بالأعمال الصالحة وبالحسنات: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) [الزلزلة:7 - 8]. لكن هكذا تقول هذه المرأة، قالوا العشنق: هو الأحمق الأهوج الخبل المعتوه، الذي قليلٌ عقله وتصرفه، والأحمق لا يعرف مصيره مع الله ولا يعرف طريقه ولا يهتدي لخير، ولذلك تجده يخسر الدنيا والآخرة والعياذ بالله، ولا يعرف مصلحته، من أعظم مصالحه أن يهتدي ولكن لا يهتدي. {إن أنطق أطلق} تقول: إذا تكلمت أو رددت عليه فالطلاق جاهز على طرف لسانه، لا يأتي بشيء إلا طلق، والبعض الآن أصبح يطلق بالألف، وتعدى بعضهم فطلق بالمليون، بعضهم يسأل يقول: أنا طلقت زوجتي بالمليون [[أتى رجل إلى ابن مسعود قال: طلقت زوجتي بمائة مائة مرة، قال: ما عليك -الحمد لله الأمر سهل- طلقت بثلاث وبقي عندك سبعة وتسعون]] يعني: لا تتكلف، ولا تهتم، أما ثلاث فقد ذهبت وسبعة وتسعين ادخرها لزوجاتٍ أخر قالت: {إن أنطق أطلق} يعني: ما عنده مفاوضة ولا كلام ولا يقبل وجهات النظر، وعنده دكتاتورية، فهو لا يقبل رأيها ولا كلامها أبدا، ً وبعض النساء لا يمكن أن تتدخل مع زوجها في أي قضية حتى في قضية نفسها، وبعضهن على الطرف الآخر تتحدث حتى في مشكلة الشرق الأوسط، وفي كل قضية تتحدث وتلقي محاضرات وتتكلم، قالت: {وإن أسكت أعلق} قالت: وإذا سكت فأنا معلقة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء:129] والمعلقة المرأة المتزوجة التي هجرها زوجها، فلا هي بذات زوج ولا هي خلية، فهي في البيت مركونة أبداً. كل الثلاث نزلوا بسكاكين على الأزواج وهذه من طبيعة الزوجات في الغالب، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام وصفهن بأنهن {يكفرن العشير، ويكثرن اللعن، لو أحسنت لإحداهن الدهر قالت: ما رأيت منك خيراً قط} لكن فيهن عفيفات، وقورات، كريمات، دينات، محترمات، لكن هذا في الغالب، ونحن والله ما جئنا لنجرح النساء ولا نندد بهن ولكن أتينا نقرأ كلام عائشة من صحيح البخاري ونشرحه للناس.

الرابعة زوجها كثير الأكل والشرب والقسوة

الرابعة زوجها كثير الأكل والشرب والقسوة {قالت الرابعة: زوجي إن أكل لف -يعني: أكله لف- وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث} انظر الفصاحة! تقول: زوجي إن أكل لف: تقول: يأكل الغداء ويتركني، ولا أكاد أنزل الصحن إلا وقد انتهى وغسل وقال: {الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة} اللقمة الواحدة بخمس والأجر على الله، وإذا اشتغل على السفرة اشتغل بإتقان وحكمة عملاً بحديث: {إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه} يشرب البارد قبل الحار، ولا يعجزه شيء. وقد كان العرب يتسابون بكثرة الأكل، ويذكر أن من أكثر الناس أكلاً سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي يقولون: حتى ترهل بطنه فما كان يخطب إلا جالساً على المنبر، ويقولون: كان إذا طبخ دجاجاً لا ينتظرها حتى تحول من القدر، كان يأخذ كمه ويدخل يده وينتزع الدجاجة برجلها، كأنه يلعب (كراتيه) ولكن كان منهم من يتقي الله، وكان منهم من يستخدم أكله وطعامه في معصية الله، عمرو بن معدي كرب الزبيدي فارس العرب يقولون: أكل عنزاً وفرق ذرة ذكره ابن قتيبة وابن عبد البر، وهو من سادات مذحج لكن كان إذا ضرب الفارس يقسمه بالسيف نصفين، وكان لا يهرب من المعارك، لا يعرف إلا (أماماً سر) أما (إلى الخلف در) فلا يعرفها في المعركة؛ فيسمونه أقدم العرب وأشجعهم، حتى يقول أبو تمام: إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس فهذا هو الإقدام وليس شاهدنا، ولكن المقصود أن كثرة الأكل تذم، وإذا كان يعين صاحبه على النوم والكسل والخمول وعلى المعصية فهو أشد ذماً، فإن بعضهم يأخذ نعم الله ولا يشكره، ولكن الأكل إذا كان في طاعة الواحد الأحد فهنيئاً مريئاً، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر} فكل مما أحل الله، وكل الطيبات من اللحم، والعسل، ولكن كن رجلاً صالحاً تعبد الله بهذا الطعام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172]. كل من الطيبات وأكثر، ولكن لا تداوم على التبجح والشبع الكثير فإنه يكثر من النوم، ويكثر كذلك من الكسل، والخمول وهو يعرض صاحبه للأمراض، ولا تمت يبساً وجوعاً مثل المسيحيين والرهبان فهذا ليس من الإسلام، وخير الأمور أوسطها، ولا تقتصر كذلك على ما لا يكفي وعندك الكثير لكن قل: رب أوزعني شكر هذه النعمة. قالت: {زوجي إن أكل لف} هي تشكو كأن مالهم قليل وهي مسكينة جائعة منذ عرفته لا تشبع معه، يأكل ما بين يديها وما خلفها، {وإن شرب اشتف} أي: لا يجرع الماء، لا يشرب مثل الناس بل يدغفه دغفاً، وهذا مذموم، ومن السنة أن لا يشرب الإنسان دغفة لأنه يورث مرضاً في المرئ، وبعض الناس يشرب مثل شرب الثور، تسمع له جرجرة. قالت: وإن اضطجع التف تقول: ينام وحده ويلف الكساء حتى لا يكشف إلا في الصباح، يلف البطانية عليه ثلاث مرات، ثم ينام، وهذا مذموم عند النساء كما تعرفون، قالت: إذا اضطجع التف، أي أنه: يلتف بالبطانية أو بالكوت أو بالجلباب، ثم إذا أراد أن يقوم رد في لفافته حتى يستيقظ. ولا يولج الكف ليعلم البث تقول: أمرض عنده ولا يضع يده عليَّ من الحر، لا يعرف التمريض وليس فيه رحمة. بعض الناس فيه عطف وحنان إذا مرض الطفل وضع يده على جبهته، وهذا هديه عليه الصلاة والسلام، كان إذا أتى إلى أصحابه يضع كفه الشريفة على صدر الصحابي فيسأل عن حاله، قال سعد بن أبي وقاص المجاهد العظيم خال محمد عليه الصلاة والسلام، مدكدك دولة الظلم والعدوان، قائد المسلمين في القادسية، يقول: {زارني صلى الله عليه وسلم وأنا مريض، فوضع يده على صدري، ويقول: بعد ثلاثين سنة: فوالله لكأن يده الآن على صدري أبرد من الثلج} وكان صلى الله عليه وسلم يأتي إلى الأعراب وهم أعراب ما بينهم معرفة أصيلة كالصحابة، ويضع يده عليهم، ويقول: {لا بأس، طهور إن شاء الله} دخل على أعرابي شيخ كبير والحمى ترزفه رزفاً وتهزه هزاً، يقول المتنبي في الحمى: وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور إلا في الظلام بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي فدخل عليه الصلاة والسلام على الأعرابي وهو يتصبب عرقاً تحت البطانية فوضع الرسول صلى الله عليه وسلم يده عليه قال: {لا بأس طهورٌ إن شاء الله} وهذا الأعرابي لا يعرف ذلك قال: {لا ليست بطهور بل حمى تفور، على شيخ كبير تزيره القبور} -يقول: بعد قليل تعلم الطهور هذا يؤديه إلى المقبرة هذه الحمى- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {نعم إذاً} فمات منها، وفي الحديث الصحيح: {إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط} فتقول: هذا لا يعرف المرض ولا يسأل عن المريض، وليس بصاحب رحمة ولا عطف ولا حنان، وهذا خلاف للهدي المعروف في الإسلام قالت: ولا يولج الكف ليعلم البث أي: ليعلم الحزن حتى أنه لا يشارك الهموم، ولذلك يقول الشاعر العربي: ولا بد من شكوى إلى ذي قرابة يواسيك أو يسليك أو يتوجع فالشكوى مطلوبة، ولذلك فعلى المسلم أن يقوم مع المصاب في مصابه، ومع المريض في مرضه، ومع صاحب الفاقة في فاقته، وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: {إن الله يقول يوم القيامة: يا بن آدم مرضت ولم تعدني، قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده، أما إنك لو عدته لوجدت ذلك عندي} قال الشاعر: مرض الحبيب فزرته فمرضت من خوفي عليه اسمع البيت ما أحسنه: مرض الحبيب فزرته فمرضت من خوفي عليه وأتى الحبيب يزورني فشفيت من نظري إليه هذا جيد وهذان بيتان جيدان إن شاء الله.

الخامسة تصف زوجها بالحمق

الخامسة تصف زوجها بالحمق وقالت الخامسة: {زوجي عَياياء طباقاء، كل داء له داء، شجكِ أو فلكِ أو جمع كُلاً لكِ} وهكذا لغتهم؛ لأنهم عربٌ فصحاء والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسمع الحديث ويتبسم، وهو أفصح من نطق بالضاد، وهو المتكلم للأمة العربية، وهو الذي أتى بالقرآن، وهو الذي بكت المنابر من تحته. يقول أحمد شوقي: وإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو النديَّ وللقلوب بكاء وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاءُ وإذا رحمت فأنت أمٌ أو أبٌ هذان في الدنيا هما الرحماء أفصح الناس لكن يتبسم من هذا الكلام؛ وهذا الكلام عويص علينا نحن، فقد فسدت لغتنا بكثرة الداخل علينا، حتى أصبحنا نتعلم اللغة العربية تعلماً قالت: زوجي عياياء، أي: لا يعرف يتكلم مثل الناس، بليته عقدة في لسانه، لا يخرج الحروف من مخارجها، أصم، أبكم أخرس، يأتي في الشهرين بكلمة، إذا سألت عن اسمه يخبر باسمه فقط، وهذا يميت البيت؛ لأنه لا بد من قراءة أو حديث. قالت: طباقاء، الطباقاء قالوا: الأحمق التي انطبقت أموره عليه، أصبح ذروة في الحمق، ومن أشهر الخبلان في العالم، طباقاء يعني: مطبقٍ عليه بحمقه، وسوء تصرفه، وعدم معرفة مصالحه، ونحن أهل الإسلام نقول: أحمق الناس من لم يهتد إلى النور الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، قالت: صفوه بالمعايب والمساوئ كلها، فهو يقبلها ويتحملها، وتصلح أن تكون فيه، ركبوا عليه ما شئتم، كل داء في الدنيا يصلح أن يكون له داء. {شجكِ أو فلكِ أو جمع كلاً لكِ} تقول: عنده عصا وكل يوم يشجها، وجسمها أصبح حقل تجارب للضرب، فمرة يضرب بالمشعاب، ومرة بالهراوة، ومرة بالسكين فتقول: مرة شجة في الرأس، ومرة فلة في الظهر، ومرة يجمع بين الحسنيين أثابه الله، فيشج في الرأس ويضرب في الكتف فيقولون: الفل في الجسم، والشج في الرأس، وهذا من الضرب، والضرب في الإسلام في حدود الضرب غير المبرح، وهي إذا نشزت المرأة وعصت زوجها، فعليه أن يهجرها في الفراش، فإن أبت فعليه أن يضربها ضرباً غير مبرح، ولا يضرب الوجه فإنه حرام ولا يقبح، والتقبيح: هو اللعن وهو حرام، ولا يضرب الأماكن الخطرة في جسمها كالبطن، وكذلك هي لا تضرب وجهه، ولا بطنه ولا تطلقه، هذه من الأمور التي ينبغي أن أنبه عليها، لكن الضرب غير المبرح الخفيف الخفيف، الذي هو قدر سوط أو سوطين من غير تبريح يقولون: كان شريح عنده زوجة اسمها زينب يقولون: كانت تعصيه قالوا: لو ضربتها فقال: رأيت رجالاً يضربون نساءهم فشلت يميني حين أضرب زينبا ولكن مقصودنا هنا أنها تقول: إنه رجل سريع الضرب، سريع العصا. أتت فاطمة بنت قيس تستشير محمداً صلى الله عليه وسلم بعد أن طلقها زوجها فتقدم لها ثلاثة: أسامة بن زيد وومعاوية بن أبي سفيان وأبو جهم، فكلهم تقدموا في آن واحد يريدون أن يتزوجوا منها، فذهبت إلى محمد عليه الصلاة والسلام وهو يعرف الناس، قالت: يا رسول الله! تقدم أسامة وتقدم أبو جهم وتقدم معاوية فبمن تنصحني منهم؟ قال عليه الصلاة والسلام: {أما معاوية فرجلٌ صعلوك لا مال له} أي: (على الحديدة) ما عنده شيء في البيت، عنده فئران تتطارد في البيت، وهذه نصيحة، والدين النصيحة، وأصبح فيما بعد ملكاً رضي الله عنه وأرضاه، وأما أبو جهم فضراب للنساء -عصاه معلقة بالبيت، يضربهن- يقول عمر عن الزبير بن العوام [[يدٌ بقرطٍ ويدٌ بعصا]] لأن امرأة أتت إلى عمر رضي الله عنه تقول: تقدم الزبير يريد أن يتزوجني -والزبير أحد العشرة، حواري الرسول عليه الصلاة والسلام، الإمام العلم الذي يدوس الأبطال في المعركة مثلما يدوس الأسد المعزة- أتت هذه المرأة إلى عمر وقالت: [[ما رأيك في الزبير؟ قال عمر: يدٌ بقرطٍ ويدٌ بعصا]] يقول: احذري منه فإنه ضراب للنساء. قال النبي صلى الله عليه وسلم: {أما أبو جهم فلا يضع العصا من عاتقه، أنكحي أسامة، فنكحته فاغتبطت به} أي: أنها هنئت معه وكانت في أحسن عيشة بمشورة محمد عليه الصلاة والسلام.

السادسة تمدح زوجها

السادسة تمدح زوجها {وقالت السادسة: زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة} ليل تهامة يقولون: إنه من أحسن الليالي، وهو مستوٍ ليس بحارٍ ولا بارد، وهو هادئ النسمات، خاصة إذا كان على البحر فإنه يذكرك السكن في الجنان، قالت: مثل: ليل تهامة معتدل الأجواء، لا ريح هوجاء، ولا فيه صخب ولا نصب ولا إزعاج، وهو سهلٌ سلس، والليالي عند العرب -يا أيها السادة- تطول بالهم وتقصر بالسرور. فقصارهنَّ مع الهموم طويلة وطوالهن مع السرور قصارُ ويقول امرؤ القيس وهو ينظر لليل وكان يسكن في نجد قال: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثل يقول: متى تصبح لأنه مهموم، ويقول النابغة: وصدرٍ أراح الليل عازب همه تضاعف فيه الحزن من كل جانب تطاول حتى قلت ليس بمنقضٍ وليس الذي يرعى النجوم بآيب إلى آخر ما قالوا في ذلك، ويقول مجنون ليلى وهو يصف طول الليل: ليلي وليلى نفى نومي اختلافهما في الطُول والطَول يبدو لي إذا اكتملا يجود بالطول ليلي كلما بخلت بالطَول ليلى وإن جادت به بخلا وهذه زوجها فيه خيرٌ كثير وهادئ البال يقولون: ما وصفته وصفاً كثيراً في المدح، ولا ذمته، ويمكن المعيشة تصلح معه، ولذلك لا يطالب من الناس أن يكونوا في سعادة 100% فإن هذا لا يوجد إلا للأنبياء والرسل، لكن يرضون ويتحملون، وعلى الله أن يسدد ويقارب.

السابعة زوجها كالأسد خارج بيته وكالفهد في بيته

السابعة زوجها كالأسد خارج بيته وكالفهد في بيته وقالت السابعة: {زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد} تقول: إذا دخل كالفهد، قالوا: وصفته بالسرعة، وأنه ضجر كثير الحركة، وعجول في الأمور، كأنه دائخ أو كأنه سكران، لا يعرف شيئاً، ولذلك بعضهم دائماً لا يتثبت في أموره ولا في حركاته من كثرة تعجله، وشبهته بالأسد إن خرج بين الناس خافوه فهو شديد الصولة، تمدحه بالشجاعة. أفاطم لو شهدت ببطن خبت وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا إذاً لرأيت ليثاً رام ليثاً هزبراً أغلباً يبغي هزبرا يصف نفسه بأنه الأسد، وقال آخر: ترى الرجل الطرير فتزدريه وفي أثوابه أسدٌ هصورُ أو كما قال لا يهمنا فقد وصفته بالشجاعة، وشجاعة أهل الإسلام في الحق، والشجاع إنما هو من يتقي الله: ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل فالبطل في الإسلام، هو الذي يتقي الله، وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: {ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه وقت الغضب}. قولها: ولا يسأل عما عهد أي: من حسنات هذا الرجل أنه يعطيني المال ولا يسأل، يعطي المال واللحم والعسل والسمن، ولا يسأل ولا يدقق ولا يحسب، تتصدق، تضيف، تنفق، تأكل، فلا يسأل عما عهد، وبعضهم يقول: تذمه، تقول: ما يسأل عنا ولا يسأل عن أخبارنا، ولا عما نقص علينا وكلا الوجهين محتمل.

الثامنة زوجها مسه كالأرنب وريحه كالزرنب

الثامنة زوجها مسه كالأرنب وريحه كالزرنب قالت الثامنة: {زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب، وأنا أغلبه والناس يغلب} استمع محمد صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث، فمن باب أولى أن تسمعوا هذا الحديث قالت: زوجي المس مس أرنب، أي: خفيف المس طيب لين، بإمكانها أن تداعبه، وأنه قريب، لأن بعض الناس بعيد حتى على أطفاله. دخل الأقرع بن حابس على محمد عليه الصلاة والسلام -والحديث صحيح- فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الأطفال ويأخذهم ويقربهم؛ قال الأقرع: يا رسول الله؛ تقبلون الأطفال عندكم؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم. قال: عندي عشرة أبناء والله ما قبلت واحداً منهم، قال: وهل أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك، أي: لستُ مسئولاً على أن الله نزع الرحمة من قلبك. تقول: إنه قريب المس، أي: أنه يداعب أطفاله وأنه قريب وسهل. والريح ريح زرنب، الزرنب: شجر طيب الرائحة تقول: دائماً يتطيب والنساء يعجبهن الطيب، وعلى المسلم أن يكون مطيباً دائماً. رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب وكان عرق محمد عليه الصلاة والسلام كأحسن المسك وإذا صافحه المصافح بقي وقتاً طويلاً كما قالوا يجد رائحة الطيب في كفه، والطيب من أحسن ما يكون، ولذلك أوصي به إخواني عند المصافحة والملاقاة، ودخول البيت، والذهاب إلى الصلاة، وهو يزكي النفس، ويفتح الذهن، ويجعل للإنسان تأصيلاً في عقله، ويركز اهتمامه، وهو قوت الروح. ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هنداً عشياً تمشت وجرت في جوانبه بردا والريح ريح زرنب، وأنا أغلبه والناس يغلب، تقول: أنا أغلبه، ومن الناس من تغلبه النساء، وهن شرُ غالبٍ لمن غُلِب، من الرجال من تغلبه النساء في الضرب وفي الأمر والنهي وفي كل شيء. والناس يغلب، تقول: ويغلب الناس، ولكني أغلبه في البيت، تمدحه بذلك وتثني عليه، وهذه من الخصال الممدوحة، كان محمد عليه الصلاة والسلام، سهلاً تقول عائشة: {كان رجلاً سهلاً} تقول له: أأعتمر يا رسول الله؟ -بعد أن قضت الحج- قال: {يا عبد الرحمن اذهب بها إلى التنعيم فأعمرها} فكان سهلاً عليه الصلاة والسلام. وكان يجلس مع النساء فيتحدث معهن وترتفع أصواتهن، فلما اقترب عمر وسمعن جلبته وصوته ابتدردن الحجاب فقال: يا عدوات أنفسكن! كان أولى أن تهبن رسول الله، فقامت امرأة وقالت: أنت فظٌ غليظ وليس كذلك رسول الله، قال الله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].

التاسعة تصف زوجها بالكرم والجود

التاسعة تصف زوجها بالكرم والجود قالت التاسعة: {زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد}. تقول: {زوجي رفيع العماد} أي: أن بيته متسع في وسط الحي يضيف الناس؛ لأن البخلاء عند العرب يسكنون في شوارع ضيقة لا يهتدي لها الإنسان، فيضيع قبل أن يصل البيت، ولذلك إذا وصف لك البخيل بيته قال: على يمين المسجد، ثم لف على اليسار ثم خذ يمينك، ثم يسارك حتى تضيع قال الشاعر العربي: ولست بحلال التلاع مخافة ولكن متى يسترفد القوم أرفد يقول: أنا لا أسكن المنخفضات البعيدة، إنما أسكن على جانب الطريق، ويقولون: كان حاتم الطائي يسكن وسط قبائل العرب، وكان يشعل النار في الليل، ويقول: من يريد الطعام فليأت، فكان يشعل ناره حتى تعلن أن هناك كرماً فيأتون يهتدون إلى النار، تقول الخنساء في أخيها: وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علمٌ في رأسه نار وإن صخراً لوالينا ومنقذنا وإن صخراً إذا نشتوا لنحار هباط أودية حمال ألوية شهاد أندية للجيش جرار وقالوا: كان إبراهيم الخليل عليه السلام أستاذ التوحيد، وشيخ العقيدة؛ كان عنده قصر في أرض كنعان وله بابان، يقول للخادم من خدامه: إذا أتيت بضيف فأنت عتيقٌ لوجه الله، فانظر كيف سيكون شعور الخادم، سيأتي بضيف ولو من التراب، فيذهب هذا الخادم فيأتي بضيف، أحدهم ذهب فأتى برجلٍ كافر مشرك فأدخله في قصر إبراهيم عليه السلام، فقدم له إبراهيم صحفه، ولذلك يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنه في القرآن: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26]. والعجل هو التبيع، قالوا: سمين وقيل في سورة هود (حنيذ) سمين، وحنذه على الجمر حتى يكون أشهى، قالوا فقرب الطعام لهذا المشرك وقال له: قل: بسم الله، قال المشرك: لا أعرف بسم الله، قال: قل: بسم الله قال: لا. قال: قل: بسم الله، قال: لا. قال: والله لا تطعمه، فأوحى الله له: يا إبراهيم عجباً لك، خلقت هذا وله ستون سنة أطعمه وأسقيه، وراد أن يتعشى عندك ليلة فحرمته. قالت: {رفيع العماد} يعني: أنه يتصدى للضيوف دائماً ويرحب بهم، وأكرم من عرفت الخليقة محمد عليه الصلاة والسلام: ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم وكان يخرج بالطعام على الناس ويدخل أصحابه على طعامه، وسأله رجل فأعطاه بردته، ويعطي مائة ناقة، وكان المال عنده مثل التراب، وقال ابن عباس في الصحيح: {كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فكان رسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة}. واختلفوا في أكرم العرب، على كل حال جلس ثلاثة في البيت العتيق واختلفوا في أكرم العرب، فقال بعضهم: أكرم العرب عرابة الأوسي كان يطعم صباح مساء. وقال الثاني: عبد الله بن جعفر. وقال الثالث: بل أكرم العرب قيس بن سعد بن عبادة فقالوا: كلٌ منا يذهب ويلبس ألبسة رديئة ويظهر في مظهر مسكين ويسأل صاحبه ثم عودوا إلى الحرم، وننظر ماذا يعطيكم، فذهب صاحب عبد الله بن جعفر الطيار إليه، فوجده قد خرج إلى الشام على فرس يريد سفراً قال: أنا رجل منقطع وأريد مالاً قال: خذ هذا السيف وخذ هذا الفرس، ولو كنت في المدينة أعطيتك، وأنا أريد السفر لكن سوف أنزل تحت هذه الشجرة حتى يأتيني ركب والله يرزقك، قال: لا أقطعك ولا أقطع سفرك قال: والله لتأخذنه، قال: فأخذت السيف والفرس بما عليه، وجلس هو تحت شجرة ينتظر المسافرين، وذهب الثاني عند قيس بن سعد بن عبادة فطرق عليه الباب فخرجت الجارية قال: أريد مالاً أنا فقير فذهبت قالت: مولاي نائم ولكن خذ ألف دينار ولو كان يقظان لأعطاك -ألف دينار تعادل مائة ألف اليوم- وذهب الثالث إلى عرابة الأوسي فوجده قد عمي وخرج إلى المسجد على عبدين يتكئ على أحدهما باليمنى وعلى الآخر باليُسرى ويريد صلاة العصر فقال: أعطني من مال الله، قال عرابة الأوسي: ذهبت النفقات بأموالي ما بقي إلا هذان العبدان خذهما لك قال: فأخذتهما وأخذ هو يعتمد ويلتمس الجدار إلى أن وصل المسجد قالوا: أكرمهم عرابة الأوسي فقال فيه الشاعر: إذا ما راية رفعت لمجدٍ تلقاها عرابة باليمينِ قالت: {زوجي رفيع العماد، طويل النجاد} يعني طويل السيف، ليضرب به في المعركة أي أنه شجاع {عظيم الرماد} وهي عند العرب تحتمل الذم وتحتمل المدح، يحتمل أنه عظيم يقري الضيف كثير الرماد لأن قدره دائماً على النار، {قريب البيت من الناد} أي أن بيته وسط القرية ووسط المدينة يتصدى للضيوف، ليس لبيته بواب، وليس عليه حجاب وأبواب وحدائق حتى لا تصل إليه إلا بشق الأنفس.

العاشرة: زوجها كريم

العاشرة: زوجها كريم {قالت العاشرة زوجي مالك وما مالك؟! مالك خيرٌ من ذلك، له إبلٌ قليلات المسارح، كثيرات المبارك، إذا سمعن صوت المزاهر أيقن أنهن هوالك} تقول: اسمه مالك، قيل في بعض الروايات: اسمه مالك، وتقول: إنه جواد وفيه خيرٌ كثير؛ لكن ميزته الكرم، عنده إبلٌ في البيت قليلات المسارح يعني أنها لا تسرح دائماً، عادة العرب يقولون: يؤخرون مسارح الإبل ينتظرون الضيف، والبخيل يسرحها من بعد صلاة الفجر، لا يصلي الفجر إلا وقد قال لأبنائه: إلى المرعى، بخلاف: حاتم الطائي وغيره؛ لعله أن يأتي ضيف، فيتركونها. (كثيرات المبارك) دائماً حول الخيام {إذا سمعن صوت المزاهر أيقن أنهن هوالك} قيل المزاهر: الأعواد، وقيل: السكاكين، وقيل: هو ما يستخدم في التطريب للضيف، كان الجاهليون إذا قدم الضيف ضربوا الدف والضيف قريب، فتعرف الناقة أنه قد حكم عليها بالإعدام لما تسمع من صوت الدف.

وصف أم زرع لزوجها أبي زرع

وصف أم زرع لزوجها أبي زرع قالت الحادية عشرة: {زوجي أبو زرع وما أبو زرع أنس من حلي أذني} اسمه هو أبو زرع ثم تقول وما أبو زرع؟ وهذه الجملة للتعظيم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1 - 3]. {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:1 - 2]. {أنس من حلي أذني} أي: أحسن عندي من حلي الأذن بالأنس واللطف والسكينة، والقرب والهدوء والليونة، وعند البخاري في رواية: {وأملأ من شحم عضديَّ} تقول: إنه عندي أحسن من الشحم الذي في عضدي لما بيني وبينه من قرب ومودة ورحمة. وبجحني فبجحت إليَّ نفسي، تقول: أعطاني من الدنيا حتى افتخرت على زميلاتي وأخواتي، وتعاظمت إلي نفسي، وهذا ليس محموداً على الإطلاق، وسوف يأتي تفصيله، تقول: وجدني في أهل غُنيمة بشقٍ أي: أن أهلها أصحاب غنم في بادية فقيرة، فجعلني في أهل صهيلٍ وأطيطٍ، ودائسٍ ومُنَقٍّ، أي: فتحولت إليه فأصبح عندي خيل لأن عنده خيلاً وعنده أطيطاً أي: إبل تئط أطيطاً، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موطن أربع أصابع إلا وملكٌ راكعٌ أو ساجد} وفي حديثٍ يروى عنه في العرش عليه الصلاة والسلام: {وإنه ليئط به أطيط الرحل براكبه} والأطيط صوت القتب، وصوت المحمل على الجمل، الخشب الذي تسمع له صريف. تقول: عنده إبل وخيل وعطاء. وينبغي للمرأة ألا تتزوج الرجل لماله، بل تتزوجه لدينه، فالمال وحده لا ينفعها، ولو كان عنده مال قارون، وكثير من الفتيات تزوجن رجالاً ذوي أموال، ولكن أهل الأموال هؤلاء كانوا فجرة، وأهل ربا وخيانة مع الله، وأهل غدر مع الواحد الأحد، فأصبحت حياتهم غدراً وزوراً وبعداً عن الله. وهناك نساء تزوجن فقراء، ولكن هؤلاء الفقراء عرفوا الله أهل صيام وصلاة، وعبادة وتقوى لله، فسعدن سعادة ما بعدها سعادة، فلا تعد المال شيئاً فهو لا يساوي التراب إلا بتقوى الله. قالت: {ودائس ومنقٍ} تعني: أن له دجاجاً، لكن استبعدوا ذلك فذكره الحافظ في الفتح، وقيل: إنه كثير البر حتى ينقى عنده بالمناخل. {فعنده أقول فلا أقبح} تقول: أتكلم وألقي ما في ذهني فلا يقبحني ولا يقاطعني، ويستمع إلي، وهي خصلة جيدة في الرجال، ويجب أن يعيها المسلم فيسمع لصوت المرأة، والإسلام هو الذي عرف قدر المرأة وسمع صوتها بعد أن قتلت الجاهلية صوتها المرأة ووأدتها، ولم تعترف بها، فجاء الإسلام فكرمها. {وأرقد فأتصبح} تتشرف تقول: الصباح أرقد في الصباح حتى الضحى، أي أنها تسهر وتلهو ثم تنام متأخرة فلا تضطر للقيام بل تظل نائمة حتى وقت الضحى، ولو عرفت التسبيح حتى طلوع الشمس وقراءة القرآن كان أحسن، لكن تصف أنها مرتاحة، وأنها تنام على ما تريد، وتقوم متى أرادت. وأشرب فأتقمح أي: أشرب فأزيد من الشرب، فهي تشرب من اللبن، وتشرب من العسل، وتشرب من السمن لا يقول: كفى، إنما تشرب جهدها. ثم تصف أم أبي زرع وابنه وزوجه الأخرى وبنته تقول: {أم أبي زرع p> وما أم أبي زرع؟ عكومها رداح} تقول: كثيرة النعم، حتى أمه عندها غرف نوم، وعندها فرش، وعندها خيرٌ كثير قالت: {وبيتها فساح} تقول: حتى بيت أم أبي زرع واسع. {ابن أبي زرع، وما ابن أبي زرع مضجعه كمسلِّ شطبة} تقول: مثل السيف، لأن العرب تفتخر بمن يختصر في نومه وفي أكله، تقول: ينام على أدنى شيء، ينام مرة عند الباب، ويدخل مرة ينام في أي مكان؛ لأن ذلك يدل على الشجاعة، وعلى القوة، والعصامية، كان بعض العرب ينام مع الأسود، وبعضهم ينام مع الغنم وفي مسارح الإبل من شجاعته ليحميها، قالت: {وتشبعه ذراع الجفرة} تقول: أدنى شيء يشبعه، فلا يأكل الطعام علينا، والعرب تفتخر بذلك يقول عروة: إني امرؤ عافٍ إنائي شركة وأنت امرؤ عافٍ إناؤك واحد أقسم جسمي في جسومٍ كثيرة وأحسو قراح الماء والماء بارد {بنت أبي زرع وما بنت أبي زرع طوع أبيها وطوع أمها،} تقول: تطيع أباها وأمها، يعني أنها بارة {وملء كسائها} تقول: إنها ممتلئة الجسم مع اعتدال الخلقة. {وصغر ردائها} أي أنها جيدة الملبس، تزين أهلها بأخلاقها الشريفة ووقارها {وغيظ جارتها} أي أن جارتها أو جاراتها يحسدنها، قال: حسداً حملنه من أجلها وقديماً كان في الناس الحسد حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالناس أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وغيظاً إنه لدميمُ قالت: {جارية أبي زرع وما جارية أبي زرع لا تبث حديثنا تبثيثا} أي: أنها لا تنقل الخبر من البيت، وهذا فيه مدحٌ لأهل البيت ألا ينقلوا أخبارهم، وعلى المسلم ألا ينقل خبر أهله الخاص في المجالس، وعلى المسلمة ألا تنقل خبر زوجها الخاص في المجالس، فإن هذا مذموم، وقد استنكره عليه الصلاة والسلام، وهو من المجاهرة. {ولا تنقث ميرتنا تنقيثا} أي: كذلك لا تصرف مالنا ولا تضيعه {ولا تملأ بيتنا تعثيثا أي: أنها مرتبة للبيت، والعرب تمدح الترتيب والإسلام جاء به. -وبالمناسبة- أنصح النساء لأن هذا الخبر لهن-: أن يتقين الله في ترتيب البيوت، وفي التزام النظام، لأن من صفات اليهود أنهم أوسخ الناس أفنية، فالمرأة العاقلة تجعل للملابس مكاناً، وللمكتبة مكاناً، وللمطبخ مكاناً، ولكل شيء مكاناً، أما أن تكون الملاعق بين الكتب، والسكاكين بين البطانيات، والصحون في المجلس، وحالة لا يعلمها إلا الله فهذا ينبئ بأنه أصاب البيت رجة أو زلزال، وهذا ليس بوارد في الإسلام. قالت: {خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فمر بامرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها} الآن انتهت، تقول: وجد امرأة غيري فطلقني ونكح تلك. {فنكحت بعده رجلاً سرياً -أي رجلاً غنياً- ركب شرياً- عنده فرس جيد- وأخذ خطياً -وبيده رمح- وأراح علينا نعماً سرياً -كثير الأنعام- وأعطاني من كل رائحة زوجاً -أي من كل الإبل والبقر، والغنم- فقال: كلي أم زرع وميري أهلك، فلو جمعت كل شيء أعطانيه، بلغ أصغر آنية أبي زرع} تقول: كل شيء أعطانيه لا يملأ صحناً من أصغر صحون ذاك، ويتمدح هذا الثاني ويقول: افعلي ماشئت بهذا المال فقال النبي عليه الصلاة والسلام -خاتماً للحديث وهو يتبسم: {يا عائشة! كنت لك كـ أبي زرع لـ أم زرع، إلا أن أبا زرع طلق وأنا لا أطلق} حديثٌ صحيح رواه الطبراني عن عائشة ورواه الترمذي في الشمائل موقوفاً إلا قوله: {كنت كـ أبي زرع} فرفعاه وقالوا: وهو يؤيد رفع الحديث كله، ورواه البخاري في النكاح ومسلم في الفضائل.

مسائل مأخوذة من حديث أم زرع

مسائل مأخوذة من حديث أم زرع في حديث أم زرع مسائل: أولها: ملاطفة الأهل، واستماع حديث النساء، وأن غالب النساء إذا اجتمعن تحدثن في حالتهن مع الأزواج، وفيه: أدبه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته. وفيه: ما كان بينه وبين عائشة من أنسِ حديثٍ وطيب كلام. وفيه: أن أخبار الجاهلية تقص في المجالس ولا بأس بها. وفيه: أنه لا بأس بالأسمار والحديث عن الناس ما لم يكن غيبة. وفيه: أنه لا بأس بأن يتحدث بأخبار القرون الأوائل والأجداد والآباء، وما كانوا فيه من فقر وحروب وعوز، وما كان فيهم من صفات وأوصاف، كما في هذا الحديث. وفيه: التمثل ببعض الناس في الصفات لقوله عليه الصلاة والسلام: {كنت لك كـ أبي زرع لـ أم زرع} ولو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجل وأعظم وأكرم وأحسن وأبر عليه الصلاة والسلام. وفيه: تزكية الرجل لنفسه ما لم يخف عليه عجباً إذا كان صادقاً، فقد زكى صلى الله عليه وسلم نفسه وقال: {كنت لك كـ أبي زرع لـ أم زرع}. وفيه: أنه لا يلزم أن يكون المشبه كالمشبه به في جميع الصفات، فإن في بعض الأوصاف ذكر صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كنت لك كـ أبي زرع لـ أم زرع} ولا يلزم في كل جزئية لأن الحال يختلف، ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن، وأكرم عشرة، وأحسن بيتاً، وأوسع صدراً، وأبر من أبي زرع لـ أم زرع. وفيه: أن التشبه بالجاهليين في صفات الخير ليس بمذموم كأن يقول: ككرم حاتم، وكشجاعة عنترة، وكشعر زهير. وفيه: أن المسلم قد يكون له أوقات مع أهله يأنس فيها بحديثٍ من المزاح بدون غيبة، وأن هذا ليس من ضياع الوقت. وفيه: أن للقلوب وقتاً من الراحة [[وأريحوا القلوب ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت]] {ولكن ساعة وساعة}. وفي هذا الحديث أحكام أخرى، وأنا جئت به لثلاثة أمور. أولها: أنه تلي في مجلسه عليه الصلاة والسلام فحقيقٌ لنا أن نسمعه كما سمعه. الأمر الثاني: أن فيه وصفاً للأزواج والزوجات في هذا الحديث؛ فمن كان فيه سوء فليتجنبه رجلاً كان أو امرأة، ومن كان فيه خير فليثبت عليه وليزدد منه. الأمر الثالث: أن فيه لفتات تربوية في المجتمع بما أشرت إليها في أثناء الدرس.

الأسئلة

الأسئلة .

حديث: (ملعون الناظر والمنظور إليه)

حديث: (ملعون الناظر والمنظور إليه) Q هنا قائمة ببعض الأحاديث النبوية عن المعصوم عليه الصلاة والسلام يقول: ما صحة الحديث القائل في العورة: {ملعون الناظر والمنظور إليه}؟ A لا يصح هذا الحديث، ولا يثبت، وليس من كلامه عليه الصلاة والسلام.

حديث: (عورة الرجل)

حديث: (عورة الرجل) Q ما صحة حديث: {عورة الرجل من السرة إلى الركبة}؟ A حديث صحيح رواه الحاكم عن عبد الله بن جعفر، وبعضهم يقول: إنه حسن، فهو إما حسن أو صحيح.

حديث: (أجرؤكم على الفتيا)

حديث: (أجرؤكم على الفتيا) Q ما صحة حديث: {أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار}؟ A رواه الدارمي عن عبد الله بن أبي جعفر مرسلاً، والمرسل ضعيف، ولذلك فالحديث ضعيف.

حديث: (من قرأ سورة الواقعة لم تصبه فاقة)

حديث: (من قرأ سورة الواقعة لم تصبه فاقة) Q حديث: {من قرأ سورة الواقعة في يومٍ لم تصبه فاقة قط} ما صحته؟ A سبق أن أشرت إلى أنه قد يحسن، ولكن أعود فأقول: بعد التأمل في سنده وجد أنه ضعيف؛ فهو ضعيف عن ابن مسعود.

حديث: (إذا قرأ أحدكم والتين والزيتون)

حديث: (إذا قرأ أحدكم والتين والزيتون) Q ما صحة حديث: {إذا قرأ أحدكم والتين والزيتون فبلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] فليقل: بلى، وإذا قرأ سورة القيامة فبلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:40] قال: بلى وقدرة ربنا}؟ A هذا الحديث لا يصح وهو ضعيف عند الترمذي.

حديث: (أدبني ربي فأحسن تأديبي)

حديث: (أدبني ربي فأحسن تأديبي) Q ما صحة حديث: {أدبني ربي فأحسن تأديبي}؟ A حديثٌ ضعيف رواه ابن عساكر، ضعيف في سنده، ولكنه صحيحٌ في معناه؛ فإن الذي أدب الرسول هو الله؛ لكنه ضعيفٌ في سنده.

حديث: (حبذا المتخللون من أمتي)

حديث: (حبذا المتخللون من أمتي) Q ما صحة حديث: {حبذا المتخللون من أمتي}؟ A هذا الحديث حسن رواه ابن عساكر عن أنس ومعناه يعني الذين يتخللون بعد الطعام بالمخلال حديثٌ حسن.

حديث: (غط فخذك فإن الفخذ عورة)

حديث: (غط فخذك فإن الفخذ عورة) Q ما صحة حديث: {غط فخذك فإن الفخذ عورة}؟ A حديثٌ صحيح رواه أحمد عن جرهد وفيه ألفاظ: {يا جرهد! غط فخذك فإن الفخذ عورة}.

حديث: (صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بلا سواك)

حديث: (صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بلا سواك) Q ما صحة حديث: {صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بلا سواك}؟ A رواه أحمد بسندٍ ضعيف، قال ابن أبي حاتم: له سندان ضعيفان وليس بثابت.

حديث: (من قرأ [قل هو الله أحد] في يوم عشر مرات)

حديث: (من قرأ [قل هو الله أحد] في يومٍ عشر مرات) Q ما صحة حديث: {من قرأ قل هو الله أحد في يومٍ عشر مرات بني له بيتٌ في الجنة}؟ A حديثٌ صحيح.

حديث: (إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)

حديث: (إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) Q ما صحة حديث: {إني لا أحل المسجد لحائضٍ ولا جنب}؟ A حديثٌ ضعيف عند أبي داود.

حديث: النهي عن إنشاد الضالة في المسجد

حديث: النهي عن إنشاد الضالة في المسجد Q ما صحة حديث: {من سمعتموه ينشد ضالة في المسجد فقولوا: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا}؟ A حديثٌ صحيح رواه مسلم.

حديث: النهي عن البيع والشراء في المسجد

حديث: النهي عن البيع والشراء في المسجد Q صحة حديث: {من سمعتموه يبيع ويشتري في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك}؟ A حديثٌ صحيح رواه الترمذي والحاكم إلى غير ذلك.

الغضب من الزوجة

الغضب من الزوجة Q زوجتي تخالفني كثيراً في بعض الأمور السهلة الميسرة، ولكني يشتد غضبي على ذلك وأخاف من ذلك؟ A هذا من الشيطان ولا يسلم بيتٌ من خلاف، وأسأل الله عز وجل أن يصلح ما بينكما؛ فلعلك أن تصبر، ولعلها أن تتأدب معك.

الزوجة تؤجر لصبرها على غلظة زوجها

الزوجة تؤجر لصبرها على غلظة زوجها Q هل للزوجة أجرٌ إذا صبرت على ما يأتيها من غلظة زوجها؟ A سبحان الله! صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها} [[أتى رجلٌ إلى عمر رضي الله عنه يطرق بابه يشتكي من زوجته، فانتظر عمر ما فتح الباب، فسمع الرجل خلافاً بين عمر وزوجته، فترك بعد ذلك طرق الباب أي: مثل من يقول: (في كل وادٍ بنو سعد) فذهب، ففتح عمر فرد الرجل قال: ما لك؟ قال: أتيت أشكو من امرأتي، فسمعت صوت امرأتك معك، قال عمر: إنه ما من بيتٍ إلا ويقع فيه مثل هذا، وإنها لتصنع خبزي، وتغسل ثوبي، وتقوم بخدمتي فأتغافل عنها]] أو كما قال، وهذا من كرمه رضي الله عنه وأرضاه.

تضايق الزوجات من كتب أزواجهن

تضايق الزوجات من كتب أزواجهن Q ربما وجدت من زوجتي تضايقاً إذا قرأت أو حضرت في الكتب؟ A هذا يوجد كثيراً وقالت امرأة الزبير بن بكار: والله لكتبك علي أضر من ثلاث ضرائر، أو من أربع ضرائر. وقال الجاحظ: هذا أضر شيء على النساء، لكن لا بد لها أن تصبر.

تكليف المرأة زوجها

تكليف المرأة زوجها Q يوجد من النساء كثيرات يردن الخروج دائماً وأبداً، ويكلفن أزواجهن من الوقت والملابس وفي مثل ذلك كثيراً؟ A أقول: إذا أدخلت الإيمان وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في البيت فسوف ينتهي كثير من ذلك، والمسلم لا يقصر في النفقة، ولا يزيد على قدر الحاجة: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67].

زوجة تكثر من الذهاب إلى بيت أهلها

زوجة تكثر من الذهاب إلى بيت أهلها Q لي زوجة أدعو الله لها كثيراً، وهي صالحة وقائمة وصائمة ومصلية، وأحبها حباً جما، ولكن تكثر الغياب إلى أهلها، وأنا لا أصبر على ذلك؛ فبم تنصحوني؟ A ننصحك أن تقلل من الزيارة إلى أهلها، لا يكون شعارها دائماً وأبداً: أهلي أهلي؛ لأن أهلها بيتك أنت، وأنت المسئول عنها، ولا تستأذن أباها ولا أمها، بل تستأذن منك أنت، وإذا تعارض إذنك وطلب أبيها قدم إذنك أنت، وعليها أن تتعقل في ذهابها وزيارتها، وكما قال صلى الله عليه وسلم -وأهل العلم يصححون هذا الحديث- قال: {زر غباً تزدد حباً} أما أريد أهلي كل يوم في الصباح وفي المساء فليس هذا بلائق، فما دام أن فيها من العلم والوقار والخير والهدى فزادها الله توفيقاً، ولكن أنصحها أن تقلل من الزيارة إلى أهلها.

إسراف النساء في الملابس والحلي

إسراف النساء في الملابس والحلي Q هل لك من وصية للنساء في مسألة الإسراف في الملابس وما يشترينه من ذهب وحلي، فقد أثقلن كثيراً على الأزواج؟ A لعلك أنت منهم. نعم بعضهم يبيع البيت والأثاث والسيارة من أجل حلي زوجته، وتغير دائماً فأنا أقول: إن حلي المرأة تقوى الله، وإنها مهما تلبست بلباس الدنيا فلباس التقوى ذلك خير: حورٌ حرائر ما هممن بريبة كضباء مكة صيدهن حرام يحسبن من لين الكلام روانياً ويصدهن عن الخنا الإسلام فلتكن المرأة مثل فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، زوجة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وعنها وأرضاها في الجنة، سلمت حليها لبيت المال، لما تولى الخلافة قال: إن كنت تريدين الله والدار الآخرة، فسلمي الذهب إلى بيت المال، وإن كنت تريدين الدنيا، فاذهبي إلى أهلك، قالت: الحياة حياتك والموت موتك والهدم هدمك، والدم دمك؛ فهي ممن قال الله فيهن: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21].

على المرأة أن تشارك في الدعوة

على المرأة أن تشارك في الدعوة Q يقول السائل: هل توصون النساء بالدعوة؛ لأنهن يكثرن الاجتماع ولكن ما نرى داعيات إلا قليلات؟ A ذكرت هذا في محاضرة: (صفات المرأة المسلمة) وهنا أقول: عليها أن تحمل الدعوة، وإذا لم تستطع أن تتكلم فلتهد الكتيب والشريط الإسلامي، عل الله أن ينفع بها، وفي النساء صحوة وعودة إلى الله، ففي مدينة من المدن حضر في محاضرة أكثر من ألفي امرأة من النساء لسماع المحاضرة، وفيهن عودة، وكثيرٌ منهن كتبن كتباً في الساحة، مثل كتاب إليك إليك، وكتاب احذري الهاتف يا فتاة الإسلام، وكتاب الحجاب للمرأة المسلمة، أو رسائل في الحجاب وغيرها من الكتب الكثيرة، فعسى الله أن يهديهن سواء السبيل.

أوصي النساء بالزواج

أوصي النساء بالزواج Q أوصِ النساء بأن يتقدمن للزواج؟ A بل إذا تقدم لهن أحد أوصيهن أن يقبلن، أما هي أن تعلن في عكاظ والجزيرة فليس هذا بصحيح، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الترمذي بسندٍ صحيح: {إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} وأنا أوصي -بالمناسبة- الشباب أن يتقدموا، أنا أعرف مئات الشباب ما تزوجوا يريدون أن يتخرجوا، وبعد التخرج يتوظفون وبعد التوظف يعملون، وبعد العمل يحاسبون ثم يموتون، فعليهم أن يتزوجوا، وعلى النساء ألا يرددن صالحاً إذا تقدم عل الله أن ينفع.

حكم الغناء

حكم الغناء Q يقول قرأت في كتاب عن موضوع الغناء والموسيقى تحت عنوان الحلال والحرام في الإسلام والكتاب طبع في وزارة المعارف، وقرأت فيه قوله: (ولا بأس بأن تصحبه موسيقى غير مثيرة. انتهى) والذي نعرفه أن الغناء حرام بشتى صوره بعودٍ أو غيره، فما ردكم على ذلك؟ A أيها الأخ شكراً لك والكتاب هذا للشيخ يوسف القرضاوي أثابه الله، وقد زل في هذه المسألة وأخطأ، والعالم قد يخطئ وليس معصوماً، فنقول: أسأل الله أن يسامحه ويعفو عنه، وقد تصدى له الشيخ الفوزان فرد عليه رداً عجيباً، وأتى بالكتاب والسنة وأقوال أهل العلم وكلام السلف، ونقولات من المجلدات، وقد نقلت كثيراً من ذلك -والله الموفق- في شريط (رسالة إلى المغنين والمغنيات) وسوف تسمع النقول بالصفحات من ابن تيمية وابن القيم وابن باز، والألباني، وأمثالهم من علماء الإسلام، والأحاديث والآيات، وما قالوا عن الغناء، وأضراره وفحشه، فأنا أطلب منك أن تستمع للشريط حتى تسمع الحق، وعسى الله أن يهديك وكل مسلم سواء السبيل.

الأمر بتقوى الله

الأمر بتقوى الله نادى الله العالمين جميعاً الأولين والآخرين بأن يتقوه. وقد عرفها الصحابة والتابعون، وقد نقلت إلينا عنهم مواقف تبين تقواهم لله، ولعل من أسباب التقوى التعرف على سيرهم والأخذ بأسباب التقوى الموصلة إليها، ومن ذلك تدبر القرآن والدعاء وذكر الله دائماً وأبداً.

الأمر بتقوى الله

الأمر بتقوى الله اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك ولا إله إلا أنت. في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك. لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، هدى به الله الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، فعليه صلاة الله وسلامه، وعلى آله، وكل من سار على منواله إلى يوم الدين. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

وصية الله للأولين والآخرين هي التقوى

وصية الله للأولين والآخرين هي التقوى نعم! الأمر بتقوى الله هي وصية الله للأولين والآخرين، ومن لم يعمل بهذه الوصية فإنه سوف يخسر ويهلك ويندم، ولذلك قال عز من قائل: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]. فتقوى الله وصيته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للأولين والآخرين.

حياة وميلاد المؤمن بتقوى الله

حياة وميلاد المؤمن بتقوى الله ومعنى الحياة: هي تقوى الله في القلوب. كثير من الناس يظن أن معنى الحياة أن يأكل ويشرب، ويتمتع ويركب، ويسكن ويتكلم، وينام ويقوم، إنَّ حصر مفهوم الحياة في هذه الأمور يعني الحياة البهيمية -فالكافر وهو كافر يأكل ويشرب ويتمتع، ويركب ويسكن ويقوم وينام، لكنه كافر- لأن معنى الحياة أن تخرج من الضلالة إلى النور، ومن الغواية إلى الهداية، وأن تنقذ نفسك بتقوى الله من غضب الله، ولذلك يقول عز من قائل: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات لَِيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] أومن كان ميتاً في شهوته، وفي ضلالته، وفي عمايته، وفي غوايته -يتبع كل ناعق- كمن أحياه الله بالإيمان وبلا إله إلا الله، وشرح صدره لهذا الدين، وجعل له الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى نوراً وبَصَّره، وعلَّمه كيف يعيش ولماذا يعيش، وإلى أين يسير. ولذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: " من اعتقد أنه سوف يهتدي بغير هدى الله الذي أنزل في كتابه، وأرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً" لأن المؤمن يعيش مرتين، أو يولد مرتين، والكافر يموت مرتين، فميلاد المؤمن يوم أتت به أمه يوم عرف الحياة، يوم نزل وأول ما وصل رأسه إلى الأرض، فأتى يبكي من ظلم الحياة ومن غوايتها ومما سوف يواجهه من مصاعب ومن مشاكل، ولذلك يذكر ابن كثير في ترجمة زكريا عليه السلام في البداية: ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً ولدتك أمك باكياً والناس حولك يضحكون سروراً لمجيئك، فأنقذ نفسك قبل أن تأتيك سكرات الموت وقبل أن يأتيك وعد الله واليوم الموعود وتشتد عليك السكرات، فأنقذ نفسك لتبتسم في تلك الساعة، ولذلك يقول الله عز وجل في هذه الساعة: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] ويقول عز من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32] فالحياة كل الحياة أن تحيا بالقرآن وبالإيمان فهذه هي الحياة الثانية أو المولد الثاني.

حياة الكافر وموته

حياة الكافر وموته وأما الكافر فإنه يموت مرتين، قال تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر:11] يموت الكافر مرة يوم يكتب عليه الموت؛ كموت البهائم، ومرة قبلها مات، يوم مات قلبه؛ فما استنار بنور الله، ولا عرف منهج الله، ولا اهتدى بهدى الله، ولذلك كانت وصية الله عز وجل للأولين والآخرين بتقواه تبارك وتعالى، يقول عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] فهذا ابن مسعود أحد جيل الصحابة؛ ذاك الجيل الذي تربَّى على القرآن، وما عرفت البشرية على مدى أطوارها مجتمعاً كذاك المجتمع، أولئك الصحابة الذين نشروا لا إله إلا الله على البشرية، فبلغوا بعد خمس وعشرين سنة بلا إله إلا الله إلى السند وطاشقند والأندلس وجنوب أفريقيا؛ لأنهم عرفوا الله، ومنهج الله، ولا إله إلا الله.

تعريف الصحابة للتقوى

تعريف الصحابة للتقوى قيل: يا بن مسعود! ما هو حق تقاة الله؟ قال: [[أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر]] أن يطاع الله فلا يعصى، هذا حق تقواه عز وجل، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، فمن كفر نعمة الله فما اتقى الله، ومن عصى الله فما اتقاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن نسيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أنساه الله نفسه، ومستقبله، وولده، وبيته، وأسرته، ومكتبه، ومنصبه في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولذلك يقول عز من قائل: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281]. وقف أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وهو -كما يقول ابن كثير - في عهده (بعد موت عثمان) أزهد الناس، وأخشى الناس، وأعلم الناس؛ لأنه تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقف على منبر الكوفة، فسئل عن التقوى؟ قال: [[هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل]] اسمع لكلمات النور وحرارة الإيمان التي بعثها جيل محمد صلى الله عليه وسلم في قلوب الناس، هي الخوف من الجليل، والجليل هو الله، والعمل بالتنزيل، فالذي يتقي الله ثم لا يعرف ماذا يتقي ولا تكون تقواه على بصيرة من الكتاب والسنة ما اتقى الله. والرضا بالقليل، ألا تكون الدنيا أكبر همك، بل ترضى منها ما يكفيك؛ كالمسافر إذا أراد سفراً، والاستعداد ليوم الرحيل، هذا هو تعريفها عند علي رضي الله عنه وأرضاه. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يسأل عن التقوى، وقبل أن نأتي لسؤال عمر نقف مع عمر وقفة قصيرة: عمر أحياه الله عز وجل وولد مرة ثانية في الحياة الدنيا، لأنه -كما أسلفت- أن مولد الكافر مولداً واحد، لكن موته مرتين، فـ عمر عاش رضي الله عنه قبل أن يسلم في الجاهلية لم يكن يعرف إلى أين يتجه ولماذا يعيش؟ كما يعيش كثير من الناس اليوم. كثير من الناس اليوم يعيشون على الطعام والشراب، وعلى المنام والكلام، ولكنهم لا يعرفون معنى الحياة، يظنون أنها كأس، ومتعة، ولهو، وغناء، وطرب، وبعد عن الله عز وجل. فلما أراد الله أن يحيي قلب عمر رضي الله عنه. أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذاك القول العظيم بكتاب الله الكريم، فسمع عمر رضي الله عنه قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2] فاهتز لهذه الكلمات وسقطت كل ذرة من ذرات الشرك من جسمه، وأتى إيماناً كاملاً من أخمص قدميه إلى مشاش رأسه، فذهب ليبايع الرسول صلى الله عليه وسلم، وانضم إلى هذا الموكب الكريم الذي يتصل أول سنده بنوح عليه السلام، وآخر السند بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى آخر مؤمن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وقفات مع المتقين

وقفات مع المتقين

وقفات مع عمر

وقفات مع عمر أتى عمر رضي الله عنه وانصبغ بهذا الدين، حتى إنه كان يقف على المنبر يوم الجمعة، وبطنه تقرقر من الجوع، وهو خليفة تحت يديه الذهب والفضة وكنوز الدنيا، ويقول لبطنه: [[قرقري أو لا تقرقري والله لا تشبعي حتى يشبع أطفال المسلمين]]. يقول ابن كثير: ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه مرض شهراً كاملاً لما سمع قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:24 - 26] لكن عمر رضي الله عنه في بردته البالية، وبعصاه، وبخوفه الذي يعيش فيه، اهتز له كسرى وقيصر فرقاً وخوفاً؛ لأنه خاف الله، ومن خاف الله خوف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله خاف من كل شيء، ولذلك يقول الأول: يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه يوم كنا نخاف الله، خوّف الله منا كل شيء، كانت ترهبنا الدنيا، وتخافنا المعمورة، ويدين لنا الكفرة، ويسلم لنا المعاندون، وتضعف أمامنا الجيوش الجرارة؛ لأنا خفنا الله. أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجواراً كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لصاغها حلياً وحاز الكنز والدينارا

مع سعد بن أبي وقاص

مع سعد بن أبي وقاص وهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، لما اتقى الله وكان قائد جيش المسلمين في مواجهة كسرى، جاء كسرى بثلاثمائة ألف مقاتل، وجاء سعد بثلاثين ألفا. ثلاثون ألفاً مقابل ثلاثمائة ألف، فلما تلاقى الجمعان، أرسل سعد أحد شباب الإسلام، ألا وهو ربعي بن عامر، ذلك الشاب في الثلاثين من عمره، لا يملك من الدنيا شيئاً إلا ثوبه الذي عليه والرمح الذي بيده، والفرس التي يركبها، لكنه يملك أكبر طاقة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، طاقة لا إله إلا الله، وطاقة أنه يعرف الله، ويريد وجه الله، فدخل ربعي على رستم، فلما رآه رستم ضحك وضحك وزراء رستم الكافر الذي ما عرف الله طرفة عين. فقال لـ ربعي: أجئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور، وبهذا الرمح المثلم، وبهذه الثياب الممزقة، فرفع ربعي رأسه الذي رفعه محمد صلى الله عليه وسلم إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها فقال ربعي: [[نعم، ابتعثنا الله، لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]] وكانت الواقعة، ونصر الله جنوده الذين كانوا يسجدون له، ويركعون له ويسبحون بحمده، وهزم الله أعداءه الكفرة الملاحدة الفجرة. ودخل سعد رضي الله عنه وقد فر كسرى صاحب الإمبراطورية العاتية، الذي ظن أنها لا تهزم أبد الدهر، فلما دخل سعد ورأى إيوان كسرى، إيوان العدوان، والظلم، والبغي، والفجور، قال سعد: الله أكبر، فانصدع الإيوان، انصدع كما يقول أهل السير، فدمعت عينا سعد فرحاً بموعود الله، وقال: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29]. لما اتقينا الله رفع الله -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- رءوسنا في القرون المفضلة، ونصرنا ومهد لنا الدنيا، وأعلى ذكرنا ورفع شامتنا، فلما داخلتنا المعاصي، داخلتنا الذلة، وأصبحنا منزوين مستضعفين مستذلين، أصبح هم الواحد منا -إلا من رحم الله- أن يملأ بطنه، وأن يقضي شهوة فرجه، وأن يسكن بيتاً وارفاً، وأن يركب سيارة فاخرة، أهذه أمنيات المسلم؟! أهذا هو الطموح الذي يريده الله ويريده رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لا والله!!

مع عبد الله بن عمرو الأنصاري

مع عبد الله بن عمرو الأنصاري كان يأتي الصحابي من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل المعركة يقول لأهله: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، لن أعود إليكم بعد اليوم، فعل ذلك كثير منهم، ومنهم: عبد الله بن عمرو الأنصاري، أحد الشباب الأخيار في المعركة الفاصلة بين الكفر والإيمان، التي شحذ لها أبو سفيان ثلاثة آلاف مقاتل، فلما التقوا في أحد في المدينة خرج أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وخرج معهم عبد الله بن عمرو الأنصاري واغتسل في صباح ذلك اليوم، وتطيب ولبس أكفانه، وأخذ سيفه، وقال لبناته: [[استودعكن الله الذي لا تضيع ودائعه، لا لقاء معكم إلا في جنة عرضها السماوات والأرض]] فلما أتى موعود الله وعلم الله عز وجل أن هؤلاء النفر يريدون وجهه، رزق الله هذا الرجل الشهادة في سبيله، قال ابنه جابر: {رأيت أبي وقد قُطِّع أمام الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد قال جابر: فجعلت أكشف عن وجهه وأبكي فقال لي رسول الله: تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه} وفي تفسير ابن كثير بسند صحيح: {أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كلَّم هؤلاء النفر الشهداء - عبد الله بن عمرو وغيره من الشهداء- وقال: تمنوا علي -يقول: كلمهم الله بلا ترجمان مباشرة، قال: تمنوا علي- قالوا: نتمنى أن تعيدنا إلى الدنيا فنقتل فيك ثانية؟! لما وجدوا من طعم الشهادة ورفعتها وأجرها ومثوبتها- قال: إني كتبتُ على نفسي أنهم إليها لا يرجعون فتمنوا!! قالوا: نتمنى أن ترضى عنا فإنا قد رضينا عنك، قال: فإني قد أحللت رضاي عليكم فلا أسخط عليكم أبداً، قال الراوي: (قال صلى الله عليه وسلم: فأخذ الله أرواحهم، فجعلها في حواصل طير خضر، ترد مياه الجنة فتشرب من أنهارها، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش، حتى يرث الله الأرض ومن عليها}. يا لتلك التقوى التي عاشها أولئك النفر الصالح البار الراشد، الذي رباه محمد صلى الله عليه وسلم على سمع وبصر.

في ماذا تكون تقوى الله

في ماذا تكون تقوى الله يقول الله عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]. و Q في ماذا تكون التقوى؟ كثير من الناس يدَّعي التقوى، ويقول بلسانه: إنه متقٍ، لكن ما هي التقوى، تقوى الله (عز وجل) أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، ولذلك كلمة عمر السالفة التي توقفنا عندها، وقال أيضاً لـ أُبي وقيل لـ كعب: [[ما هي التقوى؟ صف لي التقوى، قال: يا أمير المؤمنين! أمررت بأرض أو بطريق فيه شوك؟ قال: نعم، قال: فماذا فعلت؟ قال: تحفزت وتحذرت، قال: فذلك التقوى]]. ما دام أن هذه الطريق ذات الشوك يتحفز ويتحذر منها المار فكذلك الحياة الدنيا.

التقوى تكون بالتحرز من عذاب الله

التقوى تكون بالتحرز من عذاب الله من أراد تقوى الله فليتحفظ وليتحرز، وليحرز نفسه فإن الله عز وجل يحفظه، ولذلك في الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا غلام! قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله! قال: إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. فتقوى الله معناها: المحافظة على أمر الله والانتهاء عما نهى الله عز وجل، وتقوى الله تكون في اللسان، وأعظم ما ابتلينا به اللسان، ولذلك يقول بعض أهل العلم: تسعة أعشار الذنوب من اللسان، واللسان هي أخطر ما يمكن أن تجر على المؤمن من الذنوب والخطايا. ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] ووصف المتقين عز من قائل، فقال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3].

حفظ الجوارح طريق النجاة

حفظ الجوارح طريق النجاة يقول عقبة بن عامر أحد الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: {يا رسول الله! ما النجاة؟ -أي: ما هو الأمر الذي ينجيني من غضب الله، ومن سخط الله، ومن عذاب الله- قال: كف عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك} وقال معاذ: {يا رسول الله! ما هو العمل الذي يقربني من الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه -ثم ذكر له صلى الله عليه وسلم الأمور التي تقربه من الجنة، وتنجيه من النار- ثم قال في آخر الحديث: ألا أدلك على ملاك ذلك كله، قال: قلت: بلى يا رسول الله قال: كف عليك هذا -وأخذ بلسان نفسه- قال: أإنا لمؤاخذون يا رسول الله! بما نتكلم به، قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على مناخرهم، أو قال: على أنوفهم إلا حصائد ألسنتهم}. فنعوذ بالله من أضرار اللسان، ولذلك عرف الصالحون ضررها وعلموا أنه لا يمكن أن تكمل تقوى الله إلا باجتناب ضرر هذه اللسان. يقول أحد التابعين: رأيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وقد أخذ بلسان نفسه، وهو يحاسب نفسه، ويقول: [[هذا أوردني الموارد]] أي: أوردني موارد الهلاك، هذا وهو أبو بكر الصديق صاحب القدم الثابت في الإسلام، والأول استجابة من الكبار، وصاحب الإنفاق في سبيل الله، وخليفة المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يُدعى يوم القيامة من أبواب الجنة الثمانية. لأن للجنة أبواباً ثمانية كما تعرفون، يقول عليه الصلاة والسلام: {إن للجنة أبواباً ثمانية، فمن كان من أهل الصلاة، دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، إلى آخر تلك الأبواب، فقال أبو بكر وهو بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أيدعى أحد من تلك الأبواب الثمانية} -انظر إلى الهمة العالية، انظر إلى طلب ما عند الله عز وجل، ولذلك هذه الهمة ليست بالأجسام، وليست بالمناصب، وليست بالأموال، ولكنها بالقلوب، همة تمر مر السحاب {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل:88]-فيتبسم صلى الله عليه وسلم إعجاباً من هذا الرجل العظيم الذي يريد أن يدعى من الأبواب الثمانية، يريد أن يكون من المصلين ومن الذاكرين والمتصدقين ومن الزهاد والعباد والمجاهدين- فقال له صلى الله عليه وسلم: {نعم وأرجو أن تكون منهم} أبو بكر رضي الله عنه يقول الإمام أحمد في كتاب الزهد في ترجمة أبي بكر رضي الله عنه، أثر عنه أنه دخل مزرعة رجل من الأنصار، دخل وهو خليفة يتنزه مع الناس رضي الله عنه مع الصحابة، فلما رأى مزارع الأنصار رأى طائراً يطير من نخلة إلى نخلة ومن شجرة إلى شجرة، فجلس يبكي رضي الله عنه -وكان رجلاً حزيناً رقيق القلب، متأسفاً نادماً لما في قلبه من إيمان، ومن مخافة- فقال له الصحابة: يا خليفة رسول الله! مالك؟ قال: [[أبكي لهذا الطائر يطير من شجرة إلى شجرة، ويرد الماء ويرعى الشجر، ثم يموت لا حساب ولا عذاب، يا ليتني كنت طائراً، فبكى الصحابة رضوان الله عليهم]].

من صفات المتقين

من صفات المتقين هؤلاء هم الذين عرفوا تقوى الله عز وجل، وخافوه.

بذل المعروف من صفات الأتقياء

بذل المعروف من صفات الأتقياء أورد ابن القيم في روضة المحبين [[أن أبا بكر رضي الله عنه لما تولى الخلافة كان يخرج من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر كل يوم إلى ضاحية من ضواحي المدينة، فيمكث في خيمة هناك منزوية في الضاحية ساعة ثم يخرج، قال عمر: لأتبعن اليوم أبا بكر، ما جهة خروجه، ولماذا يخرج؟ فأخذ عمر رضي الله عنه يتبع أبا بكر، حتى وصل أبو بكر إلى تلك الخيمة، وهو لا يرى عمر وعمر يراه، فمكث ساعة في الخيمة ثم خرج منها، فلما خرج دخل عمر رضي الله عنه إلى تلك الخيمة، فوجد فيها امرأة عجوزاً حسيرة كسيرة، عمياء، فقال لها عمر: يا أمة الله! من أنت؟ قالت: أنا امرأة عجوز حسيرة كسيرة عمياء، لي أبناء وبنات وليس معنا كافل، مات أبونا ولا كافل إلا الله، قال: فمن هذا الشيخ الذي يدخل عليكم؟ - عمر يعرف أنه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه- قالت: هذا الرجل لا نعرفه، يأتينا كل يوم فيكنس بيتنا، ويصنع فطورنا، ويحلب شياهنا، فجلس عمر يبكي ويقول: رحمك الله يا أبا بكر، أتعبت الخلفاء بعدك]]. إن لم يكن هذا وفاءً صادقاً فالناس في الدنيا بغير شعور رحماك ربي هل بغير سجودنا عرف السجود لبيتك المعمور أي جيل هذا الجيل؟! وأي طراز هذا الطراز الذي رباه محمد صلى الله عليه وسلم؟! من أراد أن يتعرف على تقوى الله فليدرس حياة هؤلاء. فالذي لا يعرف حياتهم، أو لا يدرس حياتهم، أو لا يعرف ما قالوه وما سطروه وما تركوه، سوف يبقى في جهل، وفي عماية وغواية؛ لأنهم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرف الناس بالإسلام.

حفظ اللسان من صفات المتقين

حفظ اللسان من صفات المتقين ولذلك أثر عن ابن عباس رضي الله عنه في اللسان، أنه وقف على الصفا وأخذ يبكي ويمسك بلسان نفسه ويقول: [[يا لسان! قل خيراً تغنم أو اسكت عن شر تسلم]] فالذي أوصي نفسي وإياكم به هو تقوى الله في اللسان، وهو أعظم ما يتقى، فإن أعظم ما يصاب العبد بالذنوب والخطايا من اللسان فليتق الله العبد في لسانه، فلا يتكلم إلا بخير. قال أحد التابعين: جلسنا مع عطاء بن أبي رباح ثلاثين سنة في الحرم ما كان يتكلم إلا بذكر الله أو بآيات الله، أو بأمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو بحاجة لا بد منها، فقلنا له في ذلك، فقال: [[مالكم! أتنسون أن عليكم من يحفظ أنفاسكم ومن يسجل كلماتكم ويحاسبكم به أمام الله؟ {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]]] فالله الله في حفظ اللسان. تحفظ اللسان من اللعن والبذاءة والفحش، ومن الإسراف في المزاح الذي لا يرضي الله عز وجل، ومن كثرة اللغو بغير ما يرضي الله عز وجل، ومن الغيبة، والنميمة، والاستهتار والاستهزاء، خاصة بالأخيار، وبالعلماء، وبطلبة العلم، وبالدعاة، فإن هذا هو النفاق الظاهر الذي لا نفاق بعده.

طيب المطعم من صفات المتقين

طيب المطعم من صفات المتقين وتقوى الله كذلك في المطعم، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: {يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، قال: يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة}. أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، أي: أحسن هذا المطعم وليكن حلالاً يجيب الله دعاءك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك ذكر صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: {الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له!} أي: كيف يستجاب لمن مطعمه حرام؟ وكيف تقبل صلاته، وصيامه، وحجه، وعمرته، وذكره، وتلاوته للقرآن وقد أكل الربا، ولبس منه وتغذى به وشرى سيارته وبنى بيته بالربا!! وبه ربى أطفاله فأي عبادة هذه؟! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لعن الله آكل الربا ومؤكله، وكاتبه وشاهديه، وقال: هم في الإثم سواء} فلما قال سعد: {يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، قال: أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: اللهم أجب دعوته وسدد رميته} يدعو لـ سعد بن أبي وقاص فاتح العراق، أحد العشرة المبشرين بالجنة، الذي حضرته الوفاة وهو في البادية، كما يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء، فلما أتته الوفاة قربت ابنته عائشة منه وأخذت تبكي، فقال لها: ابكي أو لا تبكي، والله إنني من أهل الجنة، فقال الذهبي: صدقت هنيئاً لك ومريئاً، نشهد أنك من أهل الجنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شهد له أنه من أهل الجنة، ومع ذلك فكان دائماً طيب المطعم، خائفاً من الله وجلاً، فأجاب الله دعوته في أكثر من موضع.

استجابة الله لدعاء المتقين

استجابة الله لدعاء المتقين وفي صحيح البخاري في كتاب الصلاة أن أهل الكوفة وكان هو أميرهم، اشتكوه إلى عمر، اشتكوا سعداً إلى عمر الخليفة، شكوه حتى في الصلاة، قالوا: لا يحسن أن يصلي بنا، فيقول سعد مندهشاً متعجباً من هذا الأمر: يا عجباً لبني أسد يعيرونني حتى في الصلاة وأنا أدخلتهم في الإسلام بسيفي هذا!! وصدق رضي الله عنه فإنه هو وأمثاله من دعاة الحق الذين أدخل الله بهم كثيراً من الأمم في الإسلام، فلما وصلت الشكوى إلى عمر، أرسل عمر بعض الصحابة يستقصون الحقائق في العراق، فمروا بمساجد الكوفة مسجداً مسجداً، كلما سألوهم عن سعد أثنوا عليه خيراً ودعوا له بالخير، إلا مسجداً واحداً، مسجد بني عبس قام رجل اسمه أبو سعدة، فقال: "أما إن سألتمونا عن سعد فوالله إنه لا يعدل في القضية، ولا يحكم بالسوية، ولا يسير مع السرية" وقد ظلم سعداً في هذا الكلام، فقام سعد وقال: [[اللهم إن كان هذا الرجل قام كاذباً ورياءً وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن]] فاستجاب الله دعوة الصادق سعد رضي الله عنه، لما علم صدقه وإخلاصه وإنابته لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فأطال عُمْر هذا الرجل. يقول أحد الرواة اسمه عبد الملك: والله لقد رأيت هذا الرجل بعيني وقد طال عمره، حتى أصبح شيخاً كبيراً سقط حاجباه من الهرم على عينيه، وأصبح يتعرض للجواري في سكك الكوفة يغمزهن ويقول: شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد. وفي سير أعلام النبلاء أن سعداً رضي الله عنه صلى بالناس في الكوفة فلما خرج من المسجد رأى أناساً مجتمعين على رجل، قال: من هذا الرجل؟ قالوا: هذا الرجل يسب علياً بعد أن توفي علي، [[قال سعد رضي الله عنه: لا تسب أخي علي بن أبي طالب، قال: والله لأسبنه، فقال سعد: اللهم أكفناه بما شئت، قال أحد التابعين: والله ما فارقنا المكان إلا وقد ند بعير -جمل- فأقبل إلى الناس فتنحى الناس عنه فاقترب من هذا الرجل فضربه البعير بيده فأرداه قتيلاً في الأرض ونحن ننظر]] لأنهم صدقوا الله وعرفوا تقوى الله، والتمسوا رضا الله، فأجاب الله دعاءهم -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- وأعطاهم ما تمنوا في الدنيا والآخرة. نصرهم على أعدائهم وثبت الإيمان في قلوبهم، وكتب حبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في أرواحهم، وجعلهم خيرة الناس؛ لأنهم يتقونه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: [[خرجنا مع العلاء بن الحضرمي في سرية أرسلنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتهنا وضعنا في الصحراء، فانتهى طعامنا ونفذ ماؤنا، فاستيقنا بالموت، حتى حفر بعضنا قبورهم، وجلسنا ننتظر الموت، ثم التفتنا إلى العلاء بن الحضرمي فقلنا: يا علاء! ادع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لنا، فإن الله يجيب دعاءك، فرفع العلاء بن الحضرمي يديه وقال: يا عليَّ يا عظيم! يا حليم يا عليم! أغثنا، فقال أبو هريرة: فوالله ما كأنه انتهى من دعائه إلا وإذا بسحابة تغطي مخيمنا، وتهطل علينا، فتوضأنا وشربنا واستقينا واغتسلنا]]. هذا لأنهم عرفوا الله عز وجل فلبَّى الله لهم ما سألوا، فتقوى الله عز وجل تكون في المطعم الحلال أن يتقي الله الإنسان فيما يدخل بطنه فلا يدخل بطنه إلاَّ كل حلال طيب؛ ليقبل الله منه أحسن ما يعمل ويتجاوز عن سيئاته {فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. وتقوى الله عز وجل تكون في السمع والبصر، ولذلك يقول الإمام الشافعي: لسانك لا تذكر بها عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن وعيناك إن أبدت إليك معايباً لقومٍ فقل يا عين للناس أعين

وسائل تحصيل التقوى

وسائل تحصيل التقوى والأمور التي تحصل بها التقوى قد تجمع في أربعة أمور:

مراقبة الله عز وجل

مراقبة الله عز وجل الأمر الأول مراقبة الله عز وجل في السر والعلن: وذلك بأن تجعل الله رقيباً عليك في سرك وعلانيتك، فإنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا تخفى عليه خافية، وهو معك أينما كنت. فهو مع الكافر والفاجر، معية إحاطة وإدراك، وهو مع المؤمن معية نصرة وتأييد وحفظ، ولذلك اتق الله الذي هو معك {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219]. فاجعل منه رقيباً سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، اعبده كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذا تعريف الإحسان الذي عرفه به محمد صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الطويل. واعلم أن المراقبة من أعظم ما يمكِّن التقوى في القلب خاصة في السر؛ لأن كثيراً من الناس يراقبون الله في العلانية، وإذا خلوا في السر تهتكوا بحرمات الله ولعبوا بحدود الله، فويلهم من الله. جاء في سنن ابن ماجة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ليأتين أقوامٌ يوم القيامة بحسنات كـ جبال تهامة، يجعلها الله هباءً منثوراً، قالوا: يا رسول الله! أليسوا بمسلمين هؤلاء، قال: بلى مسلمون، يصلون كما تصلون ويصومون كما تصومون، ولهم حظ في الليل ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها} فهؤلاء يجعل الله أعمالهم يوم القيامة هباءً منثوراً، ويوردهم موارد الظالمين نعوذ بالله من ذلك. كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: [[الله الله في السرائر! اللواتي هن خفيات على الناس، وهن عند الله بوادي]] أو كما قال. يقول الأندلسي يوصي ابنه: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني هذا الأمر الأول المراقبة ودوام المراقبة.

ذكر الله

ذكر الله الأمر الثاني: الذي أوصي نفسي وإياكم به؛ كثرة ذكر الله دائماً وأبداً، {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:35] وقال عز من قائل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191] وقال عز من قائل: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45] فذكر الله أكبر من كل شيء، وهو من أعظم ما تحصله الصلاة، فالله الله في ذكر الله! سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد العاشر من فتاويه، سأله أبو القاسم المغربي عن أعظم وصية توصيني بها، وعن أعظم عمل أعمله بعد الفرائض، وعن أجل كتاب بعد كتاب الله، وعن أحسن مهنة، قال: أما أعظم وصية فلا أظن أعظم من وصية الله للأولين والآخرين وهي تقوى الله، وهي التي وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم جيوشه ورسله حينما كان يرسلهم، كـ معاذ حينما قال له صلى الله عليه وسلم -كما في الترمذي -: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} وأما أعظم عمل -يقول ابن تيمية: لا أعلم عملاً بعد الفرائض أعظم -وهو كالإجماع عند العلماء- من ذكر الله عز وجل. فليكن ذكر الله وردك -يا أخي المسلم- دائماً وأبداً، اذكر الله جالساً وقائماً وعلى جنبك وسفرك وفي حلك وترحالك وفي ليلك ونهارك؛ ليتولاك الله وليشرح صدرك للإسلام، وليحبب لك الطاعة وليكفر عنك سيئاتك، وليجتبيك وليلهمك رشدك، وليبصرك بحقائق هذا الدين, وليجعلك من الأخيار الأبرار، فعليك بذكر الله دائماً وأبداً. ولذلك من فوائد التقوى أن الله يجعل للمتقي بصيرة وفرقاناً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال:29] وقال عز من قائل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:3] وقال: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} [الطلاق:5] وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] فهذه الأمور كلها نتائج لتقوى الله.

تدبر كتاب الله

تدبر كتاب الله الأمر الثالث الذي تحصل به تقوى الله: تدبر كتاب الله عز وجل، فأوصيكم وأوصي كل مسلم، ثم أوصي نفسي أولاً، بتدبر كتاب الله عز وجل، هذا الكتاب الخالد الذي أنزله الله شفاءً ونجاةً وهدايةً ونوراً؛ يجب أن نتدبره وأن نجعل لنا ورداً يومياً نقرؤه؛ حزب أو جزء لا يمكن أن نغادره، قال عز من قائل: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] ما لهم لا يتدبرون القرآن، ما لهم لا يتفهمون حقائق القرآن ليعرف الحق من الباطل، والرشد من الغي، والضلالة من الهداية، وقال عز من قائل: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] وقال تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] فأوصي نفسي وإياكم بتدبر كتاب الله، ثم قراءة السنة المطهرة والسيرة الخالدة سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وكتب السنة كلها سيرة، ومن أحسن ما كتب في السيرة، كتاب زاد المعاد لـ ابن القيم رحمه الله، فليتدبر وليقرأ وليفهم، في العبادة والصلاة والحج، لأن حياته صلى الله عليه وسلم كلها نور وهداية.

الدعاء يعين على تقوى الله

الدعاء يعين على تقوى الله الأمر الرابع مما يعين على تقوى الله عز وجل: كثرة الدعاء، دائماً وأبداً، فعلينا أن نضرع إلى الله بالدعاء، يقول عز من قائل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] فالدعاء الدعاء دائماً وأبداً {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] قيل لـ عمر رضي الله عنه: [[ما هي النجاة؟ قال: ما أعلم بعد رحمة الله كالدعاء]] فالدعاء هو النجاة بإذن الله، خاصة إذا صاحب الأوقات الفاضلة، كأدبار الصلوات وفي السجود، وبين الأذان والإقامة، وفي آخر الليل لمن سهل الله له، وآخر ساعة من الجمعة ويوم عرفة، والأيام الفاضلة المشهودة في اجتماع الناس كهذا المجلس، الذي نسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، أن يفتح علينا وعليكم، وأن يلهمنا رشدنا، إنه على ذلك قدير.

مجالسة الصالحين

مجالسة الصالحين الأمر الذي ينبغي التنبيه عليه مما يعين على تقوى الله: مجالسة وصحبة وزيارة الصالحين، ومحبتهم والاستئناس بلقياهم فإنها من أعظم ما يعين على تقوى الله، كيف يتقي الله من يجالس الفجرة، ومن يحب المفسدين في الأرض؟! كيف يتقي الله من دائماً وقته مع كل معرض عن الله وكل فاجر في حدود الله عز وجل؟! ولذلك يقول علي رضي الله عنه وأرضاه: [[يا أيها الناس تزودوا من الإخوان الصالحين فإنهم عون في الدنيا والآخرة، قالوا: يا أبا الحسن! أما في الدنيا فصحيح، ولكن الآخرة في ماذا؟ قال: أما سمعتم الله عز وجل يقول: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] فوصف الله المتقين بمفهوم أنهم أصدقاء وأنهم أعوان في الآخرة كذلك]]. يقول الشافعي في رسالة للإمام أحمد: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواء في البضاعة فالله الله في محبة الصالحين، وفي الاستفادة منهم، وفي الجلوس معهم، وفي طلب دعائهم فإنه من أعظم العون في الدنيا والآخرة. إخوتي في الله: لا أحب أن أطيل عليكم ولكنها وصيتي الجامعة بتقوى الله عز وجل، في السر والعلن وفي الحل والترحال، أن نتقي الله في أسماعنا وأبصارنا وألسنتنا وفي قلوبنا وفي مطاعمنا ومشاربنا وملابسنا، وأن نتقيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في كل أمر ليكون الله سبحانه معنا، وليكفر عنا سيئاتنا وليتقبل منا أحسن ما كنا نعمل. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

أسباب الوحشة مع الله وعدم الخشوع في الصلاة وعلاج ذلك

أسباب الوحشة مع الله وعدم الخشوع في الصلاة وعلاج ذلك Q إني أحبك في الله، وأرجو الإجابة على ما يلي: كثيراً ما يجد الإنسان بينه وبين ربه وحشة، فمن آثار هذه الوحشة، أن هذا الإنسان لا يخشع في صلاته ولا يملك الراحة النفسية في حياته، ما أسباب ذلك، وما علاجه؟ A أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه، هذه الوحشة ترد على القلوب وهي تتفاوت تفاوتاً لا يعلمه إلا الله عز وجل، وأعظم وحشة في الحياة الدنيا وحشة الكافر، فإن وحشته لا أكبر منها ولا أعظم ولا أفحش، قال عز من قائل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] ثم وحشة الفاسق وهو مجرم وإن كان مسلماً، لكنه متهتك في حدود الله، إن كان مسلماً في الجملة فإنه قد يكون مسلماً، لكنه قد يكون فاسقاً، يرتكب بعض الكبائر، ويصر على الصغائر فوحشته كذلك بعد وحشة الكافر، ثم الوحشة تتنوع بحسب قوة الإيمان وضعفه، فالأقوى أقل وحشة، حتى إن منهم من لا يجد وحشة أبداً، وهؤلاء الذين كتب الله الإيمان في قلوبهم، وأيدهم بروح منه. فالوحشة التي تجدها -يا أخي- في بعض الأوقات هي من آثار الذنوب والخطايا، والمعاصي، أو كثرة المباحات، أو تجدها من الغفلة والفتور عن ذكر الله، وعلاجها يسير على من يسره الله عليه، أولاً: عليك بالمحافظة على فرائض الله عز وجل، وخاصة الصلوات الخمس بأركانها وركوعها وسجودها، وادع الله في أدبار الصلوات، وبين الأذان والإقامة في أن يفتح الله عليك، وأن ينور قلبك لذكره وأن يهديك سواء السبيل. الأمر الثاني: عليك بكثرة ذكر الله عز وجل لتنفي عنك الغفلة، لأن الوحشة من آثار الغفلة، وابن القيم يقول: إن من فوائد ذكر الله عز وجل: أنه ينفي الغفلة عن العبد والوحشة التي يجدها العبد بينه وبين الله، فسبب الوحشة بينك وبين الله من المعاصي والمخالفات وترك ذكر الله عز وجل هي قسوة القلب. الأمر الثالث الذي أنصحك به: تلاوة كتاب الله وليكن أنيسك دائماً وأبداً واحفظ منه ما تيسر، وردد آياته، ورنم ما فيه من آيات ورتلها لعل الله عز وجل أن يجعل لك أنساً بهذا الكتاب. الأمر الرابع: جالس الصالحين كما سلف في الحديث وزرهم، واطلب دعاءهم، وأحبهم في الله عز وجل ليكون هذا المؤنس. والذي يورث الوحشة هي المعاصي وهي البعد عن الصالحين، وهي هجر كتاب الله عز وجل، أو التخلف عن بيت الله -المسجد- فهذه كلها أسباب الوحشة والهم، والحزن، والخيبة والندامة، واللعنة والغضب والسخط في الدنيا والآخرة، فنعوذ بالله من ذلك!

حكم الغناء وغيره من الآلات وعقاب المغني يوم القيامة

حكم الغناء وغيره من الآلات وعقاب المغني يوم القيامة Q من الأمور التي ابتلي بها المسلمون وهي التي أزالت التقوى من القلوب هو الغناء، فنرجو منكم الإيضاح في حكمه، وغيره من اللهو، من الدف وغيره، وما الفرق بين الدف والطبل وما هو العقاب يوم القيامة للمغني والسامع لهذا الغناء، وهل هناك علاقة بين السماع للغناء وعدم الغيرة أي: الدياثة؟ A الغناء من أكبر ما ابتليت به الأمة ومن أكبر ما عرضت الفاحشة في الأمة، وهو بريد الزنا كما يقول أهل العلم، ولا يقع الإنسان في الزنا حتى يأخذ هذه الوسائل، سماع الغناء الكثير، وكله رخيص، والغناء الماجن يحبب الفاحشة من الغزل والعشق وذكر الأحبة، وهم في الحقيقة أعداء، والله عز وجل ذكر هذه الجريمة في كتابه سبحانه فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان:6] فاشتراء لهو الحديث قيل: هو الغناء، وقال: [[ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً عليه ومرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت البقل من المطر]] [[وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لأبنائه: إياكم والغناء فوالله ما استمع الغناء مسلم إلا وقد أركبه الفاحشة]] فهو الذي يدل على الفواحش. وأكثر ما ابتليت به مجتمعاتنا من الفواحش الكبار هي بأسباب هذه الأمور والوسائل التي جذبتها وجرتها إلى تلك الحفر الرديئة نسأل الله العافية! وفي صحيح البخاري عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ليكونن أقوامٌ من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} قال أهل العلم: إنما قال يستحلون بعد التحريم، ومن المعازف العود والوتر والناي والطبل والدف وكل ما دخل في هذا، وإنما يباح الدف في صورة واحدة للنساء في الأعراس وأما الرجال فلا يباح لهم بحال، لا الطبل ولا الدف، وكيف يتقي الله سبحانه من يرقص قلبه على معصية الله عز وجل؟! والغناء حكمه التحريم، وهو الظاهر من كلام أهل العلم، فصاحبه آثم، وارتكب أمراً محرماً، وجزاؤه في الآخرة كما ورد في بعض الآثار أن يصب الله الآنك في أذنيه وهو الرصاص المذاب، وأن يحرمه الله غناء الحور العين في الجنة اللواتي ثبت في السنن وفي مسند أحمد: {إن هناك في الجنة الحور العين ينشدن ويقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، طوبى لمن كنا له وطوبى لمن كان لنا}. قال ابن القيم رحمه الله في منظومته: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتهز أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات في الأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان فمن آثار الغناء: أولاً: أنه يضعف الإيمان أو يلاشيه إلى النهاية. الأمر الثاني: أنه يحبب الفاحشة ويحبب الزنا، ويحبب الجريمة والبعد عن الله. الأمر الثالث: أنه يصد عن ذكر الله عز وجل، فصاحب الغناء والمستمع له لا يذكر الله كثيراً، وإن ذكره فإنما هو ذكر المنافق، يقول الله عز وجل: {يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142]. الأمر الرابع: أنه يفتر عن طاعة الله عز وجل، ويجعل أنكد الأمور وأثقلها على المستمع للغناء الصلاة، وتلاوة القرآن. الأمر الخامس: أنه يشعب القلب، ويورث فيه الهموم والأحزان، ويبتليه بمرض العشق وداء الوله والغرام، الذي يصاب به المنكودون المحرومون، المخذولون من طاعة الله عز وجل، ومن التلذذ بذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. الأمر السادس: أنه يحرم العبد لذة استماع الحور العين في الجنة. الأمر السادس: أن الله يعاقب من استمع إلى الغناء في الدنيا بأن يصب في أذنه الآنك يوم القيامة، فنعوذ بالله من هذا الأمر، ونسأل الله أن يسلم الأمة وشبابها من هذه الجريمة إنه على كل شيء قدير.

السبيل إلى معرفة الحكم الشرعي في أمر لم يعرف حكمه

السبيل إلى معرفة الحكم الشرعي في أمر لم يعرف حكمه Q كثيراً ما يواجه المسلم في حياته مواقف وظروفاً لا يعلم الحكم الشرعي فيها، فماذا يعمل؟ وكيف يتصرف؟ هل يعمل ويتصرف مثلما يتصرف الناس وما اعتادوا عليه، ويقول مثلي مثل الناس؟ A نعم. يمر الإنسان بظروف وبأزمنة وملابسات قد لا تطرأ على باله ولا يتهيء ولا يستعد لها، فما هو الحكم في هذه الحال والحل، قال السائل: هل يعمل بما يعمل به الناس أم ماذا يفعل؟ لا. عليه في هذه الحال وفي هذه المسألة التي لا يعرف الحكم فيها أو الموقف أو الزمان أو ملابسة الحال أو القرينة، أو الظرف الذي يعيش فيه بثلاثة أمور: الأول: أن يدعو الله عز وجل أن يوفقه وأن يلهمه رشده، وأن يكثر من ذكر الله عز وجل، فإن من يدعو الله عز وجل يوفقه سبحانه ويسدده، والدعاء كذلك بحفظ أوامر الله، فإنه إذا حفظ أوامر الله حفظه الله عز وجل وألهمه رشده ووفقه، ومن الدعاء المطلوب في هذا الجانب أن يقول كما علم صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كما في الصحيح قل: {اللهم اهدني وسددني} وقال حسين بن معبد: {يا رسول الله! علمني دعاءً أدعو به، قال: قل: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي}. يقول ابن تيمية رحمه الله: من أحسن ما يدعو به العبد الدعاء الصحيح كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم} فعليه بالدعاء. الأمر الثاني: عليه بالتفقه في الدين وليخصص من وقته ولو كان موظفاً أو تاجراً أو في أي مهنة أن يخصص من وقته أو من يومه بعض الوقت للسماع أو قراءة بعض الكتب الإسلامية التي تعين على التفقه في الدين، أو سماع الأشرطة الإسلامية وهو أعظم ما يعين كذلك، أو مجالسة أهل العلم، أو سؤال طلبة العلم والدعاة عن هذا الحكم. الأمر الثالث: أنه إذا أشكلت عليه مسألة أن ينظر إلى أهل الخير وأهل الاستقامة والذين يلتمس فيهم الخير فليسألهم، أو يفعل كما يفعلون فإنهم إن شاء الله على خير وبصيرة، وخاصة إذا كانوا كثيرين، ولا ينظر إلى عامة الناس، فإن الله يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] ويقول: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] أي أن الكثير ضالون، فلا ينظر إلى فعل الناس، وكثير من الناس يستدل على الجرائم والمعاصي إذا لابسها واقتحمها، قال: ذاك فعل الناس، أما ترى كيف يفعلون؟ وهذا ضال مضل، وهذا سخيف عقل، نعوذ بالله من ذلك، وهذا ليس له رشد؛ لأنه لو كان راشداً لنظر إلى الصالحين ولو كانوا قلة، ونظر إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ونظر إلى الأفاضل من العلماء والأخيار، وما يتبع عامة الناس إلا جاهل مغرور بنفسه معجب برأيه، ونسأل الله أن يثبتنا وأن يثبت كل مسلم حتى نلقاه.

التثاقل عن أداء الفرائض والنوافل

التثاقل عن أداء الفرائض والنوافل Q ذكرتم آنفاً بأن هناك أموراً تستجلب التقوى، منها الصلوات المفروضات والنوافل، وهي الصلاة عموماً وصلاة الفجر خصوصاً وصلاة الوتر من الأمور النافلة، وحفظ كتاب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هذه الأمور الثلاثة كثير من الناس يتكاسل أو يتثاقل عنها مع أنه حصلت له عدة محاولات لكي يواصل ويستمر عليها بدون انقطاع، فما هو العلاج لهذه الأمور لكي يستجلب هذه التقوى، وجزاكم الله كل خير؟ A ذكر الأخ في السؤال أموراً منها فريضة ومنها نافلة، فمثل صلاة الفجر فريضة، لا يعذر مسلم بتركها، ومن تركها فهو كافر، ومن ترك أداءها في الجماعة فهو فاسق مضيع مفرط يأثم وقد ارتكب أمراً محرماً، وأما الوتر فهو سنة مؤكدة لا يتركه ومن داوم على تركه فهو فاسق أيضاً، وحفظ القرآن على القدرة، وهو من أفضل الأعمال، فأما صلاة الفجر ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله! لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه في ذمته بشيء أدركه من أدركه وأهلكه} فعلامة إيمان المؤمن الصلاة مع الجماعة في صلاة الفجر ومع بقية الصلوات، لكن كثيراً من الناس قد يصلي أغلب الفرائض ويترك صلاة الفجر في المسجد، وهذا علامة النفاق، قال ابن مسعود كما في صحيح مسلم: [[حافظ على هذه الصلوات الخمس فإنهن من سنن الهدى، وإننا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يهادى به بين الرجلين حتى يقام في الصف]] فصلاة الفجر جماعة هي فريضة ولا تترك بحال، ومن يتركها تركاً فهذا كافر، وأما أن يصليها في بيته ففاسق نسأل الله العافية والسلامة! فالمداومة عليها حفظ للنهار فمن داوم عليها في جماعة حفظه الله في يومه، قال بعض أهل العلم: يحفظه الله من الكبائر، فلا يصاب ذلك اليوم بكبيرة أبداً؛ لأن الله حفظه وسدده بسبب صلاة الفجر. والوتر -بارك الله فيكم- لا يترك أبداً، وهو من أعظم الأمور، وآخر الليل أحسن أوقات الوتر، وإن لم يستطع العبد فعليه أن يوتر قبل أن ينام، كما قال صلى الله عليه وسلم وهو يوصي أبا هريرة، يقول أبو هريرة رضي الله عنه في الصحيحين: {أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت، بركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر} فعلى المسلم إذا لم يستطع أن يقوم آخر الليل أن يوتر قبل أن ينام، وأن يحفظ الله في هذه النوافل ليحفظه الله في الفرائض. قال ابن المبارك رحمه الله: من تساهل في الآداب عاقبه الله بترك النوافل، ومن ترك النوافل عاقبه الله بترك الفرائض، ومن ترك الفرائض ابتلاه الله بالكفر، نعوذ بالله من الكفر! وأما حفظ القرآن فهو من أجل الأعمال يقول عز من قائل: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49] ولكن قد يشق على كثير من الناس حفظ القرآن كاملاً فعليه أن يحفظ ما تيسر له، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الترمذي: {إن القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب} فعليك -يا أخي في الله- أن تحفظ ما استطعت من كتاب الله، وأن تردد ولو جزءاً بسيطاً من القرآن وليكن غذاءك، وروحك، ودواءك، وشفاءك ليهديك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سواء السبيل.

مسلمو العصر ودخول أكثر من باب في الجنة

مسلمو العصر ودخول أكثر من باب في الجنة Q إني أحبك في الله تعالى والسؤال هو: هل هناك أناس يستطيعون أن يدخلوا الجنة من أكثر من باب في هذا العصر الذي طغت عليه الماديات وإن لم يكن هذا الإنسان من العلماء؟ A نعم. بارك الله فيك وفي كل مسلم، يستطيع كثير من المسلمين في هذا العصر أن يدخل في أكثر من باب من أبواب الجنة، لا لشيء إلا لكثرة أبواب الخير التي جعلها الله عز وجل وأنزلها في كتابه وعلم بها رسوله صلى الله عليه وسلم. فأبواب الخير كثيرة، والصالحون ما انقطعوا أبداً بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن في آخر الزمان من يأتي أجره أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم؛ لكثرة الفتن والمشاغل والمشاكل وكثرة الأمور والجرائم التي أحدثها الناس والمفاسد، فهو لحفظه لدينه ومحافظته على أمر ربه؛ جعل الله أجره أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فبإمكان كثير من الناس، ونعرف وتعرفون ونعلم وتعلمون، أن هنا من الأخيار والعباد من ليسوا بعلماء، ولكنهم من عبَّاد الله، حافظوا على الصلوات الخمس، أكثروا من صيام النافلة، أكثروا من ذكر الله عز وجل، زهدوا في الدنيا، كفوا أنفسهم عن المعاصي: عن الربا، والزنا، والغناء، والفحش. حافظوا على أوامر الله عز وجل، تصدقوا وجاهدوا في سبيل الله، كفلوا أيتاماً، فتحوا مشاريع، هؤلاء يدخلون يوم القيامة أو يدعون، ولو أن الداخل يدخل من باب واحد ولكن يدعون من أكثر باب على حسب ما فعلوا، وابن القيم يقول في طريق الهجرتين: إن بعض الناس من المسلمين يفتح الله عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من أبواب الخير، فمنهم من يفتح عليه من باب الذكر، ومنهم من يفتح عليه باب الجهاد، ومنهم من يفتح عليه باب العلم، فلا يشترط أن يكون أهل الخير كلهم علماء، الصحابة لم يكن فيهم إلا ثلة قليلة من العلماء، وفيهم العوام وفيهم العباد وفيهم الزهاد فكثير من الناس يدخلهم الله عز وجل ولو في هذا العصر والعصر المتأخر بعد هذا العصر، أو يدعى يوم القيامة من كثير من أبواب الجنة نسأل الله من فضله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إنه على ذلك قدير.

حكم مجالسة شباب صالحين غير معينين على ذكر الله

حكم مجالسة شباب صالحين غير معينين على ذكر الله Q يعلم الله أني أحبك في الله: ولي سؤال: كما ذكرت أن من أسباب التقوى مجالسة الطيبين والصالحين، وسؤالي أني -ولله الحمد- أجالس مثل هؤلاء، ولكن منهم من لا يعين على ذكر الله، ومنهم من يستفزني ويسخر مني، فما حكم جلوسي مع هؤلاء وجزاكم الله خيرا؟ A أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه، أما ذكرك أنك تجالس بعض الصالحين، ولكنك لا تجد فيهم العون، أو تجد بعض الاستهزاء، فهؤلاء من تقصيرهم في هذا الجانب، وأنت أبصر بنفسك، وأعلم بما يرتاح له قلبك، إن كان قلبك يرتاح بترك هؤلاء والجلوس معهم، وأن تجلس وحدك تتدبر كتاب الله وتقرأ كتب العلم وتستمع الأشرطة الإسلامية، فأنت وذاك، وهو أنفع لك لأنك أعرف وأنت فقيه نفسك، وإلا فاستبدل غيرهم من الصالحين؛ لأنه ليس كل الصالحين يفعلون ذلك، وهؤلاء الذين يستهزئون أو يعلقون أو يستهترون هذا من نقصهم ومن ذنوبهم وتقصيرهم، وإلا لو كانوا يريدون خيراً؛ كانوا شجعوك على الخير واستأنسوا بمجلسك، وحاولوا أن يفيدوك، فأنت بارك الله فيك عليك أن تفهم أو تعي أو تبصر ما هو الأفضل أو المفيد لقلبك والأريح لروحك. وحلك إما أن تجلس وحدك إذا لم تكن تخاف من العزلة، لكن هذا إذا كنت تستغل العزلة، فإن كثيراً من الشباب قد يستفيد لوحده أكثر مما يستفيد من الناس، وإن كنت تخاف على نفسك من العزلة، وأن الشيطان قد يحاصرك أو تستوحش؛ فعليك أن تبحث على إخوة آخرين، فإن الله قد كثر من الخير، ولن تعدم الأخيار إذا التمستهم، ولم تعدم أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الأخيار، فعليك أن تبحث عنهم وتجلس معهم؛ خاصة من عنده علم ويستفيد من الوقت، ويستغل الساعات والدقائق فيما يقربه من الله عز وجل ونسأل الله أن يثبتنا وإياك حتى نلقاه.

حكم قراءة الإمام من المصحف في الفرض

حكم قراءة الإمام من المصحف في الفرض Q هل يجوز قراءة الإمام من المصحف في صلاة الفرض، وماذا يقول الرجل إذا تثاءب في الصلاة، هل هناك ذكر معيّن أثناء التثاؤب في الصلاة؟ A أما قراءة القرآن من المصحف للإمام أو للمأموم في الفريضة فليست جائزة وليست واردة، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يسن هذا أو لم يجوز هذا ولا أحد من أصحابه فيما أعلم، وما فعله أحد من الناس؛ بل في سنن أبي داود: {أن رجلاً سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا يقرأ فأخبره قال: اقرأ ما تيسر معك من القرآن، قال: فإن لم أستطع -وفي لفظ- لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن فقال: قل: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله} فلو كان جائزاً لنبه على جوازه عليه الصلاة والسلام أو لذكره بعض أهل العلم أو بعض الصحابة، أما في النافلة -أذكره للفائدة ولو أنه لم يرد في السؤال- فإنه يجوز في النافلة أن يستصحب المصحف. ذكر ابن حزم في المحلى أن عائشة رضي الله عنها كان يؤمها مولاها ذكوان في المصحف فلا بأس بأخذه في النافلة. وشق السؤال الآخر: إذا تثاءب ليس هناك ذكر في الصلاة، ولم يسن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكراً مخصصاً للتثاؤب؛ فعليه أن يضع يده على فمه، وأن يكظم من نفسه ليس إلا، في الصلاة أو في خارج الصلاة وليس هناك ذكر.

كتاب الفتح الرباني

كتاب الفتح الرباني Q ما رأيكم في كتاب الفيض الرحماني لمؤلفه عبد القادر الجيلاني، وهل يجوز الدخول بالأشرطة التي فيها القرآن إلى دورات مياه -أجلكم الله- أفيدونا مأجورين؟ A أنا أعرف أن الكتاب اسمه الفتح الرباني ليس الفيض الرحماني إلا أن يكون في طبعة حُرِّفَ اسمه، فـ الفتح الرباني هذا هو مواعظ، والشيخ عبد القادر نفسه من المشايخ الذين يحبون في الله، وهناك كلمات وردت منه نتوقف عنها؛ لأنه لم يسندها الكتاب ولا السنة، وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب ذاك القبر عليه الصلاة والسلام فهو المعصوم، فهذا الكتاب عليه أن يقرأه إن استطاع، وإن وجد غيره فهو أفيد، فأنا وجدته وقرأته ولم أجد فيه كثير فائدة، إنما هو مواعظ ورقائق وكثرة كلام لم يسندها بأحاديث ولا بآيات، وفيها كثير من كلمات الصوفية كالحال والمقام والشاهد والفناء، ونحن في غنية فيما عندنا من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أما الشيخ عبد القادر فقد مدحه ابن تيمية في كثير من كتبه وشرح له كلمات، لكن على الشاب أن يستغني بغير هذا الكتاب من كتب أهل العلم ككتب ابن تيمية، بعد الكتاب والسنة وكتب ابن القيم وكتب ابن كثير، فإن فيها الفائدة المرجوة والنفع التام بإذن الله. وأما أشرطة التسجيل التي فيها قرآن فالظاهر عدم جواز الدخول بها في دورات المياه، هذا في وقت قضاء الحاجة يعني في المكان التي تقضى فيه الحاجة، أما دورة المياه إذا كانت مفتوحة وواسعة ولها مكان فله ذلك، إذا كان يجدد لا يدخل في نفس الدورة التي يقضى فيها الحاجة، لأنه يجب أن يحترم كتاب الله: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] فلا يجوز أن يمتهن كتاب الله عز وجل، لا في شريط ولا في ورقة ولا في مصحف، ولا يترخص في ذلك مسلم.

حكم لعن الكفار عامة ولعن أحدهم خاصة

حكم لعن الكفار عامة ولعن أحدهم خاصة Q ما حكم لعن الكفار، وما حكم التخصيص في لعن أحدهم ما دام حياً وهو لم يدخل في دين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أي أنه ما زال كافراً؟ A أما لعن الكفار على الجملة فهذا وارد، ألا لعنة الله على الكافرين، ولعنة الله على الكاذبين، وأما على التخصيص في الأعيان فالأولى ترك ذلك؛ لأن الله قد يتوب عليه أو يهديه، وإلا فقد لعن صلى الله عليه وسلم بعض أعيان الناس من الكفار، وبعض أهل العلم يقول بجواز لعن الكافر بعينه، إذا لم يدخل في دين الله وعلمنا كفره الظاهر، وأنه شاهر بكفره وأظهره، ولكن الأولى والأورع للمسلم ألا يلعن الكافر على الخصوص أي بعينه، ويتوقف عن ذلك، وأما على الجملة فيلعنون.

تعارف المتقين في الجنة وتزاورهم

تعارف المتقين في الجنة وتزاورهم Q المتقون هل يعرفون بعضهم بعضاً يوم القيامة، إذا اجتمعوا في مثل الحياة الدنيا، وكيف يستطيع المؤمن أن يزور من هو أعلى منه درجة في الجنة؟ A المتقون يتعارفون في الجنة يوم القيامة، ويجلس بعضهم مع بعض ويتزاورون، ودلت على ذلك آيات كثيرة منها قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الصافات: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} [الصافات:51 - 52] وأقبل بعضهم على سرر، فهذا من النعيم أنهم يتزاورون ويتواصلون، ويعرف المسلم أهله في الجنة، وأقاربه، وأخواله، وأعمامه، وأنسابه، وأصهاره، وأصدقاءه في الحياة الدنيا، يقول عز من قائل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21] فمن تمام النعمة على هؤلاء أن يجمع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للرجل أهله وكل من يريد في الجنة، وأن يقاربهم على اختلاف في الدرجات، وهم يتزاورون؛ لأنه لا يتم نعمة بعض الناس إذا كان أهله في مكان وهو في مكان، إلا إذا كانوا كفاراً أو مشركين من الذين استوجبوا دخول النار، فهذا أمر آخر، أما لو كانوا في الجنة فإن الله يجمع كل قرابة، فيتزاورون، ويتجالسون، ويتذكرون أيامهم في الدنيا؛ وكنا نرى كذا، أما رأيت يوم فعلنا في الدنيا كذا وكذا، كما يعيشون هذه الأيام، وهذا من تمام النعيم بأنهم بعقولهم وبإدراكاتهم، ويتذكرون أيامهم في الدنيا. وأما إذا اختلفت الدرجات فإن الله عز وجل قد يلحق بعض الصالحين بأقاربه أو بأهله، فيرفع هذا إلى درجاتهم مناً من الله عز وجل قاله بعض أهل العلم: إذا كانوا من أهل الجنة، وليسوا من أهل النار فيدخله الله عز وجل الجنة بسبب أهله، ولا ينفع هذا إن كان من أهل النار. إنما يكون في الجنة لكن أقل درجة، كما قال عز من قائل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطور:21] بإيمان شرط أن يكون هذا التابع مؤمناً: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21] أي رفعناهم معهم وجمعناهم معهم: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:21] فتدخل الجنة برحمة الله عز وجل، ولكن الدرجات بالأعمال الصالحة في الدنيا، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة، وأن يجعلنا من وُرَّاثها في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

التفكر في آيات الله تعالى

التفكر في آيات الله تعالى القرآن يطالبنا بالتفكر في آيات الله تعالى في خلقه وتكوينه في صفاته وأفعاله، وضرب الأمثال السابقة لتتعظ الأمم اللاحقة فيا ترى كيف يتفكر الإنسان؟ وبماذا؟ ولماذا؟ وما هي دعوة إبراهيم، وكيف عذب الله قوم سبأ، وأبدلهم بعد النعمة عذاباً، وبعد الرخاء شدة وشقاءً.

التفكر سبب لمعرفة الله

التفكر سبب لمعرفة الله الْحَمْدُ لِلَّهِ القائل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:190 - 194] والصلاة والسلام على رسول الله القائل: {والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً} أرسله الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراًَ.

أول أمر للنبي صلى الله عليه وسلم هو الأمر بالتفكر

أول أمر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الأمر بالتفكر أمَّا بَعْد: أيها الناس! كانت أول كلمة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]. والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف يقرأ الأمي الذي لم يكتب ولم يقرأ؟ ولم يتعلم ولم يخط بيمينه خطاً، وأصبح في الأربعين من عمره ثم تأتيه كلمة اقرأ؟! فكأن الله يقول له: اقرأ في كتاب الكون المفتوح، وفي آيات الله المعروضة، والشمس الساطعة، والنجوم اللامعة، في الجدول والغدير، وفي الماء النمير، وفي الشجيرات، والحيوانات، اقرأ في كل آية تمر بك في المخلوقات. وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد فقرأ صلى الله عليه وسلم في آيات الله، فكان يخرج فيتفكر، ويتأمل، ويبكي صلى الله عليه وسلم من آيات الله، والله يقول: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس:101] ترون العجائب، ترون أدلة التوحيد القاطعة، ترون كل شيء يتحدث عن عظمة الله، الزهرة تحدثكم عن الله، الطائر بجناحيه في الفضاء يحدثكم عن الله، والشجرة في الغابة تحدثكم عن الله: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [يونس:101] ويقول تبارك وتعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُ} [فصلت:53] يريهم كل آية ليعرفوا أن لا إله إلا الله، ويعرض أمامهم كل مخلوق؛ ليعلموا أن لا إله إلا الله، ويخلق من الآيات البينات على مر السنين؛ ليعلموا أن لا إله إلا الله، يقول جل وعز: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20]. أفلا ينظر أهل الصحراء إلى الإبل وهم يحملون عليها، من خلقها وأبدعها؟ من سواها وزينها؟ من أحياها متحركة على أربع؟ ثم ألا ينظرون إلى السماء، وهم عاشوا مع السماء، وعاشت السماء معهم، والسماء في الصحراء لها طعم ومذاق، فكأنه لا سماء إلا في الصحراء، السماء حين تخلو بها في ليلة من ليالي القمر؛ ترى فيها آيات الله الواضحات، أليس هذا دليلاً على قدرة القدير؟ قيل لأعرابي من البادية: [[أعرفت الله؟ قال: إي والله، قالوا: فبماذا عرفته؟ قال: عجباً لكم! الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، وأرض ذات فجاج، وليل داج، ألا تدلان على السميع البصير]] سُبحَانَهُ وَتَعَالَىَ كل آية تدلل على أنه موجود. قيل للإمام الشافعي: اعرض لنا من آيات الله - وكان بجانبه صنوبر- فأخذ ورقة منها، وقال: [[هذه الورقة تأكلها النحلة فتخرج عسلاً، وتأكلها دودة القز فتخرج حريراً، وتأكلها الغزال، فتخرج مسكاً، أما تدل على الله الذي بيده كل شيء]]. يقول الأمريكي " كريسي موريسون " في كتابه" الإنسان لا يقوم وحده -والحق ما شهدت به الأعداء- يقول: يا للعجب! النحلة تهاجر تطلب رزقها من وراء آلاف الأميال، فإذا امتصت رحيق الأزهار عادت مهاجرةً مرةً ثانيةً إلى خليتها دون أن تضيع ولا تضل، ربما يكون لها ذبذبات توحي إليها بخبرها، ثم يقول: لست أدري. فإذا لم يدر هو، فنحن ندري والحمد لله؛ لأن الله يقول: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:68 - 69] أفلا يكفي دليل النحلة على وجود الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟! قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً، وقل للشهد: من حلاكا وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا فالحمد لله الجليل لذاته حمداً وليس لواحدٍ إلاكا

التفكر موصل للخشية

التفكر موصل للخشية في كل شيء لله آية، يقول: تدبروا، وتفكروا في آيات الله، وفكر لا يرزق خوفاً من الله فليس بفكر، ولذلك كان أعظم مراقي التوحيد، وأعظم مقامات العبودية هو: الخوف من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وكان أخوف الناس من الله هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. كل شيء اقتربت منه أمنته إلا الله، فكلما تعرفت عليه خفته: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. يقول إبراهيم عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82] بعد إخباته إلى الله، وإنابته إلى الحي القيوم يقول من مقام الخوف: أطمع طمعاً شديداً من الله أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، ولا يجزم جزماً. ويقول يوسف عليه السلام، بعد أن ملك مصر، وبعد أن جمع مالها وكنوزها، قال وهو يبكي في آخر عمره: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101] أقصى أمانيه وأعظم ما يرجو أن يلحقه الله إلحاقاً بالصالحين. واستعرض سليمان عليه السلام قواته وجيوشه من الجن والبشر، ومن الطيور والزواحف، فلما رآها ملأت البر؛ سجد وبكى وقال: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]. فالشاهد: أن تفكيراً وتدبراً لا يهديك إلى الخوف من الله، فليس بنافع ولا مفيد، وقد كان صلى الله عليه وسلم من أخوف الناس لله، يقول أبو ذر رضي الله عنه: {نمت عنده صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي، فقام يقرأ، وقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم ارتفع صوته، وقال: ويل لمن لم يرحمه الله}. ويقول عبد الله بن الشخير رضي الله عنه: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء} -والمرجل: القدر إذا استجمع غلياناً- وهو يبكي من معرفته لله تبارك وتعالى، وكان يحدث الناس عن الله -دائماً- وآياته، ويناديهم بالتزود والقدوم على الله، ويخبرهم أنهم مراقبون من الله، فالله معنا دائماً، وهو فوقنا، سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ يسجل حسناتنا وسيئاتنا: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:7]. وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني وإذا خلوت بريبة في ظلمة: لا يراك إلا الله، ولا يسجل حركاتك وسكناتك إلا الله. والنفس داعية إلى الطغيان: تريد الاقتحام على المعصية فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني فأعظم مقامات التوحيد عند أهل السنة والجماعة هو: التفكر، ثم الخوف من الله الجليل. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا حضرت الوفاة أبا بكر رضي الله عنه، فدخلت عليه ابنته عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقالت: يا أبتاه! صدق الشاعر: لعمرك ما يغني النزاء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر ]] فغضب، ونظر إليها، وقال: [[بل كذب الشاعر، وصدق الله: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:18 - 21]]]. فهذا أبو بكر الذي قدم للإسلام كل شيء، فالإسلام كأنه أبو بكر، وكأن أبا بكر هو الإسلام، وكما روى الإمام أحمد في كتاب الزهد: دخل مع الصحابة، ليتنزهوا في بستان من بساتين المدينة، فرأى طائراً على نخلة، فبكى، فقال الصحابة: مالك يا خليفة رسول الله؟ قال: أبكي لهذا الطائر، يأكل من الشجر، ويرد الماء، ويموت، ولا حساب ولا عذاب، فبكوا رضوان الله عليهم. ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيء قام هارون الرشيد فحلى قصوره، وزين دوره , وجمع الناس في مهرجان، ثم أدخل عليه الناس أفواجاً أفواجاً، فأتى أبو العتاهية الشاعر الزاهد، فقال له هارون: أمدحت هذا اليوم المشهود؟ قال: نعم. مدحته، قال: وماذا قلت فيه؟ قال: قلت: عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصور قال: ثم ماذا؟ قال: يجري عليك بما أردت مع العشية والبكور قال: ثم ماذا؟ قال: فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور قال: ثم ماذا؟ قال: فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور فبكى هارون الرشيد حتى أغمي عليه، وأمر بالزينة أن تخلع. فيا عباد الله: أعظم المقامات: التفكر في أسماء الله وصفاته، وفي آياته وأيامه، وفي دلائل وحدانيته في الكون، ثم الخوف منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وما ارتفع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا بتدبر آيات الله، والتفكر في دلائل وحدانية الله، والخوف من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. يقول علي رضي الله عنه: [[لا يخافن أحدكم إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه]] وكانوا رضي الله عنهم دائماً يشعرون برقابة الله، ووحدانيته، ويخافونه سُبحَانَهُ وَتَعَالىَ. يقول: أسلم مولى عمر: [[خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، بعد أن انتصف الليل، فقال لي: يا أسلم! الحقني فإني أتفقد الناس]] هذا في عام المجاعة -عام الرمادة- يوم أن جاع الناس فجاع عمر معهم، ويوم أن تعب الناس تعب عمر معهم، ويوم أن سهر الناس وسهر عمر معهم. حسب القوافي وحسبي حين أرويها أني إلى ساحة الفاروق أهديها فمن يضاهي أبا حفص وسيرته ومن يحاول للفاروق تشبيها لما اشتهت زوجه الحلوى فقال لها من أين لي ثمن الحلوى، فأشريها؟ خرج رضي الله عنه عام الرمادة، يوم أن وقف يوم الجمعة على الناس، فبكى وأبكى، وسمع قرقرة بطنه، فقال: [[قرقر، أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]]. أيها المسلمون: عباد الله! انظروا إلى اليهود، وهم أنصار القردة والخنازير، كيف يهاجرون إلى فلسطين! متعاونين متساعدين، متآخين على حرب المسلمين، وانظروا إلى الشيوعيين وأذنابهم، كيف يقومون جبهة واحدة ضد المسلمين، من أفريقيا وآسيا، وروسيا جبهة متآخين لصد زحف الإسلام المقدس، ونحن شيع وأحزاب، أفكار وآراء، الجار يحقد على جاره، والمسلم يغتاب أخاه المسلم، والأعراض تنتهك في المجالس. فهل هذا دين؟! وهل هذا نصر، أو ظفر؟! إن كيد مطرف الإخاء فإننا نسري ونغدو في إخاء تالد أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

لوازم المحبة في الله

لوازم المحبة في الله الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أمَّا بَعْد: أيها الناس: إن من لوازم المحبة في الله، والأخوة فيه سُبحَانَهُ وَتَعَالى:

النصيحة

النصيحة النصيحة، النصيحة لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولرسوله ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم. يقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه وأرضاه: {قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: بايعني يا رسول الله! قال: أبايعك على شهادة أن لا إله إلا الله, وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، قال: فبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، فوالله ما لقيت مسلماً إلا نصحته}. [[وكان جرير رضي الله عنه إذا بايع رجلاً قال له: اختر في السلعة والثمن، فإني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم]]. [[شرى فرساً بأربعمائة درهم، فلما ذهب الرجل وأخذ الدراهم - البائع- قال جرير: عد، فعاد الرجل، قال: أتريد أن لك بفرسك خمسمائة درهم، قال: نعم، قال: وستمائة، قال: نعم، قال: وسبعمائة، وثمانمائة، قال: نعم، قال: خذ ثمانمائة، فإني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم]]. وروى الإمام أحمد بسند جيد في مسنده، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لوجه الله - وفي لفظ: لله- ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط بمن وراءهم}. يقول ابن تيمية كلاماً ما معناه: يجب الاعتناء بهذا الحديث وفهمه، فهو جزء من عقيدة أهل السنة والجماعة، أن نوالي من والى الله، ونعادي من عادى الله، ونحب من أحب الله، ونبغض من أبغض الله، سواء وافقنا على فرعيات الآراء، أو خالفنا، سواء اجتهد، أو لم يجتهد، وقلَّد أو لم يقلد: فإن هذه أمور لا تمت إلى الولاء والبراء بشيء من الخدش، بل يبقى الولاء والبراء لله ولرسوله وللمؤمنين.

الدعاء بظهر الغيب

الدعاء بظهر الغيب ومن لوازم الأخوة: الدعاء بظهر الغيب، أن يدعو بعضنا لبعض في السحر، وأدبار الصلوات، فإن من صفاء القلب، وطمأنينة النفس: أن يدعو المسلم لإخوانه المسلمين، ويبلغ الحسد والغضب والضغينة، ببعض الناس، أن يحرم المسلمين من دعائه، وهو المحروم ليس هم؛ لأن الله سوف يرحمهم بدعوات الآخرين من غيره، لكنه أحرم نفسه فضلاً عظيماً، فقد ثبت في الحديث: {إن المسلم إذا دعا لأخيه بظهر الغيب، قال له الملك: ولك بمثل ذلك، ولك بمثل ذلك، ولك بمثل ذلك}.

كظم الغيظ والتسامح والعفو

كظم الغيظ والتسامح والعفو ومن لوازم الأخوة في الله: كظم الغيظ والتسامح والعفو، يقول الله- تبارك وتعالى-: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]. ذكر ابن كثير عن هارون الرشيد: أنه كلف خادماً له أن يصب عليه الماء، فصب عليه ماءً حاراً، ثم أطلق الإناء من يده، فوقع على رأس هارون الرشيد -وهو خليفة- فغضب غضباً شديداً، وقد تغير لونه من الماء الحار، فقال له الخادم: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران:134] قال: قد كظمت، قال: {وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ} قال: عفوت عنك، قال: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قال: أعتقتك لوجه الله الحي القيوم. هذا هو الوقوف مع القرآن وتطبيق أحكامه في الحياة، وهذا هو المطلوب منا تجاه هذا الكتاب العظيم. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة، صلى الله عليه بها عشراًَ} اللهم صل على نبيك وخليلك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، برحمتك يا أرحم الراحمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وآخ بين قلوبهم، وأزل الفرقة عنهم يا رب العالمين، واجمع شتاتهم، واجعل كلمتهم واحدة، إنك على كل شيء قدير. اللهم اصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك، واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك يا أكرم الأكرمين. اللهم انصر المجاهدين الأفغان، اللهم ثبت قلوبهم، وأيدهم بنصر منك، وأنزل السكينة عليهم، اللهم اهزم وشرد أعداءهم، ومزقهم كل ممزق، واجعلهم غنيمة للمسلمين، يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين , والحمد لله رب العالمين.

قصة سبأ آيات لكل صبار شكور

قصة سبأ آيات لكل صبار شكور الحمد لله حمداً، والشكر لله شكراً، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله الصادق الأمين، أدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، فعليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. أمَّا بَعْد: عباد الله: يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه العظيم: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ:15 - 19]. ينتقل بنا القرآن الكريم إلى مدينةٍ من مدن اليمن، قريبة من صنعاء ليتحدث لنا عن أهلها وما كانوا فيه من نعيم، فقد كانوا في رغدٍ من العيش كما نحن اليوم نكون، وكانوا في بسط وفي أمن وسكينة، وفي راحة وطمأنينة. وكان لهم سد أرسل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليهم الأمطار الغزيرة ليمتلئ بها هذا السد فيختزن كميات هائلةٍ من الأمطار يصرفونها عن طريق الري والصرف في مزارعهم، وأنبت الله لهم من كل زوجٍ بهيج: من الأشجار اليانعة والأعناب والنخيل والحبوب، حتى قال أهل التفسير: كانت المرأة من نسائهم تذهب بالمكتل على رأسها فتمر من تحت تلك الأشجار المثمرة فيمتلئ هذا المكتل من كثرة ما يتساقط فيه من الثمار، وكان عذق النخلة لا يحمله إلا الفَرَسان من عظمته ومن كثرة ما فيه من الثمار، وكانت المياه صافية، وكان الأمن والسكينة الرغد، وكانت بحبوحة العيشِ كما نعيش فيه نحن الآن. لكن أهل هذه القرية وسكانها أعرضوا عن أمر الله، وكفروا نعمته، فقابلوا الجميل بالقبيح، وفعلوا المعاصي، وفشا فيهم المنكر فما نهوا عنه ولم يأمروا بالمعروف، وسكت الجميع على الفعل القبيح، وتمردوا على رسالة الله، فسلط الله عليهم حشرة من أضعف حشراته سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فأراً واحداً فنقب هذا السد المنيع الهائل المتين، وأتى الماء مع هذا النقب وانهدم هذا السد وفي الأخير بُدِّلوا بعد النعمة نكداً، وبعد الرخاء ضيقاً، وبعد الخصب والمطر والسكينة والأمن فقراً وسخطاً ولعنة، فتفرق أهالي سبأ: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ:19] خرج الغساسنة إلى الشام، والمناذرة إلى العراق، والأزد إلى عمان، والأوس والخزرج إلى المدينة، وخزاعة إلى مكة؛ لأنهم لم يشكروا نعمة الله، واسمعوا السياق وعيشوا مع الآيات. يقول جل ذكره: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ} [سبأ:15] آيةٌ على أن هناك إلهاً، وأن هناك رباً يجب أن يعبد: {آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} [سبأ:15] كان لكل إنسانٍ منهم عند بيته جنة -بستانٌ عظيم عن يمين بيته وعن شماله- يقطف الثمار ويأخذ المحصول في أمنٍ وراحةٍ وسكينةٍ وطمأنينة. ثم قال لهم الله: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ} [سبأ:15] فالنتيجة لهذا الرزق هي الشكر وإظهار النعمة لمسديها سُبحَانَهُ وَتَعَالى، واستعمالها فيما يقرب العبد من الله تبارك وتعالى، لا أن نقابلها بالكفر والجحود، والمعصية والجريمة والتبجح على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وعلى شرعه: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41]. الذين إن مكناهم بالمال والتأييد، وبالصحة والأمن، وبرغد العيش، وبالسكينة والطمأنينة في بلادهم وأوطانهم وأجسامهم وأولادهم وبيوتهم ماذا يفعلون يا ترى؟ هل يرقصون ويغنون ويطبلون؟ هل يعصون ويقترفون المعاصي ويخرجون على حدود الله؟ لا. قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41]. وانظر إلى التعقيب في آخر الآية بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] إليه يرد العمل فيجازي المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته. {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15]. بلدةٌ ذات رخاء، مساكن كثيرة وأمطار غزيرة، وأرزاق وفيرة. بلدةٌ طيبة، تأتي إليها الثمرات من كل مكان، كما تأتي الثمرات إلينا وإلى بلادنا في هذا الزمان من كل دولةٍ من دول الأرض، اشكروا لله ولا تكفروا نعمة الله، ولا ترضوا بالمعصية بينكم، ولا تتعدوا حدود الله، وتنتهكوا حرماته. ربٌ غفور: يغفر السيئة ويقبل التوبة، ويستر الخطيئة، ويرضى بالقليل، ما أحسن هذا النعيم الذي نعيشه كما عاشه، أهل سبأ! بلدةٌ طيبة: من أرغد شعوب الأرض ومن آمن بلاد الأرض. وربٌ غفور: يدعونا صباح مساء لأن نستغفر ونتوب، يدعونا كل يومٍ أن نشكر. وهذا على الإيهام والتهويل والإجمال أعرضوا هكذا، فهم أعرضوا عن شريعة الله، كما أعرض كثيرٌ منا اليوم! أعرضوا عن رسالة التوحيد، كما أعرض كثيرٌ منا اليوم! أعرضوا عن كتاب الله كما أعرض كثيرٌ منا اليوم! فتجد الكثير -إلا من رحم الله- أعرض عن كتاب الله إلى المجلات الخليعة السافرة الداعرة، والكتب المتلوثة بالأفكار السيئة، وأعرض عن بيوت الله إلى مجالس اللغو ومجالس التهتك والجريمة، وأعرض عن منهج الله إلى منهج الشياطين ودعاة الإلحاد، وأعرض عن سماع ذكر الله إلى سماع الأغاني الرخيصة الماجنة. {فَأَعْرَضُوا} [سبأ:16] ثم سكت الخطاب فقال: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ:16] هذا هو التأديب لمن لم يتأدب، وهذا هو الجزاء لمن لم يشكر النعمة، وهذا هو النكال، وينوع تبارك وتعالى في التأديب، يقول عز وجل: {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40]. أرسل الله عليهم السيل فدمر سدهم، وأهلك محصولهم، وعاث ببساتينهم وحدائقهم، فتفرقوا في الأرض. بكى الأطفال وهم يسافرون ويرون الرحيل من بلادهم الآمنة، وبكت النساء وهنّ ينظرن إلى الخراب والإبادة والتدمير التي حلت بأوطانهم وكأن الخطاب يعنينا نحنُ على لسان القائل: إياك أعني واسمعي يا جارة. وما فائدة هذا الخطاب إن لم نتدبر ونتعظ وقد ذهب أهل الخطاب. انظروا إلى جيراننا الذين أعرضوا عن منهج الله ورسالته، كيف سلط الله عليهم التدمير والإبادة، ينامون على أصوات الصواريخ، ويستيقظون على صيحات المدافع، تتساقط قصورهم على رءوسهم، وتتباكى نساؤهم في شوارعهم، ويموت أطفالهم أمام عيونهم لأنهم تلبسوا بالجريمة، ولأنهم لم يشكروا النعمة، ولأنهم ما عرفوا الله، فلقنهم الله دروساً قاسيةً لا ينسونها مرةً ثانية، يعيشون الخراب والدمار، ويعيشون العذاب والويل، ويعيشون الجوع والتمزق. {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ:16] {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} [سبأ:17] هم الذين أساءوا وما أسأنا نحنُ، وهم الذين ردوا على الجميل بالقبيح، وهم الذين كفروا النعمة، وهم الذين تسببوا في هذا التدمير والإبادة، فأعرضوا {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:17]. ثم عاد سُبحَانَهُ وَتَعَالى ليذكرنا بصورٍ من صور النعمة التي عاشوها: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً} [سبأ:18] حتى أن أسلوب المواصلات كان ميسراً في عهدهم، يتصلون بمدنهم وقراهم في أيسر وقت وأسهله، في أمانٍ وطمأنينة كما نتصل نحن اليوم بأسباب المواصلات في أمن ورغدٍ من العيش: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ} [سبأ:18] لا تخافون، دماؤكم محقونة، ومساكنكم مأمونة، وأموالكم محفوظة، كما نعيش اليوم: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ:19] كأنهم بأفعالهم دعوا على أنفسهم، وإذا رأيت العاصي والمجرم ينتهك حدود الله فكأنه يقول لله: يا رب! نكل بي، ويا رب! عذبني، ويا رب! أبعدني عن ساحتك! قال تعالى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [سبأ:19] ما ظلمهم الله، وما اقترف الله بحقهم نكالاً ولا ظلماً، ولكنهم ظلموا أنفسهم بما كسبت أيديهم: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء:7] {وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ)) [سبأ:19] هل نرى لهم ركزاً؟ هل نسمع منهم من أحد؟ هل نرى بساتينهم وحدائقهم؟ لا. إنما بقي حديث السمر من أخبارهم، عظةً وذكرى {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} في هذا الأسلوب الغريب الرهيب، مزقناهم كل ممزق: ففرقنا بين الوالد وولده، وبين الزوج وزوجته، وبين الأخ وأخيه، جزاء ما فعلوا، ثم قال تبارك وتعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ:19] هذا هو الشاهد من القصة ووجه الاستشهاد: أن تدبروا، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! تدبروا في مصارع الغابرين، وانظروا كيف فعل الله بالمجرمين، لتأخذوا حذركم: مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد وإن لم تتنبهوا فسوف تقعون في ما وقعوا فيه، من التمزق والتدمير والإبادة والجوعِ، ومن المقتِ والنقمة والغضب والسخطِ وسوء المنقلب إلى الله. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم

دعوة إبراهيم عليه السلام

دعوة إبراهيم عليه السَّلام الحمد لله، الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فاسمع إلى سياق القرآن وهو يتحدث عن إبراهيم عليه السلام، وهو يدعو لهذه البلاد؛ ولهذه الصحراء، ولأهلها، بعد أن أنزل أهله بـ مكة، في شعابٍ سود لا زروع فيها ولا بساتين، ولا حدائق فيها ولا مزارع، ولا حبوب فيها ولا فواكه، وإنما فيها شوكٌ، وصخورٌ مجدبة، وحرارةٌ متوهجة، يترك أهله هناك ثم يستقبل بوجهه الحي القيوم ويقول: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]. هل رأيت أجدب من هذه الصحراء في بلاد العالم التي نعيش فيها؟ وهل رأيت بعد ذاك الجدب أرغد منها معيشة، وآمن منها وطناً، وأحسن منها متاعاً بفضل تلك الدعوة المباركة من النبي المبارك عليه السَّلام؟ {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم:37] بوادٍ أجدبَ لا ماء فيه ولا حياة، لا ري فيه ولا رغد، لا ظل ولا أشجار، ولا حدائق ولا بساتين: {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم:37] و {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم:37] فرض عليهم أن يقيموا الصلاة لوجهك، ويقيموا التوحيد، ويطيعوك ولا يعصوك، ربنا إذا فعلوا ذلك: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} واجعل شعوب العالم تأتي إليهم لتؤانسهم وليحيوا بها حضارةً ويبدعوا بها تجارة، أما رأيت الملايين المملينة وهي تموج بهم في مزدلفة وعرفة ومنى؟ أما رأيت الدعوة كيف تحصنت؟ ولكن هل يا ترى يستمر الشرط مع البركة؟ هل يستمر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ {وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [إبراهيم:37] واستجاب الله لإبراهيم فأتت الثمرات من كل شعوب العالم، أتت الفواكه من دول العالم تحملها الطائرات طازجةً إلى هذه الصحراء، من أوروبا وأمريكا، وأستراليا والصين، ومن كل صقعٍ من المعمورة إلى هذه الصحراء، وكأن الله يقول: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15]. هذه هي النعمة التي أسبلها الله وأسدلها علينا تبارك وتعالى، ولكن العار كل العار والشنار كل الشنار أن نخالف ما جعله الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى سبباً للطاعة، فنرد على الجميل بالقبيح، ونتجرأ على المعاصي كما يفعل السفهاء منا، الذين يلعبون بالنار، وينتهكون حدود الله، والذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ويريدون أن يطمسوا بركة هذه البلاد ومعالمها، بما يتجرءون عليه من شرب المسكر، وتناول المخدرات، ومن مزاولة الزنا، والتعامل بالربا، سوف يغضب الله ذاك الغضب الذي لا يرده هواك. عباد الله: تدبروا من حولكم، وتفكروا كيف فعل الله بهم: {ِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [ابراهيم:5]. وصلوا وسلموا على من شرفه الله بالرسالة وأمركم بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ على نبيك وخليلك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه يا رب العالمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم انصر جندك المجاهدين في أفغانستان وفلسطين وفي كل صقعٍ من بلاد المسلمين، اللهم ارفع رايتهم على التوحيد، واجمع كلمتهم على ما تحبه وترضاه، وثبت أقدامهم يا رب العالمين، وخذ بأيديهم وأنزل السكينة في قلوبهم. اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ماكانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

الداعية المطارد

الداعية المطارد إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أعظم الخلق عند الله، وقد أخرجنا الله به من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإسلام، وإلى الطريق الصحيح؟! وهو الذي كابد المشاق من أجل هذا المبدأ؟! وهو الذي ربى جيلاً عظيماً لا زالت الدنيا تتحدث عنهم وعن أمجادهم.

حديث الهجرة

حديث الهجرة إن الحمد لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونستهديه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، أحمدك اللهم من اعتمد عليك نصرته، ومن فوض الأمر إليك كفيته، ومن تقرب إليك أحببته، ومن حاربك خذلته، ومن خاصمك أهنته، ومن ناوأك أبعدته وأقصيته. أيها الجيل الموحد! يا حملة المبادئ! أيتها الكتيبة المقدسة! نقف هذا اليوم نحيي بملء القلوب والأجفان والأسماع رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نحييه في أول العام الهجري، وهو رجل الهجرة الأول، نعيش اليوم مع الأطفال في أيامٍ طرد هو من أطفاله، ونعيش اليوم منعمين في الدور والقصور في أيام شرد من دوره، ونعيش اليوم ناعمين سعيدين جذلين في أيام عاشها هو كلها أسىً، ولوعة، يقدم رأسه وروحه من أجل لا إله إلا الله، إنها الهجرة. وعنوان الدرس: الداعية المطارد، طارده أقاربه، وأرحامه، وأصهاره، فما سبب المطاردة؟ لماذا طورد؟ أمن أجل أنه أتى بنهب الأموال وسفك الدماء، واحتلال الأراضي، وابتزاز المعطيات؟ لا. إنه مطارد؛ من أجل أنه أتى لينقذ الإنسان ويخرجه من الظلمات إلى النور، فهذا هو حديث الهجرة.

شجاعته صلى الله عليه وسلم في مواجهة المؤامرة

شجاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مواجهة المؤامرة أغلقت مكة أبوابها في وجه الابن البار، وأنذرته في خلال أربع وعشرين ساعة، أن يغادرها ولا يبقى في ساحها، عجيب! ولد في ربوعها، وترعرع في تلالها، شرب ماءها، واستنشق هواءها، وتقول له مكة اخرج! إلى أين؟!! لا ندري. وليتهم تركوه ليخرج سالماً معافى، لكن يريدون أن يخرجوه جثةً، أو يحبسوه، أو يبيدوه أو ينفوه من الأرض، {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] تخفيت من خصمي بظل جناحه فعيني ترى خصمي وليس يراني فلو تسأل الأيام عنيَّ ما درت وأين مكاني ما عرفن مكاني دخل في غرفة علي أو في بيته هو، وطوقه الكفرة الفجرة؛ لأنه يهدد مصالحهم التي بنيت على الظلم، ويصادر شهواتهم، ولا يطاوعهم في نزواتهم، إن أهل الباطل قديماً وحديثاً يرون في حملة المبادئ، وفي رواد الحق خصماء على طول الطريق؛ لأنهم يقولون لهم: لا. في كل معصية، وشهوة، ونزوة!! طوقوا بيته بالسيوف المصلته، وتحروا متى يخرج، وهنا تأتي الشجاعة، ليست الشجاعة التي يقدمها الناس من أجل أراضيهم، ومزارعهم، ومناصبهم. ليست الأنوف الحمراء التي تغضب للجيوب والبطون، والسيوف المسلولة من أجل التراب والطين. أما محمدٌ عليه الصلاة والسلام فيقدم رأسه من أجل مبدئه، يتحدى الشمس أن تهبط في يمينه والقمر أن ينزل في يساره، ولو نزلت الشمس والقمر، والله ما تهزه خطوة، حتى تعلن لا إله إلا الله أصالتها في الأرض!! طوقوه وأتاه جبريل فأخبره، قال: الخصوم خارج البيت يريدون قتلك، فيقول: إن الله معنا. لله درك، ولله در الشجاعة المتناهية، ولله در الروح العالية: يا قاتل الظلم ثارت هاهنا وهنا فضائح أين منها زندك الواري الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبارِ فخرج من البيت بلا سيف، وهم بالسيوف، وخرج بلا رمح وهم بالرماح!! وأخذ حفنة من التراب فألقى الله النوم عليهم، فناموا وسقطت سيوف الخزي والعار، ونثر التراب والغبار على رأس الفجار، وهو يقول: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9].

دروس من الهجرة النبوية

دروس من الهجرة النبوية نقف اليوم: بعد هذا الحدث بخمسة عشر قرناً، لنأخذ دروساً منها:

التوكل على الله

التوكل على الله أولها: درس التوكل على الله، وتفويض الأمر له، وصدق اللجأ إليه، فلا كافي إلا الله، يقول سبحانه على لسان أحد أوليائه: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر:44 - 45]. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَىَ لرسوله: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:36] وكل من هو دون الله فهو تحته، ودونه، وأضعف منه، فلا مقارنة. الناس اليوم يحملون صدق التوكل والانتصار بالله في أذهانهم لا في حياتهم، إنهم يكونون أجبن ما يكون عندما تهدد لا إله إلا الله، إن قضية الوظائف، والمناصب والموائد، والجاهات والشارات استعبدت البشر، إنها تستعبد الحر الشجاع، فتجعله ذليلاً جباناً لا يقول كلمة الحق: {تعس عبد الدينار تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميصة} إن محمداً عليه الصلاة والسلام، أراد أن يبني جيلاً قوياً شجاعاً، يقدم الواحد منهم رأسه لمبدئه، وروحه لمنهجه. ولكن: طال الأمد، وقست القلوب، وانطمس المنهج، وأصبحت الأمة تعيش خواءً عقدياً، أخوف ما تكون من البشر، انظر إليهم، والله إنهم يخافون من البشر أكثر من رب البشر!! فكم يخافون؟ وكم يجبنون؟ وكم تصيب أحدهم الزلزلة والرعدة من تهديد بسيط، يتعرض لوظيفته أو لمنصبه أو لدخله ورزقه، ولا يرزق ولا يخلق إلا الله!! {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]. إن قصة الهجرة يتجلى فيها التوكل كأحسن ما يتجلى في أي صورة، يدخل الغار، ويتكرر لنا حديث الغار، ونعيد دائماً حديث الغار، لأن أول التاريخ بدأ من الغار، والنور انفجر من الغار. فمن يمنعه عليه الصلاة والسلام؛ أين موكبه؟ أين أقواس النصر التي تحف بالناس؟ أين الجنود المسلحة التي تحمي جماجم الناس وأرواحهم وهم أقل خطراً وأقل شأناً منه، لا جنود معه ولا حراسة، لا سلاح، ولا مخابرات، ولا استطلاع! وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمانُ فيقول أبو بكر: {يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم إلى موطن قدميه لرآنا، فيتبسم عليه الصلاة والسلام -والتبسم في وجه الموت أمرٌ لا يجيده إلا العظماء، حتى يقول المتنبي يمدح عظيماً لا يستحق أن يكون جندياً في كتيبة محمد عليه الصلاة والسلام: وقفت وما في الموت شك لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائمُ تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً ووجهك وضاحٌ وثغرك باسمُ يتبسم عليه الصلاة والسلام- ويقول: ما ظنك يا أبا بكر! باثنين الله ثالثهما} هل يغلب الثلاثة، أم تكون الدائرة على غير الثلاثة؟ إذا كان الله الثالث، فمن هو المغلوب؟ من هو خاسر الجولة؟ من هو المنهزم في آخر المعركة؟ ويقول: لا تحزن إن الله معنا، بعلمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهي معية الحفظ والتأييد والتسديد لأوليائه، المعية التي صاحبت إبراهيم عليه السلام، وهو يهوي بين السماء والأرض، في قذيفة المنجنيق إلى النار، فيقول له جبريل: ألك إليَّ حاجة؟! قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173] فصارت النار برداً وسلاماً. والمعية التي صاحبت موسى راعي الغنم، الذي يحمل عصاه، ولا يجيد أن ينطق اللغة، ويدخل إيوان الظالم السفاك المجرم فرعون، وحرس فرعون أكثر من ثلاثين ألفاً، الدماء تسيل في البلاط الملكي الظالم، موسى يلتفت ويقول: يا رب! إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى، فيعطيه الله درساً في التوحيد والتوكل: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] نواصي العباد بيديه، ورءوس الطغاة في قبضته، ومقاليد الحكم بيمينه، لا يتصرف متصرف إلا بقدرته. ثم يأتي سراقة ويطارد محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقرأ القرآن ولا يلتفت؛ لأن الله معه، يدعو على سراقة، فيصبح سراقة مهدداً بالموت، فيقول: يا محمد! اكتب لي أماناً على حياتي. أنت الآن محمي وأنا مهدد، بالله لا تقتلني، فقد فر من الموت وفي الموت وقع، فيقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن يتبسم: {يا سراقة! كيف بك إذا سورت بسواري كسرى؟} أين كسرى؟ إنه امبراطور فارس، ودكتاتوري الشمال، المجرم السفاك. فيضحك سراقة كأنه ضربٌ من الخيال، أهذا يستولي على إمبراطوريات الدنيا؟! أهذا يلغي مملكة العالم، وهو لا يستطيع أن ينجو بنفسه؟ وبالفعل تم ذلك، ودكدك الظلم، وفتح الشمال، ورفرفت لا إله إلا الله على الإيوان: وما أتت بقعةٌ إلا سمعت بها الله أكبر تدوي في نواحيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها

حفظ الله لأوليائه

حفظ الله لأوليائه ثانيها: أن الله يحفظ أولياءه، فهم يُؤذَون ويُضطهدون ويحبسون ويقدمون رءوسهم رخيصة لله، ولكن ينتصرون، والعاقبة للمتقين: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52]. والنتيجة الحتمية أنهم هم المنتصرون في آخر المطاف، وأن الباطل مهما انتفش وعلا وكبر، فإنه كما قال سبحانه: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] الباطل: له صولة، والحق: له جولة، والعاقبة للمتقين، وتكفل الله أن يحفظ دعائم هذا الدين والمتمسكين به، والمنضوين تحت لوائه، فمهما تعرض له من الإساءات والاضطهاد والإقصاء والاستخذاء، فإنه لا يزيدهم إلا إصراراً على مبادئهم، وشمماً وقوة.

التضحية والبذل

التضحية والبذل ثالثها: عالم التضحيات والبذل يتحقق فيه عليه الصلاة والسلام، فماذا فعلت أنا وأنت لهذا الدين؟ ماذا قدمنا؟ ومحمدٌ عليه الصلاة والسلام شغله الشاغل أنفاسه خواطره أفكاره أمواله أهله روحه لله!! يقول في إحدى مواقفه: {والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل} هاجر من مكة مطروداً، ووقف في حمراء الأسد يتكلم مع مكة، بينه وبين مكة كلامٌ رقيقٌ مشوق: يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيءٍ بعدكم عدمُ إذا ترحلت عن قومٍ وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون همُ يقول لـ مكة: {والذي نفسي بيده إنك لمن أحب بلاد الله إلى قلبي، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت} ثم تدمع عيناه، ويذهب، بناته أمامه يُضربن، فلا يستطيع أن يدفع، يوضع السلى على رأسه أمام الجماهير، ويضحكون عليه، ويمسح السلى ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} تباع غرفه في مكة، بعقدٍ يتولاه عقيل بن أبي طالب. أعمامه يكذبونه أمام الناس، يحثى التراب عليه، ويطارد بعيداً بعيداً من مكة، ولكن الفجر حل، وهم يريدون إغلاق صوته، فيزداد الصوت قوة، وعظمة، وعمقاً، وأصالة! فيصل إلى المدينة فإذا الدنيا تتحدث به: وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسودِ لولا اشتغال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب نفح العودِ هكذا العظمة والريادة، فينصت العالم له، ويسمعون كلمته، ويقويه الله بجندٍ من عنده، وتحف به الملائكة: وقاتلت معنا الأملاك في أحدٍ تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا إذاً التضحية هكذا: أن تقدم دمك ومالك ودموعك ووقتك للإسلام، ليس فقط الركعات والتسبيحات التي يمتن بها كثيرٌ من الناس، ولكنهم لا يستطيعون الحرقة على الدين، ولا الغضب على المحارم: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ولا يستطيعون أن يتقدموا معك خطوة، لنصرة لا إله إلا الله، فإن هذا عالمٌ آخر.

ماذا قدمنا في العام الهجري المنصرم؟

ماذا قدمنا في العام الهجري المنصرم؟ رابعاً: ماذا قدمنا للعام الهجري المنصرم؟ ذهب من أعمارنا عام مات فيه قوم، وعاش آخرون، اغتنى فيه قوم وافتقر آخرون، وتولى قومٌ وخلع آخرون!! فماذا قدمنا للإسلام؟ ولك أن تتعجب معي، وإن تعجب فعجبٌ فعلهم في هجرة محمد عليه الصلاة والسلام، أين هي الصحف الصباحية؟ أين هي الملاحق الفنية؟ أين هي الصفحات الرياضية؟ أين هي الشاشة؟ أين هو المذياع؟ ولم لا تحيي محمداً عليه الصلاة والسلام؟ لقد احتفل بأسبوع الشجرة، وبيوم الطفولة، وبيوم الأمومة، وبيوم الأرض، ولم يبق إلا يوم القطط والبط والوز! لم يبق إلا يومٌ من السنة، وأقترح أن يخصص للقطط احتفالاً بها! صحفٌ لا تحيي محمداً عليه الصلاة والسلام وكتابها حسنة من حسناته، ومتطفلون على مائدته، وأحرارٌ لما أخرجهم من رق الوثنية والعبودية لغير الله، فهذه بلادٌ ما أشرقت شمسها إلا من تحت قدمه، ثم لا نجد في الجرائد تحية ولا كلمة، ولا عموداً صغيراً، ولا زاوية، تحوي قصة المصلح العظيم، والله لقد قرأت أخباراً عن كلاب حدثت لها وقائع ومصائب في الغرب، وترجموا لها، لكن محمداً عليه الصلاة والسلام لا يجد من يترجم له، ونقول للكتبة وللمحررين وللنخبة المثقفة كما تزعم، ولأهل الكلمة ولأبناء الفكر: لا عليكم {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} [محمد:38] {وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً} [هود:57]. لا عليكم إن بخلتم بأقلامكم عن محمد عليه الصلاة والسلام، وجعلتم صفحاتكم الفنية لكواكب الفن، ولشموس الغناء، فعندنا جيلٌ الآن، أعلن توجهه إلى الله، جيلٌ كتب الهجرة بدموعه، وحفظ المسيرة بقلبه، وأصبح حب محمد عليه الصلاة والسلام يجري في دمه. فعندنا جيل كعدد الذر، كلهم يتمنى اليوم قبل غد أن يقتل في سبيل الله، من أجل مبادئ محمد عليه الصلاة والسلام. هذا أثره عليه الصلاة والسلام علينا، وهذا موقفنا من دعوته ومن رسالته. أما غيرنا فيدرس المناهج إلا منهجه، ويتكلم عن الشخصيات إلا شخصيته. ورأيت في صحيفة زاويةً خصصتها للأعلام والمشاهير ولوفياتهم، من هم؟ إنهم مشاهير السفك والنهب في العالم، والقتل والإبادة واستخذاء الشعوب. أما المحرر الأول، والرجل الذي أصلح الله به الأمة، فلا كلام عنه ولا ترجمة! فماذا يعتذر هؤلاء أمامه عليه الصلاة والسلام غداً؟ ولا يفهم فاهم، أو يزعم زاعم أنني أريد أن ننشئ له عيد هجرة، أو عيد ميلاد؛ فالإسلام لا يقر هذا، ولا يؤمن به، ولا يقر أن نجتمع في زوايا وخلايا وجوانب لنرقص كما يرقص المخذولون المتهوكون بالنشيد والتصفيق ونحييه، فتحيته أن نطهر بلاده مما طهرها منه هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فتكون بلاداً مقدسة، تحيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نسير على خطواته، وأن نفدي منهجه، وأن نضحي لمبدئه، أعظم مما يضحي الثوريون والماركسيون والاشتراكيون العرب للأقزام الملاعين، وللأوسمة المخذولة، وللأصنام المبعدة. تحيتنا له: أن نقف مع سنته وننشرها في الأرض: {بلغوا عني ولو آية} {نضر الله امرأً سمع مني مقالةً فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مُبلَّغٍ أوعى من سامع} إن عالم البادية الذي كان يسجد للحجر، ويجمع التمر ويصلي له، ويأتي للوثن الذي يبول عليه الثعلب، ويدعوه أن يشفي مريضه؛ وصمة عارٍ في هؤلاء القوميين العرب، فالذي حررهم من هذا هو محمد عليه الصلاة والسلام، وإن العجب العجاب أن تحتفل النوادي الأدبية، بنظافة البيئة، فتجد محاضرة في نظافة البيئة، وأخرى في فن السياحة، وأخرى في أدب الاصطياف، ولم يبق إلا محاضرة رابعة في بيطرة البقر! كيف تبيطر البقر؟ وما هو علاج البقر؟ ومن هم الأبطال الذي يعالجون البقر من أمراضها؟ علي نحت القوافي من معادنها وما علي إذا لم تفهم البقرُ لماذا لا تقام محاضرة بعنوان: أثر رسالته عليه الصلاة والسلام على العالم؟ لماذا لا يأتي هؤلاء البسطاء الوضعاء بمحاضرة عن (الإسلام وحاجة العالم إليه) أو القرآن وواجبنا في هذا القرن، أو أثر لا إله إلا الله في حياة الإنسان؟ أما هذه المحاضرات التي شبع منها الناس، ومجتها الآذان، وأصبحنا نصاب بغثيان من سماعها وتردادها، فوالله إنها شغلٌ للأوقات، وإنها تسويدٌ للصحف، ومجٌ للأسماع، وثقالةٌ ودرن على القلوب. هذا المهاجر الأول، وهذا الداعية المطارد من أجل مبدئه، وهذا عامنا وهذا ما قدمنا، وهذه النوادي، وهذه الصحف، وهذه الأقلام، ولكم أن تحكموا: {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:14 - 15] {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:6 - 7]. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

موسى عليه السلام أمام فرعون

موسى عليه السَّلامُ أمام فرعون الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وعلى قدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. في مثل هذا الشهر، طورد داعية أول، زميلٌ له عليه الصلاة والسلام، نهجه نهجه، ومسيرته مسيرته، ودعوته دعوته، إنه موسى عليه السلام: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] لا يُبعث نبي إلا وقد هيأ الله طاغيةً هناك يرصد له، ولا يحمل رائدٌ من رواد الدعوة مبدأً إلا ويتهيأ له ظالمٌ يرصده، سنة الله: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62] {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251]. في هذا الشهر، خرج موسى مطروداً من مصر، يطارده فرعون المجرم بستمائة ألف مقاتل {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) [الزخرف:54] قطيع ضأن، الشعوب التي لا تفهم إلا الخبز والأكل، ولا تفهم إلا ثقافة القِدْر، والجيب والبطن تصفق للطاغية وتحثوا على رأس الداعية. الشعوب المهلهلة المهترية المتهالكة من الداخل طاردت موسى يريدون قتله، لأنه يريد أن يحررهم وهم يقولون: لا. يريد أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، وهم يقولون: لا. يريد أن يرفع رءوسهم، وهم يقولون: لا. اصطدم بالبحر، الجيش وراءه والموت، والبحر أمامه والموت، إلى أين؟ إلى الله، التفت ودعا، والله قريب: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]. بنو إسرائيل الخونة الجبناء ولولوا وخافوا وارتعدوا، والكتائب حوله انهارت، يا موسى!: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] ولكن موسى يتبسم، كما يتبسم محمد في الغار {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:62] فيقال له كما ذكر بعض أهل السير: أين يهديك وفرعون خلفك والبحر أمامك؟! هذه ورطة لا حل لها، هذا مضيقٌ لا مخرج منه في عرف البشر، {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] ويتلقى المكالمة في الحال من الله، لا تتأخر عنه؛ لأنه كان كليماً: اضرب البحر بعصاك، فضرب باسم الله البحر فانفلق يبساً فمشى بنو إسرائيل، وأتى فرعون يريد أن يجرب آخر جولة له في عالم الضياع، وهي مصارع الطغاة، والطغاة لهم مصارع، إما أن تلعنهم القلوب وهم يسيرون على الأرض وهذا مصرع، وإما أن يشدخون كما شدخ هذا وهذا مصرع، وإما أن يدخر الله لهم ناراً تلظى، وهذا مصرع.

إهلاك فرعون ونجاة موسى

إهلاك فرعون ونجاة موسى وصل فرعون ونجا موسى، وقال الله للبحر: اجتمع فاجتمع، وكان الضحية المجرم، دخل الطين في فمه، فلما أصبح في وقتٍ ضائع قال: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] فيقول الله: {آلْآنَ} [يونس:91] في هذه اللحظة أيها المجرم الخسيس بعد أن فعلت من الأفاعيل ما تشيب له الرءوس؟! والشاهد أن الرسول عليه الصلاة والسلام يشارك أخاه في فرحة الفلاح والانتصار، ويشارك زميله في هذا اليوم الأغر، يوم عاشوراء، ولذلك تضامن معه، وتكاتف هو وإياه، فقد وجد بني إسرائيل وهم اليهود الخونة الجبناء في خيبر والمدينة يصومون عاشوراء، قال: {ما هذا اليوم، قالوا: يومٌ نجا الله فيه موسى قال: نحن أولى بموسى منكم} موسى كليم ربنا، وحبيبنا، نحن حملة منهج موسى، ليس أنتم يا خونة العالم! ويا حثالة التاريخ! ويا أبناء القردة والخنازير! فصامه وقال عليه الصلاة والسلام عن هذا اليوم كما في صحيح مسلم: {إني أرجو من الله أن يكفر به السنة الماضية}. ومن السنة أن تصوم يوماً قبله، أو يوماً بعده -اليوم التاسع والعاشر، أو اليوم العاشر والحادي عشر من هذا الشهر- يقول عليه الصلاة والسلام: {لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع} فشكر الله لموسى دعوته ومنهجه وبذله وتضحيته، وشكر الله لمحمدٍ عليه الصلاة والسلام بذله وشجاعته وتضحيته من أجل هذه الأمة، وشكر الله لكل من سار على منهجه عليه الصلاة والسلام، وضحى من أجل مبادئه، وبذل من أجل دعوته، وساهم في رفع رسالته. أسأل الله أن يجمعنا بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام وبإبراهيم وموسى وعيسى وبالأخيار الطيبين، وبالشهداء الصالحين، وبالأبرار الصديقين، وبالشجعان الباذلين في مقعد صدقٍ عند رب العالمين. أيها الناس! صلوا على الداعية المطارد والمهاجر الأول والرسول الأعظم، والهمام الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ترقرق الغمام، وما جنح الظلام، وما أُفشي السلام، وما كان في قلوبنا، وفي أذهاننا إمام، صلى الله عليه وسلم ما فاحت الأزهار، وما تمايلت الأشجار، وما تدفقت الأنهار، وما كور النهار على الليل، والليل على النهار، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما تألقت عينٌ لنظر، وما تحرقت أذنٌ لخبر، وما هتف وُرقٌ على الشجر، وعلى آله وصحبه. اللهم انصر دينك ومنهجك، اللهم اجعله عاماً مباركاً، وعاماً ينتصر فيه الدين، وترتفع فيه إياك نعبد وإياك نستعين، وعاماً يخسأ فيه الفجرة والمنافقون، وعاماً يغلب فيه المناوئون الظالمون، وعاماً يكون عائداً علينا بالحسنات والمكرمات، ورفعة الدرجات عند رب الأرض والسماوات. الله انصر الأمة وحقق لها أمانيها، وثبت أقدامها، وأيد شبابها، واحم حوزتها، وارفع رايتها، وأقم شامتها، واحم شريعتها، وأيد كلمتها. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

إلى مصر المسلمة

إلى مصر المسلمة إن الإسلام قد جمع الأمة الإسلامية، ووحدها عقيدة وأرضاً وإنساناً، وكانت مصر في طليعة هذه الأمة الموحدة، ولقد كان أبناؤها في طليعة الفاتحين، كيف لا وهم من أقوى أجناد الأرض! وحين سحق التتار الخلافة الإسلامية في بغداد بعد أن حطموا مدن خراسان وخوارزم، وأرادوا أن يزحفوا على بقية الرقعة الإسلامية ويستأصلوا الإسلام من جذوره تصدى لهم المصريون في عين جالوت، وردوهم على أعقابهم خاسرين. وبطولاتهم تشرق بها كتب التاريخ ويشهد لها الواقع، وآخر ذلك ما حصل في يوم العاشر من رمضان.

مصر وأهميتها بالنسبة للأمة الإسلامية

مصر وأهميتها بالنسبة للأمة الإسلامية الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين؛ فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الناس: إن أعظم معجزة قدمها الإسلام للعالم، أن جمع بين هذه الشعوب المسلمة تحت مظلة إياك نعبد وإياك نستعين، وإن أعظم نفع قدمه عليه الصلاة والسلام للدنيا؛ أن آخى بين القلوب وألف بين الأرواح، قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. وقد ينسى بعض السفهاء هذا التأليف، وهذا الإخاء؛ لجهلهم بهذا الدين العظيم. نما إلى علمي أن أخاً مصرياً يشكو من الجفاء والاستخفاف من بعض الناس، وشافهني بعضهم بهذا؛ فقلت: لا بد أن أؤدب بعض السفهاء، وأن أقلم أظفارهم، وأن أخبرهم ما هي مصر؟ وماذا تعني مصر؟ ومن هم المصريون؟ وماذا يعني وادي النيل؟ إن مدحي وثنائي على مصر هو كمدح الأعرابي وثنائه على القمر: كان يمشي في الظلام الدامس، وفجأة طلع عليه القمر، فأخذ الأعرابي يناشد القمر ويشكره، ويقول: يا قمر، إن قلت: جملك الله؛ فقد جملك، وإن قلت: رفعك الله؛ فقد رفعك. من أين أبدأ يا مصر؟ وكيف أتحدث؟ وبأي لسان أنطق؟ إنني سوف أدخل التاريخ من أوسع أبوابه إذا ذكرت مصر، وإن الدنيا سوف تصفق لي ويصدقني الدهر إذا ذكرت مصر مصر المسلمة التي شكرت ربها، وسجدت لمولاها مصر التي قدمت قلوبها طاعة لربها، وجرت دماؤها بمحبه نبيها عليه الصلاة والسلام. إن لك يا مصر في عالم البطولة قصة، وفي دنيا التضحيات مكان، وفي مسار العبقريات كرسي لا ينسى. دخلت مصر في الإسلام طوعاً، ودخل الإسلام قلب مصر حباً، وأحب المصريون ربهم تبارك وتعالى فذادوا عن دينه، وحموا شرعه، ونشروا منهجه، وأحب المصريون محمداً عليه الصلاة والسلام كأشد ما يحب التلاميذ شيخهم، والطلاب أستاذهم، والأبطال قائدهم. معذرةً يا مصر! إن بعض السفهاء لا يعرفون هذه الوحدة التي ألفها محمد عليه الصلاة والسلام؛ إنهم لم يدخلوا جامعته الكبرى التي جعل أعضاءها كل خير في الدهر، وكل إنسان في المعمورة؛ معذرة يا مصر يا أرض الأزهر الوضاء ويا أرض البطولة والفداء ويا أرض العبقرية والأذكياء! أنا أعلم أن في الشعوب فسقة ومجرمين، وأنهم لا يستحقون الثناء -ولا أستثني شعباً- ولكن تبقى الكثرة الكاثرة من المؤمنين المصلين العابدين المضحين الطاهرين؛ فحق عليَّ -على منبر محمد عليه الصلاة والسلام- أن أشكر أتباعه في مشارق الأرض ومغاربها هنا وهناك، اليوم وغداً وأمس. أي جامعة في الدنيا تحمل ثقافةً ليس فيها مصر؟ وأي مؤسسه علمية في المعمورة ليس فيها مصر؟ وأي مسار ثقافي لم يشارك فيه المصريون بعقولهم وأبصارهم وبصائرهم؟ فقد أنزلت سفينة الفضاء الأمريكية على سطح القمر بقدرة الواحد الأحد ثم بعقل مصري. بها ليل في الإسلام سادوا ولم يكن لأولهم في الجاهلية أول هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا ولا يستطيع الفاعلون كفعلهم وإن حاولوا في النائبات وأجملوا إنني لا أنتظر شكراً من أحد إلا من الله على هذا الكلام؛ ولكني أريد أن أرد على بعض الأقوام الذين أصابتهم لوثة الوطنية والعرق، والبلد، واللغة المزعومة، والقومية المفترية.

موقف مصر في عام الرمادة

موقف مصر في عام الرمادة أصاب المسلمين في عهد عمر رضي الله عنه قحطٌ أكل الأخضر واليابس (عام الرمادة) وقال عمر: [[والله لا آكل سمناً ولا سميناً حتى يكشف الله الغمة عن المسلمين]] وبقى مهموماً هماً يتأوه منه ليلاً ونهاراً، نزل الأعراب حوله في العاصمة الإسلامية المدينة المنورة بخيامهم، كان يبكي على المنبر عام الرمادة، وينظر إلى الأطفال وهم يتضورون جوعاً أمامه، وود أن جسمه خبزاً يقدمه للأطفال. وأخذ يقول: [[يا ليت أم عمر لم تلد عمر يا ليتني ما عرفت الحياة آه يا عمر كم قتلت من أطفال المسلمين]] لأنه يرى أنه هو المسئول الأول عن الأكباد الحرَّى، والبطون الجائعة، وفي الأخير تذكر عمر أن له في مصر إخواناً في الله، وأن مصر بلداً معطاءً، سوف يدفع الغالي والرخيص لإنقاذ العاصمة الإسلامية، وكان والي مصر عمرو بن العاص الداهية العملاق، كتب له عمر رسالة، وهذا نصها: [[بسم الله الرحمن الرحيم، من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، إلى عمرو بن العاص أمَّا بَعْد: فوا غوثاه وا غوثاه والسلام]]. وأخذها عمرو بن العاص، وجمع المصريين ليقرأ الرسالة المحترقة الملتهبة الباكية المؤثرة أمامهم؛ ولما قرأها عمرو؛ أجاب عمر على الهواء مباشرة، وقال: [[لا جرم! والله لأرسلن لك قافلة من الطعام أولها عندك في المدينة وآخرها عندي في مصر]] وجاد المصريون بأموالهم كما يجود الصادقون مع ربهم، وبذلوا الطعام، وحملوا الجمال وذهبت القافلة تزحف كالسيل، وتسير كالليل، تحمل النماء والحياة والخير والزرق والعطاء لعاصمة الإسلام. ودعا لهم عمر، وحفظها التاريخ لهم حفظاً لا ينساه أبد الدهر.

جهاد مصر للتتار

جهاد مصر للتتار دخل التتار العالم الإسلامي فدمروه هدموا المساجد، ومزقوا المصاحف، وذبحوا الشيوخ، وقتلوا الأطفال، وعبثوا بالأعراض، بل دمروا عاصمة الدنيا بغداد، وزحفوا إلى مصر ليحتلوها، وخرج المصريون وراء الملك المسلم قطز الذي يحمل لافتة: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وكانت عين جالوت. والذي حث الناس على الجهاد هو العالم سلطان العلماء العز بن عبد السلام. والتقى التتار الأمة البربرية البشعة، التي لم يعلم في تاريخ الإنسان أمة أشرس ولا أقوى ولا أشجع منها، التقوا بالمسلمين المصريين؛ بجيل محمد عليه الصلاة والسلام، ولما حضرت المعركة والتقى الجمعان، قام قطز فألقى لأمته من على رأسه، وأخذ يهتف في المعركة: وا إسلاماه وا إسلاماه وا إسلاماه فقدموا المهج رخيصة، وسكبوا الدماء هادرة معطاءة طاهرة، وانتصر الإسلام وسحق التتار، ومنيوا بهزيمة لم يسمع بمثلها في التاريخ. إنها بطولات أريد منها أن أصل إلى كلمة واحدة؛ أن أقول للمحسن: أحسنت، وللمسيء: أسأت؛ وأن أُعلم الجهلة التاريخ، وألا ينشئوا مرة ثانية على عرق جاهلي جنسي لا يتصل بلا إله إلا الله محمد رسول الله.

مصر والعدوان الثلاثي

مصر والعدوان الثلاثي أتى العدوان الثلاثي الغاشم يريد اجتياح مصر، وخرج المؤمنون بعقيدتهم وتوحيدهم يدافعون الدول الثلاث، خرجوا يهتفون مع صباح مصر: أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدا أنتركهم يغصبون العروبة أرض الأبوة والسؤددا فجرد حسامك من غمده فليس له اليوم أن يغمدا وسحقوا العدوان الثلاثي، واندحر العميل الغادر الغاشم بنصر الله ثم بضربات المؤمنين، وكلكم يعلم أن العالم الإسلامي حارب إسرائيل ما يقارب أربعين سنة، فكانت مصر أكثر الأمة جراحاً، وأعظمها تضحيةً، وأكبرها إنفاقاً، وأجلها مصيبةً قدمت آلاف وملايين الأبناء البررة المؤمنين، والدماء، والآراء. ولـ مصر في قلب الزمان رسالة مكتوبة يصغي لها الأحياء من مصر تبدأ قصة في طيها تروي الحوادث والعلا سيناء ولـ مصر آيات الوفاء ندية أبناؤها الأصداء والأنداء هي مصر إن أنشدتها متشوقاً طرب الزمان وغنت الورقاء ما مصر إلا الفجر والدمع السخي وإنها سر المحبة حاؤها والباء

دور الاستعمار في تمزيق الأمة ومسخ عقيدتها

دور الاستعمار في تمزيق الأمة ومسخ عقيدتها إن هذه البلاد -بلاد محمد عليه الصلاة والسلام- ترحب بكل مسلم يحمل هوية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإنه شرف لنا أن نستقبل هؤلاء الضيوف من كل أصقاع العالم الإسلامي، ما داموا يحبون الله ورسوله، ويحترمون الإسلام؛ فإنا ننزلهم على الجفون ونضعهم على المقل. وإن من واجب الضيافة علينا؛ أن نهش ونبش لهذا العطاء الوافر ولهذا الوفد الكريم الذي أتى ليبني ويثقف ويربي ويعلم، وأما الذين ينقمون على الإسلام؛ فلو كانوا إخواناً لنا في بيوتنا لألقمناهم حجراً، وحق علينا أن نملأ أفواههم تراباً من أي بقعة، أو من أي شعب، أو من أي جنس. إن القضية هي قضية الإسلام، وقضية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإن الشعوبية الجديدة التي تتغلغل في العالم الإسلامي لتمزقه أكثر من هذا التمزيق؛ لهي عقيدة فاشلة خاطئة، أرادها الاستعمار. فهذا الدين، دين إخاء وقربى وحب وتواد، أتى به محمد عليه الصلاة والسلام. أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه وقف عليه الصلاة والسلام يوم عرفة، وكان أمامه في الحجاج بلال من الحبشة وصهيب من أرض الروم وسلمان من بلاد فارس وأبو بكر من أرض العرب. وقف عليه الصلاة والسلام ليقول للجميع: {كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى} {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات13] فما دام أن ربنا واحد وإمامنا واحد، ورسالتنا واحدة، وقبلتنا واحدة؛ فلا دخل للدماء، ولا للألوان، ولا للألسن، ولا للوطنية، ولا للتراب. إننا أمة سماوية، أنزل الله عز وجل وحيها من السماء، وأبدعها وأخرجها للناس، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] أمة صنعها الله على سمع وعلى بصر؛ فهي لا تؤمن بالكيانات الأرضية التي تقطع صلتها بلا إله إلا الله، ولا تتبع كل ناعق يريد أن يشتت شملها، وأن يوجد بينها تمييزاً عنصرياً بحسب البلدان أو المناطق أو الألوان، فهذا حرام حرام حرام نرفضه ولا نقبله، ولا نقبل من يأتي به ونرده عليه. تلكم هي رسالة إلى مصر المسلمة، التي أنبتت العقليات والعبقريات والبطولات. أعني مصر التي قدمت للعالم العلماء، وقدمت الشباب الصالح البناء المثمر، وقدمت أيضاً المؤلف النافع والعقلية الذكية، وقدمت الطهر والدعوة والإصلاح. ولا أعني الناحية التي لا يسلم منها شعب ولا بلد؛ ناحية عالم الشهوات والشبهات والظلام؛ فهذا ليس لي معهم كلام لا هنا ولا هناك لا اليوم ولا غداً، وإنما بيننا وبينهم في مصر أو في أي شعب من شعوب الإسلام حبل وثيق مدَّهُ عليه الصلاة والسلام كأعظم ما تمد حبال الثقة. إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا ومن رضي الحياة بغير دينٍ فقد جعل الفناء لها قرينا تساوت في المجرة فاستقامت ولولا الجاذبية ما بقينا أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

وسائل الاستعمار في تمزيق الأمة

وسائل الاستعمار في تمزيق الأمة الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين؛ والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أيها الناس: أفلح هذا الاستعمار في تمزيق العالم الإسلامي تمزيقاً لم يسمع بمثله. كان العالم الإسلامي شعباً واحداً، ودوله واحدة، وأمة واحدة كان عمر يحكم من المدينة المنورة أكثر من اثنتين وعشرين دولة؛ فلما أتى الاستعمار؛ قسم العالم الإسلامي إلى أكثر من خمسين دولة صغيرة متناحرة متضادة متكالبة، تقسمها حواجز وحدود، وبعضهم يرى التميز على البعض، والله يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] وقال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] ولكن الكثير لا يؤمن بهذا الإخاء، والكثير يرون أن الكرم في النسب أو اللغة أو الدم. ماذا فعلت بنا الرايات الجاهلية من رايات العلمانيين والبعثيين والثوريين العرب والقوميين؟! لقد وزعتنا شعوباً وقبائل سفكت دماءنا أخذت جماجمنا، وجعلتنا نقتتل فيما بيننا. إن عدونا جميعاً هو الكافر الذي لا يؤمن بلا إله إلا الله؛ وإن عدونا جميعاً هو الذي يعادي محمداً عليه الصلاة والسلام، ومن هذا المكان: أدعو كل مسلم أن يتذكر الإخاء الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103]. فالحفرة هي الهلاك والدمار، ولم يفلح أحد من العظماء في جمع هذه الأمة مثل رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ يوم أتى بميثاق: (إياك نعبد وإياك نستعين). خدعونا -قاتلهم الله- بـ القومية العربية، وكتب البعث على مقرراته في الصفحة الأولى -بخط النسخ- يقولون: " أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة ". ثم فاجئونا! فإذا هذه الأمة الواحدة صاحبة الرسالة الخالدة تعتدي على الأعراض، وتقتل الشيوخ، وتدمر المساجد، وتبيد الأخضر واليابس، وتهلك الحرث والنسل وتترك اليهودية العالمية والشيوعية والرأسمالية في الظاهر، وتتعامل معها في الخفاء فأي إخاء مثل إخاء محمد عليه الصلاة والسلام؟!

أهمية الأخوة الإسلامية والحث عليها

أهمية الأخوة الإسلامية والحث عليها جلس الصحابة في مجلس يتشاورون في الجهاد، فتكلم بلال على خالد، فرد عليه خالد بكلمة قاسية يعيره بلونه، فقال بلال: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن الصحيح أن صاحب القصة أبو ذر، وهي في البخاري، بخلاف ما يذكره أهل التاريخ فذهب بلال وشكاه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فاستدعى الرسول عليه الصلاة والسلام أبا ذر، ودخل عليه، قال: فسلمت عليه فلم أدر من الغضب هل رد عليَّ السلام أم لا؟ وقال لي: {أعيرته بأمه، إنك امرؤٌ فيك جاهلية} {إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم}. والذي يحمل هذه الأفكار المنتنة؛ أفكار اللون، والتمييز العنصري، والتمييز بالنسب، وبالبلد جاهل بالشريعة الإسلامية جاهل بالإسلام، وبالأدب، والكرم وواجب علينا أن نؤدبه، وأن نوقفه عند حده، وأن نقول له في نفسه قولاً بليغاً؛ ليعلم أن هذا الدين أوسع من عقليته الضيقة، وأن هذا الإسلام أرحب من صدره الضيق الأسود المظلم. هذه فكرة! ولعلها أن تنشأ في الجامعات وتدرس، وتعلم في المدارس، لأنه مر على العالم الإسلامي فكرة القومية، التي أنشدها الطلاب في المدارس، وبثتها الصحف، وحفظها بعض الناس، وكتبوا فيها مذكرات؛ لفصل وتمزيق هذا الجسم الواحد {المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}. وأقول: إذا رُد على رجل من أي بلد أو على مفكر أساء، أو على شاعر أخطأ، أو على مؤلف أساء الأدب؛ لا يعني ذلك أن ننسى حسنات هذه الشعوب، وإنني أقول كما قال الشاعر العربي: بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني فأي: بلد يسجد فيه لله فهو بلدي، وأي ناطق يقول: لا إله إلا الله، فهو أخي، وأي ساجد لله فهو حبيبي، قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:55 - 56]. اللهم اجعلنا من حزبك ومن أوليائك ومن أحبابك، اللهم من أراد بالأمة الإسلامية تمزيقاً فمزقه، ومن أراد بها فرقة ففرق شمله، وأكثر همه وغمه، وأذهب عقله. عباد الله! صلوا على من جمع الكلمة، وألف الوحدة، وأتى بالإخاء، وبث الحب، وجمع الأواصر. صلوا وسلموا على المعصوم العظيم الذي حررنا من رين الجاهلية، وأعتقنا من ذل الشرك، وأخرجنا من عبودية المعصية إلى نور الطاعة. صلوا وسلموا على من أصلح الأمة وفتح الدنيا بالعدل، وأنار الأفكار بالنور. صلوا وسلموا على من حرر الإنسان من عبوديته للإنسان، ودله على جنة عرضها السماوات والأرض صلوا وسلموا على من ألف الله به بين الأرواح، وأصلح القلوب، وأنار الأبصار، وأسمع الآذان. اللهم صلِّ وسلم عليه ما تعاقب الليل والنهار، وما فاحت الأزهار، وما ترعرعت الأشجار، وما انهمرت الأمطار، وعلى آله وعلى صحبه الكرام الأبرار. اللهم اجمع كلمة المسلمين؛ اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور. اللهم أصلح شباب المسلمين واهدهم سبل السلام. اللهم انصر الجهاد والمجاهدين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين! اللهم أصلح أئمتنا وولاه أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين! سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أهل البذل والعطاء

أهل البذل والعطاء البذل والعطاء صفة من صفات المؤمنين الأبرار والأخيار، وأعظمهم بذلاً وعطاءً النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يرد سائلاً أبداً، وفي هذه المادة نماذج للباذلين من أموالهم في سبيل بعد أن بذلوا جهدهم في الجهاد والعبادة، وقد كان ذلك سبباً في ضمان النبي صلى الله عليه وسلم لبعضهم الجنة، ولم يكن ذلك إلا بسبب الإنفاق في سبيل الله.

إعراض اليهود عن البذل والعطاء

إعراض اليهود عن البذل والعطاء عباد الله: هذا شهر العطاء والبذل، هذا شهر الصدقات؛ شهرٌ تضاعف فيه الأعطيات، وتضخم فيه الصدقات، وترفع فيه الدرجات، وتقبل فيه الحسنات، ويغفر الله فيه السيئات. هذا شهرٌ كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- فيه كالريح المرسلة بالخير، لا يقول: (لا) ولا يعرف (لا) وإنما كلامه وفعله في البذل والعطاء: نعم. ما قال (لا) قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم والله عز وجل نادى عباده من فوق سبع سموات: أن يتصدقوا، وأن يعتقوا أنفسهم من النار، وأن يقدموا للقبر وظلمته ووحشته، فلما نادى الله العالمين للصدقات والبذل والأعطيات؛ قالت اليهود: الله فقير؛ لأنه يطلب منا أن نعطيه، فرد الله عليهم مقالتهم، وأكذب فريتهم، ودحض دعواهم: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران:181]. فقالوا بعدها: إن الله غني ولكنه بخيل -جلَّ الله عما يقولون، وتعالى عما يأفكون-: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64]؛ قال ابن عباس: [[يقولون: بخيل؛ لأنه سألنا العطاء والبذل]] فرد الله عليهم بقوله، بعد أن قال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64] وانظر ما أحسن الرد! وما أجمل الاعتراض! وما أجمل تدبيج العبارة! هم يقولون: يدٌ واحدة، ولكن قال جلَّ ذكره: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] وكلتا يديه يمين، ينفق آناء الليل وآناء النهار، خزائنه ملأى، وإنفاقه سحاً، لا يغيض ما أنفق من خزائنه منذ خلق السموات والأرض، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إلا كما يغيض البحر إذا أدخل فيه المخيط: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15]. كل ما عندنا فقر، وليس عندنا شيءٌ من القوة، ولا من العطاء، ولا من البذل، فالمال ماله، والعطاء عطاؤه، والميراث ميراثه: الله أعطاك فابذل من عطيته فالمال عاريَّةٌ والعمرُ رحال المال كالماء إن تحبس سواقيه يأسن وإن يجر يعذب منه سلسال يحيا على الماء حبات القلوب كما يحيا على المال أرواحٌ وآمال

صور من العطاء

صور من العطاء والله عزوجل ما ضاعف عملاً كما ضاعف الصدقات، يقول جلَّ ذكره: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} [البقرة:261]. انظر إلى جمال الإبداع! وإلى جمال الصورة في النبات والرواء والحياء! {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261].

عطاء وبذل عبد الرحمن بن عوف

عطاء وبذل عبد الرحمن بن عوف وقف عندها عبد الرحمن بن عوف؛ أحد العشرة المبشرين بالجنة -رضي الله عنهم وأرضاهم، وحشرنا في زمرتهم يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه - فقدمت قافلته رافدةً وافدة، تجوب المدينة، سبعمائة جملٍ محمَّلةً بالزبيب والحبوب والطعام والثياب، فاجتمع عليها التجار، وأرادوا نهبها بالشراء، فقال: [[كم تعطوني في الدرهم الواحد؟ قالوا: نعطيك في الدرهم درهماً. قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك درهمين، قال: وجدت من زادني. قالوا: نعطيك ثلاثة. قال: وجدت من زادني. فقالوا: نحن تجار المدينة ولا يزيدك على ما زدناك أحد. قال: لا والذي نفسي بيده! قد زادني رب العالمين إلى سبعمائة ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة، فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] أشهدكم، وأشهد الله وملائكته؛ أنها في فقراء المدينة، وفي مساكين المدينة فقسمت في غداة واحدة، وتوزع الناس يقولون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة]]. {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنّاً وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة:262 - 263] ثم يقول عز من قائل بعدها بثلاث آيات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:267 - 268]. فهنيئاً لمن أعتق نفسه من النار بالدرهم والدينار، وهنيئاً لمن وسع قبره بالبذل والعطاء، فإن الله لا يستقل شيئاً، والبخل إنما هو من شيمة العبد يوم ينسى الله ولقاءه: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُوراً} [الإسراء:100]. وأتى عليه الصلاة والسلام بالآيات البينات التي تدعو إلى الإنفاق؛ والتي نادى الله فيها العالمين قاطبةً إلى البذل والعطاء، فقال جل ذكره: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} [إبراهيم:31] وقال جل ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254]. ويستعرض صلى الله عليه وسلم في الصحيح فضل الصدقة، فيقول في حديث عدي بن حاتم: {ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة} وفي رواية: {فمن لم يجد فبكلمة طيبة} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل أحدٍ يوم القيامة في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس، فمنهم من يأتي وصدقته كالجبل، ومنهم من يأتي وصدقته كالشجرة العظيمة، ومنهم من يأتي وصدقته كالكف على رأسه} فانظر لنفسك كيف تنزل نفسك تلك المنازل، فوالله! لا يبقى للإنسان إلا ما قدم في الدنيا لوجهه تبارك وتعالى.

بذل بيت النبوة

بذل بيت النبوة في جامع الترمذي بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة وقد ذبح شاة: {أبقي من الشاة شيئاً؟ قالت: يا رسول الله! تصدقنا بها إلا ذراعها -وفي لفظ: ذهبت إلا ذراعها- فقال عليه الصلاة والسلام: بقيت -والله- إلا ذراعها}؛ لأن ما ذهب إلى الله فهو الباقي، وما أكلنا ولبسنا وبنينا فهو الفاني. يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزان ولكن أصحاب الرسول -عليه الصلاة والسلام- بعد أن بذلوا أنفسهم وأرواحهم؛ بذلوا أموالهم لمرضاة الله وهم يبكون ويخافون ألا يتقبل الله منهم، وهم الصادقون المخلصون المنيبون.

عثمان بن عفان يجهز جيش العسرة والرسول صلى الله عليه وسلم يضمن له الجنة

عثمان بن عفان يجهز جيش العسرة والرسول صلى الله عليه وسلم يضمن له الجنة يقف عليه الصلاة والسلام على المنبر، وحر الشمس يتوقد، والناس في عسر ومشقة، وهو يجهز جيش العسرة إلى تبوك، فيقول: {من يجهز هذا الجيش وأضمن له الجنة} فيتلكأ الناس؛ لأنها ميزانية ضخمة، ومال باهظ عظيم، فيقول: {من يجهز هذا الجيش وأضمن له الجنة} وهو أصدق الصادقين، وهو الضمين الذي لا يخلف، وهو الكفيل الذي لا يكذب، فيقوم عثمان بين الناس - عثمان البذل والعطاء، عثمان الصدقات والأعطيات- فيقول: يا رسول الله! أشهد الله وملائكته، وأشهدك أني أجهزها في سبيل الله، أرجو ذخرها وبرها عند الله، بخٍ بخٍ، غفر الله لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر: {اللهم ارض عن عثمان} ثم أخذ صلى الله عليه وسلم يقول: {ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم} وكيف يضره ما عمل؟! وهو أعتق نفسه من النار والعار والدمار، واشترى نفسه من الله.

عامر بن ثابت يفتدي نفسه أربع مرات من الله

عامر بن ثابت يفتدي نفسه أربع مرات من الله حضر عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير المقابر، فبكى حتى أغمي عليه، وكان من تجار المدينة، فلما حمل إلى بيته واستفاق، وزن ديته أربع مرات، ثم أنفقها في سبيل الله، ثم قال: اللهم إني اشتريت نفسي منك أربع مرات، اللهم لا تخزني يوم لا تخزي نبيك وأصحابه، ثم قال: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة. قيل له: وما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فحضرته سكرات الموت وأذان المغرب يرتفع حياً على هواء التوحيد، فنودي للصلاة، فقال له أبناؤه: صلِّ في بيتك فإن الله قد عذرك. قال: لا والله، أأسمع حي على الصلاة حي على الفلاح وأصلي في بيتي؟! فحمل إلى المسجد، فلما صلى وأصبح في السجدة الأخيرة قبض الله روحه، وهذه هي الميتة الحسنة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مرت سحابة فسمع أحد الناس صوتاً في السحابة يقول: اسق مزرعة فلان، اسق مزرعة فلان، فتتبع السحابة فهطلت على مزرعة رجل، فأتى إلى الرجل وهو يعدل الماء بمسحاته، فقال: يا عبد الله! ما اسمك؟ قال: أنا فلان -بالاسم الذي سمعه في السحابة- قال: أسألك بالله، بأي خيرٍ نلت هذا، فإني سمعت صوتاً في السحابة ينادي باسمك، يقول: اسق مزرعة فلان؟ فقال له: أما وقد سألتني، فإن كل ما خرج من أرضي؛ أقسمه ثلاثة أقسام: قسم أتصدق به لمرضاة الله، وقسم أدخره لأهلي، وقسم أرده في هذه الأرض} أولئك الذين عرفوا طريق المال من أين يأتي وإلى أين يذهب. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما تصدق عبدٌ بعدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا طيباً- إلا تقبلها الله بيمينه -انظر ما أحسن التعبير! - فرباها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى تصبح كالجبل العظيم} هذه هي الصدقة، يوم يخلص العبد في دفعها ولا يرجو برها وثوابها إلا من الحي القيوم، جل الله تبارك وتعالى. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم! أنفق أُنفق عليك} فإن خزائن الله لا تتبدل ولا تتغير ولا تنقص. وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة لابن آدم -يوم يستوقفه ويحاسبه ويجازيه، يوم يكلمه كفاحاً، يوم لا يكون بينه وبينه ترجمان- يا بن آدم! جعتُ ولم تطعمني -وفي لفظ: يا بن آدم! استطعمتك فلم تطعمني- قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي. يا بن آدم! استكسيتك فلم تكسني. قال: كيف أكسوك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان، استكساك فلم تكسه، أما علمت أنك لو كسوته وجدت ذلك عندي. يا بن آدم! مرضت فلم تعدني. قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته وجدت ذلك عندي؟!} حينها يتلهف العبد، ويود أنه أنفق كل شيء، وأنه قدم لنفسه، وأنه مهد للعمل الصالح.

عثمان بن عفان يشتري بئر رومة

عثمان بن عفان يشتري بئر رومة أصاب الناس قحطٌ ومجاعةٌ ومشقة فنادى عليه الصلاة والسلام، وقال: {من يشتري بئر رومة -وهي بئر لليهود عذبة الماء- قال: من يشتري بئر رومة وأضمن له الجنة} فشراها عثمان بن عفان، فلما شرب الناس منها قالوا: سقى الله ابن عفان من سلسبيل الجنة. وهل الحياة إلا بذل وعطاء؟! وهل الإنقاذ من النار إلا أن تقدم من هذا المال الفاني؟! وما منا من أحد إلا يستطيع أن يقدم من ثوبه، ودراهمه ودنانيره، وحبه، وتمره، ومن كلامه الطيب، ومن كفه الأذى، ومن بسمته الراقية الرائقة؛ حينها يتقبل الله عنا أحسن ما عملنا ويتجاوز عن سيئاتنا.

عبد الله بن المبارك يتصدق بقافلته التي نوى الحج بها

عبد الله بن المبارك يتصدق بقافلته التي نوى الحج بها وقد ضرب السلف الصالح أمثالاً في البذل والعطاء، ومن أعظمهم في من أعلم بعد التابعين عبد الله بن المبارك؛ كان رأس ماله ألف ألف درهم ما مرت عليه زكاة أبداً في الحول، من كثرة ما ينفق: يقولون معنٌ لا زكاة لماله وكيف يزكي المال من هو باذله ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله هذا عبد الله بن المبارك، المحدث الخطير، والزاهد الكبير، والعابد والمجاهد النحرير، مر حاجاً بقافلة عظيمة ومعه الحجيج، وهو الذي يصرف عليهم، فلما وصل البادية، نزل مخيماً تحت أشجار هناك، فإذا بجارية خرجت من بيت، وذهبت إلى المزبلة فأخذت غراباً ميتاً من المزبلة، فقال لأحد خدمه: سلها مالها أخذت الغراب الميت؟ فذهب وسألها، فقالت: "والذي لا إله إلا هو! مالنا من طعام منذ ثلاثة أيام إلا ما يلقى في هذه المزبلة من الميتات". فعاد إلى ابن المبارك، فبكى حتى كاد يغمى عليه، وقال: [[نحن نأكل الفالوذج والناس يأكلون الغربان الميتة، لن أحج هذه السنة، وأعطوا قافلتي ببرها وحبوبها وما عليها من دراهم ودنانير وثياب إلى أهل هذه البادية]] ثم عاد وترك الحج، فلما وصل إلى أرضه -أرض خراسان - رأى في أول ليلة قائلاً يقول له في المنام: "حجٌ مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور"، وهذه من معالم البذل والعطاء. وسبحان الله! يوم يرزق الله بعض النفوس فتسخوا بما في يديها؛ تطعم الجائع وهي جائعة؛ وتسقي الظمآن وهي ظمآنة؛ وتلبس العاري وهي عارية، رجاء ما عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

وقفات مع الإنفاق

وقفات مع الإنفاق

سبب الرفعة يوم القيامة

سبب الرفعة يوم القيامة والعبد إنما يرفع يوم القيامة بما قدم في الحياة، فلا -والله- يرفعه منصبه، ولو رفعه منصبه لرفع فرعون، فهو الذي تولى أكبر منصب إداري في تاريخ الإنسان، ولكن أخزاه الله ومقته، وجعله يعرض على النار غدواً وعشياً. ولا المال يرفعه، فـ أمية بن خلف كان يكسر ماله بالفئوس من الذهب والفضة، ولكنه ملعونٌ مخزيٌ مدحور، إنما العبرة بالأعمال الصالحة لمرضاة الله.

نداء إلى أمة الإسلام للنفقة في سبيل الله

نداء إلى أمة الإسلام للنفقة في سبيل الله فيا أيتها الأمة المتوحدة! ويا أيتها الأمة الحاملة لرفعة رسالة التوحيد والقداسة! أنتم في شهر البذل والعطاء، أنتم في شهر تفطير الصوام، أنتم في شهر الإنفاق، فابذلوا وتصدقوا وأحسنوا علَّ الله أن يعتق رقابنا ورقابكم من النار، وينقذنا من العار، ويدخلنا جنة عرضها السماوات والأرض. هنيئاً لكم الصيام، وهنيئاً لكم القيام، وهنيئاً لكم البذل والعطاء، أبشروا وأملوا في ربكم ما يسركم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

البخل صفة دائمة لليهود والمنافقين

البخل صفة دائمة لليهود والمنافقين الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: عباد الله: فإن الله ذم البخل في كتابه، وذمه رسوله صلى الله عليه وسلم، والله يقول: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]. وذكر الله المنافقين فقال فيهم: {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} [التوبة:67]؛ أي: يمسكون الخير الذي في أيديهم. وقال عن اليهود: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:37]؛ فوصفهم بخصلتين ذميمتين: بخلٌ في الأموال، وكتمان للعلم.

مواقف مشرفة في الإنفاق

مواقف مشرفة في الإنفاق ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام، كما عند الترمذي وغيره أنه قال: {السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس، والبخيل بعيدٌ من الله، بعيدٌ من الناس بعيدٌ من الجنة -وفي رواية: قريب من النار-}. والبخل من أدوى الأدواء التي أجمع عقلاء الأمم على أنه أفضح فضيحة، وما كان العرب يسوَّدون سيداً بخيلاً فيهم أبداً؛ لأن معناه: أن هذا لا ينفعك أبداً، ولا يمكن أن يشاركك في الحياة، ولا يمكن أن تنال منه معروفاً، ولا يقف معك في الأزمات والنكبات.

الصحابة يتصدقون بالقليل والكثير

الصحابة يتصدقون بالقليل والكثير وقف عليه الصلاة والسلام يطلب الأعطيات من الناس، فذهب أحد الفقراء من الأنصار يلتمس عطاءً فما وجد في بيته إلا حفنة من تمر، -كفاً واحداً من تمر- فحمله ودخل به المسجد، وإذا بالمسجد أصبح حلقةً من الناس ينظرون من يأتي بالأعطيات، فدخل بهذا غير خجلان ولا مستحٍ؛ لأن الذي يقبل العطاء هو الله، والقليل عنده كثير، فدخل بها والرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فوضعها وسط المسجد وقال: {يا رسول الله! والذي نفسي بيده ما وجدت إلا هذا في بيتي، فقال عليه الصلاة والسلام: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت} فأخذ المنافقون يتغامزون في أطراف المسجد، يقولون: ماذا تغني هذه الحفنة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسمع صلى الله عليه وسلم قولهم فما رد عليهم بشيء. ودخل عبد الرحمن بن عوف يحمل أكياس الذهب والفضة حتى وضعها في المسجد وقال: {يا رسول الله! خذ هذا، قال: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت} فتغامز المنافقون وقالوا: "ما قصد بها إلا رياءً وسمعة". ذاك فقيرٌ معدم لا تغني نفقته، وهذا رياءٌ وسمعة. إذاً من الصادق عندكم أيها المنافقون؟ ومن المخلص عندكم أيها الكذابون؟ ومن المنيب عندكم أيها الدجالون؟ فأنزل الله فيهم: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79]. فهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يكافئ العبد بما فعل؛ ولذلك كان شاهد هذه القصة ألا تحقر من المعروف شيئاً أبداً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق. ألا تعلم أن البسمة صدقة يكتبها الله لك عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى! وأن الكلمة الطيبة صدقة، ولو أن تسقي أو أن تدلي لأخيك وتفرغ في إنائه من إنائك فإنه لك صدقة! جاء مسكين إلى عائشة رضي الله عنها وأرضاها فسألها الصدقة، فبحثت في البيت فلم تجد إلا عنبة واحدة فدفعتها إليه، فقال أحدهم: ما تغني هذه العنبة؟ قالت: [[إن فيها ذرات كثيرة]] لأن الله يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8]؛ بل شق التمرة يكتبها الله عزوجل عنده، وأصغر من ذلك الذرة الواحدة. فأنا أدعوكم ونفسي إلى الاهتمام بهذا الشهر فإن: {الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار} والله يغضب على العبد؛ من كثرة معاصيه ومخالفته، فيأتي العبد فيتصدق؛ فيرضى الله عنه من فوق سبع سموات؛ ولذلك كان أجود الناس -كما أسلفت- رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. يقول جابر كما في الصحيحين: {ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: لا، إلا مرة -وهذا في المسند -: سأله سائل فقال: لا، وأستغفر الله}: وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفافٍ وحياء وكرم قوله للشيء: لا إن قلت: لا وإذا قلت: نعم قال: نعم فنعم محمودة في فعل الخير، و (لا) محمودة في فعل الشر، يوم تدعوك نفسك للفحشاء فتقول: لا. وتدعوك للبر فتقول: نعم. فهذا هديه صلى الله عليه وسلم. {نُسج له بردة -ثوب- فأتاه رجلٌ فقال: يا رسول الله! اكسني هذه فإني محتاج، قال: أنظرني قليلاً، فذهب إلى بيته -وما ملك إلا هذا الثوب- فتلفع بشيء من الكساء، ثم خرج بالثوب الجديد ودفعه إلى الأعرابي، فقال الناس: كيف تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له إلا هذا الثوب؟! قال: إني أرجو أن يكون هذا الثوب كفني، فكان كفنه} رواه مسلم، وهو عن جابر وعن سهل بن سعد في صحيح البخاري. عباد الله: إن مشاريع الخير تدعوكم، وإن الفقراء ينادونكم، وإن المساكين ينظرون -بعد الله- إليكم، وإن المجاهدين يقفون على الغبراء يتلهفون إلى أموال المسلمين؛ وأعطياتهم، وتبرعاتهم، فهل من منفق؟ وهل من معط؟ وهل من متصدق؟ فوالله لا تتصدقون إلا لأنفسكم، ولا تدفعون إلا لرفع غضب ربكم عنكم، ولا توسعون إلا قبوركم، ولا تظللون إلا نفوسكم. أسأل الله لكم أجراً كثيراً، ومغفرةً عامةً، وأسأل الله لي ولكم من العيش أرغده، ومن العمر أسعده، ومن الوقت أتمه، ومن الخير أعمه. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم بصرهم بدينهم، اللهم وفقهم لاتباع سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم. اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك، ولنصرة دين نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفلسطين، اللهم رد لنا المسجد الأقصى يا رب العالمين، اللهم اجعله في حوزتنا، وطهره من أدناس اليهود؛ أعدائك وأعداء رسلك يا رب العالمين. اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم وخذهم إليك يا رب العالمين واهدهم صراطاً مستقيماً. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ربنا تقبل منَّا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وقفة في حياة ابن الزبير

وقفة في حياة ابن الزبير كان مولد ابن الزبير خبراً ساراً قطعت به إشاعة اليهود بأن المهاجرين لن يولد لهم. وقد كانت له المواقف الخالدة، فمنها وهو صغير أنه شرب دم محاجم النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يخف من عمر ولم يفر كما فر غيره من الشباب. ومنها مشاركته في فتح أفريقيه مع عبد الله بن أبي السرح. وقصة استشهاده من أروع القصص في التاريخ يقف أمامها المرء مذهولاً.

رد كيد اليهود بمولد ابن الزبير

رد كيد اليهود بمولد ابن الزبير الحمد لله القائل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:32] والصلاة والسلام على رسول الله القائل: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها أرضاً طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب حبست الماء، فنفع الله بها الناس، فسقوا وشربوا وزرعوا، وكان منها أرض إنما هي قيعان، لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بما أرسلت به رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي جئت به} صلى الله عليه وسلم، رفع رءوسنا بعد أن كانت مخفوضة، وشرح الله به صدورنا بعد أن كانت ضيقة، وأنار به قلوبنا بعد أن كانت غلفاً، وفتح به أعيننا بعد أن كانت عمياً، وأسمع به آذاننا بعد أن كانت صماً، فعليه صلاة الله وسلامه، أغلق الله أبواب الجنة لمن بعده إلا لمن أتى من بابه، فمن استضاء بغير نوره أو ظن أو اعتقد أنه يهتدي بغير هداه، أو التمس هدى وسبيلاً غير سبيله، فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، وأولئك من الخاسرين. إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرَّم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها أمَّا بَعْد: أيها الناس! معنا شاب من شباب محمد صلى الله عليه وسلم، وصاحب من أصحابه رباه على سمعه وبصره، لنتربى كما تربوا، ولنتعلم كما تعلموا، ولنزهد كما زهدوا، هذا الشاب هو عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وأرضاه. حملته أمه وهو جنين وهي مهاجرة، وهي أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين رضي الله عنها وأرضاها العابدة الأوابة المنيبة الزاهدة، حملته في بطنها مهاجرة من مكة إلى المدينة، وكان اليهود في المدينة قد حقدوا على رسالة الإسلام، وتعنفوا على محمد صلى الله عليه وسلم، واستخدموا الدعايات المشبوهة، والشائعات وحرب الأعصاب ضد المسلمين، فقالوا: إن كهنتنا -أي: اليهود- قد أعطبوا نساء المسلمين، فلا تلد امرأة مسلمة بعد اليوم، فلما أتت أسماء رضي الله عنها وأرضاها ووصلت بجوعها وتعبها وعطشها ولدت بهذا الابن المبارك الصالح في قباء، وتسامع المسلمون بهذا المولود المبارك، ففرحوا لأنه وثيقة رد على اليهود، وأتي به ووضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبسم صلى الله عليه وسلم، وانشرح صدره بهذا المولود، وقبَّله على جبينه ودعا له بالبركة، ثم أخذ ريقاً من ريقه المبارك صلى الله عليه وسلم، فحنّك هذا الطفل المبارك، وأخذ المسلمون هذا الطفل وداروا به في شوارع المدينة، ليغيظوا به أعداء الله اليهود الذين استخدموا الشائعات ضد المسلمين.

قصة توضيح علم اليهود بصحة الرسالة

قصة توضيح علم اليهود بصحة الرسالة كان اليهود يعلمون أن رسول الله مرسل من عند الله، يقول أحد الأنصار: كان في المدينة شيخ كبير من اليهود قد بلغ من الكبر عتياً، يقوم فينا صباح مساء فيحدثنا عن أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما أتى صلى الله عليه وسلم رأينا الوصف والعلامات كما كان يحدثنا، فأسلمنا وكفر ذاك الشيخ، وصدقنا وكذب ذاك الشيخ اليهودي، فذهبنا إليه وقلنا: هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ليس هو، فأنزل الله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]. كان عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه من اليهود وقد أسلم؛ لأنه قرأ أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: {انجفل الناس من المدينة، فانجفلت معهم إلى رجل، فإذا هو متوسطٌ الناس، وقد ازدحموا عليه، فأسرفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظرت وإذا وجهه كالقمر ليلة البدر، فقلت في نفسي: والله ما هذا الوجه بوجه كذاب، فقلت: يا رسول الله! بم جئت؟ قال: جئت بلا إله إلا الله وأني رسول الله، ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام، فقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، وجدناك مكتوباً عندنا في التوراة، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، ثم قال عبد الله بن سلام: يا رسول الله! اليهود قوم بهت -أهل زور وكذب وخداع- فاسألهم عني ولا تخبرهم أني أسلمت، فخبأه صلى الله عليه وسلم في مكان، واستدعى اليهود، وقال: كيف عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، وفقيهنا وابن فقيهنا، قال: فإنه قد أسلم، قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عليهم ابن سلام، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا، وخبيثنا وابن خبيثنا، وجاهلنا وابن جاهلنا} فعندها كانوا يفترون المفتريات، ولما ولد ابن الزبير رضي الله عنه، كان رداً حاسماً عليهم.

نشأة ابن الزبير

نشأة ابن الزبير ولد هذا الشاب في بيتٍ من بيوت الإيمان، أبوه الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه، حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، وصاحبه وخليله، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأمه ذات النطاقين. كان هذا الشاب يترعرع فيسمع آيات الله صباح مساء، لا يسمع في بيته إلا قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحياته بين تسبيح وتكبير، لا يسمع الغناء الماجن، أو الفحش، ولا يسمع الغيبة والنميمة والزور، نشأ بعيداً عن معصية الله تبارك وتعالى، ولما شب وترعرع رضي الله عنه، كان دائماً يصلي في الصف الأول -وهو شاب- ورأى رسول البشرية، ومعلم الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، فيتعلم الأدب والزهد والعبادة والتقوى والاتصال بالله تبارك وتعالى.

قصة شرب ابن الزبير لدم النبي صلى الله عليه وسلم

قصة شرب ابن الزبير لدم النبي صلى الله عليه وسلم دخل ابن الزبير وعمره عشر سنوات على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجد الرسول صلى الله عليه وسلم يحتجم -كما صح في ذلك الحديث- فناوله صلى الله عليه وسلم دم الحجامة، وقال: {يا عبد الله! اذهب بهذا الدم واجعله في مكان لا يراه أحد، فأخذ ابن الزبير دم رسول الله صلى الله عليه وسلم -دم الحجامة، الدم المبارك الطاهر، الدم الذي عاش في ذاك الجسم الشريف، عليه أفضل الصلاة والسلام- وذهب به في إناء، فلما اختفى وراء بيوت المدينة شرب ذاك الدم الطاهر، حتى انتهى من الشرب، ثم لعق ما بقي في الصحن وعاد، فلما رآه صلى الله عليه وسلم تبسم، وعرف سر المسألة عليه أفضل الصلاة والسلام، وقال: يا عبد الله! أين وضعت الدم؟ قال: وضعته في مكان لا يراه فيه أحد، فقال عليه الصلاة والسلام: ويل لك من الناس وويل للناس منك، لا تمسك النار} وبدأ رضي الله عنه وأرضاه، يزداد قوة إلى قوته، لأن دم الرسول صلى الله عليه وسلم أصبح في جسمه فوصل إلى عروقه وشرايينه. وأما قوله: ويل لك من الناس، وويل للناس منك، فويل لك من الناس: سوف تجد ما وجدت من الناس من إعراض وتكذيب وشتم وغيبة، ومن حروب، وسوف يجد الناس منك قوة شخصية وشجاعة كما يجدونها مني أنا، وأما قوله: فلا تمسك النار، فكيف تمس النار جسماً أصبح دم الرسول صلى الله عليه وسلم في شرايينه؟! قال أهل العلم: اكتسب بذلك الدم قوة في جسمه رضي الله عنه وأرضاه، يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: فكان يصوم سبعة أيام متواصلة -ليل نهار- ويفطر في اليوم الثامن، لقوة جسمه رضي الله عنه وأرضاه، وكان أعبد الناس، والعبادة أشرف مقام في الإسلام؛ فجسم يمنحك الله إياه أو قوة يعطيك الله إياها، ثم لا تستخدمها في مرضاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنك سوف تحاسب عليها يوم القيامة. ووقت تمضيه في غير طاعة الله تسأل عنه يوم القيامة. {جاء شباب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله! أعطنا مما أعطاك الله، فأعطاهم من اللباس والمال إلا شاباً واحداً قال: لا أريد اللباس ولا أريد المال، فقال صلى الله عليه وسلم: فماذا تريد إذاً؟ قال: أريد مرافقتك في الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؟ قال: لا والله يا رسول الله! قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة}. وقد كان ابن الزبير ساجداً دائماً، يقول ابن أبي مليكة: والله، لقد رأيته قضى ليلة من الليالي راكعاً حتى أصبح، وليلة ساجداً حتى أصبح، وكان إذا وقف في صلاته كأنه سارية لا يتحرك، فيأتي الحمام والعصافير فتقف على رأسه ثم تطير: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:2] هذا هو الاتصال بالحي القيوم، وهذه هي عظمة المسلم، وهذا هو الباقي عند الله تبارك وتعالى. وحدث في يوم من الأيام أن اقتحم سيل عارم الحرم المكي -بيت الله العتيق- حتى أصبح السيل عند مقام إبراهيم عليه السلام، فخرج أهل مكة يبكون خائفين على الكعبة أن تهدم، أما هو فخلع ثيابه وائتزر ونزل يطوف سبعة أشواط وهو يسبح في السيل، قال أهل العلم: ليس لنا أحد طاف بالسيل سابحاً إلا عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وأرضاه. وبينما هو شاب خرج عمر بن الخطاب في خلافته فلما رآه الشباب فروا؛ لأن عمر رضي الله عنه كان مهاباً، كان يخاف منه الناس، لقوة إيمانه وشكيمته رضي الله عنه، ففر الشباب إلا ابن الزبير رضي الله عنه، فقد استمر واقفاً في مكانه، فرآه عمر فتبسم، وأراد أن يستجلي الخبر، فقال: ما وراءك يا ابن الزبير؟ لماذا لم تفر مع الناس؟ قال: ليس الطريق ضيقاً فأوسع لك، وما فعلت ذنباً فأخافك، فقبَّله عمر رضي الله عنه، ودعا له، وحيا هذه البطولة، النادرة، والصرامة الفائقة، التي تعلن الرأي في حرية, وتقول الكلمة في صراحة، وتثبت مكانها ولو أزيحت الرءوس عن أكتافها.

جهاد ابن الزبير في إفريقيا

جهاد ابن الزبير في إفريقيا عاش ابن الزبير رضي الله عنه وأرضاه على هذا المستوى، وكان دائماً يطمح إلى الجهاد، ويحدث نفسه بالاستشهاد، ويتمنى أن يكون من خلَّص العباد، ودعا داعي الله إلى النفير في سبيل الله. وذلك يوم كنا لا نخضع رءوسنا للأمم. يوم كنا لا نطأطئ أعناقنا لأنذال البشرية. يوم كنا نرفع السيف، فمن أجابنا بلا إله إلا الله، عفونا عنه، ومن لم يفعل قطعنا رأسه كما تُقطع الزهرة في الحديقة. فنادى عثمان مع ابن أبي السرح إلى الجهاد في سبيل الله في إفريقيا، سلوا إفريقيا عنا ماذا فعلنا وفعل أجدادنا، وسلوا آسيا، وسلوا كل جبال الدنيا تشهد بشجاعة أجدادنا. لم تنس إفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا كنا نقدم للرءوس سيوفنا لم نخش يوماً غاشماً جبارا وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا فوصل رضي الله عنه وأرضاه إلى هناك، وهو في السابعة والعشرين من عمره، فلما اجتمع المسلمون والوثنيون الكفرة رأى ابن الزبير رضي الله عنه صفوف المسلمين تتهدم فلم يعجبه ذلك، ونظر في صفوف الأعداء فوجد أن مصدر القوة عند القيادة، فقال: يا معشر المسلمين! احموا ظهري فإني مصمم على الاستشهاد، وخرج يشق الصفوف وظهره محمي حتى بلغ القائد الوثني الأفريقي فقتله وقطع رأسه، وبدت الهزيمة تلحق بأولئك الخاسرين وانتصر الإسلام والمسلمون بهذا الشاب، بعد نصر الله وتوفيقه تبارك وتعالى، وعادوا إلى المدينة المنورة، فقبله عثمان رضي الله عنه وأرضاه. كم قدم ابن الزبير من بطولة، وكم أعلن من تضحية!! فهو مع الصوَّام في الهواجر صائماً، ومع الذاكرين لله ذاكراً، ومع المتهجدين في سبات الليل متهجداً، ومع الشجعان الأقوياء قوياً شجاعاً. هذا هو التكامل؛ أن تعطي ثمن القوة في كل مركز، وأن نغطي الشخصية المسلمة كل احتياج، ذلك لأن محمداً صلى الله عليه وسلم يريد من المسلم أن يكون عالمياً في تصوره لأن دعوته عالميه، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] وللحديث بقية. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

قصة استشهاد ابن الزبير

قصة استشهاد ابن الزبير الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، صلى الله عليه وسلم منه نتعلم الأخلاق، ونتعلم الزهد، ومنه نتعلم البذل والتضحية، ما ترك خيراً إلا دلنا عليه، ولا شراً إلا حذرنا منه. ومع ابن الزبير في قافلة الحياة، مع ذلك العابد الذي زكاه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولكل بداية نهاية: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]. وإذا لم يكن من الموت بدُّ فمن العجز أن تموت جبانا! إذا كان الموت قضية مسلمة، وسنة من سنن الله في الحياة، فلماذا يموت المسلم على الفراش وهناك دعاء التضحية، ومواقف استبسال، وطلب الشهادة؟ فلما رأى الله من قلب ابن الزبير أنه يتوق إلى الشهادة، وكان رضي الله عنه يطالب بالحق للمستضعفين من اليتامى والأرامل يرفض الظلم والجور يرفض أن تؤخذ الحقوق جهاراً نهاراً من الضعفاء، فكان من جند المستضعفين بسيفه وقلبه وإيمانه رضي الله عنه وأرضاه، وقف في الحرم وأعلن الخلافة من هناك، وأخذ الخلافة ست سنوات، لكن بني أمية في الشام لم يعجبهم ذلك، فهم يريدون طريقاً وهو يريد طريقاً آخر، وعند الله يجتمع الخصوم، قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26] وزحف الحجاج إلى ابن الزبير رضي الله عنه وأرضاه وهو في الحرم، وقد لاذ وعاد ببيت الله، وهو ينادي برب الحي وأصحابه، وينادي برفع الظلم والجور عن المظلومين، ولم يهم الحجاج أن تستباح مكة والمدينة في غداة واحدة، ويصل والحجاج إلى مكة، فيطوق الحرم، ويرسل قذائفه النارية إلى بيت الله العتيق، وتلج القلوب، وتصيح الألسنة، لا حكم إلا لله، ولا بقاء إلا للا إله إلا الله، ولكن ذلك الجائر يرفض إلا حكم المعركة والسيف. وابن الزبير يستدعى من أقربائه ليسلم فيعلن القوة والصراحة والاستبسال رضي الله عنه وأرضاه، وفي آخر لحظاته كان يطارد وحده خمسمائة من الرجال بسيفه، فيهربون أمامه كما تهرب الماعز، ويعود إلى ذات النطاقين، إلى الأم الحنون والمدرسة الأولى إلى الجامعة القوية إلى مصدر الثروة والنماء والاستبسال إلى العزيزة بإيمانها والقوية بتضحيتها ويعرض عليها الأمر، ويأخذ منها الشورى، ويقول: أخاف أني إذا قتلت أن يمزق جسمي، فقالت: وماذا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها؟ لكن اثبت واحتسب أجرك على الله، فالسلام عليك من شهيد، وأستودعك الله من فقيد، ثم تقول له وهي تبكي: والله لقد كنت مطيعاً لربك، باراً بأبويك، مقيماً للصلاة في الليل، صائماً في الهواجر، ولقاؤنا معك عند الله تبارك وتعالى، وخرج رضي الله عنه وأرضاه، متكفناً في أكفانه البيضاء بياض إسلامه وقلبه ومنهجه في الحياة، وتحنط وتطيب ثم وقف عند مقام إبراهيم، ليودع الحياة وأهلها وطاغوتها، ووقف يصلي، فأتته قذيفة وهو في مكانه فما اهتز وما التوى ولا تغير، فوقعت في رأسه، فأوقعته في الأرض شهيداً، وحمل إلى الحجاج وهو مقتول، فقال: اصلبوه في الحجون، فصلبوه في الشمس وكأنه يخطب الناس أو كأنه قائم في صلاته لربه مناجياً الحي القيوم، شدوه بالحبال على الخشب، ومر أجيال وأطفال الناس ومرّ التابعون يبكون ويودعونه، ومر ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه فقال: السلام عليك، والله، ما علمت إلا أنك مقيماً لكتاب الله، مهتدياً بهدي رسول الله، صائماً للهواجر، قائماً الليل، فالسلام عليك من فارس لم يترجل، ثم مرت أمه وهي عمياء يقودونها، فقالت: إذا وازيته فأقيموني، ووقفت وهي تبكي وتقول: سلام عليك يابن حواري رسول الله! والله لقد كنت باراً في شبابك، مطيعاً في كدرك، عابداً في شيخوختك، فسلام الله عليك حتى ألقاك. سلام الله عليه يوم يلقى الله تبارك وتعالى، وسلام الله وصلاته على من علمه هذا المنهج، وعلى من أحيا قلبه بالرسالة الرسالة التي تستطيع دائماً وأبداً أن تستمر لتحيي ملايين القلوب، لمن أراد أن يحيا بنور الله، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:122] أفمن كان ميتاً في الجاهلية، فأحيينا قلبه بنور الإيمان، فانتفض عليه حياً مؤمناً، وجعلنا له نوراً من هذا المنهج يمشي به في الناس ليوزعه بين الناس، ويهديه لهم، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها، كمن مثله في ظلمات شهواته ونزواته ومرابعه، يبغث بطنه، ويعبد ثوبه ووظيفته، ويعبد سيارته وحذاءه، ولكنه لا يعبد الله. فهذا ابن الزبير يعلمنا كيف نعبد الله الحي القيوم، وعلى مثل ذلك المنهج نسير إلى الله، وبمثل حبهم نحب الله وقد وقف يودع الناس: علو في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات كأنك واقف فيهم خطيباً وهم وقفوا قياماً للصلاة مددت يديك نحوهم احتفاءً كمدك إليهم بالهبات عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أمرنا الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله بها عليه عشراً} اللهم صلِّ على نبيك محمد، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، وارفع رايتهم، وارفع رءوسهم، وانصرهم على عدوهم، واشرح صدورهم بنورك الذي أنزلته على نبيك، اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر عبادك الموحدين في أفغانستان وفلسطين وفي كل زمان وسقع من بلاد المسلمين، اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا.

فاعلم أنه لا إله إلا الله

فاعلم أنه لا إله إلا الله (لا إله إلا الله) ليست كلمة تقال فحسب، بل لا بد أن يعلم معناها، ومع العلم لا بد من العمل، ومن لم يأخذ بـ (لا إله إلا الله) أو لم يعمل بها نكسه الله وعذبه في الدنيا قبل الآخرة وأخزاه جل وعلا. و (لا إله إلا الله) هي التي حمت محمد صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقف وحمت من قالها ممن تبعه بحق، وكما أن (لا إله إلا الله) نصرت من أخذ بحقها ممن سبق؛ فإنها ستنصر من يأخذ بها في الدنيا وفي الآخرة؛ ومن تركها فله العذاب والخسارة والندامة في الدنيا قبل الآخرة.

شكر وتقدير

شكر وتقدير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله مساكم باليمن والمسرات. الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإنه وسراجاً منيراً. هدى الله به الإنسانية وأنار الله به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، فصلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً ما اتصلت عين بنظر، وما تاقت أذن لخبر، وما هتف الورْق على الشجر، وما هطل المطر. أشكركم شكراً جميلاً، وأشكركم شكراً لا يكتب إلا بدموع عيني ولو استطعت أن أكتبه بالدموع لكتبته والله، أشكركم شكراً لا ينتهي، ولو استطعت أن أكتب شكركم بدمي لكتبته والله، فإن الدم لله والدموع لله والقلب لله والرأس لله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111]. من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا أشكركم لثلاثة أسباب: أولاً: لأنكم اجتمعتم لتسمعوا قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] أتيتم هنا بقلوبكم ودمائكم وأبصاركم وأسماعكم لتسمعوا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] أتيتم هنا لتقولوا سوف تعود لا إله إلا الله، وسوف نبقى مع لا إله إلا الله، وسوف ننصر لا إله إلا الله، وسوف نسجد لرب لا إله إلا الله. ثانياً: أشكركم لأن أجدادكم هم الذين فتحوا الدنيا بلا إله إلا الله وهم الذين قتلوا في حدائق الأندلس وأسبانيا والبرتغال وطاشكند والهند والسند، وهم الذين ماتوا في صحراء سيبيريا وفي اسطانبول، وعلى ضاف دجلة والفرات، ليرفعوا لا إله إلا الله، ومن يشابه أبه فما ظلم. نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا ثالثاً: أشكركم على دعائكم الحار بالأسحار، شكر الله لكم دعاءكم وجعله في ميزان حسناتكم، وإنما نصرتم باتباعكم محمداً عليه الصلاة والسلام، ونصرتكم باتباعكم أبا بكر وعمر وعثمان وعلي ونصرتم باتباعكم أهل الخير وأهل العلم وولاة الأمر، فقد نصرتم هذه البلاد ونصرتم لا إله إلا الله، لكني عاجز عن شكركم، وأحيلكم على الغفار رب الأرض والسماوات، الذي يثيبكم ويكسوكم جلابيب الرضوان يوم يجمع الأولين والآخرين، ثم أشكر من قدمني وأعتذر وأقول غفر الله له، وأنا عبد ضعيف. إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني فأسأل الله أن يغفر لي ولكم وأن يتقبلنا فيمن تقبل، وأن يثبتنا على الحق. عنوان المحاضرة: فاعلم أنه لا إله إلا الله.

بلاؤه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أجل (لا إله إلا الله)

بلاؤه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أجل (لا إله إلا الله) لمن قالها الله؟ ومن الذي قالها؟ ولمن تقال؟ أما الذي قالها فهو الحي القيوم، قالها من فوق العرش، ونزل بها جبريل وكتبت في القرآن، قالها الله لمحمد عليه الصلاة والسلام، يا محمد: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. إذا رأيت الأعداء والدنيا والمغريات والباطل، فاعلم أنه لا إله إلا الله، يا محمد! قبل أن تدعو الناس وقبل أن تلبس ثيابك وتذهب لمنصبك وتزاول وظيفتك وتحرث بمحراثك: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. يا محمد! يوم يسقط رأسك ورأس كل فرد من أمتك على الأرض، لتسقط رءوسكم على لا إله إلا الله، قالها الله لمن؟ لأزكى الخلق، ولأبر الناس، الذي كان يقطع ليله بالدموع والبكاء من خشية الله، وحفظ لا إله إلا الله، كان يعيش بها في الليل والنهار، كان يشرب ويأكل وينام بلا إله إلا الله، ضرب بالسيوف وأوذي وهو يقول لا إله إلا الله، دخل الغار وافتقر وذبح أصحابه، وكسرت رايته مرات، وقُتل محبيه وماتت بناته، وجاع وعري وهو يقول: لا إله إلا الله. قال له أهل الباطل: نعطيك مالاً حتى تكون أغنى الناس، وتزوج أجمل فتاة واترك دعوتك، نجعلك سيداً علينا واترك دعوتك، فماذا قال العظيم؟ ماذا قال الزعيم؟ ماذا قال الرائد؟ ماذا قال الواثق من دعوته؟ تذوب شخوص الناس في كل لحظة وفي كل يوم أنت في القلب تكبر أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا وأنت لنا التاريخ أنت المحرر ماذا قال؟ قام قائماً كما يقوم الأبطال وهو سيد الأبطال، وكما ينهض العظماء وهو أكبر العظماء، وكما يثبت الشرفاء وهو أشرف الشرفاء، قام ودمعت عيناه وقال: {والذي نفسي بيده لو وضعوا الشمس في يمني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله}. فالمسألة مسألة عقيدة، فالله بلغه ما تمنى، يقول الله له: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67] إن لم تفعل فما بلغت دينه، ولن تحمل شريعته، ماذا فعل؟ أخرجوه من بيته، طوقه خمسون شاباً بالسيوف يقطر منها الموت، فخرج يقول: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9] وأخذ حفنة من التراب، ونثرها على الكفر والوثنية، وعلى كل عميل فدخل كل التراب في عيونهم فخسئوا وخابوا، وخرج منصلتاً مثل السيف وأقوى من الفجر إلى الغار، ولحقوه في الغار، وأرادوا أن يدخلوا إلى الغار وليس معه سلاح، ولكن سلاحه لا إله إلا الله، ولا معه رماح ولكن رماحه لا إله إلا الله، ولا معه دروع ولكن دروعه لا إله إلا الله، طوقوا الغار وأرادوا دخوله فأرسل الله العنكبوت فبنت بيتها في فم الغار، وأرسل الحمامة فبنت عشها وباضت في فم الغار، فأتى الكفار بالسيوف فرأوا عش الحمامة وبيت العنكبوت فقالوا: ما دخل محمد هنا. ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم مولاي صلِّ وسلم ما أردت على نزيل عرشك خير الرسل كلهم الله أكبر يا للعظمة ويا للقوة ويا للنفاذ فخرج المشركون وصعدوا على رأس الغار، فقال أبو بكر وهو يرتعد: {يا رسول الله: والله لو نظر أحدهم إلى موطن قدميه لرآنا} فيتبسم عليه الصلاة والسلام، تبسم العظيم، الزعيم الشجاع. والفيافي حالمات بالمنى تتلقاك بتصفيق مثير يقول: {يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا}. رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصب

لا إله إلا الله في طريق الهجرة

لا إله إلا الله في طريق الهجرة خرج من الغار ولحقه سراقة على فرسه، لأن قريش قالت: من يأتي بمحمد عليه الصلاة والسلام حياً أوميتاً فله مائة ناقة، هذه مخاطرة وموت، لكن الشجاع يريد أن يبلغ دينه إلى القارات الست. اليوم في موسكو عاصمة روسيا، يرتفع الله أكبر، حج منها هذه السنة أكثر من ألفي حاج، لأن محمداً عليه الصلاة والسلام صمد لتدخل لا إله إلا الله موسكو وبكين ولندن وواشنطن، لا بد أن تدخل لا إله إلا الله الدنيا. لحقه سراقة لينال مائة ناقة، ولكن ظن سراقة أن الأمر سهل، وقد كان أبو بكر مرة يمشي عن يمين الرسول عليه الصلاة والسلام ومرة عن يساره ومرة من أمامه ومرة من خلفه، سلمك الله يا أبا بكر! رفع الله منزلتك يا أبا بكر! فيتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: مالك يا أبا بكر! قال: يا رسول الله! أخاف أن يرصدوا لك فأتقدم أمامك لأموت قبلك، وأخشى أن يلاحقوك فأتخلف، وأخشى أن يأتوا من على الميمنة فأرصد الميمنة، وأخشى أن يأتوا من على الميسرة فأحميك من على الميسرة، قال: {غفر الله لك يا أبا بكر} ما أحسنها من كلمة، ووقف صلى الله عليه وسلم ما عنده إلا إداوة فيها قليل من الماء، وهو يقرأ: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9] ولحق بهم سراقة، قال أبو بكر: يا رسول الله! انظر إلى سراقة، فنظر إليه، وهو مقبل معه سيف فيه الموت، فدعى عليه فساخت أقدام فرسه ووقع على وجهه في الأرض، فقال لفرسه صه: -يعني: قم- فقام وأخذ السيف فهو من شجعان العرب. والرسول عليه الصلاة والسلام ليس معه سيف، ولكن معه ما هو أقوى من السيف، معه لا إله إلا الله، معه قوة أقوى من كل قوة على وجه الأرض، ووقف سراقة ثانية وعدا ليقتله فقال عليه الصلاة والسلام: {اللهم اكفنيه بما شئت} فساخ فرسه ووقع على وجهه، ونهض فقال: يا محمد! أسألك الأمان، اكتب لي أماناً؛ خاف من الموت. فر من الموت وفي الموت وقع فتبسم عليه الصلاة والسلام، يتبسم من هذا المسكين، أتى ليذبحه، فأتى يطلب الأمان اليوم من الذبح، وأتى يأخذ صكاً أن لا يقتل، قال عليه الصلاة والسلام: {ويلك يا سراقة! كيف بك إذا سورك الله بسواري كسرى وقصير} ملك فارس وملك الروم. طريد من مكة ترك بناته وداره وعقاره وأهله وجيرانه وهم يلاحقونه في الصحراء، ومع ذلك يقول يا سراقة! سوف ننتصر على الباطل وعلى دولة كسرى وقيصر، وسوف يأخذون أساورتهم ويجلعونها في يديك، وضحك سراقة من هذا الكلام؟ أهذا كلام؟ هذا يفر في الصحراء ويمنينا بسواري كسرى وقيصر، ولكن بعد عشرين سنة، خرج أبطاله عليه الصلاة والسلام من المدينة، خرجوا يحملون لا إله إلا الله، خرجوا يوزعون لا إله إلا الله على البشرية، مع سعد بن أبي وقاص. تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها ووصلوا إلى هناك وفتحوا القادسية، وأتوا بكسرى وقيصر مربطين في الحبال، لأنهم كفروا بلا إله إلا الله، ولأنهم جحدوا لا إله إلا الله، ولأنهم ما استمعوا فعصوا لا إله إلا الله، وأخذوا السوارين وجعلوها في يدي سراقة، الذي أتى بالفرس وبكى، قالوا: مالك تبكي؟ قال: حبيبي وعدني بذلك وصدق حبيبي: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] واسغفر لذنبك يوم تذنب، وإذا علمت أنه لا إله إلا الله، فما الذي يضرك.

الدليل على لا إله إلا الله

الدليل على لا إله إلا الله الدليل على لا إله إلا الله أن السماء تشهد أن لا إله إلا الله، وانظر إلى القمر انشق من أجل لا إله إلا الله. خرج عليه الصلاة والسلام إلى كفار قريش وهم في الحرم ليلة أربعة عشر والقمر في السماء أكمل ما يكون، قال: قولوا لا إله إلا الله، قالوا من يشهد لك على أنه لا إله إلا الله؟ قال: إذا أتيت بآية أتؤمنون بي؟ قالوا: نعم، قال: أترون القمر؟ قالوا: نراه، قال: اللهم شق لي القمر اللهم شق لي القمر، فانشق القمر فلقتين، فلقة ذهبت إلى جبل أبي قبيس في مكة، والفلقة الأخرى ذهبت إلى عرفات، فقاموا ينفضون ثيابهم ويقولون: سحرنا محمد سحرنا محمد، فقال الله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} [القمر:1 - 5]. حكمة بالغة لكن من يعرف الحكمة؟! حكمة بالغة لكن أين تدخل الحكمة البالغة؟ أتدخل لعبد الأغنية والكأس، لأهل السهرات الحمراء الذين ملئوا بطونهم من الربا وكفروا بمنهج الله. {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر:5 - 7] من يشهد على لا إله إلا الله؟ أنتم وآباؤكم وأجدادكم وأبناؤكم وأهلوكم تشهدون أن لا إله إلا الله، الأرض والزهر في البساتين تشهد أن لا إله إلا الله. تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك من يشهد أن لا إله إلا الله؟ الماء والحيوان وكل من في الأرض إلا الكافر يوم يعرض ومن أعرض عن منهج الله، بل وأنت مولود على لا إله إلا الله، من يوم ما وقع رأسك على التراب وأنت قطعة لحم، وواعظ الله يقول لك في قلبك: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] قبل أن تأكل وتشرب وترضع ثدي أمك وتبكي وتصيح فاعلم أنه لا إله إلا الله. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سروراً فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً

العمل للا إله إلا الله

العمل للا إله إلا الله يولد الإنسان وهو يبكي والناس يضحكون، ويموت المؤمن وهو يضحك والناس يبكون، يوم أتيت أنت أتيت تبكي، هل سمعتم أن أحداً أتى يضحك للدنيا، لا، أتى يبكي إلا عيسى بن مريم عليه السلام فإنه ما بكى، أما الناس جميعاً فبكوا أول ما نزلوا إلى الأرض، يبكون من هم الدنيا ومن غم الدنيا ومن حزن الدنيا، قال الشاعر: فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا إذا أتتك سكرات الموت: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] فإذا حضرتك سكرات الموت، فاحرص أن تكون ضاحكاً بالعمل الصالح وبالصلوات الخمس وببر الوالدين وبصلة الرحم وبالصدقة. إذا بكى الناس وأنت في سكرات الموت، فاحرص أن تكون أنت متصلاً بالله ضاحكاً. نُح على نفسك يا مسكيـ ـن إن كنت تنوح غفر الله لنا إن الخطايا لا تفوح كل بطاح من الناس له يوم بطوح كل جبار له يوم يبطحه الله فيه أمام الخلائق: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52].

لا إله إلا الله هي فطرة الله

لا إله إلا الله هي فطرة الله لا إله إلا الله هي فطرة الله في الأرض: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30] أكثر الناس لا يعلمون بلا إله إلا الله، ولا يعرفون مقتضى لا إله إلا الله ويخونون لا إله إلا الله، وأكثر الناس يقولون: لا إله إلا الله، لكن لا إله إلا الله في واد وهم في واد آخر. ويقول سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:172]. أنا وأنت وأبي وأبوك وأمي وأمك وجدي وجدك كنا في أصلاب آدم، فمسح الله ظهر آدم فاخرج ذريته كالذر، فنثرهم سبحانه أمامه، ثم قال الله لهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى أنت ربنا لا نريد إلا أنت، وهذه فطرة الله. ويقول سبحانه: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:1 - 2] هل أتى على الإنسان حين من الدهر؟ أما مر بي وبك في بطون أمهاتنا وقت، ما كنا نرى ولا نبصر ولا نأكل ولا نشرب، فأخرجنا الله، وأنبتنا: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم:40] {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر:3] لا خالق ولا رب ولا معبود إلا الله. أتي حصين بن عبيد الخزاعي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقال له عليه الصلاة والسلام: {كم تعبد يا حصين؟ كم لك من آلهة؟ قال: لي سبعة -أعبد سبعة- قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: من لرغبك ولرهبك -يعني من لشدتك ومن لك إذا ضاقت بك الضوائق، من لك إذا نزلت بك المصائب والكوارث- قال: الذي في السماء، قال: فاترك التي في الأرض واعبد الذي في السماء قال: ماذا أقول؟ قال: قل لا إله إلا الله، محمد رسول الله} فقالها.

يونس مع لا إله إلا الله

يونس مع لا إله إلا الله خرج يونس بن متى عليه الصلاة والسلام مغاضباً من قومه، فذهب في سفينة، ما استأذن الله، ولا بد له أن يستأذن الله لكن هكذا كتب الله، فخرج في السفينة في البحر في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، فالليل إذا أظلم لا ينوره إلا لا إله إلا الله، يقول عليه الصلاة والسلام فيما يروى عنه لـ أبي ذر: {صل ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور، وتصدق بصدقة على المسكين لهول يوم النشور} ظلمة الليل لا ينورها إلا صلاة الليل وهي نور في القبر. خرج يونس عليه الصلاة والسلام في السفينة في ظلمة الليل، فلما أصبح في السفينة أرسل الله عليها ريحاً كادت أن تقلبها مرتين أو ثلاثاً، قال ربانها أوقائدها: معنا رجل عصى الله نريد أن نخرجه من السفينة، قال الله: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات:141]. انظر ما أحسن الأسلوب، وما أحسن العبارة، وما أجمل روعة وإبداع وأسلوب القرآن، (فساهم) أي: اقترع معهم بقرعة، فكان من المدحضين، أي أنه فشل بالقرعة، أتت عليه القرعة أول مرة فقال: (أنا بريئ) قالوا: نعيدها، فأتت عليه ثانية، قال: أعيدوها، فأعادوها ثالثة، فأتت عليه فأخذوه بيديه وسط البحر، لا أهل ولا ولد ولا زوجة ولا مال ولا قبيلة ولا عشيرة، لكن. فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان فأخرجوه فألقوا به في ظلمات ثلاث، فليت اليم والليل كفياه، لكن تلقته سمكة عظيمة فأدخلته بين أضلاعها تماماً ثم أطبقت عليه، فأصبح بين أضلاع الحوت وبين حشاه، في ظلمة الليل وظلمة البحر فمن يتذكر؟ ولمن يعود؟ وعلى من يشتكي؟ وإلى من يلتجئ؟ إلى الله. يقول لقمان لابنه وهو يوصيه بالعقيدة والتوحيد والإخلاص: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان:16] لو كانت الضائعة أو الضالة حبة خردل -سمسمة- وكانت في صخرة مقفلة أتى بها الله، فالله يقول عن قدرته: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام:59]. يقول: أما مفاتيحكم وكنوزكم وبركم وشعيركم وذهبكم وفضتكم فعندكم مفاتيحها، الذهب والفضة والبر والشعير عندنا مفاتيحها نحن، لكن: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. وقع عليه السلام هناك، ولما وقع قال وهو في ظلمات بطن الحوت: ((لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] فجمع بين التوحيد والاستغفار، ماأحسنها من كلمة، يقول عليه الصلاة والسلام: {من أصابه هم أو غم فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً}. قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] إلى أين ترتفع هذه الكلمة؟ إلى أين تذهب؟ أتذهب إلى الأهل والأطفال؟ أتذهب إلى القبيلة والعشيرة؟ يقول الله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10] وكذلك نعود إلى أسلوب القرآن وروعته حيث قال: إليه يصعد، ولم يقل: يرتفع لأن يصعد أعظم، قال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:10] ارتفعت إلى الله، ومرت (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) بالملائكة فبكت الملائكة، فقد سمعت صوت يونس بن متى، كان دائماً يذكر الله ويسبح الله ويكبر الله ويهلل الله. حتى يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144] لكن كان يسبح لنا ويصلي ويزكي ويعرف الله في الرخاء، فعرفه الله في الشدة، فبكت الملائكة وقالت: يا رب! صوت معروف من عبد معروف أين هو؟ نريد أن ننقذه، الملائكة يريدون أن ينقذوا يونس، لكن لا يدرون أين هو؟ قال الله: أعرف أين عبدي فسوف أنقذه، فأخرجه الله وأنبت عليه شجرة من يقطين لأنه خرج عارياً مثلما ولدته أمه، فأنبت الله عليه شجرة الدبا فأكل منها وظللته، وإنما اختار شجرة من يقطين لأن الذباب والبعوض لا يأيتها: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات:147 - 148].

سليمان مع لا إله إلا الله

سليمان مع لا إله إلا الله خرج سليمان عليه الصلاة والسلام على الريح، وكان قد سخر الله له الريح: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12] إذا أراد أن يسافر ركب الريح يأمرها بأمر الله، يقول: أريد الهند فتأتي فتكون كالبساط تحته فترتفع به مع الأمراء والوزراء والحاشية وتذهب به وهو في السماء، وإذا أراد أن يهبط قال: اهبطي هنا، ويقول: بعض المفسرين: إن الله قال: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] لئلا يتوهم متوهم أنها سوف تنزل نزولاً صعودياً مظلياً فتصتدم به في الأرض قال: لا: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] يعني: تتدرج به إذا أراد أن ينزل، فلا تنزل دفعة واحدة، إنما تنزل رويداً وريداً، حتى يهبط. سليمان أتاه الله ملكاً عظيماً يقول: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35] وقدم المغفرة لأن الملك بلا مغفرة لا يساوي شيئاً، والمنصب بلا مغفرة لعنة، والدنيا بلا مغفرة غضب، قال: رب اغفر لي. ركب مرة إلى الهند فلما أصبح على بساط الريح إذا بالفلاح يحرث الأرض، فحجب سليمان -عليه السلام- الشمس ببساطه فالتفت الفلاح ظن أنها غيمة وسحابة، فإذا سليمان ومعه الحاشية والأسرة الحاكمة والجنود، قال الفلاح: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظمياً، فارتفعت سبحان الله! إلى الحي القيوم، ومرت على أذن سليمان فسمعها، فقال للريح اهبطي هنا عند الفلاح فهبطت، قال للفلاح ماذا قلت؟ قال: رأيتك ورأيت ملكك فقلت سبحان الله لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، قال: سليمان والذي نفسي بيده قولك: سبحان الله، أعظم مما أوتي آل داود. خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الطيب والكفن لا إله إلا الله. ونادِ إذا سجدت له اعترافاً بما ناده ذو نون بن متى وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا

مهما عمرت في الدنيا فإنك راحل

مهما عمرت في الدنيا فإنك راحل يقول سبحانه للإنسان: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] ومعنى ذلك: يا أيها الإنسان! منذ أن وضعتك أمك وأنت في شدة وكرب وامتحان ومسئولية، وأنت سائر إما إلى طريق الخير، أو إلى طريق الشر، ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] ماذا خدعك؟ من غرك بالله؟ من الذي صرفك عن المسجد إلى المقهى وإلى الجلسة اللاهية؟ من الذي صرفك عن القرآن إلى الأغنية؟ وعن الجلوس مع الصالحين إلى الجلوس مع الأشرار من هذا؟ {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6]. إخوة الإسلام! إخوة الإيمان! يا حملة لا إله إلا الله! يا من جرت دماؤهم بلا إله إلا الله! إن من معاني لا إله الله إلا الله، أن تعيش حياتك بلا إله إلا الله، فالحياة ليست بشيء إنما هي غرور ولحظات لهو. دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان يقول الله للناس يوم القيامة: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون:112] كم مكثتم في الأرض؟ كم لكم في الحياة؟ فيا من عاش مائة سنة! ويا من سكن القصور وعمر الدور، ووسع البساتين وأجرى الأنهار، ولبس الجديد وتمتع بالأولاد، وضحك وشبع، كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ اسمع الرد: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون:113] حياتنا يوم أو نصف يوم، ما زدنا على يوم أو نصف يوم، عشنا من الصباح إلى المساء، وربما ما أكملنا يوماً من الصباح إلى الظهر فاسأل العادين، اسأل الملائكة، فنحن قد ذهلنا ودهشنا فما ندري، إما يوم أو بعض يوم، لا نريد أن نكذب إنما هو يوم أو أقل، فاسأل العادين، فالله لا يسأل العادين، لأنه هو الذي يعد على العادين، يقول: {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:41] ما معنا هذا؟ قال المفسرون: إذا أمضى على الشيء لا يمضي بعده أحد -الإمضاء التوقيع- وإذا أنهى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أي شيء من معاملة العبد، كان توقيعه الأخير. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] لا معقب لحكمه، فلا يأتي أحد يعقب على حكمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فتوقيعه الأخير: {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون:114] فيقول لهم: لقد كانت حياتكم قليلة وسهلة ويسيرة ولكنكم ماجلعتموها في طاعة الله. دنياك تزهو لا تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها يا مسلون! يقول الله: {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون:114] ما أقل العمر. الإمام أحمد بن حنبل، إمام أهل السنة والجماعة، نظر وهو شاب إلى المرآة فإذا شيبه ملء لحيته، فبكى، وقال: والله كأن الشباب شيء سقط من يدي. كأنه شيء رفعته فسقط من يدك. فيا شباب الإسلام! انظروا إلى آبائكم الذين شابت لحاهم، من الذي شيبهم؟ هو الذي أفنى القرون السالفة، وهو الذي أخذ الأجداد والآباء وسوف يأخذ الأولاد والأحفاد. بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغنِ البكاء ولا النحيب ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب

إذا كبر سنك فانتظر الموت

إذا كبر سنك فانتظر الموت كان قيس بن عاصم المنقري أحد الصالحين، وكان له عشرة أولاد صالحون، نام معهم في البيت وعمره ما يقارب السبعين لكن لا ينام، فصاحب السبعين اليوم مريض، وبصره كالّ، وسمعه فاتر وشهيته في الطعام قليلة، وظهره محدودب، فقد يبست أعضاؤه، لأنه في السبعين أو في الثمانين، فكان إذا نام مع أولاده العشرة لا ينام الليل، يسعل ويزفر ويشكو الثمانين، يقول له أحد أبنائه، مالك يا أبي لا تنام؟ قال: ما تركتني الثمانين أن أنام، أسهرتني في الليل، ثم نظمها في قصيدة وقال فيها: قالوا أنينك طول الليل يسهرنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا إذا الرجال ولدت أولادها وأخذت أسقامها تعتادها وكثرت من مرض عوادها فهي زروع قد دنا حصادها إذا أنجب ابنك وأصبح له أبناء فانتظر سكرات الموت، إذا رأيت أبناء ابنك يدرجون معك في البيت، فانتظر داعي الله: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} [طه:102]. إذا رأيت أبناء ابنك ولدوا فهو نذير لك أن تبتهل، اترك المجال لغيرك، أكلت وشربت ونمت، ولهوت وضحكت فاخرج. إذا الرجال ولدت أولادها وأخذت أسقامها تعتادها سعال وسهر وألم وفقد بصر وفقد سمع واحدوداب ظهر ويبوسة. كثرت من مرض عوادها، يعودنك في بيتك وفي المستشفى، وعلى السرير وفي الطريق دائماً يقولون: كيف أصبحت وكيف حالك؟ فهي زروع قد دنا حصادها: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62] هذا أسلوب القرآن، ثلاث جمل ثم ردوا إلى الله، ولم يقل: أعيدوا لكن قال: ردوا؛ لأنهم خرجوا بإرادة الله وردوا إلى الله: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام:62] وكل شيء سواه باطل: {أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62] أي: أول ما يموت العبد ويصل إلى القبر يجد الحساب هناك، ولا يقول له المحاسبان: أنت مريض ارتح قليلاً، أو أنت كنت في المستشفى ومرضت سنوات نريحك سنة في القبر، لا، أول ما يتركه أهله وأول ما يدفنونه ويغطونه بالتراب وإذا بالحساب ماذا فعلت؟ أين أفنيت أيامك؟ أين كنت تصلي؟ ما هو مطعمك؟ ما هو مشربك؟: {أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]. لا إله إلا الله ما أعظم الشيب. كان ابن عباس إذا قرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] بكى حتى يرثي له أصحابه، قالوا: [[مالك يا ابن عباس؟ قال: أتدرون ما النذير، قالوا: لا، قال: الشيب]]. شاب إبراهيم عليه السلام إمام التوحيد، وأستاذ العقيدة، إبراهيم الخليل صاحب المواقف العظيمة، الذي أركبوه في المنجنيق، ليلقونه في النار فلما أصبح في السماء بضربة من المنجنق ليقع في النار -فقد بنى له النمرود ناراً عظيمة- أتاه جبريل قال: يا إبراهيم! ألك إلي حاجة؟ قال: أما إليك فلا وأما إلى الله فنعم، فلما اقترب من النار -وكان لهيبها يأكل الطيور في السماء، فقد جمعوا الحطب في شهرين أو ثلاثة أشهر- ووجد حرها وسمومها قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فأطفأها الله وصارت برداً وسلاماً فوقع هادئاً. إبراهيم رأى شيباً في لحيته، قال: يا رب! ما هذا البياض في لحيتي قال: شيب يا إبراهيم! قال: ما الشيب يا رب؟ قال: وقار، قال: اللهم زدني وقاراً، زادكم الله وقاراً وزادنا وإياكم ثباتاً وجعل شيبنا وشبابنا في مرضاة الواحد الأحد. شباب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا وما عرفوا الأغاني مائعات ولكن العلا صيغت لحونا كذلك أخرج الإسلام قومي شباباً مخلصاً حراً أمينا

التوبة

التوبة أتى رجل من بني إسرائيل فوقف أمام المرآة وعمره ثمانون سنة، أطاع الله في أربعين سنة، وعصى الله أربعين سنة قال: [[يا رب أطعتك أربعين، ثم عصيتك أربعين، أتقبلني إذا عدت إليك؟ فسمع هاتفاً يهتف يقول أطعتنا فقربناك، وعصيتنا فأمهلناك وإذا عدت إلينا قبلناك]]. من الذي أتى باب الله فرده؟ من الذي قرع بابه فيخيبه؟ من الذي اقترب منه فرده وأخزاه؟ من الذي مد كفيه فعادت خائبتين؟ من الذي بكى فما أنجز الله له طلبه؟ من الذي اعتصم بحبل الله فانقطع به الحبل؟ لا أحد، يقول الله: {وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الأنبياء:76] ما هو الكرب؟ كاد أن يغرق فقال: لا إله إلا الله، فنجاه الله. وقال سبحانه: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِين} [الأنبياء:87 - 88] الآيات. أيها المسلمون! إن من أسرار قدرة الله عز وجل أن تكون مقاليد الأمور بيده، وهي العقيدة التي يريد الله أن يقررها للعبد: أن يعلم أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله، ولا يشافي ولا يعافي إلا الواحد الأحد، ثم أعود فأقول: يقول سبحانه: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ} [يس:68] يقول: يا أيها البشر! يا أيها العالم! أما تنظرون إلى الكبير كيف يكبر، فيعود عقله كعقل الطفل: {نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ} [يس:68] ما لهم لا يعقلون؟ هذه هي الحياة، وهذا مصيرها. تزود للذي لا بد منه فإن الموت ميقات العباد أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد قالوا لأحد السلف الصالح: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت وأعدائي أربعة، دنيا تنهشني وأنهشها، وشيطان يضلني قبل أن أتحرج منه، وغريم لا يفارقني -وهو الموت- وأسرة تطلب مني النفقة كل صباح، هذه غرماء المؤمن. وقالوا لرجل من التابعين وهو في الثمانين: كيف أصبحت؟ قال: أما عين من عيوني فقد ذهب بصرها، والعين الأخرى ترثي أختها لتلحق بها، وسقطت أضراسي، وامتدت يدي إلى قبري وحملت كفني فكيف؟ يعني: كيف أصبح. يا أيها المسلمون! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:1 - 8]. عند البخاري في الصحيح، أنه عليه الصلاة والسلام: {مر بـ ابن عمر -الشاب الزاهد العابد، وهو في العشرين- فوضع يده على كتفه وقال: كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل} وفي حديث مرفوع: {وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح}.

من أسرار لا إله إلا الله

من أسرار لا إله إلا الله إن من أسرار لا إله إلا الله أن نصرف أعمارنا في مرضاة الله. سعيد بن المسيب وهو سيد التابعين، الذي بكى من خشية الله حتى ذهبت عينه اليمنى، وقالوا له: اخرج إلى وادي العقيق في المدينة لترى الخضرة والماء، علَّ بصرك أن يعود، قال: لا أخرج من المسجد، كيف تفوتني صلاة في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام وهي بألف صلاة فيما سواه، ولما حضرته سكرات الموت، بكت ابنته، فقال: [[لا تبكي علي والله ما أذن المؤذن من أربعين سنة، إلا وأنا في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام]] هذا هو العمل الصالح، هذا هو الحسن والمؤهلات، يوم لا يجدي المال ولا المنصب ولا الوظيفة. والأعمش حضرته الوفاة فبكى أبناؤه وقال: [[لا تبكوا عليّ فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام في الجماعة خمسين سنة]] طوبى لهم أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع اللهم فاجمعنا بهم في دار الكرامة: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55]. أيها المسلمون! ومن أسرار لا إله إلا الله، شكر النعم، فلا إله إلا الله ما تستقيم في الأرض إلا أن تشكر الله على السمع والبصر وعلى الفؤاد، وعلى الإيمان والأمن والستر والعافية، وعلى رغد العيش في الأوطان.

أركان شكر الله

أركان شكر الله إن شكر الله أركانه ثلاثة:- أن تلهج باللسان بشكر المولى، شكراً لله الواحد الأحد المبدع المصور، وكل شيء في الكائنات له وحده. وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد كان ابن تيمية مريضاً فدخل عليه بعض أصحابه وقالوا: ماذا أمرضك يا ابن تيمية، قال: كيف أشكو عليكم الله؟ تموت النفوس بأوصابها ولم يدر عوادها ما بها وما أنصفت مهجة تشتكي أذاها إلى غير أحبابها أما أبو بكر مرض فقالوا من أمرضك؟ قال: أمرضني الطبيب، من هو؟ الواحد الأحد، هو الذي يمرض ويشافي ويعافي، يقول إبراهيم عليه السلام: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80] يقول أهل التفسير لله درُّ إبراهيم. لماذا؟ لأنه قال: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء:78] ثم قال: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء:79] ولما أتى عند المرض، ما قال: والذي أمرضني مع أن هذا هو الصحيح، لكن تأدب مع الله فقال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80] أنا الذي مرضت، وهو بقضاء من الله، لكن ما أراد أن يسيء بالأسلوب: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80]. قالوا لـ أبي بكر من أمرضك؟ قال: الطبيب، قال أحد السلف: كيف أشكو إلى طبيبي بما بي والذي أصابني من طبيبي شكر النعم ركنه الأول: اللسان، والركن الثاني: القلب، أن تشكر الله بقلبك، وأن تعتبر أن كل شيء في الحياة من نعم الله. أنعم الله على آل داود، فقال: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] قال داود: يا رب! كيف أشكرك؟ قال: اشكرني بما أردت، قال: لا أستطيع، قال: أتعلم أن هذه النعم مني؟ قال: نعم، قال: فقد شكرتني، مادمت تعرف أن المنعم هو الله، فقد شكرته. والركن الثالث: العمل، فشكر الله الصلاة في المسجد، وشكر الله صدق مع الله، وشكر الله ذكر لله، وتلاوة للقرآن، وتوبة نصوح وعودة إلى الواحد الأحد: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. قال ابن عباس: [[والذي نفسي بيده، إن هذه القرية مكة]]. ونحن نقول: مكة ومن أمثال مكة كل من أعرضت عن منهج الله، فهي مثل تلك القرية، ضرب الله مثلاً للناس قرية، لكن أسلوب القرآن متأدب، لم يسم لنا مكة، أسلوب القرآن لا يجرح المشاعر، ولم يسم البشر في القرآن، لم يقل: أبو جهل ولو أنه قال في بعض المناسبات لسر من الأسرار، لكن ما كان يفضح القرى، قال: {مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [النحل:112] زبيب الشام، وتمر العراق، وبر اليمن، وخضروات الدنيا كلها تأتي إلى مكة، حتى يقول الله وهو يؤنبهم ويعاتبهم: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص:57] يقول كفار مكة، يا محمد! لو اتبعناك خشينا من الأعداء، فرد عليهم سبحانه وقال: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:57]. أيها المسلمون! يقول سبحانه عن هذه القرية: {آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} [النحل:112] ونعمة الأمن لا يعادلها شيء، والخوف لا قرار معه، والخوف لا حياة فيه: {آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} [النحل:112] كيف كفرت؟ ماذا فعلت؟ أعرضت عن منهج الله وكفرت بلا إله إلا الله، وعطلت المساجد، وقضت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم تستمع للدعاة ولم تتلوا كتاب الله، ولم تتبع رسول الله وعطلت سنن الله: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. أكلوا حتى لحوم الميتة، وكانت الحمير تموت فيقسمون جلد الحمار -كما يقول أهل التفسير- لأنهم صدفوا عن منهج الله.

الحفاظ على نعم الله

الحفاظ على نعم الله أيها المسلمون! أما رأيتم أيامنا مع الله وكيف نعيش رغداً ونعيماً وسعادة وراحة وحبوراً؟! أما رأيتم كيف أنعم الله علينا نعماً ظاهرة وباطنة؟ أما نام جيراننا على أصوات الصواريخ وعلى زلزلت المدافع؟! أما سحقت مدنهم؟! أما دمرت قراهم بالزلازل والبراكين ونحن في رغد، فكيف نحافظ على الرغد؟ نحافظ عليه بلا إله إلا الله، بشكر الله: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15] لكن: {فَأَعْرَضُوا} [سبأ:16] قرية من قرى اليمن، هي في سد مأرب والسد لا يزال إلى اليوم وقد بنوه مرة ثانية، وأكثر ما يأتي من الفواكه اليوم من اليمن من سد مأرب، سد عظيم اجتمعت عليه القبائل في مأرب -بما فيهم أنمار ويشجب- سنة كاملة، فلما بنوه ملأه الله بالماء، ولو بنوه ولم يأت ماء من الله ما نفعهم السد، فأخرزوه بالرصاص وأحاطوه بالنحاس وقالوا عليك الحراس، لكن إذا ما حرس الله فلن يحرس أحد. وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان خرزوه بالرصاص، وأحاطوه بالنحاس وبنوا عليه الحراس، فملأه الله بالماء، وأرسل الله إليهم رسولاً فقال: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15] ثم قال سبحانه -اسمع إلى أسلوب القرآن-: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ} [سبأ:15] والقرآن هو الذي كان يتحدث عن موسى، انتقلت الكيمرة -كما يقول سيد قطب - مباشرة إلى سبأ، انتقلت إلى اليمن مباشرة، انتقلت الكيمرة لتنقل لنا صورة السد، والقبيلة وهي تعيش هناك وتبني وتزرع وتأكل وتحرث، لتنقل لنا صورة القبيلة: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} [سبأ:15]. كل رجل من القبيلة كان له بستانان: بستان عن يمين البيت وبستان عن يسار البيت، يخرج في الصباح فإذا الطيور تزغرد على الشجر وإذا الماء يتمتم بين الزهور، وإذا أشرقت الشمس ترسل ضوأها على الورود، وقد كان عذق النخلة لا يحمله الفرس، يقول ابن كثير: لقد كانت المرأة تأخذ المكتل على رأسها فلا تخرج من بين الشجر حتى يمتلئ من نعمة الله، فقال الله: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} [سبأ:15] صالحة للزراعة فهناك ماء وشجر وهواء وغمام وظل ونبت وحياة: {وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15] لم يقل رب شديد العقاب، لأنه يختار اللفظ، يدعو الناس إلى الخير.

الإعراض عن الله سبب العذاب

الإعراض عن الله سبب العذاب قال: سبحانه في كلمة: {فَأَعْرَضُوا} [سبأ:15] تمردوا على شرع الله، والله ما ملأ البيوت هماً وغماً ولا أهلك الشعوب ولا دمر القرى ولا أخزى الفجرة إلا المعاصي، يوم يترك الإنسان منهج الله: {فَأَعْرَضُوا} [سبأ:15] قال سبحانه: {فَأَرْسَلْنَا} [سبأ:16] ولم يقل فأرسل، قال: فأرسلنا نحن، نحن الذين ملأنا لهم السد من قبل، ونحن الذين نرسل الماء اليوم. يقول بعض المفسرين: يا عجباً! يا سبحان الله! إن سر حياتهم الماء وسر هدمهم ودمارهم الماء، فقد أتى زلزالهم بالماء، وحياتهم بالأمس بالماء، فالماء بالأمس كان حياة وثمرة، وكان ماء طيباً صافياً، والماء اليوم يوم عصوا وخالفوا منهج الله، أصبح زلزالاً وبركاناً. {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ:16] لماذا سمي سيل العرم؟ قالوا: أقبل وله عرمرم كالجيش العرمرم، وأقبل وله حتحتة ينزف بعد صلاة الفجر، فلم يبرق بارق، فما أخبرهم الله بالبرق ولا بالوسم، ولا سمعوا رعداً ولا نزل عليهم قطر، لما انتهوا من الصباح وأطل عليهم الصباح وأمهلهم الله ثلاثة أيام يراجعون حسابهم مع الله، لكن ما راجعوا حسابهم، قال الله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]. فأتى في الصباح ينزف، يحمل الجبال والأودية والشجر، فدمرهم تدميراً: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ:16] لماذا؟ {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} [سبأ:17] لأنهم أعرضوا وما صلوا وما صاموا وما زكوا وما قاموا على منهج الله وما خافوا الله. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:17] كَفور النعم، كَفور الآيادي، جاحد المعروف، ويستمر السياق، واسمحوا لي أن أستمر دقيقتين أو ثلاثاً مع سبأ ثم نعود من اليمن معاً. قال: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [سبأ:19] لماذا؟ لأن، الفقير العاجز الذي يطلب الكسب، إذا أتاهم وقت نزول الثمرة يأخذ القليل من رزق الله عز وجل، فتضايقوا منه، فكلما أتاهم الفقراء من أنحاء الجزيرة، قالوا يا ربنا! باعد بن أسفارنا حتى لا يأتينا أحد من العرب، اللهم اجعل قرانا بعيدة وباعد بيننا وبين هؤلاء الفقراء فلا نراهم ولا يروننا، قال سبحانه: لمن الرزق؟ الله أعطاك فابذل من عطيته فالمال عارية والعمر رحال المال كالماء إن تحبس سواقيه يأسن وإن يجر يعذب منه سلسال الرزق والعطاء والفضل والنعيم لله، قال سبحانه: بلسان الحال، تمنعوا الفقراء وأنا الذي أعطيكم حتى أصبحتم أغنياء. قال: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [سبأ:19] يقول: ما أبقينا إلا أحاديث، الليلة نسمر عليهم فأين هم؟ أين من شادوا وسادوا وبنوا ذهب الكل فلم تغن القلل كتب الموت على الخلق فكم فل من جيش وأفنى من دول سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]. {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ:19] ربع ذهبوا إلى الجنوب وهم أجدادنا فنحن من الأزد، أبناء عمومتنا الأوس والخزرج الذين منهم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، ولذلك ليس بغريب عليكم أن تأتوا اليوم لتسمعوا فاعلم أنه لا إله إلا الله، ومن يشابه أبه فما ظلم. تلك العصا من هذه العصية لا تلد الحية إلا حية والربع الثاني: ذهب إلى عمان، والثالث: الغساسنة، والرابع: المناذرة، ولكن لا نكون كأجدادنا نكفر بنعم الله: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ:19].

الأسئلة

الأسئلة

قصيدة

قصيدة Q يطلب سماع القصيدة الأخيرة وهي بعنوان سأعود للدنيا. A هذه القصيدة عنوانها سأعود للدنيا: القلب يملي والمدامع تكتب ومشاعري مجروحة تتصبب النجم يشهد أنني سامرته سحراً وطارحني بهم كوكب ما عشت في دنيا السعادة ماجناً كلا ولست بعود سلوى أطرب أبداً وما بعت الغرام شبيبتي طوعاً ومثلي في الشبيبة أشيب حرمت ليل الوالهين وصغت من دمعي نشيداً للخلود يرتب يا من رماني بالسهام تكسرت في أضلعي فسهامكم تتخضب يكفيك ظلمي يا ظلوم فعش به دهراً فإني في انتظارك أنحب نم ما استطعت فلن أنام ومهجتي مجروحة وربوع حظي مجدب دعني فلي في الليل أسهم دعوة سحراً تضج إلى السماء وتندب مهزوزة العبرات ساخنة الجوى بحرارة الإخلاص لا تتهيب خذ من دموعي شربة أبدية فمدامعي مسفوحة لا تنضب قل ما أردت فقد سددت مسامعي أنا لن أقول بأن صوتك مذنب تتعثر الكلمات عند شكايتي وتظل آهاتي تضج وتصخب ما ساومت نفسي ببيع رسالتي كلا وأسلافي بلال ومصعب بل كنت بلبل أحمد في روضه في نهجه أرضى وفيه أغضب بيني وبين هداه حبل مودة يأبى الفصام فشرقوا أو غربوا عيبي محاربة الشيوعي الذي داس العفاف وفي يديه العقرب عيبي مراغمة الحقير لأنه يأبى العلو وفي الضلال مدرب متعجب مني بأن خالفته وأنا على أخلاقه متعجب أخشى أراه لأن جلدي ناعم يسبى إذا والاه جلد أجرب يا كل شهم عاش كل قضيتي حراً يفيض به الفؤاد الطيب يا من سهرت معي وعشت قضيتي قاسمتني البلوى ودمعك صيب أحرقت قلبك والقلوب كثيرة نامت على بسط الهوان تقلب أرسلت لي منك الدعاء مضرجاً بالدمع يهمل بالحنين ويسكب قوسي وسهمي والكنانة كلها لا شيء بل ربي المهيمن يغلب أنا لن أغيب إذا تغيب ماجن نذل على عزف الربابة يطرب سأعود للدنيا بهمة سيد يأبى الخنوع وعود مجد أصلب والصوت أعلى والمشاعر جمة والفكر أرقى والمعلم منجب

رسالة تحرق القلب

رسالة تحرق القلب أما الأسئلة فأشكر أولاً صاحب رسالة أرسلها، كأنها كتبت بدموعه وهي تحرق القلوب، ولكني لن أقرأها لأن فيها تزكية وأنا عبد ضعيف، لكن أسأل الله أن يجعلها نوراً في قبره، يوم ينور قبور الصالحين، هذا الرجل افتتحها بأبيات ولن أقرأها يقرأها عمله وسجله الخالد ودعائي له بظهر الغيب ثانياً: هذا الرجل من القرن، وهو يعتب ويطلب زيارة هناك، فأعده إن شاء الله، والقلب في كل مكان. وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني فنحن هناك أو هنا، أو في أي مكان، فكلما وجد من يسجد لله، ويذكر الله فنحن أحبابه، وإخوانه. يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون هم والشيخ علي بن عبد الخالق أثابه الله يقول: وجهت دعوات من بيشا بـ الجرشي والنماط والسرح، خثعم، آل سلمة، أقول غشيتهم الرحمة والسكينة، وسوف تصلهم لا إله إلا الله وقد وصلتهم، ولي الشرف أن أمشي على أهداب العين وأن أتوكأ على مقل الجفون لأصل إلى الأحباب، فأقبل جباههم وأعانقهم يوم وقفوا مع لا إله إلا الله وضحوا بدموعهم ومشاعرهم وسهرهم، تقبل الله صيامهم وقيامهم وصلاتهم مع المقبولين.

العصبية القبلية

العصبية القبلية Q أرجو من فضيلتكم أن تشير إلى ما يحدث من بعض الناس من التحزب والتعصب القبلي، الذي عم وطغى وفشا إلا فيمن عصمه الله؟ A أقول وأنتم تعرفون ذلك: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103] فليس عندنا تحزب ولا قبلية ولا عنصرية، فكلها ندوسها بالأقدام تحت التراب، وليس عندنا أسر مرموقة، ولا عندنا سيادات ولا كهنوت ولكن عندنا تقي شريف، نقدمه علينا لأنه تقي: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد كلنا من آدم ومن حواء. أو يختلف نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد وقف عليه الصلاة والسلام في عرفات يعلن حقوق الإنسان ويدوس التميز والعنصرية بقدمه، يقول: {كلكم لآدم، وآدم من تراب} معنى ذلك: يا أبا بكر الصديق! ويا شريف قريش أنت وبلال الحبشي سيان، ومعنى ذلك: يا عمر! أنت وصهيب سيان، ويقول صلى الله عليه وسلم: {سلمان منا آل البيت} فلا قبلية ولا تحزب، ولا يقال: أنا من بني فلان، إذا أصبحوا على بني فلان، هذه كلمة طاغوت، وهذه كلمة آثمة خاسئة حقيرة، نحن أصحاب الإسلام وأهل لا إله إلا الله، أصبحنا على إسرائيل والشيوعية والعلمانية يداً واحدة، ونحن قوة واحدة، ولا قبلية، ولا فخوذ ولا عشائر، فعشائرنا وقبائلنا وأعلامنا كلها تندرج تحت علم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه هي وصيتي ولا أريد أن أطيل لكثرة الأسئلة.

التنقص من طلبة العلم والملتزمين

التنقص من طلبة العلم والملتزمين Q بعض الناس يتنقص طلبة العلم والملتزمين ونراه يتساهل في بعض أموره، ويصف الملتزمين بأنهم متزمتون ومتطرفون ويصفهم كذلك بالتشدد في غير موضع التشدد؟ A السؤال طويل لكنني تركت بعض الجمل، أقول: ليت الذين يهاجمون الملتزمين من أهل الفضل والنبل كنا عذرناهم، يقول: أحد شعراء العرب القدماء، عندما قالوا له: فلان يسبك، قال: ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان عليّ ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني قال: ليته كفء ولكنه قزم، يسبني وهو قزم، ليته كفء يوم أطلق هذه الكلمات، ولكن إذا صلح هؤلاء ندعوهم إلى التوبة النصوح: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] إن هؤلاء الملتزمون، هم سر نهضة الصحوة الإسلامية في أنحاء الأرض، والله إنهم يعيشون في ولاية أمريكا كأبناء الصحابة، يقومون الليل ويقرءون القرآن وهناك البغي والإلحاد والكفر والشهوات والمعاصي، ولكن شباب الصحوة هناك في ولاية أمريكا يعيشون مثل ما يعيش أبناء الصحابة، هؤلاء إن شاء الله بنظر الله إليهم وباستقامتهم ينزل علينا القطر من السماء، وهذا تلاشى من مجتمعاتنا والحمد لله، ولا أظن أن هناك من يسب هؤلاء الشباب أو يتنقصهم ولكن كان في فترات فيما سبق: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31].

السنة في العزاء

السنة في العزاء Q ما هي السنة في العزاء؟ وهل التجمعات للعزاء من النياحة أم لا؟ A أيها المسلمون! هذه المسألة عظيمة وهي منتشرة في القرى وبين القبائل، وهي تحتاج إلى شيء من البسط والتقسيم، وقد سبق أن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -عَمَّر الله حياته وأمتع في عمره- أرسل منشوراً مفيضاً في فتوى صريحة بذلك. وأقول: فيه تفصيل: المسألة الأولى: صنع الطعام في بيت الميت للوافدين ليس بجائز في الإسلام، أهل الميت لا يصنعون طعاماً للوافدين للعزاء أو لغيره لأنهم في مصيبة، ولا تجمع عليهم مصيبة أخرى ولا يكلفون، لما قتل جعفر رضي الله عنه في مؤتة، قال عليه الصلاة والسلام: {اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم} فالسنة أن يصنع لأهل الميت في البيوت المجاورة طعاماً، ويرسل به إليهم ولقرابتهم، هذه مسألة لا بد أن تعوها. المسألة الثانية: جلوس الناس في بيت الميت من غير الأقارب ليس من السنة، وعند الخمسة - السنن الأربع وأحمد - عن جرير بن عبد الله البجلي رضي عنه وأرضاه، بإسناد صحيح قال: [[كنا نعد الاجتماع في العزاء على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام من النياحة]] وهذا الدليل استدل به الشيخ عبد العزيز بن باز وأرسل رسالة فيه لأهل الجنوب خاصة؛ لأنها منشورة بينهم، يترك الموظف عمله والمدرس مدرسته والفلاح مزرعته وصاحب الدكان دكانه، ويجلس ثلاثة أيام في بيت كل من مات من القبيلة، وهل هذا من الإسلام؟ بل هذا تعطيل لمصالح المسلمين، وهذا إرباك لحركة السير وحركة الكسب، وتضييع لأمانة التجارة والوظيفة والتدريس. فليس هذا بجائز، وقد نبه عليه سماحة الشيخ والعلماء، فغير الأقارب لا يجلسون في البيت ثلاثة أيام، وعلى صاحب الوظيفة أن يذهب إلى وظيفته، يكفيك أن تعزي صاحب الميت على المقبرة. فإذا انتهيت من الدفن فقل: أحسن الله عزاءك وجبر الله مصيبتك، ثم اذهب إلى بيتك، أما الأقارب فلهم أن يقفوا مع الميت في بيته لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ذهب يعزي آل جعفر في بيتهم، وجلس معهم واستأنس معهم واستأنسوا به. ثالثاً: تنقل القبيلة إلى القبيلة ليس من الإسلام، نقولها صريحة، ومادام أننا اجتمعنا في هذا المكان المبارك، وهذا المنزل المعهود، وحضرت هذه الوجوه الغانمة من القبائل، فانتقال القبيلة إلى القبيلة ليس من الإسلام، لا يعرف عند السلف ولم تفعله القرون المفضلة، وإنما انتشر عندنا نحن هنا من كيسنا ومن رأينا وتصوراتنا وآراؤنا ليس من الشريعة، فيكفي رسالة أو اتصال بالهاتف، أو أن تعزي عند المقبرة، أو إذا لقيته في السوق، أو أن يذهب رجل واحد من القبيلة فحسب، فيعزي برسالة منهم، ويدعون لهم فقط، أما أن يأتي ثلاثون أو أربعون أو خمسون فيقف أولئك ولو لم يأكلوا شيئاً ليس من السنة، ومن عنده دليل أو مستند فلينفعنا به وليفدنا فإنّا لا نزال نبحث ولم نجد شيئاً وغيرنا من هو أعلم منا وأفضل لم يجد شيئاً، والله يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الانبياء:7]. المسألة الرابعة: ومن المسائل التي ينبه عليها النياحة واجتماع النساء في بيت الميت، وندبه بالأقاويل وبهزيع الصوت وبالبكاء فهذا عذاب على الميت، والنائحة إذا لم تتب توقف يوم القيامة، وتلبس درعاً من جرب ويصب على رأسها القطران، ويعذب الميت ببكاء أهله وبنياحتهم، وعلى الأقارب إذا حضروا أن يقرءوا القرآن أو ذكر الله، أو كتاباً مما ينفع أو يتواصوا بالخير فيما بينهم هذه هي السنة. أما المخيمات واجتماع الناس وقناديل الكهرباء في الليل، فهذا ليس من الإسلام في شيء، ونحن الذين نكلف أنفسنا، ونتعب أنفسنا بهده المناسبات خاصة في العزاء، ولم ينزل الله به من سلطان والواجب أن نريح أهل الميت، وأن نريح مشاعر الناس وأن نرتاح في أنفسنا ونترك الموظفين والأساتذة والعمال والمزارعين في أعمالهم فلا نعطل مصالح المسلمين، والله أعلم.

تسجيلات الغناء وصوالين الحلاقة

تسجيلات الغناء وصوالين الحلاقة Q ينتشر في بعض الأماكن تسجيلات الغناء وصوالين الحلاقة فما القول في هذه الأشياء والكسب من ورائها؟ A سبق في محاضرات وفي مناسبات التنبيه على هذه الأمور وأن أشرطة الغناء محرمة والكسب منها وبيعها واستئجار المكان وإيجاره كلها محرمة، لأنها عداء للإسلام وللقرآن وللدعوة، وما دخلت البيوت إلا وأفسدتها، ولا القلوب إلا وخربتها، وكذلك الفيديو المهدم المخرب، هذا محرم استئجاره وبيعه، والسكنى وأخذ الأجرة من العقار محرم. وكذلك صوالين الحلاقة التي تحلق فيها اللحى، محرم إلا إذا استثني هذا الأمر، فإذا استثني هذا الأمر فلا بأس، يقولون في المنطقة ويعرفها الناس سمعتها من داعية من الدعاة، صالون حلاقة مكتوب عليه صالون النشاما، وقال بعض الدعاة في مجمع من الناس: موجود منطقة في الشمال صوالين مكتوب عليها (صالون اللحية الغانمة) معناها حلقها من الأذن إلى الأذن، وتذهب في الزبالة، سامحوني أن أتلو عليكم أبيات نبطية ولو أني لا أؤيد الشعر النبطي، لكنها تهيض وتفيض في المناسبات، وهذا حربي من الدعاة من قبيلة الحروب الذين هم حروب على أعداء الله يقول: يا ربعنا يلي حلقتم لحاكم ايش علمكم ترمونها في القمامة ذي سنة ما سنها مصطفاكم علامة يا شينها من علامة ترى اللحى زيناتكم هي حلالكم لها مع الخير وقار وشهامة عفواً لعل الله يغفر خطاكم وتفوزوا يوم اللقا في القيامة ترى اللحى يوصي بها مصطفاكم صفوة قريش اللي رفيع مقامه هذه وصية إن كان ربي هداكم أقولها يا الربع ومع السلامة فنحن نقولها ومع السلامة.

من أحكام الأضحية

من أحكام الأضحية Q جاءني ابني بأهله في يوم العيد، وجلسوا معنا في البيت هل تكفينا أضحية أم لا بد لكل أسرة من أضحية؟ وما السنة في الأضحية؟ A البخلاء يوم الأضحية يجتمعون، أربع أسر في شاة واحدة، فيقولون تعمنا وتكفينا شاة، ولكن إن شاء الله ليس بخل عند بعض الناس، لكن ظروفهم تجبرهم والقدر يأتي بهم إما من سفر أو من غيره، أهل البيت إذا كان قدرهم واحد وصحنهم واحد وسفرتهم واحدة تكفيهم أضحية واحدة مهما كثروا، سواء أعماماً أو إخوة أو أبناء، تكفي لجميع أهل البيت، إذا كانت مأدوبتهم واحدة ومائدتهم واحدة تكفيهم أضحية واحدة، ومن زاد فهو تفضل والله يثيبه، لأن الشيطان يأتي على الإنسان اقتصد في الأضحية، بينما عند الضيوف يذبح العشرات والعشرين والثلاثين ولا يحسب لها حساباً، لكن هذا المضحي لا يذبح إلا بعشرين فتية، فيأتي الإنسان من المصلى ويستعيذ بالله من الشيطان ويصلي ركعتين استخارة، ويبحث ويتأمل ولا يأتي إلا بشق الأنفس.

قطيعة الوالدين

قطيعة الوالدين Q أنا رجل منقطع وعندي ولدان، الأول منهم موظف ودخله كبير، والثاني: عنده تجارة ومؤسسة، وهم لا ينفقون عليّ ولا على أمهم، وأنا في حاجة ماسة وعليّ ديون ولا أجد من يوصلني بالسيارة، فكيف أفعل مع هؤلاء الأبناء وما هو الحل؟ A حسبنا الله ونعم الوكيل، الابن الأول موظف ودخله كبير، والثاني عنده تجارة ومؤسسة وهذا مديون هو وزوجته أم الأولاد، ولا يجد من يوصله بالسيارة، تصور الوضع، أين لا إله إلا الله؟ وأين المسجد؟ شابان قويان، كان هذا الأب وهذه الأم قد سهروا الليالي وجاعوا ليشبعوا، وأنفقوا عليهم وربوهم فلما أصبحوا عجزة شيوخاً كباراً متهدمي الأعضاء مهزوزي الأركان، تولى عنهم ذاك الموظف الذي دخله كبير ولكن للشياطين، والآخر معه تجارة ومؤسسة، والوالد في البيت يبكي لا يجد من يوصله بالسيارة، فندعوا الأبناء إلى لا إله إلا الله، وندعوهم إلى التوبة، وندعوهم إلى محاسبة النفس. أما الوالد هذا المسكين والوالدة فأقول لهم أمور: الأمر الأول: أن يسألوا الله الهداية لولديهما في أدبار الصلوات بأن الله يهديهم: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] فعليكما أيها الوالدان الجليلان بالدعاء في أدبار الصلوات والسجود، عل الله أن يهديهم. الأمر الثاني: أرى أن تنصحوهم وأن تعرضوا أحوالكم عليهم بالعطف عل الله أن يعطف قلوبهم عليكم، وتعرضوا عليهم بعض الأقارب، وبعض الأرحام علهم أن يؤثروا عليهم، فإن لم يجد ذلك فما يحسن السيف إلا سيف القضاء، الشريعة المطهرة. فعل بعض الصحابة بأبنائه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هكذا، فأتى أحدهم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! أشكو إليك ابني، قال: ماذا فعل؟ قال: يا رسول الله! جعت ليشبع، وسهرت لينام، وظمئت ليروى، وتعبت ليرتاح، فلما كبر ضربني ولوى يدي، فبكى عليه الصلاة والسلام، وقال: هل قلت فيه شعرا؟ -ذكر ذلك الزمخشري - قال: نعم قلت فيه قصيدة يا رسول الله! قال: ماذا قلت؟ قال: غذوتك مولداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهل إذا ليلة وافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململ كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لغدت به دوني فعيناي تهمل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك أؤمل جلعت جزائي غلظة وفضاضة كأنك أنت المنعم المتفضل فبكى عليه الصلاة والسلام ودعا الابن فأخذه بتلابيب ثيابه وهزه وقال: {أنت ومالك لأبيك} هذا القضاء في الإسلام، فالقاضي يجبر هؤلاء المردة، ويأخذهم بالسوط وبالعصا، ويأخذهم بالقوة حتى ينفقوا عليك وعلى أمهم نفقة تكفيك وتكفي أمهم ويخصص لهم ما يكفيهم من المرتب وما يكفيهم من خدمة، ووصول بسيارة، هذا أمر الله، لكن نحن ندعوهم قبل أن تصلوا إلى القضاء، ونأمل من الله عز وجل أن يرد ويعطف قلوبهم عليكم , فإنه سبحانه قدير وبالإجابة جدير. وملاحظة على السؤال الذي سبق في الأضحية: أما أنه يقسمها ثلاثة أقسام فيعطي ثلثها ويهدي ثلثها ويأكل ثلثها، فأصبحت هذه من باب المستحبات عند أهل العلم، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجبها وجوباً، وإنما جعله صلى الله عليه وسلم على الاستحباب إذا وجد فقير ومحتاج ومن يستنفع بالأضحية، فثلث يأكلها وثلث يوزعه هدية وثلث يتصدق به، هذا على الاستحباب، لكن إذا ما وجد طالبها، ولا إلى من يهدي واستغنى الناس والحمد لله فليضعه في البيت فليأكلها كلها. هنيئاً مريئاً غير داء مخامر لـ عزة من أعراضنا ما ستحلت

التصرف في الوقف

التصرف في الوقف Q يقول عندنا مزارع وقف لا نزرعها ولا نستفيد منها، هل يجوز بيعها وصرف قيمتها في بناء مسجد أو مشروع ينفع المسلمين؟ A نعم. وقد أفتى ابن تيمية وغيره من العلماء أن الوقف إذا توقفت منافعه ومصالحه، فيباع وينقل إلى مصلحة تنفع المسلمين، كثير من المزارع من عشرين سنة وثلاثين سنة ما زرعت ويسمونها وقف لله، وقف الله ما يزرعونها أما مزارعهم يزرعونها، فهذه عليهم أن يصرفوها في مصارفها ويبيعوا هذه القطع ويبنوا بها مساجد أو خزانات ماء على الطرق للمسلمين، أو تفتح بها بيوت للخير أو سكنى وقف للمسلمين، أو قناطر تنفع الناس أو آبار يحفرونها أو مساجد يبنونها بالبوادي وفي التهامات أو في مثل ذلك فهذا أنفع للمسلمين، أما دثرها وتركها بهذا المستوى، فليس بوارد وهو القول الصحيح عند أهل العلم. عسى الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

عوامل القوة في حياة المسلمين

عوامل القوة في حياة المسلمين إن الله عز وجل رفع هذه الأمة وأعزها بالإسلام، وعندما حافظ الجيل الأول على هذا الدين كانوا أعزة، لا يعتزون بملك ولا منصب ولا مال، بل كانوا معتزين بدينهم، الذي هو مصدر قوتهم، وإذا أردنا أن نعتز بغير هذا الدين أذلنا الله.

الافتخار بهذا الدين

الافتخار بهذا الدين الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت. في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، والصلاة والسلام على من أرسلته معلماً وهادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، شرحت به الصدور، وأسمعت به الآذان، وأريت به العيون، ورفعت به منارة الإسلام، ودكدكت به دولة الأصنام، ورفعت به راية لا إله إلا الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الناس! يقول الأول: ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا من مبادئنا الأصيلة، ومن تعاليمنا الجليلة أن نفتخر بهذا الدين، وأن نتشرف بأن جعلنا الله مسلمين، فمن لم يتشرف بالدين، ولم يفتخر بكونه من المسلمين ففي قلبه شكٌ وقلة يقين، يقول الله عز وجل في محكم كتابه عن القرآن مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:44] أي: شرف لك وشرف لقومك وشرف لأتباعك إلى يوم القيامة، فالواجب أن تتشرف بالقرآن لكونك من أمة القرآن، وأمة الإسلام. بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدمِ لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأممِ ولذلك يقول جل ذكره: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] قال الأستاذ/ سيد قطب: لا تهنوا ولا تحزنوا فأنتم الأعلون: الأعلون سنداً، والأعلون متناً، والأعلون مبادئاً، والأعلون منهجاً، فمبدؤكم المبدأ الأصيل، وقرآنكم القرآن الجليل، وسندكم الرب الفضيل، فكيف يهون من الله سنده؟! وكيف يهون من رسوله قدوته؟! وكيف يهون من دينه الإسلام؟! ولذلك كان لزاماً أن نفتخر، وأن نشعر أنفسنا بالشرف والجلالة والنبل يوم أن جعلنا الله مسلمين؛ لأن بعض الناس قد يخجل أن ينتسب إلى السنة، أو أن تظهر عليه معالم السنة، وهذا خطأ كبير. كيف لا يتشرف المؤمن والله جعله عبداً له؟! ولذلك يسنن الله -عز وجل- ويقنن مبادئ الشرف والرفعة في كتابه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، يقول عن الجاهليين: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:31 - 32] فالشرف كل الشرف ليس في الدور، ولا في القصور والأموال والأولاد، ولا في الهيئات والذوات، بل الشرف أن تكون عبداًَ لرب الأرض والسماوات، وولي من أولياء الله الذين يعملون الصالحات، ويجتنبون المحرمات.

ليس الفضل عند الله بالأشكال والأنساب

ليس الفضل عند الله بالأشكال والأنساب جاء عبد الله بن أم مكتوم الأعمى الضرير الفقير المسكين، ولكنه مسلم مؤمن، قائم الليل صائم النهار، جاء إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام يسأله مسألة فرعية فقهية، والرسول صلى الله عليه وسلم مشغول بكفار قريش وساداتهم يريد أن يهديهم إلى صراط الله المستقيم، فلما دخل عليه، قال: يا رسول الله! أريد كذا وكذا، فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يريد أن تفوته الفرصة مع هؤلاء الكبار. فعاتبه ربه من فوق سبع سموات، عاتبه في هذا الأعمى المسكين الضرير المحتاج في خطاب يلذع القلوب، يقول الله له: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس:1] وخاطبه بخطاب الغيبة، ولم يقل: عبست، وإنما يقول: عبس أي: تغير وجهه واكفهر، عبس هذا الرسول النبي، عبس هذا الداعية في وجه هذا الرجل الصالح، عبس وتولى وأعرض عنه: {أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس:2] أي: كيف تعْبِس وهو أعمى ولا تستقبله؟ مسلم في قلبه قلعة من قلاع التوحيد، في قلبه جامعة من أكبر جامعات الدنيا من الإخلاص والصدق والتعامل: {أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس:2] أما ترق للأعمى؟! أما تحلم عليه؟! أما تعطف عليه؟! ولم يسمه باسمه وإنما علمه بسمته. ثم قال الله له: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس:3] من أخبرك أن هذا أراد أن يتطهر بالعلم النافع؟! فقد أراد منك أن تفقهه في الدين، وأراد منك أن تقوده إلى رب العالمين: {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى} [عبس:4 - 5] أما الكافر الذي استغنى عن الرسالة والرسول، وعن القرآن والسنة، وعن الهداية والنور: {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى} [عبس:6] تستقبله وتهش وتبش في وجهه، وتلين له في الخطاب، تستقبل هؤلاء الجبابرة الذين أتوك، وأما هذا الأعمى تعرض عنه! {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} [عبس:7] ليس عليك حساب أن يتطهر هؤلاء، ذرهم يموتون بكفرهم، ورجسهم وعنادهم وجبروتهم فالنار مثواهم: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس:8 - 10] فلا تفعل ذلك. {فأتى عبد الله بن أم مكتوم مرة ثانية، فقام له صلى الله عليه وسلم، وعانقه وفرش له رداءه، وقال له: مرحباً بالذي عاتبني فيه ربي} وبالفعل كانت النتيجة أن مات هؤلاء الأشراف السادة على الكفر ودخلوا ناراً تلظى، وأما عبد الله بن أم مكتوم فأسلم واستمر في الإسلام، ولما أتى داعي الهداية، والكفاح، والجهاد، وارتفعت راية الإسلام بيد عمر رضي الله عنه وأرضاه، ونادى بالنفير إلى القادسية، إلى معركة فاصلة مع آل كسرى وآل رستم؛ كان من المجاهدين عبد الله بن أم مكتوم، قال له الصحابة: أنت أعمى، قال: لا والله، يقول الله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:41] فلما حضر المعركة، سلموه الراية، فوقف مكانه حتى قتل، فكان قبره تحت قدميه. سلام على ذاك الصديق المخلص، وسلام على ذاك المنيب الذي عرف الله. والمقصود: أنه تشرَّف بالإسلام، فكان قلعة من قلاع الحق استقبلت نور السماء فوزعته على البشرية، والرسول عليه الصلاة والسلام كما قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: [لا يعجبه شيء في الدنيا إلا التقي]] وعبد الرحمن بن عوف يقول: [والله ما رأيت متقياً لله إلا وددت أنني في مسلاخه]]. فأنت ترى المتقي فيحبه قلبك إن كنت مسلماً، وتظهر عليه علائم النصح والقبول والرضا، وترى الفاجر ولو كان وسيماً جميلاً فعليه آيات السخط، والغضب، وعليه سمات الإعراض عن الله، وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] أما الأجسام فطويلة، وأما البشرة فجميلة، ولكن القلوب قلوب ضلالة وجهالة وعمالة.

قصة جليبيب

قصة جليبيب كان جليبيب رجلاً فقيراً، لا يملك من الدنيا قليلاً ولا كثيراً، حتى ثوبه يبقى عليه السنوات بدرنه وغباره ووسخه، لا يجد إلا كسرة الخبز، ولكن الله نظر إلى قلبه فهداه إلى الإسلام، والذين يتفننون في القصور والدور قد لا يهديهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سواء السبيل: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23]. {جاء جليبيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبسم صلى الله عليه وسلم لما رآه، وقال وهو يمازحه: يا جليبيب! أتريد الزواج؟ فقال: يا رسول الله! من يزوجني لا أسرة عندي ولا مال ولا دار ولا شيء من متاع الدنيا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: اذهب إلى ذاك البيت من بيوت الأنصار، فأقرئهم مني السلام، وقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني، فذهب وطرق عليهم الباب، وكانوا من سادات الأسر، ومن كبريات العشائر في الأنصار، فخرج رب البيت، ورأى جليبيباً وهيئته، وفقره، وعوزه، فقال: ماذا تريد؟ فأخبره الخبر، فعاد إلى زوجته فشاورها، فاستكبرا الخبر، وقالوا: ليته غير جليبيب، فلا نسب ولا مال ولا دار، فشاوروا تلك البنت الصالحة التي تربت في مدرسة التوحيد، فقالت: وهل تردون رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!} فتزوج بها وعمَّر بيته الذي أسسه من الفقر، فكوخه المسكنة، وإدامه التسبيح والتهليل والتكبير، وظلاله الصلاة في الهجير، والصيام في شدة الحر، وحضر معركة من المعارك، ولما انتهت بالنصر قال صلى الله عليه وسلم: {هل فقدتم أحداً من الناس؟ قالوا: فقدنا فلاناً وفلاناً، قال: وغيرهم؟ قالوا: ما فقدنا أحداً، قال: لكني فقدت جليبيباً، ثم قام عليه الصلاة والسلام، فتفقده في القتلى البواسل والشهداء الفواضل، فوجده قد قتل سبعة من الكفار وقتل بجانبهم، فتقدم إليه الرسول الكريم، والنبي العظيم، فقبل جبهته قبلة الجائزة للموحدين، وللشهداء العارفين، وللأبرار الخالدين، وقال: قتلت سبعة ثم قتلوك، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك. لقد كانت عظمة هؤلاء يوم اتصلوا بالواحد الأحد، عرفوا الله عز وجل؛ فعرَّفهم الله عز وجل على منازل الصديقين.

العلم يرفع الناس

العلم يرفع الناس دخل سليمان بن عبد الملك -الخليفة الأموي- الحرم ومعه الوزراء والأمراء والحاشية والجيش، فقال: من عالم مكة؟ قالوا: عالم مكة عطاء بن أبي رباح، قال: أروني عطاء هذا؟ فأشرف عليه فوجده عبداً كأن رأسه زبيبة سوداء، مشلولاً نصفه، أزرق العينين، مفلفل الشعر، لا يملك من الدنيا درهماً ولا ديناراً، فقال سليمان: أأنت عطاء بن أبي رباح الذي طوق ذكرك الدنيا؟ قال: يقولون ذلك. قال: بماذا حصلت على هذا العلم؟ قال: بترك فراشي في المسجد الحرام ثلاثين سنة ما خرجت منه حتى تعلمت العلم، قال سليمان: يا أيها الحجاج! لا يفتي في المناسك إلا عطاء. فلما اختلف سليمان هو وأبناؤه في مسألة من مسائل الحج، قال: دلوني على عطاء بن أبي رباح، فأخذوه إلى عطاء، وهو في طرف الحرم والناس عليه كالغمامة، فأراد أن يجتاز الصفوف ويتقدم إليه -وهو خليفة- فقال عطاء: يا أمير المؤمنين! خذ مكانك ولا تتقدم الناس، فإن الناس سبقوك إلى هذا المكان، فلما أتى دوره سأله مسألة فأجابه، فقال سليمان لأبنائه: "يا أبنائي! عليكم بتقوى الله والتفقه في الدين، فوالله، ما ذللت في حياتي إلا لهذا العبد"؛ لأن الله يرفع من يشاء، ويهدي من يشاء، ويجعل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قيمة من يشاء في تقواه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وجاء هشام بن عبد الملك الخليفة أخو سليمان، فحج البيت الحرام، وفي الطواف رأى سالم بن عبد الله الزاهد العابد العالم ابن عبد الله بن عمر، وهو يطوف وحذاؤه في يديه، وعليه عمامة وثياب ودجلة لا تساوي ثلاثة عشر درهماً، فقال له هشام: يا سالم! أتريد حاجة أقضيها لك هذا اليوم؟، قال سالم: أما تستحي من الله؟! تعرض علي الحوائج وأنا في بيت من لا يحوجني إلى غيره، فاحمر وجه الخليفة، فلما خرج من الحرم، قال: أتريد شيئاً؟ قال: أمن حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ قال: أما حوائج الآخرة فلا أملكها، لكن من حوائج الدنيا، قال سالم: والله الذي لا إله إلا هو، ما سألت حوائج الدنيا من الذي يملكها تبارك وتعالى، فكيف أسألها منك؟! إنهم عظماء، إنهم عاشوا في مدرسة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم! ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمةً من عفاء أخرج خير أمة للناس يرون الذهب والفضة مع الكفار فيهدمونها ويطئون عليها بالأقدام، فيقول لهم المستعمر والكافر: خذوا هذا الذهب واتركوا بلادنا، قالوا: لا والله، دارنا وبلادنا جنة عرضها السماوات والأرض. ومن الذي باع الحياة رخيصةً ورأى رضاك أعز شيء فاشترى أم من رمى نار المجوس فأطفأت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا إنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

العزة بهذا الدين

العزة بهذا الدين يخرج عمر رضي الله عنه وأرضاه لاستلام مفاتيح بيت المقدس، فيخرج له الناس ويستعرض الجيش المسلم بقيادة الأمراء الأربعة تحت راية أبي عبيدة المقدام الهمام، يستعرضون له بـ الجابية، فلما أشرف عليهم، قال: لا إله إلا الله! ثم قال: [[نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]] ثم أمر الكتائب والجيوش أن تتفرق ليدخل في مسكنة ودعة وهدوء، فلما اقترب الأمراء منه، قال: تفرقوا عني، أين أخي أبو عبيدة عامر بن الجراح؟ فتقدم أبو عبيدة فتعانقا وبكيا طويلاً، فقال عمر: يا أبا عبيدة! كيف بنا إذا سألنا الله يوم القيامة ماذا فعلنا بعد رسولنا صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين! تعال نتباكى ولا يرانا الناس، فانحرفا عن الطريق إلى شجرة، والجيوش تنظر إليهم، والأمراء، والقساوسة، والرهبان، والنصارى، ثم وقفا يبكيان طويلاً، رضي الله عنكم أيها السلف الصالح يوم عرفتم أن الستين والسبعين السنة ينبغي ويجب أن تصرف في مرضاة الله تبارك وتعالى. يقول رستم قائد فارس -وتحت يديه مائتان وثمانون ألفاً من الجنود الكفرة- لـ سعد بن أبي وقاص القائد المسلم: أرسل إليَّ من جنودك رسولاً أكلمه، فأرسل له سعد رضي الله عنه وأرضاه ربعي بن عامر، وعمره ثلاثون سنة من فقراء الصحابة قال له سعد: [[اذهب ولا تغير من مظهرك شيئاً، لأننا قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]] فخرج ربعي بفرسه الهزيل ورمحه المثلم. ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب وجاء بثيابه الممزقة، فلما سمع رستم أن وافد المسلمين سوف يدخل عليه، جمع آل أنو شروان الحاكمة والوزراء والجنود، ولبسوا التيجان ولبسوا الإذربيجي واستعدوا؛ ليرهبوا هذا الوافد عله أن يتلعثم فلا يحسن الكلام، فلما جلس رستم، قال: أدخلوه علي، فدخل يقود فرسه ويعتمد برمحه على فرش رستم ليظهر له أن الدنيا حقيرة ورخيصة وأنها لا تساوي عند الله شيئاً، ومن علامات رخصها وحقارتها أن أعطاها هذا الكافر وجعل سعد بن أبي وقاص ينام على الثرى، فلما وقف أمامه، قال: اجلس، قال ربعي: ما أتيتك ضيفاً وإنما أتيتك وافداً، فقال رستم -والترجمان بينهما-: ما لكم أيها العرب -وأقسم بآلهته- ما علمنا قوماً أذل ولا أقل منكم! فللرومان حضارة، ولفارس حضارة، ولليونان حضارة، وللهنود حضارة، أما أنتم فأهل جعلان تطاردون الأغنام والإبل في الصحراء، فماذا أتى بكم؟! قال ربعي: نعم. أيها الملك كنا كما قلت وزيادة، كنا أهل فحشاء نعبد الأصنام، ويقتل القريب قريبه على مورد الشاة، لا نعرف نظاماً ولا مبدءاً ولا حضارة، ثم انتخى ورفع صوته كأنه الصاعقة في مجلسه فقال: [[ولكن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]] فغضب رستم، وقال: والله! لا تخرج حتى تحمل تراباً من بساطي، فحمله على رأسه، وقال ربعي: هذه الغنيمة الباردة إن شاء الله، تسليم أرضك وديارك: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45] فلما أشرف على سعد، قال: ماذا على رأسك يا ربعي؟ قال: تراب من تراب أرض رستم وكسرى، فكبر المسلمون حتى اهتز مخيمهم، وقال: هو النصر، هذا تسليم أرضهم بإذن الله. وفي الصباح الباكر يوم أطلقت الشمس أشعتها على الدنيا كان سعد رضي الله عنه وأرضاه في أول الصفوف، والتقى الجمعان، وبرزت الفئتان، وتبدى الرحمن لحزبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وفي ثلاثة أيام تُسحق كتائب الضلالة والعمالة، وتُداس الجماجم التي ما عرفت لا إله إلا الله، وتُضرب الرءوس التي ما دخل فيها نور لا إله إلا الله، ويدخل سعد في اليوم الرابع على إيوان كسرى الذي حكم الدنيا ألف سنة، فيراه مموهاً بالذهب، ويرى سلاسل الزبرجد والمرجان، فيبكي سعد ويقول: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29] فكهين. من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا كنا نرى الأصنام من ذهبٍ فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

التربية على تعظيم الله عز وجل

التربية على تعظيم الله عز وجل الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الناس! إن مما يجب على المسلم الذي يريد أن يربي بيته تربية إسلامية أن يشرّف بيته وأبناءه بالإسلام، وأن يعظم شعائر الله في قلوبهم، ويعظم الحدود التي أمر الله بحفظها، فيكون بيته معظماً لله تبارك وتعالى، ومعنى ذلك: أن تربي في نفس ابنك تعظيم الله، فلا يكون أحد في قلبه أعظم من الله ولا أجل منه ولا أحب هذا هو البيت المسلم.

طرق تعظيم الله سبحانه وتعالى

طرق تعظيم الله سبحانه وتعالى وأمور التعظيم والتشريف في البيت المسلم تحصل في أمور: 1/ أن تُعظِّم الله في قلب ابنك فتعرفه على الواحد الأحد، فلا يتلفظ بلفظ الجلالة إلا في مكارم الأمور، وفي أشرف المناسبات، وأن تعلمه أين الله تبارك وتعالى، وتعرفه على صفات الواحد الأحد، فتعرفه كرمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وحلمه، وبره، وتريه آثار القدرة في آياته وصفاته، فعندما يأكل الطعام، تقول له: هذا من فضل الله؛ ليحب الله، وعندما يلبس اللباس، فتقول: هذا من جود الله، ليتعرف على الله، وحينما يسكن البيت فتقول: هذا من توسيع الله عز وجل ومن فضله، فيتحبب إلى الله تبارك وتعالى. 2/ تعظيم كتاب الله، فتحبب إليه القرآن وتعظم مبدأ القرآن في قلبه، وتجعل من أعظم اهتماماته في الحياة أن يحفظ كتاب الله، فإن وجدت قصاصة من المصحف رفعتها، وقبلتها، وطيبتها، وهو يراك، ووضعتها على رأسك، فهذه أعظم من مائة محاضرة تحاضر فيها عن عظمة القرآن، وإذا رأيت شيئاً من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم فترفعه، وإذا ذكر لك الرسول صلى الله عليه وسلم في المجلس فتصلي وتسلم عليه، وتدعو الله أن يجزيه عن الإسلام خيراً، وعن الدعوة براً، وعن البشرية فخراً. 3/ أن تُعظِّم في قلبه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وتعظم في قلبه كيف كان صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر وعثمان والصحابة أجمعون، فيعيش ونجوم مجده هؤلاء القوم وليسوا نجوم الفن ولا نجوم الغناء كما يفعل بعض الناس، لأن كثيراً من الأطفال تربوا على أن العظماء هم المغنون والمغنيات الأحياء منهم والأموات، فيرى أن هذا المغني قد شق طريق المجد، وقد صعد وقد نال من الفخر ما لم ينله أحد من العالمين، ويظن بعض الأطفال أن هؤلاء الفنانين والفنانات أنهم رزقوا من العقول والذكاء والجلالة ما لم يرزقه أحد من الناس لا لشيء إلا لأن الطفل يصبح ويمسي على صوت هذا المغني!! وأما ذكر محمد صلى الله عليه وسلم، فقلّ في بيته. 4/ وطائفة من الناس ثقافتهم دخيلة عميلة ضالة رأوا أن نجوم المجد ماركس ولينين وهرتزل ونابليون وهتلر أعداء الإنسانية، يقرءون كتبهم، ويحفظون كلماتهم، وهؤلاء -والذي لا إله إلا هو، والذي شرف وجه محمد بالرسالة- لا يساوون الغبار الذي كان على حذائه صلى الله عليه وسلم، والله إنهم لا يساوون الغبار الذي وطأه صلى الله عليه وسلم، والله إنهم لا يساوون ولو اجتمعوا من الشرق ومن الغرب بصاق أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] أولئك الذين ركبوا مجد التاريخ، وأسمعوا أذن الزمن، وامتطوا البحار يرفعون لا إله إلا الله، أولئك الذين علَّم الله الإنسانية بهم الهداية، وعلم الله بهم الضلالة، ومحق الله بهم العمالة، أولئك الذين كانوا قرءاناً يمشي على الأرض، كانوا يتعاملون بالقرآن، وينامون على حدس القرآن، ويصحون على صوت القرآن، أولئك الذين نظر الله إلى قلوبهم فرضي عنهم ورضوا عنه، فيكلم شهداءهم كفاحاً، ويرضى عن كلام أدبائهم ويثني عليهم وهم في الحياة الدنيا، يجتمعون تحت شجرة فينزل جبريل بكلام الله، ويقول: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18] يجتمعون في الصباح الباكر، فيتنزل عليهم جبريل بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:29] جلالة، ونور، وبياض، وإشراق، وبشاشة، أما أولئك الذين أُدخلوا علينا عن طريق المجلات الخليعة والكتب الظالمة الظانة الغاشمة أولئك أنجس خلق الله، فالكلاب أطهر منهم، والحمير أنزه منهم، لأنها مخلوقة بلا عقول تكليف، أما هم فكلفوا بعقول ثم ألحدوا، وكفروا، وأعرضوا فهم أضل منها سبيلاً. {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23] إن الذي لا يؤمن بالله عليه لعنة الله في الدنيا والآخرة. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [البقرة:161 - 162]. أسأل الله بأسمائه الحسنى وبصفاته العلى أن يشرفنا وإياكم، وبيوتنا، وأطفالنا بالإسلام، الذي أتى به رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].

كلام جميل وفعل قبيح

كلام جميل وفعل قبيح مناقضة الفعل للقول من خصائص النفسية اليهودية، وقد حذرنا الله من سلوك طريقهم جملة وتفصيلاً، وخاطب المؤمنين بقوله: (لم تقولون ما لا تفعلون) وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وجعله من علامات النفاق.

تفسير آية: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)

تفسير آية: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عنوان هذا الدرس: (كلام جميل وفعل قبيح) وهو تذييل وتعليق لبعض أهل العلم على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] وهذه الآية هي أول آية معنا في هذا الدرس. {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] لا زال الحديث مع بني إسرائيل وكان الدرس السابق بعنوان (أول لقاء مع بني إسرائيل) وهو تجريد لأعمالهم وكشف لمخططاتهم وما فعلوه؛ لعلنا أن نجتنب ما وقعوا فيه. وكما قيل: إياك أعني واسمعي يا جاره مصائب قوم عند قوم فوائد قال أهل العلم كـ الرازي وغيره: الخطاب في هذه الآيات لبني إسرائيل ولنا؛ لأنهم انقرضوا أو بقي منهم أناس كفرة فبقي الخطاب لنا نحن الأمة الإسلامية، وهذا الخطاب بالخصوص للدعاة ولطلبة العلم وللعلماء وللآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، يقول الله لنا ولهم: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]. هنا مسائل أولها:

الترهيب من أمر الناس بالبر ونسيان النفس

الترهيب من أمر الناس بالبر ونسيان النفس يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} [البقرة:44] البر: كل شيء جميل، والبر تزكية النفس، وطهارة الروح، وقد شمله القرآن في معان متعددة على هذه المعاني والمقاصد التي ذكرت، يقول الله لهم: ما لكم يا بني إسرائيل لا تستحون من الله، تأمرون الناس بالبر وأنتم لا تأتمرون، تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم. يقول أبو الأسود الدؤلي في مقطوعة له: يا أيها الرجل المعلم غيره هلاَّ لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا كيما يصح به وأنت سقيم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم يقول عليه الصلاة والسلام والحديث عند أحمد والطبراني ويقبل التحسين، وربما أصله في الصحيح لكن هذه هي الرواية التي اطلعت عليها: {مررت ليلة أسري بي بأناس تقرض شفاههم بالنار، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم} تقرض شفاههم بالمقاريض وهم في النار والعياذ بالله؛ وخصت الشفاة؛ لأنهم طالما تكلموا ووعظوا ووجهوا الناس بها. ذكروا عن أحد الصالحين من الدعاة أن عبداً رقيقاً أتى إليه فقال: أريد أن تخطب الناس في العتق لعل سيدي أن يعتقني من الرق، فخطب الناس ودعاهم، وهكذا في كل جمعة فجاء العبد وقال: في كل جمعة الحث على العتق ولكن سيدي ما أعتقني، قال: انتظرني إذاً وقتاً من الزمن، قال: فأتى هذا الرجل الداعية فجمع أموالاً واشترى عبيداً وأعتقهم لوجه الله، ثم قام فوعظ الناس بالعتق، فلما خرج الناس أتى السيد إلى عبده فأعتقه، فسئل هذا السيد كيف أعتقته والعالم هذا يتكلم من زمن؟ قال: ما وقع كلامه في قلبي إلا هذه الجمعة، وهذا يدل على أن العمل إذا وافق القول، وقع موقعه. كان بنو إسرائيل -نعوذ بالله من الخذلان- في المجالس والدعوة كلامهم جميل، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، وربما وصل ببعضهم ألا يصلي ويشرب المسكر ويزني ويقتل، ولكن إذا وقف أمام الناس وقف داعية، وقد شهد التاريخ نماذج من هذا، لكن بالخصوص بنو إسرائيل امتازوا بذلك حتى قال الله في عالمهم: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176]. وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {يلقى برجل في النار فتندلق أقتاب بطنه في النار، فيدور عليها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع عليه أهل النار فيقولون له: يا فلان! أما كنت تأمرنا بالمعروف؟ قال: بلى، قالوا: أما كنت تنهانا عن المنكر؟ قال: بلى، قالوا: فما لك؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر فآتيه} وهذا هو معنى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]. ولذلك كان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؛ لصدقه مع الله، ولإخلاصه، ولقربه من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ولا يزال الداعية محاسباً نفسه حتى ينطبق قوله مع فعله، ونعوذ بالله من الخذلان، والحرمان، أن نأمر الناس بشيء ثم لا نأتيه. جاء رجل إلى ابن عباس -وهذه القصة عند ابن كثير - وقال له: أريد أن أعظ الناس، قال: [[ماذا فعلت بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] أأحكمتها؟ قال: لا، قال فهل أحكمت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3] أأحكمتها؟ قال: لا، قال: فهل أحكمت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن شعيب: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] أأحكمتها؟ قال: لا، قال: فاذهب، فأمر نفسك ثم أمر الناس]] ولكن عند أهل العلم أنه من قام بالفرائض واجتنب الكبائر فلا بأس أن يدعو الناس ولو إلى نوافل لا يقوم بها. قال الإمام أحمد: لو مكث الإنسان حتى لا يكون فيه عيب ولا نقص ولا ذنب، ما أمر أحدٌ بمعروف ولا نهى أحد عن منكر، لكن من وقع في بعض الصغائر وفوت بعض النوافل، فأما الكبائر فلابد للواعظ أن يمتنع عنها، والفرائض حتى يأتي بها ثم ينصح الناس. إنسان لا يصلي ثم يقوم يدعو الناس إلى الصلاة أليس بأكبر الفجار؟ بلى. إنسان ينادي بنزع الخمر والربا وهو خمار مرابٍ، كيف يقبل منه؟ وقد وقع للعلامة محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان مثل هذا الموقف وكان يعيش في المدينة المنورة وكان هناك رجل أحمق معتوه، مرفوع عنه القلم، كان يأتي عند المسجد النبوي ويقول: صلوا صلوا، فإذا مر الشيخ، والشيخ عليه جلالة وعليه ديانة وزهد وعبادة، يقول للشيخ: صلِّ صلِّ، وهو إذا دخل المسجد لا يصلي؛ لأنه معتوه مرفوع عنه القلم فلا يدخل، فكان كلما رأى الشيخ يقول قال له: يا شيخ صلِّ، قال: وأنت محتاج إلى قليل صلاة، وأنت لماذا لا تصلي؟ أنت تحتاج إلى قليل من الصلاة، قال: إن شاء الله آتيكم، وهذا كأن القلم رفع عنه. أما النوافل فإنه أحياناً لا يستطيع الإنسان أن يأتيها، إنسان لا يستطيع قيام الليل فقد يكون مشغولاً بالجهاد أو أنه عالم وعنده تدريس ومراجعة وتخريج، وقد يأخذ عليه وقتاً طويلاً فلا يستطيع أن يوتر إلا قبل أن ينام، فلا نقول له: لا تأمر الناس بقيام الليل. بل يأمرهم لأنهم سوف يكونون في ميزان حسناته إذا قاموا الليل، وقد يوجد إنسان داعية لكنه فقير، فله أن يأمر الناس بالصدقة، وإن كان لا يجد ما يتصدق به، لعله أن يجد من الأثرياء من يتصدق، وقس على هذه الأمور. إذاً: فلا بأس على الداعي أن يتحدث عن أمور من النوافل ولو لم يستطع لها، كصيام النافلة، وقيام الليل، والصدقة، عل الله أن يهدي: {أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]. يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح إنما دخل النقص على بني إسرائيل، أنهم كان الرجل إذا لقي أخاه ينهاه ثم لا يمنعه أن يكون أكيله وشريبه في آخر النهار، حتى قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79].

أثر التطبيق في وقع كلام الواعظ على سامعيه

أثر التطبيق في وقع كلام الواعظ على سامعيه وقف الحجاج بن يوسف الثقفي يوم الجمعة يقول: لا إله إلا الله كم من مستقيم يدعو الناس للتقوى ولا يتقي، ماذا أعددتم للقبر! لا إله إلا الله ما أضيقه! ولا إله إلا الله ما أظلمه! ولا إله إلا الله ما أوحشه! فالناس ما بكوا لأن الحجاج هو المتكلم، فهو الذي قتل مائة ألف وقتل العلماء، وأخاف الناس، فأخبر الحسن بهذه الموعظة فقال: سبحان الله! يلبس لباس الفساق، ويعظ وعظ الأخيار، ويضرب رقاب الناس ويقرأ القرآن على لخم وجذام، هذا ما كان له قبول. لكن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه الزاهد. عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر إذا شجرات العرف جذت أصولها ففي أي غصن يوجد الشجر النضر عمر بن عبد العزيز يقف في الثامنة والثلاثين من عمره على المنبر في أول جمعة قامها بعد الخلافة، فيأتي وينظر إلى الأمة فيبكي ويجلس ثم يقوم يتكلم فلا يستطيع أن يتكلم، قال: يا أيها الناس بيعتكم في أعناقكم، الله حملني الشيخ الكبير والعجوز والأرملة والمسكين، ماذا أقول لربي يوم القيامة؟ ثم بكى. قال رجاء بن حيوة أحد الوزراء عنده، والله لقد نظرت إلى الجدران هل تبكي معنا أم لا، قال: ما بقي أحد، بكى الناس كلهم، فيرى هل تبكي الجدران؟ لأنه صادق وعلم الله صدقه، ولا بأس أن نقف معه قليلاً. لما تولى الخلافة أتى إلى عبده، وكلنا عبيد الله لكنه مولى أسمر دائماً يرابط الخلفاء، ومعه سيف طويل للطوارئ، وأي إنسان يعترض في الطريق، يضرب رأسه فإذا هو قسمين رأسه في جهة وجثته في جهة. كان مزاحم دائماً مع الخلفاء، فلما تولى عمر بن عبد العزيز أخذه عمر بينه وبينه، قال: أحببتك لاثنتين، قال: ما هي؟ قال: رأيتك وقت الضحى ونحن في سفر لا يراك إلا الله خلوت بنفسك وراء الجبل فركعت ركعتين. انظروا إلى المواصفات عند الخليفة عمر بن عبد العزيز لم يقل: أنت من أسرة فلان وأنت تحمل مؤهلاً، قال له: خلوت وراء جبل وصليت ركعتين في مكان لا يراك فيه إلا الله. المسألة الثانية: رأيت مصحفك معك دائماً. من علامة الخير أن يكون الرجل مصحفه في جيبه يجلس خمس دقائق في مكتبه يفتح المصحف يتصل بالواحد الأحد، أتظن المنافق يحب القرآن؟! أتظن أن المنافق دائماً مصحفه معه؟! لا. بل والله إنه يوجد من يقرأ عشرات الجرائد من الصحف والإعلانات، وإعلانات شركات الإسمنت، ودرجة الحرارة، والصيدليات المناوبة، والضائعين والضائعات، ولكن لا يقرأ ولو صفحة في اليوم من القرآن، كيف ترجو له النجاة! كيف تريد له نوراً! ولذلك يقول: لأجل هاتين الاثنتين اخترتك وزيراً معي. يا مزاحم: إذا رأيتني عدلت عن الصراط المستقيم؛ فخذني بتلابيب ثوبي وقل لي: اتق الله يا عمر! ولما تولى الخلافة في أول يوم، بعد سليمان، قال للحاشية الأولى: أنتم معفيون لا أريدكم أبداً إلى يوم القيامة، سبحان الله يا عمر كنا مقربين من عبد الملك والوليد وسليمان! قال: هذا هو الأمر، قالوا: من يجلس معك؟ قال: يجلس معي فلان وفلان وفلان وعد سبعة واختار مطرف بن عبد الله بن الشخير، ورجاء بن حيوة المحدث الكبير، واشترط على هؤلاء السبعة العلماء ثلاثة شروط هي: الشرط الأول: ألا يُغْتَاب أحد من المسلمين أبداً. الشرط الثاني: ألا يمدح في المجلس. الشرط الثالث: ألا تذكر الدنيا في المجلس. ويبدأ المجلس بعد صلاة العشاء كأن بين أيديهم جنازة. عمر نوعٌ آخر من الناس، ولذلك هدى الله به الأمة ووجهها إلى المسار الصحيح، فكان إذا تكلم؛ كان لكلامه وقع في القلوب حتى يكاد يرجف بالقلوب.

ضرورة مطابقة الفعل للقول

ضرورة مطابقة الفعل للقول {أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] هنا مسائل، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بعد أن لامهم. أولاً: أنتم تأمرون ولو لم تأمروا لكانت المسألة سهلة، تجد إنساناً فاسقاً يستحي على نفسه. قيل لأحد السلاطين وهو نور الدين محمود زنكي بطل من الأبطال كردي ليس عربي بعض الناس الآن يقول: ما يصلح إلا العربي! لكنه ولي من أولياء الله عز وجل، ترجم له ابن كثير يقول: سقى الله عظامه شآبيب الرضوان، كان مخلصاً لله، ذكروا عنه أنه سجد ذات مرة -من ضمن تضرعه وذلته لله وخشيته من عذاب الله ومقته لنفسه- يقول: اللهم اغفر لعبدك الكلب محمود -وهو يقصد نفسه-. قيل له: لماذا لا تعظ الناس؟ قال: أنا مثلي يعظ الناس! كم تساوي هذه الكلمة؟! ولذلك قد يأتي من الحمقى رجل إذا وعظته يقول: أتقول هذا الكلام لمثلي أما تستحي أن تعظني، أنا أحتاج إلى دعوة. حتى ذكروا أن الإمام أحمد قام أمام الناس فوصف الجنة والنار، فقال: يا أيها الناس! والله لا يضمن أحد لنفسه الجنة حتى أنا لا أضمن لي الجنة، أنت أنت يا إمام ماذا فعلت؟ هذه الكلمة كانت إداً. ذكر أهل السير في ترجمة عيسى عليه السلام وذكرها ابن كثير في مواطن: أن رجلاً من بني إسرائيل كان عابداً، فأخذ فاسقاً بيده فذهب به إلى بيت المقدس، فلما اقتربوا من بيت المقدس دخل العابد ووقف هذا الفاسق، قال: ادخل، قال: أنا مثلي يدخل بيت المقدس أألطخه بسيئاتي وبمعاصيّ! فأوحى الله إلى عيسى قل لذاك الفاسق: كلمته هذه عادلت سبعين سنة من عبادة هذا العابد. لكن لا يعني ذلك أن الإنسان يقول: ما سمعنا بمثل هذا الشيء السهل، إذاً: نسمع الغناء، ونفعل الزنا والربا والفواحش -نعوذ بالله- ونقول: نحن نلطخ المجتمع بمعاصينا وذنوبنا! لا والله إن هذا هو الفحش والبعد عن الله، لكن وصل هذا العبد إلى تلك المكانة بما وقر في قلبه من الذل لله تعالى. وفي الحديث الصحيح: {أن عابداً أتاه رجل مسرف كان يقترف المعاصي، فقال له العابد: اتق الله واستح منه، فقال: دعني أنا وربي لعل الله أن يرحمني، فلقيه فقال له: اتق الله، عد إليه ولا تعصيه، قال: دعني وربي لعل الله أن يرحمني، قال: والله لا يغفر الله لك! فقال الله عز وجل: من الذي يتألى عليَّ؟ من الذي حلف على الله؟ أشهدكم يا ملائكتي أني غفرت لهذا المجرم -أو هذا الفاسق- وأحبطت عمل هذا العابد} فليستأنف العمل من الآن، أي: سجلاته شطب عليه في لحظة وذاك غفر له، ويبدأ ذاك من الصفر وهذا من الصفر، ذاك مقبول، وهذا مطرود بكلمة زهو وعجب على الله بها، ولذلك قالوا: أنين المذنبين خير من تسبيح المقربين، فهو مذنب ولكنه يئن إلى الله ويرجع إليه، أما مذنب يذنب ولا يزال في الفحش، ويقول: نحن مذنبون مقصرون فهذا من المخادعة أما إنسان كان له تاريخ أسود وعاد إلى الله فهذا من الأقربين إلى الله، ولذلك تجد ذلة المعصية معه دائماً تستصحبه، حتى يلقى الله وهو من أحسن الناس. قال سعيد بن جبير كما ذكر عنه الإمام أحمد في كتاب الزهد: رب حسنة أدخلت صاحبها النار، ورب سيئة أدخلت صاحبها الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: عاص عمل سيئة فلا يزال يبكي منها ويندم عليها حتى دخل الجنة، ورجل عمل طاعة فلا يزال يدل بها ويتكبر ويفتخر حتى دخل النار. ولذلك عند الطبراني والبزار بسند فيه كلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن العالم الذي ينفع الناس ولا ينفع نفسه كالشمعة تضيء للناس وتحرق نفسها} ولذلك ما هي الفائدة أن ينجو الناس وتهلك أنت؟ وما الفائدة أن يستفيد الناس ولا تستفيد أنت؟ قال: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] قالوا: هذا ينطبق على طلبة العلم الذين يدرسون إلا أن يبلغوا هذا العلم الذي بين أيديهم. وطلبة العلم يؤتون من ثلاثة مداخل: المدخل الأول: الكتمان نعوذ بالله من الكتمان، فإنك قد تجد طالب علم يكتم ما عنده: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ} [البقرة:159] قد تجد عالماً يحفظ عشرين متناً، وقد تسمع من طلبة علم، قالوا: فلان يحفظ المتون كلها لكن في بيته، وحفظ القرآن والصحيحين والسنن والمعاجم والمسانيد، فإذا أتاه طلبة العلم يريدون معلومة منه، تشفعوا وتوسلوا، ودخلوا وخرجوا، وطرقوا الأبواب، وحاولوا أن يخرج فلا يخرج، فإذا أعطاهم وجهه مرة؛ أعطاهم الكلام كأنه يزنه في ميزان الذهب، وقته ضيق لا يستطيع أن يبذله، يقول: ليس عندي وقت، لماذا؟ قال: الوقت حرج، ولذلك ما فائدة العلم: يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كف شددتا ولذلك أكثر ما منيت به الأمة الإسلامية اليوم يوم جلس بعض العلماء في الصوامع العادية، فتجد العالم يجلس في الصومعة ولا ينزل للناس، فيترك الشباب وحالهم إما يستقيمون أو يضلون أو يهتدون أو يمرقون وينظِّرون لأنفسهم، وأصبح الشباب هم المفتون والقادة والمنظرون، فلذلك أتى في المسيرة اعوجاج لأن العلماء ما قادوا هذه المسيرة، وهم الذين ينبغي أن يقودوها. المدخل الثاني: العجب والكبر على الناس؛ وقد يصاب بها بعض أهل العلم، نعوذ بالله من ذلك. المدخل الثالث: الحسد وهو لا يقع كثيراً نسأل الله العافية والسلامة.

معنى (الكتاب) في قوله تعالى: (وأنتم تتلون الكتاب)

معنى (الكتاب) في قوله تعالى: (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ) {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] أي كتاب: إنما لم يقل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى التوراة أو الإنجيل أو القرآن ليبقى الكلام عاماً لكل من يقرأ الكتاب، فما أحسن وما أعجب أسلوب القرآن! فقال: (الكتاب) ولم يقل (التوراة) لأنه لو قال (التوراة) لسكت أهل القرآن، ولو قال (القرآن) لسكت أهل التوراة، وهكذا أهل الإنجيل، لكن قال (الكتاب). كل من يقرأ القرآن، ومن يقرأ كتب السنة وغيرها من كتب العلم، فعليه أن يبلغ وأن يستحي على نفسه من ذلك الأمر، أن يقرأ الإنسان ثم لا يبلغه إلى الناس نعوذ بالله من الخذلان.

سبب محاجة الله لليهود إلى عقولهم

سبب محاجة الله لليهود إلى عقولهم {أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] لماذا لم يقل (أفلا تعلمون)؟! قالوا: إنما قال: (أفلا تعقلون) لأنهم انتهوا من مسألة العلم، فهم عندهم كتاب لكن ما استفادوا وما أفادوا بالعلم فردهم إلى العقل، قال: إذا ذهب علمكم فأين عقولكم؟! ومما يحكى في هذا أن أحد طلاب الصوفية مر به ابن تيمية وهو يقرأ -وهو لا يعرف يقرأ- يقول: فخر عليهم السقف من تحتهم، في سورة النحل، والسقف دائماً يكون فوق، والقرآن يقول: {فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِم ْ} [النحل:26] قال ابن تيمية: سبحان الله لا عقل ولا علم، إذا لم يكن عندك علم تعرف أن السقف دائماً يكون من فوق، فيقولون في المثل: أعمى ويناقر، لا عقل ولا علم، فإن بعض الناس إذا ما كان عنده خشية في الدين، لكن تجد عنده حمية وغيرة، فمثلاً تجد بعض الفسقة يأنس لبعض الأمور، أي: لا يريد الفاحشة أن تنتشر، فمجتمعه فاسق بنفسه، لكن تجد فيه غيرة على المحارم، لا يقبل الدياثة في بيته فهو حازم، يغضب إن قيل له: يا فاسق! يغضب إذا جلس مع شلل السوء، يغضب إذا وجد أحد أولاده في المقاهي وأماكن الخسارة والدمار، ففطرته عريقة وعنده مروءة ونخوة. وبعضهم يجتمع له تركيب لا دين ولا مروءة ولا نخوة ولذلك يتردى ويصبح كالبهيمة والعياذ بالله، فهذا أمر لا بد أن يلاحظ في هذه الآية ولا بد أن تكون نصب العين.

حال الصحابة بين أقوالهم وأفعالهم

حال الصحابة بين أقوالهم وأفعالهم الآية الثانية ليست في هذه السورة إنما قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2] وسببها أن بعض الصحابة قالوا: [[يا ليتنا ندري أي العمل أفضل فنعمله]] فأنزل الله الجهاد فخافوا وكلَّ كثير منهم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3] لكن وجد من الناس من قال وفعل، كالصحابة رضوان الله عليهم وعلى الأخص الشهداء منهم. كان البراء بن مالك فارساً عجيباً- يقول عمر للقواد: لا تولوه الجيش؛ لأنه لو تولى الجيش حطم نفسه وحطم الجيش ودخل به في مضيق لا يخرج منه أبداً، عمر يريد قائداً يريد الحياة نسبياً، يريد أن ينجو بالناس، لكن البراء يريد أن يدخل بالجيش فيدمره، قال: لا تولوه قيادة الجيش، كان إذا أراد أن يصارع في المعركة أتاه إغماء، ثم يقوم من الإغماء بعد أن يرش بالماء، فيأخذ سيفه فلا يزال يقاتل في الأعداء حتى ينكسر سيفه أو ينهزم الذي أمامه، هو من أشجع الناس، دخل عليه أخوه أنس وهو يرتجز -أي: ينشد نشيداً إسلامياً ويرفع صوته- وكان صوته جميلاً والصوت الجميل بالشعر المباح لا بأس به، قال له أنس: أتنشد وأنت من صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: اسكت فوالله الذي لا إله إلا هو لا أموت إلا قتلاً. يحلف؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك} لو حلف على الله لأنفذ الله يمينه؛ لأنه بلغ في الولاية مبلغاً عجيباً، فحلف أن يموت شهيداً. وسبب هذا الحديث: أن أخت البراء نزعت ثنية امرأة، فأتت المرأة تشتكي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: نقتص من أختك يا براء، قال: أختي تقتصون منها، قال: نعم، قال: بم تقتصون؟ قال: ننزع ثنيتها، قال: والله لا تنزع ثنيتها أبداً -والرسول صلى الله عليه وسلم هو الحاكم- فقال صلى الله عليه وسلم: اذهبوا إلى أهلها فإن رضوا بالأرش فلا بأس، فذهبوا إليهم فرضوا، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: {رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره} أشعث: رأسه ليس مُسَرَّحَاً، لا يعرف الدهن ولا الزيت؛ لأنه فقير ثيابه مغبرة، ينام على الرصيف، ويأكل على الرصيف، ويلقي المحاضرة على الرصيف، ولم ير قصراً إلا بعينه، ومعنى: ذي طمرين أي: ذي ثوبين ممزقين. ألا رب ذي طمرين محفوفة له غدت روضه منسوجة ونمارقه إلى آخر ما قال {لو أقسم على الله لأبره} إنما المقصود أقسم أن يموت شهيداً، ويقول عنه أهل السير: إنه قتل مائة فارس مبارزة من غير ما قتل في المعارك. وأتى وعد الله الحق، وكان إذا حضر المعركة نظروا إلى البراء ماذا يفعل فأتاه الإغماء: لما حضرنا كشفنا عن جماجمنا ليعلموا أننا بكر فينصرفوا قالوا البقية والهندي يحصدهم ولا بقية إلا السيف فانكشفوا أتى في اليمامة هو والأنصار، فلما رأى المسلمين فروا في أول المعركة، ورأى الكفار أقبلوا؛ قال البراء: [[بئس ما عودتم أقرانكم، والله ما كنا نفر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم]] ثم أخذ غمد السيف وكسره على ركبته، ومعنى كسر السيف أنه لن يعود إلى مكانه، فضرب به حتى نصر الله المسلمين. وأتت معركة تستر وقائدها أبو موسى الأشعري فرأى أبو موسى الجيش الأجنبي الكافر وإذا هو كالجبال، وجيش المسلمين قليل، فالتفت إلى البراء بن مالك الأشعت الأغبر ذي الطمرين، قال: [[يا براء أسألك بالله أن تقسم اليوم على ربك أن ينصرنا، قال: انتظرني قليلاً]] فانتظره قليلاً فذهب واغتسل ولبس أكفانه وتحنط: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171]: إذا ما فررنا كان أسوأ فرارنا صدود الخدود وازورار المناكب صدود الخدود والقنا متشاجر ولا تبرح الأقدام عند التضارب أتى والمسلمون صف والمشركون صف، وقال: [[اللهم إني أقسم عليك اليوم أن تنصرنا وتجعلني أول شهيد]] ودارت رحى المعركة وكان أول شهيد في المعركة، وانهزم الأعداء ولحقهم المسلمون يضربون فيهم ضرباً عنيفاً حتى هزموهم {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. كان سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة إذا أتى في المجلس والرسول صلى الله عليه وسلم معه علماء وكبار وشهداء الصحابة يقول: {هذا خالي فليرني كل خاله} أي: من كان عنده خال فليريني مثل هذا الخال. فأتى سعد رضي الله عنه فقال: [[لما حضرنا معركة أحد أتى عبد الله بن جحش وهو شاب في الثلاثين قال: يا سعد تعال ندعو الله وراء هذه الصخرات، قال: فملت معه وراء الصخرات، قلت: ادع أنت، قال: فدعوت الله بالنصر للإسلام والمسلمين وللرسول عليه الصلاة والسلام -قبل المعركة بدقائق- فأما عبد الله بن جحش فاستقبل القبلة وقال: اللهم إنك تعلم أني أحبك، اللهم لاقي بيني وبين كافر هذا اليوم شديد حرجه قوي بأسه فيقتلني فيك، فيبقر بطني ويجدع أنفي، ويفقأ عيني، ويقطع أذني، فإذا لقيتك يوم القيامة في هذه الصورة تقول لي: لم فعل بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب، قال سعد: والله الذي لا إله إلا هو ما انتهت المعركة إلا ورأيته مبقور البطن، مجدوع الأنف، مفقوء العينين، مقطوع الأذنين، فقلت: أسأل الله أن يلبي له ما سأل]] فقد قدم أول المؤهلات، وهي قوله: (إنك تعلم أني أحبك) وهذه من رواية سعيد بن المسيب. ولذلك قالوا فصدقوا، ونووا فأعطاهم الله أحسن ما تمنوا، فيالله كيف كانوا من جيل! ولا إله إلا الله كم بنى صلى الله عليه وسلم من صرح! وكم ترك من فئة عبدت الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وأسست كياناً خالداً في الأرض لا يمحى أبد الدهر! {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44].

تفسير قوله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة)

تفسير قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] هنا في هذه الآية الكريمة عدة مسائل: أولاً: أن هناك إشكالاً وهو أنه كيف يكون هذا الخطاب لبني إسرائيل وهم لا يصلون؟ وقد أجاب على ذلك بعض العلماء بأنه لعلهم أن يتوبوا وغير ذلك من الأجوبة. والسؤال الذي أثاره الرازي وغيره كيف يأمرهم الله بالصلاة وهي لم تفرض عليهم كهيئة الصلاة هذه؟ قالوا: الصلاة تشمل الذكر والخشوع والإنابة، فيمكن أن يكون لهم صلاة مختلفة الهيئة عن صلاتنا، إذاً فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ} [البقرة:45] كيف يستعينون بالصبر ويصبرون؟ والصبر هذا من أحسن ما يوصى به المؤمن، قال الإمام أحمد: عجيب أمر الصبر تدبرته في القرآن فوجدته في أكثر من تسعين موضعاً. سئل عمر: [[بم أدركتم هذه المنازل؟ قال: بالصبر أدركنا ما تمنينا]] والصبر لو كان رجلاً لكان جميلاً، ولو كان جبلاً لكان راسياً، ولو كان شجرة لكانت فواحة معطاة، والصَّبْر كالصِّبْر وهو دواء مر علقم يحرق، فالصبر مثله ولكنه في الأخير من أحسن ما يكون: صابر الصبر فاستجار به الصبر فقال الصبور للصبر صبراً ومعنى هذا الكلام، أي: الرجل العظيم صابر الصبر، وتوافق هو والصبر في منزلة حتى يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200] قالوا: اصبروا على الأعمال، ثم طاولوا في الصبر ومدوا أنفاسكم واثبتوا على مكان الصبر، واتقوا الله لعلكم تفلحون. فقال الشاعر: هذا الرجل فيه من الصبر أنه صابر الصبر (فاستجار به الصبر) أي حتى قال الصبر: أعوذ بالله منك، فاستعاذ الصبر بالله من هذا الرجل من شدته وقوته، (فقال الصبور) أي الرجل للصبر: صبراً. وبات أبو وردي المحدث الشاعر الكبير يقول: تسترت من دهري بظل جناحه فعيني ترى دهري وليس يراني فلو تسأل الأيام عني ما درت وأين مكاني ما عرفن مكاني ثم يقول في قصيدة أخرى: وبات يريني الدهر كيف اقتداره وبت أريه الصبر كيف يكون قيل: كيف يذاق الصبر؟ قالوا: "من لم يعرف الصبر ما ذاقه".

أنواع الصبر

أنواع الصبر والصبر على ثلاثة أقسام: القسم الأول: صبر على الطاعات، وهو أجلها وأعظمها، فإذا رأيت إنساناً -مثلاً- يتوضأ كل يوم خمس مرات، ويأتي إلى المسجد، فاعلم أنه من أحسن الصابرين، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط} فهذا أعلى درجات الصبر؛ لأن الصبر على مصيبة مثل موت الإبن تحصل في العمر مرة، قد يموت في العمر ابن واحد أو في عشر سنوات لكن الصلوات الخمس كل يوم، في البرد والحر، وفي النشاط والفتور، وفي الصحة والمرض ثم تصابر على الصف الأول حينها تتفوق، فالصبر على الطاعات من أجملها. القسم الثاني: صبر عن المعاصي: أن تجمح نفسك عن فعل أي ذنب وهذه في المرتبة الثانية. القسم الثالث: صبر على المصائب، وأجمل قصص الصابرين في المصائب.

بعض سير الصالحين في الصبر

بعض سير الصالحين في الصبر أبو قلابة أحد العلماء يقولون: أصابه مرض في أطرافه، فقطعت أطرافه الأربعة فزاره الناس-تصور إنسان أصابه مرض حتى قطعت يداه ورجلاه وأصبحت أطرافه مقطعة- قالوا: كيف أنت؟ قال: الحمد الله الذي كفر بسيئاتي ما قدمه لي في حياتي. وممن يشهد له في هذا الجانب عروة بن الزبير تقطع رجله من الفخذ ويموت ابنه في نفس اللحظة، فيستيقظ من إغمائه ويقول: [[اللهم لك الحمد إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت، أعطيتني أربعة أبناء، وأخذت ابناً واحداً، وأعطيتني أربعة أعضاء وأخذت عضواً واحداً فلك الحمد]] ثم يقول: لعمرك ما مديت كفي لريبة وما حملتني نحو فاحشة رجلي ولا ذل لي فكري ولا نظري لها ولا قادني فكري إليها ولا عقلي وأعلم أني لم تصبني مصيبة من الله إلا قد أصابت فتى قبلي ولذلك قيل: ما هي علامة الصابر؟ قالوا: ألا يقول: أح، فالطفل إذا قرب يده من شيء حار قال: أح، حتى يقول أحد الشعراء في الصبر وهو الشريف الرضي -لكن صبره في ماذا؟! الشريف الرضي يطلب الإمارة والمنصب في الدنيا، يقول أنا صبرت حتى نلت الإمارة وهذا صبر لكنه ليس الصبر الذي نقصده، يقول: أقسمت أن أوردها حرة وقاحة تحت غلام وقاح إما فتى نال المنى فاشتفى أو فارساً زار الردى فاستراح قال أحد العلماء ليس صبرك بصبر، بل الصبر: إذا طلبت الله في كل ما أملته نلت المنى والنجاح بهمة تذهب ماء الحصى وعزمة ما شابها قول آح دخلوا على الإمام أحمد وهو مريض مرض الموت، إمام أهل السنة والجماعة -سلام على الإمام أحمد يوم ولد، وسلام عليه يوم أسلم، وسلام عليه يوم يموت، وسلام عليه يوم يبعث حياً- دخلوا عليه وبه من الحال ما لا يعلمه إلا الله، حتى كان يئن، أي: كان يزفر أنيناً، فقال له أحد الجلاس: سمعنا أن طاوساً كره الأنين للمريض، فما أنَّ بعدها أبداً. ودخلوا على أبي بكر الصديق فقالوا: ماذا تشتكي؟ قال: [[عرضت أمري على الطبيب -يقصد الله عز وجل- قالوا: ماذا قال لك؟ قال لي: قال: إني فعال لما أريد]] أخذه شاعر الصوفية وقال: كيف أشكو إلى طبيبي ما بي والذي قد أصابني من طبيبي وهذه منازل يختارها الله لمن يشاء وأعظمها الصبر على الطاعات. سيد قطب له كلام عجيب على هذا، يقول في كلام ما معناه: إن النفس إذا طاولها الباطل، وأتتها الشواغل والفتن، توقفت فاحتاجت إلى مدد ووقود حتى يأتيها الصبر والصلاة، واستعينوا بالصبر، وإذا انتهى الصبر فعليك بالصلاة. جاء عند أحمد في المسند: {كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: أرحنا بالصلاة يا بلال} إذا اجتمع عليه أمر هم وغم قال: {أرحنا بالصلاة يا بلال} ولذلك وصيتي لمن أتت عليه هموم أو غموم أو كوارث أو مصائب أن يبدأ بالصلاة. في ترجمة الحافظ ابن حجر صاحب الفتح، يقولون: خرج يوماً للنزهة فطوقه اللصوص من كل جانب -أراد عمراً فأراد الله خارجة - فقام يصلي ويركع ويقوم، فتبدد اللصوص عنه، فقالوا له: لماذا؟! قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45]. وذكر ابن كثير عن ابن عباس أنه أتاه مقتل أخيه فقام يصلي، قالوا: مالك؟ قال: يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45]. ولذلك ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه قال: {كنا في بدر فنظرت في الليل قبل المعركة بليلة -تصور أن الكفار سوف تواقفهم أنت بالسيف والسيوف بأيديهم ثم يكون قتالاً ذريعاً لا يعلمه إلا الله- قال: فنظرت فرأيت الناس كلهم نيام إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو حتى الصباح} وهذا من باب ما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45] ولذلك يقولون: أكثر الناس صبراً أكثرهم صلاة. وانظر إلى الإمام أحمد كم كان يصلي غير الفرائض؟ قالوا: ثلاثمائة ركعة، ولذلك لما أتت الفتنة وضرب بالسياط وهدد، كان من أصبر الناس، وأقل الناس صبراً أقلهم صلاة وخشوعاً، فتراه ينهار أمام الحوادث، إذا رأى النتيجة في الامتحان وكان يحمل مادتين بكى وأبكى الناس، وإذا وطئ إنسان رجله في الحافلة أو في مكان أقام الدنيا وأقعدها، وإذا فاتته سبعة ريالات شكا على الجيران والإخوان والناس، هذا انهزام وفشل، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ الْمُصَلِّينَ} [المعارج:19 - 22]. هؤلاء المصلون يحملون طاقات هائلة من الإيمان، يقول محمد إقبال في انتصارات الصحابة: نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمراً جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا

تفسير قوله تعالى: (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)

تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) ثم قال الله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] ففي هذه الجملة مسائل: المسألة الأولى: ما معنى هذا الكلام المجمل؟ معناها إن الصلاة كبيرة وثقيلة وصعبة إلا على الخاشع، فهي سهلة يسهلها الله، وإن الصلاة لا يأتيها ولا يستطيع أن يداوم عليها بخشوعها وخضوعها إلا الخاشع، ولذلك أكبر الصلاة على المنافق صلاة الفجر وصلاة العشاء، حتى إذا سمع الأذان تجده يخاف ويقول: قطع علينا جلستنا، وإذا سمعوا المؤذن يقولون: سبحان الله! ما أسرع الوقت! فإذا أذن الظهر وبعده العصر قال: صلاة! صلاة! نسأل الله العافية. ثم إذا قام يقوم ببطء كأنه يجرجر بالسلاسل، يتوضأ ثم يذهب إلى المسجد مكسوف الخاطر ويقابل رب العالمين ويقف في آخر صف وفي طرفه رجلاً تجاهه، ويتكئ على هذه مرة وعلى هذه مرة، فإذا سلم كان أول الناس خروجاً، فهو آخرهم دخولاً وأولهم خروجاً: وإذا تكون ملمة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب وهذا أحد العرب كان له أخ أكول، وكانت أمه إذا عملت الحيس دعت جندباً، قالت: تعال كل، فيأكل، ثم إذا انتهى وأبقى شيئاً قالت: يا فلان يا جندل! تعال كل، فإذا سمعوا هيجة واضطراب وقتال قالت: يا جندل أنت الأول، يعني في المعركة هذه: وإذا تكون ملمة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب ولذلك تجد أكثر الناس على الشهوات أقلهم في الطاعات، إذا أتت أول شهوة أو معصية فهو الأول، ولكنه في الطاعات متخلف متأخر. قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45].

حكم تارك الصلاة

حكم تارك الصلاة والسؤال هنا: هل يستدل من الآية على كفران تارك الصلاة؟ A هذا استدلال تبعي، ولو أن هناك أدلة تثبت أن من ترك الصلاة فقد كفر، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} وقوله صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى} فمفهوم المخالفة أن من لم يصلِّ فما عصم دمه، فإذاً هو كافر. فقوله: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] أي: الذي لا يؤديها ليس من الخاشعين وإنها كبيرة عليه ما دام لم يؤدها ومن الناس من لا يصلي فهو كافر، ومنهم من يصلي لكنه يصلي مرة ويترك مرة يعني على المزاج فهذا كافر صلاة الفجر في البرد يتركها، لكن الظهر مناسبة فيصليها، وهناك قسم آخر هم أناس يصلون، لكن بفتور وكسل مع أنهم يداومون على الصلاة لكنهم يؤخرونها فهذه كبيرة من الكبائر، وهناك أناس يصلون ويخشعون.

تفسير قوله تعالى: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم)

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ) قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:45 - 46] هل الخاشعون يظنون أنهم ملاقو الله؟ الظن أليس فيه شيء من الشك؟ أي أن الظن ليس بيقين!! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً} [يونس:36] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ} [يونس:66] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية:32] فالظن ليس بجزم فكيف يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ويمدح الخاشعين {الَّذِينَ يَظُنُّونَ} [البقرة:46]؟ و A أنه من معاني الظن: التيقن، والظن هنا بمعنى العلم واليقين، يقول دريد بن الصمة وهو شاعر جاهلي: فقلت لهم: ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرج يقول: قلت لقومي: انتبهوا! يأتيكم غداً ألفان من الأبطال في السراة وفي الخناجر والسلاح، قال: فما أطاعوني فيقول لذلك: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد فهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرج وهذا شاعر أعمى القلب والبصر، مات كافراً وإلا فهو شاعر جيد، ولكن ما نفعه شعره فالمقصود أنه قال: ظنوا، أي: تيقنوا وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف:53] أي تيقنوا أنهم سوف يصلون النار التي يظنون: يعتقدون. من الناس من يسمع بأخبار الجنة والنار، وتقول له: هذا المال حرام في الدنيا، فيقول لك: الله غفور رحيم: خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل اتق الله! أجرك في الآخرة وثوابك عند الله، قال: عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة، يعني يقول: ما ندري نموت أو نحيا، إن مت أو حييت لا بد من لقاء الله، وقد قال عز وجل سبحانه: {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] وصدق الشاعر: ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حيِّ ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيِّ فهذا هو الخلاف بيننا وبين الصحابة، الصحابة كانوا ينظرون إلى أن الجنة قريبة منهم حتى نسب إلى علي بن أبي طالب قوله: [[والله لو كشف الله الغطاء، ورأيت الجنة والنار، ورأيت عرش الله بارزاً، ما زاد عندي على ما عندي من الإيمان ذرة]]. الصحابة يأتي أحدهم يقول: يا رسول الله! أين ألقاك يوم القيامة؟ يعني الأمر كأنه غداً، لذلك يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] قال: يا رسول الله أين ألقاك يوم القيامة؟ والناس في زحام شديد، مليارات من عهد آدم إلى آخر الساعة، أين ألقاك؟ قال عليه الصلاة والسلام: {التمسني في ثلاثة مواطن لا أغادر أحدها: عند تطاير الصحف، أو عند الميزان، أو عند الصراط}. فالموطن الأول: عند تطاير الصحف: يقف عليه الصلاة والسلام بنفسه وهو أرفع الناس وأعظمهم منزلة عنده؛ لأنه صادق مخلص وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيقف ينظر إلينا نحن المساكين ماذا فعلنا؟ فيرى تطاير الصحف فيقول عليه الصلاة والسلام، بأبي وأمي هو: {اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم} ويعرف أمته، فأنت يعرفك أنك من أمته لست من أمة موسى ولا شعيب ولا صالح ولا نوح، ويعرف أنك من أمته بالوضوء، علامة الوضوء تتلألأ عليك: توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانية قيل: {يا رسول الله! كيف تعرف من لم يأت من أمتك بعد؟ قال: أرأيت إنساناً عنده خيل بهم بها خيل بلق ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى، قال: فإن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل} أنت من بين الملايين، فيعرفك النبي صلى الله عليه وسلم أنك من أمته وينظر إلى تطاير صحفك ويقول: {اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم} يخاف أن يؤخذ أحد من أمته إلى الشمال، إذا أخذ أحد إلى الشمال فلا إله إلا الله: فليت شعري يرى الأخبار قد نشرت على الصراط وكان الهول في ظلم إلى آخر ما قاله عبد الله بن المبارك. الموطن الثاني: عند الميزان: إذا لم تجدني في المكان الأول فسوف تجدني عند الميزان، ميزان الحسنات والسيئات، وقد ذكرها سُبحَانَهُ وَتَعَالى حيث قال: {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} [الكهف:49] وقال سبحانه تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] حبة الخردل، والذرة من الحسنة والسيئة توزن، والرسول صلى الله عليه وسلم واقف يقول: {اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم} يراك وأنت توزن. الموطن الثالث: عند الصراط: الصراط هو آخر عبور إما هنا أو هناك وهو ينظر، والرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم بجوار بعض على حافتي الصراط، موسى بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك نوح وإبراهيم وعيسى ألوف مؤلفة من الأنبياء، حتى أنه في بعض الروايات أن الأنبياء يقاربون أربعمائة ألف، أي مثل بعض سكان الدول الآن، يقفون حول الصراط الذي هو أدق من الشعرة، وأحد من السيف، فيمر الناس وأول من يمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم: بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم فيقف وينظر إلى الناس وهم يمرون ويقول: {اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم} وتجد التصادم والخدش على الوجوه والعياذ بالله من الخذلان والحرمان. وورد أنه صلى الله عليه وسلم يقف على الحوض كذلك وهي من العلامات المميزة، فيأتي قوم من أمته بهم من العطش ما لا يعلمه إلا الله، يأتون أفواجاً فتأتي الملائكة معها مرازب ومعها سياط من حديد فتضرب هؤلاء، فيقول صلى الله عليه وسلم لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يا رب! أمتي أمتي، أمتي أمتي، قال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك، فيقول: سحقاً سحقا} يعني هلاكاً هلاكاً. أما بلَّغ؟ نشهد والله أنه بلغ الرسالة وقد وصل العذراء في خدرها من دعوته ما وصل علماء الصحابة رضوان الله عليهم، وأصبحت دعوته كالشمس فبلغت دعوته كل إنسان، ولا يعذر من بلغه شيء من دعوته إلا أن ينقذ نفسه من غضب الله ولعنته وسخطه عز وجل.

أهمية الخشوع في الصلاة

أهمية الخشوع في الصلاة {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] هناك تساؤل أثاره أهل العلم: كيف تكون الصلاة كبيرة على الذي لا يخشع في صلاته كالفاجر، وتكون خفيفة على المؤمن، مع العلم أن المؤمن يخشع ويلاحظ سكونه في الصلاة، ويلاحظ حضور قلبه في الصلاة فيعاني مشقة عظيمة من جرائها، وأما الفاجر فقد يصلي، ولذلك تجد بعض الناس قد يصلي عشر ركعات، ولا يدري هل صلى عشراً أم لا، لكن المؤمن إذا قام يصلي ركعتين وجل وخاف، وشقت عليه من كثرة استحضاره، فكيف تكون كبيرة على ذاك، وخفيفة على هذا؟ مع العلم أن هذا يعاني مشقة، أما الفاجر لا يعاني مشقة؛ لأنه يتسلى؛ لأنه ربما إذا طول الإمام في القراءة ذهب فكره وعقله في أمور الدنيا، في أفعالها وأقوالها، وفي بيعها وشرائها. حتى ذكروا أن تاجراً صلى وراء إمام فسلم الإمام من ثلاث، فقال التاجر: ما صليت إلا ثلاثاً، قال: لا، بل صليت أربعاً قال: لا. والله ما صليت إلا ثلاثاً، قال: كيف علمت، قال: أنا دائماً إذا صليت أربع أبدأ معك في السفر أخرج من بوابة الظهران في الركعة الأولى، وبعدما أجتاز خريص في الركعة الثانية، وأدخل إلى الخرج في الثالثة، وما أصل الرياض إلا في الرابعة، وأنت سلمت بي وأنا في الخرج، لذلك بعض الناس تجده يبيع ويشتري أو يصمم عمارة، أول ما يضع القواعد في الركعة الأولى، ويرفع الهيكل والعظم في الثانية، والتلييس في الثالثة، والفرش والأثاث في الرابعة ثم يسلم وقد انتهى من العمارة: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] ما سمعنا بأرخص من هذا السعر إنسان يخطط ويعمر وينتهي فلا عمار ولا شيء. كما قيل: إن أحد الحمقى رأى في المنام أن عنده تيساً، فقالوا: اعطنا تيسك بعشرة دنانير، قال: لا، بعشرين، قالوا: بعشرة، فنازلوه إلى خمسة عشر فرفض، فصحا من المنام فلم يجد لا تيساً ولا دنانير فغمض عينيه، وقال: هات الخمسة عشر! لكن هذه لا شيء، إنها أحلام الإنسان الذي يضيع أحلامه في الصلاة، ولذلك لا يسلم إلا مع الإمام مهما حاول أن يستعجل أو مهما حاول أن يفر، سوف يقيده الإمام فلا يسلم إلا معه. فليتق الله هذا في صلاته! والمقصود بقوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] قالوا: الكبيرة بمعنى ثقيلة على نفسه أي لا يحبها، وأما الخاشع فإنه يحب الصلاة؛ فلذلك تجد الخاشع إذا أذن المؤذن، قال: الله أكبر ثم تابعه، وتجد الخاشع ينظر إلى ساعته متى يؤذن؟ كم توقيتكم هنا؟ من مؤذنكم؟ قلبه معلق بالمساجد، فهذا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إذا سمع الأذان ذهب إلى المسجد، أما هذا الفاجر، أدهى وأبخس فلا يسمع الأذان، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {وقلبه معلق بالمساجد} والحبيب يرتاح إلى ذكر حبيبه: وداعٍ دعا إذ نحن بـ الخيف من منى فهيج أشواق الفؤاد ولا يدري دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أطار بـ ليلى طائراً كان في صدري استشهد به ابن رجب عند ذكر الصلاة، هذا مجنون ليلى يقول: كنت أنا في منى أمشي وليلى في العراق، فسمعت إنساناً ينادي عن اسم ليلى فطير قلبي. فالرجل المسلم إذا سمع: الله أكبر، ذكره بالله الواحد الأحد، قال سعيد بن المسيب: [[الحمد لله ما أذن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في المسجد]] تصدقون أنه في عصرنا الآن بعض الناس ما يصدق أن هناك عباداً بلغوا درجة عالية ومرتفعة بسبب ما يرى من المفاسد، وكثرة ما يرى نعوذ بالله من الربا وكثرة التفلت، شيكات مصرفية، وربا فائق، وغناء ماجن، ومجلة متكدسة، ونظر طافح، وقسوة قلوب، وذنوب وخطايا حتى يظن المجتمع أنه هلك، ويقول: هلك الناس وهو أهلكهم، لا، الناس فيهم خير. في بعض المناطق التي حدثنا عنها إلى هذا الوقت وإلى هذا الزمن، أنه يوجد عباد كبار السن في جهة نجد وقد حدثني بذلك بعض الثقات من طلبة العلم، قال: يجلسون بعد صلاة الفجر يوم الجمعة فيفتح المصحف من الفاتحة ويبدأ يقرأ ويأتي إلى سورة الناس ويختم المصحف قبل أن يدخل الخطيب بوقت بسيط. وهناك رجل قالوا عنه: والله لو قيل له إن القيامة تقوم غداً، ما استطاع أن يزيد على عمله، عابد انصرف عن الدنيا، حتى ذكر أحد الكتاب -لا أحب أن أذكر اسمه- عن بعض العباد في ضواحي الرياض شيئاً عجيباً، تصور أن هناك شيوخاً كباراً في السن في بعض القرى يجتمعون، قد تعاهدوا وتعاقدوا على الخير والصلاح، وأن يختموا أعمارهم بخير ماذا يفعلون؟! قالوا: يصلون الفجر فإذا صلوا الفجر جلسوا في المسجد يذكرون الله حتى تطلع الشمس، ثم قاموا يصلون إلى أن يرتفع الضحى عشرات الركعات، ثم ذهبوا إلى بيوتهم فإن كانوا صائمين واصلوا وإلا أكلوا وجبة، ثم أتوا قبل صلاة الظهر يذكرون الله ويقرءون القرآن إلى أن يدخل وقت صلاة الظهر، ثم يصلون الظهر ثم يتنفلون ويعودون إلى بيوتهم في قيلولة، ثم يعودون من العصر ويقرءون إلى صلاة المغرب، ومن المغرب إلى العشاء ثم يعودون إلى العَشاء فينامون ثم يستيقظون وسط الليل، هل بقي وقت للمعصية؟! نحن لا نطالب الناس بمثل هذا لكن فاتقوا الله ما استطعتم، فإن الله علم أن الناس منهم موظفون ومهندسون وتجار ومسئولون ورعاة وبناة، فلذلك اتقوا الله ما استطعتم لكن انظر إلى البقية لعل الله أن يرحم بهم الناس. وهناك قرية من القرى، قالوا: دخل مرض الجدري كل القرى إلا هذه القرية؛ لأنه كان فيهم رجل عابد يقوم الصباح بعد صلاة الفجر فيصلي في مسجده، ثم يطوف بالقرية ويقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، قالوا: والله الذي لا إله إلا هو ما سلمت قرية في تلك المقاطعة من الجدري ذكوراً وإناثاً وأطفالاً إلا هذه القرية، ما أصابها حبة جدري بصلاح هذا الرجل الصالح، ولذلك ورد في أحاديث أن الله يرحم أهل الحي بصلاح رجل واحد، وأن الله يضيف الناس بصلاح الصالح. ولذلك تجد بعض الناس إذا سافر إلى أماكن يسألونه عن المدن، يقولون له: كيف وجدت الناس؟ قال: والله نعوذ بالله فجر الناس، لأنه نزل على أمثاله: وفي السماء طيور إسمها البجع إن الطيور على أمثالها تقع زار مثله وأمثاله الذين يتركون الصلاة، زار أهل الموسيقى والليالي الحمراء وأصحاب المجلات الخليعة، فجلس معهم فما رأى إلا هؤلاء، لكن أسأل بعض الأخيار الآن إذا سافر كيف وجدت الرياض وجدة ومكة والطائف، قال: ما شاء الله صحوة عارمة، وإقبال إلى الله، وتوبة نصوح، واستقامة ومجالس ذكر؛ لأنه زار من أمثاله وأقرانه فرأى خيراً، فلذلك ينبغي على الإنسان أن يتخذ عند الله وسيلة من العمل الصالح.

نداء لبني إسرائيل

نداء لبني إسرائيل {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة:46 - 47] وهذا نداء لبني إسرائيل: يا بني إسرائيل استحوا على وجوهكم، ويا من هم على أمثال بني إسرائيل فالخطاب عام قال تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:47] في الآية قضايا منها النداء، وكانوا إذا أرادوا أن يهيجوا الرجل قالوا: يابن فلان، يابن المكارم. يا أبا المجد يا بن ماء السماء يا سليل النجوم في الظلماء طاغية من الطغاة حبس سبعين قاضياً اتهمهم أنهم يريدون قتله في ناحية من النواحي، فحبسهم وحلف أن يقتلهم جميعاً يوم الجمعة، فلما بقي ليوم الجمعة أربعة أيام ذهب هؤلاء القضاة، فأرسلوا رسائل إلى عالم من العلماء ولا بأس بهذا العالم، عالم جليل، فركب بغلته ونظم قصيدته إلى هذا الملك، ودخل على هذا السلطان المتجبر فقال له: يا أبا المجد يابن ماء السماء يا سليل النجوم في الظلماء فأجرني كـ المطعم بن عدي حين قال النبي في الإسراء فقال السلطان: لقد أطلقتهم لك وعفوت عنهم. لماذا؟! لأنه يمدحه يقول له: أنت ابن فلان أنت ابن الأخيار، فلذلك ينبغي للمسلم أن تكون هذه الكلمات في الدعوة على لسانه، يا فلان، يابن الأسرة الجليلة، يابن العابد، يابن الخاشع تفعل بنفسك هذا، أمَّا أن تقول: يا فاجر يا ابن الفاجر لماذا لم تصل؟! سوف يترك الصلاة ثم يكفر والعياذ بالله، هذا ليس بأسلوب قال الله لموسى ولهارون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] قالوا: كنياه يا أبا مرة مرر الله وجهه في النار. المقصود قال: يا بني إسرائيل يعني: يا بني الرجل الصالح يعقوب عليه السلام، واسمه إسرائيل: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:47] اذكروا نعمتي ليس ذكر اللسان، بعض الناس يقول: أنعم الله علينا بنعم ظاهرة وباطنة، فلله الحمد، لكن أعماله مخالفة وهذا ليس من الشكر وشكر النعم يكون بثلاث: الأولى: باللسان: أن تعلنها في الناس قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11]. الثانية: بالجنَاَن: تعلم أنها من عند الله عز وجل. الثالثة: بالفعل: تجعلها في مرضاة الله عز وجل وتعطي منها في سبيله تبارك وتعالى.

تفسير قوله تعالى: (وأني فضلتكم على العالمين)

تفسير قوله تعالى: (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) وأني فضلتكم على العالمين قيل (في العالمين) هنا مسائل: قيل: فضلهم على عالم زمانهم وهو الصحيح. وقيل: فضلهم ببعض الأمور على العالم كله، وهذا رأي ضعيف، لكن الصحيح على عالم زمانهم، يقال للعالم عالم وقته، وزاهد عصره، والعالم أو شيخ الإسلام في عهده فهذا في عالم زمانه، أما هم فليسوا أفضل من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، لا والله لا نقولها تعصباً ولكن الله أخبر بهذا الأمر حيث قال عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] إذاً في عالم زمانهم كانوا سادة، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على لسان موسى: {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ} [المائدة:20] حيث كان لديهم أنبياء كثر.

تفسير قوله تعالى: (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم)

تفسير قوله تعالى: (اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) كان يوجد في الوقت الواحد في بني إسرائيل عدد كبير من الأنبياء والملوك، وكانت هناك أسر كاملة هي ملوك، ولكن ما رضوا، وما استحقوا خلافة الله فسلبهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة:47] النعمة في القرآن أطلقت في القرآن نِعمة ونَعمة، بفتح النون وكسرها قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً} [المزمل:11]. والسؤال هنا: ما الفرق بين النِّعمة والنَّعمة؟ A النَّعمة بفتح النون معناها: ما نتعيش به في الحياة، نعمة الدواب والحمير والسيارات وغيرها، فهذه نعمة ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ} [المزمل:11]. والنِّعمة قالوا: ما استفاد بها العبد في مرضاة الله تبارك وتعالى، فالنَّعْمة: نعمة المعايش، ومن قال: الكفار في نعمة، ولكن المسلمين في نِعْمة من الله، فهذا كلام صحيح فهم تقووا بالنعمة في مرضاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أما بعض النعيم فليس بنعيم فقد يظن بعض الناس أنها نعم. يقول أبو تمام: قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم بعض الناس يظن أنها نعمة عليه وهي لعنة والعياذ بالله، فبعضهم يستدرجه الله بزيادة المال، وبعضهم بكثرة الولد، وبعضهم بالمنصب حتى يرديه والعياذ بالله. لكن النِّعمة: هي ما أوصلتك إلى رضوان الله تبارك وتعالى: {اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة:47] لأن النعمة من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم قال: {أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة:47] ليختصهم من بين الناس، (وأني فضلتكم على العالمين) ولكن لما لم يقوموا بهذا الفضل، ولم يقوموا بالخلافة؛ مسخهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولعنهم وجعلهم شر طائفة أخرجت للناس، ولذلك لا تجد في العالم أشر من اليهود، وإذا وجدت يهودياً ووجدت بقعة فابسط على اليهودي ولا تبسط على الأرض. اليهود هم الذين يدبرون الخيانات والعمليات اللعينة والجرائم والفواحش والسيئات في كل شبر من الأرض: تلك العصا من هذه العصية لا تلد الحية إلا حية قوم غضب الله عليهم، كيف نثق بهم؟! قوم لعنهم الله، كيف نرضى عنهم؟! قوم قطع الله الحبل بينه وبينهم، كيف نصل حبالنا بهم؟! هذا أمر لا بد أن يعرف، وسوف يمر معنا أخبار كثيرة عن اليهود. قال الله تعالى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64].

الأسئلة

الأسئلة

حال حديث: (إن الله إذا غضب على عبد أعطاه مالا)

حال حديث: (إن الله إذا غضب على عبد أعطاه مالاً) Q ما مدى صحة حديث: {إن الله إذا غضب على عبد أعطاه مالاً، فإذا زاد الله عليه الغضب أمد له} أو كما قال عليه الصلاة والسلام؟ A هذا الحديث لا يصح من كلامه عليه الصلاة والسلام، فليس زيادة المال أو إعطاء المال علامة الغضب أو الرضا، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6 - 7] ففيهم من إذا أعطي مالاً طغى، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر:15 - 16] يقول: من الناس من إذا أعطاه الله رزقاً ومالاً، قال: ربي أكرمني لمنزلتي عند الله، وهذا ليس بصحيح قد يكون فاجراً، ومنهم من إذا ابتلاه الله وقلل رزقه عليه وأفقره، قال: لحطتي عند الله وعدم قيمتي عنده، وهذا ليس بصحيح قد يكون ولياً من أولياء الله عز وجل.

حكم قضاء الصلاة الفائتة

حكم قضاء الصلاة الفائتة Q من فاتته الصلاة، فنسيها ثم تذكر هل يصليها مع الصلاة التي هو فيها، أم يصليها مع الصلاة التي تماثلها، يعني نسي الظهر هل يصليها إذا تذكرها في أي وقت أم يتركها ويقضيها وقت الظهر في اليوم التالي؟ A الصحيح أن يصليها متى ذكرها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال في حديث أبي قتادة: {من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها} ولو في وقت النهي، أو وسط الليل، أي وقت يصليها متى ذكرها، ولا تنتظر إلى نفس الوقت الذي تركت فيه الصلاة.

السفر لحضور المحاضرات هل هو من شد الرحل المنهي عنه؟

السفر لحضور المحاضرات هل هو من شد الرحل المنهي عنه؟ Q إني وفقت لهذا الدرس، وأتيت من مكان بعيد، من وراء ستين كيلو متراً عن أبها، فهل هذا يدخل في شد الرحال الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم؟ A أولاً: شكر الله لك مجيئك وسوف تجده في ميزان حسناتك، لكن احتسبه عند الله، واعلم أنك حصلت على أمور وهي: أولاً: لعلك سمعت كلمة ينفعك الله بها ما دامت السماوات والأرض. ثانياً: لعل الله عز وجل نظر إليك في هذا الحشد المكرم؛ فقال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، لأن الملائكة يقولون: {يا رب كيف تغفر لفلان وليس منهم، وإنما أتى هكذا، يقول الله: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، أشهدكم أني غفرت لهم}. ثالثاً: لعلك أدركت رحمة تنزلت من السماء في هذه الجلسة، فإن من أعظم الجلسات عند الواحد الأحد جلوس الذكر، فإن هذا المجلس من أعظم ما يباهي الله به ملائكته في السماء. رابعاً: ثم لعل رحمة الله أدركتك والسكينة وقعت عليك. أما شد الرحال فلا، بل أنت مأجور ومسافر لطلب الخير، ومقصود الحديث: {لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد} المقصود من المساجد أو من الأماكن التي قد يذهب إليها للعبادة، أما زيارة الصالحين فواردة، والرحلة في طلب العلم واردة بل مندوبة، بل قد تجب إذا لم يتعلم الإنسان ما يلزمه، قال البخاري في الصحيح: باب السفر في طلب العلم، وسافر موسى عليه السلام في طلب العلم وقال: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [الكهف:62] فستين كيلو متراً أتيتها وأنت مرتاح في سيارتك ما تعادل نصب الصحابة، سافر جابر شهراً كاملاً إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد، فكيف أن تأتي من مسافة خمسمائة كيلو متر أو مثلها أو أمثالها، لا أنت أكثر أجراً ممن كان قريباً من المسجد، وكل بحسب نيته، فأثابك الله في هذا.

الكلب يلهث دائما

الكلب يلهث دائماً Q لماذا الكلب يلهث سواء حملت عليها أم لا؟ A أن الكلب يلهث سواء حمل عليه أم لا، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى خلقه هكذا، الكلب من علاماته أنك إذا أدخلته في الظل مد لسانه ولهث، فإذا أخرجته في الشمس مد لسانه ولهث، ليس هناك فائدة سواء ظللته أم لا، فالله وصف العالم الذي ما استفاد بعلمه كالكلب جاهل مخطئ، وعالم مخطئ، إذاً ما الذي يصلحه؟ مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث، وهذه من أسرار الله في خلقه في الحيوانات، فإن في الحيوانات أسراراً عجيبة لا يعلمها إلا الله. أثبت الطب أن الكلب عنده حاسة شم يدرك بها الصديق من العدو، ولذلك تجده في البيت من وراء مسافة طويلة يعرف أن سيده أو ابن سيده أو صاحب البيت أقبل فلا ينبحه، ولكن يعرف أن الرجل أجنبي فيقوم بالنباح من قبل مسافات، هذا من الأسرار، إذا أتى الطب وجاء بشيء حقيقي قلنا على العين والرأس، وإذا خالف الطب القرآن وضعنا الطب تحت أقدامنا ودسناه بأرجلنا؛ لأن القرآن قواعد ثابتة وكذلك الحديث، فما دام أن مثل هذه الإشراقات ظهرت فالحمد لله، هذه فائدة نستفيد منها مثل الذباب يقال: يغمس جناحه فإن فيه دواء وفي الآخر داء، ثبت في الطب أن عنده إفرازات، إذا أفرز الدواء على الداء ذهب الداء بإذن الله عز وجل.

حكم ترك ما يعتاد عليه الإنسان من نوافل

حكم ترك ما يعتاد عليه الإنسان من نوافل Q تعودت أن أصوم من شهر شعبان ثلاثة أيام من كل سنة؟ فهل علي إثم إذا تركت هذه السنة؟ A ليس عليك إثم، أنت متطوع أمير نفسك، لك أن تصوم ولك أن تفطر، فإذا تنشطت فأكثر من الصيام، وإذا كسلت فلا إثم عليك، فاتقوا الله ما استطعتم، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

أحب الأسماء إلى الله

أحب الأسماء إلى الله Q ما أفضل الأسماء عند الله ورسوله؟ A أحب الأسماء في الحديث الصحيح (عبد الله) و (عبد الرحمن) أما حديث: {أفضل الأسماء ما عبد وحمد} فلا يصح فهو موضوع، لكن هناك الحديث الصحيح: {أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها همام وحارث} والعرب تكثر من التسمي بـ همام وحارث، فهمام بنيته فالعبد دائماً يهم، وحارث: يزاول بيده، فالعرب كانت تختار الأسماء القوية مثل: صخر. يقول: كنا علاقم في فم الأعداء، ومر في حلوقهم، لما كانت أسماؤنا علقم ومرة، وكنا صخوراً وجنادب، لما كانت أسماؤنا صخراً وجندباً، فأصبحنا ذلالاً لما أصبحت أسماؤنا دلالاً، ولذلك العرب لا تريد أسماء إلا مثل: صخر، مرة، حرب، حمزة، طلحة، حنظلة، دائماً أسماؤهم قوية، أما دلال، ودعد، ودعد اسم امرأة لكنه قد يطلق في بعض الأحيان على رجل فهذه الأسماء ترخي العزائم.

فضل صيام أيام البيض

فضل صيام أيام البيض Q الرجاء التنبيه على صيام الثلاثة الأيام البيض؟ A يقول أبو هريرة في الصحاح أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت: {صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام، وركعتي الضحى} وثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، وهي صيام رسولنا عليه الصلاة والسلام وإبراهيم عليه السلام.

عودة من ترك الصلاة لمدة ثلاثة أشهر

عودة من ترك الصلاة لمدة ثلاثة أشهر Q رجل كان يصلي فترك الصلاة لمدة ثلاثة أشهر ثم تاب، فهل يقضي الصلوات التي فاتته خلال مدة الشهور الثلاثة؟ A الصحيح أن يتوب إلى الله ويعود إلى الإسلام، ولا يقضي ما فات، لأنه كان في تلك الفترة كافراً. فإنه لا يطالب بالصلاة في حالة كفره بل يتوب إلى الله.

من صلى وهو جنب ناسيا

من صلى وهو جنب ناسياً Q رجل صلى الفجر وكان في الليل قد احتلم، فما تذكر أنه احتلم إلا بعد صلاة الفجر بثلاث ساعات، فهل يغتسل ويعيد الصلاة؟ A نعم يغتسل ويعيد الصلاة إذا رأى البلل، أما إذا احتلم وما رأى بللاً في ثيابه ولا شيئاً فلا غسل عليه، ولا إعادة.

حال حديث: (اسأل عن دينك حتى يقال: إنك مجنون)

حال حديث: (اسأل عن دينك حتى يقال: إنك مجنون) Q ما معنى حديث: {اسأل عن دينك حتى يقال: إنك مجنون}؟ A هذا لا يصح بهذا اللفظ لكن في حديث فيه كلام {اذكر الله حتى يقال إنك مجنون} وبعض العلماء صحح هذا الحديث أو حسنه لكن {اسألوا عن دينكم حتى يقال مجنون} هذا من الأمثال في الحث على الإكثار من السؤال في الدين حتى تكون على بصيرة حتى يقولون خبل الرجل من يسألنا في كل مسألة هذا مثل ولكن لا يصح كلام المعصوم عليه الصلاة والسلام.

شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته

شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته Q هل ينفع النبي صلى الله عليه وسلم أمته؟ A الرسول صلى الله عليه وسلم له الشفاعة الكبرى، وله المقام الأعظم حين يسجد تحت العرش وكل الأمم راضخون في الموقف -نسأل الله العافية- وذلك حين تدنو الشمس منهم، ويشتد الكرب، ويضيق بهم الحال حتى يقولون: من يشفع لنا، حتى تصل النوبة إلى محمد عليه الصلاة والسلام: واستشفع الناس بأهل العزم في إراحة العباد من ذا الموقف وليس فيهم من رسول نالها حتى يقول المصطفى أنا لها فهو يشرف على أمته وله الشفاعة العظمى ولا يمنع أثناء جلوسه أن ينادي الله عز وجل، أتدري من أول من يكسى كما في الحديث الصحيح؟! هو إبراهيم عليه السلام. شرفه الله بالكسوة؛ لأن الناس كلهم عراة فأول من يكسى إبراهيم. من أول من يستفيق من الصعقة ولا يدري هل صعق أم لا؟! إنه موسى عليه السلام، يقول عليه الصلاة والسلام: {يستفيق الناس وأكون أول من يستفيق فأجد موسى باطشاً بالعرش أي ماسكاً به، فلا أدري هل كفاه الله الصعقة في الدنيا أم أفاق قبلي} ولذلك يقول: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:143] هذه ميزات لبعض الأنبياء.

حقيقة عري الناس يوم القيامة

حقيقة عري الناس يوم القيامة Q إن أول من يكسى إبراهيم عليه السلام هل كانوا عراة ثم يكسون؟ A من مفهوم هذا الحديث أنهم كانوا عراة فيكسون، فإن أول من يكسى هو إبراهيم عليه السلام وذلك عند دخول الجنة، ولو أن رسولنا صلى الله عليه وسلم أفضل بلا شك ثم إبراهيم.

ثبوت صفة الغضب لله سبحانه وتعالى

ثبوت صفة الغضب لله سبحانه وتعالى Q ما مدى صحة غضب الله سبحانه في المحشر قبل الشفاعة في الفصل؟ A ثبت في الصحيحين أن ربنا تعالى يغضب غضباً لم يغضبه من قبل، فيستدرك كل إنسان عن الغضب حتى الأنبياء يقولون: نفسي نفسي قد غضب الله غضباً لم يغضب مثله لا قبله ولا بعده، حتى يأتي رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فيخر تحت العرش ساجداً، ثم يثني على الله بمحامد ما كان يعرفها فينزلها الله عليه، فيقول: ارفع رأسك وسل تعط، فأول شفاعة هي في الفصل بين العباد، فيتنزل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويفصل بين الناس، وهذا هو اليوم الحق: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً * وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:102 - 107]. نسأل الله تعالى أن يسهل علينا وعليكم ذاك اليوم، وأن يتولانا وإياكم يوم تزل الأقدام، وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

وفي أنفسكم أفلا تبصرون

وفي أنفسكم أفلا تبصرون تطرق الشيخ في هذه المادة إلى آخر الاكتشافات التي تدل على بديع صنع الله؛ كتقسيم العقل البشري إلى أربعة أقسام، وأشار إلى تأثر بعض أهل العلم من النصارى بهذه الاكتشافات وإسلامهم، وبيّن الشيخ أن الكفار يعلمون أن القوة العظمى هي قوة الله، ولكن كفروا بها واستيقنتها أنفسهم. ثم تطرق في الخطبة الثانية إلى فوائد معرفة آيات الله سبحانه وتعالى.

عظمة الله وبديع صنعه

عظمة الله وبديع صنعه الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله وسلم عليه ما تضوع مسك وفاح، وما ترنم حمام ولاح، وما شدى بلبلٌ وصاح، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها المسلمون: إن آيات الله في كتاب الكون ظاهرة، والله يتجلى في عصر العلم، ويحدثنا عن نفسه بآياته؛ بالليل والنهار، وبالسماء والأرض، وبالماء، والضياء، وبالأشجار، والأنهار، والأزهار، فهل قرأنا كتاب الكون؟ هل تدبرنا وتفكرنا في آيات الله؟!! وكتابي الفضاء أقرأ فيه سوراً ما قرأتها في كتابي قبل زمن قصير أتى رجل من الصالحين بورقة نخلة إلى عالم من العلماء -لا زال حياً يرزق إلى اليوم- مكتوبٌ عليها -بقدرة الله-: الله، ورقة النخل بنفسها كتبت، والله أملاها، وسخرها لتكتب على ظهرها: الله، وعلى بطنها مكتوبٌ: الله، بالخط العربي الكوفي الجميل، فقُطفت من غصنها، وأُتي بها إلى هذا العالِم، وعرضها على الجماهير؛ فرأوا اسم الله على ظهرها وبطنها، وهي تقول بلسان حالها: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88]. انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضره من شادها من بذرة حتى استقامت شجره انظر إلى النحلة في بستانها منقعره من الذي علمها مصَّ رحيق الثمره انظر إلى الليل غفا من هزه وأظهره انظر للوح الكون مَنْ ذا زانه وسطّره انظر إلى الأموات مَنْ يحييهمُ من مقبره ذاك هو الله الذي أنعمه منهمره ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدره فلا إله غيره سبحانه ما أقدره نشرت جريدة الشرق الأوسط صباح هذا اليوم آخر اكتشاف علمي وصل إليه العالم، اكتشفوا قدرة الواحد الأحد، وأن لا إله إلا الله، وأن لا مدبر، ولا صانع، ولا حكيم، ولا منفذ إلا الله الواحد الأحد: فما لهم لا يؤمنون؟!

العقل البشري يتكون من أربعة أقسام

العقل البشري يتكون من أربعة أقسام كتب بحث: أن علماء أمريكان توصلوا إلى علم دقيق في آخر علومهم؛ هذا العلم يتحدث عن الدماغ الذي خلقه الله في رأس الإنسان، واكتشفوا أنه يتكون من أربعة أقسام، أو أربع غرف: أما القسم الأعلى الأيمن: فهو مكانٌ للتفكير؛ خصصه الله وأوجده ليفكر به الإنسان، فهو قسم خاص مكون من خلايا تأخذ المعلومة فتهضمها، وتتأملها، وتتفكر فيها، وتدرسها دراسة مستفيضة، وقد سموا هذا القسم بقسم الدراسة. وأما القسم الأعلى الأيسر: فهو قسم النطق والكلام؛ وهذا القسم عبارة عن غرفةٌ من الخلايا تجمع كلام الإنسان، وماذا يريد أن يتحدث به، وترتب كلامه، وحروفه، حتى ينطق بما يريد التكلم به، فإذا أراد أن يقول: محمداً فلا يقول: علياً، وإذا أراد أن يقول: (ب) فلا يقول: (ر) وهذا دليلٌ على ألوهية وقدرة الواحد الأحد. أما القسم الأسفل الأيمن: فهو قسم خاصٌ بعواطف الإنسان، وأمزجته؛ من حبٍ، وبغضٍ، وسخطٍ، وانشراحٍ، وميلٍ، فإذا أحب الإنسان شيئاً انطلق هذا الجهاز يسلط حبه على هذا الشيء، وإذا أبغض شيئاً انطلق هذا الجهاز يرسم له بغض هذا الشيء. وأما القسم الأسفل الأيسر: فهو قسم التحكم، قالوا: وهو جهازٌ إداريٌ عصبي، يتحكم في المعلومات، والحروف، والنطق. وقالوا: فإذا اختلَّ جهاز التفكير؛ اضطرب الإنسان فأصبح مجنوناً، أو معتوهاً. وإذا اختلَّ جهاز النطق القسم الأعلى الأيسر؛ أصبح الإنسان ثرثاراً لا يتحكم في كلامه. وإذا اختلَّ جهاز العواطف الجانب الأيمن الأسفل؛ فمعنى ذلك: أن يصبح الإنسان إما قاسياً بارداً، وإما ملتهباً حاراً، والمتوسط من توسط مزاجه. وإذا اختلَّ جهاز التحكم الأيسر الأسفل؛ فمعنى ذلك: أن الإنسان ينهار فلا يتحكم في طاقته، ويصاب بشلل. حينها عرضوها للعالم؛ ليشهدوا على أنفسهم بالكفر، ويشهدوا بأن لا إله إلا الله، فأسلم بعضهم بمثل هذه النظريات وكفر بعضهم. ونحن نقول لأنفسنا: أما نزل علينا قرآنٌ يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191].

آيات الله تدل عليه

آيات الله تدل عليه من هو الذي يتفكر ويتدبر؟!! ومن الذي يقرأ كتاب الكون؟!! أهو المغني والمطرب، أو المزمر والضائع، أو صاحب المخدرات، أو عبد الأغنيات؟ لا. بل هو الذي يذكر الله قائماً وقاعداً وعلى جنبه؛ هو الذي يقرأ كتاب الكون، ويتأمل في أسرار الحياة: وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد وأنا أنقل كلام الغرب: والحق ما شهدت به الأعداء والحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنَّى وجدها. وأنقل من كلامهم مسألتين: المسألة الأولى: كلام ربنا، وكلام رسولنا معروف لديكم. المسألة الثانية: لنقول: اسمع إلى المجرم والخواجة، فإن الله يشهد على هذا الصنف أنه يؤمن بباطنه ويكفر بظاهره؛ فإن فرعون يعلم أنْ لا صانع، ولا مدبر، ولا رازق إلا الله، ولكن كفر بلسانه، قال موسى له: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102]. يقول الأمريكي، الكاتب اللماع، الذي أسلم، صاحب كتاب الإنسان لا يقوم وحده: تأملت النحلة كيف تذهب آلاف الأميال عن خليتها ثم تعود من وراء البحار والقفار فلا تغلط وتدخل في خلية غير خليتها؛ من الذي دلها وعلمها؟!! وكان يعتقد أن لديها هوائياً أو جهازاً إخبارياً يطلق ذبذبات، فقال له علماء الإسلام: لا. ما عندها جهاز إخباري ولا هوائي ولكن الله يقول: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68] وأوحى أي: ألهم. فنطق هذا الأمريكي وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:68 - 69] فما لهم لا يؤمنون!! ما لهم لا يسلمون!! أفلا يصلون!!، ويتجهون إلى الله!! وهذه هي قاصمة الظهر، وإذا أصبح من المسلمين من اشتغل بالكمنجة، والكوبة، والعود، والبلوت، والسيجارة، والأغنية، والخمر، والمرأة، وأعرض عن الله؛ فهذه هي قاصمةٌ أخرى، وهذه مصيبةٌ دهياء، وصالعةٌ صلعاء. فيا مسلمون! الكفار والمخترعون اليوم أقبلوا يؤمنون ويدخلون في هذا الدين، وفي المقابل أخذ بعض شبابنا ينسحب من هذا الدين، فسبحان الله! ثمانية عشر رجلاً من الأمريكان ألفوا كتاب الله يتجلى في عصر العلم وكلٌ أتى بحقيقة تثبت وجود الله وعظمته وكبرياءه.

قوة الله هي العظمى

قوة الله هي العظمى سفينة تضررت بعدما أبحرت في المحيط الأطلنطي، فأصبح أهلها في ظلام الليل واليم، وفي شباك الموت، وفجأة انقطع الجهاز المرسل -الهوائي- عن السفينة المبحرة الأخرى التي أتت لإسعافهم؛ فانقطعوا من البر، والبحر، والجو، والجبال، والوهاج، وانقطعوا من كل شيء، ولم يبق إلا إرسال الله. يقول راوي القصة وهو أمريكي، كان معهم وهو مكتشف ومخترع وذكيٌ من أذكياء العالم قال: فلما أبحرنا أظلمت بنا الدنيا، فحاولنا الاتصال فأخفقنا وفشلنا، فانقطع اتصال الهوائي، وفي الأخير اتصلت قلوبنا بالله؛ يقول الله عن كفار قريش، وعن كل مشرك: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65] إذا هاجت الريح، وتلاعبت بالسفينة الأمواج، وانقطعت اتصالاتهم بالناس اتصلوا بالله، وهذا كفعل يونس بن متى عليه السلام؛ عندما انقطع البشر عنه، وانقطع اتصاله بالناس، وأصبح في ظلماتٍ ثلاث: ظلمة اليم، وظلمة الحوت، وظلمة الليل، فقال في الظلمات: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] فأنجاه الله. قال الأمريكي: فأخذنا ننادي -يعني: بلغتهم- الله الله! يعني: انتهت كل الاتصالات فلم يبق أمامهم إلا الله، وانتهت قوى الأرض العظمى ولم يبق إلا الله؛ فنجاهم الله إلى البر، وفي الأخير أعلنوا إسلامهم، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وآخر النظريات التي اكتشفها سوخاروف، وهو عالم روسي في موسكو: اكتشف أن للنبات ذبذبات يطلقها على النبات الآخر وللحشرات، وهذا دليل على قوة عظمى ليست بقوة بشر، قلنا له: يا ملحد! إنها قوة رب البشر، لا إله إلا الله: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] سبحان الله! كيف أعطى دواب وحيوانات القطبين جلوداً من فراء، وأعطى حيوانات الصحراء أربع أرجل، وأعطى الطير في السماء أجنحة، وأعطى السمك في الماء مجاديف، فما أحكمه! وما أعظمه! وما أقدره! وهذا الشعور ينبغي أن يتحول إلى إيمان لا إلى مجرد علم فحسب، فلا يكفي إن لم يتحول إلى عمل، وقد قال الله عن أهل الكفر: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

معرفة آيات الله

معرفة آيات الله الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أيها المسلمون! أرسل الله محمداً عليه الصلاة والسلام، فقال له: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] وفي أول تكليم مع موسى من الله قال له: يا موسى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [طه:14]. وهذه النصوص والأحداث التي تحدثنا عنها، إذا لم يستفد الإنسان منها أموراً فلا فائدة له منها، وتخزين العلم في الذهن دون خشية الله والإيمان به، والعمل على مرضاته، إنما يكتب عليك حجة تلقى بها الله، وتَقذِفُ العبيدَ في النار. والذي نستفيده من هذه الأصول، والأسس، والآيات البينات في الكون، والاكتشافات العلمية ثلاث فوائد: أولاً: مطالعة أسماء الله وصفاته في الكون؛ فهو حكيم، ومدبر، وخالق، ورازق: أحسن كل شيء خلقه، فلا تجد في خلقه تفاوتاً، صنع الله الذي أتقن كل شيء، أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. فكل شيء يدلك على الله، انظر إلى جسمك، وحركاتك، وكلماتك، وانظر إلى اندفاعاتك، ومشاعرك، وخواطرك، أنت عالم من العوالم، أنت كونٌ وفيك اختفى الكون الأكبر، فلماذا لا تتفكر في نفسك ومن خلقك؟!! لتكون عبداً لله: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]. فأول ما نستفيده: مطالعة أسماء الله وصفاته في الكون؛ فإذا رأيت الزهرة الحمراء فقل لي: من صبغها ولونها؟! من جملها وبهاها؟! من كساها وحلاها؟! إنه الله لا إله إلا هو، ومن جعلها بألوان مختلفة وهي متقاربة؟! إنه الله: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} [الرعد:4] وهذا يُخرِجُ ثمرةً غير هذا، والماء واحد، ولهذه عمرٌ، ولهذه حياة، ولهذا لون، فلا إله إلا الله ما أعظم الله!. ثانياً: أن يتحول هذا الشعور، وهذا الإدراك، والفهم إلى إيمان. ماذا ينفعك أن تعرف أن الذي خلق الزهرة هو الله وأنت لا تصلي، ولا تزكي، ولا تسبح، ولا تذكر الله؟ إن المجرم الخواجة المخترع يعرف أن هذا صنع الله لكنه لم يؤمن بالله، ولا ينفع التفكر إن لم يتحول إلى إيمان، إقامة لصلاة الفجر في جماعة، وإلى استقامة في البيت. كلما حاولت أن تخلو بمعصية نظرت إلى السماء، والأرض، والجبال؛ فراقبت الذي خلقها، وأبدعها، وصورها: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعيةٌ إلى الطغيانِ فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني مراقبة وإيمان، وخشية وخشوع، وهذا الأصل من دراسة هذه الكائنات. ثالثاً: أن تذكر الله في آياته. حين تركب سيارتك وتنظر إلى كتاب الكون الذي عرضه الله لك، وأشهدك على آياته، فتنظر إلى الشجرة فتقول: سبحان الله! وإلى الجبل فتقول: سبحان الله! وتنظر إلى الماء، والضياء، والسماء، والأرض، والجبال، فتقول: سبحان الله! نزل القرآن على محمد عليه الصلاة والسلام، فكان أول خطاب له: (اقرأ) وهو أمي، عاش عمره في البادية، لم يقرأ ولم يكتب ولم ينظم حرفاً، ولم يسطر مقالة، ولم يخطب خطبة، ولم يدرس كتاباً، ولم يطالع صحيفة، ولم يعرف خطاً ولا حرفاً واحداً: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] لكنه عليه الصلاة والسلام كان يخرج إلى غار حراء فيخرج رأسه من الغار ليقرأ في صحيفة الكون؛ في النجوم الساطعة، والشمس الطالعة، وفي الماء النمير، والجدول والغدير، وفي الأنهار، والأشجار، فيقول الله له: (اقرأ) قال أهل العلم: اقرأ في الكون، وقرأ عليه الصلاة والسلام، وعرف بإذن الله الذي علمه، وأنتج أمةً تعبد الله ولا تشرك به شيئاً. فذكر الله في آياته ألا يكون أحدنا إمّعة، ولا يكن أحدنا بليداً يعيش بشخصية الغافل المعرض، الذي يخرج إلى الحدائق فينظر إلى تهييء البشر وتجهيزهم وينسى صنع رب البشر، وينظر إلى الكون ولكن لا يتدبر ولا يعقل، ويصف الحدائق وصفاً ساذجاً بليداً غبياً. يا مسلم! الكون أمامك يدلك على الله، فقل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، تزود بالإيمان، واستقرئ معالم الكون، وحاول أن تذكر الله صباح مساء، وعش مع آيات الواحد الأحد: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على نبيك وخليلك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين. وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه. اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، واهدنا سبل السلام، ووفقنا لكل خير. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. اللهم أصلح شباب المسلمين، ووفقهم، وارض عنهم. اللهم كفر عنهم سيئاتهم، وأصلح بالهم، واهدهم سبل السلام يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ذكر الموت والتوسل بالقبور

ذكر الموت والتوسل بالقبور قال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) فيجب على المسلمين أن يعملوا بوصية نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ويكثروا من ذكر الموت وما بعده، فإن ما بعد الموت أشياء عظيمة، وأموراً جسيمة، والقبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران، فيجب على المسلم أن يتزود بالطاعات والأعمال الصالحة لكي تكون له نوراً في قبره، وأن يكثر من ذكر لا إله إلا الله قبل أن يحال بينه وبينها، وأكثر شيء يحتاجه الميت في قبره هو الدعاء. والمقصود من زيارة القبور تذكر الآخرة من أجل الاستعداد لها بالأعمال الصالحة وليس ما يفعله بعض الجهلة الذين يذهبون إلى القبور للتبرك بها والذبح لها، والدعاء عندها.

ذكر الموت

ذكر الموت الحمد لله القائل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:99 - 104]. والصلاة والسلام على رسول الله القائل: {القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار} وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، شهادة أدخرها وإياكم إلى يوم العرض على الله، ندخرها إلى يوم الفتنة في القبور، يوم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد:

كفى بالموت واعظا

كفى بالموت واعظاً أيها الناس! ألا ترون أنكم تشيّعون كل يوم غادياً ورائحاً إلى الله، قد ترك الأحباب، وفارق الأصحاب، ووسد التراب. غنياً عما ترك، فقيراً إلى ما قدم انتهى أمله وأجله وعمله، وتبعه أهله وماله وعمله، فعاد أهله وماله وبقي معه عمله. وسد التراب، وفارق الأحبة والجيران، وهجره الأصحاب والإخوان ما كأنه فرح مع من فرح، ولا كأنه ضحك مع من ضحك، ولا كأنه ارتاح مع من ارتاح فلما وسد تلك الحفرة أتى يبحث عن عمله، قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94].

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للأموات

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للأموات كان عليه الصلاة والسلام أرحم ما يكون بالميت من المسلمين إذا مات، وأشفق ما يكون بالميت من المؤمنين إذا مات؛ لأن الميت أحوج الناس إلى الدعاء والترحم. يقول عوف بن مالك رضي الله عنه: {صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة رجل من الأنصار، فلما صففنا خلفه تخطيت الصفوف حتى وقفت بجانبه وهو يصلي على الجنازة، فسمعته صلى الله عليه وسلم يبكي وهو يقول: اللهم اغفرله، اللهم اعف عنه، اللهم ارحمه، اللهم أكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس قال عوف: فوالله لوددت أني أنا الميت من حسن دعائه صلى الله عليه وسلم}. بل كان عليه الصلاة والسلام يذهب في الليل البهيم والظلام الدامس فيقف على مقبرة بقيع الغرقد في المدينة، فيبكي بكاءً طويلاً، ويدعو دعاءً طويلاً؛ لأنهم أحوج ما يكونون إلى الدعاء، وأحوج ما يكونون إلى الترحم؛ ولأنهم كما قال تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ:54]. كان ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه إذا قرأ قوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54] يبكي رضي الله عنه وأرضاه حتى يكاد يغمى عليه، ثم يقول: [[اللهم لا تحل بيني وبين ما أشتهي. قيل له: ماذا تشتهي؟ قال: أشتهي أن أقول لا إله إلا الله، فيحال بيني وبين لا إله إلا الله]] وأهل القبور حيل بينهم -والله- وبين لا إله إلا الله، فلا يستطيعون أن يقولوها. فهل سمعتم بميت يصلي في قبره؟ وهل سمعتم بميت يصوم في قبره؟ وهل سمعتم بميت يذكر الله في قبره؟ {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ:54] كما فعل بأشياعهم من المجرمين، وأضرابهم من المنافقين، وأشباههم من الفاسقين: {إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54].

قصة مطرف ودعاؤه للأموات

قصة مطرف ودعاؤه للأموات يقول مطرف بن عبد الله بن الشخير: كنت آتي كل ليلة جمعة إلى البصرة لأصلي الجمعة فيها، وكنت في طريقي أمر على أهل القبور، فأدعو الله لهم وأترحم عليهم، إلا ليلة من الليالي مررت فلم أقف؛ لأن الجو كان بارداً، فدخلت بيتي ونمت، فرأيت فيما يرى النائم كأن رجلاً من أهل القبور يقول: يا مطرف! حرمتنا دعاءك الليلة، والله! إن الله لينور علينا قبورنا بدعائك ودعاء إخوانك من المؤمنين أسبوعاً كاملاً. قال: فتوضأت وذهبت ودعوت الله لهم، فلما عدت كنت أقول في طريقي: لا إله إلا الله أقف بها في حشري لا إله إلا الله أقضي بها عمري لا إله إلا الله يغفر بها ربي ذنبي لا إله إلا الله أدخل بها قبري. فسمعت كأن قائلاً يقول: تزود يا مطرف! من لا إله إلا الله، فوالله لقد حيل بيننا وبينها. فدعاؤنا للأموات نور ورحمة تنزل عليهم. يقول عليه الصلاة والسلام: {إن الله يرحم أهل القبور بدعائي لهم، وينور عليهم قبورهم بصلاتي عليهم} أي: بدعائي لهم.

صفة القبر

صفة القبر فيا عباد الله! تأملوا وتفكروا في تلك الحفر الضيقة الموحشة في بيوت اللحود، وفي بيوت الهوام والدود، يقول مجاهد رحمه الله: [[يقول القبر: أنا بيت الوحشة أنا بيت الظلمة أنا بيت الدود أنا بيت مفارقة الأحباب ومضايقة اللحود أنا بيت من يوطَّى فيه على الخدود أنا بيت فراق الأهل والأموال أنا بيت فراق الدور والقصور أنا بيت فراق اللذات والأولاد والبنات والشهوات]]. فيا عباد الله! رحم الله امرءاً قدم من الصالحات لتلك الحفرة. ورحم الله امرءاً أعد الحسنات لذاك القبر. ورحم الله امرءاً حاسب نفسه قبل أن يوضع في مكان ضيق لا أنيس فيه إلا العمل الصالح، ولا حفيظ فيه إلا الله، ولا مجازي ولا محاسب إلا الحي القيوم. يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لجلسائه: [[أرقت البارحة -أي سهرت فلم أنم حتى الفجر- قالوا: ما أسهرك يا أمير المؤمنين؟ قال: لما أويت إلى فراشي ووضعت لحافي علي تذكرت القبر، وتذكرت الميت بعد ثلاث ليال، حينما يتركه أهله وأحبابه وجيرانه وإخوانه، فيتغير ريحه، وتتمزق أكفانه، ويسري الدود على خدوده، فليتك ترى يا فلان تلك الرائحة المنتنة بعد الطيب في الدنيا، وتلك الأكفان الممزقة بعد الثياب الجميلة في الدنيا]]. نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر هل رأيت قبر غني من فقير؟ هل رأيت -أي: هل ميزت- بين قبر أمير من حقير؟ تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر فيا سائلي عن أناس مضوا أما لك فيما مضى معتبر

قصص الصالحين وحالهم عند ذكر الموت

قصص الصالحين وحالهم عند ذكر الموت يقول علي رضي الله عنه وأرضاه: {خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فجلس صلى الله عليه وسلم على شفير القبر وجلسنا حوله، فنكس رأسه وأخذ ينكت الأرض بمخصرة في يده، ثم رفع رأسه ودموعه تسيل من لحيته صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناس! والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً}. والله لو نعلم كما يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لضحكنا قليلاً ولبكينا كثيراً، لكننا أكثرنا من الضحك وأقللنا من البكاء، قست قلوبنا بالمعاصي والشهوات، وقست قلوبنا بالترهات، وقست قلوبنا بالبعد عن فاطر الأرض والسماوات، لما انغمرنا في الشهوات، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ينادينا فيقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]. والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ ويل لعبد لم يتهيأ لتلك الحفرة ويل لعبد لم يتهيأ لذاك القبر ويل لعبد لم يتهيأ بالعمل الصالح ويل لمن صد عن سبيل الله ويل لمن قاطع بيوت الله ويل لمن هجر كتاب الله. مر عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه فرأى المقبرة فبكى، ثم توضأ وصلى ركعتين، فقال له أصحابه: لِمَ صليت الآن ركعتين؟ قال: تذكرت قول الله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54]. عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، الذي قال لابنه لما حضرته الوفاة: يا بني! ألبسني أكفاني وشد علي أكفاني؛ فإني مخاطب في قبري، وإني أخاف إذا قمت للفتان في قبري أن تسقط من على أكتافي أكفاني. فلما أتته سكرات الموت بكى وحول وجهه إلى الحائط. وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الذين فتح الله على أيديهم الفتوح، فقد فتح الله على يديه مصر، ودوَّنَ دواوينها وجند أجنادها. فلما أتاه اليقين، وأتته سكرات الموت بكى بكاءً طويلاً، فقال له ابنه يحسن ظنه بالله ويحسن رجاءه في الحي القيوم: يا أبتاه! أنت من أصحاب رسول الله فلا تخف، أما فتحت مصر؟ أما جاهدت في سبيل الله؟ أما تقربت إلى الله؟ فالتفت إليه أبوه وقال: يا بني! لقد عشت حياتي على أدوار ثلاثة: كنت في الجاهلية قبل الإسلام، وكان أبغض الناس إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لو تمكنت منه لقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من جثي جهنم، ثم أسلمت وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فلما رآني رحب بي وهش وبش في وجهي وقال: {حيهلاً بك يا عمرو! فبسطت يدي لأبايعه فبسط يده، فلما بسط يده قبضت يدي، فقال: مالك يا عمرو؟ قلت: أشترط، قال: تشترط ماذا؟ قلت: أشترط أن يغفر الله لي ذنبي. قال صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم في وجهي: أما علمت يا عمرو! أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن التوبة تجب ما قبلها} فوضعت كفي في كفه ويميني في يمينه، وبايعته على لا إله إلا الله وأنه رسول الله، فكنت معه، إذا حل حللت معه، وإذا سافر سافرت معه، وإذا أقام أقمت معه والله! ما كنت أستطيع أن أملأ عيني من وجهه حياء منه والله لو سألتموني أن أصفه لما استطعت أن أصفه والله ما كنت أنظر إليه إجلالاً له، فلو مت على تلك الحالة لرجوت أن أكون من أهل الجنة. ثم تخلفت بعده فلعبت بي الدنيا ظهراً لبطن، فوالله! ما أدري هل يؤمر بي إلى الجنة أم إلى النار، لكن عندي كلمة أحاج لنفسي بها عند الله، هي لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قبض يمناه على هذه الكلمة العظيمة. قال ابنه عبد الله: فلما أتينا لنغسله فتحنا كفه فانقبضت على لا إله إلا الله، وجئنا ندخله في كفنه ففتحنا يده فانقبضت على لا إله إلا الله، فدخل في القبر بلا إله إلا الله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعق نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا أين الأكاسرة الجبابرة الألى كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى ثوى فَحَواه لحد ضيق خرص إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق يقول ابن عوف رضي الله عنه: [[خرجت مع عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، فلما وقفنا على مقبرة بقيع الغرقد اختلس يده من يديه -وكنت قابضاً على يده- ثم وضع نفسه على قبر وبكى بكاءً طويلاً، فقلت: ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال: يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني كنت شجرة فأعضد! أنسيت يا بن عوف هذه الحفرة؟! قال: فأبكاني والله]]. فالله المستعان على ذاك المقام، وعليه التكلان أن يثبتنا وإياكم يوم يثبت أهل طاعته فلا يخذلون، ويوم يثبت أهل البر من عباده فلا ينسون، ويوم أن يلهمهم رشدهم عند سؤال الفتان في القبور؛ فينطقون بلا إله إلا الله قوية من قلوبهم، نسأله التثبيت لنا ولكم ولكل مسلم، فمنه التثبيت ومنه العون ومنه السداد. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

زيارة القبور

زيارة القبور الحمد لله، والصلاة على رسول الله، وسلام على صفوة خلق الله، محجة عباد الله، وقدوة الناسكين من أولياء الله، والحجة على أعداء الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها الناس! فواجبنا نحو أمواتنا من المسلمين الزيارة والترحم والدعاء لهم، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ينور عليهم قبورهم بدعائنا لهم فما أحوجهم إلى دعائنا! ولكن نحن لا نحتاج إلى أحد منهم، فإنهم كما قال تعالى: {لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]. والزيارة الشرعية أن يزور المسلم -الرجل لا المرأة- القبور ليتذكر الوقوف بين يدي الله، والعرض عليه، ويزهد فيما سوى الله، ويقلل متاعه من هذه الدنيا التي تشغله عن الله، ولذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {زوروا القبور فإنها تذكر بالآخرة}.

حكم التوسل بالقبور

حكم التوسل بالقبور إن المقصود من زيارة القبور هو التذكير بالآخرة، لا التوسل بأصحابها كما يفعله الوثنيون المبتدعون المشركون في بعض البلاد الإسلامية؛ فإنهم يذهبون إلى تلك القبور، وقد يكون أهلها من الصالحين، فيتوسلون بهم إلى الله، ويتبركون بتلك القبور وهؤلاء الذين يزورون القبور ويفعلون هذا الفعل قد حبط عملهم في الدنيا والآخرة إن لم يتوبوا إلى الله ويراجعوا حسابهم مع الله. وإذا سألتهم: لِمَ تفعلون هذه الأفاعيل الشركية الوثنية والأمور الجاهلية؟ قالوا: نحن لا نعبدهم، وإنما نتبرك بهم ونتوسل بهم إلى الله. وهذا منطق أهل الجهل والشرك والوثنية، فإنهم كانوا يقولون كما قص الله عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]. ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد} ومعنى (وثناً يعبد) أي: يتوسل إليه، ويتبرك به، ويعتقد أنه ينفع ويضر بعد موته. هذا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بغيره الذي ما بلغ مرتبته من الناس؟ كيف يتوسل به إلى الله ويتبرك به وبالدعاء عنده؟! إن هذا هو الشرك بعينه، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66] فالذين يتوسلون بالقبور في أي بلد وفي أي مكان وفي أي زمان، ويتبركون بالدعاء عندهم، ويعتقدون نفع الأموات أو ضرهم: {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:139]. يقول صلى الله عليه وسلم وهو في سكرات الموت، وهو يصارع الموت في آخر لحظة من لحظات الدنيا: {لا إله إلا الله إن للموت لسكرات} ثم يقول: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا فبور أنبيائهم مساجد} يحذر منهم صلى الله عليه وسلم ومن فعلهم. ووقع ما فعله أولئك من اليهود والنصارى في أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ ففي كثير من البلاد الإسلامية يشركون بالله بتقربهم إلى القبور، وبعكوفهم عليها، وبتوسلهم بأصحابها؛ فوقعوا في الغلو الذي وقع فيه من كان قبلهم، يقول الله تبارك وتعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:30] فقاتل الله كل من اتخذ من دونه إلهاً يعبد، أو توسل إلى الله بغير ما شرع في جلب منفعة أو دفع مضرة. يقول ابن تيمية رحمه الله: الرسل عليهم الصلاة والسلام وسائط هدى وتبليغ للرسالات من الله إلينا، ولا نتوسط بهم في العبادات بيننا وبين الله. فمن توسل بأحد أو تشفع به وهو ميت في قبره، أو تبرك بالدعاء عند قبره فقد خسر عمله.

آداب الزيارة الشرعية

آداب الزيارة الشرعية فالزيارة الشرعية أن نزور القبور لتذكرنا الآخرة، وأن ندعو لأهل القبور بالرحمة كما دعا لهم صلى الله عليه وسلم. ومن أدب الزيارة: عدم الجلوس على القبر، فإنه صلى الله عليه وسلم منع من الجلوس عليها، كما صح في صحيح مسلم من حديث بثينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها} ويقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {لأن أجلس على جمرة فتحرق ثيابي حتى تنفذ إلى جسمي خير لي من أن أجلس على قبر}. ومن آداب الزيارة: ألا يصلى على القبور إذا زارها الزائر، وصحيح أنه يصلى على الميت إلى شهر كما في صحيح البخاري، لكن هذا في صلاة الجنازة، أما أن تصلى الفريضة على القبر؛ فهذه من الأمور المبتدعة، والصلاة منهي عنها هناك. ومن الأمور التي تجب علينا لأصحاب القبور: إكرام قبورهم من المرور عليها، فلا يمر على القبر ولا يمتهن، ولا يبنى عليه، فقد جاء في صحيح مسلم: عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: {أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا أدع قبراً مشرفاً إلا سويته} سويته: أي سويته بالأرض، فلا يبنى عليها، ولا يعكف عندها، ولا يتبرك بها، ولا يجلس عليها، ولا يمر عليها، وإنما هي تذكرنا بلقاء الله، وبالقدوم عليه، فما أوعظ القبور وما أوعظ أحاديثها! وما أرقها للأفئدة التي قست من المعاصي كأفئدتنا! [[كان عثمان رضي الله عنه وأرضاه إذا رأى القبور بكى حتى يغشى عليه، فقال الصحابة: يا أمير المؤمنين! تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتذكر القبر فتبكي؟! فقال: القبر أول منازل الآخرة، من نجا فيه نجا مما بعده، ومن هلك فيه هلك فيما بعده]]. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين على ما تحبه وترضاه. اللهم وحد بين صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق وارفع رايتهم يارب العالمين. اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور واهدهم سبل السلام، وأرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، إنك على كل شيء قدير. اللهم اغفر لجميع أموات المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، وأبدلهم دوراً خيراً من دورهم، وأهلاً خيراً من أهاليهم، وأزواجاً خيراً من أزواجهم، ولقهم الجنة وقهم عذاب النار. اللهم ارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه. اللهم وفق أئمتنا وولاة أمورنا لما تحبه وما ترضاه يا رب العالمين، اللهم اهدهم رشدهم، وألهمهم توفيقهم، إنك على كل شيء قدير، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم انصر عبادك المجاهدين الموحدين الذين يجاهدون لإعلاء كلمتك في أفغانستان وفلسطين وفي كل صقع من بلاد المسلمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

مولد الهادي البشير

مولد الهادي البشير تحدث الشيخ حفظه الله تعالى عن مولد النبي صلى الله عليه وسلم ونشأته وما أظهر الله عز وجل على يديه من المعجزات الباهرة، ثم عرج على بعثته وقيامه بواجب الدعوة والبيان حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وانتشر دينه في الأرض، ودانت له البشرية، مشيراً إلى الحكمة العظيمة من كونه صلى الله عليه وسلم بشراً، يتيماً، أمياً، ثم نبه على أهمية محبته واتباعه.

إطلالة على السيرة النبوية

إطلالة على السيرة النبوية الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أحيا به الله القلوب، وأنار به العقول، وأسمع به الآذان، وبصر به العيون، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52].

تعلق الأمم برموزها

تعلق الأمم برموزها الأمم اليوم تتعلق برموزها، فتنصب لهم صوراً تذكارية، وتطوف بهم وتقدسهم، وتردد الثناء عليهم صباح مساء، ونحن لا رموز لنا، لا قداسة أرضية، ولا طقوس، وليس عندنا إلا رجل واحد جعله الله إماماً لنا، ولكنه معصوم، وقدوة لنا لكنه صادق، ومعلماً لنا لكنه فاتح، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. أمي لا يقرأ ولا يكتب، ما حمل قلماً ولا كتاباً ولا دفتراً، لكن أفاض الله الوحي على قلبه، فحفظ القرآن كله، والسنة كلها. وعند الناس رموز؛ لكنهم سفكة للدماء، وطغاة في الأموال، ومعتدون على الأعراض، وعندنا رجل لكنه يحمل العفاف والطهر والنزاهة والعدل والحق. تجلى مولد الهادي وعمت بشائره البوادي والقضايا وأهدت للبرية بنت وهب يداً بيضاء طوقت الرقابا لقد ولدته وهاجاً منيراً كما تلد السماوات الشهابا

مولده صلى الله عليه وسلم ونشأته

مولده صلى الله عليه وسلم ونشأته تقول آمنة: حملته فما أحسست بالحمل، ولما ولدته ولدته ساجداً على الأرض، ومن أول لحظة وهو يسجد لله الواحد الأحد، وقبل أن تلده بليلة رأت كأن نوراً خرج منها فأضاءت له قصور الشام، وقبل أن تلده مات أبوه فنشأ يتيماً، واستمرت معه فترةً ثم ماتت، فبقي اليتيم عليه الصلاة والسلام في اليتم والفقر والظمأ والجوع؛ ليتعلق بالله، وذهبت به حليمة السعدية إلى بادية بني سعد، قالت حليمة: كنا في فقر مدقع، وفي سنة مجدبة والله ما أمطرت علينا ذاك العام قطرة، ولا نبتت في مراوحنا نبتة، فما وصل عليه الصلاة والسلام وهو طفل إلى ديار بني سعد، إلا وغمامة ملأت السماء فأمطرت حتى سالت الأودية، وامتلأت الأودية عشباً أخضر، وحلبوا حتى ملئوا الآنية، وكانوا في رغد من العيش. وإن الكريم إذا أقام ببلدة سال النضار بها وقام الماء تقول حليمة وقد أسلمت رضي الله عنها: كان إذا أظلم الليل، خرج صلى الله عليه وسلم من الخيمة وهو طفل عمره سنتان، ينظر ويتفكر في النجوم، لا إله إلا الله! طفل عمره سنتان يتفكر في النجوم والسماء في الليل، سبحان من علمه! وسبحان من أحكم إرادته! وسبحان من أنبته نباتاً حسناً! ترده إلى الخيمة، فيخرج وسط الليل لينظر في السماء، من خلق السماء؟ ومن خلق النجوم؟ ومن أبدع الكون؟

حادثة شق الصدر

حادثة شق الصدر تقول حليمة: وخرج مرة من المرات مع أخيه من الرضاعة يرعى البهم. وراعي البهم هذا سوف يرعى الأمم، في ثلاثة أرباع الدنيا، هذا الراعي دخل قواده فصلوا وسبحوا في قرطبة والبرتغال والسند والهند، هذا الراعي أخرج الأمة الضعيفة المسلوبة المظلومة من الجزيرة، فصلت في ضفاف دجلة والفرات، وأذنت في صنعاء وكابل. قالت: فلما خرج يرعى البهم أتاه رجلان، فبطحاه أرضاً وشقا صدره، وأخذا علقة من قلبه! من هم الرجلان؟ أرسل الله ملكين اثنين، فأخذا طستاً من ذهب مملوءاً حكمة وعلماً، فأتوا إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام، فأضجعوه على ظهره وشقوا صدره الكريم. ولذلك يقول بعض المفسرين في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] أي: يوم شققنا صدرك، ثم وسعناه فكان واسعاً حكيماً حليماً رحيماً، فلما شقا صدره، أخذا العلقة السوداء- وما منا إلا وفيه علقة سوداء، يجتمع فيها الحسد والحقد والخيانة والغل فقطعوها، وأخرجوها، ثم غسلوا قلبه بماء زمزم، ثم ملئوا -بإذن الله- قلبه حكمةً وإيماناً، ثم ردوا صدره وخاطوه؛ حتى يقول أنس كنت أرى أثر الشق والرسول عليه الصلاة والسلام في الستين من عمره. ثم أقاموه، وأتى وهو خائف إلى أمه من الرضاعة حليمة، وأخبرها الخبر، فردته إلى مكة. وعاد -وهو صبي- يتدرج في الكرامة والعزة والرفعة، ما سجد لصنم، ولا شرب خمراً، ولا خان، ولا سرق، ولا كذب، ولا غش، وفي صحيح مسلم: {كان يمرُّ في وديان مكة، فيراه الحجر فيقول الحجر: السلام عليك يا رسول الله! ويراه الشجر فيقول الشجر: السلام عليك يا رسول الله} قبل النبوة، يسلم عليه الشجر والحجر، فيفزع ويخاف وينظر فلا يرى شيئاً. وينشأ صلى الله عليه وسلم يتيماً، صبوراً فقيراً محتسباً، لم يقرأ ولم يكتب، ويبلغ الخامسة والعشرين من عمره، فيكون مضرب المثل في مكة حياءً وأمانة ووقاراً وعفافاً، ولكن بعد أن نبئ خونوه، وقالوا: ساحر، وقالوا: شاعر، وقالوا: كاهن، ورموه في عرضه، والله يقول: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] ما باله بالأمس أمين صادق وفي مخلص، واليوم أصبح مجنوناً كذاباً خائناً ساحراً؟ بالأمس كان مضرب المثل فيكم واليوم أصبح عدواً لكم؟! سافر في الخامسة والعشرين من عمره، فنزل في بصرى في الشام فجاءت غمامة تظلله من الشمس وهو مع النوق والإبل، وهناك شجرة، بجانب صومعة بحيرى، يقول عنها أهل العلم من أهل الكتاب: لا يجلس تحتها إلا نبي، فترك الشجر كله وجلس تحتها، حكمة بالغة، وقدرة نافذة.

اختصام قريش في الحجر الأسود

اختصام قريش في الحجر الأسود اختصمت قريش في وضع الحجر، وكانت قد هدمت الكعبة قبل الرسالة، واختصمت في من يضع الحجر؟ ومن يحمل الحجر؟ وكانوا أربع قبائل، كل قبيلة تقول: هي التي تضع الحجر، وأتى بنو هاشم، فملئوا صحفة دماً، ثم وضعوا أيديهم وتعاهدوا وتعاقدوا ألا يضع الحجر إلا هم أو يقتلوا عن بكرة أبيهم، ثم اصطلحوا على أن أول من يدخل الحرم هو الذي يحكم في القضية، ودخل البشير النذير، ودخل النبي المعصوم، قبل أن يوحى إليه، ووقف عليهم فأخبروه، فأخذ الحجر ووضعه في كساء، وقال: لتحمل كل قبيلة طرفاً من الكساء، فلما قربوه من موضعه وضعه هو بيده الشريفة، فهو الذي وضع الحجر الأسود مكانه الآن.

بعثته صلى الله عليه وسلم

بعثته صلى الله عليه وسلم واستمر به الحال عليه الصلاة والسلام فلما بلغ الثلاثين أنكر وضع الدنيا، فإن العالم يعيش على خطأ، وأخذ يبحث عن الصواب، وسوف يأتي به جبريل من رب الأرباب. كان يخرج من مكة إلى غار حراء يتعبد، فكان يتحنث ويتوجه بقلبه إلى الله، يعرف أن للكون إلهاً خالقاً رازقاً وأنه يستحق العبادة، ولكن ما عنده مصحف يقرأ فيه، ولا يعرف الصلاة، قال تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى:52] ويقول الله فيه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] ومكث في الغار، يظل الأربع الليالي والخمس يتعبد، ثم ينزل إلى خديجة فيمتار ميرةً ويعود، وفي أثناء ذلك، أتاه جبريل وله ستمائة جناح، كل جناح قد سد ما بين المشرف والمغرب، فدخل عليه وقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ. كفاك بالعلم في الأمي معجزةً في الجاهلية والتأديب في اليتم قال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، فأخذه فألصقه على صدره ثم غطه، قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق:1 - 3] فانطلق يقرأ، ثم أطلقه، فذهب ونزل من الغار، وأخذ ينظر في السماء، كلما نظر في ناحية من السماء، إذا جبريل على كرسي بين السماء والأرض، ووصل إلى خديجة، إلى الحكيمة العاقلة، إلى الزوجة العاقلة البديعة الرائعة قال: زملوني! زملوني! لقد خشيت على نفسي. ثم أخبرها الخبر، فنطقت الصدق، وكلمات الواقع، وكلمات العدل والحق وقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبداً، لماذا؟ ألمنصبه؟ ألأسرته؟ ألماله؟ ألشهرته؟ لا، قالت: إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، والله لا يخزي أهل المعروف. وانطلق عليه الصلاة والسلام يدعو قومه إلى الله، انطلق عليه الصلاة والسلام يخرج الأمة من الظلمات إلى النور، حتى أصبح أتباعه اليوم -في الجملة- ملياراً ودينه اليوم يعلو وينتصر. الشيوعية كان لها مليار، فانسحقت قبل سنوات، ولعنت على ألسنة البشر، لماذا؟ لأن الحق هو الذي ينتصر والباطل ينمحق، قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] لقد قال: عليه الصلاة والسلام: {لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله} ونحن لا نطريه، وإنما نقول: هو عبد الله رسوله، ولكن من واجب الأمة علينا أن نلفت أنظارها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، لماذا؟ لأن الأمم والشعوب لم تلفت أنظار الناس إليه، فكان من مسئولية العلماء والدعاة أن يذكروه على المنابر، وأن يشيروا إلى شيء من عظمته ورسالته؛ لأن البشر -في العموم- استبدلوا بعظمته عظمة أناس لا يساوون الغبار الذي على قدميه، ولا جلد حذائه الذي كان يمشي به عليه الصلاة والسلام. نور من الغار أم صوت من الغار أم ومضة الفكر أم تاريخ أسرار تطوي الدياجير مثل الفجر في ألق تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبار شادوا الدنانير هالات مزخرفة جماعها لا يساوي ربع دينار ويبقى رسول الله عليه الصلاة والسلام إماماً، لكن ليس إلا لمن أراد أن يكون إمامه صلى الله عليه وسلم، فيكون إماماً لأهل الصلوات الخمس، وللصادقين، والمخلصين، وإماماً لأولياء الله، أما الأشقياء فلهم أئمة، وأما الأدعياء فلهم قادة، وأما الحقراء الصغراء، فلهم زعماء: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء:71] وإمام الأخيار محمد عليه الصلاة والسلام، يقول أحد الصالحين وقد ذكر إمامته: إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا وكان ابن تيمية يزيد ويقول: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا فنسأل الله أن يثبتنا على منهجه، وأن يجعلنا من أتباعه، وأن يسقينا من حوضه، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يغمرنا في زمرته، وأن يهدينا سنته، وأن يوقظنا من غفلتنا باتباعه عليه الصلاة والسلام. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

دروس وعبر من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم

دروس وعبر من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وسيد المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الحكمة من كونه بشرا يتيما أميا

الحكمة من كونه بشراً يتيماً أمياً أيها الناس: فيما مر دروس، نستفيدها من سيرته عليه الصلاة والسلام قبل النبوة، والدروس هذه هي أن الرسول عليه الصلاة والسلام رجل يتيم أمي، ثلاث قضايا: بشر، وأمي، ويتيم. فأما كونه بشراً، فهي حكمة من الله، قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام:9] أي: لو كان ملكاً من الملائكة، ما استطعنا اتباعه، وما استطعنا أن ننهج منهجه، وما كان في مقدورنا أن نحتذي سيرته، لكن جعله الله بشراً، يعيش آلامنا، يجوع كما نجوع، ويظمأ كما نظمأ، وينام كما ننام، ويتزوج النساء، ويرضى ويغضب، ويضحك ويبكي، فهو بشر مثلنا فنتبعه. وأما الكفار فاعترضوا على أنه بشر، قال تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} [الفرقان:7 - 8]. يقولون: كيف يكون هذا رسولاً وهو يأكل الطعام كما نأكل، ويجلس معنا كما نجلس، ويبيع ويشتري في الأسواق؟! هذا لا يصح، فأخبر الله أن الحكمة كل الحكمة في جعله بشراً نستطيع أن نتبعه، فبعض الصحابة أرادوا أن يصلوا في العبادة حداً لا يبيحه لهم الشارع، يقول أحدهم: أنا لا أتزوج النساء، والثاني يقول: وأنا لا آكل اللحم، ويقول الثالث: وأنا أصوم ولا أفطر، فأُخْبِرَ عليه الصلاة والسلام فقال: {أما أنا فأتزوج النساء، وآكل اللحم، وأصلي وأنام، وأصوم وأفطر، فمن رغب عن سنتي فليس مني} قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] إذاً: فالحكمة هي: في كونه بشراً لا ملكاً. المسألة الثانية: يتيم، ليس عنده عوامل أرضية، تجعله يسود على العرب، ولذلك قال هرقل: لو كان أبوه ملكاً لقلت: رجل يطلب ملك آبائه. لقد اختاره وهو يتيم، ليس وجيهاً في قومه، ولا عنده منصب، ولم يكن ملكاً ولا صاحب ثروة، بل يتيم يخرج من مكة، لا يملك كسرة الخبز وقطعة الثوب، ثم يسيطر على ثلاثة أرباع العالم، فالحكمة هي في كونه يتيماً. والأمر الثالث: أنه أمي، يقول: مايكل هارف، وقالها جولدزيهر المجرم يقول: أنا لا أعجب من محمد كونه نبياً، فإن الله قد بعث أنبياء كثر، لكن العجب أن يبعث بعد الأربعين أمياً لا يقرأ ولا يكتب، فيكون أخطب خطيب وأفصح فصيح. فيبعث عليه الصلاة والسلام لا يقرأ ولا يكتب، كان يذهب إلى خباب بن الأرت وخباب بن الأرت، كان حداداً يصنع السيوف -يصقلها على كير- فيعلمه عليه الصلاة والسلام الرسالة، فيقول كفار قريش: انظروا إلى محمد يذهب إلى خباب الأعجمي يتعلم منه القرآن! سبحان الله، العجم يعلمون القرآن! فيكون الرد صارخاً قوياً: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103]. ذهبت مشرقة وسرت مغرباً شتان يبن مشرق ومغرب خباب أعجمي لا يستطيع نطق الحروف العربية إلا بكلفة، ومحمد عربي، وقريش تقول: يتعلم محمد من خباب القرآن، يذهب إليه ليدعوه في الصباح وبعد الغروب، في هدأة الليل، وبعد الفجر، فقال: كفار قريش: يتعلم في الصباح والمساء، ويأتي يخبرنا بهذه الأساطير من خرافات الأولين قال تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:5 - 6] لا يقرأ ولا يكتب، ولكن ما خرم من القرآن حرفاً واحداً، نزل القرآن مباشرةً على قلبه، وكذلك كان يرتجل الخطبة، ولا يلحن في كلمة، ولا يتلعثم في حرف، وهذه الكتب والعلماء والدعاة كلها ميراثه عليه الصلاة والسلام، كان يصلي بالناس، فيقول: {استووا ولا تختلفوا؛ فإني أراكم من وراء ظهري}. كان يكتشف الصفوف ويراها من وراء ظهره، ينام الليل كله، فلا ينتقض وضوءه ويقول: {يا عائشة! إنها تنام عيناي ولا ينام قلبي}.

حقيقة اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته

حقيقة اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته هذا الرسول عليه الصلاة والسلام يجب علينا أن نعيش معه عيشة الصادقين، لا عيشة أرباب الدنيا والأمم المتفلتة، يوم تقدس عظماءها، فإذا ماتوا لعنتهم، لكن نحن نعيش معه في أسماعنا وأبصارنا وحياتنا، يعيش معنا رحيماً قدوةً إماماً، حتى في أقل أعمالنا، وشعائرنا التعبدية نراه عليه الصلاة والسلام، نقلم الأظافر، فإذا هو القدوة، نعفي اللحى، نقصر الثياب، نقتدي به في أدب الحديث والمشي والكلام والزيارة، وأدب العيادة والدعاء، في كل ذلك يكون إمامنا هو محمد عليه الصلاة والسلام. أيها الناس: باستطاعتنا أن نحيي محبته باتباعه، لا كما يفعل بعض الجهال، يوم أحيوا ذكره في الزوايا بالغلو والرقص والنشيد، ولكن أماتوا سيرته وسنته في الواقع، أحيوا حبه ولكن أماتوا سنته عليه الصلاة والسلام، يقولون عند القبر في المدينة، كما يقول أحدهم وعنده من الخرافة والشرك ما الله به عليم: يا رسول الله يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما فأقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما وهذا شرك وخرافة، لا يريدها الله ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، بل نحيي سيرته بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبنشر العلم في الناس، والصبر على الأذى، وبالوقوف في ساعة الردى، وبنشر الفضيلة، وقمع الرذيلة، وبنشر السنة في المجالس. فهذه هي معالم محبته عليه الصلاة والسلام. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سعد بن أبي وقاص

سعد بن أبي وقاص هل تعرفونه؟ رجلٌ دخل في الإسلام مبكراً، جاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه، بل وفداه بأبيه وأمه، وله من الكرامات الكثيرة منها إجابة دعوته، ومنها معركة القادسية وعبوره النهر، كان رجلاً شجاعاً اعتزل الفتنة ليلقى الله عبداً تقياً خفياً نقياً هل عرفتموه؟! إنه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

ترجمة سعد بن أبي وقاص

ترجمة سعد بن أبي وقاص الحمد لله الحمد لله القائل: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمْ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ * وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء:101 - 106]. والصلاة والسلام على رسول الله القائل: {الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم} والقائل: {لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه} رضي الله عنهم وأرضاهم. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصبحه وسلم تسليماً كثيراً أمَّا بَعْد: فمعنا اليوم: صاحبٌ من أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الصاحب، هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وأحد أهل بدر الذين قال الله لهم: {اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} وأحد أهل بيعة الرضوان، الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، فقال الله عنهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18]. هو خال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: {هذا خالي فليرني كلاً خاله} هو سعد بن أبي وقاص، هو أبو إسحاق، مدمر امبراطورية كسرى، ومبيد جيوش الضلالة من دولة المجوس، عبدة النار، ورافع راية التوحيد على الرافدين، على دجلة والفرات. فسلامٌ على سعد بن أبي وقاص، يوم أسلم لله، وسلامٌ عليه يوم توفي ومضى لله، وسلامٌ عليه يوم يبعث حياً، وإنما المقصد من سيرة هؤلاء الامتثال، وأن يتوجه شباب الأمة وشيبها إلى التأسي بمثل هؤلاء الأبطال، فـ سعد رضي الله عنه وأرضاه، من أولئك النفر البررة السعداء، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه: أسدٌ يقدم في يوم الوغى لا يخاف الموت إن خاف الأسد جسدٌ لفف في أسماله رحمة الله على ذاك الجسد كان ثالث ثلاثة في الإسلام، ترتيبه في الإسلام الثالث، أسلم وعمره سبع عشرة سنة، ووضع يده في يد النبي صلى الله عليه وسلم فعاهده على أن يرفع لا إله إلا الله، وأن يعيش لا إله إلا الله، وأن ينصر لا إله إلا الله، حتى يلقى الله، فلما أسلم، غضبت أمه العجوز، الذي ما فهمت رسالة الله، ولا أتقنت ولا عرفت ما هي لا إله إلا الله، وحاولت أن تصده عن الإسلام، ولكنه رفض أن يعود خائباً إلى دين الوثنية، بعد أن بصَّره الله بالإسلام، فأضربت عن الطعام والشراب، ورفضت أن تأكل وتشرب، وأقسمت بلاتها وعزاها ألاَّ تأكل حتى تموت، فقال لها: [[يا أُماه، والله لو أن لك مائة نفس، فخرجت النفس بعد النفس ما عدتُ عن ديني حتى تموتي، فكلي أو دعي]] فلما رأت الصدق أكلت!! لقد كان رضي الله عنه وأرضاه صادقاً مع الله، فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أول يومٍ عده صلى الله عليه وسلم ثلث الإسلام، يقول: {يا رسول الله! ادعُ الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال له صلى الله عليه وسلم: يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة}. إن المطعم الحلال، هو الذي يجعل المؤمن طيباً في كلامه، وصلاته، طيباً في دعائه وعبادته مع الله، ثم قال عليه الصلاة والسلام: {اللهم أطب مطعمه اللهم أجب دعوته، وسدد رميته}. فكان إذا رمى بسهمٍ في سبيل الله لا يخطئ هذا السهم، حتى يقول علي رضي الله عنه وأرضاه: [[رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، والحرب تستعر، وهو يشرف على الأعداء وعلى الكفار، وسعد يرمي بالسهام، فتقع في نحور الكفار، فيقول: ارمِ سعد فداك أبي وأمي]]. فما فدى صلى الله عليه وسلم أحداً كما فدى سعداً، فأخذ يهيل لهم، ويرميهم حتى هزمهم الله، وردهم الله على أعقابهم خائبين خاسرين، لقد عاش الجوع في أول الإسلام، يقول عن نفسه: [[والله لقد مرت عليَّ ليالٍ ثلاث، ما أكلتُ فيها أكلة، ولقد بحثتُ عن أوراق الشجر، فأكلنا ما حولنا من أوراق الشجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالله لقد ذهبتُ ليلةً دامسة ظلماء أبحث عن طعام، فما وجدت إلا جلد ميتة، فأخذت الجلد، فأحرقته على النار، ثم سحقته، ثم خلطته بماءٍ وشربته]]. ويقول رضي الله عنه وأرضاه: [[لما توفي صلى الله عليه وسلم ما نفضنا التراب عن قبره حتى أنكرنا قلوبنا]]. عاش وفياً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع صاحبيه، أبي بكر وعمر، وكان صلى الله عليه وسلم إذا رآه تبسم، وقال للصحابة: {هذا خالي فليرني كلٌ خاله}. ولما تولى عمر رضي الله عنه وأرضاه، خلافة الإسلام سمع أن المجوس وآل كسرى، يعدون العدة لاجتياح الجزيرة العربية، كان قصدهم إبادة الإسلام، والهجوم على عاصمة الإسلام، فنادى عمر رضي الله عنه وأرضاه، في الصحابة وفي المسلمين استنفاراً عاماً وجهاداً في سبيل الله، وتضحيةً لرفع لا إله إلا الله، فاجتمع المسلمون، وخرج عمر رضي الله عنه وأرضاه من المدينة ليقود الحرب الطاحنة مع فارس، وخيم حول المدينة، وخلف على المدينة بعده أبا الحسن علي بن أبي طالب فلما نزل عمر ونزل معه المسلمون في المخيمات، جلس رضي الله عنه وأرضاه يستشير الناس، وإذا بـ علي يقدم من المدينة، فيقول عمر: [[ما أقدمك يا أبا حسن، قال: يا أمير المؤمنين! إنك إن ذهبت وقتلت في أرض فارس يوشك أن يأخذ أهل فارس بيضة الإسلام، وأن يدخلوا عاصمة الإسلام، فأرى أن تولي رجلاً بعدك يقود المعركة وأن تبقى في المدينة، فاستأنس عمر لهذا الرأي، واستشار الصحابة، فأجمعوا على رأي علي رضي الله عنه وأرضاه، فقال عمر: فمن أستخلف إذاً؟ فذهب كل إنسانٌ في خيمته يفكر، وإذا بـ عبد الرحمن بن عوف يرفع صوته ويولول، ويقول: يا أمير المؤمنين! وجدت الأسد في براثنه، سعد بن أبي وقاص، فيقول عمر: صدقت حياً بك أهلاً وسهلاً]] فيأخذ الراية ويسلمها لـ سعد، ويوصيه بتقوى الله ويتباكى هو وسعد رضوان الله عليهم عند الفراق، ويقول له: [[ملْ معي الطريق يا سعد]]! فيميل معه، فيتباكيان فيقول ابن عوف: مالكما؟ قال عمر: تخلفنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخشى أن نهلك، أو أن نفتن، أو أن نرتد على أعقبانا، ثم قال له عمر: [[يا سعد! يا سعد بن وهيب! يا سعد بن أبي وقاص! لا يغرنك قول الناس: إنك خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله ليس بينه وبين أحد من عباده نسب، فاتقِ الله يا سعد! في جيش المسلمين، واتقِ الله في خاصة نفسك]] فأغض سعد رضي الله عنه وأرضاه رأسه وطرفه وقال: [[سمعاً وطاعةً يا أمير المؤمنين!]]. وخرج رضي الله عنه وأرضاه معه جنود الله، مهللةً مكبرة، ليخوض القادسية وللقادسية حديثٌ آخر، ومقامٌ آخر.

مواقف وعبر من القادسية

مواقف وعبر من القادسية ولكن نأخذ منها بعض النماذج عن أولئك النفر:

مواقف عزة المؤمن

مواقف عزة المؤمن لما حضر رضي الله عنه وأرضاه خطب جيشه وكانوا ثلاثين ألفاً، وقال: [[إن العدو لا ينتصر علينا إلا بالمعاصي، فالله الله اتقوا الله وذروا المعاصي، فإنَّا إن عصينا الله غضب علينا ثم أهلكنا]] وخيَّم رستم وراء دجلة، ومدت الجسور، ليعبر أحد الجيشين، لتكون النهاية المحتومة، بين جيش لا إله إلا الله، وبين جيش الضلالة، بين الذين يريدون أن تنصر راية الله، وبين من يريد أن ينصر الباطل، ولكن أرسل رستم في الصباح، قائداً فارساً، أرسله إلى سعد: أن أرسل إليَّ أحد أصحابك، فأرسل سعد رضي الله عنه وأرضاه ربعي بن عامر، شابٌ كالسيف، صادق كالفجر، قويٌ كالحق، عميقٌ كالصدق، وقال: [[اذهب إليهم ولا تغير من هيئتك شيئاً]]. أي: اذهب في ثيابك وفي صدقك، وفي وضوحك، ولا تغير ولا تدين لهم بكلمة، فذهب ربعي على فرسٍ هزيلٍ ضعيف عليه أسمالٌ بالية، ومعه رمح مثلم: من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبالِ وربما صرنا على موج البحارِ بحارا فقدم ربعي ودخل على رستم، وإذا تيجان الذهب على رأس رستم ووزرائه، فلما رآه رستم ضحك، وقال لـ ربعي جئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور، وبهذا الرمح المثلم، وبهذه الثياب البالية؟! فقال ربعي ورفع صوته، وأخذ صوته يدوي كالصاعقة: [[إي والله إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]]. وفي الصباح بدأت المعركة، ونصر الله جنده، ومدت الجسور، وأخذ سعد ينادي الكتائب أن تعبر إلى أعداء الله، فلما عبرت أول كتيبة، كان من دهاء أهل فارس عبدة النار، أن قطعوا الجسور، فوقعت أول كتيبةٍ في النهر، فغرق كثير منهم، فلما رأى سعد هذا المشهد، رفع صوته، والتفت إلى السماء، وقال: [[اللهم كن سندنا ومددنا وعضدنا، حسبنا الله ونعم الوكيل]] يا خيل الله اعبري، فلما سمعت الخيول دعاء سعد بالعبور، أخذت تتوجه وتقتحم بأنفسها في النهر، وأخذ الجيوش ينزلون فجمد الله لهم نهر دجلة، فإذا هو ليس بالثلج الذي تنزلق عليه الأقدام، وليس بالماء الذي تغوص فيه الأقدام أيضاً، فأخذوا يلتفتون ويبتسمون بعضهم في بعض، وأخذ قائدهم من ورائهم يسوقهم ويقول: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51] فما أن وصلوا إلى عبدة النار، المجوس، إلا وعملوا فيهم بسيوف الله، فأخذ أولئك يتساقطون وراءهم في النهر ويذعنون ويُقتَلون، ويهربون ويفرون، وارتفعت لا إله إلا الله. ومضى سعد إلى مدينة المدائن عاصمتهم، فلما رأى قصر كسرى، قصر الضلالة والجهالة والبطالة والعمالة، قال سعد ودموعه تهراق تواضعاً لله: [[الله أكبر {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} * {وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} * {وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} * {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِين}) [الدخان:25 - 28]]]. وعاد رضي الله عنه وأرضاه فكَّوف الكوفة، وبنى تلك المدينة، وولاه عمر أميراً عليها، فكان من خيرة الأمراء، يخاف الله في رعيته، لا يشبع حتى يشبعون، ولا يرتاح حتى يرتاحون، ولا ينام حتى ينامون، يتفقدهم، ويأوي إلى ضعيفهم، وينصف مظلومهم، ولكن أهل الكوفة قومٌ غشمة ظلمة، مشاغبون، شكوه إلى عمر رضوان الله عليه وأرضاه، وقالوا: هذا سعد ظالم، لا يحسن حتى يصلي، فتبسم عمر رضي الله عنه من هذه الكذبة التي لا تدمغها الأدمغة، ولا تهضمها واستدعى سعداً، وقال: [[يا سعد!. يا أبا إسحاق، إن أهل الكوفة، يقولون: إنك لا تحسن أن تصلي]] وتبسم الصحابة وتبسم سعد، وإذا لم يحسن سعد الصلاة، فمن يحسن الصلاة إذاً؟ وإذا لم يعرف الفقه في الدين فمن الذي يفقه في الدين إذاً؟!! فقال سعد: [[يا عجباً لأهل الكوفة!! يعيرونني بأنني لا أحسن الصلاة، والله لقد أدخلتهم في الإسلام بسيفي هذا]] وصدق رضي الله عنه، فقد أدخلهم بسيفه كما تدخل قطيع الضأن في الإسلام، ولكن لما علم الله أنهم ظلمة، ابتلاهم بظالمٍ مثلهم، فابتلاهم بـ الحجاج بن يوسف الثقفي: { A=6000917> وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129]. وأرسل عمر رضي الله عنه وأرضاه لجنةً من الصحابة يستقصون الحقائق، ويبحثون عن النتائج، فمروا بمساجد الكوفة مسجداً مسجداً، يسألون عن الصادق من الكاذب، يسألون عن سعد عن سيرته وعدله، وكلهم يثني عليه خيراً، وكلهم يمدحه، ويدعوا له، إلا رجلاً واحداً، ومع أنه كبير في السن، إلا أنه ظالمٌ غاشم، قام فقال للصحابة: أما إن سألتمونا عن سعد، فإنه لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يخرج في السرية ". فقام سعد ومد يديه إلى السماء إلى علام الغيوب، وقال: [[اللهم إن كان هذا الشيخ كاذباً قام رياءً وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن]] فاستجاب الله دعوة المخلص الصادق، الذي أطاب مطعمه مع الله، والذي حصن مدخله ومخرجه مع الحي القيوم. قال أحد الرواة: والله لقد رأيت ذاك الشيخ -وهذا في صحيح البخاري - وقد أطال الله عمره، وأطال فقره، ورأيته يتعرض للجواري في سكك الكوفة، يغمزهن وقد سقط حاجباه على عينيه ويقول: شيخٌ مفتونٌ أصابتني دعوة سعد. فقد كان مستجاب الدعوة رضي الله عنه وأرضاه، وصلى بالناس صلاة الجمعة، ثم خرج من المسجد، وإذا بالناس مجتمعين على رجل، فقال: ما لهم، قالوا: هذا الرجل يسب علي بن أبي طالب، فالتفت إليه سعد وقال: لا تسب أخي علي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: {أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي} فقال الرجل: والله لأسبنه، فقال سعد: والله لأدعون عليك، قال: ومن أنت حتى يجيب الله دعاءك؟! فتوضأ سعد، وصلى ركعتين، ورفع يديه، وقال: [[اللهم أرنا فيه عجائب صنعك]] وما انتهى من دعائه إلا بجملٍ شرود أقبل من الكوفة لا يلوي على شيء، كأنه يبحث عن شيء، والناس يفرون من طريقه، حتى أتى إلى هذا الرجل، فضربه برجله، فإذا هو ميت. فقال سعد: [[الحمد لله الذي أرانا فيه آيته الظاهرة]].

موقف المؤمن من الفتن

موقف المؤمن من الفتن وعاد رضي الله عنه وأرضاه إلى المدينة بعد أن توفي عمر، ولما بدأ الخلاف بين الصحابة، في عهد علي ومعاوية رضوان الله عليهم جميعاً، اعتزل الفتنة، وخرج إلى الصحراء رضي الله عنه وأرضاه، ترك الدنيا وهي مقبلةٌ إليه، ترك زينتها وزخرفها، وترك كل ما يمت إلى الدنيا، وقد أدى مهمته في الحياة ورسالته، ونصب له خيمةً في الصحراء، أما نهاره فصيام، وأما ليله فقيام، يسبح الله في الصباح والمساء، لا يفتر عن ذكر الله، معه قطيعٌ من الغنم، استغنى بما عنده من التقوى والزهد وعبادة الله عن الدنيا، وترك الفتنة لأصحابها والباحثين عنها، وجاءه ابنه عمر وقال: [[يا أبي يتقاتل الناس على الملك، وأنت في هذه الصحراء، قال: يا بنيَّ! والله إني أولى بالخلافة مني ببردي هذا، ولكني تركتها خوفاً من الله، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يحب العبد الغني الخفي التقي}]]. خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريباً فإني أعظمكم ثروةً وإن خلتموني وحيداً سليباً وأتاه الموت في الصحراء، فمات كما يموت الناس، ولكن عمله محفوظ عند الله!!: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران:30] يجد عمله وإخلاصه وصدقه عند الله، الذي لا تضيع ودائعه، عند علام الغيوب، الذي يثيب بالحسنة عشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعافٍ كثيرة. وحضرته الوفاة، واقتربت ابنته عائشة منه، وكانت تبكي وتقول: [[يا أبي!! أتموت هنا وحدك في الصحراء بعد صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر؟!! فقال لها: لا تبكي علي فوالله إني من أهل الجنة]]. قال الذهبي معلقاً: صدق رضي الله عنه وأرضاه، فهنيئاً له، ومريئاً، نُشهد الله ونُدين الله بأنه من أهل الجنة، وارتفعت جنازته إلى المدينة ليصلى عليها هناك، وخرج الصحابة يتباكون، ويقولون: رضي الله عنك يا أبا إسحاق! عشت حميداً، ومت حميداً وتلقى الله يوم القيامة سعيداً، وخرج أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم متحجباتٍ من الحجرات يبكين، ويقلنَ: [[مروا بـ سعد علينا سقى الله سعداً من سلسبيل الجنة نصلي عليه]] فمروا به عليهن بعد أن صلوا عليه، فصلين عليه كذلك ودعون له، ووقف أحد الصحابة على جثمان سعد، وهو في أكفانه وقال: [[والله ما أعلم أشجع منك، والله ما أريد أن ألقى الله بعمل رجلٍ كعملك، ذهبت عن الفتنة نظيفاً سليماً رضي الله عنك وأرضاك]] رضي الله عنكم يا أصحاب محمد ورضي الله عنكم يا من اتبع محمداً صلى الله عليه وسلم: كن كالصحابة في زهدٍ وفي ورعٍ القوم هم مالهم في الناس أشباهُ عبادُ ليلٍ إذا جن الظلام بهم كم عابدٍ دمعه في الخد أجراه وأسدُ غابٍ إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياه يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناهُ أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

دروس وعبر من حياة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

دروس وعبر من حياة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، ورسول رب العالمين، وحجة الله على الناس أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أمَّا بَعْد: فمن سيرة هذا الإمام الكبير نأخذُ دروساً في الحياة: أولها: من موقفه مع أمه يوم رفضت أن تسلم، وأضربت عن الطعام والشراب، فرفض هو أن يعود عن دينه، نأخذ من ذلك ألا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، وأن بر الوالدين شيء، وطاعة الله شيءٌ آخر، وأنه لا يطاع مخلوقٌ في معصية الله، مهما كان هذا المخلوق، من أبٍ أو أمٍ أو مسئولٍ أو معتمد، فإن الله عز وجل، هو الذي يطاع بحقٍ، فلا ينبغي لأحدٍ من الناس أن يطيع والديه في معصية الله، بل يصاحبهما في الدنيا معروفاً، ويحسن صحبتهما، ولكن لا يتبعهما على ما أرادا من ضلالةٍ أو معصية، أو مخالفة، فعلى المسلم أن يكون دائماً ثابتاً، كما فعل سعد بن أبي وقاص مع أمه، وقال لها: [[والله لو كان لك مائة نفس، فخرجت الواحدة تلو الأخرى ما رجعت عن ديني فكلي أو دعي]]. والدرس الثاني: أن المطعم الحلال هو من أسباب إجابة الدعوة، وأن الله عز وجل، لا يقبل دعاء رجلٍ إلا إذا أحسن مطعمه، وكان مطعمه حلالاً، ولذلك ذكر صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة: {الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، ومطعمه حرام، ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب له}. أي: كيف يستجيب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى له وقد دنس مطعمه، نأخذ ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم لـ سعد: {أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة} فاللقمة الحلال هي من أسباب إجابة الدعاء وإصلاح الذرية والنية والطوية، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام، كما في صحيح مسلم عن جابر: {لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه وشاهديه، وقال: هم في الإثم سواء} لأن عمله مردودٌ عليه، ونأخذ من موقفه رضي الله عنه وأرضاه في الفتنة، واعتزاله للفتنة، وتركه الخوض فيما خاض فيه غيره من الناس، موقفاً ودرساً، وفائدةً لا ينساها المسلم وهو أن من علامات المسلم ومن خصائصه أنه إذا حدث حادثٌ في الناس أو وقع اختلافٌ بين الأمة، أو وقعت مشاكل وحوادث، لا تخدم الدين، وإنما تشتت كلمة المسلمين وتفرق جمع المؤمنين، أن على المسلم أن يعتزل هذه الحوادث، والمشارب، وهذه المشاكل، وليبق في بيته، وليكن حلساً من أحلاس بيته، لا يخرج إلا لصلاة، أو لجمعٍ مبارك، أو لفائدة يستفيدها، فـ سعد رضي الله عنه وأرضاه اعتزل الفتنة لما رأى الحوادث المدلهمة والفتن التي تعم الأمة، وتركها وجلس في بيته رضي الله عنه وأرضاه، فإن الذي يحب الفتن، ويستوشي الأخبار والحوادث، ويحب الزعازع والقلاقل، رجلٌ فيه نفاق، مريضٌ قلبه، مريضةٌ روحه، لا يربو ولا يعشعش ولا يفرخ إلا على الكوارث والحوادث، أما سليم القلب، والذي يريد الخير للمسلمين فإن كان هناك جمعٌ مبارك، ونصرة، وتأليفٌ للكلمة شارك، وإن كان هناك خلاف، وحدثٌ وزلازل ومحن اعتزل، وهذا هو المؤمن الحق. عباد الله فبمثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اقتدوا: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} [الأنعام:90] وعلى منهاجهم سيروا، وبأخبارهم نفسوا وعطروا مجالسكم، وعلى ضوءٍ من سيرتهم استضيئوا، في ظلام الحوادث الدامس، وفي ليل الفتن المدلهم، نسأل الله لنا ولكم الثبات والاستقامة حتى نلقاه. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً واحدة، صلَّى الله عليه بها عشرا} اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم إلى ما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع رايتك وانصر كتابك، وأيد سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم وفق إمام المسلمين لما تحبه وترضاه، اللهم ألهمه رشده، وخذ بيده لما تحبه وترضاه يا رب العالمين! اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاةُ خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضى، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنةٍ مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفي فلسطين وفي الفلبين، وفي كل بلاد من بلادك يا رب العالمين! اللهم ثبت أقدامهم، اللهم أنزل السكينة عليهم، اللهم أفض عليهم روحاً من روحك، ويقيناً من يقينك، ووفقهم لما تحبه وترضاه يا رب العالمين! ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

سؤالات واستفسارات عن الرسالة والرسول

سؤالات واستفسارات عن الرسالة والرسول إن من دلائل رسالة الإسلام شهادة العقلاء على أنه حق، ومما يستوقف الناظر في صحيح البخاري حديث المحاورة الشهيرة بين هرقل وأبي سفيان التي تصل القمة في روعتها عند قول هرقل: (ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه) والحق ما شهدت به الأعداء، وفي هذه المادة تفصيل وبيان لهذه المحاورة الجميلة.

هرقل يحاور أبا سفيان

هرقل يحاور أبا سفيان الحمد لله القائل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ * قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ * إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [الأنبياء:107 - 112]. والصلاة والسلام على رسول الله القائل: {والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون}. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها الناس: فهذه مناظرة حارة ومقابلة ساخنة بين أبي سفيان؛ قائد المشركين في حروبهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين هرقل؛ ملك الروم، وعظيم الروم. عنوان هذه المحاضرة: سؤالات واستفسارات عن الرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم. ولنستمع إلى أبي سفيان وهو يروي القصة وهي في صحيح البخاري، كتاب الإيمان. يقول: كنا في المدة التي ماددنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم -يقصد الصلح الذي وقع في الحديبية سنة 6هـ- فخرجنا تجاراً إلى الشام، وبينما نحن في تجارتنا في سوقٍ من أسواق الشام، وإذا بجنود هرقل يطلبوننا، وهم يسألون في السوق: هل هنا في السوق أحدٌ من العرب؟ فدلهم الناس علينا، فألقوا القبض علينا وذهبوا بنا وأدخلونا على ملك الروم، وإذا حوله البطارقة والقساوسة والوزراء وقواد جيشه وقد اكتظ بهم المكان. قال أبو سفيان: فقال هرقل: من منكم أقرب الناس نسباً من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ -يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم- فقال أبو سفيان: أنا أقربهم نسباً. -وهذا الكلام يجري عن طريق الترجمة، والمترجم يترجم العربية لـ هرقل ويترجم لغة هرقل لـ أبي سفيان - قال: اجلس أمامي، قال: فأجلسني أمامه. ثم دعا برفقتي فأجلسهم خلفي، ثم قال لهم: إني سائل هذا الرجل عن الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذبني فكذبوه يقول هرقل: إن افترى عليَّ ودجل فكذبوه حتى يعرف الكاذب. وقد صدق أنه من أقرب الناس نسباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو من عبد شمس والرسول عليه الصلاة والسلام من بني هاشم. فقال أبو سفيان: فوالله لولا أن يتحدثوا عني بالكذب لكذبت عليه؛ لأنهم لن يكذبوه وهو منهم وهو سيدهم. فسأله السؤال الأول: كيف نسبه فيكم؟ أي: الرسول عليه الصلاة والسلام. قال أبو سفيان: هو فينا ذو نسب. وصدق فما هناك في العرب، بل في المعمورة، بل في الكرة الأرضية، أرفع نسباً، وأطهر محتداً، وأشرف مولداً من الرسول عليه الصلاة والسلام. ثم قال: هل كان من آبائه ملكاً؟ أي: على العرب. قال: لا. وصدق أبو سفيان فليس من آبائه صلى الله عليه وسلم من ملك، ولكنهم سادة كرماء أشراف. قال: فهل قال أحدٌ هذا القول قبله منكم؟ قال: لا. وصدق فإنها لا تعرف هذه المقالة في العرب. فقال هرقل: أأشراف الناس يتبعونه على دينه أم ضعفاؤهم؟ قال أبو سفيان: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أو ينقصون؟ قال: بل يزيدون. قال: أيرتد أحدٌ منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطةً عليه؟ قال: لا، لا يرتد أحدٌ منهم بعد أن يدخل دينه. فقال: أقاتلتموه؟ قال: نعم، قاتلناه. قال: كيف قتالكم معه؟ قال: يدال علينا ونديل عليه، فالحرب سجال، مرةً يغلبنا ومرةً نغلبه. قال: فهل يغدر؟ قال: لا، ونحن منه في مدة لا ندري هل يغدر أم لا. قال أبو سفيان: ولم تمكني كلمة أدخل بها عليه إلا هذه الكلمة، فهو يريد أن يقدح في الرسول عليه الصلاة والسلام، لأنهم أعداء؛ ولكنه ما استطاع، وما وجد فرصة في القدح فيه صلى الله عليه وسلم. ثم قال هرقل: بم يأمركم؟ قال: يأمرنا بأن نعبد الله ولا نشرك به شيئاً، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. قال: فهل جربتم عليه كذباً؟ قال: لا.

استنتاجات هرقل

استنتاجات هرقل انتهت هذه الأسئلة؛ وهي أحد عشر سؤالاً من أعظم الأسئلة في الرسالة، دلت على عظم عقل ذاك الملك الذي سألها، ودلت على صدق أبي سفيان الذي أجاب عليها فإليكموها بالتفصيل، والذي يفصلها هرقل. ثم قال لهم: إني سألتكم عن نسبه، فقلتم: إنه فيكم ذو نسب، والله عزوجل يبعث الأنبياء في نسب من قومها. فنسبه صلى الله عليه وسلم أرفع نسب: نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عموداً قال: وسألتك: هل قال أحد هذه المقالة قبله؟ فقلتَ: لا، فقلتُ: لو أنه قال أحد هذه المقالة لقلت رجلٌ يقلد غيره. وقلت لي: إنه ليس في آبائه من ملك؛ فلو كان من آبائه ملك، لقلت: رجلٌ يطلب ملك آبائه، ومجدهم وتراثهم. فلم يكن من آبائه ملك؛ لأن العرب في الجاهلية تطلب ملك آبائها ومجدها؛ حتى تريق في ذلك الدم الأحمر، أما سمعتم ل امرئ القيس يوم قال: ولو أنما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال ولكنما أسعى لمجدٍ مؤثلٍ وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي أي: أنه يطلب ملك آبائه. ثم قال هرقل: وسألتك: أضعفاء الناس يتبعونه أم أشرافهم؟ فقلت: ضعفاؤهم؛ فعلمت أنه دين من عند الله، فإن الضعفاء أتباع الرسل. وأول من يستجيب لدعوة الله هم الضعفاء والمساكين، وأول من يعادي الرسل هم المترفون؛ لأن فيها إضراراً بمصالحهم ودكتاتورياتهم في المجتمعات، فهم ينصبون لها العداء وهذا الدين للمستضعفين وللسادة سيان، فهو يساوي بين الأحمر والأسود، وبين الغني والفقير، وبين الكبير والصغير، وميزانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] يرفع بلال بن رباح العبد المولى، فيجعله سيداً من سادات المسلمين، ويبني الله له قصراً أبيض كالربابة في الجنة، ويخسئ هذا الدين أبا جهل؛ وهو فطحلٌ، صنديد من صناديد المشركين، ويخسئ أبا لهب؛ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عارض هذا الدين. إذاً: فهو يقرب الضعيف لتقواه، ويرفع المسكين لمحبته لربه ومولاه، ويخسئ الفاجر المتكبر ولو كان صدراً وسيداً في قومه. ثم قال: فقلت لك: أيزيدون أم ينقصون؟ فقلت لي: بل يزيدون؛ فعلمت أن هذا الدين سوف يستمر، وأن اتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام يزيدون. ثم قلت لك: هل يرتد أحد منهم سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فقلت لي: لا؛ وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشته القلوب. إنه دينٌ تحبه القلوب، وترتاح له الأرواح. إنه دينٌ محبوب، إذا أدخله الله في قلب العبد، فلو أعطى له كنوز الدنيا، وخزائنها ذهباً وفضة على أن يعود عن دينه ما عاد طرفة عين؛ إذا ذاق حلاوة الإيمان، لا يعود عن دينه ولو يقذف في النار، فبشاشة الإيمان إذا دخلت في القلب لا ينتكس صاحبها، ولا يشتري الضلالة بالهدى، ولا الغي بالرشاد، ولا الظلام بالنور: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22] وقوله عز من قائل: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125]. ثم قال: وسألتك: هل جربتم عليه كذباً؟ فقلت لي: لا؛ فوالله ما كان له أن يدع الكذب عليكم ويكذب على الله. فهو ليس كذاباً، وما وجهه بوجه كذاب، بل هو صادق: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33] {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:1 - 4]. ثم قال: وسألتك: هل قاتلتموه؟ فقلت: نعم، تُغلبون تديلون وتدالون؛ وكذلك الرسل تبتلى حتى تكون لهم العاقبة. وسألتك: هل يغدر؟ قلت: لا؛ وكذلك الأنبياء لا تغدر. ومحمد صلى الله عليه وسلم لا يكذب ولا يغدر. وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب فعلها أقوالها أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أدبت في هول الردى أبطالها فهو لا يكذب لأنه شجاع، ولا يجبن لأنه صادق. قال: وسألتك: بماذا يأمركم؟ فأخبرتني أنه يأمركم بعبادة الله، وبالصلاة والصدق والعفاف والصلة؛ وهذه دعوة الرسل. ثم قال هرقل لـ أبي سفيان: وقد كنت أعلم أنه سوف يملك مكان قدمي هاتين. وصدق هرقل فما هي إلا خمسٌ وعشرون سنة، وإذا بكتائبه صلى الله عليه وسلم تتدفق كأمواج البحر، عليها قيادة أبي سليمان؛ سيف الله المسلول، خالد بن الوليد يخوض المعركة، ويرفع لا إله إلا الله، وإذا بـ هرقل يولي الأدبار، وينظر إلى قصره في الشام، ويقول: سلامٌ عليك يا سورية، لا لقاء بعد اليوم. ويدخل خالد، ويجلس على سريره ويقول: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} [الدخان:25 - 28]. قال هرقل: ولو كنت أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه أي لسافرت إليه في المدينة لكنه يخاف من قومه ومن شعبه ومن دولته أن يقتلوه. وقال: ولو كنت عنده؛ لغسلت الغبار عن قدميه.

نص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل

نص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ثم توقف أبو سفيان وتوقف هرقل، وسكتت البطارقة والقساوسة، وخفض القواد والوزراء رءوسهم في صمت، وإذا بطارق يطرق القصر، فخرج أحد الحجبة وقال: من أنت؟ قال: أنا دحية بن خليفة الكلبي، أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، معي رسالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم. قال أبو سفيان: فأدخلت الرسالة، وتناولها القواد سريعاً حتى وصلت إلى هرقل، فنظر فيها ثم دفعها إلى الترجمان، قال: اقرأها علينا. قال فرفع صوته وقرأ، وهذا نص الرسالة: {بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم؛ السلام على من اتبع الهدى، أمَّا بَعْد: فأسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]} فلما انتهت الرسالة وترجمت، قال أبو سفيان: كثر اللغط، وارتفعت الأصوات، واحتدمت الضجة، واختلط الناس، فأخرجنا الجنود من القصر، فقلت في نفسي: لقد أَمِرَ -أي: قوي- أَمْرُ ابن أبي كبشة، إنه ليخافه ملك بني الأصفر أي: ملك الروم. وعاد أبو سفيان، وأسلم بعض الروم بهذه الرسالة، وارتفعت دعوته صلى الله عليه وسلم.

ما يستفاد من المحاورة

ما يستفاد من المحاورة ويؤخذ من هذه المقابلة والمحاورة أمور: الأول: أن هذه الرسالة صادقةٌ صدقها الأعداء قبل الأصدقاء,. شهد الأنام بفضله حتى العدا والحق ما شهدت به الأعداء الأمر الثاني: أنه لا هداية، ولا نور، ولا فلاح إلا فيها، ومن اعتقد الفلاح في غيرها؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. الأمر الثالث: أنها عامة، وأنها عالمية، من لم يدخل فيها فلا قبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا فتح له أبواب الجنة. الأمر الرابع: أن الأتقى هو الأشرف في الرسالة، وهو الأقدم والأوسم والأعظم، فلا ميزة لغني عن فقير، ولا لنسيب عن مسكين، وإنما الميزة لمن عمل بهذه الرسالة واتقى الله فيها. الأمر الخامس: أنه ينبغي تبليغها للناس كافة؛ ملوكاً ومملوكين، كباراً وصغاراً، أغنياء وفقراء، لأنها رسالة لأهل الأرض جميعاً. الأمر السادس: أن على المسلم أن يتذوق حلاوة الإيمان؛ ليثبت الله الإيمان في قلبه، ويؤيده بروح منه، ويكتب هذا الدين في فؤاده {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. الأمر السابع: أن الله نشر هذه الدعوة كما نشر الليل والنهار، فصارت مشرقة ومغربة، فانطفأت بشموسها أقمار ضلالة الأصنام، ونجوم عملاء الضلالة إلى أن تهاون المسلمون برسالتهم: من الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لصاغها حلياً وحاز الكنز والدينارا أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

واجبات المسلم تجاه رسالته

واجبات المسلم تجاه رسالته الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين، وقدوة السالكين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله: من أراد أن ينقذ نفسه من الضلالة، وأن ينقذ نفسه من غضب الله ولعنته ومقته فليقبل على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ويدمن النظر في سطورها، وليتعلمها ويتفقه فيها، فإن واجب المسلم نحو رسالته صلى الله عليه وسلم ثلاث واجبات: الواجب الأول: أن يعتقد أنها صادقة، وأنها حق وصحيحة، وأن النجاة والفلاح فيها لا في سواها؛ ومن اعتقد أن الخير في سواها فهذا رجل ختم الله على سمعه، وطبع على قلبه، وأخزاه ولعنه ومقته، وجعله من أهل النار، ولا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً يوم القيامة. أوصد الله أبواب الجنة وأغلقها فلا تفتح لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من طريقه، فمن اعتقد أن غير طريقه سليمة، ومؤدية إلى رحمة الله؛ فقد ضل وشقي وخسئ في الدنيا والآخرة، عليه الخزي من الله والعار والشنار والنار. الواجب الثاني: أن يعمل وأن يعتقد أنها شرف له؛ فيطبقها في حياته، ويأخذ السنة بحذافيرها، فلا يأخذ شيئاً منها ويدع شيئاً آخر: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85]: يا مدعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا خذها جميعاً تجد خيراً تفوز به أو فاطِّرحها وخذ رجس الشياطينا فواجب المسلم أن يأتي إلى هذه السنة، فيطبقها في بيته وفي نفسه ظاهراً وباطناً، فهذا هو النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وأن يتشرف بأنه ينتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. الواجب الثالث: أن ينشرها بين الناس، وأن ينصرها ويوزع هدايتها في بيوت الناس، وفي أنديتهم ومحافلهم، وأن يفرح أن السنة تُعلَّم، وتُدرس، وتُنشر، وإذا لم يكن ناصراً للسنة فلا يكن عدواً لها ولا حجر عثرة في طريقها، ولا واقفاً ضدها، بل يتشرف بأنها تدرس وتعلم وتفقه، فهذا واجب المسلم.

قصة جذع النخلة ودلالتها

قصة جذع النخلة ودلالتها جاء في صحيح البخاري عن جابر رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال عليه الصلاة والسلام لامرأة من الأنصار: {مري غلامك النجار أن يصنع لي منبراً أخطب الناس عليه. فصنع ذاك الغلام له صلى الله عليه وسلم منبراً، فأتى عليه الصلاة والسلام، وهجر الجذع الذي كان يخطب عليه سابقاً -جذع نخلة- وأخذ هذا المنبر، فلما رقى على هذا المنبر وصعد عليه، وترك ذاك الجذع؛ حنَّ ذاك الجذع وبكى، قال جابر: والله لقد سمعنا له صوتاً كصوت العشار -أي: النوق- وقال أنس: والله لقد سمعنا له بكاءً كبكاء الأطفال في المسجد -شهد هذه القصة أكثر من ألف من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم- ثم نزل عليه الصلاة والسلام من على منبره، وقطع خطبته، وأتى إلى الجذع فوضع يده عليه يقرأ عليه، ويسمي عليه، ويدهده عليه كما يدهده على الأطفال حتى سكت} قال الحسن البصري: [[يا عجباً لكم! جذعٌ من نخلة يحن لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم لا تحنون لسنته]]. إن واجبنا في الرجوع إلى الله في هذه الأيام -وفي عودة المسلمين- أن نأتي بحرارة إلى كتب السنة بعد القرآن، ونترك تلك الثقافات الدخيلة التي شوشت قلوبنا، ولعبت بعقولنا، وضيعت أوقاتنا الثقافات التي صدرها نابليون في حملاته، وكانت وديكارت؛ فأخرجت جيلاً ليسوا بجيلٍ كجيل الصحابة، وثقافات مشوهة فلابد أن نعود إلى المنبع العذب الصافي؛ منبع محمد صلى الله عليه وسلم. نسينا في ودادك كل غالٍ فأنت اليوم أغلى ما لدينا فلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا ولم نلقاكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداءك أعداء الدين، اللهم اقطع دابرهم وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، والعنهم لعنة تدخل معهم في قبورهم يا رب العالمين. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق؛ أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم وفق إمام المسلمين لما تحبه وترضاه، اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتأخذ بيده إلى الصواب. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك؛ في برك وبحرك. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفي فلسطين وفي الفلبين وفي كل بلد من أرضك يا رب العالمين. ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المرأة المثالية

المرأة المثالية (لا بد أن تتحرر المرأة بأن تخرج إلى الأسواق وتخلع الحجاب وتشارك الرجال في كل شيء). هذا ما ينادي به أهل الفجور والإلحاد، ينادون بهذا الكلام الذي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب. والدين الإسلامي يريد من المرأة أن تكون درة مصونة، لا تعبث بها الأيادي القذرة. وعلى المرأة أن تدعو إلى الله في حدود ما تستطيع وما هو جائز لها، وعليها أن تحافظ على شرفها.

المرأة مربية الأجيال

المرأة مربية الأجيال إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكن ورحمة الله وبركاته، فرصة طيبة، ولقاء سانح أن يتكلم المسلم مع أخواته، مع أمهات الجيل مربيات الأبطال والشهداء والأدباء والعلماء، فالمرأة المسلمة يوم تعي خطاب ربها سُبحَانَهُ وَتَعَالى وما يراد منها في الحياة الدنيا تكون امرأة مثالية، والمرأة المثالية عنوان كلمتي هذا اليوم التي توجه إلى كل أم وأخت وقريبة مسلمة. المرأة المسلمة في القرآن ذكرها سُبحَانَهُ وَتَعَالى مع الرجل، فهن شقائق الرجال، قال الله عز وجل لما ذكر الصالحين والصالحات: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] وذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى النساء بعد الرجال فقال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31] وقال عز من قائل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات الآيات ِ) [الأحزاب:35].

أهم ما يطلب من المرأة

أهم ما يطلب من المرأة إذا علم ذلك فلا بد أيتها المسلمة! أيتها المتعلمة أيتها التي تريد الحياة السعيدة! أن تعرفي ماذا يراد منك لهذا الدين. أول ما يراد هو الإيمان؛ كيف نحمله وكيف نعيش به، وحياة بلا إيمان إنما هي غضب وسحق ولعنة وسخط، قال عز من قائل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] عاشت آسية امرأة فرعون رضي الله عنها وأرضاها ولعن الله فرعون، عاشت في قصره، ومعه الذهب والفضة ومعه ملك الدنيا وتراثها وثراؤها، فلما رأت حياته حياة الكفر والضلال، وحياة الضياع والمعصية، وحياة اللعنة والغضب؛ أعرضت عن هذه الحياة، وملت حياة قصر فرعون وهي زوجته، فأخذت تشهد ألا إله إلا الله وأخذت تسأل الله أن يزيلها من هذا الملك الضيق إلى ملك الآخرة، وهي تقول: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11] فاستجاب الله دعوتها. يقول بعض العلماء: انظر إليها عليها السلام كيف طلبت الجار قبل الدار، قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ} [التحريم:11] أي: في جوارك وفي جنتك {بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11] فلما سمع أنها آمنت عذبها بكل عذاب، حتى ذكر أهل السير أنه بلغ من تعذيبه أن ينصب عليها الحجارة في شدة الحر، وأن يسمر كفوفها على الجدران، وكانت الملائكة تظلها بأجنحتها عليها السلام، وانتقلت إلى الدار الآخرة لأنها رفضت حياة الضياع؛ الحياة الباطلة الآثمة.

اعتناء الدين بالمرأة

اعتناء الدين بالمرأة والرسول صلى الله عليه وسلم أتى إلى المرأة أباً وزوجاً وأخاً ومعلماً عليه الصلاة والسلام، ربَّّى البنات، ورزقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من البنات أكثر من البنين، فكان صلى الله عليه وسلم لا يسافر سفراً إلا بدأ ببناته، فيودعهن ويعيش معهن، ويلاحظ أمورهن، بل قال عليه الصلاة والسلام: {من عال جاريتين فأحسن أدبهما ورباهما فهو رفيقي في الجنة} أو كما قال، وقال صلى الله عليه وسلم: {الله الله في النساء فإنهن عوانٍ عندكم} وقال عليه الصلاة والسلام: {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي}. ومما يذكر في هذا الباب كيف ربى صلى الله عليه وسلم بنته المجيدة فاطمة الزهراء، رباها في بيت الحكمة والنبوة، تدرجت معه صلى الله عليه وسلم فأرضعها الإسلام والدين والقرآن، ثم زوجها من علي بن أبي طالب على شيء لا يذكر من المهر، على درع حطمية مكسرة، يقول علي: {وفدت على الرسول صلى الله عليه وسلم لأخطب ابنته، فلما جلست أمامه أتى بي من الخجل ما الله به عليم، فما تكلمت، فقال: يا علي ماذا تريد؟ فسكت، قال: أتريد فاطمة، قلت: نعم. يا رسول الله! قال: عندك مال؟ قلت: يا رسول الله! وهل من مال عندي، قال: أين درعك الحطمية؟} وهي درع لا تساوي درهمين، فأتى بها رضي الله عنه وأرضاه، وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم قرة عينه، فاطمة الزهراء. يقول محمد إقبال شاعر الباكستان في فاطمة يقول: هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟ من ذا يساوي في الأنام علاها أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها وعلي زوج لا تسل عنه فما أزكى شمائله وما أنداها إيوانه كوخ وكنز ثرائه سيف غدا بيمينه تياها وعاشت رضي الله عنها وأرضاها في حياة الفقر والمسكنة؛ لكنها تحمل الإيمان والعمل الصالح، تعلم أن ما عند الله خير من الدنيا، قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] والله يقول في هذه الحياة: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35] إذا علم هذا فإنني أطالب أختي المسلمة التي تسمع هذا الحديث أن تتقي الله في حياتها وفي مستقبلها، وأن تعمر قلبها وبيتها بالإيمان: إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:101 - 103] وقال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109].

نماذج من نساء المؤمنين

نماذج من نساء المؤمنين وأما في هذه الفقرة فمع طائفة من المسلمات اللواتي حفلن بطاعة الله عز وجل، وعشن في رضا الله تبارك وتعالى. أم سليم، وهي أم أنس رضي الله عنها وأرضاها؛ التي يقول فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: {دخلت الجنة البارحة، فرأيت الرميصاء في الجنة} أتى أبو طلحة ليتزوجها وقد أسلمت وهو مشرك كافر، فأراد أن يتزوجها فقالت: [[لا والله حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهذا مهرٌ يكفيني من الدنيا]] فأسلم معها، وكان مهرها الإسلام، فكان مهرها أعظم مهر في تاريخ الإنسان، وعاشت هذه المرأة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهدت له أعظم شيء في حياتها، وأحب شيء إليها وهو ابنها أنس طيبته وغسلته وعمره عشر سنوات وقالت: [[يا رسول الله! هذا أنس يخدمك، فهو هدية لك يا رسول الله]]. الخنساء النخعية، ربت أربعة أبناء لها، فلما كبروا حضرت بهم معركة القادسية، وقالت لأبنائها: "يا أبنائي والذي نفسي بيده إنكم أبناء رجل واحد، ما غدرت أباكم، ولا خنت خالكم، فإذا حضرت المعركة فيمموا أبطالها، واحضروا وطيسها وكونوا شهداء ". وقتلوا في آخر النهار، وأتى الخبر إليها فتبسمت وقالت: "الحمد لله الذي أقر عيني بشهادتهم في سبيل الله". هذه مكارم المرأة المسلمة: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق الأم نبت إن تعاهده الحيا بالري أورق أيما إيراق

بعض الجوانب في حياة المرأة

بعض الجوانب في حياة المرأة ثم اعلمن أيتها الأخوات المسلمات! أن رسالتنا في الحياة تختلف عن رسالة الأمم جميعاً، فإن الكافرات والمنحرفات، وإن الداعرات والمومسات في العالم لهن رسالة ولنا رسالة، وهم لم يعرفوا حتى المرأة ولا صانوا كرامتها. إن لينين واستالين وماركس وهرتزل نادوا أن المرأة شيطانة، وهذه مذكراتهم نقرؤها صباح مساء، وإن الهنود كانوا يشكون هل المرأة إنسانة أم لا؟ إن الجاهليين الوثنيين في مكة قبل الإسلام كانوا لا يورثون المرأة ولا يسمعون رأيها، ويعدونها متاعاًً ساقطاً، وإن الأمريكان والألمان زجوا بالمرأة في أتون المعامل والمصانع والحروب، تشارك الرجل فيها فأذهبت جمالها وبهاءها وروعتها. أما الإسلام فحفظ للمرأة جمالها وأدبها وبهاءها وروعتها، لما أتى صلى الله عليه وسلم سن للمرأة حقها في الإسلام، وجعلها شريكة للرجل، قال البخاري في الصحيح: "باب هل يجعل الرجل للمرأة أو النساء يوماً من نفسه" أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: {يا رسول الله! غلبنا عليك الرجال، يحجون معك ويصلون معك ويجاهدون معك، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فأتى عليه الصلاة والسلام فجعل لهن يوم الإثنين} فكان يحضر ويعلم ويربي ويوجه.

الحجاب في الإسلام

الحجاب في الإسلام المرأة في الإسلام درة وشمس، ووردة مكنونة لا تهان ولاتداس، محترمة فمن هذا المبدأ ننفذ إلى قضية الحجاب، فالحجاب ستر أراده الله للمرأة، وسنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى خروج المرأة عن الحجاب أنها تغضب المولى وتستحق اللعنة -أعوذ بالله من اللعنة- ولذلك في أثر {أن المرأة إذا تطيبت وخرجت من بيت زوجها بدون إذنه لعنتها الملائكة حتى تعود}. فيا أخواتي المسلمات! أما رأيتن إلى الصور الخليعة من صور النساء الأجنبيات، المعرضات، المنحرفات، فيوم تركت المرأة دينها وعقلها وإيمانها ومراقبة ربها، وخرجت على الحجاب، ضلت سواء السبيل، وخلعت جلباب الحياء، فلذلك تحمل كثير من المجلات صورة المرأة الداعرة، وصورة المرأة التي تعرض نفسها على الأجانب، والتي ما عرفت السجود لله، ولا عرفت الوضوء ولا المصحف، ولا عرفت الاستغفار والتوبة. ولذلك عانت كثير من الأسر العار والمسبة والدمار وقلة المروءة بسبب امرأة تهتكت ونزعت الحجاب. إن الحجاب سنة وفريضة، وله كيفية في دين الله عز وجل، الحجاب هو ستر جمال المرأة لئلا تراها العيون، وأما من نادى بأن الوجه والكفين لا يدخله الحجاب فقد أخطأ خطأً بيناً، وغلط غلطاً فاحشاً، لا والله؛ بل الوجه يُستر ويبقى محجباً، وجه الجمال والروعة والحسن، ويوم يهتك الحجاب عن الوجه، فلا يبقى هناك حجاب ولا يسمى حجاباً، ويسمى هذا معارضة لشرع الله تبارك وتعالى.

مجالس النساء

مجالس النساء ومما أحب أن أنبه عليه: قضية انتشرت بين كثير من النساء اللواتي لم يعرفن الحياة، وما ملأن قلوبهن وبيوتهن بالإيمان، وهي قضية المجالس وما يدار فيها، والرسول صلى الله عليه وسلم حذر من كثير من المجالس التي تحضرها النساء غير المستقيمات، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن المرأة كثيرة اللعن والشتم والسب إلى غير ذلك، ولذلك قال: {رأيتكن أكثر أهل النار، تقول امرأة: "ما بالنا يا رسول الله! أكثر أهل النار! " قال: تكفرن العشير وتكثرن اللعن، فأما كفر العشير فلو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت شيئاً قالت ما رأيت منك خيراً قط}.

التبرج والفحش يجعل الرجال يعزفون عن المرأة

التبرج والفحش يجعل الرجال يعزفون عن المرأة فحذار حذار من كثير من المجالس اللاتي يتخللهن الغيبة والنميمة، والزور والفحش، ولا تظن المسلمة بأنها بمغيب عن الواحد الأحد، قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7]. وأنا أعلم أن هناك -والحمد لله- نساء مستقيمات بدأن في مجالسهن بالدعوة، وقراءة القرآن وذكر الله، وقراءة السيرة والحديث النبوي، والكتاب والشريط الإسلامي، فإلى تلكم الأخوات أهدي باقة من الود والسلام والدعاء أن يثبتهن الله حتى يلقينه، يوم {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء} [إبراهيم:27]. نحن أمة حسننا وجمالنا في ديننا، ووالله -مما أعلم من حالة الرجال عموماً- أن جمال المرأة في دينها وفي استقامتها وفي سترها، حتى الفسقة من الرجال لا يريدون المتبرجة، ولا يريدون إلا المحتشمة؛ لأن السلعة المعروضة تنبذها النفوس، يقول العربي في قصيدة له: إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كن الكلاب ولغن فيه إن المرأة التي تعرض نفسها على الناس لا تشتهى ولا تراد ولا تحب، لأنها عصت الله وأغضبت المولى تبارك وتعالى، ثم هي لم تعد مرغوبة عند الناس لأنهم لا يريدون إلا دراً مكنوناً، ولا يريدون إلا بضاعة محفوظة مصونة كما أرادها الإسلام.

الإسراف عند النساء

الإسراف عند النساء فإذا علم هذا فإني أحذر من قضية الإسراف، فقد تظن المرأة أنها إذا أكثرت من الذهب والفضة، وأكثرت من الملابس والحلي والأثاث أنها أصبحت محسنة ومجيدة وجميلة ومرغوباً فيها، والله تعالى يقول: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:27] {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67]. يا أيتها المسلمة التي جعلت همها في الذهب والحلي! اعلمي أن بنت الرسول صلى الله عليه وسلم فاطمة لم تحمل ذلك، لم تملك من الدنيا إلا ما يقوتها وهي عند الله سيدة نساء العالمين، رضي الله عنها وأرضاها. {أتت إلى بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم تطلب خادماً، فأتاها النبي صلى الله عليه وسلم من الليل هي وزوجها وقد أخذا مضاجعهما فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتماني؟ قالا: بلى. قال: إذا أخذتما مضجعكما فسبحاً ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين؛ وكبراً أربعاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم}. ما أحسن التوجيه! إن الذي ينفع العبد في الآخرة إنما هو الذي يبقى في ميزان الحسنات، وإن الخادمة والملبس والحلي، وإن البيت والسيارة الفاخرة بلا إيمان كلها غضب ومحق وانصراف عن هدي الإسلام، وزيادة من النكال الذي يستغله الإنسان على حساب حسناته في الآخرة. الإسراف أمر معهود، ووجد كثيراً في المجتمعات، لا ترضى المرأة فيها إلا بعشرات الملابس ومئات الأشياء، وكل شيء في تجديد، فتحضر الولائم والأعراس بحلي جديدة، وملبس جديد، وشيء جديد، دائماً وزوجها في كلفة ومشقة وعنت، وتريد أن تحيا معه حياة السعادة، فتنغص عليه حياته، وتضيق عليه مستقبله، وتفقره مالياً، وتدينه مادياً، فيتحمل أموال الناس ديوناً على كاهله، ويعيش في تعاسة من أجل امرأة سفيهة في تصرفها وسفيهة في مستقبلها، وسفيهة في ملبسها؛ تظن أن الجمال وأن الوزن والقيمة في هذه الأشياء، لا والله.

فتن في مجتمعاتنا

فتن في مجتمعاتنا ثم إني أنعى والجبين ليندى والقلب ليوجل مما حدث في مجتمعاتنا من ظواهر نشكو إلى الله منها، ونسأل الله أن يصلح الحال، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من الفتن {كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا} فتن كقطع الليل، فتن يرقق بعضها بعضاً، فتن مدلهمات كالسيل الجارف، كأمواج البحر. ومن الفتن التي حلت بالمرأة اختلاطها بالأجانب وعدم احتشامها، ونسيانها لرقابة الواحد الأحد: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء:218] و {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7] والذي يعلم ما تكنه الضمائر وما تحويه السرائر.

الخلوة بالأجنبي

الخلوة بالأجنبي وجد من النساء من تخرج مع السائق في خلوة ليس معها محرم، تجوب به المدينة، وتدخل به الأسواق، وتخترق به صفوف المسلمين، وتجرح مشاعر المؤمنين، وتخيب أمل أمتها فيها، ثم تَحدُث أمور الله أعلم بها في ظلام الليل، لكن الذي خلق الليل يعلم ما حدث فيه، والذي ستر المذنبين يعلم ما يفعلون. فامرأة تخرج بسائقها إلى السوق وتضيع عن أهلها ساعات طويلة لا يدرى أين ذهبت، وامرأة تسافر مراحل مع الأجانب، وامرأة تذهب إلى الخياط الأجنبي الذي ليس عنده من الوازع الديني، ولا من الإيمان، ولا من مراقبة الواحد الأحد ولو ذرة، امرأة تذهب إلى الخياط تحمل فستانها وجلبابها ولباسها فتبيع دينها وعرضها، امرأة تذهب فتكلم ذاك وهذا. ولذلك أنعى إلى أخواتي المسلمات مسألة الهاتف، وما أحدث عند اللواتي لم يحملن إيماناً ولا مراقبة من شر مستطير، وهناك كتيب سوف يصدر قريباً لإحدى المسلمات المؤمنات اسمه أيتها المسلمة احذري التلفون الهاتف ورأيت من بعض التقريرات والاستقراءات مما أحدث هذا الجهاز من مضرة، وما هتك من أعراض، وما ضيع من حشم ما الله به عليم، فنسأل الله أن يصلح الحال، ولكن حذار حذار من الخلوة بالأجنبي. ومن الفقه الأعوج، ومن السفه أن وجد عشرات بل مئات من النساء يحضرن صلاة التراويح يردن الأجر والمثوبة، لكن تركب مع السائق الأجنبي في الخلوة فيجوب بها الشوارع ويذهب بها إلى المسجد، فأي طاعة وأي قربة وأي حسنات وأي درجات هذه، عصت الله في أول الطريق حتى وصلت إلى المسجد وأغضبت المولى تبارك وتعالى حتى وصلت إلى بيت الله تعالى متعطرة متطيبة مع سائق أجنبي في خلوة محرمة ثم دخلت المسجد لتؤدي نافلة. والله لجلوسها في بيتها أرفع وأولى، ولمقعدها في عقر دارها أحسن عند الله مثوبة وأجراً، إنها هتكت جلباب الحياء، وأفسدت أكثر مما أصلحت، وعادت من المسجد مأزورة لا مأجورة، ومدحورة لا مشكورة، لأنها عرضت نفسها للفتن، وكم تفتن القلوب وكم تحدث في النفوس من فتنة عارمة إذا شم أحد الناس الفاسقين الطيب الذي يفوح من جلباب هذه المرأة، إذا نظر إليها أو خلا بها، فإلى الله نشكو حالنا، وإلى أخواتي المسلمات أنادي نداء حاراً أن اتقين الله في هذه الأمة؛ في مستقبلها وفي أبناء الجيل، وفي بيوت المسلمين والمسلمات.

إحجام المرأة عن الزواج

إحجام المرأة عن الزواج ومن الظواهر التي وجدت في المجتمع إحجام كثير من النساء عن الزواج الشرعي بكلمة الواحد الأحد، وهذا الزواج هو مستقبل المرأة مع تقوى الله عز وجل، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {مسكينة مسكينة مسكينة! قالوا: من يا رسول الله؟ قال: امرأة لا زوج لها، ومسكين مسكين مسكين رجل لا زوجة له} وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]. وإحجام المرأة يوجد له أسباب: إما والعياذ بالله أن هناك فسقاً وفجوراً فصدها فجورها أو فسقها عن الزواج الشرعي. ومنها حجج ساقطة كإكمال الدراسة، أو لأجل الوظيفة ومنها أمور أخرى، وهذه مأساة، فإن الوظيفة لا تعطل الزواج ولا تعطل حياة البيت؛ إذا كانت وظيفة طيبة شرعية؛ وكذلك مواصلة الدراسة، وهذه الحجة والذريعة أفسدت كثيراً، وعطلت الكثير من المصالح، وعطلت كثيراً من الطرق، وسدت كثيراً من النوافذ. ووجد في المسلمات من لا تريد الزواج من رجل ما، إما بذريعة الفقر أو بذريعة عدم الوظيفة أو بأمر آخر، وهذه مأساة، يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} إن الإيمان هو المطلوب، وإن الفاجر مغضوب عليه، -والله- لو تقدم بقصور الدنيا، وملايينها، ووالله لو أتى بسيارات الدنيا وهو فاجر لا يزيده فجوره وماله إلا لعنة وغضباً من الواحد الأحد، وقد رأينا من أخواتنا المسلمات من حددت الزواج بصاحب المال ولم تنظر إلى دينه، وإنما نظرت إلى منصبه، أو جاهه أو منزلته في الناس، أو شهرته فتقدمت إليه وأغفلت جانب الإيمان، فحول حياتها من جنة إلى سعير، ومن سعادة إلى شقاوة، ومن نعمة إلى لعنة والعياذ بالله. أتعسها في دار الدنيا وفي دار الآخرة، حتى أنني سمعت من أخواتي المسلمات عن طريق الهاتف وبعض الكتابات والأسئلة أنها تعيش في جحيم، فزوجها لا يصلي، وهذه زوجها يتناول المخدرات، وهذه زوجها يعاقر الخمر، وتلك يضربها صباح مساء، يمنعها من الصلاة ويعطلها عن زيارة والديها، يدخل عليها الفاحشة والعياذ بالله، صور عجيبة، لماذا؟ هي التي باعت نفسها، وهي التي رضيت بالفاجر، وهي التي دخلت هذا البيت الآثم المظلم، والبيت النير هو بيت (لا إله إلا الله) هو البيت الذي يعبد فيه الواحد الأحد، هو بيت الحجاب والشريط الإسلامي.

الغناء الماجن والمسلسلات الخليعة

الغناء الماجن والمسلسلات الخليعة ومما أنوه به كذلك مسألة انتشار الغناء الماجن، الأغنية قد أحدثت في قلوب أمتنا وجيلنا رجالاً ونساء فسقاً وفجوراً، قال أهل العلم: "الغناء بريد الزنا" وما استمعه مسلم أو مسلمة إلا هتك دينه وضيع مستقبله وأظلم فؤاده وقسى قلبه، ولذلك كانت مصائب الغناء أربع: أولاً: أنه يغضب المولى تبارك وتعالى. ثانياً: أن القلب يقسو، فينصرف عن القرآن والحديث والسيرة، فلا يحب الوعظ ولا الدعوة. ثالثاً: أن الله يحرم من سمع الغناء في الدنيا غناء الحور العين، فعند أحمد في المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة جوار يغنين يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا}. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[إذا اشتهى أهل الجنة الغناء أرسل الله ريحاً طيبة فهزت أغصان الجنة فسمع صوت ما سمع بصوت أحسن منه]] قال ابن القيم ينظم هذه المعاني: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان إذا علم هذا فحذار حذار من الغناء فهو محرم قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان:6] ويقول عليه الصلاة والسلا: م {إني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين؛ صوت عند نعمة وصوت عند مصيبة} فحذار حذار من شريط الغناء، حذار حذار من المسرحية الآثمة، ومن المسلسل المجرم الذي هتك البيوت وهدمها وخرب القلوب، فما عادت تصلح لأن تعي لا إله إلا الله، وما عادت تصلح أن تحمل القرآن، وما عادت تصلح أن تسبح بحمد الله، وما عادت تصلح أن تتوجه إلى الله عز وجل، لأنها خربت والله من الغناء. ويلحق بالغناء الموسيقى، ومهما تهتك متهتك أو تساهل متساهل فحكمها الحرمة في دين الله عز وجل في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك يدخل في هذا الباب الفيديو المهدم، وما أحدث من فساد عظيم وشر مستطير، فهو إنتاج صهيوني عالمي المقصود منه تهديم بلاد الإسلام، وتولى هذا الفيديو في أول ما ظهر شركة إيطالية، وهي التي تقدم كثيراً من الأفلام وتغذيها بالمال، ويقول اليهود: إنهم نجحوا في الفيديو أكثر مما نجحوا في المعركة. نجحوا في خراب بيوتنا وأبنائنا وبناتنا بطريق الفيديو أكثر مما نجحوا بالطائرات والصواريخ، والدبابات والقنابل، يعرضون الجنس والخلاعة، ويعرضون المجون والكفر على شاشاته وفي مسلسلاته وأدواره، فإذا رأت المسلمة هذا المسلسل وهذه الشاشة أصبحت في بعد ومنأى عن الواحد الأحد. وعليكم بإخراجه -فليس فيه صلاح- وعدم الإنصات له، وعدم ترك البيت مسرحاً لهذا الهدم.

المجلات الخليعة وما يلحق بها

المجلات الخليعة وما يلحق بها ومن هذا الباب المجلة الخليعة: انظرن أخواتي في الله! إلى الأسواق وما ردحت فيها من مجلات خليعة تحمل صوراً ماجنة، صور جنس رجل مع امرأة يعاقرها في الفاحشة الكبيرة التي تغضب المولى، صورة شابة فتية جميلة متهتكة أصبحت تعرض نفسها على العالمين. وللأسف الشديد والمأساة الملحة أن المجلة تدخل بيوت كثير من الناس، وكثير من المؤمنات الصادقات، توجد المجلة عند مخدتها وعند رأسها تقرؤها صباحاً ومساءً؛ فلا تعرف تقرأ كتاب الله ولا تخصص وقتاً للحديث، ولا تستمع الشريط الإسلامي، ولا تقرأ الكتاب الإسلامي وسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، بينما القرآن يدعوها صباح مساء إلى أن تتلوه: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29] {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35] {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. ويعجبني أن وجد في بناتنا مستقيمات متحجبات ملتزمات، أطهر من حمام الحرم، وأزكى من ماء الغمام، لا تعرف الواحدة منهن إلا مدرستها وبيتها، ومصحفها معها، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته والشريط الإسلامي والجلوس مع الداعيات المسلمات ودعوة أخواتها، ولذلك توفرت أسباب الخير، من كثرة الدعاة وتوفر الكتاب والشريط الإسلامي، وقد استمعت إلى دعوة من التوعية الإسلامية، وقد قامت بالمناداة والدعوة لاستقبال المرأة المسلمة عصر كل يوم خميس في مقر التوعية الإسلامية لرؤية وأخذ وملاحظة الشريط الإسلامي الذي في السوق الإسلامي والحمد لله. فأقبلن على الخير وانتهين عن الشر، فإن الله سوف يتولاكن في دار الدنيا ودار الآخرة، والله عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملاً. وهنيئاً لمن أطاعت زوجها بعد أن أطاعت ربها وصلت خمسها، وصامت شهرها، حينها تدخل جنة ربها، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم. فيا حفيدات زينب وأسماء، وعائشة وفاطمة مزيداً من التقوى، ومزيداًُ من التعقل، ومزيداً من الحرص على العرض والشرف والأسرة.

مصيبة هتك العرض

مصيبة هتك العرض هتك العرض -والله- لا تعادله لذة الدنيا، ولقد وجد من الآباء من بكى حتى خلط دمعه بدمه، بكى دماً أحمر من عينيه لما رأى بنته قد هتكت حجابها وجلبابها، وهتكت عرضها، وارتكبت الفاحشة الكبرى، -والله- لقد وجد من الآباء كما ذكر كثير من الدعاة قال: رأيت بعض الآباء أصيبوا بسكتات قلبية مما رأوا من المناظر في بناتهم، وأغمي على كثير من الآباء حتى حملوا إلى المستشفيات مما رأوا، فالعرض لا يساويه شيء من الدنيا، -والله- إن الأب المسلم يتمنى أن يقرض بالمقاريض أو يقطع بالسكاكين قطعة قطعة من رأسه إلى أخمص قدميه ولا يسمع في عرض ابنته كلمة واحدة، فكيف تتقدم المرأة المسلمة أو البنت الناشئة إلى هذا العار والدمار والشنار وتنسى عرضها، إن لم تتق الله وتستحي منه أفلا تستحي على عرضها. أفلا تقدر أباها وأمها وإخوانها وخئولتها وأعمامها، ألا تعلم أنها في لحظة واحدة، وفي دقائق معدودة تمارس فيها لذة محرمة أو نظراً محرماً أنها تهدم مستقبلها، وتدخل أباها جحيماً من العار والدمار، ويتمنى أبوها أن يقطع تقطيعاً، حتى إني سمعت أن بعض الآباء يقول: يا ليتني ما عرفت الحياة، وبعضهم كان يرفع يديه إلى السماء ويقول: يا رب! لم خلقتني، سبحان الله! بلغ من الحالة ومن الأسى واللوعة، والندم والبكاء أن يقول يا ليته ما خلق ويا ليته ما عرف الحياة، لأن مريم عليها السلام لما خافت أن يزور عليها المزورون ويبهتها الباهتون وهي بريئة، وهي طاهرة مطهرة {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} [مريم:23] هكذا يقول بعض الآباء أو بعض الأمهات. حتى إن بعض الآباء يدعو صباح مساء على ابنته، التي جعلته لا يخرج من بيته فجعلته يتقنع داخل البيت، لا يستطيع أن يدخل مع الجيران، ولا يجلس مع الإخوان والأحباب، أصبحت حياته مظلمة، وأصبح يحمل وصمة في جبينه، فهل قدَّرت البنت والأخت المسلمة هذا؟ ألا جعلت في محسوبها أن هذا فعل شنيع تكاد تنهد منه السماء والأرض، وتكاد تتدكدك منه الجبال. اللهم أصلح شبابنا وشاباتنا، اللهم أصلح فتياننا وفتياتنا، اللهم أصلح بيوتنا وقلوبنا، اللهم اهدنا سبل السلام، اللهم إنا توجهنا إليك نريد وجهك أن تربي بيوتنا على لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم إن أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ولا مفرطين ولا ضائعين ولا مضلين، اللهم إنا نعوذ بك من الفاحشة والسوء والمعصية، اللهم إنا نعوذ بك من الغضب واللعنة، اللهم إنا نسألك الستر والعفاف والرغد، اللهم أدخلنا في جلباب سترك وعفوك ورحمتك، ونسألك من العيش أرغده، ومن العمر أسعده، ومن الوقت أعمه، ومن الزمن أتمه، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. شكر الله لكن استماعكن، وأسأل الله أن تكون هذه الكلمة نافعة مفيدة، تقابل بالعمل وبالتأثر، وأن تكنَّ من اللواتي يستمعن القول فيتبعن أحسنه، أولئكن الراشدات المستقيمات الحافظات للغيب بما حفظ الله، نزلهن الجنة في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة .

حكم صيام الست من شوال قبل قضاء رمضان

حكم صيام الست من شوال قبل قضاء رمضان Q الأخت المسلمة تسأل عن صيام ست من شوال وقضاء ما بقي من شهر رمضان، هل لا بأس بتقديم الستة على القضاء أم ماذا؟ A الأولى والأقرب إلى السنة أن يُقضى ما بقي من الشهر قبل صيام الست من شوال؛ لأن القضاء فريضة والست من شوال نافلة، ولا تقدم النافلة على الفريضة، لكن لو حدث أن أختاَ قدمت الست من شوال فلا بأس بذلك، لكن الأولى والأحسن والأقرب إلى الأصول أن يقدم القضاء قبل الست من شوال.

حكم صيام يوم السبت وحده

حكم صيام يوم السبت وحده Q ما حكم من صام يوم السبت وحده؟ A صيام السبت وحده منهي عنه؛ لكنه غير محرم، إنما هو مخالفة للأولى، فالأحسن ألا يفرد يوم السبت ولا الجمعة بصيام، وإنما لها أن تفرد يوم الإثنين ويوم الخميس وما دام أنها صامت عن جهل، فلا بأس إن شاء الله، ولكن لا تفرد يوم السبت من الآن إنما تصوم يوماً قبله أو يوماً بعده.

حكم لبس الدبلة في الزواج

حكم لبس الدبلة في الزواج Q ما حكم لبس المرأة للدبلة -في الزواج- المكتوب عليها اسم الزوج؟ A إذا لبستها للزواج فلا بأس بذلك، ولا أعلم فيه نهياً إلا أن يكون مشابهة، فإن كان فيه تشبهاً بالكافرات فهو أمر محرم، فإنه لا يجوز التشبه بالكافرة. أما إذا لبستها هكذا فلا أعرف فيه بأساً، وأما إذا كتب اسم الزوج عليها وأصبح أمراً معهوداً ومتداولاً وأصبح مقنناً فأرى أنه من باب البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، وأنه محرم، وأنا قصدت قبل أنها تلبسها وقت الزواج من ضمن الحلي، لكن ما دام أن لها مراسيم وأصبحت منتشرة وأصبح لها ضبط ومؤقتة ويكتب عليها اسم الزوج فهذا ما أنزل الله به من سلطان، وهي من العادات الجاهلية التي لم يأت بها الإسلام فليعلم ذلك.

دعوة للتبرع

دعوة للتبرع لدي الآن دعوة بمناسبة هذا الأسبوع للتبرع لأبناء فلسطين وأفغانستان، والصناديق موجودة كما أشار الدكتور في هذا الإعلان داخل الجامعة، وأنتن تعلمن أن الصدقة خاصة للمرأة باب عظيم فتحه النبي صلى الله عليه وسلم، وجهاد المرأة المسلمة ليس قتالاً، يقول صلى الله عليه وسلم: {جهادكن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. والمرأة لا يطلب منها أن تحمل السلاح ولا أن تحضر المعركة ولا أن تشهد الغزوات إلا لمداواة الجرحى وخدمة الجيش، فدورها في الجهاد التبرع ومد اليد بالدرهم والدينار والكسوة والغذاء، ودعوة الأخوات المسلمات إلى التبرع وإلى طاعة الله، وأن تدخل الإسلام على البيوت المجاورة؛ لأن الله إذا هدى بها امرأة مسلمة كان خيراً لها من حمر النعم كما قال ذلك عليه الصلاة والسلام.

حكم البقاء مع زوج لا يصلي

حكم البقاء مع زوج لا يصلي Q امرأة مع زوج لا يعرف من الإسلام إلا اسمه -كأنه لا يصلي ومعرض عن الله عز وجل- طلبت من هذا الزواج الطلاق واستخارت الله عز وجل ورأت في المنام كأن بيتاً يحترق، فهل تستمر معه؛ مع العلم أنه سوف يأخذ ابنه أم ماذا تفعل؟ A أقول ما دام أن هذا الزوج معرض ولا يصلي فهو كافر، وقد علمت هذه الفتيا وانتشرت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} وقال: {الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة} إذا علم ذلك فهو كافر على كل حال، فإن استطاعت أن تدعوه وأن يعلن توبته ويدخل في الإسلام من جديد فلها ذلك، وإن رأته معرضاً فلها أن تطلب الفكاك والطلاق، وألا تمكنه أبداً من نفسها فيصبح محرماً عليها لأنه كافر وهي مسلمة، وأما رؤياها في المنام بأن بيتها يحترق فهو بيت العاصي المجرم يحترق بالجريمة والكفر والعياذ بالله، فالحريق هو الكفر والإعراض عن الله عز وجل، وهو شؤم، ولا يدخل الحريق بيتاً في المنام إلا لشؤم هذا البيت، فلتنجُ بنفسها من هذا الوحش المجرم الذي أعرض عن الله عز وجل، وما عليها من الابن فالله عز وجل يتولاه. أما أن تعيش مع كافر معرض عن الله عز وجل فهذا أمر عظيم لا ينبغي أن يصبر عليه.

حكم البقاء مع زوج متساهل بالفرائض

حكم البقاء مع زوج متساهل بالفرائض Q زوجي متساهل بالفرائض، فهل لي أن أطلب الطلاق منه؟ A ما دام أنه يصلي فهو على خير ولا يطلع على النيات إلا الله، لكن إذا كان فاسقاً فلا تطلب الطلاق منه، إنما تحاول أن تؤثر في حاله بالدعوة بالتي هي أحسن بإدخال الشريط والكتاب الإسلامي، بدعوته، بالتأثير عليه، بالدعاء له، فما دام أنه يصلي ولا يترك فريضة فهو مسلم، أما إن ترك ولو فريضة واحدة عامداً متعمداً فقد كفر، ولو صلى في البيت فهو فاسق لكنه مسلم.

الخوف من الرياء في العمل

الخوف من الرياء في العمل Q أريد الدعوة إلى الله عز وجل لكني أخاف من الرياء فماذا أصنع؟ A أقول لها: عليها أولاً أن تخلص العمل لله عز وجل، وعليها أن تترك هذه الوسوسة؛ لأنه لو أخذ كل إنسان رجلاً كان أو امرأة بهذه الوسوسة وأنه إذا دعا يخاف من الرياء والشهرة لما دعا أحد إلى الله، ولا تكلم أحد بكلمة، فعليها أن تترك هذه الوساوس وأن تخلص عملها لوجه الله، وأن تدعو إلى الله عز وجل على بصيرة، وتعلم أنها من ورثة الأنبياء والرسل بدعوتها إلى سبيل الله عز وجل، ولكن عليها أمران: الأول: ألا تدعو إلا أخواتها من النساء، فإنه ليس للمرأة أن تدعو الرجال أبداً إلا محارمها. والثاني: عليها أن تدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، وألا تكون فظة ولا غليظة، ولا مصدرة لأحكام جارفة جائرة، بل عليها أن تدعو بالتي هي أحسن؛ باللين والهدوء والتحبب والهدايا علًّ الله أن يحببها إلى خلقه، وأن تكون مؤثرة ونافعة ويرفع منزلتها عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في اللباس

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في اللباس أمور الحياة كلها محكومة بشرع الله جل وعلا، ومن ذلك اللباس، فاللباس له أحكام، وله ضوابط لابد للمسلم أن يعرفها. وفي هذا الدرس بيان لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في لباسه، وفيه عرض لبعض الأحكام؛ مثل: حكم إسبال الإزار، وحكم لبس الحرير، وما ورد من أذكار تقال عند لبس الثياب.

اللباس في الكتاب والسنة

اللباس في الكتاب والسنة الحمد لله رب العالمين، الحمد لله نحمده على كل نعمة أنعم بها في قديم أو حديث، ونشكره شكراً جزيلاً، ونصلي ونسلم على معلم الخير، ومعلم البشر، ورسول الإنسانية، وهادي البشرية، ومزعزع كيان الوثنية، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السموات شيِّقات ظِماء والفضا والنجوم والأنواء كلها لهفة إلى المصطفى الهادي وحب مبجل واعتناء حن جذع إليه وهو جماد فعجيب أن تجمد الأحياء معنا في هذه الليلة هديه صلى الله عليه وسلم في اللباس، و Q كيف كان يلبس؟ وما هو قدر اهتمامنا بلباسه صلى الله عليه وسلم؟ وهل أتى ليعلمنا اللباس؟ وأن نلبس غتراً وثياباً وأقمصة وسراويل لتكون محددة؟ A نعم. أتى ليعلمنا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويعلمنا الخير، والهدي، والأدب، والسلوك، والطعام، والشراب، واللباس، فلا نلبس إلا بأمر، ونجتنب المحرم لنكون على بصيرة، فهو قدوة في كل جليلة ودقيقة صلى الله عليه وسلم.

اللباس في القرآن

اللباس في القرآن ولنستمع إلى الإمام البخاري وهو يفتتح كتاب اللباس: بسم الله الرحمن الرحيم: كتاب اللباس: "باب قول الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف:32] " هذه الآية جاءت رداً على الذين كرهوا جمال اللباس، والتزين بنعم الله -عز وجل- وأنكروا أن يتزين الإنسان في الحياة، فرد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم بهذه الآية فقال: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:32] فالطيبات للذين آمنوا في الحياة الدنيا، وهي لهم في الآخرة ولا يدخل معهم الكفار، فالكفار يشاركون المؤمنين في هذه الحياة، بل يزيدون عليهم بالذهب والحرير، والرسول عليه الصلاة والسلام أخبر أنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة. {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف:32] من هذا الذي أحل وحرم غير الله عز وجل وغير رسوله صلى الله عليه وسلم؟ {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:116] فالتحليل والتحريم لا يأتي إلا من الكتاب والسنة، ولذلك دخل في باب التحريم والتحليل أناس ليس عندهم علم، فأفتوا الناس بأن هذا حلال وهذا حرام؛ فافتروا على الله. فالذي يريد أن يحرم فليأتِ بدليل، والذي يريد أن يحلل فليأتِ بدليل، لا يقل: هذا الطعام حرام؛ لأن فيه كيت وكيت. من أين لك تحريمه؟ وقد سمعنا وسمعتم، ورأينا ورأيتم من أدخلته هذه الفتيا في باب الوسوسة، حتى حرم على عباد الله ما أحل الله لهم، وحلل لهم ما حرم الله عليهم، وهو باب خطير يأتي تفصيله. قال ابن القيم كلاماً في إغاثة اللهفان معناه: حملت هذه الوسوسة بعض الناس إلى أن حرموا طعام المسلمين، وأكلوا طعام الملاحدة والزنادقة. فلذلك أباح الله لنا أشياء ذكرها في الكتاب، وذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم، وحرم أشياء ذكرت كذلك.

اللباس في السنة

اللباس في السنة قال البخاري: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة} وهذا الحديث معلق، والمعلق هو: الذي حذف من أول إسناده رجل أو أكثر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أو إلى من دونه. فهذا الحديث معلق؛ لأن إسناده حذف من عند البخاري، {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء:129] أي: لا هي بصاحبة زوج، ولا هي مطلقة. ومر معنا أن المرأة تقول في زوجها: العشنق إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق. فالحديث المعلق هو الذي ليس بموضوع وليس بمسند، وإنما نسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث صحيح وسوف يأتي مسنداً. قوله صلى الله عليه وسلم: {كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة} الإسراف: أن تبذر تبذيراً، وأن تتجاوز الحد في الإنفاق، فكل والبس وتصدق في غير إسراف ولا مخيلة. والمخيلة: أن تأخذ هذا الشيء كبراً وبطراً. إذاً المذموم في اللباس ما حملك على إحدى اثنتين أو عليهما: الكبر أو الترف والتبذير. قال البخاري: "وقال ابن عباس: [[كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطِئَتْكَ اثنتان سرف أو مخيلة]] وهذا الحديث موقوف على ابن عباس، ولو أن بعض أهل العلم رفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. والمخيلة من الخيلاء، وهو الكبرياء، ويستخدم في المعاني والذوات، يقال: هذا في قلبه مخيلة، ويقال في جسمه مخيلة {مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:18] أي: قلبه يفخر، وجسمه يختال، وهذا يحدث في المعاني والذوات، فصاحب المعاني الذي في قلبه كبر يظهر على فلتات لسانه، فتراه يقول: رحت، وذهبت، وقلت، وراجعت، ودخلت، وخرجت وصاحب الخيلاء والكبرياء في الجسم يظهر على حركاته وسكناته من جلسته وتنحنحه، ومن ذهابه وإيابه؛ لأنه عمي عن الإرشاد النبوي الشريف. قال البخاري رحمه الله: حدثنا وكلمة (حدثنا) معلم كبير من معالم أهل السنة والجماعة، وهي متعوب عليها، وهي تربي الرجال والأجيال، حتى يقول أحد الزنادقة -كما يقول ابن تيمية -: اتركونا من حدثنا. قال أحد العلماء: إذا رأيت الرجل يقول: اتركونا من حدثنا؛ فاغسل يديك منه. أي: حارب الإسلام جهاراً نهاراً، وعلم ليس فيه (حدثنا) فمعناه وسوسة، وتنميق الكلام وتصنيف الحديث العلم ما قيل فيه قال حدثنا وما سوى ذاك وسواس الشياطين (فحدثنا) لا بد أن تدخل كل بيت مسلم، ولا بد أن تربي ملكتك الذهنية وأبناءك وبيتك على تذوق (حدثنا) وهي كانت عند السلف الصالح من أروع وأحسن الكلام، قالت الصوفية: نحن نأخذ علمنا من الرزاق ما نأخذه من عبد الرزاق، عبد الرزاق بن همام الصنعاني شيخ أحمد في الحديث، قال ابن القيم في مدارج السالكين: والله الذي لا إله إلا هو لولا عبد الرزاق وأمثال عبد الرزاق ما عرفتم الرزاق ولا عرفتم الخلاق، ويقول غلاتهم: علمنا علم الخرق، وعلمكم علم الورق. ولذلك إذا رأيت إنساناً يستهزئ بالسنة أو بالسيرة أو بالكتب فاعرف أنه قد بلغ درجة من البهيمية -وهذا استطراد إنما نحن عند كلمة حدثنا- والإمام أحمد يقول: إن لم تكن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث فلا أدري من هم. وقال الشافعي: إذا رأيت محدثاً كأني رأيت صحابياً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقالوا لـ أحمد: إلى متى تطلب الحديث؟ قال: من المحبرة إلى المقبرة. فقد كان عمره فوق السبعين وهو مريض، وقد جلد في ظهره، وهو بالمحبرة ينتقل من شيخ إلى شيخ يكتب، قالوا له: تكتب، حتى الآن؟ قال: من المحبرة إلى المقبرة. قال سهل بن عبد الله التستري: حق على المسلم أن يكتب العلم حتى يصب آخر المداد في القبر. أي: يصب عليه في القبر إذا انتهى وذكر ابن قتيبة: أن داود قال لسليمان عليه السلام: "يا بني سجل العلم وقيده في ألواح قلبك". وأخرج عبد الله بن المبارك الإمام الزاهد الكبير العالم المحدث بطاقة وهو على زبالة، فقالوا: مالك؟ قال: مرت من هنا جارية تنشد بيتاً فسجلت هذا البيت؛ لأنه درة في مزبلة. وبلغ من حرصهم على تصيد الفوائد الشيء المذهل، يوم كانوا يعرفون وزن العلم والفائدة، والتضحية من أجل ذلك. قال البخاري: حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم، يخبرونه عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لا ينظر الله إلا من جر ثوبه خيلاء} وهذا الحديث بلاغ للناس، ونظر الله عز وجل معناه رحمته وبره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فالذي يجر ثوبه لا ينظر الله إليه.

مسائل في اللباس

مسائل في اللباس وفي اللباس مسائل، منها: اللباس الأبيَض، ومنها: ذم الشهرة في اللباس، ومنها: التوسط في اللباس، ومنها: التجمل في المناسبات كالأعياد والجمع، ومنها: حكم لبس الحرير، ومنها: جر الإزار ولبس الأحمر إلى غير ذلك من المسائل التي ننبه عليها إن شاء الله.

أجمل اللباس اللباس الأبيض

أجمل اللباس اللباس الأبيض المسألة الأولى: أما أجمل اللباس فهو اللباس الأبيض، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:106 - 107] فالبياض المعنوي أو بياض العاقبة هو علامة السعادة، لا بياض البشرة، فإن بعض الناس أسود البشرة، وهو أبيض السجل والحسنات عند الواحد الأحد، وبعضهم أبيض كالقمر، لكنه أسود الأعمال والسجل والتاريخ عند الله وعند الناس. وما الحسن في وجه الفتى كرم له ولكنه في طبعه والخلائق فإذا جمع الله بين الحسن الظاهر والباطن فهو الكمال، واللباس الأبيض مشرف، وكل شيء أبيض محبوب، قال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {واغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد، ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس} وسبب ذلك أن الثوب الأبيض صاحبه يعتني به، فيبقى دائماً نظيفاً طيباً جميلاً أمام الناس، وأدنى شيء يؤثر فيه. وأما صاحب الثوب الأسود؛ فإنه تمر عليه الأشهر، وهو بحمد الله على حالته لا يتغير، وقد يصبح فيه من السواد والبقع والروابي والأشجار ما الله به عليم، وهو على حاله. فحبذ أهل العلم الثياب البيض، وقد روى الإمام مالك في الموطأ في باب الأدب واللباس، قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[يعجبني أن يكون القارئ ثوبه أبيض]]؛ لأن الأبيض يفتح النفس، وهو يظهر الاعتناء بهذا الدين والتجمل له، وكان عليه الصلاة والسلام يلبس الأبيض، ووجهه أبيض كأنه القمر ليلة أربعة عشر، فإذا اجتمع حسنه على حسن الثياب فهو الكمال المطلق. ولذلك سيد قطب يتساءل كثيراً في سورة التحريم عن هذا الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: إن اختياره لم يكن صدفة، إن الله هيأه ليكون رسولاً للبشرية، حتى في حياته وجسمه وأعضائه وجماله، فهو قوي العاطفة، حي الإحساس، مشرق الإدراك، متحرك مع الناس، يهش للدعابة لكن بلطف ووقار، ويمزح مع أصحابه، ويبكي في وقت البكاء، إنه الكمال البشري المطلق الذي وصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي صحيح البخاري في كتاب اللباس: باب الثياب البيض -شرفها وفضلها- قال سعد رضي الله عنه وأرضاه: [[رأيت بشمائل النبي صلى الله عليه وسلم رجلين عليهما ثياب بيض يوم أحد ما رأيتهما قبل ولا بعد]] فقد نزلت الملائكة يوم بدر وأحد، يقول حسان: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد أشرف بيت قالته العرب في تاريخ الإنسان هو هذا البيت، فقد قيل لأحد أهل الأدب -أظنه النضر بن شميل: - ما أشرف وأفخر بيت قالته العرب؟ قال: قول حسان: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد والصحيح عند أهل السير أن جبريل كان تحت قيادة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن القائد الأعلى لقوات الإسلام في بدر هو المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبعض أهل السير قالوا: لا. جبريل قائد الملائكة -ألف ملك- والرسول صلى الله عليه وسلم قائد الصحابة. لكن الصحيح أن القيادة تعود إليه صلى الله عليه وسلم. فنزلت الملائكة في الثياب البيض لشرفها وفضلها، وهو مقدم إلا للحاجة.

ذم لباس الشهرة

ذم لباس الشهرة المسألة الثانية: ذم الشهرة. في سنن ابن ماجة {أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن ذا الشهرتين} الشهرة الأولى هو: الذي يلبس الغالي المرتفع ويشهر نفسه حتى يلحق بالجبابرة، والشهرة الثانية: الذي يلبس الرخيص الممزق حتى يقال: هذا زاهد وناسك. ولذلك بعض الناس لا يزهد إلا في الثياب، يجمع من الدور والعقار والسيارات والفلل، ويلبس ثوباً بعشرين ريالاً، والدنيا كلها ساكنة في قلبه، في قلبه أسواق ومحلات ومراكز وملبوسات ومطعومات، ولكن عليه ثوب بعشرين درهماً، وبعض الناس من أزهد الناس يلبس من أحسن اللباس، لكن الدنيا خرجت من قلبه. فاللباس ليس هو كل شيء، فإذا رأيت ثياب الإنسان ممزقة فلا تظن أنه قد بلغ إلى رتبة ثابت البناني، أو الإمام أحمد بن حنبل، أو سفيان الثوري حتى ينظر إلى عمله وأخلاقه وسلوكه فمذمومٌ أن يلبس الإنسان الشهرتين، لكن الحديث عند ابن ماجة وفي سنده نظر وفيه ضعف. وقد سبق أن الشهرة الأولى هو الذي يلبس لباساً فاخراً دائماً، فتجده يلبس لباساً يوصله بالجبابرة، ويسبل الثياب، ويتبختر في المشية، فهذا من الجبابرة المشهرين بهم في الدنيا والآخرة، وبعض الناس يتقمص شخصية الموت، وكأنه متصوف هندي من الهندوس يلبس ثوباً ممزقاً إلى الركبة، ثم عليه من الأوساخ والأوزار ما الله به عليم، ولو أنه أحسن في نفسه لغسل ثوبه، وتطيب؛ لأن الدين دين الطيب والإبداع والروعة، وهو دين الإيمان والحب والطموح.

التوسط والتجمل في اللباس

التوسط والتجمل في اللباس المسألة الثالثة: التوسط في اللباس. وأحسن حل للمسلم أن يكون وسطاً من عامة الناس فلا يلحق نفسه بالكبراء، ولا ينزل إلى درجة الذين يُستزرى بهم، لكن يتوسط في اللباس {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3] {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] وفي حديث فيه ضعف: {خير الأمور أوسطها أو أواسطها} أورده ابن الأثير في جامع الأصول وضعفه.

التجمل في المناسبات

التجمل في المناسبات المسألة الرابعة: التجمل في المناسبات. فمن هدي المسلم أن يكون له مناسبات يتجمل فيها، وأحسن ما يتجمل المسلم في المناسبات يوم الجمعة وفي الأعياد {أتى عطارد بن حاجب بحلة له من أرض العراق، فعرضها للبيع، فأخذها عمر وقال: يا رسول الله! خذ هذه الحلة تجمل بها، وصل بها الجمعة، وتجمل بها للوفود. فأقر عمر على هذا، ولكن أنكر عليه أنها من الحرير، وقال: هذا لباس من لا خلاق له. أو قال: إنما يلبس هذه من لا خلاق له يوم القيامة}. فمنع صلى الله عليه وسلم لبسها لأنها من الحرير، وأقر مبدأ التجمل، وقد كان عليه الصلاة والسلام في الأعياد يلبس الحلة الحبرة، من برود اليمن، وهي حمر مخططة، وسوف يأتي حكم اللباس الأحمر. وقد ذهب ابن عباس إلى الخوارج في العراق في النهروان، يجادلهم ويناظرهم، فرأوا عليه بردة بألف دينار، وابن عباس كان من أحسن الناس، كان يلبس بردة بألف دينار، والدينار عشرة دراهم -أي: تعادل عشرة آلاف درهم، وهو ترجمان القرآن وحبر الأمة، وهو الذي كان يبكي من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، فأتى إلى الخوارج فقالوا: أأنت ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام وتلبس هذا؟! قال: أنا أعلم أم أنتم بالرسول عليه الصلاة والسلام؟ قالوا: أنت. قال: والله، لقد رأيته في حلة من أحسن الحلل. البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها لبس صلى الله عليه وسلم الغالي الجميل للوفود، ولبس الطيب ليوم الجمعة، ولبس البرود الحمر للأعياد، ولبس التروس والدروع في القتال، ولبس الصوف المرحل؛ لأنه كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8] لم يتقيد بهيئة في اللباس أو الطعام حتى يضيق على الناس، لا يرد موجوداً ولا يتكلف مفقوداً عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. كان الإمام مالك من أغنى الناس لباساً واعتناءً، وقد ذكر بعض الناس في تراجمه: أنه كانت له عشرات الأحذية. ذكر ذلك التونسي في ترجمة الإمام مالك، ونقلها عن ترتيب المدارك للقاضي عياض، ويقول أحد أهل العلم: دخلت في بيت مالك بن أنس في المدينة، فكأنه من بيت الملوك، الحجبة على بابه، قال: فلما جلست أخذ يلقي إلي الوسائد يمنة ويسرة من كثرتها، ولكن مع ذلك يقول عن نفسه: ما مرت به ليلة، إلا رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، إلا ليلة واحدة. وكان مجلس الحديث في مسجده صلى الله عليه وسلم الذي يقوم به الإمام مالك مجلساً فارهاً، بهياً بديعا ًمن حسنات الدنيا، أتدرون ماذا كان يفعل قبل أن يخرج؟ كان يتهيأ الطلبة للجلوس، فيجلسون وعليهم الثياب والعمائم البيض، ويطيب المكان، ثم يستقبلون القبلة ويجلسون، وبعد قليل يغتسل الإمام مالك، ثم يتوضأ، ثم يلبس ثيابه، ثم يتطيب، ثم يلبس القلنسوة وعليها العمامة، ثم يخرج بالبرد، فتخرج المجامر -وهي المباخر- أمامه حتى يصل إلى المسجد فيجلس على الكرسي، ويبدأ يتكلم، فما يتكلم أحد وكأن على رءوسهم الطير. حتى نسب إلى ابن المبارك أنه قال: جلست عند الإمام مالك، فكان يقرأ الحديث. ووجهه يتغير حتى تغير وجهه ثلاث عشرة مرة، يحمر ويسود، فلما انتهى قلت: مالك؟ قال: لدغتني عقرب ثلاث عشرة مرة. قلت: ولماذا لا تنتهي؟ قال: أقطع كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم من أجل عقرب. قال: ثم قرأ بيده وتفل، فمسح رجله، فكأن ما بها شيء. وما كان يتبسم إلا للحاجة، دخل عليه وفد من أهل اليمن، فقالوا: يا أبا عبد الله! عندنا قوم يأكلون فإذا أكلوا قاموا فرقصوا حتى يتعبوا من الرقص ومن السكار. وهؤلاء غلاة الصوفية. وقالوا سكرنا بحب الإله وما أسكر القوم إلا القصع فقال الإمام مالك: أمجانين هم؟ قالوا: لا. قال: أصبيان هم؟ قالوا: لا. قالوا: فتبسم ثم دخل غرفة عنده، قال أهل المدينة: حسبنا الله عليكم ونعم الوكيل، ما تبسم إمامنا من ثلاثين سنة، وأحرجتموه اليوم حتى يتبسم. لكن نقول: هذا فعل الإمام مالك، وقوله يعرض على صاحب تلك الشريعة الحية عليه الصلاة والسلام، فإن وافق قلنا على العين والرأس، وإن خالف ضربنا به عرض الحائط وقلنا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]. فهذه الأخلاق إذا نقلت لكم عن عالم أو كبير أو زاهد أو وجيه أو إمام تعرض على حياته صلى الله عليه وسلم؛ فإن رماها فلا تصلح، وإن قبلها وأدخلها ومشت فهي صالحة بحمد الله.

النهي عن لبس الحرير

النهي عن لبس الحرير المسألة الخامسة: ومنه لبس الحرير. وهو محرم، ولا يتساهل فيه إنسان، وقد تساهل فيه كثير من الناس، وهو من علامات الساعة، ولبس الحرير لا يجوز إلا بمقدار أربع أصابع، وأشار عمر إلى أصابعه على المنبر رضي الله عنه وأرضاه، وذلك كحاشية الثوب، أو ما ينسج مع الثوب أن يكون لو جمع كله بمقدار أربع أصابع. ولكن يجوز لبس الحرير في موطنين اثنين: الأول: إذا كان من الطب والاستشفاء، وأشار الأطباء أن لباس الحرير يوافق هذا المريض فله ذلك، ففي الصحيحين من حديث أنس {رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف في لباس الحرير} وبعض الأمراض كالجرب والحكة يناسبها الحرير، فإذا أشار الأطباء به فيلبسه المسلم، وهذه رخصة. الموطن الثاني: إذا اصطف الأعداء، ورأى أن عندهم قوة وبهرجان وزينة؛ فله أن يلبس هذا ليرهب الأعداء، ولذلك نقل أن معاوية كتب لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنهم: إن أهل الروم قد فتنوا المسلمين بلبس الحرير، ولبس الديباج. فقال: ألبس المسلمين من هذا الحرير، والرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن مشية الخيلاء، وقال لـ أبي دجانة وهو يختال يوم أحد أمام الأعداء: {إن هذه مشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموقف}. وأبو دجانة أحد الأنصار الكبار العظماء، أتى الرسول صلى الله عليه وسلم قبل معركة أحد فصف الصحابة، والكفار هناك، كل إنسان ينظر بعين زرقاء يريد أن يشرب دم خصمه من المسلمين ومن الكفار، فسل صلى الله عليه وسلم سيفه وقال: من يأخذ هذا السيف؟ فظنوه جائزة أو وساماً وتشريفاً، وقالوا: كلنا نأخذه يا رسول الله! فقال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ -وكلمة (بحقه) يوضع تحتها ألف خط- فنزلت الأيدي إلا يد أبي دجانة، قال: ما حقه يا رسول الله؟ قال: حقه أن تضرب به في الأعداء حتى ينحني. قال: أنا آخذه وأستعين بالله، فلما أخذه أخرج عصابة حمراء كان يخرجها في القتال وعصب بها رأسه، قال الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت -معناه ذبح- فأخذ السيف، قال أنس: فذهبت وراءه، فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد رأيته يكسر بها جماجم الكفار. ومع صلاة العصر عاد به وهو منحني وقال: خذ يا رسول الله! فدعا له صلى الله عليه وسلم. بالخير واليمن والبركة. فهذا هو الذي اختال في هذا الموطن، وليس الاختيال للذين يختالون عند الرقص واللهو واللغو الاختيال والقوة والشجاعة تكون عند ضرب الجماجم، وعند مقارعة السيوف وحطم الرماح. يقول الأنصاري وهو يمدح قومه: إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا صدود الخدود أزوار المناكب صدود الخدود والقنا متشاجر ولا تبرح الأقدام عند التضارب ويقول الأعشى قيس بن ميمون؛ أعشى القلب والبصر، أراد أن يسلم فأرشي إليه بمائة ناقة فعادت به، فلما وصل إلى داره كسرته إحداها فمات. لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار لكنه من الشعراء الكبار، يقول: لما التقينا كشفنا عن جماجمنا ليعلموا أننا بكراً فينصرفوا قالوا البقية والهندي يحصدهم ولا بقية إلا السيف فانكشفوا يقول: كنا ملثمين وأعداؤنا ما علموا أنا بنو بكر بن وائل، فلما حضرنا كشفنا الجماجم فلما علموا انهزموا. وهذه مبالغة كاذبة آثمة خاطئة.

حكم جر الإزار

حكم جر الإزار المسألة السادسة: جر الإزار. وهو موضع حديثنا اليوم، يقول عليه الصلاة والسلام: {لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء} وهنا مسألة، يقول بعض الناس: أنا لا أجر ثوبي خيلاء، إنما أسبلت هكذا، ويعلم الله عز وجل أني لا أجر ثوبي خيلاء. قلنا: وما دليلك أيها المتقي الورع الزاهد العابد المجاهد؟ قال: دليلي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لـ أبي بكر لما شكا إليه وقال: {يا رسول الله! إن إزاري يرتخي لولا أن أتعاهده. قال: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء} فيقول: ما دام أن الرسول عليه الصلاة والسلام أباح لـ أبي بكر أن يجر إزاره، وقال: إنه ليس ممن يفعل ذلك خيلاء، فأنا أفعل ذلك. قلنا له: أنت توقف أمام ثلاث مسائل: المسألة الأولى: الذي زكى أبا بكر هو المصطفى صلى الله عليه وسلم، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:3 - 10] وأما أنت فتحتاج إلى من يزكيك ويشهد لك، ولن تجد مثل الرسول عليه الصلاة والسلام مزكياً. المسألة الثانية: يا أيها الرجل العملاق العبقري، إن المزكى هو أبو بكر الصديق من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول من يأتي مثل أبي بكر؟ أأنت في زهدك وعبادتك مثل أبي بكر؟! لا تعرضن بذكرهم في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمعقد {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]. المسألة الثالثة: نقول: لو فتح هذا الباب لأسبل الناس ثيابهم جميعاً، وقالوا: لا نفعل هذا خيلاء والإنسان يعصي الله عز وجل ويجاهر في ذلك، يسرق السارق من السوق ويقول: أستغفر الله العظيم، اللهم ثبتنا ولا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا يضرب العود ويغني ويقول: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا، اللهم رد هذه الأمة إليك رداً جميلاً يغني ويقولون له: ما هي أمنيتك في الحياة؟ قال: أن ينصر الله المسلمين في فلسطين أنت بعودك هزمت المسلمين، أنت الذي أخر المسلمين عشرين سنة، بمثلك دخل شامير ورابين وموشي ديان بلاد المسلمين، وقصف بلاد المسلمين، وأنت على العود مسخت الأجيال وشباب المسلمين. إسرائيل تدرب الكتائب والجيوش المجيشة، وما عرفت الغناء وحبيبي وحبيبتي، وأنت مسخت الأجيال وتغني لهم وهم يصفقون ويتراقصون، وأما إسرائيل فإنها ما رقصت ولا صفقت، عرفت من أين تأتي، فلذلك لا يصلح هذا الورع البارد المظلم. الإنسان يرى إلى محرمات الناس في السوق، ويقول: اللهم قنعنا بما أتيتنا، وثبتنا واهدنا سبل السلام يقرأ المجلة الخليعة، فيقال له: لماذا لا تهتدي؟ فيقول: أسأل الله أن يهديني، وهل كفرت؟! لا. ما كفرت، لكنك تقترب من الكفر وإن الذي يقترب من الزيغ والفسق والمعاصي يقترب من الكفر، وفي الإسلام خطوط أربعة وهي الدفاعات: الخط الأول: دفاع الإسلام وهو الفرائض. والثاني: السنن. والثالث: الآداب. والرابع: المروءات. فإذا ضرب خط المروءات دخل في الآداب، فإذا انتهت الآداب ضربت السنن والنوافل، فإذا ضربت السنن دخل الجيش على الفرائض، فإذا ضربت الفرائض دخل الإنسان في الكفر، نعوذ بالله {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5] يقول المتنبي: وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل

حكم اللباس الأحمر

حكم اللباس الأحمر المسألة السابعة: نهى صلى الله عليه وسلم عن الركوب على المياثر الحمر. وعن لبس اللباس الأحمر، فما هو هذا اللباس؟ بينما سوف يمر معنا بعده حديث البراء بن عازب {أن الرسول صلى الله عليه وسلم لبس بردة حمراء، أو صلى في بردة حبرة حمراء} فكيف نجمع بين النهي والفعل؟ و A أما اللباس الأحمر الخالص فلا يجوز لبسه، وهو من لباس النساء، وأما الثياب المخططة التي فيها خطوط حمر وبيض، أو خضر أو سود فلا بأس، وهذا هو الأحمر المخطط المعلَّم كما قال ابن القيم، أما الأحمر الأصم الخالص، فهذا للنساء ولا يجوز لبسه للرجال؛ لأنه من لباس النساء، وفيه من الميوعة والأنوثة، والانهزامية والفشل ما الله به عليم، ولباس الرجال لا بد أن يجمع القوة والإبداع والجمال؛ لأن هذا دين القوة، والإبداع، والجمال. ويلحق بالجواز الغتر لأنها مخططة، ولو كانت حمراء خالصة لقلنا: هذا في الثياب، أما الغتر فيجوز.

حكم اللباس الأسود

حكم اللباس الأسود المسألة الثامنة: هل يجوز للمسلم أن يلبس الأسود أم لا؟ لبس الأسود فيه تشاؤم، لكن ورد أنه صلى الله عليه وسلم لبس أسوداً، وقف أبو مسلم الخراساني الذي قتل ألف ألف من المسلمين، وهو مقيم الدولة العباسية، ولذلك قيل: ثلاثة نقلوا دولاً إلى دول، الاسكندر المقدوني نقل دولة إلى دولة، وبختنصر البابلي، وأبو مسلم الخراساني نقل دولة بني أمية إلى دولة بني العباس، وهو الذي أتى بأعلامها. قام يوم الجمعة يخطب الناس وعليه ثياب سود؛ لأن شعار لباس بني العباس الثياب السود، يسمى شعار الصولة والدولة والهيبة لبسوه، لكن الإمام أحمد لم يلبسه؛ لأن الأسود مذموم دائماً، فقام أبو مسلم الخراساني فتكلم، فقام رجل من وسط الناس وقال: يا أبا مسلم! كيف تلبس الثياب السود، وقد نهى عنها صلى الله عليه وسلم؟ قال: حدثني فلان -الرجل صاحب حديث، وهو صادق في الحديث، كذاب دائماً إلا في هذا الحديث- عن فلان، عن فلان، عن أبي الزبير، عن جابر {أن الرسول عليه الصلاة والسلام دخل الحرم وعليه عمامة سوداء} والحديث في صحيح مسلم، قال أبو مسلم: يا غلام! اضرب رأس الرجل. فتقدم أحد غلمانه فضرب رأسه، فإذا رأسه في واد وجثمانه في واد، {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [البقرة:134]. لكن الله يبتلي الظالم بأظلم منه، فرصد له أبا جعفر المنصور حتى استخرجه كما تستخرج الحية من جحرها، وكان أبو مسلم جبار من الجبابرة، معه ألوف مؤلفة من أهل خراسان العجم يمشون في موكبه، لو قال لهم: اقتلوا من شئتم لقتلوه، وكان أبو جعفر من أدهى دهاة الدنيا، فأخذ يستدرجه ويتملح له، وكان أبو مسلم من قواده لكنه خرج عن الطاعة، ومن أعظم مصائبه أنه كتب له ائتني الزكاة التي قبضتها. فقال: لا زكاة لك عندي. ذهب معه في الحج؛ فسبقه وأخذ يقود الحجاج وترك الخليفة، ولو قال له: اذهب إلى الشمال لذهب إلى الجنوب عصى وتمرد فأتى أبو جعفر بحنكته فلبس -وهذا في باب اللباس- فروة ممزقة وقال: والله الذي لا إله إلا هو، لا أنزعها من على جنبي حتى أقتل أبا مسلم. فدخل أحد وزرائه عليه، فقال: كيف تلبس هذا وأنت خليفة؟ قال: قد يدرك الشرف الفتى وقميصه خلق وجيب قميصه مرقوع وفي الأخير كتب إلى أبي مسلم رسالة رقيقة كأنها تسيل بالدموع وعليها الورد والياسمين، وقال: أقدم إلينا، فقد قصرنا في ضيافتك، وفي جوائزك؛ فأنت الذي فتحت الفتوح -وهو صادق- فأُرسِلَتْ الرسالة، فاستشار أبو مسلم وزراءه، فقالوا: لا تقدم فيذبحك. فأرسل له رسالة ثانية: يا أبا مسلم! لا يغرنك حلمي، فوالله، لو وقعت في النار، لوقعت وراءك في النار، والله لو سقطت في البحر لسقطت وراءك في البحر يهدده مرة ويدغدغه أخرى. وفي الرسالة الثالثة أرسل إليه أعمامه، وقال: تحببوا إلى الرجل وعانقوه. وبنو العباس من أحفاد ابن عباس ترجمان القرآن وهم أهل الخلافة. فذهب أعمامه إلى أبي مسلم، ودهدهوه، وعانقوه، ومشوا حفاة أمامه، وهو علج لا يساوي ريالين، فتكبر عليهم. في الأخير أرسل له رسالة رابعة وقال: أقدم علي ولك الأمان. فأعطاه الأمان، فظن أنه لا يغدر، لكنه غدر به -نسألة الله العافية- فلما أتى بالأمان مع ذلك أخذ عشرين ألفاً من الحرس، عشرة آلاف على ميمنته، وعشرة آلاف على مسيرته، ودخل بغداد، وكان أبو جعفر المنصور ذكياً فقال لأعمامه: إذا دخل بغداد فاستقبلوه في الطريق وامشوا حفاة، فاستقبلوه ومشوا حفاة، وقال لهم أبو جعفر: لا توهموه بشيء أبداً، فدخل بحرسه حتى طوَّقوا قصر الخليفة، وسلم عليه الخليفة، وحياه وعانقه عناقاً حاراً أخوياً ما سمع في التاريخ مثله، ثم أجلسه فتركه في الضيافة ثلاثة أيام. ثم قال له: يا أبا مسلم! أما تريد أن تسبح معنا في دار الخلافة؟ -في دار السلام في بغداد - قال: نعم. فأمر جيش الخلافة أن يوزعوا هذا الحرس في كل مكان، فأدخلوهم في الثكنات وأغلقوا عليهم، وقال: علي به في الصباح. فأدرك أبو مسلم الموت، وقال أبو جعفر لأربعة من حراسه: أنتم وراء الستار، فإذا صفقت فاخرجوا فاقتلوه، فلما أدرك الموت قال لعم أبي جعفر عبد الله بن علي: ادخل معي هذا اليوم استنقذني من هذا فإنه سوف يقتلني، قال: أنا أتوضأ واسبقني عنده وسوف آتيك، وكان كلما دخل في باب أغلق عليه، سبعة أبواب، حتى لا يأتي أحد بعده، والحرس عنده، حتى دخل عند الخليفة وحده، وعنده خنجر في وسطه، وهو خائف ويريد أن يقتل الخليفة، وأبو جعفر ليس عنده شيء سوى سيف تحت فراشه. فقال أبو جعفر: أرني هذه الحربة، من أين أخذتها؟ فتوهم بعد أن مازحه، فأعطاه الحربة، فسلها وجعلها تحت الفراش، ثم قال: مالك سبقتني في طريق الحج؟ قال: فعلت كذا وكذا. قال: مالك تخطب أختي وهي من بني العباس وأنت علج فاجر؟ قال: فعلت كذا وكذا. قال: مالك منعتني الزكاة؟ ثم قال: الله أكبر، حق عليك يا مجرم، ثم ضرب بين يديه فخرج الحرس فقتلوه، ثم وضع في كسائه ووضع عند أرجل الناس، فدخل عبد الله بن علي ذاك الواسطة القوي الشفيع، وقال: أين أبو مسلم؟ قال: هذا هو في هذا الكساء صل عليه، ثم رمي على رءوس الناس، فكأنها ما تناطحت في قتله عنزتان. الشاهد: أن الأسود لبسه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جاء من حديث أبي الزبير عن جابر في صحيح مسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- دخل وعلى رأسه عمامة، ذاك القائد الرباني الرحيم الرءوف، الذي سيرة كل من سار على غير منهجه تلقى ويضرب بها عرض الحائط، فليست بسيرة، وليست بأخلاق ولا أدب.

اللباس وحسن المقصد

اللباس وحسن المقصد المسألة التاسعة: لبس المقاصد. هناك من يلبس المقاصد وهو مأجور، وإنما الأعمال بالنيات، والله سبحانه وتعالى أعلم بنيتك، فإن كنت تلبس اللباس الجميل لتظهر جمال الإسلام، وجمال العلم والدعوة، فأنت مأجور مشكور وإن كنت تلبس الداني الرخيص المتبذل تواضعاً لله واحتساباً عند الله، فأنت مأجور مشكور. الكل يعرف علي بن أبي طالب، ولا ينكره أحد، والمعارف لا تعرَّف بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر قلن تعرفن الفتى قلن نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر دخل وتولى الخلافة أربع سنوات وقيل خمس، والخمس أولى، نزل الكوفة وعليه ثوب بأربعة دراهم، قطعه من أنصاف ساقيه، وركب الحمار وجعل أرجله الاثنتين على جنب الحمار، ثم دخل فلما رآه الناس قاموا، فقال: [[أنا أبو الحسن، أهنت الدنيا أهانها الله]]. وعمر بن الخطاب لبس برداً مرقعاً فيه أربع عشرة رقعة، وكان يصلي به في الناس رضي الله عنه وأرضاه، ولا بأس أن نعيد قصة طالما أعدناها، لكن علها أن تقف في القلوب شواهد، وفي الأذهان دلائل، وفي البصائر معالم. أتى رسول كسرى من بلاد فارس ليفاوض عمر بن الخطاب، فلما دخل المدينة سأل عن عمر، فلم يجده في بيته، فذهب إلى المسجد فلم يجده، قال: أين بيت الخليفة؟ قالوا: هذا البيت. قال: ليس بصحيح، أين حرسه؟ قالوا: لا حرس له، قال: أين دنياه؟ قالوا: لا دنيا له. قال: أين أجده؟ قالوا: أبحث عنه. فذهب الصحابة يبحثون عنه، فمروا بشجرة في ضاحية من ضواحي المدينة، وإذا بـ عمر نائم تحت الشجرة ضحى، درته التي يخرج بها وسواس الشيطان من الرءوس عند رأسه -أي إنسان عنده وسوسة في رأسه، فإنه يزيلها إما بدرته، وإن لم ينفع فيستخدم سيفاً أملح- فلما رآه قال: هذا الخليفة؟ قالوا: هذا الخليفة. وإذا ثيابه ممزقه، عليه برد ممزق مرقع، فأخذ يرتجف الوزير الفارسي، وذهل. وقال: حكمت فعدلت فأمنت فنمت. فقام عمر فذهل الرجل أكثر وأكثر، وأخذ يفاوضه، فكاد يجن الرجل من عقل عمر، ومن تفوقه وذكائه. قال حافظ إبراهيم: وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عقلاً وهو راعيها رآه مستغرقاً في نومه فرأى فيه الجلالة في أسمى معانيها فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها فقال قولة حق أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها ذكر الغزالي أن عيسى بن مريم عليه السلام أخذ حجراً ينام عليه -وسادة- فقد كان من أزهد الناس عيسى عليه السلام، يلبس الصوف، وينام ومخدته الحجارة، وفراشه التراب ولحافه السماء فقال له الشيطان: يا عيسى بن مريم! أما تركت الدنيا وطلقتها؟ قال: نعم. قال: فما بالك تتوسد منها؟ قال: فرمى بالحجر وتوسد ذراعه. والعهدة على حجة الإسلام محمد بن محمد أبي حامد الغزالي.

رؤية الثوب الأبيض في المنام

رؤية الثوب الأبيض في المنام المسألة العاشرة: من رؤي في المنام وعليه ثوب أبيض رأيت حبيبك وقريبك عليه ثوب أبيض، فما هو تأويل هذه الرؤيا؟ أقرب ما يكون أنه الخير -إن شاء الله- واليمن والبركة والسعود والأجر والثواب، فتبشر بذلك خيراً. وجاء في حديث ذكره ابن حجر المكي: أن الرسول عليه الصلاة والسلام سئل عن ورقة بن نوفل فقال: {رأيت عليه ثياباً بيضاء ولو كان من أهل السوء لما رأيت عليه ثياباً بيضاء} فاستدل بهذا على أن الثياب البيض علامة الخير. ولا نقول: إن من رؤي عليه ثياب سود أنها علامة السوء، لا. نتوقف عند هذا، ولا يتسرع في تعبير الرؤيا والأحلام، يأتي واحد فيقول: رأيت عمي جالساً -قد مات- وهو يأكل ويشرب، ثم بكى بعد أن أكل وشرب، فما تأويل الرؤيا هذه؟ فيأتي أحد الناس ويقول: عمك -إن شاء الله- من العشرة المبشرين بالجنة، وأما علامة الأكل فهو {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] وأما البكاء فهو البكاء من خشية الله. كان شيوخ القمر يجتمعون في البصرة وفي الكوفة بعد صلاة العشاء، لا يقرءون ولا يبحثون ولا يتساءلون، بل ينظرون إلى القمر ويخططون، ويقولون: يموت فلان يوم كذا، ويموت فلان يوم كذا، ويحيا فلان يوم كذا. فهؤلاء شيوخ القمر الذين يعبرون الرؤيا مثلما اتفقت.

من رئي في المنام وعليه قميص يجره

من رئي في المنام وعليه قميص يجره المسألة الحادية عشرة: إذا رأيت حبيبك أو قريبك أو صديقك وعليه ثوب يجره في المنام فهذه علامة خير، ففي صحيح البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {عرض علي الناس في المنام البارحة وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين}. ويُتساءل: هل يجوز للإنسان أن يجر قميصه ما دام أن عمر يجر قميصه في المنام؟ قلنا: لا. هذه أحكام منام، وهذه أحكام يقظة. وهذا مثل تصحيح الحديث عند بعض الناس في المنام، وهذا موجود أورده ابن مندة، فقد جاء بأحاديث وقال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، فسألته عن هذه الأحاديث، فقال: هي صحيحة. وبعضهم يقول: هذا من زيادة الكذب، حتى يقول الذهبي أورد كذبة لبعضهم وقال: هكذا فليكن الكذب. الذي يكذب مثل هذه وإلا فلا، فإن بعضهم يقول: سافرت ووصلت المدينة، وصليت ركعتين ووصلت إلى القبر، فقلت: يا رسول الله! حدثني فلان عن فلان عن فلان عن فلان من الصحابة عنك أنك قلت كذا. فقال: هذا صحيح. وبعض الكذب متعوب عليه، أي: يستاهل، كذب على مزاجك، وبعض الكذب يدخل فيه شيء، لكن الكذب على المزاج يستحق أن تعرف العقول أنه كذب. وأكثر ما يصاب الكذابين بمعرفة التاريخ؛ فإن ابن مسعود رضي الله عنه مات قبل صفين، فأتى أحد الكذابين وقال: حدثنا فلان، قال: كنا في معركة صفين فخرج علينا ابن مسعود وعليه حزام من ليف، يظن هذا الكذاب أن ابن مسعود بقي حياً إلى بعد صفين، فسمع الحديث الإمام أحمد؛ فتبسم وقال: أتظن أن ابن مسعود بعثه الله من القبر حتى حضر صفين؟! بعض الناس ينسى الوقائع والتاريخ. فالمقصود من رؤي في المنام وعليه قميص يجره فهذا علامة الخير إن شاء الله، والرؤيا أكثر ما يكذب فيها بعض الناس، وفي الحديث الصحيح: {من تكلف غير ما ترى عيناه، كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بقادر} فيقوم أحدهم عند الإفطار فيرى أهله ويريد أن يتحبب إلى زوجته، فيقول: رأيتك في الجنة البارحة وأنت في قصر أبيض كالربابة. فتقول ابنته: وأنا. فيقول: رأيتك على يمين الجنة عندك سبعة قصور. ويقول ولده: أين أنا؟ فيقول: تشرب من الرحيق المختوم. فهذا من الكذب. وبعضهم يموت ابن لقريبه فيريد أن يواسيه في المصيبة، فيقول: أبشر، ابنك -إن شاء الله- سعيد، رأيته البارحة في الجنة، ويقول: أين أبي وأين أمي؟ قال أهل العلم: أكثر ما يكذب في المنام، هو الأكثر كذباً في اليقظة وفي حديث صحيح ما معناه: {أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً} وأصدق الناس لهجة محمد عليه الصلاة والسلام، ما كذب كذبة واحدة في التاريخ، لا في الليل، ولا في النهار، ولا في الصيف، ولا في الشتاء، ولا في السماء، ولا في الأرض، ولا يقظة، ولا مناماً، ولا في أي مكان، ما كذب كذبة أبداً، فكان أصدق الناس رؤيا، يرى الرؤيا فتأتي مثل فلق الصبح. يقول قبل معركة أحد: {رأيت كأن ذباب سيفي كسر، وكأن أبقاراً تنحر، وكأنني أدخلت يدي في درع حصينة. قالوا: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: أما إدخال اليد في الدرع فهذه المدينة المنورة، وأما كسر ذباب السيف فهذا رجل من أقاربي يقتل غداً، وأما الأبقار التي تنحر فهؤلاء الشهداء من المؤمنين، وعند الله خير} وفي الصباح بدأت المعركة، وآوى المؤمنون إلى المدينة، وقتل حمزة، وقتل سبعون من الصحابة، فهذه رؤيا من الرؤى التي رآها صلى الله عليه وسلم.

التصدق بالثياب الملبوسة والمستعملة

التصدق بالثياب الملبوسة والمستعملة المسألة الثانية عشرة: هل لك أن تتصدق بلباسك وتخفف منها؟ هل من المروءة عند الناس أن إذا عرض لك فقير وسألك؛ أن تخلع له غترتك، وتقول: تفضل؟ أو شيئاً من لباسك الداخلي أو الخارجي؟ حدث هذا عن المصطفى عليه الصلاة والسلام، أتت امرأة فنذرت لله عز وجل أن تلبس الرسول عليه الصلاة والسلام حلة، فذهبت فنسجت حلة، وتعبت عليها والحلة من أحسن اللباس- لتكون هدية طيبة إلى المصطفى الطيب صلى الله عليه وسلم، فلما نسجت الحلة ذهبت بها إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال الصحابة: فلبسها محتاجاً إليها. كانوا في قلة من اللباس والطعام والشراب، لبسها محتاجاً إليها، فلبس الحلة عليه الصلاة والسلام وخرج إلى الناس، فلما خرج قام رجل في الطريق، وقال: يا رسول الله! ألبسني هذه الحلة. قال: انتظر قليلاً، فذهب صلى الله عليه وسلم إلى بيته وغير ملابسه الأولى الممزقة، وأعطاه الحلة، فأمسك الأنصار بالرجل وقالوا له: فعل الله بك وفعل، صنع الله بك وصنع، لبسها صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليه، وأنت تسأله وتعرف أنه لا يقول (لا). فإن كلمة (لا) ليست في قاموسه عليه الصلاة والسلام إلا في لا إله إلا الله ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان ولا يعروهما عدم ذكر البزار عن شيخ الإسلام ابن تيمية في الأعلام العلية، قال: كنت أرافقه فربما عرض له الفقير المسكين، فيبحث ابن تيمية فلا يجد دراهم في جيوبه، ويبحث عن الخبز فلا يجد خبزاً، فيختفي ويخلع أحد ثوبيه ويعطيه الفقير. قال: فعرض له فقير مرة فسأله سؤالاً، فما وجد ابن تيمية إلا ثوباً عليه، ولم يجد دراهم ولا خبزاً ولا شيئاً، فأخذ عمامته فقسمها نصفين وأعطى الفقير نصفها. ما هذه الأخلاق؟! إنها أخلاق الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر. وورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: {من كسا مسلماً على عري كساه الله من حلي الجنة} والحديث يقبل التحسين، وفي حديث ابن عباس الصحيح: {يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا بن آدم! جعت فلم تطعمني، قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان جاع فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي؟ يا بن آدم! مرضت فلم تعدني، قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته وجدت ذلك عندي؟ يا بن آدم! استكسيتك فلم تكسني، قال: كيف أكسوك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان استكساك فما كسيته؟ أما علمت أنك لو كسيته وجدت ذلك عندي؟}.

أذكار واردة عند لبس الثياب

أذكار واردة عند لبس الثياب المسألة الثالثة عشرة: ماذا يقول من لبس ثوباً؟ من السنة إذا لبست ثوباً أن تقول: {اللهم إني أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر من صنع له، الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في الناس}. اللباس من الله، والطعام من الله، والماء من الله {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53]. إذاً: لا بد أن يعرف هذا الذكر ليقال؛ لأن أهل السنة دائماً يعتنون بالأذكار {من قال هذا الدعاء ثم عمد إلى البالي من ثيابه فتصدق بها، ستره الله في هذا الثوب حياً وميتاً} فمن السنة إذا لبست جديداً فاعمد إلى بالي ثيابك فتصدق بها على الناس، ولا تقل: ليس في المجتمع من يحتاج، بل في المجتمع من يحتاج إلى مزق الثياب وكسر الخبز، وهل أنت طفت العالم، ورأيت المجتمع، واستقصيت الأحوال؟ إن الذي يجلس على الموائد الشهية، ويركب المراكب الوطية، ويسكن في الفلل البهية، يظن أن الناس بهذه العيشة المرضية، لا. والإنسان إذا بحث عن الفقراء فإنه سوف يجد الفقراء والمساكين. وهذا الحديث في عمل اليوم والليلة، وهو بشواهده يقبل التحسين، والرسول عليه الصلاة والسلام رأى عمر بن الخطاب وعليه ثياب بيض فقال: {البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً} فلبس عمر جديداً، وعاش حميداً، ومات شهيداً، رضي الله عنه وأرضاه.

أعظم لباس هو لباس التقوى

أعظم لباس هو لباس التقوى المسألة الرابعة عشرة: أعظم لباس {ولِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26] إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسياً فمن استتر بستر الله من الطاعات والعبادات والأخلاق الجميلة، ستره الله في الدنيا والآخرة، ولو كان في قلة من الثياب، ومن تكشف أمره بالمعاصي والذنوب والخطايا لا يستره الله ولو لبس ما في الدنيا من ثياب {ولِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26] فأحسن لباس -يا عباد الله- لباس التقوى، وإني أدعو نفسي وإياكم إلى التلبس بهذا اللباس بالأخلاق الجميلة بالتواضع بالصدق مع الله والإخلاص، لعل الله أن يلبسنا وإياكم التقوى في الدنيا والآخرة، فإن من ألبسه الله التقوى نجح في الدنيا والآخرة، ولا يخاف ظلماً ولا هضماً. قال البخاري: وعن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة. قال أبو بكر: يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لستَ ممن يصنعه خيلاء} مر هذا معنا وأن بعض الناس يقول: إن ثوبي طويل، وأنا لا أفعل ذلك خيلاء، فنقول: الإزار غير الثوب، فالإزار هو ما يلف بشيء، أو يربط، أو يعقد عند الأزرة، فهو يرتخي بالطبع. أما الذي يذهب إلى الخياط، فيقول: أسبله في الأرض، فهو الذي تعمد، وهو الذي أتى بهذا الخطأ وهذا الذنب، ولا يقل فيما بعد: الخياط هو الذي فعل كذا، وكثير من الناس إذا قيل له: ارفع إزارك، قال: حسبنا الله على الخياط. سبحان الله! هذا الخياط كيف تعرض للمسلمين دائماً في تطويل ثيابهم، وإذا قيل له: ربِّ لحيتك، قال: حسبنا الله على الحلاق. أصبح الخياط، والحلاق، والفران، والخباز، والغسال، المسئولين عن عقائد الناس، وعن عباداتهم وآدابهم، ومتى كانوا كذلك؟ إنما هم يفعلون ما يؤمرون، لا يعصون أبداً، فأنت إذا اتقيت الله عز وجل لا يصيبك لوم. وعلى المسلم ألا يستنكف عن السنة، حتى إن بعضهم يقول: العصر لا يناسب أن نجعل ثيابنا فوق الكعب. نحن لا نقول: يرفعها كثيراً، لكن فوق الكعب، وسوف يجملك الله عز وجل ولو فوق الكعب، أما أن تسحبها سحباً فإنك لست مسئولاً عن كنس الشوارع ولا الأحياء، فقد تولاها غيرك، فأنت -بارك الله فيك- لباس التقوى هذا هو لباس عباد الله الصالحين، ولباس المصطفى عليه الصلاة والسلام. عمر رضي الله عنه طعن وهو في سكرات الموت، وأتى شابٌ يجر إزاره، فقال له: [[يا بن أخي، ارفع إزارك فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك]] وفي بعض السير [[أتقى وأنقى وأبقى]] فهو أبقى للثوب، وأتقى لله، وأنقى للثوب من النجاسات، وهل تدلك الشريعة إلا على ما فيه خير لك في الدنيا والآخرة، وكلما علم الله أنك تريد التقيد بشرعه كلما زادك من الخير والفضل والحسن في الدنيا والآخرة، وهذه الشريعة لا يستنكف ولا يتكبر عليها. عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: {خسفت الشمس ونحن عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقام يجر ثوبه مستعجلاً حتى أتى المسجد، وثاب الناس فصلى ركعتين، فجلي عنها -أي: عن الشمس- ثم أقبل علينا وقال: إن الشمس والقمر آيتين من آيات الله، فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا وادعوا حتى يكشفها} أي: يكشفها الله عز وجل. وهذا الحديث له قصة: مات ابن الرسول عليه الصلاة والسلام إبراهيم، وعمره ما يقارب السنتين، فلما مات كان من قضاء الله وقدره أن يكسف بالشمس في ذلك اليوم، لا لموت ابنه، فلما كسفت الشمس في ذلك اليوم قام عليه الصلاة والسلام من مجلسه، يجر إزاره، وفي بعض الألفاظ سقطت عمامته في الأرض خائفاً أن الساعة قامت؛ لأنه أول مرة في حياته تكسف، وما كان يعرف صلى الله عليه وسلم أن هذا سوف يقع، فقام إلى المسجد وقام الناس وراءه، وتباكى النساء والأطفال، وثوب بالصلاة ودخل يصلي، والبكاء يقطع صوته صلى الله عليه وسلم، فقرأ سورة البقرة، وفي أثناء الصلاة تأخر قليلاً وتقدم قليلاً، فلما سلم قام فألقى خطبة عظيمة، لأنه سمع الناس يقولون: كسفت الشمس لموت إبراهيم فقال: {إن الشمس والقمر لا تكسفان لموت أحد ولا لحياته، إنما هما آية من آيات الله يخوف الله بهما عباده قالوا: يا رسول الله! نراك تقدمت؟! قال عليه الصلاة والسلام: عرض علي عنقود من عناقيد الجنة، ولو أخذته لأكلته ما بقيت الدنيا، ثم رفع العنقود. قالوا: ورأيناك تأخرت؟! قال: رأيت عمرو بن لحي الخزاعي الذي سيب السوائب يجر قصبه في النار. وفي لفظ: عرضت لي النار كعرض هذا الحائط، وعرضت لي الجنة فلم أرَ كالخير والشر اليوم} فما أحسن الخير وما أشد الشر! هذا مناسبة الحديث. فهو صلى الله عليه وسلم لم يجر إزاره متعمداً، وإنما للخوف وللخشية نسي من نفسه صلى الله عليه وسلم، فارتخى الإزار فقام يزحف إلى المسجد ليصلي بالناس. إذاً: فالرسول لم يجر الإزار متعمداً، وليس فيه دليل لمن جر ثوبه أو إزاره، بل هذا حدث على خلاف المراد والمقصود.

الأسئلة

الأسئلة

اللباس الموافق للسنة

اللباس الموافق للسنة Q ذكرت اللباس، فما هو لباس السنة من الثوب والبنطلون وما شابه ذلك؟ A اللباس -أولاً- من المصالح المرسلة، التي على الإنسان ألا يتكيف بكيفية محددة، فلم يكيفه الله عز وجل ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يقول: يا أيها الناس! لا بد أن تلبسوا العمائم أو البنطلون، لا. إنما المقصود ألا يكون فيه محرماً أو ضيقاً أو شفافاً أو ما يكشف العورة، هذا هو المحذور، أما غير ذلك فلكل بلد، ولكل شعب، ولكل أمة لباس يتعارفون عليه، فنحن هنا في بلادنا لا نقول: هو لباس السنة وأما غيرنا فلا. فإن أهل العمائم مثل السودان وغيرهم، يقولون: نحن أقرب، وهم في العمائم أقرب، وغيرهم من أهل مصر ربما يدعون أموراً ويقولون: لباسنا أخف وأقرب متناولاً ومداولة في الأعمال، فنقول: لا. اللباس إذا كان حلالاً فما تعارف عليه الناس، ولم يخرج إلى حد الحرام فهو المطلوب، ولكلٍّ مروءة وعرف. والعرف يدار عليه بعض أحكام الشريعة، فمن العرف أن تلبس لباس بلدك الذي تعيش فيه وهو من المروءة، فإن عندنا إذا نزل أحدنا إلى السوق وليس على رأسه شيء، فهو من خوارم المروءة، مع أنه جائز، لكنه خفة وطيش، وقلة مروءة، أو يأتي أحد في فنيلة وسروال ويدور في السوق، فنقول: مالك؟ قال: من تواضع لله رفعه ومن تكبر على الله وضعه. قلنا: ما شاء الله يا هذا الورع المظلم البارد، بل هذا من قلة العقل وقلة المروءة. فلا يلام أحدٌ بأحد، ومن يلبس عندنا لباس المغاربة ويقول: هو ليس محرماً. وهو أحد رجلين: أما واهم ويظن أن هذا هو السنة، أو رجل في عقله شيء. إذاً إذا خلا اللباس من المحرم أو التشبه بالكفار قلنا بجوازه، أما إذا أتى أحد يتشبه بالكفار والخواجات، وبشيء ما أتى به الدين، قلنا كما في الحديث الصحيح: {من تشبه بقوم فهو منهم}. إذاً فليس هناك لباس محدود، وأنت البس ما شئت، لكنك تراعي العرف العام للمجتمع وللبلد الذي تعيش فيه، البس في كل زمان ومكان وظرف ما يناسب زمانه وظرفه ومكانه.

سبب قلة أحاديث أبي بكر عن الرسول

سبب قلة أحاديث أبي بكر عن الرسول Q لماذا كان أبو بكر أقل الصحابة حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ A السائل صدق، أبو بكر من أقل الصحابة حديثاً، ألكثرة نومه؟ ألجلوسه في البيت؟ ألمطاردة التجارة والزراعة؟ لا. أبو بكر أقل الناس حديثاً؛ لأنه أقام الدولة الإسلامية بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولأنه اشتغل بضرب جماجم الكفار، ولأنه أسس منابر العدل، ووزع الجيوش، وأقام الأعلام، ورفع الرايات، واشتغل بأمور الأمة، فكفل اليتيم، وقام على الأرملة، وأشبع الجائع، وحكم، ونصر المظلوم، وأقام العدالة، فما تفرغ ليجلس للناس ويقول: حدثنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فـ أبو هريرة أكثر منه حديثاً، وأبو بكر أعظم منه وأفضل منه في الإسلام وأجل، فليست المسألة مسألة حديث، لكن مسألة البلاء الحسن، والجهد والطاقة التي صرفها في سبيل الله.

صلاة التسابيح

صلاة التسابيح Q هل ورد في صلاة التسابيح حديث صحيح؟ A ألف ابن ناصر أحد علماء القرن السادس رسالة في صلاة التسابيح، ومن أهل العلم من صحح الحديث، ومنهم من حسنه، ومنهم من ضعفه، ومنهم من وضعه، والصحيح أن الحديث ضعيف ولا يعمل بهذه الصلاة، ولو أن بعض العلماء حسنوه وقبلوه، وهم مأجورون؛ لأنهم اعتقدوا حسن الحديث، والصحيح أن صلاة التسابيح لا تصح فلا تصلى، وفيما صح كفاية، وياليتنا نقوم بالضحى، والوتر، ومن استطاع قيام الليل؛ حتى نخرج إلى الأحاديث الموضوعة.

حديث (وبحق السائلين)

حديث (وبحق السائلين) Q ما مدى صحة الحديث {وبحق السائلين}؟ A ورد في السنن أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول إذا خرج إلى المسجد: {اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، فاغفر لي ذنبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت} هذا الحديث ضعيف، في سنده عطية بن سعيد العوفي، وهو ضعيف عند أهل العلم، فضعف به السند، والحديث في معناه يمكن أن يكون، لكن في الطريق عطية وابن تيمية ضعفه ثم شرحه، قال: إن كان بحق السائلين، فحق أوجبه الله على نفسه، لم يوجبه أحد من الناس، فإن للسائل حق أن يعافيه الله عز وجل، وللمذنب إذا استغفر أن يغفر الله له، وللتائب حق إذا تاب أن يتوب الله عليه، فهو حق أوجبه الله على نفسه ولم يوجبه أحد من الناس.

حديث (ما أخذ بالحياء فهو حرام)

حديث (ما أخذ بالحياء فهو حرام) Q ما مدى صحة {ما أخذ بالحياء فهو حرام}؟: A هذا الحديث لا يصح، وهو من الآثار التي لا ترفع إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، والعجيب أن الناس يحفظون الأحاديث الموضوعة، وأما الأحاديث الصحيحة فبحفظ الله ورعايته لم يحفظوا إلا القليل، أحد الناس يقول: كما يقول صلى الله عليه وسلم، لما قيل له: ما أخرك يا رسول الله؟ قال: أصنع لكل حق طبق. حتى الكلام ليس من كلام العرب ولا العجم ولا الفرنسيين، (طبق وحق) فهذا ليس من لفظه صلى الله عليه وسلم. وقد سمعت أحد الإخوان من المشايخ يقول: سمع في جلسة أن أحد القصاص يقص في مجلس، فقال: ذهب رجل منا -من عسير- إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! هل من ام بر ام صيام في ام سفر؟ قال: {ليس من ام بر ام صيام في ام سفر يا صبي عسير}. فاللفظة هذه ما أحسنها! ما دخلت الكتب ولا العقول، فمثل الأحاديث الموضوعة هذه تتجنب، وحديث: {ما أخذ بالحياء فهو حرام} لا يصح وليس مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم.

حكم رفع الثوب إلى الركبتين

حكم رفع الثوب إلى الركبتين Q ما حكم رفع الثوب إلى فوق نصف الساق وإلى الركبتين؟ A هذا ما يفعله أحد، هذا فنيلة وليس بثوب، فإن بعض الفنايل تصل إلى الركب، أما أن يصل إلى الركبتين فهذا ليس بساتر، إنما الثوب عند العرب أن يكون ثوباً والفنيلة فنيلة وأما إلى نصف الساق فهو السنة، والأحسن والأولى أن يلبس إلى نصف الساق، لكن من رأى أن يلبس إلى فوق الكعب فليلبس إلى فوق الكعب إذا رأى ذلك. فإن ابن مسعود شكا إلى عمر وقال: إن في ساقي حموشة، فأريد أن أنزل إزاري إلى تحت نصف الساق. فقال: افعل ذلك. فكان ينزله إلى فوق الكعب، لكن أما تحت الكعب فخطر ممنوع الاقتراب، وأما إلى الركبة فما سمعنا بهذا. وفي الختام أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، وأن يتقبل منا صالح ما عملنا، وأن يتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الراحمون يرحمهم الله

الراحمون يرحمهم الله رحمة الله تعالى بعباده واسعة وعظيمة، وهي أوسع لهم وأرجى، وفي هذا الدرس تجد بياناً لبعض مظاهر رحمة الله، التي منها ما وضعه الله من الرحمة في نبيه صلى الله عليه وسلم، التي من خلالها ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها، وتجد تلك التربية متمثلة في عمر، مما يدعوك إلى أهمية وفائدة تعليم الناس كيف يتراحمون.

سعة رحمة الله تعالى

سعة رحمة الله تعالى اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالإسلام، رفعت رءوسنا بالإسلام وكانت مخفوضة، وأنرت قلوبنا بالإسلام وكانت مظلمة، وشرحت صدرونا بالإسلام وكانت ضيقة. عز جاهك، وجلَّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي كل شيء رحمتك وآيتك، أنت رب الطيبين، وملجأ المضطهدين، وعضد المستنصرين، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. والصلاة والسلام على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، من شرحت له صدره، ووضعت عنه وزره، ورفعت له ذكره من جعلته قدوة للناس، وإماماً للمتقين من جعلته خطيباً للناس إذا وفدوا، ومتكلماً لهم إذا احتشدوا، ورافعاً لعلمهم إذا عقدوا هديت به البشرية، وأنرت به أفكار الإنسانية، وزعزعت به كيان الوثنية، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

فضل الرحمة

فضل الرحمة أمَّا بَعْد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، واعلموا أن رحمة الله عمَّت الكائنات، وأن أعظم صفات المولى تبارك وتعالى هي الرحمة، فهو رحمن رحيم، رحمن الدنيا والآخرة. والملائكة يوم تتوسل إلى ربها ومولاها تبارك وتعالى تثني عليه بالرحمة، فتقول: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم}) [غافر:7] فرحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى تبلغ ما بلغ علمه، رحمته عز وجل لا تتناهى، خلق الرحمة -كما في الصحيح- في مائة جزء، فجعل جزءاً واحداً في الدنيا، يتراحم بهذا الجزء الناس والحيوانات والعجماوات؛ حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تطأه، وأما تسعة وتسعون من الأجزاء فادخرها الله عنده يوم القيامة، والله عز وجل خير الراحمين، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون:118]. فرحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا تتناهى، ولذلك طلب من عباده أن يكونوا رحماء، ومدح المؤمنين فقال عنهم: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54]. فما أعظم رحمة الله! وما أجل هذه الصفة يوم يتذكرها العبد المسلم فيكون رحيماً بعباد الله! وأبعد القلوب عن الله -تبارك وتعالى- القلب القاسي، فالله لا يحب الجبارين والمتكبرين، ولا الذين يحملون قلوباً قاسية لا تشفق ولا ترأف ولا ترحم ولا تلين. قال تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]. قست قلوبهم باللعنة وهم بنو إسرائيل، وقست بقطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، وقست بالزنا والتناحر والتقاطع، ولذلك قال الله فيهم: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13]. أُتي الرسول صلى الله عليه وسلم بسبيٍ من الكفار، وفي السبي امرأة والهة، أُخِذَ ولدُها من بين يديها وهو طفل رضيع، فأصبحت حائرةً مضطربةً، تبحث في السبي، فكلما وجدت طفلاً وضعته على ثديها وهي تبكي، حتى وجدت طفلها، فأخذت الطفل، فوضعته على ثديها وهي تبكي، وروحها تكاد يفارق نفسها فقال عليه الصلاة والسلام: {أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا، -والله- يا رسول الله! وهي تقدر ألا تطرح ولدها في النار، فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده! لله أرحم بعباده من هذه بولدها}.

عدم تعجيل العقوبة في الدنيا

عدم تعجيل العقوبة في الدنيا ومن رحمة الله: أن يرى العصاة الفجرة الجبارين المتكبرين يسفكون الدماء، ويأكلون الأموال، ويتعدون على الأعراض، ويغتصبون الأملاك، ورحمته لا تزال تكلؤهم، وستره لا يزال يغشاهم، وكنفه لا يزال يعمهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو لم يغفل عنهم، قال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم:41 - 42].

الرحمة تشمل كل ذي كبد رطبة

الرحمة تشمل كل ذي كبدٍ رطبة يعلمنا الرسول عليه الصلاة والسلام أن الرحمة لا تكون بين الناس فحسب، لا بين الرجل وزوجته، ولا بين الرجل وابنه فحسب؛ بل بين الكائنات فقد أخبر صلى الله عليه وسلم: {أن رجلاً من بني إسرائيل مر يوماً من الأيام ببئر مطوية، وقد بلغ به من الظمأ ما الله به عليم، فنزل وشرب، فلما روي صعد من البئر، فرأى كلباً يلهث -والكلب من أخس الحيوانات- لكن الكلب يحمل كبداً رطبة، ويحمل قلباً يتأثر، -فقال الرجل الإسرائيلي يوم أراد الله أن يرحمه، ويتناوله بعين الرضا- قال: لقد بلغ بهذا الكلب ما بلغ بي من الظمأ، فعاد إلى البئر، وملأ خفه من الماء؛ وقدمه إلى الكلب فشرب، فرضي الله عن هذا من فوق سبع سماوات، وأدخله الجنة}. ويخبرنا عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم بمأساة عاشتها امرأة يهودية، كانت تحمل قلباً غليظاً، لكن على عالم القطط، وبعض الناس لا تظهر شجاعته إلا على القطط والكلاب؛ مقدام لكن على الكلاب، وشجاع وبطل لكن على القطط، وهذه المرأة الإسرائيلية أعلنت شجاعتها وبطولتها على قطة من القطط، فقد أغضبتها القطة؛ فحبستها في بيت، فأتت القطة تبحث عن الطعام، فلا طعام، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فماتت القطة، فكان جزاء هذه المرأة أن عذبها الله في نار تلظى. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يرى هذا المشهد حين صلى بالناس صلاة الكسوف في المدينة، فتأخر من المحراب خطوة، ثم تقدم خطوة، فلما سلم سأله الصحابة عن ذلك، فقال: {عرضت لي الجنة، فرأيتها في عرض الحائط، ورأيت عنقوداً من عنب لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار، ورأيت فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه بالنار -لأنه أول من أدخل الأصنام إلى جزيرة العرب - ورأيت امرأة تنهشها هرة تعذب في النار، لأنها حبستها في الدنيا}.

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم لقد امتدح الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالرحمة، وأخبره أنه ألف القلوب بالرحمة، ولو كان غير ذلك لما تألفت له قبائل العرب، ولو أنفق ما في الدنيا من ذهب وفضة. فالعرب أمة مبعثرة همجية ما لم يسيطر عليها الإسلام، وهي أمة مشاغبة متمردة ثائرة، ولذلك لم يكن لها حضارة، وثقافة، ولم تكن لها دولة حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا إله إلا الله، وألف بين قلوبهم، قال تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] فكان عليه الصلاة والسلام يمتاز بالرحمة، حتى يقول الله تبارك وتعالى له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] أي: لو سستهم بالشدة والجبروت والسفك؛ لتفرقوا وتبعثروا وما اجتمعوا لك أبداً. يأتي الرجل يحمل من الحقد والحسد والضغينة والقتل للرسول صلى الله عليه وسلم الأمر العظيم، فيعفو عنه صلى الله عليه وسلم ويتبسم له، فيعود حبيباً قريباً إلى قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34].

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال كان يمر عليه الصلاة والسلام في سكك المدينة على الأطفال، فيقبِّلهم، وكثير من الناس اليوم جبار متكبر، يرى أن من أحقيته وشخصيته وعلوه وسموه ألا يدنو إلى طفل في الشارع، فيمسح رأسه ويقبله؛ يقول: مالي ولأطفال الناس؟! وحضرتي تتنزل إلى هذا لأطارد الأطفال في السكك لأمسح رءوسهم وأقبلهم، لكن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يدنوا منهم ويقبلهم. وإذا رحمت فأنت أمٌ أو أبٌ هذان في الدنيا هما الرحماءُ فإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمةٌ ووفاءُ فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الأنواءُ وإذا غضبت فإنما هي غضبةٌ في الحق لاضعن ولا بغضاءُ وإذا سعيت إلى العدا فغضنفر وإذا غضبت فإنك النكباءُ أتى صلى الله عليه وسلم ليصلي بالناس، فسمع طفلة -وهي ابنة بنته زينب وهو جدها عليه الصلاة والسلام- تبكي وقد أقيمت الصلاة، فهل يصلي ويترك الطفلة تبكي، أم يتشاغل بالطفلة عن الصلاة وعمرها سنتان؟ فأخذها على كتفه الأطهر الأرأف الأشرف، وتقدم الصفوف، ليُري القواد والزعماء والعلماء أنه أرحم الناس، فكان إذا سجد وضعها في الأرض، وإذا قام رفعها، فهل بعد هذه من رحمة؟! يصلي عليه الصلاة والسلام بالناس، ومن حبابته للقلوب وقربه للأرواح يأتي الحسن والحسين عليهما رضوان الله أبناء فاطمة الزهراء البتول الراشدة المرضية، فينظران الرسول عليه الصلاة والسلام ساجداً في صلاة الظهر، ووراءه في الصفوف الرجال والنساء والأطفال، فضاقت بهم الدنيا إلا ظهر المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأعجبهما المنظر يوم سجد صلى الله عليه وسلم وأرخى أكتافه، فصعد الحسن على ظهره، ثم صعد الحسين، وأصبح صلى الله عليه وسلم ساكناً في سجوده وأطال السجود، فلما سلم سأله الناس: {ما لك أطلت السجود يا رسول الله؟! قال: إن ابني هذين ارتحلاني فخشيت أن أوقعهما في الأرض فأوذيهما، فانتظرت حتى نزلا} فمن يفعل هذا؟! إننا نتعامل مع الأطفال بالضرب والشتم والمطاردة في المسجد، حتى إن كثيراً من الأطفال أصبح يخاف من المسجد خوفاً عظيماً، لما يسمع فيه من التهديد والإرهاب والثوران، لكن المصطفى صلى الله عليه وسلم تحبب إلى الأطفال حتى دخل عليه الصلاة والسلام إلى قلوبهم. يذهب إلى أحد الأطفال، وكان له طائر يلعب به، فمات الطائر فأصبح موت هذا الطائر مصيبة في حياة الطفل، فيعزيه صلى الله عليه وسلم ويقول -والحديث صحيح-: {يا أبا عمير! ما فعل النغير} فما كأن المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا متفرغاً لهؤلاء الأطفال، مع العلم أن هموم البشرية وأحداثها تدور على كتفه صلى الله عليه وسلم.

تخفيف الصلاة رحمة بالضعفاء وذوي الحاجات

تخفيف الصلاة رحمةً بالضعفاء وذوي الحاجات من الرحمة التي أنزلها الله في قلبه عليه الصلاة والسلام أنه يصلي بالناس فيسمع بكاء الأطفال، فيتجوز في الصلاة، فيقول: {إني أدخل في الصلاة فأريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الطفل فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه} سبحان من أعطاك الرحمة! وسبحان من أنزلها في قلبك! وسبحان من علمك أن تتعامل مع الناس؛ حتى قدت البشرية إلى بر السلام! كان يغضب من التشديد على الناس، ويريد التيسير؛ أرسل أبا موسى ومعاذاً داعيين ورسولين ومنذرين ومبشرين إلى اليمن، فكان آخر ما أوصاهما به أن قال لهما: {يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا}. وأتاه رجلٌ من الأنصار فقال: {يا رسول الله! والله الذي لا إله إلا هو إني أتخلف عن صلاة الفجر من أجل ما يطيل بنا فلان} يعني معاذاً رضي الله عنه وأرضاه، فقد قرأ بهم مرة من المرات سورة البقرة، فقسمها في ركعتين، فأتى هذا الأنصاري وكان وراءه أسرة ومتطلبات وأشغال ودواعي، فترك الصلاة وصلى صلاة خفيفة، وذهب يشتكي معاذاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل قال الرسول صلى الله عليه وسلم أحسنت يا معاذ؟ أحسنت يوم أطلت وقرأت وأسمعت ورتلت؟ لا. بل غضب صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، فلما دخل معاذ غضب عليه الصلاة والسلام في وجهه، وقال: {أفتان أنت يا معاذ! أفتان أنت يا معاذ! أفتان أنت يا معاذ! من صلى منكم بالناس فليخفف؛ فإن فيهم الكبير والصغير والمريض وذا الحاجة} فهذا الدين رحمة، ويسر وسهولة دين دخول إلى القلوب , وشراءٌ للأرواح. كانت عيناه عليه الصلاة والسلام تدمعان دمع رحمة، وإلا فهو من أشجع الناس. وإذا لقيت كتيبة يوم الردى أدبت في يوم الردى أفعالها وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب فعلها أقوالها وكان صلى الله عليه وسلم يتأثر في المواقف، فقد دخل على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه، فبكى حتى شهق صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عوف: {حتى أنت يا رسول الله؟! -أي: حتى أنت تبكي- قال: إنها رحمة ويضعها الله في قلوب من يشاء من عباده، ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الله}. ويأتي إلى الحسن فيقبله أمام الجماهير، فيقول الأقرع بن حابس التميمي - وهو رجل تربى في البادية صلداً كالحجر قاسياً كالصحراء- قال: {يا رسول الله! أئنكم تقبلون الأطفال؟! والله إن عندي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم، وقال: أأملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟}. يرى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه رجلاً يريد أن يذبح شاة، فقادها برجلها، فقال عمر: [[يا عبد الله! اتقِ الله، وقد الذبيحة إلى الموت قوداً جميلاً، كفى بك أن تذبحها]] ولذلك تجد بعض الناس يتعامل ببشاعة وقسوة وفتك مع الحيوانات؛ ومع الأبقار والأغنام والدجاج والقطط والكلاب؛ وكأن ليس لها قلوب ولا أكباد، والله الذي خلقها ولو لم يرد رحمتها ما خلقها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وأعظم ما نتراحم به بيننا في تعاملنا وزياراتنا وتوادنا قال صلى الله عليه وسلم: {ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء}. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.

مظاهر الرحمة في قلب عمر

مظاهر الرحمة في قلب عمر الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً؛ وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: كانت مدرسته عليه الصلاة والسلام تمتاز على مدارس غيره بالرحمة، فقد علَّم أصحابه الرحمة؛ حتى أصبح أشدهم وأقساهم قلباً من أرحم الناس، ولولا هداية الله لـ عمر رضي الله عنه وأرضاه لما كان يرحم، ولا عرفت عيناه الدموع، فقد كان عمر من أقسى الناس في الجاهلية، كان سفاكاً فتاكاً لا يعرف المهادنة، ولا يعرف الحوار واللين والسهولة، وإنما الكلمة القوية والأخذ بالعنف، فلما سكب صلى الله عليه وسلم إناء الرحمة في قلبه كان أرحم الناس. يقف عمر بن الخطاب يوم الجمعة فتغلبه دموعه رحمةً، فلا يستطيع أن يتكلم، يأتي يصلي بالناس فلا يسمع الناس قراءته من كثرة بكائه، أخذت الدموع في خده خطين أسودين، فمن جعل هذه الرحمة تسري في شرايينه وفي عروقه؟! فهذا أسلم مولى عمر، قال له عمر بعد صلاة العشاء: أتنام؟! فقال: نعم، قال عمر: والله ما نمت منذ ثلاث ليال، انطلق بي يا أسلم، فقد جعل الله في عنقي الأرملة والمسكين والشيخ الكبير والعجوز، وإن الله سائلي عنهم يوم القيامة، قال: فذهب معه بعد صلاة العشاء، وبيده درة -عصا- يتمشى في شوارع المدينة، يسأل عن أمنها، وراحة أهلها, يسهر لينام الناس، ويجوع ليشبع الناس، ويظمأ ليروى الناس، فاقترب من بيتٍ في ناحية من نواحي المدينة، فسمع امرأة تبكي، فوضع رأسه على صائر الباب، فإذا المرأة في الولادة، فأخذ يبكي معها، قال أسلم: مالك يا أمير المؤمنين؟! قال: هذه المرأة في الولادة، إنك لا تدري ماذا تجد من ألم الولادة يا أسلم! إني أخاف من الله أن يسألني يوم القيامة عنها، ثم انطلق إلى بيت المال، فأحضر طعاماً وصنعه لها وقدمه، فلما أصبحت تأكل وارتاحت قالت لـ1000029>عمر - ولم تعرفه-: والله إنك لخير من عمر بن الخطاب.

تحمله الجوع ليشبع المسلمون

تحمله الجوع ليشبع المسلمون هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول عام الرمادة: والله لا أبتل في سمن ولا آكل سميناً حتى يجلي الله الكربة عن المسلمين؛ يأتي يوم الجمعة يخطب الناس، فيقرقر بطنه على المنبر من الجوع، فيقول لبطنه ويضرب عليه: [[قرقر أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]]. حسبي وحسب القوافي حين أرويها أني إلى ساحة الفاروق أهديها يا رب هب لي بياناً أستعين به على حقوق العلا قد نام راعيها عمر رضي الله عنه وأرضاه يبلغ من حنانه وبره إلى أن يسأل عن الأطفال ماذا أكلوا وشربوا، وكيف ناموا؟ ثم يواصل استقصاءه للحقائق ليرتاح، فرضي الله عن ذاك الإمام الذي علَّمه صلى الله عليه وسلم الرحمة، وعلَّمه كيف يعيش مع الناس بالرحمة، وعلمه كيف يكون رحيماً بالناس؟ إنها الرحمة التي علَّمها صلى الله عليه وسلم أصحابه، ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الله، وكثير من البطون اليوم تشبع، وما عليها أن يجوع آلاف المسلمين، وتكتسي بأشرف الملابس، وأرقى المعطيات، وما عليها ممن عري من الناس، وتسكن قصوراً شاهقةً والناس ينامون على الأرصفة؛ لأن الرحمة ما سكبت في القلوب كما أرادها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. والتراحم الذي يريده الله عز وجل هو التراحم والتواد بين المؤمنين، وأوله أن تلقى المؤمن وأنت تود له ما تود لنفسك، وهذه ضاعت من أوساطنا إلا ممن رحم الله. بعضنا لا عليه أن يسعد ولو شقي الناس، ولا عليه أن يجوع الناس إذا شبع، ولا عليه أن يتعب الناس إذا ارتاح، فأين الرحمة التي أرادها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟!

الرحمة التي يريدها الله من المسلمين

الرحمة التي يريدها الله من المسلمين

رحمة الرجل لأهل بيته

رحمة الرجل لأهل بيته من الرحمة التي يريدها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الناس: أن يرحم الرجل أهل بيته، وأول ما يرحمهم به أن يقودهم إلى الإسلام، فوالله لرحمتك لأهل بيتك بقيادتهم إلى الإسلام أعظم من تقديم الطعام والشراب إليهم، يظن بعض الناس أن الرحمة لأهل البيت أن يشبعهم ويكسوهم ويسكنهم ويسدل عليهم الخير؛ وهذا من الرحمة، لكن أعظمها أن تقودهم إلى الجنة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].

الرحمة بالمساكين بتفقد مرضاهم وإطعام جائعهم

الرحمة بالمساكين بتفقد مرضاهم وإطعام جائعهم أيظن الإنسان أن الله لا يسأله عن بني الإنسان؟! يوم القيامة يقررك الله بذنوبك، فيقول الله: {يا بن آدم! جعت فلم تطعمني} أكلت الموائد الشهية وشبعت وجاع الناس وهذا حديث صحيح من رواية ابن عباس: {قال العبد: يا رب! كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان جاع فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي} يجوع جارك ويمسي طاوياً يتلوى من الجوع، ترى الفقراء والمساكين يتلوون في السكك والطرقات والمنحنيات لا يجدون كسرةً يابسةً من الخبز، وأنت ترمي الأكلات في القمامة للقطط والكلاب، حتى أصيبت قططنا وكلابنا بالتخمة، فأصبحت تموت بالتخمة، وأما الأكباد الجائعة والبطون الخاوية، فأصبحت لا تجد قطعة الخبز اليابسة التي ترمى في السكك. {يا بن آدم! ظمئت فلم تسقني، قال: كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان ظمأ فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي، يا بن آدم! مرضت فلم تعدني} وكثير من عيادات الناس وزياراتهم اليوم أصبحت على الوجاهة والشهرة والمناصب ومعطيات الدنيا. الفقراء يمرضون السنوات ولا يعادون، والمساكين يطرحون في المستشفيات على الأسرة ولا يجدون من يعودهم، إن كان رجل له منصب وجاه من الأغنياء وأهل الشهرة: ترى الناس أفواجاً على باب داره أطافوا على تلك الديار وسلموا تشكو عتبات الوجهاء من كثرة الزيارة لا لوجه الله، لكن لوجهه وأصبحت دعوات الناس على الطعام للوجاهة، فيدعى وجهاء الناس والفقراء يتلوون بجانب الخيام والقصور والفلل لا يدعون، لأنهم فقراء. {يا بن آدم! مرضت فلم تعدني، قال: يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما تعلم أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده، أما إنك لو عدته لوجدت ذلك عندي}. عباد الله! أسأل الله أن يرحمني وإياكم برحمته التي وسعت كل شيء، وأن يجعلنا رحماء مع أهلنا وجيراننا وإخواننا وأمتنا، وأن يجعل الرحمة تعاملنا، وأن يكسونا ثوب الرحمة، وأن يرحمنا سراً وجهاراً وظاهراً وباطناً، وأن يغرس شجرة الرحمة في قلوبنا، لتثمر الصدق واليقين والصراحة والوضوح. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدةً، صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على حبيبك ونبيك محمد، اللهم اعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين! ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

إليكم أيها الآباء!

إليكم أيها الآباء! ذكر الشيخ: أن الأبناء هبة, منّ الله بهم على الآباء, فعلى الأب أن يقدر هذه الهبة ويربيهم التربية الحسنة. ثم ذكر أموراً تحصل بها التربية الصحيحة, وتعين الأب على التربية الحسنة. وتطرق إلى هدي الإسلام في تربية الأبناء من حين أن يولدوا وقد ذكر أن الأب هو القدوة للأبناء في أفعاله وتصرفاته، فهم يأخذونها منه وإن خالفت أقواله.

الذرية الصالحة من أعظم النعم

الذرية الصالحة من أعظم النعم الحمد لله، الحمد لله الذي جعل الأبناء لعيون الآباء قُرَّة، وجعلهم لقلوبهم مسرَّة، وجعل الأبناء في جبين السعادة دُرَّة، وأوصى بهم وبتربيتهم في الكتاب والسنة كرة من بعد كرة. والصلاة والسلام على خيرة الآباء، أبي الزهراء، سيد الأولياء، وأعظم الأصفياء، وأجل المربين النبلاء. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً. أيها المسلمون الفضلاء! أيها الآباء النبلاء! إن من أعظم الهبات التي يهبها الله تبارك وتعالى: أن يرزقك الله الذرية الصالحة الناصحة، والأبناء النجباء الأتقياء، حينها تسعد في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

أسباب الحصول على الذرية الصالحة

أسباب الحصول على الذرية الصالحة وهذه الهبة، وهذا العطاء الرباني يحصل بسببين اثنين: أولهما: قضاء وقدر من الحي القيوم، وهداية خَلقية أمرية منه تبارك وتعالى. وثانيهما: سبب كسبي من العبد بالتربية والتوجيه والتعليم. فها هو إبراهيم الخليل يتوجه إلى الله تبارك وتعالى أن يجنب أبناءه الشرك والوثنية، يقول عليه السلام في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:35] كأنه يقول: يا رب! لا تجعل أبنائي مشركين وثنيين فجرة، حينها تُنَغَّص عليَّ الحياة، وتُكَدَّر عليَّ السعادة، وتُظْلِم الدنيا في عينيَّ. ويقول بعدها بآيات في قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37] يا رب! أبنائي يقيمون الصلاة فلا تضيعهم. يارب! أبنائي أتقياء أخيار؛ فلا تجعلهم ضُلاَّلاً مشركين. ويقول في سورة البقرة -يوم طلب الولاية من الله له ولأبنائه- في قوله تعالى: {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124]. ولو كان الأب خَيِّراً باراً سعيداً تقياً، ولكن ابنه فاجر، فلن تناله ولاية الله، فالله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، ولا واسطة، ولا شفاعة, إلا لمن ارتضى من عباده الأخيار. وزكريا عليه السلام يشرف على الهرم، ويدركه الشيب، ويضمحل جسمه، فيلتفت إلى القبلة, ويرفع أكف الضراعة إلى الحي القيوم، يقول الله عنه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً} [مريم:4 - 6] يقول: يا رب! أسألك ابناً صالحاً يرثني في الخير، يدعو لي وأنا في القبر، مُسَدَّداً، يتصدَّق. فيُحَسِّن خُلُقَه، فيكون في ميزان حسناته، سبحان الله! يا له من دعاء! يقول الله في سورة الكهف: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:82] حفظ الله لهما الكنز؛ لأن أباهما كان صالحاً. والله عز وجل يمتن على زكريا عليه السلام بالهداية لأبنائه، فيقول: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]. ومدرسة التوجيه والتربية في القرآن تعتمد على الوصايا النافعة، لا على المبادئ المهزوزة الفاشلة، والتعاليم التي أُسْقِيَها أبناء المسلمين في هذا العصر، تجعل الواحد منهم ينشأ فاشلاً فاجراً إلا من رحم ربك. يقول تعالى حاكياً عن لقمان وصيته لابنه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]. أي وصية هذه؟! وأي تعاليم هذه التعاليم؟! وأي مبادئ هذه المبادئ؟!

الأمور التي تحصل بها تربية الأبناء

الأمور التي تحصل بها تربية الأبناء وتربية الأبناء - أيها الآباء النبلاء الفضلاء الشرفاء - تحصل بأمور؛ أفرد بعض العلماء فيها تصانيف؛ ومن أجَلِّ ما تحصل بها هذه الأمور: أولها: اختيار الزوجة الصالحة. ويوم نخفق ونفشل في اختيار المرأة الصالحة سوف ينشأ النشء غير مستقيم، ولا مسترشد. الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ الأم نبت إن تعاهده الحيا بالريِّ أورق أيما إيراقِ والرسول - عليه الصلاة والسلام - يعلن الأسس التي تتزوج عليها الأمم جميعاً، فيقول: {تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولنسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك}. فأهل فارس: يتزوجون للجمال. والروم: يتزوجون للنسب. واليهود: يتزوجون للمال. وأما أمة محمد عليه الصلاة والسلام: فيتزوجون للدين، وللاستقامة. والأم إذا كانت صالحة مرشدة؛ نشأ أبناؤها حفظة لكتاب الله، أخياراً، أبراراً، سعداء، يتشرفون بحمل الرسالة، لا يَخْجلون إذا تلبسوا بالسنة، لا يتدسسون إذا رأوا على أنفسهم معالم الاستقامة؛ لأن بعض الناس ينكس رأسه إذا استقام، ويخجل أن يسمى سنياً؛ لأنها ما غرست في قلبه فطرة (لا إله إلا الله).

نماذج من الزوجات الخيرات

نماذج من الزوجات الخيرات أم سليم: يراها صلى الله عليه وسلم في الجنة. ولقد كان أعظم مهر في الإسلام مهر أم سليم، أتاها أبو طلحة وهو مشرك يريد أن يتزوجها، فقالت: " مهري الإسلام، إذا أسلمتَ تزوجتك، فأسلم فتزوجته. لما قَدِم صلى الله عليه وسلم المدينة، أهدت إليه ابنها أنس بن مالك، فخدمه عشر سنوات، تقبل الله منها أحسن ما تقبل من عباده. الخنساء: تحضر معركة القادسية، فلما قربت المعركة بين الحق والباطل، بين (لا إله إلا الله) والكفر، جمعت أبناءها الأربعة، وقالت: يا أبنائي! - والله - ما خنتُ أباكم، ولا نكستُ رأس خالكم، -والله - إنكم لأبناء رجل واحد، فإذا أقبلت المعركة، فيمموا قبلتها، واستقبلوا شطرها، ثم قاتلوا أبطالها، ولا أراكم أحياء في آخر اليوم، أريد أن أراكم شهداء؛ لأسعد بكم في جنة عرضها السماوات والأرض. وبدأت المعركة، وقاتل أبناؤها، وقتلوا جميعاً، وأتى الصحابة يعزونها في أبنائها، قالت: الحمد لله الذي أقر عيني بهم في جنة عرضها السماوات والأرض، وهي تضحك. أي جيل هذا الجيل؟! وأي سعادة حصلت لهم لما استقاموا على منهج الله الذي رضيه لعباده؟!

التربية من حين اجتماع الزوجين, ومن حين خروجه وليدا

التربية من حين اجتماع الزوجين, ومن حين خروجه وليداً والأمر الثاني: يحصل بذكر الله يوم أن يلتقي الرجل بالمرأة. والأمر الثالث: يوم يقع رأس المولود في الأرض: حينها يبكي صارخاً يقول فيلسوف الأدب: ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا

هدي الإسلام عند خروج الطفل من بطن أمه

هدي الإسلام عند خروج الطفل من بطن أمه يوم يقع رأس الغلام في الأرض, ماذا يفعل الإسلام به؟ ما هو هدي الإسلام للمولود؟ هديه -كما أتى في (السنن) و (المسند) - أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما ولد الحسن بن علي أذَّن في أذنه. يا لله! ويا لَلْعَجب! ويا لَلرَّوعة والإبداع! لينشأ الطفل على (لا إله إلا الله)؛ لينشأ على الأذان، وليغرس في قلبه معالم هذا الأذان، ولتُحَبّب إليه المساجد, والرياض الخضرة بتقوى الله وبذكر الله. أذن صلى الله عليه وسلم في أذنه، لتهتز أذنه بالوحدانية، ولينشأ قلبه على الصمدانية، وليكون عبداً لله من أول يوم. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريَّا دخولي تحت قولك: ياعبادي وأن صيرت أحمد لي نبيَّا وفي بعض الآثار، ونقل هذا عن عمر بن عبد العزيز أنه يُقام في الأذن الأخرى، يُؤَذَّن في اليمنى، ويقام في الأخرى. وعَقَّ صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً (كما في السنن). لكن في (السنن): يقول عليه الصلاة والسلام: {كل مولود مرهون بعقيقته، يُعَقُّ عنه يوم السابع، عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة} وهو في (السنن) و (المسند) بسند حسن. وهذا معناه: أن تعلن رضاك بموعود الله، وبما أعطاك الله؛ فتتصدق، وكأنه في يوم عيد، يوم رزقك الله ذرية تزيد في الأمة الإسلامية، وتسبح بحمد الله، وتكون لك ذخراً. ويُحْلَق رأسُه، ويُتَصَدَّق بوزنه فضة، كما ثبت ذلك في الآثار والأحاديث الصحيحة.

هدي الإسلام في الأسماء

هدي الإسلام في الأسماء وسنّ صلى الله عليه وسلم على الآباء: حسن الأسماء للأبناء, وفي (الصحيح): {أحب الأسماء إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن}. ليكن اسم ابنك جميلاً، اسماً إسلامياً عربياً قوياً، لا اسماً فيه أنوثة أو تدليل أو مستورداً من الخواجات والعملاء والضُّلاَّل أبناء الوثنية السخفاء الحقراء، بل يكون اسماً قوياً: عبد الله، عبد الرحمن، عبد السلام، أحمد، محمد؛ ليكون خادماً لهذه الرسالة الخالدة، التي شق نورها المعمورة، فلا يكون اسماً مستعمراً مستورداً، ففي كتابنا وفي سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ما يغنينا عن هذه الأسماء. وورد عنه صلى الله عليه وسلم: أن الناس يُدْعَون يوم القيامة بأسمائهم وأسماء آبائهم. فيا معاشر الآباء! يا رواد الجيل! يا ركب الحضارة! اختاروا الأسماء الطيبة البديعة المليحة الحسنة؛ لتكون عنواناً يوم القيامة، يوم العرض الأكبر، تدعون بها أنتم وآباؤكم وأبناؤكم. وسنّ الإسلام كذلك: أن يُرَبى الطفل على تقوى الله، وأن تُغْرس في قلبه طاعة الله، وأن تُزْرع في قلبه شجرة الإيمان.

تربية الطفل على الافتخار بالدين

تربية الطفل على الافتخار بالدين الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لـ ابن عباس وهو طفل كما في سنن الترمذي بسند حسن: {احفظ الله يحفظك} انظر إلى الوصايا الخالدة التي تزرع في القلب، فتمر في الشرايين مع دفق الدم، فتكون حرارة ونوراً وتوهجاً: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. نقول: ما للمجتمعات ينشأ الأبناءُ فيها لا يحملون التشرف بالدين، ولا الافتخار بالرسول عليه الصلاة والسلام؟ لأن البيوت -إلا من رحم الله- جعلوا العظماء في البيت المغنيين والمغنيات، والماجنين والماجنات، فيظن الطفل أن عظماء الناس وقوادهم وأن فاتح بلاد الناس, هو هذا المغني, وهذه المغنية. فما طرق في أذن الطفل دائماً وأبداً مع وجبة الإفطار ومع الجلسة والغداء والعشاء وحفل السمر، محمد رسول الله: أبو بكر الصديق عمر الفاروق عثمان ذو النورين علي بن أبي طالب، فهذه الأسماء اللامعة، هذه الأسماء التي من لم يَسِر على منوالها، -فوالله- إنه مهزوم, وفاشل, وحقير, ولا يساوي في عالم العدالة والإبداع فلساً واحداً، هذه الأسماء إذا لم تشتهر في البيوت، ولم تعرف سيرتُها، فمعنى ذلك أن البيت فاشل حقير مغضوب عليه. أنجعل هتلر في البيت، ونابليون وديكارت وكانت وأشباه هؤلاء القردة والخنازير, وأعداء البشرية وأعداء الشعوب؟ أم من المغنين, والمغنيات, الأحياء منهم والأموات؟! لا والله، بل تتعرف على الأنبياء والصحابة، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]. أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ

أدب الإسلام وهديه بالأطفال

أدب الإسلام وهديه بالأطفال ومن أدب الإسلام وهديه بالأطفال: إذا بلغ الطفل السابعة أن يؤمر بالصلاة أمراً. فيقال: صل هداك الله، صل فتح الله عليك، هذا طريق المسجد، احضر معنا، هيا بنا إلى روضة من رياض الجنة، هيا إلى رحمة الله تغشانا، وإلى الملائكة تحف بنا، وإلى الرضوان يداخلنا ونداخله، وإلى السعادة، هيا قم بنا؛ ليعرف طريق المسجد. ويوم يعرف الابن طريق المسجد فلن يعرف طريق السجن ولا الحبس أبداً، ولن يعرف طريق الخمارة ولا المقاهي اللاهية، ولا المنتزهات اللاغية، ولا جلساء السوء، ولا الليالي الحمراء؛ فالمسجد يغسله غسلاً، والمسجد يعلمه تعليماً، والمسجد يجعله هادياً مهدياً راضياً مرضياً.

هدي الإسلام في من بلغ العاشرة من عمره

هدي الإسلام في من بلغ العاشرة من عمره فإذا بلغ العاشرة جاء الأمر بالتأكيد والضرب، والفصل بينه وبين إخوانه في المضاجع، لا ينام الأخ مع أخيه الذكر، ولا الأنثى مع الأنثى في فراش واحد، ولا الذكر مع الأنثى، فهذه تعاليم سماوية، ومبادئ أصيلة جليلة، لا بد أن تكتب في الصدور، لا في السطور. فإذا ما ترعرع فاستصحبه دائماً، واحضر به جلسات الخير، ومنتديات البر، ومعالم التوحيد، ومحاضرات التوجيه والتربية. لا تتركه لاعباً تائهاً في الشارع والسكك، وتأتي أنت تتعلم، فكأنك تهدم من شق, وتبني من شق، وهذا ليس فيه منفعة؛ لأن الدين ليس فيه ترقيع أبداً. للحديث بقية، ولا نريد الإطالة. (فحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق) ومن يراجع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجد الخير والبر والهداية والفلاح في الدنيا والآخرة. وفقنا الله وإياكم لبناء بيوت أصيلة جليلة هادية مهدية متجهة إلى الله الواحد الأحد. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

الأب قدوة لأولاده

الأب قدوة لأولاده الحمد لله، الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فلا يزال الحديث متصلاً مع الآباء، مع هؤلاء الذين حملهم الله مسئولية تربية النشء، وقيادة الجيل، وهداية هؤلاء الشبيبة بعد هداية الله عز وجل. ومن الأمور التي يؤكد عليها، وهي في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم: أن يكون الأب قدوة لابنه: وما فشل كثير من الآباء في تربية أبنائهم, إلا يوم ربوهم بالقول, وتركوا الفعل والعمل، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2]. يريد الأب من ابنه أن يكون صادقاً بالقول, وهو فاجر كاذب, يتعدى حدود الله في القول، ويريد من ابنه أن يكون مصلياً محافظاً على الصلوات الخمس في الجماعة, وهو لا يعرف المسجد أبداً، فكيف يهتدي؟! كيف يكون الابن أميناً وأبوه خائن؟! والابن مُتَّقٍ وأبوه فاجر؟! إن الابن في مرحلة الشبيبة يقلد تقليداً تاماً. فمن الهدي والخير والسداد والمصلحة - يا عباد الله - أن نكون قدوة لأبنائنا في البيوت، نأمرهم بالخير ونأتيه، وننهاهم عن المنكر ونجتنبه؛ ليصلح الله لنا الظاهر والباطن، فإنه إذا أصلح أصلح. وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوهُ يا أيها الرجل المعلم غيره هلَّا لنفسك كان ذا التعليمُ ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ

أثر التعليم النافع

أثر التعليم النافع والمسألة الثانية التي يجدر الإشارة إليها: التعليم: تعليم الأبناء تعليماً شرعياً، يعتمد على الكتاب والسنة، لا تعليماً ثقافياً ساذجاً؛ فتحشى به أذهانهم حتى تكون مثل سلة المهملات. علمٌ لا يقوده إلى المسجد، ولا يحبب إليه طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يقوده إلى الخير، ولا يجنبه المعاصي والمزالق ليس بعلم. نحن نختلف تماماً عن أمم الأرض التي لا تدين بالإسلام؛ فعلمنا من فوق سبع سماوات، وعلمهم من الطين والتراب، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. فهذا الابن لا بد أن تسكب في قلبه العلم؛ وأعظم العلم أن تحفظه كتاب الله عز وجل من يوم يبدأ في السادسة, أو في السابعة وتلقنه السور العظيمة والآيات الكريمة، وتدخل كتاب الله في قلبه، ليستدرج النبوة بين جنبيه؛ غير أنه لا يوحى إليه؛ ليكون شافعاً له، لتنور صدره، لتزيل همومه وغمومه وأحزانه وكربه بالقرآن, لتجعله راضياً مرضياً, سعيداً في الدنيا والآخرة. فالله الله! في تحفيظ أبنائنا كتاب الله.

أثر التعليم السيء

أثر التعليم السيء ويوم أتت بعض الأسس التربوية من الغرب، وقالت: هذا ليس بسِنِّ حفظ، وإنما يُحفَّظ معلومات ونماذج من كتيبات، وعندها تركنا القرآن وحفظ القرآن، أخفق الأبناء، فما نجحوا في هذه العلوم, ولا في هذه العلوم. وأصبحوا مذبذبين، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. فالعلم النافع الذي يعتمد على: قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. وأؤكد مبدأً أصيلاً, أن أي داعية, أو أي مصلح يهون من شأن العلم ومن شأن التحصيل العلمي بحجة الدعوة في سبيل الله, فإنما هو يهدم الإسلام بمعوله، ويعادي الرسالة المحمدية، علم أم لم يعلم.

أسس ينبه عليها الآباء

أسس ينبه عليها الآباء ومن الأسس التي أريد التنبيه عليها للآباء كذلك: جلساء الخير والرفقة الصالحين. الله الله فيهم، وفي إبعاد أبنائنا من الرفقة السيئة، قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. ومن معالم الولاء والبراء كما ثبت في الأحاديث الصحيحة: {أن تحب العبد، لا تحبه إلا لله} {ورجلان اجتمعا في الله وافترقا عليه}. فحبب ابنك إلى الأخيار، والعلماء، وطلبة العلم، والدعاة، والمصلحين، والأخيار الصالحين، فوالله لا يكسب منهم إلا نفعاً في الدنيا والآخرة. أما المردة والفجرة وعصابة السوء والإجرام والإفساد, فهم والله الجناة على البشرية، والجناة على البلاد والعباد، ولا يكسب منهم إلا عاراً وشناراً ودماراً وناراً في الدنيا والآخرة. يقول الشافعي: أحب الصالحين ولستُ منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

متابعة الأبناء

متابعة الأبناء أمِن المعقول - يا أيها الآباء الأخيار الأبرار - ألاَّ يُدْرَى عن الابن أين يذهب؟ ومع مَن يمشي؟ ومع مَن يلعب؟ ومع مَن يجلس؟ ومع مَن يسافر؟ أهذا من العقل ومن النُّبْل بمكان؟! لا والله، هذا جهلٌ، وسفه في التربية، نترك أبناءنا هكذا شذر مذر، فيقعون في حمأة الرذيلة، فيُحبسون ويجلدون ويتردَّون، ويتعاطون المعاصي، ثم نقول: لقد كتب الله عليهم هذا! والله يهدي من يشاء ويُضِل! وهذا صحيح؛ لكنها كلمة حق أريد بها باطل؛ أين سببك؟ أين كسبك؟ أين تربيتك؟ أين ملاحظتك وتوجيهك؟ لو حدث هذا ما حدث ذاك. فأوصيكم ونفسي بهذه الأمور للأبناء؛ لأن لهم حقوقاً عليكم، كما أن لكم حقوقاً عليهم. حينها تسعدون بهم، ويكونون في ميزان حسناتكم، ويكونون بررةً بكم، ويدعون لكم قبل الموت وبعد الموت، وتتشرفون بهم في الدنيا والآخرة. أقر الله عيوننا وعيونكم بأبناء بررة، نجباء أخيار، وصرف الله عنا وعنكم السوء. عباد الله! وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة, صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين. وارض اللهم عن الأصحاب الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق, أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه. اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم تب عليهم، وأصلح بالهم، وكفر عنهم سيئاتهم، وأخرجهم من الظلمات إلى النور. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك في كل مكان. اللهم انصر المجاهدين في كل أرض من بلادك، يا رب العالمين! اللهم أيدهم بروح منك، واكتب لهم النصر على عدوك وعدوهم، يا رب العالمين! ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

شهيد المحراب

شهيد المحراب الفاروق عمر هو الرجل الذي أعز الله به الإسلام، وأذل به أهل الكفر والشرك والإلحاد، هذا الرجل الذي ملأ الأرض عدلاً، ونشر الله به الدين، وأذل به الروم وفارس، ولأنه كان كذلك قبل الله دعاءه وجعله من الشهداء في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مسجده ومحرابه.

منزلة الفاروق في الدين

منزلة الفاروق في الدين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أشهد أن الدين خالص، وأن الرسول خاتم، وأن الكفر خاسر. أيها الناس! يا أتباع محمد عليه الصلاة والسلام! يا حملة المبادئ الخالدة! عنوان هذه الخطبة: (شهيد المحراب). من هو شهيد المحراب؟ الزمن: صلاة الفجر. المكان: مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام. المقتول: عمر بن الخطاب. القاتل: أبو لؤلؤة المجوسي. {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عليهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171]. من منكم لا يعرف عمر؟ مَنْ مِنَ الناس لم يسمع بـ عمر؟ السلام عليك يا عمر بن الخطاب يوم الجمعة، السلام عليك في هذه الساعة المباركة، السلام عليك يوم أسلمت، ويوم توليت، ويوم قتلت، ويوم تبعث حياً. تردى ثياب الموت حمراً فما دجا لها الليل إلا وهي من سندسٍ خضر ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعةٌ غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبرُ فتىً كلما فاضت عيون قبيلةٍ دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، يترجم لـ عمر ثلاث رؤى في المنام، كلها لـ أبي حفص، وكلها صحيحة كالشمس: الأولى: قال عليه الصلاة والسلام: {رأيت الناس البارحة يعرضون عليَّ وعليهم قمص -الأمة كلها تعرض عليه، وعليها قمص ثياب- منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميصٌ يجره، قالوا: ما أوَّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين} دينه مسبلٌ عليه، يغطي جسمه، ويقفو أثره. يقول عليه الصلاة والسلام: {أتيت بلبن، فشربت منه، حتى أني أرى الريَّ يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: ما أوَّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم} فهو دَينٌ عالم بعلم الكتاب والسنة، العلم الأصيل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد:19]. يقول عليه الصلاة والسلام: {دخلت الجنة البارحة، فرأيت قصراً أبيض في الجنة، فقلتُ: لمن هذا؟ وأردت أن أدخله، قالوا: لـ عمر بن الخطاب، فذكرت غيرتك يا عمر، فلم أدخل القصر، فبكى عمر وقال: أمنك أُغار؟!} أُغار منك وأنا تلميذٌ من تلاميذك، وحسنةٌ من حسناتك؟!

جيل محمد صلى الله عليه وسلم

جيل محمد صلى الله عليه وسلم هذا هو عمر الذي قتل في المحراب، والعظماء يقتلون، إما بالخناجر أو الرصاص؛ ليعلم الله أنهم عظماء، فتعيش الأمة على دمائهم نغماً زكياً تحيا به في شرايين قلوبها، وتبني على جماجمهم مكرمات ما كان لها أن تبنى لو لم تكن تلك الجماجم، وتجعل من أشلائهم تحفاً للتاريخ. يقول أحد المسلمين، وهو من أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، من الشباب الذين قتلوا في بدر، أو أحد، أو القادسية، أو اليرموك، أو حطين، أو عين جالوت، وليس هو من الشباب الذين قتلوا يوم التزلج على الثلج، أو قتلوا في ساعات السهر، أو تدحرجت بهم مسارح الفن، فوقعوا على رءوسهم. يقول هذا الشاب: تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياةً مثل أن أتقدما وليس على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما فهذا هو جيل محمد عليه الصلاة والسلام، هذه المدرسة التي قدمها للتاريخ، فذلك الرعيل الذي ما سمع الناس بمثله، عاش فيه عمر مع الرسول عليه الصلاة والسلام، أسلم بـ (طه) وكان أجمل من الشمس في ضحاها، وأوضح من القمر إذا تلاها، تولى الأمة فرعاها، وقاد المسيرة وحباها، وتولى بعدل وآواها، فمرحباً بـ عمر، أسلم لما سمع: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عليكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:1 - 5]. أسألكم بالله! هل هناك إنسان يفهم هذا الخطاب ثم لا يسلم ولا يذعن؟ هل هناك إنسانٌ يفهم كلام رب البشر، ثم لا يسري هذا الكلام في ذرات دمه؟ وقد فهم عمر هذا الخطاب، لأنه عربيٌ قُح، فسرى في دمه، فانتشر تيار الإسلام، في كل جزئيةٍ من لحمه ودمه، فأسلم ووضع كفه في يد محمد عليه الصلاة والسلام، ولكن على ماذا؟ على الاستيلاء على أموال الناس؟! على توسيع القصور والدور؟! على بناء الحدائق الغناء والبساتين الفيحاء؟! على استذلال البشر؟! على إيجاد مستعمرات من التعذيب؟! لا. بل على العدل والحق والميزان ولا إله إلا الله.

عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده

عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده فكان عمر في كف محمد عليه الصلاة والسلام سيفاً مصلتاً يهزه للحادثات، يقول العقاد: الفرق بين أبي بكر وعمر، أن أبا بكر عرف محمداً النبي، وأن عمر عرف النبي محمداً. فـ أبو بكر عرف الرسول عليه الصلاة والسلام في جاهلية أبي بكر وبعد إسلامه، وعمر لم يعرف الرسول عليه الصلاة والسلام، إلا في ساعة ميلاده يوم أسلم، يوم وضع كفه في كف الرسول عليه الصلاة والسلام، كلما رأى حدثاً، أو رأى زنديقاً أو منافقاً قال: يا رسول الله! إئذن لي أضرب عنقه! ولو أذن له، لقتل العشرات، ووالله! لا يتورع لحظة، إذا سمع الأمر المحمدي إلا أن ينفذه ولوسبح في دمه هو. ويموت عليه الصلاة والسلام كما يموت الناس، وكان عمر قوي الجثة، وصلب الجثمان، ومتين الهيكل، وشديد العضلات: قد كنتَ أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها قل للملوك تنحوا عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها فهذا الرجل يأخذ الدنيا في ساعة، يستولي على امبراطورية كسرى في يوم ويسلمها للفقراء في يوم، وهذا الرجل تأتيه الموائد من الذهب والفضة على الجمال، وتدخل المدينة وهو يصلي في الناس، وفي بردته أربعة عشر رقعة من الفقر والعوز، وهذا الرجل يفتح دولة هرقل، ويدكدك عاليها بسافلها ولا يجد خبز الشعير الذي يأكله مع فقراء المسلمين، هذا هو عمر! لما مات الرسول عليه الصلاة والسلام -كما سبق معنا- قام بالسيف وقال: [[من قال أن محمداً قد مات، ضربت عنقه بهذا السيف]] فلما سمع الخبر وتأكد من النبأ، سقط على وجهه مغمى عليه حتى رش بالماء. أين العضلات؟! أين الجثمان؟! أين القوة؟! تولى أبو بكر فكان عمر بجانبه وزيراً ومستشاراً! وأتت سكرات الموت لـ أبي بكر فكتب كتاباً بولاية العهد لـ عمر، فكان مبكياً حقاً، واسمع الكتاب:

كتاب أبي بكر بخلافة عمر

كتاب أبي بكر بخلافة عمر [[بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر إلى عمر بن الخطاب، وأنا في أول أيام الآخرة، وفي آخر أيام الدنيا، فقيراً لما قدمتُ، غنياً عما تركتُ، أمَّا بَعْد: فيا عمر بن الخطاب! قد وليتك أمر أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فإن أصلحت وعدلت، فهذا ظني فيك، وإن اتبعت هواك فالله المطلع على السرائر، وما أنا على صحبة الناس بحريص، يا عمر! اتق الله لا يصرعنك الله مصرعاً كمصرعي، والسلام]]. وصل الكتاب إلى عمر، فبله بالدموع! وتولى أمر الأمة، وبحث عن ميراث أبي بكر، فإذا هو ثوبان وبغلة، بقيت من بيت المال، فبكى حتى جلس عمر وقال: [[يا أبا بكر! أتعبت الخلفاء بعدك]]

خلافة عمر

خلافة عمر فتولى عمر وألقى خطبةً ما سمع الناس بمثلها، بين لهم سياسته، ماذا يريد أن يفعل في الأمة؟ فسار بهم سيرةً عمرية، ضرب الدهر بها المثل، السيرة التي ما سمع الناس بمثلها!!

معاملة عمر لرعيته

معاملة عمر لرعيته فهذا عمر يطوف في المدينة! وهو رجل الأمة الأول، وهكذا يعنون له الفضلاء، ينام الناس في العاصمة ولا ينام، ويشبعون ولا يشبع، ويرتاحون ولا يرتاح. إذا هدأت العيون ونامت وتلألأت النجوم، أخذ درته وجاب سكك المدينة يتفقد، هل من مريض؟ هل من أرملة؟ هل من مجرمٍ يؤدبه؟ وفي ليلةٍ من الليالي: سمع امرأة في خيمة وهي في النفاس، فسمعها تصرخ من ألم الولادة فبكى، وذهب إلى بيت المال وحمل شحماً وزيتاً وزبيباً وبراً على كتفه فقال أسلم مولاه: أنا يا أمير المؤمنين! أحمل هذا، قال: لا. إنك لا تحمل أوزاري يوم القيامة، ودخل الخيمة وصنع الطعام وقدم العشاء للمرأة، فقالت: والله إنك خيرٌ من عمر بن الخطاب، وهو عمر بشحمه ودمه وإيمانه وإخلاصه. ذهب عمرو بن العاص إلى مصر أميراً فاتحاً، فتسابق ابنه محمد ومصريٌ على فرسين، فسبق المصري محمد بن عمرو بن العاص وهو ابن الأمير، فنزل ابن عمرو، فضرب المصري على وجهه، لماذا؟ أهذا نهج الإسلام؟! أهذه العدالة المنشودة التي أتت من فوق سبع سماوات؟! أهذا ميثاق: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أن يمتهن الإنسان ويضطهد؟! فذهب المصري إلى عمر فأخبره، فدعى عمر عمرو بن العاص وابنه محمداً، والجماهير من الأمة ملء الأرض، فلما قدم عمرو وهو لا يدري ما الخبر وبيده ابنه محمد، وقبل أن يسلم على عمر، قام عمر بالدرة التي إذا ضرب بها أحداً من الناس؛ أخرج وساوس الشيطان من رأسه! قال للناس: والله لا يحول بيني وبين عمرو وابنه أحد، ثم أخذ عمراً فبطحه أرضاً. كل بطَّاحٍ من الناس له يومٌ بطوحُ ثم أتى بابنه محمد فنكسه عليه، وأخذ يضربهم ضرباً مبرحاً، فيقول عمرو: الله الله يا أمير المؤمنين فيَّ! الله الله فيَّ! فيقول عمر: [[متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!]]. متى كانوا عبيداً؟ متى كان هذا الإرهاق والاضطهاد والتبعية؟! ما فائدة الإسلام في الأرض إذاً؟! فما نفع الميزان والكتاب والسنة؟ وتمشي المسيرة، ويأتي عام الرمادة، عام ثمانية عشر للهجرة، فتأخذ الأخضر واليابس، ويموت الناس جوعاً، فيكتب عمر للأقاليم، أن يحضروا عنده في المدينة، فنصب لهم خياماً، وقال: [[إن حييت، فالحياة حياتي، وإن متُ ماتوا معي]] كان يأخذ الطعام في الصباح في الصحاف على رأسه ورءوس أبنائه ويوزعه في الخيام، كان يجلس فيبكي ويقول: [[الله يا عمر كم قتلت من نفس!]] لماذا قتلت؟ من قتلت؟ وأنت تحيي النفوس ولا تقتلها! وفي عام الرمادة، حلف ألا يأكل سميناً ولا ينبل في سمن، حتى يرفع الله الضائقة عن المسلمين، وقف على المنبر يوم الجمعة، ببرده المرقع -طيلة الخلافة- ليس معه إلا هو، والله! لو أراد أن يبني بيته من الذهب الخالص لاستطاع، ووالله! لو أراد أن يمشي من بيته إلى المسجد على الحرير والاستبرق لاستطاع، ووالله! لو أراد أن يجعل أسوار المدينة من الزبرجد الذي كسبه من كسرى وقيصر لاستطاع. يقف في أثناء الخطبة، فتقرقر بطنه وأمعاؤه تلتهب من الجوع، رجل لا يأكل ثلاثة أيام إلا كسرة خبز من شعير! فيقول لبطنه: [[قرقر أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]] هل لنا تاريخ غير عمر؟ هل معنا تاريخ غير تاريخ عمر؟ وبماذا نتكلم مع الأمم؟ وبماذا نفتخر؟ وبماذا نتصدى للهجومات البشعة على الإسلام إلا بمثل عمر؟! أذعن له الكفار قبل المؤمنين. يقول مايكل هارف الدكتور الذكي الأمريكي: في كتابه الأوائل، (ص:164): "هذا وكان لـ عمر بعد محمد -عليه الصلاة والسلام- أعظم الأثر في فتوحات الإسلام، فلولاه -هكذا يقول: ونحن نقول: لولا الله- لما انتشر الإسلام هذا الانتشار الفظيع السريع في الأرض". يصلي عمر بالناس صلاة الاستسقاء، فلا يدرون ماذا يقول من البكاء، وهو يسأل الله ألا يجعل هلاك الأمة في ولايته، فينهل الغيث وهو في المصلى!! ويسير الماء غدقاً تحيا به النفوس والقلوب وتعود الحياة إلى العاصمة.

شهادة الأعداء لعمر

شهادة الأعداء لعمر يريد عمر أن يعاهد الكفار، بعد أن اجتاحهم، ونسف دولتهم تماماً، لكن أبقى لهم مستعمرة، ريث ما يهيئون غروبهم من بلاد الله، فيأتي الهرمزان قبل معركة القادسية، وهو مستشار كسرى، يأتي لابساً تاجاً من ذهب وزبرجد وعليه الحرير، يدخل المدينة ومعه الحرس، فيقول: أين قصر الخليفة؟ قالوا: لا قصر له، قال: أين بيته؟ قالوا: تعال نريك بيته، فذهبوا فأروه بيتاً من طين -من هذه البيوت الطينية التي تكلم للعالم منها، ونشر الضياء في الكون- قال: أهذا بيته؟! قالوا: نعم. قال: أين حرسه؟ قالوا: لا حرس له، يقول شوقي: وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمانُ فطرق الباب، فخرج ابنه، قال: أين أبوك؟ قال: التمسوه في المسجد نائماً، أو في ضاحيةً من ضواحي المدينة -وقت ضحى- فذهبوا إلى المسجد فما وجدوه. وهو ينام في الضحى ساعتين، وكان لا ينام في الليل ولو ساعة! تقول له زوجته: [[لمَ لا تنام الليل، ولا تنام النهار إلا قليلاً؟ قال: لو نمتُ النهار ضاعت رعيتي، ولو نمتُ الليل ضاعت نفسي!!]] فكان يصلي ويستغفر في الليل ويحكم ويعدل في النهار. ذهب الهرمزان فما وجده في المسجد، فالتمسوه فوجدوه تحت شجرة من سَلَم، وضع درته بجانبه، وبردته المرقعة عليه، وقد توسد ذراعه في أنعم وأهدأ نومة، والأمة تعيش في هدوء وعدل وسكينة. هذا الذي فتح الدنيا ودوخ الملوك!! هذا الذي داس جماجم الخونة ينام تحت شجرة!! فانذهل الهرمزان وقال: حكمت فعدلت فأمنت فنمت. قال حافظ إبراهيم: وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عقلاً وهو راعيها فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردةٍ كاد طول العهد يبليها فقال قولة حقٍ أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهمُ فنمت نوم قرير العين هانيها

محاكمة الفاروق

محاكمة الفاروق وفي آخر ولايته، قدم نفسه للمحاكمة! في آخر جمعة خطبها، قدم جسمه للقصاص، وقدم أمواله للمحاكمة، فإن كان منه خداع، أو غش، أو ظلم، أو سفك فهذا جسمه. فماذا رد الناس عليه؟ تراد المسجد كله بالبكاء. من يحاكم عمر؟ من يقتص من عمر؟ من يستطيع أن يقف أمام عمر، ويقول: أخذت مالي، أو سفكت دمي، أو نهبت عرضي، أو أهنتني؟! لا يستطيع أحد. فنزل واستودع الله الأمة إلى لقاء، وهذا هو الاغتيال في المحراب، الذي سوف أذكره. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

حب الشهادة في سبيل الله

حب الشهادة في سبيل الله الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. يقول الإمام الأعظم عليه الصلاة والسلام -وهو المعصوم وقائد المسيرة-: {والذي نفسي بيده، لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل} هذا الشيخ فكيف يكون التلاميذ؟! وهذا الأستاذ فكيف يكون الطلاب؟! هذا القائد فكيف يكون الجنود؟! يكونون لهباً من العزة والتضحية، وقذائف من البذل والعطاء، هذا الذي يتمنى الشهادة دائماً -محمد عليه الصلاة والسلام- أعطاه الله الشهادة، قال ابن كثير: وقد مات عليه الصلاة والسلام مسموماً فجمع الله له بين الرسالة والشهادة. وكان عمر يسمع كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، فحج بالناس في حجة الوداع -أعني عمر - ووقف يوم عرفات، فخطب الناس خطبةً عظيمةً باهرة، ثم استدعى أمراء الأقاليم -أمراء الأقاليم جميعاً استدعاهم أمامه كالمحافظين- وقد كان يحكم اثنتين وعشرين دولة، فأخذ يحاسب كل أميرٍ أمام الناس، والرعية تدعي والأمير يجيب، وعمر بالدرة فوق رأسه.

إحساس عمر بقرب أجله

إحساس عمر بقرب أجله وبعد أن انتهى ذهب ليرمي الجمرات، فرماه أحد الحجاج بحصى في رأسه فسال دم عمر، فقال عمر: [[هذا قتلي]] معناه أني سوف أقتل!! علوٌ في الحياة وفي الممات فهو لا يموت بل يقتل، لا كما يموت الذين يموتون بالتخم في غرف الباطنية من كثرة ما أكلوا وشربوا وما قدموا شيئاً. لهم شموخ المثنى ظاهراً ولهم هوى إلى بابك الخرمي ينتسبُ فلما انتهى من مناسك الحج جلس بـ الأبطح واتكأ على يده اليسرى ثم رفع يده اليمنى مع اليسرى، وقال: [[يا ربِ! شابت شيبتي، ورق عظمي، ودنى أجلي، وانتشرت رعيتي، اللهم فاقبضني إليك غير مفرطٍ ولا مفتون، اللهم إني أسألك شهادةً في سبيلك، وموتة في بلد رسولك]]. علوٌ في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزاتِ ومالك تربةٌ فأقول تسقى لأنك نصب هطل الهاطلات ولما ضاق بطن الأرض عن أن يواروا فيه تلك المكرماتِ أصاروا الجو قبرك واستعاضوا عن الأكفان ثوب السافيات رجع إلى المدينة وهو يتمنى الشهادة، قالت له ابنته حفصة: [[يا أبتاه! موتٌ في سبيل الله، وقتلٌ في مدينة رسول الله! إن من أراد أن يقتل فليذهب إلى الثغور -إلى الحدود- قال: هكذا سألت الله، وأرجو أن يلبي ربي لي ما سألت]] هذا السخاء والبذل أن تجود بدمك إلى الله، كان أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام إذا حضروا المعارك، لبسوا الأكفان من تحت الثياب. أكفانهم بدماء البذل قد صبغت الله أكبر من سلسالها رشفوا في كفك الشهم من حبل الهدىطرفٌ على الصراط وفي أرواحنا طرفُ لا شهداء الوطنية والماركسية والضياع والإلحاد. وصل عمر إلى المدينة، ورأى في المنام أن ديكاً ينقره نقرتين أو ثلاثاً، فعرض الرؤيا، فقالوا: [[يقتلك رجلٌ من العجم]] فقام وخطب الناس وأخبرهم أنه لن يستمر، وأنه سوف يغادر إلى غير هذه الدنيا، إلى أين؟ إن شاء الله إلى مقعد صدقٍ عند ملكٍ مقتدر، إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض. تأخرت عن وعد الهوى يا حبيبنا وما كنت عن وعد الهوى تتأخرُ سهرنا وفكرنا وسالت دموعنا وشاخت ليالينا وما كنتَ تحضرُ أيا عمر الفاروق هل لك عودةٌ فإن جيوش الروم تنهى وتأمرُ رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقُصرُ وليمون يافا يابسٌ في حقوله وهل شجرٌ في قبضة الظلم يثمرُ صلَّى الجمعة ونزل، واستمر في الحياة ساعات، ودَّعَ الدنيا، وليس عنده شيءٌ من الدنيا يقسمه، فعنده بيت من الطين وفراشٌ من حصير وجبة وعصا، هذه دنيا عمر. فأين السجلات؟ حسناتٌ عند الله! وأين الميراث؟ عقيدةٌ خالدة! وأين التركة؟ مبادئ رشيدة تثبت ثبوت الدنيا!. صلى الفجر وأتاه أبو لؤلؤة عليه لعنة الله، مجوسي مجرم ما سجد لله سجدة، فقد دبر المجوس قتل عمر لينهوا هذا الطود الشامخ. مولى المغيرة لا جادتك غاديةٌ من رحمة الله ما جادت غواديها مزقت خير أديمٍ حشوه هممٌ في ذمة الله عاليها ودانيها >> أتى وعمر يصلي، وقد بدأ عمر بعد الفاتحة بسورة يوسف، وكان يحب سورة يوسف، وكان في صوته صحل يخرج من قلبه، فلما وصل إلى قوله تعالى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] انهد يبكي، فبكى الناس جميعاً حتى سمع النشيج من آخر الصفوف، ثم قال: الله أكبر، وهذه التكبيرة كانت آخر تكبيرةٍ له في الحياة، ركع، فتقدم أبو لؤلؤة بالخنجر المسموم، فطعنه ست طعنات ثلاث ضربات فوقع عمر وهو يقول: [[حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلتُ، وهو رب العرش العظيم!!]. وتقدم ابن عوف، وما أخلت الصفوف وما خرج أحد من الصف، لأن هذه الأمة كانت تصلي والسيوف تضرب على رءوسها في المعركة: نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا فهي أمة تصلي ورءوسها تقطع في الأرض؛ لأنها تحب الله. تقدم ابن عوف فأكمل الصلاة سريعاً، وعاد الناس إلى عمر، وقد فقدوا صوته. أين صوتك؟! أين صوت الحاكم؟! أين صوت الحبيب؟! أين صوت العادل؟! أصبح في سكرات الموت، ماذا يقول؟ يقول: من قتلني؟ قالوا: قتلك أبو لؤلؤة المجوسي، قال: الحمد لله الذي جعل قتلي على يد رجلٍ ما سجد لله سجدة. لا إله إلا الله! لك الحمد يا رب أن زكيت المحراب بدم عمر، وزكيت دم عمر بالمحراب! رفعوا جثمانه، فكان يفتح عينيه، وهو يقول: هل صليت -أي هل أكملت الصلاة؟ - قالوا: لا. قال: الله المستعان! كل أمنياته أن يكمل الصلاة ليلقى الله وقد صلى صلاة الفجر، لم يسأل عن ولاية أو ولد، ولا عن بلد أو زوجة أو ميراث!! كانت دماؤه تسيل طاهرةً على الثياب، يقول بعض الصحابة: ظننا أن القيامة قامت يوم مات عمر!! من لجسمٍ شفه طول النوى ولعينٍ شفها طول السهر جسدٌ لُف في أكفانه رحمة الله على ذاك الجسد

حال عمر عند الاحتضار

حال عمر عند الاحتضار وضعوه في البيت، وأحضروا له مخدة، فنزعها، وقال: [[ضعوا رأسي على التراب لعل الله أن يرحمني]] ومرغ وجهه بالتراب، وهو يبكي ويقول: يا من لا يزول ملكه! ارحم من زال ملكه. من الذي لا يزول ملكه؟ إنه الواحد الذي يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عليهَا} [مريم:40] والذي يقول: {كُلُّ مَنْ عليهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] والقائل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]. يقول عمر: أنا يا ربِ خلعت اليوم! أنا يا ربِ ذهبت! أنا يا ربِ عبد أتيت! زال ملكي، وملكك لا يزول فارحمني!! وسلاطينهم سل الطين عنهم والرءوس العظام صارت عظاماً قال عمر: أدخلوا علي أطفال المسلمين، يريد أن يودع الرعية، وقد أكمل الصلاة بحمد الله، فشرب لبناً فخرج اللبن من جوفه، قال: الله المستعان! أدخلوا علي أطفال المسلمين، فدخل الأطفال يبكون، لمن يبكون؟ يبكون الوالد والزعيم العادل والأب الحنون! فقبلهم واحداً واحداً ومسح على رءوسهم، ودخل الشباب فحياهم ورأى شاباً في ثوبه طول، وعمر في سكرات الموت، دمه يخرج من بطنه وأضلاعه، فيقول: [[تعال يابن أخي! فيأتِ الشاب]] من منا يستطيع أن يتكلم في إسبال الإزار، وروحه تقعقع في صدره؟! يقول أحد الفضلاء: أمير المؤمنين يأمر بالمعروف وينهى المنكر وهو في سكرات الموت، فقال: [[تعال يابن أخي! ارفع إزارك]] أي: قصر ثوبك، أمة كل دينها لباب، فليست الثياب من القشور، ولا اللحى من القشور، ولا الغناء من القشور، بل كله لباب، قال: [[ارفع إزارك، فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك]] فذهب الشاب وهو يبكي لموت عمر. ودخل علي بن أبي طالب؛ ليُلقي آخر كلمة أمام عمر: كلمة الوداع، كلمة ما رأيت أصدق منها إذا ودع الحبيب حبيبه. اتكأ علي بن أبي طالب على عبد الله بن عباس، وأخذت دموع علي تفيض ويقول لـ عمر: [[يا أمير المؤمنين! فقال عمر: لستُ للمؤمنين اليوم بأمير. ذهبت الإمارة، قال: يا أبا حفص! والله! لطالما سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر وذهبت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك، قال عمر: يا ليتني أنجو كفافاً لا لي ولا علي]]. وقد عزاه الناس، ثم أخذ يقول: [[الله الله في الصلاة!]] وترك الخلافة في الستة الذين بقوا من العشرة المبشرين بالجنة. وحملوا جثمانه ليدفن إلى جوار صاحبيه.

دفن عمر بجانب صاحبيه

دفن عمر بجانب صاحبيه أين يدفن؟ قالوا: ندفنك مع الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: [[لا أزكي نفسي، ما أنا إلا رجلٌ من المسلمين، استأذنوا عائشة في ذلك]] فذهبوا إلى عائشة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلبوا منها الإذن -أن يدفن مع صاحبيه- ليكون ثالث الثلاثة، قالوا لـ عائشة: [[ندفن أمير المؤمنين مع صاحبيه؛ قالت: والله! لقد هيأتُ هذا المكان لنفسي، ولكن والله لأوثرن اليوم عمر بهذا المكان، ادفنوه مع صاحبيه]] فدفنوه مع صاحبيه، فجزى الله عمر عن الإسلام خير الجزاء. إنا لله وإنا إليه راجعون، سلامٌ على ذاك العدل، وعلى ذاك الإمام، وجمعنا الله به في دار الكرامة، في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، هذه شخصيةٌ من شخصيات العالم الإسلامي، التي قدمها محمد عليه الصلاة والسلام للناس، هذا خليفة راشد، وإمامٌ عادل، يقول علي وعمر مكفن قبل أن يُصلى عليه: [[والله! ما أريد أن ألقى الله بعمل رجل إلا بعمل رجل مثلك]] كعملك وصدقك وعدلك. اللهم أرنا وجه عمر، وأجلسنا مع محمد في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا، اللهم إنا قد أحببنا ذاك الرعيل فيك فهبنا يوم القيامة لأحد منهم، وشفعهم فينا يا رب العالمين. اللهم صلِّ وسلم على النعمة المسداة، وعلى اليد المعطاة، محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى خلفائه الراشدين، والأئمة العادلين، والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك. اللهم تولنا فيمن توليت، واهدنا فيمن هديت، وبارك لنا فيما أعطيت. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

عقدة البقرة

عقدة البقرة اشتهر بنو إسرائيل بكثرة مسائلهم لأنبيائهم والتعنت عليهم, ولما كثرت منهم شدد الله عليهم, وقصة البقرة من أبرز الأمثلة على ذلك, والشيخ حفظه الله تكلم عن هذه القصة, وذكر بعض الفوائد والدروس المستفادة منها, ثم أنهى كلامه بذكر شيء من اللطائف والفوائد حول البقرة, وحول هذه القصة.

ضرب الأمثال في القرآن الكريم

ضرب الأمثال في القرآن الكريم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أشهد أن الله حق, وأن النبيين حق, وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم حق، وأشهد أن النبي خاتم، وأن الدين خالد، وأن الكفر خاسر. أيها الناس! تعنت العقل البشري أمام الوحي، وخاصم الإنسان الفاجر ربه، واعترض العقل على خالقه، واليوم معنا صورة من اعتراض البشر الضعفاء على الله، ومعنا سورة البقرة، وإن شئت سمها عقدة البقرة, التي تعقد فيها بنو إسرائيل، واضطربوا وسألوا، وناقشوا وشددوا؛ فشدد الله عليهم. كان يقرأ عليه الصلاة والسلام هذه السور؛ سورة النحل والنحلة حشرة، وسورة النمل والنملة حشرة، وسورة البقرة والبقرة حيوان، وسورة العنكبوت وهي حشرة، فقال كفار قريش: محمد يستهزئ بكم، يأتينا بقرآن ويقول: هو وحي. وهو يتكلم عن عالم الحيوانات والعجماوات، وعن عالم الطيور والحشرات، فما دخل الطير والبقر والنحل، والكلاب والحمير بهذا الوحي، فرد الله عليهم بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:26] فالذي خلق البعوضة هو الله، والذي خلق الفيل هو الله، والذي صور البقرة هو الله، والذي ركب الحمار هو الله، قال ابن القيم: " وفي الناس على ضروب أشباههم شبه من الحيوانات " ففي الناس من طبيعته كطبيعة الخنزير تماماً لا يقع إلا على القاذورات, يسمع المحاسن ويسمع الجميل فكأنه ما سمع، فلا يلقط إلا الخطأ والعثرة، قال ابن تيمية: " في الناس كأمثال الذباب كثير, لا يقع إلا على الجرح أما على الجسم السليم فلا يقع " فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي} [البقرة:26] ومن يمنعه أن يضرب الأمثال؟ {أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:26] أي: أما حملة (إياك نعبد وإياك نستعين) , أما المتوضئون ورواد لا إله إلا الله {فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة:26] ثم يضرب الله قصة البقرة, ويسمي أكبر سورة في القرآن باسم البقرة, فتعرف بين الناس من أجل خمس آيات فيها بهذا الإسم، فلا يعرف المسلمون هذه السورة إلا بسورة البقرة، وثلث السورة نسف وإبادة لبني إسرائيل، وثلثها أحكام شرعية وقواعد منطقية وعقلية يفهمها اللبيب.

قصة البقرة

قصة البقرة قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67] لماذا؟ ما هو وجه التكليف أن يذبحوا بقرة؟ أتى بالصلاة، والصيام، والحج فلماذا ذبح البقر؟ السبب بعدها، قالوا: قدم الله سورة البقرة ثم أتى بالقصة في الآية التي تليها.

معاندة بني إسرائيل للرسل

معاندة بني إسرائيل للرسل كان رجل من بني إسرائيل غنياً ثرياً، فعدى عليه ابن أخيه في الليل فذبحه! اغتيال رهيب في ليلة ظلماء! وأتى هذا القاتل المجرم إلى موسى ليخفي جريمته، ويبعد التهمة عن نفسه, فبكى بين يدي موسى عليه السلام، قال له: مالك؟ قال: عمي قتل البارحة وأنت المسئول عنه، فأنت النبي وبيدك الحكم؛ سل الله من قتل عمي، فجمع موسى بني إسرائيل وقال: من قتل عم هذا الرجل؟ قالوا: لا ندري، إن كنت يا موسى نبياً فسل ربك، فهم يقولون: ادع لنا ربك، قال أحد المفسرين: قبحهم الله وفضحهم، أليس بربهم؟! لماذا لم يقولوا: ادع ربنا، وإنما قالوا: ربك؟ فابتهل واستقبل القبلة وبكى وقال: اللهم أخبرنا من هو القاتل. فقال الله: يا موسى! مر بني إسرائيل أن يأخذوا بقرة فيذبحونها, ثم يأخذوا عضواً منها فيضربوا الميت؛ فإني سوف أحييه بإذني؛ فيتكلم فيخبر بمن قتله، قال الله: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة:72 - 73] فقال موسى: اذبحوا بقرة، قال ابن عباس: [[لو أخذوا بقرة من عرض البقر لأجزأتهم]] لكن تعنت البقر, أمام قصة البقر، لأن العقول التي لا تهضم معلومات الوحي تعترض، والعقل الجامد أمام النور الخالد يعترض، الله يقول: اذبحوا بقرة فاعترضوا، ففي كل شئونهم اعتراض، أنزلهم في واد فيه منٌّ وسلوى, حمام مشوي وعسل فقال: كلوا، قالوا: لا {فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [البقرة:61] أخرجهم من البحر وأقدامهم مبتلة بالماء, فلما خرجوا وذهب يكلم ربه عبدوا العجل، وقالوا: ظمئنا أين الماء؟ فضرب الصخرة بالعصى فانفجرت اثنتي عشرة عيناً، قالوا: أين ربك؟ قال: أكلمه، قالوا: اذهب فكلمه. فذهب فلما أتى وجدهم قد أخذوا هذا العجل وسجدوا له، فتاب إلى الله وبكى موسى منهم، قال: يا رب! ما توبة بني إسرائيل؟ قال: خذ من خيارهم سبعين رجلاً والقني بـ طور سيناء , فإذا لقيتموني فاسجدوا لي؛ لأتوب عليكم، {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف:155] فاختار من خيارهم سبعين، فمضى بهم إلى طور سيناء وقال: لا تتكلموا فإن ربي سوف يكلمني، فإذا كلمني فاسجدوا وابكوا، قالوا: نعم، فلما كلمه الله لم يسجدوا، فالتفت إليهم وقال: ما لكم؟ قالوا: أرنا الله جهرة. قال: اسجدوا لله قالوا: أرنا الله جهرة. فأنزل الله عليهم صاعقة فقتلت السبعين جميعاً, فوقف موسى باكياً وقال: يا رب! أعود لبني إسرائيل فيقولون لي قتل السبعين من خيارنا, فماذا أقول لهم؟ قال الله: سأحييهم لك. فأحياهم الله، وقالوا: يا موسى أحيانا الله فأرنا آية؟ فنتق الله الجبل فوق رءوسهم {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} [الأعراف:171] قال: أصدقتم؟ قالوا: لا.

تعنت بني إسرائيل في الأسئلة

تعنت بني إسرائيل في الأسئلة قال الله تعالى على لسان نبيه موسى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} [البقرة:67] هذه هي كلمة أبي جهل وكلمة الخونة العملاء، أمام العلماء والدعاة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, قالوا: أتتخذنا هزواً وتضحك علينا؟ نسألك عن القتيل فتقول اذبحوا بقرة! تقول له زيداً فيسمعه عمراً ويكتبه بكراً ويقرؤه فهراً قال: بل اذبحوا بقرة، قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة:67] قال أهل العلم: من سخر بالوحي فقد جهل, ومن عبث في التعليم فقد جهل، ومن أتى بالهزل في موطن الجد فقد جهل. {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البقرة:68] شددوا فشدد الله عليهم، وهذا مثل ما يفعل الذين يأتون إلى الدين فيتصورون أنه جامد وأن فيه التزمت وأنه متطرف, فتثقل عليهم التكاليف كالصلاة والسجود وأبسط الأشياء, وتسهل عليهم أمور الدنيا والمعصية، حتى أن أحدهم يستطيع أن يراهن بأمواله ويسافر إلى بلاد المعصية وتثقل عليه حجة أو عمرة. {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} [البقرة:68] ليست بالكبيرة المسنة ولا بالصغيرة البكر، {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ} [البقرة:68] فضيقوا الدائرة عليهم, {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا} [البقرة:69] وإلا فالله لم يسألهم عن اللون، ولم يشترط عليهم لوناً خاصاً {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة:69] وهذا أجمل لون؛ كشعاع الشمس الذهبي عند الغروب، قال الحسن البصري: " يعني سوداء " قال أهل العلم: ليست بسوداء وإنما هي صفراء فاقع لونها، فإنه يقال: للأسود قاتم، وللأصفر فاقع، وللأحمر قاني، وللأخضر باقع، وللأبيض يقق, قال: {فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة:69] فاجتمعوا في مجلس مغلق ثم عادوا إليه: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:70] فيتدخل رسولنا عليه الصلاة والسلام عند هذه الكلمة فيقول: {وأيم الله! لو لم يقولوا: {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:70] ما وجدوها أبداً} ولكن استدركوا فقالوا: {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:70]. قال موسى: ما دام أنكم سألتم، وعرضتم الإشكال، وتشددتم، فلا بد لكم من تشديد، {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71] قال المفسرون: ليست مهيأة للحرث ولا للزرع، ويسمونها معززة أي لم تحرث ولم تزرع، لا تثير الأرض زراعة ولا تسقي الحرث, مسلمة قالوا: أي سليمة من العيوب، لا فيها مرض، ولا هي عوراء ولا هتماء ولا عضباء، إلى غير تلكم العيوب. لا شية فيها, قال: بشرط ألا يكون فيها بقعة تخالف لون الأصفر الفاقع، وهذا التشديد؛ كما يشدد الكهنة والسحرة في أوصافهم عندما يريدون الضحك على عقول الناس وتعجيزهم, فيشترطون ألواناً للتيوس التي تذبح, أسود قاتم، أو أحمر قانئ، أو أصفر فاقع، فإذا علموا أنها انتهت التيوس السود من الأسواق انتقلوا إلى الصفر فالحمر فالبيض. قال: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة:71] قال أهل العلم: كأنهم يقولون أما قبل الآن فما جئت بالحق. فقد كان يضحك عليهم إذن، ويسخر ويستهزئ بهم في ظنهم. {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71] [البقرة:71] متى ذبحوها؟ طافوا مدن بني إسرائيل وقراهم قرية قرية؛ فوجدوا هذه البقرة عند عجوز تحلبها وتعلفها، والعجوز علمت أنهم بأشد الشوق إلى هذه البقرة فبالغت في الثمن، قالوا: كم ثمنها؟ قالت: لا أبيعها. قالوا: اطلبي ما شئت من المال. قالت: إذا ذبحتموها وسلختموها فاملئوا جلدها ذهباً فهذا ثمنها. قالوا: سمعاً وطاعة. فقل للعيون الرمد للشمس أعين تراها بحق في مغيب ومطلع وسامح عيوناً أطفأ الله نورها بأبصارها لا تستفيق ولا تعي يقول بعض العلماء: مثل بني إسرائيل الذين ردوا أوصاف البقرة حتى وقعوا في الثمن, أمثالهم في الأمة كمن رفض التكاليف, بل ليست تكاليف, إنما هي عبادات سهلة ميسرة؛ حتى تخللت أقدامه النار يوم العرض الأكبر، وكان صلى الله عليه وسلم يشير إلى هذا فيقول: {أسبغوا الوضوء، ويلٌ للأعقاب من النار} قال أهل العلم: فمن لم يتحمل مشقة الماء البارد ليسبغ الوضوء؛ حمله الله نار جهنم في عقبيه، وقس على ذلك. {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71] فلما ذبحوها ملئوا جلدها ذهباً فأخذته العجوز, وأخذوا الغضروف فضربوا به الميت؛ فانتفض من قبره حياً بإذن الله فإذا به واقف, قال موسى: من قتلك؟ قال: ابن أخي هذا. هذا هو المجرم الذي أتى يسأل عمن قتل عمه، فقتله موسى. هذه هي القصة.

البقر في المنام

البقر في المنام وتأويل البقر في المنام خير، قال أهل العلم: إذا رئيت وهي تذبح فشهداء، وإذا رؤيت واقفة فأخيار صالحون مؤمنون، وهذا في صحيح البخاري , فقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد على المنبر قبل أحد بليلة يلقي بياناً عسكرياً حاراً، يقول: {رأيت البارحة في المنام أن سيفي ثلم ثلمة -قيل انكسر ذبابه، وهو رأس السيف ذو الفقار- قال: ورأيت بقراً تنحر, ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة. قال الناس: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: أما ثلم سيفي فرجل من أهل بيتي يقتل -وكان حمزة - وأما البقر التي تنحر فالمؤمنون الشهداء. ثم دمعت عيناه وقال: والله خير -فقتل سبعون من أجلِّ المسلمين- وأما يدي في الدرع الحصينة فآوي إلى المدينة منتصراً} قال بعض المعلقين على قصة بقرة بني إسرائيل وهذه الرؤيا: " يا بني إسرائيل! يا حثالات العالم! يا حملة الجريمة! يا أعداء لا إله إلا الله! بخلتم بذبح بقرة فتشرطتم على موسى, وأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام حضروا بدراً وأحداً فقالوا: ماذا تريد منا يا رسول الله؟ قال: أريد منكم النصر. قالوا: فما لنا إذا نصرناك؟ قال: لكم الجنة فقدموا أرواحهم وهي أغلى من البقر". ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى أمَّن رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبراً

مقارنة بين صحابي جليل وبين بني إسرائيل

مقارنة بين صحابي جليل وبين بني إسرائيل نقف عند قصة عمير بن الحمام، وقصة بني إسرائيل عند البقرة، صحابي لا يحفظ إلا عشر سور، أتى بدراً فكسر غمد السيف على ركبته، فقال عليه الصلاة والسلام: {يا أهل بدر! إن الله اطلع عليكم اطلاعة فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. يا أهل بدر! والله ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة} فألقى عمير بن الحمام بتمر في يده وكسر غمد السيف على ركبته وقال: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى بخٍ بخٍ، وقاتل حتى قتل، أيهما أكثر تصديقاً؟ هذا هو الصنف الخالد الذين قدمهم عليه الصلاة والسلام. {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33] أبو بكر الصديق , يقول عليه الصلاة والسلام لقريش: {أسري بي البارحة إلى بيت المقدس فقالوا: كذبت. وقال أبو بكر: صدقت، فقال: وعرج بي فقالوا: كذبت. وقال أبو بكر: صدقت، قال: وفرض علي خمسون صلاة قالوا: كذبت. وقال أبو بكر: صدقت، فأنزل الله: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33]} فـ أبو بكر هو الذي جاء بالصدق وأمثاله إلى قيام الساعة، وهناك طراز ومدرسة اسمها مدرسة أبي بكر الصديق، هذه المدرسة تحترم الوحي، ومدرسة أبي جهل وأصحاب البقرة مدرسة تهاجم الوحي، فلا تريد للوحي أن يستقيم في حياة الناس أن يتبع، أو أن يُسمع صوته، أو ينشر، أو يفهم أو يدرس، أو يربى الناس عليه، أو يدخل إلى البيوت، بل تقف هذه الفئة -فئة أبي جهل والوليد بن المغيرة وأصحاب البقرة- حجر عثرة في وجه أتباع موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، ولابد من هذا قال الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31].

دروس مستفادة من هذه القصة

دروس مستفادة من هذه القصة والمقصد من هذه القصة أمور ثلاثة: الأول: لا يحق للعقل أن يعترض على الوحي، ويوم يبدأ بالاعتراض والتشكيك، تبدأ اللعنة تنصب عليه من السماء. الثاني: على المسلم أن يتلقى هذه الرسالة باستسلام, وأن يسلم وجهه، وأن يطوع قياده، وأن يسجد برأسه، وأن يعلن انكساره وفقره أمام الله. الثالث: فضل الأمة المحمدية التي سارت على منهج رسول الهدى عليه الصلاة والسلام, بالمقارنة مع بني إسرائيل، مع اليهود. ونستنبط -أيضاً- أن الاعتراضات، والتهجمات، والسخريات، والأطروحات الكالحة، والهجوم المكشوف؛ الذي يعانيه أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، سوف يستمر ويستمر، ولكن: رضينا بك اللهم رباً وخالقاً وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا فإما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

استحالة اجتماع المسلمين مع اليهود

استحالة اجتماع المسلمين مع اليهود الحمد لله ولي الصالحين, ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين, وقائد الغر المحجلين, وشفيع المؤمنين ومحجة السالكين, وعلى آله وصحبه والتابعين. يقول بعض المفكرين المعاصرين: من الاستحالات المنطقية اجتماع إسرائيل مع المسلمين، فلا تجتمع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله مع النجمة السداسية أبداً، قال: ووقع ما فعل أجدادهم مع موسى في شأن البقرة, وقع في هيئة الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن، القرار الذي يدعو إلى انسحاب أبناء القردة والخنازير من أرض المعراج, ومن أرض المؤمنين, ومن أرض عمر بن الخطاب وصلاح الدين؛ ينص على الانسحاب من الأراضي المحتلة، ومعنى ذلك: أن تطهر البلاد منهم، فأتوا وقالوا: لا, ليست الأراضي, وإنما هي من أراضٍ محتلة. فحذفوا (ال) التعريف كقولهم في البقرة, وقالوا: لا يمكن, ومعنى أرضٍ: أي أرض، ولو بقعة محدودة، يكفي أن نخرج من سيناء وطابة أو شيء من الجولان، ووقف العرب أمامهم بين (أل) التعريف , ولم يقفوا كما وقف صلاح الدين بالسيف. تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف بن ذي يزن وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا وهكذا يعصف التوحيد بالوثن في العالم اليوم أطروحة تسمى أطروحة التعايش السلمي، نبذ الأديان التي تفرق بين الشعوب، والتعايش السلمي بين الدول والشعوب، قالوا: وسبب الانزعاج والإزعاج هو الدين، فما فرق الأمم إلا مسلم، ويهودي، ونصراني، إذن نلغي هذه الأعلام والألقاب والأوسمة، ونبقى في تعايش سلمي تحت مظلة الإنسانية، وهذه هي مبادئ الماسونية , والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بعد قصة البقرة بآيات يحذرنا ويقطع علينا خط الرجعة؛ ألا نطمع في بني إسرائيل في اليهود، فلا تلد الحية إلا حية، ولو نسيت الكلاب نباحها، والخيل صهيلها، والغنم غثاؤها، والحمام هديره؛ لما نسي اليهودي عداءه للرسول عليه الصلاة والسلام، فقد نكت في دمائهم الخيانة، وقلة الأمانة، وعداء لا إله إلا الله، ويتبعهم أهل مدارسهم الذين تشبعوا بأفكارهم، وحملوا مدرستهم, شعروا أم لم يشعروا، قال الله بعد هذه القصة: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:75] أتظنون أنهم سوف يسالمونكم ويؤمنون لمبادئكم ويكونون إخواناً لكم؟ {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} [البقرة:75] لا، وقبل هذه الآية يقول: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74] أطعمهم الله المن والسلوى، ونجاهم من البحر، وظلل عليهم الغمام، وأنقذهم من فرعون، وسقاهم وأراهم الآيات، وأنزل عليهم الصحف، ثم قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64].

لطائف وفوائد

لطائف وفوائد في قصة البقرة لطائف أذكرها للاستملاح كما ذكرها أهل العلم: قيل لإمام أهل السنة والجماعة: (أبي عبد الله أحمد بن حنبل): أتذبح البقرة أم تنحر؟ لأن البخاري في الصحيح في كتاب الحج قال: باب هل تذبح البقر؟ قال الإمام أحمد: بل تذبح. قالوا: وما الدليل؟ قال: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67] والشاهد في هذا فقه الأئمة, هذه العقول المدركة التي رفعت مستوى الثقافة عند المسلمين، فشرفنا أحمد بن حنبل، وتاريخنا ابن تيمية، ومجدنا مالك، وسؤددنا الشافعي، هذا ميراثنا فليرينا العملاء الخونة ميراثهم، إما وَتَر أو بلوت، أو ضياع أو موسيقى حالمة، لكن هذه استنباطات الأئمة, وضعوا عقولهم في مدرسة الوحي فأنتجت طلاباً كالنجوم, وغرسوا أفكار أشجارهم في حديقة لا إله إلا الله فآتت أكلها كل حين بإذن ربها. ومنها: جواز بيع السلم. انظر إلى عقل الإمام مالك كيف طارت به أشواقه حتى وقع على قصة البقرة، قال: فمن باع غرضاًً بصفة كصفة بقرة بني إسرائيل جاز بيعه بصفة معلومة؛ لأن هذه البقرة وصفت لهم من الله عز وجل فبحثوا عنها فوجدوها. ومن ذلك أن المسلم لا يتعنت أمام المسائل الشرعية، ولا يفحم العلماء, وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الأغلوطات، ونهى عن إفحام أهل العلم، بل عليك أن تطلب العلم لوجه الله، ويكون غرضك من المسألة أن تعمل بها لا أن تعنت وتعجز هذا العالم، وهذه تربية للتلاميذ في المدارس والجامعات؛ أن يتقوا الله في الأساتذة؛ فلا يفحموهم بالمسائل العويصة والأغلوطات, فإن من فعل ذلك فقد تكلف، ومن تكلف فليس منا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِين} [المائدة:101 - 102]. قال أهل العلم: ويؤخذ من هذه القصة أيضاً أن الدين يسر، وأن الله إذا أمر بأمر فهو على ظاهره، فلا يدور المسلم حول أمر الله بل ينفذه سمعاً وطاعة. قالوا: ويؤخذ منها أن من امتثل الأمر في أول شيء وقام به في أول وقته فهو المأجور، فمن صلى الصلاة في أول وقتها أجر لا كمن صلاها في آخر الوقت، وعند البخاري، وعند الترمذي وابن خزيمة: أن ابن مسعود قال للرسول: أي الاعمال أفضل؟ قال: {الصلاة في أول وقتها} ويروى: {الصلاة في أول وقتها رضوان الله} وكذلك من حج في أول عمره، ومن تاب في أول عمره أفضل ممن ترك المتاب والعودة إلى الله حتى بلغ الستين والخمسين. تفر من الهجير وتتقيه فهلا من جهنم قد فررت وتشفق للمصر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمت مشيت القهقرى وخبطت عشوا لعمرك لو وصلت لما رجعت ويقبح بالفتى فعل التصابي وأقبح منه شيخ قد تفتى قال ابن تيمية في هذه القصة: ويؤخذ منها -أيضاً- أن من أخر التوبة وفعل الأفعال الشنيعة على كبر عمر فإنه قد أساء إساءتين: إساءة المعصية، وإساءة عدم الإعذار من الله، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. وذكر منهم أشيمط زاني} شيخ يأتي يوم القيامة ولا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم، لا حجة له، وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: {أعذر الله إلى امرئ بلغه ستين سنة} معنى الحديث عند أهل السنة: أي قطع الله عليه الحجة يوم القيامة فلا حجة له، إذا أتى وعمره ستون فيقول الله له: لِمَ لم تتب؟ قال: يا رب لو أمهلتني لتبت. أبعد الستين مهلة؟! {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] قال ابن عباس: [[النذير الشيب, ومن عمّره الله ثماني عشرة سنة فقد أعذر إليه]] هذا عند كثير من المفسرين ولكن الحديث أصح. فالبدار البدار، لا نصبح كبني إسرائيل نسمع الموعظة فنقول: غداً أو بعد سنة، أو ماذا يراد من هذا الكلام؟ أو ما هو المطلوب منا؟ بل علينا أن نمتثل. والعقول الملتوية المنحرفة هي مدرسة شامير، وموشي ديان، على مر تاريخ الإنسان, وهم أناس ربما يوجدون في قلب الأمة الإسلامية, وهم كالجراثيم تجتث، ولكنها لا تضر هذا الجسم الطاهر, ولذلك نقول في كل صلاة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] قال سفيان بن عيينة رحمه الله: [[من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى]] والأمة اليوم وقع فيها مدرسة تشابه مدرسة النصارى ومدرسة اليهود, في أفكارها وفي التوائها وفي محاربتها، وفي أطروحاتها وأقلامها، وأدبها وغزلها وغنائها، فنسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم، وأن يلهمنا وإياكم رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].

قصة عائد إلى الله

قصة عائد إلى الله هذه قصة عائد إلى الله، عرف طريقه المستقيم إلى الله بعد أن كان شارداً على الله، فقد مرت عليه السنوات وهو يعيش في ظلام كما يعيش كثير من الشباب المعرضين عن الله. ولما أراد الله هدايته لمست مسامعه كلمات داعية عملاق، فأصغى لها، فوصل الصوت إلى قلبه، فإذا به ينهد باكياً ثم يسلك سبيل الهداية.

قصة تائب

قصة تائب الحمد لله رب العالمين، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير، الحمد لله الذي خلق السماوات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ هدى الله به البشرية، وأنار به أفكار الإنسانية، وزعزع به كيان الوثنية، صلى الله عليه ما اتصلت عينٌ بنظر، وما تألقت أذنٌ لخبر، وما هتف ورقٌ على شجر، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضرٍ يحلُّ بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمنٍ وفي دعةٍ فما سقطنا لأن الحافظ الله {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136] {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. هذه قصة أرويها هذا اليوم قصة عائد إلى الله قصة تائب عرف طريقه المستقيم إلى الله، رجلٌ يعيش ولا يزال يعيش على قيد الحياة، رجلٌ نيَّف على الخمسين من عمره؛ عابدٌ من العباد وليٌ من الأولياء، نحسبه والله حسيبه، لا أذكر اسمه فقد سألني بالله ألا أسمي اسمه للناس يوم أروي هذه القصة، يعيش في مدينة من مدن بلادنا. هذا الرجل قصته عجيبة! تروي قصة الإنسان يوم يعيش حياتين، وفترتين، ومرحلتين، يوم يعيش في أول عمره الضياع، والهيام، والضلال، والشرود، والتمرد على أمر الله تبارك وتعالى، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23].

حياته قبل التوبة

حياته قبل التوبة هذا الرجل كان يعمل جندياً -حارساً- يتولى نوبته ببندقيته لكنه لا يعرف الله، يقول: مرت بي تلك الفترة والله ما سجدت لله سجدة إلا رياءً ومجاملة للناس. كانت تمر به الأشهر الطويلة لا يغتسل من الجنابة لا يركع ركعة لا يتلو القرآن لا يذكر الواحد الديان شاردٌ عن الله ميت بمعنى الكلمة. ليله يسهر مع الغناء الماجن، مع رفقة السوء، مع شلل الإجرام، مع عصابات التمزق والفشل والانهزام، مع الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً. فإذا أدركه النوم؛ نام بلا طهارة كالجثة الهامدة، ميت، لا يعرف مواقيت الصلاة؛ لأنه لا يصلي، وإذا استيقظ استيقظ متى يريد بلا طهارة، بلا ذكر بلا وضوء بلا عبادة. نهاره ذهابٌ وإياب يوم يترك نوبته في الحراسة، والعجيب في أمره! أنه قوي البنية؛ لكنه ضعيف القلب آنذاك، صلب المراس لكنه مهزوم الإرادة، متحرك الأعضاء لكنه فاني العزيمة والإقبال على الله تبارك وتعالى. كان يُشْعِل السيجارة بعد الأخرى، وإذا رأى أهل التدين والالتزام استهزأ بهم، يرى أن الإسلام رجعية، وأن الدين تخلف، وأن السنة سخف، وطالما زاره بعض الدعاة مما رأوا من إجرامه وفساده ووعظوه وحذروه وأنذروه، فكان يردد كلمته المشهورة: كفرٌ صراحٌ ولا دينٌ مُخَشْخَش؛ يعني: نفاقٌ صلبٌ عَمْدٌ وفجور، ولا دين أتلبس به أمام الناس. قاطَع والدَيه؛ وهما على بعد ثلاثمائة كيلو متر منه هجرهم، وسبهم، وشتمهم، كان يجلس مع رفقته فيستهزئ بالصالحين، ويستهزئ بالسنن، ولا إله إلا الله كم يتمرد القلب على الله إذا لم يعرفه! ولا إله إلا الله كم يهدم كيان الإنسان إذا لم يهتدِ هذا الإنسان! {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس:17 - 20] {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد:8 - 11] {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:6 - 7] {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3]. واستمرت السنوات بعد السنوات وهو يعيش في ظلام، كما يعيش اليوم كثير من الشباب المعرضين عن الله؛ يأكلون، ويشربون، ويطبِّلون، ويزمِّرون، ويرقصون؛ لكنهم لا يعرفون الله. مساكين! الذين يتصورون أن الحياة دفٌ، وطبلٌ، ونايٌ، ووتر. مساكين! الذين جعلوا الحياة لذةً، وشراباً، وأكلاً كالبهائم. مساكين! الذين ما عرفوا حلاوة الإيمان، وطعمه ولذته. واستمرت الليالي والأيام بهذا الرجل وهو في حراسته يحمل بندقيته، يسمع النداء الخافق العالي بالأذان فلا يجيب داعي الله، ويرى الصالحين يتوجهون إلى المسجد فلا يشاركهم أبداً.

أسباب توبته

أسباب توبته ولقد قيض الله لهذا الرجل داعيةً عملاقاً؛ هذا الداعية وإن كنت لا أعرفه، لكن يعرفه كثير من العلماء وطلبة العلم في هذه المنطقة وغيرها، اسمه: محمد بن حمود اليمني؛ رجلٌ ما ذَكَرَتْهُ الكتب لكن ذَكَرَتْهُ القلوب، وما عَرَفَتْهُ الصحف لكن عَرَفَتْهُ الأرواح، وما سُجِّل بالجرائد لكن سَجَّله الله في الخالدين. حُدِّثْنا بتواترٍ عنه أنه كان يأخذ القلوب فيسافر بها إلى الله، فأقف مع هذا الرجل، وأقف في قصة حدثنا بها بعض الصالحين؛ قصة بين هذه القصة، تتحدث عن هذا الداعية، يقول الرجل الصالح: "رأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيت كأنني في سوق وقد اجتمع الناس في هذا السوق، فلما ارتفعت الشمس، وأخذ الناس يتبايعون ويتشاورون في السوق، وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- يرتقي إلى منبر السوق، وإلى مكانٍ عالٍ في السوق فيعظ الناس، ويبكي ويُبكي الناس، قال: حتى رأيت بعض الناس سقطوا مغمىً عليهم من التأثر، فرشوا بالماء وحملوا من السوق -هذه رؤيا منام- قال: وفي الصباح نزلت إلى سوق البلدة فوقفت مع الناس، فلما احتمت الشمس وارتفع النهار واجتمع الناس، وإذا بهذا الداعية، يصعد منبراً مرتفعاً في السوق يكبر ويهلل، وتتساقط دموعه قبل الكلمات إي والله! قال: فرأيت الناس يتساقطون من التأثر ويرشون بالماء، ويحملون إلى الظل، فكان هذا تأويل رؤياي من قبل". نعود إلى قصة هذا الرجل الأول، قال: وفي أثناء ما كنت في نوبتي آخذاً بندقيتي بجانب مسجدٍ في هذه البلدة، والناس يصلون وأنا لا أعرف الصلاة، وإذ بهذا الداعية يرتفع صوته بعد صلاة العصر؛ منذراً، ومحذراً، ومذكراً، وهو يتلو قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] ثم أخذ يشرح الموقف والعرض الأكبر، ويصف الجنة والنار. وقد سلم هذا الرجل قلبه لهذا الداعية، ووصل صوته إلى قلبه قبل أن يصل إلى أذنيه؛ لأن الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب. قال: فاستأسر قلبي بين يديه، {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد:4]. قال: وانتقلت من البلدة بروحي فما أدري أين أنا، وأصابني من الإعياء والبكاء والإغماء ما الله به عليم، حتى ما استطعت أن أتحامل على رجلي فجلست على الأرض. قال: وكان صوته ينفذ إلى القلب مباشرة؛ وهو يتحدث عن الحشر والنشر ومواقف الحشر وكأن ربي بارزٌ على عرشه يوم العرض الأكبر. قال: واستمريت في البكاء إلى قبيل المغرب حتى سلمت نوبتي لزميلي، وذهل الناس مني واجتمعوا عليَّ مالك مالك؟ قلت: لا شيء، أتوب إلى الله أستغفر الله أعود إلى الله، اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. وهكذا يفعل الداعية المخلص بالقلوب يفتح مدناً من القلوب بالكلمات لا تفتحها الجيوش المجيشه، ولا الجنود المجندة. وقام هذا الرجل وذهب فاغتسل من الجنابة التي مكثت عليه أشهراً طويلة، وغير ملابسه فقد غير قلبه، وقام يستغفر ويتوب ودموعه تتساقط مع قطر ماء الوضوء. إذا اشتبكت دموعٌ في خدودٍ تبين من بكى ممن تباكى قال: وأول صلاةٍ صليتها صلاة المغرب، فلما صليت وإذا أنا بالداعية، فسلمت عليه، فهش وبش في وجهي، وكأنه اشتراني وأعتقني -والله- وعانقه في نفس الوقت؛ وهذا هو السحر الحلال، وهو: تبسم أهل الفضل والنبل والعلم؛ ليشتروا القلوب ويبيعوها بجنة عرضها السماوات والأرض. يقول الله لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ويقول له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. قال: فذهب بي هذا الداعية إلى بيت يجاور المسجد، وسألني: لماذا أبكي؟ فقصصت عليه حياتي، فشاركني في البكاء، وقلت: الآن أولد مولداً جديداً، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122].

التائب حفظ القرآن في أربعة أشهر

التائب حَفِظَ القرآنَ في أربعة أشهر قال: أخذ هذا الداعية يحدثني عن الهداية، وعن طريق الجنة، وثواب الله للصادقين، وجزائه للتائبين، وعن إقباله على المقبلين. قال: وسألني كم أحفظ من القرآن؟ قلت: لا أحفظ شيئاً، قال: سبحان الله! وكيف صليت معنا آنفاً، قال: وقفت هكذا، حتى الفاتحة لا أحفظها؛ لأنه قد يبلغ ببعض الناس التمرد والإعراض إلى أن يفهم كل شيء إلا الإسلام، ويعرف كل شيء إلا القرآن، ويحب كل شيء إلا الدين، بل وجد في مجتمعاتنا وأوساطنا ومدننا من يحفظ مئات الأغنيات ولا يحفظ سورة، هذا موجود وحاصل، وهكذا يفعل المعرض والشارد عن الله عز وجل. قال: فقام فعلمني الفاتحة وسوراً أخرى، ثم ألزمني برجلٍ من أهل القرية عنده صلاح، وقال: حفِّظه كتاب الله، قال: والله الذي لا إله إلا هو -الرجل يروي قصته- ما أخذت أنام من الخوف؛ من خوف الله في الأربع والعشرين ساعة إلا ساعتين، وحفظت القرآن كله حفظاً عن ظهر قلب في أربعة أشهر؛ لأنه أحب القرآن، وأقبل على الواحد الديان، وعرف طريقه إلى جنة الرضوان. هذا الرجل استمر في الهداية، وأصبح عابداً، وأعرف أنه يقرأ القرآن ويختمه في كل ثلاثة أيام، ويصوم كثيراً من الأيام، ولا يتمالك عينيه إذا قرأ القرآن إلا أن ينهد باكياً. يحدث بقصته هذه فيبكي؛ لأنها قصة عجيبة، تمر بنا كثيراً، وهي قصة النجاة من النار، وقصة العودة إلى الواحد القهار، وفي أولها حرمانٌ وفي آخرها رضوان، أولها لعنة وشقاوة وآخرها رحمةٌ وحسنٌ وإقبالٌ على الله الواحد الأحد. فيا من عاش حياة الإعراض! ويا من أدبر طويلاً في أيامه! ويا من جعل ليله ونهاره مسارح للمعاصي! أَقبِلْ على الله وتعال إليه، وضع يمينك في حبل محمدٍ عليه الصلاة والسلام، ليصلك بالله الواحد الأحد. هذا نموذجٌ من حياة كثيرٍ من الناس، وعندنا من هذا وعند كثيرٍ من الإخوة عشرات النماذج؛ من الذين أعرضوا ثم أقبلوا، من الذين عاشوا الخذلان والحرمان ثم عرفوا الطريق إلى الواحد الديان، قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125]. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

قصة تائب آخر

قصة تائب آخر الحمد لله رب العالمين؛ ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: أيها الإخوة الكرام! فإن قصص التوبة والإقبال على الله عزوجل تملأ التاريخ، ومن يقرأ سير الصحابة والسلف الصالح يجد كل واحدٍ منهم مر بفترتين في الغالب؛ فترة الإعراض والظلام وفترة الإقبال على الله. ومما حُفِظ عن شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه ونور ضريحه- أنه قال: لا بد لكل عبدٍ أن يولد مولدين اثنين: المولد الأول: يوم أتت به أمه، وهذا يشترك فيه الناس حتى البهائم، فإن كل مخلوقٍ له هذا المولد، ويعيش هذه الحياة، ويحس بهذا الميلاد الكافر والمؤمن البهيمة والدابة الطائر والحشرة، كلهم يولدون هذا المولد. أما المولد الثاني: فلا يذوقه إلا المؤمن، ولا يحسه إلا المؤمن؛ وهو الميلاد الثاني الذي ذكره سبحانه بقوله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:122] ما معنى ذلك؟ هل معناه: أنه كان ميتاً لا يتحرك، ولا يأكل، ولا يشرب؟ لا. إنما معناه: أنه كان ميت القلب والإرادة والعزيمة، ميت السير إلى الله، يأكل ويشرب؛ ويُطَبِّل ويُزَمِّر ويُغَنِّي؛ ويتمرد ويفسق، لكنه ميت، قال الله: {فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:122] أي: بالإيمان، {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام:122] أي: بالعلم، {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] فالميلاد الثاني قال: هو ميلاد الإنسان في الإسلام، يوم يخلع كل شرك وشبهة ونفاق ومعصية ويأتي فيسلم نفسه إلى الله، ويشتري نفسه من الله، ويعتق رقبته من النار، هذا هو الميلاد الثاني، وهذا الميلاد ذاقه الصحابة رضوان الله عليهم ولا يزال كثير من الناس يعيشونه في هذا العصر وبعد هذا العصر. سلامٌ على التائبين جملةً الذين عرفوا الطريق إلى الله. أحد العلماء في مدينة الرياض حدَّثنا بقصة وقعت لقريب له؛ هذا القريب يقول: كان جندياً من جنود إبليس. وكنت امرءاً من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي يقول: كان متمرداً على الله حتى وصل الحال به إلى أن دعت عليه أمه بالهلاك، وأن يريح الله العباد والبلاد منه. يذهب في الليل فلا يأتي إلا في ساعة متأخرة، يأتي وهو محشوٌ من حبوب المخدرات ومن السكار والخمر، أما المسجد فما دخله أبداً، وربما لو دخل المسجد لنجسه.

مع الدعاة إلى الله

مع الدعاة إلى الله قال: واستمر على هذه الحال حتى تأذى منه جيرانه وشكوه، وحاول بعض الدعاة معه محاولة فوصلوه إلى بيته، ووعظوه بالله، وسألوه بأسماء الله الحسنى أن يتوب، وعلى الأقل أن يمسك على الناس شره، وصل البلاء به المواصيل، وما بقي إلا توبةٌ نصوحٌ، أو قاصمةٌ من الله يوم يأخذ الظالم فلا يفلته أبداً. قال: وبينما نحن نعظه، بكى، وظننا أنه تاب، وأنه أحس بالعودة إلى الله، ولكن دون جدوى عاد كما كان، بل أمَرَّ مما كان، وكان يستهزئ ويسخر بنا في رسائل وجلسات، وكان عنده أصحاب يدعونه إلى الردى والغواية. قال: واستمر به الحال، فكتبنا له رسائل، وحاولنا أن نتوسط ببعض الناس، شفعُنا فيه أن يهتدي فرفض. تذكرنا طريقةً مبتكرة للهداية؛ وهي طريقة ناجحة، طريقة إهداء الشريط الإسلامي، أن يصل إليه، وأن يستمع إليه، وأن يُوْدَعَ في بيته وفي سيارته. قال: فاشترينا مجموعة من الأشرطة ووضعناها في سيارته، قلنا: هذه آخر محاولة، وبعدها ندعو الله أن يريح العباد والبلاد منه؛ لأنه سبب في غواية كثير من شباب الحي والحارة. قال: وقدر الله، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى له أزمنة يقدر فيها الهداية فلا يستعجل على أمره، {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:1]. قال: سافر هذا الرجل إلى مدينة الدمام، وفي أثناء الطريق سمع الغناء حتى ملَّ، وسمع البذاء والسخف حتى كَلَّ وسئم، وقبل أن يصل إلى مدينة الدمام بمراحل حاول أن يسمع هذه الأشرطة الموجودة؛ ليسمع ما يقول هؤلاء البشر السخفاء في نظره الحقراء في فكره، هل يتكلمون كالناس؟! هل عندهم شيء؟! قال: ففتح شريطاً يتحدث عن اليوم الآخر، قال: وتأمل وألقى سمعه، وتحدث الشريط عن حياة الإنسان وعن رحلته، وعن ضعفه، وعن موقف الإنسان يوم العرض الأكبر، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]. قال: وبدأ التأثر، وانتهى الشريط، وأخذ شريطاً آخر يتحدث عن الجنة، وبدأ التأثر والبكاء منتهاه -وهو يتحدث عن نفسه- حتى يقول: ما كدت أتحكم في إطار السيارة وفي قيادتها حتى دخلت المدينة، ومع دخوله المدينة أدخل الله الهداية قلبه. وأول ما وصل وصل إلى مكانٍ فتوضأ فيه، وجدد وضوءه، وبدأ بالمسجد وصلى ركعتين، وأعلن توبته وهو يبكي أمام الله، وصلى مع الناس، وعاد إلى الله وأكمل سماع هذه الأشرطة التي زادته عمقاً وإيماناً وبصيرة. عاد إلى أهله بوجهٍ غير الوجه الذي ذهب به؛ وجه الإيمان وجه النور والهداية وجه الإقبال على الله عزوجل، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:106 - 107]. ليسو كقومٍ إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري مَن تلق منهم تقل: لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري

الأهل والجيران يفرحون بتوبته

الأهل والجيران يفرحون بتوبته وصل إلى بيته وأخبر والدته فانصدعت بالبكاء من الفرح، ومن الفرح ما يبكي: طفح السرور عليَّ حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني وأيام وإذا بالناس من الجيران يتوافدون عليه؛ يهنئونه بهذا النجاح، وهذا المستقبل، وإذا برب العباد يوزع محبته على الناس، ففي الصحيح: {أن الله عزوجل إذا أحب عبداً، قال لجبريل: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم يقول للملائكة: فيحبونه، ثم يوضع له القبول في الأرض -وفي بعض الروايات: حتى إن الناس ليَشربون حبه مع الماء البارد، وإذا أبغض الله عبداً، قال لجبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم يخبر أهل السماء فيبغضونه، ثم يوضع له البغض في الأرض، حتى إن الناس ليشربون بغضه مع الماء البارد}. أحبوه، وواصل مسيرته مع الله، وما زال حياً وأصبح مثالاً وأسوةً: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] وهدى الله على يديه كثيراً من الناس، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4]. عباد الله! جددوا توبتكم وإقبالكم إلى الله الواحد الأحد، أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين، فإن ربكم غفور شكور. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين. وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنَّا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.

المؤذن الأول

المؤذن الأول إن الله سبحانه وتعالى نظر إلى خلقه فوجد الصحابة أطهر الناس قلوباً، فاختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهم أعظم من عرفت البشرية؛ فلذلك اعتنى أهل السير والتراجم بحياتهم وتدوينها في الكتب لأخذ العبر والعظات والاقتداء بهم في هذه الحياة. وفي هذا الدرس قصة المؤذن الأول ألا وهو بلال بن رباح، وفيها كيف كانت حياته قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وبعد بعثته، وكيف عاشر النبي صلى الله عليه وسلم وخدمه وأحبه، وكيف كانت حياته بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

حياة بلال مع النبي صلى الله عليه وسلم

حياة بلال مع النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وسلم ما فاحت الأزهار وما تناغمت الأطيار، وما تعاقب الليل والنهار، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها المؤمنون: عنوان هذه الخطبة: المؤذن الأول. من هو المؤذن الأول؟ من هو أول من صدح بصوت الحق على منارة الحق في دنيا الحق؟

الصبر على هذا الدين

الصبر على هذا الدين إنه ذاكم المولى الضعيف المسكين الذي رفعه هذا الدين، فأصبح من ورثة جنة النعيم. بلال بن رباح اسم يحبه المؤمنون وصوت تعشقه آذان الموحدين، ولا بد للمسلم أن يولد ميلادين اثنين وأن يعيش حياتين: الميلاد الأول: يوم ولدته أمه. الميلاد الثاني: يوم ولد في هذا الدين الجديد. وبلال رضي الله عنه وأرضاه ولد ميلادين، وعاش حياتين، وصاحب عالمين، ولد مولى، وأستأسره الجبابرة وسلطوا عليه سياط الكبر والعنجهية، فكان مولىً لا حساب له ولا تأثير في الحياة، وأخذ إلى مكة مفصولاً ومعزولاً عن أهله وأمه، وعاش في مكة. وفجأة صدع الرسول عليه الصلاة والسلام من على الصفا بلا إله إلا الله محمد رسول الله. وذهب صلى الله عليه وسلم إلى سادات مكة يدعوهم إلى لا إله إلا الله، فكفروا بلا إله إلا الله، واعترضوا على رسول الله وكذبوه، وافتروا عليه وآذوه، وشتموه، فأنزل الله عليه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28]. معنى الآية: ما عليك من هؤلاء الكبار؛ فإنهم صغار عند الله، لا تعبأ بهم أبداً، ولا تعطهم شيئاً من وقتك ما دام هذا صنيعهم. ولا تظن أن الإسلام سوف ينتصر على أكتاف المتكبرين المتجبرين، لكن اذهب إلى أناس يريدون وجه الله، من المساكين والفقراء والموالي، من الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً. وذهب صلى الله عليه وسلم يبحث عن أحبابه وأتباعه وجنده وتلاميذه، فوجدهم في أصناف من الناس، في عالم الفقر والزهد والضعف والمسكنة، ومنهم بلال. ورأى بلال محمداً عليه الصلاة والسلام فأحبه، والسر الذي زرعه رسول الهدى عليه الصلاة والسلام في القلوب هو الحب، فجر أنهار الحب في قلوب أصحابه حتى كان الواحد منهم يقدم صدره أمام صدر الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقطع أمامه بالسيف إرباً إرباً، ويقول: نفسي لنفسك الفداء يا رسول الله!!! حب أجراه في قلوبهم، فأحبه بلال حباً استولى على سمعه وبصره وقلبه، فأصبح يتحرك في حب الرسول صلى الله عليه وسلم، يأكل وشخص الرسول أمام عينه، ويشرب وشخص الرسول في سمعه وبصره، ولسان حال بلال يقول: أحبك لا تسأل لماذالأنني أحبك هذا الحب رأيي ومذهبي أو كما قال الأول: أحبك لا تفسير عندي لصبوتي أفسر ماذا والهوى لا يفسر فلما أحبه شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وعرض عليه الدين، فأحب هذا الدين؛ لأنه يرفض الرق، والعبودية لغير الله، ولأنه ينبز الظلم ويحارب الظلمة. فلما أحبه، وشهد أن لا إله إلا الله، اجتمع الجبابرة على بلال، وضربوه ليعود عن لا إله إلا الله، فأبى، سجنوه وعذبوه، فأبى، ربطوه بالحبال وجرجروه على صخور مكة السوداء في الظهيرة وجهاً لبطن ليعود، فكان يتلفظ بقوة: أحد أحد. من هو الواحد الأحد؟ إنه الذي أرسل هذا الرسول، وأنقذ الإنسان، والذي دعا قلبه ليؤمن بالواحد الأحد. لطموه على وجهه فيرتفع صوته متأثراً ثائراً مجروحاً: أحدٌ أحد. حب يجري في الدم لله ولرسوله، يسحبونه في الظهيرة جائعاً عارياً قد أثرت السياط في ظهره، تمزق لحمه على الصخور، وهو يقول: أحد أحد. {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4] إنها إرادة تكسر الحديد! وهذه هي المعجزة الكبرى التي أتى بها رسولنا عليه الصلاة والسلام، وهي تحويل الأعراب والموالي والفقراء والمساكين إلى جيش ضارب رهيب يفتح الدنيا بلا إله إلا الله. يقول إقبال: وأصبح عابدو الأصنام قدماً حماة البيت والركن اليماني يقول: إنك يا محمد! حولت عباد الأصنام إلى حماة للركن اليماني والحجر الأسود. ولما أسلم بلال أمام هذا التعذيب الهائل مر به أبو بكر وهو يعذب، فقال أبو بكر: أشتريه منك يا أمية - أمية بن خلف المجرم- قال: خذه ولو بعشرة دنانير، قال أبو بكر: والله لو جعلت ثمنه مائة ألف دينار لاشتريته بذلك، فدفع القيمة وأخذه، فأنزل الله: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:17 - 21] من هو الذي سوف يرضى؟ وهل أراد أبو بكر من بلال كلمة شكر؟ لا، بل أعتقه لوجه الله، وأتى به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام معذب الجسم ومنخور اللحم، السياط قد أثرت في مواضع من جسمه، فأخذه عليه الصلاة والسلام واحتضنه كما تحتضن الأم طفلها، وقبله ودعا له، وعينه مؤذنه الأول الذي أذن في فجر التاريخ، وهو أول مؤذن حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وكلما حانت الصلاة قام بلال يهتف: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر. فتنتفض أجسام المؤمنين من صوت بلال كما تنتفض الأجسام من التيار الكهربائي. المؤذن كلما اهتم الرسول عليه الصلاة والسلام وأصابه كرب، قال: {أرحنا بها يا بلال!} فيؤذن، كان يتقدم أمام الرسول عليه الصلاة والسلام بماء الوضوء والعنزة، وكان يأخذ حذاء الرسول بيده، ويرى أنها أشرف خدمة يقدمها في تاريخه. يجلس عليه الصلاة والسلام فيقول: أين بلال؟ كان يحبه، وهو الحب الذي سرى في جسم بلال وعوضه عن كل شيء، عن جاهه ونسبه وماله، فما دام أن الرسول عليه الصلاة والسلام يحبه فكفى.

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه في الجنة

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه في الجنة وفي ذات يوم جلس عليه الصلاة والسلام يخبر أصحابه في الصباح الباكر بعد صلاة الفجر عن رؤيا رآها في المنام، فقال: {رأيت البارحة، كأني دخلت الجنة -وهي رؤيا حق ما زاغ البصر وما طغى- فسمعت دف نعلك يا بلال، فماذا كنت تصنع} إذاً فهو من أهل الجنة. وشهد أهل السنة أن بلالاً من أهل الجنة، وقد جعل الله له الذكر الحسن في الدنيا، فمسلمو اليابان والشام والجزيرة ومصر واليمن والمغرب، وكل مسلمي العالم يعرفون من هو بلال. قال: {سمعت دف نعليك البارحة يا بلال! فماذا كنت تصنع؟ قال: يا رسول الله والله ما أنا بكثير صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكن ما توضأت في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بعد الوضوء ركعتين} متفق عليه كلما توضأ صلى ركعتين. كان خفيف الجسم ممشوق القامة، أسود اللون، لكنه أبيض المبادئ. وكَّله عليه الصلاة والسلام أن يحرس الجيش في المعركة في غزوه من الغزوات، قال: من يوقظنا للصلاة؟ قال بلال: أنا يا رسول الله! فنام الجيش، وقام بلال يصلى طيلة الليل، فلما أقبل الفجر واقترب السحر حدث بلال نفسه، أن يضطجع قليلاً ليرتاح، فاضطجع فنام، وأتت صلاة الفجر والرسول عليه الصلاة والسلام نائم، والجيش نائم، وطلعت الشمس والأمة نائمة، وبعد طلوعها وارتفاعها كان أول من استيقظ عمر، فرأى هذه المأساة التي يراها لأول مرة، وهي أن الرسول المعصوم نام ولم يصل الصلاة والجيش معه، وهي حكمة من الله، ليكون قدوة للناس إذا ناموا، وأن تصيبه صلة من النوم ليكون عذراً لمن غلبه النوم. يستيقظ عمر ويقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام، ويستحي أن يقول للمعلم الأول: قم للصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم لا يوقظ، والرواية في البخاري قال: فأخذ عمر يقول وهو بجانب الرسول عليه الصلاة والسلام: الله أكبر الله أكبر ويعيد التكبير حتى استيقظ الرسول عليه الصلاة والسلام، ودعا حبيبه، ومؤذنة، وأجلسه أمامه، فقال: {يا رسول الله! أخذ بعيني الذي أخذ بعينك، فتبسم عليه الصلاة والسلام} فهو يقول: العذر واحد، أنت نمت وأنا نمت، والذي غلبك غلبني، والذي انتابك انتابني، فتبسم صلى الله عليه وسلم وأقره، وأدى الصلاة فأذن بلال بعد طلوع الشمس وصحت صلاتهم وقبلت.

ارتفاع منزلة بلال بالتقوى

ارتفاع منزلة بلال بالتقوى ويجلس بلال في مجلس، ويقول أبو ذر لـ بلال: يا بن السوداء! هل في الإسلام حمراء وسوداء وبيضاء؟ هل هناك أسود أو أبيض أو أحمر؟ من هو الكريم عندنا في هذه الملة المشرفة؟ إنه المتقي، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. إننا لا نعترف بالألوان أو الأجناس أو البلدان، بل نعترف برجل يحمل لا إله إلا الله، هويته إياك نعبد وإياك نستعين، وغضب بلال وقال: والله لأرفعنك إلى خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفع أمره فغضب النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم غضباً شديداً، لأنه يؤسس منذ عشرين سنة مبدأ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] فيأتي هذا بكلمة يهد هذا البناء وهذا الصرح الشامخ، لا يجوز هذا. ويستدعي أبا ذر، قال أبو ذر رضي الله عنه: والله ما أدري هل رد علي النبي السلام أم لا من شدة الغضب، وقال: {أعيرته بأمه؟ إنك امرأ فيك جاهلية}. إن هذه خطيئة في الإسلام لا أكبر منها، إنها هدم للكتاب والسنة، ولكن بلالاً يزداد مع الأيام رفعه لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يحبه. يصلى النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم صلاة العيد، ويخطب الناس، ثم يتكئ على بلال ويذهب يخطب النساء، وهو متكئ على بلال، ويرى بلال أن السعادة البشرية قد حصلت له؛ لأن رسول البشرية ومعلم الإنسانية وضع رأسه في حجره. أي كرم؟! وأي تشريف؟! وأي عطاء؟! وأي تبجيل؟!! ويفتح الرسول عليه الصلاة والسلام مكة في اليوم المشهود الذي حطمت فيه الأصنام، فلا معبود بحق إلا الله، فيدخل الرسول عليه الصلاة والسلام على ناقته، ومعه عشرة آلاف من المؤمنين، أصبحت العقيدة جزءً من أجسامهم، أواضاً من جماجمهم التي على أكتافهم. يدخل فيرى الأصنام فيطعنها برمحه فتتساقط وتتناثر، قال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الاسراء:81] وتحين صلاة الظهر، ويجلس الناس أجمعون في صرح الكعبة المشرفة في الحرم، مؤمنهم ومشركهم، ويقول عليه الصلاة والسلام: أين بلال؟ فيقول: هاأنا يا رسول الله! قال: اصعد وأذن على سطح الكعبة. أليس هذا دين الموالي؟! أليس هذا انتصار للفقراء؟! أليس هذا عدل للمساكين؟! أليس هذا رفع لرءوس المستضعفين؟! أليس هذا هو العدل بعينه؟! أن يقوم المولى الأسود على الكعبة السوداء وهي بيت الله ليهتف بنداء الحق. أين أبو جهل؟! أين أبو لهب؟! أين أبو طالب؟! وصعد بلال واستوى على الكعبة لكي يخاطب الدنيا بشهادة الحق إلى يوم الدين، فلما أذن بكى الناس، ومن الذي يرى المشهد، ويرى الصورة ويسمع الصوت ويعيش التفاصيل ثم لا يبكي؟!! هل قلوبهم من الحجارة؟! هل سدت أسماعهم وأبصارهم حتى لا يروا؟! إنه شيء عجيب يوم الفتح الأكبر. الفاتح: رسول الله عليه الصلاة والسلام. الدين: الإسلام. المؤذن: بلال المولى الأسود. أين يؤذن؟ على سطح الكعبة. قال: الله أكبر، وكان صوته جميلاً يسبي القلوب يأخذ الأرواح ثم لا يتركها، يشدها ثم لا يرسلها. أول من بكى الرسول عليه الصلاة والسلام، سالت دموعه حارة؛ لأنه تذكر المعاناة، وتذكر الصدمات الهائلة، وتذكر أيام الجوع والوجع والتعذيب، وأيام الإرهاب الفكري والمعنوي والجسدي، ثم يرى أنه قطع مرحلة هائلة وأنه انتصر، وأن مولاه وحبيبه أصبح مؤذناً، ويبكي الصحابة، ويشارك النساء والأطفال في البكاء، وهذا الصوت يتلجلج في هضاب مكة وأوديتها، يسبح كالتيار في الماء. لا إله إلا الله. يقول أحد المشركين وكان ما يزال على شركه: ما كنت أظن أن الحياة تطول بي حتى أرى هذا الغراب الأسود، ينعق على الكعبة. قاتلك الله! أغراب هو؟! بل هو إنسان العيون.

حياة بلال بعد النبي صلى الله عليه وسلم

حياة بلال بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأتت وفاته عليه الصلاة والسلام، فيموت الإمام، ويبقى المؤذن، وتصور المشهد، ولك أن تتدبر ما شئت، ولك أن تعرف رجلين متحابين، معلم وتلميذ، وإمام ومؤذن، عاشا الحياة حلوها ومرها، ليلها ونهارها، حلها وسفرها، وفجأة يموت الإمام ويبقى المؤذن.

امتناع بلال عن الأذان

امتناع بلال عن الأذان مات عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] ولكن مبادئه لن تموت أبداً، ومع أذان الفجر قام بلال ليحاول محاولةً يائسةً عله يستطيع أن يملك أعصابه فلا تنهار ليؤذن. أذَّن، لكن اسمع ماذا حدث. التفت إلى قبر الرسول عليه الصلاة والسلام أمامه، التفت وإذا المحراب خالٍ من الإمام، التفت إلى بيت الرسول عليه الصلاة والسلام وليس فيه الأب! كيف يؤذن؟ كيف يستطيع أن يواصل بصوته؟ بأي عبارة يؤدي؟ أين بصره؟ أين سمعه؟ أين قلبه؟ أين كيانه؟ وقف على المنارة مع أذان الفجر، فقال: الله أكبر وتشجع وزاد وقال: الله أكبر وشجع نفسه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، ولكن أتت قاصمة الظهر، أتت المسكتة المبكية التي لا يستطيع بعدها أن يؤدي كلمة واحدة، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، فبكى وبكت النساء معه في عقر البيوت في المدينة، مع أذان الفجر، وقامت المدينة تبكي كلها، الأطفال يبكون مع الفجر ماذا حدث؟ بكى المؤذن. أشهد أن محمداً رسول الله ثم ولا كلمة، اختنق صوته وتلعثم، فمن يؤذن؟ نزل وهو ينحب في الدرج حتى وصل ورمى بجسمه في المسجد!! أين الإمام؟ مات الإمام وبقى المؤذن. أين الحب؟ ذهب الحب فلا حب حتى نلتقي، يوم تعيش هذه الأبصار والأسماع حياة أخرى تجمعها بمن تحب، وحضر الصحابة ليشاهدوا المنظر أمامهم، منظر المؤذن وهو ملقي على الأرض كالثوب. أتاه أبو بكر الخليفة، قال: مالك؟ قال: والله! لا أؤذن لأحد بعد رسول الله، سبحان الله! وحمل إلى بيته: بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

مواقف من حياة بلال

مواقف من حياة بلال الحمد لله رب العالمين، وولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. الحديث والحب مع بلال، والذكر لـ بلال، انتهى هذا الفصل، وأعفاه أبو بكر من الأذان تماماً، وتفتح الفتوح، ويذهب ليشارك بجسمه، وروحه، ودمه في إعلاء لا إله إلا الله، ويصل إلى الشام وهناك يجاهد، ويقاتل بسيفه، ويرفع علم التوحيد، ويعلم الناس، يجاهد وينتظر المنية لتلحقه بالإمام في جنة عدن عند مليك مقتدر، ولكن هناك مواقف مؤثرة توقف التاريخ، تجعل التاريخ منصتاً واقفاً أمامها.

أذان بلال في بيت المقدس

أذان بلال في بيت المقدس يذهب عمر بجمله ومولاه ليفتح بيت المقدس، فلا موكب ولا جنود ولا حراسة ولا حشم ولا دنيا، يذهب بالدين، لكنه يذهب وهو يحمل الدنيا في يديه، كما قال حافظ إبراهيم: قل للملوك تنحوا عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها يأخذها في ساعة ويعطيها في ساعة. وأتى عمر ودخل بيت المقدس بثوبه الممزق المرقع، وهو في ثوبه وفي هيكله وفي جسمه يصف العدل، ويمثل الرحمة والصرامة، ويجتمع المؤمنون في فتح بيت المقدس، الصحابة وكبار الصحابة، وأهل العهد المكي، وبقية العشر، وأهل بدر وأهل بيعة العقبة، وكلهم احترق من داخله بموت الإمام. وتحين صلاة الظهر مرة ثانية، فيقول عمر: أسألك بالله يا بلال أن تؤذن لنا، قال: اعفني يا أمير المؤمنين! قال: أسألك بالله أن تذكرنا الأيام الأولى في حياتنا، فلكل إنسان ذكريات، وذكريات الصحابة محمد عليه الصلاة والسلام، وحبهم وتاريخهم وتعاليمهم وفجرهم وليلهم ونهارهم محمد عليه الصلاة والسلام، يريد عمر أن يطوي أربعين أو ثلاثين سنة في جلسة واحدة، قال الصحابة: يا بلال اتق الله سألك أمير المؤمنين، فقام بلال يتحامل على جسمه، وقد أصبح شيخاً كبيراً، وارتفع صوته، فإذا بصوت عمر يسابقه بالبكاء أسرع من صوت بلال بالأذان، وتَنْهَدُّ أكتاف عمر، وقد أصبح كالطفل الرضيع يبكي، وبكى كبار الصحابة، وبكى الجيش الفاتح الذي مع عمر، الجيش والواحد منهم كالأسد الضرغام، لا ينهزم ولا يغلب، ولكن غلبوا في ساحة الحب، أصبحوا صرعى من البكاء، وتردد المسجد الأقصى بالبكاء، لماذا؟ لأن الأذان ذكرهم تاريخاً وذكريات تنهال على الإنسان من كل حدب وصوب. فلا إله إلا الله ما أعظم الذكريات! ولا إله إلا الله ما أجل الحياة! وما أشرف الأوقات مع أولئك الذين رفعوا دين الله في الأرض والبحار والفلوات!

رؤية بلال للنبي صلى الله عليه وسلم في المنام وزيارته له والوداع الأخير

رؤية بلال للنبي صلى الله عليه وسلم في المنام وزيارته له والوداع الأخير وبعدها يعود بلال إلى الشام، وانقطع عن المدينة المنورة فترةً طويلة، انقطع لأن السفر مضن، وبلال أصبح شيخاً كبيراً أشرف على الشيخوخة، ونام ليلة من الليالي؛ وفي أثناء النوم زاره طيف محمد عليه الصلاة والسلام، زاره وجه الرسول عليه الصلاة والسلام النوم، والرسول عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيحين - يقول: {من رآني في المنام، فسوف يراني، فإن الشيطان لا يتمثل بي} رأى حبيبه وشيخه، رأى الإمام بصورته، ورآه بنوره، وبشاشته أمامه يحاسبه، ويعاتبه ويقول له: هجرتنا يا بلال! أما تزورنا؟ ما أعظمها من كلمات! وما أقوى العتاب! لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجسام بالعلل أو كما قال المتنبي: يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدمُ إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون همُ هجرتنا يا بلال، ألا تزورنا في المدينة! واستيقظ بلال باكياً وسط الليل، وتوضأ وصلى ركعتين، وأسرج راحلته، أبعدها يتأخر؟! دعوةٌ مقدمةٌ من الإمام الأعظم إلى المؤذن في الشام أن يزوره في المدينة. والرسول عليه الصلاة والسلام حرم الله على الأرض أن تأكل جسده، كلما سلم عليه مسلم رد الله عليه روحه ليرد السلام، ركب الناقة وذهب، وطوى القفار وكأنها سويعات، سويعات قصيرة حتى يصل إلى المدينة. جزى الله الطريق إليك خيراً وإن كنا تعبنا في الطريق فوصل قبل صلاة الفجر، لتكون ملحمة من البكاء أيضاً، فوجد الناس نياماً، وأتى إلى الروضة فسلم، وبكى ما شاء الله له أن يبكي، ووقف هناك في عالم الذكريات، والحياة، وعالم العبر، والدروس التي لا تنتهي أبداً. وحان أذان الفجر وتأخر المؤذن -مؤذن المدينة تأخر ونام- حكمةً من الله وتحرج بلال، فدينه لا يسمح أن يذهب، وينام الناس، ويذهب وقت الأذان، فصعد المنارة وأذن، ولما أتى إلى محمد رسول الله خنقه البكاء، وقام الناس من المدينة، قام الصحابة كأنهم بعثوا من القبور يبكون مع بكاء بلال. الله أكبر! كيف تتكرر المشاهد التي لا تنتهي والصور التي تحمل الأحاسيس والذكريات والمشاعر، وأتوا إليه، وأتى المؤذن وأذن من جديد ووقف بلال يعانقهم ويعانقونه، ويبكون ويبكي: ولما تلاقينا تباكت قلوبنا فممسك دمع عند ذاك كساكبه ولكن بلالاً بعدها ودَّع الصحابة؛ لأنه أتى لمهمة خاصة، ولإجابة دعوة خاصة لحبيب خاص، فعاد وفي الشام أتته المنية، فأخذ ينشد وهو في سكرات الموت: [[غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه]]. ومن الذي لا يفرح كفرح بلال، وهو يتصور أنه بعد لحظة سوف يلقى محمداً عليه الصلاة والسلام، وأبا بكر وعمر وخيار الناس؟! ولفظ أنفاسه، ومات قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:27 - 28].

دروس وعبر من قصة بلال

دروس وعبر من قصة بلال وفي قصة المؤذن الأول دروس: أولها: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] فالقرشي الذي أعرض عن الرسالة في نار تلظى، والحبشي الذي آمن بالرسالة في مقعد صدق عند مليك مقتدر، والإسلام لا يعترف بالفروق التي تجعل للناس تمايزاً غير تمايز الدين. الثاني: أن هذا الدين لا يأتي لأهل المناصب ولا لأهل الشارات والجاه والأموال، ولكن هو يبقى مكانه ليأتي إليه من يحبه ويعشقه لذاته هو، قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام:53] يقول أبو جهل: كيف يهتدي بلال وأنا سيد بني مخزوم وهو عبد حبشي؟ قال الله تعالى عنهم: {لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف:11] ويقول الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام:53] فالدين لمن أتى حباً لذات الدين وحمله بشرف وعزة وإباء وتضحية. الثالث: معرفتة عليه الصلاة والسلام للفروق الفردية بين أصحابه، واستعداد الصحابة، ومواهبهم الشخصية، فقد أعطى الأذان بلالاً، لأنه يصلح أن يكون مؤذناً، ولأنه المؤذن الأول الناجح، والراية لـ خالد في المعركة، والخلافة لـ أبي بكر، وعلم القافية والأدب لـ حسان، ومدرسة الفرائض وتوزيع المواريث لـ زيد بن ثابت، والقضاء وهيئة الاستشارة والعدل، لـ علي بن أبي طالب، (قد علم كل أناس مشربهم) وهذه لا يستطيع لها إلا الرسول عليه الصلاة والسلام وحده، لأنه قرأ نفوس أصحابه ودرس مواهبهم واستعداداتهم وهذا أمر يفوت على كثير من المربين والمعلمين والدعاة. الرابع: أن مبائدنا تبدأ من بلال، وأنها تعلن صريحة من فوق المنابر، فلا عندنا أسرار، ولا شيء نتكتم عليه، ولا شيء نغطيه؛ فمبادئنا واضحة، تعرض صافيةً نقيةً، كصفاء الماء ونقاء الصحراء وكعرض الأرض والسماء، فمبادئنا كما قال بعض الكتبة: جمعية كبرى، أفرادها كل خير في الأرض، مبادئها تعلن من فوق المنابر والمنائر، فليس عندنا أسرار ولا كواليس نضع فيها أخبارنا، أو نغطي فيها أسرارنا، بل نحن واضحون تماماً، وهذا درس يعيه من يعيه. الخامس: أن من أراد أن يهدي الناس لا بد أن يزرع في قلوبهم الحب، فإذا زرع الحب في قلوبهم، فليشرق بهم مع هذا الدين وليغرب بهم، فهم أحبابه السامعون له، ومن تصور أنه سوف يهدي الناس بالعصا، وسوف يردهم بالضرب والركل والشتم، فقد أخطأ سواء السبيل، وقد خسر منهجه، وقد ضل سعيه، وقد أفلت الناس من يديه، يقول تعالى مخاطباً نبيه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] فالذي يستطيع أن يزرع الحب في قلوب الناس وفي أسماعهم وأبصارهم فقد نجح نجاحاً باهراً في جذبهم إلى الهداية، وهذا هو السر الأعظم في نجاح دعوته عليه الصلاة والسلام، وهو أنه جعل الناس كأبنائه بل أحب إليه من أبنائه، فأحبوه حباً تقطعت قلوبهم لحبه، وعاشوا بحبه الليل والنهار. عباد الله: صلوا على الإمام، وترحموا على المؤذن، أسأل الله أن يجمعنا بهم في دار الكرامة. اللهم اعرض صلاتنا وسلامنا على محمد هذه الساعة المباركة، اللهم بلغه منا أشرف السلام وأزكى التحيات، وعلى آله وصحبه والتابعين. اللهم اجمع كلمة المسلمين ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم إلى ما تحبه وترضاه. اللهم اهدنا سبل السلام. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم اهد قلوبهم إلى الحق، اللهم فقههم في الكتاب والسنة، اللهم حبب إليهم العلماء والدعاة والصالحين، وبغض إليهم المردة والمرتدين والمنافقين والزنادقة. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك ولرفع رايتك. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

كرامات الأولياء

كرامات الأولياء في هذه المادة تحدث الشيخ عن الذكر وفضائله، وحث عليه، وبين من هو الذاكر لله كثيراً، وما هي العلاقة بين ذكر الله ومقام الولاية، وذكر أمثلة على كرامات الأولياء من سلفنا الصالح الزاخر بالعباد والزهاد والأولياء.

الذاكرون الله كثيرا

الذاكرون الله كثيراً الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للسنة فانقادت لاتباعها وارتاحت لسماعها، وأمات نفوس أهل الباطل بالبدعة بعد أن تمادت في ابتداعها، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اتصلت به أنوار الهدى بعد انقطاعها، وارتفعت به حصون التوحيد في سموها واتساعها، صلى الله على صاحب العز المنيف والطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، معلم الإنسانية، وهادي البشرية، ومزعزع كيان الوثنية، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، واعلموا أن أحلى ساعات العمر، وأسعد أيام الحياة، وأرغد دقائق العصر، معايشة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في أقواله، وأعماله، وأحواله. من زار بابك لم تبرح جوارحه تروي أحاديث ما أوليت من منن فالعين عن قرةٍ والكف عن صلة ٍ والقلب عن جابر والسمع عن حسن وأي حياة يعيشها الذين يعيشون على غير ركبه صلى الله عليه وسلم، وأي لذة يجدونها الذين يتلذذون بمعصيته صلى الله عليه وسلم، وأي سمو وأي ارتفاع يناله الذين يتنكبون سيرته وهديه عليه الصلاة والسلام! إن أعظم ما يقود المسلم في الحياة ويرغبه في مرضاة الله، هو ذاك الأسوة العظيم {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164]. نسينا في ودادك كل غالٍ فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام ولا علينا ولما نلقكم لكن ذكراً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا

الحث على ذكر الله

الحث على ذكر الله إن ذكر الله عز وجل في حياته صلى الله عليه وسلم جانب مشرق وكبير فياض، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: كان هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر أنه كان ذاكراً لله دائماً، فكلامه وأنفاسه وأقواله وأحواله كلها كانت ذكراً منه لربه تبارك وتعالى، كان يذكر ربه قائماً وقاعداً وعلى جنبه، كان لا يتحرك إلا بذكر الله، ولا يسكن إلا بذكره، إن خطب فبذكر الله يخطب، وإن تحدث فبذكر الله يتحدث، وإن أفتى فبذكر الله يفتي؛ ولذلك كان متمثلاً لأمر الله تبارك وتعالى، يقول الله عز وجل: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:205] فانظر كيف قال: (خيفة) في الذكر، وقال في الدعاء: (خُفية) يقول عز وجل: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف:55]. وقال الجهبذ النحرير شيخ الإسلام ابن تيمية: إنما ذكر الله الخوف مع الذكر، وذكر الإخفاء مع الدعاء، لأن الذكر يورث الانبساط والفرح، فربما أدى بالعبد إلى الطغيان في حد العبودية؛ فألزم الله الذاكر أن يخافه تبارك وتعالى، أما الدعاء فكان نعمة جليلة، فخوف الحسد على العبد من دعائه لربه، ألزمه الله بإخفاء دعائه بينه وبين مولاه، والله يقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وهذا مصداق الحديث الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {قال الله تبارك وتعالى: من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم} وفي الأثر القدسي أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال: {أنا جليس من ذكرني}. إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس يقول الله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] قال أحد السلف: والله إني لأعلم متى يذكرني ربي، قالوا: متى؟ قال: إذا ذكرته، يقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وقال جلَّ من قائل: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] وذكر الله هنا قيل: القرآن، وقيل: مطلق الذكر، وهو الصحيح إن شاء الله، تطمئن القلوب من خوفها وفزعها وهلعها وجزعها وانهزاميتها وفشلها وحزنها ويأسها، ولا تطمئن القلوب إلا إلى الحي القيوم. اسمه الله الذي تأله إليه القلوب وتأوي إليه، وتحبه وتسكن إليه تبارك وتعالى.

من هو الذاكر لله كثيرا؟!

من هو الذاكر لله كثيراً؟! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35] ولقد تفنن ابن الصلاح في بيان متى يسمى العبد ذاكراً؟ وما حد الكثرة في الذكر وما حد القلة؟ قال: "من حافظ على الأذكار الواردة المأثورة صباح مساء وأدبار الصلوات، وفي كل ميقات، فهو من الذاكرين الله كثيراً". ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[الذاكر كثيراً من يذكر الله في قيامه وقعوده، وفي حله وترحاله، وفي صحته ومرضه]] ويرى ابن تيمية أن الذكر الكثير هو أن يرطب لسانك بذكر الله على حديث عبد الله بن بسر عند الترمذي، قال: {يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} والله يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]. وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا ونادي إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون ابن متى

الذكر في الصلاة

الذكر في الصلاة يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45] قال ابن تيمية: " هذه الآية أخطأ فيها جمٌ غفيرٌ من المفسرين، ومقصود الآية: أن للصلاة معنيين وفائدتين ومقصودين: أولهما: أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. وثانيهما: أن الصلاة يقام فيها ذكر الله. قال: وإقامة ذكر الله في الصلاة أعظم من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر ". وهذا معنى قوله تبارك وتعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45]. وفي ليلة بطيئة النجوم هادئة السحر باردة النسيم، عاشها ابن عباس رضي الله عنهما مع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يروي قصتها البخاري ومسلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: {بت ليلة في بيت خالتي ميمونة -أي: بنت الحارث، زوج رسول الله عليه الصلاة والسلام- في ليلتها الذي يأتيها فيها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، قال: فدخلت بيتها بعد صلاة العشاء، فنمت في عرض الوسادة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرآني فظنني نائماً وأنا متناوم -شاب عمره (10) سنوات يريد أن يرى هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في الليل، يريد أن يرى ماذا يفعل من الذكر والمناجاة والدعاء والإخبات- قال: فقال لـ ميمونة: نام الغليم؟ -وهو تصغير تحبيب- قالت: نعم، قال: فأتى صلى الله عليه وسلم فجلس على فراشه فهلل، وكبره، وذكره، ودعاه، ثم نام حتى سمعت -غطيطه وفي لفظ البخاري: خطيطه وهو صوت يحدث النائم إذا استغرق في النوم- قال: ثم استيقظ، وانظر إلى الغليم ما هدأت جفونه، وما داعبه الكرى، ولا ساهده المنام، استيقظ صلى الله عليه وسلم، قال: فأخذ يفرك النوم من عينيه، ويقول: لا إله إلا الله، ثم قال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران:190 - 191] الآيات، حتى ختم العشر الآيات من أواخر سورة آل عمران. ثم قام عليه الصلاة والسلام فلحقه ابن عباس بماءٍ من شنٍ، فوضعه عند الباب، وعاد عليه الصلاة والسلام، فوجد الماء ولم يجد من وضعه، فتساءل في نفسه! من وضع لي الماء؟ ثم قال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، ثم أتى فتوضأ عليه الصلاة والسلام، وأخذ السواك واستقبل القبلة -وابن عباس هو الذي تشرف بحفظ الحديث هذه الليلة- فقال: فسمعته يقول: اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والنبيون حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت. ثم قال -وهذا عند مسلم تفرد به-: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم} وهذا امتثال لقوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} [الأعراف:205] ولقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:41 - 42] والله عز وجل طلب من رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسبحه بالغدو والآصال. الغدو مع أنسام الفجر، ومع إطلالة الصباح، ومع برود هذا الفجر البهي على القلوب، ومع تفتح الأرواح، وإشراق الأفراح، وتغريد الحمام على الغصون، وانسياب الريح الهادئة، على المسلم أن يبدأ بذكر الله وتسبيحه.

فضل الذكر

فضل الذكر في صحيح البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت} إن الذي يذكر الله حيٌ، والذي لا يذكر الله ميتٌ، فتدبر أي حياة لهذا، وأي حياة لذاك. وعند مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: {كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال لنا: سيروا هذا جمدان -وهو جبل بين مكة والمدينة - سبق المفرِّدون -وضبطها بعض أهل اللغة بالمفرِدون على التخفيف- قالوا: يا رسول الله، وما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات}. وفي صحيح مسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قال في يوم: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه، ولو كانت كزبد البحر} هذا حديث سنده كنجوم السماء، فانظر إلى قلة الجهد المبذول، وإلى عظيم الأجر الحاصل. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يومه مائة مرة: كتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له عدل عشر رقاب، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به يوم القيامة إلا رجل عمل بعمله، أو زاد عليه}. وفي صحيح مسلم عن سعد وغيره، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس}. وعند الترمذي بسند حسن: {من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة}. وعند البخاري من حديث أبي موسى، قال: {كنا نصعد ثنية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يرفعون أصواتهم بالتكبير، فلحقني صلى الله عليه وسلم وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: يا عبد الله بن قيس -اسم أبي موسى - قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله، قال: أتدري أن لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وعند ابن حبان بسند صحيح، قال أبو ذر: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثمان، وذكر منها: وأن أكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها من كنوز الجنة}. وفي سنن الترمذي -وقد سلف- من حديث عبد الله بن بسر، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: {يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني عن شيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله}. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد العاشر من الفتاوى يوم سأله أبو القاسم المغربي عن أفضل عمل بعد الفرائض يتقرب به إلى الله، قال رحمه الله: " لا أعلم بعد الفرائض أعظم من ذكر الله عز وجل ". وهو شبه إجماع بين أهل العلم أن الذكر أفضل العمل بعد الفرائض، قال: ومدلول ذلك نظراً وخبراً وعقلاً وحالاً محشوشٌ، أو كما قال. والذاكرون الله كثيراً من الصحابة والسلف جمٌ غفيرٌ، لا يأتي المقام على ذكرهم.

قصة أبي مسلم الخولاني

قصة أبي مسلم الخولاني ذكر ابن رجب في جامع العلوم والحكم: أن أبا مسلم الخولاني كان لا يفتر لسانه من ذكر الله، دخل على معاوية، وهو يتمتم بالذكر، فقال معاوية: أجنون هذا يا أبا مسلم؟ قال: بل حنون يا معاوية. حنون إلى رضوان الله، حنون إلى عطاء الله، حنون إلى الاتصال بالله. والذهبي يذكر عن أبي مسلم هذا الذاكر، أن له قصة عجيبة كادت تودي بحياته، لكن الله حفظه يوم أكثر من الذكر، يوم أكثر من الاتصال بالله، ذلك أن أبا مسلم دخل على الأسود العنسي الكذاب الدجال في اليمن الذي ادعى النبوة في صنعاء، فقال له الأسود: هل تشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال: هل تشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع شيئاً، فأعاد عليه الكلام، فأعاد عليه الجواب، فجمع له حطباً وأجّجه، فلما صارت ناراً عظيمةً ذات سعير، قال لجنوده: ألقوه في النار، فأخذوه بتلابيب ثيابه وأكتافه ومجامع جسمه، فلما حملوه في الهواء تذكر الواحد الأحد، تذكر الركن. فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان يا واهب الآمال أنت حفظتني ومنعتني وعدى الظلوم عليَّ كي يجتاحني فنصرتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك منعتني قال وهو في الجو: حسبي الله ونعم الوكيل، وهي كلمة إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار، وكلمة محمد صلى الله عليه وسلم لما قيل له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173] فلمَّا وقع في النار، حولها الله برداً وسلاماً، وذلك في خلافة أبي بكر الصديق، وارتحل من اليمن واستقبله الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه وعمر والصحابة، وقال عمر: [[مرحباًَ بالذي جعله الله في أمة محمد كالخليل إبراهيم عليه السلام]] وما ذلك إلا لكثرة اتصاله وذكره للواحد الأحد. أيها الناس! أوصيكم ونفسي بكثرة الذكر، فإن فوائده جليلة أوصلها ابن القيم إلى ما يقارب الثمانين، وقال: لا يأتي الحصر عليها منها: طرد الشيطان، وإرضاء الرحمن، وإذهاب الوسواس، والرضا بمقدور الله، والاطمئنان إلى الله، والقضاء على الفراغ، والهم والغم والحزن، وجمع الجهد، والقوة، والنظرة، والمهابة، والحلاوة، والطلاوة، والملاحة التي يكسبها الله العبد، والأجور الحاصلة، وتكفير السيئات، ومن أعظمها أن يسكن القلب إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى. أيها الناس! اذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم وفي بيوتكم، وفي طرقاتكم ومراكبكم وسياراتكم، وفي مكاتبكم، اتصلوا به سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فإنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى يصل من وصله، ويهدي من استهداه، ويرزق من استرزقه، توبوا إليه، وأنيبوا إليه، والجئوا إليه. أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الذاكرين الله كثيراً، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

وسطية هذه الأمة

وسطية هذه الأمة الحمد لله، الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد:

معنى (أمة وسطا)

معنى (أمةً وسطاً) يقول الله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] فما معنى الوسط؟ وما مدلولها؟ وما حدها ومقدارها؟ A الوسطية: مدار دلالتها عند أهل التفسير على ثلاث معانٍ: قيل: العدول. وقيل: الخيار. وقيل: المتوسطون في أمورهم. وكأن المعنى الأخير، وهو التوسط في الأمور هو المقصود، أو القريب من المقصود إن شاء الله، فنحن أمة وسط. وسط في المعتقد، فلسنا بالأمة التي تلغي اعتقادها، ولا تؤمن بإله كأهل الإلحاد والوثنية، وأهل الفكر العفني المتخلف الذين كفروا بالإله، لا إله إلا هو {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65]. ولسنا بالأمة التي ضاهت أهل الحلول والاتحاد، فجعلت كل مطعوم ومشروب ومحبوب ومنكوح ومرغوب إله كما فعل ابن عربي في فتوحاته وفصوصه، وأتباعه قاتلهم الله أنى يؤفكون، بل نحن نشهد أن لا إله إلا الله، فلا إله إلا الله، ولا معبود إلا الله، ولا محبوب، ولا مرغوب، ولا مرهوب، ولا مطلوب إلا الله، فلا إله إلا هو، هو إلهنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فنحن في المعتقد وسط بين الفريقين وبين الواديين، ووسط في الفن والجمال. فلسنا بالأمة البليدة الغبية، التي تتنكر للحب والجمال، والله جميل يحب الجمال، جمَّل الكون، وجمَّل المخلوقات، ولسنا بالأمة المفتونة التي ترقص على الجمال، وتعبد الجمال، وتسجد للجمال! إننا أمة تحب الجمال إذا سقاها هذا الحب إلى مرضاة الله تبارك وتعالى حب حلال مباح، يقوم مقدرات العبد في الحياة، ويرغبه فيما عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ونحن أمة وسط، وسط في التفكير، فلسنا بالأمة التي تعيش مع الخيال، فلسفية الفكر كـ سقراط وبقراط ومن سار في ركبهم. ولسنا بالأمة التي لا تؤمن إلا بالمحسوس! فنحن أمة نفكر ولكن في نصوص، ونتدبر ولكن في قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمة تستقرئ وتستنبط، لكن في كلام وحي يوحى من الله تبارك وتعالى. وأمة وسط في الزمن، فلسنا بالأمة التي تقدمت وأتت في أول مسيرة التاريخ، فكانت عرضة للتجارب الضحلة، عديمة الاستقراء، قليلة العلم! لا، ولسنا بالأمة الأخيرة التي كانت خاتمة للأمم، فلم يكن بعدها جيل يستفيد من ركبها، لكن توسطنا الزمان نستفيد من القديم ونبني عليه، ونبني للمستقبل ونعطيه ونبذل له. العجيب والطريف أننا وسط في المكان، فما عشنا وراء المحيطين، ولا وراء القطبين، بل عشنا وسط الدنيا، ووسط الكرة الأرضية من أم القرى التي سماها الله في القرآن أُماً، والأم هي: المتوسطة للأشياء توزع الهداية للناس، ونحن في وسط الدنيا.

نحن وسط بين المرجئة والخوارج

نحن وسط بين المرجئة والخوارج ونحن وسط في العمل والإيمان، فلسنا بـ المرجئة الذين أبطئوا العمل، وقالوا: الإيمان قول واعتقاد فحسب، فالمصلي والتارك مؤمنين سيان، وهذا خطأ، ولسنا بـ الخوارج الذين كفَّروا الناس بالذنوب، وأخرجوهم بالكبائر من دائرة الإسلام، بل نقول: من شهد أن لا إله إلا الله، وقام بمقتضاها، فهو مؤمن ولو ارتكب الكبائر، لكنه يجازى ويعاقب على هذه الكبائر، فنحن أمة الوسط. ووسط كذلك في أمورنا، وفي عبادتنا، وسط بين الكسالى في العبادة، وبين المتشددين المتعمقين الذي شقوا على أنفسهم، نؤدي الفرائض ونتحبب إلى الله بالنوافل على قاعدة: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيكتم عن شيء فاجتنبوه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. عباد الله: الوسط يدخل في تعامل العبد في علاقاته، وتحصيله، وقراءاته، وزيارته، وعيشه، ولباسه، وتناوله للأمور، وحديثه. وهنا حديث لكنه ضعيف: {خير الأمور أواسطها} والخطابي يضبطها: أوساطها، هذا أو ذاك، فالوسط هو المطلوب. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143]. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].

سيرة الشيخ عائض القرني الذاتية

سيرة الشيخ عائض القرني الذاتية إن طلب العلم قضية كبرى، ومنزلة عالية، ورتبة بعيدة المنال لكل صاحب همة ضعيفة، فمن يريد أن يبلغ هذه المرتبة، وينال هذا الفضل العظيم، والشرف النبيل لابد أن يكابد ظمأ الهواجر ويسهر الليالي، ويصبر على التعلم، وعلى آلم الفقر، وهذا الدرس يتناول سيرة شيخ داعية إلى الله، وعالم ركب الصعاب، وصبر على العقبات في سبيل طلب العلم، فيها ترجمته ونشوءه على طاعة الله، وطلبه للعلم حتى صار شيخاً يشار إليه بالبنان، إنه الشيخ: عائض بن عبد الله القرني.

ترجمة موجزة للشيخ عائض القرني

ترجمة موجزة للشيخ عائض القرني الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوكم في الله: عائض بن عبد الله القرني من مواليد بـ القرن بالجنوب، عام (1379هـ) نشأت هناك في قرية ريفية حالمة، تقع على مشارف شفى تهامة، تحف بها من جنبتيها شجر العرعر، وهي عليلة النسيم، طيبة الأنداء، وارفة الظل، نشأت مع أطفال القرية، قليلة حضارتنا هناك، وقليلة معداتنا وأدواتنا، ولكنَّا نشأنا على كل حال -والحمد لله- في التزام لا بأس به، مع والدين وأناس يصلون، ويصومون، ويذكرون الله كثيراً، وأهل القرية يتعاودون المسجد كل يوم خمس مرات، وعندهم خير كثير، وهم على الفطرة ولو أنهم يحتاجون إلى علم شرعي كثير. رعيت الغنم، وضاعت مني غنيمات، وكم بكت عيني من ضياع الغنم لا من خشية الله، وأنا أستغفر الله عز وجل من تقصيري، ولكن مهما يكن فالعظماء قد رعوا الغنم، فكيف بالمقصرين من أمثالنا؟!

بداية دراسة الشيخ عائض

بداية دراسة الشيخ عائض درست في مدرسة آل سليمان الابتدائية، وبدأنا من الصف الأول، وكنا نتلقى ضربات بالعصي لو ضرب بها بعض الحمير لمرض! ولكن هكذا جعلوا من العلم شدة وقسوة، وجعلوا من العصي طريقاً إلى التفهيم، وهذا خلاف ما كان ينهجه عليه الصلاة والسلام. وإني بالمناسبة أوجه درساً لأساتذة الابتدائية وما يقاربها أن يتقوا الله في هؤلاء الطلاب، وأن يعلموا أن العصي لا تُعلِّم وإنما تهذب، فمهمتها أن تكون مهذبة ومربية ومعزرة، لا أنها مفهمة ومدرسة ومعلمة، وانتقلنا في مدرسة ابتدائية إلى مراحل وأكثر ما استفدت تعليم الخط والإملاء، وفي الأولى: درس وزرع ووزن. وفي الرابعة: طه والطبلة، كان لطه طبلة يضرب عليها ووددنا أنهم جعلوا بدل الطبلة {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} [طه:1 - 4] وحفظت أناشيد كثيرة، ولكنها ضاعت؛ لأنها في الحقيقة هزيلة، لم تكن تؤدي الغرض المقصود، ولم تكن مستعدة لأن تعيش معنا كثيراً. والعجيب أنني كنت آخذ في أولى في الترتيب الرقم (20) وفي الفصل (80) طالباً، فلما أتيت في الثانية أخذت المرتبة الـ (15) وفي الثالثة -أظن- الـ (8) أو ما يقاربها، وفي الرابعة إلى الخامس، فلما وصلت السادسة أصبحت أزاحم على الأول، فما أدري ما هذا الذكاء الذي أتى فجأةً والحمد لله رب العالمين.

بداية طلب الشيخ عائض للعلم

بداية طلب الشيخ عائض للعلم انتقلت إلى معهد الرياض مع قرابة وأعمام لي، وسكنت هناك، وارتحت في المعهد كثيراً في الصف الأول والثاني والثالث، إذ درست المتوسطة هناك مع رفقة طيبة، وأذكر من زملائي -بعض الأخيار- منهم الشيخ: عبد الرحمن السديس إمام الحرم، والشيخ: عبد العزيز الدخيل وهو داعية موفق، وكذلك الشيخ: عائض فدغوش الحارثي وهو داعية في الحرس الوطني، وكثير من الأحبة والإخوة، ومنهم الشيخ: علي المقحم داعية كذلك وموفق. وإنما كنت -والحمد لله- مرتاحاً لأسلوب التدريس في المعهد، وللفوائد التي نتلقاها، ولكثافة العلم الشرعي الذي نستفيده كل يوم، ولجودة الأساتذة، ولو أنا لا نخلو بعض الأيام من بعض الضربات، خاصة من أستاذ الرياضيات سامحه الله عز وجل على ما قدمه لنا من ضرب شائق وشائك في مادة الجبر التي هي أعقد من الحديد إذا اختلط بعضه ببعض. ثم ذهبت إلى أبها في الثانوية ودرست هنا، وأول من لقيته من الأساتذة الشيخ الداعية إبراهيم سير -حفظه الله- فكان له أعظم الأثر في توجيهي إلى طلب العلم، وإلى الاستزادة من المعرفة، وإلى إلقاء الكلمات والمواعظ، وقد كتب لي كلمةً أول ما وصلت إلى أبها، وقال: ألقها على الطلاب، وأنا لا أزال أذكر بعض هذه الكلمة، أحفظها؛ لأنه كتبها بيده وهي كلمة بليغة جداً، يقول في أثناء هذه الكلمة: أين يسير شباب هذه الأمة؟ ما هو هدفهم؟ ما هي غايتهم؟ أي حياة يعيشونها؟ وأخيراً: من المسئول عنهم؟ تساؤلات كثيرة إلى آخر ما قال، فقرأت الكلمة على الطلبة وأعجب الطلبة، ثم بدأت ألقي بعض الكلمات في الأندية، وكنت أظن أن العلم الموجود في الساحة هو علم أدب وشعر، وأنه لم يكن هناك علماء إلا أبو تمام والمتنبي والبحتري وامرؤ القيس وأحمد شوقي! ولكن الشيخ عبد الله الأفغاني الداعية الموفق والأستاذ العجيب، والقرآني الفريد، أتى وأخذني، وقال: إني أرى فيك ذكاءً، ولكن أرى أن تميل إلى علم الحديث؛ لأنه العلم الذي ينفعك ويقودك ويهديك -إن شاء الله- إلى سواء الصراط المستقيم وكلام مثل هذا، فأخذت أطالع في صحيح البخاري فرأيت في أول السند: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، وأنا متعود على خفة المعلومات وعلى قلتها عن طريق الأدب، فقلت: متى أصل إلى الفائدة بهذه الطرق؟ ولكن الله فتح، فأخذت مختصرات الحديث وراجعتها، وأذكر أنني راجعت مختصر البخاري للزبيدي ست أو سبع مرات، ثم أخذت صحيح البخاري، فقرأته بالسند ما يقارب ثلاث مرات، ثم رجعت إلى الفتح فقرأته ما يقارب مرة، وبعض المواضع فيه من باب التحدث بنعمة الله قرأتها إلى ما يقارب عشر مرات، إلى اثني عشر مرة، إلى إحدى عشر مرة، أما بلوغ المرام فأعرف أنني ألزمت نفسي أن أكرره فكررته أكثر من ثنتين وخمسين مرة، ولو أني حفظت بعضه لكن بعضه أستذكره استذكاراً لا حفظاً.

قراءة الشيخ عائض للكتب

قراءة الشيخ عائض للكتب ثم تفضل الله عز وجل عليَّ بمكتبة كانت رائدة، وكانت الكتب المشهورة موجودة، فطالعت الأمهات الست مروراً، ثم عدت إلى جامع الأصول فقرأته ما يقارب مرتين، والثالثة وقفت في المجلد الرابع، ثم قرأت العقد الفريد مرتين، والبداية والنهاية ما يقارب مرتين والثالثة إلى أول الثامن، ثم البيان والتبيين للجاحظ، وعيون الأخبار كذلك، وفي ظلال القرآن مررت به وفتح الباري كما ذكرت، والمغني أخذت منه ما يقارب ثمان مجلدات، أما التفسير فطالعت ابن كثير وبعض المجلدات من ابن جرير، وطالعت المحلى -والحمد لله- ثم في المجموع ما يقارب مجلدين، ومن الثالث ما يقارب خمسين صفحة، والرازي طالعت من تفسيره بعض المجلدات، ونظرت في الخازن ولم أكثر منه، وأما الكشاف فأكثرت في مواضع منه وكررته كثيراً؛ لأنني أعجبتني عبارته في الأدب والبلاغة، وأكثرت -حقيقة- من مطالعة الشعر والأدب، فكان عندي أكثر من اثنين وعشرين ديواناً، وبالخصوص ديوان المتنبي، ومختارات الأدب للبارودي، وطالعت منها بعض القصائد أو حفظتها على كل حال. وأما في جانب الحديث، فكانت هي مادتي المرغوبة وهي المقدمة والمفضلة جداً، فكنت أطالع المختصرات وأكررها، وأطالع شروح الأحاديث، وأخذت على نفسي أني إذا أخذت من المختصرات أن أكرره ولو ثلاث أو أربع مرات حتى يرسخ، كـ رياض الصالحين وبلوغ المرام كما تقدم، ومختصر مسلم للمنذري ومختصر البخاري للزبيدي والمنتخب من الصحيحين للنبهاني وجامع الأصول كما تقدم، ومشكاة المصابيح للتبريزي إلى غيرها من الكتب والرسائل، فكان وقت القراءة سعيداً، ومن باب ذكر التحدث بنعمة الله عز وجل طالعت سير أعلام النبلاء للذهبي ثلاث مرات، ونظرت في كثير من كتبه كـ ميزان الاعتدال وكررت بعض المواطن فيه، وكان إذا أعجبتني بعض الأبيات دونتها أو أعجبتني أحاديث أو طرف جعلته في الحواشي أو في مسودات صغيرة؛ لأكررها عند الطلب أو أحفظها، وكان الوقت عامراً بالقراءة، ولو مُنِّيت أو خيرت أن أجلس مع أي أحد ما اخترت إلا الكتاب كما قال المتنبي: أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب وفي العطلة الصيفية كنت أسكن في القرية، فكانت قليلة المشاغل لا هاتف ولا سيارات متحركة ولا أسواق ولا فتن ولا أمور تستدعي الشغل، فكنت أجلس بعد صلاة الفجر وأطالع إلى الثامنة ثم أنام ما يقارب ساعة، وأطالع إلى الظهر -والحمد لله- ثم بعد الظهر كذلك ثم أنام قبل العصر، ثم أطالع من العصر إلى المغرب، وقد جعلت في البرنامج أن يكون الصباح دائماً في القرآن والتفسير، وأمَّا بَعْد نومة الصباح إلى الظهر ففي الحديث غالباً، وأما في الظهر فللتاريخ وأغلب ما أقرأ فيه، وأما العصر ففي الفقهيات وبعض ما كتب من مؤلفات حديثة، وأما في المغرب فأدب، وبعد العشاء كنت أطالع في كتب الجاحظ أو لـ ابن قتيبة أو ما يقارب ذلك.

شخصيات من العلماء قرأ لهم الشيخ عائض

شخصيات من العلماء قرأ لهم الشيخ عائض أكثر شخصية قرأت لها فيما أعلم ابن تيمية، وقد قرأت في الفتاوى والحمد لله، وكررت منه بعض المجلدات ثلاث أو أربع مرات، وبعض المجلدات ما قرأته إلا مرة، وأظن أني ما فهمته إلى الآن، ودرء تعارض العقل والنقل حاولت فيه محاولات ولكنها باءت بالفشل، خاصة أول المجلد الثاني ثم أعود، فكررت في الأول كثيراً، ولكن كان قليل النفوذ إلى بعض معلوماته وكنائزه، لأنه ألفه ليرد على بعض فئات من المسلمين ويناقشهم كطوائف أهل الكلام، وعلم المنطق وهذا في الصعوبة بمكان. وابن القيم تعجبني كتبه، ولكن العجيب كتب ابن تيمية، وأنا أنصح بها كثيراً، وأتمنى من إخواني أن يطالعوها بإسهاب، وأن يصبروا على المطالعة فإنها هي العلم، وتبين لي أن المطالعة هي ركيزة بعد فتح الله عز وجل وتوفيقه أكثر من الدروس المقررة والمواد، وتبين لي أن هذه الدروس والمواد والكليات والمعاهد والثانويات إنما هي مفاتيح فحسب، ومن اقتصر عليها فلا يكون معه إلا علم قليل بإمكانه أن ينفع به الناس، أما أن يكون متوسعاً عارفاً عنده معلومات ونصوص، وإدراكات وثقافات عامة، وعنده استنباط وجودة قريحة، فلا بد أن يطالع مطالعة هائلة، وهذا معلوم بالاستقراء من سيرة العلماء فإنه بإذن الله -بعد فتح الله- لم يكن لهم إلا المطالعة.

التحاق الشيخ عائض بالكلية وتخرجه منها

التحاق الشيخ عائض بالكلية وتخرجه منها وصلت إلى كلية أصول الدين، وارتحت مع إخوة وأساتذة ومشايخ فيهم خير كثير، وكان من الشخصيات المحببة إلى قلبي عميد كلية الشريعة وأصول الدين الدكتور: عبد الله المصلح وكثير من الفضلاء معه ممن أثروا في منهجي التعليمي، وفي تشجيعي على الدعوة، وعلى مشاركة الإخوة في الكلية، وكنت في النشاط الخطابي والثقافي لا بأس بذلك. أما المخيمات فقد حضرت ما يقارب سبعة مخيمات للإخوة، وكان يغلب عليَّ طابع المزح والهزل في الأرجوزات وحفل السمر، حتى إن بعض الإخوة خفت عليهم أن ينفجروا من كثرة الضحك، وبعضهم كان يترنح برجله، وبعضهم دمعت عيناه على لحيته من كثرة ما ضحك، وقالوا: سوف تأخذ فينا ذنباً، ولا أزال أحفظ بعض هذه المقطوعات وهي مسجلة عند بعض الإخوة في أشرطة قديمة. ثم أعان الله عز وجل بعد التخرج على دراسة السنة التمهيدية في الرياض إلى الدراسات العليا، وكان من الأساتذة الشيخ: أحمد معبد، والشيخ الدكتور: الذيب الصالح، والشيخ: عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ: عبد الوهاب البحيري إلى غيرهم من العلماء الذين استفدنا -حقيقة- منهم فائدة طيبة. ثم عدت إلى أبها، وحضرت الماجستير في البدعة وأثرها في الدراية والرواية، وقد حصلت عليه -والحمد لله- وأنا أعمل اليوم محاضراً في أصول الدين، وإمام وخطيب جامع أبي بكر الصديق، وأنا أتحرى من الله أن يغفر ذنبي وذنب كل مسلم، وأن يزيدنا من عنده، وأن يغفر لنا تقصيرنا وخطايانا وزللنا.

بداية التزام الشيخ عائض

بداية التزام الشيخ عائض Q تمر على الشاب فترات يتقلب فيها بين الصلاح وغيره، فمتى كانت بداية التزامك ومن أثَّر عليك؟ A الذي أعرفه من نفسي أنني عادي في أموري، عادي في الذكاء والالتزام، وعادي في الحماس وفي التوجه، ولكن مجتمع القرية -على كل حال- أسلم بكثير من مجتمع المدن قبل سنوات لا توجد امرأة فيما أعلم متبذلة مع أن الحجاب عندهم كان هو هذا الحجاب الذي هو رأي لبعض أهل العلم ألا يغطى الوجه، لكن الآن أصبح يغطى الوجه والكفان، فلم تكن امرأة متبذلة مع أنَّ عند بعض النساء قلة دين؛ لكن هناك مروءة، ونخوة قبلية، وأنفة، وكذلك لم يكن هناك مغريات وأجهزة إعلام تنساب بهذا الركام وهذا الزيف، ولم يكن هناك صور خليعة، ولا جلسات البلوت ولا الباصرة، ولا مقاهي تستضيف حملة السيجارات ولا الأغاني، إنما كان عندنا المسجد والبيت والمزرعة، فكنا بين هذه الثلاثة وربما اجتمعنا مع أهل القرية في جلسة سمر أو جلسة في العصر يتذاكرون ما لذ من الأخبار وأخبار الآباء والأجداد، وما جرى بين القبائل وقصائد وأشعار وأسمار ومن هذا القبيل. فبدأت على هذا المنوال، ولكني لما وصلت إلى الرياض تأثرت ببعض الإخوة وببعض الأساتذة، وأكثر ما أظن أنه أثر في مساري كثرة القراءة في كتب السلف وخاصة تراجم السلف الصالح يوم طالعت تراجم الصحابة مثل: كتاب رجال حول الرسول لـ خالد محمد خالد، وأنا يعجبني هذا الكتاب ولي عليه ملاحظتان: في ترجمة أبي ذر ملاحظة، وفي عدم توثيق النصوص أخرى، لكن أسلوبه عجيب وأخاذ، وقد أثر فيَّ تأثيراً بالغاً حتى كأني أعيش مع الصحابة، ولا بأس أن يطالع ويستفاد منه لأسلوبه العظيم ولطرحه العجيب، وكذلك بعض التراجم، فأظن أن من ما أثر فيَّ التراجم، ثم ولعت وبصراحة بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا شرف لي، وطالعت في كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم لـ سعيد حوى ولي عليه ملاحظات، وقد استفدت منه كثيراً، ثم طالعت السيرة لـ ابن هشام، وأحسن ما أعجبني في هذا الباب زاد المعاد لـ ابن القيم، فإنه من أحسن ما دبجت يد مسلم، فغفر الله لذاك الإمام العظيم، وأنا أنصح بهذا الكتاب. وعلى كل حال؛ فسيرته صلى الله عليه وسلم وافية حتى كنت أفرح -والله- إذا ذكر في المجلس، وإذا ذكره بعض المشايخ، وقد كنت أصلي في الرياض وأنا في السنة التمهيدية وأنا مع الشيخ: محمد الراوي فكان إذا ذكر شيئاً من السير لا أملك دموعي وأنا جالس بين المصلين، خاصة إذا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، وعظمته، وزعامته، وإصلاحه في العالم ونوره، وإشراقه، وتعجبني لفتات سيد قطب إذا ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في الظلال أيما عجب! لأنه يعرضها بأسلوب عصري بديع، ثم يعطي الرسول صلى الله عليه وسلم بحرارة، وبشوق، وبلوعة، هذا مما أظن أنه في بداية الالتزام، وأنا أسأل الله أن يزيدني وإخوني التزاماً وتوفيقاً وهداية ورشداً، وأن يثبتنا حتى نلقاه.

حفظ الشيخ عائض للقرآن وما حفظ من السنة

حفظ الشيخ عائض للقرآن وما حفظ من السنة Q كما تعلم أن القرآن والسنة زاد الداعية، فكم تحفظ من القرآن؟ وهل تحفظ كتاباً في السنة؟ وكم كررته؟ A بدأت في المهد أحفظ في القرآن، وقد حفظت في المهد ما يقارب من ثمانية أجزاء، ولما عدت إلى الكلية، قلت: لا بد من حفظه جميعاً، فمن بداية أولى أصول الدين بدأت في حفظه حتى انتهيت إلى الثالثة في نهاية حفظه، ولكني أقول: أنا لا أحفظ القرآن جميعاً حفظاً ترضى به النفس، ويطمئن إليه القلب، لأن الحافظ هو الذي يقرأ من أي مقطع في أي وقت كان ويستذكر، أما أنا فالمقطع الذي أريد أن أصلي به في الناس لا بد أن أكرره قبل الصلاة في الغالب، فقد حفظت القرآن؛ ولكني أحتاج إلى مراجعته، وأحتاج إلى أن أعود إليه وأن أثبته؛ لأني شغلت عنه وإن كان لي ورد يومي ولكنه لا يكفي؛ فإن المشاغل كثيرة، وبعض الطلبات، والمحاضرات، والجلوس مع الأحبة، وأشغال الدنيا تلهي عنه، فعندي منه خير، والذي يهمني كثيراً في القرآن أن أعمل به، وأطبق تعاليمه، وأن أعيشه في حياتي وسلوكي. وأما الحديث؛ فالحمد لله يعلق بذهني شيء كثير، ولو أني ما تعمدت حفظ كتاب بعينه، حاولت في الجمع بين الصحيحين واللؤلؤ والمرجان مرة، ولكن ما اصطبرت على ذلك، ولكن -والحمد لله- يعلق بالذهن كثيراً من كثرة ما أراجع وكثرة ما أُحَضِّر؛ لأني ألزمت نفسي بدرس كل صباح -من قريب- مع بعض الإخوة في شرح المسند، فهذا ينفع كثيراً في تذكر الأحاديث، والتدريس في الكلية كله في متون الأحاديث، والمحاضرات لا بد أن يعاد إلى الأحاديث قبل إلقائها قبلها، وكثرة القراءة في الحديث، ولذلك يعلق بالذهن كثير ولله الحمد والمنة.

بداية تأليفه الشعر وأول قصيدة قالها

بداية تأليفه الشعر وأول قصيدة قالها Q عرفك الناس شاعراً، فيا ترى كيف كانت بدايتك في الشعر؟ وما هي أول قصيدة قلتها وهل تذكر منها شيئاً؟ A الحمد لله، أنا أقول الشعر، والشعر قد يكون نعمة أو نقمة، نعمة: إذا قُصِدَ به طاعة الله وكان في مرضاته سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ونقمة: إذا كان مجوناً وسخفاً وعبثاً ولعباً -والعياذ بالله- وإذا كان زندقة فهذا كفر. فأنا أقول الشعر وأهواه وأحبه كثيراً، وأحفظ فيه من أجمل المقطوعات، وأنا أعزم مع بعض الأحبة -إن شاء الله- جمع بعض الأشرطة والكتيبات اسمها من أعذب الشعر، أو الأدب الذي نريده، ليكون عوضاً عن هذه السخافات والركام الذي في الساحة التي رزحت به، ركام يعرض وركام يستمع إليه وركام يطالع، يقول أحدهم في قصيدة حداثية: أنا ذبابة ليمون أطير من شجرة إلى شجرة قلنا: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم لا تضلنا بعد إذ هديتنا، اللهم لا تزغ قلوبنا. والآخر نبطي يقول: يا ونتي الونيت يوم صليت ونت وطارت وراء حمامة قلت: أين هذا؟ وأين هذه المدلولات من أبيات الشعراء ومقطوعاتهم التي رأيناها في كتبهم ودواوينهم التي تستحق الإجلال؟ فليتها تفضى على الناس، وليتها تفرغ لتعيها القلوب، ويحفظها الخطباء، ويتهدرون بها على المنابر، وتذكر في الجلسات، ويحفظها الشباب في المخيمات لكانت لهم بعد القرآن والسنة زاداً. وعلى كل حال؛ فإن لكل بداية نهاية فإن العبرة بتمام النهايات لا بنقص البدايات، بدأت في معهد الرياض في أولى متوسط وثاني متوسط ببعض القصائد، وفي ثاني متوسط أذكر أنه جاءنا معهد لعله معهد الجوف زيارة، فكلفوني بنظم قصيدة، فنظمت قصيدة فجعلتها مثل فهرس، توفي الأمير فيصل رحمه الله في تلك الفترة فرثيته في القصيدة، ورحبت بمعهد الجوف، وأثنيت على معهد الرياض، ودعوت الشباب إلى الالتزام، وذكرت العلم والعلماء، فكانت شبه فهرس، وهي ضعيفة البنية سقيمة المعاني، لكن أوهمني الأساتذة في معهد الرياض أني متنبي العصر!! فظننت أنني كما قالوا، وهم يريدون تشجيعي فمنها. لك يا معهدي الأجل سلامي عامر الود والتحايا أمامي جئتك اليوم نافضاً عن إهابي أسأل الجهل والأماني أمامي فكان أهم شيء أن تختم بالميم، وأما المعاني فيضحك منها عجائز نيسابور!

أول موعظة ألقاها الشيخ عائض

أول موعظة ألقاها الشيخ عائض Q هل تذكر أول موعظة قلتها وفي أي مسجد كانت؟ A أول موعظة فيما أذكر في مسجد في حي المرقب في الرياض، وكان معي في النشاط الشيخ: صالح السحيباني، وهذه الموعظة في وفاته عليه الصلاة والسلام، واكتشفت فيما بعد أن الموعظة مكذوبة وموضوعة وليست بصحيحة، قرأتها من كتاب مكذوب، فقمت أمام الناس بعد صلاة المغرب فقبضت المكرفون وأخذت أتحدث، وأخذت أرجلي ترتعش بجانب الإمام؛ لأنها أول مرة، والمسجد كبير، والمصلون مزدحمون، فكنت أتكلم وأنظر في السقف وما نظرت إلى مصلِّ حتى انتهيت من شدة الخوف والوجل، وكانت أي كلمة تخرج من لساني أخرجها بحول الله، فأتيت إلى قصة عكاشة أو عكَّاشة -واللفظان صحيحان- فأتيت بها فاضطربت مرةً أقول: عكاشة، ومرة بلال، ومرة معاوية؛ فأصبح الناس في حيص بيص ما يدرون بماذا يخرجون؟ لكن كنت أتعمد رفع صوتي؛ لأنني ظننت أن الموعظة هي الصوت، حتى انتهيت وأنا وجل خائف خوفاً لا يعلمه إلا الله عز وجل، والعرق يتصبب، وما أدري ماذا قال الناس؟ لأنني ما التفت إلى أحد، ثم خرجت من الباب الجانبي للمسجد.

المواقف المحرجة

المواقف المحرجة Q يمر على الإنسان مواقف محرجة، فهل تتذكر موقفاً من تلك المواقف؟ A أذكر موقفاً محرجاً واحداً كنت في مخيم جامعة الإمام في حجلى أول مخيم تربوي، وكان كبيراً، وحضره كثير من طلبة العلم والمشايخ والأساتذة، منهم الشيخ: علي جابر إمام الحرم، وكان هو في أسرته أسرة محمد الفاتح، فكلفوني أن أقول قصيدة في الحفل الكبير، فجهزت قصيدةً ونظمتها وصححتها، ولكن لما جلسنا في الخيمة قبل الحفل طلب مني أحد الإخوة محمد حجر من الطوال ومن جهة سامطة أن ينظر في القصيدة؛ فأعطيته القصيدة لينظر فيها ونسيتها معه، فنزل عند أمه في خميس مشيط قبل الحفل، وظننت أنها في جيب البنطلون؛ لأنا كنا في لباس كشافي رياضي، فلما أتى الحفل، وأتت الشخصيات ووجهاء المنطقة، وبدئ بالحفل، وكنت أنتظر فقرتي، فنودي بي على رءوس الأشهاد أن ألقي قصيدتي، فقمت فلما أصبحت أمام المكرفون، وقدمت للقصيدة، وأخبرت بالدافع لي على هذه القصيدة وما هي نواياي، فتحت الزرار لآخذ القصيدة، فإذا الجيب فارغ، حاولت في الجيب الثاني فتذكرت في الحال أن الأخ نزل بها، فقلت المعذرة يا جماعة الخير! نزل الأخ محمد حجر -ببساطة أريد أضحكهم- نزل بقصيدتي في الخميس، وإن شاء الله سوف يعود بها الليلة، لأنه سار يسلم على أمه بالسيارة، فارتج الحفل بالضحك!! وخرجت والعرق يتصبب مني، ثم تمددت داخل الخيمة، وقلت: حسبنا الله ونعم الوكيل.

إمامته لبعض المساجد

إمامته لبعض المساجد Q يرى في الساحة عزوف كثير من الشباب عن إمامة المساجد، فكم مسجد أممت وفي أي مكان تقع؟ A لما أتيت إلى أبها في المعهد العلمي كنت في مسجد صغير في شمسان أصلي فيه إماماً -أحياناً- ثم في مسجد آخر بجانبه، وكنت أقرأ عليهم في كتاب بعد صلاة الفجر، ثم ذهبت إلى مسجد محمد بن عبد الوهاب الذي بناه التاجر محمد بن عبد الوهاب قابل، فصليت به فترة أظنها سنتين أو ثلاثاً، ونفعتني تلك الفترة؛ لأني كنت أكتب الخطب وأعود إليها، وأهتم بها كثيراً لما أرى من إقبال طلبة العلم، فكنت أهتم بالخطب، وربما حفظت بعض المقاطع منها ارتجالاً، ثم ذهبت إلى الرياض وعدت، فعينت إماماً في جامع أبي بكر الصديق ولا أزال إماماً فيه إلى الآن والله الموفق والمعين.

قصائد الشيخ عائض وأفضل أشرطته

قصائد الشيخ عائض وأفضل أشرطته Q حبذا فضيلة الشيخ لو تذكر للأخ المستمع أفضل ثلاث قصائد قلتها، وكذلك من الأشرطة ثلاثة من التي تنصح بها كل مسلم؟ A أما ثلاث قصائد مما قلتها فمنها مقطوعة في الرسول عليه الصلاة والسلام، قلت فيها: صوت من الغور أم نور من الغار أم رمضة الفكر أم تاريخ أسراري يا عيد عمري ويا فجري ويا أملي ويا محبة أوطار وأعماري تطوي الدياجير مثل الفجر في ألق تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري البدر والشمس في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبارِ فما لقومي بلا وعي قد انتكسوا أصغوا لصيحات عربيد وخمار شادوا الدنانير هالات مزخرفة جماعها لا يساوي ربع دينار يبيع ذمته المأفون في وثن والدين ينهار منه في شفا هار لو بيع في السوق ما حازوا له ثمناً ولو شروه لكان الغبن للشاري جمع الطوابع من أسمى هوايته ذو همة بين خباز ونجار إلى آخرها، وقصيدة الذرية في أبي ذر منها: دمعة الزهد فوق خدك خرسا ووجيب الفؤاد يحدث جرسا أنت من أنت يا محب وماذا في حناياك هل تحملت مسَّا إلى آخر القصيدة وهي موجودة في ديوان لحن الخلود وديوان واإسلاماه، ومنها قصيدة للمجاهدين الأفغان منها: مروا بقلبي فقد أصغى لي البان لي في حمى الحب أصحاب وجيران نعم لك الله ما قتلت من وله أما لكم صاحبي صبر وسلوان إلى آخر القصيدة، وقصيدة في سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز منها: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي إلى آخر القصيدة وبعض القصائد الأخرى. أما الأشرطة التي أرى أنها مفيدة وهي من أشرطتي لعل الله أن ينفع بها، ويجعل العمل خالصاً لوجهه الكريم فشريط (احفظ الله يحفظك، ورسالة إلى المغنين والمغنيات، وقتل المجرمين عدالة، وصفات المرأة المسلمة، ورسالة إلى مسئول، وأسباب انشراح الصدر).

مقومات الخطابة عند الشيخ عائض

مقومات الخطابة عند الشيخ عائض Q ما هي مقومات الخطابة في نظرك يا شيخ؟ A من أحسن الكتب التي كتبت في هذا الفن: كتاب لـ أبي زهرة اسمه: الخطابة، ولكن من مقومات الخطابة فيما أرى: أولاً: الإخلاص لله عز وجل، وأن يقصد بعمله وجه الله في كل عمل يعمله. ثانياً: أن يكون صاحب جرأة -أي: شجاع القلب- مستعد أنه يواجه الجماهير، لا يهاب، ويكون عنده رباطة جأش؛ لأن الموقف صعب، شيب رءوس كثير من العظماء، حتى يقول عبد الملك بن مروان لما قال له أبناؤه: نراك شبت، قال: من صعود المنابر كل يوم جمعة أعرض عقلي على الناس. ثالثاً: أن يكون عنده تدرج، بأن يبدأ بالمساجد الصغيرة، وبالمجمعات الصغيرة والقرى والأرياف، ثم يتهيأ لخوض المدن وحضور الجماهير في المدن الحاشدة. رابعاً: أن يكون عنده علم، وأن يكون كثير الاطلاع، لأن الكلمات تسعفه، فتسعفه الأبيات، والآيات، والأحاديث، والقصص، والمواقف، والنكت والطرائف، فيكون عنده مادة؛ لأن الذي عنده جرأة وليس عنده مادة كالرجل عنده شجاعة ولكن ليس لديه سيف، فلا بد من مادة. خامساً: أن يتهيأ قبل الخطبة، كما قال عمر -لما حضر سقيفة بني ساعدة رضوان الله عليهم-: [[زورت كلاماً]] أي: هيأت كلاماً، فيعرف ما هو الموضوع الذي سوف يتكلم فيه، وماذا سوف يقول، ويحفظ الآيات والقصص ويرتبها في ذهنه ويعنصرها في ذاكرته ثم يتكلم، وإذا كتب فعليه أن يعتني بحسن الأسلوب وجمال العبارة، وأن يكرر المكتوب، وألا تقيده الورقة عن الناس. ثم أوصي الخطباء ألا يطيلوا على الناس، وأوصيهم أن يعيشوا الواقع، وأن يزودوا خطبهم بالآيات والأحاديث الصحيحة. وأوصيهم أن يجملوا العبارة بالأسلوب الطيب الرائق، لأن أهل الباطل غلبونا بأساليبهم، فلا بد أن نعرض الخطابة في ثوب جميل يقبله الناس، وأوصيهم كذلك أن يعملوا بما يقولون: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44].

دواوين وكتب ألفها الشيخ عائض

دواوين وكتب ألفها الشيخ عائض Q اذكر لنا بعض الدواوين والكتب التي ألفتها، وما هو آخر كتاب سينزل في السوق؟ A أما الدواوين فمنها: ديوان لحن الخلود وديوان واإسلاماه، وديوان نسمات من الجنوب، وديوان هدايا وتحايا). ومنها كتاب: (شباب عادوا إلى الله، وكتاب الحركات الإسلامية المعاصرة، وكتاب أمريكا التي رأيت، وكتاب همسة في سحر ونسمة في سمر، وكتاب سيرة الأبطال) وهي مطبوعة جميعاً وسوف يصدر قريباً -إن شاء الله- ضوابط الصحوة الإسلامية، وكتاب كيف تطلب العلم، وكتاب الغزالي في ميزان الاعتدال، وكتاب دروس للصائمين وسوف يصدر -إن شاء الله- رسالة وهي البدعة وأثرها في الدراية والرواية، وشجو الحمام في أدب السلام وغيرها من الكتيبات، والله المعين.

سبب تأليفه في الإيمانيات وترك الأحكام

سبب تأليفه في الإيمانيات وترك الأحكام Q فضيلة الشيخ: لماذا لا تؤلف في الأحكام؟ A أنا أحب الأحكام وأعتني بها، بل أدرِّسها كثيراً وأكثر ما أدرِّس الأحكام، حتى لا أدرس في المصطلح ولا في أي مادة أخرى، لكن الأحكام لأني محتاج إليها في علم الفتيا؛ ولاحتياج الناس والعامة ومن يجلس معه الداعية فأفرؤها، لكن التأليف قد رأيت كثيراً ممن أغدقوا في الساحة وكفوا هذا الجانب، وتكلموا كثيراً في البرامج، مثل: الإذاعة، والأشرطة، والكتيبات، والرسائل، والكتب، فرأيت أنه ينقصنا كثيراً في الإيمانيات ورد الناس إلى الإيمان ليتلقوا الأحكام، فالأحكام بلا إيمان لا يتقبلها الناس، وقد يفهمها حتى المعرض، لكن أريد أن يصل الإيمان وأن يربى الناس على الإيمان حتى يتلقوا الأحكام، ولا ينقصنا جانب الأحكام؛ لكن ينقصنا الإيمان كيف نرد الناس إلى هذا الدين؟ وكيف نحبب الناس في هذا الدين وفي رسول هذا الدين عليه الصلاة والسلام.

أهم الشخصيات التي قابلها

أهم الشخصيات التي قابلها Q من أهم الشخصيات الإسلامية التي قابلتها؟ A قابلت بعض الشخصيات الشهيرة، واستفدت منهم ولو في مجلس واحد، فإن من أفادك حرفاً فقد أفادك، منهم من أعجبني ولا يزال يعجبني دائماً أحبه حباً جماً سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز متع الله بحياته، ونفع بأنفاسه، وأمد في عمره، جلست معه مجالس، وحضرت له بعض الدروس، واستفدت من كلماته، ومن بعض أشرطته وكتيباته. ومنهم الشيخ العلامة الذكي: محمد الصالح العثيمين زرته مرات في بيته، واستفدت من أشرطته وكتبه وحضرت له بعض المحاضرات والدروس. ومنهم الشيخ الأستاذ العلامة المحدث الكبير: محمد ناصر الدين الألباني لقيته مرة واحدة في مكة هذا الزمن المنصرم، وجلست معه ما يقارب ثلاث ساعات ولي فيه قصيدة، ولي في الشيخ عبد العزيز بن باز أيضاً قصيدة اسمها: "البازية" ذكرتها قبل قليل، وفي الشيخ ابن عثيمين أبيات منها: إذا بريدة بالأخيار قد فخرت يكفي عنيزة فخراً شيخ ناديها وفي الألباني أبيات منها: هاكم سلام الله يا إخواني قولوا رعاك الله يا ألباني يا جامعاً سنن الرسول بعصره كـ الترمذي أو أحمد الشيباني يا دار قطني الشريعة إنني أهفو إليك وحبكم أشجاني إلى آخر القصيدة. وقابلت الدكتور عبد الله عزام رحمه الله، والأستاذ العلامة المفكر الكبير محمد قطب، وزرته قريباً قبل ما يقارب أسبوعين، والشيخ الأستاذ العلامة عبد المجيد الزنداني واستأنست برؤيته والجلوس معه، وكثير من الأحبة، ومن الدعاة الموفقين كالداعية الأستاذ أحمد القطان، والداعية عصام البشير وغيرهم من المشايخ.

إجابات سريعة

إجابات سريعة Q ماذا يقول عائض القرني عما يحدث للمصلين في مسجدك، فإنهم يصلون في خارج المسجد؟ A أقول: يتقدمون مع ركاب الدرجة الأولى، وذلك بتبكيرهم في الساعة الأولى، ولا يبقوا حتى لا يجدون فرخة ولا دجاجة ولا بيضة. Q ما سبب نحالة جسمك؟ A من الجلوس مع الثقلاء. السؤال: ما رأيك في زوجة ثالثة؟ الجواب: إذا ماتت زوجتاي اللتان معي تزوجت الثالثة. السؤال: نجيب ضرب مقره في كابل؟ الجواب: ضل وله حصاص. السؤال: ما رأيك في قتل عزام؟ الجواب: طعنة في قلب كل مسلم. السؤال: ما رأيك في سيَّاف؟ الجواب: بطل من الدرجة الأولى. السؤال: تعليق على موسكو والانفتاح؟ الجواب: عير انقطع رباطه. السؤال: رأيك في ابن باز؟ الجواب: ابن باز رجل كـ جبل أحد يحبنا ونحبه. السؤال: رأيك في الحداثيين؟ الجواب: رؤيتهم تنقض الوضوء، وحدثهم حدث أكبر. السؤال: رأيك في صغار ينقمون على الألباني؟ الجواب: يقول المثل: مائة إبرة لا تساوي فأساً. السؤال: قولك في التوبة؟ الجواب: طريق التائبين والمستغفرين {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:135]. السؤال: أناس يقولون: قليل من الوقت للبلوت؟ الجواب: ما أسكر كثيره فقليله حرام. السؤال: بعض الفضلاء عليهم ملاحظات؟ الجواب: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث. السؤال: ما هو عنوان رسالتك في الماجستير؟ الجواب: البدعة وأثرها في الدراية والرواية. السرال: ماذا يضايقك؟ الجواب: يضايقني فراغٌ كثير عند كثير من الشباب، لا يستغلونه في طاعة الله، ولا في العلم الشرعي، ولا في التحصيل. السؤال: حدث أبكاك؟ الجواب: موت الدكتور عبد الله عزام، وقبله موت أبي الأعلى المودودي. السؤال: هل هناك أديب أعجبك؟ الجواب: من المعاصرين في أدبه على الطنطاوي بارك الله فيه. السؤال: هل لك لحظة ندم؟ الجواب: إذا تذكرت ذنوبي وتقصيري مع الله، وكثرة نعم الله علي سُبحَانَهُ وَتَعَالى ندمت. السؤال: هل هناك شاعر أعجبك؟ الجواب: المتنبي.

البرنامج اليومي في حياة الشيخ

البرنامج اليومي في حياة الشيخ برنامج حياتك اليومي في هذه الأيام؟ A أصلي الفجر، وبعد الفجر إذا كنت في أبها درس في مسند الإمام أحمد يستمر ما يقارب ساعة إلا ربع، ثم ركعة الإشراق، ثم أذهب إلى البيت فالإفطار، فإن كان عندي محاضرة في الكلية في أيام الدراسة ذهبت وإلا نمت ما يقارب ساعة، ثم أقوم فأكتب أو أطالع إلى ما يقارب الظهر، ثم صلاة الظهر، ثم العودة، فمطالعة أو كتابة، وغالباً هذا الوقت للاتصال بالهاتف وسماع بعض أصوات الأحبة، ثم الغداء، ثم القيلولة التي أحافظ عليها كثيراً إلا في بعض الأوقات، ثم صلاة العصر، وبعد العصر هذا الوقت الدسم عندي للمطالعة في المكتبة ويتخلله اتصال بالهاتف، وبعد المغرب في الغالب زيارة الأحبة، وسماع بعض الأسئلة من الإخوة والاستفادة من الجلوس معهم، وعرض بعض المشاكل، وبعد العشاء مطالعة أهم شيء في الواقع، مجلات إسلامية، صحف إسلامية، وسماع الأخبار أحياناً، وما يدور في الساحة، ثم الوتر ثم النوم.

تكرار المادة العلمية في بعض المحاضرات

تكرار المادة العلمية في بعض المحاضرات Q فضيلة الشيخ! يرى بعض طلبة العلم أن بعض المادة العلمية تكرر سواء أكانت في الخطب أم المحاضرات أم الدروس التي تلقيها فماذا تقول؟ A أقول: أما مبدأ التكرار فليس بعيب؛ فالقرآن كرر كثيراً من القصص، فهذه قصة موسى عرضت في القرآن طولاً وقصراً ما يقارب ثلاثاً وعشرين مرة، ونحن معنا مادة وهي موجودة لا يزاد فيها ولا ينقص القرآن والسنة، إذا بدأنا من الفاتحة انتهينا إلى الناس ثم نعود من الفاتحة وهكذا، وهذه قضيتنا ودائماً هذه رسالتنا حتى يعرفها الناس، وقضية أن المتكلم أو الداعية يأتي كل يوم بشيء جديد، فهذا ليس بوارد، لابد أن يجدد مادته، وأن يأتي من الكتاب والسنة بالجديد الذي ما سمعه الناس إلا قليلاً، لكن أن يستهدف كل وقت؟ هذا متعسر وليس الداعية فنان يأتي كل يوم بأغنية أو مسرحية، أو يأتي بفرقة تغير أصواتها، هو دائماً داعية يضرب على نقاط وعلى مسائل لا بد أن يكررها حتى يعيها الناس، وهل عمل الناس بالمسائل التي قلناها حتى نأتي لهم بجديد؟ وهل نحن هواة نقل كلمة، إنما نريد هذه القضايا أن تنفذ؟ وأنا أقول -ولو قال الإخوة أنه تكرار- ليس تكرارً مطلقاً، صحيح أن القصة ممكن تتكرر في خمسة أشرطة وفي عشر محاضرات وفي عشرين لكنها تعرض بقوالب وفي أساليب، مرة طولاً ومرة قصراً، مرة بأسلوب علمي، ومرة بأسلوب وعظي، ومرة بأسلوب أدبي ومرة مناقشة فهذا ليس كذاك. وقال الأول: قالوا: تكرر قلت: أحلى علماً من الأرواح أغلى فإذا ذكرت محمداً قال الملا أهلاً وسهلاً وقال الثاني: كرر العلم يا كريم المحيا وتدبره فالمكرر أحلى فأنا أحاول الآن الاقتصار في بعض المحاضرات، وإعادة بعض المحاضرات القديمة بنفس المادة لكن بأسلوب آخر.

سبب ضعف المادة العلمية في بعض المحاضرات

سبب ضعف المادة العلمية في بعض المحاضرات Q فضيلة الشيخ! بعض المحاضرات يلاحظ فيها ضعف المادة العلمية، فيا ترى لمن يرجع هذا؟ A هذا أولاً لا بد منه مهما بلغ الإنسان لا بد أن يضعف في بعض الجوانب، وأنا أعرف نفسي أني ضعيف مقصر، لكن أحياناً قد تكون المادة من علم الواقع، أو من مسائل الواقع التي ما تظفر بنصوص من الكتاب والسنة إلا نصوصاً عامة؛ لأن القرآن جاء فيه صلاح العباد في الدنيا والآخرة، فأحياناً أضطر أن أكثر من علم الواقع، ومن أطروحات في الواقع، ومن مسائل مرت في الساحة فتنقصها النصوص، والشباب متعودون على أنه لا بد من مادة دائماً تكون محفوفة بالنصوص، وأحياناً قد تكون كلمات مرتجلة فتسجل، أذكرها في بعض المواقف لأنه لكل مقام مقال إما اجتماعاً مع بعض الأحبة، أو حفلة، أو كلمة مفاجئة، أو طرفة نادرة فتسجل فيقولون: هذه ما حُضِّر لها وهو الصحيح. على كل حال؛ لا بد من الضعف والقوة والإبداع والقدم والغرابة، ولا بد من الضعف والله يغفر لنا ولكم زللنا.

نصيحة للتسجيلات الإسلامية

نصيحة للتسجيلات الإسلامية طلب: قبل الختام فضيلة الشيخ! بماذا تنصح التسجيلات الإسلامية بما فيها تسجيلات البيارق؟ A أنا أولاً: أشكر التسجيلات الإسلامية شكراً جزيلاً على ما قدمته للأمة الإسلامية شكراً لا انتهاء له، فقد أثرت الساحة بالشريط الإسلامي، وقدمت الطيب والجديد من القرآن الكريم، والمحاضرات، والفتاوى، والدروس، والخطب، وما قدمته من الأمسيات، والأناشيد، وقد أجادت كل الإجادة، هذا في غالب التسجيلات لا في العرض فقط بل في الإنتاج، والابتكار، والإبداع، والتوزيع، واستقبال المشتري، فجزاهم الله خيراً، ولكن لي معهم وقفة!! أولها: إني أطلب منهم أن يقصدوا بعملهم هذا وجه الله، ويجعلوا هذه المادة ثانوية، أي: طلب المال من هذا الطريق؛ لأنهم ينفعون وينشرون الدين بهذه الطريقة، الشريط إذا دخل البيت كأن داعيةً دخل البيت، كم من غاوٍ، وكم من ضال، وكم من مارد، وكم من فاجر، سمع شريطاً فاهتدى وعاد. إنكم -أيها الإخوة- من أهل التسجيلات الإسلامية دعاةً في الحقيقة ولو لم تتكلموا، أو تحاضروا، أو تخطبوا في الناس ولو لم تعظوا، أدخلوا الشريط قلوب الناس وبيوتهم وسياراتهم هدية، فأطالبهم أولاً بالإخلاص. ثانياً: بحسن التسجيل، أن يكون التسجيل مبتكراً صافياً طيباً، لأنني لاحظت بعض التسجيلات تسجيلها ضعيف حقيقة، على ما تطور به العلم الحديث، وعلى الأجهزة والأساليب، وعلى ما أجاد الله به من مال، ومع ذلك سمعت مرة شريطاً لي أنكرت صوتي، قلت: أنا هذا! ما هو صوتي حتى اكتشفته من بعد -والحمد لله- دلني الله على أنه صوتي! فهل يعقل أن هذه تسجيلات في هذا العصر؟ لكن غالب التسجيلات تعتني. ثالثاً: أوصيهم بأن يساعدوا الناس خاصة إذا كانوا بعض الطلبة والمحتاجين، أو الفقراء الذين لا يملكون المادة، أن يخفضوا في قيمة الشريط، أو أن يتصدقوا فإنه في ميزان الحسنات. رابعاً: أن يعتنوا بالابتكار والإبداع وحسن الدعاية في سبيل الله عز وجل، لأن أهل الباطل في تسجيلاتهم وفي إبداعاتهم يعتنون بالدعاية والنشر والإعلان حتى يعرف الناس أن هناك مادة، وهذا ليس من باب الرياء والسمعة؛ لكن من باب إظهار الحق ونصرته. وأما تسجيلات البيارق فأشكرهم على هذا اللقاء، وأتمنى لهم مزيداً من الخير، وأوصيهم وصايا منها: أن يختاروا المكان الطيب والعرض الطيب، وإن عرضهم طيب -والحمد لله- ولا زال بعضنا يوصي بعضاً وينصح بعضاً، ولكن لهم مني الدعاء الخالص بالتوفيق، ولكل تسجيلات إسلامية نفع الله بها وزادها توفيقاً ورشداً وهداية.

كفى بالموت واعظا

كفى بالموت واعظاً إن الإنسان في هذه الحياة الدنيا إما أن يكون غارقاً في شهواتها ولذاتها حتى تنسيه الدار الآخرة. وإما أن يجعل الدنيا دار ممر ويجعل همه الأكبر الدار الآخرة، ويجعل الموت وما بعده نصب عينيه. وهذه المادة تتناول أمراً عظيماً ومهولاً ألا وهو تذكر الموت وسكراته وخنقته، ويتخلل ذلك نتف من قصص الأنبياء والصالحين عند الموت وحالهم عند تذكره.

حال الناس عند سكرات الموت ودخول القبر

حال الناس عند سكرات الموت ودخول القبر الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومن واجب أهل الفضل علينا أن نشكر لهم فضلهم، ومن واجب أهل الإحسان أن نشكر لهم إحسانهم، فنشكر مدير هذه الثانوية بالغ الشكر، والأساتذة أيضاً، ونشكركم أيضاً لحسن استماعكم وتواضعكم لاستماع هذه الكلمات، ونسأل الله أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم. أمَّا بَعْد: فقد كانت هذه الكلمة ربما تدور حول الموت، وحدد موضوعها، وحينما أخبرت بهذا الموضوع تذكرت أبياتاً للشاب العالم الزاهد/ حافظ الحكمي - رحمه الله تعالى- في الموت، إذ يقول: والموت فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحدٍ براءه وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه والقبر روضةٌ من الجنان أو حفرةٌ من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ تالله لو علمت ما وراءك لما ضحكت ولأكثرت بكاءك من هذا المنطلق، ومن هذه الذكرى يمر الإنسان في قافلة الموت، ويتذكر هذا المصير المحتوم، وهذه الساعة المقضاة من الله على ابن آدم، ساعة الموت التي يذل فيها الجبار، ويذعن فيها العاصي، ويعود فيها المتمرد، ويتوب فيها المذنب. ساعة الموت هذه الأليمة التي يمر بها الملك والمملوك، والرئيس والمرءوس، والغني والفقير. وكان من الجميل بنا أن نذكر بعض قصص المحتضرين وأخبارهم وأنبائهم علنا أن نتذكر هذا المصرع الذي لا يفوتنا أبداً، وسوف نمر به ولو طالت أعمارنا، ولو تمتعنا بالشباب والصحة، ولو زهدت لنا السيارات والعمارات، ولو سكنا في الشقق الفاخرة، ولو لبسنا الثياب الفاخرة الجميلة، ولو تمتعنا بالمطاعم، وجلسنا على الموائد، وتزاورنا وضحكنا كثيراً، إنها سوف تمر بنا هذه الساعة التي تنسي ما قبلها، والتي يتذكر فيها الإنسان حسابه مع الله، ماذا فعل، وماذا قدم؟ ما عمل بتلك الساعات التي أفناها بالقيل والقال، واللهو واللعب، والجلوس الذي لا طائل من ورائه، ومرافقة أقران السوء، وأصحاب الانحراف الذين ما زادوه إلا ضلالاً وإعراضاً عن الله. تلك الساعة لا بد أن نحسب لها حسابها من الآن، ولا بد أن نقف معها وقفةً طويلةً جداً لنتذكر بماذا سوف نلقى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في هذه الساعة؟ وبماذا سوف نرد على الملكين؟ وماذا سوف نقول إذا طرحنا في القبر وتلك الحفرة التي تعرفونها؟. التي يتجرد فيها الإنسان من كل شيء إلا من الأعمال الصالحة، فيتجرد من المنصب، فيدخل في قبره بلا منصب، وبدون: يا صاحب الفخامة! ويا صاحب المعالي! ويا صاحب السماحة! وإنما يدخل جثماناً في قطعٍ بيضاءٍ، فيوسد في هذه الحفرة، ويتولى عنه الناس. يدخل بلا سيارة، ولا إخوان أو خلان، وبلا زوجة أو صاحب أو قرين إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولو نجا أحد من الناس من ساعة الموت، لكان الجدير أن ينجو محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ولكنه والله ما نجا، فمر بها كما يمر بها الإنسان، ووقف معها كما يقف الإنسان، وهو أشرف الخلق على الله تبارك وتعالى، وهو أكرم الناس على رب الناس، لكنه تلقاها برحابة صدر، لأنه أحسن العمل مع الله.

النبي صلى الله عليه وسلم يعالج سكرات الموت

النبي صلى الله عليه وسلم يعالج سكرات الموت يروي البخاري ومسلم في صحيحيهما: أنه لما احتضر صلى الله عليه وسلم وضع خميصته -وهي قطعة قماش- على وجهه الشريف من شدة الكرب، وروحه تنتزع من بين جنبيه، وهو يقول: {لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات، اللهم أعني على سكرات الموت، اللهم خفف علي سكرات الموت، تقول عائشة: بأبي هو وأمي! والله إنه كان يضعها في الماء، فيبلها -أي: الخميصة- ثم يضعها على وجهه، ويقول: اللهم أعني على سكرات الموت} ثم يقول صلى الله عليه وسلم وهو في السياق: {بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى} قال الصحابة: إنما قال ذلك صلى الله عليه وسلم لأنه خيِّر بين أن يمد له في عمره، وأن ينسأ له في أجله، أو يلقى ربه، فقال: بل الرفيق الأعلى. أي: أريد اللقاء الآن، أريد الرحيل من هذه الدنيا الآن، أريد الموت في هذه الساعة، لأنه يعلم صلى الله عليه وسلم أنه مهما طال عمره، ومهما امتد أجله، فإنه سوف يلقى هذا المصرع، فمن الآن إذا كانت هذه الحياة نهايتها هذه النهاية، فبدون كلفة، وبدون مشقة وهموم وغموم، الآن آخذها وأجرع كأس الموت، وأرتاح من هذه الحياة. وتوفي صلى الله عليه وسلم كما يتوفى الناس، ومات كما يموت بنو الإنسان، لكنه بقي ذكره أبد الآبدين؛ لأنه أحسن العمل مع الله، والإنسان يطمع في طول العمر، وامتداد الأجل، لأن بعض الناس يرى هذه الحياة متعة، سكنى، ومطعم، وملبس، وزواج، وترقي، ومناصب، فيرى أن هذه الحياة أحسن من الحياة الأخرى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} [البقرة:86] أولئك الذين ضلت أعمالهم، أولئك الذين حبط مسعاهم، أولئك الذين خسروا الصفقة مع الله، يريدون هذه الحياة فحسب.

موسى يصارع ملك الملك

موسى يصارع ملك الملك وقف موسى عليه السلام، فقال: يا رب! أريد عمراً طويلاً، قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: اختر ما شئت، وجاء ملك الموت -بلا شك وأنتم تعرفون ذلك في قصة صحيحة- فضربه موسى عليه السلام ففقأ عينه، فعاد ملك الموت إلى الله، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، ففقأ عيني، فرد الله عليه عينه، وعاد ملك الموت إلى موسى ليقبض روحه، قال: يا موسى! تمنى ما شئت من العمر، قال: ثم ماذا؟، قال: ثم تموت، قال: الآن إذن، فقبض روحه، ولذلك يقول أبو العتاهية: نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح فإذا كان هذا العمر، ولو عمر نوح، فلا بد من النهاية، ولا بد من المصير المحتوم.

قصة أبي بكر ومعاوية عند الموت

قصة أبي بكر ومعاوية عند الموت روى أهل السير أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه لما احتضر، دخلت عليه ابنته عائشة، فسلمت عليه، وبكت طويلاً، ونظرت إليه وهو خليفة المسلمين، ورفيق الرسول صلى الله عليه وسلم في الغار، وصديق الإسلام يموت في ثوبين متواضعين مجرداً من الدنيا، لا يملك إلا بدنة، وبيتاً متواضعاً من طين وفراشاً واحداً، يموت وهو يملك العالم الإسلامي تحت إدارته وخلافته، فتشتد سكرات الموت عليه، فأنشدت عائشة بعض الأبيات وهي تعزيه في روحه رضي الله عنها، والتفت إليها، مؤنباً ومعارضاً لها بهذا الاستشهاد، كذب الشاعر وصدق الله: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] هذا الموقف ليس موقف قول شعر، وليس موقف محاضرات، وليس موقف مرادات، بل هذا موقف قول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. ما معنى تحيد؟ أي: تتصرف كلما أتاك المرض، ذهبت إلى المستشفى والعيادة، وعرضت نفسك على الطبيب علك تمتع، لكن إذا جاء الموت، انتهى كل شيء. {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] هذا ما كنت منه تتصرف، وتحاول أن تلف وتعرض، ولكن الآن لا منجا وملجأ من الله إلا إليه، انتهى كل شيء. دخلوا على معاوية رضي الله عنه وأرضاه في الملك، وهو على سرير الموت، وهو في دمشق عاصمة الإسلام، فلما أتاه الموت، قال: أنزلوني على التراب، فقالوا: يا خليفة المسلمين! ويا أمير المؤمنين! نرى السرير أرفق لك، قال: أنزلوني لا أبا لكم، انتهى السرير، وانتهى الملك، فأنزلوه، فلما وضعوه في التراب كشف الفراش، ووضع خده، وبكى طويلاً على التراب، قال: صدق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في قوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] فنسي كل شيء، نسي جيشه وجنده، ونسي ملكه وقصوره، وما كان يعد، وانتهى الأمر إلى هذا الموقف، وهذا المصير المحتوم. وأنتم تعرفون أن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي الآخر، لما حضرته الوفاة، بكى طويلاً، وقال: يا ويلتاه! ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه، يا ليتني كنت راعي غنم، يا ليتني كنت زبالاً، يا ليتني كنت غسالاً، فبكى الناس حوله من كلامه هذا، فلما بلغ كلامه سعيد بن المسيب رحمه الله -عالم المسلمين- قال: [[الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا وقت الموت، ولا نفر إليهم]] لأنهم لا يستيقظون إلا وقت الموت، ولا يتنبهون إلا في هذه الساعة، وإذا الأمر خرج من أيديهم، وإذا العمر ليس معهم، فيفيقون ويتذكرون، فإذا ما بأيديهم حيلة. ولذلك الذكي كل الذكي الذي يعد لهذه الساعة، ولا يغتر بالشباب والصحة، لا تقل: إني شاب وسوف أتخرج، وسوف أحضر بعض الرسائل، وسوف آخذ بعض المناصب، ثم أستعد للموت، فإن هذا هو الغباء كل الغباء، وهذه البلادة كل البلادة، ومن أعطاك عهداً من الله أنك سوف تستمر في هذا العمر؟ ومن أعطاك من الله خبراً ميقناً أنك سوف تعيش حتى تتخرج؟ لا والله. إن الموت معك، وإن ملك الموت ليصاحبك، ولكن يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] أي: إن الموت معك، لكن المعقبات تحفظك حتى يأتي أمر الله، فإذا أتى أمر الله، تولى عنك هذان الملكان الحافظان، فقد يأتي أجلك وأنت في الطيارة في الجو، أو في السيارة، أو وأنت على كرسي الدراسة تستمع، وكلك آذان صاغية لما يقول الأستاذ، وإذا بك تفاجأ وأنت تنتقل إلى الدار الآخرة.

عمر ومعاذ عند الموت

عمر ومعاذ عند الموت فهذا عمر رضي الله عنه وأرضاه - وأنتم تعرفون من عمر - الذي قضى حياته كلها في الجهاد وقيام الليل والصلاة والذكر والزهد, والعدل رضي الله عنه وأرضاه, خرج على المسلمين يوم الجمعة، فصلى بهم، ثم بكى في الخطبة بكاءً عظيماً، ثم قال: [[أيها الناس! إني رأيت في منامي أن ديكاً رومياً ينقرني ثلاث نقرات، وقد عرضت هذه الرؤيا على أسماء بنت عميس -زوجة جعفر - فأخبرتني أن رجلاً من الموالي سوف يطعنني ثلاث طعنات، فإذا أنا طعنت، فالله خليفتي عليكم، وأوصيكم بتقوى الله، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه]] ونزل رضي الله عنه وأرضاه من تلك الجمعة، وعاد في فجر يوم السبت ليصلي بالناس، وكان من هديه رضي الله عنه وأرضاه أن يقرأ سورة يوسف، وابتدأ فيها حتى بلغ قوله تعالى حكايةً عن يعقوب: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] فضج بالبكاء رضي الله عنه وأرضاه، وقطع صوته في القراءة، وبكى الناس خلفه، ولما ركع، تقدم إليه ذاك المارد الفاجر أبو لؤلؤة المجوسي بخنجره الذي يحمل حدين مسمومين وطعنه ثلاث طعنات، ولما طعن، قال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثم هوى صريعاً في المحراب، شهيداً في سبيل الله تبارك وتعالى، وجاء عبد الرحمن بن عوف، فأكمل الركعة الثانية رضي الله عنه وأرضاه وصوته يقطعه البكاء، لأنه علم أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قد انتهى من الحياة، وفر أبو لؤلؤة يطعن الناس يمنةً ويسرةً حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة، وبقي ستة جرحى. وبعد ذلك حمل الناس عمر رضي الله عنه وأرضاه ودماؤه الطاهرة تنسكب على مناكبهم وتنهمر على أكتافهم، وهم يأخذونه إلى بيته رضي الله عنه وأرضاه، يعزونه في نفسه، وقد انتهى من الحياة، ولما وضعوه على فراشه وسريره في بيته، تقدم الصحابة يعزونه - اسمع إلى التعازي، اسمع إلى الكلمات الصادقة، وإلى حرارة الإيمان في تعازي الصحابة بعضهم لبعض- يتقدم ابن العباس رضي الله عنه وأرضاه، فيقول: [[السلام عليك يا أمير المؤمنين! فيقاطعه عمر، ويقول: لست للمؤمنين بأمير، إنني أصبحت من أهل الدار الآخرة اليوم، فيقول: السلام عليك يا أبا حفص! والله لقد أسلمت فكان إسلامك نصراً لله ولرسوله وللمؤمنين، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، وتوليت فكانت ولايتك عدلاً، فبكى عمر رضي الله عنه وأرضاه من هذه الكلمات، وقال: إليك عني يا ابن عباس! والله لوددت أني أنجو من هذه الدنيا كفافاً لا لي ولا علي]] فانحرف ابن عباس يبكي رضي الله عنه وأرضاه. ثم تقدم علي بن أبي طالب عليه رضوان الله، فقال: {السلام عليك يا أبا حفص! والله لقد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وذهبت أنا وأبو بكر وعمر، فأسأل الله عز وجل أن يحشرك مع صاحبيك} فبكى وكأنه ارتاح لهذه الكلمة. ثم قال للناس: أيها الناس! أستودعكم الله وأوصيكم بتقوى الله، وقال وهو في السياق: إني ما أكملت الفجر الصلاة الصلاة، وعيونه تترقرق بالدموع، وأُتي له بلبن فشرب، فخرج اللبن من كبده ومع دمه رضي الله عنه وأرضاه، فقام وأكمل الركعة، وهو يومئ إيماءً، وفي تلك الساعة الحرجة التي ينسى الحبيب حبيبه، والخليل خليله، وينسى الإنسان كل شيء إلا هذه الساعة؛ يتقدم إليه شاب وهذا الشاب مطيل لثوبه يجر إزاره في الأرض، فسلم على عمر رضي الله عنه وأرضاه وقبل رأسه، وقال: أستودعك الله يا أمير المؤمنين! أحسن الله عزاءك في نفسك، فقال عمر: [[يا ابن أخي! ارفع إزارك -يوصيه برفع الإزار وتقصير الثوب في تلك الساعة- يقول: ارفع إزارك فإنه أتقى لربك، وأنقى لثوبك، فيقول: جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، فيقول عمر: بل جزى الله الإسلام عني خير الجزاء]] ثم ينتقل إلى الدار الآخرة. هؤلاء الأعلام لا بد أن نجلس معهم ساعات، ونخلو معهم سويعات ولحظات، ونعطيهم الوقت الغالي من أعمارنا لنعيش معهم؛ لأن الذي يبقى مع الرثاة، ومع الناس الذين نجاورهم ونعيش معهم -ونحن مثلهم- سوف يبقى خامداً هامداً لا يتذكر الموت أبداً، ولا يستعد ولا تتغير حياته، ولا ينقلب له منقلب، ولا يحسن العمل، لأنه يظن أن هذه الحياة أكل وشرب، وأنها جلوس وزيارة، وأنها شهادة ومنصب، وأنها مال وولد، وهذا مغرور والله. فهذا معاذ -وأنتم تعرفون معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه- أتته سكرات الموت مع الفجر، فقال: [[اللهم إني أعوذ بك من صبيحة يوم إلى النار، اللهم إنك تعلم أني لم أحب الحياة لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، ولا لعمارة الدور، ولا لبناية القصور -لكن لماذا تحب الحياة إذاً- قال: لكني والله كنت أحب الحياة لثلاثة خصال: لصيام الهواجر -أي: صيام الأيام الحارة التي تشتد فيها الحرارة- ولقيام الليل -لله دره من عابد وعالم! ما أنبله! وما أحسنه! وما أجمله! حينما عرف الحياة ثم يقول- ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر]] أما غيرها فما كنت أحب الحياة بأمر سوى هذه الثلاث، أما نحن لو سئلنا، لقلنا: كنا نحب الحياة لنزور فلان وعلان، ولنركب السيارة الفاخرة، ونسكن في الشقة الوفيرة، ولنتمتع بالمطاعم والملابس، ولنتقلد المناصب ونجمع الأموال، ولنعتز بالأولاد. هذه حياتنا التي لا تفرق عن حياة البهائم إلا في أننا ننطق ونعرف ونتكلم، لذلك وجب علينا أن نعود إلى السلف لندرس حقيقة الموت، وفلسفة الموت مع السلف الصالح، كيف استعدوا للموت؟ وكيف عاشوا معه؟.

عمرو بن العاص وسفيان الثوري عند الموت

عمرو بن العاص وسفيان الثوري عند الموت روى مسلم في صحيحه عن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه قال: حضرته الوفاة في مصر، وكان والياً على مصر، وفاتح مصر، ومعلم أهل مصر وهو أرطبون العرب، وداهية الإسلام، الذي دوخ ملوك الكفر حتى دخلوا في هذا الدين. حضرته الوفاة، فإذا هو متجرد من دهائه وذكائه، وإذا هو متجرد من منصبه وأمواله وأولاده، ذهب المنصب والمال والأولاد، وإذا هو متجرد من كل شيء إلا من العمل، وكان معه أناس من وزرائه وأولاده وأصحابه، فحول وجهه إلى الحائط وبكى بكاءً طويلاً، فجاء ابنه عبد الله بن عمرو الزاهد العابد، فقال: يا أبتاه! ما لك تبكي -وأراد أن يحسن ظنه بالله عز وجل- يا أبتاه! أما صحبت الرسول صلى الله عليه وسلم، أما ولاك غزوة ذات السلاسل؟ أما مدحك؟ أما صحبت أبا بكر وعمر؟ أما فتحت مصر؟ أما جاهدت؟ أما فعلت؟ فلما طال كلام ابنه عبد الله، وطال بكاء عمرو، التفت عمرو إلى الناس، فقال: أيها الناس! إني عشت حياتي على طباق ثلاث -وسوف أعرضها لكم، وهو في سكرات الموت، يتكلم عن سجل حياته ويعيد لهم التاريخ مرة ثانية من يوم ولد إلى أن يلقى الله في هذه الساعة. اسمع إلى أنبائه وأخباره- يقول: [[إني عشت حياتي على ثلاث طباق كنت في الجاهلية لا أعرف الإسلام، وكان أبغض الناس إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لو تمكنت منه لقتلته غيلة، ولو مت على تلك الحالة لكنت من أهل النار، ثم رزقني الله الإسلام، فهاجرت من مكة إلى المدينة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسجده، فلما رآني، هش وبش في وجهي بأبي هو وأمي واستقبلني، وقال: حيهلا يا عمرو! قال: فصحبته وأحسنت صحبته، ووالله ما كنت أملأ نظري منه صلى الله عليه وسلم حياءً منه، والله لو سألتموني الآن أن أصفه لكم- أي: أصف رسول الله صلى الله عليه وسلم- لما استطعت، فيا ليتني مت على تلك الحالة، ولو مت على تلك الحالة، لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم تخلفت بعده صلى الله عليه وسلم فلعبت بي الدنيا ظهراً لبطن، فوالله ما أدري هل يؤمر بي إلى الجنة فأنا من السعداء، أو يؤمر بي إلى النار فأنا من الأشقياء، لكن ليس معي من العمل إلا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ثم قبض يده على لا إله إلا الله، قال ابنه عبد الله: فأتينا لنغسله، وفتحنا أصابعه، فما استطعنا أن نفتحها وبقيت مضمومة، قال: فأدخلناه في كفنه وأصابعه مضمومة وأدخلناه في قبره وأصابعه مضمومة رضي الله عنه وأرضاه]]. فالعدة كل العدة أن تستعد لهذا المصرع، والحزم كل الحزم أن تحفظ وقتك، وأن تستعد بعمل صالح لهذا المصرع، والذكاء كل الذكاء أن تحفظ هذه السويعات التي تمر بك مرَّ الرياح، أو البرق الخاطف أن تستغلها فيما يقربك من الله. الله الله لا يغتر الإنسان بشبابه وفراغه وصحته، فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا أخذ؛ فإنه يأخذ أخذ عزيز مقتدر، وأنتم رأيتموهم ورأيناهم، شباب مترفون أقوياء مصطحون منعمون أهل أموال وثروة خرجوا من بيوت أهلهم، وما ودعوا أمهاتهم، ولا آباءهم، وعادوا أمواتاً وجثثاً هامدةً حتى ما استطاعوا أن يقولوا: السلام عليكم أيها الأهل والجيران، وإلى اللقاء، ما استطاعوا أن يقولوا: وداعاً وعادوا وقد انتهوا من هذه الحياة. فالله الله لا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور! أعدوا ما استطعتم من العمل الصالح، فهذه الدقائق تقول لك: إن الموت قد حصل. دقات قلب المرء قائلةً له إن الحياة دقائق وثوان وكان سفيان الثوري رحمه الله إذا جلس مع الناس، يجلس قليلاً، وهو يسبح، ثم ينتفض، وإذا هو واقف، فيقولون له: ما لك يا أبا سعيد؟ قال: والله ذكرت الموت. وإذا أردتم ترجمة سفيان فعليكم بـ" حلية الأولياء " لـ أبي نعيم، اقرءوا كيف كانوا، وكيف كانوا يتذكرون الموت، وكيف يعدون له، كان يتذكر الموت وهو في مجلس الحديث، فيقطع التحديث، والفتوى، والموعظة، ويبكي حتى يقولون: كأنه يصرع من البكاء، ثم يقول بأبيات الصلتان السعدي: أشاب الصغير وأفنى الكبير كرُّ الغداة ومرُّ العشي إذا ليلةٌ حرمت يومها أتى بعد ذلك يومٌ فتي نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجةً ما بقي يسألونه ويقولون: يا أبا سعيد! ما حكم كذا وكذا؟ فيقول: والله! ما أدري ماذا تقول أيها السائل، قال: كيف لا تدري وأنا أتكلم بالعربية؟ قال: والله! لقد أنساني الموت كل شيء. ولذلك يقول الذهبي: كان سبب موت سفيان الثوري أنه ذكر الموت فتفتت كبده حتى عرض ماؤه على الطبيب، قال: هذا الرجل لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام. فهذا رجل فتت ذكر الموت كبده، قرأ سورة "ألهاكم التكاثر" بعد صلاة العشاء، فبقي يرددها ويبكي حتى الصباح، كان يبكي أهله وجيرانه من بكائه رضي الله عنه وأرضاه، لأنه علم علم اليقين. يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:5] لأن علمنا الآن في الآخرة علم ظني ليس علم يقين، ندري أنا سوف نموت، وندفن الأجداد والآباء والأمهات والإخوان، لكنه علم ظني وعلم نظري، ما تعمق في قلوبنا، وإلا لو تعمق في قلوبنا لكنا أقبلنا على الله، وتجردنا إلى الله وأتينا بهمة وعزيمة إلى الله، وحفظنا أوقاتنا مع الله، لكنه علم نظري، فنحن نعرف أننا مسلمون، وأننا سوف نموت، ويقولون: هذه حياة، والله غفور رحيم، وهذه كلمات جوفاء، وهذه كلمات أصدرتها البلادة، وأصدرتها عدم المبالاة مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وإلا لو ذكرنا الموت لكانت حياتنا غير هذه الحياة. فالله الله يا إخوتي في ذكر الموت دائماً وأبداً. ميمون بن مهران الزاهد العابد التابعي حفر قبراً في حضيرته -بجانب داره- وسواه، وجعل فيه صفائح. فدخل القبر وجعل يقرأ أجزاءً من القرآن، وبكى بكاءً طويلاً، ثم يعود ويخرج من القبر، ويقول: يا ميمون! خرجت من القبر، فاعمل عملاً صالحاً. وبعضهم كان يأخذ كفناً ويفصله ويعلقه في سقف بيته، كلما أصبح نظر إلى الكفن وبكى، وقال: أواه! ولذلك من حسن الإنسان وذكائه أن يذكر الموت.

أسباب تذكر الموت

أسباب تذكر الموت ومن أسباب تذكر الموت أمور سوف ألخصها لكم في ثلاثة أسباب، وفي ثلاثة أمور:

زيارة القبور

زيارة القبور أن تزور القبور، وأن تكثر من زيارة القبور، فلا تلهيك الأسواق والمعارض والقصور والدور والحفلات، والأشجار والحدائق عن زيارة القبور، اجعل من هذه العشر الزيارات للحدائق والقصور اجعل زيارة واحدة للقبور، ثم قف قليلاً وتذكر أين زملاؤك الذين عاشوا معك؟ أين الذين عرفتهم وعرفوك؟ أين الذين ضاحكتهم وضاحكوك؟ والذين آنستهم وآنسوك وزرتهم وزاروك؟ أين هم؟ وماذا فعلوا؟ وهذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه الخليفة الزاهد صلى العيد بالناس -وكان خليفة لاثنتي وعشرين دولة من دول الإسلام، من سمرقند شرقاً إلى طنجة غرباً، ومن طاشقند شمالاً إلى إفريقيا جنوباً، وهو الخليفة الوحيد في هذه المعمورة- صلى العيد بالناس وخرج رضي الله عنه وأرضاه، فلما مر بالمقبرة، وقف وبكى بكاءً طويلاً، ثم قال: يا أيها الناس! هذه قبور الأحبة من بني أمية، هذه قبور آبائي وأجدادي وإخواني وجيراني، هذه قبور أصدقائي أتدرون ماذا فعل بهم الموت؟، ثم بكى، فقال الناس: ماذا فعل يا أمير المؤمنين؟ قال: يقول يا عمر! إنني فقأت الحدقتين، وأكلت العينين -أي: الموت- وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، والعضدين عن الكتفين، والقدمين عن الساقين، والساقين عن الركبتين، وفصلت كل شيء على حدة، ثم بكى فبكى الناس جميعاً البار والفاجر. وهذه المواعظ التي تقف عندها تعطيك دروساً لا تنساها أبداً، فتقف عند المقبرة، ولو في الأسبوع مرة واحدة لعشر دقائق تتذكر أباك وجدك وعمك وخالك وأمك وجدتك، تتذكر من صرعوا في هذا المصرع، هل تميز قبر غني من فقير؟ هل تميز قبر ملك من مملوك؟ أين ذهبوا؟ لا بد أن تقف هذه الوقفات، وأن تخصص هذه الزيارات.

قراءة القرآن وتدبره

قراءة القرآن وتدبره أن تقرأ كتاب الله بتدبر، وتخلو بنفسك، فتتباكى إذا لم تبك، وإذا لم تجد دموعك وقحطت عيناك، فحاول أن تعصر نفسك وأن تتباكى، يقول عمر: إذا لم تبكوا فتباكوا، يعني: تشارك فقط في البكاء عل الله أن يرحمك ويرزقك عينين هطالتين بالدموع، لأن الله حرم على النار عيناً بكت من خشية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وعيناً باتت تحرس في سبيل الله، فقف وخذ المصحف واقرأ سورة (ق) أو (النجم) أو (الواقعة) أو (الرحمن) فهذه السور التي تنصبُّ آياتها كأنها قذائف على الإنسان، اقرأ وقف قليلاً وتدبر عل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يرزقك إنابة، وأن يعيدك إليه تبارك وتعالى.

صحبة الصالحين والأخيار

صحبة الصالحين والأخيار صحبة الصالحين: وقد كانوا إذا عدوا قليلاً وقد صاروا أقل من القليل لا تجلس مع بعض الناس، أو مع بعض الزملاء الذين يبعدونك عن الله، فأنت تريد أن تقرب من الله وهم يبعدونك عنه أميالاً، تريد أن تقترب من الجنة، فيقربونك من النار، تريد أن تقترب من الهداية، فيأخذونك إلى الغواية. فعليك أن تجلس مع الصالحين، وعند الجلوس مع الصالحين تتنزل الرحمات من السماء، وتحفك السكينة، ويغشاك الله بفيض من رحمته، ويذكرك الله فيمن عنده. ولذلك تمر الملائكة، ثم يصعدون إلى الله، فيقولون: {يا ربنا! جلس أولئك القوم يذكرونك وفيهم فلان ليس منهم، قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: اغفروا لهم جميعاً، وله فاغفروا، قالوا: إنه ليس منهم، قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم}. فمثل هؤلاء يرحمك الله برحمتهم، ولو كنت بعيداً عنهم، ويدخلك الله معهم. الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلقي خطبة في مسجده الميمون المبارك، والناس كلهم آذان صاغية لسماع خطبته، وفي أثناء الخطبة يدخل أعرابي فيقطع الحديث على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول: {يا رسول الله! متى تقوم الساعة؟ -فلم يقطع صلى الله عليه وسلم خطبته، بل استمر في كلامه كالسيل المنحدر- فلما انتهى، قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: ما أعددت للساعة؟ -يعني: العمل ليس أن تسأل عن الساعة ومتى تقوم، وما يهمك أن يدمر العالم، إذا كان موتك بعد لحظات، أو أسابيع، أو سنوات، ما يهمك أن تقوم الساعة، فإذا مت فقد قامت ساعتك- قال: فماذا أعددت للساعة؟ قال: يا رسول الله! والله ما أعددت لها من كثير عمل، ولا صلاة، ولا صيام، ولا حج، ولا عمرة، لكني أحب الصالحين، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت، قال أنس رضي الله عنه وأرضاه -راوي الحديث- فوالله ما فرحنا بكلمة سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحنا بهذه الكلمة، فنحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، ولو لم نعمل بعملهم}. فالله الله في الجلوس مع الصالحين، والابتعاد عن الفسقة، والمردة، والمتهاونين بهذا الدين، والمتهاونين بالوقت والحياة، ابتعدوا عنهم الجهد، وانفروا عنهم، ولو كانوا الإخوة الأشقاء من الأم والأب. يقول الشافعي -رحمه الله-: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة ثم يرد عليه الإمام أحمد، فيقول: تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم كم تلقينا الشفاعة فأحب الصالحين، واجلس مع الصالحين، وعليك بهذه الأسباب، وتقرب إلى الله عز وجل بما استطعت من النوافل، لأننا أصبحنا قوماً كما يقول محمد إقبال: علفنا الأكل. كان السلف الصالح علفهم الذكر، على مفهوم فلسفة محمد إقبال، وكان قربتهم إلى الله وموائدهم القرآن, والصيام والصلاة وأصبحنا الآن نعتلف, علفنا الموائد الشهية، أكل وشرب وضحك وزيارات، إنهاء للوقت، وضياع للمعلومات وللصالحات، فهذه حياته. ولذلك قلّ من تراه من المسلمين من يصلي ركعتي الضحى التي هي ركعة الأوابين، والتي تعادل ثلاثمائة وستين حسنة، والتي ينظر الله إليهم في الضحى، وهم يتململون في الضحى والناس في أعمالهم ومشاغلهم، فيغفر الله لهم. وقل من تراه منا يقوم في آخر الليل ساعة السحر حينما يخلو الله بأحبابه، وبالخواص من عباده فيناجيهم ويناجونه، ويدعونه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويستغفرونه. وقل من تراه يتوضأ ويصلي ركعتين. وقل من تراه يختم القرآن، ويتعاهد القرآن كل أسبوع، أو على الأقل كل شهر. وقل من تراه يزور المقابر ويجلس مع الصالحين في كتب التراجم والأولياء ويزور الصالحين ويستزيدهم إنما نشكو حالنا إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. نسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يبدل حالنا بأحسن منها، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن يتولانا فيمن تولى، وأن يحلينا بالإيمان وبحلية اليقين والإحسان، وأن يذكرنا المصير المحتوم، وأن يجعلنا ممن يستعد له الاستعداد الطيب، وأن يحفظ علينا أوقاتنا وأعمارنا وحياتنا. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أروع يوم في حياة مجاهد

أروع يوم في حياة مجاهد إن حديث كعب بن مالك هو من الأحاديث الطوال التي تمتزج فيها العاطفة بالمعاناة، مثله في ذلك مثل حديث أم المؤمنين عائشة في حادثة الإفك. وهو يشكل صورة حية متكاملة للمجتمع المسلم حال تنزل القرآن، ويكشف عن التغيير العميق والنقلة الهائلة التي أحدثها القرآن الكريم في تلك الثلة المختارة، والتي يعتمل في نفسوها ما يعتمل في نفوس البشر غير أن الله تكرم عليها بعنايته، وسددها بكلماته، وزكاها بتربية نبيه، فكانت قمة سامقة على مدار التاريخ.

غزوة تبوك

غزوة تبوك إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة الأبرار: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. معنا في هذه الليلة حديث، اتفق الشيخان: البخاري ومسلم على إخراجه، وهو من أطول الأحاديث عند البخاري ومسلم، وهو حديث يبكي العين والقلب، ويفرح العين والقلب، هو حديث توبة، وحديث بشرى ومأساة، حديث ذنب، وانكسار العبد عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، هذا الحديث طويل، وفيه من الحكم ما يربو على مائة حكمة أو مائة فائدة. وهو حديث كعب بن مالك يوم تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ويروي الحديث بنفسه، وهذا الحديث شرحه الحفاظ، وأعظم من شرحه ابن حجر رحمه الله. غزوة تبوك -كما تعرفون- كانت من أواخر الغزوات في حياته صلى الله عليه وسلم، سمع أن الروم يريدون الإجهاز على الجزيرة العربية، فجهز عليه الصلاة والسلام جيشاً قوامه اثني عشر ألفاً، وقيل: عشرة آلاف، والأول الصحيح، ولما تهيأ الناس للغزوة، كانوا في شدة الحر، وقد طابت الثمار، ودنت الظلال، وعكف الناس على زروعهم وعلى ثمارهم، وهم في مجاعة لا يعلمها إلا الله عز وجل، حينها يمحص الله أهل الإيمان بإيمانهم، ويدحض أهل النفاق بنفاقهم. والرسول عليه الصلاة والسلام، كان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها؛ ليكتم خبره عن الناس، فكان إذا أراد مكة قال: كيف طريق غطفان في نجد، وكيف ماء غطفان، ليظهر للناس أنه يريد تجاه نجد وهو يريد مكة، ليعمي خبره على الناس، والحرب خدعة، إلا معركة تبوك، فأعلنها صلى الله عليه وسلم إعلاناً عاماً في الناس، ليتجهز الناس، ووقف عليه الصلاة والسلام بعد أن أعلن أنه متهيئ، وأنه يريد تبوك قام المنافقون يعتذرون. يأتيه الجد بن قيس الذي طبع الله على قلبه بالنفاق، من أغنياء المدينة، يقول: يا رسول الله! ائذن لي ولا تفتني قال: ولِمَ؟ قال: أنا رجل إذا رأيت بنات بني الأصفر -أي: بنات الروم- أفتتن، فأنا لا أريد الخروج، فقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:49]. فر من الموت وفي الموت وقع، فر من فتنة ظنية كذب فيها، ولكنه وقع في فتنة النار التي تلظى، وأتوا يعتذرون بالحيل، فعذرهم صلى الله عليه وسلم. ووقف عليه الصلاة والسلام في يوم الجمعة وخطب خطبة ما سمع الناس بمثلها ألهب فيها الحماس، ورفع فيها الإخلاص، ودعا إلى التبرع وتجهيز هذه الغزوة، وكان الجيش ضخم لا يستطاع أن يجهز بمال قليل، فقال: {من يجهز الجيش وله الجنة؟ فتوقف الناس فأعاد، فتوقف الناس فأعاد، وتوقف الناس فأعاد، فقام عثمان رضي الله عنه وأرضاه، فقال: أنا أجهز الجيش يا رسول الله!} بسلاحه، وبدوابه، وبرواحله في سبيل الله، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم. تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا وقال: {غفر الله لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض} يد بيضاء لا تنسى عند الواحد الأحد، يوم لا تضيع الودائع عنده تبارك وتعالى، ثم نزل عليه الصلاة والسلام فتهيأ وسار الجيش.

تخلف كعب بن مالك

تخلف كعب بن مالك أما صاحبنا هذه الليلة فهو: كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، الشاعر المشهور، فلم يكن له حظ لأن القضاء الكوني والقدر كتب عليه ألاَّ يرافق الناس، والعبد يبحث ويكتسب ويتسبب لكن {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر:5]. يقول كعب: والله ما كنت أيسر منها في غزوة من الغزوات، ووالله ما كنت أريح نفساً من تلك الأيام، قال: ولم تفتني غزوة من الغزوات إلا غزوة بدر، فإنها فاتتني؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتهيأ لها، وإنما خرج على عجالة، يريد مبادرة كفار مكة، وعذر من تخلف عليه الصلاة والسلام عن غزوة بدر، أما غزوة تبوك فلم يعذر أحداً عليه الصلاة والسلام؛ لأن الإعلان كان من قبل شهر، والخبر سرى في الجزيرة العربية، والجيش ما خفي أمره على الناس. قال: شهدت بيعة العقبة، وهي في نفسي أرفع من غزوة بدر، ولو كانت بدر أذكر في الناس. قال فخرج صلى الله عليه وسلم بالجيش: قال: وتلبثت قلت: أتهيأ اليوم، أتهيأ غداً، أتهيأ بعد غدٍ، حتى تفارط الغزو، وخرج الناس بجيشهم، فلما أصبحوا على مسيرة ثلاثة أيام؛ أردت أن أتهيأ ودخلت على زَوْجَتَّي -وكان له زوجتان- وقد فرشتا لي في العريشين، وهما في المزرعة، مزرعة متدلية الأغصان من الفواكه والرطب والظلال والماء البارد، والرسول صلى الله عليه وسلم في الصحراء. ما حقنا أن تقروا عين ذي حسد بنا ولا أن تسروا كاشحاً فينا ولا بد من شكوى إلى ذي قرابة يواسيك أو يسليك أو يتوجع وهل من الحب أن تترك خليلك في الرمضاء وأنت في الظلال الوارفة؟ قال: فوقفت حزيناً على الباب، ثم عدت لأتجهز، فتفارط الغزو ولم أتمكن من اللحاق بهم -حكمة الله وقدرته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- فلم يذكرني صلى الله عليه وسلم حتى اقترب من تبوك. ولما اقترب صلى الله عليه وسلم نزل هناك في تبوك، وأخذ يتفقد أصحابه، ولم يكن هناك ديوان -لم تكن الأسماء مسجلة- وإنما يعرف رسول صلى الله عليه وسلم وجوه الناس والمهاجرين والأنصار، ومن هم من طلبة العلم، ومن المجاهدين الأخيار والأبرار، الذين عرّفوا بأنفسهم في الصفوف الأولى؛ لأن بعض الناس يعرفه الناس بمناقبه في الإسلام، بصلاته بصيامه، بصدقه مع الله، أما بعض الناس لا يذكر لا في الدنيا ولا في الآخرة.

أبو ذر رضي الله عنه يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك

أبو ذر رضي الله عنه يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قال: فجلس عليه الصلاة والسلام، وكان مجلسه عند تبوك قال: من تخلف؟ قالوا: كعب بن مالك، قال: ومن؟ قالوا: فلان وفلان وعدوا رجالاً، فجلس عليه الصلاة والسلام ساكتاً، وإذا برجل يقتلع خطاه من الصحراء، أعياه جمله، ضرب الجمل وحاول أن يمضي مع الجمل فما استطاع، فأخذ متاعه وجعله على كتفه، وأتى يقتلع أقدامه من الصحراء في حرارة الشمس التي يكافؤه الله بها بظلال الجنة. فقال عليه الصلاة والسلام: {كن أبا ذر، اللهم اجعله أبا ذر} فاقترب الرجل، وكان كالصقر في آخر الصحراء، وكلما اقترب كبر هذا الجسم، حتى اقترب وقال الناس: أبو ذر، فقال عليه الصلاة والسلام وأبو ذر وما يزال بعيداً: {رحمك الله يا أبا ذر، تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك} وعاش وحده رضي الله عنه، فإنه في آخر حياته أخذ زهابه -شملة- وعصا وصحفه -هذا تراثه من الدنيا جميعاً- وعاش وحده: دولتي جعبتي وكنزي يقيني فإذا ما وصلت فالكل ينسى لاطفوني هددتهم هددوني بالمنايا لا طفت حتى وحسى أركبوني نزلت أركب عزماً أنزلوني ركبت في الحق نفسا خرج إلى الربذة رضي الله عنه، وأقام يرعى الماعز، من أكبر صحابة النبي صلى الله عليه وسلم صدقاً وإخلاصاً وتضحية، حتى يقول الذهبي في بعض الآثار: إنه يحشر يوم القيامة مع عيسى بن مريم. من أزهد الناس، كان يجلس في الصحراء ليسلم عليه دينه ولما رأى القصور بدأت في عصر التابعين تشمخر في المدينة، ورأى الحدائق، والأنهار كان يقوم بعصاه في المجامع العامة، ويقول: ما هذه الدنيا؟ نحن جئنا لإنقاذ الناس وإخراجهم من الظلام إلى النور، وهذه تعطلكم عن الآخرة، إن وراءنا عقبة كئودة يا عباد الله! ويصيح ولكن في أذن من؟ جاءت الدولة الأموية، ورأت فارس والروم، ورأت القصور والأرائك والطنافس والكنبات -كما حدث فينا الآن- فأكلوا وشربوا وتمتعوا، فضاع قيام الليل، وضاعت حلقات الذكر، والأمة إذا استرخت مع الرفاهية ومع النعمة، وأصبحت أمة ملاعق وصحون وبطون، تنسى الله عز وجل إلا من رحم الله.

الشاهد من قصة كعب

الشاهد من قصة كعب الشاهد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما فعل كعب بن مالك؟ فقام رجل بينه وبين كعب بعض الحزازات ليشهد. وبعض الناس لا يدعى ولا يستشهد، لكن يدلي بشهادته قبل أن يستشهد، حتى إذا ذكر بعض الأخيار في بعض المجالس، ترى بعض الأعداء كما قال الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] قال ابن تيمية: هادياً يهديه، وناصراً ينصره، فالهادي بصيرة، والنصر إما شيخ أو سلطان، والله يجعل للأولياء إما هدى بصيرة، وإما سلطان يدفع عنهم، وكفى بسلطان الله من سلطان. فترى إذا ذكر بعض الأخيار وبعض الذين لهم قدم صدق، ينبري لهم من يتنقصهم في المجالس، ويتهكم بهم في نقاط الضعف التي لا يخلو منها البشر، وينسى حسناتهم التي كالجبال، قام الرجل فقال: يا رسول الله! ألهى كعب بن مالك نظره إلى برديه، واشتغاله في أهله. وقام معاذ بن جبل الداعية الإمام، الذي يتقدم يوم القيامة قبل العلماء برتوة ويدخل الجنة، قائد العلماء إلى الجنة، قام يدافع عن الرجل، وإذا لم يدافع المؤمنون بعضهم عن بعض، يدافع عنهم ربهم: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحج:38] قال: يا رسول الله! والله ما علمت في كعب إلا خيراً، وأثنى عليه. وانتهى صلى الله عليه وسلم من الغزوة. قال كعب يروي القصة والمأساة، مأساة وجرح في حياته لا ينساه، لكن ضمدته التوبة، وداواه بلسم السماح من الله عز وجل؛ فإذا رضي الله عز وجل فما عليك ممن غضب وممن شرق أو غرب: فليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب رغم أنوف الناس إن غضبوا إذا رضي الله عليك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنت لا تطلب رضا الناس فإن عند ابن خزيمة وأصل الحديث عند أبي داود، يقول عليه الصلاة والسلام: {من أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخط الناس برضا الله، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس}.

رجوع النبي صلى الله عليه وسلم

رجوع النبي صلى الله عليه وسلم قال كعب: فلما أقبل عليه الصلاة والسلام قافلاً إلى المدينة حضرني بثي وحزني، وتذكرت كل حجة أخرج بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم! ماذا يقول؟ يقول: كنت مريضاً فيكذب على الله! يقول: كنت مسافراً وهو موجود! يقول: انكسرت رجلي وهي ما انكسرت! يقول: أنا شيخ وهو شاب! يقول: أنا فقير وهو من أغنى أهل المدينة! قال: فحضرني بثي وحزني، والبث أشد الحزن، يقول يعقوب عليه السلام: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [يوسف:86] قال بعض العلماء -ينسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم-: لو علم يعقوب بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:156] لقال هذه الكلمة وما قال: (يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) [يوسف:84] ولم يقل إنما أشكو بثي، وإنما قال: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:156]. قال: وأخذت أستشير كل ذي رأي من أهلي. يذهب إلى أعمامه فيقول: ماذا أقول؟ الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يقدم إلى المدينة، وسوف يسألني لماذا تأخرت؟ وبين يدي مَن؟ بين يدي ذي نقمات قوله القيل. حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقمات قوله القيل الذي يعلمه الله علم الغيب، يعلم الكذب من الصدق عليه الصلاة والسلام، قال: فأخذت قرابتي، بماذا أخرج به بين يديه صلى الله عليه وسلم. يذهب إلى عمه فيستشيره، إلى أخيه إلى قرابته. قال: فلما قدم عليه الصلاة والسلام المدينة، دخل الموكب الكريم، والوجه الطلق، الذي أحيا الله به المدينة المنورة، فأصبحت لؤلؤة في جبين التاريخ، استفاقت على صباح جديد، ملأ آذانها أذان بلال. المدينة التي كانت تئن بالأوثان والأصنام، استفاقت بلا إله إلا الله.

استقبال الناس للنبي صلى الله عليه وسلم

استقبال الناس للنبي صلى الله عليه وسلم الصحيح عند كثير من أهل السير والمحدثين أن الأطفال والجواري استقبلوا الرسول صلى الله عليه وسلم بقولهم: (طلع البدر علينا) يوم أتى من تبوك لا من الهجرة، وبعضهم يرجح ذلك ويميل إلى هذا. وكان إذا أقبل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أسرع السير عليه الصلاة والسلام، وقال للناس: {إني متعجل، فمن شاء منكم أن يتعجل فمعي، ومن شاء أن يتأخر} يسمحهم لأنه القائد الأعلى، وأخذ يقول: {آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون} وسمعت المدينة، فخرجت بأطفالها وفلذات أكبادها، والجواري على أطراف السكك والطرقات، يستقبلون معلم الخير، الأب الحاني، المربي الكبير، الذي جعله الله رحمة لكل إنسان. حتى الكافر هو رحمة له، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107] (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال:33] وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128] وانطلقت الهتافات: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع وأخذ صلى الله عليه وسلم يستقبل الأطفال، وتسابق الحسن وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير إلى ناقته عليه الصلاة والسلام، فجعل أحدهم أمامه والاثنين خلفه، تركوا آباءهم، وأتوا إلى أبيهم الحقيقي المعلم الأكبر صلى الله عليه وسلم. يقول كعب: فلما أفل إلى المدينة زاح عني الباطل، والحجج والحيل التي لا تنفع، أي: تلاشت، لم يبق إلا الصدق قال: فأجمعت صدقه. يقول: قلت في نفسي لا يمكن أن أخرج إلا بكلمة صادقة، قال: فكان عليه الصلاة والسلام يبدأ بالمسجد، فيصلي فيه إذا دخل ضحى، قال فبدأ عليه الصلاة والسلام بالمسجد. ترك أهله ليستقبل بيت الله عز وجل، وليتفاءل بركعتين تقربه إلى الحق، وهو أقرب الناس إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فدخل عليه الصلاة والسلام، ونزل وخلع السلاح عنه، وصلى ركعتين، ودخل البواسل من جنود أبطال الإسلام، أهل الفتوح، الذين تركوا اسم الله مرفوعاً بسيوفهم: من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم مناراً فصلى عليه الصلاة والسلام وأخذ الناس يسلمون عليه، والمنافقون الذين تخلفوا ما يقارب الثمانين منافقاً، لكن الثلاثة صادقون الذين خلفوا، جلس عليه الصلاة والسلام، هذا يسلم ويذهب قال كعب بن مالك: فتقدم المنافقون فاعتذروا، فعذرهم صلى الله عليه وسلم، فيقول هذا: أنا مرضت يا رسول الله، ويأتي الآخر ويقول: أصابني زكام وقت الغزوة، فيقول له: اذهب وذاك يفعل، وكلها كذب، حتى يقول الله عز وجل: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43]. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لماذا لم تصبر قليلاً؟ فقال الله: عفا الله عنك، حتى يطمئن الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم إذا سكت القارئ وقال: {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة:43] علم النبي عتاب الله له، وعلم أن الله قد عفا عنه؛ لذا قدم العفو على العتاب حتى لا يخاف عليه الصلاة والسلام، لكن تلطَّف الله وروَّح عن رسوله صلى الله عليه وسلم {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة:43]. لكن أذن لهم صلى الله عليه وسلم، فهو معفو عنه، فلما أذن لهم خرجوا يتضاحكون، فأهل الباطل يفرحون بباطلهم، يكذبون ويفرحون، فيقولون لأسرهم وعشائرهم: ألا ترون إلى جدلنا وإلى قوة حجتنا، خرجنا من بين يديه، اعتذرنا بكذب وصدقنا.

دخول كعب على النبي صلى الله عليه وسلم

دخول كعب على النبي صلى الله عليه وسلم أتى كعب بن مالك ووضع يده بكف المصطفى عليه الصلاة والسلام قال: فتبسم عليه الصلاة والسلام، تبسم المغضب. وما رأيك بسيد الخلق عليه الصلاة والسلام تجلس أمامه ويتبسم تبسم المغضب. ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم قال: يا كعب! أما ابتعت ظهرك؟ قال كعب: يا رسول الله! والله الذي لا إله إلا هو، لو جلست عند أحد من أهل الدنيا غيرك لاستطعت أن أخرج من بين يديه بحجة، إني شاعر وقد أوتيت جدلاً. وكان كعب بن مالك من أفصح الناس على الإطلاق، بل هو من شعراء الدعوة المطاليق المناطيق المصاقيع. قال: يا رسول الله! والله الذي لا إله إلا هو، لو جلست عند أحد من أهل الدنيا لاستطعت أن أخرج من بين يديه بحجة إني رجل شاعر وقد أوتيت جدلاً، لكن والله الذي لا إله إلا هو يا رسول الله! لقد علمت لو أني كذبتك الآن؛ ليوشكن الله عز وجل أن يغضبك، ثم يغضب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليَّ، وإن صدقت اليوم على شيء تجده عليَّ، إني أرجو من الله أن يرضيك عني. والله يا رسول -اسمع العذر- ما كان لي من عذر، والله ما كنت أكثر مالاً وأكثر قوة مني حين تخلفت، فما لي من عذر. ثم أتى صاحبه الثاني والثالث فاعتذرا كعذره، فقال: قوموا. قال: فلقيني بنو سلمة -أسرته وقبيلته- عند الباب فقالوا: ما لك ما استطعت أن تعتذر، والله ما رأينا أهون منك اليوم. قال: فوالله ما زالوا بي حتى كدت أرجع فأكذب نفسي، وهؤلاء بعض الجلساء يوشون الإنسان ويحدثونه عن نفسه حتى ينسوه الله عز وجل. قال: فثبتني الله عز وجل فما عدت، قلت: لا. قد صدقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرجو أن يرضيه الله عني، وأن يرضى الله عني، قلت: هل تخلف معي أحد من الناس كان عذره كعذري؟ قالوا: نعم. قلت: من؟ قالوا: هلال بن أمية الواقفي ومرارة بن الربيع العامري. قال: فذكروا لي رجلين من أهل بدر، وكلمة أهل بدر هي عند الزهري، قال ابن القيم رحمه الله: وهما لم يحضرا بدراً لكن أوردتها لأنها في الصحيحين، والصحيح أنهما لم يحضرا بدراً لكنهما من أفضل الناس، ذاك شيخ عابد كبير زاهد، وهذا شاب يتقطع حرارة لنصرة لا إله إلا الله. قال: فذكرا لي رجلين صالحين لي بهما أسوة، وذلك مما يسلي في المصائب على الإنسان؛ أن يكون له شركاء، حتى يقول ابن القيم: إن مما يسهل المصائب رؤية المصائب في الدنيا، ففي كل واد بنو سعد. أي: ما من إنسان إلا دخلت على قلبه وعلى بيته مصيبة، في جسمه أو في عرضه أو في دينه أو في كل شيء. سبب هذا المثل: (في كل واد بنو سعد): أن رجلاً من العرب من هوازن، ذهب يبحث عن جملٍ له، فكلما نزل وادياً قال: من القوم؟ قالوا: بنو سعد، فنزل في الوادي الآخر فقالوا: بنو سعد، والآخر قالوا: بنو سعد، قال: في كل وادٍ بنو سعد. فيقول ابن القيم: في كل واد بنو سعد من المصائب. والخنساء يوم بكت صخراً بكته حتى خيف عليها الموت، فوعظتها عائشة رضي الله عنها، فقالت: ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكين مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي تقول: مما يسهل عليَّ المصيبة، أني أرى عجائز يبكين على أولادهن، ولكن لا يبكين مثل أخي، لكن التأسي لا بأس به. قال: فذكرا لي رجلين لي بهما أسوة وقدوة، قال: فأقامنا صلى الله عليه وسلم حتى يقضي الله في أمرنا. ولم يبت فيهم صلى الله عليه وسلم، وبتَّ في الأولين، وأما هؤلاء أرجع أمرهم إلى الله من فوق سبع سماوات.

الأمر بهجر المتخلفين

الأمر بهجر المتخلفين كان أول مرسوم اتخذه صلى الله عليه وسلم تجاههم؛ ألا يكلمهم الناس ولا يبايعونهم ولا يشارونهم، ولا يواصونهم، مقاطعة وحضر عام، انظر ما أعظم المصيبة والكارثة! إنسان يعيش في المدينة بين المهاجرين والأنصار، بين الأطفال والأحبة، يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والسادات والأجلة، وبين عشية وضحاها يؤمر هؤلاء جميعاً ألا يكلمه حتى القرابة، إخوانه ممنوعون من الكلام، والسلام، والزيارة، والمواصلة، مقاطعة في ذات الله عز وجل، هؤلاء عصاة، ولذلك يبوب البخاري باب: مجافاة أهل المعصية، فوقفوا في بيوتهم وكما وصفهم الله تعالى بقوله: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [التوبة:118] يقول كعب بن مالك: والله إن الأرض التي كنت أراها ما كانت الأرض التي أعرفها، النخل ليس بالنخل. ولذلك الحزن والمصائب تغير الأنظار، وتجدد تغير الطبيعة في عينك إذا أصابتك كارثة، قال: فقاطعنا الناس، نسلم فلا يردون ولا يسلمون علينا، ونبتاع فلا يبيعون، يأتي إلى الرجل في السوق يقول: أريد هذا السمن فلا يكلمه الرجل، يحمل السمن يسحب السمن من يده؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا قال كلمة معنى ذلك أن الدنيا سوف تتوقف وتصغي. وكعب بن مالك بن زهير الشاعر هجا الرسول عليه الصلاة والسلام بثلاثة أبيات أو أربعة، فقال عليه الصلاة والسلام لقبائل العرب: {من وجد منكم كعب بن مالك بن زهير فليقتله} فأصبح يمشي في الليل، وينام في النهار، ضاقت عليه الدنيا أين يذهب؟ لا كهف يأوي إليه ولا قبيلة تنصره، كل القبائل ممنوع أن تحمي هذا الرجل. وفي الأخير نظم قصيدة، ودخل على أبي بكر في بيته قال: يا أبا بكر! ضاقت عليّ الدنيا بما رحبت، وأخرج أصابعه حتى أظفاره لم يقلمها، وأراه جوعه وهزاله ومرضه وضعفه، فماذا ترى؟ قال أبو بكر وكان رجلاً حصيفاً عاقلاً- أعندك أبيات؟ والعرب كانت تتوسل بالأبيات في العظماء. قال: نعم. قال: إذا صلى الرسول صلى الله عليه وسلم الفجر فألقها عليه، فصلى الرسول صلى الله عليه وسلم الفجر، فتقدم كعب، فأتى بتلك القصيدة كأنها انتزعت من قلبه. يقول: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول إلى أن يقول: نُبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول انظر ما أحسن الكلام: مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت في الأقاويل ثم وصف حالته في الصحراء يقول: لقد أقوم مقاماً لو يقوم به يرى وأسمع ما لو يسمع الفيل لأن قلب الفيل مثل الحجر يقول: من خوفك وتهديدك لي والله لو كان الفيل مكاني لانهار الفيل فكيف بي أنا، حتى قال: حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقمات قيله القيل فالمقصود: أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قال قولاً انتهى الأمر، ويأتي كعب بن مالك، يسلم على أقاربه فلا يسلمون عليه ولا يكلمونه، وأصبح في عزلة، وفي الأخير قال: تسورت الحائط على ابن عمي أبي قتادة، أبو قتادة ابن عمه، فارس الإسلام، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الباب مغلق، لو طرق الباب لا يفتح أبو قتادة يقول: من؟ قال: كعب بن مالك، قال: لا. في الأخير اقتحم المنزل من على السور، قال: فلما تسورت عليه الدار دخلت عليه، وقلت: يا بن عمي! هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال: فما أجابني، قلت: أسألك بالله أتعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال: فما أجابني، قلت: أسألك بالله أتعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال: الله ورسوله أعلم. حتى الجواب ضعيف، ولم يأتِ إلا في آخر لحظة، وليس جواباً شافياً، قال: فدمعت عيناي وتسورت الحائط وعدت.

البلاء يزداد على المتخلفين

البلاء يزداد على المتخلفين قال كعب: فخرجت إلى سوق المدينة -خرج متفرجاً، وإلا لا يبايع أحداً ولا يشاري أحدا، ً ولا يكلمه أحد، ولا يسلم عليه أحد- وبينما أنا أدور في السوق، وإذا أنا بنبطي أتى من الشام -حادثة من الحدائث، ومصيبة من المصائب وتتجمع بعض المصائب على بعض الناس في فترة واحدة- قال: وإذا هو بورقة بيده يقول: أين كعب بن مالك؟ والناس لا يتكلمون مع كعب ولكن يقولون: انظر إليه هناك. قال: فأخذ الناس يشيرون إليَّ، فأتى وأعطاني رسالة، قال: وكنت قارئاً وكان وقليل من الصحابة من يقرأ، أمة أمية، لكن قلوبهم تقرأ؛ لأن بعض الناس يقرأ ويصدح، ولكن ليس له قلب، العين هي التي تقرأ والعين هي التي تتعلم، أما القلب فلا تعلم قال الله: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد:19] {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] فليست المسألة مسألة الثقافة، بعضهم معه سبع لغات ويدخل النار من سبعة أبواب. يقول: كنت قارئاً ففتحت الرسالة فقرأتها، فإذا هي من ملك غسان -في الشام ملك من ملوك الدنيا، لم يجد فرصة يدخل بها إلا في هذه الأزمة- فقرأ الرسالة فإذا فيها: إلى كعب بن مالك من ملك غسان، إني سمعت أن صاحبك جفاك -قاطعك- ولم يجعلك الله بدار هوان- انظر ما أحسن ذاك، وسيرة ذاك، وخلق ذاك المنافق الكبير -فالحق بنا نواسك. الحق بنا نسعدك ونعطك من المال وتتكلم معنا، وتزورنا ونزورك، أما هذا الحال فما يصلح، يدخل من نقاط الضعف، وكان كعب رجلاً مؤمناً بالله عز وجل ورسوله واليوم والآخر قال: قلت وهذه أيضاً من البلاء، قال: فتيممت بها التنور فسجرتها -أحرقها في التنور في النار- قال: وكنت أصلي مع المسلمين، وكنت أجلد القوم، أما الرجلان الآخران فانهارا من كثرة البكاء، يقوم أحدهم يصلي في المسجد، وعظامه تتخاذل لا يستطيع، فانهار في البيت. هذه المسألة ليست بالسهلة، تصور أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعيش معه أو يعيش معك، ثم يقول: يا أيها الناس -في يوم الجمعة- لا تكلموا فلان ابن فلان ولا تسلموا عليه، ولا تزوروه ولا تبايعوه، ولا تشاروه، ولا تشاوروه، أي مصيبة كهذه المصيبة، الموت ولا هذا الأمر. قال: كنت أخرج، وكنت أجلد القوم فأشد عليَّ ثيابي -كان شاباً ما يقارب 35 عاماً- قال: فأصلي مع الناس، فكنت آتي والرسول صلى الله عليه وسلم جالس، فأسلم عليه فوالله ما أدري أيسلم عليَّ أم لا، إما من كثرة الحزن، وإما أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرد، أو يرد رداً خفياً. قال: والله لا أدري هل يرد عليَّ السلام أم لا؟ قال: فكنت إذا أقبلت إلى صلاتي سارقني النظر عليه الصلاة والسلام. فإن كعب بن مالك يدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسارقه النظر، إذا كبر وأصبح في دعاء الاستفتاح نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ينظر إليه ويعرف أنه كعب، قال: فإذا سلمت أقبل صلى الله عليه وسلم على نفسه ولا ينظر إلي، وهذا جفاء تتقطع له القلوب.

الأمر باعتزال النساء

الأمر باعتزال النساء قال كعب: فلما مضت أربعون ليلة من الخمسين أرسل إلينا صلى الله عليه وسلم أن اعتزلوا نساءكم. كل يوم تأتي داهية دهياء. حتى كأني للحوادث صخرة بصفا المشقر كل يوم تقرع وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع قال: فأرسل إلينا أن اعتزلوا نساءكم، قال: فأرسلت أأطلق امرأتي أم لا؟ قال: لا. اعتزلها فقط ولا تطلقها. قال: فذهبت امرأة هلال بن أمية -وكان شيخاً كبيراً قد عمي من كثرة البكاء- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله! أتأذن لي أن أخدم هلال بن أمية -أي: أصنع له الطعام، أقرب له طعامه وشرابه- قال: نعم. ولكن لا يقربك. يقول صلى الله عليه وسلم: لا يقربك، وهذا جزاء ونكال وتعزير، قالت: يا رسول الله! والله ما به من حراك، مازال يبكي من ذلك اليوم إلى اليوم، ليل نهار. لا ترقأ له دمعة، انهار تماماً. ولذلك بعض المصائب تطم على الإنسان، حتى يبقى ليله ونهاره بكاء، يعقوب عليه السلام، وهو من الأنبياء الذي آتاهم الله العصمة وقوة القلوب، أصبح يبكي ليل نهار حتى ابيضت عيناه، يقولون: إن الملائكة كانت تبكي لبكائه، ويقولون: جبريل كان يزوره فيجلس معه يبكي، وكان يغطي يعقوب بيده على فمه ويقول: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) [يوسف:18] وكلما سأله بعض جيرانه من الشامتين وهم يدرون بالقصة قال: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [يوسف:86]. ولذلك كان أبو بكر إذا صلى بالناس صلاة الفجر وقرأ سورة يوسف وبلغ قوله تعالى: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [يوسف:86] انهار من شدة البكاء، وبكت معه الصفوف. وثبت أن عمر رضي الله عنه، كان إذا قرأ سورة يوسف وبلغ قوله تعالى: (قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف:92] بكى وبكى معه الناس. فالمقصود: أن هلال بن أمية انهار من كثرة البكاء، قال: فاعتزلنا النساء، ومضت خمسون ليلة. خمسون كلها مرارة، لم يذوقوا المنام إلا قليلاً ولا الطعام والشراب إلا قليلاً، حياة متعبة، تغير الجو والطبيعة والأشجار والأنهار وكل شيء.

توبة الله عليهم

توبة الله عليهم وبعدها أراد الله أن يتوب عليهم من فوق سبع سماوات، وبابه مفتوح، ونواله ممنوح، وخيره يغدو ويروح قال الله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:135] ومن يستر العيوب إلا الله، غفران الذنب ليس بيد ملك مقرب ولا نبي مرسل، لا يغفر الذنب إلا الله، ولا يكشف الكرب إلا الله، الرسول له مهمة التبليغ عليه الصلاة والسلام، أما إذا اشتدت الأزمات والكوارث والمصائب فالله هو الذي يكشفها، قال الله: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل:62]. قال: فصليت صباح ذات يوم -وكان بيته في مزرعة بعيداً من المسجد، وربما لا يسمع الأذان- على سطح بيتي -لأنه لا يسمع الأذان- قال: فلما انتهيت من صلاة الفجر، جلست أسبح الله عز وجل، وأنا على الحالة التي ذكر الله عز وجل من حالتنا، حالة يرثى لها، حالة الأسى، واللوعة، والحزن -وإذا برجلين: رجل على فرس، ورجل أقبل راجلاً يسعى، قال: وأوفى الرجل الذي على رجليه على جبل سلع، وجبل سلع بين بني سلمة وبين المدينة. ويقول أنس كما في الصحيحين: لما دخل الأعرابي يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستسقي الله عز وجل -وللفائدة-: إن الأعرابي دخل من باب القضاء والرسول صلى الله عليه وسلم في شدة حر المدينة وليس هناك من السحاب ولا الغمام في السماء شيء، وكانت المدينة تتوقد بلهيب الحرارة حتى الرمضاء تحترق يقول أنس: {فدخل الأعرابي فقطع خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو على المنبر يفيض على الناس مما أتاه الله من الحكمة، وقال: يا رسول الله! -فالتفت صلى الله عليه وسلم نحو دار القضاء التي شراها عمر - جاع العيال، وضاع المال، وتقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا. ومباشرة لم يتلكأ، ولا فكر ولا تلعثم، رفع يديه: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، قال أنس: والذي نفسي بيده، ما في السماء من سحاب ولا قزع، فثارت سحابة كالترس، فأوفت على سلع قال: ثم انتشرت السماء، ثارت كالجبال في لحظة، قبل أن ينتهي صلى الله عليه وسلم من الخطبة، وهو ما كان يخطب إلا لحظات، قال: فثارت كالجبال ثم أرعدت وأبرقت وأزبدت، ثم أنزلت الغيث، قال: فأخذ سقف المسجد يخر على وجه النبي صلى الله عليه وسلم وجبينه الطاهر، وأخذ يتبسم إلى الجماهير، ويقول: أشهد أني رسول الله. إي والله، نشهد أنه رسول الله، في لحظات تأتي هذه الأمطار، يقول: سال الوادي. ويأتي ذاك الأعرابي أو غيره، وانظر نفس الكلام يقول: يا رسول الله! جاع العيال، وضاع المال، وتقطعت السبل، فادع الله، أن يكف عنا الغيث. لماذا؟ لأنه حبسهم في البيوت، فالغنم لا تخرج والإبل والبقر أصبحوا في حظر، السماء مدلهمة على الأرض في اشتباك، واستمر المطر فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم من كثرة تململ الإنسان، أمس يشكو واليوم يشكو، ولكن الإنسان لا يدعو برفع الرحمة، إذا أنعم الله عليك برحمة؛ فلا تقل اللهم خفف علينا الغيث، فقال صلى الله عليه وسلم: {اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر قال أنس: والله ما أشار إلى ناحية إلا سكب الغيث نحوها، وخرجوا من المسجد مثل الجوبة} هذه في رواية البخاري، كأنهم في ثوب مفصل على المسجد وعلى الطرقات، يخرجون في الشمس، أما ناحية الطريق من هنا غيث والناحية الأخرى غيث، والمساجد والطرقات والجبال والروابي. الشاهد: أن سلعاً هذا جبل في المدينة مرتفع، يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج من المدينة} معناه: إذا كثر العمار واختلط الناس، وكانت اهتماماتهم بالدنيا، فاخرج من المدينة، فلما رأى أبو ذر البناء وصل إلى سلع خرج من المدينة إلى الصحراء.

استحباب تبشير المسلم

استحباب تبشير المسلم قال: فأوفى ذلك الرجل وأصبح على جبل سلع، والفارس أقبل يبشر؛ لأن البشرى مطلوبة. ولذلك إذا سمعت بخبر طيب لا تتأخر، بل بشر المسلم وحث وأسرع واتصل، لا تمهله حتى تنتهي وقت البشرى، ثم تأتي مبشراً بعد انتهاء الأمر، واحرص على أن يكون لك شرف البشرى وأجر البشرى، ولذلك الملائكة بشرت إبراهيم، والله يقول: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) [الصافات:101] والبشرى من أحسن ما يمكن. في الصحيح أن أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما، كانا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكانا يطوفان بعض الليالي في المدينة يستمعان القائل، ويسألان عن أخبار الناس، ومرا بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا برجل توضأ ودخل المسجد يصلي، ثم رفع صوته بالقراءة، وكان صوته من أحسن الأصوات، وهذا هو ابن مسعود -يقول مسروق -أحد تلاميذه-: قرأ بنا ابن مسعود في صلاة المغرب في الكوفة سورة: قل هو الله أحد، فوالله ما سمعت بصنجٍ ولا نايٍ ولا وترٍ أعجب من صوته، فكان يقرأ- فرفع صوته بالقراءة، فدعا صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر يريد أن يريهما هذا التلميذ البار النجيب، الذي نبت في نبتة الإسلام، فوقفا على نافذة المسجد وأخذا ينظران وأخذت دموعهم على خدودهم من القرآن، ثم انتهى ابن مسعود ولا يدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يستمعون له، فرفع كفه، فقال عليه الصلاة والسلام: {سل تعطه، سل تعطه، سل تعط}. ثم قال صلى الله عليه وسلم: {من أراد أن يأخذ القرآن غضاً طرياً فليقرأه على قراءة ابن أم عبد} أي: ابن مسعود. قال عمر: فطالت عليَّ ليلتي يريد أن يصبح الصباح ليذهب إلى ابن مسعود ليبشره، وفي الصباح صلّى الفجر وذهب إلى ابن مسعود يبشره، قال: قد بشرني أبو بكر. قال: والله لا أسابق أبا بكر، كلما أتى عمر يريد المركز الأول سبقه أبو بكر، حتى يقول ابن القيم تعليقاً على هذه القصة: من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول يقول: أنت ضعيف الجسم وأبو بكر ضعيف، لكن دائماً هو الأول حتى يدخل الجنة من الأبواب الثمانية. عمر رضي الله عنه، أراد أن يفعل في الإسلام فعلة عظيمة من أعظم الجود، فأتى إلى ماله وقسم الذهب والفضة، والغنم نصفين، والبقر نصفين، والإبل نصفين فقال: أما نصف فلي ولأهلي، وأما نصف ففي سبيل الله، ثم أخذ النصف، وتوقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له: ما فعل فعلك من الناس أحد، فقال: يا رسول الله! هذا المال لك في سبيل الله، قال له صلى الله عليه وسلم: {أبقيت لأهلك شيئاً قال: نصف المال يا رسول الله! قال: لكن أبا بكر دفع ماله كله في سبيل الله} قلت: والله لا أسابق أبا بكر أبداً، نعم دائماً: إن تبتدر غاية يوماً لمكرمةٍ تلق السوابق منا والمصلينا وفي السنن بسند جيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس مع الصحابة قال: {من زار منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: من شيع جنازة؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: من تصدق بصدقة؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: من أصبح صائماً؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: ما جمعها أحد إلا دخل الجنة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فالمقصود: أن السبق بالبشرى هي أحسن ما يمكن أن يبشر بها المسلم، فاغتنم هذا الأجر وبشر به، فإذا سمعت ببشرى سارة لأحد: نجح ابنه، أتاه شيء يفرحه، أتاه ابن وهو غائب، فاغتنم هذا الأجر والمثوبة في إدخال السرور عليه، لكن بعض الناس بالعكس، إذا رأى مصيبة طار في جناح السرعة، اتصل بالتلفون: أبشرك مات ابنك في تمام الساعة الرابعة هذا اليوم، ورسب ابنك في ثمانية دروس، وأبشرك ابنتك الأخرى أخفقت في الامتحان. لكن لو أتت مبشرات لم يبشر، بعض الناس يدخل من هذه الجوانب، يحب الحوادث، نسأل الله العافية والستر. يقول عثمان: [[ودت الزانية أن يزنوا الناس جميعاً]] وأهل الكوارث يريدون أن يقع الناس في الكوارث، ولذلك التلميذ إذا رسب في الامتحان يأتي يتبشر في قائمة الراسبين ويقول: عسى ابن فلان ابن جيراننا معي، حتى نتشارك في المصيبة، يريد أهل القرية أن يرسبوا جميعاً، أما إذا نجحوا يأتي على المصيبة مصيبة أخرى، مصيبة أنه رسب، ومصيبة أنهم نجحوا هم، فالمقصود: اغتنام البشرى.

كعب بن مالك وتوبة الله عليه

كعب بن مالك وتوبة الله عليه قال: فأوفى الذي على سلع فأخذ يصيح؛ لأنه ليس عنده فرس، وصاحب الفرس ما صاح، وهو يريد أن يسبق، فأخذ الذي على سلع يقول: يا كعب بن مالك أبشر، يا كعب بن مالك! أبشر. يا كعب بن مالك! أبشر. ومن الأدب في الإسلام إذا بشرك أحد بشيء؛ أن تقدم له شيئاً بنسبة هذه البشرى، ليست بشرى ضئيلة ثم تكبر، لكن بنسبة هذا، قال: فكان السابق صاحب الصوت، وأتى صاحب الفرس فبشرني، وكان عليَّ ثوبان، والله ما لي غيرهما؛ قال: فخلعتهما وأخذت ثياباً من جيراني، حياة بدائية حياة فقر وعوز، وهو من أغنياء الصحابة، فما بالك بفقراء الصحابة؟ أهل الصفة كانوا لا يجدون إلا ما يواري أحدهم عورته، وهذا من الأغنياء عنده ثوبان، حتى يقول صلى الله عليه وسلم يقترح على الناس: {لو أن لأحدكم ثوب لجمعته وثوب لمهنته} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وهذا من أدب الإسلام؛ أن تقدم شيئاً لمن بشرك بنجاح ابنك، أن تدعوه كذلك في البيت، أن تقدم له شيئاً بمناسبة هذه البشرى، أما ترك هذا الأمر فليس من المستحسن، لحديث كعب رضي الله عنه، قال: فاستعرت ثياباً من جيراني وشددت على نفسي ثم انطلقت إلى المسجد، أتى الآن يقابل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، كأن البشرى له عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم تلاميذه وطلابه، وهم حسنة من حسناته. قال: فدخلت المسجد، فلما رآني صلى الله عليه وسلم استنار وجهه كأنه فلقة قمر، تهلل حتى تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: [[إذا سر بشيء استنار وجهه كأنه فلقة قمر]] تبرق أسارير وجهه صلى الله عليه وسلم، وهيئته الجسمية عجيبة، جسمه كالحرير الأبيض الناصع، يقول أنس: [[نظرت إلى القمر ليلة الرابع عشر وإلى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، والله لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل من القمر ليلة أربعة عشر]] وقيل لـ أبي هريرة: أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كالسيف؟ قال: لا. كالشمس. تقول عائشة وربما ذكرت قول أبي سويد حيث يقول وهو هذلي: ومبرأ من كل غُبَّر حيضة وفساد مرضعة وداء مغيل وإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل

حكم القيام للقادم

حكم القيام للقادم قال: فاستنار وجهه وسُرَّ وقام لي، وأخذ الناس يهنئونني، أي: من المهاجرين والأنصار، قال: ما قام لي إلا طلحة بن عبيد الله الأنصاري أخو الجود طلحة الفياض، قال: والله ما أنساها لـ طلحة، والله ما قام لي غير طلحة، قال: فمشى إلي وعانقني. وهذا من إكرام الكريم، وفيه جواز القيام للوافد إذا كان لمناسبة، وأنه ليس فيه حرج، أحد أهل الفضل كان جالساً، فقدم أحد العلماء فقام له هذا الرجل، وكان هذا الرجل وزيراً وذاك الداخل عالماً، فقام الوزير، فقال العالم: لا تقم فإنه لا يجوز القيام، قال الوزير: قيامي والإله إليك حق وترك الحق ما لا يستقيم وهل رجل له لب وعقل يراك تجي إليه ولا يقوم لا بأس بالقيام للإكرام، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: {قوموا إلى سيدكم} ولما قدم جعفر الطيار، قام له صلى الله عليه وسلم وقبله بين عينه، وقال: {ما أدري بأيهما أسر، بقدوم جعفر أو بفتح خيبر وكلها مسرات} فقام طلحة بن عبيد الله، وطلحة أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن أسرة أبي بكر الصديق من بني تيم، وكان يسمى الفياض، لا يمسك شيئاً من الدنيا قليلاً ولا كثيراً، أكرم الناس، يعطي باليمين واليسار. وذهب يوم أحد بأكثر الأجر، حتى كلما ذكر أبو بكر يوم أحد قال: ذاك يوم ذهب بأجره طلحة بن عبيد الله حتى شل يوم أحد، ضرب حتى شلت يمينه وشل نصفه هذا، فهذا طلحة بن عبيد الله الذي قام وعانق كعب بن مالك قال: ثم جلست فقال صلى الله عليه وسلم: {أبشر يا كعب بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك}.

منزلة التوبة

منزلة التوبة وفيه دليل على أن التوبة أعظم منزلة في الإسلام، حتى قال فيها شيخ الإسلام ابن تيمية: إن أعظم منزلة يصل إليها العبد منزلة التوبة، لن يصل إليها أحد بسهولة، فهي أعظم المنازل، لذلك يقول الله تعالى في آخر العهد: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ) [التوبة:117] كيف يتوب عليهم؟ لما كانت غزوة تبوك من آخر الغزوات تاب الله عليهم، فهي آخر المنازل وأرقاها، إذاً: أكبر منزلة لك هي منزلة التوبة، لذلك قال: {أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك}. والرسول صلى الله عليه وسلم ربما قام في مجلسه لاستقبال الناس أحياناً، للفائدة: يقول عمرو بن العاص: لما أسلمت، قدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عثمان بن شيبة بن طلحة الداري -من بني عبد الدار أهل مفاتيح الكعبة- وخالد بن الوليد وأناس، فقلت لأصحابي هؤلاء: إما تأخرتم عني أو تقدمت؛ لأن لي ذنوباً أريد أن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها -قدم مشركاً ولكن يريد الإسلام- قال: فلما رآني صلى الله عليه وسلم، هش في وجهي وبش وقام وعانقني. لماذا؟ لأن عمرو بن العاص ليس كغيره، أرطبون العرب، يقول عمر بن الخطاب: رمينا أرطبون الغرب بأرطبون العرب، داهية الإسلام، ومعناه: مكسب للدعوة، ولو أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس في مجلسه، مع أن هذا جاء بنعرة الجاهلية، ومروءة الجاهلية وشهامتها، ربما يرجع؛ لأن بعض الاستقبال من بعض الدعاة ربما ينفر المدعو، يأتيك يسألك بسؤال، فتقول: لست لك بفارغ، يأتي يبحث معك مشكلة الهداية، كيف أهتدي؟ فتقول: أنا مشغول، حاول تبحث عن غيري، هذا ليس بأسلوب. قال: فعانقه وهش في وجهه وبش. وإكمالاً للفائدة، قال: يا رسول الله! مد يدك أبايعك، فلما بسط صلى الله عليه وسلم يده، قبض عمرو بن العاص يده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مالك يا عمرو، قال: أشترط -أي: لا أبايعك إلا بشرط- قال: تشترط ماذا؟ قال: أشترط أن يغفر الله لي ذنبي. قال: أما تعلم يا عمرو، أن الإسلام يهدم ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها؟ قال: فأسلمت، فوالله الذي لا إله إلا هو، ما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالله ما كنت أملأ عيني إجلالاً له، ووالله لو سألتموني الآن -وهو في سكرات الموت- ما استطعت أن أصفه لكم عليه الصلاة والسلام}.

حكم الصدقة بالمال كله

حكم الصدقة بالمال كله قال كعب: قلت: يا رسول الله! إن من توبة الله عليَّ أن أنسلخ من مالي في سبيل الله. يقول: مادام أن الله تاب عليَّ، فمالي كله في سبيل الله. فقال عليه الصلاة والسلام: {ابق عليك بعض مالك فهو خير لك} وفيه دليل على أن المسلم لا يذهب ماله كله، بل يستبقي لورثته ولنفسه مالاً؛ لئلا يتكففوا الناس، وقد قال هذا صلى الله عليه وسلم لأكثر من واحد. زار سعد بن أبي وقاص فارس الإسلام، مدمر إمبراطورية كسرى التي داسها تحت قدميه، حتى كان عليه الصلاة والسلام يقول: {هذا خالي فليرني كل خاله} أي: هل عندكم أخوال مثل سعد بن أبي وقاص، الأسد في براثنه؟ زاره صلى الله عليه وسلم، وسعد مريض قال: فما أحسست إلا برد أنامله صلى الله عليه وسلم على صدري فاستفقت، حتى يقول سعد بعد ثلاثين سنة: والله الذي لا إله إلا هو، إني لأجد برد أصابع النبي صلى الله عليه وسلم على كتفي من ذلك العهد. قال سعد: يا رسول الله! إن عندي مالاً ولا يرثني إلا كلالة، وذكر من نفسه ومن حاله، قال: أريد إنفاق مالي كله، قال: لا. قلت: يا رسول الله! فالنصف، قال: لا. قال: يا رسول الله! الثلث، قال صلى الله عليه وسلم: {الثلث والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء؛ خير من أن تجعلهم عالة يتكففون الناس}. قال ابن عباس: [[وددت أن الناس غضوا في الوصية من الثلث إلى الربع]] ليبقى للورثة شيء، وليس في الإسلام حرج أن تبني بيتاً لورثتك، وأن تعمر عمارة لذريتك؛ فتموت فيدعون لك بالخير، وأنك ألجأتهم إلى بيت، ووسعت عليهم مما وسع الله عليك، أما من يذهب ماله ثم يموت، فإذا أطفاله وراءه عالة يتكففون الناس، هذا ليس من الإسلام! قال صلى الله عليه وسلم: {أبقِ عليك بعض مالك فهو خير لك} فأبقى له سهماً من خيبر. يقول كعب: [[فوالله ما أعلم أحداً من الناس أبلاه الله عز وجل ما أبلاني بالصدق]] لأنه صدق مع الله، ولذلك لما كان الخطاب له وللتائبين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119] لأنه صدق فأنجاه الله عز وجل. قال الإمام أحمد: ما وجدت كالصدق، الصدق لو وضع في جرح لبرأ، وقيل له لما دخل السجن: بم نجاك الله؟ أي: في فتنة خلق القرآن، محنة القول بخلق القرآن، التي كاد يذهب فيها أرواح الأمة، بل قتلوا فيها علماء كبار، مثل ابن نصر الذي دخل على أحد الأمراء فقال له: ألا تقول بخلق القرآن؟ قال: لا. قال: والله إما أن تقول بخلق القرآن أو لأقتلنك قال: والله ما نفسي عندي تساوي مثل هذه، ثم قطع زراً من جبته فرماه على الأمير، فقتله الأمير. ودخل الإمام أحمد متحري السيف، وحاولوا بكل وسيلة في الدنيا قدموها، المناصب الإغراءات كلها وهو يرفض، يقول: ائتوني بشيء من كتاب الله، أو من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الأخير نجاه الله. قيل له: بم نجاك الله؟ قال: بالصدق؛ لأنه صدق مع الله عز وجل قال الله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69] {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ) [محمد:21] فلما صدق نجاه الله. قال كعب: وإني أسأل الله أن يثبتني فيما بقي، فو الله لا أعلم أني كذبت منذ أن تاب الله عليَّ. والتحرز من الكذب من أعظم الأعمال، وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود مرفوعاً: {لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً} أي: من الصديقين الكبار قال الله: (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) [النساء:69]. والصديق فوق الشهيد {لا يزال الرجل يتحرى الكذب} أي: في كلماته، في مزحه، في سؤالاته؛ لأن بعض الناس يتجوز حتى في المزاح يكذب، وإذا سأله أهله كذب، نعوذ بالله، لكن المؤمن لا يزال يتحرى الصدق حتى يكتبه الله عز وجل صديقاً عنده. {ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً} نعوذ بالله من الكذب. فأبلاه الله عز وجل بلاءً حسناً بالصدق، وتاب الله عز وجل عليه وأنزل الله عز وجل: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:118] فتاب الله عليهم توبة عظيمة ما سُمع بمثلها، وهذا هو الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وهو حديثنا في هذه الليلة وفيه مسائل:

من فوائد حديث توبة كعب بن مالك

من فوائد حديث توبة كعب بن مالك

الفائدة الأولى: عظم التوبة في الإسلام

الفائدة الأولى: عظم التوبة في الإسلام عظمة التوبة في الإسلام وأنها أعظم منزلة، وهي التي دعا الله الأولين والآخرين إليها، وهذا الحديث استدل به النووي في باب التوبة في رياض الصالحين، وغيره من العلماء، ولذلك قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] والآن نترك الفوائد في الحديث؛ لأنها ما يقارب مائة فائدة، نتركها للإخوان ليشاركوا معنا في فوائد الحديث أو ما يستنبط من الحديث.

الفائدة الثانية: فضل الصدق

الفائدة الثانية: فضل الصدق فضل الصدق وأنه من أفضل الأعمال، وسلف فيه أحاديث، وأن من صدق نجاه الله عز وجل، وأن أعظم مزلة هي مزلة الكذب، قال ابن تيمية: الكذب والنفاق مقرونان، ولذلك إذا ذكر الله النفاق ذكر الكذب معه، وإذا ذكر الكذب ذكر النفاق، قال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون:1] وقلة ذكر الله مع النفاق، قال تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء:142].

الفائدة الثالثة: تقوى الله

الفائدة الثالثة: تقوى الله من يتق الله يجعل له مخرجاً، فإنه ما حفظ الله العبد إلا وجعل له مخرجاً من كل ما ضاق على الناس، فلما حفظ كعب بن مالك ربه، وصدق معه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى واتقاه جعل الله له مخرجاً من هذه الكارثة والمحنة، وجعل مخرجه التوبة.

الفائدة الرابعة: الحث على البشرى بالخير

الفائدة الرابعة: الحث على البشرى بالخير الحث على البشرى بالخير وأن المؤمن دائماً مبشر، وأنه يواسي، وأن واجب المؤمن أن ينزل الناس منازلهم، وأن يقف مع المؤمنين في مواقفهم. البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها فواجب على المسلم إذا دخل على الناس مفرحات أن يشاركهم الفرحة والسرور، وواجب عليه إذا دخل عليهم الحزن أن يشاركهم حزنهم، وهذا من صفات المؤمنين الذين يريدون الله والدار الآخرة قال عليه الصلاة والسلام: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}. فالبشرى واردة في الخير، وأعظم ما يبشر به المؤمن بالاستقامة، ولابد من حث الناس على الاستقامة، لا تترك أمور التربية مسدولة مضيعة هكذا، تجد إنساناً يصلي في المسجد خمس صلوات في اليوم والليلة، لك أن تذهب إليه وتقول له: إني أحبك في الله، وأبشرك بالخير وبالسداد وبالتوفيق قال الله: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].

الفائدة الخامسة: الدفاع عن أعراض المسلمين

الفائدة الخامسة: الدفاع عن أعراض المسلمين الدفاع عن أخيك في المجلس إذا ذكر وانتهكت حرماته، وفي ذلك بعض الآثار، وهو حديث لكن لا يحضرني درجة صحته: {من ذب عن مؤمن في ظهر الغيب؛ قيض الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من يدافع عنه} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فالمقصود: أن واجب المسلم ألا يترك الأمر هكذا، لا يدافع إلا عن أبيه أو أخيه، كل مؤمن واجب عليك أن تذب عنه إذا انتهكت حرماته، إلا أن يكون فاجراً -والعياذ بالله- مجاهراً بالفجور فاتركه. من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام لكن إنسان فيه وفاء وإخلاص، وحسناته أكثر من سيئاته، وإلا لو ذهبنا في انتقاص الناس لذنوب الناس ما خلا أحد، يقول سعيد بن المسيب: [[ما يخلو فاضل ولا شريف ولا نقيب من الذنب والخطأ، لكن من الناس من يغفر]] تجعل سيئاته لحسناته، فهؤلاء الذين كثرت حسناتهم على سيئاتهم تجعل سيئاتهم لحسناتهم. لذلك يقول بشار بن برد: إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه والآخر يقول: تريد مبرأً من غير عيب وهل عود يفوح بلا دخان فالمقصود: أن الناس أهل ذنوب، والكامل من كثرت حسناته ومناقبه على سيئاته، فإذا وجد في مجلس أو منتدى أنه نيل من شخص، فواجب عليك أن تقوم وتقول: لا. لكن ليس بقوة وعنف، تقول: لا. ما علمت فيه إلا خيراً، وهو من أهل المسجد والجماعة، ومن أهل الصدق والصلاح، ومن أهل الخير، ومن الذين يريدون الله والدار الآخرة، حينها يقيض الله لك من يذب عن حرماتك.

الفائدة السادسة: الصبر في الكوارث

الفائدة السادسة: الصبر في الكوارث الصبر عند نزول الكوارث والمصائب؛ يؤخذ من قصة كعب قال: فقلت: أصبر فإن الصبر من أفضل الأعمال، الصبر ذكره الله تعالى في أكثر من تسعين آية، والصبر على ثلاثة أنواع: 1 - صبر على الطاعات. 2 - صبر عن المعاصي. 3 - صبر على المصائب. وأعظمها الصبر على الطاعات، والصبر جعله الله عز وجل من أركان الإمامة: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200] فالصبر الصبر، فلا علاج للعبد إلا بالصبر، ومن صبر جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل كربٍ فرجاً.

الفائدة السابعة: الولاء والبراء

الفائدة السابعة: الولاء والبراء الولاء والبراء، الحب في الله والبغض في الله، أتى هذا مما فعله المهاجرون والأنصار مع كعب، فإنهم لما رأوه جَانَبَ الصواب وأتى بهذه المعصية؛ بغضوه في الله عز وجل، وكان بغضهم لله عز وجل، فتركوا السلام عليه، والزيارة له والمواصلة، من أجله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال عليه الصلاة والسلام: {من أبغض لله، وأحب لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان} والحديث عند أبي داود بسند صحيح. وهذه هي أركان الولاية، وهي من أعظم القضايا التي تحدث عنها شيخ الإسلام، مسألة الولاء والبراء، وهي على درجات، فلا يصح للمسلم أن يكون الناس عنده سواء، الفاجر والبار، والمصلي والتارك للصلاة، وبار الوالدين وعاق الوالدين، وواصل الرحم وقاطع الرحم، والله عز وجل ما جعلهم سواء، قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36] في أي العقول، وفي أي الشرائع والأسس والقيم يكون هذا الصالح كالطالح؟! إذا فعلت الأمة هكذا انهارت القيم، وضاعت التعاليم السماوية والشرعية، وأصبح صاحب الخير مضطهداً، إذا كان يجهد جهداً وليس له قيمة، وقيمة الفاجر أكبر منه، بل يبلغ في بعض الأماكن أن يقدم الفاجر على المؤمن لأسباب إضافية أو لمكانته ولثروته، فإذا أصبحت الأمة في هذا المستوى فقل عليها السلام. تجد بعض الناس من أولياء الله، لكن لفقره وعوزه وقلة نصرته، وضعف مقدراته ينتهي، ليس عنده إلا التراب، ولا يقدر من احترام أحد، وهذا -بارك الله فيكم- من أعظم المصائب. فلابد من أصل الولاء والبراء، ذكر الغزالي في الإحياء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [[والذي لا إله إلا هو، لو صمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله، ثم لقيت الله لا أحب أهل الطاعة، ولا أكره أهل المعصية لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار]] نعوذ بالله من النار، القلب الذي لا يحب في الله ولا يبغض في الله قلب فاجر، حتى بعض الناس تحبهم من النظر إليهم والشافعي قد أسس في هذا أبيات، وهي أبيات تربوية للدعوة وللدعاة، يقول: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة الشافعي يقول بأنه ليس من الصالحين، وإذا لم يكن الشافعي من الصالحين فمن نحن معهم؟ الشافعي الذي كان يقوم الليل في المسجد من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر ويبكي حتى يسقط مغشياً عليه، الشافعي الذي أثبت عنه أهل العلم، كأهل التراجم والذهبي في ترجمته: أنه قرأ القرآن في رمضان ستين مرة، في الليل وفي النهار مرة، بغض النظر عن سينية هذا، الشافعي الذي نسأل الله حبه يقول: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة يقول: من حسناتي، والتي أرجو الله أن أتقدم بها، أني أحب الصالحين، ولو أني لم أكن منهم، لأني مذنب مقصر، لعلي أن أنال بهم شفاعة عند الله. وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة يقول كل عاصي في قلبي أكرهه؛ لأنه يعصي الله، يتعدى حدود الله وينتهك محارم الله، فلذلك يثور قلبي عليه، وهذا من الحسنات، فإن بعض الناس ولو كان مقصراً، لكن من توفيق الله له أنه يكره المعاصي، ويكره الفجرة، لكن بعض الناس يبلغ من عناده وفجوره وخبثه؛ أن يحب الفجرة والعصاة. وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة ثم يقول: تعمدني بنصحك بانفراد وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة يقول: إذا أردت أن تنصحني وأنا مذنب فخذني وحدي، وأَسِر إلي بالخطأ، لا تأتي يوم الجمعة وتقول: فلان ابن فلان، الذي يسكن في حارة كذا ورقم تلفونه كذا، فعل وفعل. فهذه فضيحة وليست نصيحة، وهذه تنفر القلوب، ولذلك بعض الناس يتخذ أسلوباً في المجالس، يقول: يا فلان! الله يهدي أبناءك، إنهم فعلوا وفعلوا الواجب عليك أن تنصحهم، هذا فضحهم أمام الناس. يقول الشافعي: تعمدني بنصحك بانفراد وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة ولذلك أرسلت هذه القصيدة للإمام أحمد بن حنبل وهو في السجن، قيل: في السجن وقيل في غيره، ويظهر أنه لم يكن في السجن، فكتب إليه الإمام أحمد: تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم قد تناولنا الشفاعة الشافعي من أُسرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشافعي ينتمي إلى جد الرسول صلى الله عليه وسلم الخامس أو السادس. فيقول: الشفاعة تأتي من بيتكم، لا تأتي من بيت آخر، هذا هو المقصود. رسالة: بعض الإخوة يذكر ويقول أني ذكرت كعب بن زهير في القصة لـ كعب بن مالك، وأنا أوردت هذه القصة عمداً؛ لشدة قوله صلى الله عليه وسلم وتأثيره في الناس. أحد الإخوة قبل أن نستكمل الفوائد يذكرنا وإياكم بفضل صيام يوم عاشوراء، وهو صوم اليوم العاشر من هذا الشهر، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على صيامه، والسنة صيام يوم قبله أو يوم بعده وسئل عنه صلى الله عليه وسلم، فقال: {إني لأحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية} فلما قدم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رأى اليهود يصومونه، قال: {لماذا تصومونه؟ قالوا: هذا يوم نجا الله فيه موسى عليه السلام، قال: نحن أولى بموسى منكم} فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه، وندب صلى الله عليه وسلم أن يصام يوماً قبله ويوماً بعده، وهو على ثلاثة أقوال: 1 - إما أن تصوم اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر. يوماً قبله واليوم هو ويوماً بعده. 2 - وإما أن تصوم يوم عاشوراء ويوماً قبله. 3 - وإما أن تصوم يوم عاشوراء ويوماً بعده. وهذا من أحسن ما يكون، ولكن بعض أهل العلم يقول: يجوز إفراده، لكن الأحسن والأولى والأفضل -ولو أنه يجوز إفراده- لمن عنده مشقة، أو امرأة حامل لا تستطيع الصوم صيام يوم قبله أو يوم بعده.

الفائدة الثامنة: معاملة الناس بالظاهر

الفائدة الثامنة: معاملة الناس بالظاهر في الحديث معاملة الناس بظواهرهم ونكل سرائرهم إلى الله، وهذا يؤخذ من أن الرسول صلى الله عليه وسلم عفا عن المنافقين، لما سمع كلامهم فوكل سرائرهم إلى الله، ونحن ما بعثنا لنشق عن قلوب الناس، يتكلم الإنسان بحسن، نقبل منه الحسن ونوكل سريرته إلى الله، يطبق السنة؛ نثني عليه ونمدحه، ولا نقول مثل بعض الناس إذا رأوا الملتزم قالوا: ليس بالصادق! لم يرب لحيته وما قصر ثوبه إلا لأمر. هذا تشكيك في الناس وسوء ظن فيهم، هذا معناه ضرب للقاعدة الإسلامية، وإظهار الجرح في شعور المسلمين، من أدراك أنه على باطل؟ وهل أمرت بالتفتيش عن قلوب الناس؟ بل احمل الناس على السلامة وحسن الظن، وما يفعل هذا - التشكيك بالناس الأخيار - إلا من ساء عمله مع الله. إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم وعادى محبيه بقول عداته فأصبح في ليل من الشك مظلمٍ

الفائدة التاسعة: حكم تسور المنزل

الفائدة التاسعة: حكم تسور المنزل لا يجوز للشخص أنه يتسور حائط القريب للحاجة؛ لأن كعب بن مالك من الصحابة وفي ظرف طارئ، والسنة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بأمر أو بإقرار أو وصف، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يسمع في حديث على أنه أقره على هذا العمل، وتسور الحيطان منهي عنه، وهو الولوج بدون استئذان، إلا في بيتك أنت، إذا رأيت أن هناك مأمناً، وأنك ما استطعت أن تدخل إلا بهذه الطريقة بعد أن تشعرهم، فيظهر أن كعب بن مالك أمن من فتنة النظر إلى أجنبية، وأنه رأى بالظروف والاحتياجات والحادث الذي يعيشه؛ أنه ليس هناك مشكلة أو أمر منهي عنه فتسور، أما أن نأخذها فائدة فأنا أتوقف عن هذا.

الفائدة العاشرة: العزلة في الإسلام

الفائدة العاشرة: العزلة في الإسلام فضيلة العزلة: وهذه فائدة عرضاً، ما جاءت في نص الحديث، عندما ذكرنا أبا ذر ذكرنا أن العزلة كانت تناسبه والناس ليس كلهم تناسبهم العزلة، ابن تيمية سئل عن العزلة والخلطة فقال: لا يمكن أن يكون فيها جواباً عاماً، لكن العزلة لا تمدح مطلقاً والخلطة لا تمدح مطلقاً، إنما تخالط الناس بقدر ما تصيب، في مجامعهم، في صلواتهم، في مجالس الخير، في الدعوة، وتجتنبه في فضول المباحات، التي لا طائل من ورائها ولا فائدة.

الفائدة الحادية عشرة: الثبات على المبادئ

الفائدة الحادية عشرة: الثبات على المبادئ الشيخ عبد الله بن حميد يذكرنا بفائدة جليلة، وهي فضل الثبات على المبادئ الأصيلة، والمبادئ الجليلة، والمبادئ الأصيلة في هذا الدين من طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله يثمر عاقبتها عفواً وخيراً، فهذا الرجل لما قدمت له عروض تافهة سافلة رخيصة من الدنيا وعرض الدنيا ما باع ذمته ولا باع دينه وشرفه، بل بقي على مبدئه، بقدر ما تحمل من الجفاء واللوعة والأسى والفرقة، فكيف أبدله الله عز وجل عزاً في الدنيا والآخرة، وأكسبه التوبة ورفع رأسه، وشرح صدره. ولذلك من قدم عرض الدنيا على الدين، سلب الله عليه الدنيا والآخرة، أحد العلماء من بني إسرائيل اسمه: بلعام بن باعوراء تناسب هذه القصة، أسلم وكان مع موسى عليه السلام، وحفَظَّه الله ما شاء من العلم، فقدمت له بعض الأعراض الدنيوية ليرتد عن بعض مبادئه الأصيلة الجليلة القويمة، فارتد فمسخه الله عز وجل، وأخزاه وأذله، ونزع بركة العلم ونور العلم منه، وقال فيه آيات تتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف:175 - 176]. وابن تيمية دخل على أحد السلاطين في دمشق فقال له السلطان: يا ابن تيمية! يقول الناس: إنك تريد ملكنا، فضحك ابن تيمية بقوة وشجاعة وقال: والله ما ملكك وملك أجدادك وآبائك يساوي عندي فلساً. مطلب ابن تيمية أكبر من هذا كله، وأكبر من الدنيا ومن ذهبها، رضا الله عز وجل، وجنة عرضها السماوات والأرض: خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا هذا القاضي الجزائري. وهذا واجب المؤمن حتى يقول ربعي بن عامر لما قال له رستم: أتريدون شيئاً من المال، فإنا كنا نعطيكم بعض الأموال فتعودون عنا من أطراف الجزيرة، فكأنها تأخرت عنكم النفقة هذا العام فأتيتم تطلبونا؟ قال: لا. إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. محمود بن سبكتكين، قائد سلجوقي كبير صائم مصلي، من أزهد وأعبد السلاطين، كان يملك ملكاً لا يملكه إلا القليل من ملوك الإسلام، كان في الشمال وكان له جيش جراراً، أتدرون كم جيشه؟ يقول بعض المؤرخين: وصل إلى مليون (ألف ألف). ففي جيشه مليون شهم كـ عنتر، وأمضى وفي خزانه ألف حاتم هذا محمود بن سبكتكين، قام عليه أحد العلماء يعظه في يوم مهرجان ويوم انتصار، فوعظه فبكى السلطان محمود حتى سقط على وجهه في الأرض، دخل بلاد الهند ففتحها، واجتاح ألف صنم، وكل صنم طوله كالسارية، منصوب كله ذهب، فأتى ملك الهند فقال: يا محمود بن سبكتكين! لا تقاتلنا ولا نقاتلك، خذ هذا الألف الصنم لك وعد عن ديارنا ونحن نعطيك الجزية في كل عام، قال محمود سبكتكين: تريد أن يدعوني الله يا بائع الأصنام، والله لأحرقنها ولأكسرنها، ليدعوني الله يوم القيامة يا مكسر الأصنام، فأتى على الأصنام فأحرقها وكسرها، فيقول محمد إقبال لأنه من جماعته، هذا باكستاني وذاك سلجوقي: كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاًَ وصاغ الحلي والدينارا محمود مثل إياز قاما كلاهما لك بالعبادة تائباً مستغفرا العبد والمولى على قدم التقى فارحم بوجهك عبد سوء في الثرى والمقصود: أن الدنيا هينة، وأن مطلب المسلم أعظم من ذلك.

الفائدة الثانية عشرة: وجوب الالتزام بأمر النبي صلى الله عليه وسلم

الفائدة الثانية عشرة: وجوب الالتزام بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الالتزام بأمر النبي صلى الله عليه وسلم: وهذا يؤخذ من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالمقاطعة فقاطعوا، وأمرهم بالتسليم فسلموا، وهذا الأمر لا أخرج منه، يقول الإمام أحمد: أخشى أن يصيب من ترك السنة الزيغ؛ لأن الله ذكره في آخر سورة النور، والزيغ هي الفتنة. فمن خالف أمره صلى الله عليه وسلم؛ أصابه الله عز وجل بالزيغ، وكل شيء من السنة لا يستهين به العبد، وأثر عن عبد الله بن رواحة أنه أقبل من السكة يريد دخول مسجده صلى الله عليه وسلم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأهل المسجد: يا أيها الناس! اجلسوا، فجلس في الشارع في الشمس، فخرج الصحابة فإذا هو جالس فقالوا له: مالك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اجلسوا وأخشى أن أكون مخاطباً، فما أردت أن أمشي فجلست، هذا هو الأمر وعبد الله بن رواحة كان من أصدق الناس رضي الله عنه وأرضاه، وهذا هو الامتثال العظيم، حتى ورد من الامتثال أمور عظيمة ذكرت عن ابن عمر أنه كان يطوف بناقته في مزدلفة، قالوا: مالك؟ أضيعت شيئاً؟ قال: [[لا والله، لكن رأيت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم تدور في هذا المكان، فأردت أن يوافق خفٌ خفاً]] رضي الله عنه وأرضاه.

الفائدة الثالثة عشرة: هجر أصحاب المعاصي على قدر الذنوب

الفائدة الثالثة عشرة: هجر أصحاب المعاصي على قدر الذنوب من الفوائد مشروعية: هجر أصحاب المعاصي بقدر ذنوبهم، فمن أتى بمعصية، نظرة إلى حرام، لا يهجر كمن ترك الصلاة في المسجد، قال تعالى: (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق:3]. صاحب الكبائر لا يهجر مثل صاحب الصغائر إنما يهجر أكثر، الكافر هجره عظيم وطويل، ومقاطعة تامة إلا أن ترى أنك تؤثر عليه، وبعض الناس بحجة أنه يؤثر على الناس، ولو كان شاباً بارداً؛ تراه يخالط أهل المعاصي، فإذا قلت له: مالك تصلي معنا وتحضر وتخالط هؤلاء؟ قال: أريد أن أُؤثر عليهم. ولا يؤثر عليهم إلا من هو أكثر منهم عدداً وعدة وفكراً وعلماً، فينتبه الإنسان من مخالطة هؤلاء فهم أولاً: يهونون عليه شأن المعاصي، والأمر الثاني: أنه يغضب الله عز وجل، الأمر الثالث: أنه لم يعرف الولاء والبراء إلا أن يدعوهم.

الفائدة الرابعة عشرة: المكافأة على البشرى

الفائدة الرابعة عشرة: المكافأة على البشرى آداب البشرى أن تكافئ من أحسن إليك، قال عليه الصلاة والسلام: {من صنع إليكم معروفاً فكافؤه فإن لم تجدوا ما تكافؤه به، فادعوا له حتى ترون أنكم قد كافأتموه} والإمام أحمد يقول: ما أهدي له هدية إلا كافأت عليها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها، أي: إثابة بقدر الهدية. وفي ختام هذه الجلسة: نتوجه إلى الله أن يتقبل عنا صالح الأعمال، ويتجاوز عنا وعنكم سيئها. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. والحمد لله رب العالمين.

مع التركي الشهيد

مع التركي الشهيد من هو هذا التركي الشهيد؟ وما هي حياته؟ وما هي سيرته؟ وما هي فتوحاته؟ ومن أين هو؟ ماذا قدم للدين؟ لماذا سمي بالحاكم الراشد السادس؟ هل هو مجاهد أم عابد أم زاهد؟ أم كلها مجتمعة فيه؟ كل هذا ستعرفه في هذا الدرس، وسترى العجب العجاب من حياة هذا التركي العظيم!

قضايا يجب أن يفهمها الناس

قضايا يجب أن يفهمها الناس إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أصحاب الفضيلة العلماء! أيها الأساتذة الكرام! أيها الإخوة الحضور! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، قبل أن أبدأ في هذه المحاضرة، التي هي بعنوان: (مع التركي الشهيد) أريد أن أبين قضايا هامة عسى أن يفهمها الناس:- أولها: أن الدعاة يعرفون واجبهم نحو ولاة الأمر في البلاد، وهم أحرص الناس على حق الراعي؛ لأنهم أعرف الناس بالشريعة، فلا يتوهم واهم أو حاسد أو منافق أنه بإمكانه أن يوجد هوة بين الدعاة وولاة الأمر مهما فعل من الإغراءات والدعاوى؛ لأن هذه البلاد قامت على المصحف والسيف. ثانيها: أن الدعاة هم حملة الأمن والأمان، وهم ضد الفوضى والفتنة، وهم يرفضون كل ما يعكر أمن البلاد واستقرارها وسكينتها، ولا يسمحون لكل طائف أن يوجد فرقة أو إساءة إلى ولي الأمر أو إلى أحد من المسلمين. ثالثها: أن الدعاة في بلادنا لهم مصدر علمي وهم: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وأصحاب الفضيلة من رؤساء المحاكم والقضاة، فهم يسيرون الدعوة، وهم المستشارون، والناصحون الأمناء، والدعاة لا يخرجون في أي مقاطعة، أو إقليم أو منطقة، عن مشاورة رئيس المحاكم والقضاة. رابعها: أن الدعاة والحمد لله لا يتدخلون فيما لا يعنيهم، وليس لهم مطالب إلا نشر كتاب الله عز وجل، وتعليم الجاهل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهم مقتدون في ذلك بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهم دائماً يسألون الله عز وجل لولاة الأمر الاستقامة والسداد، وأن يريهم الله الحق حقاً ويرزقهم اتباعه، ويريهم الباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه، متذكرين قول الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة: لو أن لي دعوة مستجابة، لجعلتها لإمام المسلمين.

أسباب اختيار موضوع مع التركي الشهيد

أسباب اختيار موضوع مع التركي الشهيد أيها الإخوة! اخترت هذه العنوان وهذا الموضوع لسببين اثنين: - السبب الأول: أن هذا التركي الشهيد نور الدين محمود الذي أثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية والذهبي وابن كثير وابن القيم أبناء عمومته الأكراد اليوم يحصدون بالأسلحة الكيماوية على يد المجرم صدام حسين، فكان من المناسب أن أُذكر المسلمين بأبناء نور الدين في كركوك وفي السليمانية، وفي شمال العراق، وهم يصرعون بالآلاف يومياً، وأخبرهم ماذا فعل نور الدين، وماذا قدم هو وصلاح الدين لـ (لا إله إلا الله) و (إياك نعبد وإياك نستعين). السبب الثاني: أن الله عز وجل يقول: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف:111] والقصص له تأثير في القلوب، وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول: إن القصص جند من جنود الله يرسلها على من يشاء، وقال في رواية أخرى عنه: قصص الرجال أحب إلينا من كثير من مسائل الفقه. فإذا علم هذا، فأحب أن أعرض سيرة نور الدين محمود وأن نعيش سيرة هذا الإمام الشهيد الذي سماه الذهبي: ليث الإسلام، وملك الشام، والمجاهد الصنديد، والعابد الشهيد، وسوف نرتحل معه، ومعنا ومعه لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعسى الله أن يجمعنا به في دار الكرامة: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55] {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]. أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع أخذنا بأقطاب السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع

من مواقف نور الدين محمود وبعض صفاته وأخلاقه

من مواقف نور الدين محمود وبعض صفاته وأخلاقه نور الدين محمود بن زنكي، تركي ليس بعربي، والعرب إذا تولت عن حمل لا إله إلا الله؛ وكل الله بها الأكراد أو الأتراك، أو الأفغان، أو الهنود أو الأحابيش: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] فلما اعتنق آباؤه الإسلام رسخوا في الدين، وسجدوا لرب العالمين، وهو حنفي المذهب، ولكنه يراهن بجمجمته كل يوم مع لا إله إلا الله، وضد من يحارب لا إله إلا الله، وسوف أسوق أخباره ومراجعي في ذلك سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي ومرآة الجنان للسبط ابن الجوزي ووفيات الأعيان لـ ابن خلكان والبداية والنهاية، (ابن كثير) وسيرته أيضاً وهي الروضتين، وترجمة له ضافية، والتجديد لـ محمد العبده، مع الكامل لـ ابن الأثير، ومع ما كتب عن دولة الأكراد وعسى الله أن يهدني وإياكم سواء السبيل. وأنا لن أعتني بالقصص التاريخي لكن أسمعكم العبر، واعلموا أن من اقترب من الله إنما يقترب بالطاعة، وقد كتب عمر الفاروق إلى سعد بن أبي وقاص، يقول له: [[يا سعد! - سعد بن مالك بن وهيب - لا يغرنك قول الناس، إنك خال الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن الناس ليس بينهم وبين الله نسب، إنما أقربهم إلى الله أطوعهم له]] فلما أطاع محمود زنكي الله أحبه أهل العلم ودعوا له في المساجد، وأكثروا من ذكره، وبكت عليه الأمة الإسلامية بكاء عظيماً، وجمعت مراثيه في مجلد، ونحن ما نزال نذكره ونترحم عليه، وسوف أذكر لكم أبياتاً نظمها كثير من الشعراء في الثناء عليه. يقول أبو اليسر وهذا في السير: سمعت نور الدين محمود ساجداً قبل السحر يبكي ويقول في السجود: اللهم احشرني يوم القيامة من بطون السباع وحواصل الطير. - ما معنى الكلام؟ معناه: إذا قتل الناس على الفرش، وإذا قتلوا تخمة من الطعام، فاقتلني في سبيلك، حتى تشبع مني الكواسر والطيور، واحشرني من بطونها، وفي الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام وقف على حمزة وعلى الشهداء السبعين في أحد وبكى وهو ينظر لـ حمزة وقال: {والذي نفسي بيده! لولا جزع صفية أختك لتركتك حتى تشبع منك الطيور والسباع} فكان يقول: اللهم إني أسألك أن تحشرني يوم العرض الأكبر من بطون السباع وحواصل الطير، وهذا علامة الصدق مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

من مواقفه في الجهاد

من مواقفه في الجهاد وقال القطب النيسابوري: رأيت نور الدين محمود في المعركة، قد خلع درعه، ثم استقبل القبلة، ثم بكى ومرغ وجهه في التراب، وقال: اللهم لا تخذل أمة محمد على يدي، قال له أحد الجنود: بالله لا تخاطر بنفسك يا محمود! فإن أصبت في معركة، فإنه لا يبقى أحد للمسلمين مكانك، فبكى وقال: من محمود؟ إن الله هو الذي نصر الدين قبل محمود ونصر الدين بعد محمود وحفظ الله الدين بلا إله إلا الله. ولما اصطف الناس أمام الفرنجة الصليبيين في دمياط في أرض مصر، خرج ثم التفت إلى السماء وقال: اللهم نصرك، اللهم نصرك، اللهم نصرك، فابتدأت المعركة بسهم أطلقه صليبي فوقع في عين أخيه نصر الدين فذهبت عين أخيه، فالتفت إلى أخيه وقال: أحسن الله عزاءك في عينك، والله! لو علمت الأجر لتمنيت أن تذهب الثانية. ويذكرني هذا بقصة قتادة بن النعمان التي ذكرها ابن القيم في زاد المعاد أنه لما حضر يوم بدر، ضربت عينه بالسيف فنزلت على خده فأتى عليه الصلاة والسلام فردها بيده فصارت أجمل من العين الأخرى، فكان ابنه يقول: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد ووقف نور الدين محمود في المعارك، قال الذهبي: خاض أكثر من خمسين معركة، وافتتح أكثر من ثمان وعشرين قلعة، وكانت دولته تمتد من تركيا في الشمال إلى اليمن، وهو الذي قضى على الرافضة والباطنية والإسماعيلية وشردهم كل مشرد. وامتدت دولته -أيضاً- من بلاد مصر إلى جبال القوقاز، وهو مربي صلاح الدين الذي فتح الله على يديه في حطين يروي المكارم أكرم الجدين عن أشجع الشجعان نور الدين .

تعلم نور الدين محمود

تعلم نور الدين محمود أما نور الدين فقد تعلم الفقه على المذهب الحنفي وكان يدرس كتب الحديث وقال عنه الحفاظ: كان قبل المعركة يقرأ سورة الأنفال ويبكي ثم يستمع لموطأ الإمام مالك قبل أن يبدأ الهجوم. قال العماد الأصبهاني الكاتب الشهير: حضرت مجلس نور الدين محمود فتحدثنا في طيب هواء دمشق، يعني أحاديث المجالس الجو الأمطار الغيم، قال: وكان واجماً لا يتحدث، والوزراء والأمراء حوله يتحدثون، فقالوا: مالك أيها الأمير! لا تتحدث؟ قال: أما أنا فو الله لا يهدأ بالي ولا يرتاح حالي حتى يدخلني الله الجنة. ما دمشق؟ وما هواؤها وما طيبها أمام جنة عرضها السموات والأرض؟ يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها هذا هو المطلب.

من مواقفه أمام القضاء

من مواقفه أمام القضاء قال الذهبي: أتى رجل إلى قاضي القضاة كمال الدين الشهرزوري لله دره، وهذا القاضي حنفي، وهو من أشهر القضاة في الأرض بالعدل، وكان يحفظ كتاب الله، وكان لا يهاب أحداً، جلس للحكم فأتاه رجل من الرعية، قال: لي خصم، قال: من خصمك؟ قال نور الدين محمود قال: الله أكبر! هو خصمك، قال: إي والله، قال: ماذا فعل؟ قال: أخذ أرضي بـ حمص، فأرسل رسالة إلى نور الدين محمود، قال: ما رأيك لقد خاصمك أحد الرعية؟ قال نور الدين: أتستأذنني؟! أحضرني معه عندك، واكتب لي رسالة، وادعني فيها لأحضر!! فدعاه الشهرزوري وهو أديب وهو الذي يقول فيه الأستاذ علي الطنطاوي: ما قرأت في الأدب العربي أجمل من قصيدته، التي يقول فيها: لمعت نارهم وقد عسعس الليل ومل الحادي وحار الدليل فتأملتها وفكري من البين عليل وطرف عيني كليل وفؤادي ذاك الفؤاد المعنى وغرامي ذاك الغرام الدخيل وهي ما يقارب خمسين بيتاً، فأتى نور الدين وقبل أن يصل أرسل للقاضي رسالة، قال فيها: إذا أتيت فلا ترفع مجلسي، ولا تصافحني أمام الناس، وأجلسني مع خصمي على البساط. فدخل نور الدين فقال الشهرزوري: اجلس هنا، فجلس أمامه وهو حاكم الإقليم الذي ذكرت لكم من جنوب اليمن إلى شمال تركيا، هذه يحكمها الآن اثنتان وعشرون دولة، فجلس أمامه، فادعى نور الدين أن الأرض له، وأتى بشهود وأخرج عريضة تثبت ذلك، فقال الخصم: صدق، ظننت أنها لي واختلط علي الأمر، وحدثني فلان أنها من الميراث، فمادام أنه أشهد فلاناً فهي له وهو صادق، قال نور الدين محمود: وأنا أشهدكم أن الأرض له.

تبسم نور الدين وحرصه على محاربة المنكر

تبسم نور الدين وحرصه على محاربة المنكر يقولون: ما تبسم نور الدين قط، وقد ذكر ذلك الذهبي، قالوا: وهم يتلون حديث الرسول عليه الصلاة والسلام المسلسل بالتبسم، ومعنى المسلسل بالتبسم: أنه تبسم صلى الله عليه وسلم ثم تبسم الراوي من الصحابة، ثم التابعي، وهذا هو المسلسل بالتبسم. فلما وصل إليه التبسم، قال له المحدث: يا نور الدين تبسم قال: كيف أتبسم وبيت المقدس في يد الصليبين؟ قال الذهبي: لو تبسم لكان أحسن؛ لأن التبسم صح عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام. فقد تبسم صلى الله عليه وسلم وقال في الحديث الصحيح: {وتبسمك في وجه أخيك صدقة} وقال جرير بن عبد الله في الصحيح: {ما رآني صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي} وكان يقوم في السحر كما ذكر الحفاظ، ويقول: اللهم إني أسألك مسألة، أن تقتلني شهيداً في سبيلك. وكان إذا قام الإمام في المحراب للصلاة، قال: اللهم خذ من دمي حتى ترضى. فهل سمعتم صدقاً كهذا الصدق؟ وهل هناك أغلى من الدم؟ اللهم خذ من دمي حتى ترضى. وأنقل لكم قصيدة من البداية والنهاية ذكرها ابن كثير ومدحه فيها وأثنى عليه، وكان كلما كتب أسطراً ترحم عليه، وسأل الله له المغفرة. عمل نور الدين مهرجاناً في دمشق استعرض فيه جيشه المسلح ليغزو عكا ويافا، ويطهرها من الصليبين ويخرج الفرنجة، فاستعرض الجيش كله وحضر الأمراء والوزراء والعلماء ووجوه الناس، وأصبح يوماً من أيام الله، وفي أثناء ذلك العرض خرج عليهم الواعظ أبو عثمان المنتخب بن أبي محمد الواسطي وهو من علماء الأمة وكان زاهداً، يقولون: كان لا يملك من الدنيا إلا قعباً وصحفةً وعصاً وجبة عليه، وما كان يأخذ المال من نور الدين أبداً؛ بل كان يرفض، فخرج وقطع الحفل عليهم، ووقف أمام نور الدين وقد سمع أن هناك خمراً يباع في شمال سوريا، فأراد أن يخبر السلطان. قال: يا نور الدين! عندي قصيدة. قال: قل. فوقف أمام الناس وقال: والقصيدة في البداية والنهاية صفحة (302) من المجلد الثالث عشر- يقول: مثل وقوفك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إن قيل نور الدين رحت مسلماً فاحذر بأن تبقى وما لك نور يقول: احذر يوم القيامة أن تأتي ولا نور لك. أَنَهيت عن شرب الخمور وأنت في كأس المظالم طائش مخمور كانوا يسمونه الملك العادل على مر التاريخ، ويقول أحد المؤرخين المتأخرين، وذكره أبو الأعلى المودودي وغيره، يقول: عدول الإسلام ستة: الخلفاء الراشدون الأربعة، وعمر بن عبد العزيز ونور الدين محمود، قال: أَنَهيت عن شرب الخمور وأنت في كأس المظالم طائش مخمور عطلت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور ماذا تقول إذا نقلت إلى البلى فرداً وجاءك منكر ونكير ماذا تقول إذا وقفت بموقف فرداً ذليلاً والحساب عسير وتعلقت فيك الخصوم وأنت في يوم الحساب مسلسل مجرور وتفرقت عنك الجنود وأنت في ضيق القبور موسد مقبور ووددت أنك ما وليت ولاية يوماً ولا قال الأنام أمير وبقيت بعد العز رهن حفيرة في عالم الموتى وأنت حقير وحشرت عرياناً حزيناً باكياً قلقاً وما لك في الأنام مجير أرضيت أن تحيا وقلبك دارس عافي الخراب وجسمك المعمور أرضيت أن يحظى سواك بقربه أبداً وأنت معذب مهجور مهد لنفسك حجة تنجو بها يوم المعاد ويوم تبدو العور قال: فبكى السلطان بكاء شديداً حتى أغمي عليه ورش بالماء، ثم قام بعد أن رشوه بالماء وأرسل جيشه ألا يبقى مقس ولاعشَّار ولا مكان للخمر ولا للربا إلا ينهى ويباد، ويرفع له بذلك مذكرات ليطمئن، هذه من ابن كثير.

طلبه للرزق وقيامه لليل

طلبه للرزق وقيامه لليل أما دخله فقال الذهبي والسبط ابن الجوزي: كان له ثلاثة دكاكين بـ دمشق إيجاراها في السنة عشرون ديناراً، لا يأكل إلا منها، ولا يرضى أن يأكل من إيجار غير هذه الدكاكين الثلاثة، وقال السبط ابن الجوزي: استأجر نور الدين محمود سلطان الدنيا وسلطان المشرق عجوزاً، وقال: اصنعي لي الكوافي، وبيعيها والفائدة لي وأجرتك عليّ، فكانت تبيع الكوافي، وذكر ذلك صاحب كتاب سير أعلام النبلاء في المجلد الحادي والعشرين. فكانت العجوز تصنع له الكوافي وتبيعها في السوق فإذا أتت سلمها الأجرة وسلمته قيمة الكوافي، فيتعيش بها وأهله. أما قيامه في الليل، فقد فرض على الجيش أن يقوموا قبل الفجر بساعة، فإذا حضر قبل الفجر بساعة ضربت الطابلانخات، هكذا سماها ابن كثير، وهي أشبه شيء بالمدافع، أو بالزِّيرة التي تخرج منها أصوات. فإذا ضربت استيقظ الجيش جميعاً من الثكنات واستيقظ حرسه وأهله وحاشيته واستيقظ هو فصلوا حتى يطلع الفجر. أتظن أن هذا ينهزم؟! كيف ينهزم {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18] قال: وكان يقوم الليل كثيراً ويدعو الله عز وجل بالنصر للمسلمين، وكان يكثر من البكاء، وربما صلى في بيته داخل الإيوان، وربما خرج أحياناً فصلى في الثكنة، وكان يمر على الجنود قبل صلاة الفجر ويقول: آه النار النار! يعني: النار يوم العرض الأكبر. قال الناظم فيه: جمع الشجاعة والخشوع لربه ما أحسن المحراب في المحراب ومعنى المحراب: الشجاع المقدام المقاتل، والمحراب معناه: محراب الإمام في المسجد. قالوا: وكان إذا ركب راحلته قرأ القرآن وهو يسير، ويأتيه بعض الشعراء يقول: نريد أن ننشدك، قال: كفاني كتاب الله سميراً وأنيساً، وقد سمع الحديث، وكان إذا أراد أن يسمع الحديث جلس على ركبتيه كما جلس جبريل عليه السلام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم قال: فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه.

التزامه بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم

التزامه بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج مرة يستعرض جيشه قبل إحدى المعارك مع الصليبين، وكان الأكراد هؤلاء أبناء عمومة التركمان، والأتراك ليسوا بعرب يلبسون السيوف عرضاً كالجنابي، وهذا ذكره ابن كثير والذهبي، فخرج نور الدين محمود في الصباح يستعرض جيشه، وقد عرض سيفه وعرض الأكراد أبناء عمومته كـ أسد الدين شيركوه وصلاح الدين ونصر الدين كلهم، فمروا بالجيش فوقف أحد العلماء من الأحناف، وقال: يا نور الدين! وجدنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يلبس سيفه في الطول ولا يلبسه في العرض، قال: بالله عليك؟ قال: إي والله، قال: إنما نحن خدم لمحمد عليه الصلاة والسلام، ثم نقض السيف وهو واقف، وأشار إلى الجيش جميعاً أن البسوها في الطول، فهكذا الإقتداء: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، قالوا: ولبست الأكراد إلى اليوم على هذه اللبسة، أي: قبل السلاح المتطور من عهد نور الدين. وكتب كتباً في المساجد يطلب السماح قبل موته من الرعية، فقرأت بعد صلاة الجمعة في كل مسجد من مساجد العالم الإسلامي قام الخطباء بعد الصلاة ونص الكلمة من نور الدين محمود العبد الفقير إلى المسلمين أجمعين. أمَّا بَعْد:- أشهد الله وملائكته، ثم أشهدكم أني ما تعمدت ظلمكم ألا فالعفو والسماح والغفران. قالوا: فبكى الناس في المساجد ودعو له رضي الله عنه وأرضاه.

رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم في المنام

رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم في المنام ذكر الأسنوي في رسالته، وذكر السمهودي في وفاء الوفاء، الكتاب المشهور، أن نور الدين محمود نام ليلة من الليالي وهو في دمشق العاصمة، وفي وسط الليل رأى الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام وبجانبه رجلان عليهما زي مغربي، فيقول صلى الله عليه وسلم: أنقذني يا محمود! قال: فقام وصلى ركعتين ورجع فنام، فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أنقذني يا محمود! فعاد ثلاثة، فقال: فرآه وهو يقول أنقذني يا محمود! فقام وبعد صلاة الفجر جمع العلماء، وجلس في الإيوان، وما كان يجلس إلا ضحى، أي جمعهم بعد الفجر مباشرة وقال: ماذا ترون رأيت كذا وكذا؟ قال أهل العلم: نرى أن الرسول عليه الصلاة والسلام يؤذى في قبره فنرى أن تذهب ونذهب معك الآن لنرى ماذا أتاه في قبره، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام. قال: فأعلن حالة الاستنفار في جيشه وتحرك بالجيش الذي يداهم به الصليبيين حوله إلى المدينة، قال: ومشى هو في أول الجيش ونزل قباء -المكان المعروف- ثم طوق المدينة، وأمر بعدم دخول داخل أو خروج خارج من المدينة، ثم عمل وليمة غداء للناس واستدعاهم، وقال لجنده: فإذا أصبحنا على الطعام وبدأنا نأكل اذهبوا في بيوت المدينة ومن تخلف فتعالوا به، فذهبوا فوجدوا الناس قد حضروا مأدبته، إلا رجلين مغربيين في الروضة يسبحان ويصليان، فعادوا وقالوا له: أتى الناس إلا رجلين رفضا أن يأتيا، قال: عليّ بهما، فأتي بهما، فإذا هما اللذان رأى في المنام، قال: ما قصتكما؟ قالا: نحن نعبد الله ونسبحه ونذكره في الروضة، قال لجنوده: مسوهما بعذاب، يعني: خذوهما بتحقيق، فذهب مع الجنود فجلدوهما فاعترفا، فقالوا: نحن أرسلنا ملك عكا الصليبي من الفرنجة، وأنزلنا في قارب في جدة، وركبنا من هناك، لنأخذ جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم، ونذهب به إلى عكا، قال: يا كلبان! ما كان لكما ذلك، ثم أمر السياف أن يضرب رءوسهما، فضرب رءوسهما، ثم نكسهما عند مدخل قباء، ثم ذهب وأتى إلى القبر، فوجد أنه يحفر من تحت البساط وقد اقتربوا من القبر، فأمر بصب ما حول القبر من الرصاص، وقيل بين الرصاص وبين القبر صبة فضة، فرضي الله عنه ورحمه، وأعلى منزلته في الجنة، وهذا هو الوارد، قال ابن كثير: لما مات نور الدين فرح المجنة -يعني: الماجنون- وفرح أهل الخلاعة، وفرح أهل الطرب، لأن دولتهم ماتت في دولته، فأهل الفن، وأهل العود والوتر، ماتت دولتهم في دولته، لا يحب إلا العلماء، وما يكرم إلا الدعاة، وما يعلي إلا أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله، أما أهل الضياع فما لهم سوق عنده أبداً. قال: فقام مغنٍ يرقص في السوق، ويقول: ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر وهذه القصيدة لـ أبي نواس، وهذا المغني لما سمع بموت نور الدين، نزل السوق يرقص، ويقول: ألا فسقني خمراً وقل لي هي الخمر ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر قالوا: وكان الشعراء يقفون ببابه، قال: أنا لا أعطي شاعراً، إنما أعطي العلماء؛ لينشروا دين الله والمجاهدين؛ لينصروا دين الله، والفقراء للحاجة، والمساكين للعوز، أما غيرهم فليس لهم في بيت المال لهم شيء هكذا قال. فقال أحد الشعراء في نور الدين رحمه الله، لما أتى إلى نور الدين فمدحه بقصيدة، فلم يعطه شيئاً، قال: أنت لست بعالم تدعو، ولا بمجاهد ينصر بك الدين، ولا فقير ولا مسكين، فقال الشاعر: سلطاننا زاهد والناس قد زهدوا له فكل عن الخيرات منكمش أيامه مثل شهر الصوم طاهرة من المعاصي وفيها الجوع والعطش الجوع والعطش للمتمردين وهؤلاء الهامشيين، الذين ليس لهم مكانة ولا أثر في الأمة، ولا ينبغي أن ينزلوا إلا منزلة من المنازل التي يستحقونها.

اشتهاره بالعدل وخوفه على الإسلام

اشتهاره بالعدل وخوفه على الإسلام كان مضرب المثل في العدل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فانظر كيف نصر الله نور الدين وصلاح الدين على قلة العدد والعدة، مع كثرة العدو وذلك لأنهم أقاموا العدل في الأرض، ثم قال: إن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، وإن الله يدمر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، انتهى كلامه في المجلد الثاني. وكان نور الدين محمود يلعب بالكرة على الخيل، قال له أحد الناس: مالك تلعب بالكرة، أليس هذا من اللهو؟! قال نور الدين محمود: يقول عليه الصلاة والسلام: {إنما الأعمال بالنيات} وأنا والله ما لعبتها إلا لأتقوى بها على الجهاد في سبيل الله. قال: ونامت زوجته ولم تقم الليل، فغضب هو وغضبت زوجته، ومن ثم أنشأ الطابلانخات لتحدث الأصوات ليقوم الناس، وكانت زوجته عابدة مصلية، وهي بَنَتْ كثيراً من المدارس وأوقفت كثيراً من الوقوف، قال ابن كثير: فألبس الله هاتيك العظام وإن بُلين تحت الثرى عفواً وغفرانا سقى ثرى أودعوه رحمة ملأتَ مثوى قبورهم روحاً وريحانا وهو يستحق والله! وقيل له: اذكر لنا من بعض أيامك، قال: لما نازلت الفرنجة في دمياط، قال: خرجت بجيش قليل، وإذا بجيش الفرنجة كثير قد اجتمعوا من فرنسا وانجلترا وغيرها كل هذه الدول اجتمعوا ضده، فلما رأى جيشه قليلاً وجيشهم كثيراً، طلب المهلة عشرين يوماً، قال: فصام العشرين يوماً كلها لا يفطر إلا على ماء وقليل خبز حتى ضمر جسمه، وكان يقوم الثلث الأخير، ويقول: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي. قال: فنام ليلة، فرأى الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول له: لا تيأس يا نور الدين محمود! من نصر الله، أما نصرك يوم حارم؟! قال: فلما صلى الفجر أتاه القاضي يحيى قاضي دمياط، فصلى معه وقد رأى القاضي يحيى رؤيا كرؤيا نور الدين، فسلم عليه وقال: رأيت رؤيا البارحة، فتبسم نور الدين محمود قال: لعلك رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: قل لـ نور الدين محمود لا ييأس من نصر الله، فإنه نصره يوم حارم؟ قال: إي والله رأيت هذه الرؤيا، قال: وأنا رأيتها، قال: فأسألك بالله ما يوم حارم؟ قال: لما نازلت الفرنجة في حارم العام الأول، كان عددهم أكثر من هذا العدد، فلما ترجلت عن فرسي، أنست من نفسي الهزيمة، فمرغت وجهي في التراب، وقلت: اللهم انصرني فنصرني ربي، فهذا يوم حارم. فيقول صلى الله عليه وسلم: الذي نصرك يوم حارم ينصرك اليوم، قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران:123] قال الذهبي: وكان نور الدين حامل راية العدل والجهاد، وجمع غباره، الذي على قلنسوته وثيابه، ووجد على سرج فرسه، فجمع مقدار لَبِنَة، ثم صنعت لبنة، ثم قال: ضعوها عند رأسي إذا وضعتموني في القبر، فجمعوا هذا الغبار، وجلعوها لبنة ووضعت عند رأسه، قال الذهبي: قل أن ترى العيون مثله، حاصر دمشق ثم تملكها وبقي بها عشرين سنة، وافتتح أولاً حصوناً كثيرة، وأقام الإسلام ونصر الدين، وارتفعت في عهده لا إله إلا الله محمد رسول الله، وبنى المدارس بـ حلب وحمص ودمشق وبعلبك والجوامع والمساجد، وكان إذا أذن المؤذن قام مسرعاً لا يتأخر. يقول بعض المؤرخين: كان أول من يدخل المسجد القريب مسجد الجيش؛ نور الدين محمود، وكان يمر على الجنود وكان فيه مزح، يمزح أحياناً ويسلم عليهم ويوقظهم للصلاة، فإذا جد الجد لا يتبسم أبداً، قال الذهبي: وكان بطلاً شجاعاً، وافر الهيبة، حسن الرمي، مليح الشكل، ذا تعبد وخوف وورع، وكان يبكي في مجلس العلماء إذا تلي عليه كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان يحضر مجالس الحديث بنفسه في المسجد، وربما خرج في الليل متنكراً لا يُعرف، ليرى أحوال الفقراء، وأحوال العامة، وسمع أن أحد المترفين اعتدى على ملك رجل آخر فاستدعاه، وبطحه بالكرباك بيده؛ لأن هذا يقولون: ظالم، قال: وكان يتعرض للشهادة دائماً وأبداً، وبنى دار العدل، وأنصف الرعية، ووقف مع الضعفاء والأيتام والمجاورين، وأمر بتكميل سور المدينة النبوية، واستخرج العين بأحد التي دفنها السيل، وفتح درب الجهاد، وقال: أسأل الله أن ألقاه يوم القيامة، ولا يسألني عن درهم ولا دينار.

خوفه من الله عز وجل

خوفه من الله عز وجل وكان يفكر ملياً، فإذا قيل له: ما لك؟ قال: أخشى من الله عز وجل أن ينجي الأمة وأن يدخلني النار -نعوذ بالله من النار- وكانت الفرنجة قد استضرت في عهده ضرراً بالغاً، وألحق بها هزائم فادحة عبر التاريخ، وكان نور الدين مليح الخط، كثير المطالعة، يخلو قبل أن ينام بكتب العلم فيطالعها، وكان يصلي كل الصلوات في جماعة ولا يعذر أحداً من الجيش بترك الصلاة، وكان يصوم حتى في المعركة. يقول صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: {من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً} قال: وكان يتلو ويسبح الله كثيراً، ويتحرى في القوت، ويتجنب الكبر، وكان يتشبه بالعلماء والأخيار، وكان إذا دخل عليه العلماء أقام الوزراء وأجلسهم مكانهم، وقال لهم: أنتم ميراث محمد عليه الصلاة والسلام، وكان إذا تكلم قال للعلماء: تكلموا يا من استشهدهم الله على وحدانيته: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]. وكان كل من رآه، شاهد من جلال السلطنة وهيبة الملك ما يبهره، وكان على وجهه نور من كثرة صلاته بالليل، وكان متواضعاً جد متواضع، وربما مر بالأطفال الأيتام فمسح على رءوسهم، فرضي الله عنه وأرضاه، ورفع منزلته. قال أبو الفرج ابن الجوزي: جاهد وانتزع من الكفار نيفاً وخمسين مدينة وحصناً، وارتفعت كلمة التوحيد في عهده، وكان سادس الخلفاء أو الأئمة على مر الإسلام، وربما سبع بعضهم بـ أورنك زيب ملك الهند في العدد. وقال عنه موفق عبد اللطيف صاحب التاريخ: كان نور الدين لا ينشف له لبِد من الجهاد، وكان يأكل من عمل يده، ينسخ تارة، وربما نسخ كتب الحديث وباعها، ويعمل أغلافاً تارة، وربما عمل أغلافاً للمصاحف وجلوداً لها، ويلبس الصوف ويلازم السجادة والمصحف، وكان حنفياً يراعي مذهب الشافعي ومالك، ويحترم الخلاف، ولا يرى أن يثار الجدل في مجلسه، وقد عزر كثيراً من علماء المنطق وأهل الكلام، وقال: إنما الإسلام قال الله وقال رسوله، وهؤلاء علماء الفوضى علماء الكلام الذين يقول فيهم الإمام الشافعي: رأيي في علماء الكلام أن يطاف بهم في العشائر والقبائل وأن يضربوا بالجريد وبالنعال ويقال: هذا جزاء من ترك قال الله وقال الرسول عليه الصلاة والسلام، فهم أشبه شيء بعلماء الفكر الضائع الضال الذين لا يهتدون بنور من الله عز وجل ولا بصيرة.

أوصاف نور الدين

أوصاف نور الدين ذكر ابن الأثير في الكامل أوصافه فقال: وكان أسمر، له لحية في حنكه، وكان واسع الجبهة، آثار السجود بادية عليه من كثرة صلاته، وكان حلو العينين، طالعت السير فلم أر فيها -يقول ابن الأثير - فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن سيرة منه، وهو أولى بقصيدة أبي تمام الشهيرة التي قالها في محمد بن حُميد الطوسي الذي قتل شهيداً: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر فتى كلما فاضت عيون قبيلة دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر تردى ثياب الموت حمراً فما أتى لها الليل إلا وهي من سندس خضر ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر إلى آخر ما قال، قال: فهو أولى بها.

مجالس نور الدين

مجالس نور الدين كان يحاسب عماله، وله في كل جمعة أربعة مجالس: المجلس الأول: للعلماء، يجلس معهم ويستفتيهم، ويسألهم، وربما تدخل في بعض القضايا، وكان يحفظ كثيراً من الأدلة. المجلس الثاني: لأمراء الأقاليم وكان يتحرى معهم. المجلس الثالث: للفقراء والأيتام. المجلس الرابع: للنساء وكان يجلس وراء ستار، ويسمع شكاوى النساء، وربما أخر مجلس النساء وأرسل من ينوب عنه من القضاة ليسمعوا الشكاوي. قال الذهبي: كان دينا تقياً، لا يرى بذل الأموال إلا في نفع، وكان كما مر معنا، أدمن الكر والفر حتى أثر ذلك في جسمه.

وفاة نور الدين محمود

وفاة نور الدين محمود هل مات شهيداً حيث أنه سُمي عند أهل العلم شهيداً؟ والشهادة هبة من الله عز وجل، وفي صحيح مسلم عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه} وقد سأل الله الشهادة في كل موقعة، وقد تمنى وكان يسجد ويقول كما مر معنا: اللهم احشرني يوم العرض الأكبر من حواصل الطير وبطون السباع، ومع ذلك لله حكمة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. خالد بن الوليد يقال: خاض أكثر من مائة معركة، ومع ذلك مات على الفراش -حكمة بالغة- وهذا سمي عند أهل العلم شهيداً؛ لأن مرضه أشبه بالشهادة، فقد جلس في الإيوان وكان تُرفع إليه قصاصات وأوراق الشكاوى فرفع طرفه وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم احمر وجهه فسحب من المكان ورفع، فمات بعد ساعات، وأصيب بالخوانيق وهو اختناق وقليل جروح امتدت إلى بطنه فلعله من الشهداء الذين قال فيهم عليه الصلاة والسلام: {المبطون شهيد} قالوا: دخل الداء إلى بطنه، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة}. وفي تذكرة الحفاظ للذهبي أن أبا زرعة الحافظ الكبير المحدث لما حضرته سكرات الموت أغمي عليه، فأراد تلاميذه بعد ما استيقظ أن يذكروه هذا الحديث، لأنهم استحيوا أن يقولوا: قل لا إله إلا الله، وإلا فلا حياء في مثل هذه الكلمة، بل النصيحة واردة، لكن لجلالة أبي زرعة في الإسلام، أرادوا أن يذكروه بسند الحديث ليتذكر هو الحديث، قال: فاختلفوا في سند الحديث قال بعضهم: حدثنا فلان، وقال بعضهم: حدثنا فلان، فقال: أبو زرعة، وهو في الرمق الأخير، حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، أن فلاناً حدثنا عن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة} ثم قال: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ثم مات. ولما توفي اختلطت السلطة، وقام نائبه ففتح الإيوان للعزاء، فسمع بكاء الناس، ووقف النساء والأطفال على سطوح المنازل، ونزل الجند من الثكنات معهم الخيزرانات، يمنعون الناس من النزول إلى السكك خوفاً من الرهج، وأصاب الناس هم عظيم وحزن، ودخل في كل بيت مصيبة، وقام الناس يقرءون القرآن، ويبتهلون إلى الله أن يغفر له، وأعيدت قراءة رسائله إلى الأمة، واشتد البكاء، ونزل القضاة يصلون بالناس، وارتفعت جنازته وسار وراءها الجيش ثم العامة، وما وصلت إلى المقبرة إلا في صلاة العصر وقد مضي بها من الصباح. وتقطعت في الطريق أحذية الأمراء والوزراء، وكانت الأغطية تسقط على الناس من على سقوف المنازل والعمامات، وكان الناس يقولون: سقى الله نور الدين من سلسبيل الجنة، غفر الله لـ محمود، رحم الله محموداً، قال: وأسلم من النصارى، واليهود جمع عظيم لما رأوا جلالة الإسلام وعظمته، وقام القاضي الشهرزوري يصلي عليه فقال: الله أكبر فبكى؛ فبكى الناس. قال: وكان له رسم في حياته، يحسب ما يدخل عليه من أجرة الدكاكين ومن أجرة الكوافي ونسخ المجلدات، ويحسب ما ينفق في سيبل الله، وكانت معيشته عيشة الفقير، وكان له بعض الأموال في مزرعة في الشمال ينفقها على الفقراء.

معالم من سيرة نور الدين

معالم من سيرة نور الدين فهذا من سيرته رضي الله عنه وأرضاه وهذه المعالم التي أريد أن ألخص من سيرة هذا الإمام لتكون معلماً من معالم السيرة، وقد ذكرها الحفاظ كثيراً وأطنبوا في ذكرها، وكلما ذكر ابن تيمية الجهاد؛ ذكر هذا الرجل وترحم عليه، ولا نزال نترحم عليه إلى اليوم، والله يقول: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17].

اهتمامه بالعلم ونشر السنة

اهتمامه بالعلم ونشر السنة فقد اهتم بالعلم ونشر السنة، ولذلك أباد دولة الفاطميين إبادة ما سمع التاريخ بمثلها، وبقيت لهم بقية في مصر استحوذ عليها صلاح الدين وأنهى أمرهم، وأباد الإسماعيلية والباطنية، وكان قوي الشكيمة، ولا يسمح للمبتدعة بالحديث في المساجد. وكان يأمر بالسنة، وكان إذا صلى الناس العشاء قام أولاً يوتر بعد صلاة العشاء على مذهب الأحناف، وأنت ترى الأحناف اليوم إذا سلم الإمام حتى في الحرمين يقومون مباشرة ويسنون، ونور الدين منهم، وهو من أصلب الناس على المحافظة على السنن، ومن أقواهم حتى يروون في رواية لـ أبي يوسف ومحمد بن الحسن، أن الوتر واجب، فهم يحافظون عليه محافظة تامة، ومنهم نور الدين محمود، وكان يخلع حذاءه إذا أراد أن يدخل المسجد ويأخذها بيده أمام الجنود والناس، وكان إذا دخل المسجد تبسم للناس وتبسموا له، وسلم عليهم. وكان يحضر مبكراً لصلاة الجمعة، فيجلس أمام الخطيب، وكان يعظه الواعظ المنتخب فيبكي، وكان المنتخب يقول في الخطبة: يا محمود! اتق الله يا محمود! فيسمع نشيج محمود في الصف الأول. قال الذهبي في ترجمة القطب الواعظ الثاني الذي أتى خطيباً بعد المنتخب، فبعد أن مات المنتخب، عين نور الدين محمود القطب خطيباً بعده، فأراد أن يقلد الأول، والأول عنده صدق وعلم وقوة وزهد، فكان يقول: يا محمود! اتق الله يا محمود! قال: فيقشعر جلد محمود ولا يبكي، وبعد الصلاة قال له محمود: لا تذكر اسمي في الخطبة، فو الله إن المنتخب كان إذا قال لي: يا محمود! اقشعر جلدي وذرفت دمعتي ووجل قلبي، وأما أنت إذا قلت لي يا محمود! ضاق صدري وقسا قلبي، قال الذهبي مترجماً لـ القطب كان غائصاً في بحار الدنيا. أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحي غير نسائها وأذكر في ذلك قصة يذكرها الحفاظ: أن عمر رضي الله عنه وأرضاه، مر برجل مصروع أغمي عليه، فقال عمر: مه، ما هذا؟! قالوا: مصروع، عليه مس، فجلس عمر ووضع يده على صدره، وقرأ عليه سورة ق فشفي بإذن الله وأخرج الجان، وبعدما ما مات عمر أتى الجان وركب هذا الرجل، وأعاد الكرة معه، فجاء رجل من الناس -وقد حضر قصة عمر رضي الله عنه- فوضع يده على صدر هذا المصروع وقرأ سورة ق، فقال الجان: السورة هي السورة ولكن القارئ غير القارئ. فالكلام هو الكلام، لكن القارئ يختلف، فذاك عمر وهذا يختلف. فهذا وقع أيضاً، فيقول نور الدين: لا تذكرني في الخطبة مرة ثانية، اخطب وأنا أسمع، أما ذاك فذهب.

إقامته للجهاد

إقامته للجهاد وبقي من سيرته مسألة ثانية، وهي أنه أقام الجهاد للمسلمين وفتح الله به بلاداً كثيرة، ورفع به الراية، وصنع منبراً من الخشب، وكان يضرب فيه المسامير بنفسه، قالوا: لمن هذا المنبر، قال: أصلي فيه وأخطب فيه إن شاء الله في بيت المقدس، ولكن لم يحصل. تقضون الفلك المسير دائر وتقدرون فتضحك الأقدار {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الانسان:30] وفتح أحد حسناته، وهو تلميذه صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس، ولما فتح بيت المقدس الجمعة الأولى جلس في الصف الأول وقام شمس الدين الحلبي يخطب في الخطبة، وذكر نور الدين وأخذ يحيي صلاح الدين، يقول في الخطبة: الحمد لله وحده، الذي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، الحمد لله منزل الكتاب، مجري السحاب، هازم الأحزاب، ثم التفت إلى صلاح الدين وقال: تلك المكارم لا قعبان من لبنِ وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا وهكذا يعصف التوحيد بالوثن ثم ترحموا على نور الدين، فلما صلوا قام صلاح الدين وقبل المنبر من الخشب، الذي صنعه نور الدين محمود وقال: رحمك الله، وقد تمنى أن يصلي هناك، فنسأل الله أن يكتب له أجر تلك الأمنية، وكان خاطره مكسرواً كلما تذكر بيت المقدس، وقد فتح الشمال وطرد الإفرنجة ووقف أحد أبناء نور الدين واسمه ابن معين الدين معه، فلما طرد الإفرنجة، قال لـ ابن معين الدين: الآن بردت جلدة أبيك في قبره، قال: ولمَ أبي؟ قال: لأنه صالح الإفرنجة وأنزلهم دمياط وأنا طردتهم، قال: الآن لما شاركت عسى أن تكون كفارة، أنك طردت هؤلاء الأقزام.

اهتمامه بالقرآن وحملته

اهتمامه بالقرآن وحملته وقد جعل لحفاظ القرآن الكريم أعطيات، وكان يسمع بنفسه على الأبناء والأطفال الذين يدخلون عليه، وكان بجيبه دائماً دنانير، فكلما أتاه طفل قبله ومسح رأسه ووضع في يده ديناراً، وكان يسأل أبناء المترفين والسادة والأمراء والوزراء هل يحفظون القرآن أم لا؟ رحمه الله رحمة واسعة.

نشره كتب الحديث ورفعه لمكانة المحدثين

نشره كتب الحديث ورفعه لمكانة المحدثين المسار الرابع في حياته: أنه رضي الله عنه وأرضاه نشر كتب الحديث وجعل للمحدثين مكانة في الإقليم، وأمر العلماء أن يقلوا من الخلاف، وكان يردد الكلمة المشهورة، وقد رددها ابن تيمية في رفع الملام عن الأئمة الأعلام فكان نور الدين محمود يقول: من عبد الله على مذهب أحمد فقد أصاب، أو مذهب أبي حنيفة، أو مذهب مالك، أو مذهب الشافعي، وكل يقصد الخير، فانظر إلى حسن فطنته، وإلى عقله وتمام رويته، جمعنا الله به في دار الكرامة. فهذه معالم من سيرة نور الدين محمود الذين يتعرض أبناء عمومته الأكراد أهل السنة إلى هجوم من الحزب الكافر: حزب البعث، وإبادة تامة، فنسأل الله أن يرفع عنهم هذه الضائقة وأن ينصرهم على عدوهم، وإنها والله لعبرة لنا أن نعتبر، والله عز وجل قد تكفل بنصر هذا الدين {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. فهذا الدين ينصر على يد من والى الله عز وجل، فإن بلالاً عبد حبشي جعله الله من أنصار دينه، وأبو طالب أصله قرشي ولكنه أعرض عن لا إله إلا الله، وسلمان فارسي وصهيب رومي، ولكن أقرب الناس إلى الله أحبهم إليه بطاعته، ولا يقترب أحد إلا بنصر هذا الدين. فانظر إليه كيف كان عجمياً تركياً ولم يكن عربياً، ثم تحمس للإسلام وتفقه في الدين، ورفع القرآن ونصر إياك نعبد وإياك نستعين، وأكرم أهل العلم وأذل أهل الكفر والبدع، ونفى الفساد، وأقام العدل والجهاد، فأصبح مرفوع العماد، ومذكوراً بين العباد على مر الأعوام والأيام والآماد: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف:111]. ونسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وإنما المقصود من سير هؤلاء أن نتعلم ونأخذ منهم ما تركوا لنا من علم وأدب وتواضع وحلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من تشبه بقوم فهو منهم} ويقول الله عز وجل: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] وكان صلى الله عليه وسلم يقول: {المرء يحشر مع من أحب} فنشهد الله عز وجل وملائكته وحملة عرشه، ثم نشهدكم أننا أحببناه وأحببنا الصالحين، فنسأل الله أن يجمعنا بهم في دار الكرامة. إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا أيها الإخوة الكرام: بقي مسألتان، المسألة الأولى: حفظكم الله تعلمون أنه قد قرب وقت إخراج زكاة الفطر وهناك الهيئة العامة للإغاثة الإسلامية، وفقها الله والقائمين عليها تتلقى زكاة الفطر، وعنوانها معروف عند الإخوة حتى تدفعوا إليها زكاتكم، وفيها فتوى من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز. الأمر الثاني: أمامكم مشروع عظيم، والواجب علينا جميعاً أن نشارك فيه، وهو والله فخر لهذه البلاد وفخر لنا جميعاً، وهو ما أوجب أن يمكن أن يدفع فيه المال، الجماعة الخيرية لتحفيظ كتاب الله تتحرى منكم الدعم، هذه الليلة وبعد هذه الليلة، وسوف تقوم بمشروع عظيم، بناء واسع للجماعة، وفيها مسجد، وفيها صالات، ومكتبات ودور وفيها أمكنة لطلبة العلم، تحمل الشهادة لكم بأنكم أنفقتم في سبيل الله، ولا يقول قائل منكم إني دفعت بالأمس، أو قبل أمس، لا. بل: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] إلى التبرع هذه الليلة، بدعم سخي، على ما عودتم أنفسكم بهذا البذل، وأنا أسأل الله عز وجل لي ولكم التوفيق والهداية. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الهداية

الهداية لا بد لمن يسلك سبيل الهداية التي يتوصل بها إلى رضوان الله سبحانه وتعالى من أمور، منها: دعاء الله عز وجل بالتوفيق للهداية. وتدبر كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. والتمعن والنظر في الكون والخلق كيف هدى الله عز وجل كل إنسان إلى ما هو أهل له من عمل ووظيفة وغاية. فيجدر بهذا السالك به أن يعرف أسباب الهداية وأحوالها وسبل التوصل إليها.

أهمية الهداية

أهمية الهداية الحمد لله القائل: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:1 - 6]. والصلاة والسلام على رسول الله القائل: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار}. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها المسلمون الفضلاء! أيها الصائمون النبلاء! أيها الأتقياء الأولياء! عنوان هذه المحاضرة: الهداية. أزفها بمناسبة هذا الشهر الكريم، وأهديها لمن فكر أن يتوب، ولمن رشح نفسه أن يكون عبداً لله، ولمن فكر يوماً من الأيام أن ينقذ نفسه من الهموم والغموم والأحزان، والتمزق والفجور، والبعد عن الله، أعداء الله يشكون الظلام؛ لأنهم ما رأوا نور محمد عليه الصلاة والسلام، ويشكون الظمأ؛ لأنهم ما شربوا من نهره صلى الله عليه وسلم، ويشكون الجوع؛ لأنهم ما جلسوا على مائدته: أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه قد مشينا في ضياء الوحي حقاً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه قد شربنا من كئوس الوحي حقاً وارتوينا وكتبنا في العلا بالحق تمجيد الإله عناصر هذه المحاضرة: أولها: الهداية إلى الصراط المستقيم، وما هو الصراط المستقيم؟ وأي صراطٍ مستقيم هو؟ بين مناهج الأرض وأطروحات الأرض، وقوانين الأرض، أسباب الهداية، كيف يهتدي العبد، الهداية تزيد وتنقص، الهداية إلى الأعمال الصالحة، الهداية العامة والهداية الخاصة: أقسام الهداية، انفراد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالهداية وحده، لا يهدي إلا هو، الهداية لصاحبها، وليست لأحد من الناس، هل الهداية سببٌ للمخاوف؟ سؤالٌ يجاب عنه في المحاضرة الهداية بالوحي، لا بمادةٍ أخرى؛ لأن الوحي وحده أثبت أنه الطريقة السلمية إلى الله عز وجل، الهداية هي السعادة الحقيقة، الهداية المطلقة، من معالم الهداية ودنيا الهداية، شرح الصدر علامةٌ للهداية، أما العنصر الخامس عشر: فهو مع محمدٍ عليه الصلاة والسلام، ومع الهداية في السنة النبوية، من كلامه، ومن منهجه ومن مشكاته صلى الله عليه وسلم. وقبل أن نبدأ نقول: إنما يمكن أن يشفي سقمنا ومرضنا هو الهداية وحدها، ولذلك توجه هذه الكلمة لطبقات الناس؛ للملوك وللأمراء، وللوزراء، وللعلماء، وللعامة، وللأغنياء، وللفقراء؛ لأن الله نادى الجميع فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء:1]. تعال يا من حاله في وبال ونفسه مغروسةٌ في عقال يا راقداً لم يستفق عندما أذن في صبح الليالي بلال روض النبي المصطفى وارفٌ وأنتمُ أصحابه يا رجال والذي لا يركب في سفينته لن ينجو أبداً، وسوف يدركه الهلاك وتدمر حياته ومستقبله، جرب أهل الذكاء ذكاءهم فكان إخفاقاً ولعنة، وجرب أهل المال مالهم فكان غضباً عليهم وسحقاً وفقراً، فعرفوا بالتجارب والاستقراء أنه لا يمكن أن ينجو أحد إلا في سفينة محمد عليه الصلاة والسلام، وأنا جعلت أكثر مادة هذه المحاضرة آيات من القرآن الكريم، وجمعت في هذا الموضوع أكثر من ستين آية من كتاب الله عز وجل، تتكلم كلها عن الهداية، وعن تعريف الهداية، وأسباب الهداية، وطرق الهداية، ونتائج الهداية، ومن المهتدي حقيقة، وما علامة الهداية، وكلها سوف تسمعونها.

الهداية إلى الصراط المستقيم

الهداية إلى الصراط المستقيم في القرآن ثلاث آيات تتحدث عن هذا المبدأ، يقول سبحانه وهو يوجه المؤمنين إلى الدعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] وقال سبحانه: {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:68] وقال سبحانه: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:2]. قيل: القرآن، وقيل: محمدٌ عليه الصلاة والسلام، وقيل: طريق النجاة، وقيل: الإسلام، والصحيح: أنه كل ما يهديك إلى الله فهو الصراط المستقيم، والصحيح أنه الإسلام، فهو الطريق الذي وقف في أوله صلى الله عليه وسلم ورفع فيه راية لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والطريق الذي يؤذن فيه بلال، والطريق الذي سلكه من قبل نوح وآدم وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، هو الطريق الخالد لذاك الموكب الكريم، فهذا هو الطريق المستقيم: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] وهم الأنبياء والرسل والصالحون والشهداء وحسن أولئك رفيقاً، والصراط المستقيم هو أقرب موصل بين نقطتين، فليس فيه عوج ولا لبس، ولا مذاهب أرضية، ولا أطروحات بشرية، إنه مستقيم جد مستقيم يوصلك إلى الأمام. ولا تركن لغير الهداية، لا تتوقع أن منصبك أو كرسيك أو مالك أو ولدك سوف ينقذك من عذاب الله، إن لم تتشرف بحمل الهداية، قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95]. لبيد بن ربيعة أحد شعراء العرب كان شاعراً مشهوراً، كان عنده جماهير، يصفقون له ويمدحونه، لكنه ذاق جرعةً من دواء محمد عليه الصلاة والسلام، فوجد الهداية، فاعتزل الشعر والجماهير والغناء، وقال: الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالا كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا إذا وصل بك الحال إلى أن لم تكتشف في هذا القرن الخامس عشر، أن الهادي بعد الله -هداية الدلالة- محمدٌ عليه الصلاة والسلام، فإنك إذاً ما اكتشفت، ولا عرفت شيئاً. وقال سبحانه: {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:68] وهذه في سورة النساء، يقول الواحد الأحد: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:66 - 68]. والخطاب لليهود، ولكل من سار على منهج اليهود، أو شابه اليهود في سيرهم، يقول: لو فعلوا بهذه السنة وهذا القرآن والوحي {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:66 - 68]. وقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] أنا وأنت علينا ميثاق، والميثاق ختمٌ أتى به صلى الله عليه وسلم، فمن حمله في كتفه أداه إلى الجنة، وهذا الميثاق يقال عليه: شارة المدينة، وخرج من مسجده صلى الله عليه وسلم، وهو علامة لـ أهل السنة، إذا رآهم المحاسبون يوم العرض الأكبر أدخلوهم الجنة، ومن لم يحمل الختم فليس على مسيرة محمدٍ عليه الصلاة والسلام. وقال سبحانه للرسول عليه الصلاة والسلام: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:2] وهذه الآية من سورة الفتح التي نزلت بعد صلح الحديبية. قال أهل العلم: "كيف يهديه وقد هدي؟ واهتدى وهدى الملايين؟ لساني ولسانك، وعيني وعينك، وأنفي وأنفك، وأذني وأذنك، كلها أدواتٌ تتحرك بلا إله إلا الله، هذه الملايين اليوم التي تصوم في شعوب الأرض كلها ورقات من شجرته عليه الصلاة والسلام: أتطلبون من المختار معجزةً يكفيه شعبٌ من الأموات أحياهُ ويقول شوقي: أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ يقول شوقي: إن كان عيسى أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله، فأنت يا رسول الله! أتيت إلى شعوبٍ ميتة، وإلى حضارة واهية، وإلى قلوب متفلتة، فأحييتها بلا إله إلا الله!! وأعدتها إلى الله، وحركتها بلسان الحق، حتى خطبت على منابر الدنيا، قال أهل العلم: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:2] أي: يزيدك هداية إلى هدايتك!! وكان عليه الصلاة والسلام، إذا قام في الليل -وهذا عند مسلم من حديث عائشة كان إذا قام من الليل يقول:: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل! فاطر السماوات والأرض! عالم الغيب والشهادة! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلفَ فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم} فهداه الله هدايةً عامة، وهدايةً خاصة، وهدى به الأمم عليه الصلاة والسلام.

أسباب الهداية

أسباب الهداية

السبب الأول: الصدق مع الله

السبب الأول: الصدق مع الله أما أسباب الهداية فاسمع إليها: أعظم سبب أن تصدق مع الله، الآن القلوب وضعت في الحرم، ففي التراويح وضعوا مهجهم أمام الله، ملوكاً وكباراً وأغنياء وفقراء، منهم الطائف، ومنهم العاكف، ومنهم الساجد، ومنهم الراكع، كلهم يستمعون القرآن والرسالة الخالدة، وكلهم يريد أن ينال المغفرة والرضوان من الله، لا أحد يشتكي على أحد، لا معاريض ولا وثائق ولا دعاوي، كل القلوب اتجهت إلى الله عز وجل، فأعظم ما يمكن أن يجعلك مهتدياً، ويرشحك أن تتوب، ويجعلك عبداً لله أن تصدق مع الله!!

السبب الثاني: المجاهدة

السبب الثاني: المجاهدة يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] يقول أحد الشعراء الحكماء -وعجب ابن تيمية من قصيدته في درء تعارض العقل والنقل - وكان هذا العالم شاعراً مجيداً وكان داعياً إلى الله -يقول في قصيدة لوعة وأسى وحسرة وتبتل إلى الله: وحقك لو أدخلتني النار قلت للذين بها قد كنتُ ممن أحبه وأفنيت جسمي في علومٍ كثيرةٍ وما منيتي إلا رضاه وقربه أما قلتمُ: من كان فينا مجاهداً سيحمد مثواه ويعذب شربه أترجم القصيدة وهي بالعربية، لكنها مناجاة الأصفياء والأخيار، يقول: وحقك يقول: "والله لو أدخلتني النار لأتكلمن إلى أهل النار وأقول: والله إني كنتُ أحب الله في الدنيا. وحب الله شيءٌ عظيم: يشرب الخمر شارب في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام مرات، فيجلدونه بالجريد والنعال والأحذية، ويقول أحد الصحابة عنه: قاتلك الله قال عليه الصلاة والسلام: {لا تسبه فوالذي نفسي بيده، ما علمته إلا أنه يحب الله ورسوله} ولو أنه يشرب الكأس، لكن هناك فطرة من الحب، غير أنه ما سقاها وما قواها حتى تصبح شجرة: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:25]. فيقول هذا: "يا رب! وحقك إن أدخلتني النار قلت للذين بها: قد كنتُ ممن أحبه". ويقول في آخر القصيدة: أما قلتمُ من كان فينا مجاهداً أما قلت في القرآن يا رب! من جاهد فيك سوف تعظم قدره وتكرمه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] قال: أما قلتم من كان فينا مجاهداً سيحمد مثواه ويعذب شربه يا الله! يا الله! هذه الأمة اتجهت إليك، ما تريد بديلاً عن الإسلام، وهذه الصحوة العارمة جربت كل شيء، فما وجدت خلودها ولا أمنها ولا استقرارها إلا في الإسلام.

السبب الثالث: الإيمان

السبب الثالث: الإيمان ويقول سبحانه عن المؤمنين: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [يونس:9] لم يقل: بأبصارهم؛ لأن كثيراً من الناس عندهم أبصار لكنهم ما استخدموها في الهداية! عندهم عيون يرون، ويبصرون ويدركون، يلتقطون الإبرة في ظلام الليل وفي الوهج على الأرصفة، ولكنهم ما رأوا علماً مكتوباً عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله مما بلغه لنا رسول الله عليه الصلاة والسلام: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} [يونس:9]. والإيمان هداية، الإيمان مع المادية الجدلية العصرية ومع الشيوعية الإلحادية، جُرب أنه هداية، عاش كثيرٌ من الشباب في أمريكا، فتحصنوا بالإيمان فأصبحوا كأنهم من أبناء الصحابة، وترك بعض الناس في الجزيرة الإيمان، فتردوا حتى كأنهم من ذرية أبي لهب وأمية بن خلف، فالإيمان أعظم ما يهدي العبد {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} [يونس:9].

السبب الرابع: القرآن

السبب الرابع: القرآن وقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9]. هذا القرآن وحده مع السنة يهدي للتي هي أقوم، في العقائد، والمعاملات، وفي العبادات، وثيقة -وقد كررت هذا الكلام- أثبتت قوتها وأثبتت أنها سوف تبقى بإذن الله، كما يقول شوقي: آياته كلما طال المدى جددٌ يرينهن جلال العتق والقدمِ وقال آخر: أتى على سفر التوراة فانهدمت فلم يفدها زمان السبقِ والقدمِ ولم تقم منه للإنجيل قائمةٌ كأنه النوم زار الجفن في الحلمِ وثيقة ماركس اللعين عليه غضب الله انتهت في اثنتين وسبعين سنة على يدِ أذنابه وعملائه، لكن الإسلام ما زال منتصراً في الساحة، في القارات الخمس يمرُ مر السحاب، صنع الله الذي أتقن كل شيء، القرآن وحده: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9]. وانظر إلى هذا التعبير، يهدي للتي هي أقوم: للتربية، وللسلوك، وللأخلاق، وللمعتقدات، والمعاملات، لتحكيمه في حياة الناس، للسياسية الشرعية، وقال سبحانه في أسباب الهداية: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:11] احفظ هذه الجملة {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:11] ولم يقل: يهدِ عينه؛ لأن العين قد تذهب، كثيرٌ من الناس عمي، ولكن قلوبهم كالشمس، وكثيرٌ من الناس مبصرون ولكن قلوبهم ظلماتٌ بعضها فوق بعض، ظلمات الشهوات والمعاصي: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:11] يقول تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22]. {:وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:11] قال ابن عباس: [[هو العبد تصيبه المصيبة فيسلم ويرضى، ويعلم أنها من عند الله، فيهدي الله قلبه]] عندنا في الإسلام المؤمن يموت ابنه فيقول: آمنتُ بالله وتموت زوجته، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويتهدم بيته ويحترق ماله، ويرى المصائب مثل الجبال، فيقول: إنا لله راجعون، فيهدي الله قلبه، ويزيده إيماناً على إيمانه، دين أقوى من الحديد، إرادات تكسر الحجر، لأنه دينٌ خالد يصل بالعبد إلى رضوان الله عز وجل والسعادة.

الهداية تزيد وتنقص

الهداية تزيد وتنقص أنا وأنت لسنا كـ أبي بكر الصديق، أبو بكر الهداية في قلبه مثل الدنيا، النور في قلبه مثل الشمس لا يصيبه ظلام أبداً؛ لأن وقته للإسلام، من أول يوم وضع يده في كف محمد عليه الصلاة والسلام مبايعاً ومهاجراً ومجاهداً حتى أفنى كل شيءٍ عنده في خدمة هذا الدين، وأنا وأنت نطالب اليوم أن نهتدي فنصلي في المسجد جماعة، ونطالب أن نترك الغناء والمخدرات والدخان، أما أن نطالب أن نفعل مثل أبي بكر، فلا: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامةٍ يا مربع لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمُقعدِ لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتم وما بيننا وبينهم كما بين الثرى والثُريا! ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل: إن السيف أمضى من العصا نحن مع الصحابة مثل العُصي وهم سيوف؛ لأن الصحابة كانوا يستيقظون مع الصباح، يقول أحدهم وقد انتبه وقد استيقظت عيناه وقلبه، من النوم: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، فأول ما يفكر به كيف ينصر هذا الدين، كيف يقدم روحه، أما نحن فأول ما نستيقظ نتفكر في إفطارنا ووظائفنا وخبزنا ولحمنا وثلاجتنا وفاكهتنا، اهتماماتهم كلها للإسلام، تقطع يد أحدهم، وتتعلق بعصبة، أو بعرق، فيجعل يده بين ركبتيه، ثم يتمطى عليها حتى تنقطع لئلا تشغله عن الجهاد؛ وتقطع يد جعفر بن أبي طالب اليمنى فيأخذ الراية باليسرى، وتقطع اليسرى، فيحتضنها بين عضديه أو ليست هذه معالم الهداية؟؟!! من يصل إلى هذه الدرجة؟! أحد الصالحين كان فيه مرض، فكان يتبسم ويقول: إن كان سركمُ ما قال حاسدنا فما لجرحٍ إذا أرضاكمُ ألمُ هذا البيت لـ أبي الطيب المتنبي، رمي وهو ينشد عند سيف الدولة بدواة، فسال الدمُ من جبهته، فضحك سيف الدولة، فيقول المتنبي: يا سيف الدولة! إن كان سرك هذا الدم، فأنا لا أجد أذىً لأنه سرك. فأتى الولي الصالح، فقد رد البيت إلى من يستحقه. والهداية -أيها الإخوة- تزيدُ وتنقص، يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] تعبير القرآن لا يرتقى إليه، أسلوبٌ فذ، مثل كلامنا ومثل القرآن كمثل مادة التراب، نحن نستطيع أن نصنع من مادة التراب آجراً، ونصنع منها أواني فخارية، لكن هذا التراب خلق الله منه الإنسان، والقرآن من حروف نتكلم بها، ولكن كلامنا لا يمكن أن يقارب مستوى القرآن. قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17]. فهم اهتدوا من أول الطريق، الذي يصلي الصلوات الخمس يعطيه الله خشوعاً، والذي يترك الغناء يحبب الله إليه القرآن، والذي يتجه إلى ذكر الله عز وجل يقوده الله عز وجل إلى بر السلام: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] وفي البخاري: {وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به}. فمن مشى في الطريق خطوةً زاده الله هداية، المؤمن دائماً في هداية بعد هداية، والكافر والفاجر في إعراضٍ بعد إعراض، لا يخرج إلا من جرائم إلى جرائم، يضع الكأس فيحمل المجلة الخليعة، ويضع المجلة الخليعة فيعرض عن القرآن، ويعرض عن القرآن فيترك المسجد، ويعق والديه فيقطع رحمه، فهو في مصائب ومدلهمة، ويقول سبحانه: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:13] عندنا الوقود، والطاقة، يسميها سيد قطب: محطة الوقود، هذه محطات جعلها الله للمؤمنين كالمار في سيارته -ولله المثل الأعلى- كلما أوشك وقوده أن ينتهي، تزود من الطريق التي سلكها محمد عليه الصلاة والسلام، والوقود هنا هو الإيمان والذكر والقرآن والسنة وصدق التوجه إلى الله والصيام، أنتم بين موعظةٍ وصيامٍ وتلاوةٍ واعتكافٍ وعبادة، فهي وقودكم: {وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:13] عندنا الهدى نحن زدناهم من عندنا لا من عند غيرنا، وزدناهم على الجمع والتعظيم، وقوله زدناهم دليل على أن أصل النبتة موجودة في قلوبهم، أما الذي بتر الإيمان في قلبه، وأتى يطلب الشفاء، فهذا إنسانٌ ما عرف الطريق أصلاً، بتر الفطرة، ويقول سبحانه: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً} [مريم:76] فيزيدهم بعد أن اهتدوا. ثم ذكر أن من عواملِ طاقات الهداية ومما يزيد الهداية الأعمال الصالحة الباقيات، ومن الباقيات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، نحن المؤمنون عندنا هزجٌ جميل. قرأت قبل أيام لخواجة مؤلف في علم النفس يقول: فإذا أحسست بالقلق فعليك أن تستمع إلى الموسيقى، فأقول له: خيب الله شبابك، وسود الله وجهك، وجهت الإنسان للموسيقى ليدفع القلق، وقد علمنا عليه الصلاة والسلام ذكراً وهزجاً خالداً، علمنا أن نقول: لا إله إلا الله، وهي كلمة تنشرح لها القلوب: الله أكبر كل همٍ ينجلي عن قلب كل مكبرٍ ومهللِ يونس عليه السلام في بطن الحوت في الظلام، ولما أظلمت الدنيا في عينيه قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فانقشعت من أمامه الظلمات: أين ما يدعي ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه أين هذا الظلام؟ يقول لسان حال المؤمن: أين الظلام الذي يشتكيه الناس؟ أين هذه المستشفيات النفسية التي فتحت لأهل القلق والهموم والغموم؟ أين الظلام؟ أنا لا أجد ظلاماً؛ لأنني أصلي وأحمل القرآن وأذكر الله، وأتبتل إلى الله: أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه

الهداية إلى الأعمال الصالحة

الهداية إلى الأعمال الصالحة وهناك هداية جزئية إلى الأعمال الصالحة، قال سبحانه عن المؤمنين: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج:24]: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} [الحج:24] أي: أن الله وفقهم فهداهم إلى الطيب من القول. لا إله إلا الله! هذا الإيمان عجيب، يحول الإنسان بين عشيةٍ وضحاها إلى أن يصبح نظره طاعة، وكلامه طاعة، وحركته طاعة، ومشيه طاعة، حتى كلامه يصبح ذكراً يقول سبحانه: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:10]. {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10] ودل على نفسه سبحانه بالضمير لا بالاسم الظاهر؛ لأنه معروف عند المؤمن أنه إلى الله، العرب في أشعارهم كانت تعبر بالضمير تعظيماً للممدوح، يقول المتنبي يمدح كافوراً: قطعت الفيافي والشناخيبَ دونه وجبت هجيراً يترك الماء صاديا أبا كل طيب لا أبا المسك وحده وكل غمامٍ لا أخص الغواديا وترك اسم كافور، وما أعلمنا به في القصيدة، لأنه مشهور. ولو أن هذا المتنبي قطع الفيافي إلى الله وترك هؤلاء البشر لكان له عند الله شأن لكن مرة عند سيف الدولة، فإذا جفاه سيف الدولة، خرج إلى كافور، وإذا طرده كافور خرج إلى عضد الدولة لأنه ما عرف الطريق. قال: قطعت الفيافي والشناخيب دونه وجبت هجيراً يترك الماء صادياً يقول: إني جبت الصحراء وظمئت في الصحراء حتى كدت أموت لآتي إليك والشناخيب هي الجبال، والشاهد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10] والصالحون يعرفون على من يعود الضمير في قوله: (إليه، وأنه هو الله). وورد في قصة سليمان عليه السلام، والقصة في تسخير الريح له، كما قال تعالى: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] غدوها شهرٌ ورواحها شهر، سخر الله له الريح، فكان إذا أمرها أن تنتقل به من مكان إلى مكان انتقلت به الريح، وأصبح في السماء، معه وزراؤه وأمراؤه وحاشيته على بساطٍ من الريح، فحجب سليمان بهذا البساط عليه السلام الشمس عن فلاحٍ يزرع في الأرض؛ فنظر فوجد بساط سليمان عليه السلام يخترق الجو عابراً من مكانٍ إلى مكان، فالتفت فرأى سليمان ورأى الناس معه على بساطٍ من ريح، وتعبير القرآن جميل يقول: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] أي: أنها إذا أرادت أن تهوي به فلا تهوي مرةً واحدةً فيتكسر، بل تهوي بالتدريج حتى تنزله كما تفعل الطائرة في مدرجات المطار: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] قال أهل العلم: بانبساطٍ متدرج حتى يصل، قال: فلما التفت الفلاح قال: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، ولم يكن يعلم أن قوله: (سبحان الله) أعظم من ملك آل داود، فسمعها سليمان عليه السلام؛ لأنها اخترقت الحجب لتصعد إلى رب العالمين: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10]. قال للبساط: اهبط هنا فهبطت الريح، قال للفلاح: ماذا قلت؟! قال: رأيتك فقلت: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، قال: والذي نفسي بيده، لقولك: (سبحان الله) خيرٌ مما أوتي آل داود. هذه الكلمة وحدها خيرٌ من ملك الدنيا وما عليها، ويقول سبحانه: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35] تعبيرٌ عجيب! وهنا أضواء دنيوية لكنها تضمحل أمام نور الله. فأنت شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب إذا أتى نور الله بطل كل نور: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35]. ولا يهدي الله لنوره إلا من يشاء، ومن يحب، وفي حديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب} فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، ومن هداه الله فقد أحبه، أما الدنيا فأمرها سهل، يعطيها الله الكافر الوثني في أفريقيا، والملحد الأحمر في روسيا والنصراني الأشقر في أمريكا، والصيني الأصفر في بكين، فكلهم سواء، أما الهداية فلا يعطيها الله إلا لصنفٍ من الناس: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13].

الدعوة عامة والهداية خاصة

الدعوة عامة والهداية خاصة كان هذا القرآن دعوة لكل من في الأرض، ولكن المهتدين قليل، يقول سبحانه: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس:25] فالدعوة عامة لكل مخلوق، لكن الهداية خاصة، قال تعالى: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس:25] صراطاً مستقيماً غير ذي عوج، فلا يهدي الله عز وجل إلا من شاء سُبحَانَهُ وَتَعَالى ومن أحب، وما كل من دعي سوف يهتدي، لكننا نقيم الحجة على الناس، ونسمعهم كلام رب الناس، ونخبرهم بسنة سيد الناس عليه الصلاة والسلام كما أمر الله بنيه فقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [يونس:108] {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46].

الهداية قسمان

الهداية قسمان والهداية نوعان: هداية توفيق لا يملكها إلا الله، وهداية دلالة للرسول عليه الصلاة والسلام، ودليل الأول قوله سبحانه: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة:13] لو شاء الله، لهدى المعمورة، ولو شاء الله لأدخل الناس الإسلام، ولو شاء الله ما بقي كافرٌ على وجه الأرض، ويقول سبحانه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56]. حرص محمد عليه الصلاة والسلام على قرابته، وعلى أعمامه وعلى أبناء عمومته، زارهم في البيوت حاول بكى سالت الدموع على خده ليهتدوا حتى ينجوا من النار لكنهم رفضوا!! بينما جاء سلمان من أرض فارس وبلال من الحبشة وصهيب من أرض الروم، أتوا كلهم يقولون: لبيك اللهم لبيك!! وأبو طالب عند الركن لا يهتدي وأبو جهل عند المسعى والحطيم وزمزم لا يعرف الله!!: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56] أنت لا تملك الهداية: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:59] عنده مفاتيح القلوب، وهو يفتح على من يشاء، متى شاء. بعض الصالحين عنده ابن مثل الشيطان، وبعض الفجرة عنده ابن كأنه حمزة، أو سعد بن معاذ، أو طلحة، أو الزبير قال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]. هذه هداية التوفيق لا يملكها إلا الله، أما هداية الإرشاد، وهداية الدلالة، فهي للرسول عليه الصلاة والسلام: إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراكَ حاديا وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا أجتمع بالناس لكنني لا أجد لكلام الناس طعماً مثل طعم كلامك، عند البخاري ومسلم، وأجلس مع الزعماء، لكنني لا أجد زعيماً مثلك، وأسمع كلام العلماء، لكنني لا أسمع كلاماً ككلامك. وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا يقول الله عن هدايته صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] إنك لتهدي إلى صراط مستقيم ليس كمثله صراط!! لا صراط الشيوعية، ولا صراط العلمانية، ولا صراط اليهودية، ولا صراط النصرانية، ولا الماسونية وصراطه صلى الله عليه وسلم أشد ضياءً من الضحى.

انفراد الله تعالى بالهداية

انفراد الله تعالى بالهداية واختص سبحانه وتعالى بالهداية، لا يملك أحد أن يهدي أحداً، وهذا أمر معلوم؛ فبعض الناس لو استمع ألف محاضرة ما اهتدى، وبعض الناس يسمع القرآن من أوله إلى آخره، ولا يغير في حياته مثقال ذرة، وبعض الناس لو انتطحت الجبال بين عينيه فلن يهتدي، بل دفن بعضهم أبناءه بيده في القبر، وسمع ذكراً للموت، وآتاه الله من الوعظ ما الله به عليم، ومع ذلك يترك الصلاة!! يقول سبحانه: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس:35] أسلوب عجيب، إنني أقف عاجزاً أمام هذه الآيات، فقد فسدت لغتنا فلا نتذوق القرآن. قبل ليالٍ اهتز الحرم كما سمعتم بسورة يوسف والإمام يقرؤها، ووالله إن القلب يشهد أنه لا يستطيع أحد من الناس أن يأتي بمثل هذا القرآن، يكفي الملاحدة أن يسمعوا هذا القرآن ثم يحكموا بعقولهم، هل يستطيع أحد من البلغاء أن يقول مثل هذا القرآن؟! فإمام الحرم لم يتمالك شعوره فانفجر في الحرم باكياً، عند قول يوسف لإخوته: {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:92]. يقول تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس:35] أتهديكم هذه الأصنام والزعماء والآلات والجهات التي تنتسبون إليها ولا تنتسبون إلى الله أتهديكم هي؟! هي تحتاج إلى من يهديها، فكيف أنتم تستهدون بها؟! أعمى ويقودك!! أعمى يقود عمياناً!! أصم يدل الناس بالسماع على السماع وهو لا يسمع!! مالكم؟! مالكم كيف تحكمون؟!! أفمن يهدي إلى الحق وهو الله سبحانه أحق أن يتبع وكذلك محمد عليه الصلاة والسلام. {أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} [يونس:35]. بحاجة إلى أن يهدى وما هدي أصلاً، ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} [الإسراء:97] الحقيقة أن من هداه الله فهو المهتدي، أما غيرُ من لم يهده الله فلو لبس كل اللباسات وادعى الدعاوي ورفع اللافتات فليس بمهتد لا توجد دعوى في الدنيا إلا أثبتت الدعايات أنها ممحوقة، فهذا لينين أتى وقال: من أجل الكادحين -والكادحون هم العمال- وأتى إستالين بذلك، وأتوا بالانفتاح، وقالوا: "نحن أتينا لنصرة حقوق البشر، وأتينا لرفع الإنسان، وأتينا لإصلاح حال الشعب، ولإغناء الفقراء، ولضم الشتات، والديمقراطية، وغيرها من هذه العبارات، والله يثبت أنهم ضلال وأنهم ولو ما ادعوا في الظاهر فإنهم ليسوا مهتدين، من يهد الله فهو المهتدي، أما غيره فليس بمهتد، ويقول سبحانه: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} [آل عمران:73] إذا فاخروك فقل: إن الهدى هدى الله.

الهداية لصاحبها

الهداية لصاحبها يظن العبد إذا اهتدى أنه زاد من الإحسان لله، وفي الحديث الصحيح عند مسلم: {يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئاً} والله الذي لا إله إلا هو، لو كان سكان الأرض كلهم على إيمان أبي بكر ما زاد في ملك الله ذرة، وما نفع الله ذلك، والله الذي لا إله إلا هو لو كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص عند ذلك من ملك الله شيئاً، قال سبحانه: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} [الإسراء:15] أنت تنفع نفسك وتنقذها حين تؤدي ما افترض الله عليك، يقول ابن القيم: لله الفضل والمنة، يعطيك الإيمان، ويعطيك الحياة، ثم يتوب عليك، فتكون المنة لله ليست لك. أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام أعراب من بني أسد، قالوا: يا محمد! اشكرنا، قال: على ماذا؟ قالوا: أسلم العرب كلهم بالسيف وأما نحن فأسلمنا بلا قتال، فسكت عليه الصلاة والسلام، وما أحب أن يجرح مشاعرهم، مع أنهم دخلوا واهتدوا على يده صلى الله عليه وسلم ثم يقول قائلهم: احمد الله احمد ربك أنني اهتديت على يديك!!، فهذا غير صحيح، ومثلهم كمثل إنسان تهديه تمراً أو رطباً، فيقول: احمد الله أني أخذت هديتك، احمد الله أني قبلت مالك. فسكت عليه الصلاة والسلام، فأنزل الله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17]. المنة لله. الفضل لله والعطاء لله أتمن على الله وهو قد هداك؟! قال تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الإسراء:15].

الهداية والمخاوف

الهداية والمخاوف هل الهداية سبب للمخاوف؟ هل يمكن أن تكون هدايتك سبيلاً للخوف، وسبباً لأن تعلق به التهم وأن تكون متزمتاً في نظر الناس كان وهو فاجر وفاسق عبداً للأغنية، وعبداً للسيجارة والبلوت، وكان في أمنٍ، وكان حسن الخلق، فلما استقام وقصر ثوبه واهتدى وسجد لله وأعفى لحيته وأحب الله ورسوله أصبح متزمتاً ومتطرفاً في نظركم، فما لكم كيف تحكمون؟!! إن هذا القول يشبه ما قاله أبو جهل وأمثاله: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص:57] لا إله إلا الله حجة واهية يضحك الإنسان منها، يقول أبو جهل وأبو لهب: نحن لو اتبعناك تخطفنا من أرضنا وأهلكتنا العرب، وأصبحنا حرباً للناس، فاسمع الرد العجيب: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:57]. نحن أمناهم في الجاهلية فكيف في الإسلام؟! نحن طردنا عنهم أبرهة الأشرم وسلطنا عليه طيراً أبابيل في وادي محسر مع فيله وجيشه، وعاد خاسئاًَ حقيراً!! نحن حاربنا جيوش العالم من أجل الحرم، فلما أتيت أنت بلا إله إلا الله، قالوا: نخاف إذا اتبعناك أن نتخطف، ما تخطفوا في الجاهلية، فكيف في الإسلام؟! {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص:57]. وما حول الحرم جبال سود لا حدائق ولا بساتين ولا مزارع ولا أنهار ولا أشجار ولا أزهار ولا ورود، حتى إبراهيم عليه السلام لما ترك زوجته وولده، التفت وإذا الصخور وهي سوداء مثل الليل، والحرارة متوهجة، لا ماء ولا شجر، ولا مدر فالتفت فرفع يديه، وقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]. الآن ألوف مؤلفة في الحرم ما اشتكى أحدٌ منهم أنه ما وجد رطباً في السوق، أو تفاحاً أو برتقالاً أو موزاً، الأرزاق تأتي من كل أنحاء الأرض، تأتي من المشرق والمغرب ومن أوروبا وأمريكا ومن كل بلاد العالم طازجةً وجاهزةً ومثلجة وحارةً وباردة؛ لأن إبراهيم دعا!! يا خسارة على هذه العقول! ويا خسارة على هذا الأبصار!! {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا} [القصص:57].

الهداية بالوحي

الهداية بالوحي إن الهداية ليست بالذكاء، وليست بأساليب أخرى، إنما الهداية بالوحي، قال سبحانه: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] يهدون بكتابنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، فيا من رشح نفسه ليكون داعية؟! ويا من فكر أن يدعو نفسه إلى الله أو بيته، وسيلتك الوحي: القرآن والسنة. لقد جرب كثير من مؤثرات الدعوة كالإعلام والدعاية والتشهير والصياح والقصص الموضوعة، لكنها كلها تنتهي، يمكن أن يبكي الناس وهم جلوس لكنهم يخرجون من المسجد فينسوها، وما وجد أشد تأثيراً من القرآن والسنة الصحيحة الثابتة: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]. فالهداية تكون بالوحي: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:1 - 4]. قد شربنا من كئوس الوحي حقاً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه والذي لا يشرب من ماء الوحي سوف يبقى ظمآناً إلى أن يرد النار، ولن يجد ما يرويه ولا يشرب من الكوثر ولا من الحوض المورود، لأنه لم يشرب شربة من الوحي، فلن يشرب شربةً من حوضه صلى الله عليه وسلم لا يظمأ بعدها أبداً.

الهداية هي السعادة

الهداية هي السعادة السعادة الحقيقية: هي الهداية، انظر إلى أحوال الناس، كثير من الناس عنده قصورٌ كثيرة، وعنده من المال ما يمكن أن يطعم به ألوفاً مؤلفة من الناس ويعيشهم ويسكنهم، لكنه في اضطراب معقود الجبين، على جبينه مكتوبٌ عليه لا سعادة، يوشك أن يأخذ السكين وينحر نفسه، نقول له: مالك؟! عندك المال والمنصب وكل شيء؟! قال: ما رأيت السعادة، الله يجيب على هذا التساؤل فيقول: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:123 - 126] أتاك رسول الله عليه الصلاة والسلام وآتاك القرآن، والإيمان، وأتتك الرسالة، وأتتك لا إله إلا الله، فأعرضت عنها، لم يكن لها قدرٌ عندك في حياتك ولا ميزان، ولا أصالة، ولا اهتمام، ووالله إنا نعلم أن من الناس اليوم من يعيش ويجعل الدين في آخر اهتماماته، حتى وقت الصلاة، وتأدية الصلاة، والقيام إلى الصلاة، في آخر جدوله اليومي ثم يصلي صلاةً باردةً ميتةً سقيمةً مريضة، ويقول: أين السعادة؟؟!! نحن جربنا دينكم ما وجدنا السعادة، نقول: لو حملت الدين ذقت الدين، كما ذاقه الصالحون، عرفت طعم السعادة، وما شقيت بعدها أبداً، بإذن الله.

الهداية المطلقة

الهداية المطلقة الله له هداية مطلقة، وهدايةٌ خاصة؛ الهداية المطلقة: يدخل فيها العجماوات والحيوانات والبهائم، يقول سبحانه: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الإنسان:3] وهذه لكل مخلوق: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الإنسان:1 - 3]. وفرعون يقول لموسى: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49] اسمع إلى الجواب الصارم، يقول الزمخشري صاحب الكشاف: "لله دره من جواب أسكته!! أسكت الخبيث الغبي، إسكاتاً ما بعده اسكات: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49] لو قال موسى: ربنا الله، لقال فرعون: أنا الله، ولو قال: ربنا المالك، قال: أنا المالك، لكن الجواب كان مفحماً: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، كل شيء أعطاه خلقه ثم هداه هدايةً مطلقة إلى أسباب المعايش. النملة هداها الله من هدى النملة؟! من علم النملة أن تأتي في الصيف فتكتنز للشتاء، عند النملة مخازن ومستودعات، قسم المستودعات لا يصرف منه إلا في الشتاء؛ ومن شك منكم فليبحث في جحر نملة، وهذا مثبت بالعلم التجريبي، وهناك قسم للاستهلاك المحلي اليومي، وقسم العاملات، وقسم الملكة لها مكتبٌ خاص، تجتمع في دورات سنوية بالعاملات والشغالات، هل هذا من هدي النملة من نفسها؟ لا والله، هل عند النملة دماغ تفكر في هذا المستوى؟! إن الله هو الذي هداها وإلا فهي ما تملك شيئاً. اسمحوا لي غفر الله لكم أن أورد قصةً أوردها ابن القيم في مفتاح دار السعادة يقول: ذكر أحد الصالحين أن نملةً من النمل خرجت من جحرها، والنمل يسلك طريقاً عابراً ويتخذه ويفتحه ويعبده ويزفلته، ثم لا يأخذ طريقاً آخر، وأنت انظر إليه، والنمل إذا كان هناك ماء قليل، بمستوى النملة صنع النمل جسراً من أفراده ثم يمشي بقية النمل عليه، واسألوا الواقع وانظروا. قال ابن القيم: فخرجت نملة تبحث عن رزقها من الشغالات، لأن هناك ملكة لا تخرج أبداً، وهناك عاملات تبني بيوتاً وتخزن وترصد الحبوب والقمح، وهناك شغالات تحمل الطعام، فخرجت الشغالة فوجدت رجل جرادة؛ رجل الجرادة أكبر من النملة، فحاولت أن تسحبها يميناً أو يساراً فما استطاعت، فذهبت إلى النمل فأخبرتهم؛ وبينهم لغة خاصة؛ ولغة الحيوان مثبتة. وهذا الروسي سخروف الذي توفي قبل شهرين اكتشف في مذكرات له أن للنبات لغات خاصة، وكاد أن يسلم هو، لكنها حكمة الله عز وجل. يقول: للنباتات نبراتٌ خاصة من الصوتيات، والورد بينه صوتٌ خاص، والنخل صوتٌ خاص -قدرة الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالى- فالحيوان بقدرة الله عز وجل له لغة خاصة: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل:16] خرجت هذه النملة فاصطدمت برجل الجرادة فما استطاعت أن تحملها فأتت إلى شغالات أخرى، فأتت الشغالات معها فأتى الرجل الصالح فرفع رجل الجرادة، فأتوا فما وجدوا في المكان شيئاً، فلما رجع النمل أنزل الرجل الصالح رجل الجرادة، فأتت تسحبها فرجعت إلى الشغالات فأخبرتهم فأتى النمل فرفع الرجل رجل الجرادة فلم يجد النمل شيئاً فرجعوا ثالث مرة، فرفع الرجل، فقال النمل: قد كذبت، قال: فطوقوها ثم مزقوها قطعةً قطعة. عودوا إلى مفتاح دار السعادة، واسألوا ابن القيم في ذلك، واسألوا أهل الكتب العلمية مثل: الطب محراب الإيمان، أو كتب الأمريكان، الله يتجلى في عصر العلم واسألوا كتاب الإنسان لا يقوم وحده لـ كريسي موريسون وكتاب الإنسان ذلك المجهول لـ ألكسيس كارل فهذه حقائق شهد بها الكافر وهو كافر، فكيف بالمؤمن؟! قال سبحانه: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] يمتن على الإنسان بالهداية وهذه هداية مطلقة، يقول: بينا له طريق الخير من الشر، التمر والجمر، دللناه على طريق الجنة وطريق النار، وقال سبحانه: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] وقال سبحانه: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الإنسان:3] وقال سبحانه: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3] علمناه الطريق وأتينا بمحمد عليه الصلاة والسلام، وأنزلنا القرآن، وقلنا: هذه القبلة، وهذا الماء وهذا المسجد فتوضأ وصلِّ، وطريق الشر كذلك، وهذه الخمارة والبارة والعود والوتر والغناء والمجلة الخليعة وافعل ما شئت، أنت أبصر بنفسك، والطريق غداً: ستعلمُ في القيامة إن عُرضنا غداً عند الإله من الملوم أما والله إن الظلم شؤمٌ وما زال المسيء هو الظلوم إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم {: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62].

من معالم الهداية

من معالم الهداية من معالم الهداية: {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات:19] يقول موسى: لا تتكبر علينا يا فرعون لأني راعي غنم وأنت سلطان جبار، أنا أهديك، اسلك معي، امض معي. قال: أنت لا، تكبر وطغى وكفر، قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51]؟ فأجراه الله من فوق رأسه، دسه مع الضفدع في الطين حسب يناغي ويفاغر والطين مخدوشٌ في عنقه وهو يقول: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] فكان A الآن يا خسيس، آمن بالله؟! فيقول: {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات:19]. ومن معالم الهداية: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ} [السجدة:13] لله الحكمة، وقال سبحانه في الكفار: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات:23] والخطاب إما للملائكة يقول: خذوهم إلى الجحيم، دلوهم الباب، افتحوا لهم أبواب جهنم، أو الخطاب إلى خزان النار، اهدوهم إلى صراط الجحيم، أما المؤمنون فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام قوله: {إن المؤمن أهدى ببيته في الجنة منه في الدنيا} لا إله إلا الله، أدنى أهل الخيم منزلة له عشرة أمثال الدنيا: أقلهم ملكاً من الدنيا ملك وعشرة أمثالها من دون شك لكنما موضع سوطٍ فيها خيرٌ من الدنيا وما عليها لكن من يهدي هذه الأمة إذا دخلت الجنة! {أبواب الجنة ثمانية: بين المصراع، والمصراع كما بين أيلة (القدس) إلى صنعاء، وليأتين عليه يومٌ وهو كظيظ من الزحام} فمن يهدي هؤلاء؟ قال: يمشي المؤمن في الجنة حتى يصل إلى منازله، من هدى المؤمن؟ الله سبحانه، أما الكافر فإنه يكب في النار كباً قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات:23] نعوذ بالله من الجحيم، أسأل الله لا يرينا وإياكم النار: إن الملوك إذا شابت عبيدهمُ في رقهم أعتقوهم عتق أبرارِ وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النارِ ويقول سبحانه: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:16] وهذه هداية يشترك فيها الناس، بهذه النجوم يهتدي بها الكافر والمسلم، ولكن نجم النجوم محمد عليه الصلاة والسلام، والذي لا يهتدي به سوف يضل ضلالاً بعيداً، وقال سبحانه عن فرعون -ففرعون واعظ، لكنه يدرس العقيدة الباطلة- يقول: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29]. كذب عدو الله، فإن سبيل رشاده النار!!: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] وبعض الناس اليوم فيه نسبة من فرعون، تجد الذي يقود الشباب إلى الضلال، يقول: ما أدلك إلا على الخير، وأنا أريد لك ما أريد لنفسي، هؤلاء الدعاة لا تصاحبهم، هؤلاء المطاوعة احذر منهم، أنا لا أريد لك إلا ما أريد لنفسي، نقول له: شيخك وأستاذك فرعون يقول: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29] أتى بقومه وأدخلهم النار، وقال: هذا سبيل الرشاد. ومن معالم الهداية، قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه:79] يخبر الله عنه قال: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه:79]. ومن معالمها: لما دخل موسى على فرعون، إن ترك السلام صعب، تدخل إلى نصراني تريد أن تدعوه إذا لم تقل صباح الخير أو Good morning sir، وجئت تقول: أسلم يا عدو الله! أدعوك إلى طاعة الله، فذلك غير لائق. لكن الله أعطى موسى أدب الدعوة هو وهارون فقال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] فلما دخل القصر، قال: إن سلمت على هذا المجرم كيف أسلم عليه؟!! وإن تركت السلام فذلك أمر عسير، فقال: والسلام على من اتبع الهدى، ففهمها ذلك فظن أنه هو ممن اتبع الهدى فجلس، قال: وكنياه في المجلس، قال: يا أبا مرة! أأدعوك؟! والقول اللين عند المفسرين أنه قال: إذا أسلمت أبقى الله لك ملكك وشبابك وصحتك، فأسلم تسلم، هذا القول اللين، هذه من معالم الهداية، ثم التدرج في الهداية، فالهداية لا تبدأ من أول يوم، فبعض الشباب يهتدي لشهر، ثم يقول: أنا قلبي قاسٍ، تقولون: الإيمان فيه هداية، وأنا ما زلت في وساوس، فنقول له: اصبر اصبر. يقول ابن تيمية: "ليست العبرة بنقص البدايات، لكن العبرة بكمال النهايات" اصبر قليلاً، تزود من القرآن، اذكر الله، وادع الله، واحضر مع المسلمين، واحضر المحاضرات والدروس، وسوف تهتدي إن شاء الله، قال سبحانه في التدرج: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:122] اجتباه أولاً، وتاب عليه وهدى، تأتي الهداية تدريجياً مع الأيام، فالإسلام مثل النبتة تغرسها فلا تخرج غداً، هل رأيت رجلاً غرس نخلة وأتى يقطفها في النهار الثاني؟! لا، الإسلام يأتي مثل النخلة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم:24]. إن شجرة الإسلام تسقى بالتراويح وبالنوافل وبالتسبيح وبالقرآن وبالذكر وبالعبادة، فتنبت، وقد تأتيها أعاصير فتميل قليلاً، يأتيك ذنب فتستغفر وتتوب، ويأتيك فتور فتستغفر وتتوب، وتتفلت مع زملائك فتستغفر وتتوب، يأتيها ريح وشمس، لكن أصلها ثابت!! ثم تصل إلى حال أن الأعاصير لا تستطيع لها، بعض الشجر عمره ألف سنة، ومهما نخر النمل ساقها فإنها تظل ثابتة، لكن لو مرت عليها بعوضة وهي في بداية نموها والنخلة مثل الإسلام، والإسلام مثل النخلة، هبطت بعوضة على نخلة، فأرادت أن تطير، فقالت البعوضة للنخلة: تمسكي أريد أن أطير، قالت النخلة: والله ما أحسست بك حين وقعت عليَّ، فكيف أحس بك حين تطيرين. ثابتاً على الحق لا يتزلزل أبداً فيصبح الشاب المؤمن المهتدي، ولذلك تجد بعض الناس لو سمع ألف أغنية فإن إيمانه مثل الجبال، ولو سمع ألف فتنة، ولو غمسته في موسكو أو في بكين فلا يتزلزل إيمانه، ولو قطع قطعة قطعة، وبعض الناس مزلزل وهو في أول الطريق!! وقال سبحانه في التدرج: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] فتأتي الهداية تاجاً، والله يدعو المؤمنين إلى أن يطلبوا الهداية، ونسأل الله أن يثبتهم على الهداية: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] ربنا إن كثيراً من الناس ما صاموا وقد صمنا، وما سجدوا وقد سجدنا، وما قاموا وقد قمنا، نسألك الثبات على الإيمان، والثبات على الإسلام، والثبات على الرسالة الخالدة، حتى نلقاك وأنتَ راضٍ عنا. وذكر الله المتحسرين على الهداية فقال: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر:57] لكن هيهات، الآن تتحسر يوم العرض الأكبر؟! ويقول سبحانه عن موسى والبحر أمامه وفرعون خلفه، والموت أمام عينيه، وأصبح كما قال المتنبي لـ سيف الدولة: وقفت فما في الموت شكٌ لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائمُ تمرُ بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاحٌ وثغرك باسمُ قال بنو إسرائيل: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] يقولون: إن الموت أدركنا فرعون عنده ستمائة ألف مسلح وراءهم، والبحر أمامهم، فيقول موسى عليه السلام والعصا بيده: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] يقول: أنا معي ربي جربتُ شرعته هداني في مناسبات، وأنقذني حتى في قصر فرعون وغلبت فرعون، وعند فرعون ستة وثلاثون ألف حارس بالسيوف وأنا وحدي ونصرني!! ونصرني في الميدان! ونصرني يوم ألقيت العصا! ونصرني يوم كَادَني ذاك!! أما الآن فمعي ربي: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] فأوحى الله إليه الضرب بالعصا، يقول ابن جرير الطبري في التاريخ: اضرب بعصاك البحر، فكان موسى متأخراً قليلاً، فقال لهارون عليه السلام: اضرب أنت، ظن موسى أن الأمر فيه سعة، هو أو هارون سواء، فضرب هارون فما تغير البحر، بل قال ابن جرير إن البحر يقول: من هذا الجبار الذي يضربني، فقال الله عز وجل لموسى: اضرب أنت!! وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزالِ فأخذ العصا وقال: بسم الله، فضرب فانفلق!! هذا من الهداية.

شرح الصدر علامة للهداية

شرح الصدر علامة للهداية {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:125] ظلمة وضيق وفجور وبعد عن الله، وتمزق وتشتت وأسى ولوعة، عنده الأدوية والعقاقير ولكنه لم يستخدمها، ساكنٌ في مكانٍ مريح، وعنده نعم ومال لكنه لم يعرف الهداية، ولم يذقها، وقد قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:125].

الهداية في السنة

الهداية في السنة أختتم بها هذه المحاضرة التي أهديها بمناسبة هذا الشهر الكريم إلى من أعرض ونقول له: تب، وإلى من تاب نقول: استمر، وإلى من استمر نقول: واصل، وإلى من واصل نقول: اجعلها خاتمتك. يقول عليه الصلاة والسلام يوصي علياً: {قل اللهم اهدني وسددني} والحديث عند مسلم، وكان يقول عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن مسعود عند مسلم: {اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى} كلمات مباركات، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: {واهدني إلى أحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت}. وأختم بذاك الدعاء المشهور الذي أطلبُ منكم ومن نفسي أن نحفظه وأن نكرره في هذه الليالي المباركات، وهو في صحيح مسلم عن عائشة كما مر: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل! فاطر السماوات والأرض! عالم الغيب والشهادة! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم} هذه هي الهداية. وهذه هي رسالة محمد عليه الصلاة والسلام هي معالم الخلود وهذه هي النجاة اللهم تقبل منا واصرف عنا كل سوء، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الخطوط الحمراء

الخطوط الحمراء في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات) الحديث. وفي هذا الحديث ذكر لمحظورات كثيرة منتشرة بين الناس، تعمل على تمزيق المجتمع كما أنها حالقة لدين المرء، وفي هذا الدرس شرح لهذا الحديث وذكر ما يستنبط منه من فوائد.

قضايا في حديث: (إن الله حرم عليكم)

قضايا في حديث: (إن الله حرم عليكم) إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الأحباب البررة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عنوان هذا الدرس (الخطوط الحمراء). وقبل أن أبدأ أحمد الله عز وجل أن شرفني بالجلوس أمامكم، وعلى أن شرفكم بحضور مجالس الرحمة والتوبة والإنابة والقرب من الله، هذه الليلة مساء السبت (21) من شهر ذي القعدة لعام (1412هـ). هذه الخطوط الحمراء وضعها رسولنا عليه الصلاة والسلام، وليس للعبد أن يتجاوزها، فإنه هو المعصوم عليه الصلاة والسلام الذي يحلل ويحرم بإذن الله، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36]. إذا علم هذا فالخطوط الحمراء في كلامه عليه الصلاة والسلام فيما ثبت في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال}. من يستطيع من البشر أن ينسج مثل هذه الكلمات؟ من يعبر بمثل هذا التعبير؟ من الذي يستطيع بعقله وبتفكيره وبقلمه وبمواهبه أن ينظم كلاماً في سطرين يكون قاعدة كبرى للأمة، فيحلل ويحرم، ثم يكون في أجمل أسلوب وفي أجل عبارة. إنه رسولنا عليه الصلاة والسلام. وفي هذا الحديث قضايا: أولاً: من هو راوي الحديث؟ هذا الحديث رواه البخاري ومسلم ولكن راويه من الصحابة المغيرة بن شعبة، وهو ثقفي من الطائف أسلم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحب الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلمه صلى الله عليه وسلم من أحاديثه وسننه الشيء الكثير، تميز من بين الصحابة بالذكاء الرهيب إلى درجة الدهاء والعبقرية، فهو مع معاوية بن أبي سفيان وزياد بن أبيه وعمرو بن العاص فهم دهاة العرب الأربعة. هذا هو المغيرة بن شعبة. تولى العراق في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، وله الحديث الطيب العطر عن الرسول عليه الصلاة والسلام. ويكفيه أنه روى هذا الحديث: {إن الله حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال} وقائل هذا اللفظ كان أمياً عليه الصلاة والسلام، ولكن الله علمه؛ قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113]. القضية الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: {إن الله حرم عليكم} والمحرم حقيقة والمحلل هو الله، ولا يحق للإنسان أن يحرم أو يحلل من عند نفسه، قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116] فليس للإنسان أن يبتدع من عنده تحريم محلل أو تحليل محرم على الأمة، فإن الله سوف يحاسبه ويعاقبه. ولذلك أحذر نفسي وإخواني ممن يتكلم أو يوجه أو يربي الناس أن يقحم نفسه في تحريم حلال أو تحليل حرام؛ فإن هذا ليس لأحد إلا لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ثم لرسوله عليه الصلاة والسلام.

نبذة حول الحرمة والكراهة في الشرع

نبذة حول الحرمة والكراهة في الشرع أما الفرق بين التحريم والكراهة: فالحرام في الاصطلاح: ما يثاب تاركه ويعاقب فاعله. وأما المكروه: فهو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، هكذا عُرِّف. والرسول عليه الصلاة والسلام ملك زمام البلاغة بيده، فانظر كيف نوع عليه الصلاة والسلام! فإنه قال: {إن الله حرم} ثم قال: {وكره لكم} فلو قال صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم، ثم قال: إن الله حرَّم، كان في الأسلوب تكرار ينبو عنه السمع، ولذلك تجده صلى الله عليه وسلم يقول مثلاً: {إن الله كتب عليكم خمس صلوات، وفرض عليكم زكاة} فلم يقل: كتب صلاة وكتب زكاة، فهذا مكرر تمجه الأسماع، فعدل عليه الصلاة والسلام عن التحريم في الثانيه فقال: {وكره لكم} أمر آخر: إن المكروهات الثلاث في قوله: {وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال} أقل خطورة من الثلاث الأولى التي ذكرها رسولنا عليه الصلاة والسلام. ثم قال: {عليكم} والمخاطب به الأمة الإسلامية، أمة الاستجابة التي اتبعته عليه الصلاة والسلام، فإن المسلمين هم المخاطبون بفروع الشريعة، والكافر لا يخاطب بفروع الشريعة في قول لأهل العلم، ولو أنه ينكل ويعذب على تركه فروع الشريعة، ولكن المقصود بـ: {عليكم} أي: على الأمة، والمقصود بهم الذين حضروا هذا الخطاب منه عليه الصلاة والسلام والذين لم يحضروا بحيث كانوا أحياءً وكانوا غيباً عن مجلسه، أو كانوا في أصلاب أمهاتهم، كمثلي ومثلك الآن، فإنا أتينا بعد أربعة عشر قرناً نتبعه ونحبه ونقتدي به عليه الصلاة والسلام، فهو يخبرنا بالخبر، وما زالت ألفاظه وأوامره ونواهيه فينا حية. ثم قوله: {إن الله حرم عليكم: عقوق الأمهات} لم يقل الآباء والأمهات لأمرين: الأمر الأول: عظم حق الأمهات، فإن حقهن عظيم، ولذلك قال بعض العلماء استنباطاً كالحافظ وغيره: للأم ثلاثة حقوق، وللأب حق واحد من الآداب والوقار والعطاء، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح لما سأله الرجل: {من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك} فجعل لها ثلاثة حقوق وجعل للأب حقاً واحداً، فهي بالنسبة للأب ثلاثة أرباع الحقوق، فأتى صلى الله عليه وسلم بحق الأمهات؛ لأنهن أعظم حقاً وأعظم منزلة. الأمر الثاني: اتساق العبارة في السجع الجميل غير المتكلف، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يقف على التاء، فقال: {عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات} فوقف على التاء، ولو أتى بالآباء -عليه الصلاة والسلام- ما وقف على سجعة، وهذا محله علم البلاغة.

تعريف العقوق والأدلة على تحريمه

تعريف العقوق والأدلة على تحريمه قال: {عقوق الأمهات} أما العقوق -أعاذنا الله وإياكم- فإنه القطع يقال: عق الشجرة أي: قطعها، وعق الحبل أي: قطعه، فالعقوق القطع، قال سبحانه: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [البقرة:27] وقال: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23]. وقد ورد تحريم العقوق والأمر بالصلة في آيات كثيرة كقول المولى جلت قدرته: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء:23] وكقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [البقرة:83] وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} [الأحقاف:15]. وحرَّم عليه الصلاة والسلام العقوق في أحاديث كثيرة، ولكن لا يتسع المجال لذكرها؛ لأن المقام مقام تحذير من العقوق، وليس المقام مقام ذكر للبر والصلة، ولو أني سوف أستطرد قليلاً في بعض ما نقل عن السلف في بر الوالدين، وفي تحريم عقوق الوالدين، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على عظم حق الأب كثيراً حتى قال كما في الصحيح: {لا يدخل الجنة قاطع} والمعنى: قاطع الرحم، وأولى من يوصل الأب والأم، فهما الوالدان، وهما باب الجنة، وكما يروى: {الجنة تحت أقدام الأمهات}.

من أشعار العرب في حب الأمهات

من أشعار العرب في حب الأمهات وبالمناسبة فقد توفيت جدة المتنبي، وكانت من أسرة طيبة المنبت، فامتدحها وأثنى عليها ورثاها، وهو شاعر العربية الذي لا يشق غباره، وإن شاء الله سيكون هناك درس بعد فترة بعنوان: (مالئ الدنيا وشاغل الناس)؛ نعيش فيه ليلة مع المتنبي. قبل وقاة جدته أرسل لها رسالة في منبج يدعوها لزيارته في العراق، فوصلت الرسالة فقبلت رسالته وبكت، ثم أصابتها حمى فماتت، ولم تزره، فاسمع العربية والقوة والإبداع بمناسبة بر الوالدة، وهذه جدة، قال: ألا لا أرى الأحداث مدحاً ولا ذما فما بطشها جهلاً ولا كفها حلما إلى مثل ما كان الفتى مرجع الفتى يعود كما أبدي ويكري كما أرم لك الله من مفجوعة بحبيبها قتيلة شوق غير ملحقها وصما إلى أن يقول: أحن إلى الكأس التي شربت بها وأهوى لمثواها التراب وما ضما بكيت عليها خيفة في حياتها وذاق كلانا ثكل صاحبه قدما ولو قتل الهجر المحبين كلهم مضى بلد باق أجدت له صرما عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا فلما دهتني لم تزدني بها علما يقول: أنا أعرف الليالي أنها تفعل كذا، فلما دهتني بجدتي ما زادتني بها خبرة، هي فقط أثبتت أنها تأخذ الأحباب. منافعها ما ضر في نفع غيرها تغذي وتروي أن تجوع وأن تظما ثم قال في جدته: أتاها كتابي بعد يأس وترحة فماتت سروراً بي فمت بها غما حرام على قلبي السرور فإنني أعد الذي ماتت به بعدها سما تعجب من لفظي وخطي كأنما ترى بحروف السطر أغربة عصما يقول: تعجبت من سطوري يوم كتبت لها فماتت. وتلثمه حتى أصار مداده محاجر عينيها وأنيابها سحما رقا دمعها الجاري وجفت جفونها وفارق حبي قلبها بعدما أدما ولم يسلها إلا المنايا وإنما أشد من السقم الذي أذهب السقما طلبت لها حظاً ففاتت وفاتني وقد رضيت بي لو رضيت بها قسما فأصبحت أستسقي الغمام لقبرها وقد كنت أستسقي الوغى والقنا الصما ثم يقول: ولو لم تكوني بنت أكرم والد لكان أباك الضخم كونك لي أما وهذا من أبياته القوية مثل بيته الأول الذي يقول: قفي واغرمي الأولى من اللحظ مهجتي بثانية والمتلف الشيء غارمه ومعنى البيت أيها الأحبة: لو لم يكن أبوك ماجداً أنتج مثلك للناس لكان يكفي أنك جدة لي، فهو يفتخر بها، ثم يقول: الفخر أنك جدة لي، فالفخر لك ليس لي في أبيات طويلة أنا أتركها إلى أن يقول: فلا عبرت بي ساعة لا تعزني ولا صحبتني مهجة تقبل الظلما فهذه بعض الأبيات في رثاء الجدة. وقد رثى بعض الأحبة -وهو شاعر منطيق قوي- أمه في أبيات، أذكر بعضها يقول: ماذا أقول وفيما أشتكي زمني صبراً جميلاً على ما كان من زمن أقول والعمر جاث حول مرقدها: أماه! والخوف يدنيني ويرسلني فيما تعانين من هم ومن ولهٍ أحس تحت إهابي ما يمزقني هل تذكرين عظامي اسمع الصورة: هل تذكرين عظامي وهي عالقة على يديك وريقات على فنن أو تذكرين جفوني وهي مبحرة تحت اللفائف بين الضعف واللدن أو تذكريها وقد ذابت موسدة ضلعين من صدرك الثرثار باللبن أم الوحيد أجيبيني قد اقتربت نفسي ولكنها في الغيب لم تحن فأطرقت ثم أومت لي مؤشرة إلى جبيني ومالت كي تطمئنني قالت محضتك مكنوني فكن رجلاً في العمق من جرحي كالخنجر اليمني إلى آخر ما قال. وأعود إلى شرح الحديث. ممن بر والدته ابن سيرين عالم التابعين يقول: ما صعدت بيتاً منذ أن وجدت أمي خوفاً من أن أعلو أمي وهي تحتي، في المنزل! وكان إذا دنا معها في المائدة لا يرسل يده حتى ترسل يدها، يقول: أخاف أن آخذ لقمة تشتهيها فأكون عاقاً. ووصل رجل من أهل اليمن يطوف بأمه وهي عجوز، ويحملها على منكبه في حرارة مكة، ويطوف بالبيت، وعرقه يتصبب، فرأى ابن عمر فقال: يا بن عمر أوفيتها حقها؟ أبررتها؟ قال ابن عمر: لا والله ولا بزفرة واحدة. وتعلمون في الصحيحين قصة من انطبقت عليهم الصخرة: أولهم الرجل الذي فرجت له الصخرة بسبب أنه حلب نياقه ثم أتى إلى أبويه الشيخين، فوجدهما نائمين، فبقي واقفاً باللبن وأطفاله يتضاغون عند قدميه حتى طلع الفجر، وأطفاله يطلبون اللبن، فاستيقظ والداه فشربا اللبن، فلم يوقظهما لئلا يزعجهما، ففرجت له الصخرة بمقدار بره بوالديه. وتعلمون أن الأم مقدمة في الحق على الأب؛ فإن لها الاحترام الكثير، والخضوع الكبير، ولها ثلاثة أرباع الرقة والعطف والحنان، فإنها مرت بأمور وبأزمات وبوقفات لا يعلمها إلا الله، والوالد لم يمر إلا بربع ما مرت به من هذه المشاكل، ومن التربية والحنان على الولد.

شرح قوله صلى الله عليه وسلم: {ووأد البنات}

شرح قوله صلى الله عليه وسلم: {ووأد البنات} قوله عليه الصلاة والسلام: {ووأد البنات}: الوأد هو: دفن البنت حية، وكان الجاهليون يفعلون ذلك هروباً من عار البنت؛ فإنهم يقولون: البنت إذا ربت كانت عاراً على أهلها، وهذا منطق سخيف حرمه الإسلام، وقد جعله الله عز وجل من أعظم الذنوب، فإن رزق البنت على الله، وربما كانت البنت مباركة أعظم من بركة الولد، وقد منح صلى الله عليه وسلم من البنات أكثر من الأولاد، فحرم الله ذلك، وقال سبحانه: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9] قرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلْتْ} [التكوير:8 - 9] هكذا قرأ أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه بسكون اللام وكسر التاء الثانية في كلمة: (قُتِلْتِ). ويروى عن عمر والقصة ضعيفة ضعفها أهل السير، أنه كان يبكي في حياته حتى أخذ البكاء في خديه خطين أسودين، فقيل له في ذلك قال: أبكاني قصة ابنتي، وكانت في الجاهلية، ذهبت بها لأدفنها حية، فلما حفرت القبر وقع الغبار على لحيتي؛ فأخذت وهي صغيرة تنفض الغبار عن لحيتي قال: فدفنتها حية وهي تبكي. وورد عن قيس بن عاصم المنقري أنه أخذ ابنته وقد ربت ونشأت وترعرعت، فقال لأمها: حلي فلانة، فحلتها وطيبتها وغسلتها، فأخذها بيدها، فلما ذهب بها إلى بئر مطوية في بادية من بوادي بني تميم، فأشرفت على البئر، فنكسها على رأسها فماتت. وكان قيس عاقلاً لكن الجاهلية أذهبت عقل العاقل، وإلا فإنه الذي يقال له: عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما تحية من ألبسته منك نعمةً إذا زار عن شحط بلادك سلما وما كان قيس موته موت واحد ولكنه بنيان قوم تهدما وقال سبحانه: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} [الأنعام:151] وقال: {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء:31] والمعنى من فقر؛ فإن الرزاق هو الله عز وجل، فليس الأب الذي يرزق أولاده، ولذلك فتحديد النسل نظرية خاطئة؛ لأنها خوف من الرزق، لا يوافقها الإسلام ولا الكتاب ولا السنة، لأن الله هو الذي يرزق؛ قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6] وما ولد مولود إلا وقد تكفل الله برزقه وبأجله، وبسعيد أو شقي، وبعض الناس يكون فقيراً وليس له ولد، فإذا ولد له أولاد وبنات رزقه الله رزقاً عظيماً، ولا تدري لعل رزقك هذا الذي يمنحك الله إياه بسبب بنت لك واحدة، فإن الرزاق حقيقة هو الله وليس العباد. وأول من أحيا الموءودة في الجاهلية، ومنع أن توءد هو جَدُّ الفرزدق صعصعة بن ناجية، فإنه منع الموءودة أن توءد حتى يقول الفرزدق: وجدي الذي منع الوائدات وأحيا الوئيد فلم توءد وكان جده فارهاً في العرب يقول: أحيا بإذن الله عز وجل في الجاهلية مائة فتاة ومنعهن من القتل، فكان يأتي الفتاة التي يريد أبوها ذبحها، فيأخذها ويربيها عنده حتى يزوجها: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32]. وهذه -والحمد لله- ليست موجودة في عالم الإسلام، وما يقدم عليها أحد إلا من أضل الله سعيه وما سمعنا بذلك، لكن منع النسل وحجزه وحظره وإلغاؤه هو الذي أفتى فيه أهل العلم، أما تحديده فإن في المسألة تفصيلاً، وقد تكلم فيه بعض كبار العلماء، وكتبوا فيها رسائل، فقالوا: إذا كانت المرأة مريضة، ولا تستطيع مواصلة الحمل ويضرها؛ فإن لها أن تؤجل سنوات حتى تشفى، أو كان هناك ظروف خاصة لا يعلم بها، فإن لهم أن يحددوا فترة من الزمن، أما قطع النسل فهذا هو الممنوع الذي لا يجوز. وبعض الآباء يقول: أكتفي بطفلين أو بثلاثة، وهذا ليس في الإسلام؛ لك أن تحدد النسل، ولكن ليس لك أن تقطع النسل.

شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (منعا وهات)

شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (منعاً وهات) قال عليه الصلاة والسلام: {ومنعاً وهات} أي: وحرَّم الله عز وجل المنع، وهو أن تمنع الحقوق التي عليك، والحقوق منها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، فالواجب كالزكاة والمستحب كالصدقة، وغيرها من الحقوق التي جعلها الله عز وجل في مال العبد، وفي خلقه، وفي شفاعتة، وفي جاهه ومنصبه ومسئوليته، فالمنع محرم، ويدخل في ذلك البخل، والبخل أذم خصلة وجدت في العبد، حتى قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ذاماً اليهود: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64] قال ابن عباس كما في تفسير ابن كثير: بخيلة، وهم البخلاء عليهم لعنه الله. حتى إن بعض السلف من أدبه مع الله كان إذا قرأ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:64] كان يقرؤها باستحياء يخفض بها صوته؛ لأنها في جانب العزة والجلالة سُبحَانَهُ وَتَعَالى، بل الله سبحانه هو الغني الجواد، وكل عبد يجود فهو من جوده سُبحَانَهُ وَتَعَالى، خزائنه لا تنفد لو أنفق ليلاً ونهاراً: {يد الله سحَّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنها لم تغض مما في يمينه إلا كما يغيض المخيط إذا أدخل البحر} قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] وقال تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً} [الإسراء:100].

ذم البخل

ذم البخل ولو سئل الناس التراب لأوشكوا إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا التراب -وهو تراب- لو سألت الإنسان كل يوم مد تراب لمنعك، يقول: في هذا التراب سر ولعل فيه ذهباً، فالإنسان شحيح وأكرم الأكرمين هو الله، يطعم الفاجر ويسقيه ويعطيه، ويسكنه ناطحات السحاب وهو كافر. وقرأت في ترجمة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أنه كان له عبدان رقيقان يرسلهما مع صلاة المغرب، ويقول: أوقدا ناراً عظيمة، وقد كان إبراهيم عليه السلام كريماً، وكان عند الضيافة يروغ، قال تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26] والضيوف قليل جاء بعجل فيقول لرقيقه: من أتى منكم بضيف فهو حر لوجه الله. فتصور حرص هذا المولى على أن يجد ضيفاً، فوجد ضيفاً كافراً فأتى به، فأدخله على إبراهيم عليه السلام، وصحفة إبراهيم دائماًُ مليئة بالطعام المبارك وباللحم، وقربه إبراهيم وقال: قل بسم الله! قال الكافر: ما أعرف بسم الله! وهذا سيد التوحيد، ورئيس قسم العقيدة، يقول الكافر: ما أعرف بسم الله قال إبراهيم عليه السلام: والله لا تأكل لقمة، كيف لا تعرف بسم الله الذي أقام السماوات والأرض: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} [الفرقان:60] فأخذ عصاه وخرج، فأوحى الله إلى إبراهيم، عجباً لك يا خليل الرحمن! هذا الكافر أطعمته وأسقيته سبعين سنة وأنت ما أطعمته ليلة. من الذي أطعمه في عمره؟ الله. فسبحان الجواد الكريم! قال الله تعالى في البخلاء: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الحديد:24] بعض الناس بخيل من درجة ممتازة، البخل مركب فيه يرثه أباً عن جد بسند قوي، فهو بخيل، وأبوه بخيل، وجده بخيل، فتجد البخل يجري في دمه، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الحديد:24] وتجد بعض الناس يلقي محاضرات في البخل، ويوصي جيرانه وجماعته، يقول لأحدهم: عليك بحفظ المال لا تضيف هؤلاء، اتق الله في مالك، فلن ينفعك إلا درهمك الأبيض في يومك الأسود! ويضع أحاديث في هذا. وسوف أقص عليكم بعض قصص البخلاء، وقد ألف فيه بعض الفضلاء كـ الجاحظ بعنوان البخلاء والخطيب البغدادي أيضاً بعنوان: البخلاء. فأما الخطيب البغدادي، فأتى بآيات وأحاديث وقصص، وأما الجاحظ فجرده قصصاً أدبية، وكلا الكتابين فيهما مسرح للنظر وللفكر، ولا بأس بإيراد بعض الشيء. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] أي: فالذي يبخل لا يبخل إلا على نفسه لا على الله، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79] فالبخل مقيت، قال بعض أهل الأدب: كان أعظم عيب عند العرب البخل.

البخل ينافي السيادة

البخل ينافي السيادة سأل عليه الصلاة والسلام بني سلمة -وهم يسكنون في قباء - قال: {من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا: سيدنا الجد بن قيس على بخل فيه، قال: وهل داء أدوى من البخل؟! بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح} أما هذا فليس بسيد، فخلعوه من تلك الليلة وولى عليهم عمرو بن الجموح؛ لأنه يستحق السيادة، أما البخيل فلا يستحقها. وعند الترمذي بسند فيه كلام: {السخي قريب من الله قريب من عباده، والبخيل بعيد من الله، بعيد من عباده، بعيد من الجنة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وقد أسهب الجاحظ وهو يكتب عن البخلاء وعن قصصهم، ثم أتى الخطيب البغدادي المحدث الشهير فكتب كتاباً فذكر البخلاء من طبقات الناس: من بخل بخبزه، من بخل بطعامه، من بخل بوقته، لأن البخل أنواع، ومنهم من يبخل بالعلم، حتى تجده من أبخل الناس بالعلم، ومنهم من يبخل بجاهه، ومنهم من يبخل بوقته، ومنهم من يبخل بواسطته وشفاعته، والجود منحة ربانية يمنحها الله من يشاء. وفد عبد الله بن قيس الرقيات الشاعر على عبد الله بن الزبير رضي الله عنه فوقف عليه وابن الزبير أمير المؤمنين لمدة ست سنوات فقال: أتيتك من بلد بعيد ناءٍ، نقبت ناقتي وكلَّ مسعاي وضمر جسمي أريد أعطية منك. قال: أما أن ناقتك نقبت -أي أنها أصابها حفى- فخذ لها جلداً وحذها به، وأما أنت فأعطيك تمراً تأكله الآن، فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك. فقال: إن وصاحبها! بداية وهذا شاهد في النحو ذكره ابن هشام في كتاب شذور الذهب، معناها: نعم وصاحبها، فذهب هذا وكان شاعراً فقال: أرى الحاجات عند أبي خبيب نكدن ولا أمية في البلاد من الأعياص أو من آل حرب أغر كغرة الفرس الجواد يقول: يا أبا خبيب! نكدت عندك الحاجات، أين بنو أمية؟ لأنهم ينافسونه، فذهب إلى عبد الملك فأعطاه عشر نوق، وملأهن براً وزبيباً وتمراً. فالمقصود أن العبد إذا قُصد فعليه أن يعطي، وأن تحمد الله أن جعلك مقصوداً لا قاصداً، وأن جعلك يرتادك الناس لا يرتادون غيرك أو لا تكون أنت مرتاداً لهم. ومما ذكر: أن رجلاً أتى علي بن أبي طالب -ذكره صاحب كتاب عيون الأخبار - فقال له علي: أمسك ماء وجهك، لا تكلمني بحاجتك واكتبها، فكتبها على التراب يقول: أريد حلة يعني أريد ثوباً، فكساه علي رضي الله عنه حلة من أجمل الحلل، قالوا: خلع حلته التي يصلي بها العيد والجمع فأعطاه، فقال الرجل: كسوتني حلةً تبلى محاسنها لأكسونك من حسن الثنا حللا يقول: أنت كسوتني حلة واحدة والله لأكسونك حللاً من الثناء تبقى إلى آخر الدهر، وحسن الثناء مطلوب في الإسلام؛ قال تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء:84] يكسبه الإنسان بالمعروف والكرم.

من قصص البخلاء

من قصص البخلاء والبخلاء قصصهم عجيبة وغريبة، منهم أبو الأسود الدؤلي النحوي كان بخيلاً بالطعام، يرفع عنه القلم إذا رأى ضيفاً، وإذا قدمت مائدته امرأته رفع عنه القلم قالوا: فإذا رأى ضيفاً احمر وجهه، واختلفت عيناه، وأصبح يضرب سوطاً من بعيد "خطر ممنوع الاقتراب" فكان إذا قدمت امرأته طعاماً له قال: أغلقي الباب، فقدمت يوماً عشاءه ونسيت الباب، فاقتحم ضيف فقير مسكين، دخل عليه وجلس معه على المائدة، فجلس يأكل، وغضب أبو الأسود الدؤلي وقامت قيامته، فلما تعشى الضيف قام أبو الأسود إلى حبل، فشد الضيف يده اليمنى برجله اليسرى، وقال: والله لا أتركك في الليل تؤذي المسلمين، فهو يعتبر العشاء هذا إيذاءً للمسلمين، فحبسه حتى صلاة الفجر، ذكره أهل العلم فيمن ذكروا. ومنهم أحد أهل العلم رجل من أعيان المدينة كان سخياً بالمال بخيلاً بالطعام، وإذا أكلت عنده تغديت أو تعشيت استحل دمك، يقول أهل العلم: كان يستحل دم من يتعشى عنده، وكان والياً على المدينة، وهذا ذكره الخطيب البغدادي، وذكره الجاحظ وأهل الأدب، فدخل عليه ستة، ومعهم أشعب الطماع الذي يتبع الأعراس والولائم والحفلات ليأكل دائماً، وأشعب هذا يأكل أكل أربعة، فدخل مع الستة، فقال الستة بعضهم لبعض: انتبهوا لوالي المدينة لا تأكلوا عنده شيئاً، نريد غرضنا فقط، فوالله إن أكلتم لا يلبي طلبكم، ويستحل دماءكم، فجلسوا وكان غداء الوالي مازال على النار، وكان جدياً يطبخ، فجلس قال: تغديتم يريد أن يستأمن قالوا: الحمد لله، والله لا نريد شيئاً، قال: ما وراء الله مذهب، كفى بالله حسيباً من أقسم بالله بررناه، لو أنكم تركتم القسم لتغديتم معي، قالوا: لا والله تغدينا، قال: الحمد لله، فلما أتى بالغداء قال: تفضل يا أشعب -وكان يظن أنه سيقول: لا والله تغديت- قال: نعم فقام فأخذ جنب الجدي فمسحه، ثم جنبه الآخر فمسحه، ثم أقبل على الرأس فشذرمه، ووصل إلى اليد، فغضب هذا الوالي حتى أصبح يخالط في عقله، فلما انتهى قال: قبل أن تذهب يا أشعب -يريد أن يوقعه- عندنا أناس في سجن المدينة نريد أن تدخل معهم في رمضان تعلمهم القرآن لأنك تحفظ كتاب الله، والله! لتدخلن في رمضان فتصلي بهم كل رمضان، يقول أشعب: لا. وأعاهدك بالله عز وجل ألا آكل لك طعاماً بعد اليوم -وهذا مما ذكروه في هذا الباب- فأطلقه. قوله صلى الله عليه وسلم: {ومنعاً} المنع: البخل. ومن أقسام البخل قسم عظيم خطير، وهو البخل بالعلم والفائدة؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159] يبخل بالدعوة وبالموعظة، يبخل بالتوجيه والتربية وهو عالم ومتعلم وعنده خير، فهو من صف البخلاء الذين لعنهم الله؛ لأن الله يقول في بني إسرائيل حين بخلوا بالعلم: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:37] فأبخل الناس بالفائدة اليهود ومن سار على منوالهم من هذه الأمة. الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من البخل ومن الجبن، وقد قسم في يوم واحد سبعة آلاف ناقة وأربعة وعشرين ألف رأس من الغنم، ثم لحقه أعراب الناس يطاردونه يريدون مالاً، فنشب كساؤه بشجرة، فقال صلى الله عليه وسلم: {خلوا كسائي أيها الناس؛ فو الذي نفسي بيده! لو كان لي عدد عضاة تهامة غنماً وإبلاً لأنفقتها؛ ثم لا تجدونني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً} عليه الصلاة والسلام.

ذم السؤال لغير حاجة

ذم السؤال لغير حاجة وقوله صلى الله عليه وسلم: {ومنعاً وهات} فيه ذم السؤال، "هات" أي: الذي يسأل الناس تكثراً بلا حاجة، فقد ذمه صلى الله عليه وسلم، قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة:273] وقال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {لأن يأخذ أحدكم حباله فيذهب إلى الجبال فيحتطب ويبيع خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه} لا يحوز لك أن تسأل تكثراً عما يغنيك، فإنه حرام، ولذلك أحذر الذين اتخذوا الشحاذة والمسألة طريقاً في جمع الأموال، بل كشف عن بعضهم فإذا هو يمتلك خمسمائة ألف، وبعضهم بلغ الملايين المملينة في البنوك، وهو يتخذ من الشحاذة طريقاً ومهنة، وسوف يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم بل عظام فقط، قال صلى الله عليه وسلم: {من يسأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر، ولا تزال المسألة بالرجل حتى يأتي وجهه خدوش ليس فيه مزعة لحم يوم القيامة} يأتي ووجهه مقطع لأنه ما استحيا من الله، ثم ما استحيا من خلقه، ولا تجوز المسألة للقوي الذي يكسب ويستطيع أن يزاول العمل، ولا تجوز أيضاً لمن عنده غنى وكسب. ولذلك يفاجأ الإنسان حين يرى الأقوياء الفتيان الشباب يقفون أمام الناس، ويسأل أحدهم يا خيبتاه! شاب قوي يستطيع أن يعمل، يستطيع أن يكدح ويشتغل وينتج ومع هذا يسأل الناس، ومثل هذا لا يعطى لأنه قوي يستطيع أن يكسب. كان رجل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل الناس، فدعاه صلى الله عليه وسلم فأعطاه درهمين، ثم قال: {اشتر بهذا قدوماً أو فأساً، وخذ بهذا طعاماً لأهلك} يعلمه صلى الله عليه وسلم طريقة الإنتاج والعمل، يفتح له ورشة، وطريقاً للعمل والكسب وطلب الرزق الحلال، فذهب واشترى طعاماً لأهله، ثم أتى بفأس فأتي به في خشبة فركبه له صلى الله عليه وسلم ليكون مباركاً وقال: {اذهب بارك الله لك لا أراك شهراً} فيما يروى عنه، يقول: اذهب احتطب وبع، فكان يذهب في النهار، فيقتطع من الشجر، ويبيع في أسواق المدينة حتى أصبح غنياً، فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه أصبح غنياً، وقد أطعم أهله وكساهم وتصدق؛ قال صلى الله عليه وسلم: {لأن يذهب أحدكم فيأخذ حبالاً فيحتطب فيبيع خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه}. فالتحذير من هات هات؛ لأن بعض الناس يدمن على هذا، فيصبح وجهه صفيقاً لا حياء فيه، فيطلب الناس لغير الحاجة، حتى إن بعضهم قد يطلب لبعض الديون البسيطة التي على الناس أكثر منها، يفاجئك ويطلب يقول: علي مبلغ كذا وكذا، ولقد مات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة في ثلاثين صاعاً من شعير ولا يوجد من سلم من الدين. ومات الخلفاء الراشدون وأكثرهم مدين، وكذلك العلماء والأخيار والأبرار، فأن يجعل الإنسان وجهه صفيقاً وهو شاب قوي قادر ليس بصحيح. أيضاً الإسلام يعالج مبدأ العطالة والبطالة، ونحن نعيشها في بعض الصور، فقد تجد الشاب كسلان لا يشتغل، طرق العمل مفتوحة لكن لكسله يقف دائماً حائراً نائماً في بيته يتسلف ويقترض من الناس، فلا ينفع أهله ولا ينفع نفسه ولا أمته، فمثل هذا يحذر منه الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: {اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول} فاليد العليا هي اليد المعطية، واليد السفلى هي اليد الآخذة. وقد بايع صلى الله عليه وسلم جماعة من صحابته (ستة أو سبعة) على ألا يسألوا الناس شيئاً، ومنهم أبو بكر الصديق ومالك بن عوف، فكان يسقط سوط أحدهم في الأرض، فلا يقول للرجل: (ناولني) بل ينزل بنفسه يأخذه، فبايعهم صلى الله عليه وسلم تكريما لهم على ألا يسأل أحدهم الناس شيئاً. فمن كرامتك على الله عز وجل أن يغنيك عمن أغناه عنك، ومن الدعاء الطيب: اللهم أغننا عمن أغنيته عنا، فلا يكون لك حاجة إلى أحد؛ إنما حاجتك إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، إلا في ضرورات لا بد منها كالديات أو بعض الورطات أو الحوادث التي لا يستطيع الإنسان تسديدها. يقول المقنع الكندي يمدح نفسه: لهم جل مالي إن تتابع لي غنىً وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا يقول: أنا إن كثر مالي أنفقته على قومي، وإذا قل لا أكلفهم رفداً. وإنما بلغ حاتم الطائي هذا الذكر العظيم في الناس؛ أنه كان إذا وضع الطعام بين يديه يقول لامرأته: التمسي من يأكل معي، فإني لا آكل وحدي، فيبقى الطعام موضوعاً حتى تأتي امرأته أو أبناؤه بضيف، حتى يقول في قصيدة له: إذا ما وضعت الزاد فالتمسي له أكيلاً فإني لست آكله وحدي وقال عروة بن الورد في قصيدة له: أتهزأ مني أن سمنتَ وأن ترى بوجهي شحوب الحق والحق جاهد أوزع جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قراح الماء والماء بارد فإني امرؤ عافي إنائي شركة وأنت امرؤ عافي إنائك واحد وهي أبيات جميلة لا يتسع المقام لذكرها.

شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (قيل وقال)

شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (قيل وقال) وقوله عليه الصلاة والسلام: {وكره لكم: قيل وقال} من معانيه عند أهل العلم: نقل الكلام على وجه الأذية، أو للإفساد بين متحابين، أو إثارة الفتنة بين الناس، فإن هذا مذموم، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لا يدخل الجنة قتات} وهو الذي ينقل الكلام، وفي رواية: {نمام}. وقيل: إن (قيل وقال) هو الفارغ بلا عمل الذي يجلس في مجالس الناس، ويقول: قالوا وسمعت، وقالوا وقلنا ويقولون، وقال صلى الله عليه وسلم: {بئس مطية الرجل زعموا} وهي مطية كل رجل مخذول مرذول ليس له ثبات في الإيمان، وقيل: المقصود عدم التثبت، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] فعدم التثبت من الأخبار ونقل الشائعات أمر مرذول محرم على المسلم لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] ولذلك تجد أحدهم يصدق الشائعة وهي الكذبة تطير في الآفاق، وهؤلاء مغضوب عليهم عند الله عز وجل، وهم الذي يأخذون الكلام بغير تثبت، ولا يسندون أخبارهم، ولا يتثبتون، فيكونون هم مصدر الإشاعات وتربيتها في الناس ونشرها. وقيل: الردود والجدل؛ وهم الذي يتشاغلون في حياتهم بالجدل، وما أعرض قوم عن كتاب الله إلا أوتوا وأورثوا الجدل، فإذا رأيت الإنسان ترك العلم الشرعي وبحث المسائل والتحقيق؛ ابتلاه الله بالجدل، فيعيش مخالفاً دائماً، وسوف يأتي كلام عن المعضلات، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه} فإذا تركت مالا يعنيك كفاك الله عز وجل ما يعنيك، وساعدك في أمورك وأيدك وسددك، أما إذا تشاغلت بشيء لا يعنيك ابتلاك الله عز وجل فما قمت بما يعنيك. وقد قال صلى الله عليه وسلم لـ معاذ كما في الترمذي وأحمد {كف عليك هذا. قال: وإنا لمؤاخذون -يا رسول الله- بما نقول؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم}. ويروى: {من صمت نجا} ولا ينجو العبد إلا إذا أمسك لسانه عن فضول الكلام وعن الغيبة والنميمة والزور ونقل الشائعات، وعن الافتراء والتعرض للمسلمين، قال عليه الصلاة والسلام لـ عقبة بن عامر وقد قال له: يا رسول الله! ما النجاة؟ قال: {كف عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك} رواه الترمذي وهو حديث حسن. فكف لسانك أي: احبسه، قال ابن مسعود: [[والله ما شيء أحق بطول حبس من لسان]] وكان أبو بكر يبكي ويمسك لسانه ويقول: [[هذا الذي أوردني الموارد]] وكان ابن عباس يقف ويبكي على الصفا ويأخذ لسانه ويقول: [[يا لسان قل خيراً تغنم أو اسكت عن شر تسلم]]. وما أهلكنا إلا ألسنتنا، فنسأل الله عز وجل أن يسدد منا القول والعمل، وأن يجنبنا وإياكم الفتن والزلل والمحن، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71].

النهي عن الإتيان بالغرائب

النهي عن الإتيان بالغرائب ومن آداب المسلم في النهي عن القيل والقال: أن يتقي الله ولا يأتي بالغرائب، والدين هو المشهور الذي تقبله العقول والأذهان، ولا تنكره العقول ولا القلوب، فإذا رأيت الإنسان يورد العجائب والتهاويل في كلامه فاعرف أنه يريد شيئاً، ولذلك سمى الأئمة هؤلاء وضاعين كذابين قصاصين خرافيين، الذي يأتي بالغرائب مثل صاحب كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور فإنه أتى بغرائب من ضمنها يقول: ملك من الملائكة في بحر من البحار إذا جاع أخذ سمكة ورفعها إلى الشمس فقربها من الشمس وشواها وأكلها، هذا لا يقبله العقل ولم يأتِ به وحي، قال: وتحت الأرض السابعة نخلة ثمرها في السماء رطب من در، وهذا كذب، ثم يأتونك بأوصاف ما أنزل الله بها من سلطان لأن الذي تقبله العقول هو الدين الأصيل. اذهب إلى جمهوريات الاتحاد السوفيتي، وانظر كيف ينتشر الإسلام عبر المحيط، واذهب إلى أوروبا وسافر إلى أستراليا فهو يبلغ مبلغ الليل والنهار؛ لأن العقول تقبله، فإنه دين أصيل يخاطب الفطرة قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] ليس فيه خرافة ولا كذب ولا تدليس ولا تلبيس ولا مداجاة، بل كله حق كما يقول تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:23] صدقٌ ووضوحٌ مثل الفجر. ولذلك ألف ابن تيمية كتاب درء تعارض العقل والنقل ومما يؤثر عنه أنه قال على منبر مسجد بني أمية في دمشق: أتحدى العالم أن يوجد في الشريعة نصاً يعارض العقل أو يعارضه العقل، وألف كتابه العظيم هذا الذي قال عنه ابن القيم: ما طرق العالم مثله، فالدين تقبله العقول، أما إذا رأيت الخرافات والخزعبلات والغرائب فاتهم صاحبها.

السؤال المحمود والمذموم

السؤال المحمود والمذموم قال عليه الصلاة والسلام: {وكثرة السؤال}. السؤال قسمان: فذم عليه الصلاة والسلام قسماً. أما السؤال الممدوح فهو سؤال العلماء، وطلبة العلم، والدعاة، حتى يقال: سل عن دينك حتى يقول الناس: إنك مجنون، قيل لـ ابن عباس: كيف أوتيت هذا العلم؟ قال: [[بلسان سئول وقلب عقول]] فأنا أوصيك أن تسأل كثيراً، وأن تكون ملحاحاً في الأسئلة العلمية التي تنفعك في فقه الدين وفي تحقيق المسائل، واكتشاف الشريعة، فهذا يقربك من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وسل الفقيه تكن فقيهاً مثله من يجر في علم فقيه يمهر فلابد أن تسألوا {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] فالواجب على المسلم أن يسأل ولا يقول: أكثرت في الأسئلة فلن أسأل كثيراً، لكن تجنب أمرين: لا تسأل عن المعضلات والألغاز، ولا تسأل بقصد أن تعجز العالم أو الداعية أو طالب العلم، لأن بعضهم يريد أن يعجز أو يضحك الناس على العالم، وبعضهم أسئلته ألغاز لا فائدة فيها، ولا مصلحة منها، مثل: ما هي الكلمة التي إذا حذفنا حرف الوسط خرج لنا اسم سيارة؟ ما هو اللفظ الذي إذا أتينا بالحرف الأول والحرف الثاني فهذا ضياع للأوقات، نحن أمة عاملة متفقهة شاهدة، أمة وسط نعيش في علم الحياة، وهؤلاء لو أدركهم عمر بن الخطاب لأوجعهم بالدرة، أما أن تأتينا بحروف وخزعبلات وألغاز فوقتنا أضيق من أن يكون للألغاز. أيضاً مسألة السؤال عما لم يقع، لأن بعض الناس يسأل عن أمور ما وقعت، يقول مثلاً: من وقف على سماء عرفة ولم يقف على الأرض ما حكم حجه؟ وهل حدث هذا؟! وأحدهم يقول: لو قال لامرأته إذا طرتِ فأنت طالق فطارت المرأة فوقعت هل طلقت أم لا؟ فهذه الأسئلة لا توقعها ولا تأتِ بها، اسأل عن شيء وقع أو مثله يقع في الناس على قياسك. وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن كثرة السؤال فهو يلحق بالأول إما أنها السؤالات العلمية كقول مالك: "هي السؤال عن المعضلات" كمن يسأل عن مسألة فرضية ما وقعت إنما قصده أن يكبت العالم أمام الناس، أو يسأله عن أشياء قرأها هو وفهمها، ويريد أن يكتشف قوة هذا، فيريد أن يحرجه أمام الناس، فهذا لا يبارك الله في علمه ويطفئ نوره؛ لأنه أراد إحراج الناس صراحة وما أراد خيراً بالأمة، أو يسأل عن أمور ما وقعت كما قلت. ويلحق بكثرة السؤال الذين يسألون تكثراً في الأموال فوق الحاجة، أما الحاجة الملحة فيجوز للإنسان أن يسأل بالطرق المشروعة أما أكثر فمحرم.

حكم إضاعة المال

حكم إضاعة المال ثم قال: {وإضاعة المال} فكره الله لنا إضاعة المال، وهو صرفه على وجه الإسراف والتبذير قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:26 - 27] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67] وقال: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} [الإسراء:29]. فعلى العبد التوسط بالإنفاق في أمور الخير كما أخبرنا بذلك سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فلا يكون مبذراً بذخاً ولا يكون مقتراً بخيلاً.

من ورع الصحابة في الإنفاق

من ورع الصحابة في الإنفاق ومنها أن العبد لا ينفق في الطيبات إسرافاً، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف:20] وفي سيرة جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه أنه اشترى لأهله لحماً من السوق، وذلك مرة في الأسبوع. فما بالك بالأسر التي تعيش كل يوم على لحم، وبعض الناس لا يجدون اللحم في السنة مرة. عمر كان يعيش عيشة متقشفة، وهو خليفة يحكم اثنتين وعشرين دولة من طنجة إلى السند، ومع ذلك يبل الشعير في الزيت ويأكله، ويقرقر بطنه، ويشكو الجوع، ويخور ويبكي فقال لبطنه: [[قرقر أو لا تقرقر، والله! لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]] فهذا عمر. فخرج عمر إلى السوق، فلقيه جابر، وجابر قد اشترى لحماً، فخاف من عمر -انظر الرعية يشترون من أموالهم- فجعل اللحم تحت إبطه قال عمر: ما هذا؟ وكان عمر رضي الله عنه وأرضاه بازاً قارحاً ذكياً داهيةً كما قال ابن عباس، قال: لحم اشتهيته فاشتريته، قال: أكلما اشتهيت اشتريت؟! والذي نفسي بيده! إني لأعلمكم بأحسن الأكل وأطايب الطعام، ولكني أخشى أن أقدم على الله يوم القيامة فيقال لي: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف:20]. لما اشتهت زوجه الحلوى فقال لها من أين لي ثمن الحلوى فأشريها قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها هذا شيء.

من إضاعة المال صرفه في المعاصي وكثرة البناء

من إضاعة المال صرفه في المعاصي وكثرة البناء وقال بعضهم: هو صرف الأموال في المعاصي، أو في محاربة الحق، فمثل من يصرفها في المعاصي كمن يفتح مكاناً لتسجيلات الغناء، فيستأجر عاملاً، ويصرف الألوف المؤلفة في إغواء أجيال الأمة، ويصرف الغناء بأشرطة ويدخلها البيوت على الناس، أو محل الفيديو المهدم أو ترويج الفاحشة، أو المجلة الخليعة أو غير ذلك، وقد قال عنهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36] هم ينفقونها صراحة لكنها سوف تكون عليهم حسرة، سوف يذوقون الغصص لأنهم حاربوا الله بهذا المال. أيضاً من يصرفها في المعاصي كمن يسافر ليعصي الله عز وجل ولا يتصدق ولا ينفق ولا يبني المساجد ولا يساهم في الخير، فهؤلاء يلحق بهم قول الله تعالى: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36]. ومن وجوه الإسراف كثرة البناء، قال خباب بن الأرت: [[يؤجر العبد إلا ما وضع في هذا التراب]]. قيل: في البناء الزائد عن الحاجة، فإن بعض الناس هوايته البناء، حتى تجد رجله في القبر أي بلغ السبعين والثمانين وهو يلاحق المؤسسات، والعمال، والإسمنت، والحديد والماء، وهو مبهذل الليل والنهار كم تعيش؟! يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران دار أذن الله من فوق العرش بخرابها: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة:21] وكتب عليها الفناء: كتب الموت على الكل فكم فل من جيش وأفنى من دول حارت الأفكار في قدرة من قد هدانا سبلنا عز وجل وتجد الإنسان في السبعين -وهي من سبعين الاستغفار والتوبة والبكاء ولبس الكفن- مغرماً بالعمارات والبناء قال سفيان الثوري: "من بلغ الستين فليلبس كفناً فقد أعذر الله إليه" قال الله في لافتة لهؤلاء: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37]. يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ؟ ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزانُ وقد نظم الشعراء في ذلك أبياتاً جليلة وقصائد، ولولا الإطالة لذكرتها، ولأسهبت في ذكرها، ولكن على كل حال هذا تحذير من إضاعة المال في بناء وكثرة العمارات لغير مصلحة، إلا لمصلحة شرعية أو مقاصد من تنمية المال ليسهم به في وجوه الخير، وينسب إلى إبراهيم الصولي أنه قال: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها دارك التي تسكن وتنزلها غداً هي التي بنيت الآن. فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها سبحان الواحد الأحد! يموت أحدهم ولا يأخذ إلا الكفن ويترك عشرات القصور، وعشرات البساتين، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. قال الإلبيري: وما يجديك تشييد المباني إذا بالجهل نفسك قد هدمتا تفر من الهجير وتتقيه فهلا من جهنم قد فررتا وتشفق للمصر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمتا

خير الأمور الوسط

خير الأمور الوسط قال ابن عباس وهذا الحديث في الترمذي مرفوعاً عند بعض أهل العلم: {كل واشرب وتصدق من غير سرف ولا مخيلة} وهذا لا يعني أنا نحرم على الناس الطيبات؛ فإن الله يقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] ففي حدود الاقتصاد قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]. مأذون للعبد أن يشرب وأن يسكن وأن يأكل في حدود التعقل والاقتصاد بلا كبر ولا رياء ولا مخيلة، قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال:47]. ثم هناك مسألة وهي أنه لا بأس بجمع المال، ولا بأس بتحصيله من الوجوه الشرعية لتحفظ به ماء وجهك، ولا تترك أسرتك عالة يتكففون الناس، وفي الأثر: {ما عال من اقتصد} وقال عليه الصلاة والسلام في الصحيح لـ سعد: {إنك أن تترك ذريتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس} أي: يسألون الناس، قال الشاعر: قليل المال تصلحه فيبقى ولا يبقى الكثير مع الفساد فبين الإسراف وبين البخل منزلة أمرنا بها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. هذا حديثه عليه الصلاة والسلام: {إن الله حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات ومنعاً وهات، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال} هنا لك أن تقرأه على السكون والوقف: {إن الله حرم عليكم: عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعاً وهات وكره لكم: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال}. اتفق الشيخان على إخراج هذا الحديث، وأنا أرى أن يحفظه من أراد أن يخطب به للناس، لأنه عناصر، ولأن في لفظه عليه الصلاة والسلام بركة. وسبحان الله! لا يأتي العبد إلى ألفاظه عليه الصلاة والسلام ليشرحها على الناس إلا فتح له بإذن الله وسهل أمره وسدد. ما بقي من الوقت سوف أعالج به قضايا إن شاء الله، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية والرشد والسداد، أسأله بأسمائه الحسنى أن يصلحنا ظاهراً وباطناً، وأن يرعانا ويحفظنا وإياكم، وأن يغفر ذنوبنا وخطايانا، وأن ينصر الإسلام والمسلمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة .

حكم الاختلاف في المناهج وأساليب الدعوة

حكم الاختلاف في المناهج وأساليب الدعوة Q هنا بعض القضايا يعيشها الشباب، ويعرف ذلك من يخالط الشباب ويجلس معهم، ويسمع ويقرأ رسائلهم، ويسمع أخبارهم ويستمع لهم، منها: الاختلاف في مناهج وأساليب الدعوة، فما هي نصيحتكم؟ A أولاً: الاختلاف في مناهج الدعوة أو في أساليبها وكلٌ فيها مجتهد، ومن اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، فلا تثريب على من خالف في الأسلوب إذا كان شرعياً. فإن بعض الناس يرى في أسلوب الدعوة أن الموعظة هي الكفيلة بإصلاح الناس، وبعضهم يرى أن دعوة الناس فرداً فرداً هو الأصلح، وبعضهم يرى أن تأليف الكتب هو أمكن وأمتن، وبعضهم يرى أن الفتيا باب عظيم في نفع الناس، فيؤجر صاحب الفتوى، وصاحب الموعظة، والخطيب، والداعية والذي يربي الناس، كل على اجتهاده وعمله: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60]. فلا داعي للتحقير من جهود الناس؛ لأن بعض الناس حتى ولو كان داعية إذا سلك طريقاً أو أسلوباً وأعجبه أخذ ينكر الأسلوب الآخر، وأخذ يعترض على الأسلوب الآخر، وهذا لا يحق له. فالله هيأ ذاك لهذا الأسلوب، وهو لا يستطيع إلا أن يكون خطيباً، وأنت لا تستطيع إلا أن تكون مفتياً؛ فاعذره يا أخي! وتعاون معه، واشكر له سعيه، وادع الله أن يسدده، وأن يسهل أمره، لأن الأمة لابد أن تتكاتف، فالأمة كلها لا يستطيع الأفراد فيها أن يقوموا بالدعوة، فلا يستطيع الفرد في وقت واحد أن يكون أديباً، وخطيباً، وكاتباً، ومفتياً، وواعظاً، ومربياً، ولذلك وزع الله على الناس المهمات ليقوموا بها جميعاً.

الفجوة بين العلماء وطلاب العلم

الفجوة بين العلماء وطلاب العلم Q توجد فجوة بين العلماء وطلبة العلم. A هذه بدأت تتلاشى بإذن الله، والآن هناك اتصال بين طلبة العلم والعلماء، وإني من هذا المكان أتشرف أن أوجه الجيل إلى عالم الأمة سماحة الشيخ الجليل عبد العزيز بن باز، في أن يسمعوا كلامه وخطبه ومواعظه وكتبه؛ فإنه العالم الرباني، ولا أعلم عالماً الآن في العالم الإسلامي -وهم كثير- من بلغ هذه المنزلة إلا هو، أسأل الله أن يبارك في عمره، وقد سبق قبل سنة ونصف محاضرة لي بعنوان: الممتاز في مناقب الشيخ ابن باز، ولعلي بعد فترة أجمع معلومات جديدة عن سماحة الشيخ ممن يقرب منه من محبيه وطلابه وأبنائه بعنوان: الداعية الإنسان، إن شاء الله يكون فيها الجديد في الطرح. فالآن الحمد لله الدعاة قريبون من الشيخ لسماع مواعظه ونصائحه وتوجيهاته وتربيته، وأمثاله من العلماء الأفاضل كفضيلة الشيخ: محمد الصالح العثيمين، وفضيلة الشيخ الدكتور: صالح الفوزان، وفضيلة الشيخ: عبد العزيز آل الشيخ والشيخ: صالح اللحيدان والشيخ: عبد الله بن غديان والشيخ الجليل: عبد الله بن جبرين، والشيخ الجليل: عبد الله بن قعود، والشيخ: عبد الرحمن البراك، فهؤلاء علماء أهل السنة والجماعة في هذا العصر، ومعهم علماء كثير في العالم الإسلامي فليس العلم حكراً عليهم، لكن الذين نقترب منهم كثيراً ونجالسهم ونتصل بهم هم هؤلاء الذين سميت في هذه الجلسة وغيرهم كثير.

نصيحة لشباب تائبين

نصيحة لشباب تائبين Q حضر معنا هذه الليلة شباب عائدون تائبون لله، ولأول مرة يحضرون هذه الدروس، فأرجوك أن تقدم لهم نصيحة ثمينة غالية، وأرجوك أن تدعو الله لهم، حفظكم الله ورعاكم. A الأخوة العائدون إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الذين حضروا هذا الدرس، ومن أجلهم كتب هذا السؤال، نتشرف بهم هذه الليلة فما نحن إلا إخوة، وليس فينا معصوم، وكلنا خطاء وخير الخطائين التوابون، فتبنا إلى الواحد الأحد وعدنا إليه، ونسأل الله أن يغفر لنا ولهم وأن يتقبلنا فيمن تقبل، فهنيئاً لهم عودتهم إلى الله عز وجل، وأرفع لهم آية من كتاب الله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136].

آخر كتاب لعائض القرني

آخر كتاب لعائض القرني Q ما هو كتاب هذا الأسبوع؟ A كتاب هذا الأسبوع بعنوان (ثلاثون علامة للمنافقين) وهو موجود، وأكثر ما هو متوفر في الرياض وجدة، لكن المهم أنه كتيب يقع في ستين أو في خمس وستين ورقة بعنوان: (ثلاثون علامة للمنافقين).

ظاهرة الإقليمية عند طلاب العلم

ظاهرة الإقليمية عند طلاب العلم Q أرجو أن توضح الإقليمية عند بعض طلبه العلم. A الإقليمية تعني أن يعيش الإنسان محصوراً في منطقة أو مكان أو زمان خاص، فلا يتسع نظره للمسلمين عامة في بلاد الإسلام، ولا يعيش قضايا المسلمين، وقد وردت أسئلة الليلة عن أخبار البوسنة والهرسك. وسبق الحديث عنهم في خطبة بعنوان (وا إسلاماه) وسمع طرف من ذلك، وأنتم تسمعون أخبار العالم كيف ارتج لهذه الجمهورية المسلمة، لأنها هي الوحيدة في أوروبا فيما أعلم مسلمة، ولذلك تكالب عليها الكروات الصرب من الصليبيين والمسيحيين، وكرواتيا والصرب كانوا يقتتلون فلما كان القتال ضد المسلمين اجتمعوا ضد المسلمين، فالشكوى إلى الله. وآخر ما سمعت من أخبارهم كما سمعتم البارحة أنه رحل خمسة آلاف طفل في شاحنة كبيرة، فاعترضها الصرب، وفي الأخير أطلقت بعد أن كاد الأطفال يشرفون على الموت، ونفذ ما عندهم من الحليب، فهي أزمة ليس لها من كاشف إلا الله سبحانه، فنسأل الله أن يفرج الكربات عن المسلمين.

علاج قلة الاطلاع

علاج قلة الاطلاع Q الشباب يقولون: نشكو من قلة الاطلاع عندنا، فما نصيحتكم لهم؟ A هم بأنفسهم تسببوا في قلة الاطلاع، وهذا كأنه داء عصري في العرب، حتى نقل عن بعض الناس أنه قال: العرب أمة لا تقرأ إلا القليل، فأنا أوصيهم بأن أحسن ما يمكن أن يقدموا لأنفسهم ويثقفوا أنفسهم أن يقرءوا باستمرار، قراءة كثيفة وغزيرة ومتأنية وعميقة، وخاصة العطلة الصيفية وقد أقبلت، أرى ألا يقل طالب العلم في اليوم والليلة عن ثمان ساعات قراءة، يقرأ في كل ما لذ وطاب من الشريعة المحمدية وكتب أهل العلم وما ينفعه في الدنيا والآخرة.

سلبية عدم التأثير في حياة بعض المشايخ

سلبية عدم التأثير في حياة بعض المشايخ Q السلبية في حياة كثير من الأساتذة المشايخ هو عدم التأثير، فما رأيكم في هذا؟ A نعم، يسمى الانطوائية، وهي أن ينطوي الإنسان على نفسه ولا يؤثر ولا يتكلم ولا يدعو، ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، ويعيش في ذاته، فهو مهموم بعندياته وخصوصياته في اليوم والليلة، وهذا أمر واقع؛ فإن الملتزمين كثير، والدعاة كثير، وطلبة العلم كثير، والمثقفين كثير، ولكن أين تأثيرهم؟ أين مددهم؟ أين مزاولتهم للدعوة؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} وقال: {بلغوا عني ولو آية}.

ظاهرة الجدل البيزنطي

ظاهرة الجدل البيزنطي Q الجدل العقيم الذي يسمى: البيزنطي الذي لا يترتب عليه فائدة، ما هو تعليقكم على هذا؟ A وهذه قضية، فإنهم يتجادلون في أمور أنهاها العلم التجريبي أو العلم الشرعي، كقول بعضهم: هل الأرض كروية أو لا؟ فيقفون ليلة يختصمون في هذا المبدأ، تدور أو لا تدور؟ وهذا لا ينفع لأنه جدل عقيم، وهم مخفقون في مسائل الشرع والتفقه في الدين.

الفظاظة في الدعوة

الفظاظة في الدعوة Q الفظاظة والغلظة في الدعوة A هي عند البعض وليست عند الكل، فالحمد لله الكثير من الدعاة نجد فيهم انبساطاً وبشاشة وحسن خلق وتواضعاً للناس، لكن البعض يوجد فيه فظاظة وغلظة في التعامل، والله يقول: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] فتجد بعضهم ليس عنده إلا إصدار الأوامر للناس، هذا حلال وهذا حرام، اجتنبوا هذا، وهذا إلى النار، فيقنط الناس من رحمة الله التي وسعت كل شيء، فعليه أن يكون ليناً في الأسلوب قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:159].

ظاهرة عقوق الوالدين

ظاهرة عقوق الوالدين Q هنا يقول: بعض الشباب ينتشر فيهم عقوق الوالدين، فما هي النصيحة التي توجهها لهم؟ A وهذا صحيح؛ لأنه قد شكى كثير من الآباء والأمهات من عقوق أبنائهم، ولا أدري ما معنى الصلاة عند هؤلاء، ما معنى قراءة القرآن؟ ما معنى الدعوة؟ إذا كان الإنسان عاقاً لوالديه كيف تصلح أموره وتستقيم، بل وتجد بعضهم باراً بزملائه ويقدم حق زملائه وأصدقائه على حق والديه، فيخرج معهم ويستضيفهم ويضحك ويمزح، فإذا دخل على والديه قطب جبينه وغضب وأزبد وأرعد وتهدد. وبالمناسبة تذكرت قصيدة لعربي قال الزمخشري أنها ألقيت على الرسول عليه الصلاة والسلام: رجل ربى ابنه، ولما كبر ابنه واشتد عوده وصلب جذعه أتى الابن إلى الأب فلوى يده وبكته، فأتى الوالد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وبكى عنده وقال: ابني يا رسول الله تغمط حقي ولوى يدي وأغلظ لي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل قلت فيه شعراً؟ قال: نعم قال: ماذا قلت؟ قال: قلت فيه: غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجني عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململ كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به دوني فعيناي تهمل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل

ضرورة تحضير الدروس

ضرورة تحضير الدروس Q نحمد الله عز وجل على أننا نلتقي في كل سبت، وأصبح عندنا مساء السبت وجبة شهية معتادة، فإنا ندعوك إلى كثرة التحضير والمراجعة، فقد لمسنا ذلك في سفينة النجاة؟ A أسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنكم، يقصد الأخ بقوله سفينة النجاة المحاضرة السابقة، وأنا أشعر بحب وفرح وسرور مساء السبت، والسبب أني أنظر إلى وجوهكم الغالية، فأسأل الله أن يتمم هذا الخير، وأن يجعلها حلقة وصل للتفقه في الدين والذكر، وحفوف الملائكة، ونزول السكينة، وغشيان الرحمة، وأن يذكرنا الله فيمن عنده. فأبشروا وأملوا ما يسركم، وإن الموضوع هذا كالخطوط الحمراء بقيت أسبوع وأنا أفكر في مداخل الحديث وما يحضر له من آيات ومن أحاديث؛ لأن الداعية عليه أن يحترم جمهوره، وعليه أن يحترم من يحضر، لأني أعرف أن ممن يحضر من هو أفضل ممن يتكلم، وقد يكون أعلم وأفقه وأتقى، فما حضر إلا احتراماً، والأمة أصبحت واعية، فقد ارتفع منسوب الوعي والفهم عند الناس. وأنا مدين بهذا الحضور وأشعر بهيبة وبرهبة وخجل يوم أجلس هنا، ولذلك تجد أحياناً في الإلقاء اندفاع بحرج؛ لأن الإنسان يتصور وهو يجلس أمام المئات من الأساتذة ومشايخ الجامعات والقضاة وطلبة العلم والصالحين والأخيار، ومن يقوم الليل، ومن يصوم النوافل، ومن يريد إعلاء هذا الدين، ومن يفقه الأمة. والخلاصة الخالصة أنه يشعر أنه لا بد أن يلقي كلاماً مفيداً وأن يحترم عقولهم وأذهانهم؛ لأنهم احترموه بالحضور، وهذا يكون وأنا مستعد ومتقبل للملاحظات من الإخوة.

ظاهرة الانتكاس

ظاهرة الانتكاس Q ظاهرة الانتكاس عند بعض الشباب، فإنهم يتوبون ثم يعودون، ما تعليلها؟ A هذه لها أسباب، وقد بينت في شريط قديم بعنوان (أسباب الانتكاس) فعلى الأخ أن يعود إليه إن كان ممن يسمع الأشرطة فقد بينت هناك ما هي أسبابها. ومنها: العواطف، كأن يربى الناس على العواطف، ومنها رفقة السوء، ومنها قلة النوافل، وقلة قراءة القرآن، وقلة الدعاء، ومنها أن البيت يكون مهدماً لا يربي على الطاعة ولا على السنة، إلى غير ذلك.

ظاهرة التعالم

ظاهرة التعالم Q يوجد في بعض الشباب ظاهرة التعالم، فما نصيحتكم لهم؟ A ظاهرة التعالم تعني التبجح بالعلم، وللشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد أثابه الله كتاباً اسمه التعالم أرشح قراءته للإخوة. حتى إن بعضهم لا يحضر الدروس ولا الندوات، ويقول: ليس فيها جديد، وكل ما فيها عندي، مع العلم أن سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز يحضر ندوات الدعاة كل يوم خميس في الرياض، وتسمعه يصوب ويسر ويفرح، لأن هذا شيء عجيب أن تلقى عليك المعلومات وأن تسمعها، وأن تعاد عليك، وأن تكرر، وأن تسمع الفائدة، وأن تحفك السكينة، أما التعالم والتبجح والفرح بما عندك فقد قال الله: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [غافر:83] فهو من الكبر.

ظاهرة التفرق بين الشباب بسبب الإقليمية والشعوبية

ظاهرة التفرق بين الشباب بسبب الإقليمية والشعوبية Q الحزازات بين بعض الشباب بسبب الشعوبية والإقليمية والوطنية والقبلية؟ A { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] ليس فينا أسود ولا أحمر ولا أبيض، نحن أمة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران:103]. ليس عندنا تفاضل لا بنسب ولا بسبب ولا بلغة ولا بدم، بل أفضلنا أتقانا لله، أفضلنا وأكرمنا من حمل هذا الدين، وأعظمنا عند الله من أحب الله وأحب رسوله، وجاهد من أجله، وبذل النفس والنفيس، والغالي والرخيص من أجل رفع لا إله إلا الله، وأفضلنا من تولى الله وأحب الله وسجد له، ومن أخلص قلبه للواحد الأحد، فليس فينا مفضل بنسبه ولا بسببه ولا عندياته ولا بذاته. فالله عز وجل أدخل النار أبا جهل المخزومي وأبا لهب وأبا طالب عمي الرسول عليه الصلاة والسلام، وبلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي أدخلهم جنة عرضها السماوات والأرض. أيضاً وطن المسلم كل أرض أشرقت عليها شمس الإسلام، وأيضاً وطن المسلم هذا الكون الفسيح وكما سلف في القصيدة السابقة: أنا الحجاز أنا نجد أنا يمن أنا الجنوب بها دمعي وأشجاني بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني وفي ثرى مكة تاريخ ملحمة على رباها بنينا العالم الفاني في طيبة المصطفى روحي واولهي في روضة المصطفى عمري ورضواني النيل مائي ومن عمان تذكرتي وفي الجزائر آمالي وتطوان دمي تصبب في كابول منسكبا ودمعتي سفحت في سفح لبنان فأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني أمة واحدة قبلتها واحدة، وربها واحد، وكتابها واحد، ورسولها واحد، فمن يسعى إلى تمزيق الشمل أو تمزيق الأمة فهو آثم عند الله، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] هذه هي التي يجب على العبد أن يرتفع بها ويسمو، وأن يحب في الله ويبغض في الله، وأن يكون عالماً ربانياً كونياً شرعياً يتبع الشرع. هذا مما يطلب في مثل هذا المقام الشريف، وقد أكد عليه كثيراً في مثل محاضرة (فن تأليف القلوب) ومثل خطبة (وألف بين قلوبهم) وقد ذكرت شيئاً في تلك المحاضرة من كلام أهل العلم بعد الآيات والأحاديث وبمشاركة الشيخ: عبدا لله بن محمد بن حميد فمثل هذا يكفي في ذاك المجال.

نصيحة لحضور مجالس الذكر

نصيحة لحضور مجالس الذكر Q نريد الحضور ولكن المكان لا يتسع لنا؟ A إذا لم يتسع المكان فإنه يتسع القلب والصدر، تعال واجلس على قلوبنا: وصدورنا، وهذا وارد، وأنت إذا حضرت أوجد لك الله مكاناً وهيأه لك، وأنا كنت أود من الإخوة أن يتقاربوا لكن شكى بعض الإخوة يقول: إذا أقيمت الصلاة أصبح في الصف صفان، لكن إذا بدأ الدرس فليتقارب الصفوف بعضها من بعض، لأني أرى بعض الفراغات تأخذ بعض الإخوة، وهذا ليس بعذر أن يتخلف الإنسان بحجة أنه ما وجد مكاناً؛ فإني أعرف أن من يجلس في البرد أن الله يثيبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على جلوسه وعلى رباطه، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200] والعبد يؤجر على حضوره. أيضاً هذا الوقت من المغرب إلى العشاء مستهلك عند الناس، حتى أن غالب الطلبة لا يذاكرون في مثل هذا الوقت، ساعة أو ساعة ونصف، ثم لا يصلح هو أصلاً للزيارة إلا لمثل حضور فائدة أو نفع أو حضور مجلس خير مثل هذا المجلس، ثم هو يوم في الأسبوع، فعلى كل حال العبد يتغلب على كل المحبطات والملهيات والمشغلات ليكون مكسباً له في يومه وحياته. أسأل الله عز وجل لي ولكم القبول والهداية، والتوفيق والرشد والسداد، وأسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يعيننا على أنفسنا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

في ظلال لا إله إلا الله

في ظلال لا إله إلا الله (لا إله إلا الله) ليست قولاً فقط بل هي قول وعمل، وهي التي أدخلت عمر وعلياً وعثمان وبلال الجنة، وبسبب تركها دخل أبو لهب وأبو طالب النار -والعياذ بالله-. فلنعش لحظات مع (لا إله إلا الله) في هذا الدرس، ولنعرف هل نحن محققون لكلمة (لا إله إلا الله) قولاً وعملاً؟ وهل نعيش تحت ظلها؟

امتلاء قلوب الصحابة بلا إله إلا الله

امتلاء قلوب الصحابة بلا إله إلا الله إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مسلمونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عليكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالكمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء:101 - 102] من الذين سبقت لهم من الله الحسنى؟! إنهم أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين لا يسمعون حسيس النار ولا يخلدون فيها. فيا أهل لا إله إلا الله! ويا حملة لا إله إلا الله! (لا إله إلا الله محمد رسول الله) كلمتان يدور عليهما الإسلام، وفي مظلتهما هذا الدين، ولذلك كان عنوان هذا الحديث في (ظلال لا إله إلا الله). ويوم يأتي المسلم ليستقرئ سيرته -صلى الله عليه وسلم- يجد أنه بدأ بلا إله إلا الله وختم بلا إله إلا الله، وقف على الصفا عليه الصلاة والسلام فجمع الناس لينذرهم فقال: {يا بني هاشم! يا بني عبد مناف! يا بني كعب بن لؤي! قولوا: لا إله إلا الله؛ تفلحوا، إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد} حينها آمن من آمن بلا إله إلا الله فدخل الجنة، وكفر من كفر بلا إله إلا الله فدخل النار. يقول عمه أخو أبيه أبو لهب: تباً لك، ألهذا دعوتنا! فأنزل الله قوله المحرق لهذا الرعديد الفاجر: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد:1 - 2] ويأتي بلال من أرض الحبشة ليؤمن بلا إله إلا الله: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات:35] أما أهل الصفا، وأهل زمزم، وأهل الحرم، فقد كفر كثير منهم بلا إله إلا الله. أما صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي، وخباب بن الأرت فقد ملئوا قلوبهم بلا إله إلا الله. يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدعو الناس وقبل أن يتكلم إلى البشر: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. إذا أردت أن تدعو الناس، وأن تبدأ في طريقك وتزاول عملك، فاعلم -أولاً- أنه لا إله إلا الله {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65] هل تعلم أحداً مثيلاً لله؟! هل تعلم أعظم من الله؟! لا والله. أتى عدي بن حاتم (والحديث حسن) إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم -وأبوه حاتم الطائي كريم باذل جواد، ولكنه لا يساوي ذرةً في ميزان الحق؛ لأنه لم يدخل قلبه لا إله إلا الله محمد رسول الله، مات كافراً مشركاً فما أفاده إيمانه بالطاغوت، ولا نفعه جوده ولا كرمه؛ يقول ابنه كما في صحيح مسلم للرسول عليه الصلاة والسلام: {يا رسول الله! إن أبي كان يكرم الضيف، ويحمل الكلَّ، ويعين على نوائب الحق، فهل ينفعه ذلك شيئاً عند الله؟ قال: لا. إن أباك طلب شيئاً فأصابه} طلب الذكر، والشهرة، والرياء، والسمعة فحظه ذلك في الدنيا حتى يتراد صيته واسمه بين مجتمعاتنا ولكنه من الخاسرين. وكريم آخر يُسأل عنه صلى الله عليه وسلم فقال: {لا. إنه لم يقل يوماً من الأيام: رب اغفر لي خطيئتي}. {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] ويقول: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] ويقول: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65]. فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: {قلت: يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: لقد ظننت ألا يسألني أحد قبلك يا أبا هريرة، أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه} لكن ليس معنى لا إله إلا الله أن ترددها أيها المسلم بلسانك وأما واقعك وعملك فهو يخالف لا إله إلا الله، وكثير من الناس يتصور أنه إذا قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله كفى. لا إله إلا الله اعتقاد وقول وعمل، فإن بعض المشركين قالوا: لا إله إلا الله فما نفعهم ذلك؛ لأنهم ما اعتقدوا بمدلولها، وما أخلصوا في حملها، وما عرفوا العمل بها. إن من يقول: لا إله إلا الله، لا تفوته الصلوات الخمس جماعة. ومن يعتقد لا إله إلا الله، لا يتعدى حدود الله، ولا ينتهك حرماته. ومن يقول: لا إله إلا الله، لا يجعل بيته وثناً، ولا يجعل بيته مسرحاً للمعاصي؛ والأغنية الماجنة، والمجلة الخليعة، واللعن، والسب، والشتم، والاستهزاء بآيات الله وبرسوله وبالإسلام الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا يخالف لا إله إلا الله. وفي ظلال لا إله إلا الله -أيها المسلمون- لتعلموا أن من أكبر قضايا لا إله إلا الله هي: الإيمان بالله تبارك وتعالى، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96] {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3].

التقوى من أعظم ثمار الإيمان

التقوى من أعظم ثمار الإيمان والإيمان أكبر رافد من روافده تقوى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مسلمونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالكمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. لكن ما هي التقوى؟ ما تعريفها؟

تعريف التقوى

تعريف التقوى قال علي بن أبي طالب فيما أثر عنه عن التقوى: [[الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، الرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل]].

الخوف من الجليل

الخوف من الجليل يقول: التقوى هي الخوف من الجليل، هل تعرفون "الجليل"؟! هو الله الواحد الأحد، الجليل الذي يراك إذا تسترت بالجدران، الجليل هو الذي يراقب حركاتك إذا اختفيت في الحيطان. كثير من الناس لا يعرف الجليل، يخاف من السلطة ومن القائد والقيادة أكثر من خوفه من الله الواحد الأحد، يخاف من مراقبة المسئول أكثر من مخافته للواحد الجليل تبارك وتعالى، لا يخطئ ويقف بسمت حسن أمام هذا البشر الذي يموت ويعدم ويفتقر ويمرض، ولكنه لا يخاف من الله كخوفه من هذا المسئول: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً} [مريم:81] {لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [النحل:20] {وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]. الجليل هو الذي خلقك. الجليل هو الذي صورك: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الإنفطار:6 - 8] {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:1 - 2]. أتيت أقول لكم اليوم: إن الجليل هو الله الذي أنزل لا إله إلا الله لتعيشوا في مظلتها. علي رضي الله عنه وأرضاه يقول: [[تقوى الله هي: الخوف من الجليل]] الإمام أحمد بن حنبل؛ الإمام العالم الجليل الزاهد العابد الذي رفعه الله بالتقوى، لا بالمنصب، ولا بالشهرة، ولا بالمال. إمام أهل السنة والجماعة يحمل الحطب على كتفيه، فيؤخذ الحطب منه ويقال له: "كيف تحمل وأنت الإمام أحمد؟ قال: نحن قوم مساكين لولا ستر الله افتضحنا". الإمام أحمد يقول يوماً لأحد الشعراء: أتقول الشعر؟ قال: أروي الشعر. قال: ماذا تروي؟ قال: قول الشاعر: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب فقام وأغلق عليه الباب وأخذ يبكي حتى سمع بكاؤه من خارج البيت وهو يردد: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب يقول علي: " التقوى هي الخوف من الجليل. وإذا لم تخف من الجليل فاعرف أنك لست متقياً إلى الآن، يا سبحان الله! من يراقب مسئوله في الصلاة فيصلي من أجل مسئوله ألا يخاف الواحد الأحد؟! هذا إنسان سلخت العقيدة من قلبه ومن دمه ومن شرايينه. من يراقب السوط والسجن ويخاف منها ولا يخاف من الواحد الأحد، لا إله إلا الله ما أبعده عن الله!

العمل بالتنزيل

العمل بالتنزيل يقول: علي بن أبي طالب: [[التقوى: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل]] العمل بالكتاب والسنة. نحن أمة ليست مخيرة في أخذ شرائعها، وفي أخذ مناهجها ومبادئها، أمة تسير بالكتاب والسنة. فإذا علم ذلك، فليعلم الأخ الفاضل أنه لا بد أن يعمل على ضوء الكتاب والسنة، وأن يتقي الله فيهما وأن يكون على ضوئها وهي مظلة لا إله إلا الله.

الرضا بالقليل

الرضا بالقليل ثم يقول رضي الله عنه: [[والرضا بالقليل]] ما أكثر أموالنا! وما أكثر مناصبنا، وما أكثر وظائفنا! ولكن لا شيء ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94] يوم تدفن لا يدفن معك إلا العمل الصالح: {يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى العمل}. دخل بعض الصحابة على أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، وهو من كبار الصحابة، فوجدوا عنده شملة، وقعبٌ يتوضأ فيه، وصحفة يغتسل ويأكل فيها، وعنده عصا، فقالوا له: أين متاعك؟ قال: هذا متاعي. قالوا: وأين فرشك وأين طعامك؟! وأين شرابك وملابسك؟! قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أن أمامنا عقبة ولا يتجاوز العقبة إلا المخف} إن الذي يكثر من ملذات الدنيا وشهواتها يكون على حساب أجره عند الله عز وجل: {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء:20]. أتى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمفاتيح كنوز الأرض، أو أن تسير له الجبال ذهباً وفضة، فقال: {لا. أعيش عبداً رسولاً، أجوع يوماً وأشبع يوماً} لأنه يعيش تحت مظلة لا إله إلا الله.

الاستعداد ليوم الرحيل

الاستعداد ليوم الرحيل ثم قال رضي الله عنه: [[والاستعداد ليوم الرحيل]] ماذا هيأنا للعرض على الله عز وجل؟! ما هي الأعمال الصالحة التي قمنا بها وحملناها لذاك المصرع وذاك القبر؟! أعاننا الله وإياكم على ذلك القبر! والقبر فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءة وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ عمر رضي الله عنه وأرضاه يدخل عليه علي بن أبي طالب وقد طعن، ودماؤه تسيل عليه، فقال: طوبى لك يا أمير المؤمنين. قال: لا تدعني بأمير المؤمنين، فأنا اليوم لست بأمير المؤمنين، قال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين! أسلمت فكان إسلامك نصراً، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، وتوليت فكانت ولايتك رحمة. فبكى عمر وقال: [[يا ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا عليَّ]] كان عمر يبكي وراء الأسوار، ويجلد نفسه بالعصا ويقول: [[يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني ما عرفت الحياة، يا ليتني ما توليت الخلافة]]. وتقول عائشة وهي تبكي: يا ليتني كنت نسياً منسياً. إن الموقف ليس بالسهل، ماذا أعدننا أيها الأبرار، فقدنا الأجداد والأولاد، فقدنا الآباء والأمهات، فقدنا الإخوة والأخوات، إنه هادم اللذات، مفرق الجماعات، آخذ البنين والبنات طول الحياة إذا مضى كقصيرها والعز للإنسان كالإعسار يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

نداء للجندي المسلم

نداء للجندي المسلم يا أيها الجندي المسلم: أسألك بالله أن تتقي الجليل قبل أن تتقي المسئول؛ فوالله الذي لا إله إلا هو إن الذي لا يتقي الله عز وجل إنه خائن لعقيدته ولمبادئه، ولولاة الأمور، خائن لوطنه ولرتبته ومسئوليته، والمسئول القائم عليه؛ لأنه أبدى الخيانة من أول الطريق. إن الذي لا يعرف الطريق إلى الله عز وجل تحت مظلة لا إله إلا الله، سوف يبقى متخلفاً وهزيلاً فاشلاً في الحياة الدنيا والآخرة؛ لأن الله عز وجل جعل على نفسه أنه من حفظه حفظه ومن ضيعه ضيعه، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يلقي هذا الحديث على الناس: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. يا أيها الجندي المسلم: إن الجندية تتطلب منك أن تحافظ على الصلوات الخمس وهي مظلة لا إله إلا الله، وإن الذي لا يعرف المسجد لا يعرف الفلاح والنجاة، ولا يعرف النصر والتفوق في الحياة الدنيا ولا في الآخرة. ويا أيها الجندي المسلم: إن من أعظم اهتماماتك هذا الدين ويوم تترك الدين، فقل على الإسلام والدنيا السلام؛ لأن: من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح

كيفية عرض الرسول صلى الله عليه وسلم لـ (لا إله إلا الله)

كيفية عرض الرسول صلى الله عليه وسلم لـ (لا إله إلا الله) أيها الإخوة الأبرار: يوم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض (لا إله إلا الله) عرضها بثلاثة نماذج من العروض:

لا إله إلا الله والآيات الكونية

لا إله إلا الله والآيات الكونية أولاً: عرض الآيات الكونية للناس، والله عز وجل يخاطبك تحت مظلة لا إله إلا الله بالآيات الكونية. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191] {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] مالهم لا يتفكرون! مالهم لا يفهمون! لماذا يحملون أدمغة الحمير ويريدون الحياة وهم لا يفهمون أفعال الواحد الجليل؟! {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17]. من خلقها؟! من سواها!؟ من عدلها!؟ {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] لا إله إلا الله. وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد جاء في تفسير ابن كثير في سورة البقرة أن الإمام أحمد سئل: ما هو دليل قدرة الواحد الأحد الباري تبارك وتعالى؟ قال: "هذه البيضة بيضة الدجاجة، أما سطحها ففضة بيضاء، وأما داخلها فذهب إبريز، تُفقس فيخرج منها حيوانٌ سميع بصير، ألا يدل على السميع البصير؟!! إي والله. والشافعي يُسأل: ما هو دليل القدرة؟ قال: "هذه الورقة تأكلها الغزال فتخرج مسكاً، وتأكلها النحلة فتخرج عسلاً، وتأكلها دودة القز فتخرج حريراً، أفلا تدل على السميع البصير؟!! " وقيل للإمام مالك: ما دليل القدرة؟ فدمعت عيناه وقال: اختلاف الأصوات، وتعدد اللهجات، وتباين الكائنات، تدل على فاطر الأرض والسماوات ". قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا؟! قل للمريض نجا وعوفي بعد ما عجزت فنون الطب من عافاكا؟! والنحل، قل للنحل يا طير البوادي ما الذي بالشهد قد حلاَّكا؟! وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا فالحمد لله الجليل لذاته حمداً وليس لواحدٍ إلاَّكا أين يذهب الإنسان الضعيف من قدرة الله؟! يا أيها العبد! أنقذ نفسك. إن المتكلم قد يتكلم بإنقاذ نفسه، لكن ماذا فعل السامع في إنقاذ نفسه؟ إنها حياة مصير وليست حياة محدودة، إن مصيرك يتوقف على إيمانك وعودتك إلى الله. الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرض (لا إله إلا الله) تحت مظلة (لا إله إلا الله) في الكائنات. يخبر الناس بخلق الله، وبديع صنعه وآياته. فلا إله إلا الله ما أجحد الكافر! ولا إله إلا الله ما أظلم الكافر! إن أظلم من وجد على سطح الأرض هو الكافر يوم تنّكر الحقائق يستنشق الهواء، ويشرب الماء، ويمشي في الضياء، ويستظل بالسماء، ويعيش في صفاء، ثم لا يعرف الواحد الأحد الذي أنزل الكتاب على الأولياء. سبحان الله!!

لا إله إلا الله والعمل

لا إله إلا الله والعمل ومما عرضه صلى الله عليه وسلم من (لا إله إلا الله) أنه عرضها بالعمل؛ بالصلوات الخمس، وبالنوافل، وبالصيام، وبالصدقة، وبين أن (لا إله إلا الله) يوم تتخلى عن العمل تصبح كلمة جوفاء لا تنفع ولا تنجي صاحبها. فالرسول صلى الله عليه وسلم يوم يعرض (لا إله إلا الله) عرضها بالعمل، يقول: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله}. لا إله إلا الله كلمة بلا صلاة ولا زكاة ولا صيام لا تنفع، بلا حب وولاء لله عز وجل وتبرؤ من أعدائه لا تنفع.

عرض لا إله إلا الله بالتوبة إلى الله

عرض لا إله إلا الله بالتوبة إلى الله وعرض صلى الله عليه وسلم (لا إله إلا الله) لغرض التوقف عن الذنوب والتوبة إلى الله الواحد علام الغيوب. إن الذي يقول: (لا إله إلا الله) يراجع حسابه مع الله، إن الذي يشهد أن لا إله إلا الله ويعتقدها، يفتح باب التوبة على الله عز وجل؛ ليدخل جنة الله {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار إذا انغمست في الخطيئة إلى مشاش رأسك فعد إلى الواحد الباري فإنه التواب، وإذا أظلم قلبك من الذنب والمعصية، فعد إلى الباري فإنه هو التواب، وإذا كثرت عليك الفتن والمحن والزلازل والابتلاءات؛ فعد إلى الباري فإنه هو الذي يكشفها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. باب التوبة هو من أبواب (لا إله إلا الله) وتحت مظلة (لا إله إلا الله) ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يفتح باب التوبة للناس، ويخبرهم أن من مقتضيات (لا إله إلا الله) التوبة، بل يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن أرفع منزلة عند أهل السنة والجماعة هي: منزلة التوبة. {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة:117] هذه بعد غزوة تبوك، وهي في آخر العصر النبوي، ذكر الله أنه تاب عليه بعد الجهاد، وبعد إسالة الدماء وبذل النفس، يقول الله: {لَقَدْ تَابَ الله} [التوبة:117]. عاش الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر نفس من حياته وفي آخر أنفاسه يوم عاش حياة الجهاد والجِلاد والتضحية والبذل والعطاء، يقول الله له قبل الموت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3]. لا تظن أنك قدمت شيئاً، الفضل لله، والمنة له، والعطاء والخير من الله، فاستغفر الله كأنك ما قدمت شيئاً؛ ولذلك أمرنا أدبار الصلوات أن نقول كلما سلمنا: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وقال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199] أي: إذا انتهيت من الحج فاستغفر الواحد الأحد، فكأنكم ما قدمتم شيئاً: {يَمُنُّونَ عليكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا علي إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عليكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] لا تمن إسلامك وصلاتك على الله، بل الله يمن عليك أن هداك وأدخلك الجنة؛ لأن الله عز وجل اشترى نفسك منك، وإن كنت مسلماً فقد اشتراها الله منك. نعم. {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عليهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] لا أحد: ومن أصدق من الله؟ لا أحد. ومن أوفى من الله؟ لا أحد. فإذا بعت نفسك فاعلم أن السلعة هي الجنة، وهذا العقد نزل به جبريل، والذي ضمن العقد هو الله، والذي وقَّع على العقد هو محمد صلى الله عليه وسلم، والسلعة الجنة، والثمن أرواح المؤمنين. فهل من بائع لنفسه في طاعة الله؟ إن البيعة العظيمة تقتضي منك أن تفتح لنفسك باب التوبة. يا أيها الجندي المسلم: إذا ظللت في الخطأ فعد إلى الواحد الأحد، وتبرأ من خطئك وتب إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم آخرين يذنبون ويستغفرون الله فيغفر لهم} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والله إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والذي نفسي بيده، لو كنتم كما تكونون عندي -وفي حلق الذكر- لصافحتكم الملائكة، ولكن ساعة وساعة} وصح عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم فلا تظالموا، يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت خطاياك وذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}.

العيش تحت مظلة (لا إله إلا الله)

العيش تحت مظلة (لا إله إلا الله) فيا عباد الله: الله الله في التوبة والاستغفار ومحاسبة النفس، ولابد من العودة إلى الواحد الأحد {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219] الذي يلحظ حركاتك وسكناتك، {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7] ويقول: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]. فأين يذهب العاصي عن الله؟! وأين يذهب المتمرد على الله؟! يا من ترك الصلوات الخمس! إنك اقترفت أكبر جريمة في تاريخ الإنسان يا من أدخلت على قلبك الملهيات والمشغلات والمعاصي ثم لم تعرف ربك! إنك اقترفت ذنباً خطيراً على نفسك يا من ظل في بيته ولم يرب أسرته، ولم يعلم أبناءه الإسلام، ولم يدل زوجته على طريق الجنة! إنك ظلمت زوجتك وبيتك وأهلك وأبناءك، يا من نصبه الله عز وجل على ذريته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عليهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]! إنك تؤخذ بالناصية إن لم تتب وتراجع حسابك مع الله. إنه والله موقف صعب، فأنا ألقي هذه الأمانة من ذمتي إلى ذممكم، ومن عاتقي إلى عواتقكم اللهم فاشهد أنا جلسنا نخبر بآياتك وكلام رسولك صلى الله عليه وسلم ليصل البلاغ إلى أهل البلاغ، وتصل الدعوة إلى أمة الدعوة، فلم يبق هناك جهل؛ لأننا نعيش في مظلة (لا إله إلا الله). إن من يعيش تحت مظلة (لا إله إلا الله) لا تفوته الصلوات الخمس، إن من يعيش تحت مظلة (لا إله إلا الله) لا يتناول مسكراً، إن من يعيش تحت مظلة (لا إله إلا الله) لا يزني، إن من يعيش تحت مظلة (لا إله إلا الله) حياته لله ومماته لله. اللهم يا رب، هذا الجمع اجتمع لسماع كلامك وكلام رسولك، اللهم لا تعده إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وعمل متقبل مبرور. اللهم فارحمنا واغفر لنا وتب علينا واهدنا وسددنا، من يغفر لنا إذا لم تغفر لنا؟! من يرحمنا إذا لم ترحمنا؟! ومن يتولانا إذا لم تتولنا يا رب العالمين؟! قلوبنا قاسية، وعيوننا جافة، وأيدينا بخيلة، فرد إلينا من فيضك، وأسبغ علينا من نعمائك، ووفقنا لسلوك طريقك يا رب العالمين. أنت يا ربنا! أنت المقصود، وأنت المطلوب، وأنت النافع والضار، وأنت الخالق الرازق. سبحانك، سبحانك لا إله إلا أنت، {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] ويقول: {كُلُّ مَنْ عليهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وأسأل الله أن يتقبل منا أحسن ما عملنا، ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم تارك الصلاة

حكم تارك الصلاة Q ما حكم تارك الصلاة؟ وهل يجوز أن أجلس معه، وآكل معه، وأنا مجبور على ذلك؟ سؤال آخر: ما حكم التكاسل عن أداء الصلاة بغير قصد، أو الصلاة في غير وقتها؟ A الحمد لله. تارك الصلاة مما علم من النصوص أنه كافر، وهذا أمر نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} وكان عليه الصلاة والسلام يقول: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} فإذا تركها العبد عامداً متعمداً فقد كفر بالله العظيم. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم} فمفهوم المخالفة: أنهم إذا لم يفعلوا ذلك لم يعصموا دماءهم، وكان له صلى الله عليه وسلم الحق في قتالهم، ولا يقاتل إلا كافراً. إذا علم هذا؛ فمن تركها عامداً متعمداً فقد كفر. أما من تركها تكاسلاً فالصحيح في ذلك أنه يكفر، وليس هناك دليل لمن قال: هناك فرق بين التكاسل والعامد المتعمد لا. إنه لا يصل إلى درجة أن يترك الصلاة متكاسلاً إلا لأنه تركها عامداً. وأما من صلاَّها في غير المسجد فهو فاسق؛ لأنه خالف النصوص التي تربوا على ثلاثة عشر نصاً صحيحاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الصلاة في المساجد.

التوبة بابها مفتوح

التوبة بابها مفتوح Q ما حكم الذي لم يترك أي جريمة إلا وارتكبها ما عدا القتل والسرقة، هل له توبة وهل له كفارة؟ مع العلم أنه يصلي ويصوم؟ A أما التوبة فلم تحجب عنك ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو ما لم تغرغر أنت. فبالنسبة إلى كل العالم إذا طلعت الشمس من المغرب انتهت التوبة، وبالنسبة لك ما لم تغرغر لكنك لا تسوف في التوبة، واعلم أن أي ذنب يغفره عز وجل بالتوبة، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كان فيمن كان قبلكم رجل أسرف على نفسه في الخطايا فلما حضرته الوفاة قال لأبنائه: إذا مت، فأحرقوني بالنار -يعني جثمانه- ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم ذي ريح، فلما مات أحرقوا جثمانه بالنار، وسحقوه وذروه ظناً أن الله لن يجمعه كما بدأه أول مرة، فأخذته الريح في كل مكان، فجمعه الذي أنشأه أول مرة {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عليمٌ} [يس:78 - 79] فلما أصبح أمامه، قال: يا عبدي ما حملك على ما فعلت؟ قال: خفتك وخشيت ذنوبي. قال: فإني قد غفرت لك} هذا مذنب أخطأ خطأً بيناً، حتى يقول ابن تيمية: إن من أعظم خطاياه: أنه شك في القدرة. من أعظم خطايا هذا الرجل أنه شك في قدرة الله، الذي من شك فيها دخل شكه في المعتقد، لكن مع ذلك لما خاف لقاء الله، وأظهر التوبة والجزع عند الموت تاب الله عليه، وهو من عصاة الموحدين، فلا يفهم أنه كان لا يحمل توحيداً. ماعز بن مالك زنى وأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب التطهير، فطهره صلى الله عليه وسلم، فبعض الصحابة سب ماعزاً، فقال صلى الله عليه وسلم: {لا تسبه. فوالذي نفسي بيده، إني أراه ينغمس في أنهار الجنة}. والمرأة الغامدية التي زنت طهرها النبي صلى الله عليه وسلم، فسبها بعض الصحابة وقال: "لو استترت" فقال صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم} وفي لفظ: {لو تابها صاحب مكس. -قيل: شرك، وقيل: مبتاع بالمكس- لقبل الله توبته}. وأنت إذا أذنبت فعد إلى الواحد الأحد. رجل قتل تسعةً وتسعين نفساً، فأتى إلى راهبٍ متخلف في صومعته فقال: هل لي من توبة؟ وهذا الراهب ليس عنده علم، فقال: ليس لك توبة. فقتله فوفى به المائة. ثم قال: دلوني على عالم، فدلوه على عالم. فقال له: هل لي توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ باب التوبة مفتوح، تب إلى الله، فتاب وقال له: اذهب إلى أهل هذه القرية فإنها صالحة، أهلها يعينونك على الصلاح، فذهب، فمات في الطريق ولم يعمل صالحاً بعد، وما تقرب بشيء ولكنه تاب، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إليهم أن قيسوا ما بين المسافتين، فقال الله عز وجل لتلك القرية: تقاربي، ولهذه: تباعدي، حتى يكون أقرب إلى القرية الصالحة، فوجدوه أقرب إليها فرحمه الله. من يمنعك من التوبة؟ باب الله مفتوح، ونواله ممنوح، وعطاؤه يغدو ويروح. لكن إذا كان هناك من شروط فشروط التوبة: أولاً: أن تعزم على عدم العودة. الأمر الثاني: أن تندم على ما فات منك. الأمر الثالث: أن ترد حقوق الناس إليهم؛ لأن حقوق الناس مبنية على المشاحة، وحقوقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مبينة على المسامحة. إن أخذت مالاً فمع التوبة أعد ذاك المال إلى صاحبه أو تصدق به على نية صاحبه، إن خفت من الضرر الأعظم من عودة هذا المال، وإن اعتديت في ممتلكات الناس فأعدها، وإن سببت رجلاً فلك أن تستبيح منه أو تستغفر له في ظهر الغيب. هذه هي التوبة، وهنيئاً لك إذا تبت إلى الله الواحد الأحد.

الإنسان مخير أم مسير؟

الإنسان مخيرٌ أم مسير؟ Q فضيلة الشيخ: هل الإنسان مخير أم مسير؟ وسائل آخر يقول: أنا أحاول دائماً أن أكون من المصلين في المسجد، وأتجه إلى الله وأقبل على الله أياماً، ولكن أنقطع عن ذلك وأنا غير راض أو غصباً عني كما يقال فماذا تنصحني؟ A أما بالنسبة للسؤال الأول، وهو: هل الإنسان مخير أم مسير؟ أنتم تعرفون أن للعبد مشيئة ولكنها تحت مشيئة الواحد الأحد، قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30] العبد مسير من جهة ومخير من جهة، فله مشيئة ولكن مشيئته تحت مشيئة الله. فلا يصح أن نقول: مخير. ولا يصح أن نقول: مسير. من قال: إن العبد مسير فهو من أهل الجبر، وأنه مجبور على فعل المعصية، وأنه لا حجة لمن أجبره على ذلك -نعوذ بالله من الخذلان- وإن قالوا: مخير؛ فهم نفاة القدر (القدرية) الذين قالوا: يفعل العبد ما شاء متى ما شاء بدون سابق قدر، وقد أخطئوا. والصحيح: أن له مشيئة تحت مشيئته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنه لا يفعل شيئاً إلا بإذنه تبارك وتعالى في سابق علمه. وكثير من الناس اليوم يجعلون المعصية جبراً ويجعلون الطاعة قدراً، تقول: لماذا لم تصلِّ الفجر؟ وهي عمل ومزاولة، فيقول: قدر الله علي ألا أصلي الفجر. وتقول: لماذا تشرب الخمر؟ فيقول: كتب الله عليَّ أن أشرب الخمر. فهو جبري في الفعل لكنه قدري في الترك. وهذه مسألة ليس هذا بسطها، وإنما قلت هذا كنموذج؛ لأن معتقد أهل السنة والجماعة أن للعبد مشيئة وله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مشيئة أعلى من ذلك.

كيفية المسح على الخفين والجبيرة

كيفية المسح على الخفين والجبيرة Q أرجو من فضيلتكم شرح كيف يكون المسح على الخفين والجبيرة؟ A المسح على الخفين سنة من سننه صلى الله عليه وسلم، بل قال بعض أهل العلم: إنه ورد في القرآن الدليل الظني عليها: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] قالوا: قد يقتضي من هذا أنه المسح على الخفين، فدلالة الآية على المسح والغسل. وعن علي رضي الله عنه في صحيح مسلم قال: {جعل لنا صلى الله عليه وسلم على المسح على الخفين يوماً وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر} وعن ثوبان في سنن أبي داود قال: {أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين} وهي: الخفاف والعمائم. وعن المغيرة في الصحيح قال: {هويت لأنزع خفي الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين} ويمسح على الخف بشروط: أولها: أن تدخل رجليك في خفك أو جوربيك وهما طاهرتان بعد أن توضأت وضوءاً كاملاً، ومعنى طاهرتان: أنك تكون متوضئاً ثم تدخل الخفين. الشرط الثاني: أن يكون الخف ساتراً، فلا يظهر البشرة؛ لأن الخف في اللغة العربية ما ستر، سواء كان قائماً بنفسه أو بغيره، المهم أن يكون ساتراً. الشرط الثالث: أن تستبقي استدامته لمدة المسح؛ لأنك إذا خلعته -على الصحيح- فقد انتهت مدة المسح، إلا عند الحسن البصري، وهذا ليس مجال الخلاف، لكن الصحيح أنك إذا خلعت الخفين فإنك قد أنهيت مدة المسح، ثم تحدد لك المدة إن كنت مقيماً فيوم وليلة من الظهر إلى الظهر -مثلاً- إلا إذا استدمت الطهارة أول حدث تخلعه، وإن كنت مسافراً فثلاثة أيام. هذه أحكام باختصار في المسح على الخفين. أما الجبيرة فهي الشيء أو اللفافة من أي شيء طاهر أو من قماش أو نحوه يوضع على الجرح أو الكسر، فإن كان في مواطن الوضوء فهذا الذي له حكم، أما إن كان في غير مواطن الوضوء فحكمه عند الغسل. والجبيرة إذا وضعتها فعليك أن تمسح عليها وأن تتيمم لها إذا كانت في مواضع الغسل؛ لحديث أبي داود في صاحب الشجة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يمسح عليها} وقال: {قتلوه قتلهم الله، إنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم لها} وفي لفظ: {أن يمسح عليها} فتمسح عليها مسحاً وتتيمم لها كتيممك للوضوء. وإذا كانت في أعضاء الوضوء فإنك تترك هذه المنطقة ولا تغسلها ثم تتيمم لها احتياطاً، فالتيمم احتياطاً والمسح وارد.

حكم البيع بالتقسيط مع الزيادة

حكم البيع بالتقسيط مع الزيادة Q فضيلة الشيخ! جزاكم الله خيراً. ما رأيك في الذي يشتري سيارة بستة وعشرين ألفاً من الريالات ويبيعها أقساطاً بخمسة وأربعين ألفاً هل هذا جائز؟ A الأخ يسأل عن شراء سيارة بقيمة ثم يقسطها بقيمة أعلى، وهذا ليس فيه شيء، وإنما زيادة القيمة من أجل زيادة الأجل، وقد حقق ذلك ابن القيم. أما حديث: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة} فلا يشمل هذا؛ لأن الناس تعارفوا جميعاً أن طول المدة يقتضي زيادة الأجر. أما أن أبيع سيارة وأقول لصاحبها: إن سلمت قيمتها الآن فبعشرين ألفا، ً وبعد سنة بعشرين ألفاً خالفت مصالح الناس، والشريعة لا تأتي بخلاف المصلحة، ولا الإضرار بأموال الناس، ولا إهدارها. فالصحيح أن زيادة القيمة من أجل زيادة الأجل لا يدخلها شيء من الربا، والحمد لله.

حكم دفن شخصين في قبر واحد

حكم دفن شخصين في قبر واحد Q لي ولدٌ قد توفي وصلينا عليه، ثم ذهبنا به إلى المقبرة ودفنوه مع شخص آخر في قبر واحد. هل هذا وارد؟ A الدفن في القبر الواحد لا بأس للحاجة، واستحب هذا أهل العلم، بل هذا هو المؤكد، بأن يكون مع مسلم؛ لأن دفن المسلم مع الكافر فيه ضرر، ولو أني لا أعرف دليلاً يحرم دفن المسلم مع الكافر، أما دفن المسلم مع المسلم في قبر واحد فقد ورد بذلك أحاديث. منها: حديث جابر في الصحيح: {كان صلى الله عليه وسلم يوم أحد يدفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد. ويقول: أيهما المتحابون في الدنيا؟} فكان يجمع بين المتحابين فيدفنهم في قبر واحد. وفي حديث أنس: {فكان يقدم صلى الله عليه وسلم صاحب القرآن. يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟} فقال أهل العلم: للحاجة، كأن يكون هناك موت عام كالطاعون، أو مرض عام في الناس فماتت مجموعات من الناس ولا يستطاع أن يحفر لكل واحد منهم قبراً واحداً، فتجمع مجموعة في قبر، أو كأن يكون هناك زلزال أو فيضان. وأما لعدم الحاجة فالأحسن أن يكون لكلٍ واحد قبر، وهذا هو الوارد.

حكم من ترك زكاة الفطر

حكم من ترك زكاة الفطر Q ما حكم من ترك زكاة الفطر، وذلك لظروف غير مادية؟ A زكاة الفطر مما يعلم أنها واجبة؛ لقول ابن عمر في الصحيحين {فرض صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط} وفي رواية أبي سعيد: {أو صاعاً من طعام} فهي واجبة. فمن تركها لغير فقره، أو لغير حاجته فهو آثم. وهي لا تسقط إلا عند العجز لكنه آثم، وأرى أن يتصدق صدقة، ولكن لا تكتب له زكاة الفطر. قال ابن عباس فيما صح عنه: [[فمن أخَّرها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات]] وقيل في لفظ لـ ابن عباس: [[فمن أخر لغير يوم العيد فهي صدقة من الصدقات]] لكنها لا بد أن تخرج قبل الصلاة لتكون ممحية لهذا الفرض الذي هو واجب زكاة الفطر، أما تأخرها فهي صدقة من الصدقات، فعليه أن يتصدق لكن لا تكتب له زكاة فطر.

حكم الحج لصاحب الدين

حكم الحج لصاحب الدين Q هل يجوز الحج للمديون الذي عليه الدين؟ A الدين قسمان: قسم يطالب صاحبه في هذه الفترة في فترة أيام الحج فعليك أن تعطيه حقه؛ لأن حقوق الناس كما أسلفت على المشاحاة، وحقوقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مبنية على المسامحة، فإن كان يطلبك في هذه الأيام وفي هذا الوقت فادفع له حقه ولو عطلك عن الحج، وإن كان الأجل يستمر ولك أن تحج في هذه الفترة فقدم الحج. وقد نقل عن الحسن البصري أنه أنكر فتوى سعيد بن المسيب لما قال: لا يحج مديون، وقال: لو توقف الناس لعدم الدين ما حج أحد. لأنه ما سلم من الدين أحد، بل الصحابة حجوا وعليهم ديون، ومن بعدهم من السلف الصالح، فلابد من هذا التقسيم.

حكم العقيقة والمولود

حكم العقيقة والمولود Q هل يجوز أن تذبح التميمة للمولود في اليوم الثالث؟ A لا تسمى هذه تميمة لكنها تسمى عقيقة. وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم تسميتها بالعقوق فقال: {أكره العقة في الإسلام، وأكره العقوق} كما في الموطأ. والسنة فيها كما في سنن أبي داود وغيره، أنها تذبح في اليوم السابع، وعند البيهقي إن فات اليوم السابع ففي اليوم الرابع عشر، فإن فات ففي يوم الحادي والعشرين. هذه ثلاثة مواعيد وأوقات للعقيقة. فالسنة ذبحها في اليوم السابع ولا تقدم على ذلك، فإذا فات السابع ففي الرابع عشر، فإذا فات في الرابع عشر ففي اليوم الواحد والعشرين. والعقيقة تكون كبشان -ذبيحتان- عن الذكر المولود، وذبيحة عن الأنثى، ويؤذن في أذن المولود، وأما الإقامة في الأذن اليسرى فتحتاج إلى تصحيح والرواية فيها ضعيفة.

حكم أكل الأرنب

حكم أكل الأرنب Q هل أكل الأرنب حلال أم حرام؟ A أكل الأرنب حلال والحمد لله. ففي صحيح البخاري عن أنس قال: {أنفجنا أرنباً بـ مر الظهران -أنفجنا أي: طردنا- فأدركتها فذبحها أبو طلحة وقدم وركها للرسول صلى الله عليه وسلم} فيجوز أكلها. والحمد لله رب العالمين.

الضيف الكريم

الضيف الكريم إن مما يجب على المسلم أن يكون متفقهاً في أمور دينه التي يمارسها كل من دخل في هذا الدين، كالصلاة والصيام، وما دام أن شهر رمضان قد أوشك على المجيئ، فلابد للمسلم أن يفقه أحكامه حتى يعبد الله على بصيرة، ولذا وجب كل مسلم أن يعلم ما هي الأشياء التي تبطل صومه، والأشياء التي يجوز فعلها، ويعلم كيف كان هدية صلى الله عليه وسلم في رمضان، في السحور، في الإفطار ليكون صومه صحيحاً موافقاً للكتاب والسنة.

نماذج من إجاباته صلى الله عليه وسلم على الأسئلة

نماذج من إجاباته صلى الله عليه وسلم على الأسئلة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. روى البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: {كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال: يا رسول الله! هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على أهلي في رمضان فقال عليه الصلاة السلام: أتجد ما تعتق به رقبة؟ قال: لا يا رسول الله! قال: أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا يا رسول الله، قال: أتجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا يا رسول الله -يعني كلها لا يستطيع- ثم جلس رضي الله عنه وأرضاه فأوتي صلى الله عليه وسلم بعرق -أي: بمكتل فيه تمر- فقال: قم فخذ هذا فتصدق به، قال: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟! والله ما بين لا بتيها -يعني حرة المدينة - أهل بيت أفقر من بيتي فقال صلى الله عليه وسلم فخذ هذا العرق -أو المكتل- فأخذه، فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه} روى هذا السبعة واللفظ هذا لـ مسلم رحمه الله رحمة واسعة. هذا الحديث سوف يأتي فيه قضايا، ولكن هذا الحديث من المجالس العامرة التي عاشها صلى الله عليه وسلم يوم عاش موجهاً للأمة ومعلماً لها عليه الصلاة السلام طيلة حياته حياة الرسالة، فبعد أن أرسله الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بعد الأربعين كان يقف مفتياً ومعلماً، وهو مستعد لأي إجابة أو طلب إجابة من أي سؤال يصدر، سأله اليهود -كما سوف نعرض نموذجاً لذلك- والنصارى والمشركون والنساء والأطفال والأعراب، فكان عليه الصلاة السلام يجيب الجميع وهو متهيئ في مجلسه ليستقبل كل إنسان ويجيبه بكل ما يرد من سؤال، يجلس معه الصحابة الأخيار من المهاجرين والأنصار، ويجلس معه المشركون والمنافقون، واليهود والنصارى، والنساء والأطفال. أما المشركون: فإنهم أكثروا من الأسئلة على الرسول عليه الصلاة السلام، ودخلوا مرات عديدة في مجلسه فما كان يعبس في وجوههم، بل يستقبلهم صلى الله عليه وسلم باللين؛ عل الله أن يهديهم. دخل العاص بن وائل على الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد كان مشركاً رعديداً، يقول الله فيه: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] دخل بعظم بيده فقال: يا محمد أتزعم أن ربك يحي هذا بعد أن يميته أو يرده حياً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {نعم ويدخلك النار} ففتت العظم ثم نفخه أمام الرسول عليه الصلاة السلام، فكان الرد من السماء قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] بعد أن كبر، وترعرع، واشتد ساعده؛ نسي خلقه ونسي صورته، ونسي من خلقه ورزقه، ثم انظر كيف التفت إليه بالغيبة فقال: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} [يس:78]. أتى اليهود في مجلسه صلى الله عليه وسلم، فعرضوا له عشرات الأسئلة، منها ما يجيب عنه في الحال، ومنها ما يطلب وقتاً من الزمن حتى يأتيه الوحي من السماء، يقول ابن مسعود: {كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عسيب من نخل قال: فمررنا على يهود فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الروح، فتوقف قليلاً ثم طلب منهم وقتاً ليخبرهم في هذا الوقت، فلما نزل عليه جبريل بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلا}) [الإسراء:85]} وسألوه عن عدد أهل الكهف، فطلب منهم مهلة يوم، فأتى جبريل عليه السلام فأخبره، فأخبرهم بالخبر فوجدوه مكتوباً عندهم في التوراة. وأتى ابن سلام {فسأله عن ثلاث: عن أول علامات الساعة، وعن أول ما يأكل أهل الجنة، وعن علامة الطفل يوم يشبه أباه أو يشبه أمه، فأخبره وقال: أخبرني بذاك جبريل آنفاً، فقال ابن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله والله لا يعلم ذلك إلا نبي}. وأتى النصارى في مجلسه عليه الصلاة السلام -نصارى نجران: - {فسألوه عن مريم وابنها عليهما السلام؟ فأخبرهم صلى الله عليه وسلم بذلك، فكأنهم لم يقتنعوا فدعا أهله وقال: تعالوا نبتهل أنا وإياكم -أي يدعو بعضنا على بعض باللعنة- فنجعل لعنة الله على الكاذبين} فما استطاعوا أن يباهلوه. وجاء المنافقون وقالوا: نشهد إنك لرسول الله، فأخبره الله أنهم كاذبون وأنهم أظهروا ما لم يبطنوا. وجاء الأعراب إليه صلى الله عليه وسلم وله معهم صولات وجولات؛ لأن الأعراب أقل الناس أدباً؛ ولأنهم لم يتعلموا الأدب، وفي أثر يقول صلى الله عليه وسلم: {من بدا جفا} أي: ليس عنده أدب، فأتى رجل منهم فقال: {يا رسول الله! أسمع بالدجال فما الدجال هذا؟ قال عليه الصلاة السلام: ضال مضل، يخرج وعنده جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار، وعنده خبز وثريد يقدمه للناس؛ يستغوي الناس به، أو كما قال عليه الصلاة السلام، فقال الأعرابي: والله يا رسول الله لأضربن في ثريده حتى أشبع، ثم أقول له آمنت بالله وكفرت بك، يظن أن المسألة على الفكر، وعلى الرأي فتبسم عليه الصلاة السلام ولم يقل شيئاً}. {وجاءه أعرابي آخر -كما في الصحيحين - فصلى معه في الصف الأول، بجانب أبي بكر وعمر فلما انتهوا إلى التحيات قال في آخرها: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فلما سلم عليه الصلاة والسلام سأل: من قال هذا الكلام؟ قال: أنا يا رسول الله! ولم أرد إلا الخير قال: لقد حجرت واسعاً -أي: ضيقت رحمة الله التي وسعت كل شيء- ثم لم يلبث هذا الرجل أن ذهب في طرف المسجد وأراق الماء -بال- فقام الصحابة ليضربوه وليطرحوه الأرض فقال صلى الله عليه وسلم: دعوه ثم أتي بذنوب من ماء فصب على بوله} في قصة طويلة فرضي هذا الأعرابي وأصبح داعية من دعاة الإسلام. وكانت النساء يسألنه صلى الله عليه وسلم في أقل شئونهن وهي مسائل الطهر والحيض، وفي أكبرهن وهي الحياة مع الله عز وجل، ثم الحياة مع الزوج، فكان يفتي ولا يتلعثم عليه الصلاة السلام، فهو للطفل أب عليه الصلاة والسلام، وللشاب أخ، للكبير ابن وأوسع الناس خلقاً، وأوسع الأمة علماً، قادها إلى بر الأمان، هو المجاهد، والقائد، والداعية، والإداري، والمربي، والمفتي، والخطيب، ورب الأسرة، ولذلك كانت حياته عظيمة أبهرت العقول؛ حتى يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال كلاماً ما معناه في سورة التحريم: إنك أمام نبي تبهرك طلائعه، إنه قوي الإحساس، حي العاطفة، متوقد الذهن، يملأ ساعات حياته بالجد والعمل فعليه أفضل الصلاة السلام.

شرح حديث سلمة بن صخر

شرح حديث سلمة بن صخر هذا المجلس يجلسه صلى الله عليه وسلم بين الناس، وحوله الصحابة فيدخل هذا الرجل واسمه سلمة بن صخر البياضي، ومن عادة الصحابة أنه إذا كان في القصة أمر لا يحمد، وليس فيه جميل من الفعل لا يذكرون الاسم، وهذا أدب لك ولكل مسلم، إذا سمعت بقصة وكان بطل هذه القصة رجلاً سيئاً فلا تذكره للناس؛ ستراً على المسلمين، تقول: سمعنا عن رجل أنه فعل كذا وكذا، إذا كان في القصة مصلحة أما أن تسميه باسمه وبسكنه، وبعنوانه وحارته، فهذا ليس عند المسلمين، ولكن الصحابة إذا كان هناك مواقف بطولية، وكان هناك بذل وتضحية وعطاء قالوا فلان بن فلان. يقولون: يوم أحد طلحة بن عبيد الله الذي فدى الإسلام، ويقولون: بارزه علي بن أبي طالب ويقولون: فدفع عثمان أمواله في سبيل الله، ووقف ثابت شاعراً خطيباً يدافع عن الإسلام، وحسان ذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما مسائل زنا أو خطأ أو ذنب، أو عيب أو جفى، فلا يدخلون الاسم ستراً على صاحبه، وهذا أدب عظيم، والله ستر أهل المعاصي في القرآن، لكن أنكى سبحانه ببعض الأسماء في القرآن، كفرعون وقارون وهامان وأبي لهب ليشهر أسماءهم بالفضيحة كما اشتهروا بها في الدنيا. بينما الرسول عليه الصلاة والسلام جالس مع الناس، إذ وفد هذا الرجل يدلف قد فعل فعلة في رمضان قال: يا رسول الله هلكت، وفي هذه اللفظة دليل، وفيها فائدة أن هذا الرجل يعلم أن هذا هلاك، أي: ليس بجاهل ولا بناسي؛ لأن الذي لا يعرف حكم الجماع في نهار رمضان لا يقول هلكت، يأتي يقول: يا رسول الله! وقعت على أهلي فما الحكم؟ لكن هذا علم أنه هلك منذ أتى، ففيه دليل على أنه ليس بناسٍ ولا جاهل؛ لأنه لو كان ناسياً لما قال: هلكت يا رسول الله؛ لأن الله عفا عن الناسي ولو كان جاهلاً؛ لأن الجاهل لا يعرف الحكم فقال: {هلكت يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: وما أهلكك؟} أي: أنت صحيح معافى، مشافى، طويل عريض، وما نرى عليك آثار الضرب والهلاك، فماذا أهلكك؟ وفيه جواز استفتاء المفتي أنه إذا سألك عن سؤال أن تطلبه بالقوائم والسياقات. قال: {وقعت على أهلي في رمضان} هذا لفظ مسلم وفي هذا اللفظة جواز إطلاق رمضان على الشهر بدون شهر رمضان؛ لأن بعض أهل العلم كرهوا أن يقال رمضان؛ لأنه في القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] ولكن هذا في جواز إطلاق رمضان على الشهر فلك أن تقول: رمضان أو شهر رمضان. قال: {وقعت على أهلي في رمضان} ومعناه أنه في النهار؛ لأنه لو كان في الليل ما استفتى، فنازله عليه الصلاة السلام بالكفارات الثلاث قال: {هل تجد رقبة تعتقها؟ -يعني مؤمنة، وهذا يفهم بما قيد في أحاديث أخرى أو آيات- قال: لا والله يا رسول الله! قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا يا رسول الله} وفي لفظ صحيح: {وهل أوقعني فيما وقعت فيه إلا الصيام} يقول: أنا ما استطعت أن أتم صوم يوم، حتى وقعت على زوجتي، وتريد مني أن أصوم شهرين! ويظهر أن هذا السائل فيه روح خفيفة، وفيه دعابة مما ورد في الحديث، فقال صلى الله عليه وسلم: {فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا والله يا رسول الله} فجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ما تكلم وما قطع المسألة، وما فض المجلس ولكن سكت عليه الصلاة والسلام، حتى وصل معه إلى النهاية فسكت النبي صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه. فلما أعرض أوتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق -وهو المكتل أو زنبيل كبير فيه شيء من تمر- أهدي إلى الرسول عليه الصلاة السلام، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: {خذ هذا فتصدق به -يعني يكفر به زلته، ومع ذلك-قال: على أفقر مني يا رسول الله} يريد أن يأخذ التمر أيضاً، يقع على امرأته في رمضان، ولا يجد كفارة، ويأخذ التمر زيادة جائزة على هذا الفعل رضي الله عنه وأرضاه! قال: {على أفقر مني يا رسول الله! فوالله ما بين لا بتيها -يعني حرة المدينة - أفقر مني، فضحك حتى بدت نواجذه عليه الصلاة السلام} وهي الأنياب، لأنه إذا تبسم ظهرت الثنايا كأنها البرد، يعني كالبرد يقول الرواة: كأن ثناياه البرد. أولاً: أصلح خلقه وخلقه، أراد أن يكون كاملاً في الصورة والمعنى، فهو من أجمل الناس حتى كان كما تقول عائشة: {كانت أسارير وجهه تبرق} أرأيت البرق في الظلام؟ كانت أسارير وجهه عليه الصلاة السلام تبرق. وكان عرقه إذا تصبب كأنه عقد الجمان أي اللؤلؤ المنظوم، إذا كان في عقد يتسكب من على جبينه، فيوم يتبسم كان غالب تبسمه تخرج الثنايا وما قاربها، لكن هذا الأمر أحوج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يضحك حتى بدت نواجذه فقال صلى الله عليه وسلم: {أطعمه أهلك} يحق لحديثي هذا أن يكون في مناسبة شهر رمضان، وإقبال شهر رمضان، وفي هذا الحديث وفي غيره من درس رمضان مسائل ربما تصل إلى ثلاثين مسألة، نتدارسها نحن وإياكم، ونسأل العلي العظيم التواب الرحيم أن يجعلنا وإياكم من المقبولين في هذا الشهر، وأن يجعلنا من العتقاء من النار، وأن يمنَّ علينا بتوبة نصوح، إنه على كل شيء قدير.

مسائل تتعلق بشهر رمضان

مسائل تتعلق بشهر رمضان هذه المسائل ينبغي للمسلم أن يعرفها وهي مسائل بالدليل، وربما نتعرض لبعض الخلاف الذي لا يستطرد فيه إن شاء الله.

صيام رمضان برؤية الهلال

صيام رمضان برؤية الهلال المسألة الأولى: يحب صيام رمضان بمجرد رؤية الهلال. نحن أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب، ولا نعتمد على علماء الهيئة، ولا على علماء الفلك، ولا الرصد الجوي ولا نلتفت لهؤلاء سواء قالوا: زاد الشهر أو نقص فنحن أمة أمية، أمة صحراء، إذا رأينا الهلال في السماء صمنا، وإذا رأينا هلال شوال أفطرنا، وإذا شهد عندنا أعرابي أتى من الصحراء وهو يؤمن بالله ورسوله، قلنا: على العين والرأس، ولكن إذا أتى علماء الهيئة فقالوا: فنحن لا نتعامل مع أجهزة، نحن أمة بعثنا من الصحراء حتى يقول عليه الصلاة السلام في الصحيحين: {نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا} معناه يقول: عشرة زائد عشرة زائد تسعة، يساوي تسعة وعشرون يوماً، لأن هذه الحسابات كانت عند فارس والروم واليونان وكانوا أمماً حسابية، أي: فغلب عليها التفكر العقلي، أما نحن أمة بدهية ذكية عجيبة. ولذلك يقول ابن تيمية: إن اسم العرب مشتق من الفصاحة والنبل والعروبة، فالله يقول: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] يقول أهل فارس: كيف لا يكون منا الرسول؟ أو يكون من سلالة أنوشروان كسرى، وتقول الروم: كيف ما يكون من سلالة هرقل، ويقول اليهود: كيف لا يكون منا والنصارى كذلك، فيقول الله: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] فاختار الله عز وجل هذه الأمة، ليكون منها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أمة ذكية، يمر الأعرابي يسمع القصيدة الواحدة من مائة وعشرين بيتاً فيحفظها لأول وهلة. ويأتي الأعرابي يصعد على الجماهير من القبائل فيخطب عليهم خطبة ما يلحن ولا يتلعثم في حرف، لا في الحرب ولا في السلم، فلذلك الرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {نحن لا نكتب ولا نحسب إذا رأينا صمنا، وإذا رأينا أفطرنا} والله يقول: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:2] والرسول صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقرأ، لكن القرآن في صدره، ومعارف المعارف التي سقاها الله قلبه محفوظة عنده صلى الله عليه وسلم. إذاً قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185] فإذا شهد أحد من الناس، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وشهد لدينا صمنا، ووجب على الناس الصيام لا برؤية الرصد الجوي، ولا بأهل الهيئة، ولا بعلماء الفلك، فليس لهم دور في هذا، إنما هو من مسئولية الرؤيا، وكان العرب في الصدر الأول إذا كانوا يريدون رؤية الهلال يضعون ماءً صافياً في مكان مرتفع، فربما عكس لهم رؤية الهلال، فيرون هل هو ابن ليلة أو ابن ليلتين. ومن ضمن الطرائف أن أحد الأعراب يقول: رأيت الهلال ابن ليلتين فقال رجل له أظنه عامر الشعبي: لا. أنت لم تر الهلال -لأن عمر هذا الرجل ثمانين سنة- ومثلك لا يرى الهلال؛ لأن بصرك ضعيف، ولكن كان على حواجبك شعر ضعيف فكأنك تصورت أنه الهلال فبحث الرجل فوجد على حاجبه شعرتين خفيفتين كالهلال، فرأى أن الهلال ابن ليلتين، ذكر ذلك ابن الجوزي في كتاب الحمقى والمغفلين وفي كتاب الأذكياء ذكره عن عامر الشعبي أو عن رجل آخر من الأذكياء لما عرف هذا، وسمى في كتاب الأذكياء. وفي السنن أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه أعرابي -والحديث عن ابن عباس - فقال: يا رسول الله! رأيت الهلال قال: {أتشهد أن لا إله إلا الله، قال: نعم. قال: أتشهد أني رسول الله، قال: نعم. قال: يا بلال مُرِ الناس بالصيام -أو بالإمساك-} أو كما قال عليه الصلاة السلام وهذا حديث يقبل التحسين، ولو أنه تكلم في سنده. فما قال له صلى الله عليه وسلم: أأنت تصلى الضحى؟ وتوتر في آخر الليل؟ وتسبح بعد كل صلاة ثلاثاً وثلاثين؟ وتتسوك مع كل صلاة؟ لا. سأله عن الخط العريض في الإسلام الذي يدخل به دين الله، ولذلك ينبغي للمسلم أن يقبل المسلمين على ظاهرهم، إذا رأيت وعلمت أنه مسلم في بلاد مسلمة فصدق كلامه، ومثلاً: تريد أن تأخذ من رجل لحماً فلا تقول: هل أنت تصلي الصلوات الخمس؟ وتصوم رمضان؟ وتحج البيت؟ وتعتمر وتغتسل من الجنابة؟ لست مأموراً بهذا في الإسلام، والناس بما ظهر لك منهم، حتى يظهر لك ما يبين أنه لا يصلي؛ كأن تراه في وقت الظهر لا يصلي ويقول: أنا لا أصلي فهذا تيقن لديك. قال ابن عمر: {تراءى الناس الهلال على عهده صلى الله عليه وسلم، فأخبرت الرسول عليه الصلاة السلام أني رأيت الهلال فصام وأمر الناس بالصيام} إذاً: يكفي عندنا في الرؤية رجل واحد مسلم وقالوا: يكفي أنثى وبعضهم يقول: امرأتان كما اشترط للشهادة، أما الأحاديث فوردت في الرجال، فرجل واحد يكفي وإن زاد على رجل فأحسن وأحسن.

اختلاف المطالع

اختلاف المطالع المسألة الثانية: هل على الأمة الإسلامية في جميع أقطار الأرض أن تصوم دفعة واحدة؟ أم عليها أن تصوم باختلاف المطالع؟ مطلع أهل الشام مثلاً يختلف عن أهل الجزيرة، وأهل اليمن عن أهل العراق، وهل الذي في أمريكا مثلاً يصوم بصيام الذي في الجزيرة هنا في بلادنا أم ماذا؟ لأهل العلم رأيان في هذه المسألة: رأي يقول عنه: على الناس جميعاً أن يكون صيامهم واحد، وإفطارهم واحد، واستدلوا في ذلك بحديث في الترمذي يقول: حديث حسن {الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس} فقالوا: لا بد للناس أن يصوموا جميعاً وأن يفطروا جميعاً. والرأي الثاني: لكل أناس مطلعهم، وهذا هو الصحيح، فكل أناس إذا رأوا الهلال عليهم أن يصوموا، ويفطروا إذا رأوا الهلال من شوال، والدليل على ذلك ما رواه مسلم في الصحيح عن كريب مولى ابن عباس وقد سافر إلى دمشق في الشام إلى معاوية رضي الله عنه وأرضاه، ثم قدم على ابن عباس، فقال له ابن عباس: [[متى رأيتم الهلال، قال: ليلة الجمعة، قال ابن عباس: ونحن ما رأيناه إلا ليلة السبت في مكة، فلا نزال نصوم ثلاثين يوماً أو نرى الهلال]] فعلم من هذا أن ابن عباس أخذ برؤية أهل مكة ولم يأخذ برؤية أهل الشام وقال: [[لا نزال نصوم ثلاثين يوماً أو نرى الهلال]] فالصحيح اختلاف المطالع؛ لأن بعض البلاد تقدم يوم عن يوم، وبعض البلاد بينما نعيش نحن الليل هنا هم يعيشون النهار هناك وهكذا، فلكل بلد مطلعه، ولا يلزم بلد بلداً إلا أن يكون مطلعهم واحداً، أن يكونا متفقين في المطلع ومتقاربين في المدن، فهذا يشملهم مطلع واحداً، ولا فارق بالوقت بينهم؛ فإذا كان الفارق نصف ساعة أو ما يقاربها فليس هذا بفارق، إنما المقصود الفارق الزمني الطويل الذي تختلف به المطالع.

شهادة اثنان للفطر وواحد للصوم

شهادة اثنان للفطر وواحد للصوم المسألة الثالثة: قلت اثنان للفطر وواحد للصيام، يعني: لا نصوم حتى يشهد لنا مسلم واحد أنه رأى الهلال أو يتم شعبان ثلاثين يوماً، فإذا تم شعبان ثلاثين يوماً، فلا ننتظر حتى نرى الهلال؛ لأن آخر الشهر عدده ثلاثين يوماًَ، ولا يكون واحداً وثلاثين يوماً إلا في الميلادي، فنصوم، أو يشهد لدينا رجل أنه رأى الهلال، على أن يشهد في يوم تسعة وعشرين، أما إذا صمنا أو إذا جعلنا شعبان ثلاثين يوماً، فأتى رجل فقال: أشهد بالله أني رأيت الهلال، نقول: انتهى الأمر. أو صمنا رمضان ثلاثين يوماً فيقول: أشهد أني رأيت الهلال، وقد أكملنا ثلاثين يوماً، ولا يكون الشهر واحداً وثلاثين يوماً، وأما الفطر فلا بد من شاهدين، لحديث الحارث بن حاطب أمير مكة قال: {أمرني صلى الله عليه وسلم ألا أفطر حتى يشهد رجلان مسلمان برؤية الهلال} روى هذا الحديث أصحاب السنن والبيهقي والدارقطني وغيرهم.

الذين يجب عليهم الصوم

الذين يجب عليهم الصوم المسألة الرابعة: من هو الذي يصوم وما هي شروط الصيام؟ أولاً: أن يكون مسلماً لأن الله لا يقبل من كافر عملاً، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] ولكنه يسأل يوم القيامة عن تركه للصيام سؤال توبيخ وتأنيب، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:42 - 45] فلا بد من الإسلام، والكافر لا يقبل صيامه. ثانيا: المكلف البالغ: لأن الصغير مرفوع عنه القلم، ولكن يؤمر مع ذلك بالصيام، تدريباً له، كما فعل السلف الصالح بأبنائهم حتى يتعودوا على الصيام. ثالثاً: أن يكون عاقلاً: لأن المجنون كذلك مرفوع عنه القلم. رابعاً: أن يكون قادراً: والقادر يخرج المريض، فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] أي: المريض الذي يضره الصيام، أما أن يأتيه زكام فيقول: الحمد لله الذي جعل لنا في الفطر رخصة ثم يترخص، أو يحتر جسمه في النهار فيقول: الله المستعان، لابد لنا من فطر فيأخذ هذه الرخص، يقولون: المريض هو الذي يتعبه الصيام فيدخل عليه المشقة، بالنسبة للمرض فهذا غير مستطيع. خامساً: المسافر: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة:184] وحَدُّ السفر ما سمي في اللغة سفراً، ولا يتحدد بمسافة، بل ما سمي سفراً فهو سفر، أما إنسان يرتحل إلى أماكن قريبة مثل الخميس أو غيرها، ويقول: اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، فإذا وصل حجلة نزل فتغدى ومشى قليلاً ثم تعشى وقال: الحمد لله الذي جعل لنا رخصة في هذا الدين، ما أيسر هذا الدين! فنقول له: أخطأت الفهم، وأسأت وتعديت بل السفر ما سمي سفراً، أما تحديده بثمانين ميلاً فنقول: من أين ثمانين ميلاً؟ ليس في الكتاب لا في سورة الأنفال، ولا الأعراف ثمانين ميلاً ولا في صحيح البخاري ولا مسلم وإنما هو تخرص، وبعض الناس قد يدور بالمدينة ثمانين مرة فيصبح ثمانين ميلاً، أو يذهب ويأتي من إشارة إلى إشارة ومن شارع إلى شارع فيمكن يمشي مائة كيلوا متر، فالمقصد أنه ما يسمى سفراً إلا إذا خرج من الحي ومن المدينة، فله أن يبسط سفرته وأن يأكل ولو يرى البيوت أمامه، لما ورد عن دحية الكلبي بـ ذي الحليفة أنه خرج من المدينة وهو يرى البيوت فبسط سفرته وأكل وقال: {كنا نفعله مع الرسول صلى الله عليه وسلم} وسافر ثلاثة أميال لأنه يسمى سفراً فأكل، فالمقصود أن المسافر إذا سافر فله الفطر سواء شق عليه الصيام أو لم يشق؛ لأن بعض الناس يقول: كيف الآن نسافر ونحن في سيارات مكيفة، وفي طائرات، ونفطر، لا. الواجب أن نصوم يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة:184] ما قال سفراً يضره الصيام، أو سفراً يجوع، أو سفراً يظمأ فيه، وتعليق الفطر بالمشقة ليس مذكوراً في الآية ولا في الحديث. إذاًَ: إذا سافرت فلك أن تفطر ولك أن تصوم شق عليك السفر أو لم يشق عليك، لكن أنت مخير إذا لم يشق عليك، أما إذا شق عليك فالأولى أن تفطر، ثم مر أن القادر أخرج بذلك المريض وأخرج المسافر. وهناك الحائض والنفساء فإنهما لا تصوما ويحرم عليهما الصيام؛ لما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها سألتها معاذة فقالت: {ما بال الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت -يعني أنت من الخوارج لأن الخوارج يأمرون الحائض أن تقضي الصلاة والصوم- كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم لا بقضاء الصلاة} فالحائض والنفساء لا تصوم ولا تصلي، لكنها تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة، وحد النفساء ليس له حد صح فيه حديث، ومن حدد أربعين ليس بصحيح، بل إذا طهرت النفساء ولو في يوم واحد أو يومين؛ تغتسل وتصلي وتصوم ولا عليها.

صيام الحامل والمرضع

صيام الحامل والمرضع المسألة الخامسة: صيام الحامل والمرضع. الحامل والمرضع لها صورتان: إذا لم يشق عليها الصيام فتصوم، سواء كانت حامل أو مرضع والله يتقبل منها. وإن شق عليها الصيام فهي في صورتين: خافت على ولدها الرضيع ولم تخف على نفسها وهي حامل؛ فتفطر وتقضي، وتطعم عن كل يوم مسكيناً، لحديث ابن عباس عند البيهقي وأصله في أبي داود: {إذا خافت المرضع والحامل على ولدها أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً}. وإذا خافت على نفسها فإنها تفطر وتقضي ولا تطعم، هذا هو الصحيح في المسألة إن شاء الله، وبعض أهل العلم يقول: لا تقضي، وبعضهم يقول: تقضي -يعني من خافت على ولدها- ولا تطعم مسكيناً، لكن الصحيح هذا التفصيل الأول إن شاء الله، إن خافت على ولدها تقضي وتطعم عن كل يوم مسكيناً، وإن خافت على نفسها سواء كانت حامل أو مرضع، فإنها تقضي ولا تطعم.

النية في الصوم

النية في الصوم المسألة السادسة: تبييت النية من الليل، أمرنا أن نبيت النية من الليل لصيام الفريضة. لابد أن تعرف أن غداً رمضان، ولابد أن تستصحب النية وتنوي بصيامك غداً فريضة، هذا من أول الشهر تستصحبها. وهل يكفي نية من أول الشهر؟ أما أصل النية فلابد منها لكن عليك أن تستصحب النية كل ليلة، ولا يجب عليك وجوباً أن تنوي قبل الفجر أو مع السحور أنك تصوم غداً؛ لأن كثيراً من الناس قد ينامون حتى يؤذن الفجر، فلا يجدون وقتاً للنية ولاستحضار النية فما هو الحل إذاً؟ الصحيح هو أنه يبيت النية من الليل، ويستحضر في ذهنه أن يصوم غداً من رمضان سواء تسحر أو قام بالليل أو نوى أو لم ينو لحديث حفصة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من لم يبيت الصيام من الليل -أو نية الصيام من الليل- فلا صيام له} رواه الخمسة، وهذا أوقفه النسائي ولكن حسنه كثير من أهل العلم، والمقصود في الحديث هو صيام له، يعني صيام الفريضة، لابد أن تعرف أن غداً من رمضان، وهذا هو الوارد والصحيح في المسألة.

صيام النافلة

صيام النافلة المسألة السابعة: أما صيام النافلة فلك أن تنوي من وسط النهار أو من بعد الزوال، أتيت يوم من الأيام ولم تأكل شيئاً ولما حانت صلاة الظهر رأيت أن تكمل هذا اليوم صائماً وأنت ما نويت من الليل، ولا من أول النهار، فلك أن تصوم هذا اليوم نافلة ليس فريضة، لا قضاء ولا صيام نذر ولا فريضة لكن نافلة لك، دل على ذلك حديث عائشة في مسلم قالت: {دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام فقال: عندكم شيء فقلنا: لا يا رسول الله قال: فإني صائم} نافلة، دليل على أنه لم ينو قبلها صلى الله عليه وسلم بقوله: عندكم شيء لأنه لو كان عندهم شيء لأكل، قالت: {ثم دخل علينا يوماً آخر وهو صائم -يعني متنفل- فقال: عندكم شيء قالت: نعم عندنا حيس يا رسول الله -طعام- فأكل صلى الله عليه وسلم} ففي النافلة لك أن تنوي من النهار أو قبل الزوال أو بعد الزوال سيان.

المضمضة والاستنشاق

المضمضة والاستنشاق المسألة الثامنة: هل للصائم أن يترك المضمضة والاستنشاق؛ خوفاً من وصول الماء إلى حلقه، أم عليه أن يتمضمض ويستنشق بإطلاق؟ الصحيح في هذ المسألة إن شاء الله: أن له أن يتمضمض ويستنشق من دون مبالغة، ولا يترك المضمضة والاستنشاق؛ لأنها واجبة في الوضوء، وبعضهم عده فرض من فروض الوضوء، والدليل على ذلك حديث لقيط بن صبرة في السنن قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً} فدل على أن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق ولا يتمضمض كثيراً، فلا يرجرج الماء حتى يروى من الماء ويقول: هذه سنة الوضوء، ليس بوارد هذا فلا يترك المضمضة والاستنشاق ولا يبالغ فيهما وهذا حسم المسألة إن شاء الله.

السواك

السواك المسألة التاسعة: السواك للصائم تردد في أوساط كثير من الناس أن الصائم له أن يتسوك أول النهار، وأمَّا بَعْد الزوال فلا يتسوك فهل هذا صحيح أم لا؟ هذا رأي للشافعية قالوا: له أن يتسوك أول النهار، وأما آخر النهار فلا، واستدلوا بدليلين دليل تنظيري استنباطي، ودليل نقلي، أما الدليل النقلي فقالوا: روى ابن ماجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {استاكوا أول النهار ولا تستاكوا آخر النهار} هذا دليل نقلي -نص- واستدلوا بدليل آخر تنظيري استنباطي وقالوا: قوله صلى الله عليه وسلم: {لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك} قالوا: فإذا أتى الصائم وأزال الخلوف -يعني رائحة الفم بالسواك- ما أصبحت هناك رائحة مسك. ولكن يرد عليهم بثلاثة أدلة: أولها: قوله صلى الله عليه وسلم: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتم بالسواك عند كل وضوء} وفي رواية {مع كل صلاة} هاتان الروايتان صحيحتان، فعموم الحديث يقتضي في رمضان وفي غير رمضان ولم يقل صلى الله عليه وسلم: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء} في غير رمضان، فلما عمم عليه الصلاة السلام دل على أنه مع كل صلاة في رمضان وفي غير رمضان ومع كل وضوء. الدليل الثاني: ما رواه الترمذي وغيره وهو معلق في صحيح البخاري عن عامر بن ربيعة قال: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي ولا أعد يتسوك وهو صائم} فدل على أنه أول النهار وآخر النهار. والدليل الثالث: أنه يقال: الخلوف هذا الذي ذكرتم ما يأتي من الفم، والسواك ما يزيله، إنما يأتي من المعدة، فلا أثر للسواك هذا في الخلوف؛ لأنه يأتي من معدة الصائم. وأما حديثهم في ابن ماجة الذي يقول: {استاكوا أول النهار ولا تستاكوا آخره} فهو حديث ضعيف لا تقوم به الحجة، إذاً: حسم المسألة إن شاء الله أن الصائم يتسوك أول النهار، وآخر النهار بسواك رطب أو يابس، والسواك من أفضل خصال الصائم، لا يتركه عند كل وضوء ومع كل صلاة.

الكحل

الكحل المسألة العاشرة: الكحل هل للصائم أن يكتحل في عينيه أم لا؟ ورد في ذلك أحاديث منها حديث في ابن ماجة عن أنس رضي الله عنه وأرضاه قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتحل وهو صائم} هذا سنده ضعيف، قال الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء، قال الترمذي: وكره أحمد وسفيان وإسحاق الكحل للصائم، وقال الأعمش: لا بأس بالكحل للصائم وكان يكتحل أصحابنا، والصحيح أنه لا بأس بالكحل للصائم أن يكتحل، فإن العين ليست منفذ. وهناك حديث ضعيف أيضاً في الترمذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإثمد عند النوم وقال: {ليتقه الصائم} ولكن لا يصح النفي ولا يصح الإثبات، والمسألة تبقى على أصلها وأنه لا بأس بالكحل للصائم إن شاء الله.

الطيب

الطيب المسألة الحادية عشرة: الطيب هل للصائم أن يتطيب أو يشم الورد، والياسمين، والرياحين، ويشم الأشجار أم لا؟ له ذلك إن شاء الله فإنه لم يرد نفي منه صلى الله عليه وسلم، ولم يرد تحريم لهذا، ولا أنه من المفطرات فتبقى على أصلها، وليست الرائحة إن شاء الله مفطرة إنما ما يؤكل وما يشرب هذا الذي يفطر أو يصل إلى الحلق أو إلى المعدة.

الدهن

الدهن المسألة الثانية عشرة: الدهن للصائم: للصائم أن يدهن بشرط ألا يصل الدهن إلى حلقه، كأن لا يأكل من الدهن أو يستعمله في أنفه حتى يدخل إلى حلقه، وأما أن يدهن وجهه ورأسه فلا بأس به، لأن بعض أهل الفقه قالوا: إذا دهن أقدامه بدهن يسمونه دهن الحنظل، فإنه قد يصل إلى حلقه وهذا يفطر، ومن أين للأقدام منفذ؟! هذا ورد في كثير من الحواشي الفقهية والصحيح أن الدهن للصائم أن يدهن بما فتح الله عليه من دهون.

الحجامة

الحجامة المسألة الثالثة عشرة: الحجامة هل للصائم أن يحتجم؟ وإخراج الدم، وإسعاف المرضى، والجرحى هل هذا وارد أن يسحب دم من الصائم أم لا؟ هذا كثر الكلام في الحجامة وهي من المسائل التي تكسرت النصال فيها على النصال، وتساقطت فيها عمائم الأبطال من أهل العلم، مرة تسمعون في جمعة من الجمع قبل سنة: أنها لا تفطر وسوف تسمعون الليلة أنها تفطر، وهذا يظهر بالأدلة والاستقراء واستماع كلام أهل العلم والمحققين، ورد فيها أحاديث منها: حديث في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال: {احتجم صلى الله عليه وسلم وهو محرم واحتجم صلى الله عليه وسلم وهو صائم} هذا لفظ حديث ابن عباس في البخاري قال الإمام أحمد: لا يصح أنه احتجم صلى الله عليه وسلم وهو صائم، وقال يحيى بن سعيد الأنصاري الجهبذ النحرير العلامة الداهية المحدث: لا يصح أنه احتجم صلى الله عليه وسلم وهو صائم. إذاً: فالحديث فيه وهم، ولو كان في البخاري ففيه غلط، لفظة وهو صائم غلط، أثبت المحدثون أنها وهم في صحيح البخاري، والصحيح أن الحجامة تفطر لقوله صلى الله عليه وسلم: {أفطر الحاجم والمحجوم} فيما رواه الخمسة وغيرهم إلا الترمذي وقوله صلى الله عليه وسلم لما مر بحاجم يحجم صائماً: {أفطر هذان} فهذه بارك الله فيكم الأدلة؛ يقول السيوطي: بلغ هذا الحديث درجة التواتر، فهو صحيح لا يعارض به حديث آخر، وفي الدارقطني بسند قوي قال: {نهى صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم ثم احتجم صلى الله عليه وسلم} وهذا لا يثبت لأن الأحاديث الصحيحة عارضته وهي أقوى منه، وهذا حديث فيه كلام. إذاً: فالحجامة تفطر الصائم ولا يسحب من المسلم دم ولا من المسلمة وهما صائمان لأنه يقاس على الحجامة، لأن الحجامة أخذ دم، الله أعلم بالسر في ذلك، لكن هذه خلاصة المسألة، وهو رأي كثير من أهل العلم منهم ابن القيم في زاد المعاد.

القبلة

القبلة المسألة الرابعة عشرة: القُبْلة للصائم: هل للصائم أن يُقَبِل زوجته وهو صائم أم لا؟ ورد في الصحيح من حديث عائشة {: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُقَبِل وهو صائم وكان أملككم لإربه} الإرب قيل: العضو وقيل: الشهوة وجموح النفس، وورد عن عمر رضي الله عنه وأرضاه أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن القُبْلة للصائم قال: {أرأيت في المضمضة بأس للصائم قال: لا يا رسول الله قال: فمه إذاً} يعني سواء بسواء ولكن عند الحاكم في المستدرك: {أن رجلاً أتى الرسول عليه الصلاة السلام وهو شيخ فسأله عن القُبْلة فلم ير بها بأساً، وأتاه شاب فسأله عن القُبْلة فلم يرخص له} فكأن حسم المسألة أن من حركت شهوته القبلة، أو خاف على نفسه أنه لا تجوز له، وأما الشيخ الكبير فإنها تجوز له، ولكن الأولى والأحسن والأصوب ترك القُبْلة للصائم، هذا حسم المسألة إن شاء الله.

الاحتلام في النهار

الاحتلام في النهار المسألة الخامسة عشرة: الاحتلام في النهار: إنسان احتلم في نهار رمضان، نام في الظهيرة ثم قام فإذا في ثيابه بلل، فماذا يفعل هل ينتقض عليه صومه ويقضي أم ماذا يفعل؟ هذا عليه أن يغتسل وأن يتم صومه فصومه صحيح وما خدشه شيء، وهذا ليس في مستطاعه بل أتاه وهو ليس مكلف في حالة النوم، فعليه أن يتم صومه، وأن يغتسل ويصلى، وصومه والحمد لله صحيح.

الأكل والشرب ناسيا

الأكل والشرب ناسياً المسألة السادسة عشرة: من أكل أو شرب أو جامع ناسياً: أو هذه مسائل المفطرات -الأكل والشراب والجماع-بالسنة والكتاب والإجماع، فمن أكل أو شرب ناسياً فليس عليه شيء، لحديث أبي هريرة المتفق عليه: {من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه}. وجاء رجل إلى الحسن البصري وكأنه متنفل فقال: يا أبا سعيد! قال: نعم، قال: نسيت الصباح اليوم وأكلت خبزاً وأنا صائم قال: ما عليك، قال: ثم دخلت على أهلي فقدموا لي لبناً فشربت، قال: ما عليك، قال: ثم خرجت فوجدت ماءً فشربت -ضمئت فشربت- قال: يا بني أنت لم تتعود الصيام. يعني المسألة فوضى بعد كل ساعة تأكل وجبة، ولو حدث أن إنساناً نسي فأفطر، ثم فتح الله عليه فنسي فتغدى، ثم أكل بعد العصر، ثم شرب شاي ثم قهوة ثم تناول تمراً فماذا عليه؟ نقول: أنت ناس ما عليك شيء في رمضان؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال: قد فعلت. فالناسي والمكره والجاهل ليس عليهم شيء، فمن شرب أو أكل وهو ناس فالله قد عفا عنه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه، لأن الله هو الذي كتب عليه النسيان ليأكل وليشرب وصيامه صحيح. ومن جامع ناسياً، كإنسان عنده أربع زوجات جامعهن في نهار رمضان ناسياً، ثم أتى إلى القاضي فقال: نسيت وجامعت أهلي أربع مرات هل هذا صحيح ينسى؟ بعض أهل الفقه يقولون: هذا لا يمكن أن ينسى؛ لأن هذا ليس من الأكل والشراب، ولذلك يقولون: لابد من الكفارة. وابن تيمية يقول: لا، الناسي ليست عليه كفارة ولا قضاء، ويلحق بالآكل والشارب، وهذا هو الصحيح إن شاء الله، فإن الله عفا عن الناسي والجاهل في الأكل والشرب فيلحق به المجامع أيضاً، فالمجامع ليست عليه كفارة ولا قضاء؛ لأنه نسي وهذا المجامع الناسي والجاهل أما المتعمد فكفارته مرت كما سيأتي.

كفارة الجماع

كفارة الجماع المسألة السابعة عشرة: كفارة من جامع في نهار رمضان: هذا وردت كفارته عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، لا يقطعها إلا الأعياد مثلاً فله ذلك، أو سافر سفراً قاصداً فيقطعه ويواصل، يعني ما يستحدث صياماً جديداً بل تصح المتابعة، ولو قطعه بالسفر أو أتاه مرض وشق عليه يفطر ويكمل على الأيام الماضية فإن المرض والسفر والأعذار لا تقطع الصيام، فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين، فإطعام ستين مسكيناً، فإن لم يستطع، سقطت عنه الكفارة، هذه كفارة المجامع.

هديه في الإفطار

هديه في الإفطار المسألة الثامنة عشرة: هديه صلى الله عليه وسلم في الإفطار، وكيف كان يفطر صلى الله عليه وسلم. في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم} معنى أفطر: يعني حل فطره سواء أفطر أو لم يفطر، ولا يجوز له أن يواصل، أي: أنه سواء أكل أو لم يأكل فقد أفطر، هذا العلامة عندنا غروب الشمس إقبال الليل وإدبار النهار وغروب الشمس فعلى المسلم أن يعتبر بذلك. لكن كيف كان يفطر صلى الله عليه وسلم؟ ورد من حديث سليمان بن عامر في السنن أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {ليفطر أحدكم على تمر، فإن لم يجد فعلى ماء فإنه له طهور} فالفطر على التمر من السنة فإن لم تجد تمراً فعلى ماء، وعند أبي داود وغيره عن أنس قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطيبات، فإن لم يجد فعلى تميرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء عليه الصلاة السلام} فالرطب أولى وأفضل، فإن لم تجد فتمراً، فإن لم تجد فماءً، ولا يأتي أحد فيقول: ما دام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك أو قال ذلك، فلو أفطر على شربة أو خبز؛ قال: بطل صيامك فاستغفر الله وتب إليه، لا هو الجائز لكن السنة في ذلك والأولى والأحسن والأخير والأقرب. قال ابن القيم: في ذكر التمر سر من الأسرار، لأن الجائع أحسن ما يواجه بطنه أو يقابل بطنه الحالي؛ لأن الحالي أحسن لديه، فعليه أن يفطر على رطب أو تمر فإن لم يجد فماء، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: {اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل مني إنك أنت السميع العليم} هذا الحديث رواه أبو داود وهو مرسل فيه ضعف. ومرسل منه الصحابي سقط وقل غريب ما روى راو فقط المرسل: الذي سقط منه الصحابي، مثلاً أبو هريرة سقط من السند وابن المسيب تابعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أين الصحابي الذي في أول السند سقط، هذا مرسل، فالمرسل: ما سقط منه الصحابي وهذا الحديث مرسل وبعضهم يحسنه بطرقه لكن الصحيح أنه ضعيف لهذه العلة. وورد عنه صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود وفي غيرها أنه يقول: {ذهب الظماء وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله} إذا شرب صلى الله عليه وسلم وأفطر، وفي أثر بمجموعه يصل إلى درجة الحسن أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {للصائم دعوة ما ترد} وورد في حديث: {ثلاثة لا ترد دعواتهم منها الصائم قبل أن يفطر} فالله الله في الاجتهاد في الدعوات قبل الفطر، فإنها دعوة مستجابة إن شاء الله، ووقت استجابة فأكثر قبل أن تفطر من الدعاء خاصة إذا اقترب وقت الإفطار.

هديه صلى الله عليه وسلم في السحور

هديه صلى الله عليه وسلم في السحور المسألة التاسعة عشرة: وأما هديه صلى الله عليه وسلم في السحور يقول صلى الله عليه وسلم: {ما يزال الناس بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور} أو {ما عجلوا الفطور وأخروا السحور} متفق عليه من حديث سهل بن سعد، فالسنة أن تعجل الإفطار إذا غربت الشمس، والسنة أن تؤخر السحور حتى إلى قبل طلوع الفجر، قيل لـ زيد بن ثابت: كم كان بين صلاته صلى الله عليه وسلم الفجر وبين سحوره؟ قال: {مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية} رواه البخاري، فقدر أنت هذا القدر وهذا هو السنة، وأما لو تقدمت فتسحرت مع عشائك لجاز، ولو بقيت بلا سحور لجاز، ولو تسحرت حتى تسمع الأذان لجاز، لكن السنة أن تؤخره حتى تبقى فترة وجيزة بين السحور وبين صلاة الفجر، يقول عليه الصلاة السلام كما في حديث عمرو بن العاص الصحيح: {فصل ما بيننا وبين أهل الكتاب أكلة السحر} أهل الكتاب: يعني اليهود والنصارى، ويقول عليه الصلاة السلام: {تسحروا فإن في السحور بركة} متفق عليه من حديث أنس. وبركة السحور تأتي بثلاثة أمور أولها: أنك تقوم في وقت يتجلى الله للناس على سماء الدنيا فينادي فيقول: {هل من سائل فأعطيه، هل من داع فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له} فتكون من المستغفرين. ثانيها: أنك أحييت سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم وهي سنة السحور. ثالثها: أنك استعنت بالسحور على صيام النهار، وهذا من بركة السحور التي ذكر عليه الصلاة السلام.

الإبر للصائم

الإبر للصائم المسألة العشرون: الإبر للصائم: الإبر بأنواعها ما حكمها للصائم؛ إذا أخذ إبرة أو تعالج فرأى الأطباء أن يتناول إبرة، هل تفطره وهو صائم أم لا؟ هذا على قسمين: الأول: إن كانت مغذية تصل إلى حلقه، أو يجد طعمها، أو تغذيه فهذه مفطرة. الثانية: إن لم يكن لها أثر، ولا تغذي، ولا تصل إلى حلقه، فلا بأس بها وهي مسألة عصرية ليس فيها أدلة وإنما هذا التقسيم كأنه المطلوب والأقرب عند أهل العلم إن شاء الله.

ذوق الطعام للحاجة

ذوق الطعام للحاجة المسألة الحادية والعشرون: ذوق الطعام للحاجة: هل للصائم أن يذوق الطعام من أجل أن يتذوق ملح الطعام، ويرى جودة الطعام. ورد عند البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [[لا بأس للصائم أن يذوق الطعام للحاجة]] رواه البيهقي، وأورده صاحب السلسبيل في تعليقه على زاد المستقنع، فلا بأس للصائم أن يذوق الطعام للحاجة؛ لأنه ليس بأكل وإنما يصل إلى لسانك، وحاسة الذوق في أول اللسان، لكن من يتذوق المطعومات أكلاً فيذوق العنب كيف حاله، والموز، وشيء من التفاح، وشيء من الشربة، وما يأتي المغرب إلا وهو شبعان ريان، بات يطعمه ربه ويسقيه، فهذا ليس بوارد وقد أخطأ من فعل ذلك، لكن الذوق في أول جلدة اللسان، ولمن أراد أن يراجعه في السنن فليراجع الذوق فلا بأس به إن شاء الله ذوق الطعام.

شتم الصائم

شتم الصائم المسألة الثانية والعشرون: ماذا يقول الصائم إذا شتم؟ إنسان شتمك -نسأل الله العافية- أو سبك أو انتهك عرضك وأنت صائم، هل تقول: اللهم إني صائم فتذهب إلى بيتك فتأخذ هراوة، فتأتي تضربه؟ وتقول: مادام أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الشتم والمسابة فالهراوة أجدى سبيل وأحسن وألين، هذا من باب قول بعضهم في الآية: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء:23] قال: أما الأف فلا تقول لكن الضرب ما ورد في الآية، فالله عز وجل لا يقول في الآية: لا تضرب والديك، لكن يقول: "لا تقل لهما أف" فأين الضرب؟ لو كان الضرب وارداً لقال سبحانه: ولا تضربهما، فقالوا: هذا قياس مخروم، وهو من ضعف العقل وضعف الاستنباط. فالمقصود الشتم وما فوقه كالملاكمة والضرب على الوجه والضرب بالهراوة وكذلك يدخل فيها المشعاب، إذا علم هذا بارك الله فيكم فإذا شتم فما الحكم هل يقول: إني صائم بلسانه أو بقلبه؟ اختلف أهل العلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المتفق عليه عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة: {فإذا سابَّه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم} فهل يقول بقلبه إني صائم أو بلسانه، إنسان كلما أصبحت أخذ بتلابيب ثوبك في رمضان، وجرجرك وشتمك ماذا تفعل تقول بنفسك: إني صائم؟ يختار ابن تيمية أن تقول بلسانك: إني صائم وهذا هو الصحيح، وكلمة فليقل يعني باللسان، وعقد القلب لا يسمى قولاً إلا في المجاز، وقوله: فليقل إني صائم لها فوائد منها: الأمر الأول: أن تذكره أنك صائم لعله أن يخشى الله ويتقيه فيك، يعني كأنك تقول: جائع وتعبان وحالي ما يتحمل الضرب اتركنا حتى نفطر ونصلي التراويح ثم اضرب جزاك الله خيراً، فإذا قلت: إني صائم فلعله أن يرحمك. الأمر الثاني: كأنك تقول: إني صائم تذكر نفسك أنت لا تعتدي، فهذا الصحيح إن شاء الله وهذا ترجيح ابن تيمية.

القيء

القيء المسألة الثالثة والعشرون: القيء وخروجه على الصائم: إنسان قاء -طرش- أو قذف وسمي ما شئت فهل يفطر أم لا؟ أبو هريرة وبعض أهل العلم: يرون أنه لا يفطر، يقولون: المفطر من الخارج إلى الداخل، ولكن روى أبو هريرة عند الخمسة وغيرهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {من استقاء فقاء فعليه القضاء ومن ذرعه القيء فلا شيء عليه} انظر ما أحسن الكلمات، من يختار مثل هذا الأسلوب؟! {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4 - 5] ولذلك يقول القاضي الزبيري شاعر اليمن يمدح هذا اللفظ يقول: ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمة من عفاء الألفاظ هذه لا يستطيع أن يسوغها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: فتفصيل المسألة أن من استدعى القيء بأن أدخل أصابعه في حلقه فقاء فعليه أن يقضي، ويتم صيامه ممسكاً، وكذا إن شم شيئاً، عمداً أو حك حلقه، أو فعل شيئاً استدعى القيء فعليه القضاء، أما من غلبه القيء فلا شيء عليه؛ يتم صومه وصومه صحيح، وهذا أحسن ما قيل في هذه المسألة إن شاء الله.

التراويح

التراويح المسألة الرابعة والعشرون: صلاة التراويح: صلاة التراويح سنة وهي ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، وقد صلاها في بعض الليال وتركها في حياته بعض الليالي، لئلا تفرض على الأمة، فلما جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه جمع الناس على صلاة التراويح. وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: {ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غير رمضان عن إحدى عشرة ركعة} فالأولى والأقرب للسنة صلاة إحدى عشرة ركعة، وورد في الصحيح كذلك من حديث عامر الشعبي عن ابن عباس: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاثة عشرة ركعة}. فكيف نوفق بين إحدى عشرة وثلاثة عشرة؟ كثير من الناس عندنا الآن على المذهب يصلون ثلاثة عشرة ركعة، وبعض المحدثين يرى أن تصلى إحدى عشرة ركعة، لكن ليس هناك خلاف فالأمر فيه سعة والحمد لله، والمسألة وما فيها، أن أهل العلم توقفوا عند الحديث، منهم من قال: حسبت ركعة الفجر- مثل ابن القيم في زاد المعاد - من الثلاثة عشرة ركعة، وإلا فالأصل إحدى عشرة ركعة، ومنهم من قال: كان صلى الله عليه وسلم يصلي مرة ثلاثة عشرة ركعة ومرة إحدى عشرة ركعة فهذه السنة فمن صلى هذا لا بأس به، ومن صلى هذا لا بأس به، والأقرب إحدى عشرة ركعة، ومن زاد على ذلك فصلى إحدى وعشرين ركعة فجاز ثلاث وعشرين، وست وثلاثين إنما وله أن يصلي ولو صلى مائة وواحدة ركعة لجاز والأمر فيه سعة ونافلة {وصلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الليل؛ فأوتر بواحدة}. إذاً: فالأمر فيه سعة والحمد لله، وهذه صلاة التراويح التي هي سنة من السنن وينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في جماعة، وإذا رأى أن الأفضل في حقه أن يوتر في آخر الليل ويستطيع فليرجئ الوتر إلى آخر الليل، ويصلي التراويح مع الناس، وإذا خاف فليوتر من أول الليل مع الجماعة، لكن إذا أوتر مع الجماعة ثم استيقظ في آخر الليل في السحور هل له أن يصلي أم لا؟ هو بين حالتين: إما أن يصلي شفعاً شفعاً ركعتين أربعاً ستاً ويكتفي بما صلى في أول الليل من الوتر، وإما أن يصلي ركعة توتر له ما تقدم ثم يصلي شفعاً ثم يوتر، وهذا وارد لكن الأول أحسن وهو أن يكتفي بالوتر الأول ولا وتران في ليلة ويصلي شفعاً ولا يعيد الوتر مرة ثانية. والأمور التعبدية في رمضان أعظمها قراءة القرآن، فإني أوصي نفسي وإياكم بكثرة قراءة القرآن وأن يأخذ أحدكم مصحفه ويعاشره في هذا الشهر، ويسامره، ويجالسه، ويآنسه، ويختم ختمات كثيرة بتدبر عل الله أن يرفع درجته في عليين، فإنه لن يقرأ الحرف إلا بعشر حسنات إلى أضعاف كثيرة عند الله تبارك وتعالى. وكذلك أوصي نفسي وإياكم بكثرة الصدقة في هذا الشهر، أن يبذل أحدكم ويكون له شيء من مال ينفقه ويتصدق به، ويحرص على تفطير الصوام؛ فإن من فطر صائماً؛ فله من الأجر مثل أجر الصائم دون أن ينقص من أجر الصائم شيئاً، والتفطير يحصل بأدنى شيء، بشربة ماء أو بتمرة، فهذا يسمى تفطير، يعني ما يقتضي أن تفطره تمراً، ثم شربة، ثم تدعوه إلى كبسة، ثم تقهويه ثم تشهيه، لا، فيحصل بشربة من ماء إذا ما وجد شيئاً وعلم الله أنك ما وجدت إلا الماء، فأما أن يكون في بيتك ما لذ وطاب وتأتي بالماء تباشر على الناس في المسجد وتقول: أفطرهم فهذا يكتب لك أجر إن شاء الله لكن ليس بتفطير {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] فليعلم ذلك. ومنها بارك الله فيكم الذكر: فإني أدعوكم لكثرة الذكر في رمضان من الاستغفار، والتسبيح، والتهليل، وكثرة الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، ومراجعة حساب السيئات في الأشهر الماضية؛ عل الله أن يكفرها في هذا الشهر، والتبتل إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن أعظم ما يوصى به اجتناب الغيبة، والنميمة، والشتم؛ لأنها حرام في غير رمضان، وفي رمضان أشد وأنكى وأدهى، حتى قال ابن حزم في المحلى: إن شهادة الزور والغيبة والنميمة تفطر الصائم وعليه القضاء فإن هذه أمور محرمة وهي أشد تحريماً في رمضان، وليتق الله وليحفظ لسانه وليستبدل مكان الخبيث من القول بالطيب، فإن الذي يصعد إليه الطيب من القول أو الطيب من الكلمة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10] قيل: العمل الصالح يرفعه أي: يرفع الكلم الطيب، الضمير يعود إلى الكلم الطيب أي: إليه يصعد الكلم الطيب يعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هو الكلم الطيب، والدعوة إلى الله كلم طيب، وقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم كلم طيب يرفعه العمل الصالح، إذا صاحب عملاً صالحاً رفعه هذا، وقيل: يرفعه يعود الضمير إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أي أن الله يرفع الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وكلا الوجهين فيه وجاهة، ومن جمع بينهما فقد أحسن وأصاب، إذا علم هذا فإن هذا أحسن ما يوصى به. وأوصيكم في رمضان كذلك بالاهتمام بصلاة الجماعة، فإن كثيراً من الناس يخلون بها، فصلاة الجماعة من أهم ما يوصى به جماعة المسلمين وحضورها من أول الوقت لتصلي عليك الملائكة في مجلسك. وأوصيكم بكثرة الاستغفار، وترك المعاصي ما ظهر منها وما بطن كاستماع اللغو واللهو والغناء الماجن الرخيص، ومطالعة الصور الخليعة التي تغري بالقلب، وتشتت الفكر، وتدعو إلى الفاحشة وتسهل الزنا، نعوذ بالله من ذلك، فأدعو نفسي وإخواني إلى التوبة النصوح ظاهراً وباطناً ليقبل الله منا صيامنا، إنه على ذلك قدير. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة هنا بعض الأسئلة حول الصيام، نجيب عليها إن شاء الله.

اختلاف الغروب

اختلاف الغروب Q تغرب الشمس في المناطق الجبلية قبل المناطق الساحلية فما الحكم؟ A لكل بلد غروب، والذي يلزم أهل البلد أنه إذا غربت الشمس عندهم وأقبل الليل وأدبر النهار؛ فعليهم أن يفطروا، وما عليهم أن يبحثوا في المناطق الأخر، لا نقول لمن كان في المناطق الجبلية: اصعد إلى رأس الجبل، وانظر هل ترى الشمس هناك هل غربت أو لا؟ فلسنا مأمورين به، بل إذا غربت لدينا نكتفي، أما أن يذهب بسيارة أو يصعد؛ فإنه قد يجد الشمس في المناطق الساحلية أو في السهلية، لا إذا غربت الشمس فقد أفطر فإنها مثلاً تغرب في الرياض قبلنا بما يقارب ثلث ساعة أو في غيره من المدن ففطرهم لهم وفطرنا لنا، لاختلاف غروب الشمس هنا وهناك، فلكل بلد غروبه وطلوعه ومطالعه.

التخلف عن صلاة التراويح

التخلف عن صلاة التراويح Q ما حكم من لم يصل التراويح مع الجماعة ويقول: ليس علي ذنب بتركها؟ A أقول قد لا تكون واجبة، وقد لا يكون عليك ذنب، لكن ألا ترى من شعائر الإسلام أن تقف مع إخوانك المسلمين، وأن تعرف أنك كلما سجدت لله سجدة رفعك بها درجة عنده، وأن تعرف أنك تعين نفسك، أو تعين أهل الخير على نفسك في دخول الجنة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال له رجل: أريد مرافقتك في الجنة فقال: {أعني على نفسك بكثرة السجود}. ألا تجد أنك تستمع آيات الله البينات، وأن الله عز وجل قد يأتي في ليلة من الليالي والمسجد مليء بالمصلين، وأنت من ضمنهم، وقد أسرفت على نفسك في الخطايا والذنوب، أو ارتكبت معاصي كبرى، أو أتيت بفاحشة، فقال الله لملائكته: {أشهدكم أني غفرت لمن في هذا المسجد فتقول الملائكة: معهم فلان بن فلان فعل كذا وفعل كذا فيقول: وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم} ولذلك ندعو في التراويح: وهب المسيئين منا للمحسنين، فقد تكون مسيئاً فيجعلك الله مع المحسنين ويدخلك الله في رحمته. ألا ترى أنها قوة للإسلام أن تحضر، وانظر لنفسك، فإن كثيراً من الناس مستعد يبقى في الحفلة السامرة العاهرة الماجنة من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، تراه يرقص، ويتمايل، ويضرب بأرجله، ويلعلع بصوته، حتى يصحر صوته ويتغير، ثم يرمي بنفسه على الفراش مع صلاة الفجر، لكن نقول: صلِّ التراويح قال: الدين يسر والله غفور رحيم، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ما أحسنك في الأدلة! فقيه عند الحلال، ولكن عند الحرام ما تعرف في الفقه شيئاً، ولذلك يقول ابن مسعود: [[فقهاء لم يعملوا]] يقول: موجود عندهم الفقه لكن ما هناك عمل، فإذا أتى العرضة، والحفلات، واستماع الغناء، والزير، وضرب الزلفة، وما في حكمها، نسي هذه الأدلة جميعاً، ونسي شديد العقاب، ونسي الوقت وقيمته {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] ونسي نعمة البصر، والسمع، والقلب، فكيف يصعب عليه أن يقف ساعة مع المسلمين ويشعر بالخمود والهمود في جسمه، لأن القلوب ما عاشت مع لا إله إلا الله وما تحركت بالإيمان. وليست المسألة مسألة أجسام، تجد الرجل النحيف ورأيناهم وهم شيوخ في الستين والسبعين والثمانين يقفون بالعصي في التراويح والقيام وترونهم في الحرم، وتجد الشاب المتين الطويل العريض ما يتمنى على الله أن يسلم من صلاة العشاء ثم يركب سيارته، لأن قلب ذاك حي، وجسمه هامد، وجسم هذا حي وقلبه هامد، والمسألة إلى القلب {إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم} فأنا أدعوك إلى صلاة التراويح، ومكاتفة المسلمين، وإعلان التضامن معهم في هذه الشعائر التعبدية.

ختم القرآن في التراويح

ختم القرآن في التراويح Q ما حكم ختم القرآن في التراويح؟ A ختم القرآن ما علمت فيه حديثاً، وما علمت أنه لا بد للأمة أن يختموا القرآن في رمضان، لكن استنبطوا من مثل حديث ابن عباس في الصحيحين: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلقاه جبريل فيدارسه القرآن} ولكن ما قال فيه يختم عليه القرآن ورد في حديث آخر: {يعرض عليه القرآن عرضاً} وعرض عليه القرآن قبل أن يموت مرتين عليه الصلاة والسلام، فإذا كان الناس يستطيعون أن يسمعوا القرآن جميعه، فالأفيد أن يسمعوه جميعاً، ولكن إذا كان الإمام حسن الصوت، طيب النغمة، وباستطاعته أن يقرأ الآيات ويتدبرها الناس؛ فيكفي من القرآن ما يسر الله عز وجل {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:20] لو لم يقرأ إلا خمسة أجزاء أو ستة أجزاء، والمسألة ليست بالهذرمة والهد، حتى أصبحت طقوس وعادات، ويأتي إمام يلقى إماماً آخر بعد صلاة التراويح يقول: أين وصلتم الليلة في التراويح؟ قال: وصلنا إلى آية كذا وكذا قال: أبشرك نحن زدنا عليكم بعشرين آية، وإذا ختم اتصل به في التلفون قال: ختمنا الليلة وأنتم يبقى عليكم ثلاث ليالي، ليست مباراة، ولا مسابقة، إنما مسألة خشية، واتصال وفهم، وربما الإنسان يقرأ الختمة في رمضان مرة واحدة، لكن يتعقل، ويتدبر، وبعضهم يقرأ عشر ختمات وعشرين ختمة ولكن لا عقل ولا تدبر {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] ولم يقل أكثر عملاً.

أكل العلك في نهار رمضان

أكل العلك في نهار رمضان Q ما حكم أكل العلك من اللبان وغيره؟ A أما لغير الصائم فيجوز أن تأكل العلك بالإجماع، وأما الصائم لا يجوز له أن يأكل العلك؛ لأنه يدخل في مسمى الطعام، ولأنه قد يتفتت منه شيء، ولأنه يسلي الصائم، وقد يقوم مقام كثير من الأكل، وبعض الناس قد يتسلى بالعلك وهو جائع، فلا يجوز للصائم.

ترك الصلاة

ترك الصلاة Q كنت أترك الصلاة عمداً ولا أحصيها فما الحيلة؟ A يوم كنت تترك الصلاة عمداً كانت تلك الحالة -نسأل الله العافية- حالة ردة عن الإسلام، وابن تيمية يرى أن من ترك فرضاً واحداً عامداً فقد كفر في تلك الفترة، وعند الإمام أحمد من حديث أبي أمامة: {من ترك صلاة واحدة عامداً متعمداً فقد كفر} فتركك في تلك الفترة ردة عن الإسلام، وعليك أن تتوب، ولا أعلم أنك تقضي الصلاة على الأقوال الصحيحة بل عليك أن تستغفر، وتتوب، وتصلح، وتكثر من النوافل، أما إعادة الصلاة فلا أعرف في ذلك أصل، ولو أنه قاله بعض أهل العلم، لكن الذي يظهر إن شاء الله والأقرب أنه ليس عليك إعادة، بل تكثر من النوافل وتتوب، وتستغفر؛ لأنك دخلت الآن.

الإكثار من الضحك والأكل والنوم في شهر رمضان

الإكثار من الضحك والأكل والنوم في شهر رمضان Q ما رأيك في كثرة الضحك والأكل والنوم وفي شهر رمضان؟ A هي مذموة في رمضان وفي غير رمضان وبعض الناس كما يقول الغزالي: إنهم يصومون النهار، ثم يحتسبون الوجبات التي صاموا عنها فيأكلونها في الليل، فيقول: ذهب سر الصيام، وبعضهم إذا قدم له الإفطار تذكر أنه ما أفطر الصباح، ولا تغدى، ولا تعشى فأنتصف من ظهر هذا الطعام حتى يقول يكفر، وبعضهم يأتي إلى التراويح وهو يسحب سحباً حتى يصلي العشاء وبعضهم ربما يصلي التراويح وهو جالس، فالمقصود على الإنسان أن يخفف قبل صلاة العشاء فإذا صلى التراويح، فله أن يأكل ويتعشى ولا بأس بذلك، وإن أكثر من الأكل فحسن حتى يستعين به على طاعة الله، وتلك نعمة الله عز وجل إذا أوزعها العبد شكرها.

الأكل والشرب وقت أذان الفجر

الأكل والشرب وقت أذان الفجر Q إذا أكل الإنسان أو شرب والمؤذن يؤذن لصلاة الفجر فما الحكم؟ A هذه المسألة فيها تفصيل: إن رفعت الإناء مثلاً لتشرب فلا تضعه من يدك حتى وأنت تسمع المؤذن حتى تشرب، وإذا رفعت اللقمة وأصبحت في يدك فلا تضعها حتى تأكلها، أما إذا سمعت المؤذن فلا ترفع من جديد، لأن لهذا الحدث حديث عند أبي داود وعند الحاكم بلفظ يشبه: {إذا سمعتم المؤذن وأحدكم إناؤه في يده فلا يضعه حتى يقضي نهمته} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، والحديث في سنن أبي داود وصححه الحاكم في المستدرك فهذا هو تفصيل المسألة إن شاء الله.

ملازمة الإمام في التراويح

ملازمة الإمام في التراويح Q هل ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من قام الإمام في التراويح حتى ينصرف فكأنما قام الليل؟} A صدق من قال هذا وهو حديث ثابت من حديث أبي ذر: {من قام مع الإمام حتى ينصرف فكأنما قام الليل كله} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

الصلاة بين السواري

الصلاة بين السواري Q ماحكم الصلاة بين السواري؟ A سبق التنبيه أنها مكروهة، وأن الأولى عدم الصلاة بين السواري إلا من شدة زحام للضرورة، وأنا أدعوكم إلى ترك السواري فارغة، لأنها ربما تخللها بعض الفراغ ولا يكمل الصف بين السواري.

حكم سماع الأغاني ومشاهدة التمثيليات

حكم سماع الأغاني ومشاهدة التمثيليات Q ما تقول فيمن يستمع الغناء ويشاهد التماثيل في الإذاعة وغيرها ثم يقول: لأنها لو سمح بها تذاع لما كان فيها منكر؟ A أقول: ليس كل ما يعرض دليل على أنه حلال أو حرام، بل الحرام ما حرمه الله عز وجل، والحلال ما حلله الله {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل:116] فالغناء والموسيقى وآلات اللهو حرام، وما ثبت في الحديث الصحيح، وأدلة التشريع من الكتاب والسنة والإجماع، وليس فيها دليل أن فعل هذا حلال ولكن الحلال ما حلله الله والحرام ما حرمه الله {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116].

سماع القرآن من شريط

سماع القرآن من شريط Q هل سماع القرآن بالمسجل يعد بمثابة القراءة؟ A القراءة أفضل من سماع القراءة، فقراءتك أنت للقرآن أفضل من أن تستمع من الآخر، إلا في بعض السور؛ إذا خشع قلبك أكثر، فأفضل في حقك أن تستمع، بعض الناس إذا أخذ المصحف نعس وما تدبر وما رق قلبه، لكن إذا سمع القراءة من الذي بجنبه كان له أرق وأحسن، فهو أفضل أن يستمع، واستماعك من المسجل كاستماعك من القارئ الجالس وأنت مأجور على ذلك ويثيبك الله، وربما فتح الله عليك بسماع آية في شريط تستمعها، أو بكلمة، أو بمقالة، أو بموعظة والله عز وجل الفتاح العليم، فأدعوك إلى الإكثار من سماع الخير من قرآن وغيره، وتحرم على أذنيك سماع الباطل ليجعلك الله من المقبولين عنده. وفي الختام أتوجه إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلني وإياكم ممن صام هذا الشهر وقامه إيماناً واحتساباً، وأن يجعلنا من المقبولين، ومن العتقاء في هذا الشهر، وأن يهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، هلال خير ورشد ربنا وربك الله، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

معالم شخصيته عليه الصلاة والسلام

معالم شخصيته عليه الصلاة والسلام إن كل أمة لا بد أن تدرس سيرة عظمائها وقوادها ليكونوا نبراساً لهم أمام أعينهم، فيقتدون بهم وإن محمداً صلى الله عليه وسلم هو قدوة المسلمين وقائدهم، وما من عظيم من عظماء البشر إلا ويتضاءل أمام عظمة محمد عليه الصلاة والسلام. وفي هذا الدرس قطوف من حياته صلى الله عليه وسلم، يتبين للناظر فيها ما في حياته من السمو والرفعة، جنباً لجنب مع الوسطية والاعتدال، ولا جرم فقد كان صلى الله عليه وسلم معداً إعداداً خاصاً ليقود البشر -وهم بشر- ويسمو بهم دون أن يتعدوا طبيعتهم البشرية.

حب النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه

حب النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أمَّا بَعْد: كما سلف في درسين من دروس التربية النبوية التي تتحدث عن جوانب شخصيته عليه الصلاة والسلام، وآثرت هذا الموضوع؛ لأن الحديث في الأحكام يطول، وقد أوعبت الأمة في هذا الجانب إيعاباً عظيماً، ولكن مما يلمح -خاصة في هذه العودة إلى الله عز وجل- أن جانب الآداب وجانب التربية لا زال يحتاج إلى أمور وإلى نقولات كثيرة واستنباطات من سيرته عليه الصلاة والسلام، وهذا الدرس بعنوان: معالم شخصيته عليه الصلاة والسلام، وكما ذكرت لكم في الدرس الماضي إننا لا نتحدث عن الرسول عليه الصلاة والسلام حديثاً مجرداً عن العاطفة، أو مجرداً عن الحب، إن هذا التجرد التاريخي الذي يطالبنا به بعض الكتبة إذا تحدث عن الرسول عليه الصلاة والسلام فهو باطل، صحيح أننا نتجرد إذا كتبنا عن إنسان غير الرسول عليه الصلاة والسلام، أما إذا كتبنا عنه صلى الله عليه وسلم، فمن الذي يجردنا عن حبنا وعاطفتنا؟ ومن الذي يجردنا من اتباعه صلى الله عليه وسلم؟ إن من يكتب أو يتكلم عنه إنما هو تلميذ يتحدث عن شيخ درس عليه وتعلم منه، أو جندي عن قائد، فكان لزاماً علينا أن نعيش هذه الروح روح الإيمان.

النبي صلى الله عليه وسلم بشر ولكنه معصوم

النبي صلى الله عليه وسلم بشر ولكنه معصوم المسألة الثانية: أن الرسول عليه الصلاة والسلام بشر ولكنه معصوم، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عصمه، وهذا عند أهل السنة هو القول المقدم، ولا عبرة بقول المعتزلة في ذلك، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:1 - 2]. عصمه في التبليغ لأنه لا يزال عليه الصلاة والسلام بشر، لكي لا تدعى ألوهيته، يسقط صلى الله عليه وسلم من على الفرس كما في صحيح البخاري فيدحش شقه، ويجرح صلى الله عليه وسلم، ويقول أهل العلم: ليثبت الله أنه عبد ضعيف ولا يملك موتاً ولا حياة ولا نشوراً. يأتيه الأعراب فيتوهمون أن له منزله فوق البشر، فيقول أحدهم: كما صح ذلك {يا رسول الله! قحطت البلاد، فادع الله، فإنا نستشفع بك إلى الله ونستشفع بالله إليك، فيغضب عليه الصلاة والسلام، ويقول: سبحان الله أتدري ما شأن الله؟ إن شأن الله أعظم من أن يستشفع به إلى أحد من خلقه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ويقول آخر: {ما شاء الله وشئت، فغضب عليه الصلاة والسلام، وقال: سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده}. وكان أكبر اعتراض الكفار لماذا كان بشراً؟ لماذا يأكل الطعام؟ لماذا يمشي في الأسواق ويكسب الرزق؟ فقال الله: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان:7] والله يبين أنه لا بد أن يكون بشراً ولو كان ملكاً ما استطاع، لأن البشر يعيش حياة الناس وآلامهم.

من معالم شخصيته صلى الله عليه وسلم

من معالم شخصيته صلى الله عليه وسلم

كمال النبي صلى الله عليه وسلم البشري

كمال النبي صلى الله عليه وسلم البشري المسألة الثالثة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مرت به أطوار الحياة، ولا بد أن تتنبه إلى هذه القاعدة التربوية، وقد أشار إليها أبو الحسن الندوي، لكن السلف يعبرون عنها بالأبواب، وهؤلاء المتأخرون يعبرون عنها بالأطوار. خذا جنب هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق فقد مرت به الأطوار عليه الصلاة والسلام، فراعي الغنم له قدوة بمحمد عليه الصلاة والسلام، فقد رعى الغنم، وصح عنه أنه قال: {ما من نبي إلا رعى الغنم} والتاجر له قدوة فيه صلى الله عليه وسلم إذا اشتغل في التجارة، والجندي والإداري والقائد والمفتي والخطيب والواعظ، حتى الزواج، لعلك تفجع بشاب يرى من النسك ترك الزواج، وهذا نسك هندوكي، وليس نسكاً إسلامياً فقد وجد الرسول صلى الله عليه وسلم شباباً من شباب أمته المباركة، أحدهم لا يأكل اللحم، ومن يقدم البطاطس على اللحم فلن يجد دليلاً من الكتاب والسنة، والثاني يرى ألا يتزوج، وهذا يرى أن ترك اللذائذ دائماً قاعدة مطردة مقربة إلى الله، والثالث: يقوم الليل ولا ينام، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بمنهج رباني اختص به؛ لأن الناس في هذه الأبواب -في أبواب المباحات- ثلاثة أصناف: فاليهود ومن سار في منهجهم، هم أهل عبادة للشهوات، لا يعرف الواحد منهم إلا فرجه وبطنه، والنصراني قاتل للإرادات، قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] فأتى عليه الصلاة والسلام فتوسط بين الجانبين، وأعطى الروح حقها من العبادة والتبتل، وأعطى الجسم حقه من المباح، فهو وسط بين هذه الطريقة وتلك: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] فرفض عليه الصلاة والسلام هذا المنهج، وأخبرهم أنه يصوم ويفطر، ويقوم وينام، ويتزوج النساء ويأكل اللحم، فمن رغب عن سنته فليس منه عليه الصلاة والسلام، والرسول عليه الصلاة والسلام تزوج. وقد ورد أن الإمام أحمد سأل شاباً، هل تزوجت؟ قال: لا. قال: ولم؟ قال: إبراهيم بن أدهم لم يتزوج، هذا الجواب ينبئ أن الطالب ما فهم الدرس، ولا عنده وعي كامل بالكتاب والسنة، فقال الإمام أحمد: أوه -وهذه الكلمة يقال بها للزجر- ويقول العرب: أوه سقطت من يديه، أوه خررت على وجهك، فقال الإمام أحمد: أوه، وقعنا في بنيات الطريق، رجعنا إلى إبراهيم وإلى فلان وعلان، ومالك بن دينار، يقول الله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]. فالرسول عليه الصلاة والسلام تزوج النساء، ولو لم يتزوج لما كان للمتزوجين به قدوة وإنما للعزاب فقط، لكنه عاش عزباً وعاش متزوجاً، وجاهد وعبد الله، وقام الليل ونام، وأكل اللحم وتقشف، وتقدم في المعركة، وسالم يوم رأى السلم هو الحل السليم مع الأعداء، إذاً فأطوار الحياة في حياته تكاملية، وغيره لا تجده يعيش مثلما عاش صلى الله عليه وسلم في هذه الجوانب. فإنه يحمل الأطفال -كما مر معنا- ويحضر الجنائز، ويبكي وقت سكرات الموت إذا رأى المسلم، بكى كما في حديث زينب وغيرها كثير، ويحضر الأفراح ويتبسم، ويجيد الفكاهة في وقار، وينفق المال، ويجود بنفسه في المعركة، وهذه هي معالم تربيته صلى الله عليه وسلم، أما الأحكام فهي تحتاج إلى كلام طويل وهي جزئيات لا تنتهي، لكن التربية لها معانٍ منها أن تحصر في دروس. من معالم شخصيته صلى الله عليه وسلم: العبادة، التواضع، الكرم، الصبر، الحلم، الشجاعة، الزهد، وأنا لا أسرد قصصاً فإن القصص ستطول، لكن آتي -إن شاء الله- بضوابط على هذه الأمور لتميز بين تربيته صلى الله عليه وسلم وتربية غيره، ولذلك تجده كاملاً في هذه الأبواب، فأصحابه الذين معه عليه الصلاة والسلام كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي لا يكتملون في بعض الجوانب، وأما هو فمكتمل، خذ مثلاً: اللين، تجد عمر رضي الله عنه وأرضاه يوصف في السيرة بالشدة، ويوصف أبو بكر بالحدة، لكن محمداً عليه الصلاة والسلام يجمع هذه الكماليات جميعاً لأن الذي ثبته هو الله -وقد أعجبتني كلمة لـ سيد قطب رحمه الله، وما أدري هل قالها في سورة التحريم أو في سورة الطلاق في الظلال، يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم مهيأ لقيادة البشرية، حتى جسم النبي صلى الله عليه وسلم مهيأ، فالناس والزعماء يقولون: إن من مواهبهم الجسمانية أن يكونوا أقوياء، وهو كان من أقوى الناس في هذا الجانب، يقولون: أوتي قوة ثلاثين صلى الله عليه وسلم، وهل هذا عند العلماء في الجماع أو في الشجاعة، أو في غيرها؟ ورد ذلك في الجماع والظاهر أنه كان قوي الجسم ومهيأ، يقول أنصاري من الأنصار: [[عرضت لنا صخرة في الخندق، فحاولناها ونحن جمع من الناس نحفر الخندق فما استطعنا لها، فرآهم صلى الله عليه وسلم فاقترب من الصخرة قال: فكأني أرى بياض ساعديه يوم كشف صلى الله عليه وسلم ساعديه -وهو يعيش على شربة اللبن، وحفنة التمر، ولم يعرف ما عرفنا من المأكولات، وعاش في صحراء بني سعد- قال: فأخذ الصخرة بيديه ثم ألقاها]]. أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أدبت في هول الردى أبطالها وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب فعلها أقوالها فهو صلى الله عليه وسلم يتميز بجانب القوة، وهذا استطراد جسماني، وكذلك هو متناسق الأعضاء، من يرى إلى وصفه، لا يرى أنه تربى في جزيرة العرب وفي مكة مع الشمس القاحلة والجدابة والفقر، ومع ذلك كان وجهه كالبدر ليلة أربعة عشر، من أجمل الناس على الإطلاق، وكان فيه بياض الله أعلم به، بل قال بعضهم: كأن الشمس تجري في وجهه، وقال بعضهم: كأن الثريا علقت في جبينه، وسئل بعضهم -وهو البراء هل كان وجهه صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا. بل مثل القمر، وصح عن أنس قال: [[والذي نفسي بيده، لقد نظرت للقمر ليلة أربعة عشر ولوجهه صلى الله عليه وسلم، فكان وجهه أجمل من القمر ليلة أربعة عشر]] فأوتي صلى الله عليه وسلم تأهيلاً من الله عز وجل حتى في جسمه، يقول شوقي: والحسن من كرم الوجوه وخيره ما أوتي القُوَّاد والزعماء فإن بعض الناس قد يقال في ترجمته قصير قميء، أو طويل باهت، أو كانت له يد واحدة مثل عضد الدولة كانت عنده يد واحدة وهو سلطان الدنيا، ولذلك كلما ترجموا له أتوا بهذه القضية، وهذه لا تزيد العبد أو تنقصه في الآخرة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أعطاه الله عز وجل الكمال في كل شيء حتى الجسماني، ولما اعترض اليهود على ملك طالوت، وأخبر نبيهم عليه السلام أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى زاده بسطة في العلم والجسم.

التوسط في اللباس

التوسط في اللباس وللرسول صلى الله عليه وسلم ميزات تدرك في السيرة بالتأمل، منها: الأناقة، وقد أشار إليها سعيد حوى في كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأجاد في ذلك، وقد ذكرت أنه قارن بينه وبين نابليون وهذا خطأ، فالرسول صلى الله عليه وسلم شيء آخر، ولا يقارن بينه وبين أحد، حتى بينه وبين أصحابه، لا يجوز أن تأتي إلى صحابي وتقارن بينه وبين الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن من الميزات التي أشار إليها: الأناقة: فقد كان أنيقاً في ملبسه صلى الله عليه وسلم، وكان جميلاً، وهذا درس تربوي، فإن بعض الناس قد يظن أن التبذل دائماً وأن الدروشة دليل على الزهد في الدنيا، وهذا لا يلزم؛ لأن بعض الناس يلبس الرخيص ولكن قلبه قلب قارون أو هامان، وإن بعض الناس قد يتدروش لكن في نفسه عزة وجبروتاً، وقالوا في ترجمة أيوب بن أبي تميمة السختياني: كان يلبس الجميل، وكان يقال له في ذلك، قال: كانت الشهرة فيما مضى في لبس الجميل، واليوم أصبح في لبس التقشف أو كما قال، أيوب هذا الولي الكبير المحدث شيخ حماد بن زيد، الذي يقول فيه الإمام مالك: ما ظننت أن في أهل العراق خيراً حتى رأيت أيوب بن أبي تميمة السختياني يبكي في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام حتى كادت أضلاعه تختلف، وهو سيد شباب أهل البصرة، وهو راوية في الصحيحين. فالمقصود أن التبذل والتقشف قد تكون طريقاً للشهرة من حيث لا يدري الإنسان، وقد وجد من الناس من يلبس الرخيص المقطع وكأنه يقول للناس: أنا الزاهد، أنا العابد انظروا إلي، وعند ابن ماجة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذم لباس الشهرتين، والحديث في سنده نظر، والشهرتان عند أهل العلم: أن يلبس الغالي الذي يلحقه بالسلاطين، أو الرخيص الذي يلحقه بالشحاذين، تجد أن النووي رحمه الله على زهده وتقشفه يبوب في رياض الصالحين، باب التوسط في اللباس، ولا يقتصر على ما يزري به، لماذا؟ لأنه قد تكون الأصابع تشير إلى هذا أن فيه عباده وزهداً، ولذلك لا يتميز الإنسان في العرف المباح، مثل العمامة، قد يلبسها الإنسان؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لبسها فيؤجر عليها؛ والنبي صلى الله عليه وسلم جعل اللباس مطلقاً ولم يضيق على الناس فيه، فنحن لنا زي، وللمغاربة زي، وللمصريين زي، فما دام أنه في حدود الشريعة، فهو سهل وميسر وقريب، لكن لا نلبس الذهب ولا الحرير للرجال، ولا الطويل المسبل، ولا نلبس كل ما يمت إلى خرم المروءة، والمروءة تختلف بحسب المكان، فإن عندنا مثلاً في عرفنا هنا وفي مناطقنا هذا اللبس الذي نراه، فمن خوارم المروءة في العرف من يخرج إلى السوق كاشفاً رأسه. لكن في تلك المجتمعات لو أن شاباً لبس عمامة فإنه يخاف على قلبه أن تشير إليه العيون، فكأنه يقول: أنا العبد الزاهد، أنا المتميز عن الناس انظروا إليَّ كيف لبست عمامة، وبعضهم تجده يتكيف في جلسته تكيفاً ما أتت به السنة، حتى إنه يصمت في المجلس فلا يتبسم إذا تبسم الناس، ولا يمزح ولو بمزحات سهلة مباحة إذا مزح الناس، ويظهر الخشوع، وقلبه ليس على هذا المستوى، وقد كان الإمام أحمد يتبسم إذا جلس مع أصحابه، فإذا جلس وحده خشع، وابن الجوزي أشار إلى هذه القضية في كتابه الجميل، صيد الخاطر، يقول: بعض الناس يتكلف التخشع، والصمت الكثير والقلوب تنبو عنه -تبتعد عنه- وهو صامت خاشع لكن يعلم الله أن قلبه ما طابق ظاهره، وبعض الناس يمزح ويهش ويبش، والقلوب تنهال عليه.

عبادة النبي صلى الله عليه وسلم

عبادة النبي صلى الله عليه وسلم

عبادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تناسب أحوالهم

عبادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تناسب أحوالهم أبدأ بعبادته صلى الله عليه وسلم: فمن ضوابط عبادته صلى الله عليه وسلم التربوية، أنها كانت تناسب الأحوال، وكان يفتي بذلك، ولابد أن تكون عبادتك الحالية تناسب ذلك، وهذه فاتتنا فترى بعض الناس في هذه الصحوة المباركة لا يواكب ظرفه ولا حاله بعبادته، مثل أن تجد مهندساً تخصصه الهندسة، وبإمكانه أن ينصر الإسلام عن طريق الهندسة، فيترك تخصصه ويريد أن يكون مفتياً للناس، وهذا صاحب الشريعة منذ أن ولدته أمه وهو يقرأ أبواب الفتيا، فأتى هذا المهندس فزاحمه على الفتيا، يا فلان أنت تخصصك تخطيط معماري في كلية الهندسة، اتركنا نفتي، قال: لا. الفتيا لها فرسان، وأنا من فرسان الفتيا، ويأتي الطبيب فيترك عيادته، ويريد أن يكون خطيباً مسقعاً من خطباء الدنيا، فيمسك المنبر ويقول: أنا أولى الناس بالخطابة، ولا يدري أن للخطابة أناساً تفرغوا لها، ونصروا الإسلام من هذا الجانب، وأنت انصر الإسلام من جانب الطب، أو تجد إنساناً يترك عمله ويأتي فيتنفل، يدخل في غرفة فيتنفل نوافل طويلة ويقرأ القرآن، فيقال له: مالك؟ يقول: قراءة القرآن أفضل من هذا العمل، لكنك أنت في عملك عابد لله ولا يعفيك خروجك للصلاة النافلة من عملك إلا في حد منضبط، فإنك تأخذ راتباً ودخلاً على هذا العمل، فلماذا تتركه؟ وكذلك لو أن رجلاً نفع الله به في جانب التدريس فيقول: لا بد أن أذهب إلى الجهاد الأفغاني، فيترك التدريس والفائدة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا ذهب إلى مكان الجهاد أصبح جندياً لكنه في حال التدريس كان في مقام ألف واحد، وأنا لا أقصد التثبيط عن الجهاد الأفغاني أو غيره من جهاد المسلمين، لكن معالم يلمحها كل إنسان، لابد من إعطاء الإنسان قدره وحجمه، لأن كلاً ميسر لما خلق له. وبعضهم يدرس إلى المستوى الخامس في الطب ثم يأتي ويبدأ من أولى في أصول الدين، فيضيع خمس سنوات، فيقال له: مالك؟ يقول: أريد أن أنصر الإسلام من هذا الطريق، أما ذلك علم لا يستنفع به!! لا. أراد الله عز وجل يوم بدأت أن تكون في هذا الجانب، ولعلك تنصر الدين في هذا الجانب، والرسول عليه الصلاة والسلام قبل التخصصات، فما تجد صحابياً إلا وبإمكانك أن تصنفه في تخصص، أتظن أن خالد بن الوليد كان يعرف تفاصيل تقسيم الفرائض، قد يكون لا يدري، ونحن لا نتهمه بالجهل، بل هو من أذكى عباد الله ويكفيه تلك الوقفات العظيمة في الإسلام، غفر الله له ورفع الله منزلة أبي سليمان. فإن خالداً كان مشغولاً بأعظم من الفرائض، حتى يقول بعضهم -من باب المزاح- أما خالد فيفصل الرءوس عن الأكتاف، فإذا ذبحهم قسم زيد بن ثابت الفرائض، فقسمه هو قسم العسكرية، فهو قائد عسكري، يعرف كيف يفصل الرءوس عن الأكتاف، وبهذا صنفه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يقل لـ خالد: خالد أعظم فرضي، ولا قال: اطلبوا القرآن من خالد، ولا أعلمكم بالحلال والحرام خالد، لكنه قال على المنبر: أما خالد فسيف من سيوف الله سله على المشركين، فهذا معلم لـ خالد يعرف به بين الناس، تخصصه أن يدخل الجنة بالسيف، يدخل الجنة بما قدم لله من قربان، وبما فلق في سبيل الله من هامات. رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصب وزيد بن ثابت ماذا قال له صلى الله عليه وسلم؟ لم يوله قيادةً عسكرية؛ لأن مؤهلاته وتيسير الله له لم يكن عسكرياً، صحيح أنه كان يجاهد في المعركة، لكن ما كان يملك إقدام وحنكة خالد واستكشافه وصرامته، يقول صلى الله عليه وسلم: {أفرضكم زيد} فكان الصحابة إذا أعضلت مسألة في المناسخات أحالوها إلى زيد بن ثابت. وحسان بن ثابت يؤثر عنه أنه ما كان يخوض غمار المبارزة، لكن تعال إليه، يتقدم صلى الله عليه وسلم إليه ويقدم له المنبر -في هذا درس- ويقدم إليه المنبر بيديه الشريفة ويصعد حسان على المنبر ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: {اهجهم وروح القدس معك} ولذلك أما ترى شباب الصحوة ماذا يفعلون اليوم؟ أحدهم أديب يريد أن ينصر الإسلام بالقصائد وهذا مطلوب، لأنا دُخلنا في ديننا -بواسطة الحداثة المتزندقة الملحدة التي أخذت من لينين واستالين معاني لرجسها وكفرها في الساحة، فنحن بحاجة إلى طاقم من الشعراء يبيدون هذا؛ لأن أمتنا تعيش على الشعر، وتجد كتبه فغفر الله لهم وأثابهم الله. فقد بدءوا يكتبون، وما أحسن جمال أسلوبهم وعباراتهم القوية وهم يكتبون في الصحف بإيمان؛ ليأخذوا منزلهم الطبيعي، ويقولون لغيرهم: لا مكان لكم هنا فاخرجوا من هذه الأماكن. فكان صلى الله عليه وسلم يؤهل أصحابه المؤهلات الخاصة بهم، فرجل الإدارة أبو بكر، وتدوين الدواوين وتجنيد الجنود عمر، والحياء والبذل عثمان، والخطابة والإقدام علي، وقد علم كل أناس مشربهم، وهذه قاعدة معروفة لا تخفى عليكم.

عنايته صلى الله عليه وسلم بجودة العبادة أكثر من كميتها

عنايته صلى الله عليه وسلم بجودة العبادة أكثر من كميتها عبادته عليه الصلاة والسلام كانت جودة أكثر من أن تكون كماً، وحسنة أكثر من أن تكون كثيرة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] وقد تطرق الإمام ابن القيم لهذه المسألة، وقال في كلام معناه، لم يقل أكثر عملاً، وضرب لهذا مثلاً برجل صلى لله ركعتين فأقبل بقلبه على الصلاة، وجاهد شيطانه في الركعتين، وحاول أن يخلص وأن يخشع، ترى أنه لا ينتهي من الركعتين إلا بكل كلفة، حتى ما يستطيع أن يزيد ركعتين أخريين، وهكذا الخاشع في الصلاة، الذي يستلهم مراقبة الله في الصلاة، ويجاهد شيطانه في الصلاة، تأتي عليه الصلاة شديدة حتى ما ينتهي إلا وهو فاتر، فقد ذكروا في ترجمة إبراهيم النخعي: أنه كان إذا صلى لله فريضة ذهب فاتكأ كالمتعب، من كثرة المجاهدة، لكن الذي لا يستحضر قلبه في الصلاة، وليس عنده خشوع ولا يطارد شيطانه فباستطاعته أن يعمل خمسين ركعة، يسلم ويقوم، ويسلم ويقوم، ويسلم ويقوم، ومثل ذلك قراءة القرآن بأنه لو ألزمت نفسك في قراءة واحدة أن تقرأ القرآن من أوله إلى آخره وتتدبر كل آية وتقف وتتأمل كل كلمة، فلن تنتهي من الختمة إلا بشق الأنفس، بل السورة الواحدة لو تأملتها وتدبرتها لطالت عليك، لكن تعال إلى الذين لا يتدبرون ولا يتأملون، يفتح أحدهم المصحف ويقرأ، حتى إن بعضهم يقرأ ستة أجزاء يوم الجمعة، إلى عشرة أجزاء قبل دخول الخطيب، لكنه في أثناء القراءة يبني عمارة، ويضارب أطفاله ويؤدبهم في البيت، ويشتري سمناً وعسلاً وهو يقرأ في المسجد، ويبيع ويفكر، حتى يطوف العالم، ولكن سُهلت عليه القراءة لأنه ما استحضر الجودة، وقد كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس في العبادة، وأنتم تعرفون وصفه بالخشوع صلى الله عليه وسلم. وفي القرن الثالث ذكروا أن بعض الصوفية كان يصلي ثمانمائة ركعة، وهذا أمر عجيب فقد كانوا يصلون النوافل حتى يقول ابن الجوزي في تلبيس إبليس: رؤي بعضهم يصلى الظهر وهو ينعس، قيل له في ذلك، قال: من كثرة ما صليت في النوافل، بقي من الصباح من طلوع الشمس إلى الظهر يصلي، فلما أتت الفريضة تعب ونعس وهو يصلي، وبعضهم يقومون الليل فإذا أصبح قبل الفجر نام عن الفريضة وهو قائم في الليل، وتجدونهم يأتون بأمور ما أنزل الله بها من سلطان، ويجعلون أسباباً للتفاضل ما جعلها الله سبباً للتفاضل، ولا سبباً للتقدم وحده مجرداً من التقوى. مثل البلح هذا الذي يباع في السوق، يقول أحدهم: الحمد لله، والله ما أكلت الرطب أربعين سنة، هذا ذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة، ونقول له: ومن حرم عليك أكل الرطب؟ والرسول صلى الله عليه وسلم أكل الرطب، وماذا لو أكلت الرطب وأطعت الله؟! إن الله يقول: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المؤمنون:51] ولماذا خلق الله الرطب؟ ليبقى في المتاحف أو ليرسم، أو ليحرق، لا. بل ليؤكل، فأكله جائز بالإجماع، وتجد آخر ذكره الخطابي في كتاب العزلة، وربما مر هذا، أعطاه الله عينين فأراد هذا الرجل الذكي الأريب أن يقتصد، فأخذ لصقة ووضعها على عينه، هذه هي الهلوسة التي لا تنضبط بالكتاب والسنة، فقيل له في ذلك؟ فقال: إسراف أن أنظر إلى الدنيا بعينين، فتح الله عليه! إن الله يقول: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] وأنت تقول: إسراف أن تنظر إلى الدنيا بعينين! إن عدم الانضباط في مسألة معرفة نعم الله أو أسباب التمايز ومتى يتقدم العبد ومتى يتأخر؛ تتعب ولا تنفع؛ لأنهم ما انضبطوا مع العلم، يقولون: إذا لم تؤسس نفسك بالعلم، فأنت كالجمل الهائج في الصحراء، وما قيدوا أنفاسهم وألحاظهم بالعلم. وانظر إلى عبادته عليه الصلاة والسلام مثلاً، يقول ابن القيم: كان عليه الصلاة والسلام يصلي في اليوم والليلة أربعين ركعة، لكن أولئك يصلون ثمانمائة ركعة، بل يقول الذهبي في ترجمة زين العابدين: إنه كان يصلي في الليل ألف ركعة، لكن هذه لا تدخل في العقل، فمتى يقرأ الفاتحة ويتدبر ويخشع في ألف ركعة، ولماذا؟ أما رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فقد كان يصلي أربعين ركعة غالباً، منها النوافل والفرائض وذلك في أربع وعشرين ساعة، لكن كل ركعة خير من الدنيا وما فيها، يقول ابن القيم: ومن طرق الباب أربعين مرة يوشك أن يفتح له، فالمسألة مسألة جودة لا مسألة كثرة، حتى تجد بعضهم يقول: ختمت القرآن في رمضان سبع مرات، وهو يشكر على ذلك، لكن هل عرفت التدبر؟ هل زاد الإيمان في قلبك مع تلاوتك؟ هل رأيت خطأً كنت ترتكبه ونبأك القرآن عليه؟ ربما يقول: لا. فالمسألة مسألة الجودة ومسألة الحسن في العبادة، وهي معلم من معالمه صلى الله عليه وسلم، ومن معالمه صلى الله عليه وسلم في جوانب العبادة: أنه كان يعطي العبادة المناسبة في الوقت المناسب، يقولون: إذا حضرت في الجبهة فجهادك قتل أعداء الله، أما أن تحضر في الجبهة وتظل تقرأ في المصحف، وتترك الجهاد وحمل السلاح فما أصبت، وإذا حضرت والناس في المسجد يصلون صلاة الجماعة، وأخذت تلقي خطبة على المصلين، فهذا هو الهوس، كان صلى الله عليه وسلم كما قال الأول: البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بوسها كان وقت الجهاد مجاهداً ووقت الخطابة خطيباً، ووقت الصلاة مصلياً، ووقت الإنفاق منفقاً، لأن أسهل العبادة عند الناس يقولون: ما خالف ما هم عليه. وبعض التجار الآن لا يريدون أن تحدثهم في الإنفاق في الغالب، إنما يريدون أن تحدثهم عن قيام الليل، فأسهل شيء على التجار قيام الليل، لكن لو جاء ينفق لأتى الشيطان فقبض على يديه بأربع أيادٍ، ولذلك تراه يقول: حدثونا عن النوافل، واتركونا من المسائل الخلافية التي اختلف فيها أهل العلم، مثل الربا، وهذه الأمور، مسائل خلافية، لأن كرشه أصبح متراً بسبب الربا، وتجد طالب العلم أحياناً إذا كسل عن الدعوة يريد أن يتنفل يقول الشيطان: تنفلك في بيتك أحسن، والشيطان يعلم أنه لو خرج كل طالب علم يدعو إلى الله لانتهى الجهل في الدنيا، فيكسله عن الدعوة، ويقول الشيطان للعابد: أرى أن تدعو إلى الله، لأنه عابد جاهل ما عنده علم، قال: أرى أن تدعو إلى الله، فلذلك تجد عامياً يدعو، وتجد طالب علم قد أغلق على نفسه بثلاثة أقفال داخل البيت، حتى إن بعض الناس -ولا نتنقص من أحد- وقد بلغ في العلم منزلة عظيمة، يمنع الطلبة أن يأتوا إليه، وإذا طرق عليه طالب، قال: ماذا تريد، أي خدمة؟ خدمتنا -يا شيخ- أن تخرج لنا، خدمتنا أن تلقي علينا دروساً وفوائد، وتنهال علينا بالعلم، وأن تكون إماماً تلقي هذه الأمانة التي على كاهليك، أما أن تقطر علينا بالقطارة أو تبقى في البيت حتى يؤتى إليك ويطرق عليك الباب تستفتى، فهذه مسألة ليست بصحيحة، فيخرج حينها العامي يدعو إلى الله عز وجل، ويتكلم في القضايا الكبار حتى إن بعضهم يتكلم في أشراط الساعة وعلم الغيب بجهل، وبعض الناس الجهلة لما تكلموا في الوعظ، ما تركوا سؤالاً حتى أجابوا عليه، بعضهم يسأل هل تدور الأرض؟ قال: الأرض لا تدور، ومن قال: تدور الأرض، فهو كذاب مفترٍ على الله، والدليل على ذلك -اسمع الدليل العقلي والاستنباط-. يقول: إنني منذ خلقني الله في المدينة التي أنا فيها ما دارت بي، هذا إشراق ولموع، وهذا فتح من الله عز وجل، وبعض الناس يورط نفسه في كل مسألة وينبغي له ألا يتدخل في مثل هذه الأمور ورحم الله امرأً ترك ما لا يعنيه.

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم

حال بعض المتكبرين

حال بعض المتكبرين التواضع خصلة من أعظم الخصال، والعرب في الجاهلية والإسلام لا تريد المتكبر، ويقولون: من طلب الشرف فعليه بالتواضع، وأصدق من ذلك قوله الله؛ لأنه إذا جاء المثل العربي والقرآن، قلنا: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، يقول سبحانه: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه} ومن الكلمات الجيدة في هذا الباب ما نقل عن أبي بكر الصديق، أنه قال لـ خالد: يا خالد! فر من الشرف يتبعك الشرف، والسادات عند العرب كانوا أكثر الناس تواضعاً، والقلوب تبغض المتكبر ولا تحبه، وتمقته وتزدريه، ويسمى في أبواب الأدباء: الأحمق، وأحمق الناس المتكبر. من المتكبرين ما ذكر ابن الجوزي: أن أحدهم كان أميراً فأراد أن يمر على الجسر إلى خراسان، وهو جسر كان على نهر سيحون، فتوقف عند الجسر وتوقف أصحابه، وقالوا: مالك لا تمر على الجسر؟ قال: أخشى أن ينكسر الجسر من شرفي، الله أكبر، ليس من قوته ولا من حجمه ولكن من شرفه. وأحدهم كان في الشمال وزيراً أمر الناس أن يبسطوا العمائم إذا دخل في طريقه إلى المسجد، وبعض الناس لا يفقه ولا يعقل، فأخذوا العمائم وفرشوها في الطريق، فأخذ يتبسم وينظر إلى أصحابه ويقول: لمثل هذا فليعمل العاملون، إلى غير ذلك من ألفاظ الكبر التي وردت من بعضهم حتى أبلغته في درجة الفجور والعياذ بالله. وأحياناً قد تجد الناسك ناسكاً ولكن تجده متكبراً، لو سأله فقير أو مسكين فتراه لا يقف ولا يتحدث معه، ويرى أنك لا بد أن تزوره وهو لا يزورك، وأن الحق له دائماً، وأن عليه أن يُخاطب بلفظ يا شيخ، وسماحتكم، وفضيلتكم، فإذا قطع عن هذه الألفاظ غضب، بل روي عن بعض الناس، أنه إذا سُلِّم عليه يرخي رأسه للقبل، يعني أصبح عنده مرونة لإرخاء الرأس من كثرة تعوده، ولذلك تجد الناس لا يقبلون رأسه؛ لأنه يريد هذا ويطلبه ويجعلها من الطرق التي توصله إلى المكانة في قلوب الناس.

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أيها الإخوة: أكثر الناس تواضعاً محمد عليه الصلاة والسلام. جاء عند مسلم من حديث عياض بن حمار، قوله صلى الله عليه وسلم: {إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد} وكانت هذه المدرسة -مدرسة التواضع- لم تعرف واضحة إلا في الإسلام، أما أهل الجاهلية فكانوا أعظم الناس كبراً وعتواً وعلواً في الأرض. فمن كان سيجعل عمر رضي الله عنه وأرضاه قبل الإسلام يصنع الطعام للمساكين والفقراء؟ فهل بالإمكان أن يأتي عمر رضي الله عنه وأرضاه، ويحمل الماء للفقراء والمساكين ويطلي إبل الصدقة ويحلب الشياة؟ لا. لكن هذبه محمد عليه الصلاة والسلام. وأبو بكر في القصة المشهورة: [[يدخل على امرأة فيحلب شاتها، ويصنع إفطارها ويكنس كوخها ويخرج، فيأتي عمر بعد دخوله ويقول للمرأة: من هذا الذي يأتيكم؟ قالت: لا أعرفه، قال: لِمَ يأتيكم؟ قالت: يصنع لنا إفطارنا ويحلب شاتنا فيجلس عمر يبكي، ويقول: أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر]]. هذه منزلة في التواضع لا يعلمها إلا الله، وهذه مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم ومن أرادها وجدها، والتواضع يكون باللحظ وباللفظ وفي الطريق وفي المشي والكلام.

صفات المتكبرين

صفات المتكبرين من صيغ المتكبرين أنهم يحبون ألفاظ التفخيم مثل: نحن، وفعلت وصنعت وقلت وخرجت ودخلت، ودائماً يترجم لنفسه في المجالس، ومنها أنه بعيد عن الناس، حتى إذا سلمت عليه كأنه يتصدق عليك إذا مد إليك يده، وبعضهم لا يمد يده وإنما يعطيهم رءوس الأصابع، وبعضهم لا يرد السلام ولا يشمت العاطس، كبراً وعلواً فتراه يسقط من القلب سقوطاً عجيباً، وفي الآخرة، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يحشر المتكبرون يوم القيامة، في صورة الذر يطؤهم الناس بأقدامهم} يقول ابن القيم: تجنب ثلاث كلمات: أنا، ولي، وعندي. فأنا استخدمها الشيطان، فقال، كما حكى الله تعالى عنه: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] ولي استخدمها فرعون وقال، كما حكى الله عنه: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] وقارون قال كما قال تعالى: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] لكن أنا تستخدم، في مثل: أنا مقصر، مثلما يفعل ابن تيمية: أنا الفقير إلى رب السموات أنا المسيكين في مجموع حالاتي وعندي ذنوب وخطايا ولي تقصير ولي إساءة، إلى غير ذلك من الأحوال.

التواضع يكسب قلوب الناس

التواضع يكسب قلوب الناس التواضع -أيها الإخوة- نكسب به شيئاً عظيماً، وهو قلوب الناس، لا نكسب قلوب الناس إلا باللين والتواضع كيف نصل إلى الناس ونحن لا نتواضع، ولعلك تجد ناسكاً وعابداً ومصلياً، لكنه متكبر، ولذلك يخفق في دعوته كثيراً، وإذا وصف الناس الرجل بالكبر فلا تقبل منه القلوب شيئاً.

كرمه عليه الصلاة والسلام

كرمه عليه الصلاة والسلام وكان كرمه صلى الله عليه وسلم منضبطاً بضوابط: أولاً: أن كرمه كان لوجه الله، وحاتم كريم، لكنه رياء، وابن جدعان كريم، لكن لطلب الشهرة في الناس تقول عائشة، كما في صحيح مسلم: {يا رسول الله! إن ابن جدعان كان يتصدق وينفق ويعتق -إن عبد الله بن جدعان كريم مكة كان صعلوكاً ما عنده شيء، فخرج يرعى الغنم، فوجد في عرفات آجوراً من ذهب فأخذها فجعل ينفق منها ليطلب الصيت في العرب، وكان جاهلياً، وهو المقصود، بقول الشاعر: أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحباء إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء - فقالت عائشة: يا رسول الله! هل ينفعه عند الله؟ قال: لا. إنه لم يقل يوماً من الدهر، رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين} وعدي بن حاتم يقول: {يا رسول الله! إن أبي -أي حاتم الطائي، ومن الذي لا يعرف حاتم الطائي، فإنه طلب الصيت فأعطاه الله الصيت- قال: يا رسول الله! هل ينفع أبي ما كان يفعل في الجاهلية، فإنه كان يحمل الكل ويعين على نوائب الحق ويكسب المعدوم؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا. إن أباك طلب شيئاً فأصابه} طلب الصيت في الدنيا فأعطاه الله الصيت، لكن ليس له عند الله من خلاق، ويأتي كرمه صلى الله عليه وسلم وبذله الذي ما وراءه شيء. ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم وبذله صلى الله عليه وسلم وقت الحاجة، لأن بعض الناس يبذل لكن في غير وقت الحاجة، تجده يضيف الأغنياء لكن الفقراء لا يدعو أحداً ولا يهدي له شيئاً، فقط رياءً وسمعةً، قال تعالى: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} [الأنفال:36] فمن ضوابط إنفاقه صلى الله عليه وسلم أنها كانت للحاجة مع الإخلاص، ثم كان لا يوصل إليه في درجة الإنفاق، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، فكان أجود بالخير من الريح المرسلة} ويبقى مسألة الصبر والحلم والشجاعة والزهد، وسوف أتعرض لها بإيجاز ليبقى وقت للأسئلة.

صبره عليه الصلاة والسلام

صبره عليه الصلاة والسلام أما صبره عليه الصلاة والسلام، فقد كان من أصبر الناس، واختلف العلماء، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غنياً شاكراً، أم كان فقيراً صابراً؟ وهي تبنى على مسألة، أيهما الأفضل الغني الشاكر أم الفقير الصابر؟ فبعضهم يقول: الفقير الصابر أفضل، ويستدل بأدلة، وبعضهم يقول: الغني الشاكر أفضل، ويستدل على أن الغني الشاكر أفضل بسليمان عليه السلام، وابن عوف وعثمان والفوا في ذلك كتباً ورسائل، والصحيح ما قاله ابن تيمية في جملة واحدة، لخص هذه الكتب جميعها، وقال: الصحيح أن أفضلهما أتقاهما. هذا هو الجواب، ولا أغالي فيه، لكن تجد في الناس من يكتبون خمسمائة صفحة أو ستمائة صفحة في مجلدات، فيأتي هو بكلمة فينهي الخصام، واختلفوا في الزهد، ما هو؟ بعضهم قال: ترك الدور والقصور، والتجرد عن الثياب ومفارقة الأحباب، وبعضهم قال: لا، الزهد في الدنيا: أن تقلل من الطعام والشراب، وأن تقلل من لبس الثياب، فأتى هو وقال: الزهد: ترك ما لا ينفعك في الآخرة، ذكره في المجلد العاشر، وابن القيم هام في حبه فقال: ما سمعت أحداً تقدم إلى هذا الكلام، الزهد ترك ما لا ينفعك في الآخرة. فأقول: صبره عليه الصلاة والسلام صبر مضبوط بالشريعة، وقد كان على الصحيح غنياً شاكراً، وفقيراً صابراً مر به الفقر حتى ما وجد ما يسد به رمقه صلى الله عليه وسلم، فصابر ومر به صلى الله عليه وسلم الغنى، حتى كان يقول: لك مائة ناقة، ولهذا مائة، ولك مائة غنم وفي حنين أربعة وعشرين ألف ناقة تقريباً، وبعضهم يقول: سبعة آلاف ناقة، وأربعة وعشرين ألفاً من الغنم، فقد أتته أموال فأصبح غنياً شاكراً، وكان فقيراً صابراً، ولكن كان صبره احتساباً. مسألة: هل الصبر واجب أو مستحب؟ الصحيح أنه واجب عند علماء الإسلام. وهل الرضا واجب أو مستحب؟ الصحيح أنه مستحب عند علماء الإسلام أو عند أكثر علماء الإسلام، الرضا: أن ترضى عن الله في قضائه وقدره، هذا مستحب، وأما الواجب فهو أن تصبر {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:127] على خلاف في المسألة.

حلم النبي عليه الصلاة والسلام

حلم النبي عليه الصلاة والسلام ومن ضوابط حلمه صلى الله عليه وسلم: أنه كان يحتسب ذاك عفواً في سبيل الله، والناس في الحلم طرفان ووسط، فبعضهم من أضيق الناس صدراً يذوب عند الكلمة ويغضب من هب الريح، فينتقم لنفسه دائماً، وبعضهم بارد الإحساس، ميت، يقول الشافعي: من استغضب فلم يغضب فهو حمار، أي: تجد المنكرات عند رأسه والفجور ولا يغضب، يقول: المسألة فيها سعة ودين الله يسر، والإنسان لا عليه، ولا تغضب وعايش الوقت، والدين هذا يواكب العصر. لكن الرسول عليه الصلاة والسلام قد مدح الغيرة الشرعية، وقال: {أتعجبون من غيرة سعد، والذي نفسي بيده، لأنا أغير منه والله أغير مني}. والرجل الإسرائيلي يوم خُسيف به وعذب لأنه لم يتمعر وجهه ولم يغضب عندما انتهكت الحرمات. والوسط في هذا الجانب: أن تغضب في وقت الغضب وتحلم وقت الحلم، ومن غضب في غير موقف الغضب فهو أحمق، تجد بعضهم يغضب بدون غضب، تكنيه فتقول: يا أبا فلان، قال: سامحك الله، تقول لي هذا الكلام! وبعضهم تجده يحلم في غير موقف الحلم، يسمع كلمة نابية ممزقة للأعراض، ويقول: هذه ما تغضب هذه فيها سعة!

شجاعته عليه الصلاة والسلام وزهده

شجاعته عليه الصلاة والسلام وزهده أما شجاعته عليه الصلاة والسلام، فهي شجاعة قلب وشجاعة إرادة وسعة يد، وهذه الشجاعة تنبع عن الكرم، وأشجع الناس أكرمهم. يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود والغالب أن الكريم شجاع، وأن الشجاع كريم، لكن نادراً أن تجد بخيلاً شجاعاً، أو شجاعاً بخيلاً، وأقول في قسم الشجاعة: من أشجع الناس علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإنما أقول ذلك؛ لأن له كلمة، يقول: [[كنا إذا التقينا واشتد الكرب، وحمي الوطيس، اتقينا برسول الله عليه الصلاة والسلام، فوجدناه أقرب الناس إلى القوم]] ما فر في معركة، وواجب عليه أن يصمد في المعركة ولو فر أصحابه جميعاً، قال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} [النساء:84] لما فر الناس في حنين وقف صلى الله عليه وسلم يقاتل وأخذ السيف مردداً: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وسمع مرة صيحة في ناحية من نواحي المدينة، فأخذ الفرس صلى الله عليه وسلم والسيف، حتى اكتشف الحادث، ثم عاد وحده. كأنه وهو فرد من جلالته في موكب حين تلقاه وفي حشم كأنه يحاط بهالة من الحراسة، ولكن حراسته من الله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67]. وزهده عليه الصلاة والسلام، إعراض عن الفاني وإبقاء للباقي وأخذ وقت الحاجة للحاجة، قال ابن القيم: كان لا يتكلف مفقوداً ولا يرد موجوداً، وهذا هو الصحيح، جاع حتى ما وجد كسرة الخبز، ولا حفنة التمر، وأكل صلى الله عليه وسلم أحياناً العسل واللحم، وأكل من طيبات ما رزقه الله، فمن أخذ التقشف طريقة دائمةً ورد الطيبات فقد أخطأ، ومن مكث على الطيبات ولم يتقشف أحياناً وطلب أطايب الطعام فقد أخطأ، الوسط سيرته عليه الصلاة والسلام. وبعد فإنما هذه جمل وإشارات، ولعل الله أن يسهل بمن يبسطها ويشرحها، ومن أحسن الكتب في ذلك زاد المعاد، والمجلد العاشر والحادي عشر من الفتاوى لـ ابن تيمية.

الأسئلة

الأسئلة

الذهاب إلى الجهاد بدون إذن الوالدين

الذهاب إلى الجهاد بدون إذن الوالدين Q الذي يقول لوالديه إنه مسافر إلى جدة، أو الطائف أو الرياض، وهو في الصحيح يذهب إلى الجهاد، ويعرف أن والديه سوف يرفضان ذهابه إلى الجهاد لو أخبرهم؟ A ما أرى إلا أنه قد كذب على والديه وارتكب أمراً محرماً، لماذا يكذب على والديه، الوالدة تأذن له في الظاهر لأنه يريد مكة، وهو في الباطن يريد الجهاد، وهذا من الحيل المحرمة، وهذا إذا أراد أن يعصي فليعص من أول الطريق، ولا أدله على المعصية والعياذ بالله، لكن ترك استئذان الوالدين فيه بأس، فلا تترك استئذان الوالدين، والبأس في هذه المسألة: أن يذهب ويكذب على والديه ويقول: أريد السفر إلى جدة وهو يريد أفغانستان فلابد أن يخبرهم عل الله يسهل أن تلين قلوبهم فيأذنون له، فيكون باراً في الاستئذان، وباراً في جهاده بحول الله.

حقيقة كتاب بدائع الزهور

حقيقة كتاب بدائع الزهور Q كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور وما مدى صحته؟ A هذا كتاب خزعبلات لا يساوي الحبر الذي كتب به، وهو يصلح أن يجمع فيجرد منه الحبر ويوضع فحارة يوضع فيها شعير لأحد الحمير، أو كرتوناً للعلاجات لإحدى الصيدليات، لأنه لا يساوي شيئاً، فلا تثقوا به وبعض الناس إذا كذب كان ذكياً، أي: يكذب كذبات ربما قبلت، لكن هذا يكذب كذبات لا تدخل في العقل في مثل رجل كان طويلاً في أول الزمان، أخذ سمكة من البحر ومدها وأحرقها في الشمس وشواها ثم أكلها، ما وجدت من الأخبار إلا هذه، ونخلة في جزيرة كذا، وسبحان الله! هذه الجزر لم تكتشف إلى الآن، أمريكا اكتشفت وجزر صاحب بدائع الزهور في وقائع الدهور لا أدري من أين أتى بها التي يقول: فيها سمكة من ذهب، مرة تخرج في البر ومرة تنزل في البحر، وقصور ما سمعنا بها وما رأيناها، وقصور معلقة ما بين الأرض والسماء، وكل هذا خزعبلات تلهي وقت طالب العلم.

هديه عليه الصلاة والسلام في لبس الخاتم

هديه عليه الصلاة والسلام في لبس الخاتم Q ما هو هديه صلى الله عليه وسلم في لبس الخاتم؟ A لبس صلى الله عليه وسلم الخاتم على الصحيح، في اليمنى واليسرى، صح عنه ذلك، والأولى كان صلى الله عليه وسلم في اليمنى، وكان في خاتمه نقش مكتوب عليه محمد رسول الله، عليه الصلاة والسلام بأبي هو وأمي.

قضاء صلاة الوتر

قضاء صلاة الوتر Q متى يصلي من نام عن وتره، وهل يغني فيه القضاء، وهل هذا حديث صحيح: {من نام عن وتره فليصلِ منه ما ذكره أو ما منعه}؟ A الحديث الصحيح عند الخمسة: {فليصل متى ذكره} وعند مسلم في الصحيح عن عائشة: {كان صلى الله عليه وسلم إذا نام عن شيء من وتره صلى في النهار اثنتي عشرة ركعة} لأن وتره صلى الله عليه وسلم كان إحدى عشرة ركعة، ولا يجمع في يوم، لأن الوتر في اليوم صلاة المغرب كما يقول ابن تيمية، فيكون الوتر الذي في الليل إذا قضي في النهار شفعاً، فلو ترك وتر الليل وكان يوتر بثلاث صلى في النهار أربعاً، وإذا كان يصلي خمساً صلى في النهار ستاً ليكون شفعاً، هذا أقرب الأقوال.

الحكم على حديث: (إن الله يحب الرجل المشعر)

الحكم على حديث: (إن الله يحب الرجل المشعر) Q { إن الله يحب الرجل المشعر}؟ A ليس بصحيح وليس بثابت.

حكم اللقطة إذا لم يجد صاحبها

حكم اللقطة إذا لم يجد صاحبها Q وجدت ساعة يدوية في دورة المياه في السكن الجامعي، وعرفتها لفترة تجاوزت الأسبوع، وهي الآن عندي فماذا أفعل بها؟ A أرى إذا أيست من صاحبها، أن تبيعها وتتصدق بها على نية صاحبها، وأن تعطي قيمتها للمجاهدين، أو الفقراء والمساكين. وفي الختام: أسأل الله لي ولكم الهداية وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

شباب عادوا إلى الله

شباب عادوا إلى الله ما أروع قصص التائبين! وما أعظم أثرها لمن تدبرها وتأمل فيها! إن نفوسهم منكسرة حياءً من الله سبحانه وتعالى، وإن كلماتهم تسيل خشوعاً وإخباتاً إلى مولاهم، قد تعاظمت ذنوبهم أمام أعينهم فتصاغرت أعمالهم الصالحة، فكانوا مشمرين في الخير على الدوام. ولا تظن أن هؤلاء لم يكونوا إلا في عصر السلف ثم انقضى زمنهم، فهاهم أولاء أمام عينيك من السابقين ومن تبعهم بإحسان من أهل زماننا وعصرنا.

أهمية التوبة وذم المجاهرة بالمعاصي

أهمية التوبة وذم المجاهرة بالمعاصي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم باليمن والمسرات، وجعلنا وإياكم من التائبين إلى الله، المنيبين إليه، الذين قال فيهم: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. محاضرة هذه الليلة بعنوان: (شباب عادوا إلى الله) شباب تمردوا عن الله وابتعدوا عن الله عز وجل، وتركوا المساجد وهجروا القرآن، وعقوا الوالدين، وقطعوا الرحم، وأعرضوا عن الذكر، وتناولوا المخدرات، وفعلوا المعاصي في الظلمات، وأغضبوا رب الأرض والسماوات، ثم أدركتهم عناية رب البريات، فعادوا إلى الله قصص والقصص محبب وهو منهج رباني، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} [يوسف:111] وقال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] والقصص كما قال مجاهد: جند من جنود الله يرسله على من يشاء. من هذه القصص ما هي مثبتة في كتب أهل العلم بأسانيد صحيحة، ومنها ما سمعتها وأمليتها وكتبتها من إخوة طلبة علم ثقات حدثوني بها، وسوف يصدر كتاب عن قريب بعنوان: شباب عادوا إلى الله، يذكر قصصاً عجيبة وأخباراً غريبة لمعاصرين من شبابنا عادوا إلى الواحد الأحد. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} [الأحقاف:15] وهنا يتحدث سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن شاب من الشباب عصى وتجبر وتمرد؛ فلما بلغ أربعين تذكر رقابة الله والعرض بين يدي الله وحساب الله: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * ِ إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] فعاد إلى الله. ذكر أهل العلم بأسانيد مقبولة، وممن صحح هذا السند الأرنؤوط في كتاب التوابين: أن رجلاً من الصالحين اسمه ذو الكفل غير النبي عليه السلام، شاب عصى الله حتى بلغ من عصيانه أن خلا بامرأة بالفاحشة الكبرى، امرأة أجنبية والإنسان قد ينحط ويصل إلى درجة البهيمية، ينحط عن رقابة الله عز وجل وينسى الله ورقابة الله، حتى إن بعضهم يقدر الناس ومرأى الناس ونظر الناس أعظم من نظر رب الناس، فأتى هذا الرجل فخلا بالمرأة وكانت فقيرة محتاجة أعطاها ألف دينار، فلما قرب منها وجدها تبكي، قال: مالك؟ قالت: أبكي لأنني ما فعلت هذه الفعلة إلا لحاجتي لهذا المال فاتق الله؛ فدمعت عيناه، وقال: أتوب إلى الله، فجاء في النهار التالي وإذا على بابه مكتوب: لقد تاب الله على ذي الكفل، وهو من بني إسرائيل، وكانت توبة بني إسرائيل تكتب عليهم، وكانت ذنوبهم تكتب على جباههم، إذا أذنب الرجل ذنباً خرج في النهار الثاني وإذا على جبهته أذنبت، شربت الخمر، تناولت مخدرات، زنيت يا فلان، هذا من ذنوب بني إسرائيل ومن أخبارهم وأعمالهم، أما نحن فالحمد لله قد سترنا الله، يذنب الواحد منا تحت ستار الليل وفي جنح الظلام وبين الحيطان ووراء الجدران، وقد اطلع عليه الواحد الديان، وكشف ذنبه الرحمن، فيستره! فإذا ستر نفسه وتاب يقرره الله يوم العرض الأكبر، يقول له: يا فلان! أما فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا؟ قال: بلى يارب، قال: أما فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا؟ قال: بلى يا رب، قال: فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم. إلا المجاهرين، والمجاهرون هؤلاء الذين يمسون في ذنوب وخطايا ويصبحون وقد سترهم الله، فيأتي الرجل إلى أخيه وجاره وصاحبه فيحدثه كما يفعل كثير من الشباب، وقد سمعنا بآذاننا مثل هذا الفعل، الإنسان إذا تكبر وتجبر يبلغ به عدم الإحساس والبرود إلى درجة الحمار، حتى يقول: في زمن كذا وكذا فعلت بفتاة اسمها كذا.

شعراء الحداثة ومجاهرتهم بالمعاصي

شعراء الحداثة ومجاهرتهم بالمعاصي بل بعض الأدباء من شعراء الحداثة أبناء وفروخ العلمانية والشيوعية والماسونية يلقون قصائدهم أمام الناس ويقول أحدهم: هذه فتاة في البرازيل فعلت بها وفعلت ويلك من الله يا عدو الله! هذه شهادة يشهد عليك كل من حضر هذا الحفل. وشاعر موجود له قصائد مشهورة يقول: أنا كانت لي صديقة في أمريكا الجنوبية، وقلت فيها هذه القصيدة، ما معنى صديقة؟! معناه: أنك اتخذت مسافحة وأنك سافحت، ومعناه: أنك تعديت حدود الله وارتكبت فاحشةً كبرى، وأشهدت الألوف المؤلفة عليك، فكل من يسمع هذه المحاضرة والشريط سيشهدون عليك يوم القيامة: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. فتجد بعض الناس يخبر بمعاصيه فهذا لا يغفر الله له، المجاهر الذي يخبر الناس لا يغفر الله له، أي: أنه بلغ به الحال أنه ليس لله رقابة عنده ولا حساب ولا خوف ولا خشية ولا مراقبة، فجزاؤه النكال ألا يقبل الله له توبةً ولا يزكيه ولا ينظر إليه وله عذاب أليم.

قصص بعض السلف التائبين

قصص بعض السلف التائبين ومن الشباب الذين تابوا وسوف أذكر بعض قصص العصريين الذين يعيشون الآن على قيد الحياة. والآن أذكر بعض النماذج من سير الصحابة الأخيار.

ممن تاب: الإمام الشافعي

ممن تاب: الإمام الشافعي فهذا الإمام الكبير الشافعي الذي نسأل الله له القبول بسبب إخلاصه، يقول: يا ليت أن الناس يستفيدون من علمي وأني في شعب من شعاب مكة لا يعرفني الناس، وبلغ من خشيته وتواضعه وخلقه أن قال: والله ما جادلت أحداً من المسلمين إلا وددت أن ينتصر وأن يغلبني -أكون أنا المغلوب- وكان يأخذ المصحف ويبكي من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، حضرته سكرات الموت وكان شاعراً مجيداً فقال: فلما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا ربي لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما ثم فاضت روحه.

الفضيل بن عياض وتوبته

الفضيل بن عياض وتوبته وهذا الفضيل بن عياض أحد الصالحين الكبار كان يسرق ويعطل القوافل في الليل، يأخذ فأساً وسكيناً ويتعرض للقافلة فيعطلها، كان شجاعاً قوي البنية، وكان الناس يتواصون في الطريق إياكم والفضيل إياكم والفضيل! والمرأة تأتي بطفلها في الليل تسكته وتقول له: اسكت وإلا أعطيتك للفضيل. وقد سمعت قصةً من رجل تاب الله عليه لكن تحدث بأخبار الجاهلية، قال: كنت أسرق البقر -وهو شايب كبير أظنه في المائة- قال: فنزلنا في تهامة، فأتت امرأة ودعت على بقرتها وقالت: الله يسلط عليك فلاناً، وهو صاحب القصة، قال: فلما حلبت البقرة أخذت البقرة برباطها وطلعت الحجاز، أي: وقعت الدعوة مكانها، فيشتهر -والعياذ بالله- بعض الناس حتى يصبح يضرب به المثل، فالمرأة كانت تقول للولد: اسكت وإلا أخذك الفضيل. أتى الفضيل بن عياض فطلع سلماً على جدار يريد أن يسرق صاحب البيت، فأطل ونظر إلى صاحب البيت فإذا هو شيخ كبير، وعنده مصحف، ففتحه واستقبل القبلة على سراج صغير عنده ويقرأ في القرآن ويبكي -انظر الفرق بين الحياتين: هذا يقطع السبل، لا صلاة ولا صيام ولا عبادة ولا ذكر ولا إقبال، وهذا يتلو آيات الله {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الرعد:19] وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:9] جلس الفضيل ووضع يده على السقف وظل ينظر إلى ذلك الرجل العجوز الذي يقرأ القرآن ويبكي، وعنده بنت تصلح له العشاء، وأراد أن يسرقه وهو بإمكانه؛ لأن ذلك الرجل قوي، وهذا الشيخ لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، فمر الشيخ بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] فنظر الفضيل إلى السماء وقال: يا رب! أني أتوب إليك من هذه الليلة، ثم نزل فاغتسل ولبس ثيابه وذهب إلى المسجد يبكي حتى الصباح، فتاب الله عليه، فجعله إمام الحرمين في العبادة، هذا السارق أولاً أصبح إمام الحرمين الحرم المكي، والحرم المدني، حتى يقول له عبد الله بن المبارك في قصيدته: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب

توبة عبد الله بن المبارك

توبة عبد الله بن المبارك وسبب القصيدة أن عبد الله بن المبارك أحد الزهاد العباد العلماء الكبار الذين يخشون الله كذلك هو في شبابه ما كان بذاك، ولكنه سمع قارئاً يقول: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:116] ثم ذهب فتعلم العلم حتى رفعه الله بالتقوى. قصة تسبق قصة -ولا بأس في الاستطرادات- يقول أحد تلاميذ عبد الله بن المبارك: قلت في نفسي: ما أدري ما الذي رفع ابن المبارك علينا؟ يصلي كما نصلي، ويصوم كما نصوم، ويقوم الليل كما نقوم الليل، فما أدري ما السبب؟ قال: حتى سافرنا ونزلنا في حجرة في غرفة في الطريق؛ فانطفأ علينا السراج، فذهبنا فالتمسنا سراجاً، فأتينا بالسراج فأشعلناه فإذا دموع عبد الله بن المبارك تقطر من شعر لحيته، فقلت: بهذا رفع، لعله تذكر القبر وظلمته. هذا الرجل كان مع الفضيل، وكانوا أصدقاء وأصحاباً في الحرم، فلما سمع ابن المبارك داعي الجهاد والقتال في سبيل الله في الجبهات أخذ بغلته وسيفه وترك الحرم، كان يدرس ألوف الطلاب، فأخذ تلاميذه يمسكون بالبغلة ويقولون: يا أبا عبد الرحمن! تتركنا وتذهب؟ قال: بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا وذهب إلى الجبهة يقاتل في سبيل الله. يقول أحد أصحابه: لما خرجنا إلى الجبهة خرج علينا فارس وهو ملثم من صف المسلمين لا يرى إلا عيناه - عبد الله بن المبارك كان شجاعاً وقوي الجسم، وأمه تركية كان يهد الجدار، ومع ذلك دموعه تتخذ في خديه خطين أسودين من كثرة خشية الله، زاهد، عابد، تاجر، علاَّمة، محدث، أمير المؤمنين في الحديث- قال: فتلثم فخرج في الصباح وقتل سبعة، فذهبنا وراءه وأتينا إلى الخيمة فوجدناه عبد الله بن المبارك، فلما أتى في الليل نظر إلى فرشنا وظن أنا نمنا وبعضنا ما نام، فقام فتوضأ في ليلة شاتية باردة وأخذ يقرأ سورة التكاثر ويبكي حتى صلاة الفجر، وفي أثناء المعركة كتب له الفضيل بن عياض رسالة يقول له فيها: تركت الحرم الذي الصلاة فيه تعادل مائة ألف صلاة فيما سواه! تركت التلاميذ! تركت الدروس! فرد عليه بقصيدة يقول: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب فلما قرأها الفضيل بلها بالدموع هذا الفضيل تاب وأصبح من العباد الكبار وأصبح عابد الحرمين، زاره الخليفة العباسي هارون الرشيد، وكان رجلاً صالحاً رحمه الله، زار الحرم حاجاً، فقال لأحد وزرائه الفضل بن سهل أو الربيع بن سهل، قال: يا فلان! ابحث لي عن عالم يعظني هذه الليلة، فذهب إلى سفيان بن عيينة فطرق على سفيان وقال له: أمير المؤمنين هارون الرشيد في الباب يريدك. قال: ليت أمير المؤمنين جلس وكنا أتينا إليه، فأتى فحدثه فأعطاه مالاً، فقال هارون لوزيره: ما شفيتني ابحث لي عن آخر، فذهب إلى الفضيل: فطرق عليه الباب، وإذا الفضيل يبكي في الليل ويناجي الواحد الأحد، فقال الفضيل: من طرق علينا هذه الليلة؟ قال: أمير المؤمنين هارون الرشيد يريدك، قال: مالنا ولـ هارون الرشيد أمير المؤمنين، أما يكفيه ذنوب الأمة، ذنوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم يسألونه يوم القيامة حتى يدخلنا معه في هذا الذنب، قال: يريدك وطاعته عليك واجبة، قال: ماذا يريد مني؟ يقطعني عن صلاتي وعن عبادتي، قال: يريدك، قال: إن كان يريدني فليأت، فذهب إلى هارون الرشيد وقال: إن كنت تريده فتعال. قال: فقمنا، فطرقنا الباب، ففتح لنا وهو يبكي من آثار صلاة الليل، قال: ولما دخلنا وإذا بسراجه في طرف البيت فقام الفضيل إلى السراج فأطفأه فأصبحنا في الظلام، قال هارون الرشيد: مالك أطفأت السراج؟ قال: هذا أهون من ظلمة القبر يا هارون الرشيد. قال: عظني وانصحني، قال: يا هارون! إنك جميل الوجه وصبيح المنظر، فالله الله فلا تخيب وجهك ولا تسيئه بنار جهنم؛ فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، قال: زدني-كان هارون الرشيد رجلاً صالحاً من بني العباس- قال: زدني، قال: يا هارون! يوم القيامة يسأل كل واحد عن نفسه، وأنت تجمع أمة محمد من في عصرك في صعيد واحد فيسألك الله عنهم؛ فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، قال: يا فضيل! تريد منا شيئاً، قال: والله ما أريد منك شيئاً، أريد أن تنقذ نفسك من النار، فخرج الخليفة ثم أخذ يمسح دموعه، وأخذ يقول لوزيره: إذا دللتنا على رجل فدلنا على مثل هذا. هذا هو الفضيل، وقد رزقه الله بابن اسمه علي، تكلم عنه ابن تيمية في الفتاوى وترجم له، يقول ابن تيمية: ثبت أن بعض الناس مات من القرآن سمع القرآن فمات مثل علي بن الفضيل بن عياض، كان فيه خشية الله أعلم بها حتى كان أبوه يصلي بالناس فينظر هل ابنه وراءه في الصف، فإذا كان وراءه يقرأ من الآيات التي فيها رجاء وفيها قصص وما يقرأ من آيات الخوف، وفي يوم من الأيام قام الفضيل لصلاة الفجر وظن أن ابنه ليس معهم، فقرأ من الصافات، حتى بلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لا َتَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمْ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:24 - 26] قال: فأغمي على ابنه وسقط فحملوه فإذا هو ميت، وقد أوردها الذهبي وابن تيمية وأسانيدها صحيحة، وهو ممن صعق بالقرآن، فلما أخبر الفضيل بموت ابنه بالقرآن ضحك، وقال: الحمد لله، وسئل ابن تيمية: كيف يضحك الفضيل والرسول صلى الله عليه وسلم بكى على موت إبراهيم وقال: {إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون}؟ فقال ابن تيمية: الرسول صلى الله عليه وسلم أكمل حالاً؛ لأنه جمع بين الرضا والرحمة في آن واحد، والفضيل ما استطاع أن يجمع بينهما فأخذ الرضا وما أتى بالرحمة، وصدق ابن تيمية رحمه الله، وهذا هو العلم والذكاء المطلوب، فقال: حال الرسول أكمل. فهذا أحد الناس الذين توجهوا إلى الله عز وجل، وعرفوا طريقه فأنقذهم الواحد الأحد. والذي يُطْلَب منا أن نصدق مع الله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

توبة إبراهيم بن أدهم

توبة إبراهيم بن أدهم بشر الحافي سيد الزهاد، كان عندهم ندماء يدور عليهم الكأس بعد صلاة العشاء، لا يعرفون عشاءً ولا فجراً، ليالي بعض الناس مثل ليالي الحمير، لا يدري في أي وقت هو، في العشاء أم في الفجر، أم في الأذان، أم في التراويح وقراءة القرآن، أم في الصلاة، تائه عياذاً بالله، قال تعالى: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. من أين يأتي النور إلا من عند الواحد الأحد، فأتى هذا الرجل فنزل إلى السوق -وهو أمير معه حاشية وجند، ولكن بعض الأمور وبعض الأعمال ترفع صاحبها عند الله- فوجد في السوق ورقة مكتوب فيها (الله) يدوسها الناس بالأقدام لا يدرون عنها، فقال: سبحان الله! اسم الحبيب يداس بالأقدام، والله لأرفعنه! فأخذ هذه الورقة وغسلها وطيبها بالطيب ورفعها في بيته، ولما أمسى في الليل سمع قائلاً يقول: يا من رفع اسم الله! والله ليرفعن الله اسمك، وأتى في اليوم الثاني وإذا قلبه متغير، رأى حياة الجهالة والضلالة، فأصبح عابد أهل بغداد، فرفعه الله، فلا تجد ترجمة في أي كتاب من كتب السلف وتراجمهم إلا تجد بشر الحافي رحمه الله رحمة واسعة، وهذا من الطراز العظيم، رفعه الله بصدقه وعودته إليه فتبارك الله أحسن الخالقين، وتبارك الله الذي يقبل التائبين، وتبارك الله الذي بتوب على المنيبين، فنسأله أن يتوب علينا وعليكم، وأن يجعلنا من المقبولين، فإن المحروم صراحة من حرم الثواب والعودة إلى الله. يقول أبو الفتح البستي: زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير خسران يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفه شر من عزوا ومن هانوا من استعاذ بغير الله في حدثٍ فإنما ناصره عجز وخذلان في قصيدة طويلة يقول في آخرها: يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران دار أخربها الله تعمرها أنت! ودار أبغضها الله تحبها! ولو صرف الواحد منا عُشْر ما يصرف لدنياه لدينه لصلحت أمورنا، تجد بعض الناس مهدماً من كل جهة الصلاة مهدومة، قراءة القرآن والصدق والوفاء والأمانة والأكل الحلال والاستقامة والإخلاص، كل شيء مهدم، لكن دنياه معمورة، لو انكسرت حنفية لأقام الدنيا وأقعدها، سيارته عامرة، بيته عامر، ولكن يقول: يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزان

توبة عمر بن الخطاب

توبة عمر بن الخطاب ومن سادات التائبين والعائدين إلى الله عمر بن الخطاب، سلام على عمر، وبيض الله وجه عمر، نشهد الله عز وجل أننا نتقرب بحبه رضي الله عنه وأرضاه، مثلما يفعل ابن تيمية إذا ذكر عمر قال: رحم الله تلك العظام، حصن من حصون هذا الدين، إنسان وقف سداً منيعاً في وجه كل مبتدع وملحد وزنديق حتى خافته الشياطين، فإن الشيطان العفريت يأتي من طريق وعمر من طريق. يقول حافظ إبراهيم في عمر: قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها للملوك تنحوا عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها لما اشتهت زوجه الحلوى فقال لها من أين لي ثمن الحلوى فأشريها يقول ابن كثير في البداية: قال أنس: [[رأيت عمر بن الخطاب أخذ عصا ثم مال وراء جدار من جدار الأنصار، ثم أخذ يضرب أرجله ويبكي ويقول: يا عمر اتق الله، والله إن لم تتق الله ليعذبنك الله عذاباً ما عذبه أحداً من الناس]] يضرب نفسه بالعصا، أي قلب هذا القلب الكبير رضي الله عنه وأرضاه؟! أول عودة له أخذ السيف يريد أن يقتل الرسول عليه الصلاة والسلام كما يقول بعض المفكرين والأدباء العصريين يريد أن يقترف أعظم جريمة في تاريخ الإنسان، فلما ذهب رضي الله عنه وأرضاه لقيه رجل فقال: إلى أين؟ قال: أريد أن أذهب إلى محمد أقتله، قال: هون عليك، أختك أسلمت وهي تقرأ القرآن عند صهرك. فعاد مغضباً يكاد يهشم الجدران والسيف معه، وأنصت عند البيت وأخته ترفع صوتها مع زوجها؛ فأدخله هذا الموقف الإيمان، وهي تقرأ قوله: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلا * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:1 - 5]. كلمات ما أظن أن الإنسان يقف إن كان في قلبه ذرة من الإيمان ويسمعها إلا ويهتدي ويزداد هدىً ونوراً، إلا إنسان أغلق الله قلبه وأغفل عليه. فدخل ولكنه ما سمع الآيات كما ينبغي؛ فلطم أخته وضرب زوجها، وهم لا يقفون له أبداً حتى أدماهم ثم جلس، وقال: أريد أن أقرأ الصحف، قالت أخته: أنت نجس وهذا القرآن طاهر، قالت: اذهب واغتسل، فاغتسل وأخذ الصحف يقرؤها، فقرأ سورة طه وهو عربي يعرف من أنزل هذا القرآن، قال تعالى: {قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر:28] وقال: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21] {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] فقرأ ولما وصل إلى قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] انهد باكياً، وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ووضع يده في يده وأعلن إسلامه، وشهد أن لا إله إلا الله، وأعلن النصر معه إلى آخر قطرة من دمه، وبالفعل كان تاريخاً حافلاً، وأنا أوصي إخوتي في الله أن يقرؤا سيرة عمر بكثافة، وأن يقرءوا عجائبه وزهده وعبادته، فإن قراءة قصص هؤلاء العظماء في الإسلام تزيد الإنسان بصيرة في الدين، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:18].

توبة الطفيل بن عمرو الدوسي

توبة الطفيل بن عمرو الدوسي أتى الطفيل بن عمرو الدوسي إلى مكة، وكان شاعراً مجيداً، سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم، فدخل الحرم وشياطين الإنس عند أبواب الحرم؛ لأن للجن شياطين وللإنس شياطين -يقول أحد الصالحين: شيطان الجن تستعيذ منه فلا يأتيك، لكن شيطان الإنس يطرق عليك الجرس وتفتح الباب وتدخله، وتجلسه على الفراش وتصب له قهوة ويؤذيك في دارك، ولذلك أمرنا بالاستعاذة من شيطان الجن والإنس- أتت قريش فوزعوا بعض الشياطين من الإنس وقالوا: إذا أتى رجل من العرب فصدوه عن محمد، فأتى الطفيل الدوسي وهو زهراني من بلاد زهران، فوصل إلى الحرم ونزل من على ناقته وتلقوه عند الباب من أين؟ قال: من دوس، ماذا تريد؟ قال: الذي يدعي هنا أنه نبي، قالوا: إنه شاعر، ساحر، كاهن، إياك! لا تقرب منه، فما زالوا يلقون عليه محاضراتٍ وخطباً حتى أخذ القطن من راحلته فوضعها في أذنه -انظر إلى التخويف والإشاعات الباطلة، والاغراضات والحرب المعنوية الباردة- فنزل فأتى الحرم، فقال: كنت أنظر إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولا أسمع كلامه، لأنه مسدود الأذنين، لكن إذا أراد الله بشيء خيراً تممه، قال: أنظر إليه وأسمعه يتمتم لكن ما أدري ماذا يقول، ثم عدت إلى نفسي وقلت: عجباً أنا شاعر من شعراء العرب -وهو صحيح من شعراء العرب- وأنا أعرف جزل الكلام من هزله، وأعرف فصيحه من رثه، فلماذا لا أنزع القطن وأسمع؛ فإن أعجبني شيء وإلا تركت -أراد الله أن يهديه- فنزع القطن، وهذه بداية الاستجابة، واقترب من الرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم يتلو آيات، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة:38 - 47] فقام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. يقول سيد قطب: القرآن يأتي على القلب حتى يطوقه من جميع النوافذ فما يستطيع القلب أن يفر. ويروي سيد قطب قصة في أول هدايته، وسيد قطب درس في كلورادو في مدينة دنفر، وكان معجباً بالغربيين، وقرأ ثقافاتهم، ووصل إلى مصر بعدما كان مثقفاً متطوراً غربياً، وهذه القصة ذكرها في تفسير سورة النجم في المجلد السادس، قال: كنا أنا ورفقة لي في القاهرة بعد صلاة العشاء وعندنا راديو، ففتحنا الراديو نستمع إلى الأخبار -أول الهداية من الله عز وجل قد تكون بمقالة، بمحاضرة، بنظرة، ببكاء، بجنازة، بصوت من راديو، بمشهد تقرؤه أو تطالعه- قال: فاستمعنا إلى صوت الراديو ومعي الزملاء، فارتفع صوت راديو الجيران، فإذا مقرئ حسن الصوت يقرأ سورة النجم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:1 - 5] قال: فأما أنا فسافرت بقلبي في رحلة مع الرسول عليه الصلاة والسلام -الرجل أديب يكتب بقلمه ما لا يستطيع الإنسان أن يرسمه بيده، قلمه سحر حلال- قال: فسافرت مع الرسول عليه الصلاة والسلام في رحلة الإسراء والمعراج، وتركت جثماني مع زملائي- بعض المقرئين يهزك حتى يذكرك بقيام الساعة- قال: حتى وصل إلى قوله تعالى: {أَزِفَتْ الآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ * أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} [النجم:57 - 59] قال: فانهديت باكياً حتى يقول في الظلال: -ولكم العودة إليه- قال: والله ما استطعت أن أتحكم في عضلاتي، أصبح يهتز كله، قال: وعلمت أن هذا القرآن يؤثر في القلوب مالا يؤثر فيها شيء آخر أبداً، ثم أعلن هدايته وتوبته وعاد إلى الله، فأصبح قلماً من أقلام الحق، وأصبح شهيداً من شهداء الإسلام إن شاء الله، وهنا قصيدة قيلت فيه، وسبب هذه القصيدة أنه لما أتى يشنق في المشنقة ضحك، فقال له الجلادون: لماذا تضحك؟ قال: أضحك من حلم الله على هؤلاء ومن تجرئهم على الله، فيقول أحد شعراء مصر: يا شهيداً رفع الله به جبهة الحق على طول المدى سوف تبقى في الحنايا علماً قائداً للجيل رمزاً للفدا ما بكينا أنت قد علمتنا بسمة المؤمن في وجه الردى يقال له في آخر الأيام: اكتب اعتذاراً إلى أحد الطغاة أنك تنازلت عن مبادئك لعله يعفو عنك، قال: والله لا تكتب يدي حرفاً له، إن كنت قتلت بالباطل فأنا أكبر من أن استرحم الباطل، وإن كنت أقتل بحق فأنا أصغر من أن أعترض على الحق، فقتل {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:169 - 170]. الطفيل أعلن إسلامه، وعاد إلى دوس فدعاهم إلى الله فأعرضوا، فأتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: ادع على دوس سبحان الله! لو كان الواحد منا أتى ببعض الجزئيات التي وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم لدعا على الناس جميعاً، تصور أن رجلاً يحدث جماعة في مسجد ويختصم معهم فيدعو عليهم، أو يمنعونه من الكلمة، أو يحرمونه من شيء فيجعلهم أعداءً ألداء، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يضرب ويرمى ويخرج من دياره، وتضرب بناته، ويؤخذ ماله ويباع عقاره، ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} حتى يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى له من فوق سبع سماوات: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ما هذا التحمل والصبر والحكمة والحلم والأناة؟! يقول سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ويقول له عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. دعاهم الطفيل وهو من تلاميذ الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعرضوا عنه فقال: {يا رسول الله! ادع على دوس، فشا فيهم الزنا وأكلوا الربا، فرفع يديه واستقبل القبلة، فقال الطفيل: هلكت دوس فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم أهد دوساً وأت بهم، ثم قال عليه الصلاة والسلام: اذهب إليهم، قال: اجعل لي علامة -أي: بينة وكرامة من الكرامات يصدقونه- قال: اللهم اجعل له علامة -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- فأتى نور في جبينه يضيء في الليل مسافات، قال: يا رسول الله! أخشى أن يقولوا: هذه مُثْلَة، فدعا صلى الله عليه وسلم أن تتحول، فتحولت إلى العصا} فكان يقول بالسوط هكذا على جبال زهران فتضيء كلها بنور الواحد الأحد، دخل عليهم فأسلموا جميعاً ودخلوا في دين الله أفواجاً. فهم المصلحون ببركات ذاك الذي في مكة: المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء صلى الله عليه وسلم.

قصص بعض التائبين المعاصرين

قصص بعض التائبين المعاصرين

قصة شاب اهتدى

قصة شاب اهتدى هذا نموذج ممن اهتدوا، أما هذا الشاب الذي اهتدى فقصته معروفة، وقد سمعتها سماعاً من ثقات، وهي مكتوبة وقد دونتها وجمعت عناصرها، هذا الرجل كان قبل أن يتزوج مسرفاً على نفسه في الخطايا والذنوب، أسرته ثرية عندهم مال، كان يأخذ الأموال من والده والشيكات ويذهب إلى أوروبا، ويذهب إلى أمريكا وإلى فرنسا، فيعصي الله عز وجل، ويتحمل من الذنوب والخطايا مثل الجبال؛ لأن بعض الناس سمع من بعض الشباب ووعظهم بعض الدعاة في أمريكا وفرنسا فقالوا: الله في السعودية، جل الله وتبارك الله وتقدس {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219] وقال أيضاً: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7] وقال عز وجل: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] بلى. فذهب هذا الرجل فكان يفعل الأفاعيل: زنا وخمر وشرود عن منهج الله، أما الصلاة فتركها من زمان وهو في بلاده هنا، وفي الأخير كانت أمه امرأة صالحة، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، كانت تدعو له وحاولت وصبرت، وفي الأخير كانت تدعو أن يقبض الله روحه؛ لأنها ملت من هذه الحياة، ذهب وعاد كأنه رجل من الخواجات، لا يتكلم إلا في أوروبا، ولا يرى شيئاً من هذه التقاليد، ويرى أننا في تخلف، وأن ديننا رجعية -والعياذ بالله- ويحدث عن أمورهم وعن عجائبهم، وفي لحظة من اللحظات أراد أهله أن يزوجوه، فوافق وتزوج امرأة لكنها صالحة، تقوم الليل وتصوم النهار، وتحفظ كثيراً من القرآن، فتاة قدوة في السلوك والأخلاق رضية الأفعال، وكانت مؤمنة، فأحبها لجمالها، وللأمور أسباب ومداخل، فلما رأته ما صلى تلك الليلة قالت: يا فلان! والله ما جمعني بك دنيا ولا مال ولا جاه، إنما أردت أن يهديك الله على يدي، فإن كنت تريدني امرأة عندك فاعلم أنك لن تنال هذا إلا بالدين والخشية من الله والصلاة، قال: ليس غير هذا الكلام؟ قالت: سمعت هذا الكلام، فصلى أول الليل مجاملة، وقام وصلى الفجر، وفي اليوم الثاني أعطته حقنة من الدعوة إلى الله، وكانت تدعوه على الطعام وبعد الطعام وعلى الشاي وبعد الشاي وتقود قلبه إلى الله، وتحدثه بالقصص عن الصالحين التي سمعت، وفي الأخير اهتدى وحافظ على الصلوات الخمس في المسجد، وقاطع الخمر ثم ترقى به الحال إلى أن أخذ السنن، ثم ترقى به الحال حتى أصبح من الدعاة المؤثرين في غيرهم، فانظر إلى هذه الفتاة المؤمنة التي نسأل الله أن يرفع منزلتها في الآخرة، وأن يجعلها من العابدات الصالحات، وأن يثبتنا وإياه {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} يقول تعالى: {ذلك فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21].

توبة محمود شيت خطاب

توبة محمود شيت خطاب مفاتيح القلوب يعطيها الله من يشاء، بعضهم عندهم مفاتيح الخزائن لكن لا يستطيع أن يفتح قلباً واحداً، والبعض الآخر يجلس بكلمة فيفتح الله به قلوباً محمود شيت خطاب اللواء الركن العراقي، كان في الجيش العراقي، وهو مؤلف عنده عشرة كتب في العسكرية الإسلامية، مسلم داعية كبير، كان مع الجيش يعربدون ويفجرون ويفسقون ولا تسأل عن ليلهم ونهارهم، ما يعرفون الصلاة بل كانوا يستهزئون بها. الجيوش العربية حين أن دخلوا فلسطين قيل لأحد القادات وهم يقاتلون إسرائيل: نصلي؟ قال: إذا رجعنا بلادنا صلينا، فنزلت عليهم إسرائيل نزول من لا يخاف ولا يرحم، فترك جزمته في إسرائيل وهرب إلى بلاده، هذا هو الجزاء، قال تعالى: {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16]. فأتى هذا اللواء الركن يقول: كنت جالساً في ثكنة عسكرية في العراق، وكنا في الليل مع قادات -هو لواء ركن- قال: فمر بنا داعية من الدعاة المسلمين -أراد الله أن يفتح قلبه- قال: فأتى ونحن في ليلةٍ حمراء، مع كل قائد كأس خمر، ويلعبون من البلوت واللعبات التي لا يلعبها إلا الغافلون دائماً، فقال لهم هذا الداعية كلمة واحدة، ما ألقى محاضرة ولا خطبة، قال: أما تخشون الرقيب؟! فقال اللواء خطاب: وأين الرقيب؛ وما عندنا إلا الكواكب، ما هنا إلا النجوم؟ قال: وأين مكوكب الكواكب؟ قال: ثم تركنا وذهب، لكن دخلت كلمته إلى قرار قلبي، أحسست بحرارتها تلك اللحظة؛ لأن الإنسان مفطور على الخير وعلى الإيمان: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30] كل حيوان وكل مخلوق وكل كائن يعرف أن هناك إلهاً. مر عيسى عليه السلام -والقصة صحيحة إلى عيسى ثبتت عنه- مر عيسى عليه السلام ببقرة قد اعترض ولدها في بطنها في ساعة الولادة، وإذا البقرة تنظر إلى السماء وتدمع عيناها؛ لأنها تعلم أن الحي القيوم مفرج الكربات في السماء {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] ثم تكلمت وأنطقها الله الذي أنطق كل شيء فقالت: يا روح الله! أسألك بالله أن تدعو لي، فبكى عليه السلام وقال: اللهم سهل لها، فأنزل ولدها في تلك الفترة نعم. كل شيء يعلم أن هناك إلهاً مدبراً، سبحان الخالق الأحد! قال: فذهبنا تلك الليلة وبقيت أقول كلما قمت من نومي: أين مكوكب الكواكب؟ آتي أنام فما أستطيع أن أنام وأقول: أين مكوكب الكواكب؟ أخرج في الليل وأنظر إلى الكواكب وأقول: أين مكوكب الكواكب؟ وفي الأخير أعلن توبته وانصدع باكياً في ليلة من الليالي، فأتى وتاب من حياة الجهل والخرافة والظلام، وجدد إيمانه وطريقه وأصبح من دعاة الإسلام، وهو الذي سد مساحة العسكرية الإسلامية في كتبه، نسأل الله أن يجزيه عن الإسلام خير الجزاء يقول تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16] وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:24 - 27] فنسأل الله لنا ولكم الثبات والاستقامة حتى نلقاه.

قصة شابين عادا إلى الله

قصة شابين عادا إلى الله ومما يؤثر في هذا الجانب شاب من الشباب هو في منطقة قريبة منا، يقول الذي روى لي القصة -وهو طالب علم في أصول الدين، ثقة وعدل- قال: هذا الشاب كان مشهوراً في قريته بالتمرد على آيات الله وأحكامه وعلى فرائضه وسننه، والعجيب أنه يروي القصة ويحلف عن نفسه أنه كان يلعب بالبلوت من بعد صلاة العشاء إلى بعد صلاة الظهر من اليوم الثاني، يجلس مع الزملاء من استمراء هذه الفعلة ومن ضياع الوقت وعدم الصلاة وعدم الإقبال على الله وعدم الشغل والدراسة، والنسب الموجودة في مجتمعاتنا الآن أن أكثر من يفشل في الأعمال والوظائف والمدارس هم الذين أعرضوا عن الله، وهذا معروف بنسب عالية، أعرضوا عن الله عز وجل ففشلوا في كل شيء، قال: فكان يجلس من بعد صلاة العشاء إلى بعد صلاة الظهر في اليوم الثاني يلعب بلوت، أما الصلاة فيقول: ما صلى ولا سجد لله سجدة، ولا شهد جمعة ولا عيداً ولا أي صلاة أبداً، ولا يعرف من القرآن شيئاً، ومعرض عن الله عز وجل، وأكره شيء إليه الدين. وفي ليلة من اليالي أراد الله أن يهديه -ولله عز وجل حكم ولطائف- قال: نمت تلك الليلة وأتاني اختناق حتى أشرفت على الموت، وأحسست باليوم الآخر، انتهى الأمر وأنا في يقظة، استيقظت وإذا بمن يخنقني، وإذا بالخنق في رقبتي وفي عنقي، وأنا قد شعرت بالموت تماماً واستيقنت أني لقيت الله، وفي تلك الأثناء أتذكر قدومي على الله، ما عندي صلاة ولا ذكر ولا قرآن ولا توبة ولا صلاح، بماذا ألقى الله؟ وتذكر القبر وتذكر هذه الأمور؛ فعاهد الله وهو يختنق، كأن إنساناً يخنقه وهو لا يرى شيئاً لكن لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أسباب، قال: أعاهدك يا رب إن نجيتني أن أتوب إليك وأكون عبداً صالحاً، واستمر يعاهد الله حتى أخذ الله منه الميثاق ثم أفلته فاستيقظ، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أتوب إلى الله، وقام فاغتسل وغير ملابسه وبدأ يصلي من تلك اللحظة قبل صلاة الفجر بساعات، وأخذ يصلي ويبكي حتى أتت صلاة الفجر، وسمع الأذان (الله أكبر) لكن ليس كالأذان كل يوم، اليوم له طعم، دخل الأذان إلى قلبه، فقام يجيب داعي الله ويذهب إلى المسجد، ورحب به المسجد في أول لقاء وبدأ يصلي، قال: أول صلاة صليتها كانت صلاة الفجر. وأحد المفكرين له مفكرات كنت أطالعها فإذا فيها يقول: كنت في بيروت فركبت في سفينة فيها فتيات راكبات -أعوذ بالله-، قال: فانغمست بنا السفينة فكدنا نغرق، فأشرفت على الهلاك وأصبحت في غيبوبة، وكان في حالة اختناق، فرفع إصبعه وقال: أشهدك -يا رب- إذا أخرجتني أن أتوب، فأخرجه الله تعالى ليرى هل يتوب؟ فتاب الله عليه فأصبح مفكراً وداعيةً من دعاة الإسلام. يقول عليه الصلاة والسلام: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها} ويقول عليه الصلاة والسلام: {يقول الله عز وجل: يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} ويقول عليه الصلاة والسلام: {لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم} وهذه الثلاثة الأحاديث عند مسلم في الصحيح، وعند الترمذي بسند صحيح، يقول عز وجل: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} مع العمل الصالح، مع الإنابة والاستغفار والتوبة إلى الله الواحد الأحد. الشاب الثاني: اهتدى، وهذا الأخ أصبح الآن يعمل أستاذاً في مدرسة وهو داعية لكنه قبل ذلك أعرض عن الله طويلاً، وترك أمور الإسلام حتى بلغ درجة الكفر، أصبح كافراً لأنه من ترك الصلاة فقد كفر، كافر لكنه موجود في مدن المسلمين، ويأكل مع أهله ويروح ويأتي في السيارة لكنه كافر مثل الكلب، قال: واستمر بي الحال وأتاني بعض الدعاة لكن ما نفع شيئاً؛ لأن هداية الله تأتي في أوقات، والله هو الذي يفتح القلوب، قال: وأتاني رجل حبيب ما أنسى جميله، فأخذ الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لـ ابن القيم -جزى الله ابن القيم خيراً، وجزى الله هذه الداعية خيراً، وجزى الله هذا التائب خيراً- قال: فأتى بـ الجواب الكافي، وقال: تفضل يا أخي هذا الكتاب، ببسمة، وبعض البسمات تشتري القلوب، يقول جرير بن عبد الله البجلي: ما رآني الرسول صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي، يشتري صلى الله عليه وسلم القلوب بالبسمات، السحر الحلال، قيل لأحد العلماء: ما هو السحر الحلال؟ قال: تبسمك في وجوه الرجال. يقول سبحانه لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] قال: فتبسم وأعطاني هذا الكتاب، فكان لهذه الهدية أعظم أثر في قلبي. يا أيها الناس: الهدايا هي هذه الهدايا، الكتاب الإسلامي، الشريط الإسلامي، الموعظة، النصيحة، الخطب، التوجيه، الزيارة في الله، التأثير في الناس، أما هدايا الدنيا فقد امتلأت بيوتنا منها وما نفعتنا لا في الدنيا ولا في الآخرة، هدايا الأنعام والأقمشة والأحذية والأشربة والمشهيات: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [النور:40] إذا لم تكن لوجه الله فما تنفع قال: فأعطاني الكتاب فأخذته معي وذهبت وبدأت أقرؤه وبدأ الإيمان ينصب، كأن ابن القيم يحدد هذا الرجل المعرض، وبدأ يتأثر وما مر عليه إلا يوم وأعلن توبته، وأعلن أنه كان مخطئاً واعترف بالذنب أمام الله، وأشهد الله على الاستمرار في الطريق ومن الذي أقبل على الله فلم يقبله الله؟! هل رأيت إنساناً أقبل على الله فرده الله؟ هل رأيتم إنساناً فعل الأفاعيل ثم أقبل على الله وتاب فلم يقبله، سبحان الله! الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، أي: تبلغ نفسه حنجرته، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].

توبة مالك بن الريب

توبة مالك بن الريب وهذا مالك بن الريب الشاعر، ولا أعرف قصيدةً في الرثاء أجمل ولا أحسن ولا أجل من قصيدة مالك بن الريب، تبكي العيون، كتبتها لأقرأها وكأنه يقطع من قلبه، هذا الشاب خرج ضالاً معرضاً عن الهداية، لا يصلي ولا يسجد لله سجدة ولا يركع لله ركعة، خرج مع شباب إلى طريق العراق وخراسان، إذا أتت القافلة ترصد لها ثم قبض على أهل القافلة وأخذهم وذبحهم وأخذ القافلة، إذا مرت ظعينة أخذ الظعينة، إذا مر الرجل على دابة ذبح الرجل وأخذ الدابة، سارق وقاطع طريق، والله عز وجل مهما تمرد العبد فإنه فتح باب التوبة، وسبحان الله ما أحلم الله! تصور أن إنساناً يحمل في نفسه بعض الإساءات من الإنسان، لكن الله حليم، قال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:42] لكن الله صاحب الحلم الواسع تبارك وتعالى، حتى مهما قتل الإنسان ومهما اعتدى ثم عاد قبله الله، فهذا كان يفتك في العباد فتكاً، وفي صباح يوم مشرق أرسل خيوط شمسه الذهبية على الكون ليكون يوم الميلاد لهذا الشاعر، ليكون يوم الهداية والرجوع والتوبة إلى الله، أتت القافلة وقائدها سعيد بن عثمان بن عفان ابن أمير المؤمنين، هؤلاء الشباب على سيماهم أنوار الهداية وعلى وجوههم إشراقات، شباب يريدون الجهاد رافعين سيوفهم وحاملين رماحهم يريدون القتال في سبيل الله، مروا بهذا الشاب فقالوا: يا فلان! من أنت؟ قال: أنا مالك بن الريب. قالوا: ما أجلسك هنا؟ قال: لي أغراض -هم لا يدرون ما هي الأغراض- قال تعالى: {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:18] قال: وأنتم إلى أين خرجتم؟ قالوا: خرجنا نقاتل في سبيل الله، قال: كيف تقاتلون في سبيل الله؟ قالوا: نقاتل، قال: وماذا جزاؤكم إذا قاتلتم في سبيل الله؟ يريد أن يعرف ما هي الثمرة من ذلك، قالوا: شرى الله أنفسنا بالجنة، قال: في ماذا؟ قالوا: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه ِ) [التوبة:111] قال: هذا كلام الله؟ قالوا: نعم هذا كلامه. قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتوب إلى الله، ثم وضع يده في يد القائد وتاب إلى الله وذهب معهم وباع نفسه من الله، ولما عاد -وقد قاتل في المعركة- يريد أهله وفي الطريق لدغته حية، فورم جسمه وأخذ يرتعش من السم، فبكى من الفرح، وقال: الحمد لله الذي توفاني على توبة قبل أن يتوفاني على ضلال، وقبل سكرات الموت سجل قصيدةً من أجمل وأحسن القصائد! قصيدة الصدق والإنسان في سكرات الموت، قصيدة تصل إلى القلوب لمن يعي الأدب العربي يسمونها: مالك بن الريب يرثي نفسه، أو القصيد المبكية المحزنة، يقول من ضمن أبياتها: دعاني الهوى من أهل أود وصحبتي بـ ذي الطبسين فالتفت ورائيا يقول: أتاني الضلال وجنون الشباب والغرور وزملاء السوء ورفقة الضلالة والمجرمون -عصابات الإجرام- دعوني فأخذوني من بيت أهلي وذهبت إلى الطبسين وتركت أهلي في العراق لأفسق، قال: فوصلت إلى هناك دعاني الهوى من أهل أود وصحبتي بـ ذي الطبسين فالتفت ورائي فما راعني إلا سوابق عبرة تضعضعت منها أن ألوم ردائيا ألم ترني بعت الضلالة بالهدى وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا رحمك الله ورحم الله ابن عفان وأباه ألم ترني بعت الضلالة بالهدى وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا فلله دري يوم أترك طائعاً بني بأعلى الرقمتين وماليا ما أحسن هذه الخاتمة الحسنة؛ يوم تركت أبنائي وأطفالي وزوجتي وأمي وأخواتي ومت في سبيل الله! لأن المقصد أن نلتقي في الجنة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21]. يقول عبد الله بن أنيس: {أين ألقاك يا رسول الله غداً؟ قال: في الجنة إن شاء الله، قال: أعطني علامة، قال: خذ هذه العصا فتوكأ بها في الجنة} والمتوكئون بالعصي قليل فأخذها ودفنت معه. أتى إعرابي وقال: {يا رسول الله! أين ألقاك يوم الزحام؟ -يقول: المسألة صعبة ما أدري كيف أهتدي لك؟ من أسأل عنك يوم الحشر يوم يجمع الله الأولين والآخرين؟ - فدمعت عينا الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: تلقاني عند ثلاثة مواقف: إما عند الحوض- يوم يسقي الناس عليه الصلاة والسلام. وإما عند تطاير الصحف فآخذ باليمين وآخذ باليسار. وإما عند الصراط وهو يقول: اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم} فناج مسلَّم ومكردس على وجهه في النار واستشفع الناس بأهل العزم في راحة العباد منذ الموقف وليس فيهم من رسول نالها حتى يقول المصطفى أنا لها فيقول: فلله دري يوم أترك طائعاً بني بأعلى الرقمتين وماليا يقول: كل الدنيا تهون يوم ذقت الهداية، وذقت النور لا تساوي الدنيا شيئاً، قال: ودع خليلي اللذين كلاهما علي شفيق ناصح لو نهانيا يقول: وسلام على أبي وأمي وهما شيخان كبيران، فيقول: الحمد لله! أخبروهم أنني مت على هداية ونور، فلا يبكون علي، وإنما البكاء على من مات معرضاً، ثم قال لإخوانه: ولا تحرماني بارك الله فيكما من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا يقول: وسعا في القبر قليل، لا تحرماني من الأرض فقد أصبحت منزلي: ولا تحرماني بارك الله فيكما من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا خذاني فجراني ببردي إليكما فقد كان قبل اليوم صعب قياديا يقول: الآن أصبحت ليناً ما عندي منعة ولا قوة -كما قال الوليد بن عبد الملك عندما كان خليفة، كان جباراً قوياً حتى يقول الذهبي: كان غشوماً ظلوماً، فلما أتته سكرات الموت أصبح كالحبل انقطع، فقال: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29]. قال: خذاني فجراني ببردي إليكما فقد كان قبل اليوم صعب قياديا قال: كنت شجاعاً لكن: إذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع ثم يقول: وأشقر خنذيذ يجر لجامه إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا يقول: فرسي -والحقيقة هذا تصوير عجيب- يقول: حتى الفرس بعد قليل سوف يذهب إلى الماء وهو بلجامه ما ترك له الموت ساقيا يقولون لا تبعد وهم يدفنونني وأين مكان البعد إلا مكانيا العرب إذا دفنوا حبيبهم يقولون: لا أبعدك الله! يدفنونه في التراب ويقولون: لا أبعدك الله! فيرد عليهم بقوله: يقولون لا تبعد وهم يدفنونني وأين مكان البعد إلا مكانيا أحد الشعراء وهو التهامي دفن ابنه، ومن حبه لابنه بكى عليه في أعظم قصيدة في تاريخ الرثاء، أي: في رثاء الأبناء، وهذا في رثاء النفس، فقال من حبه له: والله لا أدفنه في المقابر إنما أدفنه هنا في بيتي، فحفر له عند منامه، فدفنه وقال: لا أبعدك عني، والله إن بعد ما بيني وبينك بعد ما بين المشرقين، والحي الذي في الأندلس أقرب منك، حتى يقول في قصيدته: إني وترت بصارم ذي رونق أعددته لطلابة الأوتاري جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري يقول ابن القيم في ترجمة التهامي: رئي التهامي في المنام بعدما مات فقالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة. قالوا: بماذا؟ قال: ببيتي الذي قلت فيه: جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري يقول: تركتني في الحياة للحساد وللأعداء وللظلمة وللمنغصين وجاورت أنت الله، شتان بين جواري وجوارك طول الحياة إذا مضى كقصيرها والعز للإنسان كالإعسار أو كما قال فالمقصود أنه يقول: لعمري لئن غالت خراسان هامتي لقد كنت عن باب خراسان نائيا إلى أن يقول: يقولون لا تبعد وهم يدفنونني وأين مكان البعد إلا مكانيا وبالرمل لو يعلمن علمي نسوة بكين وفدين الطبيب المداويا عجوزي وأختاي اللتان أصيبتا وباكية أخرى تهيج البواكيا ذكر الأسرة والأحداث التي سوف تمر، ثم عد نفسه أنه مات -إن شاء الله- في سبيل الله، وقال: لا لوعة ولا فراق ولا خوف وأنا مقبل على الله، فلله الأمر من قبل ومن بعد، فالمخذول من خذل عن طريق الاستقامة، والمحروم من حرم هذا النور الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم، والمقطوع حبله من لم يعرف طريق الجنة: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:104] فنعوذ بالله من الخذلان. وهذه -أيها الإخوة- دروس على طريق التوبة يشاهدها الإنسان صباح مساء، يشاهدها حين يذنب وحين يخطئ، ثم يتفكر أنه لا بد له من واحد أحد إله رحيم يتلجئ إليه. وما نعلم أحداً من الناس إلا وهو مذنب؛ متكلم وسامع وصالح وعالم وداعية، يقول ابن عباس: [[تحترقون تحترقون ثم تصلون فيكشف ما بكم]] أي: من الذنوب والخطايا، وقال في أثر آخر: [[إنكم لا بد لكم من الذنوب، فأصبحوا تائبين وامسوا تائبين]]. أيها الإخوة في الله: علينا أن نجدد المسيرة والإقبال إلى الله، وعلينا أن نكون رسل خير وهداية، وأن نؤثر في الناس عل الله أن يهدي على أيدينا عباده الصالحين، فإن من اهتدى وعرف الطريق وأصاب ليس كالذي ظل وركب رأسه، نعوذ بالله من الخذلان! {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23] يقول عز وجل عن هؤلاء: {أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23].

شاب يعود من الشيوعية إلى الله

شاب يعود من الشيوعية إلى الله أحد الشباب ذهب إلى بلد من البلدان، فكسبه الشيوعيون الملاحدة، فأخذوه في الجلسات والروحات والجيئات والموسيقى وضيعوا شبابه، حتى إذا سُمع الأذان استهزءوا بالله عز وجل، يتناولون رب العزة من فوق سبع سماوات: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} [الكهف:5] قال: فإذا قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله استهزءوا بالرسول عليه الصلاة والسلام، ساءت تلك الوجوه وقبحت وشاهت، قال: ولما وصلت إلى هذا المستوى، استيقظت الفطرة في قلبي وثار الإيمان في وجداني، الإنسان يصل إلى حد لكن عنده فطرة الإيمان {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] قال: فذهبت فقلت: الطريق يمكن أنه خطأ، قال: وسمعت بندوة في مسجد، فأتيت -وهذه هي فائدة الندوات، وأنا أعرف أن من الناس من هو أعلم من المتكلم، لكن رحمة الله تغشاه ورعايته والأجر والمثوبة عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لمن يحضر ويهتدي ويزداد إيماناً- قال: فحضرت إلى رجل تكلم في ندوة، فأسر قلبي وتحدث عن اليوم الآخر، قال: فبعت نفسي تلك الليلة، وعاد إلى الله يبكي من صلاة العشاء إلى الفجر وأعلن توبته، وبدأ يشتري الأشرطة والكتيبات، وبدأ يواصل طريقه ويدعو إلى الله على بصيرة، وهذا من هداية الله عز وجل التي يكسبها الناس صباح مساء. بعض الناس شكوا إلي -وبعض الإخوة من الدعاة وطلبة العلم- أن أبناءهم تركوا الصلاة، وما صاموا رمضان، المجلة الخليعة عند رأسه، أشرطة الجنس والغناء والمسرحيات والمسلسلات عند رأسه فماذا أعمل؟ قلنا له: أدعه باللين، وابتهل إلى الواحد الأحد، فالمفاتيح عنده سبحانه {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:87] فأنت تيأس، والله سوف يهدي ابنك، ولعل الله أن ينفح عليه من النفحات {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ} [آل عمران:193]. هذه المحاضرة بعنوان: شباب عادوا إلى الله، نسأل الله أن نكون من العائدين إليه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم العادة السرية

حكم العادة السرية Q إنني شاب أحب الله ورسوله وأعمل أحياناً بعض الأعمال منها: العادة السرية، وقد عزمت على الزواج رغم أنني لا أملك سوى ألفي ريال، هل تؤيدني على الفكرة لأني أخشى على نفسي العنت والتفكير الكثير في الأشياء الجنسية؛ مما يجعلني أقدم على ارتكاب المحرمات، رغم أنني أعرف حرمتها وأخاف من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينتقم مني؟ A يا أخي أما حبك لله ورسوله فهذه من أعظم أعمالك عند الله، ونسأل الله أن ينظر إليك بنظرة الرحمة وأن ينقذك من المعاصي والذنوب، وأما ماذكرت من العادة السرية فهي محرمة في القول الصحيح من أقوال أهل العلم، وأما قولك: إنك عازم على الزواج فإني أأيد هذه الفكرة، وبالمناسبة أقول هذا الكلام وقد قاله غيري من هو أعلم وأفضل وأفقه، وقد نادوا عبر وسائل الإعلام ومن المحاضرات والندوات والخطب، نادوا البيوت الإسلامية والمسلمين في مسألة تعجيل الزواج للفتيان وللشابات، وعدم مسك الفتيات في البيوت وعدم تأخير زواجهن أو زواج أبنائهم؛ فإن في ذلك الفساد العظيم والشناعة التي لم يأت بها كتاب ولا سنة وإنما أخذت من الأمم الكافرة، وأكثر ما وقع من الإجرام والفواحش التي تقع في بعض الأماكن بسبب كثرة العنوسة وتأخير الزواج، فالحسيب هو الله عز وجل. أحد الدعاة الثقات يحدثنا قبل أيام، بل ألقى هذا الكلمة في مسجد في ثلاثة صفوف أو أربعة صفوف، قال: حصلت عندنا قصة في الحارة، بنت شابة حرمها أبوها من الزواج حتى بلغت الأربعين من عمرها، حتى توسطت من بعض قرابتها أن يزوجها لكنه رفض، الرجل رأسمالي إقطاعي مجرم أحرمها الزواج؛ فأصابها مرض عضال نقلت إلى المستشفى التخصصي، فأتى أبوها وهي في سكرات الموت، وكانت عاقلة مؤمنة دينة صائمة قائمة، قالت: يا أبي! حضر الحق واليقين، وحضرت ساعة الفراق، قالت: قل آمين، قال: آمين، قالت: قل آمين، قال: آمين، قالت: قل آمين، قال: آمين، قالت: أسأل الله ألا يغفر لك ذنبك، وأن يحرمك الجنة كما حرمتني الزواج. قال: ولم؟ قالت: حرمتني حياتي والله لقد كانت تمر بي الليالي الطوال وأنا أصارع أموراً لا يعلمها إلا الله حتى وصلت إلى هذا المرض! وإننا نعلم من بعض الناس أخروا بناتهم تأخيراً لا عذر لهم عند الله ثم عند خلقه أبداً، إنما هناك أناس يقولون: تتوظف؛ وقد كذبوا، فتربيتها أن يبلغوا إلى هذا المستوى من الرذيلة والفاحشة الكبرى، زوجها ثم تتوظف أولا تتوظف أو تموت أو تحيا أو تشل أو تجن، إنما استرها لأن الله يقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]. والبعض يقول: تكمل دراستها المرأة إذا بلغت لا يسترها إلا زوجها، قالت العرب: لا يستر المرأة إلا زوجها أو قبرها، وأنا أعرف في المجتمعات آلاف الفتيات والله، ومن يتصدى للدعوة يجد رسائل من الفتيات يشكين آباءهن، ويشكين بعض الأمور التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، ثم يتصدى بعض الناس الذين لا يعرفون الكتاب ولا السنة ولا الفقه في الدين ويقف في البيت كالصنم حجر عثرة يأتيه الشخص فيقول له: ما عملك؟ ماذا تعمل؟ يقول له: في كلية الشريعة، قال: كم راتبك؟ قال: ثلاثمائة، قال: الله يفتح عليك، بنتنا صغيرة ما تصلح للزواج، وعمرها اثنتان وخمسون سنة!! ويأتي الآخر فيسأل عن السيارة وعن المرتب تبيع بنتك! هل هي سيارة؟ هل هي أرض؟! هذا عرضك وشرفك، يقول أحد العرب: والله لو كان المهر يدفع من الأب لدفعت مهري على بنتي، وكان الصالحون يجد أحدهم الرجل الصالح فيقول: تعال يا فلان فأزوجك بنتي الصائمة القائمة. الوليد بن عبد الملك خطب بنت سعيد بن المسيب فرفض، وهو ولي عهد المسلمين، وأتى ابن أبي وداعة رجل فقير عنده درهمان وقال: أريد أن أتزوج ولكن من يزوجني؟ قال: تعال وخذ الصائمة القائمة التي تحفظ القرآن والحديث، وهي فقيهة كأبيها فتزوجها، لكن الآن أصبح الزواج بيعاً وشراءً نعوذ بالله! كأنه يعرضها في السوق. يقول: بنتي مالها وصف، أنت ما تعرفها، سل عنها الجيران أصبحت في سوق الدعاية! ملكة جمال العالم! تعرض على الصحف لا تنطح ولا ترمح بقرة مسلمة! ثم بعض الشباب يشترط شروطاً ما أنزل الله بها من سلطان، المرأة تكون دينة عاقلة فيها جمال يرد النفس، أما أنه يشترط في أظفارها وفي شعرها وطولها بالسنتيمتر؛ فهذا لم يأت وهذا وسوسة وتبجح، فدعوتي من هذا المكان ألا يتأخر الشباب ولا الفتيات، وأن يعلن في المجتمع إنفاق هذه الفتيات من البيوت إلى متى ينتظر الإنسان يمسك سرباً من البنات؟ هل هو واقف عند رءوسهن دائماً؟ نحن في عصر مظلم عصر الفتنة، الهاتف فتنة، والمسلسل والمجلة والأغنية كلها فتن، وكثير من الجيران فتنة، والنزول إلى السوق فتنة، آلاف مؤلفة والعياذ بالله، يعرف ذلك من عنده وثائق ويعرف الدعوة، ويتصل ويشاهد أحوال الأمة التي تموج كالبحر في الفتنة وبعض الناس يقول: إذا تزوجت افتقرت، هذا خطأ، يقول عمر لأحد الناس هل تريد أن تغتني يا فلان؟ قال: نعم، قال: تزوج يغنك الله من فضله. فتزوج فكان من أغنى الناس، وما سمعنا أن أحداً مات وزوجته جائعة، بل أعرف من الشباب من ليس عنده ما يكفيه من الإيجارات، ولما تزوج أغناهم الله من فضله وعندما كانوا عزاباً كان الفقر في رءوسهم، ما يجد الواحد منهم ثمن الثوب فلما تزوجوا أغناهم الله. ومن الأمور التي رصدت المهر، وقد حدد من ولاة الأمور وأرشد إليه، لكن بعض الناس له طرق ملتوية حتى يعطل الزواج والله المستعان، وعسى الله أن يهدي هذه القلوب وأن يبصرها بالحق.

تصحيح كلمة: داعية لغويا

تصحيح كلمة: داعية لغوياً Q هل كلمة (داعية) صحيحة لغوياً؟ وإذا كانت صحيحة فماذا يطلق على الأنثى؟ A نقول: في العربية يصح من باب المبالغة، تقول: رجل داهية إذا بلغ الحد الأعلى من الدهاء، وتقول: داعية إذا تمكن في الدعوة، وتقول: علامة إذا بلغ العلم مستواه، وفهامة إذا بلغ في الفهم منتهاه، ويطلق على المرأة كذلك داعية، وهذا ليس فيه إلباس، فهي صحيحة لغوياً فيعلم ذلك، ويسمى داعياً كذلك.

برنامج المحاضرات الصيفية

برنامج المحاضرات الصيفية Q ما هو برنامج المحاضرات في الصيف؟ A لقد أقبل الناس علينا في هذا الصيف من كل المناطق، ومن كل أنحاء الخليج، وهم ينتظرون منكم يا أهل أبها أن تقدموا صورة المسلم الذي يستقبل ضيفه بالإيمان؛ لأنهم يسمعون عنكم أنكم في مجتمع محافظ، وسمعنا من أهل الكويت وقطر أن أهل أبها تفوقوا في عالم الإيمان والخلق الجم، فأريد أن نري أولئك أننا من أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي حملة الرسالة، ولا نقدم لهم صوراً مزرية -والعياذ بالله- من المعاصي، ولا نطاوعهم على المعاصي وعلى تلطيخ سمعتنا وجاهنا وجمالنا أمام الناس، فدعوتي للجميع أن يحملوا الدعوة في الخلق، الدعوة بالتعامل وبالكلمة وبإهداء الشريط الإسلامي وبالكتيب وبالتأثير فيهم، فإنهم سوف يدخلون البيوت يستأجرون وينزلون المنتزهات كأنهم في منى، وسوف يغلون علينا الأشجار والأسعار، هذه فائدتنا منهم، فغفر الله لنا ولهم، وحياهم الله على كل حال. أما برنامج الصيف فسوف يعلن وسيكون هناك برنامج من مركز الدعوة، وبرنامج آخر من التوجيه أو ما يسمى المصطافين ومن النادي الأدبي، وسوف يكون هناك أمور منسقة وستعلن، وأما الدروس هذه فهي ثابتة إن شاء الله، وسوف تزاد في الصيف؛ لأننا نتوقع عدداً هائلاً من الناس سوف يفدون.

الذكاء ليس في علوم الدنيا

الذكاء ليس في علوم الدنيا Q إنني أتابع المحاضرات وأصلي كل وقت وأعمل بعض الخير ولكني سيء الفهم، فما تنصحني؟ A لست بسيئ الفهم، بل أنت جيد الفهم، ومادمت أنك تصلي وتحضر المحاضرات فأنت ذكي، والذكاء ليس حفظ جدول الضرب كله ثم لا يصلي الفجر، هذه بلادة، يقول الذهبي عن ابن الراوندي: كان ذكياً ولم يكن تقياً. فلعن الله الذكاء بلا تقوى وحيا الله البلادة بالتقوى، تعيش وما تعرف من جدول الضرب شيئاً لكنك تصلي الصلوات الخمس أنت من الأولياء، لكن إنسان يحفظ الجبر والهندسة والرياضيات وهندسة التربة وهو مجرم فهو كلب والعياذ بالله، هذا معروف، ولذلك أنت جيد الفهم. أحد المجانين دخل على عالم سوري في حلب عنده مكتبة، فالعالم هذا ذهب إلى مزرعته في البستان، فأتى المجنون فأخذ كبريتاً فأحرق المكتبة كلها فاشتعلت، فجاء العالم ومسكوا المجنون وقالوا: مالك يا فلان؟ قال: أريد أن أريحك من هذه المكتبة فقد أتعبتك، قال: ولم؟ قال: أتعبت بصرك وأتعبتك، دائماً في المكتبة، ورأيتك خرجت ترتاح في البستان فقلت: أريحك منها، قال: كيف تريحني من كتبي؟ قال: أنا أفهم كل ما في المكتبة، قال: ماذا في المكتبة؟ قال: المكتبة كلها تقول لك: كن جيداً، كن جيداً، فأخذه الناس مثلاً، وهذا الكلام صحيح، كل الكتب والمحاضرات والندوات كلها تقول لك: كن مسلماً مستقيماً جيداً، هذا هو المطلوب، وأنت جيد الفهم لأنك حضرت واستفدت.

وحشة القلب ودواؤها

وحشة القلب ودواؤها Q أجد في نفسي وحشة، فأرجو نصيحة منك في ذلك والله يحفظك؟ A النصيحة أن تتقي الله عز وجل، وأن تثابر على عملك الصالح: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:17] وقال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه: {وما تقرب إلي عبدي بأحب أليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به}.

حكم التبذير في الطعام

حكم التبذير في الطعام Q اقترب وقت الذبائح التي تذبح في العطلة الصيفية للقادمين من المناطق الأخرى، وأكثرها يرمى في المزابل، وإذا نصحنا الناس احتجوا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه} فما نصيحتكم؟ A هذا الحديث صحيح، لكن ليس معنى الحديث: أنه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يكرم الكلاب والقطط، فإن بعض الناس يكرم الكلاب والقطط في المزارع، وهذا ليس وارداً في الكتاب ولا في السنة، ووصيتنا لإخواننا الاقتصاد، وأظن أن هذا بدأ يحد منه؛ لأنه مرت بالناس طفرة، كان أحدهم إذا أتى عنده ثلاثة ضيوف ذبح لكل رجل منهم شاة واعتذر، وإذا زاد الضيوف ذبح لهم مجموعة وقال: الرأس منكم يستاهل الرأس ولكن المعذرة، بل الله المستعان على هذه المعذرة، كلها رياء وسمعة: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال:47]. هؤلاء الذين يكثرون الذبائح إذا طلبتهم في مشروع خير تجدهم من أبخل الناس، يخرج ريالاً ويفركه عند باب المسجد حتى لا يلصق ريال آخر ويقول: تفضل، وإذا خرج من المسجد قال: اللهم أدخلني به الجنة وارفع منزلتي عندك واجعلني من العشرة!!

حكم الحناء للرجال

حكم الحناء للرجال Q ما حكم الحناء للرجال؟ A ورد عند أبي داود -لكن سنده ضعيف- {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى رجلين إلى غدير الظلمات اختضبوا بالحناء} الحناء الذي تستخدمه النساء لا يجوز للرجال؛ لأنه من باب تشبه الرجل بالمرأة، إلا إذا كان من باب الدواء والعلاج، إذا كان لتبريد حرارة في جسمه أو لعلاج فلا بأس، أما أن يلطخ جسمه بالحناء فهذا من التشبه المنهي عنه ولا يجوز له، تجد رجلاً كفاه ورجلاه مخضبة من أوله إلى آخره هذا لا يصلح، فهو خاص للنساء وليس للرجال، إلا إذا كان لضرورة علاج فليعلم ذلك. وصلى الله على محمد وسلم تسليماً كثيراً.

الإنجاز العلمي في حياة الرسول

الإنجاز العلمي في حياة الرسول كم كان صلى الله عليه وسلم مجلاً للعلم والعلماء! وكم حث على العلم والتعلم! ولا غرابة في ذلك فإن أول كلمة أنزلت عليه صلى الله عليه وسلم هي كلمة (اقرأ) فعاش صلى الله عليه وسلم كما وصف نفسه معلماً، وجعل خير الناس من تعلم القرآن وعلمه.

فضل العلم وأهله

فضل العلم وأهله حمداً لمن بلغنا المراما وزادنا من فضله إكراما ثم صلاة الله تترى ما سرى برقٌ على طيبة أو أم القرى مع السلام يغشيان أحمدا وآله المستكملين الرشدا حمداً لك اللهم علمتنا وما كنا لنتعلم، وفقهتنا وما كنا لنتفقه، رفعت بالإسلام رءوسنا وقد كانت مخفوضة، وشرحت بالإيمان صدورنا وقد كانت ضيقة، وأنرت بالعرفان عيوننا وقد كانت عمياً، وأسمعت باليقين آذاننا وقد كانت صماً. اللهم صل وسلم على رسولك الأمي، الذي فجر من الجزيرة الغبراء العلم للدنيا، الأمي الذي رفع الكلمة للبشرية فأسمع الدنيا، والأمي الذي خطب على منبر الحياة فسمعته الأجيال، والذي تكلم فكان أفصح خطيب، وأجل مفتي، وأحسن مدرس، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أمَّا بَعْد: فأشكر الله شكراً جزيلاً، وأثني عليه ثناءً عطراً جميلاً، ثم أشكر أهل الفضل، وعلى رأسهم مدير هذه الجامعة، معالي الدكتور/ راشد الراجح. وأشكر العلماء الأفاضل النبلاء، ثم أشكر هيئة التدريس في الجامعة، وأشكركم أيها الإخوة الزملاء الطلاب، وأشكر الجمع، وأسأل الله أن يكتب هذه الجلسة في ميزان الحسنات، يوم تتساقط صحائف المبطلين، ويوم يندحر الغابرون، ويوم يفشل المهزومون الذين ما رفعوا الإيمان والحب والطموح. ربنا تقبل منا أحسن ما عملنا، وتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. كان حقيقاً أن نتكلم في هذا الموضوع لسببين: السبب الأول: أن الرسول عليه الصلاة والسلام، شريعته متهمة من الأقزام والحقراء، ومن الذين يسيرون على التراب وهم أرخص من التراب. والسبب الثاني: أنني في جامعة غراء، أبدت نتاجها للعالم، طلابها، وكتبها، فكان أولى ما أقول في هذا العلم، وفي هذا الموضوع وهو الإنجاز العلمي في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام. أما عناصر الموضوع: فأولها: حثه صلى الله عليه وسلم على العلم وفضل العلم. الثاني: تشجيعه صلى الله عليه وسلم للعلماء وللأساتذة والمربين. الثالث: طريقة تعليمه صلى الله عليه وسلم، كيف علم الناس وتندرج تحتها أربع مسائل: المسألة الأولى: القدوة بالعمل والتعليم بالقدوة. المسألة الثانية: ضرب الأمثلة. المسألة الثالثة: الخطابة والوعظ. المسألة الرابعة: مراعاة المناسبات. الرابع: مبدأ التخصص العلمي كما وضعه صلى الله عليه وسلم للناس. لقد قلت: إن من أسباب هذه المحاضرة: أن شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام تعرضت للنقد اللاذع من أعداء البشرية والإنسانية، أعداء الإنسان يوم يكون مؤمناً، وهذه سنة الله الخلقية الكونية والشرعية الأمنية؛ قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31]. اسمع معي إلى أبي العلاء المعري في مقطوعة جميلة له عن العظماء والأقزام وعن النبلاء والحقراء يقول: إذا عير الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهاهة باقل وقال السهى للشمس أنت كسيفة وقال الدجى للبدر وجهك حائل فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل أما قضية فضل العلم، وحثه صلى الله عليه وسلم عليه، فأكبر إنجاز وضعه صلى الله عليه وسلم للبشرية أنه كان معلماً عليه الصلاة والسلام، والحديث الذي عند الحاكم، ولو أن فيه نظراً: {إنما بعثت معلماً}. إذا علم هذا؛ فليس العجيب أن يبعث معلماً يعلم الناس، وليس العجيب أن يتكلم خطيب في البشرية، لكن العجيب أن يأتي أمي من بين جبال مكة السود فيخاطب البشرية وهو أمي، يقول أحد الشعراء: أتطلبون من المختار معجزةً يكفيه شعب من الأموات أحياه ويقول آخر: كفاك باليتم في الأمي معجزةً في الجاهلية والتأديب في اليتم فيوم أن بعث صلى الله عليه وسلم لا قرأ، ولا كتب، وما تعلم، ولكن علمه الله بعد أربعين سنة، ليخرج عالماً عليه الصلاة والسلام، لكن عالم أعجز العلماء، وعظيم أعجز العظماء، ومربٍ أعجز المربين. الله رباه، والله علمه، والله فقهه. الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ميز بالعلم حتى الكلاب، فالكلب المعلم صيده حلال، لكن الكلب الجاهل غير المعلم صيده حرام؛ ولله در من قال: وميز الله حتى في البهائم ما منـ ها يعلم عن باغ ومغتشم قال تعالى: {مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة:4] الهدهد حيوان طائر، لكنه يوم أن عرف علماً، تبجح أمام سليمان عليه السلام، وقال وجئتك من سبأ بنبأ يقين، ولذلك قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9] ثم ترك الجواب، أي: لا يستوون. وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43]. أيها الأساتذة الأخيار! يا دعاة العالم! -يوم ألا يكون للعالم إلا أنتم- إن داعيتكم الأول الرسول عليه الصلاة والسلام أتى بهذه الآيات، فيوم أراد الله أن يستشهد على ألوهيته استشهد العلماء، قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] والله يقول في الآيات: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49]. إذا علم هذا؛ فتعال معي إلى تشجيعه صلى الله عليه وسلم للعلم، وقد ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يذهب بعلمه إلى الحداد الذي ينفخ الكير وهو خباب بن الأرت، فيعلمه وهو على كيره، فيقول الجاهليون: يعلمه خباب القرآن، فيقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَقدْ تَعْلَمَ أنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103] كيف يعلم الأعجميُّ العربيَّ؟! كيف يعلم اللكن اللسنَ؟! كيف يعلم العييُّ الفصيح؟! كيف يعلم التلميذُ الشيخَ؟! لا يكون هذا، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام هو كما قال الله له مبتدئاً بالعلم؛ قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] قال البخاري في الصحيح: (فبدأ بالعلم قبل القول والعمل). وفي الصحيحين من حديث أبي موسى قال: قال صلى الله عليه وسلم: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكان منها أرضٌ طيبة -وعند مسلم نقية- قبلت الماء، فأنبتت العشب الكثير، وكان منها أرض أجادب أمسكت الماء؛ فنفع الله بها الناس فسقوا وزرعوا، وكان منها طائفة إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به} وما أحسن هذه الكلمات. بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا أم المعاني اللواتي قد أتيت بها أرى بها الدر والياقوت متصلا لماذا قال في الحديث: الغيث، ولم يقل: المطر؟ ولماذا قال: بعثني، ولم يقل: أرسلني؟ ولماذا قال: أرض طيبة، ولم يقل: تربة طيبة؟ ولماذا قال صلى الله عليه وسلم: الهدى، والعلم، ولم يقل: الهدى ويسكت، أو قال: العلم، ويسكت؟ هذه أسرار بلاغية في الحديث. أما قوله الغيث ولم يقل المطر، فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لا يذكر الغيث إلا للرحمة مطلقاً أو غالباً في القرآن، وإذا أراد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى العذاب قال: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} [الشعراء:173] فعدل صلى الله عليه وسلم من المطر إلى الغيث قال القرطبي " لأن الغيث صافٍ من السماء " فشبه علمه بالغيث الصافي الذي لم تخالطه الفلسفة، ولم يدخله المنطق، أخزى الله الفلاسفة والمنطقيين، فدحرهم في دورهم وعقر حلوقهم. ابن تيمية يقول: " المنطق لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سمين فينتقى، ولا سهل فينتقل" وقال: " المنطق لا ينتفع به الذكي ولا يفهمه البليد " وقال: " إن الله سوف يسأل المأمون -الخليفة العباسي- عما أدخل في خلافة المسلمين من المنطق، نحن أمة قال الله وقال رسوله، لا خزعبلات ومفتريات ابن سينا، وأمثال ابن سينا، أذناب الصابئة وأفراخ المجوس.

تلازم العلم والعمل والإيمان

تلازم العلم والعمل والإيمان أتى صلى الله عليه وسلم بعلمه من السماء، قال: {مثل ما بعثني به الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث} والغيث فيه غوث للقلوب وكذلك العلم، وقال عليه الصلاة والسلام: {من العلم والهدى} لأن رسالته صلى الله عليه وسلم أتت بالعلم الذي هو العلم النافع، والهدى العمل الصالح. ولذلك قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم -نقلاً عن سفيان بن عيينة -: " من فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى، ومن فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود " لأن رسالته صلى الله عليه وسلم ليست ساذجةً تعبديةً تقليديةً، وليست علميةً تنظيريةً؛ بل جمعت بين العلم والعبادة، وبين الفكر والإرادة، وبين المعتقد والسلوك، ولذلك ذم الله بني إسرائيل بأنهم تعلموا لكنهم لم يعملوا بعلمهم، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف:175 - 176] ووصف الله بني إسرائيل بصفة الحمار: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] والحمار لا يفهم ولا يعقل ولو حمل الأسفار على ظهره؛ لأن السر فيه أنه حمار. تقول له زيداً فيسمعه عمراً ويكتبه بكرا ويقرؤه فهرا قال الجدار للوتد لم تشقني؟ قال: اسأل من يدقني! لذلك إذا لم يكن هناك إرادة وإيمان فلا ينفع العلم: لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع ولذلك لا يكون العلم بحفظ المجلدات والمصنفات، ولكنه إرادة إيمانية، ولذلك قال الله تعالى: (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ) [الروم:56]؛ لأن العلم بلا إيمان علمانية أتاتوركية موتاً أتاتورك الدعي كموت تيتو أو جمال وأتاتورك عَبَدَ العلم، وعَبَّدَ الأتراك للعلم، وجعل العلم إلهاً يعبد من دون الله، وقال: لا إله إلا العلم. فعلم بلا إيمان خسارة وتباب، يقول أبو الحسن الندوي ذاك المفكر المحبوب سقى الله عظامه يوم يموت من شآبيب الجنة: " عين بلا إيمان مقلة عمياء، وقلب بلا إيمان كتلة لحم ميتة، ومجتمع بلا إيمان قطيع من البهائم السائمة". ونحن نقول: وقصيدة بلا إيمان كلام مصفف، وكتاب بلا إيمان كلام ملفف، وكلمة وخطبة بلا إيمان صهيل وزمجرة لا فائدة فيها. إذا علم هذا؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يجمع بين العلم والإيمان، وأراد أن يجمع بين العلم والعمل. والنصارى عبدوا الله لكن لم يتعلموا، واليهود تعلموا ولم يعبدوا، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13] والنصارى عبدوا الله، صلوا وركعوا وسجدوا، لكنهم متخلفون رجعيون لا يفهمون ولا يعقلون: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد:27]. أما أشباه اليهود -كما يقول ابن تيمية - فهم فسقة العلماء. أرأيتم طالب علم يتخرج من جامعة ثم يكون فاسقاً؟! ما أدهاه! لو كان راعي غنم كان أفضل له، لكن يتخرج من الجامعة، ثم يكون فاسقاً عربيداً، هذه هي المشكلة. فأشبه اليهود فسقة علماء الأمة نعوذ بالله من الفسق، وأشبه النصارى غلاة الصوفية، يأتون بأمور تضحك الذي هو في سكرات الموت. يقول الخطابي في كتاب العزلة: " أتى صوفي غالٍ فأخذ شيئاً بغراءٍ ألصقه على عينه اليسرى، فقالوا: مالك؟ قال: إسراف أن ننظر إلى الدنيا بعينين، فقال: انظروا إلى هذا المخرف كيف جحد نعمة الله، والله يمتن على الناس ويقول: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10]. وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس: " رؤي صوفي يقرأ وهو ينعس في صلاة الظهر، قالوا: " مالك؟ قال: سهرت البارحة في النافلة؛ فما استطعت أن أصلي الظهر إلا وأنا ناعس، قال: فانظر إلى جهله كيف صلى النافلة حتى ترك الفريضة ". إذا علم هذا؛ فشجع صلى الله عليه وسلم العلماء بأن الله بعثه معلماً عليه الصلاة والسلام، يقول لـ معاذ: {إنك تأتي يوم القيامة تقدم العلماء برتوة} والرتوة: رمية بحجر أو بخطوة؛ يقود العلماء، سلام على معاذ! يقول ابن مسعود: [[معاذ كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم] 1000035>معاذ عاش ثلاثاً وثلاثين سنة، لكنها تعادل في ميزان الحق والإيمان ثلاثاً وثلاثين قرناً، كان يتكلم بعلم، ويفتي بعلم، وهو حسنة من حسنات المصطفى صلى الله عليه وسلم، في سنن أبي داود بسند جيد قال: {أخذ صلى الله عليه وسلم بأصابعه فشبك أصابعه بأصابعه وقال: يا معاذ والله إني لأحبك} معلم البشرية يقول لأحد تلاميذه: {والله إني لأحبك، فيقول معاذ: فوالله يا رسول الله، إني أحبك، فيقول رسول الله: يا معاذ لا تدع في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك}. حضرت الوفاة معاذاً في الشام، فلما حضرته سكرات الموت، ما ندم على قصر بناه، ولا على نهر أجراه، ولم يشتغل بالحدائق والقصور لكنه بكى، قالوا: مالك تبكي؟ قال: [[مرحباً بالموت، حبيباً جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، اللهم إنك تعلم أني لم أحب الحياة لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، ولا لرفع القصور، ولا لعمارة الدور، ولكني كنت أحب الحياة لثلاث خصال: لمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر، ولمجالسة قوم ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر، ولأعفر وجهي ساجداً لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى]. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً خرج ابن المبارك العالم الجليل من أم القرى -يا أهل أم القرى - ببغلته للجهاد، وترك الحلقة في الحرم، قالوا: الفريضة بمائة ألف صلاة؟! فردد بيتيه المشهورين: بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا وذهب إلى الجبهة وقاتل، وأتته رسالة من العالم الفضيل يشجعه على العلم، لكن العلم يشجع أصحابه على التخصصات في وقتها، فكتب ابن المبارك إليه يقول له: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب

حثه صلى الله عليه وسلم على العلم

حثه صلى الله عليه وسلم على العلم الرسول صلى الله عليه وسلم يحث العلماء فيقول كما في صحيح البخاري: {رأيت البارحة} صلى الله عليه وسلم، ورؤياه حق، قال البخاري في الصحيح: باب رؤيا الأنبياء حق، وقال الله عز وجل عن إبراهيم: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102] فقام يذبح ابنه فرؤياهم حق، قال عليه الصلاة والسلام: {رأيت البارحة، كأني أتيت بإناء من لبن فشربته حتى إني لأرى الري يخرج من أظفاري -ري العلم- قال: ثم أعطيت فضلتي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم} فـ عمر بن الخطاب من أعلم الناس، وهو ما شرب إلا فضلة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وفي الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: {رأيت البارحة أن الناس عرضوا عليَّ، وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض عليَّ عمر بن الخطاب عليه قميص يجره، قالوا: بم أوَّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين} فأقوى الناس ديناً بعد أبي بكر، عمر، نشهد الله على حبه، اللهم اجمعنا بـ عمر في مستقر رحمتك، وسقى الله تلك العظام! ذكر صاحب تاريخ داريا بسند جيد، قال: [[كان عمر يخطب على المنبر يوم الجمعة، وجيشه وراء نهر سيحون، أو قريباً من نهر سيحون، فكشف الله له الغطاء حتى رأى الجيش، وهو على المنبر في المدينة، ورأى سارية يحاصر من كل جهة، وقال: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، ونزل، قال الصحابة: مالك؟! قال: أراني الله سارية فأخبرته، ثم أتى سارية منتصراً بعد شهر، قالوا: ماذا حدث لك؟ قال: حوصرت في مضيق، فسمعت -يوم الجمعة والخطباء على المنابر- صوت عمر الذي لا أنكر، وهو يقول: يا سارية الجبل، فألجأني الله للجبل]].

ابن عباس ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له بالفقه

ابن عباس ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له بالفقه وابن عباس يشجعه صلى الله عليه وسلم على العلم، ولو كان هناك أفضل من العلم، لدعا له صلى الله عليه وسلم به، يقول ابن عباس: بت عند خالتي ميمونة وأتى عليه الصلاة والسلام ورآه نائماً -وهو لم ينم، لكنه متناوم، ليرى السنة والدعاء في الليل- قال لـ ميمونة: نام الغليم؟ قالت: نعم، وهو ما نام. نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك قال: فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم، فذكر الله، وهلل وكبر، ثم نام، قال: حتى سمعت غطيطه -وفي البخاري خطيطه- والخطيط والغطيط صوت يحدثه النائم- فانظر إلى هذا الذكي يحفظ الغطيط والخطيط والدعاء، وآداب الوضوء، وكيف صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة. ثم استفاق صلى الله عليه وسلم يعرك النوم من عينيه ويقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَار} [آل عمران:190] فعرف ابن عباس أن الرجل إذا قضى حاجته، يحتاج إلى ماء، وهذا من الفقه في الدين، ووضع الماء ورجع ينام، وأتى صلى الله عليه وسلم يسائل نفسه وقال: من وضع لي الماء؟ ثم عرف، قال: {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} وهذه ليلة الميلاد في حياة ابن عباس، ولد ابن عباس في تلك الليلة، لأن للإنسان مولدين: مولد جسماني، ومولد روحاني، فمولده الجسماني يوم يسقط من بطن أمه: ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا ومولده الروحاني يوم يولد في الإسلام، وينغمس في الإسلام، ويرتدي رداء الإسلام، فـ ابن عباس ولد تلك الليلة، قال: {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} وسمع ذلك الدعاء وحفظه، وبدأت حياة الفقه في الدين، يأتي عن يساره صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل؛ فيجره إلى يمينه ويستمر في الصلاة، ودعوة اللهم فقهه في الدين، تطن في أذنه دائماً وأبداً. قال ابن عباس: قال لي أحد الناس من الأنصار: يا ابن عباس، لماذا تطلب العلم، وتجهد نفسك؟ أتظن أن الناس يحتاجون إليك، -أي أنك تبقى حتى يحتاج إليك الناس- قال ابن عباس: فوالله ما زلت أطلب العلم، حتى رأيت ذلك الرجل واقفاً يسألني في مسائل. وقال ابن عباس: [[والله الذي لا إله إلا هو، لقد كنت أخرج من بيتي، فأضع رأسي عند باب الأنصاري؛ فتسف علي الريح بترابها حتى يخرج الأنصاري في القيلولة؛ فأسأله. ولذلك آتاه الله علماً جماً، قال أبو وائل: [[والله لقد رأيت ابن عباس يوم عرفة يشرح سورة البقرة آية آية من صلاة الظهر حتى صلاة المغرب، لو سمعه اليهود والنصارى لأسلموا عن بكرة أبيهم]] العلم شيء عجيب إذا اقترن بالإيمان.

أبو هريرة وحثيات الرسول صلى الله عليه وسلم

أبو هريرة وحثيات الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي أبو هريرة، وهو فقير إلى المدينة وكان يسمع الأحاديث من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يكتب ولا يحفظ، فقال: يا رسول الله إني أسمع منك حديثاً كثيراً؛ فادع الله أن يفقهني أو يحفظني، قال: ابسط رداءك، فبسط رداءه، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثو حثواً معنوياً، ويقول: اللهم حفظه أو فقهه -أو كما قال صلى الله عليه وسلم- وقال: ضم رداءك، قال: فضممت ردائي، فوالله ما نسيت بعدها حرفاً أبداً. ومن أراد أن يعرف حفظ أبي هريرة فليقرأ كتاب دفاعاً عن أبي هريرة لـ عبد المنعم الصالح العلي العزي الذي لو كان في الكتب معجزة، لكان ذلك الكتاب، الذي رد به على أبي رية -رواه الله من نار تلظى- وعلى جولد زيهير المجري الذي تهجم على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. يقول أبو هريرة: {يا رسول الله! من أسعد الناس بحسن شفاعتك} والحديث في البخاري، قال عليه الصلاة والسلام: {لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني أحدٌ عن هذا قبلك، لما علمت من حرصك على الحديث} وقد بوب البخاري على هذا الحديث باباً فقال: باب الحرص على الحديث، فأثنى عليه صلى الله عليه وسلم بهذا، ثم أجابه {أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه}.

أبي بن كعب سيد القراء

أبي بن كعب سيد القراء أتى عراقي عند عمر بن الخطاب، وكان أبي أبيض اللحية، وأبيض الرأس، وأبيض الثياب، بياض على بياض، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء فابيضت لحيته وابيض رأسه، قال الذهبي: دعا على نفسه بالحمى؛ لأنه سأل الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: {يا رسول الله أما يصيبنا من أمراض كفارة؟ قال إي والذي نفسي بيده يا أبا المنذر لا يصيبك هم أو حزن أو مرض، حتى الشوكة تشاكها إلا كفر الله بها من سيئاتك} فقال أبي: [[اللهم إني أسألك حمى لا تعطلني عن فريضة ولا عن حج ولا عن عمرة ولا عن جهاد]] فأصابته حمى أربعين سنة. يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: أكسبته الحمى شراسة رضي الله عنه وأرضاه فكان يقف بجانب عمر وعمر يتحذر بالكلام إذا وُجد أبي، يراقب أبي لأن أبي سيد القراء، وأبي لحدة الحمى كان أبيض اللحية، وأبيض الرأس والثياب، نور على نور. وكان عمر إذا تحدث يقول لـ أبي: أهكذا؟ فيقول أبو المنذر: نعم. فيقول العراقي لـ عمر بن الخطاب: من هذا يا أمير المؤمنين؟! قال: ثكلتك أمك، أما تعرف هذا؟! هذا سيد المسلمين، أبي بن كعب يقول له صلى الله عليه وسلم: {يا أبا المنذر! أي آية في كتاب الله أعظم؟} والحديث في مسلم، فيستحي، فانظر إلى الأدب، أصبحت الفتيا عندنا تبرعاً في سبيل الله، ونتسابق في المجلس أيُّنا يفتي، ونحن نتسابق على مزلة من النار، يقول أحد التابعين: [[والله إنكم لتفتون في مسائل، لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر]] فقال: {يا أبا المنذر! أي آية في كتاب الله أعظم؟ فقال: لا أعلم، فقال الرسول: يا أبا المنذر، أي آية في كتاب الله أعظم؟ فيقول: آية الكرسي، فضرب على صدره -هذا خاتم الشهادة ووسام النبل- وقال له: ليهنك العلم أبا المنذر} إي والله، العلم الذي يحسد عليه. {نزلت سورة البينة، والتي جاء بها جبريل، وقال: يا رسول الله إن الله يأمرك أن تقرأ هذه السورة على أبي، فذهب إلى أبي، وقال: يا أبي، أمرني ربي أن أقرأ عليك هذه السورة، فقال: وسماني؟! قال: نعم. قال: في الملأ الأعلى، فانهد يبكي} أبي رجل من الأنصار ما كان يدرى عنه، لكن جعله الإسلام عظيماً من العظماء، فالرسول صلى الله عليه وسلم شجعه، وقال: {ليهنك العلم} وهو العلم الذي يغبط عليه، ولذلك جاء في الصحيحين {لا حسد إلا في اثنتين -يعني غبطة- رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار} وفي رواية ابن مسعود {رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق}.

منزلة العلماء في عصر السلف

منزلة العلماء في عصر السلف ابن أبي الجعد مولى، وكلنا عبيد لله، من المدينة، كان مع سيده لا يكنس، ولا يطبخ، ولا يذبح كلٌ على مولاه، أينما يوجهه لا يأتي بخير، قال له مولاه: "قد أعتقتك لوجه الله، والله ما أعتقتك إلا وقد عجزت فيك، ما تجيد شيئاً"، قال: "فماذا أفعل؟! " قال: "اطلب العلم"، قال: "فجلست سنة أطلب العلم، وبعد سنة استأذن علي أمير المدينة في القيلولة، فلم ءاذن له؛ فرجع من عند الباب". وعطاء بن أبي رباح: كان أشل أفطس، يقول أحد التابعين: لو جمعت العيوب في الناس لاجتمعت في عطاء. اجتمع ببابه الناس حتى الخليفة سليمان بن عبد الملك أتى يسأله، فقال لـ سليمان: خذ دورك مع الناس ولا تتقدم عليهم وهو خليفة الأمة الإسلامية، قال: فرجع سليمان حتى أتى دوره ثم سأل عطاء فولى، فقال سليمان لأبنائه: "تعملوا العلم، والله ما ذللت لأحد من الناس كما ذللت اليوم لهذا العبد" لأن عطاء عبد، وكلنا عبيد لله، قال الأندلسي لابنه مشجعاً على العلم: " هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مضارب من أردتا وكنز لا تخاف عليه لصّا خفيف الحمل يوجد حيث كنتا يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا فبادره، وخذ بالجد فيه فإن أعطاكه الله انتفعتا وإن أوتيت فيه طويل باع وقال الناس: إنك قد رأستا فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملتا الرسول عليه الصلاة والسلام يشجع ويحث طالب العلم، ويقول: {إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع} ويقول صلى الله عليه وسلم: {من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة} رواه مسلم، وعند البخاري ومسلم من حديث معاوية: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} أي من مفهوم المخالفة أن من لم يرد الله به خيراً لا يفقهه في الدين.

طرق تعليمه صلى الله عليه وسلم

طرق تعليمه صلى الله عليه وسلم الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقارنه أحد في تفوقه وعظمته، ولذلك أخطأ عباس محمود العقاد يوم أن قارنه بـ نابليون. من نابليون؟ إنما هو ملحد من الملاحدة، كيف يجعله في صف محمد النبي الطاهر الصفي صلى الله عليه وسلم؟! لقد أخطأ خطأً بيناً: ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل: إن السيف أمضى من العصا وطرقه صلى الله عليه وسلم في التعليم أربع طرق:

الطريقة الأولى: التعليم بالقدوة

الطريقة الأولى: التعليم بالقدوة أولها: التعليم بالقدوة وبالعمل، قال تعالى حاكياً عنه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. فكان يعمل العمل ويقول للناس: افعلوا كما أفعل، ففي حديث البخاري عن مالك بن الحويرث: يقول صلى الله عليه وسلم: {صلوا كما رأيتموني أصلي} وفي الصحيحين كما في حديث سهل بن سعد أنه قال: {قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فصلى بنا، فصلى الناس بصلاته}. يا أيها الفضلاء! يا أيها الدعاة! يا أيها العلماء! إن الذي ينقصنا اليوم في مدارسنا وجامعاتنا هو التطبيق للعلم، تطبيق بالعمل، والعجيب أن الكافر العميل يعرف هذا المبدأ، فالكفار ينشرونها في كتبهم، حتى يقول الأمريكي دايل كارنيجي في كتابه دع القلق وابدأ الحياة: "إنك إذا لم تطبق للناس علمك؛ فإنهم لن يتعلموا منك أبداً " والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، دخل الجنة} هذا حديث مسلم عن عثمان. وفي الحج: الرسول صلى الله عليه وسلم يحج، ويقف بنفسه في عرفات، ويرمى الجمار، ويبيت في مزدلفة، وفي منى، ويقول: {خذوا عني مناسككم}. التطبيق للعلم هذا هو الذي عرضه صلى الله عليه وسلم للبشر، كان يقول لهم: كونوا صادقين، ويكون هو صلى الله عليه وسلم أصدق صادق في الدنيا، يقول: قدموا دماءكم في سبيل الله، ويتلو عليهم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] ويكون أول من يقدم دمه صلى الله وسلم عليه، يقول في معركة بدر قبل المعركة بدقائق: {يا أهل بدر! -يعني المسلمين- إن الله اطلع عليكم فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، والذي نفسي بيده يا أهل بدر! ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء؛ فتدخلون الجنة}. فيأتي عمير بن الحمام الزاهد، العابد، الفقير، الذي ما عنده إلا سيفه يوم ترك ذريته وداره في المدينة فقال: يا رسول الله! أسألك بالله ما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟! قال: والذي نفسي بيده ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء، فرمى بتمرات كن معه، ثم كسر جفن سيفه، وقال: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى، وأخذ درعه، وخلعه من على أكتافه، ولذلك ورد في الأثر: {إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يضحك -كما يليق بجلاله- من العبد؛ يلقى العدو حاسراً} مثل عمير بن الحمام - فتقدم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه، لكن القدوة بالتعليم، يوم يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في أول القتال يصاب، ويضرب صلى الله عليه وسلم، ويقول للناس: جاهدوا المشركين وهو أول مجاهد، يدعوهم لقيام الليل، وهو يقوم الليل ويبكى من خشية الله وخوفه. في سنن أبي داود وسنده حسن عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه، قال: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء} المرجل: القدر إذا استجمع غلياناً، من البكاء من خشية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هذه من طريقة التعليم بالقدوة. أما القدوة بالعمل فالسلوك والأدب والتقوى، يقول عليه الصلاة والسلام: {أنا أعظمكم وأتقاكم لله} وصدق، والله إنه أتقانا لله، وأعرفنا به، وأخشانا له، صادق يقول الصدق، مخلص يقول الإخلاص، منيب يعرف الإنابة.

الطريقة الثانية: ضرب الأمثلة

الطريقة الثانية: ضرب الأمثلة ومن طرق تعليمه صلى الله عليه وسلم ضرب الأمثلة، يأتي عليه الصلاة والسلام يقول: {إن مثلي ومثلكم كمثل رجل أتى إلى قومه وقال: يا أيها القوم! إن العدو سوف يصبحكم، فأنا النذير العريان} النذير عند العرب، هو: الذي ينذرهم جيشاً أو عدواً أو خصماً، والعريان: كان العرب إذا أرسلوا نذيراً خلع ثيابه وبقي عارياً، فعرفوا أن الخطر مدلهم. وموقف آخر، عندما أتاه أعرابي -وانظر إلى الأعراب- وغلظتهم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63] أي: تأدبوا مع محمد صلى الله عليه وسلم، أتدرون من هو؟ إنه محمد صلى الله عليه وسلم، رسول البشرية، معلم الإنسانية، مزعزع كيان الوثنية، فيأتي الأعرابي، فيمسك بجبته صلى الله عليه وسلم -كما في حديث أنس الذي أصله في الصحيحين وكان عليه برد نجراني غليظ الحاشية فجذب به حتى أثر على رقبة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالتفت صلى الله عليه وسلم -هل التفت مزمجراً؟ هل التفت مغضباً؟ لا، إنما التفت صلى الله عليه وسلم متبسماً ضاحكاً- ولما التفت إلى الأعرابي مبتسماً عليه الصلاة والسلام قال: مالك؟ ماذا تريد؟ قال: يا رسول الله! أعطني من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا من مال أمك، فضحك صلى الله عليه وسلم، وأعطاه مالاً، فعاد الأعرابي وهو يقول: جزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم للناس: أتدرون ما مثلي ومثلكم ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له دابة فنفرت فتبعها الناس فازدادت نفوراً، فأتى بخضار الأرض فأتت الدابة فأمسكها. فإن هذا الأعرابي لو تركتكم وإياه؛ لترك الدين ومات كافراً ودخل النار؛ فهذا مثل ضربه صلى الله عليه وسلم؛ لتستقر هذه الحقيقة. وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً يبين فيه الأجل والأمل للإنسان، فرسم مربعاً، وخط خارج المربع، خطاً، وهو الأمل، والأجل طرف المربع الذي يفصل هذا الخط، والإنسان داخل المربع، وقال: {هذا الإنسان، وهو وهذا أمله، وهذا أجله وهذه العوارض إن أخطأه هذا نهشه هذا}. ونحن هنا ذكرنا بعض الأمثلة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم وإلا فهي كثيرة جداً والمقصود منها هو: أن نعرف كيف نضرب الأمثلة للناس ونعلم أن هذا منهج قرآني، كما يقول تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً} [النحل:75] ثم يضرب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عدة أمثلة في القرآن.

الطريقة الثالثة: التعليم بالوعظ

الطريقة الثالثة: التعليم بالوعظ ثالثها في تعليمه صلى الله عليه وسلم للناس: تعليمه بالخطابة والوعظ: وإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو الندي وللقلوب بكاءُ وإذا صحبت رأى الوفاء مجسماً في بردك الأصحاب والخلطاءُ وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاءُ يخطب صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة؛ فتدمع القلوب قبل العيون، ويتكلم في الناس؛ فتبكي الأرواح قبل المقل، يتكلم عليه الصلاة والسلام، فتهتز المنابر؛ بل جزع الجذع لما فارقه عليه الصلاة والسلام، كما في حديث جابر في الصحيح. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيد الخطابة، بل هو أعظم خطيب عرفته البشرية، مع أنه ما درس الخطابة، لكن علمه الله عز وجل إياها، فدعا بها. والوعظ كذلك كان من منهجه صلى الله عليه وسلم؛ ولا بد للمسلمين في الدعوة من أمرين: من منبر للوعظ، ومن حلقة للتدريس، منبر الوعظ يشحن القلوب ويقودها إلى باريها، وحلقة الدرس هادئة تربي العلم التأصيلي في النفس، فلا بد من خطباء ووعاظ، ولا بد من علماء وفقهاء مؤصلين.

الطريقة الرابعة: مراعاة المناسبات

الطريقة الرابعة: مراعاة المناسبات من الحكمة كل الحكمة أن تراعى المناسبات، يقول المتنبي: فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف البيئة التي يتكلم فيها، ويخطئ كثير من الدعاة، فيتكلم لأهل البادية بكلام الحاضرة، ويتكلم لأهل الحاضرة بكلام البادية، وذلك جهل بأسلوب الدعوة، فالرسول عليه الصلاة والسلام يتكلم لكل فئة بما يمكن أن تدركه عقولها، قال علي بن أبي طالب: [حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله]] وقال ابن مسعود: [[إنك لست محدثاً قوماً لا تبلغه عقولهم، إلا كان على بعضهم فتنة]]. الرسول عليه الصلاة والسلام يحدث أبا بكر، بحديث خاص، فيخصه، لا بأمر عام تحتاج إليه الأمة، بل يحدثه بأمور في الإدارة لأنه إداري، ويحدث ابن عباس بوصاية للشباب كقوله في الترمذي: {احفظ الله يحفظك} ويحدث زيداً في الفرائض؛ لأنه يقول: {أفرضكم زيد} ويحدث النساء بشئون النساء، والأحكام التي تهمها. فمراعاة المناسبات أمر راعاه صلى الله عليه وسلم في العلم، وفي العرض العلمي.

مبدأ التخصص في حياته عليه الصلاة والسلام

مبدأ التخصص في حياته عليه الصلاة والسلام

دعوة التخصص هي دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم

دعوة التخصص هي دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم كثير من الناس اليوم يقولون: التخصص هذا قتل العلم، ولا يصح أن يكون هناك تخصص، والتخصص هو مذموم، وفي كلامه حق وباطل، أما الحق فعلى طالب الحق أن يكون عنده حد أدنى من العلوم، وقدر مشترك من العلوم الإسلامية، لكنه يبرز في ناحية من النواحي، ولا يكون قوته في كل ناحية كقوته في الناحية الأخرى، فهذا ليس موجوداً وليس متحصلاً، ومن قرأ التاريخ واستقرأ العلماء وجد أن كل عالم برع في فن ولم يبرع في الفن الآخر، يقول عليه الصلاة والسلام في أحاديث رويت عنه، ولو أن في أسانيدها نظراً: {أقرؤكم أبي وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ، وأقضاكم علي وأفرضكم زيد، ولكل أمة أمين وأمين أمتي أبو عبيدة}. إذا أتت مسائل القرآن من يسأل؟ قال عمر فيما صح عنه: [[من أراد أن يسأل عن القرآن فليسأل أبياً، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليسأل زيداً، ومن أراد المال فليأتني]] والرسول صلى الله عليه وسلم أُنسي آية في الصلاة، فلما سلم قال الناس: يا رسول الله! أنسيت، أم نسخت هذه الآية؟ -فمن يسأل؟ - قال: يا أبي، يا أبا المنذر أكما يقول الناس؟ (أعطِ القوس باريها) قال: نعم يا رسول الله. وهذا النسيان ليس مستمراً. الرسول عليه الصلاة والسلام أقر مبدأ التخصص عند الصحابة. وإذا أتيت إلى فصل الرءوس عن الأكتاف بالسيف، فتعال عند خالد بن الوليد، سيف الله المسلول، مهمته أن يفصل الجماجم عن الأكتاف، جماجم أعداء الله. ومن يقسم المواريث لمن لا يستطيع أن يقسم؟ يقسمها زيد بن ثابت، يقول حافظ إبراهيم في خالد بن الوليد يعتذر في عزل عمر لـ خالد: تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم وما رمى الروم إلا طاش راميها الأدب: من هو أستاذ الأدب في حياته صلى الله عليه وسلم؟ من الذي يرد على الشعراء الضلال الحقراء؟ علي؟ لا، هو رجل القضاء، أبو بكر؟ لا بل هو رجل الإدارة، أعمر؟ رجل الدواوين وتجنيد الأجناس. أعثمان؟ رجل المال والبذل والعطاء. أثابت بن قيس بن شماس؟ لا، هو رجل الخطابة؟ إنه حسان. أتى وفد بني تميم كما صح في السير، فقالوا: يا رسول الله، عندنا شاعر وخطيب، قبل أن نسلم، نريد أن نفاخرك بشاعرنا وخطيبنا، ونسمع شاعرك وخطيبك، فما قال رسول الله: لا، إنه هذا داعية عالمي، يريد أن يعطي كل أناس ما يحتاجونه، فجمعهم في المسجد، وقال ل حسان: أتستطيع أن ترد على شاعرهم؟ قال: إي والله يا رسول الله، قال: بماذا؟ قال: عندي يا رسول الله لسان لو وضعته على حجر لفلقه، ولو وضعته على شعر لحلقه، ثم أخرج لسانه، فضرب به أرنبة أنفه، ونحن لا نستطيع. من يضرب أرنبة أنفه بلسانه؟! إلا ما ذكر ابن الجوزي: إن أحد الناس قال لقرينه: تعال معي، فخرج معه فوصل إلى السوق، فصعد إلى مكان مرتفع، فقال: يا أيها الناس، اجتمعوا، فاجتمع أهل السوق، قال: سمعت فلاناً حدثنا عن فلان، -وهو كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم- عن فلان عن فلان أنه قال: (من مست لسانه أرنبة أنفه دخل الجنة) فقام الناس في السوق يرفعون ألسنتهم إلى أنوفهم، لكن لم يستطع إلا بعض الشعراء، فـ حسان وصلت لسانه إلى أرنبة أنفه، وجاء صلى الله عليه وسلم وقدم له المنبر، والحديث في الصحيح، وقال: {اللهم أيده بروح القدس، اهجهم وروح القدس معك} وبدأ الزبرقان بن بدر، فألقى قصيدته التي أعد لها من شهر يقول: نحن الملوك فلا حي يقارعنا منا الملوك وفينا تنصب البيع إلى أن تلا خمسين بيتاً وبعده قام حسان فقال ستين بيتاً، فسحقه. يقول في قصيدته: إن الذوائب من فهر وإخوتهم قد بينوا سنناً للناس تتبع يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا فجلس، قال بنو تميم: غلب شاعرك شاعرنا. وقام خطيبهم عطاء بن حاجب بن زرارة، فقام وألقى خطبة، فقال عليه الصلاة والسلام لـ ثابت: قُم لأن الخطابة تخصص ثابت، فهو خطيبه، فقام ثابت إلى المنبر، فقصف كالرعود، وألقى كالقذائف كلاماً، فقال بنو تميم: وغلب خطيبك خطيبنا. الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أفرضكم زيد} زيد في الفرائض، هو المقدم فيها لكن علي بن أبي طالب أجاد كل الإجادة في القضاء، يقول علي: {أرسلني صلى الله عليه وسلم إلى اليمن -وهذا الحديث في السنن - فقال لي: اللهم ثبت جنانه، واهد لسانه وضرب على صدري، فما اختلجت عليَّ قضية أبداً}. علي جمع مع القضاء الكلمة التي تصل إلى القلوب، فكلام علي يصل إلى القلوب بلا ترجمان، حتى يقول ابن كثير في آخر البداية باب في كلماته الحاصلة، التي هي إلى القلوب واصلة. ذكروا عنه في التراجم أنه -اسمع الكلمات- عند ما قيل له: كم بين الأرض والعرش؟ قال: دعوة مستجابة، قالوا: كم بين المشرق المغرب؟ قال: مسيرة الشمس يوماً. كانت كلماته مؤثرة، يقول البخاري: "باب الرقاق وما يحذر من زينة الدنيا وقال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد:36] وقال علي بن أبي طالب: [[ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل]]. علي رضي الله عنه وأرضاه، جلس في الكوفة تحت جدار يريد أن ينقض، فمر به رجل وهو يحكم بين رجلين، وقال: "يا أمير المؤمنين! الجدار، لا ينقض عليك! قال علي: حسبنا الله ونعم الوكيل، فلما قضى بين الرجلين، وقام هو والرجلان، سقط الجدار مكانه، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} [آل عمران:173] كما جاء في صحيح البخاري قال ابن عباس: [حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم لما ألقي في النار، وقالها محمد لما قال له الناس: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران:173]]].

التخصص والحاجة إليه

التخصص والحاجة إليه التخصص معناه في الإسلام: أن يكون لك حد أدنى من العلم في كل فن تحتاجه، في حياتك كمسلم، ثم تبرز في فن تنفع به المسلمين، لا نقول للفقيه: كن مفسراً بدرجة المفسرين الكبار، ولا للمفسر: كن فقيهاً أو محدثاً، لكن ليكن لك جانب من العلم تشارك فيه، ثم لتنفع الإسلام في مجالك، والذين قالوا: إن مبدأ التخصص ليس وارداً أخطئوا، بل أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدأ التخصص، وعقلاء الأمم الكافرة يقرون هذا، فإن الحضارة الغربية -كما ترون- بنيت جزئياتها من أناس تخصصوا في كل جزئية، وأحدهم يخصص وقته وحياته ونومه ويقظته لهذه الجزئية؛ أما الذي يتذبذب هنا وهناك، فسوف يكون عمله مرتبكاً، ولن يجيد شيئاً. وهذا هو سبب الضعف عند بعض دعاة الإسلام؛ لأنه ما وجد الطريقة التي يصل إلى الناس بها، يكون خطيباً فيجعل نفسه مفتياً، ويكون مفتياً فيجعل نفسه خطيباً، ويستطيع أن يكون داعية أفراد، فيجعل نفسه داعية عامة، ويستطيع أن يكون صحفياً بارزاً، ويكتب الصحف بقلم سيال جذاب، لكنه يقول: الكتابة في الصحف حرام، ويترك أهل الضلالة يرتعون، ويعبرون عن آرائهم الوقحة بكل بجاحة، ويفرخون بالصحف، يستطيع أن يكون داعيةً في وسائل الإعلام، وينزوي في بيته؛ لأنه ما عرف أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم دعوة التخصص.

أهمية الدعوة على علم وأهمية التخصص

أهمية الدعوة على علم وأهمية التخصص أيها الإخوة، إن خلاصة هذه المحاضرة يمكن أن نلخصها في ثلاثة أمور: أولها: لا دعوة إلا بعلم، ومن زعم أنه يدعو الناس بلا علم، أفسد أكثر مما أصلح. ثانيها: أن من توقف عن الدعوة لكي يكون حبراً من الأحبار في العلم فقد أخطأ، بل يدعو بما عنده من العلم، ولا يزيد على ما عنده من العلم، بل هو في الآية عالم فيها، جاهل في غيرها، فيدعو بهذه الآية كما قال صلى الله عليه وسلم: {بلغوا عني ولو آية}. ثالثها: أننا نؤمن بالتخصص، ونصنف الناس على حسب تخصصاتهم، فحق على القائمين على الدعوة والجامعات، من أساتذة وعمداء ومدراء الجامعات، أن يصنفوا نتاجهم للناس من باحث خبير، ومن كاتب صحفي، ومتكلم على المنبر، ومن مفت للناس لتنهض الأمة الإسلامية ثم أعود فأقول: "إن العلم أيها الأبرار أفضل من أي نافلة أخرى"، وقد هون بعض الناس من فضل العلم الشرعي، وقالوا: لمن يقرأ الكتاب في البيت زاد نسخة في البلد، فأماتوا العلم بهذا. لا والله ما زاد نسخة في البلد؛ بل والله زاد عالماً جليلاً، وحبراً مفيداً نافعاً، وأما الذين يهونون من جانب العلم فهم عجزوا عن طلب العلم فهونوا من شأنه. ثم أنبه أيها الإخوة، إلى أنه وجد في الساحة وفي الصحوة أناس يعيشون على الفكر، ويصبحون على الفكر، أصبحنا وأصبح الفكر لله، وأمسينا وأمسى الفكر لله، فكر وإنشاء، وهذا الفكر كالبالونات، التي تأتي من تايوان، فتنفجر بالجو، ليس فيها طعام ولا شراب ولا غذاء: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18] وأمة تعيش على الفكر ليست بأمة، ونحن أمة علم {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] والعلم طلبه فريضة، فعلينا أن نعود إلى العلم الشرعي. إن الأخبار والوقائع التي تقع في حوادث الناس تسمى كما سماه ابن تيمية الماجريات؛ هذه الأخبار ليست بعلم، والذي يأخذ أخبار الناس يقرؤها ليس عالماً، هو مثقف، يعرف أخبار الناس، فندعو أنفسنا وإياكم إلى العلم الشرعي، وأن ندعو الناس على بصيرة، وأن نجدد مسيرة الأمة. كان عبد الحميد بن باديس داعية الجزائر وعالمها يعلم الناس، يريد أن يثور على الفرنسيين؛ فرأى الناس جهلة، قال: "لن ننتصر على فرنسا ما دمنا جهلة، إننا لن ننتصر على العدو إلا بالعلم والإيمان"، فأسس الحلقات، ووزع الدعاة، وأقام الندوات، وتعلم الناس؛ فدكوا فرنسا الطاغية، فأمة بلا علم أمة جهل وضلالة وخرافة. أسال الله لي ولكم التوفيق، وإن نقص شيء فإنها علالة مغترب، وقيد في جيد، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق. فإن تجد عيباً فسد الخللا فجل من لا عيب فيه وعلا من ذا الذي سوى الرسول كامل أو جمعت لغيره الفضائل صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم التسرع في الفتوى بغير علم

حكم التسرع في الفتوى بغير علم Q سمعنا من فضيلتكم أن الفتوى خطيرة وكيف أن عمر بن الخطاب إذا سئل عن مسألة جمع لها أهل بدر؟ وفي زماننا هذا نرى أن أكثر من يدعون العلم يتسرعون في الفتوى وبقولهم: هذا حلال وهذا حرام دونما تمهل، فنرجو أن توضح لنا طريقاً سليماً نسلكه في فتوانا؟ A يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116]. والناس في الفتيا علىجانبين ووسط؛ فأناس يتطرفون في جانب الفتيا حيث يفتون في كل شيء وفيما لا يعرفون، ليس عندهم سؤال صعب. وطرف آخر بلغ به الورع البارد إلى أن يقول: الله ورسوله أعلم حتى في البديهيات، كم يتمضمض المسلم؟ قال: الله أعلم. كم أركان الإسلام؟ قال: الله أعلم! أين يستقبل المصلي؟ قال: الله أعلم! فهذا ورعع بارد أضر بالإسلام. والحكمة التوسط، من أجاد مسألة، وعرف دليلها؛ فليفتِ على بركة الله: {دعها فإن معها سقاءها وحذاءها ترد الماء، وترعى الشجر، حتى يلقاها ربها} والذي لا يعرف يقول: لا أدري، قالوا لـ علي بن أبي طالب وسألوه سؤالاً، قال: [["لا أدري" ما أبردها على قلبي، سئلت عما لا أدري فقلت: لا أدري]]. وسئل ابن عمر في ثمان مسائل، وقال: [[لا أدري، قال أعرابي: أذهب إلى الناس، وأقول: إن ابن عمر لا يدري؟! قال: اذهب إلى من عرفت وقل: إن ابن عمر لا يحسن شيئاً]] والإمام مالك عرضت عليه أربعون مسألة، فأجاب في ثمان، وقال في اثنتين وثلاثين مسألة: لا أدري. وقال الشعبي: [[لا أدري نصف العلم]] ومن لا يستخدم كلمة: لا أدري؛ فقد أصيبت مقاتله، وإذا أراد الإنسان أن يفتي؛ فليتذكر الله عز وجل والعرض بين يديه، وليعرف أنه سوف يحلل الفروج أو يحرمها، والدماء أو الأموال، ولذلك قال ابن القيم: "المفتون هم الموقعون عن رب العالمين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى". وللفتيا آداب منها: أن يستحضر عظمة الله ثم يخلص له، ومنها: أن يستغفر كثيراً، ومنها: أن يسأل العون من الله، ومنها: أن يتلبث مع السائل ويراجع المسألة، ومنها: إذا كان في المسائل أقوال ألا يوردها، لكنه يرجح ويحقق لأن إيراد الأقوال على الناس لا ينفع، مثلاً جاء عامي يسأل عن مسألة فيقال له: قال مالك، لكن أبو حنيفة قال كذا، أما الشافعي فرأى كذا، ولكن أحمد رأى كذا وكذا، وابن حزم يخالف، هذه حيص بيص، ويخرج كما دخل: تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد قال ابن تيمية: "من عرض الأقوال للناس بدون ترجيح، فهو كالمتشبع بما لم يعط"، فهو يظهر أن عنده حفظاً أقوى، لكنه ما رجح، لا في دليل ولا في سير، والتحقيق العلمي ذكر الآيات إن كان هناك آيات، أو الحديث صحة وضعفاً، والحديث إن كان منسوخاً أو ناسخاً، ثم أقوال العلماء، ثم الترجيح في آخر المسألة.

الطريق الصحيح لمقاومة الشهوة

الطريق الصحيح لمقاومة الشهوة Q أنا شاب مبتلى بالجنس أو الشهوة؛ فلا أقدر على رد الشهوة، فما هو الطريق الصحيح في رأيكم لكبح جماح الشهوة؟ A أمامك طريقان: الطريقة الأولى: الزواج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج} فعليك أن تجتهد حتى تحصل على زوجة وتغض بصرك وتحصن فرجك، نسأل الله أن يحصن فرجك وبصرك. الطريقة الثانية: إذا لم تستطع هذا، وحالت دونك عوائق، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} فعليك بالصيام وذكر الله عز وجل، وقد سئل ابن تيمية عن سؤال يشبه هذا، فقال: "عليك بالمرهم" والمرهم هو الدعاء، أن تقول: {يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب والأبصار صرف قلبي على طاعتك} ثم إني أنصحك بمجانبة وسائل الفساد، التي تثير الشهوة مثل: المجلة الخليعة، أو الأغنية الماجنة، أو مجالسة الفسقة والمتفحشين والمسرفين على أنفسهم، وأنصحك أن تجالس المتقين الأخيار أهل العلم والتقوى والخير، وأن تلتزم المصحف والذكر والصيام. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

ثلاثون علامة للمنافقين

ثلاثون علامة للمنافقين النفاق داء خطير خاف منه الصالحون والمخلصون، وأما الكاذبون في إيمانهم فقد فضحهم الله وكشف سرائرهم ومكائدهم، ولهم علامات ذكرت في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومنها: الكذب، والغدر، والفجور، وخلف الوعد، والكسل في العبادات، والرياء، وقلة الذكر، وقلة الصلاة، ولمز المطوعين، والاستهزاء والسخرية، والإنفاق كرهاً، والتخذيل، والإرجاف، والاعتراض على أقدار الله، والوقوع في أعراض الصالحين، والتخلف عن صلاة الجماعة، والإفساد في الأرض، ومخالفة الظاهر للباطن، والتخوف من الحوادث.

النفاق وخطره

النفاق وخطره الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً, وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً, وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, بلغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين. فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. إخوتي في الله سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ومع أول مستهل هذا الدرس بمدينة الخميس أحيي وأشكر فضيلة الشيخ أحمد الحواش إمام هذا الجامع، على استضافته لهذه الدروس. وعنوان هذا الدرس: "ثلاثون علامة للمنافقين" نعوذ بالله من النفاق, ونسأل الله عز وجل أن يشافينا منه، وأن يبرأ قلوبنا من هذا المرض الخطير. ثلاثون علامة للمنافقين في كتاب الله عز وجل, وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وأنا أسردها سرداً، ثم أعود أفصلها بالأدلة، والله المستعان والموفق. والمقصود من هذا: أن يتنبه المؤمن من النفاق, وأن يخشاه، ففي صحيح البخاري في كتاب الإيمان تعليق من كلام الحسن البصري [[ما خافه إلا مؤمن وما أمنه إلا منافق]] أي: ما خاف النفاق إلا مؤمن, فالمؤمن دائماً يخاف النفاق, وأما من يأمن النفاق فهو المنافق. قال عمر لـ حذيفة في الصحيح: [[أسألك بالله يا حذيفة! أسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ قال: لا. ولا أزكي أحداً بعدك]]. والنفاق هذا إذا لم يتنبه له المسلم وقع فيه وقعة ما بعدها وقعة، تودي به إلى نار تلظى.

أقسام النفاق

أقسام النفاق النفاق قسمان عند أهل السنة:

النفاق الإعتقادي

النفاق الإعتقادي أولاً: نفاق يخرج من الملة, وصاحبه في الدرك الأسفل من النار, وهو الذي يكذب في الباطن برسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو أظهرها في الظاهر، أو يكذب بالكتب، أو بالملائكة، أو بأي أصل من أصول أهل السنة , ودليل ذلك قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:8 - 10].

نفاق العمل

نفاق العمل ثانياً: نفاق لا يخرج من الملة، وقد دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين {آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا أؤتمن خان}.

علامات المنافقين

علامات المنافقين وأسرد لكم علامات المنافقين الثلاثين: 1/ الكذب. 2/ الغدر. 3/ الفجور. 4/ الخلف في الوعد. 5/ الكسل في العبادة. 6/ المراءاة. 7/ قلة ذكر لله عز وجل 8/ نقر الصلاة. 9/ لمز المطوعين من المؤمنين والصالحين. 10/ الاستهزاء. 11/ الحلف مداجاة (مطاولة ومداراة). 12/ الإنفاق كرهاً. 13/ التخذيل. 14/ الإرجاف. 15/ الاعتراض على القدر. 16/ الوقوع في أعراض الصالحين. 17/ التخلف عن صلاة الجماعة. 18/ الإفساد في الأرض بزعم الإصلاح. 19/ مخالفة الظاهر للباطن. 20/ التخوف من الحوادث. 21/ الاعتذار كذباً. 22/ يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف. 23/ يقبضون أيديهم بخلاً وشحاً. 24/ نسيان الله عز وجل. 25/ التكذيب بوعد الله، وبوعد رسوله صلى الله عليه وسلم. 26/ الاهتمام بالظاهر وإهمال الباطن. 27/ التفاصح والتملق والتشدق. 28/ عدم الفقه في الدين. 29/ الاستخفاء من الناس ومبارزة الله بالذنوب والخطايا. 30/ الفرح بمصيبة المؤمنين والتضايق من مسراتهم. شكى الصالحون من النفاق, وبكوا منه, وخافوا على أنفسهم, وتبرءوا إلى الله منه، وسألوا الله أن يشافيهم من النفاق, والنفاق كثير، خاصة مع هذا العصر، وكثرة الفتن والمفاسد, وما طمت به المادة الغربية الملحدة المتزندقة, من ثقافات وسموم وانحرافات. وقد ذكر الله المنافقين في أكثر من سورة, بل خصص لهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى سورة كاملة، هي: سورة التوبة، تسمى: الفاضحة لأنها فضحتهم, ذكر فيها خمس مرات: ومنهم ومنهم ومنهم! وخصهم الله بسورة المنافقين, فابتدأها سُبحَانَهُ وَتَعَالى بقوله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1]. أحدهم أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله! لن أخرج معك في غزوة تبوك؛ لأني رجل إذا رأيت بنات بني الأصفر لا أصبر عن النساء, فعذره عليه الصلاة والسلام, فأنزل الله قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:49]. جاء ابن جميل فقال: يا رسول الله! أنا فقير؛ فادعُ الله أن يغنيني من خزائنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى, فوالله يا رسول الله! لئن أغناني الله لأتصدقن ولأعطين ولأبذلن, فدعا له, فلما أتت عليه الزكاة كفر بها، ورفضها، ومنع وبخل وقبض يده, فأنزل الله قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [التوبة:75 - 76]. قال عبد الله بن أبي -وقد تضارب مهاجري وأنصاري-: والله لئن رجعنا إلى المدينة من تبوك ليخرجن الأعز منها الأذل, فأنزل الله على رسوله الآيات، وكذبه، وجعل الدائرة عليه، ومات منافقاً رعديداً زنديقاً.

الكذب

الكذب أيها المسلمون! أول علامة من علامات النفاق: الكذب, قال ابن تيمية: الكذب ركن من أركان الكفر. وذكر -رحمه الله- أن الله إذا ذكر النفاق في القرآن ذكر معه الكذب, وإذا ذكر الكذب ذكر النفاق, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:9 - 10] وقال سبحانه -كما أسلفت- في سورة التوبة: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة:107] فذكر الله الكذب, وإذا ذكر النفاق ذكر قلة الذكر, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في آخر سورة المنافقين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون:9] فنفى الله عن المؤمنين النفاق بذكرهم, ووصف الله نفاق المنافقين بقلة ذكرهم. والكذب, يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {آية المنافق ثلاث، وذكر منها: وإذا حدث كذب} فمن كذب مازحاً أو جاداً، أو كذب لأمر، أو لحيلة، ففيه شعبة من النفاق, وما كذب إلا لنفاق في قلبه والله المستعان! وهو علامة صارخة تشهد على صاحبه بالنفاق. وكذلك من كذب مازحاً، فإن بعض الناس يتساهل في ذلك, وعند أحمد في المسند بسند جيد: {ويل له, ويل له, ويل له, من كذب الكذبة ليضحك القوم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. والكذَّاب ملعون، سواء كان جاداً أو مازحاً، فليتنبه لهذه الخصلة الذميمة، فإن مبنى النفاق وركن النفاق الأعظم وقطبه ودائرته وبركانه وعموده هو الكذب, وما نافق المنافقون إلا بكذب في قلوبهم، وهو يبدأ كالقطرة في القلب، ثم يتعمق ويتطور حتى يصبح فسطاطاً عظيماً, ويصبح حصناً من حصون النفاق والعياذ بالله, فأحذركم ونفسي من الكذب, إياكم والكذب فإن الكذب مدد للنفاق, والله وصف المنافقين بالكذب، فقد كذبوا في أقوالهم وأعمالهم وأحوالهم.

الغدر

الغدر العلامة الثانية: الغدر, والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: {وإذا عاهد غدر} من أعطى المسلمين بيمينه أو عاهده أو ولي الأمر أو مسلماً أو كافراً في حرب في معاهدة ثم غدر؛ فقد أشهد على نفسه بالنفاق, ولذلك ثبت في حديث بريدة يوم قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم يوم ولى الأمير وقال: {وإذا سألك أهل حصن أن تنزلهم في ذمة الله، فأنزلهم في ذمتك أو ذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم أهون -أو أسهل- من أن تخفروا ذمة الله}. فمن أعطى عهده رجلاً أو امرأته أو ولده أو صاحبه أو صديقه أو ولي أمر ثم خانه وغدره بلا سند إسلامي، فهذا علامة وركن من أركان النفاق والعياذ بالله.

الفجور

الفجور العلامة الثالثة: الفجور في الخصومات؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين {وإذا خاصم فجر}. قال أهل العلم: "من خاصم مسلماً -لأن مخاصمة الكفار لها باب آخر يفصلونه عن مخاصمة المسلمين- ثم فجر في خصومته، فقد أشهد الله على ما في قلبه أنه فاجر منافق". وأما الكافر فهناك حديث: {الحرب خدعة} وقد عمل به علي رضي الله عنه مع الكفار, وله تفصيل آخر إذا خان الكفار, فغدرهم أو اللعب بهم والاحتيال عليهم وارد لا غدراً ولا فجوراً, وإنما من باب الحيلة، ولها بحث.

خلف الوعد

خلف الوعد الأمر الرابع: الخلف بالوعد فمن وعد ثم أخلف وعده فقد ورث شعبة من شعب النفاق, يذكر عنه صلى الله عليه وسلم في السير بأسانيد تقبل التحسين, أنه وعد رجلاً عليه الصلاة والسلام أن يلاقيه, فأتى عليه الصلاة والسلام للموعد فأخلف ذاك الرجل, فبقي صلى الله عليه وسلم في المكان ثلاثة أيام بلياليها, فتذكر الرجل فجاء, فقال له صلى الله عليه وسلم: {لقد شققت عليّ} فمن أخلف في ميعاده ولم ينضبط ففيه علامة من النفاق, من وعدك في ساعة أو في يوم أو في مكان, ثم أخلف ميعادك بلا عذر، فاعلم أن فيه شعبة من النفاق, فاغسل يديك منه. كان أحد الصالحين إذا وعد أخاه، قال: إن شاء الله ليس بيني وبينك موعد, إن استطعت حضرت وإن لم أستطع فالعذر, لئلا تكتب عليه شعبة من شعب النفاق والعياذ بالله, وهذا النفاق العملي الذي يأتي كثيراً، وذلك لقلة الإيمان في بعض المسلمين، أصبحوا يخلفون الميعاد، ويكذبون، ويفجرون، ويغدرون, فإذا سافر المسافر إلى دول الكفر ورأى انضباطهم -في النفع من أجل المادة- وانضباط مواعيدهم, قال: عجيب! وجدت هناك الإخلاص والصدق والأمانة, وأتى يمدح في أعداء الله، وأذناب كل ملحد رعديد، ويسب المسلمين, فنقول له: وجدت هناك قوماً يتعاملون بالدرهم والدينار، ويعبدون المنفعة، فانضبطوا, ووجدت هنا قوماً ليس عندهم إيمان، فخالفوا شرع الله، فقبحوا صورة هذا الدين في عيون المسلمين. والعجيب أن هناك كتاباً في الساحة مذكرات للرئيس الأمريكي " ريجن " الهالك المتزحلق من الرئاسة, يذكرون عنه أن مواعيده كانت بالدقيقة بل بالثواني, وكان يدخل البيت الأبيض -وهذا من باب: الحكمة ضالة المؤمن- في الساعة الثانية والثامنة والخمسين دقيقة، فيتكلم مع نائبه دقيقتين ثم يجلس على مكتبه, فينقل بعض المعلقين الصحفيين، فيقول: هذا هو الانضباط, والصدق والإخلاص, وأي صدق عند ذلك الفاجر؟ وأي إخلاص عن رجل باع ذمته وعهده ووقته وأيامه؟ بل هو عدو لله، ولكنه نفعي، يعبد كرسيه وهو بعيد عن الله.

الكسل في العبادة

الكسل في العبادة العلامة الخامسة: الكسل في العبادة, قال سبحانه: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] إذا رأيت الإنسان يتكاسل عن الصلاة، وعن الصف الأول، وعن الذكر، وعن الدعوة، والعلم، وعن مجالس الخير, فاعلم أن في نفسه وسوسة وأن الشيطان يريد أن يفرخ ويبيض في قلبه, فليتنبه لذلك, ليس المعنى أن من صلّى فهو بريء من النفاق, والمنافقون كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم, لكن علامة صلاتهم كسالى: يقومون بكسل وببطء وببرود لا يعرفون القوة, ولا الحياة, والله يقول: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12] أما هؤلاء فيجر أحدهم أقدامه، فكأنما يجر بالسلاسل إلى المسجد, فيقف في طرف الصف أو في آخر المسجد, لا يدري ماذا قرأ الإمام, لا يتدبر ولا يعي. فقل للعيون الرمد للشمس أعين تراها بحق في مغيب ومطلع وسامح عيوناً أطفأ الله نورها بأبصارها لا تستفيق ولا تعي وقد ورد في صحيح مسلم من حديث الأسود بن يزيد العراقي العابد {قال: قلت لـ عائشة: متى كان صلى الله عليه وسلم يستيقظ لصلاة الليل؟ -أي: قيام الليل- قالت عائشة: كان يستيقظ إذا سمع الصارخ} -الصارخ: هو الديك- وقالت عائشة: {وكان صلى الله عليه وسلم يثب وثباً} -ما قالت يقوم قياماً- إنما يثب وثباً, وهذا يدل على الشجاعة, والحيوية, وحرارة الإيمان, وعلى قوة الإرادة, يأتي إلى العبادة بطاعة, ولذلك تجد الصالح ينظر دائماً في عقارب ساعته, متى يؤذن؟ هل حان وقت الصلاة؟ هل أقبل الوقت؟ ثم يقوم مبادراً. قال الإمام أحمد في كتاب الزهد في ترجمة عدي بن حاتم: [[والله ما قربت الصلاة إلا كنت لها بالأشواق]] , وقالوا عن سعيد بن المسيب عن سيرته: [[ما أذن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام]]. وهذا هو الإيمان والله! وإذا رأيت الرجل في الروضة، وفي الصف الأول, فاشهد له بالإيمان. وعند الترمذي بسند فيه مقال، فيه دراج أبي السمح عن أبي الهيثم وفيه ضعف, قال صلى الله عليه وسلم: {من رأيتموه يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان} لكن معناه صحيح عند أهل العلم, فإن من أتى المسجد وداوم على ذلك, برئ -إن شاء الله- من النفاق الاعتقادي, وعليه أن يبرأ نفسه من النفاق العملي. فالكسل يا إخوتي في الله! علامة من علامات النفاق، وتظهر في العلامات الثلاث, في العبادة، في الصيام، في الذكر، في الإقبال للدروس وإلى العلم النافع، إلى الدعوة, فليتنبه العبد, وليحذر على نفسه من الكسل, فإنه والله داء خطير وصف الله به المنافقين والعياذ بالله.

الرياء والسمعة

الرياء والسمعة العلامة السادسة: المراءاة في العبادة، قال تعالى: ((يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال: {من راءى راءى الله به، ومن سمّع سمّع الله به}. كيف الرياء؟ يخشع أمام الناس، وينقر صلاته في الخلوة, إذا جلس مع الناس، عليه زهد وعبادة, ويتأدب في مجلسه, وفي كلامه ومنطقه, فإذا خلا بمحارم الله انتهكها, وعند ابن ماجة من حديث أبي هريرة بسند يقبل التحسين، قال عليه الصلاة والسلام: {ليأتين أقوام يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة , يجعلها الله هباءاً منثوراً, قال الصحابة: يا رسول الله! أليسوا بمسلمين؟ قال: بلى، يصلون كما تصلون, ويصومون كما تصومون, ولهم أموال يتصدقون بها وكان لهم حظ من الليل, لكنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها}. فعلامة المنافق الرياء, يعمل لأجل الناس، ويتكلم لأجل الناس, ونحن نسأل الله أن يطهرنا من الرياء والسمعة, فإنها أخطر الأمراض, وإذا وقعت على العبد أفسدت عمله. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: {أن الله يقول يوم القيامة: أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من أشرك معي في عمل تركته وشركه} فلا يقبل الله من عمل المرائي قليلاً ولا كثيراً, وعند أحمد في المسند قوله صلى الله عليه وسلم: {الرياء شرك} وقد بكى الصالحون من تخوفهم من الرياء، وشكوا إلى مولاهم، وسألوا الله أن يبرأهم من الرياء, فقد يدخل النفقة رياء، والصلاة رياء، والذكر والصيام ولا مفر لنا من الرياء إلا بثلاثة أمور: 1/ أن تعلم أنه لا ينفع ولا يضر إلا الله, ولا يعافي ولا يشافي، ولا يحيى ولا يميت، ولا يبسط ولا يجزي، ولا يعاقب إلا الله. 2/ أن تعرف قدر المخلوق، وأنه ضعيف هزيل، لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا أجراً ولا عقوبة, فعليك أن تهدأ. 3/ أن تدعو بالدعاء الحسن الذي قاله عليه الصلاة والسلام معلماً أصحابه أن يقول أحدهم: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاًَ وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم}. قال الحسن البصري: [[اللهم إني أعوذ بك من الرياء والسمعة]] وفي لفظ عنه في الترجمة أنه قال: [اللهم اغفر ريائي وسمعتي]]. فالله الله!! أما السمعة فهو طلب الصيت والعمل من أجل الشهرة, وهؤلاء يفضحهم الله على رءوس الأشهاد, نسأل الله أن يشافينا من الرياء والسمعة.

قلة الذكر

قلة الذكر العلامة السابعة: قلة الذكر. سبحان الله! يذكرون الله لكن قليلاً, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] ولم يقل: لا يذكرون الله, يذكرون الله لكن قليلاً, ربما المنافق يذكر الله، ويسبح قليلاً, لكن لسانه ميت، وليس عنده نشاط على الذكر, وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في حديث أبي الدرداء {تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى تدنو من الغروب -وفي لفظ: حتى تَصْفَر - ثم يقوم فينقر أربع ركعات لا يذكر الله فيها إلا قليلاً} سبحان الله! يصلي ويذكر الله قليلاً ومنافق. أما علامة الإيمان فكثرة الذكر, قال ابن القيم في كتاب " الوابل الصيب ": لو لم يكن من فوائد الذكر إلا أنه ينفي عن صاحبه النفاق لكفى به فائدة، قيل لـ علي: الخوارج منافقون؟ الخوارج الذين قتلهم رضي الله عنه وأرضاه، قال: [[لا. هؤلاء يذكرون الله كثيراً, والمنافق يذكر الله إلا قليلاً]] وقال سبحانه: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] وقال سبحانه: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وقال تعالى: {يَذْكُرُونَ الذينَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران:191] وقال سبحانه: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:41]. قيل لـ ابن الصلاح المحدث الشافعي: كيف يذكر الله كثيراً؟ قال: من حافظ على الأذكار المأثورة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر الله كثيراً، من حافظ على أذكار أدبار الصلوات وفي الصباح والمساء, ومع الطعام والشراب, ومع النوم والاستيقاظ, ومع رؤية البرق وسماع الرعد ونزول الغيث, ومع دخول المسجد والخروج منه وأمثالها, فقد ذكر الله كثيراً. ونسب إلى ابن عباس أنه قال: [[من ذكر الله في الحل والترحال، والإقامة والظعن، والصحة والمرض، فقد ذكر الله كثيراً]]. وذكر عن بعضهم أنهم قالوا: ذكر الله كثيراً ألا يزال لسانك رطباً من ذكر الله، وعند الترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن بسر قال: {يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ, فأخبرني بشيء أتشبث به؟ قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} وعند مسلم في الصحيح, قال عليه الصلاة والسلام: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر, أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس} وفي لفظ {أو غربت} وعند مسلم عن أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم: {سيروا هذا جمدان، سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات}. فيا إخوتي في الله أوصيكم بالذكر، قليل الذكر يخشى عليه من النفاق, علقوا قلوبكم بالتسبيح، والتهليل، وقراءة القرآن، والاستغفار، والتوبة، والصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم. ومن أحسن كتب الذكر والأذكار ثلاثة: الأذكار للنووي والوابل الصيب لـ ابن القيم والكلم الطيب لـ ابن تيمية.

نقر الصلاة

نقر الصلاة وأما المسألة الثامنة من علامات المنافقين: فنقر الصلاة تلك صلاة المنافق، وقد ثبت في الحديث الصحيح: {ينقر أربع ركعات} أي: ومعنى نقر الصلاة: أي السرعة في الصلاة، وعدم الخشوع فيها، والتؤدة، وعدم التريث، وقلة الذكر في الصلاة، وشرود القلب، وعدم استحضار عظمة الله عز وجل وهيبته ومقامه كل هذا من علامات المنافقين. يقول ابن القيم في المدارج: يصلي المصلي بجانب أخيه في صف واحد، ووراء إمام واحد، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، لأن هذا في قلبه إخلاص وحب وأشواق ومراقبة وخشية, وفي قلب هذا شرود وبعد وموت والعياذ بالله. فالله الله بالانتباه في الخشوع في الصلاة, {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2] وأدلكم على رسالة الخشوع في الصلاة لـ ابن رجب , فهي أحسن ما كتب في الصلاة.

لمز المطوعين

لمز المطوعين ومن علامات النفاق، وهي التاسعة: لمز المطوعين من المؤمنين والصالحين, اللمز: نيل الأعراض منهم، وسل الألسنة عليهم, والمطوعين يدخل فيهم: المتصدقين طاعة, والباذلين أنفسهم في سبيل الله, تجد المنافق في كل مجلس لا هم له إلا الصالحين, المطاوعة المتزمتين المتطرفين!! لا يتكلم في اليهود، ولا في النصارى، ولا في الشيوعيين، ولا في الزنادقة, إنما همه صباح مساء, الصالحين من أولياء الله يتكلم فيهم وينالهم في المجالس ويجتهد بهم, مثل بعض الكتبة العصريين في كتاب له يقول: سألني رجل في الإمارات كث اللحية عن الكولونية!! -هو داعية في الظاهر نسأل الله أن يغفر لنا وله- مقصوده اللحية يحاربها والثياب, لا أدري كيف يفهم السنة إلا أن تكون سنة عوجاء؟ قال: وفي الجزائر سألني سائل كث اللحية عن مسألة تقصير الثياب؟ وسألني ساءل آخر كث اللحية عن مسألة الحجاب؟ فنقول له: ما علاقة السؤال وكث اللحية والحجاب؟ إلا الهمز واللمز. فيا إخوتي فلينتبه المؤمن، فإن علامة المنافق أن ينال من الصالحين، يتتبع آثارهم، ويستهزئ بهم، مثل: العلماء، والدعاة، وطلبة العلم والعباد والمستقيمين, ولذلك يقول الأول -وقد تكرر هذا كثيراً- وذكره ابن القيم في كتاب شفاء العليل , قال لما ذكر المبتدعة وهم يهاجمون أهل السنة , قال: نحن وإياهم كما قال الأول: ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان عليّ ما ألقاه لكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني وقال العربي لأخيه، يعني ليكون أخوه واضحاً, قال: فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطّرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصفت بها يميني إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني من يسبب في إرباك الصالحين والنيل منهم ومن سننهم, فهو علامة النفاق والعياذ بالله.

الاستهزاء والسخرية

الاستهزاء والسخرية ومن علاماتهم: الاستهزاء بالقرآن والسنة والرسول صلى الله عليه وسلم, سمعت عن فاجر حداثي في هذا العصر, من طريق أحد الثقات, بأن هذا الفاجر انسلخ -نعوذ بالله من الانسلاخ- لا يصلي ولا يصوم ولا يزكي, ولا يكفي هذا! بل تقحم على السنة، واستهزأ برسول الله عليه الصلاة والسلام, وإن كانت صحت عنه هذه القصة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً ولا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم. جلس مع شباب من أمثاله, فاستغواهم وحرفهم عن طريق الجنة, أخذهم إلى طريق النار, قال: تريدون أن أحدثكم من أحاديث أبي هريرة؟ قالوا: حدثنا من أحاديث أبي هريرة. قال: حدثتني عمتي قالت: حدثتها خالتها، أن جدتها سمعت قائلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه وهم حوله: أتدرون ما البيبسي؟ -البيبسي هذا المشروب وهو لم يكن في عهد الرسول, ولكن استهزاءً- قالوا: لا ندري! قال: قوموا عني ما تدرون ما البيبسي؟!! فهذا يكفي في تكفيره, وقد كفر بهذه الكلمة, وأصبح دمه هدراً, وحده السيف, ولا يصلى عليه, ولا يكفن، ولا يدفن في مقابر المسلمين, بل هو كافر قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] وقد أنزلها الله في قوم من المنافقين صلوا وصاموا وجاهدوا معه صلى الله عليه وسلم, ولكن قال أحدهم: ما وجدنا كقرائنا هؤلاء -أي: الصحابة- أرغب بطوناً، وأجبن عند اللقاء! فأنزل الله كفرهم في هذه الآية، ومقتهم وفضحهم على رءوس الأشهاد, فلا إله إلا الله كم من قصر مشيد للإسلام هدموه! وكم من حصن أوقعوه! وكم من بيت أخربوه! وكم من دار وكم من بلد دمروه! وجزاؤهم نار جهنم وساءت مصيراً. الاستهزاء: يكون بالاستهزاء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم, كالاستهزاء بالثياب, والسواك، واللحية, والجلوس, والهيئات, والأحاديث ونحوها. حكم المستهزئ المتعمد: أنه كافر.

الحلف مداجاة (مطاولة ومداراة)

الحلف مداجاة (مطاولة ومداراة) ومن علاماتهم: الحلف مداجاة مطاولة ومداراة, يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة:16] أي: وقاية لهم. إذا سألته حلف, وأسهل شيء عليه اليمين وهو كاذب, دائماً يحلف والله لأفعل! والله قد فعلت! والله ما أردت! يغتاب رجلاً؛ فإذا سمع المغتاب أو الذي قيلت فيه الغيبة أتى, وقال: والله ما قلت فيك شيئاً, والله إنك أحب الناس إليّ! والله إنك صاحبي! وقد كذب {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة:16]. فمن علامة المنافق: أنه أكثر الناس يميناً كاذباً {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم:10] , والحلَّاف: كثير الحلف بصيغة مبالغة على وزن فعّال, أي: يحلف باستمرار. قال الشافعي: (ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً لله درّك ما أتقاك ورع, يعني: توقيراً لعظمة الواحد الأحد, فجزاه الله خيراً على ورعه. ومما يذكر في هذا الجانب على باب الاستطراد في باب الورع: أن البخاري قال: ما اغتبت مسلماً منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها, وفي لفظ عنه في أنه قال: ما اغتبت مسلماً منذ بلغت الحلم. قالوا: ونقد الرجال؟ تقول: فلان وضاع, فلان كذاب, وفلان سيئ الحفظ؟ قال: ليس هذا من هذا, هذا من باب الذب عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أما سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: {ائذنوا له بئس أخو العشيرة}.

الإنفاق كرها

الإنفاق كرهاً ومن علامة المنافقين، وهي الثانية عشرة: الإنفاق كرهاً, ينفق ويتصدق ويتورع، وقد يبني المساجد، وقد يعطي, ولكن إما رياءً وإما سمعة، وينفق وهو كاره للنفقة, ينفق لأمور في نفسه، الله أعلم بها, إما للشهرة, وإما ليداجي بعض الناس, وإما يتوجه ويراعي بعض القوم، فينفق كرهاً وهو لا يريد النفقة, والمسلم إذا أنفق انشرح صدره وارتاح, وحمد الله تعالى أن سهل له مشروعاً في الخير أو فقيراً أو مسكيناً فحمد الله على هذه المكاسب, هذه علامة المؤمن. فيا إخوتي في الله ليتفقد الإنسان نفقته ورياله ودرهمه أين ينفقه؟ إن رأى رياءً، أو كره في نفسه، فليمسك درهمه عليه, لئلا يضيع ماله وينفقه ثم يكون عليه حسرة، ويندم يوم العرض الأكبر.

التخذيل

التخذيل الثالث عشر: التخذيل, فمن علامة المنافقين أنهم يخذلون في صفوف المسلمين, فالمنافق دائماً متشائم, يقول: الكفار أقوى من المسلمين, عندهم من المعدات والقوات ما الله به عليم, يقول: هل يستطيع المسلمون أن يقاتلوا أمريكا؟ أمريكا صاحبة أسلحة نووية, وقنابل ذرية, ونحن المسلمون في هلاك ودمار وضعف ومسكنة دائماً, ولذلك تجد المنافقين الذين قدموا من هناك وغُسلت أدمغتهم, وأصبحوا صوراً للكافر والمستعمر الأجنبي، وهم من أبنائنا, يصورون عظمة أمريكا دائماً, قواتها، صواريخها، طائراتها, ودائماً يذكر ضعفنا وقلتنا؛ لأنه ما اعتز بالله, {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] , وقال سبحانه: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126] وقال جل وعلا: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت:41] لكن لا يشعر، ما علم أن العزة من عند الله, فهو دائماً يخذل, تذكر له الجهاد الأفغاني، قال: لا. روسيا لن تترك المجاهدين، سوف تسحقهم سحقاً, عندها من القوات الكبيرة, يريد أن يخذل شباب الجهاد, قال: لا أرى أن تذهبوا، سمعنا بقتال عظيم, وأن المجاهدين يسحقون سحقاً, يذهبون إلى المحاضرات يخذل، قال: المحاضرات هذه ليس فيها فائدة, يقول أحدهم: تحضر عند هؤلاء المشايخ وطلبة العلم، لا يقولون إلا: اتقوا الله اتقوا الله دائماً, وهل أحسن من كلمة: (اتق الله)؟ وهل هناك أجمل وهل أنبل وأفضل منها؟ لا والله, فهو يخذل، يقول لزملائه: لا تحضروا الدروس، هذه أمور مكررة, عليك أن تبقى في بيتك، لا تضيع وقتك في أمور نعرفها في الكتب، وهذا من التخذيل، وهو علامة النفاق والعياذ بالله.

الإرجاف

الإرجاف الرابع عشر: الإرجاف, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} [الأحزاب:60] , وهم يدخلون في التخذيل, والإرجاف والتخذيل ربما بينهم أمور نسبية، لكن المرجف يضخم الحوادث, يقع أمر بسيط فيكبره, يسمع بمصيبة تقع على عالمٍ أو على مجاهد من المجاهدين فيكبرها. مثلاً: يقتل مجاهد من المجاهدين، قال: سمعنا أنه قتل ثلاثمائة من المجاهدين, يقع أمر بسيط، قال: وقع على العالم الفلاني من الوقائع ما الله به عليم. يخطئ عالم في مسألة فرعية أو جزئية، قال: الله يهدينا وإياه يخطئ دائماً، عنده من الأخطاء ما الله بها عليم, ما هذا العلم، ما كأنه يفقه شيئاً! يتكلم داعية فتزل لسانه فيضخمها ويصورها وينقلها في المجالس, أما سمعتم ماذا قال فلان؟ ولهذا الداعية من الحسنات ألوف الحسنات، ولكن لا ينشرها في الناس, قال الشعبي: ما رأيت كالمرجفين, والله لو أصبت تسعاً وتسعين لنسوها ولعدوا عليّ غلطة واحدة, أي: أنت تصيب مائة مرة, ولكن تخطئ مرة, نسوا مائة مرة وعدوا عليك المرة، وهو من الإرجاف, يزعزعون القلوب.

الاعتراض على القدر

الاعتراض على القدر ومن علاماتهم: الاعتراض على القدر, قال سبحانه في المنافقين: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:168] لو أطاعونا، أي: عندما خرجوا إلى أحد، قال لهم المنافقون: لا تخرجوا إلى أحد، لا تقاتلوا, اجلسوا معنا, فعصوهم وخرجوا، فقتلوا شهداء في سبيل الله, فيقولون -يتبجحون في المجالس-: أشرنا عليهم، قدمنا لهم النصيحة، أوصيناهم، ولكن خالفونا، ولو أطاعونا ما قتلوا, قال سبحانه: {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 168] والله أنتم كذبة، وسوف تموتون لكن كما تموت الحمير. لعمرك ما الرزية فقدُ مالٍ ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقدَ شهمٍ يموت بموته بشر كثير يقولون: من يموت في ممسى الدجاج مثل من يموت بالسيف في سبيل الله, هذا ميت وهذا ميت, لكن ذاك في سبيل الله، وهذا ميت من الميتين, ومن يموت في الخمارة ويغص بالخمر كمن يموت في سبيل الله في الظاهر, لكن ذاك في الجنة وهذا معرض للعذاب والعياذ بالله. فطعم الموت في أمرٍ حقير كطعم الموت في أمرٍ عظيم أو كما قال إذاً: فالاعتراض على القدر من علامات النفاق, والمؤمن يسلم بالقدر: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22] وقال سبحانه: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:49 - 50] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:155 - 156] والمنافق يعترض, يموت ابنه في الحادث فيقول: لماذا خرج بدون إذني؟! هذا السائق متهور! هو الذي صدمه! لو ترك الابن الخروج! ويلوم الناس؛ وهذا كفر بالقضاء والقدر, وهي علامة النفاق, لا. قل: آمنت بالله وسلمت. كل شيء بقضاء وقدر والليالي عبر أي عبر وفي صحيح مسلم عن سهيل مرفوعاً: {عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له, وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له, وليس ذلك إلا للمؤمن}. قال عمر: [[والله لا أبالي أمطية الفقر ركبت أو مطية الغنى]]. فسبحان الله! كيف أرضى الله أولياءه بالقضاء والقدر, وكيف أحرم المنافقين لذة الإيمان بالقضاء والقدر, ومع ذلك سوف يذوقونها مراً ثم يعرضون على الله وهم نادمون. يقول أبو تمام لأحد إخوانه يعزيه يقول: أتصبر للبلوى رجاءً وحسبة فتؤجر أم تسلو سلو البهائم يقول: إما أن تصبر وتحتسب وإلا والله لتسلون كما تسلو الدابة عن ولدها.

الوقوع في أعراض الصالحين

الوقوع في أعراض الصالحين ومن علامات المنافقين: الوقوع في أعراض الصالحين, والاستهزاء شيء ولكن الوقوع شيء آخر, الوقوع مثل الغيبة, قال تعالى: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} [الأحزاب:19] حداد هذه صفة لألسنة، وأشحة: حال له, وليست صفة ثانية لألسنة, لأن الألسنة لا توصف بأنها أشحة، لكن نفوسهم أشحة, حداداً: أي: كأنها سيوف، تجدهم إذا استدبروا الصالحين سلقوهم وحنطوهم وسحقوهم وقصفوهم وأخذوا أعراضهم، غيبة في المجالس, فالصالح فلان هدانا الله وإياه, حتى يذكر ابن تيمية أن من الدعاء ما يكون غيبة في صاحبه، يدعون في الظاهر, تقول: ما رأيك في فلان؟ قال: غفر الله لنا وله, وهو لا يريد غفر الله لنا وله, لكن هناك شيء مبطن الله أعلم به, ويقول: عافانا الله مما ابتلاه به, ويقول: هداه الله, حتى يقول ابن المبارك: من التسبيح ريبة, حتى ذكر عند السلاطين رجل, فقال: سيسأل أحد وزرائي عنه, فيقول: سبحان الله! أي: انتبه له, وفي الظاهر أنه سبح الله، وفي الباطن أنه لمزه وغمزه, وهذه مقاصد الله يعلمها يوم يبعث ما في القبور، ويحصل ما في الصدور. فالوقوع في أعراض الصالحين من علامات النفاق, بعض الناس لا يغتاب الفاجر، يسلم منه اليهود والنصارى، لكن المسلم لا يسلم منه. جاء رجل إلى الربيع بن خثيم وقيل غيره, فاغتاب أخاً له, فقال الربيع بن خثيم: أقاتلت الروم؟ قال: لا. قال: أقاتلت فارس؟ قال: لا. قال: فيسلم منك فارس والروم ولا يسلم منك المسلم؟! قم عني. واغتاب رجل في مجلس أحد العلماء فقال: اذكر القطنة إذا وضعوها على عينيك في سكرات الموت: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88 - 89].

التخلف عن صلاة الجماعة

التخلف عن صلاة الجماعة ومن علاماتهم: التخلف عن صلاة الجماعة، وهذا داء عضال، من أكبر الداء, وعند مسلم في الصحيح من حديث ابن مسعود: [[وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق]]. إذا رأيت البدين الصحيح، القوي الفارغ، الذي ليس له عذر شرعي، وسمع النداء، ولم يأت إلى المسجد؛ فاشهد عليه بالنفاق, قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {والذي نفسي بيده! لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون العشاء معنا -وفي لفظ: الصلاة- فأحرق عليهم بيوتهم بالنار -وعند أحمد: {لولا ما في البيوت من النساء والذرية، والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء معنا}. فمن علامة المنافق التخلف عن صلاة الجماعة، يصلي في بيته مع امرأته وابنته، ولا يحضر الجماعة، فاشهد عليه بالنفاق, لا تتوقف بالحكم عليه بالنفاق إذا تكرر منه هذا العمل بغير عذر، فإنه قد أشهد الله على نفسه أنه منافق والعياذ بالله.

الإفساد في الأرض

الإفساد في الأرض ومن علامات المنافقين أيضاً: الإفساد في الأرض بزعم الإصلاح: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:11 - 12] تجده يسعى بالنميمة بين الناس, ويشهد شهادة الزور, يقاتل بين الأخ وأخيه، وبين الأب وابنه, يسعى بالوشاية، يكون كهشيم النار, يحرق البيوت، يدمر المجتمعات, فإذا قلت له: يا فلان! ويلك من الله، اتق الله، قال: والله ما أريد إلا الإصلاح، الله يعلم أني أريد أن أصلح هذه الأسرة, أو هذا المجتمع, أو هذه القبيلة, وقد علم الله أنه يريد الفساد, وأكثر من أفسد بين القبائل والمجتمعات والأسر, هؤلاء المنافقون، إما شاهد زور، وإما متزلف، وإما مدعوم بنفاق: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام * ِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:204 - 205] , هذا علامة النفاق الإفساد بين الأسر والمجتمعات, وقد تجددت وسائل خدمة هؤلاء المفسدين، منها: التلفون، فأصبح يرتاح ويتكئ على أريكته ووسادته ويشغل القلوب، ويحرق بين الأسر, ويفسد المجتمعات وهو جالس, يتصل بفلان، ويقول له: قال فيك فلان, ويتدخل في المشكلة، في الظاهر أنه يريد الإصلاح، وفي الباطن يريد الإفساد, ماذا حدث بينكم؟ سمعنا أنه جرى بينكم كذا وكذا! وقد ساءني هذا وما نمت البارحة! وقد نام البارحة وغطّ وخطّ في نومه، حتى إنه لا يعلم أين هو, لكن في الظاهر، أما في الباطن فيعلمه الله.

مخالفة الظاهر للباطن

مخالفة الظاهر للباطن ومن علاماتهم: مخالفة الظاهر للباطن، وهذا هو النفاق الصريح, أو هذه المسألة تدور عليها جميع هذه المسائل، قال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1]. يسأل ويقول: قوم شهدوا شهادة فصدقوا فيها، فكذبهم الله وأدخلهم الله بشهادتهم النار, فمن هم؟ A هؤلاء المنافقون، صدقوا في الظاهر أن الرسول رسول, لكن كذبهم الله في الباطن وأدخلهم بشهادتهم الصادقة في الظاهر النار. وقوم شهدوا فكانت شهادتهم صدقاًً، فكذبهم الله وأدخلهم النار بشهادتهم, وهم {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة:113] فمخالفة الظاهر للباطن علامة النفاق, ظاهره جميل، ولكن باطنه مهدم, والله المستعان. والمنافق يظهر الخشوع, قال أحد السلف: أعوذ بالله من خشوع النفاق, قالوا: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الأعضاء ساكنة هادئة والقلب ليس بخاشع. وأما حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يعبث في صلاته بلحيته وبثيابه، قال: [[لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه]] فليس بحديث, بل رده الدارقطني والحفاظ، وهو من كلام عمر بن الخطاب ولا يرفع إليه صلى الله عليه وسلم.

التخوف من الحوادث

التخوف من الحوادث ومن علاماتهم، وهي العشرون: التخوف من الحوادث، قال تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:4] فهم دائماً خائفون، إذا غليت الأسعار تباكوا في المجالس، غلت الأسعار, وما سمعتم بالسعر، كيف ارتفع الأرز والسكر؟ يريدون أكلاً وشرباً! لا هم لهم في الدعوة إلى الإسلام, ولا في نصرة الدين, ولا في إنهاء المفاسد, ولا في إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, إنما الأسعار، والأشجار، والأخبار، والأمطار، والصيدليات المناوبة، ودرجات الحرارة, دائماً هكذا! يريدون الحياة أكلاً وشرباً, حتى يقول بعضهم: اللهم لاتقلب علينا هذه النعمة, اللهم لا تغير علينا هذه النعمة, فإذا سألته أي نعمة؟ قال: رخص الأزر في السوق, والفرسك والتفاح والبطاطا, يظن أن النعمة فقط في المطعم والمشرب، ونسي نعمة الله في هذا الدين قال الله عنهم: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] , وقال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] , ليفرحوا بالدين، بالرسالة، بالمساجد، بالقرآن، بالسنة، بالسيرة، بالعلماء، بالدعاة, أما هذه الدنيا فسبقهم الكافر عليها, يا من سكن في قصر! الخواجة يسكنون في ناطحات السحاب، يا من ركب الهيلوكس! الخواجة يركبون أحسن موديل من السيارات ومن صنعه. منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا نصنع السيارة! استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآِخرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:-35]. شادوا الزخارف هالات مزخرفة جمّاعها لا يساوي ربع دينار ولذلك تجد أن النعيم عندهم فقط الأكل والشرب، وهو نعيم, لكن إذا كان عوناً على الطاعة, أما إذا ترك الصلاة، وترك البيت الإسلامي الحجاب، ولم يحرِّم على نفسه الغناء، ولا التكشف على حرمات المسلمين, فأين نعمة الأكل والشرب؟ فإن الحيوان يأكل ويشرب, لكن أين نعمة الإيمان؟! فلذلك يتخوف من الحوادث, وإذا وقع بركان في الفلبين انهزوا هنا. المسلم نفسه في كفه. أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا دائماً باع نفسه: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة:111] أولئك الصادقون من الصحابة، سيوفهم معلقة، وأرواحهم في أيمانهم، ويضحكون في المعركة, أما المنافق يخاف ويرتجف ويرتعش، والمعركة وراءه بألف كيلو متر!. فلذلك الإرجاف والخوف من الحوادث، من علامات النفاق, يتزلزل دائماً، مضطرب, يريد العيش في قرار, اتركونا، دعونا، يبقي علينا الله هذه النعمة, لا نريد تغيير الحال, وحاله سيئ بنفسه، وليس بعلامة الحال الصالح.

الاعتذار كذبا

الاعتذار كذباً ومن علامات المنافقين: الاعتذار كذباً, قال أحدهم: ائذن لي يا رسول الله ولا تفتني؟ يوم قال الرسول صلى الله عليه وسلم للجد بن قيس: اخرج جاهد معنا؟ قال: أنا يا رسول الله رجل أخاف على سمعي وبصري, الله أكبر ما أتقاه! تقوى مثل ما قال ابن تيمية: الورع البارد, بعض الناس، إذا اغتبت فرعون, قال: أستغفر الله، لا تغتاب الصالحين, وإذا ذكرت إبليس, قال: أما أنا فلا أتكلم في أولياء الله بشيء! ومثلما قال ابن الجوزي في كتاب الحمقى والمغفلين , يقول: إن رجلاً ذكُر عنده فرعون، فقال: أحمي سمعي وبصري من التكلم في أنبياء الله, يظن أن فرعون من أنبياء الله, قال: وهذا يسمى ورع بارد. ولذلك قال: يا رسول الله! أنا رجل إذا رأيت النساء لا أصبر, فصدّق عليه الصلاة والسلام وأخذ ظاهره, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيه يكذبه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي} [التوبة:49] أي: النساء {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة:49] ترك الجهاد ووقع في الفتنة, فرّ من الموت وفي الموت وقع: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:49] هذا الجد بن قيس أتى في الحديبية فضاع جمله, قالوا: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: والله لئن أجد جملي الأحمر أحسن لي من أن يستغفر لي محمد، قالوا: تعال يستغفر لك؟! يلوي رأسه كذا , فنقل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الصورة والحديث حيث قال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُون * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون:5 - 6] , أبداً كتب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ألا يغفر لهم, والعدد لا مفهوم له في القرآن في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:80] , والرسول صلى الله عليه وسلم فهم منها أنه ولو أكثر من السبعين, ولو فهم منها العدد لاستغفر إحدى وسبعين مرة وغفر الله له, لكنه قال: {والذي نفسي بيده! لو أعلم أن الله يغفر لهم بعد السبعين لاستغفرت لهم} فعلامتهم أنهم يعتذرون بالكذب في الظاهر, لذلك تقول لهم: لماذا لم تصل معنا صلاة الفجر يا فلان؟! قال: والله إني مريض ما رفعت جنبي إلا ما رفعه الله, ويعلم الله أنه بات في نعمة وصحة وعافية! وفي منطقة من المناطق يقولون: هناك رجل أحمق, وكان إمام المسجد حريصاً على الخير، يحضر الناس كل صباح بعد أن يسلم الناس، يا فلان؟ حاضر! يا فلان؟ حاضر! فإذا غاب رجل كتب على اسمه وسأله, والرجل الأحمق يحضر كل وقت إلا يوم الجمعة يظن أنهم لا يحضرون؛ فترك الصلاة في فجر الجمعة, يقول جيرانه: الإمام لا يحضر صباح يوم الجمعة، يسافر عند أهله في القرية, فيسافر إليهم ويبيت عندهم, فيحضرنا كل الأيام إلا صباح الجمعة, فترك الصلاة يوم الجمعة وصلّى في البيت, ولقيه الإمام ضحى, قال: أين أنت عنا؟ بحثنا عنك اليوم! قال: والله فلان قال لي: أنك لن تصلي معنا الفجر؟ -فجعل الصلاة من أجل هذا الإمام, والله المستعان! - وأخبرني فلان وهو ثقة أنك لا تصلي فجر الجمعة! فظننت أنك ما صليت!! ما شاء الله، عذر أقبح من ذنب.

الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف

الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ومن علاماتهم أنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف, الناس يستقبلون القبلة وهم يستدبرونها, ولذلك تجد أحدهم إذا حدث بقال الله وقال رسوله, قال: دعونا! ريحونا يا إخوان, نحن نعرف الدين -والله- أعرف منكم, والدين والعلم انتشر، والحمد الله، حتى العجائز والنساء يعرفن العلم, لكن تسأله عن سجود السهو لا يعرف كوعه من بوعه, وإنما مداجاة, لذلك سوف يأتي من علاماتهم: قلة الفقه, ولذلك تجدهم يأمرون بالمنكر، كما قال سبحانه: {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة:67] يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا, يريدون أن ينتشر ترك الحجاب, ولذلك منهم بعض الكتبة ينادي بتحرير المرأة, والتفسخ من الحجاب, وينادون بانتشار الأغنية، وانتشار المجلات الخليعة، والمخدرات, فهذا أمر بالمنكر، وحباً في انتشار الفاحشة، ومع ذلك لا يريدون المعروف, يريدون أن يقل الخير، ويقل العلم، وتقل الدعوة, والله يتولاهم.

يقبضون أيديهم شحا وبخلا

يقبضون أيديهم شحاً وبخلاً ومن علاماتهم وهي الثالثة والعشرون: قبض الأيدي شحاً, فالمنافقون من أبخل الناس, أما في الدنيا فحدث ولا حرج, أما في مشاريع الخير فمن أبخل الناس, أحدهم يذبح في الوليمة الواحدة رياءً وسمعة ستين خروفاً أو سبعين خروفاً, لكن إذا طلبته في الإنفاق في مسجد أو جهاد أخرج عشرة فعدها ومحصها، ودعا لها واستودعها الله الذي لا تضيع ودائعه, واشترط على الله أن يبني له قصراً أبيض بذهب الجنة, ولذلك تجدهم ينفقون شحاً, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة:67] يقبضون الأيدي، ولا يتبرعون في الخير، وهذا علامة النفاق والعياذ بالله.

نسيان الله

نسيان الله ومن علاماتهم: نسيان الله, يذكرون كل شيء إلا الله, ولذلك تجد الواحد منهم يذكر كل شيء، أهله وأطفاله والأغاني والأماني والعواني وكل شيء في الحياة الدنيا إلا ذكر الله فلا يمر على قلبه إلا غروراً, وهذا قلبه قد مات. من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام فنسيان الله من أعظم ما ابتلي به المنافقون: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:67] وقال سبحانه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} [المجادلة:19] قال الغزالي صاحب الإحياء: من أحب شيئاً أكثر من ذكره, ولذلك إذا دخل أهل المهن وأهل الصنائع في قصر أو في بيت ذكر كل إنسان منهم صنعته ونظر إليها, وذكرها وأحبها. تجد النجار إذا دخل البيت ينظر إلى الخشب وإلى النوافذ, وتجد المُليس ينظر إلى البويات وما في أحكامها, إذا علم هذا؛ فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره، ومحب الله عز وجل مكثر من ذكره, وأما المنافق فأبغض ما عند الله، فقلل من ذكر الله ونسي الله فنسيه الله. معنى نسيهم الله سبحانه: أي: تركهم, وفي القرآن صفات على المقابلة، كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:15] فهل يسمى الله مستهزئاً؟ لا يسمى مستهزئاً إلا على القيد -كما ذكر ذلك ابن تيمية وغيره- يقيد بأنه يستهزئ بمن يستهزئ به, كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة:79] يثبت لهم سخرية, وهو له سخرية سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بمن سخر منهم, وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30] أي: يمكر بمن يمكر به, هذه تثبت مقيدة, لكن الصفات النقصية المطردة لا نقولها. ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال:71] لم يقل: خانهم, لأنه الخيانة ليت مقيدة ولا مطلقة، إنما هي مذمومة وصفة نقص, فقال: {فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال:71] أما (سخر) فتأتي مقيدة, مثل: نسي بمعنى: الترك, لأن النسيان صفة النقص، والله لا ينسى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

التكذيب بوعد الله وبوعد رسوله صلى الله عليه وسلم

التكذيب بوعد الله وبوعد رسوله صلى الله عليه وسلم ومن صفاتهم: التكذيب بوعد الله ورسوله {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12]. وسبب الآية: أن الرسول عليه الصلاة والسلام في الأحزاب حضر حفر الخندق مع الصحابة, فكان الصحابة يحفرون الخندق فعرضت له عليه الصلاة والسلام وللصحابة صخرة، فنزل عليه الصلاة والسلام بالمعول -يسمى: الفاروع أو مسحاة- فضرب الصخرة، فلمع له كالبارق, ثم ضربه، فلمع له كالبارق, قال: {أريت الكنزين: الأبيض والأحمر، وسوف تعطاهما أمتي} أو كما قال عليه الصلاة والسلام, فتغامز المنافقون وهم حول الخندق, قالوا: انظروا، يمنينا قصور كسرى وقيصر, وأحدهم لا يستطيع من الخوف أن يبول, قال سبحانه عنهم: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12] ولكن الله حقق هذا الوعد، ونصر أمة الإسلام وصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام, ففتحوا بقاع الأرض وانتصروا، ولله الحمد والمنة.

الاهتمام بالظاهر وإهمال الباطن

الاهتمام بالظاهر وإهمال الباطن ومن علامات المنافقين وهي السادسة والعشرون: الاهتمام بالظاهر وإهمال الباطن. لا بأس بالقوم من طول ومن قصر جسم البغال وأحلام العصافير أما زيهم في الظاهر فجميل, لكن باطنهم خاوٍ, ونحن لا ندعو الإنسان إلى أن يتدروش في لباسه ولا يلبس جميلاً, ويرى أن كي الغترة من السبع الموبقات, لا! بل يكوي غترته، ويلبس الجميل، ويتطيب، ولا يتدروش، والإسلام بريء من القذارة, ويلبس أجمل اللباس، ويظهر إيمان القوة والجمال, فالله جميل يحب الجمال, ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده, لكن يجمل الباطن أيضاً بالذكر والمراقبة والإخلاص، والتوكل والعبادة، والصدق مع الله عز وجل, فيجمع الظاهر والباطن: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35]. أما الذي يهتم بالملابس فقط, ولا يعرف الصلاة ولا المراقبة ولا الذكر, فهذا بعيد عن الله عز وجل. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] فعرض أنهم يهتمون بظاهرهم ويهملون باطنهم, قال أبو الفتح البستي: يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

التفاصح والتملق والتشدق

التفاصح والتملق والتشدق السابعة والعشرون: التفاصح والتشدق والتفيهق في الكلام كبراً وعلواً وعتواً, قال سبحانه: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] وذم عليه الصلاة والسلام من تشدق في كلامه, قال أهل العلم: هو الذي يتفيهق كبراً وعتواً وترفعاً عن الناس, أي: لا يخرج الحروف من مخارجها, يمطمط الحرف ويتشدق في اللسان, ويتفاصح في المجلس، ويتكلف في الحديث, قال عمر في كتاب الأدب في صحيح البخاري: [[نهينا عن التكلف]] فهذه من علامة النفاق فنحذرها, وعند الترمذي: [[العي والحياء شعبتان من الإيمان, والبذاء والبيان شعبتان من النفاق] قالوا: والبيان هنا من بذا وتفصح وخرج الكلام عن قدر الحاجة، وتكلف, تجده يقدم مقدمات, ويظهر أنه وجيه وفاهم وعاقل ومربٍ، وليس عنده شيء, فهذا يخشى عليه النفاق, بل وقع في جزئية من جزئيات النفاق.

عدم الفقه في الدين

عدم الفقه في الدين الثامنة والعشرون: عدم الفقه في الدين, مما يميز المنافقين: أنهم -والحمد لله- لا يفقهون في الدين شيئاً, يعرف قيادة السيارة, ويعرف هندستها مسماراً مسماراً, ويعرف عواصم ودول العالم, ويعرف جزئيات ومعلومات لا تنفعه إن لم تضره, ولكن إذا أتيت به في مسلمات من الدين لا يعرف منها شيئاً, قال سبحانه: {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:7] , وقال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين}. قال أهل العلم: مفهوم المخالفة: أن من لم يرد الله به خيراً لا يفقهه في الدين, ولذلك علامة المؤمن أن يفقه الله في الدين, دائماً يزداد مسألة وفائدة, يحرص على الخير وعلى مجالس الخير, أما المنافق فمعرض تماماً، إذا تحدثوا في المجلس عن أمور الصلاة والعبادة كأنهم يتحدثون بالإنجليزية, لكن إذا أتى أمر الدنيا -الأسعار والمستندات والشيكات والفرنك والدولار- جاءك يهذي ويحاضر ويلقي محاضرات, ولا أقول: إن المؤمن لا يعرف هذه الأمور, قد يعرف هذه الأمور لكن يعرف أمور الدين, أما أنه لا يعرف أمور الدين ويعرف أمور الدنيا فهذا من علامات النفاق.

الفرح بمصيبة المؤمنين والتضايق من مسراتهم

الفرح بمصيبة المؤمنين والتضايق من مسراتهم الثلاثون من علامات النفاق -نعوذ بالله من النفاق-: الفرح بمصيبة المؤمنين والتضايق من مسراتهم, قال سبحانه: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} [التوبة:50] إذا جاء حادث على الصالحين، فرح ونشر الخبر وأظهر أنه متألم, وقال: الله المستعان! سمعنا أن فلاناً أتاه كيت وكيت , الله يصبرنا وإياك! وفي باطنه الفرح والمسرة والتروح لهذا الأمر, وإذا أصاب المسلمين كذلك مسرة غضب وتذمر وتضايق، والله يتولى السرائر. هذا درس ختمناه، وهو درس ثلاثون علامة من علامات المنافقين, ونسأل الله لنا ولكم التوفيق.

مسائل عرضت على الشيخ / ابن باز

مسائل عرضت على الشيخ / ابن باز وهنا مسائل عرضت على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز قبل ثلاثة أيام، عرضتها أنا والشيخ ابن مسفر , لأنها مسائل عصرية ويكثر التساؤل عنها عند الناس, فنحن نجيب عليكم بجواب الشيخ عبد العزيز. إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام وهو ليس بمعصوم، ولكنه رجل يتبع الدليل، وقد فتح الله عليه ونوَّر بصيرته.

حكم الدف

حكم الدف Q ما حكم ضرب الدف للرجال؟ والعرضات الشعبية التي يصحبها الطبل والدف والمزمار وما بحكمها؟ A قال سماحته: مما ظهر من الأدلة أن الدف ليس بجائز للرجال, واستدل سماحته بحديث عند أحمد بسند جيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم {نهى عن الكوبة للرجال} والكوبة يدخل فيها أدوات اللهو, فليس الدف إلا للنساء, فليس للرجال أن يستصحبوا في العرضات الطبل ولا الدف ولا المزمار. وقال سماحته: لهم أن يعرضوا عرضات حربية بحمل السلاح، بدليل حديث الحبشة {أنهم عرضوا بالحراب في مسجده عليه الصلاة والسلام}. فيرى أنهم لا بأس أن ينشدوا نشيداً في العرضات، ونشيداً بطولياً فيه رجولة, ليس فيه غزل ولا تأنث بدون دف ولا طبل.

حكم الجمعيات بين الأساتذة

حكم الجمعيات بين الأساتذة Q المسألة الثانية: سألناه عن مسألة الجمعية التي يسأل عنها الإخوة كثيراً, أساتذة يجتمعون ويجمع كل واحد منهم مثلاً مبلغ خمسة آلاف من الشهر تدور على أحدهم, يعطى هذا ثم هذا ثم هذا , أو موظفون؟ A قال: الذي ظهر لي التحريم, لأن فيها قرض بشرط، وفيه منفعة يجر للقارض نفسه.

حديث (كل قرض جر منفعة فهو ربا)

حديث (كل قرض جر منفعة فهو رباً) Q وسئل عن حديث {كل قرض جر منفعة فهو ربا}؟ A قال: الحديث ساقط السند وضعيف, ولكن معناه مجمع عليه, فلذلك يرى التحريم, وقال: سوف تبحث في مجلس هيئة كبار العلماء ويصدر بها فتيا, لأن بعض العلماء أباحوها، ولكن لا بد أن يجتمعوا ثم يخرج بها فتيا ثم يتوقف الناس عن هذه الجمعية حتى يأتي من علمائنا فتيا إن شاء الله تشفي العليل وتروي الغليل.

حكم التمثيل

حكم التمثيل Q سئل سماحته عن التمثيل, الذي يدور في المخيمات والمراكز, الذي يمثل الشباب في المراكز والمسارح والمخيمات؟ A كله محرم, لأنه ينبني على الكذب, والكذب حرام, سواء منه ما مثل الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو الكافر, فهو محرم لأنه ينبني على الكذب، ولا يخرج لنا صورة من التمثيل فكله محرم.

حكم بعض الأحاديث

حكم بعض الأحاديث هنا حديثان سئل عنهما: Q ما صحة حديث: الحديث الأول: {من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا}؟ A لا يصح هذا الحديث, قال ابن تيمية: حديث باطل, ومعناه باطل, والصلاة لا يزداد بها العبد إلا قرباً من الله, ولا يزداد بها إلا زلفى ووسيلة إلى الله عز وجل. سؤال: ما صحة حديث: {رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر}؟ A قال: باطل ومعناه ليس بصحيح, بل الجهاد في سبيل الله من أعظم الجهاد في ذات الله عز وجل, وهو الأكبر إذا أطلق سراحه, لأن العبد في جبهة الجهاد يقاتل عدوين: الكافر والنفس, وإذا رجع إلى داره قاتل نفسه وجاهد نفسه وحدها, فلا يصح المعنى. هذه مسائل تعرض لها بارك الله فيكم

الأسئلة

الأسئلة

طلب العلم الشرعي للمبتدئين

طلب العلم الشرعي للمبتدئين Q كيف نطلب العلم الشرعي وأي كتب نبدأ بها؟ A على الإخوة إذا كان في المدينة أو في البلد طلبة علمٍ أن يمضوا ويتعلموا معهم, وفي كل بلد -والحمد لله- وفي كل مدينة طلبة علم، أئمة المساجد غالبهم طلبة علم, وأن يطلبوا العلم على أيديهم, ولكن هناك ملخصات يبدأ بها طالب العلم، منها بعد حفظ كتاب الله, -وألوم نفسي وبعض الإخوان الذين يبدءون ببعض المتون قبل القرآن- تجده يحفظ الرحبية ولا يحفظ القرآن, تجده يحفظ في ألفية ابن مالك ولا يحفظ القرآن, لكن مع ألفية ابن مالك والرحبية عليه أن يبدأ بكتاب الله عز وجل, ومنها: بلوغ المرام يحفظه في الأحكام, ومنها كتاب رياض الصالحين للدعاة من يحفظه فهو كتاب الخطيب والداعية والواعظ, وكتاب زاد المستقنع في الفقه, ونخبة الفكر في مصطلح الحديث, وألفية ابن مالك في النحو, وألفية العراقي أو البيقونية أو ما شابهها في مصطلح الحديث, والله يتولانا وإياكم.

حكم المشاركة في المخيمات والمراكز

حكم المشاركة في المخيمات والمراكز Q يسأل الكثير عن المشاركة في المخيمات والمراكز؟ A أمر طيب, وما رأينا في المراكز والمخيمات إلا الخير الكثير, لكن تختلف باختلاف القائمين عليها, بعضهم يحفظها بالعلم، بقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، بطلب العلم النافع, بالتزود من الصالحات، فهذا مشكور مأجور, وبعضهم يكثر من الأناشيد فيها, والنشيد -حفظكم الله- كما قال بعض العلماء له ضوابط ثلاثة: 1/ ألا يصاحبه آلات موسيقى لا دف ولا طبل ولا مزمار. 2/ ألا يكون الشعر بذيئاً أو ماجناً أو فيه غزل. 3/ ألا يكثر منه؛ لأن بعض الناس إذا وقع في النشيد وقع وقعة ما بعدها وقعة, يجعل ليله ونهاره نشيد, وهذا ليس بمطلوب, يطلب من النشيد وقت الحاجة، فقط.

حكم زيادة الثمن من أجل زيادة الأجل

حكم زيادة الثمن من أجل زيادة الأجل Q هل زيادة الثمن من أجل زيادة الأجل واردة أم لا؟ A يعني: بيع التقاسيط في السيارات، كأن تقول لمشتري: هذه السيارة قيمتها نقداً بثلاثين ألفاً, وإن كنت تريدها ديناً بالتقسيط بخمسة وأربعين ألفاً, فهذا بيعه صحيح, وزيادة الثمن من أجل زيادة الأجل لا غبار عليه, وقد أجمع على هذا العقلاء, لأنه لا يعقل في الذهن أن تبيع في نفس اليوم أو بعد سنة بنفس الثمن ليس بصحيح, فزيادة الثمن من أجل زيادة الأجل صحيح. - مسألة أخرى، وقد أفتى فيها العلماء من هيئة كبار العلماء مسألة بيع السيارات في المعارض، يأتي إليك المشتري فيشتري منك سيارة وأنت لم تشترها، ثم تذهب معه إلى المعرض وتشتري السيارة، هذا البيع باطل، لقوله عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {لا تبع ما ليس عندك} والصحيح أن تشتري السيارة أولاً بعقد ومبايعة، ثم تبيعها من هذا الرجل، هذا أمر, فليعلم ذلك ويتنبه لهذا. قال بعض علمائنا: لا بأس أن يكون شبه اتفاق بينهم, أو يقول: أنا أشتري منك سيارة لو اشتريتها أنت، بشرط ألا يبايعه ولا يكون بينهم عقد -هذا شبه اتفاق, ولا بأس- فيذهب فيشتريها ثم يبيعها منه.

حكم نقض المرأة شعرها في غسل الجنابة

حكم نقض المرأة شعرها في غسل الجنابة Q هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل من الجنابة؟ A الصحيح أنها لا تنقض شعرها عند الغسل من الجنابة, وتنقضه عند الغسل من الحيض إذا طهرت من الحيض, ولكن تروي أصول الشعر عند غسلها من الجنابة.

حكم الزينة التي تحجب الوضوء

حكم الزينة التي تحجب الوضوء Q ما حكم الزينة التي توضع على أظافر النساء, وتكون سميكة فتحجب الوضوء؟ A الصحيح كما أفتى كثير من علمائنا أنها تحجب عن وصول الماء, وأنه لا بد من إزالتها, أما ما ليس له سمك، مثل: الحناء فلا بأس به, فالأمر فيه سعة.

ملاحظات على كتاب إحياء علوم الدين

ملاحظات على كتاب إحياء علوم الدين Q يسأل بعض الأخوة عن كتاب إحياء علوم الدين؟ A كتاب إحياء علوم الدين للغزالي نقده العلماء فهم شيخ الإسلام ابن تيمية , وأظنه نقده في المجلد العاشر أو الحادي عشر من فتاويه , لكن عليه ثلاث ملاحظات: أولاً: عقيدته أشعرية لا تؤخذ منه العقيدة. الثاني: يحب الصوفية ويغلو في حبهم ويأتي بتراهاتهم. الثالث: كتابه فيه أحاديث. وأنا أوصيكم بكتب ابن تيمية وكتب ابن القيم فهي الذهب الإبريز. يقول الألوسي في كتاب الرد على النبهاني في غاية الأماني , قال: النبهاني ينتقد ابن تيمية , فهو بدعي قبوري, يأتي بقصائد بدعة القبور، ويستشهد بكلام البرعي , وهذا البرعي قبوري غالي من غلاة أشاعرة اليمن، أتى إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فمسح القبر والشبك، وقال: يا رسول الله! يا من ذكره في نهار الحشر رمزا ًومقاما فأقلني عثرتي يا سيدي واكتساب الذنب في خمسين عاما فأثنى عليه! وهذا شرك والعياذ بالله, ويقول النبهاني: شيخنا وسيدنا أحمد الرفاعي -أي: شيخ الصوفية - وفد إلى المدينة، فأتى إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فمد يده إلى القبر، وقال: في حالة البعد نفسي كنت أرسلها تقبل القبر عنكم وهي نائبتي وهذه دولة الأشباح قد حضرت فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي قال: فانشق القبر، ومد الرسول صلى الله عليه وسلم يده، فصافحه وقبله, شيخنا أحمد الرفاعي , قلنا: كذبت يا عدو الله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5]. فيقول النبهاني: كتب ابن تيمية ما جعل الله لها القبول في الأرض, قال الألوسي: عجيب! بل كتب ابن تيمية هي العسل المصفى، والذهب الإبريز، أما كتبك وكتب أشياخك, فوالله لا تصلح إلا مخالي يوضع فيها الشعير للحمير, أي: تؤخذ الكتب وتوضع مخلاة، وتعلق برأس الحمار، ويوضع فيها مد شعير, أو تصلح صندوقاً للأحذية, أو تصلح كراتين للعلاجات, هذه هي كتب أهل الضلالة والعمالة والعياذ بالله. فأحذركم، وقد انتشر كتاب للنبهاني -والعجيب أنه موجود- الصلاة على سيد الكونين , وديوان البرعي موجود، وهو في الأسواق، وأحذركم من هذا الكتاب, وبعض الكتب الأخرى التي هي لغلاة الصوفية، التي عقيدتهم إما الحلول وإما الاتحاد وإما المغالاة في شخصه عليه الصلاة والسلام. أما كتب ابن تيمية بعد الكتاب والسنة فشيء عجيب, ومن أراد أن يتأمل العمق والأصالة، فليقرأ الفتاوى، لا إله إلا الله ما أصدقه! وما أنصحه! وما أعلمه! كالبحر، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. تقدم شاعراً فيهم خطيباً ولولاه لما ركبوا وراءه وهذا الرجل عجيب أمره، ويحتاج إلى مجالس, وهناك محاضرات تسمى: ابن تيمية، وحياة ابن تيمية، وكتيبات, بل كتب عنه أكثر من عشرين كاتباً, فرحمه الله وجمعنا به في الجنة.

أحسن الكتب في العقيدة

أحسن الكتب في العقيدة Q ما هي أحسن الكتب في العقيدة؟ A العقيدة ثلاث مستويات: 1/ البادئين في العقيدة، أوصيهم بكتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. 2/ الكتاب الثاني: معارج القبول للشيخ الجليل حافظ الحكمي رحمه الله. 3/ الكتاب الثالث: شرح الطحاوية وهو كتاب معروف وموجود وهو للمستوى الثالث. فعليهم بهذه الكتب فإنها مفيدة ونافعة.

المقام المحمود

المقام المحمود Q في هذه الآية: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79] ما هو المقام المحمود؟ A بحثها بعض طلبة العلم جزاهم الله خيراً؛ فتبين لهم أقوال: قيل: المقام المحمود -قاله القرطبي، وقد دل عليه حديث البخاري -: هي شفاعة سيد الخلق يوم القيامة, الشفاعة الكبرى. واستشفع الناس أهل العزم في إراحة العباد من ذي الموقف وليس فيهم من رسول نالها حتى يقول المصطفى أنا لها فهذا المقام المحمود. وأما مجاهد فقال: المقام المحمود، هو أن يجلسه ربه معه على العرش, وهذا أورده ابن أبي شيبة والقرطبي وسنده ضعيف. أولاً: أن هذا من كلام مجاهد , ومجاهد إمام معتبر من التابعين, لكن مثل هذا لا يثبت بآراء الناس, بل القرطبي أشعري في بعض الصفات، يقول: على الكرسي, والكرسي شيء عند أهل السنة، والعرش شيء, لكن الأشاعرة يدمجونه, وليس هذا القول بصحيح. وذكروا بعض المعاني الأخرى.

البيت المعمور

البيت المعمور Q ما هو البيت المعمور؟ A منهم من قال: في كل سماء بيت معمور, والصحيح أنه كما ورد في الحديث الصحيح، أنه في السماء السابعة بيت معمور يوازي الكعبة، يدخل فيه كل يوم أو يطوف فيه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه, وقد اتكأ عليه إبراهيم الخليل, ويوم عرج بالرسول صلى الله عليه وسلم -في الحديث الصحيح- رأى إبراهيم متكئاً عند البيت المعمور. قال بعض أهل العلم: جازاه الله يوم بنى البيت المعمور في الدنيا؛ أن جعل له بيتاً معموراً في السماء السابعة, فهذا هو الصحيح من هذا القول.

المقصود بقوله تعالى: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني)

المقصود بقوله تعالى: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني) Q من المقصود بقوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي} [التوبة:49]؟ A قد سبق ذكره, وهو الجد بن قيس.

المقصود بقوله تعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله)

المقصود بقوله تعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله) Q ما المقصود بقوله تعالى: {وَمِنْهُم مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة:75]؟ A الأصح والأقرب كما هو عند البخاري في كتاب الزكاة أنها نزلت في ابن جميل , عندما منع الزكاة فقال عليه الصلاة والسلام: {وما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله} فأنزل الله قوله: {وَمِنْهُم مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة:75].

من هو شاهد بني إسرائيل

من هو شاهد بني إسرائيل Q من هو شاهد بني إسرائيل في قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف:10]؟ A عبد الله بن سلام شهد بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم, والحديث عند البخاري لما أسلم قال للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! لا تخبر اليهود بإسلامي، وأدخلني في هذه المشربة، وأدخله الرسول صلى الله عليه وسلم وأغلق عليه, ثم استدعى اليهود, قال: {كيف ابن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، وفقيهنا وابن فقيهنا، وعالمنا وابن عالمنا, قال: أفرأيتم إن أسلم, قالوا: أعاذه الله من ذلك! قال: فإنه أسلم, فخرج عليهم ابن سلام قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, فقاموا ينفضون ثيابهم, قالوا: شرنا وابن شرنا، وسيئنا وابن سيئنا، وخسيسنا وابن خسيسنا، أو كما قالوا, فأنزل الله} {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأحقاف:10]. وفي الختام: أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية, وأن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

صور من حياة الصحابة

صور من حياة الصحابة إن دور الجندي المسلم دور كبير، فهو الذي يجاهد في سبيل الله دفاعاً عن الدين والوطن، وهو الذي تعلق عليه الأمة آمالها، وتنظر إليه أكبر مما يتصور هو، لكن لا بد للجندي من الإيمان حتى يؤدي رسالته، وأن يحترز من الشبهات والشهوات، وأن يجعل قدوته صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أهمية الإيمان

أهمية الإيمان الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيرا وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً، واتخذوا من دون الله آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، صلى الله على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. إن كان لي من شكر فأشكر الله تبارك وتعالى، ثم أشكر أهل الفضل وعلى رأسهم عميد هذه الكلية، وأشكركم على بشاشتكم وحسن استقبالكم، وعلى إيمانكم وحبكم وطموحكم، لأنكم أنتم أمة الإيمان والحب والطموح، أنتم أمة الأصالة، يوم لا يكون في الدنيا إلا أصالتكم وإلا حبكم وطموحكم. وكلمتي هذه موجهة إلى الجندي المسلم. وجندي بلا إسلام شخص لا حقيقة له. وعين بلا إيمان مقلة عمياء. وقلب بلا إيمان قطعة من اللحم. وكتيبة بلا إيمان قطيع من البهائم. وعالم بلا إيمان أرض ملعونة. وقطاع بلا إيمان قطاع مغضوب عليه. والإيمان هو أكبر قضية أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس بلا إيمان -عسكريين أو مدنيين، بريين أو بحريين- معناه أنهم يعلنون التمرد على الله والفشل والانهزامية، ورسالة الإيمان هي رسالتنا يوم نعيش بها مؤمنين ومؤدين لها إلى الناس، قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] ومحمد إقبال يحيي الإيمان يوم يسار به على البحار، وأنا أتكلم اليوم عن البحار؛ لأنني أمام كتائب تتوجه بالدعوة على متن البحر، لتوصل الدعوة الإسلامية إلى الذين لا يعرفون أن وراء البحر مسلمين، يوم يقف عقبة بن نافع على المحيط الأطلنطي فيخاطب لفرسه، وقد ملأ قلبه بالإيمان، يقول: والله الذي لا إله إلا هو؛ لو أعلم أن وراء هذا المحيط أرضاً تقبل الإسلام لخضت بفرسي هذا المحيط لأبلغ دعوة الله. وفي هذا الموقف يقول شاعر الباكستان محمد إقبال: من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا نحن أمة لا إله إلا الله، وبعثنا للبشرية لا لنبني قصوراً، ولا سياجاً، ولا لنقدم طعاماً وشراباً، بعثنا لنأخذ البشر من النار وندخلهم الجنة، بعثنا لنسجد البشر لرب البشر سُبحَانَهُ وَتَعَالى. أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً} [الزخرف:33 - 35] أي: ذهباً. إن الذهب رخيص، إن الدنيا رخيصة إذا سلمت للكافر، وإن مقصد المسلم لا ليتسلم الدنيا للدنيا، ولكن ليتسلم الدنيا لله {وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:35] أتينا إلى العالم، والعالم مليء بالذهب والفضة والدراهم والدنانير، كسرى أنوشروان حاكم فارس بقي في إيوانه يحكم العالم مدة طويلة من الزمن، كان ينظر إلينا نحن العرب على أننا أمة بدوية، أمة رعي، أمة ماشية، أمة يقتل الواحد منهم أخاه على مشرب الناقة وعلى الشاة، ولذلك امتن الله علينا نحن العرب أمة الرسالة فقال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] إي والله، ضلال التبعية والانهزامية، ضلال التخلف والرجعية، ضلال الفكر العفن والشرك والانحياد والكفر، فلما بعث صلى الله عليه وسلم كان يحفر الخندق بعد عشر سنوات أو أكثر من دعوته وعلى بطنه حجران من الجوع صلى الله عليه وسلم، فيأخذ المعول ويضرب به الصخرة، فيرى شظايا من الضياء والنور في السماء، فيقول الصحابة: ما هذا يا رسول الله؟ قال: لقد بشرني ربي بفتح قصور كسرى، قال المنافقون: كسرى أنوشروان؟ قال: كسرى أنوشروان، فيقول المنافق: نحن لا نستطيع أن نذهب لحاجتنا من الكفار وتبشرنا بقصور كسرى وقيصر! وقالوا: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12] ولكن بعد خمس وعشرين سنة بل أقل من خمس وعشرين سنة ذهب الصحابة ليقولوا لكسرى: انزل من على هذا المنبر فإنك دجال في الأرض، إنك عميل وثني لا تستطيع قيادة البشرية، فأنزلوه.

معركة القادسية

معركة القادسية يأتي الصحابة في القادسية وهم ثلاثون ألفاً، ويقابلهم من فارس العجم الكافر مائتان وثمانون ألفاً، ونحن لم نقاتل الناس بقوات، كنا نقاتلهم بإيمان مع نسب من القوة كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ} [الأنفال:60] {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17]. يأتي سعد بثلاثين ألفاً لكن الواحد منهم يحمل إيماناً بالله العظيم، يقدم دمه قبل جسمه في المعركة، يقدم روحه لله، يحمل روحه على كفيه، وكان هذا الدين أحب ما في الأرض كلها إليه، يحضر المعركة فيأخذ غمد سيفه فيكسره على ركبته ويقول: يا رب! أسألك أن تأخذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى، هذه أمة الحب والإيمان والطموح، يصلي بهم سعد رضي الله عنه قبل المعركة، وكانوا ثلاثين ألفاً كما أسلفت، يكبر فيكبرون، ويركع فيركعون، ويرفع فيرفعون، فينظر رستم قائد فارس وهم مائتان وثمانون ألفاً فيغضب ويقول: علم محمد الكلاب الأدب. يقصد الرسول عليه الصلاة والسلام. كنا أمة مبعثرة متخلفة، لكن علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نأخذ المجد، وقبل المعركة يقول رستم لأحد جواسيسه وعيونه واستخباراته: اذهب في الليل وادخل في جيش المسلمين، ثم تعال وادخل في الليل في جيشي؛ لترى ماذا يصنع الجيشان. فذهب هذا الجندي الفارسي العجمي الوثني فدخل في جيش المسلمين. ماذا سوف يجد جيش المسلمين؟ إنه سيجد عباداً. عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غاب إذ نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياه يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه إنه مجد أضعناه يوم تأخرنا في آخر ركب الأمم، والله إنه لمجد خسرناه يوم تقهقرنا، وأصبح إخوان القردة والخنازير من إسرائيل وأمثال إسرائيل تغطي شمسنا بطائرات الميراج، كما يقول شاعر العرب: فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا لكن المسلم في ذاك الزمن يقول: لابد أن تحكم شريعة الله عز وجل. وقبل العركة وصل هذا الفارسي ودخل في جيش المسلمين، فوجد هذا يتلو كتاب الله في الليل قبل المعركة بليلة، ووجد حلقة هنا تتدارس الحديث ويتباكون على سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ووجد نفراً آخر يستعد للمعركة يريش السهم ويبريه، ويرفع السيف ويحاذيه، وينكت الرمح ويوازيه؛ ليستعدون للقاء الله، ووجد سعداً مع أركان قيادته يجتمع اجتماعاً خاصاً ليكثر الدعاء والإلحاح على الله، فالنصر لا يأتي إلا من عند الواحد الأحد، النصر يأتي من فوق سبع سماوات، النصر والتمكين في الأرض من الله عز وجل، {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] ثم خرج هذا الجندي الفارسي إلى جيش فارس؛ فوجد هذا الجندي جندياً سكران ولهان وكأس الخمر بيده، غارق في المعصية، وإذا عصي الله في الأرض، مقت وأخزى ولعن سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ووجد جندياً آخر يشارك فتاة في الفاحشة، ورأى بقية الجنود وهم سكارى وما هم بسكارى ولكنهم في نوم عميق. ورجع إلى رستم القائد الأعلى فأخبره، فعض أنامله وأخذ يتلوم على أصابعه ويقول: الهزيمة الهزيمة، سلام على العراق لا عراق بعد اليوم. لقد عرف نتيجة المعركة قبل المعركة، وأتى سعد بن أبي وقاص في الصباح، الذي قام في الليل فلبس أكفانه من تحت الثياب، يقول محمد إقبال وهو يتكلم في جيش أفغانستان يوم زار ظاهر شاه: كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم من فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الكنز والديناراً أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا

قبل المعركة

قبل المعركة وقبل المعركة بساعات قال رستم: انتظر يا سعد قليلاً. قال: ماذا تريد؟ قال: أرسل إلي جندياً من جنودك أتكلم معه. لينظر ما لهذه الأمة أمة الصحراء أمة الضب تخرج من الجزيرة العربية تريد أن تأخذ أعظم دولتين في الدنيا وتبتلعها، ماذا طرأ عليهم؟ أتغيرت مستوياتهم؟ لا. لكن سكب في قلوبهم الإيمان، أي قوة وأي جيش وأي كتيبة وأي بحرية بلا إيمان لا يفرح بها أبداً، إذا بقينا بلا إيمان فسوف نتساوى مع الناس في الروح المعنوية، ثم يتغلبون علينا بقوتهم ومادتهم. قال سعد لـ ربعي بن عامر وكان عمره ثلاثين سنة: اذهب إلى رستم وقابله، فلما أتى إلى رستم أراد أن يرهبه حتى يتلعثم ولا يستطيع أن يتكلم، فجلس رستم مع أعضاء القيادة، مع الوزراء، والبطارقة، وصف الذهب والفضة ليرهب هذا العدو. نحن لسنا أمة ذهب ولا فضة، نحن أمة معنويات صارخة تتحدى الباطل، فوقف ربعي أمامه، فقال رستم: ما الذي جاء بكم؟ قال: جئنا لنفتح الدنيا! ما أحسن الكلمة! كأنها قذيفة، جئنا لنفتح الدنيا. فضحك رستم وضحك من حوله وقال: تفتحون الدنيا بهذا الفرس الهزيل وبهذا الرمح المثلم وبهذه الثياب الممزقة؟ قال ربعي وكان كالأسد في وسط البلاط: نعم. إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. فلما سمع هذه الكلمات غضب وحلف بآلهته ألا يخرج حتى يحمل تراباً، فحمل على رأسه التراب ودخل به على القائد الأعلى سعد بن أبي وقاص، فتبسم سعد وفرح لما رأى التراب وهي بشائر النصر، وقال وعيناه تدمع: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} [الدخان:25 - 27] وبعد ثلاثة أيام اجتاح الحق الباطل ودمر جيش الكفر جميعاً، ودخل المسلمون المدائن وأتى سعد إلى قصر العمالة والضلالة، إيوان كسرى وقال وهو يكبر: الله أكبر. فانصدع الإيوان، ثم قال سعد مرة ثانية: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} [الدخان:25 - 27].

عزة المسلم

عزة المسلم جاء الجاهليون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن كنت تريد ملكاً ملكناك، وإن كنت تريد زوجة زوجناك، وإن كنت تريد عطاءً أعطيناك. قال: لا. وفي أثر عنه أنه يقول: [[والله لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه]] وبالفعل بعد ثلاثين سنة أشرف جيشنا على نهر اللوار، وعلى نهر الجنج وسمرقند وبخارى وتركستان، وأخذ خطيبنا يتكلم على منبر السند، ووقفنا على ضفاف نهر اللوار في فرنسا، يقول الغافقي وهو يخاطب الماء: يا نهر أوراءك قوم؟ ولكن الماء لا يتكلم. هذه رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم يريد إنقاذ العالم.

معركة أحد

معركة أحد يأتي صلى الله عليه وسلم في معركة أحد بجنود، ولكن كل واحد منهم قرآن يسير على الأرض، والجندي يوم تغرس في قلبه شجرة الإيمان تؤتي أكلها في كل حين بإذن ربها، فهو منضبط مع قيادته، وهو طائع لرياسته، وهو واعٍ لمصيره ومستقبله، وهو حافظ لأمانة أمره، وهو طائع لولاة بلاده، ويوم يتخلى الجندي أو الفرد أو أي مستوى من الناس عن إيمانه فهو خائن مع الله، خائن مع رسول الله، خائن مع دين الله، خائن مع ولاة أموره، خائن مع بلاده وقادته، لأن هذا الإيمان يربطك بالله الواحد الأحد، ثم يربطك بالإسلام ديناً، ثم يربطك بولاة أمور المسلمين، ثم يعلمك الآداب والخلق والحب والإيمان والطموح.

الخروج إلى المعركة

الخروج إلى المعركة أتى صلى الله عليه وسلم في معركة أحد فقال: نقاتل الأعداء داخل المدينة، لأن أبا سفيان أتى بجيش يريد اقتحام عاصمة الإسلام، قال: نريد أن نقاتلهم داخل المدينة، فقام أحد الجنود الذين تربوا على سورة آل عمران وسورة البقرة. وجيل لا يتربى على هذه السور وعلى هذا المصحف. سوف يكون جيلاً ضعيفاً مهزوماً ضئيلاً متخلفاً، فقام هذا الجندي يبكي وهو شاب في العشرين وقال: يا رسول الله! لا تحرمني دخول الجنة، اخرج بنا إلى الأعداء، فوالله الذي لا إله إلا هو لأدخلن الجنة. فيتبسم عليه الصلاة والسلام ويقول: بم تدخل الجنة؟ -بشهادة أم بمؤهل أم برتبة عسكرية؟ لم يقلها الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هذه افتراضات- قال: بماذا تدخل الجنة؟ قال: بخصلتين اثنتين قال: ما هما؟ قال: بأني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف، فقال صلى الله عليه وسلم إن تصدق الله يصدقك. إن كان الله يعلم أنك تريد هذا المبدأ فوالله لتجدن الشهادة ولتذوقنها، ووصل المسلمون إلى أحد قريباً من المدينة، وهذا الرجل الذي يحب الله ورسوله قلبه معه ولا يفر يوم الزحف، ولبس هذا الجندي أكفانه، والله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] ويقول سبحانه: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] فلما وصلوا إلى هناك أتى هذا الجندي فقاتل حتى قتل، وتفقد صلى الله عليه وسلم جنوده البواسل، فوجد هذا الجندي صريعاً على التراب، فقبله وبكى عليه وقال: صدقت الله فصدقك الله. عبد الله بن عمرو الأنصاري يحضر المعركة فيكسر غمد سيفه، وكسر الغمد عند العرب معناه ساعة الصفر، خطر ممنوع الاقتراب، معناه أنه لا يريد الحياة ولا يريد أن يرجع مرة ثانية، ثم التفت إلى السماء وقال: يا رب! إن كنت تعلم أني أحبك فخذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى. يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أعلى غاية الجود إن كثيراً من الناس اليوم يسمونهم في الساحة شهداء الفن، شهداء المسرح، والله إنهم شهداء الضلالة والعمالة، شهداء التخلف والتبعية، شهداء الفكر والفن العفن الذي ما عرف الله، شهيد يموت على فتاة! شهيد يقتل على كأس! شهيد على مسرح! إن الشهيد هو الذي يموت للمبادئ الأصيلة، لترتفع لا إله إلا الله محمد رسول الله في الأرض. قال: خذ من دمي اليوم حتى ترضى، فضرب لكنه ما طعن بوخزة، إنما طعن بثمانين بل أكثر، قال أنس أكثر من ثمانين ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، فألقى جثمانه لكن روحه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30].

تربية الروح

تربية الروح يا أيها الجندي المسلم إن هذه الروح لابد أن تهتم بها أكثر مما تهتم بالجسم، لقد وجد في أوساطنا -يا أيها الجنود البواسل- من يهتم بجسمه ونظارته وملابسه وقصره وسيارته أعظم مما يهتم بروحه. يقول أحد المربين واسمه أبو الفتح: يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح فاستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان والله عز وجل لا ينظر إلا إلى القلوب، جاء في صحيح مسلم: {إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى أعمالكم وقلوبكم} هذا القلب يوم أن يصدق ويخلص إيمانه يرزقه الله أكثر مما يتمنى. قتل عبد الله بن عمرو بن حرام بثمانين ضربة، فأتى ابنه يبكي وهو مقتول فقال عليه الصلاة والسلام: {ابك أو لا تبك على أبيك، والذي نفسي بيده، ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعته} ثم قال عليه الصلاة والسلام: {يا جابر! والذي نفسي بيده لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان} والحديث حسن، فيقول الله لهذا الجندي الذي قتل شهيداً: تمن علي فيقول: -وانظر إلى الأمنية- أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون فتمن. قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال الله عز وجل: فإني أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبدا، فجعل الله روحه وأرواح إخوانه في حواصل طير ترد الجنة فتشرب من مائها وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش حتى يرث الله الأرض ومن عليها. ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا

تذكير بالماضي

تذكير بالماضي يا أيها الأمة الخالدة! يا أبناء الذين حملوا الهداية للبشرية! أجدادكم ماتوا على ضفاف نهر اللوار ونهر الجنج وسمرقند، أجدادكم رفعوا لا إله إلا الله، قتيبة بن مسلم يدخل كابل، كابل التي أبى الشيوعي أن يتركها، كابل التي هدمها الشيوعي بطائراته وبزحفه الأحمر وبدباباته، وهدم مساجدها، وقتل أطفالها، ومزق أعراضها، لأنه ما وجد مثل قتيبة يحمل الإيمان والحب والطموح. وقف القائد المسلم قتيبة الباهلي على كابل يحاصرها، فلما انتظر وبقي على المعركة يوم أو يوم ونصف، قال: أين محمد بن واسع؟ محمد بن واسع العابد الزاهد خرج مع الجيش، قالوا: لا ندري أين هو. قال: اخرجوا والتمسوا لي محمد بن واسع، فإني أرجو الله أن ينصرنا بفضله ثم بدعاء هذا الرجل الصالح. عرف قتيبة أنه لا يمكن أن يدخل هذه المدينة ويخترق الأسوار إلا بدعاء الصالحين، فالتمسوا محمد بن واسع فوجدوه يصلي الضحى، وقد وضع رمحه ورفع سبابته إلى الحي القيوم الذي ينزل النصر، فرجعوا إلى قتيبة فأخبروه الخبر، فدمعت عينا قتيبة وقال: والله الذي لا إله إلا هو! لأصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير ومن مائة ألف شاب طرير. لماذا؟ لأن النصر من عند الله، وانهزم أعداء الله ودخل قتيبة كابل. ثم رجع الناس يخبرون الخلفاء، فيقول أحد العلماء: من القتلى؟ قالوا: فلان وفلان وفلان وأناس لا نعرفهم. فبكى هذا العالم وقال: ولكن الله يعرفهم.

تبليغ الدين للبشرية

تبليغ الدين للبشرية أنتم أبناء الذين حملوا الإيمان للبشرية، إن البشرية لا تنتظر منا صناعة، فلقد بلغوا من الصناعة ما بلغوا، بنوا لنا هذه الصالات، وقدموا لنا هذه الماسات وهذه الطاقات وهذه الخدمات، فهم شهدوا وتفوقوا في الشهود. منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا نصنع السيارة من دمر العمال في بولندا ومن أتى بالرق في يوغندا من دمر البيوت في نزاكي من ضرب اليونان بالأتراك من الذي ناصر إسرائيلا حتى تصب عنفها الوبيلا إنهم ينتظرون منا إيماناً ينقذون به أنفسهم من النار، يقول كريسي موريسون الأمريكي، في كتاب الإنسان لا يقوم وحده: يا أيها المسلمون! لقد قدمنا لكم ملاذ الحياة، البرادة والسخانة والثلاجة، ولكنكم ما قدمتم لنا غذاء الروح الذي هو الإيمان، وقفت البشرية وجربت نفسها وأحرقت أوراقها في الساحة، فما وجدت لها منقذاً إلا الله الواحد الأحد. قال ابن تيمية: أرض لا تشرق عليها شمس الرسالة فهي أرض ملعونة، وقلب لا يشرق عليه شمس هذا الدين فهو قلب مغضوب عليه، ومن اعتقد أنه سوف يهتدي بهدىً غير هدى الله الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين كائناً من كان، لأن معناه أنه يخالف العقل والنقل والحس والعادة، فلا والله ليس هناك منقذ إلا الإيمان، تحملونه رسالة، فإن علومنا هذه رسائل، وغايتنا أن نرفع لا إله إلا الله محمد رسول الله في الأرض. ولقد جربت الساحة المذاهب الضالة، كان تيتو في يوغسلافيا يريد أن يبعث بعثاً جديداً في العالم ويكون رئيسهم، فسحق لأنه ضال، وأحرق الشباب في أتون الحرب، وأتى هتلر قبله النازي المجرم، فذبح الناس بالحديد والنار؛ لأنه لا يريد بقاء الإنسان وحياة الإنسان. قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا هم القتلة، ولذلك نظموا منظمة اليونسكو وقالوا: لحفظ حقوق الإنسان، قاتلكم الله، أتحفظون حقوق الإنسان وأنتم الذين ضيعتم حقوق الإنسان؟! والله لا يحفظ حقوق الإنسان إلا الجندي المسلم يوم يملأ قلبه بالإيمان. أفريقيا تسحق، أفغانستان تسحق، فلسطين تسحق، وإذا قتل كلب في أمريكا احتجوا وعقدوا مجلس الأمن أو هيئة الأمم المتحدة. أنتم الأمة الخالدة، إنقاذ العالم على أيديكم لكن بشرط أن تتقوا الواحد الأحد. المعاصي تسحقنا وتدمرنا وتؤخرنا، وتطمس ذكاءنا وفهمنا ومعارفنا. يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلو الإنسان خابوا مالهم إلا الرماد جثث البرايا منهمو في كل رابية وواد إن حياة الإنسان مرهونة بكم، ولكن أنتم مرهونون بالإيمان.

مرض الشبهات

مرض الشبهات والذي أريد أن أقوله في ختام هذه الكلمة مسألتان: الأولى: مرض الشبهات. الله الله في الانتباه لهذا المرض، فهو مرض خطير فتاك، ولكنه يودي بالدين وتصبح بعده صفراً في عالم الإيمان والأخلاق والسلوك.

الشبهات مركب إلحادي

الشبهات مركب إلحادي ومرض الشبهات مركب إلحادي دبر من عهد إبليس لعنه الله، ومر بفرعون وبـ أبي جهل ووصل إلى استالين ولينين وماركس في روسيا، وهو مركب فصل الإنسان عن الله الواحد الأحد، تنكر الإنسان لربه تبارك وتعالى، جهل الإنسان بدينه وصلاته، مسلم لكنه لا يصلي، أهو مسلم؟ أيراد منه خير ونصر؟ لا والله، إنما هو التدهور لكل بلادٍ فيها هذا الجندي، وخيانة لكل القادة ولولاة الأمر، وانحراف عن منهج الله في الأرض. مركب الإلحاد هو الذي وزع هذه الكلمات التي تستهزئ بالدين، مركب الإلحاد أرانا الكافر وكأنه عظيم والمسلم ليس بعظيم، أرانا الأجنبي وهو شيء آخر؛ كأنه ملك يمشى على الأرض؛ لأنه أتى من أمريكا أو فرنسا أو بريطانيا. أرانا الأجنبي وكأن عقله ليس من عقول الناس، يحترم وينظر إليه بعلو؛ لأننا ننظر إلى أنفسنا وكأن ما عندنا شيء، مع أن عندنا كل شيء، وهذا ليس عنده شيء، يقول الله تعالى كما أسلفت في الآية: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف:33] يقول: يا أيها المؤمنون! لا تغتروا بعلو الكافر في الأرض، فإنه لولا أن المؤمن قد ينحرف لأعطينا الكافر قصوراً من ذهب خالصٍ ومن فضة خالصة: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35] اترك الكافر يأخذ ما يريد ويتملك ما يريد، لكنه لن يتملك الإيمان؛ فالإيمان عملة صعبة، لا توجد إلا لمن يتقي الله عز وجل.

الاستهزاء بالدين من الإلحاد

الاستهزاء بالدين من الإلحاد مركب الإلحاد هو الذي أوجد في أوساطنا قوماً يتكلمون بالإلحاد، أحدهم يستهزئ بالدين ويقول يوم أن نسي الله وموعوده ولقاءه والعرض عليه، يقول لأحد السلاطين البشر الحشرات الذين لا يملكون ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، وهو شاعر اسمه ابن هانئ الأندلسي، يقول لأحد السلاطين: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار سبحان الله! تعالى الله عما يقول ذاك المجرم علواً كبيراً، وعندما قال هذه الكلمة ابتلاه الله بمرض عضال على فراشه، حتى صار ينبح كما ينبح الكلب ويقول في بيتين حزينين: أبعين مفتقر إليك نظرت لي فأهنتني وقذفتني من حالقِ لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق وأحد المجرمين الآخرين استقبل في دمشق وحمل على الأكتاف، وهو بشارة الخوري، لما نزل في مطار دمشق استقبلته القومية العربية وصفقت له، فكان أول قصيدة ألقاها أن استهزأ بالإسلام، يقول: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم لعن الله الخبث والتخلف والفكر العفن، يقول: أعطوني ديناً ليحكمنا بدون إسلام إذا كان الإسلام يفرق بيننا، لكن أراه الله في الدنيا والآخرة {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16]. ورجل آخر وهو إيليا أبو ماضي، لما نسي الله ونسي موعوده ولقاءه، قال في أبيات له: جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!! ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!! كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري!! ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!! سبحان الله! ما يدري والله تعالى يقول: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3]. {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:6 - 8]. {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7]. {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79]. مركب الإلحاد وجد وانتشر بين الشبيبة، وأخذ من هنا يطعن في الإسلام، وهذه حرب ماسونية وزعتها الصهيونية العالمية، وتذيعها هيئة الإذاعة البريطانية، فهي حرب أن يوجد في المجتمع رجال دين ورجال آخرون ليس لهم دين ولا هم لهم، متطرفون والبقية وسط، فالمغني ليس متطرفاً، وشارب الخمر ليس متطرفاً، بل هو معتدل، والذي يطارد الحمام والدجاج ومهمته في جمع الطوابع والسباحة وركوب الحمير ليس متطرفاً، أما الذي يحمل أصالته وعمقه ومبادئه وحماية دينه ومقدساته فهو متطرف، عجيب! أهذا حكم؟! أهذه أصالة؟! هذه عمالة وجهالة وضلالة. ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني

مرض الشهوات

مرض الشهوات ومركب الشهوات وهو أخطر، مركب الشبهات أتانا من روسيا من موسكو، ومركب الشهوات أتانا من بلاد الغرب، وهو يقدم المرأة الخليعة الفاجرة الماجنة، والمجلة السافرة الفاتنة، والأغنية الماجنة أيضاً. الشبهات مرض اعتقادي، أما الشهوات فهو مرض عملي، وذلك مثل المعاصي الكبرى التي ابتلي بها الشباب.

الانبهار بالغرب

الانبهار بالغرب يذهب أحدهم إلى أوروبا وإلى أمريكا فيجد السبل مفتوحة، يأتي إلى أشياء بسيطة من التعامل والانضباط في حياة الأمريكان والإنجليز، فيأتي ينقلها لنا ويقول: ما رأيت أمة مثلهم في الانضباط، يقفون طوابير عند المطارات وفي الدخول إلى الصالات، ونسي جرائمهم التي هي مثل الجبال الرواسي، جرائم مخالفة الواحد الأحد، جرائم اختلاف الأنساب وهتك الأعراض، الزنا وشرب الخمر وضياع القيم، القتل والإبادة والنهب والسلب. فواحش قد أظلمت منها السما والأرض منها أوشكت أن تقصما هذه الفواحش نسيها وأتى إلى عالم الانضباط. أهل العراق وما أدراك ما أهل العراق؟! أتوا إلى ابن عمر وهو يفتي الناس في الحج، فقال عراقي في رأسه ورع بارد والورع البارد موجود عند بعض الناس، قال لـ ابن عمر: بـ ابن عمر! قال: نعم. قال: ما على المحرم إذا قتل بعوضة؟ ما هي الكفارة والفدية إذا قتل المحرم بعوضة؟ قال ابن عمر: من أين أنت؟ قال: من أهل العراق. قال: قاتلكم الله يا أهل العراق، تقتلون الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأتون تستفتونني في ذباب أو في بعوض! هذا ورع بارد، يأتي بعض الناس من هناك فيخبروننا ببعض الانضباط في المواعيد وأن الأمريكان أمة صادقة، أمة مخلصة منضبطة، أمة تقهر شهواتها، ولكن نسي هذه الجرائم، فهذا من مرض الشهوات وهو نفاق عملي ليس اعتقادياً.

المجلة الخليعة

المجلة الخليعة مرض الشهوات ينتشر في المجلة الخليعة، أن تتداول بين شباب الإسلام، شباب مراهق، شباب ما امتلأ قلبه بالإيمان، شباب ليس عنده نوافل، شباب لا يعود إلى زوجة عفيفة على كلمة الله عز وجل وعلى حكم الإسلام فيأتي ويصل إلى الجريمة، ولذلك تتداول المجلة الخليعة في بعض الأماكن أكثر من المصحف ومن صحيح البخاري وصحيح مسلم. الأغنية الماجنة تأتي مكان القرآن الكريم، فتسمع صباح مساء، وكوكب الشرق تقول: هل رأى الحب سكارى مثلنا ويستمعها بعض الناس ويقول: ما أبلغ هذه الكلمات! لا. ما رأى الحب فاشلين ولا متخلفين مثلكم، وحبكم ليس من الحب الذي يريده الله عز وجل، الحب أن تحب الله ورسوله والمبادئ الخالدة الأصيلة، ولذلك يقول أحد الفنانين: يا من هواه أعزه وأذلني كيف الوصول إلى سبيلك دلني الوصول يكون على طريقك عن يسارك إلى النار، إن لم تتب إلى الله الواحد القهار، فإن الذلة والاستخذاء للمسرح وللمرأة وللكأس ليست رسالة المسلم، هذا المسلم فكيف إذا كان جندياً؟ أنت أيها الجندي يُنظر إليك نظر اعتبار في مجتمعنا، وفي كل المجتمعات، ينظرون إليك وكأنك درع وخوذة، وأنك أنت الذي تدفع غارات الأعداء وتحافظ على أمانة رسالة الإسلام، وتعد نفسك لتدفع دمك رخيصاً في سبيل الله لا في سبيل أحد، لأن من يدفع دمه في سبيل أي أحد يدخل النار، يقول أبو موسى: {يا رسول الله! الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله}. فأنت يُنظر إليك وكأنك المعلم البارز، أو كأنك السياج، أو أنك بعد الله عز وجل تدافع بدمك وروحك لكن في سبيل الله، فالله الله لا تطفئ لموعك وحبك وإيمانك وطموحك بالشبهات أو بالشهوات. يا أمة الأصالة! يا أمة الرسالة! يا أمة العمق وأمة الحب والإيمان والطموح بمعناه الأصيل! أنتم الآن مرشحون لقيادة البشرية، لكن بشيء واحد وهو الإيمان، بالإيمان الذي يوصلك إلى معالم الإيمان وعمل الإيمان ومزاولة الإيمان، ليس إيمان غلاة أهل الصوفية الذين يقول أحدهم: لا أصلي. قالوا له: صلِّ قال: لقد وصلت. قالوا: كيف وصلت؟ قال: يقول الله عز وجل: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] فإذا أتاك اليقين فقد قضيت ما عليك وقد أتاني اليقين، وهو كاذب على الله، فاليقين في هذه الآية عند أهل السنة والجماعة معناه الموت، واعبد ربك حتى يأتيك الموت، لا فسحة للمؤمن من عبادة الله حتى يأتيه الموت. فالإيمان الذي يراد من هذا الكلام إيمان يحملك في صلاة الفجر -والصقيع يتهدر عليك، والثلج يتساقط عليك- إلى المسجد لتعلن قوة إيمانك. أخبرني بعض الإخوة أن زميلاً له ذهب إلى لندن ليدرس هناك، واشتد الشتاء هناك وتساقط الثلج، فكان يقوم هذا الرجل في ساعة واحدة مع صلاة الفجر ليصلي الصلاة، ويأتي إلى صنبور الماء فيتوضأ ويذهب إلى المسجد، فيصلي ويعود، وكانت هناك عجوز تلحظه دائماً، فأخذت تسأله وتقول: مالك تذهب في هذه الساعة؟ قال: لأصلي. قالت: ما هي الصلاة؟ قال: ديني يأمرني بهذا، قالت: أخرها، أو أجلها قليلاً لوقت الدفء. قال: هذا وقتها ولن أؤجلها. فأخذت تضحك وتهز رأسها وتقول: هذه إرادة تكسر الحديد. إن الذي لا يذهب لصلاة الفجر في شدة الثلج والبرد سوف يفشل في المعركة، وهو أول من ينهزم، وأول من يسلم بلاده وتراثه ومجده وكرامته، لأنه ما أعلن صموده ولا صبره مع الرسالة الخالدة والمبادئ الأصيلة. أيها الإخوة: أشكر الله عز وجل أن أجلسني أمام هذه الطلعات المؤمنة، التي تبشر بالخير للإسلام والمسلمين، والتي تعلن بتفوق أن المستقبل لهذا الدين، والتي تخبرنا أن هناك أياماً تستقبلنا بيضاء إن شاء الله، لنعيد مجد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وصلاح الدين. سلام الله عليكم، وشكر الله لكم حسن استقبالكم وضيافتكم وحفاوتكم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة .

الدعوة إلى الله تعالى

الدعوة إلى الله تعالى Q هل الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم في هذا العصر؟ A الحمد لله، نعم الدعوة الإسلامية واجبة على كل مسلم في هذا العصر، ولكن بحسب الطاقة والقدرة، وبحسب المواهب والاستعداد، قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] وقال تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60]. وليست الدعوة في الخطابة أو إلقاء المحاضرات والدروس فحسب، بل الدعوة مضمار طويل، والدعوة طريق طويل، والدعوة حديقة غناء، كل إنسان في الإسلام له دور في الدعوة، فالقائد يوجه سريته وجيشه وكتائبه إلى لا إله إلا الله، ويبث روح الإيمان فيهم فهو داعية من أكبر الدعاة، والجندي المخلص المؤمن الذي يؤدي رسالته، وينضبط بأخلاقه وسلوكه، ويحترم دينه ومبادئه وقادته ويطيعهم في طاعة الله، هو داعية من أكبر الدعاة، وخطيب الجمعة الذي يؤصل المعلومات والوعي إلى الناس هو داعية أيضاً، والمفتي داعية، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر المحتسب أمام البقالات والدكاكين والأسواق داعية، ولكن لابد أن يعرف الإنسان مستواه، وما هو المكان الذي يجيد فيه ليكون داعية، ولا تسقط الدعوة عن المسلمين.

التوازن في حياة المسلم

التوازن في حياة المسلم Q المطلوب التوازن في حياة المسلم، كيف يتحقق هذا التوازن في حياة المسلم؟ A نحن أمة التوازن والعموم والشمول والوسطية، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] يقول سيد قطب ذلك العالم العبقري المفكر رحمه الله: أمة وسط في المعتقد، فلا نغلو في الأنبياء غلو النصارى، ولا نجفو الأنبياء كما جفاهم اليهود، أمة وسط في الحب والجمال، فلا ننكر الحب ولا ننكر الجمال، ولا نسحق الحب ولا نسحق الجمال، ولا نعبد الحب ولا نعبد الجمال في الطرف الآخر، لكننا نجعل الجمال ونتفكر به جمالاً حلالاً مباحاً يوصلنا إلى رضوان الله، أمة وسط في الأدب، فلسنا بالأمة التي همها الموسيقى ترقص عليها وهي رسالة لها، وليست بالأمة كذلك التي تجفو وتتجانب، بل أمة تبتسم للدعابة، أمة قريبة من القلوب، أمة ذات بشاشة. التوازن في حياتك كفرد لابد أن تعرف هذا، ولا يعرفك هذا مثل القرآن والسنة النبوية، أكبر من عرف التوازن بل أكبر من عرف الإصلاح في العالم هو محمد عليه الصلاة والسلام، تقرأ القرآن فتعرف التوازن. فتتزن في عبادتك، فلا تكون كالعابد الراهب في صومعة، تتخلص من الحياة وتفر من مشاكل الأسرة، ثم تحرم جسمك حقوقه المباحة، فتذهب هناك لتكون من الذين قال الله فيهم: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد:27] ولا تفعل كما فعل اليهود، يتركون تربية الروح ويتركون القرآن والقيم، وينغمسون على رءوسهم في الشهوات يوم قال الله فيهم: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] وأحسن حديث في هذا الجانب قوله صلى الله عليه وسلم: {إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولضيفك عليك حقاً، فأعط كل ذي حقٍ حقه}.

الصوفية

الصوفية Q ما هي الصوفية؟ ومن هم أبرز دعاتها اليوم في العالم؟ A الصوفية مذهب تنظيري وعقدي وعملي قديم، نشأ فيما يقارب آخر القرن الثالث، وهذا الاسم لم يعرف عند الصحابة، فالصحابة فيهم زهاد وعباد ومجاهدون وشهداء، ولم يكونوا يعرفون هذا الاسم، وقد ألفت له مدارس وكتب، كـ إحياء علوم الدين، والرعاية للحارث المحاسبي، وكتاب قوت القلوب لـ أبي طالب المكي، ثم تطور التصوف إلى مشربين: مشرب ماجن إلحادي خبيث، يتزعمه ابن عربي صاحب فصوص الحكم وصاحب الفتوحات المكية، وكان يدعي أن الله حل في الأشياء، تعالى الله عما يقول، ولذلك لعنه أهل العلم إن لم يتب من هذه المقالة، وقال الذهبي: إن لم يكن في كتبه كفر فما في الدنيا كفر. ومذهب آخر عطل الناس عن الحياة، وعما أباح الله لهم، وعن رفع الرسالة وتعليم الناس، وهو كذلك مذهب متخلف حقير. والتصوف ليس من الإسلام بصورته التي ذكرت، الإسلام فيه زهد وعبادة ترقٍ بالنفس وروحانية، لكن على الكتاب والسنة، الإسلام دين الجمال والإبداع والروعة والخدمة ودين يشمل نواحي الحياة، أما هذا الانزواء والدروشة فالإسلام بريء منها.

حال حديث (غزوة في البحر)

حال حديث (غزوة في البحر) Q ما صحة هذا الحديث: {غزوة في البحر تعدل عشر غزوات في البر}؟ A هذا الحديث ليس بصحيح، وإنما ذكر صلى الله عليه وسلم الغزاة في سبيل الله إجمالاً في البر والبحر، ونحن كما يقول الأستاذ علي الطنطاوي في كتاب قصص من التاريخ: سلوا كل سماء في السماء عنا، وسلوا كل بحر في البحر عنا، وسلوا كل بر في البر عنا، نحن أمة الإيمان، فأنت بجهادك وتضحيتك مأجور مشكور، سواء أكنت في البر أم في البحر أم في الجو.

البدء في الدعوة بالأهم فالمهم

البدء في الدعوة بالأهم فالمهم Q نلاحظ دائماً أن بعض شيوخ المسلمين يركزون على عدم حلق اللحية وتقصير الثوب قبل أن يدعوا إلى عماد الدين وأساسه وهي الصلاة، ألا ترى أن الشيء الثانوي يمكن أن يطبق بعد أن يطبق الشيء الأساسي كالصلاة والصوم والحج مثلاً؟ A الداعية المسلم لابد أن يكون منهجه منهج القرآن والسنة المحمدية على صاحبها الصلاة السلام، فيعطي للقضايا مساحة لا تتجاوزها، كل قضية يعطيها حجمها، فالقرآن أعطى العقيدة ثلاثة أرباع المصحف، وأعطى الذنوب والخطايا والإصلاحات قدرها، فالغيبة لها آيتان، والحسد له آيتان، واتباع السنة له آيات. فقضية أن يهول الإنسان أو يضخم بعض القضايا ليس بصحيح، وقضية أن يطمسها تماماً ليس بصحيح، لكنه يقدم الإسلام على شكل أولويات، فيبدأ بالعقيدة وبالفرائض، ثم بالواجبات، ثم بالسنن والمندوبات، ثم بالآداب العامة والمروءات، هذه هي الصورة المطلوبة، والدعاة يظهر من الاستقراء لأحوالهم عبر التاريخ أنهم على ثلاثة أقسام: طرفان ووسط: الطرف الأول: رجل يدعو إلى هذه الأمور الصغيرة، فيحجمها ويجعل الإيمان والكفر والولاء والبراء عليها، يرى أنه لا يدخل الإنسان في أهل السنة والجماعة حتى يربي اللحية ويقصر الثوب ويحمل سواكاً معه، ويتكلم دائماً في اللقاءات العامة عن هذه القضايا، وينشرها ويترك ما هو أكبر منها، الخمر يزاول ويداول، والزنا منتشر، والربا منتشر، وكذلك ترك الصلوات والمخالفات، فيجعل هذه القضايا همه دائماً، وهذا قد تطرف في هذا الجانب. الطرف الثاني: رجل يقول: نبدأ نحن بالمعتقد وأما هذه فلا علينا منها، هذه السنن إنما هي قشور، وهذا قد أخطأ كذلك كما أخطأ الأول. أما المتوسط: فهو الذي يعطي الأمور حجمها وطبيعتها ورسالتها، يضخم ما ضخمه الإسلام، ويعطي كل شيء قدره الذي أنزله الله عز وجل. فنحن نقول لهذا الداعية: عليك أن تدعو إلى هذه الأمور، لكن لا تنس هذا الجانب، لا تنس جانب سلوكه صلى الله عليه وسلم وخلقه قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].

حديث: (احفظ الله يحفظك)

حديث: (احفظ الله يحفظك) Q فضيلة الشيخ! معظم من هم أمامك الآن من الشباب، ولفضيلتكم شرح عظيم لحديث: {احفظ الله يحفظك} حبذا لو حدثتنا عن ذلك؟ A كأن الأخ السائل يريد محاضرة جديدة اليوم، وفيما سمعتم الكفاية، ومن أراد الشريط فسوف يجده إن شاء الله، ومن تيسير الله لهذا الدين أن يسر الكتاب الإسلامي، والداعية الإسلامي، والشريط الإسلامي. وحديث: {احفظ الله يحفظك} من أعظم الأحاديث في الإسلام، وكان العلماء إذا ودع أحدهم الآخر أوصاه بهذا الحديث، وهو في الترمذي بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} هل يستطيع أحد أن يقول مثل هذا الكلام؟ بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا أم المعاني اللواتي قد أتيت بها أرى بها الدر والياقوت متصلا هذا لفظ من أوتي جوامع الكلم، وأنا لا أستطيع في هذه العجالة أن أشرح الحديث، ويرجع في شرحه إلى ابن رجب في جامع العلوم والحكم، ولكن عليكم أن تكتبوا على صفحات قلوبكم: {احفظ الله يحفظك}.

خصلتان لدخول الجنة

خصلتان لدخول الجنة Q ما هي الخصلة الثانية لدخول الجنة؟ A نعم. الأولى أنه يحب الله ورسوله، والثانية أنه لا يفر يوم الزحف.

مقتطفات من شعر الشيخ عائض

مقتطفات من شعر الشيخ عائض Q متى بدأت موهبة الشعر عندك يا شيخ، نرجو أن تختار لنا قصيدة من قصائدك؟ A أولاً: الشعر إذا لم يستخدم في طاعة الله عز وجل ولا يسير به الإيمان فهو كلام مصفف، ويكون نتيجة عكسية على صاحبه، ضياع في الحياة، وضياع بعد الحياة، وضياع في القبر، وضياع في الصراط. بدأت من الثانية متوسطة لكنها ضعيفة ككل البدايات، وأنا أختار بعض القصائد، ومما يناسب أنني أعرف أن بعض الإخوة وبعض الأفراد قد كان له سفر إلى بلاد الغرب، أو رأى تلك المجتمعات الغربية أو سمع عنها، وأنا قد ذهبت إلى أمريكا في مؤتمر الشباب العربي المسلم في أوكلاهوما، وكان لي في هذا المؤتمر الذي حضره ما يقارب خمسة آلاف شاب مسلم عربي، لا أقول عربي قومية، ولكن كان طبيعة المؤتمر أن يدار باللغة العربية، وكان لي فيه قصيدتان، قصيدة جدية اسمها: أمريكا التي رأيت، وقصيدة هزلية اسمها: نشرة الأخبار، أما أمريكا التي رأيت، فمنها هذه الأبيات: يا أمة ضرب الزمان بها جموح المستحيل وتوقف التاريخ في خطواتها قبل الرحيل سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل وسقت شفاه الوالهين سلافة من سلسبيل يا أمة كم علقوا بكيانها خيط الخيال وهي البريئة خدرها فيض عميم من جلال شاهت وجوه الحاقدين بكف خسف من رمال موت أتاتورك الدعي كموت تيتو أو جمال يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلي الإنسان خابوا ما لهم إلا الرماد جثث البرايا منهم في كل رابية وواد ما زرت أمريكا فليـ ست في الورى أهل المزار بل جئت أنظر كيف ند خل بالكتائب والشعار لنحرر الإنسان من رق المذلة والصغار وقرارنا فتح مجيد نحن أصحاب القرار ورأيت أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسام قد زادني مرأى الضلا ل هوىً إلى البيت الحرام وتطاولت تلك السنون فصار يومي مثل عام ما أرضهم أرض رأيت ولا غمامهم غمام أما الهزلية فأقول بعض الأبيات: يقول عائض هو القرني أحمد ربي وهو لي ولي مصلياً على رسول الله مذكراً بالله كل لاهي قد جئت من أبها صباحاً باكرا مشاركاً لحفلكم وشاكراً وحملتنا في السما طيارة تطفح تارة وتهوي تارة قائدها أظنه أمريكي تراه في هيئته كالديك يا سائل الأخبار عن أمريكا اسمع رعاك الله من يفتيكا وهذه أخبار هذه النشرة مسافة السير ثلاث عشرة من الرياض عفشنا ربطنا وفي نيويورك ضحىً هبطنا أنزلنا في سرعة وحطنا وقد قصدنا بعدها واشنطنا ثم ركبنا بعدها سيارة مستقبلين جهة السفارة منزلنا في القصر أعني ريديسون يا كم لقينا من قبيح وحسن في بلد أفكاره منكوسة تثقله بصائر مطموسة يقدسون الكلب والخنزيرا ويبصرون غيرهم حقيرا ما عرفوا الله بطرف ساعة وما أعدوا لقيام الساعة فهم قطيع كشويهات الغنم جد وهزل وضياع ونغم فواحش قد أظلمت منها السما والأرض منها أوشكت أن تقصما من دمر العمال في بولندا ومن أتى بالرق في يوغندا من دمر البيوت في نزاكي من ضرب اليونان بالأتراك من الذي ناصر إسرائيلا حتى تصب عنفها الوبيلا استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا نصنع السيارة ومنها: ومعنا في صحبنا العجلان أكرم به مع العلا جذلان وصالح المنصور من بريدة يشبه سعداً وأبا عبيدة والشهم عبد القادر بن طاشي ذو القلم السيال في انتعاش فهو أبونا في مقام الترجمة لأننا صرنا صخوراً معجمة سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

عقوبات المعاصي

عقوبات المعاصي إن الله تعالى خلقنا لغاية عظيمة وهي عبادته سبحانه، وأمرنا بأشياء ونهانا عن أشياء، ورتب على كل واحدة منها آثاراً، فكما أن للطاعة آثاراً كذلك للمعصية آثار، فكان على المرء أن يجتنب المعاصي حتى يسلم من آثارها الدنيوية والأخروية.

أهمية بيان آثار المعاصي

أهمية بيان آثار المعاصي الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وإمام المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. عنوان هذه المحاضرة "عقوبات المعاصي" ما غضب الجبار إلا من المعاصي، وما فسدت القلوب ولا قست، ولا تشتت الأرواح، ولا كثرت الهموم والغموم، ولا انقطع الحبل بين العبد وربه، ولا دمرت البلاد، ولا تقاتل العباد، ولا جف القطر من السماء، ولا دعت العجماوات والكائنات على عصاة بني آدم إلا بسبب المعاصي. والمعاصي تورث الذل والهم والغم، وتفسد البصائر والأبصار والمعتقدات. والمعاصي تشتيت وهدم للأسر وللبيوت، وهلاك للشعوب والمعاصي محق للبركة، وانتزاع للعلم، وفسادٌ للقلوب لا يعلمه إلا الله، وقد عد بعض أهل العلم آثار المعاصي وعقوباتها، فأوصلها إلى مائة عقوبة. ولذلك حق على المسلم أن يسمع هذه العقوبات وأن يسمعها أهله، وأن يهدي هذا لأحبائه وأقاربه علّهم أن يتعظوا، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْر النّعم} فلا إله إلا الله كم أفسدت المعاصي! ولا إله إلا الله كم أوجبت من قطيعة بين العبد وبين الله! ولا إله إلا الله كم دمرت من أسر وأفسدت من شباب وخربت من ديار! تلك آثارهم في البلاد، فانظر كيف غضب الله عليهم فأخذهم بالزلازل والبراكين، وبالريح والصيحة والحاصب والطوفان: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13]. وكان لزاماً على المسلم أن يبين لإخوانه آثار هذه الذنوب، فإنه وُجِدَ من الناس -ونسأل الله السلامة- من لم يهتم لهذا الأمر. وكان الإمام أحمد إذا جلس في مجلسه قال: "اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم، فإن العبد بين خطرين اثنين: بين يوم مضى لا يدري هل غضب الله عليه أو رضي، ويمكن أن يكون من المغضوب عليهم، وبين يوم أقبل لا يدري هل يسلم فيه أم يهلك هلاكاً ويعطب عطباً ما بعده عطب". وسر الحياة وسعادتها وبهجتها وزيتنها كلها في رضا الله تعالى وطاعته والعودة إليه، فإذا فاتك هذا الرضا فقد فاتك كل خير، فنعوذ بالله من قلب لا يعي، ومن عين لا تبصر، ومن أذن لا تسمع. ألم تر كيف ذكر الله عز وجل قوماً أعرضوا عنه، فقال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] فحقيق على المسلم أن يتنبه لنفسه، وأن ينجو ببيته وأسرته وقرابته، لقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] وحق على المسلم أن ينصح كل من يقوم عليه أو يتصل به بنسب أو قرابة، قال عز من قائل: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214].

عقوبات المعاصي

عقوبات المعاصي فاسمع إلى عقوبات المعاصي، وقد عدها بعض العلماء، وأنا سأذكر منها ما يقارب الأربعين عقوبة، عل القلوب أن تعي وتفهم، وأن تعلم أن سبب الكوارث والهزائم والفشل والفقر والدمار والتشتت والتمزق كله بسبب المعاصي.

حرمان العلم

حرمان العلم أولها: حرمان العلم. فإن العلم هبة من الله، والفهم عطية منه، والفقه مادته منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يهبها لمن يشاء، والله ربط العلم والفهم بالتقوى، فقال عز من قائل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ} [البقرة:282] وإذا أعطى الله العلم صاحبه، أو علمه حديثاً أو آية أو قضية، أو بصره، أو رده عن خطأ ولم يتعظ؛ سلب الله العلم منه، وأطفأ نوره وشهابه ومصباحه، فجعله في الدنيا في ظلمات، ثم أوعده بظلمات في الآخرة فأهل الظلمات على الصراط إنما هووا على وجوههم في النار؛ لأنهم ما وجدوا نور الطاعة في الدنيا، ولأن ظلمات المعاصي أحاطت بهم. ولذلك قال الله تعالى عن بني إسرائيل لما عصوه وأفسدوا في الأرض واستوجبوا غضبه ولعنته: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} [النساء:155] أي: بمعاصيهم؛ لأن في عنقك يا مسلم عهد من الله، من يوم خلق الله آدم ونثر ذريته كالذر من ظهره أخذ الميثاق عليهم ألَّا يُعبد إلا هو، فأنت قد أعطيت الله ميثاقك مرتين: مرة يوم أخذه من ظهر أبيك آدم، ومرة يوم أرسل لك محمداً عليه الصلاة والسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار} وقد دخلت دعوته إلى كل بيت، فيعز بعز طاعته كل عزيز، ويذل بذل معصيته كل ذليل. فأول عقوبة حرمان العلم، قال الله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة:13]. أتى الإمام الشافعي رحمه الله ليزور مالك بن أنس في المدينة، وهو إمام دار الهجرة، فرأى مالك نور الطاعة على وجه الشافعي، ورأى السمت والوقار، فأخذه بيده وقال: "يا شافعي! إني أرى عليك نور الطاعة فلا تطفئ نور طاعتك بمعصية الله". وذهب الشافعي إلى شيخه وكيع بن الجراح العالم الكبير المحدث، فقال: عظني، ما هو أنفع دواء للحفظ؟ كيف أحفظ القرآن؟ كيف أحفظ الحديث؟ قال: عليك بتقوى الله، وإياك والمعاصي فإنك لن تنسى العلم بمثل المعاصي، قال الشافعي: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي مر أحد الناس فرأى امرأة فنظر إليها، فقال له أحد العلماء: تنظر إلى الحرام! والله لتجدن غبها وعقوبتها ولو بعد حين. قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة. وقال بعض أهل العلم: لما قال يعقوب لأبنائه: {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف:13] أوحى الله إليه: يا يعقوب! خفت الذئب وما رجوتني! فمن الذي يحفظ إلا الله؟ ومن الذي يرعى إلا الله؟ ومن الذي يسدد إلا الله؟. ومن الذي يهدي إلا الله؟ فيقول: يا يعقوب! أرسلت ابنك وما قلت: يحفظه الله وقلت: أخاف أن يأكله الذئب. فأخذه إخوانه فغاب عن أبيه أربعين سنة. قال أحد الصالحين -وهو أبو سليمان الداراني -: إني لأرى وجهي في المرآة كل يوم مرات، أنظر هل اسود وجهي من المعاصي؟! هذا وهو ولي، قائم الليل صائم النهار صادق مع الله مخلص ومع ذلك يأخذ المرآة ينظر هل تغير وجهه. فقل لي بالله! كم أذنبنا! وكم أخطأنا! وكم ارتكبنا من ذنب وخطيئة الله أعلم بها! لكننا أصبحنا لا نشعر، فهم يشعرون لأن فيهم حياة، ونحن لا نشعر لأن قلوبنا قد ماتت من كثرة المعاصي. ولذلك يقول أحد السلف: "إنني لأنكر أخلاق الناس معي بسبب المعاصي" وقال بعضهم: ما فعلت معصية إلا تغير الناس لي، وهذا أمر واقع، وأنت بإمكانك أن تجرب علاقتك مع الناس، وتسهيل أعمالك ومراجعاتك، فإنها لا تسهل إلا بطاعة الله، وإذا تعقدت وتصعبت فبسبب المعاصي فالحذر الحذر! والبدار البدار إلى التوبة! فلا ملجأ من الله إلا إليه بتوبة نصوح. وأبغض الناس إلى الله هم العصاة، فلا يمكن أن يفقههم في دينه أو يعلمهم، ولذلك لا يستفيدون من الموعظة ولا يفهمون، والله ذكر بني إسرائيل فقال: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] فهم عطلوا أمر الله ونهيه وتعاليمه؛ فجعلهم كالحمير لا تفهم ولا تعي، وقال عن عالمهم: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176] ولذلك يقول الأول: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام فتجد الذي يستمع الغناء أو ينظر إلى الحرام كثيراً، أو يأكل الربا، أو يسهر على البلوت وعلى معصية الله، أو يعاشر الفاجرين المعرضين؛ تجده لا يحس بالذنوب، يقول ابن مسعود كما في صحيح البخاري: [[إن المؤمن ينظر إلى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه، وإن الفاجر ينظر إلى ذنبه كأنه ذباب وقع على أنفه فقال به هكذا]] فأسرع الناس اقترافاً للذنوب هم الفجرة، ولذلك تجدهم يستصغرون كبائر الذنوب وسوف يأتي بيان ذلك، فحذار حذار يا من له طريق إلى العلم أو الفهم من المعاصي! نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم من الذنوب والخطايا، وأن يثبتنا حتى نلقاه.

حرمان الرزق

حرمان الرزق الأثر الثاني والعقوبة الثانية من عقوبات الذنب: حرمان الرزق. فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه، كما ثبت ذلك في مسند الإمام أحمد فما تعطل الرزق، وما قلت بركة الناس وبركة بيوتهم ودخلهم، وما كثرت عليهم المتطلبات إلا بسبب الذنوب والمعاصي. ولذلك كان الرزق الهنيء لأهل الطاعة، ولا يهولنك أن تجد فاجراً عنده قصور ودور ونعمة، وعنده شيكات وبنوك ودخل وسيارات، فإن هذه نقمة لا نِعْمَة قال تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} [المدثر:11 - 17]. فلا إله إلا الله كم قلت بركة ورزق من أعرض عن الله! تأتيه الأموال مثل الجبال لكن لا بركة فيها: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:124 - 126].

الوحشة بين العاصي والله عز وجل

الوحشة بين العاصي والله عز وجل العقوبة الثالثة: وحشة بين العاصي وبين الله لا يعلمها إلا الله. فأوحش شيء إلى العاصي أن يجلس وحده مع الله، فتجد العاصي يفر من الوحدة ولا يحب العزلة، بينما كان الصالحون والتابعون والسلف الصالح يجلس أحدهم في غرفة، فيذكر الله تعالى ويسبحه ويكبره، ويستغفره ويدعوه، ويجد اللذة والسكينة وحده أما الفاجر إذا جلس في غرفة وحده فكأن وحشة الدنيا وهمها وغمها اجتمع عليه، فلا يحب الوحدة بل تجده يحب الخلطة مع الفجرة، ويجلس في المنتديات والمقاهي مع المعرضين، ويحب الفكاهات والضحك الطويل العريض لينفس عن نفسه فتجده يضحك من شدقه إلى شدقه ومن أذنه إلى أذنه ويقهقه قهقهة قد تهدد أمن الحارة، فهو أكثر الناس ضحكاً وقهقهة، وأكثر الناس مزحاً فاحشاً وبذيئاً؛ لأن في قلبه غم وذلة وهم وحسرة لا ينفسها إلا الضحك فلذلك كان بين العاصي وبين الله وحشة وبين الطائع وبين الله زلفى وقربى. كان الإمام أحمد يجلس وحده فيقال له: ألا تستوحش؟ فيقول: كيف أستوحش والله يقول: أنا جليس من ذكرني. وكان إبراهيم بن أدهم يجلس وحده في جبل في لبنان فقالوا له: أتجلس وحدك؟ قال: معي الله عز وجل. قالوا: ألا تستوحش في هذا الخراب؟ قال: أنا في العمار وأنتم في الخراب. فهو في الصحراء لكن الله معه. ذكروا عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه كان يخرج من المسجد بعد صلاة العصر وحده إلى الصحراء، فيرفع إصبعه ويذكر الله ويهلل ويكبر، ثم يبكي ويقول: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا وهذا البيت لـ مجنون ليلى، قاله في محبوبته، لكن ابن تيمية حوله إلى الحبيب القريب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فقال: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا ولذلك العاصي دائماً يشعر بالضجر ويريد أن يقضي الوقت في التوافه، حتى إن بعض الناس إذا دخل عليهم رمضان جلسوا في لعب، كلعب البلوت أو الورقة أو ما شابهها، ويأخذون الساعات الطويلة في لعب الكرة، يقولون: نضيع أو نقطع الوقت، ويشعر أحدهم بضجر ويقول: انتابني هم وغم؛ وذلك بسبب معاصيه وإعراضه عن الله تبارك وتعالى.

الوحشة بين العبد والناس

الوحشة بين العبد والناس الأثر الرابع: الوحشة بينه وبين الناس. قالوا: العاصي متهم دائماً، كاد من الريب أن يقول: خذوني. لو تحرك الباب لقال: جاء الطلب، ولو تُكُلم في إنسان لقال هو في. قال الله عن المنافقين: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4] فالعاصي بينه وبين الناس وحشة، فهو يرى أن الطائعين يتهمونه، ويرى أن الناس كلهم يظلمونه ويتحدثون فيه فإذا سمع اثنين يتناجيان قال: فيَّ يتكلمون، وإذا سمع صاحبين يتكلمان قال: فيَّ يختصمون، وإذا سمع حزبين يختلفون قال: فيَّ يتحدثون. فهو دائماً متهم، وهو دائماً مسلوب الإرادة ليس عنده قوة، وبينه وبين الناس وحشة. حتى أنك تجد الذي يتمرد في المعاصي كثيراً ويعيش فيها سنوات لا يحب مجالسة الصالحين ويفر منهم؛ حتى وجد أن بعض الناس ذهب إليه بعض الدعاة في بيته ليحدثه، فخرج من الباب الآخر، وقال لأطفاله: قولوا أبونا غير موجود. ووجد من بعضهم أنه يعتذر عن الوصول، ويعتذر عن حضور الوليمة التي هي للطائعين؛ لأن فيها قرآناً وحديثاً، وفيها سيرة وسلف وأخبار وأخيار، لكن إذا وجدت الربابة والدف والطبل حضر ورقص وشارك بشعوره وتكاتف وتعاون، فهو معرض عن الناس المستقيمين ومقبل على المعرضين لقربه وصلته بهم، فلا إله إلا الله كم بين من أحب الله من قرب وزلفى! {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] نسأل الله أن نكون منهم. ونجد أن المعرضين في الظاهر متعاونون متساعدون، ولكن بينهم من الشنار والعار والدمار ما الله به عليم: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14] فمن أراد الحب والولاء فليتول الصالحين وليقرب منهم، ولذلك عقد النووي رحمه الله: باب زيارة الصالحين والاستئناس بهم وحبهم، والمرء يحشر مع من أحب. أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة

الظلمة في القلب

الظلمة في القلب والأثر الخامس: ظلمة يجدها في قلبه كظلمة الليل. قال ابن القيم: بل أشد من ظلمة الليل. وليس المقصود الذي يقترف السيئة ثم يتوب ويستغفر، إنما المقصود هو الذي انقطع حبله وشرد، كما يقول ابن تيمية في رفع الملام عن الأئمة الأعلام: "وشرد عن الله كما يشرد الجمل الشارد عن أهله. فالمقصود بالعاصي هو الذي تهتك بالمعاصي، وأصبحت له جبلة، وأحبها وآثرها وفكر فيها، واستبدل مكان الطاعات معاصياً حتى إنك تجد مكان المصحف مجلة، ومكان التلاوة أغنية، ومكان السواك سيجارة، ومكان الكتاب الإسلامي مجلة خليعة، ومكان الأخيار والأبرار والدعاة فساقاً وفجاراً يجلس معهم ويهواهم، ومكان المسجد مقهى ومنتدى وجلسة حمراء تُغضب الله عز وجل فلا يزال العبد يفعل ذلك حتى يجد ظلمة في قلبه. قيل لأحد الفلاسفة المعرضين عن الله: مالك لا تتوب إلى الله؟ قال: أحاول دائماً أن أتوب فلا أستطيع، أصبح قلبي ظلمات بعضها فوق بعض. وكان ابن عمر يقول: [[اللهم إني أعوذ بك أن تحول بيني وبين ما أشتهي. لأن الله يقول: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54] قالوا: كيف يحال بينك وبين ما تشتهي؟ قال: أريد أن أقول: لا إله إلا الله، فيحال بيني وبين لا إله إلا الله]] فلا يزال العبد يعصي الله ويتهتك في حدوده ويعرض عن بيوته؛ حتى يحال بينه وبين لا إله إلا الله محمد رسول الله في سكرات الموت، وذكروا أن بعض الناس قيل له في سكرات الموت: قل لا إله إلا الله؛ فحيل بينه وبين لا إله إلا الله، حاولوا وكرروها عليه، رددوا لا إله إلا الله فما استطاع أن يقولها. فظلمة المعصية ظلمة محسوسة وظلمة معنوية يجدها العاصي في قلبه، لكنه لا يستطيع أن يخرجها لأنه ما صمم على التوبة والعودة إلى الله.

تعسير الأمور

تعسير الأمور ومن آثار الذنوب وعقوباتها: تعسير الأمور وتصعيبها. فلا يزال العاصي في صعوبة وفي تعسير الله أعلم بها، بل بلغ ببعض الناس المذنبين الذين تركوا المسجد أن تصعبت أمورهم في وظائفهم وفي أرزاقهم ومكاسبهم، وفي تربية أطفالهم، وأتت عليهم من الكوارث والحوادث والمصائب ما الله به عليهم: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] حتى قال بعض السلف: إني لأجد اختلاف دابتي وعدم تذللها لي بسبب ذنوبي. وقال بعضهم: يلبس العاصي الحذاء فلا تستقيم له إلا بمشقة، والثوب لا يستطيع لبسه إلا بمشقة. فأكبر التكدير من المعاصي، حتى الحركات العادية بسبب المعاصي؛ ولذلك أمرنا بالاستغفار. وكان ابن تيمية رحمه الله يُسأل عن مسألة من مسائل العلم فيقول: "تعجم علي -أي: تصعب- فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر أو أقل فيفتحها الله علي. فالمطلوب منا جميعاً أن نكثر من الاستغفار، وإذا أردنا أمراً فعلينا أن نستغفر، وأحد الصالحين أراد أن يكلم أحداً من وجهاء الناس في مسألة، فذهب إليه فما استجاب له، فعاد إلى بيته وقال: هذا بذنوبي وخطاياي فتوضأ وصلى ركعتين واستغفر ثم ذهب إليه في اليوم الثاني وكلمه؛ ففتح الله له قلبه وسخره له. فالقلوب بيد الله، ولا يسخر الأمور ولا يسهلها إلا الله الواحد الأحد.

وهن القلب

وهن القلب ومن عقوباتها: أنها توهن القلب والبدن. فأما القلب فتضعفه حتى يبقى جدثاً -والعياذ بالله- للمعاصي، وصنماً للخرافات، ومنتجعاً للوساخات والقاذورات، ولذلك تجد قلوب الزناة كالحمامات فالذين يستمرئون الزنا قلوبهم كالحمامات تماماً، ليس فيها قرآن ولا ذكر، ولا حب لله ولا للرسول صلى الله عليه وسلم ولا للصالحين، بل هي كالبيت الخرب، حتى يذكر ابن القيم وصفاً لهم في كتاب الفوائد فيقول: ففي هذه البيوت -أي: القلوب التي تشبه البيوت الخربة والخرابات- من البوم والعقارب والحيات والخرافات والخزعبلات ما الله به عليم. وعند الترمذي قوله عليه الصلاة والسلام: {إن القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب} فلا يزال العبد يخرب قلبه بسماع الغناء وبحب الفاحشة، والتفكر في الجريمة والمعاصي، ومخالطة السيئين؛ حتى يصبح قلبه كالحمام والعياذ بالله، فيصبح مأوى لكل خسارة ونذالة، فلا يصفو ولا يفهم ولا يرق بسبب ذنوبه. وأما ضعف البدن فقد قال ابن القيم: فانظر إلى أجسام فارس والروم، لما قاتلوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بأجسام طويلة وأخشاب مديدة وأعضاء قوية، فما نفعهم ذلك بل انهزموا والله. كان جيش الروم في معركة اليرموك (280) ألفاً، وجيش خالد بن الوليد (30ألفاً، فالتقى هؤلاء وهؤلاء، وخرج حزب الشيطان بأجسام طويلة، عليهم الديباج والحرير والتيجان، ومعهم السيوف المذهبة والخيول المتوجة، وعندهم كبر وبطر، وخرج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في أجسام نحيفة، ولكن على جباههم السجدات، وعليهم الأذكار، وعليهم تقوى الله: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:29] فالتقى الجمعان، وتراءى الفريقان، وخرج الحزبان، وأقبل جيش الروم والكتائب كالجبال، كل كتيبة ما يقارب عشرة آلاف، فقال بعض المسلمين لـ خالد لما رأى جيش الروم وكثرتهم، قال: يا خالد! اليوم أظننا نفر إلى جبل سلمى وآجى في حائل من كثرتهم. فدمعت عينا خالد والتفت إلى السماء وقال: لا والله، لا نفر إلى جبل سلمى ولا إلى أجا ولكن إلى الله الملتجا. فتقدم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ملائكته وأنزل نصره، فذبحوا تلك الأجسام وبددوها بالسيوف ومزقوها وداسوها في الأرض، وفتح الله لهم الأرض شرقاً وغربا وشمالاً وجنوباً؛ بسبب إخلاصهم وقوتهم ونصرتهم للواحد الأحد. يقول محمد إقبال: فكم ماتت زهور في الروابي وكم بادت نخيل في البوادي ولكن زهرة الإسلام تبقى على مر العواصف والعوادي ونورك في ضحى الإسلام باقٍ بقاء الشمس والسبع الشداد فمن أراد النصر فعليه بتقوى الله، يقول الله عن المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِم كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] وقال حسان فيهم: لا بأس بالقوم من طول ومن قصر جسم البغال وأحلام العصافير فعندهم قلوب، لكن قلوب ليس فيها نور، ولا تفهم ولا تعي. فقل للعيون الرمد للشمس أعينٌ تراها بحق في مغيب ومطلع وسامح عيوناً أطفأ الله نورها بأبصارها لا تستفيق ولا تعي كان ابن مسعود طوله أشباراً جسمه كالصقر، وعظامه نحيلة كالأصابع، ولحمه خفيف، لكن عنده قلبٌ كالجبل يحفظ القرآن، ويقوم الليل، ويدعو إلى الله، وهو صادق مع الله صعد شجرة من الشجر فهزته الريح، فتحركت الشجرة والغصن وابن مسعود، فتضاحك الصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم: {أتعجبون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد} إنها المبادئ الخالدة ورسوخ المعاني. ولذلك تجد في المسلمين الإنسان كأنه حربة أو عصى أو عود وهو يشكل ملايين وطلائع وجبال من بعض الناس. والناس ألف منهم كواحدٍ وواحدٌ كالألف إن أمر عنا وتجد المتكبر ضخماً كبيراً، ولكنه يحشر يوم القيامة في صورة الذر يطؤه الناس بأقدامهم، وهذا ليس على الإطلاق، فإن بعض المؤمنين سمين بدين لكنه مؤمن بالله، مثل عمر بن الخطاب، كان إذا مشى كأنه راكب، كان مهولاً كالحصن، حتى قال بعضهم -والله أعلم بصحتها- يقولون: إن الحلاق أخذ يحلق رأسه بـ منى فعطس فأغمي على الحلاق، فرش بالماء، حتى يقول فيه الشاعر: قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها فجعل الله له هيبة في المبدأ وفي العقل والجسم والقلب، كان له عصا تخرج الشياطين من رءوس أصحابه، يجوب بها المدينة، وصح أن عفريتاً من أقوى الجن لقيه في شارع من شوارع المدينة، فقال عمر: من أنت؟ قال: أنا جني عفريت من العفاريت. قال: أتصارعني؟ وعمر يحب المصارعة دائماً؛ لأنه عاش المصارعة بين الحق والباطل، عاش الجاهلية والإسلام عاش النور والظلام عاش الحق والباطل، فقال: نعم أصارعك. فأخذه عمر ثم طرحه أرضاً، فقام العفريت ثانية فطرحه، فقام ثالثة فطرحه وبرك على صدره حتى تاب. ولذلك جاء في صحيح البخاري: {ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك} يأتي عمر من هنا فيأتي الشيطان من هناك، يهرب دائماً لقوة قلبه، فليس من الصحيح على الإطلاق أن يكون المؤمن دائماً نحيفاً. وكذلك قد تجد بعض الفجرة نحيفاً كالعصا، لكنه فاجر أعمى، جمع: (حشفاً وسوء كيلة) تجده نحيفاً يابساً هزيلاً ميتاً، لكنه يدمر من المعاصي ما لا تدمره الألوف المؤلفة؛ فليس هذا الأمر على إطلاقه. وإنما أقول: ليست العبرة بالأجسام طولاً أو قصراً، وإنما الشاهد أن المعاصي توهن الأبدان، فالفاجر أخوف الناس قلباً وأبعدهم شجاعة وأقلهم حماساً، ولذلك تجد في الجيوش -دائماً- إذا التقى أهل الفجور والمعاصي فهم أهل الهزائم، وما انهزم العرب مع إسرائيل إلا لمعاصيهم؛ فإن أحد قادات العرب لما وصل إلى الفالوجة في فلسطين، قال له بعض الناس: نصلي. قال: لا نصلي إلا إذا عدنا إلى بلادنا. فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، فترك جزمته هناك وفر هارباً فر من الموت وفي الموت وقع. لقد ذهب الحمار بأم عمروٍ فلا رجعت ولا رجع الحمار ولكن وجد من عباد الله في أفغانستان أناس بسطاء آمنوا بالله، عليهم لفائف من القماش، وأجسامهم نحيفة، ومع ذلك قاوموا الدبابات، ووقفوا في وجه الطائرات، وفجروا -بإذن الله عز وجل- قوىً عالمية هائلة، وأرغموا الملحد وسحقوه ودمروه، وهزموه، وفضحوه، ومزقوه، وأفشلوه أمام العالم، وهذه عظة وعبرة.

حرمان الطاعة

حرمان الطاعة ومن آثارها: حرمان الطاعة. قال بعض السلف: إن العبد يحرم الطاعة بالذنب يصيبه. وقال بعضهم: سهرت في مجلس يغضب الله -في مجلس غيبة- ففاتتني صلاة الفجر. وقال بعضهم: فاتتني صلاة الجماعة في العشاء فاحتلمت في الليل. والاحتلام في الليل ليس معصية، لكنه -على كل حال- من الشيطان وليس من الرحمن، فليس من كرامات الأولياء أن الإنسان يحتلم في المنام فيصبح وقد احتلم فيغتسل، والرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء لا يحتلمون أبداً؛ وذلك لعصمتهم وعلو منزلتهم ومكانتهم، والاحتلام تلاعب من الشيطان، فيقول أحد السلف: غبت عن صلاة الجماعة في العشاء فابتليت بالاحتلام. وهذا لدقتهم، فإنهم يعرفون من أين أتوا، أما نحن فكما قال القائل: تكاثرت الظباء على خراشٍ فما يدري خراش ما يصيد الإنسان الذي قطع رأسه ما يحس أن فيه زكاماً أو مرضاً أو روماتزم أو غيرها، فإذا أتوا به إلى المستشفى وقالوا: نريد أن تنظروا ما هو مرض هذا الرجل؟ قيل: مرضه أنه مقطوع الرأس. من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميت إيلام أحد الصالحين وهو سهل بن عبد الله التستري ذهب إلى صلاة الجمعة فانقطعت حذاؤه، فقال لتلاميذه: أتدرون لماذا انقطعت حذائي؟ قالوا: لا ندري. قال: لأني ما اغتسلت اليوم للجمعة ثم ذهب فاغتسل. فعرف من أين أُتي، لكن الواحد منا اليوم يصدم بالسيارة، ويتضارب مع الناس، وينهدم بيته وتأتيه المصائب، ويرسب أبناؤه، فما يدري من أين أُتي؛ لأن الذنوب -والعياذ بالله- قد كثرت. فنشكو حالنا إلى الله، ولا يتوب علينا إلا الواحد الأحد. فحرمان الطاعة -والعياذ بالله- بسبب المعاصي، وقد يحاول الإنسان أن يطيع الله لكن بسبب المعاصي لا يوفق إلى الطاعة، تجده دائماً يذهب في عكس الطاعة فلا يتلو القرآن، وليس عنده ذكر، ولا يحضر الدروس والمحاضرات والعياذ بالله. قال أهل العلم: الطاعة تولد الطاعة، والمعصية تولد المعصية، فالطاعات قرابة وخئولة وعمومة من الرضاعة والنسب، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، والمعاصي قرابة وعمومة وخئولة ورضاعة ونسب، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.

محق بركة العمر

محق بركة العمر ومن آثارها: أنها تقصر العمر وتمحق بركته. فالعاصي من أقل الناس أعماراً انظر إلى بعض العصاة الآن، يعيش مائة وعشرين سنة لكنه مثل الحمار، يجدون معه مذكرات يكتب فيها ماذا فعل لقي امرأة في البرازيل وكتب مذكرات، وسمع أغنية، وعنده موسيقى وليلة حمراء، وشرب كئوس الخمر، وفتك بعباد الله وقتل ودمر فلا بركة ولا نور ولا عمر. لكن ابحث الآن عن بعض أعمار المسلمين، فهذا سعد بن معاذ عمره 37سنة، عاش في الإسلام سبع سنوات فقط، لكهنا أحسن من سبعة آلاف سنة، ولما توفي مقتولاً من أثر جراح في سبيل الله اهتز عرش الرحمن لموته، وأخذت الملائكة بأهداب العرش وقالت: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4] وشيعه سبعون ألف ملك، وأتى صلى الله عليه وسلم فشهد جنازته، وأتى صلى الله عليه وسلم يتكفكف بثيابه ويقول: {والذي نفسي بيده ما من موطن في الأرض -أي التي حوله- إلا وفيه ملك حضروا جنازة سعد بن معاذ} قال حسان: وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لـ سعدٍ أبي عمر والنووي توفي وعمره أربعون سنة، لكنه ألف من الكتب ما يقارب عشرين مؤلفاً، منها ما يبلغ أكثر من عشرة مجلدات، وكان يسرد الصيام ويقوم الليل كله، وعنده من الأذكار والأوراد وقراءة القرآن، وفعل الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يعادل الجبال من الحسنات، وبعضهم عاش ثلاثين سنة فأثمر الله في جهده، وبعضهم عشرين، بل يكفي من الطائع سنة واحدة ليخلص مع الله. وهذا عمر بن عبد العزيز عمره أربعون سنة، وهو مجدد من مجددي الإسلام رضي الله عنه وجمعنا به في دار الكرامة. ويتساءل ابن القيم ويقول: هل نقصان العمر حقيقي أو مجازي؟ أي هل هو حقيقي بأن يقصر الله عمره فبدلاً من أن يعيش ستين سنة يعيش أربعين؟ أو هو مجازي بأن يعيش هذا ستين وهذا ستين لكن هذا عمره أبرك من الآخر؟ ولا يَسْتبعِد أن يكون حقيقياً، وأن الله يقدر أن هذا يعيش ستين سنة لكن بسبب معاصيه يقدر أن يموت قبل أن يبلغ الستين. وقيل هو مجازي، فهذا يعيش ستين سنة لكنه طائع، عاش ستين سنة في الطاعة، وهذا يعيش ستين سنة في المعصية، فيمحق الله بركة هذا ونوره ولياليه وأيامه، فيأتي صفر اليدين عند الله يوم الدين.

المعصية تولد معصية

المعصية تولد معصية ومن عقوباتها: أنها تزرع أمثالها ويتولد بعضها من بعض. وقد سبق هذا، وأن جزاء المعصية معصية، وأن العبد يعصي فتأتي هذه بأخواتها حتى يصبح عاصياً، قال أهل العلم: الزنا أوله نظرة أو سماع. إذاً: فاحشة الزنا، التي كادت السماوات أن تتحطم على الأرض من أجلها أولها نظرة، وقالها الشاعر: نظرة فابتسامة فسلام فكلامٌ فموعد فلقاء نعوذ بالله من ذلك، يقول عن نفسه ويتمدح أمام الناس: أول ما أتى هذا اللقاء أني نظرت، ثم تبسمت، ثم تكلمت، ثم وعدت، ثم لاقيت، ثم فعل الفاحشة، ثم أغضب الله، ثم استحق لعنته، ثم دخل النار. فتولدت هذه المعصية من شيء بسيط هو النظر. وقد تكون بسبب السماع، قال ابن القيم: الغناء بريد الزنا. وما أدمن عبد على الغناء إلا وقع في الزنا، وإنما تجد المغنين والمغنيات والراقصين والراقصات، والمسرحيين والمسرحيات، والممثلين والممثلات، الأحياء منهم والأموات إلا أهل فواحش ورذائل كظلام الليل، بل هم سقطة المجتمع، وهم الذين سيروا الزنا في العالم، وهم الذين أنتجوه وصدروه، وهم الذين أدخلوا الشريط الغنائي والمسلسلات والمسرحيات إلى البيوت، حتى أوقعوا جريمة الزنا بين الرجل والمرأة. وما تظن برجل يتوله ويقول: يا حبيبتاه! وقمره وقرة عينه لا أقر الله عينه إلا بنار جهنم؟! وما تظن بإنسان يشتكي دائماً الهجر والقطيعة والهيام، وأنه دائماً سهران الليل ومعذب وما عرف الطريق، وأنه محروم ومنحرف وضال وموله؟! هل ترى هذا الرجل إلا رجلاً أُطفِئت بصيرته فما استفاق وما شعر، فهؤلاء أراذل الناس.

ضعف إرادة التوبة

ضعف إرادة التوبة ومن آثارها: أنها تضعف إرادة التوبة حتى لا يجد الإنسان إرادة للتوبة. وإذا بلغ الإنسان هذه الدرجة فقد بلغ الهلاك والعياذ بالله فإذا صار إلى درجة أن يقال له: تب إلى الله. فيقول: ما أستطيع أن أتوب. أو يئس من روح الله فقد بلغ الهلاك، ويوجد صنف من الناس يبلغ من الذنوب من أخمص قدميه إلى رأسه، فيدعى للتوبة فلا يتوب ولا يستجيب ولا يعود، ويعرض ويقول: ما أستطيع أن أتوب، ولا يرحمني الله، أنا مذنب وانتهيت، ولو تبت ما قبلني الله. لا إله إلا الله! قال الله تعالى: {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:87] وقال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] فالمعاصي تضعف إرادة التوبة، حتى إن بعضهم يجزم ألا يتوب إلى الله، وبعضهم يذكر أعذاراً ويقول: إن الله قدر علي الذنوب، ولو أراد الله بي خيراً لهداني، فإن شاء أن يعذبني عذبني وإن شاء أن يرحمني رحمني، ويقول: لا ذنب لي، كل شيء هو من الله. فهذا محروم من وجهين: بوقوعه في الذنوب، ولأنه عارض القضاء والقدر، والله لا يرضى المعاصي ولا يحبها وإنما يبغضها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولو قدرها وقضاها.

ذهاب الحياء والوقار

ذهاب الحياء والوقار ومن آثارها: سقوط ثوب الحياء وانتزاع جلباب الوقار. قالوا: لا يزال العبد عنده حياء، والحياء يزيد بالطاعات والاستغفار والذكر فيزيد الله من حيائه، والحياء كله خير، والله يقول: {يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ} [النساء:108] فإذا وجدت الشاب والرجل والمرأة والفتاة عندهم حياء فاءمل فيهم خيراً، وادع لهم فسوف يثمرون الخير، وإذا رأيت الإنسان قد أسقط جلباب الحياء، فاغسل يديك منه، {إذا لم تستح فاصنع ما شئت} فإنه قد يبلغ ببعض الناس من الجرائم أن يتحدث بها في المجالس، ويخبر أنه مذنب ومصر، وأنه فعل كذا كذا، وعند الناس فضائح ومذكرات مما فعلوا في أيامهم الخالية، يوم سترهم الله في الليالي الظلماء السود، وبإمكانهم أن يستتروا ويستغفروا ويتوبوا فيغفر الله لهم، لكنهم جاهروا الله بالمعاصي، فهؤلاء لا يعافون. جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: {كل أمتي معافى إلا المجاهرين. قالوا: ومن المجاهرون يا رسول الله؟ قال: أناس يفعلون الذنب ويسترهم الله، فيصبح أحدهم فيقول: يا فلان فعلت كذا وكذا البارحة. يمسي والله يستره، ويصبح فيكشف ستر الله عليه} فهذا لا يعافى، كما تجد بعض الناس -وهذا خطأ في جاهلية نسبية مرت بكبار السن- يقول: أنا سرقت من آل فلان وذبحت من آل فلان وفعلت، وزنى البعيد وفعل وفعل والعياذ بالله، فهذه تسجيلات وشهادة أمام العالمين أنه فعل ذلك. وهذا هو سقوط الحياء الذي هو جلباب النور، من يعطيه الله عز وجل فقد أعطاه خيراً كثيراً، حتى إنك تجد بعض الناس يبلغ من التقوى أن يترك بعض المباحات خشية أن يقع في بعض المعاصي، فتجد بعضهم لا يأكل في السوق، والأكل في السوق مباح، لكنه لا يناسب المروءة، فبعض الناس لوقاره وحشمته وكرامته ومروءته ما يأكل شيئاً في السوق؛ لأنه يعرف أن لنفسه وزناً وأن له قيمة، لكن بعضهم من سقوطه وقلة مروءته ما عليه أن يمشي مكشوف الرأس، ويطارد الناس في السوق، ويتمازح هو وإياهم ويتضاربون، ويأكل وهو واقف ويرفع صوته، فهو أجدر بأن يقع في المعاصي، وهذه تدل على غيرها.

سقوط العبد من عين الله

سقوط العبد من عين الله ومن آثارها: سقوط العبد من عين الله. نسأل الله ألا يسقطنا من عينه. فالعبد العاصي لا يزال يذنب ويذنب حتى يسقط من عين الله. بكى الحسن البصري فقالوا: مالك تبكي؟ قال: [[أخشى أن يلقيني ربي في النار ثم لا يبالي ولا ينظر إلي]] وبعض الناس يسقط من عين الله فلا يجعل له وزناً ولا كرامة ولا وقاراً، ويجعله من صنف القردة والخنازير والحمير والعياذ بالله، فيسقطه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من عينه ومن قلوب الخلق فلا يكون له وزن. ولذلك يقولون: أرخص الناس عند الناس من عصى رب الناس. حتى قالوا: إن الزانية إذا زنى بها الزاني كانت أرخص الناس عنده، ولا يرضى أن يتزوجها، ولا يحب أن تكون له زوجة، ويحتقرها دائماً في نفسه، ويسأل الله ألا تكون أخته أو ابنته أو أمه أو قريبته أو خالته أو عمته مثلها، ويرى في نفسه أنها خائنة وداعرة، وأنها قد ارتكبت أمراً فضيعاً، وهو الذي زنى بها، وهي نفسها لا ترضاه زوجاً إلا إذا كانت متخلعة، ولا ترضى أن يكون أبوها أو أخوها أو عمها أو خالها كمثل هذا الزاني، وهذا من رخصهم عند الله وخلقه، نسأل الله العافية والسلامة.

استصغار الذنوب

استصغار الذنوب ومن آثارها: استصغار الذنوب واحتقار الكبائر. فإن العبد لا يزال يحتقر الذنوب والكبائر حتى تصبح عنده كالهوى وشرب الماء، وبعضهم يغتاب فيُوصي، فيقول: الغيبة سهلة، وبعضهم يترك الصلاة في الجماعة، فيقال له: صلِّ في الجماعة. فيقول: يكفي أن أصلي في البيت، فإن بعض الناس ما يصلي الصلاة مطلقاً فأنا خير منهم، فلذلك لا تلوموني على هذا. وبعضهم يطول إزاره ويقول: سبحان الله! ليتك ترى الناس في أوروبا، ليتك سافرت ورأيت الناس في أمريكا. فينزل نفسه إلى منزلة الكافر ويقيس نفسه بالكافر. ويأتي إلى أهل الدعارات والخيانات فيجعل بينه وبينهم نسب، وإذا قيل له: لا تسبل إزارك. قال: أنت في الإزار وفي اللحية، والناس أصبحوا الآن في مسائل غير هذه المسائل، ألا تعرفون إلا الإزار واللحية؟! وذلك لأنها هانت عليه، وأصبحت عنده قشور، والمصاب بمرض عضال لا يهمه الزكام، فإذا كان عنده مرض السرطان أو السل، أو مرض من الأمراض الفتاكة، ويؤتى إليه في المستشفى ويُقال له: نعالجك أولاً من الزكام، فيقول: الزكام هذا أمره سهل وسوف يذهب، لكن عالجوني من هذا المرض الفتاك. وكان ابن تيمية يستشهد ببيت شعر ويقول: إن اللبيب إذا شكا من جسمه مرضين مختلفين داوى الأخطرا فحذار حذار من استصغار الذنوب! فإنه لا يزال العبد يستصغر الذنوب حتى يسقط من عين الله، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم جعل ذنوب أصناف من الناس أعظم من ذنوب غيرهم، وقد صح في الحديث أنه قال: {ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب} من هم؟ لا ينظر الله إليهم يوم القيامة لأنهم سقطوا من عينه في الدنيا، ولا يزكيهم فشهادتهم ساقطة، وليس لهم عند الله قبول، ولهم عذاب إليم: {أشيمط زانٍ} شيخ كبير عجوز يزني، شابت لحيته، وبدا له الشيب وهو النذير: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ} [فاطر:37] ومعلوم الزنا من الشباب حرام وكبيرة، لكنه مضاعف أن يزني الشيخ الكبير، ولماذا يزني؟ قد ضعفت قوته، ورأى نذير الشيب، واقترب من لقاء الله، وأنذرته السنوات، وعاش الأيام والليالي، ودفن الأموات من والأجداد والأحفاد ومع ذلك يزني! لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم، وهو أدهى وأمر. ولذلك تستبشع إذا رأيت إنساناً في الخمسين من عمره وهو جالس في المقهى يشرب الشيشة، وإذا رأيت شاباً عمره 15 أو 18سنة ربما تستسهل هذا الأمر ولو أنك تستقبحه، لكن أن ترى إنساناً كبير السن عنده أطفال بالبيت وزوجة وأولاد، فيتركهم على المسرحية والغناء والمجلة، ويذهب بعد صلاة العشاء إلى الساعة الثانية يشرب الشيشة، هل رأيت أحقر من هذا؟ وكيف يزكى؟ هذا ليس عنده واعظ. الإمام أحمد رأى الشيب في المرآة فبكى حتى كادت أضلاعه أن تختلف، فقالوا: مالك؟ قال: يقول الله عز وجل: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ} [فاطر:37] هذا هو النذير. أي: الشيب. ويروى عن إبراهيم عليه السلام أنه نظر إلى المرآة فرأى شعرة بيضاء فنظر إليها وقال: يا رب! ما هذا البياض؟ قال: وقار يا إبراهيم. قال: اللهم زدني وقاراً. ولذلك ورد في حديث حسن: {ما شاب العبد شيبة في الإسلام إلا كانت له حسنة} فهذا الشيب معناه أنه يردعك عن المعاصي. مر شيخ كبير بشباب يلعبون في شارع من شوارع الكوفة، فقال أحدهم لهذا الشيخ: يا أبتاه! من الذي أعطاك هذا القوس الذي على صدرك؟ فقال الشيخ الكبير: هذا القوس أعطانيه الدهر بلا ثمن، وسوف يعطيك قوساً مثله. يقول: انتظر، فسوف يأتيك. تمنت عجوز أن تعود فتية وقد يبس الجنبان واحدودب الظهر تسير إلى العطار تبغي شبابها وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر من يعيد شبابه إلا العمل الصالح؟ ومن يعيد قوته ومجده وجاهه إلا تقوى الله عز وجل؟ أما إذا ولى العمر ولى. {وعائل مستكبر} رجل فقير ممزق ليس عنده شيء، ومع ذلك لا ينظر إلى الناس، ولو كان هذا الأمر من غني لكان قبيحاً، لكنه فقير ويتكبر ممزق الثياب، وينام على الرصيف وتسحبه الكلاب بأيديه وأرجله، وكل شيء فيه، ومع ذلك ينظر إلى الناس ويزدريهم ويحتقرهم كأنهم الذباب فهذا لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم. قال عليه الصلاة والسلام: {وملك كذاب} سلطان من السلاطين ليس في حاجة إلى أن يكذب فيكذب، ولماذا يكذب والكذب إنما هو لدرء خوف، وهو لا يخاف من الناس في العادة، أو لجلب منفعة والمنفعة عنده، فلماذا يكذب؟! فلا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.

وصول شؤم المعصية إلى الغير

وصول شؤم المعصية إلى الغير ومن آثارها: وصول شؤم المعصية إلى غيره بذنبه. المعصية أمرها عجيب! تصل أضرارها مثل القنبلة الذرية، تقع هنا وتنتشر في المدن والقرى، مثل قنبلة هيروشيما، يقولون: لا زالت آثارها إلى الآن، وهناك مذكرات وصور عن أطفال مشوهين لا زالت تجري مع الماء، وهذا المفاعل النووي الروسي لما انفجر حذر الناس منه حتى في استراليا، وقالوا: الجو تعكر وأصبح سماً زعافاً، والفواكه والألبان والخضروات، حتى الصحف أصبحت تحذر من أن تصدر بسبب هذه الجريمة. والمعصية مثل ذلك، فلا يزال العبد يعصي الله حتى تنتقل إلى ولده وزوجته، وفي أثر يقول الله: {إني إذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية، وإني إذا غضبت لعنت وإن لعنتي لتبلغ السابع من الولد} بل تجد العاصي يلتف حوله عصاة ويوجد له خلايا في المجتمع وأصدقاء فيقعون في المعاصي. ووجد من بعض الشباب أنه كان يحمل سيجارة ويدخن، فأخذ شباباً من الحي وصاحبهم وأركبهم حتى أصبحوا مدخنين عن بكرة أبيهم وتركوا المسجد، فهذا من آثار شؤم هذا الرجل. ووجد من بعض الصالحين من سار صلاحه في القرية حتى حمى الله به بعض القرى، فهذا رجل في القصيم حدثنا عنه بعض العلماء: أنه كان يذكر الله من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وكان له أوراد هائلة من التسابيح والحصون التي يستخدمها ابن تيمية وأمثاله بعد صلاة الفجر، كان ابن تيمية يستقبل القبلة بعد الفجر فيهلل الله ويكبره، ويردد الفاتحة والأدعية والأذكار، ويبتهل ويدعو الله، فيقولون: ما لك تطول؟ قال: هذه غدوتي لو لم أتغد لسقطت قواي. وهذه معاني روحية مثل الجبال، وحصن حصين بينه وبين المعاصي، يقول أهل العلم: استقبل يومك بالدعاء. كان هذا الرجل في القصيم، فأصاب القصيم مرض الجدري، وذلك قبل أربعين سنة أو ما يقاربها، فكان يقوم بعد صلاة الفجر في بلدته من ضواحي القصيم، فيدور على البلدة جميعاً ويقرأ عليها: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. وينفث على القرية ببساتينها ونخيلها وأطفالها، ويقرأ آية الكرسي والمعوذات كل صباح، فقيل لي: والله! لا نعلم بلداً ولا قرية إلا دخلها الجدري، إلا مكان هذا الرجل، والله ما أصيب ولا طفل واحد بهذا المرض. لماذا؟ إنه حفظ الله للرجل الصالح، حتى يقول ابن القيم: الله يحفظ الصالح في ديرته وحيه وقريته. ونحن في أبها يمكن أن يحفظنا الله ببعض الصالحين الصائمين قوَّام الليل، وإلا لو تركنا ومعاصينا وفجورنا وإعراضنا لتدكدكت بنا الدنيا. تزلزلت المدينة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه زلزلة بسيطة سقطت منها بعض الحوائط، فقام رضي الله عنه فقال: الصلاة جامعة، ثم صعد المنبر وقال: ما هذا الزلزال؟ -هو يدري أنه بقضاء وقدر- قالوا: يا أمير المؤمنين! بقضاء وقدر. قال: أخبروني ما هذا الزلزال؟ قالوا: بقضاء وقدر، قال: بسبب ماذا؟ قالوا: بسبب ذنوبنا. فقال: والذي نفسي بيده إن عاد هذا الزلزال لا أجاوركم بـ المدينة بعدها. يقول: أنتم السبب في هذا الزلزال، ولو عاد مرة ثانية فلا يمكن أن أبقى معكم. وهو لا يزكي نفسه لكنه يعلم أن هناك ذنوباً وخطايا، وهي مدرسة الوعظ المنهجية، يدخل معهم في المعمل ويقول: هذا زلزال وأثره الذنوب والخطايا. والآن أصبح الناس الكفرة مثل الحمير، فيرى الحمار الزلزال فيعرف أنه زلزال، ويرى الريح تمر والبرق والرعد والمطر فيعرف أنه مطر لكن ما يعرف ما هي أسبابه. خسف بمدينة في بلاد المغرب وبأهلها وقصورها ودورها وفنادقها، فقالوا: لأن الغطاء الصخري ارتخت بينه الدرجات فانصدع فهوت المدينة. نحن نعرف هذا، لكن من قدر انصداع الغطاء الصخري ومن أتى به إلا الله؟! وكذلك مدينة ذمار في أرض اليمن ذهبت حيص بيص -كما تعرفون- بسبب ماذا؟ بسبب المعاصي، لكنهم قالوا: لأنها تقع في شبه الجزيرة، وغطاء الجزيرة الخارجي الأرضي الترابي غطاء رقيق يتعرض دائماً للهزات. من الذي هزها إلا الواحد الأحد؟ وهذه التعليلات صحيحة، لكن من المعلل والمسبب والمقدر إلا الله الواحد الأحد؟ الطوفان الذي أرسل على قوم نوح هو مثل ما يأتي في البحر، أن يتبخر بالشمس فيحدث فيه طوفان ومطر، وكذلك الريح وكذلك البرق والصاعقة والزلزلة وما أشبهها، لكن بسبب الذنوب والمعاصي.

الذل والهوان

الذل والهوان ومن آثارها وعقوباتها: أنها تورث الذل والهوان. فأهون الناس العصاة، حتى إن أحدهم لا تهمه نفسه ولا سمعته شيئاً، ويصبح ليس عنده حرارة، ولذلك يقولون: الديوث لا ينظر الله إليه، ولا يزكيه، وحرم الله عليه الجنة لا يجاوره فيها. ومن هو الديوث؟ الذي يقر الفاحشة ويدري بها في أهله. بل وتبلغ ببعضهم الدياثة إلى أن يكون داعياً للجريمة في أهله -نعوذ بالله من الخذلان- فيكون من أسقط الناس وأهونهم، فحرام عليه أن يجاور رب الناس في جنة رب الناس إله الناس، فهذا يكون أهون الناس، حتى أنه لا تهمه سمعته، يقال له: يا فلان! سمعنا أنك تتناول المخدرات، فيقول: من قال لك؟ قال: فلان، فيقول: وهل المخدرات حرام هي مثل الخمر؟ فلا يتحرك ولا يتغير وجهه أبداً، بينما لو قيل هذا الكلام لرجل صالح لأخرج السكين مباشرة، وغضب وأقام الدنيا وأقعدها. ولكن من يدري؟ فإن بعض الفجرة لو قيل له: يا كافر! لذبح الناس، وقد ارتكب من المكفرات مثل الجبال، لكن عنده غيرة. ولذلك نجد أن سعد بن عبادة رضي الله عنه سيد الخزرج، كان فيه غيرة الله أعلم بها، فمن غيرته أنه تزوج امرأة فأركبها على فرس وراءه، فلما ذهب بها من بيت أهلها إلى بيته نزل فنحر الفرس وقتله، وقال: لا يركب الفرس الذي ركبته امرأتي بعدي أحد. وكان فيه شهامة تتوقد مثل النار، كان ذات مرة جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى أعرابي وقال: {يا رسول الله! إذا وجد أحدنا مع زوجته رجلاً فماذا يفعل؟ قال: يشهد على الرجل ويشهد عليها ثم يقام عليهما الحد. قال سعد بن عبادة: يا رسول الله! أبقى حتى آتي بالشهود، والله لأضربنه بالسيف غير مصفح} فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يسد الطريق أمام إزهاق الأنفس؛ لأنه لو فتح هذا الباب لكان كل إنسان له عدو ويكره زوجته يقول: وجدت فلاناً مع زوجتي، لأنه يكره الزوجة، فيقام الحد وتزهق الأنفس. لكنه صلى الله عليه وسلم قال: يذهب فيأتي برجال يشهدون فقال: يا رسول الله! أتركهم! معنى ذلك: أسد الباب وأقول: انتظروا، ويذهب يبحث في السوق عن شهداء يشهدون على الجريمة! هذا يأخذ ساعات، ولذلك قال: يا رسول الله! أأنتظر! والله لأضربنه بالسيف غير مصفح، أي: ما أدري أوجه السيف كذا أو كذا، ويقتلهم جميعاً. قال صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم من هذا الكلام: {أتعجبون من غيرة سعد؟ إنني أغير منه وإن الله أغير مني}. وفي الصحيح عند البخاري في صلاة الخسوف، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يا عباد الله! لا أحد أغير من الله، ومن غيرته حرم الزنا، ومن غيرته أن يغار على عبده المؤمن أن يزني وأمته المؤمنة أن تزني}.

إفساد العقل

إفساد العقل ومن آثارها: أنها تفسد العقل وتطمس البصيرة. فأفسد الناس عقلاً أهل المعاصي، ولذلك لا يفهمون ولا يستنبطون، وأنت قد تعارضني الآن وتقول: لماذا الكفار من الغرب يكتشفون الصواريخ والطائرات والدبابات والذرة؟ أقول: يقول الله سبحانه عنهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] فهم لا يعرفون الطريق إلى الله، ولا يعرفون المصير ولا يعرفون معنى الحياة، ولا يعرفون الرسالة التي من أجلها وجدوا، والسر الذي من أجله خلقوا، قال سبحانه: {بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمون} [النمل:66] فأفسد الناس إرادة وعقلاً وتصريفاً هم أهل المعاصي، ولا تزال المعاصي تتوالى حتى تطمس فهم صاحبها.

الطبع على القلب

الطبع على القلب ومن آثارها: إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها والعياذ بالله. فيصبح مطبوعاً عليه، فلا يعي ولا يفهم ولا يسمع الخطب ولا المواعظ، ولا يستفيد من آيات الله البينات، ويرى الأموات وهو يضحك، بل وجد من بعض العصاة أنه كان يشيع جنازة وهو يمزح، وكانت رجله في القبر وهو يضحك ويأتي بمزح فاحش بذيء والعياذ بالله، لأن قلبه قد مات يدفن قريبه ويضع الطين تحت رأسه، وقد أسلمه إلى مثواه الذي يلقى بعده الله الواحد الأحد، ومع ذلك يضحك؛ لأن قلبه قد مات.

استحقاق اللعنة

استحقاق اللعنة ومن آثارها: أنها تدخله تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد لعن صلى الله عليه وسلم أصنافاً من الناس، لعن الراشي والمرتشي، والرائش في رواية. {ولعن صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء}. ولعن شارب الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها. ولعن النامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة. ولعن من آوى محدثاً، ولعن من غير منار الأرض، ولعن من أتى امرأته في دبرها، ولعن الفاعل والمفعول به، ولعن عليه الصلاة والسلام أصنافاً أخر كلعنه عليه الصلاة والسلام من ادعى إلى غير أبيه فالعاصي يستحق بمعاصيه لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حرمان دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم والملائكة

حرمان دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم والملائكة ومن آثارها: حرمان دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوة الملائكة. فإن الملائكة يستغفرون للذين آمنوا وللطائعين، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر:7] فالعاصي يحرم هذه الدعوة الفاضلة من الملائكة الكرام ومن رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فكم فوت من خير، وكم فوت من أجر ومثوبة.

ظهور الفساد

ظهور الفساد ومن آثارها أنها تحدث في الأرض أنواعاً من الفساد. فما تكدر ماء ولا جف قطر ولا مات طائر -كما قال مجاهد وعكرمة وأمثالهم- إلا بسبب الذنوب: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] فالفساد في العالم وفي البر والبحر بسبب الذنوب والخطايا، حتى ذكر عن عكرمة أنه قال: [[إن الحبارى تسقط ميتة بذنوب بني آدم]] وذكر مجاهد أن من الوحوش من يموت بسبب ذنوب بني آدم، وأنها تدعو على عصاة بني آدم وتقول: منعنا القطر بسببكم.

إطفاء الغيرة

إطفاء الغيرة ومن آثارها: أنها تطفئ الغيرة من القلب. وقد سبق بيان الغيرة، فصاحب المعاصي لا يغار، وإذا سمع الفواحش في البلد لا يهتم ولا يتأثر ولا يتغير وجهه، أما الطائع فيتغير وجهه ويتمعر ويغضب ويقول كيف يوجد هذا؟ ولذلك ذكر الله الذين سلبت الغيرة منهم، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19]

عدم استشعار عظمة الله

عدم استشعار عظمة الله ومن آثارها: أنها تخرج عظمة الله من قلب العاصي. فإن العاصي لا يعظم الله؛ بل لو رأى قبيلته وقرابته لما عصى الله أمامهم، بل يحترمهم ويقدرهم، فإذا خلا بالله وحده هتك الحجاب بينه وبين الله.

قلة حياء العاصي من الله

قلة حياء العاصي من الله ومن آثارها: ترك الله للعاصي وتخليه عنه. فلا يزال العاصي يعمل ويعمل حتى يتخلى الله عنه، ثم يتركه في معصيته وندامته، فلا ينظر الله إليه نظر توقير ولا تقدير، وإنما يتركه هباءً منثوراً.

انعدام المراقبة

انعدام المراقبة ومن آثارها: أنها تخرج العبد من دائرة الإحسان وهي الرقابة، التي يقول عنها صلى الله عليه وسلم: {أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك}

تثبيط العاصي في سيره إلى الله

تثبيط العاصي في سيره إلى الله ومن آثارها: أنها تثبط العاصي في سيره إلى الله وتعوقه فلا يسير سيراً حثيثاً، بل يكون من أكسل الناس عند الصلوات والقيام إلى المسجد، وقراءة القرآن، كأنه يجرجر بالحديد بسبب المعاصي، فهو كسول في الطاعات ولو أنه قوي في أعمال الدنيا.

إزالة النعم

إزالة النعم ومن آثارها: أنها تزيل النعم وتحل النقم. فتلبسه مكان الجاه حسرة وخيبة وسوء سمعة، ومكان الرزق الحلال حراماً، ومكان الأحبة فجاراً، ومكان الحب من الله بغضاً في قلوب الخلق، وبغضاً في قلب كل مخلوق حتى يلقى الله عز وجل، ثم تأتي عليه الكوارث والعياذ بالله. ثم ما يلقيه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في قلب العاصي من الرعب والخوف، فأخوف الناس هم العصاة، فهم أهل رعب وخوف وأهل غم واكتئاب وحزن وذلة، والطائعون صدورهم مشروحة بالنور والإيمان والقرآن.

مرض القلب

مرض القلب ومن آثارها: أنها تمرض القلب وتجعله سقيماً، حتى يظن الفاجر أن قلبه قد تقطع من بين جنبيه، فهو سقيم أبداً لا علاج له إلا التوبة، وتصغر النفس وتحقرها وتقمعها، فالمذنب العاصي دائماً ذليل لا يحب معالي الأمور، ودائماً يتخفى من الناس ويستتر منهم.

تسلط الشيطان على العاصي

تسلط الشيطان على العاصي ومن آثارها: أنه يتولاه الشيطان ويقوده إلى النار وإلى كل فاحشة، ومن كان الشيطان قائده فالعياذ بالله من قيادته، يقول أحد الفجرة: وكنت امرءاً من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي فنعوذ بالله من الخذلان.

سقوط المنزلة

سقوط المنزلة ومن آثارها: سقوط المنزلة عند الله وعند خلقه، فيشرب الناس بغض العاصي مع الماء البارد، فيبغضونه ويمقتونه ويذمونه في كل مجلس والعياذ بالله.

سلب أسماء المدح والشرف

سلب أسماء المدح والشرف ومن آثارها: أنها تسلب أسماء المدح والشرف، وتكسب أسماء المذلة لصاحبها. فيزيل الله عن العاصي اسم المحسن والتقي والورع والعابد والزاهد والحبيب والواد والناصح، ويكسبه الله أسماء كاسم العاصي والشقي والفاجر والملعون والطريد وعدو الله، وأمثال ذلك من الأسماء.

جعل العاصي من السفلة

جعل العاصي من السفلة ومن آثارها: أنها تجعل صاحبها من السفلة والأرذال، ومن حقراء الناس الذين لا يؤبه بهم ولا يقام لهم وزن حتى عند الفجار.

سقوط الشهادة

سقوط الشهادة ومن آثارها: سقوط شهادته عند الله وعند خلقه، قال الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] فلا يستشهد الله العصاة يوم القيامة على الناس، ولا يقبل شهادتهم، وتسقط شهادتهم عند الناس من القضاة والأخيار، وعند أقاربهم، فلا يقبلون شهادتهم لأنهم مجروحي العدالة يأتي الشاهد ليشهد، فيقولون: هو تارك صلاة، ومتناول مخدرات، أو حليق، أو مسبل، أو سامع غناء، ومدمن معاصي، وعاق لوالديه، وآكل ربا، فيقولون: لا شهادة لك، ولا يقبل قولك، وأنت لست مزكى، ولست بثقة ولا معتمد والعياذ بالله.

تجريء الأعداء

تجريء الأعداء ومن آثارها: أنها تجرئ على العبد أعداءه. فأعداؤه يتجرءون عليه حتى السفهاء من الناس، يقول أحد الصالحين: عصيت الله معصية فخرجت في الصباح فرماني أطفال الحارة بالحجارة، فقلت: إذا كان جزائي في الدنيا هذا فيكفيني، لكن أخشى أن أرمى مع الحجارة في جهنم والعياذ بالله. فما يتجرأ الأعداء حتى الكلاب إلا على العصاة والعياذ بالله، وحتى الأطفال والسفهاء. وأما الطائع فتجد عليه وقاراً، فإذا مر وهم يلعبون الكرة توقفوا ونظروا فيه من جلالته وسيما الوقار عليه والحسن، واحترموه وعظموه وقدروه، لكن العاصي الفاجر الذي عرف في الأحياء بالفجور يلحقونه الحجارة، ويذمونه ويسألون عن اسمه واسم أمه وأبيه وهذا من مهانته وسقوط منزلته عند الله وعند خلقه.

نسيان العبد لنفسه

نسيان العبد لنفسه ثم في الأخير: تنسي العبد نفسه؛ وإذا نسي نفسه نسي ربه، وإذا نسي ربه نسيه الله وتركه، قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:19] فنسأل الله لنا ولكم الثبات، والتوبة النصوح، وأن يعيدنا إليه، ويرزقنا الإنابة قبل الموت، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

الأسئلة

الأسئلة

حكم شرب الدخان

حكم شرب الدخان أولاً: أتتنا فتوى من أهل العلم، من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز والشيخ عبد الرزاق بن عفيفي والشيخ عبد الله بن غديان والشيخ عبد الله بن قعود، سئلوا عن شرب الدخان وعن حكمه؟ فأجابوا: شرب الدخان حرام لكثرة ضرره وإنفاق الأموال فيه إسرافاً، وقد نهى الله عن الإسراف، ولكونه خبيثاً فينطبق عليه قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] وبناء على ذلك فالإتجار به حرام، والكسب من ذلك حرام، وإنتاجه زراعة وصناعة حرام، ونرسل لك رسالة في حكمه زيادة في الفائدة، وعلى نبينا صلاة الله وسلامه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ويدخل في ذلك من أجر دكانه أو محله على من يعصي الله، كمن يحلق لحى الناس، أو من يبيع الثياب الشفافة للنساء التي يعصى الله بها عز وجل، أو يبيع المجلات الخليعة، أو يبيع سجائر الدخان، أو يبيع أشرطة الغناء كلهم يدخلون في هذا الحكم؛ لأنهم تعاونوا على الإثم والعدوان، والعياذ بالله.

ضرورة الدعوة إلى الله

ضرورة الدعوة إلى الله Q يقول الأخ: طلبنا من كثير من الإخوة النزول معنا لتعليم الناس في تهامة كما قلتم لنا، فاستجاب بعضهم واعتذر البعض، وبحثنا عن سيارة تايوتا جيب لأنها تعطلت سياراتنا وما عندنا إلا هيلوكسات، فتعطلت سيارات الإخوان وما وجدنا من يساعدنا. A أنا سمعت بهذه القصة، وهذه القصة تلخيصها: أن أمامي مئات من الناس دعوناهم -جزاهم الله خيراً- إلى النزول أو من يستطيع منهم لتعليم الناس في القرى الفاتحة والوضوء وأركان الإسلام، علَّ رجلاً واحداً تعلمه يدخلك الله به الجنة ويكون في ميزان حسناتك لأنهم بحاجة، فاستجاب بعض الإخوة ونزلوا، ولكن المشكلة حدثت أن ما عندهم سيارات تنزل بهم، فذهبوا إلى كثير من الإخوة الذين استعدوا وهزوا رءوس الاستعداد، وقالوا: نحن نساهم وننفذ كل شيء في صالح هذا الدين. فقالوا: نريد سيارتك ننزل بها، قال: سيارتي معطلة، سبحان الله! ما تعطلت إلا عندما ستذهب في الدعوة، أما في النزهة والسفر فكالساعة، وذهبوا إلى غيره فلم يجدوا، وفي الأخير أتى رجل من الصالحين وقال: عندي سيارة هيلوكس اركبوا في الصندوق، وأنتم دعاة فاصبروا، فركبوا في الصندوق، وأما سياراتنا فما نزل منها أحد، فسلام الله عليها. ما لها ما نزلت في الدعوة؟ ولو كان هناك أمر أو زفير أو شهيق أو صفير أو نزهة لنزلت، ولكن سبحان الله! يأبى الله عز وجل إلا أن يتم هذا الدين ولو بالوسائل البسيطة، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم بلغ دعوة الله على بغلة وحمار، حتى بلغت أسبانيا ونقشبند والسند: {وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن:6]. فمن أراد أن يمسك سيارته فليحفظها وسوف يلقاها يوم القيامة، ومن أراد أن يبذل من ماله فما بذله إلا لنفسه وما أبر إلا بنفسه: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] وأنا أدعو ثانية إلى النزول وإلى تعليم الناس.

أشرطة ينصح باستماعها

أشرطة ينصح باستماعها Q أرجو ذكر خمسة أشرطة لكم تنصح بها الإخوة أسأل الله أن ينفع بها؟ A أنا أذكر خمسة أشرطة، ووصيتي للإخوان إذا استفاد أحدهم من الأشرطة أن يهديها لأخيه أو لجاره أو لمن يقوم عليه عل الله أن ينفع بها، وهي موجودة في التسجيلات الإسلامية، وأنا أنصح بسماعها للأسر وللأطفال عل الله أن ينفع بها. أولاً: شريط: احفظ الله يحفظك، وهو شرح حديث: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك} وعمر هذا الشريط ثلاث سنوات، ونسأل الله أن ينفع به. الشريط الثاني: الرحلة إلى الدار الآخرة، وقد ألقي في مدينة قنا، وهو يتكلم عن رحلة الإنسان ولقائه لله عز وجل، وما يمر به في طريقه حتى يلقى الله. الشريط الثالث: شباب عادوا إلى الله، وهو يتحدث عن الشباب الذين أذنبوا وعصوا ثم استيقظوا وأفاقوا فتاب الله عليهم، فأريد أن يسمعه الشباب والأسر عل الله أن ينفع به. الشريط الرابع: الدعاء هو العبادة، وهو في دعاء العبد لله عز وجل، وفي أحكام الدعاء؛ لأن الدعاء طريقنا إلى الله. الشريط الخامس: الشباب واهتمامات العصر، بما يعيشه شبابنا وأسرنا. وأوصي بثلاث خطب عل الله أن ينفع بها لأنها حديث الساعة. الشريط الأول: تحريم التبرج للنساء. الشريط الثاني: حرب على المرأة. الشريط الثالث: العائدون إلى الله. وعسى الله أن ينفع بها، وهناك للشباب المهتمين كتاب صدر وهو في تسجيلات الفرقان اسمه: الحركات الإسلامية المعاصرة، فمن أراد أن يأخذه ليستفيد من بعض الأمور التي لا تخفى على المطلع؛ فليتناوله في تسجيلات الفرقان.

أسباب الهداية

أسباب الهداية Q أريد الهداية فماذا أفعل؟ A أولاً: أخلص واصدق مع الله. ثانياً أكثر من الدعاء والذكر. ثالثاً: تدبر القرآن. رابعاً: حافظ على الفرائض وتزود من النوافل. خامساً: عليك بالوسائل، كالكتيبات والأشرطة الإسلامية، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومصاحبة الصالحين وحضور الدروس، وسوف يزيدك الله هدى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] فمن الذي أتى إلى الله فرده؟ ومن الذي التمس حبل الله فقطع الحبل دونه؟ ومن الذي أقبل على الله فرفضه؟ بل أَقبل وأَبشر.

ظاهرة خروج النساء

ظاهرة خروج النساء Q بعض الإخوة الملتزمين يخرجون زوجاتهم لشراء الحاجات من الأسواق، فيسببون منظراً سيئاً في السوق ويساعدون أهل المعاصي، فما نصيحتكم؟ A هذه ظاهرة لا تبشر بالخير، وأنا أرجو من الإخوة ألَّا يكون خروج النساء متطيبات متزينات متعطرات في الأسواق؛ لأنهن فتنة؛ ولأنه تعريض للفاحشة والعياذ بالله، ولأنه إغضاب لله تعالى، فحذار حذار من هذه الظاهرة، وأرجو أن تكون المرأة في بيتها وفي حجابها عل الله أن يسترها حية وميتة، فقد جاء في السنن: {إذا خرجت المرأة متزينة متعطرة لعنتها الملائكة حتى تعود. .

حكم الاستماع إلى الموسيقى

حكم الاستماع إلى الموسيقى Q ما حكم الاستماع إلى الموسيقى التي تتخلل البرامج؟ A حكمها أنها محرمة، وتلحق بالغناء لأنها من أدوات اللهو، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} فالموسيقى من المعازف، فهي محرمة، واستغن بسماع القرآن وسماع ما ينفعك.

إدراك الصف الأول

إدراك الصف الأول Q الصف الأول لا يدرك بالهجوم أثناء إقامة الصلاة، حيث أن هذا هو الملاحظ من فعل كثير من الناس، فما توجيهكم؟ A نعم، الملاحظ من كثير من الناس أنه يأتي متأخراً، فإذا أقيمت الصلاة اقتحم الصفوف وداهم الصف الأول وزاحم بمنكبيه وضارب مضاربةً، فعليه أن يبقى مكانه ولا يؤذي المسلمين، ويرفق بهم، وهو الذي تأخر، ومنزلته حيث أتى، وإذا أراد الصف الأول فليأت مبكراً. وكذلك ظاهرة حجز الأمكنة، فتجد بعض الإخوة يأتي من بعد صلاة العصر فيضع سجادته وسواكه ونظارته وحذاءه ويذهب يتمشى، فيصبح المسجد مطبخاً وهذا لا يصلح، فالإنسان الذي يريد أن يحجز المكان فليجلس فيه، أما أن يمسك ويحجز فلا، والمكان لا يحجز إلا لرجل له مكانة وبلاء في الإسلام، رجل عالم ومجتهد مطلق، مثل أن يدخل عندنا عالم فاضل فنحجز له مكاناً ونقول: هذا مكان العالم الفاضل، ويفسح له الباب، ويجلس في مجلسه، أما أن يحجز أحدنا مكاناً ويذهب يتمشى حتى الغروب، ثم يأتي ويأخذ الأمكنة على الناس، ويأتون هم مسرعون فيجلسون في الصفوف الأخيرة، فهذا غير صحيح.

حكم ضرب الدف للنساء

حكم ضرب الدف للنساء Q ما حكم الشرع في ضرب الدفوف للنساء؟ A لا بأس بالدف للنساء خاصة في الأعراس، أن تأتي امرأة وتضرب الدف لكن بدون أجرة، فلا يجوز دفع الأجرة للمرأة هذه التي تضرب بالدف، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في سنن أبي داود: {أعلنوا النكاح واضربوا عليه الدف} لذا فلا يأت واحد يقول: الدف حرام، ويجلسون مع الزوجات والنساء يسبحون ويصلون الضحوات وقت الزواج فهذا فرح، يقول صلى الله عليه وسلم لـ عائشة في صحيح البخاري: {أما عندكم شيء من اللهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو} فاللهو شيء من الدف، تتبرع امرأة فتأتي تضرب الدف ويصفقن وينشدن فلا بأس بهذا، لكن لا يجوز أخذ مغنية ولا مغني، فالغناء ظلمات بعضها فوق بعض، أما الرجال فلا يجوز لهم ذلك، وما أعلم فيه نصاً. هذا ما حضرني هذه الليلة، ونكتفي لعدم الإطالة وعدم المشقة على الناس، ونسأل الله أن يثبتنا وإياكم حتى نلقاه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فتح الفتوح

فتح الفتوح صيحة عزة انطلقت ملء الأفواه، وصارت حديث الساعة، هل تعلمون ما هذه الصيحة؟ إنها صيحة: الله أكبر! فتحت كابول، فتحت بعد أن دنستها الشيوعية الكافرة فيا ترى من فتحها؟ وماذا قدم لفتحها؟ وما سبب فتحها؟ وما هو واجبنا نحو هذا الجهاد؟ كل هذا ما ستعرفه في هذه المادة.

فتح كابول

فتح كابول إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة الفضلاء! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا اليوم (29) من شوال (1412هـ) وهذه المحاضرة من جامع أبي بكر الصديق في أبها بعنوان "فتح الفتوح". السيف أصدق إنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب فتح الفتوح تعالى أن يحيط به نظم من الشعر أو نثر من الخطب فتح تفتح أبواب السماء له وتبرز الأرض في أثوابها القشب أبقيت جد بني الإسلام في صعد والمشركين ودار الشرك في صبب رمى بك الله برجيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم يصب أبقت بني الأصفر المصفر كاسمهم صفر الوجوه وجلت أوجه العرب سوف نتحدث عن فتح العاصمة الأفغانية كابل وقبل ذلك نذكر ثناء الله على نبيه إذ يقول: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:1 - 2] ويقول المعصوم عليه الصلاة والسلام: {نصرت بالرعب مسيرة شهر}. نُصرتَ بالرعب شهراً قبل موقعةٍ كأن خصمك قبل القتل في حلم إذا رأوا طفلاً في الجو أذهلهم ظنوك بين بنود الجيش والحشم إن فتح كابل فتح للمؤمنين، وعليهم أن يحمدوا الله عليه: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] فلله الحمد أن أرانا أصنام الملحدين تتهاوى تحت أقدام المجاهدين، ولله الحمد أن أرانا أوثان الكافرين تتهاوى تحت ضربات المؤمنين. بالأمس صلى المسلمون في كابل، واستقبلوا القبلة، وقام رئيس جمهوريتهم المسلم يخطب في الألوف المؤلفة، فيقول: الله أكبر، فيكبر وراءه مئات الألوف. ولأحد الفضلاء من المشايخ شريط بعنوان "الله أكبر سقطت كابل " وهو فاضل ذكي، لكنه قال: سقطت، وودت أنه قال: الله أكبر فتحت كابل، فإن السقوط لغير كابل، بل هو فتح ورفعة لها، والله عز وجل سمى انتصارات رسوله عليه الصلاة والسلام فتحاً، فقال: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} [الفتح:1]. والآن ميلاد كابل في هذه الأيام، فهو فتح كابل، وليس سقوط كابل، فالسقوط والهبوط والاحتراق والخراب لغيرها، أما هي فتوجت بدماء الشهداء، وبجماجم المجاهدين، وأصبحت تعزف على عزف بنادق المؤمنين الذين بايعوا ربهم: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] ولهذا الدرس سبب: إنه يجب علينا كمسلمين أن نعيش قضيتنا، فإن الولاء بيننا يتحرك، والمسلم مع إخوانه يسعد لسعادتهم، ويأسى لمآسيهم {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] و {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}. والحقيقة أن عقول المؤمنين سالت بقرائح مبدعة، وببنات أفكار عجيبة فرحة بهذا النصر، وقد وصلتني عشرات الرسائل إن لم أقل مئات الرسائل ما بين نثرية وشعرية وكثير من القصائد ما بين عربية فصيحة ونبطية -أي: عربي وبلدي- واخترت بعض القصائد، وأعتذر للإخوة الذين لا أقرأ قصائدهم، فإن مقصودي أن ألقي درساً لا أمسية، ومقصودي أن أختار بعض القصائد وأن أرجئ بعضها داعياً الله عز وجل لمن نظم قصيدةً مشيداً ومثنياً وفرحاً أن يكمل فرحه في جنات النعيم.

قصيدة في المجاهدين

قصيدة في المجاهدين بين يدي قصيدة لفضيلة الشيخ الدكتور زاهر بن عوض الألمعي بعنوان "قادة الأفغان لا تختلفوا": سألت: أين الوفا؟ أين التواصل؟ قلت: أحلى ملتقىً في عرس كابل من حوالينا بدور أشرقت بالجهاد الحر في كل المعاقل يلتقي القادات في قواتهم لالتحام الصف من تلك الفصائل والجباه السمر من خوض الوغى سطعت نوراً وباتت كالمشاعل فإلى كابل تنداح الرؤى واجتماع الشمل أولى بالتواصل نظرت ليلى وقالت: حسرةً فاضت الأنباء من حقٍ وباطل والإشاعات بدت آثارها في اختلال النصر في تلك المحافل وانقسامات القوى تضعفها واختلاف الرأي أدنى للتقاتل قلت يا حسناء! لا تصغي إلى خدعة الخصم وأفاكٍ وسافل فالأباة الصيد ما لانت لهم عزمةٌ أو حال دون النصر حائل والمغاوير الألى قد وثبوا وثبة الأسد ونهر الموت سائل رفعوا الرايات فانجاب الدجى ومضوا في عزة الشهم المنازل فسلي بامير عن صولتهم وسلي كابل عن تلك الجحافل واطربي إن كان للنصر هوىً في شغاف القلب واجتازي المهازل هذه كابل في قبضتهم هذه الدنيا صغت والنصر ماثل أينما وجهت في تلك الذرى خلتها تفخر بالصيد البواسل والأنوف الشم في أرجائها عشقت في الله أصوات القنابل وقفت كالطود في ساحِ الوغى دحرت قوات زنديقٍ وصائل أنقذت كابل من وحشتها وأزاحت بالهدى كل العوازل فالأناشيد والأبيات شدت في الربى في البيد في قفرٍ وآهل والهتاف الحر دوى بهجةً عازفاً ألحان مقدام مقاتل وصدى التكبير في رحب الفضا يملأ الآفاق في رعدٍ وهاطل قادة الأفغان لا تختلفوا فانقسام الصف لا يرضاه عاقل أنتم اليوم على بوابةٍ يرصد العالم مقتولاً وقاتل فعلى درب الجهاد انتظموا فالمدى أبعد في سير القوافل

قصيدة فتح الفتوح

قصيدة فتح الفتوح فتح الله عز وجل عليَّ ببعض الأبيات في قصيدة بعنوان "فتح الفتوح" وهي على بحر وقافية قصيدة أبي تمام: السيف أفصح من سحبان في الخطب سل كابل الفتح عن خطابها النجب واهتف لقومٍ أقاموا من دمائهمُ جسراً إلى مجدهم من أعجب العجب عزف البنادق أندى في مسامعهم من عزف غانيةٍ في ساعة الطرب صدت عن الوصل كابل وأطمعها في الهجر بعد محبيها فلم تجب فأمهروها رءوساً لم تكن سجدت إلا لخالقها في أروع القرب كابل ميلادك الأسمى يضرجه دمٌ يروي عروق السفح والحدب كابل باب سماء النصر يفتحه كتائب من بني الإسلام لم تهب كابل من بدر تروي كل قصتها يا أختها من صميم الأصل والنسب فتح الفتوح وأعلام العلا رفعت وارتجت الأرض من روما إلى النقب أصنام لينين أصخت وهي عابسةٌ تذوي على النار أو تهوي إلى اللهب معاطسٌ كفرت بالله فاندحرت على أزيزٍ من البارود والقضب والشمس في هالةٍ غبراء قد كسفت غابت من الهول فيه لا فلم تغب تسربل الصيد في قاني دمائهمُ ما بين مختضبٍ أو غير مختضب فتحٌ تشيعه الأملاك من فرحٍ وتبرز الأرض في أثوابها القشب ومكة تتهادى رجع فرحتها وطيبة الفضل تروي مجد كل أبي واستبشر القدس والمسرى وعاوده ما عاود الصيد في يافا وفي حلب فتحٌ وقيمته أرواح من نسجوا ثوب المعالي من الأفغان والعرب أيها الإخوة الفضلاء! هذه نتائج الجهاد، وثمرات البذل والتضحية. ثمن المجد دمٌ جدنا به فاسألوا كيف دفعنا الثمنا

ثمن الانتصار

ثمن الانتصار ماذا دفع الأفغان ثمناً لدخولهم كابل، دفعوا أكثر من (1. 500. 000) قتيل في سبيل الله، شرد من وطنهم أكثر من (5. 000. 000) مشرد، احترقت الجبال بالنيران، وهدمت المدن، وسحقت المساجد، ورملت النساء، ويتم الأطفال، وصارت الدنيا ضاحية من ضواحي الدماء، وبركاناً من براكين البذل والتضحية، ثم أمدهم الله بنصر بعد أكثر من (13) سنة إلى (14) سنة بنصر مؤزر، دخلوا شباباً يهتفون. نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وصلوا الجمعة في صفوف متراصة كأنها السدود تتجه إلى الكعبة حيث انطلقت منها لا إله إلا الله، وأثبتوا للعالم أن الأرض التي تؤخذ بالسلاح لا تستعاد إلا بالسلاح، وأن المبادئ التي تسحق لا بد أن تعاد بالسحق لمن سحقها، هذه قضية، ثم أروا العالم أن الشجب والتنديد والاستنكار لا يأتي بشيء بل يأتي بقوة السلاح بعد الاعتصام بالله عز وجل.

الجهاد في القرآن الكريم والحديث الشريف

الجهاد في القرآن الكريم والحديث الشريف أيها الفضلاء! ذكر الله الجهاد وثمراته ونتائجه ومقاصده، وسوف أختار بعض الآيات من كتاب الله عز وجل، قال المولى جلت قدرته: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة:218] فسبحان اللهّ! بعد الهجرة والجهاد يرجون رحمة الله، فقل لي: ماذا يرجو القاعدون على الفرش؟! وماذا يريد المتمتعون بالشهوات؟! إذا كان المهاجر والمجاهد تجرح قدمه ويقطر دمه ويتناثر جسمه بالقنابل، ثم يقال له: كأنك ترجو رحمة الله، كأنك تريد ما عند الله، ويقول المولى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:142] أظننتم أن طريق الجنة محفوفٌ بالورود يميس كالحرير؟! لا. إنه طريق صعب، ولو كان سهلاً لدخله الناس جميعاً، ولكن يتخذ ربك شهداء ومجاهدين. إن من يحسب أنه سوف يدخل الجنة، وهو قاعد على فراشه، لا يدعو، ولا يبذل، ولا يضحي، ولا يغضب لله، ولا يبيع دمه وماله وعرضه من الله، فقد غلط في الحسبان، وأخطأ في العدد، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] (فينا) انظر إلى الضمير (فينا) ما أحسنها من نسبة! لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي قال: فينا، حتى يقول ابن أبي الحديد مخاطباً ربه: وحقك لو أدخلتني النار قلت لـ ـلذين بها قد كنت ممن أحبه وأفنيت جسمي في علومٍ كثيرةٍ وما منيتي إلا لقاه وقربه أما قلتمُ من كان فينا مجاهداً سيحمد مثواه ويعذب شربه قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} [العنكبوت:69] فهي نون النسبة، فهم منتسبون إلى الله، جاهدوا من أجله ولوجهه، ومن أجل مبادئه، ومن أجل لا إله إلا الله، ومن أجل عين لا إله إلا الله، وجمال لا إله إلا الله، وروعة لا إله إلا الله، لا من أجل التراب والوطن، والدم، والجنس، ولا أي كيان وإنما (فينا). وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54] فإذا أرضوا الله، فما عليهم من لوم اللائمين، ولو لامهم العالم، ولو قال لهم العالم: أنهم متطرفون، أو متشددون، أو متزمتون، أو إرهابيون فهم إنما يجاهدون في سبيل الله، وهي الكرامة، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَ3ِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:41]. يقولون: كان أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أرضاه شيخاً كبيراً قد شارف على الثمانين، فسمع بالجهاد لفتح القسطنطينية في عهد يزيد، فخرج ولبس درعه، قالوا له: أنت كبير، أنت ثقيل، قال: لا. إن الله يقول: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41] والله لأنفرن، فقتل هناك، وسوف يبعث هناك بين قوم كفار يقول: لبيك اللهم لبيك. وقال عز وجل: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج:78] وحق جهاد الله أن يسيل الدم لمرضاته، وأن يقطع الرأس من أجله، وتدفع الدنيا بما فيها وبزينتها وبذهبها ليرضى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت على شرجعٍ يعلى بخضر المطارف ولكن شهيداً ثاوياً في عصابةٍ يصابون في فجٍ من الأرض خائف إذا فارقوا دنياهمُ فارقوا الأذى وصاروا إلى موعود ما في المصاحف قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:95] ولم يسم لنا الأجر، ولم يعدده لنا، إنما هو أجر عظيم، والأجر عند الله، فالمجاهدون أفضل من القاعدين بلا شك، المجاهدون من أجل لا إله إلا الله، والقاعدون يكفيهم اسم القعود، فلم يقل عنهم غير ذلك، إنما سماهم (القاعدون) لأنهم قعدوا، فكأنهم ليسوا قياماً، ولو في ديارهم، إنما لقلة هممهم وعزائمهم قاعدون فهذا وسام لهؤلاء، أما أولئك فـ (المجاهدون- الشهداء في سبيل الله) وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء:95]. هذه آيات، وغيرها كثير، وآيات الجهاد تربو على مائتين وأربعين آية في كتاب الله، وقال صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة مائة درجة؛ ما بين الدرجة والتي تليها كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله}.

حث الرسول عليه الصلاة والسلام على الجهاد

حث الرسول عليه الصلاة والسلام على الجهاد عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من مات، ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق} رواه مسلم. ومعنى الحديث: من مات ولم تخالجه نية الجهاد، ولم يعزم على أن يجاهد، ولم يحدث نفسه مرة من المرات، ولم يزاول حركة الجهاد، ولم يغز بماله، أو بنفسه، مات على شعبة من النفاق، يلقى الله وفي قلبه، وعمله، وميزانه شعبة من شعب النفاق، فليحذر العبد، وليجاهد بلسانه وبسنانه كما سوف يأتي في الحديث، وليجاهد بكلمته، وبقلمه، وبماله، فهو الجهاد العظيم. قال أهل العلم في قوله: {من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق} قالوا: هي مرحلتان: الأولى: مرحلة الغزو المباشرة. الثانية: مرحلة التحديث. والتحديث معناها: مزاولة النية، واستثارة القلب من أجل التصميم على الجهاد إذا سنحت الفرصة، حتى إن بعض أهل العلم كان يصعد الجبال في الصباح، ويتدرب على حمل السلاح، فقيل له: لم ذلك؟ قال: أتهيأ للجهاد في سبيل الله. وفي سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه صعد جبل كسروان، ونزل هابطاً، فقيل له في ذلك، قال: أتهيأ للغزو في سبيل الله. وعن أنس رضي الله عنه وأرضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم} رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم وهو حديث صحيح. جاهد بماله ونفسه، فهو بأعلى المنازل، وقد أرسل ماله، وقد قدم الله المال على النفس؛ لأنه يتيسر أكثر، والنفس وهي أرقى ما يبذله الإنسان. يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أعلى غاية الجود ويظن بعض الناس وهم على أجر ومثوبة أنهم إذا تنفلوا بالصلوات في المساجد أو في البيوت، وتركوا الجهاد ومراغمة أعداء الله والمنافقين؛ أنهم أفضل من أولئك، نعم هم على أجر، لكنهم ليسوا بأفضل، ولذلك يحقق هذه المسألة ابن المبارك أمير المؤمنين في الحديث، ويخرج التحقيق في أبيات: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب والجهاد باللسان يدخل فيه: المقالة، والخطبة، والدرس، وكلمة الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقلم، والذاكرة، والفكر، والأدب، والثقافة، والتراث، كلها تكون لمرضاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله} متفق عليه، وسبب الحديث: {أن رجلاً قال: يا رسول الله! الرجل يقاتل شجاعةً، ويقاتل رياءً، ويقاتل ليرى مكانه، ويقاتل حمية؛ أي ذلك في سبيل الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله} قال بعض العلماء: هذا حصر، ومفهوم المخالفة في هذه الكلمة: أن من قاتل لغير أن تكون كلمة الله هي العليا، فليس في سبيل الله. {أتى رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله! أبايعك على الإسلام، فبايعه، فأعطاه عليه الصلاة والسلام مالاً، فقال: يا رسول الله! غفر الله لك! ما على هذا بايعتك، قال: على ماذا بايعتني؟ قال: بايعتك على أن يأتيني سهم طائش غرب يقع هنا -وأشار إلى ثغره ولبة صدره- ويخرج من هنا -وأشار إلى قفاه- قال عليه الصلاة والسلام: إن تَصْدُق الله يصدقك، وأتت المعركة فوقع سهم في لبته، وخرج من قفاه، وقتل في سبيل الله، فمسح عليه الصلاة والسلام وجهه، وقبله، وقال: صَدَقْتَ الله فَصدَقك الله، صدقت الله فصدقك الله}.

وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام للمجاهدين

وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام للمجاهدين عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش، أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: اغزوا باسم الله} انظر ما أحسن الابتداء! على بركات الله أن تفتتحوا غزوكم وجهادكم باسمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم قال: {اعزوا باسم الله وفي سبيل الله؛ قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تغلوا} والغلول سرقة شيء من الغنيمة على وجه الخفاء: {ولا تغدروا} وهو النكث بالميثاق {ولا تمثلوا} وهو تشويه القتلى ولو من الكفار، فالتمثيل لا يسوِّغه، انظروا حفظ الذمم، انظروا العهد والميثاق، انظروا هذا الشرف لهذا الشريف العظيم عليه الصلاة والسلام: {ولا تقتلوا وليداً} فليس في الإسلام قتل الأطفال، إنه احترام للمبادئ، وتميز للناس، ووضع للأمور في مواضعها: {وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاثة خصال، فأيتهن أجابوك إليها؛ فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى كلمة الإسلام، فإن أجابوك إليها، فاقبلها منهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن أبوا، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا؛ فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك؛ فاقبل منهم، فإن أبوا؛ فاستعن عليهم بالله تعالى وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوا أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تفعل، ولكن اجعل لهم ذمتك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله، وإذا أرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تفعل، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا} أخرجه مسلم. هذه وصاياه عليه الصلاة والسلام لأتباعه ولجنوده في المعارك، من حفظ للعهد، ومراعاة للذمة، واحترام للمواثيق، وعدم فساد في الأرض، وتحرير للعقول، وإزالة للباطل عن طريق الدعوة حتى تصل إلى مستحقها وإلى أهلها.

فضل الشهادة في سبيل الله

فضل الشهادة في سبيل الله أما فضل الشهادة والشهداء، ومن جاهد في سبيل الله، فأكثر من أن تحصر الأحاديث كما أسلفت. يقول عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده لا يُكْلَم -من الكلم وهو الجرح- أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يُكْلَم في سبيله إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح المسك} أخرجه مسلم. ريح المسك ينبعث منه يوم القيامة، وقد قتل من مئات السنوات وآلاف السنوات، فيجعل الله وسامه يوم العرض الأكبر دمه يسيل أمام الناس أجمعين، وفي الترمذي عنه قال: {ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين، أو أثرين، قطرة دمعة من خشية الله، أو قطرة دمٍ تراق في سبيل الله، وأما الأثران فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله} أخرجه الترمذي وسنده حسن. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {ما من عبد يموت له عند الله خير، لا يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى} وفي لفظ: {أن يقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة} أخرجه البخاري ومسلم والنسائي. ومنها أن أم حارثة بن سراقة لما قتل ابنها يوم بدر، أتت تبكي، فقالت: {يا رسول الله! ابني في الجنة فأصبر، أو أحتسب، أم هو في غير ذلك فسوف ترى ماذا أصنع؟ قال: أهبلت! أجننت! والذي نفسي بيده إنها لجنان كثيرة، وإن ابنك في الفردوس الأعلى} فنسأل الله الفردوس لنا ولكم، ونحن نطمع في رحمة الله فإن الله لا يتعاظمه شيء، وهذا الحديث رواه البخاري من حديث أنس. وقال عليه الصلاة والسلام: {إن أرواح الشهداء في جوف طيور خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئاً؟ فقالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث نشاء؟! ففعل بهم ذلك ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب! نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرةً أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا} أخرجه مسلم. ومعنى الحديث: أن الله عز وجل كلم الشهداء كثيراً فيما يشتهون، قالوا: بيضت وجوهنا وأرضيت أرواحنا، فسألهم ربهم كثيراً، فقالوا: تعيدنا إلى الدنيا فنقتل فيك، فلم يعطوا ذلك، لأن الله يقول: {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} [يس:31] فلا يرجعون إلى الدنيا أبداً في علم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وقضائه وقدره.

خصائص الشهداء

خصائص الشهداء الأولى: {إن للشهيد عند الله خصالاً: يُغفر له في أول دفعة من دمه} أول ما تسكب في الأرض قطرة من قطرات دمه يغفر الله له سجلاته ولو كانت كجبال الدنيا من الخطايا. الثانية: {ويرى مقعده من الجنة} قال بعضهم: يراه قبل أن يقتل، وقال بعضهم: في سكرات الموت، فيرى مكانه الذي خصصه الله له. الثالثة: {ويحلى حلية الإيمان} وهي علامة خاصة بالمؤمنين، وهي للمجاهدين، ودل عليها القرآن في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:19]. الرابعة: {ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر} فلا يأتيه عذاب من القبر، وهذه للشهداء والأنبياء. الخامسة: {ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها}. السادسة: {ويزوج اثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه} ذكره أحمد وصححه الترمذي، وهذا الحديث ذكره ابن ماجة مع أحمد وهو من حديث المقداد بن معد يكرب، وإسناده صحيح، والأحاديث في ذلك كثيرة، وقد تقدم منها أحاديث في كثير من المناسبات. وفي المسند مرفوعاً: {الشهداء على بارق نهر باب الجنة في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية} رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي. وقال عليه الصلاة والسلام: {لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى تبتدره زوجتاه كأنهما ظئران أضلتا فصيليهما في براح من الأرض -البراح: البيداء- وفي يده كل واحدة منهما حلة خير من الدنيا وما فيها} أخرجه أحمد وابن ماجة وفي سنده شهر بن حوشب وهو ضعيف وهلال بن أبي زينب وهو مجهول. وفي المستدرك وعند النسائي مرفوعاً: {لأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل المدر والوبر}. وفيهما: {ما يجد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة} والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وهناك قصص ضرجت بها كتب السنة، ودبجت بها دواوين الإسلام للشهداء في سبيل الله، ومن أراد أن يتأمل هذا الباب، فعليه بالمجلد الثالث من زاد المعاد محققاً في باب الجهاد في سبيل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وعليه بكتاب الجهاد من صحيح البخاري مع فتح الباري، وبأحاديث الجهاد التي جمعها مثل ابن المبارك رضي الله عنه وأرضاه في الأربعين من كتبه، وغيره ممن جمع في ذلك، وألف فيها رسائل، ولكني أدل نفسي وإخواني على مسألة، وهي أن السائل عندما يسمع هذه الأخبار، يقول: كيف أحصل على الشهادة في سبيل الله تعالى؟ وأحياناً لا أستطيع أن أحصل عليها لظروف في نفسي، وبيتي، ومجتمعي، أو لبعض الظروف والطوارئ، فأقول: عليك بأمرين اثنين: أولاً: أن تنوي نيةً صادقةً مخلصةً الغزو في سبيل الله، وأن تحدث نفسك بذلك دائماً ليلاً ونهاراً، وأن تعلم أنك إذا لم تحدث نفسك ببيع نفسك من الله والقتل في سبيله، ففي إيمانك نظر، فعليك أن تزاول هذا دائماً في حركاتك وسكناتك، وتتحرى اليوم الذي تقتل فيه شهيداً في سبيل الله في حرب الكفار. ثانياً: أن تسأل الله عز وجل الشهادة في دبر كل صلاة، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام عند مسلم من حديث أبي هريرة قال: {من سأل الله الشهادة بصدقٍ، بلغه الله منازل الشهداء، ولو مات على فراشه} فجزاء من يسأل الله، ويعلم الله نيته وصدقه ودعاءه أن يثيبه أجر الشهداء، ولو مات على فراشه كما حدث لـ خالد بن الوليد سيف الله المسلول. ثالثاً: عدم الركون إلى الدنيا فقد قال تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38] فإن من باع حظه من الله- عز وجل- ومن جنته بشيء من الدنيا، فلا خلاق له عند الله يوم القيامة، فنسأل الله أن يخرج حب الدنيا من قلوبنا، وأن يجعلنا من أوليائه الصادقين الذين باعوا أنفسهم له تبارك وتعالى. ثم اعلموا حفظكم الله أن من يفرح بفرح المسلمين، فهو دليل على إيمانه وصدق يقينه، ومن يغضب ويتأثر لما يصيبهم، فهو دليل كذلك على صدقه ويقينه. وهذا الجهاد -كما قلت- أمنية للمسلمين، فمنذ سنوات صرفت فيه الملايين، وأسيلت فيه الدماء، وذهبت فيه الجماجم، وأصبح حديث الناس في المشرق والمغرب، وأصبح قصة الدنيا، وسارت به الركبان، ولا بد لنا أن نبدأ من أول الخيط في عجالة لهذا الجهاد.

سبب الجهاد في أفغانستان

سبب الجهاد في أفغانستان أما سببه فهو: هجوم الشيوعيين والملاحدة الذين كفروا بالله عز وجل ومزقوا المصحف، وذبحوا أولياء الله، فاحتلوا أفغانستان، وظنوا أنهم سوف يبيدون خضراء هذا الشعب الذي فتح من عهد التابعين بسيوف قتيبة بن مسلم والأحنف بن قيس وأمثالهم رضوان الله عليهم، وقتل من الصحابة كثير في قندهار، فظنوا أنه سوف يذهب هباءً منثوراً، فماذا فعل الأفغان؟ هل استكانوا؟! هل ضعفوا؟! هل أغلقوا عليهم بيوتهم يبكون؟! ماذا فعلوا؟ إن الواحد منهم تقتل زوجته وثمانية أطفال له، ويهدم بيته ويخرج من بيته بلا شيء، فماذا فعل؟ هل وقف يبكي على أطفاله وزوجته؟ لقد أخذ السلاح وصعد إلى الجبل كالأسد وهو يقول: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا أذكر أول ليلة طرق أسماعنا هذا الغزو وسمعنا خبره المفجع، وأذكر تلك الليلة أنني سمعت في إذاعة لندن هيئة الإذاعة البريطانية الخبر، قالوا: وقد توجه الكثير من الأفغان إلى سفارات الاتحاد السوفيتي في عواصم كثيرة يحرقون علمها ويحاصرونها وينشدون في الشوارع البيت المعهود المعروف: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبدا قلبوا الأرض على المستعمر، وما هي الدولة التي واجهتهم؟ إنها دولة تملك من المساحة ثلث الكرة الأرضية، هذه الدولة في عنفوان شبابها، وعنفوان قوتها، يحكمها طاغية لا يعرف مصادرة القرار ولا الاستثناء، دولة لم تشعر أنها سوف تتفكك أبداً، فحركت قواتها، لقد أخبرنا المجاهدون أنهم كانوا يجدون القذائف مكتوب عليها تاريخ ذلك الأسبوع أي: أنها خرجت من المصنع، أي: أن المخازن انتهت، وصنعت هذه القذيفة في التو، وخرجت بالرقم في تاريخ ذلك الأسبوع من المصنع مباشرة ليُضرب بها المجاهدون، فماذا حدث؟ وصلت أنا هناك مع بعض الإخوة، فوجدنا كثيراً من جنبات الجبال احترقت، رأينا بعض الصخور محترقة من كثرة ما ألقت الطائرات اللهب، أحرقت الشجر والمزارع، وأصبحت لا تصلح للزراعة، أصبحت الأرض قنابل، والسماء قنابل، والبيوت مفجرة بأهلها، والمشوهون مئات الألوف، وأصبحت هذه القوة العظمى تعبث بالقيم، وتعبث بالناس، بعتو وبتهور لا يعلمه إلا لله. تأتي مائتان من الطائرات في دفعة واحدة فتلقي حمولتها على قرية صغيرة، ويكفي هذه القرية عشر طائرات، لكن من البغض والحقد والحنق على الإسلام والمسلمين تدمر هذا التدمير، فماذا فعلوا؟ لقد استعان المسلمون بالله عز وجل، وما وهنوا وما استكانوا وما ضعفوا، بل زادهم هذا إصراراً وثباتاً وقوة، وأنتم تعلمون أن الشيخ/ يونس خالص أحد القادة الأفغان -وهو في السبعين من عمره وهو عالم من علماء الأحناف- دخل على أحد الرؤساء العالميين الكبار، فقال له ذلك: نفاوض في قضية الأفغان، قال: قبل القضية أدعوك إلى الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم رعيتك، وأتوا يساومونهم قالوا: على ماذا نساوم؟ أعلى لا إله إلا الله؟ لا مفاوضات، لا جلوس على مائدة مستديرة، ولا مربعة، ولا مثلثة، ولا مسدسة، إنما عندنا لغة النار. فروا على نغم البازوك في غسقٍ فقهقهت بالكلاشنكوف نيران يسعى فيعثر في سروال خيبته في أذنه من رصاص الحق خرصان ماذا فعلوا؟ لقد تجمعوا في حشود هائلة، والذين حول كابل من المجاهدين الذين يحملون السلاح، ومتدربون من المجاهدين الأفعان ما يقارب (500. 000) غير الذين في المدن الأخرى، ولما سمعوا أن كابل تداعت كلهم اتجه في طريقه، وذهب في ليلة الفتح، يوم فتحت كابل أشعلوا سمائها بالنيران، حتى أصبحت كأنها نهار، كأن الشمس ما غابت، وأخبروا الشيوعي الذي فر أننا هنا، وأعلنت روسيا أمام العالم أنها تنسحب بعد أن قتل منها الألوف المؤلفة من أبنائها، وخسرت ذخيرتها ورغم أنفها أمام العالم، حتى قال بعض المراقبين: إن سبب انهيار الاتحاد السوفيتي هو الجهاد الأفغاني المسلح ضد هذه القوة الكافرة، ولما وصل رباني موسكو سمعت مراسلاً يراسل الشرق الأوسط يقول من هناك بالهاتف في الراديو: هذه القوة العظمى سحقت بسلاح المجاهدين، وقد تيقن هؤلاء أنهم لا يستطيعون لهؤلاء المجاهدين بالسلاح إلا بالمفاوضة السلمية، ثم قال البيت الشعري: كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل وهذا الأمر مشهود، أما أسباب قيامهم بالجهاد فمنها: السبب الأول: لقد احتلت أرضهم، ومزقت مبادئهم، وديست عقيدتهم، وهدمت مساجدهم، وألغيت صلاة الجمعة في كثير من المدن، وبقرت بطون الحوامل، وديس المصحف بأحذية الشيوعيين أبناء لينين هناك. السبب الثاني: أن دين الله حوصر في الأرض. السبب الثالث: أن الدماء تجري كالماء على وجه الأرض، أما المعاناة فلا أستطيع أن أخبركم؛ لأن الأمر مشهود، وأنتم أمة عشتم الجهاد بأموالكم وأنفسكم ودمائكم من أوله إلى آخره، فجزى الله من جاهد وبذل وأعطى خير الجزاء، وإنه واجب على المجاهدين أن يشكروا الله، ثم يشكرونكم على ما فعلتم، فقد فعل العرب المسلمون فعلاً جميلاً حتى إنهم يقولون: إن العربي إذا كان هناك أصبح في الكتيبة الأولى وتترس به، لأنا لا نقول عصبية ولا عاطفة ولا تميزاً، وإنما نقصد أن هؤلاء لهم موقف مشرف في الجهاد الأفغاني -أثابهم الله- ولا أعلم بلداً عربياً مسلماً إلا شارك بأبنائه مع المجاهدين في سبيل الله عز وجل.

أسباب نصر المجاهدين الأفغان

أسباب نصر المجاهدين الأفغان لماذا انتصروا؟ السبب الأول: أن الله نصرهم، هذا السبب الأعظم، وهناك أسباب أخرى، لكن السبب الأول وبيت القصيد أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى نصرهم {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] وكتب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينصرهم فنصرهم، وإلا من يعتقد أن دولة صغيرة عدد سكانها ما يقارب (20. 000. 000) وهي دولة فقيرة اقتصادياً، ودولة جغرافيتها من الصعبة الشائكة الجبلية، ومعداتها وأسلحتها بدائية، وهي من الدول النامية تصادم دولة عدد سكانها أكثر من (300. 000. 000) وهي إحدى الدولتين العظيميين في العالم، وقد بلغت في الأسلحة الذرية مبلغاً لم تبلغه دولة، ثم يقاومهم هؤلاء المجاهدون؛ لأن الله معهم. السبب الثاني: شجاعة هذا الشعب، فليس الأفغان شعباً خانعاً، بل بالإجماع لا يُرى أشجع من الشعب الأفغاني، فهم إذا تمازحوا، تمازحوا بالرصاص، إذا مازح بعضهم بعضاً يترامون بالرصاص، وقَتْل الرجل عندهم كقتل الدجاجة، ترى المجاهد جالساً في الخيمة ويأتيه خبر أبنائه يقول: قتل أربعة أبناء لك، قال: الحمد لله! الله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون! ثم يعبئ الكلاشنكوف ويخرج يقاتل في سبيل الله، تبتر ساقه فيحمل نفسه على الساق الأخرى ويقاتل بعضهم على خشبتين، وهو يأخذ المدفعية والبازوكة، ويلقي في سبيل الله عز وجل بالقذائف. أي صبر؟! إلى أي حد يبلغ هذا الإنسان القوي الشجاع؟! إن طبيعتهم كذلك فقد رأينا جبالهم فإذا هي لا تصلح إلا لإخراج الأسود، لا تعيش فيها الأرانب أبداً، حتى أنه ذكر لنا -وقد ذكرت ذلك في ليالٍ في أفغانستان قبل ما يقارب سنة- أن شعب قندهار إحدى الشعوب الأفغانية هؤلاء من أشجع الناس، ولهم تميز خاص، ويرون أن الانبطاح وقت هطول القنابل عيب، لا ينبطحون، والتعاليم العسكرية تقتضي أنك إذا رأيت القنبلة تهوي، فعليك أن تضطجع على بطنك، فيرفضون، فترصعهم القنابل ويرصعون وهم وقوف، هذه من الأسباب. السبب الثالث: أن عندهم همة لا تعرف الرجوع إلى الوراء، فقد قدمت لهم عروض سلمية، وتدخلت جهات، ورفضوا، فهي همة عالية، تنطح الثريا، وعزم نبوي يزعزع الجبال. السبب الرابع: وقوف المسلمين في مشارق الأرض معهم بالمال والسلاح والأنفس، ونشكر المسلمين جميعاً على ما فعلوا أثابهم الله ثواباً عظيماً، فقد دفعوا الملايين المملينة والسلاح والأبناء، وما أعلم من مدينة من المدن إلا أصيبت بشهيد، أو شهيدين، أو أكثر في سبيل الله في أفغانستان. السبب الخامس: أن الشعب كله مجاهد، فقد خرجوا بالقبائل يحملون السلاح، ويرون أن من العار ألا يوجد بيت لا يحمل السلاح، والبيت الذي لا يخرج مجاهداً، أو لم يقتل منه قتيل يشعر بذلة وبخيبة أمام المجاهدين. حيوا الجهاد فذكره يشجيني وأخص حكمتيار قلب الدين أسدٌ براثنه شباب محمدٍ قاد الكتائب وهو في العشرين آماله ضرب الجماجم في الردى سماه مادحه صلاح الدين شكراً لأستاذ المبادئ والنهى سياف رمز القائد المأمون لا تنس أستاذ المبادئ والنهى سياف رمز القائد المأمون وتذكر الأمجاد في ساح الوغى الشيخ يونس صاحب السبعين لا تنس رباني فإن حديثه كالشهد أو كالتوت في تشرين

ثمرات الجهاد الأفغاني

ثمرات الجهاد الأفغاني ما هي ثمرات هذا الجهاد؟ إن هذا الجهاد: 1 - رفعة لجباه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فإن المسلمين فرحوا بهذا، وحمدوا الله عز وجل على هذا النصر العظيم. 2 - اندحار للكفر، ودرس قاسٍ لكل كافر ألا يغتر بقوته مهما بلغت، فإن الله أقوى منه، ومهما نظر إلى الشعوب المستضعفة المسلمة، فلا توسوس له نفسه، ولا يخطر له شيطانه، ولا يملي له غيه أنه سوف يغلب هؤلاء، ما دام الله معهم. 3 - اتخذ الله به من عباده شهداء، فإن الله يصطفي من يشاء من الشهداء. 4 - إيجاد أرضية للمسلمين يجاهدون فيها في سبيل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. 5 - تصفية للقلوب من حب الدنيا، ومن شهواتها، ومناصبها، فقد كان هذا المعترك على مدى (14) سنة معتركاً هائلاً لامتحان القلوب، وتصفية النفوس وقد قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3].

دعوتنا للمجاهدين الأفغان

دعوتنا للمجاهدين الأفغان ما هي دعوتنا للمجاهدين الأفغان ولغيرهم من المسلمين؟ ندعو الله في هذا اليوم الفضيل، ومن على هذا المنبر الفضيل، ومن هذا المكان الفضيل، والجمع الفضيل -وهو سبحانه كريم- أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يثبت أقدامهم، وأن يعلي كلمة المجاهدين في مشارق الأرض ومغاربها، كما ندعوهم إلى الائتلاف ونبذ الفرقة، وتوحيد الصف: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]. تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحادا فالفرقة داء، سواء على صعيد البيت، أو المدينة، أو القرية، أو الأمة، وإني أوصي إخواني من طلبة العلم والدعاة والأخيار والصلحاء والفضلاء والمجاهدين ألا يتركوا للشيطان فرصة ليشتت الشمل، ويحرش بين المؤمنين، فإنه سوف يدخل على المؤمنين بتسويفه دخولاً شانئاً، نسأل الله أن يكفينا شره وكل ذي شر.

واجبنا نحو الجهاد

واجبنا نحو الجهاد ما هو واجبنا نحو الجهاد الآن؟ واجبنا: 1 - أن نسجد لله سجود الشكر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم سجد في الفتوح، وسجد أبو بكر لما أخبر بقتل مسيلمة وانتصار المسلمين، وغير ذلك من القصص. 2 - أن نشاركهم فرحتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يجمع الله كلمتهم على الحق؟ 3 - ألا نصدق الشائعات التي تفسد ما بين القلوب، وتشكك في نيات المجاهدين، فإن بعض المنافقين يقول: هؤلاء ما خرجوا إلا لأجل السلطة، أو لأجل المناصب، أو لأجل المال، أو ما خرجوا لمقصد وجه الله عز وجل، إلى غير ذلك من الكلمات التي نسمعها، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يعلم ذلك. من الشمم أيها الإخوة! ما ذكر - كما تعرفون - قبل ما يقارب سنتين أن وفد المجاهدين وفدوا هيئة الأمم المتحدة، فلما حانت صلاة الظهر، قام أحد الوفد من مشايخ الجهاد الأفغاني، وأذن في هيئة الأمم للظهر بصوته العالي المرتفع، فارتجت الهيئة، وهي أول يوم في التاريخ تسمع فيه الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ليس غريباً أن ترى هذه الوجوه، وأن ترى هؤلاء المصلين، وهذه الأمة، فإننا كنا في فترة من الفترات مع قتيبة بن مسلم حول كابل نرفع لا إله إلا الله، حاصرها، وحاصر تلك المدن قتيبة بن مسلم، ورفع عقيرته يهتف وينادي ربه أن ينصره، فنصره الله نصراً مؤزراً.

الأسئلة

الأسئلة

المشاركة في الجهاد

المشاركة في الجهاد Q هل اشتركت في القتال في أفغانستان؟ A ما اشتركت، اشتركت بالدعاء، لأن على المؤمن أن ينصر إخوانه بالدعاء، أو بالنية، أو بالمال إذا لم يستطع بنفسه، والله يقول: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:122] وهذه الآية تساعدنا كثيراً، وهي معنا دائماً وأبداً، ولكن على كل حال لا يلزم أن كل المؤمنين يقاتلون، فإن الجهاد ليس القتال فحسب، الآن يأتي التخريج: الخطبة جهاد، والدرس جهاد، والكلمة جهاد، والمال جهاد، والدعاء بظهر الغيب جهاد، قال عليه الصلاة والسلام: {إنما تُنْصَرون وتُرزقون بضعفائكم} رواه أحمد والترمذي وغيره من أهل السنن. فدل ذلك على أن الضعفاء من أمثالنا ينصر بدعائهم، والله عز وجل يريد من المؤمنين أن يؤدي كلٌ ما في استطاعته وقدرته.

الاستفسار عن أحوال المجاهدين

الاستفسار عن أحوال المجاهدين Q هل بين المجاهدين الآن اختلاف؟ A ما سمعت إلا خيراً، والأنباء التي وصلت أن بينهم اجتماعاً وألفة، وأنهم والحمد لله كانوا في منظر بهيج أمس في صلاة الجمعة، وأن المساجد اكتظت بالمصلين، وقام الخطباء على المنبر ولأول يوم بعد سنوات عديدة يعيدون الخطبة كما كانت من قبل سنوات.

ضعف الثقة في أخبار الإذاعات

ضعف الثقة في أخبار الإذاعات Q هل نصدق أخبار الإذاعات الأجنبية في الجهاد والمجاهدين؟ A هذه مثل كتب بني إسرائيل اروِ عنها ولا حرج، لا تصدقوهم، ولا تكذبوهم، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، لكن أحياناً قد يكون فيها حقائق، فإنه مثلاً في بعض الأوقات ينقل عن مراسل، والمراسل يخبرك بأنه واقف على شفير المعركة، أو يرى، أو يسمع حتى إنه يخرج لك دوياً وصوتاً، فقد يكون هذا. الأمر الثاني: أنه قد لا تكون لهم مصلحة في الكذب فينقلون الحقيقة. الثالث: أنه قد يتواتر الخبر، فترويه عدد من الإذاعات ومن الصحف ومن المراسلين، فيدل على أن للخبر أصلاً، أما أن يقول بعض الناس هذه الإذاعات الأجنبية لا تسمعها أبداً، فهذا ليس بصحيح، وبعضهم يقول: صدقها، وخذ ما قالت، وهذا ليس بصحيح، ولكن أمرنا الله بالعدل والتثبت والتأمل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6].

ظاهرة عدم الاهتمام بأمور المسلمين

ظاهرة عدم الاهتمام بأمور المسلمين Q لماذا لا نعلم بقضايا المسلمين إلا آخر الناس؟ A ربما لقلة اطلاعك، أو عدم اهتمامك، وإلا فلك منافذ، ولك وسائل أن تطلع، وأن تقرأ، وأن تسأل، وأن تعيش قضايا المسلمين، حتى إن بعض الناس يقول قبل سنوات، أو قبل سنتين: سمعت أحدهم يقول: المجاهدون هؤلاء بعضهم يقتل بعضاً، وإلا فالشيوعيون خرجوا، يظن أن الشيوعيين فقط هم الروس ولا يعلم أن هناك شيوعيين أفغان ما زالوا جاثمين إلى الآن في المدن، ثم فتحت المدن والحمد لله فهذا ظن الناس، وبعضهم يقول: هؤلاء ما قصدهم وجه الله، وبعضهم يقول: لا تتبرعوا لهم إلى أشياء كثيرة من قلة الاهتمام والمعرفة، أيضاً على المسلم ألا يظن أن قضية المسلمين فقط أفغانستان هناك (بورما والبوسنة والهرسك والصومال وفلسطين) وكثير من بلاد المسلمين فيها قضايا، ولا تسمع الأخبار الآن والقتل والدماء إلا على المسلمين، حتى إن بعض الكتبة يقول: أرخص الدماء في هذا العصر دماء المسلمين. ولكن أبشركم بشرى أن هذا القرن هو قرن الإسلام، فانهيار الاتحاد السوفيتي أخرج لنا جمهوريات مسلمة مؤمنة بالله في غالبها، فكثير مما حصل هو قرن للإسلام في صالح الإسلام، ولكن لا بد من المراغمة والعثرات، ولا بد من الصدمات، ولا بد من القتل في سبيل الله، ولكن عزاءنا أن من عاش يعيش عزيزاً، وأن من مات يموت شهيداً إن شاء الله.

الواجب علينا عند النصر

الواجب علينا عند النصر Q ماذا نفعل بهذه المناسبة الكبرى؟ وهل نقدم شيئاً، أو نفعل شيئاً؟ A لك أن تسجد لله سجود الشكر، وأن تحمد الله عز وجل وأن تتصدق بصدقة، أو ترسل بصدقتك للجهاد، أو تكتب مقالة، أو قصيدة، أو أي شيء ينصر به الدين، فافعل وكلٌ على ما يسره الله له، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام كما سلف في الحديث الذي رواه أحمد: {جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم} فكان حسان بلسانه، وكان الآخر بخطبه كـ ثابت بن قيس بن شماس، وكان خالد بسيفه، وكان عمرو بن العاص برأيه، فكلٌ فيما ينصر به الدين، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الموفق.

معنى الجهاد

معنى الجهاد Q لقد ذكرت أننا نجاهد بالكتاب والقلم، فما معنى ذلك؟ A معناه يا أخي! أن تكتب في الدعوة، تنشر الدين بالقلم؛ بالمقالة، بالقصيدة، توضح العقيدة، تدافع عن الجهاد، تدعو المسلمين إلى الخير، تحذرهم من الشر، هذا معنى الجهاد بالقلم، لا أنك تحمل القلم لتقاتل به والجهاد باللسان أنك تقول وتتحدث، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جعل لكل عضو جهاداً، فجهاد اللسان أن تقول به، وتدعو، وتحاضر، وتخطب في سبيل الله.

حكم الصلاة في الفتح

حكم الصلاة في الفتح Q هل يُصَلىَّ ركعتان في الفتح؟ A صلى عليه الصلاة والسلام يوم الفتح ثمان ركعات كما في الصحيحين من حديث أم هانئ، وقال بعض أهل العلم: إنها للفتح، وقال بعضهم: بل ضحى، وكثير من المسلمين حتى من الصحابة الذين فتحوا تستر صلوا ركعتين، فالمجاهدون هناك هم الذين عليهم صلاة ركعتين، أما نحن فعلينا أن ندعو الله عز وجل لهم، وأن نفرح بهذا، ولو أن المسلم يوم سمع الخبر سجد لله سجود الشكر كان مأجوراً، وكان على سنة من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. أيها الإخوة الفضلاء! أسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لي ولكم التوفيق والهداية والرشد والسداد، وأن يحسن منقلبنا وعاقبتنا وخاتمتنا في الأمور كلها، كما أعتذر للإخوة الذين جلسوا في آخر المسجد في البرد، وأسأل الله عز وجل أن يثيبهم على ما عانوه وما يعانونه من مشقة، ووددنا أن صدورنا تتسع لهم جلوساً، ولكن حباً وكرامةً ومثوبةً، وأسأل الله أن يجمعنا بكم مرات ومرات ليكون لقاؤنا الأخير في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ليلة مع الجن

ليلة مع الجن عالم الجن هو عالم خلقه الله قبل عالم الإنس وأسكنهما الأرض وابتلى بعضهم ببعض، فللجن حقيقة ووجود، ومنهم مؤمنون وكفار، وقد ختمت رسالتهم كما ختمت عند البشر بمحمد صلى الله عليه وسلم، إلا أن منهم من يتعدى على الإنس ولذلك علم الله الإنسان أذكاراً يمتنع بها منهم.

التقاء الرسول عليه الصلاة والسلام بالجن

التقاء الرسول عليه الصلاة والسلام بالجن إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا ممع الأبرار. أمَّا بَعْد: أيها الجمع الكريم! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. لا يزال العبد المسلم يجدد إيمانه في مجالس العلم، كلما جلس مجلساً غفر الله له ذنبه، ورفع عنه كربه، ورفع درجته عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وتجديد الإيمان إنما يحصل بمدارسة الكتاب والسنة التي أنزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الجلسة المباركة -بإذن الله- العطرة بحديث حبيب الله، التي تَتَضَوَّع مسكاً -إن شاء الله- بما قدمه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام للبشرية. معنا في هذه الجلسة: حديث في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه. قال علقمة -وهو تلميذ من تلاميذ ابن مسعود الكبار، ومن أصحابه الأخيار-: قلنا لـ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: {هل كان أحدٌ منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا. تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي، فخفنا أن يكون اسْتُطِيْرَ أو اغْتِيْلَ، فذهبنا نبحث عنه حتى الصباح، فوجدناه قد أتى من نحو غار حراء، فقلنا: يا رسول الله! أين كنتَ؟ قال: لقيتُ الجن، وقرأت عليهم القرآن، وسألوني الزاد، فأعطيتهم وقلت: لكم كل عظم أوفر ما يكون طعاماً لكم، ولكم كل بعرة أوفر ما تكون طعاماً لدوابكم} هذا الحديث في صحيح مسلم. ومجمل القصة أن أحد تلاميذ ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، وهو علقمة قال لـ ابن مسعود الصحابي الجليل من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام: (هل كان أحدٌ منكم) أي: من الصحابة، (مع الرسول عليه الصلاة والسلام ليلة الجن؟ قال: لا). يثبت هنا ابن مسعود أنه لم يكن أحد من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام معه ليلة الجن، ثم يقول ابن مسعود: (تخلف عنا عليه الصلاة والسلام، فخفنا أن يكون اسْتُطِيْرَ) أي: أتاه شيءٌ طار به، (أو اغْتِيْلَ): أصابته غيلة عليه الصلاة والسلام وقتل بخفية، قال: (فبحثنا عنه، فوجدناه في الصباح أقبل من نحو غار حراء، فلما لقيناه قلنا له: أين كنتَ؟) فأجابهم عليه أفضل الصلاة والسلام: (أنه لقي الجن، وقرأ عليهم القرآن، وأنهم سألوه الزاد) الحديث. في هذا الحديث قضايا ومسائل: المسألة الأولى: هل الجن خلق من الخلق لهم حقيقة؟ لأن من المفسرين من نفى حقيقة الجن، أعني: المُحْدَثين من أهل التفسير. المسألة الثانية: هل الجني يتلبس بالإنسي حقيقة، ويدخل فيه، ويصرعه؟ المسألة الثالثة: هل من الجن مؤمنون وكافرون؟ المسألة الرابعة: هل أرسل الله من الجن رسلاً، كما أرسَل من الإنس؟ المسالة الخامسة: هل يدخل الجن الجنة؟ أم أن لهم جنة أخرى؟ وكيف يتنعمون؟ المسألة السادسة: كم لقي الرسول صلى الله عليه وسلم الجن، مرة، أم مرتين، أم أكثر من مرة؟ المسألة السابعة: ما هو طعام الجن؟ وما هو طعام دوابهم؟ المسألة الثامنة: هل حضر ابن مسعود ليلة الجن؟ لأن الترمذي روى في سننه: أن ابن مسعود قال: {كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، فقال لي عليه الصلاة والسلام: يا ابن مسعود! هل معك ماء أتوضأ به؟ قال: يا رسول الله! ليس معي ماء، عندي إداوَةٌ -وهي: القِرْبة الصغيرة- فيها نبيذ، قال عليه الصلاة والسلام: ثمرة طيبة، وماء طهور، فتوضأ بالنبيذ} والنبيذ: هو ما يُمْرَس من التمر أو العنب أو نحو ذلك. والإشكال هنا: كيف يروي الترمذي هذا الحديث، وفي صحيح مسلم أن ابن مسعود قال: {ما كان أحدٌ منا معه عليه الصلاة والسلام} هذا سوف يأتي إن شاء الله. المسألة التاسعة: هل الشيطان من الجن؟ قال تعالى: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50]. المسألة العاشرة: ما هي الحروز العشرة التي من أدركها وقام بها، حفظه الله ظاهراً وباطناً من شياطين الجن والإنس، هذه الحروز العشرة، كل حرز منها كفيل -بإذن الله- أن يحفظك في ليلك ونهارك.

الأمور الواجبة على كل مسلم مكلف

الأمور الواجبة على كل مسلم مكلف هذه هي القضايا التي معنا هذا الليلة؛ ولكن قبل ذلك أحب أن أنبه نفسي وإياكم على أنه ينبغي أن نعلم مسألة، وهي أنه ينبغي على المكلف أن يعرف أن عليه أربعة أمور في الحياة، لا بد أن يقوم بها إن كان مسلماً يريد الله والدار الآخرة. الأمر الأول: العلم: أن يتعلم، وأن يتفقه. الأمر الثاني: العمل: أن يعمل بما علَّمه الله، ولو كان آيةًَ أو حديثاً. الأمر الثالث: التبليغ: أن يبلغ ما تعلم من آية أو حديث إلى الناس. الأمر الرابع: الصبر: أن يصبر على هذا التبليغ، وما يأتيه من أذىً ومشقة من الناس. فإذا فعل ذلك، فقد أصبح خليفة للرسول عليه الصلاة والسلام.

على المسلم أن يتعلم أمور دينه

على المسلم أن يتعلم أمور دينه الأمر الأول: العلم. ما هو حَدُّ العلم؟ وهل العلم في الإسلام أن يكون عندك شهادة؟ أو أن تتخرج من جامعة مرموقة؟ أو أن تحضر رسالة؟ أو ماذا؟ هل العلم أن يكون لك تخصيص في العلوم؟ ولك قدم في البحوث؟ أم ماذا؟ هل العلم أن تتوصل به إلى منصب من مناصب الدنيا؟ أم ماذا؟ العلم هو: أن تتعلم ما تقوم به في حياتك، وتلاقي به ربك من أمور دينك، وتتعلم الأمر والنهي حتى تلقى الله. فهذا هو العلم عند المسلمين، وهو سهل ميسر على من يسره الله عليه. وعلم الصحابة من هذا، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17]. قال مجاهد: [[يسرنا طلب العلم، فهل من طالب علم؟]] فكان أسهل الناس تعليماً وعلماً الصحابة رضوان الله عليهم. فالعلم سهل ميسر، آية وحديث، وما يدور في هذا المضمار سواء تعلم الإنسان أو حمل شهادة أو لم يحمل؛ لكن يتفقه في الدين. قال عليه الصلاة والسلام: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} فالذي لا يريد الله تبارك وتعالى به خيراً لا يفقهه في الدين.

على المسلم العمل بما علم

على المسلم العمل بما علم الأمر الثاني: العمل. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] وهي من أعظم الآيات توبيخاً لمن تعلم ثم لم يعمل. وقال: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:3]. وقال: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في بني إسرائيل يوم تعلموا ولم يعملوا: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:5]. فنعوذ بالله من علم لا ينفع؛ فإنه من أعظم ما تقسو به القلوب. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في بني إسرائيل لَمَّا تعلموا ولم يعملوا: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:74]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيهم: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19] نسوا العمل بالعلم، فأنساهم الله خير الدنيا والآخرة.

ينبغي على المسلم تبليغ ما علمه

ينبغي على المسلم تبليغ ما علمه الأمر الثالث: التبليغ. وهو دعوة الناس إلى هذا العلم الذي حملتَه، ولو آيةً أو حديثاً. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حكاية عن لقمان وهو يَعِظُ ابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17]. فالتبليغ للناس من أعظم ما يمكن، وهذا لا يقتضي من الإنسان شهادة ولا تَبَحُّراً، بل إذا عرفتَ آيةً أو حديثاًَ فبلغها، فإن الله يرزقك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بها أجراً ومثوبةً وقبولاً عنده. يقول عليه الصلاة والسلام لـ علي: {ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فوالذي نفسي بيده، لأنْ يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من حُمْر النَّعَم}. وقال عليه الصلاة والسلام: {بلغوا عني ولو آية}. وقال: {ورب مُبَلَّغٍ أوعى من سامع، ورب حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه}. فهذا معناه: الدعوة؛ لكن الدعوة يشترط فيها ثلاثة شروط:- أولها: أن تكون خالصة لوجه الواحد الأحد: بأن تقصد بدعوتك الله عز وجل، بلا رياء ولا سمعة. ثانيها: أن تتعلم العلم الذي تدعو به: فإن الجاهل لا يعلم غيرَه، وأن تتمكن من المسألة التي تريد أن تفهم الناس بها. ثالثها: أن تحمل أدبها، وحكمتها، وأن تكون صاحب حكمة؛ فلا تكون مؤذياً، ولا جارحاً للشعور، ولا فظاً غليظ القلب، فإن الناس إذا رأوا هذا انفضوا من حولك.

الصبر على التبليغ

الصبر على التبليغ الأمر الرابع: الصبر:- وهو الصبر على التبليغ، والدعوة إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. هذه أمور لا بد أن تُقَرَّر، ثم أبدأ في مسائل هذا الحديث.

ترجمة: علقمة بن قيس

ترجمة: علقمة بن قيس علقمة، الذي معنا في هذا السند: أحد التابعين، واسمه: علقمة بن قيس، من علماء وعباد العراق، يقولون عنه: إنه صام أربعين سنة سرداً، ما أفطر إلا في يوم أضحى وفي يوم فطر، والسنة: ألا يُسْرَد لكن هكذا وجد من نفسه، وربما لم يبلغه النهي، وكان من العباد الكبار. نزل به شيخه عبد الله بن مسعود مع بعض التلاميذ من الكوفة، فمروا على الأسواق يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فمروا برجل يشوي رءوس غنم، فلما رأى علقمة الرءوس تُشوى على النار، بكى حتى أُغمي عليه، ورُش بالماء، وبقي ليلة. فلما استفاق، قال له ابن مسعود: [[ما لك؟ قال: تذكرتُ أهل النار، وهم يصطرخون فيها]]. كان علقمة من أجمل الناس صوتاً بالقرآن، حتى أن ابن مسعود يقول له: [[اقرأ القرآن فداك أبي وأمي، وزينه بصوتك، فإنه زين القرآن]] فكان يقرأ ويتأثر ابن مسعود، ومعه أصحابه، ويتباكون وهو يقرأ عليهم. فيقول: [[سألتُ ابن مسعود]] القصة والحديث.

التقاء النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه مع الجن

التقاء النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه مع الجن أما الجن: فللرسول عليه الصلاة والسلام معهم مواقف، والله ذكر الجن في القرآن في مواطن كثيرة نذكر منها: قولَه سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] وقولَه: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33] وقولَه: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن:15] إلى غير تلك من الآيات العظيمة الكثيرة. ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى الجن، وذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم مبعوث لهم. قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] والعالَمون: يشمل عالم الجن والإنس. التقى الرسول عليه الصلاة والسلام -فيما حُفِظ- بالجن مرتَين، كانا مؤتمرَين عظيمَين، ولقاءَين ساخنَين حارَّين، تحدث مع الجن مباشرة فيهما.

اللقاء الأول للنبي مع الجن

اللقاء الأول للنبي مع الجن أما اللقاء الأول: فسوف أعرضه لكم:- خرج عليه الصلاة والسلام من مكة، قبل الهجرة؛ لأنه أوذي عليه الصلاة والسلام ودبروا له اغتيالاً في مكة، وأحاط كفار قريش ببيته -كما تعرفون- وسلّوا السيوف عليه يريدون قتله، فأنجاه الله عز وجل، وخرج من بيته وترك علياً في الفراش، وحثا على رءوسهم بالتراب. وقبل هذه القصة: خرج عليه الصلاة والسلام، يريد أن يدعو أهل الطائف؛ لأن أهل مكة رفضوا أن يستجيبوا؛ إلاَّ أربعة أو خمسة من العبيد، وأبو بكر وعلي، فخرج مريداً أن يهدي الله على يديه أهل الطائف، عَلَّ أهل الطائف أحسن حالاً من أهل مكة؛ لكن: وما شر الثلاثة أمَّ عمروٍ بصاحبك الذي لا تصحبينا خرج عليه الصلاة والسلام وصعد جبال الطائف، في الحاجزة، بين مكة والطائف، لا رفيق له ولا مؤنس ولا صاحب إلا الله، ما عنده زاد من الطعام أو الشراب، زاده يقينه وذكره لله عز وجل، وما عنده مركوب يركبه من الجمال ولا من الخيل، مركوبه: التوكل على الله عز وجل، وما عنده عصا يتكئ عليها، إنما يتكئ ويتوكل على الحول والقوة بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. هذا الرسول العظيم، الذي لو أراد أن تسير له جبال الدنيا ذهباً وفضة لسُيِّرَت، بقي جائعاً متعباً مكدوداً سهران ظمآن حتى وصل إلى الطائف بعد ليالٍ. فلما دخل الطائف ما جلس، ولا أكل، ولا شرب، وما استضافه أحد، وما استقبله أحد؛ إنما عمد إلى نادٍ يجتمع فيه أهل الطائف جميعاً، فسلم عليهم فلم يردوا عليه السلام؛ لأنهم وثنيون جاهليون، يحملون الوثنية في رءوسهم، (ولا إله إلا الله) ما اندمغت وما دخلت في أدمغتهم (لا إله إلا الله) فقال: {إني رسول لكم بين يدي عذاب شديد، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا} فتهكموا، واستهزءوا، وتضاحكوا، وأتوا بكلمات نابية مؤلمة، على الجوع والظمأ والتعب والسهر الذي أصابه. يقول أحدهم له: أما وجد الله من الناس أحداً إلا أنت حتى أرسلك؟ ويقول الثاني المستهزئ المستهتر: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك. ويقول الثالث: إن كنت رسولاً فأنت أكرم من أن أكلمك. فعاد عليه الصلاة والسلام ولَيْتَهم تركوه يوم رفضوا دعوته وتركوا مبادئه لكن انظر إلى الخبث، وانظر إلى اللؤم، أرسلوا عليه العبيد والأطفال يرجمونه بالحجارة، حتى أسيلت قدماه، وكان بالإمكان وفي قدرة الواحد الأحد أن يحميه بملائكة، كل ملَك يستطيع أن يدمر الدنيا بجناحيه؛ لكن الله حكيم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يريد أن يُؤْذَى هذا الرسول، ويؤجر، ويصبر؛ ليكون قدوة للناس. وأتى ملَك الجبال، فقال: ائذن لي أن أطبق عليهم الأخشبَين، قال: {لا. إني أرجو أن يُخْرِج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً}. وأتى ملَك الريح، فقال: أتريد أن أرسل عليهم الصَّرْصَر؟ قال: {لا. اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فنزل عليه الصلاة والسلام تلك الليلة إلى وادي نخلة، بين مكة والطائف، وفي الليل الدامس الذي لا يجد له فيه قريباً ولا رحيماً، بل قربُه من الحي الأحد، توضأ وقام يصلي، ورفع صوته بالقرآن يستأنس به في الوحشة، حيث كان أكبر مؤنس للرسول عليه الصلاة والسلام في وحشته وفي سفره القرآن، فقام يقرأ القرآن. وانظروا إلى هذه الأعجوبة: أرسل الله له جن نصيبين في تلك الليلة، حتى ملئوا الوادي يستمعون القرآن، فأخذ صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بكلام الله عز وجل {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً} [الرعد:31] أين الجواب؟ ماذا يستفاد من الآية الآن؟ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً} [الرعد:31] فأين يكون الجواب في الآية؟ الجواب هنا مضمر، ومعنى الآية: لو أن هناك قرآناً تُسَيَّر به الجبال، وتُقَطَّع به الأرض، ويُكَلَّم به الموتى، لكان هذا القرآن. سكت الله عن الجواب؛ لأنه مفهوم، قال: {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [الرعد:31] بمعنى: أفلم يتيقن. وييئس: ليست بلغة قريش، بل بلغة النخع، [[سئل ابن عباس: ما معنى ييئس؟ قال: (ييئس) معناه يتيقن ويعلم، على لغة النخع]] أي: على قبيلة النخع، فالقرآن نزل بهذه اللغات. إنما الشاهد: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قام يقرأ القرآن، فأتاه جن نصيبين، وقل لي بربك: كم بين نصيبين ومكة؟ إنها تُطْوَى في أشهُر بالأقدام، لماذا؟ لأنهم عفاريت، أتوا يطيرون طيراناً، أسبق من الريح. فوقفوا بجانبه عليه الصلاة والسلام وجلسوا، وكان من أدبهم أن سيدهم يقال له: (خنزب) أو غير ذلك، يقول لهم: اسكتوا، أنصتوا، فأخذوا ينصتون، ولكنهم كان بعضهم يركب بعضاً حتى يقتربوا من الرسول عليه الصلاة والسلام {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19]. لكن يقول الله عز وجل في أول السورة: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} [الجن:1] قل للبشرية: {قُلْ أُوْحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} [الجن:1]. يقول سيد قطب رحمه الله: عجباً! حتى الجن يتذوقون القرآن؟! حتى الجن يدركون بلاغة القرآن؟! حتى الجن تسمو أفهامهم إلى معرفة القرآن؟! {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً} [الجن:1 - 5]. فلما وصلوا إلى هذا قالوا في القرآن الكريم: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً} [الجن:9]. من أخبر الجن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن في وادي نخلة، بين مكة والطائف؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[إن الجن منعوا من الاستماع إلى السماء]]؛ لأنه كان قبل إرسال الرسول عليه الصلاة والسلام وإنزال الوحي، كان الجني يركب الجني، هكذا على رأسه، ثم يأتي الثالث على رأس الثاني، وهكذا حتى يصبحوا كأنهم مسبحة أو عِقد منظوم إلى السماء، فأعلاهم يسمع الوحي، فيبلغ الذي من تحته؛ حتى يبلغه الأرض، فيأخذ الكهنة والسحرة بعض الكلمات، فيضيفون عليها مائة كذبة. فلما نزل الوحي أراد الله أن يحمي الوحي؛ ليكون الإرسال صافياً قوياً، لا يدخل معه تشويش آخر، فأرسل الله الشهب على الجن فكانت ترميهم في كل مكان. فقال سيد الجن: اذهبوا في أنحاء الأرض، في البحار، وفي الديار، فإن في الأرض أمراً حَدَثَ، ما ندري ما هو؟ فذهبوا يبحثون، ما هو الأمر الجديد الذي حدث؟ فتفرقوا، فأما جن نصِيْبِيْن فهم الذين وُفِّقُوا ووجدوا السر، وجدوا الرسول عليه الصلاة والسلام يقرأ القرآن في وادي نخلة، فعرفوا أن هذا هو السر. {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} [الجن:9] أي: من السماء {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً * وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن:9 - 10] انظر، ما أحسن الأدب! لم يقولوا: وأنا لا ندري أشرٌ أراد الله بأهل الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا، لكن استحيوا من الله، فقالوا: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ} [الجن:10] وسكتوا عن ضمير الجلالة وعن لفظ الجلالة، ولما أتى الخير قالوا: {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن:10]. وذلك مثل إبراهيم عليه السلام يوم قال في القرآن الكريم: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:79 - 80] قال: وإذا مرضت أنا، والذي يمرض هو الله؛ لكنه تأدب مع الله تبارك وتعالى. فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من قراءة القرآن، وسلم من الصلاة، تفرقوا وضربوا بقاع الأرض، ووصلوا إلى قومهم في اليمن، ودعوهم إلى (لا إله إلا الله) {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف:29 - 32] رجعوا دعاة. انظر كيف أتوا في ليلة واحدة ورجعوا يدعون إلى توحيد الله عز وجل! وعاد صلى الله عليه وسلم ومعنوياته مرتفعة، ونفسه مرفرفة بالتوحيد، يوم أوجد الله لدعوته قبولاً عليه الصلاة والسلام.

اللقاء الثاني للنبي مع الجن

اللقاء الثاني للنبي مع الجن أما اللقاء الثاني: فهو في الآتي ذكره: هذا اللقاء هو ليلةٌ خرج فيها صلى الله عليه وسلم وسط الليل، قام من بيته من مكة وخرج إلى غار حراء، والتقى بالجن، وسلم عليهم، ودعاهم إلى الإسلام، حتى سُمِع لأصواتهم رجة في الوادي، وقال له أبو ذر: ما هذا يا رسول الله؟ قال: {بينهم خصام فأصلحتُ بينهم} يختصمون كما تختصم القبائل في الدنيا؛ لأن بينهم جواراً، وأرحاماً، وبينهم اختلافات ووجهات نظر، فأتى عليه الصلاة والسلام فأصلح بينهم. والجن بينهم الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات، ومنهم الكريم والبخيل، ومنهم الصادق والكاذب، طبقات مثل الإنس، فالرسول عليه الصلاة والسلام لعظمته ولما أعطاه الله عز وجل أصلح بينهم. وقرأ عليهم القرآن، فأسلم من شاء الله أن يهديه، وقالوا: {يا رسول الله! نريد الزاد، قال: زادُكم كل عظم ذكر اسم الله عليه} أما إذا لم يذكر اسمُ الله على العظم فحرام عليهم أن يتعشَّوا تلك الليلة، وقالوا: {نريد لدوابنا طعاماً، قال: كل روث} الروث: الذي يخرج من الدواب، ولذلك لما أتى ابن مسعود للرسول صلى الله عليه وسلم بروثة، قال له: {إنها رِكْس} وهناك رواية: {إنها طعام دواب الجن} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. والجن لهم مواقف معه صلى الله عليه وسلم، وسوف تأتي هذه القضايا.

بعض مواقفه صلى الله عليه وسلم مع الجن

بعض مواقفه صلى الله عليه وسلم مع الجن يقول أبو هريرة في صحيح مسلم: {قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا صلاة الظهر أو العصر، قال: فلما كبر صلى الله عليه وسلم وضم يديه وبدأ يقرأ سمعناه يقول في الصلاة: أعوذ بالله منك، أعوذ بالله، أعوذ بالله، ألعنك بلعنة الله، ويتأخر عليه الصلاة والسلام حتى اقترب من الصف الأول، فلما سلم قلنا: يا رسول الله، سمعناك تقول: كذا وكذا، قال: أوَسمعتموني؟ قلنا: نعم يا رسول الله، قال: والذي نفسي بيده لقد عَرَض لي جانٌّ وأنا في الصلاة، معه وَكْت} أي: قطعة من خشب محترقة يقربها من وجه الرسول عليه الصلاة والسلام، يريد أن يحرقه قال: {كاد أن يحرق وجهي، والذي نفسي بيده لولا دعوة أخي سليمان، لقبضته وربطتُه حتى يلعب به أطفال المدينة}. وهذا ورد من حديث أبي الدرداء، وفي لفظ عند مسلم: قال: {فمسكتُه حتى وجدتُ برد لعابه على يدي} أي: مسكه صلى الله عليه وسلم بحلقه، فأخرج الجان لُعابَه على كف الرسول صلى الله عليه وسلم فوجد برده، قال: {ولو شئتُ لربطتُه بسارية من سواري المسجد حتى يصبح يلعب به أطفال المدينة}. الحديث.

حال نبي الله سليمان مع الجن

حال نبي الله سليمان مع الجن ما هي دعوة سليمان عليه السلام؟ دعوة سليمان: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35] وملكه عليه السلام أن سخر الله له الجن في ملكه، منهم الغواص، ومنهم البناء، كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص:38 - 40]. فالمقصود: أن دعوة سليمان في قوله: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35] أي: لا تسخر الجن أو الريح لغيري، ولذلك لم يسخر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الريح تسخيراً ملكوتياً إلا لسليمان في مملكته. وللفائدة نقول: إن سليمان عليه السلام إذا أراد الانتقال إلى الهند -مثلاً- يقول للريح: يا ريح! انقليني إلى الهند، فتأتي فتقترب منه، ثم تلف نفسها كأنها زوبعة أو كأنها بساط، فتحمله هو ووزراءه وحاشيته ومستشاريه، وتنقلهم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12]؛ لكن إذا ارتفعت بهم في الجو كيف تهبط بهم في الأرض؟ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] رخاء: أي: إذا اقترب من الأرض تخفف السرعة قليلاً قليلاً حتى ينزل بهدوء. فآية: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] هذه -بارك الله فيكم- كأن معناها -والله أعلم-: أنه إذا أراد بلداً أو اقترب من القرية، أرخت الريح نفسها، ولا تهبط به بعنف. الشاهد: أن للرسول صلى الله عليه وسلم مواقف مع الجن.

أبو هريرة والشيطان سارق الصدقات

أبو هريرة والشيطان سارق الصدقات في الصحيحين: من حديث أبي هريرة، وهذا مرَّ معنا؛ لكن لا بأس: أعِدْ ذِكْرَ نعمان لنا إن ذكرَه كما المسك ما كررتَه يتضوَّعُ قال أبو هريرة: كلفني صلى الله عليه وسلم أن أحرس الزكاة -وقيل: الصدقة، وأكثر ما تُسْتَخْدَم الزكاة في الكتاب والسنة: الصدقة، أي: بلفظ الصدقة- قال: فذهبتُ في مَرْبد -هذا المربد كالحَوش أو كالجَرِين- فوقف أبو هريرة -إنسان فقير من دَوْس- أتى إلى مكة، لا ولد له، ولا زوجة، ولا أم، ولم تأت زوجته وأمه إلا فيما بعد؛ لكن قبلها أتى فقيراً، حتى إنه من الجوع كان يصرع بين المنبر وبين بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فيُظَن أنه صرع من الجان، فيأتي أحد الأنصار يبرك على صدره، ويقرأ عليه المعوذات. يقول: [[وما بي جنون، ما بي إلا الجوع]]. فكان صلى الله عليه وسلم يجعله في هذه المهمات ليعطيه شيئاً من الأكل، أو يأكل هو بنفسه؛ لأنه إذا حرس جَرِيْناً ملآن بالتمر، فلا بد أن يتعشى من هذا التمر -بحفظ الله ورعايته- أو بشيء من الحب، أو بشيء من الطعام -قال: {فجعلني صلى الله عليه وسلم حارساً، فأتيت تلك الليلة، فأتاني شيخ كبير -الشيطان تمثل بصورة شيخ- فأتى فقرَّب كيسَه -حتى الشيطان عنده كيس- وأخذ يحثو من الطعام- سواء كان تمراً أو حباً، قال: فقبضتُ وقلت: لأرفعنك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. قال: عندي عيال، وأنا فقير، وأنا مسكين. قال أبو هريرة: فرحمتُه، فتركتُه، فأتيتُ الصباح. فقال عليه الصلاة والسلام -رغم أنه ما حضر القصة؛ لكن انظر إلى المعجزة- قال: ما فعل أسيرك البارحة يا أبا هريرة؟ قلتُ: يا رسول الله! شكا إليَّ حاجة وعَيْلة، فرحمتُه فتركتُه. قال: كذَبَكَ وسوف يعود. قال: فرَصَدْتُه لعلمي بما قال عليه الصلاة والسلام، فأتى فأخذ يحثو، فقلتُ: والله لأرفعنك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. قال: أنا محتاج، وذو عيال، فاتركني، وأخذ يدعو فتركه. وفي الصباح قال صلى الله عليه وسلم: ماذا فعل أسيرك البارحة يا أبا هريرة؟ فأخبرتُه، قال: كَذَبَك وسوف يعود. وأتيت في اليوم الثالث -وثالث ضربة دائماً لا بد أن ينتهي عليها الأمر- فقال: عندي عيال، وأنا شيخ كبير، وأنا مسكين، قلتُ: والله لأرفعنك، وأخذتُ بتلابيب ثيابه. قال: اتركني أعلِّمك شيئاً إذا أمسيتَ وقلتَه لا يقربُك شيطان -وكان أبو هريرة أحرص على الخير- قال: قل: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] قلها إذا أمسيتَ وإذا أصبحتَ لا يقربك شيطان، فتركتُه وذهبَ، فلما أتيتُ في الصباح، قال صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك؟ قلتُ: يا رسول الله كَيْتَ وكَيْتَ، وعلمني آية، قال: ماذا علمك؟ قال: علمني: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] قال الرسول صلى الله عليه وسلم: صَدَقَك وهو كَذُوب} أما هذه المرة فقد صدق مع أنه دائماً كذوب؛ هذه من مواقف الجن.

عمر بن الخطاب يصارع الجان

عمر بن الخطاب يصارع الجان وورد في السير [[أن عمر رضي الله عنه وأرضاه لقي جانَّاً في ليلة من الليالي فقبض بيد الجان]] لكن مع من؟ مع أبي حفص: عمر بن الخطاب. قد كنتَ أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها [[فقال عمر للجان: أتصارع أنا وإياك]] هكذا ورد في السير، فنزل الجان، ونزل عمر رضي الله عنه، ما سمعنا أن هناك مشجعين، ما حضر مع عمر من المنتخب أحد، ولا مع الجان أحد، ربما كان عمر وذاك فقط. [[فأخذه عمر فصرعه على الأرض، فقام العفريت مرة ثانية، فصرعه عمر، فقام ثالثة، فصرعه، قال الجان: لقد علم الجن أني من أقواهم]] ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري: {ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك} أي: إذا أتى عمر رضي الله عنه من هذا الشارع، أتى الشيطان من الشارع الآخر، فإذا أتى من هنا حول طريقه من الطريق الآخر. لماذا؟ لأنه قلب كبير، قلب يتوقد بـ (لا إله إلا الله) , قلب عرف الله، كان يتوقع الأحداث وتقع كما يقول، حتى قال علي بن أبي طالب: [[كنا نقول: إن السكينة تنطق على لسان عمر]] يجلس مع الصحابة وعيونه تتوقد، ما بقي على عيونه إلا أن تتكلم، يقول الذهبي في ترجمة ابن تيمية: والله الذي لا إله إلا هو، كأن عينيه لسانان ناطقان. وقاد ذهنٍ إذا سالت قريحتُه يكاد يخشى عليه من تلهُّبِهِ جلس عمر رضي الله عنه فترة من الفترات فنزل سواد بن قارب من الجبل، قال: هذا رجل ترك وديعة في رأس الجبل، قالوا: من أخبرك يا أمير المؤمنين؟ قال: أقول هكذا، فأتوا إلى الرجل، وقالوا: أتركتَ شيئاً؟ قال: دفنتُ ولدي في رأس الجبل وأتيت. وجاءه سواد بن قارِب بجمله من الصحراء قال: هذا الرجل كان كاهناً في الجاهلية، قالوا: من أخبرك؟ قال: من مشيته وحركاته، فأتوا إلى سواد بن قارِب فقالوا: أكنتَ كاهناً؟ قال: نعم. كنتُ أتعاطى الكهانة، وهو صاحب القصيدة الرنانة الطنانة بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام يوم قال له: فكن لي شفيعاً يوم لا ذو قرابةٍ بِمُغْنٍ فتيلاًَ عن سواد بن قاربِ المقصود: أنه هذه من مواقف بعض الصحابة مع بعض الجان.

معاذ بن جبل وكفرة الجن

معاذ بن جبل وكفرة الجن وذكر البيهقي في دلائل النبوة أن للجن مواقف مؤذية، أي: كفرة الجن مع المسلمين من الصحابة. ذكر من ضمن القصص، يقول معاذ رضي الله عنه وأرضاه: دخلتُ بيتي، وأغلقتُ عليَّ الباب، فلما أغلقت عليَّ الباب، وإذا أنا من ثقب الباب بثعبان دخل كأنه الخيط، دخل خيطاً خيطاً خيطاً؛ لأن الثقب كان قريناً أي: أن الصائر بين الباب قرين، لا يمكن أن يدخل الثعبان دفعة واحدة، فأخذ يدخل خيطاً خيطاً، فلما اكتمل اجتمع، فإذا هو ثعبان، فطوق علي البيت، فقال: قلتُ: باسم الله، فاختفى عني، وكأنه احترق، فأتيتُ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقلتُ له، قال: {ذاك جان، فإذا أحسست به فاذكر الله، واقرأ شيئاً من القرآن؛ فإنه سوف يحترق} هذا الحديث أورده البيهقي في دلائل النبوة، لمن أراد أن يراجع هذه القصص وغيرها. والآن نبدأ في تفصيل المسائل العشر المذكورة في صدر المحاضرة.

مسائل عن الجن

مسائل عن الجن

للجن حقيقة

للجن حقيقة المسألة الأولى: هل للجن حقيقة؟ نعم، من عقيدة أهل السنة والجماعة: أن للجن حقيقة، وأنهم نفر، وأنهم أمة، وأنهم خلق من خلق الله، ومن كذَّب بالله بعد أن يعرف الآيات والأحاديث فقد كفر؛ لأن الله ذكر ذلك. وبعض الناس يقولون: إن الجن ليس لهم حقيقة. فالعلم المادي الغربي الآن لا يؤمن إلا بالمحسوس الملموس، ولذلك يكفرون بالجنة، فإذا أتيتَ بإنسان مصروع، تتكلم على لسانه امرأة، يقول لك: هذا مريض، فإذا قلت له: الصوت مختلف، قال لك: لا، ليس هناك جن، ما يتلبس أحد بأحد، لا نؤمن إلا بالمشهود. فهؤلاء كفروا بالله عز وجل؛ لأن الله ذكرهم في أكثر من عشرة مواضع في القرآن، وذكرهم نبيه صلى الله عليه وسلم.

الجن يتلبسون بالإنس

الجن يتلبسون بالإنس المسألة الثانية: هل يتلبس الجن بالإنس؟ مر معنا في مناسبات كثيرة، والصحيح: أنهم يتلبسون بالإنس. لكن الذي ينفي هذا والذي لا يصدق والذي يجحد هذه المسألة من أن الجن يتلبسون بالإنس، ما حكمه؟ هل يكون كافراً؟ ولماذا؟ فإذا قلنا: إن حكم من يكفر أو يجحد وجود الجن كافر؟ فما هو حكم من يجحد تلبس الجن بالإنس؟ حكم من يجحد تلبس الجن بالإنس مخطئ، اجتهد وأخطأ في هذه المسألة، وليس بكافر، ولكنه أخطأ وغلط غلطاً بيناً. لماذا قلنا في حكم جحود وجود الجن قلنا: إن الجاحد كافر، وإن جاحد التلبس ليس بكافر؟ لأن الله ذكر الجن في القرآن، ولكن ما ذكر في أدلة صريحة أنهم يتلبسون. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275] مَن الذي يتخبطه الشيطان؟ هو المصروع. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} [الأنعام:128] قال بعض العلماء: استمتع أناث الإنس برجال الجن، وأناث الجن برجال الإنس، أو كما قيل. فمن أنكر ذلك فقد أخطأ وخالف الصواب، إلا بعد أن تبلغه الحجة، فهذا أمر آخر.

الجن منهم مؤمنون وكافرون

الجن منهم مؤمنون وكافرون المسألة الثالثة: هل من الجن مؤمنون وكافرون؟ {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} [الجن:15]. فمسلمو الجن ثلاثة أقسام: 1 - مقتصدون. 2 - ظالمون لأنفسهم 3 - سابقون بالخيرات. مثل الإنس، ومنهم الكفار. هذه المسألة لا بد من فهمها.

لم يرسل الله رسلا من الجن

لم يرسل الله رسلاً من الجن المسألة الرابعة: هل أرسل الله من الجن رسلاً، كما أرسَل من الإنس؟ هذه المسألة عند أهل العلم من ترف المسائل، ولن يسألنا الله يوم القيامة: هل أرسلنا من الجن رسلاً؟ وهذه مثل مسألة: هل أرسل الله من النساء رسولات؟ لأن الله أوحى إلى مريم، وأوحى إلى بعض الصالحات، فهل معنى ذلك أن الله أرسلهن؟ وما الدليل على عدم الإرسال أو الإرسال من النساء؟ هل هناك أدلة في القرآن تنفي أو تثبت أن الله أرسل رسلاً من النساء؟ فـ ابن حزم الظاهري صاحب المحلى يقول: أرسل الله من النساء رسلاً، ومريم أوحى الله إليها، فهي رسولة نبية، فهل نوافق ابن حزم على هذا، أم نخالفه؟ ومن يخالفه فعليه بالدليل. الدليل على المخالفة: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] قال: رجالاً، ولم يقل نساءً. والذي عليه جمهور أهل السنة: أن الله لم يرسل إلا رجالاً، وأما النساء فلم يرسل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى منهن رسولات؛ لضعف المرأة؛ ولأنها ليست صاحبة قوامة؛ ولأن تكوينها لا يقوم بأعباء الرسالة؛ ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة}. فمن هذا الجانب -بارك الله فيكم- لم يرسل الله امرأة، وقد ادعت سجاح أن الله أرسلها، والتقى بها مسيلمة الكذاب، التقى بالكذابة، حتى إن شاعر قبيلة سجاح يقول: أضحت نبيتُنا أنثى يُطاف بها وأصبحت أنبياءُ الناس ذُكرانا يقول: ليتها لمَّا ادعت النبوة كانت ذكراً، لكنها كذابة وأنثى. وأما من الجن فلم يرسل الله منهم أحداً -كما علمنا- وإنما أرسل من الإنس؛ لأنه قال لما ذكر رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ} [الإسراء:88] {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33] إلى غير تلك من الآيات.

دخول الجن إلى الجنة

دخول الجن إلى الجنة المسألة الخامسة: هل يدخل الجن الجنة؟ أم أن لهم جنة أخرى؟ وكيف يتنعمون؟ هل هناك دليل في القرآن على أنهم يدخلون الجنة؟ أي: يتنعمون، ويشربون من الأنهار، ويجلسون على الأرائك، ويسكنون القصور، هل هناك أدلة في القرآن تثبت أن الجن يدخلون الجنة؟ سئل ابن تيمية بهذا السؤال؛ لكن قبل إجابة ابن تيمية، نحب أن نسمع إشراقات وإبداعات من بعض الإخوة الحاضرين في هذه المسألة. من هذه الإشراقات والإبداعات: قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56]. وهو نفسه الجواب الصحيح. فـ ابن تيمية رحمه الله يقول: لم يذكر في القرآن ولا في السنة أنهم يدخلون أو لا يدخلون؛ ولكن ذكر الله في سورة الرحمن قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56]. فعلم من هذا أنهم يدخلون؛ لأنه لا يُنْفى إلا عن شيء موجود، أي: أنهم وجدوا؛ لكن الطمث لم يقع على النساء من الجان، هذه مسألة.

عدد لقاءات النبي بالجن

عدد لقاءات النبي بالجن المسألة السادسة: كم لقي الرسول صلى الله عليه وسلم الجن؟ مرة، أم مرتين، أم أكثر من مرة؟ الذي عُلم لدينا -والله أعلم- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لقيهم مرتين. وأما أن يلقى أحدهم: فهذا موجود، وهم يتمثلون بالقطط والكلاب والثعابين، وبعض الأحياء؛ لأن الله أعطاهم القدرة على التَّمَثُّل أو التَّقَمُّص لشخصيات أو غيرها. الشيطان تمثل يوم بدر في صورة شيخ من أهل نجد، لحيته طويلة، شعره مسرح، وعليه عمامة، وجاء يخطب في كفار قريش، ويقول الله في القرآن الكريم: {لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} [الأنفال:48] لما رأى السيوف الحمراء تقطر دماً في أيدي المهاجرين والأنصار فَرَّ إلى حيث ألقَتْ رَحْلها أمُّ قَشْعَمِ. لقد رحل الحمار بأمِّ عمروٍ فلا رجعَتْ ولا رجع الحمارُ ولذلك يبحثون عنه، وما وجدوه {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16] ما أعجب هذا الخوف!! أقبح من وجه صاحبه.

طعام الجنة وطعام دوابهم

طعام الجنة وطعام دوابهم المسألة السابعة: ما هو طعام الجن؟ وما هو طعام دوابهم؟ وما حكم ذلك؟ عندنا في الإسلام -بارك الله فيكم- لا يجوز الاستنجاء بالعظم ولا بالروث؛ لأنه طعام الجن ودوابهم، ونهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهذا مسألة ثابتة في حديث أبي قتادة وسلمان في صحيح مسلم , وغيره من الأحاديث. وعند الدارقطني: {ائتني بغيرها} ففي الحديث: يقول الراوي: أتيتُ بروثة فألقاها صلى الله عليه وسلم وقال: {إنها رِكْس} أي: نجس، وقال: {ائتني بغيرها} عليه أفضل الصلاة والسلام.

ما صحة حضور ابن مسعود مع النبي إلى الجن؟

ما صحة حضور ابن مسعود مع النبي إلى الجن؟ هل حضر ابن مسعود ليلة الجن؟ قلنا لكم: إن ابن مسعود قال في سنن الترمذي: أتيتُ بإداوَة، وطلب صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ، فقلتُ: فيها نبيذ، فقال: {ثمرة طيبة، وماء طهور} فتوضأ صلى الله عليه وسلم، وقال في صحيح مسلم: {ما كان أحدٌ منا مع الرسول عليه الصلاة والسلام}. فكيف نجمع بين الحديثَين؟ نقول: حديث الترمذي حديث ضعيف، ليس بصحيح، في سنده: أبو زيد العِمِّي، وهو رجل مجهول الحال، وقيل: مجهول العين، ولم يصح. وهذا دليل الأحناف، حيث استدل الأحناف بهذا الحديث الضعيف، على جواز التوضؤ بالنبيذ، سواء النبيذ أو ما في حكمه من الطاهرات، فإذا مَرَسْتَ التمر في الماء الحار، وأصبح نبيذاً تشربه فلك أن تتوضأ به، وعندهم يجوز لك أن تتوضأ -بإذن الله- بـ (اللبن) فإذا لم تجد ماءً فإنه يجوز لك أن تأخذ علبة من ألبان مراعي -بحفظ الله ورعايته- وتتوضأ بها، وتأتي أبيض يوم تبيض وجوه وتسودُّ وجوه، وإذا لم تجد لبناً، جاز لك أن تأتي إلى الماء الطاهر في (الميراندا) أو (البيبسي) فتتوضأ به أو تغتسل؛ لأنها من الطاهرات، أو تبرد لك (الشاي) ثم بعد أن يبرد تتوضأ به، وتستاك به بعد أن تتمضمض وتستنشق وتستنثر. هذا عندهم. لماذا؟ لاستنادهم على هذا الحديث. وابن مسعود كوفي، والحديث عندهم وصل؛ ولكن أهل الحديث قالوا: لا. فالحديث ليس بصحيح. والله عز وجل يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء:43]. فالماء في اللغة: كل ما أطلق عليه ماءً، بمعنى الماء، أما (اللبن) و (الشاي) و (العطر) فهذه كلها ليست بماء. فلا نقول: هو طاهر؛ لأنه ما مسته نجاسة؛ لا، بل نقول: ليس بماء، فأنت إذا لم تجد ماءً فتوكل على الله وتيمم؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما أحالنا إلى غير التيمم، إنما قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء:43]. أما حديث ابن مسعود، فقد قلتُ لكم: إنه ضعيف؛ لسببين: الأول: في سنده لـ أبي زيد العِمِّي. الثاني: لأن ابن مسعود يقول في صحيح مسلم، لما سئل: {هل كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدٌ منكم ليلة الجن؟ قال: لا. ما كان معه أحدٌ منا} فلْيُعْلَم ذلك. واعلموا أن النبيذ لا يُتَوَضَّأ به، ولو أن بعض الأحناف وكثيراً منهم يقولون ذلك، وهذه مسألة مرجوحة.

مسائل عن الشيطان

مسائل عن الشيطان المسألة التاسعة: هل الشيطان من الجن؟

أصل الشيطان

أصل الشيطان نسبُ الشيطان من الجن، فأجداده من الجن، وليسوا من الإنس. قال تعالى: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50] وقال تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن:15] وهو خلق الشيطان، فأصل الشيطان من الجن. وأنتم لا يهمكم أن تعرفوا نسب الشيطان، ولا أسرته، ولا قبيلته، ولا جده، ولا خاله؛ ولكن أهم ما يجب أن نعرف عن الشيطان ثلاثة أمور: الأمر الأول: لماذا خلقه الله؟ الأمر الثاني: ماذا يفعل بنا؟ الأمر الثالث: كيف نتقي منه؟ وهاكم التفصيل:

سبب خلق الله الشيطان

سبب خلق الله الشيطان خلق الله الشيطان لحكمة جليلة؛ لأن الله خلق الجنة وخلق النار، فلو لم يخلق الشيطان ما دخل النار أحد؛ لكن ليبتلي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

عمل الشيطان

عمل الشيطان الشيطان يترصد بنا الدوائر، وهو يرصد لنا في كل لحظة وفي كل نَفَس، وهو جاثم على قلبك، إذا ذكرتَ اللهَ خَنَسَ أي: سكت، وإذا سكتَّ بدأ يوسوس، جاء كسُمِّ الحية على قلب الإنسان، وهو يأتي بالحبائل والوساوس والخطرات، ولا مَنْجَى منه إلا بحروز عشرة، سوف تأتي.

موقفنا من الشيطان

موقفنا من الشيطان موقفنا أن نحاربه بشتى الأسلحة والوسائل، منها: 1 - العقيدة: وهي التوحيد، وهي سلاح يهزم الشيطان. 2 - العمل الصالح. 3 - الحال الطيب. 4 - الكلام الطيب. هذه كلها تتعاون على حرب الشيطان.

الحروز من الشيطان

الحروز من الشيطان المسألة العاشرة: ما هي الحروز العشرة التي نحترز بها من الجان والشياطين؟ اسمعوا إلى هذه الحروز، وانقلوها إلى أهلكم وأسركم وأطفالكم وجيرانكم، علَّ الله أن ينفعنا وإياكم بها.

الحرز الأول: الوضوء

الحرز الأول: الوضوء أوصيكم ونفسي أن يكون المسلم دائماً على وضوء، أن يكون كلما خرج من بيته طاهراً، سواء في وقت صلاة أو في غير وقت صلاة. فأكبر حرز -وهو سلاح المؤمن- الوضوء، ولن يقترب منك شيطان وأنت متوضئ، ولن تغضب -بإذن الله- بل لا يأتيك الغضب إلا نادراً ما كنت على وضوء. غضب رجل عند الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: {إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم}. وقال صلى الله عليه وسلم: {الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من النار، وإنما تُطْفأ النار بالماء، فإذا وجد أحدكم غضباً فليتوضأ}. فمن غضب منكم على أهله أو على جيرانه، فليتوضأ؛ لأن الغضب جِبِلَّة، والإنسان ليس معصوماً وليس ملَكاً، فعليه أن يذهب إلى الماء ليتوضأ حتى يُبَرِّد جسمه، وإذا كان واقفاً أن يجلس، وأن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، علَّ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يهديه سواء السبيل. فأول حرز: الوضوء. سئل ابن تيمية عن المخارج للذين أصيبوا بمرض الوَلَه، والعشق، والجن، والوسوسة، قال: منها الوضوء، فالله، الله في هذا العلاج.

الحرز الثاني: التسمية

الحرز الثاني: التسمية أن تدخل بيتك فتُسمي، وتأكل الطعام فتُسمي، وتشرب الشراب فتُسمي، وتتوضأ فتُسمي، وتذبح فتُسمي، فإذا سَمَّيْتَ لا يقربك شيطان أبداً. في صحيح مسلم عن جابر في حديث ما معناه: {إذا دخل أحدكم بيته، فإذا اقترب من طعامه سمَّى، قال الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم، ولا طعام -حُرموا العشاء تلك الليلة، وأُخْرِجُوا من البيت- وأما إذا دخل فلم يسم قال الشيطان لأصحابه يبشرهم: أدركتم المبيت} أي: حصل المبيت والسكن {وإذا سمى وذكر: قال: ولا عشاء لكم} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. أما إذا سمى بعد فترة، فإن الشيطان يأكل معه قليلاً قبل التسمية، أمَّا بَعْد التسمية فإنه يذهب. لكن الحل في هذا: أنك إذا تعشيت أن تقول: باسم الله في أوله وفي آخره، فإذا قلتَ تقيأ ما وجَدَ، ورد الله بركة الطعام. إنها حكمة بالغة من الله عز وجل، فتقول: باسم الله أوله وآخره. يقال: إن أحد الناس كان من دعائه بعد الطعام قوله: "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة" فلما استُضِيْفَ قال بعد الغداء وهو يغسل يديه: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة إلا جبريل، فقيل له: لماذا؟ قال: حتى نشرب الشاي. فالمقصود -بارك الله فيكم- أن الشيطان ملابسٌ للإنسان، والشاهد: ملابسته للإنسان في الدخول إلى البيت، والطعام، والمسكن.

الحرز الثالث: التعوذ بالله من الشيطان الرجيم

الحرز الثالث: التعوذ بالله من الشيطان الرجيم في حديث سليمان بن صرد في صحيح البخاري قال: تسابَّ رجلان عند الرسول عليه الصلاة والسلام حتى احمر وجه أحدهما، وانتفخت أوداجه، فقال عليه الصلاة والسلام: {إني لأعلم كلمة لو قالها؛ لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لذهب عنه ما يجد} فقيل له بذلك، فقال: أمجنون أنا؟! يقصد: هل هو مجنون حتى يتعوذ؟!

الحرز الرابع: آية الكرسي

الحرز الرابع: آية الكرسي آية الكرسي آية عظيمة، وأطالب نفسي وإياكم بحفظها وتحفيظها أبناءكم وأهلكم، وقولوها عند النوم وفي الصباح وأدبار الصلوات، فإنها من أعظم الحروز بإذن الله. والبيت الذي تُقرأ فيه لا يقربه شيطان أبداً، فعلى المسلم أن يعتني بهذه الآية. وابن تيمية يذكر ويقول: "إذا رأى المسلم شبحاً في الظلام وخاف منه، فليقرأ آية الكرسي، فإنه سوف يَدِين له إن كان إنسياً أو جاناً"؛ لأن الجان يحترق من آية الكرسي، تنزل عليه قواصف وقنابل فتزيله عن الأرض.

الحرز الخامس: المعوذتان

الحرز الخامس: المعوذتان وهما: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1]. وعن عقبة بن عامر: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوصاه أن يقرأ بهما بعد كل صلاة، وهما: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] قال عقبة بن عامر: {قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما رأيتَ سورتين أنْزِلَتا عليَّ لم يتعوذ المتعوذون بمثلهما: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] قال: فلما حضرت صلاة المغرب، قام صلى الله عليه وسلم فسمعتُه يقرأ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1]}. وكان صلى الله عليه وسلم يَرْقِي الحسن والحسين، فلما أنزل الله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] ترك هذه الرُّقَى، واكتفى بهاتين السورتين. فهي من أعظم ما يُقرأ على الأطفال، وفي البيت، وعند النوم، وعند القيام من النوم. وتنفع هاتان السورتان من: الجان، والسحر، والعين ومن كل مرض -بإذن الله- حتى المرض والوجع في الجسم لك أن تَرْقِي جسمَك، وتَقرأ عليه وتنفث. فكما في حديث عائشة قالت: {كان صلى الله عليه وسلم إذا مرض نفث على جسمه، وقرأ المعوذات، ومسح ما استطاع من جسمه، فلما اشتد وجعه كنتُ أنفث في يده عليه الصلاة والسلام لبركتها، وأمسح على جسمه، وأقرأ المعوذات، فأخذ يسحب يده عليه الصلاة والسلام ويقول: بل الرفيق الأعلى، -أي: ما أصبح هناك للعلاج استطاعة، ومعناه: أنه لا يريد الحياة- بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى عليه أفضل الصلاة والسلام، فقالت: خُيِّرْتَ واخترتَ يا رسول الله}.

الحرز السادس: (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء)

الحرز السادس: (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء) تُقَال ثلاث مرات، ففي سنن الترمذي: {من قال حين يصبح وحين يمسي: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم ثلاث مرات، لم يمسه سوء ذاك اليوم}.

الحرز السابع: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)

الحرز السابع: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) من قالها لم يقربه سوء تلك الليلة. راوي الحديث في هذا اسمه: حصين بن عبد الرحمن، قال: {سمعتُ الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: من قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات في ليلة، لم يمسه تلك الليلة سوء} ففي ليلة لدغته عقرب، فقيل له: [[أين الحديث الذي رويتَه لنا وقد لدغَتْك العقرب؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو ما قلتُها هذه الليلة]]. ثم عوضه الله عز وجل أن قرأ: {أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق} على لدغة العقرب، فما وجد فيها ألماً ولا ضراً أبداً. ولله حِكَم أن يذكر العبد وينسيه؛ لكن لكل مسلم وقت يذكر فيه من الأدعية، مثل: بعد صلاة الفجر، حتى يحفظه الله، ويحفظ أسرته وأولاده، ويحفظ عليه إيمانه؛ لأن الحافظ المسدد هو الله. والإنسان إذا تُرِك ونفسه ضاع في الدنيا والآخرة وضيع أطفاله، لأن الشؤم يسري في الأطفال وفي الذرية، نعوذ بالله من ذلك.

الحرز الثامن: التهليل مائة تهليلة

الحرز الثامن: التهليل مائة تهليلة وهذه من الحروز التي ذكرها ابن القيم في بدائع الفوائد. ففي صحيح البخاري: عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة كُتِبَت له مائة حسنة} انظر إلى الأجور! يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزانُ يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبتَ جسمك فيما فيه خسرانُ أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ {من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كُتِبَت له مائة حسنة، ومُحِيَت عنه مائة سيئة، وكانت له عدل عشر رقاب من ولد إسماعيل، كأنه أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يُمْسي، ولم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عمل بعمله أو زاد عليه}. مائة (لا إله إلا الله) تأخذ عشر دقائق، وقيل: سبع، وقيل: ست. وأوقاتنا تذهب سدىً في الفكاهات، وفي الطُّرَف، والمزاح، واللعب، والذهاب والإياب، وليتها في هذه وحسب؛ لكن في الغيبة، والنميمة، وشهادة الزور، والوشاية بين الجيران والإخوان والعشائر والقبائل، وفي التناحر، والتكالب على الدنيا، فنسأل الله أن يحسن لنا وإياكم الحال. فنحن كما قال الأحنف بن قيس عندما قال: [[عرضتُ نفسي على القرآن فوجدتُ الناس ثلاث فئات، وجدتُ أناساً في القرآن: أبراراً: لستُ منهم. أخياراً: يقول الله عنهم: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18] وأنا لستُ منهم. ووجدتُ طبقة أخرى: وهم كفار فجرة، يكذبون بالله واليوم الآخر، فلستُ منهم والحمد لله. ووجدت نفسي عند قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة:102]]]. فنحن من هذا الصنف، نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم.

الحرز التاسع: ذكر الله مطلقا

الحرز التاسع: ذكر الله مطلقاً وأوصيك ونفسي -أيها المسلم، يا من يريد الله والدار الآخرة- أن يكون لسانك رطباً من ذكر الله، وشفتَاك متحركة بالتسبيح والتهليل، لا تفتأ أبداً، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]. يقول عليه الصلاة والسلام -كما في سنن الترمذي، وسنده حسن- يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: {أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه}. وأتى عبد الله بن بُسْر -كما عند الترمذي، بسند حسن- فقال: {يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا، فأخبرني بشيء أتشبث به؟ قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله}. اذكر الله دائماً، وأنت في بيتك، وفي مكتبك، وسيارتك، تسجل من الحسنات والدرجات والصالحات ما لا يسجله الصائمون، ولا المتصدقون، ولا المجاهدون. يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: {سيروا هذا جمدان سبق المُفَرِّدُون، قيل: وما المُفَرِّدُون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات}.

الحرز العاشر: قراءة سورة البقرة في البيت

الحرز العاشر: قراءة سورة البقرة في البيت وهذا الحرز نختتم به، فبيت تُقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان. والقرآن عموماً؛ ليكن مصحفك في بيتك، لتكن آيات الله عز وجل ولو قَلَّتْ تدورُ في بيتك، ولو شيئاً قليلاً من القرآن تقرؤه قبل النوم كالمعوذات يفتح الله عليك به.

أقسام شباب الإسلام في الوقت الحاضر

أقسام شباب الإسلام في الوقت الحاضر أريد في هذه الجلسة القصيرة أن أنبه على مسألة طريفة، ولا بد أن يُتَنَبَّه إليها، وأن تُعرض عرضاً جيداً، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية. هذه المسألة: هي مسألة ما قد يوجد في بعض المجتمعات من بعض التشدد في بعض الأمور، حتى يخرج هذا التشدد بصاحبه عن السنة، ودين الله عز وجل وسط بين الغالي والجافي، والله عز وجل يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143] والرسول عليه الصلاة والسلام كان ينهج النهج الوسط، في عبادته، وتعامله، ومأكله، وملبسه. والذي يُلاحَظ في شباب الأمة الإسلامية أنهم الآن ثلاثة أقسام:

القسم الأول: لا يعرفون من الإسلام شيئا

القسم الأول: لا يعرفون من الإسلام شيئاً قِسمٌ هَمُّهم: الذهاب والإياب والضياع، لا يعرفون ذكراً، ولا قرآناً، ولا حديثاً، ولا تفقه في الدين، لا بناية مستقبل على ما يرضي الله عز وجل، لا غضباً على محارم الله؛ لكن إن صلوا فبها ونعمت، وإن تركوا فبها ونعمت أيضاً، الأمر سيان عندهم، أهم شيء عندهم أن يشبعوا غرائزهم وجِماحَهم وطموحاتهم، وأن يشبعوا شهواتهم، وأن يحسنوا هندامهم، وأن يعيشوا على هامش الأحداث. هذا القسم الأول.

القسم الثاني: قسم شدد على نفسه

القسم الثاني: قسم شدد على نفسه وقِسْمٌ قالوا لمن قبلهم: أخطأتم كل الخطأ، هذا ليس من الدين، وقد انفسختم من الدين، الدين أن تظهروا بما ظهرنا به، فأتوا فأكثروا على أنفسهم في العبادة، وهو شيء محمود؛ لكن ليس المقصود من العبادة هو التشديد على النفس وقتل النفس. ثم أتوا ببعض المسائل التي هي من السنة، فأقاموا الدنيا وأقعدوها على هذه الأمور، فالناس يكبرون تكبيرة، ويكبرون هم اثنتين، ويتوضأ الناس ثلاثاً، وهم يتوضئون أربعاً، ويستنشق الناس ثلاثاً ويستنشقون أربعاً، ويضع الناس أيديهم على صدورهم في الضم في الصلاة، ويضعون هم أيديهم في حلوقهم، وإزرة المؤمن إلى نصف الساق، فيجعلونها إلى الركبة. ثم يظن بعضهم أن معنى الإسلام: أنك تظهر بمظهر التقشف، وتُري الناس كأنك زاهد في مظهرك، الثوب -الحمد لله- بخمسين ريالاً. وبعضهم يأكل من الوجبات أكثر بكثير، ولكنه يُقْتِر على نفسه، وتجد عنده بيتاً طويلاً عريضاً، أو قصراً من القصور؛ ولكن إذا ظهر إلى الناس ظهر بثوب رخيص، ولماذا تظهر للناس كذلك؟ حتى يشيروا بأنك زاهد؟! نحن أمة جميلة، الله جميل يحب الجمال، الله طيب يحب الطيب، جَمَّل الكون سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، حتى السماء ما جعلها مظلمة، جعل فيها كواكب، جعل فيها نجوماً، أبدع سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حتى إنك تدخل البستان الواحد وفيه الحدائق الغناء والورود والزهور، وتسمع صرير الطيور وخرير الماء. فلماذا لا يكون الإنسان جميلاً كما كان صلى الله عليه وسلم جميلاًَ؟ هل من الأحسن أن يأتي الإنسان منفوش الرأس، غير مُسَوٍّ لغُتْرَتِه، ولا هندامه، ولا عليه ما يستره أمام الناس؟ ثم يأتي يرى أن كَيَّ الغترة وكيَّ الثوب يخرجه من السنة، معنى ذلك: أن يكون في فوضى، أنا لا أقصد فئة من الناس، وربما هم أفضل منا وأحسن وأعلم وأفقه، لكن نحاكمهم إلى السنة، إلى محمد عليه الصلاة والسلام. كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلبس البُرْدَة الحَبِرَة بألف دينار، ويَتَبَدَّى أمام الناس، يَمُر من الشارع إلى الشارع الآخر، فتُشَمُّ رائحة المسك منه صلى الله عليه وسلم، يلبس أحسن ما يجد، وربما يتقشف أحياناً؛ لكن أن نظهر للناس ونقول: نحن زهاد، انظروا إلينا، انظروا إلى ثيابنا، انظروا إلى مساويكنا، انظروا كيف نصلي، فهذا ليس من الحكمة، هذا معناه: أننا نشهر بأنفسنا. لماذا لا نكون وسطاً في أمورنا؟ وسطاً في عبادتنا؟ وسطاً في تعاملنا؟ وسطاً في أخذنا وعطائنا؟ لِعِلْمِكُم: الخوارج الذين خرجوا من الإسلام كانوا أكثر من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي صلاةًَ في الليل، وأكثر قراءة للقرآن، وأكثر صياماً. يقول عليه الصلاة والسلام: {تحتقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، وقراءتكم إلى قراءتهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية}. لماذا؟ لأنهم ما عاشوا العلم. فمَفاد العبادة: أنك تتزود من الحسنات فقط، ولكن العلم يُفَتِّح ذهنك، ويظهر لك تجارب الأمم، ويظهر لك المنقولات من الكتاب والسنة، ويظهر لك الخطأ من الصواب، فتكون على بصيرة، ولذلك بُعِث صلى الله عليه وسلم معلماً. فهذا القسم أو هذا المسار لا يُحمَد، وليس مساراً طيباً، وقد طَوَّل ألْسِنَة المنافقين على أهل الخير والدعاة والأخيار. حتى يقول هؤلاء المنافقون: انظروا إلى الإسلام، الإسلام تقصير الثوب إلى الركبة، والسواك بِطُوْل شِبْرَين، وعدم كَيِّ الغُتْرة، ووضع اليد في الحلق أثناء الضم في الصلاة، ثم تفريج الرجلين، حتى يكاد يسقط، إلا أن يتغمده الله برحمته، وإذا اقتربتَ منه في الصف في الصلاة شَدَّك حتى تسمع لثوبه قعقعة، وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: {استوُوا} فكان الناس يَسْتَوُون سواءً فإذا سجد مد نفسه حتى يصل إلى آخر الجدار، فإذا أراد أن يرجع أعانه الله عز وجل على الرجوع للركعة الثانية. فهذا ليس بشيء، ونتحاكم إلى السنة، وهذه كتب الحديث أمامنا أيها الإخوة. فذاك الصنف الذي ضيع الإسلام، وعاش على المجلة الماجنة والأغنية الماجنة، ضاع في الدنيا والآخرة. وهذا الصنف أظهر أن الإسلام يكمن في صورته هو، وأنه مع الإسلام، وأن الإسلام ليس بجميل، وأن معناه: أن تقطب وجهك، وأن تغضب، وإذا سلمت على الناس لا تتبسم؛ لأن التبسم يخالف الزهد والورع والوقار. كان ابن سيرين يضحك في النهار حتى يتمايل، فإذا أتى الليل بكى حتى يسمع الجيران بكاءه من خشية الله. وكان أشرف الرسل عليه الصلاة والسلام إذا لقي الناس يتبسم، حتى أن أبا هريرة يقول: {والذي نفسي بيده لوجهه كأنه البدر ليلة أربعة عشر} ويقول أيضاً: {كأن الشمس تجري في وجهه} , ويقول جرير بن عبد الله: {ما رآني إلا تبسم في وجهي}. وعائشة رأت شباباً يَنْضُون، أي: يَتَماوَتُون، رأتهم وهم ماشُون في الطريق وهم ينكسون رءوسهم، ويمشون بالهدوء، كأنهم نملة على الأرض، يسبحون، ويتنحنحون، فأشرفت عليهم، فقالت: مَن هؤلاء؟ قالوا: عُبَّاد، قالت: عليَّ بهم، فأتوا، وهم شباب بادئون، فلما اقتربوا منها، قالت: مَن أنتم؟ قالوا: عُبَّاد ونُسَّاك، قالت: كذبتم، -والله- لكان عمر أعبد منكم، وأنسك، وأخشى لله، كان إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع.

القسم الثالث: أهل الوسط

القسم الثالث: أهل الوسط فالوسط: هم فئة وجدت في الأمة الإسلامية، وهم -إن شاء الله- نحسبهم هؤلاء الحضور بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهم الذين يتفقهون في علم الكتاب والسنة، ويعيشون السنة التي أرادها صلى الله عليه وسلم، وإظهارها للناس بمحاسنها ومحامدها. فلا تظنوا كلامي -والله أعلم بما في القلوب- أنه يدعو إلى التساهل في الأمور، ويدعو إلى عدم الخشية في الصلاة، وإلى عدم التقشف والزهد، فكلٌّ حسيبه الله عز وجل؛ لكننا نتعامل مع الكتاب والسنة، ونقرأ أحوال السلف، حتى أن ابن الجوزي قال: لا تغتر بمن بعد التابعين من الزهاد. من يقرأ تراجم (حلية الأولياء) لـ أبي نُعيم يظن أن الإسلام معناه: أن تبقى في زاوية تبكي أربعاً وعشرين ساعة، وألا تأكل الطعام. حتى إن أحد المتصوفة يقول: أين أنتم عني وأنا ما أكلتُ الرُّطَب أربعين سنة؟ والرطب: البلح. ومن ذا قال له: لا يأكل أربعين سنة، والرسول صلى الله عليه وسلم أكله؟! ويقول آخر: ما أكلتُ اللحم، ولن آكله. لا يأكله، ومن أجبره حتى يأكله؟ بل ربما في الآخرة لن يأكل لحماً. فالمقصود -بارك الله فيكم- أن هؤلاء أمْزِجَة، لكن: نتحاكم عند مَن؟ نتحاكم عند الرسول عليه الصلاة والسلام. أتى رجل عند الإمام أحمد فقال: يا أبا عبد الله! الزواج خير، أو ترك الزواج أحسن؟ فقال: الزواج أفضل، قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} [آل عمران:39] أي: يمدحه بأنه لم يتزوج، يا إمام، إبراهيم بن أدهم ما تزوج، قال الإمام أحمد: أُوَّة؟ بمعنى: أنه يُحاكمه إلى إبراهيم بن أدهم، أحد الزهاد؟! رجعنا إلى بنيات الطريق، والرسول عليه الصلاة والسلام أكثر الأمة زوجات، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]. فالتحاكم إلى رسول الهدى عليه الصلاة والسلام. وأنا أحببتُ أن أخبر بهذا، وإلا فإنني أعلم أن من الدعاة من يوجهون المسيرة، وقد نبَّه بعض العلماء في مناسبات عن هذه المسائل، حتى نُظْهِرَ الإسلامَ في قوة، ونُظْهِرَه في عَظَمَة. الإمام مالك يلبس بُرْدَة بخمسمائة دينار، فقالوا له: لماذا؟ فقال: لأُظْهِر عَظَمَة الإسلام. وذكر صاحب طبقات الحنابلة، وعودوا إليه في المجلد الثالث، في ترجمة أبي إسماعيل الهروي، قال: كان يلبس اللباس العجيب، فقيل له: لماذا؟ قال: أريد أن أظهر عظمة (لا إله إلا الله)؛ لأن النصارى والخواجات إذا رأونا في هذه الملابس قالوا: هذا هو الإسلام الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم؟ فلذلك أنا أدعو نفسي وإياكم إلى تمعُّن هذا الأمر، وهو ليس بالأمر الذي يخفى على مثلكم؛ لكن وُجِدَ من يسيء فهمه في بعض المجتمعات. أسأل الله لي ولكم القبول والتوفيق والهداية. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

مصائب قوم عند قوم فوائد

مصائب قوم عند قوم فوائد المصائب لا بد منها ولا يسلم منها أي شخص، والذكي والفطن من يستفيد من تجارب غيره. وكم من أناس أصابتهم المصائب بعد أن كانوا في عيش رغيد، ومن هؤلاء: ابن عباد ملك الأندلس، والبرامكة، وابن بقية رحمه الله ولا شك أن لذلك أسباباً منها: الظلم، كما فعل أحمد بن أبي دؤاد مع الإمام أحمد بن حنبل، وما فعل عبيد الله بن زياد مع الحسين بن علي، والجزاء من جنس العمل.

المصائب لا يسلم منها أحد

المصائب لا يسلم منها أحد الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: أيها الكرام: عنوان هذه المحاضرة: مصائب قوم عند قوم فوائد، ورقمها [302]. تعلمون أن مايصيب الناس من المصائب فيها فوائد وعظات للمتعظين، قيل لأحد الحكماء: نراك مستقيماً في أمرك مسدداً في حالك، قال: رأيت السيئ فاجتنبت إساءته.

أخذ العبرة من مصائب الآخرين

أخذ العبرة من مصائب الآخرين وذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه يصيب الأقوام ليتعظوا، وألمح سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن من الظلمة من يسكن مكان الظلمة ثم لا يتعظ، قال عز وجل وهو يلوم الكفار والمنافقين والمنحرفين: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} [إبراهيم:45] ومعنى الآية، أن الأبناء سكنوا في أماكن الآباء والآباء في أماكن الأجداد، وقد هلك قرن وأتى قرن، فما اتعظ هذا الحي بما أصاب الميت. واسمع إلى الآية: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [إبراهيم:45] نزلتم قصورهم، وسكنتم دورهم، وورثتم أملاكهم، فما لكم ما اتعظتم بما وقع عليهم، أوَ ما كان هذا لكم نذير؟! {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} [إبراهيم:45] ولكن لم يتعظوا بالمثل، ولم يستفيدوا بالتجربة، والتجارب هذه إنما تستفاد من مصائب وحياة الناس، وقد علق البخاري من كلام معاوية رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [[لا حكيم إلا ذو تجربة]] وهذا في باب الأدب في صحيح البخاري. وهي مدرسة الحياة، قال سفيان الثوري رحمه الله رحمة واسعة: "لاعب ابنك سبعاً، وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً، ثم اتركه مع التجارب" أي: لاعبه حتى يصل إلى السابعة، ثم أدبه من السابعة إلى الرابعة عشرة، ثم من الرابعة عشرة سنة إلى الواحدة والعشرين سنة صاحبه ثم بعد الواحدة والعشرين اتركه مع تجارب الدنيا، يصاب ويصيب، ويأتيه من الأخبار الأمور ما تجعله ملقناً، مجرباً، حكيماً، إذا كان ذو عقل. تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: {كان الرسول عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يتمثل بقول طرفة بن العبد} ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزود والرسول عليه الصلاة والسلام لا يحفظ إلا بيتين، أو أكثر قليلاً، وإلا فهو يحفظ القرآن عن ظهر قلب، لا يسقط منه حرفاً واحداً، ويحفظ السنة، والعلوم التي عند الأمة لا تصل إلى ذرة من علمه عليه الصلاة والسلام، ولكن يقول الله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69] تراثه غير الشعر، فيقول طرفة: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزود يعني: سوف تظهر لك الليالي والساعات أخباراً وعجائب، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] أي: مرة رخاء ومرة شدة، ومرة سلم، ومرة حرب، وما وقع في هذه الأيام، اتعاظ ودرس لمن لم يقع عليهم شيء، قال: سبحانه: {(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ} [الأحقاف:27] أي انظروا إلى القريبين منكم، وانظروا إلى حدودكم، كيف أوقعنا بهم المصائب، ألكم أنتم عهد عند الله ألا يقع عليكم مصيبة! {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأحقاف:27] ويقول الناظم: إياك أعني واسمعي يا جارة، يُقال أن سبب هذا المثل: أن صياداً خرج بقوسه يصيد حماماً، وأحمق الحيوانات الحمام، حتى ذكر الجاحظ صاحب كتاب الحيوان أن أحمق الحيوانات الحمام، وأحقد الحيوانات الجمال، وأخونها الثعالب، قال: فسدد الرجل على الحمام ليضربها، وأخذت تصيح، فقالت أختها تسكتها: إن البلاء موكل بالمنطق، فضربها الصياد، فقالت وهي تموت: يالها من سكتة فاتتني، والمقصود من هذا: أن هذا جزاء من لم يتعظ بجيرانه، وما حدث لإخوانه، يقول ابن القيم مما يحفظ للعرب من الأمثال: أنهم قالوا: "في كل وادٍ بنو سعد" وقالوا: " هل رأيت داراً ملئت حبرة وما ملئت عبرة؟ " وإذا رأيت الدور تمتليء غنىً وبهجةً وترفاً، ثم لا يتصل أصحابها بالله، فاعلم أنه سوف تصيبهم كوارث، وما امتلأت دار حبرة إلا امتلأت عبرة، وسبب المثل "في كل وادٍ بنو سعد": أن رجلاً من العرب ضيع جمله، فذهب يبحث عن الجمل، فنزل بوادٍ فقال: ممن القوم؟ قالوا: من بني سعد، وذهب إلى الوادي الآخر وقال ممن القوم؟ قالوا: من بني سعد، والوادي الثالث قالوا: من بنو بني سعد، قال: في كل وادٍ بنو سعد، فمقصود ابن القيم أن كل إنسان تأتيه لطمة. وهذا قضاء الله وقدره، ولا يسلم من الكوارث أحد، إما في الدين أو في العرض بالسكنى أو بالتعليم، وهذا أمر حاصل في حياة الناس، ولكن المسلم يختلف عن الآخر أنه: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156] {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24].

أهمية الصبر عند المصائب

أهمية الصبر عند المصائب يقول الشاعر العربي: صابر الصبر فاستجار به الصبر فقال الصبور للصبر صبراً ما معنى البيت؟ يقول: هذا البطل صابر كثيراً، حتى قال له الصبر من طول صبر الرجل: أرجوك لا أستطيع أن أصبر معك، قال: فغلب هذا الرجل الصبر، قال: صابر الصبر فاستجار به الصبر فقال الصبور للصبر صبراً قالوا لـ عنترة بن شداد: كيف غلبت الرجال؟ عنترة جاهلي كان يحطم رءوس الأبطال في المعركة فقال للرجل: ضع أصبعك في فمي فوضعها، قال: وخذ أصبعي في فمك، وكل منا يعض الآخر، فأخذ يعض هذا هذا، وهذا هذا، حتى صرخ الرجل: فأطلق يده، فقال: بهذا غلبت الرجال، أي: بالصبر. يقول النابغة الجعدي للرسول عليه الصلاة والسلام وهو يمدح قومه: سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكنا كنا على الموت أصبرا يقول: إن القبائل التي نحاربها قبائل شجعان وأبطال وفيهم شهامة، ولكن نحن أصبر منهم: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] فيقول: يا رسول الله! نحن نقاتل الشجعان لكن نصبر قليلاً فنغلبهم، فتبسم عليه الصلاة والسلام لما سمع هذا الكلام العجيب. على كل حال يقول سبحانه في العبر والقصص التي تحدث على الناس {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] ونريد أن نحلل الأحداث التي وقعت في منطقتنا، ومن رؤية إسلامية، تحليل الكتاب والسنة، لنستفيد من الحدث، ولئلا نقع في الخطأ، لعل الله أن يحرس علينا بلادنا، وأعراضنا وأموالنا، وأن يرد إخواننا إلى بلادهم ورسالتهم وأعراضهم. أول درس: أن عليك أن تنظر إلى الخطأ، الذي أخطأ فيه الناس فتجتنبه، جاء في كتب أطروحات الأدب: أن رجلاً رأى وزيراً من الوزراء في عهد بني العباس، وهذا الوزير تولى أبوه قبله الوزارة فقتل، وقبله جده فقتل، فتولى الوزارة، فقال هذا الرجل: سبحان الله تولى الوزير؟! قالوا: نعم. تولى مع أنه يعلم أنا أباه وجده قتلا، قال: حماري أذكى منه، قالوا: كيف؟ قال: عثر حماري العام الأول قبل سنة في مكان، فلما أتيت إلى ذلك المكان انصرف منه. أي: مع أن الحمار وهو أبلد الحيوانات، إذا عثر في مكان اجتنبه مرة ثانية، ومما يحكى في كتاب كليلة ودمنة: أن الأسد جمع الحيوانات فألقى عليها فكاهة وطرفة، فضحكت إلا الحمار ضحك بعد ثلاثة أيام، قالوا: لماذا لم تضحك إلا اليوم؟ قال: ما فهمت الفكاهة إلا الآن! هذا من الكلام الذي يقال. سوف أذكر لكم كلام علي وكلام عثمان في مسألة هذه الوحوش. يقولون: جمع الأسد الوحوش وقال: اذهبوا وصيدوا لي صيداً فذهبوا فصادوا أرنباً وظبياً وغزالاً، وأتوا بها إليه، فقال: من يقسمها بيننا؟ والأسد تعرفونه وقد ذكره الله في القرآن، وله مائة اسم وهو أشجع حيوانات الغابة على الإطلاق، يسمى الملك. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:50 - 51] والأسد اسمه حيدرة ولذلك يقول علي بن أبي طالب. أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة قال: من يقسم بيننا الأرنب والغزال والظبي، فقال الذئب: أنا. قال: تفضل، لكنه أخطأ؛ لأنه لا يعرف أنه مع وحش سفاح، فقال له: أما الغزال فلك، قال: طيب، وأما الظبي فلي -للذئب- والأرنب للثعلب، قال: كذبت يا عدو الله، ثم أخذ مخلبه وأنشبه في رأس الذئب فخلع رأسه في الأرض، قال: من يقسم بيننا؟ قال: الثعلب أنا -أبو معاوية- قال: تفضل، قال: الأرنب فطور لك، والظبي غداء لك، والغزال عشاء لك، قال: من علمك هذه الحكمة، قال: رأس الذئب المخلوع. فالمقصود: أن الإنسان يتعلم دروساً من الزمن، وهذه من الحكم التي يلقيها العلماء، وتجد بعض الناس يقول: ما فائدة هذا المثل؟ وهو ليس في صحيح البخاري ولا صحيح مسلم؟ فكتاب كليلة ودمنة ألفه أحد الحكماء، إن ملكاً من الملوك طلب من أحد الحكماء أن يكتب له نصائح، فبدلاً من أن يتحدث عنه وعن حاشيته، تحدث عن الحيوانات، ثم أعطاه المجلد يقرؤه، ليكون له رواج عنده، على كل حال هذه من العظات حتى لا تقع في الخطأ الذي وقع فيه غيرك، وأن تتنبه لها، فإن مصائب قوم عند قوم فوائد. واعلموا أنه لا يسلم من النكبات أحد، يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله وقد ذهب يجاهد في سبيل الله فرأى قصراً للأمير عبد الله بن طاهر في خراسان فقال: والله لقصيدة عدي بن زيد خير عندي من هذا القصر، تدري ماذا يقول عدي بن زيد، وهو جاهلي يقول: أيها الشامت المعير بالدهر أأنت المبرأ الموفور يقول: يا من يعيرنا! يا من يسبنا بالنكبات والمصائب! انتظر قليلاً، بعض الناس شامت والعياذ بالله، يشمت بإخوانه أنهم أصيبوا في أعراضهم، وأموالهم، ودورهم، وقصورهم، فيقول: أيها الشامت المعير بالدهر أأنت المبرأ الموفور من رأيت المنون خلفن أم من ذا عليه من أن يضام خفير أين كسرى كسرى الملوك أنو شروان أم أين قبله سابور إلى آخر ماقال، يقول: أين الناس؟ أين السلاطين؟ لماذا تعير الناس؟ أعندك عهد من الله ألا تصيبك مصيبة؟ هذا عدي بن زيد كان جاهلياً لكنه كان عاقلاً لم يكن يشرب الخمر. نزل مع النعمان بن المنذر ملك العراق، فلما نزلوا أخذ النعمان بن المنذر يشرب الخمر، قال: أيها الملك أبيتُ اللعنة -وهذه كلمة استئذان عند الملوك في الجاهلية، أبيت اللعن- أي: اسمح لي أن أتكلم -قال: تفضل، قال: أتدري ماذا تقول هذه الشجرة؟ قال: تقول: رب ركب قد أناخوا حولنا يخلطون الخمر بالماء الزلال قد مضوا عاماً وعاماً ثانياً ثم ساروا جثثاً تحت الرمال فبكى النعمان وترك الخمر، وهذه من الحكمة في الموعظة، يقول: تقول الشجرة، والشجرة لا تتكلم لكنه أخبره أنها تقول: قد جلس قبلك ملوك شربوا الخمر، وأصبحوا تحت الرمال أخذهم هادم اللذات، وآخذ البنين والبنات، ومشتت الجماعات. قدموا كوباً من فخَّار -آنية- هذا الذي يصنع من الطين، فيه ماء بارد لـ علي بن أبي طالب، فنظر في الكوب، قالوا: مالك يا أمير المؤمنين؟ قال: كم في هذا الكوب من طرف كحيل، وخد أسيل! ومعنى كلامه: إن جثث الناس التي أصبحت في الطين، ربما صاغوها في هذا الكوب الفخار من الطين، ويمكن أن عيون الآباء والأجداد أصبحت هنا، وأن بعض لحومهم أصبحت في هذا الكوب، ولذلك يقول أبو العلاء المعري: صاح هذه قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد يقول: أنت تقول: قبورك تملأ الرحب، لكن أين قبور القرون السالفة، أين القرون التي ذهبت، أين هم؟! ما نحن في الأمم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، يقول فرعون المجرم لموسى: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه:51] انظر إلى السؤال الخائب، يقول: أين القرون الأولى أين أجدادنا؟ أنت تقول: يبعثهم الله فأين هم؟! من يبعثهم؟! قال موسى: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52] هل سمعت أفصح من هذا الكلام؟ {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52] وسوف يبعثهم ويحاسبهم. ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيء

نماذج من أهل المصائب

نماذج من أهل المصائب ما من دولة من دول الإسلام ولا مجتمع إلا أصيب بمصيبة.

مصيبة ابن عباد ملك الأندلس

مصيبة ابن عباد ملك الأندلس ابن عباد هذا ملك الأندلس كان عنده من الحدائق والقصور ما الله به عليم، يقولون: كان يسكن في إشبيليا وله منازل في قرطبة، قالوا: كان نصف المدينة له والنصف الآخر للناس، ونذرت امرأته نذراً، أن تحمل الماء وأن تطأ في الطين -يعني: من باب الترف- يعني: تذكرت أحوال الفقراء وهي امرأة ملك، فنذرت وحلفت أن تنزل وتحمل الماء في القرب وتطأ في الطين، فأتى ابن عباد وقال: لا يصلح نحن أسرة عارمة متقدمة ولا يمكن هذا، فاستفتى بعض الفقهاء وقالوا: مادام أنها نذرت نرى أن تملأ لها ماء المسك في القربة، وأن تعجن لها طيناً من المسك والكافور في القصر، يملئون لها قربة من العطر بدل الماء، وتأخذ هذا ثم تمرون على المرمر، فتصبغون لها مسلكاً كالطين، وتمشي وهي حافية وتذهب وتأتي، وقالت: وفيت بنذري، وهو ليس بصحيح، وأتت الأيام ودارت دورتها، وأتى ابن تاشفين من بلاد المغرب ودخل ضيفاً على ابن عباد، وبعد أن ضيفه وأكرمه ثلاثة أيام طوقه كما فعل حاكم العراق بـ الكويت: أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني وبعد ثلاثة أيام، طوق قصر ابن عباد واحتل القصر بما فيه، وأخذ صاحب المنزل الذي ضيفه وأكرمه فطوقه بالحديد، وأخذ بناته وجعلهن جواري له، وأصبح ابن عباد في أغمات فقيراً لا أهل ولا مال ولا ولد ولا ثياب ولا منصب، وسجنه، وفي يوم العيد -اسمع إلى الموقف- وينتظر ابن عباد وإذا من يطرق عليه الباب، ففتحوا الباب فإذا هو ببناته الأربع، وإذا هن حافيات ما عليهن إلا ما يستر عوراتهن، فبكى بكاء مراً حتى سمع من في السجن ثم قال قصيدته المشهورة، يقول وهو يخاطب نفسه: فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد في أغمات مأسورا ترى بناتك في الأطمار جائعةً يغزلن للناس ما يملكن قطميرا أصبحن يغزلن للناس، وينسجن لهم الخزف، ويخرزن لهم الجلود. يطأن في الطين والأقدام حافية كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا أصبحن بلا حذاء، كل واحدة كأنها ما وطأت المسك والكافور، إلى آخر ما قال، وهي قصيدة تفجع القلوب. دخل عليه أحد الشعراء فرأى ابن عباد في السجن، فبكى الشاعر وقال: تنشَّق رياحين السلام فإنما أخض بها مسكاً عليك مختماً وقل لي مجازاً إن عدمت حقيقة فقد كنت ذا نعم وقد كنت منعما فشقت عليك الريح ثوبك بعدها وهز عليك الرعد ثوبك معلما إلى آخر ما قال، وهؤلاء ممن نكبوا.

مصيبة رجل من بني عبس

مصيبة رجل من بني عبس وقيل لرجل من بني عبس -وكان من أغنى الناس، وجد وهو فقير، وهو أعمى يمسك بعصاه- قالوا: يافلان! أما كنت أغنى الناس؟ قال: والله لقد أتى علي يوم من الأيام وأنا من أغنى الناس على الإطلاق، ثم ذهبت في طلب إبل سرحت مني وضاعت، فطلبتها وأتيت إلى مسارح أهلي ودوري في الوادي، ووجدت السيل قد حمل منازلي وأهلي ومالي جميعاً، بما فيها الذهب والبقر والغنم والبساتين والدور، قال: فما وجدت شيئاً من أهلي، إلا طفلاً تركته أمه معلقاً في شجرة وقد سلم من السيل، فأتيت إلى الطفل فهرب البعير، فأردت أن أدرك البعير فسمعت بكاء الطفل وإذا بذئبٍ قد أخذ الطفل، وأصبح رأس الطفل في فم الذئب، فرجعت، وإذا بالذئب قد فر برأس الطفل وألقى جثته في الأرض، فعدت إلى البعير فدهسني برجله فأعمى بصري، فأصبحت أعمى لا أملك أهلاً ولا مالاً ولا داراً ولا عقاراً.

مصيبة تاجر من أهل الكويت

مصيبة تاجر من أهل الكويت وحدثنا أحد المحسنين في الرياض -وهو ثقة مشهور- يقول: التقيت ببعض التجار الكبار في الكويت قال: وكنت أوزع بعض المال وأباشر على الناس عندما خرجوا من الحدود، وهم في مجاعة وفي ظمأ وضنك لا يعلمه إلا الله، وفي وسط الشمس، فوجئت بأحد التجار الكبار، بل هو من أكبر التجار في الكويت، فتجاهلت أنا حتى لا أحرجه ولا أخجله، فمددت له بمائة ريال يشتري بها ماء وببسي وبارد، فنظر إلي ثم دمعت عيناه، وقال: أنا والله ما تعودت آخذ وإنما تعودت أعطي، والله ما خرجت بشيء من الكويت، وإني تركت أموالي ملايين مملينة، ولكن فصبرٌ جميل والله المستعان. يقول: ابن عيذون وهو يرثي ملوك الأندلس يقول: الدهر يفجع بعد العين بالأثر فما البكاء على الأشباح والصور أنهاك أنهاك لا آلوك موعظة عن نومة بين ناب الليث والظفر يقول: احذر من الدمار، واحذر من المخالفات، فإن الله للعصاة بالمرصاد، {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:14].

مصيبة البرامكة

مصيبة البرامكة البرامكة وزراء بني العباس كانوا في نعيم بلغ بهم الترف إلى أن أخذوا قصورهم وطلوها وموهوها وزوقوها بالذهب، ترف وبذخ، وإلا لماذا لا يضربه بالجص؟ ولذلك شاة إيران يقول: كان مقعده في دورة المياه من ذهب خالص: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} [القصص:81] وإلا لماذا لا يجعل مقعده ودورة المياه مثل الناس، فهؤلاء طلوا كل القصور من الذهب فكانت تلمع مع الشمس، ومرت الأيام، وفي ساعة واحدة قرر هارون الرشيد أن يستولي عليهم فسفك دماءهم، وجعل أطفالهم في السجون، واستولى على أموالهم، وترك أباهم يحيى بن خالد الشيخ الكبير في السجن سبع سنوات، حتى يقول: والله ما رأيت الشمس سبع سنوات، وطالت أظافره وشاربه، حتى اختلط بلحيته وكان يبكي حتى أغمي عليه، فدخل عليه أحد أبناء أبنائه فقال: "يا جداه! ما هذه المصيبة التي حلت بنا؟ قال: دعوة من مظلوم سرت في ظلام الليل، غفلنا عنها وما غفل الله عنها" انظر إلى التعبير! سرت في ظلام الليل غفلنا عنها وما غفل الله عنها، قيل لـ علي بن أبي طالب: [[كم بين الأرض والعرش؟ قال: دعوة مستجابة]] إلى ديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم سجن المهدي أبا نواس الشاعر، ويوم أودعه في السجن كتب له قصيدة قال فيها: أما والله إن الظلم شينٌ وما زال المشين هو الظلوم إلى ديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم فلما قرأها قال: أطلقوه أطلقوه، فهذه نكبة البرامكة التي عنون لها العلماء ورثاها الشعراء وبكاها الأدباء.

مصيبة ابن بقية

مصيبة ابن بقية ابن بقية وزير من الوزراء العباسين، كان ينادي مناديه من على قصره في الصباح: من أراد الفطور المبارك فليتفضل؟ فيدخل الناس زرافات ووحداناً، الفقراء والأغنياء والكبار والصغار فيطعمهم، فإذا أتى بعد الظهر نادى مناديه من على القصر من أراد الغداء المبارك فهلم، فيدخلون، وهكذا العشاء، فلما تولى عضد الدولة ملك العراق البويهي حسده وانتقم منه، وقال: هذا أصغر مني شأناً وعليه الناس زرافات ووحداناً، لأبطشن به، وبالفعل بطش به، ماذا فعل به؟ قتله شر قتله، جوعه ثلاثة أيام، ثم أتى بالفيل وأغضبه، يقول: ضرب رأس الفيل حتى سال دم خرطوم الفيل في الأرض، وإذا سال دم الفيل حطم الدنيا، يصبح بلا عقل ويرفع عنه القلم، فأتى بهذا الفيل فأدخل الرجل وابن بقية الوزير رحمه الله من الصالحين، لكن يقولون: كان فيه تجبر في بعض المواقف، فأدخله وجوعه ثم أدخله شبك الحديد وخرج عضد الدولة يتفرج في المصارعة، وأدخل الفيل ودمه يسيل في الأرض، فما أن رأى الفيل ابن بقية حتى هجم عليه وبطحه في الأرض ثم ضربه بخفافه وخرطومه حتى قطعه، وبقي من صدره وما فوق، فأخذه عضد الدولة ونصبه عند مدخل بغداد، يقول: تفرجوا في مضيفكم هذا الذي يطعمكم عند باب الطاق عند النهر، فيخرج الناس في الصباح فينظرون، ويأتون في المساء ينظرون إليه ويبكون، فأتى أبو الحسن الأنباري يمدحه في قصيدة رائعة يلقيها وهو مصلوب نصف الجثمان فقط على العود: علو في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات هذه من أجمل القصائد! يقول: حتى في الموت علو، ما دفنوك مثل الناس، لا تحب إلا العلو في الحياة وفي الممات. علو في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات كأن الناس حولك حين قاموا وفود نداك أيام الصلات يقول: الآن الناس وهم يبكون حول جثمانك وأنت على الخشبة، كأنهم يزدحمون على قصرك وأنت تضيفهم وتعطيهم الأموال: كأن الناس حولك حين قاموا وفود نداك أيام الصلات مددت يديك نحوهم احتفاء كمدهما إليهم بالهبات كأنك تعطيهم ولما ضاق بطن الأرض عن أن يواروا فيه تلك المكرمات أصاروا الجو قبرك واستعاضوا عن الأكفان ثوب السافيات عليك نفائح الرحمن تترى برحمات غوادٍ رائحات وهي من أعجب ما قيل في هذا الوزير الذي يستحق ذلك! وقد أحسن أبو الحسن الأنباري في هذه القصيدة التائية -على كل حال- هذه عاقبة الدنيا وكل شيء يأتيه قاصمة إلا الدين، فإن الخاتمة والعاقبة للمتقين ولو أصابهم ما أصابهم من النكبات، لكنها تصفي لهم بإذن الله الخاتمة الحسنة ولا يضيعهم الله عز وجل فإن الله لا يضيع أولياءه. أبو الطيب الطبري عالم شافعي كان فُكاهياً دعوباً، ذهب إلى الخراز -خراز الأحذية- قال: أصلح لي حذائي، وذهب ثم مضى عليه اليوم الثاني قال: أين الحذاء؟ قال: إن شاء الله غداً، فأتى بالغد وقال: أين الحذاء؟ وكلما رآه الخراز جعلها في الماء حتى يتظاهر أنه يريد إصلاحها، فأتى بعد غد قال: أين الحذاء؟ قال: أرشها وأصلحها إن شاء الله، قال: أعطيتك لتصلحها لا لتعلمها السباحة، لأنها دائماً في البرميل، هذا أبو الطيب الطبري. أبو الطيب الطبري قفز من السفينة إلى الشاطئ خطوات، فأتى الشباب يقفزون فما استطاعوا قالوا: مالك استطعت وما استطعنا؟ قال: هذه أعضاء حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27].

مصيبة فقد الأندلس

مصيبة فقد الأندلس الأندلس اجتيحت في يوم واحد، قلوبنا ودماؤنا، ومساجدنا ومصاحفنا في الأندلس، الأندلس جزء منا وهي تسمى حالياً: أسبانيا، فقدناها يوم فقدنا مصداقية لا إله إلا الله، اجتاحها العدو، وأتى أبو البقاء الرندي يبكيها ويقول في قصيدته المشهورة: لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان وهذه الدار لا تبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شان ثم يقول في آخر القصيدة: أعندكم خبر من أهل أندلس فقد مضى بحديث القوم ركبان لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان ماذا التقاطع في الإسلام بينكم وأنتم يا عباد الله إخوان يقول: أدركوا أهل الأندلس، أخذن النساء من البيوت والقصور وبيع الخمر على المنبر يوم الجمعة، لما استولى النصارى على الأندلس فقاموا بأفعال عجيبة قد مر ذكرها في مثل محاضرة (الذنوب خراب الشعوب) وأمثال ذلك.

أسباب النكبات والمصائب

أسباب النكبات والمصائب فتح المسلمون قبرص في عهد أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه، ففرح المسلمون وضحكوا وانشرحوا وبكى أبو الدرداء، قالوا: مالك؟! قال: [[أبكي من خاتمتنا أن تقع مثل خاتمة هؤلاء، بينما هم في الدور والقصور عصوا الله فسلطنا الله عليهم، فأخشى أن نعصي الله فيسلطهم علينا]] وبالفعل مرت السنوات فلما انحرف المسلمون، تسلط عليهم النصارى فأبادوا خضراءهم واستولوا على بيت المقدس حتى أتى صلاح الدين ففتحه باسم الله. صلاح الدين كردي ليس من العرب، وابن الصلاح -صاحب مقدمة ابن الصلاح - المحدث كردي، وأحمد شوقي كردي، وابن خلكان كردي، وابن الأثير كردي، {إِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] أقول هذا الكلام رداً على القوميين، الذين يقولون إنه لا يصلح للدين إلا العرب، فإن دين الله يعطيه من يشاء سُبحَانَهُ وَتَعَالى. لما فتح صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس فلما أذن المؤذن ما بقي أحد من المسلمين إلا بكى، ثم قام الخطيب الحلبي فاستفتح بحمد الله وقال في الخطبة يوم النصر: تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لاسيف ذي يزن القصيدة لـ أبي الصلت، يمدح ملك اليمن ذي يزن وهو جاهلي، يقول: تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا قصيدة طويلة، فأخذ العالم نصف البيت فقال: تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ وهكذا السيف لا سيف ذي يزن يقول: أنت يا صلاح الدين الولي العابد، ولا ينصر الله إلا أولياءه، وصلاح شرف لنا ولو أنه كردي، بطولاته وانتصاراته تاريخ لنا، غفر الله له وجمعنا في دار الكرامة، وما ترك إلا سيفاً ورمحاً ودرعاً وفرساً.

الظلم من أسباب النكبات

الظلم من أسباب النكبات يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن الظالمين وأخذهم: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل:52] قال ابن عباس: [[الظلم خراب البيوت، أما سمعتم قوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل:52]]] قال شيخ الإسلام ابن تيمية -نظر الله سعيه-: إن الله ينصر الأمة العادلة ولو كانت كافرة، ويمحق الأمة الظالمة ولو كانت مسلمة، فالعدل إقامة الشعوب وسلامها واستمرارها والظلم خرابها، ظلم أحمد بن أبي دؤاد الإمام أحمد، الإمام أحمد بن حنبل إمامنا، وأحمد بن أبي دؤاد إمام أهل البدعة إمام المعتزلة، كان أحمد بن أبي دؤاد هذا قاضي القضاة في عهد المعتصم، من أفصح الناس وأعجبهم، كريم: يقولون يوقع على الصك الواحد ألف ألف درهم، أعطاه الله أموالاً، حتى يقول أبو تمام يمدحه: لقد أنست محاسن كل حسنٍ محاسن أحمد بن أبي دؤاد وما سافرت في الآفاق إلا ومن جدواه راحلتي وزادي هذا وقف للإمام أحمد بالمرصاد وظلمه، وكان كلما أراد الخليفة المعتصم أن يسمح الإمام أحمد ويخرجه من فتنة القول بخلق القرآن، قال: لا. يا أمير المؤمنين عليك به، وهو مستشار للمعتصم، فيأتي المعتصم ويدمغ الإمام أحمد، كلما فكر قال: يا أمير المؤمنين: الله الله اقتله ودمه في عنقي، انظر إلى الخائن! يقول جلاد الإمام أحمد -رجل اسمه عدرس - والله الذي لا إله إلا هو، لقد جلدت الإمام أحمد جلداً لو جلد بعير لمات. لكن الإمام أحمد كان دائماً متصلاً بالله، كانت دماؤه تسيل، ويخرج من القصر ويقول: اللهم اغفر لأمير المؤمنين، هذا الإمام أحمد، وكلما أراد أن يسمح المعتصم أتى أحمد بن أبي دؤاد، قاضي القضاة المعتزلي، قال: يا أمير المؤمنين! دمه في عنقي، دمه حل وبل وطل، اقتله يا أمير المؤمنين، فيستدعيه ويضربه، في الأخير صبر الإمام أحمد ثم توجه إلى القبلة ودمعت عيناه وقال: اللهم عليك بـ أحمد بن أبي دؤاد، اللهم احبسه في جسده، فأجاب الله دعوته في سنوات، فحبس أحمد بن أبي دؤاد في جسده، أما نصفه الأيمن فمشلول يقول أحمد بن أبي دؤاد: والله لو قطعت بالمقاريض ما أحسست بشيء في نصفي هذا، وأما نصفي هذا فو الله لو قع عليه ذباب كأن القيامة قامت، فكان يبكي الليل والنهار، فيدخل عليه تلاميذ الإمام أحمد، قالوا: ما دخلنا نزورك وإنما دخلنا نشمت بك، يقولون: لا تظن أننا نحتسب الأجر في الزيارة لا، لكن نتفرج في هذا المنظر وفي دعوة الإمام أحمد، فأخذه الله عز وجل وذهب إلى الله، لكن انظر إلى عاقبة الظلم وانظر إلى النتيجة والخاتمة. أتى ابن الزيات أحد الوزراء فاعترض على الإمام أحمد وكان من المتسببين في تعذيب الإمام أحمد وقال: اللهم نكل به: فأصابه الله بقارعة، أخذه الخليفة المتولي بعد المعتصم ثم جعله في فرن فلما كبته في الفرن، ضرب المسامير في رأسه حتى خرج دماغه من أنفه، فنعوذ بالله من الخذلان، ونعوذ بالله من الظلم، ومن الانحراف عن منهجه جل وعلا. يقول ابن مسعود: [[ما امتلأت دار حبرة إلا امتلأت عبرة]] أي: ما امتلأت غنى وبسطة، ثم انحرفت عن منهج الله؛ إلا امتلأت نكبة ومصيبة. ويقول ابن الوردي: أين من شادوا وسادوا وبنوا هلك الكل ولم تغن القلل ويقول أحدهم: باتوا على قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل واستنزلوا بعد عز من منازلهم إلى مقابرهم يا بئسما نزلوا تلك الوجوه التي كانت مكرمة أضحى عليها جموع الدود تقتتل ذكر الترمذي في سننه رحمه الله من طريق عطاء بن أبي رباح أن عائشة: رضي الله عنها -أم المؤمنين- مرت بقبر أخيها عبد الله بن أبي بكر الصديق في مكة -دفن في مكة - فلما رأت قبره بكت، وقالت: " مثلي ومثلك يا عبد الله كمثل قول: متمم بن نويرة في مالك أخيه: وكنا كندمان في ديمة برهة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا وعشنا بخير في الحياة وقبلنا أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا فلما تفرقنا كأني ومالك لطول الاجتماع لم نبت ليلة معا هذه من أرق ما قيل، وكان عمر إذا رددها وذكر أخاه، بكى ويقول: يا ليتني كنت شاعراً فأرثي لأخي زيد. بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا بنفسي تلك الأرض ما أحسن الربا وما أحسن المصطاف والمتربعا ثم يقول: فليت المنايا كن خلفن مالكاً فعشنا جميعاً أو ذهبن بنا معا هذا متمم بن نويرة يقول: يا ليتني مت مع أخي، أو ليته عاش معي.

التفرق والاختلاف من أسباب النكبات

التفرق والاختلاف من أسباب النكبات ومن أسباب النكبات: التفرق، يقولون: كل يعرف النكبة، لكن ليس الكل يعرف كيف يخرج منها، أي: أكثر الناس الآن يعرفون أن من أسباب النكبات أموراً، لكن لا يعرفون كيف يتخلصون منها. يذكر ابن القيم في الفوائد أن ثعلبين دخلا في مدجنة -في كرس دجاج- فلما دخلا، أول ما يدخل الثعلب، يدخل خفيف يدخل جائع، أي نافذة صغيرة يدخل وهو جائع، فدخل الثعلبان من هذا فلما أكلا الدجاج كله، أتيا لكي يخرجا فما استطاعا، أصبح الواحد منهما مثل البرميل، وإذا بصاحب الدجاج مقبل معه ساطورة بيده، فطرق الباب يستأذن على الثعلبين، فيقول الثعلب لصاحبه: أين الموعد يا صاحبي؟ قال: نلتقي في المدبغة أي: المجزرة. من أسباب النكبات التفرق، تفرق الأمة وتفرق الشعوب على مناهج مختلفة، أي: قطيع علماني، وقطيع بعثي، وقطيع ماركسي، وقطيع مسلم، ويقولون: لهم حرية الرأي، أنت تكلم على الماركسية وامدح استالين ولينين، وأنت لا بأس أن تسب الله، وأنت اخطب الجمعة، وأنت صلِّ، وأنت بع مساويك وأنت بع خمراً، أي: ديمقراطية -يعني: عش حراً، وهذه هي قاصمة الشعوب، قال: سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أولاً عن مبدأ التفرق {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] وقال سبحانه: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:105] أرسل عثمان رضي الله عنه، وقد طوقوا قصره. جرحان في كبد الإسلام ما التأما جرح الشهيد وجرح بالكتاب دُمي فلما طوقوا عليه بيته وأرادوا قتله وكان صائماً ذاك اليوم، وقد نام بعد الظهر ورأى الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام وقال: يا عثمان سوف تفطر عندنا هذا اليوم، وبالفعل قتل قبل صلاة المغرب، فكتب عثمان قبل أن يقتل إلى علي رسالة مبكية يقول: فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل وإلا فأدركني ولما أمزقي هذا البيت لرجل جاهلي قديم يقول: فإن كنت مأكولاً أنا، أنت كلني بالتي هي أحسن، يقول: إن كنت أنت تريد الخلافة بعدي فكل بالتي هي أحسن أنا أسلم الخلافة الآن، لكن علياً بريء من دم عثمان وهو وأخوه وصنوه ويجمعهم الله في الجنة، وهم شهداء أبرار، ونشهد الله على حبهم يقول: فإن كنت مأكولاً فكن خير آكلِ وإلا فأدركني وإلا أمزقي يقول: أدركني قبل أن أمزق، وأتى علي رضي الله عنه يجمع الأمر ويدرك عثمان، فوجده قد مزق، حتى قتلوه وانسكب دمه على المصحف وكان يفتح على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:137] فقطرت هذه الدماء الطاهرة على هذا الآية، قالوا: ولا زالت هذه الآية الآن على المصحف وهي موجودة في اسطنبول في متحف هناك، دم عثمان على الآية، انظر اختيار الآية، المقصود: أنه لما قتل عثمان بكى علي وقال: [[أكلت يوم أكل الثور الأبيض]] وهذا مثل في الجاهلية، يقولون: كان هناك ثلاثة ثيران قوية، أحمر وأبيض وأسود: كانت ترعى سواء تسرح إلى الماء سواء، وتمشي وتقوم وتشرب سواء، جاء الأسد وأراد أن يفترسها فاجتمعت عليه فناطحته فقتلته، فجاء أسد آخر فطردته، جاء النمر فاجتمعت عليه، فجاء أسد ذكي وأخذ الثور الأسود وقال: أريدك في أمرٍ، قال: ما هو؟ قال: هذا الثور الأبيض يأكل عليك المرعى دائماً، دائماً ينكد عليك، فأريد أن أتعاون أنا وإياك والأحمر ونقتل هذا الأبيض، قال: أصبت أصاب الله بك الخير، فاجتمعوا على الأبيض فقتلوه، فلما أتى رجع إلى الأسود وقال: هذا الأحمر يفعل فعل ذاك، ما رأيك نقتله، قال: نقتله فاجتمعوا عليه فأبادوه، فقال: الأسد للأسود بقيت أنت يا عدو الله، قال: أكلت يوم أكل الثور الأبيض. وبالفعل استمر علي رضي الله عنه فقتل، قتله بعض أولئك الشرذمة، يقول: ما دام قتل عثمان أنا سوف أقتل وهذه حكمة الله عز وجل، فأما مثل علي وعثمان فهي درجات عند الله وحسنات، وأما أعداء الله فإنه يعذبهم في الدنيا {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16].

الانغماس في الملذات من أسباب النكبات

الانغماس في الملذات من أسباب النكبات من أسباب النكبات الانغماس في الملذات، يقول الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا} [الطلاق:8] وهنا يقول: {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [القصص:58] أي عاشت البطر والترف والتفسخ، وعاشت شيئاً من التنعم الذي هو فوق ما يمكن أن يتصوره الإنسان، وفوق مستوى بعض الشعوب، مثلاً هذه الكبكات تباع إلى ثلاثة آلف عندهم، وهي موجودة الآن في بعض المجتمعات أي ترف فوق العادة، يذكرون عن بعض الناس أنه: كان يلبس ثوباً فإذا خلعه للغسل لا يلبسه مرة ثانية لأنه دائماً يلبس جديداً، هل بعد هذا الترف من ترف! عمر بن الخطاب -أمير المؤمنين- ما عنده طيلة الخلافة إلا بردة مرقعة، يقولون أنه يصلي بها الجمعة وفيها أربعة عشر رقعة، مرقوعة بيده، ويوم جاء الهرمزان مبعوث كسرى وجد عمر وهو نائم تحت الشجرة بلا حراسة فارتعد، وقال: حكمت فعدلت فأمنت فنمت، ولذلك يقول حافظ إبراهيم: فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها فقال قولة حق أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها دخل الربيع بن زياد الحارثي على عمر -أمير من الأمراء- فجلس أمام عمر قال: [[وكنت أتحذر في كلامي لا أسقط في كلمة -لأنه أمام عقلية جبارة ومن عظماء الدنيا- قال: فسلم الله وسدد حتى قدم لـ عمر إفطاره فإذا هو شيء من ملح مجروش مع شعير مع ماء، قلت: يا أمير المؤمنين! أنت أولى الناس بالمطعم الهنيء والمركب الوطيء والملبس الثري، قال عمر: فأخذ خشبة فضرب ِأميره في رأسه، قال: أولاً: والله لن أوليك إمارة بعد الآن، وأما وصاياك لي هذه فاحتفظ بها لنفسك. ثانياً: والله إني أعلم الناس بلباب البر، وتسيل العسل وأشهى اللحم لكن أخشى أن أعرض على الله يوم القيامة فيقول لي: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الاحقاف:20] فقال هذا الأمير: ووددت أن الأرض ساخت بي وماتكلمت]]. هكذا كان عمر، ولذلك حققت الأمة في عهده انتصاراً ما سمع التاريخ بمثله حتى كان ملوك الكفار إذا سمعوا بـ عمر يغمى على الواحد منهم من الخوف، أنزل الله رعبه في قلوب الشياطين، شياطين الإنس وشياطين الجن، فهذا الانغماس في الملذات ردى {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} [الإسراء:16] يعني: الإرادة الكونية، ماذا يفعل الله؟ هل يدمر هذه القرية؟ لا، {أمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء:16] وفي بعض القراءات (أمّرنا) أي: كثرنا {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16]. ومما يذكر أن القاهر الخليفة العباسي يقولون: تولى الخلافة ونصحه الناس: اتق الله! فأخذ حديقة وجعل كل الحديقة من فضة، شجرها من فضة -أي- وهمية، مثل المدن الوهمية، وجعل أسوداً، وثعالب ودجاجاً من فضة، ثم يأتي يصب الماء من أذناب الأسود فيخرج الماء من فم الأسود فيصب في البرك، ما الداعي لهذا الكلام؟ ثم أتى إلى برك في بيته، خزانات مثل خزانات الماء فحفرها ثم ملأها ذهباً وفضة، ثم جمع أبناءه وبناته، وقال: لا تخافوا من الدهر، سبحان الله. هذا المال عندكم فلا تخافوا من شيء، افعلوا ما شئتم، فعلمه الله الذي يصرف الدهر ولا يصرفه الدهر، والذي يغير ولا يتغير، دخل عليه ابن عمه فخلعه في تلك الساعة، ثم أتى عليه فسمل عينيه بالحديد المحمي -أخرج عينيه حتى أصبح أعمى- ثم أخرجه من ملكه وأخرج أبناءه، وطردهم وأتى بعد سنة هذا القاهر يمد يده في المسجد، -مسجد المنصور بدار السلام بـ بغداد - يقول: من مال الله يا عباد الله. علمه الله أين البرك وأين دجاج الفضة، وثعالب الفضة، وأسودها {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء:16] وقال: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً} [الطلاق:8]. ويقولون: إن عجوزاً كانت في الأندلس بنت ابن جحوان، كانت صالحة، تصلي الليل والنهار وابنها كان من أفسد الناس، لا يعرف إلا الغناء وشرب الخمر، فكانت تتعاهده دائماً بالنصيحة: اتق الله، حافظ على الدين، حافظ على الصلاة، فيقول: لا. وفي الأخير استولى عليه ملك آخر، فحطمه واستولى على قصره، وأخذه وأمه وأودعهم السجن، فتقول له أمه كلما أصبحت تريد تصبح عليه، وهو في زنزانة وهي في زنزانة فتقول له: ابكِ مثل النساء مجداً تولى لم تحافظ عليه مثل الرجال ولا يحافظ على المجد إلا بتقوى الله عز وجل، قال سبحانه: {وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [المؤمنون:33] {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3] وقال سبحانه عن أوليائه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:11 - 12].

عدم تحكيم الكتاب والسنة من أسباب النكبات

عدم تحكيم الكتاب والسنة من أسباب النكبات ومن الأسباب: عدم أخذ نصح كتاب الله عز وجل وسنة رسوله، وعدم تحكيمهما في دنيا الناس وواقعهم وفي معتقدهم وعباداتهم وأخلاقهم وسلوكهم، قال: سبحانه عن أحد رسله عليهم الصلاة والسلام يوم أنذر قومه قال: {وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:79] ننصحكم صباح مساء، ولكن لا تحبون الناصحين، وقال شعيب: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ} [الأعراف:62] {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف:68] لكن ما قبلوا النصيحة. دريد بن الصمة أتى عند قومه، وقبيلته من غطفان، وهو شاعر ماجد، فأتى في الليل وقال: انتبهوا! البسوا السلاح ولا تناموا هذه الليلة، العدو سوف يصبحكم قالوا: لا نأخذ كلامك وأنت شيخ قد خرفت -أي: أصابك هرم في عقلك- قال: خذوا سلاحكم، قالوا: لا نأخذ السلاح، وفي الصباح وإذا بالجيش يجتاحهم اجتياحاً هائلاً، ودائماً الهجوم ما يأتي إلا في الصباح يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على لسان لوط: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود:81] بلى، ولذلك ليل المنكوبين طويل، إذا أراد الله أن ينكب قوماً طال عليهم الليل، وليل السعداء قصير، حتى يقول أحدهم: لا أسأل الله تغييراً لما فعلت نامت فقد أسهرت عيني عيناها فالليل أطول شيء حين أفقدها والليل أقصر شيء حين ألقاها ويقول: فقصارهن مع الهموم طويلة وطويلهن مع السرور قصار فاجتاحهم الجيش فيقول هذا الشاعر: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد يقول: ناصحتهم وقلت: الجيش سوف يهاجمكم وقوته ألفين، وما يلعبون كرة، عندهم رشاشات بأيدهم، ودبابات وصواريخ. سراتهم أي: القادة فيهم كالفرسان، من مشاش رأسه إلى أخمص قدميه لباس حديد، لكن ما اتعظوا، ثم يقول في الأخير: فأنا انهزمت معهم وما أنا إلا منهم، إن غووا غويت وإن رشدوا رشدت، وهذا خطأ، منطق المسلم لا يقول هذا، بل يقول: أبرأ إلى الله من أهل الانحراف، وأنا أتولى الله عز وجل ولا أذهب مذهب المنحرفين. والأمم يوم تتنكر الناصحين تقع في للنكبات، يقول قوم عن نبيهم: {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} [المؤمنون:25] مجنون، وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: مجنون، شاعر، كاهن، والله يقول: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] واعترضوا على رسالته واختياره، {يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً} [هود:62] قال بعض المفسرين: قد كنا نرجوك أن تكون عاقلاً، إذا بك تأتي تنصحنا الآن وتسب آلهتنا، كنا نأمل فيك أن تكون رجلاً عاقلاً، لكنك انحرفت. وهم المنحرفون المهلوسون. إذا عير الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهاهة باقل وقال السهى للشمس أنت كسيفة وقال الدجى للبدر وجهك حائل فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل قصة: عبيد الله بن زياد وكان رجلاً ظالماً تولى على العراق، وهو الذي دبر مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب، هل تدرون ماذا فعل؟ أمير العراق؟ يوم قطعوا رأس الحسين أتي به فأتى بكبر وعنجهية وأخذ عصا في يده ثم جعل رأس الحسين، رأس الحسين بن علي، ابن فاطمة، الذي كان يقبله الرسول عليه الصلاة والسلام صباح مساء، يقبله ويقول أبو هريرة: {رأيت الحسن على يد الرسول اليمنى والحسين على يسراه يقبل هذا مرة وهذا مرة، يقول: اللهم إنهما ريحانتاي في الدنيا، اللهم فحب من أحبهما -نشهد الله على محبتهما- فكان يقبل الحسن مرة والحسين مرةأخرى}. هذا الحسين العابد الولي قطع رأسه عبيد الله بن زياد، ثم وضع رأسه في صحن أمامه وجمع وزراءه وحاشيته وأخذ عصا يخرجها ويقول هذا فعل بنا يضعها بأنفه، وفعل بنا وخرج علينا، وعصانا وفعل، فقام أبو برزة الأسلمي أحد الصحابة يبكي وهو واقف قال: [[ارفع عصاك، لا تضع عصاك على أنفه، والذي نفسي بيده، لقد طالما رأيت الرسول عليه الصلاة والسلام يقبل ذاك الموضع، ويقول: هما ريحانتاي من الدنيا]] فرفع عصاه كالخجلان، وبعد سنة أتى المختار بن عبيد الثقفي فهاجم عبيد الله بن زياد في قصره، فقطع رأسه، ثم وضعه في نفس الصحن ذاك، ولكن ما كان عند المختار عصا يشير بها، فأرسل الله حية، ثعبان صغير، كانت تدخل في أنفه وتتجامع الحية، حتى تحشره في أنفه وفمه، مكان تلك العصا، هذه بتلك، {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]. دخل عليه عمرو بن عايذ قال: يا عبيد الله بن زياد اتق الله! فإني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إن شر الرعاة الحطمة} معنى الحديث: إن شر الناس المسئول إذا حطم الناس وأرهقهم وكلفهم، قال الأمير -هذا المتكبر عبيد الله بن زياد - اجلس إنما أنت نخالة أصحاب محمد، قال: وهل فيهم نخالة؟ إنما النخالة في غيرهم وفي من بعدهم.

السكوت عن المنكر من أسباب النكبات

السكوت عن المنكر من أسباب النكبات ومن الأسباب في النكبات: ظهور المنكر بلا إنكار، يقول عليه الصلاة والسلام: {إنما هلك الذين من قبلكم أنه كان الرجل يلقى أخاه فيقول: اتق الله! لا تفعل كذا، ثم لا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام والحديث صحيح، قال سبحانه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79] وقال سبحانه: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف:163] اسمع أسلوب القرآن! انظر إلى الروعة والجمال والإبداع! يتكلم في سورة الأعراف، وفجأة بعد أن انتهى من قصة موسى قال: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف:163] جمال القرية. بأنها تسكن على شاطئ البحر، اسألهم عنها هل سمعوا بخبرها وماذا فعلنا فيها؟ ثم وصف الله من أخبارها وكيف دمرها؛ لأنها فعلت المنكر، وكان كثير منهم يستمريه، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر. العرب تقول: من أنذر فقد أعذر، ويقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {يغزوا جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم، قالت: أم المؤمنين أم سلمة وقيل: عائشة: يا رسول الله! كيف بمن لا ذنب له فيهم والصالحين -يعني: من الخدم والأتباع- قال: يهلكون مهلكاً واحداً ثم يبعثون على نياتهم} أي: يبعثهم الله. فالزلازل الذي يصيب بعض المدن بسبب فجور كثير من الناس، فيموت الصالحون والطالحون، فأما الصالح فيبعثه الله على نيته شهيداً، وأما هذا المجرم فيبقى مجرماً إلى يوم يلقى الله في يوم العرض الأكبر. يقول أهل العلم: دخل هارون الرشيد على الفضيل بن عياض فقال: انصحني، قال: يا جميل الوجه! احذر أن يعذب الله وجهك بالنار، أو أن تغير النار وجهك الجميل -لأن هارون الرشيد كان جميل الوجه- فيقول له الفضيل: إن كنت تتقي الله فاحذر على وجهك أن يتغير من عذاب الله -أي: النار- فبكى هارون حتى كادت أضلاعه تختلف، فيقول وزيره: يا فضيل! لا تقتل أمير المؤمنين قال: سبحان الله! تقتله أنت وتنسب القتل لي، يقول: أنت المسئول، أنت الذي دائماً يغريه بالأفعال، ثم تقول: أنا الذي أقتله، تقتله أنت وأصحابك ثم تدعي أنني قتلته! أو كما قال.

الدروس المستفادة من أحداث غزو الكويت

الدروس المستفادة من أحداث غزو الكويت أيها الإخوة! من الحدث الذي مر معنا نستفيد أموراً:

من الدروس المستفادة أن الظالم لابد له من نهاية

من الدروس المستفادة أن الظالم لابد له من نهاية أولاً: نستفيد: أنه لا قرار للمجرم أبداً، مهما طالت به الأيام، وقد صح عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الله ليمهل للظالم فإذا أخده لم يفلته} وهذا الحديث صحيح، ومعنى ذلك: أن الظالم ولو رأيناه أرغى وأزبد، وفعل ونكل فإن الله سوف يقتلعه، فمهلاً أليس الصبح بقريب، وصبراً وسوف ترون العاقبة، وهذا المجرم الذي أحدث هذه الأحداث سوف تكون نهايته مأساوية، وسوف تنظرون له بعد أوقات، إما أن يجتاح بلاده ويدمر مع أهله تدميراً عجيباً، وإما أن يغتال، وإما أن يصاد في مكان ضيق ويخنق أمام العالم، وهذه نهاية الطغاة، وهذه سنة الله في الكون. فرعون أين مات؟ مات وأنفه في الطين، والنمرود مات ببعوضة، وهتلر مات منتحراً، وملك إيطاليا مات مسموماً، وهم الذين دبروا الإجرام في الحرب العالمية الماضية: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] وهذا مصير الظلمة.

من الدروس المستفادة: أهمية اللجوء إلى الله منه

من الدروس المستفادة: أهمية اللجوء إلى الله منه ومن الدروس والعظات: أن العبد عليه أن يلجأ إلى الله عز وجل وأن يطلب منه النصر وحده، ويطلب منه أن يجنبه المصائب والكوارث والفتن ما ظهر منها وما بطن، كان عمار بن ياسر يقول: [[أعوذ بالله من الفتن، أعوذ بالله من الفتن، أعوذ بالله من الفتن]] والسبب: أنه كان يبني المسجد مع الرسول عليه الصلاة والسلام فرءاه صلى الله عليه وسلم قال: {ويح عمار! تقتله الفئة الباغية} فيقول عمار: أعوذ بالله من الفتن، وبالفعل وصل -لكنه سليم من الفتن- وقتل في صفين رضي الله عنه وأرضاه.

من الدروس المستفادة: ضرورة إصلاح الواقع

من الدروس المستفادة: ضرورة إصلاح الواقع الدرس الثالث: أن الأمة إذا لم تغير حالها من السيئ إلى الأحسن فلتنتظر عقوبة الله {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] وقال: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] وقال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].

آثار ونتائج حادثة غزو الكويت

آثار ونتائج حادثة غزو الكويت أيها الإخوة الكرام: هذا الحادث الذي وقع في المنطقة أصاب العالم الإسلامي بمآسٍ.

من الآثار: شماتة الأعداء بالمسلمين

من الآثار: شماتة الأعداء بالمسلمين من هذه المآسي: شماتة الأعداء بنا، أي: أصبح الشرق والغرب يشمت بالمسلمين وبوضعهم وتفرقهم، وتشتت كلمتهم، وأصبح يضحك عليهم، وأصبحنا بدل أن كنا نسير الرأي العام أصبح الرأي العام يسيرنا. كم صرفتنا يد كنا نصرفها وبات يملكنا شعب ملكناه كان تاريخنا الأول، الذي تكلم في العالم وهو الذي يسيطر على مجريات العالم ويوجهه، مشايخ الإسلام وأمته، في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسين، لكن أضمر لنا هذا الحادث، أن الأعداء يشمتون بنا، وأصبحنا شذر مذر، وفرقاً مشتتين موزعين، ليس لنا كلمة ولا رأي ولا وزن ولا ثقل. الآن الدول الخمس دائمة العضوية في هيئة الأمم، كلها كافرة، والعالم الإسلامي مليار ليس لهم عضو دائم ولا يملكون حق الفيتو -النقض- وأمريكا والاتحاد السوفيتي و C= 3000012>> فرنسا وبريطانيا والصين، هذه الدول الخمس دائمة العضوية، أما الدول الإسلامية فأعضاء، كما قيل: ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستشهدون وهم شهود سواء كانوا حاضرين أم غائبين، يقولون: أحد الوفود من الدول النامية يحضر في مجلس الأمن في انعقاد الجلسة: ومن عادته أنه كثير النوم، ينام ما اكتشفت دولته أنه ينام حتى وصل في نيويورك، فكان ينام في طول الجلسة، فيقوم في أثناء نومه فيقول: موافق، لأنه متعود من بلاده أنه يوافق على كل قرار ولا يعترض؛ لأنه سواء اعترض أو ما اعترض، فليس له صيت، فقالوا: يتوهم أن صاحب الجلسة طلب التصويت فمد يده: وقال: موافق. بلغت الشماتة بالعالم الإسلامي أن لا يملك أحد حق النقض أو حق الفيتو، يصوت المجلس على قرار فتأتي أمريكا تعترض وما اعترض على قرارات إدانة إسرائيل طول التاريخ إلا أمريكا، يقولون نحاصر إسرائيل؟ قالت: لا. ندمر إسرائيل؟ لا. ندينها؟ لا. نرسل لها؟ لا. نفاوضها؟ لا. والمسلمون على كثرتهم: عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبت وجدتهم أصفارا ولذلك هم سواء يغيبون أو يحضرون ليس لهم أثر في القرار أبداً، وإنما هذه الدول الخمس هي التي تنفذ القرار، وتسيطر على الرأي العام، ولذلك يتمزق قلب المسلم إذا قال الدول دائمة العضوية، فينظر أين أبناء خالد، وأين أبناء طارق، وأين أبناء عمر؟!! أين الفاتحون الذين فتحوا الدنيا؟! لا شيء، أمريكان وإنجليز وفرنسيون وصينيون وروس هم الذي يسيطرون على العالم، ليس فيهم مسلم ولا ساجد ولا ولي لله، ثم نبقى نحن يتحكم فينا هؤلاء في قراراتهم وتوجيهاتهم والسبب: أنهم اعتنوا بأنفسهم ووحدوا أمرهم وسيطروا على العالم بالقوة، هذا الحادث بين لنا هذا الأمر.

من الآثار: تدهور الاقتصاد

من الآثار: تدهور الاقتصاد الأمر الثاني: أن هذا الحادث له نتائج خطيرة في عالم الاقتصاد، فالعالم الإسلامي الآن يعيش فقراً، وأصلاً بلاد المسلمين كلها بلاد يذكر فيها لا إله إلا الله، وهناك أطفال تضرروا وسبب تضررهم المجرمون المفسدون البغاة الظالمون، وهناك دول إسلامية بعيدة عن الحادث ومع ذلك وتضررت وهذا هو الحادث الذي سبب لنا هذه الكارثة بفعل ذاك المجرم الذي نسأل الله أن يزيله وأن يكفينا شره.

الإيجابيات التي تؤخذ من الأحداث

الإيجابيات التي تؤخذ من الأحداث أثبت لنا هذا الحادث أن هناك أناساً يعيشون على غير قيم ولا مبادئ، يتجهون مع الريح في كل اتجاه، ما لهم كلمة منضبطة مثل أهل الأدب، لم يصوروا الأشخاص على حقيقتهم، حاكم العراق هذا من يوم أتت به أمه وهو عدو لله، فلماذا لا يأتي هؤلاء الشعراء والأدباء والمفكرون يصورنه للناس من قبل غزو الكويت؟ بل كانوا يمدحونه، وأحدهم مدحه في المربد بقصيدة هائلة رنانة طنانة وسلمه هو الوسام وألبسه أمام الجماهير، ثم بعد الغزو نزل هذا عليه وسبه ورد جائزته، فقط من سيئاته غزو الكويت، وله سيئات أعظم وأدهى وأمر منها. وفي هذا الحادث اكتشفنا أن في العالم الإسلامي غثائية في العدد، مليار مسلم، لكن تعال عد، منهم فريق صوفية في الزاوية، عليهم مرقعات لا يعرفون إلا نشيداً في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع وليس لهم تعلق بالجهاد ولا بالاقتصاد، ولا بالإعلام، ولا بالساحة، ولا بمجريات الأحداث فقط في الزوايا، وفريق من هؤلاء مترفون ليس لهم هم إلا التزلج على الثلج والسفر إلى باريس وبانكوك وصيد الأرانب ومطاردة الحمام، والهواية بيع القيم في سوق الخسارة. اكتشفنا أن هناك فريقاً لكنه هزيل عنده توجه وخير لكن لا يعرف إلا نفسه، نفسي نفسي، يصلي ويعود إلى المسجد، وإذا رأى فتنة قال: {أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق} ولا يدعو ولا يعلم ولا يتعلم. وهناك ثلة باقية رائدة، هي التي تسمى: الصحوة الإسلامية، إن بني عمك فيهم رماح، وهذه التي أقضت مضاجعهم، مضاجع الكفار وحسبوا لها ألف حساب، وهي مخيفة؛ لأنها سيطرت على العالم الإسلامي، ولأنها موجهة ومنضبطة، وليس بصحيح من يقول: إن فيها تطرفاً وقد سبقت الإشارة إليه بخطبة جمعة، ليس فيها تطرف، يمكن أن يكون صوراً، أما أن يكون ظاهرة فخطأ، وما سمعنا بتطرف والحمد لله. واكتشفنا من هذا الحادث: أن العدو لابد أن نعرفه من قبل أن نصادقه وأن نعرف كيف نتعامل مع الناس بالكتاب والسنة وبلا إله إلا الله، فأما الولي فنواليه، وأما العدو فنعاديه. أيها الإخوة الفضلاء! عسى الله أن يجعمنا بكم مرات ومرات بإذنه سبحانه وتعالى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

سبعة يظلهم الله في ظله

سبعة يظلهم الله في ظله يتحدث النبي صلى الله عليه وسلم إلى كل مؤمن ومؤمنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويتحدث إلى الأجيال تلو الأجيال، ويخبرهم بفضائل الأعمال، ومن هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يضلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) الحديث. وفي هذه المادة شرح تفصيلي لهذا الحديث وبيان لما فيه من الدروس والعبر.

شرح حديث: (سبعة يظلهم الله في ظله)

شرح حديث: (سبعة يظلهم الله في ظله) إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. أيها الإخوة! إن كان للحياة لذة وللعيش سعادة؛ فإنما هو بالجلوس في مجالس الذكر التي إذا انقطع عنها القلب شعر بقسوة ووحشة وغربة. يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون هم نعود إلى البخاري ومسلم، إلى حفظة الإسلام، وإلى كتب هذا الدين الذي شرفنا الله به والشريعة التي بعثها صلى الله عليه وسلم للبشرية، فهدى الله بها من شاء، وأخرج بها من شاء من الضلالة إلى الهدى، ومن العمى إلى النور، ومن الغي إلى الرشاد، فنسأله سبحانه تعالى، فإنه هو ولي المؤمنين الذي يخرجهم من الظلمات إلى النور؛ أن يخرجنا وإياكم من ظلمات الجهل والشبه والشهوات إلى نور اليقين. معنا في هذا الدرس حديث مشرق من كلامه عليه الصلاة والسلام، وهو يتحدث إلى كل مؤمن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يتحدث إلى الأجيال تلو الأجيال، وهو أبونا عليه الصلاة والسلام، بل هو الأب الروحي كما يقول ابن تيمية، وأما آباؤنا فإن كل أب جثماني ننتسب إليه، أما الانتساب في مبدأ (لا إله إلا الله) والانتساب الحق، إنما هو إليه صلى الله عليه وسلم. قال أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين} نسأل الله بأسمائه الحسنى وبصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء السبعة. وهؤلاء السبعة -كما يقول أهل العلم- هم سبعة أصناف وليسوا سبعة أفراد؛ لأنهم لو كانوا سبعة أفراد، فإذا اكتملوا حرم البقية من الأمم ومن الألوف المؤلفة هذا الفضل، ولكنهم سبعة أصناف يأتي في صنف الإمام العادل آلاف، فكل من عدل في رعيته، سواء كان أمير عامة كما يقول ابن تيمية، أو أمير خاصة، وحتى لو كان في بيته، حتى يقول ابن تيمية في فتاويه: من عدل بين طالبين فهو إمام عادل. فإذا صحح الأستاذ لطالبين فعدل بينهما؛ فهو من هؤلاء الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فإن خان حرم وكان ممن جار في الحكومة عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. إذاً: فهؤلاء السبعة أصناف وليسوا بأفراد، فالإمام العادل يأتي منه آلاف مؤلفة، والشاب الذي نشأ في عبادة الله يأتي منه آلاف مؤلفة، وكذلك الرجلان اللذان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، يأتي منهم ألوف مؤلفة. والذي ينبغي على المؤمن أن يحرص كل الحرص أن تكون فيه صفة من هذه الصفات إذا لم تكن فيه صفتان أو ثلاث، وهي سهلة ويسيره على من يسرها الله عليه، ولذلك يقولون: إن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه الخليفة الأموي الذي يعتبر من الخلفاء الراشدين، اجتمعت فيه صفات، منها: أنه نشأ في عبادة الله، ومنها: أنه إمام عادل، ومنها: أن قلبه معلق بالمساجد، ثم قالوا: ولا يبعد أنه ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ولا يبعد كذلك أنه أحب قوماً في الله، اجتمع معهم في محبة الله وفارقهم على محبة الله إلى غير تلك الصفات. قال عليه الصلاة والسلام: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله} فلا ظل يوم القيامة ويوم العرض إلا ظل الله، ولا فيء إلا فيئه تعالى، ولا كنف إلا كنفه، فإنه لا يوجد هناك مظلة، ولا شجر، ولا ظلال، ولا شيء يقي من حر الشمس التي تدنو من الرءوس. يقول عقبة بن عامر: والله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {تدنو الشمس يوم القيامة من الرءوس حتى ما يكون بينها وبين الناس إلا ميل. قال: فوالله ما أدري هل هو ميل المكحلة أو الميل المعروف هذا} ويبلغ الكرب من النفوس مبلغاً عظيماً لا يعلمه إلا الله، حينها ينزل الجبار تبارك وتعالى نزولاً يليق بجلاله على عرشه، يحمل عرشه ثمانية وهو مستو على عرشه استواء يليق بجلاله، لا كيف ولا أين ولا شبيه، بل هو مستو على عرشه كما أخبر بذلك تبارك وتعالى، فإذا نزل نادى بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، سُبحَانَهُ وَتَعَالى -فهو الملك كما قال: مالك يوم الدين، ملك يوم الدين، فلا مالك إلا هو، وفي الحديث الصحيح: {أنا الملك فأين ملوك الأرض} ثم يعيد سُبحَانَهُ وَتَعَالى: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ ثم يقول تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] حينها ينادي تبارك وتعالى أول نداء، يقول: {أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} وهذا الحديث عن معاذ بن جبل في صحيح مسلم، فيقومون يتخطون الناس حتى يستظلون بظل العرش. والسبعة في الحديث الذين قال عنهم عليه الصلاة والسلام أنهم سبعة، وعدد السبعة محبوب في الإسلام، فأيام الأسبوع سبعة، والطواف سبعة أشواط والسعي سبعة، ورمي الجمار سبع، وكثير ما يعلق الشارع بعدد سبعة، لأنه وتر والله يحب الوتر، واختار الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام هذا العدد، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: سبعة يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فلنستمع ولنعش مع هؤلاء السبعة؛ عل الله أن يرزقنا أن نكون من صنف ولو واحد منهم، وهو والله سهل بسيط، ولو أن تقوم من مجلسك هذا فتتصدق بصدقة تخفيها حتى لا تعلم شمالك ما تنفق يمينك، أو تنزوي في زاوية فتذكر الله وتتباكى، أو تحب الصالحين في محبة الله تعالى، أو تشعر قلبك كلما سمعت (الله أكبر) في النداء؛ أن قلبك في المسجد، فتعلقه في المسجد، وهذا وجه بلاغي سوف يأتي عند شرح الحديث.

الإمام العادل

الإمام العادل والإمام العادل: هو من عدل في رعيته، وحكم فيهم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فهذا يدعوه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق، وفي مسند أحمد عن عبد الله بن مغفل، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {ما من أمير ولا والي ولي من أمر الأمة شيئاً إلا أتى ويداه مغلولتان وراء ظهره} يأتي يوم القيامة ويداه مغلولتان وراء ظهره، اليمنى فوق اليسرى، سواء عدل أو لم يعدل، فإذا حوسب وكان عادلاً أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وإذا كان جائراً رده الله على وجهه ويداه مغلولتان وراء ظهره. والإمام العادل يكون في البيت، وفي المدرسة، وفي الدائرة، وفي الأمة، وفي أي مكان، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: {كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته} إذا علم هذا فأعدل الأئمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو أعدل من خلق الله، وهو الذي حكم على نفسه قبل أن يحكم عليه غيره عليه الصلاة والسلام، وأنصف من نفسه، بل كان في آخر أيامه يقف على المنبر ويقول للناس: يا أيها الناس! اللهم من سببته أو شتمته أو ضربته، اللهم اجعلها كفارة له، ثم قال: يا أيها الناس! من سببته أو شتمته أو ضربته، أو أخذت شيئاً من ماله، فليقتص مني اليوم، قبل ألا يكون درهم ولا دينار، هذا عرضي فاقتصوا منه، فتراد المسجد بالبكاء في عهده عليه الصلاة والسلام.

قصص تمثل عدل الرسول صلى الله عليه وسلم

قصص تمثل عدل الرسول صلى الله عليه وسلم وقعت له عليه الصلاة والسلام قصص في العدالة، ولذلك ورد في الصحيح من حديث عبد الله بن الزبير، قال: {اختصم أبو عبد الله الزبير بن العوام حواري الرسول صلى الله عليه وسلم، هو ورجل من الأنصار في مزرعة في شراج الحرة -وهي ضاحية من ضواحي المدينة - فلما اختصم الزبير هو وهذا الرجل الأنصاري، ذهبوا إلى أعدل الخلق، وإلى الحاكم عليه الصلاة والسلام، الذي ائتمنه الله على الوحي من السماء، فكيف لا يأتمنه الناس على الدرهم والدينار، والذي قال الله فيه: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [التكوير:24 - 25] وقال في سورة الحاقة {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة:45 - 46]. نزه الله سمعه وبصره، ومدح قلبه ويده ورجله، فهو الممدوح المعصوم عليه الصلاة والسلام. حضر ليحكم في القصة؛ فأتى فإذا مزرعة الزبير فوق مزرعة الأنصاري، والزبير بن العوام ابن عمة الرسول عليه الصلاة والسلام صفية بنت عبد المطلب، والناس تسرع إليهم الشبه والريب، فأتى عليه الصلاة والسلام رحمة بالأنصاري وعطفاً عليه، فأراد أن يكون صلحاً ولا يكون حكماً، لأن للقاضي عليه أن يقدم الصلح قبل الحكم، بشرط أن يكون الصلح غير منافٍ لكتاب الله ولا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا زبير! اسق، فإذا سقيت فاترك الماء ينزل إلى مزرعة الأنصاري. فغضب الأنصاري، وهو مسلم ولكن الشيطان راوده، يغضب على سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، فالتفت الأنصاري والصحابة وقوف، وقال: أن كان ابن عمتك حكمت له؟ سبحان الله! الرسول يميل مع ابن العمة وابن الجدة وابن الخالة، وينسى الله وهو أتقى الناس لله! فاحمر وجهه عليه الصلاة والسلام وسكت، فقام عمر رضي الله عنه وأرضاه، فقال: يا رسول الله! نافق هذا الرجل دعني أضرب عنقه. ثم ما دام أن الأنصاري اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجور فالآن يأتى الحكم، كان في صالحه أول النهار، ولكن الآن أتى الحكم، فقال: اسق يا زبير حتى يعود الماء إلى الجدر -يعني إلى الجدار- ثم اترك الماء يمر. فما رضي الأنصاري أول مرة بالصلح الذي هو لصالحه، ولكن غاضب الرسول عليه الصلاة والسلام فحاكمه إلى السنة، فقال: والسنة أن يسقي حتى يعود إلى الجدار، ثم اترك الماء. فذهب صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عليه وهو في طريقه إلى المدينة قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] معنى الآية: والله لا يدخل الإيمان في قلوبهم، ولا يذوقون طعم اليقين حتى يحكموك ويجعلوك حكماً عادلا ًمنصفاً يرضونك، حتى يقول بعض العلماء: يرضونك في لا إله إلا الله، كما رضوك في أقل شعائر الدين. فمن لم يرض به صلى الله عليه وسلم حاكماً في عبادته، وعقيدته، وسلوكه، وأخلاقه، فوالله ما آمن ولا رضي بالله رباً، ولا بالرسول صلى الله عليه وسلم إماماً. ووقعت له صلى الله عليه وسلم قصة أخرى وهو يقسم الغنائم بين الناس، فكان يعطي هذا ليتألفه للإسلام كما تعرفون، ويقلل لهذا لأن في قلبه إيماناً ويقيناً وصدقاً، فيأتي بعض المنافقين ويجلس ويقول: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى. فيذهب ابن مسعود فيقول: أتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته في أذنه بالخبر، فتغير وجهه حتى أصبح كالصرف. قيل: الصرف النحاس الأحمر، وقيل: الذهب الأحمر، وقال: رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر، قال ابن مسعود قلت في نفسي لا جرم والله لا أرفع إليه بعدها كلمة. قال: فذهبت، فأتى خارجي ناتئ الجبين، أي: مقدم الجبين، فقال: يا محمد! اعدل -يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالعدل- فقال رسول الله: خبت وخسرت إن لم أعدل، ألا تأمونني وأنا أمين من في السماء، فقال عمر: دعني أضرب عنقه يا رسول الله! قال صلى الله عليه وسلم: لا. يخرج من ضئضئ هذا -قيل ثديه وقيل يده؛ لأنه كان في يده كحلَم الشاة، وقيل: كحلَم الشاة وعليها شعرات، قال: {يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وقراءتكم إلى قراءتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد} وهؤلاء هم الخوارج، أخذوا بالحكم الظاهر وتركوا حقائق الأمور، فأدركهم سيف الله المنتضى أبو الحسن، فقتلهم قتل عاد، وكانت من حسناته. فالإمام العادل وأعدل الناس هو الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم أتى الأئمة العدول بعده عليه الصلاة والسلام، وإنما المقصود من هذا أن من ولاه الله أمراً من أمور هذه الأمة فليتق الله وليعدل؛ إن كان مديراً في مدرسة، أو مسئولاً في الحكومة، أو موظفاً أو رائداً في بيته، أو مسئولاً وأميراً في سفر، أو إماماً عاماً أو قاضياً؛ فليعلم أنه يأتي يوم القيامة إما عادلاً يظله الله في ظله أو جائراً يتلفه الله عز وجل.

صور من حياة الصحابة في العدل

صور من حياة الصحابة في العدل أورد أهل السير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه - وسيره وسير أبي بكر وعمر وعثمان؛ هؤلاء الصفوة هي التي تحيي القلوب بإذن الله عز وجل، والذي يريد أن يعرف ويتعرف على الإسلام؛ فعليه أن يقرأ سير هؤلاء فإنهم هم الذين هداهم الله وذكرهم في كتابه. فَقَدَ علي بن أبي طالب درعه، فأخذه يهودي، فمر علي رضي الله عنه، فرأى درعه على اليهودي، فأمسكه بتلابيبه، وقال: درعي يا يهودي! وعلي في ذلك الوقت خليفة المؤمنين من شرق الأرض إلى غربها، وبإمكانه أن يدعو الجنود فيضربوا هذا اليهودي حتى لا يدري أين الشرق من الغرب، لكن لا. فالأمر شورى والخلافة بيعة والحق حق والحقوق قضاء فقال اليهودي: ليس هذا بدرعك. فقال علي: بل درعي والله. والواجب أن يصدق، فقال اليهودي: أتحاكم أنا وأنت. قال: أنا الخليفة. قال: لا. أنت ستحكم لنفسك. وأراد اليهودي أن يمتحنه، فذهبوا إلى شريح القاضي، وهو أحد قضاة علي رضي الله عنه وأرضاه، فلما أتوا إليه قام فرحب بـ علي بن أبي طالب، قال علي: لا ترحب بي، لأنني خصم. أنا جئتك اليوم خصم، وما جئتك خليفة، إذا جئتك خليفة فرحب بي، ولكن ساو بيننا في لحظك ولفظك. فقال شريح: اجلس هنا يا أمير المؤمنين! قال: لا. لأنني خصم، إما أن تجلسنا سوياً في مكان واحد، أو أجلسنا على الأرض في مكان واحد، فأجلس علياً بجانب اليهودي على الأرض، وجلس شريح على كرسي القضاء. ثم قال: هل لك بينة يا أمير المؤمنين أن الدرع درعك؟ قال: نعم. يشهد لي شاهد. قال: من شاهدك؟ قال: ابني. قال: أنت تعلم أن الابن لا يشهد لأبيه. وعلي يريد أن يختبر القاضي، قال: إذاً ليس عندي شاهد. قال: إذاً فالدرع درع اليهودي، لأنك لم تأت ببينة، فأخذه اليهودي فولى، ثم التفت وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، آمنت بهذا الدين الذي أجلسك يا أمير المؤمنين بمجلس معي، والله الذي لا إله إلا هو إن الدرع درعك، فأعطاه وسلمه ودخل في الإسلام. فهذا وأمثاله من أئمة الإسلام، هم الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ولذلك يقول أحمد شوقي يمدح الرسول عليه الصلاة والسلام: وإذا حكمت فلا ارتياب كأنما جاء الخصوم من السماء قضاء وعمر رضي الله عنه وأرضاه مثَّل العدل في الإسلام، وقصصه لا تنتهي أبداً، ولكن نكتفي ببعض المواقف. منها: أنه جلس مع الصحابة رضوان الله عليهم في المدينة في ضحى النهار، وإذا برجل يقدم من البادية مسحوباً بيده من قبل شباب ثلاثة، فقال لهم عمر: مالكم ماذا وقع؟ قالوا: هذا قتل أبانا. قال: وما الخبر؟ قالوا: أتى أبونا بجمل معه، فرعى في مزرعة هذا الرجل، فقام وأخذ حجراً فألقاه على رأس أبينا فقتله، فالتفت عمر إلى الرجل وقال: أقتلت أباهم؟ قال: نعم. قتلت أباهم. قال: وما حملك؟ قال: عدى بجمله على مزرعتي فظننت أنني سوف أبعده بالحجر فرميته فقتلته. قال القصاص: حكم الله بالقتل. قال: يا أمير المؤمنين! أسألك بالله الذي لا إله إلا هو أن تمهلني ثلاثة أيام، فوالله الذي لا إله إلا هو أن أهلي في الصحراء، ما معهم معول إلا أنا بعد الله عز وجل، ولا خليفة لهم بعد الله إلا أنا، لا يعلمون أين ذهبت من أرض الله، لأنني لما قتلت أباهم، اقتادوني إليك ولم أخبر أهلي، قال عمر: لن تذهب، لأنك خصم، وقد حكم عليك بالقصاص إلا أن تأتي بكفيل. فالتفت إلى الصحابة فلم يعرف أحداً منهم أبداً، فأعاد النظر إليهم -ويا سبحان الله! فتيه ونساء وراءه، كيف يقتل في المدينة وهم ليس عندهم خبر، ولا خليفة لهم بعده ولا والي إلا الله عز وجل؟! - فالتفت إلى الصحابة ثم نظر إليهم، فرأى أبا ذر رضي الله عنه، وإذا على وجهه النور والخشية والزهد، فقال: يا شيخ! أنا ما عرفتك لكن أسألك بالله الذي لا إله إلا هو أن تكفلني، فإني سوف أعود. قال أبو ذر: ومن بيني ويبنك؟ قال: بيني وبينك الله. قال: أبو ذر، وعيناه تدمع: كفى بالله ولياً وكفى بالله حسيباً. فقال عمر رضي الله عنه: أكفلته يا أبا ذر؟ قال: نعم. يا أمير المؤمنين! والله لو كنا في الجاهلية لكفلته، كيف وقد أتاني بموثق من الله. ولذلك لما أتى يعقوب عليه السلام قال لأبنائه: أعطوني موثقاً، فأتوه بموثق من الله عز وجل، فقال: الله على ما نقول وكيل، ومن رضي بالله وكيلاً، كفاه الله عز وجل. فذهب الرجل وبقي أبو ذر، وجلس الصحابة رضوان الله عليهم، ومضت ثلاثة أيام وهم ينتظرون، وفي اليوم الرابع جلس عمر رضي الله عنه الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، حتى يقول: والله لو فصل عظمي عن لحمي لأعملن بسنه سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجلس ودعا الشباب الذين يطالبون بدم أبيهم، ودعا أبا ذر، فخرج أبو ذر، فقال: أجاء الرجل؟ قالوا: لم يأت من البادية. قال: الله المستعان! لأن القصاص في ذلك الوقت، فجلس الصحابة يطالعون وينظرون في الصحراء، وتأخر الرجل حتى قرب الغروب، وقال عمر رضي الله عنه: إن غربت الشمس فالقصاص يا أبا ذر. قال: يا أمير المؤمنين! كيف؟ قال: والله لا أمهلك، حكم الله عز وجل، أنت عن أبيهم لأنك كفيل، فلما أوشكت الشمس على الغروب، وإذا بذلك الرجل يقبل وهو يجري جرياً، فلما دخل ألقى نفسه وقال: والله ما أكلت من الصباح وما شربت؛ لأدرككم، في هذا اليوم، ذهبت إلى أهلي، والله لقد تركت صبيتي وبناتي يتباكون، فتأثر الصحابة كثيراً، والتفت عمر رضي الله عنه، وقال: القصاص، حكم الله عز وجل. فقام الشباب، وقالوا: ما دام أن هذا أوفى مع الله عز وجل، فلا يكون أوفى منا، قد عفونا عنه وسامحناه، فقام عمر وقال: عفا الله عنكم يوم العرض الأكبر، وجزاك الله بوفائك خيراً يوم أتيت، وبارك الله فيك يا أبا ذر؛ لأنك كفلته في ذات الله عز وجل. فهذه صورة رائعة من صور العدل التي مثلها عمر رضي الله عنه وأرضاه للأمة، والله عز وجل يقول لداود عليه السلام: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص:26].

الالتزام بالعبادة منذ الصغر

الالتزام بالعبادة منذ الصغر وأما الصنف الثاني: فهو الشاب الذي نشأ في طاعة الله وعبادته، لا يعرف إلا القرآن، وذكر الله عز وجل، وهذا الأمر عزيز ونادر، حتى يقول الغزالي: إنه نادر جداً في الأمة. لكن من الناس من ينشئه الله نشأة حسنة ويربيه على طاعته، وفي الحديث: {يعجب ربك سُبحَانَهُ وَتَعَالى من الشاب ليس له صبوة} معنى الحديث: أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يتعجب فوق سبع سماوات من شاب لا يعصي الله عز وجل، يتعجب أن هذا الشاب عنده قدرات وطموح وقوة وفتوة، ثم لا يعصي الله عز وجل، فيتعجب الله عز وجل منه. ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله يستحي أن يعذب شاباً في الإسلام} فإذا كان الله يستحي من فوق سبع سموات أن يعذب شاباً في الإسلام؛ فما بالك بالذين لا يستحون من الله عز وجل؟! ومن الشباب الذين نشئوا في عبادة الله -كما في السير والأخبار- أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو من رواة البخاري ومسلم، كان في العشرين من عمره وكان إذا خرج إلى السوق ونظر الناس إلى وجهه، تركوا بضائعهم وقاموا على أرجلهم، وقالوا: لا إله إلا الله، حتى يقول الحسن البصري: [[هذا سيد شباب أهل البصرة، وإني لأظنه من أهل الجنة]] أيوب هذا كان لا يعرف إلا الله عز وجل، فكان من بيته إلى مسجده، وكان يقرأ الحديث على الناس فتغلبه عيناه بالدموع، فيميط عن أنفه ويقول: ما أشد الزكام! يظهر أن هناك زكاماً وهو البكاء، يقول الإمام مالك: ما ظننت أن في أهل العراق خيراً حتى رأيت أيوب بن أبي تميمة وهو شاب قدم علينا، فسلم على رسول الله في قبره، ثم بكى حتى كادت أضلاعه تختلف. فهذا من الشباب الذين نسأل الله أن يظلهم وإيانا في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وذكر الذهبي وغيره من أهل التواريخ والسير: أن سهل بن عبد الله التستري كان شاباً صغيراً، فكان يقرأ القرآن في المسجد مع شيخه، فكان شيخه يحبه كثيراً، فذهب زملاؤه إلى آبائهم وقالوا: يا أبانا! شيخنا يحب سهلاً أكثر منا، فذهب آباؤهم وقالوا: كيف تقدم سهلاً على أبنائنا دائماً وهم سيان في القراءة والتلاوة، قال: لأن سهلاً يخاف من الله عز وجل أكثر من أبنائكم. قالوا: دلل لنا على ذلك. فقال: سوف أدلل لكم على ذلك -وكان هذا الشيخ حكيماً- فقال لهؤلاء الطلاب: ليأتي كل منكم بدجاجة، فأتوا في الصباح كل واحد منهم بدجاجة، فلما أحضروها قال: كل منكم يذهب بهذه الدجاجة إلى مكان لا يراه فيه أحد ويذبحها. فذهبوا جميعاً كلٌ بدجاجته، فلما اختفوا؛ ذبح كل واحد منهم دجاجته ثم رجعوا إلى الشيخ إلا سهلاً لم يذبح دجاجته، فقال: أذبحتم دجاجكم؟ قالوا: نعم. قال: وأنت. قال: ما ذبحتها. قال: ولم؟ قال: لأنك قلت لي في مكان لا يراني فيه أحد، والله يراني في كل مكان. قال: فلما أتيت وسللت هذه السكين لأذبح هذه الدجاجة تذكرت الله فكففت. قال: نعم. وأنت نسأل الله أن تكون -أو كما قال- ممن يعبد الله كأنه يراه. فهذه هي أعظم درجات الخشية من الله، وهؤلاء من الشباب الذين يحبهم الله عز وجل وأنشأهم في عبادته، ويظلهم في ظله.

الأخوة في الله

الأخوة في الله وأما قوله عليه الصلاة والسلام: {ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه} فهذه أعظم درجات المحبة، وهؤلاء من الأصناف الثلاثة الذين قال عنهم صلى الله عليه وسلم: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان -ثم ذكر منها-: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله} فإذا أحببت رجلاً لله، لا لتجارة ولا لمنفعة ولا لمكسب، فأبشر ثم أبشر، فأنت من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومعنى (اجتمعا عليه) أي: دخلا في محبته سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فكان اجتماعهم بسبب المحبة فيه، (وتفرقا عليه) أي: سافر أحدهم وفارق صاحبه، أو مات أحدهم عن الآخر وهو حبيب له في الله. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين الرجلين من الصحابة ويجعلهم إخواناً، فآخى بين سلمان وأبي الدرداء، وتآخى كذلك في الله سلمان وعبد الله بن سلام، فقال عبد الله بن سلام لـ سلمان: إني أحبك في الله، فأسألك بالله عز وجل إذا مت قبلي أو مت قبلك أن تحرص إذا تلاقينا في المنام أن توصيني بخير يدلني على الله. وهذه القصة في صفة الصفوة وغيرها، وأرواح المؤمنين تتزاور في المنام، وهذا من عقيدة أهل السنة والجماعة وليست من الأصول، لكن ذكرها ابن تيمية، فإن الأرواح تتزاور، ولذلك قد يرى المسلم أخاه المسلم في النوم وقد مات ويخبره بكلام، ويتحدث إليه بأمور، ويوصيه بوصايا. فمات عبد الله بن سلام قبل سلمان الفارسي، فرآه في المنام، فقال: كيف أنت؟ قال: أنا في عيشة راضية، وأنا أرى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى كل جمعة، يوم المزيد. قال: فما وجدت خير العمل؟ قال: ما وجدت خير عمل من التوكل على الله، فأوصيك بالتوكل على الله. فكانت هذه وصيته له، فهم تحابوا في الدنيا فكانوا إخوة في الآخرة وفي حياة البرزخ. ولذلك قال أبو الحسن أمير المؤمنين رضي الله عنه: تزودوا من الإخوان فإنهم ذخر في الدنيا وفي الآخرة. قالوا: يا أبا الحسن، أما في الدنيا فصدقت، وأما في الآخرة فمتى؟! قال: أما سمعتم الله يقول: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] فمن خالل أخاه في ذات الله عز وجل كان خليلاً له في الآخرة، وكان مشفعاً مقبولاً فيه، إذا رضي الله وأذن له وكان من أهل الشفاعة. فالمتحابون يناديهم الله عز وجل: {أين المتحابون في جلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي فيقوم نُزَّاع القبائل فيجتمعون حتى يظلهم الله في ظله قيل: من هم نُزَّاع القبائل؟ قال: قوم لم يجتمعوا على حسب، ولا على سبب، ولا على نسب، وإنما جمعهم الحب في الله} هذا من شعب، وذاك من شعب، وهذا من قبيلة وذاك من قبيلة، جمعهم الحب في الله، فيناديهم الله عز وجل، فيقومون يتخطون الناس حتى يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله. وفي الحديث الصحيح: {أن رجلاً خرج من قرية إلى قرية ليزور أخاً له في الله، فأرصد الله على مدرجته ملكاً من الملائكة، فلما مر الرجل قال له الملك: أين تريد؟ قال له: أريد أن أزور أخاً لي في الله. قال: هل له من نعمة عليك يربها؟ -أي يتعاهدها، فأنت تريد مكافأته، وفي لفظ: هل لك عليه من نعمة تربها؟ أي هل هناك سبب دنيوي أو مصلحة؟ - قال: لا. والله الذي لا إله إلا هو، وإنما أحبه في الله. قال: أنا رسول الله -يعني ملك أرسله الله- أخبرك أن الله رضي عنك ورضي عن صاحبك وفي لفظ: وأنكما من أهل الجنة} والسبب أنه زاره في الله. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه يقول: {قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتزاورين في، والمتجالسين في، والمتباذلين في} المتجالسون الذين لا يجلسون إلا على محبة الله، ويتزاورون محبةً في الله، ويبذل بعضهم بعضاً لله عز وجل، فهؤلاء وجبت لهم محبة الحي القيوم، هذا هو الحب في الله عز وجل، يقول الإمام الشافعي: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة قال له الإمام أحمد: تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم قد تناولنا الشفاعة لأن الإمام الشافعي من أهل البيت، لكن من تواضعه يقول: أما أنا، فإن من صفاتي أنني أحب كل صالح ولو لم أعمل بعمله، وأنا عاصي -تواضعاً منه- لكني أحب الصالحين، وأكره العصاة وبضاعتي مثل بضاعتهم؛ ولذلك من علامة المؤمن أنه يحب المؤمنين ولو لم يعمل بعملهم، ويبغض العصاة ولو يعمل بعملهم، ومن علامة المنافق أنه يكره الطائعين ويعاديهم، ويحب العصاة ويعمل بعملهم، فهذا فارق بين من يحب في الله عز وجل ومن يحب لغير الله. وفي الصحيح عن أبي هريرة قال: {كان صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطبنا، فدخل أعرابي فقطع خطبته وقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ فسكت صلى الله عليه وسلم، ولما انتهى من الخطبة، قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: ماذا أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صيام ولا صلاة ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله. قال: المرء يحشر مع من أحب. قال أنس: فوالله ما فرحنا بمثل هذا الحديث، فنحن نحب رسول الله وأبا بكر وعمر، ولو لم نعمل بعملهم}. ويوم يأتي صلى الله عليه وسلم في معركة أحد، فيستنفر الناس للقتال، ويقف على المنبر ويحثهم على المعركة، يقول أحد الشباب: يا رسول الله! اتركنا نخرج إلى المعركة. لأنه عليه الصلاة والسلام قال: القتال سوف يكون داخل المدينة، وهذا هو الرأي الأصوب، وقد أشار عليه كبار الصحابة أن يبقى محصناً داخل المدينة، حتى يدخل كفار قريش، ويكون قتلهم داخل المدينة، فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الرأي، قام أحد الشباب واسمه سالم بن مالك، وقال: يا رسول الله! لا تحرمنا لقاء الأعداء، ولا تحرمني دخول الجنة، والله الذي لا إله إلا هو لأدخلن الجنة. فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: بماذا تدخل الجنة؟ قال: بأني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف. قال: إن تصدق الله يصدقك. فقتل في المعركة، وكان من أهل الجنة، والسبب أنه يحب الله ورسوله. وذكر ابن كثير في البداية والنهاية، عن بعض أمراء بني أيوب، قال: كان في الدنيا عليه بعض الخطايا، وكان من الأمراء الذين أفادوا في الجهاد، فلما توفي رآه العلماء في المنام، وله جناحان من نور، يطير في الجنة من شجرة إلى شجرة، فقالوا: أنت فلان؟ قال: نعم. قالوا: والله ما كان عملك في الدنيا بذاك. قال: أما سمعتم أن في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: {المرء يحشر مع من أحب}؟ قالوا: بلى. قال: فوالله الذي لا إله إلا هو، ما كان في الدنيا شيء أحب إلي من الله ورسوله. فبلغته المحبة مع شيء من العمل إلى هذه المنزلة، ولكن لا يغتر مغتر، كما يقول: الحسن [[لا يقل أحدكم: المرء يحشر مع من أحب. ويعمل عمل الجبارين، ويريد أن يحشر مع الطائعين]] فإن النصارى أحبوا عيسى حتى ألَّهوه، وهم في النار وهو في الجنة، لكن المقصود أن يكون هناك أصول من العمل، ثم تحب من ارتفع عليك في المنزلة، فإن الله سوف يحشرك في زمرته، بشرط أن يكون لك عمل من طاعة ومن فرائض وواجبات، فإن الله عز وجل سوف يبلغك منزلة الذي ما بلغت منزلته بالعمل. وأكثر ما سمع في التاريخ أنهم تحابوا في ذات الله هم الصحابة، حتى يقول عمر: [[يا أيها الناس! والله إنها لتطول بي الليلة شوقاً لأحدكم أو لبعضكم، فإذا أصبحت الصباح التزمته]] يتذكر عمر أحد الصحابة، فتطول عليه الليلة، فيأتي الصباح فيلتزم الصحابي وهي لم تمر إلا ليلة واحدة. وكان علي رضي الله عنه وأرضاه، يتذكر الصحابة -كما ذكر ابن كثير في ترجمته- ويبكي بعد صلاة الفجر، ويقول كلاماً ما معناه: ذهبوا وخلفوني. ولما نزل إلى طلحة بعد أن قتل، مسح التراب عن وجهه وقبله وقال: أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن قال فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] والذي أسس بينهم الإخاء هو رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكانوا إخواناً كما أراد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63].

البكاء من خشية الله

البكاء من خشية الله وأما الرجل الرابع: فهو رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، وقوله: (خالياً) فمعناه: الإخلاص. قال ابن تيمية في المجلد الثالث والعشرين: هؤلاء السبعة بلغوا أصول العبادات، أو أسس أصول العبادات، ثم ذكر أن رجلاً من العلماء ألف كتاباً اسمه اللمعة في السبعة، وتكلم عن الحديث، وقال: إن (خالياً) في الحديث معناه: الإخلاص، فإن بعض الناس قد يتباكى عند الناس، ولكن إذا خلا لا يبكي. ولذلك يقول أهل العلم: احذروا النفاق والرياء في ثلاثة مواطن: عندما تذكر الله أمام الناس، وعندما تبكي أمام الناس، فإنها فتنه لكل مفتون، وعندما تتصدق أمام الناس. وقالوا عن الأوزاعي -كما ذكر ذلك ابن كثير -: أنه كان إذا خلا بكى حتى يرحمه جيرانه، فإذا خالط الناس ما رئي ذلك منه. وهذا لأنه يخاف على نفسه، ولكن بعض الناس يغلبه البكاء لخشيته وتقواه، فلا يهمه هذا لأنه مخلص، لكن قال في الحديث: خالياً؛ لأنه أبعد عن الشبهة وأبعد عن الرياء والسمعة. يقول ابن القيم في كتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين: قال تقي الدين بن شقير: خرجت يوماً من الأيام وراء شيخ الإسلام ابن تيمية، فمر شيخ الإسلام في طريق حيث أراه ولا يراني، فانتهى إلى مكان فرأيته رفع طرفه إلى السماء، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ثم بكى، ثم قال: وأخرج عنك من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خالياً فهذا من الذين ذكروا الله وهم في خلوة. وذكر الله لا يلزم أن يكون تسبيحاً وتكبيراً وتحميداً في الخلوة، لكن يقول أهل العلم: من رأى مبتلى فدمعت عيناه، فهو من الذاكرين لله؛ لأن بعض الناس إذا رأى المبتلين دمعت عيناه، إما أن ترى مبتلى قصت يداه أو رجلاه، أو ذهب جمال وجهه، أو فقئت عيناه، أو أصابه في أولاده كارثة، أو فقد وعيه وعقله، فهو يمضي هكذا بلا عقل، أو أتاه مرض عضال عطل حواسه؛ فتدمع العين لهذه الرؤيا، فيكون من ذكر الله، أو ترى آيات الله في الكون، يقول ابن الجوزي: مررت حاجاً فلما بلغت جبال العلا -وهي قريبة من تبوك - قال: فلما رأيت جبال العلا دمعت عيناي والله. وهذا لأن المؤمن قد يتذكر من رؤية الجبال أو السهول أو الأودية أو الأشجار، آيات الله عز وجل، فتدمع عيناه فيكون من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وكذلك قد تدمع العين في خلوة كأن يتذكر ذنوبه وخطاياه، أو يتذكر أحبابه وأقاربه الذين سبقوه، أو يتذكر بعض الأمور التي حصلت له، فيكون من الذاكرين الله عز وجل. إذا علم هذا؛ فإن أهل العلم يقولون: يكفي مرة واحدة في العمر أن تبكي خالياً، فتكون من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأحسن ما يذكر الله عز وجل في جوف الليل الغابر، أو في آخره.

حب المساجد

حب المساجد الرجل الخامس: رجل قلبه معلق بالمساجد، وهذا وجه بلاغي، وهي كناية عن حضور القلب، وحضوره مع الصلوات، وهذه صفة لطائفة من الناس من الأخيار يؤتيهم الله من الاستقامة ما الله به عليم، وكان أحد الصالحين في الأفلاج، وقد توفي قبل ثلاثين سنة، اسمه محمد بن عثميين وهو شاعر، قالوا عنه: مكث ثلاثين سنة ما زار أحداً ولا وصل أحداً، ولا جلس إلا مع أهله من البيت إلى المسجد، يفتح مصحفه بعد صلاة الفجر إلى الظهر، وكان صائماً طيلة الثلاثين السنة، وكان لا يفتأ يذكر الله عز وجل. وذكروا أن بعض العباد انقطعوا لله عز وجل، فكانت قلوبهم معلقة، وسوف يأتي بيان بهذه الجملة. وقوله: (قلبه معلق) فليس معناه أنه ترك قلبه في المسجد وذهب، لا معناه أن قلبه متوله بالمسجد، ولذلك تجد بعض الصالحين ينظر إلى ساعته دائماً: متى يؤذن؟ تأخر المؤذن؟ كم بقي؟ متى تؤذنون في هذا البلد؟ فقلبه دائماً معلق بالمسجد، غير الذين سهوا ولغوا وانصرفت قلوبهم، فإنه لا يقوم إن كان يريد أن يصلي إلا في آخر الوقت، وإذا أتى إلى الصلاة أتى ساهياً وقد صلى الناس , وقد تفوته الصلاة وينسى، لأن قلبه ما حضرت فيه عظمة الله، ولا كانت فيه منزلة لله عز وجل، وإلا فإن الإنسان المؤمن لا ينسى الله عز وجل فإذا ذهب الظهر وأتى العصر قال: والله نسيت صلاة الظهر، فإذا أتى العصر قال: ذهبنا مع فلان وتمشينا ونسينا العصر أهذا مؤمن؟ دائماً حاله هكذا! فإذا قلت له: صليت مع الجماعة. قال: نسيت ما تذكرت الوقت، ذهب عني. حتى يقول أبو الأعلى المودودي في رسالته كيف تقرأ القرآن يقول: هذا الدين يجب أن يكون في رأسك مثل الصداع، هل تنسى الصداع الذي في رأسك؟ تنزل السوق والصداع في رأسك، وتدخل المسجد والصداع في رأسك، وأنت جالس في البيت والصداع في رأسك ولا تنساه، فكيف ينسى الإنسان المسجد وهو بيت الله عز وجل. قيل عن الإمام الأعمش رحمه الله، أحد رواة الصحيحين، من الذين حفظوا كثيراً من دواوين الإسلام والحديث النبوي: حضرته الوفاة فبكى ابنه كثيراً، فقال لابنه: ابك أو لا تبك، فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الإمام ستين سنة. وهذا من باب حسن الظن بالله عند سكرات الموت. وذكر ابن الجوزي عن عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير أنه ما كان يترك المسجد، بل كان يأتي قبل الصلاة بأوقات، فأتى يوماً من الأيام في الصف الثاني، فقال: الله المستعان! والله ما صليت في الصف الثاني منذ عقلت رشدي، لم أصلّ إلا في الصف الأول. قالوا: فلما حضرته الوفاة وهو في سكرات الموت أو قبلها بقليل سمع أذان المغرب، فبكى بكاءً طويلاً، فقالوا: مالك؟ قال: يصلي الناس في المسجد وأصلي في البيت. قالوا: أنت مريض. قال: والله لن يكون إلا خروج نفسي أو أصلي مع الناس، احملوني إلى المسجد. فحملوه فلما صلى مع الناس قبضه الله في آخر سجدة. فسلم الناس وإذا هو ساجد لله عز وجل، حركوه فإذا هو ميت، فقالوا لأبنائه: ما هذه الميتة السعيدة الحسنة؟ فقال أبناؤه: والله ما كان أبونا يقوم أي يوم إلا ويقول: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة. فقلنا له: يا أبه، ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني الله وأنا ساجد. فلبى الله له ما سأل فتوفي وهو ساجد. هذا لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى علم الصدق منه، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {ورجل قلبه معلق بالمساجد} أي: لا يفتأ. وكان سيد الخلق عليه الصلاة والسلام إذا ازدحمت عليه الأمور والأحزان قال: {أرحنا بها يا بلال}. وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصلياً توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترقَ أبواب الجنان الثمانيا وكان عليه الصلاة والسلام -كما تقول عائشة - يشتغل بمهنة أهله يقطع مع أهله اللحم، ويخسف نعله ويرقع ثوبه، ويحلب شاته، ويكنس بيته، وهو أشرف من خلق الله عز وجل، قالت عائشة رضي الله عنها: {فإذا سمع النداء، قام من مجلسه، فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه}. وذكروا في السير أن أحد الصالحين كان يعمل نجاراً، لأن الطائفة المنصورة أو أهل النجاة يجعلهم الله عز وجل موزعين في الناس، من عالم وإمام ومسئول وفلاح وتاجر ونجار ومدرس ومعلم إلى غير ذلك من الأصناف. فقالوا: كان يشتغل بالنجارة فإذا سمع النداء لا يرد المطرقة، وإنما يسقطها وراءه ويقوم. إذا علم هذا؛ فمعنى (قلبه معلق بالمساجد) أنه دائماً يتذكر بيوت الله، وأوقات الصلاة، فإذا صلى الظهر تذكر العصر، فقلبه دائماً بالأشواق، وهذا مجرب عند كثير من الناس، حتى أن من الصالحين ولو لم يُؤْتَ علماً كثيراً، فإنك تجده إذا صلى المغرب يجلس مع أهله ومع أطفاله، يمازحهم ويداعبهم، ولكن بعد الفترة والأخرى ينظر في الساعة، أو يقول: أسمعتم الأذان؟ هل قرب العشاء؟ فهو يسأل لأن قلبه دائماً مستنفر. أما المنافق فإنه إذا صلى ضاع الوقت ما لم يحرك وينبه ويصاح عليه -نسأل الله العافية- فإذا صلى فريضة تذكر الأخرى. قال عدي بن حاتم الطائي، كما في كتاب الزهد للإمام أحمد: والله ما دخلت عليَّ صلاة والحمد لله إلا كنت لها بالأشواق وتوضأت قبلها. وكان أهل المدينة لا يؤذن المؤذن إلا وقد امتلأت الصفوف في المسجد، فتناقص الحال مع تناقص خيرية الأمة، حتى يأتي المحسن منهم عند الإقامة، ثم تناقص حتى أن بعضهم لا يأتي إلا وقد صلى الناس فيسلم عليهم وهم خارجون من المسجد، ويقول: أصليتم؟ وهو يعرف أنهم صلوا، لكنه يريد أن يعتذر، كأنه لم يعرف. وقد قال أحد الصالحين: فاتتني صلاة العصر في جماعة، فما عزاني أحد، ومات ابني فعزاني أهل البصرة جميعاً، فوالله الذي لا إله إلا هو إن مصيبة تلك الصلاة بقيت في قلبي ومصيبة ابني ما أحسست بها. وذكر صاحب الحلية: أن أحد الصالحين فاتته صلاة العشاء في جماعة في حياته مرة واحدة، فقال: الله المستعان! ما فاتتني صلاة في جماعة إلا هذه الصلاة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة} لا جرم لأصلينها سبعاً وعشرين مرة، فقام فصلاها سبعاً وعشرين مرة ثم نام، فرأى في المنام أن خيالة عليهم ثياب بيض، وإذا هم جماعة في المسجد وقد ذهبوا، وهو وراءهم على أرجله، يمشي ويجري ويحاول أن يصل فلا يلحق، وفي الأخير التفت إليه أحدهم وقال: لا تحاول، نحن صلينا في جماعة وأنت صليت وحدك. وقد أعادها سبعاً وعشرين مرة. حتى أن ابن تيمية يقول: بل صلاة الجماعة واجبة، ويرى هو -كما ينقل صاحب السلسبيل - أنها شرط في صحة الصلاة، وإذا تخلف عنها المتخلف فإنه يحارب ويحرق بيته. وقال: هو حكم رسول الله عليه الصلاة والسلام. وقال: فإذا استطاع الإمام أن يحرق بيته فليحوط عليه بيته إذا لم يكن فيه ذرية ولا نساء، فإذا علم أن الرجل تخلف ولم يكن له عذر، فإنه يحرق عليه بيته، وهو حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن هذا الأمر لا يتأتى، لأنه قد بلغ السيل الزبا، وقد أصبحنا نقول: يكفينا الله عز وجل من الكفر أن يدخل بيوتنا وحاراتنا، فنحن نعتصم بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:36 - 37] فهؤلاء دائماً قلوبهم معلقة بالمساجد، فهم ينتظرون القدوم على الله عز وجل، فكأنهم تركوا قلوبهم معلقة في المساجد وذهبوا بأجسامهم إلى البيوت. فمن أراد أن يظله الله عز وجل، فليحرص على أن يكون المسجد مدرسته الروحية، وأن يتذكر كلما تكاسل أن الله سوف يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كلما أتى إلى المسجد، وأنه سوف يمشي في النور التام كلما مشى في الظلمات إلى المساجد، وأن كل خطوة ترفع درجة وتحط خطيئة، فنسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن نكون من هذا الصنف.

إخفاء الصدقة

إخفاء الصدقة الصنف السادس: رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، وفي بعض الروايات قلب على بعض الرواة فقال: حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله. والصحيح: حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه؛ لأن التي تنفق هي اليمين، وهي التي تعطي، وليس معنى ذلك أن الشمال تدري، وبعض الصالحين حملوها على هذا المعنى فكانوا يخفون شمائلهم؛ كان أحدهم إذا أراد أن يتصدق أخفى شماله ثم أعطى بيمينه، وهذا معنى رقيق ولطيف. ولكن المعنى الصحيح: أنه من إخفائه في الصدقة لا يعلم به إلا الحي القيوم، لا يدري أحد أنه تصدق إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فإذا أراد أن يتصدق أخفى ثم أعطى الفقير أو المسكين أو المستحق فلا يدري أنه تصدق إلا الله، ولذلك جاء في الحديث وهو يقبل التحسين: أن الله عز وجل يضحك لثلاثة -وضحكه يليق بجلاله، لا تكييف، ولا تشبيه، ولا تعطيل، ولا تمثيل، إنما له صفة ضحك تليق به سُبحَانَهُ وَتَعَالى- يضحك لثلاثة: الأول منهم: رجل سافر مع قافلة، فمشوا إلى آخر الليل، ثم قالوا: نريد أن ننام، فأنزلوا أمتعتهم وأغراضهم وأرادوا النوم، بعد تعب وإعياء ومشقة لا يعلمها إلا الله، فلما وقعوا في الأرض ناموا إلا هذا الرجل ترك النوم، بل قام فتوضأ بالماء البارد وقام يصلي على تعبه في السفر، ويدعو الله عز وجل، فيقول الله: انظروا إلى عبدي، ترك النوم، وأتى إلى الماء البارد وتوضأ منه يتملقني ويدعوني، أشهدكم أني قد غفرت له وأدخلته الجنة. الثاني: رجل كان في سرية يقاتل الأعداء، فلما اقتربت من الأعداء فرت هذه السرية -وهي مسلمة- إلا هذا الرجل قام وقال: يا سبحان الله! أنفر من أعداء الله؟ والله لا أفر هذا اليوم. فخلع درعه ولقي العدو حاسراً لا درع عليه، فقاتل حتى قتل، فقال الله لملائكته: أشهدكم أني قد غفرت له وأدخلته الجنة. ورجل ثالث كان في قافلة في سفر فمر بهم فقير مسكين محتاج، فمد يديه وقال: أسألكم بالله الذي لا إله إلا هو، أنا منقطع بي الحال أن تؤتوني مما آتاكم الله. قال: فلم تلتفت له القافلة، إلا هذا الرجل تخلف عنهم حتى اختفوا وراء أكمة أو جبل، فأخذ شيئاً من المال وأعطاه الفقير ومسح على رأسه، فقال الله: يا ملائكتي أشهدكم أني قد غفرت له وأدخلته الجنة. فهذا رجل تصدق بصدقة وتخفى عن تلك القافلة حتى لا يعلم بصدقته إلا الله. وذكروا أن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهؤلاء ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عموداً فنحن نحبهم ونتقرب إلى الله بحبهم، أبناء فاطمة بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام. كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يسمى زين العابدين، قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: أنه كان يصلي في الليل ألف ركعة. ولا ندري ما صفة هذه الصلاة، لكن هذه الرواية وردت، إما أنه كان يختصر في الصلاة ويقرأ الفاتحة ويكثر، أو كان يحسب بالنهار والليل، ولكن أحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. إنما الشاهد: أنه كان يخرج كل ليلة، فيأخذ من الدقيق ومن السمن على ظهره، ويمر على فقراء المدينة ويعطيهم في ظلام الليل بحيث لا يراه إلا الله، فعلم أهله بعد فترة فلما أتوا يغسلونه -وقد توفي- وجدوا آثار خيوط الحبال على كتفه، فسألوا أهله، فقالوا: إنها من كثرة ما كان يحمل على كتفه من الدقيق ومن التمر والزبيب، ويوزع على فقراء المدينة كل ليلة. فهذا من الصنف الذي أخفى صدقته بحيث لا يراه إلا الله عز وجل.

العفة ومراقبة الله

العفة ومراقبة الله الصنف السابع: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين. قالوا: هذه نهاية المراقبة لله الحي القيوم، فهي امرأة وهو مشتهٍ لها، ليس عنده أهل، ثم إنها ذات منصب، ومعنى ذلك أنه لا يخاف، فإن ذات المنصب يمكن أن تخرج نفسها وتخرجه بخلاف غيرها، وهي لا تخاف من إقامة حدود، ولا تخاف أن يظهر عليها أحد، أو يحبسها قوم، فهي ذات منصب، ثم هي ذات جمال، فهي تدعو بجمالها، لأن بعض الناس قد يترك هذه الأمور لأن المرأة ليست جميلة. فقال: إني أخاف الله. فكان حقاً على الله أوجبه على نفسه أن يظل هذا وأصنافه وأضرابه في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وأولهم يوسف عليه السلام، يقول ابن تيمية كما ينقل عنه ابن القيم في مدارج السالكين: فأما يوسف عليه السلام، فإن الله بلغه تلك المنزلة لأمور منها: أنه كان غريباً، والغريب لا يخاف من العار، ومنها: أنه كان أعزباً ليس عنده أهل، وهو أدعى إلى الفاحشة، أو أدعى إلى أن يتمتع، ومنها: أن المرأة هذه كانت ذات منصب، فإنها بإمكانها أن تخرجه وتخرج نفسها، ومنها: أنها ذات جمال، فهي امرأة ملك، فترك ذلك كله لله عز وجل، فكان سيد كل من دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله رب العالمين. وذكر صاحب حلية الأولياء وصفة الصفوة: أن مسلم بن يسار أحد الصالحين، كان من أجمل الناس وهو شاب، فخرج من المدينة إلى مكة ليعتمر، فلما كان في الطريق عرضت له فتاة من أجمل الفتيات، فدعته إلى نفسها فبكى كثيراً، فاجتمع عليه أصحابه فقالوا: مالك تبكي؟ قال: لأمر. فاستحلفوه فأخبرهم، فلما بدأ العمرة وطاف صلى ركعتين عند المقام ثم نام وهو جالس، فرأى يوسف عليه السلام كأنه يطوف، فقال مسلم بن يسار: من أنت؟ قال: أنا يوسف الذي هممت، وأنت مسلم بن يسار الذي لم يهم. هكذا أوردها أهل العلم، وكان من أعظم المراقبة لله عز وجل أن يأتي الإنسان إلى هذه الأمور فيتذكر عظمة الله فيكف نفسه. ولذلك يقول الأندلسي وهو يوصي ابنه: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني وقال الأول: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عَلَيَّ رقيب

الأسئلة

الأسئلة

الدلائل التي نعرف بها تحقق صفات السبعة الذين يظلهم الله

الدلائل التي نعرف بها تحقق صفات السبعة الذين يظلهم الله Q ما هي الدلائل التي تجعلنا نعرف أننا من هؤلاء السبعة أو من بعضهم؟ وما هو العلاج للإنسان الذي حاول أن يتفكر في خلق الله من الآيات الكونية وغيرها ويتأثر بذلك؟ A أما الأمور التي تعرفنا أننا من السبعة أو أن فينا صفة من صفات هؤلاء السبعة، فنحن شهداء الله في أرضه، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143] فمن شهد له المسلمون بخير فهو من أهل الخير، ومن شهدوا عليه بالسوء فهو من أهل السوء، ومن شهد له أهل القبيلة والحارة بالخير فهم شهداء الله عليه يوم القيامة، وقد جاء في الصحيح: {أن جنازة مرت بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، وجبت، وجبت. وأثنوا على الثانية شراً، فقال: وجبت، وجبت، وجبت. فقال عمر: ما وجبت يا رسول الله؟ قال: الأولى أثنيتم عليها خيراً فقلت: وجبت لها الجنة، والثانية أثنيتم عليها شراً، فقلت: وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه}. والمسلم قد يعرف من نفسه بالدلائل، مثلاً في صفة الرجل الذي قلبه معلق بالمساجد، يعرف هل هو يحب المسجد أم لا؟ وهل هو محافظ على الصلوات؟ وهل ما فاتته فريضة في جماعة؟ فإذا عرف بذلك فليبشر نفسه، ولكن لا يغتر ولا يعجب بنفسه، وليكن بين الخوف والرجاء. وهو يعرف نفسه هل ذكر الله ذات مرة خالياً ففاضت عيناه؟ إلى غير ذلك. فالدلائل قائمة من نفسك ومن الناس، ويحاول المؤمن أن يطلب شهادة الناس عند الله؛ ليكونوا له شهداء عند الله عز وجل، فإن الله يستشهد كل قبيل على قبيلهم، ويستشهد كل جمع على من خالطهم ومن زايلهم، فليحرص المؤمن على أن يكون ذكره حسناً، وأن تكون شهادة المؤمنين مقبولة عند الحي القيوم. وأما العلاج الذي يتفكر له الإنسان في الخلوات، فما هو إلا الدربة، وكلما خلا يحاول أن يتفكر وأن يتباكى إذا لم يبك، فمن تباكى له أجر من بكى، لأنه ليس كل إنسان يستطيع، وبعض الناس لشكيمته ولنفسه ولو أن فيه صلاحاً وخيراً لا يستطيع أن يبكي، فعليه أن يتباكى كما كان عمر رضي الله عنه، فقد رأى الرسول وأبا بكر يبكون فتباكى معهم. فإذا لم يبك فليتباكى، وليتأمل بلا بكاء، فإن الله عز وجل لا يحرمه الثواب والأجر. أيها الإخوة! هذا الحديث من أعظم الأحاديث التي وردت عنه صلى الله عليه وسلم، ومن الأحاديث التي ينبغي أن يعيش المسلم في رياضها، وأن يحاول أن يدخل مع هؤلاء السبعة، أو يدخل مع المتطفلين، فإذا لم تكن مع الصادقين فادخل مع المتطفلين، فإن الله لا يرد ضيافة المتطفل. نسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلنا منهم، وأن يحشرنا في زمرتهم، وأن يظلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأن يسقينا من حوض نبيه شربة لا نظمأ بعدها أبداً. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصبحه وسلم تسليماً كثيراً.

من كنوز السيرة

من كنوز السيرة ذكر الشيخ سدده الله في هذا الدرس آخر خطبة لعمر رضي الله عنه مستعرضاً ما فيها من فرائد الفوائد ومجلياً ما احتوت عليه من بيان فضيلة الصحابة وتواضعهم عامة وأبي بكر وعمر خاصة، وأهمية الشورى وما تجنيه من محاسن، وكيفية البيعة لأبي بكر، وأن الخلافة لم يرد في تحديدها نص شرعي، وختم الدرس بذكر بعض مناقب عمر رضي الله عنه، وقصة وفاته جمعه الله مع رفيقيه في عليين وجمعنا معهم آمين.

آخر خطبة لعمر بن الخطاب

آخر خطبة لعمر بن الخطاب اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، ومثل ما نقول، وفوق ما نقول، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، اللهم صلِّ وسلم على رسولك ونبيك الذي بعثته رحمة للعالمين، صلِّ وسلم على من اجتمعنا على ميراثه وعلى مائدته. نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمرو الله بعدك ما سلينا اللهم بلغه منا الصلاة والسلام، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة. اللهم صل عليه دائماً وأبداً؛ كلما بقي في الأرض مسلمون وإسلام، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته معنا لطائف من السيرة وتحف من أخبار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، نجوم الهداية، ورسل السلام إلى العالم، وكلهم نجوم، وكل واحد منهم نجم يهتدى به. من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري يقول الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، وفي كتاب المحاربين، وفي كتاب فضائل الصحابة، يقول رحمه الله: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا معمر، عن الزهري رحمه الله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس حبر القرآن وترجمانه، رضي الله عنهما قال: [[كنت حججت في آخر حجة حجها عمر رضي الله عنه وأرضاه، قال: وكنت في خيمتي في منى أقرئ الصحابة -أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام من المهاجرين والأنصار- فدخل عليّ عبد الرحمن بن عوف، وكنت أقرئهُ القرآن - عبد الرحمن أحد العشرة المبشرين بالجنة يقرئه ابن عباس القرآن- قال: فلما دخل عليّ قال: يا بن عباس! أما تدري ماذا حدث اليوم؟ قلت: لا والله، قال: إن رجلاً أتى عمر أمير المؤمنين يزعم أنه سمع رجلاً يقول: إذا مات عمر أو قتل بايعت فلاناً بالخلافة، قال: فغضب عمر، وقال: سوف أقوم في أهل منى -الحجاج- وأتكلم فيهم عن هؤلاء الذين يغصبوهم أمورهم، قال عبد الرحمن بن عوف وهو يتكلم مع ابن عباس فقلت لـ عمر: يا أمير المؤمنين! لا تقم في منى، فإن منى فيها الغوغاء وفيها رعاع الناس، وسوف يحملون كلامك على غير محمله، ويطيرون به في الآفاق، ولكن اصبر وتمكن، فإذا رجعت إلى المدينة المنورة، التي هي دار الهجرة، وفيها السنة وأهل الخير ووجوه الناس، فقل ما تشاء أن تقول، وأنت متمكن، قال عمر: إي والله، والله (إن شاء الله) لأقومن أول قدومي على المنبر في المدينة فأخبر الناس بهذا الأمر، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما رجعنا من تلك الحجة رأيت عمر عند الجمرات، وقد اضطجع على ظهره ورفع يديه -بعدما انتهى من الحج، وقد شاب رأسه، وطال عمره- وقال: [[اللهم إني قد رق عظمي ودنا أجلي، وكثرت رعيتي، اللهم فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون، ثم قال: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتة في بلد رسولك]] فأخبروا ابنته حفصة رضي الله عنها وعن أبيها، فقالت: يا أبتاه! أتسأل الشهادة في المدينة؟ قال: إي والله يا بنية! قال: فعاد رضي الله عنه وأرضاه، فلما كان في آخر جمعة -آخر جمعة يصلي فيها عمر بالناس ويقوم فيهم خطيباً- قال ابن عباس: فبكرت بعد أن زاغت الشمس -هذا تبكير عند ابن عباس وهذه رواية البخاري - قال: فلما زاغت الشمس بكرت فأتيت المسجد بجوار سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أحد العشرة المبشرين بالجنة، قال: فجلست بجانبه وركبتي تصتك في ركبته، فقلت له: ليقولن عمر اليوم كلاماً ما قاله قبل اليوم، فقال سعيد بن زيد: ماذا عساه أن يقول؟ وأنكر عليّ، قال: فرأيت عمر رضي الله عنه وأرضاه أقبل، فصعد المنبر وسلم على الناس، فلما انتهي المؤذن من أذانه، قام عمر آخر قومة قامها في المسلمين فقال: السلام عليكم ورحمة الله بعد أن حمد الله وأثنى عليه قال: أيها الناس! إنه كان فيما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الله حد الثيب المحصن إذا زنى فإنه يرجم، والذي نفسي بيده لقد قرأناها وأقرأناها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فيما أنزل عليه في الكتاب -أي: في القرآن- (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) وإني أخشى إذا طال بكم الأمد أن ينكرها قوم فيضلوا، فوالله لقد أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي، ثم قال: أيها الناس! إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ولكن أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله رسوله}.

قصة مبايعة أبي بكر رضي الله عنه

قصة مبايعة أبي بكر رضي الله عنه ثم قال: أيها الناس! إنني سمعت أن بعضكم يقول: لو مات عمر بايعت فلاناً، وفي صحيح مسلم (وإني قد علمت أن أقواماً يطعنون في هذا الأمر أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال، وسمعت أنهم يقولون: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها، وأبو بكر لا يشق له غبار، ولا تضرب أعناق الإبل لمثل أبي بكر، ثم بدأ يسوق القصة، قال: أتدرون ما خبرنا وخبر أبي بكر لما بويع بالخلافة؟ فسكت الناس، قال: لما توفي الرسول عليه الصلاة والسلام اجتمعنا حول مسجده صلى الله عليه وسلم وكثر اللغلط واللهج وارتفع البكاء، فظننت والله أن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يموت في ذاك اليوم حتى يدبرنا، قال: فلما تيقنت الخبر، أتانا رجلان صالحان من الأنصار، وقد علما أن الرسول عليه الصلاة والسلام توفي، فقالا لنا - (الأنصاريان) قالا لـ أبي بكر ولـ عمر ولـ أبي عبيدة -: أدركوا الأنصار فقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعده، يريدون أن يؤمروا أميراً منهم بالخلافة، وهو سعد بن عبادة، فقلت لـ أبي بكر: اذهب بنا، قال أبو بكر: لا تدخل بنا عليهم، قال عمر: والله لندخلن عليهم وما عسى أن يصنعوا، قال: فدخلنا عليهم جميعاً فلما جلسنا، قال عمر: كنت زورت في صدري كلاماً -أي: خطبة زورها وهيأها وجهزها في صدره- قال: وكنت أرى بعض الحدة -بعض الغضب- في أبي بكر وخشيت منه، وأوقره لمكانته في الإسلام، فأردت أن أتكلم فقال: اسكت، قال: ثم اندفع يتكلم على البديهة، والله ماترك كلمة كنت زورتها في صدري إلا أتى بأحسن منها. قال الشافعي بسنده: حدثنا الثقة عن الشعبي أنه قال: لما اجتمع أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه بالأنصار، اندفع خطيباً فأثنى على الله عز وجل وحمده وصلى على الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: أمَّا بَعْد: فأنتم أحسنتم وكفيتم وآويتم ونصرتم، فجزاكم الله عن الإسلام خير الجزاء، والله يا معشر الأنصار! ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال طفيل الغنوي: جزى الله عنا جعفراً حيث أشرفت بنا نعلنا في الشارفين فزلتِ هم خلطونا بالنفوس وألجئوا إلى غرفات أدفأت وأظلتِ أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي الذي يلقون منا لملتِ ثم قال: يا عمر! ابسط يدك لأبايعك، قلت: والله لا أبايع بالخلافة في قوم أنت منهم، ولأن أقدم فيضرب رأسي في غير محرم أحب إليَّ من أن أتقدم بقوم فيهم أبو بكر، فقال: يا أبا عبيدة! ابسط يدك أبايعك بالخلافة، قال: لا والله، قلنا: ابسط يدك يا أبا بكر! فبسطها فبايعناه فأخذ الأنصار يبايعون معنا، وسعد بن عبادة مريض مزمل في ثبابه، وهو من ساداتهم. فيقول قائلهم وهو الحباب بن المنذر: أتيتكم برأي، قلنا: وما هو؟ قال: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير، فرفضنا هذا الرأي وبايع الأنصار أبا بكر، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة وهو في ثيابه، قال عمر: قتله الله! فلما بايعوا أبا بكر، عاد إلى المسجد، فتكلم عمر قبله، وأثنى على أبا بكر، قال أنس: فرأيت عمر يجذب بكم أبي بكر ويزعجه إزعاجاً إلى أن قام وبايع الناس وهو يبكي ويده ترتعد رضي الله عنه وأرضاه من هول الموقف، وعمر يأخذ بيد أبي بكر وهو يبايع الناس، قال ابن عباس: ثم عاد عمر إلى حديثه في الخطبة قال: وإني رأيت البارحة فيما يرى النائم أن ديكاً ينقرني ثلاث نقرات، فسألت أسماء بنت عميس الخثعمية، فأخبرتني أنني سوف أقتل، فالله المستعان، وسوف أطعن ثم غلبه البكاء، فغلب الناس البكاء، فما هي إلا ليلة فقتل رضي الله عنه وأرضاه في المسجد في صلاة الفجر، فرزقه الله الشهادة وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بلده، ورفعت روحه إلى الحي القيوم: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30].

فوائد من خطبة عمر بن الخطاب

فوائد من خطبة عمر بن الخطاب

أخذ العلم عن الصغير

أخذ العلم عن الصغير الفائدة الأولى: في هذا الحديث هي: أخذ العلم عن أهله وإن صغروا في السن. هذا استنباط من ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، لأن ابن عباس رضي الله عنهما علم عبد الرحمن بن عوف القرآن، وعبد الرحمن بن عوف خير منه، وهو من العشرة المبشرين بالجنة، فكان ابن عوف يتعلم القرآن على يد ابن عباس، وكم كان عمر ابن عباس آنذاك؟ كان دون الثلاثين، وكان يدخل مع أهل الشورى على عمر، ولا يدخل إلا من له سابقة في أهل الإسلام، إما من المبشرين بالجنة، أو من أهل بدر، أو من الذين لهم قدم صدق عند الله عز وجل، حتى الفتح من الشيوخ الكبار، ما كانوا يدخلون أبداً مع عمر، ولذلك قال بعض الصحابة: كيف يدخل عمر الغلام ولنا أبناء مثله، قال ابن عباس: فدعاني عمر فعلمت أنه ما دعاني إلا ليعلمهم (فهمي) في القرآن، فقال للأنصار والمهاجرين وهم مجتمعون: ما تقولون في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3]. فأجاب كل بما يصلح ولم يصيبوا. فقال: يـ ابن عباس! ما تقول فيها؟ قلت: أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي له، فقال عمر: والله ما أعلم منها إلا ما تعلم أنت، فرضي الصحابة بمجلس ابن عباس. وكان عبد الرحمن بن عوف من السادات في الإسلام، بل صلى إماماً بالرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث المغيرة الصحيح، قال: {خرجنا في غزاة -أي: غزوة- قال: فقمنا لصلاة الفجر، فذهب صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فتأخر علينا فأقمنا للصلاة، فقال الناس لـ أبي بكر: تقدم فأبى، فقال الناس لـ عمر: تقدم فأبى، فقالوا لـ ابن عوف: تقدم، فتقدم فصلى بهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلوا ركعة، وبقيت ركعة فأكملها، فلما سلموا استحيوا كثيراً وخجلوا من هذا الموقف، أن كان رسول البشرية صلى الله عليه وسلم مأموماً وهم قد قدموا إماماً، فالتفت إليهم بعد أن سلم صلى الله عليه وسلم، وقال وهو يتبسم: {أصبتم وأحسنتم}. دل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم رضي بإمامة عبد الرحمن بن عوف وعبد الرحمن على جلالته في الإسلام، قدم ابن عباس وتعلم منه وتواضع له، وعمر ابن عوف آنذاك أكثر من خمسين سنة، وعمر ابن عباس ثمانية وعشرون سنة. ولذلك يقول ابن القيم في بدائع الفوائد: يا أيها المسلم! لا تأنف من طلب العلم ولا من أخذ الحكمة والفائدة عن أي أحد كان، فإن سليمان بن داود عليه السلام ما تكبر ولا استنكف على الهدهد حين أتى من أرض اليمن، فقال له سليمان: ماذا أخرك؟ قال: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} [النمل:22] ثم سرد عليه القصة، وبدأ ينكر في مجلس سليمان على أهل الشرك شركهم، ويقول: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل:23 - 25]. فارتاح سليمان عليه السلام لهذا الكلام وتواضع له، وما أنكر عليه، وعلم أن هذا الهدهد موحد، وأن تلك المرأة مشركة بالله الحي والقيوم. ثم ذكر ابن القيم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قرأ القرآن على أبي بن كعب وأبي بن كعب سيد القراء إلى يوم القيامة، سنده موصول برب العالمين أخذ القرآن عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن عن جبريل، وأخذه جبريل عليه السلام عن رب العالمين تبارك وتعالى. ولذلك في صحيح البخاري {لما أنزل الله عز وجل قوله {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:1] قال جبريل: إن الله يأمرك أن تقرأ هذه السورة على أبي بن كعب، فذهب عليه الصلاة والسلام إلى أبي المنذر -وهو خزرجي من زعماء الأنصار- فقال: يا أبا المنذر! قال: لبيك وسعديك يا رسول الله! قال: إن الله أمرني أن أقرأ عليك هذه السورة، قال: أو سماني في السماء ربي؟ قال: إي والله، فبكى أبي رضي الله عنه وأرضاه وقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السورة}. وفي صحيح مسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا أبا المنذر! -يعني: أبياً - أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]. فضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر!}. وهذا من جلالته في الإسلام. إذاً نستفيد من هذا الحديث: تواضع المسلم لأخيه إذا كان يلقي عليه فائدة، أو يتلقى منه حكمة، ولو كان أصغر منه سناً وأقل قدراً فإنه كما قال علي رضي الله عنه وأرضاه: [[الحكمة ضالة المؤمن]] وبعض أهل العلم يرفع هذا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يصح. وكذلك كان موسى عليه السلام متواضعاً كما ورد في سيرته وترجمته ويكفي أن الله قص سيرته في القرآن، ويقول عن نفسه عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:24]. ولذلك ذكروا أنه كان من أكثر الناس تواضعاً عليه السلام، حتى كان ابن عباس إذا قرأ في سورة القصص بكى وقال: رحم الله موسى، أتى أرض مدين في إزار من صوف ورداء من صوف، حتى اخضرت بطنه، من الخضار الذي ما وجد سواه أكلاً، ثم قال تحت الشجرة بعد أن سقى للجاريتين: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:24]. وفي صحيح البخاري عندما قال رجل من بني إسرائيل: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال: لا، فأراد الله أن يخبره أن فوق كل ذي علم عليم، فأوحى الله إليه: بلى عبدنا الخضر أعلم منك -يقال: بأسرار أطلعه الله عليها- فقال موسى: لأرحلن إليه. وهذه هي الرحلة في طلب الحديث وطلب العلم، وقد عقد البخاري باب: الرحلة في طلب العلم ثم أتى بهذا الحديث، فأعطى الله موسى عليه السلام علامة، وهو المكتل أن يأخذ فيه حوتاً وكان غلامه يوشع بن نون معه، فإذا فقد الحوت فليعلم أن الخضر هناك، قال تعالى: {قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [الكهف:62] فأخبره أنه فقده. {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً} [الكهف:64] فوجد الخضر وهو جالس على ساحل البحر فسلم عليه. فتعلم منه موسى، وتواضع له، وموسى أفضل منه، وأعلم بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى منه، عند أهل السنة والجماعة.

العلم لا يودع عند غير أهله

العلم لا يودع عند غير أهله والفائدة الثانية: التنبيه على أن العلم لا يودع عند غير أهله، بل يعلم به أهله، لأن عمر رضي الله عنه وأرضاه أراد أن يتكلم في الحجاج، والحجاج فيهم الأعراب، وفيهم الرعاع وفيهم الذين لا يفقهون شيئاً، وفيهم المنافقون، فأرشده عبد الرحمن بن عوف وقال: هؤلاء يطيرون بكلامك كل مكان، ولكن إذا عدت إلى دار الهجرة في المدينة فتكلم إليهم فإنهم أعقل وأفهم، فمن هذا يؤخذ أنه لا يتكلم بالعلم إلا عند من يستحق، وإذا أعرض عنك الناس ولم يريدوا، فلا تقلدهم علمك ولا تذل نفسك. ولذلك في مستدرك الحاكم بسند فيه كلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الشوكاني في أدب الطلب ومنتهى الأرب: {إن الذي يلقن الحكمة غير مستحقها، كالذي يقلد الدر الخنازير}.

التحدث بما يعقله السامعون

التحدث بما يعقله السامعون الفائدة الثالثة: لا يحدث إلا بما يعقل، أما ما لا يعقله الناس فلا يُحدث به. ولذلك يقول علي رضي الله عنه وأرضاه: [[حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله]] فإذا أتى الإنسان يحدث الناس بأمور لا تدركها عقولهم كانت عليهم فتنة، قال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [[ما أنت بمحدثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم، إلا كان لأكثرهم فتنة]] ولذلك أمرنا أن نحدث الناس بما يعرفون وما يفقهون، وأما من يأتي بالخزعبلات، والأحاديث الواهية والموضوعات، ثم يحدث بها الناس فإنها تكون عليهم فتنة. وورد أن كثيراً من الوعاظ استخدموا هذا الأسلوب. وذكر أهل مصطلح الحديث، كـ الذهبي في سير أعلام النبلاء، أن أحمد بن حنبل رحمه الله رحمة واسعة ويحيى بن معين رحمه الله -العالمان الكبيران المحدثان- ذهبا إلى مسجد في الرصافة يصليان المغرب أحمد بن حنبل إمام السنة، ويحيى بن معين جهبذ الحديث، وناقد الرجال، فصليا المغرب وصلى الناس، فقام واعظ بعد صلاة المغرب، والواعظ هذا لم يعرف الإمام أحمد ولا يحيى بن معين يسمع بهم في الدنيا، ولكن ما عرفهم، فقام الواعظ فقال: حدثنا أحمد بن حنبل وحدثنا يحيى بن معين -وهذا من كيسه فهما لم يحدثاه- قالا: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من قال: لا إله إلا الله خلق الله له طائراً، أما جناحه فمن زبرجد، وأما رأسه فمن ياقوتة حمراء، له بكل شعرة قصر في الجنة} ثم سرد حديثاً طويلاً، فلما انتهى قال الإمام أحمد: تعال، فأقبل وهو لا يعرف الإمام أحمد، فقال الإمام أحمد: أنا أحمد بن حنبل وهذا يحيى بن معين فمن حدثك بهذا الحديث؟ قال: يا سبحان الله! ليس في الدنيا أحمد بن حنبل إلا أنت، ولا في الدنيا يحيى بن معين إلا هذا، والله لقد رويت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل وسبعة عشر يحيى بن معين، فضحك الإمام أحمد، وهذا الحديث لا تقره العقول، وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام تقبله القلوب ولا تنكره، وأما الأحاديث الموضوعة فإن قلبك يقول: هذا ليس بحديث. وأحد هم حبس الناس بعد صلاة العصر في كتاب في الرقائق، قال: يقول عليه الصلاة والسلام: {من قال سبحان الله غرس الله له سبعين شجرة، ومعها سبعون قصراً في كل قصر سبعون حورية، على كل حورية سبعون وصيفة، على كل وصيفة سبعون لؤلؤة} ثم أخذ يعدد في السبعين، فلما طول على الناس وانتهى، قال: هذا حديث موضوع، فقال الناس: حبستنا على حديث موضوع حبسك الله! المقصود: أن الأحاديث الموضوعة مما تنكرها القلوب ولا تقبلها، فإنها فتنة لكل مفتون، ولا يجوز روايتها إلا أن تذكر أنها موضوعة، فلا يجوز أن تروى على الناس، لا في الرقائق، ولا في الأحكام، ولا في السير، ولا في الفتن، ولا في الملاحم. وشهد التاريخ أن الوضاعين هؤلاء ابتلي بهم العالم الإسلامي، وقد ألف ابن الجوزي فيهم كتاباً كبيراً اسمه الموضوعات، وألف الشوكاني كذلك والملَّا علي القاري وغيرهم من أهل العلم، وذكروا أن أسباب الوضع أمور: منها: أن يكون أحدهم يريد أن يتصدر الناس برياء وسمعة فلا يجد حديثاً فيضع من رأسه ومن كيسه وينفق. ومنها: أن تكون في يده سلعة لا تباع إلا بحديث، فبعضهم كان يبيع الباذنجان -كما ذكر عنه السباعي في كتاب السنة ومكانتها في التشريع - فما وجد مشترياً له، فقال: يقول صلى الله عليه وسلم: {من أكل الباذنجان لم تصبه عاهة قط} وهو حديث مكذوب. ومنها: قوم يتزلفون إلى السلاطين فيضعون لهم الأحاديث. كما دخل رجل على المهدي الخليفة العباسي ابن أبي جعفر المنصور، فوجده يسابق بين الحمام -انظر إلى المهمة وإلى حفظ الوقت- يسابق بين الحمام من قصر إلى قصر، فلما رأى المهدي هذا العالم الواعظ، خجل منه واستحيا، فقال الواعظ: ما عليك، يقول صلى الله عليه وسلم: {لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر أو جناح} والجناح زادها وإلا فالحديث: {لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر} أما الجناح فليس في الحديث، فزاد هو الجناح حتى يبرر لهذا الرجل موقفه عندما رآه يسابق بين الحمام، فقال المهدي: "أشهد أن قفاه قفا كذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر بذبح الحمام".

حفظ القرآن من الزيادة

حفظ القرآن من الزيادة والفائدة الرابعة: فيه المحافظة على المصحف ألا يزاد فيه؛ لأن عمر يقول: [[والله لولا أن يقول الناس: إن عمر زاد في المصحف لكتبتها بيدي]] فالصحابة ما كانوا يكتبون غير القرآن في المصحف، فكانوا يحافظون عليه، وكانوا يشغلون أوقاتهم به، وقد قال عمر رضي الله عنه وأرضاه لرجل من الولاة: [[إنك سوف تأتي أهل الكوفة، وسوف تدخل عليهم في المسجد، وتسمع لهم دوياً كدوي النحل بالقرآن؛ فلا تشغلنهم بقصصك وحديثك]] أي: اتركهم يقرءون القرآن، هذا إذا كانت الأمة تقبل وتقرأ القرآن، وتدوي به كما يدوي النحل بصوته، أما إذا كان الناس لا يقرءون القرآن، ولا يسمعون القصص ولا الأخبار، فلا نقول للناس: سوف نشغل أوقاتهم، بل يقص الإنسان، لأن الوسائل تغيرت، والأساليب استجدت، فللإنسان أن يقص. ودخل عمر رضي الله عنه وأرضاه وإذا برجل في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام يقص على الناس، قال: [[من هذا؟ قالوا: قاص يقص، قال: سبحان الله! ماذا يقص؟ قالوا: يقص علينا من أخبار الأولين، فشق عمر رضي الله عنه وأرضاه الصفوف والدرة بيده ثم ضرب هذا الواعظ، وقال: يقول الله عز وجل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3]]] ففيه أن المصحف لا يزاد عليه، أي: أنه محفوظ، ولذلك قال عز من قائل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. والذين قالوا بنقص القرآن هم الرافضة، وألف الطبرسي أحد علمائهم الضلال، كتاباً يسمى: فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب، ويدعون أنه إجماع عند الإثني عشرية أن القرآن قد نقص، وأن سورة الولاية محذوفة منه، وأن الصحابة رضي الله عنهم قد حرفوا وعدلوا في القرآن، وأنهم حذفوا اسم علي من المصحف، واسم فاطمة واسم عائشة، وقد كذبوا على الله عز وجل وافتروا عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، بل ما زيد فيه حرف ولا نقص منه.

الحث على المشورة

الحث على المشورة الفائدة الخامسة: هي الحث على المشورة وقبولها من أهل العلم، والفهم والخبرة، فإنه (ما خاب من استخار الله عز وجل وما ندم من استشار المخلوقين) وكان أكثر الناس استشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في كبير الأمور وصغيرها، وفي دقيقها وجليلها، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] فإذا أراد الإنسان أن تقبل عليه الأمة وترضى به القلوب فليشاور أهل الخبرة وأهل الخير والصلاح، فإنهم لا يشيرون عليه إلا بالخير والصلاح إن شاء الله، ومن أمانة المؤمن لأخيه أنه إذا استنصحه أن ينصح له، وألا ينصحه إلا بما فيه الخير، وقال عز من قائل: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38] استشار عليه الصلاة والسلام الناس يوم بدر كما تعرفون، وعدل عن رأيه صلى الله عليه وسلم، وهو صاحبنا في هذه الليلة وسوف يمر معنا لأنه هو الذي يقول: [[أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب]] وهو الذي يقول: [[منا أمير ومنكم أمير]] وهو من سادات الأنصار، قال الحباب: {يا رسول الله! هذا المنزل منزل أنزلك الله إياه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله! هذا ليس برأي، اجعل الماء وراء ظهرك كله، فنشرب ولا يشربون} فدعا له صلى الله عليه وسلم بالخير، فنزل في ذاك المنزل. واستشار عليه الصلاة والسلام أقاربه لما اتهمت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، الطاهرة بنت الطاهر المبرأة من فوق سبع سموات لما اتهمت في عرضها، استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، واستشار الجارية، فأما الجارية فقالت: والله ما علمت إلا خيراً، كانت تغفل عن الداجن فتأكل العجين، يعني من غفلة عائشة ومن نقاوة قلبها، وطهارتها تغفل حتى عن عجينها، واستشار أسامة فقال: [[ما علمت إلا خيراً أحمي سمعي وبصري]] واستشار علي بن أبي طالب -وكان من عصابته ومن لحمته- فقال: النساء غيرها كثير. قد قيل ما قيل إن صدقاً وإن كذباً فما اعتذارك من قول إذا قيلا فبقي هذا الكلام في نفس عائشة إلى بعد حين، وينزع الله ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين، وكان يستشير صلى الله عليه وسلم حتى تقول عائشة: [[ما رأيت رجلاً سهلاً كرسول الله صلى الله عليه وسلم]].

جواز الحلف بغير استحلاف

جواز الحلف بغير استحلاف الفائدة السادسة: جواز الحلف بغير استحلاف، وقد مر معنا في مناسبة؛ لأن عمر قال: [[والله لأقومن إذا رجعت إلى المدينة]] وهو لم يستحلف رضي الله عنه وأرضاه. والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول: {إي والذي نفسي بيده} وهو لم يستحلف، والله أمره في القرآن حيث يقول: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:7] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس:53] فهذا دليل جواز الحلف بلا استحلاف، ليطمئن المحلوف له، ومن حلف له بالله فلم يرض فلا أرضاه الله، ومن لم يكتف بكفاية الله فلا كفاه الله ولا شفاه، والمسلم إذا حلف له صَدَّق، وإذا حلف هو صُدِّق، وهذه شيم أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، يقول علي رضي الله عنه وأرضاه، وهذا الحديث في مسند أحمد وفي سنن أبي داود وعند الترمذي بسند صحيح قال: كان الرجل من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام إذا قال لي قولاً، استحلفته، فإن حلف صدقته، فنفعني الله عز وجل بالحديث منه صلى الله عليه وسلم ما شاء، وإنه حدثني أبو بكر الصديق وصدق أبو بكر -يعني: ما استحلف أبا بكر - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {والذي نفسي بيده ما من عبد يذنب ذنباً فيتوضأ ويصلي ركعتين ثم يستغفر الله عز وجل إلا غفر الله له ذاك الذنب، ثم تلا صلى الله عليه وسلم قوله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136]}.

وقت حضور الجمعة عند بعض السلف

وقت حضور الجمعة عند بعض السلف الفائدة السابعة: أن كثيراً من السلف كانوا يذهبون إلى الجمعة إذا زاغت الشمس، وهذا كلام ابن عباس يقول: لما زاغت الشمس ذهبت للصلاة، وهذا رأي الإمام مالك بن أنس قال: [[أدركت أهل المدينة وهم لا يذهبون إلى صلاة الجمعة إلا بعد أن تزوغ الشمس]] أي: قبل الظهر بقليل، وهذا رأي. لكن الأفضل والأولى بحق المسلم أن يذهب، وأن يبادر الأجر للحديث المتفق عليه: {من ذهب في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة} قالوا: تبدأ الساعة الأولى من بعد طلوع الشمس وارتفاعها، على خلاف ليس هذا مجال بسطه وقد سبق.

جواز الكلام للمأمومين قبل خطبة الجمعة

جواز الكلام للمأمومين قبل خطبة الجمعة الفائدة الثامنة: جواز التحدث للمأمومين قبل دخول الإمام، فإن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه كلم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قبل دخول عمر، فيجوز لك أن تتحدث مع إخوانك المسلمين في فوائد ومنافع قبل دخول الخطيب وقبل دخول الإمام، وليس هناك شيء يحرم، ولا يوجد مانع. يقول عقبة بن عامر الجهني: كان لي إبل أرعاها وأروحها وقت الليل، وكنت أتناوب أنا وشباب من جهينة -جهينة: قبيلة من قبائل العرب تسكن على البحر الأحمر - لما سمعت الأعراب بدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام تركوا منازلهم وأتوا؛ لأن الله ذم الأعراب في كتابه وقال: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة:97] وفي كتاب الأدب المفرد للبخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ ثوبان: {يا ثوبان! لا تسكن الكفور، فإن ساكن الكفور كساكن القبور} قال الإمام أحمد: "ساكنو الكفور هم أهل البادية، فليس عندهم ما يفقهون به هذا الدين". فلما سمع عقبة بن عامر الجهني قال: فأتيت بإبلي فنزلت قريباً المدينة؛ لأتعلم منه صلى الله عليه وسلم، فكنت أرعى الإبل أنا وشباب معي، فأتيت في نوبتي وقد ابهار الليل، والرسول عليه الصلاة والسلام يحدث الناس في مسجده، فدخلت فجلست بجانب عمر بن الخطاب، قال: فسمعت الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقول: {ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلاً عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة} قال: قلت: ما أحسن هذه! قال عمر رضي عنه: التي قبلها أحسن منها، فلما انتهى الحديث قلت: يا أبا حفص! ما التي قبلها؟ قال: أما سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام؟ قلت: لا، قال: أين كنت؟ قلت: ما أتيت إلا متأخراً، قال: يقول لنا صلى الله عليه وسلم: {ما منكم من أحدٍ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء} وفي الترمذي: {اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين} وهي زيادة على رواية مسلم. فكانوا يتحدثون عن أخباره صلى الله عليه وسلم إذا خطب، وربما تحدثوا وهو جالس، وهذا في غير خطبة الجمعة، أما خطبة الجمعة فإذا دخل انتهى الكلام، لكن يجوز للإمام كما سبق أن يتكلم مع المأموم، ويجوز للمأموم أن يتكلم مع الإمام، أما المأموم مع المأموم فحرام، ومن فعل ذلك فقد لغت جمعته، وبطلت. ولذلك يقول أبو ذر: {كنت في مسجده صلى الله عليه وسلم فقام فينا خطيباً قال: سوف يقدم عليكم رجل من أهل اليمن عليه مسحة ملك، قال: فانتظرنا فقدم علينا جرير ين عبد الله البجلي}.

جواز التكلم في خطبة الجمعة بالشئون العامة

جواز التكلم في خطبة الجمعة بالشئون العامة الفائدة التاسعة: جواز التكلم في خطبة الجمعة بالشئون العامة، وأن خطبة الجمعة ليس لها مراسيم تحددها، وأن هناك قضايا اجتماعية ينبغي على الخطيب أن يطرقها يوم الجمعة، ويتحدث للناس بها، وأنه لا شائبة عليه ولا لائمة، فالرسول عليه الصلاة والسلام تحدث للناس في خطبة الجمعة بشئونهم، وتحدث أبو بكر وعمر في هذه الخطبة عن الخلافة، وهو شأن عام وقضية اجتماعية، فتحدث عنها، فيجوز أن يتحدث الخطيب، بل هو الذي ينبغي، وأن يطرق الخطب التي تناسب العصر، وألا يتقيد بخطبة سلفت، فـ عمر تحدث في موضوع جديد، طارئ على الأمة، فللمسلم أن يتحدث بقضايا العامة، وكان صلى الله عليه وسلم ربما يتحدث في بعض القضايا حتى الأسرية التي بينه وبين أهله وأرحامه. ففي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم وقف على المنبر وقال: {يا أيها الناس! ابن أبي طالب -يعني: علياً - قد تزوج بنتي وإن فاطمة بضعة مني، يرضيها ما يرضيني، ويريبها ما يريبني، وإني سمعت أنه يريد الزواج من بنت أبي جهل} يعني أخت عكرمة، وهي مسلمة وأبوها كافر {تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [آل عمران:27]. {وإن فاطمة يريبها ما يريبني ويرضيها ما يرضيني، فلا أرضى ثم لا أرضى ثم لا أرضى، والذي نفسي بيده لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله تحت سقف واحد، فإما أن يستبقي ابنتي عنده وإما أن يفارقها ويتزوج بنت أبي جهل، فتأثر الناس كثيراً وترك علي رضي الله عنه الخطبة} ثم لم يتزوج عليها كرامة للرسول عليه الصلاة والسلام، ومن أجل عين تكرم ألف عين، ولم يتزوج عليها حتى بعد وفاتها بستة أشهر وكان يزورها دائماً في المدينة، ويترضى عنها، رضي الله عنها وأكرم مثواها، فهي سيدة نساء العالمين عند الله تبارك وتعالى.

الحث على تبليغ العلم

الحث على تبليغ العلم الفائدة العاشرة: الحث على تبليغ العلم للرعية؛ فإن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: لا أستحل أن يأخذ هذا الكلام آخذٌ دون أن يفقهه، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {بلغوا عني ولو آية؛ فرب مبلغ أوعى من سامع} فالواجب على المسلم أن يبلغ ولو آية أو حديثاً، أو موعظة، أو قصة للناس يعطر المجالس بها. قال ابن القيم في الوابل الصيب في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن عيسى بن مريم: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:31] قال: "المبارك أينما كان هو الذي يسعد به جليسه وأنيسه وأهله"، وذلك لأنه يتحدث فيما يقربهم إلى الله عز وجل، فالمبارك أينما كان هو الذي مجلسه في كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي كلام الله تبارك وتعالى، وفيما يقربه إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والذي ينبغي على المسلم أن يبلغ ولا يستصغر نفسه، ولا يحتقرها، ولذلك قال عمر لـ ابن عباس: [[يا بن أخي! تكلم ولا تحتقر نفسك]] وقال الحسن البصري لأحد الناس الجالسين عنده: [[عظنا بارك الله فيك، فقال الرجل: أومثلي يعظ الناس؟ قال الحسن البصري: ود الشيطان أن يظفر بهذه الكلمة، والله لو ظفر بها لما وعظ أحد من الناس]]. وقال ابن القيم في مدراج السالكين: "إذا أتاك الشيطان وقال لك: لا تتكلم؛ لأنك إذا تكلمت راءيت الناس، وتظاهرت بالرياء والسمعة، فلا تطاوعه واعصه، وتكلم واستعن بالله، وأخلص نيتك ولتنبعث نيتك بالإخلاص وطلب ما عند الله عز وجل، فإن الشيطان يريد أن يسكت كل إنسان فلا يتحدث، ولا يتكلم، ولا يعظ، وهذا هدم للإسلام من أسسه.

جواز نسخ التلاوة وبقاء الحكم

جواز نسخ التلاوة وبقاء الحكم الفائدة الحادية عشرة: جواز نسخ التلاوة وبقاء الحكم في القرآن على صور: منها: أن ينسخ الحكم والتلاوة، وهذا كثير في القرآن الكريم. ومنها: أن ينسخ الحكم وتبقى التلاوة، وهو في القرآن الكريم. ومنها: أن تنسخ التلاوة ويبقى الحكم وهو شاهدنا، فإنه كان في كتاب الله عز وجل، حد الثيب إذا زنى، فنسخ هذا وبقي حكمه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكتاب الله محفوظ حفظه الله من فوق سبع سموات، فلا يمكن أن يتغير أبداً. ولذلك ذكر كما تعرفون في بعض النشرات، أن في يوغندا في كمبالا رجلاً يهودياً زاد حرفاً في كتاب الله عز وجل في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] قال: فإنه يقبل منه، وما أمسى في اليوم الثاني إلا وقد وصل الخبر إلى أندونيسيا (جاكرتا) لأن الله يحفظ كتابه، وأعلن هذا الخبر وطويت تلك المصاحف، ولذلك لو زيد فيه حرف أو كلمة أو شكلة من الشكلات، أو إعجام، لعم الخبر في الناس جميعاً ولأخذوا حيطتهم؛ لأن الله حفظ هذا الكتاب.

رجم المحصن

رجم المحصن الفائدة الثانية عشرة: رجم المحصن، وقد تعرض لها عمر رضي الله عنه وأرضاه -ونسأل الله العافية والستر في الحياة الدنيا والآخرة- وقضاء الله إذا وقع وقع، ولذلك قال عمر: ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا، فإن عمر بيده الكريمة رجم، ورجم قبله من هو أكرم منه عليه الصلاة والسلام كالمرأة الصالحة التي وقع قضاء الله عليها لما ارتكبت تلك الفعلة، رجمها عمر، وقال لما رجم ماعزاً: ليته استتر وفي لفظ أنه قال: {أخزاه الله ليته استتر بستر الله، فقال له صلى الله عليه وسلم: {مهلاً يا عمر! والذي نفسي بيده إني أراه الآن ينغمس في أنهار الجنة} ولما تكلم خالد على المرأة التي رجمت قال صلى الله عليه وسلم: {مهلاً يا خالد! والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم} وفي رواية: {على سبعين من أهل المدينة} وفي رواية: {لو تابها صاحب مكس لتاب الله عليه}.

النهي عن إطراء الرسول صلى الله عليه وسلم

النهي عن إطراء الرسول صلى الله عليه وسلم الفائدة الثالثة عشرة: وفيه النهي عن إطرائه صلى الله عليه وسلم، فلا يرفع عن مرتبته، ولا ينزل عنها، فهو عبد الله ورسوله، ناداه الله بالعبودية، وشرفه بالرسالة، وجعله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في هذه المنزلة، فهو لا يريد فوقها، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد الله ورسوله فقولوا عبد الله ورسوله}. ولذلك في سنن أبي داود: {أن وفد عامر بن صعصعة أتوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقالوا: أنت سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، وعظيمنا وابن عظيمنا، فغضب صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه وقال: يا أيها الناس! قولوا بقولكم أو ببعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان -وفي لفظ: لا يستحرينكم الشيطان}. وفي السنن: {أن أعرابياً أتى إليه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! قحطت الأرض، وجاع العيال، وهلك المال، فادع الله لنا أن يغيثنا، فإنا نستشفع بك إلى الله ونستشفع بالله إليك، فغضب صلى الله عليه وسلم وقال: سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! أتدري ما شأن الله؟ إن شأن الله أعظم من أن يستشفع به على أحد من خلقه}. وجاء رجل فقال للرسول عليه الصلاة والسلام: {ما شاء الله وشئت، فغضب صلى الله عليه وسلم وقال: أجعلتني لله نداً؟! قل: ما شاء الله وحده} فالرسول صلى الله عليه وسلم عبد لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، وهو في قبره لا يملك قضاء طلب للناس، ولا تلبية حاجة، بل هو في قبره حي حياة برزخية، الله أعلم بها، لا يأكل جسمه التراب، لكنه عليه الصلاة والسلام لا يرفع حاجات، ولا يلبي مطالب في قبره عليه الصلاة والسلام، فإنما الوسيلة إلى الله الحي القيوم، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو واسطة في التبليغ لا واسطة في رفع الحاجات، لأن من جعل بينه وبين الله أناساً في رفع الحوائج فقد أشرك مع الله، خاصة الأموات، فإن المشركين يقولون: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، فالله عز وجل لامهم، وعدهم من المشركين، بل هذا الفعل من أعظم الإشراك.

فضل أبي بكر

فضل أبي بكر الفائدة الرابعة عشرة: وفي الحديث أفضلية أبي بكر الصديق وأنه خيرة الصحابة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنه شيخ المسلمين والمجاهد بنفسه والصادق، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم لما سمع بعض الكلام عن أبي بكر: {ما أنتم بتاركي لي صاحبي؟! قال الناس: كذبت، وقال لي أبو بكر: صدقت، واساني بأهله ونفسه وماله، ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا حسان! -شاعر الإسلام-: أما قلت شيئاً في أبي بكر؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: ماذا قلت؟ قال: قلت: إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا التالي الثاني المحمود شيمته وأول الخلق طراً صدق الرسلا } قال ابن تيمية في المجلد الرابع من فتاويه: " أبو بكر أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصدقهم وأخلصهم وهو من الذين لهم قدم صدق عند الله عز وجل ". وورد حديث فيه ضعف عند ابن ماجة: {إن الحي القيوم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سوف يصافح أبا بكر في الجنة} أورد هذا الحديث ابن القيم في المنظومة، وتعرض لسنده ونحن نقوله من باب الإيراد لأنه في سنن ابن ماجة، وفي سنده كلام، وإن ثبت هذا، فهذا أمر يليق به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بدون كيف، ولكن نلحقه بالأسماء والصفات التي لا ندري بها، ونثبتها كما أثبتها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لنفسه، وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم له.

لم يوص النبي صلى الله عليه وسلم بالخلافة لأحد

لم يوص النبي صلى الله عليه وسلم بالخلافة لأحد الفائدة الخامسة عشرة: وفيه أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يوص بالخلافة، خلافاً لمن زعم من الرافضة أنه أوصى بها لـ علي بن أبي طالب، وقد كذبوا على الله، فما أوصى بها أحداً من الناس، لكنه لمح ولم يصرح، وأشار إلى أبي بكر فولاه أمر الصلاة وجعله إماماً بعده، وفي مرض موته، فكأنه يشير إليه، أما أنه نص عليه نصاً، أو كتب له كتاباً أو أوصى وصية، فهذا لم يحدث أبداً، ولم يقع، والرسول عليه الصلاة والسلام لم ينص على إنسان بعينه ولم يستخلف عليه الصلاة والسلام، وإنما ترك الأمر للناس، ولكنه أشار بأفضلية أبي بكر قبل موته صلى الله عليه وسلم بثلاث ليال وقال: {لو كنت متخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر، ولكن صاحبكم خليل الرحمن سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر} فكأنه يشير إليه عليه الصلاة والسلام. فلم يوص بالخلافة لـ علي، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: [[لقي العباس علي بن أبي طالب في مرض موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان العباس رجلاً داهية من دواهي الرجال، فقال: يا علي! قال: نعم، قال: اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا أين هذا الأمر بعد وفاته، فإن كان لنا عرفنا ذلك، وإن لم يعطنا الخلافة، فليوص بنا خيراً من يتولى الخلافة، فقال علي وكان رشيداً وناصحاً صادقاً: والله لا أكلم الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الأمر، والله إن منعنا الخلافة لا يعطينا الناس]] فبقوا على هذا الحال حتى توفي عليه الصلاة والسلام، فتولى أبو بكر وكان سديداً، مدحه عمر وعثمان وعلي وجل الصحابة، وما زال لسان المدح له ولسان صدق في الآخرين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

تهيئة الخطب قبل الكلام

تهيئة الخطب قبل الكلام الفائدة السادسة عشرة: تهيئة الخطب قبل الكلام، فإن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: [[زورت كلاماً في صدري]] قبل أن يتكلم به في سقيفة بني ساعدة، فلما أتت أراد أن يتكلم، فما تركه أبو بكر يتكلم، بل تكلم أبو بكر فأتى على البديهة وعلى السرعة والعجلة أحسن من كلام عمر، فالمسلم إذا أراد أن يتحدث في مجمع أو يوصي بوصية، فعليه أن يحبرها في صدره قبل أن يتكلم بها، وأن يتهيأ بها، وهذا من أدب الدعوة والخطابة.

فضل الأنصار

فضل الأنصار الفائدة السابعة عشرة: فضل الأنصار وما لهم من سبق وأن الله قد رضي عنهم من فوق سبع سموات، وفي صحيح البخاري عن أنس قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار، الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق} فمن أحب الأنصار أحبه الله عز وجل ومن أبغضهم أبغضه الله. ولذلك تعرض بعض الناس لبغضهم فمحقه الله عز وجل؛ لأنهم أنصار دعوة المصطفى عليه الصلاة والسلام وهم أهل الدار، وأهل الإيمان. ومن فوائد الحديث: أن الرافضة والمعتزلة يردون هذا الحديث، وينكرون الرجم وقالوا: ليس في كتاب الله إذن فليس من السنة، فيرد عليهم بهذا الحديث الذي تنوقل حتى أصبح قريباً من درجة التواتر بين أهل العلم، وأن هذا ثابت.

حدة أبي بكر رضي الله عنه

حدة أبي بكر رضي الله عنه القائدة الثامنة عشرة: حدة أبي بكر رضي الله عنه، وأنها لا تنقص من مقامه لكثرة محاسنه عند الله عز وجل فهو صادق ومخلص، ولكنه رجل فيه حدة، يقول عمر: [[كان فيه بعض الحدة]] أي: سرعة غضب، وأبو بكر لما تولى الخلافة قال على المنبر: [[يا أيها الناس! إن لي شيطاناً يعتريني -أي: يأتيني من الغضب- فالله الله، لا أمسن أبشاركم وأشعاركم]] يعني: لا تحوجوني إلى الغضب فأضرب فيكم، وفي كنز العمال أن عمر رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولى أبو بكر دخلت معه في حظيرة فيها إبل الصدقة، فقال أبو بكر للناس: يا أيها الناس! لا يدخل معي ومع عمر أحد منكم، قال: فدخلنا فلما دخلنا إذا بأعرابي دخل، قال أبو بكر: أما قلت لكم لا تدخلوا، ثم أخذ أبو بكر خطام الناقة، وضرب به الأعرابي، فلما ضربه به عاد: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201] فقال: أستغفر الله تعالى خذ الخطام واقتد مني واقتص -أي: اضربني كما ضربتك- قال: عمر والله لا يفعل، قال: ولم؟ قال: لا تجعلها سنة للناس بعدك كلما أدبنا الناس، قالوا: نقتص منكم، ولكن أعطه ناقة من هذه، فأعطاه ناقة ودعا لـ عمر، ولذلك قال الأعراب لـ عمر: أنت الخليفة أو أبو بكر؟ قال: أنا هو، غير أنه إياي -يعني: أنا وإياه شيء واحد. أتى عيينة بن حصن سيد فزارة من غطفان بعد أن توفي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر هو والأقرع بن حابس فقالا: يا خليفة رسول الله! إن عندنا أرضاً سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة، فإن رأيت أن تقطعناها لعلنا نحرثها أو نزرعها، لعل الله أن ينفع بها بعد اليوم، فقال أبو بكر عمر وليس في القوم، فانطلقا إلى عمر يشهدانه فوجداه يهنأ بعيراً له -أي: يطليه بالقطران- فقالا: إن أبا بكر أبو بكر؟ قال: أنا هو غير أنه إياي. ولذلك هذا شاهد في النحو، يعني: تقديم ضمير الغيبة والضمير المتصل على المنفصل، استشهد به ابن مالك. وفي صحيح البخاري، من باب: حدة أبي بكر التي ظهرت منه، قال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: كان الناس يستضيفون ضيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قوم المدينة فأخذ كل منا ضيفاً معه -الضيف: أي الجماعة- فأخذ أبو بكر جماعة معه فذهب بهم إلى بيته، فقال لضيوفه: معكم ابني عبد الرحمن، يعشيكم هذه الليلة وأنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فترك الضيوف مع ابنه عبد الرحمن -وابنه من خيرة الناس- وقال: عشهم، وذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يتعشى؛ لأنه كان يسمر معه، فلما قدم لهم عبد الرحمن العشاء قالوا: والله لا نتعشى حتى يأتي أبو بكر، فقال لهم عبد الرحمن: سوف يتأخر عليكم وقد أمرني أن أقدم لكم هذا العشاء، قالوا: لا. فانتظروا فمضى ليلٌ وأتى ليلٌ وبرد العشاء، فأتى أبو بكر آخر الليل وكان يوتر، ثم دخل البيت، فقال لـ عبد الرحمن: أعشيتهم؟ قال عبد الرحمن: فقمت فاختبأت لأني أعلم أن أبي سوف يغضب، قال: فجدع وسب -وهذه رواية البخاري - ثم قال لضيوفه: كلوا، فلما أكلوا كانت هذه من كرامات الأولياء له قال ابن تيمية في الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: "إن من كرامة أبي بكر أنه ضوعف وبورك له الطعام كما بورك للرسول عليه الصلاة والسلام فأكلوا وقد جاعوا لأن الليل طال عليهم، ليس من مصلحتك أن تؤخر العشاء إذا أتاك ضيف، بل من المصلحة أن تبادر بالعشاء حتى لا يبقى له وقت لأن يجوع، ثم تقدمه له حاراً، فقدم لهم رضي الله عنه، فأكلوا ثم رفعوا الصحفة فإذا هي مثل ما كانت، ما نقص منها شيء، فقام بالصحفة إلى زوجته، قال: -كما في البخاري - يا أخت بني فراس! والذي نفسي بيده إن الصحفة مثلما وضعناها، فأكل هو وزوجته، ثم حمل الصحفة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فأخبره، فدعا لهم بالبركة، وقد بارك الله طعامهم. وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع أبو بكر إن كان فيه حدة ففيه الصدق والأمانة، والكرم والإخلاص، ولا تجد منقبة في الإسلام إلا وهي في أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

تواضع أبي بكر

تواضع أبي بكر الفائدة التاسعة عشرة: تواضع أبي بكر لـ عمر وأبي عبيدة، وإن من أسمى سماتهم التواضع لبعضهم، فإن أبا بكر يعرف أنه أول مسلم من الرجال، ويعرف أنه ذو سابقة، ولكن قال لـ عمر: [[يا عمر! ابسط يدك لأبايعك]] وهل تظنون أن عمر لو بسط يده سوف يقول أبو بكر: لا، أردت فقط أن أختبرك، لا والله، ليبايعنه وليجلسن معه وليذهبن، وليجعلنه خليفة، لأن الله عز وجل جعلهم هكذا خير أمة أخرجت للناس، ولذلك ولَّى الرسول عليه الصلاة والسلام على أبي بكر وعمر عمرو بن العاص وهما خير منه، وولى عليهم بعض الولاة، ورضوا به رضوان الله عليهم. وفي الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما حضرته سكرات الموت قال: {أنفذوا جيش أسامة} وأسامة بن زيد كان عمره يوم أنفذه صلى الله عليه وسلم سبع عشرة سنة، وكان مولى من الموالي، وكان في جيشه عمر بن الخطاب وعثمان وعلي فلما توفي عليه الصلاة والسلام قال عمر لـ أبي بكر: أرى ألا ترسل جيش أسامة، قال: ولم؟ قال: إن العرب قد تكالبت علينا، وقد ارتد الكثير منهم عن الإسلام، وأخشى أن يدخلوا المدينة وليس لنا جيش، قال أبو بكر: والله لو أخذت الكلاب بعراقيبنا، فلا بد أن أمضي جيش أسامة، فودع أسامة وأخذ بلجام فرسه وأبو بكر يمشي على قدمه في الأرض وهو يكلم أسامة، فيقول أسامة: يا خليفة رسول الله! أنزل أو تركب؟ قال: لا والله لا تنزل ولا أركب، وما علي أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله -وكأن أبا بكر ما غبر قدمه إلا تلك الساعة، وهو منذ أن عرف لا إله إلا الله مغبر قدمه ورأسه وجسمه في سبيل الله عز وجل، فرضي الله عنه وأرضاه، ثم قال: يا أسامة! أتأذن لي بـ عمر لأستعين به؟ قال: نعم، فأذن له فعاد من الجيش. إذاً: فتواضع أبي بكر لـ عمر ولـ أبي عبيدة تواضع جم، يقول الذهبي: كان من خيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأحسنهم خلقاً أبو عبيدة عامر بن الجراح، ولذلك لما حضرته الوفاة، قال له أصحابه: -وقد طعن بالطاعون- ما هي خير ليلة مرت بك في حياتك؟ قال: ليلة ما أنساها من ليالي اليرموك -المعركة التي وقعت بين المسلمين وبين الروم وكان قائدها أبا عبيدة أمير الأمراء- قال: رأيت الجيش نام ذات ليلة في ليلة شاتية، كثير بردها، وكثير مطرها، فقمت فنظرت إليهم وقد ناموا جميعاً، فأيقظت امرأتي وقلت: هل لك بليلة تشترين بها الجنة؟ قالت: نعم، أطوف أنا وإياك على هذا الجيش نحرسه في هذه الليلة -وهو الأمير- فكان يطوف رضي الله عنه وأرضاه، فإذا وجد رجلاً لحافه ليس مغطىً عليه رد عليه لحافه، حتى أصبح الصباح، ثم صلى بالناس الفجر، فهي من خيرة الليالي عنده، ولذلك يقول عمر للصحابة في المدينة تمنوا، فتمنوا أمنيات، فقال: أما أنا فوددت أن لي ملء هذا البيت رجالاً مثل أبي عبيدة، وسافر عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى الشام، فأتى الأمراء وهم أربعة، شرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان، وأميرهم جميعاً أبو عبيدة، فـ أبو عبيدة كان في مرحلة وراء هذه المرحلة، فلما أصبح على مشارف الشام لقيه الأربعة الأمراء بجيوشهم، فلما رأى عمر رضي الله عنه الخيول وعليها الأبطال والسيوف، وأهبة هائلة ما سمع الناس بمثلها، فصد رضي الله عنه وأرضاه الطريق، ومعه خادمه، فلقيه عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين! تهيأنا لك، ونريد أن ترهب الأعداء، وقد صففنا نحن الأربعة الأمراء بجيوشنا، ثم صددت عنا، قال: اسكت يا عمرو! نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، ثم قال: ادع لي أخي أبا عبيدة فأتى أبو عبيدة، وهو على ناقة -وهذا من تواضعه رضي الله عنه وتقشفه وزهده قال ابن كثير: حزامها ليف- فأتى وليس عليها سرج حتى اقترب من عمر فتعانقا وهما يبكيان؛ لأنهما من زمن طويل لم ير أحدهما الآخر، ثم قال عمر: تعال يا أبا عبيدة! مل بنا نتذكر أيامنا التي قضيناها، مع رسول الله صلى عليه وسلم، وهذه هي المحاسبة والمرابطة للنفس فمالا عن الطريق وهما يبكيان، فلما أتى المساء قالوا لـ عمر: أين تنزل يا أمير المؤمنين الليلة؟ -أي: أين تنام- قال: أنزل عند أخي أبي عبيدة، فقال أبو عبيدة: لا، انزل عند بعض هؤلاء الأمراء لا تعصر عندي عينيك، يعني: تبكي عندي، قال: لأنزلن عندك، فاستضافة في تلك الليلة فقدم له أقراصاً من شعير، فقال له عمر: أما عندكم شيء من متاع، قال: لا، صرفنا ما أعطيتمونا، أي: من العطاء ومن المال في مصارفه، وهذا زادنا وطعامنا، فأكل عمر وهو يبكي. ويقول: غرتنا الدنيا كلنا يا أبا عبيدة! إلا أنت، فلما أتى النوم، قدم له شملة، قال: هذا فراشنا، فالتحف عمر نصفها وافترش نصفها، وأخذ يبكي، فأتى أبو عبيدة، ووقف عند رأسه وقال له: أما قلت لك في النهار: إنك سوف تعصر عينيك عندي! رضي الله عنهما وأرضاهما.

طلب الصدق ثوابه الصدق من الله

طلب الصدق ثوابه الصدق من الله الفائدة العشرون: طلب الصدق ثوابه الصدق من الله عز وجل، قال تعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] فإن عمر رضي الله عنه سأل الله الشهادة بصدق فبلغه الله الشهادة، وأعطاه ما تمنى، وسأل الله عز وجل عند الجمرات أن يرزقه الشهادة، فرزقه الله الشهادة. ولذلك في صحيح مسلم: {من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه} فإنه سأل الله الشهادة فرزقه الله عز وجل الشهادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول أنس: ظننت أن القيامة قامت يوم قتل عمر، قتل في الركعة الأولى وأكمل ابن عوف الصلاة بالمسلمين رضي الله عنهم جميعاً وحمل، فيقول بعض الناس: لا ضير عليه، ليس عليه بأس، فلما وضع في بيته، قال: إيتوني بلبن، يريد عمر رضي الله عنه أن يختبر جرحه، لأنه طعن بخنجر ثلاث مرات، والخنجر له حدان أي ست طعنات، فلما شرب اللبن، خرج اللبن من الجرح، فقال: الله المستعان -يعني أنه مقتول- قال: من قتلني؟ قالوا: أبو لؤلؤة المجوسي، قال: الحمد لله الذي جعل شهادتي على يد رجل ما سجد لله سجدة، ثم قال: ضعوا خدي على التراب، فوضعوه على التراب، وأراد ابنه عبد الله أن يرفع رأسه بمخدة فقال: ضع خدي على التراب لا أم لك! عل الله أن يرحمني، ثم سأل الله عز وجل وقال: اللهم إني أصبحت منقطعاً عن الدنيا مقبلاً عليك اللهم فارحمني. ثم دخل عليه الصحابة، قال ابن عباس: وكنت أقرب الناس إليه، قال: وبينما أنا واقف عند رأسه، وإذا هو ينصت طويلاً رضي الله عنه وأرضاه، ويكفكف دموعه، يتذكر أعماله وقدومه على الله عز وجل، قال: فإذا برجل قد قرب منا فوضع يده على كتفي فالتفت، فإذا هو علي بن أبي طالب، قال: فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين! فالتفت إليه عمر وقال: لا تقل: يا أمير المؤمنين! فإني لست اليوم للمؤمنين بأمير، قال: السلام عليك يا أبا حفص! أمَّا بَعْد: {فوالله لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر فأرجو الله أن يجعلك مع صاحبيك} قال: ابن عباس: فقلت أنا: يا أمير المؤمنين! هنيئاً لك وطوبى لك، أسلمت فكان إسلامك نصراً، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، وتوليت فكانت ولايتك رحمة، فسالت عيناه من الدموع ثم قال: [[يا ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا علي]] ثم استدعى ابنه عبد الله وقال: لا تتول أمر هذه الأمة، يكفي من آل عمر رجل واحد يعذب، ثم أسلم روحه إلى الحي القيوم، فنسأل الله أن يجمعنا به وبكل صادق يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار، نسأل الله أن يقر أعيننا برؤيته تبارك وتعالى وبرؤية رسوله صلى الله عليه وسلم، اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاة خيراً لنا.

ففروا إلى الله

ففروا إلى الله لابد للمسلم الذي يريد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يعرف أدب الدعوة وكيف يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر تعالى، ولو أن كل مسلم غيور على دينه أمر بالمعروف ونهى عن المنكر في حارته أو حيه لكان هناك خير كثير، ولكن تقاعست الهمم، ولم يعد هناك جرأة في قول الحق. ولا نجاة لنا من فتن هذا الزمان الذي نعاني من ويلاته إلا بالإلتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

مبارزة الله بالمعاصي

مبارزة الله بالمعاصي الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله بالهدى ودين الحق، فبلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله! جمعتنا بكم المحبة في الله، وجمعنا بكم الأمر الذي أوجبه الله علينا، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].

قرية تحارب الله وتعصيه

قرية تحارب الله وتعصيه يا مسلمون! يا صادقون! يا صائمون! يا مصلون! اسمعوا إلى كلام الله تبارك وتعالى وهو يتحدث لنا عن قرية نامت في جفن البحر، جاورته، ولكنها ما وقرَّت وما عظَّمت رب البر والبحر، وما استحت من الله، قال تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف:163 - 166]. هذه القرية! مسكينة بائسة، هالكة عاصية! قرية جحدت معروف الله، وتنكرت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قريةٌ عطَّلت أوامر الله كما تفعل بعض القرى، قرية كانت تجاور البحر {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف:163] لكن أسلوب القرآن عجيب ورائعٌ وبديع، هذه القرية من قرى بني إسرائيل، اجتمعت عند البحر واجتمع أهلها على المعصية. حرَّم الله عليهم صيد السمك يوم السبت لحكمةٍ أرادها الله، وعندنا اليوم ليس سمك، بل أغلى من السمك، أعراض تنتهك، وعيونٌ تنظر، وغناء، وخمر، وسُكرٌ، وتخلف عن الصلاة، ليست المسألة مسألة سمك، المسألة مسألة دينٌ يُسحق بالشاطئ، وأمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر لا يقام، ولا إله إلا الله تجرح مشاعرها، القضية أعظم من صيد السمك، القضية صيد نساء وفتيات، وصيد أعراض وهدم بيوت، وجرح مشاعر. حرَّم الله عليهم صيد السمك يوم السبت، ولكن الخبثاء الأخسة، الحقراء الأذلة؛ فجروا من البحر طرقاً ليوم الأحد حيلةً على الواحد الأحد، يضحكون على الله! ويستهزئون به، يخادعون الله وهو خادعهم! فكانت الأسماك تمر يوم السبت؛ فإذا دخلت إلى الخنادق والأخاديد أغلقوا الماء، ثم صادوها يوم الأحد، فلما فعلوا ذلك انقسم الناس ثلاثة أقسام: قسمٌ شاركهم، وقال: وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد كما يفعل بعض الماجنين اللاهين يوم يرى أهل المعاصي كُثر، فيقول: ضع رأسك مع الرءوس، واجعل نفسك مع هؤلاء، والله غفور رحيم، والبلد كله من هذا الصنف، والناس فعلوا كذا فافعل فعلهم، وهؤلاء لا يحملون عقلاً ولا وقاراً ولا حياءً من الله فماتت قلوبهم. وفي الحقيقة! أصبح الإيمان في قلوبهم متلاشٍ، سخروا من الله فسخر الله منهم. وصنفٌ ثانٍ بارد، يعيش لنفسه، لا يرى (لا إله إلا الله) أن لها حقاً عليه، يعيش لخبزه وطفله وحذائه، جالسٌ في بيته ساكت، يقولون للدعاة: لم تعظون قوماً الله مهلكم أو معذبهم عذاباً شديداً؟ يقولون: الناس هالكون اتركوهم، أنت وشأنك، والناس وشأنهم (دع ما لله لله، ودع ما لقيصر لقيصر) ما عليك، الله لا يسألك إلا عن نفسك، وهؤلاء أهل السلبية الذين سوف يحاسبهم الله على ما عطلوا من أمرٍ بمعروف ونهيٍ عن منكر. وقامت طائفة ثالثة بيضَّ الله وجوههم: أهل لا إله إلا الله، أهل الرسالة، أهل الحياة الخالدة، الذين نوَّر الله بصائرهم في الدنيا والآخرة، قالوا للعصاة: قفوا أيها الضُّلال! إن الهلاك سوف يعمنا فما هي النتيجة؟ يقول أحد الكتبة من المتأخرين: قرية عفا عليها الزمن لما دكدكها الله، وأسدل عليها الهوان والدمار إلى يوم يلقونه، أرسل الله عليهم عذاباً ونكالاً، فمسخهم قردةً وخنازير. هؤلاء هم أهل المعصية! أهل الشاطئ! أهل الانحراف الذين ما عظَّموا الله، ولا شعروا بوقارٍ لله، والشعور بوقار الله من أسس الإسلام، بل هو من العقيدة الحقة، قال نوح عليه السلام: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً} [نوح:13 - 17] مالكم لا تحترمون الله.

الخوف والاستحباب من الله عند السلف

الخوف والاستحباب من الله عند السلف جاء عند الإمام أحمد في كتاب الزهد أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه قال -وليت أبا بكر ينظر إلى واقعنا المعاصر، ليته مر هذه الليلة ليرى الشاطئ وما يحدث فيه من اختلاط ونظرات مشبوهة، وأعراض منتهكة، وصلاة متأخرة، ونغمة مرتفعة-يقول رضي الله عنه: [[يا أيها الناس! استحيوا من الله حق الحياء، فوالله الذي لا إله إلا هو، إني أذهب إلى الخلاء لأقضي حاجتي، فأجعل ثوبي على وجهي حياءً من ربي]]. اللهم ألحقنا معه في منازل الخالدين (حياءً من الله في قضاء الحاجة) ألا يستحي هذا العبد الذي خرج بعرضه: بابنته، وزوجته، وأخته، خرج بدينه وبشرفه، خرج بإيمانه بين لاهين لاغين، تركوا المساجد والقرآن، ماذا يقولون لله؟ صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {استحيوا من الله حق الحياء والاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ومن تذكر البلا ترك زينة الحياة الدنيا}. الخليفة العظيم عمر بن الخطاب الذي تربَّى على لا إله إلا الله، الرجل الذي عجز التاريخ أن يأتي بمثله مرةً ثانية، قال ابن كثير عنه: إنه سمع قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:24 - 26] فألقى عصاه واتكأ على الأرض، وحمله الصحابة على أكتافهم إلى البيت، وبقي مريضاً شهراً كاملاً. هذا هو الإيمان، مراقبة الواحد الديان، يوم تخلو بالحيطان، وتتستر بالجدران، ستعلم أن الواحد الأحد يراك، وتقول لنفسك: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني بكى الربيع بن خثيم حتى كادت أضلاعه تختلف، وقال: [[والله -إن شاء الله- لا يسألني ربي أنني وقعت بفاحشة أبداً]]. وقال البخاري فيما يروى عنه في صحيحه: "منذ بلغت الاحتلام ما كذبت كذبةً ولا اغتبت مسلماً". إن: تلك النماذج عاشت لله، وماتت لله، وذهبت لله، وأتينا إلى جيلٍ لا يعرفون الله، أكلوا نعم الله، واستنشقوا هواءه، وشربوا ماءه، وبارزوه بالمعاصي. أنجى الله الذين ينهون عن السوء، وأمَّا أولئك فهلكوا، والصنف الثاني اختلف العلماء فيهم، وكأنهم إلى الهلاك أقرب. يا مسلمون! إن في هذه المحاضرة مسائل: أولاً: واجبنا نحو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثانياً: أدب الدعوة وكيف ندعو الناس؟ وكيف نجلس مع الناس ونعلمهم الإسلام؟ وكيف نلقنهم لا إله إلا الله؟ ثالثاً: الفتن التي عمت وطمت حتى يتمنى المسلم اليوم أنه يدفن مكان صاحب القبر. رابعاً: حياة اللهو واللعب والعبث التي يعيشها كثير من الناس، ما لهم يلعبون بالنار؟ ما لهم يعصون الواحد القهار؟ ما لهم تناسوا الله عز وجل وذكروا كل شيء؟! خامساً: عقوبة المعاصي. سادساً: هل من توبة أيها المسلمون؟ سابعاً: كلمة إلى النساء.

واجبنا نحو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

واجبنا نحو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نحن أمةٌ لا نعيش إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أنا وأنت، المتكلم والسامع، إن لم نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وإلا فاعتبر أن الخزي والذل سوف يحل بنا، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. ويقول عليه الصلاة والسلام: {إنما أهلك الذين كانوا قبلكم، أن الرجل فيهم كان ينهى الرجل ثم لا يمنعه أن يكون أكيله وشريبه من آخر النهار، فلما فعلوا ذلك لعنهم الله} حولهم قردة وخنازير، أذلهم إذلالاً ما شهد التاريخ مثله، بل كتب عليهم اللعنة في كل كتاب، وعلى لسان داود وعيسى بن مريم عليهما السلام. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يفتقر إلى أمر إلا من الواحد الأحد، وإذا ما فعلت ذلك فتأكد أن التباب والخسار سوف يحل بالبلاد والعباد. صعد أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه على المنبر، فقال: {يا أيها الناس! إنكم تقرءون آيةً وتحملونها على غير محملها، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه، أوشكوا أن يعمهم الله بعذابٍ من عنده} وهذا حديث صحيح، فالناس إذا رأوا المنكر وسكتوا ولم يتكلموا وجعلوها للهيئات، وخلوا المسئولية، وعاشوا السلبية، أوشك الله أن يأخذ الصالح والطالح، والمصلح والمفسد، ثم يلعنهم كما يلعن الذين من قبلهم. يأمر أمير المؤمنين بالمعروف وينهى عن المنكر وهو في سكرات الموت، هذا باب بوبه أهل السنة قالوا: عمر يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهو في سكرات الموت، طعن أمير المؤمنين عمر -الأبطال يموتون شهداء- نزف دمه كالماء، وماذا يقول عمر؟ كانت عيونه تهراق بالدموع، ويقول: [[يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني ما عرفت الحياة، يا ليتني ما توليت الخلافة]] طوبى لك يا أمير المؤمنين! بل والله ليت أيامك تتكرر. أيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ أتى ودمه يثعب، فكانت عيونه تهراق بالدموع، ويقول: هل صليت؟ لأنه طعن في الركعة الأولى ولم يكمل الصلاة؛ كان شغله الشاغل هو الصلاة، يريد أن يلقى الله بالصلاة، لم يسأل عن زوجة ومنصب، ولا عن دار أو قصر أو عقال، ولا عن خلافة أو ملك، قال: هل صليت؟ قالوا: يعينك الله وتصلي، فأعانه الله فأتم الصلاة. يقول عمر وهو في سكرات الموت: [[الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، الله الله في الصلاة! لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، من حفظ الصلاة حفظه الله، ومن ضيع الصلاة ضيعه الله]]. وهو في الرمق الأخير كان يسلم على الأطفال ويبكي وهم يبكون، ثم أتاه الشباب يسلمون عليه، فلما ولىَّ شابٌ وجد عمر إزار الشاب مرتخٍ تحت الكعبين، قال: تعال يابن أخي -رضي الله عنك حتى في ساعة الصفر تأمر! حتى في الساعة التي ينسى فيها الإنسان حبيبه، وزوجته وولده وأخاه تأمر- قال: [[تعال يابن أخي! ارفع إزارك، فإنه أتقى لربك، وأنقى لثوبك]] قال الابن الغلام: جزاك الله عن الإسلام خير الجزاء، إيه والله. يقول علي بن أبي طالب لـ عمر وهو مكفن يريد أن يصلي عليه: [[والله ما أريد أن ألقى الله بعمل رجلٍ إلا بعملٍ كعملك، لقد كفنت سعادة الإسلام في أكفان عمر]]. الشاهد أنه في ساعة حرجة أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} أي إيمان يبقى مع إنسان وهو يجوب الأماكن والأسواق والمنتزهات والشواطئ وينظر إلى هذه المناظر ثم لا ينكر قلبه على أقل الأحوال؟ والله إن الإنسان يصيبه مرض، وإنه ليأسف أسفاً شديداً، وأن قلبه يكاد أن يتمزق حسرةً لهذه الأمة، أجدة قريبة من مهبط الوحي من الحرم؟ أجدة البلد الإسلامي؟ أجدة بلد الصحوة، وبلد الدروس والعلم؟ أشاطئها يشهد هذه الأمور؟! إنه يؤسف كل مسلم، وإني ما أتيت هنا متفرجاً ولا متنزهاً وإنما أتيت واعظاً، أقول لإخواني: طريق الهداية قد فتحت أبوابها، فعودوا إلى الواحد الأوحد؟

أدب الدعوة وكيف ندعو الناس

أدب الدعوة وكيف ندعو الناس واجبنا -يا دعاة الإسلام، ويا شباب الإسلام- أن ننزل إلى الناس، وهو ما يسمى أدب الدعوة.

الدعوة إلى الله بأسلوب حسن

الدعوة إلى الله بأسلوب حسن قال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] أن نرحم الناس، وأن نشفق عليهم، لماذا نبقى في مساجدنا والناس يتهالكون؟ ولماذا نبقى والمعاصي قد طمت وعمت؟ أما نخشى أن يأتينا أثرها ونحن في منازلنا؟ لا إله إلا الله! إن واجبنا أن نأتي بأسلوبٍ أتى به محمد عليه الصلاة والسلام: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وقال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] وقال عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:33] إلى الواحد الأحد، الناس يدعون إلى كياناتهم وأساليبهم، وإلى راياتهم وقوانينهم، أفلا تدعو أنت إلى الله! يقول الشيخ عبد الله عزام رحمه الله، وقد سمعت منه هذا الكلام مباشرة قال: كان في أفغانستان امرأةٌ مسيحية نصرانية أتت تبشر بـ المسيحية في رأس جبل، معها جهاز آريال وهي على الثلج تنام مع البعوض، وتستيقظ مع الجوع والظمأ وهي تنشر المسيحية في أرض أفغانستان، قلنا: أين شباب الإسلام؟ أين دعاة الحق؟ أين علماء الدعوة؟ أين خلفاء محمد عليه الصلاة والسلام؟ أين الذين يدعون إلى الله عز وجل؟ أين الداعون؟ لقد خلوا إلا القليل، ولقد سكتوا وأخرسوا لا أدري ماذا يقولون للواحد الأحد يوم العرض الأكبر؟! يقترح بعض العلماء، يقول: لو أتى كل شاب مستقيم ونزل إلى السوق والشاطئ، وإلى كل مكان اللهو، فدعا شاباً أو رجلاً إلى المحاضرة أو الدرس أو الهداية لكان العدد قد زاد ضعفه، وهكذا حتى يهتدي الناس، وهذا اقتراح جميل، وإنما المقصود: كيف نقدم هذا للإسلام؟ أولاً: كل من أعرض عن الله فهو على فطرة الله التي فطر الناس عليها، والواجب علينا أن ندعو الناس مشفقين، لا مؤنبين، ولا جارحين، ولا مضاربين، ولا مهاترين، ولا شاتمين، ولا سابين. محمدٌ هو بأبي وأمي عليه الصلاة والسلام، جرحت أقدامه، وسالت دماؤه، قد جرحها المشركون، أخذ يقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} أتاه ملك الجبال عند دخوله مكة قال: {أتريد أن أطبق عليهم الأخشبين؟ قال: لا. إني أرجو من الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً} وحقاً صبر عليه الصلاة والسلام. عجباً من قلبك الفذ الكبير والفيافي حالماتٌ بالمنى تتلقاك بتصفيق مثير أخرج الله من صلب الوليد بن المغيرة خالد بن الوليد، الذي قاد مائة معركة، وأبلى في الإسلام بلاءً حسناً، وقدم دموعه ودمه ووقته في خدمة لا إله إلا الله. وأخرج الله من صلب أبي جهل عكرمة بن أبي جهل الذي أتى في اليرموك رضي الله عنه وأرضاه، فلما التقى الجمعان الإسلام والكفر، والضلال والحق، خرج فاغتسل فلبس أكفانه، وقال لأصحابه: [[أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه! هل لكم وصية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]] قال الجيش: بلِّغه عنا السلام، فأخذ السيف وخاض المعركة، وقتل وهو في الرمق الأخير، يعطيه خالد بن الوليد الماء ليشرب، فيقول: اعطه أخي المسلم، جريح آخر فيعطونه الجريح الثاني فيرفض إلا أن يشرب أخوه، فيأتون إلى الأخ الثالث فيرفض، فيعودون بالماء إلى عكرمة فإذا هو قد فارق الحياة. عفاءٌ على دنيا رحلت لغيرها فليس بها للصالحين معرج كدأب علي في المواطن كلها أبي حسن والغسل من حيث يخرج قال: فحوله خالد إلى الآخر فوجده قد مات، ثم الثالث فوجده قد مات، فبكى خالد حتى سمع صوت البكاء، ثم رمى الكوب من يده وقال: [[اسقهم من جنتك؛ فإنهم قد خرجوا في سبيلك، اللهم اجمعنا بهم في الجنة]] قومٌ بذلوا مهجهم. والشاهد أن محمداً عليه الصلاة والسلام تحمَّل وصبر حتى قدم إسلاماً بديعاً للناس، يقول الله له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] عظيمٌ خلقه، وعظيمٌ صبره، قاتله أقاربه وجرحوا مشاعره، وضربوا بناته، وآذوه وسبوه وشتموه، وأخرجوه من دياره، وفي الأخير لما انتصر وفتح مكة طوق الحرم بالجيش، فقال لكفار مكة: {ما ترون أني فاعلٌ بكم؟ فتباكوا، وقالوا: أخٌ كريم وابن أخٌ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء} غفر الله لكم بل رفع الله منزلتك، وأتاك الله الوسيلة، حتى يقوم أبو سفيان أمامه يبكي، ويقول: [[لا إله إلا الله ما أرحمك! ولا إله إلا الله ما أبرك! ولا إله إلا الله ما أوصلك!]] وأتاه أبو سفيان بن الحارث ابن عمه بعد أن فر بأطفاله؛ لأنه آذى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال علي بن أبي طالب: إلى أين تسير يا أبا سفيان؟ قال: أخرج إلى الصحراء، فأموت أنا وأطفالي جوعاً وعرياً وعطشاً، قال: ولماذا؟ قال: إن أدركني محمد قطعني بالسيف إرباً إرباً، قال: عد إليه وسلم عليه بالنبوة وقل له كما قال إخوة يوسف ليوسف: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91] فعاد إليه، ووقف على رأسه وسلَّم عليه، وقال: يا رسول الله! {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91] فرفع عليه الصلاة والسلام طرفه وقد اعتلت الدموع على محياه الجميل وقطرت لحيته بالدموع: إذا اشتبكت دموعٌ في خدودٍ تبين من بكى ممن تباكا فقال عليه الصلاة والسلام: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}.

نجاح الرسول عليه الصلاة والسلام في دعوته

نجاح الرسول عليه الصلاة والسلام في دعوته نعم! لقد نجح الرسول عليه الصلاة والسلام في دعوته نجاحاً ما شهد التاريخ مثله، العدو يأتيه فينقلب صديقاً بدعوته، أتاه رجل، فقال: يا رسول الله! أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وإني أتوب إلى الله من كل معصية إلا الزنا، فقام الصحابة يريدون أن يؤدبوا هذا الرجل؛ لأنه تكلم بالفاحشة أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: {اتركوه فتركوه، قال: تعال! فأجلسه بجانبه ووضع يده الشريفة على كتف الرجل، وقال: أترضى الزنا لأمك؟ قال: لا. قال: أترضاه لأختك؟ قال: لا والله. قال: أترضاه لابنتك؟ قال: لا والله. قال: أترضاه لزوجتك؟ قال: لا والله. قال: فهل يرضونه المسلمون لأخواتهم وأمهاتهم وبناتهم وزوجاتهم -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- قال: أتوب -يا رسول الله- من الزنا، فوضع يده عليه الصلاة والسلام على قلب الرجل، وقال: اللهم طهر سمعه وبصره، وحصِّن فرجه} دعوة وأصبح الرجل في ميدان الإسلام، وأصبح من الدعاة؛ لأن اللبيب عرف كيف يقود هذا إلى الهداية؟ ينقصنا الحكمة، والرحمة والشفقة والأسلوب، إننا ركزنا اهتماماتنا في المساجد، وتركنا هذه الأماكن، أهل المساجد جاهزون، أتوا يصلون، مستقيمون، عابدون، صادقون، راكعون، ساجدون، لكن إخواننا وأقاربنا، وأبناؤنا، وأعراضنا، وأخواتنا، وقريباتنا في أماكن اللهو من يهديهم إلى صراط الله المستقيم؟ يقول صلى الله عليه وسلم: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم} وقال صلى الله عليه وسلم: {نضَّر الله امرأً سمع مني مقالة فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغٍ أوعى من سامع} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {بلغوا عني ولو آية} وقد ذم الله من كتم العلم، وجحد معروف الله له في الدعوة، فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160].

التقصير في الدعوة

التقصير في الدعوة من تقصيرنا في الدعوة أمور: أولاً: أنه يوجد من يشهر العصاة؛ يشهرهم بأسمائهم، أو يكبتهم بالعتاب أمامهم، أو يتحدث لهم أمام الناس في معصيتهم، وهذا خطأ، يقول الشافعي: تعمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوعٌ من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة ثانياً: أننا لا نسبق في إيصال الحق لأصحابه. ثالثاًَ: أن القوالب الذي يؤدى فيها المعروف تكون فضة غليظة، فلا يقبلها الناس، قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] يقول جرير بن عبد الله البجلي: [[والله ما زال عليه الصلاة والسلام كل ما رآني يتبسم في وجهي]] ويقول عمرو بن العاص: [[ما زال صلى الله عليه وسلم ينظر إليَّّ -في أول الإسلام يتألفه- حتى ظننت أنني أفضل من أبي بكر وعمر]] فاللين وإيصال الحق بقالب الرحمة وعدم التشهير بالعصاة الذين فيهم خير. أنا أذكر قصة لرجل سمعتها منه مباشرة: داعية موفق، نور الله بصيرته، وآتاه الحكمة {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:269] يقول: في بلدنا رجلٌ مجرم وكان هذا المجرم يروج المخدرات، وسبق أن رجال الأمن طاردوه وطاردهم وضايقوه وضايقهم، كان يحمل السلاح وكان لا يعرف الصلاة، قطع والديه، وقطع أرحامه، ونسي الله وتردى في المعاصي حتى أعجز الناس، قال: فأتتني فكرة أن يهديه الله على يدي، فكنت أقوم في آخر الليل مع السحر، وأتضرع أن يجعل هدايته على يدي، قال: وصمت قبل أن أصله إلى بيته علَّ الله أن يجعله من العمل الصالح الذي يتقرب به إلى الله، قال: ثم أخذت هدية -وما أحسن الهدية، هديةٌ تأخذ القلوب وتجلب الأرواح- قال: وذهبت بها إلى بيت الرجل، فلما رأيته سلَّمت عليه، قلت: أحببتك في الله ورأيت عليك آثار الخير. من أين آثار الخير؟ وجهه كقفاه، أسود من الليل، لكن انظر إلى الأساليب وانظر إلى السحر الحلال!! في السحر: سحر حلال، وسحر حرام. السحر الحلال: تبسمك في وجوه الرجال. والسحر الحلال: أن تدعو الناس بأسلوبٍ عذب يصل إلى القلوب. والسحر الحلال: أن تعانق العصاة لتقودهم إلى الجنة؛ ليكونوا في ميزان حسناتك، الكلمة الفظة سهلة، وتعقيد الجبين سهل، والهراوة سهلة، ولكنها تفوت ولا تبني، وتشرد ولا تجمع، وتقسي ولا تلين، من يحرم الرفق يحرم الخير كله. وقال عليه الصلاة والسلام: {ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه، وما نزع من شيءٍ إلا شانه} ويقول عليه الصلاة والسلام: {إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله} {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. قال: فنظر فيَّ قال: أتعرفني؟ قلت: لا. رأيتك في مناسبات فخذ هذه الهدية، قال: فأخذها، قال: وما كلمته بكلمة وعدت إلى بيتي، وقلت: الحمد لله نجحت في أول خطوة، قال: وعدت إلى بيتي وبعد أيام ذهبت إليه، وقلت: أسألك بالله فيما بيني وبينك من صلة، وقد سبق أن التقينا أن تأتيني إلى بيتي زيارة، فإني أحببتك، قال: آتيك. فحددت له موعداً لا أكون فيه إلا أنا وهو. قال: فدخل بيتي، ووجهه مظلم، يقول ابن القيم: مشئوم تشأم منه السماء والأرض، والمبارك يكون مباركاً أينما كان وأينما حل وارتحل. ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وماذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا قال: فدخل البيت وتغدى، قال: والله ما كلَّمته في الدعوة بكلمة، قال: وخرج، قلت: وهذا نجاحٌ ثانٍ، قال: ومرت ثالثة، قلت: معي مشوار إلى قرية قريبة أريد أن تركب معي، قال: فركب معي، قال: فلما ركب معي ابتهلت إلى الله ودمعت عيناي أن يرزقني الصدق، وأن يجري الحق على لساني، قال: فلما ركب قال: انطلقت بالكلام وأتت فتوحات من الله الواحد الأحد، ولا أدري من أين انهال هذا الكلام! قال: وأخذت دموعه تتسابق -أحيا الله الفطرة، أخرجها الله من مكامنها واشتعلت في قلبه، فتحركت لا إله إلا الله في روحه- قلت: أريد أن أنجيك من النار، أريد أن أقودك إلى الجنة في كلامٍ طويل، قال: مد يدك، قال: فمددت يدي، قال: أشهد الله، وملائكته، وحملة عرشه، ثم أشهدك أني تبت إلى الله، وأسألك بالله الذي لا إله إلا هو قبل الفجر أن تمر بي لتأخذني إلى المسجد، قال: فما رددت عليه إلا وهو يبكي من هذا الفتح العظيم؟ وعدت إلى القرية وبعد أيام كان يصلي معي في المسجد، ودخل على والده ووالدته وقد كانوا كباراً في السن، هجرهم سنوات، كانوا شيوخاً، بكوا من مرارة قسوته، دخل عليهم وآثار الخير والنور يشع من وجه، قالوا: أنت فلان؟ قال: نعم أنا فلان، ثم قبَّل يد أبيه ورأسه ويد أمه ورأسها، فانطلقوا يبكون فرحاً في البيت. طفح السرور عليَّ حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني فيا مسلمون! بمثل هذا وهو أسلوب محمد صلى الله عليه وسلم الفطري العجيب، الذي وصل به إلى قلوب الناس، والذي أخذ أعداء الناس حتى أصبحوا في صفه عليه الصلاة والسلام.

علامات الفتن التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم

علامات الفتن التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، كان عليه الصلاة والسلام يقول لـ عمار: {استعذ بالله يا عمار من الفتن. فيقول عمار: أعوذ بالله من الفتن} يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعث الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن} وقد حدث هذا، فالإنسان يتمنى يوم يرى بعض المناظر أنه ما عرف الحياة، أو أنه في جبل، أو أنه يتصل بالله بشعبٍ من الشعاب، لكن ماذا يفعل؟ ينسحب! ينهزم! والله عز وجل يقول: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ} [الحج:40] ويقول: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] لكن لابد من كلمة الحق، ولابد من الدعوة إلى منهج الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. من علامات الفتن التي أخبر بها عليه الصلاة والسلام ما ثبت في الصحيح أنه قال: {صنفان من أمتي لم أرهما اليوم، أناس معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون الناس، ونساءٌ كاسيات عاريات مائلات مميلاتٌ رءوسهن كأسنمة البخت لا يريحون رائحة الجنة}. أما نساء مائلات مميلات فقد وجدن، وقد شرحها النووي بشرحٍ يختلف عن شرح هذا العصر، ولو عاش النووي هذا العصر لغير من شرحه، مائلات يملن القلوب والأرواح والأفئدة، وقيل: يملن بأجسادهن وقد حدث هذا، فتاة الإسلام تخرج من بيت أبيها متجملةً متعطرةً متطيبةً، نابذة لا إله إلا الله وراء ظهرها، وعرضها، وحجابها، وسترها لتقول للمجرمين: انظروا، تعود بلعنة -والعياذ بالله- وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا تعطرت المرأة وتزينت وخرجت من بيت زوجها -أي: بدون إذنه- لا زالت الملائكة تلعنها حتى تعود إلى بيتها} وفي لفظ في السنن: {فهي زانية} من فعلت ذلك فهي زانية؛ لأن العيون نظرت إليها، فحذارِ حذارِ من هذه الفتن، ويقول عليه الصلاة والسلام: {ما تركت على أمتي أشد فتنة من النساء} إبليس لم يستطع لكثير من المهتدين إلا عن طريق النساء. أقول للنساء علَّ سامعةً أن تسمع، وعلَّ مبصرةً أن تبصر، وعلَّ مؤمنةً أن ترى وتتدبر وتتفكر: يا أختي! يا أمي! يا أيتها المسلمة! اتقي الله في إيمانكِ وعرضكِ، اتقي الله في هذا المجتمع، اتقي الله في العباد والبلاد، أنت المسئولة الأولى عما يجترف أو يكترث الشاب في هذه الناحية من تعريض نفسك للفتن، وتعريض غيرك للمخاطر. يا أمة الله! بيتكِ بيتكِ، يا أمة الله! أين الإيمان؟ أين تربية محمد عليه الصلاة والسلام، أين قول الله عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33]. وقفت عائشة بعد موته عليه الصلاة والسلام سنوات في بيتها كانت تتحجب، وكانت تردد {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] وصح أنها قرأت ضحى إلى الظهر قوله سبحانه: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:27 - 28] وتبكي أين هذه التربية الخارقة؟ أين تربية وآثار الإسلام؟

ثلاث وصايا للأخت المسلمة

ثلاث وصايا للأخت المسلمة إني أوصي الأخت المسلمة بثلاث وصايا: أولها: أن تكون مربية في البيت، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. تقدمت الخنساء النخعية في القادسية -كما قال بعض أهل التاريخ- بأربعة أبناء، فألبستهم الأكفان وطيبتهم، وقالت: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، لا تعودوا إلا قتلى ليشرفني الله بشهادتكم، فقتلوا في سبيل الله، فلما أخبرت تبسمت وقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في سبيله. أي امرأة هذه المرأة النبيلة، أي تربية هذه التربية الحرة. دخل علي رضي الله عنه على الرسول صلى الله عليه وسلم ليخطب فاطمة -سيدة نساء العالمين، الطاهرة الصديقة، الوفية- قال: فاستحييت من الرسول صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: كأنك تريد فاطمة؟ قال: نعم يا رسول الله! قال: عندك شيء من المال؟ قال: والله ما عندي شيء - علي بن أبي طالب لا يملك شيئاً، يملك إيماناً وتوحيداً، يملك لا إله إلا الله- قال: أين درعك الحطمية؟ قال: فأتيت بها مكسرة لا تساوي درهمين فزوجه عليه الصلاة والسلام}. يقول محمد إقبال في فاطمة: هي بنت من؟ هي زوج من؟ هي أم من؟ من ذا يساوي في الأنام علاها أما أبوها فهو أشرف مرسلٍ جبريل بالتوحيد قد رباها وعلي زوج لا تسل عنه سوى سيفٌ غدا بيمينه تياها زار عليه الصلاة والسلام علي وفاطمة في الليل، فاستنارا بنوره في الظلام، وصل وهما نائمان قالت: {يا رسول الله! طحنت الرحى حتى كلَّت يدي، وكنست حتى تدنست ثيابي، فهل من خادم؟ -تريد خادمة- فانتظر عليه الصلاة والسلام ثم أتاها بعد ليالي، فقال: ألا أخبركما بما هو خير لكما من خادم؟ -بإمكانه أن يعطيها عليه الصلاة والسلام ذهباً وفضة وخادمة، لكنه يريد الجنة، تأتي يوم القيامة ناقة من نور خطامها نور، يشق له الناس الطريق وهي بنت محمد محجبة عليه الصلاة والسلام- قال: ألا أخبركما بما هو خير لكما من خادم؟ قالا: بلى يا رسول الله! قال: إذا أويتما إلى مضجعكما، فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدا الله ثلاثاً وثلاثين، وكبرا الله أربعاً وثلاثين فهما خيرٌ لكما من خادم}. أتته صلى الله عليه وسلم سكرات الموت؛ فاقتربت منه فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، فأخذ يقول لها عليه الصلاة والسلام: {أنتِ أول الناس بي لحاقاً -وعلمت أنه سوف يموت في ذلك المرض- فأخذت تبكي، فقال: ادن يا بنية! فدنت رضي الله عنها وأرضاها منه صلى الله عليه وسلم، فلما دنت من المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين فتبسمت} إنما النموذج الخالد نساءه صلى الله عليه وسلم وبناته والمؤمنات الصادقات الصالحات.

التكشف والعري

التكشف والعري لماذا هذا التكشف والعري؟ لماذا مخالفة الحجاب؟ لماذا الخروج عن أمر الله؟ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] جلوسٌ وتكشُّفٌ على الشاطئ، وتكشُّفٌ مع الخياط وتكشّف مع بائع الذهب، أين الإيمان؟ أين التقوى؟ أين الخوف من الواحد الأحد؟ يقول أهل العلم: كان من الصالحين رجلٌ صديق، فأتى بعض الفجرة، فقالوا: والله لنغوينه، فأتوا إلى مومسة -والعياذ بالله- داعرة فاجرة، فأعطوها مالاً، وقالوا: تعرضي لذاك العابد في ظلام الليل، فتعرضت له، فلما رآها وهي متكشفة رأى الجمال، قال لها العابد: وقد نكس بصره: يا ذات الجمال اتق ناراً تلظى لا تلفح وجهك النار فأخذت تبكي وتابت إلى الله؟ يا ذات الجمال! يا ذات الخدر! يا ذات العرض! يا بنت الإسلام! يا فتاة الدين! احذري نار جهنم أن تلفحكِ بحرارتها، فإن الله عز وجل قد أرصد للعصاة ناراً، ووعدهم نكالاً. أكلهم زقوم، وشرابهم الصديد، فاحذري أن يكون مصيركِ بعد هذا اللهو والفتون واللعب والتمرد على منهج الله أن يكون ناراً تلظى، ويكون ضياعاً وخسراناً نعوذ بالله من الخذلان. تزود للذي لابد منه فإن الموت ميقات العباد أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زادٌ وأنت بغير زاد المسألة الثالثة: كيف نربي المسلمة التي تخاف الله عز وجل وترجو لقاء الله تبارك وتعالى بالصلاة، وبالحجاب، وبذكر الله، وبالكتاب الإسلامي، وبالشريط الإسلامي، وبالاتصال بالله الواحد الأحد.

حياة اللهو واللعب

حياة اللهو واللعب أما العنصر الرابع: حياة اللهو واللعب، كثير من الناس ميت، يأكل ويشرب، ويرقص ويغني، ويسمع الأغنية، ويطالع المجلة، ويلعب البلوت والباصرة والورقة، عبدٌ لشهواته، ولبطنه، ولفرجه، ولكنه ميتٌ تماماً، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. لا إله إلا الله كم سفكوا من النظرات! ولا إله إلا الله كم اعتدوا عليه من الحرمات! ولا إله إلا الله كم أغضبوا رب الأرض والسماوات! قال سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] عاشوا على العود، وهجروا المصحف، وعاشوا على الدندنة وهجروا التلاوة، وعاشوا على المقهى الأثيم الأحمر وتركوا المسجد، هجروا القرآن من أجل المجلة الخليعة، ولكن مع ذلك على الفطرة، ومع ذلك مستعدون أن يعودوا إلى الله، ومع ذلك لا زالت حرارة (لا إله إلا الله) تتوقد في قلوبهم.

توبة الغافلين

توبة الغافلين بشرى لكم يا معشر المسلمين! كان في مكة محاضرة بعنوان: (رسالة إلى المغنيين والمغنيات) وقرأنا سبعة إعلانات عن سبعة فنايين في بلادنا، أعلنت عنهم الجزيرة وعكاظ، عادوا إلى الواحد الأحد، كلهم أعلن توبته، كلهم رأى الفن ضياعاً، والحياة مع غير الله همجية، والحياة في الظلمات لعنة، والبعد عن المسجد غضب، وهجر القرآن خطيئة، فعادوا وهم كثير، بل أكثر من سبعة، ولا زال كل يوم يشهد عودة الفنانين لأنهم ذاقوا مرارة الحرمان، يقول محمد البيتي: لا أريد أن ينشأ طفلي مغنياً ولا مطبلاً ولا يحمل العود. قلنا له: جزاك الله خيراً يا محمد، وأحسنت كل الإحسان. المغني الشهير أتته نفحة من نفحات الواحد الأحد، أراد الله أن ينجي وجهه من النار، وأن يحفظ عليه إيمانه، فأحيا قلبه بلا إله إلا الله، كسر العود والنآي، طرد الفرقة الموسيقية، وعاد إلى المسجد يبكي، وبـ الخياط ومسفر الكثامي وأبو الكرم، وتسمعون أبا الكرم يقرأ سورة (ق) في آخر الشريط بصوتٍ عجيب أبكى جميع الناس في المسجد. نعم! إنها صحوة تعود إلى الواحد الأحد؛ لأن الناس جربوا الضياع فما وجدوا العيش إلا في كنف الله. أي شيءٍ وجد من فقد الله؟ وأي شيءٍ فقد من وجد الله؟ ولو أنَّا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حيٍ ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيءٍ يقول تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35] اهتدوا وعادوا وسجدوا للواحد الأحد، وبكوا وتغسلوا بالدموع، وتوضئوا بماء الحسرة، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] ويقول سبحانه: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأنعام:70] ذرهم في طغيانهم، كثير من الناس يعيش ستين سنة، يا منعم الجسم! أكثر من يتنزه اليوم على الشواطئ يريد أن ينعم جسمه في الصيف في أبها أو في الطائف، وفي الربيع هنا على الشواطئ في فلة ومكيف وفي نعيم ورغد، وفي فسحة ونظر، أما جسمه فنعمه وغذاه، لكنه أهلك قلبه هلاكاً ما بعده هلاك. يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك بما فيه خسرانٌ أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسانٌ يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران

حال السلف مع الدنيا

حال السلف مع الدنيا ثابت البناني المحدث الكبير بكى حتى ذهبت عينه من خشية الله، وبقيت عينٌ واحدة، قالوا: نخرج بك إلى حدائق خراسان لعلك ترى الخضرة والماء، علك إذا رأيت الخضرة أن يعود لك بصرك، فخرجوا به، فرأى الحدائق الخضراء في خراسان، ورأى البساتين، ورأى الماء يجري، لكن كلما رأى بستاناً بكى وتذكر الجنة، وكلما رأى حديقة بكى وتذكر الجنة. وداع دعا إذ نحن بـ الخيف من منى فهيج أشواق الفؤاد وما يدري دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أطار بليلى طائحاً كان في صدري وعاد إلى البصرة قالوا: كيف وجدت النزهة؟ هل هي جيدة؟ قال: والله ما أعجبني في النزهة كلها إلا عجوزاً رأيتها تصلي ركعتي الضحى، لله درك يا من ينظر إلى هذه القصور الدور وهذا العمار كأنها الأحذية أو التراب أو الرماد! ماذا تساوي عند أن نتفكر في جنة عرضها السماوات والأرض؟ كم نعيش؟ ستين سنة، أو سبعين سنة فنترفه ونعصي هذه المعصية، ونلهو ونلعب {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً} [مريم:93 - 94]. دخل صلى الله عليه وسلم فارتقى المنبر، فقال للصحابة: {أنقاتل كفار قريش في أحد أو المدينة؟ قالوا: نقاتلهم داخل المدينة، فقام شاب اسمه نعيم بن مالك بن ثعلبة وكان في آخر الصفوف، قال: يا رسول الله! لا تحرمني دخول الجنة، والله الذي لا إله إلا هو، لأدخلن الجنة فقال عليه الصلاة والسلام: بم تدخل الجنة؟ قال بخصلتين: بأني أحب الله ورسوله، ولا أفر يوم الزحف، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، وقال: إن تصدق الله يصدقك} فخرجوا إلى أحد فكان أول مقتول. أتى عبد الله بن عمرو الأنصاري قبل المعركة بليلة، فرأى في المنام أنه أول من يقتل؛ فأيقظ بناته في الليل يستودعهن آخر ليلة، والليلة الثانية مع الله في ضيافة الواحد الأحد {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] فلما أتى أيقظ بناته، وقال: [[أستودعكن الله الذي لا تضيع ودائعه، رأيت أني أول من يقتل غداً، ويا جابر! عليك بأخواتك خيراً]]. وأتى الصباح الباكر البهيج -صباح أهل الجنة- والتقى مع الكفار فقتل، فضرب في جسمه ضرباً مبرحاً، حتى جاء في بعض الروايات أنه ما عرف إلا ببعض بقعٍ في جسمه أو ببعض بنانه، وقيل: هذا أنس بن النضر، لكن لما قتل عبد الله بن حرام رضي الله عنه أتت أخته تبكي، فيقول عليه الصلاة والسلام: {ابكي أو لا تبكي! فوالله الذي نفسي بيده، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعته، والذي نفسي بيده -يا جابر - لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان فقال: تمن؟ قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك مرة ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمن، قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، فقال الله: إني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً} الحياة هي حياة الجنة، وحياة القرب من الله الواحد الأحد، وحياة التوفيق والسعادة، ومن حرمها فقد حرم الأمان: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]. يقول الملك لـ ابن تيمية: أتريد ملكنا؟ قال: والله ما أريد ملكك ولا ملك آبائك، ولا ملك أجدادك، ولكن أريد جنة عرضها السماوات والأرض. فيا مسلمون! لا يغرنكم بالله الغرور، نعيمٌ، وبساتين، ونزهات، وماءٌ، وظلٌ وارف، وكلها تتلاشى ولا يبقى إلا ما عند الواحد الأحد. عفاء على هذه الدار وسحقاً لها. دنياك تزهو ولا تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها تحلو الحياة لأجيالٍ فتنعشهم ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهبٌ والمسك طينتها والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها اللهم اجعلنا من ورثة جنتك جنة النعيم.

عقوبات المعاصي

عقوبات المعاصي من أعظم عقوبات المعاصي: أن يضرب الله قلوبنا ضرباً ليس بعده ضرب، وهو ضرب القسوة -نعوذ بالله من قسوة القلوب- قال سبحانه: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ} [البقرة:74] وقال سبحانه: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13] ولكن كيف لا يقسو قلب الموله اللاعب اللاهي، قلب المغني، وقلب الذي لا يعرف الصلوات الخمس في المسجد، وقلب الذي يعيش حياة الخواجات، لا يعرف من الإسلام إلا رسمه أو اسمه، مسلم بالحفيظة ولكنه لا يحمل من الإسلام شيئاً؟! عددنا كثير، فالمسلمون مليار لكن: عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبت وجدتهم أصفارا من كل مفتون على قيثارة كل رأيت بفنه بيطارا ومن آثار الذنوب: البغضاء التي تحدث بين القلوب، ولذلك تشتت الأسر، وقطعت الأرحام، وعق الوالدان، فنشكو حالنا للواحد الأحد. ومن عقوبات المعاصي: قلة البركة في الأموال والأولاد، جيلٌ في البيوت من الأبناء والأولاد البركة فيهم قليل، وأموالٌ كالجبال وبنوك، ولكن لا بركة. ومن عقوبات المعاصي: فساد طعم الحياة، وهذا يُسمى انطفاء النور. قال الإمام مالك للشافعي: إني أرى عليك آثار النور والنباهة، فإياك أن تفسد نورك ونباهتك بالمعصية. وقال أحدهم: نظرت إلى منظرٍ لا يحل لي، فنسيت القرآن بعد أربعين سنة، فنعوذ بالله من الخذلان والمعاصي والحرمان.

هل من توبة؟

هل من توبة؟ هل من توبة يا مسلمون؟ وهل من عودةٍ إلى الواحد الأحد؟ قال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] {أتى رجلٌ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أذنبت، قال: تب إلى الله، قال: ثم أذنب، قال: تب إلى الله، قال: ثم أذنب، قال: تب إلى الله، قال: ثم أذنب، قال: تب إلى الله، قال: إلى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المدحور} رواه ابن حبان وغيره. فكلما أذنبت فعد إلى الواحد الأحد، واغسل خطيئتك بماء التوبة، واستغفر وراجع حسابك مع الله، واعلم أن التوبة واجبة. بادر بالتوبة النصوح قبل احتضار وانتزاع الروح لا تحتقر شيئاً من المآثم وإنما الأعمال بالخواتم ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حباً حضروا أبا بكر رضي الله عنه وهو مريض في سكرات الموت، أصاب جسمه النحيل، جسم الصيام والعبادة، وجسم الجهاد وقيام الليل، فزاره الصحابة، قالوا: [[يا خليفة رسول الله! ماذا تشتكي، قال: أشتكي ذنوبي -ذنوبك يا أبا بكر وأنت المجاهد الأول، والمصدق الأول، والزاهد الأول- قال: أشتكي ذنوبي، قالوا: ماذا تريد؟ قال: أريد المغفرة، قالوا: ندعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب قد رآني، قالوا: ماذا قال لك؟ قال: إني فعال لما أريد]]. كيف أشكو إلى طبيب ما بي والذي قد أصابني من طبيبي يقول بعض أهل التفسير: كان إبراهيم عليه السلام، يقول في السحر: أواه من ذنوبي، أواه من خطاياي، أواه من سيئاتي، فسماه الله (أواه منيب) إبراهيم الصديق العظيم الحنيفي المسلم الذي لم يكن من المشركين يقول: أواه من ذنوبي ومن خطاياي. وقال الإمام أحمد في كتاب الزهد: كان بلال يقول مع السحر: [[يا ألله! هذا إقبال نهارك، وإدبار ليلك، وهذا سحرٌ فاغفر لي عللي]]. وقال أبو عبيدة عامر بن الجراح: [[يا ليتني كنت رماداً تذروني الرياح]]. وقال عمر: [[يا ليتني كنت شجرةً تعضد]]. وقال ابن مسعود: [[والله لو علمتم بذنوبي لحثيتم على رأسي التراب]] رضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا أطهاراً، كانوا عباداً، ليلهم سهرٌ مع الواحد الأحد، قيام ودموعٌ وخشوع وخضوعٌ وركوع، ونهارهم جهاد ودعوة وبذل وعطاء، وليلنا اليوم قد تحول إلى موسيقى، وغناء، ولهوٍ، وعودٍ، وعهرٍ، وفحشٍ، ومعصية إلا من رحم ربك، وتحول النهار إلى غيبة وشهادة زورٍ، ونظرٍ محرم فنشكو حالنا إلى الله عز وجل. يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضرٍ يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ما أقرب البحر في الشاطئ، أما في السفينة فعباد أتقياء، وأما على الشاطئ فعصاة، فإذا ركبوا في البحر دعوا الله مخلصين له الدين، إذا هبت الريح، وتزلزلت السفينة، عادوا إلى الواحد الأحد، فإذا نزلوا إلى الشاطئ نسوا الله. المحدث الطبري ركب سفينة، فلما اقترب من الشاطئ قفز من السفينة على الشاطئ، فأراد تلاميذه الشباب أن يقفزوا فما استطاعوا، فقالوا: كيف استطعت وأنت في الثمانين ونحن شباب ما استطعنا قال رضي الله عنه: هذه أعضاء حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر. ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمنٍ وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله العجيب أن الله عُصي في البر والبحر وعلى الشاطئ وعلى الطائرات، فسبحان من يعفو! وسبحان من نسأله أن يتوب علينا! وأن يرد ضال المسلمين، وأن يهدينا إليه هداية عامة مطلقة! اللهم إنا قد أسلمنا وآمنا وصدقنا، اللهم فافتح لنا باب القبول، اللهم أغثنا بفضلك ومنك وكرمك، اللهم رد ضال المسلمين، اللهم اهدنا سواء صراطك المستقيم، وثبتنا على الحق إلى يوم نلقاك. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

موقف الإسلام من الإسراف بالمال في المعصية

موقف الإسلام من الإسراف بالمال في المعصية Q كثير من الناس يدفع أمواله في الملاهي وفي الأغراض السيئة والشهوات، ويصرفها في غير طائل، فما هو موقف الإسلام من هذه الأموال، ومن هذا اللهو والعبث؟ A أولاً: ليعلم المسلم أن الله حرم الإسراف، وذكر سبحانه: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:27] والمال إما أن يدخلك الجنة، أو يدخلك النار، أيظن صاحب اللهو، أو صاحب العود، أو الذي يصرف ماله في السيجارة والكأس والحرام أنه سوف ينجو من عذابٍ على هذا النار؟ لا والله. قال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:1 - 8].

ذهاب الغيرة عند كثير من الناس

ذهاب الغيرة عند كثير من الناس Q ماتت الغيرة في قلوب كثيرٍ من الناس، كان الناس إذا لم يكن عندهم دين عندهم غيرة، ولكن ذهب الدين والغيرة؟ ما رأيكم جزاكم الله خيراً؟ A أقول: ذهبت الغيرة من البعض، ولا زال الكثير فيهم غيرة، العرب في الجاهلية كان أحدهم يغار، ذكروا عن سيد الخزرج أنه لما تزوج امرأته أركبها على فرس، فلما وصل الفرس إلى بيته نحر الفرس، قالوا: لماذا؟ قال: لئلا يركب الفرس رجل آخر؛ لأن زوجتي ركبت عليه، ليته رأى، ليته أبصر، ليته عاين الخبر. أعرابي التفت رجلٌ إلى زوجته فنظر إليها، قال: تنظر إلى زوجتي، ثم قال لزوجته: الحقي بأهلك، نظر فقط، قالت: وماذا فعلت؟ قال لها: إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه وتجتنب الأسود ورود ماءٍ إذا كن الكلاب ولغن فيه لكن لو رأى الأعرابي هذا البدوي الجلف هذا الواقع، امرأة تخرج تداوم مداومة في السوق تمر، تحتسب على الخياطين، والهندوس، والسيخ، والبوذيين، ثم تمر على الباعة والموضات، ثم الحلاقين، ثم تعود بالخطايا مع الظهر كالجبال، وبالخطايا مع الغروب كالجبال، ثم تريد أن تنشئ بيتاً إسلامياً وأن تنشد السعادة، حرامٌ عليها السعادة حتى تتوب وتنهج منهج هذا الدين، وتعود إلى الله. أين الغيرة، أين الآباء؟ أين الأبناء؟ أين الإخوان؟ يقول سعد بن عبادة سيد الخزرج: {يا رسول الله! إذا رأيت مع امرأتي رجلاً ماذا أفعل؟ قال عليه الصلاة والسلام: اذهب والتمس أربعة شهود وتعال بهم، قال: سبحان الله! أذهب وأجمع أربعة شهود وأتركها معه، والله لأقتلنه وإياها بالسيف غير مصفح -أي: إما بوجه السيف أو بقفاه- فتبسم صلى الله عليه وسلم، وقال: أتعجبون من غيرة سعد؟ والذي نفسي بيده، إني أغير من سعد وإن الله أغير مني} ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: {إن الله يغار، وإن من غيرته أنه حرم الزنا}.

الخجل والحياء عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الخجل والحياء عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Q أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأريد أن أتكلم، لكن لا أستطيع، لساني ينعقد ولا يتحرك، أتفجر خجلاً ماذا أفعل؟ A أولاً: اعلم أن كل بداية لها نقص، وأن البدايات صعبة، قالوا لـ عبد الملك بن مروان: نرى الشيب في رأسك ولحيتك؟ قال: من صعود المنابر يوم الجمعة أعرض عقلي على الناس. عثمان رضي الله عنه وقف على المنبر في أول خطبة، فارتد عليه الخجل، وكانت تستحي منه الملائكة، فنزل فلما أصبح في الأرض، قال كلمة ما سمع التاريخ من خليفة بمثلها قال: [[إنكم بحاجة إلى إمامٍ عادل خير من خطيب فصيح]]. أنا أقص قصة -محرجة- لداعية لا زال حياً اليوم، وهو في الستين من عمره، يقصها على الناس بـ أبها، هذا الداعية الآن كلامه كالشهد المصفى يبكي الناس، وليس الآن بمعروف لدى الناس، ذهب إلى الرياض وكان يعمل في الدفاع المدني، قال: فأتاني جماعة من أهل الخير، فدلوني على طريق الله المستقيم فاستقمت، لكن ليس عندي علم، أحفظ الفاتحة وسورة، قالوا: نريد أن تتكلم اليوم في منفوحة -حي في الرياض - فتلقي موعظة، قل: توكلت على الله، قال: فلبست ثيابي، وتهيأت، وتوضأت، وتطيبت، ومشيت في الطريق، وعرقي يتصبب تصبباً، قال: جمعت كلاماً في صدري، كلما مشيت خطوة سقطت كلمة قال: وجئت ودخلت المسجد، هذا كلامٌ ومعي بعض الإخوة ونحن جلوس معه، وهو لا يكذب، قال: فدخلت المسجد فصلى بنا الإمام صلاة المغرب، والله ما أدري ماذا قرأ بعد الفاتحة، انشغلت بالكلام واضربت وأتت أرجلي تتنافر، وبعد الصلاة أتيت لأتكلم عند المكرفون، قال: فنسيت حتى الحمد لله، قالوا: وفي الأخير قلت: يا جماعة من رأى منكم فلان بن فلان -يعني: نفسه- ضاع منا ونريد من وجده أن يسلمه إلى مركز آل فلان. والسنة أنه إذا سمعت إنساناً ينشد ضالة أن تقول: لا ردها الله عليك، فقام الناس في المسجد، وقالوا: لا ردها الله عليك، لا ردها الله عليك، فأخذ طريقه من بابٍ ثانٍ وترك حذاءه وعاد خجولاً في البيت وأقسم ألا يتكلم، ثم وفقه الله أن سافر إلى باكستان، وسافر بين العجم هناك يقول: كنت أتكلم فآتي بها منكوسة معكوسة، فيقولون: هذا خطيب العصر، قال: فلما تدربت، والمثل يقول: تعلم الحلاقة في رءوس الأيتام!! تدربت فعدت إلى الجزيرة فأصبحت من أخطب الناس، فالأمر يحتاج إلى تدريب. والأمر الثاني: أنه لا يحتاج الناس أن يكونوا كلهم خطباء، هذا صحفي ينصر الإسلام بقلمه، وهذا إداري ينصر الإسلام بإدارته، وهذا طبيب، وهذا مهندس، لا يحتاج أن يكون كل الناس متحدثين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يحتاج أن تكون كـ سحبان بن وائل، لكن يحتاج أن تكون صادقاً مع الله، توصل كلمتك بلينٍ ورفق حتى ينفع الله بك.

بعض طرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

بعض طرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Q هل يعتبر إهداء الشريط أمرٌ بمعروف ونهيٌ عن منكر، ومن النصيحة؟ A نعم! من أعظم النصائح، وأنا أعرف بعض الناس ما اهتدوا إلا بواسطة الشريط، وأنت عليك أن تدخل الشريط للعصاة والمعرضين فيكونوا في ميزان حسناتك فكأنك دعوتهم.

مخالفة السنة واتباع الأعداء

مخالفة السنة واتباع الأعداء Q اشتهر بين الناس مخالفة السنة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فما هو تعليقك على هذه المأساة؟ A نشكو حالنا إلى الله، جعل الله لنا إماماً وأستاذاً ومعلماً، فقال كثير من الناس: لا نرضى به، قالوه بلسان حالهم، لا يرضون بمحمد صلى الله عليه وسلم وقد جعله الله إماماً، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] خالفوه ظاهراً وباطناً، وبعضهم يخالفه في بعض الجزئيات ويوافقه في البعض الآخر، ويقول: الدين سعة، وهذا قشور، وهذا -والعياذ بالله- من الخذلان، ولن يجد الإنسان طعم الفوز إلا باتباعه، ولا تفتح الجنة بعد رسالته إلا من طريقه عليه الصلاة والسلام. يا مدَّعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك الباب تدويناً وتهوينا خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا اتباع محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من اتباع مايكل جاكسون، يقولون: لو أسلم أسلم كثيرٌ من الشباب، اهتدوا، ولو ربى لحيته ربوا لحاهم، هذا عجيب! محمدٌ عليه الصلاة والسلام القدوة الذي أنزل الله الاقتداء به أمراً من السماء، وهذا الرجل سواء أسلم أو لم يسلم، وإلا فالصحيح أن في بعض الروايات أن من أخبار الصحف التي تشابه الصحف الإسرائيليات أنه أسلم، ونقول: هناك ثلاثة أسئلة، أسلم أنقذ نفسه، آمن الحمد لله، اهتدى عرف الطريق، قالوا: كان يعيش في ظلام، قلنا: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] قالوا: ورأى النور، قلنا: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة:257] قالوا: اعتزل الفن، قلنا: وأين أبناؤنا أهل الفن، وأهل الكمنجة؟ وأهل قسماً بمبسمك الشهي؟ أو أروح لمين ومين سيرحم أسائي؟ إبليس، أو هل رأى الحب سكارى مثلنا؟ ما رأى أفشل منك في الحياة، أو يا ونة الونيت يوم صليت، وانت غراباً طارداً لحمامة. سبحان الله! الناس يطاردون القلوب ليهدونهم وأنت مع حمامتك ودجاجتك صباحاً ومساءً، جمع طوابع، ومراسلة، ومطاردة حمام، هذا مايكل إن أسلم فقلنا: زاد واحد في المسلمين، وما عليه فقد أسلم الشهداء والعلماء والزعماء وركبوا في سفينة محمد عليه الصلاة والسلام، وإن لم يسلم فليس بعجيب، ولكن ماذا يقول الشباب في قصَّاتهم وفي تشبههم بـ مايكل وأمثاله وأشرابه وأضرابه، ألا فليتقوا ربهم، ألا فليستحوا من الله عز وجل.

مخالفة المرأة أوامر الدين

مخالفة المرأة أوامر الدين Q قرأت هذا الشهر منشوراً للمرأة في بعض المنشورات يقول الشاعر: سيري كسير السحب لا تأني ولا تتعجلي لا تكنسي أرض الشوارع بالإزار المسبلِ أما السفور فحكمه في الشرع ليس بمعضل ذهب الأئمة فيه بين محرم ومحلل ويجوَّز الإجماع منهم عند قصد التأهل ليس النقاب هو الحجاب فقصري أو طولي فإذا جهلتي الفرق بينهما فدونك فاسألي من بعد أقوال الأئمة لا مجال لمقول لا تبتغي غير الفضيلة للنساء فأجملي الكاتبة: باحثة البادية A أقول: هذه الكاتبة جاهلة من البادية، رعديدة أتت من البادية. أولاً: الذي كتب هذا الشعر رجل أو امرأة جاهلٌ بدين الله الواحد الأحد، مفتري على الله، قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116]. قائل هذا الشعر لا يعرف من دين الله إلا كما يعرف الحمار من ملة أهله أو من ميزانية أهله، هذا أحد رجلين إما جاهل متخرس في الشريعة، أو زنديقٌ مجرم، وحسيبنا الله عليه. أما قوله: (سيري كسير السحب لا تأني ولا تتعجلي) فلا أدري ماذا يقصد بذلك، ولا مشاحاة في سير المرأة إذا تأدبت واستترت وتعطلت وتجلببت بالحجاب، وخافت من الواحد الوهاب، وتذكرت يوم الحساب، وأما قوله: (لا تكنسي أرض الشوارع) فإنه ينبي عن بذاءة فيه، وعن غلٍ للإسلام، ومخالف للسنة، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: {أنه أمر أم سلمة أن تطيل في ذيلها شبراً، قالت: لا يكفيني، فزادها صلى الله عليه وسلم شبرين حتى تجره جراً} وهو فعل نساء المؤمنين والصحابيات والتابعيات وعليه فتوى أهل العلم، وهو قول المحدثين، ولا أعلم قولاً خالف هذا إلا قول متهوك أتى بعلمٍ من باريس أو من واشنطن، أو نيويورك فعليه من الله ما يستحقه {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] حتى تقول أم سلمة: {يا رسول الله! يمر على البلل وعلى الشيء من الماء، قال: يطهره ما بعده} فمن جرها رضوان الله عليها للإزار وصفه بذلك: حوراً حرائر ما هممن بريبةٍ كظباء مكة صيدهن حرام يحسبن من لين الكلام روانياً ويسدهن من الخنا الإسلام هناك يقول: يخفين أطراف البنان من التقى ويقتلن بالألحاظ مقتدرات فقوله: (لا تكنسي أرض الشوارع) دعوة إلى السفور، وإلى لبس القصير، وإلى تحويل المجتمع إلى مجتمع بهيمي حيواني شهواني، تلبس فيه المرأة القصير، فانظر كيف انعكست الآية شبابٌ يكنسون الشوارع بثيابهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالتقصير وما قاله للشباب هذا المتقول على الله لم يقله للشباب بل قاله للفتيات، والرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بإطالة المرأة لثوبها حتى يستر جسمها وينزل الأرض، ويقول هذا: قصري! يا معكوس الإرادة والعقل إنه ما وعى قلبك الوحي، وما استنار قلبك بالقرآن والسنة، ولو عرفت الطريق ما انقلبت في ذهنك المفاهيم. ولكن كيف يسعى في جنون من عقل؟ ولكن نقول لك: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ وينكر الفم طعم الماء من سقم السقم فيك، والرمد في عينيك، والشريعة محجة بيضاء ليلها كنهارها. (لا تكنسي أرض الشوارع) أنت وأمثالك لما أطلتم الثياب قصر النساء الثياب، ولما أطال أمثالك الثياب وكنسوا بها الشوارع ضيعنا فلسطين، وأفغانستان، وضيعنا مجدنا. جولد مائير في مذكراتها تخبر بفشل العرب، طائراتها كانت تغطي شعاع الشمس، وكان شباب العرب مع كوكب الشرق يوم تغني ذاك السحر الحلال، المحرم عند القلوب المحرمة، تحجب شعاع الشمس، والشباب يكنسون الشوارع بثيابهم: فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارنا الخطب وقاتلت دوننا الأبواق صامتة أما الرجال فماتوا ثم أو هربوا ولكن لما قصر السلف ثيابهم واعتبروا بالسنة، فتحوا الدنيا، أصبحنا في حدائق الأندلس، وأمسينا ونحن على اللوار وطشقند والسند، وذهب عقبة بن نافع يقول للمحيط الأطلنطي: [[والله لو أعلم أن وراءك أرضاً، لخضت هذا الماء بفرسي لأرفع راية لا إله إلا الله]] كنا أمجاداً لما اتبعنا السنة، فلما عكسنا الآية، وقلنا للمرأة: قصري وللشاب أطل ثوبك!! انعكست مفاهيمنا، وذهبنا شذر مذر. اللهم أعد شبابنا وفتياتنا إليك، اللهم لا تسمع سامعاً هذا الكلام، اللهم لا تجعل مثل هذا وأمثاله يتولون على عقول الناس فيفسدون إراداتهم. وأما قوله في الإزار المسبل، فالإزار المسبل للرجل وليس للمرأة، ولعلك ما قرأت حرفاً من الشريعة، ولو كان الأمر بيدك وأمثالك لخطب الدجال على المنابر، لكن هنا في البلاد ولاة أمر قاوموا على (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وهنا دعاة وعلماء وشباب صحوا وأقبلوا إلى الله. أحد الناس له مقطوعة نبطية في شباب الصحوة، وأنا لا أؤيد الشعر النبطي ولا أحبذه، وهو يفسد القرآن، لكن من قاتل بسكين النبطي أو العربي خدمة للإسلام، قلنا حياه الله: انظر الفجر زاه بالوفاء قد تجلى مثل وجه المصلي في عبق فرض الصلاة مثل طلعة شباب بالتقى قد تحلى كن منطوقهم بالحسن سكر نبات من فتح غيرنا الدنيا وزكى وصلى يوم هتلر ونابليون في الفاحشات نصرنا يا عرب من ربنا قد تجلى قرب الجيش والبارود والطايرات أما أنت يا أخي! يا هذا الكاتب! فيكفي لك الموسيقى والعود والكمنجة واترك شباب الإسلام، وولاة أمر الإسلام، وعلماء الإسلام يلهجون بذكر الجنة، ولا أزيد فيكيفه هذا، وسوف أعارضها بقصيدة إسلامية لعلي أكتسب الأجر في دمغه {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ} [الحج:36].

المجاهدون الأفغان

المجاهدون الأفغان Q توجد صناديق للتبرع للمجاهدين الأفغان وهم في أمس الحاجة في هذه الأيام؟ A المجاهدون الأفغان أهل السنة، أهل العمائم، أهل اللحى، أهل لا إله إلا الله، الذين تركوا جرباتشوف وبرجنيف لا يساويان دجاجتين، نعم. أخزوهم أمام العالم. يونس خالص دخل البيت الأبيض -الأسود سود الله وجهه- فقال: لـ برجنيف: أسلم تسلم يؤتيك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم كل أمريكي على وجه الأرض. هيئة الإذاعة البريطانية في أول يوم احتلت فيها كابل يقول المذيع في أضواء حول العالم: وقد خرج الأفغان من مساجدهم يحملون البنادق وهم يقولون في الشوارع: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبدا والشيوعية فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ يسعى فيعثر في سروال خيبته في أذنهم الرصاص الحق حرصان ردوه كالقرد لو بيعت سلامته بشعبه لشراها وهو جذلان الصناديق تنتظركم وأسألكم بالله أن تتبرعوا، علَّ الله أن يدخلكم الجنة بهذا النصر الأكيد، لقد حقق المجاهدون في عشر سنوات ما لم تحققه الدول العظمى، لقد بينوا للناس أن المستقبل للإسلام، وأن الإيمان سوف ينتصر على ولايات الشيوعية، وجمهوريات روسيا التي هي كل يومٍ تساقط. لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب إلا بذاك الجهاد الرصاص ولا إله إلا الله، البارود ولا إله إلا الله، الموت ولا إله إلا الله، الكفن ولا إله إلا الله، أما المعاملات والمعاريض والملفات لـ هيئة الأمم المتحدة قالوا: كفرنا بها وآمنا بالله، وذبحوهم على الطريقة الإسلامية.

حكم مقاطعة المرأة لأبناء بنتها المتوفية

حكم مقاطعة المرأة لأبناء بنتها المتوفية Q أنا امرأة ولديَّ بنت متوفية ولديها أربعة أطفال، وقد حصل بيني وبين والدهم سوء تفاهم فمنعهم من الحضور عندي، وأنا عاجزة وما أجد أحداً يصلني إليهم، علماً بأنهم صغار لا يستطيعون الحضور، وسؤالي: هل عليَّ إثم مقاطعتهم؟ A أنا أقول لكِ: التصرف لوالدهم وهو الذي يملك عصمتهم، لأني فهمتُ أنكِ جدة لهؤلاء الأطفال، ووالدهم هو المسئول عنهم، فإذا منعهم عنك من أخذهم لبيتك، فاتقي الله وزوريهم ولا تشددي في أخذهم، لأنكِ لا تملكين عصمتهم، أو رعايتهم، أو ولايتهم، بل والدهم هو الذي يملك ذلك، لكن أرى أن تتلطفي وتصليهم، وأن تبريهم وأجركِ على الله، وخذي بالأثر: {إن الله أمرني أن أصل من قطعني، وأن أعفو عن من ظلمني، وأن أعطي من حرمني}. وما دام أنكِ عاجزة، فلا يلزمها إلا وليها، وهو أقرب الناس إليها أن يقوم بها، أما هؤلاء فإن لم يقوموا بها ولم تستطع الذهاب إليهم فهي معذورة، أما القطيعة فأي شيءٍ تستطيع أن تدفعه للمسلم أو تقدمه لهؤلاء الأطفال فعليها أن تفعل. على كل حال يبقى في السؤال جزئيات لابد أن تسأل هي بنفسها أو توضح مقصودها من الزيارة ومن هذه القرابة وما هي أساس المشكلة وملابساتها. وأسأل الله عز وجل أن يرينا وإياكم الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الشيوعية إلى الهاوية

الشيوعية إلى الهاوية إن لله سبحانه وتعالى سنناً في خلقه لا تتغير ولا تتبدل، ولذلك ما طغى طاغية وتكبر وتجبر إلا قصمه الله وأذله، وما سارت أمة من الأمم، أو فئة من الفئات أو جماعة من الجماعات على غير نهج الله؛ إلا أبادها الله ودمرها كما دمر الأمم السابقة، والسقوط في الحقيقة إنما هو سقوط المبادئ لا الأشخاص، وبانهياره ينهار الأشخاص، وأي مبدأ مخالف لدين الله فهو ساقط مهما طال الزمان.

أسباب سقوط الشيوعية

أسباب سقوط الشيوعية إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عنوان هذا الدرس: (الشيوعية إلى الهاوية) وهو حديث الساعة وقضية الزمن، وهو حدث هائل هز العالم، ولا بد أن يتكلم عنه الدعاة، وأهل العلم ويفيضوا فيه، وتكون الأمة على مسمع ومرأى من هذا الحدث الهائل، وما هي قدرته سُبحَانَهُ وَتَعَالى وتأثيره، فسبحان الذي يغير ولا يتغير: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] ويقول سبحانه تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] وهو سُبحَانَهُ وَتَعَالى، الذي يغير هذه الدول ويبيدها. حارت الأفكار في قدرة من قد هدانا سبلنا عز وجل فاترك الحيلة فيها واتكل إنما الحيلة في ترك الحيل ثم ليعلم المسلم أنه لا يقع في الكون من صغير ولا كبير، ولا تولية ولا عزل، ولا غنى ولا فقر، ولا قوة ولا ضعف، ولا سلم ولا حرب، ولا نصر ولا هزيمة إلا بقدرة القادر، فإن الله يقول عن نفسه: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]. قال ابن القيم رحمه الله: يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويجبر كسيراً، ويعافي مبتلىً ويولي هذا ويعزل هذا، ويملك هذا وينزع الملك من هذا، فلله الحكمة المطلقة، وله القدرة النافذة، جل اسمه. يقول أبو العلاء المعري: تقضون والفلك المقدر ضاحكٌ وتقدرون فتضحك الأقدار والمعنى: أنكم أنتم تحاولون أن تبنوا شيئاً والله يريد هدمه، وتريدون أن تمضوا شيئاً والله يريد إيقافه، وتريدون إحياء شيء والله يريد إماتته. دخل القاضي عبد الجبار المعتزلي على أبي المعالي الجويني والقاضي عبد الجبار المعتزلي على مذهب المعتزلة وهم لا يرون أن الله يقدر المقادير سبحانه، وهو رأي مبتدع أخذ من المجوس، وهم يرون أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لا يدري بالأمر حتى يقع، وهذا كذب، أبو المعالي الجويني أشعرياً لكنه أهدى وأقرب إلى السنة من القاضي عبد الجبار المعتزلي. قال القاضي عبد الجبار: سبحان من لا يقدر الفحشاء، وهذا فيه كلام وفيه دغل، ومعناه: أن الفحشاء تقع والله لا يقدرها، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام:112] وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} [يونس:99] وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام:107] قال أبو المعالي الجويني: سبحان من لا يقع في كونه إلا ما يشاء. إذا علم هذا -أيها الإخوة- فليعلم أن الشيوعية الآن تهوي إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، أي: إلى غير رجعة، فما هي أسباب هذا السقوط والانهيار؟ وما هي أسباب هذا الموت والدمار؟ وهل لقدرة الله تأثير؟ نعم والله فإن الله تعالى يقول: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54] وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. أسباب سقوط الشيوعية سبعة أسباب: 1 - الشيوعية خالفت فطرة الله قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]. 2 - الأنظمة التي واجهتها الشيوعية سواء كانت مهتدية كالإسلام أو ضالة كـ الرأسمالية، كانت مصيبة في عدائها للشيوعية في المذهب الاقتصادي، أو في الحوار والرأي أو في الحكم والقرار، وكان لهذا الوقوف من جانب الإسلام والرأسمالية أعظم الأثر في انهيار الشيوعية. 3 - الجماعة التي لا تجتمع على الحق لا بد أن تتبدد في الأخير، وهي سنة الله عز وجل، فـ الشيوعية قامت بالثورة عام (1917م) ولم تكمل اثنتين وسبعين سنة إلا وهي تعلن الانهيار والموت، والإسلام عمره الآن (1500) سنة أو نحو ذلك، وهو سوف يبقى حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وكلما بقي وكلما استمر أعلن شموخه وعزته. 4 - شب الأفراد عن الطوق، وذهبت عبودية البشر، فإلى متى يبقى الإنسان عبداً للإنسان؟ 5 - قوة وسائل الإعلام الغربية في تدمير الشيوعية في نفوس أصحابها بما تعرضه عليهم من مغريات، وما تطاردهم في أنفسهم من حاجيات، ومن فقر مدقع وعوز وضعف. 6 - مصير العسف وخاتمة الجبروت الهاوية. 7 - الجهاد الأفغاني يمكن أن يكون سبباً سابعاً وإلا فالبعض يرونه السبب الأول وأنا أقول هو السابع.

مخالفة الفطرة من أسباب سقوط الشيوعية

مخالفة الفطرة من أسباب سقوط الشيوعية أيها الناس: يقول سيد قطب رحمه الله: تحققت سنة الله عز وجل فيمن أعرض عن منهجه، والله يقول في كتابه لمن لم يهتد، ولمن حكم أنظمته على حكم الله الذي أنزله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الوحي السماوي الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، يقول لأبنائه سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو دولاً أو شعوباً، قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] يؤخذ من الآية. أولاً: أن من لم يهتد بنور الله فهو فاسد المزاج ضعيف العقل. الثاني: أن الله له بالمرصاد فلا يتمم عمله، والله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] والله يقول: {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف:52]. الثالث: أنه لا بقاء إلا لدينه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] فـ الشيوعية خالفت فطرة الإنسان، والإنسان مفطور على أن هناك رباً وإلهاً يوحَّد، فقد أتت بمقولة كارل ماركس وقالت: (لا إله والحياة مادة) وليس في الكون إله، والإله الذي زعمته الأنبياء والرسل على حد قولهم أسطورة لا حقيقة له. الأمر الثاني: أنها قالت: يمكن أن يعيش الإنسان بدون دين، وبلا عقيدة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: {كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والله يقول: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] [الروم:30] ويقول: {هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:1 - 2]. ففرت من العبودية لله، وجعلت العبودية للبشر، لـ لينين واستالين، وغيرهم من عملاء الأرض، ومن الخونة للشعوب ومن قاتلي الإرادات، إذاً فلن تتصور الشيوعية التصور الجميل للأحداث، لا للكون ولا للإنسان ولا لله، أما الله فنفته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وألحدت به، وكذبت بالألوهية، وأما الإنسان فجعلته عبداً للإنسان. ولا يعرف في تاريخ الناس منذ أن خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ذلة وضعف الإنسان وعبودية الإنسان واستخزاء الإنسان إلا في الشيوعية. حدثنا بعض الدعاة الذين ذهبوا إلى موسكو في فترة برجنيف في مهمة علمية كان لا بد أن يذهب إليها، يقول: والله لقد مررنا بمعسكرات للناس حتى ظننا أنها معسكرات الحيوان، وفيها البشر الذين أخطئوا أو أرادوا الخروج على الشيوعية أو أرادوا كسر هذا الحاجز، أو أرادوا أن يبدوا حوارهم، رأيناهم في معسكرات من شباك وأسلاك شائكة وهم يعلفون كما تعلف الأنعام تماماً، يوصل إليهم الخبز والماء، وعندهم دورات مياه، وقد رأيناهم ألوفاً مؤلفة وراء الأسلاك الشائكة كالحيوانات تماماً. ثم تصورت الشيوعية كذلك أن الكون قائم بنفسه، وأنه لا مؤثر له، وأن يد القدرة لا دخل لها في تسيير الكون، وقالوا: الطبيعة خلقت نفسها والأحداث خلقت نفسها، ولا دور للقدرة في ذلك، فكان مصيرها الانهيار والتكذيب، جرباتشوف اعتنق النصرانية على خلاف بين المطلعين، قيل: اعتنقها في أول سنة تولى الحكم هناك، وقيل: قبل الحكم بثلاث سنوات، وقرأت كتابه البروسترويكا، وفي الصفحة الخمسين وما بعدها يعلن ذلك، وكأنه يريد الدين، وكأنه اعتنق النصرانية ولم يوفق لاعتناق الإسلام ولا اهتدى لنور الله، وكأنه ما وجد داعية يرشده لهذا النور الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، فرأى هو أنه لا بد للإنسان من دين، وأن من الخطأ أن يعيش بلا دين فاعتنق النصرانية. ولعلها لظهور دول نصرانية كـ الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا أو أسبانيا وغيرها بهذا الدين، ظن هو أن الهداية من هذا: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116].

الإسلام والرأسمالية قوتان واجهتا الشيوعية

الإسلام والرأسمالية قوتان واجهتا الشيوعية والشيوعية واجهتها قوتان في الأرض، قوة الإسلام وقوة الرأسمالية. والرأسمالية تؤمن بالتملك للفرد، وأن للفرد أن يتملك، وهي على ما فيها أخف من الشيوعية، ونحن لا نقر الرأسمالية ونعتبرها مذهباً خاطئاً اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتربوياً، وهو منهج أرضي سوف يسقط قريباً بإذن الله، لكنها على كل حال، سلمت بحق الفرد، وقالت: لابد للإنسان أن يتملك، بينما الشيوعية تجرده، ولما أتت الشيوعية في عدن، سأل أحد العلماء أحد العدنيين قال له: كيف الشيوعية التي عندكم؟ زعمت أنها سوف تقدمكم، هل قدمتكم؟ هل أطعمتكم خبزاً؟ هل أشبعتكم؟ هل كستكم؟ قال: لا. القائم بطحوه والكادح كدحوه. ويقول المجرم نزار قباني: ماركسيون والجماهير جوعى فلماذا لا يشبع الفقراء وحدويون والبلاد شظايا كل جزء من لحمها أجزاء وهذا الكلام صحيح، يقول: أين هذا الشبع يا ماركسيون؟! في عدن، أو في أثيوبيا، أو في أي مكان، أين شبع الجماهير؟!! الإنسان يكدح من الصباح إلى المغرب، ثم تؤخذ غلته وتقسم على الشعب، فالنائم في الفلة تحت المكيف يأخذ حصته كما تأخذه أنت، وأنت تزرع بطاطس في المزرعة. ووالله لقد رأينا طوابيرهم وهم يأخذون البطاقات ليستلموا حصصهم من السكر والشاي، والطابور الواحد فيه أكثر من ثلاثمائة رجل يريد حصته من حفنة من السكر وهو كادح. والشيوعية ترى أن مال الشعب للشعب، وأن المحصول للجميع ولا بد أن يوزع، وهي النظرية الاشتراكية الخاطئة التي تجعل الذي يتصبب عرقاً ويتعب ويجمع ويدخر، كالذي يخنع في بيته ولا يعمل ولا يبذل ولا يضحي، هذه مما واجهتهم به. أما الإسلام فله قرار آخر؛ لأن الله تعالى يقول: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة:138] والله يقول: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. يقول: هل هناك أنظمة في الأرض أحسن من الله حكما، فهلا أجرى الإنسان طاقته فيما يعود عليه بالنفع مثل: * مصارف الزكاة. * التكافل الاجتماعي. * الصدقة. * كفالة اليتيم. * الحقوق العامة التي سنها الإسلام. * المضاربة. * الاشتراك المالي. * أنواع الشركات. كلها تؤدي إلى أن هذه الأموال تستثمر وتسعد بها الأمة أفراداً وجماعات، ولكن النظرية الإسلامية الاقتصادية لم تطبق إلى الآن، أروني شعباً طبق النظرية الإسلامية الاقتصادية الحقة!! لم تطبق في الأرض إلى الآن، ولم يرها الناس إلا في عهد الخلفاء الراشدين، فإنهم لم يقروا الربا ولم يؤمنوا به وحرموه ورفضوه ولم يقبلوا به أبداً. ولكن العالم الآن يريد أن يرى الإسلام يعلن تجربته الحقة في عالم المال ليقتدي به، ولكن المسلمين الآن يتعاملون بالربا، ولم يقدموا تجربة صحيحة.

الشيوعية باطل لا يدوم

الشيوعية باطل لا يدوم الثالث: الجماعة التي لا تجتمع على حق، وكل جماعة أسست على ضلالة فخاتمتها الانهيار والله يقول: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] يذكرني هذا بكلام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه كما في صحيح البخاري يقول: [[إذا رأيت قوماً يتناجون في دينهم، فاعلم أنهم على دسيسة]] وأي جماعة أو حلف أو أسرة اجتمعت على باطل فسوف يهدم الله الباطل على رءوسهم: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:41] بعض المفسرين العصريين له كلام جميل، يعرض قضايا في الآية منها: * أن الأنظمة الوضعية وإن طالت وعظمت فإنها كخيوط العنكبوت تنهار. * أن الذي لا يؤسس على قرار فإن مصيره إلى الدمار. * أن الأيادي التي ليست يد الله فوقها فإنها خاسرة خائبة، فالله يقول لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10] فما أحسن التعبير! وما أحسن النظام الذي يعيشه المسلم ويد الله فوق يده ترعاه وتحوطه وتحفظه وتكلؤه!! قام كارل ماركس واخترع نظرية الشيوعية هذه وألفها في مذكرة، وأنا صراحة أقول لكم: لقد قدم كارل ماركس لشيوعيته ولنظريته أكثر بكثير مما قدمت أنا وإياكم للإسلام، فمن شاء أن يغضب منكم فليغضب، ومن شاء أن يرضى فليرض، ضحى تضحيات ما ضحيناها نحن لديننا وهو خاطئ، حتى يقول عمر رضي الله عنه: [[اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر ومن ضعف المؤمن]] وهذا أمر عجيب، وهذه مصيبة عظمى أن تجد الفاجر فيه جلد وصبر وتضحية هائلة، وتجد المسلم خائفاً جباناً، خواراً، لا يرفع مبادئه. كارل ماركس كان في بلجيكا ودخل بيتاً هو وامرأته وطفلاه بغير إذن، وكان عليه ثوب مقطع، والسبب أنه ألف نظرية الاشتراكية الاقتصادية؛ لأنه يدعو الناس إلى اشتراك الاقتصاد وهو جائع وعارٍ لم يجد عملاً في بلجيكا ذهب إلى كل مؤسسة وطردته، دخل في أثناء المطر بيتاً، فأتى صاحب البيت فأخرجه هو وأطفاله وسحبه من رجليه وألقاه إلى الشارع، وذهب إلى فرنسا وأدخل الحبس، لأنهم يقولون: يريد أن يثور على الرأسمالية ثم نقل إلى انجلترا وسجن فترات، ومع ذلك ما زال مصراً يسجن ويحبس ويسحب وهو مصر، وفي الأخير طبقت نظريته واعتنقها مليار (ألف مليون) فـ الصين والاتحاد السوفيتي في ناحية، ثم يدخل في ذلك حلف وارسو بما في ذلك تشيكوسلوفاكيا وبولندا ويوغسلافيا. ، هذه الدول الشرقية كلها على نظريته في الاقتصاد، وبعض الدول العربية في ذلك، وتركوا محمداً عليه الصلاة والسلام ورسالته، وسوف يأتي معنا كلام الشيوعيين العرب الآن. في عام (1917م) قام الحزب الشيوعي بالحكم وقتل لينين من الشعب الروسي في أيام معدودة (ستة عشر مليوناً) ومجموع ما قتل من الشعب من الاتحاد السوفيتي (واحد وثلاثون مليوناً) كسكان هذه البلاد ثلاث مرات، قتلهم، وهذه مثبتة في وثائق عن الشيوعية، وفي الموسوعة السياسية، وأعلن ذلك مثل أنور الجندي وغيره من الكتاب. إن الشاهد في ذلك أنه حكمهم بالحديد والنار، وأقام هذه الجمهورية على الجماجم، وفعل استالين أدهى وأمر من ذلك. نخرج من هذا: بأن أي فئة طغت في فترة من فترات التاريخ فإنها سوف تنهار، ولا يغرك أن يستقيم نظام علماني في البلاد العربية أو غيرها في فترة من فترات الزمن، فإن الله أعلن عليهم الانهيار، وأعلن أن هذا الأمر لا يستمر.

الوعي عند الإنسان سبب في انهيار الشيوعية

الوعي عند الإنسان سبب في انهيار الشيوعية السبب الرابع في انهيار الشيوعية: إن الأفراد شبوا عن الطوق، وأصبح الإنسان الآن بدرجة من الوعي، وما أصبح عبداً للإنسان، أصبح عنده تطلع على أن يعلن صوته وحواره، وأن يكون شجاعاً في كلمته، ذهب العصر الذي يجب أن يكون الإنسان فيه حيواناً، يقاد ويضرب ويعلف ويؤمر وينهى، لكن الإنسان أصبح يتطلع إلى مرحلة هي المرحلة العمرية، أتدرون ما هي المرحلة العمرية؟ إنها مرحلة الأوج والقمة التي عاشها الحوار في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك يحييه شاعر وادي النيل ويقول: قل للملوك تنحوا عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها يقول: رجاءً اتركوا هذه الأمور لـ عمر، يعيشها عمرية، الذي يأخذ الدنيا في ساعة، ويسلمها في ساعة، فأصبح العالم الآن يريد النظرية العمرية، نظرية أن يأتي الأعرابي في صلاة الجمعة وعمر بشحمه ولحمه ودمه وإخلاصه وصدقه وهيبته على المنبر، فيقطع عمر الخطبة فجأة ويقول للناس: [[يا أيها الناس: ماذا ترون فيَّ لو اعوججت أو قلت عن الطريق هكذا]] يعني: ملت، وخرجت عن الخط المستقيم في الاقتصاد والسياسة والعدل والحوار والحق، فقام أعرابي من أقل الناس ثقافة بمستوى ثقافة عصرهم -بدوي- ولعلها أول جمعة يصليها مع عمر، فقام من آخر المسجد فاستل سيفه، ثم قال: [[والله -يا أمير المؤمنين- لو رأيناك ملت عن الطريق هكذا لقلنا بالسيوف هكذا قال عمر p>>: اجلس بارك الله فيك، الحمد لله الذي جعل في رعيتي من لو ملت عن الطريق هكذا، لقالوا بالسيوف هكذا]] وحياه عمر وشكره على هذه المقولة. هذا الحوار الذي أحياه الإسلام، حتى الكافر يربط في المسجد ولا يزحزح ولا يزعزعه الرسول عليه الصلاة والسلام، ويأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاقب بعض الناس قبل أن يسمعوا البرهان فيقول الله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة:6]. يقف عمر مرة ثانية ثم يقول: [[بسم الله، أيها الناس اسمعوا وعوا، فيقوم سلمان من وسط المسجد ويقول: والله لا نسمع ولا نعي، قال: ولم؟ قال سلمان: تلبس ثوبين وتلبسنا من ثوب ثوب]]-ثياب قدمت من اليمن في الصدقات وزعها عمر على الناس، ولكنه رجل طويل رضي الله عنه، فثوبه ما أتى إلا إلى الركبة، فأخذ ثوب ابنه عبد الله ووصله بثوبه- قال: [[يا عبد الله بن عمر! أجب سلمان، قال عبد الله بن عمر: نعم، هذا الثوب الثاني هو حصتي من المسلمين وقد دفعته إلى أبي عن رضاً من نفسي وهو حق لي أتصرف فيه كيف أشاء، قال سلمان: الآن قل نسمع ومر نطع]]. فالعالم الآن يتجه إلى النظرية العمرية، ولا يريد أن يكون مستخزياً تحت السياط والقهر والتبكيت من أي جهة كانت من الجهات. نعم. أدرك ذلك العالم الشيوعي، والذي يرى من الأفلام التي تصل من هناك ويراها شهود العيان، أنه لما حوصر جرباتشوف في القرم نزل المدنيون بالأبدان العارية والثياب الممزقة؛ يقفون أمام الدبابات، ويطرحون أنفسهم ويضطجعون على الأرض أمام الدبابات يعارضون الحزب الشيوعي الذي يتولى الحكم، يقولون: لا نريد جرباتشوف، إلى درجة أنك تجد هذا الإنسان المنهك الجائع المتعب الضامئ يريد أن يخالف هذا الطابور الحاشد من الدبابات. نعم. العالم صراحة يحقق شيئاً بنفسه بغض النظر عن الدين، لكن التعددية التي يشهدها العالم سببها أن الإنسان أصبح مثقفاً، وأصبح يدرك ويرى أن له حق الحوار، أي: من حقي أن أبدي رأيي، وأن أعلن حواري وأقول كلمتي دون أن أكون مهدداً بكرامتي أو حريتي أو دمي، فالفرق بين جرباتشوف هذا أو برجنيف أو استالين أو لينين، أنه يرى هو أنه لا بد أن نسمع الرأي الآخر، وهم يقولون: الرأي الآخر نسحقه بالدبابة. هذا من أسباب سقوطها.

وسائل الإعلام أخرجت الشيوعية

وسائل الإعلام أخرجت الشيوعية السبب الخامس: قوة وسائل الإعلام: فالإعلام الغربي سلط شاشاته وأسلاكه وصحفه وصوته ونظراته على العالم الشيوعي في غرب الأرض وفي شرقها، ويطالبهم بالوعود، يقول: أين وعود الشيوعية؟ والفرد منكم يسكن قصراً ويملك سيارة فخمة، ويكون في مرتبة عالية وينعم برغد العيش، بينما نحن في عالم الغرب نسقنا بعض أمورنا التي أعلناها للناس في الرأسمالية، وعلى كل حال بعض الذنب أهون من بعض، والنظرية الاقتصادية الرأسمالية أهون بكثير من النظرية الاشتراكية التي أقامها كارل ماركس، فالإعلام أحرج الضمير الشيوعي، أو الإنسان هناك أحرجه بمطالبه وأوصله إلى جدار مغلق وإلى متاهة، وقال: أين وعودكم؟ وقد تلفظ بها حتى الشيوعيون العرب، فأنا أسلفت لكم قول قائلهم وهو شاعر من فصيلتهم يقول: ماركسيون والجماهير جوعى فلماذا لا يشبع الفقراء يقول: وعدتمونا أن تدخلوا الغاز في بيوتنا والخطوط المسفلتة إلى قرانا، وأن تنيروا لنا الأجواء، وأن تدفعوا لنا اللحم والخبز والماء والكساء، فأين هي؟ كما قلت لكم وكما قال الرجل العدني الذي اعتمر: القائم بطحوه والكادح كدحوه، وهذا أمر معروف، فلما رأى الناس ذاك السلطان الإعلامي، وقوة التأثير الغربي بوسائله، أدرك أنه كان مخطئاً، وأنه كان في حظيرة الحيوان، وأنه كان يسير بلا إرادة، وقد سحب عقله وبرهانه، فتذكر وفكر ملياً، ثم أعلن تمرده على هذا الحكم الجبروتي الناري الدموي الفاسق.

الانهيار عاقبة الجبروت

الانهيار عاقبة الجبروت السبب السادس: إن مصير التعسف وخاتمة الجبروت الانهيار، وأن الظلم لا يدوم، وقد ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فقال: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل:52] وذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه يدمر القرى إذا أعرضت عن منهجه أو ظلمت، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28]. ووالله لقد بدل الشيوعيون نعمة الله كفراً، وأحلوا قومهم دار البوار والخزي في عالم السياسة والعسكرية والاقتصاد والتربية، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} [الطلاق:8 - 9]. وأي عتو أعظم من عتو الشيوعية على الله، أن تقول: (لا إله والحياة مادة) وتجرد قدرة الله عز وجل من الكون، وتنسب التأثير للطبيعة، وتأخذ ملك الله عز وجل فتستبد به، وتجرده سبحانه تعالى من الخلق والأمر قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54] وله القدرة وله التأثير، وله العاقبة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:40]. الشعوب مهما صبرت فإنها لا تصبر إلى درجة أن يكون الإنسان في مسلاخ حيوان، ولا تجمع كلها أبداً على الرضا بالظلم إلى آخر المطاف، فإنها تتمرد في أي مرحلة من مراحل التاريخ، أو أي جيل من الأجيال، أو في أي بقعة من بقاع الأرض، وقد رأينا في تجربة الشاه مع الشعب الإيراني، بغض النظر عن استقامة هذا الشعب، أو عن اتجاهه أو عن ديانته، أو عن حصيلته أو عن مبادئه، لكن رأينا ذاك الرجل وهو يخرج من قصر الظلم والجبروت وهو يحمل الكلاشنكوف، وصوره مثبتة بطائرة هيلوكبتر، ويرش الشعب الإيراني في الشوارع معه جنوده، ويقتلون الناس كما تقتل الحشرات بهذا السائل المبيد، ومع ذلك تخرج الطوابير الأخرى وتعلن تمردها فإذا قتلت أتى الطابور الآخر يزحف بالجثث ويأخذها ويسحبها ويخرج الناس كأنهم من جديد يرفضون الظلم، وفي الأخير انتصرت هذه الإرادة وسحق الظلم إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم. وهذه سنة الله عز وجل، وقد جرب ذلك الجاهليون، حتى يذكر ابن قتيبة: أن الظلم عاقبته وخيمة، وقالوا لامرأة من بني عبس: أين ملوك عبس وقد كانوا يحكمون الدنيا؟ قالت: ظلموا فأُخذوا. وذكر ابن كثير أن البرامكة لما أدخلوا الحبس، قالوا: لـ يحيى بن خالد البرمكي، أبعد الوزارة والإمارة والتجارة أدخلت هذا المكان؟! وقد أدخل مكان لا يرى الشمس سبع سنوات، أدخله هارون الرشيد، والعجيب -سبحان الله- أنه تحقق فيه القول المأثور: {من لم يعرفني سلطت عليه من لا يعرفه، أو من لا يخافني سلطت عليه من لا يخافه} فسلط الله عليهم أقرب الناس إليهم هارون الرشيد، تركهم في السجن سبع سنوات، ما رأوا الشمس، قالوا: بعد النعيم المقيم أصبحتم هنا، قال: دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل غفلنا عنها وما غفل الله عنها. سجن المهدي الخليفة العباسي أبا العتاهية وحبسه، فأرسل له قصيدة من الحبس يقول فيها: أما والله إن الظلم شؤم وما زال المشوم هو الظلوم إلى ديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم فبكى المهدي وأعلن إطلاقه، ولكن الله عز وجل سوف يحكم، وسوف يجمع الأولين والآخرين ويقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] أين الأنظمة الوضعية؟ أين السلطات الأرضية؟ أين الدبابات التي كانت تسحق البشر؟ أين الزنزانات التي كان يجلس فيها الفرد ويباد؟ أين السياط الملتهبة التي كانت تقطع منها جلود الناس؟ أين الكرابيج؟ أين الأسلاك الكهربائية؟ أين البرك الباردة المثلجة التي تمزع الأبشار؟ قال تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] ويقول تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] فأين سلاطينكم وأين كياناتكم وأين قواكم؟ ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً} [مريم:93 - 94] {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} [مريم:80] فكانت نتيجة حتمية أن تصل الشيوعية إلى هذه الخاتمة التي أسعدتنا وأثلجت صدورنا، وتمثلنا فيها بقول أبي تمام: ما ربع مية محفوفاً يطوف به أبهى إلى ناظري من خدها الترب لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب رمى بك الله جنبيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم يصب

مداولة الأيام بين الناس سنة الله في خلقه

مداولة الأيام بين الناس سنة الله في خلقه السبب السابع: أنها سنة الله عز وجل، قال تعالى: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62] وقال تعالى: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّة اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر:43]. يقول ابن الوردي: أين من شادوا وسادوا وبنوا هلك الكل فلم تغن القلل كتب الموت على الناس فكم فل من جيش وأفنى من دول حارت الأفكار في قدرة من قد هدانا سبلنا عز وجل من الذي تولى وما عُزل، وحكم وما انتهى، واستذل وما ذل، وعلا وما أُخذ؟ سنة من سنن الله. إن التجربة الإسلامية في التاريخ تثبت أنه حتى على الأجناس لا بد أن تطوف السنة الإلهية، قاد العرب فترة من التاريخ، فلما توجهوا إلى الموسيقى والبلوت والسهرة الخائبة أعطى الله قيادة الناس للأكراد، فأخذها صلاح الدين ونور الدين مرحلة من المراحل، فلما توجه الأكراد إلى حيص بيص وإلى الضياع وإلى ما لست أدري، أعطاها الله السلاجقة وكان منهم محمود بن سبكتكين وأمثاله، فلما تركوها سلمها الله للأتراك وأخذوها مرحلة، ثم ضاعت شذر مذر، وهي تنتظر الآن من يأخذها ليسلمها إلى عيسى عليه السلام. من الأسباب ولعل هذا السبب الثامن وأنا كنت أسلفت في العناصر أنه السابع:

الجهاد الأفغاني من أسباب سقوط الشيوعية

الجهاد الأفغاني من أسباب سقوط الشيوعية أما الذين يقولون: إن السبب الوحيد هو الجهاد الأفغاني، فأقول: لا. هذه نظرة من وجهة نظري، وقد تكون خاطئة، ذلك أنه كيان ضخم بُني من قبل اثنتين وسبعين سنة على يد أذكياء وعباقرة في مستوى الأرض، ثم أقيم له جيش عرمرم هائل، وتعداد الجيش الروسي في بعض الأنباء، وبعض وكالات الاستخبارات العالمية قد يصل إلى ستة ملايين، وهو أضخم بكثير من الجيوش الغربية، وهو يملك ترسانة هائلة، ولكن مصيبته التبديد والتشتيت؛ لأنه يعيش القهر والاستخذاء. مرة من المرات أنزلوا في منطقة كرواتيا ستين ألف مظلي، شعوب كلها ستحمل السلاح، وقبل ثلاث ليالٍ -وهذا القرار هو من الكنيسة- أعلن التلفزيون الإسرائيلي انزعاجه من وضع جمهوريات روسيا الإسلامية في الاتحاد السوفيتي، إذ تملك جمهورية كازاخستان الإسلامية والتي يحكمها نور سلطان ستمائة وستين رأساً نووياً، وهذه الجمهورية إسلامية، وكان في طرفها البخاري والترمذي والنسائي وسيبويه: أولئك أبآئي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع وهذه الولاية كانت الجمهوريات الاتحادية العظمى تنازعها على الحدود، فأعلن نور سلطان قبل ثلاث ليالٍ: إما كففتم عنا وإلا سوف نستخدم بعض الرءوس النووية، فكفوا. ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم وهذا استطراد، نعم جاء الجهاد الأفغاني، ولكن من ينظر إلى الخارطة وإلى الحدث، وإلى التأثير يرى أنه لم يؤثر بشكل مباشر، فإنه كان في جنوب الاتحاد السوفيتي في بقعة صغيرة في أفغانستان، قام مجموعة صغيرة من الأخيار والأبطال، بضرب جيش هذا الباغي وسحقه وإخراجه، فلم يكن سبباً مباشراً ولكن كان من الأسباب إن شاء الله، وللمسألة كلام وتحتاج إلى تمعن أكثر، وإلى إثبات وبراهين وحقائق من كلا الطرفين.

واجبنا أمام سقوط الشيوعية

واجبنا أمام سقوط الشيوعية ما هي مسئوليتنا أمام سقوط الشيوعية؟ هل المطلوب أن نعلن لكم الأخبار هذه ونسكت، لو كان ذلك لكفتكم هيئة الأخبار والصحف، وهيئة الإذاعة البريطانية؛ أن تستمعوا إليها فتخبركم بما وقع هناك من الضياع والانهيار والدمار، ولكننا نريد أن نحللها تحليلاً إسلامياً من منظور {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ولا إله إلا الله محمد رسول الله، ومن عين {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162].

الاعتبار بسقوط الشيوعية

الاعتبار بسقوط الشيوعية أولاً: الاعتبار بهذا السقوط، وأن وراء ذلك السقوط قوة أعظم منه، فمن الذي يغير ولا يتغير ويبدل ولا يتبدل؟ إنه الله وبكلمة (كن) غيَّر مجريات التاريخ، وأحياناً تجد الأمور مستقرة ومجتمعة، ثم يغيرها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في لحظة، لأنه كل يوم هو في شأن، والله يقول: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18] وكل نظم الأرض سوف تلحق بذلك الرأسمالية واليهودية والعلمانية المتحكمة في كثير من الشعوب الإسلامية؛ كلها سوف تلحق بذلك، فليست هي أقوى ترسانةً وجيشاً من الشيوعية، وليست أكثر عقولاً، بل قد يعلن في كثير من الملفات العسكرية أن الأدمغة التي اكتشفت القنابل الذرية والنووية والهيدروجينية أنها روسية، أو أنها من الاتحاد السوفيتي، والتي كسبت أعظم جوائز نوبل من المعسكر الشرقي، والأدمغة الألمانية هاجرت في فترة من الفترات إلى هناك وأصبحت في تلك الجمهوريات، فلن تكون أقوى من هذا، فمن باب أولى أن تلحق هذه على الطريق، ولكن لكل أجل كتاب، وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً، وعنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى علم الغيب وهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الذي جعل لكل شيء أجلاً وقضاء. الاعتبار من هذا أن الإنسان لا يزهو بقوته، ولا ينسى قوة الله، ولا يغتر بما عنده من شيء، وليعلم أنه ضعيف أمام القدرة الإلهية، قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15].

واجبنا دعوة الناس إلى منهج الله

واجبنا دعوة الناس إلى منهج الله ثانياً: دعوة الناس وتقديم الحق لهم، فقد احترقت أوراق المناهج الأرضية والأنظمة الوضعية، وأصبحت كاذبة فاشلة أمام الناس، وصَدَّق الناس أنه لا ينقذهم بإذن الله إلا الإسلام، فمن يقدم الإسلام، إن الإسلام ليس جبلاً ولا نهراً ولا شجرة، إنما الإسلام يكمن في أناس يحملونه. أتى الخوارج إلى علي بن أبي طالب، قالوا: حكمت الرجال في دين الله، قال: ماذا فعلتُ؟ قالوا: صيرت الحكمين بينك وبين معاوية، فأخذ علي مصحفاً كبيراً -وهذا عند ابن كثير وعند الذهبي - وأخذ يقول: [[يا قرآن يا مصحف احكم بيني وبين معاوية]] ثم يلتفت إلى المصحف ويقول: أما تتكلم؟! والمصحف لا يتكلم، والإسلام لا يتكلم، لكن يتكلم أصحابه ويحكمون، والله عز وجل لو كفى إنزال نسخ من القرآن لكان أنزلها على أبي جهل وعلى أبي لهب ووزعها على أهل مكة بواسطة جبريل، لكن أنزل رسولاً يحكم، والله يقول له: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء:105] ويقول له: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:1 - 2] فأنتم الآن البديل، وأنتم الطرح المعقول، وأنتم الخير المنتظر الذي ينتظره العالم. لكن: إني أبشر هذا الكون أجمعه أنا صحونا وسرنا للعلا عجبا بفتية طهر القرآن أنفسهم كالأسد تزأر في غاباتها غضبا عافوا حياة الخنا والرجس فاغتسلوا بتوبة لا ترى في صفهم جنبا أنتم الآن البديل، قلت لكم من قبل ستة أشهر، وصلت رسالة من أحد الشباب العدنيين من أوزبكستان، وأظنها والله أعلم ولاية في جنوب الاتحاد السوفيتي، أرسلها من هناك وقال: إي والله، هذا شيوعي من عدن يدرس هناك علماً دنيوياً، فهداه الله على يد أناس من الدعاة في تلك الجمهورية الإسلامية، فأعلن إسلامه وهو يقول: المصاحف عندنا في الولاية نتداولها، كل يوم يكون المصحف في بيت لنقرأ كلام الله، العالم بحاجة إلى إسلام، العالم يريد هذا الدين، العالم يريد هذا الإيمان الذي بعث به محمد عليه الصلاة والسلام، فمن يحمله ومن يقدمه؟ أنتم أيها الناس، لقد قدم أولئك لكم الثلاجة والبرادة والصاروخ والطائرة، وهم ينتظرون منكم أن تقدموا لهم حياة الإيمان وحياة الغيب والشهادة، وحياة الدنيا والآخرة والسعادة الأبدية التي تكمن في دين الإسلام. إذاً: البديل هو الإسلام، فقد أعلن كل منهج أنه أفلس وأنه لا يستطيع أن يوجه البشر، لأن الذي يوجه البشر هو الذي خلق البشر، وفطرهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

إرشاد الحكومات الإسلامية واجب على العلماء والدعاة

إرشاد الحكومات الإسلامية واجب على العلماء والدعاة ثالثاً: في سقوط الشيوعية درس للشيوعيين في البلاد الإسلامية والعربية، اعتبروا يا أولى الأبصار إن كان عندكم أبصار، أسيادكم المؤثرون وأعمامكم سقطوا، فكيف بكم أنتم؟! والعجيب أنه لما حاول الحزب الشيوعي أخذ السلطة من يد جرباتشوف قبل أيام، قام الشعب في موريتانيا بمظاهرة يقولون: تعيش الشيوعية، وأرسلت البرقيات من عند العملاء من كل مكان، والأذناب الذين يعيشون على الخيزرانات والسياط الذين جاعوا وجوعوا الشعوب معهم، يرسلون التأييد لهذا الحزب الفاشل، فلما انهار ورجع جرباتشوف قالوا: ما أردنا ذلك، إنما أردنا شيئاً آخر. وسمعت هناك رجلاً اسمه أكرم في الحزب الشيوعي اللبناني في مقابلة بالهاتف مع هيئة الأخبار البريطانية، قالوا له: ما رأيك في هذا الحزب الشيوعي الذي استقل السلطة؟ مع العلم أن الناس يخرجون عراة من بيوتهم ويضطجعون أمام الدبابات يرفضون الشيوعية، ما هو الدليل؟ قال: لا يعني ذلك فشل الشيوعية، فقد أثبتت نجاحها، لكن الفشل فشل من قام بها وأثبتها للناس، قبح الله ذاك الوجه، أصحابها يقولون: فشلت واحترقت وتدمرت وهذا العميل المرتزق أعمى البصر (أعور ويناقر) يقول: لا ما سحقت. مليار شيوعي الآن يعلنون أنهم يريدون أن يخرجوا من ثيابهم ولا يريدون الشيوعية أبداً ويعلنون أنها فشلت، ثم يفاجأ هذا بعدها بأن جرباتشوف يحل نشاط الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي يقول: محذور! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:38] فرأيت الرافعات في موسكو تذهب بواسطة العمال إلى تمثال لينين لتسقطه في الأرض فيسعى الناس من شرفات المنازل ومن الحدائق ويقفزون بالأحذية فيسحقون وجهه، ثم ترفع الرافعة الأخرى على استالين فتسقطه، فيسعون ويدوسونه بأقدامهم، حتى يبيدوا الصور، فما معنى ذلك؟ معناها الخزي والعار، قال تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16].

ترشيد الصحوة الإسلامية

ترشيد الصحوة الإسلامية رابعاً: واجب علينا ترشيد الصحوة وتقديم الأولويات في إصلاح الناس جميعاً، فليس السر في الصحوة أنها تصلح الفرد فقط، وليست المسائل الجزئية التي لا بد منها، لكن ليست هي الأولى أي: ليست رسالتنا أن نطالب الناس فقط بتربية لحاهم، وتقصير ثيابهم، واستخدام السواك، هذا أمر لا بد منه وهو من سنن محمد عليه الصلاة والسلام؛ لكن هناك قضايا كبرى لا بد أن تستهلك أعظم الأوقات وأشرف الساعات في عرضها للناس، كمسألة الإيمان أنه بديل عن الكفر، مسألة الحاكمية للواحد الأحد: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:40] {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:57] وأنه لا يجوز لإنسان أن يتصرف بالحكم في الأرض، وأن الخلافة لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ثم لأوليائه في الأرض أن يحكموا بحكم الله {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26]. من الأولويات: أن نقدم رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام صافية، أنا أتصور أن الشرقيين هؤلاء كالشيوعيين والغربيين الرأسماليين يظنون الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يتمثل في مثل القذافي أو الخميني، أو صدام حسين، ولذلك ما دخلوا في الإسلام، إسلام يخرج لنا هذه النماذج لا نحبه، وهؤلاء في واد والإسلام في واد آخر، الإسلام طبقه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب وأحمد بن حنبل والشافعي وأبو حنيفة ومالك بن أنس وابن تيمية وابن القيم ونور الدين محمود وصلاح الدين وعمر بن عبد العزيز، هذا الإسلام، فوجب علينا أن نقدم لهم هذا التاريخ المشرق، وأن نقدم لهم ماذا فعل الإسلام يوم حكم بحقيقته هذه الأرض، وكيف طوقها بالعدل. وأنا أحيلكم إلى مقالة للشيخ الأستاذ الكاتب الكبير: علي الطنطاوي حفظه الله، في بداية كتابه قصص من التاريخ، اسمها (نحن المسلمين) وهي مقالة جديرة أن تقرأ فإنه طرح طرحاً عجيباً، نظرية الإسلام أمام نظريات أهل الأرض، أولها يقول: نحن المسلمون، سلوا كل سماء في السماء عنا، وسلوا كل أهل الأرض عنا من الذي أعتق الإنسان وكان عبداً، عمر رضي الله عنه وأرضاه يأتيه رجل من مصر قبطي، فيقول: يا أمير المؤمنين! ضربني محمد بن عمرو بن العاص، ابن أمير مصر، قال: ولِمَ؟ قال: سابقته بفرسي فسبقته، وقال: أتسبقني وأنا ابن الأكرمين، فنزل فلطمه حتى لم يعد يدري أين يتجه، فذهب إلى الهيئة العليا، إلى عمر -الذي يوقف الشيطان عند حده- بل يأتي عمر من طريق والشيطان من طريق، عمر الإسلام والعدل والخير- فاستدعى عمرو بن العاص واستدعى ابنه محمداً، وجمع الناس، ولما قدم عمرو لم يدر بالخبر، ولما رآهم عمر قبل أن يُسلِّموا، أخذ الدرة وهي درة فيها علاج يخرج الشياطين من الرءوس، في صيدلية عمر بن الخطاب، شارع {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: والله لا يحول بيني وبينهما أحد، ثم أخذ عمرو بن العاص، فبطحه أرضاً. كل بطاح من الناس له يوم بطوح ثم بطح ابنه محمد ثم أخذ العصا واعتلاهم على صدورهم يضربهم، ويقول: [[متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً]] هذه تكتب بماء الذهب، وأصبحت كلمة عمرية. من واجب شاب الصحوة أن يكون إنساناً مؤثراً، لا يكون سلبياً، ولنعلم أن كارل ماركس قدم لشيوعيته ونظريته أعظم مما قدمت أنا وأنت للإسلام، بل لينين سجن في مرة واحدة ست سنوات في عهد الحكم القيصري، ومع ذلك فهو مُصِرّ وعنيف، هو من قرية من الشمال، حتى أثبت إرادته وحكم، وقد رأينا من الفاشلين والظالمين من ضحى لدينه ومبدئه ولو كان ضالاً أعظم مما ضحى المسلم لعقيدته، وكما سلف معنا، يقول عمر: [[اللهم أني أعوذ بك من جلد الكافر وعجز الثقة]]. ومن الأمور والأسرار أن عمر الإسلام كما قلت لكم: خمسة عشر قرناً وهو لا يزال في نمو وتصاعد حتى تكون العاقبة له، وكما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الخاتمة للدين في أحاديث كثيرة، فسوف يستمر هذا الدين حتى يرث الله الأرض ومن عليها وتقوم الساعة. الشيوعية عمرها اثنتان وسبعون سنة، وهذه السنوات كلها قهر وإبادة، وقد قلت لكم: الشيوعية قتلت في حكمها واحداً وثلاثين مليوناً، منهم ستة عشر مليوناً قتلهم لينين وحده، غير السجون والمعتقلات والتعذيب والتشريد، وسخروف كتب مقالة قبل أن يموت وقد نشرتها جريدة الشرق الأوسط من قبل فترة في عهد برجنيف، وأنذر برجنيف أن الشيوعية سوف تسقط، ويقول: أدركها أدركها، فنفاه إلى جزيرة سيبيريا ثم توفي. وهم صراحة يعلنون هذا، ويعلنون أنهم إلى الدمار، لكن ما استجاب لهم أحد حتى وقعت لهم خيبة أمام العالم، ومصير النظم شرقية كانت أو غربية والتي قامت على التراب وعلى الطين ولم تستمد قوتها من رب العالمين، ولا من دينه القويم، الذي بعثه رحمة للناس، هو هذا المصير، فالأنظمة البوليسية وأنظمة التجسس تسقط بالفعل، وأنظمة الانقلاب الدموي تسقط، وقد شوهد في العالم الثالث أن الانقلابات الدموية التي تتولى الحكم في فترات، إما حكم عسكري أو حكم علماني كافر يتولى في فترة من الفترات، أنها تواجه بالانقلابات المستمرة، انظر الآن إلى العالم الغربي في حكمه كيف استقر في فترة من الفترات، كمثل النظام الأمريكي لأنه من عهد جورج واشنطن إلى الآن ما يقارب ثلاثمائة سنة إلا شيئاً، والآن الرئيس الموجود يشكل الرقم ثمانية وثلاثين أو تسعة وثلاثين، وقد ذكر هنري مانجرو في كتاب الولايات المتحدة الأمريكية أن هذا النظام لا يقبل الفساد في السلطة فـ جونسون لما أخفق في فيتنام أزيح، ونيكسون لما أخفق في فضيحة ووتر جيت أزيح كذلك، وكارتر أزيح، وغيرهم كثير. أما العالم الثالث هذا، فإنك تفاجأ في ست ساعات أن يتولى واحد، ثم يدخل عليه الثاني فيضربه بمسدس ويسحبه كالكلب، ويتولى الثالث ويغتاله بقنبلة، ويتولى الرابع فتجهز له سيارة مفخخة، لأنها ابتعدت صراحة عن مسألة الحوار والنصح وإبداء الرأي، وقامت على الانقلاب الدموي، وعلى الكبت والحديد والنار، ومنهم من قامت على نظرية كافرة في الاقتصاد لم تؤمن بمنهج الله عز وجل بالاقتصاد ومصيرها كمصير أختها، وإياك أعني واسمعي يا جارة: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ} [الأحقاف:27].

مد يد العون للمسلمين من الجمهوريات المسلمة

مد يد العون للمسلمين من الجمهوريات المسلمة خامساً: من واجبنا في هذه المرحلة مد يد العون للمسلمين في الجمهوريات الإسلامية، كل من له استطاعة، وكل من له قدرة أن يمد يد العون فليفعل، وقد سمعت أن كثيراً من الدعاة سافروا قبل هذه الأحداث بشهر إلى موسكو للدعوة إلى الله عز وجل بكثير من الأموال، لأن أبناء البخاري ومسلم والترمذي والنسائي يسكنون هناك وهم ينتظرون من إخوانهم الإسلام والعون والوقوف. من واجبنا كذلك: تصحيح وجهات نظر الناس، لأن الإعلام في أي مكان ليس أميناً في توجيه قدرات الناس ولا طاقاتهم ولا معلوماتهم، وأعلن الإعلام نفسه عجزه أمام الأحداث، وأنه لا يستطيع أن يقدم صورة مشرقة، فحق على الدعاة أن يقدموا هم بأنفسهم الصورة المشرقة بالوثائق والبراهين وألا تعتمد الأمة على ما تسمع أو ما ترى أو يبث، لأننا رأينا أنها تزور الحقائق وتلف، وأنها تبتر وتقدم صورة مشوهة أحياناً أو تختلس وتسرق، فحقيق علينا أن نقدم الصورة الحقة التي تصل الدعاة من وسائل ثابتة وثيقة الصلة بالحق، أو بها ثقة أن نقدمها للناس حتى يكونوا على مرئيات حقة.

الدعاء للمسلمين

الدعاء للمسلمين سادساً: أن على الإنسان أن يمد إخوانه بالدعاء في مشارق الأرض ومغاربها، وفي السحر وأدبار الصلوات، أن ينصر الله دينه، وأن يجعل العاقبة له، وأن يجعل الخلافة في الأرض والنصر والتمكين لأوليائه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا مطلب أساسي. واجبنا نحو هذه المرحلة: أن نتجه إلى تربية الشباب؛ لا على العواطف، لكن على الحق الموروث من معلم الخير عليه الصلاة والسلام، على العلم (قال الله قال رسوله) على الحلقات الهادئة دون أن نربيهم على العواطف المجنحة التي لا تعتمد على حقائق ثابتة، وإنما يكون ضررها أكثر من نفعها.

واجبنا تعرية الباطل

واجبنا تعرية الباطل سابعاً: ومن واجبنا أيضاً خطباء وأئمة ودعاة أن نعري الباطل، وأن نمرغه في التراب وهو أحسن ما يكون، كما فعل شيخ الإسلام طيب الله ثراه، فالذي جعله يحبس وجعل الحديد ووزنه أربعة كيلو في يديه هو تعريته للباطل، وتمريغه للباطل لقد مرغ الجهمية والمعتزلة والبطائحية والاتحادية والحلولية والزنادقة، والحكم الفاشل المنهار الذي يحكم بغير ما أنزل الله عز وجل، ولذلك كان مصير ابن تيمية أن يبقى في الأذهان حياً، ويبقى علمه خالداً، بخلاف غيره من العلماء الذين جمعوا المختصرات في الحواشي، فما زادوا على ما وجدوا إلا أن جمعوا، ولذلك مات بعضهم بموته، ولم يبق له إلا الأثر أي: المخطوطات التي تركها مثاباً عليها، أما العلم الحي المتدفق الذي يتركه ابن تيمية فهو العلم الذي يجب أن نحمله نحن لنحقق للإنسان سعادته ويكمن في تمريغ الباطل: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]. ولا يقل أحد من الناس: إني تدخلت فيما لا يعنيني إذا مرغت الباطل، بل مما يعنيك أن تمرغ الباطل، فإن الله عز وجل أول ما بدأ في سورة البقرة أنه مرغ بني إسرائيل، حتى يقول سيد قطب: لا بد من هذا النسف والإبادة والتدمير لبني إسرائيل. أذكر قصة في رمضان في قرية من القرى، يقول أحد الأئمة: صليت بهم في التراويح وكان معنا شيخ كبير عامي، فقرأت بهم البقرة، واستمرينا إلى سابع ليلة، فالتفت الشيخ فسلم عليَّ بعد الصلاة، قال: أين القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم؟ هذا القرآن كله لبني إسرائيل ما سمعنا القرآن إلا يتكلم عن بني إسرائيل، قال: فرجعت إلى بعض التفاسير ووجدت كلام سيد قطب، يقول: لا بد من هذا النسف والإبادة والتدمير لهم، يقول أهل العلم: لابد من التخلي قبل التحلي، قبل أن تعلن فكرتك لا بد أن تزيل الأفكار الموجودة، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بدأ فنسف بني إسرائيل وأفكارهم ومعتقداتهم الباطلة المدمرة، ثم أتى إلى النصارى وبكتهم، ثم أتى ورد على المانوية. وكثير من أهل العلم يقول: إنه رد على المانوية في أول سورة الأنعام، وعلى كل مذاهب الأرض، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]. قالوا: رد على اليهود والنصارى والمانوية، أما المانوية ففي قوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1] لأن المانوية تقول: إله الخير النور وإله الشر الظلمة، وتجرد الله من الألوهية، حتى يقول المتنبي لـ سيف الدولة: فكم لظلام الليل عندك من يد يحدث أن المانوية تكذب يقول: أنت تنتصر في الليل، والمانوية تقول: الإنسان لا ينتصر، وأنت دست أعداءك في الليل وقطعت رءوسهم في الليل، سيف الدولة هذا البطل، قال: فكم لظلام الليل عندك من يد يحدث أن المانوية تكذب الشاهد من هذا أنك إذا أردت أن تعرض فكرتك: أولاً: أزل الأفكار المنحطة، جنبها طريقك، ولذلك فعل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في القرآن، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1] انظر للتخلية: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:2 - 3] ثم أثبت سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الألوهية لنفسه.

الاحتمالات التي تئول إليها الشيوعية

الاحتمالات التي تئول إليها الشيوعية الفرضيات الآن المنتظرة للاتحاد السوفيتي بعد انهيار الشيوعية ثلاث فرضيات وثلاثة احتمالات: الأول: إما أن تعود الشيوعية إلى وضعها، وهذا احتمال ضعيف، وإن عادت فسوف تعود مهترية وسوف تحكم بالحديد والنار فترة، ثم تذهب إلى غير رجعة، وهي إنما تتمالك صراحة بالحديد والنار، يوم يكون الحديد قوياً والنار ملتهبة والبطش جبروتياً سوف تبقى، ويوم يضعف هذا فسوف تنهار، يمكن أن تعود، من يدري؟ ولذلك لا يغتر الشيوعيون العرب الذي أرسلوا برقيات وهنئوا أنها إذا عادت أنها سوف تطبق الدنيا، لا. أصل الشيوعية في الصين قبل ثلاث سنوات أراد أهلها أن يخرجوا من ثيابهم، لكن أمسكوهم في معرض العدالة، بل هو الظلم الذي في بكين، وسحقوهم بالحديد والنار، وطوقوهم بالدبابات، وطاردوهم في الحدود ومنعوهم، وسوف يخرجون كما خرج الناس في الاتحاد السوفيتي، وقد قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود:81] وهذه سنة الله عز وجل. والاحتمال الثاني: جمهوريات منفصلة وهذا الواقع الآن، ويقول: إنها كارثة، هي كارثة لهم كدولة عظمى، لكنها للإسلام والمسلمين نسأل الله أن تكون أملاً وطموحاً، أن تأتي هذه الجمهوريات وتعلن حكم الله في الأرض, هي تملك رءوساً نووية، وتملك طاقات هائلة وتجارب ومصانع، وتكون قوة للإسلام وللصحوة، وتكون الخاتمة والعاقبة للذين آمنوا، والعاقبة للمتقين، وليس على الله بعزيز سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وقد ذكر الداعية الكبير الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله، في كتابه في التفسير وفي بعض أشرطته، أنه ينتظر وأنه ليس على الله بعزيز أن تحول قوى الأرض بيد الإسلام في فترة من الفترات، فيسيِّر بها ثقافة الإنسان وحضارته، ويحكم بها الإنسان، ثم يدمغ بها الباطل، وهذا أمر قد يحدث، ولا نستغربه ولا نستبعده. احتمال ثالث: موافقة بينهم وبين الغرب على نظام ليبرالي مؤقت، وهذا مثل التعايش السلمي، أن يكون بينهم تنسيق وتعايش سلمي، يبقى هؤلاء ويبقى هؤلاء على نظامهم الذي ارتأوه في مثل مالطا، وفي مثل غيرها من اللقاءات، وفي مثل هنسكي على أن يعيشوا على وفاق دولي، وأن يسكت بعضهم عن بعض، ولكن هذا لن يستمر، وأنا أقول: لعل الله عز وجل يجعل من هذه الأحداث صلاحاً للإسلام: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] وإن العالم الآن لينتظر من المارد يسمونه هم المارد كما يسميه زويمر، لكن أسميه أنا الفجر والفتح، وهو الإسلام أن يكون هو التجربة للإنسان وهو الذي يعيده إلى ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، لأنه هو حكمه سُبحَانَهُ وَتَعَالى وهو الذي سنه للناس وهو أدرى بطموحات الإنسان وطاقاته وآماله وحاجياته, والله يقول: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] فلا أحسن من الله حكماً! ولا أحسن من الله تربية! ولا أحسن من الله نظاماً! ولا أحسن من الله ترشيداً! والشرف العظيم للإنسان أن يتصل بالله، حتى يذكر كثير من العلماء يقول: الشرف أن يتصل الفاني بالباقي والضعيف بالقوي، والفقير بالغني، فنسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته.

معنى السقوط ومفهومه

معنى السقوط ومفهومه هذا كلام الشيخ: سعيد بن زعير. نقطة أبدأ بها بعد الحمد لله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم: تكرر الحديث عن سقوط الشيوعية فما المقصود بالسقوط، وماذا نعني بهذا السقوط؟ وما دلالة السقوط؟ وما هو مفهوم السقوط إن كان هناك سقوط؟ وما هو المفهوم للسقوط إن لم يكن هناك سقوط أيضاً؟ متى نقول: إن نظرية أو نظاماً أو فكراً أو دولة سقطت، فسقوط المبادئ سقوط فكري وسقوط عقلي وسقوط معنوي، وسقوط منطقي، ليس بالضرورة سقوطاً مادياً، وإن كان السقوط المادي بعده هو الخاتمة والنهاية، سقوط الشيوعية في تبدل درجة التمسك. الشيوعية مبنية على نظرية مادية، بدأها الشيوعي ماركس وهيجل وهي نظرية مادية جدلية، ثم تغيرت وآخر أشكال التغيير ما قام به جرباتشوف، وإن كان جرباتشوف شيوعياً، بشكل جديد للشيوعية، وإلغاء المبادئ في الشيوعية وهدم لبعض الأساسيات في الشيوعية، فماذا يعني السقوط في المبادئ؟ هو أن يغير أصحاب المبادئ مبادئهم، لو كان الفكر الشيوعي صحيحاً ما غيره أصحابه، ولذلك إذا رأينا أصحاب المبادئ يغيرونها فهو السقوط، وسوف آخذ هذا المبدأ أو هذا القول فيما يتعلق في سقوط الشيوعية وهو التبدل في المبادئ، تغيير المبادئ، هدم فكرة وإبدالها بأخرى عند الشيوعيين، قد يستمر الاتحاد السوفيتي، قد يوجد جرباتشوف وقد يوجد بعده من هو أشد منه تبديلاً، لكن هذه دلالات على سقوط الذين يحرمون الناس في الاتحاد السوفيتي من التملك في بداية الشيوعية يمنعون أن يكون لك بيت، يمنعون أن يكون لك أي شيء من وسائل الإنتاج، هذا المبدأ الأصلي، وإذا به يتغير ويقبلون التملك لوسائل الإنتاج وللمزارع، لماذا بدلوا؟ لأنهم علموا بأن الذي كانوا عليه غير صحيح، وهذا هو السقوط، دعنا من رأي الرأسماليين أو رأينا نحن المسلمين، هم أنفسهم أحسوا بأن الأسس التي قام عليها النظام الشيوعي غير صحيحة، وهذه قمة السقوط. سقوط الشيوعية معناه: اقتناع الشيوعيين أنفسهم بأن الشيوعية غير صحيحة ولو لم نجد أحداً من الشيوعيين كتب بأن الشيوعية غير صحيحة، فهذا هو السقوط الحقيقي، صاحب الفكرة استبدلها بفكرة أخرى، هذا السقوط الذي حدث للشيوعيين هل سينطبق على غيرهم؟ عندما بدل الشيوعيون مبادئهم، وقلنا: إن هذا هو معنى السقوط؛ فهل سينطبق هذا السقوط على غير الشيوعيين؟ نحن المسلمين نقول: نعم. لكنَّ الشيوعيين والرأسماليين وأصحاب المذاهب غير الإسلامية، يقولون: ما دليلكم؟ أنا وأنتم يكفينا الدليل عندما نقول: يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} [الأنبياء:18] أنتم تؤمنون بهذا وتقبلونه؛ لأنكم تحترمون المصدر الذي جاء منه القرآن، وبأن الله سيقذف الحق على الباطل فيدمغه، لكن أصحاب الفكر الشيوعي المادي، بل وأصحاب الفكر الرأسمالي المادي لا يؤمنون بأدلة تأتي من مصادر نحترمها نحن، لذلك سوف نأخذ دليلاً على ذلك وهو حادث الشيوعية دليلاً على البقية- ما الفرق بين الشيوعية والرأسمالية؟ ولا أريد ما يقال لنا في المدارس؛ لأن الكلام الذي يقال لنا في النظم وفي النظريات كلام ميت لا يحيي في النفوس شيئاً، عندما تدرس النظرية الشيوعية أو تدرس النظرية الرأسمالية، أو يدرس الاقتصاد الشيوعي أو الرأسمالي في مواد الثقافة الإسلامية تدرس تدريساً ميتاً، أقول لكم: ما الفرق ليس مما نقرأ في الكتب، ولكن مما نعايشه في الواقع، ما الفرق بين الشيوعية والرأسمالية؟ أقول: إنه لا فرق بينهما، عندكم أنتم ينبغي ألا يكون فرق بينهما، لِمَ؟ لأن الشيوعية والرأسمالية فكر ضال غير مهتدٍ بعيد عن هدي الكتاب والسنة. الشيوعية والرأسمالية، كلاهما نظام ينظم للناس شئون حياتهم بعيداً عن القرآن وعن السنة، وكل منهج بعيد عن الكتاب والسنة، فهو عندنا ضلال وسقوط، وإن سقط اليوم أو غداً أو بعد غد، وإلا سوف يأتي يوم من الأيام ونقذف بالحق على الباطل فيدمغه؛ شيوعياً أو رأسمالياً أو قومياً أو من أي مصدر، قال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81] قالها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة، قبل الفتح وهو في مكة قبل أن يهاجر لم يقل هذا للكافرين، لكن في قرارة نفسه أنه سيأتي يوم من الأيام وتقال هذه الآية وتسقط الأصنام، كل نظام على وجه الأرض لم يقم على الكتاب والسنة فهو ساقط، دليله عندنا من القرآن قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18] ودليله للماديين الذين لا يؤمنون بالقرآن: سقوط الشيوعية نفسه، سقطت الشيوعية لأنها مقطوعة الصلة بالله، وستسقط الرأسمالية وغيرها من المبادئ، وكل مبدأ ينظم حياة الإنسان أو حياة المجتمع بغير هدى الله؛ فإنه سوف يسقط، المسألة مسألة زمن فقط، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى هو الذي يقدر الزمن الذي تحتاجه الشيوعية لتسقط، وكذلك الرأسمالية والعلمانيون الأذناب في بلاد المسلمين، المسألة مسألة زمن، وكل هؤلاء من الساقطين، هذه واحدة مما يتعلق بمعنى السقوط

دول العالم الثالث والمبادئ

دول العالم الثالث والمبادئ الفقرة الثانية: دول العالم الثالث التي يصنف فيها دول العالم العربي والإسلامي كلها، أو دول العالم النامي، أو الدول النامية، أو الدول المتخلفة. هذا العالم الثالث دوله ما علاقتها بالمبادئ؟ أي: هل هي صاحبة مبادئ ثابتة أم أنها تتحول وتتشكل في المبادئ؟ ومن هي الدولة من دول العالم الثالث صاحبة المبادئ الثابتة التي لا تتغير؟ خذوا من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب من هذه الدول النامية، خذوا علاقتها الدولية وعلاقتها بشعوبها، هل هي لديها مبادئ لا تتغير؟ هل هي ثابتة مثلاً في عدائها للشيوعية؟ في علاقتها السياسية بالدول الأجنبية، هل دول العالم الثالث ثابتة، بمعنى أنها صاحبة مبدأ تقول: الشيوعية إلحاد وكفر بالله، ونحن أصحاب مبادئ إسلامية لا علاقة لنا بـ الشيوعية، هل هذا مبدأ، ومتى يكون مبدأً؟ إذا كان على مر الزمن، وعلى مر الأحقاب، وعلى مختلف الفترات لا يتغير فهو مبدأ، ولكنك تجد من دول العالم الثالث من هي شيوعية تماماً، متحالفة مع الشيوعية، فإذا بها تتحول مائة وثمانين درجة لتصبح رأسمالية، سبحان الله! أين المبادئ؟! هذا مثال، وأريد من هذا المثال أن أصل إلى تقرير ثانٍ مبني على الأول، والأول وصلنا منه إلى أن معنى السقوط هو سقوط المبادئ. الثاني: أن دول العالم الثالث ساقطة بمعنى: أنه لا مبادئ لها، وإذا أردنا أن نطبق، فخذ أي مجالٍ من المجالات، ستجد أنه ليس هناك مبادئ تحكم، دول العالم الثالث، بل تجدها حليفة لليسار ثم إذا بها حليفة لليمين، تجدها شيوعية فإذا هي ليبرالية، تجدها دولة ديمقراطية وإذا بها دولة بوليسية قمعية، تدعو إلى تعدد الأحزاب، وإذا بها مرة أخرى تخرج الدبابات في الشوارع، فلماذا؟ لأنها ساقطة ليس لها مبادئ ثابتة، وسقوط الشيوعية هو في مثل هذه الصورة نموذج، الدول التي ليست لها مبادئ ثابتة هي أيضاً في طريقها للسقوط.

أمثلة لسقوط المبادئ

أمثلة لسقوط المبادئ أضرب أمثلة فيما يتعلق بهذه التحولات، كنت في بلد من البلدان العربية -مثال على عدم الثبات للمبادئ حتى في حياة الناس- والتلفزيون أحد الوسائل التي تعطيك واقع البلد الذي أنت فيه، وهي حقيقة ينبغي ألا تغيب عن واقع كل الناس، إذا أتيت لبلد فافتح تلفزيونها وهو أصدق من يعطيك واقع هذا البلد، فإن كان هذا التلفزيون يعرض مبادئ إسلامية أو شيوعية، أو رأسمالية، أو العهر، أو الفضيلة، فهو أحد الشواهد القوية على ما عند هذا البلد؛ في تلفزيون تلك البلد أروي لكم والله على ما أقول شهيد، كان عنده ندوة قبل المسلسلة، والمسلسلة كما تعلمون عرف إعلامي في كل البلدان العربية، مسلسلة هو تعليم لحياة غير حياة تلك البلاد من خلال المسلسلة، يقدم في ندوة قبل المسلسلة عرض للنظام الاقتصادي اليساري الشيوعي الاشتراكي، ويقول المنتدون وهم ثلاثة: بأن هذا البلد لن يقوم الاقتصاد فيه ولن تتحقق فيه البنية الاقتصادية ولن تنهض فيه الشركات الكبرى، أو ما يسمى بالقطاع العام إلا من خلال هذا التطبيق الشيوعي، أو من خلال تطبيق نظام القطاع العام كما نص في الندوة، وينصرونه ويدافعون عنه، وأنه لا نهضة للاقتصاد إلا بإعادة النظر في الأخطاء التي تمت في التطبيقات التي في القطاع العام أو في القطاع الحكومي، أو في الملكية العامة للشعب لوسائل الإنتاج. ندوة بنصف ساعة كلها تدور حول ضرورة أن يكون الاقتصاد اقتصاداً مبنياً على الملكية العامة، وألا تتاح الفرصة للقطاع الخاص، ولا للأفراد بأن يملكوا، لأن التجربة التي طبقت في هذا البلد هي التي جلبت النجاح، بعد هذه الندوة جاءت المسلسلة، ونترك المسلسلة لا دخل لنا بها، بعد المسلسلة ندوة أخرى، الندوة الأخرى تتكلم على أنه لا نجاح لهذا البلد إلا بتطبيق الاقتصاد الذي يعتمد على الملكية الفردية! وعلى حرية الأفراد بالتملك، وعلى أن الاقتصاد العام والملكية العامة هي التي أثرت على البلد، وأنه ينبغي أن تدفع سياسة اقتصاد السوق والانفتاح على الاقتصاد العالمي، هذا الكلام الذي سمعته في الندوتين من الناحية العلمية ومن الناحية الاقتصادية لا يقبل بأي معيار، كيف أنه في تلفزيون بلد واحد يعرض هذان النموذجان وفي ليلة واحدة؟! فهو أقوى الأدلة على أن ذلك البلد -بل ومعظم البلاد في العالم الإسلامي- لا تعيش مبادئ، بل هي في أزمة مبادئ، تعلن أنها تعيش في هذا المبدأ وتطبق مبدأً آخر، تعلن حربها على المبدأ وتطبق نفس المبدأ، تعلن أنها تلتزم بنظام معين وتمارس غيره، إذاً الدول في العالم الثالث -دول العالم العربي والعالم الإسلامي- تعيش أزمة مبادئ، لأن المبادئ لا تحكم لها تصرفاتها. ما الفرق بين هذه التغييرات وبين ما نسميه في فكرنا وثقافتنا الإسلامية بتجديد الإسلام؟ قضية مطروحة فكرياً وهي خطيرة؟ والمثال الواضح، عندما يقول الشيوعيون العرب: بأن كارل ماركس، ومن أتى بعده في التطبيقات الشيوعية، لم يخرجوا عن دائرة الشيوعية وإنما ممارساتهم هي اجتهاد في التطبيق الشيوعي، بمعنى: أن النظرية الشيوعية باقية، وإنما هي تطبيقات، وبعض المحسوبين على المسلمين اليوم يقولون: إننا في حاجة إلى اجتهاد في الإسلام شبيه بالاجتهادات الشيوعية والرأسمالية في نظمها.

الاجتهاد في الإسلام

الاجتهاد في الإسلام Q ما الفرق بين اجتهاد الإسلام الصحيح وبين هذه الاجتهادات؟ خلاصة الفرق بإيجاز شديد: A الاجتهاد في الإسلام لا يكون مع النص، نصوص الإسلام ومبادئه ثابتة لا يستطيع أي مجتهد كائناً من كان أن يغيرها، وفي المثال الذي ضربه قبل قليل الشيخ عائض عندما قال: إن أبا ذر عندما اجتهد اجتهاداً يحرم الملكية، ويحرم كنز المال رفض الصحابة منه هذا الاجتهاد، وأي مجتهد يجتهد سواء كان عالماً كبيراً أو من أهل الاجتهاد فاجتهاده في حدود فهم النصوص، ودون أن يخالف نصاً للرسول صلى الله عليه وسلم، أو يخالف ما أجمع عليه المسلمون، أو يخالف رأي الصحابي الذي انتشر بين الصحابة ولم ينكروه، أما إذا قال الصحابي رأياً وأنكره عليه الصحابة، مع احترامنا للصحابي وغيره إذا اشتهر، ورفضه مجموعة من المسلمين سواء كانوا من الصحابة أو كانوا مجموعة من العلماء بعدهم فإن هذا اجتهاد لا يعتد به. لدينا الآن مجموعة من المجددين يتحدثون الآن عن اسم التجديد في الإسلام، وأخطر من يتصدى لنا هم هؤلاء المجددون، إنهم يجددون وهم ليسوا من أهل الاجتهاد، ومواصفات المجتهدين في الإسلام لا تنطبق عليهم، وسابقتهم سيئة، لأن معظمهم كانوا من الشيوعيين أو من الليبراليين العلمانيين، ونحن لا نحجب باب التوبة عن أحد؛ لكن ذلك الفاسق أو الضال أو المنحرف أو المرتد عندما قال: إنه تاب أو رجع، نقول: حياك الله، وخذ باب الاجتهاد واجتهد وتقبل الله توبتك، وهذا بينك وبين ربك، أما أن تبدأ لنا بلوثاتك العقلية وتقول بأنك مجتهد، فلا. لا مجال للاجتهاد ممن يسمون: (المفكرين الإسلاميين الكبار) إذا مرت عليك هذه العبارة فضع يدك على قلبك وانتبه، إذا قيل لك المفكر الإسلامي الكبير، أو المجتهد الإسلامي الكبير، أو المجتهد الإسلامي المستنير، فانتبه! فإن أكثر من يحمل هذا اللقب أو تطبل له الصحافة وتعطيه هذا اللقب ممن يجتهدون في المبادئ، ويجتهدون في النصوص، وقطعيات الإسلام لا اجتهاد فيها. من اجتهاداتهم: أن الربا ليس بحرام، وأنه لا تفريق بين الناس على أصل الدين، أعوذ بالله! والله ما سمعت حتى الكافر يقول هذا، الكافر يعرف أنه كافر، فيأتي مجتهد فيقول: إنه مفكر إسلامي وأن التفريق بين الناس على أساس أنه آمن بمحمد أو لم يؤمن به بدعة، ومن المفكرين المجتهدين من يقول بهذا، لكن نحن في حاجة إلى مجتهدين، ليجتهدوا في شيئين: الاجتهاد الأول: أن يعيدوا الناس إلى أصول الدين؛ هذا مطلب. المطلب الآخر: في أن يجتهدوا في تسخير الوسائل الجديدة الحديثة لخدمة أصول الدين، نحن نريد مجتهدين في هذا النطاق، يجتهدون في عودة عقول البشر، عودة عقول المسلمين إلى أنه لا مجال إلا في الأصولية، لا نجاح إلا في الأصولية، تلك الكلمة المفترى عليها، لا نجاح إلا بتمسكنا بأصول الدين، وأدعوكم لقراءة ما كتبه سماحة الشيخ ابن باز في جريدة عكاظ وهو مكتوب من خلال وكالات الأنباء السعودية، وهي كلمة جديرة بأن تقرأ وأن تكتب بماء الذهب. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

لقاء مفتوح في الرياض

لقاء مفتوح في الرياض في هذا اللقاء مواضيع عدة من هنا وهناك، وهي: واجبك نحو المنكرات. كيف تخشع؟ الخطيب المؤثر. الطريق إلى إزالة الحواجز النفسية. وصية للشاب المسلم. هكذا رأيت أمريكا وأهلها! قصائد في مدح العلماء. التكني، وهل يجوز التكني بكنية النبي صلى الله عليه وسلم. أمراض القلوب وعلاجها. وسائل حفظ العلم.

كيف تصبح خطيبا مؤثرا

كيف تصبح خطيباً مؤثراً Q فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب أحب أن يكون لي دورٌ في المجتمع بالخطابة، ولكني أجد في نفسي العجز عن ذلك، فكيف العمل حتى أصل إلى هذا الهدف الطيب؟ وجزاك الله خيراً. A الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أولاً: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. يا رياض الخير قد جئت وفي جعبتي أبها للقياك تسامى حلفت لا تشرب الماء ولا تأكل الزاد ولا تلقى مناما أو ترى الأحباب في نجد فإن لم تجدهم صار ممساها حراما فسلام الله أهديه لكم يا رجال النبل في نجد الخزامى أنا قد أحببتكم في الله ما كان قلبي في سواه مستهاما أما هذا السؤال، وهو أن الأخ يسأل: كيف يكون خطيباً مصقعاً، حذقاً، موجهاً في الأمة؟ الخطابة هي قبل كل شيء موهبة من الله عز وجل، ولكنها تتعلم، وهناك وسائل تحسين، وتدريب، ورياضة، حتى يصل الإنسان إلى مبتغاه، والمقصد أن المسلم ينبغي أن يقصد بعمله وجه الله عز وجل، والله تبارك وتعالى يوزع على الناس المواهب والتخصصات، فكل واحد له تخصص، بعضهم كاتب، والآخر خطيب، والثالث شاعر، والرابع مفتي. فالمقصود أن تخدم الإسلام بالدعوة أينما كانت الدعوة، فالصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا كلهم علماء، ولا مفتين، ولا خطباء، وإنما كان فيهم الخطيب كـ ثابت بن قيس بن شماس الذي استخدم خطابته في نصرة لا إله إلا الله، وفي الدعوة إلى لا إله إلا الله، ومنهم من ليس بخطيب ولكنه مقاتل كـ خالد بن الوليد سيف الله المسلول، فاستخدم سيفه في نصرة الإسلام، ومنهم الشاعر كـ حسان فقد أخذ القوافي يرسلها كالصواعق على رءوس الملاحدة والزنادقة والفجار. إذاً: فعليك أن تعرف تخصصك الذي يمكن أن تخدم الإسلام به، فإن الله عز وجل سوف يسألك عما وهبك من الكتابة، أو من الخطابة أو من العلم، فأخلص مقصدك لوجه الله عز وجل. أما الخطابة فتعتمد على الأمور الآتية: أولاً: على الجرأة، ولذلك يقول ابن قتيبة في عيون الأخبار: "الخطابة عند العرب تبنى على الجرأة، وهي أن تكون جريء القلب ثابت الجنان شجاعاً؛ لأن مقابلة الصفوف ليست بسهلة، ومقابلة الناس أمر صعب، فهذا يأتي بالدربة فعليك أن تدرب نفسك على الخطابة، وعلى الإلقاء، وعلى الدعوة إلى الله عز وجل، وأن تخرج إلى القرى، وإلى الضواحي، فتدعو الناس هناك، فسوف يرزقك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، القبول وسوف يهدي على يديك، وسوف يكون لك باع في الخطابة. ويؤثر أن عبد الملك بن مروان ذكر عنه في تراجمه أنه سئل عن سبب شيبه فقال: صعود المنابر وخوف اللحن. وذكر ابن الجوزي في كتاب الحمقى والمغفلين "أن أحد الخطباء استقل المنبر ليتكلم، فأراد أن يقول: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، فقال: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أشهر، فرد عليه الناس، فقال: والله لقد تقاللت ستة أشهر وأردت أن أقول ست سنوات"فأولها الجرأة. ثانياً: التحضير، وفي صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه وأرضاه لما ذهب إلى سقيفة بني ساعدة، قال: [[فزورت كلاماً في صدري]] أي: هيأه ليتكلم به عند الأنصار في سقيفة بني ساعدة. فعلى الخطيب إذا أراد أن يتكلم أن يحضر العناصر في ذهنه أو الموضوع، ويحفظ الآيات والأحاديث، ولا يرتجل من غير تحضير، فيأتي بكلمة من البر وكلمة من البحر. ثالثاً: بل هو أن يخلص، وأن يدعو الله، ويسأل الله القبول والصدق، فإنه الذي يفتح سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولذلك ذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنه كان إذا أراد أن يتحدث قال: "اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أصول، وبك أقاتل، وبك أحاول، وكان يكثر من الاستغفار كثيراً ليفتح الله عليه. رابعاً: على الخطيب أن يستقرئ أحوال الناس، فيعرف المقام الذي يتكلم فيه، فلا يخاطب أناساً في موضوع ليسوا بحاجة إليه، كأن يذهب إلى أهل البادية الذين لا يعرفون التوحيد، وهم واقعون في الشرك، فيتكلم في البنوك الربوية، وليس عند أهل البادية بنوكٌ ربوية ولا هم يحزنون، أو يأتي إلى مجتمعات في الضلال مرتكسة، فيتحدث لهم في جزئيات. إنسان لم يسلم، ولم يعرف لا إله إلا الله ولا أنواع التوحيد، فيتحدث له عن إسبال الإزار وعن تحريم حلق اللحى. خامساً: أن يراعي الموقف، فيعطي الناس ما يشتهون، فإن كان في خطبة جمعة فعليه أن يقصر ويوجز، وأن يطرق الموضوعات المهمة، وإن كان في درس فعليه أن يطيل وأن يتوسع بقدر الحاجة. ثم مسألة الصوت، ومسألة النبرات، ومسألة النغمات هذه أمور أخرى. ومن أحسن من كتب في الخطابة، كتاب الخطابة مفهومها ودلالتها للشيخ محمد أبي زهرة، وهو من أحسن الكتب في ذلك لولا بعض الملاحظات عليه.

الخشوع من القرآن

الخشوع من القرآن Q فضيلة الشيخ! نقرأ من حياة الصحابة والتابعين أنهم كانوا يخشعون عند سماع القرآن، ويبكون عند تلاوته، ولكني لا أستطيع ذلك، فما السبب الذي يجعلهم يخشعون ويجعلنا أقل خشوعاً؟ وما هو الطريق إلى التأثر عند سماع أو تلاوة القرآن الكريم؟ A الخشوع عند قراءة القرآن والتأثر والبكاء قد مدح الله به المؤمنين، وله أسباب، وكلما عظم إيمان العبد كان أكثر خشية الله عز وجل، ولذلك ذكر الله العلماء ووصفهم بوصف، فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] فمن لم يخش الله عز وجل فليس بعالم، ولو حفظ النصوص واستحضر الأدلة؛ لأن المسألة مسألة خشية، ولذلك قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: "ما فاقهم -يقصد الصحابة- أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكن بإيمان وقر في قلبه". وعن الحسن البصري أنه قال: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل. حتى تقول عائشة كما في الصحيحين {إن أبا بكر رجل أسيف} أي: كثير البكاء، وكثير الحزن، وكذلك كان عمر رضي الله عنه وكان إذا قام في صلاة الفجر قرأ سورة يوسف فما يبلغ قوله: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] إلا وينهدُّ باكياً، وينهد المسجد معه من البكاء. وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد، أن أبا بكر دخل مزرعة رجل من الأنصار؛ فرأى طائراً يطير من شجرة إلى شجرة، فبكى وقال: [[طوبى لك أيها الطائر! ترد الماء وترعى الشجر، ثم تموت لا حساب ولا عقاب، يا ليتني كنت طائراً]] وهذا من خوفه لله عز وجل. أما الأمور التي يحصل بها الخشية -إن شاء الله- فهي: أولاً: الصدق والإخلاص، أن تصدق في نيتك وفي إخلاصك في تلاوة كتاب ربك تبارك وتعالى، فلا تقصد به الناس، ولا ثناءهم ولا مدحهم. ثانياً: أن تتدبر ما تقرأ، وأن تقف مع عجائب القرآن، ومع غرائبه، وأن تستحضر أن الذي يتكلم به هو رب العالمين حقيقة سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأنزله على قلب الرسول عليه الصلاة والسلام. ثالثاً: أن تحزن صوتك بالقراءة؛ تحزن صوتك وتنغم صوتك، علك أن تحزن وأن تخشع. رابعاً: وقد سئل فيه الإمام أحمد، وهو أن تختار لنفسك وقت الراحة، فالشبع الكثير لا يناسب الرقة في القراءة، أو التعب الكثير أو النعاس، وقد ورد فيها آثار، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال عمن قام يصلي وهو ينعس: {فليرقد، لعله أن يستغفر فيسب نفسه} فمن باب أولى قراءة القرآن، فتختار الوقت المناسب لقراءته. خامساً: أن تستشعر قلة المقام بهذه الدار، وأنه كتاب الرحيل، وأنه زاد إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. فإذا تم ذلك، وإلا فادع الله، وراجع فتح الباب من الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، نسأل الله أن يتقبل منا، ومنك، ومن كل مسلم.

واجبك نحو المنكرات في بيتك

واجبك نحو المنكرات في بيتك Q فضيلة الشيخ حفظك الله! أنا شاب ممن هداه الله، ولكني أشكو من المنكرات التي في بيتي، فما هو واجبي نحوها؟ A المنكرات ليست في بيتك فحسب، بل هي في كثير من البيوت، وكثير من المجتمعات، ومن المدن والقرى، ومشكلتنا ليست مشكلة قلة العلم، إنما مشكلتنا الكبرى قلة الدعوة، ودعوة الناس إلى لا إله إلا الله، وتفهيمهم وتعليمهم الناس، وقد سبق في بعض المناسبات القول: بأن هناك في المجتمعات من لا يحسن الفاتحة، وقد اشتغل كثير من الدعاة وطلبة العلم بالرسائل والتحقيق؛ وقد ضاعت الأمة. فمسألة المنكرات ليست في بيتك فحسب، بل هي منتشرة ويرجع إلى فضل الله عز وجل ورحمته، ونحن نرجوه أن يغير الحال إلى الأحسن، ثم إلى جهود طلبة العلم والدعاة أن ينشروا دين الله عز وجل، وأن ينشروا الدعوة والفهم في الناس. وأما المنكرات في بيتك فعليك أن تكون ذا أناة وصبر، فإن بعض الشر أهون من بعض، وحمل عدم الفهم بعض الشباب لما رأوا بعض المنكرات إلى عقوق الوالدين، فعق والديه من أجل بعض الأمور السهلة، فكان كما قيل: ووضع الندى في موضع السيف بالعلى مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى قد يكون في البيت غناء، لكن لا يحملك على ترك البيت، وعقوق والديك، وقطيعتهما لتغير هذا المنكر، فإن عقوق الوالدين من الكبائر، واستماع الغناء معصية، وعقوق الوالدين أعظم فأنا أدعوك إلى الصبر، وإلى الحكمة في الدعوة، والحكمة أن تلين لوالديك، وأن تدعو لهما في كل صلاة، وأن تدعو لهم بالرفق، علَّ الله أن يهديهما على يديك، فإن لم تستطع فعليك بالصبر على أذاهم أو على ما يأتيك منهم، فإن لم تستطع فإن المعاصي منها ما يقاطع عليها، كترك الصلاة، فعليك أن تقاطع أهلك إذا تركوا الصلاة، أما المعاصي فتناصحهم وتصبر حتى يفتح الله عز وجل قلوبهم لك، والله معك إذا أكثرت من الدعاء وكنت صادقاً مخلصاً وأنبت إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

حكم تارك الصلاة وماذا يفعل المذنب

حكم تارك الصلاة وماذا يفعل المذنب Q فضيلة الشيخ، السلام عليكم، أنا شاب حائر أحاول أن أغير من وضعي السيء، فأنا أترك الصلاة أحياناً، وأعمل بعض الأعمال السيئة، ولكني لم أستطع، كلما تركت المعصية راودتني نفسي بالرجوع إليها، فما الذي ترشدني إليه حفظك الله؟ A نسأل الله أن يتوب علينا وعليك، وكفى بترك الصلاة معصية! فإن من ترك صلاة واحدة عامداً متعمداً فقد كفر، وسماحة الشيخ ابن باز يرى أن من ترك الصلاة عامداً حتى انتهى وقتها فقد كفر، فلا يقضيها بعد الوقت؛ لأنه في تلك الفترة قد كفر بالله العظيم، وليس له أن يقضيها؛ بل عليه أن يعود إلى الإسلام، ويعود من جديد، ويتوب إلى الله، ويدخل في الدين. فتركك لبعض الصلوات أو لصلاة واحدة، معناه الكفر نسأل الله العافية، حتى قال بعض أهل العلم من المحدثين: ليس بصحيح تقسيم تارك الصلاة إلى متهاون وجاحد، بل من ترك الصلاة بلا عذر فقد كفر، فعليك أن تتقي الله، كل شيء إلا ترك الصلاة فإنه الكفر. يقول عليه الصلاة والسلام: كما في حديث جابر عند مسلم {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} وعند أبي داود من حديث بريدة بن الحصيب: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} فنعوذ بالله من التاركين للصلاة، ونسأل الله أن يهدي شباب الإسلام، فإذا اهتديت وواظبت على الصلاة، فسوف يهديك الله سواء السبيل، وأرشدك إلى أن تصلي الخمس في جماعة وتحافظ عليها ظاهراً وباطناً، وتحسن خضوعها وركوعها وخشوعها، فإنك إن فعلت ذلك فسوف تهتدي بإذن الله، ولا تنس الدعاء، أما بقية المعاصي فلم يسلم منها أحد. لكن أرشدك إلى أن تعزم على التوبة، وإذا وقعت في ذنب فاستغفر وتب، وأن تفعل من الحسنات ما يمحو السيئات، والله معك.

وصية للشباب المسلم

وصية للشباب المسلم Q فضيلة الشيخ، الشباب المسلم يتألم حين يرى الواقع السيء الذي تعيشه الأمة، وقد يئس من عودة العزة والنصر للمسلمين، فما الذي توجهون به الشباب الذين يعيشون مثل هذا التصور؟ A الحل بأيدي الشباب المسلم، إذا استطاعوا وإذا علموا ذلك، فالحل أن ننطلق بالدعوة، والتوجيه، والتوعية لوجه الله عز وجل، والحل أن نصدق مع الله عز وجل، وأن نبذل مثل ما يبذل غيرنا، أو عشر ما يبذل أعداؤنا، فأنتم ترون بعض الدعوات المغرضة البدعية الشركية كم يبذل دعاتها والقائمون عليها من الجهود، ومن التضحية، ومن الإعلام، ومن المؤلفات، ومن الصحف، والمجلات فما هي مسئوليتنا نحن؟ أم أن ننتظر ونتمسكن ونقول: نفسي نفسي، ونتخشع في بيوتنا فليس هذا بحل، بل نزيد الأمة وهناً إلى وهن، وهزيمة إلى هزيمة، والحق أن ندعو ونوجه بالحكمة وبالتي هي أحسن، ونقود الناس إلى صراط مستقيم. فلو أن كل شاب اهتدى حاول أن يهدي معه شاباً آخر لهداه الله سواء السبيل: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} لكن تجد كثيراً من الشباب المستقيم ركن وانزوى عن المنابر، فلا يخطب، ويخاف على نفسه من الشهرة والرياء، وهذا مدخل عجيب للشيطان، فالشيطان يأتيه من هذا المدخل ليعطله عن الدعوة إلى الله، ويأتي الشباب المتعلم الذي عنده خير كثير من العلم، فيقول: لا تجلس إلى الناس، حتى تتمكن في العلم، ويرسخ قدمك فيظل لا يدعو حتى يموت. ويأتي للآخر الكاتب فيقول: لا تكتب، فإن الكتابة شهرة، ومن هذا القبيل فضربنا الشيطان وشتتنا، مع أن الحل بأيدينا إذا صدقنا مع الله وعز وجل، والناس الآن يعيشون في صحوة والحمد لله، وكم في هذه الصحوة من طالب علم، وخطيب، ولبق، وكاتب مبدع، وإذا استطاع أن يوجه قدراته لخدمة الإسلام فسوف ينصر الله هذا الدين لا محالة.

الطريق إلى إزالة الحواجز النفسية

الطريق إلى إزالة الحواجز النفسية Q أنا شاب محب للخير، ولكني أجد في نفسي حواجز عن مجالسة الصالحين، وأحياناً أترك مجالس الطيبين خشية أن يستهزئ بي الناس، فبماذا تنصحني؟ A هذا الأخ يشكو من الخجل، أو من الحواجز التي بينه وبين الناس، أو العقدة النفسية، وحل هذا أنَّ عليه أن يجالس من زملائه وأقرانه الذين يجرئونه على مجالسة الناس، فإنه ليس واجباً على المسلم أن يجالس الناس، فقد يكون الأصلح لقلبه أن يعتزلهم لبعض الأمور، أما أن تكون لك جبلة حتى يحرمك هذا الخجل عن الفائدة والاستفادة، وتوجيه الناس وتعليمهم فهذا ليس بصحيح. قال مجاهد كما في صحيح البخاري: [[لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر]] فأرشدك إلى تقوى الله عز وجل، وأن تكون جريئاً في مواقف الحق، وأن تبدي ما عندك، فإنك على صراط مستقيم، وأنت لا تخجل، لأنه لا يخجل إلا غيرك، لا يخجل إلا من ضيع شبابه في الغناء والترهات وضياع الساعات، وارتكاب النزوات والشهوات، والمعاصي والمخالفات لا يخجل من أنار الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى قلبه بالقرآن، ولا يخجل من يصلي لله كل يوم خمس صلوات، ولا يخجل من يتوضأ كل يوم خمس مرات لا والله. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا فأنت في مقام الفخر والعزة بالإسلام، فلا تخجل ولا تتأخر، وإنما درِّب نفسك على الجلوس مع الناس، وعلى الأخذ والعطاء رويداً رويداً، وسوف تنحل هذه العقدة بإذن الله.

هكذا رأيت أمريكا وأهلها

هكذا رأيت أمريكا وأهلها Q فضيلة الشيخ! في ذهابك إلى أمريكا، ما هي تصوراتك للإسلام فيها؟ ويقال: إن الشعب الأمريكي يتوفر لديه الصدق، والأمانة، وغيرها مما لا تحضرني الآن، فهل يمكن أن تعطينا نبذة قصيرة عن ذلك؟ A الذهاب إلى أمريكا لا ينصح ولا يوصى به، لكن قد يضطر الإنسان إلى أن يسافر، إما لدعوة أو لعلاج لم يجد له بديلاً في بلاد المسلمين أو لدراسة ينفع بها الإسلام والمسلمين لهذه الأمور، ومن ضمن ما كَتبَ الله عز وجل السفر إلى أمريكا حضوري لمؤتمر الشباب العربي المسلم العاشر، في أوكلاهوما شمال أمريكا، وهذا المؤتمر حضره أكثر من أربعة آلاف شاب مسلم، وحضره ما يقارب خمسين داعية وعالماً ومفكراً. وأقول: إن الأخ حين يقول: إن الشعب الأمريكي شعب صادق وأمين، فهو إما واهم، وإما ناقل خطأً، فقد أخطأ كل الخطأ، بل إن شعب الكذب هو الشعب الأمريكي، وهو شعب الخيانة والعمالة، والضلالة. والجهالة، وقلة الحياء والمروءة، ومن لم يصدق فلينظر إليهم، فهم يعبدون الدينار من دون الله، ولا تجد أبخل منهم في شعوب الأرض، وهم أمة قطع الله الأواصر والوشائج بينهم، يقف الإنسان صاحب السيارة وهو في الثلج من العشاء إلى الظهر في اليوم الثاني لا يجد من ينجده، لأنه تعطلت به سيارته، فيقف، فلا يقف له أحد خوفاً منه، وخوفاً من البوليس، وخوفاً من المتابعة، وإذا انتهى الإنسان من لا إله إلا الله فما عليه إن أصبحت أفعاله كلها ذنوباً وخطايا. ولذلك قلت: ورأيت أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسام قد زادني مرأى الضلا ل هوىً إلى البيت الحرام وتطاولت تلك السنون فصار يومي مثل عام ما أرضهم أرض رأيت ولا غمامهم غمام وعجبت للإنسان مبتور الإرادة والمصير يسعى بلا هدف ولا خير ولا هدي منير مركوزة قدماه في ظل المرارة والسعير زيف من الهالات في قسماته شعبهم الحقير إذاً: فاخلع من ذهنك أنهم أوفياء، أو أمناء وصادقون نعم. هم صادقون وأمناء إذا علموا أنهم سوف يكسبون منك منفعة أو مصلحة، لكن إذا علموا أنه ليس عندك منفعة لهم ولا مصلحة، فلماذا يتقربون منك؟ حتى يحصل الواحد منهم على ثلاثين حسنة عند الله أو أربعين! هو لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا بالجنة ولا بالنار، فهو شعب يعبد الدرهم والدينار، وشعب متمرد على الله، وهو الذي أدخل الشهوات في أذهان المسلمين، ومكر بالأديان في الأرض، ولذلك: فواحش قد أظلمت منها السما والأرض منها أوشكت أن تقصما يقدسون الكلب والخنزيرا ويبصرون غيرهم حقيرا ما عرفوا الله بطرف ساعة ولا أعدوا لقيام الساعة فهم قطيع كشويهات الغنم لهو ولغو وضياع ونغم

قصائد متفرقة في المدح

قصائد متفرقة في المدح Q فضيلة الشيخ، إني أحبك في الله حباً لا يعلمه إلا الله، وبما أن هذا الوقت لقاء مفتوح فأسمعنا من شعرك ما تنعش به النفوس، وجزاك الله خيراً. A أحبك الله الذي أحببتني فيه، وحشرنا وإياك والسامعين في روضة من رياض الجنة أما الشعر فهناك قصائد والذي وصل الآن أربع طلبات: وكلها والحمد لله في المشايخ، كأننا متخصصون في مدح المشايخ، ونسأل الله عز وجل أن يجعل هذا في ميزان الحسنات، وألا يجعل فيه رياءً ولا سمعة، وليسوا في حاجة إلى مدحي، لكن من باب أن يفهم الناس أنا نقدر العلماء وأهل العلم والفضل. فعندنا الآن أربع قصائد في الشيخ ابن باز وابن عثيمين، وسياف وعن شهر رمضان، ونبدأ بالشيخ عبد العزيز بن باز وقد مر في مناسبات أن بعض الإخوة أخبرني أنه سوف يؤلف كتاباً يجمع فيه القصائد اسمه الممتاز في مدائح الشيخ عبد العزيز بن باز، قلت: حبذا لو أسميته نسيم الحجاز في الثناء على الشيخ عبد العزيز بن باز، وكلها سواء لكن بعضها يمتاز عن بعض، ولا بد من النسيم، حتى يكون هناك ثناء عاطر. وأنا أستحسن قصيدة تقي الدين الهلالي؛ لأنها جميلة، وهو محدث كبير رحمه الله وأظنه هو قد وفد على الشيخ، وكان في الجامعة الإسلامية، وقال قصيدة تقارب ستين بيتاً، يقول فيها: خليلي عوجا بي لنغتنم الأجرا على آل باز إنهم بالثنا أحرى وزهدك في الدنيا لو ان ابن أدهم رآه رأى فيه المشقة والعسرا إلى آخر القصيدة. ويقول: المجذوب: روى عنك أهل الفضل كل فضيلة فقلنا حديث الحب ضرب من الوهم فلما تلاقينا وجدناك فوق ما سمعنا به في العلم والأدب الجم فلما أر بازاً قط من قبل شيخنا يصيد فلا يؤذي المصيد ولا يدمي وقصيدتي البازية قلت فيها: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً! لك الله! قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي يا دمع، حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي أغراهم المال والدنيا تجاذبهم ما بين منتعل منهم ومن حافي مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعالي ولم تولع بإرجافَ بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطل في إشراقه الضافي تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصداف إلى آخر القصيدة. ومنها: أراك كالضوء تجري في محاجرنا فلا تراك عيون الأغلف الجافي كالشدو تملك أشواقي وتأسرها بنغمة الوحي من طه ومن قاف يكفي محياك أن القلب يعمره من حبكم والدي أضعاف أضعاف أما الشيخ ابن عثيمين فقد زرناه قبل عشرة أيام في عنيزة في بيته، وجاءنا قبل ثلاثة أيام إلى أبها، يداً بيد، مثلاً بمثل، سواءٌ بسواء، زارنا ليفيدنا، وزرناه لنستفيد منه، المقصد أن البحر هذا الذي مدحت عليه الشيخ وأثنيت عليه هو بحر مسبوق، يقول علي رضي الله عنه على هذا البحر والقافية: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الموت نبنيها فاعمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيش نابت فيها فقلت على هذا المنوال في الثناء على الشيخ: دنياك تزهو ولا تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها عارية المال قد ردت لصاحبها وأكنف البيت قد عادت لبانيها والأينق العشر قد هضت أجنتها وثلة الورق قد ضجت بواكيها يا رب نفسي كبت مما ألم بها فزكها يا كريم أنت هاديها هامت إليك فلما أجهدت تعباً رنت إليك فحنت قبل حاديها إن لم تجرني برشد منك في سفري فسوف أبقى ضليلاً في الفلا تيها قل للرياح إذا هبت غواديها حي القصيم وعانق كل من فيها واكتب على أرضهم بالدمع ملحمة من المحبة لا تنسى لياليها أرضٌ بها العلم أو حاذق فطن يروي بكأس من العلياء أهليها عقيدة رضعوها في فتوتهم صحت أسانديها والحق يرويها ما شابها رأي سقراط وشيعته وما استقر ابن سينا في بواديها ولـ ابن تيمية في أرضهم علم من الهداية يجري في روابيها إذا بريدة بالأخيار قد فخرت يكفي عنيزة فخراً شيخ ناديها محمد الصالح المحمود طائره البارع الفهم والدنيا يجافيها له التحية في شعري أرتلها بمثل ما يرفع الأشواق مهديها إلى آخر القصيدة. وهذه قصيدة اسمها المدوية، أو الإسعاف في إتحاف سياف: سياف في ناظريك النصر يبتسم وفي محياك نور الحق مرتسم وفيك ثورة الإسلام مقدسة بها جراح بني الإسلام تلتئم حطمت بالدم أصناماً محجلة وصافحت كفك العلياء وهي دم ثأرت لله والدين الحنيف فلم يقم لثأرك طاغوت ولا صنم على جبينك من سعد توقده وخالد في رؤى عينيك يقتحم حلق إذا شئت فالأرواح طائرة فعن يمينك من عاهدت كلهم وصغ من المهج البيضاء ملحمة يظل يقرؤها التاريخ والأمم موتاً على صهوات البيد يعشقها أهل البسالة في عليائهم شمم يا موت من تسهر اللذات فتنته حياته في الورى سيان والعدم سياف خذ من فؤادي كل قافية تجري إليك على شوق وتستلم قد صغتها أنت إسلاماً ومكرمة وفي سواك القوافي أشهرٌ حرم كادت معاليك أن ترويك معجزة لكن تواضعك الأسمى لها كتم كأن ما أنت كررت الألى ذهبوا هذا صلاح ومحمود ومعتصم ورمضان له أربعة أبيات: مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام قد لقيناك بحب مفعم كل حب في سوى المولى حرام فاغفر اللهم ربي ذنبنا ثم زدنا من عطاياك الجسام لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلق أسهرنا جنح الظلام

التكني لمن ليس له ولد

التكني لمن ليس له ولد Q ما حكم الكنية بأسماء الصحابة مثل: أبي حمزة، وأبي عمر، وليس له ولد بهذا الاسم، إنما يتكنى بها المتكني تفاؤلاً؟ A الكنية بأسماء الصحابة من أشرف الكنى، والتكني وليس لك ولدٌ جائز في الشريعة الإسلامية، ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه، قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {يا أبا عمير! ما فعل النغير} وأبو عمير أخو أنس طفل صغير كان يلعب بطير معه، فمات الطائر بعد فترة، فكانت مصيبة عند هذا الطفل الصغير؛ لأن الأحداث في أذهان الصغار أحداث عالمية، كأنها الحرب العالمية الثالثة، فأراد صلى الله عليه وسلم من باب الدعوة والدخول إلى قلوب الأطفال؛ لأنه يسبي القلوب ويشتريها. محاسنه هيولي كل حسن ومغناطيس أفئدة القلوب ولذلك يقول الله عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] فأراد أن يقف نفس مشكلة الحزن التي يعيشها هذا الطفل الصغير، ليربيه على لا إله إلا الله، وليس المقصود الطائر، فبعد الطائر عشرة طيور، فدخل عليه الصلاة والسلام وقال: {يا أبا عمير، ما فعل النغير} وهو قد كناه وليس له ولد، فلك أن تتكنى. وهنا فائدة: بعض الزنادقة -والعياذ بالله- يقولون: المحدثون فقط يروون أحاديث وليس لها معنى، ليس فيها فائدة، مثل: {أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها} {ويا أبا عمير، ما فعل النغير} فما هي الفائدة من هذا؟ قال ابن حجر ذكر عن الإمام ابن القاص أو غيره، أنه استخرج من هذا الحديث ستين فائدة، وذكر منها: اللعب بالطائر، وتكنية من لا كنية له، وزيارة الأحباب والأقارب ولو كانوا أطفالاً، والمزاح معهم، والسجع بلا تكلف إلى غير تلك الفوائد. فلك أن تتكنى، والعرب تستشرف الكنية، ولذلك يقول شاعرهم: أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقب كذاك أدبت حتى صار من أدبي إني وجدت ملاك الشيمة الأدب ومن أحسن ما يزرع لك الود في صدر أخيك أن تقول: يا أبا فلان! يا أبا طلحة! يا أبا حمزة! كما فعل صلى الله عليه وسلم صيف ربى الجيل المتجه إلى الله، ويقول: يا أبا بكر، يا أبا حفص، يا أبا الحسن، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

حكم مشابهة الرسول صلى الله عليه وسلم في اسمه وكنيته

حكم مشابهة الرسول صلى الله عليه وسلم في اسمه وكنيته Q إذا تسمى المسلم باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكنى بكنيته، فما هو الحكم؟ A وهناك يقول صلى الله عليه وسلم: {تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي} حديث عارضه يقول: {من أباح اسمي ومن حرم كنيتي} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وأهل العلم على ثلاثة مشارب في هذا: منهم من منع التسمي والتكني مطلقاً، ومنهم من أجازهما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال بجواز أحدهما إما الكنية أو الاسم. والصحيح أنه لا بأس بها إن شاء الله بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فإن الذي يعرف من قرائن النهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يمشي حول مقبرة بقيع الغرقد، فنادى رجل: يا أبا القاسم، فالتفت صلى الله عليه وسلم، فقال: أريد فلاناً ولا أريدك يا رسول الله، فقال: {تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي}. فلما مات عليه الصلاة والسلام، فلنا في الظاهر أن نتسمى باسمه ونتكنى بكنيته، ووجد هذا في علماء الأمة، فـ محمد بن أبي بكر الصديق كنيته أبو القاسم والقاسم بن محمد ومحمد بن القاسم، هؤلاء من ذرية محمد بن أبي بكر وغيرهم كثير من علماء ومجاهدي الإسلام.

حكم التباكي في الصلاة

حكم التباكي في الصلاة Q هل التباكي خلال الصلاة من النفاق؟ أرجو أن توضح لنا ذلك. A الله أعلم بنيتك وقد قال صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالنيات} والله هو الذي يطلع على الضمائر والقلوب؛ فإن القلوب مكان نظر الرب تبارك وتعالى، فالله أعلم، فإن تباكيت خشية لله عز وجل، أو خشعت في صلاتك فلك ذلك، لكن بشرط ألا تخرج بعض الحروف، أو لا تشوش على الناس، أو لا تقطع قراءتك إلا من بكاء لا بد منه. أما التباكي خارج الصلاة فوارد لك إذا قرأت القرآن ولم تبكِ أن تتباكى، لكن لا تقصد بالبكاء غير وجه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. أثر عن الحسن البصري أن رجلاً بكى في مجلسه، فقال الحسن: والله ليسألنك الله يوم القيامة عن هذا البكاء أقصدت به وجهه أم لا، فالله الله في قصد الله بالعمل، وأكثر ما يدخل الرياء، والنفاق، ومصانعة الناس من طريق البكاء، فإن بعض الناس قد يبكي ليظهر للناس أنه خاشع، وقلبه ليس بخاشع، فلا تبك إلا إذا غلبك البكاء، وإذا كنت وحدك فحاول أن تتباكى أو تبكي للحديث: {ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه} خالياً؛ لأنه أصدق وأخلص.

التخلص من جليس السوء

التخلص من جليس السوء Q إذا أتى أحدٌ من جلساء السوء يريد أن يجالسني ويسبب لي المشاكل، فماذا أفعل؟ هل ابتعد عنه؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً! A أنت أدرى بظرفك، فإذا جاءك جليس وكان من المناسب أن تدعوه إلى الله عز وجل فلا تذهب، وعليك باللين والمصابرة علَّ الله عز وجل أن يهديه على يديك، فلا تظن أن الله طبع على قلوب الناس فلا يهتدون، فإن الله هدى أهل الضلالة وكثيراً من المشركين، وقد عبدوا الأصنام، وزنوا، وبغوا في الأرض، وأفسدوا فيها كل الفساد، فلا تظن أن الله طبع على قلوب الناس، لكن تجلس وتحاول أن تؤثر فيه. أما إذا حاولت معه، ويئست منه، فعليك أن تنصرف عنه، لكن لا تقابله بالجفاء فإذا جلس قمت مباشرة، أو إذا صافحك سحبت يدك، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن معاملته مع الناس هكذا، قال تعالى عنه: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] والله يقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] فقد صافح الكفار، وصافح اليهود وصافح المنافقين ودعاهم. فاللين مطلوب، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] فعليك أن تحسن من خلقك بالبسمة وباللين، لكن الموادة شيئ آخر، لا فلا تواده ولا تحبه ولا تصانعه ولا تجامله ولا تزره، لكن إذا بليت به، فكن كأنك لم تسمع وهو لم يقل! حتى يفرج الله عنك وييسر الحال.

حكم الصور

حكم الصور Q ما حكم من يحتفظ ببعض الصور للذكرى؟ A الصور كثر الكلام فيها، وكثرت المؤلفات والفتيا، فالصور لا تجوز إلا للضرورة ضرورة ملحة يحتاجها المسلم في حياته، أما صور الذكرى والتعظيم فهي محرمة، وهذا أحسن ما قيل، وهو الذي يظهر لي والله أعلم.

حكم الوسوسة في الصلاة

حكم الوسوسة في الصلاة Q الذي يفكر ويسرح في الصلاة، ماذا يفعل، هل يسجد سجود سهو أم ماذا؟ A الذي يسرح عليه أن يتقي الله عز وجل قبل أن يبدأ، لأن الهيام أو الشرود أو السرحان في الصلاة على أنواع، منها: ألا تشعر هل قرأت الفاتحة أم لا، وهذا هو عند كثير من أهل العلم يبطل الصلاة، أي: أنك لا تعرف هل قرأت الفاتحة، ولا تعرف ماذا قلت، وأما أن يشرد قلبك خطرات فهذا لا يسلم منه أحد، ولا يمكن أن يتخلص من هذا الوارد؛ لأن الشيطان بعد أن تقام الصلاة يأتي ليوسوس ويقول للعبد: اذكر كذا، اذكر كذا. أما متى تسجد سجود السهو؟ فإذا تركت ركناً أو واجباً من واجبات الصلاة، فعليك أن تتقي الله وتسجد، أما أن تسجد كلما شردت؛ لأنه لم يقم على ذلك دليل، والناس يبتلون بهذا، ولو كان فيه أثر لعُلِمَ ولنُقِلَ؛ لأنهم يبتلون دائماً بالشرود والخطرات والواردات، ولا أعلم أن هناك سجوداً لذلك.

كيف تقنع مدخنا؟

كيف تقنع مدخناً؟ Q كيف يكون النصح والإرشاد للإنسان الذي يشرب الدخان؛ لأن لدي أقارب يشربون الدخان، وأحب أن أكون ناصحاً لهم؟ A يكون النصح بالوسائل التي يهديك الله إليها، منها: أن تلين في التوجيه والتعليم، وأن تعطي المسألة حقها من الاهتمام ومن التوجيه، فإن بعض الناس إذا جاء يدعو شارب الدخان أقام الدنيا وأقعدها على شارب الدخان، وقال: ويل لك من الله، ومن عذاب الله، ومن غضبه ولعنته، وصاح عليه حتى كأنه كفر بالله العظيم، لكن لا بد أن تأخذ كل معصية من المعاصي قدرها، وهذا وهو منهج القرآن، القرآن ذكر الشرك فذمه وعظمه، وأكثر القول فيه، وذكر بعض الذنوب فأعطاها مساحتها وحقها كالغيبة والنميمة، وشهادة الزور. فأنت عليك أن تقوم بدفع هذا المنكر، وتعرف أنه حرام، لكن تعرف أنك تتخاطب مع مسلم يقيم الصلاة، ويخاف من الله عز وجل، فتخاطبه بأن هذا حرام، ويكون الخطاب بالوسائل العلمية، وبالكتب التي ألفت، في ذم الدخان وتحريمه تهديها له، أو تكتب له رسالة إذا رأيت ذلك، أو تتصل به، أو تجلس معه، فتبين له أضرار الدخان الصحية والمالية والنفسية والدينية حتى تقنعه إقناعاً، أما الغضب فلا يقنع أحداً. وربما أحرجته بالغضب وبالتهديد، فجاملك يوماً من الأيام، لكنه لم يقتنع، والدعوة تبنى على الاقتناع.

وسائل حفظ العلم

وسائل حفظ العلم Q يقول السائل: فضيلة الشيخ، ما أسهلُ طريقة لحفظ العلم؟ جزاكم الله خيراً! A حفظ العلم أوله حفظ القرآن، ووسائل حفظ القرآن تكمن فيما يأتي: أولها: تقوى الله عز وجل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} [الأنفال:29] فإن من اتقى الله فتح عليه، وسهل له أموره، وحفظه ما تعلم. ثانياً: كثرة الاستغفار والتوبة. ذكر عن ابن تيمية أنه يقول:" إنها تصعب علي المسألة فأستغفر الله أكثر من ألف مرة -أو أقل- فيفتحها الله علي". والذنوب سبب للنسيان والذهول والشرود، فعليك أن تكثر من الاستغفار إذا أردت أن تحفظ، وقبل أن تحفظ، وبعد أن تحفظ. ثالثاً: أن تقلل من المحفوظ، فلا تكثر على نفسك، فإنه من أخذ العلم جملة، ضيعة جملة كما قال: الزهري، فلا يمكن أن تأخذ العلم في يوم أو يومين أو شهر أو أسبوع، بل تأخذه قليلاً قليلاً، وقطرة قطرة، وآية آية، وحديثاً حديثاً، فقلل من المحفوظ، فهو أصل عظيم للحفظ. رابعاً: أن تكرر ما تحفظ، كأن تأخذ أربع آيات أو خمس فتكررها كثيراً، خمسين مرة إلى مائة مرة، قبل أن تنتقل إلى غيرها من الآيات. خامساً: أن تقرأ ما حفظت من القرآن في الصلوات وفي النوافل. سادساً: أن تذاكر بالعلم الذي حفظته، كأحاديث حفظتها، مثل: رياض الصالحين وبلوغ المرام، أن تذاكر مع زملائك وإخوانك وإن كان لك تلاميذ، فاعقد معهم جلسة؛ لأن العلم يحيا بالمذاكرة. سابعاً: أن تعمل بما علمت، ليحفظك الله عز وجل ما تعلمت. ثامناً: أن تحقق المسائل، فإنها حفظ للعلم، وتخرج، وتنقح، وتؤلف إذا بلغت درجة التأليف.

أمراض القلوب وعلاجها

أمراض القلوب وعلاجها Q أرجو أن تتحدث عن أمراض القلوب وعلاجها، مع الأدعية إذا أمكن، وادع للجمع الحاضر؟ A أمراض القلوب على قسمين: أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات. فأمراض الشبهات في المعتقد والعلم، وأمراض الشهوات في العمل. وأمراض الشبهات شك وريبة ووسوسة، وقد تصل إلى الزندقة والإلحاد نعوذ بالله من ذلك! وأما أمراض الشهوات فهي المعاصي كالزنا، والسرقة، والاعتداء على الناس، والبغي في الأرض، والغيبة، وأكل الأموال المحرمة، هذه من الشهوات. فأما علاج الشبهات: فالعلم واليقين {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] فأوصيك باليقين عند الشبهات، وطلب العلم، قال ابن دقيق العيد: "أصابتني في بدء حياتي وسوسة، فسألت العلماء، فقالوا: عليك بطلب العلم! فطلبت العلم؛ فأذهب الله عني الوسوسة أي: الشبهات فعليك بطلب العلم، والجلوس مع العلماء، وقراءة كتب السلف الصالح من كتب الحديث والتفسير والفقه، ليذهب الله عنك مرض الشبهات. وأما علاج الشهوات: فبالصبر، وبكثرة النوافل والدعاء، بعد إحسان الفريضة ظاهراً وباطناً، والتزود بالنوافل وكثرة الدعاء والذكر وتدبر القرآن هذه تذهب إن شاء الله مرض الشهوات. والدعاء الذي أنصحك في صحيح مسلم عن عائشة أن الرسول عليه الصلاة والسلام، كان يدعو ويقول: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم} و {يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب والأبصار صرف قلبي على طاعتك} وقال عليه الصلاة والسلام: {اللهم اهدني وسددني، اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي} ويقول: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} ودعاء، {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]. وأسأل الله لي ولكم أن يتقبل منا ومنكم، وأن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت حتى نلقاه إنه على كل شيء قدير.

وصايا لمن عنده موهبة في الشعر

وصايا لمن عنده موهبة في الشعر Q سائل يقول: إذا أردت أن أكون شاعراً في الإسلام فماذا أفعل؟ A الشعر لا يأتي بالقوة، إنما الموهبة، فمن كان عنده موهبة فلينمها، ومن لم تكن فليرح نفسه؛ لأن كثيراً من أهل العلم ومن السلف الصالح ومن الصحابة ليسوا شعراء، وإنما بذلوا ما أعطاهم الله عز وجل، ولذلك بعض العلماء يرى أن الشعر يزري بالعلماء وبطلبة العلم، حتى يقول الشافعي: ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد فبعضهم يرى أنه خفة، وطيش، وأنه يزري، لكن الصحيح أنه إذا اقتصد فيه، ووجهه إلى الدعوة الإسلامية وخدمة العلم، فهو إن شاء الله فيه خير. أما إذا أردت أن تكون شاعراً؛ فإن كان عندك موهبة فنمها بالاطلاع، وبكثرة حفظ الشعر، يقولون: عليك أنت تحفظ آلاف الأبيات من الشعر، وخاصة الشعراء الذين أجادوا، كـ المتنبي وأبي تمام وجرير والبحتري، وهؤلاء الطبقة. الأمر الثاني: أن تقرض الشعر، وأن تقلل من قرضه، أي: قليلاً حتى تعتمد على الكيف لا الكم، لأن بعض الشباب إذا بدءوا في الشعر نظموا كل يوم عشر قصائد، فتأتي مهزوزة، لم يقرأ ولم يطلع في الأدب، وبعد سنوات ينتهي، فالمقصد أن تطالع كتب الأدب كثيراً، ولا يشغلك الشعر عن العلم، لكن يكون له أوقات. وذكر في الأدب أن شعراء اجتمعوا عند نهر، وكان معهم رجل، فقال: لا بد لكل واحد منا أن يصنع بيتاً في هذا المقام، وكان معهم رجل ليس بشاعر، فألحوا عليه، وكل منهم نظم بيتاً، فلما أتى له بيته قال: كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماء فبعض شعر الناس من هذا القبيل، حتى ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد أن بعضهم يقول: الليل ليل والنهار نهار والأرض فيها الماء والأشجار ظاهر البيت أنه بيت شعر، ليس مكسوراً بل هو موزون، لكن ليس فيه من المعاني ولم يأتِ بجديد، فالشعر يعتمد على أربعة أمور: أولاً: البحر، وبحور العرب خمسة عشر بحراً، وزاد الأخفش واحداً، فأصبحت ستة عشر بحراً. ثانياً: القافية، أن يكون على قافية واحدة فلا يأتي بالراء، ثم ينتقل إلى السين، ثم الطاء، ثم الخاء، ثم إلى الجيم هذا لعب. ثالثاً: الأسلوب، فإن النظم شيء والشعر شيء آخر، ابن مالك يوم يقول: قال محمد هو ابن مالك أحمد ربي الله خير مالك ولا يجوز الابتدا بالنكرة مالم تفد كعند زيد نمرة فهذا نظم وليس بشعر، لكن الشعر مثل قول المتنبي: وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم فهذا الأسلوب لا بد منه. رابعاً: الخيال، لا بد أن يكون عند الشاعر خيال، يتخيل الأمور، فلا يقول الشمس شمس، ولا المسجد مسجد، ولا المكرفون مكرفون، هذه أمور مسلمة، لكن يأتي بصورة بديعة، مثل قول بشار بن برد: كأن مثار النقع فوق رءوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه أو كقول امرئ القيس: مكر مفر مقبل مدبر معاً كجلمود صخر حطه السيل من علٍ إلى غير تلك التشبيهات فهذا الخيال لا بد منه، ولذلك تجد الآن في الساحة شعراً ليس فيه خيال، ولا أسلوب، ولا روي، ولا قافية إنما هو كلام. وإذا أراد أن يسمى شاعراً أتى بأمور، حتى لو سألته هو عن معانيها لما استطاع أن يجيبك، ويقول: هذه رموز ومصطلحات لا يدركها عامة الناس ومستواه أضعف من مستواك، حتى تقول: بارك الله فيك، فتح الله عليك، أنا لم أعرف هذه القصيدة؛ لأنه يقول: في وهج الليل سرحت ونمت في جنح الضحى ثم سقط علي الشاطئ بلمعانه وإذا بريق الشمس فوق حاجبي فماذا أفعل؟ فإذا قلت: بارك الله فيك أفتنا، استنبط لنا من هذه الكنوز ومن هذه البضاعة، قال: أنت مستواك ضعيف، عقلك لم يبلغ إلى هذا الرقي العلمي. نقول له: جزاه الله خيراً، هذا يبقى هو وبضاعته، وسوف يثبت المتنبي أنه شاعر استمر وأبو تمام وجرير وحسان؛ لأنهم أجادوا وأتوا بالشروط الأربعة.

أبيات في أهوال الآخرة

أبيات في أهوال الآخرة Q يقول السائل: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، إلى الشيخ عائض إني أحبك في الله، هل نظمت شعراً في أهوال الآخرة؟ فإن كان الجواب نعم؛ فأرجو منك أن تسمعنا شيئاً في ذلك؟ A عندي قصيدة (الدمعة الخرساء) فيها من ذكر أهوال الآخرة: دنياك تزهو ولا تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها عارية المال قد ردت لصاحبها وأكنف البيت قد عادت لبانيها والأينق العشر قد هضت أجنتها وثلة الورق قد ضجت بواكيها يا رب نفسي كبت مما ألم بها فزكها يا كريم أنت هاديها إلى آخر القصيدة. هذا ما يحضرني أني نظمت فيه، لكن من أعظم ما قرأت في أهوال الآخرة، قصيدة لأحد الشعراء المستقيمين العلماء، حضر عند نور الدين محمود زنكي أستاذ صلاح الدين الأيوبي، وهو من العلماء والفضلاء والزهاد، حتى يقال: هو سادس حكام الإسلام عدلاً، كان من أعدل الناس، وكان يصلي الليل إلا قليلاً، وكان يصوم أغلب الأيام، وكان لا يسمع الموعظة إلا بكى، وجاهد في سبيل الله حتى كان في أرجله جروح كثيرة من كثرة ما ركب الخيل. عمل نور الدين في دمشق مهرجاناًَ حافلاً كبيراً حضره أمراؤه ووزراؤه وقواده وجيشه والناس، فأتى هذا العالم والناس قد اكتظوا في المهرجان، فوقف أمام نور الدين محمود فألقى قصيدة كأنها تتقطع من القلب، يقول لـ نور الدين: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إن قيل نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي ومالك نور حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور إلى أن يقول: هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المصر على الذنوب دهور قصيدة وأبياتها تقارب أربعين بيتاً، فلما ألقاها أغمي على نور الدين محمود، وسقط من كرسيه على الأرض مغشياً عليه حتى رش بالماء, ويقولون: هي أول توبته في الإسلام. ومن أحسن ما قرأت كذلك في شعر الآخرة، قصيدة للشاعر الكبير محمود بن عثيمين الذي توفى قبل سنوات، وقد رثى علامة من علماء نجد اسمه عبد الله العجيري، وقصيدته محزنة مرثية، يقول فيها: هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلَّ القضا مما نرجيه أقرب ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب نشاهد ذا عين اليقين حقيقة عليه مضى كهل وطفل وأشيب ولكن علا الرانُ القلوبَ كأننا بما قد رأيناه يقيناً نكذب إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندب إلى آخر تلك القصيدة.

سعة رحمة الله ومغفرته

سعة رحمة الله ومغفرته Q أنا شاب ابتليت بصحبة سيئة، ووقعت في بعض المحرمات والكبائر، فما هو السبيل للرجوع إلى الله؟ وهل إذا تبت تقبل الله توبتي؟ A سبحان الله! كيف لا تقبل توبتك وقد قبلت توبة المشركين الذين عبدوا الأصنام والأوثان من دون الله، وزنوا، وسرقوا، وكذبوا، وفجروا، وألحدوا؟! بل أنت من أحب الناس إذا تبت إلى الله عز وجل، وقال قال صلى الله عليه وسلم: {الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم كان على راحلته عليها طعامه وشرابه فضلت منه فوجدها، فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح}. والله ينادي الناس صباح مساء: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] وقوله جل ذكره: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] وعند مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها} وعند مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم آخرين يذنبون، فيستغفرون، الله فيغفر لهم}. وعند مسلم عن معاذ رضي الله عنه في الحديث القدسي: {يا عبادي، إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم}. وورد عنه صلى الله عليه وسلم عند الترمذي أنه قال: {كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون}. فنسأل الله أن يتوب علينا وعليك، فإذا تبت وافعل من الاستغفار، وأكثر من الحسنات ما تكفر السيئات، فإن الله يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] ويقول: {وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:22] ثم عليك أن تجانب جلساء السوء فلا تجلس معهم، إلا أن ترى أنك سوف تحولهم وتقبل بقلوبهم على الله فلك ذلك. وللتوبة شروط: أولاً: أن تعزم على ألا تعود إلى ما كنت تفعل. ثانياً: أن تندم على ما فعلت من المعاصي. ثالثاً: أن ترد حقوق الناس إن كان عندك حقوق، كأن تكون أخذت مالاً، أو غصبت ملكاً، أو انتهكت عرضاً، عليك أن ترد هذه الحقوق إلى أهلها إن استطعت، وعليك أن تتصدق به إذا كان مالاً وخفت إن أعدته أن يجلب عليك بعض الأمور التي لا يحمد عقباها، فتصدق به على نية صاحبه وتصله، والله يتولانا وإياك. والحمد لله رب العالمين.

حلاوة الإيمان

حلاوة الإيمان هذا شرح حديث من صحيح البخاري رواه أنس بن مالك وبوب له الإمام البخاري بقوله: باب حلاوة الإيمان، وهو حديث عظيم، وأصل من أصول الدين وقاعدة من القواعد الكبرى في الإسلام. وفيه ثلاث خصال من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، ومدارها على الحب والبغض، حب الله ورسوله وأوليائه، وبغض الكفر وحزبه وأتباعه.

ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان

ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فمعنا هذه الليلة من صحيح البخاري حديث عظيم، وأصل من أصول هذا الدين، وقاعدة من القواعد الكبرى في الإسلام، نوه به الإمام النووي وغيره من علماء الإسلام. هذا الحديث، يقول الإمام البخاري مبوباً عليه "باب حلاوة الإيمان" ثم قال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار} هذا الحديث العظيم متفق عليه بين الشيخين، ورواه جلة من علماء الإسلام وكثير منهم. لكن قبل أن نشرع في شرح الحديث، وفي فوائد الحديث وما يستفاد منه، نأخذ هذه الليلة حديثاً، وقد رأيت ورأى بعض الإخوان أن نأخذ في كل أسبوع حديثاً من أحاديث الأعمال نحفظ هذا الحديث؛ ليكون لجلوسنا إن شاء الله مع الفائدة فائدة، ومع المنفعة منفعة، فالجميع يحفظ وكل إنسان يحفظ هذا الحديث على مر الأسبوع ويعمل به؛ لأنه من أحاديث الأعمال وسوف أختار كل أسبوع حديثاً يناسب المقال والمقام والعصر.

لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله

لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله الحديث الذي نحفظه هذا الأسبوع ليس في البخاري ولكنه حديث وهو قاعدة ووصية ينفع جميع طبقات الناس، هذا الحديث نصه عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: {أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ فدلني على باب أتشبث به -وفي لفظ: باب جامع أتشبث به- قال صلى الله عليه وسلم: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله}. هذه وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن بسر، وهذا الحديث رواه الترمذي والإمام أحمد وابن حبان وغيرهم وقال الترمذي: حديث حسن، وهو حسن. هذا الحديث وصية جامعة من الرسول صلى الله عليه وسلم يقدمه للأمة، وهو جامع لخيري الدنيا والآخرة، فمن فهم هذا الحديث وحفظه وعمل به كفاه عن أبواب كثيرة؛ لأنه الباب الجامع في الإسلام ألا يزال اللسان رطباً من ذكر الله عز وجل، انتهى الحديث ونسأل الله التوفيق لحفظه والعمل به. وقد تعودنا مع بداية كل درس أن نأخذ شخصية إسلامية رائعة؛ ممن يستن ويقتدى بهم في هذا الدين؛ ليكون من باب التربية والتوجيه والاقتداء والتأسي.

لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية

لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية ومعنا الليلة العلم العلامة، والزاهد الفهامة شيخ الإسلام، علم الأعلام، المجاهد الكبير، شيخ الإسلام ابن تيمية، اسمه: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني أو أبو العباس تقي الدين -رحمه الله رحمة واسعة- نأخذ من سيرته بعض اللمحات ثم نبدأ في الحديث.

مولد شيخ الإسلام

مولد شيخ الإسلام ولد شيخ الإسلام سنة (661هـ) وجعله الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مجدداً لقرون كثيرة ليس لقرن واحد على سبر كثير من أهل العلم، ومن أهل التاريخ وأهل السير، ولذلك يقول المزي صاحب تحفة الأشراف العالم الكبير قال: "ما أتى قبل ابن تيمية بخمسمائة سنة مثله". ويقول الناس والعقلاء والنبلاء في هذا العصر: ما أتى من بعد ابن تيمية مثل ابن تيمية، فهو من قبل أن يأتي بخمسمائة سنة لم يأتِ مثله، ومن بعد أن أتى أو من بعد أن مات لم يأت مثل ابن تيمية، رحمه الله رحمة واسعة.

ابن تيمية في الثامنة من عمره

ابن تيمية في الثامنة من عمره عاش كما يعيش الشاب المؤمن المعرض عما يشغله عن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، مقبلاً على الله، وكان وعمره ثمان سنوات كما روى عنه أصحاب السير وأرباب التاريخ الذين أرخوا عنه في أكثر من أربعة كتب: كان يسجد وعمره ثمان سنوات في الأسحار ويمرغ وجهه في التراب ويقول: "يا معلم إبراهيم علمني! ويا مفهم سليمان فهمني ". ويقول: "والله إنه لتنعجم علي المسألة -يعني تصعب المسألة لا أستطيع أن أحلها- قال: فأستغفر الله أكثر من ألف مرة أو أقل أو ألف فيفتحها الله عليّ". قال: "وربما طالعت في الآية الواحدة في مائة تفسير، فلا أجد تفسيراً يطمئن له قلبي، فأذهب إلى تلك الخرابات -يعني القرى المهجورة في دمشق - فأمرغ وجهي بالتراب فيفتح الله علي بفتح من عنده". ولذلك تجدون في قسم التفسير من فتاويه أنه يقول: هذه الآية أخطأ فيها كل المفسرين، ثم يأتي بالصحيح، فهذا الرجل العملاق كان يجلس من بعد صلاة الفجر إلى ارتفاع النهار يقرأ الفاتحة ويرددها حتى يقول ابن القيم: إني أراه يهتز في بعض الأوقات -يعني: يهتز جسمه- فأقول له: ما لك؟ قال: إن في الدنيا جنة، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، وهي جنة الأنس بالله والرضا بما عند الله، والانقياد لأمر الله، وجنة الفرح بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. رآه ابن القيم كما قال في كتبه: "رأيت ابن تيمية في المنام بعد أن توفي، قلت: ما فعل الله بك؟ قال: رفعني على بعض الأكابر -أكابر يعني من أهل الدين، رفعني عليهم في الدرجات- رفعني على بعض الأكابر، قلت: وأنا، -يسأل عن نفسه وهو حي- قال: كدت أن تلحق بنا ولكنك في منزلة ابن خزيمة ". وابن خزيمة إمام الأئمة وكعبة العلماء أبو بكر المحدث الكبير.

ابن تيمية يقاتل التتار

ابن تيمية يقاتل التتار يقول ابن القيم رحمه الله: "ورأيت من شجاعته ما لا يوصف ". حتى أنه شارك وخاض المعركة بنفسه، لما أتى التتار المغول يهاجمون العالم الإسلامي واجتاحوا بغداد ودمروا المساجد والمكتبات، وأتوا ليجربوا حظهم مرة ثانية في دمشق فخرج ابن تيمية مع السيف في رمضان وأخذ كوباً من الماء أمام الناس وقال: هذا يوم يفطر فيه فأفطروا أيها الناس! ثم حمل راية الجهاد وكاد أن يضرب بالسيف، قال الذين معه: كنا نرى أو نسمع شظايا أو كسير السيف من على رءوس الناس من شدة ما يضرب، وقد آتاه الله في الجسم بسطة وقوة، يقول ابن القيم: رأيت من قوته في كلامه وفي مشيه وفي خطابه ما لا يعلمه إلا الله؛ والسبب في ذلك كثرة الذكر والاتصال بالله، وإلا فإن أكله كان من أقل الناس أكلاً وغذاءً حتى كان على شظف العيش. هذا ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة. وكان في بعض الأوقات يخرج من مسجد بني أمية في دمشق إلى الصحراء، قال تقي الدين بن شكير -أحد تلاميذه- قال: رأيته خرج مرة من المرات إلى الصحراء فتبعته، قال: فما رآني، قال: فلما اختلى عن الناس وأصبح في فضاء في الصحراء، نظر إلى السماء ثم بكى ودمعت عيناه، وقال: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنكَ النفس بالسر خاليا وهذا البيت لـ مجنون ليلى، استخدمه مجنون ليلى، في غرض ليس الغرض المطلوب، يقول: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنكِ النفس بالسر خاليا وإني لأستغشي وما بي غشوةٌ لعل خيالاً منك يلقى خياليا فيقول ابن تيمية لما خرج، ونقل المحبة من محبة هذه الأشياء التي لا تنفع عند الله بل تضر، إلى محبة الحي القيوم فاطر السماوات والأرض فقال: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنكَ النفس بالسر خاليا

ابن تيمية في السجن

ابن تيمية في السجن هذا هو شيخ الإسلام الذي ابتلي في عرضه، وجسمه وفي سمعته وفي كل ما يمت له بمصلحة، حتى أنه رضي الله عنه قبل أن يتوفى بعشر سنوات أو ما يقاربها، عندما أدخل السجن، أدخلوه لأن الحق معه والباطل مع غيره، لكن أهل الباطل هم الذين أدخلوه السجن، فلما أدخلوه السجن أغلقوا عليه باب السجن، فتبسم والتفت إلى الباب وإلى السجان وقال: "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب"، ثم أخذ يتبسم إلى الناس الذين في السجن وقال: "ماذا يفعل أعدائي بي!؟ -يعني ماذا يفعلون بي- أنا جنتي وبستاني في صدري، أنى سرت فهي معي، قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة" ثم كان يقول: "المأسور من أسره هواه، والمقطوع من انقطع عن ربه" أو كلام يشبه هذا. قال ابن القيم: والله لقد كانت تضيق بنا الدنيا بما رحبت وتضيق بنا أنفسنا؛ فنأتي إليه فما هو إلا أن نرى وجهه ونسمع كلامه فيذهب كل ذلك عنا؛ لكثرة اتصاله بالله، ويقول هو عن نفسه: والله لا أترك الذكر إلا لأجم نفسي؛ -أرتاح قليلاً- ثم أعود، وقال له بعض تلاميذه: يا أبا العباس! ما نرى لسانك يفتر من ذكر الله؟ قال: قلبي كالسمكة إذا خرجت من الماء ماتت. هذا هو ابن تيمية رحمه الله.

زهد ابن تيمية

زهد ابن تيمية أما زهده فشيء فوق الخيال ولا يدور في البال، أولاً: لعلمكم الرجل لم يتزوج وعدم التزوج ليس هو أفضل بل التزوج أفضل لكن لسرٍ علمه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، عاش عمره كله ما تزوج ولا تسرى أبداً، وما اغتسل من جماع حتى لقي الله عز وجل، هذا ابن تيمية. أما ليله فمع الله عز وجل من صلاة المغرب إلى صلاة الفجر، كلها صلاة ومناجاة وقراءة قرآنٍ وتسبيحٍ وتكبيرٍ وتهليل، وأما نهاره فجهاد، إذا دخلت السوق وجدته مع الجلادين يجلد المنحرفين عن شرع الله، وإذا دخلت المسجد وجدته يفسر القرآن كل جمعة، من الصباح إلى دخول الخطيب على المنبر، وإذا أتيت إلى الصيام وجدته من الصائمين، وإذا أتيت إلى حلقات العلم وجدته من العلماء العاملين، وإذا أتيت إلى الجهاد فإذا هو حامل راية الجهاد وضارب بالسيف؛ لذلك هو شخصية متكاملة تذهل القلوب والعقول. زهده في الدنيا قالوا: كان عنده دائماً ثوب أبيض وعمامة، لا يملك من الدنيا إلا هذا، وكان عنده غرفة بجانب المسجد، وإلا فأسرته غنية وثرية، لكن تاقَ قلبه إلى الدار الآخرة وإلى المنازل العالية، وكان عنده إن كان مفطراً في اليوم وجبتان، وجبة في الصباح ووجبة في المساء فحسب، وإلا فطيلة أيامه صائم، رضي الله عنه. يقول أحد تلاميذه: ذهبت معه فمر بنا مسكين فسأل شيخ الإسلام ابن تيمية قال: فلف شيخ الإسلام وراء جدار فخلع ثوبه الأعلى ثم أعطاه هذا المسكين واعتذر من هذا المسكين، قال: ومررت عنده مرة ثانية ومعه ثوب واحد فسأله المسكين قال فاختفى وراء جدار ثم أخرج عمامته فقسمها قسمين ثم أعطاه نصفاً وأبقى نصفاً اعتصب بها، وتعمم بها. هذا هو ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة. كان يخرج إلى السوق في بعض الأوقات في الضحى، فإذا خرج إلى السوق وقف الناس ينظرون إليه ويهللون ويكبرون، يقول ابن القيم: "والله إني كنت إذا نظرت إلى وجهه تذكرت صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكثرة اتصاله بالله.

عفو وصفح ابن تيمية

عفو وصفح ابن تيمية أما عفوه وصفحه عن الناس وعن الذين أساءوا إليه فلا يوصف أبداً، كان يقول قبل أن يموت: "عفا الله عن كل من أساء إلي، عفا الله عمّن اغتابني، عفا الله عمّن شتمني، عفا الله عمّن آذاني" يقول ابن القيم في مدارج السالكين: أتيته: فبشرته بوفاة أحد العلماء من أعدائه -هذا العالم كان عدواً لـ شيخ الاسلام حتى أفتى بقتل شيخ الإسلام ابن تيمية ورفع ورقة للسلطان وقال: إن قتله من أوجب الواجبات ومن أوثق عرى الدين، فلما مات هذا العالم أتى ابن القيم يبشر شيخه شيخ الاسلام. قال: فوجدته في المسجد ومعه الناس، فقلت: ماذا أبشرك به؟ قال: بخير إن شاء الله، قلت: توفي فلان بن فلان، قال: فدمعت عيناه، قال: أتبشرني بموت مسلم! إنا لله وإنا إليه راجعون! قوموا بنا إلى أهله لنعزيهم، قال: فوالله لقد قمنا معه ومضينا، فلما أتينا إلى بيت أهله طرقنا عليهم الباب فلما رأى أبناء ذاك العالم وعرفوا أن أباهم قد أفتى بقتل ابن تيمية وقد آذاه وسجنه مرات قال: لقد قاموا يجهشون بالبكاء، فقال ابن تيمية أنا أبوكم بعد أبيكم، إن احتجتم شيئاً فهو عندي وأنا إن شاء الله معكم وفي صفكم وفي جانبكم، قال: فبكوا كلهم وحتى الناس الذين معه من هذه الأخلاق العالية. هذا هو ابن تيمية القرآن الذي يمشي على الأرض، ولا يزعم الناس أنا نتعصب، وبعض الناس يقولون: يقدسونه! لكن الإنسان يتخلى عن العصبية ويطرح هذه الأفكار التي لا تمضغها تلك الأدمغة اليابسة، وينظر بحق وإنصاف إلى هذا الرجل، فإن وجد مثله من عصره إلى الآن فليخبرنا، بل شهد كتاب غربيون كفرة ملحدون بتفوق هذا الرجل وعبقريته. أما من كلامه وإرشاداته فيقول: "لا بد للسائر إلى الله من نظرين: نظر ينظر به إلى جلال النعمة، ونظر ينظر به إلى عيب النفس والعمل". وسئل مرة من المرات، ما هي الاستقامة؟ قال: "لزوم الكرامة". دخل قلعة دمشق مسجوناً -رضي الله عنه- ودخل معه بعض أقاربه، قال ابن القيم: "سمعت أن ابن تيمية ختم القرآن في سجنه الأخير أكثر من ثمانين مرة، فلما بلغ قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55] فاضت روحه" وانظر إلى المقطع الذي وقف فيه وانظر إلى هذا الإيحاء قال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر:53] آخر سورة "اقتربت الساعة" {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55] "فاضت روحه قال: فأكمل بعض القراء إلى آخر القرآن، توفي وسلطان الشام غائب يصطاد في البرية ونائبه موجود وتوفي وهو مسجون ومن أراد أن ينظر إلى الدهش المدهش وإلى الذهول المذهل، فلينظر إلى ترجمة وفاته ومراسيم تجهيز جنازته في البداية والنهاية لـ ابن كثير أو في غيره من الكتب.

جنازة ابن تيمية

جنازة ابن تيمية خرجت جنازته في الضحى، فخرج الناس من كل السكك ومن كل صوب، وأغلقت المحلات والحوانيت والأسواق وتوقف اليهود والنصارى عن مزاولة الأعمال، ولما خرجت هذه الجنازة قال ابن كثير: خرج الناس من باب دمشق يدخلون إلى المسجد الجامع ودخلوا من باب البريد ومن باب الجابية حتى حصروا بما يقارب بثمانمائة ألف، وخرجت النساء على الأسطحة بما يقارب ثلاثين ألف امرأة، كل الناس يبكون ويكبرون ويهللون. أما جنازته فيقول ابن كثير: كنت فيمن رآه ودخلت مع المزي ورفعت الثوب عنه بعدما غسل، فرأيت الشيب قد اعتلى رأسه فقبلته وبكيت وقلت: على مثل ليلى يقتل المرء نفسه وإن كان لا يرضى بـ ليلى المواليا خرجت جنازته واحتملها الناس قالوا: ومن كثرة الناس لو صب حب السمسم على الناس لما وقع منه شيء، من اصطفاف الناس ومن زحمة الناس، قال: وتقطعت الأحذية وتمزقت ثياب الناس، قال: وأما الجنازة فإنها تذهب مرة على الأصابع من كثرة من يحملها قال: تذهب إلى باب الفراديس وتعود على الأصابع حتى تعود إلى المسجد، ثم تذهب إلى هناك ثم تعود وفي الأخير بكل مشقة أدخلت في الجامع الأموي، ووضعت هناك، وجاء الجنود معهم الخيزران -كما يقول المؤرخون- يطردون الناس عن الجنازة حتى توقفت الجنازة، قام إمام دمشق فكبر فبكى عند التكبيرة الأولى على ابن تيمية، وصُلِّي عليه مرات كثيرة، وفي الأخير زحف الناس إلى مقبرته وواروا جثمانه الطاهر، ورئيت له منامات عظيمة جداً، ومن أراد الاستزادة من علم هذا العالم فعليه أن يراجع سيرته. وأوصي نفسي وكل مسلم وطالب علم أن يقرأ لـ ابن تيمية بلا فتور ولا ملل، فإنه والله العظيم كما يقول كثير من أهل العلم الذين عاصروه والذين قرأوا كلامه: ما سمعنا بمثله من بعد القرون الثلاثة المفضلة ولا قرأنا لمثله، وعلى كلامه نور من الله.

علم ابن تيمية

علم ابن تيمية أما قوة علمه فحدث عن البحر ولا حرج، كتاب سيبويه كتاب النحو ما وجد شيخاً يقرأ عليه كتاب النحو وهو من أعوص وأصعب كتاب للنحو عند المسلمين، فأتى ابن تيمية واستعان بالله عز وجل وبدأ: بسم الله الرحمن الرحيم وأخذ كراساً كبيراً وقرأ الكتاب بنفسه حتى ختمه ثم لاحظ ثمانين ملاحظة على سيبويه يقول: أخطأ فيها، حتى قال أبو حيان التوحيدي: إن سيبويه قد ألف كتاباً عظيماً قال: أخطأ سيبويه وأخطأت أنت وأخطأ في ثمانين موضعاً لا تعرفه أنت ولا سيبويه، وأخذ علم المنطق والفلسفة الذي هو أصعب من الحديد وتفكيكه أعظم من تفكيك الحديد فقرأه بنفسه ثم ألف رسائل يستدرك فيها ويخطئ أهل المنطق الذين ظلوا يدرسونه سنوات عديدة، فرحمه الله رحمة واسعة، وجمعنا الله به في مستقر رحمته. وهو -بحق- المنظر لعقيدة أهل السنة والجماعة؛ لأنها كانت مفتوتة، ولو أنها ليست بضائعة فكتاب الله عز وجل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هما العقيدة، ولكن كاتجاه فكري يصادم الاتجاهات الفكرية والبدعية، ابن تيمية هو رجل الحلبة ورجل الساعة في هذا الموقف، فجزاه الله عن المسلمين وعن الإسلام خير الجزاء.

ترجمة بعض رجال الحديث

ترجمة بعض رجال الحديث هذا الحديث الذي معنا هذه الليلة في صحيح البخاري يقول البخاري -رحمه الله رحمة واسعة-: حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: حدثنا أيوب.

أيوب السختياني

أيوب السختياني أيوب هذا هو سيد شباب أهل البصرة كما أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأيوب هذا سيد شباب أهل البصرة، اسمه أيوب بن أبي تميمة السختياني، يقول الحسن: [[أيوب بن أبي تميمة سيد شباب أهل البصرة]]. كان إذا جلس للحديث يبكي، فَيُظهر أن به زكاماً به فيتمخظ ويقول: ما أشد الزكام! لئلا يظهر أنه يبكي، -وكان رحمه الله- إذا خرج للسوق في البصرة يكبر الناس ويهللون من منظره، وبلغ به الخشية والخوف أنه لما ذهب إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الإمام مالك: "ما كنت أظن أن في أهل العراق خيراً" الإمام مالك دائماً فتواه حارة تجاه أهل العراق، يقول: "يخرج الحديث من عندنا شبراً ويعود من العراق ذراعاً ويقول: "أنزلوا أهل العراق منزلة أهل الكتاب لا تصدقوهم ولا تكذبوهم " فيقول: [[ما ظننت أن في أهل العراق خيراً حتى رأيت أيوب بن أبي تميمة السختياني، والله لقد توجه إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأنا أرى فرأيته سلم ثم بكى بكاء حتى كادت تختلف أضلاعه لا بكاء تصنع]] " هذا هو من الأجلة في الإسلام.

أبو قلابة

أبو قلابة يقول: عن أبي قلابة، وأبو قلابة أصابه مرض حتى قطعت أعضاءه الأربعة، اليد اليمنى واليد اليسرى والرجل اليمنى والرجل اليسرى، أصابته الآكلة في كل جزء منه فقطعت أطرافه حتى دخل عليه عمر بن عبد العزيز فقال: [[يا أبا قلابة الله الله! لا يشمت بنا المنافقون؛ اصبر اصبر]]. عمر بن عبد العزيز الخليفة زاره وزاره علماء الإسلام وزاره معهم جمع غفير من الناس فقال: [[الله الله! لا يشمت بنا المنافقون الله الله! اصبر اصبر]] هذا أبو قلابة. يقول: عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار} وانظر إلى ذكاء الإمام البخاري وإلماع الإمام البخاري وسطوعه رضي الله عنه قال: باب حلاوة الإيمان، قال ابن أبي جمرة وهو أندلسي من أصحاب القلوب: "إنما قال البخاري باب حلاوة الإيمان، لأن الله وصف كلمة التوحيد بأنها كمثل شجرة طيبة" فهذه الشجرة الطيبة هي لا إله إلا الله، وفروعها هي: أركان الإسلام وأغصانها هي: الفرائض والنوافل، وأوراقها هي: فعل الطاعات، وثمارها هي: ما يحصل عليه الطائع من هذا الثمر الطيب الجميل، وأما حلاوتها فهو بعد أن يستمر، فقال الإمام البخاري: باب حلاوة الإيمان. قال صلى الله عليه وسلم: {ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان}.

سبب تثنية الضمير في (سواهما)

سبب تثنية الضمير في (سواهما) أي ذاقها وأحسها وعاشها ووجد الانبساط والفرحة، ثم ذكر الثلاث، وهي: الأولى: {أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما} وفي هذا الدرس قضايا: القضية الأولى: لماذا قال صلى الله عليه وسلم: {أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما} وثنى الضمير، مع العلم أنه صلى الله عليه وسلم أنكر على ذاك الأعرابي الغطفاني حينما {قام يخطب عنده صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه، فقال صلى الله عليه وسلم: اجلس بئس خطيب القوم أنت} لماذا؟ لأنه قال: ومن يعصهما، فجمع بين ضمير الله لفظ الجلالة وبين ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {ومن يعصهما، فقال صلى الله عليه وسلم: اجلس بئس خطيب القوم أنت} وهذا الحديث في سنن أبي داود، وهو يقبل التصحيح أنه قال له صلى الله عليه وسلم اجلس؛ لأنه جمع الضمير، فكيف ينكر صلى الله عليه وسلم جمع ذاك للضمير ويأتي هنا ويقول: {أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما} فجمع صلى الله عليه وسلم هنا؟ والجواب من وجوه: قيل: إن السبب في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعرف بمقام ربه تعالى وما يجب له من التكريم والتعظيم والتبجيل، فالرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وقالها، وأما ذاك الأعرابي فإنه أنكر عليه؛ لأن كلامه ربما يوهم المشاركة والأعرابي لا يدرك ذلك أو الناس السامعون. وقيل: بل قال صلى الله عليه وسلم هذا الأمر؛ لأنه في مقام الاختصار والإيجاز ليحفظ هذا الحديث؛ وأما ذلك الأعرابي فإنه في مقام خطبة، فالأحسن له الأولى أن يبسط الكلام، وأن يشرح الكلام، ويتوسع فيه. وقيل وهو الراجح: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ثنى بالضمير هنا لأن تلازم محبة الله عز وجل ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم تلازماً لا بد منه، وأما تلازم العصيان هناك فإنه قد يعصي الإنسان الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعصي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بمعاصي منفصلة وهذا الجواب الذي سدده ابن حجر، أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ثنى هنا وجاز له أن يثني لأن محبة الله عز وجل ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، لا بد أن تتوفر سوياً؛ لأن الله عز وجل جعل من حب رسول الله الشرط في حبه تعالى، والشرط في حُبِّه حُبُّه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31]. هذا هو الجواب وبسطه موجود هنا ولا نطيل في الوقوف عنده.

أسباب حب الله عز وجل

أسباب حب الله عز وجل المسألة الثانية أو القضية الثانية: أسباب حب الله عز وجل أو ما هي الأسباب التي تجعلنا نحب الله تبارك وتعالى؟

الطريق الأول إلى حب الله: القيام بالفرائض

الطريق الأول إلى حب الله: القيام بالفرائض الأسباب التي تجعلنا نحب الله تعالى وهو أول سبب وأول مدخل وأول باب: أن نحافظ على الفرائض، فهي الباب الأول والمفتاح والطريق الأول إلى الله، ومن لم يحافظ على الفرائض فليبكِ على نفسه وليعلم أنه لا حظ له عند الله ولا نصيب في الآخرة، من تهاون في الفرائض فهذا علامة النفاق والفسق والخروج عن أمر الله، فالسبب الأول والباب الأول: أن نحافظ على الفرائض، يعني إذا أتى وقت الصلاة وأتى الأذان، وحضرت فريضة الله عز وجل فلو فصل رأسك من جسمك، لا يمكن أن تتأخر إلا لعذر أباحه الله لك وأحله الله لك، ومن تأخر عن ذلك فاعلم أن فيه نفاقاً يعبث في قلبه، ويوغل في قلبه ويمزق روحه، نسأل الله السلامة. وعلامة المؤمن من المنافق وعلامة المسلم من الفاسق هذه الفرائض، الصلوات الخمس، فمن صلى وتعاهد المساجد، شهدنا له في الدنيا في القبر وفي الآخرة عند الله أنه من المؤمنين ولكن سريرته إلى الله، ومن تخلف عنها، وتهاون فيها شهدنا عليه في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة أنه من العاصين الفاسقين وسريرته إلى الله عز وجل. هذه الفرائض {وما تقرب إلي عبدي بأحب مما افترضته عليه} يعني: أن الفريضة أحب ما يتقرب به إلى الله عز وجل.

قراءة القرآن سبب إلى حب الله

قراءة القرآن سبب إلى حب الله السبب الثاني في القرب والحب والوصول إلى الله عز وجل: قراءة القرآن بتدبر، القرآن هذا هو مرآة الله في الأرض، وهو الميزان الذي يعرف الإنسان نفسه ويعرف كثرة الإيمان من قلته. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[لا تسألوا الناس عن أنفسكم، اسألوا أنفسكم عنكم وعن القرآن]] من رأيته يكثر من قراءة القرآن ويتدبر القرآن ودائماً لا يمضي يوم إلا وهو يقرأ القرآن، فاعلم أنه قريب من الله، وأنه أصبح من الوصول قاب قوسين أو أدنى، ولذلك لا يشترط في المسلم والولي والمتقي أن يحفظ القرآن كله، فإن بعض الناس يحفظ سوراً قليلة لكنه رباني، وولي متصل بالله عز وجل، وبعضهم يحفظ الكثير وهو فاسق -نعوذ بالله من ذلك- فالمقصود: الحفظ فضيلة مع العمل والاتجاه وتربية النفس على هذا القرآن، ومن لم يحفظ الكثير فيردد ما يحفظ، ولو لم يردد في اليوم إلا قل هو الله أحد لكفى، فإنها من أعظم السور ويتدبر معانيها. كان ابن تيمية يتدبر سورة الفاتحة الساعات الطويلة حتى يرتفع ويتعالى النهار، وهذا هو العجب العجاب، أن تتصل دائماً بالله في بيتك، في سوقك، في مكتبك، في أي مكان تعيش فيه.

ذكر الله دائما

ذكر الله دائماً الأمر الثالث: ذكر الله دائماً وأبداً، فذكر الله طرد للشيطان، وولاية للرحمن، وطاعة ورضوان، وبعد عن كل ما يغضب الواحد الأحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أول فائدة فيه أنه طرد للنفاق، من أراد أن يطرد النفاق والشبه والشكوك؛ فعليه بذكر الله الإدمان عليه، وهذا الحديث الذي سقناه لنحفظه {لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} يكفي في هذا الباب، وخصص العلماء كتباً في هذا الجانب.

التقرب إلى الله بالنوافل

التقرب إلى الله بالنوافل الرابع من أسباب حب الله: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، فليتقرب الإنسان ما استطاع.

أسباب حب النبي صلى الله عليه وسلم

أسباب حب النبي صلى الله عليه وسلم وأما أسباب حب الرسول صلى الله عليه وسلم فقد مرت معنا ولا بأس بإعادتها فإنها مرت في الدرس السابق، فأسباب حبه صلى الله عليه وسلم أمور أربعة:

منة الله على عباده بإرساله صلى الله عليه وسلم

منة الله على عباده بإرساله صلى الله عليه وسلم الأول: تلمح المنة بإرساله صلى الله عليه وسلم، واعلم أننا كنا في جاهلية جهلاء، وفي ضلالة عمياء ما يعلمها إلا الله، كان الإنسان أو العربي بالأخص وبالذات قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم أذل وأقل وأضعف عند أهل الأرض من الجعلان الذي يدحرج العذرة، فلما بعث الله هذا النبي العظيم الأمي صلى الله عليه وسلم، رفع الله راية الإسلام وأعلى الله قيمة هذا الإنسان ومجده، فحينما تتذكر أنك حسنةٌ من حسنات الرسول صلى الله عليه وسلم تحبه الحب العظيم، فالأول تلمح المنة بإرساله صلى الله عليه وسلم، واعلم أنك كلما سجدت لله سجدة فإن صاحب المنة بعد الله عز وجل هو محمد صلى الله عليه وسلم، من علمك وأتى لك بالصلاة والزكاة وقراءة القرآن والجلوس في بيوت الله وإصلاح بيتك وإصلاح قلبك والاتصال بالله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الأمور؟!

النظر إلى خصال الخير فيه صلى الله عليه وسلم

النظر إلى خصال الخير فيه صلى الله عليه وسلم الأمر الثاني: استقراء خصال الخير فيه صلى الله عليه وسلم من كتاب الله ومن السنة ومن نقولات السير والتواريخ، فإذا استقريت، وقر في ذهنك أنه من أشرف وأعظم وأرحم من خلق الله؛ عرفت حبه صلى الله عليه وسلم وقدره.

النظر في رحمته وشفقته ويسره

النظر في رحمته وشفقته ويسره الأمر الثالث: النظر في يسره ورحمته وشفقته، وهل هناك إنسان يخفى عليه هذا؟ حينما يطالع كل باب من أبواب الفقه أو العبادات أو المعاملات، أو باباً من أبواب الرقائق والسلوك، فإنه يجد اليسر والسماحة والسهولة في سيرة هذا النبي صلى الله عليه وسلم.

العبودية لا تتم إلا بحبه صلى الله عليه وسلم

العبودية لا تتم إلا بحبه صلى الله عليه وسلم الأمر الرابع: مقام العبودية لا يتم إلا بحبه والاهتداء بهدية فليعلم ذلك، فالذي لا يتم حب الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يتمم الاقتداء به؛ لم يكمل له مقام العبودية. هذه هي الأسباب الموصلة إلى حبه صلى الله عليه وسلم والتي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم: {أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما}.

الحب في الله وبعض صوره

الحب في الله وبعض صوره ثم قال صلى الله عليه وسلم: {وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله} من هو المرء هذا؟ هل هو الإنسان؟ لا، المرء هنا إنما أطلق على المعروف، فإنه ينصرف عند المسلمين وعند أهل الحديث وعند أهل العلم إلى المسلم المؤمن.

هل كل مسلم نتولاه؟

هل كل مسلم نتولاه؟ وهل كل مسلم نتولاه؟ نعم. كل مسلم نتولاه بالجملة، هذا حكم، وهذه فتوى، يقول ابن تيمية في مسألة قتال أهل البغي في مجلد الجهاد يقول: "كل مسلم نتولاه بالجملة " وانظر إلى هذا الفهم الدقيق، وفهم ليس كهذا الفهم ليس بفهم، يقول: "لكن تتفاوت ولايتنا وحبنا للناس وبغضنا لهم بحسب قربهم من الله عز وجل وبعدهم عنه تبارك وتعالى"؛ فمن كان أكثر معصية كنا له أكثر غضباً وبعداً ومن كان أكثر طاعة كنا له أكثر محبة وقرباً. ولذلك تجد بعض الناس إذا أتى أحد الناس صغيرة هجره هجراً ما بعده هجر، وسماه فاسقاً وألصق عليه التهم وسماه بكنيات وأسماء لا يعلمها إلا الله عز وجل، وهذا من قلة الفقه بالدين، ونحن أمرنا بالعدل وبالوسط قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:269]. الحكمة أن تضع الأمور في مواضعها، فمن الحكمة أن تنزل الناس منازلهم، فبعض الناس يقترف سيئة صغيرة؛ فيهجر ويسب ويشتم ويغضب عليه أكثر ممن قتل نفساً معصومة، بل نحن ننزل أهل الكبائر منازلهم، أهل الصغائر منازلهم وأهل الإخلال بالمروءات منازلهم كما يفعل من فقه في دين الله عز وجل، وإنما أصيب الخوارج من هذا الجانب وتهالكوا في الغلو، والله عز وجل ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأخذ على الخوارج قلة العبادة ولا قلة العمل الصالح ولا قلة الذكر؛ بل هم أكثر منا عملاً صالحاً وأكثر من كثير من السلف، يقول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح: {تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وقراءتكم إلى قراءتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لو أدركتهم لقتلتهم قتل عاد} هؤلاء إنما وقعوا فيما وقعوا فيه في الغلو قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء:171]. الغلو مجاوزة الحد في الأشياء، فإنما أوتوا من هذا الجانب حتى كفروا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كفروا علياً وكفروا معاوية، ومنهم من كفر عثمان رضي الله عنهم وأرضاهم، فهذا الجانب يلاحظ ويتدبر. فالمقصود أن حب المرء المسلم يختلف باختلاف الأشخاص قلة وكثرة، وقوة وضعفاً.

الحث على حب الصالحين

الحث على حب الصالحين أما الحث على حب الصالحين فهناك أحاديث بلغت من الشهرة لا يمكن إخفاؤها على الناس، منها حديث معاذ في صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ينادي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الملأ: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} وهناك من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: {رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه} فهذا من أعظم عرى الدين، ولذلك يقول ابن عمر: [[والله لو صمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت أموالي غُلقاً غُلقاً في سبيل الله ثم أتيت لا أحب أهل الطاعة، ولا أبغض أهل المعصية؛ لخشيت أن يكبني الله في النار على وجهي]] لأن هذا الدين دين ولاء وبراء، ليس دين ادعاء، لذلك تجد من بعض الناس المخذولين الذين أصيبوا بخذلان يصلون ويصومون، ويحجون ويعتمرون، ويرافقون ويحبون ويوالون أهل الفساد وأهل المنكر والمجرمين!! هؤلاء نعوذ بالله مما دخل عليهم من الشبه، ومما جعلهم يسيرون هذا المسار الخاطئ الذي سوف يحاسبهم الله عليه. فـ ابن عمر يجعل حداً لمن يفعل ذلك، فلا يحب الإنسان إلا المتقي ولو كان حاله مهما كان، ولا يبغض إلا العاصي ولو كان هذا العاصي أخاه لأبيه وأمه، هذا ميزان التقوى، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل}. عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي ولذلك يقول: لا تسأل عن الإنسان، ولكن اسأل مع من يرافق ويصاحب ويزاور ويجالس، واعلم أنه إذا جلس مع الفجرة ومع الفسقه والمعرضين عن الله؛ ففي نفسه شيء وهوى. يقول ابن المبارك رحمه الله يقعد ذلك ببيتين من الشعر يقول: إذا رافقت قوماً أهل دين فكن لهم كذي الرحم الشفيق ولا تأخذ بزلة كل قومٍ فتبقى في الزمان بلا رفيق أهل الدين هم الذين يصاحبون في الحياة؛ لأن أهل الدين كما يقول الحسن: [[يحفظك في حضرتك وفي غيابك]] أما الفاجر فنعوذ بالله. يقول محمد بن جعفر لابنه: لا ترافق يا بني أناساً: لا ترافق العاق؛ لأنه ملعون، وكيف تريد الخير ممن لعنه الله؟! تريد الخير منه وقد لعنه الله من فوق سبع سماوات- قال: ولا تصاحب الفاجر فإنه يعديك بفجوره. بعض الناس يقول: أنا مستقيم وعندي من الحصانة والقوة ما لا يمكن أن يطغى عليّ أو يؤثر بي أحد، لكن أول الطغيان وأول التأثير من جراء ذلك، أولاً: أن السنن ونور السنن تختفي عليك، فإنك بدل ما كانت تذكر الله كثيراً إذا رافقت الفجار لا تستطيع أن تهلل دائماً وتذكر الله كثيراً، فإنهم يلاحظون عليك، وينتقدون ويتغامزون عليك، فيلحقون عليك البوار والخسار نعوذ بالله من ذلك. ثم قال: ولا ترافق كذاباً فإن الكذاب يقرب لك البعيد ويبعد عليك القريب، ولا ترافق الأحمق -هذا الرابع- فإنه كالثوب الخلق -يعني القديم- كلما رقعت منه جانباً انشق منه وتمزق من جانب آخر. وابن المبارك يقول: وإذا صاحبت فاصحب ما جداً ذا عفاف وحياء وكرم قوله للشيء: لا، إن قلت: لا وإذا قلت: نعم، قال: نعم

ابن المبارك يوصي بمجالسة مسعر بن كدام

ابن المبارك يوصي بمجالسة مسعر بن كدام ابن المبارك يسميه الذهبي من المحسنين أو من المقتصدين، في الشعر أبياته قليلة لكن أبياته من أبيات أهل السنة والجماعة التي تخرج من الكتاب والسنة، ولذلك قيل له: أي المجالس تنصحنا بالجلوس فيها؟ قال: من كان ملتمساً رفيقاً صالحاً فليأت حلقة مسعر بن كدام ِ فيها النزاهة والوقار وأهلها أهل العفاف وزينة الأقوامِ يقول للناس: إن كنتم تريدون جليساً صالحاً فعليكم بـ مسعر بن كدام أحد العباد الأولياء يجلس في المسجد، قالوا: ما نظر في حياته إلى السماء خوفاً من الله، هذا مسعر بن كدام الذي يتقرب بحبه إلى الله عز وجل وله جلالة عجيبة في القلوب، كانت أنفاسه كلها ذكر، كان يخرز الثوب -عنده إبرة أو يخيط الثياب- يقول تلاميذه: ما رأيناه بين رقعتين إلا ويذكر الله عز وجل يعني بين أن يدخل الإبرة ويخرجها إلا ويذكر الله، كان إذا استفتي في مسألة، أخذته رعدة وانتفض خوفاً من الله عز وجل، ويقول: "والله كأني أنظر عرش الرحمن بارزاً، وكأن الله جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وهو يخاطبهم رب العزة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. كان يتكلم بالكلمات القليلة لكنها تنفذ إلى القلوب مباشرة، قيل له: اتكئ -يعني حتى ترتاح- لأنه أصبح شيخاً كبيراً عجوزاً، قال: "أنا لست بآمن أنا خائف وإنما يتكئ الآمن" قالوا: دائماً كان لا يتكئ، وكان يجلس من الخوف، فقيل له اتكئ قال: "إنما يتكئ الآمن أما أنا فخائف ما أتاني الأمان من الله أني من أهل الجنة". وقال عنه الحسن: "أقسم مسعر ألا يضحك من خشية الله، فوالله ما ضحك حتى لقي الله" ونحن لا نقول للناس: لا تضحكوا، ولا تمزحوا، فإن الميزان محمد صلى الله عليه وسلم وهو القدوة، وأما بنيات الطريق فخذ واترك، لكننا نسرد لكم حال السلف، أو بعض حال السلف الذين بلغوا من السمو ومن الخشية إلى هذه الدرجة، فـ ابن المبارك من الجلساء يوصي بهم في هذا الجانب.

محبة عمر لأبي عبيدة بن الجراح

محبة عمر لأبي عبيدة بن الجراح أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه يقول الذهبي في ترجمة أبي عبيدة في سير أعلام النبلاء المجلد الأول: "فأما أبو عبيدة فرزقه الله حسن الخلق" يقول عمر رضي الله عنه للصحابة بعد أن جمع الصحابة فقال: اجلسوا فجلسوا، قال: تمنوا فسكتوا، قال: أقول تمنوا -يعني كل إنسان يتمنى- فقال ذاك: أتمنى أن الله يرضى عني ويدخلني الجنة، وقال ذاك: وأنا أتمنى الشهادة في سبيل الله، وقال ذاك: وأنا أتمنى أن أحفظ القرآن، قال عمر: لكني أتمنى على الله أن يكون عندي ملء هذا البيت رجالاً من أمثال أبي عبيدة عامر بن الجراح، أبو عبيدة هذا رزقه الله من الزهد ومن العبادة والتجرد إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى درجة منقطعة النظير، ولذلك يقول بعض أهل السير: "نرى أنه ما حمل في قلبه حقداً ولا حسدا" من لياليه المشرقة التي يحفظه الله بها وسوف يجازيه بها، أنه كان أمير الأمراء في اليرموك، لكن في أثناء المعركة توفي أبو بكر فتولى عمر فأول إجراء اتخذه عمر أن عزل خالداً والمعركة حامية في اليوم الثاني وأتت الرسالة إلى أبي عبيدة فلما قرأ الرسالة: [[بسم الله من عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح أمَّا بَعْد: فقد وليتك جيش المسلمين وعزلت خالداً]] فدمعت عينا أبي عبيدة ووضع الرسالة؛ لأنهم يريدون الله والدار الآخرة، لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، ولو كان غيره لأتى بـ خالد وجرجره وحاسبه وجلده، وقال: قد عزلك أمير المؤمنين؛ لأنك فعلت وفعلت، لكنه أخفى الرسالة وما تصرف في الأمر حتى انتهت المعركة، ثم جاء إلى خالد وقال: [[يا خالد! إنما هي أيام قليلة نعيشها في هذه الحياة، وقد رأى أمير المؤمنين أن يوليني وقد تركتك من تلك الأيام]] فقام خالد فقبل على رأس أبي عبيدة وقال: [[رحمك الله أفلا أخبرتني، قال: لا. إنما نحن إخوة وكل منا يفعل ما يراه]] يعني ما يراه في ذات الله عز وجل يقولون: إنه من لياليه في آخر معارك اليرموك نام أهل المعسكر ما يقارب أربعين ألفاً من الناس -من الجنود من جنود المسلمين- ناموا بعد النهار الطويل والقتال المرير، ناموا بعد ذاك الإعياء والتعب الشديد ناموا جميعاً وقام هو فرآهم فأيقظ امرأته وقال: [[أتريدين ليلة من ليالي الجنة؟ قال: توضئي، فتوضأت، قالت: أنصلي؟ قال: لا، قالت: نقرأ القرآن؟ قال: لا، قالت: ماذا نفعل؟ قال: نطوف بهذا المعسكر فنحرسه علَّ الله عز وجل أن يحرم عينينا عن النار، فقامت رضي الله عنها فركبت وراءه على الفرس]]. كان يستطيع بنفسه أن يطوف ويتفقد، هو أمير الأمراء ويستطيع أن يوقظ أحد الجنود من الناس الألوف المؤلفة، ويستطيع أن يترك زوجته، ولكن أحب لها من الخير كما أحبه لنفسه، فقام يستعرض المعسكرات كلما مر بمعسكر سلم عليهم، وفي تلك الليلة أصاب الناس مطر في ذاك المخيم، قال أحد المسلمين: والله لقد رأيت أبا عبيدة أخذ قطعة من قماش وإنه يظلل بعض الناس من الأطفال والنساء هكذا بالخيمة أو القماش يظللهم عن المطر، فهل بعد هذا الوفاء وفاء؟! الشاهد أن أبا عبيدة رضي الله عنه يقول -وهذا في كتاب الزهد للإمام أحمد -: [[والله ما رأيت متقياً لله عز وجل حراً أو عبداً إلا وددت أني في مسلاخه]] يقول: وددت أنني أنا الذي في جلده. ومرة من المرات سافر أبو عبيدة من دمشق إلى المدينة ومعه ناس، فلما أصبحوا في الطريق [[قال أبو عبيدة: تمنوا، قال أحد الناس: أتمنى أن يدخلني الله الجنة، فلما انتهوا كلهم من أمنياتهم بكى، وقال: والله يا ليتني كنت كبشاً يذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحتسون مرقتي وأني ما عرفت الحياة]]. هذا أبو عبيدة لكثرة إخلاصه وزهده، ولذلك لما سافر عمر إلى الشام وأراد فتح بيت المقدس، دخل فاستقبله الأمراء إلا أبا عبيدة كان غائباً عن الناس، فقال عمر: أين أخي وحبيبي؟ قالوا: من؟ قال: أبو عبيدة، قالوا: يأتيك الآن، فأتى على ناقة سوداء خطامها الليف ما عليها حلس، -يعني ما عليها بردعة ولا قتب- فلما رأى عمر، تعانقا وبكيا طويلاً، وقال عمر لـ أبي عبيدة: تعال نبكي على ما فعلنا بأنفسنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فانصرفا عن الطريق -يعني مالا عن طريق الناس والجيوش والأمراء- ينتظرون شرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان ومعاوية وغيرهم من الأمراء كلهم وقوف صفوف ينتظرون قدوم عمر، قال: يا أبا عبيدة تعال نبكي على ما فعلنا بأنفسنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فانحرفا عن الطريق يبكيان ثم قال عمر: أريد أن أبيت عندك الليلة يا أبا عبيدة! وعمر ذكي لماح، ومن ذكائه كان يباغت عماله وأمراءه، كان يتركهم حتى يناموا في الليل ثم يدخل عليهم فيطرق فينام معهم فيرى فرشهم ويرى ماذا أخذوا؟ وماذا تركوا، ويرى أموالهم؛ لأنه يقول ومن مبادئه أن الأمير إذا ابتنى بيتاً قال: أبت الدراهم إلا أن تخرج رءوسها، يعني يحاسبهم هكذا. فقال لـ أبي عبيدة: أريد أن أنام عندك هذه الليلة، قال أبو عبيدة: تريد أن تعصر عينيك عندي، يعني تبكي عندي؟ قال: لا، فقال أبو عبيدة: حي هلاً وسهلاً، فلما انصرف الناس نام عنده عمر في تلك الليلة فقدم له خبزاً من شعير، قال: يا أبا عبيدة أما كان لك أن تتوسع؟ قال: ما كان لي من شيء، كل ما تعطيني من عطايةٍ صرفتها في سبيل الله. قال: فلما أتى ينام عمر أعطاه شملة فافترش نصفها والتحف النصف الآخر فلما أصبح عمر نائما أخذ يبكي عمر، فقال أبو عبيدة: أما قلت لك في أول النهار أنك سوف تعصر عينيك عندي -يعني سوف تبكي عندي- يبكي عمر من حالة أبي عبيدة، ولذلك يقول عمر: ليت عندي بيتاً مملوء برجال مثل أبي عبيدة. الشاهد أنه يقول: [[ما رأيت رجلاً متقياً لله عز وجل حراً أو عبداً؛ إلا وددت أني في مسلاخه]] هذا الحب في الله عز وجل والبغض فيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. والإمام الشافعي يتواضع أشد التواضع وقد كررنا هذه الأبيات لا لحلاوتها ولطلاوتها فقط ولكن لما فيها من خير يقول: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواء في البضاعة فيقول له الإمام أحمد: تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم قد تناولنا الشفاعة أو كما قال؛ لأن الشافعي من أسرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول: منكم قد أخذنا الشفاعة وأنت من الصالحين.

الحسن بن علي يحب المساكين

الحسن بن علي يحب المساكين ومما أثر عن الحسن بن علي بن أبي طالب السيد، سيد شباب أهل الجنة: [[أن الحسن كان يجلس مع المساكين لا يأكل إلا معهم، كان إذا أتت وجبته وطعامه قال: اجمعوا لي المساكين فيجلس معهم، وقيل له: لم ذلك؟ قال: إني سمعت أن الله أوحى إلى داود: يا داود مالك؟ قال: يا رب ماذا؟ قال: رأيتك تجلس مع علية الناس]] يعني إن أردت أن لا ينالك عذابي، فاجلس مع المساكين وكل واشرب معهم، فكان داود عليه السلام كلما أتى إليه طعامه قال: اجمعوا لي مساكين القرية أو المدينة، فيجمعهم ويأكل معهم ويتواضع. وفي سير داود أنه كان يأكل الطعام ويبكي، فقيل له في ذلك فقال: نعمة لا أؤدي شكرها، ولذلك أوحى الله إليه: يا داود أعلمت أن هذه النعمة مني؟ قال: نعم علمت، قال: فقد شكرتني، فجمع داود عليه السلام آل داود وكانوا ألوفاً وقال: إن الله عز وجل قد أنعم عليكم نعماً، فأريد ألا تمر ساعة من ليل أو نهار إلا ومنا من يصلي ومنا من يذكر الله ومنا من يقرأ كتاب الله، فلذلك قال الله: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]. هذا معنى أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، فإذا أحبه لغير الله عز وجل أو لغرض غير الله عز وجل؛ ذهبت حلاوة هذه المحبة وأصبحت متعطلة، لا يعلوها نور ولا تكسبهم مثوبة عند الله ولا أجراً، وإنما هي محبة وقتية تنتهي بوقتها، فنسأل الله السلامة.

الحذر من أسباب الزيغ

الحذر من أسباب الزيغ (وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) بعد ما يتشبع المسلم بالإيمان، أو المؤمن بالإيمان والمسلم بالإسلام؛ لابد أن يعتقد أنه لو نصب له في مكان أو في قمة ووضع تحت تلك القمة نار تتلظى ثم رمي من هذه القمة إلى النار أو أن يعود عن دينه لاختار هذه النار، وهذا مثال تقريبي قربه علماء السلوك وأرباب القلوب، قالوا: يجعل الإنسان في مخيلته هذا المثال أن يضع الإنسان في واد من الأودية نار تتلظى وتستعر، ثم توضع أنت في رأس هذا الجبل وترمى، وتخير بين أن ترمى في النار أو تعود عن دينك فتختار النار بدون العودة إلى الكفر -نسأل الله السلامة-، ولذلك يقول سبحانه وتعالى في مدح المؤمنين أنهم كانوا يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]. ولذلك يقول سبحانه وتعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] فلذلك ينبغي على الإنسان -كما ثبت في الصحيح- أن يقول في كل سجود: {يا مثبت القلوب ثبت قلبي على طاعتك، يا مصرف القلوب والأبصار صرف قلبي إلى طاعتك أو على طاعتك} فبهذا الدعاء والإلحاح وصدق اللجأ يثبتك الله ثباتاً لا تنحرف بعده أبداً. وأسباب الزيغ، أو محبة الكفر أو الرجوع إلى الكفر أسباب قد أجملتها في درس سبق، لكن من أسبابه: محبة الزيغ، لأن بعض الناس لمحبته الفساد؛ ومداولة الفساد يتركه الله ونفسه، وهذا هو الخذلان، الخذلان أن يتركك الله وهواك، يقول الله سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5]. ما أزاغ الله قلوبهم حتى زاغوا هم، ولذلك تجد أهل المعاصي إنما هم الذين زاولوا أسباب المعاصي فجلسوا مع السيئين، وسمعوا الأسباب الموصلة، أو زاولوا الأسباب الموصلة إلى المعصية: كسماع الغناء، واللهو، والفحش، والعهر، فوقعوا في الفاحشة، ثم من الفاحشة انتقلوا إلى الشبه والشكوك، ثم من الشبه والشكوك إلى النفاق أو الكفر -نسأل الله السلامة- قال الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] وهذه مشيئة الإنسان التي هي تحت مشيئة الرحمن، ولا يعترض الإنسان بحجة القضاء والقدر فهذا في جانب لا يدخل فيه. يقول ابن تيمية لرجل: "لماذا لا تستقيم؟ " قال: لأن الله لم يقدر علي أن أستقيم، قال: "فلماذا تعصي الله" قال: لأن الله قدر علي أن أعصيه، قال: "سبحان الله! جبري في المعصية قدري في الطاعة" فهذا بعض الناس يحتج بالقضاء والقدر في هذا الجانب ولا يحتج به في جانب آخر، بل لك مشيئة، وأنت تعرف أنك إذا سلكت الطريق المستقيم أوصلك إلى الله سبحانه وتعالى، يقول الله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23]. يقول: لو يدري سبحانه وتعالى -وهو يدري- أنه لو كان فيهم خير وبر ورشد ونصح للإسلام والمسلمين لأعطاهم الله من الخير: لكن لما علم الله إعراضهم عنه تركهم وهواهم، ولو أسمعهم؛ لتولوا وهم معرضون، ولذلك يتعجب الإنسان من بعض الناس يسمع الآيات والأحاديث والمواعظ التي تبكي لها الجبال والصخور ثم لا يهتز ولا يتأثر وسيرته هي نفسها وما تغير أبداً لا في أمسه ولا في يومه ولا في غده، وسبب هذا أنه هو الذي يريد أن يزيغ ويريد الانحراف ويشجع على الانحراف، فمن التشجيع على الانحراف، أن بعض الناس إذا جلس في مجلس من مجالس المنحرفين، فيمجد بعض الانحراف ويسميه حرية، ويلصق التهم بأهل الخير وأهل الاستقامة وأولياء الله عزوجل، هذا اعلم أن فيه انحراف وأن خاتمته سيئة إن لم يتداركه الله. هذه آيات التثبيت في كتاب الله عز وجل، فالحديث كما سمعتم: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار}. هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

صفة العالم والمتعلم

صفة العالم والمتعلم صفات أخذت من ثلاثة أحاديث بينت صفات العالم وكيف، ومتى، وماذا يفعل؟ فالمعلم فطن ذكي حليم رحيم رشيد، والمعلم عابد زاهد تقي، وهناك علوم يجب أن يتعلمها، فإذا أردت معرفتها فافتح هذه المادة واقرأ، وكن عالماً أو متعلماً ولا تكن الثالث فتهلك.

حكم تعلم العلوم العلمية والنفسية

حكم تعلم العلوم العلمية والنفسية الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: ونسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى الذي جمعنا في أشرف مكان في الدنيا أن يجمعنا في أشرف مكان في الآخرة، وأن يجمعنا بهذه الوجوه الطيبة الغالية في دار الكرامة، قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55] وقبل أن نبدأ في درس هذه الليلة أحب أن أشير إلى بعض النقاط التي لابد من الإشارة إليها. ورد في الدرس الماضي التعرف على بعض العلوم، ومقام المسلم من بعض العلوم التي لم تكن عند السلف كعلم التاريخ، والجغرافيا، والطب والتربية، والنفس، ويقول عمر رضي الله عنه وأرضاه لما كتب لـ أبي موسى وهو في العراق قاضٍ: [[فراجع الحق، ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس أن تعود عنه في اليوم، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والحق قديم]]. وبعد مشاورة ونصيحة وتوجيه من بعض دعاة الإسلام والأحباب والأخيار قبلتها على العين وعلى الرأس، ورجعت إلى تدارس بعض النصوص، فوجدت أن الحق جانب بعض الكلام الذي في الدرس الماضي، فالحق أن المسلم يؤجر على كل علم يتعلمه يريد به وجه الله، ويريد به أن ينصر هذا الدين، ويريد به أن يعلي كلمة الله تبارك وتعالى، سواء كان تربية، أو علم نفس، أو علم جغرافيا، أو تاريخاً، أو طباً، أو هندسة. والنظرية التي تقول: " إن المسلمين ليسوا بحاجة إلى تربية " نظرية خاطئة، فإن التربية فرضت نفسها، ولا يمكن أن نقول: إنه لا يوجد عندنا تربية، كيف وتربيتنا في القرآن والسنة، بل نقابلهم بعلم من عندنا. ولذلك يقول ابن تيمية في مجال العلوم التي توجد عند المسلمين: فمن جاءنا بعلم جئنا له من كتابنا وسنتنا بعلم يكافئ ذاك العلم. ثم اعلموا أن علم النفس يؤخذ كذلك من القرآن، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:7 - 8] ويترك هذا لأهل التخصص.

كلكم على ثغرة من ثغور الإسلام

كلكم على ثغرة من ثغور الإسلام وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلف زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود، فتعلمها في خمسة عشر يوماً فأتقنها، وترجم للرسول ما يمكن أن يكيدوا به هذا الدين. والمقصود: أن بعض الناس وهو من أهل الصلاح يتعلم هذه العلوم، فتأخذ وقته، فهو مأجور ومشكور من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو عابد لله عز وجل، وأعلم وتعلمون من يمضي الساعات الطويلة في الليل والنهار في علم الكيمياء والأحياء، فهو عابد بلا شك، وهو مأجور على هذا الصنيع الضخم. وكلكم على ثغرة من ثغور الإسلام، فالله الله لا يؤتى الإسلام من قبلك، فأسأل الله تعالى لمن يخصص جهده في هذه العلوم، ويبذل وقته وعرقه، وكل ما يملك لنصرة هذا الدين أن يرفع الله رأسه يوم القيامة، ويبيض وجهه، ويعلي حظه. واعلموا بارك الله فيكم أننا بحاجة إلى هذه العلوم والآداب، ولا يخفى عليكم أن الساحة رمتنا بكل كبير وصغير، وبكل تالد وطريف، فالأدب والشعر الذي في الساحة ليته كان شعراً ومقامات وحسب، كنا سكتنا، لكنه يحمل الفكر الإلحادي ويبثه في مجتمعاتنا، ونحن لا نجيد للناس إلا حدثنا وأخبرنا، وأما هذا الأدب فإنا لا نجيده، ولذلك فإنهم سوف يأخذون علينا الساحة كما يفعلون الآن، ويدمرون علينا الأفكار، ويستغلون علينا الأجيال، ويطردوننا في الأخير، فجزى الله خيراً من جعل وقته لهذا الجانب، وهو مأجور ومشكور، بل هو الرأي الصحيح من كلام أهل العلم وقبل ذلك من نصوص الكتاب والسنة، فشكراً لمن أهدى لي هذه النصيحة، وبصرني لهذا الأمر. وأنا قلت لكم: إننا ما اجتمعنا في هذا المكان إلا لتبادل الآراء ولأخذ الرأي الصائب؛ لأن فيكم من هو أعلم من المتكلم وأفضل، وأتقى وأخشى لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يمنع ذلك فإن الصحابة كان يجلس الشاب منهم ويتكلم وعمر يستمع. فأقول لكم: من عنده نصيحة، أو توجيهات أو اقتراحات فأنا أقبلها على العين والرأس، وأدعو له، ولقد دعوت والله لمن نصحني بظهر الغيب.

المرأة والتعلم

المرأة والتعلم والقضية الثانية أن المرأة مظلومة في بعض النواحي، ومن هضم المرأة أن تترك بعيدة عن ندوات الخير، وعن مجالس العلم، وحلقات الذكر لأنها شريكة الرجل، وهي معه، ولذلك ذكرها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الكتاب، وذكرها صلى الله عليه وسلم، بل ثبت في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم خصص يوم الإثنين من كل أسبوع للنساء، ليجلس معهن صلى الله عليه وسلم، وقد اقترح علي بعض الإخوة، وكان معنا مسجد بجانب هذا المسجد للنساء قالوا: هذا بعيد، وفيه بعض الارتباك، فنرى آخر المسجد لمن أراد أن يأتي بأهله ليستمعوا الذكر، ولو كانوا لن يستفيدوا إلا الرحمة والأجر والمثوبة لكفى، نسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينفع وأن يتقبل. والمقصود أن مجيئكم إلى هذا المكان، وحضوركم لأي درس يعقد يعتبر نصرة لهذا الدين ولو أنكم أعلم وأفقه وأفهم، لكنكم تؤيدون دعوة الله عز وجل، وتؤيدون طريق الاستقامة وهذه الصحوة التي يعيشها شباب الإسلام. وعلى العكس من ذلك فإن أهل النفاق لا يريدون هذا؛ بل يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19] يعلم من هو المخلص، ومن هو المجتهد ومن يريد النصرة لله ولكتابه ولرسوله وللمسلمين أجمعين.

حديث: (متى الساعة)

حديث: (متى الساعة) لا نزال نعيش مع هذا السفر العظيم الذي هو كما يقول ابن تيمية: ما أعلم تحت أديم السماء أفضل، ولا أفيد، ولا أنفع من صحيح البخاري بعد كتاب الله لمن عقل ما فيه، وتدبر معانيه. ويكفي أن نجتمع فقط، وأن نعيش هذه اللحظات مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن ذكره لا يمل عند من يريد الله والدار الآخرة. والحديث الذي معنا -وهو الحديث الأول في هذه الجلسة- هو: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال له: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال، فكره ما قال، وقال بعضهم بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه، قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: هأنذا يا رسول الله، قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة}. لا يهمنا أن نعرف اسم هذا الأعرابي ونسبه وإلى أي قبيلة؛ فليس وراء ذلك طائل، والمهم أن نعرف العبر من هذا الحديث. مجمل الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس في مجلسه يحدث الناس، يشرح لهم أصول العقيدة، ويفيض عليهم مما أفاضه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليه، فلما جلس صلى الله عليه وسلم وأصبح في وسط حديثه يندفع، وإذا بأعرابي جاء متأخراً يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، كما يقول المثل: " أحشفاً وسوء كيلة " أي: أنه أتى في آخر الجلسة ففاته العلم، مثل الطالب يبقى خارج الفصل يدور في الممرات ويتمشى ويفطر ويتغدى، ثم يأتي في آخر لحظة فيدخل ويطرق الباب، فيقطع الدرس على الأستاذ، ثم يأتي يجلس ولا يدري ماذا شرح على السبورة وماذا قال الأستاذ؟ وأين وقف؟ وماذا رد عليه الطلبة؟ فيرفع إصبعه ويقول: عندي سؤال، من أين يسأل في هذه القضايا؟!! وكيف يسأل؟!! وهل يحق له أن يسأل أم لا؟!! وهذا الحديث تربوي، وسوف تعلمون ماذا يقول أهل العلم في هذا الحديث، وما استنبطوا فيه من قضايا تفيد العالم والمتعلم، والمفيد والمستفيد:

صفة العالم والمتعلم

صفة العالم والمتعلم أول قضية نستفيد منها في الحديث صفة العالم مع المتعلم: فالعالم له صفات: أولها: أن يخلص بعلمه وعمله لوجه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لا يريد رياء ولا سمعة؛ لأنه إذا لم يخلص فسوف يذهب عمله هباءً منثوراً. ثانيها: أن يتحبب إلى طلابه، فإن سلطان الحب سلطان قوي، ولا يمكن أن يسيطر على القلوب إلا بالحب، فلا يستخدم العنف ما استطاع للحب سبيلاً. ثالثها: ألا يهدر أعظم المصالح، كأن يكون في مثل هذه الجلسة نفر كثير يكلمهم ويردون عليه، ثم يأتي إنسان متأخر ويسأل سؤالاً، ومن أين له أن يسأل سؤالاً وقد قطع الفائدة عن الجميع؟! فالرسول صلى الله عليه وسلم لما كان يعلم الصحابة وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، والأخيار، والشهداء، ورؤساء الناس يأتي هذا الأعرابي متأخراً فيقطع عليه الحديث، هل من الحكمة أن ينصرف صلى الله عليه وسلم ويقول له: ماذا تريد؟ وجواب سؤالك كيت وكيت، ويترك هؤلاء الذين معه من الصباح؟! فمن الحكمة: تقديم أهل الفضل في فضلهم ومعرفة أهل المنازل في منازلهم، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم كما رواه أبو داود وعلقه مسلم في صحيحه عن عائشة قالت: قال صلى الله عليه وسلم: {أنزلوا الناس منازلهم} فمن إنزال الناس منازلهم أن تعرف لأهل الحق حقهم. والقضية الثانية التي تستفيدها من هذا الحديث وقد تعرضنا لها: تقديم أعظم المصالح: فلا يحق لك أن تترك النفر الكبير من أجل شخص واحد، وليس هذا الشخص مستفيداً معك، لكنه أتى متأخراً فحمل بعض النقص فتعطيه بنقصه.

حكم تكلم الإمام مع المأموم

حكم تكلم الإمام مع المأموم المسألة الثالثة التي أخذها أهل العلم: قطع الخطبة، هل يحق للإمام إذا كان يخطب الناس ويتكلم إذا دخل عليه داخل وقاطعه الحديث هل له أن يقطع خطبته؟ والمسألة فيها تفصيل: إن كان السؤال وجيهاً وفي غير خطبة الجمعة فله أن يقطع الخطبة كهذا الدرس، كمن يسأله من يأتي من البادية يتعلم العقيدة أو يقول: أنا مسافر ذاهب ومستعجل، أريد أن تعلمني الصلاة الآن، وسوف أسافر الآن، فله أن يقطع الدرس؛ لأن التعليم هذا نافلة، وتعليم الجاهل فريضة، وفي صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم علم معاوية بن الحكم وغيره وقطع الحديث صلى الله عليه وسلم. ولذلك يقول عمرو بن عبسة: {أتيت الرسول صلى الله عليه وسلم فوجدته يتحدث للناس على كرسي من حديد، فقلت: يا رسول الله! رجل يسأل عن دينه، فما دينه؟ فتبسم صلى الله عليه وسلم وترك الناس ونزل من على كرسيه، وأتى إلى قربي وعلمني} هل هناك أخلاق بعد هذه الأخلاق سيد البشر صلى الله عليه وسلم؟ ينزل ويترك كرسيه ومكانه أمام الجموع، ويأتي إلى السائل ويجلس بجانبه. ولذلك إن كان السؤال خطيراً ومهماً في غير خطبة الجمعة فقد قال الإمام أحمد: أرى أن يقطع كلامه ويجيب السائل. لأن بعض الناس إن لم تجبه سافر وترك الجواب، فهو ليس حريصاً على الجواب، حتى ولو كانت القضية أكبر من أي قضية، وبعضهم يتذمر حتى من الشيخ ويقول: إما أن تجيب على سؤالي وإلا سأذهب وأسافر الآن، فلذلك من المصلحة أن يتلطف ويخبره. وأما في خطبة الجمعة فقال أهل العلم: للإمام أن يتكلم وللمأموم أن يتكلم معه لكن لا يقاطعه كأن يأتي الإمام بحديث ويقول: رواه الترمذي، فيأتي المأموم ويقول: لا. أصله في الحاكم، ورواه ابن ماجة بسند جيد، ورد عليه الألباني، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز كذا وكذا، فهذا يؤدب، إنما الأصل أن يرد عليه بقضية هامة أو أن لها علاقة بالناس، وسوف آتي بالأحاديث أو الأدلة، ثم أنتم بفهمكم تأخذون الدلالة في ذلك. فقضية تكلم الإمام مع المأموم دليله ما جاء: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل سليك الغطفاني المسجد، فجلس فقال صلى الله عليه وسلم وهو يخطب: {أصليت؟ قال: لا يا رسول الله، قال: قم فصلِّ ركعتين خفيفتين وأوجز} أي: خفف. لأن من الحاجة تعليم السنة في هذا المكان، وهي من الواجب أن يقولها الخطيب؛ لأنه لو تركها صلى الله عليه وسلم لربما نسيها هو، وربما الناس جميعاً، ولربما ظن من في المسجد أن هذا إقرار على فعله فيأخذونها فتصبح في أدمغتهم وهي خطأ. ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتخطى الرقاب وهو يخطب الجمعة، فقال للرجل: {اجلس فقد آذيت} فهذا منكر يتمثل في أن هذا الرجل يتخطى رقاب الناس، ويتعدى الصفوف فقال: {اجلس فقد آذيت} فأجلسه صلى الله عليه وسلم. المقصود: أن للإمام أن يتكلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي القضايا التي تهم الناس ويمكن أن يفهمها الناس خطأ. وللمأموم أيضاً أن يتكلم في حالات كما في حديث أنس في الصحيح: {أن أعرابياًَ دخل وقال: يا رسول الله! جاع العيال، وضاع المال، وتقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا}. ومنها: أن عمر رضي الله عنه تكلم للناس وهو يخطب الجمعة وقد كسا الصحابة ثوباً وكان يكسو الناس ويوزع عليهم الهدايا والثياب، حتى يقال في السيرة أنه إذا وزع الدقيق على الأسر وعلى البيوت أخذ الأواني كلها فجعل آنيته وصحنه في آخر الصحون، ويوزع الدقيق رضي الله عنه وأرضاه ويوزع الزيت في الصحن، فيترك صحنه إلى الأخير، ثم يقول: خذ يا أسلم أوصل هذا إلى أهل عمر، فأتت زوجه عاتكة بنت زيد فأخذت كل ما وصل إليها من دقيق وأبقت منه شيئاُ قليلاً حتى جمعت عندها دقيقاً، وأرسلت جارية من جواري الجيران حتى لا يعلم عمر أنهم أبقوا دقيقاً وقالت للجارية: اذهبي إلى أمير المؤمنين عمر في بيت المال واشتري منه حلوى -الحلوى كانت قطعاً طويلة كالسكر تباع وهي أحسن شيء للحامل- فذهبت هذه الجارية، وكان عمر ذا فراسة رضي الله عنه، حتى يقال: كأنه ينظر إلى الغيب من ستر رقيق، ويقول ابن عمر في صحيح البخاري: [[كنا نتكلم أن السكينة تنطق على لسان عمر]] حتى يأتي الولاة يحاسبهم فينسون بعض الحساب ويرتبكون لأنه وراءهم رضي الله عنه بالدرة. لذلك يقول عمرو بن العاص: لما حسبت ميزانية مصر وقدمت بها إلى عمر وقد حسبتها في الطريق فوجدتها قد نقصت ما يقارب عشرة آلاف درهم -ومن يمنعه من عمر رضي الله عنه لا بد أن يخرجها من البر أو البحر - قال: فتحيلت ماذا أفعل، فقلت: ليس معي إلا أن أتركها حتى يشتغل بالولاة، إذا جلس يحاسب ولاة الأقاليم أدخل أنا في الربكة معهم حتى يحاسبني عجولاً ثم أخرج، فأتى دور معاوية، فلما انتصف الحساب مع معاوية رضي الله عنه وأرضاه، دخل عمرو بن العاص وقال: يا أمير المؤمنين! عندي سفر وأريد أن تحاسبني الآن، قال: اصبر، أو لا تستعجل، فقال: يا أمير المؤمنين! لا صبر لي، وهذا ثابت في سيرتهم رضي الله عنهم، قال معاوية: إن هذا نكد يا أمير المؤمنين! يقطع علي حديثي، قال: أنت النكد فتقاتلا بين يدي عمر رضي الله عنه، فقال عمر: أعطني المال الذي عندك واصرف عنا وجهك، يقول لـ عمرو بن العاص وأثبت ذلك أهل السير وهم بشر، لكن الدهاء قد ينفع في بعض المواقف، فأخذ عمر رضي الله عنه المال، فقال عمرو بن العاص: ووالله ما أظن أنني قدرت على عمر إلا في تلك المرة، ولا يفهم من ذلك أن الصحابة يتحيلون على بعض، أو يخادعون الله ورسوله والمؤمنين، لا والله، لكن قد ترتبك بعض حسابات البشر، أو ينسون، أو يغفلون، وعمر لا يعرف الارتباك، ولا يعرف الغفلة. ولذلك أتت الجارية إلى عمر وقالت: أعطنا حلوى من بيت المال، قال: من أين هذا الدقيق؟ قالت: من عند أهلي، وأخذ بأذنها رضي الله عنه وفركها -فرك أذنها- فقال: الصدق! قالت: عاتكة امرأتك هي التي أرسلتني بالدقيق، قال: هيه! أطفال المسلمين يموتون جوعاً، وعاتكة تدخر، والله لا تذوق حلوى، ووالله لا يعود لها الدقيق، فذهبت: لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولارجع الحمار ولذلك يقول حافظ إبراهيم: لما اشتهت زوجه الحلوى فقال لها من أين لي ثمن الحلوى فأشريها قل للملوك تنحوا عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها

الذكي يعرف سؤاله

الذكي يعرف سؤاله الفائدة الرابعة: حسن السؤال، أن يكون الإنسان عاقلاً في السؤال، فإذا كان المدرس في التاريخ فلا ينبغي أن يسأله في التربية، أو يشرح في الحديث في صحيح البخاري فلا ينبغي أن يسأله في الجغرافيا، ولذلك بعض الأسئلة تدل على سفه أصحابها، وإنما يعرف الأذكياء من الناس بحسن السؤال، والأعرابي دل عليه سؤاله، فقال أهل العلم: لقد كان عاقلاً حين قال هذا السؤال خلافاً لما فعله أعرابي آخر وهو رجل قالوا له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث الناس في المسجد قال: سوف أعلم أهو يعلم الغيب أم لا، فذهب وأخذ ناقته وخرج بها من المدينة وذهب وربطها في وادٍ في ضواحي المدينة ثم عاد وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث الناس فقطعه وسط الخطبة وقال: {يا رسول الله! أين ناقتي؟ -وهل الرسول صلى الله عليه وسلم مسئول عنه وعن ناقته؟! وهل يعلم الغيب؟! - فغضب صلى الله عليه وسلم حتى اشتد غضبه فقال عمر: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، فسكت هذا الأعرابي}. ولذلك يقولون: نص السؤال نصف العلم، ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[رضي الله عن أصحاب محمد ما كان أتقاهم لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى -أو أخشاهم لله- ما سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم إلا في مسائل]] يسألونك عن الخمر، يسألونك عن الأهلة، يسألونك عن المحيض، وهي مسائل معدودة في كتاب الله عز وجل. ومن حسن السؤال أن يعرض السؤال موجزاً على العالم، وأن يتوخى به وقتاً مناسباً، لا يترك الإنسان وهو في درسه ثم يعرض السؤال عليه، وهو مغضب، أو قلق، أو يكلم أحداً من الناس، أو وهو نائم يأتي إليه ويطرق بابه وسط الليل -الساعة الثانية من الليل- ويقول: كيف أمسح على الخفين؟! فلذلك أيضاً ينبغي تحري أوقات عرضها على العالم.

الاهتمام بالأسئلة

الاهتمام بالأسئلة الفائدة الخامسة التي تستفاد من الحديث: الاهتمام بالأسئلة؛ فإنه قد لا تفهم القضية من عرضها على الناس، وإنما تفهم بالسؤال، ولذلك ضيع الرسول صلى الله عليه وسلم السائل، واستمر في خطبته، وأعرض عنه، فانقسم الصحابة قسمين: قسم قالوا: سمع ما قال فكره ما قال، لأنك تعرف من لمحات الشخص، ومن حركاته وسكناته أنه سمع أو لم يسمع. وقسم قالوا: لا، بل لم يسمع، ولو سمع لأجاب، فلما انتهى صلى الله عليه وسلم قال: {أين أراه السائل عن الساعة؟} أين أراه: أي ليخرج نفسه، ويرى سؤاله ويعيد ما قال، فسأل فأعطاه صلى الله عليه وسلم العلامة، قال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: {إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة} وهذا جواب الحكيم عند أهل البلاغة؛ وجواب الحكيم أن يسألك بسؤال فتجيبه بجواب آخر لا يريده لكن فيه نفعه، الصحابي هذا البدوي يريد أمراً عجباً، يريد أن يخبره الرسول صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة؟ لكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بشيء أنفع له وكأنه يقول: أنت لا يهمك هذا، سل عما يهمك، ثم رده إلى الأمانة، وكأنه يقول: عليك بالأمانة، ومن أعظمها أمانة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهي العقيدة التي في القلوب، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} [الأحزاب:72] يقول أهل العلم: الأمانة ليس هي أن يستودعك إنسان خمسين ريالاً فتكون عليها أميناً وأنت في الوقت نفسه لا تصلي، بل إن أعظم الأمانة الصلوات الخمس في جماعة، قبلها حفظ الله عز وجل في كل وقت، فهي الأمانة العظمى. وقد ورد في القرآن شبيه بذلك فقد سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهلال قالوا: يا محمد! كيف يبدو الهلال ضئيلاً ثم يكبر ثم يصغر؟ وهل هذا سؤال يستحق العرض؟! وما الفائدة منه؟ يقولون: كيف يبدأ كبيراً ثم يصغر؟ فأنزل الله قوله: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة:189] و A { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189] لماذا لم تسألوا عن فائدة الأهلة، وعن منافعها؟ وسؤالهم مثل أنفسهم. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة}. وضياع الأمانة كما قال أهل العلم: من علامات الساعة المتحققة في الناس أن تضيع الأمانة، قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله رحمة واسعة: وإن من علامة القيامة إضاعة الأمة للأمانة والأمانة تضيع، عندما يذكر الأمناء في الناس يدل على ندرتهم، فيقال: في مدينة كذا في حي كذا رجل أمين، يعني: أن الآخرين بمفهوم المخالفة ليسوا أمناء، ولذلك فهذا مدح بما يشبه الذم، كأن تقول: في الفصل الفلاني أو المدرسة الفلانية رأيت خمسة منهم يصلون، يعني: أن البقية بمفهوم المخالفة مذمومون بكونهم لا يصلون، ولذلك يقول حذيفة في الصحيح: [[ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلماً رده علي الإسلام وإن كان نصرانياً رده علي ساعيه -رده عليه أي: السمسار الذي يبيع ويشتري- أما الآن فوالله ما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً]] أي أنه ينتقي من الناس فلاناً وفلاناً؛ فضياع الأمانة من أكثر علامات قيام الساعة كما علم في هذا الحديث.

وقفات مع حديث: (إن من الشجر شجرة)

وقفات مع حديث: (إن من الشجر شجرة) الحديث الثالث نقدمه على الحديث الثاني لبعض الحكم: لأنه أشد ارتباطاً في مجال العلم، ثم نعود إلى الحديث الثاني إن شاء الله. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المؤمن، فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله بن عمر: ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: هي النخلة} رواه البخاري وعقد على هذا باب عرض الإمام المسألة ليختبر ذكاءهم. وعرض المعلم على الناس الأسئلة هو المطلوب، ولذلك يقولون: يختلف ذكاء وفهم المتعلم من الطالب وغيره على حسب فهمه للسؤال، ويذكر صاحب كليلة ودمنة إن كان صادقاً وأورده بعض أهل العلم عندما نقلوا أن علياً لما ذكروا له قتل عثمان رضي الله عنه، قال: [[أكلت يوم أكل الثور الأبيض]] فإن عثمان رضي الله عنه لما قتل علم أنه سوف يقتل هو بعده وفعلاً فعل ذلك، فذكر صاحب كليلة ودمنة حادثة الثور الأبيض والثور الأسود أنهما كانا شريكين، يأكلان من ضاحية، ويشربون من غدير، فأتى الأسد إليهما، فلما رأيا الأسد اجتمعا عليه فنطحوه فولى، فأتى إلى الثعلب الداهية وقال له: هنا في الوادي ثوران لم أستطع أن آكلهما، لأنهما ينطحاني إذا اجتمعا علي، قال: أرى أن تمني أحدهم حتى يباعد الآخر، وتثير بينهم العداوة فتأكل الأول، ثم تأكل الثاني، فأتى إلى الأسود فقال: أنت رفيقي وشقيقي وأخي وكذا، فدعنا نأكل هذا الذي أكل عليك المرعى، وشرب عليك الماء، قال: كله لا رده الله، فأتى الأسد فأكل الأبيض فلما انتهى أتى إلى الأسود فأكله. فأورد الذهبي في سير أعلام النبلاء وابن كثير - أن علياً لما مات عثمان قال: [[أكلت يوم أكل الثور الأبيض]] يعني ما دام عثمان قتل رضي الله عنه، فمن يواجه هؤلاء المبتدعة، ولذلك يذكر صاحب كتاب كليلة ودمنة في باب اختلاف الناس في فهم السؤال، يقول: أتى الأسد فعرض فكاهة على الحيوانات، فضحك كل من حضر من الحيوانات في الحال إلا الحمار، فلما جاءوا في اليوم الثاني إذا به يضحك، قالوا: مالك يا أبا صابر؟! قال: ما فهمت الفكاهة إلا اليوم، فهو قد فكر أربعاً وعشرين ساعة، وفي اليوم الثاني فهم الفكاهة، فكل واحد يضحك على قدر فهمه. فالمقصود من الحديث أن من فطنة العالم وذكائه أن يعرض السؤال ليرى أفهام الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في سؤال النخلة. وقصة النخلة: أنه صلى الله عليه وسلم أتي بجمار، وهو قلب النخلة، وهو شيء أبيض يؤكل، وهو كالقماش الأبيض، فأتي به صلى الله عليه وسلم، والناس جلوس، لكن ابن عمر لمح هذا الجمار الذي وضع عند الرسول صلى الله عليه وسلم، وبقية الصحابة لم يلمحوا هذا الجمار ولم يروه أو أنهم رأوه لكنهم لم ينتهوا، فلما جلسوا وسكتوا، ومضى شيء من الوقت؛ لأن من الحكمة أن تباعد السؤال عن القرائن، أما الأستاذ الذي يأخذ الطبشورة بيده، ويقول: ما هو الشيء الأبيض الذي إذا كتبت به على السبورة كتب؟ سوف يعرفون أنها الطبشورة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ هذا الجمار ووضعه في الأرض عليه أفضل الصلاة والسلام، فلما سكت الناس واستمر الحديث التفت إليهم وقال: إن من الشجر شجرة مثلها مثل المسلم حدثوني ما هي- ابن عمر كان صغيراً، والصحابة فيهم أبو بكر عمر وعثمان وعلي كبار قادة الإسلام وفاتحو الدنيا، والذين بنوا العدالة في المعمورة، فقال صلى الله عليه وسلم: {إن من الشجر شجرة مثلها مثل المسلم حدثوني ما هي؟ قال ابن عمر: فوقع الناس في شجر البوادي} بعضهم يقول: الطرفاء، وبعضهم يقول: السمر، وبعضهم يقول: السلم، وبعضهم يقول: الأثل، وبعضهم يقول: الخمط، قال ابن عمر: {ووقع في نفسي أنها النخلة} قال الحفاظ: فهم من الجمار الذي أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها النخلة، قال ابن عمر: {فاستحييت أن أتكلم} لأنه بين يدي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؛ لا يستطيع أن يقول: هي النخلة فيقول صلى الله عليه وسلم: نعم، بارك الله فيك، لكن من العلم الذي علمهم صلى الله عليه وسلم ومن الأدب الذي أدبهم أن يتأدبوا مع الكبير، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {كبر كبر}. وسبب هذا الحديث أنه أتى عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة لما قتل أخوهم في خيبر فأتوا يتكلمون فقام الصغير فتكلم، قال صلى الله عليه وسلم: {كبر كبر} فتكلم محيصة قبله، فهو من أدبهم ألا يتكلم إلا الكبير. فقال ابن عمر: {فوقع الناس في شجر البوادي، ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت} فسكت الناس أي: أنهم عجزوا عن الجواب، فقالوا: {حدثنا ما هي يا رسول الله، قال: هي النخلة} عليه الصلاة والسلام. يؤخذ من هذا الحديث فضل النخلة، ونحن لا نقول: فضل النخلة قضية تكليفية نتعبد بها، لكن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وصف الكلمة الطيبة بالنخلة، وورد حديث عند البزار بسند جيد: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ في حديث أنس: {مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم:24] قال: أتدرون ما هي؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: هي النخلة}.

أوجه الشبه بين المسلم والنخلة

أوجه الشبه بين المسلم والنخلة ووجه الشبه بين المسلم والنخلة أمور قالها أهل العلم: 1/ ثبات الأصل: فالنخلة ثابتة الأصل والمسلم ثابت الأصل، تعاليمه سماوية، لا يأخذ تعاليمه من البشر، ولا من أفكارهم ولا من خرافاتهم فهو ثابت في الأرض؛ لأن مبدأه ثابت وعميق في الأرض، يعتمد على (لا إله إلا الله) ويعتمد على قرآن من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وعلى سنة من المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، والنخلة ليس على وجه الأرض مثلها فالحنظلة -مثلاً- لو مرت شاة وأكلت منها اقتطعتها واقتطعت عروقها، أما النخلة فإنها تقاوم الإعصار، فهي مثل المسلم بثبات الأصل، هذا وجه شبه بين المسلم والنخلة. 2/ كثرة المنافع: يقول أهل العلم: يؤخذ من طلع النخلة بسر وبلح ورطب وتمر ودبس، ويؤخذ منه نبيذ، ثم عدد ما شئت، هذا من التمر قالوا: ويؤخذ من سعفها الحصير، ويؤخذ منه مكاتل وبسط وفرش، وتستخدم جذوعها في السقف، والمؤمن كذلك منافعه أكثر من أن تحصى، إذا أردته في مجلس ذكر أعانك على الذكر، وإذا أردته في الجهاد وهب نفسه للجهاد، وإذا أردته أن يشارك في مسألة أعطاك ما يمكن أن يشاركك به، وإن كان عنده مال واحتجت له، شارك بماله، وإن كان عنده وقت وبقي له وقت شارك بوقته، يزورك إذا مرضت، ويشمتك إذا عطست، ويشيعك إذا مت، فهو دائماً معك، فمنافعه أعظم من منافع النخلة، لكن وجه الشبه كثرة المنافع بين الجانبين. 3/ ارتفاع القامة وعلو الهمة، فالنخلة هامتها مثل هامة المسلم، أما ترى النخلة قوية مرتفعة، ولذلك إذا هب الإعصار فإنه لا يأتي إلا على أعالي الشجر، فالمسلم همته عالية، دائماً يفكر في معالي الأمور، ويفكر دائماً في الجنة، وفيما يقربه إلى الله، وهمته مثل علو النخلة، ولذلك أنزل الله تعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:10] قال بعض الأعراب: صليت المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقرأ: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:10] فوالله ما علمت ولا أدري ما قرأ بعدها، ولأنني وقفت عندها، ولذلك يقول الزمخشري في التفسير: وإنها لآية عجيبة حقاً، انظر لاختيار الكلمات: النخل باسقات، لم يقل طويلات، جمع باسقة والباسقة الطويلة، قالوا: ومع طولها امتداد قامتها؛ لأن بعض الناس طويل لكنه منحنٍ مكسور الظهر، فمن ارتفاع همة المسلم أنه مثل النخلة في ارتفاع الهمة، فلا يفكر إلا في معالي الأمور. ولذلك يقال: سل الإنسان فيم يفكر؟ سوف تعلم أي همة يهتم بها، من اهتم بأمر المسلمين أو بإصلاح بيته فهمته من أعلى الهمم، ومن اهتم بغير ذلك فهمته توصله إلى ذلك، يقول ابن القيم في مدارج السالكين: إن الله ينظر إلى همم الناس وإلى نياتهم ولا ينظر إلى صورهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولا إلى هياكلهم ولا إلى أموالهم، فالهمة هي العظيمة؛ ولذلك يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: والله لقد رأيت أناساً في المعمورة، فتعجبت من سقط هممهم، ويظنون أنهم بلغوا الثريا بالهمم، سمعت قول المتنبي في الهمم: ولكل جسم في النحول بلية وبلاء جسمي من تصاعد همتي يقول: كل جسم مريض أما مرض جسمي فهو من تعالي همتي، ماذا فعل؟! كان يمدح كل سلطان في كل مكان ويريد الإمارة، ثم مات بلا إمارة ولا دين ولا شيء، كفقير اليهود لا دين ولا دنيا. فيقول ابن الجوزي: فعدت إلى نفسي فوجدت همتي والحمد لله، لأنه يتحدث عن نفسه كثيراً فهي من أعلى الهمم، أريد أن أحقق العبادة، أن أنفع الناس، وأصلح أهلي، وأترك ورثة يعبدون ويذكرون الله، فهمة المسلم أعظم همة. 4/ ومن أوجه الشبه بين المسلم وبين النخلة: دوام الاخضرار، يقولون: إن النخلة دائماً لا يسقط لها ورقة في الشتاء، ولذلك المؤمن على كلمة واحدة، يقول الحسن البصري رحمه الله: [[تلقاه العام بعد العام وهو على كلمة واحدة، وعلى نية واحدة وعلى عمل واحد أما المنافق فيتلون]] أي: إذا رأى المصلحة معك فهو معك، وإذا رأى أنك لم تقدم له شيئاً فإنه ليس معك، إن أركبته في السيارة ذكرك وأحبك، يوم أن غديته أحبك لكنه حبٌ وقتي للطوارئ، أما المؤمن فهو معك دائماً. ولذلك يقولون: دوام اخضرار المؤمن في عمله الصالح، فهو على كلمة واحدة، هل هناك مؤمن في الشتاء يزيد إيمانه وفي الصيف ينقص، وزيادة الإيمان مطلوبة، لكن في الشتاء تلقاه بوجه، وفي الصيف تلقاه بوجه، فالمؤمن واحد في الليل والنهار، وكذلك النخلة لا تسقط ورقها في الشتاء، فهي دائمة الخضرة، وهذا من أوجه الشبه. 5/ ومن أجه الشبه ومن اللطائف التي يقولها الغزالي في الإحياء وهي لطيفة مثل الزهرة تشم ولا تعك (لأن الزهرة تشمها بأنفك، أما أن تأخذها بيديك تعكها وتعصرها فليست بعصير). يقول: وجه الشبه بين المؤمن وبين النخلة أن المؤمن إذا آذيته رد عليك كلاماً طيباً، والنخلة إذا رجمتها ردت عليك رطباً، وهذا شيء جميل.

وقفات مع السلف في حسن أخلاقهم

وقفات مع السلف في حسن أخلاقهم ورأيت في ترجمة عيسى عليه السلام في بعض الكتب أنه كلمه رجل فأبذى عليه ذاك الرجل -سبه وشتمه- فقال: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:55]. فقال الحواريون لعيسى: يا نبي الله! كيف يتكلم عليك وترد هذا الرد، قال: كل ينفق مما عنده، ثم يقول: إن مثلي ومثلكم يا أيها الحواريون، كالنخلة إذا رجمت بالحجارة أنزلت على من رجمها رطباً. وقد تفنن الشعراء في ذلك والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أرسى هذا المبدأ في كتابه حيث قال: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] قال أبو عبيد القاسم والأصمعي: سلاماً في القرآن بمعنى سلامة لكن أتت بألف الإطلاق بدل الهاء؛ أي أنهم إذا خاطبهم الجاهلون، وتكلموا عليهم قالوا: سلاماً، أي: أبشروا بالسلامة، لا يأتيكم منا أذى، ولذلك إذا أجبت الشرير بالشر زاد عليك، فبدل أن تكون لطافة وكلاماً سهلاً يردون عليك بالمشاعيل نسأل الله السلامة من المشاعيل! والمقصود أن حسن الجانب واللين يطفئ ثائرة الضغينة، ويقولون: ما رأينا أقتل للشرير من السكوت. إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت جاء رجل إلى أبي بكر فقال: والله لأسبنك سباً يدخل معك في قبرك، قال أبو بكر: [[والله لا يدخل معي وإنما يدخل معك أنت في قبرك]]. وجاء رجل إلى عامر الشعبي -وسوف يمر معنا في أذكياء الناس في الأسئلة- أتاه وهو يفتي الناس -وأورد ذلك الذهبي وغيره- فقال: يا أبا فلان يقصد الشعبي وهو عالم من علماء المسلمين: ما اسم زوجة إبليس؟ انظروا إلى هذا السؤال الخطير، فرفع الشعبي رأسه، وكان لا يتلعثم وكانت فيه دعابة، قال: لم أحضر الزواج كان عندي شغل يوم وليمتهم، لأنه ما دعي، وما وجهت له دعوة ولو وجهت له دعوة، فهو مشغول. الشاهد أن الشعبي رحمه الله وقف رجل فسبه أمام الناس، فقال الشعبي: إن كنت صادقاً فغفر الله لي، وإن كنت كذاباً فغفر الله لك. هل وراء هذا السؤال شيء أعجب من هذا الجواب؟ ماذا يقول بعدها؟ سوف ينعصر ذاك خجلاً ويموت كمداً، ثم يأخذ حذاءه ويقول: السلام عليكم. ولذلك أفضل ما يمكن أن تقتل به السفيه أن تسكت مهما تكلم ومهما قال، أن تسكت وتقول سلاماً، وتبتسم. ويذكر في ترجمة عمر بن عبد العزيز -وذكرها صاحب البداية والنهاية - أنه ذهب ليقوم الليل في مسجد بني أمية، وكان خليفة فذهب، فأخذ حذاءه بيسراه ودخل المسجد، وإذا برجل نائم في المسجد فوطئه برجله في الظلام، فقام النائم فزعاً فقال: من هذا الحمار الذي وطئني؟ وهذا موجود في ترجمته، قال عمر بن عبد العزيز: أنا عمر بن عبد العزيز، ولست بحمار والحمد لله، فذهب ذاك الرجل يولول ويتأسف ويخبر الناس، فقالوا: من الخلفاء الراشدين رضي الله عنه وأرضاه. فالشاهد من هذا هو أهمية الرد الجميل وكذلك اختلاف الناس في الفهم، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جعل أفهام الناس بالتفاوت حتى يقولون: بين الناس تفاوت كما بين السماء والأرض، ولا تظنوا أن فضل الناس عند الله على حسب الذكاء، وأن الذي يحفظ جدول الضرب عن ظهر قلب هو أفضل من الذين لم يحفظوا جدول الضرب، لا فإن هذه وسائل دنيوية قد يستخدمها الإنسان في طاعة الله، وقد يستخدمها في المعصية، لكن الميزة عند الله هي التقوى. ولذلك الذين اكتشفوا القنبلة الذرية هم من أذكياء الناس بلا شك ولو كانوا كفاراً، ولا تقولوا: الكفار ليسوا بأذكياء بل منهم الأذكياء، لكن الواحد منهم أنجس من الكلب والخنزير، فذكاؤهم لا ينفعهم عند الله؛ لأنه لم يرفعهم عند الله ولم يستخدموه فيما يقربهم منه سبحانه وتعالى.

قصص تدل على ذكاء المسلمين

قصص تدل على ذكاء المسلمين وهنا سوف أذكر ذكاء أهل الإسلام، فمن أذكى الناس علي رضي الله عنه ولقد كانت جواباته من أذكى جوابات الناس، حتى جمع بعض أهل العلم فصولاً في جواباته، مثل ابن عبد البر جمع له جوابات: سأله سائل كم بين العرش والأرض يا أمير المؤمنين هل علي رضي الله عنه قاس المسافة؟ هل عرفها بالأميال والكيلو مترات؟ لا. بل قال علي رضي الله عنه: [[دعوة مستجابة]] بين الأرض وبين العرش دعوة مستجابة. ولذلك يقول ابن أبي الحديد -وابن أبي الحديد متهم، عنده ملعقتين من التشيع في التاريخ، ولذلك يتهم في ذاك الجانب -لكنه يقول: بهت علي الناس بذكائه وفطنته رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك أتى سبعة أناس شاركوا في قتل رجل عند علي، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {أقضاكم علي} شارك السبعة في قتل رجل، فقال علي: عليَّ بالسبعة جميعاً، فأتوا فأدخلهم في صيوان عنده رضي الله عنه وأرضاه، فقال لجنوده: أمسكوا كل رجل عند سارية من السواري، فأخذوا كل رجل وجعلوه عند سارية، فأتى إلى الأول فقال: أنت قتلته؟، قال: لا والله ما قتلته، قال علي: الحمد لله الله أكبر، فتوهم الستة أن هذا اعترف، فقالوا: فضحنا، فأتي بالثاني، فقال: ماذا فعلت؟ قال: قتلته، أتوا بالثالث، قال: قتلته وشاركت في قتله، فاعترف الستة، فلما انتهى رضي الله عنه قال للأول وقد جحد: إما أن تعترف وإما والله لأقتلنك فإنهم قد شهدوا عليك، فاعترف. يقول صلى الله عليه وسلم: {أقضاكم علي. ومن الأذكياء عند الناس شريح ولذلك يقول الناس: ما سمعنا في قضاة المسلمين أذكى من شريح رضي الله عنه، فـ شريح القاضي من أذكياء الناس، دخل عليه رجل وامرأتان، فكانت المرأتان متحجبتين فتكلمت إحداهما، ثم تكلمت الثانية، ثم تكلم الرجل، فقال: قوما عني، فجمع مستشاريه والجلاس معه، قال: أما امرأة منهم فهي ثيب، وأما الثانية فإنها بكر، وأما هذا الرجل فإنه رضع من كلبة، وذكر ابن كثير أنهن ثلاث نسوة، وأما الثالثة فإن صوتها ضعيف وإنها حامل بولد، قالوا: كيف عرفت؟ قال: أما الثيب فهي جريئة تتكلم وتنظر في وجوه الرجال، وأما البكر فإنها خجولة تنكس رأسها، وأما هذه الحامل فإني أسمع زفيرها وعلمت أنها حامل بولد، وأما هذا الرجل: فإنه اضطرب وأصابته قشعريرة حتى انتفض شيء من وجهه فعلمت أنه رضع من لبن كلبة، فسألوهم فوجدوا هذه ثيباً، وهذه بكراً، وهذه حاملاً وأتت بولد، وقالوا للرجل: نسألك بالله هل رضعت من لبن كلبة؟ قال: ماتت أمي وأنا صغير ونحن في البادية وقد ماتت الأغنام من القحط ومن الجدب، فما وجدوا إلا كلبة تدر فأرضعوني منها مرة واحدة. ومن القضايا التي تؤخذ من حديث النخلة: تقديم الأكابر أهل الصلاح، ولا يقتضي تقديم الأكابر أن تقدم الكبير ولو كان خواجة، لا، بل تقدمه إذا كان مسلماً يقوم بالفرائض ويؤدي ما افترض الله عز وجل، ويحترم حدوده، أما الفاسق فلا تقدمه ولو كان عمره ثلاثمائة سنة، بل تؤخره مثلما أخره الله. ولا يقتضي التقديم دائماً أن نقدم الكبار دائماً، بل نقدم أهل الفضل من الكبار وغيرهم. وعمر بن عبد العزيز اجتمع بالناس، وقام غلام من أهل الشام أو من أهل العراق فتكلم بين يديه، فقال عمر: اجلس ففي المسلمين من هو أولى في هذا الموقف منك، قال: يا أمير المؤمنين، لو كان الأمر بالسن لكان في المسلمين من هو أولى منك بالخلافة، فتبسم عمر رضي الله عنه وقال: تعلم فليس المرء يولد عالماً وليس أخو علم كمن هو جاهل فدعا له رضي الله عنه وأرضاه وقدمه من أجل ذلك. ويقول ابن عباس في الصحيح: كان عمر يقدمني -كما في صحيح البخاري - مع أشياخ بدر يستشيرني معهم، فقال الصحابة الكبار: إن لنا أبناء مثل هذا فكيف يقدمه ويترك أبناءنا، فلما علم عمر أنهم وجدوا في أنفسهم دعاني ودعاهم، فعلمت أنه ما دعاني إلا ليريهم فضلي، فقال لهم بعد أن استمعوا: ماذا تقولون في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3] فسكتوا إلا بعضهم تكلم، قالوا: إن الله يأمر رسوله إذا فتح الله عليه ونصره أن يكثر من الاستغفار والتسبيح، قال: أعندكم جواب غير هذا؟ قالوا: لا، قال: وأنت يـ ابن عباس؟ قال: هذا أجل الرسول صلى الله عليه وسلم نعي إليه، أخبره الله بأجله، فتبسم عمر، وقال: والله ما أعلم منها إلا ما تعلم منها أنت، فأقر له الصحابة بالعلم والفضل، وقدمه عمر بذلك رضي الله عنه، فتقديم الأكابر أمر مطلوب إذا كان فيهم صلاح، وما زال المسلمون في خير ما احترموا كبيرهم ورحموا صغيرهم. القضية الخامسة: طرح الأسئلة على المتعلمين. أخذت من هذا الحديث وقد أسلفت الكلام عنها، ولكن ليعلم أن من أحسن الأسئلة ما دار حول الدرس المشروح، أو ما دار حول القضية المطروحة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما طرح عنده الجمار، سأل الصحابة في ذلك وقد تعزب على المعلم أن يمهل الناس، أو يمهل الطلبة، له أن يعطيهم يوماً فيتفكرون ويتدبرون في ذلك. وقالوا: إن الهيبة الشديدة ترهب الطلبة، أو تربك المتعلمين، فإذا كان العالم دائماً مهاباً لا يقتربون منه، حتى ورد في كتب الحديث وأورده الذهبي في سير أعلام النبلاء قال: كان من المعلمين محدث كبير وكان مهاباً، ولا يستطيع الناس أن يعطسوا في مجلسه، إذا أردت أن تعطس عنده فعليك أن تأخذ حذاءك وتخرج لتعطس خارج المسجد ثم تعود، قالوا: وإذا سمع قرقعة الأوراق غضب، وطرح الكتاب، وخرج ودخل بيته. فأتى رجل فكظم أنفاسه أراد أن يعطس، فما استطاع أن يكتم أنفاسه فعطس، وقال: تكفي مرة ولكنها لم تكفه، عطس مرة ثانية، وأتبعها بثالثة، لما احمر وجه العالم وغضب، فالتفت هذا التلميذ وقال: أو نحن جلوس عند رب العالمين؟! فيقول الذهبي: إن من الحكمة أن يتلطف المعلم مع تلاميذه حتى لا يجدوا حرجاً في سؤاله وفي استشارته وفي عرض مشاكلهم عليه، لأنه إذا كان مهاباً جداً خافوا منه، حتى إذا ذهب الإنسان منهم يريد أن يسأله صلى ركعتين، وقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وقرأ المعوذتين ثم سأله، وربما يجيبه أو لا يجيبه، وأكثر الأحيان بعض الناس يجعل الله فيهم جبلات وفطر، بعضهم لا يتحمل السؤال أبداً. ولذلك يقولون: الأعمش كان لا يُسأل رحمه الله هو جائع حتى يتغدى، ولا يسأل وهو غاضب حتى يرضى، ولا يسأل وهو واقف حتى يجلس، حتى سأله رجل في الطريق من الحاكة الذين يحيكون الثياب، سأله رجل منهم، فقال: يا أبا محمد! هل تجوز الصلاة وراء الحائك؟ وهذا سؤال مستفهم مسكين يظن أنه عندما يكون في هذه الصنعة لا يجوز إمامته. قال: نعم تجوز بلا وضوء. قال: وهل تجوز شهادتنا؟ قال: نعم، تجوز مع شاهدي عدل. القضية السادسة التي في الحديث: أن على الداعية أن يضرب الأمثال للناس، فإن الله عز وجل ضرب القصص والأمثال للناس وطرحها ليتفكروا ويتدبروا: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم:24] (مثلاً ما بعوضة) وضرب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالذباب مثلاً، وضرب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالعنكبوت وبالبعوضة مثلاً، فللمسلم أو الداعية أو العالم أن يضرب الأمثال للناس حتى يستفيدوا من ذلك.

حديث: (ويل للأعقاب من النار)

حديث: (ويل للأعقاب من النار) أما الحديث الثالث: وفيه قضايا، وهو من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -الزاهد العابد- قال: {تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة أي: أدركتنا وتغلبت علينا وتضايق الوقت ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى صلى الله عليه وسلم بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار، مرتين أو ثلاثاً}.

استحباب رفع الصوت بالعلم

استحباب رفع الصوت بالعلم بوب البخاري رحمه الله لهذا الحديث (باب من رفع صوته بالعلم) وأخذ من هذا الحديث ملاحقة النبي صلى الله عليه وسلم بالتربية والتعليم لأصحابه في كل شأن، كبير وصغير، ويقول العباس بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم: [[والله، والله، والله ما رجل معه قطيعة من الغنم يحدب عليها ويهش عليها من الشجر، ويظلها من الشمس ويكفها من المطر بأحرص من محمد صلى الله عليه وسلم على أمته]]. قيل لـ سلمان: علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء؟ قال: {والله ما ترك لنا من شيء حتى ما من طائر يطير بجناحيه إلا أعطى منه خبراً}. كان عليه الصلاة والسلام يعلم الناس، ولذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: لا بد للمسلم أن يولد في الإسلام ولادتين، مرة يوم أتت به أمه، ومرة يولد في هذه الشريعة، ثم يقول رحمه الله: وأرض لم تشرق عليها شمس الرسالة أرض ملعونة، وقلب لم يشرق عليه هذا الدين قلب مغضوب عليه، ويقول في قراءة أبي "وأزواجه أمهاتهم"، قال: قرأ أبي: وهو أب لهم. كان يعلم الناس مثلما يعلم الأب أبناءه، بل والذي نفسي بيده لهو أحرص على تعليم الناس من الأب على تعليم أبنائه، يأتي إلى الناس فيعلمهم قضاء الحاجة هل هناك معلم في البشر، أو زعيم من الزعماء، أو عظيم من العظماء وقف أمام أمته وأخبرهم كيف يقضون الحاجة، هذا عليه الصلاة والسلام علمهم كيف يقضون الحاجة، بل يقول أهل العلم: فيها أكثر من عشرة أحاديث صحيحة -وأيضاً- وما يقارب العشرة فيها ضعف، علمهم ألا يستقبلوا القبلة، ولا يستدبروها، علمهم كيف يجلس الإنسان، وماذا يقول إذا دخل الخلاء، وماذا يقول إذا خرج، ومتى يرفع ثوبه، وكيف يقضي حاجته، وهل يذكر الله، وهل يرد على الذي يسلم عليه، وأن يرتاد مكاناً رخواً، ثم علمهم شعيرة السواك، فأتى بالأحاديث وهي ما يقارب الثمانية كلها صحيحة، فهل هناك معلم وراء هذا التعليم؟!! ولذلك والله ما مات حتى ما ترك خيراً إلا دلنا عليه، وما ترك شراً إلا حذرنا منه، فعليه أفضل الصلاة والسلام، كل مسلم في عنقه يد بيضاء للرسول صلى الله عليه وسلم، وكل داعية يقوم أو عالم يتكلم أو طالب علم يريد أن يفهم مسألة أو مؤذن يؤذن في منارة أو إمام يؤم الناس فهو إصبع من يد محمد صلى الله عليه وسلم وهو ورقة من دوحته المنيفة: المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء فعليه أفضل الصلاة والسلام. وبعد فترة إن شاء الله سوف نعايش في مسائل وأحكام قضايا المرأة، قضايا الحيض والنفاس، فهو يعلم المرأة ويفهمها عليه أفضل الصلاة والسلام ويفقهها في الدين بروية وتمهل في كل مسألة تخصها جليلاً كان أو حقيراً، كبيراً كان أو صغيراً.

الاستعداد للعبادات قبل دخول وقتها

الاستعداد للعبادات قبل دخول وقتها يقول ابن عمرو {تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم} ومن هديه صلى الله عليه وسلم في السفر أنه كان يتخلف عن الناس، يأتي في آخرهم فيزجي الضعيف، ويدعو له، ويحمل ما ترك الناس من متاع على جمله ذلك. كان عليه الصلاة والسلام أحن من الأب على أبنائه -كما أسلفت- أتى في آخر الجيش، والناس قد تقدموا عليه صلى الله عليه وسلم، فأدركهم، وهو يقول: أرهقتنا الصلاة أي: عاجلنا وقت الصلاة، فأخذ الصحابة يتوضئون وضوء المستعجل، والمستعجل إذا قام يتوضأ مثل الذي يستعجل في الصلاة يترك أشياء، حتى يدخل مع الإمام في الركعة الأولى ولكيلا يضيع الوقت في المسجد فيأتي يتوضأ فلا تنفتح له الجبة، فيحاول أن يرفعه هكذا وهكذا، فيغسل ما وصل إليه ثم يخرج ساعته ويضعها في جيبه وسواكه في الجيب الآخر وأقلامه في الجيب الثالث، فيدخل المسجد كالمجنون -نسأل الله العافية- هذا حال المتخلف يترك الحذاء بين الواحدة وبين الأخرى ثلاثة أمتار ويأتي سعياً فلا يدري يدخل في اليمين أو في اليسار أو يسحب واحداً أم لا، ثم يقف وإذا كبر أخذ يخرج الساعة وينظم هندامه، ولذلك يقال: إن الإرهاق في العبادة ليس بمطلوب. قال ابن القيم في مدارج السالكين: من الأدب الاستعداد للعبادة. إذا علمت أنه سوف يؤذن للظهر فلتتوضأ وتتجهز لصلاة الظهر وهكذا بقية الصلوات، فتعرف أنه فجر، أما أن يجلس الإنسان في بيته وعنده أضيافه وسماره، فإذا أتى وقت صلاة العشاء -مثلاً- يقول: سبحان الله! صلاة الآن، إذا أنت مسلم تصلي فنعم صلاة الآن، وأورد ابن الجوزي صاحب صفة الصفوة قال: بلغ من حرص السلف على التهيؤ للعبادة أن النجار منهم في العبادة مثل أعبد عبادنا الآن وأزهد زهادنا، كان النجار عنده مطرقة ينجر بها، فإذا سمع الله أكبر لم يستطع أن يردها بعد أن يرفعها، بل يسقطها وراء ظهره. وتقول عائشة في صحيح مسلم لما سألها الأسود بن يزيد النخعي كيف يقوم صلى الله عليه وسلم إذا سمع الصارخ؟ قالت: {كان يثب وثباً} قال: وعلمتم ماذا تريد من كلمة يثب وثباً، أي أنه: من حرصه صلى الله عليه وسلم على الصلاة يثب، وهي ليست بصلاة الفجر لكنها صلاة الليل وما قالت: يقوم قياماً، ولا يقف وقوفاً، ولكن يثب كالأسد وثباً صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله وصف المنافقين بقوله: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142]. تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: {كان صلى الله عليه وسلم معنا في مهنة أهله} يقطع معهم اللحم، ويخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته: {فإذا سمع الله أكبر قام من بيننا كأننا لا نعرفه ولا يعرفنا}. أجل هذا هو الإسلام، بهذه الحرارة، وهذا التوقد، وهذه الحركة، وهذا التقدم إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:37] هل الإسلام حفظ محاضرات ومعلومات؟ أو أن يجعل الذهن سلة مهملات ثم إذا أتى داعي الله فإذا الإنسان كتلة هامدة ميتة لا حراك فيها، لا، ليس هذا المطلوب. إذاً يؤخذ من هذا الحديث أنه لابد من الاستعداد للعبادة قبل دخولها، فهو من الأدب معه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أما الصحابة في هذا الحديث فإنهم يعذرون لأنهم في سفر رضي الله عنهم وأرضاهم. قال: {أدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أرهقتنا الصلاة -أي أرهقنا وقتها، وضايقنا وقت الصلاة، حتى دخل علينا- ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا} والمسح هنا: هو الغسل، ليس المسح المعروف أن تمسح؛ لأنه ما ذكر الخف هنا، فالمسح معناه الغسل، وفهمه الشيعة أنه المسح وما أدراك ما فهم الشيعة!! هم أجهل خلق الله! لا يفهمون شيئاً حتى يقول ابن تيمية: هم أجهل الناس بالمنقولات، وأضل الناس بالمعقولات، ويقول الشعبي: قاتل الله الرافضة، لو كانوا من الحيوانات كانوا حمراً -كانوا حميراً- ولو كانوا من الطيور كانوا رخماً -يعني أنهم ليس عندهم عقول، نعم عندهم عقول ويأكلون ويشربون لكن النصوص فسروها ولووا أعناقها، وأبطلوها بسبب نحلتهم التي انتحلوها في الدين، فيقولون: معنى نمسح أي: نمسح بأيدينا، فهم الآن يمسحون، ويرون المسح لكن العجيب أنهم لا يرون المسح على الخفين، المسح على الخفين الذي ثبت بأحاديث لا يقبلونه والمسح على الأرجل مباشرة يقبلونه، انظروا إلى هذا الفقه الأعوج. ولكن ما هو الرد عليهم؟ وهل هم صادقون؟ ظاهر الحديث أن المسح على الأرجل وارد، لكن يستدل بقوله أهل العلم: {فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار} فلو أنه كان مسحاً لظاهر القدمين لما قال صلى الله عليه وسلم: {ويل للأعقاب من النار} لأن العقب في آخر القدم، فأقبل صلى الله عليه وسلم يقول: ويل لأعقابكم إن لم تغسلوها بالماء، فتأكدوا من غسل أعقابكم، فلو كان يكتفى بالمسح، لسكت صلى الله عليه وسلم لأنهم مسحوا، لكن ليس هذا هو المسح، المسح كما يقول ابن حزم والشوكاني وغيرهما من أهل العلم، يطلق على الغسل، ويطلق على المسح المعروف، لكن كيف نعرف الغسل من المسح المعروف؟ نعرف ذلك بسياق الحديث وبالقرائن، فقال صلى الله عليه وسلم: {ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثاً}. في هذه المسألة رفع الصوت بالعلم، وعقد له البخاري (باب: من رفع صوته بالعلم) ويقول جابر في صحيح مسلم: {كان صلى الله عليه وسلم إذا خطبنا رفع صوته واشتد غضبه، واحمرت عيناه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم} وذلك حتى تصل إلى القلوب، أما أن يميت الإنسان القضية كأنه يأتي بقضية جهادية ثم يتحدث بضعف فإنه يميت الخطبة ولو كان وراءها إخلاص، إذ لا بد للإخلاص من قوة في الأداء وقوة في التأثير، ولا بد له من وسائل فالإخلاص بلا وسائل ضعف، يقول بعضهم: يكفيني إخلاص! وليس عنده علم ولا تأثير، وهذا لا يكفي، ووسائل بلا إخلاص معناه الدمار والفشل نسأل الله العافية. ولقد رأت عائشة شباباً يمشون متماوتين، فقالت: [[من هؤلاء؟ قالوا: عُبَّاد، قالت: كان عمر رضي الله عنه أنسك لله وأخشى لله منهم، وكان إذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا مشى أسرع]]. فالمطلوب أن يرفع الإنسان صوته على قدر الحاجة، إذا كان في غضب ووقت تأنيب في الفصل، أو في أهله، أو في مجتمعه ورأى ما يخل بالأدب، أو ما يخالف الشريعة فله أن يرفع صوته ليكون هذا لهم تأديباً، كأن يأتي الأستاذ فيرى الطلبة صلوا جميعاً الظهر إلا أحدهم لم يصل هل يقول: ما لك -بارك الله فيك وفتح الله عليك- لم تصل معنا؟! هل يلقي عليه محاضرة؟! لا، هذا لا بد له من تعزير، برفع صوت وتشهير، حتى يعرف الناس أنه ارتكب جريمة، لأنه إذا هدأ المسألة وتركها فسوف يقول الطلبة: يمكن أن الشيخ وجد في بعض المسائل أنه يجوز ترك صلاة الظهر، فيترك بعضهم لهذا الأمر، فالمسألة بحسب المقام، يقول أهل العلم: رفع صلى الله عليه وسلم صوته هنا لاقتضاء المقام أن يرفع صوته لوجود المخالفة في مسائل التكليف. والمسألة الثانية: التكرار، والتكرار يفهم به العلم لذلك يقول أهل الأندلس: كرر العلم يا كريم المحيا وتدبره فالتدبر أحلى وأنصح نفسي ومن يريد أن يذاكر مسألة أو باباً من أبواب العلم أن يكرره، ولا يمل منه، وليست المسألة كثرة كتب، بل يكفيك خمسة كتب، أو ستة كتب وتكررها حياتك، وتستقي منها علمك، أما أن يجمع الإنسان مكتبة كثيرة الكتب ويقول: سوف أمر بها وأفهمها، فمن أين سوف يفهم؟! قد يأخذ من كل بحر قطرة! لكنه لا يحوي عليها؛ فالتكرار أحسن طرق العلم. يقول الذهبي في ترجمة أبي إسحاق الشيرازي -هذا العالم الكبير والزاهد لله عز وجل- في سير أعلام النبلاء لما ذكر سيرته قال: كان عنده ثوب واحد وعمامة ماملك بيتاً ولا ادخر مالاً، ولم يكن عنده من الدنيا شيء، فقال الذهبي: فهذا والله هو الزهد، نحل جسمه من كثرة العبادة، يقول: كنت أكرر الدرس قبل أن أشرحه لطلابي مائة مرة -يقول: هذا وهو عالم الدنيا- كنت لا أشرح الدرس لطلابي حتى أكرره مائة مرة، يعني يلخص الدرس ثم يكرره فيفهمه، ويقول الذهبي عنه كذلك: كنت أكرر كل قياس من أقيسة المنطق ألف مرة. وفي سير أعلام النبلاء للذهبي في المجلد التاسع عشر في ترجمة القرطبي الجد، قال: كررت والحمد لله صحيح البخاري سبعمائة مرة، فالذي يرى أنه سوف يقرأ بلوغ المرام مرة أو مرتين وسوف يفهمه، لن يفهمه بهذا؛ لكن يفهمه بعد أن يقرأه عشر مرات أو خمس عشرة مرة، أو عشرين مرة ليفهم قضاياه؛ لأن هذا العلم عبادة، والتكرار عبادة، وإذا أجهدت نفسك في مرضاة الله فهي عبادة، هذه هي قضية التكرار وما أتى فيها، فكان صلى الله عليه وسلم إذا سلم سلم ثلاثاً بحسب المجلس، أو بحسب بركة ما يقوله صلى الله عليه وسلم أو لأمور أخرى. يدخل المجلس ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، فإذا مضى قليلاً، قال: السلام عليكم ورحمة الله، فإذا انتهى إلى المجلس قال: السلام عليكم ورحمة الله، وكان يكرر اسم الشخص إذا أراد أن ينبهه على أمر عقدي، أو أمر تكليفي ينبهه ثلاثاً يقول: يا معاذ! قال: لبيك وسعديك يا رسول الله، فيسكت صلى الله عليه وسلم، فيقول: يا معاذ! فيقول: لبيك وسعديك يا رسول الله، فيقول: يا معاذ! قال: لبيك وسعديك يا رسول الله، فأصبح معاذ متهيئاً، وكل ذرة فيه جاهزة لما يلقى عليها، أما أن تأتي إلى الطالب أو إلى المتعلم وتقول: يا فلان وهو مستعجل وهو يشتري شيئاً أو يبيع أو يتكلم في شيء، فتقول: إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول كذا وكذا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا، فإنه لن يفهم ما قلته فعليك بالتكرار لأنه مطلوب. ومن القضايا التي يستفاد من الحديث -وقد سبقت معنا- شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى نبياً عن أمته. ونسأل الله تبارك وتعالى الذي بيده مفاتيح القلوب أن يفتح علينا وعليكم، وأن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا يجعل منا ولا فينا ولا بيننا شقياً ولا محروماً، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الصلاح في الباطن والظاهر. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الفاروق في القرن الخامس عشر

الفاروق في القرن الخامس عشر عمر بن الخطاب رضي الله عنه شخصية ألمعية, وعبقرية فذة, وعدالة نادرة, لا تخفى على مسلم, وحياته حافلة بالمواقف الموفقة, والدروس المتألقة: كالعزة الفريدة, والتواضع العجيب. وفي هذا الدرس تجد استعراضاً لبعض المواقف التي سطرها التاريخ بقلم الصدق عن تلك الشخصية الفريدة.

تعريف بعمر بن الخطاب

تعريف بعمر بن الخطاب قال الشيخ عبد الوهاب الطريري حفظه الله في مقدمة المحاضرة: الحمد لله على نعمائه، والشكر له على آلائه، وصلاته وسلامه على أفضل خلقه وأشرف أنبيائه، ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أيا عمر الفاروق هل لك عودةٌ فإن جيوش الروم تنهى وتأمر يحاصرنا كالموت ألف خليفة ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصر تأخرت يا أغلى الرجال فليلنا طويلٌ وأضواء القناديل تسهر سهرنا وفكرنا وشاخت دموعنا وشابت ليالينا وما كنت تحضر دخلت على تاريخنا ذات مرةٍ فرائحة التاريخ مسكٌ وعنبر أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا وأنت لنا الفاروق أنت المحرر تضيق قبور الميتين بمن بها وفي كل يومٍ أنت في القبر تكبر نحن الليلة على موعدٍ مع رحلة تخترق حقب الزمن, وترفع حجب التاريخ، لنفضي إلى ساح شريف ورحابٍ منيف، إنه رحاب الإمام العبقري، والمحدث الملهم الفاروق عمر؛ لنرى رجلاً عظيماً بفكره عظيماً بأثره عظيماً بخلقه عظيماً ببيانه عظيماً قبل ذاك بإيمانه، إنه العبقري الذي جمع العظمة من أطرافها. نفضي إلى ساحه لا لنقيم مأتماً في ذكراه، ولكن لنستكشف مواضع العبرة من سيرته، ومواقع القدوة من شخصيته، لأن أمتنا المعطاءة، لم ولن تعقم أن تدفع من يعيد سيرته، ويقفو طريقته. أما قائد هذه الرحلة وربانها فهو العالم، بل الداعية، بل الأديب، بل الأريب، بل كل ذلك وأكثر من ذلك، إنه صاحب الكلمة التي تسمعها فيتراءى لك صدق اللهجة, وحرارة الإخلاص, ووضاءة الحق, ونور الحقيقة. يحملنا ربان هذه الرحلة على جناح الكلمة المشرقة، والعبارة المتألقة، فإذا المعاني شاخصة، والحقائق ناطقة، فيا أبا عبد الله هذه الآذان قد أنصتت فصافحها بكلمتك، وهذه الأبصار قد نظرت فعانقها بطلعتك. فقم حادث الدنيا كأنك طارقٌ على بركات الله يرسو ويبحرُ قال الشيخ عائض القرني: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين, وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن سار على منهجه إلى يوم الدين. أيها الكرام أيها الموحدون يا أبطال العاصمة حياكم الله! أهلاً وسهلاً والسلام عليكم وتحية منا تزف إليكم أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم لا تقبح الدنيا وفيها أنتم قمت وأنا -والله- كالمتحير, ما ظننت أن هذا الخطيب سوف يوقفني في هذا الموقف المدهش، وأنا أجعله أستاذاً وشيخاً لي، وأعلم من قدراته وفضله ما ليس فيَّ، ووالله! ما أتيت أكيل له المدح هاء وهاء ويداً بيد، لكن من باب أن يعرف الفضل لأهله، فهو رائدٌ من رواد الصحوة، وشيخٌ من شيوخ البلاد، أقولها كلمة وأنا مسئول عنها، وأما ثناؤه عليَّ فأنا أعرف بنفسي, وأسأل الله أن يغفر لي ما لا يعلم. أيها الأخيار أيها الفضلاء عنوان المحاضرة (الفاروق في القرن الخامس عشر) وكان العنوان (الفاروق في القرن العشرين) لكن من الذي أسس التاريخ الهجري؟! أليس عمر؟ أليس وفاءً منا أن نجعل التاريخ بالهجري بدلاً من الميلادي, لأنه أسس التاريخ؟ بلى أيها الأحباب! فأنا أعرف أن الأطفال عندنا في الابتدائية يعرفون أين ولد عمر , ومتى ولد؟ وأين توفي؟ ومتى توفي؟ ولكن أعرف أن من أساتذة الجامعة من لا يعرفون سطوع عمر، ولا عبقرية عمر. وأنا لن أحدثكم اليوم عن تاريخ الأموات عن زوجات عمر وأبنائه، أو عن لباس عمر , ولكني سوف أحدثكم عن تاريخ الأحياء الذي عاشه عمر رضي الله عنه إماماً وعبقرياً وعادلاً. أسلم عمر بسورة طه، وكان أصدق من الشمس في ضحاها، وأوضح من القمر إذا تلاها، وأشهر من النهار إذا جلاها، تولى الخلافة فأعلاها، وقاد الأمة ورعاها. من أين أبدأ يا أبا حفص ولي قلب له في حبكم أسرارُ يا أيها الفاروق تاريخ الورى زورٌ وفي تاريخكم أنوار لقبه الفاروق، وقد لقبه بذلك أهل الكتاب، أسلم وعمره بضع وعشرون عاماً، وشهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها، وهو أول من عس بـ المدينة، ودار كالشرطة في الليل، وحمل الدرة، وأدب بها، وجند الجنود، ودون الدواوين، وفتح البلاد. كان خشن العيش، قليل الضحك، لا يمازح أحداً، كثير البكاء، نقَش بخاتمه: (كفى بالموت واعظاً يا عمر) وهذا من كلام ابن كثير. والله ما ادكرت روحي سيرته إلا تمنيت في دنياي لقياه ولا تذكرته إلا وخالجني شوق أبو حفص فحواه ومعناه تبكي عليه الملايين التي فقدت بموته عزة الإسلام إذ تاهوا الطفل من بعده يبكي عدالته يقول هل مات ذاك الغيث أماه والناس حيرى يتامى في جنازته تساءلوا من يقيم العدل إلا هو مضى إلى الله والآلاف تندبه ابن الشريعة حياها وحياه إني أحييك من قلبٍ يقطعه شوقي إليك فهل واسيت فقداه يقول خالد محمد خالد -وأنا أعترف وأزيد على ما قال- يقول: لست أكتب تاريخاً لـ عمر، ولا أزيد معرفةً بـ عمر، ولكني لا أرفع شأوه، ولا أزكي على الله نفسي بالكتابة عن عمر، فالله أحبه واصطفاه، لأنه الرجل الكبير في بساطة، والبسيط في قوة، والقوي في عدل، والمتواضع في رحمة، والرحيم في تواضع.

فضائل عمر

فضائل عمر يترجم الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عمر بن الخطاب! الشيخ الإمام يترجم لأحد طلابه ويثني على أحد تلاميذه، فاسمع إليه عليه الصلاة والسلام. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بـ عمر بن الخطاب أو بـ عمرو بن هشام} رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه ابن حبان، ورواه أيضاً الطبراني عن ابن مسعود والحاكم عن ابن عباس، وأغار عليه الألباني فضعفه ومزقه شذر مذر، وأنا أقول: ما زال الحديث يحتمل التحسين إن شاء الله. وعن ابن عباس عند الحاكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اللهم أعز الإسلام بـ عمر بن الخطاب} وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بينما أنا نائمٌ رأيتني في الجنة بجانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لـ عمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فذكرت غيرتك يا عمر؛ فبكى عمر؛ وقال: أعليك أغار يا رسول الله}. إذاً أصبح قصره هناك، لا بطوله ولا بأمواله ولكن بمؤهلاته التي سوف تسمعونها هذه الليلة ترشق آذانكم رشقاً. وعند الترمذي من حديث حذيفة بسندٍ حسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر} قال ابن تيمية في كتاب قتال أهل البغي: "وإنما خص الشيخين لأن عثمان تأول في الأموال، وعلياً تأول في الدماء، وأما أبو بكر وعمر فلم يتأولا، لا في الدماء ولا في الأموال" لله درك! وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بينما أنا نائمٌ أُتيت بلبنٍ فشربت حتى رأيت الري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم} إنه العلم الشرعي العلم الذي وصله بالله، وهو علم الخشية؟ علم إياك نعبد وإياك نستعين. وفي الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بينما أنا نائمٌ رأيت الناس يعرضون عليَّ وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثُدي -جمع ثدي- ومنها ما دون ذلك، وعرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين}. إن الرجل ديِّن من الطراز الأول، إنه يخاف الله، وسوف تسمعون من خوفه لله العجب العجاب، وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يـ ابن الخطاب والذي نفسي بيده! ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلكَ فجاً غير فجك}. وعند البخاري عن أبي هريرة قال: قال عليه الصلاة والسلام: {لقد كان فيمن قبلكم من الأمم ناسٌ محدثون, فإن يكن في أمتي فـ عمر بن الخطاب}. من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول وروى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه} فهو يقول الحق, ويعتقد الحق، ويعمل بالحق. وعند الترمذي والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لو كان بعدي نبيٌ لكان عمر بن الخطاب} ورواه ابن عساكر والطبراني عن ابن عمر أيضاً، وهو حديث صحيح.

مدح الصحابة لعمر وبعض شمائله

مدح الصحابة لعمر وبعض شمائله ويستمر المديح، ويشارك الصحابة في الإعجاب بـ عمر، كلهم يثني ويمدح ويحب، يقول علي في البخاري: {والذي نفسي بيده! لطالما سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبك}. وعن ابن مسعود قال: [[ما زلنا أعزة منذ أن أسلم عمر , كان إسلام عمر عزة, وهجرته نصراً, وتوليه رحمة]] روى هذا الأثر ابن أبي شيبة في المصنف , والطبراني في المعجم الكبير. وقال ابن الحداد، عالم المالكية في القرن الخامس, قال: "كفنت سعادة الإسلام في أكفان عمر ". لما دفن عمر كفنت سعادة الإسلام ونوره وإشراقه، ولكن بقيت من الإسلام بقايا عمر، فكان حاجباً بين الفتن، وكان حصناً في وجوه الأعداء، فلما مات دخلت الفتن على الأمة. يقول مايكل هارف وهو الأمريكي الذي له كتاب الأوائل المائة كما تعرفون، يقول في صفحة (166) من كتابه: "إنما مآثر عمر مؤثرة حقاً، فقد كانت شخصية رئيسية في انتشار الإسلام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبجهاده وتضحياته، ضرب الإسلام بعطنه عبر العالم" أو كما قال. وقال أنس وهذا عند ابن سعد في الطبقات: [[كان عمر وراء حائط، فسمعته يبكي، ويقول: والله يا عمر! إن لم تتق الله ليعذبنك]] لقد كان يحاسب نفسه، وكان أكبر ما يخاف من الله، فكان قبل أن يقدم على خطوة أو كلمة يراقب الله في رضاه وغضبه، وفي حركته وسكونه. فاروق مصر وهو نكرة أراد أن يقلد عمر، لكن عمر اسمه الفاروق بأل وفاروق مصر بدون (أل) للتعريف، كتب له محمد إقبال في أرض المشرق رسالة يقول فيها: يا فاروق مصر! إنك لن تكون كـ الفاروق عمر حتى تحمل درة كدرة عمر. يقول: أخرج الجواري التي في قصرك، فعندك ستمائة جارية, وتريد أن تسمى الفاروق، وتكذب على الجماهير، عندك تلاعب بالأموال، وبضمائر الناس، وتريد أن تكون عمر؟ لا. أنت فاروق لكنك لست الفاروق , لأنك لا تحمل درة كدرة الفاروق. قال أبو نعيم في الحلية: "كان عمر يمر بالآيات في ورده فتخنقه، فيبكي حتى يسقط، ثم يلزم بيته ويعاد -مريضاً- من تأثره". وقد قلت لكم: إننا لن ندخل في تفصيليات وجزئيات حياة عمر في أكله أو في لباسه، لكنا ندخل في خطوطٍ عريضة قوية أثرت في حياة هذا الرجل حتى أقر به أهل الشرق والغرب، وألف فيه أكثر من ستة وخمسين كتاباً ما بين غربيٍ وشرقي لغير المسلمين، ألفوا في التربية في حياة عمر , وفي علم العمران، وعلم العدل والسياسة، كلها مشتقة من فطنة عمر رضي الله عنه وأرضاه.

صور وعبر من حياة عمر رضي الله عنه

صور وعبر من حياة عمر رضي الله عنه اسمعوا إلى قصص عمر وهو يعيش الخلافة وقد تولى أمر الأمة.

حرص عمر على الرعية

حرص عمر على الرعية أولاً: يبدأ البيعة بكلمة باكية ويطلب من الناس أن يبحثوا عن خليفة إذا لم يكن هو أهلاً لذلك، لكن الأمة تجمع على أنه أهل لهذه الخلافة وزيادة, وأن أبا بكر قد رضيه, والرسول عليه الصلاة والسلام مات وهو عنه راضٍ، يقول عبد الرحمن بن عوف: [[خرجت مع عمر رضي الله عنه وأرضاه ذات ليلة، فمشينا حتى أتينا إلى خيمة, فسمعنا بكاء صبيٍ من وراء الخيمة, فقال عمر: هلم يـ ابن عوف , فمضيت معه إلى بيت المال، فأخذ كيساً من دقيق, وكيساً من زبيب, وحمل شحماً، فقلت: أحمله عنك يا أمير المؤمنين! قال: أنت لا تحمل أوزاري يوم القيامة، وذهب بالكيس وبما فيه ودخل الخيمة ثم أشعل النار, وركّب القدر, وصنع العشاء للأم وللطفل، فقالت له: والله إنك خيرٌ من عمر بن الخطاب]] وهو عمر بلحمه وبشحمه, وبإيمانه ورسوخه وعدله هكذا يقدم الطعام للأطفال في نواحي المدينة، لأنه راعٍ يخاف من الراعي الكبير. بكاء الطفل أسهر مقلتيكا ينادي حسرة يشكو إليكا سهرت لجوعه وبكيت خوفاً من الديان بل خوفاً عليكا قارن هذا مع سيرة الحجاج الذي جعل في السجون مائة ألف, وكان يمر إلى صلاة الجمعة، فيسمع تضاغي المحبوسين، فيقول: اخسئوا فيها ولا تكلمون. أين الكتاب والسنة؟ أين خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أين الأثر الذي تركه صلى الله عليه وسلم برسالته التي سعدت بها الدنيا؟ إنها ليس لها أثر على حياة الحجاج، ولكن عمر يأبى هذه السيرة المتخلفة, التي إنما هي ضربة في صميم الإسلام، وتشويه لجمال الإسلام. وهذه قصة يرويها أسلم مولى عمر وهي في البداية والنهاية قال: خرجت مع عمر ذات ليلة وهو يتفقد الفقراء -ما كان ينام الليل-. نامت الأعين إلا مقلةً تذرف الدمع وترعى مضجعك تقول زوجته عاتكة بنت زيد: [[قلت: يا أمير المؤمنين! لو نمت فإنك لا تنام في الليل ولا في النهار، قال: لو نمت في الليل ضاعت نفسي، ولو نمت في النهار ضاعت رعيتي]] فمرّ هو وأسلم إلى الخيمة، فوجد امرأة تسهر صبيانها من الجوع الشعب جائع، والأمة في برد ومرض، ولكن الخليفة يقف على الأبواب، وإذا بقدرٍ فيه حصى وتلهيهم به حتى ينامون, ثم قالت: [[آه يا عمر بن الخطاب -أو كلمة تشبهها- أي: أنت قتلت الأطفال, بعدم إنفاقك على الأطفال]] وهذا في عام الرمادة، ومن أين ينفق عمر؟ انتهت الميزانية، أنفق دموعه وكل ما يملك، حتى أصبح بطنه على المنبر يقرقر جوعاً, فيقول لبطنه: [[قرقر أو لا تقرقر, والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]]. قارن بين هذا الموقف وموقف إسماعيل الخديوي! ففي تاريخه أنه كان عنده أربعمائة جارية في القصر، وكان أهل مصر ينامون على الأرصفة, لا يجدون كسرة خبز، أما عمر فيقف على المرأة، ويذهب إلى بيت المال, ويأتي فيصنع الطعام ويقدمه, ثم يفرض للصبية من بيت المال طعاماً ورزقاً, ويصلي الصبح بالناس ويقرأ: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:24] فيبكي حتى يرتج المسجد بالبكاء، إنها تلمذة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو لم يفعل عمر هذا الفعل؛ لما كان أدَّى الأمانة الربانية, والمنهج الرباني الذي خرج للناس في هذه الصورة العجيبة. وروى أهل السير والتراجم في ترجمة عمر رضي الله عنه وأرضاه: أن علي بن أبي طالب أشرف ذات ظهيرة من نافذة بيته فرأى عمر يطارد بعيراً من إبل الصدقة، وكان يطلي الإبل بنفسه، فندَّ بعير منها, فذهب عمر وراءه يهرول هرولة, فشرد البعير, فشد عمر من الجري, وأشرف علي وقال: [[يا أمير المؤمنين! أنا أكفيك البعير، قال: لن تكفيني أنت يوم القيامة]]. وعاد وحبس البعير ورده إلى مكانه. عفاءٌ على دنيا رحلت لغيرها فليس بها للصالحين معرج كأنك لما مت ماتت قبائلٌ أأنت امرؤ أم أنت جيشٌ مدججُ لكن لما انطمست هذه السيرة والتربية الربانية, روى لنا التاريخ المضحك المبكي في القرن الثاني -ما أسرع أن تخلفت الأمة عن العدل! ما أسرع ما نسيت منهج الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم! وإذا برجل ينسلخ من معالم العدل والربانية والسيرة الخالدة. روى التاريخ أن الوليد بن يزيد ملأ بركة طيباً, وشرب الخمر، فلما سكر قال: أريد أن أطير, قيل له: طر إلى جهنم، فقفز في البركة مخموراً, وهو يقول: أنا الملك الهياب، أنا المقدم الشاب. أي هياب؟ وأي شاب؟ أهذه رسالة الأمة؟ أهذه الخلافة؟ أهذه هي قيادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ لقد وصل العوج إلى هؤلاء لأنهم ما استضاءوا بنور الوحي الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقل للعيون الرمد للشمس أعينٌ تراها بحق في مغيبٍ ومطلع وسامح عيوناً أطفأ الله نورها بأبصارها لا تستفيق ولا تعي

تربية عمر للرعية على إنكار المنكر

تربية عمر للرعية على إنكار المنكر أيها الأفاضل والأكارم من قصة الأعرابي ننطلق! وقف عمر ليتحدث للناس، وأراد أن يختبر مقدار قوة الناس في إنكار المنكر، ومقدار إيمانهم وعدم تملقهم ونفاقهم, لأن الناس إذا كانوا منافقين، فلن يقولوا كلمة الحق، ولن يصدقوا مع الله، والأمة المنافقة لا تستحق أن تنشر لا إله إلا الله في الأرض، وقف على المنبر يخطب ثم قطع الخطبة في وسطها وقال: [[يا أيها الناس! لو رأيتموني اعوججت عن الطريق فماذا أنتم فاعلون؟]] فسكت كبار الصحابة، ومعنى الكلام ببساطة: ما رأيكم لو خنت رسالة الخلافة؟ ما رأيكم لو جُرت؟ ما رأيكم لو عدلت عن الطريق؟ فقام أعرابي بدوي في آخر المسجد وسل سيفه أمام الناس وقال: [[والله يا أمير المؤمنين! لو رأيناك اعوججت عن الطريق هكذا لقلنا بالسيوف هكذا]] فماذا قال عمر؟ أتظن أن عمر سوف يقول: خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه، إنه حيا بطولته ولموعه وكلمته وإيمانه، قال: [[الحمد لله الذي جعل في رعيتي من لو اعوججت عن الطريق هكذا, لقالوا بالسيوف هكذا]]. قارن هذا الموقف بموقف شاه إيران!! الذي كان الكرسي الذي يقضي عليه حاجته في دورة المياه من ذهبٍ خالص، وكانت طائراته تخرج على الجماهير في طهران وتقصفهم بالرشاش, فيموتون كما تموت الذباب من المبيدات، هذه نماذج يخجل التاريخ أن يرويها للناس، وأصبح أهل إيران يسترون وجوههم من هذا النموذج الفاشل الذي يعيرهم به التاريخ، أما الإسلام فلا نحاور مع شاه في هذا فهو بعيدٌ كل البعد، فهو شاة وليس بأسد. عمر يؤسس الكلمة الحية، ويشجع على الصدق مع الله؛ لكن تتردى الأمة في عصر الفاطميين، فيأتي الحاكم بأمر الله الخبيث الملحد المنتن, الذي يدوس القرآن, وإذا خرج إلى الناس في الشارع سجدوا له، ومن أراد أن يتزود فليراجع كتب التاريخ. أتى النابلسي المحدث الشهير العالم, يقول الحق، فسأله تلميذ، قال: ما رأيك هل أقاتل الفاطميين حكام القاهرة أو الصليبيين من النصارى؟ قال: من كان عنده عشرة أسهم, فليرم الفاطميين بتسعة, وليرم النصارى بسهمٍ واحد. وتنقل الاستخبارات هذه الكلمة إلى الحاكم بأمر الله فيستدعي النابلسي ويقول له: هل صحيح أنك تقول: من كان عنده عشرة أسهم فليرم النصارى بتسعة ويرمينا بسهمٍ واحد؟ قال: لا، أنتم حرفتم الفتيا، قال: وما هي الفتيا الصحيحة؟ قال: يرميكم بتسعة ويرمي النصارى بسهمٍ واحد. فقتله قتلة ما قتل أحدٌ في التاريخ مثلها فيما أعلم, وهو يسمى شهيد العلماء، فقد سلط عليه يهودياً فنكسه وربطه بأرجله في السقف ودلاه، فأخذ اليهودي يسلخ جلده عن لحمه, وكان يقول: الله أكبر، الله أكبر! فلما وصل إلى قلبه, رحمه اليهودي -وما بالك بمصيبة يكون راحمها اليهودي- فطعنه بالسكين فمات في سبيل الله. فهذه نماذج قدمها التاريخ، لكن ما روت سيرة عمر ولا مرت على طريقه. قد كنت نجماً في ذرى العلياء يا منصف الموتى من الأحياء وبنيت صرح العدل يا علم الهدى ورفعت رأس الدين للجوزاء عمر فخرٌ لنا. عمر تاريخٌ لنا. عمر منارةٌ لكل شاب من شباب الصحوة. وعمر تاجٌ على رءوسنا، نفاخر به أهل الشرق والغرب. عمر كان يشجع القائل أن يقول كلمته. ذكر ابن الجوزي في المناقب أن عمر قال للصحابة: [[من ترون أن أولي على العراق؟ فقام منافق -والمنافقون قديمون- قال: أرى أن تولي الرجل الأريب الأديب الداهية المنصف عبد الله بن عمر -ابن عمر بن الخطاب - وما أراد إلا المداهنة، وإلا ففي المسلمين من هو أكفأ وأقدر وأعلم وأفضل- قال عمر: كذبت يا عدو الله، والله ما أردت الله بذلك]]. لماذا التدليس على الناس؟ لماذا الكذب على مناهج الله؟ ألأنه ابني؟ وهو عبد الله بن عمر الذي لا نصل إلى غبار قدميه، لكن في المسلمين أكفاء، أين ابن عوف؟ أين ابن عفان؟ أين أبو الحسن علي بن أبي طالب؟ أين فلان وفلان؟ لكنه ما أنصف. وتستمر القافلة, وجسد عمر دائماً يعلن الإيمان والقوة والشجاعة على المنبر. جسدٌ لفف في أكفانه رحمة الله على ذاك الجسد من لجسم شفّه طول النوى ولعينٍ شفها طول السهر أبو مسلم الخراساني قتل ألفي ألف -أي: مليونين- فهو أكبر قاتل في التاريخ، وقف في مسجد خراسان، وكان يلبس السواد، وهو شعار الدولة العباسية، لأنه هو الذي نقل دولة بني أمية إلى بني العباس، ثم مات ولم يحظ بشيء، فقام أحد الناس من وسط المسجد يريد أن يرد عليه، وقال: لا تلبس السواد، فلبس السواد ليس من السنة، وقد أخطأ هذا القائل، قال أبو مسلم: حدثنا فلان عن أبي الزبير عن جابر {أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعليه عمامة سوداء} قال: يا غلام! اضرب رأسه بجانبك، فضرب رأسه، فإذا جثته في وادٍ ورأسه في وادٍ آخر, والحديث الذي ذكره في صحيح مسلم ولا أدري كيف حفظه!! فهذه نماذج الخيانة والخيبة، وقد سود هذا وجه التاريخ. لماذا قتلته؟ اقنعه، حاوره، أو أدبه، لكن تذبحه؟! هذا حرامٌ عقلاً ونقلاً، ولكن من يسمع هذا أبو مسلم أم الحجاج؟!

حرص عمر على عدم تسلط الولاة

حرص عمر على عدم تسلط الولاة ونقف في موقفٍ طريف رواه أهل السير والتراجم, نعيشه مع عمر رضي الله عنه وأرضاه، ونستمد هذا من إمام العبقرية الفذة عبر التاريخ رضي الله عنه وأرضاه ورفع منزلته، يقول الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58] ويقول تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص:26] أي: انتبه، إن المنهج بيدك، والرسالة معك، فلا تجامل في الدين، ولا تلعب بالقيم، قال تعالى: {وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26]. كان أمير مصر عمرو بن العاص الداهية، وله ابن اسمه محمد سابق مصرياً فسبقه المصري، وأحياناً بعض الخيول تسبق خيول ولاة الأمور, فسبق هذا, فقال محمد بن عمرو: خيلك يسبق خيلي! أتسبقني وأنا ابن الأكرمين! ثم ضربه، فذهب المصري يشتكي إلى عمر رضي الله عنه وأخبره الخبر، فقال عمر: عليَّ به وبأبيه، ليؤدب الأب، لأنه لو كان مؤدباً -في نظره- لأدب ابنه واستدعاه والمصري واقف, والصحابة جلوس. قال: والله لا يحول بيني وبين عمرو وابنه أحد, ثم أخذهم فبطحهم أرضاً, وأخذ الدرة التي تخرج الشياطين -دائماً- من الرءوس، وهذه الدرة رقية الرحمن، التي يؤدَّب بها، فضرب عمرو بن العاص وابنه ضرباً مبرحاً. وقال: [[متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً]] متى كانت هذه الجمركة على عقول الناس؟ متى كان هذا الضرب على وجوه المسلمين الساجدين الراكعين؟ من أعطاكم هذه الرخصة؟ هل هو الله؟ إن هذا حرام، فأدبهم فعادوا إلى رشدهم رضي الله عنهم أجمعين. ويستمر الحال، ولكن عمر يفاجئ الناس, وإذا هذا الذي هز العالم من شرقه إلى غربه لا يملك إلا ثوباً واحداً فيه أربع عشرة رقعة، وإذا عمر ليس له حراسة، ولكن حارسه الله، يقول شوقي: وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان يقول: إذا لاحظك الله فنم في أي مكان كنت، وإذا لم يلاحظك الله فلن يمنعك أحد، ولو كان حرسك سبعين ألفاً كحرس شاوسسكو مجرم رومانيا , فقد كان عنده من الحرس سبعون ألفاً من الشرطة السرية، ثم سحب كالدجاجة, وذبح في الشارع أمام الناس، أين السبعون ألفاً والله ما حرسه؟ وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان عناية الله أغنت عن مضاعفةٍ من الدروع وعن عالٍ من الأطم ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم

جوانب أخرى من عظمة عمر رضي الله عنه

جوانب أخرى من عظمة عمر رضي الله عنه لكن ما كفى عمر أنه يخرج إلى الشارع، ويكلم الأطفال، ويقف مع العجوز، وينام على الرصيف، بل المفاجأة الكبرى أن هذا الإمام صاحب الثوب المرقع, والبطن الذي يقرقر يوم الجمعة من الجوع؛ تهتز له الأكاسرة والأباطرة والملوك, يغم عليهم من ذكره إذا ذكر؛ يقول محمود غنيم: كم صرفتنا يدٌ كنا نصرفها وبات يملكنا شعبٌ ملكناه يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيّه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه لماذا؟ لأنه خاف الله، فخوف الله منه كل شيء. أتى الهرمزان إلى المدينة ليفاوض عمر، وهذه القصة صحيحة عند المؤرخين، فأتى وفي عقله مشكلة كيف يقابل عمر؟ وكيف يجلس؟ ومن يدخل على عمر؟ فدخل المدينة وإذا البيوت من طين، قال: أريد قصر الخليفة؟ قالوا: لا قصر له، قال: أريد بيته، قالوا: هذا بيته، فوجد بيته كبيوت الناس من طين، فأتى وطرق الباب, فخرج ابن لـ عمر فقال: ماذا تريد؟ قال: أريد الخليفة، أليس له حراسة؟ قالوا: لا حراسة له، قال: أين هو؟ قالوا: التمسه في المسجد فلعله نائم فيه، فذهبوا إلى المسجد فما وجدوه, وانحدر أهل المدينة وراء الهرمزان , كان عليه ذهب وديباج، وهذا شيء من التكنولوجيا ما عرفه الصحابة، فذهبوا وراءه وبحثوا، وبعد تعب شديد وجدوه تحت شجرة نائماً, وإذا الدرة بجواره، وهو في عميق النوم، قال: أهذا الخليفة؟ قالوا: هذا الخليفة، قال: أهذا عمر؟ قالوا: هذا عمر، قال: أهذا أمير المؤمنين؟!! قالوا: هذا أمير المؤمنين، فوقف مبهوتاً يقول: حكمت فعدلت فأمنت فنمت، لكن حافظ إبراهيم يترجمها قصيدة: وراع صاحب كسرى أن عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها رآه مستغرقاً في نومه فرأى فيه الجلالة في أسمى معانيها فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها فقال قولة حقٍ أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهمُ فنمت نوم قرير العين هانيها كان استالين إذا مر بشوارع موسكو دخل الناس البيوت خوفاً من أنفاسه, لا يتنفس متنفس وهو في الشارع، فإذا انتهى موكبه خرجوا إلى الضياء ينظرون هل بقوا أحياء أم لا؟ ويبقي الله عليهم حياتهم, ولكنها كحياة الحيوانات.

توضيح عمر لمبدأ العزة

توضيح عمر لمبدأ العزة تستمر حياة عمر رضي الله عنه، ولكن عمر لا ينتهي عند هذا الحد, فليس هو عادلاً في الرعية فقط، بل فاتحاً, وأعظم فتح سوف أذكره، وإلا فثلاثة أرباع فتوح المسلمين فتحها عمر بجيوشه رضي الله عنه وأرضاه. فتح بيت المقدس والقصة صحيحة، ويرفض النصارى أن يستلم مفتاح باب بيت المقدس إلا عمر، أمراؤه أربعة وجيوشه كثيرة، ولكن النصارى يطلبون عمر رضي الله عنه وأرضاه. فيخرج من المدينة، ويشير عليه الصحابة أن يأخذ حراساً فيأبى، لأن الحارس هو الله، ويأخذ مولى له ويقول للمولى: [[اركب أنت عقبةً وأنا عقبة، قال: يا أمير المؤمنين! لا. قال: لا، أنت مرة وأنا مرة]] لأن هذا المولى إنسان يتعب كـ عمر، ويجوع كـ عمر، ويظمأ كظمأ عمر، فكان يركب عمر قليلاً وذاك يقود الجمل بزمامه ويمشيان، فإذا تعب نزل عمر وركب المولى وهكذا، ويستقبله أمراء الأجناد أبو عبيدة وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان وقد خرجوا لاستقبال الفاتح العظيم، وكما تفضل الشيخ عبد الوهاب: أيا عمر الفاروق هل لك عودةٌ فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا فيستقبلونه فيقول عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين! خيبتنا وفضحتنا! قال: بماذا؟ قال: أتيت بلا حرس ولا جند، ولا لباس، فثوبه الذي في المدينة أتى به بوصفه، قال: [[نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام, ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]]. نحن قوم لا نعتز بالسيارات أوالموديلات أوالفلل، فنحن عندنا إرادة وأصالة وعمق، وعندنا شيء ثمين، إذا تمسكنا به أعزنا الله وأخزى أنوف أعدائنا, ويوم أن نتخلى عن هذه الوثيقة الربانية، والعلم الشهير، والرسالة الموروثة عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام نبقى هناك في آخر الركب، ففي هيئة الأمم المتحدة الأعضاء الخمسة الذين يملكون حق نقض الفيتو من الأمم الكافرة، وترى ممثلي دول المسلمين ينامون في آخر هيئة الأمم فإذا قيل: موافقون؟! قالوا: موافقون. ويقضى الأمر حين تغيب تيمٌ ولا يستشهدون وهم شهود فذهب عمر، ولما اقترب من النصارى، خرجوا وقالوا: اقترب عمر، اقترب عمر، ولما اقترب من بيت المقدس، أتت نوبة المولى ليركب، قال المولى: اقتربنا يا أمير المؤمنين! ولن أركب، قال: والله لتركبن، فهذه نوبة العدل، فركب وأخذ عمر زمام الجمل، وكان هناك طينٌ قريب من بيت المقدس، فأخذ عمر يرفع ثيابه ويقود الجمل، فيقول النصارى: أهذا مبشرٌ بالخليفة؟ أي: أهذا الرجل أتى يبشرنا بقدوم الخليفة؟ قالوا: بل هو الخليفة، قالوا: هو الذي على الجمل؟ قالوا: لا، بل هو الذي يقود الجمل، وهذا شيء عجيب! لو أن شيئاً لا يثبت لما كانت العقول تثبت هذا، لكن يثبت هذا الكتاب الموروث عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم وسيرة عمر، ويفتتح بيت المقدس، ويدخل ويصلي ويقود الجماهير، ويقول لـ بلال: اسألك بالله أن تؤذن لنا؟ قال: ما أذنت لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: عزمت عليك، فقام بلال وأذن يوم الفتح لـ بيت المقدس، فبكى الناس وبكى عمر. تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف بن ذي يزن وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا وهكذا يعصف التوحيد بالوثن ماذا فعلنا بعد عمر؟ ماذا فعلنا بعد هذه المسيرة المتوجهة المتأججة؟ ماذا فعلنا شجبنا بالكلام ولم نحمل سلاحاً ولم نركب على سفن نشكو على مجلس الأمن الدعي وهل أشقى العروبة إلا مجلس المحن قضية فلسطين أصبحت في ملفات حمل ثلاثة حُمُر. تنديد، واستنكار، وبعضهم اتهم إسرائيل واغتابها، وقال: لها نوايا توسعية في المنطقة، أين الورع؟! قارن بين هذا وبين ذاك الغبش الذي عاشه بعض الخلفاء في خلافة العباسيين كـ المأمون. يقول ابن كثير في البداية والنهاية (10/ 277): لما تزوج المأمون بـ بوران وما أدراك ما بوران؟! امرأة كبنات الناس، تزوج بها لكنه أمهرها الميزانية، وهي بنت الوزير الحسن بن سهل، أراد أن يتزوج المأمون بها, فسلم الميزانية كلها مهراً للبنت، وهذا عام (210هـ). قالوا: إنه نثر على رأس الحسن بن سهل الدر والجوهر، وكان عدد الجوهر ألف درة، وأنفق خمسين ألف ألف درهم، وأطلق لأبي البنت عشرة آلاف ألف درهم، ووزع على قواد الجيش بمناسبة الزواج الضياع والقرى والبساتين، فأين عمر؟ وأين الفاروق؟ وأين العبقرية؟ وأين أثر الإسلام؟ هكذا فعل المأمون ووقع في الغبش، وما اتضحت له طريقة عمر، وكان خطأً فاضحاً في التاريخ. ويأتي القاهر بعد المأمون بما يقارب عشرة خلفاء, فيريد أن يتحصن أكثر وأكثر، ويريد أن يتمكن أكثر وأكثر, فيحفر بركاً ويملؤها بالذهب ويجمع أبناءه، ويقول: لا تخافوا الفقر؛ فقد ملئت لكم هذه البركة ذهباً وفضة، سبحان الله، أتتحدى الله؟ تقضون والفلك المسيّر دائر وتقدّرون فتضحك الأقدار فسلب الخلافة، وخلع مباشرة، وسملت عيناه، وسلمت البركة للخليفة من بعده بذهبها وفضتها، وأخذ يقف في مساجد بغداد ويقول: من مال الله يا مسلمين!! قال تعالى: {فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] إن هؤلاء الخلفاء: القاهر والمأمون لم يطالعوا يوماً من الأيام سيرة عمر، ولم يجدوا فراغاً من الوقت ليراجعوا حسابهم مع الله، ويعلموا أن هذه السيرة تغضب الله تماماً، وأنها خطأ في مسيرة رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، أتظن أن عمر يبقى في بيته وقصره؟ لا. فهناك أرامل وأطفال ومساكين.

تفقد المساكين وخدمتهم

تفقد المساكين وخدمتهم إن عظمة عمر تأتي من أنه الإنسان البسيط البسيط لكنه العظيم العظيم، والمتواضع المتواضع لكنه الكبير الكبير، والضعيف الضعيف لكنه القوي القوي، فهذه الأعجوبة في سيرة عمر. يقول طلحة بن عبيد الله: [[خرجت وراء عمر رضي الله عنه وأرضاه, وقد دخل بيتاً فدخلت بعدما خرج, فوجدت عجوزاً عمياء -وابن القيم يظنها قصتان, أو قصة وقعت لـ أبي بكر، لكن أهل التاريخ يقولون: إنها لـ عمر - قال: فدخلت فوجدت عجوزاً عمياء حسيرة كسيرة في البيت, فقال: من أنتِ؟ قالت: امرأة عجوز ليس لي عائل، قال: من هذا الرجل الذي يأتيكم؟ قالت: رجلٌ ما عرفته، قال: ماذا يصنع؟ قالت: يقُمُّ بيتنا -أي: يكنسه- ويصنع لنا إفطارنا, ويحلب لنا شياهنا، قال: أما عرفتيه؟ قالت: لا، فجلس طلحة يبكي ويقول: أتعبت الخلفاء بعدك يا عمر]]. إن عمر لا يرضى أن يسكن قصراً عاجياً، وتبقى أرامل الأمة ومساكينها وأيتامها في البرد والجوع والفقر والمرض. سقى الله ذاك اللحد دمع غمامة إذا راعها برق الشمال استهلت على خير مدفونٍ وشهم ممزق سعادتنا من بعده قد تولت يرى عمر أن الناس لا تكفيهم المحاضرات، ولا يشبعهم الكلام، ولا يستأنسون بالحديث ما لم يروه فعلاً، يقول أبو العتاهية: العنز لا تشبع إلا بالعلف لا تشبع العنز بقولٍ ذي لطف العنز لا تشبع إلا بالعلف، تعرفون العنز؟ فالعنز لا تشبع بالمحاضرات، فلو ألقيت محاضرة على عنز ولم تطعمها قاطعتك في وسط المحاضرة، فـ عمر لا يريد أن يُشبع الناس كلاماً، وإنما يُشبعهم رحمة وتواضعاً وعدلاً وإنصافاً، حينئذٍ يكون عمر صادقاً مع الله، وهذا منهجه في الحياة، أن يشبعهم تطبيقاً وعملاً لا يشبعهم كلاماً.

عمر مع خولة بنت ثعلبة

عمر مع خولة بنت ثعلبة وللنساء في حياة عمر مسيرة. وقفت عجوزٌ كبيرة تقول: يا عمر! قف، فتلهى عنها قليلاً, فاستدعته وقالت: يا عمر كنا نسميك في الجاهلية عميراً، وهي الآن تخاطب الخليفة الذي يحكم اثنتين وعشرين دولة، الذي إذا أصدر مرسوماً اهتزت له الدنيا، قالت: يا عمر كنا نسميك في الجاهلية عميراً، ثم دعوناك عمر، ثم سميناك أمير المؤمنين، فأنصت لها وأطرق واستمع، وقضى حاجتها، فقال الصحابة: أوقفتك في الشمس يا أمير المؤمنين، قال: كيف لا أسمع لها, وقد سمع الله لها من فوق سبع سماوات؟ وذلك لأنها خولة بنت ثعلبة الذي يقول الله تعالى فيها: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1]. تقول عائشة: [[سبحان من وسع سمعه كل شيء، كنت في طرف البيت لا أسمع كلامها, فأنزل الله عز وجل قوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1]]] ولذا أنصت لها عمر وقال: لماذا لا أستمع لها وقد استمع الله لها؟ وأنصفها وقضى حقها. يا إماماً صَدَق الله فما زاده إلا سناءً وعُلا كل قلبٍ يا أبا حفص غدا يتراءى فيك مجداً أجملا

المؤثرات في حياة عمر رضي الله عنه

المؤثرات في حياة عمر رضي الله عنه من المؤثرات في حياة عمر ثلاثة أسباب: أولاً: تربية الرسول صلى الله عليه وسلم: فلقد تخرج عمر من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يدرس في ريفرسايد، ولم يتخل عن الإسلام، ولم ينسلخ من تعاليم الدين، إنما درس هناك حيث العلم والعدل، حيث الرحمة والعفاف والنور، يقول العقاد -وهي كلمة جيدة-: "الفرق بين أبي بكر وعمر أن أبا بكر عرف محمداً النبي، وأما عمر فعرف النبي محمداً". فما معنى هذا؟ يعني أن أبا بكر عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية والإسلام، أما عمر فبدأت الصداقة بين هذا التلميذ والمعلم العظيم بعد الإسلام، فعرفه وتتلمذ عليه. ثانياً: أن عمر يصدر عن بطانة: فقد قرب أهل القرآن وأهل بدر، إذ كانت بطانته علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل، وهؤلاء الثلة هم النجوم الذين يستسقى بذكرهم الغمام من السماء، وهؤلاء هم البدور، ولو كانوا ملائكةً لكانوا أسمى وأجل من أن يسموا احتراماً، وإنما جعلهم الله بشراً ليتعاملوا تعامل البشر، فهؤلاء جلاسه، فكيف لا يؤثرون في سيرته؟ وكيف لا يكونون معه؟ لما تولى علي بن أبي طالب رجرجت الأمة عليه وشاغبت، فقال له أحد الناس: [[يا أمير المؤمنين! ما للناس وافقوا أبا بكر وعمر ولم يوافقوك، وأطاعوا أبا بكر وعمر ولم يطيعوك؟ قال: رعية أبي بكر وعمر أنا وأمثالي، ورعيتي أنت وأمثالك]]. ثالثاً: أن عمر رضي الله عنه وأرضاه جعل الله نصب عينيه في كل ما يأخذ ويذر، وجعل رضي الله عنه وأرضاه الخلافة مغرماً لا مغنماً، يحاسب عليها أو يقول: [[يا ليتني كنت شجرة تعضد، يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني ما عرفت الحياة]]. وكان دائماً باكياً خاشعاً رضي الله عنه وأرضاه، يقول عمر فيما صح عنه: [[والله لو عثرت بغلة في ضفاف دجلة , لخشيت أن يسألني الله عنها يوم القيامة لم لم تصلح لها الطريق يا عمر؟]] لأنه راعٍ, والراعي لابد أن يتعهد شئون الأمة، ولابد أن يكون واقفاً أمام الأسئلة التي يسألها الله عز وجل هذا الرجل، وإلا فما معنى أن يكون عمر خليفة؟ وما معنى أن يكون حاكماً؟ ما معنى أن يكون مسيراً للأمة إلا بهذا. يقول ابن تيمية (28/ 146): إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. وهذه قضية هي في التاريخ بسمعٍ وبصرٍ من شهود التاريخ عبر قرونه.

صور من محاسبة عمر للولاة والرعية

صور من محاسبة عمر للولاة والرعية قال ابن الجوزي في المناقب: خرج عمر رضي الله عنه وأرضاه ذات ليلة، وكان يمر بالأبواب ويستمع ماذا حدث في المدينة وماذا طرأ، هل الأمة نائمة نوماً هادئاً؟ هل أكل الناس وشربوا؟ هل الأرامل في راحة؟ هل المساكين هادئون؟ فحينها يهدأ، أما إذا كانت الأمة في ولهٍ وقلق, وفي مرض وجوع، فلا يمكن أن يصبر عمر. وفي جنح الظلام سمع امرأة تبيع لبناً تقول لابنتها: امزجيه بالماء، قالت: إن عمر منعنا من مزج اللبن بالماء -أصدر مرسوماً في السوق يمنع بيع اللبن إلا صافياً، وهذا المرسوم من وزارة التجارة في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه وأي لبنٍ يعثر عليه وقد مزج بالماء يغرم صاحبه ويتلف ماله- فقالت الأم: إن عمر لا يدري, قالت البنت: فإن لم يدر عمر ألا يدري رب عمر؟!! فعرف عمر البيت, وفي الصباح أتى إليهم فخطب ابنتهم لأحد أبنائه, فولدت له وأنتجت، فكانت ذرية مباركة وشجرة طيبة، ومنها عمر بن عبد العزيز. عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر إذا شجرات العرف جذت أصولها ففي أي غصن يوجد الورق النضر فـ عمر بن عبد العزيز، من ابنة ماذقة اللبن: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران:34] فـ عمر يراقب حتى أهل البيع في السوق، ويقيم امرأة تشرف على النساء اللواتي يبعن الطيب في السوق، لئلا يدخل الغش في جانب النساء، وعمر ينزل إلى السوق ويتخاطب مع الأعراب، ويرى حوائجهم، ويسمع أعرابياً يتأوه وسط السوق ويقول: اللهم اجعلني من عبادك القليل، قال: مه! ما هذا الكلام؟ دعاءٌ ليس معروفاً، قال: يا أمير المؤمنين! يقول الله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ} [سبأ:13] فقلت: اللهم اجعلني من القليل، فقال عمر: كل الناس أفقه منك يا عمر. أرسل عمر والياً على العراق، وهذا الوالي من قريش، وكان شاعراً أراد أن يقول شعراً, وما ظن أن شعره سوف يصل مباشرة إلى عمر، فقال الوالي يمزح مع جلاسه: اسقني شربةً ألذ عليها واسق بالله مثلها ابن هشام معنى هذا: أي: اسقني شربة خمر، فالوالي كيف يشرب خمراً؟! وهل عمر مستعد أن يترك في دولته والياً يشرب خمراً؟! أهذا جزاء رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أهذا مصداقية لبقية ما أبقت الرسالة في تاريخ الأمة؟! فطار البيت مباشرة إلى عمر في المدينة، وقالوا له: يقول واليك يا أمير المؤمنين: اسقني شربةً ألذ عليها واسق بالله مثلها ابن هشام يعني: جليسه، يقول هذا الوالي: بالله! يا ساقيّ قدِّم لي كأساً أشربه، واسق مثلها زميلي ابن هشام، فاضطرب عمر وغضب وأزبد وأرعد، فهو ليس مستعداً أن يبقي مثل هذه النوعية الفاشلة في دولته ولو ذهبت الرقاب، واستدعاه مباشرة، وفي الطريق ذهب الناس إلى هذا الوالي، وقالوا له: أنقذ نفسك، فالبيت هو الذي أوصلك في المصيبة، قال: كيف؟ قال: وصله قولك: اسقني شربةً ألذ عليها واسق بالله مثلها ابن هشام قال: ما عليكم، أي: أنه سوف يحلها بإذن الله، فقال بعدها بيتاً: عسلاً بارداً بماء سحابٍ إنني لا أحب شرب المدام ووصل إلى الخليفة، قال عمر: أأنت القائل: كذا وكذا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ قلت بيتين ما قلت بيتاً واحداً، قال: ما هو البيت الثاني؟ قال: عسلاً بارداً بماء سحابٍ إنني لا أحب شرب المدام قال عمر: أما الحد فلن أجلدك بهذا البيت، فقد سلمت نفسك، لكنك لن تلي لي عملاً بعدها تلعب بهذه الأبيات, وتصدر هذه الكلمات، ماذا تقول الأمة لي ولك وقد أسمعت الناس أنك تشرب الخمر؟ ما هو موقفي أمام الله يوم القيامة، إذا قال لي: إن واليك يشرب الخمر، كيف أقول؟ كيف أجيب؟ ماذا أقول للملايين والتاريخ؟ ماذا أقول لله؟ ماذا أقول لرسالة الرسول صلى الله عليه وسلم؟! ويرسل أميراً آخر إلى ميسان قريباً من البصرة، ويقع هذا الأمير فيما وقع فيه الأول، وكانوا شعراء من قريش، ويحبون أن يتمازحوا، لكن عمر كان وراءهم بالمرصاد، فأتى هذا في ليلة يسمر ويقول: ألا هل أتى الحسناء أن حليلها بـ ميسان يسقى من زجاج وحنتم يقول: ليتكم تخبرون زوجتي في مكة أن حليلها -زوجها- أصبح يشرب الخمر، واسمع القصيدة: ألا هل أتى الحسناء أن حليلها بـ ميسان يسقى من زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قريةٍ ورقاصة تحثو على كل منسم حتى المغنية موجودة! فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم وتصل الأبيات إلى عمر، فقال عمر: عليَّ به، فأجلسه أمامه، قال: ما هذه الأبيات والله لقد ساءتني. قال: والله! يا أمير المؤمنين ما شربت الخمر، قال: وما هذه الأبيات؟ قال: من باب قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:224 - 226] قال: أسقطت الحد، لكن -والله- لا تلي لي ولاية. طيرته أبيات! رقاصة وموسيقى وخمر، ضعها في غير دولة عمر، أما هذه الدولة التي أقيمت على شهادة أن لا إله إلا الله وآمنت بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وعرفت طريقها، فلن يكون هذا وعمر حي يرزق في الحياة؛ لأن معنى ذلك أنه سوف يضيع مصير الأمة وتاريخها, ويدوس معالم الأمة في التراب، يوم يتهاوى أمام هذا الرصد المفاجئ رضي الله عنه وأرضاه. ويرسل أميراً زاهداً، وهو سعيد بن عامر إلى حمص، ليتولى الإمرة عليها، وعمر يطوف كل سنة على الأمراء يجمعهم ويسألهم أمام الناس، يوقف الوالي هنا، ويجلس الناس، ويقول: ما رأيكم في الوالي؟ فيتكلمون في ترجمته، مثل ترجمة الذهبي في الرجال، وأهل حمص مشاغبون، قال: ما رأيكم في سعيد بن عامر؟ قالوا: نعم الرجل، قال: اصدقوني، قالوا: لولا أربع خصال فيه، قال: ما هي؟ قالوا: لا يخرج لنا بليل، قال: هذه واحدة. قال: والثانية؟ قالوا: له يومٌ في الأسبوع لا يخرج إلينا فيه، أي: إنه لا يداوم يوماً في الأسبوع. قال: والثالثة؟ قالوا: يجلس حتى يتعالى النهار ثم يأتي، أي: أنه يتأخر عن الدوام، قال: هذه الثالثة. والرابعة؟ قالوا: إذا جلس في مجلس القضاء أغمي عليه، قال: أجب يا سعيد بن عامر، اللهم لا تخيب ظني فيه. فيقوم سعيد بن عامر ويتبرأ إلى الله من حوله وقوته، ويقول: يا أمير المؤمنين! أما قولهم: لا أخرج إليهم في الليل، فقد جعلت النهار لهم, والليل لربي، أتعبد، وأما الليل فذكرٌ وقراءة القرآن وتعبد. قال: والثانية وكانت دموع عمر تسيل، قال: وأما يوماً في الأسبوع فإني -يا أمير المؤمنين- ليس لي خادم وامرأتي مريضة، فأنا أغسل ثيابي وثياب زوجتي ثم أحميها ذاك اليوم. قال: ولماذا تتأخر لا تخرج إليهم في النهار حتى يتعالى؟ قال: أصنع طعامي وطعام زوجتي ثم أتوضأ وأصلي الضحى, ثم أخرج إليهم، لأنه ليس لنا خادم وامرأتي مريضة. قال: ولماذا يغمى عليك؟ قال: حضرت مقتل خبيب بن عدي في مكة فسمعته يقول: اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، وكنت مع من نظر قتله وما نصرته، فكلما تذكرت ذاك أغمي عليَّ. فبكى عمر وقال: الحمد الله الذي لم يخيب ظني فيك، وأمره أن يواصل، قال: يا أمير المؤمنين! اعفني والله لا أتولى لك ولاية، إذا كانت هذه هي المحاسبة, على أني صدقت وبررت ثم تحاسبني أمام الناس، وأكون مداناً ومتهماً فلن أتولى لك ولاية، قال عمر: مع ذلك لنحاسبنك، فحاسبه بما أعطاه كل شهر، وحاسبه عما أخذ من بيت المال، وحاسبه عما صرف فوجد عنده شملةً وقصعةً وإبريقاً وعصاً، قال: هذه من دخلي، قال: أما الآن فنجوت، ولو أنك كذبت لكنا فتكنا بك.

دروس وفوائد من سيرة عمر

دروس وفوائد من سيرة عمر هذه هي مسيرة عمر رضي الله عنه. قال: سفيان الثوري بلغني أن عمر كان ينشد: لا يغرنك ليلٌ ساكنٌ قد يوافي بالمسيئات السحر وكان ينشد هذا البيت كثيراً، يقول: لا يغرك الليل والهدوء، ولا تأمن انقلاب الأمور، يقول: ربما تنام الليل هادئاً، ولكن تأتيك مفاجآت يأتي بها الله، ومثله قول بشار: يا راقد الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا قال الحسن البصري رضي الله عنه وأرضاه: قال عمر: [[والله إني لو شئت لكنت ألينكم طعاماً, وأرقكم عيشاً، إني والله ما أجهل عن كراكر-الكراكر: مقدمة الذبيحة- وعن صلاء وصنائب وصلائق، ولكني أخشى أن أعرض على الله عز وجل، فيقال لي: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها]]. كان عمر -أيها الأبرار- موسوعة في العدل والرحمة موسوعة في الإيمان والتواضع، وكان تاريخاً مستقلاً، ومن أراد أن يتزود من ترجمة عمر فليراجع مناقب عمر لـ ابن الجوزي، فقد كان عمر يضبط بالشورى فوضى الديمقراطية، ويضرب بدرة العدل كذبة الشيوعية، ويهذب بالإنصاف طيش الراديكالية، فهو يبني من الشرع دولةً متميزة, نجومها أهل الحل والعقد، يديرها العلماء لا أوباش الائتلاف, ومنظروها أهل الريادة وحفظ الله لا أبناء صناديق الاقتراع. قرأت عن هتلر أنه كان من تعاليمه إذا اجتمع بوزرائه وحاشيته، من الأدب أن يلحظوه بعيونهم وقت الحديث, ولا ينحرف أحد بعينه عن وجهه وإن فعل ذلك فقد عرض نفسه للإعدام، فأي تعاليم هذه التعاليم؟ وأي ضحكٍ على الشعوب؟! كلب الخليفة قد عطس جمهور حشد شمتوه شكر الوفا بعيونه فتقدموا واستأذنوه طلبوا الكلام تفضلاً بتواضعٍ كي يشكروه رفض الكلام بذيله متوعداً لو ينبحوه الكلب مد يمينه من حسنه إذ قبلوه أوصاهم فتعهدوا أن يحفظوه ويسمعوه شكراً لكلب خليفة ربى مكارمه أبوه أيها الأبرار نخلص من سيرة عمر بأمور: أولاً: أننا لا نريد من سيرة عمر -كما قلت سالفاً- تاريخ الأموات ولا التعداد والأوصاف، بل نريد من سيرة عمر الدروس والتربية والحياة والعدل والصدق، والتضحية والبذل والرحمة، ونريد من سيرة عمر أن يتجدد في الجيل أناس يشكلون مسيرةً لـ عمر، وصدقه مع الله، وشجاعته في الحق، لكن بحكمة عمر , وبنفاذ بصيرة عمر، وبهدوء عمر. ثانياً: أن هذا الإسلام معطاء، وأن الذي يقول: (لم يعد للعظماء مجال) كاذبٌ مفترٍ على الله، بل سوف تتكرر نماذج ونماذج من الدعاة والحكماء والعلماء والأدباء ما بقيت هذه الأمة، وما بقيت رسالتها في الأرض. ثالثاً: من أراد أن يتزود من هذه السيرة العطرة، فليتزود من منبع عمر رضي الله عنه الذي نبع وشرب منه، وهو الكتاب والسنة. رابعاً: عندنا عظماء وليس عند غيرنا عظماء، عظماؤنا نتفاخر بهم أنهم عظماء، فهم عظماء عمل، وعظماء صدق، ولهم من بركة العمل وجهود التضحية ما نباري بهم الآخرين، والآخرون عندنا أقزام، مدائح وهراء وإطراء؛ لكن لا عمل ولا قداسة ولا طهر. أيها الأحباب أنتهي من هذه المحاضرة شاكراً لكم حضوركم، وأنا أعلم أنكم حضرتم حباً في عمر لا حباً في عائض، وأنكم حضرتم من أجل صاحبكم الكبير ورجلكم الملهم، والعبقري الفاتح، فرضي الله عنه وأرضاه، وعندي تنبيهان: الأول: جزيرتنا وبلادنا ليست مستعدة إلا لفكر عمر، وعقيدة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليست مراهنة على فكرٍ علماني كافر، وليست مستعدة أن تفتح أبوابها لهذا الفكر الدخيل المعارض للإسلام, حتى والله لو شدخت الرءوس بالدبابات, وفتكت الأكتاف بالمجنزرات، فلن تبقى إلا ملة الرسول عليه الصلاة والسلام. الثاني: يا شباب الإسلام! يا حملة التوحيد! يا أبطال العقيدة! السكينة السكينة، والهدوء الهدوء، ومراجعة العلماء والدعاة، وإيصال النصيحة بحكمة، لا بطيشٍ ولا بتعجل، وليس معنى الحكمة تكفين الكلمة ودسها في أكفان! لا، بل الحكمة الصادقة الهادئة التي توصل كلمة الحق، وتغير بها المنكر، في غير طيش ولا سفه وانزعاج، وأئمتكم الآن هم العلماء، أعلنوا أنهم أمامكم، وأنهم يريدون أن يسمعوا منكم وتسمعوا منهم, لتجددوا تلك المسيرة الخالدة، ولتقولوا للعالم: نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا السلام على عمر يوم ولد، والسلام عليه يوم أسلم، والسلام عليه يوم بويع بالخلافة، والسلام عليه يوم قتل شهيداً، طلب من الله أن يُقتل شهيداً فقُتل شهيداً، لكن أين؟ في المحراب، ومتى؟ في صلاة الفجر، وإلى أين؟ إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض، وفي أي ساعة؟ في ساعة الصباح يوم يتنفس الصباح على إطلالة يومٍ جديد، فيقدم فيه عمر على الله ليكافئه على عمله، طعن وحمل إلى البيت، وقال لابنه وقد وضع رأسه على مخدة: [[انزعها وضع رأسي على التراب، علَّ الله أن يرحمني]] وقال: أدخلوا عليَّ الأطفال، فأدخلوا عليه الأطفال وقبلهم، وقال: أدخلوا الشباب، فدخل عليه الشباب, ودمه يثعب, وجراحه تسيل، ونفسه تقعقع؛ وإذا بشابٍ قد أسبل إزاره, فقال: [[يا بن أخي! ارفع إزارك، فإنه أتقى لربك, وأنقى لثوبك]]. قال بعض المفكرين العصريين: أمير المؤمنين يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في ساعة الموت، وهذا إزار، فكيف بالمنكرات التي يجب على الإنسان وهو في سعادة الحياة أن ينهى عنها كالربا، والفساد المستشري، والحجاب الذي يكاد يتهتك، والغناء الذي يقتلع البيوت، وانتشار الرذيلة، وسكوت أهل الفضل إلا من رحم ربك، وإيذاء الصالحين في وقت قول الحق، فهذا عمر يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لكن على مسألة أصبحنا نراها من جزئيات الجزئيات، ثم ذهب عمر إلى الله، فقال علي: [[والله ما أريد أن ألقى الله بعمل رجلٍ إلا بعملك]] وأثنت عليه الأمة شرقاً وغرباً، وذهب إلى الله سعيداً. كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذر تردى ثياب الموت حمراً فما دجا لها الليل إلا وهي من سندسٍ خضر فتى كلما فاضت عيون قبيلة دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر اللهم اجمعنا بـ عمر، وأجلسنا مع عمر، اللهم ارفع رسالة وعبقرية وعدل عمر على جماجمنا وأرواحنا وأكتافنا يا رب العالمين. وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

قل هذه سبيلي

قل هذه سبيلي بلغت دعوة خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم الآفاق، وشهد له الجميع بأنه خير داعية إلى الله عز وجل. ذلك أنه كان يدعو على بصيرة من الله عز وجل وحكمة، فتبعه المسلمون وقدموا معه الغالي والنفيس من أجل المضي بهذه الدعوة إلى الأمام، لينالوا رضا الله عز وجل.

أسباب تفوق الرسول صلى الله عليه وسلم إجمالا

أسباب تفوق الرسول صلى الله عليه وسلم إجمالاً الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً، ومبشراً ونذيراً. يقول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. أما أعداء الله: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم:42 - 43] وأخيراً: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108] (على بصيرة) ما أحسن الكلمة! وما أجمل العبارة! فما هي البصيرة؟ إنها التوحيد الخالص، فلا يربون الأجيال على شرك ووثنية وخرافة. بل على بصيرة: على منهج رباني خالد، فلا يربون الأمة والأجيال على قوانين وضعية. بل على بصيرة: فينصحون لله ولكتابه ولرسوله ولولاة الأمر، فلا يألبون ولا يشغبون عليهم، ولا يثيرون على البلاد والعباد فتنة. على بصيرة: فينصحون للعامة ويقودون الأمة إلى الاستقامة والالتزام والسكينة والأمن والإيمان. ولكن اسمعوا إلى تلكم البصيرة في عشرة أسباب أنتجت بإذن الله ذاك الداعية الموفق عليه الصلاة والسلام. أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا وأنت لنا التاريخ أنت المحرر تذوب شخوص الناس في كل لحظة وفي كل يوم أنت في القلب تكبر عليه الصلاة والسلام، أنا أتلوها عليكم ثم أفصلها، والله المستعان. لماذا تفوق؟ الله معه كيف انتصر؟ الله حسيبه وكافيه. لماذا أنتج هذا الجيل وهذه الأمة، والبلاد؟ لأنه يدعو إلى الله على بصيرة هو وأتباعه، ولأن أتباعه ليسوا مرتزقة كلام، ولا مروجي فتنة، وليسوا خوارج، ولا يلعبون بالنار، ولا ينثرون الدماء على الرءوس، بل هم عقلاء، يعرفون أين يضعون أقدامهم. إنهم قادة الأمة إلى شاطئ الأمان، غيرهم المفسد والمنافق والذي يشعل الفتنة ثم يتركها ويفر. أما أسباب تفوق الداعية العظيم عليه الصلاة والسلام فعشرة أسباب: الأول: التوحيد الصادق، والتوكل الذي يحطم زيف الباطل وينسف ركام الجاهلية. الثاني: الطموح الذي يتخطى آفاق الزمن وأقطار التاريخ وحدود الدهر. الثالث: الثبات على المبدأ ثبات الواثق من العاقبة المتأكد من الخاتمة. الرابع: التعالي على متع الحياة وبريق المادة، وجميع الأعراض الفانية. الخامس: البذل والتضحية؛ بذلاً وتضحية كأنها من أساطير الأخبار لولا أنها حقائق، وكأنها من نسج الخيال غير أنها ثوابت. السادس: استصحاب الزاد في الطريق الشاق، زاداً من العبادة المتأملة، والذكر الحي، والخشوع العجيب، والتبتل المنقطع النظير. السابع: التفوق في أسلوب الدعوة تفوقاً تاجُه اللين، ليناً يسبي القلوب، ويشتري الأرواح، ويملك به الرقاب عليه الصلاة والسلام. الثامن: العمل بما يدعو إليه، فإذا جوارحه تسبق لسانه، ودمعاته تسبق عباراته، وإذا هو قرآن يمشي على الأرض، وقداسة تتحرك على الكوكب. التاسع: استغلال المواهب، وتوجيه القدرات، والاستفادة من العقول التي استنارت بنور الوحي. المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء العاشر: وعد محبيه وأتباعه وتلاميذه برضا الله وجنة عرضها السماوات والأرض، هذا هو الثمن للتضحيات، وأيما ثمن دونه فإنما هو غبن لا يساوي الجهد المبذول والتضحية.

وقفات مع النبي صلى الله عليه وسلم

وقفات مع النبي صلى الله عليه وسلم فيا أيها الناس: أيها العلماء! وأيها الدعاة! وأيها الجيل! يا أبناء لا إله إلا الله! ويا حفظة التوحيد! ويا حملة الرسالة! يا دهر! يا تاريخ! يا زمن! اسمع إلى وثيقة عنه عليه الصلاة والسلام. يعيش عليه الصلاة والسلام معنا دائماً وأبداً، في مشاعرنا وآمالنا وطموحاتنا، يعيش معنا في قلوبنا رحيماً، وفي أبصارنا إماماً، وفي آذاننا مبشراً ونذيراً: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف:9]. نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا

النبي القدوة

النبي القدوة يكرر القرآن ذكر هذا الرجل العظيم عليه الصلاة والسلام. فهو الرجل لكن لا كالرجال، فهو يحمل هموم الرجال كل الرجال، وهو الإنسان لا كتلك الناس، فهو يجمع مناقب الناس جميعاً عليه الصلاة والسلام، يتحدث عنه القرآن فإذا هو الخلوق القريب: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] يدعو إلى الله على بصيرة، ويتحدث عن لينه وسهولته ويسره: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. إنه الإمام -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- وهو الإمام الذي على الأمة كل الأمة أن تذعن لإمامته، فهو إمام في الصلاة، وإمام في الحياة، وإمام في التربية، وإمام في الاقتصاد، وإمام في الحرب، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. يا أمة الإسلام: يا إخوة العقيدة! يا أبناء الرسالة الخالدة! هل يحق لنا شرعاً أو عقلاً أن نبحث عن غيره أو نتلمس سواه؟ لا. بل حرام حرام حرام أن نجعل غيره إماماً يقود المسيرة إلى الله؛ لأنه هو الرجل الذي ختم الله به النبوة في الأرض.

مقومات الرسول صلى الله عليه وسلم

مقومات الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الرسول عليه الصلاة والسلام يعيش لحظات الحياة، ودقائق الزمن، وثواني الدهر، بما يجب أن تعاش، في الصلاة خاشع قانت أواب منيب؛ لأن الله قال: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79]. وفي الجهاد رجل شجاع، ومقدام صنديد، وبطل بارز: وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} [النساء:84]. وعند الإنفاق، هو المنفق الباذل، السخي الكريم، كما قال ابن عباس في الصحيحين: {كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة}. في الفطر، صبور متماسك محتسب، وفي الرقة والرحمة، صاحب الدمعة الحانية، والشفقة البالغة، إنه الإنسان عليه الصلاة والسلام، الداعية الذي يدعو إلى الله على بصيرة. الإنسان الذي أتى إلى الأمة الضعيفة، المسلوبة المنهوبة المظلومة، فرفع رأسها بين الرءوس، فأنا وأنت، وأبي وأبوك، وجدي وجدك لم يكن لنا تاريخ، حتى أتى محمد عليه الصلاة والسلام: إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها أمة وراء إمام هو محمد عليه الصلاة والسلام هي في خير: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62 - 63]. أتى عليه الصلاة والسلام إلى أمة ترعى إبلها وبقرها وغنمها في الصحراء القاحلة، صحراء الجوع والظمأ واليأس، فأخرجها بلا إله إلا الله إلى ضفاف دجلة والفرات وبساتين الشام ومصر، وحدائق الأندلس، وملاعب الهند والسند، فكبرَّت هناك وأذَّنت وصلت، وخرجت من الجزيرة، لا بطائرات ولا دبابات، ولا صواريخ بل خرجت بلا إله إلا الله. من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا

المرشد بإذن الله إلى الصراط المستقيم

المرشد بإذن الله إلى الصراط المستقيم وأخرج عليه الصلاة والسلام الأمة من القتل والنهب والفتنة والسلب إلى الوئام والإخاء، والصفاء والحب: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103]. إن أيام الرسول عليه الصلاة والسلام هي الأيام التي يجب على الدعاة وطلبة العلم والشباب أن يعيشوا جزئياتها، وأن يجعلوا منها دستوراً لأيامهم، فقد عاش أيام العمر في الأعمال والمهن التي يعيشها غالب الناس. أما رعى الغنم؟! لكنه حكم الأمم. أما رقع الثوب؟! أما حلب الشاة؟! أما كنس البيت؟! أما ضحك وبكى؟! أما صلى ونام؟! أما صام وأفطر؟! أما تزوج النساء؟! أما تاجر وسافر؟! أما افتقر فصبر، واغتنى فشكر؟! بلى. حكم الناس فهو قدوة للحكام، وأفتى فهو قدوة للمفتين، ودعا فهو قدوة للدعاة، ورعى فهو أستاذ للرعاة، وعلم الناس فنون الاقتصاد والحرب والسلم. كأنه وهو فرد من جلالته في موكب حين تلقاه وفي حشم إن محمداً عليه الصلاة والسلام عاش هذا العمر الطويل ليكون لنا نموذجاً حياً نقتدي به، يقول كما عند مسلم: {والذي نفسي بيده! لا يسمع بي يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار} أما المسلم فليس في الحسبان أن مسلماً يصلي ويعترف بلا إله إلا الله، ثم يتخذ غير محمد عليه الصلاة والسلام قدوة للأمة. حارب عليه الصلاة والسلام الجيوش الجرارة، فكان أول مبارز، وكان أول شجاع، تجرح أمامه الكماة، وتنهزم أمامه الكتائب، ومع ذلك يتواضع لله، ويعلم أن النصر من عند الله، يغلب أحياناً، وتنكسر رباعيته، ويجرح، ويذبح أصحابه أمامه، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولكنه مع ذلك لا ينهزم، بل يواصل المسيرة بعزيمة أقوى وأقوى.

التوازن والتواضع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

التوازن والتواضع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لبس الجديد عليه الصلاة والسلام إظهاراً للنعمة ورداً على متصوفة الهندوك، الذين يرون التقشف وقتل النفس والقضاء على الطموح حياة وإشراقاً: البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها والله جميل يحب الجمال: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] فالنبي صلى الله عليه وسلم يلبس الجديد إظهاراً للنعمة، ودمغاً للباطل، وهو عليه الصلاة والسلام يلبس البالي شكراً للباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وتواضعاً للحق عز وجل. إذاً فمن لبس منا الجديد، فقدوته محمد عليه الصلاة والسلام، ومن لبس منا البالي فقدوته محمد عليه الصلاة والسلام، ومن جلس على كرسيه للحكم فإمامه محمد عليه الصلاة والسلام، ومن باع أو اشترى، أو سافر أو أقام، أو صام أو أفطر، أو اغتنى أو افتقر؛ فإن إمامه وأستاذه وشيخه محمد عليه الصلاة والسلام: هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله وأنتم في غنى وهو في غنى -بأبي هو وأمي- عن مدحي، لكن من الناس من يتصور يوم يقرأ سيرته أنه إمام في الصلاة، وأنه صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الجنائز والاستسقاء والكسوف، وأنه كان يفتي وعنده بعض الأحاديث وأنه من الأنبياء، لكن لا. فالرجل إمام، اعترف حتى أساطين الكفر، أنه إمام على مستوى العالم. مايكل هارف صاحب العظماء المائة، جعل محمداً عليه الصلاة والسلام في المركز الأول، ويقول في كتابه: إني أعلم أن الأمريكان سوف يغضبون يوم جعلت محمداً في المركز الأول؛ لكن ماذا أفعل؟ قلنا له: أرغم الله أنفك وأنوف الأمريكان، هو الأول سواء رضيت أم غضبت، هو الأول سواء كتبت أو لم تكتب. وكيف يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل محمد عليه الصلاة والسلام تزوج، يا جيلاً صدف عن الزوجات! بحجة البذل في الدعوة والجهاد، محمد أكبر الدعاة وأكبر المجاهدين وتزوج: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]. وضاحك الأطفال، يا متكبراً لا يسلم على الأطفال ولا يمسح رءوسهم! محمد حمل الأطفال وصلى بالأطفال، ففي الصحيحين عن أبي قتادة قال: {صلى بنا رسول الله عليه الصلاة والسلام فحمل أمامة بنت زينب فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها} وعند النسائي عن أبي بسرة الغفاري: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى بالناس فسجد، فأتى الحسن وأعجبه منظر الرسول عليه الصلاة والسلام ساجداً فامتطى ظهره الشريف -ظهر العظمة والزعامة، والطهر والعفاف- فمكث صلى الله عليه وسلم طويلاً، لئلا يؤذي الحسن، ثم اعتذر للناس وقال: إن ابني هذا ارتحلني -صعد على ظهري- فخشيت أن أقوم فأوذيه فانتظرت حتى نزل}. اسمع يا زمن! وسجل يا تاريخ! وانظري يا دنيا! أي إمام هذا الإمام، الذي عبأ حاجات الناس كلهم، إن الرسول عليه الصلاة والسلام مازح الأضياف وحياهم، وأتحفهم وبياهم، قاد الأمة؛ فكانت قيادته دستوراً للقادة، ومنهجاً للزعماء، ووثيقة للساسة.

النبأ العظيم والقائد الأعظم

النبأ العظيم والقائد الأعظم وأعود فأقول: اسمع يا تاريخ! وسجل يا زمن! وقف يا دهر! لتعرف هذا النبأ الذي هز العالم كل العالم! والذي أوقف التاريخ كل التاريخ، إنه مبعثه عليه الصلاة والسلام: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} [النبأ:1 - 3]. ما هو النبأ العظيم، أهو اكتشاف الذرة؟ أم تسيير الهواء؟ أم تفجير الطاقة؟ أم نسف الجبال؟ أم تحويل الماء المالح إلى عذب؟ أم اكتشاف الكهرباء؟ لا. بل هو وصول محمد عليه الصلاة والسلام إلى قيادة العالم، فقد تغيرت الدنيا لمبعثه عليه الصلاة والسلام. الآن تتوافد قبائل العرب لتنظر إلى هذا العظيم، وهو في مكة؛ لباسه عادي لا يساوي ثلاثة دنانير، وخبزه الشعير، وينام في بيت متواضع، يقف مع العجوز الساعات الطوال، يحمل الأطفال، يحلب الشاة، لا يجد كسرة الخبز، ومع ذلك تتساقط عروش الظالمين كسرى وقيصر لماذا؟ لأنه كسر بسيوف العدل ظهور الأكاسرة، وقصَّر برماح التضحية آمال القياصرة. إن محمداً عليه الصلاة والسلام كان بين الناس رجلاً، وبين الرجال بطلاً، وبين الأبطال مثلاً، عليه الصلاة والسلام. تتساقط الشاهات والباباوات؛ لأنها بنيت على الظلم: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81] {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18]. أيها الإنسان! يا بن آدم! يا مسلم! يا من يحترم نفسه! إن سعادتك مرهونة باتباعه عليه الصلاة والسلام، وإن أبواب الجنة بعد مبعثه أوصدت فلا تفتح إلا لأتباعه على دينه، وأنصاره على مبادئه، الذين يدعون إلى الله على بصيرة، لا يدعون فحسب ولا يخطبون وكفى، ولا يتلاعبون بالألفاظ، ولا يتشدقون، إنما هم على بصيرة: علم وعقل، وثبات وانضباط، يغلبون المصلحة على المفسدة، ويريدون أن يلحقهم الأذى في أنفسهم وأعراضهم، ولا يلحق الأمة والجيل، لتبقى الأمة مطمئنة آمنة في سكينة، لأنهم ينصحون لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكتاب الله ولأئمة المسلمين ولعامتهم، هؤلاء هم الذين يدعون إلى الله على بصيرة.

جوانب الكمال في حياته صلى الله عليه وسلم

جوانب الكمال في حياته صلى الله عليه وسلم يا قوم! إن محمداً عليه الصلاة والسلام سيعيش معكم بسنته إذا أردتم أنتم أن يعيش معكم، ستجدونه يتحدث إليكم في مجالسكم متى أردتم أن يتحدث إليكم. إنه عالم في العبادة؛ وفي الصلاة والصيام، والذكر والجهاد، وهو عالم في الأخلاق؛ في التبسم والتواضع، والصبر والشجاعة والكرم، وهو عالم في الزهد في المسكن والطعام والميراث. وهو عالم في التربية؛ مع المرأة ومع الأسرة، ومع الطفل. يقف في منتصف الليل فيصلي إلى الفجر، ويقوم فيقول دعاء تنخلع له القلوب، واسمع إلى دعائه، جاء عن ابن عباس في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول: {اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق، ومحمد عليه الصلاة والسلام حق} الحديث، وعند مسلم من حديث عائشة: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}.

كماله في العبادة

كماله في العبادة وعَالَمٌ في الصيام فهو يصوم الليالي والأيام العديدة أربعة وخمسة وستة، لا يفطر لا ليلاً ولا نهاراً، فيقول له الصحابة: {إنك تواصل يا رسول الله! -يريدون أن يواصلوا معه- قال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني} قال ابن القيم: لا يطعمه الله طعاماً وشراباً حسياً، إذ لو أطعمه طعاماً حسياً وشراباً حسياً لما كان صائماً لكن يطعمه اللطائف والمعارف والحكم والفتوحات الربانية. فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت ولا شربتا لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نور تستضيء به ومن حديثك في أعقابها حادي وعالم في الجهاد، أي معركة فر منها عليه الصلاة والسلام؟ متى فر؟ ومن قال أنه فر؟ يقول أبو الحسن علي بن أبي طالب: [[كنا إذا اشتد الكرب وحمى الوطيس، واحمرت الحدق اتقينا برسول الله عليه الصلاة والسلام فيكون أقربنا إلى القوم]]. أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أدبت في هول الردى أبطالها وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب فعلها أقوالها محمد عليه الصلاة والسلام هو عالم في الذكر، فحياته وليله ونهاره ذكر: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الحجر:98] {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35] {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. بل أنفاسه ذكر، وفتواه ذكر، ومزحه ذكر، وخطبه ومواعظه وتوجيهاته ذكر، فهو قرآن يمشي على الأرض، عليه الصلاة والسلام. وهو عالَم في الأخلاق، شرى قلوب العرب بالبسمات، وأسر الأرواح بالبسمة الحانية عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] يأكل على التراب، حتى قالت امرأة: {انظروا له يأكل كما يأكل العبد، ويشرب كما يشرب العبد فقال: وهل هناك عبد أعبد مني} فرفعه الله، ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه.

صبره وشجاعته

صبره وشجاعته ش الفقر، والحروب والمصائب، ماتت بناته، وقُتل أصحابه، وشرد من وطنه، وبيعت أملاكه، ولطخت سمعته وأوذي؛ ومع ذلك كان صابراً صبراً يغلب الصبر. صابر الصبر فاستجار به الصبر فقال الصبور للصبر صبرا وذا يقوله بعض المفسرين لما قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]. يقولون لـ عنترة: بم غلبت العرب في المعارك؟ قال: بالصبر، فقال له أحد الشجعان: كيف تكون صابراً وأنا أصبر منك؟ قال: ناولني إصبعك، وخذ إصبعي فأدخل إصبعه في فمه وأخذ إصبع الرجل في فمه، ثم قال له: عض وأعض، فعض ذاك وعض هذا، فقال: ذاك أح فأخرج ذاك إصبعه، فقال عنترة: بهمة تخرج ماء الصفا وعزمة ما شابها قول آح أقسمت أن أوردها حرة وقاحة تحت غلامٍ وقاح إما فتى نال المنى فاشتفى أو فارس زار الردى فاستراح محمد عليه الصلاة والسلام الذي وصل بالصبر إلى حد ما استطاع أن يصابره الصبر، فكان سيد الصابرين صلى الله عليه وسلم. الشجاعة: فعنده صلى الله عليه وسلم شجاعة الواثقين من المبادئ، ينام وحول البيت خمسون شاباً بسيوفهم، لا درع ولا سيف، ولا موكب ولا حرس! عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم عليه الصلاة والسلام. الكرم: سألوه ثوبه فخلع ثوبه وأعطاه؛ فما كان يقول: لا. وعند أحمد في المسند من حديث جابر {أن أعرابياً قال: يا رسول الله! أعطني مالاً قال: لا. وأستغفر الله} معناه: ليس عندي مال، وأستغفر الله من كلمة "لا". ما قال "لا" قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم

زهد النبي صلى الله عليه وسلم

زهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو عالَم في الزهد، يقول الفيلسوف برناردشو: عجباً لمحمد على كومة من التراب، يتناول فنجان القهوة ويصلح مشاكل العالم، وهو لا يعلم أن القهوة اكتشفت بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام، ولا يهمنا اكتشاف القهوة، ولكن يهمنا اكتشاف الحكمة والنور الذي حل به مشاكل العالم، والحق ما شهدت به الأعداء، فهو عالم في الزهد عليه الصلاة والسلام، يعيشه صلى الله عليه وسلم ويتعامل مع الناس. مسكنه غرفة من الطين، وفي صحيح البخاري: {كان إذا أوتر يغمز عائشة رضي الله عنها وأرضاها فتكفكف قدميها ليجد مكاناً للسجود} و {يأتيه الملك بمفاتيح كنوز الدنيا فيقول: لا. بل أجوع يوماً وأشبع يوماً حتى ألقى الله} فثوبه ثوب واحد. كفاك عن كل قصر شاهق عَمِدٍ بيت من الطين أو كهف من العلم تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم وعالم في الزهد، لا يجد أحياناً حفنة من التمر، هذا الإنسان عليه الصلاة والسلام الذي أدخل -بإذن الله- محبيه إلى حدائق الأندلس، وإلى ضفاف دجلة والنيل والفرات، لا يجد حفنة من التمر، هذا الرجل الذي ملك -بإذن الله- أتباعه ثلاثة أرباع الدنيا، وأتى هارون الرشيد وهو أحد أتباعه يقول للسحاب: " أمطري حيث شئتِ فسيأتيني خراجكِ بإذن الله " ولا يجد حفنة من التمر. هذا الرجل دخل أحد أتباعه وهو قتيبة بن مسلم كابل الحزينة، التي ضيعناها يوم ضيعنا لا إله إلا الله، كابل التي ذهبت مع المرتزقة والزنادقة، يمزقون مصاحفها، ويدوسون كرامتها وعفافها وحياءها، كابل أرضنا، ووطننا وحبيبتنا، يفتحها قتيبة أحد أتباعه عليه الصلاة والسلام فيأتي إلى الأصنام فيحرقها لأنها عبدت من دون الله، قالوا لـ قتيبة: خذ الأصنام، وتاجر بها، قال: لا. أصنام سُجد لها من دون الله تحرق، قال إقبال: كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا هذا هو محمد عليه الصلاة والسلام.

الرسول صلى الله عليه وسلم والطفل

الرسول صلى الله عليه وسلم والطفل أيتها المرأة المسلمة: يا أيتها المرأة التي تسمع الصوت! محمد إمامك عليه الصلاة والسلام، المعلم والشيخ والأستاذ يعتني بالمرأة، يقف يوم عرفة، فيعلن حقوق المرأة؟ من الذي أعلن حقوق المرأة؟ أقاسم أمين؟ كذب عدو الله، أسعد زغلول، كذب عدو الله، أأتاتورك؟ كذب عدو الله. إنه محمد عليه الصلاة والسلام، يقول يوم عرفة متحدثاً عبر الزمن: {الله الله في النساء، فإنهن عوان عندكم} ويقول: {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} عليه الصلاة والسلام. يعيش معها أباً وزوجاً وأخاً، يأمرها بالحجاب وهو الذي حررها بإذن الله، أما الذين يدعون حرية المرأة وتحرير المرأة؛ فهم قتلة المرأة، وهم أعداء المرأة، فجعلوا المرأة سلعة تباع وتعرض كالأزياء، أخرجوا المرأة سافرة في الحوانيت والبقالات، ومجامع الناس والأسواق، أخرجوا المرأة وجعلوها تشارك في الجيش في الحرب العالمية الثانية، تحمل السلاح وهي ضعيفة، وتقاتل بالبندقية وهي لطيفة، وتعارك الجنود وهي شريفة، فمن حرر المرأة؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام. وقد عاش مع الطفل مربياً، فكان معه يوم سقط رأس الطفل في الأرض، أتت فاطمة بنته بـ الحسن أول يوم ولدته، فأتى فأذن في أذن الحسن، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لماذا؟ ليسمع الطفل الأذان أول شيء، لا الموسيقى، ولا الأغنية الماجنة، ولا الصيحات المعربدة، ولا الزندقة والإلحاد، بل ينشأ طفلاً موحداً من أول يوم، فهذا هو محمد عليه الصلاة والسلام. وهو عالم الأسرة وعالم الاقتصاد، ولكن -والله- لا أستطيع أن أوفيه حقه.

تفصيل أسباب تفوقه صلى الله عليه وسلم

تفصيل أسباب تفوقه صلى الله عليه وسلم فأعود إلى التكلم عن النقاط والمسائل التي من أراد أن يكون داعية. إلى الله على بصيرة ويكون حكيماً منضبطاً عاقلاً، فعليه أن يحفظ هذه المسائل، ثم يبثها في الناس. كان من أسباب انتصار الداعية العظيم عليه الصلاة والسلام كما قلت:

توحيد الله عز وجل

توحيد الله عز وجل أولاً: التوحيد الصادق، والتوكل الذي يحطم زيف الباطل، وينسف ركام الجاهلية، يقول الله سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] ويقول الله عز وجل له: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67] ويقول الله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64]. أول ميزاته: التوحيد الخالص، وصفاء العقيدة. إذاً يا دعاة! يا طلبة العلم! يا شباب محمد عليه الصلاة والسلام! التوحيد أولاً والعقيدة أولاً. ولذلك تميزت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله واكتسبت قوتها وعمقها وأصالتها حتى نفذت إلى القلوب، وذلك لأنها صافية، ولأنها على منهج السلف ولأنها ضاربة في أعماق الكتاب والسنة، فلذلك بقيت إلى اليوم: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] وقبل أن ندعو الناس إلى الأخلاق والسلوك، قبل أن نتكلم إليهم عن التربية والأدب والاقتصاد، لابد أن نتكلم لهم عن التوحيد. يقول الله للرسول عليه الصلاة والسلام: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] ويقول: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66]. فيكون موحداً دائماً وأبداً، يأتي الأعرابي من الصحراء، فقبل أن يعلمه الوضوء وكيفية الأكل والشرب، يقول له: قل لا إله إلا الله، يقول لـ حصين بن عبيد كما عند أبي داود: {يا حصين كم تعبد؟ قال: أعبد سبعة، قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: فمن لرغبك ولرهبك؟ قال: الذي في السماء، قال: فاترك التي في الأرض واعبد الذي في السماء} {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:110]. وعقيدة أهل السنة والجماعة العقيدة الرائعة الجميلة الحسنة البديعة، هي التي يجب على الدعاة أن يدعوا الناس إليها أولاً، ففي الصحيحين، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن فقال: -واسمع إلى الداعية الكبير، الذي يدعو إلى الله على بصيرة- إنك سوف تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أطاعوك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة} الحديث. ويقول صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: {احفظ الله يحفظك} ويقول في آخر الحديث عن العقيدة: {واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك} هذا هو أول عنصر جعل محمداً عليه الصلاة والسلام داعية ناجحاً بإذن الله. يا دعاة الإسلام! يا طلبة العلم! وحفاظ الرسالة! قضيتنا الكبرى هي تصحيح معتقد الناس، أما التلفيق والمسامحة في هذا الجانب فلا يصلح أبداً، ولا تنجح الدعوة فيه أبداً؛ لأن الدعوة أقيمت على التوحيد الخالص.

الطموح الذي يتخطى الآفاق

الطموح الذي يتخطى الآفاق الثاني: الطموح الذي يتخطى آفاق الزمن، وأقطار التاريخ، وحدود الدهر، ينزل عليه الصلاة والسلام الخندق ليحفر وعلى بطنه حجران من الجوع مربوطان، فيضرب الصخرة فيلمع ضوءاً كالبرق، فيقول: {أريت قصور كسرى وقيصر، سوف يفتحها الله لي} فيضحك المنافقون. فهذا رجل حاله أنه مطوق باليهود والأحزاب والمنافقين والعملاء والزنادقة، وهو في المدينة ثم يقول: يفتح الله عليه الكنوز والقصور فيقول المنافقون: ما هذا؟ {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12]. ولكن بعد خمس وعشرين سنة، دخل سعد بن أبي وقاص إلى قصر كسرى والإيوان فقال: الله أكبر! أليس هذا طموحاً؟ بلى إنه لطموح، ويأتي عليه الصلاة والسلام فيقول للصحابة: {زويت لي الأرض -يعني في المنام، أي قرب الله له الكرة الأرضية- قال: فرأيت ما بلغ ملك أمتي أو ملكي أو ما يفتحه الله عليّ} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. أما دخلت دعوته روسيا؟ بلى. وقد حج من روسيا هذا العام ما يقارب ألفين، نعم ألفا حاجٍ خرجوا من موسكو عاصمة جرباتشوف وبرجنيف الملاحدة الزنادقة، يقولون: لبيك اللهم لبيك، ليبك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. وحدثنا مصدر مطلع موثوق بسند جيد على شرط ابن حبان، من المجاهدين الأفغان أن وفد المجاهدين شارك قبل ثمانية أشهر في جلسة هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، فلما حضرت صلاة الظهر، قام أحد المجاهدين من أهل العمائم، أهل لا إله إلا الله، أهل التكبيرات، والمواقف الخالدات، قام إلى الميكرفون وأذّن لصلاة الظهر داخل هيئة الأمم المتحدة؛ أليست هذه دعوته عليه الصلاة والسلام؟ أليس هذا هو الطموح الذي تجاوز الزمن؟ أما دخل يونس خالص إلى ريجان في البيت الأبيض وقال: أدعوك إلى الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم كل أمريكي على وجه الأرض. فهذا طموحه عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء أتباعه، وهؤلاء تلاميذه.

الثبات على المبدأ

الثبات على المبدأ الثالث: الثبات على المبدأ ثبات الواثق من العاقبة، المتأكد من الخاتمة، الرسول عليه الصلاة والسلام لا يتعامل مع الأهواء، ولا يرضى بأنصاف الحلول، يقول: المتشدق الزنديق أبو جهل: يا محمد! تعال نعبد إلهك سنة وتعبد إلهنا سنة، وهذا لعب وفوضى، لا. فأتى القول من الله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1 - 6] أنا منفصل عنكم تماماً، لا جسور تمتد بيننا وأنتم مشركون، ولا حلول إلا بلا إله إلا الله، هذا هو الحق الصراح. كان من أسباب انتصاره صلى الله عليه وسلم، الثبات على المبدأ ثبات الواثق من العاقبة، والمتأكد من الخاتمة: يروى أن الجاهليين أتوا إليه عليه الصلاة والسلام فقالوا: {يا محمد! سفهت أحلامنا، وسببت آلهتنا، إن تريد ملكاً ملكناك، وإن تريد زوجة زوجناك، وإن تريد مالاً أعطيناك، فلما انتهوا قال: انتهيتم؟ قالوا: نعم. قال: والذي نفسي بيده! لو وضعتم الشمس في يمني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه} هذا هو الجواب، وهذا هو الثبات، الذي جعله يستمر عليه الصلاة والسلام، لا يرضى إلا أن يتم هذا الدين في الأرض، أو يقتل عليه الصلاة والسلام. جاء في البخاري في كتاب الجهاد: {ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أُحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل} عليه الصلاة والسلام، وإنما ذلك لتبقى لا إله إلا الله وليبقى التوحيد، وليسلم الناس لرب العالمين، فثباته عليه الصلاة والسلام مكن له بإذن الله في الأرض، ونصره بعون الله حتى بلغ الغاية. إن الذي يقاتل من أجل دنيا، ومن أجل وطنية ينتهي ويتلاشى ولا يواصل، أما هو عليه الصلاة والسلام فقاتل من أجل أن تبقى كلمة لا إله إلا الله مرفوعة خفاقة في الأرض.

التعالي على متاع الحياة الدنيا

التعالي على متاع الحياة الدنيا الأمر الرابع: التعالي على متع الحياة وبريق المادة، ولموع الأغراض الفانية، فملبسه متواضع ومسكنه وطعامه كذلك، فهو لا يريد الدنيا، تؤتى إليه مفاتيح وكنوز الدنيا، فيقول: لا. بل أشبع يوماً وأجوع يوماً حتى ألقى الله، وقال عنه الجاهليون: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} [الفرقان:7 - 8]. ما لهذا الداعية أليس عنده دخل ولا راتب ولا منصب، لا يملك اللحم ولا الطعام ولا الملابس ولا خدم ولا مساعد، ولا معاون، ويبيع ويشتري في الأسواق، فقال الله رداً على هذا الباطل: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً} [الفرقان: 9]. ثم قال: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} [الفرقان:10] لكنه في الجنة، قصره كالربابة البيضاء وله المقام المحمود، وهو أنعم من ينعم في الجنة، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، يدعو إلى الله ويقول للأمة: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} [الأنعام:90] أي: لا أتقاضى راتباً شهرياً، ولا أريد مادة، فما سألتكم من أجر فهو لكم، خذوا دراهمكم ودنانيركم وحياكم، خذوا بيوتكم وهداياكم فأنا أريد أن تبقى لا إله إلا الله وتنتصر لا إله إلا الله، ولذلك انتصر لما صدق مع الله. خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروةً وإن خلتموني وحيداً سليبا يقول فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام: {ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كرجل قال في ظل شجرة ثم قام وتركها} ويقول عليه الصلاة والسلام لأحد أتباعه ومحبيه، كما في البخاري: {كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل} وقال في حديث يصححه بعض أهل العلم: {ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} فإذا هو الزاهد عليه الصلاة والسلام، وإذا هو الذي يعطي ولا يأخذ، لئلا تكون لأحد من الناس منة عليه، صلى الله عليه وسلم. ويموت عليه الصلاة والسلام وإذا ميراثه: بغلة ودرع وسيف، كل هذا التاريخ وكل هذا الدستور، وكل هذه المسيرة: بغلة ودرع وسيف؟ نعم. ثم يقول: {نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة} عليه الصلاة والسلام.

البذل والتضحية والتزود من الطاعة

البذل والتضحية والتزود من الطاعة الخامس من أسباب انتصاره وتفوقه: البذل والتضحية، بذلاً وتضحية كأنها من أساطير الأخبار لولا أنها حقائق، وكأنها من نسج الخيال غير أنها ثوابت، يقول الله له في القرآن: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً} [المزمل:1 - 2] فقام وما جلس، وجاهد وما استكان، قام ثلاثاً وعشرين سنة، ليله دموع وخشوع وبكاء، ونهاره صلاة وصيام وجهاد، وبذل وتضحية، ثلم في عرضه، وثلم في جسمه، وفي بيته، ورسالته، ومع ذلك يستمر ويضحي، ويدفع دمه ودموعه ووقته وماله عليه الصلاة والسلام. إن على الدعاة الذين يدعون إلى الله على بصيرة؛ أن يعرفوا أنهم سوف يدفعون الثمن غالياً، والمهج والأرواح رخيصة في سبيل الله. الرسول عليه الصلاة والسلام يُدمى عقبه، فيقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} يروى أن ملك الجبال أتاه فقال: {أتريد أن أطبق على قريش الأخشبين، قال: لا. إني أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً} فيخرج الله من صلب أبي جهل عكرمة، ومن صلب الوليد خالداً، ومن صلب فلان الميت فلاناً الحي: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [آل عمران:27] فتكسر ثنيته، ويُقتل أصحابه، ويُشرد من وطنه، ويكذب ويطارد ومع ذلك يرى أنه ما بذل شيئاً: إن كان سركم ما قال حاسدنا فلما لجرح إذا أرضاكم ألم وفي آخر المطاف بعد هذا البذل والتضحية يقول الله له: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3] ولو بذلت فاستغفر الله، ولو أعطيت فاستغفر الله، إن مِنَنَ الله أعظم مما قدمت وأعطيت. فيا معاشر الدعاة! مهما بذلتم وأعطيتم فإن نعم الله وأياديه أفضل وأعظم مما بذلتم وقد متم للأمة.

التزود بالعبادة والتقوى

التزود بالعبادة والتقوى السادس: استصحاب الزاد في الطريق الشاق، زاداً من العبادة المتأملة، والذكر الحي، والخشوع العجيب، والتبتل المنقطع النظير، لقد جعلت الثقافة الغربية من دعاتها أناساً يحملون العلوم في أذهانهم سلات مهملات: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] يعلمون كل شيء إلا الآخرة، ويعرفون كل شيء إلا الدين، ولذلك لا أثر لهم في قلوب الناس ولا حياة. أما محمد عليه الصلاة والسلام فأعطى الجزء الكبير من وقته للعبادة؛ لأنها الزاد والطاقة للداعية التي تجعل كلمة الداعية حارة صادقة مخلصة تصل إلى القلوب، فلا تموت الكلمات إلا يوم تموت القلوب، ولا تموت المبادئ إلا يوم تموت الأعناق بالمنن، ولا تموت المناهج في الأرض إلا يوم يموت أصحابها في أوحال الأطماع والشهوات، فلا يبقي لهم الله أصلاً ولا ذكراً. والرسول عليه الصلاة والسلام يقوم الليل -أكثر من ست ساعات- يقوم معه أحد محبيه وأتباعه: حذيفة، فلا يستطيع أن يواصل، ويقوم ابن مسعود فيقول: {هممت بأمر سوء، قالوا ماذا هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه} ويصوم عليه الصلاة والسلام فيواصل، ويذكر الله دائماً على لسانه، فيكون مدده زاداً من العبادة وتوجهاً من الطاعة، لأن الله عز وجل دائماً يطالب منه أن يكون عابداً مهما انشغل بشواغل الحياة، أو بمشاغل الناس.

التفوق في أسلوب الدعوة

التفوق في أسلوب الدعوة السابع: التفوق في أسلوب الدعوة، تفوقاً تاجه اللين، لين يسبي القلوب، ويشتري به الأرواح ويملك به الرقاب، وأنا أقول عن هذه الصحوة المباركة: إنها صحوة معتدلة ومتأنية، منضبطة في العموم الغالب، إنه لا يحكم عليها بالتطرف أبداً، وليس التطرف في الصحوة الإسلامية ظاهرة حاشا وكلا، فليس بظاهرة، ربما أتت صور لا يخلو منها البشر؛ لكن العموم والسواد الأغلب صحوة منضبطة، عاقلة، متزنة، تعرف الكتاب والسنة، وتتعامل مع الواقع بحكمة، وهي بإذن الله أساس سعادة البلاد والعباد، وهي بإذن الله تبشر بالخير؛ لأنها صحوة قامت على التوحيد، وجعلت محمداً عليه الصلاة والسلام إمامها، ولأنها صحوة، جعلت أياديها في أيادي البعض والتفت حول القيادة العلمية الراشدة في هذه البلاد، فهي تسير بخطى مطمئنة إلى الله عز وجل. إن التطرف في غير الصحوة كثير وهناك تطرف يسمى التطرف اللاديني، وذلك في الكأس، وفي الاستهزاء بالدين، والسخرية بالصالحين، في الحداثة، والزندقة وبيع القيم والهجوم على المرأة وإخراجها سلعة، وبالتشدق والسخرية بالكتاب والسنة، وفي السفر إلى الخارج للمعصية، هذا هو التطرف اللاديني. أيها المسلمون! كان عليه الصلاة والسلام ليناً، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وأنا أقول وأنتم تقولون معي: لم ننجح في دعوتنا إلا باللين، الله يرسل موسى عليه الصلاة والسلام مع هارون إلى فرعون فيقول لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. تعهدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعه فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعه والله عز وجل يقول للرسول عليه الصلاة والسلام الداعية: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] وفعلاً دفع بالتي هي أحسن، فأتى أعداؤه الذين قاتلوه في المعارك يبكون يوم الفتح بين يديه ويقولون: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91]. لقد تفوق باللين، هل سمعتم منه كلمة نابية؟ أن هناك كلمة نابية في كتب السنة عنه، هل جرح المشاعر؟ هل سب وشتم؟ لا. بل كان متأدباً، كان ينزل الناس منازلهم، ولم يكن يفضح الناس، أو يشهر بالعصاة، كان يقوم على المنبر فيقول: {ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا} فيفهم المخطئ أنه أخطأ، ولا يدري الناس أن المخطئ فلان بن فلان، أي حكمة هذه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].

العمل بما يدعو إليه

العمل بما يدعو إليه الثامن: العمل بما يدعو إليه، فإذا جوارحه تسبق لسانه، ودمعاته تسبق عباراته، وإذا هو قرآن يمشي على الأرض، وقداسة تتحرك على الكوكب، يقول للناس: صلوا، وهو أول المصلين، ويقول: اخشعوا، وهو أول الخاشعين، ويقول: تصدقوا، وهو أول الباذلين، ويجاهد ويدعو إلى الجهاد، وهو الذي يحمل السيف في أول الصفوف. ولذلك لام الله عز وجل دعاة بني إسرائيل والمتلاعبين بالألفاظ، ومرتزقة الفكر الذين يقولون ما لا يفعلون، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] أتعلمون الناس الفضيلة وأنتم في الرذيلة؟! أتعلمون الناس الأمن وأنتم أهل الفتنة؟! أتعلمون الناس الانضباط وأنتم أهل الهمجية؟! أتعلمون الناس البذل وأنتم أهل الإمساك؟! أتعلمون الناس الشجاعة وأنتم جبناء! يا أيها الرجل المعلم غيره هلاَّ لنفسك كان ذا التعليم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم كان عليه الصلاة والسلام يقول كما عند البخاري في كتاب العلم: {إن أعلمكم بالله وأتقاكم لله أنا} صدقت. أنت أتقى الناس وأعلم الناس، وأنت أخشى الناس؛ لأنك تعمل بما تقول، إن مما يفضح الدعوات ويحطم المسيرة؛ أن يرى الناس دعاة أفعالهم تخالف كلامهم، يقولون كلاماً جميلاً على المنبر لكن الفضائح تظهر في تصرفاتهم وتكذب أقوالهم على المنابر، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فحاشا وكلا، في صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها، سئلت عن خلقه عليه الصلاة والسلام فقالت: {كان خلقه القرآن}.

استغلال المواهب

استغلال المواهب الأمر التاسع من أسباب انتصاره: استغلال المواهب، وتوجيه القدرات، والاستفادة من العقول التي استنارت بنور الوحي، معنى ذلك أن يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب قال: أبو الطيب المتنبي: فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى عمرو في منزلة عمرو، وزيد في مكانة زيد، فعلها عليه الصلاة والسلام أتى إلى الخامات من أصحابه، فعرف قدراتهم واستعداداتهم فوجههم الوجهة الصحيحة التي ينتج فيها أصحابها، أتى إلى أبي بكر فإذا أبو بكر رجل ريادة وسيادة وإدارة وسياسة، فجعله خليفة من بعده، وأتى إلى عمر فإذا هو داهية عملاق قوي، فأوكل إليه مهمة تدوين الدواوين وتجنيد الجنود وتجييش الجيوش. ومعاذ: {أعلمكم بالحلال والحرام معاذ} وخالد، خالد مهمته تقطيع رءوس الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، لأن استعداد خالد أن يكون مجاهداً وهذه ثغرات المسلمين. إن الرجل المناسب الذي يصلح الله به الحال يجب أن يكون مناسباً في حاله وفي مقامه، فالخطيب خطيباً، والمهندس مهندساً، والطبيب طبيباً، والمجاهد مجاهداً، ولا نقول للطبيب: كن واعظاً، ولا للواعظ: كن مهندساً، ولا للمفتي: كن طبيباً، لا. لأن تداخل التخصصات معناه انثلام في صرح الرسالة الخالدة التي أتى بها صلى الله عليه وسلم. يقول صلى الله عليه وسلم يمدح خالداً -أيمدحه بكثرة الحفظ؟ إن خالداً فيما يذكر عنه لم يكن يحفظ كل القرآن أيمدحه بحفظ الحديث؟ لم يكن يحفظ الحديث، أيمدحه بالفتيا؟ لم يكن عنده الفتيا، يقول: {خالد سيف سله الله على المشركين}. ثابت بن قيس بن شماس، خطيب يدخل الجنة بالخطابة، وحسان أديب يدخل الجنة بالأدب، وبلال مؤذن يدخل الجنة بالأذان. فعلى رواد الصحوة وأبطال العقيدة أن يصنفوا الشباب كل فيما يخصه، وكل رجل في المكان الذي يناسبه، ليفعل مثلما فعل عليه الصلاة والسلام.

الوعد بالجنة

الوعد بالجنة العاشر: وعد عليه الصلاة والسلام محبيه وأتباعه برضا الله، وجنة عرضها السماوات والأرض، هذا هو الثمن للتضحيات، وأيما ثمن دونه فإنما هو غبن لا يساوي الجهد المبذول، يقول له الأنصار: {يا رسول الله! أئن نصرك الله ما لنا؟ قال: لكم الجنة} ليس عنده دنانير، هو أصلاً ليس مساوماً، لا يلعب بالنار، وهو لا يشتري دعايات، فهو عليه الصلاة والسلام ليس في اقتراع أصوات ولا في انتخابات، لا. بل من أراد الجنة فطريقها من لا إله إلا الله، ومن أراد النار سلك طريقها: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3] يأتي أبو بكر فيقول: يا رسول الله! إذا آمنت بك ما لي؟ قال: الجنة قال الأنصار: {يا رسول الله! إن نصرناك فما لنا، قال: الجنة، قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل} {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111] الرسول عليه الصلاة والسلام: لم يُمن أحداً بمنصب، ولا مال، ولا برتبة ولا قصر، أو دار، أو بمديحة بل قال لهم: رضا الله والجنة. صح عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال: {من يقتل خالد بن سفيان الهذلي وله الجنة، فذهب عبد الله بن أنيس فقتله، فقال: يا رسول الله! ألي الجنة؟ قال: لك الجنة، قال: ما علامة ذلك؟ قال: خذ هذه العصا، علامة بيني وبينك يوم القيامة} تتوكأ بهذه العصا -إن شاء الله- في الجنة، والمتوكئون بالعصي في الجنة قليل وأخذها عبد الله بن أنيس ليتوكأ بها في الجنة إن شاء الله. يقوم على المنبر -والقصة صحيحة- فيقول: {من يجهز جيش تبوك وله الجنة؟} ليس عند الرسول عليه الصلاة والسلام إلا الجنة، ليس عنده رشوة ولا مداهنة ولا زهرة الدنيا، فجهزه عثمان، فقال: {اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم}. إن التربية التي تربي الشباب على الجوائز لذاتها فحسب، سوف تربي جيلاً مادياً رأسمالياً، نعم نحن نشجع الناس بالجوائز، لكن المقصد رضوان الله، وجنة عرضها السماوات والأرض، نقول للحافظ: احفظ القرآن ليرضى الله عنك، وليلبسك حلة على رءوس الأشهاد، ثم لك جائزة، ونقول للشاب: احفظ الأحاديث ولك جائزة بعد رضوان الله والجنة. أما أن نجعل الجيل يطلبون بالدين وبالعلم الشرعي النافع أغراض الدنيا، فمعنى ذلك: الرياء والسمعة وإحباط العمل: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65]. {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110]. بالله يا مسلمون! لو أن الرسول عليه الصلاة والسلام -فرضاً وجدلاً- يوم بذل أصحابه مابذلوا وضحوا بما ضحوا به، قال لهم: أما جزاؤكم على تضحياتكم، فلك يا عمر الكوفة، ولك يا علي البصرة، ولك يا أبا بكر عشرة آلاف ألف دينار، ولك يا فلان! كذا وكذا، فكم هو ثمن بخس؟ وكم هو قلة؟ وكم هو ضياع؟ لكن قال: الجنة، ولذلك تسابقوا إلى الجنة. جعفر خرج إلى مؤتة ليس عنده كسرة خبز من شعير، وكسرت السيوف في صدره وقطعت يداه وهو يقول: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها عليَّ إن لاقيتها ضرابها أنس بن النضر في آخر رمق يقول: [[إليك عني، والذي نفسي بيده! إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]].

خلاصة في معنى آية: (قل هذه سبيلي)

خلاصة في معنى آية: (قل هذه سبيلي) هذه تعاليمه عليه الصلاة والسلام، ولذلك تفوق صلى الله عليه وسلم تفوقاً خالداً، شهد له به التاريخ، فنجح نجاحاً باهراً. {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف:108] سبيله ماذا؟ طريقه ومنهجه ودستوره في الحياة، قبل أن يبعث إنساناً بعث داعية، لكنه داعية إنسان، ومبشر إنسان، ومنذر إنسان: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ} [المرسلات:45] فالحصر هنا جعل مهمته الإنذار فحسب. {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف:108] وهي الطريق التي يسيرها محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه من العلماء والدعاة وطلبة العلم. (أدعو) وهذه لوحة شرف يحملها كل من دعا إلى منهج الله، والدعاة هم أشرف الناس بهذا، وهم أحظ الناس بهذا اللقب، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} [يوسف:108] ما أحسن العبارة. {أدعو إلى الله} [يوسف:108] أنا لا أدعو إلى نفسي، ولا أدعو إلى كياني أو شهرتي، أو منصبي، أو أغراضي، لا. يا مسلمون! إن الدعاة اليوم والعلماء يدعون إلى الله على بصيرة، ليس عندهم ألغاز وأحاجي، فمبادئهم تعلن كل يوم خمس مرات من على المنبر، ما عندهم تكلموا به، يعلمون الناس: التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج. يعلمون الناس: السلوك والأدب والأخلاق، هذا ما عندنا وما عند الدعاة والعلماء وطلبة العلم؛ لأننا ندعو إلى الله. ثم قال {عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] وأي بصيرة كهذه البصيرة التي يعيشها العلماء والدعاة في هذه البلاد وفي غيرها من البلاد الإسلامية في العموم الغالب؟ أليست بصيرة التوحيد؟ وهو موجود. وبصيرة الحكمة؟ وهي موجودة. من الذي كلما سلَّ الخوارج سيوف الفتنة لإزهاق الأرواح وإسالة الدماء قالوا: حرام؟ إنهم العلماء والدعاة، من الذين كلما هاج هائج وماج مائج قالوا: حرام فوقف مكانه؟ إنهم العلماء والدعاة، ومن الذي كلما أتى حداثي وزنديق ومارق ليشعل الفتنة ويستهزئ بالدين ويلطخ الشريعة، قالوا: حرام، فوقف؟ إنهم العلماء والدعاة، فهم يدعون إلى الله على بصيرة وعندهم المادة: العلم الشرعي، الكتاب والسنة، ولديهم الحكمة: يعرفون التدرج، أطباء القلوب، وساسة الأمة، ويوم تفقد الأمة العودة إلى العلماء؛ تخسر الصفقة، ويفوتها حظ وافر من القيادة والريادة، وربما تخفق في مسيرتها، ويوم يبتعد العلماء عن الشباب، ولا ينزل العلماء لقيادة الشباب تقع المسيرة في اضطرابات لا يعلمها إلا الله، وتنتهي الأمة إلى هاوية سحيقة من التشتت والتمزق والدمار. والعلماء هم الرواد، وهم مدعون وقد فعلوا: والشباب مدعون وقد فعلوا: إن يلتحموا بالعلماء، وأن ينظروا إلى هذه القمم أنها شموع ومعالم في طريقهم إلى الله عز وجل لا بد أن يُسمع لقولهم، وأن يعاد إليهم، وأن يشاوروا، وأن تحترم آراؤهم؛ لأنهم أعقل وأعلم، وأصدق وأخلص. هذا الذي يجب على رواد هذه المسيرة أن يفعلوه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] من الدعاة والصالحين، والعلماء وطلبة العلم: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]. توحيد في أول المسيرة وتوحيد في آخرها: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]. لم تكن دعوته صلى الله عليه وسلم رياءً ولا سمعة، وإنما كانت توحيداً خالصاً، يوم ينزل الإنسان ويدخل الدين يقول: (لا إله إلا الله): ويوم يموت، يموت على (لا إله إلا الله) {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] فنسأل الله بصيرة وحكمة، وتوفيقاً وفقهاً في الدين. أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفق ولاة الأمر لما يحبه ويرضاه، وأن يأخذ بأيديهم لكل خير، وأن يوفق عامة المسلمين، وأن يهدي شبابهم، وأن يرد ضالهم، وأن يتوب على تائبهم، وأن يغفر ذنوبنا جميعاً. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الطعام

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الطعام لم يدع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منحى من مناحي الحياة إلا وتحدث للأمة فيه، تحدث في الطعام، وفي اللباس والمنام وفي الصلاة والشرائع، والأدب وغيرها من مناحي الحياة الكثيرة. وهذا الدرس يتحدث عن هديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الطعام، ومداره على قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للغلام: (يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).

(يا غلام سم الله وكل مما يليك)

(يا غلام سم الله وكل مما يليك) إن الحمد لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ونستهديه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وصحبه وَسَلَّمَ تسليماً كثيراً، صلى الله عليه كلما اجتمع جيلٌ من أجياله يتدارسون حديثه، وصلى الله عليه وسلم كلما اهتدى جيلٌ بنور ما ترك من ميراث، وصلى الله عليه وسلم كلما تاب تائب على شريعته المطهرة، ولقي الله بسنته الغراء. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ولا زلنا في موكب محمد صلى الله عليه وسلم، نعيش مع أحاديثه، ونتدارس عبره وعظاته التي تركها للناس برهاناً وشريعة وسنة، تتحدى كل سنة وكل شريعة من شرائع البشر أو من قوانين الأرض، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يترك منحى من مناحي الحياة -أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى من الطريق- حتى تحدث للأمة فيه، تحدث في الطعام والشراب، وفي اللباس والمنام، وتحدث في الصلاة والشرائع والعقائد والمعاملات والأخلاق والآداب والسلوك، حتى مات وما ترك خيراً إلا دلنا عليه، وما ترك شراً إلا حذرنا منه، فمن سار مسيرته فليحمد السُرى، ومن لم يفعل فلا يلومنّ إلا نفسه. وهذا الحديث اتفق الشيخان الجليلان البخاري ومسلم على إخراجه، هذا الحديث الأغر لفظه وجيز قصير، لكنه شهير منير، يقول عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه وأرضاه: {كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك}. هذا حديث في آداب الطعام يتبعه أكثر من خمسين حديثاً كلها صحيحة في جانب الطعام من حياة المؤمنين، الذي ما ترك صلى الله عليه وسلم فيه جانباً كغيره من الجوانب حتى ملأه إرشاداً وحكمةً ونوراً، يقول عمر: {كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك} رواه البخاري ومسلم وغيرهما. أما عمر بن أبي سلمة فهذا الرجل أسدي، وهو ابن أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ربيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عاش في حجره، فتلقن الأدب، ورضع الحكمة، واستسقى بنور الوحي الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الهجرة بسنتين، وتوفي عام ثلاث وثمانين للهجرة، بعدما شاخ في الإسلام، وهرم في الإسلام في الصلاة والصيام. مفاد القصة: أن الرسول عليه الصلاة والسلام من تواضعه كان يدنو على مائدته الكبير والصغير، والأعرابي والحاضر، فكان لا يأنف صلى الله عليه وسلم أن يأكل مع الناس جميعاً من تواضعه، خلاف بعض الناس وأرباب الدنيا الذين لهم مجلس خاص، وأكل خاص، وكلام خاص، أما هو فكلامه عام صلى الله عليه وسلم، ووجه عام، جلس معه هذا الفتى وهو غلامٌ يافع لم يبلغ رشده، والغلام هو الذي ناهز الاحتلام، قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على مائدته، فأخذت يدي تطيش في الصحفة، والصحفة: إناء واسع رحراح متسع يأخذ كمية من الطعام، قال بعض أهل اللغة: تكفي للأربعة والثمانية والعشرة وتكفي الجمع الغفير. فهذا الغلام ما قرأ في الأدب شيئاً، وما علم شيئاً، لماذا؟ لسببين: الأول: أنه صغيرٌ في سنه، والعاقل قد يرشد في أكله وفي كلامه وفي طعامه وفي أخذه وعطائه. والثاني: أنه من الأمة العربية التي ما عرفت شيئاً حتى عرفها محمد صلى الله عليه وسلم، وما علمت شيئاً حتى علمها محمد صلى الله عليه وسلم، من الأمة العربية التي عاشت مخفوضة الرأس، حتى رفع رأسها محمد صلى الله عليه وسلم. إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها يقول الله جل ذكره: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] كانوا في ضلال في العقائد، وفي العبادات والمعاملات، حتى الأكل والشرب ما يحسنوا أن يأكلوا ويشربوا، فأتى هذا الغلام فطاشت يده في الصحفة، أي: لعبت في الصحفة يمنة ويسرة، شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً، فقال عليه الصلاة والسلام له: {يا غلام!} وفي الصحيحين، من رواية وهب بن كيسان: {يا بني! أدنُ، وسم الله، وكل بيمنك، وكل مما يليك} ورواية الصحيحين الأخرى من طريق الزهري {يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك}. والغلام قلنا: الفتى اليافع الذي ناهز الحلم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ} [الكهف:74] انطلق موسى والخضر فلقيا غلاماً مناهزاً للحلم فقتله الخضر، فلامه موسى في قصة طويلة، ثم قال وهو يفصل له A { وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} [الكهف:80] فهنا غلام ما بلغ رشده قتله. فلماذا يقتله؟ للفائدة: قال: لأنه خاف أن يرهق أبويه طغياناً وكفراً -يدخلهم في الكفر والعياذ بالله- وهذا من العلم الذي اختصه الله بالخضر، وهذا ليس بسط هذه المسألة، إنما قال: {يا غلام! سم الله}.

كره العرب للبخل والبخلاء

كره العرب للبخل والبخلاء للطعام آداب تربو على ثلاثين أدباً، نذكر ما تيسر، والعرب في جاهليتها وفي إسلامها تفتخر بإطعام الطعام، وكل ذنب يغتفر عند العرب إلا البخل، العرب في الجاهلية يوطئون رءوسهم للكذاب، ولشاهد الزور، وللنمام، ولشرس الأخلاق، ولكن إذا سمعوا أن هناك بخيلاً أنفوا وغضبوا وأنكروا وشجبوا ونددوا. ولذلك وفِد وفد بني سلمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من سيدكم يا بني سلمة! قالوا: سيدنا الجد بن قيس على بخل فيه، قال صلى الله عليه وسلم: {أواه، وهل داء أدوى من البخل، بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح} فألغى صلى الله عليه وسلم سيادته، وخلعه؛ لأنه بخيل لا يستحق السيادة، ولأمر آخر ذكره بعض أهل العلم، قالوا: إنه منافق. الجد بن قيس هذا شيخ كبير، لكنه كبير في الضلالة والجهالة، ملأ النفاق قلبه، لما استنفر صلى الله عليه وسلم الصحابة لغزوة تبوك، قال: يا رسول الله! إذا رأيت النساء فلا أصبر، فكيف إذا رأيت نساء بني الأصفر -أي: نساء الروم- ائذن لي ولا تفتني. يقول: اتركني في المدينة ولا تفتني، فأنزل الله رداً عليه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:49]. قال سلمة بن الأكوع: ما أنسى الجد بن قيس بعد بيعة الرضوان -الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة- أتى هذا الرجل فضاع بعيره، فقالوا له: تعال بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله لأن ألقى جملي أحب إلى من أن يستغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: تب إلى الله واستغفر فأتى ولوا رأسه، فنقل الله الحدث والصورة والمقالة والهيئة، فقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون:5] ويقول تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:80]. ولذلك فهم صلى الله عليه وسلم أن السبعين ليس حداً للعدد، فقال: {والذي نفسي بيده، لو أعلم أني لو زدت عن السبعين مرة فغفر الله لهم لاستغفرت الله لهم} ولكن يقول عز وجل على سبيل المثل، كقولك: لو حياك سبعين تحية فلا تدخل بيته، وهو لو حياك سبعين تحية ما دخلت، وبسط هذا في موضع آخر. الشاهد: أن الضيافة عند العرب من أعظم الأمور، ولذلك روى الترمذي في سننه بسند حسن، عن عبد الله بن سلام، وأصله يهودي لكن منَّ الله عليه بالإسلام، وهو الذي ذكره الله في سورة الأحقاف، قال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأحقاف:10]. فالشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام هذا، وقال عنه صلى الله عليه وسلم لما أسلم وغيره: {لو آمن بي عشرة من علماء اليهود لآمن بي اليهود جميعاً} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فـ عبد الله بن سلام يقول: سمعت الناس انجفلوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى المدينة -انجفلوا: أي: سعوا وجروا وهرولوا- قال: فانجفلت مع من انجفل، سمع الضجة والصجة وسمع الناس يحتشدون فاحتشد معهم، قال: فأتيت فإذا هم في سوق المدينة، قلت: من؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من مكة وعبد الله بن سلام يقرأ التوراة بين يديه، ويعلم أوصاف الرسول عليه الصلاة والسلام. قال: فنظرت إليه، فلما استبنت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، ولذلك يقول ابن رواحة: لما رأى وجه الرسول عليه الصلاة والسلام: لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبئك بالخبر يقول: يكفي أنه لا يأتي بمعجزات، يكفي أن تنظر إلى وجهه وحسب، وقالوا لـ أبي هريرة: {كيف كان وجهه صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان كالقمر ليلة أربعة عشر} وقال: غيره، كأن الشمس تجري في وجهه صلى الله عليه وسلم، قال: فلما استبنت وجهة -يقول: ابن سلام - عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، قال: فسمعته يتكلم -اسمع لكلمات الرسول عليه الصلاة والسلام- يقول: {يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام} راوي الحديث عبد الله بن سلام، وآخر الحديث سلام، رواه الترمذي بسند على رجاله السلام.

شروط إطعام الطعام

شروط إطعام الطعام هذا الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم قال فيه: {وأطعموا الطعام} فإطعام الطعام لا يتوفر لمطعمه إلا بثلاثة أمور:

خدمة الضيف وتحيته

خدمة الضيف وتحيته أولها: الخدمة، فإن المتكبر ولو أطعم طعامه ليس لطعامه طعم ولا مذاق، وبعض الناس إذا دخل عليه ضيفه في بيته ما خدم ولا حيّا ولا رحب ولا تكلم ولا انبسط، يجلس على كنبة منذ يدخل الضيف إلى أن يخرج، ويقبض وجهه، ولذلك يقول بشار بن برد: وللبخيل على أمواله علل زرق العيون عليها أوجه سود ولذلك يقول الأول الأزدي -جدكم يا بني الأزد-: أحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب ولذلك قال بعض أهل البلاغة: مصداق هذا البيت من كتاب الله عز وجل. قوله: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17] فإن موسى كان ضيفاً على الله عز وجل في طور سيناء قبل أن يكلمه الله بالوحي ويرسله برسالة التوحيد، والله تعالى يعرف أنها عصا، ويعرف أن هذا موسى، ويعرف أن هذا الجبل هو الذي خلقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وخلق العصا وخلق موسى، لكنه لو نادى موسى لأول وهلة، وقال: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [طه:14] كان هلع وخاف، فأراد أن يلاطفه وأن يوانسه وقال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17]. ولذلك العرب إذا دخل عليهم الضيف، قالوا: كيف حالكم؟ هل أتاكم من مطر؟ ما اسمك؟ ومن أي قبيلة أنت؟ وفي سنن الترمذي بسند فيه نظر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا تعرف أحدكم على أخيه فليسأله عن اسمه وعن نسبه فإنه واصل المودة} فالله عز وجل يقول: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17] فهش وبش للخطاب، وزاد في الجواب، قال الحسن البصري وهو يقرأ هذه الآية رحم الله موسى، سأله الله بكلمة، فأجاب بكلمات شوقاً في الخطاب، كان الجواب في لغة العرب لما قال له الله: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17] أن يقول: هي عصا، لكن تحرك وألقى محاضرة، فقال: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:18] فأراد أن يستطيل في الكلام، فقال الله عز وجل: {أَلْقِهَا يَا مُوسَى} [طه:19]. قالوا: هذه العصا كانت هي الرسالة، وكانت عليها الأحداث، وكانت أم الأخبار، وما أدراك ما أخبارها؟! فألقاها فإذا هي ثعبان فولى وتركها، وقبل أن يدخل خلع حذاءه، وبعد أن خرج ترك عصاه، وفي الأخير أخذ ينجو بنفسه، فناداه الله، ولكن موسى كان ذكياً فاهماً شجاعاً؛ ولذا سماه الله القوي الأمين، فعاد إلى الله عَزَّ وَجَلّ -ولا بأس بالاستطراد في هذا ولو أنه ليس مفاد الدرس- فلما عاد إلى الله قال له الله: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24]. ليته أرسله إلى بني كنعان في أريحا، أو إلى أهل العراق، لكن أرسله إلى الخصم اللدود الذي يطارد موسى في الجو والأرض، فماذا قال موسى -انظر إلى ذكائه وفطنته وفقهه في دين الله- قال: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه:25] وهذه أول منة يمنها الله على العبد، ولذلك امتن الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، أول منة فقال له: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] ثم قال: {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [طه:26] القصة. إذاً فأول ما يأتي الخدمة وهي طلاقة الوجه، ولذلك يقول المقنع الكندي: وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا يقول: أنا بي صفة من صفات العبد، ولكن لست بعبد أنا حر، لكن إذا نزل الضيف كنت عبده، ولذلك في صحيح البخاري، قال المغيرة بن شعبة: {استضافني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ يقطع لي اللحم بيده عليه الصلاة والسلام} رسول البشرية عليه الصلاة والسلام يستضيف أحد أصحابه فيقطع له اللحم ويضيفه، وكان عبد الله بن المبارك إذا دخل عليه ضيوفه قام فخدمهم، فلا بد في أمر الضيافة من الخدمة.

بسط الوجه وحسن الحديث

بسط الوجه وحسن الحديث والأمر الثاني: بسط الوجه، والابتسام، وحسن الحديث، ولذلك يقول: تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله وسوف يمر معنا في هذا إن شاء الله كلام عن المكثرين في الطعام والمقلين، وعن الكرماء والبخلاء، وعن المتطفلين، ولا بأس أن نورد طائفة عن التطفل، التطفل: فن ورد عند العرب وأصله في الجاهلية، معناه أن يكون الإنسان في كل بيت، سواء يدعونه الناس أو لا يدعونه، يحضر الولائم متبرعاً بالحضور، ليس عنده أي ظرف أو أي شاغل يؤخره عن الحضور، فإذا سمع أن هناك وليمة، ذهب واستعان بالله واحتسب خطاه في سبيل الله وذهب وتغدى، وإذا سمع أن هناك عشاء جرى إلى ذاك البيت ليتعشى. والطفيليون ألف فيهم ابن الجوزي كتاباً وألف فيهم الخطابي صاحب كتاب العزلة، وغيرهم من أهل العلم كثير. روى ابن قتيبة في عيون الأخبار عن أحد الطفيليين هؤلاء الذين يريدون أكل أموال الناس بالباطل، لا يدعون ولا ترسل لهم دعوات، لكن يتبرعون بالمجيء، قال: أطل الطفيلي في بستان، فوجد صاحب البستان قد أحضر طعامه أمامه وبناته حوله، فلما نظر على سور البستان، وإذا هذا الطفيلي قد أطل برأسه، فقام ليضربه، ويقول صاحب البستان: أتنظر في بناتي؟ فيقول الطفيلي وكان ذكياً: إنك لتعلم ما لنا في بناتك من حق، وإنك لتعلم ما نريد، أي: يريد الطعام، فأنزله وخبأ بناته، وهذا حديث يطول سوف يمر معنا.

آداب الطعام

آداب الطعام أما الحديث الذي معنا هذه الليلة ففيه ثلاثة وصايا، لكن كل وصية تحتاج إلى حديث خاص: {سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك}.

البسملة

البسملة أما سم الله، فمعناها: قل بسم الله، واختلف أهل العلم، هل يقول: بسم الله ويكتفي، أم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، والخلاف سهل ويسير والحمد لله، لكن الذي يظهر من النصوص أنه يقول بسم الله فقط، لحديث سوف يمر معنا عن عائشة في الترمذي {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: بسم الله} والذي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ليس عليه سجود سهو بعد الطعام -لأنه أخطأ فزاد الرحمن الرحيم- لا. له أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، له ذلك، لكن السنة أن يقول: بسم الله. والتسمية تكون في أمور: الأمر الأول: عند الوضوء، والوضوء ورد في السنة وقد صح الحديث في ذلك والحمد لله، فروى الترمذي والدارقطني وعبد الرزاق في المصنف، بسند صححه أهل العلم، أن الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: {لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه} وبعض العلماء ضعفوا هذا الحديث، وقالوا: لا يصح بالكلية، لكن الصحيح أنه صحيح. قال الشوكاني: إذا ذكر العبد وجب عليه أن يسمي في أول الوضوء، وإذا نسي سقطت عنه التسمية، ففي الوضوء لا بد من التسمية قبل أن يتوضأ العبد. الأمر الثاني: عند الذبح، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب: {ومن لم يكن ذبح في الأضحية فليذبح بسم الله} فهو سنة من السنن عند الذبح، وإذا أهدي له لحم من مسلمين أو من أهل كتاب، وعلم أنهم يذبحون على الطريقة الإسلامية ويسمون، وإلا فليسم. الأمر الثالث: عند الخلاء، لحديث عند أبي داود أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر الداخل إلى الخلاء أن يقول: {بسم الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم الرجس النجس} وأيضاً: {أعوذ بالله من الخبث والخبائث} لكن بسم الله ورد عند أبي داود في السنن، فعندما يدخل العبد بيت الخلاء ودورة المياه فعليه أن يسمي، له ذلك كما ورد في السنة. الأمر الرابع: عند الطعام والشراب: وهذا مفاد حديثنا، لحديث عمر هذا: {سم الله} ولأحاديث أخرى سوف نذكرها عند استعراض فوائد الحديث أو مسائل الطعام. الأمر الخامس: عند قراءة الفاتحة، دل على ذلك نصوص، وعليه أهل العلم، واختلفوا في مسألة هل يجهر بها أم يسر بها، لكن أما البسملة فإنها واردة، والذي نفاها كـ أنس رضي الله عنه، نفى، الجهر بها، ما نفى أنها لا تقرأ، بل تقرأ في أول الفاتحة، فإذا استفتح العبد صلاته فليقل: بسم الله الرحمن الرحيم، ويبدأ بالفاتحة، وعند قراءة القرآن، وفي أول كل سورة، إلا سورة التوبة، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في السنن: {أنزل علي آنفاً سورة ثم قرأ عليه الصلاة والسلام بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1]} فعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ بسم الله وجعلها في أول السورة. الأمر السادس: في أول الرسائل، والمسلم له تميز في سلوكه وتعامله ورسائله، فمن السنة إذا كتبت رسالة أن تقول: بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن الحمدلة للخطب، والبسملة للرسائل، والدليل على ذلك ما في البخاري، من حديث ابن عباس، أن الرسول عليه الصلاة والسلام كتب إلى هرقل عظيم الروم فقال: {بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم} الحديث. الأمر السابع: عندما يجامع المسلم أهله، يقول عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس المتفق عليه: {لو أن أحدكم إذا أتى أهله فقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزق مولوداً لم يصبه الشيطان} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. الأمر الثامن: عند دخول المنزل، لحديث جابر في مسلم {إذا دخل العبد المسلم بيته، فقال: بسم الله، فإذا أكل قال: بسم الله، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا طعام فإذا دخل وذكر اسم الله، وأكل ولم يذكر اسم الله، قال الشيطان: أدركتم الطعام، ولم تدركوا المبيت، فإذا دخل ولم يسم في دخوله ولا على طعامه، قال الشيطان: أدركتم الطعام والمبيت} نعوذ بالله من الشيطان الرجيم. الأمر التاسع: عند الخروج من المنزل: يسمي العبد، وقد ورد في حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: {بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله} ثم حديث أم سلمة {اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي} الحديث، هذه الأماكن وغيرها من المواقف والحالات التي ينبغي على العبد أن يذكر الله عز وجل فيها، وهو متلبس في هذه المواطن، وكلما ذكر الله حفظه الله ورعاه ووقاه. هذه مسألة التسمية.

التيامن

التيامن مسألة كل بيمينك: هذا التيامن، يكون في أمور: تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما في الحديث الصحيح: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله} فالتيمن -بارك الله فيكم- يكون في التنعل وهو أن يلبس المسلم حذاءه اليمنى ثم اليسرى، ويقاس على ذلك ما يلبس من ملابس داخلية ليكون المسلم مسلماً في سلوكه وآدابه وهديه ونومه ويقظته ليتولاه الله عز وجل. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بعض الناس يعرف من الإسلام المجمل، لكن تفصيل الإسلام لا يعرفه، ولا يعرف هذا تفصيل الإسلام إلا بالسنة المطهرة التي أتت تبياناً لكل شيء مع القرآن. فهذا تفسير الإسلام الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم؛ ففي لبس الحذاء يلبس اليمنى، وإذا أراد أن يخلع يبدأ بخلع اليسرى، والترجل معناه: تمشيط الرأس، لمن أراد أن يرجل رأسه، إذا ربى المسلم رأسه، بشرط أن يربي لحيته، أما أن يربي رأسه ويحلق لحيته على الصفر، فإذا قلت له في ذلك، قال: أنا أتبع السنة، أين السنة؟ لا بد أن تكون في الرأس وفي اللحية أما: يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمن وإن لقيت معدياً فعدناني فلا ينبغي هذا، فالترجيل في الشعر هو أن يبدأ بميمنة رأسه ثم بالميسرة، وعند الطهور يبدأ من الميامن، وهذا عند كثير من المحدثين من الواجبات، وبعضهم قال: ليس من الواجبات، ونقلوا عن علي كما في مصنف ابن أبي شيبة [[أنه وضأ يده اليسرى رضي الله عنه وأرضاه ثم غسل اليمنى، ثم وضأ رجله اليسرى ثم غسل اليمنى]] لكن الصحيح أن يتيامن العبد في وضوئه، وهذا الذي دلت عليه النصوص، وحديث عائشة بعمومه يدل على هذا. السواك: يحب صلى الله عليه وسلم التيمن حتى في السواك، لكن الآن هل معنى التيمن أن يأخذ المسلم السواك بيمينه إذا تسوك أم لا؟ لأن عند أبي داود في زيادة عن إسماعيل بن إبراهيم {كان يتيمن صلى الله عليه وسلم حتى في سواكه} يقول بعض أهل العلم: التيمن أن يبدأ بميمنة الفم عند السواك، وقال غيرهم أن يأخذه بيمينه، أما ابن تيمية في مجلده الحادي والعشرين من الفتاوى، فيقول: يتسوك المسلم بيسراه، وهذا قد مر معنا في بحث، والصحيح أن يأخذه باليمنى بأدلة. والأكل والشرب -كما مر معنا- يكون بالميمنة، وفي حديث ابن عمر يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله}. المصافحة: من سنته عليه الصلاة والسلام هو والصحابة أنهم يتصافحون بأيمانهم، وقال عليه الصلاة والسلام لما أتى أهل اليمن، فصافحوا الصحابة بأيمانهم، قال: {أتاكم أهل اليمن بالمصافحة} والأخذ والعطاء في البيع والشراء والمعاطاة والمقاضاة بالميمنة إلا من عنده عذر.

الأكل مما يلي الشخص

الأكل مما يلي الشخص قوله: (وكل مما يليك): سوف يمر معنا إن شاء الله، أما هذا الحديث فإنه من آداب الطعام، وهناك مسائل لا بد أن تفهم المسألة الأولى: التسمية على الطعام، وقد مر معنا شيء من عمومياتها، لكن عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قالت: يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا أكل أحدكم فليقل باسم الله في أول طعامه، فإذا نسي في أوله فليقل باسم الله أوله وآخره} روى هذا الحديث أبو داود والترمذي وهو حديث صحيح، فإذا نسي العبد في أول الطعام، فليقل في وسطه أو في آخره: بسم الله أوله وآخره. وشكا وحشي قاتل حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود وابن ماجة وأحمد شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: {يا رسول الله! إنا نأكل ولا نشبع، قال عليه الصلاة والسلام: لعلكم تفترقون، اجتمعوا واذكروا اسم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يبارك لكم فيه}. وحشي قتل حمزة بن أبي طالب رضي الله عن حمزة وأرضاه، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، وهو من أعظم رجالات الإسلام، وهو من المؤثرين في تاريخ الجهاد في سيرة محمد عليه الصلاة والسلام. وما تأثر عليه الصلاة والسلام من قتلى أحد، ولا من إراقة دم أحد من أصحابه ما تأثر من قتل حمزة، حتى وقف عليه وقال: {لأمثلن منهم بسبعين} ووحشي هذا قيل: إنه لما أسلم، وقتل مسيلمة، قال: قتلت أعظم المسلمين، وقتلت أعظم الكافرين، أو كما قال. لكن ورد في السيرة -تعرض القصة للاعتبار- قال أحد الناس: دخلت عليه فإذا هو شيخ كبير - وحشي هذا- قد سقط حاجباه على عينيه وهو يتعاطى الخمر، فرفع أمره إلى عمر رضي الله عنه، فقال عمر: [[والله الذي لا إله إلا هو إن الله لا يفلت قاتل حمزة]] ثم جلده، فأمره عند الله عز وجل، لكن هذا ورد للذكرى وللاعتبار، ولا يغتر المسلم، وليسأل الله عز وجل حسن الخاتمة، فإن الأمور بالخواتيم، ومن أحسن الله خاتمته ثبته وهداه سواء السبيل. والمسألة الثانية: كما مر معنا الأكل باليمين، ودليلها: {لا يأكل أحدٌ منكم بشماله، ولا يشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله} روى هذا الحديث مسلم ومالك في الموطأ وأبو داود في السنن والترمذي في السنن، وإذا روى البخاري حديثاً أو مسلم فحسبك به، فقد تجاوز الحديث القنطرة. خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل إذا سمعت أنه رواه البخاري ومسلم فليطمئن قلبك وليهدأ بالك، فكأنك عاينت الأمر معاينة. وعن سلمة بن الأكوع عند مسلم، وهو يذكر الحديث عن المتكبرين الذين يأكلون بالشمال، أن رجلاً وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ يأكل بشماله، فقال عليه الصلاة والسلام: {كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال عليه الصلاة والسلام -يدعو عليه-: لا استطعت، ما منعك إلا الكبر، فما رفعها إلى فمه} يبست وانتهت وجفت وشلت فما رفعها أبداً؛ لأنه خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]. والمسألة الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: {كل مما يليك} عن عكراش بن ذؤيب قال: {وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت لنا صحفة كثيرة الوذر أي: عليها دسم وشحم وسمن كثير- فأخذت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي صلى الله عليه وسلم: يا عكراش! كل مما يليك، فبدأت آكل مما يليني، قال: فقدمت له صحفة صلى الله عليه وسلم فيها تمر، فبدأت آكل مما يليني، فقال صلى الله عليه وسلم: خذ يا عكراش، إذا كان الطعام طعاماً واحداً؛ فكل مما يليك، وإذا كان أنواعاً فتخير} فقال أهل العلم: إذا كان الطعام متبايناً، كأن يكون تمراً مختلف الأحجام، بعضه أكبر من بعض، ويمكن صاحب البيت أنه جعل الكبار في جهته ومما يليه، وجعل عندك الحشف؛ فإنه يحق لك حقاً شرعياً أن تطيش يدك في الصحفة؛ فتأخذ مما هب ودب، فلا تبقى يدك في الطرف الذي عندك، لكن تأخذ. هذا إذا كان التمر أنواعاً، أو كان يقدم اللحم فجعل الشحم مما يليك، وجعل اللحم مما يليه، فإنه يجوز لك أن تقتحم وتخترق الأجواء حتى تصل إلى اللحم، وهذا الحديث رواه الترمذي وضعفه؛ لأن فيه العلاء بن فضل، قال: يضعف في الحديث، لكن معانيه ظاهرة، فإذا اختلفت الأنواع، فليتميز وليختر العبد، وإذا كان أرزاً واحداً أو ثريداً واحداً، فليس له ذلك وما له إلا مما يليه، كما قال عليه الصلاة والسلام.

هيئة القعود عند الأكل

هيئة القعود عند الأكل المسألة الرابعة: هيئة القعود: يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري وغيره: {إني لا آكل متكئاً} قال الخطابي: يزعم كثير من أهل اللغة أن الاتكاء معناه الاعتماد، كما نعرف نحن الاتكاء على اليمنى أو على اليسرى، قال: وليس هذا كل المعنى، بل الاتكاء كذلك الذي يشمله الحديث هو الذي يتربع في جلسته إذا أراد أن يأكل فهذا متكئ، لكن لا أدري هل يوافق أهل العلم على كلام الخطابي؟ لأن الاتكاء إذا أطلق عرف أنه اعتماد الشخص على أحد جانبيه، وأما هذا ففيه معنىً مجازي، أو يدخله عموم الحديث. إذاً فنهى صلى الله عليه وسلم عن الاتكاء، وأن يأكل العبد متكئاً، لماذا؟ قيل: لأن هذه الهيئة هيئة المتكبرين المتجبرين، وكذلك يلحق به الشراب، ألا يشرب العبد متكئاً، ولا يأكل متكئاً؛ لأن المتواضع يجلس ويحمد الله على هذه النعمة، أما الجبار المتهتك؛ فإنه يتكئ، ويغني وهو يأكل، لا يسمي ولا يحمد الله عز وجل ولا يذكر هذه النعم. {دخلت امرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يأكل وهو متمسكنٌ في هيئته، فقالت: انظروا له، يأكل كما يأكل العبد، ويجلس كما يجلس العبد، فقال: وهل هناك عبدٌ أعبد مني} فهو عبد الله ورسوله الذي عرف حقوق العبودية. ولذلك دخل عليه أحد الناس -قيل: إنه ابن قيلة - يوم الفتح، فلما رأى الرسول عليه الصلاة والسلام، ورأى الحرس من الصحابة الأخيار قد سلوا السيوف على رأسه، ورأى الكتائب قد تدفقت كأنها أمواج البحر دخلت الحرم عشرة آلاف، أخذ هذا العربي يرتجف وترتعد يداه، ويكلم الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول عليه الصلاة والسلام: {هون عليك فإني ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة} يقول: أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد -والقديد: هو اللحم الذي يجز ثم يطبخ بالملح، ثم يعلق بالبيت ويبقى له أشهر ما يتعفن- فيقول: أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة. نعم ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة، لكنه محرر أذهان البشرية من الخرافة والوثنية، وباني مجد هذه الأمة بفضل الله وبعونه، ومؤسس نور الإسلام عليه الصلاة والسلام. هذه الهيئات نهى عنها صلى الله عليه وسلم، ويلحق بها هيئة المنبطح، فقد ورد في حديث فيه ضعف: {أنه نهى صلى الله عليه وسلم أن يأكل العبد منبطحاً على بطنه أو منقعراً على ظهره} إلا من عذر كمرض أو عاهة أصابته فهذا عذره الله عز وجل حتى في الصلاة. وأما في القيام فهل للعبد أن يأكل أو يشرب قائماً أو وهو يمشي أم لا؟ يقول ابن عمر رضي الله عنه: {كنا نمشي ونحن نأكل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم} وفي لفظ: {كنا نأكل ونحن نمشي في عهده صلى الله عليه وسلم} لكن في صحيح مسلم عن قتادة عن أنس، قال: {نهى صلى الله عليه وسلم أن يشرب العبد واقفاً} قال قتادة لـ أنس: [[والأكل، قال: الأكل أخبث]]. فما دام نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب واقفاً، فالأكل كذلك أولى أن ينهى عنه، لكن الشرب والأكل لأعذار، إما في زحمة أو في عجلة فلك ذلك، وأما في غير ذلك فلا يستصاغ، فالرسول صلى الله عليه وسلم شرب واقفاً كما في زمزم، قيل: لعذر الزحام، أو قيل: لعذر العجلة. أما في غيرها فلا ينبغي، لكن إذا كنت مستعجلاً، أو في مكان لا يناسب الجلوس، أو كان في مكان ازدحم فيه الناس فلك أن تأكل واقفاً وتشرب واقفاً.

النهي عن الجلوس على حرام

النهي عن الجلوس على حرام المسألة الخامسة: النهي عن الجلوس على حرام: كل مائدة عليها حرام كخمر أو لحم خنزير، نهى صلى الله عليه وسلم الجلوس عليها، فقال: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر} وهذا من حديث جابر رواه الترمذي والنسائي، فلا يحق للعبد في سفراته أو في روحاته أو في أي أمكنة مع جلساء السوء أن يجلس على مكان فيه خمر أو فيه لهو، فإنه يعادي الله عز وجل بهذا الصنيع، ومطعم المأكول كالآكل، وهو أقر بصنيعه وسكوته أقرهم على هذا المنكر العظيم، فلا ينبغي له، إما أن ينهى وإما أن يقوم.

لعق اليد بعد الطعام

لعق اليد بعد الطعام المسألة السادسة: لعق اليد بعد الطعام، من نعمة الله على العبد المسلم أن يرزقه التواضع في حركاته وسكناته ومشربه ومطعمه، والمتكبر يعرف حتى في الكلام، ومن ميز المتكبرين وخصائصهم أنهم لا يلعقون أيديهم بعد الطعام، يذهب أحدهم بالطعام في يده فيغسله، ويأنف أن يلعقها أمام الناس. لكن رسول الهداية صلى الله عليه وسلم أمر بلعق اليد؛ لأنها نعمة من نعم الله عز وجل، ولا يدري العبد في أي طعامه البركة، هل في أوله أو في آخره؟ أو البركة في هذا الشيء الملعوق الذي بقي في اليد؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: {إذا أكل أحدكم طعاماً فليلعق يده أو يُلعقها} يَلعقها بنفسه، أو يعطيها ابنه أو بنته تلعقها، وكذلك الصحفة، روى هذا الحديث البخاري ومسلم وأبو داود، وهذا من ألطف الآداب التي أتى بها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. ولذلك روي عن تاجر في عهد السلف الصالح من أكبر التجار، حتى إنه كان يقول: ما أدري أين أضع مالي؟ قال له بعض الناس: أسألك بالله وما هي هذه التجارة وما أولها وقد كنت من أفقر الناس، قال: كنت في بيتي إذا أكل أهلي الطعام أقوم في البيت فأدرج، فإذا وجدت فتاتاً رمي في الأرض أخذته وجمعته وأكلته، وحمدت الله؛ فرأيت أن هذا من سبب هذا، فمن يقدر نعمة الله ويشكرها ويعيدها، ويستغلها في طاعته يوزعه الله شكرها ويزيده: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]. ولذلك ذكر أهل التاريخ قصص كثير من الناس أساءوا في استخدام هذه النعمة فعدموا وأملقوا، منهم خليفة عباسي، قيل: القاهر، وقيل: المقتدي، بنى داراً له، فجعلها كلها من فضة، وجعل أعمدتها من ذهب، والأواني كلها من فضة خالصة، وفي الأخير رأى الله تلاعبه بالمال، وإسرافه فأخذه أخذ عزيز مقتدر، يقول ابن كثير -وعودوا إليه في المجلد الحادي عشر- انتهى به الحال إلى أنه عزل من الخلافة، وقام يستجدي الناس في المساجد ويتطلب، لأنه لم يشكر نعمة الله عز وجل، ويستغلها ويصرفها في مصارفها، جعله الله عبرة أن يقف أمام الناس ويطلبهم، ويستقرضهم من مال الله عز وجل، وكثير من العبر التي ذكرها الله عز وجل، كما في قصة قارون وغيره.

غسل اليد والفم قبل الطعام وبعده

غسل اليد والفم قبل الطعام وبعده المسألة السابعة: غسل اليد والفم قبل وبعد الطعام، وهذا لا بأس فيه فإنه من عادات العرب قبل الإسلام، وعادات العرب أجمل من عادات غير العرب، لا نقولها من باب العصبية ولا الحمية؛ لأن هناك غير العربي من هو أفضل من العرب: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] لكن ابن تيمية يقول: إذا لم نجد أصلاً فلا نتشبه بغير العرب، لكن في حديث سلمان، قال: {يا رسول الله! إني وجدت في التوراة أن من بركة الطعام الوضوء قبله، والوضوء بعده، قال عليه الصلاة والسلام: نعم، من بركة الطعام الوضوء قبله، والوضوء بعده} روى هذا الحديث أبو داود والترمذي وسنده ضعيف فيه المعلى بن راشد. قال ابن قتيبة رحمه الله: الوضوء قبل الطعام معناه غسل اليدين، هذا الوضوء عند العرب، توضأ، أي: أن تغسل يديك، وقيل: أن تمسح وجهك كذلك، والصحيح: أنه على فرض صحة الحديث فمعناه: الوضوء غسل اليدين كما قال ابن قتيبة، وعلى ضعفه فالحمد لله ضعف الحديث فلك أن تغسل يدك من باب الأدب. وأما عمر رضي الله عنه فإنه قضى حاجته وأتى وقد قدموا السفرة الخوان ليأكل رضي الله عنه وأرضاه وهو خليفة، فقال له رجل من أهل اليمامة من بني حنيفة: يا أمير المؤمنين! أتأكل ولا تتوضأ، قال: أجئت بهذا من عند نبيك مسيلمة؟! أي: أتيت بهذا الحديث من عند نبيك مسيلمة؟! كيف لا يعلم عمر رضي الله عنه، وهو ثاني خلفاء الإسلام، وحصن من حصون هذا الدين. قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها فيعلمه السنة، يقول: جئت بهذا الحديث من عند مسيلمة؟ أي: لو كان من عند محمد صلى الله عليه وسلم كنا عرفناه، فأكل، وقالوا لـ ابن عمر: ألا نقدم لك وضوءاً تتوضأ قبل أن تأكل، قال: لولا التغطرس لما غسلت يدي، ذكر هذا الحديث عن ابن عمر ابن الأثير في المجلد السادس من كتاب جامع الأصول. إذاً: فغسل اليد وارد إذا كانت وسخة، وهو من بركة الطعام إن شاء الله؛ إذا كان هذا الحديث قائماً على أرجله.

إزالة الغمر

إزالة الغمر المسألة الثامنة: إزالة الغمر، وهو زهومة اللحم وودس اللحم، وكثير من الناس إذا حضر ضيفة أو وليمة، لا يغسل يديه من هذا الودس ومن هذا الغمر، وهو خطير؛ لأن الشيطان كما قال عليه الصلاة والسلام: {حساس لحاس} ويقول عليه الصلاة والسلام: {من نام وفي يديه شيء من الغمر، فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه} روى هذا الحديث أبو داود والترمذي وسنده حسن. {إن الشيطان حساس لحاس} قالوا حساس: قوي الإدراك، لحاس: يلعق بلسانه، فمن بات وفي يده أو فمه شيء من وضر أو غمر أو ودس أو دسم فأصابه شيء، أي: مس من جن أو غيره، فلا يلومن إلا نفسه.

الوضوء مما مسته النار هل هو مشروع؟

الوضوء مما مسته النار هل هو مشروع؟ المسألة التاسعة: هل يتوضأ العبد مما مست النار؟ طبخ طبيخاً على النار فأكله، وأنضج لحماً فأكله، هل يتوضأ بعده؟ كان هذا في أول الإسلام، لكن قال جابر وغيره من الصحابة كان آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، إذاً فالحمد والشكر لله، كل ما مست النار إذا كان حلالاً طيباً نأكله ولا نتوضأ منه إلا من لحوم الجمال، فإنه صح الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة، قال: {قلت: يا رسول الله! أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم}. فالتوضؤ من لحوم الإبل وارد وهو السنة، وهو القول الراجح لهذا الحديث ولغيره من الأدلة، وأما غيره من الأطعمة فلا يتوضأ منها.

المضمضة بعد شرب اللبن

المضمضة بعد شرب اللبن المسألة العاشرة: المضمضة بعد اللبن: {شرب صلى الله عليه وسلم لبناً فلما قام إلى الصلاة، قام فتمضمض وقال: إن له دسماً} وهذا عند أهل العلم على الندب؛ لأن اللبن لا يفسد الوضوء ولا يعطل الطهارة، والأحسن أن المسلم إذا شرب شاياً أو قهوةً أو لبناً وأراد أن يقوم للصلاة فليتمضمض هذا من السلوك والأدب، حتى يستطيع أن يقرأ القرآن، ما جعل السواك إلا لأنه مطهرة للفم ومرضاة للرب، وليستطيع المسلم أن يقرأ القرآن، ويذكر الله بنشاط، ويكون ريح فمه طيباً؛ لأن الله عز وجل طيبٌ لا يقبل إلا طيباً. وإذا بدأ المسلم -كما في أثر- يقرأ القرآن وضع الملك فمه على فم المسلم وهو يقرأ القرآن، ولكن في بعض الأوقات قد تمر بالإنسان ظروف أو عجله، فله أن يدخل في الصلاة بلا مضمضة، يقول المغيرة بن شعبة كما في صحيح البخاري: {استضافني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ يقطع لي اللحم بالسكين، فلما أكلت وأكل سمع النداء فقام ولم يتوضأ} ولم يذكر المضمضة، فالمسكوت عنه مسكوت، لا نحدث نحن احتمالاً ونقول: يمكن أنه تمضمض ثم قام صلى الله عليه وسلم. وفي السنن: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام زار بني سلمة، فمر عليه الصلاة والسلام وإذا بقدر يغلي فيه لحم جمل، فأخذ منه قطعة صلى الله عليه وسلم، قال الراوي: فو الله ما أزال أذكره صلى الله عليه وسلم يلوكها في فمه، حتى دخل مسجده وهو يمشي، وهو يقول للناس: استووا فابتلعها، ثم كبر عليه الصلاة السلام} وهذا من قوله عز وجل: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8] فهو من أيسر الناس في تعامله عليه الصلاة والسلام وفي حياته كلها.

ذم النهم في الأكل

ذمّ النهم في الأكل المسألة الحادية عشرة: ذم النهم في الأكل: كثرة الأكل مذمومة في الإسلام إذا تجاوز الحدود وأصبح مقصود العبد كثرة الأكل والطعام والشراب، وهو مذموم لكثرة المفاسد التي وردت، فذم عليه الصلاة والسلام كثرة الأكل والنهم فيه، وقال في حديث المقدام بن معدي كرب الزبيدي الذي رواه الترمذي وهو صحيح: {ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب أحدكم لقيمات يقمن صلبه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. والمكثرون من الأكل في الإسلام كثير منهم عمرو بن معدي كرب الزبيدي، ليس الرواي هذا، قيل: غيره، يقولون: كان من أكثر الناس، وهو زبيدي مذحجي، لكنه مقدام العرب، هو أشجع العرب في الإقدام، إذا تقدمت الصفوف، وسلت السيوف، وارتفع الصياح، وامتزجت الرماح رأيت عمرو بن معدي كرب في الصف الأول، ولذلك ذكروا عنه أنه في الجاهلية فر قومه جميعاً، وهو لم يحضر المعركة، فعاد إلى أخته -ذكر هذا أهل التاريخ- فقال: اصنعي لي طعاماً، وذبح هو عنزاً، فصنعت له كثيراً من الطعام، فأكله جميعاً وأكل العنز، ثم أخذ سيفه وأتى المعركة، وقد فر أصحابه. أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصاحبي هجوع إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع فأخذ يطارد الخصم والأعداء وهو وحيد حتى قتلهم، وأخذ الأموال فسموه عند العرب مقدام العرب، ولذلك يقول أبو تمام للمعتصم: إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس سمع عمر رضي الله عنه بـ عمرو بن معدي كرب الزبيدي، فقال: "ليته يقدم علينا " فقدم وأسلم، ولما أتى كان الناس يتحدثون حتى في المدينة عن شجاعته، وعن سيف عمرو بن معدي، وعن ضربه في الأعداء، فدخل على عمر وإذا بهذه الجثة التي ما شاء الله تبارك الله فيما خلق الله عز وجل، فقدم له عمر أقراصاً من شعير وزبيب وشيئاً من تمر فأكله، ثم قدم له طعاماً آخر فأكله، قال: "يا أمير المؤمنين! ضيفني، قال: أضيفك حجار الحرة " الحرة: حرة في المدينة فيها حجارة سود، ثم قال له عمر: "يا عمرو بن معدي كرب! أين سيفك الصمصامة؟ قال: هذا هو يا أمير المؤمنين! فسل سيفه، فأخذه عمر فهزه" وإذا السيف ليس بذاك الذي يذكر، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه لقد ذكر لي السيف أكثر من هذا، فقال: يا أمير المؤمنين! إنك رأيت السيف وما رأيت اليد التي تضرب بالسيف فشكره عمر، وقام عمر يتكلم في الوفود، فقال: الحمد لله الذي خلقنا وخلق عَمْراً. وذكر ابن كثير وغيره كـ ابن جرير، أنه حضر معركة القادسية مع سعد رضي الله عنه وأرضاه، فلما أتت المعركة كان عمرو أعمش البصر لكبر سنه، فأتى أول المعركة فأخذ سهماً، ثم أطلقه يريد به أحد الفرس فوقع هذا السهم في أذن فرسه، فتضاحك المسلمون. فغضب رضي الله عنه وأرضاه، ونزل من على الفرس ثم أخذ رجلاً من فارس من الكفار، فوضع يمناه على رأس هذا الفارسي، ووضع يسراه بأرجله ثم رفعه وكسر ظهره، وقال: افعلوا بهم هكذا، ذكره أهل التاريخ ولا يستبعد. هذه بعض اللطائف عن الخلفاء التي وردت عنهم، وإنما نذكرها كما ذكرها أهل العلم، ومن أراد أن يعود إليها فليعد إليها، وهي لا تنفع ولا تضر، ولكنها كالوردة تشم ولا تعك إن شاء الله. بقي من الآداب التي ينبغي أن تذكر في مثل هذا المكان، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال كما في صحيح البخاري ومسلم والموطأ والترمذي: {المسلم يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء}. وسبب هذا الحديث أن جهجاه الغفاري قدم على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان كافراً فأسلم، فطلب لبناً فحلبوا له شاة فشربها، وحلبوا الثانية فشربها، وحلبوا الثالثة فشربها، حتى أعدم حليب سبع شياه، فلما أسلم في اليوم الثاني شرب حليب شاة واحدة فكفاه، فقال: {يا رسول الله! شربت البارحة حليب سبع شياه -وهذا في الصحيح- وما كفاني، واليوم كفاني حليب شاة؟! قال صلى الله عليه وسلم: المسلم يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء}. وهذا من بركة الإسلام؛ لأن الشيطان، وإخوان الشيطان، وأخوال الشيطان وأعمامه يأكلون مع الكافر، أما المسلم فلا يأكل معه شيطان.

عدم إعابة الطعام

عدم إعابة الطعام المسألة الثانية عشرة: من أدب المسلم ألا يعيب طعاماً: لا يقول: هذا كثير الملح، وهذا أكثروا عليه من الفلفل، ويقول: حسبنا الله! كثروا الليمون على هذا، والله المستعان! هذا ما أنضجوه، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وهذا وهذا فإن هذا ليس من هدي المسلم، إنما إن اشتهى شيئاً أكله، وإن لم يشته شيئاًَ تركه، ويقول: الحمد لله. الدليل على ذلك: حديث أبي هريرة قال: {ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه} وكان يمدح بعض الأطعمة، حتى ولو كانت حامضة، الخل فيه حموضة، يقول صلى الله عليه وسلم: {نعم الإدام الخل} أنه يتأدم به، فمن أدب المسلم أن يحمد الله عز وجل. وذكروا عن بعض الصالحين أنه ما قدم له طعام فقال فيه كلمة، يأكل ما استطاع أو يترك، ويقول: الحمد لله، وهذا في سيرهم كثير.

الذباب إذا وقع في الطعام

الذباب إذا وقع في الطعام المسألة الثالثة عشرة: الذباب إذا وقع على الطعام: يأنف كثير من الناس وخاصة من المتكبرين أو من أهل النعم الوفيرة أن يأكلوا طعاماً أو يشربوا شراباً وقع فيه ذباب، حتى يقول شاعرهم: إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كن الكلاب ولغن فيه فيقول: أنا ما آكل طعاماً ولا أشرب شراباً وقع الذباب فيه، أما الإسلام فيقول: لا؛ كيف تهدر النعم التي أنعم بها الله تعالى عليك، والله عز وجل إنما أعطاك هذه النعم رزقاً لك، لتستعين بها على طاعته، ولتقدر بها هذه النعمة، فكلما رأيت شراباً سفكته، من لبن، أو سمن، أو عسل؛ لأن فيه ذباباً، ليس هذا منطق لا عند العقلاء ولا عند العلماء. فالرسول عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري، وفي سنن أبي داود، قال: {إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء}. يقول الأستاذ عبد المجيد الزنداني وهو يتكلم عن هذه المسألة، وقد سمعه كثير منكم إن هذا الداء والدواء سرٌ اكتشفه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تحدث به، وهو من الأسرار العجيبة في هذا الدين، وتكفي في هذه النظرية لأهل الطب الكافر الملحد أن يؤمنوا ويدخلوا في دين الله أفواجاً، واكتشفوا هذه النظرية بعد خمسة عشر قرناً، ووجدوا أن الداء هو الذي يقع من الذباب سابقاً في الطعام أو في الشراب، فالدواء هذا يطفئ الداء الذي فيه -والحديث صحيح بلا شك- سواء في لبن أو سمن أو عسل أو في غيره، ويصدق العبد بهذا، ويمتثل أمر الله عز وجل.

الطعام عند حضور الصلاة

الطعام عند حضور الصلاة المسألة الرابعة عشرة: الطعام عند حضور الصلاة: ما هو الحل إذا حضرت الصلاة وحضر الطعام؟ من السنة إذا أَذَّن المؤذن أن ينتظر قليلاً، ليفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمتوضئ من مدخله، لا يؤذن ثم يقيم مباشرة، لكن يؤذن ثم يقف لحظات حتى يأتي المسلمون، الدليل على ذلك حديث جابر عند الترمذي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ بلال: {إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر، واجعل بين أذانك وإقامتك بمقدار ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والداخل من دخوله} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث رواه الترمذي وفي سنده عبد المنعم بن نعيم البصري وهو متروك، فضعف به الحديث. وأما إذا حضرت الصلاة فابدأ بالطعام قبل الصلاة، بشرط ألا يكون هذا من الحيل المذمومة، يجعل الإنسان قدره في وقت الأذان، فإذا سمع الله أكبر، أنزل القدر وحول، وقال: الله المستعان حبسنا عن الصلاة التي تعادل أجر الجماعة سبعاً وعشرين مرة، لكن الطعام حضر، والله يعلم السر وأخفى، يعلم أنه وقَّت ليكون حاجباً له عن الصلاة، هذا لا يجوز وهذه حيلٌ باطلة وتلاعب: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142]. لكن إذا حضر في بعض الأوقات فلقول أنس: [[إذا قدم الطعام فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب]] هذه رواية الصحيح؛ لأن الصحابة أو كثيرٌ منهم كانوا يأكلون قبل صلاة المغرب. وهناك أمور في الدرس كقصص سليمان وعمرو بن معدي كرب، أقول: هذه ليست في صحيح البخاري وليست في صحيح مسلم، وليست من كلام الله عز وجل، ولا من كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، والعهدة على أصحابها كـ ابن كثير وابن عبد ربه وابن قتيبة كما أوردوها، وهذا ليس فيه حلال ولا حرام، ولا عقائد ولا شرائع، وإنما تورد كما أوردها أهل العلم استئناساً، وقد أورد ابن الجوزي كثيراً منها، كما في الحمقى والمغفلين، وأورد ابن قتيبة أكثر من هذه -لكن أعرضت عنها- في عيون الأخبار وابن كثير في البداية والنهاية، ومن قرأ عرف هذه، لكن هذه تسمى عند أهل العلم من السير ومن اللطائف والأخبار التي هي كزهر الربيع تشم ولا تعك؛ لأنه لا ينبني عليها شيء. ونحن لو ذهبنا نتقصى بعد كل قصة وردت، ووراء كل حدث وقع في الدنيا لما بقيت لنا ولا قصة واحدة، كمعركة بدر الآن، عدد المقاتلين، وعدد الحضور، والقتلى، وهيئة المعركة ليست في البخاري ولا في مسلم، لكن في السير لابن إسحاق وابن هشام وغيره، فلو ذهبنا نضعف كل رواية لما طلع لنا إلا ما يقارب عشرة أحاديث فما تصورنا المعركة تصوراً تاماً. والإمام أحمد يقول: ثلاثة علوم لا أساس لها، المغازي والفتن والملاحم، وقيل: التفسير بدل الملاحم؛ لأنها المغازي. والأخ الثاني يقول: إنني ذكرت أنه يتوضأ من لحم الإبل، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكرت أنا أنه أتى من بني سلمة وهو يلوك لحم جمل ثم دخل في الصلاة؟ أقول: أما الحديث فلا بد أن يُتأكد منه، وأنا مر بي ومر بكثير من الإخوة وهو في السنن، وإما أن يكون في سنده شيء، وإما أن يكون نسخ ترك الوضوء منها، وأمر صلى الله عليه وسلم بالوضوء من لحمها عليه الصلاة والسلام.

حمد الله عز وجل بعد الطعام والشراب

حمد الله عز وجل بعد الطعام والشراب بقى بعض المسائل: منها حمد الله عز وجل عقب الطعام والشراب: صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أنس أنه قال: {إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها} يرضى عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقيل: يغفر له، ويكفي أنه يرضى عنه، فإذا أكل المسلم أو شرب فليقل الحمد لله رب العالمين، وليحمد الله عز وجل {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7] ولفظ الحمد، يقول كما في أبي داود والترمذي بسند حسن: {الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين} وهناك رواية في البخاري: {الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه، غير مكفي ولا مودع ولا مستغن عنه هو ربنا} رواه البخاري وأبو داود والترمذي، إذا علم هذا فاحفظ أي حديث من هذه الأحاديث، ولكن المهم أن تحمد الله عز وجل دائماً، ليوزعك الله شكر نعمته، ويجعلك ممن يستغلون النعم في مرضاته تبارك وتعالى، وليوفقك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى القيام بشكرها وأدائها.

فضل إطعام الطعام

فضل إطعام الطعام المسألة السادسة وقد مرت: فضل إطعام الطعام: والإطعام لوجه الله عز وجل، لا يكون رياءً ولا سمعة، لأن أكثر إطعام الناس إلا من رحم الله رئاء الناس، والصيت والذكر في الدنيا، وأول ما تسعر النار يوم القيامة بثلاثة، منهم: المطعم الجواد الكريم في الدنيا، الذي أطعم ليقال كريم، وقد قيل، فيأخذونه فيجرونه على وجهه في النار. وأكرم العرب حاتم الطائي ما نفعه ذلك عند الله شيئاً؛ لأنه طلب الذكر والصيت في الدنيا، فأفلس وهو من أهل النار نعوذ بالله من النار، قال عدي بن حاتم: {يا رسول الله! إن أبي كان يحمل الكَلَّ، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، فهل ينفعه ذلك عند الله؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: إن أباك طلب شيئاً فأصابه} أي: طلب الذكر في الدنيا فأصاب الذكر، ولذلك يذكر وهو جاهلي حتى اليوم، فلا له إلا الذكر والسمعة والصيت، وأما الأجر والمثوبة فليس له شيء. وعبد الله بن جدعان كان في الجاهلية من أهل مكة يقري الضيوف، وما يأتي حاج إلا ويزوده إلى أهله، ويسمى زاد الراكب، فلما توفي قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: {يا رسول الله! إن ابن جدعان كان يقري الضيوف، فهل ينفعه ذلك عند الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: لا. إن ابن جدعان ما قال مرة من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين} فهذا لا ينفعه أبداً؛ لأنه قصد الرياء والسمعة.

الأسئلة

الأسئلة

توجيه الذبيحة إلى القبلة

توجيه الذبيحة إلى القبلة Q هل من السنة إذا أراد الإنسان أن يذبح الذبيحة لا بد أن يتجه بها نحو القبلة؟ A الذي أعرفه أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما في الترمذي: {البيت قبلتكم أحياءً وأمواتاً} وإنه إذا كان الذبح لله عز وجل فإنه يستقبل به بيته، لكن لا يحضرني الحديث ولا الدليل في هذا، ولا بد من البحث.

البدء باليمين في المجلس

البدء باليمين في المجلس Q ما هي السنة في هذه المسألة، أن يقدم الشراب إلى الضيف ثم يدفعه إلى من هو عن يمينه، لحديث أنه أُتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب فشرب ثم دفعه إلى أعرابي عن يمينه، والذي كان عن يساره هو أبو بكر، فهل من السنة أن يبتدئ بمن هو عن يمين المجلس؟ A هذه مسألة كثيرة الوقوع في الناس، وهي هل السنة أن إذا دخلت تقدم مثلاً الطعام أو الشراب مثلاً أو شيئاً من الشاي أو القهوة أو الطيب أن تبدأ باليمين أو تبدأ بأكبر أهل المجلس، ثم يكون الناس عن يمينه هم اليمين، السنة في هذا كما دلت عليها الأحاديث، أن تبدأ بيمين المجلس الذي هو كبير المجلس، إما أن يكون كبيراً في السن، أو رجلاً له جلالة في الإسلام، أو سلطاناً أو رجلاً وجيهاً أو شيخاً كبيراً أو طالب علم فتبدأ به، ثم تبدأ من عن يمينه، أما أن تأتي دائماً بميمنة المجلس، وتقول: التيامن، فما تبدأ وتصل شيوخ الناس حتى تنتهي من أطفال الحارة، وقد أعطيتهم القهوة والشاهي، هذا ليس من السنة. بل كان الرسول عليه الصلاة والسلام جالساً في وسط الصحابة، فأتي له بلبن وبشراب -هنا قصتان- فأعطوه صلى الله عليه وسلم وهو وسطهم، ولو كان عليه الصلاة والسلام في عهده يعطى الميمنة لأعطوا أبا بكر؛ لأنه عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن بدءوا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر عن يساره، والأعرابي عن يمينه، فلما شرب صلى الله عليه وسلم سلمه الأعرابي؛ لأن السنة ميمنة الرجل الضيف، فقال عليه الصلاة والسلام: {الشربة لك، فهل تأذن لـ أبي بكر} من أجل جلالة أبي بكر في الإسلام، قال: لا والله، فأخذها. وأما حديث أنس فإنه يقول: {قدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبن، وكان عن يساره الأشياخ -أي: أبو بكر وعمر والأشياخ أشياخ الإسلام من المهاجرين والأنصار- وعن يمينه غلام -قيل: هو ابن عباس، وهذا الظاهر- فشرب عليه الصلاة والسلام، ثم قال لـ ابن عباس: الشربة لك فهل تأذن للأشياخ، قال: والله لا أوثر بسؤري منك أحداً- يقول: لا أوثر بفضلتك التي دفعت إلى بما فيها من البركة أحداً من الناس فدفعه صلى الله عليه وسلم إليه} إذاً يبدأ بوسط المجلس أو بالمكان الذي فيه الصدر. دخل بعض الناس من الوجهاء والنبلاء، في القرن الثاني اسمه حجاج بن أرطأة فجلس عند الأحذية، فقالوا: تقدم في وسط المجلس، قال: أنا صدر أينما جلست، قيل: هذا من العجب، ولذلك كانوا يبدءون به، فالمقصود أن أكبر من جلس في المجلس يبدأ به، لا أكبرهم سناً لكن قدراً، كالسلطان وغيره الذين ذكرنا، هذه السنة في هذا إن شاء الله. وفي الختام نتوجه إلى الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه، وألا يجعل في أعمالنا رياءً ولا سمعة، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

فن تأليف الأرواح

فن تأليف الأرواح كتب الله على ابن آدم أنه خطاء، ولذلك فالإنسان لا يخلو من العيوب والذنوب، لكن المصيبة هي الإصرار على الخطأ، فعلى الإنسان إذا أخطأ أن يتدارك خطأه بالتوبة والعودة. وعلى الداعية أن يكون حليماً يتسع صدره للناس ولا يضيق بكلامهم، وفي السلف الصالح نماذج ممن أسيء إليه فلم يغضب، بل وقابل الإساءة بالإحسان.

كلمة للشيخ عبد الله بن حميد

كلمة للشيخ عبد الله بن حميد إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. إخوتي في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أشكر لأصحاب الفضيلة وإخوتي الأساتذة وأحبابي الحضور حضورهم ومشاركتهم، وهذا الدرس بعنوان: (فن تأليف الأرواح). وفن تأليف الأرواح نأخذه من محمد صلى الله عليه وسلم، بسندٍ صحيح من ميراثه، نتذاكره هذه الليلة ونتعلمه ونتربى عليه، في ليلة 22/ 10/1412هـ مساء السبت بجامع أبي بكر الصديق بـ أبها. اللهم ألف الشتات، وأحي القلوب الموات. اللهم اجمع الكلمة، ووحد الصف وبارك في المسيرة، وانفع بالأسباب. اللهم لُم شعثنا، وارحم غربتنا، وفك كربتنا، وحقق على الحق وحدتنا، وأظهر على الباطل قوتنا. اللهم صل حبالنا بحبلك، وسد حاجتنا من فضلك، اللهم اعصمنا من الزلل، وأنقذنا من الخطل، واحرسنا من الحادث الجلل، اللهم ثبت منا الأقدام، وسدد منا السهام، وارفع منا الأعلام، وانصر بنا الإسلام. اللهم نجنا من الكوارث واحمنا من الحوادث، وأصلح النيات والبواعث. اللهم انزع من قلوبنا الغل على الإخوان، والضغينة على الجيران، والحسد للأقران. اللهم اغسل قلوبنا بماء اليقين، واسق أرواحنا من كوثر الدين، وأثلج صدورنا بسكينة المؤمنين. اللهم سلمنا وسلم منا، وعافنا واعف عنا. يا لطيف! نسألك اللطف والتخفيف، والمنزل الشريف، والعطاء المنيف، والقلب العفيف. وقفنا ببابك هذا المساء ولسنا من الذنب بالأبرياء وقفنا ببابك يا من له تسيل الدموع ويهفو الدعاء فيا ربِّ هيئ لنا منة من الغيث ما يحتوي كل داء أيها الإخوة! قبل أن أشرع بعونٍ من الله أقف وإياكم مع ضيفٍ كريم أمنا في هذا المسجد المبارك وهو الشيخ الداعية عبد الله بن محمد بن حميد الزميل والأخ الوفي، لنقف معه وقفة ثم نواصل معكم المحاضرة فليتفضل. الحمد لله القائل: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:110] الحمد لله على ما قضى وقدر، ونعوذ بالله السميع العليم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونصلي ونسلم على رسول الله القائل: {ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا، ويعرف لعالمنا حقه} صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله! أنا أعلم أنني متطفل على هذا المكان الذي لا يستحقه إلا شيخنا الداعية فضيلة الشيخ/ عائض بن عبد الله القرني، الذي كلنا شوقٌ إلى سماع توجيهاته الكريمة، وكلماته المحببة إلى النفوس، ولكن أشكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أولاً على أن هيأ لي هذه الفرصة الطيبة المباركة، التي انتهز فيها لحظات يسيرة أرجو منكم أن تتحملوني فيها، ثم أشكر شيخي وأخي وزميلي الشيخ/ عائض إمام هذا المسجد حفظه الله على إتاحته لي هذه الفرصة الثمينة، التي كان لابد لي من الوقوف فيها والجلوس أمامكم إثر ما حصل من اختلاف في وجهات النظر بيني وبين شيخي، كان لابد من الجلوس أمامكم حتى تزول الشكوك التي ساورت بعض النفوس ولها الحق في ذلك، وليعلم من يستمع إلى كلامي بأنه مهما حصل من اختلاف في وجهات النظر بين الأحبة والإخوان فإن ذلك لا يفسد للود قضية، فنحن والله الذي لا إله إلا هو إخوة متحابون في الله عز وجل، تجمعنا رابطة الإيمان والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] ولكن الواحد منا لضعفه البشري يعتريه ما يعتري البشر من الضعف والوسوسة والنزغات، وقد تغلبه العاطفة أو يجمح به الهوى أو تغلبه حظوظ النفس، فيحكم على قضية من القضايا دون استشارة ولا استخارة ولا روية، ثم بعد ذلك يتندم حيث لا ينفع الندم. ولعل ما حصل وما سمعتموه وقرأتموه من خلافٍ بيني وبين شيخي قد أثار استغرابكم وأعقب حزازة في نفوسكم، ولكن لا أقول إلا أن ذلك جرى بقضاء الله تعالى ومشيئته: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [الإنسان:30] فما كان ينبغي أن يحصل ما حصل ولكنها المشيئة الربانية، ولعل في ذلك خيراً لي وله ولكم حتى نتجنب الاستعجال وما لا ينبغي أن يقال نتجنب العبارات التي لا تستساغ عند العقلاء، وخشية من كثرة البلبلة وانتشار الشائعات وبمثل ما انتشرت به قالة السوء بين الناس، وهذا في الواقع ليس في مصلحة الدعوة إلى الله عز وجل، فأبشركم وأطمئنكم وما وقفت في هذا المكان إلا بعد أن اعتذرت إلى شيخي حفظه الله، وذهبت إليه في بيته واعتذرت منه فقبل العذر جزاه الله خيراً، وهكذا دأب علمائنا ومشايخنا حفظهم الله. فلقد اعتذرت إليه فعذرني وأكرمني بالصفح وقابلني بالحب، وهذا دأبه حفظه الله ووفقه وثبته على الحق، فإن الذهب الخالص لا تزيده النار إلا جودة ولمعاناً وبريقاً، وهو يعلم إجلالي وحبي له في الله عز وجل وأنتم كذلك، وأعلم أنه لا يحب الثناء والمدح، ولكن الحقيقة تفرض نفسها فما عرفته إلا شيخاً جليلاً وداعيةً إلى الله عز وجل مؤثراً بحديثه أيما تأثير وما حسنٌ أن يمدح المرء نفسه ولكن أخلاقاً تذم وتمدح وما عرفت عنه إلا الحلم والعلم الجم والتواضع وحسن الخلق وكرم النفس وصفاء السريرة وطيبة القلب، والعفو عن الإساءة. فيا رب هب لي منك حلماً فإنني أرى الحلم لم يندم عليه حليم وقد قيل: من اعتذر إليه أخوه المسلم فليقبل عذره ما لم يعلم كذبه، وأنا أشهد هذا الجمع المبارك وأنا صادق فيما أقول أنني قد اعتذرت لشيخي حفظه الله فقبل العذر وعاد الصفاء والوئام بيننا ولله الحمد، وما مثله في الحلم إلا كمثل أشج عبد القيس حينما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: {إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة}. ومثلكم أيها الإخوة! من يقيل العثرة ويتجاوز عن الهفوة؛ فإن الكريم إذا قدر غفر، وإذا أوثق أعتق، وإذا أسر أطلق. ومن يك ذا عذرٍ إليك وحاجةٍ فعذري إقراري بأن ليس لي عذر وقال آخر: قيل لي قد أساء فيك فلانٌ وقعود الفتى على الضيم عار قلت قد جاءنا فأحدث عذراً دية الذنب عندنا الاعتذار وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: {كل بني آدم خطاءٌ وخير الخطائين التوابون} فليس العبرة -أيها الإخوة- أن يخطأ الإنسان فإن من طبيعة البشر أن يخطئ، لكن العبرة في أن يتراجع إلى الحق، فإن الرجوع إلى الحق فضيلة، وفقنا الله وإياكم إلى الصواب، وجنبنا الزلل فيما نقول وفيما نعلم، ولسنا بدعاً فيما حصل من خلاف فإن سلف هذه الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم وعلى جلالة قدرهم وعلو منزلتهم وكعبهم في العلم والفضل حصل بينهم من الاختلافات ومن المنازعات. سامح أخاك إذا خلط منه الإصابة بالغلط وتغاض عن تعنيفه إن زل يوماً أو سقط واذكر صنيعك عنده شكر الصنيعة أو غمط واعلم بأنك إن أردت مهذباً رمت الشطط من الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط فأشكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أولاً، ثم أشكر فضيلة أخي وشيخي الشيخ/ عائض بن عبد الله القرني وأناته وحلمه وكريم فضله بعد فضل الله عز وجل، وأشكر كذلك شكراً جماً الإخوة الأكارم الذين عز عليهم أن يحصل نزاع أو خصامٌ بين الأحبة في الله عز وجل، ثم أشكركم على حسن إصغائكم. ومعي بهذه المناسبة الكريمة أبياتٌ شعرية نظمتها وصغتها بحرارة مشاعري ونبضات قلبي، لعلها تكون شافعة لي عند شيخي حفظه الله، فتمحو ما بدر مني من هفوة أو عبارة غير مؤدبةٍ أو زللٍ، وهي والله تعبر عن قليلٍ من كثيرٍ مما أكنه لفضيلة الشيخ حفظه الله من محبةٍ وإجلال، وعنوان الأبيات: رسالة محبة واعتذار. سلامٌ كما فاحت زهور عواطر يفيض به من منبع الحب خاطر يفوقه كالودق من بين مزنه ويسمو به من طيب الغيث ماطر عليك سلام الله يا شيخ عائض! ورحمته ما دام سمعٌ وناظر وإني على الود القديم محافظٌ وهذا مقالي والشهود الضمائر ومعذرةً مما أسأت بحقكم فأنت وربَّ البيت بالفضل عامر أبى الله إلا أن تكون نفوسنا معرضة للزيغ والله غافر لنا قدرة في الصبر إن جل حادثٌ ألم بنا إلا النوى والتهاجر كلانا بحب الدين قد قام داعياً ولم تثننا عما نريد المحاذر وعادة رب الجود والنصر شأنه وعادة أهل الدين منا التغافر وعقباهم محمودة ومردهم إلى الله والزلفى لهم والبشائر ألا إن نصر الله للدين واقع ولله أنصارٌ وللحق ناصر ويا أيها الغادي بشكٍ وحيرةٍ وغمٍ وهمٍ تحتويه المخاطر تمهل رعاك الله لا تظلمنني فمن رام عذراً أمكنته المعاذر أسأت إلى شيخي بقولٍ نشرته فعذراً له إن أعجلتني البوادر ولله ما أزكاه إذ زرت بيته أُرجي قبول الصفح والدمع قاطر فقابلني بالبشر يشرق وجهه بنور الهدى والحب نعم المؤازر وودعني بالحب ما في فؤاده من البغض أوضارٌ سعى وهو طاهر وليس عجيباً صفحه ووفاؤه فمعدنه الإيمان والصدق ظاهر وما زال يسمو بالمعالي لأنه لكالعلم الهادي يُرى وهو زاهر إمامٌ له في الفضل سبق ورتبة وبالعلم إلمامٌ وللحق ناصر ولله در الشيخ إن قام واعظاً فمن غيض ما يلقيه والبحر زاخر فكم من قلوبٍ هزها بحديثه وكم من دموعٍ أسبلتها المحاجر إذا شئت علماً فالزم البحر زاخراً وإن شئت شعراً فالمزون البواكر وقام بأمر الله للدين داعياً كذلك من يدعو إلى الله ظافر حليمٌ إذا ما كان للحلم موضعٌ كريم بذكراه تطيب المحاضر وما أنا إلا نبتةٌ من غراسه أسير على درب الهدى وهو آمر فجازاه ربي عن محبيه جنةً وتوفيقه فالبر بالصفح غامر رعى الله إخواناً رعوا عهد ودنا وشق عليهم أن يكون تهاجر وشكراً لهم شكراً عظيماً مكرراً على الصلح ما أثنى على الله شاكر وصلى على المختار ما طر شارقٌ وما ازدان نجمٌ أو تحرك طائر وأصحابه والآل ما قال قائلٌ سلامٌ كما فاحت زهورٌ عواطر أسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى رب العرش أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يسلل سخائم قلوبنا، وأن يجعلنا إخوةً متحابين فيه عز وجل، وأن يبصرنا بالحق ويهدينا إليه ويثبتنا على الإسلام والإيمان حتى نلقاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

قبول اعتذار الشيخ عبد الله

قبول اعتذار الشيخ عبد الله كلام الشيخ عائض: نحن يا من قد تناهى قد رضينا وسكبنا الود صفواً والتقينا وتعانقنا وسارت بسمة كضياء المجتبى من طور سينا من المقاصد الشرعية أن يظهر هذا الأنموذج أمام الناس وأن يتحدث به وأن يعلن الوفاق كما أعلن الخلاف، ولسنا ملأ من الملائكة، ولسنا أكرم من جيل محمد عليه الصلاة والسلام، اختلفوا وتنازعوا وتشاجروا، ثم تعانقوا وقال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] بل كما قال عامر الشعبي: [[والله لقد التقوا بالسيوف في الجمل وفي صفين، ثم قال الله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]]]. وما حصل بيني وبين الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد مما أثاره بعض الناس حسبنا الله عليهم، وكثير من الناس يتصيد ويريد العثرة ويفرح بالزلة ويريد الفرقة، وفي لقاءٍ صحفي عابر أخذنا فيه على غرة، وما أخذنا للأمر عدته، وما نظرنا إلى أبعاده، وهذا درسٌ لنا أن نتأمل وأن نفكر وأن نتدبر وألا نتسرع وأن نحسب للكلمة موضعها، وهذه هي تجربة الحياة، ولا حليم إلا ذو تجربة ولا حكيم إلا ذو عثرة، فحصل ما حصل بقضاءٍ من الله وقدر، والتقيت مع الحبيب الزميل والقلب عامرٌ بالود والحب ويزداد مع الأيام، وأشهد الله وملائكته وحملة عرشه أني أحبه وأحبكم فيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فأسأل الله أن ينفعني بهذا الحب، وكما سمعتم قصيدة فضيلته التي دبجها، ومن الحسن أن يرد على الشعر بشعر، فإنه ليس برباً إذا كان مثلاً بمثل يداً بيد، هاء وهاء، وقال الشوكاني: يقبح بطالب العلم أن يرد على الشعر بنثر، فإنها خدشة في وجه طالب العلم، فأحببت أن أرد على القصيدة بقصيدة ولا تقولوا هذا من المدح المفترى، بل هو إن شاء الله من الخير المنتظر لهذا الجيل وهذه القلوب العامرة التي تآخت تحت مظلة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:5] ولها مقاصد شرعية أحتسب الأجر فيها إن شاء الله، فرددت وأجبت على قصيدته على البحر وعلى الروي وعلى القافية: أتتك بثوب الوصل والجفن فاتر محجبة تومي إليك المحاجر دموعٌ وأحلام وليلٌ مسهد يراقب فيها الأنجم الزهر سامر لعتبٍ جرى بين الأحبة وانجلى ليرضى به شهمٌ ويغضب خاسر قوافي في آل الحميد عذبةٌ وأبيات شعري في الكرام مفاخر لبيتٍ عزيز بالجلال مؤثل صحائف تملى بالندى ومآثر إذا بذلوا قيل الغيوث البواكر وإن غضبوا قيل الليوث الهواصر وما لكم غير الأسرَّة مجلسٌ ولا لكم غير السيوف مخاصر أغني كما غنى زهير بشعره وبيت العلى والأريحيات سائر وهل ينبت الخطِّيَّ إلا وشيجُه وهل تحمل الأمجاد إلا المنابر قرأت سطوراً من بنانك دبجت فدتك أيا بن الأكرمين الدفاتر وقال حسودٌ رد صاعاً لأهله بصاعين إن البعض فيك تآمروا فقلت لهم هذي يميني تناولت شمالي ففي جسمي تمور الخناجر حبيب الصبا وابن الريادة والنهى رضيع الوفا نعم الصديق المعاشر وهل يهدم الحساد وداً وصحبةً لها من عرى الإسلام فينا أواصر لك العتب فاعتب إنما أنت صاحبي فقلبي رعاك الله بالحب عامر أنا أنت أمتعني بشخصك دائماً فشخصك يا نجل الشريعة طاهر فزر واستزر سر الوداد زيارة فنعم أخو العليا مزورٌ وزائر ألا قاتل الله المفرق بيننا وأورده بئس الردى وهو عاثر أذكره حاميم والحب والوفا فيأبى كأن الرمح بالموت شاجر لقد مهد الإسلام للصلح موضعاً ولو نهلت منا السيوف البواتر فهذا علي شام طلحة ثاوياً فقبله والهول أحمر فاغر ونال أبو ذر بلالاً بأمه فأفرشه الخدين والرأس حاسر وفي ذا يقول البحتري مدبجاً يهيم على بيت القصيدة شاعرُ إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت مناظر فبلغ سلامي والديك كليهما فإن سلامي للمحبين عاطر وقم منشداً في كل حفلٍ وندوةٍ أتتك بثوب الوصل والجفن فاتر

معاملة الصالحين لمن أساء إليهم

معاملة الصالحين لمن أساء إليهم أيها الإخوة الأحباب! كما قلت لكم ومن وحي هذه الجلسة وهذا اللقاء الأخوي جعلت عنوان المحاضرة والدرس (فن تأليف الأرواح) وقد ذكر الله في محكم كتابه أصول هذا الفن، وذكرها رسوله عليه الصلاة والسلام بكلامه وعمله وأخلاقه الشريفة المنيفة صلى الله عليه وسلم، فقال المولى سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] قال أهل العلم: ثلاث منازل للظالمين والمقتصدين والسابقين بالخيرات. فدرجة أولى من أسيء إليه فليكظم، وهذه درجة المقصرين من أمثالنا من المسلمين، أن يكظم غيظه ولا يتشفى في المجالس، ولا يتعرض للأعراض. فإن زاد وأحسن: والعافين الناس، فليذهب إلى من أساء إليه ويقول: عفا الله عنك، وهذه درجة ثانية. فإن زاد وأحسن فليذهب بهديةٍ وبزيارة إلى من أساء إليه ويقبل رأسه. وقال أهل السير: قام خادمٌ على هارون الرشيد بماء حار يسكب عليه فسقط الإبريق بالماء على رأس الخليفة أمير المؤمنين وحاكم الدنيا، فكاد الماء الحار أن يمتلغ رأسه، فغضب الخليفة والتفت إلى الخادم، فقال المولى وكان ذكياً: والكاظمين الغيظ، قال: كظمت، قال: والعافين عن الناس، قال: عفوت عنك، قال: والله يحب المحسنين، قال: أعتقتك لوجه الله. وهذه مواقف الريادة التي تحصل بين المؤمنين والمتآخين، وفي معركة الجمل خرجت عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم وخرج الصحابة بالسيوف، وخرج علي معه بعض الصحابة من أهل بدر بالسيوف يلتقون، فقيل لـ عامر الشعبي: الله أكبر! يلتقي الصحابة ولا يفر بعضهم من بعض؟! قال: أهل الجنة التقوا فاستحيا بعضهم من بعض، فلما قتل طلحة في المعركة وكان في الصف المضاد المعاكس لـ علي، نزل علي وترك السيف وأتى إلى طلحة وهو مقتول وهم من -العشرة المبشرين بالجنة- فنفض التراب عن لحية طلحة وقبله ودموع علي تهراق، وقال: [[يعز عليَّ يا أبا محمد! -والله- أن أراك مجندلاً على التراب، ولكن أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن قال فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]]] فانظر إلى الصفا وإلى العمق، وانظر إلى الروعة وهم يقتتلون والدماء تسيل وهذا يحتضن هذا ويسلم عليه، ويذكره أنه سوف يجلس معه في جنات ونهر في مقعد صدق عند ملك مقتدر. ابن السماك الواعظ، مر به صاحبٌ له عتب عليه فقال لـ ابن السماك: غداً نتحاسب، يقول: غداً ألتقي معك في موعد أحاسبك وتحاسبني، وألومك وتلومني، ونعرف من هو المخطئ منا، فقال ابن السماك: " لا والله غداً نتغافر، ولا نتحاسب" فالمؤمنون لا يتحاسبون ولا يقول أحدهم للآخر: أنت كتبت فيَّ كذا وكذا وقلت في المجلس عني كذا وكذا، وسمعت أنك تغتابني، لا. بل يقول: غفر الله لك، فغداً نتغافر.

قمة العفو

قمة العفو ومما يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {أيكم يفعل كما يفعل أبو ضمضم؟ قالوا: ما فعل يا رسول الله؟ قال: قام البارحة فصلى بالليل، وقال: اللهم إنه ليس لي مالٌ أتصدق به في سبيلك ولا جسمٌ أجاهد به في ذاتك، ولكني أتصدق بعرضي على المسلمين، اللهم من شتمني أو سبني أو اغتابني فاجعلها له كفارة} فهذا هو التصدق بالأعراض. ولابد على الدعاة وطلبة العلم أن يبذلوا أعراضهم كما بذلها محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه بذل عرضه وماله ودمه ووقته لهذه الدعوة الخالدة، فعسى الله أن يجعل دماءنا وأنفسنا وأعراضنا وأموالنا وأبناءنا وأهلنا فداءً لـ (لا إله إلا الله)؛ لترتفع لا إله إلا الله وحدها ولتبقى الأعراض والدماء فداءً لها. وذكر الغزالي صاحب الإحياء: " أن الحسن البصري رحمه الله جاءه رجل، فقال: يا أبا سعيد! اغتابك فلان، قال: تعال، فلما أتى إليه أعطاه طبقاً من رطب، وقال: اذهب إليه، وقل: أعطيتنا حسناتك وأعطيناك رطبنا، فذهب بالرطب إليه ". والمقصود من هذا: أن الدنيا أمرها قليل، وأن بعض الناس يتصدق بحسناته فلا عليك مهما نالك حاسدٌ أو ناقم أو مخالفٌ أو منحرف فاعتبر ذلك في ميزان حسناتك، وأنه رفعة لك، وقرأت في سيرة موسى عليه السلام الذي كلمه الله بلا ترجمان قال: يا رب! أريد منك مسألة، قال: ما هي يا موسى؟ قال: أسألك أن تكف ألسنة الخلق عني، -تكلموا فيه وفي عرضه، حتى تكلموا في بعض أموره الخاصة ومعاشرته للنساء، وقالوا: أنه آدر لا يستطيع أن يأتي النساء وأمورٌ كثيرة: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69]- فقال الله عز وجل: يا موسى! وعزتي وجلالي ما اتخذت ذلك لنفسي، إني أخلقهم وأرزقهم وإنهم يسبونني ويشتمونني. سبحان الله! الله الرحمن الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد يسب من الناس! هذا المخلوق الحقير يخرج نطفة من بطن أمه ثم يسب الله ويشتمه. وفي البخاري: {شتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، وسبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، أما سبه إياي فإنه يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء، وأما شتمه إياي فإنه يقول: إني اتخذت صاحبة وولداً، وأنا الله لم يكن لي صاحبة ولا ولد} وعند أحمد في كتاب الزهد: {يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: عجباً لك يا بن آدم! خلقتك وتعبد غيري! ورزقتك وتشكر سواي! أتحبب إليك بالنعم وأنا غنيٌ عنك وتببغض إليَّ بالمعاصي وأنت فقيرٌ إليَّ! خيري إليك نازل، وشرك إليَّ صاعد}. فما دام أن الواحد الأحد يسبه بعض الأشرار من خلقه ويشتمونه فكيف بنا نحن ونحن أهل التقصير؟! إذا علم هذا فإن في المثل العليا التي حملها أصحابه عليه الصلاة والسلام، وتراضوا مع أنهم اختلفوا، وأتت بينهم نفرة في أيامٍ من حياتهم، ولكنهم عادوا في صفاء وعناء وزيارة وحب، لأن المبدأ الذي يحملونه مبدأٌ واحد، ليس مبادئ متعددة: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

السب والشتم لا يضر إلا صاحبه

السب والشتم لا يضر إلا صاحبه في سيرة أبي بكر أن رجلاً قال لـ أبي بكر: والله يا أبا بكر! لأسبنك سباً يدخل معك قبرك، قال أبو بكر: بل يدخل معك قبرك ولا يدخل معي، وصدق، فإن المسبوب لا يدخل معه السب بل يدخل السب مع الساب لا مع المسبوب. فيظن هذا الجاهل أنه إذا سب أبو بكر الصديق المطهر فسوف يدخل سبه مع أبي بكر الصديق، في القبر، فقال أبو بكر: لا. -فلم يرد عليه السب- وقال: بل يدخل معك أنت قبرك، أما أنا فلن يدخل قبري، وهذا هو الصحيح، فإن الكلمة العوراء الآثمة الجارحة تدخل مع الجارح الساب الشاتم، ولا تدخل مع المسبوب لحكمة الواحد الأحد. وقال رجل لـ عمرو بن العاص: والله لأتفرغن لك -يريد أن يتهدده، يعني أتفرغ لك بالسب، والقتال والخصام- قال: إذاً تقع في الشغل. يقول: إذاً لن تكون فارغاً، بل يشغلك الله بي، أما أنا فلن أتفرغ لك ولن أشغل نفسي بك، إنما أنت إذا أشغلت نفسك بي فقد أوقعت نفسك بالخصام والسباب وقد أوقعت نفسك في كارثة. ويروي أهل الحديث أن عامراً الشعبي الذي قيل عنه أنه أشبه عمر بن الخطاب في جمعه للعلم، وكان من علماء التابعين، وقد قال عنه الحسن البصري: " قديم السلم، كثير الحلم، جم العلم، قام إليه رجل فقال: كذبت يا عامر! فقال عامر: إن كنت صادقاً فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك. أي: إن كنت صادقاً أني كاذب فغفر الله لي، لأني أخطأت، وإن كنت كاذباً أني لست بصادق فغفر الله لك، وهذا هو الحق، فماذا يقول الرجل بعد هذا؟ لأن من استطاع أن ينهي الخصام، وأن يجعل للصلح موضعاً، وألا يستعدي الناس خاصةً أهل الفضل والمنزلة والصدارة والمكانة؛ كان محسناً على نفسه وعلى الإسلام والمسلمين. وفي سيرة سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم جميعاً أن رجلاً زاحمه في منى، فالتفت الرجل إلى سالم وهو علامة التابعين وقال له: إني لأظنك رجل سوء، قال: [[ما عرفني إلا أنت]] يقول: قد أكون رجل سوء، وما عرفني إلا أنت، لأنه في نفسه يعتقد أن نفسه نفس سوء، فإن المؤمن يشعر بالتقصير ويلوم نفسه ويبكتها، والفاجر والمنافق يزكي نفسه أمام الناس، حتى رأيت أن سعيد بن المسيب يقوم وسط الليل ويقول لنفسه: [[قومي يا مأوى كل شر، قومي يا مأوى كل شر]] لأن النفس أمارة بالسوء، فيقول: إني لأظنك رجل سوء، قال: ما عرفني إلا أنت، وسكت ومر. وقام رجلٌ في الحرم -وهذه ثابتة بأسانيد صحيحة- أمام ابن عباس، حبر الأمة وترجمان القرآن فسبه أمام الناس، وابن عباس ينكس رأسه، فهذا أعرابي جلف يسب علامة الدنيا فرفع ابن عباس رأسه وقال: [[أتسبني وفيَّ ثلاث خصال، قال الناس: ما هي يا بن عباس؟ قال: والله ما نزل القطر بأرضٍ إلا سررت وحمدت الله على ذلك، وليس لي بها ناقة ولا شاة]] يقول: ما سمعت بقطر المطر ينزل بأي أرض إلا وسررت به وهذا هو الإيمان، تسمع في الجنوب أو الشمال بمطر فتفرح، وهذه خصال المؤمنين. [[قالوا: والثانية؟ قال: ولا سمعت بقاضٍ عادل إلا دعوت له بظهر الغيب وليس لي عنده قضية]] لكن يفرح أن يكون قضاة المسلمين عدولاً. [[قالوا: والثالثة؟ قال: ولا فهمت آيةً من كتاب الله إلا تمنيت أن المسلمين يفهمونها كما أفهمها]]. وهذه المثل العليا التي حملها أصحابه عليه الصلاة والسلام، وهو الذي رباهم أصلاً على سمع وبصر، وإلا فهم أمةٌ أمية خرجوا من الصحراء، لكن بناهم شيئاً فشيئاً ورصع مجدهم، واعتنى بهم صلى الله عليه وسلم حتى أخرجهم مثلاً أعلى وقدوات حسنة للناس. وقالوا في المثل: من أين لك بأخيك كله؟! يقول: أتريد مهذباً كله؟ لا. خذ بعضه، خذ نصفه، خذ ثلثين، خذ ثلثه، يقول: من أين لك بأخ كله؟ وأنا أسأل نفسي وإخواني: هل تجدون في المجتمع المسلم مهما بلغ هذا الشخص من الرقي والمثل العليا وحسن الخلق أن يكون كامل لا حيف فيه ولا نقص؟ هذا لا يكون: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور:21] تجد هذا كريماً لكنه غضوب، وتجد هذا حليماً لكنه بخيل، وتجد هذا طيباً لكنه عجول، وهي مواقف لأن الله وزع المناقب والمثالب على الناس.

من عدت معايبه فهو على خير

من عدت معايبه فهو على خير ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه إذا عددت معايب الإنسان فاعلم أنه صالح، ولكن بعض الناس لا تستطيع أن تعد المعايب فهي عنده بالمئات، لكن بعض الناس لخيره تقول: ليس فيه إلا كذا وهذا خير، من غلبت محاسنه مساوئه فهو العدل في الإسلام، ومن غلبت مساوئه محاسنه فهو المنحرف أو غير المستوي في منهج الله عز وجل، لأن الله يزن الناس يوم القيامة بميزان آية الأحقاف، يقول سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16] فبين الله في الآية أن لهم مساوئ، وأن لهم خطايا وذنوب، وأنه يتجاوز عنهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولكنهم كما يقول الحديث: {إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث} بعض الناس ماؤه قليل أي شيء يؤثر فيه، حتى القطرة تؤثر فيه، ولكن بعضهم لمحاسنه ومناقبه بلغ قلتين: خمسمائة رطل، فمهما وضعت فيه لا يتغير أبداً لكرمه وبذله وعطائه، وعلمه وسخائه، وفضله ودعوته، وخيره وصلاحه وصدق نيته فقد تأتيه لفحات من لفحات الشيطان، لكنه بلغ القلتين.

ضرورة الموازنة بين الحسنات والسيئات

ضرورة الموازنة بين الحسنات والسيئات ويقول ابن تيمية ونقلها ابن القيم في مدارج السالكين -أنا أروي بالمعنى، لكن بعض الألفاظ أتذكرها- يقول: أما موسى عليه السلام فإنه أتى بالألواح فيها كلام الله عز وجل فألقاها، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لامه وعاتبه، وقال: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ} [الأعراف:150] فألقاها في الأرض، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} [الأعراف:150] فهذا خطأ آخر، لأن أخاه كان نبياً مثله، ومع ذلك جره بلحيته أمام الناس، ومع ذلك عفا الله عنه، قال ابن القيم: وإذا الحبيب أتى بذنبٍ واحد جاءت محاسنه بألف شفيع وفي حديث رواه البيهقي بسندٍ يحسنه الكثير من أهل العلم قال: {أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم} قال ابن القيم: "إلا الحدود"، وهذه اللفظة تثبت في بعض الروايات من لفظه عليه الصلاة والسلام، فإن الناس متساوون في الحدود، لكن مقصودي في المسائل التي ليس فيها حدود، أن صاحب العثرة تقال عثرته من أهل الهيئات وهم الذين لهم قدم صدق في الإسلام والدعوة، وفي الخير والكرم والصدارة، وفي التوجيه والتأثير. وأضرب على ذلك مثلاً: أستاذٌ يدرس مجموعة من الطلاب، وفيهم طالبٌ دينٌ خيرٌ وقورٌ شهم محافظ مواظب متأدب وغاب يوماً من الأيام، فعلى هذا الأستاذ أن يغفر له غيابه وزلته، لأنه من ذوي الهيئات، وله من الحسنات ما تشفع له، لكن طالب آخر متخلفٌ منحرف عن الجادة متلاعب مشاغب غاب يوماً من الأيام، فأيُّ حسنات تشفع له؟ ما هو إلا عثرات في عثرات، فالمجتمع مثل ذلك، لذلك أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم. فوجوه الناس وأهل الخير والفضل، إذا بدرت منهم بادرة فعلينا أن نتحملها جميعاً، وعلينا أن ننظر إلى سجل حسناتهم وإلى دواوين كرمهم ومنازلهم عند الله وخلقه، يقول بشار بن برد: إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه يقول: إذا أصبحت تعاتب الناس دوماً وتلومهم فمن الذي تصاحبه منهم، ومن هو الأخ الذي ترافقه؟! ويقول في بيته الثاني: إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه يقول: لابد أن تجد ماءً معكراً، لكن اشرب، وما حيلة المضطر إلا ركوبها، وصاحب أخاك وتحمل منه الزلة. كان ابن المبارك إذا ذكر له أصحابه قال: من مثل فلان فيه كذا وكذا من المحاسن ويسكت عن المساوئ، وما من أحدٍ من المسلمين إلا له حسنة، فاذكره بالحسنة في المجالس. وليتنا -أيها الإخوة الكرام- نتذكر حسنات الناس، فما أعلم أحداً من المسلمين مهما قصر إلا له حسنات، ولو لم يكن من حسناته إلا أنه يصلي، أو أنه يحب الله ورسوله. المصطفى المعصوم عليه الصلاة والسلام يؤتى له بشارب خمرٍ وقد تكرر جلده أكثر من مرة، فيقول أحد الصحابة للشارب: {أخزاه الله! ما أكثر ما يؤتى به! قال صلى الله عليه وسلم: لا تقل ذلك لا تكن عوناً للشيطان على أخيك، فوالذي نفسي بيده ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله} فأثبت له أصل الحب وهي حسنة، فلماذا لا نذكر للناس محاسنهم، فإنك لا تجد أحداً شريراً مائة بالمائة، إلا رجل كفر بالله، أو تعدى على حدود الله أو أعلن الفجور أو خلع ثوب الحياء، أو عادى الأولياء والأخيار والصالحين ونبذ الإسلام ظهرياً.

نماذج خيرة من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

نماذج خيرة من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مرت نماذج خيرة في حياته صلى الله عليه وسلم، كما فعل أبو ذر مع بلال لما عيره بأمه ثم ندم ووضع خده على التراب وقال: [[والله لا أرفع خدي حتى تطأه بقدمك، فوطئه بقدمه ثم قام فتعانقا]]. وأتى الأنصار كما سلف في خطبة بعنوان (وألف بين قلوبهم) وكادوا يقتتلون فخرج إليهم صلى الله عليه وسلم- بعد الإسلام الأوس والخزرج كادوا يقتتلون لإحن الجاهلية- وقد سلوا السيوف، قال: {أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم} فبكوا وأسقطوا السيوف من أيديهم وتعانقوا، فأنزل الله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]. وذكر أهل التاريخ بسندٍ صحيح، أن الصحابة خرجوا في غزوة بني المصطلق -المهاجرون والأنصار مع الرسول صلى الله عليه وسلم- وكان لـ عمر أجير اسمه جهجاه، فقام فاختصم مع رجل من الأنصار اسمه سنان بن وبرة، فتراكلا بأقدامهما وتناوشا بأيديهما فقال أجير عمر: يا للمهاجرين! يدعوهم بالسيوف، يعني: انصروني وأغيثوني- وقال الأنصاري: يا للأنصار! فبلغت هذه الكلمة رأس الكفر والنفاق وحربة الردة عبد الله بن أبي بن سلول، فقال: صدق الأول (سمن كلبك يأكلك) لو أنا صرفناهم عن دارنا ما فعلوا هذا، لكن نحن الذين فعلوا بهم ذلك -يقصد المهاجرين- ثم قال أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. وبلغت الكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره زيد بن الأرقم وصدَّق الله قيله، فأمر صلى الله عليه وسلم الناسَ بالرحيل حتى لا يتحدث أهل النفاق في القضية؛ لأنهم يحبون الشائعات، فهم أناس في المجتمع لا هم لهم إلا أن يحيوا الشائعات والعثرات والزلات، فيصنفون فيها مصنفات ويزيدون فيها ويتشاغلون بها ويملئون بها الأسماع، فنسأل الله أن يكفينا شرهم، وأن يجعل بيننا وبينهم سداً منيعاً، وأن يحمي هذا الدين منهم، فإنهم يلغون في الأعراض كما يلغ الكلب في الماء. فقام الرسول صلى الله عليه وسلم بين الصحابة ثم أمرهم بالرحيل لئلا يتحدثوا في المسألة، يريد أن يشغلهم بشيء، ولذلك من الحلول التي تكافح بها الشائعات وحل ما يحصل بين الأحبة؛ أن تشغل الناس بالجد والعلم والمسائل العلمية، وتطرح عليهم قضايا الأمة الكبرى، لأن لدينا قضايا أعظم من الخلافات فيما بيننا وأعظم من هذه والمهاترات. وهي قضايا نشر الإسلام ومحاربة اليهودية والعلمانية والشيوعية والنصرانية، وقضايا تأليف هذه الأمة المقدسة الخالدة التي جعلها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أمةً وسطاً محبوبة شاهدة تؤمن بالكتاب والسنة. فأتى صلى الله عليه وسلم إلى أسيد بن حضير فأخبره الخبر فقال: يا رسول الله! والله إن شئت لنمنعنه من دخول المدينة، فإنك الأعز وهو الأذل، فقال عمر: {يا رسول الله! ائذن لي أن أقتله، فقال صلى الله عليه وسلم: يا عمر! لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه} وهذا هو المنهج، أراد أن يتصرف لكن عنده منهج، فلا يخالف المنهج، عنده منهج دعوي يريد به مصلحة هذه الدعوة، وما عليه أن يتحدث فيه، وما عليه من دمه ونفسه وزوجته وأهله، لأنه يريد مصلحة الدعوة أن تستمر وأن يستفيد الناس ويسمعوا ويتعظوا وأن يهتدي على يديه بشرٌ كثير.

عفو الرسول صلى الله عليه وسلم

عفو الرسول صلى الله عليه وسلم أما قضية الانتقام الشخصي وقضية أن يقوم الإنسان ويغضب لنفسه فليست عنده صلى الله عليه وسلم، فأتى ابنه الصالح الناصح عبد الله بن عبد الله بن أُبي فقال: {يا رسول الله! سمعت أنك تريد قتل أبي، فإنك إن أرسلت رجلاً ليقتل أبي، والله لا تطمئن نفسي أن أرى قاتل أبي يمشي على وجه الأرض حتى أقتله، لكن يا رسول الله! ائذن لي أن أذهب الآن وآتيك برأسه، والله -يا رسول الله- إن شئت لأقتلنه، فإنك الأعز وهو الأذل}. انظر إلى الإسلام كيف فصل بين الولد وأبيه الذي هو من صلبه ودمه وعروقه، بلا إله إلا الله محمد رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: {بل نصبر على أبيك ونحسن صحبته ما بقي معنا} فهذه هي الحياة وهي الدعوة وهو المنهج الرباني حتى يقول له ربه: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ويقول له الله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. فيأتي الناس ويعودون من الغزوة، فيأتي ابنه عبد الله فيسل السيف في مضيق عند مدخل المدينة فدخلت الكتائب المقدسة، وجيوشه عليه الصلاة والسلام وأصحابه ومحبوه، وأتى عبد الله بن أبي على فرس فاعترضه ابنه بالسيف أمام وجهه، وقال: [[والذي لا إله إلا هو! لا تدخل المدينة حتى يأذن لك الرسول صلى الله عليه وسلم فإنك الأذل وهو الأعز]] فذهب رسول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره، قال: أذنت له فدخل. ومع ذلك عندما مات هذا الشقي يأتي صلى الله عليه وسلم بقميصه فيكفن عبد الله بن أبي بن سلول به. قال الناس: {ما لك يا رسول الله! كفنته بقميصك؟ قال: إنه أهدى قميصاً للعباس عمي، فأردت أن أكافئه بهذا القميص} وقام صلى الله عليه وسلم يريد أن يصلي عليه -وهو منافق- فوقف عمر أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم تجاه القبلة وجعل ظهره إلى الجنازة -أمام المعصوم صلى الله عليه وسلم وأمام المعلم الكبير، الذي لا ينطق عن الهوى والذي قوله حجة، وانظر كيف أحدنا يتقدم على عالم، فكيف تتصور أنك تقف أمام رسول الله يريد أن يكبر فتقول: لا. ممنوع، لا تكبر- قال صلى الله عليه وسلم: تأخر يا عمر! يريد إما يميناً أو يساراً، قال: يا رسول الله! تصلي عليه وهو الذي فعل كذا يوم كذا وكذا؟ قال: يا عمر! اترك هذا، قال: يا رسول الله! تصلي عليه وقد قال كذا وكذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: {يا عمر! والذي نفسي بيده لو علمت أني لو استغفرت له أكثر من سبعين مرة لغفر الله له لاستغفرت له} لأن الله يقول: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:80]. وهذا يسمى عند أهل التفسير (عدد لا مفهوم له) فلو كان العدد له مفهوم لكان استغفر صلى الله عليه وسلم إحدى وسبعين مرة، كما تقول (ألف مرحباً) فإنه عدد لا مفهوم له، أي: أكثر من ألف. ثم دفنه صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل بالوحي: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84] أي: لا تصل على أحد منهم مرة ثانية ولا تدع لهم ولا تقف على قبره ولا تترحم ولا تستغفر له. ويأتيه متخلفون من المنافقين الذي أساءوا وتركوا الغزوة وخالفوا أمره وعصوا الله، فيقول أحدهم: يا رسول الله! أنا مريض، قال: صدقت، وهو ليس مريض البدن بل مريض القلب! والثاني يقول: امرأتي مرضت في الغزوة، قال: صدقت، والثالث يقول: يا رسول الله فقير ما استطعت أن أشتري جملاً، قال: صدقت، فيقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43] فقوله: (عفا الله عنك) مقدمة قبل أن يلاحقه بالعتاب، لئلا يخاف: {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة:43] من الذي فوضك وأذن لك أن تأذن لهم؟ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43]. فماذا أحدث عليه الصلاة والسلام بهذا الخلق؟ جمع القلوب بدعوته فأتاه الذين قتل آباءهم، وإخوانهم في الشرك، فيقول أحدهم: [[والذي لا إله إلا هو إنك أحب إليّ من نفسي]] وقال الثاني: [[والله ما ملأت عيني منه إجلالاً له، والله لو سألتموني أن أصفه ما استطعت أن أصفه لكم]].

تعامل الصحابة مع بعضهم

تعامل الصحابة مع بعضهم وقد ذكرت ما فعل معاوية وعبد الله بن الزبير، فقد كانت لهما مزرعتان في المدينة، مزرعة لـ معاوية، وكان ملك الدنيا يحكم ما يقارب عشرين دولة في دمشق وابن الزبير راعي من رعيته له مزرعة. فأتى وبينهم حزازات وإحن قديمة، فأتى عمال معاوية فدخلوا في مزرعة ابن الزبير، فكتب ابن الزبير وكان حاداً غضوباً رضي الله عنه على شجاعته وعبادته: [[بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله بن الزبير إلى معاوية بن هند آكلة الأكباد -يعيره بيوم أحد يوم أكلت أمه كبد حمزة - أمَّا بَعْد: فقد دخل عمالك مزرعتي، فوالذي لا إله إلا هو إن لم تمنعهم ليكونن لي ولك شأن]] وما هو الشأن؟! معاوية عنده تسعون ألف مقاتل في دمشق، حضر بهم صفين والمعارك وأنت ليس عندك أحد! بل قال بعضهم أنه قال: [[من عبد الله بن الزبير بن حواري الرسول وابن ذات النطاقين، إلى معاوية بن هند آكلة الأكباد]]. فأتى الرسول معاوية فقرأ الرسالة وكان حليماً يضرب به المثل في الحلم -يقول أهل العلم: تعلم عمر بن عبد العزيز الحلم من معاوية - فاستدعى ابنه يزيد، وكان متهوراً -وهذا يقوله الذهبي وغيره- فعرض عليه الرسالة، قال: ماذا ترى أن نجيبه، قال: أرى أن ترسل له جيشاً أوله في المدينة وآخره عندك في دمشق يأتون برأسه -وباستطاعته أن يفعل- قال: لا. بل خير من ذلك وأقرب رحماً، لأن بينهم رحماً. فكتب بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن الزبير بن حواري الرسول وابن ذات النطاقين، السلام عليك ورحمة الله وبركاته وبعد فلو كانت الدنيا بيني وبينك ثم سألتها لسلمتها لك، فإذا أتاك كتابي هذا فضم مزرعتي إلى مزرعتك وعمالي إلى عمالك فهي لك، والسلام. وصلت الرسالة ابن الزبير، فقرأها ابن الزبير فبلها بالدموع، وذهب إلى معاوية في دمشق وقبَّل رأسه، وقال: لا أعدمك الله الذي أنزلك هذا المنزل من قريش. هذا العقل والتصرف وهذه الحكمة والإرادة القوية، لكننا نريد أن نصل إلى هذه المستويات فنعثر ونصل إلى درجة فنهبط، فنحاول ونكرر ونفعل كما تفعل النملة في محاولات، ولعلها المحاولة الواحدة بعد المائة أو الواحدة بعد الألف، ومن يدري فإننا في عصر تدريب وفي عصر تلق وتربية. أسأل الله أن يزيدنا وإياكم توفيقاً وهدايةً ورشداً.

كيفية الأخوة الصادقة

كيفية الأخوة الصادقة أحد الإخوة كتب رسالة أثابه الله على ما كتب وسدد خطاه، وهو يشكر على المحاضرة السابقة التي كانت في السبت الماضي بعنوان (جسور المحبة) وقال: أثارتني هذه المحاضرة وسرتني كثيراً، وأنقل لك من كتاب خواطر في زمن المحنة، في هذا الموضوع، يقول الكاتب: عجبت لإخُوة في الله تنهار محبتهم بسبب سوء تفاهم! لماذا يبخل الأخ بقليلٍ من التسامح، وقد عاش مع أخيه ساعاتٍ مليئة بالحب والإخلاص والعطاء الأخوي الذي يتجاوز عطاءات المادة إلى عطاءات الروح؟ لماذا ننسى ما بيننا من وشائج وأواصر أقامها دين الإسلام، ورسول الإسلام عليه الصلاة والسلام؟ إذا كنت تبحث عن أخطائي لتبرر بها غضبك فأين حبك لي الذي كنت تتشدق به؟ لماذا لا تفتح باب التسامح في وجهي؟ لماذا لا تتبسم في وجهي؟ لماذا لا تزورني؟ لماذا لا تغفر زلتي؟ لماذا لا تدعو لي بظهر الغيب؟ عجبت لمن يدعي الحب في الله كيف لا يغفر زلات إخوانه! عجبت لودٍ ينقلب جفاءً! ولاحترامٍ ينقلب احتقاراً! ولأخوةٍ في الله تنقلب إلى علاقاتٍ سطحية! أيها الإخوة! أقول لكم نحن نختلف عن سائر الأمم، لم نجتمع على حب وطن فقط، فليست الوطنية هي التي جمعتنا، فإن أوطاننا بلاد المسلمين، ولم نجتمع على دم فإن الدم دعوةٌ أرضية لم ينزلها الله في كتابه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] ولم نجتمع على لغة فإن اللغات شتى بل اجتمعنا على عقيدة ومبدأ أتى به محمد صلى الله عليه وسلم، وهو لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهذا المبدأ العظيم جعلنا نتآخى، يقول أبو تمام: إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذبٌ تحدر من غمامٍ واحد أو يفترق نسبٌ يؤلف بينناً دينٌ أقمناه مقام الوالد

تصورات رائعة

تصورات رائعة كلما حصلت جفوة أو حصل تجافٍ أو هجر عدنا إلى الدين، وتصورنا ونحن نصلي الصلوات الخمس، ونحن نتجه إلى قبلة واحدة، ونتبع رسولاً واحداً صلى الله عليه وسلم، ونعبد رباً واحداً، ومعنا كتاب واحد وسنة واحدة، فلله الحمد، فتصوروا أيها الإخوة! أن ما يجري بين الأحبة لا يفسد للود قضية، بل أحياناً من حكم الله عز وجل أن يوجد هذا بين الناس، فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام:112] فإنه بمشيئته تحدث، وفيها من المصالح العظيمة ما الله به عليم حتى يقول المتنبي: لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجسام بالعلل ولعلنا نكره شيئاً فيه خير كثير، ونحب شيئاً فيه شر كثير، ولله الحكمة البالغة. لا تدبر لك أمراً فؤلوا التدبير هلكى وارض بالله حكيماً نحن أولى بك منكا فإذا رضيت بالله متصرفاً في شئونك الخاصة والعامة صرفك كما أراد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا تكره من أمر الله شيئاً، ورب ضارة نافعة، أحياناً تحصل أمور يكون فيها مصالح عظيمة، لا يدركها البشر بعقولهم ولا بتخطيطهم ولا بتصريفهم، منها أمور تكون قوة للإنسان ورفعة ومنزلة وحماية، وكفارة ودرجة، وهو كان يظن أنها نقمة، وأنها ضربة وكارثة، فلله الحكمة البالغة، فرضينا بحكمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ولابد للعبد أن يقول كلما أصبح: {رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً} وفي سنن أبي داود بسندٍ صحيح أنه قال: {رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً كان على الله حقاً أن يرضيه}.

نبذ الخلافات الشخصية

نبذ الخلافات الشخصية فأسأل الله أن يرضيني وإياكم، وأسأل الله أن يجمع بيننا وبينكم في دار الكرامة، واعلموا أيها الإخوة! والله يعلم ذلك وسوف يحاسبنا على ما نقول: أنه ليس بيننا وبين أحدٍ من الناس شجارٌ لأسباب دنيوية، ولا لذواتنا ولا لأنفسنا، فإن العبد عليه أن يسعى لمصلحة هذا الدين ولمصلحة الأمة والبلاد والعباد، وأن يسعى لجمع الصف ونبذ الفرقة ودرء الفتن عن الأمة وعن البلاد حتى تكون الأمة تحت مظلة: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! نسألك أن تنصر جنود الإسلام وأن تسحق عبدة الأصنام وأن تكرمنا بحماية البيت الحرام. اللهم اجمع كلمة المجاهدين وأيد عبادك الصالحين ورد كيد الكائدين، واقمع حسد الحاسدين. اللهم ارفع لواء التوحيد واقمع كل كافرٍ عنيد، اللهم ارحمنا رحمة واسعة تسع ذنوبناً واسترنا ستراً يحجب عيوبنا يا أرحم الراحمين.

رسالة للمجاهدين الأفغان

رسالة للمجاهدين الأفغان عباد الله! أمامي رسالة مؤثرة صادقة أرسلها أخ محب من أبناء الجزيرة الإسلامية المقدسة، من سكان الحرمين إلى المجاهدين الأفغان، ووصلتني بعد صلاة المغرب وأنا أحب أن أقرأها عليكم علها أن تصل المجاهدين الأفغان، وكما دعى ولاة الأمر هنا أولئك المجاهدين إلى جمع الصف وتوحيد الكلمة، فإني أذكِّر أولئك بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]. يقول الأخ: رسالة إلى إخواني المجاهدين الأفغان قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] إلى مجاهدي أفغانستان المسلمة إلى من رفعوا رءوس جميع المسلمين في شتى بقاع المعمورة عالياً إلى من أحيوا الجهاد الإسلامي المقدس إلى كتائب محمد صلى الله عليه وسلم إلى الذين نرى فيهم صدق الأنصار، وشجاعة المهاجرين، إلى من داسوا رءوس الإلحاد وكسروا جماجم الوثنية العصرية إلى من حطموا أسطورة الشيوعية بدمائهم الزكية إلى طليعة الأمة المحمدية: إنني أناديكم من فوق ثرى الجزيرة العربية من جوار مقدساتنا الإسلامية من مهبط الوحي من أرض الرسالة من قلعة القداسات بل أصرخ بأعلى صوتي من جوار قبر الإمام العظيم والمجاهد الفذ الزعيم وصفوة الخلق الكريم؛ محمد عليه الصلاة والسلام. وأناشدكم الله جلت قدرته بأن تنبذوا خلافاتكم مهما كانت، وألا تتركوا لعملاء اليهودية العالمية والخونة فرصةً ليهددوا أمنكم، ويهدموا ما بنيتم خلال عشرات السنوات، فقد ضحيتم بالألوف المؤلفة من الشهداء، وأسلتم الدماء وقدمتم الجماجم وجعلتم الأرض لهباً لترتفع لا إله إلا الله، وأنتم الآن على أبواب النصر الكامل على أعدائكم وأعدائنا وأعداء الأمة. إخواني! عليكم جميعاً قادةً وساسةً، وعلماء ودعاة وجنداً الاعتصام بحبل الله، وأن تلوذوا بعروة الله الوثقى، وألا تخيبوا أمل كل المسلمين وأمهات المسلمين ونساء المسلمين وأبناء المسلمين وعلماء المسلمين ودعاة المسلمين؛ لا تخيبوا أملهم فيكم، ولا تظهروا عدوكم عليكم بأنفسكم {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46] نسأل الله لكم الثبات والاتفاق، والاجتماع وتوحيد الصف. هذه رسالة أشكر الأخ الذي أرسلها، وباسمكم جميعاً وباسم أبناء هذه البلاد المقدسة أشارك في إرسالي وأطلب من الإخوة مندوبي المجاهدين الأفغان في مكاتبهم أن يأخذوا هذه الرسالة وهذا الدرس والمحاضرة، وأن يقيموا الحجة على أولئك القادة، وأن يسألوهم أن يتقوا الله في الأمة الإسلامية وفي الملايين المملينة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وألا يعودوا فيقتتلوا ويسدد بعضهم السهام إلى نحر أخيه، ويقتل بعضهم بعضاً فإنها دعوى جاهلية يريد الشيطان وأعوانه استغلالها. إن الإخوة المندوبين هنا عليهم مهمة أن ينقلوا هذه الرسالة في أقرب وقت، وأن يحملوا رسالة من حضر هذا المجلس وطلبة العلم في هذه البلاد، وفي كل البلاد الإسلامية علماءً وقادةً، ودعاةً وطلبة علم إلى أولئك بأن يتقوا الله في الأمة، وأن يناشدونهم أن يحفظوا هذه المسيرة وهذه النتائج الطيبة المرضية.

الأسئلة

الأسئلة

مشاركة شعرية

مشاركة شعرية Q أحد الإخوة رمز لاسمه بـ (ي. ش) كتب بيتين على روي القصيدتين وعلى قافيتهما وعلى بحريهما يقول: سلامٌ على الشيخين زاكٍ وعاطر يفوح ببيت الله والحب غامر فقد أسعدا بالوصل خير فضيلة وجمعا بحب الصالحين أفاخر A أثابه الله، وعند الأدباء مسألة معارضة القصائد، حتى إن بعض القصائد يذكرون عنها أنها عورضت ثمانين مرة على نفس البحر والراوية والقافية، وهذه قد توجد كثيراً وقد ذكر مثلها أبو الفرج وابن عبد ربه والذهبي وابن كثير، فلا بأس أن ينشأ على هذا، لكن فيما يصلح بين الناس ويؤاخي بين القلوب ويوحد بين الصف، لأنا بحاجة ماسة إليها.

نصيحة لمن ينشر الخلافات

نصيحة لمن ينشر الخلافات Q هناك بعض الصحف التي تستغل كثيراً من بعض المواقف للإيقاع بين الأحبة والإخوة، فلماذا لا توجهوا كلمة تنصحوا بها أهل هذه الصحف أن يتقوا الله ويبتعدوا عن هذا الأسلوب الذي لا يخدم الأمة في مآلها ولا في عاجلها؟ A أشكرك على هذا السؤال، وكان في ذهني هذا وإني أقول: إن بعض الصحف وبعض الصحفيين يستغلون بعض الدورات وتجدهم يريدون المقابلة ولكن لهم بعض المقاصد والنوايا، ولا يدركها العبد، فأحياناً قد يتصل بك على عجلة ويأخذ منك كلمة ويختلس منك عبارة ويريد منك إثارة، ثم تضخم وتشاع وتكبر، ويكون لها أعظم الأثر في الناس، وقد جربت هذا، ولكن لا حليم إلا ذو تجربة، في مثل جريدة البلاد، وقد أخطأت كثيراً فيما فعلت، خاصة في صفحة (ماذا تقول لهؤلاء؟) ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما كنت قبلت المقابلة. وحتى جريدة المسلمون فإنها أخذت المقابلة على أنها تنشر كاملة، لكنها أخذت كلمات طفيفة في بعض الزوايا فضخمتها بالخطوط العريضة، ودبجتها وأبرزتها وصغَّرت بعض الكلمات التي تحتاج إلى عرض وبسط، ثم أخذت تعرض المسألة بأسلوب المقصود منه الإثارة، وقد رأيت في بعض الصحف يقولون -مثلاً-: الشيخ فلان لا يرى في التصوير بأساً، ثم تبحث في المقابلة فلا تجد في الكلام ما يدل على ذلك. أو يقولون: الشيخ يطالب بحقوق للمرأة الشيخ يعترض على الشيخ الفلاني المذكور الشيخ ينقم أسلوب الداعية المذكور، فلانٌ يرى أن فلاناً مخطئ، وهذا يدل على أن هناك نوايا لم نكن نعتقدها ولا نظن بها، ولم نكن نظن أن مسلماً يريد هذه أو يريد في فترة من الفترات أن يوجد في النفوس شيئاً، فعسى أن تكون تجربة وأن يكون درساً، وكل شيء تستفيد منه فهو عبرة لك وفي مصلحتك. نسأل الله أن يهدي وأن يصلح وأن يسدد.

التفريق في المحبة بين الناس

التفريق في المحبة بين الناس Q هل نفهم من كلامك في المحاضرة -في درس (فن تأليف الأرواح) - أن نحب المسلمين جميعاً مستقيمهم وفاسقهم، سنيهم ومبتدعهم ولا نبغض أحداً منهم، وأنت تعلم أن منهج السلف الصالح أنهم يهجرون المبتدع والضال، فأخشى أن يُتخذ كلامك ذريعة للناس؟ A لا. هناك أسس في الولاء والبراء عند أهل السنة والجماعة بينت في مناسبات ومحاضرات ودروس، وبينها أهل العلم في كتبهم. فإن الولاء والبراء النسبي واردٌ، والحب والبغض النسبي وارد وقد تكلم عنه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أن تحب الإنسان بقدر ما فيه من طاعة، وتبغضه بقدر ما فيه من معصية، وتحبه بقدر ما فيه من سنة وتبغضه بقدر ما فيه من بدعة وهكذا. أما الحب المطلق العام الكامل فهذا لا يكون؛ لإنه ليس هناك أحدٌ كامل، لكن بقدر هذا وهذا فقد جعل الله لكل شيءٍ قدراً، فتهجر العاصي حتى يتوب من معصيته، كما فعل صلى الله عليه وسلم مع العصاة، وتهجر المبتدع حتى يتوب من بدعته، أما أن تهجر دائماً وتوالي وتحب دائماً وتترك أهل المعاصي وتجعلهم كالمؤمنين فهذا غير المنهج الذي بنيت عليه عقيدة السلف الصالح. لكن الأمور الدنيوية -أيها الإخوة- التي يتذرع بها الناس في الهجران لا يحل لهم ذلك إلا ثلاثة أيام، ففي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يحل لامرئٍ مسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام}.

توبة شاب من هجر أخيه المسلم

توبة شاب من هجر أخيه المسلم Q لي أخ في الله زاد هجري له على سنة، وذلك بسبب الشيطان وبعض الواشين، وأشهد الله ثم أشهدكم أني قد ندمت على هجري وسوف أزوره إن شاء الله؟ A أثابك الله وأكرمك، وجمع الله القلوب وأزال الله ما في النفوس، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال -وهذا لفظ أحمد في المسند - {إن الشيطان قد أيئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب} فلا تجد أحداً في جزيرة العرب يسجد لوثن ولا صنم: {ولكن في التحريش بينهم} وأما التحريش فسوف يستمر إلى قيام الساعة. وهناك أناس جاهزون متبرعون، فكل صباح ينقلون الكلمات -مراسلون- وسوف يحاسبهم الله، فتجده من الصباح: قال فلان وقال علان، وسمعنا أن فلاناً يقول في فلان كذا وكذا، وهل صحيح أن فلاناً يقول كذا، وهل سمعتم ما قيل عن فلان، وهل بلغكم، فهؤلاء هم الذين يسعون بالعداوة والشنعاء والبغضاء بين المؤمنين لا خلاق لهم عند الله يوم القيامة، فالذين يفسدون الود والقلوب سوف يتعرضون لمقت المولى وغضبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهم كما قال صلى الله عليه وسلم: {لا يدخل الجنة نمام} وفي لفظٍ: قتات، فجعل الله عز وجل عقوبته ألا يدخل الجنة بسبب إفساده بين الناس.

مجتمع الصحابة ومجتمعنا

مجتمع الصحابة ومجتمعنا Q قارنت بين مجتمعنا ومجتمع الصحابة المزكى من الله ومن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقلت هم اختلفوا ونحن اختلفنا، مع العلم بأن ذلك الخلاف بينهم غير الاختلاف بيننا. فبماذا ترد؟ A لا. الخلاف بينهم مثل الخلاف بيننا، فهم ليسوا رسلاً، ولا أنبياء ولا معصومين، فهم اختلفوا في بعض القضايا مثلما اختلفنا نحن، وأنا قرأت تراجمهم حتى إن بعضهم بلغه كلمة عن فلان فهجره وغضب عليه، مثلما يحدث بيننا، فقد تبلغنا كلمة عن أخ أو أحد فنغضب عليه، بل إن بعضهم غضب لأجل أمر. فقضية أنك ترفعهم إلى درجة العصمة لا. لكن أقول هم أفضل منا، وليس بيننا وبينهم نسبة ولا تناسب ولا مفاضلة، فقد زكاهم الله من فوق سبع سموات وهم صفوة الخلق، وهم الرعيل الأول المفضل. ولكن مع ذلك حصل منهم ما حصل، وأتى بينهم من الكلمات، وبعضهم اعتدى على بعض، وبعضهم حمل السلاح على بعض، وبعضهم هجر بعض، ومع ذلك قال الله عز وجل: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] فقضية أن نتنكر لوقائع التاريخ وقضايا السير ليس بصحيح، بل إن الله عز وجل عاتب رسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن على بعض القضايا، وعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة على أشياء، ولامهم صلى الله عليه وسلم على بعض الأمور، لأنهم بشر يخطئون. هذا ما أريد أن أقوله لكم -أيها الإخوة- في هذا المجلس.

عاص يريد التوبة

عاص يريد التوبة Q يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني وعندي من الخطايا والذنوب ما لا يعلمه إلا الله، ومع ذلك لا يعلمون ذلك، فماذا أفعل؟ A أولاً: لا يشترط أن تخبر الناس بذلك، والمطلوب من المسلم أن يحسن ظن إخوانه به، وأن يحمد الله عز وجل على ستر الله، وأن يستمر دعاء ربه ومولاه أن يوفقه. ثانياً: أن الذي يصلح بينك وبين الناس وينشر عنك الذكر الحسن والثناء الطيب هو الله، وذلك بأن تصلح ما بينك وبينه، فإنك إن أصلحت ما بينك وبينه نشر الله لك الحب والقبول والثناء الحسن، وإذا أفسدت ما بينك وبينه نشر الله لك البغض والشنعاء واللعنة والمقت، حتى يقول بعضهم: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب إذا صح منك الود فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب تراب إلى آخر ما قال. وعند ابن حبان {من أرضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخط الناس برضا الله رضي الله عنه وأرضى عنه الناس}. وقضية أخرى أنه ليس هناك أحدٌ معصوم يسلم من الذنب إلا الرسل عليهم الصلاة والسلام، فكلٌ له ذنب وكلٌ له خطأ وكلٌ له سيئة، لكن تب بينك وبين الله. ثالثاً: ثم إنه لا يشترط -أيها الإخوة- أن الإنسان إذا عصى الله أن يقول للناس: لا تظنوا بي خيراً، بل إني عاص، فهذا ليس من منهج أهل السنة، بل يجب أن يستتر بستر الله ويفرح بحفظه، ويحمد الله عز وجل على أن أوجد له خيراً. رابعاً: أنه قد يكون لك خير لا تدري أنت عنه، قد اطلع الله عليه وعلى سريرتك أنها خيرة، فنشر لك القبول والحب، وأنت لا تدري فبعض الناس يبلغ به سوء الظن بنفسه إلى درجة أن يحطم نفسه، ولا ينظر لنفسه إلا نظرة سوداوية من الوسوسة حتى تقول لأحدهم: أنت فيك خير، قال: لا. ليس في خير لو تعلم ما عندي لما زكيتني، أقول: أراك تصلي الصلوات الخمس، قال: لا. ولو، أراك تقرأ القرآن، قال: لا. ولو، أراك تحب الله ورسوله، قال: لا. ولو، فيسحق نفسه سحقاً ويحطمها تحطيماً. وهذا ليس مطلوباً في الإسلام، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} [النور:21] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32] انظر كيف يفترون على الله الكذب في آيات كثيرة، فأخبرنا سبحانه أنا أهل نقصٍ وتقصير، أما البيت الذي بدأ به الأخ فهو لـ أبي العتاهية وهو من أجود أبياته وهو ضمن أبيات يقول فيها: إلهي لا تعذبني فإني مقرٌ بالذي قد كان مني يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني وكم من زلةٍ لي في البرايا وأنت عليَّ ذو فضلٍ ومنِّ إذا فكرت في ندمي عليها عضضت أناملي وقرعت سني إلى أبياتٍ كثيرة، ويقول عبد الله بن محمد الأندلسي في قصيدته (أربِحِ البضاعة): يا من سترت مثالبي ومعايبي وحلمت عن سقطي وعن طغياني والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام عليَّ من يلقاني وأبو نواس يقول: إن كان لا يرجوك إلا محسنٌ فبمن يلوذ ويستجير المجرم ما لي سواك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثم إني مسلم ولما حضرت الشافعي الوفاة سالت دموعه فأنشد وقال: ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا ربي لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما وهذا أمرٌ عظيم، فإن الإنسان إذا ذكر رحمة الله وحلمه وكرمه تصاغر ما عنده من الذنوب، وإذا ذكر أخذ الله وبطشه وعذابه تقالَّ ما عنده من الحسنات، فالمؤمن يعيش بين الرجاء والخوف، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:1 - 3] والرجاء والخوف عند أهل السنة جناحان للطائر لا يطير إلا بهما، فأنت بين الخوف والرجاء. نسأل الله أن يحفظنا وإياكم، وأن يجمع كلمتنا وأن يوحد صفوفنا، وأن يجمعنا بكم في دار الكرامة. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

كيف ربى الرسول أصحابه؟

كيف ربى الرسول أصحابه؟ النبي صلى الله عليه وسلم مربي الأجيال، مخرج الأبطال، يا ترى كيف ربى الصحابة؟ على أي شيء رباهم؟ ما هو الهدف الذي جعلهم يعيشون من أجله أو يموتون من أجله؟ كيف كانت تربيته عليه الصلاة والسلام لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة؟ كل هذا ستعرفه في هذا الدرس إن شاء الله.

وقفة مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

وقفة مع المصطفى صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة. اللهم صل وسلم على محمد ما تضوع مسك وفاح، وما ترنم حمام وناح، وما شدا بلبل وصاح. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. أنا من الأزد أنصار الرسول ولي وسيلة الحب إني من محبيه دمي ودمعي مدادٌ في مدائحه وفيض قلبي يعفورٌ يناديه أبي معاذ أناغي ورق دوحته حسان جدي سأبني في قوافيه أنا الليلة لا أتكلم عن سياسي بل أعظم من الساسة، ولا عن اقتصادي بل أعظم من الاقتصاديين، ولا عن عالم بل أعظم من العلماء، ولا أتكلم عن زعيم بل أعظم من الزعماء، ولا عن أديب بل أعظم من الأدباء. المصلحون أصابعٌ جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الأنواء وإذا رحمت فأنت أمٌ أو أبٌ هذان في الدنيا هما الرحماء فصلى الله وسلم على بطل الصحوة الرائدة، وأستاذ الصحوة الخالدة، وموجهها ومعلمها؛ فما اجتمعنا إلا على رسالته، ولا تآخينا إلا على منهجه، ولا تصافينا إلا على مبادئه الخالدة. شكر الله لمن شاد هذا المسجد، وشكر الله لإمامه، وشكر الله لمن قدم المحاضرة، وشكر الله لكم حضوركم، ورفع منازلكم، وجمعنا بكم في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر. تعالوا معنا ننظر كيف ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، كيف أخرجهم من النار. يوم أتى زعماء الطين والتراب فسحقوا شعوبهم ليربوا منهم عبيداً وأرقاء وعمالاً وطبقات خافضةً مستعبدةً وجيوشاً مجندة، ربى محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه على الحب. يوم أتى استالين ولينين وهتلر يسحقون البشر ويعذبونهم ويحرقونهم. قالوا هم البشر الأعلى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا أتى محمد عليه الصلاة والسلام ليخرج من الأمة العربية البائسة الأمية أمةً ماجدةً رائدةً خالدةً: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الجمعة:2]. يا قوميون: أين مدكم قبل الإسلام؟ أين تاريخكم قبل الرسالة الخالدة؟ طنطنتم في الصحف والمجلات، ودندنتم في الإذاعات بأن لكم مجداً قبل الإسلام، أمجد عنترة الإرهابي! أم مجد حاتم المشرف على الوثنية! أم مجد عبس وذبيان وداحس والغبراء!، لا. إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمةٍ جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها فأمدها مدداً وأعلى شانها وأزال شانئها وأصلح بالها كما ذكر أخي وزميلي المقدم: أن هذه الصحوة العارمة الرائدة تحتاج إلى موجه وإلى أستاذ وإلى بطل، وموجهها وأستاذها وبطلها محمد عليه الصلاة والسلام هو لا يزال يقود الركب بسنته حتى يسلم الأمة ويدخلها من باب الجنة عليه الصلاة والسلام، وإن هذه الصحوة رفعت الرءوس، فلك الحمد يا رب، ظن المستعمر أنه سوف يسحق شبابنا، وسوف يغريهم، وسوف يهاجمهم بالمرأة والكأس، فأبى الله إلا أن يتم نوره، ورد كيد المستعمر في نحره، وأقبلت وجوه الصحوة تسجد لله ويقول لسان حالها: ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا أصول هذه المحاضرة خمسة أصول: أولها: تربيته عليه الصلاة والسلام لأصحابه على الحب لله ولرسوله، حباً يقطع من أجله الجسم ويمزق من أجله شغاف الروح. الأصل الثاني: تربيتهم على الشجاعة والإقدام، يقتحمون الأسوار ويسلمون أرواحهم للسيوف تمزقها لتدخل جنة عرضها السموات والأرض. الأصل الثالث: الصراحة والوضوح، يأتي الطارف من الرعية والبدوي الأعرابي فيتكلم في حوار ساخن حار مع عمر وهو على المنبر ويقاطعه في الخطبة، ويستمع الجمهور لهذا الراعي مع هذا الفرد من الرعية بتربية محمد عليه الصلاة والسلام. الأصل الرابع: اللين والرفق الذي سلكه محمد عليه الصلاة والسلام يوم قدم دعوته في أطباق الحب وعلى رياحين المودة وعلى باقة من الإخلاص والالتزام. أما الأصل الخامس: فهو تربيته على الطموح وعلو الهمة، ولا يرضى أحدهم بالدنيا وقصورها وذهبها وسياراتها من أجل أن يبيع ولو طرفة عين شيئاً من مبادئه.

الصحابة يتربون على حب الله وحب نبيه صلى الله عليه وسلم

الصحابة يتربون على حب الله وحب نبيه صلى الله عليه وسلم فأما الأصل الأول: فإنه أعظم الأصول؛ أتى عليه الصلاة والسلام فأتى اليهود يتعاطسون عنده، يقولون: نحن نحب الله ولكن لا نتبعك، فكذب الله حبهم وأبطل دعواهم، وقال لهم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب:21].

عمر بن الخطاب وحب النبي صلى الله عليه وسلم

عمر بن الخطاب وحب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عليه الصلاة والسلام فلقنهم حب الله عز وجل، وحبه صلى الله عليه وسلم، يقول في حوار مكشوف وعمر يقول له: {يا رسول الله! والله إنك أحب إلي من مالي ومن أهلي ومن ولدي إلا من نفسي، فقال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال: فوالله -يا رسول الله- إنك أحب إلي حتى من نفسي}. وفي سنن الترمذي بسند حسنه بعض أهل العلم: أن عمر لما أراد العمرة، قال له صلى الله عليه وسلم: {لا تنسنا من دعائك يا أخي}. قائد عظيم وزعيم عملاق يقول لأحد تلاميذه: أخي، قال عمر -معلقاً-: كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما عليها، وذهب عمر إلى العمرة، لكن كأنه ترك قلبه مع الرسول عليه الصلاة والسلام وأشواقه وأحاسيسه وإشراقه. بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا هذا هو الحب، والحب أثبت أصالته في المعركة، من الذي دفع أنس بن النضر أن يهب بسيفه من المدينة إلى أحد؟ فيقول له سعد بن معاذ: [[عد، عد يا أنس، قال: إليك عني يا سعد، والله الذي لا إله إلا هو، إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]] ويموت ويضرب بثمانين ضربة، أليس هذا حباً صادقاً؟! بل وضوح والله، بل فداء معناه الحب لله ولرسوله.

حنظلة غسيل الملائكة ومحبة الله ورسوله

حنظلة غسيل الملائكة ومحبة الله ورسوله من الذي دفع حنظلة الغسيل- وحديثه صحيح- أن يترك زوجته في أول ليلة وهو عروس ويهب وعليه جنابة، فيقتل نفسه في سبيل الله، ويقدم دمه علامة على الحب، حتى يقول عليه الصلاة والسلام وهو يلتفت إلى السماء ويشيح بوجهه: {والذي نفسي بيده! إني لأرى الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض} أليس حباً هذا؟! بل والله من أعظم الحب وأرقى الحب.

عبد الله الأنصاري وحب الشهادة

عبد الله الأنصاري وحب الشهادة ويأتي ابن عمرو - عبد الله الأنصاري والد جابر - فيتكفن بعد أن يغتسل ويتطيب ويكسر غمد سيفه على ركبته ويلتفت، ويقول: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]]. يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود ويذهب فيقتل، فيبكي ابنه جابر، فيقول صلى الله عليه وسلم: {ابك أو تبك، والذي نفسي بيده! ما زالت الملائكة تظل أباك بأجنحتها حتى رفعته، والذي نفسي بيده لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، قال: تمنّ -واسمع إلى الأمنية والطموح وعلو الهمة- قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمنّ قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، فقال الله: فإني أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبدا}. أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا ومن الذي باع الحياة رخيصةً ورأى رضاك أعز شيء فاشترى؟

عبد الله بن جحش وعلامة حبه لله تعالى

عبد الله بن جحش وعلامة حبه لله تعالى هم أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام رباهم على الحب، فيأتي عبد الله بن جحش أول من سمي بالأمير يوم أحد، فيقول: [[يا رب اللهم إنك تعلم أني أحبك - وهذا مهر البيعة- اللهم إن كنت تعلم ذلك فلاق بيني وبين عدو لك شديد حرده، قوي بأسه، فيقتلني فيك -ما قال: أقتله- فيبقر بطني ويجدع أنفي ويفقع عيني ويقطع أذني، فإذا قلت لي: يا عبدي لِمَ فُعِل بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب]]. هل قتل أتباع استالين ولينين وهتلر على ذلك، كذب الأعداء الأخساء، كذب الدجاجلة، والله ما قادوا الشعوب إلا بالحديد والنار، أما رسولنا عليه الصلاة والسلام فقاد القلوب إلى الحي القيوم وهي تقيه من جراحات الأسهم وتحوطه بسياج من النور في أحد حتى تقع الأسهم فيها، وأحدهم يقول: نفسي لنفسك الفداء يا رسول الله. أولاً: حب الله عز وجل وحب رسوله عليه الصلاة والسلام حباً صادقاً أكثر من الزوجة والأهل والمال والولد، ولذلك أحباب الله يسارعون إلى محاب الله، وفي حديث عند الطبراني من قوله عليه الصلاة والسلام: {يضحك ربك إلى ثلاثة -ولله ضحك يليق بجلاله لا نكيفه ولا نمثله ولا نشبهه ولا نعطله- أحد الثلاثة رجل حمله الحب سافر في قافلة وتعب في السفر، فلما نزل أصحابه قبل الفجر ناموا على الأرض، وأما هو فما نام، قام إلى الماء البارد فتوضأ واستقبل القبلة يبكي ويدعو ويناجي الواحد الأحد، فيقول الله لملائكته: يا ملائكتي! انظروا لعبدي هذا ترك فراشه الوثير ولحافه الدفيء وقام إلى الماء البارد يتوضأ ويدعو ويتملقني، أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة} أليس بحب؟ بل أعلى من كل حب. في مذكرات لبعض الدعاة: أن شاباً مسلماً من بلاد الجزيرة العربية سافر إلى بلاد الإنجليز إلى لندن وهناك أعلن توحيده وأعلن صموده وأعلن إيمانه، لأنه خرج من بلاد الحرمين، من جزيرة التحدي للزنادقة وللملحدين، من جزيرة الإبداع والسمو والجمال والروعة والصفاء، وهناك سكن في بيت إنجليزي مع عجوز اضطر لذلك اضطراراً، وكان يقوم مع صلاة الفجر في البرد القارس المثلج إلى صنبور الماء فيتوضأ، وتلاحظه عجوز إنجليزية في البيت كل صباح، فتقول له: أمجنون أنت؟ قال: لا. قالت: وكيف تقوم في هذه الساعة لتتوضأ؟ قال: ديني يأمرني بذلك، قالت: ألا تتأخر؟ قال: لو تأخرت لما قبل الله مني، فهزت رأسها وقالت: هذه إرادة تكسر الحديد. من الذي أتى بهذه الإرادة وزرعها في القلوب؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام. والفيافي حالمات بالمنى عجباً من قلبك الفذ الكبير وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم تعاليمه لا تزال كالفجر لامحة لمن أراد أن يستفيد من تعاليمه.

الصحابة يتربون على الشجاعة والإقدام

الصحابة يتربون على الشجاعة والإقدام أما الأصل الثاني: فتربيتهم على الشجاعة والإقدام، الحياة ليست عبودية لأهل المادة، والحياة ليست -كما نقل إلينا من الغرب وربي عليها شبابنا- مستقبلاً وتأمين المستقبل، والخوف على المستقبل، من الذي يؤمن المستقبل إلا الله الواحد الأحد! من الذي يحفظ المستقبل إلا الله! يقولون للشاب في الثلاثين: أَمن مستقبلك، فإذا مستقبله زوجة وسيارة وفلة، يصبح فيقول: أصبحنا وأصبحت الفلة لله! وأمسينا وأمست السيارة لله! يفكر في الفلة وهو ساجد، وفي الزوجة وهو راكع، وفي السيارة وهو على جنبه، أي طموح وأي شجاعة هذه! ويسعى من أجل الفلة، ويحيا من أجلها، ويسميها مستقبلاً وهذا ليس مستقبلاً، بل هو مستقلب، لأن المستقبل أن تكون مؤمناً بالله وأن تهيئ لك مكاناً في جنةٍ عرضها السماوات والأرض.

شجاعة ابن تيمية أمام ابن قطلوبك

شجاعة ابن تيمية أمام ابن قطلوبك ابن قطلوبك وما أدراك من ابن قطلوبك سلطان لا يعرف الفاتحة دخل عليه ابن تيمية، فأمره ونهاه وهز أكتافه بقال الله وقال رسوله، فقال ابن قطلوبك: يـ ابن تيمية يزعم الناس أنك تريد ملكنا وملك آبائنا وأجدادنا، فيضحك ابن تيمية، ويقول: ملكك وملك آبائك وأجدادك؟! قال: نعم. قال: والله، لا يساوي ملكك وملك آبائك وأجدادك عندي فلساً، إني أريد جنةً عرضها السماوات والأرض. ألا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا فأتى عليه الصلاة والسلام يربي الصحابة على الشجاعة والإقدام، وعلى أن أعظم ما يمكن أن يدفعوه أن يقدموا أرواحهم في سبيل الله. قال الأستاذ المربي العظيم -نور الله ضريحه، وسقاه الله شآبيب الرضوان- قال: في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:111] قال في كلام ما معناه: أنزل الله صكاً من السماء أتى به جبريل وأملاه محمد، ونص المعاهدة (إن الله اشترى الآية) فتقدم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام بالثمن، ما هو الثمن؟ الأرواح، والسلعة؟ الجنة، فتبايعوا، فقال ابن رواحة: {يا رسول الله! ماذا تريد منا؟ قال: أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأطفالكم وأموالكم، قال: فما لنا إن فعلنا ذلك؟ قال: لكم الجنة، قال ابن رواحة: ربح البيع، والله لا نقيل ولا نستقيل ثم قام من المجلس} فقال ابن القيم: والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا، فقد وجب البيع. أليس هذا أرقى علوم التربية عند ابن القيم؟ أما كان بالأولى أن تدرَّس كتب ابن القيم في الجامعات والمؤسسات والمدارس والندوات والأمسيات، ولا تدرس خزعبلات ديكارت وكانت، وكل عميل متزندق ملحد! إنها {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. أحد الحاقدين من القبوريين المبتدعة النبهاني، يقول: كتب ابن تيمية وابن القيم ما لقيت رواجاً في الأوساط لسوء نيات أصحابها، فتصدى له الألوسي، وقال: كذبت يا عدو الله، أما كتب ابن تيمية وابن القيم فهي الذهب الإبريز، والعسل المصفى، أما كتبك وكتب أشياخك فتصلح لأن تكون مخابئ الأحذية ومخالي يوضع فيها الشعير للحمير. هذا هو الأصل: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]. والشاهد: تربيته صلى الله عليه وسلم أصحابه على الشجاعة، ليس كـ النصرانية يقولون: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر، احتقار العبيد سلوك البربر! والتربية عنده صلى الله عليه وسلم شجاعة في موضع الشجاعة، وحلم في موضع الحلم، وحزم في موضع الحزم، وخلق في موضع الخلق.

شجاعة حبيب بن زيد أمام مسيلمة الكذاب

شجاعة حبيب بن زيد أمام مسيلمة الكذاب يرسل صلى الله عليه وسلم حبيب بن زيد - وهو شاب- إلى الدجال الأفاك الأثيم الكذاب مسيلمة في اليمامة، فيأتيه ويدخل عليه قصره - معتزاً بقوة الله تعالى متجرداً من قوة الأرض- فيقول له مسيلمة: من أنت؟ فيقول: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم أشهد، قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع شيئاً، فأعاد عليه الكلام، فأعاد عليه الكلام، فأمر جنوده أن يقطعوه إرباً إرباً قطعةً قطعةً، فأخذوا يقطعون منه قطعة فتتدحرج في الدم إلى الأرض، فيعيد الكلام له: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم أشهد، قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع شيئاً حتى قتل ونحر شهيداً وارتفعت روحه إلى الله. {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30].

شجاعة خالد بن الوليد وإقدامه

شجاعة خالد بن الوليد وإقدامه خالد بن الوليد يقتحم الصفوف يوم مؤتة يُقتل القواد الثلاثة، تقطع يد جعفر، من علمه أن تقطع يده؟ محمد عليه الصلاة والسلام؛ يأخذ الراية باليسرى، فتقطع يسراه، يحتضن الراية وتمزق وتكسر في صدره، ويقول وهو يتبسم: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها عليَّ إن لاقيتها ضرابها أما الاستخذاء والخوف من الزلازل والبراكين، لو وقع بركان في الفلبين فإن بعض المنافقين يخافون وهم هنا {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:4] لأنهم ما أعدوا إيماناً وما حملوا رسالة، يريدون ألا ترتفع عليهم الأسعار، ولا تنقطع منهم الأمطار، ولا تذبل عليهم الأشجار، ولا يغلى عليهم الخس والجرجير، لأن مستواهم هكذا وطموحهم هكذا وحياتهم هكذا: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. يأتي خالد بن الوليد بعدما قتل القواد الثلاثة، وخالد سيف الله سله على المشركين، فيقول: ناولوني السيوف، يعني: أعطوني السيوف لأريكم هذا الشغل الذي يبيض وجوه المؤمنين، أبو سليمان، فأخذ -بيض الله وجهه- السيف الهندي فكسره على رءوس الأعداء، ثم أخذ الثاني -هذه القصة يرويها ابن كثير - فكسره حتى كسر تسعة سيوف، ثم ما ثبتت في يده إلا صفيحة يمانية، قال ابن كثير: قتل بيده ذاك اليوم وحده خمسة آلاف. تسعون معركة مرت محجلةً من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها وما أتت بقعة إلا سمعت بها الله أكبر تدوي في نواحيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها جنود إسرائيل في بعض المعارك مع العرب يحملونهم بالسلاسل في الطائرات ويدخلونهم بالسياط والأمر العسكري، يفرون؛ لأنهم يقاتلون بلا مبادئ ولا شجاعة ولا طموح، وبعض الجيوش العربية دخلت إسرائيل، فقالوا لأحد قاداتهم: صلوا الظهر، قال: الصلاة إذا رجعنا إلى بلادنا، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، فترك جزمته وفر هارباً. لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار

شجاعة عمير بن الحمام في معركة بدر

شجاعة عمير بن الحمام في معركة بدر فمحمد عليه الصلاة والسلام لقن أصحابه الشجاعة والإقدام، عمير بن الحمام يأتي عليه الصلاة والسلام فيخطب قبل المعركة في ساعة الصفر في بدر ساعة الخطر خطر ممنوع الاقتراب، فيقول: {يا أهل بدر: إن الله اطلع عليكم، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، والذي نفسي بيده، ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة، قال عمير بن الحمام وهو يأكل تمرات: يا رسول الله! ما بيننا وبين الجنة إلا أن يقتلنا هؤلاء فندخل الجنة قال: إي والذي نفسي بيده، فيلقي التمرات، ويقول: والذي نفسي بيده إنها لحياة طويلة إذا بقيت إلى أن آكل هذه التمرات، ثم يقاتل حتى يقتل}. وليست على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما

الصحابة تربوا على الصراحة والوضوح

الصحابة تربوا على الصراحة والوضوح وربى عليه الصلاة والسلام أصحابه على الصراحة والوضوح، وهو الأصل الثالث من أصول التربية، ليس هناك ألغاز ولا مجاملات ولا نفاق ولا تقية، بل وضوح وصفاء أبناء الصحراء يعيشون بصفاء الصحراء، لا مجاملة ولا تستر، وإنما وضوح، كلمة صادقة إلى قلب صادق.

عمر وقوته في الحق

عمر وقوته في الحق يأتي عليه الصلاة والسلام كما سبق معنا، فيقول عمر: إنك أحب إلي من كل شيء يا رسول الله إلا من نفسي. ألم يصدق؟! هل جامل؟ بعضنا اليوم يقول لأخيه وهو يكرهه: والله إني لأحبك، وهو يتمنى أن يمزق وأن يقطع وأن يموت، لكن الصحابة كانوا لا يعرفون المجاملة إنه دين الوضوح.

صحابي أتى زوجته في نهار رمضان

صحابي أتى زوجته في نهار رمضان يأتي رجل فيقول -والحديث في الصحيحين -: {يا رسول الله! هلكت؟ قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على أهلي وأنا صائم، قال: أعتق رقبة، قال: ما أملك إلا رقبتي -وضوح وصراحة- قال: صم شهرين متتابعين، قال: وهل أوقعني فيما أوقعني إلا الصيام -يعني: ما استطعت أن أكمل يوماً حتى وقعت فأصوم شهرين- قال: أطعم ستين مسكيناً، قال: على أفقر مني -يعني: وأنا فقير لا أستطيع أن أطعم نفسي فكيف أطعم ستين- قال: اجلس، فجلس، فأتى مكتل من تمر، أو من طعام -الله أعلم به- فقال عليه الصلاة والسلام: خذه ووزعه على الفقراء في المدينة -أو كما قال- قال: على أفقر مني يا رسول الله؟ والله ما بين لابتيها رجل أفقر مني، قال: خذه وأطعمه أهلك}. أليس وضوحاً وصراحة؟ لا مجاملة، لا استخذاء، لا معاكسة، لا تستر؛ إنما هو صدق واضح يوصله إلى رضوان الله عز وجل: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام:148]. رد عليه الصلاة والسلام أصحابه إلى أن يتكلموا بما في قلوبهم، وجعل من خالف قوله فعله منافقاً، والله أعلم بما في القلوب: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:11] أما المؤمن فقلبه ولسانه سواء.

الوضوح عند رجل يشترط على النبي أن يسمح له بالزنا

الوضوح عند رجل يشترط على النبي أن يسمح له بالزنا يأتيه رجل، فيقول عليه الصلاة والسلام له: {أسلم، قال: أسلم يا رسول الله! ولكن أشترط شرطاً -وضوح وصراحة- قال: ما هو؟ قال: أن تبيح لي الزنا، فإني لا أستطيع أن أصبر، فقام الصحابة يريدون أن يبطحوه أرضاً، قال: دعوه، ثم قربه ووضع يده -الحبيبة اللطيفة الشريفة- على صدر هذا الرجل، قال: أترضى الزنا لأمك؟ قال: لا. قال: أترضاه لأختك؟ قال: لا. قال: أترضاه لابنتك؟ قال: لا. قال: أترضاه لعمتك؟ قال: لا. قال: أترضاه لخالتك؟ قال: لا. قال: أفترضى للناس مالا ترضاه لنفسك! قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، أتوب إلى الله حتى من الزنا}. تربية خالدة! وعلم رائع جميل! وما أحسنه إذا أخذ في ميزان التطبيق والعمل من محمد عليه الصلاة والسلام.

اللين والرفق في تربية النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة

اللين والرفق في تربية النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة اللين والرفق: أتى عليه الصلاة والسلام بمدرسة اللين والرفق: {ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه} يرسل الله عز وجل موسى وهارون إلى فرعون، فيقول لهما وهما في الطريق: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه:44] اللين عجيب. تخذني خليلاً أو تخذ لك صاحباً خليلاً فإني مبتغٍ صاحباً مثلي عزيز المنال لا ينال مودتي من الناس إلا مسلم كامل العقل ولا يلبث الأخدان أن يتفرقوا إذا لم يؤلف روح شكل إلى شكل وقال ابن المبارك: إذا صاحبت قوماً أهل ودٍ فكن لهم كذي الرحم الشفيق ولا تأخذ بزلة كل قومٍ فتبقى في الزمان بلا رفيق بسمةٌ وحنوٌ ومعانقةٌ وبشاشةٌ تشترى بها القلوب، دايل كارنيجي الأمريكي مؤلف دع القلق وابدأ الحياة ومؤلف كتاب كيف تكسب الأصدقاء أتى بأمور في الإسلام، لكن ما درى الخواجة العميل أن هذه الأمور في تربيتنا، فأتى بعض المربين من عندنا فنقلوا من كتابه ولم ينقلوا من صحيح البخاري ولا من صحيح مسلم. سبحان الله! ما هذا الغباء؟! تأخذون من الأجنبي ولا تأخذون من الحبيب القريب عليه الصلاة والسلام حتى يقولون: كيف تكسب الأصدقاء؟ كما قال دايل كارنيجي في صفحة (72) عليك أن تتبسم وأن تستمع لصديقك وأن تلين له جانبك لتكسبه صديقاً. سبحان الله! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {تبسمك في وجه أخيك صدقة} ويقول عند الترمذي: {ألا أنبئكم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ قالوا: بلى، قال: أحاسنكم أخلاقاً} {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128].

لين النبي مع الأعرابي الذي بال في المسجد

لين النبي مع الأعرابي الذي بال في المسجد تعالوا إلى نماذج من اللين: يأتي عليه الصلاة والسلام فيصلي بالناس، فيأتي أعرابي من الصحراء، فيصلي معه، وفي التحيات يدعو الأعرابي ويرفع صوته ويقول - انظر إلى قلة الفقه في الدين-: {اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً} فيسلم عليه الصلاة والسلام، ولينه في تصرفاته وفي كلماته شيء عجيب، فقال-ولم يجبهه بهذا-: {من قال منكم كذا وكذا؟} وهو يدري أنه الأعرابي، لكن يريد أن تأتي من الأعرابي، فسكت الناس، قال: {من قال منكم كذا وكذا؟} فرفع الأعرابي يده يتحرى جائزة، قال: أنا يا رسول الله، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: {لقد حجرت واسعاً إن رحمة الله وسعت كل شيء} {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] فقط! {اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً} ومن أنت حتى تحجر على الأمة رحمة الله، فلا يدخل فيها إلا اثنان؟ هذا خطأ، فما يلبث الأعرابي إلا أن يكمل طريقه ومشواره، فيذهب في طرف المسجد، فيبول؛ تضيق به الدنيا إلا مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقوم الصحابة يريدون أن يلقنوه درساً من التعليم لا ينساه أبد الدهر، فيقول- صلى الله عليه وسلم-: دعوه اتركوه، ويجلسهم عليه الصلاة والسلام ويستدعي الأعرابي فيجلسه بجانبه؛ الأمر أسهل من ذلك. يقول ابن تيمية: ليس الذكي الذي يعرف الخير من الشر، لكن الذكي الفطن الذي يعرف خير الخيرين من شر الشرين. أمر عجيب! فيجلسه، ويقول: عليَّ بذنوب من ماء، فيأتون بذنوب من ماء، فيصبونه على بول الأعرابي انتهت المشكلة، ويمسح كتف الأعرابي ويتبسم له، ويقول: {إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من الأذى والقذر، إنما هي للتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل} فيقوم الأعرابي ويتوضأ ويصبح مسلماً، ويخبرهم- صلى الله عليه وسلم- أنهم لو ضربوه ارتد فدخل النار.

لين النبي مع الأعرابي الذي طلبه مالا

لين النبي مع الأعرابي الذي طلبه مالاً أعرابي آخر يأتي وفي رأسه أمور الله أعلم بها؛ وساوس، فيجر الرسول- صلى الله عليه وسلم- من بردته، وكان عليه برد غليظ الحاشية نجراني، فيؤثر في جانبه وفي كتفه وفي عنق الرسول عليه الصلاة والسلام، فيلتفت إليه صلى الله عليه وسلم، فيقول الأعرابي بكلمة أقبح من الفعل: {أعطني يا محمد من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا أمك} وما الداعي لهذا الكلام؟ ولماذا هذا الجرح؟ ولماذا هذه الجفوة؟ ولو ألقي هذا الكلام على أحد العملاء وزعماء الضلالة والإلحاد لما رئي إلا بطون أرجلهم من على رءوس الناس. فقام قال صلى الله عليه وسلم وتبسم إليه وضحك إليه، فقام الصحابة يريدون أن يلقنوه درساً، فقال- صلى الله عليه وسلم: دعوه ثم أخذه بيده فأعطاه من مال الله زبيباً وحباً وثياباً، فمن أراد الزبيب وجده، والحب أخذه، ومن أراد الإيمان واليقين والقرآن وطريق الله المستقيم كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وجده، وبعد أن أعطاه- قال: أحسنت إليك قال: نعم. فجزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خير الجزاء، قال: إذا خرجت فقل لأصحابي ذلك، فإنهم وجدوا في أنفسهم، فيخرج به صلى الله عليه وسلم، ويسأله أمامهم، قال: نعم، جزاك الله من أهل وعشيرةٍ خير الجزاء، فيتبسم صلى الله عليه وسلم، ويقول: {أتدرون ما مثلي ومثلكم ومثل هذا الأعرابي؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: مثلنا كرجلٍ كانت له دابة فرت منه فلحقها، فلما رآها الناس فرت لحقوها، فما زادت إلا فراراً، قال الرجل: يا أيها الناس! خلوا بيني وبين دابتي فأنا أعرف بها، فأخذ شيئاً من خضار الأرض وخشاش الأرض، فأشار للدابة فأتت وأكلت فأمسكها وقيدها، ولو تركتكم وهذا الأعرابي لضربتموه، ثم ارتد فدخل النار}. عاد الأعرابي إلى قومه، فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا عن بكرة أبيهم. إنها الدعوة الرائدة! إنه الرفق واللين! وإن هذا الأصل الرابع من أعظم أصول التربية. إن الجفاء والغلظة لا تكسبك إلا بغضاً وحقداً، وإن الرفق واللين يكسبك القلوب ويشتري لك الأرواح، قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه: {والله ما رآني صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي}. ما أحسن البسمة! فيها السحر الحلال، قيل لأحد العلماء: ما هو السحر الحلال؟ قال: تبسمك في وجوه الرجال. وفرق بين المتكبر الجافي الغليظ الذي لا يتبسم، وإذا تبسم كأنه يقطر عليك بالقطارة، أو كأنه ينفق عليك من دمه، أو كأنه يمن عليك بهذه البسمة، فلذلك يقول الشاعر في القسمين: الجافي الغليظ والمتبسم البشوش، يقول: وجوههم من سواد الكبر عابسةٌ كأنما أوردوا غصباً إلى النار هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار ليسوا كقومٍ إذا لاقيتهم عرضاً أعطوك من نورهم ما يتحف الساري تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري

لين النبي مع معاوية بن الحكم

لين النبي مع معاوية بن الحكم هديه عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي: أنه دخل المسجد، فدخل في الصلاة مع الصحابة وراء الرسول عليه الصلاة والسلام، فعطس رجل في الصلاة، فقال معاوية -وهو لا يعرف الحكم-: رحمك الله! فضرب الصحابة على أفخاذهم ينبهونه، قال: ويل أمي ماذا فعلت؟! يريدونه أن يسكت، فلما سلَّم عليه الصلاة والسلام- يقول معاوية فدعاني -بأبي هو وأمي- ما رأيت معلماً أحسن منه! ولا أعلم منه! ولا أرحم منه! ما نهرني ولا سبني ولا شتمني وضع يده على كتفي وقال: {إن هذه الصلاة لا تصلح للكلام، وإنما هي لقراءة القرآن والذكر والتسبيح} وأي إبداع بعد هذا الإبداع؟ وأي لين بعد هذا اللين؟ إنه أصل من أصول التربية اللين والرفق في حياته عليه الصلاة والسلام.

الطموح وعلو الهمة يتربى عليهما الصحابة

الطموح وعلو الهمة يتربى عليهما الصحابة أما الأصل الخامس: فالطموح وعلو الهمة: الطموح يا شباب الصحوة، الطموح يا شيوخ التوحيد، الطموح يا جنود الإسلام، إن محمداً صلى الله عليه وسلم ربانا لنكون مؤمنين، وإن تلكم التربية الغربية التي طمت وعمت علينا، فأخرجت من الطفل الذي كان مؤهلاً ليكون كـ ابن عباس في شبابه، أو كـ ابن الزبير طفلاً هوايته في جمع الصحف والمجلات، جمع الصحف والمراسلة، أو جمع الطوابع! لا قرآن لا صلاة لا جهاد لا دعوة لا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، بل جمع طوابع ومراسلة وصيد حمام، ومطاردة دجاج وأرانب، أهذه رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؟ ربوه على ذلك، لا يعرف إلا الدراجة، وصيد الحمام والدجاج، وأكل السمك والمراسلة، ثم إذا ارتقى وانتكس ولم يعرف طريق محمد عليه الصلاة والسلام، أخذ عوداً، لم يزد الأمة إلا خيبةً وندامةً، فغنى فصفقوا له، وقالوا: أنت كوكب، فصدقهم، فألقوا معه مقابلة قالوا: كيف شققت طريقك في الحياة؟ قال: بدأت من الصفر - أنت تحت الصفر أنت تنزل تحت، فكيف تبدأ من الصفر؟! - قال: بدأت من الصفر، فصبرت واحتسبت، وثابرت وسهرت الليل. سهرتَ الليل بسورة طه والأنفال والأعراف؟ سهرت الليل بمدارسة صحيح البخاري وصحيح مسلم؟ تسهر الليل على (هل رأى الحب سكارى مثلنا) أو: يا من هواه أعزه وأذلني كيف السبيل إلى وصالك دلني جهنم هي الوسيلة، ولذلك سموه نجماً وليس بنجم قيل لـ أبي علي الروذباري: ترك بعض الصوفية الصلاة، فقلنا لهم: صلوا، قالوا: وصلنا، يعني: وصلوا إلى درجة، قال: صدقوا وصلوا، ولكن إلى سقر، وما أدراك ما سقر؟!

تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه على علو الهمة

تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه على علو الهمة إن الرسول صلى الله عليه وسلم ربى أصحابه على أصل خامس -علو الهمة- يقول له الصحابة: يا رسول الله! شيء من المال، قال: لا. الجنة، إما أن تبايع في نصرة هذا الدين ولك الجنة وإما أن تترك، لم يمنِّ أبا بكر بالخلافة، وما قال لـ عمر: سوف تكون الثاني، ولا لـ عثمان: سوف تكون الثالث، ولا علي أنت الرابع، ولا قال لـ خالد: أنت سوف تكون قائداً عسكرياً، إنما قال لهم: لكم الجنة هذا خير لكم، إن صدقتم مع الله فالجنة، أما من الدنيا فما عندي شيء، وما معي إلا بيت من الطين، وحصير من الخزف، وسقف من الخشب، وعصا وشملة. كفاك عن كل قصرٍ شاهقٍ عمدٍ بيت من الطين أو كهف من العلم تبني الفضائل أبراجاً مشيدةً نصب الخيام التي من أروع الخيم إذا ملوك الورى صفوا موائدهم على شهيٍ من الأكلات والأدم صففت مائدةً للروح مطعمها عذب من الوحي أو هديٌ من الكلم

علو الهمة عند أبي بكر

علو الهمة عند أبي بكر علو الهمة، ولذلك تربى أبو بكر على علو الهمة، يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري في كتاب الجهاد: {إن للجنة أبواباً ثمانية، فمن كان من أهل الصلاة، دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد، دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة، دعي من باب الصدقة} إلى آخر تلك الأبواب فيسكت الناس، لكن أبا بكر لا يسكت، ضعيف لكن قلبه حارٌ متوقدٌ في همة عالية. همة همة تنطح الثريا وعزم نبوي يدكدك الجبالا {قال: يا رسول الله! ألا يدعى أحد من أبواب الجنة الثمانية، أو من الأبواب الثمانية، فيقول عليه الصلاة والسلام: نعم. وأرجو أن تكون منهم، أنت}. من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول دائماً في المرتبة الأولى؛ همته عالية، لا يعرف إلا أن يكون دائماً متفوقاً؛ في الذكر، في الصلاة، في الجهاد، في الصيام، في الدعوة، في الأمر بالمعروف في النهي عن المنكر، يضرب في كل غنيمة بسهم.

الهمة عند ربيعة بن مالك

الهمة عند ربيعة بن مالك ويأتي ربيعة بن مالك كما في صحيح مسلم، النبي صلى الله عليه وسلم يستدعي ربيعة ليعطيه من المال، فيريد أن يعطي ربيعة مالاً، قال: يا رسول الله! لا أريد المال، قال: ماذا تريد؟ قال: كلمة بيني وبينك أناجيك، فناجاه في أذنه، وقال: أريد مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك، قال: {فأعني على نفسك بكثرة السجود} أخذ الناس الثياب وأخذ هو رضا الواحد الأحد وأحسن الثواب، أخذ الناس العقار والدار، وأخذ هو رضوان الواحد الغفار، أخذ الناس الدراهم والدنانير، وأخذ هو مغفرة الواحد في دار المصير. أيها الإخوة! هذه همة عالية ربى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، والذي يعيش بلا همة، ولا رسالة في الحياة ليس بحي: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل:21]. أحياتك تتركز على وظيفة فحسب، أو على بطن، أو على فرج، أو على فلة، أو على سيارة، لم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام- يريد ذلك، أراد صلى الله عليه وسلم من الصحابة أن يكونوا للجنة، يقول عند ابن ماجة بسند جيد: {ألا من مشمر إلى الجنة؟ فإن الجنة والذي نفسي بيده، نورٌ يتلألأ وقصر مشيد وزهرة وخلود} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، قال الصحابة: نحن المشمرون يا رسول الله! قال: قولوا إن شاء الله.

همة عالية عند أحد الصحابة

همة عالية عند أحد الصحابة ولذلك يقول أحد الصحابة: {يا رسول الله! أين ألقاك غداً؟ -يعني يوم الزحام يوم العرض الأكبر- قال: عند مواطن ثلاثة إما عند تطاير الصحف، أو عند الصراط، أو عند الميزان} يعني: الأمر يقين وهو يسعى بهمته العالية إلى هذا الموقف.

همة عمرو بن سالم

همة عمرو بن سالم يقول نعيم بن مالك بن ثعلبة في معركة أحد، والرسول عليه الصلاة والسلام يتكلم على المنبر للناس: {أترون أن نقاتلهم في أحد، أو هنا؟ قالوا: هنا، فقام هذا الشاب وقال: يا رسول الله! لا تمنعني دخول الجنة، فوالله لأدخلن الجنة، قال: بماذا تدخل الجنة؟ -يعني: ما هي المؤهلات؟ - قال: بخصلتين بأني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف، قال: إن تصدق الله يصدقك، وأتت المعركة وقتل في سبيل الله ومسح عليه الصلاة والسلام التراب عن وجهه وهو شهيد، وهو يقول: صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله}. علو الهمة، ما أرادوا حطام الدنيا، ووجدوا أن ملاذ الدنيا وسمنها وعسلها ولحمها ومراكبها لا تساوي دقيقة من جهادهم الذي بذلوه في رفع لا إله إلا الله محمد رسول الله، أفيأخذون هذا الجزاء على هذا البذل؟ لا. فوفروا جزاءهم عند الواحد الأحد. يقول عمر على المنبر: [[والله إني لأعلمكم بأحسن الطعام، وألين اللباس، وأوسع الدور، ولكن أخشى أن يقال لي يوم القيامة: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف:20]]] ولذلك عمر في برد مرقع. يقول محمود غنيم: يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه إذاً: ربى عليه الصلاة والسلام أصحابه على الهمة، وهذا مطلب أساسي في هذه الصحوة الرائدة الخالدة المتجهة إلى الله. إن من أسباب الصحوة هذه علو الهمة، جربوا المبادئ الهدامة، ذاقوا الأطعمة البائسة الحقيرة، صنفوا في كل مكان، فما وجدوا إلا الطريق إلى الله. {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].

شباب الصحوة همتهم عالية

شباب الصحوة همتهم عالية شباب الصحوة همة عالية وطموح فياض، أتى الشاب ففكر في نفسه هل يبيع روحه وأيامه ولياليه بسهرة مع مجلة خليعة، أو فيديو مهدم، أو أغنية ماجنة، أو سيجارة، أو مخدرات، أو جلسة لاهية؟ لا. الحياة أعظم. هل يبيع حياته مع كأس وامرأة؟ لا. الحياة أعظم، هل يبيع حياته سبهللاً؟ لا اهتمام لا تحصيل لا تثقيف ولا فقه في الدين؟ لا. الحياة أعظم {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. تصور إنساناً يجمع مائة شريط غنائي في الجنس، وفيديو مهدم في بيته، ومجلات يتوسدها كمخلاة الشعير عند رأسه يقرأها صباح مساء أيُّ همة عنده؟! شاب لا يصلي الفجر في جماعة، أيُّ همة عنده؟! شاب لا يراود نفسه على حفظ القرآن والتزود من علم الكتاب والسنة والتحصن بالعلم (قال الله وقال رسوله) أي همة عنده؟! إنه قد جهل الأصل الخامس من أصول التربية التي علم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه. إنها علو الهمة. همة عالية، قال الذهبي - وأنا أوردها والعهدة على الذهبي في ترجمة خالد وكلكم يعرف خالداً أبا سليمان سيف الله المسلول: أتي له بقارورة من سم قبل معركة اليرموك قبل اشتداد المعركة، فقال له الروم: إنكم تزعمون أنكم متوكلون على الله، فإن كنت صادقاً فاشرب هذه القارورة فإنها مملوءة سماً، قال: باسم الله، توكلت على الله، حسبي الله ونعم الوكيل، ثم فتح القارورة فشربها، فما أصابه شيء: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174].

الهمة العالية عند المجاهدين الأفغان

الهمة العالية عند المجاهدين الأفغان ومن الهمم العالية التي أوجدها بعض دعاة الصحوة ورواد الصحوة جهاد الأفغان، فهم قوم بسطاء، لكنهم عمالقة في اليقين والتوكل على الله، خرجوا إلى المستعمر الأحمر الذي أتى بطائراته بصواريخه وبدباباته وقصف الأرض، وأشعل السماء، هدم المساجد وقتل الأطفال، أزهق الأنفس وسحق النساء، عذب الشيوخ وحمل أكبادهم على النار، قال لهم الناس: تعالوا إلى هيئة الأمم واشكوا حالكم، قالوا: آمنا بالله وكفرنا بـ هيئة الأمم، قالوا: إلى جنيف، قالوا: آمنا بالله وكفرنا بـ جنيف، وخرجوا على المستعمر بالكلاشنكوف يكبرون ويهللون، فسحقوه وأذلوه أمام العالم وأرغموه على الخروج. يا أمة المجد والأرواح أثمان في شدة الرعب ما هانوا وما لانوا كم ملحد ماجن ظن الحقوق له زفوا له الموت مراً وهو مجان فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ هي من الهمة التي يريدها عليه الصلاة والسلام ألا يستخذي المسلم للمستعمر، وألا يعبد بطنه، وألا يعبد فرجه، وألا يعبد مغرياته وشهواته {تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش} لأنه ما عرف الحياة، ما عرف أن الرزق بيد الله، وأن المعطي هو الله، وأن المانع هو الله، وأن المحيي والمميت هو الله، {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]. ألا إن ريادة هذه الصحوة أن نعود إلى تربية محمد عليه الصلاة والسلام، التربية من الكتاب والسنة، علم النفس من الكتاب والسنة، الثقافة من الكتاب والسنة، نحن نصدر ولا نستورد، نحن نعطي ولا نأخذ، عندنا ثراء، نحن أغنياء بما عندنا من أصالة، وإن الفاشل والمنهزم الذي يذهب إلى كانت وديكارت ولينين واستالين ليأخذ سلعته ويبيع دينه، يقول لسان حالهم: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ * مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:14 - 18] ما عرفوا التربية، ما عرفوا الأصالة والعمق. فقل للعيون الرمد للشمس أعينٌ تراها بحق في مغيب ومطلع وسامح عيوناً أطفأ الله نورها بأهوائها لا تستفيق ولا تعي

تلخيص لما مضى

تلخيص لما مضى ألخص ما أقول: أصول التربية عند الرسول عليه الصلاة والسلام، أو من أصول التربية في حياته خمسة: أولها: تربية أصحابه على حب الله عز وجل وعلى حب الرسول عليه الصلاة والسلام حباً منقطع النظير أشهى من الماء البارد والعسل المصفى. الثاني: الشجاعة والإقدام، شجاعة تكسر أسوار الحديد المادي، وشجاعة تقتحم كل حجاب من حجب الشهوة والمادة. الأصل الثالث: الصراحة والوضوح، صراحة تنبني على انطلاق الكلمة المعبرة من القلب الصادق الذي لا يعرف النفاق، ولا المجاملة ولا الالتواء، عند ذلك يقول عمر على المنبر: [[يا أيها الناس! لو رأيتموني اعوججت فما أنتم صانعون؟ فيسكت الناس ويقوم أعرابي -وقيل: إن عمر قال: يا أيها الناس! لو رأيتموني ملت عن الطريق هكذا، فماذا تصنعون؟ فسكتوا- وقام أعرابي وسل سيفاً من آخر المسجد، قال: يا أمير المؤمنين والله الذي لا إله إلا هو، لو رأيناك ملت عن الطريق المستقيم هكذا، لقلنا بالسيوف هكذا، قال عمر: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من لو قال هكذا، لقالوا بالسيوف هكذا]]. أليست صراحة ووضوحاً؟ بلى. الأصل الرابع: لين ورفق يدخل الدعوة إلى قلوب الناس، لا عنف ولا قتل، لا إرهاب ولا تمزيق للأعراض، لا جرح للنفوس، لا مرارة، بل حب ينساب كالنور إلى الأرواح، أو كالماء البارد. الأصل الخامس: طموح وعلو همة يرقى بها الإنسان ليعيش في الحياة سيداً وعبداً لله لا لغيره، فهذه العبودية التي تكون في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66]. فالصلاة والسلام على محمد ما ذكره الذاكرون، وما غفل عنه الغافلون، وما أتى إليه أتباعه يطلبون الهدي من سنته، فنسأل الله أن يثبتنا على منهجه، وعلى سيرته، وأن يفقهنا في دينه، وأن يجمع قلوبنا على تربيته الخالدة الرائدة. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراًَ. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. هذه بعض الأسئلة نعرض منها ما يسره الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

نصيحة حول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم

نصيحة حول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم Q ماذا تنصحون حول سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وماذا تنصحوننا به من الكتب الجيدة في السيرة؟ A ننصحك بالعمل بسنته عليه الصلاة والسلام، فهو المقصود من السيرة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] وضوابط حبه صلى الله عليه وسلم سبق فيها محاضرة، وهو شريط إسلامي اسمه ضوابط محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن أجمل جملاً علَّ الله أن ينفع بها. الأمر الأول: من ضوابط محبته صلى الله عليه وسلم: العمل بسنته، فمن لم يعمل بسنته، فلا يحبه وهو دجال في دعواه. الأمر الثاني: عدم الاعتراض على السنة، أو الاستهزاء، أو السخرية، لأنه قد يخرج إلى الكفر. الأمر الثالث: كثرة الصلاة والسلام عليه- صلى الله عليه وسلم-. الأمر الرابع: نشر سنته في الناس، وتعليم الناس سنته عليه الصلاة والسلام. هذه ضوابط أربعة، وربما يوجد في الشريط ثلاثة غيرها تدخل فيها ضمناً، وأما الكتب فأعظم كتاب صراحةً تحدث في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام بعد كتاب الله- عز وجل- كتاب زاد المعاد لـ ابن القيم وأنا أرشحه لأمور: (لجودة تحقيقه، ولتحري صاحبه، ولإمامة مصنفه) ثم ما فيه من خير كثير. وكتب السيرة عموماً ومن أحسنها كتاب ابن كثير في السيرة لكنه طويل، وكذلك كتاب الرحيق المختوم في سيرة النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم، وعموماً كل كتب الحديث الصحيحة والحسنة تروي لنا سيرة محمد عليه الصلاة والسلام.

كتب ترشد إلى محبة النبي

كتب ترشد إلى محبة النبي Q هل هناك كتب ترشد إلى محبة الرسول عليه الصلاة والسلام؟ A نعم. أحسن كتاب كتاب الله- عز وجل- يدلك على محبة محمد- صلى الله عليه وسلم- وهناك كتاب جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم لـ ابن القيم، ومثله من الكتب وكتاب الأذكار للنووي، والوابل الصيب لـ ابن القيم، والمجلد العاشر والحادي عشر من الفتاوى لابن تيمية هذه من أحسن ما كتب في هذا الموضوع.

تكرر المعاصي على الشخص وعدم الصبر عنها

تكرر المعاصي على الشخص وعدم الصبر عنها Q رجل يشكو من تكرر المعصية عليه ومن عدم صبره عن المعصية؟! A وهذا السؤال تكرر كثيراً من الإخوة، أقول: اعتصم بالله عز وجل واصدق مع الله أن ينجيك من مزالق الفتن: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وأوصيك بأمور: أولها: بكثرة الدعاء خاصة في أدبار الصلاة وفي السجود وفي آخر الليل دعاء حاراً صادقاً أن يثبتك الله حتى تلقاه، وإن كان لك والدة كما قال الإمام أحمد لبعض الناس، فاطلب منها الدعاء. الأمر الثاني: الصلوات الخمس جماعة بخضوع وخشوع وتبتل. الأمر الثالث: تدبر القرآن. الأمر الرابع: الانتهاء عن المعاصي وكف الجوارح عن المخالفات. الأمر الخامس: رفقة الصالحين والجلوس مع الصالحين ومقاطعة الفجار -والعياذ بالله- والمعرضين.

علم النفس وعلم الاجتماع

علم النفس وعلم الاجتماع Q إني طالب في بعض الكليات يدرسوننا علم النفس على أسس غربية، وعلى أسس مفكري الغرب، ويدرسوننا أصول التربية الإسلامية عنوان الكتاب مادة إسلامية، ولكن مضمونه مادة غربية، فما رأيك في ذلك؟ A يوجد في بعض المؤسسات العلمية -وقد مر بنا وبعض الإخوة يعرفون ذلك- أنه لما أتينا إلى علم الاجتماع درسونا سقراط بقراط، طاق، وطرباق وضعنا حتى انتهت الدراسة، وما بدأنا بمحمد ولا بـ أبي بكر ولا عمر ولا بـ عثمان ولا بـ علي والتاريخ زنوبيا الزباء في تدمر، وهذا يوجد أحياناً قد يوجد من بعض الناس دكتور يؤلف مادة فينسى الإسلام ويأتي إلى تدمر وإلى زنوبيا الزباء وبختنصر وحمورابي وسقراط وبقراط وينسى مجد الإسلام وعظمته وتاريخه. تاريخنا من رسول الله مبدؤه وما عداه فلا ذكر ولا شان حتى يقول بعض الشباب من أهل الدعابة والنكت لأستاذ التربية: يا شيخ! ألا ينقض الوضوء القراءة في هذا الكتاب؟! يعني: إذا كنت على وضوء فقرأت في هذا الكتاب تحتاج تجدد وضوءك، مثلما سأل سائل أحد العلماء عندنا في أبها جاءنا عالم رفيع فسأله أحد السائلين: النظر إلى الحداثي -يعني أهل الحداثة الشعراء- ينقض الوضوء؟ قال: لا. ينقض الإيمان، وهو حدث أكبر ليس أصغر، حدثهم حدث أكبر.

المعوقات في طريق الدعوة

المعوقات في طريق الدعوة Q ما هي المعوقات في طريق الدعاة؟ A هناك كتاب اسمه العوائق لكن عليه ملاحظات، أنا ما قلتها لكن بعض طلبة العلم الجادين، وعلى كل حال لا تنجلي الطريق إلا بالكتاب والسنة، ولا يأتي الإنسان في بعض المزالق إلا لقلة علمه، أو فقهه، أو حكمته، فكلما تنور الإنسان بالكتاب والسنة بانت له العوائق {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]. من العوائق: تشتت الكلمة والفرقة، حزبية ممقوتة ضيقة أضيق من خناق الحمار، يموت فيها الشاب وهو حي يرزق بعينيه وأذنيه وقلبه، لكن لا يعرف الطريق، يضيق على نفسه بكتب محددة وأساتذة محدَّدين، وجلسات محددة، ونحن لا نثرب على الناس، لكن الإسلام أوسع وأعمق وأكبر، والإسلام قرآن وسنة، الإسلام هذا الجمهور العظيم الهائل الذي تعيش معه، كلهم إخوانك وأصحابك وأحبابك يسيرون معك في طريق إلى الله، فلا تضيق الطريق على نفسك وتحمل على أخيك وتكرهه بل صاف الجميع، واعمل مع الجميع، وعاونهم، وساعدهم؛ فلكل مسلم منك حظ ونصيب. بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني ومن العوائق: قلة العلم، جاهل يدعو كيف يدعو؟! ومن العوائق الحدة والعجلة والطيش والعنف يريد أن يأتي الدعوة بالتكسير، يريد أن يأتي بالهراوي والمشاعيب ويقود عباد الله إلى الجنة، ولو كان هاك أحد يستطيع لجعل الله ذلك للأنبياء، لكن أتوا بكتاب وببسمة وبسنة وبتعاليم ربانية، فقادوا القلوب بالحب إلى الجنة. ومن العوائق: عدم معرفة الأولويات، وعدم التدرج في الدعوة، يرسل- صلى الله عليه وسلم- معاذاً، فيقول له: {ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إلا إله الله، وأني رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة} الحديث.

المسجد هو منطلق الدعوة

المسجد هو منطلق الدعوة Q ذكرت في محاضرتك في الجنادرية أن المسجد هو منطلق الدعوة من بعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، فكيف تعلق على ذلك؟ A تحديد الأخ أظنه وهماً، هذه الكلمة أنا قلت: منطلق الدعوة من المسجد وشاركني الشيخ أبو بكر الجزائري والدكتور/ التويجري تلك الليلة، لكن أما زيادة أني قلت: من المغرب إلى العشاء، فهذه من الإسرائيليات بسند منقطع وليأت بدليل، بل المسجد في الصباح والمساء وقبل الظهر وبعد الظهر وفي كل وقت، ولا يفهم أني أحجر الدعوة فقط في المسجد، فإذا حجرناها في المسجد، فمن يدعو أهل النوادي والمقاهي، وأهل الملاهي والشواطئ؟ من يقتحم أسوار أهل الخمارات والبارات؟! لكن قصدي أن نبدأ الدعوة منطلقة من المسجد كما فعل عليه الصلاة والسلام من أنوار المسجد بتخطيط المسجد، وتنسيقه، بروعته وحرارته، ثم ننتقل، أما أن أقول: تعكُف في المسجد فقط، إذا فهم ذلك، فإني أستغفر الله من فهمه، وأسأل الله أن يتوب عليه، وأما زيادته فقد وهم.

بعض الشعر

بعض الشعر Q أسمعنا من شعرك؟ A أسمعكم أبياتاً، لأن أمامي كماً هائلاً من جنود هذه الصحوة الذين أعلنوا توجههم إلى الله، فكانت المناسبة أن آتي بقصيدة بين الأصالة والحداثة، وهي بنت أيام؛ حتى العقيقة ما عققت لها، وما سميتها إلا من قريب على كل حال، ومنها: يا أمة المجد قومي مزقي الحجبا وأشعلي في ليالي دهرك الشهبا أتذكرين صلاح الدين سفسطةً من غير بذلٍ صلاح الدين قد ذهبا لأن بعض الناس عظامي؛ تراه معرضاً مطبلاً مغنياً معرضاً عن الله عز وجل منحرفاً، فإذا خابرته، أو عاندته، أو ناخيته، فال: جدي صلاح الدين، منا عمر، منا طارق، منا حسان. إذا فخرت بآباء لهم شرف نعم صدقت ولكن بئسما ولدوا هذه قصيدة وشرح والأخ يطلب قصيدة بلا شرح. لا تذكرنَّ صلاح الدين سفسطةً من غير بذلٍ صلاح الدين قد ذهبا قبر العظيم إذا ما زاره ذنبٌ رغا وأزبد لا حييت يا ذنبا لو أسمعوا عمر الفاروق نسبتهم وأخبروه الرزايا أنكر النسبا أبواب أجدادنا منحوتة ذهباً وذي هياكلنا قد أصبحت خشبا من زمزم قد سقينا الناس قاطبةً وجيلنا اليوم من أعدائنا شربا لكن أبشر هذا الكون أجمعه أنا صحونا وسرنا للعلا عجبا في فتية طهر القرآن أنفسهم كالأسد تزأر في غابتها غضبا عافوا حياة الخنا والرجس فاغتسلوا بتوبة لا ترى في صفهم جنبا أيها الإخوة! أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

خطر على الأمة

خطر على الأمة الخمر أم الخبائث، وهي سبب دمار الأمة، ولها أضرار عظيمة على الفرد والمجتمع، ولشربها أسباب، والخمر إنما حرمها الله جل وعلا لضررها، فلكي تعرف أضرارها، وتعرف أسباب شربها وكيفية معالجة وإبعاد الشباب عن هذه الخبيثة. تصفح هذه المادة.

الخمر أم الخبائث

الخمر أم الخبائث الحمد لله القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90 - 91]. والصلاة والسلام على رسول الله القائل: {إن على الله عهداً أن من شرب مسكراً في الدنيا أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة، قيل: يا رسول الله! وما ردغة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار، أو قيح أهل النار} رواه مسلم. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله! إن من أعظم الجرائم وأكبر المشاكل التي تفشت في مجتمعاتنا، وعرضت ديننا وقيمنا وأمننا وأموالنا للضياع وللسفك وللانسلاخ وللتهرب؛ هو ما فشا في مجتمعاتنا من تعاطي المخدرات، إنها مصيبة نكراء، وجريمة شنعاء؛ فتكت بشبابنا، وأذهبت أموالنا، وزعزعت أمننا وسكينتنا، فنشكو حالنا إلى الله تبارك وتعالى. وقد تحدث الله عزوجل عن المفسدين في الأرض، وتعرض لجرائمهم، وبين أحكامهم، فقال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:33 - 34]. ولقد كانت الخمر عند العرب في الجاهلية تسمى أم الخبائث، فلا يشربها عقلاؤهم، ولا يتعاطاها رؤساؤهم، وقد حرَّمها كثيرٌ منهم على نفسه، منهم حاتم الطائي وزيد بن عمرو بن نفيل وهرم بن سنان، وكانت تسمى عندهم السفيهة، والمؤذية، والقبيحة، والمكروهة، فلما أتى الإسلام حرَّمها الله تبارك وتعالى في كتابه، وحرَّمها رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال: {ما أسكر قليله فكثيره حرام}. وقال عليه الصلاة والسلام: {إن على الله عهداً أن من شرب مسكراً في الدنيا أن يسقيه الله من ردغة الخبال، فقالوا: يا رسول الله! وما ردغة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار، أو قيح أهل النار} يجمعه الله فيسقي به من تعاطاها في الدنيا. وفي الأثر: {من جلس على مائدة يدار عليها خمر، فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم}. وأضرارها وبيلة، ويكفي ما نسمع ونرى وما ينقل إلينا من تلك الأضرار الوخيمة، والعواقب الأليمة التي تفشت في مجتمعاتنا من مجازر ومذابح يتعرض لها رجال الأمن من هؤلاء العصابات الفاجرة المجرمة، التي سعت بالإفساد في الأرض، وزعزعت أمن الدولة والأمة، وآذت السكان، وأرهبت أهل البيوت في بيوتهم، وعرضت الأنساب إلى الاختلاط، والأعراض للجريمة، والدماء للسفك، والأموال للهدر، والشباب للضياع.

أضرار شرب الخمر

أضرار شرب الخمر اسمعوا إلى أضرار شرب الخمر، فإن من أعظم تلك الأضرار:

الخمر محاربة لله

الخمر محاربة لله أنها محاربة لله تبارك وتعالى، ومعصية ظاهرة له، ومن فعلها أو تناول شيئاً منها، أو روَّج لها، أو ذكرها بإحسان، أو سكت عن مروِّج لها؛ فقد بارز الله بالمعصية، واستوجب لعنة الله وغضبه وسخطه ومكره، قال تعالى: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99] فهي عداوة صريحة لله تبارك وتعالى في أرضه. ومما عصي به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الأرض أم الخبائث؛ -الخمر المسكر- فإن الإنسان إذا سكر هذي، وإذا هذي افترى، وإذا افترى قتل، وزنى، وسرق، واغتصب، وفعل كل خبيثة وفاحشة.

الخمر ذهاب للعقل

الخمر ذهاب للعقل ومن أضرارها أيضاً أن فيها إذهاباً للعقل الذي هو أعظم هبات الله للإنسان، فإذا أذهب هذه المنة، والنعمة، فقد تردى في الحضيض، وباء بالغضب واللعنة، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن العقل: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] وقال أهل النار: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10] وقال عز من قائل: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة:269] أي: أهل العقول، فالذي أذهب عقله هو في مستوى البهيمة، ومستوى الحمار أو الثور، لا يدرك ولا يعرف شيئاً، قلَّت قيمته، وخفَّ وزنه، فلا رجولة فيه، ولا حياء، ولا مروءة، ولا دين ولا خير، أذهب الله بهاءه، ونزع الله رداءه من على جنبيه، وهتك ستره، وفضحه على عيون الناس.

الخمر إهدار للدماء والأعراض

الخمر إهدار للدماء والأعراض ومن أضرارها: أنها تهديد وإهدار للدماء والأعراض والأموال؛ فأما الدماء فإننا نسمع بين الحين والآخر، تلك الجرائم التي تحدثها تلك العصابات؛ من قتلٍ رهيبٍ، وسفك للدماء، واقتحام للبيوت الآمنة الساكنة التي استظلت بلا إله إلا الله. ونسمع قضايا الإعدام دائماً وأبداً، تعرض لهؤلاء المجرمين كما حكم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم؛ لأنهم أفسدوا في أرضه. وأما الأعراض؛ فإن أكبر جريمة بعد شرب الخمر هي جريمة الزنا، ولا تأتي في الغالب إلا بعد أن يذهب العقل بالخمر، حتى حمل بعضهم -لما سكر وشرب الخمر- أن تعدى بالجريمة الفحشاء التي لا تذكر على أمه التي ولدته، فنفذ فيه حكم الله، وهذا أقلَّ ما يفعل به، ارتكب جريمة تقشعر منها جلود اليهود والنصارى والبوذيين، لا تفعلها الكلاب ولا الحمير، ولكنه لما سكر وذهب عقله فعل تلك الجريمة الشنعاء. وفي الخمر أيضاً إزهاق للأموال، فإنها تؤدي إلى الميسر والقمار، وإلى إتلاف الآلاف والملايين في غضب الله، وسخطه، ولعنته.

الخمر سبب لضياع شباب الأمة

الخمر سبب لضياع شباب الأمة ومن أضرارها: أنها ضياع لشباب الأمة، وإهدار لقوتها ومستقبلها، فما ضاع أكثر شبابنا إلا في نت هذه الخبيثة المخبثة دخلوا السجون، وامتلأت بهم بعد أن دعاهم الله إلى المساجد، ودعاهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى حِلَق الذكر والعلم، وإلى أن يرفعوا من أنفسهم ومن كيانهم ومستقبلهم: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5] فدخلوا بالعشرات بل بالمئات، والإحصائيات التي سمعنا بها رهيبة، حيث امتلأت بهم السجون، وشكلوا مؤسسات كبرى، وفصولاً طويلة عريضة، كلهم من فلذات أكبادنا، ومن شباب أمتنا، أذهبوا عقولهم بعد أن أذهبوا دينهم.

الخمر سبب لأمراض فتاكة

الخمر سبب لأمراض فتاكة ومن الأضرار كذلك: الأضرار الصحية التي تعرضت لها الأمة؛ فإن من أعظم ما فتك بالناس المخدرات وشهد بها أهلها ومنتجوها، ومروّجوها، ومصنّعوها، ومورّدوها، انتشر عندهم وانتشر عندنا بطريق الإرسال مع هذه المخدرات مرض الإيدز، وأمراض الالتهاب الرئوي، وسوء الهضم، والتشنج والسهاد، والقلق، والسهر، والارتباك، والمرض النفسي، والانهيار العصبي، والغم، والهم، والحزن، واللعنة في الدنيا والآخرة إلى غير ذلك مما ذكره أهل الطب، بل أربوا على مائة مرض في ذكر أمراضها، فمن أعظمها: الإيدز والسرطان الذي يصاب به كثير من الناس، حتى قال بعض أطباء الأمريكان: كل أربعة في عشرة من الأمريكان مهددون بمرض الإيدز بسبب المخدرات. ويقول دايل كارنيجي؛ صاحب كتاب دع القلق وابدأ الحياة: إن الأمريكان قد حفروا لأنفسهم قبوراً يردونها؛ لأنهم ما عرفوا الله نصف ساعة في اليوم. ثم قال: والسبب الرئيسي في ذلك أنهم تعاطوا المخدرات فأذهبوا عقولهم. ويقول أليكسس كارل الأمريكي في كتابه الإنسان ذلك المجهول: إن من أكبر ما أدى بـ أوروبا إلى الانهيار والتحطم الروحي، هو تلك المخدرات التي انتشرت في مجتمعاتها.

أنها سبب لضعف الأمة اقتصاديا وعسكريا

أنها سبب لضعف الأمة اقتصادياً وعسكرياً ومن أضرارها كذلك: أنها ضربة للأمة في قوتها واقتصادها في قوتها العسكرية وفي تصنيعها واقتصادها، ولذلك ذكر أهل التاريخ أنه في القرن السادس عشر الميلادي اقتتل الصينيون واليابانيون فانهزم الصينيون، وحُقِّق في سبب الهزيمة؛ فإذا الأفيون كان قد انتشر انتشاراً رهيباً في الجيش الصيني مما اضطره إلى أن يترك المعركة وينسحب ويستسلم، فيسحق وتؤخذ أرضه. وهذا أمر معروف عند العرب، فإنهم كانوا في الجاهلية يسمون الأفيون عطر منشم؛ إذا شمه الجيش، وأروح رائحته، انهزم في المعركة وولى الأدبار، ولذلك يقول زهير في ميميته وهو يمدح هرم بن سنان: تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم فهذه أضرارها؛ بل هي قليل من كثير. إن معنى تعاطي المخدرات والترويج لها: أن نعيش في إرهاق بين عصابات إرهابية، لا نهنأ بنوم ولا براحة ولا بطعام ولا شراب ولا سكينة. إن معناه: أن شبابنا بالعشرات وبالمئات إلى النار، وقبلها إلى الدمار والعار. إن معنى ذلك: أن يُخرج الناس من المساجد فيصبحون شللاً من الإجرام، وشللاً من الانحراف إلا من رحم الله. إن معنى ذلك: أن تذهب قوة الأمة ومالها واقتصادها، وتتعرض هذه الأمة خاصة في مثل هذه البلاد التي وزعت الهداية على الناس، ووزعت النور على البشرية، إلى ضربة قاصمة. ولذلك وجد في استطلاعاتٍ قرئت ونشرت، أن أعظم من وزَّع هذه المخدرات، وسهل عبورها إلى دول الإسلام والشرق الأوسط هي إسرائيل عدوة الإنسانية - الصهيونية العالمية - لتضرب الأمة في صميمها وكيانها وفي شرفها ومروءتها.

أسباب انحراف شباب المسلمين

أسباب انحراف شباب المسلمين ما هي الأسباب التي أدت بشبابنا ومجتمعاتنا إلى هذا التهتك والتهور والانحلال -إلا من رحم الله- وتعاطي المخدرات والترويج لها؟

ضعف مراقبة الله

ضعف مراقبة الله ومن لا يراقب الله يضيعه الله، ومن لا يحفظه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يجعله عبرة للمعتبرين، قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:23 - 24] وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5] فلما ضعفت مراقبة الله في قلوب كثير من الناس بما فيهم الشباب؛ سهل عليهم تعاطي المخدرات، فمقتهم الله، ووقعوا في لعنة الله وغضبه. ولذلك فإن أعظم ما يوصى به في هذا الجانب هو قوله صلى الله عليه وسلم: {احفظ الله يحفظك} فمن لا يحفظ الله لا يحفظه الله، ولو توضئوا وصلوا كل يوم خمس مرات، لحفظهم الله ورعاهم، ولكن تركوا الصلاة، فأوردهم الله موارد الهلاك. ولذلك جاء في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء؛ فإنه من طلبه من ذمته بشيء أدركه، ومن أدركه أهلكه}. فلما تركوا صلاة الفجر في جماعة؛ ابتلاهم الله بالكبائر، وأخذهم من حيث لا يشعرون، فأوقعهم في الرذيلة، وأوقعهم في القبح جزاءً نكالاً.

سوء التربية

سوء التربية والسبب الثاني: سوء التربية. فإن الأب هو المسئول الأول في إصلاح الشاب وهدايته وتوجيهه، والشاب الذي ينشأ على الأغنية الماجنة لا يُستبعد أن يتناول كأس الخمر، ويتناول الأفيون، ويتعاطى الحشيش، ويروج المخدرات، كيف وقد تربى على الأغنية الماجنة والجريمة والفحش، ولم يترب على سورة (طه) و (الواقعة) و (ق) وما سمع حديثاً من صحيح البخاري ولا مسلم، فتربى على الجريمة حتى تناولها. فالأب هو المسئول الأول، والأم كذلك مشتركة في المسئولية، فعليهم أن يتقوا الله في أبنائهم.

الفراغ

الفراغ لما فرغت قلوبهم من طاعة الله وذكره ومحبته؛ دخل عليهم الشيطان، فوسوس في قلوبهم، وزرع حب الجريمة، وتعاطوا المخدرات وتناولوها وسهلت عليهم، فسقطوا من عين الله تبارك وتعالى. يقول ابن تيمية: إن القلب إذا لم يمتلئ من محبة الله امتلأ من محبة الشيطان، فقاده الشيطان كما تقاد الدابة حتى يورده موارد البوار.

قرناء السوء

قرناء السوء إن قرناء السوء، والعصابات البائرة الفاجرة الفاسدة التي مكرت بشبابنا، وصورت لهم أن الدين وحلقات العلم وندوات الخير تخلف وتزمت وتأخر، ولقد رأينا إنتاجهم على الصعيد الآخر، ورأينا ماذا فعلوا بالأمة، والشعب، وكيان الناس والوطن، لقد أوردوه موارد الهلاك، ولذلك يظنون أن التطور والتقدم أن يترك المسجد، ولا يقرأ في المصحف، ولا يسمع الحديث، ولا يجلس في حلق الخير. مرَّ أحد المستهترين بأحد طلبة العلم وهو يقرأ في صحيح البخاري، فقال له ضاحكاً مستهتراً: الناس صعدوا على سطح القمر وأنت تقرأ في هذا الكتاب؟! فرد عليه هذا وقال: أنت ما قرأت في الكتاب ولا صعدت على سطح القمر. إنهم ما قدموا شيئاً، إنما قلدوا أوروبا في الميوعة والأنوثة وفي التدني والسخف والسفه، لكنهم ما صنعوا لنا طائرة ولا ثلاجة، ولا قدموا لنا خدمات كما فعلت أوروبا، ضاعوا من الدين والدنيا، كفقراء اليهود لا ديناً ولا دنيا: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} [النساء:143].

التقليد الأعمى

التقليد الأعمى ومن أسباب انتشار المخدرات أيضاً -وهو من الأسباب العتيدة- التقليد الأعمى؛ فإن كثيراً من الشباب لسوء فهمهم للإسلام، ولقلة علمهم وفقههم في دين الله تراه ينظر إلى أوروبا نظر المعجب، الذي بهرته هذه الحضارة؛ لأنه مغلوب في نفسه وروحه وكيانه، حتى يفتخر بعضهم في المجالس أنه سافر إلى أمريكا ولندن وباريس، وأنه عاش ودرس هناك، وهذا -والله- ليس بشرف، وإنما يحلُّ لنا السفر إلى أوروبا للضرورة كما يحل لنا لحم الميتة عند الضرورة.

حكم السفر إلى بلاد الكفر

حكم السفر إلى بلاد الكفر قال أهل العلم: لا يسافر لبلد الكفر إلا لعلاجٍ لا يوجد في بلاد المسلمين، أو دراسةٍ دنيوية لا تتحصل هنا، أو دعوة لينشر دين الله، فهل ذهب الكثير من هؤلاء للدعوة؟!! هل ذكروا لا إله إلا الله في شوارع لندن وباريس؟!! هل رفعوا علم محمد صلى الله عليه وسلم؟!! هل نشروا القيم والأخلاق؟!! لقد ذهبوا هناك فأصبحوا أذل وأخس وأحقر من أبناء تلك الأمم. وما ذهبوا إلى العلاج؛ فإن في بلادنا ما يشفي ويكفي، وما ذهبوا لطلب العلم، فإنهم ما قدموا وما أنتجوا لنا شيئاً، فإن كان عذرهم إحدى هذه الثلاث فصدقوا ونجحوا وأفلحوا وعذروا، وأما غيرها فإن هذا التقليد هو الذي أوردهم الموارد.

تعاطي عقاقير تفسد النسل

تعاطي عقاقير تفسد النسل ومن الأسباب أيضاً: تعاطي بعض العقاقير عن طريق الخطأ، أو عن طريق التلبيس وادعاء أنها صحية، ونافعة، وأنها تقوي شهوة الجنس، وكذبوا لعمر الله! بل أثبت أهل الطب من المسلمين أنها سبب لفساد النسل وتهديده، وفساد شهوة الجنس. فهذه بعض الأسباب التي أحدثت هذا الإرباك والاضطراب. فنسأل الذي بيده مفاتيح القلوب أن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن ينقذنا من هذه الأزمات، وأن يتوب على شبابنا، وأن يهيئ لهم القبول، وأن يحبب لهم طريق المسجد، ولا يعرضهم إلى طريق الخمارة ولا طريق المفسدين والمرجفين في الأرض. ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يردنا إليه رداً جميلاً، فنعتني بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فنعيش كما أرادنا الله خير أمة أخرجت للناس؛ نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله، ولا نقلد الضالين الضائعين المنحرفين؛ بل نأخذ عن الأمم أحسن ما عندهم مما لا يتعارض مع ديننا، ونرد القشور مما يعارض ديننا وأخلاقنا. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.

علاج الانحراف

علاج الانحراف الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، ومحجة الله وحجته على العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله! هذه هي الأسباب، وتلك هي الأضرار، فما هو العلاج إذن؟ وما هو البلسم الشافي والدواء الكافي من هذه الأزمات والصعوبات والأمراض الوبيئة التي أحدثت بنا هذا الحدث وهزتنا هذا الهز العنيف؟ إن العلاج يكمن في أمور:

العودة إلى الله

العودة إلى الله أولها وأعظمها وأشرفها: العودة إلى الحي القيوم ومراقبته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وتقواه؛ فإنها النجاح في الدنيا والآخرة، ولو اتقى هؤلاء الله عزوجل لعصمهم، قال سعيد بن المسيب وقد ذكر له رجل شرب الخمر: ما سبب شربه الخمر وكان معنا؟ قال: [[ترك طاعة الله، فسقط من عين الله، فرفع الله ستره عنه]] وإذا أراد الله أن يرفع كنفه عن العبد خلاه ونفسه، ولم يستدركه بطاعة، ولم يلهمه رشده، فتردى على وجهه في النار. فأعظم العلاج: أن نعود بشبابنا وأمتنا إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فقد جربت الأمم الكافرة، وتعاطت هذه الأمور، فلما سقطت على وجهها في الهاوية، وحلت بها الكارثة، ووقع الشلل في مجتمعها، والاضطراب في كيانها، وأصبح الانتحار عندهم بالعشرات؛ تذكروا في الأخير أنهم أخطئوا في الطريق، وحاولوا الآن العودة إلى الله، يقول كريسي موريسون: الآن عرفت الله لما رأيت أوروبا تزحف إلى النار. عرف الله لما رأى تلك الشعوب تزحف إلى الهاوية.

تربية الشباب على منهج الله

تربية الشباب على منهج الله من العلاج هو: تربية شبابنا وأطفالنا على منهج لا إله إلا الله، وإدخال الإسلام حقيقة لا اسماً ولا تلبساً فقط، وليس أن نزعم أننا مسلمون، وأننا إذا خفضنا رءوسنا ورفعناها في المسجد أن هذا هو الإسلام، فإنما الإسلام أن يكون المهيمن في بيتك هو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن يكون العظيم في بيتك وطريقك ومسجدك هو إلى الله، وألا تتحاكم إلى أحد إلا الله، وأن تحكم شريعة الله في أطفالك وزوجتك وأهلك وجيرانك، وإن لم تفعل فإنك من الخاسرين.

توجيههم إلى العلم الشرعي

توجيههم إلى العلم الشرعي ومن العلاج: أن نأتي بالعلم النافع، وهو العلم الشرعي الذي تحتاج إليه القلوب والأرواح، فنملأ به قلوب الناس، ونقود الناس إليه، وننشره، ولا نستبدل الطيب بالخبيث من تلك العلوم السخيفة التي ليست علوماً في الحقيقة، يقول ابن تيمية: كل علم وفد إلى المسلمين، فإن كان خيراً فإن عندنا من الخير ما يغنينا عنه، وإن كان شراً فلسنا بحاجة إلى الشر. وبعض الناس يظن أن تلك العلوم المستوردة علم، وهي جهل في الحقيقة؛ لأنها صدت عن الكتاب والسنة. فمن العلاج أن نأتي بالشباب ونجلسهم في ندوات العلم، ونحبب إليهم سماع الكتاب والسنة، ودروس الفقه، ودروس التفسير، ودروس الأصول؛ لتتجه قلوبهم إلى الله الحي القيوم، ويملأها بالنور والإيمان. ومن العلاج أيضاً: أن نقضي على فراغهم، ولا نترك لهم دقيقة واحدة إلا في عمل خير: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] فمن كانت وجهته علمية فليذهب إلى مؤسسات العلم التي انتشرت والحمد لله، وسهل فيها طلب العلم، فليبذل جهده في المذاكرة، وفي التحصيل العلمي، وفي رفع مستواه في المعرفة والتفقه في دين الله. وإن كان له تميزٌ وتخصصٌ وتأهلٌ آخر: فليذهب به إلى تميزه من تجارة نافعة، ومن كسب محمود، ومن عسكرية طيبة شريفة؛ يحمي دينه وأمته في هذا السبيل. فلا علاج إلا أن يقضى على فراغ هذه الأمة وفراغ شبابها بأن يؤهلوا في مؤهلاتهم وتخصصاتهم.

حفظهم من قرناء السوء

حفظهم من قرناء السوء من العلاج أيضاً: أن نحفظ أبناءنا من قرناء السوء؛ فإن بعض الآباء من الذين قلَّ دينهم وفقههم في دين الله؛ يذهب ابنه الساعات الطوال ثم لا يسأله أين ذهب ومع من ركب أو جلس، أو أين نام وقعد، فتأخذه شياطين الإنس؛ فيسلخون دينه وعقله، ويحببون له الجرائم، فيصبح فرداً من أفراد إرهابيين، من أفراد التفرنج في الأمة، وأفراد الفساد في الأرض، ثم يطبق في شأنه حكم الله؛ فإذا هو فضيحة على أسرته وأمته في الدنيا والآخرة.

محاربة المفسدين

محاربة المفسدين ومن العلاج أيضاً: ألا نسمح لأي مروجٍ، أو مهرجٍ، أو مفسد، بل نأخذ على يده، ونخبر به، ولا نتستر عليه إذا كان مجاهراً؛ فإن التستر على المجاهر مساعدة له، ومطعم المأكول كالآكل، ولقد قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] يقول عليه الصلاة والسلام: {كلا والله -أي: لا تستقيم أمورنا، ولا يصلح حالنا- حتى نأخذ على يد السفيه ونقصره على الحق قصراً} وإلا فوالله إنه الضياع، وإنه -والله- التهتك والسخف، وليست السعادة أن نجمع الأموال، ولا أن نبني القصور، فإن قصور أوروبا وأمريكا أطول من قصورنا، وفللهم أعظم من فللنا، وسياراتهم أفخر من سياراتنا، وقد قال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً} [الزخرف:33 - 35] أي ذهباً أحمر: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:35]. فسعادتنا في عودتنا إلى الله، وسعادتنا في حمل رسالة لا إله إلا الله، وسعادتنا في عبوديتنا لله. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا فيا شباب أمة محمد صلى الله عليه وسلم! ويا شباب الإسلام! عودةً إلى الله عودةً إلى المسجد عودةً إلى المصحف عودةً إلى حلقات العلم عودةً إلى تذكر الطريق إلى الله وتذكر الموت ولقاء الله عزوجل. شباب الدين للإسلام عودوا فأنتم مجده وبكم يسود وأنتم سر نهضته قديماً وأنتم فجره الباهي الجديد أسأل الله لنا ولكم عودة صادقة إليه. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].

احذروا البدع!

احذروا البدع! صرخة تعلوا: احذروا البدع, لأنها تشويه للإسلام, وجرح لوجه هذه الرسالة من خلال هذا الكلام تحدث الشيخ عن ذلك مستعرضاً ذكر أسباب انتشار البدع وخطرها وأضرارها، وبعض صورها ونماذج منها، وأرشد إلى بعض الوسائل التي تكافح بها البدع. وألمح إلى أهمية الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والتدرج في الأساليب.

تمام الشريعة وكمالها

تمام الشريعة وكمالها الحمد لله رب العالمين, ولا عدوان إلا على الظالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وقدوة الناس أجمعين, وعلى آله وصحبه والتابعين, أمَّا بَعْد: أيها الإخوة النبلاء! عنوان هذه المحاضرة "احذروا البدع". البدع تشويه للإسلام, وجرح لوجه هذه الرسالة التي أتى بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام, وهي علامة على تخلف الأمة, وعدم معرفتها لميراث نبيها صلى الله عليه وسلم, والبدع طريق للكافر للدخول لخدش الدين وتشويه معالمه. ولهذه المحاضرة عناصر: 1 - الأسباب التي أدت إلى انتشار البدع في الأمة الإسلامية. 2 - أضرار البدع وأخطارها. 3 - من صور البدع ونماذج من البدع الموجودة في العالم الإسلامي. 4 - الوسائل التي تكافح وتحارب بها البدع. وقف عليه الصلاة والسلام في عرفات في حجة الوداع -وهي الوحيدة التي حجها عليه الصلاة والسلام- فأنزل الله قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] معنى الآية: تم الدين, وكمل وانتهى التشريع, فليس لأحد من الناس ولا من البشر أن يشرع أو أن يقترح في دين الله, ولا أن يستحسن من جيبه ولا من كيسه شيئاً, فالشريعة توقيفية, قال الله وقال الرسول عليه الصلاة والسلام, وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها, لا يزيغ عنها إلا هالك} فانتهى الأمر, وهي بيضاء كالشمس، مسلوكة مدروسة. يخطب أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه في أول خطبة فيقول: [[يا أيها الناس! إني متبع ولست بمبتدع]] هذه مؤهلات الخليفة, فأول شيء يفعله أبو بكر أنه يعلن سياسة حكومته, وهذا أسلوب عصري, يستخدمه مثل صاحب الرحيق المختوم المباركفوري وأمثاله, أول بند: إني متبع ولست بمبتدع, فأنا إذا قرأت عليكم دستوراً فإنما هو من القرآن والسنة. شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سبات بأيمانهم نوران ذكر وسنة فما بالهم في حالك الظلمات ويقول عليه الصلاة والسلام: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} رواه مسلم , فمن عمل عملاً ليس عليه أمرنا, ولا أتاه بيان من الله ولا نور, ولا هداية, ولا عليه أثر من دليل فهو مردود يضرب به وجه صاحبه, ولو كان شيخ المشايخ, ولو كان مفتي الدنيا؛ لأنه لا يطلب إلا من هناك, من عند محمد عليه الصلاة والسلام. يقول مالك: "ما منا إلا رادٌ ومردود عليه, إلا صاحب هذا القبر " عليه الصلاة والسلام, وصح عنه عليه الصلاة والسلام في لفظ آخر أنه قال: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} وكلمة أحدث توحي أنه عمل حدثاً في الدين, وأنه أتى بشيء مر, وأتى ببشاعة وبوقاحة، ولذلك يسمون الحدث الأصغر والحدث الأكبر, ويسمون أهل الحداثة: حداثة؛ لأن حدثهم أكبر. هؤلاء الحداثيون حدثهم أكبر والنظر إليهم ينقض الوضوء, وهذه ليست فتوى, ومن نظر إليهم فعليه أن يتعوذ من الشيطان الرجيم, فسمَّوهم أهل الحداثة لأنهم محدثون في الدين, وحدثهم أعظم من الجنابة, لأن الجنابة تغسل بالماء ولكن هم لا يغسلون. تلطخ ما تدنس منك حتى كأنك في حياتك ما طهرتا وتشفق للمصر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمتا مشيت القهقرى وخبطت عشوى لعمرك لو وصلت لما رجعتا والله لو رأيت نور محمد ما رجعت, ولا استهزأت, ولا سخرت, ولا نكصت, ولا عدت, ولا تقهقرت لكنك -للأسف- ما رأيت نور محمد. ويقول عليه الصلاة والسلام: {وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة} فكل من استحدث في هذا الدين فهو مبتدع.

أسباب انتشار البدع

أسباب انتشار البدع أيها الإخوة: العالم الإسلامي اليوم عددهم مليار (ألف مليون) لكنهم كما قال الشاعر: عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبت وجدتهم أصفارا من كل مفتون على قيثارة كل وجدت بفنه بيطارا أو كاذب خدع الشعوب بدجله عاش السنين بعمره ثرثارا بدع, وخرافات, وهوايات, وأطروحات، قد يكون علمانياً ويصلي, وصوفياً مشركاً قبورياً ويصلي ويدعي أنه مسلم. إن طلبة العلم والعلماء, والقيادات العلمية في العالم الإسلامي هي المسئولة, وهي مقصرة كل التقصير في عدم توضيح الحق للناس. من أسباب انتشار البدع: - الجهل. - اتباع الهوى. - اتباع المتشابه. - اعتقاد العصمة في غير المعصوم. - الاستحسان.

الجهل

الجهل الجهل داء عضال, وما دخل المستعمر وأهل القبور والدهريون على الدين إلا من باب الجهل, إن النصارى الضالين أهل الكهوف والمغارات الذين لا علم لهم ولا كتاب ولا سنة مثل غلاة الصوفية , فأشبه الناس بالنصارى الصوفية , وأشبه الناس باليهود كسلاً وخمولاً طالب العلم الذي تعلم العلم وما علّم وما عمل، فتجد بعضهم عنده شهادات معلقة ومبروزة في بيته, لكن ليس عليه من العلم أثر, قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13]. أما عباد المسلمين الجهلة والضلال فأشبه الناس بالنصارى، قال الله: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] فالجهل طريق للبدع. ولذلك لا تنتشر البدع إلا في المناطق التي يكثر فيها الجهل, فتجدها في القرى أكثر منها في المدن, وفي البوادي أكثر من القرى؛ لأنها تروج على الجهلة؛ ولأن البدعة مزخرفة, وظاهر المبتدع أنه يحب الرسول عليه الصلاة والسلام ويدعو إليه, وأنه يريد أن ينتشر دينه, وباطنها من قِبله العذاب. يقول أحد البطائحية من غلاة الصوفية لشيخ الإسلام ابن تيمية: يا ابن تيمية! حسبنا الله، نأتي إليك فَتَبْطُل كراماتنا ونذهب إلى التتار فتنجح كراماتنا -التتار الكفرة هم الذين داهموا العالم الإسلامي بقيادة هولاكو وجنكيز خان -فهو يقول: نحن نأتي إليك فلا تصلح كراماتنا معك, ولكن إذا ذهبنا إلى التتار كان لكرامتنا وقع ونجاح, قال ابن تيمية: مثلنا ومثلك ومثل التتار كمثل فرس أبلق, والتتار خيولهم سود ونحن خيولنا بيض, وخيلك أنت أبلق, فإذا دخل الخيل الأبلق -الأبلق هو الذي ليس بأسود ولا أبيض- بين البيض أصبح أسوداً, وإذا دخل بين السود أصبح أبيضاً, فأنت إذا ذهبت إليهم وعندك شيء من الإسلام أصبح فيك بياض, وإذا أتيت إلينا وفينا نور كثير من السنة أصبحت أسوداً, وهذا مثل لمن يروج على الجهلة وهم أهل البدع والخرافات.

اتباع الهوى

اتباع الهوى قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان:43] وقال سبحانه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23] فاتباع الهوى: كشيخ ضال مبتدع، يحب أن تقبل كفه, فمن الصعب انتزاع المشيخة منه. فالرياسة الدينية أغلى من الذهب والفضة, فإذا وصل الشيخ إلى هذه المرتبة ثم فهم الحق لا يعود أبداً إلى الحق, وتجد بعض أتباعه يعودون إلى السنة ولكنه لا يعود, تصبح يده مثل الحجر الأسود! بل وجد منهم من تقبل قدمه في الأرض, ومنهم من إذا مشى أُخذ من آثار ترابه ووضع في الماء واغتسل به, ووالله! لقد حدثنا أحد الدعاة أن صوفياً غالياً في بعض البلاد الإسلامية ركب سيارة، فلما مر من بين أتباعه لحقوا آثار عجلات السيارة, يأخذون التراب يتمسحون به! أي إسلام وتوحيد؟ وأي دجل وخرافة؟ ثم بعضهم يقول: عالم إسلامي. لكنه عالم إسلامي تجد فيه الهزيمة والفشل إلا أن يرحمنا ربنا مع هذه اليقظة والعودة إلى الله عز وجل.

اتباع المتشابه

اتباع المتشابه أهل البدع يأخذون أدلة من القرآن, ولكن لم يظهر وجه الدلالة منها فيتعلقون بالمتشابه منها, فهم كالقراد -والقراد حيوان صغير يتعلق بالخيط الصغير ويفعل من نفسه كأنه جمل- فيقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران:7] فأهل البدع يتعلقون بالمتشابه, والأحاديث الموضوعة, ورؤى المنام, وما أكثر رؤى المنام عند أهل البدع! يقول الشيخ: رأيت البارحة ويقول متبوعه: رأيتك يا شيخ وأنت مع الرسول صلى الله عليه وسلم! والثالث يقول: حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لي: اتبع الشيخ فإنه على بصيرة! وهذه الخزعبلات من الرؤى لا نبطلها ولا نقرها بإطلاق, فالرؤى مبشرات, لكن لا يؤخذ منها أحكام لا تحليل ولا تحريم, وإنما هي مبشرات يراها الرجل الصالح, أو تُرى له أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فهؤلاء يتعلقون بالمتشابه، كأن تكون الآية تحتمل معانٍ, فيأخذ بالمعنى الضعيف في الآية, أو للآية مؤدى باللفظ فيتعلق بهذا المؤدى ويقول: هذا دليلي, فهم يتعلقون بالمتشابه، وهم بهذا ينشرون البدع في العالم الإسلامي.

اعتقاد العصمة في غير معصوم

اعتقاد العصمة في غير معصوم وهل بلية العالم الإسلامي إلا من مشايخ الطرقية القبوريين الدهريين, المعرضين عن الله, فيكور عمامة لا يحملها حمار, ومسبحة طولها متران, ثم يأتي فيتصدر المجالس بالجهل, وليس عنده من العلم شيء. يقول عبد الله بن تيمية أحد علماء السنة -أخو شيخ الإسلام - يقول لأحدهم وقد تكلم يرد على ابن تيمية قال: اسكت والله لو أتيت لك بقصص من الخزعبلات, وأحاديث من صحيح البخاري وموضوعات، لما استطعت أن تفرق بين هذه وهذه! ولذلك هم من أجهل الناس, ولا يفتحون باب الفتيا, ولا يدرسون, وإنما هي مواعظ عامة, ورقائق, وتخويفات, ومراسيم, ونشيد وتقبيل ورقص وأكل وشرب وقالوا سكرنا بحب الإله وما أسكر القوم إلا القصع يرقص أحدهم على الطبل والأغنية والنشيد ثم يقع مغمىً عليه, فتوقظه وتقول له: ما لك؟ قال: سكرت بحب الإله. فيقول الشاعر: وقالوا سكرنا بحب الإله وما أسكر القوم إلا القصع أي: الثريد؛ لأنهم كما يقولون: من أكثر الناس أكلاً, وهم أكثر الناس فتكاً، إذا أكل يأكل ما يقارب أربعة أنفار, فاحذر أن تدعوه إلا أن تكون متهيئاً له, تراه يلبس مرقعاً ولكن يأكل ستة كيلو! فيقولون: هم مشهورون بهذا, ومشهورون بالرقص, ويقولون: إنهم لا يقومون الليل وإنما يتبعون الرقص، يرقص أحدهم ثلاث ساعات. ومن نشيدهم في الرقص، يقول لـ ابن الفارض - في مجلس الرقص: من لقلب حل جرعاء الحمى ضاع مني هل له رد علي فاسألوا سكان وادي سنمٍ فهو ما بين كداء وكدي وإذا الحسن همى فاسجد له فسجود الشكر فرضٌ يا أخي ومع تعبداتهم الباطلة المحرفة التي تبلغ الزندقة، فيستتاب صاحبها, فإن تاب وإلا قتل, أنهم ينظرون إلى الأمرد والفتاة الجميلة, ويتفكرون فيهما! فإذا قلت لهم: لا تنظر, غض بصرك, قال: نتفكر في خلق الله! قال تعالى: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:30] وقال: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً} [التوبة:31] وهم من أكثر الناس جمعاً للأموال, والله عز وجل لما ذكر المنحرفين الذين يكنزون الذهب والفضة ذكر معهم الأحبار والرهبان؛ لأنهم من أكثر الناس جمعاً للأموال, يقول أحدهم: عندنا صدقة, وزكاة, وفقراء, ثم يجمع من الذهب والفضة ما الله به عليم، والعامة يعتقدون أنه معصوم. يقول أحدهم وهو في بعض البلاد -وأنا لا أسميها- وقد جلس معه شباب فقال: من شيخكم؟ قالوا: فلان, فقال: حسبنا الله! هذا قبوري, قالوا: لا تسبه، فإنه يسمعك!! وبينهم وبين الشيخ خمسمائة ميل- قال: كيف يسمعني؟ قال: له أولياء, وهو يسمع ما نقول فيه وإذا حركنا أيدينا هنا رآها الشيخ هناك قال: ويقولون لنا: ألقوا العمائم, فيلقون العمائم في الجلسة, فيقال: كلٌ يرفع عمامته لأن الشيخ الآن يحضر تحت العمائم, ترفعون عمائمكم وبركة الشيخ تحل! فأحد المشايخ -جزاه الله خيراً- وضع عمامته سريعاً, ثم كشفها وقالوا: ما لك؟ قال: أريد أن أرى الشيخ مباشرة, فقيل له: لا. قم يا مبتدع, فأخرجوه من المسجد, سبحان الله! لقد أصبح هو المبتدع. وهذا من اعتقاد العصمة في غير معصوم, فكلامه عندهم مثل القرآن, وعندهم في الحرم أوراد ترونها قبل صلاة المغرب، فتجده قبل أن يأكل التمر يخرج ورده, فإذا قلت له: اقرأ القرآن, قال: لا. ورد الشيخ أفضل في هذه الساعة, وكلامه ملعثم، يقول: يا دهر الدهارير! يا حي يا حي يا حي! يا هو يا هو يا هو!! وهذا نباح كلاب, وصياح دجاج, وليس بذكر, هؤلاء جزاؤهم عند الشافعي أن يضربوا بالجريد والنعال ضرباً مبرحاً, حتى يعرف العقيدة الصحيحة, ويخرج من المسجد ويؤدب. وهذه الكتب موجودة وتنشر نشراً عظيماً بين الجهلة، حتى إنه وجد بعض الجهلة الذين هم في الأصل سنة, يشترونها ويقرؤنها وما دروا ولا علموا لأن طلبة العلم مقصرون في تعليمهم, وفي تثقيفهم.

الاستحسان بالهوى

الاستحسان بالهوى البدعة في ظاهرها حسنة, وقد يروج لها مثل بدعة المولد, يقول أحدهم: سبحان الله تنكرون علينا بدعة المولد، لأننا أحببنا الرسول عليه الصلاة والسلام؟ أحُبنا للرسول عليه الصلاة والسلام يجعلكم تنكرون علينا؟ نجتمع في يوم ميلاده, والناس يحتفلون بمواليد الزعماء والناس والسادة, ونحن أحب الناس إلينا هو, فنجتمع فنذكره ونمدحه، ونصلي ونسلم عليه صلى الله عليه وسلم، فتنكرون علينا هذا؟! يقول سبحانه: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:8] والبدعة مزينة في عين صاحبها. قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم وهذا شأن المبتدع, فإنه دائماً كلما بينت له قال: سبحان الله! تمنعني أن أذكر الله, فهو جالس في الحرم ويقول: يا لطيف يا لطيف يا لطيف يا لطيف!! قال: أوصاني الشيخ أن أقولها سبعة آلاف مرة, قلنا: قل: سبحان الله. قال: تمنعني أن أقول: يا لطيف! أليس اللطيف هو الله؟ يقول: يا حي يا حي يا حي! قلنا: يا أخي! ادع دعاءً شرعياً أتى من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: الحي من هو؟ تقول: الله, فهم يلزمونك بشيء مستحسن في الظاهر, ولهم نسب من التهريج والترويج في هذه المداخل.

أضرار البدع

أضرار البدع

طمس السنة

طمس السنة لا توجد بدعة إلا وينزع من السنة مثلها، فهي عدوة للسنة, ولا يوجد بلد ولا قرية ولا مدينة توجد فيها البدعة إلا طمس من السنة بمثلها, قال عمر بن عبد العزيز -وقد ورد هذا الأثر في سنن أبي داود باب السنة: [[واعلم أنها ما وقعت بدعة إلا رفع من السنة بمثل ما وقع من البدعة]] أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه في كتابه العظيم الذي استملحه ابن كثير كثيراً وغيره من العلماء. فالبدعة طمس للسنة ومحاربة للدين، ومنها اتهام الدين بالنقص, فالمبتدع في الظاهر يقول: الدين كامل لكن لا يقر ذلك بعمله, يقول سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] لكنه بعمله ومن داخله يرى أن الدين ناقص, فيكمله بهذه الزيادات, وهذا اتهام خطير للإسلام أنه ناقص, وأنه محتاج لهؤلاء الدراويش أن يكملوه أو يزيدوا فيه وينظموه.

تشويه جمال الإسلام

تشويه جمال الإسلام الإسلام جميل, وبديع, ورائع, لكن هؤلاء الدراويش شوهوه -والله- وقبحوه حتى يظن المستعمر والخواجة والوثني والبلشفي الأحمر أن هذه صورة الدين. أخبرنا بعض الإخوة أنه يعرض في القنوات على مستوى أمريكا صورة الإسلام, ويأتون بصور دراويش الصوفية , أتعلم ماذا يفعلون؟ يترك أحدهم ثوبه ستة أشهر لا يغتسل, حتى ينتثر القمل من على أذنيه, وإذا قلت له، قال: البذاذة من الإيمان، والتواضع، والدنيا فانية، ويتباكى بين يديك! ويصلي أحدهم في اليوم سبعمائة ركعة وهو ناعس, وإذا جاء الظهر صلّى وهو جالس. يقول الخطابي -وقد ذكرت هذا كثيراً في كتاب العزلة -: أحدهم أخذ لاصقاً فوضعه على عينه اليسرى ثم أغلق عينه, فقيل له: ما لك؟ قال: إسراف أن أنظر إلى الدنيا بعينين, عجباً لهذا المتخلف! فالله تعالى يقول: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] ويقول ابن الجوزي في كتابه صفة الصفوة: أحدهم يقول لتلاميذه: أين أنتم مني؟ والله! ما أكلت الرطب أربعين سنة! والرطب: البلح الذي يباع في الأسواق، الذي هو أحلى من العسل، وقد أكله محمد صلى الله عليه وسلم, وأكل العسل, واللحم، وهم لا يأكلون الرطب لأنهم جهلة, أي أنهم حرموا أشياء أباحها الله عز وجل: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] فهذا تشويه للإسلام. ومنها: أنهم يأتون في أعياد الميلاد وبعد التراويح في رمضان, فيرقصون حلقاً في المسجد, فتسلط عليهم الكاميرات وتنقل لبلاد الكفار, فانظر شعور الأمريكي إذا نظر إلى هذا! وهو ممزق الثوب وهو يرقص مثل المجنون, وبعد ساعة يقع مرمياً على الأرض, ويرش بالماء, ويقول: هو هو هو!! حي حي حي!! فهل يحب بعدها أن يدخل الإسلام؟ وهل له رغبة أن يدخل في هذا الدين؟ وهل يفكر في يوم من الأيام أن يكون مثل هذا الإنسان؟ وفَد وفد من اليمن، فقالوا للإمام مالك: يا أبا عبد الله! عندنا قوم يرقصون ويغنون ثم يقعون ويغمى عليهم, ويقولون: هو من حب الله. قال الإمام مالك: أصبيان هم؟ قالوا: لا. قال: أمجانين هم؟ قالوا: لا. قالوا: فضحك مالك! يعني أنه لم يجد جواباً, ثم قام إلى غرفته فقال تلاميذه لهؤلاء: حسبنا الله عليكم أضحكتم إمامنا ما ضحك من سنوات, كان الإمام مالك صاحب هيبة يتبسم فقط ولا يضحك, لكن أحوجه الأمر والحدث أن يضحك. فهذا تشويه لجمال الإسلام, حتى إن بعضهم رفض أن يدخل في الدين عندما رأى هذه الصور. وهؤلاء المبتدعة ليس عندهم باب الجهاد في كتبهم, حتى إن أبا حامد محمد بن محمد الطوسي الغزالي صاحب الإحياء ليس عنده كتاب الجهاد, وكلها مرابطة ومؤانسة ومكاشفة. والفناء والشهود والحال والمقام، فلا يعرفون الجهاد, وبعضهم خذل عن الجهاد الأفغاني, يقولون: لا تجاهدوا الآن وجاهد قلبك. اسمع معاني تفسير القرآن عندهم، قال: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] اذهب يا لساني إلى قلبي فقل: يا طاغية! إنك طغوت فعد إلى الله, فلساني موسى, وقلبي فرعون, فهذه هي الخرافة. ومن معاني تفسيراتهم: آلم , قال: ألف: ألَّف الله محمداً فبعثه, ولام: لام الله المشركين, والميم: معاوية ما أنصف, فهم يشتركون مع بعض الفرق في بعض التفاسير. ومنهم من يقول: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152] قال أحد علمائهم ومشايخهم وليس عنده علم: لا إله إلا الله -عندما قرأ الآية- أين الذي يريد الله؟! وذلك لأن الله يقول للصحابة: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} والذين يريدون الآخرة هم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام, لكن هذا الشيخ الضال يقول: ليس هناك من الصحابة من يريد الله, أما أنا فأعبد الله وحده، ولا أعبده للجنة. ويقولون من ضمن مفترياتهم: نحن نعبد الله حباً له, ولا نطلب الجنة، حتى يقول أحدهم: وحقك لو أدخلتني النار قلت للـ ذين بها قد كنت ممن أُحبه وأفنيت جسمي في علوم كثيرة وما امنيتي إلا رضاه وقربه أما قلتم من كان فينا مجاهداً سيحمد مثواه ويعذب شربه يقول: يا ربِّ! لو أدخلتني النار فأنا أحبك، ولا أريد الجنة, وهذا يرد عليه بقوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] ويقول للصحابة: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الفتح:29] فالفضل الجنة, والرضوان رضوان الله. فهذه العقائد والمعاني والأفعال من ضمن مفترياتهم التي شوهوا بها الإسلام. والإسلام تشوه من اثنين: 1 - من جاحد. 2 - ومن جامد. فالجامد مثل بعض الناس تجده واقفاً على ما قبل ستين سنة, لا يتزحزح خطوة, تقول له: نريد أن نستفيد من هذه الوسائل لخدمة الدين, قال: هذا حرام. يا شيخ! ما رأيك في التكلم في المكرفون حتى يستمع الناس وينتفعوا خارج المسجد؟ قال: في التكلم في المكرفونات نظر, لأن الذي صنعها كافر, وأخشى إذا دخل إلى المسجد أن يكون فيه شبهة. والمسجل -يا شيخ- ما رأيك إذا سجلت المحاضرات وتنتقل الأشرطة للملايين والآلاف؟ قال: الشريط صنعه كافر والمسجل كذلك, والصحابة منهم أبو بكر وعمر ما كانوا يسجلون محاضراتهم قلنا: اكتشفت الآن. قال: الأحوط تركها. فهذا جامد دائماً, وإلا فلو أخذناه بالقياس لقلنا: لا تركب السيارة؛ فإن عمر ما ركب السيارة, ولا تكتب بالقلم, فالقلم ما كان عند الرسول صلى الله عليه وسلم, ولا تلبس النظارة لأن الذي صنع النظارة ياباني، وهو كافر لا يصلي, ثم قس على ذلك من الأمور الكثيرة. والجاحد: رجل تربى في بلاد الإسلام ثم جحد عقيدته فأخذ يسب الدين, فهو عربي ويصلي ويصوم ويعتمر ويحج لكن في قلبه ظغينة على الإسلام, لأن الإسلام عنده ظاهر, ولكنه ماركة مسجلة من لينين واستالين أي: جاء متعوباً عليه من هناك, ظاهره مسلم ولكن باطنه -والعياذ بالله- زنديق.

إضلال عامة الأمة

إضلال عامة الأمة إضلال عامة الأمة: وقد سبق هذا في الجهل, والعوام مساكين إذا لم يجدوا علماء يوجهونهم الوجهة الصحيحة، ضلوا ضلالاً بيناً.

من صور البدع

من صور البدع

بدعة المولد

بدعة المولد إن استحداث بدعة مولد الرسول عليه الصلاة والسلام، ما أنزل الله بها من سلطان, وليس لها أصل في الكتاب ولا في السنة, ولم يفعلها أحد من أصحابه رضي الله عنهم, ولا التابعون ولا السلف الصالح {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} انظر لقوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} [فاطر:8] ثم تجدهم يتبعون ما تشابه من الكتاب, فيتعلقون بحديث عند مسلم سئل فيه عليه الصلاة والسلام وهو من حديث أبي قتادة عن صيام يوم الإثنين, قال: {ذاك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه وأوحي إليّ فيه} قالوا: فما دام أنه صاحب مناسبات؛ إذاً فنحن نكرم الرسول عليه الصلاة والسلام بحفل مولد يدور كل سنة, قلنا: لا. لا يريد محمد صلى الله عليه وسلم هذه البدع، ولا نوه بها, فأنت عاديت الرسول عليه الصلاة والسلام. يا مدعي حب طه لا تخالفه الخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ لبس الشياطينا هذه هي البدع!

الأذان في القبر للميت

الأذان في القبر للميت في كثير من المناطق حتى في الجزيرة العربية ينزل بعض الناس إلى القبر فيؤذنون في قبر الميت, ويقولون: الأذان أمان له من العذاب, وبعد ما ينتهون من الدفن تحدث عجائب ومراسيم وأشياء تضحك، يقفون على القبر فيقول أحدهم: يا جماعة الخير! ماذا تشهدون له؟ قالوا: نشهد بخير, قال: شهدتم؟ قالوا: شهدنا, قال: اللهم فاشهد! اللهم فاشهد! اللهم فاشهد. فهل هذا بيع جمل أم بقرة؟! هل تشهد على الله عز وجل أن هذا يقبله ولا يعذبه؟ سبحان الله! يقول ابن الجوزي: حج أحد الحمقى البدو, فلما انتهى من منى ورمى الجمرات نفر يوم جمرة العقبة, ووصل إلى البيت قبل الحجاج ودخل مسرعاً وتعلق بأستار الكعبة، قال: اللهم اغفر لي قبل أن يزدحم عليك الناس! سبحان الله! لا تختلف عليه الحاجات, ولا تتعدد عليه النغمات, ولا اختلاف اللهجات، يعطي كل سائل مسألته, ولا ينقص مما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. وبعضهم يوسد الميت فيلقنه الكلمات, وتلقينه الكلمات حديث ضعيف, والأحاديث الضعيفة يقوم عليها كثير من البدع ولا تكفي وحدها في التشريع.

رفع الصوت بالذكر الجماعي بعد الصلوات

رفع الصوت بالذكر الجماعي بعد الصلوات أهل البدع إذا انتهوا من الصلاة رفعوا أصواتهم: سبحان والله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وهذا موجود بكثرة في كثير من البلاد الإسلامية, يرفعون وراء الإمام, وبعض البلاد جعلت مكان الذكر نصف حزب من القرآن يقرءونه بعد كل صلاة.

بدع أخرى

بدع أخرى ومن بدعهم أيضاً وهي في بلاد معروفة، إذا دخل الخطيب؛ قام المؤذن فقرأ: قل هو الله أحد، وقال: صلوا على النبي صلوا على النبي فيصلون عليه -عليه الصلاة والسلام- وإذا نزل الخطيب قرأ: قل هو الله أحد. ومن بدعهم أيضاً أنهم يقرءون دعاء الوسيلة بصوت مرتفع في المكرفونات, فيقول: {اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة} الحديث, ويصلي بصوت مرتفع. ومن بدعهم أيضاً أنهم يقولون: حي على خير العمل حي على خير العمل وهي لم ينزل الله بها من سلطان، ولم تثبت، وآثارها واهية، وهي خلاف السنة. ومن بدعهم أيضاً: السلام بمصافحة الأيمن والأيسر، وإدامة ذلك بعد كل صلاة، وتجدونه في الحرم, وفي كل مكان. فإذا انتهيت من الصلاة سّلم عليك، وقال: تقبل الله, وبعضهم يتبرع فيسلم عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه, ومن داوم عليها فقد ابتدع, وسئل عنها شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: بدعة, ولكن من فعلها نادراً فلا بأس، مثل رجل قدم من سفر ووجدته في الحرم، أو في المسجد فسلم عليه, أو رجل لك منه فترة. أما أنها تتخذ عادة كلما سلّم المسلم صافحوه, فهذه من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان.

وسائل محاربة البدع

وسائل محاربة البدع ما هي الوسائل التي ننتصر بها على هذه البدع التي غزتنا في عقر دارنا, وضيعت عقيدتنا وإيماننا, وضيعت معالم سنة نبينا عليه الصلاة والسلام؟ إنها أربع وسائل: 1 - نشر السنة. 2 - التشهير بالمبتدعة والتحذير منهم. 3 - هجر المبتدع. 4 - الرد على المبتدعة بالتأليف والمواعظ والدروس والمحاضرات.

نشر السنة

نشر السنة إن علينا أن ننشر السنة بأقوالنا وأعمالنا, ونظهرها للناس دونما خجل؛ لأنك أنت حامل لواء الرسول عليه الصلاة والسلام, فتظهر السنة في كل مكان, وما أتت المخالفات إلا يوم أن طمست السنة, وما أتى الذكر البدعي إلا يوم لم يوجد من يحدث بالذكر الشرعي, وما أتى مشايخ الطرقية والقبوريون إلا يوم ترك مشايخ السنة التصدر والتوجيه والتعليم وقيادة الأمة وتوجيه الشباب. خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري وهذا تماماً مثلما يفعل الإنسان، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36] فإذا خلت الساحة من الأبرار تولاها الأشرار.

التشهير بالمبتدعة والتحذير منهم

التشهير بالمبتدعة والتحذير منهم إن من شهر ببدعته شهرنا به, ومن أشهر بدعته لا بد أن نخبر به على رءوس الأشهاد, فإذا ما شهر بدعته ورددنا عليه, قال: اتقوا الله! ولا تثيروا الخلاف, آداب النصيحة ألا تعرفونها؟! لا بد أن تنصحوننا بيننا وبينكم, لا تفضحوننا على رءوس الأشهاد, عجيب أمرك! تنشر بدعك في الصحف، وتلقيها في التلفاز على الشاشة, وتعرضها يوم الجمعة على المنابر, وتطالبنا أن ندس نصيحتنا, وهذا منهج العلمانية , فـ العلمانية تؤيد أهل التصوف والابتداع تأييداً باهراً, وبينهم حلف ابتداعي بالداخل, وبينهم وثيقة ولو لم تكتب, حتى أنك تجدهم إذا كتبوا وسبوا السنة أو تعرضوا للسنة أُيِّدوا, فإذا رد عليهم قالوا: لا تثيروا الخلاف الرد بالحكمة!! قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:159] وقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125] وقالوا: أين الحكمة؟ ولا بد من احترام هؤلاء المشايخ!! كيف يردون علينا ويشهرون بنا، ونرد عليهم بحكمة؟ أهذه هي الحكمة؟ لا. بل بد من التشهير بهم والتحدث بأخطائهم وزلاتهم حتى يتجنبها الناس. أحمد بن أبي دؤاد صاحب القول بخلق القرآن، ووزير المعتصم , وهو قاضي صاحب مروءة وكرم وشهامة, لكن الله أعمى قلبه عن السنة, فعادى الإمام أحمد، ومن عجيب أمره أنه كان ينفق في الجلسة الواحدة ألف ألف درهم, ويفك الرقاب, ويصلح بين القبائل, حتى يقول أبو تمام في بيتين فيه من أعجب ما قيل: لقد أنست محاسن كل حسن محاسن أحمد بن أبي دؤاد وما سافرت في الآفاق إلا ومن جدواه راحلتي وزادي فوقف الإمام أحمد في صلاة العيد, فسمع واعظاً يحذر من أحمد بن أبي دؤاد ويخبر ببدعته ويخبر أنه خالف السنة, فتبسم الإمام أحمد وقال: "ما أحسن هؤلاء الوعاظ للعامة" يعني أن الإمام أحمد يؤيده ويشيد به ويحترمه ويقره على ما فعل لأنه شهَّر به.

هجر المبتدع

هجر المبتدع كان السلف يهجرون المبتدع حتى يتوب, فمن ابتدع بدعة عليك أن تهجره, فقد رأى سفيان الثوري ثور بن زيد وهو أحد رواة البخاري وهو صادق في الرواية لكن فيه بدعة, فسلم ثور بن زيد على سفيان الثوري بيده فرد سفيان يده وقال: السنة السنة الدين الدين! أي: لا أسلم عليك, أأسلم عليك وقد ابتدعت في دين الله؟ لا. لو كانت أمور الدنيا لكانت سهلة, لو كانت مسألة أراضي أو سيارات أو اختلاف في عقار أو شيكات لكان الأمر سهلاً, لكنك مبتدع، إن مددت يدي إلى يدك, فمعناها إقرار وتأييد لك وسكوت عن منكرك. فمنهج أهل السنة هجر المبتدعة بالسلام والكلام والزيارة والمصافحة, بعد أن يعلموا ويذكروا وينبهوا ويوصوا وينصحوا, فإذا لم يستجيبوا فالهجر. وهجر أهل المعاصي ومنهم أهل البدع من منهج أهل السنة والجماعة , كما فعل عليه الصلاة والسلام مع كعب بن مالك ومن تخلف عن غزوة تبوك من إخوانه.

الرد على المبتدعة بالتأليف

الرد على المبتدعة بالتأليف كتابة الرسائل المفيدة لكن بدون التجريح الشديد, بشرط أن تتصل بهم قبل أن تؤلف, وتكتب, وتحاورهم وتنصحهم فإن عادوا كان بها ونعمت، وإلا فألف مثلما ألفوا, واكتب مثلما كتبوا, ولكن بالأدلة, وبعض أهل السنة قد يخطئ؛ فيرد على المبتدع فيظلمه, فينسى مناقبه, أو يزيد من تضخيم الباطل أو البدعة التي ابتدعها فيضخم خطأه, وهذا لأن الإنسان ظلوم جهول, وبعض الرادين من أهل السنة قد يتشفى في رده, وقد يفتري عليه الأباطيل والكذب وهذا حرام, بل ردّ عليه بمنهج علمي، قال تعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] وقال: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل:64]. والرد على المبتدعة يكون بذكره في المواعظ العامة, وهذا ليس من باب إثارة الخلاف, ولا من باب المحاربة إو إثارة النزعات والنعرات, ولا يخاف من هذا بل هو إسعاد للعباد والبلاد لأنه نشر للأمن والرخاء. ويكون الرد أيضاً بالدروس والجلسات الخاصة حتى تنتشر وتشتهر السنة. ولا ينجو -أيها الإخوة- إلا من كان على ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه, ووصيتي لنفسي ولكم بالدعوة إلى سبيل ربنا. ومن أعظم وسائل الدعوة أن ننشر السنة, وأن نقضي على البدعة, وأن نكون سفراء خير ورسل حق إلى بلادنا, وأن ننقل إليهم السنة الصحيحة التي أتى بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام بالحكمة, ولكن من الآداب ألا ننازعهم أول الطريق, فإنك إذا دخلت مباشرة على أهل البدع ثم صدمتهم وسببتهم لا يستجيبون لك. لكن أرى أن الحكمة أن تجادلهم بالتي هي أحسن، أو تأخذ من أتباعهم, ولا تذهب إلى الشيخ أو المسئول أو الرئيس، وإنما تبدأ بأعضائهم وأفرادهم واحداً واحداً حتى تفتت تجمعاتهم، وتضعف كيانهم، ثم تبدأ تدعو من منطق قوة بالتي هي أحسن. وأرى ألا تبدأ بالمسائل الخلافية, وأرى أن تعرض إليهم المنهج السديد، وتقول: يا شيخ! ماذا ترى في هذا المنهج؟ فإنه سوف يسلم لك , وسوف يسمع أتباعه أنه سلم لك, فعلى ذلك أرشده إلى هذا المنهج السديد, ثم سوف يظهر للناس فيما بعد أن منهجهم كان خطأ. نسأله سبحانه أن يتغدمنا وإياكم بواسع رحمته وفضله وبره وكرمه, ونطلب منكم أن تلحوا بالدعاء للمسلمين بالنصر والتأييد والتمكين في الأرض، ولأنفسكم ولإخواننا ولإخوانكم جميعاً، عسى الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتجاوز عنا وعنكم سيئها. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

صلاة الجنازة

صلاة الجنازة إن الإسلام قد اعتنى بالمسلم من أول ولادته حتى دفنه في قبره، وقد جعل الإسلام أحكاماً تحفظ حق الميت وحق من بعده، فالميت المسلم يغسل ويكفن ويصلى عليه. وفي هذه المادة الحديث عن هذه الأحكام والمسائل المتعلقة بأحكام الميت والجنائز.

عذاب القبر ونعيمه

عذاب القبر ونعيمه الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: نجتمع هنا لنتفقه في دين الله عز وجل، ولنتعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، علَّ قلوبنا أن تلين، وعلنا أن نرحم من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. ولا زلنا في كتاب الجنائز من صحيح الإمام البخاري رحمه الله، والقضايا المهمة التي سوف يتكلم عنها في هذه الليلة هي: الصلاة على الميت، وأثر الإسلام في مراعاة المسلم حتى بعد موته، وملاحقته حتى في قبره بالدعاء والترحم والصلاة، وطلب المدد من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى له. القضية الثانية: متابعة الجنائز والمشي معها وتشييعها وحكم ذلك وفضله. القضية الثالثة: وهي الداهية وهي الكبرى، معتقد أهل السنة والجماعة في نعيم القبر وعذابه، نسأل الله أن ينعمنا وإياكم في القبور، ونعوذ به من عذابها. ونعيم القبر من معتقد أهل السنة والجماعة، ومن لا يؤمن بذلك لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً ولا ينظر إليه ولا يزكيه يوم القيامة وله عذاب عظيم، والذين خالفوا في ذلك المعتزلة والخوارج وكأمثال بشر المريسي فقالوا: لا عذاب هناك، وإنما العذاب في الآخرة، وقال بعض المعتزلة: بل العذاب على الكفار، وأما المؤمنون فلا يعذبون في قبورهم، ودلت النصوص -كتاباً وسنة- على خلاف ما قالوا كتاباً وسنة، بل القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار. والقبر هو الواعظ والشاهد الكبير الذي يشاهده كل كبير وصغير، وكل ملك ومملوك، وكل غني وفقير، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة:101] روي عن الحسن قال: [[مرة في الدنيا ومرة في عذاب القبر]] وأخرج هذه الرواية الطبري، وقال غيره: بل مرة في القبر ومرة في جهنم، وقال عز من قائل: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]. والبرزخ: هو حياة القبر، والحياة البرزخية هي التي تفصل بين الحياة الأخرى والحياة الدنيا وهي حياة القبر، إما نعيماً وإما عذاباً. والموت فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءه وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام:93] قال أهل العلم من أهل السنة والجماعة: هذا دليل على عذاب القبر. فنعوذ بالله من عذاب القبر. وأما النصوص فقد تضافرت منه صلى الله عليه وسلم على ذلك، ففي صحيح البخاري: {أن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه الناس سمع قرع نعالهم} وعند البزار ورواية عند أبي داود: {سمع خفق نعالهم}. فلذلك فقد بوب له البخاري باب: الميت يسمع خفق النعال، قال عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه لأهله: [[إذا مت فلا تتبعوني بنائحة ولا نار]] وقال لابنه عبد الله: [[قف عند قبري مقدار ما تذبح الجزور وتوزع]] والجزور: هي البدنة أو الناقة توزع، أي بهذا المقدار؛ ليستأنس به في قبره، وذكر ابن القيم في كتاب الروح أحاديث كثيرة في هذا الباب بما يكفي ويشفي.

قصص لقبور يعذب أصحابها

قصص لقبور يعذب أصحابها منها: قصص وقعت لكثير من الأئمة، ومنهم عبد الحق الإشبيلي الأندلسي صاحب الأحكام، قال: حدثنا عالم من علماء الأندلس قال: كنت واقفاً عند قبر ومعي فرس فاقتطعت الفرس من رباطها وذهبت، فأخذتها وأعدتها إلى المكان، فكلما أتت إلى المكان وضعت رأسها وسمعت كأنها تسمع شيئاً ثم ذهبت، قال: فعلمت أن صاحب القبر يعذب. ومر عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: {مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير -وفي لفظ: بكثير- أما أحدها: فكان لا يستنزه من بوله -أي: لا يتنظف من البول- وأما الآخر: فكان يمشي بين الناس بالنميمة، ثم دعا عليه الصلاة والسلام بجريدة نخل رطبة فشقها نصفين على القبرين، وقال: أرجو أن يخفف عنهما العذاب ما لم تيبسا}. وسوف تأتي هذه القضايا، وإنما الذي نستفيده من مقاصد هذا الدرس: مراعاة الإسلام لهذا المسلم من يوم يضع رأسه على الأرض، ومن يوم تأتي به أمه إلى أن يموت. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا ومن أحسن من كتب في هذا الموضوع ابن القيم رحمه الله في كتاب تحفة المودود في أحكام المولود وبين ما هي عناية الإسلام بهذا المسلم من يوم أن يأتي طفلاً على الأرض إلى أن يشب ويترعرع ثم إلى أن يلقى الله، ونحن مأمورون بالدعاء للمسلمين بظهر الغيب، وأن نتناسى ما بيننا وبينهم من أحقاد.

من أسرار الصلاة على الجنائز

من أسرار الصلاة على الجنائز ومن الأسرار في صلاة الجنائز أمور: السر الأول: أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يشفع هؤلاء المسلمين في هذا الميت، في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليه أربعون مسلماً لا يشركون بالله شيئاً شفعهم الله فيه}. أي: قبل شفاعتهم ورحم هذا الميت. السر الثاني: أننا نظهر التضامن حتى في الموت مع المسلم والإخاء بتلك الرابطة التي ربط بها محمد صلى الله عليه وسلم بيننا، فماذا كنا قبل الإسلام؟! وكيف كان تآخينا وتعاوننا قبل هذا الدين؟! قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. السر الثالث: المسامحة والمعافاة، فأنت إذا وقفت على قبر المسلم أو على جنازته تصلي عليه وبينك وبينه حزازات، أو حقد، غفرت له وعفوت عنه وسامحته، وهذا بعد أن ترى مشهده وتراه معروضاً أمامك، ولذلك ذكر أهل السير أن علياً رضي الله عنه لما جرى بينه وبين الصحابة ما يجري بين البشر في معركة الجمل، وقتل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وهما من العشرة المبشرين بالجنة، فقال علي: [[بشر قاتل الزبير بالنار، وبشر قاتل طلحة بالنار]] ثم نزل علي إلى طلحة فمسح التراب عن وجهه، وقال: يعز علي يا أبا محمد! أن أراك مجندلاً على التراب، ولكن أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]. السر الرابع في الصلاة على الجنائز: إظهار شعائر الإسلام ضد أعداء الإسلام من الصهيونية، التي هي نبتة اليهودية والنصرانية والشيوعية وكل مغرض لهذا الدين، فنظهر أننا متآخون في الحياة وفي الموت، ونظهر أننا لا نسلم أخانا ولا نتركه؛ بل ندعو له حتى يلقى الله. السر الخامس: أن نتذكر بالصلاة عليه قدومنا عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ورجوعنا إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلَّ الردى مما نرجيه أقرب نشاهد ذا عين اليقين حقيقة عليه مضى طفل وكهل وأشيب فهذا من أعظم الواعظ، ولذلك في سيرة عثمان رضي الله عنه أنه كان إذا رأى القبر بكى حتى يغشى عليه ويرش بالماء، فيقال له: مالك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار؛ فإذا أفلح العبد في القبر فقد أفلح}.

اتباع الجنائز

اتباع الجنائز من المسائل التي معنا في هذه الليلة: فضل اتباع الجنائز. قال الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا يونس: قال ابن شهاب: حدثني عبد الرحمن الأعرج: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن كان له قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين}.

ترجمة لسند حديث اتباع الجنائز

ترجمة لسند حديث اتباع الجنائز هذا السند منه: أحمد بن شبيب من شيوخ البخاري المقلين في الرواية، وأبوه كذلك روى عنه وليس بمكثر عنه، ويونس هو يونس بن عبيد؛ أحد العباد الأخيار بـ البصرة، ومن فقهاء المسلمين، والذي قال فيه الحسن: [[إني لأحبه هو وأبا أيوب وفلان ثالث]]. ويونس هذا كان يصوم الدهر على اختلاف في حكم صيام الدهر وسوف يرد، وكان يبيع حتى باع تجارة بأربعين ألفاً -يبيع في البز- وتبين أن فيها ثوباً مغشوشاً فذهب إلى التاجر ورد التجارة كلها، قال ذاك: قد سامحتك وعفوت عنك، قال: لا والله إلا أن تعود لأنها بيعة لا يبارك الله فيها دخلها غش فأقلني فأقاله، والربح له، ولكنه خاف من الله، لأن الدين النصيحة. وابن شهاب هو الزهري؛ الإمام العلم الكبير الذي مر معنا في أكثر من حديث.

ترجمة لأبي هريرة

ترجمة لأبي هريرة وأبو هريرة حافظ الأمة رضي الله عنه؛ بل ما جاء من تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم ولا يأتي إلى قيام الساعة أحفظ منه للحديث النبوي، كان يحفظ الحديث كما يحفظ الفاتحة، ولا يخرم حرفاً واحداً أبداً، عاش حياته السعيدة مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأيامه المباركة، وهو من دوس من زهران، هاجر من هناك، ولما وصل إلى المدينة كان عنده مولى له، فضاع منه المولى، فقدم على الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أيا ليلة من طولها وعنائها على أنها من دارة الكفر نجت يقول: إنني أمضيت ليلة طويلة، والعرب كانوا إذا قدموا على الملوك والسلاطين امتدحوا بطول سراهم وأنهم تعبوا ووجدوا مشقة، فـ أبو هريرة يروي قصته للرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: إنني كلفت نفسي وأتلفت راحلتي حتى ألقاك، على حد قول المتنبي لما أتى إلى كافور: قطعت المرورى والشناخيب دونه وجبت هجيراً يترك الماء صاديا وصل أبو هريرة إلى المدينة في صلاة المغرب، وكان أمير المدينة سباع بن عرفطة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج إلى خيبر غازياً، فتقدم أبو هريرة وكان عنده فهم عن الإسلام، فأسلم على يد الطفيل بن عمرو الدوسي، فـ أبو هريرة حسنة من حسنات ذاك الداعية الكبير الطفيل بن عمرو الدوسي، قال أبو هريرة: فصليت المغرب فقرأ بنا الإمام: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين:1] قال: فقلت في نفسي: ويل لفلان -رجل من زهران- له مكيالان، يستوفي بواحد ويبخس بآخر، يعني: هذا الكبير للطوارئ إذا أراد أن يأخذ من الناس، والصغير للإنفاق في البيع، قال: فلما صليت اليوم الثاني لحقت الرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر فأسلم أبو هريرة وعاد إلى المدينة، فأخذ كلما سمع حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفلت منه؛ لأنه لا يستقر في ذهنه، فشكا للرسول صلى الله عليه وسلم، فهم أمة عربية لا يكتبون ولا يحسنون الحساب، وليس لديهم دفاتر ولا سجلات ولا آلات، وإنما يسمعون الكلام، فإن قر واستقر فبها ونعمت، وإن ذهب فإلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، فقال: {يا رسول الله! أنا لا أجيد ولا أحفظ ولا أعي شيئاً مما تقول، فقال عليه الصلاة والسلام: ابسط رداءك، فبسط جبة له، وأخذ صلى الله عليه وسلم بيديه ودعا وأخذ يضعها في الجبة، قال: ضمها عليك، فضمها عليه قال: فوالله ما نسيت حرفاً منذ ضممتها إلى اليوم} بل هو حافظ الأمة وكان يسرد الحديث كالفاتحة لا يخرم منه حرفاً، حتى قال بعض التابعين: [[رأينا أبا هريرة لا يقدم الفاء على الواو ولا الواو على الفاء، كأنه يقرأ من صحيفة]].

معاناة أبي هريرة في طلب العلم

معاناة أبي هريرة في طلب العلم استمر به عمره المبارك في العلم، وحصل في أول إسلامه جوع على عهد الصحابة والصدر الأول، قال: صليت مرة من المرات صلاة المغرب في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبي من الجوع ما لا يعلمه إلا الله، قال: والله لقد كنت أصرع بين المنبر وبين بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما بي إلا الجوع، فيأتي الرجل فيجعل رجله على رأسي ويقرأ علي شيئاً من القرآن يظن أني صرعت -يظن أن به جاناً- وما بي إلا الجوع، قال: فصليت المغرب معه صلى الله عليه وسلم، ثم تعرضت لـ أبي بكر عله أن يضيفني لكنه لا يستطيع أن يقول: عشني الليلة أو أريد أن أذهب معك، قال: فسألته عن آيات آخر سورة آل عمران، وأنا أعرفها كما يعرفها، قال: فقرأ عليه عشر آيات وهو واقف، ثم ذهب، قال: فتصديت لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسألته عن نفس الآيات العشر، قال: فقرأها علي حتى ختم ثم ذهب. قال: فلما خرج صلى الله عليه وسلم تعرضت له، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أتكلم، وعرف عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعطاه من المعجزات وأعطاه من قوة الإلهام وأعطاه من قوة البصيرة ونفاذ القدرة ما لم يعط غيره من الناس، قال: فضحك صلى الله عليه وسلم وأخذ بأصابعي هكذا وشبكها بين أصابعه، قال: ثم جرني معه إلى البيت عليه الصلاة والسلام، قال: وكانت تلك الليلة ليلة أم سلمة، فدخلت معه صلى الله عليه وسلم فقال: هل من عشاء؟ قالت: نعم فقربت لنا عشاءً فأخذ صلى الله عليه وسلم يقربه منه، ويباسطه صلى الله عليه وسلم ويكلمه حتى يهنأ ويمرأ على حد قول الأول: أباسط ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب وما الجود للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب فلما انتهى قام وما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو جواب السؤال الذي ورد على الرسول صلى الله عليه وسلم. حمل عليه رضي الله عنه بعض أعداء الإسلام، مثل أبي رية في كتابه، ومثل المستشرق المجري جولد زيهر في كتب لهم، وإنما أعرضها لأن كثيراً من طلبة العلم لا يعرف هذا، ورد عليه علماء الإسلام، وردوا على هذه الفرية، بل هو رضي الله عنه حافظ تقي أمين عابد زاهد ممن نتولاه ونحبه ونشهد له بالخير. يقول ابن كثير عنه: كان من العباد الكبار، والزهاد المرموقين، وكان يسبح في اليوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة، قالوا: لماذا؟ قال: لأن ديتي اثنا عشر ألف درهم رضي الله عنه. وكان فيه دعابة، فهو خفيف الروح، يسري على القلوب كالماء الزلال، فيحبب نفسه عند أطفال المدينة، وعند أهلها، وهذه من المآخذ التي أخذها أبو رية على أبو هريرة، أنه كان يأتي والأطفال يلعبون بعد صلاة المغرب فيقع بينهم فيفرون ثم يتحرك ويقوم، ولما تولى إمارة المدينة بعد مروان بن الحكم، أراد أن يهضم نفسه، فأخذ حزمة من الحطب ودخل السوق، وقال: افسحوا للأمير؛ أي: وسعوا للأمير طريقاً، يريد أن يهضم نفسه بتقوى الله عز وجل. توفي رضي الله عنه على فراشه بعد أن ترك علماً جماً، فهذا عرض سريع لسيرة أبي هريرة، وإنما نسوقها لأغراض تربوية، ولنستأنس بسيرهم، ولنعطر ونضوع مجالسنا بأخبارهم.

جزاء من صلى على الجنازة وتبعها

جزاء من صلى على الجنازة وتبعها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين}. القيراط عملة عند العرب تعرفها، قيل: أقل من الدرهم، وقيل: أكثر، والصحيح أنها أقل، فالرسول صلى الله عليه وسلم قرب لهم هذا بتسمية القيراط، وإلا فإن القيراط هنا مثل جبل أحد من الأجر العظيم يحصل للمؤمن إذا تبع الجنازة حتى يصلي عليها، وإذا مكث حتى يصلى عليها وتدفن فله قيراطان، يعني: أن من تبع الجنازة ولم يصل عليها فله أجر عند الله، لكنه لا يحصل على القيراط إنما يحصل عليه إذا صلى على الميت، ويحصل على القيراطين إذا تبعه حتى يدفن.

من سنن الجنائز

من سنن الجنائز وأما السنن في الجنازة فإنها كثيرة. فمن السنة في الجنازة: أن يسرع بها، يقول عليه الصلاة والسلام: {أسرعوا بالجنازة، فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم -أو أكتافكم-} ولذلك كان يقول عليه الصلاة والسلام: {إن الجنازة تصيح بصوت يسمعه كل من خلق الله إلا الثقلين، إذا كانت شقية تقول: يا ويلها أين تذهبون بها}. نعوذ بالله من ذلك! فالسنة في الجنازة أن يسعى بها وأن يهرول بها، ولذلك خرج بعض الصحابة على بعض التابعين وهم يمشون رويداً رويداً، قالوا: مالكم؟ قالوا: نمشي بسكينة، قالوا: هرولوا بها؛ فإنا كنا نسرع بها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقت دفن الجنازة

وقت دفن الجنازة وهناك مسألة وهي: هل يجوز الدفن بالليل أم لا؟ لأنه ورد في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: {زجر صلى الله عليه وسلم عن الدفن بالليل} أي: نهى عليه الصلاة والسلام أن تدفن الجنازة بالليل، ومنع عليه الصلاة والسلام دفن الجنازة بالليل، وأصل هذا الحديث له روايات في أبي داود وفي بقية السنن، فهل يجوز أن تدفن الجنازة -جنازة المسلم- بالليل، فإذا مات في أول الليل، فهل يحبس إلى الصباح ثم يدفن؟ الصحيح أنه يجوز أن يدفن بالليل، دل على ذلك أحاديث منها: حديث أبي هريرة في البخاري: {توفي رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفناه من الليل، فأخبرناه عنه، فقلنا: يا رسول الله! توفي رجل البارحة فدفناه من الليل}. فكيف نجيب على حديث جابر؟ يجيب عليه بعض أهل العلم كـ ابن حجر وغيرهم، يقول: إنما زجر الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا؛ لأنها حادثة عين، كان هناك رجل دفن بالليل، فلم يحسن كفنه في الليل، وما اعتنوا بكفنه، فضموه ودفنوه بالليل، فزجر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدفن الميت بالليل حتى يرى كفنه ويحسن، فإذا أحسن كفنه فلا عليه، سواء بليل أو نهار، وهذا الذي يدل عليه حديث أبي هريرة أنه لا بأس أن يدفن الميت ليلاً، وهذا لا شك فيه، بل هو الصحيح، على أن بعض أهل العلم ذهب إلى حديث جابر ورجح أنه لا بد من النهار. وذكرنا الإسراع بها وأنه من السنة، وأن المسلم عليه أن يحضر هذه الجنائز وأن يتقي الله عز وجل، قال عطاء: [[حضور الجنازة خير عندنا من صلاة النافلة]]. وفيها الاتعاظ العظيم، وتذكر الرحيل والقدوم على الله عز وجل.

من سنن المشي مع الجنازة

من سنن المشي مع الجنازة الذي يشيع الجنازة أين يمشي؟ هل يمشي بجانبها أم وراءها، أم أمامها؟ فيه خلاف بين أهل العلم، والصحيح الذي دلت عليه النصوص أن من كان لا يحمل الجنازة وليس راكباً على دابة أو سيارة، فعليه أن يمشي أمام الجنازة، للحديث المتفق عليه عن ابن عمر، قال: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة}. فكان عليه الصلاة والسلام يمشي أمام الجنازة. فالسنة أن المسلم إذا لم يكن يحمل الجنازة مع الناس وليس براكب على سيارة أو دابة، أن يمشي أمام الجنازة إلى المقبرة، والسر في ذلك والله أعلم كما استشفه بعض العلماء، يقولون: من باب كأنهم شافعون فيه، أو كأنهم قدموا بين يديه يشفعون ويدعون ويترحمون قبل أن يصل إلى المقبرة، وهذا من الأسرار التي تعرض للفائدة. ومن السنة كذلك ألا تتبع الجنازة بنار ولا بنائحة، وقد زجر عليه الصلاة والسلام أن تتبع الجنازة بنار، لأن هذا علامة شؤم، وإيذاء للميت أن يتبع بنار، أو ما شابه ذلك، وهذا لحديث عمرو بن العاص في صحيح مسلم: {ولا تتبعوني بنار ولا نائحة فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك}. وأما النواح فقد علمتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة، ولعن صلى الله عليه وسلم النائحات، وقال للنساء: {ارجعن مأزورات غير مأجورات} وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة، فهذا من السنن في المشي مع الجنازة. ومن السنن: ألا يرفع الصوت بالذكر لأنه بدعة، وبعض الأماكن والمناطق إذا ساروا بالميت، قالوا: لا إله إلا الله، ورددوا كلهم بصوت جميعاً، وهذا لم ترد فيه سنة ولا حديث عن المعصوم عليه الصلاة والسلام بل هو بدعة، والأولى للمسلم أن يتمسك بالسنة حتى يرد النص: {ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}.

حكم نقل الميت إلى بلده

حكم نقل الميت إلى بلده مسألة: نقل الميت من مكان إلى مكان، مثلاً توفي في بلد غير بلده، هل ينقل أو لا؟ إن نقل فلا بأس بذلك، لكن الأولى والأفضل والمسنون الذي وردت فيه الأحاديث أن الأفضلية أن يدفن في المكان الذي توفي فيه، فأورد في الطبراني حديثاً وقال: فيه ضعف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من مات في بلد غير بلده كتب الله أثره من ذاك البلد أو من موضعه إلى ذاك البلد الذي توفي فيه} فالأفضل للمؤمن أن يدفن في البلد الذي مات فيه، وهو الأولى والأحسن ولو كان بعيداً عن قريته أو عن مدينته ولو كان في بلاد الكفار، بل قال بعض أهل العلم: هو أفضل أن يدفن في بلاد الكفار، واستحب ذلك كثير من الصحابة كما في ترجمة أبي أيوب الأنصاري، فإنه دفن على أسوار القسطنطينية، وكان أبو أيوب شيخاً من الأنصار، وهو الذي أنزل الرسول صلى الله عليه وسلم ضيفاً عنده في المدينة، وقد بلغ به الكبر عتياً وهو يجاهد في سبيل الله، فذهب فقاتل ومات رضي الله عنه وهو في الغزوة، وقال لـ يزيد بن معاوية قبل أن يتوفى: اذهب بي إلى آخر ديار المسلمين واجعلني في حدود بلد الروم ليبعثني الله من بين قوم كفار، فهو شاهد له يوم القيامة أن يخرج من قبره وهو مؤمن بين أمة كافرة لا تعرف الله عز وجل. إذاً القول الأول: أنه يستحب المشي أمام الجنازة. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستحب المشي وراء الجنازة للاعتبار. وأقول: إذا وردت النصوص فالحكمة فيما جاءت به النصوص، وابن عمر يقول: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة}. على أن الأمر فيه سعة، وليس هناك إثم إذا مشى وراءها، فهي من باب الأولى والأفضل، فلو مشى خلفها فهذا ليس به بأس، بل ثبت أن كثيراً من الصحابة مشوا خلف الجنازة رضوان الله عليهم وأرضاهم. وأقول: إن النور إن كان للحاجة فلا بأس به، لأن من عادة أهل الجاهلية أنهم كانوا يوقدون ناراً في سرج ويذهبون وراء الميت وكأنه كان ناراً، أو نوراًَ، أو كان مشهوراً، ولذلك تقول الخنساء في أخيها: وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار فهم يشهرون بالميت وينوحون عليه ويذهبون بالنار معه لشهرته في الحياة، وقد كذبوا في ذلك.

حكم القيام للجنازة

حكم القيام للجنازة ورد عنه صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد المتفق عليه أنه قال: {إذا مرت بكم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم} فمن السنة أنه إذا مرت الجنازة أن يقوم العبد المسلم؛ سواء رافقها أو شيعها أو صلى عليها أو حضر دفنها أو لم يذهب إليها، فعليه أن يقوم ليتعظ ولحكمة علمها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. {مر بجنازة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام لها، فقالوا: يا رسول الله! إنها جنازة يهودي، قال: أليست بنفس} ولذلك يقام حتى على جنازة الذمي اتعاظاً واعتباراً وادكاراً. والسنة كذلك أن المسلم إذا ذهب مع الجنازة ألا يجلس حتى توضع في القبر؛ هذه هي السنة، مع العلم أنه ورد عن علي رضي الله عنه {أنه مرت به جنازة وهو بـ الكوفة فلم يقم، فقال له بعض الصحابة: لماذا لا تقم؟ قال: كنا نقوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ترك ذلك} ولكن يبقى هذا لصحة الأحاديث فيه، ولضعف المعارض لهذه الأحاديث الصحيحة.

الصلاة على الميت

الصلاة على الميت وأما مسألة الصلاة على الميت فسوف أوردها إجمالاً ثم تفصيلاً؛ حيث إن من السنة أن يصلى على الميت، والشهداء لا يصلى عليهم لأن الله سبحانه وتعلى زكاهم وقبل منهم، لأن مقصود الصلاة الشفاعة عند الله عز وجل، والترجي والشهداء قد أصبحوا بمنزلة عالية. قال جابر: {دفن صلى الله عليه وسلم شهداء أحد وكفنهم في ثيابهم، ودفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد، ولم يصل عليهم، ولما دفنهم صلى الله عليه وسلم قال: أنا شهيد عليكم أنكم شهداء عند الله}. وكان صلى الله عليه وسلم يؤتى بالجماعة من الناس وهم شهداء وهم قتلى فيقول: {أين الأحباب منهم في الدنيا} يسأل صلى الله عليه وسلم: أين المتآخون والمتصادقون، فيجعل الأخ مع أخيه، والصديق مع صديقه، والصاحب مع صاحبه، ويقول: {أيهم أكثر أخذاً للقرآن فيشار إليه إلى أحد فيجعله من تجاه القبلة كالإمام عليهم} وهذا فيه أن الشهيد لا يصلى عليه. وأما حديث عقبة بن عامر في مسلم: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد}. فالصحيح أنها ليست بصلاة، وإنما هو دعاء، وذلك بعد ثمان سنوات من موتهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة ذهب إلى المقبرة ودعا لهم في الليل وترحم عليهم، ثم رجع وتوفي بعدها بأيام صلى الله عليه وسلم، فهذا إنما هو زيارة ودعاء لهم، وليست صلاة، فهذا يجمع بينه وبين الحديث الذي قد يرد عليكم، وقد أورده ابن كثير في التفسير وغيرهم من أهل العلم، فليعلم هذا.

صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة

صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة أما الصلاة على عم الرسول صلى الله عليه وسلم حمزة فليس بصحيح، بل الصحيح: أنه لم يصل على الشهداء، وإنما سلم عليهم ودعا لهم قبل أن يتوفى، فما صلى عليه الصلاة والسلام على الشهداء لا على حمزة ولا غيره رضوان الله عليهم جميعاً، وإنما دعا لهم صلى الله عليه وسلم.

كيفية الصلاة على الجنازة

كيفية الصلاة على الجنازة أما هيئة الصلاة على الإجمال فهي: أن يكبر المكبر ويرفع يديه، فإن رفع اليدين سنة، واستدل أهل العلم على سنية رفع اليدين ولو أنه لم يرد دليل يخصصها، ولم يرد دليل على أنها تقاس بالصلاة، بقول ابن عمر: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع} فأخذوا عند التكبير أن ترفع الأيدي على الجنازة إذا كبر المكبر المصلي. فيكبر التكبيرة الأولى ثم يقرأ بالفاتحة، وهذا دل عليه حديث النسائي عن سهل بن حنيف قال: {من السنة أن يصلى على الجنازة فيكبر التكبيرة الأولى ثم يقرأ الفاتحة، ثم يكبر الثانية فيصلى على الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر للثالثة ثم يدعو للميت، ثم ما ذكر شيئاً بعد الثالثة}. فالسنة أن يكبر التكبيرة الأولى ثم تقرأ الفاتحة، والثانية أن يصلى على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأفضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية: {اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد} ثم يكبر للثالثة ويدعى للميت. وحفظ من دعائه حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: {صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فاقتربت منه حتى مست ثيابه ثيابي، وسمعته يدعو لرجل من الأنصار ميت وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خير من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه 000}. الحديث، قال: فوددت والله أنني أنا الميت. وحفظ من دعائه صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة الصحيح أنه قال: {اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده} إلى أدعية كثيرة، والدعاء مطلق، والأحسن أن يتقيد بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، ومن دعا بالرحمة والغفران للميت، فلا بأس به على ما فتح الله له. وأما المولود فيدعى له كما هو تعليق البخاري عن الحسن البصري قال: [[اللهم اجعله فرطاً وذخراً وأجراً لوالديه]]. هذا في الدعاء، ثم يكبر الرابعة ثم يقف ثم يسلم، ومن السنة كذلك كما في سنن أبي داود: أنه يسلم تسليمتين، فمن سلم تسليمتين فلا شيء في ذلك؛ بل هو سنة، ولكن الأغلب تسليمة واحدة، وقد أخذ الجمهور بتسليمة واحدة، وأخذ الأحناف بتسليمتين. وهل يكبر ثلاثاً أم أكثر؟ ورد عن أنس رضي الله عنه أنه كبر ثلاث تكبيرات، ويكبر خمساً كما ورد عن زيد بن أرقم في صحيح مسلم: {أنه كبر خمس تكبيرات، وقال: فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم}. وفي السنن: [[أن علياً رضي الله عنه صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه ست تكبيرات، وقال: هو من أهل بدر]]. هذه الصلاة على الميت على وجه الإجمال، ولكل سنة من هذه السنن أو الشعائر حديث ودليل يدل عليها.

أدلة رفع اليدين في التكبير

أدلة رفع اليدين في التكبير الأصل أن يحمل المسكوت على المنطوق، وقد ذكر ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه عند التكبير، فأخذ أهل العلم كالإمام أحمد بحديث ابن عمر حتى في صلاة الجنائز، فما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر يرفع يديه؛ كتكبيرة الإحرام والتكبيرة من الركوع والتكبير من الرفع وصلاة العيدين وهذه الصلوات، عرفنا أن المسكوت يحمل على المنطوق، وليس هناك دليل صريح فيما أعلم على رفع اليدين عند الجنازة.

حكم دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة

حكم دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة لا بأس بدعاء الاستفتاح قبل الفاتحة لأنه ورد في الصلاة، وصلاة الجنازة تأخذ حكم الصلاة إلا فيما خصه الدليل، وهناك قاعدة ذكرها أهل العلم منهم الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في كتاب الأحكام، يقول: قاعدة: النافلة تأخذ حكم الفريضة إلا ما خصه الدليل، فلا بأس أن يستفتح وإن خشي أن يفوته الإمام بالتكبير فليبدأ بالفاتحة.

حكم نقل القبر

حكم نقل القبر السنة ألا ينقل القبر وأن يبقى إلا لحاجة، كأن يتضرر الميت أو يتضرر الحي من بقاء القبر في هذا المكان، فـ جابر رضي الله عنه كما في الصحيح نقل قبر أبيه لما أجرى معاوية العين من وراء جبل أحد إلى المدينة، فطلب منهم أن ينقلوا الشهداء؛ لأن العين تمر عليهم، قال جابر: [[فنقلت أبي بعد ست وأربعين سنة فوجدته ما تغير منه شيء، وكان ريحه كريح المسك]] أبو جابر هذا هو عبد الله بن عمرو بن حرام، الذي كلمه الله كفاحاً بلا ترجمان، وقد قتل يوم أحد، يقول جابر: {قتل أبي فرأيته مغطى أمام الرسول صلى الله عليه وسلم فاقتربت منه فأخذت أرفع الثوب وأبكي فما نهاني صلى الله عليه وسلم، والناس ينهونني}. حتى جاءت عمتي -أخت هذا المقتول- فقالت: يا رسول الله! أخي في الجنة فأصبر وأحتسب؟ أم هو غير ذلك فسوف ترى ماذا أصنع؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أهبلت؟! أجننت؟! أهي جنة واحدة؟ والله إنها لجنان كثيرة وإن عبد الله في الفردوس الأعلى، قال جابر: فلما وصلنا المدينة حملنا أبي والشهداء على الجمال، فدخلت بهم الجمال مع الغروب إلى المدينة ليدفنوا في المدينة، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعيدوا الشهداء يدفنوا في مضاجعهم فأعادوهم. وفي يوم أحد وقف النبي صلى الله عليه وسلم وهو متأثر لأنها شبه هزيمة، قتل سبعون من أصحابه، وقتل عمه وشج صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته، وأتاه من الكلل والإعياء ما لا يعلمه إلا الله، فقام صلى الله عليه وسلم فقال: {صفوا ورائي لأثني على ربي} ما أحسنها من كلمة في هذه الأزمة وفي هذا الموقف، فصف الصحابة بعده -هذا من السيرة استطراداً مع هذه القضية- فلما صف صلى الله عليه وسلم يثني على الله عز وجل، وإذا بـ أبي بن خلف؛ ذاك الفاجر المجرم الذي لم يقاتل في المعركة، وكان من كفار قريش، وإنما كان يترصد ويريد أن يقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، فاعتزل المعركة وأتى بسيف يقولون: سمه بالسم شهراً كاملاً حتى أصبح السيف أزرق، وعلف فرسه من البر، وقال: أقتل محمداً على هذا، فلما أخبر صلى الله عليه وسلم، قال: أنا أقتله إن شاء الله، فلما وقف صلى الله عليه وسلم يدعو نزل ذاك بفرسه من الجبل، يقول بعض الصحابة: ظننا أن الجبل أقبل معه، من قوة الرجل وقوة الفرس ما قاتل من أول النهار، وإنما أراد أن ينهك صلى الله عليه وسلم من كثرة المقاتلة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقاتل من الصباح إلى العصر، وهو جائع وعاطش ومرهق، فيأتي هذا فيستغل هذه الفرصة ويستغل نقطة الضعف. فيتحرك الصحابة يريدون أن يباغتوا هذا، وبينهم من هو أشجع منه بمئات المرات كـ الزبير وعلي وكغيره من الصحابة، فأشار صلى الله عليه وسلم أن اتركوه، فلما قارب صلى الله عليه وسلم إنهاء الدعاء، قال: ناولوني حربة، فناولوه حربة صلى الله عليه وسلم فهزها، ثم قال: بسم الله، فأطلقها، وذاك الرجل قد تدجج تحت ثيابه بدرعين اثنين، حتى يقولون: ما ترك من جسمه شيئاً لأنه كان حذراً من مثل هذه الضربة، وترك موضعاً كالدرهم. فلما قال صلى الله عليه وسلم: باسم الله. أرسلها فوقعت في ذاك الموضع، فسقط صريعاً على وجهه ثم حمله الكفار، وقالوا: لا بأس عليك، وقالوا: ما خرج من الدم إلا كالدمعة الواحدة، فقال وهو يحلف بلاته وعزاه: لو أن ما بي بأهل ذي المجاز -وهي سوق عظيمة عند العرب- لماتوا عن بكرة أبيهم، فقربوه من النار، يريدون أن يسروه بالنار حتى لا تأتي الطيور عليه بالجراثيم، فمات عند النار وسوف يدخل النار إن شاء الله. قال جابر: فلما دخلنا المدينة قال عليه الصلاة والسلام: {يا جابر! أتدري ماذا فعل الله بأبيك وإخوانه الشهداء؟ قال: لا. يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده لقد كلمهم كفاحاً -يعني: مباشرة بلا ترجمان ولا ستار- وقال: تمنوا عليَّ، قالوا: نتمنى أن تعيدنا في الدنيا لنقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمنوا، قالوا: نتمنى أن ترضى عنا فإنا قد رضينا عنك، قال: فإني أحللت عليكم رضواني ولا أسخط عليكم أبداً، فجعل الله أرواحهم في حواصل طير خضر ترد الجنة، فتأكل من أشجارها، وتشرب من مائها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش حتى يرث الله الأرض ومن عليها}. وهذا حديث صحيح، وأنزل الله مصداق ذلك: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171].

حكم الصلاة على الغريق

حكم الصلاة على الغريق يصلى على الغريق الذي شرق بالماء أو غرق وهو من الشهداء عند الله عز وجل، إنما الذي لا يصلى عليه هو شهيد المعركة، أما الذي أصابه حريق أو أصابه حادث سيارة، أو وقع من مكان عال فتلف، فيصلى عليه.

حكم الصلاة على صاحب الدين والمنافق

حكم الصلاة على صاحب الدَّين والمنافق الصلاة على من عليه دين باهظ، هل يصلي عليه الإمام والمسلمون أم لا؟ يقول أبو قتادة في الصحيح: {تقدم صلى الله عليه وسلم ليصلي على رجل من الأنصار، فقال: أعليه دين؟ فقالوا: عليه ديناران يا رسول الله! فتأخر صلى الله عليه وسلم، وقال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: أنا أحملها عنه يا رسول الله! -أي: أقضيها عنه- قال: فتقدم صلى الله عليه وسلم فصلى، ثم لقي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة فقال: ما فعل دين صاحبك؟ قال: قضيته يا رسول الله! قال: الآن بردت جلدته}. قال: أبو هريرة في الصحيح: {كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي على من مات وعليه دين حتى فتح الله الفتوح} فكان يصلي ولا يسأل من عليه دين أو ليس عليه دين. والصحيح: أنه يصلى على المسلم ولا يسأل هل عليه دين أم لا؟ لأنه لو توقف الصلاة على الذي ليس عليه دين ما بقي من الناس أحد لا يصلى عليه، ومن الذي يموت -إلا القليل النادر- وليس عليه دين، بل يصلى عليه ويترحم، وهو من الذين يقبل الله عنهم إذا كان مسلماً أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم، ومن أخذ الدين من الناس يريد قضاءه قضى الله عنه، وإن أخذه يريد إتلاف أموال الناس أتلفه الله. أما الصلاة على المنافق: فمن اشتهر نفاقه بين المسلمين وأصبح منافقاً له علامات، مثل: التكاسل عن الصلوات، أو بغض القرآن وآيات الله عز وجل، والحديث النبوي، ومجالس الخير، وأهل الالتزام والعلم والصلاح والاستقامة، فهذا لا يصلى عليه: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84] وعقد البخاري باباً في ذلك. أما صاحب البدعة فإنه لا يصلى عليه زجراً له، أفتى بذلك سفيان الثوري وفعلها مع كثير من المبتدعة، مع العلم أنه لو كانت بدعته خفية أو خفيفة وهو متلبس بها وليس على المسلمين ضرر فيها فالأولى أن يصلى عليه، لكن كثير من الأئمة تركوا الصلاة عليه زجراً له ولغيره من المبتدعة. أما المنافق فلا يصلى عليه زجراً له وتأديباً وأداءً للواجب، لأن الواجب في حقنا ألا يصلى عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم لما صلى على عبد الله بن أبي بن سلول أنزل الله عليه: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84]. قال عمر رضي الله عنه: {وقف صلى الله عليه وسلم يصلي على عبد الله بن أبي فوقفت أمامه -وقف عمر أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكبر- فقلت: يا رسول الله! أنسيت ماذا فعل بنا يوم كذا وكذا؟ أنسيت ماذا قال يوم كذا وكذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: غفر الله له، فأنزل الله عز وجل: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84]} فما كان عليه الصلاة والسلام يصلي على أحد منهم بعذ ذلك وتركهم وما كان يقوم على قبورهم ولا يدعو لهم. والعجيب أن عبد الله بن أبي أخرجه صلى الله عليه وسلم من قبره بعد أن توفي، وأتى ابنه عبد الله الرجل الصالح وقال: يا رسول الله! إن أبي كما علمت أساء إليك وأساء إلى الإسلام، وإني أخاف عليه من العذاب، وأريد أن تكفنه في ثوبك الذي يلي جسمك، وأبوه كافر لا يغفر الله له أبداً وهو خالد مخلد في النار؛ لأنه منافق كافر، فمن رحمته صلى الله عليه وسلم وإكرامه لهذا الشاب الصالح أن أعطاه ثوبه، حتى قال الإمام البخاري: باب: هل يخرج الميت بعد أن يدفن. فأخرجه صلى الله عليه وسلم ووضع عليه رجليه ونفث في ثوبه صلى الله عليه وسلم، ثم خلع ثوبه الذي يلي جسمه رحمة منه وكفنه فيه، فقال الصحابة: يا رسول الله! تكفنه بثوبك!! قال: وماذا يغني عنه ثوبي -يعني ماذا ينفعه ثوبي لا يغني عنه شيئاً- لكن إكراماً لابنه؛ لأن ابنه كان له المواقف المشرفة في الإسلام. ففي غزوة المريسيع لما تضارب رجل أنصاري ومهاجري قال عبد الله بن أبي: صدق الأول حين قال: جوع كلبك يتبعك، وسمن كلبك يأكلك، أشبعناهم -أي: المهاجرين- وآويناهم، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، يعني: أنهم هم الأعزة والصحابة المهاجرون هم الأذلة، فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم المقالة فسكت وأخبر بها عبد الله بن عبد الله بن أبي، فلما سمع ذلك وقف عند مدخل المدينة -وكان لها سور- فدخل صلى الله عليه وسلم ودخل المهاجرون والأنصار، فلما أتى أبوه ليدخل قال: والله لا تدخل، قال: ولم؟ قال: حتى يأذن لك رسول الله، قال: ولم؟ قال: لأنك الأذل ورسول الله صلى الله عليه وسلم الأعز، فأنت ذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عزيز، فأخبر صلى الله عليه وسلم قال: أذنت له فليدخل، ثم أتى عبد الله إلى الرسول وقال: يا رسول الله! إن أبي فعل ما فعل، وسمعت أنك تريد أن تقتله، فوالله لا أرضى أن أعيش وأنا أرى قاتل أبي يمشي على الأرض، لكن دعني حتى آتي برأسه الآن قتيلاً، فقال صلى الله عليه وسلم: بل نترفق به ونصبر حتى يلقى الله.

حكم الصلاة على الميت في القبر

حكم الصلاة على الميت في القبر أما الصلاة على الميت في قبره فقد قلنا: إنه يُصلى على الميت في القبر إلى شهر، إلا أن الأولى أن يصلى عليه في خارج القبر، فإذا لم يصل عليه خارج القبر تجوز الصلاة عليه وهو في قبره لمدة شهر، قال ابن عباس كما في البخاري: {مر عليه الصلاة والسلام على قبر منبوذ فصفنا وصلينا وراءه} أي: أنه قبر منفرد عن المقابر. ويتساءل ابن حجر فيقول: إلى متى يصلى على الميت؟ ولأهل العلم ثلاثة أقوال في ذلك: الأول: أنه يصلى عليه مطلقاً متى شئت فاذهب وصلِّ عليه، وهذا قول ضعيف، لأن معنى ذلك أن نجعل المقابر مساجد؛ دائماً نصلي عليها ويمر الناس ويصلون صلاة الجنازة. القول الثاني: أن يصلى عليه ما لم يبل جسمه أو نعلم أنه بلي جسمه، وهذا من علم الغيب، لكن أوردته لأنه ورد. القول الثالث أنه: يصلى عليه إلى شهر وهذا هو الصحيح.

هل يوضع على القبور شيء؟

هل يوضع على القبور شيء؟ وهنا مسألة: وهو أنه جاء في الحديث الذي مر معنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بقبرين يعذبان، فقال: {إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير} فشق جريدة نخل وغرزها في القبرين، وهنا يرد سؤال وهو: هل يفهم من الحديث أن لنا أن نفعل ذلك؟ أو للرجل الصالح إذا ذهب إلى مقبرة هل يغرز عصاً خضراء ليرحم بها صاحب القبر؟ جاء عن بردة بن الحصيب أنه أخذ عصاً ووضعها على القبرين، وقال: [[إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك]]. ورد أهل العلم من السلف وقالوا: هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم لأمرين: الأمر الأول: أن الله جعل فيه من البركة والتوفيق والصلاح والخير ما لم يجعل في غيره، فهي خاصة به. الأمر الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم علم أنهما يعذبان، أما غيره فقد يمر برجل في روضة من رياض الجنة، ويقول: إنه ليعذب وما يعذب في كبير، أو يمر برجل فاجر كافر من اليهود، ويقول: أرجو أن يرفع الله عنه العذاب ما لم ييبس، أو شيوعي من الشيوعية العالمية، ولهذا فإن القول بخصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بهذا هو الصحيح.

الصلاة على الغائب

الصلاة على الغائب الصلاة على الغائب كالصلاة على الحاضر، قال أهل العلم: بشرط إذا لم يصل عليه في بلده، لكن الصحيح أن يصلى عليه سواء صلي عليه في بلده أو لم يصل، بشرط أن يكون له بلاءً حسناً في الإسلام، كأن يكون رجلاً مشهوراً بالخير، أو رجلاً اشتهر عنه نصرة الدين والإسلام ورفع راية لا إله إلا الله، أو عالماً من العلماء، أو مجاهداً من المجاهدين، أو على هذا النحو، فهذا يصلى عليه لهذه الأسباب، أما لو كلما مات أحد في مدينة وأتى الخبر نصلي عليه، لكنا صلينا بعد كل صلاة على جنازة، وهذا ليس بوارد، إنما الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي لثلاثة أسباب كما قلنا: لأنه في بلد ما صلي فيه عليه، ولأنه فيه تأليف لملوك العرب أن يسلموا، لأنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم مقالة من الناس اتهموا فيها النجاشي أنه لم يسلم فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنه أسلم وآمن وقال: قوموا صلوا على أخيكم -وهو النجاشي - فهذا هو الكلام الوارد.

الصلاة على أهل الكبائر

الصلاة على أهل الكبائر الصلاة على أهل الكبائر: هل يصلى على أهل الكبائر إذا ماتوا أم لا؟ رجل زنى فرجم حتى مات، هل يصلى عليه أم لا؟ رجل سرق ولما أقيم عليه الحد مات، شرب الخمر فجلد فمات من آثار الجلد، ورجل قتل نفساً فقتل إعداماً هل يصلى عليه أم لا؟ هذه لأهل العلم فيها آراء ولكنها تجتمع على قولين: القول الأول: أنه لا يصلي إمام المسلمين عليه ويصلي عليه بقية الناس ردعاً وتأديباً لغيرهم، لأنه لو صلى عليهم لتوهم الناس أنهم محسنون، وهم مسيئون، فلا يصلي الإمام عليهم وإنما يصلي عليهم بقية الناس لأنهم لا زالوا مسلمين، وهم مسلمون عند أهل السنة والجماعة، أما عند المعتزلة والخوارج فيقولوا: ليسوا بمسلمين بل كفار، لكن نحن ندين الله عز وجل أنهم لا زالوا في دائرة الإسلام، وأننا نخاف عليهم العذاب ولا نقنطهم من رحمة الله، وهم تحت رحمة الله عز وجل إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم. والقول الثاني: أنه لا يصلى عليهم مطلقاً، وهذا الرأي فيه إجحاف، بل صلى النبي صلى الله عليه وسلم على بعض من أتى هذا الأمر، فصلى على ماعز، وعلى الغامدية التي زنت في عهده صلى الله عليه وسلم ورجمت حتى ماتت. فأهل الكبائر يصلي عليهم الإمام بعض الأوقات إذا علم أنه ليس هناك ضرر ولا يمكن أن يتجرأ الناس على المعاصي، وإن رأى أن من الحكمة ترك الصلاة عليهم فلا يصلي ولكن لابد أن يصلي عليهم المسلمون؛ لأنهم مسلمون ولأنهم ما خرجوا عن دائرة التوحيد ولعل الله أن يرحمهم، وعلمهم عند الله عز وجل يحاسبهم بما فعلوا. ولعل قائلاً يقول: الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على ماعز لأنه تاب من المعصية، نقول: هذا وارد ولقد استشكله بعض أهل العلم كما صرح بذلك الصنعاني صاحب سبل السلام، لكن الصحيح: أن أهل الكبائر سواء تابوا أو لم يتوبوا هم في دائر الإسلام، فمن أصر على كبيرة هل يخرج من الإسلام؟ هي مسألة إسلام وغير إسلام، وأنا لا أتكلم في مسألة لماذا صلى عليه الصلاة والسلام أو لم يصل؟ لكن من المقويات عند بعض أهل العلم أن ماعزاً صلى عليه صلى الله عليه وسلم لأنه تاب، وكذلك الغامدية، فنقول كما قلنا سابقاً: أنه إذا رأى الإمام أن المصلحة أن يصلي عليه فليصلِّ، وإذا رأى أن من المصلحة ألا يصلي عليه فلا يصلي، لكن لا بد أن يصلي عليه نفر من الناس.

الصلاة على من قتل نفسه وعلى السقط

الصلاة على من قتل نفسه وعلى السقط هنا مسألة: من قتل نفسه، هل يصلى عليه أم لا؟ في السنن عن سمرة بن جندب، قال: {أتي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه} بمشاقص أي: نحر نفسه بالسكاكين، فلما مات أُتي به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يصل عليه صلى الله عليه وسلم، وهذا في قاتل النفس خاصة، فكأن الظاهر: أن قاتل نفسه لا يصلى عليه؛ لأنه استعجل، ولأنه أعدم نفسه فارتكب أمراً أكبر من الكبائر وهو إزهاق روحه، وقيل: هذا من الإمام كما في أهل الكبائر ويأخذ حكم أهل الكبائر، فيصلي عليه المسلمون، وكأن الصحيح هذا القول الأخير، ولكن الإمام لا يصلي عليه زجراً له. هل السقط يصلى عليه أم لا؟ يعني: جنين سقط من بطن أمه هل يصلى عليه أم لا؟ لأهل العلم آراء في تلك وإنما أعرضها للمعرفة وللاستبيان وهي ثلاثة آراء: منهم من قال: لا يصلى على السقط أبداً. ومنهم من قال: يصلى عليه مطلقاً. والصحيح التفصيل: أنه يصلى عليه إذا نفخ فيه الروح، فإذا سقط وكان مسلماً حكماً كما يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في تعليقاته على الفتح؛ لأن أبويه مسلمان وهو مسلم حكماً؛ لأنه مولود على الفطرة أو أنه أتى على الفطرة في بلاد الإسلام، فهذا يصلى عليه لحديث المغيرة بن شعبة عند أحمد وأبي داود والنسائي بسند حسن قال: {والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالرحمة والمغفرة}.

موقف الإمام عند الجنازة

موقف الإمام عند الجنازة مسألة وهي: أين يقف الإمام على الرجل الميت أو على المرأة؟ من السنة أن يقف الإمام عند رأس الرجل وعلى وسط المرأة، وهذا دل عليه الحديث الصحيح: وهو أن جابراً أو سمرة بن جندب قال: {أتي صلى الله عليه وسلم بامرأة ماتت بجماع -قالوا: بولادة في بطنها- فصلى عليها وقام وسطها} فالإمام إذا أتي بالجنازة إن كان رجلاً وقف عند رأسه، وإن كانت امرأة وقف على وسطها، وإن كان هناك رجالاً ونساء دفعة واحدة فليصلِّ عليهم مرة وليجعل الرجال مما يليه، ثم الأطفال ثم النساء في الأخير، ويصلى على المجموعة بصلاة واحدة جميعاً -مهما كثروا في العدد- لفعله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان إذا أتي بمجموعة من الناس صلى عليهم صلى الله عليه وسلم، وإنما المقصود أن يقف على وسط المرأة قيل: الحكمة ليستر الإمام المرأة، وقيل: ليعرف الناس أن هذه امرأة ميتة فيغيرون الدعاء ولا يدعون بدعاء الرجل.

الأسئلة

الأسئلة

وقت نفخ الروح في الجنين

وقت نفخ الروح في الجنين Q بعد كم ينفخ الروح في الجنين؟ A يقول صلى الله عليه وسلم: {يجمع خلق أحدكم أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم ينفخ فيه الروح} فينفح فيه الروح بعد مائة وعشرين يوماً وهو أربعة أشهر وهو الصحيح. والشيخ عبد العزيز بن باز ذكر هذا كما في الفتاوى لكنه لم يذكر الحديث؛ لأنه أحاله على حديث ابن مسعود المعلوم.

حكم إخراج الجنين الميت من بطن أمة المتوفاة

حكم إخراج الجنين الميت من بطن أمة المتوفاة Q هل يشق عن بطن الحامل الميتة لإخراج الجنين؟ A لا يشق وإنما يدفن معها وقد نص على هذا البخاري في بابه، وسوف تأتي هذه المسائل وهي من المسائل التي ليس لها باب يخصها، فهذه يصلى عليه وعليها صلاة واحدة ويدفنا معاً.

حكم إخراج الجنين الحي من بطن أمه المتوفاة

حكم إخراج الجنين الحي من بطن أمه المتوفاة Q إذا كان الجنين حياً هل يخرج من بطن أمه إذا ماتت؟ A عمل السلف على ما ذكر، أما هذا فمن كلام أهل الطب، يعني: فلا أعرف في المسألة جديد، هل يشق البطن ثم يخرج الطفل ليربى، لكن أعرف أن القرون المفضلة والأدلة منه صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة ومن الأمة بالإجماع: أنه يدفن معها، لأنهم ما كانوا يعرفون عملية، وهذه المسألة تعرض على اللجنة الدائمة للإفتاء ليروا ما الحل في مثل هذه المسألة، وهي من المسائل الجديدة التي وجدت عند المسلمين.

من هو الذي لا يصلي على صاحب الكبيرة

من هو الذي لا يصلي على صاحب الكبيرة Q من المقصود بالإمام الذي لا يصلي على فاعل الكبيرة؟ A أنا لا أقصد إمام المسجد، المقصود هو: الإمام المسئول عن المسلمين، إمام المسلمين الذي يقف موقف الرسول صلى الله عليه وسلم أو من ينوب عنه، فإن كان من عادته أن يصلي على الناس كالقاضي أو رئيس المحاكم إن كان من عادته أن يصلي على الأموات فليترك على أهل الكبائر تأديباً لهم.

من أحكام الدفن

من أحكام الدفن بقي من هذه المسائل في هذه الجلسة مسألة توجيه الميت إلى القبلة في القبر، وسوف يأتي الكلام على الدفن -إن شاء الله- لكن قبل هذا كيف يدخل الميت إلى قبره؟ يدخل الميت إلى قبره من جهة رجليه -أي آخر القبر- لحديث عند أبي داود عن أبي إسحاق السبيعي قال: رأيت عبد الله بن زيد أدخل رجل القبر من جهة رجليه وقال: هذه السنة، فيدخل من أرجل القبر مما يلي أرجل الميت. ويوجه الميت إلى القبلة لقوله عليه الصلاة والسلام في الكعبة: {قبلتكم أحياءً وأمواتاً} فيوجه على جهته اليمنى ويستقبل به القبلة ليكون مواجهاً ظاهراً وباطناً: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115]. لكن إذا علمت القبلة في مثل هذا الحال فعليه أن يوجه به إلى القبلة ليكون على الفطرة وليكون على منهج رسول الله عليه الصلاة والسلام. والمريض من الأولى أن يوجه به إلى جهة القبلة عند سكرات الموت، مع العلم أن الأئمة مختلفون في هذا، فـ سعيد بن المسيب رحمه الله لا يرى التوجيه إلى القبلة لأنه يقول: إن لم يكن موجهاً عليها في الحياة فلا ينفعه عند الوفاة. لكن الصحيح: أن يوجه عند سكرات الموت إلى القبلة؛ لأنها قبلتنا أحياءً وأمواتاً، ولأنه مقدم على الله عز وجل، وعلَّ الله أن يتداركه برحمته. وبعض الناس يقوم عند القبر فيعظ الناس عن الموت أو عن ما بعده أو عن نعيم القبر وعذابه فهل هذا وارد؟ الصحيح: أنه وارد وأنه سنة، والبخاري عقد باباً في كتاب الجنائز: باب: الوعظ على المقبرة، وأتى بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دفنت زينب كما في حديث علي والبراء وعظهم وبكى صلى الله عليه وسلم ثم قال: {لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً} وكان الأئمة والسلف الصالح يعظون الناس على المقبرة، والذي يحذر منه عند المقبرة كثرة الضحك أو المزاح أو الكلام الذي لا يمت إلى طاعة الله ولا إلى تقواه وهذا من سوء الأدب إن لم يكن من قلة الدين نعوذ بالله من ذلك.

الأفضل في الدفن

الأفضل في الدفن والأفضل في الصلاة على الميت أن يصلى عليه خارج المسجد، وأما الصلاة في المسجد فللضرورة كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على سهيل وسهل ابنا البيضاء في المسجد. أما بالنسبة لوضع شيء من الريحان أو غيره مع الميت فهذا لا بأس بها فيما أعلم، وتجدون في صحيح البخاري باب: وضع الإذخر وغيره مع الميت؛ لأنها وضعت لفائدة ولمصلحة، وهذه فيها رائحة طيبة، وفي الصحيحين أن العباس قال لرسول الله لما حرم قطع أشجار مكة وقال: {إلا الإذخر فإنه لبيوتهم ولقبورهم} يعني: يضعونه في القبور، فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الكلام، وكثير من الصحابة الشهداء ما وجدوا لهم إلا أشياءً بسيطة كفنوا بها ثم كملوا فكملوا بالإذخر وببعض الشجر عليهم، فلا بأس بالريحان أن يوضع في القبر. ولا يدفن الميت وهو واقف بل السنة أن يدفن على جنبه، أما الضرورات فلها أحكام خاصة، لكن السنة عند المسلمين أن يدفن على جنبه مستقبلاً القبلة أما أن يدفن وهو واقف فليس بوارد.

حكم بناء المساجد على القبور

حكم بناء المساجد على القبور أما المساجد التي على القبور، فقد قال عليه الصلاة والسلام: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا} وقال: {اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد}. ونهى صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبور وأن يصلى عليها، فليعلم هذا. ومن السنن في القبر: ألا يرفع أكثر من شبر، ولا يجصص، ولا يبني أو يجلس عليه، ففي صحيح مسلم قال أبو الهياج الأسدي: قال لي علي رضي الله عنه: {ألا أبعثك على ما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: ألا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا صورة إلا طمستها} فلا يرفع، ولا بأس بكتابة اسم الميت على القبر، ليعرف وليزوره الزائر ويدعو له، أو وضع خشبة ليعرف بها لا للتبرك ولا لأنه لا يعذب حتى لا تجف الخشبة وقد جفت، فليعلم هذا. وفي ختام هذه الجلسة أتوجه إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون، اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

من أحسن القصص

من أحسن القصص إن سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام مليئة بالمعجزات، وهو أكثر الأنبياء تأييداً بالمعجزات، وقد أمده الله بها، واستخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في نصرة هذا الدين وفي الوقوف مع أصحابه وفي وقت الشدة وحاجتهم إليه، وقد ذكر الشيخ حفظه الله تعالى نماذج وأمثلة على هذه المعجزات وهذه المواقف.

من معجزاته صلى الله عليه وسلم

من معجزاته صلى الله عليه وسلم الحمدلله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقائد الناس أجمعين، أمابعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسعد الله أوقاتكم باليُمن والمسرات، معنا هذه الليلة حبيبنا ورسولنا، وصفوة خلق الله، معنا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، نعيش مع معلم البشرية وهادي الإنسانية ومزعزع كيان الوثنية، في ساعة أحلى ساعات العمر، وأغلى ساعات الحياة، يقول الله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] وعنوان هذا الدرس (من أحسن القصص). دخل عمر رضي الله عنه المسجد، فوجد رجلاً يقص على الناس من الخزعبلات، وأخبار الماضين والماضيات، التي لا تعتمد على أسانيد ولا على ثقات، فقال: عمر من الرجل؟ قالوا: رجل يا أمير المؤمنين من الناس، قال: وماذا يفعل؟ قالوا: يقص علينا قصصاً، قال: عمن؟ قالوا: عن قوم لا نعرفهم، فعاد رضي الله عنه وأرضاه وأخذ درته، والدرة عصى يحملها عمر دائماً للطوارئ، يؤدب بها ويخرج بها الشياطين من الرءوس، فأتى رضي الله عنه وأرضاه فضرب الرجل وأنزله، وقال سبحان الله، يقول الله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] وأنت تقص على الناس هذه القصص، فقال أهل العلم: حق على من قص على الناس أن يعتني بالأحاديث الصحيحة، وألا يقص عليهم إلا ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

قوته البدنية صلى الله عليه وسلم

قوته البدنية صلى الله عليه وسلم من هذا المنطلق جمعت أحاديث صحيحة إن شاء الله، لقصص محمد صلى الله عليه وسلم، لمعجزاته ولما آتاه الله من آيات باهرة، وهو صلى الله عليه وسلم معجز في شخصه، ومعجز في القرآن التي أتى به، ومعجز في حالاته كلها، بل حتى في جسمه فهو عند بعض العلماء معجز، أوتي قوة ثلاثين من الرجال، فهو مهيأ ليقود العالم، كان صلى الله عليه وسلم يدور في ساعة واحدة على تسع نسوة من نسائه ويغتسل غسلاً واحداً، أتى في الخندق فما استطاع الصحابة وهم عشرات أن يدهدهوا صخرة فأتى فحملها، كان يقف في المعركة عليه الصلاة والسلام فلا يفر وإنما يبقى صامداً إلى آخر لحظة من لحظات المعركة، ومن خصائصه أنه ما كان يتثائب، لأن التثائب من الشيطان ومن خصائصه أنه ما احتلم؛ لأن الاحتلام من الشيطان، والشيطان لا يلعب على الرسول عليه الصلاة والسلام أبداً، عاش عليه الصلاة والسلام وأيده الله في المعجزات، عاش يتيماً عاش إلى الأربعين ما قرأ كتب ما درس ولا تعلم الخطابة وما درس الفتيا وما درس أصول السياسة وما تعلم الإدارة، وما تعلم أي علم أبداً فبعد أربعين سنة يخرجه الله عز وجل فإذا هو أفضل خطيب، وأعظم مفتي، وأشجع قائد: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. إن البرية يوم مبعث أحمدا نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها عاش في المجتمع أشبه شيء بالبداوة، ومع ذلك كان من أجمل الناس، وجهه كالقمر ليلة أربعة عشر، إذا جلس الجالس أمامه كأنه يجلس أمام الشمس أو القمر، ولذلك إذا صافحه مصافح أثرت أصابع المصافح في جسم الرسول عليه الصلاة والسلام، قال أنس فيما صح عنه رضي الله: {مسست كف الرسول عليه الصلاة والسلام فو الله ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كفه، وشممت رائحة الرسول عليه الصلاة والسلام فو الله ما شممت مسكاً ولا عبيراً أحلى من مسكه عليه الصلاة والسلام}. ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا

طيب رائحته صلى الله عليه وسلم

طيب رائحته صلى الله عليه وسلم يمر من السكة فيعرف الناس أنه مر من هذا المكان بطيبه، عرقه الذي يتصبب من على جبينه الطاهر كاللؤلؤ، يوضع في القوارير، أخذته أم سليم فكانت تداوي به المرضى فيشفون بإذن الله، يخرج في الصباح الباكر بعد صلاة الفجر عليه الصلاة والسلام فيهمل يده للناس فهذا يأخذ يده فيمسح بها على وجهه، فهذا أعرابي يقول: أخذت يد الرسول عليه الصلاة والسلام فأطلقت زرري فوضعتها على صدري، فوالله ما زال بردها إلى الآن كالثلج على صدري، تأتي الجارية بالماء فيضع يده في الماء للبركة التي وضعها الله فيه، إنه محمد عليه الصلاة والسلام، وبعد ذلك يقول أهل التصوف: أنتم لا تحبون الرسول عليه الصلاة والسلام.

إنشقاق القمر

إنشقاق القمر ومن معجزاته: انشقاق والحديث القمر وإسناده واضح كنجوم السماء. خرج على كفار قريش وكفار قريش يعرفونه يتيماً وصادقاً أميناً، ما حفظوا عليه كذبة، ولا خان خيانة ولا غدر مرة، خرج عليهم بعد صلاة العشاء، فقال: يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، فقال أبو جهل: من أين أتيت قال: أرسلني الله، قال أما وجد الله إلا أنت يرسلك؟! ثم حلف بلاته وعزّاه، لا نؤمن لك حتى تشق لنا هذا القمر، فقال عليه الصلاة والسلام: لئن دعوت الله وشق لي القمر، أتؤمنون؟ قالوا: نؤمن. فرفع يديه وسأل الله أن يشق له القمر، فشق الله له القمر ليلة أربعة عشر، أما فلقة فذهبت تجاه عرفات في مكة، وفلقة أخرى ذهبت تجاه جبل أبي قبيس، فقام كفار قريش من الحرم جميعاً رجالاً ونساءً وأطفالاً ينفضون رجالهم ويولون وتتساقط بهم أبواب الحرم ويقولون: سحرنا محمد، سحرنا محمد، سحرنا محمد، فأنزل الله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:1 - 3] ولقد جاء هم من الأنباء ما فيه مزدجر: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر:5] ولذلك يوردهم الله يوم القيامة إلى النار، والله يستهزئ بهم، وصفة الاستهزاء نثبتها لله على وجه يليق بجلاله بقيد هو: أنه يستهزئ بمن يستهزئ به قال تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:15] فيقول الله لهم يوم القيامة للنار: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] أفهذه النار سحر كما كنتم تقولون في الدنيا سحرنا محمد، فيدخلهم النار، كان عليه الصلاة والسلام قد هيأه الله وهو في السنتين ونحوها ليصلح الدنيا، فكان في قلبه همة لذلك فجده عبد المطلب سيد مكة كان له فراش لا يجلس عليه إلا هو، فكان يجعل الفراش في ظل الكعبة قبل صلاة العصر -ولا يعرفون الصلاة- فيأبى محمد عليه الصلاة والسلام إلا الجلوس على الفراش، وعمره أربع سنوات، كلما أخروه زحف وجلس على الفراش، فيتبسم عبد المطلب ويقول: والبيت ذي النصب، والشفق والحجب، إن لابني هذا سبب من السبب. يحلف بالشرك يقول أنه سيكون له أثر في العالم، نعم: تقدم شاعراً فيهم خطيباً ولولاه لما ركبوا وراءه إنشقاق القمر معجزة من معجزاته عليه الصلاة والسلام رآه ذلك أهل الهند، ورآه تجار مكة الذين كانوا في الشام والعراق، قال لهم كفار مكة: أرأيتم في الأفق شيئاً قالوا: قبل ثلاث ليال انشق القمر ورأيناه يوم انشق، وأرخ علماء الهند تاريخ انشقاق القمر على قصر هناك من قصور ملوكهم، فأرخوا كتابة تاريخهم يوم انشق له عليه الصلاة والسلام.

معجزة الهجرة

معجزة الهجرة خرج عليه الصلاة والسلام من مكة يريد أن يفر إلى المدينة؛ لأن المشركين حاصروه، وطوقوا البيت بخمسين شاباً كل شاب معه سيف يقطر دماً وحسداً، وبغياً وعناداً، فأتى الوحي من الله أن اخرج، قال لجبريل: كيف أخرج؟ قال: اخرج والله معك، وانثر على رءوسهم التراب، فخرج عليه الصلاة والسلام فلما خرج وإذا الخمسون شاباً حول البيت، فأخذ حفنة من التراب فذرها على رءوسهم وقال صلى الله عليه وسلم: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9] فألقى الله عليهم النعاس فسقطت من أيديهم السيوف وما قاموا إلا عندما طلعت الشمس كل يحتحت التراب من على رأسه، وما وجدوه في البيت فخرجوا يجوبون مكة، فحدث لهم حادث قد يكون في غار ثور، فخرجوا إلى الغار مسرعين وطوقوا الغار وأرادوا دخوله، وفي السير أن الله سخر العنكبوت فبنت عشها على فم الغار، وجعل الحمامة تبني عشها وتبيض عليه، فأراد الكفار أن يدخلوا من فم الغار فوجدوا العش وبيت العنكبوت فقالوا هذا غار ما دُخل: ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم فيقول أبو بكر وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار: {يا رسول الله! والذي نفسي بيده، لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا، فتبسم عليه الصلاة والسلام تبسم الزعيم الواثق الذي بإمكانه أن يقود العالم وقال: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما} قال أحمد شوقي: وإذا العناية لا حظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم ولذلك يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] فما حزن عليه الصلاة والسلام من لثقته بالله، خرج صلى الله عليه وسلم فلحقه سراقة قال أبو بكر: يا رسول الله! سراقة أقبل شاهراً سيفه ورمحه ادع الله عليه يا رسول الله! فتبسم وقال: ما ظنك باثنين الله ثالثهما، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقرأ القرآن على سراقة فساخت به الفرس فوقع على الأرض فقال: سراقة للفرس صه، وهذه الكلمة تقال عند العرب إذا عثر الفرس يعني قم واستيقظ، فقام الفرس وركب وأقبل، فدعا عليه فساخ به الفرس فتعثر على وجهه، فقال: يا محمد! أريد الأمان منك لا تقتلني (فر من الموت وفي الموت وقع) أراد أن يقتل فطلب النجاة والسلامة. فاشترط عليه الصلاة والسلام أن لا يخبر أحداً من الناس، وأعطاه كتاب أمان، ثم تبسم عليه الصلاة والسلام تبسم الواثق من نصر الله له، وقال: يا سراقة! كيف بك إذا طوقت بسواري كسرى؟ وفي بعض الألفاظ وقيصر؟ فضحك سراقة فقال: أنت فار وصاحبك من مكة تطارد وتملك ملوك كسرى وقيصر، إنها همة بإذن الله تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء، فأعطاه الأمان ورجع، فقال كفار قريش لـ سراقة ما وراءك، قال: أما طريق المدينة فقد كشفتها لكم فلا تبحثوا. أتى سراقة ففتح عمر رضي الله عنه أرض كسرى وقيصر، ودك عروش الخيانة والظلم، والجهالة والعمالة والطاغوت، وداسها هو وسعد بن أبي وقاص بأقدامهم في الأرض ثم أتوا بسواري كسرى وقيصر؛ من ذهب ومرجان ولؤلؤ فأخذها عمر، وقال لـ سراقة: تعال ولبسه عمر فبكى سراقة، قال عمر: مالك تبكي؟ -يومٌ نصر الله فيه الإسلام والمسلمين وأنت تبكي- فقال سراقة: والذي نفسي بيده! لقد قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم طاردته: كيف بك يا سراقة إذا سورت بسواري كسرى أو قيصر، فبكى عمر وبكى الصحابة: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15]. خرج عليه الصلاة والسلام ومر بعجوز خزاعية في خيمة معها عنز مكسورة في جانب الخيمة، فقال لها: هل من لبن؟ قالت: غنمنا خلوف وأبونا مع الغنم، قال: علي بهذه العنز وائذني لي أن أحلبها، فضحكت وقالت: عنز مكسور حائل ما تحلب، قال: أحلبها، فأخذ عليه الصلاة والسلام كوباً عظيماً هائلاً فقال: باسم الله فحلب فحلبت فملأ الإناء فأعطاه أبا بكر فشربه، ثم ملأه فأعطاه العجوز فشربت، ثم ملأه فشرب عليه الصلاة والسلام ثم ملأه ثم جعله عند العجوز فاندهشت. قالت: ما هذا الكلام الذي تقول، فتبسم عليه الصلاة والسلام ثم خرج، يقول شاعر الجن يخبر أهل مكة لأنهم تلك الليلة لا يدرون أين ذهب، وجعلوا عليه حصاراً عالمياً، وغلقوا المنافذ وأعلنوا حالة الطوارئ في مكة ولكن طريق المدينة لم يبحثوا فيه، فيقول الجان من أعلى جبل أبي قبيس ينشد، وفي الجن شعراء وخطباء: سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد الخزاعية: هما نزلا بالبر وارتحلا به فأفلح من أمسى رفيق محمد فيا لقُصي ما زوى الله عنكمُ به من فخار لا تُجازى وسؤددِ وذهب صلى الله عليه وسلم ووصل إلى المدينة وأتت معجزاته في المدينة تترا.

فائدة عرض المعجزات

فائدة عرض المعجزات فائدة عرض المعجزات أمور أعظمها ثلاث فوائد: الأول: يزداد إيمانك: وأكثر ما يزداد الإيمان إذا تليت معجزات محمد صلى الله عليه وسلم، فإنك تزداد إيماناً ويقيناً ورسوخاً كلما سمعت أخباره. الثاني: أنك تحبه حباً عظيماً يدخل إلى الروح ويمس شغاف القلب. نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا في البخاري يقول عمر: {يا رسول الله! والذي نفسي بيده! إنك أحب إلي من أهلي ومالي إلا من نفسي قال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال: والذي نفسي بيده! إنك أحب إلي من نفسي وأهلي ومالي، قال: الآن يا عمر} أي اكتمل إيمانك وتم يقينك أو كما قال صلى الله عليه وسلم. الثالث: أن تعلم قدرة الله الواحد الأحد فالمعجزات من قدرة الله.

أمثلة من معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للناس والجمادات

أمثلة من معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للناس والجمادات

موقفه من الأعرابي

موقفه من الأعرابي يصل عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ويصعد يوم الجمعة يخطب، والسماء صافية والشمس لامعة ترسل أشعتها كالنار من شدة الحر، لا ربيع لا غمام، ثم يأتي أعرابي من نحو باب القضاء، والناس في قحط لا يعلمه إلا الله، قال أنس: {والله ما في السماء من سحاب ولا قزعة، فيقول الأعرابي: يا رسول الله! -يقطع الخطبة عليه- ضاع العيال، وضاع المال، وتقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا، فرفع يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، قال أنس والله ما نزل من على المنبر وما هي إلا لحظات، حتى ثارت من على سلع غمامة كالترس حتى احتدمت في سماء المدينة فوق المسجد ثم ثارت كالجبال} {} [يس:82] فثارت حتى سدت المدينة وأظلمت، فبرق البارق ورعد الرعد، وأمطرت السماء حتى سال الماء على وجه المصطفى عليه الصلاة والسلام، فالماء يخر على جبينه الطاهر، فيكمل خطبته ويتبسم ويصلي ويقول: أشهد أني رسول الله، ونقول له: نشهد أنك رسول الله، ونشهد أنك صادق، ونشهد أنك ناصح، ونشهد أنك أتيت تنقذ العالم، ونشهد أن الذي لا يتبعك في ضلال مبين. ويصعد بعد جمعة والسماء لا زالت تهدر بالماء، والأرض تسيل، ويأتي ذاك الأعرابي أو غيره في الجمعة المقبلة والرسول صلى الله عليه وسلم يواصل في خطبة أخرى في موضوع آخر، وكانت خطبته تسكب الإيمان، كأنه يجري بكوب من الماء في قلوب الموحدين أو كأنه يغرس شجراً: ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمة من عفاء المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء ففي أثناء خطبته يرفع الأعرابي صوته يا رسول الله! فيتوقف صلى الله عليه وسلم، ويسكت المسجد، ثم يتجهون بأبصارهم إلى الأعرابي وهو يقول: يا رسول الله! جاع العيال وضاع المال - من شدة المطر- وتقطعت السبل، فادع الله أن يرفع عنا الغيث، فيتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل اللهم ارفع الغيث؛ لأنها ليست من الحكمة وهذا رحمة من الله، قال: {اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر}. قال العلماء من الصحابة: والله ما يشير إلى جهة إلا وينصب المطر في تلك الجهة، يقول بيده كذا، اللهم حوالينا فنتيجة المطر إلى حيث أشار النبي صلى الله عليه وسلم فيخرجون من المدينة والمدينة كأنها في مثل الجوبة، تصل الشمس في المدينة ولكن ما حولها غيث وصيب نافع، ومطر غزير لكن المدينة شمس، فيخرج من المسجد ويقول: أشهد أني رسول الله: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15].

موقفه من عامر بن الطفيل

موقفه من عامر بن الطفيل يأتي عامر بن الطفيل هذا خسيس مجرم، سيد قبائل بني عامر بن صعصعة، يقود ألف مقاتل، كل رجل منهم يمكن أن يذبح نفسه بنفسه في طاعة هذا المجرم الأمير، وكان يسمى ملاعب الأسنة. فأتى هذا لـ أربد بن قيس أو لبيد بن ربيعة قال: ما رأيك نقتل محمداً أنا وإياك، قال: نقتله، قال: نذهب أنا وإياك فإذا وصلنا إلى المدينة أخرجناه من المدينة -يعني: الرسول- فإذا أصبح معنا في الصحراء فسوف أشغله بالحديث واقتل الرجل، فأخذا سيفين حادين ماضيين فسما السيفين حتى أصبحا سماً زعافاً، وخرجا إلى المدينة، فلما وصلا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قالا: يا رسول الله! نريدك في أمر فاخرج معنا بأمر مهم، فخرج بردائه لا سيف ولا عصى ولا حرس لكن عين الله ترقبه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. دعها سماوية تجري على قدرٍ لا تفسدنها برأي منك منكوس فيخرج إلى الصحراء فيقول عامر بن الطفيل تعال يا محمد اقرب مني، فاقترب عليه الصلاة والسلام، فأخذ عامر يحدثه ويشير إلى أربد وأربد هذا شاب من أشجع شباب العرب، سل السيف وراء الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله يريد ضربه صلى الله عليه وسلم ويشير عامر بعينه لـ أربد يقول اضرب فيتوقف، فيحدثه ويشير فلا يفعل، فيحدثه فيشير إليه فلا يفعل حتى طال النهار، وبالأخير ودع الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لـ أربد لا تصحبني أنت أجبن الناس، لا تزال جباناً حتى تموت شغلت الرجل عنك وما قتلته، قال: دعني من هذا ما رفعت السيف -ويحلف يميناً- إلا رأيت كالبرق يخطف بصري، ورأيت كأنك بيني وبينه أفأقتلك؟ فلما خرجا من عنده علم صلى الله عليه وسلم الاتهام والريبة، فرفع يديه إلى السماء وقال: {اللهم اكفنيهم بما شئت} فأما عامر ما وصل إلى قرية من القرى حتى نزلت غدة كبيرة كغدة البعير فغطت بطنه، فأخذ يخور كأنه الثور المنحور وهو بعيد عن أهله وقبيلته، يقول: غدة كغدة البعير في بيت امرأة سلولية يقول: أموت في بيت عجوز؟ فيركبونه على الفرس فيموت، أما أربد فخرج بناقته إلى السوق فيرسل الله عليه صاعقةً من السماء: يا غارة الله جدي السير مسرعة في أخذ هذا الفتى يا غارة الله فتحرقه وتحرق وجمله ورحله فيصبح في خبر كان: لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار

موقفه من ابن عمه

موقفه من ابن عمه ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بخنجر في الليل يريد ذبحه، فيمنعه الله ويحميه ويرى هذا كأن هناك شواظاً من نار في رأسه، فيعود يولول إلى أهله ويصيح، فيقول عليه الصلاة والسلام: {اللهم سلط عليه كلباً من كلابك} من احتقار هذا المجرم، فيخرج ويأتيه الناس فيقولون: يا فلان! قال: مالكم؟ قالوا: سمعنا محمداً يدعو عليك يقول: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك، فيولول ويقول: ما دعا دعوة إلا أصاب، فخرج إلى الشام فكانوا إذا أرادوا أن يناموا ومعهم هذا المجرم دخل بين السرية وبين القافلة، قالوا: مالك؟ قال: دعا عليَّ محمد وأخاف أن يسري عليَّ كلب في الليل، وبينما وصلوا إلى وادي حوران في الشام، ناموا فنام وسطهم فأتى الأسد (كلب من كلاب الله) الهزبر الذي له عند العرب تسعة وتسعون اسماً، سيد الحيوانات، فلما أتى وسط الليل أتى يشمشمه لأنه مرسل من الله على المواصفات، فكان يشم الرجل فيرى أنه ليس فريسته فيعرض عنه، فيأتي الآخر فيعرض عنه حتى وصل إلى هذا فالتقم رأسه لقمة واحدة.

معاملته للجذع

معاملته للجذع أما الرسول عليه الصلاة والسلام مع الجمادات فله قصص منها ما روى البخاري عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال: لامرأة من الأنصار: مري ابنك النجار أن يصنع لي منبراً، فصنع له منبراً يخطب عليه في الناس، فلما أتى المنبر الجديد ترك عليه الصلاة والسلام ذاك الجذع القديم، فسمع صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الجمعة حنين ذاك الجذع كصوت العشار وهي صوت الناقة التي يفوت ولدها، وبعضهم يقول: كبكاء الأطفال، فينزل عليه الصلاة والسلام من على الخطبة فيقطعها ويجعل يده على العود فيسكته حتى يسكت. قال الحسن البصري: [[يا عجباً! جذع من خشب يحن للرسول عليه الصلاة والسلام وأنتم لا تحنون]].

وقوفه مع أصحابه في وقت الشدة

وقوفه مع أصحابه في وقت الشدة أما تكثير الطعام والشراب فحدث ولا حرج.

وقوفه مع جابر في سداد دينه

وقوفه مع جابر في سداد دينه قال جابر p>>: { استدنت من اليهود ديناً عظيماً، فأتوا يطلبونني الدين فما وجدت لهم سداداً، فأتيت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقلت: يا رسول الله! اليهود لهم ديون عليَّ وما عندي مال، قال أعندك تمر؟ قلت: يا رسول الله! عندي تمر قليل -والديون آلاف مؤلفة- قال: اجمع لي تمرك وآتيك قال: فجمعت التمر على فراش من خصف النخل، فجمع القليل من التمر فأتى صلى الله عليه وسلم فدار بالتمر وسمى ودعا الله، وقال: يا جابر! ادع اليهود وليأخذوا أثمان ديونهم من هذا التمر، قال: فدعوتهم فجاءوا بجمالهم وحميرهم، فأخذوا حتى انتهوا وقضيت الدين، ثم نظرت فكأنه ما نقص تمرة واحدة. قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم والله لقد أخذوا جميعاً، وما كأنه نقص تمرة واحدة فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: أشهد أني رسول الله، أخبر عمر بن الخطاب، قال: فذهبت إلى عمر ثم أخبرته، فدمعت عيناه}.

وقوفه مع جابر في إطعام أهل الخندق

وقوفه مع جابر في إطعام أهل الخندق ومن أعظم الآيات التي تدل المؤمن على الإيمان وتزيده يقيناً مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة حين كان يحفر في الخندق مع سبعمائة، وبهم من الجوع ما لا يعلمه إلا الله، يضع الحجرين عليه الصلاة والسلام على بطنه، فأتى جابر فرأى الجوع في وجه المصطفى عليه الصلاة والسلام فأتى إلى امرأته في البيت فقال: أعندك طعام؟ قالت: عندي ما يقارب مُد شعير وعندنا هذه العناق، عناق لا تكفي إلا ثلاثة لأن ولد الماعز صغيرة. فذبح جابر العناق، وقال لامرأته: اطحني هذا الشعير واصنعيه لنا طعاماً، ثم وضع جابر هذه العناق الصغيرة في قدر صغير من فخار، وقامت امرأته: تصنع الطعام، فقالت له امرأته: اذهب وادع النبي صلى الله عليه وسلم واثنين معه أو ثلاثة، قال: أفعل. فأتى إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام في الخندق وقال: يارسول! الله تعال أنت واثنين أو ثلاثة معك، فقام عليه الصلاة والسلام فقال: يا أهل الخندق! إن جابر بن عبد الله صنع لكم طعاماً فحي هلاً بكم جميعاً، وهم سبعمائة، أما جابر فأسقط ما في يده ونظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما أدري هل علم النبي صلى الله عليه وسلم بما أقول أم لا؟ فذهب قبل النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق ودخل إلى امرأته يضرب على رأسه، تقول: مالك؟ قال: قلت لرسول صلى الله عليه وسلم تأتي أنت واثنين أو ثلاثة، فنادى في أهل الخندق سبعمائة أو أكثر، وقال: يا أهل الخندق! إن جابر بن عبد الله صنع لكم طعاماً فحي هلاً بكم، فأقبلوا جميعاً، قالت: رسول الله أعلم بما يقول -وكانت عاقلة- فأتى صلى الله عليه وسلم ينظر إلى جابر وإلى امرأته ويتبسم صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يعلم أن في البيت تغيرات وخوفاً، فيقول صلى الله عليه وسلم: يا جابر! لا تنزل اللحم من على البرمة ولا تنزلوا طعامكم، ثم يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم على البرمة فينفث بريقه الطاهر الطيب المبارك -بأبي هو وأمي- ثم يأتي إلى الطعام فينفث فيه ويسمي ثم يقول: يا جابر! ادع الناس عشرة عشرة، فيدخل الناس عشرة عشرة فيأكلون أكلاً ذريعاً، أكل الجائع في عام القحط. فلما انتهوا دعا النبي صلى الله عليه وسلم جابراً وجلس معه فقال جابر: جلست معه والله ما نقص منها لقمة واحدة، فيقول صلى الله عليه وسلم: أشهد أني رسول الله، يا جابر! كُل أنت وأهل بيتك ثم تصدق على جيرانكم من هذا الطعام. قال: فتصدقنا على جيراننا في المدينة، فأمسوا على لحم، ومرق وطعام {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15]. في الغزوة يخرج عليه الصلاة والسلام فينتهي الماء فيقولون: عطشنا يا رسول الله! وهم ما يقارب ألفاً وخمسمائة مقاتل، وعند جابر ألف وأربعمائة عندهم خيول وإبل وبقر فيقول: هل أحد منكم عنده ماء فيأتي أعرابي بإداوة صغيرة فيها ماء، فيأتي صلى الله عليه وسلم بصحفة كبيرة، فيقول: صب عليَّ، فيسكب على أصابعه فيدعو الله فيثور من على أصابعه كالنهر، يقول أنس: يثور من أصابعه كالغيل، فتمتلئ الصحفة وتنثر في الأرض، فيأتي هذا فيملأ قربته ويذهب، ويأتي هذا ويسقي فرسه، ويشرب هذا، ويغتسل هذا، حتى ملئوا كل المخيم والجيش ماءً، فيقول: صلى الله عليه وسلم: أشهد أني رسول الله، فنقول له: نشهد أنك رسول الله {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15]. إنها العلامات التي أتى بها عليه الصلاة والسلام وعند مسلم عن جابر قال: {ذهبت مع الرسول عليه الصلاة والسلام في سفر، والذهاب معه هي أغلى لحظات المسلم أن يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأراد أن يقضي حاجته في الصحراء قال: يا جابر! تعال، فقام جابر معه، فذهبا إلى الصحراء بعيداً عن الناس، فقال عليه الصلاة والسلام: يا جابر! اذهب إلى تلك الشجرة وقل لها يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعالي، فيذهب إلى الشجرة فيقول لها: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعالي -ومن أراد أن يتوسع في هذه فليراجع المجلد الثامن لـ ابن تيمية - فتأتي وتشق الأرض شقاً مع جابر، فتقف عند المصطفى فلما وقفت قال له: اذهب إلى تلك وقل لها تعالي، فيذهب جابر ويقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: تعالي، فتأتي فيقضي النبي صلى الله عليه وسلم حاجته، ثم يقول: يا جابر! قل لهما اذهبا، فتذهب كل شجرة إلى مكانها حتى تعودا، يقول جابر وهو يروي الحديث للصحابة: والذي أعطاني بصري وأخذه لقد رأيتها تشق الأرض شقاً}. {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] نشهد أنك رسول الله، وأنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة.

مقتل عدو الله أبي بن خلف

مقتل عدو الله أبي بن خلف يقف عليه الصلاة والسلام في أحد فيقولون: يا رسول الله! يقول: ماذا؟ قالوا: أحد المشركين من قريش اسمه أبي بن خلف أقسم أن يقتلك، قال: أنا أقتله إن شاء الله، لأن هذا أبي بن خلف قال لكفار قريش: يا قريش! اعفوني من القتال يوم أحد وأنا أقتل لكم محمداً أي: سامحوني من القتال حتى أكون قوياً. فأخذ سيفاً ورمحاً وخنجراً فسمها جميعاً، فما انتهت المعركة وأثخن صلى الله عليه وسلم بالجراح، وأصبح فاتراً من كثرة ما قاتل هو والصحابة أتى هذا ينحدر على فرسه من الجبل والنبي عليه الصلاة والسلام يصلي بالمسلمين صلاة العصر، فلما سلم بعد الجراح بعد ما قتل من أصحابه سبعون منهم حمزة عمه، ومنهم كثير من أحبابه وأقاربه، وكسرت رباعيته، وشج وجهه الشريف، ودخل المغفر في وجهه، وبه من التعب والإعياء ما لا يعلمه إلا الله، فلما سلم من صلاة العصر وإذا بهذا المجرم أقبل قوياً كأنه السيل على فرس، أقبل من الجبل يريد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقام الصحابة يريدون أن يعترضوه، والصحابة من أشجع الناس؛ مهاجرين وأنصاراً، قال صلى الله عليه وسلم: دعوه أنا أقتله إن شاء الله، قال: ناولوني حربة، فناولوه الحربة، ذاك يعلم أن الصحابة سوف يرمونه بالحراب أو بشيء فجعل على جسمه درعين تحت الثياب، وما ترك إلا كالدرهم كل جسمه مغطى، فاقترب من الرسول صلى الله عليه وسلم فهز صلى الله عليه وسلم الحربة وقال: باسم الله، ثم أرسلها فوقعت مركوزة هنا، فوقع عند رجل فرسه، فحمله الكفار يسحبونه قالوا: ماعليك إنما هي قطرة دم، فحلف لهم أن ما به لو كان بأهل سوق المجاز لماتوا جميعاً، ثم ذهب وبعد ليلة مات، وهذا من معجزاته عليه الصلاة والسلام. وهذه قصة ليست من معجزاته لكن تبين موقف الصحابة وكثرة إيمانهم، ومن أراد أن يتصور الإسلام وعمقه وأصالته فليقرأ سيرة الصحابة، وهي أعظم في الإيمان من الأحكام تربي العقيدة، وتراجم الصحابة توسع مدارك المسلم لمعرفة الدين.

موقفه في غزوة الخندق

موقفه في غزوة الخندق يأتي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة بعد أن حفر الخندق، وهبت ريح شديدة وأظلم الليل وتحزب الأحزاب حول المدينة، فيقول: {من يأتيني بخبر القوم -يعني: الكفار- وله الجنة؟ فسكت الناس} لأنهم في جوع وخوف وقتل، والليلة مظلمة حتى يقول حذيفة والله إني أمد يدي فما أراها. قال عليه الصلاة والسلام: {من يذهب إلى الكفار وأضمن له الجنة؟ فسكتوا جميعاً، فقال عليه الصلاة والسلام: أين حذيفة؟ وهو وسط الناس جائع في قتال وخوف قلت: سمعاً وطاعة لبيك يا رسول الله! قال: اذهب إلى القوم}. قال: فذهبت مرة أحبو ومرة أمشي، حتى نزلت من عند الخندق فأتيت إلى القوم وهم في شر ليلة، الرياح ما تركت لهم قدراً إلا أكفأته ولا خيمة إلا اقتلعتها، ورأيت أبا سفيان وحوله قادات المشركين، فسمعت أبا سفيان يقول: يا أيها الناس! إني لا آمن من محمد أن يرسل عليناً -جاسوساً- في هذه الليلة الظلماء، فليتفقد منكم كل واحد منكم من بجانبه قال حذيفة: فأسرعت قبل أن يسرعا بي، قلت: لمن بجانبي من أنت قال فلان؟ قلت من أنت؟ قال: فلان، قلت: اسكتا، سكتا إلى غير رجعة، فلما سكتا رجع حذيفة في الليل فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فضمن له الجنة. وفي الصباح ينزل عليه الصلاة والسلام وإذا بصخرة من أعظم الصخرات داخل الخندق لا تدهدهت ولا تكسرت ولا اقتلعت، فأخذ صلى الله عليه وسلم المعول بيده ونزل، والمنافقون يتضاحكون ويتغامزون حول الخندق -انظر إلى النفاق أعوذ بالله منه، في الدرك الأسفل من النار- يقولون: محمد يمنينا بملك كسرى وقيصر والواحد منا ما يستطيع أن يبول بين النخل من الخوف: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12]. فنزل عليه الصلاة والسلام فضرب ضربة فبرق بارق في الجو، وانكسرت الصخرة وقال: لقد أُريت قصور كسرى وسوف يفتحها الله علي، صدقت: بعد خمس وعشرين سنة أو أقل فتحها الله. ثم ضرب ضربة أخرى وقال: وقصور قيصر، لقد أُريت الكنزين الفضة والذهب أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ثم تمتلك أمته قصور كسرى وقيصر بعد سنوات، {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15]. وقد تركت ما بقي من وقت لأسئلة مهمة دائماً تمر، وأعد الأخوة أن هذه الأسئلة سوف تنقح وتنقى وتأمل الإجابة لها وتعرض في دروس مقبلة إن شاء الله. لكن أكتفي بهذه المحاضرة بعنوان من أحسن القصص، ونستمع إلى أسئلة مهمة تمر كثيراً بطلبة العلم وبالنساء. وإن من نعمة الله عزوجل أن اهتم كثير من الناس بإحضار زوجاتهم وأخواتهم وقريباتهم؛ ليستمعوا ذكر الله وقول الله، ويحضروا مجلساً من مجالس الإيمان لعل الله أن يرزقهم توبة من الواحد الأحد.

الأسئلة

الأسئلة

الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

الأوقات المنهي عن الصلاة فيها السؤال الأول: ما هي أوقات النهي التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يجوز لنا أن نصلي في أوقات النهي؟ A أوقات النهي ذكرها عليه الصلاة والسلام في أحاديث منها ما هو في الصحيح عن أبي سعيد وعن أبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس}. ومنها ما رواه البخاري عن ابن عباس {قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عمر بن الخطاب أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس} فهذان وقتان. وعند مسلم عن عقبة بن عامر قال: {ثلاثة أوقات نهانا صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا، إذا قام قائم الظهيرة تزول الشمس، وإذا بزغت الشمس حتى ترتفع، وإذا تضيفت الشمس للغروب حتى تغيب} فهذه ثلاثة أوقات مع وقتين تصبح خمسة أوقات منهي عن الصلاة لمن تعمدها وأرادها إلا ذوات الأسباب، فذوات الأسباب تصلى في هذه الأوقات، مثل تحية المسجد ولو دخلت المسجد في وقت نهي وما قصدك الصلاة وقصدك تنتظر الصلاة أو تقرأ القرآن أو في مجلس ذكر لا تجلس حتى تصلي ركعتين. لما روى البخاري ومسلم عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} ويدخل فيها الجنازة، كذلك الكسوف، وأدخل ابن تيمية ركعتي الوضوء، إذا توضأ المسلم بعد العصر أو بعد الفجر فله أن يصلي ركعتين وتسمى ركعتا الوضوء، واستدل شيخ الإسلام على ذلك بحديث بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {سمعت دف نعليك في الجنة يا بلال فما كنت تصنع؟ قال: يا رسول الله! ما توضأت في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت ركعتين} فـ ابن تيمية يجعل من ذوات الأسباب ركعتي للوضوء.

وقت الجمعة

وقت الجمعة السؤال الثاني: هل ينهى عن الصلاة وقت الزوال يوم الجمعة كسائر الأيام؟ A نعم. يوم الجمعة لا تكره الصلاة فيه، فيه وقت الزوال، لما روى الحاكم والشافعي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {إلا يوم الجمعة} وهذه زيادة ضعيفة، لكن العمل يؤيد هذه الرواية، فيذكر ابن تيمية وابن القيم أن للمسلم أن يصلي حتى يدخل الخطيب؛ لأن الصحابة فعلوا ذلك والسلف الصالح، ومنها كذلك في الحرم، فلك أن تطوف وأن تصلي في أي وقت أردت لما روى الخمسة، وصححه الحاكم وابن حبان عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداًَ طاف في هذا البيت وصلى في أية ساعة شاء من ليل أو نهار} وهذا رأي الجمهور، إلا عمر رضي الله عنه وعائشة، فكان عمر لا يرى أن تصلى ركعة الطواف إلا بعد طلوع الشمس أو بعد الغروب إذا طاف بعد العصر أو بعد الفجر، والصحيح ما أسلفت وعليه أهل العلم، هذه الأوقات التي لا يقصد بها الصلاة. أما ركعتا بعد العصر التي ذكرها بعض العلماء، واستدلوا بما روى أحمد: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلاها فسئل عن ذلك، فقال: شغلني وفد عبد القيس عن ركعتي بعد الظهر} والنبي صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئاً داوم عليه، فليس لأحد غيره أن يداوم عليهما ولا يصليهما، وكان عمر يضرب الناس على الركعتين بعد العصر، التي يظنها بعض الناس سنة، وهذا رأي لـ ابن حزم، وبعض العلماء العصريين.

قضاء الوتر

قضاء الوتر السؤال الثالث: من فاته الوتر متى يقضيه؟ A من فاته الوتر وطلع عليه الفجر فلا يصلي إلا ركعتي الفجر ثم يصلي الفريضة، ويؤخر الوتر إلى النهار فيصليه شفعاً ولأهل العلم رأيان وقولان في هذه المسألة: منهم من قال: يصليه في النهار وتراً على هيئته، واستدلوا بما رواه الخمسة عنه عليه الصلاة والسلام: {من فاته وتره من الليل فذكره فليصله متى ذكره} وفي لفظ: {من نام عن وتر أو نسيه فليصله متى ذكره} قالوا: يصليه في هيئته والرأي الصحيح هو الثاني: أن تصليه شفعاً لما روى مسلم عن عائشة قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا فاته الوتر من الليل لمرض أو سفر صلّى من النهار اثنتي عشرة ركعة} والتنظير العقلي يؤيد هذا الرأي الثاني؛ لأن وتر النهار صلاة المغرب، فلا يجمع وتران في يوم، يكفي صلاة المغرب وعليه فيقضي الوتر شفعاً فإن كان وترك ثلاث ركعات فصلِّ في النهار أربعاً، وإن كانت خمساً فصلِّ ستاً، وهكذا.

مواصفات الزواج الإسلامي

مواصفات الزواج الإسلامي السؤال الرابع: ما هي مواصفات الزواج الإسلامي؟ A يكثر هذا السؤال بسبب أنه وجد هناك زواج ووجدت أمور دخلت في الزواجات منها الشرعة، ونقل بعض الثقات أنها بيعت بعض الشرع للنساء بخمسة وعشرين ألف ريال، وبعضها بعشرين، أو خمسة عشر ألف، وهناك منصة تجلس عليها المرأة كأنها تلقي محاضرة أو خطبة جمعة، وذلك في وقت الزواج، وهناك بدعة يدخل عليها الزوج والنساء معها إلا من رحم ربك، وبعض الناس يدخل الزوج وأقاربه في مقابلة مشكوفة وفي لقاء حار ساخن مع نساء العالمين، فيدخل ليرى زوجته وهي أمامه، فينظر إليها، وتنظر إليه (انظرونا نقتبس من نوركم) إنهم من نور رب العالمين إذا اتبعوا سنة سيد المرسلين وخاتم النبيين وخير الخلق أجمعين، وبعضهم يزيد الطين بلة، فيلقط له ولها صورة حية، وهي صورة ميتة، فقد أمات قلبه وأمات قلبها، وبعض السيئين يدخل بكاميرا من النساء أو من الرجال فيلقطون للعرائس صورة تذهب في المجالس والأندية فتكون فضيحة في الدنيا والآخرة، ولقد قال بعض الناس: فوجئ رجل من الرجال بصورته وصورة زوجته في مجلس من المجالس، فاكتشف أنها أخذت يوم الزواج. والزواج الإسلامي هو الذي يؤسس على التقوى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] الدف للنساء جائز بشرط ألا يخالطهم رجل، والدف معناه الآلة التي تضرب من جانب واحد، فللنساء أن يضربن ويرقصن وينشدن نشيداً ولكن لا يجوز لهن أن يستدعين مغنياً فاجراً له عود وكمنجة وناي، مثل المغنين المتطورين المركبين، فهؤلاء من عملاء الشيطان، ولا مغنية ماجنة ومركبة ومتعلمة للغناء لا يجوز، ولا يجوز للرجل أن يدفع أجرة للدقاقين والدقاقات، والرقاصين والرقاصات، والمغنين والمغنيات؛ لأنهم يغضبون رب الأرض والسماوات، إذا وجد فلا بأس أن يفرح النساء، وينشدن نشيداً ويقمن برقص في مكان لا يراهن فيه رجل، فليس بذلك بأس، قال عليه الصلاة والسلام لـ عائشة: {هل معكم شيء من اللهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو}. وصح في أحاديث أن النساء ضربن بالدف في عهده عليه الصلاة والسلام، وعند أبي داود: {أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف}. لأن هناك من يتشدد وكأنه يريد أن يقوم الزواج فيخرجه كذلك، لكن لا ضرر ولا ضرار، لأن بعض الناس يريد أن يتباكى النساء في الزواج، لا. حتى المحاضرات التي تعرض يوم الزواج يجب أن يكون فيها شيء من المرح، ما يأتي ويذكر لهم عذاب القبر وهم في زواج، فيتباكون، أو يذكر لهم حوادث السيارات، أو الخسف والنسف والإبادة، أو حرب لبنان أو الاشتباك في الفلبين، أو كيف قتل المسلمون في كل مكان. قال أحد العلماء في خطبة: استدعوا رجلاً أبله أحمق من القراء يقرأ وقت الزواج، فقام فافتتح القراءة وهم في وقت فرح وزواج وقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229] فقام العريس صاحب الزواج فقال: يخرب بيتك، نحن الآن في زواج أو في طلاق، ولذلك كان من الحكمة أن يخاطب الناس بقدر ما يناسب حياتهم. وخطيب مشهور سمعته يتكلم في محاضرة يقول: استدعوا مقرئاً عند الموت، فقال: كم الأجرة - وهذه من البدع والخزعبلات - قالوا: فلسين أو ثلاثة، وهذه الأجرة ما تساوي شيئاً للمقرئ وقد أتى من مسافة طويلة يريد مبلغاً من المال، فحضر وهو مكسوف البال غضبان على الميت وعلى أهل الميت، لكن مجبور أن يقرأ، فلما وصلوا إلى القبر قالوا: تفضل يا شيخ اقرأ وهم ما أعطوه إلا فلسات بسيطة فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:30 - 32] قالوا له: قاتلك الله مالك؟ قال هذه: بفلسين فلما أتوا بالجنيهات قرأ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55]. والشاهد أن المحاضر أو الداعية إذا حضر لا بأس أن يدخل شيئاً من الأشعار والأخبار، ولا بأس أن يتمازح الناس في الزواج، ولكن لا يخرجون إلى المعصية. ولا يكون الزواج إسلامياً إلا بأمور منها: تخفيف المهر، ومنها أن يرحب بالرجل الدين الذي يحب الله ورسوله، ومنها ألا يسرف في الأكل وألا يستحضر المغنين والمغنيات، ومنها أن تبطل العادات الجاهلية والخلطة وأمثالها التي ما أنزل الله بها من سلطان.

عورة الرجل

عورة الرجل السؤال الخامس: عورة الرجل ومواصفاتها وحدها؟ A عورة الرجل من السرة إلى الركبة للحديث الصحيح الذي رواه جرهد قال: قال صلى الله عليه وسلم: {الفخذ عورة}. قال البخاري في الصحيح: حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط، وحديث أنس معناه أن {رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرى في زقاق خيبر في المدينة فظهرت فخذه صلى الله عليه وسلم فرآها أنس}. قال أهل الأصول: تعارض فعل وقول، قوله (الفخذ عورة) قول، وإذا تعارض القول والفعل قدم القول. وحديث علي في الصحيح أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: {غطِ فخذك فإن الفخذ عورة، ولا تنظر لفخذ حي ولا ميت}. فعلى من يلعب الرياضة أو يزاولها أو السباحة، أو أي نشاط رياضي أن يغطي من سرته إلى ركبته، ولا يجوز أن يلعب مع من يكشف فخذه، ولا يسبح معه، ولا ينظر إليه، لأنه ما غطى عورته وهو منكر من الفعل، وفاحشة من التصرف.

حجاب المرأة المسلمة

حجاب المرأة المسلمة السؤال السادس: قال بعض الناس: إن حجاب المرأة لا يدخل فيه الوجه ولا الكفان؟ A نعم. قاله بعضهم وكتب في ذلك رسائل. الصحيح: خلاف ما ذهبوا إليه؛ لأن حديث أسماء الذي استدلوا به حديث ضعيف من ثلاثة أوجه: الأول: فيه انقطاع. الثاني: فيه رجل ضعيف، وبعضهم يقول: ضعيفان، الثالث: إرسال. فلا يستدل به. الثالث: أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال للنبي صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59]. الثالث: في صحيح البخاري عن عائشة في قصة صفوان بن معطل قالت: {وكان يعرفني قبل أن ينزل الحجاب}. فبعد ما نزل دللت على أنه ما يعرفها لأن وجهها مستور. الدليل الرابع: وهو عقلي؛ أن جمال المرأة وحسنها في وجهها وما تشبث الشعراء ولا مدحوا ولا وصفوا ولا تغزلوا إلا بالوجه، هل سمعتم أن شاعراً مدح أرجل المرأة أو أظافرها دخل رجل فقال: حلفت لنا ألا تخون عهودنا فكأنها حلفت لنا ألا تفي والله ما كلمتها لو أنها كالبدر أو كالشمس أو كـ المكتفي المكتفي خليفة، يقول: والله وما كلمتها لو كان وجهها كوجه الخليفة -أحمق هذا- فإنه ما ذكر إلا بالوجه. وبالمناسبة: أحد الشعراء الماجنين مر ببائعة عراقية تبيع البراقع، والبراقع هذه هي أخطر من ترك الحجاب، ولا يجوز لبسها مطلقاً، وليس هناك دليل ينص على ذلك. وقد انتشرت الآن هذه البراقع وعيناها سحريتان جميلتان كأنها من أجمل نساء العالم وهي إذا رئيت تخوف في المنام، حتى ربما لو كشفت عن وجهها قلت: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب، وعلى بطون الأودية ومنابت الشجر) ولكن هذا تدليس؛ تركب البرقع فتخرج العينان بالسواد فتقتل الفجرة المعرضين عن كتاب الله، وعن المساجد وتسبب إحراجاً عظيماً وفتكاً هائلاً في الأمة، هذه البراقع أتت بها عراقية في المدينة وأهل المدينة لا يعرفون البراقع، فأتت تبيع لأهل المدينة فما شروها، فكسدت تجارتها، فقالت لجارتها: ماذا أفعل بالبراقع؟ فقالت: ويلك قاتلك الله خذي شاعراً وأعطيه درهمين يمدح البراقع: فأتت بشاعر عيار ماجن قالت: خذ امدح البراقع قال: قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد يعني: سعيد بن المسيب سيد التابعين: والشاعر كذب على الله وكذب على الإسلام يقول سعيد بن المسيب عالم التابعين كان عمره سبعين سنة إحدى عيناه ذهبت من كثرة البكاء من خشية الله، يقول الشاعر أنه خرج إلى المسجد فرأى امرأة عليها برقع أسود ففتنته عن الصلاة فترك المسجد وهام بها: قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد قد كان يمم للصلاة بجهده حتى وقفت له بباب المسجد فنشروا هذين البيتين فبيعت البراقع كلها بعد صلاة العصر، حتى كانت كل جارية تقول هي المقصودة بالبيتين فأخبر سعيد بن المسيب فتبسم واستغفر الله مائة مرة، وقال: والله ما حدث من ذلك من شيء، ثم قال: فالله خير حافظاً وهو أرحم الرحمين. يقول: هو الذي يعلم الأسرار ويعلم الخوافي: كأن رقيباً منك يرعى خواطري وآخر يرعى مسمعي وجناني وهذا هو الحجاب الشرعي، والبراقع لا تدخل في الحجاب الشرعي.

المدة التي يقصر فيها

المدة التي يقصر فيها السؤال السابع: ما هي المدة الزمنية للقصر؟ A الضوابط في هذا أقرب لضبط الناس، أن من جزم أن يقيم أكثر من أربعة أيام في بلد فليتم صلاته، ومن رأى أن يقيم أقل من أربعة أيام فليقصر صلاته، هذا تقسيم، ومن لا يدري متى يرتحل اليوم أو غداً، فيقصر أبداً مهما أقام. واستدلوا على ذلك في الأربعة أيام في حديث أحمد في عمرة القضاء، أن النبي صلى الله عليه وسلم: {قصر ثلاثة أيام وارتحل في اليوم الرابع} ولا ندري ماذا يفعل في اليوم الرابع فهذا الأحوط والأقرب.

ضابط الغسل

ضابط الغسل السؤال الثامن: المذي إذا أصاب هل يغتسل منه؟ A المذي لا يغتسل منه وهو نجس فيتوضأ منه، أما المني فيغتسل منه، من أصابه المذي وهو يخرج مع تذكر الجماع والشهوة فعليه الوضوء ويغسل ذكره وأنثييه لحديث علي قال: {كنت رجلاً مذاءً فأمرت المقداد أن يسأل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: فيه الوضوء}. أما المني ففيه الغسل سواء بجماع أو احتلام أو عادة سرية وهي محرمة، فلا بد في الجماع من الغسل أما الاحتلام فيشترط فيه أن يجد بللاً لأن بعض الناس قد يحتلم ولا يجد بللاً ثم يصحو فليس عليه غسل. ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـ أم سليم في الصحيح: {إذا رأت الماء} فقيده صلى الله عليه وسلم بالماء وحمل بعض أهل العلم حديث {الماء من الماء} على الاحتلام، قالوا: الغسل لا يكون إلا إذا وجد بللاً، أما إذا احتلم ولم يجد بللاً في ثيابه فليس عليه شيء، ومن قام ووجد عليه بللاً فعليه أن يغتسل.

حكم قراءة القرآن للمحدث حدثا أصغر أو أكبر

حكم قراءة القرآن للمحدث حدثاً أصغر أو أكبر السؤال التاسع: هل تشترط الطهارة لتلاوة القرآن؟ A أولاً: الجنب لا يقرأ شيئاً من القرآن لا نظراً ولا غيباً، لقول علي: {كان صلى الله عليه وسلم يقرؤنا القرآن ما لم يكن جنباً} رواه أبو داود وأحمد والترمذي وغيره، وصححه بعض أهل العلم، وله لفظ عند النسائي {كان لا يحجزه شيء عن القرآن إلا الجنابة}. وأما المحدث حدثاً أصغر فله أن يقرأ القرآن غيباً ولا يمس المصحف لعموم قوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79]. ولحديث أبي بكر بن حزم في الموطأ عند مالك وهو مرسل لكنه صحيح بطرق أخرى كتب لهم صلى الله عليه وسلم: {ولا يمس القرآن إلا طاهر}.

دخول الحائض المسجد

دخول الحائض المسجد السؤال العاشر: دخول الحائض إلى المسجد؟ A لا يجوز للحائض أن تدخل المسجد لقول عائشة كما في صحيح البخاري {كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض} يخرج رأسه من المسجد -وهي في بيتها- فتمشط رأسه صلى الله عليه وسلم. فلو كان يجوز لها الدخول لدخلت المسجد معه، ولحديث أبي داود عن علي وهو حديث حسن قوله عليه الصلاة والسلام: {إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب} ولحديث ابن عباس: {أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف غير أنه خفف عن الحائض} لأنها لا يجوز لها الدخول. ولحديث أم عطية عند البخاري: {أمر النساء أن يخرجن إلى المصلى وتعتزل الحائض المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين}. فالحائض إذا أرادت أن تحضر محاضرة أو درساً لها أن تجلس خارج المسجد أو في السيارة أو في مكان مهيأ أما المسجد فلا.

حكم نقض الشعر لغسل الجنابة

حكم نقض الشعر لغسل الجنابة السؤال الحادي عشر: هل تنقض المرأة رأسها عند الغسل من الجنابة؟ A الصحيح لا تنقض شعرها من الغسل للجنابة، وإنما تنقضه من الحيض؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام: {أمر عائشة أن تنقض رأسها لما اغتسلت في الحج وأما الجنابة فلا} لقول عائشة: {كانت إحدانا تصيبها الجنابة فلا يأمرها صلى الله عليه وسلم بنقض رأسها} أو كما قالت. فالمرأة إذا أصابتها جنابة لا يجب عليها أن تنقض شعر رأسها، تغتسل وتحرك أصول الشعر وترويه بالماء وتفيض عليه، وتنقضه من الحيض إذا طهرت.

حكم الحلف بغير الله

حكم الحلف بغير الله السؤال الثاني عشر: الحلف بغير الله ما حكمه؟ A الحلف بغير الله مثل الحلف بالأب وبالأمانة، وبالشرف، وبالدين، أو نحوه فهذا شرك، يقول عليه الصلاة والسلام: {إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم} ويقول عليه الصلاة السلام: {فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت} فلا يجوز لأحد أن يحلف بغير الله، والحلف تعظيم، والتعظيم لله الواحد الأحد. أما الله فله أن يقسم بما شاء من خلقه، والنجم، والضحى، والليل، والشمس ونحوها.

حكم الصلاة في البيت بدون عذر

حكم الصلاة في البيت بدون عذر السؤال الثالث عشر: الصلاة في البيت بلا عذر؟ A صلاة الرجل في البيت بغير عذر دليل كبير على النفاق، أحكم على من صلّى في بيته بلا عذر وترك المسجد بالنفاق، وأشهد عليه يوم العرض الأكبر بالنفاق، ولو أنه يروى حديث عند الترمذي ولكن في سنده أبو السمح: {من رأيتموه يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان} لكن هذا الحديث فيه نظر، ويكفي الأحاديث التي أوجبها الجماعة، وهي أربعة عشر حديثاً، كحديث: {لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون العشاء معنا فأحرق عليهم بيوتهم بالنار} صحيح، وكحديث {من سمع النداء ولم يأت فلا صلاة له إلا من عذر} صحيح رواه عبد الحق وابن ماجة والحاكم، وحديث: {لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد} وغالب العلماء يقولون: موقوف على علي، وقال عبد الحق الإشبيلي: هو مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام. وحديث الأعمى عند مسلم: {أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح قال: نعم. قال: فأجب فإني لا أجد لك رخصة} وحديث ابن مسعود عند مسلم: {وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق} أشهد على من تخلف عن الجماعة بالنفاق وهذا منافق نفاقاً عملياً يستوجب غضب الله وسخطه ومعناه أنه سوف يتدرج في ذلك إلى أن يذهب دينه والعياذ بالله.

صلاة النساء في البيت جماعة

صلاة النساء في البيت جماعة السؤال الرابع عشر: صلاة النساء جماعة في البيت هل هي ورادة أم لا؟ A يجوز للنساء في البيت أن يقدمن للصلاة بهن قارئة عابدة، كما فعل النبي يوم أجاز أم ورقة وهو عند أبي داود وحديث صحيح: {استأذنت النبي أن تؤم بأهل دارها فأذن لها}. فتصلي المرأة بالنساء في دارها ومعنى دارها: قريباتها من بناتها وعماتها، ومن تمن عليهن من المسلمات تصلي بهن جماعة في البيت، لها ذلك.

حكم الخضاب للرجال

حكم الخضاب للرجال السؤال الخامس عشر: الخضاب للرجال؟ A الخضاب على أقسام: خضاب اللحية وخضاب اليدين والرجلين، تجد بعض الناس يستخدم الحناء في يديه ورجليه، وهذا محرم على الرجال إلا لضرورة من مرض أو دواء طبي يشير به طبيب، أو جرب أنه لمرض، أما لغير ذلك فلا يجوز، وعند أبي داود قال النووي: في السند مجهولان: {أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين مخضوبين -أي: الحنا في يديهما- فعزرهما وأمر بهما أن يخرجا إلى غزير الخضمات من المدينة}. وفيه تشبه والنبي قال: {من تشبه بقوم فهو منهم}. وفي حديث صحيح: {لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال}. فلا يجوز أن يخضب رجليه أو يديه بالحناء أو الخضاب إلا لضرورة، وأما خضاب اللحية فالصحيح أن السواد محرم لصحة الرواية التي فيها: {وجنبوه السواد} وعند أبي داود بسند يحسنه كثير من العلماء: {أنه وصف أقواماً يأتون في آخر الزمان عوارضهم أو لحاهم كحواصل الحمام -سود- لا يريحون رائحة الجنة}. فالخضاب بالسواد ليس بجائز، ثم أن فيه تمويهاً وتلبيساً، فإن الرجل الكبير المسن يموه ويدلس على الناس بسنه، يأتي رجل عمره تسعون سنة أو ثمانون أو مائة فيخطب امرأة تظنه في الثلاثين أو في الأربعين، ثم يموت بعد شهرين وخمسة عشر يوماً فتخسره، فلو علمت أنه سوف يموت ما تزوجته، أو أنه كبير بالسن، أو يتزوج ويمسي في الأنين طوال الليل: قالوا أنينك طول الليل يسهرنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا هذا فيه تمويه، صاحب الثمانين يتزوج امرأة عمرها ثمانين وهكذا، ولو أن هذا ليس حكماً؛ لكن يجوز للكبير أن يتزوج الصغيرة والكبيرة أن تتزوج الصغير، أمر الله عز وجل سعة لكن ورد عن بعض الفقهاء قالوا: فيه تمويه على المسلمين.

حكم لبس الذهب للرجال

حكم لبس الذهب للرجال السؤال السادس عشر: لبس الساعة والقلم المذهب للرجال؟ A كثير من الناس ومن الشباب -هداهم الله- يلبسون الكبكات بذهب أو عليها ذهب، أو النظارات أو الساعات أو الأقلام؛ فهذا إذا ظهر فيه الذهب وتبين نسبة الذهب فهذا محرم على الرجال؛ لقوله عليه الصلاة والسلام، وقد أخذ الذهب والحرير من حديث علي: {إن هذين حلال لنساء أمتي حرام على ذكورها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فالذهب على الرجال محرم استعماله، والشرب والأكل فيه، أو قلماً أو ساعة أو نظارة أو كبكاً أو ما يشابه ذلك، فليتنبه المتنبه، وهذه موجودة في كثير من الساعات والأقلام، وهذه مخالفة لأمر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، بعضهم يأخذ خاتم ذهب ودبلة ذهب، وهذا يكتوي بكية من نار، ويحمل النار في الدنيا والآخرة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الدعاة أمام الشائعات

الدعاة أمام الشائعات أمر الله تعالى بالتثبت في تلقي الأخبار، حتى لا يصاب أحد ولايتهم بما لم يقله أو يفعله. وكثيراً ما أدت العجلة في إصدار الأحكام إلى الندم بعد وقوع الحكم، وقد ندم كثير من الأخيار على أحكام أصدروها على أناس، وكانت المعلومات التي بنوا عليه أحكامهم خاطئة.

الشائعة في الميزان

الشائعة في الميزان إن الحمد لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ونتوب إليه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهد َأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السَّلامُ عَلَيَّكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وبعد ففي هذا اليوم الأغر الثامن والعشرين من الشهر الثاني من عام (1412هـ) وعنوان هذا الدرس: الدعاة أمام الشائعات. وقد كثرت الشائعات في هذا الزمن لاتصاله واتصال أطرافه بعضها ببعض. والحقيقة أن هذه المحاضرة مكتوبة بنصها وفصها لم أغادر شيئاً منها، ولعل الأفكار تستوحى من الأسطر بعد توفيق الله عَزَّ وَجَلَ، وقد رأيت ذلك من المهمة بمكان أن تكتب المحاضرة؛ للمحافظة على روح الفكرة، والابتعاد عن التكرار والإعادة، وإيجاد منهجية رتيبة أحاول من خلالها أن نبتعد عن الاستطراد، أو عن الالتفات، أو التوسع في العبارة، ولو أن للارتجال ميزته، وبهجته، وروعته، ولكن للكتابة رتبتها، ونوعيتها، ومنهجيتها.

قدم الشائعة

قدم الشائعة الشائعة -أيها الفضلاء- قديمه، عرفها الجاهليون قبل الإسلام وتناقلوها، وعاشها بعض الناس، وذكر أهل الأدب كـ ابن قتيبة وغيره أن النعمان بن المنذر -الملك الجاهلي الغساني- وشي إليه بـ النابغة الذبياني الشاعر، وأخبروا هذا الملك أن ذاك الشاعر تعرض لحرمه، وتغزل في زوجته، فغضب الملك، وتهدده بالقتل، وأهدر دمه في قبائل العرب، فضاقت الأرض بما رحبت بذاك الشاعر، وأخذ يمضي في الليل وينام في النهار، ورأى أن الحل السليم أن يفد إلى الملك، وأن يطرح نفسه عليه، لكن بقصيدة رائعة بديعة يعتذر فيها، والحقيقة أنها من أمهات الشعر العربي، ومن أحسن ما يقال فيه، فوفد عليه وجلس بين يديه، وقال له: أتاني أبيت اللعن؛ وكلمة أبيت اللعن: تحية يحيي بها الجاهليون بعضهم بعضاً، كان يقول السوقي للملك: أبيت اللعن؛ يعني: أعوذ بالله أن أستوجب لعنة أو شيئاً يوجب عليَّ لعنة الملك. فقال: أتاني أبيت اللعن أنك لُمتني وتلك التي منهنَّ قد كنت أنصبُ يقول: سمعت أنك تهددني لتقطع رأسي، وهذه خوفتني. فبت كأن العائدات فرشن لي فراشاً به يعلو فراشي ويقشب حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً وليس وراء الله للمرء مذهب لئن كنت قد بلغت عني وشاية لمبلغك الواشي أغش وأكذب ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمّه على شعث أيَّ الرجال مهذب فإنك شمسٌ والملوك كواكبٌ إذا طلعت لم يبدو منهن كوكب فرضي عنه، وفي المجلس الآخر اعتذر بقصيدة أخرى ليبرئ قلب ذاك الملك عليه تماماً، وهي رائعة، وأوردها صاحب أضواء البيان الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، في أول التفسير، وهي مما يستملح بها في مجالس الدرس، يقول: كليني لهمٍ يا أميمة ناصب وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب يصف معاناته في أثناء لصوق الشائعة به، وما يعيشه من آلام وأسىً ولوعة. كليني لهمٍ يا أميمة ناصبي وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب تطاول حتى قلت ليس بمنقضٍ وليس الذي يرعى النجوم بآيب وصدرٍ أراح الليل عازب همه تضاعف فيه الحزن من كل جانب حلفت يميناً غير ذي مثنويةٍ ولا علم إلا حسن ظنٍ بصاحب فرضي عنه أيضاً.

الواجب مع الشائعة

الواجب مع الشائعة الأصل في بيان الواجب أمام الشائعات والأخبار المزعومة قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أيضاً: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] قال ابن كثير رحمه الله: يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق؛ ليحتاط له، لئلا يحكم بقوله، فيكون في نفس الأمر كاذباً مخطئاً، فيكون الحاكم بقوله قد فعل ما نهى الله عزوجل عنه، وهذا من اتباع سبيل المفسدين. وكثيراً ما أدت العجلة في إصدار الأحكام إلى الندم بعد وقوع الحكم، وكثيراً ما ندم بعض الأخيار من أحكامٍ أصدروها على بعض الناس على معلومات خاطئة وصلتهم، وقد وقع هذا كثيراً حتى في صفوف أهل الصحوة، وأهل الالتزام؛ حيث إن بعضهم يحكم على بعض بأخبارٍ ملفقةٍ لا أساس لها من الصحة. لقد كثر -أيها الفضلاء- بين الشباب النقل عن الثقات المزعومين، وهم يبهمون أسماءهم، فيقول أحدهم: حدثني الثقة عن فلان عن فلان عن فلان ثم يروي لك خبراً، وإذا بحثت عن هذا السند على قانون الجرح والتعديل وجدته إما سنداً منقطعاً، أو معضلاً، أو مرسلاً، أو معلقاً، أو وجد الخبر من أحاديث بني إسرائيل. وتجد المبالغات في النقل، فكثيراً ما حدثونا أن فلاناً من المشايخ يحفظ الكتب الستة؛ يعني: الصحيحين والسنن الأربعة، فلما بحثنا وجالسنا كثيراً من الذين ذكر عنهم ذلك، فما وجدناهم يحفظونها. وبعضهم يزعم لك أن فلاناً يحفظ كتاباً بأسره، وأنه يحفظ الألوف المؤلفة من الأحاديث، فإذا جلست معه وشافهته لن تجد تلك المعلومات إلا خاطئة. ومن ذلك أن كثيراً من الناس سامحهم الله ينقلون الخبر فيبترونه، أو يزيدون فيه، أو ينقصون منه، أو يؤولونه عن مقصد صاحبه؛ فيأتي الخبر مقلوباً لا أساس له من الصحة، ولا صدق، ولا أثر. ومنها: أن أحدهم يعادي صاحبه وزميله لمجرد كلمة بلغته عن ذلك لم يتأكد من صحتها، أو من مقصد صاحبها؛ فيقع فيما نهى الله عزوجل، وتقع العداوات بين الأقران، بما فيهم الدعاة الفضلاء بسبب هذه الشائعات التي تنتشر. وكان حقاً على المسلمين خاصة الدعاة التحري أمام الشائعات، والتريث في إصدار الأحكام، وأقرب قصةٍ مثلاً قتل واغتيال الشيخ جميل الرحمن رحمه الله في أفغانستان؛ فما أن اغتيل، ومرَّ على اغتياله ليلة واحدة إلا وأتى بعض الناس فقالوا: فلانٌ مسئول عن اغتياله وهو الذي قتله، قلنا: ما هو دليلك؟ فأتى بعمومات لا تغني، إنما هي من الظن: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [يونس:36]. وأنا هنا لست بصدد أن أبرئ، أو أتهم أحداً من الناس، وإنما أضرب بهذه القصة مثلاً في تعجل بعض الناس حتى في مثل هذه القضية الكبرى؛ قضية قتل قائد من قادات المجاهدين، ثم يعزى دمه ويلحق قتله بأحد القادة الفضلاء الآخرين، فقل لي بالله ما هو مستند هؤلاء؟ وما هو دليلهم؟ وما هو برهانهم؟ في نسبة هذا الجرم العظيم الذي ورد في الحديث القدسي، وأحياناً يرد من كلامه عليه الصلاة والسلام، وقد صححه كثير من أهل العلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {لو اجتمع أهل السموات والأرض على قتل امرئٍ مسلمٍ لكبهم الله جميعاً على وجوههم في النار} وفي الحديث الذي يصححه الشيخ الألباني: {لزوال الدنيا بأسرها أهون عند الله من قتل امرئٍ مسلم} والرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن نظر إلى الكعبة وهو يودعها فقال: {ما أشد حرمتك، وما أعظمك، ووالذي نفسي بيده إن المسلم أشد حرمة منكِ} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وإلصاق التهم دون تثبت شائع من قديم، فلما قتل عثمان رضي الله عنه وأرضاه، قتله الثوار المتمردون المخطئون المسيئون كل الإساءة، قال بعض المتعجلين، الذين يأخذون الأخبار من الشائعات: الذي قتله علي بن أبي طالب! لا إله إلا الله أبو الحسن يقتل عثمان، فوقف على المنبر أمام الناس وقال: [[أيها الناس: بلغني أن أناساً يقولون: قتلت عثمان، لعن الله من قتل عثمان، ومن شارك في قتل عثمان]] حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب لئن كنت قد بلغت عني وشاية لمبلغك الواشي أغش وأكذب وقس على ذلك من أمثالها كثير، وهي الأحكام المخطئة التي تعتمد على مجرد سماع الخبر، في اتهام بعض الجهات وبعض الأشخاص ولم نسألهم عن دليلهم في ذلك، وإنما يتعلقون بشبه وإيحاءات بعيدة، روي عنه عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس أنه قال لرجل: {أترى هذه -يعني: الشمس في النهار - قال: نعم. قال: على مثلها فاشهد أو دع} رواه ابن عدي بسند ضعيف، وصححه الحاكم فأخطأ، والحديث ضعيف ولكن معناه صحيح لأصول الإسلام الثابتة في الكتاب والسنة؛ ولذلك ذكرته يصيغة التمريض، فإن أهل العلم إذا ذكروا أثراً ضعيفاً قالوا: يروى، ويذكر، فيعفون أنفسهم من مغبة مطالبتهم بسند، أو بالحكم على هذا الحديث. والله عزوجل -كما سلف- يقول: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:36] لا تقف أي: لا تقل، ولا تتحدث بما ليس لك به علم، ثم ذكر الله أن العبد سوف يحاسب على كلماته، وعلى أحكامه، تصرفاته فقال: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36]. قال الشاعر: وهي أبيات من قصيدة عظيمة، نسبت لـ ابن المبارك، يقول في بعض أبياتها: وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفافٍ وحياءٍِ وكرم قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم وانسب القول إذا ما قلته فعظيم منك إيراد التهم وسوف يأتي خبر هذا البيت وشرحه إن شاء الله. وأنا أقترح على إخواني الشباب خاصة لأنهم أهل المشاركة والتأثير، وأهل الكلمة المسموعة أن يعودوا فيما يطرأ عليهم إلى العلماء فيصدرون عن رأيهم، ويعودون عن مشورتهم. وحبذا لو كان في كل مدينة دعاة بارزون، يعود إليهم الشباب وطلبة العلم فيسألونهم عن الأحكام، أو عما يقولون، أو عن موضوعات الخطب والمحاضرات وهو الأسلم. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {بئس مطية الرجل زعموا} وهذا في صحيح البخاري في كتاب الأدب؛ والمعنى: أن من جعل وسيلته زعموا دلَّ على أنه لا يتثبت، وأنه مظنة أن يكذب، وأن يخطئ في الأحكام. واسأل كثيراً من الناس عن أحكامهم، تجدهم يبنونها على زعومات لا حقيقة لها، والحقيقة أن زعم في الغالب تنبئ عن الكذب {بئس مطية الرجل زعموا} والله يقول في القرآن: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:7] يريد أن يبكتهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مع العلم أنه ليس هناك إجماع عند أهل اللغة على أن زعموا تشير إلى الكذب، لا، بل إن سيبويه في الكتاب الذي هو في النحو كان ينقل كثيراً ويقول: وزعم الخليل؛ يقصد شيخه الخليل بن أحمد، ومعناه قال وصدق، ولكن الغالب أنها تدل على الكذب. ودائماً أسانيد الناس: زعموا، وسمعنا، ويقولون، وقالوا، ونحو ذلك من الألفاظ التي هي صيغ تمريض، وقد كره الله للناس قيل وقال، وهي دلالة على كثرة النقل بلا روية، ولا تؤده، ولا تثبت، وعند مسلم في الصحيح قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع} إذا رأيت الرجل يحدث بكل قصة يسمعها، وكل مقالة تنمى إلى أذنه؛ فاعلم أنه سوف يكذب لا محالة، قال الإمام مالك [[لا يكون المرء إماماً إذا حدث بكل ما سمع]] وقال الإمام مالك رحمه الله أيضاً: [[ليس كل ما يُعلم يقال]]. فإنك تعلم معلومات ولكنك لا تستطيع أن تقولها. وفي صحيح البخاري أيضاً: أن أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: [[حفظت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعاءين اثنين: أما الأول فبثثته في الناس -أي: علماً- وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم -وفي بعض الألفاظ: الحلقوم-]] أي: قطع رأسه، قال بعض الشراح كـ ابن حجر وغيره: ربما كانت من الأحاديث التي في خلفاء بني أمية التي أخبر بها عليه الصلاة والسلام، كالأحاديث التي حسنها الحافظ ابن حجر في الوليد بن يزيد الفاسق، وبعض الأحاديث في أشخاصٍ بعينهم، فلو حدث ها أبو هريرة لذهب رأسه إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، ولا يسعه الكتمان عن علمٍ يحتاج إليه الناس، لكن يسعه أن يكتم علماً لا يحتاج له الناس، وليس كل علمٍ تطالب أن تبثه في الناس، أو لا واجب عليك أن تشرحه في الناس، لا، وإنما العلم الذي تحتاجه الأمة هو الذي ورد التهديد في كتمانه؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران:187]. والإفراط في حسن الظن بالناس يصل بصاحبه إلى قبول خبر كل أحد، ولذلك عدّوا الحاكم صاحب المستدرك متساهلاً وكذلك ابن حبان والترمذي؛ فإنهم قبلوا أخباراً واهية، أذكر أن الحاكم قبل أحاديث موضوعة في المستدرك وجعلها صحيحة لحسن ظنه، وحسن الظن المفرط بالرواة وبالنقلة وبالناس يودي بصاحبه إلى أن يقبل الكذب، والله المستعان! أحاديث لا نورٌ عليها ولا سند تناقلها بعض العجائز في البلد وهذه مثل وكالة العجائز أنهم يقولون، وقلنا، وسمعنا، فإذا حققت تجد أصلاً لن تعود إليه.

مسائل تهم الناس والشباب حول الشائعات

مسائل تهم الناس والشباب حول الشائعات أذكر هنا بعض النقاط التي تهم الناس عامة، والشباب خاصة:

قبول خبر الواحد الثقة

قبول خبر الواحد الثقة أولى المسائل: لا يعني الحرص على التثبت والحيطة في قبول الخبر أن نرد خبر الواحد مطلقاً، لا، فإن أهل السنة يقبلون خبر الواحد الثقة في العقائد والعبادات والأصول والفروع خلافاً للمبتدعة كـ المعتزلة وأهل الكلام؛ فإنهم لا يقبلون خبر الواحد في العقائد. والصحيح قبول خبر الواحد، ففي الصحيحين: {أن ضماد بن ثعلبة أرسله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قومه في ثقيف والطائف}. وفي البخاري ومسلم: {أن رجلاً ذهب إلى أناس يصلون وقد تحولت القبلة فأخبرهم بأن القبلة تحولت فتحولوا} وهذا من قبول خبر الواحد، وللشيخ الألباني رسالة طيبة في هذا، وجوب قبول خبر الآحاد، وهي ممتازة جداً، وقد ذكر صاحب الطحاوية في شرحه أن معتقد أهل السنة قبول خبر الواحد الثقة.

تجنب التهويل في نقل الأخبار

تجنب التهويل في نقل الأخبار ثانية المسائل: أن الواجب على المسلم أن يتجنب التهويل في نقل الأخبار فلا يزيد من كيسه شيئاً، كما يقول الحافظ الذهبي وهو ينقل عن بعض الناس إذا زاد كلمة، قال: هذه من كيس فلان والسلام، يعني: ليست من الحديث، وبعضهم يهول الأخبار، ويبالغ، ويزيد، ويدبج حتى يخرج الخبر عن أصله. والمبالغة في ذلك لها رد فعل؛ فإنه قد تصاب النفوس بالإحباط فتكون النتيجة عكسية، بعد أن تعرف الشيء على حقيقته، كمن بالغ في وصف عالم من العلماء مثلاً وقال: ما رأينا أورع ولا أصدق ولا أزهد منه، يقوم الليل كله، ويحفظ الكتب الستة، وكأن القرآن أمام عينيه، وهو علامة الزمان، فإذا وجدت العالم وجالسته وشافهته؛ اختفت الصورة التي في ذهنك عن الصورة التي أمامك فأصبت بالإحباط، وأنت لو لم يبالغ لك في هذا العالم كنت سلمت بما رأيت من الخير فيه، لكن بالصورة الخيالية على المثالية ينعكس الحكم في ذهنك، وهذه تضخيم أخبار الأذهان على ما في الأعيان. وهذه تسمى خيبة الأمل، فيقولون في الأخبار: أصيب بخيبة أمل؛ لأنه كان يتأمل شيئاً فلما وجده ورآه وجده أقل مما أمله، ويروى في السير أن جرير بن عبد الله البجلي، وفد على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحدث عنه كثيراً فلما رآه قال: {يا جرير! ما حُدث لي عن أحد إلاَّ وجدته أقلَّ مما ذكر لي، إلا أنت فكنت أعظم مما ذكر لي} وقال بعض أهل السير: ويعزى هذا لبعض الكتبة العصريين، كل من تُحدث عنه في التراجم والسير والتاريخ فاعلم أنه أقلَّ مما تحدث عنه مهما كان، إلا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإنه أعظم مما تقرأ وتسمع، ويروى عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد التقى ابن الشجري النحوي والزمخشري؛ وهما نحويان في مجلس فقال ابن الشجري للزمخشري: والله ما مثلك أيها الزمخشري إلا كما قال الأول: كانت محادثة الركبان تخبرنا عن جعفر بن فلاح أروع الخبر حتى التقينا فلا والله ما سمعت أذني بأحسن مما قد رأى بصري يقول: أنت أعظم مما سمعنا عنك في خبر طويل. ومقصودي من هذا أن المبالغة تصيب الناس بالإحباط. ومثال آخر: المبالغة في ذكر مكاسب الجهاد الأفغاني إلى درجة التهويل، فكانت النتيجة عكسية بعد أن اشرأبت النفوس وعلقت آمالها بهذا الجهاد، وأصبحت آمال المسلمين تتعلق به، ونحن من أنصار الجهاد الأفغاني، ونسأل الله أن ينصرهم على عدوهم، وأن يثبت أقدامهم، لكن المبالغة إلى حد الإفراط دخلت في هذه الأخبار على بعض النفوس التي تنال من هذا الجهاد، فيقال: هذا جهادكم الذي بالغتم فيه بالأمس وقلتم عنه كذا وكذا، ويتناسى بعض الناس كل حسنة للجهاد بسبب الإحباط، مع العلم أنه لو نقلت الصورة كما هي، ما وقع الناس في هذا الإرباك. ومثل ذلك المبالغة في الكرامات: فهذا ينشق له القبر بعد أن يقتل يصافح والده؛ فأين السند الصحيح لهذه القصة؟ وأيضاً المبالغة في مكاسب الصحوة، وإنجازاتها حتى كأن الناس كلهم عادوا إلى الله، فيقول لك أحدهم: رأيت المنطقة، أو القرية، أو المدينة الفلانية، فما رأيت واحداً منهم غير ملتزم، بل كلهم ملتزمون، وهذه مبالغة لأنها تخالف أصول الكتاب والسنة، والله يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] ويقول: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] ويقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]: وقليل من الخفاء الترجي وكثيرٌ من الأباة الخفاء سامحن بالقليل من غير عذل ربما أقنع القليل وأرضى وقد كانوا إذا عدوا قليلاً فقد صاروا أقل من القليل وقال السموءل: تعيرنا أنا قليلٌ عديدنا فقلت لها إن الكرام قليل وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل فالنطف العذاب: أي: الغدران العذبة الماء هي أقل ماءً من البحار الآسنة المتكدرة، فكيف يلغى هذا المفهوم في الكتاب والسنة وفي كلام العقلاء، ويقول: الناس كلهم مهتدون وليس فيهم عاصٍ، وهذا ليس بصحيح. أذكر على سبيل المثال: أنَّا كنا في صالة انتظار ننتظر رحلة من الرحلات، ونظرت وإذا أكثر الناس غير ملتزمين بالسنة، قليل من أراهم يعدون على الأصابع من مئات في الصالة، وكل هؤلاء مخالفون للسنة لا أقول غير مسلمين -مسلمون كلهم يصلون ويصومون- ولكن ليسوا على سنة محمد عليه الصلاة والسلام التي بعث بها، والتي رضي الله بها للناس، وتفاجئ مثلاً في مجمعٍ عام في زواج أو لقاءٍ أو حفل أن القليل ملتزم، وأن الكثير غير ملتزم بالسنة، فأين مصداقية هذا من الأخبار المهولة المبالغ فيها؟!

الحيطة من قصص الواقع

الحيطة من قصص الواقع ثالثة المسائل: المطالبة بأخذ الحيطة من قصص الواقع التي تضخم ويزاد فيها، ويجعل لها أذيال وأجنحة، والعادة أن قصص التائبين في هذا الزمان مبالغٌ فيها، وقد سمعت كثيراً منها وأعتقد أنه لو رأينا الحقيقة لما كانت كما سمعنا، وغالباً أن قصص التائبين هذه تكون بعد حادثة انقلاب سيارات، فيقولون: فانقلبت به سيارة، فنقل إلى المستشفى، فتاب إلى الله، فبقي يبكي الليل والنهار حتى كأنه داود عليه السلام حينما تاب، وبعضهم قال: فسمع شريطاً فأخذ يبكي ويبكي، فوعظناه يكفي يا أخي، فقال: أنا مذنب، ثم صلى فبكى ثم بكى بعد الصلاة، ثم أتى لينام فبكى، وسمعت كثيراً من هذا وأنتم سمعتم، وهذا ليس بوارد.

التأكد من صاحب الخبر نفسه

التأكد من صاحب الخبر نفسه رابعة المسائل: لماذا لا يتصل بالأشخاص الذين نقل عنهم الخبر مباشرة؟ بمعنى: إذا سمعت كلمة من أخٍ فلا تعجل بالحكم عليه من جرائها، بل حاول أن تسأله: هل قلت أنت هذه الكلمة؟ هل ثبتت عنك حقيقة؟ وما مقصودك بها؟ سمعت عالماً من العلماء المشاهير الذين لا زالوا أحياء يقول: أنا من عادتي إذا سمعت الكلمة أن أتصل بالهاتف مباشرة بذاك الشخص الذي نقلت عنه الكلمة، فأقول: هل صحيح أنها قيلت عنك؟ هل ثبت عنك هذا؟ ماذا تقصد؟ حتى أرد على بصيرة، أو انصحه، وكثير من الأشخاص يعيشون في حي واحد تبلغ أحدهم عن الآخر كلمة فلا يسأل عنها، وإنما يسارع بالحكم عليه، وبإمكانك أن تزوره، وتسأله هل ثبت عنك هذا أم لا؟ لتكون على بصيرة، هذا هو التثبت.

التثبت قبل الندم

التثبت قبل الندم خامسة المسائل: الأصل في التثبت كما قلت قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] وقرأت: (فتثبتوا) وكلتا القراءتين صحيحتان. قرأ ابن مسعود (فتثبتوا) وغيره من علماء التابعين، وقرأ الجمهور (فتبينوا)؛ والتبين والتثبت بينهما اشتراك نسبي في المعنى. وفي الآية أن الفاسق هو الكاذب، وقيل: هو الذي لا يستحي من الله، وقيل: هو الذي يختلق الأمور، وقيل: هو المبالغ على سبيل الافتراء. أما سبب الآية: فقد ذكر المفسرون كـ ابن جرير وابن كثير والقرطبي، أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل الوليد بن عقبة ليأخذ صدقات بني المصطلق، وكان بين الوليد هذا وبين بني المصطلق بعض الأمور، فسمع بنو المصطلق أن الوليد سوف يقدم فتهيئوا لاستقباله؛ لأنه من عند الرسول عليه الصلاة والسلام على حد المثل الذي يقول: (من أجل عين تكرم ألف عين) من أجل كرامة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خرجوا لاستقباله صفوفاً، فلما رأى الاستقبال أمامه، ظن أنهم يريدون البطش به، لإحن كانت بينه وبينهم، فرجع إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: وجدتهم يا رسول الله! لا يصلون، ورفضوا إعطاء الزكاة، وأرادوا قتلي فنجاني الله. فنزل جبريل بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحجرات:6] ولم يقل: (يا أيها النبي) لأن الشرع سوف يستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ ولأن هذا القرآن يخاطب به الأفراد والشعوب والقرون قرناً بعد قرن، ولأنه دستور خالد، قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6]. فأرسل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجنة استشارية تستكشف الوضع، وتدرس ماذا تم في هذا اللقاء، فوجدوا أن هذا أخطأ وفسق في الخبر، وفيه دليل على أن الفاسق لا يكفر ولا يخرج من الملة، والفاسق كالكاذب وشارب الخمر والزاني، فإنه يبقى مسلماً، لا نحكم عليه بالكفر ما لم يأت بمكفر.

الدليل والبرهان فيما يقول

الدليل والبرهان فيما يقول سادسة المسائل: ليسأل كلٌ منا نفسه، ما هو الدليل على ما يذكر؟ إذا أردت أن تذكر قصة، وأردت أن لا تحرج نفسك أمام الناس، وأمام الفضلاء في أي مجلس، فلا تذكر قصة إلا ومعك الوثائق والبراهين والأدلة، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في هذا المبدأ: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] يقول: ائتونا بالعلم والدليل على ما تذكرون، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد العاشر: وليعتصم طالب العلم في كل مسألة بدليل، ويقاس على ذلك مسائل الواقع، والمسائل الدعوية والاجتماعية؛ فإنه لا يحل لك أن تذكر مسألة إلا بدليلها. فالواجب علينا جميعاً أن نطالب أنفسنا وغيرنا بالأدلة والبراهين على ما نذكر ونقول، ومن حقوقك أنت، أن تسأل من حدثك ما هو دليلك على هذا؟ وما هو مستندك؟ ولا يجوز له أن يقول: ولماذا تسأل عن الدليل؟ ولماذا تسأل عن المستند؟ قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111] والبرهان: الدليل.

عرض الشائعة على الكتاب والسنة ثم العقل

عرض الشائعة على الكتاب والسنة ثم العقل سابعة المسائل: كل شائعة لا بد أن تعرض على العقل، وإن كانت شرعية فلا بد من عرضها على الكتاب والسنة. كشائعة مثلاً قد نشرت في بعض الصحف قديماً أن ميتاً خرج من قبره بعد ثلاث ليالٍ، وأكفانه على جنبه ومشى بين الناس، وصدق العوام بها، ولم يبحثوا عن أصلها، أو من أتى بها من الناس، وكشائعة مثلاً أن بعض الناس لما دفنوا شارب الدخان تحول عن القبلة، قالوا: غسلناه، فلما وضعناه في القبر حول الله وجهه، وجعل ظهره إلى القبلة فتحول عن القبلة، مع العلم أن آكل الربا والزاني وشارب الخمر أعظم إثماً من شارب الدخان، ولم ينقلوا عنهم أنهم حولوا عن القبلة، فانظر جرم هذا وجرم ذاك، وخطأ هذا وخطأ ذاك، وما وقع تحويل وجه هذا عن هذا إلا في شارب الدخان، والكتاب والسنة لا يدل على ذلك، ولا ينفيه صراحة لكن الأقرب أن نتوقف، ولا بد أن ننزل أهل الذنوب منازلهم، وأن نستقرء الأخبار؛ فإن من علامات القصة الموضوعة والحديث الموضوع أن يضخم الأجر على عمل بسيط، أو يضخم الإثم على جرم بسيط، وقد ذكرها السباعي في السنة ومكانتها في التشريع. وأما الشائعات فالواجب عرضها على الكتاب والسنة: فمثلاً الأحاديث الباطلة الموضوعة التي فيها طوام ودواهي، فإنها تخالف أصول الكتاب والسنة، فمثلاً: الأثر الموضوع المكذوب على الرسول عليه الصلاة والسلام: {من قال: لا إله إلا الله بني له سبعون قصراً في الجنة} وغير هذا الأثر كثير، وأحسن من جمع في هذا الباب صاحب اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني وكشف الخفاء للعجلوني وتمييز الطيب من الخبيث لـ ابن الديبع الشيباني، وغيرها من الكتب. ويذكر أن الإمام أحمد ويحيى بن معين كانا جالسين في المسجد - يحيى بن معين أعظم مجرح ومعدل في أمة الرسول عليه الصلاة والسلام حتى يقول بعضهم: لا نعلم منذ خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أكثر من رجل كتب في الرجال، أو جرح في الرجال، أو عدل في الرجال مثل يحيى بن معين، هذا دواؤه، وهذا طبه، وهذا علاجه. ويقول ابن حجر: أعظم من يحفظ الأحاديث في أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإمام أحمد، صلى في مسجد -فقام أحد الوعاظ شحاذ يشحذ الناس- لكن يريد أن يقدم للشحاذة بموعظة مثلما يفعل الناس دبلجة، أي: فن ابتزاز الأموال من أيدي الناس؛ وهذا الفن مدروس من قديم، أن يأتي فيبكي أمامك ويتباكى، ويخبرك بالإسلام والدين، ثم بعد ذلك يلطخ خطبته بمسألة الشحاذة. فقال: حدثنا أحمد بن حنبل - سبحان الله- لا يعرف الإمام أحمد، والإمام أحمد يفضحه في الصف الأول؛ إمام مليار مسلم الذي يحفظ ألف ألف حديث، إمام أهل السنة والجماعة، دامغة الدنيا، قال: حدثنا أحمد بن حنبل وحدثنا يحيى بن معين عن فلان عن فلان، ووضع سنداً من عنده أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: من قال لا إله إلا الله خلق الله له طائراً في الجنة منقاره من ذهب، ونونيته من زبرجد، وله جناحان من فضة، أو كما قال، يطير في الجنة من شجرة إلى شجرة، أو نحو هذا، ثم انتهى. فقال الإمام أحمد: تعال-فظن أن الإمام أحمد يريد أن يعطيه نقوداً- فاقترب منه فقال أحمد بن حنبل: أنا أحمد بن حنبل وهذا يحيى بن معين ما حدثناك بهذا، وهذا الحديث باطل كذب، فانظر إلى شجاعة هذا الكذاب، قال: سبحان الله! كأنه ما في الدنيا إلا أنتم أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قد حدثت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل وسبعة عشر يحيى بن معين.

الحذر من الظن

الحذر من الظن ثامنة المسائل: الحذر من الظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن قوم: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية:32] وأكثر معلومات الناس ظن، لأن المصادر التي نتلقاها في الأربع والعشرين ساعة من سبيل الظن، وليست من سبيل اليقين، ولا يوثق بأخبارها؛ لأنها ليست مرشحة لتعطي الأخبار الصحيحة المعقولة، وقال عز من قائل: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [يونس:36] وصدق من قائل، هذه قواعد قرآنية، والعلم هو تيقن المعلوم، فطالب العلم عليه الحكم آكد أن لا يتبع الظن، وما تهواه نفسه، لأننا كثيراً ما نسمع من أحدهم قوله: أظنه كذا، ولعلَّ ويمكن، ويركب احتمالات في أمور عقدية، وأمور قد يأثم بها، وأمور يشيعها في الناس هو المسئول الأول ولا دليل له ولا برهان.

إسناد الحديث إلى أهله

إسناد الحديث إلى أهله تاسعة المسائل: على المتحدث أن يسند الحديث إلى أهله، خاصة الأخيار -وكلكم أخيار- وخاصة من يحمل أمانة الكلمة أن يسند كل خبر إلى قائله، فمثلاً يقول: حدثني فلان بن فلان بكذا وكذا؛ لأن الرواية عن المجاهيل مظنة الكذب، وإذا ذكر المتحدث الزمان والمكان كان أحسن وأجمل وآكد، مثل أن تقول: حدثني فلان بن فلان في مدينة كذا يوم الثلاثاء الماضي ومعنا فلان بن فلان، لكي يصدقك الناس، أما إذا قلت: يقولون: وقال لي أحد الثقات، فكم من الثقات! أصبح الناس كلهم ثقات، فإذا بحثت وجدته ليس بثقة. وتجد الرجل يقوم قيام الليل، ويصوم في النهار، ويكذب في الحديث، وبعض الوضاعين من أهل الجنة؛ لأنهم تعمدوا الوضع لكن خيل إليهم، وفي تذكرة الحفاظ للذهبي، أتى رجل لـ أبي حاتم وهو يجرح ويعدل فيقول: حدثنا فلان عن يحيى بن معين أنه قال: إني لأتحدث عن أناس قد وضعوا رواحلهم في الجنة من مائة سنة، فبكى عبد الرحمن بن أبي حاتم حتى أسقط الكتاب من يده، يعني: إنهم وهموا في الأخبار لأنهم عباد اشتغلوا بالعبادة عن حفظ الأحاديث، فساء حفظهم فدخلت عليه الموضوعات، ولذلك قيس بن الربيع مثلاً عابد لكنه ضعيف، ورشدين بن سعد عابد لكنه ضعيف في الرواية، حتى يقول الصنعاني في حديث {أحلت لنا ميتتان ودمان} قال: ولا يصح رفع ذاك فاعلم إذ فيه رشدين بن سعد قد رمي وغيرها من الأحاديث الكثيرة. فالمطالب هو إسناد الأحاديث إلى قائليها، وأن تعزوها حتى تعفى من المسئولية إذا أسندتها قال لي الأديب الفلاني، أو المفكر، أو فلان بن فلان، فبذلك تأمن من مغبة نسبة الكذب إليك، وإذا لم تسند خبرك، فإنك سوف تكون ملوماً أمام الناس أنك الذي يفتعل الأخبار، وينشئ الافتراءات، ويخادع الناس ببهارج من القول لا أساس لها.

الذب عن المسلمين والدعاة

الذب عن المسلمين والدعاة العاشرة من المسائل: أيها الفضلاء! إن المطلوب من المسلمين عموماً، ومن الدعاة خصوصاً ذب بعضهم عن عرض بعض وفي الحديث: {ومن ذب عن عرض أخيه المسلم ذب الله عن وجهه النار يوم القيامة} ولا يجوز للمسلم أن يقف متفرجاً وأعراض إخوانه المسلمين تنتهك، وأشخاصهم تجرح. وإذا رأيت الساكت في مجلس من المجالس التي تنتهك فيه أعراض العلماء والمشايخ والدعاة، والفضلاء والصالحين، من أمثالكم، فاعلم أنه أحد رجلين: إما جبانٌ خوار، سلب الله الغيرة من قلبه. أو منافق يعجبه التشفي في أعراض المسلمين. وكثيراً ما يخبرنا بعض الشباب بكلام وقع في أعراض العلماء، والفضلاء، والصالحين، وقد حضروا هذا الكلام وسمعوه، أنا رأيت بأم عيني، ما حدثني أحد، رأيت فلماً لرجل في ناد من النوادي، شاب لا يظهر عليه الالتزام، ظهر أنه معرض عن الله، يقلد المشايخ بالصوت والحركة، ومعه حضور من أمثاله، ظهرت عليهم علامات عدم الالتزام، وعلامات عدم الانسياق لشرع الله عَزَّ وَجَلَ، رأيت هذا الفيلم في المنطقة الشرقية، وهو يتكلم بلسان ولهجة وحركة وصوت سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، ويُسأل سؤالاً مضحكاً، فيجيب بصوت الشيخ بجواب مضحك فيضحك الحضور ويصفقون له، ثم يقلد الأستاذ علي الطنطاوي فيضحك الحضور ويصفقون له، رأيتها أنا ومعي مجموعة من الدعاة، ثم يقلد الشيخ اللحيدان فيضحك الحضور، ثم يقلد عبد الله فرح الغامدي فيضحك الحضور ويصفقون له ثم ينتقل ويقلد إمام الحرم الشيخ ابن سُبيّل فيضحكون، ويقلد كثيراً من المؤذنين، باستخفاف وجراءة على شرع الله عَزَّ وَجَلَ، حتى إنه يلفق فتاوى قالها العلماء؛ يقول من ضمنها: امرأة سألت عبد الله فرح الغامدي (ك-هـ-ي-ع-ل) تسأل: ما حكم ذبح الضفادع وأكلها؟ قال: الحمد لله، وبدأ الجواب. فمن هم الفضلاء إلا هؤلاء، وهل سمعتم الآن ولا نبالغ في أحد أفضل من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وهل سمعتم عالماً من المسلمين الآن يرشح إلى أن يكون شيخاً للإسلام كهذا الرجل، الموفق المسدد، الذي يدور الكتاب في ذهنه، والكتب الستة، والأحاديث ثم يوليها اهتماماً، ويستنبط، ويفتي العالم الإسلامي، ويقفون على فتياه على نور من الله عزوجل، ثم يأتي هذا الذي يلعب بصلاته، ومبادئه، ومشيته، وسنة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيتهجم على هؤلاء، هذا مما وقع، ومثله كثير، وكثيراً والله ما يسمع الإنسان اتصالات وشباب يأتون، ويقولون: سمعنا فلاناً ينال من فلان من المشايخ ويقول فيه كذا وكذا بفرىً عظيمة، حتى يقول بعضهم: إن بعضهم يفتي ويحرم ما أحل الله ويحلل ما حرم الله، ويقول: فلان يحل الفروج المحرمة، ويحل سفك الدماء، ونعوذ بالله من أن يفعل ذلك مسلم فضلاً عن هؤلاء الأخيار. وكثيراً ما يخبرنا بعض الشباب بكلام وقع في أعراض العلماء الفضلاء والصالحين، وقد حضروا هذا الكلام وسمعوه، فنقول لهم: فماذا كان موقفكم؟ قالوا: السكوت، وهذا لا يجوز لهم في شرع الله عزوجل؛ لأنهم خذلوا إخوانهم، وسكتوا عن منكر.

عدم نشر ما يجرح المسلم

عدم نشر ما يجرح المسلم المسألة الحادية عشرة: الواجب على المسلم إذا سمع جرحاً في أخيه المسلم أن لا ينشره، ولا يوشيه، ولا يفشيه، فيكون مشاركاً بفعله هذا في انتهاك أعراض المسلمين، ومناصرة المنافقين، بل عليه أن يطوي هذه الأخبار، ويجعلها قيد الكتمان، ويعتبر بقوله عليه الصلاة والسلام: {من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه}. وبعض الناس قد يشارك من حيث لا يعلم في نشر الرذيلة في المجتمع، أو في نشر الجرح في الفضلاء، فيقول: قال فلان حسبنا الله عليه في فلان كذا وكذا، وهو بهذا ينشر الجرح ويشيعه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19] فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعلم المفسد من المصلح، وبعض الناس يتشفى حتى يقول لك في معرض الغيبة: إنا لله، فيظهر التوجع، ويظهر الحسرة، فتقول: ما شاء الله، ما أشفقه على عباد الله، ثم يقول: هدى الله فلان بن فلان فعل كذا وكذا، غفر الله له، الله يرده إلى صوابه!

الشائعات عن الملتزمين مستمرة

الشائعات عن الملتزمين مستمرة المسألة الثانية عشرة: يشاع الآن، وسوف يشاع عن الملتزمين بشرع الله عزوجل، والمستقيمين على دينه أنهم متطرفون، فنقول لهم: ما معنى: التطرف؟ وما هي صور التطرف عند هؤلاء الشباب؟ ومن الذي يحق له أن يحكم عليهم بالتطرف؟ هل هو من حقوق من ليس من أهل الشريعة؟ ولا من حملة الكتاب والسنة؟ وهل يحق لبعض الناس ممن قلَّ تصورهم للشريعة وقلَّ عملهم بطاعة الله عَزَّ وَجَلَ، هل يحق لهم أن يحكموا على هؤلاء بالتطرف؟! ومفهوم كلامهم أن العصاة هم الوسط، ويجعلون الوسط التساهل في الالتزام بالسنة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم التشاغل بالدعوة، وعدم الغضب لله عَزَّ وَجَلَ، بل يرون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جرحٌ للمشاعر -فيقول: لا تجرح مشاعرنا- ويثير المشاكل وهو من التدخل في شئون الغير، ويرى هؤلاء أن اتباع السنة والتقيد بها تشديد وتزمت، بما في ذلك اللحى؛ كأن اللحى جريمة! وهي اتباع لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والثياب القصيرة، وغير ذلك من صور الالتزام بالسنة، حتى إني رأيت بعض الشباب؛ إذا سألت أحدهم لماذا لا تعفي لحيتك؟ قال: حرجاً من إخواني وأهلي في البيت، فإنهم يؤذنونني إذا أطلقت لحيتي!! لقد أصبحت الأمة الإسلامية في زمنٍ العامل فيه بالسنة في غربة، وهو المجروح، وهو الذي تنصب عليه السهام، بينما أصبح المخالف للسنة كأنه الوسط، المعتدل فكراً ومنهجاً!!!

التحليل والتحريم من خصائص الله ورسوله

التحليل والتحريم من خصائص الله ورسوله المسألة الثالثة عشرة: يقال عن الملتزمين: إنهم يحرمون كل شيء، حتى سمعت من بعضهم مشافهةً من رجل له قَدْرَة، يقول: صليت مع خطيب جمعة، فقال: الربا حرام، والغناء حرام، والصور حرام، والدخان حرام، وكل شيء حرام. هل يقول هذا؟ إن كان أحد الناس يعني معتوه، أو جاهل، أو مرفوع عنه القلم قال هذا، لكن هل يستطيع خطيب أن يقول هذا ويسكت المصلون عنه؟! لا لأن عندنا فضلاء، وطلبة علم، والشعب مسلم، ومثقف، وواعٍ، فلا يمكن أن يقول خطيب في مسجد فيه خمسمائة رجل هذا الكلام ويسكت الناس، وعلى الأقل أن ثمانين في المائة منهم يعرفون أن كل شيء ليس بحرام، فسيوقفونه بعد الصلاة ولو عشرة منهم ويحاسبونه على الكلمة، لكن معنى هذه الفرية: أن تأخذ تصوراً أن هؤلاء الشباب والدعاة والخطباء يحرمون كل شيء، فتقول: حسبنا الله عليهم. فبالله عليكم، هل يعتقل أن الدعاة يعتقدون تحريم كل شيء، والله يقول: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:11] وكثيراً ما تجد بعض الناس له تخصص غير شرعي، كأن يكون تخصصه طب، أو أدب مجرد، أو هندسة، أو أي فنٍ آخر، يلوم أهل الشريعة ويقول: هم متطرفون، مع العلم أن المنهج الشرعي أن كلاً يحترم تخصصه، فهم الذين يفتون الناس، وهم الذين يدرسون معتقد أهل السنة والجماعة، وهم الذين يخبرون بضوابط التكفير، وهم الذين يصدر الناس عن رأيهم، ويعلم هؤلاء الملتزمون من الدعاة وغيرهم أنه لا يحل لأحدهم أن يحرم إلا ما حرم الله ورسوله، وهذه كلمة ابن تيمية، لا يحل لأحد أن يحرم إلا ما حرم الله ورسوله ولا يحل إلا ما أحله الله ورسوله، ولا يوجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولا يكره إلى ما كره الله ورسوله، ولا يستحب إلا ما استحبه الله ورسوله؛ ولذلك يلام بعض الناس أن يقف على المنبر ويقول: يجب عليكم كذا وكذا، وهذا من كيسه وقد لا يوجبه الكتاب والسنة، فلا بد من تقييد الألفاظ، ولا بد من الوقوف مع مدلولات الكلمات.

كتاب يسخرون من الدعاة

كتّاب يسخرون من الدعاة المسألة الرابعة عشرة: نشرت جريدة الحياة عن بعض الكتبة وهو يعرض ببعض الدعاة وشباب الصحوة ويقول: إنهم يروون أن طائرة (إف 15) تسقط بقراءة آية الكرسي، وأن هناك دعاء يفجر الدبابة، فأقول: أسألكم بالله هل سمعتم داعية ممن يوثق بعقله وعلمه ورأيه يرى هذا الرأي، ويقول مثل هذا القول؟!! ولقد رأيت غالب شباب الصحوة في الداخل والخارج، ولا يقولون هذا، يقولون: هذه أدعية لها أثر، أما أنهم يقولون القضية المعينة هذه من قرأ آية الكرسي أسقط طائرة إف 15 فلا، نعم إن الكرامات موجودة لكن لماذا يضحك عليهم بهذا الأسلوب الساخر، الساذج، المكشوف، السافر، ولا يتعرض إلا لهم دائماً، ولا تضخم إلا أخطاؤهم، بينما تجد أهل الفن، وأهل الغناء والتطبيل والضياع؛ معفوون من هذه، بل يلمعون، أما هؤلاء إذا أخطأ أحدهم خطأً صغيراً ضخم، وكبر، حتى يكون كارثة!!! وجدت كثيراً من الشباب الملتزمين، أهل التخصصات العلمية كأهل الطب والهندسة والتكنولوجيا، وقد زرت -أقولها للحقيقة وأنقلها هكذا حتى نكون على روية- إحدى عشر ولاية في أمريكا فوجدت غالب الدعاة والملتزمين ممن يدرسون هذه العلوم هم أئمة مساجد، وهم المؤذنون في تلك البلاد، فهل عندهم تطرف؟! وهل كانوا قال أحد منهم: تقرأ آية الكرسي فتسقط الطائرة إف 15 على أنَّا نؤمن بكرامات الأولياء، وأن الله قد يسقط الطائرة بالدعاء، لكن في مثل هذا الأسلوب السافر، الساخر، لا نرضاه أبداً، ونقول: اتقوا الله أيها الكتبة في أنفسكم، فإن الله يقول: {من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب}.

ضرورة التثبت فيما ينقل عن العلماء

ضرورة التثبت فيما ينقل عن العلماء المسألة الخامسة عشرة: ينسبون إلى بعض العلماء أنه حرم كذا، وأحل كذا، دون أن يتثبت من قوله، فيقع كثير من الناس في الخطأ على اعتقاد أن العالم الفلاني أفتى بكذا وكذا، فالرجاء التثبت والتحري، وأخذ الحيطة في مثل هذا الأمر المهم، والاتصال بالعلماء مباشرة، فإنه ينتشر بين الناس أن فلاناً من المشايخ أفتى بحلِّ كذا وكذا، بينما لو سألت من نشر هذا الخبر، ومتى سمعته؟ وهل سمعته من الشيخ؟ وهل سألته؟ وهل قرأت هذا في كتاب أو سمعته في شريط؟ لقال: لا أدري، سمعت هذا، أو قيل لي، فاتقوا الله أيها الناس في التثبت في الفتاوى! لأنها دين، وأخذ الحيطة في مثل هذا واجب، ويترتب على ذلك تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، ونحو ذلك من الترتيبات واللوازم الخطيرة.

الفراغ يورد الشائعات والقيل والقال

الفراغ يورد الشائعات والقيل والقال المسألة السادسة عشرة: الفراغ لدى الشباب يورد الشائعات، والقيل والقال، وما فرغ عبدٌ إلا سها ولهى: فراغ قاتل وهموم نفسٍ وقيلٌ يملأ الدنيا وقال ونقلٌ ليس تضبطه صحيحاً وأخبار بلا سند طِوالُ وكان السلف يسمون من يجلس فارغاً (عاطلاً) ويسمونه (بطالاً) وسماه العصر الحاضر (بطالة) وقالوا: مشكلة البطالة، ودرسوا أزمتهم، وما هي الحلول المقترحة لأزمة البطالة، التي هي عبء على المجتمع، والشعوب، الآن كثيرٌ من الناس يعيش في بطالة، وتورث المهاترات، والنقولات الواهيات، والشائعات. والخطير أن يوجد بين صفوف الشباب بطالة وعطالة، فلا تجدهم يشتغلون بعمل، أو بقراءة، أو بأمر مثمر، فيعود مجلسهم إلى قيل وقال. ولماذا لا يجتمع شبابنا على جدول عمل مرتب من ذي قبل؟ يرتبون لهم جدول عمل، يجلسون عليه ويجتمعون؛ حتى يحفظ الوقت فيما ينفع؛ كقراءة القرآن، أو قراءة كتاب علمي، أو ذكرٍ، أو مشكلة تحل وتدرس، أو غير ذلك من المسائل. فلماذا تهدر الأوقات هكذا؟ والعبد يحسب عليه وقته ودقائقه وثوانيه؟

الفوضى في الزيارات

الفوضى في الزيارات المسألة السابعة عشرة: الزيارات وعدم ترتيبها. فإن هذا أمرٌ محرج، وديننا أسمى من أن يكون مسئولاً عن هذه الفوضى في الزيارات، أو الفوضى في النظام على سبيل المثل. كم نبه للباعة وقيل لهم وكتب لهم، واتصل بالجهات المختصة، ألا تبيعوا بعد الأذان الثاني، إذا دخل الخطيب، ثم يخالفون الأمر، ويخالفون التوجيه والإرشاد، فينقلون صورة لغير المسلمين أن هذا دين فوضى، والله عزوجل ذكر النظام في كتابه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مثل نظام الزيارات وقد أشير في القرآن إلى ثلاثة أوقات محرجة في الزيارة منها: {قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ * وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ} [النور:57 - 58] تضيق به الأوقات فما يراعي وقتك، إنما هو يريد أن ينهي عمله، أو ينهي غرضه، فإذا انتهى من أشغاله زارك في أي وقت، بغض النظر عن راحتك وهدوئك، أو استقرارك، أو مزاجك، فيطرق عليك بابك في ذلك الوقت. {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور:58] يعني: لا يزورك عصراً ولا مغرباً وإنما بعد صلاة العشاء، وأنا أعرف من الشباب من يزور بعد الحادية عشر ليلاً يطرق عليك الباب، يقول: أنا لا أريد أن أدخل لكن مسألة واحدة فتوى، فيسألك عن المسح على الخفين بعد الحادية عشرة! يعني: ضاقت بك الدنيا، اتركها يومين ثلاثة، أو مسح الوجه بعد الدعاء هل هو وارد أو لا؟ أو سند حديث. فالواجب علينا الرتابة: وأنا أقترح أن الوقت المناسب عند المسلمين الآن من المغرب إلى العشاء، وقد نبه على هذا الوقت، ووضعت عند بعض الفضلاء لوائح تشير إلى هذا، أن وقت الزيارة من المغرب إلى العشاء؛ لأنه وقتٌ مستهلك، ووقت ذاهب، فيزاور الأحبة فيه، وأما غيره فإنه محرج صراحة، وحتى الاتصال بالهاتف أن يكون هناك وقتاً منظماً، فبعد الحادية عشرة لا تتصل لأحد، بل قبلها بكثير، وفي أوقات الأذان إذا أذن المؤذن فلا تتصل، أحياناً يتصل بك والأذان يؤذن فتترك متابعة المؤذن حتى تجيب على الهاتف، أو إذا دنت الإقامة وأنت إمام مسجد شغلك إلى الإقامة فأخرك عن الصلاة، فتحري الأوقات حتى باختلاف نسب الأوقات بين المدن أمر مطلوب خاصة بين أهل الوعي حتى ننقل صورة النظام للناس.

الكلام أكثر من العمل

الكلام أكثر من العمل المسألة الثامنة عشرة: من قصورنا جميعاً أن نسمع ونتحدث أكثر من أن نعمل، كلامنا أكثر من عملنا، محاضراتنا أكثر من فعلنا، ندواتنا، ودروسنا، أكثر من تأثيرنا بالعمل البناء بالناس، أمة تتحدث، أمة عندها ترف في الكلام، أمة تحب الكلمة والقيل والقال. وعلى سبيل المثال: كم يحضر المحاضرة العامة من شباب، لكن كم يدعو إلى الله من هؤلاء؟ بعض المحاضرات يحضرها أكثر من عشرة آلاف، وهذا ليس مبالغة بل هو الحق، ومن حضر شهد بذلك، وليت من العشرة آلاف عشر العدد يعملون لله، وأنا لا أقول: العشرة الآلاف لا يعملون لله! فإنهم يعملون لله في الصلوات، وفي الحج، والعمرة ورمضان، وفي بعض الحقوق، ولكني أقصد حق الدعوة، وحق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحق محمد عليه الصلاة والسلام على الأمة، وحق إيصال الكلمة إلى الناس، وحق التأثير، والمشاركة، ليت العشر من العشرة آلاف يعملون لله في الدعوة، يعني: ألفاً، لو عمل ألف في مدينة من المدن بالحكمة والموعظة الحسنة، واللين، وإيصال الفكرة للناس، واقتحام الحواجز التي وضعها بعض الناس بينهم وبين الناس؛ لعم الخير، وكان الشر في إدبار، وكان النفع العميم ينتشر هنا وهناك. إن مسئوليتنا -أيها الإخوة- أن نعمل، مسئولية ضخمة، ولننظر إلى هذا الحضور، فلو أخذنا العشر ممن حضر هذه الليلة وتبنى فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمشاركة في مثل هذا الموسم، موسم الاصطياف، وذهب إلى المنتزهات يحمل الشريط الإسلامي، والكتيب بأدب ولينٍ وحكمة، ولا يجرح المشاعر، ولا يغضب القلوب، ولا ينفر النفوس، وعرض فكرته للناس، والله الذي لا إله إلا هو لقد قيل: عن بعض من يحمل الفكرة الباطلة من العلمانيين والحداثيين، بل من النصارى واليهود؛ إنهم يضحون لدينهم، ويبذلون لدعوتهم، وينفقون أموالهم في سبيل مبادئهم الباطلة أكثر مما يفعله كثير من المسلمين. والله يقول في هؤلاء المنحرفين، وإنفاق أموالهم: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36]. واقرأ تراجم بعض الذين أقاموا بعض الفكر في العالم، مثل فكرة الشيوعية. فقد سجن لينين ست سنوات ويضرب بالحديد ووراء الأسلاك وفي الزنزانة حتى أثبت فكرته. كارل ماركس سجن ثلاث مرات في بلجيكا، وفي فرنسا وفي إنجلترا، ثم اعتنق فكرته مليار شيوعي في الصين والاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا وفي بولندا هذه الدول الشرقية اعتنقت فكرته، وقد سحب هو في أثناء مطر، وقد ذكرت هذا لكم في قصة طويلة أو في محاضرة الشيوعية إلى الهاوية. وكثير من الناس، اقرأ مثلاً مذكرة ميشيل عفلق وكم تعرض، وحردان التكريتي، كل هؤلاء الأوثان والأصنام خدموا فكرتهم عجباً. أنا حدثتكم أن أحد المجاهدين يقول: فتاة فرنسية عمرها ما يقارب الثلاثين سنة، تجوب جبال أفغانستان، معها جهاز، وفراش على ظهرها، وتنام في الثلوج، ومع البعوض، وفي المستنقعات؛ من أجل أن تبشر بدين المسيح المحرف. طيب الآن ما هو تأثيرنا في الناس؟ ما هو دور هذا الكم الهائل الذي يحضر هذه المحاضرة؟ ماذا يقولون غداً لمحمدٍ عليه الصلاة والسلام؟ إذا قال: هل بلغتم دعوتي؟ أنا قلت لكم في الحياة الدنيا: {بلغوا عني ولو آية} قراكم فيها خرافة، وقد يتخلف فيها الناس عن صلاة الجماعة، وقد لا يطبق فيها الحجاب، وقد يوجد فيها قطيعة الرحم، أذية الجيران، والغيبة، والنميمة، والحسد، وأكل الربا، فماذا فعلتم؟ إذا قيل أنتم قد علمتم فما الذي عملتم وكلٌ في الكتاب مرتب وماذا كسبتم في شبابٍ وصحة ٍوفي عمر أنفاسكم فيه تكتب فيا ليت شعري ما نقول، وما الذي نجيب به إذ ذاك والأمر أصعب إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا وفي كل يومٍ واعظ الموت يندب {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} [الأحزاب:39]. اسمع الآيات الهائلة، في ميراث الأمة التي توجه مصير هذه الأمة، وعقولها، وأفكارها، ودماءها؛ أن تتحرك بدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام. ثم يلتفت عليه الصلاة والسلام ويدعو ربه، ويبتهل إلى مولاه ويقول: {نضر الله امرأً سمع مني مقالةً فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع} وفي لفظ ابن حبان: {رحم الله امرأً سمع مني مقالةً فوعاها فأداها كما سمعها} نضرة ورحمة وعفوٌ من الله لمن سمع مقالة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن منا لا يحفظ الفاتحة من هذا الحضور؟! من منا لا يعرف الوضوء؟! من منا لا يعرف صفة الصلاة؟! ولكن الكثير في المناطق يجهلونها، من منا أنفق من ماله في الشهر اشتراكاً شهريا ًمن ماله الذي يصرف في البطون والجيوب وفي شراء السيارة الفخمة، والفلل البهية، والفرش الوفيرة ثم نذهب إلى الله ونتركها ولا تذهب معنا أبداً، والله يقول: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94] من منا أنفق من راتبه قدراً لإيصال دعوة محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للناس؟! ألا إنه يقول عليه الصلاة والسلام: {لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم} أنا أعتقد اعتقاداً جازماً، وقد قاله كثير من العلماء أن من أدخل شريطاً إسلامياً في بيت من بيوت المسلمين فاهتدى أهل البيت أنهم في ميزان حسناته، وأنه هو السبب الأول في هدايتهم، وأنه هو المأجور، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من دل على خيرٍ فله مثل أجر فاعله} ويقول: {من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة} فهنيئاً للباذلين، وهنيئاً لمن دعا إلى نهج الله، وهنيئاً للمؤثرين، وهنيئاً لمن شارك بوقته، أو تدبيره، أو تخطيطه، أو ماله، أو رأيه، أو علمه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16].

دور المرأة في الدعوة

دور المرأة في الدعوة ثم هناك أمر -أيها المسلمون- وهو ما هو دور المرأة في الدعوة؟ وهل عليها واجب شرعي أن تكون داعية؟ وهل يلزمها أن تبلغ دين الله عزوجل؟ A يجب عليها في حدود طاقتها، وهي مسئولة أن تبلغ بقدر جهدها وعلمها، وهي مشاركة للرجل في الحياة، وهي نصف المجتمع، والله عزوجل ذكر الصالحين والصالحات، فقال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195]. والمرأة الصالحة يجب عليها أن تبلغ دين الله في بنات جنسها؛ بكلمتها، وباتصالها، وبزيارتها، وبالكتيب، وبالشريط الإسلامي، وبأي مستوى من مستويات التأثير؛ لأنا نرى قصوراً في جانب تثقيف المرأة، وتفقيهها ودعوتها، وآن للمرأة العاقلة والفاهمة والتي آتاها الله قدراً من العلم، أن تبذل علمها، وأن تبتغي إلى الله عَزَّ وَجَلَ، ولها أجرها عند ربها. والله أسأل أن يتقبل مني ومنكم صالح العمل، وأن يتجاوز عنا وعنكم الزلل، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل.

الأسئلة

الأسئلة

شريط للشيخ ناصر العمر

شريط للشيخ ناصر العمر Q أحد الأخوة يقول: حبذا لو نبهتم الإخوة على شريط للشيخ ناصر العمر بعنوان مشروع مقترح؛ لأنه شريط مفيد جداً؟ A نعم، الشيخ الدكتور ناصر العمر؛ من أحسن من يتكلم في هذه الموضوعات وفي غيرها، ومثله يحرص على السماع له، وقد فتح عليه من الله عَزَّ وَجَلَ في كثير من القضايا؛ منها شريط مشروع مقترح، وهو يهم طلبة العلم، وشباب الصحوة، والدعاة؛ حتى يعملوا وينفعوا أمتهم على بصيرة. فأنا أدعوكم لسماع هذا الشريط، وإهدائه على من ترون من المسلمين.

شائعة بخصوص الشيخ علي الطنطاوي

شائعة بخصوص الشيخ علي الطنطاوي Q سمعنا أن الشيخ علي الطنطاوي لا زال حياً؟ A أبشركم أنه لا زال حياً، وهو لا زال على قيد الحياة، وقد تمر ببعض الأشخاص في الحياة أمور وأخبار أنهم ماتوا وهم أحياء. يقول أحد الفضلاء: كنت جالساً في الحرم -هو من المفكرين- قال: فأتاني أحد الشباب، فقال: أنت لم تمت؟ قال: لا. قال: حدثني فلان أنك مت، قال: لا لم أمت، قال: والله هو قال لي وهو لا يكذب. قال: والله إن مت فلا أدري، لكني أنا موجود انظر لي هنا. وهذا مثل قصة جحا: أتاه رجل، يستعير حماره ليركبه، فقال جحا: الحمار ليس موجود أخذه فلان قبل أن تأتي، قال: صدقت. فنهق الحمار من البيت، فقال: أسمع الحمار نهق وأنت تقول: ليس عندك، قال: سبحان الله تصدق الحمار ولا تصدقني!! المتنبي مات كثيراً في حياته، وهو ما مات إلا مرة، لكن أماتوه كثيراً فيقول في قصيدة له يشكو ذلك، يقول: بم التعلل لا أهلٌ ولا وطنٌ ولا نديمٌ ولا خِلٌّ ولا سكنُ تحملوا حملتكم كل ناجيةٍ فكل بينٍ علي آثاركم ظعنوا ما في هوادجكم من مهجتي عوض إن مت شوقاً وما فيها لنا ثمن سهرت بعد رحيلي وحشة لكم ثم استمر مريري وارعوى الوسنُ لا تلق دهرك إلا غير مكترث ما دام يصحب فيه روحك البدن فما يديم سروراً ما سررت به ولا يرد عليك الغائب الحزن ما كلُّ ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن رأيتكم لا يصون العرض جاركمُ ولا يدرُّ على مرعاكمُ اللبن كم قد قتلت وكم قد مت عندكمُ ثم انتفضت فزال القبر والكفن وهؤلاء المحسودون في العالم دائماً يموتون، ويقال عنهم: صادفوا مشكلة، وتعرضوا لضربة قاصمة، وحد من نشاطهم، وأوقفوا عند حدهم، فـ المتنبي يقول: كم مت وأنا لم أمت إلا مرة! وكذا الجبان يقولون يموت مرات في اليوم، والشجاع لا يموت إلا مرة، حتى يقول العقاد في قصيدته، ويسلم على سعد زغلول، يقول فيها: وفي كل يوم يولد المرء ذو الحجا وفي كل يومٍ ذو الجهالة يُلحدُ يقول: الجاهل، الغبي، المعرض عن الله عَزَّ وَجَلَ، يموت دائماً، أما الشجاع فإنه يولد دائماً، والموت واحد. وأسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية والسداد والخير والنفع العميم، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الشباب واهتمامات العصر

الشباب واهتمامات العصر من أخطر مشكلات العصر التي تواجه الشباب مشكلة الإلحاد والزندقة ومرض الشهوات وتخدير الهمم وتنويم العزائم, وإحباط المساعي، ولكل منها أساليب يجب التنبه لها والحذر منها. وينبغي أن نتغلب على كل العوائق التي وضعها أعداء الله ضد المسلمين، وأن نهتم بالغايات، وأن نضع كل أمرٍ في مكانه الذي وضع له، فلا تجعل الوسيلة كالغاية.

الرياضة وسيلة لا غاية

الرياضة وسيلة لا غاية الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً, وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمر منيراً, وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً, والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة, وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وأشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. التحايا راسيات كالجبال والوفا أسرع من ريح الشمال جئتكم بالحب صباً وافداً أنثر الأشواق في نادي الهلال هذا النادي أسلم عليه خاصاً وعاماً، فسلام الله عليه وعلى أهله ورحمة الله وبركاته. وعلى رأسهم الأمير الماجد/ عبد الله بن سعد , الذي يريد أن يرفع مع وسيلته في الرياضة لا إله إلا الله, وليس هذا بغريب عليه؛ فهو من أبناء هذه الجزيرة التي سجدت لله واعترفت بلا إله إلا الله، جزيرة قدرها الإسلام، وماؤها الإسلام، وهواؤها الإسلام، جزيرة فيها صخرة يتحطم عليها رأس كل ملحد ورعديد وزنديق، جزيرة تعلن تفوقها ورسالتها وعبقريتها وإبداعها وروعتها في نشر لا إله إلا الله، جزيرة هبط فيها الوحي، وسرى في هواها محمد صلى الله عليه وسلم. يا رب! أليست هذه الجزيرة التي سبحت بحمدك وقدستك؟ يا رب! أليست هذه الجزيرة التي سار على ثراها محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟! يا رب! أليست هذه الجزيرة التي قدمت الشهداء والعلماء والأدباء؟! من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا الله أكبر! كم لهذه الجزيرة من همم ومجد! الله أكبر! كم لها من تاريخ وعلو! الله أكبر! كم لها من حضارة وصدارة. نحن صانعو الفن والجمال والحب، نحن أهل الأيمان والحب والطموح، لا يعرف الناس الحب إلا من جعبتنا وكيسنا ومدرستنا، ولا يدرسون الإيمان إلا في مدارسنا , ولا يغذون بالحب إلا من شجرتنا، فليس بغريب أن يأتي نادي الهلال ليكون هلالاً في سماء المجد والمكرمات، ليحمل مع الرياضة رسالة عظيمة، فالرياضة نعتقد اعتقاداً جازماً أنها وسيلة وليست غاية، فغايتنا في الدنيا أن تسلم المعمورة للا إله إلا الله، لقد ملّت الدنيا والمعمورة الأطروحات التي طرحت على ساحتها من نابليون صاحب الدمار والعار والشنار، وأطروحات هتلر الذي أحرق البشرية بقنابله، وأطروحات تيتو الذي حزب الناس ضد الناس. نحن نريد أطروحات محمد عليه الصلاة والسلام {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الانبياء:107] رحمة مهداة ونعمة مسداة. تعال يا من حاله في وبال ونفسه محبوسة في عقال يا راقداً لم يستفق عندما أذن في صبح الليالي بلال روض النبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال ميراثه فينا جميل الحلى وأنتم أحفاده يا رجال الموضوع هذه الليلة: "الشباب وأزمات العصر" وهو يدور على أربعة عناصر: العنصر الأول: مدرسة الإلحاد والزندقة. وهي مدرسة شيخها وأستاذها وعميدها فرعون عليه لعنة الله إلى أن يرث الله ومن عليها. العنصر الثاني: مرض الشهوات، الذي أصيب به كثير من شباب الإسلام. العنصر الثالث: تخدير الهمم وتنويم العزائم، ونجاح الاستشراق في ذلك. العنصر الرابع: الحرب المعنوية وإحباط المساعي.

مدرسة الإلحاد والزندقة

مدرسة الإلحاد والزندقة إن الأزمة الأولى هي: مدرسة الإلحاد والزندقة, والإلحاد مركب قديم وليس بحديث، وليس من صنع ماركس ولا لينين ولا هرتزل بل هو قديم قبله فرعون, وقبل فرعون شيخه وجده إبليس، يقول موسى, وهو رسول التوحيد، ورسول لا إله إلا الله: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] لقد علم أن لا إله إلا الله، وعلم أن الذي رفع السماء وبسط الأرض هو الله: قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا والنحل قل للنحل يا طير البوادي من ذا الذي بالشهد قد حلاكا وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا سبحان الله! السماء تشهد أن لا إله إلا الله، والأرض تشهد أن لا إله إلا الله، والماء والهواء، وكل ذرة على وجه الأرض, ولكن مدرسة الإلحاد أبت ذلك، ومن عتوها وفجورها أنها تريد أن تدخل إلى الجزيرة العربية، تريد مركب الأدب يوم أخفقت في مركب الاقتصاد. قبل أربعين سنة كان ماركس ولينين , أهل الحديد والنار, أعداء الشعوب، ظلمة الإنسان وأكلة الإنسان. قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا أرادوا أن يلحد الإنسان وقالوا: لا إله والحياة مادة، فلما أخفقوا في الاقتصاد أتوا بمركب الأدب, وحرام أن تلحد هذه الجزيرة , أو أن يلحد صحفي واحد فيها أو شاعر أو أديب. إن صحفنا ونوادينا لا بد أن تكون إسلامية، وقصاصنا إسلاميون، لأننا نفضل أن نموت ويحيا الإسلام، نغذيه بدمائنا, ونبني مجده على جماجمنا, فهو السراج والكنز والمصير والقوة والشرف والعمق والأصالة, ويوم نتخلى عن الإسلام نتخلى عن الأصالة والعمق والشرف, ونخسر أوراقنا في الساحة. إن مركب الإلحاد حاول بشتى الوسائل التشكيك في المعتقد، بكتابة الكتب الرخيصة التي تشكك في الرسالة، وفي الله عز وجل، وفي الرسول صلى الله عليه وسلم, سبحان الله! {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص:5] سبحان الله! لا إله إلا هو: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65] والله إن القلوب لتتفطر, وإن الجبين ليندى, وإن القلب ليرجف؛ يوم يذكر الإلحاد, كل شيء ربما نتفاوض معه، إلا مسألة الإلحاد, إنهم يريدون أن يلحد صحفي، أو أديب، أو شاعر، أو رياضي في جزيرة العرب. أما علمتم يا أعداء الله! أن هذه الجزيرة حُمِل على أكتاف أبنائها لا إله إلا الله؟ وبعد خمس وعشرين سنة من الإسلام مات أبناؤها على ضفاف نهر اللوار والسند والهند وسمرقند وأسبانيا والأندلس المفقود، أتريدون إدخال الإلحاد هنا؟ أما بحثتم عن بلد غير هذا؟ أما هذه فإنها بلاد محمد عليه الصلاة والسلام. ومرض التشكيك والإلحاد ورد كذلك في بعض المسرحيات التي تستهتر وتستهزئ بشخص الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم, وايم الله، وتالله، وبالله ما طرق العالم أعظم من الرسول عليه الصلاة والسلام، أيريدون معجزة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؟! يقول شاعر وادي النيل: أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه كنا قبل لا إله إلا الله رعاة غنم وإبل؛ لا حضارة ولا ثقافة ولا معرفة ولا رقي، فلما جاء الرسول وبعث فينا وبث فينا الروح, فأصبحنا نتكلم بكلام الله, ونمسي أولياء لله على كتاب الله, نحيا لله ونموت على لا إله إلا الله. أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا من الذي جعل عمير بن الحمام يأتي في معركة بدر وهو يأكل التمر، فيقول عليه الصلاة والسلام قبل المعركة وهو يعلن ساعة الصفر: {يا أهل بدر , إن الله اطلع عليكم فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، والله ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء. فيقول عمير بن الحمام وهو يأكل التمرات: يا رسول الله, ما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء. قال: نعم. فأخذ غمد سيفه فكسره على ركبته، ورمى بالتمرات، وقال: لا إله إلا الله، اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى. ثم رمى بالدرع في الأرض وقاتل حتى قتل}. أيفعل جنود نابليون وهتلر وتيتو وغاندي هذا الفعل؟! كذبوا لعمر الله، والله ما يستميتون إلا على إحراق البشر، وأخذهم وامتهانهم. لكن أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام يريدون الله وما عند الله.

مرض الشهوات

مرض الشهوات والأزمة الثانية التي تعرض لها شبابنا هي: الشهوات, وقى الله شبابنا المحن، وحماهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن. يا رب رحماك! أسلمت لك الجزيرة، وآمنت بك، لا نقولها والله تعصباً، فـ كابل هي قطعة منا, ثراها من ثرانا، وترابها من ترابنا، والهند وأسبانيا وتونس والعراق، وكل أرض في الأرض وكل سماء في السماء, لكن قلبنا هنا، ومصيرنا هنا، وكعبتنا هنا، وقبر رسولنا هنا, فاللهم احفظ علينا إسلامنا وإيماننا. أزمة الشهوات قدمها الاستشراق والحزب الرأسمالي الغربي -حزب وارسو - إلى الشرق وأبناء المسلمين في كأس الخمر، وفي امرأة زانية وأغنية رخيصة ومجلة خليعة، هذه الأربع هدموا بها قممنا وشموخنا وعزتنا. يوم كان العربي ينام على الثرى, وسيفه مصلوت, يستفيق الصباح فيقول: لا إله إلا الله, الحمد الله الذي أحيانا بعد موتنا وإليه النشور. وينام على ذكر الله؛ أصبح اليوم ينام على العزف والناي والأغنية الرخيصة, عجباً! بعد أن كان ينام على القرآن ينام اليوم على الأغنية. من فعل هذا؟ إنه الاستشراق، إنه مؤتمر بلغراد الذي يقول لأبنائه وأعضائه: لقد خسرنا الساحة مع المسلمين يوم أن قاتلناهم بالصواريخ والطائرات والقنابل, وبقي معنا حرب واحدة هي حرب الكأس والمرأة والأغنية والمجلة.

كأس الخمر

كأس الخمر لقد نجحوا نجاحاً باهراً يوم أن قدموا كأس الخمر ليضل به كثير من الناس، وإذا ذهب العقل ذهب المجد والعرض والشرف والسؤدد والنبل في الحياة الدنيا وفي الآخرة, وإذا ذهب العقل فلا تسل عن صاحبه، وإذا ذهب العقل فقد وصل الإنسان إلى مستوى البهائم والببغاوات والعجماوات.

المرأة الفاتنة

المرأة الفاتنة قدموا المرأة الفاتنة إلى الشرق الأوسط، كوكب الشرق تعزف في الجماهير وتغني فيهم وهم يصفقون لكوكب الشرق، ويرددون كلمات كوكب الشرق, وطائرات إسرائيل غطت علينا شعاع الشمس. قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا مهلاً فديت أبا تمام تسألني كيف احتفت بالعدا حيفا أو النقب إذا تبدت لنا الميراج تقصفنا سعت لتسقطها الصيحات والخطب شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا كيف انهزمنا وما هذي بعادتنا سيخبر السيف عنا والقنا السلب لأن من يرقص مع كوكب الشرق لا يصارع طائرات إسرائيل. والمرأة المنتفضة في فلسطين -ونسأل الله أن تكون انتفاضتها إسلامية- من المسئول عنها؟ إنهم شباب الجزيرة العربية، يرفع الجهاد من هنا، وتخرج الكتائب من هنا، ويسال الدم من هنا. فالمرأة تقول: وامعتصماه، والطفل يقول: وإسلاماه. حضر قطز -وهو مولى- معركة عين جالوت، فأراد المسلمون الانهزام فخلع خوذته وداس بها الأرض, وزأر كالأسد وقال: وإسلاماه, فتحرك المسلمون وعادوا إلى المعركة، فقتلوا التتار في لحظة. وقفت امرأة في سوق عمورية , غريبة مسلمة تشهد أن لا إله إلا الله وتصلي الصلوات الخمس، وتخاف الله, فأتى إليها رومي فضربها على وجهها، فقالت: وامعتصماه. تنادي الخليفة العباسي في بغداد. فضحك الرومي وقال لها: انتظري الخليفة المعتصم حتى يأتيك على فرسه الأبلق وينصرك، فذهب رجل مسلم فأخبر المعتصم , فانتفض في قصره وقال: والله لا يغشى رأسي ماء من جنابة حتى أذهب إليها وأنصرها بإذن الله، فخرج بجيش مسلم موحد، جيش يقوم الليل ويردد الأذكار، يقول أبو تمام: تسعون ألفاً كأساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب وقد جاء المنجمون إلى المعتصم وقالوا: لا تقاتل هذا الشهر؛ لأن الأنجم السبعة والشهب السبعة تشهد أنك ستهزم في المعركة، فقال: كفرت بكم وبعلمكم، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, توكلت على الله، حسبي الله ونعم الوكيل، فخرج فدكدك المدن واحدة واحدة، فلما انتصر قال أبو تمام للمنجمين: يا خرافيون يا متخلفون، يا من يعيش على الفكر العفن، أما انتصر؟ أين الرواية أم أين الدراية ما صاغوه من زخرف فيها ومن لعب بهارج وأحاديث منمقة ليست بنبع إذا عدت ولا غرب فالنصر في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب وعاد وانتصر لأنه حمل لا إله إلا الله.

المجلة الخليعة

المجلة الخليعة ويتمثل مرض الشهوات في المجلة الخليعة. إن المجلة الخليعة أخذت وقت القرآن، ووقت الحديث النبوي، ووقت الكتاب الإسلامي، والشريط الإسلامي، وهذا معناه أن الإسلام ينسحب تدريجياً من الساحة, والمجلة الخليعة يوم تنتشر هذا الانتشار؛ معناه أن مرض الجنس العدوى الجنسية سوف تنتشر بين الشباب، والتأخير عن صلاة الجماعة، وعن التلهف لتاريخ الإسلام، والتكاتف لحماية مقدسات الإسلام، وعن كعبة المسلمين، ومسرى الرسول عليه الصلاة والسلام، إن من صالحنا أولاً ومن صالح بلادنا وأمتنا أن نعود إلى القرآن لينقذنا الله عز وجل. يا أيها الفضلاء! ويا أيها النبلاء! إن هذا ليس بجديد عليكم, إن مسألة المجلة الخليعة لا بد أن يوجد لها بديل، أقولها بصراحة وأنا بين يدي مسئولين وأمراء وعلماء وطلبة علم يتفهمون القضية ويحرصون على خير الإسلام والمسلمين، نصبوا أنفسهم للمسئولية، وألقوا على عواتقهم تبعة لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويوم توجد المجلة الخليعة وأمثالها؛ معناه أن هذا القرآن يؤخذ وقته, ولا يحب ولا يقرأ, وأمة لا تقرأ القرآن عفى عليها الزمن، وأمة لا تتصرف بالقرآن ليست بأمة. كنا نقاتل الناس والقرآن في يد والسيف في اليد الأخرى، فسلوا عنا الشعوب, لقد فتحناها بالقرآن وبالسيف.

الأغنية الماجنة

الأغنية الماجنة مهما ترخص مترخص فإن الأغنية التي تحبب الوله والغرام والعشق؛ تهدم صرح الإسلام، يقول المغنون والمغنيات، وأنا لا أثرب على أحد، ولا أذكر أسماءً ولا هيئاتٍ، ولكني أعرض حقائق. يقولون: هم أهل الحب والفن والجمال! لا. بل نحن أهل الحب والفن والجمال، حبهم ليس حباً، وفنهم ليس فناً، وجمالهم ليس جمالاً، وهذه مقالة قد عرض لها أبو الحسن الندوي الداعية الكبير وغيره من أساطين دعاة الإسلام، فما هو الحب حتى نعرف الحب؟ الحب يعرفه القرآن: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111]. فالذي دفع هؤلاء هو الحب، وقال تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] قال ابن القيم: " ليس العجب من قوله (يحبونه) فالإنسان مجبول على حب من أحسن إليه". إنسان يعطيك عشرة ريال أو يلبسك ثوبًا ربما أحببته, لكن الذي غمرك بالنعم ظاهراً وباطناً أليس هو الله؟ فليس العجيب أن تحب الله؛ لأنه أحسن إليك، لكن العجيب أن يحبك الله عز وجل. الحب يصوره عبد الله بن عمرو الأنصاري أحد المجاهدين، يوم نزل في المعركة يوم أحد، فالتفت إلى السماء وقد تكفن في أكفانه، وأخذ طيباً وكسر غمد سيفه على ركبته، وقال: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى, اللهم إني أحب لقاءك فلا تردني من لقائك اليوم]]. سبحان الله! وحضرت المعركة, فعلم الله أنه صادق، وأنه مخلص، وقتل في المعركة. فقال عليه الصلاة والسلام لابنه جابر: {أتدري ماذا فعل الله بأبيك؟ -اسمع إلى كلمات الصدق والحرارة, وإلى الكلمات البديعات الرائعات- قلت: لا والله يا رسول الله. قال: والذي نفسي بيده لقد كلمه الله كفاحاً -بغير حجاب وبلا ترجمان- فقال: تمنّ يا عبدي. ويأتي هذا الرجل ويقول: يا رب, أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية. قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمنّ، قال: أتمنى أن ترضى عني؛ فإني قد رضيت عنك} أليس هذا حباً؟ إنه والله لمن أعظم الحب. أتى البراء بن مالك -أحد الصحابة- في معركة تستر , فلبس أكفانه وقال: [[يا رب, أقسم عليك أن تنصرنا وأن تجعلني أول شهيد فإني أحبك]]. فحضر المعركة فقتل وانتصر الإسلام، فهذا هو الحب. يقول شوقي أمير الشعراء: الحياة هي الحب، والحب هو الحياة. لكن لمن يريد أن يكون محبوباً وحبيبا، ويكون محبوبه الله تبارك وتعالى, وإلا فسوف ينتهي حبه، أما الحديث الذي وضعه الوضاعون المخرفون: {من أحب فعف فكتم فمات فهو شهيد} قال ابن القيم: لو كان سنده كالشمس لكان باطلاً كذباً موضوعاً. أرجل يحب كأساً، وامرأة أجنبية محرمة يكون شهيداً؟ أي شهيد؟ أشهادة تيتو ونابليون وهتلر، شهداء الفن والمسارح والدعارة، شهداء الليالي الحمراء، أما شهداء محمد صلى الله عليه وسلم الذين يستشهدون من أجل لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تخدير الهمم وتنويم العزائم

تخدير الهمم وتنويم العزائم الأزمة الثالثة التي يتعرض لها شباب الإسلام؛ وهي مطروحة في الساحة وموجودة: تخدير الهمم وتنويم العزائم. وهذه تروجها الصهيونية العالمية ممثلة في اليهود. أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم ألإسرائيل تعلو راية في حمى المهد وظل الحرم أو ما كنت إذا الموت اعتدى موجة من لهب أو من دم رُب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم إسرائيل صنفت مع الصهيونية العالمية وهي جزء منها، وهي تنشر مع هيئة الإذاعة البريطانية في حرب التفريق بين الخط المستقيم، خط العلماء والدعاة وطلبة العلم, والخط الآخر وقالوا: إنهم متطرفون. لقد وجد المتطرفون في الساحة لكن ليس بهذه الصورة التي صنفتها إسرائيل، وليس بهذا الانتشار الذي أرادته إسرائيل وأعوانها, وجد التطرف من فجر الإسلام يوم أن قام الخارجي يعترض على الرسول عليه الصلاة والسلام, هذا هو التطرف، لكن أن تجعل الصحوة الإسلامية والدعوة إلى الله تطرفاً, فليس هذا بصحيح. ونسأل أعداء الإسلام هؤلاء: ما هو التطرف؟ المحافظة على صلاة الجماعة تطرف! قراءة القرآن وحفظه تطرف! هجر الغناء وعدم إضاعة الوقت تطرف! الدعاء وحب الصالحين تطرف! الدعوة وتفهيم الناس وتوعيتهم تطرف! لا والله ليس هذا تطرفاً, لكن هذا هو فعل أعداء الإسلام. ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني وهذا ما انتهجه أعداء الإسلام وأذناب أعداء الإسلام, من جعل رجال دين ورجال دنيا, وهذا غير موجود في الإسلام, هذا من الكنيسة يوم جعلت هناك رجال دين همهم الكنيسة لا يخرجون منها وينزوون فيها، لكن الإسلام يقول لك: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]. فحياتنا وموتنا وليلنا ونهارنا لله رب العالمين، ويوم يوجد في أوساطنا أناس يسمون برجال الدين؛ حينها يكون هناك خصام نكد بين الناس، فنحن هنا وفي غير هذه البلاد من بلاد الإسلام، وكل من أشرقت عليه شمس لا إله إلا الله، كلنا نحمل لا إله إلا الله، ملكنا وأميرنا، ومسئولنا وعاملنا، وقاضينا، وكل واحد فينا يحمل لا إله إلا الله، لا نعفى من المسئولية، ولو اختلفت مشاربنا أو سائلنا أو أساليبنا، فمظلتنا لا إله إلا الله، يقول أبو تمام في الإسلام: إن كيد ما مطرف الفؤاد فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلِّفُ بيننا دينٌ أقمناه مقام الوالد من أتى بـ بلال الحبشي ليجلسه بجانب أبي بكر القرشي؟ من جاء بـ صهيب الرومي ليعانق عمر بن الخطاب الكعبي؟ من أتى بـ سلمان الفارسي ليكون أخاً لـ علي؟ إنه الإسلام, وإلا فقبل الإسلام كان أبو طالب وأبو لهب وأبو جهل ينظرون لـ بلال على أنه رقيق يباع كما تباع الدابة، لكن لما أتى محمد عليه الصلاة والسلام أعلن حقوق الإنسان، وكذب من قال إنهم يحفظون حقوق الإنسان, لم يحفظ حقوق الإنسان إلا محمد صلى الله عليه وسلم. يموت أحد الأمريكان في غابة من غابات أفريقيا فيحتجون له, ويقيمون الدنيا ويقعدونها، ويجتمع مجلس الأمن، وتنعقد هيئة الأمم , وأما شعب أفغانستان وفلسطين فيدمر ويدكدك ولا احتجاج ولا اجتماع. قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر فهذه الأمة هي التي أعلنت حقوق الإنسان، وأعلنها محمد عليه الصلاة والسلام، والشاهد من ذلك أن الحرب التي تتعرض لها هذه البلاد هي حرب شعواء, يتعرض لها دعاتها وعلماؤها ومسئولوها؛ حرب لا تزال تنزف حتى يتنبهوا إلى الخطر من الذي أنتجه؟ ومن الذي عرضه في الساحة؟ ومن المسئول عنه؟ هذه تساؤلات لا بد من الإجابة عليها.

الحرب المعنوية وإحباط المساعي

الحرب المعنوية وإحباط المساعي العنصر الرابع من أزمات الشباب: الحرب المعنوية وإحباط المساعي.

تعظيم المستعمر الكافر

تعظيم المستعمر الكافر الحرب المعنوية تتمثل في رؤية المستعمر برؤية عالية، فالإنسان الآن يتشرف أن يسافر إلى أمريكا , ونحن لا نقول: إن السفر حرام, فقد تكون له دواعٍ, لكنا نقول: لا تنظر إلى المستعمر هذا النظر الذي هالك وأعجبك وأدهشك وأذهلك، فأنت تسافر من أرض الحضارة. من بلادي يطلب العلم ولا يطلب العلم من الغرب الغبي وبها مهبط وحي الله بل أرسل الله بها خير نبي هذه البلاد هي بلاد الأصالة, فلا يخطئ الإنسان بأن يرى المستعمر قوياً؛ بيده الصاروخ والقنبلة والطائرة؛ لأنهم كما قال الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7].

إحباط الكلمات الغير مسئولة

إحباط الكلمات الغير مسئولة والإحباط الذي أصيب به ديننا إحباط الكلمات الغير مسئوله: الرجعية، التخلف، الدول النامية، العالم الثالث، كلها من السموم التي ألقيت في الساحة، حتى ننظر إلى أولئك أنهم متحضرون ومتطورون, يقول الأمريكي كريسي مرسون , في كتاب الإنسان لا يقوم وحده: أيها المسلمون! قدمنا لكم الطائرة والثلاجة والسخانة والبرادة، وما قدمتم لنا الإسلام. إنهم يريدون الإسلام, إنهم بحاجة إلى الإسلام, إنهم يعيشون في ظلم, لقد طرحت أوراقهم وأحرقت في الساحة، لقد جربوا الرأسمالية فما أنتجوا شيئاً, وجربوا الشيوعية والاشتراكية , وهي تحت مظلة الشيوعية، وجربوا كل حل وكل شيء فما وجدوا خيراً لهم من الإسلام، وعاد أذكياؤهم وأساطينهم إلى الإسلام, في حين يذهب بلداؤنا وأغبياؤنا ليعلنوا عمق أولئك وأصالتهم. أيطلب الشفاء من مريض؟! أيطلب الطعام من جائع؟! أيطلب الماء من ضامئ؟! إن الخسارة كل الخسارة يوم أن نحتقر ما عندنا، إننا أمة نسير على أصول، أمة أصيلة وعميقة, يجمعنا جميعاً من الشرق إلى الغرب كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، قبلتنا واحدة، ونصلي في أوقات مرتبة، غنينا وفقيرنا سواء, ليس عندنا ألوان ولا تمييز عنصري، أما تلك البلاد فهي: في بلد أفكاره منكوسة تثقله بصائر مطموسة يقدسون الكلب والخنزيرا ويبصرون غيرهم حقيرا ما عرفوا الله بطرف ساعة وما أعدوا لقيام الساعة فهم قطيع كشويهات الغنم هزل وجد وضياع ونغم من ضرب العمال في بولندا ومن أتى بالرق في يوغندا من دمر البيوت في نجزاكي من ضرب اليونان بالأتراك من الذي ناصر إسرائيلا حتى تصب عنفها الوبيلا استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا ننتج السيارة يذهب الرجل منا إلى هناك فينظر إلى المستعمر كأنه روح القدس, ويأتي إلى عالم من علمائنا وهو يشرح الروض المربع، فيقول: يا شيخ! الناس صعدوا إلى سطح القمر، وأنت تشرح الروض المربع، فقال له الشيخ: وأنت ما صعدت إلى سطح القمر ولا جلست معنا تقرأ الروض المربع. ليته يوم أخفق في الصعود إلى سطح القمر درس معنا الروض المربع , لكنه من المذبذبين, لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. فيا أخي! أنت لن تصنع لنا صاروخاً ولا طائرة, ولا ثلاجة ولا برادة، فاجلس معنا، واقرأ في فتح الباري ورياض الصالحين وبلوغ المرام، أما أن تبقى لا داخل الحلبة ولا خارجها، فهذه قسمة ضيزى يتركها العقلاء.

ضرورة استخدام الإحباط للمستعمر

ضرورة استخدام الإحباط للمستعمر إن الإخفاق والإحباط والحرب المعنوية أمر لا بد للمستعمر منه, وهو أمر يدرس ويوضع في الساحة, فمن الذي جعل أباريَّة يتهجم على السنة ويقول: هذه أحاديث لا يصدقها العقل؟ ومن الذي جعل فلاناً من الناس يقول: إن الإسلام لا يواكب العصر؟ ومن الذي جعل الثالث يقول: أؤمن بالقرآن وأما السنة فأطرحها؟ سبحان الله! {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50].

الاشتغال بالتوافه عن الأصول

الاشتغال بالتوافه عن الأصول تلك بعض أدوائنا وأزماتنا, وأشير إلى البعض الآخر باختصار: أزمة الاشتغال بالتوافه عن الأصول، أو إشغال الوقت في غير ما خلق له الإنسان، ونحن نؤمن بالوسائل لكن لا نجعلها غايات، فالرياضة في الإسلام وسيلة وليست غاية، ولا مبدأ يوالى ويعادى عليه, ويحب ويبغض من أجله، إنما الذي يوالى ويعادى عليه هو الإسلام, فنحن هنا نعتبر الرياضة وسيلة, هذا هو رأي الإسلام، ويوم أن تجعل غاية معنى هذا أننا حطمنا رسالتها، وألغينا فاعليتها في الأرض؛ لأنها يوم أن تصبح غاية فسوف يوالي هذا هذا؛ لأنه من ناديه، ويلبس لونه ويسير في مسيرته, ويعادي ذاك ولو كان أخاه لأبيه وأمه. فالمقصود أنها وسيلة ليس إلا، وهي الغاية لنربي أجسادنا على رفع لا إله إلا الله؛ لأننا أمة ينتظر منا أن نفتح العالم كل العالم، ليس الجزيرة فحسب بل العالم كله يتوجه إلى الكعبة خمس مرات في اليوم والليلة. واسمحوا لي إن أكثرت من الشعر فهذا نادي الشعر والحب والأدب:- يا أمة كم علقوا بكيانها خيط الخيال وهي البريئة خدرها فيض عميم من جلال شاهت وجوه الحاقدين بكف خسف من رمال موت أتاتورك الدعي كموت تيتو أو جمال يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلو الإنسان خابوا مالهم إلا الرماد جثث البرايا منهمو في كل رابية وواد فالمقصود أن غايتنا من الرياضة أن نرفع لا إله إلا الله، كان ابن تيمية يصعد وينزل في جبل كسروان عصراً, فقالوا له: ما لك؟ قال: إنني أتقوى على الجهاد في سبيل الله، أما أن نقوي أجسادنا ثم بعد ذلك لا تكون هناك نتيجة ولا غاية فهذا ليس بصحيح. من غاياتنا أن نتقوى على طاعة الله عز وجل, ومن غاياتنا أن ندخل بالرياضة إلى بلاد العالم وإلى قلوب الناس إذا حملنا الرسالة؛ لأن الناس إذا خرج أحد منا ومن أنديتنا ومنتخباتنا إلى العالم, قالوا: هذا خرج من بلاد مهبط الوحي، من الجزيرة، من مكان يستقبله كل يوم وليلة ألف مليون (مليار) مسلم, فإذا رأى الشاب علم أنه يحمل رسالة فما هي رسالتنا إلى الناس؟ رسالتنا ليست رياضة، رسالتنا لا إله إلا الله محمد رسول الله، لننقذ العالم وندخل بهذه الوسيلة ليعلم بنا العالم، ويجلس معنا ويستمع إلينا. إن العالم ينتظر من أبنائنا وشبابنا وينظر إليهم نظرة الطموح والإيمان والحب، فهذا محمد إقبال شاعر الباكستان , أتى إلى هذه البلاد وطاف بالبيت العتيق, ورأى شباب الإسلام فما رأى كالذي سمع, كان يتصور أنه يجد شباب الجزيرة قوماً همهم حمل لا إله إلا الله، قوماً يتمنى الواحد منهم أن يموت في سبيل الله، قوماً يتلمظ الواحد منهم كالأسد متى يشرق دين الله تعالى على الأرض كلها، فبكى وأبكى وسجل قصيدته (تاجك مكة) يقول فيها وهي مترجمة: نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى حتى هوت صور المعابد سجداً لجلال من خلق الوجود وصورا ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا فمن الذي أطفأ نار المجوس إلا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, يوم انطلقوا من الصحراء, ليس عندهم طائرات ولا دبابات ولا قنابل ولا صواريخ، يدخل ربعي بن عامر -أحد جنود الإسلام في الثلاثين من عمره- على رستم القائد الفارسي المجرم، فيقول له رستم وهو يضحك استهزاءً به, يوم أن رأى فرسه الهزيل وثيابه الممزقة ورمحه المثلم، قال له: يا ربعي , جئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور والرمح المثلم والثياب الممزقة. فيقول ربعي كلمة كالقذيفة بل أقوى من القذيفة قال: [[إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]] وبدأت المعركة, وكان جيش كسرى مائتين وثمانين ألفاً، وكان جيش المسلمين ثلاثين ألفاً، وبعد ثلاثة أيام أخفق الإلحاد والزندقة والتبعية والتخلف وارتفعت لا إله إلا الله، وأصبح الشهداء يقدمون دماءهم إلى الله. يقول سعد وهو يرى قصر كسرى الذي حكم فيه ألف سنة: الله أكبر, فانصدع القصر، فبكى سعد وقال: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِين * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِين} [الدخان:25 - 29].

تضييع الأوقات

تضييع الأوقات من الأزمات التي أشير إليها باختصار: تضييع الوقت. الوقت غالٍ لكن عند غير المسلمين في الجملة, يقول صاحب كتاب دع القلق وابدأ الحياة: الأمريكان يقرءون أكثر من اثنتي عشرة ساعة في أربع وعشرين ساعة. ويقول موشي ديان وزير الحرب الهالك الملعون: العرب قوم لا يقرءون. فمن يقرأ إذا لم نقرأ نحن؟ ومن يطالع إذا لم نطالع نحن؟ أمه أصيبت بالملل والسأم, يقرأ أحدنا ساعة ثم يقول: إن لعينك عليك حقاً, ولنفسك عليك حقاً, ولأهلك عليك حقاً. يشعر المسلم بالإجهاض والانهزامية يوم أن يقف أمام تراث من تراث المسلمين, فما لذلك الخواجة يركب الطائرة وهو يقرأ، وفي القطار يقرأ، وهو منتظر في صالة المغادرة يقرأ، فلماذا يقرأ؟ أيريد جنة أم يخشى ناراً؟ لا, ولكن لأنه يعرف قيمة الوقت، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم} [المؤمنون:115 - 116]. أمة تقدر الوقت، أمة تحسب للدقيقة حسابها، أمة ترى أن الليل والنهار يطويان العمر، فحينما نعرف قيمة الوقت يا شباب الإسلام, يا أبناء لا إله إلا الله, يا أحفاد من رفع لا إله إلا الله، إذا عرفنا قيمة الوقت أنتجنا، وعلمنا، وطالعنا، لنكون نحن في مقدمة الأمم، وفي المنزلة الأولى، نحن كما قال أبو فراس الحمداني: ونحن أناسٌ لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر إما أن نكون قادة العالم وعلماءه وأدباءه، وإلا فشهادة في سبيل الله، هذه أغلى الأماني التي يبحث عنها المسلم، أما حياة التبعية، وأن نعيش على هامش الأحداث، وأن يذهب الوقت سُدىً؛ لا مطالعة ولا ذكر ولا قراءة، فهذا ليس بصحيح، وأعظم ما يحفظ هي الصلوات الخمس, ويوم تترك الصلوات الخمس, فاعرف أنه الدمار والعار والشنار في الدنيا والآخرة، ويوم أن نتنازل عن الصلوات الخمس فهو الكفر البواح، ويوم نخل بالصلوات الخمس فاعرف أن رسالتنا قد أحرقت ورقتها في الساحة، وقد انتهت أصالتنا وعمقنا وانتصارنا وإرادتنا. وما كل شيء يقرأ بل لا بد أن يكون المقروء شيئاً طيباً مثمراً مفيداً، والحمد لله مساجدنا ترحب بمصاحفها وآياتها البينات، ولكن نشترط على الجميع شرط أن يكونوا مؤمنين كما أسلفت، ليتقي الله إذا كتب في صحيفة، أن ينظر إلى نظر الله إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى, وليعلم أن الله يسأله يوم القيامة فيمَ كتب؟ ولماذا كتب؟ وعمن كتب؟ وليعلم أن هذه البلاد كما أسلفت بلاد قداسة، فليتق الله في هذه البلاد؛ فإنها بلاد لا إله إلا الله، أديباً رياضياً، شاعراً، قصصياً، لا نتفاوض معه حتى يؤمن بالله الذي لا إله إلا هو، وأما أن نجعل الدين في جهة, والأدب في جهة, والرياضة في جهة، فليس بصحيح، فهذه أمة مترابطة الأطراف، لابد أن تكون أمة رسالة وأمة معتقد، وأدبنا بالذات, ونسأل الله أن لايستغل مركب الإلحاد الرمزية المغرقة في الرمز، فإن سألنا أصحابها قالوا: إن وراءها أسرار لا تفقهونها أنتم، سبحان الله أنفقه شعر امرؤ القيس والمتنبي وأبي تمام ولا نفقه شعركم، أنعرف عمق إقبال وشوقي وهؤلاء القمم ولا نعرف شعركم، ما هو الشعر الرمزي المغرق في الرمزية الذي تفهمونه ولا نفهمه، فشعر وأدب وكلمة لا تفهمها الأمة ليس بأدب ولا شعر وكلام ولا عمق ولا أصالة، يا أمة الحب والطموح، يا أمة الرسالة الخالدة، أنا عرضت هذه الكلمة عرضاً مختصراً, ويكون في الأسئلة أجوبة على ما سوف يرد. التحايا راسيات كالجبال والوفا أسرع من ريح الشمال جئتكم بالحب صباً وافداً أنثر الأشواق في نادي الهلال سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

مشاركة الصالحين في النوادي

مشاركة الصالحين في النوادي Q هل تنصحون الشباب الصالحين أن يرتادوا هذه النوادي وأن يشاركوا فيها؟ وما واجبهم نحو ذلك؟ A الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أشهدكم أني أحبكم في الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ونسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كما جمعنا هنا أن يجمعنا في الجنة، في أرض الرحمة والغفران والسماح والعفو، أما بالنسبة للسؤال الذي تقدم به الأخ وهو قضية هل ينصح الشباب بدخول النوادي؟ فما من شك أنهم ينصحون، والأعمال بالنيات، وتختلف نية من أراد أن يدخل هنا، فإن أراد إصلاحاً وخير لهذه البلاد، ولمسار هذه البلاد، وهذا الوطن الغالي فمعناه أنه سوف يجعل رسالته الإسلام وحمل لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأبناء هذه النوادي أعضاءه ومنتخبه هم إخواننا وأحبابنا وأصدقاؤنا، لا يفرق بيننا وبينهم شيء, وليس بغريب أن نزورهم ويزوروننا, وأن يستقبلوننا ونستقبلهم بحفاوة وإكرام, فعلى من دخل أن يدخل بقصد أن يحمِّل الشباب رسالة، وأن يجعل الرياضة وسيلة لا غاية؛ لنكون مؤمنين منطلقين من أسس ومبادئ, نحمل مبادئ أصيلة وأهدافاً جليلة، وأخلاقاً جميلة، هي أهدافنا ومبادؤنا وأخلاقنا. Q فضيلة الشيخ: لماذا أهمل طلبة العلم هذه الأندية وتهاونوا بالمشاركة فيها, فهل لكم من كلمة حول هذا؟ A أولاً: لا يطلب من الناس جميعاً أن يكونوا علماء, ولو طلب منهم أن يكونوا علماء لتعطلت مصالح الناس, ولا يطلب منهم جميعاً أن يكونوا صناعين أو نجارين، أو خبازين، فحينها تتعطل الحياة، والله عز وجل قال: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60]. ومن حكمة الله عز وجل أن يجعل للإنسان طاقات, فهذا الشاب يمكن أن يجدي في هذا النادي وأن يقدم شيئاً وذاك يصلح للمسجد أن يكون خطيباً، وذاك يصلح أن يكون مفتياً، وذاك معلم في الفصل، وكل يعرف طاقاته وإمكانياته. أما تأخر الشباب عن الأندية فما أعلم له إلا بعض الأسباب التي ربما أوافق عليها أو أنازع فيها, منها: بعضهم يشعر بالحرج في بعض مسائل قد تقع في بعض الأندية، وقد سمعت من أمثالهم يوم طرح هذا السؤال نخشى أن تؤخر الصلوات في بعض الأندية إذا حضرت المباراة، أو أن بعض اللباس قد لا يكون لباس شرعياً، أو أن هناك تحزبات وولاء وبراء عند الأندية تحدث الضغينة بين أبناء هذا البلد الواحد وهذا الوطن الواحد الذي يتحاب أبناؤه في لا إله إلا الله, هذه قد تكون مبررات لكن طرحت في الساحة، وسمعت هذا وسمع غيركم كثيراً ولعل القائمين على النادي يسمعون هذا.

الجهاد الأفغاني

الجهاد الأفغاني Q فضيلة الشيخ: هل من كلمة لكم حول المجاهدين في أفغانستان لا سيما وأن إدارة النادي قد رأت أن تحدث الإخوة بجمع التبرعات لكي تصل إليهم بإذن الله -جل وعلا- وستكون التبرعات التي ستجمع هذه الليلة، وفي مباراة النادي يوم الخميس القادم، ستكون بإذن الله للمجاهدين في أفغانستان وللمتضررين من الفيضانات في السودان وللمجاهدين أصحاب الانتفاضة في فلسطين؟ A شكر الله لإدارة هذا النادي على هذه الخطوة الجميلة، المجاهدون الأفغان هم المجاهدون الأفغان، وأكبر تعريف للأعلام أن يسموا بأسمائهم: بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يعدو بي الأغر قالت الصغرى أتعرفن الفتى قالت الوسطى نعم هذا عمر قالت الكبرى وقد تيمتها قد عرفناه وهل يخفى القمر المجاهدون الأفغان قوم التحفوا السماء، وافترشوا الأرض, ونازلوا الملحد الرعديد بطائراته وصواريخه ودباباته؛ ليقال له: ها نحن مسلمون نقاتلك بالأسلحة البدائية, فاجمع كيدك وشركاءك وتعال إلى الساحة لتنتصر. المجاهدون الأفغان حطموا تلك القاعدة التي تقول: لا تغلب أمريكا ولا روسيا , أميثاق من السماء؟! أعهد نزل به جبريل عليه السلام؟! لا. بل تغلب مرة وألف مرة؛ لأن من يحمل لا إله إلا الله محمد رسول الله, والذي يريد الموت ليدخل الجنة ذاك المنتصر, المجاهدون الأفغان الكلام عنهم طويل، ولي مقطوعة في المجاهدين أعرضها في هذه الجلسة:- مروا بقلبي فقد أصغى له البانُ لي في حمى الحب أصحاب وجيران نعم لك الله ما قد تبت من وله أما لكم صاحبي صبرٌ وسلوان دع ذا وهات قواف منك صادقة لأمة مجدها بالأمس فينان يا أمة النصر والأرواح أثمان في شدة الرعب ما هانوا وما لانوا هم الرعود ولكن لا خفوت لهم خسف ونسف وتدمير وبركان كم ملحد ماجن ظن الحقوق له زفوا له الموت مراً وهو مجان وبلشفي أتى كالعير منتخياً رأى المنايا فأضحى وهو جعلان ردوه كالقرد لو بيعت سلامته بشعبه لشراها وهو جذلان فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ وأنا أهيب مع إدارة النادي بالجمع الكريم الحافل إلى التبرع للمجاهدين، فكأنك بدراهمك تقتل شيوعياً -إن شاء الله- أو تنقذ مسلما سودانياً جزاكم الله خيراً, وتقبل الله منكم أحسن ما تقبل من عباده الصالحين.

قصيدة أمريكا التي رأيت والبازية

قصيدة أمريكا التي رأيت والبازية Q فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد، نرجو منك التكرم بإلقاء أرجوزتكم التي قلتموها في رحلتكم إلى أمريكا، فهل تجيب الرجاء؟ ونرجو أن تسمعنا شيئاً من قصيدتك المسماة بالبازية، التي هي في والدنا وشيخنا الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز؟ A رحلة أمريكا كانت في مؤتمر الشباب العربي المسلم في أكلاهوما، وهذه حضرها ما يقارب خمسة آلاف شاب من أمثالكم، ومن أمثال طلعاتكم، كلهم -إن شاء الله- يحملون رسالة إلى الأمم لينشروا الإسلام في بقاع الأرض، وهذا الأرجوزة هي أشبه بأرجوزة هزلية فيها دعابة، وإلا فالجدية قد ذكرت بعض الأبيات منها أذكر مقطعين من الجدية ثم آتي بالهزلية: ما زرت أمريكا فليـ ست في الورى أهل المزار بل جئت أنظر كيف ند خل بالكتائب والشعار لنحرر الإنسان من رق المذلة والصغار وقرارنا فتح مجيد نحن أصحاب القرار ورأيت أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسام قد زادني مرأى الضلا ل هوىً إلى البيت الحرام وتطاولت تلك السنون فصار يومي مثل عام أما الأرجوزة فهي كما تسمعون: يقول عائض هو القرني أحمد ربي وهو لي ولي مصلياً على رسول الله مذكراً بالله كل لاهي قد جئت من أبها صباحاً باكراً مشارك لحفلكم وشاكراً وحملتنا في السما طيارة تطفح تارة وتهوي تارة قائدها أظنه أمريكي تراه في هيئته كالديك يا سائل الأخبار عن أمريكا اسمع رعاك الله من يفتيكا فهذي أخبار هذه النشره مسافة السير ثلاث عشره من الرياض عفشنا ربطنا وفي نيويورك ضحى هبطنا أنزلنا في سرعة وحطنا وقد قصدنا بعده واشنطنا ثم ركبنا بعدها سياره مستقبلين جهة السفاره منزلنا في القصر أعني ريديسون يا كم لقينا من قبيح وحسن ومعنا في صحبنا العجلان أكرم به مع العلا جذلان وصالح المنصور من بريدة يشبه سعداً وأبا عبيدة والشهم عبد القادر بن طاشي ذو القلم السيال في انتعاش فهوا أبونا في مقام الترجمة لأننا صرنا صخوراً معجمه وبعدها زرنا مباني الكنجرس فلم نجد مستقبلاً ولا حرس بها ملايين حوت من الكتب في كل فن إنه هو العجب في بلد أفكاره مطموسه تثقله بصائر منكوسه يقدسون الكلب والخنزيرا ويبصرون غيرهم حقيرا ما عرفوا الله بطرف ساعه وما أعدوا لقيام الساعه فهم قطيع كشويهات الغنم هزل وجد وضياع ونغم فواحش قد أظلمت منها السما والأرض منها أوشكت أن تقصما من ضرب العمال في بولندا ومن أتى بالرق من يوغندا من دمر البيوت في نزاكي من ضرب اليونان بالأتراك من الذي ناصر إسرائيلا حتى تصب عنفها الوبيلا استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا منهم أخذنا العود والسجاره وما عرفنا ننتج السياره أما قصيدة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز فكلكم يعرف سماحته وهو علم لا يعرف ونحبه ونتقرب إلى الله بحبه، والعلماء يحبون في الله -عز وجل- خاصة أن الله أكسب هذا الرجل من المحاسن والفضائل ما هو جدير بالحب، وقد سبقت من شعراء في العالم الإسلامي بمدحه منهم المجذوب يوم يقول: روى عنك أهل الفضل كل فضيلةٍ فقلنا حديث الحب ضربٌ من الوهمِ فلما تلاقينا وجدناك فوق ما سمعنابه في العلم والأدب الجمِ فلما أَرَ بازاً قط من قبل شيخنا يصيد فلا يؤذي المصيد ولايدمي وأما تقي الدين عالم المغرب فيقول: خليلي عوجا بي لنغتنم الأجرا على آل باز إنهم بالثنا أحرى وزهدك في الدنيا لو أن ابن أدهم رآه رأى فيه المشقة والعسرا والبازية قلت فيها: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً (لك الله) قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي يادمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي أغراهم المال والدنيا تجاذبهم مابين منتعل منهم ومن حافي مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الألطف العافي وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعالي ولم تولع بإرجافِ بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطل في إسراقه الضافي تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصدافي إلى آخر القصيدة.

التوبة والاستقامة

التوبة والاستقامة Q فضيلة الشيخ: استقمت ثم انتكست ثم استقمت مرة أخرى ولكني فقدت حلاوة الإيمان التي وجدتها من قبل، وإن الشيطان -أعاذنا الله منه- يوسوس عليّ؛ لكي أرجع إلى الفساد وجلساء السوء, ويقول لي: إنه ختم على قلبك وإنك منافق تخادع الله. وأريدك أن تخبرني بالأعمال التي تجعلني أجد حلاوة الإيمان وتذهب القسوة من قلبي، كما أريد أن تدعو لي ولإخوتي بالثبات؟ وسؤال مماثل أيضا نود أن نسمع من فضيلتك بعض نماذج لشباب كانوا مضربَ مثلٍ في التوبة والرجوع إلى الله؟ A السائل الأول يسأل أنه يستغفر ثم ينتكس، ثم يستغفر ثم ينتكس، وباب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، ومن قال لك ومن أخبرك: أنك تحرم التوبة فقد افترى على الله -عز وجل- والله -عز وجل- كما صح في صحيح مسلم من الحديث القدسي: {يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} والله يقول في محكم كتابه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. يارب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة وما سقطنا لأن الحافظ الله الله الله يا شباب الإسلام في مراقبة الواحد القهار، الله الله في العودة إليه، فإنه يعلم السر وأخفى, باب التوبة لا يزال مفتوحاً, وعند الترمذي بسند حسن: {يابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}. وعند ابن حبان حديث عائشة أن عبد الله بن حريب: {قال: يا رسول الله إني رجل مقراف للذنوب قال: تُب إلى الله واستغفره، قال: فأعود، قال: تُب إلى الله واستغفره، قال: فأعود، قال: تُب إلى الله واستغفره، قال: إلى متى يا رسول الله؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المدحور}. إنك لن تزال تخطيء لكن العجيب أن تتوب، أما الذي يهلك نفسه بالخطايا ثم لا يعرف لله قدراً ولا قيمة ولا مراقبة: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} [نوح:13 - 16] فيا إخوتي في الله! الله الله في محاسبة النفس والعودة إلى الواحد الأحد ليحمي علينا -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- أبصارنا وأسماعنا ومجدنا وأصالتنا وكرمنا، وأسجل هذه الليلة وصية الرسول عليه الصلاة والسلام يوم دفعها ساخنة قوية لـ ابن عباس: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة}. أما الأخ الذي سأل أن يعطى له نماذج، فأنا آخذ له على عجالة قطوفاً من رياض السنة. سامحن بالقليل من غير عذل ربما أقنع القليل وأرضى يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: {كان رجل فيمن كان قبلكم -من بني إسرائيل- أسرف على نفسه بالخطايا, فلما حضرته الوفاة؛ أمر أبناءه أن يجمعوا له حطباً وأن يحرقوه بالنار} كان موحداً مؤمناً بالله، لكن أسرف بالخطايا والمعصية والذنوب {ثم قال: فإذا أنا مت فأحرقوني بالنار واسحقوني وذروني علّ الله ألا يجدني} سبحان الله! الله لا يجده: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:1 - 2]. {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79]. سحقوه بعد أن أحرقوه, فأخذته الريح في كل مكان، فجمعه الذي أنشأه أول مرة: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] ثم أصبح أمامه رجلاً والحديث في الصحيحين، قال: {يا عبدي ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك وخفت ذنوبي، قال: يا ملائكتي أشهدكم أني غفرت له، وأدخلته الجنة} فلا إله إلا الله كم من المغفرة، ولا إله إلا الله كم من الرحمة، ولا إله إلا الله كم من العطاء. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار هذه وصية لكل مسلم, وهي معلومة باليقين والإجماع أن من تاب تاب الله عليه. تأتي المرأة وقد زنت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فتقول: طهرني يا رسول الله! فيطهرها بالحجارة حتى تموت، فيسبها أحد الصحابة، فيقول عليه الصلاة والسلام: {لا تسبها والله إني أراها تنغمس في أنهار الجنة}. سبحان الله! يا للعطاء ويا للرحمة ويا للفيض، ويا للجلال ويا لسعة رحمة الله, من يغفر الذنب إلا الله, من يستر العيب إلا الله, من يجازي على السيئة الحسنة إلا الله، لكن من يعرف قدر الله إلا عباد الله: {يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم} اللهم إنا نستغفرك من هذا المكان فاغفر لنا يارب العالمين.

التوفيق بين الدعوة والمشاركة في الأندية

التوفيق بين الدعوة والمشاركة في الأندية Q فضيلة الشيخ: أنا أدعو إلى الله ولاعب في أحد الأندية، فكيف أوفق بين اللعب والدعوة؟ A للدعوة وقت وللعب وقت هذا أبو الطيب المتنبي أحمد بن الحسين يقول: فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى قد جعل الله لكل شيء قدراً، والدعوة لها وقت، تعرفه أنت ويعرفه الناس, وللعب وقت لكن بحدوده؛ أن لا يتعارض مع الفرائض ولا تؤخر له فريضة أو لا تعطل أمراً أهم، وأنت تدخل إلى النادي تدخل وفي ضميرك الدعوة إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقدوتك محمد عليه الصلاة والسلام. حضر سوق عكاظ وخطب الناس ودعاهم، وحضر ناديهم في عكاظ وتكلم في النادي بخطبة ما سمع الدهر بمثلها، وما أنصت الزمان لخطبة تقرع قرعها، أو تنزل نزولها، محمد عليه الصلاة والسلام أتاه رجل بدين في جسمه، فأتى ينازله بوسائله ويطرح أوراقه معه في ساحة الدعوة, فيقول: لا أؤمن لك حتى تصارعني، أقوى أقوياء العرب, أكبر مصارع في العرب. فقام له صلى الله عليه وسلم قال: إن صرعتك أتؤمن، قال: نعم، الرسول صلى الله عليه وسلم مستعد إذا كان هذا يخدم لا إله إلا الله وينفع لا إله إلا الله، ويعلي لا إله إلا الله، فله صلى الله عليه وسلم دور في هذا, فقام فأخذ هذا المصارع فحمله على الأرض حملاً ثم أوقعه على الأرض. وقام الرجل غضباناً متحمساً لينازل رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- فصرعه مره ثانية، فقام ثالثة فأنزله الأرض فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل الإسلام لا يحتاج إلى شعر، لا يحتاج إلى فن ولا جمال لم يقل ذلك، أتى بالمنبر ونصبه في المسجد وقال: {يا حسان اهجهم وروح القدس معك}. الرسول صلى الله عليه وسلم، استمع إلى الحبيب إلى القلوب يقول لـ أنجشه: {أُحْدُ لنا} فلما صدح صوته بلا وتر ولا ناي ولا موسيقا عزفت قلوب النساء، فقال: {رويدا يا أنجشه بالقوارير}. الرسول صلى الله عليه وسلم حي العاطفة، قوي الإحساس، يتعامل مع كل من وضعته معه، ولذلك شكل من الصحابة جبهة أو جداراً لا يخترقهم الصوت، الإداري يضعه في الإدارة، الشاعر يضعه في الأدب، السياسي في السياسية، الاقتصادي في الاقتصاد، الفرضي في الفرائض، الداعية في الدعوة، هذا تصنيفه عليه الصلاة والسلام. والذي أريد أن أقوله: لا تتحرج يوم تعلم أن في دخولك إلى نادٍ أو مكان دعوة وخدمة للإسلام، فإن الدعوة إذا مسكت المساجد، فالناس ما أتوا إلا يصلون، لكن أن نقوم على رءوس الناس والشيوخ والشيوبة صلوا صلوا فما جاء بهم إلا الصلاة, لكن قطيع الناس وشباب الأمة، وأجيال الأمة، الذين في الأندية، من يقف أمامهم داعيةً لبيباً كما فعل موسى عليه السلام، موسى يستعد أن ينازل كل من ينازله, لكن فرق بين المدعو هنا والمدعو هناك, فرعون شيخ الطغاة وأستاذ الضلال، وهنا مسلمون مصلون من إخواننا وأحبائنا، موسى ينازله في الديوان فيقول في الأرض، فيقول في الأرض، فيقول في البحر، فيقول في البحر، فنحن ندخل معهم, فيرحبون بنا فنعرض لهم دعوتنا ورسالتنا لنكون جميعاً حملة خير ورسل هداية.

الواجب نحو المجلات الخليعة

الواجب نحو المجلات الخليعة Q صاحب الفضيلة: ما هو واجبنا نحو المجلات الخليعة، وما تعليقكم على القرار النجيب الذي صدر من المجلس الأعلى للإعلام بمنع دخول ما يقارب ثلاثين مجلة من المجلات الهابطة الرخيصة؟ A هذا القرار قرار عصامي، يعني قرار إسلامي وهو يرفع الرأس ويشكر أصحابه, وندعو لهم في أدبار الصلوات: أن الله يهديهم ويسددهم، وليس بغريب على المسئولين أن يفعلوا ذلك، فهي رسالتهم ومهمتهم وتكليفهم أمام الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذه المجلات التي كثرت في الساحة وقد أفسدت كثيرًا وأبطلت من الهمم والمساعي ما الله به عليم، والآن وقد أتى وقت سحبها فإلى غير رجعه: لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار وعندنا من كتبنا وصحفنا ومجلاتنا الإسلامية ما تغطي الساحة والحمد لله. أما نصيحتي نحو هذا: أن تقوم بواجب الداعية المسلم؛ الذي يريد الخير له ولبلاده ولشعبه ولأمته؛ حينها يسعدك الله في الدنيا والآخرة، ولتعلم أن هذا من الفساد الذي لا يرضاه الله عز وجل, فواجبك أن تنهى عنها وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والحمد لله على ما فعل حمد اً كثيراً.

نصيحة لأصحاب الصحافة الرياضية

نصيحة لأصحاب الصحافة الرياضية Q فضيلة الشيخ: هل من كلمة إلى المعنيين بالصحافة الرياضية، حيث قد يبدر من بعضهم أحياناً شيء من الإسفاف تجاه البعض الآخر؟ A إن شاء الله أنهم على وعي تام، وعلى خلق نبيل ومروءة, وإن حدث هذا فهو من نقص البشر وذنوب العباد، ونصيحتي لهم في صفحتهم الرياضية، أن يدخلوا الإيمان أكثر، وأن يصوروا الغايات, وأن يفصلوا بين الغاية والوسيلة, وألا يجعلوا هنا ولاءً وبراءً على هذه الأمور أو خصاماً نكداً بين هذا وهذا، لأننا نسعى إلى غاية ولنا وسائل, فقضية أن نفرق بين هذا وهذا، هذا ليس بمنهج صحيح، والكلام الجارح لا يثمر شيئاً في عالم الرياضة، ولا عالم الدعوة ولا عالم العلم، إن الكلمة اللينة الحبيبة يوم يبعثها الكاتب والصحفي والأديب يحي الله بها قلوب الناس, وهو ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحيا الشعوب والهمم والقلوب. أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم مقطوعة رباعية في الثناء عليه صلى الله عليه وسلم، والعجب يتملك كل مسلم حينما يقف أمام عظمته صلى الله عليه وسلم: نسينا في ودادك كل غالٍ فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام ولا علينا ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلَّى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا وفي أبها كان يشرفنا من أمثالكم، من الرياضي ومن غير الرياضي، ضيوف فجعلناها لهم قصيدة دائمة العضوية, تصلح لأي زمان ومكان هذه القصيدة نقول فيها: ضيوف الخير قد شرفتمونا بلقياكم ربوع الجو طابا فـ أبها من زيارتكم تباهت بثوب الخلد أطلقت الضبابا كأن إشبيلية نقلت بـ أبها فأحيت في ضمائرنا الطلابا وسار شذا العبير بكل وادٍ فعانق في تسربه الضبابا وتبدو الشمس من خدر خجول وإن شاءت تكنفت السحابا تطالعنا وراء الغيم تيهاً وإن شاءت تكنفت السحاب فيا عصر الشبيبة دمت عصراً ويا عصر الصبا حي الشبابا فإني سوف أذكرك اعتباراً إذا ضمر القنا والرأس شابا وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة إن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا في كتابه الكريم باتباع نبيه والاقتداء به في كل شيء: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) [الحشر:7] ومن ذلك الاقتداء به في أهم أمر من أمور الدين وهو الصلاة. فقد قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) لذلك كان لزاماً علينا معرفة هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وهذا هو ما تحدث عنه الشيخ حفظه الله في هذا الدرس.

ضرورة معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة على طريقة المحدثين

ضرورة معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة على طريقة المحدثين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:70]. موضوع هذا الدرس (هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة). وقد سلف معنا في الأسبوع الماضي (وصف النار من صحيح الأخبار) وعلاقة هذا الموضوع بذاك، أنه لا ينجي المؤمن إلا الأعمال الصالحة، وأعظمها ورأسها وعمودها الصلاة، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام، عند البخاري أنه قال: {صلوا كما رأيتموني أصلي}. إذاً كان لزاماً علينا أن نتعلم كيف كان هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة، واعلموا أني مستعين بالله في إيراد هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة قولاً وعملاً، على منهج المحدثين لأنهم أصوب الناس، وأعظم علماً وعملاً، وأخلصهم قلوباً، وأصدقهم إيماناً. يقول ابن تيمية عن المناطقة والمحدثين: أما أهل الحديث فهم بمنزلة صحابة محمد عليه الصلاة والسلام، وأما أهل المنطق وأهل الفلسفة فهم بمنزلة المنافقين على عهده صلى الله عليه وسلم، وقال غيره كالإمام أحمد: إن لم يكن أهل الحديث هم الطائفة المنصورة فلا أدري من هم. أهل الحديث همُ أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا

موضوعات الدرس

موضوعات الدرس وسوف يكون الحديث هذه الليلة في إحدى وعشرين مسألة: 1 - عظم الصلاة وفضلها. 2 - صلاة الجماعة. 3 - استقبال القبلة. 4 - التكبير. 5 - وضع اليدين على الصدر. 6 - الاستفتاح. 7 - قراءة الفاتحة. 8 - قراءة ما تيسر بعدها. 9 - الركوع. 10 - الرفع من الركوع. 11 - السجود. 12 - الجلوس بين السجدتين. 13 - التشهد الأول. 14 - جلسة الاستراحة. 15 - الإشارة بالسبابة. 16 - الدعاء في السجود. 17 - الدعاء قبل السلام. 18 - السكتات في الصلاة. 19 - السلام من الصلاة. 20 - الذكر بعد السلام. 21 - السنن الرواتب. نسأل الله السداد والإصابة والإخلاص، وأبرأ إلى الله من الحول والقوة، وأسأله أن ينفعنا وإياكم بما نسمع وبما نقول.

عظم الصلاة وفضلها

عظم الصلاة وفضلها أما عظم الصلاة وفضلها، فقد جاء في الصحيحين عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فقال: {الصلاة على وقتها} وعند الترمذي بسندٍ صحيح: {الصلاة في أول وقتها} وقال سبحانه: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45]. قال شيخ الإسلام عند شرح هذه الآية في الأجزاء الأخيرة من الفتاوى: أخطأ عامة المفسرين في تفسير هذه الآية {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45] وقال: للصلاة فائدتان ومنفعتان، أحدها: أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، والثاني: أن في الصلاة يقام ذكر الله فيها، وذكر الله في الصلاة أعظم من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر، وبعضهم يقول: ولذكر الله أكبر من كل شيء، لكن لا صلة في الآية ولا مناسبة. وهذا صحيح، وهو من فهمه رحمه الله، أي: أن ذكرك لله في الصلاة أعظم من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر، أي فائدة أن تذكر الله عز وجل في الصلاة أعظم لك أثراً من نفع الصلاة في نهيها عن الفحشاء والمنكر. يقول: وأما حديث: {من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعداً} فحديثٌ باطل لا يصح، بل من صلى وارتكب الفواحش أقرب إلى الله ممن ارتكب الفواحش ولم يصلِّ. وأما في السنة فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الصلوات الخمس، والعمرة إلى العمرة، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله} وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر}. قال ابن تيمية رحمه الله: لم يأتِ عنه صلى الله عليه وسلم تفريقٌ بين من تركها عامداً أو متهاوناً، لأن بعض الفقهاء -كما يدرس في بعض المدارس- يقولون: من تركها تهاوناً فهذا يستتاب، وأما من تركها عامداً فيقتل. والمتهاون عندهم شيء، والعامد شيء، وهذا خطأ، فليس هناك متهاون ولا عامد، من ترك الصلاة فقد كفر، ما نقول: هل تركتها تهاوناً؟ ولا نسأله عن قلبه؟ ما تركها إلا بعد ما كفر بالله العظيم، فنمسح بالسيف على رأسه، هذا هو الصحيح، أما التفريق بين من تركها تهاوناً أو تكاسلاً أو عمداً فليس له أصل، لا من عند الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا الصحابة، ولا أئمة المسلمين، فليعلم ذلك، وإنما هو تقسيمٌ استحدثه بعض الفقهاء.

صلاة الجماعة

صلاة الجماعة صلاة الجماعة شرطٌ عند ابن تيمية، وواجبٌ عند فقهاء المحدثين، وسنةٌ عند مالك وأبي حنيفة والشافعي، والصحيحُ أنها واجبة إلا لعذر، لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء:102] فهذا في صلاة الخوف، فكيف بصلاة الأمن؟! وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] وقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناسٍ لا يشهدون الصلاة معنا، فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار} وعند أحمد بسندٍ جيد: {والذي نفسي بيده لولا ما في البيوت من النساء والذرية} فمنعه عليه الصلاة والسلام من إحراق بيوتهم ما فيها من النساء والذرية. وجاء عند ابن ماجة والحاكم وأحمد وصححه عبد الحق الإشبيلي وابن تيمية، أنه صلى الله عليه وسلم قال: {من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر} وجاء عند مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الأعمى: {أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ قال: نعم، قال: فأجب، فإني لا أجد لك رخصة} أما حديث {لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد} فالصحيح عند كثيرٍ من المحدثين أنه موقوفٌ على علي رضي الله عنه وأرضاه. وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين} وفي رواية {بخمسٍ وعشرين}. إذاً: صلاة الجماعة واجبة، يعزر من تركها بلا عذر، يؤخذ على يديه من قبل السلطان والإمام ومن القضاة، ويهجر ولا يزار ولا يجلس معه حتى يصلي في المسجد، وإذا سمعتم فتوى رخيصة تقول: صلاة الجماعة سنة، وللإنسان أن يصلي في بيته، فهذا -والعياذ بالله- بابٌ يفتح للمنافقين. قال ابن مسعود كما في صحيح مسلم: [[ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافقٌ معلوم النفاق]] فكان الصحابة يرون من يتخلف عن صلاة الجماعة منافقاً معلوم النفاق. وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد، فاشهدوا له بالإيمان. قال سبحانه: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ} [التوبة:18]} وهذا الحديث ضعيف، في سنده دراج بن أبي السمح عن أبي الهيثم، وروايته عن أبي الهيثم ضعيفة.

استقبال القبلة

استقبال القبلة جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء في صلاته: {إذا أردت الصلاة فتوضأ وأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة} قال سبحانه: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144] قال الشافعي: من كان في الحرم فعليه أن يستقبل الكعبة، ومن كان في مكة فعليه أن يستقبل الحرم، ومن كان في الآفاق فعليه أن يستقبل مكة. وهذا شيءٌ عجيب وفقهٌ طيب، يقبل ولا يعارض النصوص. فاستقبال القبلة شرط إلا في صلاة النافلة على الراحلة في السفر، فتستقبل القبلة عند التكبير ثم لا يهمك أين توجهت بك راحلتك. واستقبال القبلة يسقط إذا اجتهد العبد فصلى إلى غير القبلة، ثم بانَ له أنه صلى إلى غير القبلة، كأن يصلي في ظلمة، أو في صحراء، أو في سفر، لقول عقبة بن عامر: {صلينا مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما أصبح الصباح رأينا أنا صلينا إلى غير القبلة، فأنزل الله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] فلم نعد الصلاة} وهذا حديثٌ صحيح. فاستقبال القبلة وارد مع القدرة، إلا من كان مريضاً لا يستطيع استقبال القبلة فهذا معذور، قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وقال عليه الصلاة والسلام: {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم}.

تكبيرة الإحرام

تكبيرة الإحرام التكبير عند أهل العلم هو الوارد وهو السنة، ولم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية الصلاة إلا (الله أكبر) لم يقل: الله أكبر كبيراً، ولم يقل: كبرتُ لله، ولم يبدأ بكلمة أخرى غير التكبير، فلم يقل الحمد لله، ولا سبحان الله، ولا لا إله إلا الله، وإنما قال الراوي: {ثم كبر} وكان يقول: الله أكبر، وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يجزئ إلا (الله أكبر) وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجزئك أن تقول أي ذكر، كأن تقول: سبحان الله، أو الحمد لله، لا إله إلا الله، أو أستغفر الله فإذا قلت ذلك انعقدت صلاتك، بل زاد في روايةٍ -رحمه الله- أن قال: لو كبر بالعجمية لأجزأه ذلك، كأن يقول: اشكمدرت، ونحوها. وهذا مخالفٌ للنصوص، وقد نص المحدثون على أنه لا يصح هذا القول، وأنه مجانبٌ للصواب، ولا يجوز الأخذ به، وذلك لعموم أمره صلى الله عليه وسلم بالتكبير، وكان إذا كبر صلى الله عليه وسلم رفع يديه وقال: {الله أكبر} ولم يكن يضم أصابعه أو يفرجها، وإنما كان يجعلها على هيئتها وعادتها. وأما رفع اليدين، فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي حميد {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفعهما إلى فروع أذنيه أو حذو منكبيه} وجاء عند البخاري ومسلم من حديث وائل بن حجر {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفعهما إلى فروع أذنيه} فكيف نجمع بينهما؟ قال بعض العلماء: أما أواخر الكفين فعند المنكبين؛ لحديث أبي حميد، وأما أطراف الأصابع فعند فروع الأذنين؛ لحديث وائل بن حجر. فمن جعلها عند فروع الأذنين أجزأه، ومن جعلهما حذو منكبيه أجزأه، ومن رفعهما بين الأذنين والمنكبين أجزأه كذلك. وهنا مسألة ذكرها ابن قدامة، وهي: هل تكبر مع الرفع؟ أو بعد الرفع؟ أو قبل الرفع؟ أصوبها أن تكبر مع رفع اليدين، وإن رفعت قبل التكبير جاز، وإن رفعت بعد التكبير جاز، ولكن مع التكبير هو الأصوب والأحسن، وهو هديه عليه الصلاة والسلام.

كيفية وضع اليدين على الصدر

كيفية وضع اليدين على الصدر جاء من حديث وائل بن حجر: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر وضع يديه على صدره} ولفظه عند ابن خزيمة بسندٍ صحيح: {يضع اليمنى على اليسرى على صدره} وأصله في البخاري، ولكن ليس في البخاري بلفظ: أنه كان يضع اليمنى على اليسرى على صدره، وأما حديث علي عند أبي داود: [[من السنة وضع اليمنى على اليسرى تحت السرة]] فهو حديثٌ ضعيف، وهو رواية للحنابلة عملوا بها، والصحيح أنه ضعيف، والأصل أن توضع على الصدر، ولا ترفع رفعاً كما يفعل بعض الناس؛ لأن بعض الناس يحملهم التشدد في السنة إلى أن يخرجوا من السنة، حتى يقول ابن تيمية: بعض الناس هربوا من طرفٍ مجانب للسنة، فخرجوا من الطرف الآخر، المرجئة خافوا من مذهب الخوارج، فذهبوا فخرجوا من مذهب السنة إلى الإرجاء، والخوارج خافوا من مذهب المرجئة، فخرجوا من السنة وأهل السنة توسطوا، فلا تجعل يديك فوق الصدر ولا تحته، ولكن اجعلهما على الصدر، وسنة محمد صلى الله عليه وسلم هي الأصل.

الاستفتاح

الاستفتاح صح عنه صلى الله عليه وسلم في الاستفتاح أحاديث، ومن استفتح بشيءٍ منها صحت صلاته، منها: حديث أبي هريرة في الصحيحين قال: {يا رسول الله! سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟} وفي رواية أخرى: {يا رسول الله! بأبي أنت وأمي} أي: فديتك بأبي وأمي، وهو يستحق أن نفديه عليه الصلاة والسلام، وهو أسلوبٌ يستخدمه الصحابة للمصطفى عليه الصلاة والسلام، وقد قالها عمر لـ أبي بكر، كان يقول له: فداك أبي وأمي، والجاهليون كان يقول أحدهم للزعيم أو للسلطان: أبيت اللعن، أي أعوذُ أن أستجلب أمراً يوجب اللعن، أو أن أكرهك أو أغضبك، فاستبدلها المسلمون بكلمةٍ أطيب فقالوا: فديتك بأبي وأمي، وكان الجاهليون يقول أحدهم: عمت صباحاً، فاستبدلناها بقولنا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يقول النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر: أتاني أبيت اللعن أنك لمتني وتلك التي منهن قد كنتُ أنصبُ فإنك شمسُ والملوك كواكبٌ إذا ظهرت لم يبد منهن كوكبُ قال أبو هريرة: {فديتك يا رسول الله بأبي وأمي، ماذا تقول في سكوتك بين التكبير والقراءة؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد} وهذا هو أصح حديث في الاستفتاح، ويستفتح به المحدثون. ويرى ابن تيمية وابن القيم أن أحسن استفتاح: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك؛ لأنه جمع تنزيهاً وتوحيداً وتسبيحاً وتحميداً. ومن استفتح بهذا أو بذاك فقد أصاب، والأول جاء في الصحيحين، وأما الثاني فقد رواه مسلم بسندٍ منقطع، قاله الدارقطني وغيره، وقد وصله الدارقطني بسندٍ موصول، وهو صحيح. وجاء عند مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا استفتح الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرتُ وأنا أول المسلمين} قال أهل العلم: قال عليه الصلاة والسلام وأنا أول المسلمين، لأنه أول المسلمين، وأما نحن فنقول: وأنا من المسلمين. وقد أورد ابن القيم في زاد المعاد استفتاحات أخرى، لكن هذه ثلاثة استفتاحات، حديث أبي هريرة في الصحيحين، وحديث عمر في مسلم، وحديث علي: {وجهت وجهيَ للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين} والرابع أورده ابن القيم في صلاة الليل، قال: {كان يسبح عشراً، ويحمدُ عشراً، ويكبر عشراً، ويهلل عشراً، ويستغفر عشراً} إلخ. ومن صلى بلا استفتاح صحت صلاته، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: {أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه} فالاستعاذة واردة في حديث أبي سعيد الصحيح، وقالوا: النفث هو الشعر، والنفخ هو الكبر، والهمز هو الموتة، أي: الجنون قاله أبو عمر أحد الرواة.

قراءة الفاتحة

قراءة الفاتحة صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال للأعرابي: {واقرأ ما تيسر معك من القرآن} أخذ بهذا الجمهور وقالوا: لا يجزئ إلا قراءة الفاتحة، وقال الأحناف: لو قرأ بأي شيءٍ من القرآن لأجزأه ذلك، والصحيح أنه لابد من الفاتحة، لحديث عبادة بن الصامت في الصحيحين: {لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {صلاةٌ لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداجٌ خداجٌ خداج} أي باطلة، وعند ابن حبان مصححاً وأبي داود والترمذي، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال للصحابة: {لعلكم تقرءون خلف إمامكم. قالوا: نعم، قال: لا تقرءوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب} وهل تقرأ وراء الإمام في الجهرية؟ لأهل العلم ثلاثة أقوال: القول الأول: لابد من قراءتها في السرية والجهرية وهو قول جمهور المحدثين. القول الثاني: تُقرأ في السرية ولا تُقرأ في الجهرية خلف الإمام، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية. القول الثالث: يكفيك قراءة الإمام في السرية والجهرية، وهو مذهب الأحناف. والقول الأول هو الصحيح، أنك تقرأ بها في السرية والجهرية، فلا تسقط عنك الفاتحة على الصحيح، ولو قرأ الإمام، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: {لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب} ولقوله: {فاقرءوا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب}.

قراءة ما تيسر بعدها

قراءة ما تيسر بعدها وما تيسر من القرآن إما آية أو سورة أو الجمع بين سورتين، أو الأخذ من سور متفرقة من القرآن وقد توقفوا في هذا، وقد فعله بلال، وأقره عليه الصلاة والسلام في حديثٍ يقبل التحسين، كما ذكره الذهبي، أنه قال: {كلٌ كثيرٌ طيب} وكان يفعله خالد بن الوليد يوم صلَّى بالناس في غزوة، فقد قرأ بعض الآيات من سورة وبعضها من سورة وبعضها من سورة، وهذا خلاف الأولى لكنه صحيح مجزئ. وهل لك أن تقدم بعض السور على بعض؟ كأن تقرأ -مثلاً- في الأولى (عمَّ) وفي الثانية (تبارك)؟ قالوا: هذا من تنكيس القرآن، وقد كرهه الأحناف، والصحيح عند المحدثين أنه جائز، وقد روى البخاري في الصحيح عن عمر أنه قرأ في الركعة الأولى سورة يوسف وقرأ في الثانية سورة يونس، وقد قال البخاري: من عاد إليه وجد ذلك. فهو مجزئ، بشرط أن تكون الأولى أطول من الثانية.

الركوع

الركوع قبل هذا اعلموا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرفع يديه في أربعة مواطن في الصلاة: الأول: عند تكبيرة الإحرام. الثاني: عند الركوع. الثالث: عند الرفع من الركوع. لحديث ابن عمر في الصحيحين {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه} هذه ثلاثة مواطن. الموطن الرابع جاء عند أبي داود، وهو عند القيام من التشهد الأول للركعة الثالثة، فهي أربعة مواطن. والأحناف قالوا برفعٍ واحد وهو عند تكبيرة الإحرام، ولذلك صلى أبو حنيفة إماماً بـ ابن المبارك المحدث، فكبر أبو حنيفة فكبر ابن المبارك ورفع يديه، فكبر ليركع فرفع ابن المبارك يديه، ولم يرفع أبو حنيفة، فلما سلم قال أبو حنيفة لـ ابن المبارك: خفتُ أن تطير بجانبي من كثرة ما رفعت يدك. فقال ابن المبارك: لو أردت أن أطير لطرتُ في الأولى. قال علي بن المديني: شيخ البخاري المحدث الكبير: من لم يرفع يديه عند الركوع والرفع منه، فقد أزرى بالصحابة. وقال المروزي: رفع اليدين ثابتٌ عن الأئمة مجمعٌ عليه. وكأن المروزي ما التفت إلى خلاف أبي حنيفة، والأمر ليس مجمعاً عليه؛ لأن أبا حنيفة يقول: الرفع عند تكبيرة الإحرام فقط. فكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد الركوع قال: الله أكبر ثم ركع، فهصر ظهره، كما جاء في حديث أبي حميد في الصحيحين، برأسه عليه الصلاة والسلام، حتى لو وضع إناءٌ من ماء ما سقط منه شيء. وكان يجعل يديه كالقابض على ركبتيه، ويقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، وورد عند أحمد -وقد ضعفها أحمد - زيادة (وبحمده) والصحيح أنها زيادة صحيحة، فقد صححها بعض المتأخرين. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: {سبوحٌ قدوس، رب الملائكة والروح} في الركوع والسجود، وكان يقول في الركوع والسجود كما في الحديث الصحيح عن عائشة: {سبحانك اللهم وبحمدك، رب اغفرلي} يتأول القرآن، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إني نهيت أن أقرأ القرآن وأنا راكع، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمنٌ أن يستجاب لكم} وهذا أمر معلوم، لكن لابد أن يتدارس وأن يتفقه فيه، ولعل الله أن ينفع من سمعه، لأن في بعض البيوت من لا يحسن الصلاة، وبعض العجائز تصلي جالسة، وبعض الناس لا يعرف الصلاة إلا تقليداً، من فاتته الصلاة فقد فاته الإسلام. وهل يقول: سبحان ربي العظيم مرة واحدة؟ قال بعض الفقهاء: يجزئ مرة واحدة، وقال بعضهم: لا يجزئ إلا ثلاثاً. والصحيح أنه يقولها المصلي ما استطاع، أو ما يقارب العشر مرات لحديث حذيفة: {كان يقولها صلى الله عليه وسلم عشر مرات} وصلى أنس وراء عمر بن عبد العزيز، فكان يقول (سبحان ربي العظيم) عشراً، فقال أنس: [[ما صليت وراء أحدٍ أشبه صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا]] يعني عمر بن عبد العزيز.

الرفع من الركوع

الرفع من الركوع أما الرفع فكان صلى الله عليه وسلم يقول: (سمع الله لمن حمده) ويرفع يديه، ثم يقول: (ربنا ولك الحمد). قال ابن القيم: وردت (ربنا ولك الحمد) ووردت (اللهم ربنا لك الحمد) ولم ترد (ربنا لك الحمد). والصحيح أنها وردت، وقد رد المحدثون على ابن القيم رحمه الله وقالوا: بل وردت أربع صيغ، ربنا ولك الحمد، ربنا لك الحمد، اللهم ربنا ولك الحمد، اللهم ربنا لك الحمد، فمن قال واحدةً منها فقد أصاب. وقد ذكرنا أن من البدع المخالفة قول بعضهم: من قال: (ربنا ولك الحمد والشكر) فاعترض بعض المعترضين وقالوا: سبحان الله! كيف يعترض على أن نقول لله الشكر؟ أما أنعم الله علينا؟! كيف لا نشكر الله؟! ونقول: هذا رجلٌ جاهلٌ عارض الشرعية برأيه، والشريعة لم تأت بالآراء، قال علي رضي الله عنه: [[لو كان الدين بالرأي، لكان باطنٌ الخف أولى بالمسح من ظاهره]] إذاً الدين نقل، الدين من المعصوم صلى الله عليه وسلم: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} أقول: صحيح أن الله هو الذي أنعم علينا، والشكر هو لله تعالى، لكن لماذا تأتي بكلمة ما أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم؟ من الذي علمنا السنة إلا محمد عليه الصلاة والسلام! إذاً قف حيث وقف القوم، وسر حيث ساروا، مع سيد القوم صلى الله عليه وسلم. أما المأموم فإذا سمع الإمام يقول: (سمع الله لمن حمده) قال: (ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يوماً يقولها، فقال: {من قال هذا؟ فقال أحد الصحابة: أنا يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: لقد رأيتها ابتدرها ثلاثون من الملائكة يكتبونها} وفي بعض الروايات أنها عضلت ببضعة عشر ما استطاعوا رفعها {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ} [فاطر:10]. إذا رفع المسلمُ من الركوع فهل يعيد يديه إلى صدره، أم يرسلها، أم ماذا؟ وقد نشر في بعض الصحف الإسلامية والجرائد كلام لعالمين محدثين كبيرين، أحدهما يقول: لا يضم يده اليمنى على اليسرى لأنه مخالف للأصول، ويسميها بدعةً حجازية، والعالم الآخر الجليل يقول: الضم بعد الركوع سنة، وذلك إلحاقاً بهيئة القيام بالفاتحة، لأن لكل هيئةٍ هيئةً منه صلى الله عليه وسلم، فالأقرب أن يجعل اليمنى على اليسرى، وقد أصاب من قال هذا القول الأخير، فالأحسن أن يضم يده اليمنى على اليسرى على صدره، إلحاقاً بهيئة القيام بالفاتحة التي فعلها عليه الصلاة والسلام.

السجود

السجود أما السجود فكان عليه الصلاة والسلام، إذا أراد أن يسجد لم يرفع يديه، بل يقول: الله أكبر، ويبدأ بركبتيه ثم يديه، ثم ما ولي من جسمه، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -كما في الصحيحين -: {أمرتُ أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة وأشار إلى أنفه، وعلى اليدين، وعلى الركبتين، وعلى الرجلين} فهذه سبعة أعظم لابد من السجود عليها، قال بعض العلماء -وأصاب-: لو سجد على أنفه ولم يسجد على جبهته، فقد أخطأ وما سجد، ولو سجد على جبهته ولم يسجد على أنفه فقد أجزأته صلاته، والكامل والأولى أن يسجد على الأنف والجبهة لفعله عليه الصلاة والسلام. وكان صلى الله عليه وسلم إذا سجد أمكن يديه من الأرض، وجافى يديه عن عضديه، واستقبل بأطراف أصابعه القبلة، وبعض الناس يجافي ولا يستقبل بيديه ولا رجليه القبلة، وهذا أخطأ، فقد كان صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي حميد: {يستقبل بأطراف أصابعه القبلة} وهو في الصحيحين. وجاء عن البراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: {ضع يديك وارفع مرفقيك} أي لا تفترش المرفقين، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل يديه كافتراش السبع. قال الصنعاني في سبل السلام: نهينا عن هيئات، منها: هيئة الغراب، وهو نقر الصلاة كالغراب، ومنها: الالتفات كالتفات الثعلب، ومنها: البروك كبروك البعير، ومنها: تحريك اليدين بعد السلام كأذناب خيلٍ شمس، ومنها: افتراش اليدين كافتراش الكلب أو السبع، فلا يفترشها المسلم، بل يفعل كما فعل عليه الصلاة والسلام. وكان صلى الله عليه وسلم إذا سجد قال: {سبحان ربي الأعلى وبحمده، رب اغفر لي} ودعا، وربما قال: {سبوحٌ قدوس رب الملائكة والروح} وربما قال: {سبحانك اللهم وبحمدك، رب اغفر لي} وكان يدعو كثيراً في السجود، كما في حديث عائشة عند مسلم، هذه أحواله صلى الله عليه وسلم في السجود التي نقلت إلينا، وقد جاء عند النسائي من حديث أبي ذر الغفاري بسندٍ جيد: {أن الحسن امتطى على ظهر الرسول عليه الصلاة والسلام} وهذا يستدل به بعض المحدثين على أنه يجوز أن يطول بعض السجود على بعض {فارتقى الحسن فطول عليه الصلاة والسلام في السجود، فلما سلم سألوه فقال: إن ابني ارتحلني فخشيت أن أرفع فأؤذيه، فمكثتُ حتى نزل} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وأيهما أفضل النزول على الركبتين أم على اليدين؟ يقول: ابن القيم رحمه الله في حديث أبي هريرة، الذي هو حسن على الصحيح ولو أن بعض أهل العلم اتهم السند: {إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليقدم يديه قبل ركبتيه} قال ابن القيم: في الحديث قلب في قوله: {وليقدم يديه قبل ركبتيه} ولكن قد جاء عند الحاكم من حديث وائل بن حجر، وقد ذكره شعيب الأرنؤوط: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم ربما قدم يديه قبل ركبته} فما موقفنا من ذلك؟ الأصوب أن تقدم الركبتين قبل اليدين، لحديث وائل وغيره من الأحاديث، والأصل في ذلك أن يبدأ الإنسان بالأقرب فالأقرب إلى الأرض، وأما حديث الحاكم فسنده صحيح، وربما فعله صلى الله عليه وسلم مرة من المرات، لكن تقديم اليدين قبل الركبتين فيه نكارة في الهيئة، وليس بصحيح. إذاً نقول: الصحيح والذي تطمئن إليه النفس هو تقديم الركبتين على اليدين عند النزول، وهو فعل الرسول عليه الصلاة والسلام غالباً، أما ما ورد عند الحاكم فهو نادر. وقول ابن القيم أنه لم يقل به أحد من أهل العلم. غير صحيح بل قال به الأوزاعي والبغوي، وجمٌ غفيرٌ من المحدثين، وكان ابن عمر رضي الله عنه يقدم يديه قبل ركبتيه. فالخلاف في المسألة مشهور بين العلماء. خلاصة المسألة: أن الأصوب والأولى تقديم الركبتين، ومن بدأ بيديه فقد أجزأته صلاته، وما ارتكب أمراً محرماً، والمسألة أسهل من ذلك، أن يختلف فيها المحدثون كثيراً، أو يكثر فيها الخلاف، كالجهر بالبسملة، وضم اليدين بعد الركوع، هذه من المسائل التي يتنازع فيها الأئمة، والأمر كما يقول ابن تيمية في أصول الفقه: ما ينبغي أن يعنف على المخالف فيها. فالمسألة أوسع من ذلك.

الجلوس بين السجدتين

الجلوس بين السجدتين أما الجلوس بين السجدتين فقد كان عليه الصلاة والسلام يقول: الله أكبر، ويجلس، وقال للمسيء في صلاته: {ثم اجلس حتى تطمئن جالساً} وما أعرف أنه يصح في الدعاء بين السجدتين إلا حديثان اثنان: الأول حديث حذيفة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: {رب اغفر لي رب اغفر لي رب اغفر لي} والثاني: حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، كان يقول: {رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني} وفي بعض الألفاظ {واجبرني} ولا أعلم ألفاظاً أخرى صحت. وبعضهم يقول: اغفر لي ولوالدي والمسلمين أجمعين، هذا لا بأس به لكنه لم يرد في هذا الموضع، وبعضهم يقول: رب اغفر لي، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، هذا الدعاء يكون خارج الصلاة، أما داخل الصلاة فلم يصح إلا حديثان اثنان: حديث ابن عباس وحديث حذيفة. أما الإشارة بالسبابة، بين السجدتين، فقد قال بها بعض العلماء المتأخرين؛ وذلك إلحاقاً لها بالتشهد. وقال بعض العلماء من أهل الحديث الأثريين: الإشارة بالسبابة بين السجدتين روايةٌ شاذة، لأن الإشارة بالسبابة عند الدعاء في التشهد، أو عند التشهد في التحيات فقط. والذي أرى -والله أعلم- أن الإشارة بالسبابة بين السجدتين غير صحيحة، ومن أشار فله ذلك، ولكن السنة أن يمد أصابعه ويستقبل بها القبلة، ويقول: رب اغفر لي رب اغفر لي رب اغفر لي لحديث حذيفة، أو رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني، أو واجبرني، لحديث ابن عباس الصحيح. والبغوي يرى أنها سنة، وقد ذكرها في الجزء الأول من حديث وائل بن حجر وهذا هو الكلام الذي أتى به الألباني وغيره من أهل العلم، لكن قال العلماء: السنة ما نقلت إلا في هذا النقل من حديث وائل، بينما الأحاديث العامة الواردة في صفة صلاته عليه الصلاة والسلام لم ترد بهذا. على كل حال أقول: الذي يظهر لي حسب ما راجعتُ وما رأيتُ أن الإشارة بين السجدتين غير صحيحة، وهذا هو الأقرب -إن شاء الله- للأحاديث، كحديث أبي حميد الساعدي، وحديث أبي هريرة، ولكن لا يعنف على من أشار، وكما قال بعض العلماء: إن الإشارة منه صلى الله عليه وسلم عند التشهد، ولا تشهد بين السجدتين. الأمر الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه في التشهد، وجاء عند الترمذي بسند حسن عن سعد أنه كان يشير في التشهد بأصبعين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {أحدٌ يا سعد} ولو لم يكن فيها خلاف ما أوردتها.

التشهد الأول

التشهد الأول كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يتشهد التشهد الأول المعلوم لديكم، وهو: (التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله). بعض المحدثين يكتفي بهذا القدر، وبعضهم يرى الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأول، والأحسن أن يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم باختصار، فيقول: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم ينهض. وفي السنن أنه صلى الله عليه وسلم كان في التشهد الأول مسرعاً مستعجلاً كأنه كان على الرضف، ثم يقوم ناهضاً وكان عليه الصلاة والسلام يشير بأصبعه في التشهد. وهل يحرك إصبعه عند الإشارة بها في التشهد أو لا يحركها؟ لأهل العلم في ذلك ثلاثة أقوال: القول الأول: يشير بها ولا يحركها في التحيات جميعاً. القول الثاني: يحركها عند التشهد. القول الثالث: بعضهم يحركها عند الدعاء، والأقرب أنه يحركها عند التشهد لأنها علامة الوحدانية، لحديث سعد أنه كان يشير بالإصبعين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {أحد يا سعد} وكان صلى الله عليه وسلم إذا تشهد أشار بأصبعه. وأما قول الفقهاء لا يحركها روايةٌ منكرة، ليست بصحيحة، بل قال المحدثون: يشير بها إذا أراد أن يتشهد ويحركها، كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام، وينظر إليها. والأمر أهون من أن يختلف عليها، فإن البعض قد يعنف على الآخر ويقول: لابد أن تحركها كل التحيات. والأمر أهون من ذلك، وهذه المسائل خلافية لا ينازع ولا يعنف عليها.

جلسة الاستراحة

جلسة الاستراحة جاء في حديث مالك بن الحويرث في الصحيح: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في وترٍ من صلاته، لا ينهض حتى يستوي جالساً} فما موقفنا من جلسة الاستراحة؟ هل هي سنة أم لا؟ وقد سألتُ سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عن هذه المسألة، وذلك لأن ابن القيم تحدث عنها بكلام طيب، وهي أن للعلماء فيها ثلاثة أقوال: منهم من قال ببدعيتها، وقد أخطأ، ومنهم من قال: إنها سنة في كل صلاة، ومنهم من قال: تفعل أحياناً. قال الشيخ ابن باز: تفعل أحياناً. وهذا هو الأقرب، فتفعلها أحياناً، وتتركها أحياناً، ولا تلزم الناس أن يفعلوها. وقد جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينهض للثانية أو الرابعة، جلس جلسةً خفيفة ثم نهض أما من قال ببدعيتها فهو المبتدع، ومن قال: تفعل في كل صلاة، فليس بصحيح ولكن الأقرب والأوسط أن تفعل أحياناً لهذا الحديث، وهو خلاصة جلسة الاستراحة. وأنا أعرف أن بعض المحدثين يقولون بفعلها دائماً، ونقول لهم: افعلوا ما شئتم. خذا جنب هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريقُ والأمر أوسع من ذلك.

الدعاء في السجود

الدعاء في السجود ومعنا حديث ابن عباس الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {إني نهيت أن أقرأ القرآن وأنا راكع، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمنٌ أن يستجاب لكم} أي: حريٌ وقريبٌ أن يستجاب لكم وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، فاجتهدوا في الدعاء، فقمنٌ أن يستجاب لكم}.

الدعاء قبل السلام

الدعاء قبل السلام وهذه المسألة قد بحثها بعض العلماء وقالوا: هل تدعو بما ورد أم لك أن تدعو بما شئت؟ هل لك أن تقول قبل السلام -مثلاً-: اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين أجمعين، اللهم ارزقني رزقاً حلالاً، ونجح أبنائي في الدارسة واغفر لهم، أم أنه لابد أن تتقيد بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس، وسهل وأبي هريرة وعائشة: {اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وعذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات} وغيرها من الأدعية؟ قال بعضهم: لك أن تدعو بما شئت. وهذا هو الصحيح إن شاء الله، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين، في حديث ابن مسعود: {ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فليدعُ} قالوا: أعجبه: أي أقربه وأحسنه، ولحديث أبي هريرة في الصحيح {أن رجلاً أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فسأله الرسول عليه الصلاة والسلام بم يدعو، فقال: أسأل الله الجنة، وأستعيذ به من النار، أما دندنتك ودندنة معاذ فلا أحسنها. فقال: حولهما ندندن} يعني حول هذا الكلام ندور. فأقره عليه الصلاة والسلام على ذلك، ولو قلنا: إنه لابد أن يقيد بالألفاظ التي أتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لأفسدنا صلاة الناس، لأن أكثر الناس يدعون بأدعية من عند أنفسهم لم ترد نصاً عن النبي صلى الله عليه وسلم. وورد في الحديث الصحيح: أن ذا الخويصرة الأعرابي أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فصلى معه، فلما انتهى من الصلاة وأراد أن يسلم، قال ذو الخويصرة: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، ثم سلم، فقال صلى الله عليه وسلم: من الداعي آنفاً؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يعرفه غالباً، لكن لم يكن يتعمد أن يشهر بالناس، بل كان يوري، فقال: أنا يا رسول الله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لقد حجرت واسعاً} أي: إن رحمة الله وسعت كل شيء، ثم قام هذا الأعرابي فما لبث أن بال في المسجد!! في قصة طويلة. فالمقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر عليه تحجيره للرحمة، ولم ينكر عليه الدعاء من حيث هو، ما قال له: لقد استحدثت دعاءً وإنما قال: تحجرت رحمة الله، وكان السلف يدعون في صلاتهم بأمور لم تأتِ عن الرسول صلى الله عليه وسلم كأن يدعو الإنسان بتسهيل أموره، أو برزقٍ حلالٍ أو مباح على كل حال، فليتخير من الدعاء أعجبه إليه فليدعُ وحولهما ندندن، هذا هو الأصل في المسألة، إلا بقطيعة رحم والعياذ بالله، أو بتعدٍ في الدعاء، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم في حديث سعد: {إن أقواماً يعتدون في الدعاء والوضوء} فلا يعتد الإنسان في الدعاء، كقول بعضهم: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة. ولا بقطعية رحم، كأن يقول: اللهم عذب فلاناً من أقاربه، ولا بإثم كأن يقول: اللهم دمر المسلمين، أو افعل بهم، نعوذ بالله من ذلك.

السكتات في الصلاة

السكتات في الصلاة هناك سكتةٌ صحت عند البخاري ومسلم، وهي في حديث أبي هريرة: {بأبي أنت وأمي يا رسول الله؛ أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة} هذه هي أصح السكتات. السكتة الثانية: قبل الركوع. فقد جاء عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: {حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين: إذا استفتح القراءة قبل أن يقرأ، وقبل أن يركع إذا انتهى من القراءة} قال بعض المحدثين، ومنهم الشيخ الألباني: هذا حديث مضطرب، وبعض المحدثين يحسنه، والأقرب أنه حديثٌ حسن، فالسكتات إذاً سكتتان. أما السكتة الثالثة التي ناقش عليها الفقهاء، ولم ترد في الحديث، فهي التي ذكرها ابن القيم في زاد المعاد، وهي بعد أن ينتهي الإمام من قراءة الفاتحة، فيسكت سكتة خفيفة حتى يقرأ المأموم الفاتحة. والصحيح أن هذه ما ورد فيها نص من المعصوم عليه الصلاة والسلام، وإن سكت الإمام فهو الأقرب، وذلك ليقرأ المأموم سورة الفاتحة، لكني ما أعرف حديثاً صحيحاً ينص على أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يسكت بعد قوله: ولا الضالين آمين، حتى يقرأ المأموم الفاتحة، ومن يعرف في ذلك دليلاً فليخبرنا به، وليفدنا به لنستفيد جميعاً، إنما المعروف الذي ناقش عليه العلماء هو في بداية الصلاة، وفي نهاية القراءة قبل الركوع، وابن القيم لما قال: لعله يسكت ليقرأ المأموم؛ لم يأت بحديثٍ في ذلك. وأما السكتة الثانية، التي قبل الركوع وبعد الانتهاء من القراءة، فهي سكتةٌ سهلة لترداد النفس.

السلام من الصلاة

السلام من الصلاة كان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا انتهى من الصلاة أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وقد قال بعض الفقهاء لا يقول وبركاته، ولكن قد صح عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: وبركاته، وربما قال: السلام عليكم ورحمة الله فحسب، وربما قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرةً ويتركها مرة. وهي زيادةٌ صحيحة ثابتة، قال بها المحدثون. وربما اكتفى صلى الله عليه وسلم بتسليمةٍ واحدة، لكن الذي أعلم أن ذلك في النوافل وقيام الليل، وقد صلى بعض المشايخ ببعض الناس -كما سمعنا من بعض العلماء- في فريضة، فسلم تسليمةً واحدة ثم سكت، فلاموه، قال: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سلم تسليمة واحدة، لكن الذي نعرفه أن هذا في النافلة، ولا ينبغي التلبيس على الناس في مثل هذه الأمور التي ما عرفوها، وقد قال المحدثون: الواحب تسليمة واحدة، والثانية سنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم، عند أبي داود بسندٍ صحيح: {مفتاحها الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم} فلا بد من تسليمة وجوباً، والثانية سنة.

الذكر بعد السلام

الذكر بعد السلام لم يكن من هديه عليه الصلاة والسلام إذا سلم أن يقول بعد السلام مباشرة: الله أكبر، مع أنه قد قال بهذا بعض المشايخ، وكتب لي بعضهم رسالة يعنفني، وهو أجل وأعلم مني وأفضل، لكن كلٌ يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب ذاك القبر عليه الصلاة والسلام، فإنه المعصوم، ولا يمكن أن نسمع لقول أحد إلا من يأتينا بآية أو حديث. يقول هذا الشيخ الفاضل العلامة: يقال بعد السلام: الله أكبر. والصحيح -إن شاء الله- أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله وهو مستقبل القبلة، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم يلتفت إلى الناس عن يمينه وربما يلتفت عن يساره، قال ابن مسعود: [[لا يجعل أحدكم حظاً للشيطان من صلاته، يرى أنه لا يلتفت إلا على اليمين، لقد رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يلتفت كثيراً -أو كما قال- عن يساره]] ويقول أنس بن مالك: [[أكثر ما كان يلتفت الرسول صلى الله عليه وسلم عن يمينه]] فإذا قابل الناس أتى بالدعاء المأثور والأذكار، ومنها: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، اللهم لا مانع إلا لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. وحديث أبي هريرة الصحيح المعروف {وتسبح ثلاثاً وثلاثين، وتكبر ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثين وثلاثين} وأما قوله: {وتكبر أربعاً وثلاثين} فقد جاء عند الترمذي عن علي، لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم هو وفاطمة الذكر عند النوم. أمَّا بَعْد الصلاة فيقول: لا إله إلا الله، تتمة المائة، أما قراءة آية الكرسي بعد الذكر فقد أوردها ابن القيم، وقد روى النسائي في السنن الكبرى بسندٍ فيه ضعف، عن أبي أمامة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {من قرأ آية الكرسي بعد كل صلاة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت}. قال ابن القيم وقد تكلم عن ضعف الحديث: ورأيت شيخنا ابن تيمية يقرأ آية الكرسي. وقد سألت سماحة الشيخ الوالد ابن باز، فقال: يقرأ آية الكرسي بعد كل صلاة. وأما ضعف الحديث فهو من فضائل الأعمال، وقد ذكره ابن تيمية في المجلد الثامن عشر من الفتاوى، قال الإمام أحمد: إذا أتى الحديث في الحلال والحرام تشددنا، وإذا أتى في الحلال تساهلنا. والتساهل في الحديث الضعيف يكون بثلاثة شروط: الأول: ألا تعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله. الثاني: ألا يكون شديد الضعف. الثالث: أن تؤيده قواعد وأصول الإسلام. فهذا الحديث تؤيده قواعد؛ لأن آية الكرسي من الذكر، ومن فضائل الأعمال، وليس بضعيف شديد الضعف، إن شاء الله. وقراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] بعد كل صلاة، رواه الطبراني كما أورده ابن حجر في بلوغ المرام، ولكنه حديثٌ ضعيف، ومن قرأها فلا بأس إن شاء الله.

رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة

رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة وقد أثيرت هذه المسألة كثيراً، ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أن يرفع يديه في الدعاء بعد الصلاة، فلم يفعله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه الأخيار، قال ابن القيم: من داوم على ذلك فقد ابتدع، و {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} بل كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الدعاء بعد الصلاة، فقد جاء في سنن أبي داود بسندٍ صحيح: {يا معاذ إني لأحبك، لا تدع في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك} قال ابن تيمية: الدبر قبل السلام، ودبر الشيء منه، ودبر الحمار فيه. وقال ابن حجر في الفتح: أخطأ ابن تيمية لما قال: دبر الصلاة قبل السلام، بل الصحيح أنه بعد السلام. والحق مع ابن حجر، والله أعلم. ولو أن محبة ابن تيمية أكثر من ابن حجر!! لماذا؟ أولاً: حب من الله لمنزلته في الإسلام. الأمر الثاني: أن ابن تيمية سلفي العقيدة، وابن حجر كان يؤول بعض الصفات، ويجب أن ننزل الناس منازلهم، فنترحم على ابن تيمية ونترحم على ابن حجر، ونسأل الله أن يجمعنا ب ابن تيمية وبـ ابن حجر في دار الكرامة، لكن الحق -إن شاء الله- في هذه المسألة مع ابن حجر؛ لأن الدبر خارج الصلاة، ومن دعا قبل السلام فقد أصاب، ومن دعا بعد السلام فقد أصاب، والمسألة سهلة. وقد انتقد ابن حجر على ابن تيمية ثلاث مسائل فأصاب فيها: منها هذه المسألة والمسألة الثانية: يقول ابن تيمية: لم يؤاخِ الرسول صلى الله عليه وسلم بين الصحابة إلا في المدينة. وقد آخى بين بعضهم في حديثٍ صحيح في مكة. المسألة الثالثة: قال ابن تيمية: لم يأتِ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال في التشهد: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنما كان يقول: اللهم صلِّ على محمد يقول: وبارك على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وإذا قال وعلى آل محمد ما يأتي بالأخرى. قال ابن حجر: بل أتت في الطبراني، وساق الأحاديث بالأسانيد الصحيحة، فصح كلامه. وربما أتى المفضول بشيءٍ أعظم مما يأتي به الفاضل، وذهب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالكمال، وإنما تأتي هذه الأمور من العلماء ليظهر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بها كماله عز وجل. ولا تتعجبوا أن يختلف بعض طلبة العلم من المبتدئين من أمثالنا والمقصرين، فقد اختلف الأئمة، كالإمام مالك وأحمد والشافعي وأبي حنيفة، ولـ ابن تيمية رسالة اسمها: رفع الملام عن الأئمة الأعلام. وقد اعتذر فيها للأئمة الأربعة لما اختلفوا في بعض المسائل ولغيرهم، وأتى من الأعذار أن بعضهم بلغه الحديث وبعضهم لم يبلغه، وبعضهم يكون الحديث عنده منسوخاً، وبعضهم يكون عنده ثابتاً، وبعضهم يصح عندهم الحديث وبعضهم لا يصح، وبعضهم يفهم غير الفهم الذي فهمه ذاك، وغيرها من الأعذار. فأقول: قد يكون كثير منكم من يخالف في المسائل التي ذهبت إليها، فلا يعنف أحد على أحد، وله أن يذهب إلى ما رأى وربما يكون قوله هو الأصوب، وقد قيل لـ ابن تيمية: لماذا لم تؤلف في الفرعيات؟ فقال: الفروع سهلة، وأي رجلٍ عمل بما قاله بعض أهل العلم فقد أصاب. ولكن الأصول هي المهمة، وهي العقائد.

الأسئلة

الأسئلة

حكم هجر العاصي

حكم هجر العاصي Q ما حكم من التزم فترة ثم انتكس، وصار يترك الصلاة ويحلق اللحية، ويستمع إلى الغناء، ولا يحضر مجالس الذكر، وإذا وعظته لم يسمع الكلام؟ هل يجوز مصاحبته إذا كان يسمع لي في بعض الأحيان أم يجب هجره، وأرجو أن توضح كيف أهجره؟ A أولاً: يا أخي! عليك أن ترى ما هي الحكمة في هذا الرجل، إن كان ما وصلته البينة والدعوة، وما وصلته النصيحة، وما أظهرت له الأحكام، فإني أوصيك أن تبين له، وتدعوه بالتي هي أحسن، فإذا أقمت عليه الحجة وانتكس فاهجره، والرسول عليه الصلاة والسلام ما كان يهجر أهل المعاصي حتى يرى أنهم وصلتهم البينة، فإذا وصلتهم البينة هجرهم، وإلا فهو ما هجر الكفار في أول الطريق حتى دعاهم إلى الله، فما دام أنك قد دعوته وبينت له، ونصحته ووعظته فأعرض، فأرى أن تهجره ليرتدع، وقد قال ابن تيمية في باب الهجر: المسلم يكون حكيماً في مثل هذه الأمور، فإذا رأى أن الهجر أفضل هجر، وإذا رأى أن التأليف أفضل ألف. ولذلك بعض المذنبين لم يهجرهم صلى الله عليه وسلم، كمن يكون عنده شوكة وقدرة، فإن بعض الناس الوجهاء إذا هجرته ما يبالي بك، سواء هجرته أو لم تهجره، فلو تحببت إليه وتألفت لنفعته، وبعض المعرضين يخاف إذا هجرته، كأن يكون لك هيمنة أو مكانة عنده، فهذا تهجره، وتعجبني كلمة لـ ابن تيمية أذكرها كثيراً، يقول: ليس الذكي هو الذي يعرف الخير من الشر، بل الذكي الفطن هو الذي يعرف خير الخيرين وشر الشرين. فوصيتي لك إن كنت قد بلغته وأسمعته فتهجره ليرتدع، لكن مع ذلك تتواصل معه بالنصائح والوسائل والأشرطة الإسلامية والكتب، علّ الله أن يهديه.

ما الحكم إذا كان الزوج لا يصلي

ما الحكم إذا كان الزوج لا يصلي Q ذكر أن له أختاً متدينة وهي تحت زوجٍ لا يصلي، وإن صلّى صلى بعض الأحيان في المسجد، وأكثر الأوقات ينقرها نقراً كنقر الغراب، يقول: ماذا يفعل، وأبوه لا يوافقه على أخذ أخته من زوجها، مع أنها تحب زوجها وتحب أن تمكث معه؟ A أقول: أنت أديت ما عليك: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286] وأرى أن تهجر هذا الزوج، حتى يرتدع، وتهجر هذه الزوجة حتى تقوم بما أمرها الله به ما دام أن زوجها لا يصلي فكيف تبقى معه؟! هي أخطأت وشاركته في الإثم، وكذلك عليك ألا تيئس من روح الله، وأن تدعو لهم، بالهداية، هذا ما أراه في هذه المسألة.

حكم ذكر النوادر والفكاهات في المسجد

حكم ذكر النوادر والفكاهات في المسجد Q إنك تذكر في بعض المجالس أنت وغيرك من بعض طلبة العلم، بعض النوادر والفكاهات لتضحك الناس، فهل هذا وارد؟ مع أننا نخاف إذا أكثرنا الضحك أن تخرج الملائكة من المسجد، وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف يضحكون في مجالسهم؟ A أنا أقصد من هذا تشويقاً وتسهيلاً للنفوس، وتغييراً لجو المجلس، فإن كنت مصيباً فالحمد لله، وإن كنت أخطأت فأستغفر الله، وأسأل الله أن يغفر لي ولكم، وقد ورد حديث لـ جابر بن سمرة بسند صحيح {أن الصحابة كان يجلسون مع الرسول عليه الصلاة والسلام في المسجد بعد الفجر، فيتحدثون في أخبار الجاهلية فيضحكون، وهو يتبسم عليه الصلاة والسلام} فأنا لا أرى بأساً بالفكاهة المقتصدة، بشرط ألا يكثر منها وألا تكون كذباً، وألا يكون فيها فحش أو مجون أو بلاء، هذا ما أراه. وقد خففت منه والحمد لله، بعد ما أرسل لي بعض العلماء وطلبة العلم رسائل في هذا الجانب، ورأينا أنه يؤلف بعض الشباب المعرضين، وكاتب الرسالة قد لا يحتاج إلى تأليف، لكن بعض الناس ما يمكن أن يترك مجلس المسرحية، والمسلسل، والأغنية، والمجلة، وملعب الكرة، والحديقة، ويجلس في مجلسي، وأنا آتيه بجدٍ صارم من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، فجعلنا شيئاً من هذا، وهذا منهج سلكه بعض أهل العلم، فقد سئل عالم في مثل هذا فقال: نظرت إلى الأخذ بالعزائم والرخص، فوجدت أن الأخذ بالرخص لأنها أرفق بالناس، والله المستعان. وأدلكم على كتاب: القصاص والمذكرين، قال ابن الجوزي في آخره: ولا بأس للمذكر والواعظ أن يأتي ببعض الطرائف والنكت ليشوق النفوس. وابن الجوزي ليس برسول، لكنه عالم يؤخذ من كلامه ويرد.

ما الحكم إذا كان لك جار لا يصلي

ما الحكم إذا كان لك جار لا يصلي Q لي جارٌ لا يحضر صلاة الجماعة في المسجد، ولقد نصحته فلم ينتصح، فما هي الوسيلة التي أعملها معه؟ A ما دام أنك نصحته وأقمت عليه الحجة فأرى أن تهجره، وألا تستجيب دعوته، وألا تزوره إلا لفائدة الدعوة، وألا تستزيره. جارٌ لا يصلي بلا عذر في المسجد، فكيف تؤاخيه وتشاربه وتؤاكله؟! لأن الصلاة في المسجد واجبة، وتركها علامة للنفاق.

حكم تخطي الرقاب

حكم تخطي الرقاب Q هل يجوز أن يأتي الرجل متأخراً إلى المسجد ثم يتخطى الصفوف؟ A تخطي الصفوف بدون أن ترى مكاناً ليس بوارد وهو من الإثم، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل يتخطى الصفوف: {اجلس فقد آنيت وآذيت} أي تأخرت وآذيت الناس، لكن قال الحنابلة كما في زاد المستقنع قالوا: إلا أن يجد فرجة لا يصل إليها إلا بأن يتخطى الصفوف فله ذلك، لكن الأحسن يا أخي إن كنت تريد الصف الأول فأتِ مبكراً، أما أن تتخطى الصفوف فلا يجوز لك، لا في الجمعة، ولا في الدروس، ولا في غيرها. وبعض الناس تجده في الأخير، يدافع ويناطح ويصارع حتى يصل إلى الصف الأول، ليكتسب أجر الصف الأول، وهو قد ضيع من الأجور واكتسب من السيئات ما الله به عليم، وهذا مثل ما تفعل بعض النساء، تذهب مع السائق لتصلي التراويح، فيقال لها: حنانيك، خففي على نفسك، ضيعتِ من الفرائض والواجبات أعظم من هذه النافلة، تخرج متزينةً متجملةً متعطرةً متبرجةً، تخلو بأجنبي، ثم تركب معه في السيارة، وتذهب لتصلي معه صلاة التراويح وهي نافلة!! وقد ورد في السنن {أيما امرأة استعطرت ثم مرت على قوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا} يعني زانية. على كل حال، على الإخوة ألا يتخطوا الصفوف، ولا يؤذوا المسلمين، وجلوسهم في الأخير من الرفق بالمسلمين أحسن لهم مع إيذاء المسلمين، ولو كان في الصف الأول.

حكم سنة الفجر

حكم سنة الفجر Q بعض الناس من أهل القرى يصلون أكثر من ركعتين بعد أذان الفجر، فما نصيحتكم؟ A السنة إذا طلع الفجر ألا تصلي إلا ركعتين، فقد جاء في الحديث: {إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر} أورده عبد الرزاق في المصنف، وذكره ابن حجر في بلوغ المرام، فالسنة إذا طلع الفجر ألا تصلي إلا ركعتين ثم الفريضة، أما قول ابن حجر: يصلي ركعتين تحية المسجد، وركعتين سنة. فقد خالف المحدثين في ذلك، وأخذ بالظاهر، وهذا خلاف السنة، فالسنة أن تصلي ركعتين فحسب، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] في الركعة الأولى بعد الفاتحة، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] في الركعة الثانية بعد الفاتحة، هذا هو الصحيح.

حكم من فاتته ركعتا الفجر

حكم من فاتته ركعتا الفجر Q من فاتته الركعتان اللتان قبل الفجر، فماذا يفعل؟ A لأهل العلم قولان: قالت المالكية: يصليها بعد طلوع الشمس، لحديث الترمذي {من فاتته الركعتان فليصلهما بعد أن تطلع الشمس} وهو حديثٌ ضعيف لا يستدل به، والرأي الصحيح، أن يصليها بعد صلاة الفجر مباشرة، لحديث قيس بن عمر ويسمى قيس بن فهد قال: {صليتُ مع الرسول صلى الله عليه وسلم ولم أصل قبل صلاة الفجر ركعتين، فلما صلَّى قمتُ لأقضي الركعتين، فرآني وقد لاث به الناس، فقال لي: {آلصبح أربعاً؟ قلت: يا رسول الله! إني ما صليت الركعتين قبل الفجر، قال: فنعم إذاً} فأقره على قضائها بعد الفجر. وقد أورد الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل، أن رجلاً من العوام دخل في عهد سعيد بن المسيب إمام التابعين، إلى المسجد بعد أذان الفجر، فكان يصلي ركعتين ويسلم، ثم يزيد ركعتين وهكذا، فقال له سعيد بن المسيب: اتق الله، خالفت السنة. فقال الرجل: لا يعذبني الله لأني أصلي له. يريد أن يعارض برأيه، فقال ابن المسيب: لا يعذبك الله لأنك تصلي، ولكن والله ليعذبنك الله لأنك خالفت السنة!! الأمر ليس مزايدة، ولا مناهبة، الأمر سنة، ركعتان فقط.

خطر الاستهزاء بالعلماء والدعاة

خطر الاستهزاء بالعلماء والدعاة Q ما رأيكم فيمن كذب العلماء، واستهزأ بهم، ولم يعترف بهم؟ A هذ الأمر يوجد عند بعض الناس الذين في قلوبهم نفاق، وهؤلاء من أهل الشبهات والشهوات، يتهجم على العلماء وطلبة العلم! وقد يصل ببعضهم إن كان يقصد الدين والكتاب والسنة إلى الكفر: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] فمثل هذا يصل به إلى درجة الكفر، إذا استهزأ بالعلماء بسبب أنهم يحملون الشريعة والكتاب والسنة. وأنا أقول لهؤلاء المستهزئين المستهترين: اتقوا الله، ويلكم من الله: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين} [البقرة:14 - 16]. فوصيتي باحترام العلماء والمشايخ ومعرفة قدرهم، وأنت يا مستهزئ اعلم أنك لا تزال في الحضيض، حتى تعرف قدر العلماء وطلبة العلم، وهم ليسوا بمعصومين، وربما أخطئوا وأذنبوا، فأحسن من ذلك أن تناصحهم أو تكتب إليهم أو تسألهم، ولحوم العلماء مسمومة. غفر الله لي ولكم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

قذيفة العصر

قذيفة العصر سورة (العصر) اشتملت على السبيل الذي من تمسك به نجا ومن تركه هلك، وهي على قصرها تحمل في طياتها معانٍ عظيمة لمن تدبرها. وفي هذا الدرس المبارك يقف الشيخ حفظه الله وقفات بديعة مع هذه السورة العظيمة.

إعجاز القرآن

إعجاز القرآن إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عنوان هذه الدرس "قذيفة العصر"، ويعلم الله لقد فكرت اليوم في سورة العصر, وفي معالمها وأحكامها وأضوائها وإشراقاتها, وأردت أن يكون حديثها هو هذه الليلة, ونورها نور هذه الليلة، حتى قرأها فضيلة الشيخ أحمد الحواش في صلاة المغرب, فتواردت الأفكار واتسقت الخواطر على أن تكون هذه السورة هي درسنا هذه الليلة, وهي كلام الواحد الأحد الذي: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] الكلام الذي لم يبلَ على كثرة الترداد, ويزداد عمقاً وأصالة وإبداعاً وإشراقاً, يقول شوقي عن هذا الكلام: آياته كلما طال المدىجدد يزينهن جلال العتق والقدم أتى على سفر التوراة فانهزمت فلم يفدها زمان السبق والقدم ولم تقم منه للإنجيل قائمة كأنه الطيف زار الجفن في الحلم ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن كلامه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن كلامه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]. فما هي هذه السورة؟ وما مضمونها؟ وماذا تريد؟ بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3] فهذان سطران أعجزا البشرية. وقد تحدى الله الناس أن يأتوا بسورة من مثل هذا القرآن, قال أهل العلم: كسورة العصر أو الكوثر, لكنهم ما استطاعوا، جرّب ذلك بعض الملاحدة والفلاسفة والزنادقة والمعطلة فباءوا بالفشل. فمن ذلك الكندي الطبيب الفيلسوف: قرأ قوله تعالى في أول سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:1] , فقال: أنا أستطيع أن أنظم مثل هذا, فدخل بيته وأغلق بابه وأخذ القلم والقرطاس وجلس يكتب فأيبس الله يمينه, فما رفعها إلى فمه مرة ثانية, لأن هذا الكلام لا يمكن أن يأتي به البشر، فكلام البشر كالبشر, وفضل كلام الله على كلام البشر كالبون الذي بين الخالق والمخلوق, فتعالى الله علواً كبيراً أن ينال كلام الناس كلامه, أو أن يكون هناك تناسب أو نسبة بين كلامه وبين كلام الناس.

تفسير قوله تعالى: (والعصر)

تفسير قوله تعالى: (والعصر) {وَالْعَصْرِ} [العصر:1] الواو للقسم، ولله أن يقسم بما شاء من خلقه, وليس للمخلوق أن يقسم إلا بالخالق, فالله أقسم بالليل وما أدراك ما الليل إذا سجى، وأقسم بالضحى, والفجر, والقارعة والطامة والصاخة, وأقسم بالشمس والقمر, وأقسم بالنفس, وأقسم بكثير من الآيات الكونية, وأجاب عن القسم. والله عز وجل أقسم ليقرر كثيراً من المسائل في عقول الذين لم يصدقوه إلا بالقسم. يقول الأصمعي -وقد ذكرها ابن قتيبة وابن عبد ربه في العقد الفريد -: "سافرت وأنا في طريق الحج, فسمعت قارئاً يقرأ قول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:22 - 23] قال: فبكى الأعرابي فقال: من الذي أحوج الجليل حتى يقسم؟ " يقول: من الذي في هذه البشرية وهذه البرية أحوج الله حتى يحلف، ألا يرضون إلا بقسم؟! ولا يصدقون إلا بيمين؟! من الذي أحوجه حتى حلف سُبحَانَهُ وَتَعَالى؟ إنهم البشر. إنها العقول التي ما استفاقت على الوحي, وما عرفت طريقها إلى الله، إنها العقول التي عبدت الحجر والوثن. إن جدي وجدك قبل الوحي كانوا يجمعون التمر ويسجدون له، فإذا جاعوا أكلوه, جدي وجدك قبل الرسالة كان يبول الثعلب على أصنامهم ويسجدون للصنم. أتى واحد منهم إلى صنم في جهينة ليسجد له, فخرج ثعلب من وراء الصنم فهربت ناقته وسقط من على الناقة, قال: أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ففرقنا سعد فما نحن من سعد وأتى آخر من أجدادنا الوثنيين قبل الإسلام, فوجد ثعلباً يبول على حجر وهو يعبد هذا الحجر, قال: أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب فلما أتى عليه الصلاة والسلام أخرجني وأخرجك، وأخرج أبي وأباك، وأخرج جدي وجدك, كانت أنوفنا في التراب حتى أتى من الغار بـ (اقرأ). اقرأ فأنت أبو التعليم رائده من بحر علمك كل الناس يغترف إن لم تصغ منك أقلام معارفها فالظلم ديدنها والزور والتلف سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الأمي الذي لم يحمل قلماً ولا طبشورة ولا وقف عند سبورة, ولا عرف جامعة ولا كلية: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]. كانت الأمة ميتة فنفخ الله فيها هذا القرآن فأصبحت مبصرة, فمن يتصور أننا قبل الإسلام في جزيرة العرب نصيد الضباب ونرعى الإبل والبقر والغنم، وبعد خمس وعشرين سنة نتكلم على منبر قرطبة , ونؤذن في منائر إشبيلية , ونسجد لله في الحمراء , ونصلي في سيبيريا ونفتتح الهند والسند , من يصدق؟! وهذا إنما كان بالوحي.

حكم القسم بغير الله

حكم القسم بغير الله {والعصر} [العصر:1] أقسم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وليس لأحد -عند أهل العلم- أن يقسم بغيره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ولو أن الجاهليين أقسموا بغيره، وقد قال زهير: فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله رجال بنوه من قريش وجرهم ولكنه وثني, لكن اسمع إلى الذين تربوا في الإسلام ولم يعرفوا أدب الشريعة, يقول المتنبي: فومن أحب لأعصينك في الهوى قسماً به وبحسنه وبهائه لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى يكون حشاك في أحشائه فهو يقسم بمحبوبته! فهذه العقول إذا ما توجهت للوحي ولم تعرف القبلة, أصبح معبودها هواها: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية:23] انظر إليه كيف بلغ به الحال أن يقسم بمحبوبته، وهذا واقع. وهذا مجنون ليلى عند المقام في البيت العتيق يقول: أتوب إليك يا رحمن مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب وأما من هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب فهو عند المقام ويقول: من كل شيء أتوب, أما ليلى هذه فلا تحدثني فيها, وأتوب من كل ذنب إلا من زيارة ليلى وحب ليلى , وذلك لأنه لم يتوجه للوحي, ولم يعرف طريقه للقيامة. وجميل بثينة طلب منه قادة التابعين أن يجاهد في سبيل الله ليبيع دمه من الله, على العقد الذي أتى به جبريل، قال: يقولون جاهد يا جميل بغزوة وأي جهاد غيرهن أريد قال: لا أريد إلا النساء, ولا أريد إلا الغزل, فتجد كثيراً من الناس لما انتكسوا وارتكسوا لم يعرفوا إلا الغناء والوله والضياع والعبث, فما عرفوا طريقاً, وما سددوا هدفاً. {والعصر} [العصر:1] أقسم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وله أن يقسم بما يريد, والمقسِم هو ويقسم بشيء، وجواب القسم سوف يأتي.

معنى العصر

معنى العصر له عند أهل العلم معنيان: 1 - قيل: هو الزمن, فإنه يسمى عصراً, فالزمن هذا الذي نعيشه نحن وعاشه آباؤنا وأجدادنا من ملة آدم عليه السلام، وهو العصر. 2 - وقيل: هو وقت العصر المعروف، أي: وقت صلاة العصر في النهار, وهو العشي من آخر النهار. والظاهر أن الأول أولى, فإن هذا جزء من ذاك.

أهمية الوقت

أهمية الوقت وقد أقسم الله به لعظمته, فإنه عمرك, وحياتك, وهو دقائقك وثوانيك, وهذا الزمن عظيم والله عز وجل يحاسب الناس يوم القيامة على الزمن والعمر فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:112 - 116]. والصلتان السعدي الشاعر المصقع ذكر له الجاحظ في كتاب الحيوان أبياتاً في الزمن والعصر, يقول: أشاب الصغير وأفنى الكبير كرّ الغداة ومرّ العشي فهو يقول: أخذ الملوك والمملوكين والرؤساء والمرءوسين هذا الصباح وهذا العشي. أشاب الصغير وأفنى الكبير كرّ الغداة ومرّ العشي إذا ليلة هرمت يومها أتى بعد ذلك يوم فتي نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجات من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي فهل سألتم أهل القبور: هل أكملوا حوائجهم في الدنيا؟ منهم من دعا لوليمة فمات قبل أن يحضر ضيوفه, ومنهم من عقد على امرأة ولم يبن بها, ومنهم من دخل في دراسة ولم يكملها, ومنهم من عمر عمارة ولم يسكنها، فماتت معهم أغراضهم في نفوسهم. وقد قرأت هذا اليوم لخليفة عباسي اسمه الظاهر , كان سفاكاً ذبح من العلماء والوزراء وفعل ما الله به عليم, ومات وعمره ست وأربعون سنة، أصابه خوانيق في حنجرته, فأخذ يصيح ويخور مثل الثور ويقول: يا كوكباً ما كان أقصر عمره وكذا تكون كواكب الأسحار فهو يقول: ما أقصر عمري! والخليفة المعتصم لما حضرته الوفاة تقلب وبكى وقال:"والله لو أعلم أن عمري قصير ما فعلت ما فعلت من الذنوب والخطايا". فبعض الناس يظن أن الموت لا يدرك الشباب, فالله يقرر الزمن لأهله, فيقول: {والعصر} [العصر:1] فهذا الزمن الذي نعيشه هو حياتنا وهو على أحد ضربين: حياة السعداء وهي في طاعة الله, وحياة الأشقياء وهي في معصية الله, ويقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ}. فتجد أكثر الناس منكوبين في الوقت, يجلسون الجلسات الطويلة لا استغفار أو قرآن, ولا ذكر أو توبة, ولا علم أو مدارسة, فيمر هذا الوقت ويحاسبون عليه عند الواحد الأحد, بل بعضهم جعل الوقت حرباً لله عز وجل, فهذا هو العصر, وهو الزمن الذي نعيشه. دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني وعند الترمذي بسند صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع -وذكر منها-: وعمره فيما أبلاه} فيسأله الله: أما أمهلتك؟ أما خولتك؟ أما تركتك؟ فيقول: بلى يا رب, فيقول: ماذا فعلت؟ فيسأله عن العمر, وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] ومعناه عند أهل التفسير: أو لم نتركم زمناً يمكنكم أن تتذكروا فيه فما تذكرتم؟! وأما النذير, فقال ابن عباس: "الشيب" وما أحسن هذا من تفسير! وغيره قال هذا. فإن هذا الشيب خطر وإنذار رهيب، فإذا شاب رأسك وشابت لحيتك؛ فاعلم أنه نذير لك بالقدوم على الله: ويقبح بالفتى فعل التصابي وأقبح منه شيخ قد تفتى أي: يقبح بالشاب أن يلهو, وأقبح منه شيخ كبير يلهو, ولذلك تجد بعض الشيوخ الكبار في الستين والسبعين كالسفيه والطفل, برنامجه اليومي كبرنامج الطفل تماماً, تجده في المنتديات العامة والمقاهي والأرصفة. يتحدث بكلام فارغ، وقد أصبحت رجله في حفرة القبر. قال سفيان الثوري: "حق على من بلغ ستين سنة أن يلبس كفناً" ويقول صلى الله عليه وسلم: {أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين} فالستون والسبعون معترك المنايا, فأكثر من يموت هم أصحاب الستين إلى السبعين وقليل من يجوزها أو يتعداها: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً} [الأحقاف:15] فلما بلغ الأربعين عاد, ولا يعني ذلك ألا يعود الإنسان حتى يبلغ الأربعين, فيسيئ ويعصي ويقول: حتى أبلغ الأربعين ثم أتوب، فإن كثيراً من الناس لم يبلغوا الأربعين, بل عليه من سن التمييز أن يبدأ مع الله عز وجل, حاداً لحدوده محترماً لحرماته, عامراً بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عمره وحياته. فالوقت هو النعمة التي تذهب من الناس كثيراً ولا يفكرون فيها إلا في سكرات الموت. وهذا الشيب -على ذكره- عجيب, يقول أبو العتاهية: بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغن البكاء ولا النحيب ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب قالوا: ما فعل المشيب يا أبا العتاهية؟ قال: أحنى ظهري, وأذهب عني لذة الشراب والطعام, وملذة المنام. فصاحب الثمانين والسبعين لا يتلذذ لا بطعام ولا بشراب ولا بمنام, وهو أمر معلوم من سير الناس. {والعصر} [العصر:1] يقسم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالعصر, فيحلف بالزمن على شيء سوف يخبرهم به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, والله عز وجل يقسم بالأمور التي تتعلق بما بعدها. فمثلاً: الضحى لما كان فيه لطف مع رسوله صلى الله عليه وسلم ورحمة, اختار وقت الضحى لأن فيه شيئاً من السداية والرعاية, وكذلك الفجر فيه تبلج الحق فأقسم به, ومثله تنزل الملك على الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحي فيقسم بالنجم, فاسمع جواب القسم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم:1 - 8] قالوا: فالنجم يدنو ويتدلى ويهوي, والملك يدنو ويتدلى ويهوي, فسبحان الذي أنزل كتابه, وأبدع كلامه وجعله معجزاً.

بيان جواب القسم: (إن الإنسان لفي خسر)

بيان جواب القسم: (إن الإنسان لفي خسر) {والعصر} [العصر:1]: وجواب القسم: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] والإنسان هنا هو الكافر, فكل إنسان مجرد عن الإيمان في خسر وخسارة في الدنيا والآخرة, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] قال ابن عباس: [[إن الله عز وجل أخذ على نفسه أن من عمل بهذا الكتاب ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة]]. وأما من أعرض عن هذا الكتاب فضلالة في الدنيا وشقاوة في الآخرة, وكل من انحرف عن منهج الله فهو خاسر.

حقيقة النعمة

حقيقة النعمة ولك أن تسألني سؤالاً: الآن نرى كثيراً من الناس ضلالاً عن منهج الله، وهم يعيشون في نعيم ورغد عيش وقصور ومناصب وبساتين وحدائق وأموال وأولاد, فأين الشقاوة والضلال؟ أقول لك: أما حج عليه الصلاة والسلام وخطب يوم عرفة على ناقته؟ أما كان فقيراً في غالب أيامه؟ ومع ذلك أنزل الله عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليه في يوم عرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] يقول بعض الفضلاء: "يا سبحان الله! يقول الله للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] مع العلم أنه كان يربط الحجرين على بطنه فأي نعمة هذه؟! ويقول: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] مع العلم أنه كان يسكن بيتاً من طين طوله ثلاثة أمتار في مترين. {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] وكان ينام على خصيف من نخل. {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] وما شبع من خبز الشعير ثلاث ليال متتابعة. {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير, فأين النعمة؟! فالنعمة ليست هي التي يتصورها الناس: نعمة البقر والحمير والثيران, أو نعمة الأكل والشرب, فهذا يحصل عليه الوثني الأفريقي والأحمر النصراني والأشقر البلشفي, لكن النعمة غير ذلك, فالنعمة هي أن تعرف الله. أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدونا خطاه ويقول تعالى: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة:257] {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. أسأل سؤالاً: ما هو أثر هذه النعمة على مجتمعنا؟ أما سكنا القصور؟! أما عندنا سيارات فاخرة؟ أما عندنا حدائق وبساتين ومناصب فماذا قدمنا بالنسبة لمن كان قبلنا؟ شيخ الإسلام ابن تيمية لا زوجة له ولا ولد ولا قصر ولا منصب ولا سيارة, بل كان عنده غرفة بجانب جامع بني أمية, وقد ألف أكثر من سبعمائة مجلد, ورد على أكثر من عشر طوائف, ونازل الإلحاد فدمغه في الأرض, فأقام منهجاً ربانياً على كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, فأين أثر هذه النعمة في حياته؟ هل وجد الكهرباء ليكتب عليها؟ هل كان يجد من وسائل العصر التي تخدمه في الكتابة؟ بل كان يشعل السراج ويكتب عليه حتى ينطفئ. والإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة , الذي نجتمع الآن على سماع حديثه في المسند , كان يحفظ ألف ألف حديث بالمقطوعات والموقوفات والآثار وكلام الصحابة, يقول عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: "نزل سوق بغداد وعلى كتفه حزمة من الحطب, فأتى الفتح بن خوقان وهو وزير عباسي, فأسرع الإمام أحمد فقال الفتح: أنا -يا أبا عبد الله - أحمل عنك حزمة الحطب, قال الإمام أحمد: لا. نحن قوم مساكين لولا ستر الله افتضحنا". يقول ابنه عبد الله: بقيت حذاء أبي معه سبع عشرة سنة وكان يرقعها دائماً, ومع ذلك مات وعنده ثوب وحذاء واحد، ولكن في أصقاع الدنيا أحمد بن حنبل، وفي سمع الدنيا أحمد بن حنبل، وفي ذاكرة الدنيا أحمد بن حنبل، {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. إذاً: فما هي النعمة؟! النعمة هي طاعة المولى, قال ابن تيمية: الكرامة لزوم الاستقامة، والنعمة هي أن تعرف منهجك في الحياة، فتصلي الصلوات الخمس جماعة, والنعمة ألا تكون غاوياً ولا شقياً ولا منحرفاًَ. أما قضية هذه الدنيا فإن الله أعطى البر منها والفاجر, وأعطاها من يحب ومن لا يحب, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن أعدائه: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35]. يقول ابن بطوطة صاحب الرحلة: " ذهبت وراء خراسان فوقفت في تربة هناك فأخبرني أهل خراسان أنه دفن في تلك التربة ألف ملك من ملوك الدنيا" فهؤلاء ألف ملك، كنا نظن نحن أننا من ابتدأ التاريخ وكأن الصفر من عندنا, قال: "فوجد حجراً مكتوباً عليه هناك: وسلاطينهم سَلِ الطينَ عنهم والرءوس العظام صارت عظاما يقول: سل وتكلم مع الطين, يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم:45 - 47] يقول: لا تظنوا أنكم أول من سكن الديار بل سكنها قبلكم أمم. وسلاطينهم سَلِ الطينَ عنهم والرءوس العظام صارت عظاما وهؤلاء الذين كان الواحد منهم لا يتكلم مع البشر, ولا يسلم عليهم, ولا ينظر إليهم، أصبح رأسه عظاماً. وهذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين أبو الحسن الزاهد الولي قدموا له كوباً من خزف ليشرب فيه, فنظر رضي الله عنه وأرضاه إليه فبكى, فقالوا: ما لك تبكي يا أبا الحسن؟ قال: [[آلله! كم كان في هذا الإناء من طرف كحيل ومن خد أسيل]] يمكن أن يكون هذا الخزف من تراب ورفات الناس الذين ماتوا، مزجت به وأصبحنا نشرب منه, كما يقول أبو العلاء: خفف الوطء ما أظن أديم الـ أرض إلا من هذه الأجساد رب لحد قد صار لحداً مراراً ضاحك من تزاحم الأضداد صاحِ! هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد فلذلك يظن بعض الذين يعملون المنكر الآن, ويجاهرون الله بالمعاصي, ويحاربونه بالانحراف أنهم أول من أتى في فجر هذا التاريخ. والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا يعجزه أحد, فإن الله عز وجل ذكر كل أمة ثم قال: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت:40] فمن الذي اعترض على قضاء الله؟ ومن الذي استطاع أن يقف أمام الله؟! هذا نمرود بن كنعان قتله الله ببعوضة, وأذلته أمام الله, وهذا النمرود ربّى نسرين وأطعمها اللحم وقال: أقتل عليها إله إبراهيم, وصعد على النسرين فكان يضرب بالأسهم في السماء ليقتل الله, فأرسل الله عليه بعوضة دخلت في أنفه, فأخذت تأكل من دماغه، فإذا هشهشت بأجنحتها كالعصفور؛ ارتج دماغه فلا يهدأ حتى يضرب الخدم رأسه, فضرب أحد الخدم رأسه فأخرج نخاعه من أنفه فمات, فانظر إلى هذا المصير. وفرعون أين مات؟ لقد مات في ماء كان يتحدى به, فكان يقف يوم العيد -يوم النيروز- بين قومه الجهلة الفسقه: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:54] ويقول للخونة الأذيال الأذناب كما حكى الله عنه: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51]؟ فيصفقون له ويعظمونه ويقدسونه. وعند قوله تعالى حاكياً قول فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] قال أحد العلماء: فأجراها الله من فوق رأسه في سكرات الموت: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأحقاف:27] لكن من يرجع إلى الله؟ إنه الذي يعرف آياته ويعيش عبره ويستفيد من عظاته.

بيان معنى الخسارة والإيمان

بيان معنى الخسارة والإيمان قال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1 - 2] الخسر هنا ليس خسارة المال -فإذا خسرت المال في صفقة عوضت في صفقة أخرى- ولا خسران الولد, فإن الله عز وجل إذا أخذ الصفي فاحتسبته من الولد والقريب عوضك عنه الجنة كما في صحيح البخاري , ولا خسارة المنصب فإن الدنيا تذهب وتأتي, لكن الخسارة خسارة الدين. إذا أبقت الدنيا على المرء دينه فما فاته منها فليس بضائر فكل شيء أمره سهل إلا الدين, ويمكن أن تعوض الخسارة إلا في ميثاق: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فإنه إذا ذهب منك خسرت خسارة ما بعدها خسارة. {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] فالكافر خاسر أبداً مهما جمع وحاز ومهما تولى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:3] فهذا جواب القسم: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] ثم استثنى سُبحَانَهُ وَتَعَالى منه, يقول أهل النحو: المستثنى في العادة أقل من المستثنى منه, فهل الناجون المؤمنون أقل من الكفار؟ A نعم. فإن الله تعالى يقول: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] وأقل الناس من شكر. وأقل أهل الدنيا الآن المسلمون, وأقل المسلمين أهل السنة، والقليل في أهل السنة المخلصون. فقد كانوا إذا عدوا قليلاً فقد صاروا أقل من القليل ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] , وقد خرج عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى السوق فسمع رجلاً يقول: [[اللهم اجعلني من عبادك القليل, فقال عمر: ما هذا الدعاء؟ قال الأعرابي: يا أمير المؤمنين! يقول الله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] فسألت الله أن يجعلني من هذا القليل, قال: كل الناس أفقه منك يا عمر]]. {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:2] فالإيمان برسالة محمد عليه الصلاة والسلام هو الميثاق الذي أتى به, وهو الفتح العظيم الذي نزل عليه في الغار عليه الصلاة والسلام, يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] وهو الإيمان الذي ذهب به الصحابة بأيديهم ففتح الله لهم الدنيا, فلما ذهبنا نحن والدنيا في أيدينا ما فتحت لنا بل أغلقت أمامنا الأبواب, وسلبت ديارنا وكرامتنا وأرضنا ومجدنا وسؤددنا وأصبحنا في مؤخرة الركب: كم صرفتنا يد كنا نصرفها وبات يملكنا شعب ملكناه أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصاً جناحاه أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه

من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم فمن ذا الذي يريد معجزة من الرسول صلى الله عليه وسلم أكبر من أن يأتي برعاة البقر والإبل فيجلسهم مجلس كسرى وقيصر، يتكلمون بالقرآن ويحكمون بالعدل وينشرون الحق؟! أتطلبون معجزة أكبر من أن يأتي صلى الله عليه وسلم بثلة كانت تعبد الصنم فيوزعهم على ثلاثة أرباع الكرة الأرضية؟! فهذا ربعي بن عامر أحد أصحابه صلى الله عليه وسلم يدخل على رستم قائد فارس -وقد تكررت هذه لكن تكرر للفائدة- فيقول رستم وهو يضحك من لباس هذا الأعرابي, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أتى إلى الصحابة لم يفصل لهم ثياباً, أو يهد لهم بشوتاً, ولم يوزع لهم سيارات, أو يفتح دور الرعاية, ولم تكن عندهم مستشفيات, ولا صوامع غلال, نعم. هم بحاجة إلى هذه الأمور, لكنه صلى الله عليه وسلم أتى ففتح أولاً قلوبهم بالقرآن والسنة, كان يسكن في بيت من الطين، لكن من بيت الطين هذا حول ثلاثة أرباع الكرة الأرضية إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله, مات وما في بيته إلا سبعة دنانير وزعت صدقة, وما ترك إلا البغلة والسيف (ذو الفقار) ومع ذلك لا زال في الخافقين. فبعث صلى الله عليه وسلم أصحابه في مشارق الأرض ومغاربها يهللون ويكبرون, فيقول رستم وهو يضحك على ربعي: جئتم تفتحون الدنيا يا ربعي؟ لأن الصحابة يقولون نفتح الدنيا وصدقوا. وهذا عقبة بن نافع خرج بفرسه وثلة من الصحابة في أفريقيا , فكان يكبر وكانت الوحوش تدخل جحورها وبيوتها من تكبيره. لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا كنا نقدم للسيوف صدورنا لم نخش يوماً غاشماً جبارا وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا ثم يقول: لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا فهذا عقبة أتدرون ماذا فعل؟ فتح القيروان وخطب الجمعة وذهب، ووصل في الجمعة الثانية إلى المحيط الأطلنطي , فوقف بفرسه ليس عنده زورق أو غواصة أو سفينة أو باخرة وليس عنده طائرة! فقال وهو على فرسه: "والله -يا بحر- لو أعلم أن وراءك أرضاً لخضت بفرسي هذا البحر حتى أرفع لا إله إلا الله محمد رسول الله". قال رستم: جئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور والرمح المثلم؟! فيقول ربعي -اسمع الكلام الذي ليس مثل كلامنا بارد ميت، قال كلاماً كأنه من الوحي-: [[نعم. إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة, ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]] فبدأت المعركة فانتصروا ودخلوا ديوان قيصر وحكموه بالقرآن والسنة.

مفهوم الإيمان عند السلف

مفهوم الإيمان عند السلف إن هؤلاء الذين أتوا بالإيمان الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم, والإيمان سهل إنما عقدته الثقافة العصرية الحديثة, حتى أصبح معقداً, لأن الشباب والأطفال في سن الفهم وسن حفظ القرآن والسنة أُشغلوا بدرس وزرع وخاط وأكل وشرب, وطه والطبلة كان لطه طبلة يضرب عليها, فلمّا بلغوا سن الفهم لم يحفظوا من المتون شيئاً وليس عندهم إلا طه والطبلة, والرسول صلى الله عليه وسلم في هذا السن لقن أصحابه وغرس في قلوبهم عقيدة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فكانت تسري في دمائهم قوية كالبركان, صادقة كالفجر, واضحة كالشمس. فالإسلام سهل والإيمان بسيط يُتعَلم ولو في دقائق, كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض الدين عرضاً موجزاً, أتاه ضمام بن ثعلبة , قال: {يا رسول الله! إني سائلك ومشدد عليك في المسألة -والحديث في الصحيحين - قال: سل ما بدا لك -وضمام هذا إعرابي من الطائف أقبل بناقة فعقلها في طرف المسجد وتخطى الصفوف بسرعة- قال: من رفع السماء؟ قال صلى الله عليه وسلم: الله}. وهذا الأعرابي يعرف أن الله هو الذي رفع السماء: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] لكنه يأتي بمقدمات حتى يصل إلى نتيجة, وهذا أدب الحوار, ولذلك قال أنس: [[ما رأينا وافداً مباركاً كـ ضمام بن ثعلبة]]؟ فمن أدب الحوار أن تبدأ مع من تحاوره أو تجادله بقضايا مسلمة تشترك أنت وإياه في الإيمان بها, فقال: {من رفع السماء؟ قال: الله, قال: من بسط الأرض؟ قال: الله, قال: من نصب الجبال؟ قال: الله, قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ فاتكأ عليه الصلاة والسلام وقال: اللهم نعم} كان يخاف أن يقول من نفسه هل أنت رسول، أو أنت رأيت أنك تأتينا وتقول: أنك مرسل، أو أنك تريد أن تملك العرب أو ماذا تريد {ثم قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم -فسأله عن أركان الإسلام كلها فلما انتهى- قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص, أنا ضمام بن ثعلبة -هذه هي البطاقة الشخصية- أخو بني سعد بن بكر , ثم ولّى وفك عقال الناقة وركبها, فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا}. هذا هو الدين والإسلام؛ فالإيمان يعرض في دقائق, ويفهمه الناس ويخرج هؤلاء الأعراب علماء للناس, يعلمونهم أمور الدين, يقول عمر: [[نهينا عن التكلف]]. {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:2 - 3] والإيمان عند أهل السنة: "قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان". والمرجئة قالوا: "اعتقاد بالجنان وقول باللسان". والكرامية قالوا: "قول باللسان فحسب". وأخطأت المرجئة وأخطأت الكرامية وأصاب أهل السنة. فالإيمان اعتقاد بالجنان: أي أن تعتقد وحدانية الواحد الأحد، وأن تصدق بما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام, وإلا فالذي يصلي ولا يؤمن بالله منافق, لا تعذره صلاته، وإنما يرفع السيف عنه في الدنيا وهو في الآخرة خالد مخلد في النار, في الدرك الأسفل من النار: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] لأنهم أظهروا شيئاً وأبطنوا شيئاً آخر, فهذا الاعتقاد بالجنان.

أول واجب على المكلف

أول واجب على المكلف النطق باللسان هو أول ما يجب على المكلف، أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله}. وهذا أبو المعالي الجويني إمام الحرمين يقول: "أول واجب على المكلف النظر والاستدلال في الكون " وهذا أورده ابن حجر في فتح الباري , فرد سماحة الشيخ ابن باز في الحاشية, وقال: "لا. أول واجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداَ رسول الله". وهذه هي الكلمة التي طلبها محمد صلى الله عليه وسلم من عمه, ومن الناس جميعاً, وهي كلمة التوحيد التي تنجي صاحبها إذا قالها مخلصاً وعمل بمقتضاها. لكن بعض الناس يظن أن الإيمان أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله, ثم ينتهك الحدود ويحارب أولياء الله, ويعطل شرع الله, ويكون حجر عثرة في طريق هذا الدين, فأين هو من لا إله إلا الله؟ من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح وكثير من الناس يقولها ولكن لم يصدقوا في قولها ولم يقولوها مخلصين, ولم يعملوا بمقتضاها.

ضرورة الإتيان بعمل الجوارح

ضرورة الإتيان بعمل الجوارح وعمل بالأركان: وأن تعمل بجوارحك الفرائض: {من ترك الصلاة فقد كفر} والمرجئة يقولون: تارك الصلاة لا يكفر, فيكفي الإنسان أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله ويعتقدها وإن صلى أو تركها فسيان, والرسول صلى الله عليه وسلم يرد عليهم ويقول في الصحيح: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} , ويقول: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة}. {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3] لأنه -لاحظ- لا بد مع الإيمان من عمل الصالحات, والإيمان بلا عمل الصالحات هو الإيمان المجرد الذي لا ينفع, وهذه هي العواطف المجنحة التي نسمعها من الناس صباح مساء. فإذا طلبت من جارك أن يصلي في المسجد, يقول: الله يعلم أني أحبه وأني أحب رسوله لكن لا أستطيع أن أصلي صلاة الفجر في المسجد, فما هذه المحبة المدعاة؟ وما هذا الكذب الزائف؟! وما هذا البرود السامج؟! يقول تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] , ويقول: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} [المائدة:18] , فكأن المعنى: يا كذبة! يا مردة! يامن ادعيتم أنه يحبكم فلم يعذبكم؟ فأنتم تخالفون ويعذبكم بهذه النكبات والويلات, فبنو إسرائيل ضرب الله عليهم الذلة عبر التاريخ, وما تسودوا إلا علينا! وما تصدروا إلا علينا! لأننا قل قدرنا -نحن- عن الدين وعن التمسك به فعزوا علينا, وإلا فانظر إلى تاريخهم: كانوا مشردين مضطهدين في سويسرا وبلجيكا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا , كانوا يؤتى بهم بالعشرات في الأفران يربطون مع الخنازير, يذبحون دبحاً لأن الله يقول: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} [آل عمران:112] ولكنهم صادفوا قوماً لم يحملوا ميراث نبيهم عليه الصلاة والسلام. لهم شموخ المثنى ظاهراً ولهم هوى إلى بابك الخرمي ينتسب فسادوا وسيطروا عليهم وأخذوا زمام المبادرة.

شروط العمل الصالح

شروط العمل الصالح لا بد مع الإيمان من العمل الصالح، والعمل الصالح لا بد فيه من شرطين اثنين: 1 - أن يكون صاحبه مخلصاً قاصداً بعمله وجه الله يقول تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] ويقول: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65] وقال سبحانه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] , وقال سبحانه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] ويقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] وعند مسلم: {من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه}. 2 - الشرط الثاني: أن يكون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم, فهو الإمام العظيم الذي لا يجوز للأمة أن تخالف نهجه, وحرام عليها أن تأخذ إماماً غيره, أو شيخاً في الطريق سواه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران:31] {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]. قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا دخل النار} فيجب اتباع سنته عليه الصلاة والسلام وهديه: فهو يصلي ويقول: {صلوا كما رأيتموني أصلي}. ويحج ويقول: {خذوا عني مناسككم}. فأنت تقلم أظفارك وهو معك بسنته, وتقص شاربك وهو معك بسنته, في حياتك وليلك ونهارك وهو يتابعك بسنته, لكن متى؟ إذا رضيته إماماً: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]. {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3] وعمل الصالحات دأب عباد الله الصالحين, ولا ينزل العبد في درجات الجنة إلا بالعمل الصالح, وهنا مسألة -يا أيها الأحباب- بحثها ابن القيم رحمه الله وغيره من العلماء, وهي الجمع بين قوله عليه الصلاة والسلام {لا يدخل الجنة أحد بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا إن يتغمدني الله برحمته} وظاهر الحديث أنه لا يدخل داخلٌ جنة الله عز وجل إلا برحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مهما كان عند هذا العامل من العمل. إذاً: فالعمل ليس له دخل في دخول الجنة, ولا يدخل الناس الجنة بسبب أعمالهم، فهذا ظاهر الحديث. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] وظاهر الآية أن الجنة يرثها عباد الله بأعمالهم, فكيف نجمع بين الحديث الذي يقول: {لا يدخل الجنة أحد بعمله} وبين الآية التي تقول: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72]؟ الجواب أن يقال: أما دخول الجنة فبرحمة الله أرحم الراحمين, وأما نزول المنازل داخل الجنة وتبوّء الدرجات فبالأعمال، هذا هو الصحيح, الدخول أولاً برحمة أرحم الراحمين, أما التنزل في الدرجات وأخذ المنازل وتبوء المقاعد إنما يكون بالأعمال الصالحة وهذا هو الصحيح إن شاء الله الذي لا يعدل عنه إلى غيره.

تفسير قوله تعالى: (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)

تفسير قوله تعالى: (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) من ميزة هذه الأمة أنها تتواصى, وأنها لا تدفن الأخطاء وتقول: كل شيء على ما يرام, ولا تجامل, ولا تحابي في دين الله. إذا رأينا الخطأ مثل الجبل وقلنا: كل شيء جيد وحسن؛ فإن هذا يعتبر خيانة, وعند ابن حبان عن أبي ذر قال: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أقول الحق وإن كان مراً} فالحق مر وأحياناً يذهب الرءوس, ويزهق النفوس, ويسيل الدماء لأنه مر. يقول أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري شيخ الإسلام الهروي: قدمت رأسي للسيف خمس مرات, كانوا يضعون السيف تحت أذني من أجل ألا أهاجم أو أسب المذاهب الأخرى فما رجعت. وذلك لأنه يريد أن يقول الحق. فقل الحق ولو كان مراً، وهذا هو الذي جعل ابن تيمية مصفداً في الحديد في قلعة دمشق والإسكندرية , وفي كل مكان لأنه يقول الحق, أما الذي لا يقول الحق فإنه لا يؤذى. فقول الحق والتواصي به صعب, ولا بد أن يقال ولكن بلين. ومن صفات هذه الأمة أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وهو من التواصي, وعند البخاري عن جرير بن عبد الله البجلي قال: {بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وشرط عليّ والنصح لكل مسلم} وعند مسلم: {الدين النصيحة, الدين النصيحة, الدين النصيحة, قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم}. والتواصي ألاَّ نسكت على الأخطاء, لأن الشر يعم والخير يخص: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود:116]. فسُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول: فهلاّ كان منكم عصابة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؟ ويقول لوط لقومه: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود:78] , ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وأَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف:165] فما نجى الله إلا من أمر ونهى, وقد وصف عليه الصلاة والسلام من يأمر وينهى الأمة بالسفينة التي لو ترك فيها الأشرار لخرقوها، وكذلك سفينة الأمة إذا تركت للسفهاء والأنذال والمحرومين والمخذولين خرقوا شرع محمد صلى الله عليه وسلم وتحطمت وخسرنا هذا الدين بسبب أننا سكتنا. والساكت عن الحق شيطان أخرس, والناطق بالباطل شيطان ناطق, والناطق بالحق على لسانه ملك يؤيده, وهؤلاء أتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب:39] وهو البلاغ الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود: {بلغوا عني ولو آية} , وقال: {نضَّر الله امرأً سمع مني مقالة فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع}. وأكثر الناس الآن محبوسون في الشعير, هذه الأكياس التي تباع للغنم وتوزع في السيارات فيتضاربون عليها، فأكثرهم الآن محبوس في كيس شعير, أو قطعة أرض, أو في غنم أو تيوس, أو محبوس من أجل عادة أو طريق بينه وبين جاره, وهذه التضحيات وعالم الضحيات من أجل البطون والقدور, وهم شهداء الشعير الذين إذا ماتوا شهدت لهم أكياس الشعير يوم العرض الأكبر, بأنهم قدموا منهجهم من أجل أكياس الشعير, وصدق فيهم محمد إقبال إذ يقول: ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا ولذلك بعض الناس الآن تعال وخذ متراً من أرضه, والله لا تستطيع، ويسيل دمك في الأرض, ويقاتلك بمسدسه الأسباني رقم تسعة، لأن الأرض أرضه. فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت لكن يُستهزئ بالدين, يقول: للدين رب يحميه, مثل عبد المطلب أتى أبرهة ليحطم الكعبة فقال: رد لي إبلي أما البيت فله رب يحميه, فإبلي لي وأنا رب الإبل. فالناس يقولون الشعير شعيرنا, والدين لربنا, والمساجد لله، والذي يستهزئ بالرسول صلى الله عليه وسلم كل يلقى عمله عند الله, والذي يستهزئ بالقرآن الله يحاسبه ولا نتدخل فيه, والذي يسب الإسلام في الصحف الصباحية ويستهزئ بالدين في الملاحق الرياضية, فالله سبحانه الحسيب وهناك جنة ونار, أما الشعير شعيرنا, والأرض أرضنا والدنيا دنيانا, فلماذا لا تغضب لدين الله عز وجل كغضبك على هذه الأمور؟ هذا الفارق بيننا وبين الصحابة, فالصحابة غضبوا من أجل (لا إله إلا الله) ونحن نغضب من أجل الشعير, هم قدموا مهجهم من أجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] , ونحن قدمنا مهجنا من أجل الماء والطين, فالفارق بيننا واضح. وأكثر القتلى الآن بل ما سمعنا أن أحداً قتل من أجل لا إله إلا الله! من أجل هذه الكلمة قتل من الأنصار (80%). وهذا حنظلة الذي غسلته الملائكة -أنا لا أريد أن أذكر أباه لأنه فاسق مجرم- أتى من مكة يحرض ابنه على الارتداد عن الدين, فأخذ ابنه كفاً من التراب ولطخ به وجه أبيه وقال: اخرج يا فاسق! لم يعد أباً له بل انقطعت هذه الأبوة وانقطع هذا النسل, الدم الضال انقطع، العرق الآثم المشئوم انفصل, أصبح حنظلة شيئاً آخر؛ فقد رباه محمد صلى الله عليه وسلم في المسجد, تزوج حنظلة وعمره عشرون وقيل أقل, بنى بزوجته وفي الصباح سمع الهتاف الخالد في أحد والملائكة تتنزل, وكان أبو سفيان يحشد الكفر ليجتاح عاصمة الإسلام, يخرج الرسول ويعلن الحرب على أبي سفيان من على المنبر, فسمع حنظلة الصياح. وقاتلت معنا الأملاك في أحد تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا فخرج وهو لم يغتسل من الجنابة, لبس ثيابه لأن الأمر أسرع, كيف يغتسل والرسول أصبح يقود المعركة؟! الدقيقة تؤخر، فالرءوس أصبحت تقطع في سبيل الله, فأخذ سيفه بدون غمد, وذهب سريعاً إلى أحد , فقاتل وقتل قبل صلاة الظهر, والتفت عليه الصلاة والسلام إلى السماء فأشاح بوجهه وقال: {والذي نفسي بيده! لقد رأيت حنظلة بين السماء والأرض تغسله الملائكة بماء المزن في صحاف الذهب, سلوا أهله لِمَ تغسله الملائكة؟ قالت امرأته: خرج جنباً ولم يغتسل} فغسلته الملائكة قبل أن يدخل الجنة. أملاك ربي بماء المزن قد غسلوا جثمان حنظلة والروح تختطف وكلم الله من أوس شهيدهم من غير ترجمة زيحت له السجف وهذا شهيد آخر مات من أجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أتى في الصباح فلبس أكفانه, فهذا لا يريد خط الرجعة، لأن الذي يلبس أكفانه هذا لا يريد أن يعود مرة ثانية, ترك ثيابه في البيت ولبس أكفانه وتتطيب واغتسل وأخذ السيف؛ لأنه رأى في المنام أنه أول قتيل في المعركة, فلما حضر المعركة قال: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]] فقتل, فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده! ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعته} وهو عبد الله بن عمرو الأنصاري والد جابر , فـ جابر هذا حافظ الحديث ولد هذا الذي قتل, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {يا جابر! والذي نفسي بيده لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان -مباشرة- فقال: تمن, قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية, قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون, فتمن, قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك, قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً} فهؤلاء هم الشهداء, وهذا هو موكب الأمة, وهو جيل محمد صلى الله عليه وسلم. فتجد الآن أعداء الله يقدمون من التضحيات أكثر مما يقدم أولياء الله عز وجل, كم قتل من العرب من أجل البعث! وكم قتل من العرب من أجل مذهب ماركس؟ ألوف مؤلفة من أجل أن يبقى مذهب لينين -"لا إله والحياة مادة"- في الأرض, والوطنيون حزب الطليعة والصاعقة. ناصريون نصرهم أين ولى يوم داست على الجباه اليهود ويقول الآخر: وَحدَوِيوُّن وهذا يقول: المظلة العربية الدم العربي الأخوة العربية. وحدويون والبلاد شظايا كل جزء من لحمها أشلاء ماركسيون والجماهير جوعى فلماذا لا يشبع الفقراء لو قرأنا التاريخ ما ضاعت القدس وضاعت من قبلها الحمراء

بيان معنى الحق والصبر

بيان معنى الحق والصبر قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] ما هو الحق؟ وما هو الصبر؟ وهل بينهما عموم وخصوص؟ أوليس الحق صبراً والصبر حقاً. أما الحق فهو الذي أتى به رسولنا صلى الله عليه وسلم, فالكتاب والسنة هما الحق, وتواصوا به أي: تعلموه وعلموه الناس, وتواصوا به: تفقهوا به, وعلم بعضهم بعضاً هذا الحق, فالحق كله ما أتى به صلى الله عليه وسلم, وكل ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو الحق, وأما ما سوى ما أتى به صلى الله عليه وسلم لا يخلو من أمرين: إما حق, فهو في شرعه عليه الصلاة والسلام. وإما باطل فلا نريده. وأي أمر لا يعرف أنه حق أو باطل حتى يعرض على الكتاب والسنة, قال مالك رحمه الله: "ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام" , وإنما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: الحق لتكون كلمة جامعة لكل خير, ورشد وهدى, فكل ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم حق, فلا يجوز للإنسان أن يوجب على الناس شيئاً إلا ما أوجب الله ورسوله, ولا أن يستحب لهم إلا ما استحبه الله ورسوله, ولا يجوز أن يحرم عليهم إلا ما حرم الله ورسوله, ولا أن يكره لهم إلا ما كره الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ولا أن يبيح لهم إلا ما أباح الله ورسوله, فلا بد من هذه القضايا الخمس. فكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يحتج به, ولا يحتج له, وكلام غير الله ورسوله عليه الصلاة والسلام يحتج له ولا يحتج به, فهذه قواعد يقررها شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم، وهي قواعد تكتب بماء الذهب وتحفظ, فهذا هو الحق: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:3]. والحق لا يحمل إلا بصبر, والحق لا يبلغ إلا بصبر, والصبر لا بد له من حق, فاجتمعت الرسالة التي هي حق مع وسيلتها وهو الصبر, حتى تبلغ للناس. إذاً: من هم المبلغون؟ إنهم المؤمنون الذين عملوا الصالحات, وماذا يبلغون؟ يبلغون الحق , بأي وسيلة؟ بالصبر. والصبر ثلاثة أقسام: صبر على طاعته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وصبر عن المعاصي. وصبر على المصائب. فأما الصبر على الطاعات فهو أشرفها وهو القول الصحيح الذي يختاره كثير من أهل العلم كالشيخين: ابن تيمية وابن القيم , فالصبر على الطاعات أشرف من الصبر عن المعاصي, وأشرف من الصبر على المصائب, ويجعل ابن تيمية المقصود من الدين إقامة الشعائر والفرائض, فإن من صلى وشرب الخمر خير ممن ترك الخمر ولم يصلِ, مع العلم أن العبد الطائع لله هو الذي يصلي ولا يشرب الخمر, لأن الخمر من الكبائر وحق على الله أن من شرب الخمر ولم يتب منها أن يسقيه الله من طينة الخبال، وهي عصارة أهل النار والعياذ بالله. والصبر على الطاعات: أن تؤديها في أوقاتها بخشوعها وفرائضها وسننها, كالصبر على الصلاة, فهي تحتاج إلى صبر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153]. والصبر عن المعاصي: أن تكف عنها, واصبر عنها وما صبرك إلا بالله, طلباً في ثواب الله وخوفاً من عقابه, لأن بعض الناس يكف عن المعاصي حفظاً لجاهه, أو خوفاً من السلطة, وهذا ليس مأجوراً. والصبر على المصائب: هي أن تصبر على قضاء الله وقدره فيما يصيبك, وتقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون". فهذه بعض معالم سورة: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3] أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر لنا ولكم, وأن يرحمنا وإياكم, وأن يتولانا وإياكم, وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل, وأن يخرجنا وإياكم من الظلمات إلى النور, وأن يوفقنا إلى اتباع سنة محمد عليه الصلاة والسلام, وأن يثبتنا على الإيمان حتى نلقاه, ولا يجعل فينا شقياً ولا محروماً, وأن يتولانا وإياكم ولاية عامة وخاصة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم النوم عن صلاة الفجر والعصر

حكم النوم عن صلاة الفجر والعصر Q لي جار لا يصلي الفجر ولا العصر مع الجماعة, فنصحته, فأجاب بأنه ينام في هذين الوقتين، فما حكم ذلك؟ A سبحان الله! اختار الفجر والعصر والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من صلى البردين دخل الجنة} والبردان: الفجر والعصر, وإنما سماهما صلى الله عليه وسلم "البردين" لأنهما يأتيان في وقت براد, واختار صلى الله عليه وسلم لهما جزاءً الجنة لأنهما في وقت مشقة, فإن العصر يأتي بعد العمل والكسب والكدح, والفجر يأتي بعد النوم, ولا يحافظ عليهما إلا مؤمن, يقول عليه الصلاة والسلام: {من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله} يعني: فقد أهله وماله, وكأنما احترق بيته بأهله وفقد ماله. أما النوم فإنه عذر إذا وقع نادراً, وأما إذا صار عادة وتعمد ووضع في موضع الصلوات فليس بعذر لصاحبه, وهذا يدل على تفريطه, فما دام يعرف أنه سوف ينام عن الصلاة, وأن من عادته أن ينام عنها فهو مسيء, وصلاة الجماعة واجبة عند أهل العلم, دلَّ على ذلك أكثر من أربعة عشر دليلاً من الكتاب والسنة منها: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] ومنها: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء:102] وهذا في صلاة الخوف ففي صلاة الحضر الجماعة أولى. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: {من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر} رواه ابن ماجة وأحمد والحاكم وصححه عبد الحق الإشبيلي وابن تيمية وهو حديث صحيح. ومنها أن الرسول لم يرخص للأعمى وقال: {أتسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ قال: نعم, قال: فأجب فإني لا أجد لك رخصة} فوصيتي لك يا أخي! يا من ينام عن الفجر والعصر! أن تتقي الله وأن تُعِدَّ للقاء الله, وأن تعلم أنه سوف يكون هنالك نوم طويل, إما في روضة من رياض الجنة، وإما في حفرة من حفر النار. فما أطال النوم عمراً وما قصر في الأعمار طول السهر

حكم حلق اللحية

حكم حلق اللحية Q ما حكم حلق اللحية؟ A حلق اللحية محرم بإجماع أهل العلم, وممن نقل هذه الأقوال ابن حزم في المحلى وجعل مع تحريم حلق اللحية تعزيراً, وفيه أحاديث كثيرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بإعفائها وقص الشارب ومخالفة المجوس, فمن حلقها فقد ارتكب محرماً وكبيرة من الكبائر, ووجب أن يعفيها وأن يخاف الله عز وجل.

الهروي عمله خير من علمه

الهروي عمله خير من علمه Q هل شيخ الإسلام الهروي هذا هو الهروي الصوفي الذي رد عليه ابن القيم رحمه الله في كتاب مدارج السالكين في أبيات قالها؟ A كتاب مدارج السالكين إنما هو شرح لكتاب الهروي شيخ الإسلام , الذي يسمى منازل السائرين , وشيخ الإسلام ابن تيمية يقول عن الهروي رحمه الله: عمله خير من علمه, فإنه فيه تصوف وهو يميل إلى الشافعية والحنابلة في الفرعيات, ولكنه إمام شجاع عضلة من العضل, يخاف منه السلاطين الظلمة, فعمله خير من علمه, وهو الذي عرض على السيف, لكن رد عليه ابن القيم في أبيات يقول: ما وحد الواحد من واحد توحيد من وحده لاحد فمن هذه الأبيات رد عليه, لأن فيها خبط وعدم وضوح. والهروي من ذرية أبي أيوب الأنصاري , ومن أهل القرن الخامس، لكن يخاف الجدار ولا يخاف قلب أبي إسماعيل الهروي , وكان يهد الجيوش وله صوت جهور، إذا وعظ انتفضت قلوب السلاطين. قيل أنه أتى مرة حساده في هرات في شمال أفغانستان , وأرادوا أن يشوا به للسلطان حتى يذبحه, فأتوا بصنم ووضعوه تحت سجادة الهروي في المسجد, وذهبوا للسلطان وقالوا: يا أيها الأمير! أبو إسماعيل يعبد الأصنام من دون الله, قال: سبحان الله! قالوا: والله! إنه يعبد صنماً من نحاس تحت سجادته, فأرسل الجنود يأخذوا الصنم لتعلم أننا صادقون؟ فأرسلَ الجنود فرفعوا السجادة فوجدوا الصنم من النحاس, وهذا السلطان هو محمود بن سبكتكين , جيشه مليون -ألف ألف- مقاتل, وهذا الملك هو الذي دمر بلاد الهند وأخذ الأصنام وأحرقها في النار, وهو الذي مدحه محمد إقبال إذ يقول فيه: كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا فاستدعاه محمود والوزراء والأمراء حوله, وسل السيف, وقال: متى يدخل عليّ وأجد فيه أنه فعل هذا فاذبحوه, قال: يا أبا إسماعيل! أتعبد الأصنام من دون الله؟ قال: ماذا؟ قال: وجدنا هذا الصنم من النحاس تحت سجادتك، فرفع صوته أمام السلطان وقال: سبحانك هذا بهتان عظيم! فأخذ السلطان يرتعد, وقال: تعالوا بالوشاة فجلدهم, وحبسهم, وأكرم أبا إسماعيل وأطلقه, وقد عرضه على السيف مرات, ولكن يقول هو: "ما فصل رأسي عن كتفي إلا ليقطع في سبيل الله" يعني باع نفسه من الله, فكان قوياً في ذات الله, لكن علمه تلقاه من مدرسة الشمال فأصبح فيه بعض الأخطاء نبه عليها ابن القيم رحمه الله, وهو صاحب هذه الأبيات المقصودة. وأبو إسماعيل الهروي دخل على نظام الملك فقال له: بسيفك أدرك المظلوم ثاره ومن جدواك شاد الملك داره وقبلك هنئ الوزراء حتى نهضت بها فهنئت الوزاره ثم أخذ يعظه حتى بكى!

حكم تقبيل المصحف

حكم تقبيل المصحف Q ما حكم تقبيل القرآن الكريم بعد القراءة؟ A سئل الإمام أحمد عن هذا فرآه, وقال: قبّله عكرمة بن أبي جهل , وكان يقبّله ويبكي ويقول: [[كلام ربي كلام ربي]] ولا أعلم فيه حديثاً مرفوعاً إليه عليه الصلاة والسلام, لكن أسأل الله أن من قبّل على جهة التعظيم والاحترام أن يثيبه ويأجره.

السنة في إكمال الصفوف

السنة في إكمال الصفوف Q هناك كثير من الأخوات المسلمات إذا حضرن الدروس والمحاضرات وأقيمت الصلاة يتوزعن في أنحاء المسجد, فلا يقمن في صف, بل صف في أول المسجد وصف في آخر المسجد وصف في طرفه، فما حكم هذا؟ A إن كان هذا يحدث فهذا خلاف السنة, وعلى النساء أن يصففن صفوفاً وراء بعضها, يكملن الصف الأول فالثاني فالثالث, كصفوف الرجال تماماً, لعموم النصوص في ذلك.

حكم الإسبال

حكم الإسبال Q ما حكم الإسبال؟ A حكم الإسبال محرم, فمن أسبل لخيلاء لا ينظر الله إليه, ومن أسبل لغير خيلاء فما أسفل من الكعبين ففي النار.

حال حديث: (من لم يؤمن بالقدر خيره وشره)

حال حديث: (من لم يؤمن بالقدر خيره وشره) Q ما صحة هذا الحديث: {من لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه الله بالنار}؟ A لا أعرف هذا اللفظ, والله أعلم, لكن هناك ألفاظ في القضاء والقدر, مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {وأن تؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره} وقول ابن عمر: [[فوالله لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً ما تقبل منه حتى يؤمن بالقضاء والقدر]]. ويقول الشيخ حافظ حكمي رحمه الله: وكل شيء بقضاء وقدر والكل في أم الكتاب مستطر

حكم إظهار الزينة للحمو

حكم إظهار الزينة للحمو Q هل يجوز لزوجتي أن تكشف على أخي؟ A لا. أخوك حمو لها, ولا يجوز الكشف على الحمو, والحمو الموت, ومحرم عليها أن تكشف عليه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {الحمو الموت} لأنه أجنبي.

حكم الغناء

حكم الغناء Q ما حكم الغناء؟ A الغناء محرم بالإجماع، وقد نقل الإجماع الشوكاني في نيل الأوطار , والآجري في كتاب الشريعة.

حكم شرب الدخان

حكم شرب الدخان Q الإخوة المدخنون لا يستطيعون ترك الدخان، فما حكم ذلك؟ A لا. من خاف النار ترك الدخان, ومن أطاع الرحمن ترك الدخان, ومن اتبع سيد ولد عدنان ترك الدخان. أيها الإخوة أشكركم على إصغائكم, وإنصاتكم, وأسأل الله أن يجمعنا بكم في دار الكرامة. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

موقف أهل السنة من الجبرية والقدرية

موقف أهل السنة من الجبرية والقدرية الجبرية والقدرية فرقتان من فرق الضلال على طرفي نقيض، وينبغي الحذر من شبهاتهما وضلالهما. وفي هذا الدرس يبين الشيخ بعض شبهاتهما ويفندها، ويبين موقف أهل السنة، وذلك من خلال حديث محاجة آدم وموسى عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

حديث محاجة آدم وموسى

حديث محاجة آدم وموسى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: معنا في هذا الدرس مناظرة بين الوالد والولد، بين الأب والابن، بين آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وقد التقيا فحصل بينهما مناظرة ومحاجة، نقلها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم إلينا، ففي صحيح البخاري وصحيح مسلم وموطأ الإمام مالك وسنن أبي داود والترمذي عنه صلى الله عليه وسلم بألفاظ متباينة متعددة، مفادها: قال عليه الصلاة والسلام: {تحاج آدم وموسى، فقال موسى عليه السلام: أنت آدم أبونا، وخلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسكنك جنته، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة -هذا كلام موسى عليه السلام - فقال آدم عليه السلام: أنت موسى بن عمران نبي بني اسرائيل، كتب الله لك التوراة بيده، واصطفاك وكلمك وقربك نبياً، أتلومني على أمر قد كتبه الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين عاماً؟ قال عليه الصلاة والسلام: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى} هذه في رواية، وفي ألفاظ مختلفة أن آدم عليه السلام تكلم مع موسى ومدحه بمدح أكثر، وأن موسى مدح آدم بمدح أكثر، وهذه هي قصة الحديث. وفي هذا الحديث مسائل سوف نعرج عليها بإذن الله، ولكن قبل ذلك نقول: ما هو بسط هذه القصة؟ الرسول عليه الصلاة والسلام يخبرنا بهذا الحديث الذي هو أصل في باب القضاء والقدر، يقول: التقى آدم أبو البشر مع موسى عليه السلام وموسى رجل جريء، كان شجاعاً مقداماً، لا يكل ولا يمل، كل سؤال في رأسه لابد أن يعرضه ويناقشه على بساط البحث، فما هاب من أبيه ووالده، بل جلس معه، ولكن انظر كيف تلطف معه بالخطاب، فهو لم يقل لماذا أخرجتنا؟ أو لماذا خيبتنا؟ أو لماذا طردتنا؟ ولكن بدأ معه بالمدح والثناء، فقال: أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده -هذا مدح- ونفخ فيك من روحه- وهذا مدح- وأسكنك جنته- وهذا مدح- فلماذا أخرجتنا من الجنة؟ هذا عتاب، فرد كذلك آدم عليه السلام بعبارة طيبة للابن وكأنه يستهديه يقول: أنت من؟ قال: أنا موسى، قال: نبي بني إسرائيل، قال: نعم. لم يقل لماذا تلومني؟ وإنما قال: أنت موسى الذي كلمك الله عز وجل، وقربك نبياً، وكتب لك التوراة بيده، بكم وجدت الله كتب عليَّ قبل أن يخلقني؟ قال: بأربعين عاماً، قال: فلماذا تلومني على أمر قد كتبه الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين عاماً؟ فسكت موسى وانقطع، قال: عليه الصلاة والسلام فحج آدم موسى، أي غلبه. وفي هذا الحديث سبع عشرة مسألة، أولها: أين وقعت هذه المحاجة (المناظرة) وما هو مكانها وزمانها، وعلى بساط من؟ وعلى إشراف من وقعت هذه المحاضرة وكيف التقيا؟ فذاك أبو البشر من أول البشرية، وهذا في منتصف عقد التاريخ، موسى عليه السلام من أبناء أبناء الأبناء فكيف التقيا؟ وذاك قد مات منذ آلاف السنين، وهذا شب وترعرع في بني إسرائيل، فأين كان اللقاء وما هو الظرف الذي عاش فيه؟ وكيف وقعت هذه المناظرة؟ هذه مسألة. المسألة الثانية: لماذا خص موسى بالمحاجة من بين الأنبياء؟ لماذا لم يتبرع رسول الهدى بهذه المناظرة، أو عيسى أو إبراهيم عليهم الصلاة والسلام جميعاً، وإنما انتدب لها موسى من بين الأنبياء؟ هذه مسألة. الثالثة: كيف الجمع بين قول آدم عليه السلام لموسى: كتبها الله عليً قبل أن يخلقني بأربعين. وفي صحيح مسلم أن عليه الصلاة والسلام يقول: {كتب الله مقادير كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة} وهنا يقول: أربعين عاماً، وبين خمسين ألف سنة وبين أربعين عاماً فرق لا يخفى، فكيف الجمع؟ المسألة الرابعة: ما هي هذه المصيبة التي شكى منها موسى عليه السلام، هل موسى يلوم آدم عليه السلام على الإخراج من الجنة، أم يلومه على الأكل من الشجرة، أم يلومه على الكسب (أنه فعل ذنباً) أو يلومه على القضاء والقدر أم ماذا؟. الخامسة: قوله صلى الله عليه وسلم: {فحج آدم موسى} هل هي بالرفع آدمُ، أو آدمَ بالنصب؛ لأن السجزي الحافظ المحدث كان يقول: {فحج آدمَ موسى} وكان هذا الراوي مع أنه من المحدثين الكبار، لكن كان فيه قدر، فيستدل بهذا الحديث أنه لا قدر، وأن الحق مع موسى عليه السلام وهم يجعلون موسى في هذا الحديث قدرياً ويجعلون آدم عليه السلام جبرياً، فالمعتزلة يستدلون بموسى والجبرية يستدلون بآدم عليه السلام. المسألة السادسة: في الحديث رد على القدرية وليس فيه دليل للجبرية، وسوف يأتي مذهب القدرية والجبرية ومذهب أهل السنة والجماعة في كتاب القضاء والقدر. المسألة السابعة: القدر يحتج به في المصائب، ولا يحتج به في المعايب، هذه قاعدة أتى بها شيخ الإسلام رحمه الله. المسألة الثامنة: هل للمذنب أن يحتج بالقدر، كمن زنا أو سرق أو شرب الخمر؟ هل له أن يقول: كيف تلومني على شيء قد كتبه الله علي قبل أن يخلق السموات والأرض، فإذا قلنا له: أتحتج بالقضاء والقدر؟ قال: نعم، آدم احتج عند موسى بالقضاء والقدر؟ هذه مسألة. المسالة التاسعة: غلبة آدم لموسى؛ لماذا غلب آدم موسى؟ ما هي الأمور والحجج والبراهين التي جعلت آدم يغلب موسى عليهما الصلاة والسلام. العاشرة: ردت القدرية هذا الحديث وأبطلته بردين وسوف أذكرهما. الحادية عشر: آدم عليه السلام معذور بأمرين وسوف أذكرهما إن شاء الله. الثانية عشر: الأدب في الحوار. الثالثة عشر: الجنة التي أخرج منها آدم هل هي جنة الخلد أو جنة غير جنة الخلد؟ الرابعة عشر: يقول آدم لموسى: (أعطاك كل شيء) عموم يراد به الخصوص، وهذا سوف يأتي. الخامسة عشر: مناظرة العالم لمن هو أعلم منه، والابن يناظر أباه. السادسة عشر: إثبات القدر وخلق أفعال العباد وللبخاري كتاب يسمى خلق أفعال العباد أو أفعال العباد. السابعة عشر: سيرة موسى في القرآن ومناظرته مع الطغاة والمجرمين في الدنيا. هذه مسائل هذا الحديث لكن قبل أن نبدأ بالعنصر الأول بهذا نأخذ العنصر الأخير وهو: سيرة موسى عليه الصلاة والسلام.

سيرة موسى في القرآن ومناظرته مع الطغاة

سيرة موسى في القرآن ومناظرته مع الطغاة يختار الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لكل حقبة من حقب التاريخ والزمن نبياً يناسب تلك الحقبة، فكل أمة تبرع في فن من الفنون يأتي الله عز وجل بنبي يبرع في هذا الفن. الأمة العربية أجادت في الفصاحة، فأتى الله تعالى بأفصح من نطق الضاد وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وأمة عيسى عليه السلام أجادوا في الطب، وفي المداواة والمعالجة، فأتى الله بعيسى وجعل معجزته الطب، وإحياء الموتى، وإبراء الأكمه بإذن الله، ومداواة المرضى، وموسى عليه الصلاة والسلام برع قومه في السحر والمناظرة، فأتى به وجعل عصاه تلقف ما يأفكون، فكان انتصاره من هذا الباب. موسى عليه الصلاة السلام، له دلائل في القرآن أولها الشجاعة، فإنه كان قوي الجسم والإرادة، من قوة جسمه أن أهل التفسير والسير والتاريخ ذكروا أنه لطم فرعون طاغية الدنيا وهو طفل صغير، لطم فرعون الذي يقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] يأتي عند سريره فيقوم على فرعون فيضرب وجهه بكفه، وهذه شجاعة. الأمر الثاني: يرد ماء مدين فيأخذ الصخرة التي لا يحملها إلا النفر من الناس. الثالثة: أنه ينازل في الميدان بعصاه، ويقاتل السحرة وكانوا ثلاثين ألفاً. الرابعة: يعبر البحر بالجيش ويقاتل فيما بعد حيث يقول له بني إسرائيل: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24]. ومن ميزه عليه السلام: الحياء، فكان حيياً كما قال عليه الصلاة والسلام، ولذلك فمنشأ الأمانة الحياء، تقول ابنة الرجل الصالح، قيل: إنه شعيب وقيل غيره: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26] قوي يصلح للاستئجار، ومع القوة أمانة فليس كل قوي أمين، وليس كل أمين قوي، لكن من جمعهما فهو الفاضل، ولذلك فإن ابن تيمية له لطائف في هذا الباب، يقول: لما تولى أبو بكر وكان رجلاً ليناً صلح معه خالد لأنه كان قوياً، ولما تولى عمر كان قوياً فلم يصلح في قيادته خالد، وإنما صلح أبو عبيدة لأنه كان ليناً. فالقيادة العسكرية كانت لـ خالد في عهد أبي بكر، ولذلك أبو بكر ما كان يسمع في خالد شيئاً، يقوم على المنبر وعمر يقول: اعزل خالداً، اعزل خالداً، فيقول: والله لا أغمد سيفاً سله رسول الله أو سله الله على المشركين؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {خالد سيف من سيوف الله سله على المشركين}. ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها قد كنت أعدا أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها ولما تولى عمر كان أول مرسوم أصدره عزل خالد، فصلح معه أبو عبيدة رضي الله عنه وأرضاه، فذاك أمين لين، وأبو بكر أمين لين، وعمر قوي أمين، وخالد قوي أمين، فسبحان من مازج بين الأجناس والأشخاص والهيئات! وموسى جمع الأمانة والقوة، يذكر المفسرون أن ابنة شعيب لما أتت كانت تمشي على استحياء، حيث أتت إلى رجل غريب، وقد تولى إلى شجرة، سقى لهما ثم لم يتكلم معهما كثيراً، وهي مع أنها تكلمت أكثر منه في القرآن قالت: {لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23] لكن بإيجاز ما قالت: لا نسقي إلا بعد صلاة الظهر إذا ذهب الناس بمواشيهم، لأن طول الكلام معناه شيء من الريبة، وما قالت: أبونا رجل صالح جالس في البيت أرسلني وأختي لكي نسقي الغنم، لكن قالت: وأبونا شيخ كبير، أما هو فسكت وما تكلم، فمال إلى الشجرة، فلما أتت تمشي على استحياء {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص:25]. فأتى معها، فلما مشى قال أهل العلم: كان يمشي أمامها، وهي تمشي وراءه، وهو يقول: دُليني على الطريق، فتقول: يميناً ويساراً حتى وصل إلى أبيها، لهذا كان عليه الصلاة والسلام قوياً أميناً. والمسألة الثانية: أن صراعه كان صراع مناظرة ومقاتلة، فهو تصارع مع فرعون بالحجة، فعندما دخل على بساط فرعون بادره فرعون بالكلام، والأصل أن يتكلم موسى لأن الوافد هو الذي يتكلم، لكن الخائن الخبيث المجرم بدأ بالكلام، وهذا من قلة الأدب، حتى يقول الحسن البصري: ما أطيش وما أخف عقل فرعون! الواجب أن يتأكد ويتأنى إذ وفد عليه وفد، والأصل أن الأبيات إذا دخل دارك تنظر ماذا يتكلم؟ لكن فرعون قفز من سريره، وقال: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49] لكن موسى عليه السلام أدبه الله بأمور وسوف نعرض إليها سريعاً، وقصة العصا معروفة، وكذلك قصة الإرسال معروفة، لكن لما وصل على البساط هو وهارون، وقد كان طلب أن يأتي معه هارون؛ لأنه أفصح منه، كما قال: {رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} [القصص:34]. وموسى عليه السلام متخوف من أمور: منها: أنه سيذهب إلى طاغية، ومنها: أنه قتل نفساً منهم، ومنها أن الرجل ليس بفصيح، حيث أن موسى لم يكن خطيباً مفوهاً، ولم يكن محاضراً من الدرجة الأولى، وإنما يقول: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه:27 - 28] يقول: يا رب! احلل عقدة من لساني عله أن يفقه شيئاً مما أقوله، لكن مع ذلك بعد أن أحل الله العقدة، لازالت اللكنة في اللسان، فذهب معه هارون وقد قال بعض المؤرخين: إنه أكبر من موسى بسنة، لكن الله فضل الله هذا على هذا، فمشيا فلما رأى القصر ورأى أبهة السلطان والصولجان والهيلمان والقوة، التجأ موسى إلى الله وقال: {رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] كأنه يعلم الله بفرعون، والله يعلم فهو الذي خلقه، لكن الخوف، قال: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] أنا معكما رقيب، لا يتحرك حركة إلا وأنا وراءه فتكلما معه ولا تخافا، لكن مع ذلك لا يأخذكم الغرور والعجب، إذ علمتم أني وراءكم، وذلك كما لو قلت لابنك ولله المثل الأعلى: اذهب وأنا معك، فلا يذهب هذا الولد يطرق باب الجيران أو يضارب أبناء الناس ويقول: أبي فلان بن فلان! ولله المثل الأعلى، فذهبا فقال الله لهما حتى لا يغترا: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. لكن الرجل كان طاغية، أغلق الله قلبه، وطبع على فؤاده، ومن يدري لعل الله أن يهديه، ويشرح صدره، ومن قال لك: إن الناس قد ختم الله على قلوبهم، ولذلك من الأخطاء أن يتحدث الداعية إلى بعض المذنبين أو المجرمين ويقول: هذا لا يهديه الله ولو هدى الناس جميعاً، نعوذ بالله ومن جعل الهداية لناس دون ناس! ومن أخبرك بسابق علم الله في الناس! بل بعض الناس كان مهتدياً ثم ضل، وبعضهم كان ضالاً ثم اهتدى {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} [طه:44] قيل لـ ابن عباس: ما هو القول اللين؟ قال: يمنياه بالشباب: قال: أي قولا: سوف يرد الله عليك شبابك، ويبقي عليك ملكك وثروتك وعزك وسلطانك {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] فلما دخلا البساط، بدأ المجرم يتكلم {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49] يسأل عن الربوبية، لا يسأل الخبيث عن الألوهية، هو ينكر بالظاهر، ولكن في الباطن يعلم أن الله هو الخالق سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولكنه يضحك على الناس، الذين يصفقون له: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] ثم يقول حجة أخرى ساخرة: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} [الزخرف:52] يقول: أنا أفضل وأسرتي وموكبي أم موسى هذا الذي هو راعي غنم؟ {الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52] أي لا يفصح، فليس له لسان ولا كلام فصيح، وأنا فصيح وخطيب، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:54] أي: حتى قومه كانوا فاسقين، فقد كان فيهم خفة وطيش وعدم تعقل، ويتبعون الهوى، فأيدوه، فلما دخل سأل عن الربوبية، وإلا فقد رد عليه في آية أخرى قال: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] أي: مقطوع الحجة. فبدأ فقال: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49] فكيف يكون الرد؟ الرد في غير القرآن، أن يقول له: ربنا الله، لكن هو ينكر الله {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] إن كنت أنت أعطيت كل شيء خلقه ثم هديت فأنت رب، وأما هاتان الصفتان فلا تنطبقان إلا على الواحد الأحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلما حاص وانقطعت حجته سأله مسألة أخرى، ومواقف موسى كثيرة في القرآن سوف أتعرض لبعضها إن شاء الله.

مكان المحاجة بين آدم وموسى

مكان المحاجة بين آدم وموسى المسألة الأولى: أين وقعت المحاجة؟ اختلف أهل العلم في مكان هذه المحاجة، وذكر ابن حجر هذه الأقوال في المجلد الحادي عشر من الفتح، وابن تيمية كذلك في المجلد الحادي عشر من الفتاوى ولم يتعرض للمكان، لأن ابن تيمية شيخ الإسلام يريد دلالة الألفاظ، أما التي لا ينبني عليها كثير فائدة فلا يتبعها رحمه الله؛ لأنه لايهمنا أن تقع المناظرة في السماء الأولى أو الثانية أو في الثالثة، أو في السابعة، أو في الأرض، أو في القبر، لا يهمنا ولا يتركب عليها كثير علم، ولا كبير فائدة، هذه مسألة. ومن الأقوال أنهم قالوا: وقعت المحاجة والمناظرة في السماء التي فيها آدم عليه السلام، وآدم في السماء الأولى، فقد جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه في حديث الإسراء والمعراج أنه في السماء الأولى، فقالوا: المناظرة وقعت في السماء الأولى، وموسى في السماء السادسة، والابن يجب أن ينتقل إلى الأب وهو آدم، وأيضاً أن السائل موسى هو يحتاج أن يسأل، فلابد أن ينزل هو إلى من يجيبه لا العكس، هذا قول. وقال البعض: لا. بل وقعت عند موسى في السادسة، لأنه أرفع، فكأن آدم عليه السلام ارتحل حتى وصل فجلس مع موسى فتناظرا هناك، لكن نقول للفريقين: ليس هناك دليل أنها في السادسة أو في الأولى وهذا تنظير عقلي، وعلم الغيب لا يثبت بهذا التخمين، ولا يثبت ذلك إلا بأدلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لكننا نعلم أن هذه المناظرة وقعت في حياة البرزخ بهيئة الله أعلم بها. وذكر بعضهم أنها وقعت في المنام، ذكر ذلك ابن حجر عن بعض أهل العلم، وقد أسرف وأخطأ كثيراً من قال: هذا مثل ضربه الله وإلا فإن الحادثة لم تقع، يا سبحان الله! الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرنا بأنهم تحاجوا ونحن نقول: لا. لم يتحاجوا! مثل بعض الناس يقولون: إن الله عز وجل يقول: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} [الزمر:13] قالوا: لم يكن هناك أصحاب قرية، لكن الله ضرب مثلاً، وهكذا يقولون في أصحاب الكهف وغيرها من الوقائع، وهذا فيه إدخال للشك والريبة، نعوذ بالله من ذلك. فالمحاجة وقعت على الصحيح في السماء؛ لكن الله أعلم في أي سماء وقعت، وقلنا في السماء؛ لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في السماوات، ومر عليه الصلاة والسلام عليهم جميعاً وكلم بعضهم، وأكثر من تكلم معه موسى، ولذلك ورد في حديث يقبل التصحيح: {أن موسى لما تجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم بكى، فقالت له الملائكة: مالك تبكي؟ قال: نبي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي!} قال ابن تيمية: هذا من المنافسة وليس من الحسد. وموسى دائماً جريء في الحق، ولذلك من جرأته أن طلب من الله عز وجل وهو خائف على بساط القدس، وفي مقام التزكية فيقول: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] سبحان الله! مطلب عظيم، فيقول الله عز وجل: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] وقد كان أول مرة لما سمع الصوت ولىّ هارباً وترك عصاه وحذاءه، ولكن لما آنسه الله تدرج في الخطاب حتى قرب، وبعدها يقول: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143]. ومن جرأته أنه أتى بالألواح فلما أتى إلى بني اسرائيل وقد عبدوا العجل ألقى الألواح من يده، فلذلك يقول ابن تيمية: إن الله عز وجل غفر له وعفا عنه بأمور لوكانت من غيره لكانت كبيرة، مثل إلقاء الألواح وفيها كلام الله عز وجل، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} [الأعراف:154] أتى مغضباً وأتى إلى أخيه وهو نبي من الأنبياء فأخذ بلحيته يجرجره أمام بني إسرائيل {قَالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} [طه:94] يقول ابن القيم في مدارج السالكين: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع يقول: أتى موسى عليه السلام بذنب لكن محاسن موسى وهي آلاف المحاسن شفعته، لكن المنافقين إذا أتى أحدهم بكلمة لعنه الله وأخزاه، فمثلاً أحدهم يقول للناس: إن هذا لا يقصد بصدقته إلا الرياء والسمعة، فينزل الرد مباشرة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79] وأحدهم يقول: يا رسول الله! ائذن لي ولا تفتني فإني إذا رأيت نساء الروم فتتنت، فيرد الله عليه: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:49] لا يعفو ولا يسامحه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لأنه خبيث. أما الصادق فإن الله يعفو عنه، ولذلك كان في عمر شبه بموسى عليه السلام؛ في الحديبية يعترض على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول: [[يا رسول الله! كيف تقبل الدنية في ديننا؟ كيف نصالحهم ونحن أهل الحق وأهل السيف والقتال وكفار قريش على الضلال والباطل هذه قسمة ضيزى]] أو كما قال، وأبو بكر ما تكلم، فالرسول عفا عنه وسكت، ويأتي صلى الله عليه وسلم ليصلي بالناس على عبد الله بن أبي في صلاة الجنازة فيقفز عمر ويأخذ برداء المصطفى سيد البشرية، وخيرة الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، يقول: يا رسول الله تصلي على ابن أبي، أما علمت أنه فعل كذا وكذا، أما علمت ماذا فعل يوم كذا وكذا؟ والرسول عليه الصلاة والسلام يعلم هذا، بل يرى. وتأتي سودة، فيقول: قد عرفناك يا سودة، يقول عمر: أي: استتري حتى لا تعفرين، فيتدخل حتى في نساء الرسول صلى الله عليه وسلم. ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {أما أنت يا أبا بكر! ففيك شبه بإبراهيم وعيسى عليهما السلام، وأنت يا عمر! ففيك شبه بنوح وموسى عليهما السلام} فأشبه الناس بموسى عمر، وأشبه الناس بإبراهيم أبو بكر عليهما السلام ورضي الله عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. إذاً وقعت المحاجة في السماء، وبدأ الحوار بين الابن وأباه، بدأ بالحوار: موسى عليه السلام.

أسباب اختصاص موسى بالمحاجة من بين سائر الأنبياء

أسباب اختصاص موسى بالمحاجة من بين سائر الأنبياء المسألة الثانية: لماذا خص موسى بالمحاجة من بين الأنبياء؟ لماذا تقدم موسى وتبرع أن يحاج عن البشرية وعن الذرية مع أبيه وأبينا عليه السلام بهذا؟ قيل أولاً: لأن موسى صاحب مناظرة ومحاجة، فحياته دائماً الصراع بين التوحيد والشرك، وبين الضلال والهدى، وبين الرشد والغي، ولذلك يقول بعض علماء الإسلام: كاد القرآن أن يكون لموسى، لا تقرأ في السورة قليلاً إلا وتسمع: ولقد أرسلنا موسى، ثم يذكر محاوراته ومجادلاته لأهل الباطل، فلما تربى على هذا رشح إلى أن يناظر آدم عليه السلام، وقيل لأنه بعث بالفرائض الشديدة والتكاليف، ولأنه صاحب شريعة، فهو الذي ناظر آدم عليه السلام.

الجمع بين أربعين عاما وخمسين ألف سنة

الجمع بين أربعين عاماً وخمسين ألف سنة المسألة الثالثة: كيف الجمع بين أربعين عاماً وخمسين ألف سنة، يقول آدم عليه السلام لموسى: {كيف تلومني على شيء قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة} بينما يقول صلى الله عليه وسلم: {إن الله كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة} فكيف نجمع بين هذا وهذا؟ قال أبو الفرج ابن الجوزي: الجمع بينهما أن يقال: إن الله عز وجل كتب المقادير وكتب القضاء في أزمان متفاوتة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، بعضها كتبها قبل أن يخلق الخلق بأربعين عاماً وبعضها بمائة عام، وبعضها بخمسين ألف سنة فهي في أزمان متعددة، لكن أطولها أجلاً خمسين ألف سنة، وبعضها كتبها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في اللوح المحفوظ، وكتاب آخر: إن رحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سبقت غضبه، لكن السؤال الثاني: كيف عرف موسى أن المدة أربعون عاماً أين هذه الكتابة التي يقول آدم لموسى؟ أين وجدها؟ هل قرأ موسى اللوح المحفوظ؟ هل اطلع على الغيب؟ نعم. أطلعه الله على شيء من علم الغيب في التوراة، التوراة كتبها الله بيده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، خطاً وكتابةً تليق بجلاله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فقول آدم: يا موسى! أنت في هذا المستوى من الفهم والعقل والفضل وتلومني على شيء أنت وجدته في التوراة، بكم وجدت الله كتب علي هذا؟ قال: بأربعين عاماً، فسكت موسى.

موضوع محاجة آدم وموسى

موضوع محاجة آدم وموسى المسألة الرابعة: ما هي هذه المصيبة التي شكى منها موسى عليه السلام، هل يقول موسى لآدم عليه السلام: لماذا أخرجتنا من الجنة؟ وهذا قضاء وقدر أم يقول له: لماذا أكلت من الشجرة؟ وهذا قضاء وقدر، وهل موسى خفي عليه أن الله عز وجل كتب عليه أن يجعله خليفة في الأرض: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] فقبل أن يخلقه قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] فهو في الجنة لكن أنزله إلى الدنيا، فالله في سابق علمه قد كتب أن ينزل آدم إلى الدنيا، فكيف يأتي موسى ويقول: كيف تأكل من الشجرة؟ كيف تخرج من الجنة؟ لا. هذا ليس بصحيح ولا وارد عند أهل السنة، وإنما الصحيح أنه عاتبه، كأنه يقول: يا أبانا سامحك الله، وغفر لك، كنا في الجنة في راحة، وكنا في نعيم ثم أنزلتنا إلى الدنيا، فهو لا يلومه على الأكل من الشجرة؛ لأن الله كتبه عليه، ولا يلومه على الذنب؛ لأن الله قدر الذنب عليه، وسوف يأتي هذا في كلام بعد إنما يلومه على المصيبة، كأن تأتي إلى أحد الناس قد أسرع في سيارة وولدك معه، فوقع الحادث ومات ابنك، فلا تقل: لماذا مات ابني؟ لأن الله كتب عليه الموت، لكن تقول: يا فلان جزاك الله خيراً، كيف تسرع وأنت معروف بالخلق الطيب؟ أما تعرف أن السرعة تضر أهلها؟ أما تعرف أن السرعة مصيبة؟ كيف تقع منك هذه المخالفة؟ فهذه وجهة نظر موسى عليه السلام، وليس ذاك النظر البدعي، الذي هو رد للقضاء والقدر، فحاشا موسى أن يرد القضاء والقدر، فهو يعلم بأن الله كتب مقادير كل شيء، وهو نبي كامل.

من هو المحجوج؟

من هو المحجوج؟ المسألة الخامسة: فحج آدم موسى، بالرفع: (آدمُ) أهل السنة يقرءون {فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى} بالرفع، أي أن الغلبة كانت لآدم على موسى، وأن المغلوب في هذه المناظرة هو موسى، لكن أهل البدعة يقولون: {فحج آدمَ موسى، فحج آدمَ موسى، فحج آدمَ موسى} أي أن آدم مفعول به محجوج مغلوب، وأن موسى غالب، فيريدون الاستدلال على ألا قضاء ولا قدر، وهم القدرية والأصل عنهم أنهم ينكرون الحديث، ومنهم المعتزلة أو القدرية، الذين نفوا القدر، وأن الله عز وجل خلق الأمور هكذا بلا سابق قضاء ولا تقدير وأنها تحدث بالصدفة، نجاحك -مثلاً- صدفة، ليس بقضاء وقدر، وفرقة: القدرية نشأت واستمر مريرها، وهي من أخطر الفرق على الإسلام، وفي أول حديث من صحيح مسلم أن يحيى بن يعمر وصاحبه وفدا إلى المدينة قالا: فوجدنا ابن عمر رضي الله عنهما، قال: فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن ميسرته والآخر عن ميمنته، فقلت: يا أبا عبد الرحمن! إن عندنا قوماً في العراق يقولون: إن الأمر أُنُف -معنى أُنُف أي أن الأمر مستقبل لم يكتب الله علم المقادير ولا القضاء- فما حكم هؤلاء؟ أو كما قال، قال ابن عمر: أخبرهم أنهم براء مني وأني منهم بريء، والذي نفسي بيده لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً وفضة ما قبل الله منه عملاً حتى يؤمن بالقضاء والقدر ثم أتى بحديث جبريل الطويل وفي آخره: وأن تؤمن بالقدرخيره وشره، هذا الشاهد. والقدرية يقولون: لا قضاء ولا قدر، وكذبوا لعمر الله وخسروا وأخطئوا خطأً بيناً وغلطوا غلطاً فاحشاً، وقابلتهم فرقة أخرى هي: الجبرية وهم يقولون: العبد مجبور على المعصية، أي: يقولون للزاني: سامحك الله أنت مصيب؛ لأن الله كتب عليك وأنت مجبور وأنت نفذت أمر الله، ويقولون لشارب الخمر: أنت نفذت أمر الله فلست بملام فأنت مجبور على هذا العمل، فأخطأ هؤلاء وهؤلاء، وتوسط أهل السنة وهداهم الله لما اختُلِف فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. قال أهل السنة: للعبد مشيئة، ولله مشيئة، ومشيئة العبد داخلة تحت مشيئة الله عز وجل، والله عز وجل كتب كل شيء الطاعات والمعاصي، لكن لا يجبر الله أحداً على المعصية، ولذلك يقول ابن تيمية: بعض الناس من أهل البدعة، قدري في الطاعة جبري في المعصية، تقول: لماذا لا تصلي مع الناس صلاة الفجر؟ قال: كتب الله عليَّ ألا أصلي صلاة الفجر، فإذا قلت له: لماذا شربت الخمر يا بعيد؟ فيقول: كتب الله علي أن أشرب الخمر، فقال: هو قدري في الطاعة لأنه ينفي القدر، وجبري في المعصية لأنه يقول بالجبر، والقدرية يستدلون بفعل موسى عليه السلام، فيقولون: إن موسى ينفي ويعارض القدر، وكذبوا. والجبرية يقولون: آدم يقول أنا مجبور على هذا الفعل فيستدلون بالجبر وسوف يأتي موقف أهل السنة من ذلك بإذن الله.

الرد على القدرية والجبرية

الرد على القدرية والجبرية المسألة السادسة في الحديث: كيفية نرد على القدرية بهذا الحديث؟ نقول: آدم عليه السلام يقول: كتب الله عليّ هذا قبل أن يخلقني بأربعين عاماً فهو أمر مقدر، إذاً فنقول للقدرية الذين نفوا القدر: إن الله كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض، فكل شيء عنده بقدر قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:49 - 50] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:22 - 23] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:11] يعني من يؤمن بالقضاء والقدر يهد قلبه {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن:11] {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54] فالخلق: هو خلق الله في هذا الكون، والأمر: التدبير والتصريف. إذاً: فنرد على القدرية بأن تقول: إن الله كتب مقادير الخلق قبل أن يخلقنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وليس فيه دليل للجبرية الذين يقولون: إن الله عز وجل يجبر العبد على المعاصي، فقالوا: أجبر الله آدم أن يأكل من الشجرة، وأجبره على أن يعصيه ويخرج من الجنة، فنقول: كذبتم وضللتم وخالفتم الصواب، بل آدم عليه السلام ما أجبره الله أن يأكل من الشجرة، فقد علم الله في علم الغيب أنه يأكل من الشجرة، لكنه لم يخبره، ولا ألزمه، لكنه ألزم نفسه، وهذا هو الكسب من العبد لذلك هنا أمران: فإنه قضاء وكسب، فمثلاً: من ترك الصلاة، ففي علم الله أنه يترك الصلاة، ولكن هو الذي كسب ترك الصلاة قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5]. فلا يستدل أحد بالقضاء والقدر على المعصية، فمن استدل على المعصية بالقضاء والقدر فهو جبري مخالف مبتدع ضال اتبع هواه، وهو خاسر فاجر، نعوذ بالله من ذلك، وسوف يأتي عذر آدم عليه السلام.

جواز الاحتجاج بالقدر في المصائب لا في المعايب

جواز الاحتجاج بالقدر في المصائب لا في المعايب المسألة السابعة: القدر يحتج به في المصائب لا في المعايب، من القواعد المجيدة والجيدة، أن القدر يحتج به في المصائب ولا يحتج به في المعايب؛ فإذا أصبت بمصيبة كأن يسقط ابنك من على السقف فتكسر ومات، فلا يصح أن يقول لك الناس: لماذا سقط ابنك؟ أو تقول: يا رب! كيف تسقط ابني ولا تسقط أبناء الجيران، أو كيف ترسب ابني وتنجح أبناء فلان، أو مثلاً أصابك عمى -نسأل الله أن يعافينا وإياكم وأن يمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا- فلا تقل: لماذا أصابني العمى؟ لكن تقول: قدَّرَ الله وما شاء فعل، فهذه مصائب وقعت، يجوز فيها الاحتجاج بالقدر لكن لا يستدل به في المعايب، مثل إنسان يشرب الخمر فإذا قلت: كيف شربت الخمر؟ قال: كتب الله عليّ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة أن أشرب الخمر في وادي فلان عند آل فلان بعد صلاة كذا وكذا! فهذا من الحمق، أو مثل إنسان يسرق، فتقول: كيف تسرق؟ قال: كتب الله عليَّ! أو إنسان يضرب أبناء الناس، يتصدى لهم في كل حي وحارة، ويقول: كتب الله عليَّ قبل أن يخلق السموات والأرض أن أضرب أبناء الجيران، فنقول له: لا. هذا لا يصح. وهذا عمر بن الخطاب وفد إليه سارق، فقال: لماذا سرقت؟ قال: سرقت بقضاء وقدر، قال عمر: سبحان الله! عليّ بالسكين، يظن أنها تنطلي على أبي حفص، أعطي القوس باريها، فلما أتى بالسكين وقطع يده، قال السارق: كيف تقطع يدي والله كتب عليّ أن أسرق، قال: نعم، سرقت بقضاء وقدر ونحن نقطع يدك بقضاء وقدر. فقطع عمر يد السارق تنفيذاً للأمر الشرعي، وفعل ذاك أمر كوني، ولا يعارض الأمر الكوني بالقضاء الشرعي لأن عمر رضي الله عنه وأرضاه كأنه يقول: أنت تعرف أن هذا حق وهذا باطل، هذا رشد وهذا ضلال، هذا ثواب وهذا خطأ، وإلا لماذا نحن نأتي فنحب الظل ونكره الشمس؟ في منافعنا الدنيوية نحرص على ما ينفعنا، والإنسان منا يكد ويكدح في النهار، حتى يحصل معاشه، وإذا قلت له: اجلس في بيتك بارك الله فيك وسوف يأتيك رزقك قال: لا. لابد أن العبد يكد ويشتغل ويجد وسوف يأتيه رزقه إن شاء الله، لكن إذا أتت الصلاة فلا يتحرك إلى المسجد، ويستدل بالقضاء والقدر، لماذا لا يستدل بالقضاء والقدر في المعاش؟ وفي أمر المعيشة وتدبير أحواله، وأغراضه ويستدل بها في الطاعة؟ فنلزمه بمثل ما ألزم نفسه. إذاً القدر يحتج به في المصائب لا في المعايب، لكن هنا مسألة قد يستشكلها البعض، وهي: أن احتجاج آدم عليه السلام كان في المعايب؛ فأكل الشجرة من المعايب، وليس من المصائب، أليس والخروج من الجنة من المعايب والذنب، لأنه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سماه ذنباً، ولم يسمعه مصيبة فقال: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121] فلم يقل: أبتلاه الله بمصيبة، وإنما قال: فعصى، سماه عاصياً، أليس في هذا دليل على أن آدم عليه السلام استدل بالقضاء والقدر في المعايب ولم يستدل به في المصائب، نقول: لا، يقول ابن القيم في كتاب شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل. القضاء والقدر يستدل به في مسألتين: المسألة الأولى: في المصائب. كلما أصابتك مصيبة فقل: قدر الله وما شاء فعل، ويستدل به في المعايب في صورة واحدة وهي: فمثلاً إذا تبت أنت، كنت في شبابك مسرفاً على نفسك ثم تاب الله عليك وهداك، فرءاك الناس وأنت خطيباً، ومتكلماً واعظاً، فيقولون لك: أنسيت فعائلك طول الدهر؟ أنسيت صنائعك؟ أمثلك يدعو الناس؟! فتقول: نعم قدر الله عليّ في شبابي أن أفعل، ولكن هداني الله، وهذا من باب استدلال آدم عليه السلام لموسى، يقول لموسى: أتاب الله علي الآن أم لا؟ قال: نعم تاب عليك، قال: فلماذا تلومني على أمر قد كتبه الله علي وتاب الله علي منه، وموسى عليه السلام يعلم أن الله تاب على آدم، لأن الله سبحانه يقول: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37] وقال: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] فذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه تاب عليهما، فأنت يصح لك أن تحتج بالقضاء والقدر بعد أن تتوب من الذنب، أما قبل أن يتوب الإنسان فلا يجوز له أن يحتج بالقضاء والقدر. كمثل إنسان يترك المساجد ويهجر بيوت الله، ويعصي الله عز وجل، ويتمرد على حدوده، ويقول: قضاء وقدر! نقول: كذبت لعمر الله، بل أخطأت على الله عز وجل وتجاوزت حدوده.

جواز احتجاج المذنب بالقدر في بعض الصور

جواز احتجاج المذنب بالقدر في بعض الصور المسألة الثامنة: هل للمذنب أن يحتج بالقدر؟ قد ذكرت أن ابن القيم ذكر صورة واحدة وهي أن تحتج بالقضاء والقدر إذا تبت من المعصية كما مثلت من قبل. ومسألة أخرى يجوز أن تحتج بها في القضاء والقدر، وهي: أن تبين أن كل شيء بقضاء وقدر، فمثلاً: أخطأت فتقول: هذا كتبه الله علي. لكن لا تجعله حجة ولكنك تجعله إيماناً بالقضاء والقدر، فليعرف هذا، فإنه أصل عظيم وأصل من أصول أهل السنة والجماعة.

أسباب غلبة آدم لموسى

أسباب غلبة آدم لموسى المسألة التاسعة: لماذا غلب آدم موسى؟ ما هو السبب الذي جعل آدم يغلب موسى؟ غلبه بالحجة بسببين اثنين، وهما أصلين عظيمين، وبرهانين كبيرين. أولهما: أن آدم تاب، فما هي الفائدة إذاً أن يحاجه موسى وقد تاب، وانتهى الأمر، وتاب الله عليه وغفر الله له، وأسكنه الجنة وجعل العائد من ذريته في الجنة، فلماذا يلومه؟ إنسان كان مسرفاً على نفسه ثم أعلن توبته، وأصبح من عباد الله، هل تأتي وتقول له: لماذا كنت فاجراً قبل سنوات؟ لماذا كنت عاصياً العام الأول؟ لماذا كنت تترك الصلاة؟ هذا ليس بصحيح، فقد تاب وانتهى الأمر. والسبب الثاني: أنه قضاء وقدر والله كتب عليه القضاء والقدر، فلماذا يلومه على شيء كتبه الله عليه، ولكن موسى عليه السلام يلومه على الكسب، وعلى فعله وهو إخراج الذرية بسبب هذه المصيبة.

القدرية وردهم لحديث محاجة آدم وموسى

القدرية وردهم لحديث محاجة آدم وموسى المسألة العاشرة: ردت القدرية الحديث بأمرين: أولهما: قال القدرية المعتزلة: إن هذا الحديث لا يصح، ولذلك يأتي أحدهم، أظنه العلاف أو الجبائي، ويمسح الحديث من كتب الحديث بيده، نعوذ بالله. ولذلك رئي أحدهم في المنام -كما ذكر الذهبي - كأن الله حول صورته صورة كلب وهو يمسح هذا الحديث، كيف يمسح هذا الوحي! {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4 - 5]. ولذلك يقول الجهم بن صفوان: لو كان لي من الأمر شيء لمحوت آية في القرآن، قالوا: وما هي؟ قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] وذكر ابن تيمية: أن الجهمية في عهد المأمون كتبوا على الكعبة (ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم والآية هي: (وهو السميع البصير) انظر إلى الهوى، فيأتي هذا الخبيث الفاجر ويمسح الحديث؛ لأنه يعارض مبدأه، سبحان الله! لا يؤمن بالحديث؛ لأنه صاحب هوى ومبتدع ضال، فاعتقدوا أنه يهدم مبدأهم ومنهجهم الفكري الضال هدماً، وقالوا: سبب رد الحديث أمور: أولاً: هذا الحديث ليس بصحيح، قلنا لهم: لماذا؟ قالوا: موسى أعقل وأفضل وأعلم بالله عز وجل من أن يلوم آدم على أمر قد تاب منه، ثم يقولون: وموسى عليه السلام قتل نفساً فتاب منها فقبل الله توبته، فكيف يلوم ذاك على أكل الشجرة وهو قد قتل نفساً، فهو لا يلوم أبداً، وهذا هو الفقه الأعوج فهم يردون الحديث بالهوى. ويقولون: ثانياً: لأن أهل الجرائم والمخالفات يستدلون بالحديث، يقول هؤلاء القدرية: لو وافقنا على قبول الحديث، كان كل واحد أردنا أن نقيم الحد عليه، يقول: لا، هذا بقضاء وقدر، نأتي بالسارق نقطع يده، فيقول: لا تقطعوا يدي، هذا قضاء وقدر، نأتي بالزاني الثيب نرجمه فيقول: قضاء وقدر، ولذلك قالوا: الحديث مردود -رد الله وجوههم في النار- نعوذ بالله من الهوى، ونسأل الله أن يتوب على من تاب منهم وعلى كل المسلمين.

أعذار آدم عليه السلام

أعذار آدم عليه السلام المسألة الحادية عشرة: آدم عليه السلام معذور بأمرين: أولاً: لأن في المسألة أمرين: كسب وقضاء وقدر، فأما القضاء والقدر، فقد عذره الله عز وجل؛ لأن الله كتب عليه، وأما الكسب فلأنه تاب منه، وقال: ربنا إنا ظلمنا أنفسنا، فكيف تلوم إنساناً تاب من المعصية، ورجع وعاد. ثانياً: اللوم كان بعد التوبة، فلا لوم بعد التوبة، إذاً فغلب آدم موسى وحجه، ودفع ما قال وانتصر عليه، وبقيت الصلة والقربى بينهما وكان النصر في هذا الحديث للوالد على ولده، وعرف موسى أن الحق مع آدم عليه السلام.

الأدب في الحوار

الأدب في الحوار ومن المسائل الأدب في الحوار، ذكر ذلك ابن حجر والقاضي عياض وقال: فيه أدب الحوار، فإنه ما شنع عليه ولا لامه، ولا سبه ولا شتمه، وإنما تلطف فقال: أنت أبونا الذي خلقك الله بيده، كما قال تعالى: (لما خلقت بيدي) فالله صوره من طين بيده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى تصويراً يليق بجلاله، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له الملائكة، كل هذا من الفضل، قال: ثم لامه: أنت خيبتنا وأنزلتنا إلى الدنيا، فأذنبنا، وأخطأنا وأسرفنا، وكأنه يقول: أنا قتلت نفساً، وفعلت وفعلت، وفعل بنو إسرائيل هذه المصائب والجرائم وكلها بعد أن نزلنا من الدنيا، فكيف يا أبانا فعلت بنا هذا الفعل؟ فآدم يتلطف معه ويقول: أنت موسى. أي: ليت الخطاب جاء من غيرك، كأنك تقول أنت الولد الذكي أو الرجل الكريم، ولذلك يقول عمر كما في البخاري لـ عثمان لما تأخر عن صلاة الجمعة: وتأتي في هذا الوقت! لأن عثمان من مشاهير الإسلام ومن السابقين ومن العشرة المبشرين بالجنة فكيف يتأخر! أي ليت التأخر من غيرك؛ فإنه لو كان الخطاب من موسى ما كان قال آدم ذلك، فقال: أنت موسى الذي اصطفاك برسالاته، وكلمك، وكتب التوراة لك بيده، كيف تلومني على هذا؟!

الحكم الربانية في خروج آدم من الجنة

الحِكم الربانية في خروج آدم من الجنة قال ابن حجر: وفيه تعريض من آدم لموسى كأنه يقول: يا موسى ما حصلت لك هذه الكرامات إلا بعد أن نزلت أنا من الجنة، وإلا لو كنا بقينا في الجنة ما كان لك هذه الكرامات، والمراتب العالية، هل لو بقي آدم في الجنة كان هناك فرعون، ولما أرسل الله موسى إليه، ولما ضرب البحر بعصاه، ولا كان معه الحية والثعبان. فكأنه يقول: اتق الله عز وجل، واحمد الله على هذا الفضل، فبسبب نزولي من الجنة إلى الدنيا حصلت لك هذه المقامات العلية وإلا لو بقيت أنا في الجنة كنت أنت بقيت من سائر الناس، ولما كان هناك ابتلاء، ولذلك فلله الحكم البالغة، كيف أنزل آدم؟ لكن الظاهر أن نزول آدم من الجنة كان مصيبة، وإننا نسترجع منها، ونقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، كلما ذكرناها قلنا: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ لأنها مصيبة وسبب كونها مصيبة لأمور: أولاً: لو كنا في الجنة ما كان علينا تكاليف، لا صيام ولا صلاة ولا حج ولا عمرة ولا زكاة، وكنا مرتاحين. الأمر الثاني: ما كان علينا مصائب وآلام وأحزان، فهذا مشلول وهذا مبتلى بالعمى، وهذا بالصمم، والمستشفيات مليئة، وحوادث السيارات، والأزمات، وغلاء الأسعار، وتخريب البيوت، والدمار والبراكين والحروب، وضرب الطائرات والصواريخ، كل هذه المصائب ما كانت توجد، وكنا في أمن وسكينة في الجنة. والأمر الثالث: لو كنا في الجنة، ما كان انقطع نعيمنا أبداً، لكن هناك نعيم أراده الله عز وجل لنا: أولاها: أن الله عز وجل لما أنزل هذا الخلق منهم الأنبياء والرسل ومنهم الشهداء والصالحون، ومنهم الأخيار والذاكرون، ومنهم الصوام والقوام، ومنهم العباد والدعاة، ومنهم المجاهدون والمستبسلون، فهذا فضل من الله عز وجل. ثم الفضل الآخر أن الله عز وجل جعل منازل الجنة بهذه المنازل، ثم الأمر الآخر: أن الله امتحننا بالعبودية فصدقنا، فإنك إذا أتيت تعطي ابنك الجائزة بعد أن بذل وجد في الامتحان؛ كان في نفسك اطمئنان أنك أعطيته بحق، وهو يفرح لأنه أدى وعمل، وأما الطفل الصغير الذي لا يعرف ألف ولا باء ولا تاء ولا جيم ولا ثاء، فتأتي تعطيه الجائزة هو سيأخذها وهو يدري أنه ليس هناك جدارة، وأنت في نفسك لست فرحاناً بهذه الجائزة التي أعطيته، وذلك لأنه يكسر نوافذ الناس بالحجارة، أو يؤذي الناس بصوته، لكن مادام قد أعطيته هذا الفضل فقد استحق الفضل هذا، فهو من أرباب الفضل. فالأدب في الحوار كان وارداً، وكان سمتاً حسناً، ولذلك لما قرأ صلى الله عليه وسلم سورة الكهف أخذ يسافر بروحه وبكيانه مع موسى والخضر وهما في سفر عجيب وفي حوار غريب، فلما انتهى القصص، قال الخضر عليه السلام: هذا فراق بيني وبينك، قال صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يستمر في الحوار، يقول: {يرحم الله موسى ليته صبر حتى يقص علينا من خبرهما} كأنه صلى الله عليه وسلم يقول: استعجل موسى، وليته صبر قليلاً حتى نسمع كثيراً من الأخبار العجيبة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعيش الأنس والمتعة، ويعيش التربية والأدب، ويعيش التفقه مع القرآن، كان يقرأ القرآن -كما يقول سيد قطب - على خلاف ما نقرأه الآن، الواحد منا إلا من رحم الله إذا قرأ سورة القصص، يفكر: متى ينتهي منها ويمر بقصة موسى عشرين مرة، وهي قصة معروفة يعرفها حتى الأطفال، ولكن في قراءتها متعة ما بعدها متعة، وسلوى ما بعدها سلوى، ولذلك يتنقل بك القرآن في حدائق غناء وقصص عجيبة، وهو كتاب السماء، وهو كتاب الأعاجيب، مرة يقص عليك قصة يوسف وأنت تعيش معه في الجب وفي القصر، ثم في السجن، ومع الأبناء ومع الإخوة، وفي الرؤية، فما تنتهي من السورة حتى امتلأت علماً ويقيناً وإيماناً، ومرة يمر بك في الحدائق الغَنَّاء فيصف لك الأشجار السامقة، والتلال الوامقة، والنجوم اللامعة، والشمس الساطعة، وخرير الماء، وزقزقة العصافير، ويتركك من هذا المشهد، وينتقل بك إلى يوم القيامة، فإذا الأهوال: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:1 - 5] وبينما أنت في ذلك الرعب ينتقل بك في ساحة الجهاد وإذا السيوف تلمع، وإذا الرماح تأخذ الأنفس والأرواح. ولذلك يقول أبو العلاء المودودي في كتاب كيف تقرأ القرآن وهو كتاب من أحسن ما كتب، يقول: العجيب في القرآن أنه ليس كأي كتاب من كتب البشر، نحن الآن البحوث التي تقدم في الكلية، أو في أي مؤسسات علمية، يأتي أولاً قال: البحث فيه ثلاثة أبواب، والباب فيه أربعة فصول، والفصل فيه مطالب، والمطلب فيه فقرات، وهنا فهرس، ومقدمة الباحث، وكلام المشرف، والتعقيب، والحاشية، لكن القرآن لا يسلك هذا المسلك، يسلك بك مسلكاً عجيباً يتحدث لك في الكون، وبينما تقول سوف يستمر في الكون ينتقل بك إلى الطلاق، وأنت في الطلاق ومصارعة الزوج مع زوجته والمشاكل العائلية، وإذا بك في الحديقة وهو يتكلم لك عن الأزواج البهيجة، في الورود والزهور والماء، وبينما أنت كذلك وإذا به يدخل بك على الملوك، ويأمرهم بالعدل {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص:26]. ومن أسرار القرآن أنه لا يدعوك إلى فن من الفنون التي أتى بها البشر، هو ليس كتاب هندسة، وقد سبق هذا الكلام، ولذلك بعض الناس يقول في القرآن هندسة، فنقول له من أين الهندسة؟ قال: فيه دليل على أن الخط المستقيم أقرب خط بين نقطتين، قلنا: من أين؟ قال: من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] هذا ورد في تفسير موجود، ويقول: الخط المثلث دائماً زواياه منفرجة، قلنا: من أين؟ قال: من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة المرسلات: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات:30 - 31] فهذا ليس بصحيح. وقال آخرون: القرآن كتاب جغرافيا، لأنه ذكر التضاريس، وذكر المناخات والمحيطات وهذا ليس بصحيح، وقال آخرون: القرآن كتاب طب، من أين؟ نعم هو يذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لمحات لكن القرآن كتاب هداية، يهدي البشر، ويحكم الدنيا بحكم الله، ويقود الإنسان إلى الله، الذي لا يعرف السر هذا فسوف لا يهتدي بالقرآن الكريم كثيراً. القرآن كتاب هداية، وليس كتاب تاريخ ولا جغرافيا ولا هندسة ولا طب، وما أخبرنا متى ولد فرعون وكم عند فرعون من الأبناء والبنات، ولا متى توفي، إنما أخبرنا أنه مجرم، وأنه ضل، وأخبرنا أن موسى مهتد، وأنه دعاه إلى الله، ولا أخبرنا متى انتقل صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ومتى وصل إلى المدينة بحفظ الله ورعايته في الساعة كذا من يوم كذا في تاريخ كذا، ومن الذي كان على كبار مستقبليه، وكيف استقبل بحفاوة وتكريم، لا، ولم يخبرنا عن قارة آسيا ولا إفريقيا ولا أمريكا الشمالية والجنوبية، ولا استراليا. ولم يخبرنا عن المناخ كذلك، أن الرياح تنخفض في المنخفضات وترتفع في المرتفعات، وأنها إذا هبت في وقت البرودة فهي باردة، وإذا هبت في وقت الحر فهي حارة، لا، إنما أخبرنا أنه يريد أن يقود الإنسان إلى الله.

مذهب أهل السنة في الجنة التي أخرج منها آدم

مذهب أهل السنة في الجنة التي أخرج منها آدم المسألة الثالثة عشرة: الجنة التي أخرج منها آدم جنة الخلد، وهذه مسألة خلافية بين أهل السنة، حتى يقول بعضهم: هذه الجنة في الدنيا وليست جنة الخلد؛ لأن من يدخل الجنة لا يخرج منها، هذا شيء؛ ولأنه كيف أخرج آدم من الجنة، هل سقط من السماء وما أخبرنا الله كيف سقط، ولا الوسيلة التي نزل منها، ولكن الصحيح أنه كان في جنة الخلد، لعدة أمور: أولاً: قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا} [طه: 123] فدليل على أنه هبط من علو وقال: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ} [طه:118 - 120] وهذا دليل على الذين قالوا: إن جنة الخلد ليست في السماء، لكن قالوا: الشيطان كيف يدخل الجنة؟ الشيطان لا يدخل الجنة، ولذلك يأتي بعض الخرافيين يقول: الشيطان لما أراد أن يدخل الجنة احتال بحيلة، قلنا: ما هي الحيلة؟ قال: ابتلعته حية، ثم دخلت الحية الجنة، يعني كأن الله عز وجل بغفلة عن هذا، وهو يخادع من؟! رب السماوات والأرض، الذي خلق الجنة وخلق الناس، وكأن علم الله لا يدرك أن في باطن الحية شيطاناً، ورد هذا في بعض كتب التفسير، والصحيح أنه وسوس، وأنه ابتلى به العبد حتى في السماء، لما خلق الله آدم كان الشيطان موجوداً ذاك الوقت، وما أعلم دليلاً على أن الشيطان لم يكن في الجنة، لكن هناك دليل على أن الشيطان لا يدخل الجنة فيما بعد، فالجنة التي أخرج منها هي جنة الخلد، التي نسأل الله عز وجل أن يعيدنا إليها: فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو من هو العدو؟ إنه الشيطان، يقول ابن القيم: يا عبد الله، عد إلى جنتك الأولى التي كان فيها أبوك، فمن يشابه أبه فما ظلم، فأنت إذا أذنبت فتب حتى تعود إلى الجنة، لأنها دارك الأولى. ومما يجب على المسلم أن يعتقده في القضاء والقدر: أن يؤمن بالقضاء والقدر، ويفعل الأسباب، فإن القضاء والقدر لا ينافي فعل الأسباب، فمن نفى القضاء والقدر فقد نفى أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، وقد ابتدع في دين الله، ومن عطل الأسباب فقد تخاذل وأصابه الوهن والكسل والعياذ بالله. إذاً فنحن مأمورون أن نفعل الأسباب، ونؤمن بالقضاء والقدر، يقول رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن ناقته قال: يارسول الله أأعقل ناقتي أم أتوكل؟ قال: اعقلها وتوكل، فنحن أهل سبب وأهل إيمان بالقضاء والقدر، فمن أراد أن ينجح فليسأل الله تعالى النجاح وليثابر على المذاكرة؛ فإن الله عز وجل سوف يوفقه ويهديه سواء السبيل، فالأسباب لا يعطلها القضاء والقدر. وبعض الناس يبلغ بهم التواكل إلى إيمانهم بالقضاء والقدر، فيقولون كل شيء بقضاء وقدر، فلا نحرص على شيء ولا نفعل شيئاً، وبعضهم يحرص على الأسباب، ولذلك ذكروا عن بعض الحمقى، قيل جحا وقيل غيره، كان يريد أن يشتري حماراً من السوق، فقيل له: أين تريد؟ قال: أريد أن أشتري حماراً، قالوا: قل إن شاء الله، قال: لماذا أقول إن شاء الله؟ الدراهم موجودة والحمار موجود في السوق، فذهب فضاعت منه الدراهم، فعاد إلى بيته قالوا: أين الحمار؟ قال: ضاعت الدراهم إن شاء الله! فالآن تذكر (إن شاء الله عز وجل) فالآن أبطل القضاء والقدر، وبعض الناس من أهل التصوف أبطلوا الأسباب، فبعضهم يخرج في الصحراء، قيل له: خذ خبزاً، قال: لا. الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هو الرزاق العليم، فيذهب فإذا توسط الصحراء بحث وبحث ودعا الله أن ينزل له خبزاً من السماء، ثم يموت، لأنه ترك الأسباب. وقد ذكر ابن تيمية عن هؤلاء المتواكلين الصوفية عجائب لا يعلمها إلا الله عز وجل، لكن نحن أهل الإسلام وأهل السنة -نسأل الله أن يجعلنا منهم- مأمورون أن نؤمن بالقضاء والقدر، ونؤمن بتعاطي الأسباب، وسمعت أنا شخصاً -نسأل الله أن يهديه- يقول لزميله وهو يذاكر، قال: ذاكر والله لن تنجح إلا بالمذاكرة، لأن ذاك كان يدعو بعد الصلاة، قال: ضيعت الوقت يا أخي تعال ذاكر، قال: أنا أدعو الله بالنجاح، قال: النجاح أن تذاكر لا أن ترفع يديك بعد الصلاة، نعوذ بالله، وهذا فجور وفسق، إن فعله بجهل فيُعَلَّم، وإن كان علم فإنه فاجر فاسق، فنحن مأمورون بكثرة الدعاء وببذل الأسباب، وإذا بلغت الأمور مبالغها، وقد اجتهدنا فلا لوم، المعاتبة تأتيك والأسف إذا لم تفعل شيئاً ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال عليه الصلاة والسلام: {احرص على ما ينفعك} انظر ما أحسن اللفظ: {احرص على ما ينفعك} من أمور الدنيا والدين {واستعن بالله ولا تعجز} لأن العجز مخالفة الأسباب أو تركها {فإن أصابك شيء؛ فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، لكن قل: قدر وما شاء فعل} فهذا معنى قدر الله وما شاء فعل، هذا مكانها، وهذا موضعها، إنسان يذاكر لينجح، فلما ذاكر وسهر وبذل ولخص وراجع، وشرح وأدمن القراءة، كتب الله عليه أن يرسب؛ فله أن يقول: قدر الله وما شاء فعل، فنقول: صدقت وأحسنت وآجرك الله على هذه المصيبة، لكن إنسان نام وكتبه ليست موجودة ولا يدري ما هو المقرر، ودائماً يسأل الناس قبل دخول القاعة، ويقول: النجاح على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ثم رسب، فيقول له الناس: ما لك؟ فيقول: قدر الله وما شاء فعل، كلامه صحيح لكنه ملام، لأن كسبه ليس معه، فلم نلم الأول لأنه كسب وكسبه معه، فكسبه يدافع عنه، وهذا نلومه لأنه ليس له كسب.

بيان معنى قوله: (وأعطاك كل شيء)

بيان معنى قوله: (وأعطاك كل شيء) المسألة الرابعة عشرو: من المسائل التي وردت معنا يقول آدم عليه السلام لموسى: {وأعطاك كل شيء} هنا يمدح آدم موسى فيقول: {أعطاك كل شيء} يقول ابن حجر: هذا عام يريد به الخصوص، ونحن نعرف أن الله عز وجل لم يعط موسى كل شيء، ما أعطاه فضلاً مثل محمد عليه الصلاة والسلام، ولا أعطاه الشفاعة الكبرى، ولا ختم به الرسل، ولكن المعنى: أعطاك كل شيء مما تقبله أنت أو مما أعطاك، مثل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للملكة بلقيس كما في سورة النمل قال: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل:23] مع العلم أنها لم تؤت من هذه الوسائل العصرية، لا التلفون ولا طائرة، ولا صاروخ ولا سيارة، ولا أوتيت حتى من ملك سليمان، ليس عندها من الجن من يصنعون لها جفان كالجواب، وقدور راسيات، وما آتاها الطير، وما كان لها الريح، وما سخر لها بعض الأمور، لكن هذا عام أريد به الخصوص، يعني مما تقبل، أو مما يقبل الملك أو يقبله الملك. مثل ذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:25] الريح هذه هل دمرت كل شيء؟ لا، ما دمرت السماء الأرض، ولا دمرت الهواء، وإنما قال: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:25] وبعدها يدل على أنه لم يرد به كل شيء، قال: {فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25] بقيت المساكن، فدمرت ما يقبل التدمير. ولك في العموم أن تقول: جاء الناس ما بقي منهم أحد، من كثرتهم وقد بقي منهم ألوف مؤلفة، أو تقول: ذهب الناس للحج جميعاً وما بقي أحد وقد بقي منهم ألوف مؤلفة، فهذا إذا رأيته في القرآن فهو من العام الذي أريد به الخصوص، وقد يراد بالخصوص العموم في سور أخرى، وهذا مكانها في كتب أصول الفقه.

مراجعة الفاضل من هو أفضل منه

مراجعة الفاضل من هو أفضل منه المسألة الخامسة عشرة: مناظرة العالم لمن هو أعلم منه، والابن أباه، على المسلم أن يتواضع وأن يقبل الحق من أي أحد، وللتلميذ أن يسأل الشيخ، يقف التلميذ ويقول للشيخ: كيف تفعل كذا وكذا؟ ولذلك يقول أحد الصوفية: لا يفلح التلميذ إذا قال لشيخه: لماذا هذا الأمر؟ قال الذهبي معلقاً عليه: والله يفلح ثم يفلح والدين عند الصوفية ألا ترفع أذنك ولا رأسك ولا عينك، وكل ما يقال لك تأخذه، ولذلك تطمس عندهم الذاكرة، وهذا دين النصرانية فهم يؤمنون بأن الواحد ثلاثة، وإذا قلت: لماذا؟ قالوا: أنت لا تصلح في الكنيسة، أنت نجس! مع أن الطفل الذي عمره ثلاث سنوات يعرف أن الثلاثة ثلاثة، لكن هم يقولون: الواحد ثلاثة، إذا قلت: لماذا الواحد ثلاثة؟ قالوا: أنت لا تصلح للنصرانية، بينما الله عز وجل ذكر لنا العقل في القرآن قال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] وقال: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] يقول: أي إنسان يريد أن يجادلك في مسألة، قل: هل عندك دليل؟ عليك بالدليل حتى ولو كان من كان، ولو كان شيخ الإسلام ابن تيمية، إذا جاء بمسألة؛ لك أن تمسك بتلابيب ثوبه بلطف، وتقول: يا شيخ الإسلام يا ابن تيمية! ما هو دليلك في هذه المسألة؟ هل عندك دليل من المعصوم صلى الله عليه وسلم، فأي إنسان لا يمكن أن يشرع في الدين، إذا قال لك أحد: هذه المسألة الصحيح فيها كذا وكذا، فتقول: لماذا الصحيح فيها؟ قال: لأن فلاناً فعله، وهل فلان مشرع، هؤلاء يحتج لأقوالهم ولا يحتج بأقوالهم، هم بحاجة إلى أن نبحث لهم عن أدلة من الكتاب والسنة، ولسنا بحاجة إلى أن نجعل أقوالهم أدلة ,ولذلك الهدهد جاء من اليمن، ووقف عند سليمان الملك، سليمان العظمة والعزة عليه السلام، الذي يقول: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35]. لذلك نسب إلى الحجاج نسأل الله العافية، يقول: أظن، سليمان كان فيه حسد، قالوا: استغفر الله، قال: نعم، يقول: {وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35] نعوذ بالله وعليه من الله ما يستحقه، بل سليمان أراد الملك ليسخره في طاعة الله عز وجل، فلما أتى الهدهد قال: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} [النمل:22] يقول: عندي علم، وعندي شيء أنت ما أدركته، فتواضع له سليمان عليه السلام. إذاً: فالعالم يباحث ويسأل، وإذا رأيت الأستاذ والمدرس والمعلم في الفصل يلغي الأسئلة، ويلغي الحوار فاعرف أنه لأحد سببين: إما أنه فاشل ليس عنده من العلم شيء، فلا يريد أن يفضح نفسه بين الناس، أو أنه دكتاتوري ظالم، يريد أن يفرض سيطرته في الفصل ويلغي عقول الناس، يقول لخمسين تلميذاً أو ستين أو مائة بعد أن يلغي إرادتهم تماماً: هذا الحق الموجود، فإذا رفع أصبعه قال: اسكت، خذ هذا وفي الامتحان تجيب بهذا. وإلا فالرسول عليه الصلاة والسلام أعلم الناس وأهداهم وأفقههم وأخشاهم، سأله الصحابة وأجاب، وسأل الأمم أنبياءهم بلا تعنت وأجابوا، وسأل التلاميذ علماء الإسلام فأجابوا، فالسؤال للتعليم وارد.

إثبات القدر وخلق أفعال العباد

إثبات القدر وخلق أفعال العباد المسألة السادسة عشرة: إثبات القدر، وخلق أفعال العباد، فأفعالنا مخلوقة، فمثلاً: إذا وضعت يدي هكذا، فهذا الشيء قد كتبه الله قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، أخذ الحسن البصري أصبعه فوضعها في راحته، قال: والذي لا إله إلا هو لقد كتب الله وضع أصبعي هذه على يدي قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كل شيء وقع في الكون من ذرة أو حركة أو سكنة أو لفظة أو لمحة أو ضوء، أو مسار أو أي شيء فهو بقضاء وقدر {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96]. لذلك بوّب البخاري بـ خلق أفعال العباد، وأتى فيه رحمه الله بمسائل وهو من أهل السنة وأئمتهم. وفي الختام نسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لطاعته وأن يفقهنا في دينه، وسلام على آدم يوم وقف في موقف الحوار، وسلام على موسى يوم ناقش أباه وجلى الأمر على جلية، وسلام على أنبياء الله المرسلين وعلى عباده الصالحين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، ووفقنا لكل خير، وخذ بأيدينا إلى كل رشد. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

مع الذاكرين

مع الذاكرين إن الذكر أفضل العبادة بعد الفرائض، وهو شبه إجماع بين أهل العلم، وما ذاك إلا لعظمته، ولأنه هو الحبل المتين بين العبد وربه، وفي هذا الدرس بيان فضل الذكر في القرآن والسنة، وأخبار الذاكرين، وفوائد الذكر، والفرق بين الذكر الشرعي والذكر البدعي.

وقفات مع الذكر والذاكرين

وقفات مع الذكر والذاكرين الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. درس هذا اليوم بإذن الله وقدرته عنوانه: (مع الذاكرين). وعناصر هذا الدرس أذكرها، ثم أزف لكم بشرى التائبين. فضل الذكر في القرآن، ثم فضله في السنة، وأخبار الذاكرين، وهديه صلى الله عليه وسلم في الذكر، وأقسام الذكر، ومن هم الذاكرون الله كثيراً، مناسبات الذكر وفوائده وأوقاته، وآخرها الذكر الشرعي والذكر البدعي.

الوقفة الأولى: فضل الذكر في القرآن الكريم

الوقفة الأولى: فضل الذكر في القرآن الكريم إن العودة إلى الله حسنة جميلة ولكنها في رمضان أحسن وأحسن، والتوبة النصوح واجبة على كل مسلم ومسلمة، لكنها في رمضان أوجب وأوجب، وهنيئاً لمن تاب في هذا الشهر وعاد إلى الله، وراجع حسابه مع ربه وعلم أنه سوف يلقاه. وأزف لكم بشرى أن كثيراً من شباب الإسلام في هذه الأيام المنصرمة من أول رمضان قد عادوا إلى الله وأعلنوا توبتهم وراجعوا حسابهم مع الله، والله يقول لهم في محكم كتابه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. كان منبر الرسول عليه الصلاة والسلام ثلاث درجات من خشب وفي رمضان {رقى عليه الصلاة والسلام المنبر في المدينة، رقى الدرجة الأولى، فقال: آمين، ثم رقى الثانية، فقال: آمين، ثم رقى الثالثة، فقال: آمين. قالوا: يا رسول الله! ما معنى آمين؟ قال: جاءني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل عليك، قلت: آمين، ثم قال لي: يا محمد! رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة، قل: آمين، قال: قلت: آمين. ثم قال لي: يا محمد! رغم أنف من دخل عليه رمضان وخرج ولم يغفر له، قل: آمين، فقلت: آمين} رغم أنفه، أي: ألصق بالرغام، والرغام هو دقيق التراب، أي: خسئ وخاب وخسر وبعد عن الله عز وجل يوم أدركته هذه الفرصة الذهبية الهائلة، التي لا تتكرر إلا قليلاً، ثم فوتها وضيعها. إخوتي في الله: أعظم درس في رمضان أن يتوب العبد مع أهله وأسرته وبيته، ويعيش عيشة إسلامية، والذين لم يهتدوا إلى الطريق فإنهم مساكين، وكذلك الذين ما عرفوا ذكر الله، ولا كتابه ولا الطريق إليه. من هنا كان حقاً على المسلم أن يذكر إخوانه في هذا الشهر بدرس عظيم، طالما ذكَّرَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو درس الذكر: ذكر الله تبارك وتعالى. أما فضل الذكر فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد العاشر من فتاويه: أفضل العبادات بعد الفرائض الذكر، وهو شبه إجماع بين أهل العلم. شبه إجماع أن أفضل النوافل بعد الفرائض ذكر الله تبارك وتعالى، ولكن ننصت نحن وإياكم إلى قضايا لننفذ إلى مسائل. طريقان موصلتان إلى رضوان الله تبارك وتعالى: طريقة الفكر، وطريقة الذكر. التفكر في آلائه ونعمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والذكر لأسمائه وصفاته وذكره الشرعي، قال سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]. الصالحون إذا اجتمعوا ذكروا الله، والفجرة إذا اجتمعوا تذاكروا ما يقربهم من الشيطان، ذكر الصالحين تسبيح وتحميد وتكبير وتهليل، وذكر المعرضين غناء ومجون وسفه وغيبة ونميمة وفحش. يقول الأول: إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس يقول: يا رب! قلوبنا إذا مرضت تداوت بذكرك فصحت، أما قلوب اللاغين فتمرض من كثرة اللغو فلا تحيا ولا تصح أبداً. قال سبحانه: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] والقلوب مهما علقتها بلذائذ الدنيا فلن تطمئن أبداً، تعلق بعض الناس بالمناصب، وبعضهم بالقصور، وبعضهم بالأموال، وبعضهم بالأولاد، ولكن لم تصح قلوبهم ولا طابت، وما انشرحت صدورهم أبداً؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) [طه:124 - 126] ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:41 - 42].

الوقفة الثانية: معنى قوله تعالى: (اذكروا الله ذكرا كثيرا)

الوقفة الثانية: معنى قوله تعالى: (اذكروا الله ذكراً كثيراً) وهنا كلام لأهل العلم، في معنى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:41] متى يكون الإنسان من الذاكرين الله كثيراً؟ يقول ابن الصلاح: من ذكر الله في الصباح وفي المساء بالأذكار الشرعية المأثورة عن معلم الخير، فهو من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [[ذكر الله كثيراً أن تذكره في الليل والنهار، وفي الحل والترحال، وفي السراء والضراء]]. وقال ابن تيمية: من داوم على الأذكار الشرعية التي علمها معلم الخير عليه الصلاة والسلام وذكرها، كذكر دخول المسجد والخروج منه، ودخول الخلاء والخروج منه، والاستيقاظ والنوم والبدء بالطعام والانتهاء منه، ولبس الثوب وغيرها فهو من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات. وقال بعض العلماء: ذكر الله كثيراً ألا يجف لسانك من ذكره. والدليل على ذلك حديث عبد الله بن بسر في الترمذي وأحمد بسند صحيح، قال: {جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} قالوا لأحد الصالحين وهو في سكرات الموت: اذكر الله. قال: ما نسيته لأذكره. وكان الجنيد بن محمد رحمه الله -وهو من أولياء الله الصالحين- في سكرات الموت يقرأ القرآن، قالوا: أنت مشغول بالموت عن القرآن، قال: ومن أحوج الناس إلى العمل الصالح إلا أنا. وقال سبحانه في كتابه: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152]. يقول أحد الصالحين: والله إني أعلم متى يذكرني ربي، قالوا: متى يذكرك ربك؟ قال: إذا ذكرته. يقول سبحانه: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152]. هل تذكرونا مثل ذكرانا لكم رب ذكرى قربت من نزحا واذكروا صباً إذا هادى بكم شرب الدمع وعاف النزحا أيها الإخوة الأبرار: ذكر الله في الكتاب على أضرب، إذا ذكر الذكر مطلقاً فمعناه التسبيح والتهليل والتحميد، ويذكر مقيداً ويبين القيد الذي ذكره الله معه.

الوقفة الثالثة: فضل الذكر في السنة

الوقفة الثالثة: فضل الذكر في السنة اسمع إليه عليه الصلاة والسلام وهو يتحدث عن فضل الذاكرين، يا شيخاً كبيراً شابت لحيته وشاب رأسه ورق عظمه! ألا أدلك على أحسن الأعمال؟ عليك بذكر الله. يا شاباً قوي البنية بهي الصورة ألا أدلك على عمل يكفل لك أحسن الأعمال! عليك بذكر الله، لن تجد أبداً أفضل من الذكر، في صحيح مسلم عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال للصحابة: {سيروا هذا جمدان - جمدان جبل في خليص، لا يزال يبيت ويصبح ويمسي مع أهل خليص، جبل رآه عليه الصلاة والسلام كبير- فقال للصحابة: سيروا هذا جمدان سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات} والمفرد قالوا: هو الذي قطع صفته بالعمل الصالح، وقيل المفرد: هو الذي امتاز بالعمل، أي: امتاز بالذكر من بين إخوانه، وتجد الناس في المجالس كلٌ يذكر ما يحب. يقول الغزالي صاحب الإحياء، محمد بن محمد أبو حامد: إذا دخل مجموعة في مجلس تكلم كل واحد منهم عما يحب، أو بما يحب، فالنجار إذا دخل في المجلس تجده يتكلم في الخشب وفي الأبواب، وكيف ركبت، وكيف صرفت، وكيف أخرجها النجار وصقلها. أما الحداد فيتكلم في الحديد وفي تركيبه، وأما البناء فيتكلم في روعة البناء، وأما النقاش فيتكلم في الطلاء وفي نقشه من أصفر وأحمر وأبيض، وأما صاحب القماش والبزاز فيتحدث في الأقمشة. ولكن أولياء الله يذكرون الله ويتحدثون فيما يقربهم من الله، والذاكرون هم أقرب الناس إلى الله تبارك وتعالى. يقولون: إن يوسف عليه السلام -وناقل هذه القصة ابن رجب في جامع العلوم والحكم - نزل الجب يوم أنزله إخوانه، وكان غلاماً صبياً، أنزلوه في الجب وهو البئر، وقيل: فيه صخرة وبقية ما حول الصخرة ماء، فنزل على الصخرة في الليل، لا رفيق ولا صاحب إلا الله، ولا مؤنس إلا الله، فأخذ يذكر الله حتى يقول: كانت الحيتان تهدأ في البحر ولا يهدأ هو من التسبيح، وكانت الضفادع تسكن من النقنقة، ولا يسكن هو من ذكر الله، فالله حفظه؛ لأنه حفظ الله. ويقول سبحانه عن يونس بن متّى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144]. والمسبحون هم: الذين يجري ذكر الله على ألسنتهم في الضراء والسراء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح عند الترمذي وغيره: {ألا أدلكم على أفضل أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورِق، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله} أعظم من نوافل الجهاد، وأعظم من نوافل الصدقة، ونوافل الصيام؛ ذكر الله تبارك وتعالى دائماً.

الوقفة الرابعة: من أخبار الذاكرين

الوقفة الرابعة: من أخبار الذاكرين أما أخبار الذاكرين في ذلك: فورد أن خالد بن معدان كان يذكر الله في اليوم أربعين ألف مرة. وأما يوسف بن أسباط، فقالوا: كان يذكر الله مائة ألف، ويسبح الله ويهلله ويكبره. فهؤلاء قوم قضوا أنفاسهم مع الله، ولا إله إلا الله كم نتكلم ونتحدث ونلغو، وكم نلهو، فأي نصيب جعلناه لذكر الله؟! وأي وقت صرفناه للذكر؟! يقول عليه الصلاة والسلام عن الذكر والذاكرين في صحيح البخاري عن أبي موسى: {مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه، كمثل الحي والميت}. فالذين لا يذكرون الله فإن كانوا يأكلون ويشربون، ويغنون ويزمرون، ويطبلون ويسرحون ويمرحون فهم أموات، كما قال الله: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل:21] الميت حقيقة هو: الذي لم يعش مع القرآن والإيمان والمسجد وطاعة الله عز وجل، وما استنار بنور محمد عليه الصلاة والسلام، والذي لم يعرف معنى الحياة، قال الله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. والظلمات هي: ظلمات المعصية والشهوة، والبعد عن الله تبارك وتعالى، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم في الصحيح: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس} وفي رواية: {أو غربت} الدنيا سهلة، ذهبها رخيص، وفضتها رخيصة، ويوم توزن بالأعمال لصالحة لا قيمة لها، لأن قول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلى محمد عليه الصلاة والسلام مما طلعت عليه الشمس أو غربت. وعند الترمذي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة} انظروا كم يفوتنا من النخلات، لا إله إلا الله! لو غرسنا بهذا الذكر عند الله في دار الرضوان كنا من الفائزين؟! فاعمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها

الوقفة الخامسة: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الذكر

الوقفة الخامسة: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الذكر يقول ابن القيم رحمه الله: كان الرسول عليه الصلاة والسلام يذكر الله دائماً، نفسه ذكر، وكلامه ذكر، وأفعاله ذكر، يذكر ربه في الليل والنهار، قلبه معلق مع الله وهو مع الناس، وهو يتبسم، وهو يقاتل، وهو يفتي، وهو يعظ، وهو يأكل، وهو يشرب، وهو ينام، وكل حياته عليه الصلاة والسلام ذكرٌ لله تعالى، قال الله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]. كان دائماً مع الله، وله ميزة وخصيصة عليه الصلاة والسلام أنه إذا نام لا ينام قلبه، أما نحن فقلوبنا تنام إذا نمنا، ولذلك لا ينتقض وضوءه صلى الله عليه وسلم إذا نام، وفي الصحيح أنه قام لصلاة الفجر؛ فقدم له الماء فقال: {يا عائشة إنها تنام عيناي ولا ينام قلبي} فهذه من خصائصه عليه الصلاة والسلام أنه حيٌ سواء نام أم لم ينم. نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك فهو عليه الصلاة والسلام ذاكر لله دائماً وأبداً، فحري بالمسلم أن يقتدي به، وهذا الشهر هو شهر مدرسة وتربية، ومن لم يذكر الله في هذا الشهر ويراجع حسابه مع الله فمتى يذكر الله؟! من لم يجعل له من شهر رمضان وقوداً للتوبة والعودة إلى الله، والندم والأسف على ما مر من أيام انتهت وانقضت، وساعات تمزقت مع العابثين واللاهين، وليال أغلى من الذهب والفضة ذهبت مع المعرضين، وأوقات أحلى من العسل فاتت وذهبت فمتى يتوب ويندم؟: {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:31] {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] التفريط لا يدركه العبد إلا إذا قدم على الله: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني

الوقفة السادسة: أقسام الذكر

الوقفة السادسة: أقسام الذكر أقسام الذكر ثلاثة أقسام: القسم الأول: ذكر بالقلب واللسان، وهو أرفع الذكر وأعظمه، فالذكر أن تذكر الله بقلبك ولسانك، تسبح باللسان وأنت تتفكر في معنى التسبيح، تستغفر باللسان وأنت تتفكر في معنى الاستغفار، وتصلي على الرسول عليه الصلاة والسلام بلسانك وأنت تعيش بقلبك معنى الصلاة، فهذا أرفعها. القسم الثاني: ذكر الله بالقلب بلا لسان: من الناس من لا يحرك لسانه، لكن قلبه يذكر الله. القسم الثالث: ذكر الله باللسان بغير القلب، وهذا مأجور عليه العبد، ولو أنه لا يصل إلى درجة ذكر القلب، ولا ذكر القلب باللسان، لكن يؤجر عليه، والدليل على ذلك ما رواه الترمذي بسند صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {يقول الله تبارك وتعالى: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه} وقوله عليه الصلاة والسلام عند الترمذي عن ابن بسر: {لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} فدل على أن ذكر اللسان بغير قلب يؤجر عليه العبد. أبو مسلم الخولاني، أحد التابعين الكبار، يقولون: كانت لسانه لا تفتر من ذكر الله، دخل على الأسود العنسي مدعي النبوة عليه لعنة الله في صنعاء اليمن، أحد الثلاثين الكذابين الذين زعموا أنهم أنبياء- فدخل أبو مسلم الخولاني على الأسود العنسي فكذبه، فقال له الأسود: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع شيئاً، فجمع له حطباً، وأوقد ناراً، وأُتي بهذا الرجل الصالح فألقوه في النار؛ فجعلها الله برداً وسلاماً عليه، فلما قدم على أبي بكر، عانقه أبو بكر وعمر، وقالوا: مرحباً بمن فُعل به كما فعل بإبراهيم الخليل عليه السلام. هذا العبد يقولون: إنه كان لا يفتر أبداً من ذكر الله صباح مساء، وكان لا ينام إلا قليلاً من كثرة ذكره لربه تبارك وتعالى. ومن أقسام الذكر: طلب العلم ومدارسته؛ بل هو أعظمها عند أهل العلم، فجلوسك في معرفة الصلاة ومعرفة الصيام، ومعرفة البيع والشراء، ومعرفة أبواب الفقه، والتفسير والحديث، من أعظم أنواع الذكر عند الله عز وجل، وهي مجالس الجنة ومجالس الإيمان. أما الذاكرون الله كثيراً، فقد سبق عرض ذلك، وهم: الذين يذكرون الله في كل لحظة، ولا يفتئون يذكرون الله دائماً وأبداً، وأقول لكم كما يقول السلف: من حافظ على الأذكار الشرعية الواردة عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام، فهو من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.

الوقفة السابعة: كتب في الذكر

الوقفة السابعة: كتب في الذكر وهناك كتب في الذكر أنصح بها، منها: الوابل الصيب لـ ابن القيم، ومنها: الكلم الطيب لـ ابن تيمية، ومنها: الأذكار للإمام النووي، وعدة الحصن الحصين وحبذا أن يكون معه تحفة الذاكرين للشوكاني؛ لأنه خرجه وحققه، فهذه الكتب تدلك على أبواب الذكر، ونقولاته ومناسبته وفوائده. وهي من أحسن ما يرشح لقراءة هذا الموضوع.

الوقفة الثامنة: مناسبات الذكر

الوقفة الثامنة: مناسبات الذكر لكل ذكر مناسبة، فمن عبوديتك لله؛ أن تقوم بهذا الذكر في هذه المناسبة، فمثلاً بعد الصلوات سن لك رسول الهدى عليه الصلاة والسلام ذكراً وهو تسبيح الله ثلاثاً وثلاثين، وتحميده ثلاثاً وثلاثين، وتكبيره ثلاثاً وثلاثين، والتهليل خاتمة المائة، وآية الكرسي، وقل هو الله أحد، والمعوذات، كذلك التهليل الوارد بعد الصلاة، وأنا لا أستقصي كل ذكر. لكن أقول: ذكر المناسبة عليك أن تتقيد به، لا تأتي بذكر في غير موضعه، صحيح أنك تؤجر عليه، لكنه خلاف الأولى. مثل: إنسان ترك التسبيح ثلاثاً وثلاثين بعد الصلاة، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله مائة مرة، نقول: أنت مأجور، لكن خلاف الأولى، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يسبح في هذا الموضع فسبح أنت، ومن الأمر المسنون عنه عليه الصلاة والسلام قوله: {سبحان ربي العظيم في الركوع} فيأتي رجلٌ فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله في الركوع، أو لا إله إلا الله، هذا أمر آخر مقيد، وهذه عبادة، وكذلك في السجود والتحيات وبين السجدتين، فهذا ذكر المناسبات، منه ما هو واجب، ومنه ما هو سنة، ومنه ما هو الأولى أن تفعله، ففي الصلاة واجب ما ورد فيه فلا تتعداه، وفي غيرها هو الأولى والأحسن والأطيب وصعود الجبال وحمل الأثقال ذكرها: لا حول ولا قوة إلا بالله. يقول أبو موسى والحديث في الصحيح: {كنا نصعد ثنية، وكان الناس يرفعون أصواتهم بالتكبير ويقول - أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه: وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله، فأتاني عليه الصلاة والسلام، وقال: يا عبد الله بن قيس! ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: لا حول ولا قوة إلا بالله} فلا حول ولا وقوة إلا بالله تناسب صعود الجبال، وحمل الأثقال، وكرب الأهوال. ويناسب التفكر في آيات الله، وفي خلقك وبديع صنع الله؛ سبحان الله؛ لأنه للتسبيح وللتعجب من خلقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ويناسب ذكر المعصية والخطيئة والذنب؛ استغفر الله وأتوب إليه. وذكر الرسول عليه الصلاة والسلام: الصلاة والسلام عليه، صلى الله عليه وسلم دائماً وأبداً، إلى غير ذلك من المناسبات التي ذكرها معلم الخير عليه الصلاة والسلام. والبدء بالطعام: بسم الله. والرفع من الطعام: الحمد لله. ودخول المسجد له ذكر والخروج من المسجد له ذكر وهكذا.

الوقفة التاسعة: فوائد الذكر

الوقفة التاسعة: فوائد الذكر عدّ بعض العلماء فوائد الذكر فأوصلوها إلى ما تقارب المائة فائدة: منها: أنه يطرد الشيطان، ويرضي الرحمن، ويؤنس الجليس، ويعظم الأجر، ويزيل الخطايا والذنوب، ويوجد بهاءً في الوجه، ويشرح الصدر، ويوجد أنساً بين العبد وبين الله، ويكفر الخطايا ويتحف الجليس، ويحفظ العمر. ومنها: أنه يقود إلى أشرف الطاعات. ومنها: أنه يمنع من السيئات والخطايا كالغيبة والنميمة. ومنها: أنه يرد القلب إلى مولاه؛ فيراجع حسابه مع الله، ويتوب ويندم. ومنها: أنه يكافئ كثيراً من الأعمال الصالحة بل يزيد عليها. ومنها: أن الملائكة تذكر الذاكر. ومنها وهو أعظمها: أن الله يذكر من ذكره، لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152]. ومنها: أن الذاكر لا يزال في رعاية من الله وفي معية خاصة. ومنها: أن الذاكر لا يأتيه وساوس ولا واردات ولا هواجس. ومنها: أنه ينفي القلق والهم والغم والحزن وتكدير الحياة والعيش. ومنها: أنه يمد في العمر، ويزيد فيه، ويبارك في ساعاته. ومنها: أنه يثلج صدر المؤمن. ومنها: أنه قوة على أعمال أخرى، فيفتح للمؤمن أعمالاً أخرى من الذكر إلى غيرها من الفوائد. يقول ابن القيم: ومن أعظمها أنه ينفي النفاق عنك. فالمنافق لا يذكر الله، والله عز وجل ذكر المنافقين، فقال: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] ولا يداوم على ذكر الله منافق، فلا تجد المنافق يذكر الله في السوق، أو السيارة أو الطائرة أو المجلس، لا يفعل ذلك إلا مؤمن، وأنت جرب بنفسك، إذا أردت أن ترى هل أنت مؤمن أو منافق فاسأل نفسك، هل أذكر الله دائماً وأبداً؟ هل أذكر الله وأنا مع الناس، في الجلوس والخروج في السوق، والطائرة والسيارة، إن كنت تفعل ذلك فأبشر ثم أبشر بالإيمان. فإن أعظم علامة للمؤمنين أنهم يذكرون الله كثيراً، حتى في القتال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45].

الوقفة العاشرة: أفضل أوقات الذكر

الوقفة العاشرة: أفضل أوقات الذكر ما هي أوقات الذكر؟ وما هي أحسن أوقات الذكر؟ أحسن أوقات الذكر المطلق من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، ومن بعد العصر إلى غروب الشمس قال تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم:17 - 18] بالغدو والآصال، قبل طلوع الشمس وقبل الغروب، هذه أحسن أوقات الذكر. وكان عليه الصلاة والسلام يذكر ربه من بعد الفجر إلى طلوع الشمس، وفي حديث حسنه بعض أهل العلم وبعضهم يصححه، وبعضهم يضعفه: {من صلى الفجر في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كان كعدل حجة وعمرة تامة تامة تامة} والأقرب أنه حديث حسن، وكان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك. يقولون: كان ابن تيمية يجلس في مصلاه يذكر الله حتى يرتفع النهار، فيقول: هذه غدوتي ولو لم أتغد لسقطت قواي، فهذه من أحسن أوقات الذكر من بعد الفجر إلى طلوع الشمس، وهو وقت تفتح القلوب، وتفتح الأزهار، وتغريد الأطيار، وهطول البركات من الواحد الغفار، وهو وقت تنزل الأرزاق والفتوحات الربانية من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فعليك أن تكون في هذه الساعة من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات. وبعد العصر إلى غروب الشمس، أو بعد الغروب بسويعات أو بساعة أو بنصف ساعة أو ما يشابهها ترفع كفيك، خاصة وأنك في هذه الأيام صائم، هنيئاً لك الصوم، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {للصائم دعوة لا ترد} وأنت منكسر البال، ومنكسر البطن بالجوع، ومنكسر الإرادة ترفع كفيك إلى الله عز وجل تدعوه يجيب الله دعوتك. والثلاثة الذين يجيب الله دعوتهم لا شك في ذلك كما في حديث أبي داود: {المظلوم، والوالد، والصائم} فكن من الذاكرين الله كثيراً والداعين خاصة قبل الإفطار، فإن لك دعوة مستجابة يجيب الله دعوتك فيها؛ فاغتنمها حفظك الله.

الوقفة الحادية عشرة: الذكر الشرعي والذكر البدعي

الوقفة الحادية عشرة: الذكر الشرعي والذكر البدعي هناك ذكرٌ شرعي عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام، وذكرٌ بدعي، ونحن أمه توقيفية، أمة تقف عند الوحي، تتلقى أوامرها من الله، من الكتاب والسنة، ولا تبتدع، لقوله صلى الله عليه وسلم: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} [[]]. فالذكر الشرعي هو ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، مثل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله إلى غيرها. أما الذكر البدعي فهو: الذي أحدثه المبتدعة، وما أنزل الله به من سلطان، مثل أنهم يقولون: أعظم الذكر الاسم الأعظم، ويجعلون الاسم الأعظم الضمير (هو) يقول: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] ويقول: {إِلَّا هُوَ} [البقرة:163] قالوا: (هو) هو الذكر الأعظم. فيأتي هؤلاء المبتدعة فيجلسون في الزوايا يقولون: هو هو هو، بدل أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، يقف أحدهم من صلاة العصر إلى المغرب يقول: هو هو هو هو. قال أهل السنة: هذا ليس بذكر بل هذا نباح كلاب. وابن عربي يقول: والدرجة الثانية في أعظم الذكر الاسم المجرد: الله الله الله الله. قال ابن تيمية: لم يأتِ به نص عنه عليه الصلاة والسلام، وليس في ترداده وحده مجرداً أثر إليه عليه الصلاة والسلام، فتجد بعضهم يقول: هو، وبعضهم يقول: الله الله الله الله، وبعضهم يأتي بالاسم مجرداً بلا طلب، فتجده يقول: يا لطيف! يا لطيف! وهو قد يؤجر إذا قصد به أن يدعو الله عز وجل لكن يبين دعاءه، ولا يبقى على هذا؛ لأنه ليس من الأدعية المأثورة أن تنادي بالاسم فحسب، كرجل يأتي عند الباب، ويطرق عليك بابك، يا محمد! يا محمد! فتقول: نعم، فيقول: يا محمد! وتقول: نعم، فيقول: يا محمد! يا محمد! حتى أن بعض المبتدعة ورد أنه أتى إلى المقدسات، فكان يردد يا لطيف! من العشاء إلى الفجر، قيل له: أليس عندك ذكر غير هذا؟ قال: أوصاني أحد المشايخ أن أقول يا لطيف! سبعة آلاف مرة عند قبر الرسول عليه الصلاة والسلام وهذه بدعة مركبة، كونها عند القبر وهذا أيضاً ذكر غير شرعي. ومن المبتدعة كذلك من يذكر الله بغير أسمائه المأثورة الثابتة التي قال فيها: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:180] ومن الإلحاد في الأسماء أن تسمي الله بغير اسمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، مثلما ذكر الغزالي، أبو حامد صاحب الإحياء: يسمون الله يا دهر الدهارير! فلذلك يدعو أحدهم فيقول: يا دهر الدهارير افتح علي، وهي ليست من أسمائه سبحانه، أو يا موجود! وهي ليست من أسمائه، أو اشتقاق ما لم ينزل الله به سلطاناً، يا يقظان! فهذه كلها إلحاد في أسمائه. إنما يذكر بالأسماء والصفات التي وردت في الكتاب والسنة، يا كريم! يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! يا بديع السماوات والأرض! إلى غيرها مما ثبتت عنه عليه الصلاة والسلام، أو وردت في الكتاب والسنة. هذا -أيها الإخوة- الذكر الشرعي والذكر البدعي، وهو آخر عناصر هذا الدرس، وأنا لا أحب الإطالة؛ لأنه سوف تكون هناك سلسلة من الدروس كل يوم إن شاء الله ينبني بعضها على بعض، وما حصل فيه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ولمن أراد الله به خيراً نفعته كلمة، والذي لا يريد الله به خيراً لا تنفعه محاضرات الدنيا ولا كتب الدنيا، وإنما يزيد بالسماع ضلالاً إلى ضلاله، وإعراضاً إلى إعراضه، وبعض الناس يفتح الله عليه بكلمة، ويستفيد بموعظة أو آية أو حديث، فيكون موفقاً في الدنيا والآخرة، وبعضهم لو تناطحت جبال الدنيا أمام عينيه، ما زاده إلا إعراضاً وعتواً. التفت عليه الصلاة والسلام إلى السماء، والحديث عند أحمد، وقال: {هذا أوان انتزاع العلم -أي: انتزاع العلم من الصدور- قال زياد بن لبيد الأنصاري: يا رسول الله كيف ينتزع منا العلم؟! والله لنحفظن القرآن أبناءنا، ويحفظه أبناؤنا أبناءهم، قال عليه الصلاة والسلام: ثكلتك أمك يا زياد! كنت أظنك أفقه رجل في المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى ما انتفعوا بها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. أيها الإخوة: أسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يجعل ما سمعنا حجة لنا لا حجة علينا، لنكون عاملين مؤدين صادقين مع الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

علماء الغرب يقولون

علماء الغرب يقولون إن لله في هذا الكون آيات باهرات عظيمات، تهدي من تفكر فيها وأراد الهداية إلى صراط مستقيم. من هذه الآيات الغيث الذي يحيي الأرض بعد موتها، ويحيي القلوب الميتة، فهو غيث الأرض بما تنتفع به من ماء، وهو غيث للقلوب بما تنتفع به من معرفة عظمة الله وقدرته على الإحياء. وإن الإيمان القائم على التفكر في الكون والنظر في أسراره لا يخشى عليه من عاديات البث المباشر ولا غيرها من الوسائل الهدامة. وهاهم علماء الغرب يشهدون بأنه لا حياة سعيدة إلا بالإيمان.

قضايا من آية: (وهو الذي ينزل الغيث)

قضايا من آية: (وهو الذي ينزل الغيث) الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. قف في الحياة تر الجمال تبسما والطل من ثغر الخمائل قد همى وشدت مطوقة الغروس ورجعت وترعرع الفنن الجميل وقد نما والمؤمن اطلع الحياة بهيبة أهلاً بمن حاز الجمال مسلما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28] تحققت هذه الآية، وعشناها حدثاً خالداً، ورأينا آثار الله قبل أيام. عشنا القحط والجدب والفقر، كانت أرضنا وجبالنا وحدائقنا مغبره قاحلة ميته، فعدنا إلى الله في صلاة استسقاء وكنا صائمين، وكم في الجموع من صائم صادق، وكم فيهم من مخلص توجه بدعائه إلى الحي القيوم، قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62] فما كانت إلا الاستجابة من الذي خزائنه لا تنفذ وغناه لا ينتهي، ليقرر لنا أموراً عجيبة في المعتقد وفي الحياة، وفي الآخرة، يقول سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28].

النعمة والإحسان من الله

النعمة والإحسان من الله أولها: ذكر الضمير ولم يذكر لفظ الجلالة، فكأنه هو المعروف بالإحسان، وهو على ما كان قبل الزمان والمكان، وهو الذي قدم الإحسان للإنسان قبل أن يكون إنساناً، وبعد أن كان الإنسان، وبعد أن يموت الإنسان، قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53] وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [الشورى:28]. ثم قال سبحانه: {يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [الشورى:28] والتشديد هنا للمبالغة، وهي للمبالغة في الإنزال، وكأن الناس يتحرون شيئاً ينزل فنزل عليهم بعد لأواء. ثم قال: (الغيث) ولم يقل المطر لأن الغيث له سر عجيب، يغيث به الله البلاد والعباد، ولو قال المطر لاحتمل أن يكون عذاباً وتدميراً، فغالب ذكر المطر في القرآن عذاب وتدمير وخسف وإبادة، قال تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [الشعراء:173] ولكن قال: الغيث ليغيث الله به البلاد والعباد، قال تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى:28] لقد تراجعت كثير من النفوس وشكت في قدرة الباري. ولقد أخفقت كثير من الأرواح التي تربت على الفلسفة الغربية المادية التي لا تؤمن بالله، ولقد ظن دعاة المادة الذين يعبدون المادة ويلتجئون إلى غير الله، أن لا إله ولا قدرة ولا رحمة ولا عناية، ويستهتر بعضهم فيقول: كم من صلاة وكم من دعاء وما نزل الغيث! ولكن الله أسكت منطوقهم وفضح شريحتهم، وأبطل إرادتهم بالغيث الذي نزل هنيئاً مريئاً في أيام متعددة، فقد صلينا وبعد ساعات نزل الغيث، والله يقول: {مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى:28] من بعد أن ظنوا أن لا رحمة، اتجهت العجماوات والببغاوات، والحشرات والكائنات إلى الله، وهذا أمر معلوم بالفطر. والله يقول في حديث قدسي يرويه أبو يعلى: {وعزتي وجلالي لولا شيوخ ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع؛ لخسفت بكم الأرض خسفاً ولمنعتكم القطر من السماء} ولكن عناية الله ورحمته وحلمه عن كل مجرم وعاص أنه نظر سبحانه إلى هذه العجماوات والحيوانات، وإلى الأطفال والشيوخ الركع السجود، وإلى حملة القرآن والدعاة، والصالحين، فأغاث الله البلاد والعباد. قال تعالى: {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى:28] ما أحسن التعبير! وما أجمل العبارة! وصل الماء إلى بيوتنا قبل نزول الغيث. لكن ما حل المشكلة وما قام بالأمن القلبي وما نزلت علينا السكينة بشيء كنزول الغيث، نعم امتلأت خزاناتنا من الماء الذي وصل إلينا من البحر، وصهاريجنا وبيوتنا، لكن حدائقنا يابسة، وأزهارنا قاحلة وجبالنا ميتة، فلما قال: {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى:28] عاشت الأرض وترعرعت واهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج:6]. اهتزت: لبست حلة وتراقصت على القطر. وربت: أخرجت أزهارها وثمارها وأشجارها، وغرد البلبل وسار الطير وأنشد الصداح الأناشيد على أفنان الشجر؛ شاكراً المولى تبارك وتعالى. وفي نزول الغيث يقول سبحانه: {وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28] وعبارة (الولي الحميد) جُعلت هنا لعبرة، فالولي: الذي ولايته عامة وخاصة، فأما نحن فولايته لنا خاصة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لماذا؟ لأننا حملنا الإيمان، واسلمنا لله، وأتبعنا رسول الله. بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم وفي نزول الغيث دروس: أولها: أن إجابة الدعاء معجزة وكرامة، وأن هناك صلة بين هذا المخلوق الضعيف والله القوي الباقي تبارك وتعالى، وهو درس من دروس التوحيد، عاشه عليه الصلاة والسلام حقيقة أمام أكثر من ألف من أصحابه ونقلتها لنا كتب العلم، فمن كان في شك فليشك , ومن كان في ريبة فليرتب. أما نحن فنقول: قال تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:23] عاش الصحابة في عهده عليه الصلاة والسلام قحطاً وفقراً وجوعاً وجدباً، أتوا يصلون الجمعة والشمس تقطع الظهور لا غمام ولا سحاب ولا قزعة، دخلوا المسجد في حرارة الصيف المحرقة، فالرمضاء تلتهب وتكاد تأكل الناس، والسموم محرقة للوجوه. وتقدم عليه الصلاة والسلام إلى المنبر، لم يكن عنده سابق حدث بما سوف يجري في الخطبة، كانت خطبته عن الإيمان، وكان يتكلم بها كالسيل بما فتح الله عليه. وفي أثناء الخطبة دخل أعرابي المسجد فقاطع الرسول عليه الصلاة والسلام مباشرة، صاح الأعرابي وقد بلغ به اللأواء إلى أن يصيح، قال: يا رسول الله! فسكت عليه الصلاة والسلام والتفت الناس إلى الأعرابي، قال: {يا رسول الله! جاع العيال، وضاع المال، وتقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا -ولم يتلعثم عليه الصلاة والسلام، ولم يفكر وقطع خطبته والتفت إلى الحي القيوم- فرفع يديه في لحظة وأخذ يقول: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، يقول أنس -راوي القصة- والله ما في السماء من سحاب ولا قزعة، فالشمس بيضاء محرقة، فثارت سحابة كالترس} قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]. فأتت من وراء سلع بـ المدينة ثم توسطت سماء المدينة وثارت كالجبال، والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينزل من على المنبر ولم ينته من كلامه، ثم أزبدت وأرعدت وأمطرت، وإذا الماء ينهمر على وجهه الشريف الذي هو كالبدر، ويتقاطر الماء على لحيته ويتصبب فيتبسم، قطعه التبسم عن الكلام. ما رأي دعاة الإلحاد في هذه القضية؟ أي تحليل علمي على هذه الحادثة؟ ما هو مدلولها، أصدفة يدخل الأعرابي وصدفة تقطع الخطبة، وصدفة ترتفع اليد، وصدفة تأتي سحابة كالترس من وراء الجبل ثم تمطر في لحظة وتسيل المدينة؟! فتبسم عليه الصلاة والسلام: طفح السرور عليَّ حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني ويقول: أشهد أني رسول الله، ونقول له: نشهد نحن الملايين أنك رسول الله، ونشهد أن رسالتك الخالدة التاريخية أثبتت قوتها وصدقها ونبوغها وروعتها وجلالها وجمالها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

متى يغيث الله

متى يغيث الله القضية الثانية في نزول الغيث: أن فيه آية؛ لأن الله يغيث القلوب متى أرادت القلوب غوث الله، أرض قاحلة وقلوب قاسية، فإذا طلبت القلوب مولاها باللين لينها الله، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] ثم قال: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:17]. أيها المسلمون: إن الله كما أحيا الأرض يحيي القلوب، فيا من أراد حياة القلوب! ليست حياة القلوب إلا عند محمد عليه الصلاة والسلام وهذه المادة المخدرة، مادة الطاقة التي يملكها القلب ليكون حياً حرام على أي منهج إلا منهج الإسلام. أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه قد مضينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه قد شربنا من كئوس الوحي حباً وارتوينا وكتبنا في العلى بالاسم تمجيد الإله إذاً: غوث القلوب بالإيمان والوحي، ومن أراد أن يغيث قلبه فليبادر إلى الإيمان وذكر الواحد الديان والرسالة الخالدة، فوالله! ليس له من دون الله مغيث، ولو جمع لذائذ الدنيا وطاقات الدنيا وانفصل عن الإيمان ما كان إلا موتاً إلى موت وخيبة إلى خيبة.

إحياء الموتى

إحياء الموتى القضية الثالثة: في نزول الغيث عبرة، وهي أن الله يحيي الموتى ويردهم إليه، قال تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62] والله ذكر هذه القضية في كثير من آيات القرآن، كلما ذكر نزول الغيث وإحياء النبات وترعرع الأزهار والنبات والأشجار، أخبرنا أنه يعيد الموتى إليه كما أعاد هذا الشجر بعد أن مات، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:10 - 11] كذلك الخروج من المقابر، كذلك تخرجون أيها البشر إذا متم؛ تخرجون كما تخرج النباتات. هل تصور أحدكم حديقة مر بها وقد مات شجرها واختفى زهرها وذبل وردها، حديقة ظن أنها لا تعود لها الحياة أبداً، هاجرت منها الطيور وفارقها الهدهد وهجرها الحمام، لا ماء ولا رواء ولا خضرة ولا حياة، أصبحت الأشجار تهوي بها الريح في غبار تشمئز منه النفوس، واليوم عد إلى الحديقة وانظر إليها، عادت كما كانت عليه ولبست حلة، واهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج. قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [الحج:6] وهي أعظم قضية، قضية الإيمان. أعظم آية في نزول الغيث أن الله هو الحق، فالقلوب ما اتجهت يوم أتى هذا الجدب إلى الشرق أو الغرب بل اتجهت إلى الله. خرج سليمان عليه السلام يستسقي بالناس، وإذا بنملة رفعت أرجلها تقول: يا رب اسقنا، يا رب لا تحرمنا القطر بعصاة بني آدم، نملة ونحلة ويرقة وورقة، كلها تلتجئ إلى الله، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج:6]. وهي القضية الثانية الكبرى، مع ذلك الله حق ويحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير، وأن نعتبر بهذا، فإنه دليل قاطع وحجة باهرة على إحياء الموتى بعد أن يموتوا، والله قادر على ذلك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يقول في ملحد زنديق اعترض على هذه القضية، قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79]. فهذه قضايا في نزول الغيث. قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28] وارتاحت قلوبنا وعادت لنا الحياة، واخضوضرت أوراق الأشجار، وسرى النسيم وعادت الأطيار المهاجرة، ونزل الأمن والسكينة، وعاد الصالحون في توجه عظيم إلى الله، يشهدون أن الدين حق وأن الله حق وأن الرسول عليه الصلاة والسلام حق. إنه -والله- سر من أسرار هذا الدين العظيم الذي وصل هذه الأمة الربانية بربها، تستسقي في الصباح وينزل الغيث في المساء إجابة لدعوتها ودعوة الصادقين من أبنائها. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

من آيات الله سبحانه وتعالى

من آيات الله سبحانه وتعالى الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك الورد والزهر والشجر والأطيار يشهد أن لا إله إلا الله. وفي كل شيء له آيه تدل على أنه الواحد فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53] حتى يتبين لهم أن الرسالة صحيحة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام صادق، وأن مبادئنا خالدة، وأن تعاليمنا سماوية ربانية، إنه الإيمان.

حال الناس في العالم

حال الناس في العالم إن العالم شرقيه وغربيه الآن يكفر بنظرية الإلحاد، ويدوسها بالحذاء، فـ أوزبيكان، أذربيجان ولايات روسيا أكثرها تعود إلى الله وترفع على مراكزها ومساجدها لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويدوسون (لا إله والحياة مادة)؛ لأنها كلمة لعينة، ولأنها نغمة خاطئة، وسوف أورد كلام علمائهم من نقولات كتبهم عن الإيمان. هم الآن يعودون إلى الإيمان، وبعض الناس من المسلمين يخرجون من الإيمان، بحثوا عن كل لذيذة فوجدوا الحياة بلا إيمان لعنةً وغضباً وسحقاً وتهافتاً، تطوروا في الصناعة والمادة، فهم سيروا الضوء وطوروا الذرة ولكن امتلأت مستشفياتهم بالقلق والهموم والغموم، والتشنج والانتحار وانتشر السلب والنهب، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] وقال تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] والأمن حرمه الذين لا يعيشون الإيمان: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]. إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا والهداية ليست إلا لأهل الإيمان، يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [يونس:9].

من وعود الله للمؤمنين

من وعود الله للمؤمنين ومن وعود الله للمؤمنين ألا يسلط عليهم كافراً، قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141]. ومن وعوده لهم أنه يدافع عنهم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:38]. ومن وعوده أن العزة لهم، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8].

علماء الغرب يعرفون الله

علماء الغرب يعرفون الله ولكن اسمعوا إلى كلام أساطينهم وعلمائهم الذين وصلوا إلى درجة من العلم، فدلهم هذا العلم على الله، ولكن ما وجدوا من يخبرهم بالإسلام، ولا من يوصل لهم الإيمان. كما يقول كريسي موريسون في كتابه: (الإنسان لا يقوم وحده): يا أبناء لا إله إلا الله! قدمنا لكم الثلاجة والبرادة والطائرة والصاروخ، وما قدمتم لنا الإيمان. وهذا أستاذ الفلسفة في جامعة هارفارد، اسمه وليم جيمس يقول: إن أعظم دواء للقلق أدركته ولا شك هو الإيمان، لكن نقول له: لو ذقت أنت حلاوة الإيمان التي نعيشها نحن، لآمنت ولصدقت ولرأيت السعادة والنور، عنده حد وقدر نسبي من الإيمان والتصديق فكيف لو رأى الإيمان، ما كان ينبغي أن تفتح مستشفيات لمرضى النفس، ولا أرق ولا هموم ولا غموم، لكن لما انحرف الجيل عن المسجد والقرآن والذكر والأوراد وعبادة الواحد الديان، امتلأت المستشفيات النفسية بالمرضى، بمرض القلق والأرق والتشنج، فحلنا وقضيتنا وعلاجنا ودواؤنا الإيمان. يهددننا الناس والعالم بالبث المباشر، وكثير من الناس يرد منهم حلولاً، منهم من يقول: بتطوير شاشتنا لترد على شاشاتهم، ومنهم من يقول: بالتشويش على رادارهم وهذا لا يستطاع، ولكن نحن نقول: نملأ قلوب جيلنا وأمتنا بالإيمان فإذا تحصنا بالإيمان فلن يغلبونا أبداً. لا تحدثني عن البث المباشر والعربسات وأقمار المقامر أنا بثي دعوة قدسية تطفئ الشمس وتخزي كل كافر والمذيعون علي والبرا وأبو بكر وعمار بن ياسر ويقول الفيلسوف فرنسيس بيكون، وهو مشهور، وهو الذي ترجم له الزركلي في الأعلام وغيره يقول: إن قليلاً من العلم قد يبعدك عن الله وكثيره يقربك من الله. وهذا القرآن يصدقه، والحكمة ضالة المؤمن، يقول: أنا ببحوثي واكتشافاتي دلني العلم على الله، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] لكن ربما تعرض لي سائل يقول: الواقع يكذب نظرية بيكون لأنا نجد من يحمل الماجستير والدكتوراه والشهادات العالية، ولا يصلى في المسجد ويهجر القرآن، ويفجر ويتناول المسكر، فأي نظرية صادقة. نقول: نحن نتحدث عن علم القلوب لا عن علم الجيوب، ونتحدث عن علم القبر لا عن علم القِدر، لأن هناك علماً اسمه علم القبر وهناك علم القدر. فعلم القبر الذي يدلك على الله، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9] وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] وقال تعالى: {وقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:56]. فهذا العلم هو الذي يرفعك ويقربك إلى الله، أما علم البطن والفرج والجيب والمرتب، فهو الذي أنتجته شهادات مزورة، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِين * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الأعراف:175 - 176] وهذا علم لا ينفع صاحبه وهو ردى وعمى عليه. وهذا مثل ما حصل لـ سخروف، قبل أن يموت، فقد نشرت الشرق الأوسط قبل موته بشهر في موسكو مقالته عن الإيمان، وهي وثيقة تشهد الله على أنفسهم أنهم يعلمون أن لا إله إلا الله في أنفسهم. ويقول هنري كورد صاحب شركة عالمية أمريكية: أعتقد أن الله تعالى لم يتخلَ عني في تلك الفترات من حياتي، فكان يساعدني على تصريف أموري، ولولا الله لانهارت أموري. وقد ذكر الله هذا في القرآن، قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65] إذا تقطعت بهم الحيل والأزمات واشتد الحبل؛ عادوا إلى الله ورجعوا إليه. ويقول الطبيب النفساني كريميونت في كتابه: الرجل الحديث يبحث عن الروح: جاءنا كثير من المرضي من الشعوب المتحضرة، وأكثر المرضى في القلوب من الشعوب المتحضرة، أهل القرى قليل مرضهم، المعقدون صناعياً هم أكثر الناس مرضاً؛ لأن علمهم ما دلهم على الله، قال: وكلما وجدت مشكلة وجدت أصلها؛ افتقارهم إلى الإيمان بالله العظيم الكريم، ليتهم يؤمنون، قال تعالى: {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق:20]. شبابنا في قضية الإيمان متردد في أن يقدم أو يحجم، قال تعالى: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا} [النور:50] أم كأن الرسالة ارتابت في أذهانهم، أم كأن الأغنية الماجنة خير من التلاوة السعيدة، والمجلة الساقطة أحسن من الكتاب الإسلامي، والجلسة الحمراء خير من مجالس العلم، أم هداية استالين أعظم من هداية محمد عليه الصلاة والسلام، أم النار خير من الجنة، فما لهم لا يدركون هذا ويتفكرون. ويقول المهاتما غاندي، وما أدراك ما غاندي! إنه عدونا، قتل مليون مسلم وتسبب في عقم مليون امرأة مسلمة في الهند، وهو يقدس في بعض بلاد العلمنة التي لا تعرف المناهج الربانية، يقول: بغير الصلاة كان يتحتم عليَّ أن أصبح معتوهاً أبله منذ مدة طويلة. وهذا مع أن صلاته خاطئة، فكيف لو عرف صلاتنا؟! كيف لو ذاق سجودنا؟! كيف لو عرف مساجدنا؟! كيف لو عاش هذه اللحظات الإيمانية؟! لكن يعطيهم الله بقدر هذه المعرفة القلبية ما يؤنسهم، وهذا جزاء الكافر إذا ركن إلى غير الله في الحياة، فجزاؤه وقتي في الدنيا ولكن لا ثواب له عند الله. ويقول ألكسس كاريل صاحب كتاب الإنسان ذلك المجهول وأنصح بقراءة هذا الكتاب، وقد نقل عنه سيد في كتاب الظلال أكثر كتابه هذا، نثره في الظلال من أوله إلى آخره، يقول: لعل الصلاة من أعظم الموارد الحرارية للإنسان، إنها كمعدن الراديوم مصدر للإشعاع، ومولد ذاتي للنشاط. ربنا قد عدنا إليك ورجعنا وتبنا، وعرفنا أن سر خلودنا وعظمتنا في الإيمان، اللهم فزدنا إيماناً وتوحيداً ومتابعة وفقهاً وهداية وعلماً. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله بها عليه عشراً} اللهم صلِّ وسلم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه الكرام البررة يا رب العالمين. اللهم إنا نشكرك شكراً جزيلاً، نشكرك على هذا الغيث، ونشكرك على هذا الماء، ونشكرك على هذا الرزق، نشكرك على هذه الحياة، فبالأمس استسقينا فسقيتنا واستنصرنا فنصرتنا وافتقرنا فأغنيتنا واستهدينا فهديتنا، اللهم إنا نسألك ثباتاً على هذا الرزق الطيب والهداية والرشد والسداد حتى نلقاك مؤمنين. والحمد لله رب العالمين.

صفات المفلحين

صفات المفلحين تكلم الشيخ في هذا الدرس عن سورة البقرة وفضلها، وتطرق للكلام عن معجزة القرآن الخالدة، وذكر أمثلة على ذلك، ثم فسر الآيتين الأوليتين من سورة البقرة، مبيناً صفات المتقين المذكورة في أول السورة.

فضائل سورة البقرة

فضائل سورة البقرة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته: نقرأ في هذه الليلة المباركة أوائل سورة البقرة؛ تلكم السورة العظيمة، التي هي أكبر سورة في القرآن. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: بسم الله الرحمن الرحيم {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:1 - 5]. نقل القرطبي وغيره أن في سورة البقرة ألف أمر وألف نهي وألف خبر. وسورة البقرة لا تقرأ في بيت إلا ذهب منه الشيطان وطرد منه ودحر. وسورة البقرة وآل عمران كما صح عنه صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أمامة في مسلم وغيره أنه قال: {اقرءوا الزهراوين، البقرة وآل عمران، فإنهما تأتيان كغمامتين أو غيايتين، أو كفرقان من طير صواف تظلان صاحبهما يوم القيامة}. وكان الرجل من الصحابة -كما قال أنس وصح ذلك عنه-: [[إذا حفظ سورة البقرة، وفي لفظ: إذا حفظ البقرة وآل عمران جد فينا]] أي: أصبح سيداً عظيماً مقدماً إماماً. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يؤمر على أصحابه أميراً في سرية سألهم: أيكم أكثر أخذاً للقرآن؟ فيخبرونه، فقال له رجل لما قال له صلى الله عليه وسلم {ماذا تحفظ؟ قال: أحفظ سورة كذا وكذا وسورة البقرة. قال صلى الله عليه وسلم: أتحفظ سورة البقرة؟ قال: إي والله يا رسول الله. قال: اذهب فأنت أميرهم} ولذلك شرف المسلم بشرف ما يحمل من قرآن ويعمل به، لأن العمل بهذا القرآن هو حفظ للقرآن، وليس حفظه في الصدور وتضييعه في العمل. ولما أتى عليه الصلاة والسلام إلى الشهداء في معركة أحد -رضي الله عنهم وأرضاهم، وأنزلهم فسيح جناته، وجمعنا بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر- قال وهو يجمع الاثنين والثلاثة والأربعة في قبر واحد: {أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟} فإذا أشاروا إلى رجل قدمه تجاه القبلة لشرف القرآن الذي في صدره، وأتى صلى الله عليه وسلم ليدفن رجلاً من الأنصار فقال: {رحمك الله، إنك كنت أواهاً تالياً لكتاب الله} وهذا شرف عظيم. وقد جاء في الترمذي بسند حسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان}. ووجد أن بعض الصالحين تأذى من مشاكلة الجان في داره، فأوصاه العلماء بقراءة سورة البقرة، فلما قرأها ذهبوا بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فهم لا يلجئون إلى بيت فيه سورة البقرة، إنما يأتون إلى بيت فيه الغناء الماجن، والمجلة الخليعة، والكلمة النابية، والفاحشة والمعاصي، أما بيوت أهل القرآن فحرام على الجان أن يدخلوها، والسحرة يغاظون إذا قرأت سورة البقرة، والكهنة يموتون من سورة البقرة، والمشعوذون يغضبون إذا قرأت عليهم سورة البقرة؛ لأنهم من حزب إبليس وحزبه في النار. يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين فإنهما يأتيان يوم القيامة كغيايتين} الغياية والغمامة والغبابة قطعتان من كُبريات السحب، يوم يشتد الحر، وتتطاير الصحف، ويدنو الكرب من النفوس، وتدنو الشمس من الرءوس، ولا ظل إلا من أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فيأتي الذي يتلو سورة البقرة وآل عمران، سواء في المصحف أو غيباً، ويتلوها دائماً وأبداً، يأتي وعليه سحابتان بإذن الله الواحد الأحد، فتغطيه في الموقف، حتى يقضي الله بين الناس. أو تأتيان كفرقان من طير صواف كل آية بطير، تظلانه من الكرب ومن حرارة الشمس حتى يقضي الله بين الناس، ولا ظل هناك إلا بالعمل، فالمتحابون بجلال الله يستظلون بعرشه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن الله عز وجل يقول يوم القيامة: {أين المتحابون في جلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس} فأنت في ظل صدقتك، فأكثر من الصدقة أو أقلل، فمنهم من تأتي صدقته كالكهف، ومنهم من تأتي كالجبل، ومنهم من تأتي كالغمامة فأنت ما بررت إلا بنفسك، وما نفعت إلا نفسك، وإن أسأت فعليها وما ربك بظلام للعبيد.

القرآن معجزة لرسولنا صلى الله عليه وسلم

القرآن معجزة لرسولنا صلى الله عليه وسلم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {الم} ما هي هذه الحروف؟ ما المراد بها؟ ما هذه القذائف التي تتقدم سورة البقرة؟ إنه نبأ عجيب! ذكر سيد قطب -رحمه الله- في الظلال: أن أول سورة البقرة نسف وإبادة لبني إسرائيل. فكثيراً ما تقرأ فيها: (يا بني إسرائيل، يا بني إسرائيل، يا بني إسرائيل). افتتح الله عز وجل هذه السورة بقوله: {الم} ثم سكت الخطاب، ووقفنا عند هذه الآية، ما معنى هذا الكلام؟ هل شعراء العرب يدركون: {الم}؟ هل خطباء العرب يدركون: {الم}؟ هل علماء الإسلام يدركون: {الم}؟ سبحان من أعجز بكتابه وأسكت به الخطباء وأصمت به الشعراء! العرب أفصح أمة، وشعراؤها أفصح شعراء، ولكل نبي معجزة من جنس ما برع فيه أمته. فموسى عليه السلام أتى والسحر قد بلغ ذروته؛ فأعطاه الله العصا فتلقفت ما صنعوا في لحظة. وعيسى عليه السلام بعث في أمة بلغت الذروة في الطب وتكنولوجيا الطب؛ فجعله الله يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذنه سبحانه؛ ولذلك يقول أحمد شوقي للرسول عليه الصلاة والسلام في نهج البردة: أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم يقول: إن كان عيسى عليه السلام قد أحيا رجلاً بإذن الله، فأنت قد أحييت ملايين من الأمة الإسلامية، التي ضاعت في التاريخ، وضاعت في الصحراء والبيداء: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. كان الكفار يستمعون للرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ، حتى أتى الطفيل بن عمرو فقال: ما زال بي كفار مكة حتى وضعت القطن في أذني -والرواية في صحيح مسلم - أخذ القطن فوضعه في أذنه اليمنى واليسرى لئلا يسمع الخطاب. أتدرون ما هي الحرب الدعائية الإعلامية والشائعات ضد الرسول عليه الصلاة والسلام؟ كانوا يقولون: ساحر كاهن، شاعر. كان إذا جاء وافد يدخل مكة لقوه في الطريق وضيفوه وقالوا له: انتبه عندنا ساحر في الحرم، احذر أن يسحرك! قال الطفيل: فما زالوا بي حتى وضعت القطن في أذني، ثم نزلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ حول الكعبة، فلما افتتح قراءته قلت لنفسي: يا عجباً! أنا رجل شاعر ورجل أديب؛ فلماذا لا أسمع كلامه؟ فإن أعجبني فبها ونعمت، وإلا عرفت أنه سحر. قال: فما زالت نفسي تراودني حتى ألقيت القطن من أذني -هذا أول الخير- فسمعته يقرأ قرآناً وقع والله في قلبي. فذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. وهذا جبير بن مطعم من سادات مكة، الذين كانوا يكسون الكعبة سنة وكفار قريش يكسونها سنة، حلف ألَّا يستمع إلى آية واحدة، يقول له الصحابة: تعال فاستمع، فإن أعجبك وإلا فاترك؛ فحلف وأقسم بلاته وعزاه ومناته ألا يستمع إلى آية واحدة! وبتوفيق الله أراد الله أن ينجيه من النار، فمر والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم بالمسلمين ولم يدخل لئلا يستمع، بل وقف خارج الحرم، وفجأة سكتت الأصوات، وارتفع صوته صلى الله عليه وسلم في صلاة المغرب يدوي في الحرم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} [الطور:1 - 5]. وأخذ يواصل حتى بلغ آخر السورة؛ عشرون سؤالاً لو وقعت على ملحد وله بقية من قضاء وقدر عند الله أن يؤمن لآمن! {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَات وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ الْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور:29 - 43]. هل يقف القلب أمام هذه الآيات؟ يقول: كاد قلبي أن يطير فترك ناقته ودخل الحرم مباشرة وقطع الصفوف، فلما سلم الرسول عليه الصلاة والسلام وضع يمينه في يمينه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. أهذا قول ساحر؟! أهذا قول كاهن؟! أهذا قول شاعر؟! {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:5 - 6]. وهناك يذهب عليه الصلاة والسلام إلى الرقيق وإلى أهل الكير (الحدادين) صهيب وبلال وخباب بن الأرت وأمثالهم، فيخبرهم بالقرآن فيسلمون، فيقول كفار مكة: لا يعلمه القرآن إلا خباب وخباب أعجمي وصهيب أعجمي، وجاء في بعض الروايات: {أفيعلم الأعجمي العربي؟} يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103]. دخل طبيب العرب الكندي، وكان فيلسوفاً، وفي ذهنه شوشرة ووسواس، لا ينزل وسوسته إلا درة عمر بن الخطاب، لو أدركه عمر لأعطاه سبع درات ثم لا يجد بعدها ألماً أبداً في رأسه، دخل بيتاً وقال: أريد أن أؤلف كتاباً مثل بلاغة القرآن. قال له علماء المسلمين: اتق الله، خف الله. قال: لا، أنا أريد من بلاغتي أن أؤلف كتاباً مثل القرآن. فدخل وأخذ القلم والورقة، ثم فتح القرآن ونظر إليه فوقع نظره على أول سورة المائدة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:1] فانذهل! وقال: نادى، وأمر، واستثنى، ونهى، ومدح، ووصف، وختم في آية! ثم بقي مبهوتاً، فشلَّ الله في جلسته نصفه، فأصبحت يده ورجله مشلولة، وخرج وفيه هرج ومرج: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16]. وأبو العلاء المعري المارق كان ذكياً من أذكياء العالم ولم يكن زكياً، كان عنده ذكاء ولم يكن عنده إيمان، أتى يعترض على القرآن، فتوفاه الله تعالى، قيل: رئي قبره في المعرة، ولما فتح لغرض من الأغراض وجد عليه حية! أما فم الحية فعلى لسانه، وأما ذنبها فقد أمسكت فرجه بين رجليه؛ لأنه ألحد في الكتاب، وحاول أن يعارض كتاب رب الأرض والسماء.

المعنى المقصود من الحروف المقطعة

المعنى المقصود من الحروف المقطعة اختلف أهل العلم في هذه الحروف والله أعلم بمراده منها، فقال بعضهم من فرق المبتدعة: (أ) ألَّفَ الله محمداً فبعثه نبياً، (ل) لام الله المشركين، (م) مقت الله معاوية أهذا كلام؟! إن هؤلاء سفهاء، ولابد أن يؤدبوا تأديباً بالغاً يردعهم وأمثالهم. وقال بعضهم: {الر} لو جمعت لأصبحت حروفاً وكلمات مفيدة. ونسب هذا القول إلى ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {الر} وقال: {حم} وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {نْ} فمن يجمع هذه؟ إنها تجتمع في اسم (الرحمن) فقال ابن عباس: تجتمع كلمات. ولكن الصحيح أن الله تبارك وتعالى أعلم بمراده من هذه الحروف، وأن معناها ومقصودها كأن الخطاب يقول: يا أيها العرب! يا فصحاء الدنيا! يا من تطاول على الناس بالفصاحة! تعالوا هذه الحروف، وهذه المادة، وهذا الخام، ركبوا مثل هذا القرآن. وهذا تحد -ولله المثل الأعلى- مثل أن يأتي البناء المجيد الذي يجيد بناء القصور فيقول لك: هذا الأسمنت، وهذا الحديد، وهذا الماء فابن كما بنينا، وهذا تحد للعرب. يقول أحد المفكرين: الكلام مثل التراب، نحن نصنع من التراب الفخار والأواني الفخارية التي نأكل فيها، والله خلق من هذا التراب الإنسان. فالله إذا تكلم بكلامه كان كلامه كفضل الإنسان على التراب وعلى الأواني الفخارية هذه. يقول الله للعرب: هذه الحروف أمام أيديكم فابنوا مثل القرآن، وانسجوا على منوال القرآن ولذلك اعترفوا جميعاً، فهذا الوليد بن المغيرة، الذي كان شيخ مكة، وكان يسمى ريحانة قريش، لكنه أصبح ريحانة مقطوفة في النار، وثمرته في الجنة: خالد بن الوليد بن المغيرة {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} خالد بن الوليد الذي خاض مائة معركة في سبيل الله: تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها وما مررت بأصقاع مررت بها الله أكبر يدوي في نواحيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها فهذا خالد بن الوليد، وكان أبوه أبلغ بليغ في الناس، قال له كفار مكة: قل كلمة، قل إنه سحر. قال: لا أستطيع، أنا سمعت القرآن فليس بسحر. قالوا: قل هو شعر. قال: لا أستطيع، قالوا: قل هو كهانة. قال: لا أستطيع، لكن سوف أذهب وأستمع. فلما ذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قال: يا محمد! قال: نعم. قال: اسمع مني كلمات. قال: أسمع. قال: ما سمعنا برجل من العرب أدخل على قومه من الخيبة والعار مثل ما أدخلت على قريش -انظر إلى السفاهة والجنون والحمق- إن كنت تريد زوجة اخترنا لك أجمل فتاة في مكة وزوجناك، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك، وإن كنت تريد مالاً أعطيناك ثم أخذ ينسب ويحسب من هذا الكلام. فقال له صلى الله عليه وسلم: انتهيت؟ وفي لفظ أنه ناداه: يا أبا هشام! انتهيت؟ قال: نعم. قال: اسمع فلما انتهى انطلق عليه الصلاة والسلام يقذف عليه بالقذائف من سورة فصلت {حم} حتى بلغ قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:13] فقام على ركبه ووضع يده على فم المصطفى عليه الصلاة والسلام، وقال: أسألك بالله والرحم اسكت. فسكت عليه الصلاة والسلام، فقام فنفض رداءه وأتى إلى كفار قريش وهم ينتظرونه، وإذا بوجهه قد تغير، فيقول كفار قريش: جاءكم الوليد بوجه غير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس قالوا: ماذا سمعت؟ قال: سمعت السحر ووالله ما هو بسحر، وسمعت الكهانة وليس بكهانة، وعرفت الشعر وليس بشعر، والله إن أعلاه لمغدق، وإن أسفله لمورق، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه يعلو ولا يعلى عليه. فحلفوا له وأقسموا ألا تقوم حتى تقول في القرآن شيئاً تقدحه فيه، فسكت ثم التفت فبسر بوجهه وقطب جبينه، ثم عبس بوجهه، ثم أرسل عينيه شزراً، ثم فكر ثم قال: {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر:24] يقول: سوف أوافقكم وأقول إنه سحر. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى -اسمع إلى الرد-: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} [المدثر:11] يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: اتركني وهذا المارد الفاجر، خلقته فرداً فقيراً مسكيناً والآن يتعلى عليَّ! {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً} [المدثر:11 - 12] كان من أغنى الناس، كان الذهب يقسم عنده بالفئوس! {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً} [المدثر:12 - 13] كان عنده عشرة أبناء خالد وتسعة معه، وكان إذا أتى إلى المحافل جعل خمسة عن يمينه وخمسة عن يساره، وألبسهم الديباج والحرير، ونصب التيجان من الذهب على رءوسهم، قال الله: {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً} [المدثر:12 - 13]-يشهدون معه النوادي- {وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} [المدثر:14 - 17] صعوداً: جبل في جنهم -نعوذ بالله من جهنم- يصعد الصاعد فيه أربعين وقيل سبعين خريفاً، فإذا انتهى بتعبه وأصبح في أعلاه انزلق إلى أسفله، ثم يصعد هكذا، أبد الدهر. {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:17 - 26] ثم تكلم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن النار نعوذ بالله من النار.

تحدي الله سبحانه وتعالى بهذا القرآن للعرب

تحدي الله سبحانه وتعالى بهذا القرآن للعرب إذاً: الله أعلم بمراده، ولكن من مقاصد هذه الحروف: يا أمة الفصاحة! يا أمة الضاد! يا من أصدع خطباؤها آذان الدنيا! ويا من أسمع خطباؤهم منابر التاريخ! تعالوا وانسجوا مثل هذا القرآن: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] فلو أتى مليون كاتب ومليون مملٍ ومسطر وصحفي على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله. وقد تحداهم الله بمثل القرآن فلم يستطيعوا، وتحداهم بعشر سور فلم يستطيعوا، وتحداهم بسورة من مثله فلم يستطيعوا ولذلك أعلنوا إخفاقهم وفشلهم، فبدأ الله يتحداهم في أول كل سورة، يقول: {حم} {نْ} فهو يتحداهم بهذه الحروف، هذه حروفكم التي تتكلمون بها، لكن اسمعوا بعدها وأتوا بمثلها. وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال فلم يستطيعوا، ولذلك بهتوا فمعجزته عليه الصلاة والسلام في القرآن، يقول أحمد شوقي: آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جمال العتق والقدم ويقول غيره: أتى على سفر التوراة فانهدمت فلم يفدها زمان السبق والقدم ولم تقم منه للإنجيل قائمة كأنه الطيف زار الجفن في الحلم وقال: بعض الخرافيين: ينتهي العالم عام (1400هـ) حسبوا الحروف في القرآن، وأعطوا كل حرف رقماً حسابياً، وإعطاء الحروف رقماً حسابياً موجود في حساب العرب، ونسب إلى بعض العلماء أنه قال: إذا أتى (1400هـ) ولم تقم القيامة فأحرقوا كتبي. فأتى (1400) ونحن الآن في (1409هـ)! وبعضهم يقول: يؤلف منها وينتهي العالم عام (1400هـ) وأتى (1400هـ) وما انتهى العالم، وكان اليهود في بني قريظة وبني قينقاع يجمعونها في القرآن ويحسبون متى تقوم القيامة ومتى عمر الأمة، ولكن ما استطاعوا أن يحسبوا ولا ينسبوا. أما مقاصدها: فهي تدل على إعجاز هذا الكتاب العظيم، فسبحان من أنزله!

تفسير قوله تعالى: (ذلك الكتاب)

تفسير قوله تعالى: (ذلك الكتاب) الآن ينتقل إلى الغيبة، ويتحدث عن كتاب غائب، أي كتاب؟ إنه ذلك الكتاب؛ ولذلك إذا مدحت الرجل قلت: ذلك الرجل، وذلك البطل، فالبعد فيه عظمة، فقال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} ولم يقل: القرآن؛ لأنه هو الكتاب، أي: كأن غيره ليس بكتاب، وسيبويه لما ألف كتاباً في النحو سماه الكتاب، وأنت إذا أردت أن تمدح الرجل قلت: الرجل رجل. وهو رجل وكل الناس الذكور رجال، لكن في الناس رجل ورجيل. أتى رجل إلى الأحنف بن قيس فقال: عندي حويجة بسيطة (سهلة). قال: التمس رجيلاً، أما أنا فرجل للمعضلات. يقول: لا تأتني بالصغائر هذه وتشغل وقتي بها، ولكن التمس لها رجيلاً صغيراً على قدرها، أما أنا فرجل للمعضلات. وقد صدق، فهو رجل المعضلات، حتى يقول عامر الشعبي: سبحان من ساوى في الدية بين الناس! فلو قتل طفل صغير ذكر فديته ودية الأحنف بن قيس بعقله وحلمه سواء! فالناس في الديات سواء، ولكنهم في العقول يختلفون. ودعونا نستطرد قليلاً في الأحنف بن قيس يقال: اختلفت قبائل اليمن وقبائل العراق في المسجد حتى سل بعضهم السيوف على بعض، فقام أمير الكوفة فأسكتهم فما سكتوا، وما بقي إلا وقت يسير ويسيل الدم وتضرب الرءوس وتنزل عن أكتافها، فتنة لا يعلمها إلا الله! فقال الأمير لأحد المسلمين: اذهب إلى الأحنف بن قيس وتعال به، فإنهم إذا رأوه سكتوا. قال: فذهبت إلى الأحنف فطرقت عليه الباب -وأنا لا أعرفه لكنهم دلوني عليه- فخرج لي رجل أشل (على نصف فقط) أحنف (نحيف) مفلفل الشعر، ضعيفاً هزيلاً، وهو محتزم بسلب (بخيط من سلب) فأدخلني فقلت: أين الأحنف -وهو الأحنف -؟ قال: اجلس افطر وسيأتيك الآن. قلت: الناس سوف يقتتلون في المسجد. قال: ما عليك، اجلس. فأجلسني وأتى بخبز وزيت وملح وماء، ثم أتى يأكل، فما استطعت أن آكل معه من خوفي على الناس، فقلت: أين الأحنف؟ قال: الذي يحدثك. فأتاني من البهت ما الله به عليم!! فقلت: أأنت الأحنف وتأكل هذا؟ قال: زيت من زيت الشام، وماء من ماء دجلة، وخبز من خبز العراق وتقول: لا آكله! هذه نعمة من نعم الله. فلما انتهى غسل يده ثم أخذ عصاً معه، فلما دخل المسجد سلم على الناس وأخذ يهلل ويكبر، فسكت الناس وأخذوا يدخلون سيوفهم في أغمادها، فصعد المنبر فألقى كلمة ما سمعت بأفصح منها؛ فأصلح بين القبيلتين وصلحوا! قال أحد الناس: من هذا؟ قال الأمير: هذا الأحنف بن قيس الذي إذا غضب غضب له عشرة آلاف سيف لا يسألونه فيم غضب. في بني تميم عشرة آلاف، إذا غضب الأحنف بن قيس غضبوا ولا يسألون ما سبب الغضب، ويقاتلون معه. تكلم الأحنف بن قيس على معاوية في مجلسه، وهو خليفة -رضي الله عنه وأرضاه- قال: يا معاوية! إن السيوف التي قاتلناك بها في أغمادها، وإن القلوب التي أبغضناك بها إنها لفي صدورنا، والله إن عدت عدنا. فدخل معاوية فقالت ابنته: من هذا البدوي الجافي الذي يتكلم عليك أمام الناس وتسكت له؟ قال: هذا مولى زبراء - زبراء خادمته- الأحنف بن قيس الذي إذا غضب غضب معه عشرة آلاف سيف لا يدرون فيم غضب. فالمقصود من قوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} أي: لعظمة هذا الكتاب، وسيبويه سمى كتابه في النحو الكتاب، ولما توفي رئي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قالوا: بماذا؟ قال: لما أتيت إلى لفظ الجلالة في النحو قلت: لفظ الجلالة أعرف المعارف فلا يُعرَّف. لفظ "الله" لم يعرفه مثل الأسماء، بل قال: لفظ الجلالة أعرف المعارف فلا يُعرَّف، فأدخله الله الجنة.

أصل كلمة (الكتاب)

أصل كلمة (الكتاب) والكتاب ورد في القرآن مشتقاً ومصدراً، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] أي: فرض وألزمتم به، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة:216] حتى يقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي: كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة:180] أي: ألزمتم ووجب عليكم، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء:24] أي: إيجابه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وقال جلت قدرته: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] أي: فرضنا وأوجبنا، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء:105] أي: قضينا وقدرنا، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:68] أي: قضاء وقدر -في مغانم بدر - وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل:29] هذه بلقيس كانت في أرض سبأ عند سد مأرب فألقي إليها كتاب كريم من سليمان، لماذا سمي كريماً؟ قالوا: لأن عليه الخاتم. والملوك لا يقرءون إلا كتباً مختمة، أما الكتب العادية التي من الناس فلا يقرءونها، فلما أراد سليمان أن يكتب كتاباً؛ قال له وزراؤه ومستشاروه: اكتب لها واختم فإنهم لا يقبلون كتاباً إلا مختماً. وفي صحيح البخاري عن أنس: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى هرقل عظيم الروم، فقال الصحابة: إنهم لا يقرءون كتاباً إلا مختماً؛ فاتخذ عليه الصلاة والسلام خاتماً فيه (محمد) سطر و (رسول) سطر و (الله) سطر، فختم به فقرئ عند هرقل}. قال الله: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل:29] أي: مختم، انظر ما أطول الكتاب! نص الكتاب: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل:30 - 31] هذا هو كل الكتاب. ولذلك العظماء يوجزون في الكلمات، فـ خالد بن الوليد له أقصر كتاب في التاريخ، فقد نزل رضي الله عنه بالجيش في اليرموك فاجتمعت عليه كتائب الروم من كل جهة، حتى يقول أحد الجيش: الملتجأ إلى أجى وسلمى (وأجى وسلمى جبلان في حائل، وهما اللذان تنزل فيهم قبائل شمر، وهي قبائل حاتم الطائي المسماة قبائل طي) فدمعت عينا خالد وقال: إلى الله الملتجا. وينظر خالد إلى اليمين فإذا هي كتائب، وينظر وراءه فإذا هي كتائب، وأصبح داخل هذه المستعمرة المتحركة من الجيوش التي هي كالبحور! مائتان وثمانون ألف رومي، وهو فيما يقارب ثلاثين ألفاً من الصحابة ومن المسلمين، فماذا فعل؟ أرسل في الليل رسالة إلى عياض بن غنم، وكان بطلاً عنده جيوش وقبائل العرب كلها، لو نادى فيهم لأجابوه، قال في الرسالة: (بسم الله الرحمن الرحيم من خالد إلى عياض إياك أريد والسلام). وهذا كان أخطر كتاب، فلما قرأه عياض بن غنم قام وسط الليل فنادى في قبائل العرب وجيوشها وكتائبها، فما أصبح الصباح إلا وقد ترس بطوق آخر وسوار على الروم من الخارج! وأراد الروم أن يخلصوا من هذا السوار، وبكل صعوبة رجعوا إلى مواقعهم، وبدأت المعركة، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين. يا من يرى خالداً بالبرد معتجراً تحت العجاجة مثل الأغطف الغادي وما نصر إلا بفضل الله، ثم بإيمانه ويقينه وصدقه وإخلاصه. ولما توفي خالد بن الوليد قامت المدينة في رنة من البكاء، وشاركهم في البكاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فأتى رجل وقال لـ عمر: يا أمير المؤمنين! أسكت النساء فإنهن يبكين على خالد. قال: ثكلتك أمك! دعهن يبكين، على مثل أبي سليمان فلتبكِ البواكي. وللفائدة: كتاب سليمان كتبه ثم أعطاه للهدهد؛ لأن الهدهد هو الذي أتى بالخبر، فحمله فوصل في وقت القائلة، وهي ليست في دوام في ذلك الوقت بل في إيوانها نائمة، وأتاها وقت القائلة بعد صلاة الظهر، فدخل من ثقب في القصر، ثم ألقى الكتاب على صدرها -وهذا ثابت في التفاسير- فاستيقظت وذهلت، لو كان أتى بالكتاب رجل لكان أسهل، ولو أتى به وفد أو حمام زاجل جهاراً نهاراً لكان أسهل، لكن الحراسة مطوقة، والجنود على الأبواب والمنافذ، فمن أين يدخل الكتاب؟ فانذهلت وجمعت جنودها في قصة ليس هذا مجال بسطها. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282] والكتاب في الأصل من مادة كتب، وهو تجميع الشيء إلى الشيء، وسميت الكتيبة في المعركة كتيبة؛ لأنه يتجمع جنودها في جماعة فسموا كتيبة، قال المتنبي: ألا أيها المال الذي قد أباده تعز فهذا فعله بالكتائب يقول للمال: اتق الله يا أيها المال واصبر، إذا كان قد أبادك فإنه يبيد الكتائب في المعركة - سيف الدولة - كما يبيد المال. ويقول النابغة الذبياني، وهي من أحسن القصائد التي يمدح بها النعمان بن المنذر: إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم عصائب طير تهتدي بعصائب إلى أن يقول: كتائب بكتائب في قصيدة طويلة. فالكتائب هي الجيوش إذا جمعت، ومنه أخذ الكتاب؛ لأنه يجمع الكلمات بعضها مع بعض.

تفسير قوله تعالى: (لا ريب فيه)

تفسير قوله تعالى: (لا ريب فيه) {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] ما معنى" لا ريب"؟ تدل كلمة " لا ريب" على أحد ثلاثة معانٍ: 1 - لا ريب بمعنى: لا شك. 2 - بمعنى: لا تهمة. 3 - بمعنى: لا حاجة. لكن معناه هنا: لا شك. فهذا الكتاب لا يشك فيه إلا ظالم فاجر، ولا يوسوس فيه إلا ملحد، ولا يخرص فيه بالظن إلا زنديق. وقيل: التهمة؛ ولذلك يقول جميل بثينة: قالت بثينة يا جميل أربتني فقلت كلانا يا بثين مريب تقول: إنك سببت لي التهمة فيقول: وكلنا متهمون ببعض، وقال هذا البيت وهو من الشواهد في اللغة، ومثل هذه الأبيات في الحب تصرف إلى المخلوق، ولو صرفوا قلوبهم للواحد الأحد لكان أعظم وأعظم. يقول مجنون ليلى في قصيدة له من أحسن القصائد، لكنه صرفها إلى المخلوق، يقول فيها: وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا فأخذها ابن تيمية، فكان يخلو بنفسه يذكر الله تعالى؛ فإن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: {رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه} فكان ابن تيمية يخلو بنفسه، قال تقي الدين بن شقير: رأيته في صحراء ما معه إلا الله، وقد خلا بنفسه وقال: لا إله إلا الله ثم دمعت عيناه وقال: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا وقد سئل ابن تيمية: كيف يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45] كيف يأمرهم بالذكر وقت الأزمات؟ وهم في مصافة العدو وفي محاربة الكافر ويأمرهم الله بالذكر؟! قال ابن تيمية: العرب تتشرف بذكر المحبوب وقت الأزمات، فأراد الله أن يخبرهم أن أعظم محبوب هو الله. ولذلك يقول عنترة الوثني الجاهلي: ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم فالله أرشدهم إلى أعظم طريقة وهي ذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الأزمات. وقيل: (لا ريب) لا حاجة. قال كعب بن مالك شاعر الإسلام مع حسان: قضينا من تهامة كل ريب وخيبر ثم أغمدنا السيوفا يقول: كل حاجة قضيناها من تهامة ومن نجد، يقول: تخيرها ولو نطقت لقالت قواطعهن دوساً أو ثقيفا يقول: انتهينا من الحاجات بالسيوف، ففتحنا نجد بالإسلام وفتحنا تهامة، وسألنا سيوفنا: ماذا تريدين؟ قالت: نريد دوساً وثقيفاً؛ فباغتوا دوساً وثقيفاً فانتصروا عليهم. إذاً: (لا ريب فيه) أي: لا شك فيه، وهذا الكتاب هو الذي لا ريب فيه: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] فمن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن عمل به كان على صراط مستقيم من اتبعه وعمل بما فيه قاده إلى الجنة، ومن أدبر عنه وأعرض أخذه بقفاه حتى يقذفه في النار. القرآن لا يترك أحداً إما مسلم متدبر خاشع يأخذه حتى يدخله الجنة، جاء في بعض الروايات أن القرآن يقول لصاحبه: والله لا أفارقك حتى أدخلك الجنة. ويقول للفاجر: والله لا أفارقك حتى أكبك على وجهك في النار. فنعوذ بالله. ومنهم من يتوسد القرآن، يعرض عن أحكامه، ويترك الصلاة، ويعق الوالدين، ويزني ويسرق ويشرب الخمر، فهذا يقذفه على وجهه في النار: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:125 - 126].

تفسير قوله تعالى: (هدى للمتقين)

تفسير قوله تعالى: (هدى للمتقين) كلمة "هدى" مصدر، أي: يهديهم هدى، وأعظم ما يهتدى به هو القرآن.

أقسام الهداية

أقسام الهداية الهداية على قسمين: 1 - هداية الدلالة: وهي للرسول عليه الصلاة والسلام، ولكل داعية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. 2 - هداية التوفيق: وهي من الواحد الأحد: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56].

اختصاص المتقين بالهداية

اختصاص المتقين بالهداية لماذا لم يقل: (هدى للمسلمين)؟ لأن المسلمين درجات: منهم من يتحمل الكبائر، فلا تكون له هداية تامة عامة، ومنهم من يأتي بالمعاصي دائماً وأبداً فلا تكون هدايته كاملة شاملة، فقال: (للمتقين)؛ لأنهم أعظم من اهتدى بالقرآن، وهم الذين وازنوا القرآن على أنفسهم وأنفسهم على القرآن، فعملوا بأوامره وانتهوا عن نواهيه، وآمنوا بمحكمه وردوا متشابهه إلى الله الواحد الأحد.

تعريف التقوى

تعريف التقوى قيل: التقوى هي: أن تخاف الله على نور من الله ترجو رحمة الله، وأن تعمل الحسنة على نور من الله تريد ثواب الله، وأن تتقيَ السيئة على نور من الله تخشى عقاب الله. وقيل: التقوى هي: العمل بالمأمور وترك المحذور وتصديق الخبر. وقيل: التقوى هي: العمل بالطاعات وترك السيئات -وهذا سهلة-. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. وقال ابن مسعود: التقوى أن يُذكر الله تعالى فلا يُنسى، وأن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُشكر فلا يُكفر. وقيل: التقوى: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وغضبه وناره وقاية، فإذا فعلت ذلك فقد اتقيت. قال عمر لـ أبي بن كعب: [[صف لي التقوى. قال: يا أمير المؤمنين! أمررت بأرض فيها شوك؟ قال: نعم. قال: فماذا فعلت؟ قال: تحفزت وشمرت. قال: فكذلك التقوى]]. ونحن نشكو حالنا إلى الله عز وجل، إذا لم نتق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فنحن مثل من يمشى على شوك على خطورة من اللسان والسمع والبصر والقلب، قال الشاعر: خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا فسبحانه من كريم جواد!

أسباب دوافع التقوى

أسباب دوافع التقوى للتقوى دوافع: أولها: استحضار عظمة الله الواحد الأحد. ثانيها: القيام بالفرائض، فمن نقض الفرائض أو ترك شيئاً منها فهو أفجر فاجر، ولو حلف لك خمساً وعشرين يميناً على المصحف أنه متق؛ فلا تصدقه إذا ترك فريضة واحدة. من يخن الله فلا تثق به، ومن لم يخف الله فخف منه، ومن لم يجعل بينه وبين الله حبلاً من الإسلام فلا تجعل بينك وبينه حبلاً، فإن من خان في أحكام الله أجدر أن يخون معك، وهذا مشاهد في الناس. ويا حسرة على شباب الإسلام الذين يسافرون إلى الأمم الغربية، فيأتي أحدهم ويقول: ما رأينا أصدق منهم، وما رأينا أخلص منهم، وما رأينا أوفى منهم! إنهم يعجبون بالكافر لأنهم ما عاشوا حياة الصحابة، حياة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع

صفات المتقين

صفات المتقين من هم المتقون؟ أولياء الله عز وجل ليس لهم لباس خاص، ولا مجالس خاصة، ولا شعار خاص، وليس لهم شيخ خاص، ولا طائفة خاصة، ولا جماعة خاصة: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63] هذا هو أحسن تعريف للأولياء.

الإيمان بالغيب

الإيمان بالغيب قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:3] ما هو الغيب؟ كل ما استتر عنك فهو غيب، فهم يؤمنون ويصدقون بما أخبرهم به محمد صلى الله عليه وسلم؛ أن هناك جنة وناراً، وحساباً وعقاباً وثواباً، وأن هناك ميزاناً وصراطاً، وأن هناك نعيماً مقيماً أو عذاباً أليماً، وأن هناك رباً سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، إلهاً حكيماً قادراً عليماً بصيراً سميعاً، مستوياً على عرشه، إنما يقول للشيء كن فيكون، له الملك وله الأمر، كل يوم هو في شأن ولذلك هذا هو -والله- الإيمان، فبشرى لكم يوم آمنتم ولم تروا الرسول صلى الله عليه وسلم، ويوم أسلمتم وآمنتم بالله ولم تروا ربكم، فاعبدوا الله كأنكم ترونه فإن لم تكونوا ترونه فإنه يراكم. كان رجل أعرابي يصلي في الصحراء، فمر به رجل ملحد فقال له: لمن تصلي؟ قال: لله الواحد الأحد. قال: هل رأيته؟ قال: يا عجباً منك! البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وليل داج، وبحار تزخر، ونجوم تزهر، وسماء تمطر ألا تدل على السميع البصير؟! فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]. وأسماء الله تعالى وصفاته من الغيب واستواؤه على عرشه من الغيب والجنة والنار من الغيب وما يحدث في العرصات، وما يحدث في القبر من منكر ونكير ومن عذاب ونعيم من الغيب فأنتم تؤمنون بالغيب، آمنتم بالغيب وصدقتم، فلكم النعيم وأنتم المفلحون إن شاء الله. وبدأ الله تعالى بالغيب لأنها أعظم قضية؛ ولذلك ما ألحد من ألحد إلا يوم أن كفر بالغيب، فهم يقولون: لا إله والحياة مادة، وكل ما هو مشاهد وملموس نؤمن به وما وراء العيون لا نؤمن به وقد افتروا على الله: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:65 - 66] فالإيمان بالغيب هو أعظم قضية تواجه الإنسان، ومن لم يؤمن بالغيب لم يسلم، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.

إقامة الصلاة

إقامة الصلاة قال الله: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [البقرة:3] فذكر من صفاتهم إقامة الصلاة، والله عز وجل إذا ذكر المؤمنين ذكر أنهم يقيمون الصلاة، وإذا ذكر المنافقين ذكر أنهم يصلون ولم يذكر أنهم يقيمون الصلاة وهذا فارق ينتبه له، قال الله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:1 - 7] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة النساء: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] فلم يقل: وإذا أقاموا الصلاة وإنما قال: (وإذا قاموا إلى الصلاة). والناس قسمان: قسم يقيم الصلاة وقسم يصلي، فالذي يصلي بلا إقامة صلاة؛ لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر، والذي يقيم الصلاة تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45]. تقول: ما للإنسان يصلي ولكنه يتناول المخدرات؟ ما له يصلي ويزني؟ ما له يصلي ويشرب الخمر؟ ما له يصلي ويسرق؟ لأنه صلى ولكنه ما أقام الصلاة. وإقامة الصلاة تكون بدوام خشوعها وخضوعها ووضوئها وإخلاصها وركوعها وسجودها وأذكارها وروحها، فيعصمهم الله تعالى بالصلاة من الفحشاء والمنكر، وأول ما تبدأ بصلاة الفجر، يقول عليه الصلاة والسلام: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه من ذمته بشيء أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار}. وفضل الصلاة عظيم، وهي تحتاج إلى محاضرات، ولكن نحن نقف على مقاصد الآيات، وإلا فليس هناك أحكام والحمد لله، وسوف يمر معنا الصلاة، والصيام، والحيض، والقصاص، والوصية، والدين، في سورة البقرة -إن شاء الله- فنتوسع هناك، أما هنا فآيات ورقائق وترغيب وترهيب.

الإنفاق في سبيل الله

الإنفاق في سبيل الله قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في صفتهم: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة:3] ما قال: وما رزقناهم ينفقون، ولكن قال: (مما رزقناهم) أي: بعض ما رزقناهم، فهم ينفقون من بعض ما رزقناهم، ولو قال: وما رزقناهم ينفقون؛ لكان هذا شاقاً على الناس، ولا يستطيع الإنسان أن ينفق ماله كله، لكن قال: (مما رزقناهم) أي: شيئاً مما رزقناهم ينفقونه، فهؤلاء من الذين يدركهم الفلاح إن شاء الله. لكن الله تعالى يقول: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] فكيف تؤثر على نفسك ولا تترك لنفسك شيئاً؟ وهنا يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة:3] فهذه الآية تقول لك: أنفق من بعض ما رزقك الله، وتلك الآية يمدح الله فيها من أنفق كل شيء وجلس وحيداً فكيف نجمع بينهما؟! قال بعض أهل العلم: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] هذا لمن وثق برزق الله وبما عند الله، ومن أصبح التوكل عنده كتوكل أبي بكر الصديق؛ فله أن ينفق ماله كله، وأما مثل أحوالنا ممن لم يصل توكله إلى درجة عالية فينفق بعض ماله. فـ أبو بكر أنفق ماله كله في الإسلام، فما رد الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً؛ لأنه يعرف توكله، وبعض الصحابة أتوا بمالهم فقال لهم عليه الصلاة والسلام: {أمسك عليك بعض مالك} وأخذ منه صلى الله عليه وسلم القليل وترك له الكثير؛ لأنه يعرف توكله. فمن بلغ القمة في التوكل فليس عليه أن ينفق ماله، ومن نقص توكله فلينفق شيئاً من ماله، قال تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة:3] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:262] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:267] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران:17]. وقد بلغ كثير من الصحابة في الإنفاق مبلغاً عظيماً، منهم أبو بكر وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عن الجميع. فأما أبو بكر فأعطى الإسلام كل ما عنده، أعطى الإسلام ماله ودمه وجهده ووقته؛ فعوضه الله أن جعله أكبر صديق بعد الأنبياء والمرسلين. وأما عثمان فحفر بئر رومة للمسلمين فسقاه الله من سلسبيل الجنة، وجهز جيش تبوك فقال له صلى الله عليه وسلم: {غفر الله لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض} وأما ابن عوف فأنفق ما يقارب سبعمائة جمل في لحظة واحدة، بأقتابها وأحلاسها وطعامها وزبيبها في سبيل الله خالصة مبرأة، فأخذها الفقراء وقالوا: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة. لا ينكتون الأرض عند سؤالهم لتطلُّب الحاجات بالعيدان بل يشرقون وجوههم فترى لها عند السؤال كأحسن الألوان وإذا الغريب أقام وسط رحالهم ردوه رب صواهل وقيان وإذا دعا الداعي ليوم كريهة سدوا شعاع الشمس بالفرسان قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة:3] و (من) هذا تبعيضية، فكأنه قال: من بعض ما رزقناهم ينفقون، فالمطلوب من الإنسان أن ينفق، وإذا أمسك الشيء فإنما أتلفه، وإذا أنفق الشيء فإنما أمسكه. أنت عبد المال إن أمسكته وإذا أنفقته فالمال لك وقد ذكر العلماء كثيراً من قصص الكرماء والبخلاء، وأدوى داء هو البخل: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد:38] {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96]. والناس في الإنفاق على ثلاثة أقسام: قسم يريد به الرياء والسمعة: فليس له حظ ولا نصيب في الآخرة، وهو أول من تسعر به النار. وقسم ينفقه كرماً وحياءً: فله أجر ومثوبة، وقد يكون عادة. وقسم ينفقه بقصد ونية وإخلاص: فهو المأجور العابد بماله لله الواحد الأحد. وممن أتلفوا أموالهم فطلبوا الصيت: حاتم الطائي، كان من أكرم الناس، فعوضه الله بالصيت لأنه أراد الصيت، بالكرم حتى في مجالسنا اليوم دائماً يذكر اسم حاتم الطائي. ومنهم: ابن جدعان كريم مكة، كان فقيراً صعلوكاً يرعى الغنم في عرفات، فاكتشف قدوراً من ذهب، فذهب بها وأطعم الناس فأصبح من أكرم الناس ورزقه الله الصيت. أين الرجلان؟ أفي الجنة أم في النار؟ روي فيهما حديثان في صحيح مسلم، أما حاتم الطائي فقال ابنه عدي: {يا رسول الله! أبي كان يكرم الضيف، ويحمل الكل، فهل ينفعه ذلك عند الله؟ قال: لا. إن أباك طلب شيئاً فأصابه} أبوك طلب الدنيا والصيت والسمعة فله الصيت والدنيا والسمعة: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. وأما ابن جدعان فتقول عائشة: {يا رسول الله! ابن جدعان كان كريماً وكان مقرياً، فهل ينفعه ذلك عند الله؟ قال: لا. إنه لم يقل يوماً من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين}. وكان له خادم ينادي في الصباح من رأس جبل أبي قبيس ويقول: من أراد لباب البر بنسير العسل فليأت مأدبة ابن جدعان. فيهب الناس بأطفالهم ونسائهم فيأكلون، فإذا أتت الظهيرة نادى خادمه من على جبل أبي قبيس: من أراد الثريد فليأت مائدة ابن جدعان فيأتون؛ حتى يقول عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر: {ائتوني بـ أبي جهل قالوا: يا رسول الله! ما عرفنا جثته، إنه مقطوع الرأس -أصبح رأسه مقطوعاً كالشاة، رأسه في واد وجثته في واد آخر- فقال: تعرفونه بجرح في ساقه أو في ركبته، تصارعت أنا وإياه ونحن شباب على مائدة ابن جدعان فصرعته. فأتوا على ساقه فكشفوا فوجدوا الجرح، فسحبوا جثته إلى الرسول عليه الصلاة والسلام}. وكان ابن جدعان يقول للفقراء: لا يسألني أحد؛ لأنه لا يريد أن يذهب ماء وجهه أمامه، يقول: لا تسألني، قف أمامي وأنا سوف أعرف فيقول أمية بن أبي الصلت: أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحباء إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء ولذلك قال ابن تيمية: الدعاء ثناء والثناء دعاء؛ لأن العبد عندها يقول: لا إله إلا الله يريد شيئاً، والعبد لا يقول: يا قدوس! يا أحد! يا صمد! إلا لأنه يريد شيئاً. وأما أجواد الإسلام فاختلف فيهم، ولا بأس أن نذكرهم في باب الإنفاق، فقد ذكر الذهبي أجواد العرب في الإنفاق، وذكر أنه اختلف في الحرم جلاس وسمار في عهد التابعين من هو أكرم العرب آنذاك من المسلمين؟ فقال قائل: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وقال ثان بل هو: قيس بن سعد بن عبادة، وقال ثالث: بل أكرم العرب عرابة الأوسي. فقال رجل منهم: كل منكم يذهب إلى الذي يرى أنه أكرم العرب فيأتي بزي مزرٍ وزي فقير، ثم يسأله ويأتي إلينا بما أعطاه ذاك الكريم، ونرى أي العطايا أكثر. فذهب الذي يريد عبد الله بن جعفر في زي فقير، فتعرض له فوجده قد خرج من المدينة يريد دمشق في الشام، ومعه فرس وعنده سيف وحلي الفرس، فقال: أنا رجل فقير منقطع أريد منك مالاً. فقال عبد الله بن جعفر: لو أتيتني وأنا في المدينة لأعطيتك وأكثرت لك، ولكن خذ الفرس وخذ السيف، أما أنا فسوف يعرفني الناس ويركبونني. قال: لا. قال: والله لتأخذنه؛ فأخذ الفرس والسيف وترك الرجل تحت شجرة. وأما صاحب قيس فأتى إليه وطرق عليه الباب، فخرجت الجارية وقالت: ماذا تريد؟ قال: أنا رجل فقير أريد قيساً. قالت: هو نائم، ولكن خذ ألف دينار ولا توقظ سيدي ودعه ينام. فذهب ومعه ألف دينار، تقارب عشرة آلاف درهم. وذهب الذي يريد عرابة الأوسي، فوجده خارجاً من بيته يريد الصلاة، وهو أعمى وله عبدان قد اتكأ بيمينه على واحد واعتمد على الآخر، فقال له: أنا رجل منقطع؟ فقال عرابة الأوسي: والله ما عندي في بيتي شيء؛ لقد أذهبته النفقات، وليس عندي إلا هذان العبدان فخذهما لك. فقلت: أنت أعمى! قال: خذهما. فأخذتهما، وأصبح يتلمس من عماه إلى المسجد حتى دخل المسجد. فعادوا، فقال الذي حكم في القصة: أما قيس بن سعد فهو كريم، ومن كرمه أن الجارية تعطي ألف دينار فكيف إذا استيقظ هو، ولكن لا بأس. وأما عبد الله بن جعفر فسوف يعرفه الناس ويحملونه، وهو كريم لأنه ترك نفسه في الصحراء وحده. أما أكرمهم فهو عرابة الأوسي؛ لأنه أعمى وقد أنفق أمواله وما بقي عنده إلا هذان العبدان، فأعطاك وأخذ يتلمس إلى المسجد، ثم يقول فيه القائل: إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين رأيت عرابة الأوسي يسمو إلى العلياء منقطع القرين وهو أوسي من الأنصار، رضي الله عنه وعن آبائه وعن كل رجل من الأنصار، فإننا نتقرب إلى الله بحبهم.

تفسير قوله تعالى: (أولئك على هدى من ربهم)

تفسير قوله تعالى: (أولئك على هدىً من ربهم) قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:5] من هم؟ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة:3] {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:5] فقال: (على هدى) ولم يقل: في هدى؛ لأن (على) هنا أبلغ، أي: على طريق من الهدى وعلى واضحة وجادة، ولو قال: في هدى؛ لشمل أن بعضهم في هدى وبعضهم في ضلال، ولو قال: إلى هدى؛ لما وصلوا إلى الهدى؛ لأن الذي يمشي إلى الشيء ما كأنه وصله، فأنت تقول: مشيت إلى السارية أو إلى الكعبة، فكأنك ما وصلت، فلو قال: إلى هدى، لاحتمل أنهم يهتدون أو لا يهتدون، ولكنه قال: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً} [البقرة:5] أي: وصلوا إلى الهدى، وتكنفتهم الهدى فكلامهم هدى، وفعلهم هدى، وحركاتهم هدى، وكل شيء يصدر منهم هدى. والذي لا يفعل هذه الأمور فالهدى عنده قليل فإذا كتب في صحيفة تراه ضالاً، وإذا ألقى قصيدة فهو ضال، وإذا باع واشترى فهو ضال، وإذا تكلم فهو ضال؛ لأنه ليس له نور، ومن أين يأتي النور إلا من الله؟! {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] فالناس لا يعطون النور، والعلم وحده لا يعطيك النور، والثقافة وحدها لا تعطيك النور، إنما يعطيك النور الذي أنزل النور والذي خلق النور: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] لأنه على ظلمة، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى في المنافقين: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد:13] يقول: ليس عندكم نور، ولذلك يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة:9] لم يقل في الآية: يخادعون الله وهو يخادعهم؛ لأنه لو خادعهم لم تأت نتيجة الخداع؛ بل قال: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] أي: أوقع بهم الخداع وكيف يخدعهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؟ قيل: يضيء للمنافقين نوراً يوم القيامة. ثم انطفا نور المنافقينا ووقفوا إذ ذاك حائرينا لأنهم بالوحي ما استضاءوا فكذبوا فذا لهم جزاء يضاء لهم النور فيرون الصراط، ويرون جهنم في ظلمة لا يعلمها إلا الله، فإذا توسطوا على الصراط انطفأ النور فعثروا فوقعوا على وجوههم فهذا هو الخداع: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ} [البقرة:9] لأنهم يصلون مع الناس وهم لا يريدون الصلاة، ويقرءون القرآن وهم لا يريدون القرآن، فظاهرهم فيه الرحمة وباطنهم من قبلهم العذاب، وهم من أجوف الناس: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] والخشبة داخلها خواء، ويقول: (مسندة) لأنها لا تعتمد على نفسها لكنك تسندها على الجدار، فهؤلاء هم المنافقون، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17] ولم يقل: ذهب بإضاءتهم، مع أن الأصل في غير القرآن أن يقال: فلما أضاءت ما حولهم ذهب الله بإضاءتهم. لكن ترك الفعل وأتى بالمصدر من نوع آخر فقال: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17] قالوا: لأنه لو قال: ذهب بإضاءتهم؛ لاحتمل أنه بقي لهم جذوة أو شيء من النور، لكنه لم يبق لهم شيء فقال: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ} [البقرة:17]. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:5] أي: أنهم يعيشون في هدى وفي اطمئنان، ولذلك لا يحفظك على الهدى إلا هذا العمل، لا تظن أن لك حافظاً غير الله فإنه لا يمكن أن يعصمك من الفواحش إلا الله أما غيره سُبحَانَهُ وَتَعَالى فلا يستطيع؛ لأن الله عز وجل يقول ليوسف لما كان مهتدياً: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24] أي: لما كان مهتدياً صرفنا عنه السوء والفحشاء، فلا يصرف عنك السوء والفحشاء إلا الله. والله تعالى قال: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:5] ولم يقل: (هدى) ويسكت؛ لأن (هدى) كثيرة، وهي مشتقة، فمنهم من يهديه الشيطان: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس:35] يقول: الذي يهديك إلى الصواب خير من الصنم الذي لا يهدي إلى الحق إلا أن يهدى هو. وبعض الناس يهدي إلى الضلالة، فلذلك: الهدى من الله؛ لأن بعضهم يقول: أنه مهتد وهو ضال، أي هداه إبليس، وقد قيل لـ ابن عمر: [[إن المختار بن عبيد الله الثقفي -هذا الدجال الكاذب الخائن الساحر، الذي ادعى النبوة- يزعم أنه يوحى إليه. فقال ابن عمر: صدق، إنه وحي من الشيطان {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:112] وليس وحياً من الرحمن]]. فقال الله عز وجل: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:5] ولم يقل: من الله لماذا؟ ليذكرهم النعمة، نعمة الهداية والفطرة والحياة، أي: من ربهم الذي رباهم، لأنهم مقرون بالله، وقد سبق أن قرر التوحيد، فأتى هنا بلفظ (الرب) والله إذا ذكر الجميل ذكر الربوبية، وإذا ذكر التفرد ذكر الألوهية سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

تفسير قوله تعالى: (وأولئك هم المفلحون)

تفسير قوله تعالى: (وأولئك هم المفلحون) قال تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5] لماذا يكثر من الضمائر؟ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى في المنافقين: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} [المنافقون:4] فأتى بالضمير (هم) وأتى بـ (العدو) معرفة، والجملة إذا ظرفت بمعرفتين -المبتدأ معرفة والخبر معرفة- أفادت الحصر، وقال هنا: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5] فأعاد اسم الإشارة، وأعاد الضمير، وأعاد التعريف بأل. والفلاح ذكر في القرآن على أقسام، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] وهذه الرحمة للإنصات، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] فذكرهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالفلاح في عدة سور، وذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى الفلاح بعد الذكر وبعد الصبر والجهاد والنفقة. والفلاح في اللغة يسمى السحور، ومعناه: السعود والنجاة، وبمعنى: الذهاب إلى الشيء، ومعناه هنا: أنهم سعداء في الدنيا والآخرة: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5] أي: أفلحوا ونجحوا وأصلحوا ظاهراً وباطناً، وأمنيتنا ورجاؤنا وسؤالنا إلى الواحد الأحد، الذي لا تخيب عنده المسائل، ولا تعطل عنده الرسائل، ولا يسد حجابه، ولا تغلق أبوابه؛ أن يجعلنا من المفلحين، ومن المقيمين للصلاة، ومن الذين يؤمنون بالغيب ومما رزقهم الله ينفقون والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم المزاح

حكم المزاح Q نحن شباب فينا خير -إن شاء الله- لكن يكثر فينا المزاح. فما تنصحنا؟ A المزاح لا بأس به في أمور إذا لم تكذب فيه، وإذا لم يكن فيه فحش وبذاءة، وإذا لم تكثر منه، فحاول ألا تكذب ولا تكثر منه ولا تفحش فيه، وما عليك منه إن شاء الله، وأكثر من الاستغفار والصدقة.

نصيحة لمن له جار لا يصلي

نصيحة لمن له جار لا يصلي Q بجوار بيتي مسجد أصلي فيه أنا ووالدي، وهناك جار لنا وللمسجد لم يصلِّ معنا. فماذا أعمل؟ A انصحه وادعه وحاول معه، فإذا لم يستجب لك وليس عنده عذر فحاول أن تجفوه وأن تعلن له الهجر، حتى يرى أنك غضبت من انتهاكه حرمات الله وحدوده وتضييع فرائضه، ولا تزره بعد أن تنصحه كثيراً ولا تجلس معه.

حكم رفع الصوت بالقراءة لمن فاتته الركعتان الجهريتان

حكم رفع الصوت بالقراءة لمن فاتته الركعتان الجهريتان Q لاحظت ظاهرة وهي أن بعض المأمومين إذا فاته شيء من الصلاة الجهرية قام ليتمها رافعاً صوته. فما هو الواجب؟ A هذه رواية لبعض أهل العلم وعليها دليل، فلا بأس أن يرفع صوته في الجهرية إذا سبقه الإمام، وإن أسر فما عليه، والمسألة اجتهادية.

الفرق بين الصدقة والنفقة

الفرق بين الصدقة والنفقة Q ما هو الفرق بين الصدقة والنفقة؟ A كلاهما واحد، وليس بينهما فرق.

حكم حجز المكان في المسجد

حكم حجز المكان في المسجد Q ما رأيك في الذي يحجز المكان بكتاب أو غيره، ثم يذهب إلى بيته ثم يعود ويشغل المكان على الناس؟ A أما إذا كان هذا الإنسان له مكانة في الإسلام، كأن يكون عالماً جليلاً، أو سلطاناً عادلاً، أو رجلاً من الأخيار الصلحاء كبار السن أهل الشيخوخة؛ فلا بأس أن يحجز له المكان ليبقى في المقدمة، لقوله صلى الله عليه وسلم: {ليليني منكم أولو الأحلام والنهى}. أما هؤلاء الذين يأتون ويسدون الأماكن على الناس، ويذهبون وينامون في بيوتهم، ويلعبون الكرة، ويأخذون الصفوف الأولى فلا يصح هذا، بل تخرج كتبهم ونظاراتهم وعمائمهم وأحذيتهم وسراويلهم من المسجد، وتحتل مباشرة بالكتائب الإسلامية!

توضيح لحكم الأغاني

توضيح لحكم الأغاني Q قرأت في جريدة تقول أنت فيها: إن الذي خرب البيوت المسلمة بعض الأغاني؛ فكأنه يفهم منك أن بعضها حلال! أرجوا التوضيح. A لا. كل الأغاني حرام، وتتأكد من هذا، وقد يكون وقع هذا لكن الأغاني حرام والله المستعان.

حكم مسابقة الإمام

حكم مسابقة الإمام Q ما حكم مسابقة الإمام في الصلاة؟ A مسابقة الإمام ليست بجائزة، وهي تبطل الصلاة لمن تعمدها، وعليكم بالمتابعة لا بالمسابقة ولا بالتأخر ولا بالموافقة، فهناك أربع صور: المسابقة، والموافقة، والتخلف، وكلها لا تجوز، والمتابعة هي التي ينبغي أن تكون، وهي السنة، كما قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار؟}. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

الخطر الأحمر

الخطر الأحمر إن مما عمَّت به البلوى في هذه الأيام، وفي هذا العصر آفة عظيمة، وهي المخدرات والخمر، فيا ترى ما هي الأسباب التي جعلت الكثير من المسلمين يقعون في هذه الآفة العظيمة؟ وما هو سبب انتشارها بين المسلمين؟ وما هو السبب الذي جعل الصحابة رضوان الله عليهم يبتعدون عن مثل هذه الأشياء؟ وما هي الوسائل التي تجنبنا مثل هذه الأشياء؟ وما هو الحل لمن وقع في هذه الآفة؟ أهو الحبس والسوط؟ أم ماذا؟

أخطار المخدرات

أخطار المخدرات الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض، ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديراً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله وسلم على محمد حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيد بجبريل، المعلم الجليل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. سلام الله أرفعه إليكم بأشواقي لكم في خير لقيا وأرفع من رُبى أبها سلاماً لأهل الفضل من سكان صبيا إن هذا الاجتماع يعلن أن البقاء للإسلام، وأن المستقبل للإسلام، وأن البناء لهذا الدين الذي أنزله الله على البشرية، قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. المخدرات، وما أدراك ما المخدرات؟ اسم مرعب، مخيف مزعج، وما أتت المخدرات وما وجدت إلا ومعها قرائن من المعاصي والسيئات والمخالفات {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُور}) [النور:40]. هذه المخدرات تدخل في مظلة الخمر، وهي بنات عم الخمر، ومن سلالته وفصيلته. تلك العصا من هذه العصية لا تلد الحية إلا حية قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90 - 91]. لماذا انتشرت المخدرات؟ لماذا كثر المروجون؟ لماذا ضاع كثير من الشباب؟ لماذا أُودِع كثير من فتيان الإسلام السجون؟ لماذا يوضع أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي في السجن على جريمة المخدرات؟ لماذا يؤخذ أبناء صلاح الدين وطارق بن زياد وعقبة بن نافع، ويوضعون في السجون بجريمة المخدرات؟ ما هي الأسباب؟ أأتت عفوية؟ أم ماذا؟ لا. والله، إذاً ما هو السر؟ وما هو السبب؟ كيف يؤخذ شبابنا في المخدرات والمخالفات والمعاصي والمغريات التي اطلع عليها رب الأرض والسماوات؟!

أسباب الوقوع في المخدرات وانتشارها

أسباب الوقوع في المخدرات وانتشارها

من أسباب الوقوع في المخدرات: ضعف الإيمان

من أسباب الوقوع في المخدرات: ضعف الإيمان انقطاع الحبل بين الإنسان والواحد الديان، ونسيان الرحمن إذا خلا الإنسان بين الحيطان وفي الظلام وهذه هي قلة المراقبة، أو عدم الوصول إلى درجة الإحسان. إن درجة الإحسان التي صحت عنه صلى الله عليه وسلم، والتي أتى بها في الحديث الصحيح هي: {أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه، فإنه يراك}. يقول الشيخ/ حافظ الحكمي رحمه الله في الإحسان: وهو رسوخ القلب في العرفان حتى يكون الغيب كالعيان وهذه الدرجة نالها أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك انتهوا عن الخمر والزنا، والربا، وعن الغناء، والفواحش، أما نحن فوجدت فينا يوم ضعف الإيمان. أين إيماننا من إيمان أبي بكر الصديق؟! الذي دخل مزرعة رجل من الأنصار، فرأى طائراً يطير من شجرة إلى شجرة، فبكى، وقال: [[يا ليتني كنت طائراً، طوبى لك أيها الطائر! ترد الشجر، وتشرب الماء، ثم تموت لا حساب ولا عذاب]] يا ليتني كنت طائراً! هذا وهو أبو بكر الصديق! أيضاً أين درجة إيماننا من إيمان عمر رضي الله عنه؟! يوم يقول: [[والله الذي لا إله إلا هو، لو عثرت بغلة في ضفاف دجلة -في العراق - لخشيت أن يسألني الله عنها: لِمَ لم تسوِّ لها الطريق يا عمر؟]]. يقف على المنبر، وتقرقر بطنه من الجوع، فيقول لبطنه: [[قرقر، أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]]. ومما نسب لـ أبي الحسن علي بن أبي طالب أنه قال -وهذا يدل على من زيادة، وعمق الإيمان، ومعرفة الرحمن-: [[والله لو كشف الله لي الغطاء فرأيت الجنة والنار، ما زاد على ما عندي من إيمان مثقال ذرة]]. يأتي أعرابي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول: {يا رسول الله! أين ألقاك غداً يوم القيامة؟ أين ألقاك يوم الزحام؟} أعرابي علم علم اليقين أن القيامة سوف تقوم، وأنها لا محالة، ولذلك ينادينا الله، ويسمي يوم القيامة غداً، كأنه غداً القريب. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18]. ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. يقول الله لبني إسرائيل أهل المخدرات، وأهل الخمر والمسكرات، وأهل السيئات والمعاصي والمخالفات، الذين أغضبوا رب الأرض والسماوات، يقول: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13]. ويقول عن علمائهم: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5]. ويقول عن عالمهم: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176]. يقول الأعرابي: {يا رسول الله! أين ألقاك غداً يوم الزحام؟ قال: تلقاني في أحد مواطن ثلاثة -كأن الأعرابي يتصور يوم القيامة-: إما عند الصراط، وإما عند الحوض، وإما عند الميزان}. اللهم سلم سلم، يا شباب الإسلام! يا فتيان هذا الدين! يا حملة الرسالة الخالدة! هل جلس واحدٌ منا، فتفكر في ذلك اليوم؟ وهول ذلك اليوم؟ وشدته ورعبه؟ يقول عمر بن عبد العزيز الخليفة رضي الله عنه وأرضاه: [[والله الذي لا إله إلا هو، إنه لتمر بي الليلة، فأفكر في قيام الساعة منذ أن يبدأ الله في الحساب إلى أن يدخل الجنة قومٌ ويدخل النار قومٌ، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] وإذا بأذان الفجر]] أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه. نور الدين محمود -السلطان العظيم الصالح الزاهد التركي- جمع مهرجاناً يقارب ألف ألف (مليون) من الجيش، فخرج عليه أحد الزهاد، فقال: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إن قيل: نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي ومالك نور حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور من يصدق أن بعض كبار السن في مجتمعاتنا يعاقرون الخمر، يوم يقوم المتهجدون لربهم في ظلام الليل، يوم ينزل الحي القيوم إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، يوم ينادي بصوت: هل من سائل فأعطيه؟! هل من مستغفرٍ فأغفر له؟! هل من داع فأجيبه؟! هؤلاء الذين أتاهم النذير من الشيب، ألم يعلموا بقوله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] فيعاقرون الخمر والقات والدخان ولعب الورقة والبلوت وكل ما يشغلهم عن الله! يا إنسان! هل خلقت لهذه الأمور؟! إنما أوجدك الله لترفع لا إله إلا الله، وإذا بك تأتي هذه الأمور، فما هو السبب؟ وما هو السبب في وجود العطالة والبطالة في مجتمعاتنا؟ شيوخ كبار لا يذكرون الله، ولا يتنفلون، ولا يسبحون، ولا يقرءون القرآن، جلسات من الغيبة والزور، وجلسات من الفحش على المخدرات والقات؛ والمخدرات والقات سيئات تغضب الواحد الأحد، وهي مما يدمي قلوب الموحدين، لكن السبب ضعف وقلة الإيمان. عبد الله بن أنيس - أحد الصحابة - يأتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام -والحديث صحيح- فيرسله صلى الله عليه وسلم، ليقتل خالد بن سفيان الهذلي، فيقول: {يا رسول الله! فإذا قتلته، فما لي! قال: لك الجنة -وهو صادق، والرسول صلى الله عليه وسلم صادق، فوافق صدقه صدق المصطفى عليه الصلاة والسلام- فذهب فقتل المجرم، وأتى برأسه، فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال لـ عبد الله بن أنيس -الشاب-: أفلح الوجه، قال: ووجهك يا رسول الله! قال صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله بن أنيس:! خذ هذه العصا، فتوكأْ بها في الجنة، فإن المتوكئين بالجنة بالعصي قليل، فأخذها، وأصبح بها وأمسى، فلما مات، أمر أن تدفن معه} لأنه علم أن من أخبره صادق، وأن من علمه صادق، وأن رسالته صادقة، قال تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35]. يقول ابن القيم: "أنزل الله كتاباً عقداً من السماء - صكاً - أملاه بنفسه تبارك وتعالى، وأتى به جبريل، والطرف الأول محمد، والطرف الثاني المؤمنون، والسلعة الجنة، والثمن أرواح المؤمنين, فأُنزل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111] فلما أتى به صلى الله عليه وسلم -يقول ابن القيم في أثناء كلامه- فبايعه الصحابة على دفع الأرواح والأنفس، وقاموا من المجلس والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا، فقد وجب البيع". فلماذا وجدت المخدرات في أبناء الصحابة، أبناء الذين حملوا الرسالة؟ إنه ضعف الإيمان، وسبب ضعف الإيمان: قلة التربية، كيف قلة التربية؟ ثلاثة يسألون يوم القيامة عن تربية أبناء المسلمين، من هم؟ المسئول الأول: الأب في البيت، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] {كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته} أبٌ ما أدْخَل الإيمان في قلب ابنه، أبٌ ما غرس لا إله إلا الله في نفس ولده، أبٌ ما راقب ابنه في الصلوات، ولا في الأوقات والجلسات، ولا فيما يقدم له ولا فيما يؤخذ منه، ومن يصاحب، ومن لا يصاحب أبٌ عاطل في البيت، أحضر الخبز والماء، وأحضر الخضروات والفاكهة، وألبس ابنه أحسن الثياب؛ ولكنه ما منحه الإيمان والعمل الصالح. والمسئول الثاني: أستاذ يدرس أبناء المسلمين لا يحمل إيماناً ولا رسالة، فخرَّج طلبة، إذا سألت الطالب منهم: ما هوايتك في الحياة؟ قال: هوايتي جمع الطوابع والمراسلة، وصيد الحمام والدجاج والأرانب. أبناء خالد بن الوليد الذي خاض مائة معركة، وتكسرت الرماح في يده، ليرفع لا إله إلا الله، أبناء عقبة بن نافع الذي وقف على المحيط الأطلنطي وقال للبحر: [[والله لو أعلم أن وراءك أرضاً، لخضتك بفرسي؛ لأرفع لا إله إلا الله في تلك الأرض]]. يرجعون إلى أن تكون أمنياتهم جمع الطوابع والمراسلة، وضرب العود والغناء، والنجوم اللامعة في الفن، وهي نجوم مظلمة، قال تعالى: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. أستاذ يأتي إلى الفصل يلقي المادة، لكنه بلا إيمان، إما أنه يريد راتباً أو شهرةً أو يقضي وقتاً، فيقدم مادته باردة لقلوب باردة، فتموت القلوب، فتخرج ميتة، وتقع في المعاصي. والله أمر بإحياء القلوب، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. يقول شوقي للرسول عليه الصلاة والسلام: أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم بإذن الله. يقول: إن كان عيسى يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، فأنت أحييت قلوباً كانت ميتة. هذا كله بسبب ضعف الإيمان، نحن نتحدث في الدنيا، ولكن الآخرة ليس لها وقت عندنا؛ ولذلك وقع كثير من الشباب في المعاصي والمخدارت.

من اسباب الوقوع في المخدرات: قلة الطاعات

من اسباب الوقوع في المخدرات: قلة الطاعات الأمر الثاني: قلة الطاعات، وقد تدخل تبعياً في مسألة ضعف الإيمان، لكن لها انفصال من جانب آخر، والحق أن نقول: اللاطاعات، فنحن ليس عندنا نصيب للقبر، ولا أعمال صالحة، إلا من رحم ربك، تصور كيف نعيش مع القرآن؟ وكم يأخذ القرآن من أوقاتنا؟، وكيف نتدبر ونعمل بالقرآن؟ والله عز وجل جعل السعادة في القرآن، ويوم أعرضنا عن القرآن وقعنا فيما وقعنا فيه من غضب الواحد الديان، قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88]. وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]. وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]. وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. أنا أعرف قطاعاً هائلاً من شباب الإسلام حتى من الملتزمين من لا يقرأ في اليوم إلا صفحات من القرآن ببرودة ووسوسة وذهول وشرود، ولكنه يقرأ من المجلات والجرائد، والنشرات والصحف والكتب ما الله به عليم. يا أمة القرآن: يا أمة أرسلها الله بالقرآن لتزرع الإيمان في النفوس! يا أمة جعلها الله رائدة بهذا الكتاب العظيم! ما لنا نعرض عن القرآن؟! مالنا نريد كتاباً آخر؟! أين القرآن. أتهجرون كتاباً بين أظهركم لو كلم الذكر جلموداً لأحياه وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كما قال صاحب هذه المنظومة: عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياه يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه أما قلة الطاعات، فتتصور في قلة النوافل، يقول الذهبي في سيرة الإمام أحمد: كان ورده في اليوم في غير الفرائض ثلاثمائة ركعة، ولذلك قال الله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. وكان عبد الغني المقدسي -صاحب الكمال في معرفة الرجال - يصلي ثلاثمائة ركعة لماذا؟، لأنه صلى الله عليه وسلم يقول فيما صح عنه: {إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة}. يقول الصحابي للرسول صلى الله عليه وسلم: أريد الجنة، قال: {أعني على نفسك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة}. ومن قلة الطاعات: قلة الاستغفار، وقلة الذكر. ماذا تنتظر من أشرطة ماجت في السوق في الغناء الماجن؟ ومجالس هراء، وجلسات تغضب المولى، وخرجات ورحلات ونزهات ليس فيها من الطاعة لا قليل ولا كثير، فماذا ينتظر منها؟ ينتظر قسوة القلوب، وعمى النفوس، وغياب مراقبة الواحد الأحد. يقول الأندلسي لابنه: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى العصيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

من أسباب الوقوع في المخدرات: الفراغ

من أسباب الوقوع في المخدرات: الفراغ فراغ يعيشه قطاع هائل منا، بطالة وعطالة ومادة ومال وثراء وقلة إيمان، وتصور إنساناً يجتمع له الشباب والصحة والفراغ والمال، ماذا يكون حاله؟! إن الشباب والفراغ والجِدَة مفسدة للمرء أي مفسدة فإذا اجتمعت هذه الأمور فهي عمىً على عمى، وقضية الفراغ محسوبة على الأمة، وما أتى الفراغ إلا يوم أتى نقص الإيمان، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الحياة والوقت: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] تعالى الله أن يخلقنا عبثاً، وتعالى الله أن يضيع ليلنا ونهارنا سدى، وتعالى الله أن يجعلنا هملاً، ولكن فعلها كثير من الشباب. شاب يقول لزميله - وهو يحاوره-: والله ما فتحت المصحف ستة أشهر! كيف تعيش؟ وكيف تحيا؟ وكيف تستنير؟ وكيف ترى طريقك؟ وبم تدخل القبر؟ وكيف يُنَوَّر لك قبرُك وأنت لا تقرأ القرآن؟ من أين تأتيك الهداية؟ من التمس الهداية في غير القرآن، أضله الله، ومن التمس النور من غير القرآن؛ أعماه الله، ومن التمس السداد من غير القرآن؛ أغلق الله أمامه الأبواب، ومن طلب الغنى من غير القرآن؛ أفقره الله. يقول صلى الله عليه وسلم عند مسلم وغيره: {اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا سورة البقرة وآل عمران، اقرءوا الزهراوين سورة البقرة وآل عمران، فإنهما تأتيان كغمامتين، أو غيابتين، أو كفرقان من طير صواف تظلان صاحبهما يوم القيامة}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه}. ويقول عليه الصلاة والسلام: {سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها، فأدخلته الجنة: سورة الملك (تبارك)} فمن ذا يحفظها؟ ومن يتدبرها؟ ومن يعيش معها؟ إذاً الفراغ هو السبب في أننا وقعنا في المعاصي. صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجات من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: -وذكر عمره فيما أفناه-} فيم صرفت عمرك؟ دقائقك، وثوانيك، ليلك، ونهارك؟ أين ذهبت؟ دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان ومن هو المسئول الثالث عن الشاب؟ إنه الداعية المسلم، الأب والأستاذ والداعية، وهذا أمر نطرحه بين يدي أصحاب الفضيلة العلماء، والقضاة، وكتبة العدل، والأساتذة، والمشايخ، أن ينقذوا شباب المسلمين، أن ينزلوا إلى الساحة، ويتركوا الصوامع العاجية، والحواشي المظلمة، ويقودوا الشباب، ويعلموهم، ويدخلوا الإيمان في قلوبهم، ويجلسوا في المساجد والحلقات والدور والبيوت، وهذا لا يخفىعليهم، ولكنه لا بأس بالتذكير، فإنه مما علم أن هذه المنطقة وغيرها، وهذه بالذات من أكثر المناطق وجوداً للعلماء وأصحاب الفضيلة منهم نستفيد لابد أن منهم الشباب، ويوم ينزلون لتوجيه المسيرة، ويوم يرتقون المنابر، ويخرجون إلى المساجد، ويتصدرون الحلقات يكتب الله على يديهم الفتح المبين لهذه الأمة، أمة والله لا تصلح بـ (أرأيتَ) و (أرأيتَ) هذه اجعلوها في اليمن. جاء رجل إلى ابن عمر، فقال: [[أرأيتَ إن فعلتُ وفعلتُ، قال: اجعل أرأيتَ في اليمن]] أمة -والله- لا تصلح إلا بالعلماء، ولا يستقيم شبابها إلا بالعلماء، هناك صحوة لكن تحتاج إلى علماء، تحتاج إلى قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

مفاسد الخمر

مفاسد الخمر ومن مفاسد الخمر: أفقر الله مقتنيها إن لم يتب، وأعدم صحته، وأذهب عقله ذلك العقل العزيز الكريم. قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]. وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [آل عمران:190] أي: لأولي العقول. يقول المتنبي: لولا العقول لكان أدنى ضيغم أدنى إلى شرف من الإنسان قال ابن الوردي: اهجر الخمرة إن كنت فتى كيف يسعى في جنونٍ مَن عَقَل؟! وهي قصيدة وعظية ينادي بها الشباب- وقد خمسها أحد العلماء، وهي تعرف باسم: (اعتزل ذكر الأغاني والغزل) فهل صحا شبابنا؟! وهل عاد شبابنا؟! وهل وعى شبابنا أن مسألة العود والكمنجة قد انتهى وقتها؟! وقد أظلم عليها، وقد قامت عليها اللعنة، أما تكفي الأمة خيبة وخسارة وفشلاً أننا بقينا على العود والوتر والناي وطائرات إسرائيل يحجز شعاع الشمس. قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا إذا تبدت لنا الميراج تقصفنا سعت لتسقطها الصيحات والخطب ظنوا القنابل أبواقاً مزخرفةً والقاذفات هي الأترنج والعنب أمة مخدرة، أم كلثوم -كوكب الغرب أو الشرق أو الظلام- تغني الشباب، وكأس الخمر يقدم للأمة والحبوب المخدرة والدخان والقات والكمنجة، ثم التصفيق، ونقصف من مليون صهيوني أحفاد القردة والخنازير. أين أبناء خالد؟ أين أبناء علي؟ أين أبناء طارق وصلاح الدين؟ ولذلك وصلنا إلى هذا المستوى الذي لا نحسد عليه، فيقول ابن الوردي للشباب: اعتزل ذكر الأغاني والغزلْ وقل الفصل وجانب من هزلْ عارضه الطوسي وخمَّس قصيدته، فقال: أيها اللاهي بلا أدنى وجلْ اتق الله الذي عز وجل واستمع قولاً به ضرب المثل اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل قال ابن الوردي: إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل فقال الطوسي: كم أطعت النفس إذ أغويتها وعلى فعل الخنا ربيتها كم ليال لاهياً أنهيتها إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل ثم يقول: اهجر الخمرة إن كنت فتىً كيف يسعى في جنونٍ منْ عقل؟! ويسافر بعض الناس في العطل الصيفية للفساد، وللزنى، ولشرب الخمر، وللدعارات وغضب المولى، فلماذا؟ إنه بسبب عدم الإيمان، ووجود ظلام دامس في القلب نخره النفاق، فدخلت فيه الزندقة، حتى ابتعد عن الله؛ والقلب إذا ابتعد عن الله، تقطعت به الحبال. استمع لما قاله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عن الخمر وبنات عمها من المخدرات، والمخدرات رضعت مع الخمر، ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وكذلك قريبتها القات، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل مفتر حرام} فإذا قال أهل القات: إنه لا يسكر. قلنا: يفتر وهم متفقون معنا في أنه يفتر، فهو حرام، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل مفتر حرام} وفيها ذهاب للمال وللأوقات، وذهاب للعقول، وذهاب للمصالح العامة والخاصة. قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه وعند أحمد والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر: {من شرب الخمر في الدنيا، لم يشربها في الآخرة إن لم يتب} فمن شرب الخمر -ويلحقها المخدرات- لم يشربها في الآخرة، إن لم يتب، كيف؟ أفي الجنة خمر؟ نعم. فيها نهر من خمر لذة للشاربين- أسقانا الله من ذاك الخمر الذي لا غول فيه ولا هيام ولا مرض ولا علة- وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لعن الله الخمر وشاربها وساقيها، وعاصرها ومعتصرها، وبائعها ومبتاعها، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها} رواه أبو داود والحاكم بسند صحيح. ملعون من يفعل ذلك، من يروج المخدرات، ومن يريد أن تشيع في الساحة، ومن يسعى في انتشارها بين شباب المسلمين فإنه ملعون، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما أسكر كثيره؛ فقليله حرام}. وصح عنه أنه قال: {كل مفتر حرام}. وصح عنه أنه قال: {كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام}. وعند الطبراني بسند فيه نظر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من شرب خمراً خرج نور الإيمان من قلبه} من شرب خمراً خرج نور الإيمان من قلبه ونور القرآن ونور الإسلام. وصح عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث أنه قال: {كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا، فمات وهو يدمنها ولم يتب منها، فلن يشربها في الآخرة}. وعنه صلى الله عليه وسلم عند الطبراني بسند حسن: {من شرب مسكراً لم يقبل الله له صلاة أربعين يوماً} صلاة أربعين يوماً لا يقبلها الله لمن شرب مسكراً، أو تناول مخدراً، أو ما في حكم ذلك. وقال عليه الصلاة والسلام: {من شرب الخمر، أتى عطشاناً في يوم القيامة} رواه أحمد بسند حسن عن قيس بن سعد. ولكن الآن ما هو الحل لهذه المعاصي؟ وكم من المرات خرجنا نستسقي فلم ينزل إلا بعض الفطرات اليسيرة، والعلة معروفة: الذنوب وخطايا، خرجنا لصلاة الاستسقاء ونسينا أن الربا منتشر، خرجنا لصلاة الاستسقاء والزنا عام، والغناء يُرَوَّجُ له، والفنانون يملئون الساحة، والراقصون والراقصات، والمغنون والمغنيات، والمطبلون والمطبلات، خرجنا لصلاة الاستسقاء والمجلة الخليعة تحمل الصورة الداعرة للمرأة الفاسدة وهي تملأ الحوانيت والبقالات والأسواق، خرجنا والقرآن يُهْجَر إلا في بيوت من رحم ربك، خرجنا والقطيعة والعقوق وكل ما سألت عنه من المعاصي موجود. تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد صلينا وفينا بقية باقية خرجت خائفة وجلة، فأتانا قليل من الغيث، قحطت البلدان، وغضب الرحمن، وجفت المياه من الأنهار، وغاضت الآبار، وماتت الأشجار، وذبلت الأزهار، وغضب رب الأرض والسماء الواحد القهار، فأين التوبة؟، وأين العودة؟، وأين مراجعة النفس؟ هذه كلها بسبب ذنوبنا التي سددنا بها طريق القبول والرزق من الواحد الأحد. فما الحلول لنا من معاصينا؟

أسباب النجاة من المعاصي

أسباب النجاة من المعاصي هناك أسباب كثيرة، منها:

من أسباب النجاة من المعاصي: التوبة النصوح

من أسباب النجاة من المعاصي: التوبة النصوح يا شباب الإسلام والله لا مخرج لنا إلا أن نتوب صباحاًَ ومساءً وكلنا مذنبون. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت من الرق فاعتقنا من النار قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. شربوا الخمر أو زنوا أو قتلوا أو عقوا فتابوا، فلا طريق ولا مخرج إلا بالتوبة، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. التوبة النصوح، قال تعالى في الحديث القدسي: {يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} حديث صحيح.

من أسباب النجاة من المعاصي: مصاحبة الصالحين

من أسباب النجاة من المعاصي: مصاحبة الصالحين ومفهوم المخالفة من الكلام: اعتزال جلساء السوء، فإنه ما أفسد كثيراً من شبابنا إلا جلساء السوء، وعصابات الإجرام والانحلال، وشلل البغي والعدوان، يأخذون ابنك من بين يديك وأنت تنظر بحجة الرحلة، وبحجة النزهة، والأخوة والصحبة، فيفسدون عقله وقلبه، ويخرجون منه الإيمان ويدخلون النفاق، ويخرجون مراقبة الواحد الديان، ويدخلون عمالة الشيطان، فيصبح الابن ممسوخاً، لا دين، ولا حياء، ولا صلاة، ولا حب، ولا استقبال، ولا دعاء، ولا خشوع، والعياذ بالله. جلساء السوء هم جلساء العذاب والفرقة والغضب، ولذلك يقول علي فيما صح عنه: [[تزودوا بالإخوان، فإنهم ذخر في الدنيا والآخرة]]. قالوا: في الدنيا صحيح، لكن في الآخرة قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] فوصف الله المتقين بأنهم ينفعون إخوانهم بالخلة يوم القيامة، وقال عن الفجرة: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:100 - 101] فعلم أن الصديق لو كان ينفعهم، وكانوا مسلمين نفعهم ذاك اليوم. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {المرء يحشر مع من أحب} فكيف رضينا لأبنائنا وإخواننا بجلساء السوء؟! كيف لم يشعر الوالد أن ابنه سرق من بين يديه؟! سرقة المال سهلة، قد يعاد، لكن أن يُسْرَق ابنك من بين يديك، كيف يُسْرَق؟! يُسْرَق من جلسائه في الفصل وفي الشارع، وجلسائه في المقهى يأخذونه مصلياً ويعود متنكراً، يأخذونه عابداً فيعيدونه فاجراً، يأخذونه مستحياً ويعيدونه ممسوخاً، فهذه هي بسبب ذنوب جلساء السوء التي من آثارها المخدرات وانتشارها في مجتمعنا المسلم.

من أسباب النجاة من المعاصي: القضاء على الفراغ

من أسباب النجاة من المعاصي: القضاء على الفراغ بماذا يقضى على الفراغ؟ يقضى عليه بالطاعات، وبعمل الصالحات، وبالمحاضرات والندوات والدروس، وبمطالعة الكتب المفيدة، وبالشريط الإسلامي ومن العجيب أن تسمع أن أحد الشباب يكتب في الأسئلة: أنا أعيش فراغاً، وأزمةً روحية - سبحان الله! - أما عرفت طريقك؟! كيف لا تعرف هو يقضي هذه الدقائق والثواني؟ أحد علماء المسلمين كان ينام أربع ساعات، قيل له: لو زدت في ساعات النوم، قال: الحاجات أكثر من الأوقات. ولهذا بعض الصالحين مر برجل نائم، فقال: أتنام الليل كله؟ قال: نعم. قال: اُصْحُ، والله لتنام في القبر نومةً ما أطول منها. فما أطال النوم عمراً وما قصر في الأعمار طول السهر فمن البلايا الفراغ الحادث في شبابنا، تجد شاباً لا يقرأ كتاباً، ولا يسبح، ولا يتدبر القرآن، ولا يحضر درساً، فيأتي الشيطان إليه من باب الفراغ، فيخيم على عقله، ويسلب إيمانه، ثم يضيع هذا الشاب.

من أسباب النجاة من المعاصي: كثرة الدعاء والذكر

من أسباب النجاة من المعاصي: كثرة الدعاء والذكر ومن الحلول كذلك التي تقترح في هذا الجانب: كثرة الدعاء والذكر والابتهال إلى الواحد الأحد. يوم أن ضيعنا الذكر وقعنا فيما وقعنا فيه. كان السلف الصالح إذا جلسوا بعد صلاة الفجر جلسوا يسبحون إلى طلوع الشمس، هذا زادهم الروحي. يقول ابن تيمية: هذا غدائي، ولو لم أتغدَّ لسقطت قواي. فيا إخوتي في الله: هل من ذكر؟! هل من دعاء؟! هل من تبتل إلى الله؟! يقول تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] وهل من عودة صادقة إلى الحي القيوم؟! عل الله أن يشرح صدورنا وصدوركم للإيمان. هذا بعض ما يقال في كيفية النجاة من هذه المخدرات.

الحل لمن وقع في المخدرات

الحل لمن وقع في المخدرات ولكن بقيت مسألة هامة وسوف أطرحها بين أيديكم، وقد طرحتها بين يدي كثير من الناس من الوجهاء وأهل الحل والعقل، وهذه المسألة تقول: ما هو حل الشباب الذين وقعوا في المخدرات؟ أهو الحبس؟ أم السجن؟ أم السوط؟ أم السيف؟ أم ماذا؟ والحل هو: أن يوصل الإيمان إلى قلوبهم، السوط والسجن والسيف ليس حلاً. قد يدخل السجن، ولكنه يعود، وقد عاد بعضهم أربع مرات، وقد رأينا بعضهم في السجون قد عاد مرات كثيرة في المخدرات، تولع لها؛ لأنه يضرب ويسجن ويحبس، ثم يخرج وقلبه قلبه، وما زاد إيمانه، فالحل: أن يدخل الإيمان في قلوب هؤلاء، وأن يعلموا طريق الجنة، وأن يحذروا من طريق النار، وأن يكون الله أهيب إليهم من كل أحد، وأن تكبر منزلة الإيمان في قلوبهم، وهذا حل مقترح يعرض عليهم. وقضية الأوامر لا تكفي وحدها للناس، قضية السوط، وقضية افعل واترك؛ لا تكفي، ولم يستخدمها عليه الصلاة والسلام، متى حرمت الخمر؟ حرمت في المدينة، ولم تحرم في مكة لأن القرآن نزل والناس على أول استقامة والرسول صلى الله عليه وسلم يربيهم بالإيمان، ويغرس شجرة الإيمان، ويزرع في قلوبهم لا إله إلا الله، لو قال: "اتركوا الخمر" لقالوا: لا. ولو قال: "لا تزنوا" لقالوا: لا. ولو قال: "لا تسرقوا" لقالوا: لا. لأنه ليس هناك إيمان، لكن لما هاجر إلى المدينة، وامتلأت قلوبهم بالإيمان، وامتلأت عقولهم بالقرآن أنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90 - 91]. قال أنس: [[لما نزلت هذه الآية كنت أطوف على بعض الصحابة وهم يشربون الخمر، قال: فلما نزلت هذه الآية قام الصحابة فسكبوا الخمر في السكك حتى سالت بها سكك المدينة، وهم يقولون: انتهينا، انتهينا، انتهينا]]. هذا هو الإيمان، لما أتى الأمر ائتمروا، ولما أتى النهي انتهوا؛ لأن قلوبهم أصبحت مضيئة بالإيمان، أما أن يربى الناس على فراغ، وعلى الأغاني، وعلى كلام لا ينفع، وعلى جلساء سوء، وعلى معاصي، ويقال لهم: لا تتناولوا المخدرات، لا تأخذوا القات! فهذا بعيد. فقد يختفون وراء الجدران ويأكلونها، ويتسترون بالحيطان ويزاولونها، لأن رقابة الله لم تكن في نفوسهم. فيا إخوتي في الله! أولاً: لله الحمد والشكر على أن جعل من بين هؤلاء الشباب الذين نتحدث عنهم شباباً كهذه الوجوه، شباباً حافظوا على الصلوات الخمس، شباباً توضئوا بالماء البارد، وحملوا القرآن، وعرفوا السنة، وتلألأت على وجوههم بسمات الخير. شباب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا وما عرفوا الأغاني مائعات ولكن العلا صيغت لحونا اللهم لك الحمد، ولك الشكر، ولك الرضا على أن أخرجت هؤلاء الشباب ليقولوا للعالمين: ها قد عدنا من جديد، نحن أبناء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ها قد أتينا إلى الساحة، وقد أعلنا بطاقتنا وهويتنا وجنسيتنا أننا مسلمون، وأننا نحمل لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولماذا وجد مثل هؤلاء الشباب؟، لأن الناس جربوا الباطل، وجربوا كل لذة، فما وجدوا ألذ من التقوى، وجربوا كل شراب، فما وجدوا أحسن من التقوى، وجربوا كل لباس، فما وجدوا أحسن من التقوى، وسكنوا ناطحات السحاب، فإذا هي لعنة بلا إيمان، وركبوا السيارات الفاخرة، فإذا هي لعنة بلا إيمان، وأكلوا الموائد الشهية، فإذا هي لعنة بلا إيمان، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] لم يجدوا الإيمان، فكانت عليهم لعنات، فأتى الناس الآن يدخلون الإيمان، لأنهم وجدوا الإيمان حلاً لمشكلاتهم. اللهم كما زينت الإيمان في قلوب أصحاب رسولك صلى الله عليه وسلم فزينه في قلوبنا، وثمره وبارك فيه، اهدنا وسددنا وخذ بأيدينا، وتولنا في الدارين. إخوتي في الله: أسأل الله لي ولكم استقامةً وهدايةً ورشداً، اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين. وأنا أقترح أن يكون عنوان هذا الدرس " الخطر الأحمر"؛ لأن المخدرات دخلت جزءاً في هذا الكلام، وسوف نستمع إلى بعض الأسئلة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة .

حكم بيع الدخان

حكم بيع الدخان Q هذا سائل يتساءل عن الدخان ويقول: إن أبي يبيع الدخان، وقد قلت له: يا أبي! إن الدخان حرام بيعه وماله، ونحن لا نريد مالاً حراماً، فما رأيك؟ A الحمد لله، الأخ سأل وأفتى نفسه، فأراحنا أثابه الله، هو سأل أن أباه يبيع دخاناً، فقال له: الدخان بيعه وتداوله حرام، فصدق، فإن من آخر ما استقرت عليه الفتوى من أهل العلم أن الدخان حرام، وأنه يدخل في الخبائث، ويدخل في عموم قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] ولمضرته وما أنتج عنه من دمار في الصحة وضياع للأموال والأوقات وسوء رائحة، وما ينتجه من أمراض تناسلية وعضوية، تؤثر على النتاج وعلى غير ذلك حَرُم هذا الأمر، فأصبت يوم ذكرت تحريمه، وعلى والدك أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يترك التعامل به، وإلا فكسبه حرام خبيث، والتعامل به سعي خبيث حرام نسأل الله أن يهديه سواء السبيل.

حكم الجلوس مع المدخن وآكل القات

حكم الجلوس مع المدخن وآكل القات Q هل يجوز الجلوس مع المدخن وآكل القات؟ وتعرفت على رجل، ولكني اكتشفت أنه يخزن القات، هل أهجره؟ A من هدي أهل السنة هجر أهل المعاصي، وقد دلت عليها نصوص كثيرة في السنة عنه صلى الله عليه وسلم وعن الأئمة من بعده، وعلى ذلك فشارب الدخان في أثناء شربه ومزاولته، وآكل القات في أثناء أكله يهجرون، ولا يجلس معهم إلا بقصد أن تبلغهم الدعوة وتنكر عليهم، ثم تذهب، فهجرهم متعين عليك، وهذا الرجل الذي اكتشفت أنه يأكل القات عليك أن تنصحه، فإن انتصح فبها ونعمت، وإلا فاهجره، فهجر أهل المعاصي من سننه صلى الله عليه وسلم دل عليه حديث كعب بن مالك في الصحيحين على هجر أهل المعاصي، وبوب بعض أهل العلم من أهل الحديث، باب: هل يهجر أهل المعاصي ليرتدعوا، أو كما قال.

حكم الجلوس في المقاهي

حكم الجلوس في المقاهي Q فضيلة الشيخ! ما حكم الجلوس في المقاهي الرجاء التفصيل؟ الجواب هذا سؤال يأخذ حكم السؤال الأول، والمقاهي هذه تعود بين الناس أنهم يجلسونها، أقصد المقاهي التي فيها شيشة ودخان وأمثالها للسفلة من الناس، وللمتبذرين والأراذل الذين ما عندهم دين ولا حياء؛ لأن بعض الناس قد يكون عاصياً مركباً: قال حمار الحكيم توما لو أنصف الدهر كنت أركب فإنني جاهل بسيط وصاحبي جاهل مركبُ ولذلك بعض الناس قد يكون فاجراً، لكن عنده حميةً لأسرته، أو لعشيرته، أو لمروءته، فيقول: كيف أكون أنا من الأسرة، أو العشيرة وأجلس في المقهى مع المتبذلين الأراذل، لكن بعض الناس ينسلخ من الحياء، وإذا لم تستح فاصنع ما شئت، فهؤلاء الجلوس معهم لا يجوز إلا بقصد الدعوة، أن تدعوهم وتوجههم فلا بأس، أما أن تجلس معهم فإنك إذاً مثلهم، قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72] وقال بعض أهل العلم في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72] قالوا: هي مجالس الباطل، ومن مجالس الباطل: المقاهي.

نصيحة لمن يشربون الخمر

نصيحة لمن يشربون الخمر Q وهذا سائل يقول: قرب بيتنا أناس يشربون الخمر، وأنا أخاف إن نصحتهم أن يضربونني، فماذا أفعل؟ هل أذهب فأخبر الشرطة أم أنكر عليهم؟ أرجو الإجابة على هذا السؤال؟ A قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ويقول عليه الصلاة والسلام: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان} وهؤلاء الذين يشربون الخمر بجوار بيتك عليك أن تنصحهم بجهدك وطاقتك، إما برسالة أو بكلمة، فإن لم تستطع فأنكر بقلبك، أما الإخبار بهم فإن كانوا مجاهرين وأفسدوا في البلد، فلا بأس، وإن كانوا متسترين على معصيتهم فلا أرى أن تخبر عنهم، ولا أن تشهر بهم لحديث الحاكم: {إذا ابتليتم بهذه القاذورات، فاستتروا بستر الله} وحديث آخر، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم {أن رجلاً أخبر عن رجل زنى، قال: لو سترته بطرف ثوبك لكان خيراً لك} فإن كانوا متسترين بالمعصية، فلا تخبر عنهم، وإن كانوا مجاهرين أفسدوا في البلد، فأخبر عنهم، وأما أنك تخشى أن يضربوك فقد أصبت، لا تتقدم إليهم، لأن بعض الناس من العصاة يضرب الناهي والآمر ضرباً مبرحاً حتى لا يدري أين الشرق من الغرب.

كيفية دعوة متعاطي القات

كيفية دعوة متعاطي القات Q كيف توجه صاحب القات غير المتعلم للإقلاع عنه، وكيف أرشده إلى طريقةٍ يسلكها تحول بينه وبين تعاطي القات؟ A ليس هناك شيء مقترح ومرشح إلا الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن على مستواه، وهذا موكولة إلى القضاة وطلبة العلم والدعاة، وما يدخل من ضمنهم من الأساتذة، أن يجلسوا مع هؤلاء العوام ويخبرونهم بالحكم والدلائل التي فيها عموم في القرآن والسنة، ثم الممارسة معهم حتى يهتدوا، وهذه طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلم أن بعض العوام لم يهتد إلى التوبة بسبب أنهم يأتيهم دعاة على مستوىً عالٍ من الكلام والفهم، فيلقون عليهم كلمات لا يفهمونها، أو دعاة فيهم جفوة وغلظة، فلا يتقبلون منهم، هذا المقترح هو الذي يظهر لي.

حكم الشمة

حكم الشَّمَّة Q وهذا سؤال عن أكل الشمة وما حكمها؟ A هذه أتأملها وأحيلها على بعض المشايخ من أهل المنطقة، وكانت قبل فترة قد أثيرت من قبل بعض طلبة العلم، فتحتاج إلى شيء من التأمل، قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ} [النحل:116] أنا سمعت وقرأت في بعض الرسائل لبعض العلماء أنها محرمة، لكن ما أعرف وجهة التحريم، هل هو لإسكارها؟ فما أعرف أنها تسكر، أو لضياع المال فلا يكفي ضياع المال للتحريم فقط، فالمقصود: أنها تحتاج إلى تأمل ومحاورة مع بعض المشايخ إن شاء الله.

حكم طلب فسخ العقد من الزوج الذي يشرب الخمر أو المخدرات

حكم طلب فسخ العقد من الزوج الذي يشرب الخمر أو المخدرات Q امرأة زوجها يشرب الخمر أو المخدرات، فهل يحق لها طلب فسخ عقد النكاح علماً أنها قد نصحته كثيراً ولكنه لم يستجب، فما رأي فضيلتك؟ A الزوج الذي يشرب الخمر قد ارتكب كبيرة من الكبائر وأمراً محرماً، ولكن لا يوجب هذا فسخ العقد بينه وبين زوجته , ولا إنهاء الزوجية، وإنما أوجب أهل العلم إنهاء الزوجية وحرموا استمرار الزواج بترك الصلاة؛ لأنه كفر لقوله صلى الله عليه وسلم: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} و {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} أما الكبائر فلا توجب الكفر، وعليها أن تناصحه إلا إذا استحل الخمر، فقال: الخمر حلال، فيصبح كافراً، وينتهي العقد، أما إذا شربها ويعلم أنها محرمة، فإنها تنصحه ولكن لا ينفسخ العقد، وإن حاولت أن تفادي نفسها، فلا بأس من باب المفاداة.

نبذة تعريفية عن شيخ الإسلام ابن تيمية

نبذة تعريفية عن شيخ الإسلام ابن تيمية Q وهذا يطلب من الشيخ أن يحدثه عن الإمام الفاضل ابن تيمية؟ A مرحباً بك وبـ ابن تيمية، وبيض الله وجه ابن تيمية يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. بنفسي تلك الأرض ما أحسن الربى وما أحسن المصطاف والمتربعا أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا هو أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، قال الذهبي فيما ينسب له: كان جده - عبد السلام صاحب المنتقى - قمراً وأبوه نجماً، وابن تيمية شمساً فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة. ولد عام 666هـ،- وهذا الكلام ليس ترجمة وإنما نبذة عنه، سقط رأسه في الأرض وملأ الله قلبه بالإيمان، وغرس الله في قلبه لا إله إلا الله، كان يسجد وعمره ثمان سنوات ويبكي وهو في السجود، ويقول: "يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني" نشأ تقياً ذكياً زكياً، فأما التقوى فلا تسل؛ ليله ونهاره مع الله تبارك وتعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وزكياً زكَّى نفسه بالطاعة، وعبقرياً عبقرية فياضة، يقول - وهو يتحدث بنعمة الله-: إني لأقرأ الكتاب الواحد المجلد فينتقش في ذهني مرة واحدة، وكان فيما ذكر عنه أن اثنين من الأكراد، أو من التركمان وقعت بينهم مشكلة بلغتهم تسابوا وتضاربوا في السوق، وابن تيمية حاضر، فاستدعاهم القاضي، فقال لهم: هل لكم شهود؟ قال أحدهم: ابن تيمية حضرنا، فاستدعى ابن تيمية قال: هل سمعت؟ قال: أنا سمعت كلاماً ما أفهم معناه بلغتهم، قال: أعده علينا، فأعاد كلام الرجلين. ثبت عن تقي الدين بن دقيق العيد أنه رأى ابن تيمية، فرأى عيناه كأنهما لسانان ناطقان تكاد تتحدثان، أي: بقي قليل وتقول عينه: باسم الله. يقول البردوني: من تلظي لموعه كاد يعمى كاد من شهرة اسمه لا يسمى فقال ابن دقيق العيد: ما أظن أن الله يخلق مثلك! -أستغفر الله- بل يخلق أكثر، ولكن هكذا اندهش الرجل، حتى يقول الذهبي: لو حلفت بين الركن والمقام أن عيني ما رأت مثله لصدقت وما حنثت. كان إذا خطب يغلق عينيه، فيستفيد الناس جميعاً: المفسر والأصولي والعرضي والنحوي والصرفي، وغير ذلك من أصناف الناس، أما ليله، فيقول: تركته لله، فكان يقوم من نصف الليل يتهجد إلى صلاة الفجر، أما نهاره فمن طلوع الفجر بعد الصلاة إلى ارتفاع الشمس ضحى يذكر الله، دخل المواعظ، وارتقى المنابر، ورد على الملاحدة والزنادقة، وقاتل التتار، حتى أخذ السيف، وقال: والله لننتصرن اليوم، قالوا: قل إن شاء الله، قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، فانتصروا بإذن الله، حتى سالت الدماء على ثيابه رضي الله عنه ورحمه الله رحمةً واسعةً، ماذا أقول؟ حتى أعجز الكثر من الكتبة الكتابة عنه، وكتب عنه بعض الفرنسيين والإنجليز والأمريكان وهي موجودة في الساحة، شخصية نادرة فياضة، ترك من المؤلفات ما يربوا على ثلاثمائة مؤلف، وفتاويه يقولون: لو جمعت كلها كانت ثلاثمائة مجلد، يكتب في اليوم الكراريس، كتب في} الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كررايس هائلة، كان دائماً لا يترك الذكر، قالوا: كيف؟ قال: أنا قلبي كالسمكة إذا خرجت من الماء ماتت، وأنا قلبي إذا ترك الذكر مات. ممن ترجموا عنه: ابن عبد الهادي، والذهبي وكذلك ابن كثير، وغيره كثير وكثير، رحم الله ابن تيمية، نحن نعجز عن الترجمة عنه، ولكن أسكنه الله فسيح الجنات، قال جولد زيهر - المستشرق المجري من المجر، هاجم الحديث- يقول: وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض فجَّر بعضها محمد بن عبد الوهاب، وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الفاروق في القرن العشرين

الفاروق في القرن العشرين عمر أسلم بسورة (طه) وكان أصدق من الشمس في ضحاها, وأوضح من القمر إذا تلاها, وأشهر من النهار إذا جلاها, وتولى الخلافة فأعلاها, وقاد الأمة ورعاها. عمر مواقف ودروس خالدة بكاء ونحيب تفقد واستطلاع أتعب الخلفاء بعده قائد لقي الله خالياً من المظالم فهل سيوجد مثله في هذا القرن؟! هذا مضمون هذه المادة.

عمر الفاروق لفحات ونفحات

عمر الفاروق لفحات ونفحات الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين, ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين, وقدوة الناس أجمعين, وعلى آله وصحبه والتابعين. عنوان هذه المحاضرة: (عمر في القرن العشرين) ورقمها (304) وإنه موقف صعب يوم نتكلم هذه الليلة عن عمر الفاروق!! من أين نبدأ مع أبي حفص؟! وإلى أين ننتهي؟! وماذا نقول هذه الليلة؟! وهل نمدحه فهو أغنى عن المدح؟ وكما قال الأعرابي لما رأى القمر وسط الليل: "والله يا قمر! إن قلت: رفعك الله! فقد رفعك الله، وإن قلت: جملك الله! فقد جملك الله، وإن قلت: زينك الله! فقد زينك الله". عمر التاريخ، وعمر المجد، وعمر العدالة، عمر المنهج الرباني الذي أنزله سُبحَانَهُ وَتَعَالى على قلب أولئك البشر من الناس، فخرجوا أمةً جديدةً للعالم، فنشروا العدل في ربوع الدنيا: والله ما ادكرت روحي لسيرته إلا تمنيت في ديناي لقياه ولا تذكرته إلا وخالجني شوق أبو حفص فحواه ومعناه تبكي عليه الملايين التي فقدت بموته عزة الإسلام إذ تاهوا الطفل من بعده يبكي عدالته يقول هل مات ذاك الغيث أماه والناس حيرى يتامى في جنازته تساءلوا من يقيم العدل إلاه مضى إلى الله والآلاف تندبه ابن الشريعة حياها وحياه نعم أحييك من قلبٍ يقطعه شوقي إليك فهل واسيت فقداه عمر أسلم بسورة طه، وكان أصدق من الشمس في ضحاها، وأوضح من القمر إذا تلاها، وأشهر من النهار إذا جلَّاها، تولى الخلافة فأعلاها، وقاد الأمة ورعاها. من أين أبدأ يا أبا حفص ولي قلب له في حبكم أسرارُ يا أيها الفاروق تاريخ الورى زورٌ وفي تاريخكم أنوار السلام عليك يا عمر بن الخطاب , يوم أسلمت! والسلام عليك يوم هاجرت! والسلام عليك يوم توليت الخلافة! والسلام عليك يوم أن مت شهيداً ويوم تبعث حياً في الخالدين! لا أترجم له، فهو أغنى عن الترجمة، وهو أكبر من الكلام، وهو أعلى من المدح. لقبه الفاروق، لقَّبه بذلك أهل الكتاب، لأن الله فرَّق به بين الحق والباطل.

إسلام عمر

إسلام عمر أسلم وعمره سبع وعشرون سنة، ورضع (لا إله إلا الله) وحمل (إياك نعبد وإياك نستعين) وسجد لله، وعفَّر جبينه للخالق، ثم مضى إلى الله، وسوف نعيش معه هذه الليلة ليعلم كل إنسان إذا أراد أن يكون إنساناً مسلماً أن عمر ينبغي أن يكرر حتى في القرن العشرين، وينبغي أن يكون جامعةً للعدل وللحب وللإيمان وللطموح. قال ابن كثير: " أسلم وعمره سبعٌ وعشرون سنة، وشهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها. وهو أول من دعي أمير المؤمنين في الإسلام، وأول من كتب التاريخ، وأول من جمع الناس على التراويح، وهو أول من عس بـ المدينة بدرته في ظلام الليل، يتفقد الأرامل والمساكين، ويتفقد أحوال المساكين، لا ينام الليل والناس ينامون، ولا يشبع والناس يجوعون، ولا يهدأ حتى يرتاح الناس ويهدءون ". تقول زوجته عاتكة بنت زيد: [[يا عمر , ألا تنام الليل؟ قال: لو نمت في الليل لضاعت نفسي، ولو نمت في النهار لضاعت رعيتي]]. نامت الأعين إلا مقلةً تذرف الدمع وترعى مضجعك

تواضع عمر

تواضع عمر وكان متواضعاً لله, وحمل الدرة وأدب بها، عنده عصا اسمها: "الدرة" يخرج بها الشياطين من الرءوس، وكان يؤدب بها أمراء الأقاليم، وكان يحكم اثنتين وعشرين دولة من الدول الإسلامية اليوم يحكمها من المدينة، وكان إذا سمع بصيته كسرى وقيصر ارتعدوا على كراسيهم كما يقول محمود غنيم شاعر وادي النيل: مالي وللنجم يرعاني وأرعاه أمسى كلانا يعاف الغمض جفناه لي فيك يا ليل آهات أرددها أواه لو أدت المحزون أواه كم صرفتنا يدٌ كنا نصرفها وبات يملكنا شعبٌ ملكناه يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدمٌ له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه قال ابن كثير: "وكان عمر خشن العيش، وكان قليل الضحك، لا يمازح أحداً، وكان منقوشاً على خاتمه (كفى بالموت واعظاً يا عمر). يقول المتنبي: أرى كلنا يبغي الحياة بجهده حريصاً عليها مستهاماً بها حبا وحب الجبان النفس أورده البقا وحب الشجاع الحق أورده الحربا وكان يقول عليه الصلاة والسلام: {أشد أمتي في دين الله عمر} كان عمر يبكي على المنبر ويقول: [[لا يحل لي من مال الله إلا حلتان: حلة للشتاء وحلة للصيف]] وصعد عام الرمادة ليتكلم إلى الجماهير وليخطب، فقرقر بطنه من الجوع، أمعاؤه لم تجد لحماً، لم تجد خبزاً، وهو يملك الملايين المملينة من الذهب والفضة، لكنه يخاف من نارٍ تلظى، فقال لبطنه: [[يا بطن! قرقر أو لا تقرقر! والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]]. قال معاوية رضي الله عنه: [[أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا وما أرادها، وأما نحن فتقلبنا في الدنيا ظهراً لبطن]]. وقال عمر وقد قيل له: لو أكلت طيباً؟ قال: [[ما لي وللدنيا! إني تركت صاحبي -أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر - على جادة، ولا أريد أن أخالفهما عن تلك الجادة]]. لبست رخيص الصوف خوفاً لعله ستلبس في أخراك من سندسٍ خضر

لباس عمر

لباس عمر كان لباسه جبة صوف، بين كتفيه أربع رقاع، وأنفق في حجته التي قاد فيها المسلمين ستة عشر ديناراً فحسب، وكان يأكل خبز الشعير، ويأتدم بالزيت، وربما قدم له الملح مقشوراً، وقال: [[والله إني أعلم الناس بنسيل العسل، وبلباب البر، وبأجود اللحم، ولكن أخشى أن أجمع هذا وهذا، ثم آتي إلى الله، فيقول الله لي: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الاحقاف:20]]]. قل للملوك تنحوا عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها حسبي وحسب القوافي حين أرويها أني إلى ساحة الفاروق أهديها يا رب هب لي بياناً أستعين به على قضاء حقوقٍ نام راعيها قال أنس بن مالك: [[سمعت عمر وراء الحائط وهو على الخلافة يبكي ويضرب رجله بعصا، ويقول: والله يا عمر! إن لم تتق الله ليعذبنك الله عذاباً أليماً]] ومن مآثره أنه لم يأكل اللحم والسمن عام الرمادة، وهو عام القحط، وأقسم ألَّا يأكل سميناً ولا سمناً حتى يكشف الله البلوى عن المسلمين. عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} [الإنسان:12 - 14].

عظم المسئولية عند عمر

عظم المسئولية عند عمر خرج عمر من المدينة -والقصة يرويها ابن كثير - عن طلحة بن عبيد الله قال: [[خرجت وراء عمر فدخل بيتاً -وروى ابن القيم هذه القصة لـ أبي بكر، ولكن يرويها ابن كثير لـ عمر - قال: فدخل عمر على عجوزٍ عمياء حسيرة، فلما خرج دخلت أنا, فوجدت المرأة العمياء الحسيرة, فقلت: من أنتِ يا أمة الله؟ قالت: أنا امرأة عجوزٌ حسيرة عمياء في هذا البيت, قال: ومن هذا الرجل الذي يأتيكِ؟ قالت: لا أعرفه, وهو عمر، قال طلحة: وماذا يفعل إذا أتى؟ قالت: يكنس بيتي، ويحلب شاتي، ويغسل ثوبي، ويصنع الفطور لي، فبكى طلحة حتى جلس، ثم قال: أتعبت الخلفاء بعدك يا عمر]]. إنه التاريخ. أيا عمر الفاروق تدعوك لهفةٌ يباشر مكواها الفؤاد فينضج متى تستعيد الأرض ثوب جمالها فتصبح في أثوابها تتبرج وعمر قصته طويلة، وعمر درسٌ لكل مسئول يريد أن يلقى الله، وقد عدل في رعيته، وعمر شرفٌ للأمة. يقول مايكل هارف -وهو أمريكي لماحٌ ذكي- في كتابه الأوائل أو العظماء المائة: إن الواحد والخمسين هو عمر بن الخطاب، وأنا أنقل من كتابه في صفحة (164) يقول: إنما مآثر عمر مؤثرة حقاً، فقد كانت شخصية رئيسية في انتشار الإسلام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدون فتوحاته السريعة من المشكوك به أن ينتشر الإسلام بهذا الشكل الذي هو عليه الآن، ثم أتى هذا الكاتب بعدائه المرير، يقول: سوف يلومني الناس، ويقصد: الأمريكان أرغم الله أنوفهم، يلومونه أنه جعله العظيم الواحد والخمسين، وهو عظيم على رغم أنوفهم جميعاً شاءوا أم أبوا؛ لأنه من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، وسوف تبقى عظمته على رأي الموافق والمخالف. يقول ابن عوف رضي الله عنه وأرضاه: [[قال لي عمر في ليلة من الليالي! انطلق معي يا عبد الرحمن -وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم- قال: فانطلقت معه، فاقترب من خيمة، فسمع بكاء طفل وأمه في المخاض في الولادة، فلما وضعته بكى الطفل، فاقترب عمر، فقال: يا أمة الله! من أنتِ؟ قالت: أنا امرأة من المسلمين، الله حسيب عمر ما جعل لنا نفقة، فبكى عمر حتى جلس، ثم قال: يـ ابن عوف! إلى بيت المال، قال: فذهبت معه؛ فحمل شحماً وبراً وزبيباً على كتفه، قلت: يا أمير المؤمنين! أنا أحمل عنك، قال: لا. أنت لا تحمل عني أوزاري يوم القيامة، قال: ثم ذهب وذهبت معه، فدخل طرف الخيمة، وصنع عشاءً للمرأة ولصبيها، وأخذ يوقد النار, وكان الدخان يتخلل من بين لحيته الكثة، فقدم الطعام، فقالت المرأة: والله إنك خير من عمر بن الخطاب]] وهو عمر بشحمه ولحمه، وهو عمر بإيمانه وصموده، وهو عمر بعظمته وجلالته وقداسته في الإسلام. بكاء الطفل أسهر مقلتيكا ينادي حسرة يشكو إليكا سهرت لجوعه وبكيت خوفاً من الديان بل خوفاً عليكا يقول الشاعر: أنت تبكي خوفاً من الديان، لكنَّ بكاءك في الحقيقة خوفاً على نفسك من يومٍ يخسر فيه الظالمون، ويتردى فيه الطغاة، ويخسر ويندم فيه المستبدون ولا يبقى إلا العدول. وقال: [[أسلم مولى عمر: دعاني عمر ليلة, قال: هيا انطلق بنا يا أسلم؟ قال: فانطلقت معه إلى امرأة في خيمة -عام الرمادة- وإذا هي قد نصبت قدراً ليس فيه إلا الماء على النار تريد أن تلهي أطفالها حتى يناموا. قال عمر: يا أمة الله! ما هذا القدر؟ قالت: - وهي لا تعرف أنه عمر - ماء في القدر، قال: أما لكم طعام؟ قالت: لا. ليس لنا طعام، قال: فما هذا الماء؟ قالت: ألهي أطفالي حتى يناموا. فذرفت عينا عمر، ثم رجع إلى بيت المال؛ فأخذ شيئاً من طعام، وفرض لهم نفقة، وأعطاهم العشاء بعد أن أصلحه، ثم عاد فصلى بالناس صلاة الفجر، قال: فما سمعنا ماذا يقول من كثرة بكائه]] وهذا مصداق قوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:41]. الذين إن مكناهم وسلَّمناهم مقاليد الأمور عاشوا هموم وأحزان ودموع الأمة. الذين إن مكناهم في الأرض قاموا بالعدل، فرعوا الضعيف والمسكين، وأطعموا الجائع. الذين إن مكناهم في الأرض، سهروا من أجل راحة الشعوب، ومن أجل بطون الشعوب، ومن أجل دموع الشعوب، ومن أجل فلذات قلوب الشعوب، ومن أجل أكباد الشعوب. الذين إن مكناهم في الأرض، حملوا لا إله إلا الله {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص:26]. وهذا ميزان الله في الأرض أنزله على محمد عليه الصلاة والسلام. يقول الأستاذ الأديب علي الطنطاوي شكر الله سعيه في مقالة له مبكية بعنوان (نحن المسلمين) يقول: " اسألوا كل سماءٍ في السماء عنا, واسألوا كل أرض في الأرض عنا، من الذي نشر العدل؟ من الذي أعلن مبادئه على المنائر كل يوم خمس مرات؟ من الذي صلى على ضفاف دجلة والفرات؟ من الذي فتح السند والهند بلا إله إلا الله؟ من الذي كتب على الأرض بدمه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]؟ سيقول المجد: نحن المسلمين، وهي مقالةٌ يجدر بكم أن تعودوا إليها، هي من مآثرنا، ولا يعرف التاريخ إلا نحن، ونحن الذين تنزلت علينا آيات الله، ونحن الذين انطلقت من بلادهم كتائب الحق. أما عملاء الوثنية، أما أعداء الله، أما شراذمة البشر فلا يجوز لهم أن يتصدروا لقيادة العالم، ولا أن يجلسوا على منبر التاريخ ". يقول أبو العلاء المعري: إذا عير الطائي بالبخل مادرٌ وعير قساً بالفهاهة باقل وقال السهى للشمس أنت كسيفة وقال الدجى للبدر وجهك حائل فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل يقول محمد إقبال في قصيدة له: يا رب! أي أمة غير أمتي العربية -يقولها بلغته: لكن سوف تسمعون ترجمتها شعراً- يقول: يا رب! أي أمة غير أمتي العربية يوم سجدت لك على الصحراء ثم رفعت اسمك على النجوم؟! أي أمةٍ ينبغي أن تصدر وأن توقر وأن تقدس؟! كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنس إفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا ندعو جهاراً لا إله سوى الذي خلق الوجود وقدَّر الأقدارا كنا نرى الأصنام من ذهبٍ فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا

عمر يطارد بعيرا

عمر يطارد بعيراً هذا عنوان لأحد المفكرين، كان عمر رضي الله عنه يجمع إبل الصدقة، ويأخذ القطران بيده في حرارة الشمس، ويلبس ثوباً قديماً فيطلي الإبل حتى لا تجرب، لا يوكِّل أحداً من الناس أن يطليها بالقطران، وفي أثناء ما كان يطلي الإبل رضي الله عنه انطلق بعير ناداً خارجاً شارداً، فانطلق عمر وراءه مسرعاً، وكان الصحابة في بيوتهم في القيلولة في حرارة الشمس، يتظللون من الشمس، ولم يعلموا أن أمير المؤمنين يطلي الإبل في المدينة، فانطلق عمر وراء البعير وخرج علي من النافذة. يا الله! من الذي يطارد البعير أعمر؟! فأوقفه، وقال: [[يا أمير المؤمنين! إلى أين؟ قال: ند بعير فأنا أطلبه، قال: أنا أكفيك مؤنته وآتي به، قال: لا والله، الله يسألني عن البعير يوم القيامة ولا يسألك]]. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر! عفاءٌ على دنيا رحلت لغيرها فليس بها للصالحين معرج كأنك لما مت ماتت قبائلٌ أأنت امرؤ أم أنت جيشٌ مدجج وعاد بالبعير وهو يلهث من الظمأ والجوع والتعب وربطه, وقال: الآن أنا أرضيت نفسي، الآن أرضى نفسه، لأن الله إذا جمع الأولين والآخرين يوم القيامة وند البعير، يقول: يا عمر! ضاع البعير من إبل صدقة المسلمين وتركته.

عمر وجابر والطعام رضي الله عنهما

عمر وجابر والطعام رضي الله عنهما وهذا عنوان آخر عصري، خرج جابر يشتري لحماً! ولما اشتراه شواه ووضعه في كيس، ولما أقبل عمر أخفى اللحم تحت إبطه، لأن عمر كان يحاسب الناس، وكان كثير الأسئلة، وكان يستوقف الأمة، من يشتري؟ من أين اشتريت؟ أين ذهبت؟ كالأب الحاني، فقال لـ جابر: ما هذا الذي تحت إبطك؟ قال: لحمٌ، قال: لحم؟ أتجدون ما تشترون اللحم -عام الرمادة- وهو ما أكل اللحم, قال: لحمٌ اشتهيته فاشتريته يا أمير المؤمنين! قال: أكلما اشتهيت اشتريت؟ والله إني أعلمكم بأحسن اللحم، لكن والله ما وجدت ما أشتري به اللحم، يعيش الفقر. قد كنت نجماً في ذرا العلياء يا منصف الموتى من الأحياء وبنيت صرح العدل يا علم الهدى ورفعت رأس الدين للجوزاء

عمر والأعرابي على المنبر

عمر والأعرابي على المنبر عمر يستقل المنبر يوم الجمعة ليتكلم للناس، ليخطب في الناس، وليختبر ذكاء الأمة، وحرارتها, وصراحتها فتوقف عمر وبكى، ثم مسح دموعه وقال: [[أيها الناس! ما رأيكم لو رأيتموني اعوججت عن الطريق هكذا -وأشار بيده, يقول: ما رأيكم لو رأيتموني انحرفت عن الطريق في العدالة، في تطبيق حكم الله، في تنفيذ الشريعة ماذا ترون؟ - فسكت الناس، وقام أعرابي بدوي من آخر المسجد فسل سيفه، وقال: والله -يا أمير المؤمنين- لو رأيناك اعوججت عن الطريق هكذا لقلنا بالسيوف هكذا، فدمعت عينا عمر، وقال: الحمد لله الذي جعل في رعيتي من لو اعوججت عن الطريق هكذا، قال بالسيف هكذا]]. إنه الحق وإنها إرادة الله عز وجل بهذا الدين، وإنه العدل الذي أقام هذه الدولة الإسلامية، الذي كان خليفتها من بغداد هارون الرشيد يتحدى السحاب، السحابة يقول لها: أمطري فتتحداه وتخرج, قال: أمطري حيث شئت؛ فإن خراجك سوف يأتيني. ملكوا الدنيا بلا إله إلا الله، وعمروا الأرض بإياك نعبد وإياك نستعين، وفتحوا العقل بمنائر ومفاتيح التوحيد.

سلمان وعمر رضي الله عنهما على المنبر

سلمان وعمر رضي الله عنهما على المنبر يتكلم عمر للناس، ويقول: اسمعوا وعوا، قبل الجمعة يوم الخميس حين وزع عليهم ثوباً ثوباً، عندما أتته ثياب من اليمن اشتراها، فلما وصلت الثياب أعطى المسلمين, كل مسلمٍ ثوباً، وأخذ هو ثوباً واحداً، لكن عمر كان طويلاً, عملاقاً، كبير البنية، ما كفاه ثوبٌ واحد! فقال لابنه عبد الله: أعطني ثوبك مع ثوبي؛ لأني رجل طويل، ثوبك الذي هو حصتك مع المسلمين ألبسني إياه. فقال عبد الله: خذ ثوبي, فلبس ثوبين -تغير الشكل، كيف يلبس ثوبين والمسلمون لبسوا من ثوب واحد- فبدأ الخطبة، وقال: أيها الناس! اسمعوا وعوا، فقام سلمان من وسط المسجد، وقال: والله لا نسمع ولا نطيع، فتوقف واضطرب المسجد، وقال: ما لك يا سلمان؟ قال: تلبس ثوبين وتلبسنا ثوباً ثوباً ونسمع ونطيع. قال عمر: يا عبد الله! قم أجب سلمان، فقام عبد الله يبرر لـ سلمان، وقال: هذا ثوبي الذي هو قسمي مع المسلمين أعطيته أبي، فبكى سلمان، وقال: الآن قل نسمع, وأمر نطع، فاندفع عمر يتكلم. إن هؤلاء الأقزام الذين يدعون الديمقراطية في بلادهم شرقاً وغرباً كذبوا، لم يأخذوا إلا جزئية من المائة من الديمقراطية، بل من شورى الإسلام، رعاية الفرد، رعاية أموال الشعوب، الكفالة الاجتماعية، العدالة، رفع الظلم عن الناس.

عمر ومحمد بن عمرو بن العاص

عمر ومحمد بن عمرو بن العاص كان عمرو بن العاص أميراً على مصر , الداهية الدهياء، تولى إمارة مصر لـ عمر، وابنه محمد كان يسابق مع المصريين في الخيل، فتسابق هو ومصري من القبط، فسبقه القبطي بفرسه، فنزل الأمير محمد بعصاه، فضرب ابن القبطي، وقال: خذها وأنا ابن الأكرمين!! كيف فرسك يسبق فرسي وفرسي فرس أمير، وفرسك فرس فقير؟ ينبغي أن يتخلف فرسك. فرفع القبطي عريضة إلى عمر بن الخطاب إلى القيادة العليا، وذهبت الرسالة, وأتى القبطي بلحمه وشحمه إلى المدينة , وبكى أمام عمر، قال: ضربني ابن أميرك في مصر، قال: عليَّ به وعليَّ بأبيه، ودخلوا عليه والصحابة مجتمعون, وقام عمر بالدرة، وقال: [[والله لا يحول بيني وبين هذا الأمير وبين ابنه أحد]] ثم أخذ محمداً فطرحه أرضاً، ثم أتى بـ عمرو فطرحه على ابنه فضربهم بالدرة ظهراً لبطن، وهو يقول: [[متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!]] من أين لكم هذه التعاليم؟ من كسرى وقيصر؟ من فرعون؟ من النمرود بن كنعان؟ أليس للإنسان كرامة؟! أليس له صوت؟! أليس له حرية؟! (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!) أخذوها درساً أمام الناس، وعاد وقال للمصري: أرضيت أم لا؟ قال: رضيت يا أمير المؤمنين! فأرضاه بمال، وذهب المصري يتبسم فرحاً بهذا الإمام العظيم.

عمر والهرمزان

عمر والهرمزان ناطح عمر دولة فارس الكافرة، يريد إسقاطها وأسقطها الله، وقد أسقطها الله بيد عمر. رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصب أرسل جيشاً عرمرماً هناك، وحاصرها من كل جهة، يريد إسقاطها، وبعد أن أسقطت أرسل أهل فارس مفوضاً ومندوباً اسمه الهرمزان يتكلم مع عمر في الأسارى وفي شئون المفقودين واللاجئين والفقراء، وهذا الهرمزان كان من أعيانهم، كان من وزرائهم كان ذكياً، وأصابه الله بالرعب؛ لأنه يريد أن يتكلم مع عمر، وهو يسمع صيت عمر يدكدك الدنيا ويهز المعمورة، فكان يتساءل الهرمزان!! كيف يقابل عمر؟ بأي لسان يقابله؟ وكيف يجلس معه؟ وصل إلى المدينة، وكان مع الهرمزان حاشية, وقال أهل العلم: كان يلبس حريراً وعليه تاج وكان مرصعاً بالديباج في يده، كان كافراً لا يعترف بأحكام الإسلام، فقال للناس وللمسلمين: أين قصر الخليفة؟ قالوا: لا قصر له، قال: دلوني على بيته، قالوا: تعال، فأتوا إلى بيته؛ فإذا هو مبنيٌ من طين في طرف المدينة، قال: هذا بيته؟! قالوا: نعم هذا بيته، فطرق الباب فخرج ابن عمر، قال: أين أبوك؟ قال: خرج وأظنه نائماً في المسجد، التمسه في المسجد، قال: أليس له حرس؟ قال: لا حرس له، فذهب إلى المسجد والناس حوله ينظرون إلى الديباج والحرير الذي يلمع مع الشمس، لأن المسلمين ما رأوا تلك الحضارة البراقة، حضارة المادة، حضارة البطون، عرفوا حضارة القلوب، وحضارة الأرواح، ولكن هذا الديباج، وهذا الذهب والحرير ما رأوه. فذهبوا إلى المسجد فما وجدوه، فخرجوا معه فوجدوه تحت شجرة قد نام، وعصاه الدرة عند رأسه، وقد توسد ذراعه، فقال الهرمزان: أهذا عمر؟ قالوا: هذا عمر. قال: أهذا الخليفة؟ أهذا الذي أسقط دولة فارس؟ قالوا: هذا الذي أسقط دولة فارس، فقال وهو ينتفض: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت". قال حافظ إبراهيم لله دره، شاعر مصر: وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردةٍ كاد طول العهد يبليها فقال قولة حقٍ أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهمُ فنمت نومَ قريرِ العين هانيها من لجسم شفه طول النوى ولعينٍ شفها طول السهر جسدٌ لفف في أكفانه رحمة الله على ذاك الجسد

عمر يفتح بيت المقدس

عمر يفتح بيت المقدس بيت المقدس الذي يشكو إلى الله ماذا فعل به المسلمون؟! بيت المقدس الذي ما وجد من ينقذه كـ عمر أو كـ المعتصم، أو صلاح الدين؟! يقول أبو ريشة: رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم يجيش عمر جيوشه وتحاصر فلسطين، أربعة جيوش وأربعة أمراء، يقودهم أبو عبيدة، يسمى: أمير الأمراء، وكان مركزهم في الشام.

طلب النصارى أن يفتح عمر بيت المقدس

طلب النصارى أن يفتح عمر بيت المقدس ولما رأى النصارى -أهل الصليب- ألَّا حيلة لهم ولا قوة بقتال المسلمين، كتبوا رسالة إلى عمر وقالوا: نريد أن تفتح أنت بيت المقدس، أن تأتي أنت لاستلام المفاتيح، ووافق عمر، وانطلق عمر من المدينة فشاوره علي، قال: نرى أن يصحبك منا وفد -أي: حرس موكب- قال: لا. من لم يصحبه الله فلا يصحبه أحد! يقول: الله رفيقي {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]. قالوا: يا أمير المؤمنين! إنك تفد على قومٍ كثر من الصليبين، ونريد أن تكون لك شارة، قال: لا شارة لمن لا تقوى له، ثم قال قولته المشهورة: [[نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام, ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]] وأتى بمولاه، وقال: تذهب معي؟ قال: معك يا أمير المؤمنين! فأخذ عمر الجمل، وقال لمولاه: تركب أنت عقبة وأنا أركب عقبة، أنت وقتاً وأنا وقتاً. قال: يا أمير المؤمنين! لا يصلح هذا، أنت أمير المؤمنين، قال: أما تتعب أنت كالناس؟ أي: أنت ألست كالبشر؟ قال بلى، قال: والله لتركبن عقبة، وأنا أركب عقبة فركب المولى وقاد عمر، فإذا انتهى ركب عمر، وقاد المولى الجمل، واقتربوا من مشارف بيت المقدس، وخرج الأمراء يستقبلون عمر: عمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة وأبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان، والسادة والجحافل، وطوابير الجيوش تصطف كأنها الجبال، هذا جيش عمر، فأتى عمرو بن العاص قال: يا أمير المؤمنين! خيبتنا أتيت بهذا الزي، قال: [[اسكت نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]]. قال: يا أمير المؤمنين! ألا نهيئ لك من يحرسك؟ قال: لا. فشق الصفوف، وسلم على أبي عبيدة، وقال لـ أبي عبيدة: تعال يا أبا عبيدة أبكي أنا وإياك على عهودنا التي خلفناها, أو التي خلفنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. -أي: تعال أبكي أنا وأنت التقصير، تعال أنا وأنت نتذكر الأيام التي عشناها مع الرسول صلى الله عليه وسلم- فلما انتهى استمر في الطريق، وخرج النصارى عن بكرة أبيهم في بيت المقدس، على شرفات المنازل، خرج الأطفال، خرجت النساء والرجال، خرجت الدنيا لترى من هو هذا الإنسان، هل هو بشر يمشي على الأرض؟ من هو صاحب هذا الصيت الذي دوخ الدنيا؟ من هو هذا الذي يفتح الدنيا وهو في المدينة؟ من هو هذا الرجل الذي أدخل الله رعبه في قلوب الملوك؟

عمر يستلم مفاتيح بيت المقدس

عمر يستلم مفاتيح بيت المقدس وقليلاً قليلاً وإذا بالجمل يقدم، وعليه عمر، ولما اقتربوا من بيت المقدس قال عمر: انتهت عقبتي أنزل واركب أنت، قال: يا أمير المؤمنين! وصلنا، قال: والله لتركبن، قال: يا أمير المؤمنين! الناس ينظرون، يظنون أني أنا الخليفة، قال: ولو ظنوا ذلك، فنزل رضي الله عنه وركب الخادم، وأتى عمر ولما اقترب من المدينة -وعودوا إلى ابن كثير وابن جرير واسمعوا ماذا قالوا- فأخذ عمر يرفع ثيابه من الطين خوف أن تتبلل ثيابه وهو يقود الجمل، فقال النصارى: من هذا؟ أمبشرٌ بقدوم الخليفة؟ -يعني: هذا الجمل وصاحبه أتى يبشر اقتراب الخليفة؟ - قالوا: هذا هو الخليفة. قالوا: هل هو الذي على الجمل؟ قالوا: كلا. هو الذي يمشي على الأرض ويقود الجمل، فضج الناس بالبكاء، وفتح بيت المقدس، والتقى بالصحابة هناك، وقال لـ بلال: أذن؟ قال: يا أمير المؤمنين! ما أذنت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: عزمت عليك أن تؤذن هذا اليوم، فرفع نداء الحق، ورفع صوته الخالد يؤذن، فبكى عمر وبكى الناس. تلك المكارم لاقعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا وهكذا يعصف التوحيد بالوثن

حال القدس بعد عمر

حال القدس بعد عمر ماذا فعلنا بعد عمر؟ ماذا فعلنا مع فلسطين وبيت المقدس؟ ماذا فعلنا بقداسة الإسلام، وبلاد الإسلام؟ ماذا فعلنا مع الأندلس (الفردوس المفقود)؟ ماذا فعلنا برسالتنا التي ائتمننا الله عليها لننشرها في الأرض؟ ماذا فعلنا؟! ماذا فعلنا شجبنا بالكلام ولم نحمل سلاحاً ولم نركب على سفن نشكو على مجلس الأمن الدعي وهل أشقى العروبة إلا مجلس المحن من أشقى الناس إلا مجلس الأمن؟! ومن الذي سلب إرادة المسلمين إلا مجلس الأمن؟! ويقول شاعرٌ من الشعراء العرب، أتى يزور دمشق ويزور قبر صلاح الدين، ثم ذهب إلى حمص ليزور قبر خالد بن الوليد: دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لكِ العربا أدمت سياط حزيران ظهورهم فقبَّلوها وباسوا كف من ضربا وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا متى البنادق كانت تسكن الكتبا متى كان لإسرائيل أن تسكن في العالم الإسلامي وتبقى فيه؟ هل إذا كان عمر أو صلاح الدين أو طارق أو الأفذاذ أو خالد أو سعد أتبقى إسرائيل؟ ألإسرائيل تعلو راية في حمى المهد وظل الحرم أو ما كنت إذا البغي اعتدى موجة من لهبٍ أو من دم أمتي هل لك بين الأمم منبرٌ للسيف أو للقلم لا. لو وجد مثل عمر ما بقيت إسرائيل على وجه الأرض. رفيق صلاح هل لك عودةٌ فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقصر وليمون يافا يابس في حقوله وهل شجر في قبضة الظلم يثمر إنه تاريخنا وأنا لم آتِ بشيءٍ من عندي هذه الليلة، أنا أتيت لأقرأ التاريخ، وأعيد فقط كلام أهل العلم، وأتشرف بأن أذكر عمر على منبر محمد صلى الله عليه وسلم، ونواصل مع عمر، والحديث مع عمر لا ينقطع أبداً.

من حكم عمر

من حِكَم عمر كان رضي الله عنه وأرضاه حكيماً، كان يتكلم بالكلمة فتقع كفلق الصبح. فمن حكمه يقول: [[لست بالخب ولا الخب يخدعني]]. يقول: أنا لست مكاراً خداعاً ولكن لا يخدعني أحد، أنا لا ألعب على الناس، ولكن لا يلعب الناس عليَّ. قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة من قومٍ نشئوا في الإسلام لا يعرفون الجاهلية]] معنى ذلك: أن تتعلم الجاهلية، أن تعرف واقعك، أن تقرأ المذاهب الهدامة الكفرية، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]. وكان يقول الكلمة فتنطق السكينة, حتى يقول ابن عمر: [[كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر]].

عمر والعباس والميزاب

عمر والعباس والميزاب وهذه قصة يذكرها الذهبي وغيره، خرج يصلي الجمعة رضي الله عنه وأرضاه، ولبس ثوبه المعهود الذي يغسله يوم الجمعة, ثوبه الوحيد، كان ينام في الفراش حتى يجف ثوبه مع حرارة الشمس، ثم يغتسل ويلبس الثوب، فخرج بالثوب يخطب الناس على المنبر، وفي أثناء الطريق مر من تحت ميزاب العباس بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم, فسال عليه دم من دم دجاج، فوقع على ثوب عمر، فغضب عمر ومد يده وكان عملاقاً رهيباً قوياً فاقتلع الميزاب حتى أوقعه في الأرض، وعاد فغسل ثيابه، ثم أتى فصلى بالناس، وقال للعباس: [[أتؤذي الناس بهذا الميزاب، ما هذا الدم؟ قال: دم دجاجة ذبحتها قبل الصلاة -يا أمير المؤمنين- فسال، قال: قد قلعت ميزابك في الأرض، قال: يا أمير المؤمنين! والله ما وضع ذاك الميزاب إلا الرسول صلى الله عليه وسلم بيده، قال: أسألك بالله أهو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي وضعه؟ قال: إي والذي نفسي بيده! فذرفت عيناه دمعاً، وقال: والذي نفسي بيده! لأبركن لك أمام الناس في الأرض وتصعد أنت على ظهري، وتأخذ الميزاب وترده مكانه كرامة للرسول صلى الله عليه وسلم]]. سقى الله ذاك اللحد دمع غمامة إذا راعها برق الشمال استهلت على خير مدفونٍ وشهم ممزقٍ سعادتنا من بعده قد تولت

عمر وآية: (وقفوهم إنهم مسؤولون)

عمر وآية: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ) صلى بالناس، وقرأ سورة الصافات، واستمر يقرأ حتى وصل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] فانقطعت قراءته باكياً، قال ابن كثير: كان يعاد شهراً كاملاً إذا سمع الآية من القرآن، إذا تأثر بالآية مرض في البيت شهراً وعاده الناس. إنه يفهم معنى القرآن، إنه أمة تعيش القرآن، كان قرآناً يمشي على الأرض. أمة بعثها الله من الصحراء, كانت قبل الإسلام لا تعرف إلا البقر والإبل والغنم، كانت تعبد الوثن والصنم، فلما رزقها الله هذا الدين خرجت للعالم بل لكل العالم. صلت في قرطبة، وبنت الحمراء، وخطبت في الفسطاط، وبنت المسجد الأموي، وانتشرت في بقاع الأرض تعلن العدل والحب والسلام، أمة لم يكن لها تاريخ قبل الإسلام. يقول أحد الشعراء وأنتم تعرفونه عبد الهادي حرب وهو سوري مسلم يقول: إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز وكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها أي: لما رأى الله الأمة العربية المسلمة، كانت أمة لا تسجد إلا لله. كانت أمة تتمرد على الدهر. كانت أمة أقوى من الزمن. كانت أمة أفصح من الفجر. يدخل ربعي بن عامر وهو يحمل: لا إله إلا الله على رستم قائد فارس في البلاط الملكي الفارسي المجرم الكافر، فيقول رستم لـ ربعي: من أنت؟ قال: أنا مسلم. قال: ماذا جاء بكم؟ قال: جئنا نفتح الدين بلا إله إلا الله. قال: جئتني على فرس معقور وثياب ممزقة، ورمح مثلم تفتح لي الدنيا؟!! قال: نعم. [[إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]] وبدأت المعركة، وانتصر الإسلام، واكتسح ثلاثة أرباع المعمورة، ودخل كل بيت، وأذنت المآذن، وأصبح العالم الإسلامي مليار، لكن المليار ينقصهم ذرات من إيمان عمر!! لكن المليار يحتاجون إلى حقن من حقن عمر. لكن المليار يحتاجون إلى دم من دم عمر يجري في شرايينهم. عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبت وجدتهم أصفارا من كل مفتونٍ على قيثارة كلٌ رأيت بفنه بيطارا أو كاذب خدع الشعوب بدجله عاش الزمان بعمره ثرثارا أو عالمٍ لو مالقوه بدرهم رد النصوص وكذب الأخبارا نحن نحتاج إلى جرعة، وإلى حقنة، وإلى بلسم من بلاسم عمر.

عمر وخولة بنت ثعلبة

عمر وخولة بنت ثعلبة هذه خولة التي أنزل الله فيها قرآناً، امرأة مسلمة، لكن كما يقول أحد المفكرين: نحن الأمة التي لما توضأت أنزل الله فيها قرآناً يتكلم في شئونها، دستور من السماء {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:1 - 3]. أتت تشكو إلى الرسول صلى الله عليه وسلم زوجها في طرف البيت وعائشة في طرف البيت الآخر. زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم في الطرف، وخولة مع الرسول صلى الله عليه وسلم في طرف، والبيت لا يتجاوز مسافته ثلاثة أمتار، قالت عائشة: [[والله ما سمعت ماذا قالت للرسول صلى الله عليه وسلم؟ ووالله ما سمعت ماذا قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الله سمع من فوق سبع سموات]] وانتهى المجلس بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين هذه المرأة المؤمنة ونزل القرآن {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1] سمع الله ماذا دار في الحوار، وماذا قلت لها وقالت لك. أرسلت خولة إلى عمر تقول: أريدك، وكانت عجوزاً في عهد عمر، تقول: أريد أن أتكلم مع عمر، فشغل عمر وما أتى إليها، والواجب أن تأتي هي إلى عمر رضي الله عنه، لأن عمر يتكلم للدنيا، عمر مشغول بالمعمورة، عمر يسوس دولة، فتأخر عنها، فغضبت وخرج عمر رضي الله عنه للصلاة، قالت: يا عمر! قف ووقف في الشمس، قالت: كنا نسميك في الجاهلية عميراً - تتكلم من غضب- قال: نعم. قالت: فلما أسلمت سميناك عمر، قال: نعم، قالت: ثم سميناك أمير المؤمنين، قال: نعم. فماذا تريدين يا خالة! فتكلمت معه واقترب منها حتى قضى حاجتها. قال أحد الصحابة: تتكلم عليك هذا الكلام وتوقفك هذا الموقف وتقف لها؟ قال: [[كيف لا أسمع كلامها وقد سمع الله كلامها من فوق سبع سماوات]]. يا إماماً صدق الله فما زاده إلا سناءً وعُلا كل قلبٍ يا أبا حفص غدا يتراءى فيك مجداً أجملا

فاروق الإسلام وفاروق مصر

فاروق الإسلام وفاروق مصر وتستمر أعطيات هذا الإمام، ويكتب محمد إقبال قصيدة لـ فاروق مصر , كان في مصر رجلٌ اسمه فاروق لكنه نكرة محذوف منه (ال) وعمر معرفة دخلت عليه (ال) فزادته تعريفاً. فاروق مصر كان عنده ناي وطبل، وفاروق الإسلام عمر كان عنده قرآن وذكر. فاروق مصر كان عميلاً مرتزقاً، وفاروق الإسلام كان متحرراً زعيماً فاتحاً. فاروق مصر كان يجيد اللعب مع الحمام والبلوت والكيرم، وفاروق الإسلام كان يجيد ضرب رءوس أعداء الله وفتح المدن والقلاع بلا إله إلا الله. فاروق مصر كان يجبي الجبايات, ويأخذ الرشا, ويسحب الأموال، وفاورق الإسلام كان يدفع من دموعه، ويجوع قبل أن يجوع الناس، ويظمأ قبل أن يظمأ الناس. فمر محمد إقبال بـ قناة السويس وتوقف هناك، يريد أوروبا كان يدرس الفلسفة في بون في ألمانيا، ودرَّس الفلسفة هناك، وله قصيدة اسمها (بحثت عنك يا رسول الله في ألمانيا) يقول: أين أنت يا رسول الله؟ أنت سكنت بون، وهو صلى الله عليه وسلم لم يسكن هناك، ويدري إقبال، لكن يقول: وجدت في ألمانيا الطائرات، والشاحنات، والقاطرات، والسيارات ولكني ما وجدت من أنزلت عليه الآيات البينات محمد صلى الله عليه وسلم. فمر وتوقف في قناة السويس، وأرسل رسالة إلى فاروق مصر يقول: إنك لن تكون كـ الفاروق عمر حتى تحمل درة كدرة عمر. يقول: لا تظن أن الأسماء تخدعنا، لا تضحك على عقولنا، سميت نفسك فاروقاً لتتسمى بـ عمر , إن كنت صادقاً فخذ درة واحكم بالعدل واحكم بالشريعة، وانزل إلى الميدان وانظر إلى الأمة، أما أن تلعب على الأجيال وتضحك علينا بالتسمية، فهذه لعبة قد ذقناها وجربناها. ووصلت الرسالة إلى هناك، وبعدها كتب محمد إقبال فيها قصيدة.

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لعمر في المنام

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لعمر في المنام يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {عرض عليَّ الناس البارحة - أي: رآهم عليه الصلاة والسلام في المنام- وعليهم قمص -أي: ثياب- منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض عليَّ عمر بن الخطاب عليه قميص يجره، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين}. دينه أسبغ عليه، دينه غطاه، دينه من أعمق الأديان وأصدقها ومن أرجحها عند الله. يقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح أيضاً: {رأيت البارحة في المنام كأني أشرب لبناً في كأس، فبقي فيه فضلة، فدفعته إلى عمر بن الخطاب} وفي الرواية الأخرى يقول: {رأيت كأني أشرب لبناً فشربت حتى رأيت الري في أظفاري -أي: أن بقية اللبن يدخل في الأظفار من كثرة ما شرب صلى الله عليه وسلم- ثم دفعت فضله إلى عمر بن الخطاب. قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم} فهو من أعلم الناس وكان يتفجر علماً، والله أعطاه سُبحَانَهُ وَتَعَالى من لدنه علماً وفتح عليه فتوحاً لأنه صدق مع الله. أتى صلى الله عليه وسلم -وكان سهلاً قريباً من الناس، قريباً إلى القلوب- فجلس مع نساء المدينة وهو معصوم, يتكلم معهن، وكن يتمازحن في مجلسه، وإذا بـ عمر قد أقبل من ورائه بمسافة، فسمعت النساء صوت عمر أقبل، فهربن واختفين وراء الأستار ووراء الحجر، فدخل عمر وقال: يا عدوات أنفسكن! الرسول صلى الله عليه وسلم أولى أن توقرنه، وخفتن مني، أو كما قال. قالت امرأة: أنت فظ غليظ والرسول صلى الله عليه وسلم سهل رحيم، فقال صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم من الحوار: {هيه يا ابن الخطاب والله ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجك}. قد كنت أعدا أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها نعم، كان عدواً للإسلام، لكن لما أسلم؛ اجتاح كل عدو للإسلام، كان قبل الإسلام في كفة الكفر، فلما أسلم؛ انتصر بإذن الله الإسلام انتصاراً خالداً ليس بعده انتصار. لما أسلم جرد السيف ونزل في بطحاء مكة -كان المهاجر إذا هاجر المدينة اختفى، وخرج خلسة- أما هو فقد قال: [[يا معشر قريش! إني مهاجر الآن إلى المدينة، فمن أراد أن تثكله أمه فليلقني في بطن الوادي]] فما لقيه أحد. حتى وضعت يميني لا أنازعها في كف ذي نقماتٍ قوله القيل ويستمر عمر رضي الله عنه وأرضاه، وأكثر ما يميز عمر الزهد في الدنيا، والانقطاع عنها إلى الله.

اغتيال رهيب وشهادة عظمى

اغتيال رهيب وشهادة عظمى هذا آخر المطاف مع أبي حفص!! يحج آخر حجة، ويأتي يرمي الجمار، وكان من أطول الناس، يقول بعض المؤرخين: كان أطول الحجاج على الإطلاق. يقولون عنه: إذا مشى كأنه يمشى على فرسه، وكان إذا ركب الفرس تخط قدماه في الأرض، وسمعت أحد المتحدثين بالنكت والطرائف، يقول: أتى حلاق يحلق رأس عمر عند الجمرات، فعطس عمر فأغمي على الحلاق ورش بالماء. وسمعت أنا خطيباً آخر يقول: لما دفن عمر أتاه الملكان في القبر يحاسبانه، قال: فخرج عليهم عمر فجلس، وقال: من ربكما؟ ومن نبيكما؟ وما دينكما؟ قبل أن يتكلم، وهذا يحتاج إلى نقل وسمع؛ لأنه من علم الغيب. عمر رضي الله عنه وأرضاه لم يكن يتبسم، كان صارماً قوياً في ذات الله عز وجل. كان إذا جاءه الرجل ينتفض أمامه، ملوك العرب يتكلمون معه وهم ينتفضون خوفاً، مؤيد بروحٍ من الله. أتى يحج ولما آتى يرمي الجمار كان أصلع، قليل الشعر في الرأس، فأتى رجل من أهل اليمن بنبلة وهي من الخذف الذي يرمى به الجمار، فنبل أمير المؤمنين في رأسه فسال الدم، قال عمر: [[هذه شهادتي، هذا قتلي]] معنى ذلك: أني سوف أقتل، فلما انتهى من الجمرات التفت إلى القبلة وقال: [[اللهم إنها ضاعت رعيتي، ورق عظمي، ودنا أجلي، اللهم فاقبضني إليك غير مفرطٍ ولا مفتون، اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتةً في بلد رسولك]].

وصول عمر إلى المدينة بعد أن قضى مناسك الحج

وصول عمر إلى المدينة بعد أن قضى مناسك الحج وارتحل إلى المدينة ونام قبل أن يقتل بليلة، فرأى في المنام أن ديكاً ينقره ثلاث نقرات، فسأل أسماء بنت عميس الخثعمية -إحدى الصحابيات المؤمنات تفسر الرؤيا- قال: ما تفسير هذه الرؤيا؟ قالت: يقتلك رجلٌ من العجم بثلاث طعنات وتموت، فخرج على الناس يوم الجمعة, وهذا هو اللقاء الأخير في البرلمان مع المسلمين, هذا الوداع، كان الخطاب كما يقول بعض المؤرخين المتأخرين، يقول: خطاباً مكشوفاً صريحاً، فتكلم للناس، وكان يبكي من أول الخطبة، ويقول: [[ألا من مظلمة؟ ألا من مظلوم؟ إن ظلمت أحداً في عرضه فليقتص من عرضي، وإن أخذت من مال أحد فليأخذ من مالي، وإن ضربت أحدكم فليضرب جسمي، هذا عرضي، وهذا جسمي، وهذا مالي]]. ماذا رد عليه الناس؟! تلعثم المسجد بالبكاء، وقال: [[إني سألت أسماء بنت عميس عن رؤيا رأيتها فأخبرتني أني سوف أقتل فوليي عليكم الله، فأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه]] ثم نزل، وصلى الفجر يوم السبت صباحاً، وأتاه أبو لؤلؤة المجوسي. مولى المغيرة لا غادتك غادية من رحمة الله ما سالت غواديها مزقت في حومة الإسلام ذا مثل راعي الرعية قاصيها ودانيها

أبو لؤلؤة المجوسي يغتال أمير المؤمنين

أبو لؤلؤة المجوسي يغتال أمير المؤمنين وأتى يصلي فلما قرأ سورة يوسف وقبل أن يركع قال: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] وبكى وبكى الناس, ثم ركع وتقدم المجرم عليه غضب الله، وكان يحمل خنجراً ذا حدين مسمومين، فطعن عمر ثلاث طعنات, ست ضربات، فهوى على الأرض وهو يقول: [[حسبي الله لا إله إلا الله, عليه توكلت وهو رب العرش العظيم]] ولما سمع ورأى ابن عوف هذا تقدم فأكمل الصلاة، وانكشف وجه عمر للناس، وهو يقول: [[الله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون]] {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157] ثم قال: من قتلني؟ يسأل وهو في الرمق الأخير، قالوا: قتلك أبو لؤلؤة المجوسي، قال: [[الحمد لله الذي جعل قتلي على يد رجلٍ ما سجد لله سجدة]] ثم حملوه وكانت دماؤه تثعب على أكتاف الرجال، يقول أنس: [[والله إنا ظننا أن القيامة قامت يوم مات عمر]] وخرجوا وقد اغبرت الدنيا وتغير وجهها, وتغير كيان العدالة، وضربت الأمة في أعز ما تملك، في رَجُلِها وزعيمها وأستاذها، في شيخها ومعلمها، ذهبوا به والبكاء يملأ شوارع المدينة، اختلط بكاء الرجال والنساء والأطفال، وشيعوه إلى بيته وهو لا يزال حياً، وقد صلى ركعةً واحدة من الفجر وبقيت الركعة الثانية، ودخلوا به في البيت، وقدم ابنه عبد الله المخدة لرأس عمر، فوضع رأسه على المخدة, قال: يا عبد الله! انزع المخدة من تحت رأسي، ضع رأسي على التراب لعل الله يرحمني، فوضع رأسه على التراب مباشرة، قال: أدخلوا علي أطفال المدينة، فأدخلوا عليه الأطفال؛ فكان يقبلهم ويمسح رءوسهم ويودعهم الوداع الأخير. بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا نكاد حين تناديكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا

عمر يودع الوفود الداخلة عليه في مرضه الأخير

عمر يودع الوفود الداخلة عليه في مرضه الأخير ثم قال: أدخلوا عليَّ الشباب، فأدخلوا عليه الشباب فسلم عليهم ودعا لهم، ولما انتهى الشباب خرج شابٌ, كان مطيلاً لإزاره. يقول أهل العلم: أمير المؤمنين يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في سكرات الموت، قال: عليَّ بالشاب -فأتى- قال: [[يا ابن أخي! ارفع إزارك, فإنه أتقى لربك, وأنقى لثوبك -فقال الشاب: جزاك الله عن الإسلام خيراً، قال: بل جزى الإسلام عني خيراً]] ثم قال: عليَّ بعلماء الصحابة، فلما دخل ابن عباس وضع يده على كتف عمر، وكان دم عمر يثعب في الأرض، فبكى ابن عباس طويلاً، ثم قال: [[يا أمير المؤمنين! أسلمت فكان إسلامك نصراً، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، وتوليت فكانت ولايتك رحمة، فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك]] فبكى عمر، وقال: [[يـ ابن عباس! ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا عليَّ]]. ثم دخل علي بن أبي طالب وكان أفصح الناس، فسلم وقبّل جبين عمر فكانت دموع عمر تهل كالمطر من خوف لقاء الله، وقال: ماذا أقول لله غداً؟ وكان يقول: [[يا ليتني شجرةً تعضد]] يا ليتني ما عرفت الحياة، فدخل علي وقال: [[ما عليك يا أمير المؤمنين، والله لطالما سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك]] ثم قال عمر: هل صليتُ الفجر؟ قالوا: لا. بقيت عليك ركعة، قال: الله المستعان، فقام فأكمل الركعة، ثم قال: اسقوني لبناً، فسقوه اللبن فخرج اللبن من بين أمعائه مع الكبد، فقال: لا قرار لي، وأوصى بالخلافة ثم ودع الناس، ولما قرب الغروب قبضت روحه. {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذر توفيت الآمال بعد محمدٍ وأصبح في شغلٍ عن السفر السفر عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر إذا ورقات العز جذت غصونها ففي أي غصن يوجد الورق النضر ذهب إلى الله، ولكن بقي عدله، وبقيت سيرته، وبقي حبه في القلوب. ذهب إلى الله وبقيت رسالته، وهي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. بقي عمر في عيوننا وفي تاريخنا، بقي عمر في ضمائرنا وفي مجدنا، وعلى منابرنا. بقي عمر في أكبادنا، وفي شعوبنا، وعلى أعلامنا. بقي عمر تاريخاً وشرفاً لنا حتى نلقى الله. نسأل الله أن يجمعنا بـ عمر. نسأل الله أن يرفع منزلته، وأن يرينا وجهه، وأن يعظم أجره جزاء ما قدم للإسلام. أشجاك آي الهدى والذكر أبكاكا وجنة الخلد والفردوس مأواكا

دروس من سيرة الفاروق

دروس من سيرة الفاروق هذا هو عمر بن الخطاب، وفي سيرته دروس: أولاً: أن العظيم من عظم الله. ثانياً: العدل محكمة يحتكم إليها من يريد الله والدار الآخرة ويسوسها كتاب الله والسنة. ثالثاً: من زهد في الدنيا أعطاه الله ما تمنى. رابعاً: يبقي الله أثر الصالحين، ويجعلهم أئمة {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء:71] {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. خامساً: نحن الذين علم الناس العدل، ونحن أهل العدل، حين نعود إلى العدل وسيرة العدل، ونحن الذين فتحوا الدنيا بلا إله إلا الله، ومعلمي البشرية عقيدة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا لكن متى؟ يوم نعود إلى تاريخنا، يوم نعود لسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، وسيرة السلف الصالح من الصحابة والتابعين. سادساً: عمر يتكرر, وعمر يعيش معنا في القرن العشرين بسيرته وبتعاليمه. سابعاً: يعترف الأعداء بسيرة عمر، كما ذكرت لكم مايكل هارف وغيره كثير من علماء العرب، وليم جيمس يعترف به، ودايل كارنيجي وغيره، وكريسي موريسون، ومؤرخوهم يطبقون، بل أُلّف عن عمر من الفرنسيين والإنجليز والأمريكان أكثر من ستة وخمسين كتاباً، وبعضهم درس علم الاجتماع في حياة عمر، وبعضهم درس العدل في حياة عمر، وبعضهم درس موضوع العمران في دولة عمر، وبعضهم درس أساسيات الأخلاق في حكومة عمر، أو ميزانية عمر، أو تصريف عمر للشورى، إلى غير ذلك مما درسوا. استرشد الغرب بالماضي فأرشده ونحن قومٌ لنا ماضٍ تركناه تركنا ماضينا وكنا في الصف الأول, فلما تبلدنا وتخلينا عن سيرة عمر وعن سيرة أمثاله، تخلينا فأصبحنا تصرفنا الأيادي وتستهزئ بنا الشعوب، وتلعب بنا الأمم. ثامناً: شباب الصحوة هم جيل عمر بن الخطاب، وهم حملة رسالة عمر، وهم سوف يكررون سيرة عمر، في زهده وسلوكه وتواضعه إذا أحبوه رضي الله عنه وأرضاه. تاسعاً: الحب بيننا وبين عمر نسب أسسه محمد صلى الله عليه وسلم، وهو نسب التقوى فأحببناه، ولهذا عسى الله ألا يحرمنا محبته. عاشراً: مدرسة الإسلام المعطاءة التي سوف تكرر نماذج مثل عمر، متى ما استعدوا أن يتعلموا من القرآن والسنة؟ متى ما استعدوا أن يجلسوا في حلق الذكر؟ متى كان عندهم تهيؤ أن يعرفوا سيرة أجدادهم، وسيرة خلفائهم، وسيرة أئمتهم وزعمائهم، متى كان عند الأمة وعي أن تعرف أن العظماء هنا. من بلادي يطلب العلم ولا يطلب العلم من الغرب الغبي وبها مهبط وحي الله بل أرسل الله بها خير نبي قل هو الرحمن آمنا به واتبعنا هادياً من يثرب متى نكون سادة؟ يوم نعرف أنا كنا سادة. متى نكون أئمة؟ يوم نعرف أنا كنا أئمة للناس.

الأسئلة

الأسئلة

هذا الفاروق فما بال معلمه؟!

هذا الفاروق فما بال معلمه؟! Q إذا كان هذا عمر الفاروق، فما بالك بمعلم عمر وقدوة عمر، وأستاذ عمر محمد صلى الله عليه وسلم؟ A ما بالي؟! وماذا أفعل؟! وهل لم يسبق حديث قبل هذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟! وهل يشك مسلم أن عمر ليس إلا قطرة من بحر الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس إلا ورقةً في شجرته، وليس إلا إصبعاً في يده؟! المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء عمر تلميذ من جامعة محمد صلى الله عليه وسلم. عمر شعرة في دستور محمد صلى الله عليه وسلم. عمر كلمة من المنظومة التي وضعها صلى الله عليه وسلم للدنيا، لولا الله ثم الرسول صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا عمر هذه الليلة، ولم يكن لـ عمر تاريخ، ولم يكن لـ عمر إيمان، ولم يكن لـ عمر عدل ولا منبر. أتظن أني أتيت الليلة أقارن بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعمر؟ أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. الرسول عليه الصلاة والسلام إمام, والملايين كلها ليست إلا قطرات في بحره الذي لا ينضب صلى الله عليه وسلم. إنه المعلم بأبي هو وأمي الذي يستعد أن ينتج بمنهجه آلاف الآلاف من أمثال عمر رضي الله عنه وأرضاه. فإنك شمسٌ والملوك كواكبٌ إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

لماذا يكرهون الفاروق؟!

لماذا يكرهون الفاروق؟! Q لماذا يحقد كثير من غير المسلمين على عمر؟ A يحقدون على عمر؛ لأنه الذي نكسهم من على عروشهم؛ ولأن جيوشه دكدكت امبراطورية الخيانة والعمالة، إمبراطورية فارس وإمبراطورية الروم. لأن الذي قاد الخونة والمستبدين كالشياه من على منابر الظلم والعدوان وأنزلهم هو عمر. لأن الذي فضح سيرة المجرمين في الشرق والغرب هو عمر، ولأنه الذي أسس منبر العدالة ومنبر التآخي ومنبر التحدث بالوعي والفهم والعدل وكرامة الإنسان وحقوق الإنسان، هو عمر. لأن الذي أعطى للإنسان قيمته هو عمر، فلذلك يكرهون عمر، ولو أتيت لهم بدرويش ربما أحبوه، لكن هذا العظيم الذي أدخل الضعف في قلوبهم وطاردهم بجيوشه حتى تكلم مع الناس، وناقش أمور الناس، وأعطى حقوق الناس. عمر يقول: [[والله لو عثرت بغلة على ضفاف دجلة لخشيت أن يسألني الله عنها يوم القيامة لم لم تصلح لها الطريق؟]]. أتظن أن سيرة العظماء تذهب سدى. يقول صاحب " دع القلق وابدأ الحياة ": " كن عصياً على النقد، ثم يقول: قيمتك نقدك، ونقدك يساوي قيمتك ", ويقول الشاعر العربي: إن العرانين تلقاها محسدة ولا ترى للئام الناس حسادا على ماذا يحسد اللئيم الدرويش؟ على ماذا يحسد الضائع المنفلت من حبل الله؟ يقول أحد المحسودين: وشكوت من ظلم الوشاة ولم تجد ذا سؤددٍ إلا أصيب بحسد لا زلت يا سبط الكرام محسداً والتافه المسكين غير محسد ويقول أبو تمام: وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب نفح العود نعم، الفرنجة والصليبيون والمسيحيون والزنادقة والمرتزقة يكرهون عمر، لأن سيرة عمر فضيحة على رءوسهم، وقنبلة ذرية تفضح مخططاتهم، وتكرارها وإعادتها فضيحة لكفرة الشرق والغرب فيحقدون على عمر رضي الله عنه وأرضاه، يقول الشاعر: إذا محاسني اللاتي أدل بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر إذا كان العدل ذنب عمر، والحرية ذنب عمر، والإيمان ذنب عمر، وفتح الدنيا ذنب عمر، فكيف نعتذر لـ عمر؟

فرق بين أبي بكر وعمر

فرق بين أبي بكر وعمر Q رأى أحد الشباب النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ورأى أبا بكر وعمر ووصف كل واحدٍ منهم، قال: إنه رأى أبا بكر ضعيفاً، ورأى عمر قوياً أو كبير الهيئة، شكله يبث الرهبة، فهل هذا صحيح؟ A صحيح ما رأى، أبو بكر كان نحيف الجسم، ولكن في قلبه همة، وأنا أعدكم أنه سوف يكون هناك محاضرة عن أبي بكر وهو أعظم من عمر رضي الله عنهم جميعاً، ولكن لكلٍ خاصية ولكلٍ ميزة، ولكلٍ فضل عند الأمة، وكان أبو بكر نحيفاً وفي قلبه همة تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء، أما عمر فكان قوياً. وسمعت بل قرأت في بعض التواريخ أن أحد الفجرة من الزنادقة وراء نهر سيحون ونهر جيحون -أعوذ بالله- كان عنده فرسان من بغضه للإسلام، سمى أحد الفرسين عمر والثاني أبا بكر، فاستمر به الحال, وفي الصباح رفسه أحد الفرسين فمات. قال أحد العلماء: انظروا لن يرفسه إلا من سماه عمر، فبحثوا فوجدوه الفرس الذي سماه عمر وعمر كبير قوي الجسم، وكان يقول بعض المؤرخين: كان يشرب الخمر قبل الإسلام، وكان أحمر، وورد في سيرته أنه رأى عفريتاً في ظلام الليل، فقال عمر: أتصارعني؟ فصرعه عمر وجلس على صدره، قال الجان: (والله لقد علم الجن أني من أقواهم) يعني: أنه أقواهم. فـ عمر قوي بلا شك، وهو كبير البنية، وما أعلم في الصحابة مثله إلا خالد بن الوليد، قالوا: جسمه وجسم خالد متقاربان، وابن تيمية يقول: لم يصلح خالد في دولة عمر. أول ما تولى عمر عزل خالداً , أول مرسوم عزل خالد - قال: لأنهما قويان، وتحتاج الدولة إلى وزير سهل، مع حاكمٍ قوي، فصلح أبو عبيدة مع عمر؛ لأن أبا عبيدة لين وعمر قوي، وصلح خالد مع أبي بكر كان قائده، لأن خالداً قوي، وأبا بكر لين، فلما عزله قال خالد: قاتلت قبل هذا لله، وأقاتل اليوم لله، وما قاتلت لـ عمر. تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله يشعلها وخالد في سبيل الله يذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها

زهد عمر ودعوى التصوف

زهد عمر ودعوى التصوف Q ألا يفهم من سيرة عمر في زهده ولبسه للصوف أن هناك دعوة للتصوف المرفوض، الذي يحتج به كثير من الناس أرجو توضيح ذلك؟ A لا. ليس فيه دعوة للتصوف، عمر زاهد وكان يأكل الطيب أحياناً، وهو على منهج النبوة، وأنا وإياك لا نعرف بجانب عمر في الإسلام شيئاً, نحن أصفار، عمر منه نتعلم، ومنه نتلقن، وعلى مائدته نتتلمذ، فهو أعرف بمنهجه، وأعرف بما يقربه إلى الله ولم يحرم الطيبات، أما المذموم فهو تحريم الطيبات، وفرض هذا على الأمة ابتداع ما أنزل الله به من سلطان.

التأسي بعمر

التأسي بعمر Q كيف نصبح كـ عمر؟ A يوم يكون عندنا نية أن نقلد عمر، وأن نتهيأ لسلوك طريق عمر، بل نتبع معلم عمر عليه الصلاة والسلام، لكن لا تتعب نفسك لن نصل أنا وإياك إلى عمر مهما كان, ولو أطبقت السماء على الأرض، لأن هذه منزلة اختص الله بها بعض الناس، الله خصص عمر لهذه المنزلة، نعم سوف نقرب وسوف نكون في ركبه، وسوف نحبه، وسوف نتشبه به متى ما أردنا وكانت عندنا النية الجازمة إذا كان باستطاعتنا ذلك. نستطيع أن نصل إلى عمر بأن نربي أجيالنا وطلابنا على سيرة عمر لا على سيرة هتلر، أو نيكسون ولا على سيرة أعداء الله عز وجل وأعداء الشعوب الخونة المرتزقة، نربيهم على سيرة عمر وعلي وخالد وسعد وطارق وصلاح الدين، هؤلاء هم الأبرار الأخيار، وهؤلاء شموس الدنيا.

دواوين من الشعر

دواوين من الشعر Q دلني على دواوين شعر يمكن أن تشير عليَّ بها؟ A أدلك على كتيب اسمه شكوى وجواب، شكوى لـ محمد إقبال، يشكو حال المسلمين بعد أن تخلفوا عن قيادة حضارة الإنسانية، ومنها يقول: حديث الروح للأرواح يسري وتدركه القلوب بلا عناء هتفت به فطار بلا جناح وفض أنينه صدر الفضاء ومعدنه رخامي ولكن سرت في لفظه لغة السماء وأدلك على مختارات البارودي وهي أربع مجلدات، وديوان أبي الطيب المتنبي، وهو أحسن من قال شعراً في العربية أبو الطيب أحمد بن حسين المتنبي.

كتب ألفت في عمر

كتب ألفت في عمر Q هل من الممكن أن تدلنا على أحسن كتاب تم تأليفه عن عمر بن الخطاب؟ A هناك مناقب عمر بن الخطاب لـ ابن الجوزي , من أحسن ما كتب في مناقب عمر. وهناك سيرة لـ عمر لكنها فكرية، وفيها شيءٌ وخيرٌ طيب اسمه (صور من حياة عمر) للشيخ والأستاذ/ علي الطنطاوي، و (بين يدي عمر) لـ خالد محمد خالد، لكن عليه ملاحظات منها: عدم اعتنائه بالنقل، وهناك أيضاً بعض المعاني التي رسبت في ذهنه غفر الله له، ولعله قد تاب وأظن هذا من المادية الجدلية في شبابه. وهناك كتاب اسمه (عبقرية عمر) لـ عباس محمود العقاد، لكن يلاحظ على العقاد أمور منها: المقارنة بين سياسة عمر ونابليون في بعض المواصفات، وهذا ليس بوارد. ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا وبعض المواقف التي لا يؤيد فيها العقاد في بعض ما اقترح.

تخلي عمر عن الدنيا وما فيها

تخلي عمر عن الدنيا وما فيها Q هل عمر بن الخطاب أثناء وفاته كانت مؤثرة عليه؟ A عمر كان يتمنى لقاء الله، وحصلت له الشهادة وهو مرتاح، لكنهم يقولون: إنه تأثر من لقاء الله عز وجل ومن محاسبة الله عز وجل، وكلما خاف الإنسان من الله كثر بكاؤه وخوفه، وهو ما خاف على أملاكه، لأنه ما خلَّف شيئاً، عنده بيت من طين, وعنده بغلة ردوها إلى بيت مال المسلمين، وثوب كفن به، لا يوجد لديه شيء، أراد الشهادة وحصلت له. أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، وشكر الله لكم استماعكم. وسلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته.

في ظلال إياك نعبد وإياك نستعين

في ظلال إياك نعبد وإياك نستعين لقد أنزل الله سبحانه وتعالى علينا الكتاب الكريم, لنستظل تحت وارف ظله, وجعله لنا نوراً وهداية, وأمرنا بتدبره. وقوله تعالى: (إياك نعبد وإيك نستعين) هو ملخص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الدرس معنى العبادة الواردة فيها، وأنواع العبادة، وأخبار العباد الذين استظلوا بظلها، ومعنى الاستعانة وأقسامها.

شرح قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين)

شرح قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, حمداً يوافي نعماءه, والصلاة والسلام على معلم الخير وهادي البشر, الذي أتى بالكتاب المبين, والقرآن العظيم, والحبل المتين, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته ومع كتاب الله تبارك وتعالى, ومع هذه النعمة التي من الله بها على الأمة الإسلامية, يقول شوقي: آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جلال العتق والقدم أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ أتى على سفر التوراة فانهدمت فلم يفدها زمان السبق والقدم ولم تقم منه للإنجيل قائمة كأنه الطيف زار الجفن في الحلم أمَّا بَعْد: فكنا مع الفاتحة، ولا نزال معها أبداًَ إن شاء الله, يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:1 - 7] وصلنا في هذا الدرس إلى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. وهذا الدرس اسمه "في ظلال إياك نعبد وإياك نستعين" وهذه الكلمة هي ملخص لرسالته عليه الصلاة والسلام, لما أنزل الله الكتب السماوية: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن, جمعها في المفصل, ثم جمعها في الفاتحة, ثم جمعها في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وفي هذه الآية ثمان قضايا: الأولى: إياك بالتشديد أو بالتخفيف, وما الفرق بين إياك , واياك. الثانية: لماذا قدم الضمير فقال: إياك نعبد ولم يقل: نعبد إياك؟ الثالثة: لماذا جمع نعبد ولم يقل: أعبد؟ الرابعة: ما معنى العبادة؟ وما أقسامها؟ وما أقسام العباد؟ الخامسة: أنواع العبادة. السادسة: أخبار العباد، في رحلة شائقة مع العباد الذاكرين, والصائمين والمصلين, والقائمين الليل من السلف الصالح. السابعة: الاستعانة بقسميها الاثنين. الثامنة: الناس في العبادة والاستعانة أقسام, سوف أذكرها إن شاء الله.

(إياك) بالتشديد والتخفيف والفرق بينهما

(إياك) بالتشديد والتخفيف والفرق بينهما فتقرأ (إيّاك) بالتشديد, ومن قرأها (إِيَاك) فقد أخطأ خطأً بيناً, وقد ذهب بعض القراء إلى أنها تقرأ (إِيَاك) بالتخفيف وليس (إِيّاك) وهذا خطأ؛ لأن (إياك) هي الشمس, فمن أسماء الشمس: إياك, فإذا نطقها القارئ (إياك) فمعناها: الشمس نعبد, وهو خطأ في القراءة, بل لا بد من التشديد فتقول: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين, بالتشديد. وتغيير الحركات تقلب المعاني, ومن لم يتنبه إليها فإنها توصله إلى تغيير الألفاظ, بل وقع في تغيير بعض الكلمات أن أودت ببعض الرءوس, فبعض السلاطين كتب في كلمة له فقلبت الحركات والسكنات فأعدمت رءوس وأنفس؛ لأنها أزيلت حركات وسكنات, أما (إيّاك) فهي القراءة المطلوبة، التفت الخطاب هنا من الغائب إلى الحاضر, يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين) خطاب للغائب, (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) خطاب للغائب, (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) خطاب للغائب, (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) خطاب للحاضر المشاهد, وهو للتعظيم، وكأن المصلي يوم وجه وجهه إلى الله عز وجل كأنه يكلم ربه, ويناجيه, وهو الصحيح, وفي الحديث الصحيح: {إن أحدكم إذا قام يصلي فإنه يناجي ربه، فلا يبصقن أمامه} فأنت يوم تقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) تناجي ربك، وتخاطب مولاك جل وعلا.

لماذا قدم الضمير فقال: (إياك نعبد) ولم يقل: نعبد إياك؟

لماذا قدم الضمير فقال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ولم يقل: نعبد إيّاك؟ أما لماذا قدم الضمير فقال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ولم يقل: نعبد إيّاك؟ فللحصر والاهتمام, تقول: إيّاك أريد, ولا تقول: أريد إيّاك, فإذا قلت: إيّاك أريد فكأنك تنبهه أي: انتبه فإني أريدك أنت لا أريد غيرك, و (إيّاك أريد) وهي أبلغ عند أهل اللغة من: أريد إيّاك, وأقصر كتاب في التاريخ, كتبه خالد بن الوليد سيف الله المسلول, لـ عياض بن غنم وهو قائد آخر, يوم اجتمع على خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه أهل الباطل بالجيوش فضاقت على خالد بن الوليد بما رحبت, لكنه لجأ واستعان بالواحد الأحد. فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان فلما طوقته الجيوش أرسل لـ عياض بن غنم رسالة هي أقصر رسالة في التاريخ قال: (بسم الله الرحمن الرحيم, من خالد إلى عياض إيّاك أريد والسلام) يقول: أدرك الموقف, فهو موقف خطير, من خالد إلى عياض إيّاك أريد والسلام, وهو يوم قصّر الخطاب, معناه انتبه وأدرك وإلا لن تدرك, فنحن في مأزق, فهذا أقصر خطاب. وتقديم قدم (إيّاك) في الآية يقيد الاختصاص, أي: إيّاك نعبد وحدك, وإن قلت: نعبد إيّاك فربما يحتمل أن يكون مع الله معبود غيره, سبحان الله عما يشركون, لكنك إن قلت: إيّاك وحدك نعبد, إيّاك وحدك نستعين, وإيّاك وحدك ندعو, فهو للحصر والاهتمام.

لماذا جمع (نعبد) ولم يقل: أعبد؟

لماذا جمع (نعبد) ولم يقل: أعبد؟ إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يحب اجتماع الناس, ويحذر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من الفرقة, ويد الله مع الجماعة, قال سبحانه: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] وقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] وأمرنا بصلاة الجماعة, وهوّن عليه الصلاة والسلام من شأن صلاة المنفرد وحده, وذكر أن صلاة الجماعة تفوق على صلاة المنفرد بسبع وعشرين, والصلاة خلف الصف قال فيها صلى الله عليه وسلم: {لا صلاة لمنفرد خلف الصف}. فقول المصلين: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أي: جميعاً كلنا لك عبيد, أما إذا قلت: إيّاك أعبد, كأن فيها أنانية وانحياز, وكأن فيها انفراد, {وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية} وإذا خلا العبد خلا به الشيطان وذم عليه الصلاة والسلام في الإنفراد، وفي حديث في سنده نظر: {يا ثوبان إيّاك والكفور -أي: السكن في القرى- فإن ساكن الكفور كساكن القبور} , قال الإمام أحمد: [[الكفور هي القرى, لأن فيها وحشة, وبعد عن مجالس الخير والذكر, وعن العون على الطاعة]] ولذلك تجد البدو غالباً من أجهل الناس في الأحكام, قال تعالى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:97]. فإذا عُلم هذا فالله يحب الجمع, ولذلك كانت صلاة الجمعة ويوم عرفة من أفضل المواسم للدعاء وذلك لاجتماع الناس, وفي الحديث: {ما رئي الشيطان في يوم أغيظ ولا أدحر من يوم عرفة} , وابن القيم يقرر أن القلوب إذا اجتمعت كان ذلك سبباً من أسباب استجابة الدعاء, فاغتنم اجتماع الناس, ويكفي هذا الشعار: إيّاك نعبد أي: كلنا يا ربنا, قال أبو تمام في اجتماع المسلمين: إن كيد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالدِ وصح من حديث جابر قال: {كنا إذا نزلنا في غزوة تفرقنا تحت الشجر وتركنا أكبر شجرة للرسول صلى الله عليه وسلم, فأنذرنا عليه الصلاة والسلام وقال: ما لكم! اجتمعوا فكنا نجتمع حتى لو طرح البساط علينا لكفانا}. وفي حديث أنه عليه الصلاة والسلام دخل المسجد فوجدهم حلقاً, حلقة هنا, وحلقة هنا, وحلقة هناك, قال: {ما لي أراكم عضين -أو عزين- اجتمعوا} فجمعهم عليه الصلاة والسلام، وخرج أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الذي مزقت همته وعزيمته والعمل الصالح بخنجر الغدر. مولى المغيرة لا جادتك غادية من رحمة الله ما جادت غواديها مزقت كل إهاب حشوه همم في ذمة الله قاصيها ودانيها قل للملوك تنحوا عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها فدخل المسجد فوجدهم فرقاً، فجمعهم وراء أبي بن كعب سيد القراء. وأقف قليلاً مع سيد القراء, وقد ذكرته في مناسبات لكن لا بأس بذكره هنا: أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره كما المسك ما كررته يتضوعُ أبي بن كعب يقول عنه أهل التراجم: كان أبيض اللحية, أبيض الرأس من الشيب, أبيض الوجه, أبيض الثياب, أبيض القلب, {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35] , سبب بياض لحيته ورأسه أن الحمى اشتعلت في جسمه ثلاثين سنة, لكنه لم يتعطل عن جهاد ولا فريضة ولا عن حج, كان إذا اقترب منه الشخص وجد الحرارة, وكان لا ينام من الليل إلا القليل؛ لأن من بعد صلاة العشاء كانت تزوره الحمى, والحمى فيها حياء تستحي لا تزوره إلا في الليل, كما يقول المتنبي: وزائرتي كأن بها حياءً فليس تزور إلا في الظلام بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي فكان يسهر إلى الفجر, وكان عمر ينتبه له إذا ورد, وقال له أحد أهل العراق: من هذا الذي تنظر إليه إذا تكلمت يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: ثكلتك أمك, هذا سيد القراء أبي بن كعب. فجمعهم عمر وراءه في صلاة التراويح, فلما مر عمر وهو يقرأ بهم وهم يتباكون وقد استقاموا على العصي من طول قيامه, تبسم عمر وقال: [[نعمة البدعة هذه]] يعني البدعة اللغوية وليست البدعة الشرعية, فإن لها أصلاً في السنة, فإن الذي سنها هو الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي السير أن عمر مر وأبي يقرأ في التراويح, فسمع أبياً وقد ارتفع صوته بالبكاء في سورة الصافات: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:24 - 26] وكان عمر في جولة, فلماذا كان عمر يتجول؟ أيرتاح من صلاة التراويح؟ لا والله! لكنه كان يتفقد الأرامل والمساكين والأيتام والخصومة, ويرى حال المدينة ,كيف تنام العاصمة؟ أتنام على هدوء وسكون؟ أم هي قلقة؟! فلما سمع رمى العصا من يديه وانطرح على الأرض يبكي, وحُمِلَ على أكتاف الرجال وبقي شهراً مريضاً من هذه الآية رضي الله عنه وأرضاه. فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ولم يقل: إياك أعبد؛ لأن هذه فيها أنانية وانفراد, والله يحب الجمع، ويد الله مع الجماعة.

ما معنى العبادة؟

ما معنى العبادة؟ العبادة تطلق على معنيين: 1 - معنى العبادة اللغوي: وهي التذلل والخضوع والطاعة, يقال: طريق معبد أي: طريق مذلل, فتعبد: خضع وذل, وإنما سمي العبد عبداً؛ لأنه خضع وذل, قال الشاعر: أطعت مطامعي فاستعبدتني ولو أني قنعت لكنت حرا قال ابن تيمية: المأسور من أسره هواه، فهذا المقيد والمكبل, وليس المأسور الذي سجن في السجن، إن المأسور الذي قيده هواه من حب الشهوة والمعصية والجريمة, هذا هو المأسور الذي وضع الغل والحديد في يديه. إذاً العبادة معناها في اللغة: التذلل والخضوع والطاعة. 2 - معنى العبادة في الشرع: تطلق على معنيين في القرآن: على الدعاء وعلى مجرد العبادة, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] أي: عن دعائي, وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف:55] هذا هو المعنى الأول للعبادة أنها بمعنى الدعاء. والعبادة تشمل الدعاء وغيره من أنواع العبادات, وعند الترمذي: {الدعاء مخ العبادة} وهو حديث ضعيف، في سنده دراج أبو السمح , يروي عن أبي الهيثم , وأحاديثه ضعيفة عن أبي الهيثم , وإنما الصحيح: {الدعاء هو العبادة} وهذا عند الحاكم في المستدرك , فإذا رأيت الإنسان يكثر الدعاء, فاعلم أنه قريب من الله, وأن إيمانه كثير. قالوا عن إبراهيم عليه السلام في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود:75] قالوا: كان كثير الدعاء, وقالوا: كان يقول: أواه من ذنوبي أواه من خطئي أواه من تقصيري وإسرافي وقيل: كان يدعو الله دائماً: قائماً وقاعداً. دخل رجل على قيس بن سعد بن عبادة بن دليم , وهذا السند, سند الكرماء عند العرب, فـ قيس من أكرم العرب, وسعد من أكرم العرب, وعبادة من أكرم العرب, ودليم من أكرم العرب, ولم يجتمع في العرب أربعة من أكرم الناس إلا هؤلاء الأربعة. سندٌ كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمود يذكر ابن كثير: أن رجلاً دخل على قيس فوجد أصبعه السبابة لا تفتر, قال: تعشيت عنده, وسامرت معه, فلما أردت الانصراف سألته: ما حال أصعبك؟ قال: أدعو بها الله دائماً. ولذلك هداه الله سواء السبيل وكان من الموفقين في حياته. والذي يكثر من الدعاء لن يهلك أبداً, قال عمر: [[لن يهلك مع الدعاء أحد]] وقال أحد علماء الجزائر أيام الثورة في الجزائر: "رأيت عمر بن الخطاب في المنام فقلت: ما هي النجاة يا أبا حفص؟ فرفع يديه هكذا -أي: الدعاء-, وفي الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم: {أفضل العبادة انتظار الفرج} فلا تزال تدعو الله حتى يفرج الله كربتك. وفي الحديث الصحيح: {لا يقولن أحدكم: دعوت فلم يستحيب لي} أو كما قال صلى الله عليه وسلم, ولا يجوز لك في الدعاء أن تقول: اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت اللهم أصلحني إن شئت هذا خطأ, بل قل: اللهم ارحمني, يقول عليه الصلاة والسلام وهو حديث صحيح: {لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت, فإن الله لا مكره له، لكن ليعزم المسألة} , لكن يجوز لك في المواعيد أن تقول: آتيك غداً إن شاء الله, قال تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23 - 24] سوف ألقاك إن شاء الله, سوف أتصل بك إن شاء الله، أما في الدعاء فاعزم المسألة ولا تتردد، فإن الله لا مكره له.

أنواع العبادة

أنواع العبادة وهي تدور على أنواع كثيرة, لكن أكثر ما يذكر في القرآن والسنة أربعة أنواع: الصلاة, والصيام, والصدقة, والتلاوة. وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص كما في الصحيحين وكان عبد الله قد شدد على نفسه رضي الله عنه وأرضاه, فكان يقوم الليل كله, ويصوم النهار سرداً, فشكاه أبوه إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ فأرسل غليه، ثم نازله عليها حتى قال: اختم القرآن في سبع, وصم من كل شهر ثلاثة أيام, قال: أستطيع أكثر من ذلك, قال: صم يوماً وأفطر يوماً فهو صيام الدهر, وهو صيام داود عليه السلام}. قال ابن القيم في طريق الهجرتين كلاماً معناه أن للجنة أبواباً ثمانية، والعباد يختلفون بجهدهم وطاقاتهم, منهم من يستطيع الذكر, ومنهم من يقدر على الصيام, ومنهم من يفلح في الصدقة {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] فأنت أعرف بنفسك, وأفضل الناس من ضرب في كل غنيمة بسهم, مع الصائمين ومع المصلين ومع الذاكرين ومع المجاهدين ومع المتصدقين، قال تعالى: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21]. أما أنواع العبادة فهي كثيرة منها الفرائض ومنها النوافل, وهي تصل إلى السبعين, بل في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة , يقول عليه الصلاة والسلام: {خمس عشرة خصلة أعلاها منيحة العنز, ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها, وتصديق موعودها إلا أدخله الله الجنة} قال الراوي في البخاري: فعددنا فما وصلنا إلا إلى خمس، منها تبسمك في وجه أخيك, وإماطة الأذى عن الطريق, والكلمة الطيبة إذا نويت بها ما عند الله دخلت بها الجنة, فأعمال الخير كالأنفاس, وأفضل الأعمال بعد الفرائض ذكر الله عز وجل, وهو شبه إجماع كما قال ابن تيمية في المجلد العاشر من فتاويه.

أخبار العباد

أخبار العباد هذا الدرس سوف يكون أقرب إلى الآيات والأحاديث والسيرة منه إلى بعض الخلافيات, وإذا كان الأمر كذلك, فإن سير الصالحين أحسن ما يؤخذ في هذا الباب, وأنا أدل نفسي وإخوتي على مطالعة أخبار الصالحين كـ الأسود ومسروق وأحمد ومالك وابن المبارك , وهؤلاء الملأ بعد الصحابة كانوا في انقطاع مع الله عز وجل ومتبتلين له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وأنا إذا ذكرت نماذج فإني ألزم نفسي وإياكم أن تجعلوها على السنة, فإن وافقت فبها ونعمت, وإن خالفت فاعلموا أنه اجتهاد من أصحابها الذين يريدون الخير. 1 - الأسود بن يزيد: أما الأسود بن يزيد فهو عابد عراقي, عالم, صام حتى اخضر جلده, ودخل عليه العلماء ووعظوه، قال: أصوم قبل أن يحال بيني وبين الصيام وأخاف من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ:54] من يصوم عني إذا لم أصم؟! ومن يصلي عني إذا لم أصل؟! أي: إذا مات. 2 - محمد بن واسع: ومنهم محمد بن واسع الأزدي كان من أعظم عباد الله عز وجل, قربوا له متكأً ليتكئ, فقالوا: اتكئ, قال: لا يتكئ إلا الآمن، وأنا خائف لأني ما جزت الصراط إلى الآن. محمد بن واسع حضر معركة كابول مع قتيبة بن مسلم حاصر كابول التي ضاعت عندما ضاعت لا إله إلا الله, فلما طوقوا المدينة بمائة ألف, قال قتيبة بن مسلم وقد صفت الصفوف, وهبت رياح النصر, وتنزلت الملائكة من السماء، قال لجنوده: اذهبوا وابحثوا عن محمد بن واسع، أين هو؟ وماذا يفعل في هذه الساعة؟ فذهبوا إليه فوجدوه وقد صلّى صلاة الضحى وقد اتكأ على رمحه, ورفع سبابته إلى السماء؛ يدعو الله الواحد الأحد بالنصر, فرجعوا إلى قتيبة , فأخبروه، فدمعت عيناه, وقال: [[والذي نفسي بيده لأصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير, ومن مائة ألف شاب طرير]] ثم فتح الله عليهم بنصره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وبتأييده, ثم بدعاء هذا الرجل الصالح, فلما أتت الغنائم سلموا لـ قتيبة رأساً كرأس الثور من الذهب, فقال لوزرائه: أترون أحداً من الناس يسلم إليه هذا الذهب فيقول: لا؟ قالوا: لا نرى أحداً يسلم إليه هذا فيقول: لا! قال: والله لأُرينكم أناساً من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، الذهب والفضة أرخص عندهم من التراب, فدعوا محمد بن واسع فأتوا إليه وهو يصلي في خيمته, قالوا: ما لك تصلي في وقتٍ الناس فيه مشغولون بالنصر؟ قال: إن شغل النصر الشكر, فدعوه إلى قتيبة فأتى إلى قتيبة فقال قتيبة: خذ هذا, فأخذه, فتغير وجه قتيبة فقال لأحد جنوده: اذهب وراءه وانظر أين يضعه, ثم قال قتيبة اللهم لا تخيب ظني فيه, فمر فقير من المساكين يسأل فأعطاه محمد بن واسع كل هذا الذهب, فأعيد الفقير إلى قتيبة، وقال: أترون أنني أريتكم أن في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من عند الذهب والفضة أرخص من التراب! 3 - مسروق: ومنهم مسروق , أتى رجل إلى الإمام أحمد من طلبة العلم والحديث, فجهز له الإمام ماءً ليقوم الليل! قبل السحر فلم يقم, فقال له الإمام أحمد: لم لم تقم؟ قال: أنا مسافر, قال: طالب علم ولا يكون له ورد في الليل! سبحان الله! حج مسروق فما نام إلا ساجداً, مسروق بن الأجدع عراقي, من تلاميذ ابن مسعود الكبار, حج من يوم ذهب من العراق إلى أن رجع, كان إذا أتاه النوم توضأ واستقبل القبلة ونام وهو ساجد. وما عرف في العبادة مثله، منقطع النظير, حتى كانت ابنته تبكي بجانبه، وتقول: يا أبتاه هل قتلت أحداً؟ هل أخذت مال أحد؟ وهو يصلي ويبكي في الليل, فيلتفت ويقول: قتلت نفسي. 4 - أحمد بن حنبل: ومنهم أحمد بن حنبل صح عنه بأسانيد, أنه كان يصلي في كل يوم ثلاثمائة ركعة, قال ابنه عبد الله: فلما جلد كان يصلي مائة وخمسين ركعة. 5 - ابن المبارك: ومنهم ابن المبارك سئل كما في سير أعلام النبلاء: قال له رجل: ما رأيك أن أصوم يوماً وأفطر يوماً؟ قال: أنت تضيع نصف عمرك, صم الأيام كلها. ولكن السنة تحكم على هذا والقصد أوْلى, لكن انظر إلى همة هذا الرجل كان يصوم الدهر، ويقول للرجل: كيف تضيع نصف عمرك؟ تفطر يوماً وتصوم يوماً, صم الأيام كلها, هذا من العباد. 6 - عبد الغني المقدسي: ومنهم عبد الغني المقدسي كان يصلي في اليوم ثلاثمائة ركعة وهو يبكي, وكان كلما صلّى ركعتين رجع إلى الماء ليتوضأ فتتقاطر لحيته ويداه بالماء, قالوا: ما لك وأنت على وضوء؟ قال: أنا لا يطيب قلبي ولا ينشرح صدري إلا عندما أرى قطرات الماء تنسكب من على لحيتي, فهو يحب العبادة. سجنه السلطان في القدس وهو محدث الدنيا صاحب الكمال في معرفة الرجال B>>. سجن في القدس مع المساجين وكانوا من اليهود والنصارى فلما كان بعد صلاة العشاء, قام فتوضأ فقام يصلي من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر وهو يبكي, فلما أتى الصباح وقف اليهود والنصارى من المحبوسين مدهوشين مذهولين, فطرقوا الباب على الحارس, قال: ما لكم؟ قالوا: نريد أن نسلم, فذهب بهم إلى السلطان، فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, قال: ما لكم؟ قالوا: مرت بنا ليلة رأينا كأن القيامة قامت, قال: ولم؟ قالوا: حبس معنا عبد الغني المقدسي , فقام يصلي ويبكي فذكرنا لقاء الله فوقع الإسلام في قلوبنا, وهو ما تكلم بكلمة لكن بفعله. حضر السلاطين في مجلسه فقام يقرأ الحديث فقطعه البكاء, فأخذ المسجد يبكي, وبكى كثير من سلاطين الأكراد أسرة صلاح الدين الأيوبي , ونور الدين محمود , هؤلاء حضروا درسه, وكان درساً عاطراً هائلاً ما سمع في التاريخ بمثله. هذا من أخبار العباد, أو شيء من أخبارهم على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).

أقسام الاستعانة

أقسام الاستعانة هي قسمان: قسم جائز, وقسم محرم, فاستعانتك بالشخص هي على قسمين: قسم يحرم أن تستعين بالمخلوق لأنه ناقص وقاصر، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] فمثلاً إذا استعنت بالرجل تقول: استعين بك على أن تشافي ابني لأنه مريض, فقد أشركت بالله العظيم, وإذا قلت: أستعين بك على أن ترزقني, أو على أن تغفر ذنبي, أو على أن تنزل علينا الغيث فهذا هو الشرك, وهذا لا يتقبل الله عمل من فعل ذلك. وأما الاستعانة بما يستطيع عليه المخلوق فجائز, مثل قولك: أستعين بك أن تفتح لي هذا الباب, أو على أن تخيط لي هذا الثوب, أو على أن تبني هذا الجدار فلا بأس فيما يستطيعه المخلوق, أما ما لا يملكه إلا الخالق فمن استعان بالمخلوق فيه فقد أشرك بالله العظيم. ومن مثل ذلك, من يذهب إلى القبور فيستعين بالمقبورين, ويقدم لهم حوائجهم, ويشكو عليهم, فقد أشرك بالله العظيم, لأنهم لا يملكون ضراً ولا نفعاً, ولا موتاًَ ولا حياةً ولا نشوراً. أما الاستعانة بالله عز وجل ففي كل الأمور, وهو المستعان سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, في كثير من القصص كما قال في قصة يعقوب: {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18].

أقسام الناس في العبادة والاستعانة

أقسام الناس في العبادة والاستعانة أما الناس في العبادة والاستعانة فهم أقسام: القسم الأول: قسم يعبد الله ويستعين به فهؤلاء المؤمنون الكُمَّل. القسم الثاني: قسم يعبد الله ويستعين بغيره فهؤلاء فيهم نقص وفيهم معصية وذنب. القسم الثالث: قسم يعبد غير الله, ويستعين بالله, فهؤلاء المشركون. القسم الرابع: قسم يعبد غير الله, ويستعين بغير الله فهؤلاء كفرة ملاحدة, هذا أمر التقسيم وأحسنها من يعبد الله ويستعين به, فالله حصر الكلمتين لتبقى هاتان الكلمتان مبدأين للمؤمن, العبادة لله والاستعانة بالله, (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).

شرح قوله: (اهدنا الصراط المستقيم)

شرح قوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وفي هذه الآية مسائل: الأولى: الفرق بين اِهدنا وأهدنا, بعض الناس يقول: أهدنا والقراءة الصحيحة: اهْدِنا. الثانية: الهداية وأقسامها. الثالثة: ما هي أسباب الهداية. الرابعة: معنى الصراط. الخامسة: ما معنى المستقيم؟ السادسة: معنى الصراط المستقيم: معنى الجملة كلها. السابعة: مقتضى الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم.

الفرق بين اهدنا وأهدنا

الفرق بين اهدنا وأهدنا أما أهدنا فمن قرأها فقد أخطأ, ومعنى (أهدنا) أي: أعطنا هذا الشيء هديةً، مثل: (أهدني) هذا الثوب, فتقول: أهدنا أي: أعطنا أو امنحنا أو هب لنا الصراط المستقيم, وهذا ليس هو المقصود, يصح لك أن تقول: أهدني هذا الثوب، لكن لا تقول: اهدني هذا الثوب, لأن معنى اِهدني بالكسر، أي: دلني, فتقول: اهدني الطريق اهدني الشارع اهدني السبيل أي: دلني. فالكسر هي القراءة الصحيحة, وكثير من العوام يقرءون: أهدنا الصراط المستقيم, وهؤلاء أخطئوا، حيث أن معناها: أعطني, وهب لي، وامنحني, وهو ليس مراداً في هذه الآية، بل المراد: اِهْدِنا أي: دلنا وأرشدنا وسددنا ووفقنا (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ). إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور, قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122].

أقسام الهداية

أقسام الهداية والهداية قسمان: 1 - هداية الدلالة: وهي للرسول عليه الصلاة والسلام, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] أي: تدل الناس على الصراط المستقيم, يعني تبين للناس الصراط المستقيم, فهذه الهداية لا بأس بها, ولا بأس أن تقول: فلان يَهدي فلاناً أي: يدله ويرشده ويعلمه, وفلان هادٍ مهدي, أي: يهدي الناس إلى الطريق المستقيم, وقد هداه الله عز وجل. 2 - هداية التوفيق وهي خاصة بالواحد الأحد، فلا يهدي إلا الله، قال سبحانه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56] أبو طالب أراد عليه الصلاة والسلام أن يدله بهداية الدلالة, ولكن هداية التوفيق لم تمنح له, ما منحه الله هداية التوفيق, فقال الله لرسوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56]. بلال اهتدى بهداية الدلالة, وهداية التوفيق, فهداية التوفيق منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. إن ولدك قد تحرص عليه فتعلمه وتدرسه وتقوده وتنصحه فلا يهتدي, فأنت تدله لكنه لا يهتدي؛ لأنه لم يمنح هداية التوفيق, قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23]. فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جعل الهداية قسمين: دلالة وتوفيق, فالدلالة للبشر, والتوفيق له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] فهو الذي بيديه مفاتيح القلوب قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وقال: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5]. وأما أقسام الهداية في مسألة السلوك والأخلاق والعبادة, فأقسامها لا يعلمها إلا الله, وكل درجة والأخرى ما بين السماء والأرض, وفيها درجة واحدة ليست إلا لعبد, ولا تنبغي لأحدٍ إلا للرسول عليه الصلاة والسلام. ما معنى قولك في الصلاة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وقد هداك الله؟ أما هداك الله يوم أن أصبحت تصلي؟! أما هداك الله يوم أن أصبحت مسلماً؟! فما معنى قولك: اهدنا الصراط المستقيم؟ كيف تطلب الهداية وأنت مهتدٍ؟ A قال بعض الناس: إنه تعبدي, وليس فيه فائدة, وقد أخطئوا خطأً بيناً, بل الصحيح: أن معنى الآية زدني هداية إلى هدايتي, فإنك لا تزال تزاد كل دقيقة, وكل لحظة وكل يوم هداية حتى تبلغ ما كتب الله لك من الهداية, ومن استمر على النوافل والعبادة؛ والأذكار؛ زاده الله هدى, وزاده بصيرة وتوفيقاً وفتحاً, فمعنى اهْدِنا أي: زدنا هداية إلى الهداية, ولكنك لا تصل إلى درجة محمد صلى الله عليه وسلم ولا الأنبياء, وهي درجة واحدة يصل إليها صلى الله عليه وسلم والناس خلفه وبعده.

أسباب الهداية

أسباب الهداية فمن أسبابها: 1 - صدق اللجوء إلى الله الواحد الأحد: أن تصدق في قربك وقبولك ومحبتك لله؛ فيهديك الله, قال تعالى: (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) وقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا). 2 - قراءة القرآن الكريم بتدبر: فمن لم يهتدِ به فلا هداه الله, يتدبره ويعيه ويحفظ ما يستطيع منه, ويعمل به, وهذا من أهم أسباب الهداية العظيمة. 3 - مطالعة سنة المصطفى مطالعة مكثفة. 4 - التدبر في آيات الله الكونية والشرعية: بالتدبر في السماء والأرض, في الآيات الشرعية والكونية, وسوف يمر معنا شيء من هذا إن شاء الله في غضون آيات القرآن.

معنى الصراط المستقيم

معنى الصراط المستقيم معنى الصراط: هو الطريق. ومعنى المستقيم: هو الممتد الذي لا اعوجاج فيه, بعض الناس -كما سلف معنا- يأخذون قواعد هندسية من الصراط المستقيم, يقول: أقرب خط بين نقطتين الخط المستقيم, قلنا: والدليل؟! قالوا: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) , هذا لا يشير القرآن إليه. (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي: الطريق الذي لا اعوجاج فيه, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} [الكهف:1] أي: مستقيماً, وهو الصراط الذي أنعم الله به على النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً. وأما معنى الصراط المستقيم فقد قيل: الصراط المستقيم الإسلام, وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم, وقيل: القرآن, والصحيح: أنها تشمل كل هذا، والهداية للصراط المستقيم أن يهديك الله للإسلام, وفيه القرآن, والرسول عليه الصلاة والسلام, والسنة, فهذه كلها هي الصراط المستقيم.

اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم

اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم من علامة اهتدائك للصراط المستقيم, أن تخالف أصحاب الجحيم, لكن من هم أصحاب الجحيم؟ إنهم اليهود والنصارى وغيرهم, ولذلك لما ذكر الله الصراط المستقيم, ثم ذكر الذين أنعم عليهم، قال: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) فمن شابههم في زيه أو كلامه أو حركاته أو سكناته, فكأنه لم يهتد اهتداءً تاماً, ومن حاول أن يقلدهم في سنته, وسيرته وذاته, فكأنه لم يهتد اهتداءً كاملاً, ومن أعجب بهم وأحبهم ووالاهم فكأنه لم يهتد اهتداءً كاملاً, فعلامة المهتدي أن يخالف أصحاب الجحيم, هذا معنى الصراط المستقيم ومخالفة أصحاب الجحيم, وأحسن من كتب عنها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم " وذكر أنهم يخالفون في أمور منها: أعيادهم فلا نشابههم في الأعياد، ومنها: زيهم الذي امتازوا به عن الناس, مثل أن يلبسوا لباساً خاصاً بهم فحرام تقليدهم والتشبه بهم. وعند أحمد وأبي داود بسند صحيح عنه صلى الله عليه وسلم، قال: {من تشبه بقوم فهو منهم} ويدخل في ذلك التشبه بهم في كلامهم, ومن أحب لغتهم فإن فيه علامة النفاق, وفيها أثر لا يصح, ولكن قال ابن تيمية إن من ينطق لغتهم دائماً ويحبها ويقدمها على العربية فهو من علامة نفاقه وهذا واقع في المجتمع, تجد بعض الناس يحب أن يتكلم الإنجليزية ولو في داخل أبها , ليظهر على نفسه التطور, ويجافي اللغة العربية, وهذا من علامة النفاق, لأنه أحبهم وأحب لغتهم, ومن أحب شيئاً أولع به. أحب بني السودان من أجل حبها ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا حتى بني كلب وهم أخوالها أحبهم لأنه يحبها! فمن أحب شيئاً أحب ما يتبع هذا الشيء, ولذلك من يحب الله فإنه يحب المسجد والقرآن والرسول عليه الصلاة والسلام. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة:6 - 7] الصراط: مفعول به, الصراط. صفة للصراط, صراط: بدل من هم المستقيم, صراط الذين أنعمت عليهم, من الذين أنعم الله عليهم؟ كل من اهتدى فقد أنعم الله عليه, وكل مسلم أنعم الله عليه, ولكنهم يختلفون لأن المسلمين على ثلاثة أقسام: الأول: ظالم لنفسه: وهو مرتكب للكبائر. الثاني: مقتصد: وهو الذي يكتفي بالفرائض ولا يزيد عليها, وينتهي عن الكبائر, ولكنه قد يأتي ببعض المكروهات. الثالث: سابق بالخيرات: وهو الذي يأتي بالفرائض والنوافل, ويترك الذنوب والحرام والمكروه. فالثلاثة هؤلاء أنعم الله عليهم كلهم, لكن ليس المقتصد كالسابق, ولا الظالم كالمقتصد, بل هم درجات عند الله، فإذا علم هذا فدرجات المسلمين ثلاث درجات: - فهل الظالم لنفسه من الذين أنعم الله عليهم؟ نعم, من الذين أنعم الله عليهم بالإسلام جملة, ولم يخرجهم من نعمة الإسلام. لكن الخوارج قالوا: من ارتكب كبيرة فقد خرج من الدائرة, إذا زنى فقد خرج عندهم, إذا سرق, أو شرب الخمر, أو تناول بعض الكبائر, فإنه خرج! والصحيح أنه: لا يزال في دائرة الإسلام, وهو من الذين أنعم الله عليهم, لكن نعمته قليلة جداً, وضوءه ينطفئ, ونوره يذهب, لولا أن يتداركه الله برحمته, ولو أنه إذا زنى يرتفع عنه الإيمان؛ حتى يصبح كالظلة على رأسه, وإذا سرق يرتفع عنه الإيمان, {لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن, ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن, ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن} يرتفع الإيمان عنه في وقت شرب الخمر, أو الزنا, أو السرقة, حتى يصبح كالظلة على رأسه, فإذا رجع من المعصية رجع عليه الإيمان. - أما المقتصد: فهم أكثر الناس، يتوب ويستغفر ولكنه لا يسلم من الخطايا والصغائر. - أما السابق بالخيرات: لاتعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب فالسابق بالخيرات كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90].

مواقف من الذين أنعم الله عليهم

مواقف من الذين أنعم الله عليهم المنعم عليهم هم الذين أنعم الله عليهم بالهداية لا بالمال, والنعمة في القرآن قسمان: نَعْمة ونِعمة. فالنّعمَة: يشترك فيها المؤمن والكافر, فمثلاً: القصر نعمة يسكنه الخواجة والمسلم, والسيارة يركبها الخواجة والمسلم, الثوب يلبسه هذا وهذا! التفاح يأكله هذا وهذا , فهي دنيا يعطيها الله من يشاء, أما الإيمان فلا يعطيه الله إلا من يحب. دخل عمر رضي الله عنه وأرضاه حظيرة فيها إبل الصدقة, وإذا بإبل الصدقة كأنها الجوخ الأحمر من النعمة والسمن وضخامة الأجسام, فقال مولاه أسلم: صدق الله: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] قال عمر: [[كذبت قاتلك الله! ليست هذه الرحمة, فضل الله أن تعمل بنور من الله, ترجو ثواب الله, وأن تكف عن المعصية على نور من الله تخاف عقاب الله]] أو كما قال, هذه هي النعمة. ليست السعادة في جمع الأموال, وسكن الدور, ورفع القصور, وأخذ المرطبات والمشهيات والأكلات والسيارات, لا والله!! خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقا غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا قال معاوية بن أبي سفيان لأحد العباد: [[تدري ما هي السعادة؟ قال: لا, قال: رجل لا يعرفنا ولا نعرفه, أحسن عبادة ربه, له زوجة تطيعه, وله دابة تحمله, وله بيت يسكن فيه]]. وقال معاوية: [[أكلت كل لذيذ, وشربت كل مشروب -يعني من الحلال- ولبست كل لباس فما وجدت كالتقوى]]. وقيل لـ هارون الرشيد وقيل غيره: كيف وجدت الحياة؟ قال: وجدتها كبيت له بابان, دخلت من هذا وخرجت من هذا, وقيل للإمام أحمد: كيف وجدت الشباب؟ قال: والله ما وصفت الشباب إلا بشيء كان في كمي ثم سقط مني. وذكروا عن عابد من بني إسرائيل أنه عبد الله أربعين سنة, لا يفتر من صلاة ولا ذكر ولا دعاء, ثم أتاه زيغ من الشيطان فانحرف, فبقي في المعصية أربعين سنة, ثم نظر إلى صورته في المرآة فإذا هو قد أصبح شيبة كبيراً في السن؛ فصاح وقال: يا رب عبدتك أربعين, وعصيتك أربعين, هل إذا عدت إليك تقبلني؟ فناداه الله: أطعتنا فقربناك, وعصيتنا فأمهلناك, فإذا عدت إلينا أحببناك, فقال: أشهدك يا رب إني عدت إليك. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أوْلى بذا كرما قد شبت في الرق فاعتقني من النارِ تولى هشام بن عبد الملك الخلافة فأتي له بكل مطعوم ومشروب وملذوذ, كانت الجواري على رأسه, وكان له الخدم والحاشية والوزراء, فقال: والله من يوم أن توليتُ الخلافة ما مرّ بي يوم وسلمت من الهم والغم فيه, وقرر ذات يوم أن يختفي في حديقة قصره لينظر هل يأتيه خبر يزعجه من الصباح إلى المساء, وبينما هو في البستان إذا بسهم قد أتى وعليه ريش وفيه دم, فرفع السهم والريش وإذا رجل قد قتل وضرب السهم داخل الحديقة, قال: ولا يوم واحد!! -أي: لا أسلم ولو يوماً واحداً- ومن أراد أن يبحث عن هذه الأخبار فليبحث عنها في كتاب التذكرة لـ عبد الحق الإشبيلي ليرى العجب العجاب. قال إبراهيم بن أدهم: والله لو يعلم الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليه بالسيوف, أتت سكرات الموت عبد الملك بن مروان , فبكى وأبكى الناس, ونزل فسمع غسالاً يغسل -والغسال في واد حول قصر عبد الملك لا يعلم أن عبد الملك بن مروان مات, ومن أخبره؟ لم يقرأ الصحف ولا سمع الأخبار- والغسال هذا ينشد من راحته واطمئنانه, يعبد الله، له ما يكفيه وليس له هم ولا غم ولا ديون ولا رعية ولا مسئولية, فأخذ يستمر في النشيد, فسمع عبد الملك بن مروان ذلك فقال: يا ليتني كنت غسالاً, قال سعيد بن المسيب لما سمع هذه الكلمة: الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا في سكرات الموت ولا نفر إليهم. وقال المعتصم لما حضرته الوفاة: -ذكرها عبد الحق الإشبيلي - أنزلوني من على السرير, هل أموت اليوم؟ قالوا: نعم تموت, ثبت شرعاً أنه يموت, شهد عليه أربعة بالموت, فظن أنه سوف يأتيه خبر قبل أن يموت, قال: أنا شاب أأموت اليوم؟! قالوا: نعم تموت, قال: والله لو كنت لو أعلم أني أموت هذا اليوم ما فعلت ما فعلته من أمور, قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. دخل سالم بن عبد الله الحرم، فلقيه هشام بن عبد الملك فقال: يا سالم أتريد مالاً؟ أتريد حاجة؟ قال: أما تستحي من الله؟ قال: ولم؟ قال: تقول هذا الكلام وأنا في بيت الله؟ فلما خرج من الحرم عرض له هشام قال: أتريد حاجة؟ قال: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ قال: بل من حوائج الدنيا, قال: أما الدنيا فوالله ما سألتها من الذي يملكها فكيف أسألها منك! ومما يقول محمد إقبال: ومما زادني شرفاً وفخراً كدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا هذا هو الشرف, أن تكون عبداً لله, لأن الذي لا يكون عبداً لله، يكون عبداً لوظيفته ومنصبه، وحذائه وسياراته، ودرهمه وديناره. ذكر ابن كثير أهمية جانب الاعتزاز بالله عز وجل والركون إليه والرضا به والتشرف بخدمته، يقول: طاوس بن كيسان العالم النحرير, والمحدث الكبير, اليمني, كان مولىً من الموالي لكن رفعه الله بالتقوى والعلم والعمل الصالح، يقول: أتيت الحرم لأعتمر فطفت وصليت ركعتين, ثم جلست عند المقام أنظر إلى المعتمرين والطائفين والركع السجود, قال: وبينما أنا جالس في المقام، وإذا بجلبة السلاح والحراب والسيوف والرماح, فالتفت فإذا هو الحجاج بن يوسف!! فقال: فجلس ينتظر معه خدمه وحواشيه، قال: وإذا بأعرابي أتى من اليمن يطوف وعليه إحرام -وهذا الأعرابي لا يملك من الدنيا شيئاً, لكنه يملك قلباً فيه توحيد وعمل صالح وذكر وعبادة- فهذا الأعرابي بعد أن طاف أراد أن يدخل الصفوف، فتعلقت حربة من حراب الحجاج في قميصه فوقعت على الحجاج , فمسكه الحجاج , قال الحجاج: من أين أنت؟ -وطاوس يروي القصة- قال: من أهل اليمن -وعرف الأعرابي الحجاج , وظن الحجاج أنه لم يعرفه- قال: كيف تركت أخي محمداً؟ -أخوه محمد بن يوسف هو ظالم غاشم مثل الحجاج , لكن أقل منه بدرجة, قال تعالى: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:40]- قال: كيف تركت أخي محمداً وأهل اليمن؟ قال: تركته سميناً بطيناً, -يظن أنه سوف يقول: إنه يقوم الليل ويصوم النهار, قال: لست أسألك عن صحته لكن أسالك عن عدله؟ قال: تركته غشوماً ظلوماً, قال: أما تدري أني أنا الحجاج؟! قال: أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله؟! قال طاوس: والله ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت من هذه الكلمة, قال: فأطلقه الحجاج ولم يقل له شيئاً, فبقيت أنظر إليه بين المعتمرين وهو يطوف ويدعو: أي: إن كان أنت أخوه تحميه وتمنعه وتدافع عنه فـ {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:38].

أصناف الذين أنعم الله عليهم

أصناف الذين أنعم الله عليهم يقول الله سبحانه: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:6] لكن من هم الذين أنعم الله عليهم؟ ذكر الله في القرآن الذين أنعم الله عليهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، حيث قال: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69]. توفي عثمان بن مظعون فقبله عليه الصلاة والسلام ودمعت عيناه على خد عثمان، وبعد فترة توفيت زينب ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم, فقال لها وهو يودعها ويعانقها: {الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69]}. الذين أنعم الله عليهم في الحياة أربعة أصناف: الأول: النبيون وفيهم الرسل. الثاني: الصديقون, درجة أبي بكر الصديق , وهي أعظم الولاية وأعظم من الشهيد, يموت على فراشه، لكنه صدّيق ظاهره وباطنه سيان, أمين صادق محتسب يحفظ أنفاسه مع الله, أصبح عبداً لله، حركاته وسكناته وسمعه وبصره لله, ذاك أبو بكر الصديق. الثالث: الشهداء كـ عمر بن الخطاب وكـ أبي وحمزة وكـ علي وعثمان. الرابع: الصالحين, كل صالح إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهم أولياء الله، يعرفهم الله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63]. ففي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) فيها النعمة هنا: الإيمان والعمل الصالح, وهو أحسن ما عرفت به, وقيل: هي أن تعمل الطاعة على نور من الله ترجو رحمة الله, وأن تترك المعصية على نور من الله تخاف عذابه, وقيل النعمة: هي جعل المقصود الواحد المعبود، وعدم التأسف على المفقود إذا بقي الموجود، وهو فيه تكلف, والأحسن أن يقال النعمة: هي التقوى والإيمان والعمل.

شرح قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)

شرح قوله تعالى: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) غير هنا: استثناء, يعني نستثني الذين غضب الله عليهم, والذين أضلهم, (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) وفيها مسائل: الأولى: من هم المغضوب عليهم؟ الثانية: لماذا غضب الله عليهم؟ الثالثة: ما هي آثار غضبه سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليهم؟ الرابعة: من هم الضالون؟ الخامسة: ولماذا ضلوا؟ السادسة: ما هي آثار الضلال؟ السابعة: لماذا ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى الجنسين ولم يذكر غيرهما؟ الثامنة: مشابهة بعض هذه الأمة لليهود والنصارى.

من هم المغضوب عليهم

من هم المغضوب عليهم هم اليهود عليهم لعنة الله, وسموا مغضوباً عليهم؛ لأن من علمته شيئاً ثم خالفك غضبت عليه, ومن لم يتعلم منك شيئاً وعمل بجهلٍ فقد ضل, ومن خالف الشيء بعد أن يعرفه مغضوب عليه, ومن يعمل المعصية بدون أن يعرف الشيء فهو ضال, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن اليهود: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران:112] غضب الله على اليهود ولعنهم, وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] وقال سبحانه: {ثُمَ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74] وقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] وقال: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] وقال سبحانه تعالى عن علمائهم: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] وقال سبحانه عن عالمهم: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف:175] وقال سبحانه: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176] وقال سبحانه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} [المائدة:18] وقال سبحانه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] وقال تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران:181]. فالمغضوب عليهم هم اليهود, وسبب الغضب؛ لأنهم تعلموا ولم يعملوا, والتلميذ إذا أعطيته الواجب فلم يصنعه غضبت عليه, وتأتي إلى رجل آخر لم يحضر الدرس ولكنه خالفك، تقول: أنت ضال, فاليهود علموا فلم يعملوا, والنصارى عملوا بلا علم, وسوف يقع كما قال ابن تيمية من طوائف هذه الأمة من طلبة العلم من يعمل بلا علم وهو ضال, كعباد غلاة الصوفية يتعبدون بلا علم فهم ضُلال وفسقة، ومن يتعلم ثم لا يصلي ولا يصوم ولا يقرأ فهو مغضوب عليه, قال سفيان بن عيينة::"من فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى, ومن فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود". المغضوب عليهم هم اليهود, قال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {لتتبعن سَنن -أو سُنن- من كان قبلكم حذو القذة بالقذة, حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه, قالوا: اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: فمن؟} وفي لفظ: {فمن الناس إلا هم}.

لماذا غضب الله عليهم؟

لماذا غضب الله عليهم؟ لأنهم بدلوا الكلام وحرفوه عن مواضعه, ولم يعملوا به, فعطلوا الشرائع والحدود وغيروا, ولذلك وقع التغيير في الأمة في طائفتين: 1 - طائفة غيرت الأحكام, وهم كثير ممن ولاهم الله الأمر, فغيروا أحكام الله عز وجل ولم ينفذوها. 2 - وطائفة غيرت في الألفاظ, وأولت المعاني وهم المبتدعة من أشاعرة ومعتزلة وجهمية ويدخل فيهم المعطلة. فهؤلاء من الذين غيروا, وأولئك غيروا, فغضب الله عليهم بهذا.

ما هي آثار غضبه سبحانه وتعالى؟

ما هي آثار غضبه سبحانه وتعالى؟ 1 - قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) قالوا: من ترك شيئاً من الواجب المأمور متعمداً فقد استحق اللعنة, نعوذ بالله من ذلك. 2 - قال سبحانه: (وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) قست القلوب بسبب ترك المأمور وارتكاب المحذور. 3 - قال سبحانه: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) وهذا يقع في طوائف الأمة, فتجد بعض العلماء يحرف الفتيا ليرضي بعض الناس أو ليأخذ شيئاً من المال أو الوجاهة أو الصدارة, أو ليوافق طائفة من الطوائف فجزاؤهم اللعنة. 4 - قال سبحانه: (وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) قالوا: من لم يعمل بالواجب من علمه أنساه الله علمه, فلا يحفظ ولا يفهم, وأكثر ما ينسي العبد المعاصي, قال الشافعي: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصي

من هم الضالون؟

من هم الضالون؟ الضالون هم النصارى, قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] عبدوا الله بالجهل فضلوا وأضلوا, والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً ينزعه من العلماء ولكن بقبض العلماء, فإذا لم يبقِ عالماً؛ اتخذ الناس رءوساً جهالاً, فُسِئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا} وهؤلاء كالنصارى. ولِمَ ضلوا؟ لأنهم لم يتعلموا، بل عبدوا الله بلا علم, وبعض الناس الآن يهون من شأن العلم والحديث والفقه والتفسير؛ فيقع في الضلال فهذا فيه شبه من النصارى.

آثار الضلال

آثار الضلال قالوا: من آثار الضلال: البدع الكبرى, فبدع النصارى بدع عملية وبدع اليهود اعتقادية, قال ابن تيمية - في كلام ما-: بدع اليهود بدع اعتقادية وبدع النصارى بدع عملية ولو أنهم يشتركون, لكن هؤلاء أكثر ما يقعون في العمل, كـ غلاة الصوفية , وأما غلاة الجهمية والمعطلة ففيهم شبه باليهود, وغلاة الصوفية فيهم شبه بالنصارى, والرافضة أخذوا من هؤلاء وهؤلاء, ثم مزجوها فصارت ظلمات بعضها فوق بعض.

لماذا ذكر الله الجنسين ولم يذكر غيرهما؟

لماذا ذكر الله الجنسين ولم يذكر غيرهما؟ لأنهما أغلب جنسين في العالم، وغيرهما يندرج فيهما, وهما أهل كتابين, ولأن الله أرسل إليهما رسولين, ولأن الله أنزل عليهما كتابين، فذكرهما ولم يذكر غيرهما.

مشابهة بعض هذه الأمة لليهود

مشابهة بعض هذه الأمة لليهود هذا مجال كبير وطويل، وأحسن من كتب فيه ابن تيمية في كتابه: " اقتضاء الصراط المستقيم " وإنما أشير إلى أسس فيه, وإلى دلالات من المشابهة وإلا فالمجال لا يحتمل ذلك.

أوجه قراءة آمين ومعناها

أوجه قراءة آمين ومعناها قرئت: أمين, وهي قراءة ضعيفة, وقرئت: آمين.

معنى آمين وفضلها

معنى آمين وفضلها آمين معناها: اللهم استجب. فضلها: صح عنه صلى الله عليه وسلم عليه وسلم أنه قال: {إذا قال المسلم: آمين, وقالت الملائكة: آمين, فوافقت هذه هذه غفر له ما تقدم من ذنبه} , أي: وإذا قال الإمام: ولا الضآلين, قالت الملائكة: آمين فإذا وافقت أنت تأمين الملائكة غفر الله لك ما تقدم من ذنبك. قال بلال -في بعض الآثار ولكن في سنده نظر-: يا رسول الله لا تسبقني بآمين, وقيل: إن أحد المؤذنين قالها لـ عمر , قال: يا عمر يا أمير المؤمنين لا تسبقني بآمين, أي: أنا أرتب الصفوف فلا تبدأ الفاتحة ليقول الناس: آمين وأنا لم أدرك, ففضلها عظيم، خاصة إذا وافقت تأمين الملائكة.

حكم قول الإمام والمأموم: (آمين)

حكم قول الإمام والمأموم: (آمين) من السنة أن الإمام إذا قال: ولا الضالين, أن يقول: آمين, وبعض أهل العلم قالوا: يبدأ الإمام فيقول: آمين ثم يأتي الناس بعده فيقولون آمين, وهذا فيه ضعف -أي: أن يقول الإمام: ولا الضآلين, آمين فإذا سكت الإمام قال الناس: آمين, ويصبح هذا التركيب على آمين, فكأنه يقول: آمين اللهم استجب, وهم يقولون: اللهم استجب, وليس بصحيح- بل إذا قال: ولا الضالين, يقول مع الناس: آمين, وقد قال صلى الله عليه وسلم: آمين. فلا بد أن يقولها المأموم والإمام سيان.

الأسئلة

الأسئلة وقبل أن ننتهي هنا سؤال طريف:

قصيدة الأنباري في رثاء ابن بقية

قصيدة الأنباري في رثاء ابن بقية السؤال علوٌ في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزا من قائل هذه القصيدة ما هي القصة التي ذكرت فيها؟ A ذكر ابن خلكان وغيره من المؤرخين أن هذه من أجل القصائد في باب المراثي, وسببها أن ابن بقية أحد الوزراء العباسيين كان كريماً جواداً, بنى كثيراً من المساجد, وأعطى طلبة العلم وكان يضيف المساكين, فغضب عليه أحد السلاطين واسمه: عضد الدولة , فأتى بهذا الوزير فأنزله من قصره, ثم أعطاه الفيلة فرصعته فهوت عليه حتى مات, ثم نصبه على خشبة عند مدخل باب الطاق في بغداد عند نهر دجلة , فسمع العلماء بالخبر فساءهم كثيراً وحزنوا وبكوا ومروا يسلمون ويرون جثمانه, فوجدوه منصوباً في الصباح!! وجعل قبره على الخشبة, فقال أبو الحسن الأنباري -أحد الأدباء والعلماء الكبار- للوزير: علو في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات يقول: كنت عالياً في الحياة, واليوم كذلك أنت عالياً في الموت, لم يدفنوك من علوك؟ يعتذر له وهذا من أحسن ما يقال: علو في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات كأن الناس حولك حين قاموا وفود نداك أيام الصلات يقول: كأن الناس لما اقتربوا منك يسلمون عليك, كأنهم يريدون منك صلة مثلما كنت في الحياة. كأنك واقف فيهم خطيباً وهم وقفوا قياماً للصلاة مددت يديك نحوهم احتفاءً كمدها إليهم بالهبات ولما ضاق بطن الأرض عن أن يواروا فيه تلك المكرمات يقول: بطن الأرض لا تتحمل مكرماتك. أصاروا الجو قبرك واستعاضوا عن الأكفان ثوب السافيات عليك نفائح الرحمن تترى برحمات غوادٍ رائحات وهي من أجل ما قيل وهي من أعظم المراثي وهي طويلة. نكتفي بهذا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتسليماً كثيراً.

الطريق إلى الهداية

الطريق إلى الهداية إن الطريق إلى الهداية هي الطريق إلى الله عز وجل, وهي مطلب عظيم لا يناله إلا أهل التوفيق والسداد, والعبادة، وهي أعظم الطرق المؤدية إلى الله عز وجل. ومن النماذج الساطعة في البحث عن الهداية: سلمان الفارسي رضي الله عنه، في قصة تنقله من عابد إلى عابد إلى أن لقي الرسول صلى الله عليه وسلم وآمن به. وممن بحثوا عن الهداية ونالوها: معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي كان كثير الملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

الطريق إلى الله تعالى

الطريق إلى الله تعالى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71] اللهم صلِّ وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حسبي وحسب المعاني حين أهديها أني إلى ساحة الأبرار أهديها يا رب هب لي بياناً أستعين به على حقوق العلا قد نام راعيها الطريق إلى الله عز وجل هو طريق الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، والله تبارك وتعالى ما خلق الخلق إلا ليعرفهم الطريق إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:56 - 57] والله تبارك وتعالى ما أرسل الرسل، ولا أنزل الكتب، ولا شرع الشرائع، ولا جعل يوم القيامة، ولا نصب الميزان ومد الصراط إلا ليعرّف بنفسه تبارك وتعالى. وقد عَرَّف بنفسه تبارك وتعالى يوم كلمه موسى عليه السلام فقال تبارك وتعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:14 - 15] فهذا أعظم تعريف لله تبارك وتعالى عند أهل السنة والجماعة؛ أنه الله الذي لا إله إلا هو. والله عز وجل يوم أرسل رسولنا عليه الصلاة والسلام؛ دل الخلق على ربه، فكان يدعو إلى (لا إله إلا الله) وهي أعظم طريق موصلة إليه، ولا ينال ما عند الله تبارك وتعالى بمال ولا بمنصب ولا بجاه ولا بولد وإنما ينال بالعبادة.

العبادة هي الطريق إلى الله

العبادة هي الطريق إلى الله إذاً: نتفق جميعاً كما اتفق أهل العلم أن أعظم الطرق إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى طريق العبادة، ويوم يمدح الله تبارك وتعالى أنبياءه ورسله يقول: {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:73] ويقول عن زكريا لما أصلح له زوجه: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] ولما أراد أن يشرف رسوله عليه الصلاة والسلام, ما قال له أيها الهاشمي! ولا قال له: يا أبا القاسم! ولا قال: أيها الرسول! ولا قال: أيها النبي إلا في مواطن، لكن في مواطن التشريف كالإسراء قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1] وفي موقف الإنذار قال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19] وفي موقف إبلاغ القرآن إليه قال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:1 - 2].

أقرب الناس من الله أكثرهم عبادة

أقرب الناس من الله أكثرهم عبادة وأقرب العباد من الواحد الأحد أكثرهم عبادة، وأبعدهم منه أكثرهم معصية، وقف ثلة من الصحابة على باب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يستأذنون يوم الندوة، يوم المؤتمر الذي يعقده أمير المؤمنين كل سنة، وأردوا الدخول فمن هم هؤلاء الثلة؟ وما هي مواصفاتهم؟ وما هي مؤهلاتهم التي يدخلون بها على عمر بن الخطاب؟ هم أبو سفيان بن حرب قائد قريش في حروبهم مع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؛ من بني عبد شمس، أسرته من أرقى أسر العرب في النسب، وسهيل بن عمرو خطيب العرب، والحارث بن هشام وقف هؤلاء الثلاثة وبجانبهم بلال بن رباح , العبد، المولى، الرقيق، الحبشي، وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وابن مسعود الراعي, فطرقوا الباب مستأذنين في دار القضاء. ودار القضاء حول المسجد النبوي، لا يحضرها إلا جلة الناس، وكبراؤهم وعلماؤهم في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، كان يدخل أقرب الناس من الله، فيدخل بقية العشرة، ثم يدخل أهل بدر على منازلهم، ثم يختار من الناس. فخرج الحاجب وقال: من بالباب؟ فقال أبو سفيان: أخبر أمير المؤمنين أنَّا هنا. قال: من أنتم؟ فعدوا له أسماءهم؛ فعاد إلى عمر وأخبره، قال: ائذن لـ بلال بن رباح فليدخل، ثم قال: أدخل صهيباً، فدخل. ثم قال: أدخل سلمان؛ فدخل. ثم قال: أدخل ابن مسعود فدخل. ثم لما أدخل هؤلاء قال أبو سفيان -وقد اشتد غيظه-: والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت أنه يطول بي حتى يدخل هؤلاء الأعبد قبلي على عمر بن الخطاب. لماذا؟ لأنه يزن الأمور بميزان الجاهلية، لا زال في ذهنه وظر من أوظار الجاهلية، أما عمر رضي الله عنه وأرضاه فإنه يزنهم بالكتاب والسنة، فقال سهيل بن عمرو وكان عاقلاً: يا أبا سفيان! والله ما علي من باب عمر ومن إذن عمر، ولكن أخشى أن يدعون يوم القيامة فيدخلون الجنة ونترك، إنهم دعوا فأجابوا وأبطأنا، وعرفوا وأنكرنا، وتقدموا وتأخرنا. فانظر كيف جعل عمر رضي الله عنه وأرضاه مؤهلات الناس بتقوى الله عز وجل ليس إلا! ولو كانت القيم تقاس بقانون هتلر أو نابليون أو لينين أو ماركس لكان لـ بلال مواصفات أخرى لأنه أسود، لكن عمر رضي الله عنه وأرضاه في دولته ما ارتضى هذا، رأى أن بلالاً ينبغي أن يقدم على هؤلاء جمعياً؛ لأنه كان سابقاً إلى الإسلام. هل نسي المسلمون كلمة "أحد أحد" يصهر على الرمال، ويضرب، ويسحب، ويجلد، ويقولون له: تنازل عن معبودك فيقول: أحد أحد. أحد رميت بها بكل معطل تشفي بحول الله قلب معلل فلهذا كان هذا الرجل مقدماً لأنه عرف الطريق إلى الله. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه فقال: {دخلت الجنة البارحة فسمعت دفي نعليك يا بلال! -أي: خشخشة الحذاء- فماذا تصنع؟ قال بلال رضي الله عنه وأرضاه: والله يا رسول! الله ما كنت كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة, ولكن ما توضأت وضوءاً في ليل أو نهار إلا صليت بعده ركعتين}. ما قال: لأنني ذو مال أو ولد أو منصب أو جاه, فلا جاه ولا ولد ولا منصب ولا مال، جاهه تقوى الله، ومنصبه لا إله إلا الله، وزاده لا حول ولا قوة إلا بالله، ومركبه آمنت بالله، وهو نداء الحق الذي يبعثه من منائر المسلمين، ويقع في الآذان التي تريد أن تحيا، هذا هو القريب من الله عز وجل.

سلمان رضي الله عنه الباحث عن الحقيقة

سلمان رضي الله عنه الباحث عن الحقيقة يوم أتى سلمان الفارسي يبحث عن النور وعن الطريق إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى, كان في أرض فارس المجوس عبدة النار، الذين ما أطفأ نارهم إلا محمد صلى الله عليه وسلم. أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا هذا الرجل كان يسجد للنار من دون الله، والعقل إذا لم يعرف الله ضل، والقلب إذا لم يهتدِ إلى الله عز وجل أصبح قلباً رخيصاً سافلاً حقيراً لا يساوى فلساً واحداً. فأراد أن يهتدي، ورأى بعض النصارى يقومون بطقوسهم الدينية فذهب إليهم فأعجبه دينهم، لأن دينهم أرفع قليلاً في المستوى من دين المجوسية -وبعض الأديان خير من بعض- فذهب إلى راهب فدله ذاك الراهب في قصة طويلة على راهب آخر، والآخر على آخر، وقبل أن يتوفى الراهب قال له سلمان رضي الله عنه وأرضاه: إنني صحبتك ورأيت فيك الخير فإلى من توصي بي؟ هل تعرف في الأرض رجلاً صالحاً توصي بي إليه؟ فقال هذا الراهب: ما أعلم اليوم على الأرض من رجل صالح إلا نبياً سوف يبعثه الله عز وجل، أظلك زمانه -أي: قرب حينه- فإذا سمعت به فالحق به، فهو في أرض ذات حرة سوداء وذات نخل. وركب سلمان رضي الله عنه وأرضاه مركب التوفيق، يوم سمع الله أكبر يُهتف بها من مكة، يوم يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] حتى يقول بعض المفكرين: سبحان الله! الرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام تعلن عالميتها من مكة وهو لم يكن عنده إلا شيخ واحد هو أبو بكر، ومولى وهو زيد بن حارثة، وامرأة وهي خديجة، وصبي وهو علي! ويقول الله له: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] ولما سمعها كفار مكة ضحكوا وقالوا: أي رحمة وهم لا يجرؤ أحدهم أن يبول خوفاً من سيوفنا؟! لكن بعد عشرات السنوات أصبحت أعلام لا إله إلا الله على مشارف أسبانيا وعلى ضفاف نهر السند وفي جنوب أفريقيا، سرت هذه الدعوة؛ لأنها رحمة للعالمين. فأتى سلمان ونزل في المدينة , وهو لا يريد المال فعنده المال، وأبوه من أغنى أغنياء الدنيا, لكنه يريد الطريق إلى الله، يريد توفيق الله، يريد أن ينقذ نفساً حملها بين جنبيه، والرسول عليه الصلاة والسلام يوم أتاه عمه - كما في الحديث الحسن- العباس بن عبد المطلب قال: {يا رسول الله! أريد إمارة -أي: أنه يريد أن يتولى إمارة- لأنك وليت فلاناً وفلاناً. فقال له: يا عباس! يا عم رسول الله! نفس تنجيها ولا إمارة تحصيها}. أعظم ما يمكن أن تنفع نفسك في الحياة الدنيا أن تنجو من غضب الله ولعنته وسخطه، فوصل سلمان رضي الله عنه وأرضاه إلى المدينة وعرف الحرتين ورأى النخل, وكان يتوقع وصول الهادي عليه الصلاة والسلام ليعرض نفسه على الطبيب؛ لأنه مرض من المشارب، ومن الملل والنحل، ومن الشركيات والانحراف والتقليد، فلما وصل كان من أعظم العلامات التي أخبر بها سلمان ثلاث علامات في الرسول صلى الله عليه وسلم: أولها: أنه لا يقبل الصدقة ويقبل الهدية، انظر إلى هذه النفس التواقة الشريفة، نفس مرتفعة، الصدقة هي أوساخ الناس، وهي تطهير لأموال الناس وأعراضهم، فما قبلها ولا يقبلها عليه الصلاة والسلام، وفي صحيح البخاري أنه رأى عليه الصلاة والسلام الحسن بن علي -ابن بنته فاطمة - يأكل تمرة من تمر الصدقة فقال له: {كخ كخ _أي: اتركها- أما تعلم أنه لا تحل لنا الصدقة؟} طفل صغير يريد أن يربيه على الحلال فيقول له: كخ كخ، هذا لا ينبغي لنا، نحن بيت نربى على طاعة الله وعلى الحلال الصرف، فمن مواصفاته عليه الصلاة والسلام أنه لا يقبل الصدقة ويقبل الهدية. ثانيها: أن بين كتفيه خاتم النبوة عليه الصلاة والسلام، فأتى سلمان رضي الله عنه وأرضاه وذهب إلى النخل وأتى بشيء من الرطب وتقدم به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في أصحابه, فقال: هذه صدقة أتصدق بها عليكم، فكف صلى الله عليه وسلم يده وأكل أصحابه، وفي اليوم الثاني أتى برطب فقدمه وقال: هذه هدية أهديها لكم؛ فأكل عليه الصلاة والسلام. وذهب صلى الله عليه وسلم يشيع جنازة فرأى سلمان خاتم النبوة بين كتفيه، فجعل يقبل ذلك الخاتم وشهد أن لا إله إلا لله وأن محمداً رسول الله، وبعد أيام ليست بطويلة يقول عليه الصلاة والسلام: {سلمان منا آل البيت} أصبح ذلك المولى الفارسي الفقير المسكين من بني هاشم بالتقوى، والزهد، والعبادة، والإقبال على الله! جلس سلمان رضي الله عنه وأرضاه -بعد أن عرف الطريق إلى الله- مع قوم من العرب، فقالوا لبعضهم: انتسبوا. فيقول الأول: أنا تميمي، ويقول الآخر: أنا غطفاني، ويقول ذاك: أنا فزاري، فقالوا لـ سلمان: وأنت ممن أنت؟ فقال: أبي الإسلام لا أبَ لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم وهذا هو الفخر العظيم لـ سلمان رضي الله عنه وأرضاه. وبقيت حياته على وتيرة من الزهد والصدق والعفاف، ويوم تولى عمر رضي الله عنه وأرضاه كان لا يعرف الرجال بالطول ولا بالعرض، ولا يعرفهم بالأسر ولا بالمناصب, بل يعرفهم بتقوى الله، حتى إنه يقول لبعض الأمراء: تول ولاية كذا وكذا. فيقول: اعفني يا أمير المؤمنين! قال: والله لتتولينها فإني رأيتك في الليل تصلي وتبكي ولا يراك إلا الله. هذه هي المؤهلات عند عمر بن الخطاب، وكان رضي الله عنه وأرضاه يحاسب أمراءه وهو في عرفات , يحاسب أمراء الأقاليم على الدنيا فكان يقول: يا أيها الناس! والله ما بعثتكم لضرب أبشار الناس ولا أجسادهم, وإنما بعثتكم رحمة للناس. يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه وهذه فعلها واحد من أحفاده وهو عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد، جلس في الأيام الأُول من خلافته في السرادق -الإيوان أو الديوان- فأتى الناس وفوداً يسلمون عليه ويخرجون من الباب الآخر, فدخل ثلاثة شباب في عنفوان الصبا وفي زهرة الفتوة فجلسوا على الكراسي؛ فالتفت إليهم أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الزاهد فقال: أبناء مَن أنتم؟ قال الأول: أنا ابن الوالي الذي كان والياً لـ عبد الملك بن مروان على البصرة؛ فسكت عمر بن عبد العزيز؛ لأن هذه لا تذهب عنده كثيراً، وقال للثاني: وأنت ابن مَن؟ قال: أنا ابن أحد قواد الجيش الذين كانوا مع الوليد بن عبد الملك؛ فسكت، وقال للثالث: وأنت ابن مَن؟ وهو ابن قتادة بن النعمان الأنصاري , الذي ضربت عينه يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسالت على خده فردها صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة قال الفتى: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد فبكى عمر بن عبد العزيز والتفت إليه وقال: تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالاً يقول: من أراد أن يفتخر فليفتخر بمثلك؛ لأن فخرك بالإسلام، وبالخدمة وبالجهاد في سبيل الله، وبرفعة لا إله إلا الله.

سلمان يتولى إمارة الكوفة

سلمان يتولى إمارة الكوفة فهذا سلمان الذي عرف الطريق إلى الله، ولاه عمر بن الخطاب على الكوفة , فذهب وخرج أهل الكوفة لاستقباله لما سمعوا بقدومه، وظنوا أنه سوف يأتي في حشد عظيم عرمرم من الناس، فأتى على حمار! نعم، يركب الحمار وتحته حلس وبيده عضو من لحم ينهشه نهشاً لأنه جائع، فتقدم إليه أهل الكوفة وقالوا له: هل رأيت سلمان الفارسي الذي أرسله عمر إلينا قال: أنا سلمان الفارسي. قالوا: لا تضحك علينا، لا تستهزئ بنا. فقالوا مثل ما قالت بنو إسرائيل حين قالوا: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة:67] الوقت ليس وقت مزح. لماذا؟ لأن أهل العراق كانوا مجاورين للدولة الفارسية ذات القصور الشاهقة التي كانت تموه بالذهب والفضة، ذات الكنبات والديباج والإستبرق والطنافس، كان ظن أهل الكوفة أن الدين دين زينة ومظاهر, لكنه قال: نحن جئنا ببساطة وحياتنا للأرواح, وجئنا لرفع مستويات القلوب، فنزل معهم أميراً, فكان يعطيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عطاءه -راتبه- فيوزعه ثلاثة أثلاث: ثلث له، وثلث يهديه، وثلث يتصدق به.

وفاة سلمان رضي الله عنه

وفاة سلمان رضي الله عنه وفي الأخير حضرته الوفاة وهو أمير, فأتوا ينظرون إلى ميراثه فإذا هو شملة وعصا وصحفة! شملة يفترشها له ولضيوفه ويجلس عليها في محكمته، وعصا يتوكأ عليها ويخطب عليها ويحتمي بها، وصحفة يأكل فيها ويغتسل ويتوضأ بها؛ فبكى سلمان وهو في سكرات الموت. فقالوا: ما لك تبكي؟ قال: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لنا: {ليكن زاد أحدكم من الدنيا كزاد الراكب} ونحن أكثرنا من الدنيا. قالوا: غفر الله لك وأي إكثار من الدنيا؟! قال: أتتهاونون؟ إني أخاف أن أسأل يوم القيامة عن هذه الشملة والعصا والصحفة!! رضي الله عنهم وأرضاهم، هؤلاء هم الذين عرفوا الطريق إلى الله.

معاذ وسؤاله العظيم للنبي صلى الله عليه وسلم

معاذ وسؤاله العظيم للنبي صلى الله عليه وسلم جاء عند الترمذي بسند حسن -والحديث بمجموع طرقه يصل إلى درجة الصحيح- عن معاذ رضي الله وأرضاه, وهو الداعية الكبير، قدوة كل شاب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، معاذ الذي كان له المنصب العالي في حياته عليه الصلاة والسلام، والذي أرسله صلى الله عليه وسلم داعية إلى أهل اليمن فهدى الله به الأرواح، ويوم ودع الرسول عليه الصلاة والسلام ذاهباً إلى اليمن بكى، وهذه القصة أوردها الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة معاذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {ما لك تبكي يا معاذ؟ قال: يا رسول الله أبكي لفراقك. قال: لا تجزع فإن الجزع من الشيطان، يا معاذ! اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن، يا معاذ! اذكر الله عز وجل عند كل شجر وحجر ومدر}. يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدنت راحلتي من راحلته. أي: اقترب منه وهم في السفر، فخلا له الجو بسيد الخلق عليه الصلاة والسلام، وتصور أنت في نفسك أنك في جمع عظيم، وفي جيش عرمرم جرار، وفي ألوف مؤلفة من الناس، ثم تخلو برسول الهدى صلى الله عليه وسلم في الطريق أنت وهو! فلما خلا معاذ رضي الله عنه وأرضاه برسول الهدى صلى الله عليه وسلم أراد أن يسأله أعظم سؤال, ومن أعظم الأسئلة في تاريخ الإنسان، وأهل الدنيا يسألون للدنيا, وأهل الجاه يسألون للجاه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. اقترب معاذ من الرسول صلى الله عليه وسلم، ودنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم, وأخذها فرصة ثمينة غالية، وكان بإمكانه أن يسأله الإمارة, أو أن يؤتيه منصباً أو أن يمنحه مالاً, لكنه رفض ذلك كله، وما سأله إلا عن سؤال عظيم في الآخرة؛ لأن الناس أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فمنهم من سأله المال فأعطاه صلى الله عليه وسلم المال، ومنهم من سأله المنصب فأعطاه المنصب، ومنهم من سأله أعراضاً أخرى فأعطاهم عليه الصلاة والسلام: {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:20 - 21]. خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوزع غنائم حنين , وكانت -كما يقول أهل السير- أربعة وعشرين ألف رأس من الغنم، وسبعة آلاف رأس من الإبل غير البقر والذهب والفضة، فما سأله أبو بكر ولا عمر ولا معاذ ولا أبو هريرة ولا أُبي إنما أتى الذين كانوا حديثي عهد بالإسلام يسألون، لا زالت قلوبهم فارغة من التوحيد ومن الإيمان ومن الذكر ومن العمل الصالح. أتى حكيم بن حزام فقال: يا رسول الله! أعطني. فقال: أترى الغنم التي بين الجبلين؟ قال: نعم. قال: هي لك، فأخذها. وأتى في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله! أعطني. قال: خذ, فأعطاه مائة ناقة. وفي اليوم الثالث ظنها فرصة ويظن أنها لفضله, فجاء وقال: أعطني يا رسول الله! فأعطاه مائة ناقة، وفي اليوم الرابع قال: أعطني يا رسول الله! وكان من أغنى أغنياء مكة، يكسو الكعبة سنة وأهل مكة يكسونها سنة! فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم وقال: يا حكيم! إن هذا المال حلوة خضرة، واليد العليا خير من اليد السفلى. فقال: والله يا رسول الله! لا أرزأ بعدك أحداً من الناس. أو كما قال. أي: لا أطلب مالاً أنقصه على أحد من الناس بعدك، حتى عطاؤه ما كان يسأله من أحد من الخلفاء، فكان أبو بكر يعطيه العطاء فيقول: لا، وكان عمر يعطيه فيقول: لا، فيقول عمر رضي الله عنه: أشهدكم أيها الناس أن حكيماً دفعت له عطاءه فأبى ذاك العطاء. فالمقصود أنه أتى معاذ وهو من العلماء النبلاء، وفي حديث سنده حسن أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {معاذ قائد العلماء يوم القيامة برتوة} وفي لفظ: {يدخل أمام العلماء يوم القيامة برتوة} والرتوة رمية الحجر، أي أن علماء الأمة الإسلامية إذا اجتمعوا يوم العرض الأكبر، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم, يكون قائدهم معاذ رضي الله عنه وأرضاه، يمضي قبلهم حتى يدخل الجنة. قال معاذ: {يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار -لا فض فوك، ما أحسن هذا المقال! وما أحسن هذا السؤال! - فقال عليه الصلاة والسلام: لقد سألت عن عظيم} هذا السؤال من أعظم الأسئلة في تاريخ الإنسان؛ ولذلك جعل أهل العلم هذا الحديث من أصول أحاديث الأعمال، وأتى به النووي في الأربعين النووية، وتكلف كثير من العلماء في شرحه، وقاموا بتوضيحه للناس وهو وصية أهديها لنفسي وإليكم جميعاً. قال: {لقد سألت عن عظيم! وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً, وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت} هذا هو الإسلام، هذا السطر هو مفهوم رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس فيه ألغاز ولا مشكلات ولا تصفيف كلام {تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة -أي: وقاية من العذاب ومن النار والعار والدمار- والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا عليه الصلاة والسلام {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16] حتى بلغ {يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: فأخذ صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه ثم قال: كف عليك هذا. قلت: يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! -أي: فقدتك أمك لا تفهم هذه المسألة، وهو دعاء عند العرب لا يراد منه إمضاء هذا الدعاء ولا إيقاع هذا الدعاء بالمدعو عليه- وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم} -وفي لفظ آخر: {وهل يكب الناس في النار على مناخرهم أو على أنوفهم إلا حصائد ألسنتهم}. هذا السائل عن طريق الجنة أجابه الرسول عليه الصلاة والسلام بهذه الإجابة، والطريق إلى الله عز وجل يكمن في هذا الحديث {تعبد الله لا تشرك به شيئاً} ولذلك كان يوصي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس.

عبادة الله وعدم الشرك به

عبادة الله وعدم الشرك به وعند ابن حبان بسند صحيح, أن أبا ذر رضي الله عنه وأرضاه قال: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثمان، من هذه الثمان: أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً ولو قطعت ومزقت وحرقت}. والتقطيع والتمزيق والتحريق أهون والله من الشرك بالله، ولذلك كان يوصي به صلى الله عليه وسلم الناس دائماً. وعند مسلم في صحيحه , أن الرسول عليه الصلاة والسلام سمع رجلاً في جوف الليل يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله. فقال: {نجوت من النار ورب الكعبة} لأنه قالها مخلصاً من قلبه, أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف أن ذلك الرجل سوف يقوم بمؤدى لا إله إلا الله، وإلا فلا إله إلا الله وحدها لا تكفي إلا بعمل. عند البخاري في الصحيح أن وهب بن منبه قال: لا إله إلا الله كالمفتاح والفرائض كالأسنان، فأنت إذا جئت بالمفتاح بأسنان فتح لك الباب (الجنة) وإذا أتيت بمفتاح بلا أسنان لم يفتح لك الباب. فلا إله إلا الله محمد رسول الله هي من أعظم ما أوصى بها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم الناس، ورسالته تكمن في هاتين الكلمتين، قال ابن القيم: " هي تجريد العبودية لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ". فالعبودية لله بلا شرك, والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ألا تجعل لك قدوة مع الرسول صلى الله عليه وسلم غيره من الناس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. وضمام بن ثعلبة كما جاء في الحديث المشهور, وهو يكرر دائماً لعظمه، ولذلك أورده البخاري في كتاب العلم, ومسلم في كتاب الإيمان، وشرحه الشراح, واعتنى به أهل العلم من أهل التصنيف: كان عليه الصلاة والسلام جالساً بعد صلاة العصر, فوفد ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر على راحلته فقال: أين محمد بن عبد المطلب؟ هو ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم، لكنه تجّوز إلى جده؛ لأن جده أشهر في العرب من أبيه، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم يوم حنين: {أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب}. قالوا له: هو ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق, فتخطى الصفوف وأخذ ينادي: يا بن عبد المطلب. أتى على حاله من البادية، وأهل البادية أهل جفاء إلا من رحم ربك، أتى بأحذيته يتخطى الصفوف, يضرب هذا ويصفع هذا ويرد هذا ويقول: يا محمد، يا بن عبد المطلب ولم يقل: يا رسول الله! والله يقول: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63] فلما اقترب قال عليه الصلاة والسلام: نعم. قال إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد عليّ -يقول: سؤالي صعب وشديد وشاق فلا تغضب علي- قال: سل ما بدا لك. قال: يا رسول الله! من رفع السماء؟ قال: الله. قال: من بسط الأرض؟ قال: الله. قال: من نصب الجبال؟ قال: الله. قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ وكان صلى الله عليه وسلم متكئاً فتربع واحمر وجهه من عظم السؤال وقال: اللهم نعم. قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم. فأخذ يسأله حتى انتهى من أركان الإسلام فتولى وفك عقال ناقته وقد تعلم الإسلام فيما يقارب العشر الدقائق! وركب الناقة وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص, أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر؛ فتبسم صلى الله عليه وسلم للناس وقال: {من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا} وقال في لفظ آخر: {أفلح ودخل الجنة إن صدق} إن كان صدق على ما قال من إعطائه العهد والميثاق والملازمة وأخذ الضمان عليه أنه سوف يوفي حقوق الله وحقوق الدين فسوف يدخل الجنة لا محالة.

أبواب الخير

أبواب الخير ثم يقول عليه الصلاة والسلام لمعاذ: {ألا أدلك على أبواب الخير؟} فالخير أبوب؛ ولذلك سئل ابن تيمية في الفتاوى فقيل له: أصحيح هذه الكلمة التي تقال أن الطرق إلى الله عدد الأنفاس؟ قال: إن كان قصد السائل أن طرق التبليغ من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى خلقه عدد الأنفاس فهذا ليس بصحيح، بل التبليغ عن الرسل عليهم الصلاة والسلام وعن محمد فحسب، وإن كان قصده طرق الخير فصحيح هذا الكلام؛ ولذلك جعل الله للجنة أبواباً ثمانية. وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصلياً توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترقَ أبوب الجنان الثمانيا وجاء عند البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد, قال عليه الصلاة والسلام: {إن للجنة أبواباً ثمانية، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد} و Q كيف يقسم صلى الله عليه وسلم الأبواب ويجعل الناس أقساماً, مع أنه لا بد أن يكون المسلم مصلياً والمسلمون جميعاً من أهل الصلاة؟ هل المعنى أن ينادى يوم القيامة فيقال: يا أيها المصلون ادخلوا من هذا الباب، ويا أيها المجاهدون ادخلوا من هذا الباب، ويا أيها الصائمون ادخلوا من هذا الباب؟ إذاً فما هو المعنى؟ المعنى: أن المسلمين لا بد أن يقوموا بالفرائض جميعاً, وبعضهم يزيد في الصلاة فيعرف بالمصلي من كثرة صلاته, فتصير عبادته هي الصلاة, فلا يرتاح إلا للصلاة؛ فيدعى من باب الصلاة، وبعضهم يرتاح للجهاد بعد أداء الفرائض من الصلاة وغيرها فيدعى من باب الجهاد، وبعضهم يرتاح للصيام, ولذلك قال تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] ترى بعض الناس يأخذ الطريق إلى الله من طريق الصيام؛ فتجده في شدة الحر وفي معمعان الصيف وهو صائم، فباب الريان باب الصائمين، وبعض الناس لا يرتاح إلا للذكر بعد الفرائض, فلسانه يهتف بذكر الله عز وجل دائماً وأبداً، لسانه رطب بذكر المولى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس وكذلك الجهاد، وهذا فتح من الله يفتحه على بعض الناس، يقول ابن القيم في طريق الهجرتين: بعضهم يأتي فيوفق لهذه العبادة ولهذا الباب، وأما الكُمَّل (الكاملين من الناس) فإنهم يأخذون من كل غنيمة بسهم. تجده مع المصلين مصلياً، ومع الذاكرين ذاكراً، ومع المتصدقين متصدقاً {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4] مثل أبي بكر الصديق فقد كان من أكثر الناس عبادة لله عز وجل بالخشية والمراقبة، صلى وتنفل بالصلاة, وصام وزكى وجاهد وعدل وبذل أمواله في سبيل الله، وحفظ أوقاته وسكب وقته ودموعه ودمه وعرقه لخدمة لا إله إلا الله ولرفع لا إله إلا الله؛ فلذلك كان سابقاً بهذا العمل. وكان عليه الصلاة والسلام يعرف مواصفات الناس وطاقاتهم وجهودهم، يأتيه الرجل فيقول: يا رسول الله! أوصني. فيوصيه صلى الله عليه وسلم بما يناسبه، يأتيه نحيف البنية الهزيل الضعيف فيقول: يا رسول الله! دلني على عمل فيقول: {لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} لأنه لو دله على الصيام والجهاد ما استطاع، ويأتيه الرجل وله والدان فيقول: يا رسول الله! دلني على عمل. فيقول: {عليك ببر الوالدين} ويقول غيلان الثقفي القوي البدين: يا رسول الله! دلني على عمل. قال: {عليك بالجهاد في سبيل الله} وهذا لا يعرفه إلا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.

الصوم جنة

الصوم جنة قال عليه الصلاة والسلام: {ألا أدلك على أبوب الخير؟ الصوم جنة} الصوم شيء عجيب، وفيه تربية للأرواح، وفيه من المنافع والفوائد ما لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، وبالمناسبة أوصيكم ونفسي باستغلال الفرص السانحة الغادية الرائحة على العبد, فإنه لا يدري متى يموت, وذلك كصيام عاشوراء مع صيام يوم قبله أو يوم بعده, فإنه سئل عنه صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث الصحيح- فقال: {أرجو أن يكفر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى به السنة الماضية} سنة كاملة يكفرها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بهذا اليوم فأوصيكم بهذا اليوم وغيره من الأيام الفاضلة. وكان الصحابة رضي الله عليهم وأرضاهم من أكثر الناس صياماً حتى في الجهاد، وفي المعركة قد يرخص المسلم لنفسه؛ لأنه يقاتل ويقارع بالسيوف ويضرب بالرماح فيقول: ولماذا أصوم؟ أريد أن أتقوى بالطعام على القتال. لكن وجد من الصحابة من يصوم والسيف على رأسه, وطنين الرمح على شرفات حاجبه وهو صائم لله مثل من؟ مثل عبد الله بن رواحة، الشاعر البطل، الشاب المقدام، الذي قدم نفسه قرباناً فتقبلها الله عز وجل يوم أن تقبل الله من الصادقين في مؤتة، وكان رضي الله عنه صائماً, وكان دوره في القيادة الدور الثالث بعد زيد بن حارثة وجعفر، والرسول صلى الله عليه وسلم لما أرسل الجيش كانوا ثلاثة آلاف، والجيش المقابل -كما قال بعض المؤرخين- كانوا مائة وثمانين ألفاً! ما كنا نقاتل الناس بطائرات ولا صواريخ ولا دبابات، صحيح أن الله أمرنا أن نستعد, لكن كنا نفوز بقلوب ملأتها لا إله إلا الله أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم أتلقاك وطرفي حاسر أسفاً من أمسك المنصرم ألإسرائيل تعلو راية في حمى المهد وظل الحرم أو ما كنت إذا البغي اعتدى موجة من لهب أو من دم نعم كانت الأمة الإسلامية موجة من لهب وموجة من دم يوم عرفت لا إله إلا الله. وصل ثلاثة آلاف إلى قرب عمان في أرض الأردن , ووصل مائة وثمانون ألفاً منهم العربي وغير العربي من النصارى وغيرهم إلى هناك، وتقابل الفريقان، فلما رأى الصحابة أن هذا العدد الهائل الذي أقبل كالبحر أو كالجبال بعضها يزحف على بعض، وأنت تصور مائة وثمانين ألفاً! كل كتيبة ألف مقاتل، وكل كتيبة تعرف أنها تريد احتلال الجزيرة العربية ودحض الإسلام وإنهاء الدعوة المحمدية، ووراء وأمام كل كتيبة قائد! فلما رأى المسلمون ذلك قال عقلاؤهم: نريد الرجوع إلى المدينة ولا نقاتل؛ لأن العدد ليس متكافئ, فقال عبد الله بن رواحة الصائم المجاهد: يا أيها الناس! أما نحن فقد خرجنا لإحدى الحسنيين, إما الموت في سبيل الله وهي الشهادة وإما النصر والعزة للإسلام، والذي نفس عبد الله بن رواحة بيده لا أعود حتى أموت شهيداً أو ينصر الله الإسلام والمسلمين، ثم أخذ غمد سيفه وكسره على ركبته، وهذا عند العرب ساعة الصفر!! معناه عدم العودة إلى الوراء، وتقدم زيد فقتل ثم تقدم جعفر فقتل، وأتى دوره ليأخذ راية لا إله إلا الله مع الغروب، الشمس تودع الدنيا بأشعتها الصفراء وتريد الانتهاء وهو صائم لا يجد بلل الريق في فمه، صائم مجاهد وهو على فرسه!! فلما دعي وقالوا: أين عبد الله بن رواحة؟ يدعونه الصحابة، قال: نعم. قالوا: لقد قتل جعفر. فتقدم. فقال: ناولوني شيئاً من الطعام أتقوى به على القتال فإني أصبحت اليوم صائماً, فناولوه عرقاً من لحم فأخذ يأكله, ولما أراد أن يمضغه لم يعد للطعام مذاقاً ولا للشراب مساغاً سبحان الله! أيساغ الطعام ويذاق والصحابة يجندلون, ورءوس الأبطال تضرب تحت سنابك الخيل؟! يرى جعفر ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم يقطع أمامه ثم يأكل! يرى زيد بن حارثة يقطع ثم يأكل! فأخذ السيف وأخذ يقول: أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أقبل الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة هل أنت إلا نطفة في شنة ثم تقدم واقتحم على الفرس وقاتل وقتل مع الغروب، والرسول عليه الصلاة والسلام يتابع المعركة من المدينة، كشف الله له الغطاء حتى رأى الجيوش ورأى القتال ورأى القواد, فجمع الناس وهو يبكي على المنبر صلى الله عليه وسلم ويقطع صوته البكاء ويقول: لقد مر بي الثلاثة على أسرة، وفي سرير عبد الله بن رواحة ازورار وقد دخلوا الجنة جميعاً. رضي الله عنهم وأرضاهم. ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيئاً فاشترى هؤلاء هم صحابة محمد صلى الله عليه وسلم، يوم ما كان غير الله يديدن عليهم أبداً، كانت رايتهم لا إله إلا الله، لا قومية، ولا بعثية، ولا علمانية، ولا شيوعية؛ لأن هذه الرايات جربناها كثيراً في الساحات وأخفقت, وداسها أبناء القردة والخنازير بطائراتهم وصواريخهم ودكوها وردوها على أعقابها خاسرة منكسرة آسفة، نعم جربت هذه الشعارات أكثر من خمسين سنة, وهي ترفع وتقول إنها تريد تحرير فلسطين ورد القدس للمسلمين، لكن تقدمت فخسرت وخسأت وخابت لأنها علمانية، وعادت وهي تحمل العار والشنار والدمار؛ لأن لا إله إلا الله ما ارتفعت في سماء المسلمين. جاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: {خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد, حتى إن أحدنا يضع يده على رأسه من شدة الحر} تصور يوم تخرج في الجزيرة العربية القاحلة الرمضاء, التي تكاد تشوي البشرة وتمتص الدم من الشرايين, وتجد الرجل من الصحابة يضع يده على رأسه يتقي حرارة الشمس! قال: {وما منا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة}. ولذلك استوصى أبناء أبي موسى الأشعري أباهم فقالوا: بم توصنا؟ قال: عليكم بالصيام في شدة الحر وفي المعمعمان يقيكم الله عز وجل الحر ذلك اليوم؛ لأن ذاك اليوم لا يتقى إلا بالعمل الصالح يوم لا ظل فيه إلا ظل الله، يوم لا رحمة فيه إلا رحمة الله عز وجل. ذكر ابن كثير في ترجمة أحد الصالحين أن روح بن زنباع , وهو أمير أموي قيل كان أميراً لـ عبد الملك بن مروان , وقيل للوليد بن عبد الملك، كان روح بن زنباع مسافراً يريد مكة لأداء العمرة, ومعه موكب, وعنده سُفَر يمد عليها ما لذ وطاب من الطعام والشراب، ومن كل الفواكه والأطعمة، فرأى رجلاً صالحاً يرعى غنماً معه, كلما مشى قليلاً توضأ وصلى ركعتين، فقال روح: علي بالرجل. فذهبوا وأتوا به, فقال له ابن زنباع: أتريد أن تكون ضيفنا هذا اليوم. قال: لقد دعاني من هو أكرم منك. قال: ومن أكرم مني وليس في هذه البوادي رجل إلا أنا؟ قال: دعاني رب العالمين للإفطار الليلة عنده. قال: أإنك لصائم؟ قال: نعم. قال: أفطر عندي اليوم وصم غداً. قال: وهل تضمن لي أن تبقى عليَّ الأيام؟ يقول: هل تضمن لي أن تبقى أيامي وعمري إلى الغد؟ قال: لا. قال: فلا والله، لن أفطر هذا اليوم لأنني أخاف أن أموت غداً؛ فبكى الأمير وقال: ضاعت أيامك يا روح بن زنباع! على موائد بني أمية. ولذلك كان طريق الجنة للأخيار والصالحين هو هذا الطريق، وذكروا في ترجمة زيد بن سهل الأنصاري أبي طلحة رضي الله عنه, الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لصوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة فارس} صوت أبي طلحة فحسب إذا كبر وهلل وسط قعقعة السيوف، وضرب الرماح يساوي مائة فارس, فما بالك بالرجل؟! يقول: ما صام إلا رمضان وحده في عهد الجهاد لاشتغاله بالجهاد، ثم سرد الصيام إلا يوم الفطر ويوم الأضحى أربعين سنة. ذكروا ذلك في ترجمته, ونحن لا نوردها لسرد الصيام، ولا نبحث هل يجوز سرد الصيام إلا عيد الفطر وعيد الأضحى؟ إنما نوردها للاعتبار وقوة همم هؤلاء الصحابة على العبادة. قال عليه الصلاة والسلام: {والصوم جنة} وعند مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه وأرضاه؛ قال عليه الصلاة والسلام: {من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً}. وذكر عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يصوم في حر المدينة , وما كان هناك مكيفات ولا ماء بارد ولا ثلج ولا شيء من هذا. قال: فكان يوضع له قربة في الشجرة وتقطر هذه القربة بمائها على صدره، فيقولون له: لو تركت الصيام إلى الشتاء. قال: إني أخاف أن أموت قبل أن يأتي الشتاء. إنه عمر محسوب. يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان وهذا الوزير ابن هبيرة الحنبلي, صاحب كتاب الإفصاح، كان من أعظم الوزراء، ومن أزهدهم في تاريخ الإسلام، كان وزيراً للخليفة العباسي المستنجد، وهو حنبلي المذهب ومحدث، ويخشى الله عز وجل كثيراً، كان يجلس لمجلس الحديث بعد صلاة العصر من يوم الجمعة, فيقرأ عليه العلماء الحديث فيبكي حتى يقول الناس: سيموت هذه الليلة. حج وكان صائماً، ولما وصل إلى مكة أصاب الناس حر شديد وانتهى الماء، والتمس الناس الماء حتى أشرفوا على الهلاك من كثرة الضمأ! فتوضأ وقام ورفع يديه وقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا قال الراوي -وهذا في طبقات الحنابلة في ترجمته-: فوالله ما اقترب الغروب إلا وقد تساقط الغيث على الناس وسقط مع الغيث ثلج مبرد، فأخذ يحمل الثلج في إنائه ويبكي ويقول: يا ليتني سألت الله المغفرة، يا ليتني سألت الله المغفرة. كان ابن هبيرة من أعظم الوزراء شهامة وريادة وتقوى وخشية وقراءة وتلاوة وعلماً، حتى يقول فيه الخليفة المستنجد وهو يمدحه: صفت نعمتان عمتاك وخصتا فخيرهما حتى القيامة يذكر وزهدك والدنيا إليك فقيرة وجودك والمعروف في الناس يذكر ولو كان مكانك جعفر ويحيى لكف عنه يحيى وجعفر ولم أر من ينوي لك السوء يا أبا الـ ـمظفر إلا كنت أنت المظفر الشاهد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {والصوم جنة} أي: يتقي به العبد يوم القيامة من غضب الله ومن سخطه، فالله الله في الصيام لكن باقتصاد، الذهبي ترجم لأحد العلماء في سير أعلام النبلاء فقال: عليك بالصيام وأكثر منه. قال الذهبي: باقتصاد. أي تقتصد في الصيام؛ ثلاثة أيام من كل شهر من أعظم الصيام في الإسلام، وهي صيام الدهر وهي صيام رسولنا صلى الله عليه وسلم وإبراهيم عليه السلام.

الصدقة وفضلها

الصدقة وفضلها قال عليه الصلاة والسلام: {والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار}. هذا مبدأ آخر وباب آخر فتحه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للمقبولين من عباده، والكلمة الطيبة في الإسلام صدقة، والبسمة صدقة، واللين صدقة، وفي الصحيح: {يصبح على كل سلامى من أحدكم -والسلامى هو المفصل- صدقة، كل يوم تصلح فيه بين اثنين صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل تسبيحة صدقة ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما أحدكم من الضحى} فالشاهد: الصدقة، ولذلك دخل كثير من الصالحين الجنة بسبب الصدقة. ومن أعظم ما يذكر في هذا الباب أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه؛ فإنه أنفق أمواله في سبيل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وما ادخر شيئاً، وعمر بن الخطاب قدم نصف ماله في سبيل الله، وعثمان جهز جيش العسرة في غزوة تبوك , حتى قال صلى الله عليه وسلم: {اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، اللهم اغفر ل عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر} رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً. وجاء عن عبد الرحمن بن عوف أن قافلة قدمت المدينة إليه في أيام قحط, فقال لتجار المدينة: كم تعطوني في كل درهم؟ قالوا: درهماً. قال: وجدت من زادني. قالوا: نعطيك درهمين. قال: وجدت من زادني. قالوا: ثلاثة. قال: وجدت من زادني. قالوا: نحن تجار المدينة وما يزيدك أحد. قال: فإن الله قد زادني في الدرهم عشرة إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] ثم قال: أشهدكم أيها الناس أنها في سبيل الله؛ فتفرق الناس وهم يقولون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة. فقوله صلى الله عليه وسلم: {والصدقة تطفئ الخطيئة} يقول أهل العلم: من أعظم ما يكفر به العبد عن سيئاته إذا أساء الصلاة والصدقة. قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]. فدل عليه الصلاة والسلام معاذاً على الصدقة؛ لأنها من أبواب الخير التي ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم.

صلاة الليل

صلاة الليل ثم قال: {وصلاة الرجل في جوف الليل، وتلا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16]} صلاة الليل قلّت في هذا الزمن، ونشكو حالنا إلى الله عز وجل، وسبب قلتها كثرة المعاصي وكثرة تمرسنا في المباحات وسهرنا الذي كله -إلا ما رحم ربك- ليس فيه منفعة، فكلما سهر العبد عطل عليه تلك الساعة التي يتنزل فيها ربنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله فينادي: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟ فأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً بهذه الوصية قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار فمن أحسن عبادة المسلم, وهي المربية للأرواح، والمكفرة للذنوب، والمنمية للإيمان قيام الليل, ولو كان نصف ساعة، وأقل ورد هما ركعتان، فداوم على ركعتين كل ليلة قبل صلاة الفجر يمنحك الله إيماناً ونوراً ويقيناً, ويسددك ويهديك سواء السبيل. ولذلك يرى ابن الجوزي في صيد الخاطر أن من أعظم ما يربي الفرد المسلم قيام الليل، وهذا الذي أوصى به رسول الهدى صلى الله عليه وسلم, فقال ل عبد الله بن عمر يوم سألته حفصة: {نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل} فما كان ينام من الليل إلا قليلاً. وقال لـ عبد الله بن عمر كما في الصحيح: {يا عبد الله! لا تكن كفلان كان يقوم الليل ثم ترك قيام الليل} فالله الله في هذه السنة التي تركت, وفي هذه الشعيرة العظيمة التي هجرت إلا عند من رحم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ويكفي العبد -كما ذكرت- أن يقوم ولو قليلاً من الليل, ويتهجد ويقرأ شيئاً من القرآن, ثم يختم ذلك بالاستغفار ويرفع يديه إلى علام الغيوب, الذي لا تغيب عنه الحوائج ولا ترد عنده المسائل، ولا تختلف عليه اللهجات، ولا تتنوع عليه الحاجات تبارك وتعالى، فيشكو إليه حاله وقلته وضعفه وذنوبه وسيئاته وخطاياه, فإذا لم يرحم الله فمن يرحم؟! وإذا لم يغفر فمن يغفر؟! وإذا لم يتب علينا فمن يتوب علينا؟!

خطر اللسان

خطر اللسان ثم قال عليه الصلاة والسلام: {ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ -أي: ما يجمع عليك ذلك- قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه وقال: كُفَّ عليك هذا} أخطر ما يمكن أن يواجه العبد في الدنيا هو لسانه، ولذلك قالوا: تسعة أعشار الذنوب من اللسان! والغزالي في الإحياء بوب أبواب الذنوب التي تصاب من اللسان فجعلها عشرة أبواب، والرسول عليه الصلاة والسلام كلما ذكر عبداً ذكره بذنب لسانه، فإنه أسرع في الذنوب وفي الخطأ, وهو يتكلم بلا حساب، وهو يفرط منك بلا شعور، فيغتاب وينم ويأتي بالبذاءة، ويأتي بكلمة مدلهمة قد تهوي بصاحبها في النار سبعين خريفاً، فنسأل الله العافية. ورد عن أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه أنه وقف يبكي وحده ويقول: [[هذا أوردني الموارد ويأخذ بلسانه]]. هذا أبو بكر رضي الله عنه فما بالنا نحن؟! وابن عباس بكى على الصفا وأخذ بلسان نفسه وقال: [[يا لسان قل خيراً تغنم أو اسكت عن شر تسلم]]. ويقول ابن مسعود -كما نقل عنه ابن رجب في جامع العلوم والحكم -: [[والله الذي لا إله إلا هو ما في الدنيا أحق بطول حبس من اللسان]] , والشافعي رحمه الله يقول: لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن وعيناك إن أبدت إليك معايباً لقوم فقل يا عين للناس أعين والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيح: {من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة} فهي ضمانة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن من يضمن؟ انظر إلى نفسك من يوم أن تصبح الصباح إلى أن تنام وأنت في كلام مستمر، ولو ذكرنا الله عز وجل بقدر كلامنا مع الناس وأخذنا وعطائنا واتصالاتنا وزياراتنا لكنا من الذاكرين الله كثيراً، لكن إذا ذكرنا ذكرنا بغفلة ونسيان وهوس، وإذا أتينا لنتكلم مع الناس استحضرنا قلوبنا وأبدعنا في الكلام، وصححنا الكلمات والنطق، وهذا ليس منهجاً سديداً؛ أن يكثر العبد من اللغو، والله وصف المؤمنين بأنهم عن اللغو معرضون. ذكر عن الربيع بن خثيم -أحد الزهاد العباد التابعين الأخيار- أنه كان يحسب كلامه من الجمعة إلى الجمعة! فقالوا: ما لك؟ أتستطيع ذلك؟! قال: ألا تظنون أن علي رقيباً وعتيداً يحصي ما أقول عن اليمين وعن الشمال؟ وعطاء بن أبي رباح ذكر عنه صاحب التذكرة أنه قال: يا أيها الناس! اتقوا الله في ألسنتكم، لا تتكلموا إلا بخير أو بتلاوة أو بذكر، أو بأمر بمعروف أو نهي عن منكر؛ فإن أعمالكم تحصى عليكم. وسمعت عائشة رضي الله عنها وأرضاها جارات لها يتحدثن بعد صلاة العشاء, فأرسلت جارية لها وقالت: قولي لهن يتقين الله ويرحن الكتبة، لأن الملك لا يترك الكتابة حتى تنام، فمهمته أن يبقى معك حتى تنام، فما بالك بإنسان يبقى حتى الساعة الواحدة أو الساعة الثانية عشرة وهو يتكلم في هذا وذاك وفي المجريات؟ وهذا إن كان من المحسنين، ففي الأخبار والأسعار والأمطار وما جد في المجتمع، والسيء من يغتاب الناس ويأكل لحومهم وأعراضهم، يُجرح ويُعدل بعد صلاة العشاء التي كان السلف يقومون يتباكون فيها {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] الوقت الذي ننام فيه نحن كان السلف يقومون فيه ويصلون. تجد كثيراً من المجالس تئن وتشكو إلى الله عز وجل من كثرة الذنوب والخطايا، والحرمات التي تنتهك في هذه المجالس. إني أدعو نفسي وإياكم إلى حفظ هذا اللسان، وإلى ذكر الله به كثيراً، وإلى تقوى الله فيه, فإنه كما ورد في حديث ابن عباس -يرفعه تارة ويقفه على نفسه تارة-: {يأتي العبد يوم القيامة أحنق شيء على لسانه, يقول: هذا أوردني الموارد}. فنعوذ بالله من لسان لا يسلم من الخطأ، ونعوذ بالله من لسان لا يتسدد على الحق، ونعوذ بالله من لسان لا يجتنب اللغو, فإن الله إذا هدى سدد ووفق, يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أيها الإخوة الكرام! أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية والسداد والرشد, وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، وأسأله أن يعمر قلوبنا وقلوبكم بذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل. سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

المقصود بالأيام البيض

المقصود بالأيام البيض Q هل المقصود بصيام ثلاثة أيام من كل شهر الأيام البيض: (14،13، 15) من كل شهر, أم لا يشترط الترتيب؟ A الأيام البيض هي ما ذكرت: (13، 14، 15) أما هل يشترط أن تسرد، وأن توقع الأيام في هذه الأيام البيض؟ فهذه مسألة أخرى، وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت: ركعتي الضحى، وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام}. فأما هذا الحديث ففيه عموم: ثلاثة أيام من أوله أو من آخره أو من وسطه، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري ذكر ما يقارب عشرة أقوال في هذه الأيام، فمن السلف الصالح والصحابة من يصوم الثلاثة في أول الشهر، ومنهم من يصوم في كل عشرة أيام يوماً واحداً، ومنهم من يصوم الأيام البيض، لكن الأفضل والأحسن والأولى، والذي هو السنة صيام الثلاثة البيض، لكن إذا عرفت من نفسك وقدرتك أنك لا تستطيع سرد الأيام الثلاثة فانثرها ولا بأس، إنما المقصود ألا يخرج عليك الشهر إلا وقد صمت ثلاثة أيام. وقد يعرض للإنسان سفر في الأيام البيض أو عمل شاق؛ فله أن يؤخر أو يقدم ولا بأس بذلك.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Q أرجو أن تنصحوا الشباب بكيفية إنكار المنكر والأمر بالمعروف لعامة الناس وخاصتهم؟ A الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أشرف الأعمال في الإسلام، ويسمى الحسبة عند علماء الإسلام، والاحتساب يكون لوجه الله عز وجل، ولا يتقيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهيئة فحسب، ولا يمكن أن هذه الهيئة تكفي المسلمين مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالرسول صلى الله عليه وسلم عمم الأمر بقدر الطاقة، ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان} وأحسن من تكلم في هذه المسألة ابن تيمية في المجلد الثامن عشر من فتاويه، فله مبحث عجيب يستحسن الرجوع إليه في كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, يقول: "ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ولا يكن نهيك عن المنكر بالمنكر". لأن بعض الناس إذا أتى لينهى عن المنكر أتى بشيء من المنكر أدهى من الذي ينهى عنه، وفوت من الأمر الحاصل أضعافاً مضاعفة على ما يطلب. ويشترط في الداعية ثلاثة شروط: أولها: الإخلاص لوجه الله، فلا يقصد رياءً ولا سمعة. ثانيها: العلم، فلا يدعو الداعية إلا وهو يعلم بما يدعو إليه, ولا يشترط أن يكون مبرزاً أو متخصصاً, لكن المسألة التي تطرقها لا بد أن تكون عالماً بها. ثالثها: العمل. وبعضهم يزيد شرطاً رابعاً, كما ذكر ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الأصول الثلاثة: وهو الصبر على ما تدعو إليه، ولذلك يقول لقمان لابنه وهو يعظه ببعض الوصايا يقول: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] فانظر كيف ذكر الصبر بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والله عز وجل طلب من رسله اللين مع المخاطبين, فقال لموسى لما أرسله إلى فرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] قال ابن عباس: [[أتدرون ما القول اللين؟ قالوا: لا. قال: أمره الله أن يلين له الخطاب فيقول له: إن أنت أسلمت وآمنت متعك الله بشبابك وبملكك وبمالك]] فرعون أطغى الطغاة. وأفجر الفجار، شيخ كل متكبر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, يقول الله لموسى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] لا تجرح شعوره، لا تؤذه بالخطاب القاسي، لا تحاول أن تنغص عليه فإنه لا يستجيب، والناس لهم قدرهم، ولهم شرفهم، ولهم أعراضهم، ولهم قيمتهم، فإذا شعروا أنك تكسر هذا الحاجز، وأنك تهددهم بسحق قيمهم لا يستجيبون أبداً، وتأخذهم العزة بالإثم، بينما إذا دخلت باللين وبالكلمة الطيبة وبالبسمة؛ أخذتهم وجذبتهم بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لرسوله: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] وقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ويقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وأمره بوصية فقال له مخاطباً إياه عليه الصلاة والسلام: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] ولذلك أزال صلى الله عليه وسلم غضب الناس وكسب قلوبهم، يأتيه الرجل وهو يشعر بالعداء المرير والحقد الدفين والحسد والبغض النكير؛ فما يلبث إلا ساعة فيقبل عليه صلى الله عليه وسلم بكليته, فيبتسم في وجهه ويلين له في الخطاب، ويرفع له من المقام، ويعطيه قيمته؛ فيكسبه في الدعوة وهذا أسلوبه عليه الصلاة والسلام. وبالمناسبة أوصي كل طالب علم أن يوزع علمه وينفقه على الناس، فإن العلم إذا لم يزكَّ لم يبارك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيه، والله لام بني إسرائيل على كتمانهم العلم وعلى بخلهم به فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] فنعوذ بالله من علم لا ينفع، والعلم الذي لا ينفع هو الذي لا ينفع صاحبه ولا ينفع الناس، والعلم كما يقول الأندلسي: هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مقاتل من أردتا وكنز لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا فبادره وخذ بالجد فيه فإن أعطاكه الله انتفعتا وإن أوتيت فيه طول باع وقال الناس إنك قد رأستا فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملتا

طلب العلم والقراءة

طلب العلم والقراءة Q أنا شاب ولي رغبة -ولله الحمد- في طلب العلم, وأريد أن أقرأ لأن القراءة هي إحدى الطرق التي توصل إلى طلب العلم، لكنني حينما أريد أن أقرأ لا أجد العزم والقوة، وسرعان ما يتلاشى هذا الحماس فأرشدني إلى طريقة طيبة؟ A القراءة والاطلاع وطلب العلم ليس بالأمر السهل، والعبد المؤمن إذا أراد أن يطلب العلم أو يقرأ عليه أن يصابر نفسه, فلن يؤتى خيراً من خير الدنيا أو خير الآخرة إلا بالصبر، ولذلك ذكر الله الصبر في أكثر من تسعين موضعاً، وقضية أن العلم ينال هكذا بلا صبر وبلا مثابرة ولا سهر ولا بحث ولا مدارسة فهذا بعيد، والمال أرخص من العلم، وأهل المال ورجال الأعمال وأهل رءوس الأموال دائماً في جد وفي عمل، وفي سهر وضنك حتى يجمعوا أموالهم, فكيف بالعلم الذي هو أشرف؟! فإذا علمت ذلك فاعلم أن القراءة ينبغي أن تصبر عليها حتى تكون لك عادة، وهي لا تلبث أن تكون كلفة ثم تكون ألفة بإذن الله، تتكلفها في أول الطريق ثم يتألف قلبك على القراءة. فهذا عبد السلام جد ابن تيمية صاحب المنتقى لأن شيخ الإسلام اسمه أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام يقولون في ترجمته: كان من شغفه على القراءة أنه إذا دخل الخلاء قال لابنه: اقرأ وارفع صوتك حتى أسمع القراءة. ولذلك ترجم له الذهبي وقال: أما عبد السلام -جد ابن تيمية - فكان قمراً, وكان أبوه نجماً, وكان شيخ الإسلام شمساً {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء:12]. فالمقصود: عليك أن تتقي الله عز وجل, وأن تستعين به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وتقرأ، وأعداؤنا من الخواجات الأمريكان والإنجليز يلومون العرب ويقولون: أقل الناس قراءة هم العرب، وقرأت في بعض المقالات أن موشي ديان وزير حرب العدو الهالك قالوا له: لقد نشرتم أسراركم في الصحف, حتى الصحف العربية نشرت أسرار الجيش الإسرائيلي, فكيف لم يكتشفه العرب؟ قال: إن العرب قوم لا يقرءون. يريدون كل شيء بارتياح، ولذلك تجد أن الكتب عندنا مصنفة ومؤلفة وموشحة ومرجحة ومحققة ومنقحة ولا نقرؤها!! مسند الإمام أحمد جمعه في أربعين سنة، مشى في الدنيا وطاف في البلاد الإسلامية في تلك الفترة ودخل مصر والعراق والشام وخراسان واليمن والحجاز ثم جمع أربعين ألف حديث وتركه وقال لأبنائه: عليكم بهذا الكتاب فإنه سوف يكون للأمة إماماً. وبعد أن طبع وأخرج للناس لا أحد يقرؤه إلا ما رحم ربك. دائماً نقول: نحن أصابنا الملل وأصابنا السأم, وإن لنفسك عليك حقاً ولعينيك عليك حقاً، وأحاديث الرخص تأتينا إذا أتينا نصلي ونقرأ ونذكر الله عز وجل، تأتينا أحاديث الرخص حتى نترك الخير، فالمقصود علينا بالصبر وأن نحتسب الأجر والمثوبة. أحد الأمريكان له كتاب دع القلق وابدأ الحياة يقول: الأمريكان يقرءون في الأربعة والعشرين ساعة اثنتي عشرة ساعة. أمريكي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر, ولا يريد جنة ولا يخاف ناراً, ومع ذلك يقرأ اثنتي عشرة ساعة! خواجة كالكلب! فما بالك أنت أيها المسلم؛ ميراث محمد صلى الله عليه وسلم بين يديك, وكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بين يديك وأنت لا تقرأ! وهي طريقك إلى الجنة بإذن الله!!

تنبيه على بعض المنكرات

تنبيه على بعض المنكرات Q هنا بعض المنكرات التي انتشرت في المجتمع, كالغناء الماجن بالمكبرات، والرقص الجاهلي الذي يفعل في كثير من الحفلات. فهل من تنبيه على هذا الأمر؟ A أولاً: الغناء -كما تعرفون- محرم، وقد أفتى بهذا كثير من أهل العلم، وهو مستند إلى أحاديث من المصطفى صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيح من حديث أبي مالك الأشعري يقول عليه الصلاة والسلام: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} واستحلالها يكون بعد التحريم، وعند أبي داود من حديث ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمع زمارة راعٍ, فوضع أصبعيه في أذنيه حتى انتهى الصوت، وفعل ذلك ابن عمر. وعند ابن خزيمة بسند صحيح قوله عليه الصلاة والسلام: {إني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة وصوت عند مصيبة} فهذا محرم وأمره وظاهر. أما الحفلات والأعراس ففيه تفصيل، فإن اجتمع النساء في مكان لا يخالطهن الرجال، ولا ضيعت فيه الصلوات فلا بأس بضرب الدف، وقد جاء في سنن أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم بسند صحيح: {أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف} فالدف في حد ذاته للنساء لا بأس به في الأعراس، وأما إذا زاد وصاحبه عود أو وتر أو مغنية فاجرة أو مغن فاجر فهذا يحرم، إنما الدف في حد ذاته مباح وحلال للنساء في الأعراس بشروطه التي وردت. كذلك التصوير للنساء المخدوعات وقد يصل الأمر إلى التصوير بالفيديو، وهذه من المنكرات الطامة التي بدأت تظهر في المجتمع ونسأل الله أن يكفينا شرها، وإذا انتشرت هذه السيئة فقل على الأمة السلام، إذا خرجت صورة المرأة في المجتمع، أو خرجت في الأندية أو تدوولت في المجالس فقد انتهك العرض، وانكسر الشرف على عتبة الهلاك -نسأل الله العافية- وضاع البيت وانهار، وذهبت القيم والأخلاق، وانهارت كل قيم المجتمع، وأصبحت البيوت ملطخة بالعار والدمار والشنار نعوذ بالله من ذلك. حتى ذكروا أن البلاد العربية التي دخلها الاستعمار ما تمكن فيها إلا يوم أن خرجت صورة المرأة سبحان الله! تصور وأنت العاقل الأريب البار الخير الذي تريد حماية عرضك في الدنيا والآخرة وتريد شرفك في الدنيا والآخرة, فتفاجأ وأنت في مجلس من المجالس وإذا بصورة زوجتك تتناول بين أيدي الرجال الذين لا يريدون الله ولا الدار الآخرة! لأن في الناس فجرة، وفيهم من لا يملك القيم ومن ليس عنده مروءة، ومن يريد أن ينتشر الزنا تماماً في المجتمع، وأن تباع الخمر كما يباع البيبسي في الأسواق! قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19] والله أعلم بالسرائر، فتصور أن صورة زوجتك يطاف بها في المجالس, ثم تفاجأ وإذا بها في يدك، أو صورة ابنتك أو صورة أختك؛ تصبح الحياة في عينك مرة مظلمة سوداء منتنة ولا تستطيع العيش. فالله الله يا من آمن بالله وباليوم الآخر أن تكون كلمتكم واحدة، وأن تقوموا في وجه الذين يريدون الإفساد في الأرض؛ فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى طلب إيقافهم ونهيهم عن المنكر, فإن الشر يعم والخير يخص. ويا أهل العقول أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأوصيكم أن تقوموا في سبيل الله عز وجل دعاة خير, وأن تتآمروا بالمعروف وتتناهوا عن المنكر؛ ليرضى الله عنكم ظاهراً وباطناً، وليسعدكم في الدنيا والآخرة، وليكون الله معكم أينما كنتم وأينما سرتم، أيدوا كلمة الحق وقوموا مع المحق، ولا ترضوا بالباطل وقوموا في وجهه؛ حينها يرضى الله عنا وعنكم. نسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لنا ولكم التوفيق والهداية، والسداد والرشد، اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك الغنى في القصد والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك؛ في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد إقبال شاعر الإيمان والحب والطموح

محمد إقبال شاعر الإيمان والحب والطموح إن الشعر سلاح ذو حدين, فمن استخدمه في الخير نفع وكان سلاحاً قوياً مؤثراً, وهو بعكس ذلك في الشر والعياذ بالله! وعلى مدار التاريخ لا تخلو الأمة من شعراء يحيون لها مجدها الماضي, ويذكرونها بمآثر الآباء والأجداد الذين حملوا هذا الدين على الأكتاف ونشروه شرقاً وغرباً, من أولئك الشعراء الشاعر محمد إقبال.

مقدمة ترحيبية بالشيخ عائض

مقدمة ترحيبية بالشيخ عائض اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا وحبيبنا نبي البشرية محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، نحييكم بتحية الإسلام, تحية مباركة طيبة من عند الله فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسعد الله مساءكم بالخيرات والمسرات، وحياكم الله جميعاً يوم أجبتم الدعوة في هذه الليلة المباركة، وبالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن إدارة الأنشطة الطلابية بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في أبها: وفي مقدمة هذه المحاضرة يسعدنا أن نرحب بالشيخ الفاضل المبارك الداعية، الشيخ: عائض القرني في محاضرته التي هي بعنوان: (محمد إقبال شاعر الحب والطموح) فحياه الله وحياكم جميعاً، وبين يدي محاضرته الكريمة نقدم له تحية عاطرة في باقة شعرية لأن الشيخ يحب الشعر، وتهتهز أريحيته لسماع الشعر: سلام من الأعماق يا شيخ عائض سلاماً يضاهي الغيث بالحب ناهضُ حللتم سويداء القلوب بفضلكم فلله كم يسمو وكم هو رائض ومرحى بكم في معقل العلم والهدى وطئتم رياض الود والود نابض ولله در الشيخ إن قام واعظاً فمن غيض ما يلقيه والبحر فائض فكم من قلوب هزها بحديثه وكم من دموع سيلتها المواعظ إذا شئت علماً فالزم البحر زاخراً وإن شئت شعراً فالمُزون العوارض وإن كنت مشتاقاً إلى ورد منهل تبل الصدى منه فنعم المرابض فما يعرف الأشواق إلا مكابد ولم يدر طعم النفل إلا الفرائض سيشهد هذا الجمع بالحق داعياً إلى الله بالحسنى هو الشيخ عائض والآن أدعو فضيلته ليعطينا ما ييسر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى له، فليتفضل جزاه الله وإياكم خير الجزاء.

التعريف بمحمد إقبال

التعريف بمحمد إقبال الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين, ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين, سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. نعم عنوان هذه المحاضرة: (إقبال شاعر الإيمان والحب والطموح). وزدت هذه الليلة كلمة الإيمان, ورقم هذه المحاضرة العاشرة بعد المائة، وقبل أن أبدأ أشكر لأهل الفضل فضلهم, وعلى رأسهم هذا الأستاذ الحبيب، والأديب الأريب عبد الله بن محمد بن حميد وقد أخذني على غرة بهذه الأبيات، وما كنت أعلم بها, وأقول له كما قال المتنبي ل سيف الدولة: أتاني رسولك مستعجلاً فلباه شعري الذي أذخر ولو كان يوم وغى قاتم للباه سيفي والأشقر أصرف نفسي كما أشتهي وأملكها والقنا أحمر فشكر الله له كلماته, وأنا أعرف أنه يحبني ولذلك تغاضى عن نقصي وزاد في مدحي. وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا أنا أشهد الله على محبته ومحبتكم فيه، وأسأل الله عز وجل لي ولكم وله الثبات والهداية والسداد، والرشد والتوفيق. أيها الإخوة: هذه المحاضرة عن شاعر عالمي وليس بإقليمي، ليس على مستوى أبها وليس على مستوى الجزيرة ولا على مستوى العرب، ولا على مستوى المسلمين، إنه شاعر على مستوى القارات الست، يعرفه الناس جميعاً، يعرف محمد إقبال الأمريكان، والأوروبيون، والهنود، واليابانيون، والصينيون، والأتراك، والأفغان، يعرف محمد إقبال العلماء والأدباء والجامعات، تعرفه الفلسفة والأدب، وتعرفه القصة والمسرحية، وأنا لن أبالغ في مدحه هذه الليلة لأنه مشهور عندكم, ولكني سوف أتكلم في ظلال هذه الكلمات الثلاث: الإيمان، الحب، الطموح. الإيمان بالله تبارك وتعالى رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالإسلام ديناً، والحب ما هو معناه الذي ترجمه محمد إقبال؟ والطموح يعني الهمة العالية التي تحدت حدود الزمن وآفاق التاريخ.

نبذة مختصرة عن حياة محمد إقبال

نبذة مختصرة عن حياة محمد إقبال محمد إقبال: هندي الأصل والجنس والمولد، ولد هذا الشاعر العالمي في البنجاب عام (1877م). وبكلمة مختصرة قبل أن أغوص في شخصيته أقول: لقد أثر في حياته ثلاث مؤثرات: أولاً: القرآن الكريم: كان محمد إقبال يقرأ القرآن من بعد الفجر إلى طلوع الشمس في كل يوم، ولا يختم المصحف -كما قيل عنه- حتى يبله بالدموع، كان يتأثر تأثراً بالغاً من القرآن لأنه عرف مشارب الجاهلية, قرأ الفلسفة وقرأ العلوم الأخرى وسافر إلى الغرب وذهب وأتى. ثانياً: إطلاعه الواسع: يقول عنه الدكتور الشرباصي: أظن أنه ما وقع كتاب في يد محمد إقبال إلا التهمه، والرجل ذكي ذكاءً خارقاً إبداعياً رهيباً، فلم يك رجلاً عادياً. ثالثاً: خروجه إلى العالم: خرج أولاً من بومباي إلى قناة السويس ثم ذهب إلى أوروبا، واستقر في لندن فترة من الفترات، ثم ذهب إلى ألمانيا فحضر رسالة الدكتوراه في الفلسفة، ودرسها هناك في الجامعة, ثم عاد يطوي العالم, ومر بالعالم العربي، وكان يلقى ترحيباً واسعاً من العالم، وكان إذا هبط بلداً سمع الناس بقدومه فخرجوا لاستقباله. كانت محادثة الركبان تخبرنا عن جعفر بن فلاح أروع الخبر حتى التقينا فلا والله ما سمعت أذني بأحسن مما قد رأى بصري يقول أبو الحسن الندوي في كتابه روائع إقبال صـ20: وجدته شاعراً في الطموح والحب والإيمان، أشهد على نفسي أني كلما قرأت شعره جاش خاطري، وثارت عواطفي، وشعرت بدبيب المعاني والأحاسيس في نفسي، وبحركة للحماسة الإسلامية في عروقي. وتلك قيمة شعره وأدبه في نظري، وأشهد على ما شهد عليه أبو الحسن الندوي أنه يأتيني أمر عجيب إذا قرأت شعره, وسوف أورد نماذج من شعره في هذه الليلة.

أحواله الشخصية

أحواله الشخصية كانت معيشته معيشة متوسطة تميل إلى الفقر، من أبوين متدينين، دخل عليه أبوه وهو يقرأ القرآن بعد الفجر ويلاعب أخته الطفلة الصغيرة، فقال له: يا إقبال! اقرأ القرآن كأنه أنزل عليك. قال: فأخذت بهذه الوصية فكنت أقرأ القرآن كأنه أنزل عليّ, فيتأثر بذلك. يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال: كدت أتوافق أنا ومحمد إقبال في المعاني، وربما توافقنا في الألفاظ. وحياة الرجلين متفقة في مجملها؛ فذاك درس الدراسة الغربية، وهذا كذلك، وذاك يملك طموحاً وهذا كذلك، وذاك يملك عصا الإيمان، وهذا كذلك. شعراء الضلال سحار فرعون وأنت العصا وأنت الكليم تزوج ثلاث مرات، المرة الأولى لم يوفق وأنجب من زوجته الأولى طفلتين وولداً، وتزوج الثانية ثم الثالثة. كان يسكن بيتاً متواضعاً، فقيل له: لماذا تسكن هذا البيت؟ قال: إني أسكن العالم. وبالفعل كان يسكن العالم، كان يتبرم بالأوضاع التي يعيش فيها، وينظر إلى الهنود وإذا هم يعيشون حياة بعيدة عن الإسلام، وينظر وإذا المسلمون مستخذلون بالاستعمار، فينفر ويقطب جبينه ويحاول أن يثور كالبركان. كان مريضاً في حياته، والعظماء كثيراً ما يمرضون، فتجد العظماء عندهم خلل في الهيكل الجسمي, قطع الغيار عندهم لا تتوفر، إما الكلى أو الرئة أو العين أو اليد، وهذا أمر معلوم بالاستقراء والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعلى وأعلم. عاش في فترات ثلاث: الفترة الأولى: فترة الشباب: قضاها في العلم النافع، وهو علم مجمل من علم الشريعة، والرجل ليس مفتياً ولا واعظاً وإنما كان عنده علم مجمل، ويخالفه طلبة علم وعلماء الشريعة في بعض القضايا التي سوف أعرج عليها. أنا -يا أيها الأخوة! - لا أعرض عليكم الليلة محمد إقبال على أنه مفتٍ، ولا من هيئة كبار العلماء، ولا شارحاً للطحاوية، إنما أعرض عليكم محمد إقبال شاعراً عالمياً، لا نجد مثلاً للشاعر الذي يقدم للإسلام شعراً قوياً أصيلاً إلا محمد إقبال. وأنا أعرف أن أمامي من الدكاترة والأساتذة والأدباء من قد يخالفني في بعض المسائل ويوافقني في البعض ولكن أقول لهم: إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد الفترة الثانية: فترة الرجولة: عاش إقبال صارخاً في شعبه يريد أن يوحد دولته، ولذلك هو الذي كان سبباً في إقامة دولة باكستان بعد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأهل باكستان اليوم إذا احتفلوا بعيد محمد إقبال يخرج ثمانون مليوناً في الشوارع، يحملون صور محمد إقبال ويهتفون: إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنياً لمن لم يحي ديناً ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قريناً والشعر شعر إقبال. الفترة الثالثة: فترة الشيخوخة: قضاها متأملاً , كان يصعد إلى الجبال ويكتب، ونحن لم نفهم شعره, لكنه مترجم, وربما تكلم بالعربية ببعض القصائد فحرك الأجيال، يقول الباكستانيون: كان يكتب قصيدة في الليل، فتنشر في الصحيفة في اليوم الثاني -كما يذكر الشرباصي وغيره- فيخرج الشعب هائجاً مائجاً في الشارع, وهذا والله الأدب، وهذا والله السحر الحلال، وهذا والله الفيتامين الذي ما ملكه إلا محمد إقبال؛ أن ينظم قصيدة وتنشر في الصحيفة ثم يخرج الملايين يدندنون بفكرته، ولذلك ثاروا على الإنجليز وأقاموا دولة, وسوف أعرض لبعض مقتطفاته.

الذين تكلموا عن محمد إقبال

الذين تكلموا عن محمد إقبال - تكلم عن محمد إقبال، أبو الحسن الندوي , وأبدع أيما إبداع في كتاب روائع إقبال , وأبو الحسن الندوي أديب عملاق، إذا كتب قلمه فالله المستعان، ويقول: أخالفه في بعض القضايا. وصدق؛ لأن إقبال أراد أن يحول بعض قضايا الإسلام إلى قضايا فلسفية, ونحن لا نوافقه على ذلك، حتى سيد قطب يعترض عليه. - وكتب عن إقبال نجيب الكيلاني في قصة طويلة أسماها: (إقبال الشاعر الثائر). إقبال في مسجد قرطبة للدكتور عبد الوهاب عزام. ­- فلسفة إقبال , للدكتور علي شعلان الصاوي. - إقبال وموقفه من الحضارة الغربية: لـ خليل الرحمن عبد الرحمن. - إقبال العرب: لمجموعة من العلماء. - وكتب عنه طه حسين مقالة. - وكتب عنه العقاد مقالة، وذكره في كثير من كتبه. - وذكره الطنطاوي في مقالات, ونسي نفسه وهو يتحدث عن إقبال. - وتعرض له سيد قطب كثيراً وأشاد به. - وكتب عنه مقالة المراغي شيخ الأزهر. - وكتب عنه كذلك الشرباصي. ولا أعرف مفكراً إسلامياً إلا تكلم عن محمد إقبال , إما بقصيدة أو بموعظة أو بكلمة أو بمقالة. وعندي قضايا هذه الليلة أعرضها عن حياة محمد إقبال.

شعر محمد إقبال

شعر محمد إقبال

الإيمان في شعر إقبال

الإيمان في شعر إقبال قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96] الإيمان وصله بالله، الإيمان الذي تفتقر إليه الدنيا، الإيمان الذي من وجده وجد كل شيء، ومن فقده فقد كل شيء. أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه يقول إقبال في قصيدته الطويلة "شكوى" دمعة أرسلها من عينه وتكلم بها في قصيدة يشكو إلى الله حال العالم الإسلامي، يشكو من المسلمين ويشكو من بعدهم عن دينهم وعن رسالتهم، ويبين لهم أن انتصار الإيمان في الدنيا أمر مجمع عليه, وأن الإنسان لا يصلح إلا بالإيمان وأن الدنيا لا تصلح إلا بالآخرة، وأن المسجد لا يصلح إلا مع المزرعة والمزرعة مع المسجد، هذا هو ما يريد أن يقوله للناس. ولذلك يخالف السعد الشيرازي والسعد الشيرازي: واعظ أفغاني وشاعر كبير, وقيل: هو عجمي إما من حدود إيران أو نحو ذلك, وكنت أظنه من شمال إيران، ويقول عنه محمد إقبال: وهو عالم وواعظ يريد أن يبقى في طرف المسجد وأنا أريد أن أحرك العالم كله، أريد أن تسلم لندن، وأن تسلم موسكو وبون لله رب العالمين، أما السعد الشيرازي فيريد أن يبقى مع كسر خبزه وملحه يعظ الناس في شيراز، فأنا أختلف معه، والسعد الشيرازي شعره جميل, يقول: بكت عيني غداة البين دمعاً وأخرى بالبكا بخلت علينا فعاقبت التي بالدمع ضنت بأن أغمضتها يوم التقينا وأسعدت التي بالدمع جادت بأن أقررتها بالوصل عينا ويقول: ما مر من طيف الهوى بمسمعي لو سمعته الورق ما ناحت معي يا معشر الخلان قولوا للمعافى لست تدري ما بقلب الموجع أما إقبال فيقول عن هذا: إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا تساندها الكواكب فاستقرت ولولا الجاذبية ما بقينا وفي التوحيد للهمم اتحاد ولن نصل العلا متفرقينا هذه من قصائده في الإيمان، ويقول عن المؤمن والكافر، يصف الكافر بأنه ضيق ضيق ومتخلف متخلف وحقير حقير في علم الله وفي الأرض والكون، ويأتي بالمؤمن فيجعله عالماً وكوناً، يقول في بيتين: إنما الكافر تيهان له الآفاق تيه وأرى المؤمن كوناً تاهت الآفاق فيه تدبروا واسمعوا السحر الحلال، يقول: الكافر يتوه في الآفاق، والمؤمن تتوه الآفاق فيه. ويصف مشاعره وأحاسيسه في قصيدة اسمها: "إلى مدينتك يا رسول الله" وأنا قد ترجمت منها بعض المعاني, وعبد الوهاب عزام ترجم كثيراً منها , وأبو الحسن الندوي آثر أن يترجمها نثراً، فترجمها نثراً لأنه ليس بناظم. يقول أبو الحسن الندوي: يا رسول الله! زرتك البارحة في المنام فأتيت إليك أشكو ظلم الهنود، وأشكو ما فعلوا برسالتك، إنهم يا رسول الله! حولوا رسالتك إلى تمائم ومسابح وإلى رقصات، إن رسالتك يا رسول الله! انبعثت من المدينة فأحيتني وأحيت أمثالي, لكن رفض الهنود أن يستجيبوا لك يا رسول الله. ثم يصف خروج الرسالة من طيبة الطيبة وذهابها إلى العراق ثم إلى الأتراك ثم إلى الهنود، وأنها ترتفع بإذن الله لتغطي الدنيا: من ثراها قد كتبنا النور في دنيا الوجود وعلى أهدابها صغنا معان من خلود حكمة الإيمان من طيبة سارت للعراق وهفا الأتراك في دنيا رُؤاها والهنود وكانت قضيته الكبرى أن يؤمن الناس. وأرسل رسالة إلى لينين، وكان محمد إقبال مشهوراً على مستوى العالم يعرفه لينين، ويعرفه أذناب الشرق والغرب، يقول: اتق الله يا لينين! فإنك قصمت ظهر الرأسمالية فأحسنت، فألحق بقصمك لـ الرأسمالية لا إله إلا الله. لينين هذا ثار على الحق الفردي في الرأسمالية , ولكنه أخرب كل الخراب عليه لعنة الله، كفر بالله، يقول: لا إله والحياة مادة. يقول: تعال بلا إله إلا الله. ولكن ذاك رفض. ودخل على نادر شاه في كابل , ونادر شاه كان ملك أفغانستان آنذاك، وكتب رسالة إلى محمد إقبال يقول: أقدم إلينا أقدم إلينا، فدخل محمد إقبال فخرج الأفغان ألوفاً مؤلفة في الشوارع يستقبلونه، فأخذ -قبل أن يقابل الرئيس أو الملك- نسخة من المصحف وأعطاه وقال: يا نادر شاه! والله لن تعلو بشعب الأفغان حتى تأخذ هذه الوثيقة, إنني أتيت بها من الله. يعني: أن هذا القرآن من الله.

العرب في شعر محمد إقبال

العرب في شعر محمد إقبال هو يحب العرب ويعتذر ويقول: يا ليتني أجيد اللغة العربية (100%) ولو أجادها (100%) لأبكانا كما أبكى الهنود، ولأبدع لنا في أدبنا وفي ثرواتنا، وجعلنا في أدب رائد جميل نعيشه من محمد إقبال، ولكن لا زلنا -والحمد لله- نتمتع بمقطوعاته الجميلة الإيمانية، نسأل الله أن يغفر له زلَلَه، يقول في قصيدته وهو ينادي الرسول عليه الصلاة والسلام: إن كان لي نغم الهنود ودلهم لكن ذاك الصوت من عدنان يقول: أنا أتكلم بالهندي ولا أعرف اللغة العربية, لكني يا رسول الله! أحبك وأموت في حبك وقلبي عربي. ويقول في مقطوعته: هضبات نجد في مغانيها المها ومحاور الغزلان ملء تلالها والمجد مشتاق وأمة أحمد يتهيأ التاريخ لاستقبالها هكذا انبعاث الأرواح والإيمان والعقائد في أبيات الشعر: والمجد مشتاق -يشتاق إلى أمة الرسول عليه الصلاة والسلام. والمجد مشتاق وأمة أحمد يتهيأ التاريخ لاستقبالها كأن التاريخ نائم، ثم أفاق وما رأى أمة جديرة بأن تقود التاريخ والدهر والزمن إلا أمة الرسول صلى الله عليه وسلم، فوقف يستقبل هذه الأمة. ثم يقول: سبحانك يا رب! خرج من الصحراء أناس كانوا يعبدون اللات ومناة والعزى، ثم أصبحوا يطوفون بالبيت لله، يقول: وأصبح عابدو الأصنام قدماً حماة البيت والركن اليماني من هم؟ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. أصبح عكرمة وخالد اللذان كانا يطوفان بمناة واللات يحملان لا إله إلا الله والرسالة الخالدة, ويطوفان بالبيت لله رب العالمين. ويقول في قصيدة له اسمها: (تاجك مكة): من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسـ ـمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا من هم؟ العرب، العرب المسلمون، لا عروبة القومية ولا البعثية ولا العلمانية، لكنها عروبة لا إله إلا الله، عروبة تجري في دمك بإياك نعبد وإياك نستعين، عروبة أن تتوضأ وتسجد لله خمس مرات في خمس صلوات، عروبة أن تقول: لا إله إلا الله، فتهتز لها وتقدم دمك من أجلها. يقول: لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا يقول: وكأن السيوف في المعارك تقدم لنا باقات من الزهر عند خالد وسعد وطارق وصلاح الدين، يقول: أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا يقول: ما كنا نأتي بأرواحنا في أجسامنا، كنا نبيعها لله قبل المعركة، والثمن الجنة, إن الله اشترى، وسوف يأتي بها في قصيدة (إن الله اشترى) قال: فكنا نأتي بأرواحنا في أكفنا إليك يا ربنا فنبيعها منك. لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا ندعو جهاراً لا إله سوى الذي خلق الوجود وقدر الأقدارا كنا نرى الأصنام من ذهب فنهـ ـدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا يقول: يا رب! أما فتحنا الهند -يعني: أجدادنا فتحوا الهند - أما فتحناها فقدموا لنا الأصنام وقلنا: لا لا نريد الأصنام؟ قالوا: من ذهب اشتروها؟ قلنا: لا فحرقناها وحرقنا الكفار معها، وهدمناها وهدمنا الكفار عليها، أليس نحن المسلمين؟ يقول: محمود مثل إياز قام كلاهما نكبا العبادة تائباً مستغفراً العبد والمولى على قدم التقى فارحم بوجهك عبد سوء في الثرى والمقصود من هذين البيتين محمود بن سبكتكين المسلم، كان عنده ألف ألف من الأبطال فتح بهم ما وراء نهر سيحون وجيحون، ثم قدموا له الأصنام فرفض كما فعل قتيبة بن مسلم وقال: لا والله لا يدعوني الله يوم القيامة ويقول لي: يا مشتري الأصنام، ولكن يدعوني: يا مهدم الأصنام، فكسرها بفأسه، وأحرقها وأتى بالملك فذبحه ثم نكسه على الصنم. فيقول: محمود مثل إياز، وهو خادم محمود بن سبكتكين , وهو قائد الراية بعده رحم الله الجميع. محمد إقبال في قصيدة له بعنوان " آه من لهفات إلى الحجاز ": نغمات مضين لي هل تعودوا أنسيم من الحجاز يعود آذنت عيشتي بوشك رحيل هل لعلم الأسرار قلب جديد لماذا يحب الحجاز؟! ألغبار الحجاز؟! ألجبال الحجاز السوداء؟! ألفقر الحجاز؟! لا لأن في الحجاز رجلاً مدفوناً هناك. لأن في الحجاز نوراً انبعث لأن في الحجاز رسالة خالدة لأن في الحجاز جماجم الأبطال لأن في الحجاز مخرجاً من مخارج التوحيد والتاريخ. في الحجاز محمد عليه الصلاة والسلام في الحجاز والكعبة والحجر الأسود وزمزم وطيبة في الحجاز آمال المسلمين وطموحهم، فهو يحب الحجاز. وله قصيدة اسمها " ناقتي في الحجاز " وصف نفسه وهو يبكي ويقول: يا ليتني أعتمر مرة ثانية, ولم تكن متسهلة له, كان يدرس في الجامعة الفلسفة، وشرح ديوان المتنبي , وكان يدور في الليل والنهار ويلقي محاضرات، وفي آخر عمره كان يلقي في اليوم الواحد عشر محاضرات, يريد أن يعيد الأمة إلى الله تعالى بشعره يقول: يا ناقتي الخطارة وظبيتي المعطارة حثي الخطا قليلاً منزلنا قريب هذا من نظم الدكتور/ عبد الوهاب عزام، ولكن ذاك أفضع وأفضع، وذاك أقوى وأقوى, يقول: يا قلب حسبك لا تفيق صراحة إلا على مصباح نور محمد يقول: لا يفيق قلبي إلا على مصباح نور الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول في عالم الإيمان قبل هذا: بحثت عنك يا رسول الله! في ألمانيا فما وجدتك هل سافر رسول الله إلى ألمانيا؟ لا إقبال درس في ألمانيا الفلسفة. قال: وجدت القاطرات والسيارات، والشاحنات والطائرات، والثلاجات والبرادات والبنات وما وجدت من أنزلت عليه الآيات البينات عليه الصلاة والسلام.

إقبال يتفجع على المسلمين

إقبال يتفجع على المسلمين إقبال يتفجع على مجد المسلمين، كان شعره قطعاً من نور، وحمماً من براكين، وقذائف من زلزال، كان شعره يترنم به جيش الباكستان في أول ما قامت دولة محمد علي جناح، كان جيشه يصلح في الطوابير الصباحية، وكان ينشد جيشه على مستوى العالم، حتى أن له بعض المقطوعات ترجمت إلى شعر الإنجليز وترجمت بالروسية, وله شعر بالعربي، وشعر بالبشتو وبالفارسي وبالأردو، فهو شاعر على مستوى العالم، وشعراء العالم في هذا العصر كما يقولون خمسة هم: محمد إقبال، وحالي، والسعد الشيرازي، وطاغور وشكسبير. ويقول وهو يتفجع على المسلمين وقد زار قرطبة، ووقف أمام الجامع ولم يجد المسلمين, وجد المسجد قد حول إلى حانات من الخمر والعياذ بالله، وجد العاهرات وهن في محراب المسجد؛ فبكى، وجلس عند الباب وأنشد قصيدته الفضفاضة الشهيرة في مسجد قرطبة وهو يقول: أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي ثم يقول: وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال يقول: تؤذنون ولكن نغمة بلال لا تجيدونها، عندكم أذان ولكن لا تستطيعون أن تؤذنوا مثل بلال. وجلجة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العبَّاد خالي وأما قصيدة (إن الله اشترى) فهو يتكلم بها إلى العالم الإسلامي كله, ويخبر بأهل بيعة الرضوان رضوان الله عليهم: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111]. وفي مقالة له نثرية يقول: أتيت إلى العرب فوجدتهم يتقاتلون، وأتيت إلى الأتراك فوجدتهم يصبغون بالبويات أطراف الزجاج. -أي: أصبحوا نجارين وخشابين وأتيت إلى الهنود وهم يبحثون على الخبز في الأسواق، ولكن ما وجدت من الأصناف من يحمل لا إله إلا الله للعالم، فكل مشغول بخبزه وسيارته ووظيفته، لكن ما وجد محمد إقبال جيلاً يحمل لا إله إلا الله. يقول: نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى حتى هوت صور المعابد سجداً لجلال من خلق الوجود وصورا ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا أين هم؟ من هم؟ إنهم أجدادنا. أم مَن رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى إنهم المسلمون. وهي من أبدع ما قال في حياته. أما قصيدته المشهورة والتي يعرفها غالبكم وهي "شكوى "، فقد بدأها بقوله: حديث الروح للأرواح يسري وتدركه القلوب بلا عناء يقول: أنا أتكلم من روح إلى روح ومن قلب إلى قلب، أنا لا أتكلم إلى الآذان، فقد أكثرنا من الندوات والمحاضرات. هتفت به فطار بلا جناح وشق أنينه صدر السماء ومعدنه رخاميٌّ ولكن سرت في لفظه لغة السماء هذا محمد إقبال في شكواه يتفجع على المسلمين، ثم يقف على معالم أسبانيا بعد رحيل المسلمين من هناك، ويرى مساجدهم ويرى القرآن وحلقات العلم قد عطلت، ويرى الفرنجة قد استولوا على معالم الدين هناك فيقول: قد كان هذا الكون قبل وصولنا شؤماً لظالمه وللمظلوم لما أطل محمد زكت الربى وافتر في البستان كل هشيم وصف الكون بروض, ولكن هذا الروض يبس، وصوح نبته، وماتت أعشابه، وذوت أزهاره، وماتت أطياره، وجف معينه، فأطل محمد صلى الله عليه وسلم، فاهتزت الروح وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، لما أتى محمد عليه الصلاة والسلام اهتز الكون: لما أطل محمد زكت الربى وافتر في البستان كل هشيم

محمد إقبال والحضارة الغربية

محمد إقبال والحضارة الغربية هذا الرجل عرف الحضارة ودرسها ودرَّس هناك، وقادهم في كثير من القضايا الفكرية وهو يعرفها معرفة تامة, يقول أبو الأعلى المودودي رحمه الله: كنا نعظ الناس ونحذرهم من الحضارة الغربية، فما يستمعون إلينا لأنا ما سافرنا إلى الغرب، فلما أتى محمد إقبال يحذرهم من الحضارة الغربية، أنصتوا إليه واستمعوا واتعظوا بما قال. مر معنا ماذا قال في ألمانيا عندما رآها ورأى حضارة القصور, وهو المنطق الإيماني، لكن من شبابنا من يسافر إلى هناك ويأتي يمدح لنا أوروبا، ويمدح لنا أمريكا، إنهم يمدحون ناطحات السحاب، والطائرات والسيارات والقاطرات , جلست مع شاب يتحدث عن أمريكا فقال: رأيت في مدينة دلس عمارة طولها مائة وستة وخمسون دوراً. وهو مثلج الصدر متعجب، ويقولون: في أمريكا أكثر من ألف مطار، وفي أمريكا شوارع تحت الأرض لا يدري بها الذين فوق الأرض، ثم ترك هذا كله في جانب، وترك جانب الروح والإيمان. قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:65 - 66]. أما تركوا منهج الله؟ أما قلبوا في الحياة لما انحرفوا عن لا إله إلا الله؟ أما انتحر الكثير منهم؟ أما تفصمت عرى الأسر عندهم؟ أما فشا الربا؟ وأصبحت المرأة سلعة رخيصة في المنتديات والمسرحيات؟ أما أصبح الشعب هائجاً مائجاً فارغاً؟ أما أصبحت الآلة عندهم أغلى من الإنسان؟ أما أصبح الإنسان عندهم من العجلة يأكل وهو واقف كالآلة؟ أما أصبح عندهم العبد مبرمجاً يذهب ويأتي؟ أما أصبح الرخيص عندهم يعمل ولكن عليه الجنابة سنة كاملة لا يغتسل؟ أما أصبح الإنسان يبول واقفاً كالكلب أمام الملايين من الناس في الشارع؟ أما أصبح الكلب مقدساً معظماً؟ احتج على كلب ضرب في دنفر ورفعوا فيه مذكرة، بينما شعب فلسطين والأفغان يسحقون بالألوف وما احتُج لذلك، بل التي تحتج ضد القرار دائماً هي أمريكا، هي صاحبة النقض نقض الله أساسها، وهي صاحبة الفيتو فتت الله رشدها دون هذا الشعب؛ لكن للكلب عندهم مقدراً, رأينا والله عجوزاً في أكلاهوما إذا أصبحت الصباح تغسل كلبها بالشامبو والصابون والماء الدافئ وكان الجو بارداً، ثم تركبه في السيارة بجانبها في الميمنة وهي تقود، وتطيبه وتعطره وتركب الميدالية في نحره، نحرها الله، أهذه هي الحضارة؟!! أمنتهى الحضارة أن يبقى الإنسان على هذا المستوى؟! محمد إقبال نثرها وخرج من ألمانيا , وأتى إلى المسلمين وأعلن أن الحضارة محتاجة إلى إيمان المؤمنين وصلاة المصلين وصدق الصادقين، يقول للمسلم: أنت كنز الدر والياقوت في لجة الدنيا وإن لم يعرفوك محفل الأجيال محتاج إلى صوتك العالي وإن لم يسمعوك يقول: ليس في العالم إلا أنت، ولا يضرك هذا الضجيج والإعلام والفلسفة، لأن أذناب العلمنة الذين ولدوا في لوس أنجلوس ودرسوا في ديفرسايد، ولا يعرفون القرآن ولا زمزم ولا توضئوا بالماء، طلسموا عقول الناس وجعلوا الدين خرافة ورجعية, فيقول محمد إقبال: أنت كنز الدر والياقوت في لجة الدنيا وإن لم يعرفوك يقول: أنت في لحافك، وأنت في طرف المسجد، أشرف من ألف من أمثال ريجن وكارتر وفورد، ثم يقول: محفل الأجيال محتاج إلى صوتك العالي وإن لم يسمعوك يقول: لكنك لم تتكلم ولم تهدِ الشعوب. ويقول: كريسي مريسون الأمريكي كما ينقل عنه: يا مسلمون! قدمنا لكم الثلاجة والسيارة، والغسالة والطائرة ولكن ما قدمتم لنا الإيمان. يقول محمد إقبال تكلم, اخرج, عظ الناس. وحضارتهم يسميها حضارة القشور والتبعية ويقول: دخلت ألمانيا فأظلم قلبي، وانطفأت معالم الروح في نفسي، ونسيت حلاوة القرآن التي كنت أجدها في البنجاب، لماذا؟ يقول: لأن الفتاة العاهرة تجلس بجانبي على كرسي الدراسة، وكأس الخمر على ماستي، يعني: زميله يجعله على ماسة محمد إقبال، وإلا فـ محمد إقبال مؤمن، فلذلك أتى وهو ثائر كالمصدوع، متفجر الرأس, وينذر الناس من هذه الحضارة ويقول: أيقظوا العالم, أيقظوا الناس، وجهوهم إلى الله رب العالمين.

محمد إقبال ومواقف خاصة

محمد إقبال ومواقف خاصة محمد إقبال له قصيدة عنوانها (فاطمة الزهراء) يعني بنت الرسول عليه الصلاة والسلام, وعناوين قصائده دائماً رائعة بديعة، يقول: هي بنت من؟ -يسأل الناس وهو يعرف أنها بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن يضخمها، وإبهام السؤال للتعظيم والتهويل، مثل قوله تعالى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1 - 2] وقال تعالى: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:1 - 2]. هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟ ثلاثة أمور, بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وزوجها علي وهي أم الحسن والحسين. هي بنت من؟ هي زوج من؟ هي أم من؟ من ذا يساوي في الأنام علاها أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها وعلي زوج لا تسل عنه فما أزكى شمائله وما أنداها إيوانه كوخ وكنز ثرائه سيف غدا بيمينه تياها هذه فاطمة الزهراء قدمها للناس في تعريف بسيط، أما أبوها فهو أكرم الناس، وجبريل رباها بالتوحيد, وعلي زوج لا تسأل عنه إلخ.

فاروق مصر ومحمد إقبال

فاروق مصر ومحمد إقبال مر محمد إقبال في سفينة تبحر به يريد أوروبا، فتوقف بحفظ الله ورعايته في قناة السويس، وبينما هو في قناة السويس كتب رسالة من القناة إلى فاروق مصر؛ لأنه كان حاكماً آنذاك في مصر , وبقي حاكماً حتى انقلب عليه الثوريون بقيادة محمد نجيب وجمال عبد الناصر، وقد كتب إليه محمد إقبال رسالة صارخة؛ لأن المصريين اشتكوا إلى محمد إقبال وقالوا: هذا ظالم، اسمه فاروق لكنه يختلف عن الفاروق عمر (بألـ) التعريفية. هذا فاروق يشبع حماره من أموال المسلمين والأطفال يموتون الشارع، والفاروق المعرف (بألـ) جائع دائماً ليشبع أطفال المسلمين. فاروق هذا أدخل الإنجليز إلى مصر، واستخذى لهم عند الأحذية , والفاروق ذاك صاحب (ألـ) اهتز منه كسرى وقيصر وهما في عروش الظلم حتى زلزلهم زلزله تامة {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45] قالوا: اكتب له رسالة، لأن فاروق يعرف من هو محمد إقبال، فكتب إليه: (بسم الله الرحمن الرحيم: من إقبال إلى فاروق مصر، يا فاروق مصر! إنك لن تكون كـ الفاروق عمر حتى تحمل درة عمر، والسلام) هذا من أقصر الكتب في التاريخ، يقولون: من أقصر الكتب في التاريخ كتاب خالد بن الوليد لما أصبح في اليرموك واشتعلت عليه المعركة واصطدم بالأعداء، نظر فإذا المسلمون ثلاثون ألفاً، والروم مائتان وثمانون ألفاً، فقال: الله المستعان! علي برسالة, والتجأ إلى الله وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، لكن لا بد من أخذ الأسباب, وأخرج القلم وأخذ رقعة وكتب إلى قائد القبائل العربية وشيخها عياض بن غنم: (بسم الله الرحمن الرحيم: من خالد إلى عياض , إياك أريد والسلام) فذهبت الرسالة إلى عياض، فقال: ما يريدني أنا وحدي, إن الكتاب خطير، فجمع كتائب العرب وحشدهم وبعد ثلاثة أيام إذا هم بجيوش كالجبال، والمقصود هذه رسالته.

محمد إقبال والشيرازي

محمد إقبال والشيرازي أما السعد الشيرازي عند محمد إقبال فله موقف معه, يقول: أنا لا أحب أن يبقى الواعظ في المسجد، أنا أحب الإنسان أن يكون عالمياً يغير مجرى التاريخ، أنت تصلي لنفسك، وتسبح لنفسك، وتصوم لنفسك، لكنك تغير العالم لله رب العالمين، وتكون مؤثراً في هذا العالَم. الشيرازي كان يؤمن ببعض القضايا الصوفية، ووحدة الحب عنده مزاجية، ولذلك يقول في قصيدته المشهورة, وهي مكتوبة على هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، يسمونها وحدة الشعوب, يقول فيها: قال لي المحبوب لما زرته من بباببي قلت بالباب أنا قال لي أخطأت تعريف الهوى حينما فرقت فيه بيننا ومضى عام فلما جئته أطرق الباب عليه موهناً قال لي من أنت قلت انظر فما ثَمَ إلا أنت بالباب هنا قال لي أحسنت تعريف الهوى وعرفت الحب فادخل يا أنا وهذا من أحسن ما قيل في الشعر، وهي قصيدة جميلة ولكن محمد إقبال يقول: لا لا بد يا شيرازي أن تخرج بعصاك وببردتك لتغير العالم، وقد أتى إلى مشايخ الأزهر فخطب وألقى فيهم كلمة، فقال: لا يكفي أن تبقوا في مصر، أنتم لـ مصر ولكل الأمصار، لستم أنتم هنا على الكراسي تفتون للناس، بل أنتم للدنيا كلها.

إقبال يذم الديمقراطية

إقبال يذم الديمقراطية يقول في (بيام مشرق) وهو كتاب له مترجم إلى العربية, يقول في صـ135: (كن تلميذاً لرجل صالح خبير، واهرب من نظام ديمقراطي, فإن مخ مائتي حمار لا تنتج مخ إنسان واحد) يقول: النظام الديمقراطي أنا أخالفه، وقد غروا الناس بالنظام الديمقراطي، والإسلام أعظم شورى في الأرض، لكن النظام الديمقراطي فيه ثلاث سلبيات: أولها: أنه يجعل لك حرية حتى فيما بينك وبين الله، يقول: ليس لأحد عليك ملكية ولا عبودية حتى الله، يريدون أن يوصلونك إلى أن تتفسخ من كل شيء، تشرب الخمر تتهتك تزني تفعل ما تشاء، ليس بينك وبين أحد علاقة, ولا تخف من أحد حتى من الله، وهذا كفر وإلحاد, وهو المفعول والمعمول به الآن في أمريكا. ثانيها: الديمقراطي يأتي بالإنسان الرخيص بكثرة الأصوات فيصبح رئيساً. ريجن كان ممثلاً في ديفرسايز في كاليفورنيا وكارتر كان يزرع الفول في جورجيا، ولكن صعد بكثرة الأصوات. يقول محمد إقبال: هذا ليس بصحيح، نحن لسنا بالكثرة، إن مخ مائتي حمار لا تصنع لك مخ إنسان، والإسلام يرفض هذه الهمجية والحشد الهائل من الأصوات، الإسلام عنده أهل الحل والعقد، كما فعل عمر رضي الله عنه والخلفاء الراشدون، أن يجتمع علماء الناس وخيارهم، فيختارون رجلاً واحداً من أحزمهم رأياً وأحسنهم, أما أن تجعل التصويت سارياً، الفوال والخباز والكناس والمغني والمعربد وشارب الخمر له صوت، فيختارون من شاءوا، إذاً من الممكن أن يسقط ذاك الشريف ويرفع هذا الدنيء. ثالثها: أنها ديمقراطية موهومة في نظره، يقول: أنا عشتها، (وقد كان محامياً) قال: وجدتهم يلعبون على الناس، ليس بصحيح ما يدّعون,، في الظاهر ديمقراطية , لكني بحثت عن حقي كهندي مسلم فلم يعطوني حقي؛ لأنني لست إنجليزياً ولا أمريكياً، وهذا موجود. ولو عشت أنت عربياً في أمريكا ثم تشاجرت مع يهودي، لنصروا اليهودي عليك، ولو أنهم يزعمون أنهم أهل الحرية، وأهل الديمقراطية. (كن تلميذاً لرجل صالح خبير) سلم قيادك لرجل عادل كـ عمر، اختير بالشورى لا بكثرة الأصوات من المائجين الضائعين، كثرة الأصوات جعلت بنازير بوتو تصعد على ثمانين مليون مسلم، علماء وأدباء باكستان، وشعب باكستان تستولي عليهم مراهقة معربدة، لا تملك من الإيمان ذرة، رافضية شيوعية يسارية وكل شر فيها لأنها بالأصوات, لكن لو كان هناك مجلس شورى, والعلماء يختارون الرجل السديد الحصيف العاقل، لما وقع هذا. فهو ينادي بترك الكذب على الناس: (كن تلميذاً لرجل صالح خبير, واهرب من نظام ديمقراطي، فإن مخ مائتي حمار لا تنتج مخ إنسان واحد) يصبح إنساناً لكن ليس عنده مخ. ويقول في كتاب (ضرب الكليم) صـ149: (الديمقراطية نظام للحكم تعد فيه الرءوس ولكن لا توزن) يعني رأس خبل, ورأس مجنون، ورأس مصدع، ورأس مثلج، ورأس بليد , ولكنهم لم يزنوا هذه الرءوس، ونحن نحتاج في الإسلام لوزن الرءوس لنختار، قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9] وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] يقول الشاعر العربي، وهو يساوي برجل آخر حقير: ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني

إقبال يذم حضارة الغرب

إقبال يذم حضارة الغرب يقول محمد إقبال في (بال جبريل) في صـ108: لقد حان قرب نهاية العالم القديم الذي حوله المقامرون الغربيون إلى نادٍ للقمار. يقول: العالم هذا أصبح عالماً للقمار، عالماً للأغنية، وللتهتك, وللمرأة، ولإشباع الغرائز، ليس فيهم إنسان يدعو للفضيلة إلا قليل، وليس لهم أصوات تسمع، وقد رأيت كتاباً أمريكيين يدعون إلى الفضيلة -صراحة- لكن ليس على أساس الإيمان، يدعون إلى حفظ العرض, ويدعون إلى الشرف، وإلى حفظ الوقت، أسماؤهم معروفة، لكنهم إذا اهتدوا إلى الإيمان كان هذا هو الأصل، وكان هذا هو الموجه، ولكن لله حكمة. ويقول: (إن العلم إذا كان منحرفاً عن الفطرة السليمة ومزيفاً في أصله، فهو عندنا أعظم حجاب وأعظم حرمان، العلمانية، اللادينية علم ولكن بلا دين، يقول تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:56] دين وإيمان، علم وإيمان، يقول أهل العلمنة: ما لله لله وما لقيصر لقيصر، ويقولون: صل في المسجد ولا تجرح شعور الآخرين. أي: لا تأمر ولا تنهى، كن شيطاناً أخرس، يقولون: لا بأس على الإنسان إذا فرغ من عمله أن يصلي العيد والجمعة وليكون حبيباً عند هؤلاء المتطرفين، أي: يجاملهم حتى يكون حبيباً عند الناس الملتزمين, يعايدهم ويستسقي معهم، لكن الصلوات الخمس يضرب بها عرض الحائط. فـ محمد إقبال يقول: (إن العلم إذا كان منحرفاً عن الفطرة السليمة ومزيفاً في أصله فهو عندنا أكبر حجاب وأعظم حرمان ونعوذ بالله من الحرمان: إذا ما لم يزدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا وإن ألقاك فهمك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا إذاً ما هو العلم؟ العلم أن تتصل بالله، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:56] وقال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً} [الأنعام:122] أي: بالجهل {فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:122] أي: بالعلم {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام:122] بالبصيرة {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] وقال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] فهو ينادي إلى أن العلم بلا إيمان وبلا صلاة وبلا خير؛ إنما هو كفر بالله, ويعترض على مصطفى كمال أتاتورك , في رسالة ذكرها خليل الرحمن عبد الرحمن في كتابه: (إقبال وموقفه من الحضارة الغربية) يقول: كنت أؤمل فيك يا مصطفى كمال أتاتورك! أن تكون مجدداً, ولكنك أتيت مهداداً ومخرباً. ولعن الله أتاتورك فهو الرجل الصنم كما سماه فلاسفة ومسلمو الأتراك، رجل أتى إلى تركيا وهي متدينة، الخلافة كانت في تركيا من بني العثمان، فأتى إليهم وحجب الناس عن المسجد، وأتى إلى امرأة مفتعلة فأنزلها في الميدان وشق حجابها أمام الجماهير فصفق له الناس، وبتر اللغة العربية ومزق المصحف أمام الناس, وكفر بالله رب العالمين، فتعثرت تركيا وأصيبت بضربة على الدماغ، وضربت في كيانها وفي عرضها وفي إيمانها، وأصبح هذا الرجل مجرماً على عباد الله إلى يوم الدين، وأصبح صنماً يعبد من دون الله، وصفق له العلمانيون في العالم العربي, وعلى رأسهم المجرم المتهالك المعتوه بورقيبة، وقد أصبح الآن لا يدري أين يمينه من شماله، وقد أدخل العلمنة مع سوهارتو، في إندونيسيا، وحسيبهم الله عز وجل, وقد انتشرت بأذيالها وأفراخها وسمومها، وحقرائها الذين ينشرونها في الجامعات وفي كل مكان، ولكن عسى الله أن يصدهم بجيل من أمثالكم، وبموكب كريم منكم، يا متوضئون ويا متطهرون! ويا أبطال الدعوة وحفاظ الرسالة! قوم أبوهم سنان حين تندبهم طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا لو كان يُقعد فوق الشمس من كرم قوم بآبائهم أو مجدهم قعدوا محسَّدون على ما كان من نعم لا ينزع الله منهم ماله حسدوا

خاتمة عن شعر محمد إقبال

خاتمة عن شعر محمد إقبال إقبال يحتاج إلى محاضرات كثيرة، وأنا أهتز لشعره وأتأثر به، وكما قال أبو الحسن الندوي: يجيش الخاطر وتهتز العواطف، ويلهب الشعور بشيء لا ندري ما هو بسبب قراءة كلمات شعره، فما بالك بشعره إذا كان بلغته هو؟! إنه السحر الحلال، وإنه الوجدان والبركان والزلزال. وأنا أعرف أن الرجل لم يتمكن من قراءة تفاصيل الشريعة في السنة المطهرة، وإن له بعض العثرات، ولكن عسى الله أن يجبر عثرته، بإجمال إيمانه وبغيرته على الدين، وبأنه قاوم الفلاسفة والمستشرقين الغربيين, وراسل زعماء العالم, ووقف في الجامعات منذراً ومحذراً, وفند الحضارة الغربية أمام الناس، وجمع العلماء وتكلم فيهم كثيراً، وأسس جيلاً يحملون شعره ونبوغه ورسالته, فهو شاعر الإيمان والحب والطموح، وكان يخرج من مدينته الصغيرة في البنجاب في الصباح بعد أن يقرأ ورده من القرآن. وهذه -أيها الأخوة- عادة جميلة تركناها, والأفغان الآن والباكستانيون والهنود المسلمون يحفظونها دائماً، وهي أنهم دائماً يقرءون القرآن من بعد الفجر إلى طلوع الشمس، هذا برنامجهم اليومي دائماً، مع أنهم في بقية الأوقات يشتغلون بأمور، لكن من بعد الفجر يقرءون القرآن. كان محمد إقبال يخرج بعد طلوع الشمس إلى الزهرات في كثبان البنجاب وفي حقولها , ويناجي الزهرة ويكتب قصيدة, ويأتي إلى السفح ويكتب قصيده، وإلى النهر ويكتب قصيدة، وإلى الشجرة ويكتب قصيدة، ولكنه يربطها برباط لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} [إبراهيم:25 - 26] كلمات الفجور في الشعر، كلمات الغناء الفاحش، كلمات الكفر والإلحاد {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:26 - 27]. أيها الإخوة! لا أريد أن أطيل, وربما يكون هناك مداخلات, وهنا أسئلة كثيرة, والآن أترك المجال للدكتور صالح بن عون الغامدي الشاعر والأديب, أن يشارك في هذه الليلة, عل الله أن ينفعنا بما نسمع من هذه المحاضرة، فليتفضل جزاه الله خيراً.

كلمة للدكتور صالح بن عون الغامدي

كلمة للدكتور صالح بن عون الغامدي بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أيها الأخوة الأفاضل! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شكراً لشيخنا الفاضل/ عائض القرني على هذه المحاضرة التي حلق بنا فيها مع شاعر إسلامي رائع؛ لم يكن شاعر الهند ولا شاعر العرب، إنما كان شاعر الإسلام وكفى، لا أريد أن أقول الشاعر العالمي، لكن شاعر الإسلام وهذا يزيده فخراً. لا شك أن لشاعرنا الإسلامي هفوات وتركيز على الجانب الفلسفي، ولكن شيخنا الفاضل الأستاذ/ عائض، قال: إن حسناته فاقت على سيئاته، وهذا عذر له. إن تجربة الشاعر الإسلامي في البلاد الأوروبية ربما كان لها جانبان: الجانب الأول: هو جانب الإبداع والمناجاة التي أبدع فيها عندما تناول الجانب الإيماني، وقارنه بالحياة الفاشلة أو الحياة السيئة والتفكك الأسري في أوروبا، لكن أيضاً هناك جوانب أثرت عليه، وهو الجانب الآخر وهي عملية الفلسفة التي درسها في أوروبا، وكلنا يدرك هذا الشيء, لأن الأوروبيين يركزون دائماً على محاولة إفساد العقل المسلم وإشباعه بالخرافات والمعتقدات السيئة, ومع ذلك لم ينزلق شاعرنا الإسلامي فيها. شكراً لكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

كتاب جامع لشعر محمد إقبال

كتاب جامع لشعر محمد إقبال Q يا حبذا تدلنا على كتاب جامع لشعر محمد إقبال؟ وإذا لم يكن هناك كتاب جامع فيا حبذا لو تجمعون ما تعرفونه عن هذا الشاعر الإسلامي وتخرجونه في رسالة أو في كتاب يطبع؟ A قد ذكرت في أول المحاضرة جملة من المراجع ما يقارب ثمانية أو تسعة، ولكن لا أعلم أن هناك ديواناً جمع شعره كله، هناك (ضرب الكليم) و (الأسرار والرموز) وهو للدكتور/ عبد الوهاب عزام، شعر محمد إقبال , وله قصيدتان جميلتان اسمها: (شكوى، وجواب شكوى) أما ما اقترح الأخ فلعل الله أن يهيء من طلبة العلم والأدباء من يقوم بهذا المشروع، ولو أن شعر الرجل أصبح مشهوراً متداولاً, خاصة بين الأدباء وطلبة العلم والمثقفين.

كتاب يتكلم عن حياة محمد إقبال

كتاب يتكلم عن حياة محمد إقبال Q هل هناك كتاب يتكلم عن حياة إقبال، وإذا لم يكن هناك فلماذا لا تكتبون عنه؟ A هناك كتابان في متداول اليد، وسأدلكم عليهما وهما سهلان وطيبان: 1 - (إقبال الشاعر الثائر لـ) نجيب الكيلاني. 2 - (روائع إقبال) لـ أبي الحسن الندوي.

ترجمة قصائد محمد إقبال

ترجمة قصائد محمد إقبال Q أريد أن أفهم كيف تترجم قصائد إقبال، هل لغته التي نطق بها موافقة للغة العربية بحيث يترجم أحدهم الألفاظ فقط, أم لا بد أن يكون شاعراً، أفيدونا حفظكم الله؟ A يقولون: إن أقرب لغة إلى اللغة العربية هي اللغة الفارسية، فهي قريبة جداً, والرجل في لغته كان يؤثر في قومه، ولذلك عندهم الآن شعر إقبال عجيب جداً، وقد رأينا في إسلام آباد وفي بيشاور شوارع إقبال، ومحلات وجامعات ومدارس باسمه, وقد أثر في حياتهم كثيراً , وتجدهم مغرمين بشعره ويتهافتون عليه، وتجد العوام يرددون شعره، فهو مثل المتنبي عندنا، الآن راعي الغنم عندنا إذا مر عليه حادث يقول: ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن فأصبح إقبال عندهم كـ المتنبي عندنا، ولكن الشعر كما قلت لكم باللغة الفارسية وهي قريبة من اللغة العربية. مثلاً: كنا في حفل تخريج الدفعة الخامسة مع المجاهدين، وكان الشيخ سياف ومحمد مولوي نبي موجودين وجماعة من المجاهدين، فقاموا ينشدون وقالوا: نامني نظام غَرْبِيا نامني نظام شرقيا مصطفى مجتبى نظام حبيبيا فقلت في نفسي يمكن أنهم يقولون: نرفض النظام الغربي ونرفض النظام الشرقي، ونريد نظامك يا رسول الله! يا مصطفى ويا مجتبى ويا حبيب! فسألت الشيخ الأفغاني فقال: نعم. هذا هو المراد. فيأتي عبد الوهاب عزام، ويضع المؤشرات والبويات والرتوش حتى تصبح قصيدة , وعبد الوهاب يدل على أنه ذكي وشاعر إجادته في الترجمة, وقد قالوا: إقبال له قصائد قالها بالعربية، ولكن لغته العربية ليست بذاك, ولو كانت قوية لفجر ينابيع التأثير فينا.

الاحتفال بمولد محمد إقبال بدعة

الاحتفال بمولد محمد إقبال بدعة Q ذكرتم أن الباكستانيين يحتفلون بذكرى ميلاد محمد إقبال، ولم توضحوا مدى بدعية ذلك الأمر، أرجو التوضيح؟ A نعم أحسنت هذا أمر مبتدع كما تريد أن تقول؛ لأن {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} ولكن بدعهم كثيرة بسبب قلة الدعاة الصادقين المخلصين الذين يعرضون الدعوة الصحيحة عليهم. تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد فلعل الله أن يصلح الحال، وإلا فبدعهم كثيرة، مثلاً: محمد علي مناج يسمونه جنة وإلا هو محمد علي جناح، هو في الدرجة الثانية بعد إقبال، وصوره حتى في مكاتب الخطوط وفي البقالات وفي كل مكان، مع العلم أن هذا مهلوس، ولو أنه وطني عندهم لكنه لا يصلح. فهم دائماً كلما أتت ذكرى يومه خرجوا في الشوارع يصيحون ويضربون، وهذه كلها مخالفة لأمر الله عز وجل.

ديوان محمد إقبال

ديوان محمد إقبال Q هل لـ محمد إقبال ديوان مطبوع، إن كان كذلك فدلنا عليه؟ A مثل ما سلف في الكتب التي ذكرت فيها قصائد ومقطوعات، ولكن حسبك من شعره خمس أو ست قصائد, حتى يشعل في ذهنك معنى الأدب، وحتى تشعر أن هناك أدباً إيمانياً ليس أدب البطاطس والخيار والجرجير، فنحن عندنا أدب لكن أكثره أدب بطاطس وخيار وجرجير، أدب خلطة وأسمنت , أدب درجات حرارة وصيدليات مناوبة، ومن هذا القبيل؛ ولذلك فإن الجرائد ممتلئة بهذا وترمى في المزبلة في آخر النهار، رأيت ما يقارب أربعة وعشرين قصيدة نشرت في أسبوع في الصحف اليومية، وحاولت أن أجد بيتاً جميلاً، أو أحفظ شيئاً جميلاً، فما وجدت شيئاً جميلاً, وجعلناه في سلة المهملات، وأطلعكم على قليل من هذا الأدب: انظر الفجر زاهي بالوفا قد تجلى مثل وجه المصلي عقب فرض الصلاة جدهم عمرو والفاروق وابن المعلا ناصر الدين يوم الكفر طاغ وعاتي وبعض الناس يقول: لا تعارض الأدب النبطي. صحيح ربما يصلح للنبط وللعوام, ولكن لمثلكم وأنتم مثقفون وطلبة علم، وفضلاء، أيصبح معيننا أن نسمع للبدو في كل صحيفة ونحفظ أشعارهم؟ أو أدب حداثي ممجوج لغة, ولفظاً، وإيماناً، ومعنى، وكل شيء، مثل قولهم: للنملة ثدي سال ثدي النملة باللبن أنا ذبابة الليمون أطير من شجرة إلى شجرة نمت على سفح الفيل، طار بي الفيل في وديان الحب عاوزين إيه!

من هو عبد الوهاب عزام؟

من هو عبد الوهاب عزام؟ Q ألا يعد عبد الوهاب عزام له أكبر الفضل بعد الله في نشر شعر محمد إقبال؟ فمن هو عبد الوهاب عزام؟ A بلى. عبد الوهاب عزام دكتور فاضل وداعية كبير, وكلامي هذا مثل ترجمة بعض الطلاب عندما نسألهم في الامتحان عن الصحابة رضوان الله علهم: من هو أبو هريرة؟ قال: أبو هريرة صحابي جليل, عاش مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وحفظ كثيراً من الأحاديث رضي الله عنه وأرضاه. وأنا أعتذر لأني لا أعرف الحياة التفصيلية لـ عبد الوهاب عزام، أعرف أنه فاضل وأديب. مثلما قال محمد الراشد.

استشكال حول عنوان المحاضرة

استشكال حول عنوان المحاضرة Q باعتبار أني قد قرأت عنوان المحاضرة أن محمد إقبال شاعر الحب والطموح، هل من الأفضل والأحرى أن يكون غير هذا العنوان مثل: محمد إقبال شاعر الصحوة الإسلامية, أو رائد الصحوة الإسلامية في الشعر؛ لأن كلمة "حب" قد يفهمها الناظر إليها من أول وهلة فهماً مقلوباً, أو لا يعرف البطل الذي أقيمت له المحاضرة؟ A لا خلاف في المسميات إذا اتفقنا نحن على المقاصد, إن قلت أنا: إقبال أو محمد إقبال، وإن قلت: محمد إقبال شاعر الإسلام أو شاعر الصحوة أو شاعر الحب والطموح، أو شاعر الإيمان. خذا جنب هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق فلا خلاف بينها, لكني وضعت كلمة الحب؛ لأن بعض الناس من الشباب يظن أن الحب فقط للمغنين والمغنيات، ولكن نحن عندنا حب أعلى وأسمى، يقول الطنطاوي: نحن أهل الحب، نحن الذين صنعوا الحب وأذكوه في قلوب الرجال، نحن الذين نشروا الحب من على المنائر خمس مرات في كل يوم، نحن الذين عرفوا الحب وعرفوا الناس الحب، الحب الذي يقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} [المائدة:18] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] فالحب إيماني وهو كالصلاة وهو عقيدة أهل السنة الجماعة {من أحب لله وأبغض لله , وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان} أما حب مجنون ليلى، وحب صلاح عبد الصبور، وحب أودنيس، وحب بدر شاكر السياب وغيرهم, فهذا ليس من الحب في شيء, هذا حب حرام، يقول مجنون ليلى: أتوب إليك يا رحمن مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب وأما من هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب وقد ذكرت من أشعارهم في محاضرة (الأدب الذي نريده).

محمد إقبال والفلسفة

محمد إقبال والفلسفة Q ذكرت أن محمد إقبال تعلم الفلسفة ودرسها في الجامعة، وهل هناك دخل دخول للفلسفة في الدين , التي تسعى بعض التأويلات أن تضيع على البعض الركن السادس من أركان الإيمان ألا وهو القدر، ما تعليقك رعاك الله؟ A أصلاً كل الفلسفة لا يقبلها المسلمون، ومحمد إقبال مضطر للمجتمع الذي ذهب إليه، ذهب إلى بون يريد أن يدرس، تريد أن يدرسوه كتاب الفقه من (زاد المستقنع) وإلا صحيح البخاري وإلا تفسير ابن كثير وأقرب علم للإسلام الفلسفة، فيريد هو أن يدخل إلى حضارتهم ويعرف علومهم وثقافتهم وتربيتهم وعلم النفس من طريق الفلسفة، فدرسها وعرفها، وليس معنى ذلك أن الإنسان إذا درس الشيء اعتقده أو آمن به؟ لكن العلم بالشيء خير من الجهل به: عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه والفلاسفة متهوكون، يقول الشهرستاني وهو من تلاميذهم وأساتذتهم: لعمري لقد طفت المعالم كلها وسرحت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم فيقول له أحد الناظمين: لعلك يا أستاذ ما زرت أحمداً رسول الهدى المبعوث من خير هاشم فوالله لو قد زرته الدهر مرة لما كنت نهباً للصقور القشاعم نحن نخالف الفلاسفة في المعتقدات، وفي كثير من مسائل والأصول، فالمعنى أنك تقرأ الشر لتجتنبه.

مقتطفات من شعر الشيخ عائض

مقتطفات من شعر الشيخ عائض Q هل قلت شعراً في هذا الوقت العصيب الذي تمر به الأمة الإسلامية؟ A هناك قصائد , منها قصيدة "بين الأمس واليوم" وآخر قصيدة هي لقادة المجاهدين الأفغان, قلت في بعضها: الحق أبلج والسيوف عواري فحذار من صولات حكمتيار بطل إذا عزف الرصاص تمايلت أطرافه بالعسكر الجرار ومنها: حيوا الجهاد فذكره يشجيني وأخص حكمتيار قلب الدين ليس قَلب الدين ولكن قُلب الدين وهو رائحة الورد. أسد براثنه شباب محمد قاد الكتائب وهو في العشرين آماله ضرب الجماجم في الردى سماه مادحه صلاح الدين شكراً لأستاذ المكارم والنهى سياف رمز القائد المأمون ومعلم الأجيال في ساح الردى الشيخ يونس صاحب السبعين لا تنس رباني فإن حديثه كالشهد أو كالتوت في تشرين أو كالتفاح في أكتوبر. وصلى الله وسلم على محمد, والحمد لله رب العالمين.

قض نهارك مع ابن المبارك

قض نهارك مع ابن المبارك عبد الله بن المبارك قلده أقرانه من العلماء في أفعاله فعجزوا، وقلده الأغنياء في كرمه وجوده وسخائه فلم يفلحوا!! فهو السخي الجواد، وقبل ذلك العالم العامل، العابد الشجاع المجاهد، زاحم الصحابة في العمل فلم يسبقوه إلا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم.

ابن المبارك نسبه وصفاته

ابن المبارك نسبه وصفاته إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصبحه وسلم تسليماً كثيراً. إخوة الإيمان، حملة المبادئ، رواد التوحيد! عنوان هذا الدرس: قض نهارك مع ابن المبارك، وهذا عنوان كتاب للذهبي -الإمام العلامة، مؤرخ الإسلام- كتبه عن الإمام ابن المبارك، ولكنه لم يخرج إلى الناس، ولا زال مخطوطاً ومفقوداً، فآثرت أن أختار هذا العنوان لنصاحب هذه الليلة ماجداً من أمجاد محمد عليه الصلاة والسلام، وشيخاً عظيماً من مشايخ الإسلام، وأستاذاً جليلاً عبقرياً، وسوف تجدون المكرمات في شخصيته، ثم أجرد هذه الليلة العاطفة وأجعلها بعيدة من هذا الدرس، ولكننا نأتي بنقولات عنه، ليكون هذا الدرس إن شاء الله مفيداً للمسلمين، وإني أعتبر الدرس من أحسن ما يكون وليس الفضل لي، بل الفضل لله، لكن الشباب خاصة بحاجة إلى أئمة يعيشون معهم ويقتدون بأخلاقهم وصفاتهم وسلوكهم.

نسب ابن المبارك

نسب ابن المبارك ابن المبارك هو: عبد الله بن المبارك المروزي الإمام المحدث أمير المؤمنين، قالوا عنه: الزاهد العابد، الفقيه المجاهد، ثم قالوا عنه: شيخ الإسلام. النسب والبطاقة الشخصية: نسبه يتصل "بإياك نعبد وإياك نستعين"، أما أبوه فمولى من الموالي، والليلة ترجمة ابن المبارك تكسر التمييز العنصري لأننا نخجل من أنفسنا أن يوجد في أوساطنا تمييز عنصري، أقول هذا وكلنا خَجَلٌ، فإن في بعض النواحي لا زال التميز العنصري وارداً، ولا زال التميز الطبقي حاصلاً، فمن أين أخذناه؟ أمن الكتاب والله يقول: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]؟ أم من السنة والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أحمر إلا بالتقوى} أو كما قال عليه الصلاة والسلام؟ وإنما أخذت هذه من الجاهلية، أخذت من الأرض، أخذت من السفهاء، حتى وجدت في بلاد الإسلام. ابن المبارك أبوه مبارك مولى من الموالي، دخل بلاد الإسلام واعتنق هذا الدين وشرف به. والرسول عليه الصلاة والسلام كانت أعظم المؤهلات عنده من يحمل لا إله إلا الله محمداً رسول الله بصدق. ومن يتشرف بحمل العقيدة فهو ولي الله وحبيبه، بلال من أساتذة الإسلام، وصهيب وعمار وسلمان وأنسابهم ليسوا من العرب القح، فأين أبو جهل؟ وأين الوليد بن المغيرة؟ وأين حاتم الطائي؟ وأين عنترة بن شداد؟ لا شيء قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17].

والد ابن المبارك

والد ابن المبارك كان مبارك والد صاحبنا هذه الليلة، والد عبد الله حارساً على بستان، يحرس الرمان والتفاح والليمون أن يعتدي عليه سراق أو لصوص بأجرة بسيطة، فكان يبدأ من الصباح في عمله، وكان يتخلل عمله بركعات يركعها في البستان، ولا يفتر لسانه من ذكر الله عز وجل، فإذا استلم راتبه من سيده تصدق بثلث الراتب، وأنفق عليه وعلى أهله ثلثه وخزن ثلثه، لما سوف يعرض له. دخل سيده ومعه ضيف يزور البستان، قال: يا مبارك! ائتنا برمان، فأتى برمان حامض، ووضعه بين يديه، قال: هذا حامض، ائتنا بغيره، فأتى برمان حامض، قال: أنت لا تفهم ولا تعي؟ هذا حامض، قال: والله لا أعرف الحامض من الحلو، قال: أما ذقته وأنت في البستان من كذا وكذا سنة؟ قال مبارك: أنت لم تأذن لي أن أذوق ما في البستان. أي ورع هذا! أي صفاء عقدي! أي عبادة! أي مراقبة لله! فأنجب هذا المبارك -وهو مبارك على اسمه- عبد الله بن المبارك، وترعرع شاباً فصيحاً ذكياً، لكن يقال: إذا واجهته عرفت أنه ليس بعربي، تعرف أنه مروزي وعجمي من شكله. كان فصيحاً ينظم الشعر البليغ، وهو من أكبر الشعراء، وسوف تسمعون هذه الليلة أبياته التي تهز أنياط القلوب وهو يحرك بها الأمة الإسلامية من شرقها إلى غربها. عاش رحمه الله فتتلمذ على كتب الحديث، ثم بدأ مسيرته فغطى جوانب الكمال، حتى قال بعض الفضلاء: لو قيل لي: اختر رجلاً بعد الصحابة اجتمعت فيه الفضائل، لاخترت عبد الله بن المبارك، وكان بعض تلاميذه يقول: تعالوا نجلس ونعدد فضائل ابن المبارك، فيعدودن قالوا: كان يقوم الليل، ويصوم النهار، ويتصدق، ويجاهد، ويدعو إلى الله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ثم هو شاعر، وأديب ولغوي، وهو مع ذلك فقيه محدث. هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله وهذه هي صفات يتقلدها عباد الله الصالحون يوم يشربون هذا الدين كالماء الزلال، اسمحوا لي أن نبدأ وهذا للذهبي، لكنه فقد كتابه قضِّ نهارك مع ابن المبارك، يقول: ابن المبارك إمام شيخ الإسلام، عالم زمانه، وأمير الأتقياء في وقته أبو عبد الرحمن الحنظلي مولاهم التركي، ثم المروزي الحافظ الغازي، أحد الأعلام.

حياة ابن المبارك وسيرته

حياة ابن المبارك وسيرته مولده سنة 118 وبينه وبين الرسول عليه الصلاة والسلام أو بين الهجرة ما يقارب 118 سنة فقط، هو قريب كاد أن يدرك الصحابة ولما يدركهم ابتعد ولكن قلبه اقترب، وسوف يحشر معهم إن شاء الله. حديثه حجة بالإجماع، روى عنه البخاري ومسلم، وتجاوز القنطرة وهو محدث جهبذ صادق لا يعرف الكذب أبداً، ينقي الأحاديث تنقية كما ينقي الصيرفي البهرج من الذهب. أتوا بكذاب إلى هارون الرشيد وضع أربعة آلاف حديث هي كذب على محمد عليه الصلاة والسلام، فقال هارون الرشيد: والله لأذبحنك الآن، قال: اذبحني أو لا تذبحني والله لقد وضعت عليكم أربعة آلاف حديث، قال: ما علي! يعيش لها الجهابذة عبد الله بن المبارك وأبو إسحاق المروزي، ثم استدعى عبد الله بن المبارك وذاك فنقوها في ثلاثة أيام وأخرجوا أربعة آلاف حديث. قالوا: هذه كلها كذب. وهو مؤلف أيضاً، له كتاب: الزهد مطبوع في مجلد، كانوا إذا قربوا منه كتاب الزهد يقرأ عليهم في الجامع الكبير كأنه بقرة منحورة من البكاء، لا يستطيع أن يقرأ كما قال الذهبي. كان يعيش في خراسان، وهو يعيش في خراسان، وإذا أراد أن يخرج لحج أو عمرة أو جهاد خرج أهل خراسان، رجالهم ونساؤهم وأطفالهم يودعونه، لأن أمواله كانت تطوف على فقرائهم وعلى مساكينهم، وكان ينفق الطعام على كل بيوت خراسان، فكانوا يبكون ويقولون الأبيات المشهورة التي صنفها شاعرهم حيث يقول: إذا سار عبد الله من مرو ليلة فقد سار منها نجمها وهلالها إذا ذكر الأحبار في كل بلدة فهم أنجم فيها وأنت هلالها وكان إذا صلى العصر دخل غرفته وأغلق عليه الباب، وأخذ القرآن فقرأ قليلاً، وكتب الحديث فعاش مع محمد عليه الصلاة والسلام فيقول له تلاميذه، أو بعض الفارغين -بعض الناس فارغ في الحياة، لا يستطيع أن يجلس وحده ساعة، يستوحش، حتى تجده إذا وجد فراغاً في حياته ذهب إلى جاره أو زار فلاناً أو علاناً، أو جلس على الرصيف يعد السيارات الذاهبة والآيبة، أو تجده يجلس عند الدكاكين، أو القماشين، أو البزازين ويقول: يا فلان! نريد أن نقطع اليوم تعال نتحدث- قالوا له: ألا تستوحش؟ قال: [[كيف أستوحش وأنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام ومع أصحابه؟!]] فالذي يجلس مع محمد عليه الصلاة والسلام لا يستوحش، والجلوس معه عليه الصلاة والسلام يكون بالجلوس مع سنته، مع تعاليمه التي هي مودعة في الكتب. الإمام أحمد شكى إليه أحد تلاميذه، قال: أخاف الوحشة إذا سافرت، قال: خذ لك كتباً تقرأها في السفر، فإذا أغلقت عليك بابك وعندك كتاب فلا تستوحش، حتى قال الجاحظ: الكتاب هو الأنيس الذي لا يؤذيك، والرفيق الذي لا يملُّك متى احتجت إليه فتحته، ومتى استغنيت عنه أغلقته، لا يفشي عنك سراً، ولا يطيل الجلوس، ولا يملُّك أو كما قال، فهذا هو الكتاب، حتى يقول المتنبي: أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب وهي من قصيدته المشهورة التي يقول في آخرها: ليعلم قوم خالفوني وشرقوا وغربت أني قد ظفرت وخابوا إلى أن يقول: وما أنا بالباغي على الحب رشوة أطيف هوى يبغي عليه ثواب أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب دخل الخليفة الرقة ودخل ابن المبارك في وقت واحد وفي ساعة واحدة، وكانت المدينة متهيئة لاستقبال الخليفة الذي يتحدى السحاب في السماء أن يمطر على الأرض وهارون الرشيد شاور بل فاوض ملوك الأرض وقاتل نقفور كلب الروم وفرض عليه الجزية، وأدخل الذلة بلاده، وبلغت هيبته إلى فرنسا. دخل الرقة واستعد الناس لاستقباله، لكن فوجئ الناس بدخول ابن المبارك على بغلة ومعه تلاميذه، فترك أهل الرقة جميعهم الرشيد وانصرفوا إلى ابن المبارك حتى تقطعت النعال من الزحام، وبقي هارون الرشيد في ملأ قليل من الناس معه حرسه ووزراؤه، فقالت المرأة وهي في القصر: -امرأة هارون - من هذا؟ قالوا: عالم خراسان عبد الله بن المبارك، قالت: هذا والله الملك لا ملك هارون الذي يجمع الناس بالسياط والسيوف، هذا يجمعهم بالحب، يجمعهم بالولاية، يجمعهم بالرسالة، يجمعهم بإياك نعبد وإياك نستعين. يأبى السؤال فلا يراجع هيبة والسائلون نواكس الأذقان أدب الوقار وعز سلطان التقى فهو المطاع وليس ذا سلطان

جود ابن المبارك رحمه الله

جود ابن المبارك رحمه الله كان ابن المبارك إذا أراد أن يحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو، فيقولون: نصحبك، فيقول: هاتوا نفقاتكم، فيجمعون نفقاتهم جميعاً، هذا عنده مائة درهم، وهذا مائتا درهم، وهذا ثلاثمائة درهم، فيأخذها في صرة ويكتب اسم صاحبها على الصرة، ثم يضعها في غرفة، فيظن الحاج أنه يحج بنفقته، فإذا حج بهم أطعمهم وسقاهم وكساهم وتنقل بهم، فإذا انتهوا من الحج ذهب بهم إلى المدينة، فإذا زاروا المسجد وسلموا على الرسول عليه الصلاة والسلام سأل كل واحدٍ عن حاجته، لأنه كان غنياً من أغنياء العالم الإسلامي في عهده، والإسلام لا يعترف بالدروشة، أن تضيع المال وتقول: الزهد الزهد؛ كلنا فانون رائحون! لا. بل يعترف أن تكون غنياً تخاف الله، تملك المال وتصرفه في مصارفه. كان عنده مئات الألوف من الدراهم، حتى لامه العلماء، مثل سفيان الثوري وإسماعيل بن علية والفضيل بن عياض لاشتغاله بالتجارة، فقال: [[والله لولاكم ما اشتغلت بالتجارة]] لأنه ينفق عليهم كل سنة. ولذلك كان يعطي سفيان الثوري عشرة آلاف درهم كل سنة، ويعطي الفضيل مثله، نفقاتهم كلها من عند ابن المبارك. المقصود: فلما انتهوا من الزيارة قال: أحد منكم يريد هدية لأهله؟ فيشتري لهم، ثم يرتحل فإذا وصل إلى خراسان، دعا أهل خراسان في وليمة عامة مع الحجاج ومع ذويهم وأهاليهم وضيفهم، ثم دعا الحجاج ورد لكل نفقته مكتوب اسم صاحب النفقة عليها، قالوا: كيف؟ وأين نفقتنا في الحج؟ قال: أما سمعتم في الحديث أنه يبارك للحاج في نفقته؟ فقد بارك الله لكم في نفقتكم. حج مرة فوصل إلى الكوفة، يقولون: كان إذا ارتحل كأن موكبه موكب ملك، حتى يقولون: إنه يأخذ الدجاج المشوي على اثني عشر جملاً، وكان يطعم الناس الفالوذج، وهي أكلة طرية لو رأيتموها لسال لعاب الواحد منكم، فكيف لو أكلها، قالوا لـ أبي يوسف القاضي: الفالوذج والبالوذج أحسن؟ قال: لا يحكم على غائبين -وهو قاضي الدنيا- لا بد أن أراهما في صحنين ثم أحكم، فقدموهما في صحنين، فأكل من هذا لقمة وأكل من ذاك لقمة، فقال: كلما أدلى هذا بشهادة أدلى هذا بشهادة، حتى صفى الصحنين ثم قال: كلهم سواء في الميزان. فـ ابن المبارك كان يطعم الناس الفالوذج، وكان يسرد الصيام سرداً، وكان يدور ويغرف من القدور المرق للناس في الصحون. لما حج ووصل إلى الكوفة، وهو في طريقه يخترق من خراسان يريد مكة، فمر بـ الكوفة فوجد أهل الكوفة في سنة مجدبة، في قحط لا يعلمه إلا الله، بلغ بهم الجوع إلى أن خرجت جارية من بيت إلى مزبلة -قمامة- فأخذت غراباً ميتاً وذهبت به إلى البيت فقال لغلامه: بالله اذهب واسألها لماذا أخذت الغراب؟ فسألها فقالت: والله مالنا من طعام منذ ثلاث ليال إلا ما يلقى في هذه المزبلة، فلما أخبروا ابن المبارك، بكى وجعل يده على وجهه وقال: الله المستعان! نحن نأكل الفالوذج وهم يأكلون الغربان الميتة، قسموا هذه القافلة على أهل الكوفة وعودوا لا حج لنا هذه السنة، فقسموا على أهل الكوفة كل ما على القافلة من البر والزبيب والمأكولات والمطعومات، ورجع بدون حج من الطريق، فلما وصل إلى خراسان ونام أول ليلة. رأى قائلاً في المنام يقول: حج مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور -فعسى الله أن يتقبل منا ومنه الحج، فإن هذا من أعظم المقاصد التي قد تكون أعظم من الحج؛ لأن بعض الناس يتنفل بحج وجاره جائع بجانبه، وجاره فقير ولا يجد أكلة، فهذا من فقه ابن المبارك وعلمه، وهذا من سعة إدراك ابن المبارك - ونريد أن نكرر من تلاميذ الإسلام من مثل ابن المبارك.

أقوال العلماء في ابن المبارك

أقوال العلماء في ابن المبارك يقول عبد الرحمن بن مهدي: "ما رأت عيناي مثل أربعة، ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري - ولا أشد تقشفاً من شعبة، ولا أعقل من مالك , ولا أنصح للأمة من ابن المبارك " كان يحب الأمة المحمدية على صاحبها الصلاة والسلام. حب المسلمين يجري في دمه، حتى يؤثر عنه أنه قال: [[ياليت أن الله يجعلني فداء لأمة محمد]] وكان يقول لتلاميذه إذا أراد أن يرسل أحداً منهم في السفر: إذا صاحبت قوماً أهل ود فكن لهم كذي الرحم الشفيق ولا تأخذ بزلة كل قومٍ فتبقى في الزمان بلا رفيق يقول: حاول أن تصاحب الناس، لكن احذر دائماً أن تبحث عن أخطائهم وتعلق على نواقصهم، فإن العبد فيه نقص، وتجد بعض الناس يطلب الكمال من غيره وهو ليس بكامل، ويطلب أن يخلص الناس أنفسهم من العيوب وهو كله عيوب، مثل ما يقول ابن تيمية: "بعض الناس كالذباب لا يقع إلا على الجرح" فتجده دائماً نقاداً، لا يستطيع أن يعيش مع أحد ولا يستطيع أن يصاحب أحداً، ولا يستطع أن يسافر مع أحد، ثم يوصي كذلك ببيتين آخرين وهما منهج تربوي لمن أراد أن يتعلم أدب السفر وأدب الصحبة مع الناس يقول: وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفاف وحياء وكرم قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم يقول: إذا صاحبت إنساناً فابحث لك عن إنسان سمح في طاعة الله عز وجل، ليس سمحاً في معصية الله، لا تصاحب رجلاً شكوساً عبوساً، بعض الناس مفطور على المخالفة، كما يقول الشريف الرضي: مشغوفة بخلافي لو أقول لها يوم الغدير لقالت ليلة الغار فيقول ابن المبارك: حاول أن تقول: نعم، إذا قال صاحبك: نعم، وإذا قال صاحبك: لا، فقل: لا، إلا في المعصية، هذه من مدرسته. يقول سفيان الثوري وهو عالم الدنيا: "إني لأشتهي عمري كله أن أكون سنة مثل ابن المبارك فما أقدر أن أكون مثله ثلاثة أيام". كان ابن المبارك يجاهد نفسه حتى يجلس اليوم الطويل لا يتحدث إلا بطاعة، وكان يقول: [[إن عليكم ملائكة يكتبون ما تتكلمون به]] فكان يحصي كلامه؛ ماذا يقول، وكيف ينطق؛ لأنه يخاف الله. قال ابن عيينة: "نظرت في أمر الصحابة وأمر عبد الله بن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلاً إلا بصحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم وغزوهم معه عليه الصلاة والسلام". وقال سويد بن سعيد: "رأيت ابن المبارك بـ مكة فلما طاف وأتى زمزم -والناس ينظرون إليه- أخذ شربة بيده ثم استقبل القبلة وقال: [[اللهم إن ابن أبي الموالي -هذا راوي، يعرض السند على الله، لأنه يتعامل بالسند- حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر عن نبيك عليه الصلاة والسلام أنه قال: {ماء زمزم لما شرب له} اللهم إني أشرب هذا لظمأ ذاك اليوم]]. يقول ابن عباس: [[إن سألت الله أن يشفيك به شافاك، أو يرزقك علماً غزيراً رزقك، أو مالاً رزقك الله مالاً، وماء زمزم لما شرب له]] وهذا حديث صحيح، ابن المبارك لم يطلب علماً لأنه عالم، ولا مالاً ولا رزقاً بل قال: [[اللهم إني أشربه لظمأ ذاك اليوم]] وظمأ ذاك اليوم معروف، نسأل الله أن يروينا من حوض الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن الناس يكونون عطشى ويشتد بهم العطش والكرب. ودنت الشمس من الرءوس وكثر الكرب على النفوس واستشفع الناس بأهل العزم في راحة العباد من ذي الموقف وليس فيهم من رسول نالها حتى يقول المصطفى أنا لها أما بعضهم فيضمأ فيشرب ثم يروى، ومن شرب من حوض محمد صلى الله عليه وسلم شربة فلن يظمأ بعدها أبداً، وبعضهم يبقى ظامئاً صادياً ويدخل النار وهو ظامئ، نعوذ بالله من ذلك. قال نعيم بن حماد: [[كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق يصير كأنه ثور منحور أو بقرة منحورة من البكاء، لايجترئ أحد منا أن يسأله عن شيء إلا دفعه، كان إذا أقبل عليه سائل يرده في صدره]] يبكي لا يستطيع يتكلم وقالوا: كان إذا ذكر الموت مات كل عضو منه على جهة. أتاه تلاميذه مرة يودعونه يريدون السفر فبكى وقال: وخفف وجدي أن فرقة واحد فراق حياة لا فراق ممات يقول: الذي يخفف علي الحزن أنكم سوف تأتون، تغيبون وتحضرون لكن المشكلة والمصيبة من غاب ثم لم يحضر. لكل إنسان غيبة، إلا من مات فإن غيبته لا يعود بعدها إلا في العرصات. يقول أحد الناس وهو يودع بعض أحبابه: إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا والتهامي الشاعر الأديب كان عنده ابن مات في الخامسة عشرة من عمره، فمن شدة ولهه به وأسفه عليه وحزنه؛ دفنه في جرين البيت -في الحوش- قالوا: لماذا؟ قال: لكي لا يبتعد عني، فكان إذا أظلم الليل قام عنده وقال: يا فلان أقريب فتناجيني أم بعيد فتناديني فلم يجبه فألقى قصيدة يقول: يا كوكباً ما كان أقصر عمره وكذا تكون كواكب الأسحار جاورتُ أعدائي وجاورَ ربه شتان بين جواره وجواري طول الحياة إذا مضى كقصيرها والعسر للإنسان كالإيسار في قصيدة طويلة مبكية، يقول: أنت جار لله، لست بجار لي، فهنيئاً لك بجوار الله. قال أبو حاتم الرازي وهو يروي حديثاً عن ابن المبارك عن أحد أهل العلم قال: كنا سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو؛ فلما التقى الصفان خرج من العدو رجل فدعا إلى البراز -المبارزة- فخرج إليه رجل مسلم فقتله يعني الرومي قتل المسلم- ثم خرج رجل آخر فقتله الرومي، ثم خرج رجل مسلم فقتله الرومي الكافر، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، قال: فلما فتك هذا الرجل الرومي بالناس خرج ابن المبارك ملثماً -وكان بطلاً قوياً شجاعاً- فتبارز هو والرومي، فذبحه ابن المبارك، ثم قتل في تلك المعركة سبعة، ودخل خيمته فقال قائد المعركة: التمسوا لي من هذا؟ -وكان قد خمر وجهه حتى لا يعرف في المعركة- فذهبوا فوجدوه ابن المبارك، قالوا: القائد يريدك ليعرفك قال: [[لكن الله يعرفني]] إذا عرفني الله انتهى الأمر. وما مصلحة أن يعرفه القائد؟ وما مصلحة الدعايات إذا برزوا في سبيل الله؟ إذا عرفه الله فكفى. لما فتح المسلمون قندهار؟ قتل كثير من الصحابة هناك فقال عمر: [[من قتل في قندهار قالوا: قتل فلان وفلان وفلان، قال: ومن؟ قالوا أناس لا نعرفهم، فبكى عمر وقال: لكن والذي نفسي بيده، إن الذي خلقهم ليعرفهم]] فالله عز وجل يعرف الصادق من الكاذب، وهو أعرف سبحانه بأعمال عباده من غيره.

ورع ابن المبارك رحمه الله ورجاحة عقله

ورع ابن المبارك رحمه الله ورجاحة عقله يقول ابن المبارك استعرت قلماً بأرض الشام، فذهب عليّ أن أرده، فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه. دمشق في سوريا ومرو في جهة شرق إيران أو شمال إيران، استعار قلماً من رجل دمشقي يكتب به، فكتب به ووضعه في جيبه ونسي أن يرده وركب بغلته وسافر ما يقارب خمسة عشر أو عشرين يوماً، فلما دخل مرو نظر فإذا القلم في جيبه، قلم لا يساوي درهماً، لكنه ركب البغلة ورجع ووصل إلى الدمشقي وقال: هذا قلمك، فانظروا هذا الورع العظيم. وبعض الناس جهاراً نهاراً يتلاعب بالأموال، ويحاول أن يحتال بكل وسيلة ليخدع عباد الله، من أجل أن يحصل على شيء من المال، فانظر إلى هذا، أين هذا الورع؟ قلم واحد لا يساوي درهماً، الناس الآن لا يسألون عن هذا، ولا يسأل أحدهم عن هذه الأمور البسيطة، حتى لو حدثتهم أنت عن هذا لضحكوا عليك؛ لأن بعض الناس أصبح يأكل من الحرام كالجبال. الآن مثلاً: كثير من التجار أموالهم رباً، يأكلون ويشربون ويلبسون من الربا، ويطعمون أطفالهم من الربا، سيارتهم وفللهم رباً ويأتيك ويسأل: هل يقص الشارب أو يحلق؟ ويقول: الضحى أربع ركعات أم ركعتان! يقول عليه الصلاة والسلام عن صاحب الربا وهو يدعو الله: {يارب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، فأنى يستجاب له!} الله يحرم الربا، ويعلن الحرب والقتال لمن يأكل الربا، وهؤلاء يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون وهم أغنياء ولكن كله رباً، أنا أوقف هؤلاء أمام قلم ابن المبارك. قال: كان ابن المبارك إماماً يقتدى به، كان من أثبت الناس في السنة، إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك، فاتهمه على الإسلام، أي: اعرف أن في إسلام هذا الذي يغمز ابن المبارك شيئاً؛ لأن هذا إمام نصر الله به الدنيا، وقالوا: كنا نعد خصال ابن المبارك، وكان فيه العلم والفقه، والأدب والنحو واللغة، والزهد والفصاحة والشعر، وقيام الليل والعبادة والحج، والغزو والشجاعة، والفروسية والقوة، وترك الكلام فيما لا يعنيه، والإنصاف، وقلة الخلاف على أصحابه.

من أقواله وأفعاله رحمه الله

من أقواله وأفعاله رحمه الله يقول حبيب الجلاب: سألت ابن المبارك [[ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: غريزة عقل]] أن يكون عنده عقل-[[]] أي: إذا سلب الله بعض العقول، فكان عقله (50%) أو (20%) [[]] يقول: الذي ليس عنده عقل فالأحسن أن يكون عنده أدب أي: لا يتكلم؛ لأن بعض الناس سكوته أحسن من كلامه، وبعض الناس يعجبك حتى يتكلم، فإذا تكلم سقط، فالأحسن في مثل هذا أن يصمت. كان أبو حنيفة جالساً فقدم عليه رجل عليه شارة وأبهة، وجمال ووسامة وعمامة، وكان أبو حنيفة ماداً رجله، فضم رجله وتهيأ لاستقبال الرجل، واستقبله وأجلسه بجانبه، وهابه واستحى منه، فسكت الرجل فكان أبو حنيفة يستحي منه ويتكلم معه بوقار، ثم بدأ الرجل يسأل ويتكلم -أنطقه الله الذي أنطق كل شيء- قال: يا إمام! متى يفطر الصائم؟ قال: أبو حنيفة إذا غربت الشمس، قال: فإذا لم تغرب إلا نصف الليل؟ -حلها الآن! سمعتم عن شمس لا تغرب إلا نصف الليل، فلماذا يأتي الليل إذاً؟! سبب مجيء الليل غروب الشمس- قال: فإذا لم تغرب الشمس إلا نصف الليل؟ فمدد أبو حنيفة رجليه الإثنتين وقال: [[آن لـ أبي حنيفة أن يمد رجليه]]. [[]] بعض الناس يوفق ببعض الإخوة يستشيرهم في كل قضية، وهذا من أحسن ما يكون لكن قل الناصح الآن، بعض الناس إذا استشرته في مشروع أشار عليك بعدمه حتى يستبقك إليه، إذا استشرته أن تتزوج زوجة قال: لا أرضاها لك، وإذا به قد تزوجها، وبعضهم تستشيره في سفر قال: والله أرى أنك لا تسافر، وهو يخاف أنك تحصل على هذا. ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {الدين النصيحة} وقليل من ينصح، قليل من الناس من ينصح، حتى إنه أصبح كثير من الناس متهم في النصيحة، فيقول: [[]] وينبغي للمسلم أن يبحث عن رجاله من أهل العلم والعقل ومن أهل الزهد والتقوى ليستشيرهم في قضاياه العامة والخاصة؛ مثل الأمور الزوجية وأمور الطلاق والعشرة، حتى هذه لا بأس بالاستشارة فيها، فقد كان الصحابة يستشير بعضهم بعضاً، وكانوا يعرضون على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن بعض القرارات الخطيرة في حياتك تندم عليها عشر سنوات وأكثر بسبب موقف طارئ، أو عاطفة، أو عجلة، فمن الأحسن أن تعرض مشكلتك وتحلها على بصيرة بينك وبينه، ولا تستشر من هب ودب، فإن بعض الناس يشير عليك دائماً بما يخالف الصواب لقلة علمه، أو قلة عقله، أو تسرعه، أو هواه. [[]] أي: ما وجد أخاً يستشيره، [[]] فالموت أحسن شيء لمثل هذا، قال ابن المبارك -واسمع المنهج في التجريح والتعديل، منهج تصنيف الرجال والحكم على الناس- قال: إذا غلبت محاسن الرجل على مساويه فلا تذكر المساوئ، وإذا غلبت المساوئ على المحاسن فلا تذكر المحاسن، أي: إنسان (60%) صالح، أسقط (40%) فلا تذكرها يكفي أنه تجاوز النصف. ولذلك إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث. بعض الناس تستطيع أن تعدد سيئاته وتقول: فيه كذا وكذا، لكن بعضهم لا تستطيع أن تعدها لا في العبادة ولا في الأخلاق ولا في السلوك ولا في الصدق، ولا في الأمانة ولا في التعامل، ولا في المأكل ولا في المشرب، فنسأل الله أن يحفظنا وإياكم، وهذا المنهج الذي يقوله ابن المبارك هو منهج القرآن، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى في سورة الأحقاف: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. هل علمت معصوماً بعد الرسول عليه الصلاة والسلام؟ ما من فاضل ولا عالم ولا زاهد ولا شريف ولا وضيع من المسلمين إلا وله سيئات وحسنات، لكن إذا زاد حسنه فهو الحسن، وإذا زادت مساوئه فهو السيء، هذا ما يقرره لك ابن المبارك في هذا المنهج، فحاول أن تتذكره دائماً في الحكم على الأشخاص وعلى الهيئات. وقيل لـ ابن المبارك: إذا أنت صليت، لم لا تجلس معنا؟ قال: [[أجلس مع الصحابة ومع التابعين أنظر في كتبهم وآثارهم، فما أصنع بكم؟ أنتم تغتابون الناس]]. كان يفر من المجالس العامة، وإذا حضر مجلساً اندفع في الحديث يحدثهم قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام. قال: ويقول رحمه الله: [[أول شيء من منفعة العلم أن يفيد بعضهم بعضاً]] أي: أنك تستفيد وتفيد، المجالس العلمية، الندوات والمحاضرات أن ينصح الناس بعضهم لبعض، وهم أفضل الناس، وجاء أن ابن المبارك [[سئل: من أحسن الناس؟ قال: العلماء، قال: فمن الملوك؟ قال: الزهاد، قيل: من الغوغاء؟ قال: خزيمة وأصحابه]] خزيمة رجل مبتدع وشرير، والغوغاء هؤلاء الذين ليس لهم عمل إلا تتبع الشائعات والحوادث وسد السيل وإطفاء الحريق، ويستبشرون بالحوادث. الآن الحوادث المرورية إذا وقع حادث تجد الغوغاء ثلاثمائة في دقيقتين تجدهم واقفين وتجد أحدهم يبقى عند الحادث أو عند الحريق، ويبقى عند الزحام في السير وعند الطوارئ التي تحدث والشائعات ساعات طوال، يقول أهل العلم: رأى عمر رضي الله عنه وأرضاه رجلاً جُلِدَ من المسلمين، وإذا هو يمشى به إلى بيت عمر رضي الله عنه وإذا الناس وراءه كثير، الغوغاء الذين يسمعون بالمجلودين والحوادث، أي: كل الذي وقع في السوق يخبرك به، لأنه لا يقرأ ولا يسبح ولا يشتغل بنفسه، فقط معه الحوادث، فأخذ عمر حفنة من التراب وحثا بها على وجوههم قال: [[شاهت هذه الوجوه التي لا تُرى إلا في الشر]] يعني: لو دعوتهم في الخير لا يأتون، مثل المحاضرات والدورس العلمية واللقاءات التربوية والعبادات والجمع والجماعات. [[قيل: فمن السفلة؟ قال: الذي يعيشون بدينهم]] الذي يعيش بدينه، هذا يسمى سافل أي: أنه يتظاهر بالدين ليعيش به، تجده يتقرب إلى الناس ليعيش بدينه، ويتقرب إلى الظلمة ليعيش بدينه، فيفتي ويتكلم ويمدح وينافق ويجامل.

قوله في أثر النية على العمل

قوله في أثر النية على العمل وقال رحمه الله: [[ربَّ عمل قليل تكثره النية وربَّ عمل كثير تقلله النية]] هذا {إنما الأعمال بالنيات} ربما تعمل عملاً قليلاً لكن بنيتك وإخلاصك وصدقك يكبر هذا العمل، فمثلاً من يتصدق بعشرة ريالات، لكنه لا يجد إلا هي وفي قلبه من الحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحب نصرة الإسلام وأن ينفع الله عز وجل بهذا الدين فيأجره الله كالجبال. وبعضهم يتصدق بالمليون لكن فيه من الرياء والسمعة وحب الذكر، من يتبرع في مشاريع الخير الآن والجهاد، والفقراء والمساكين، ثم يطلب من الصحافة أن تعلن باسمه في الصحف والتلفاز والراديو، ما حكم هذا في الإسلام؟! فيأتون يقرءون على الأسماع، والصحف الصباحية: تبرع بمائة ألف ريال فلان بن فلان بن فلان، أين الإخلاص؟! {من راءى راءى الله به ومن سمع سمع الله به} أول ما تسعر النار بجواد أنفق ليقال جواد أو كريم فتسعر به النار، فأين الإخلاص؟! كان السلف إذا أراد أحدهم أن يتصدق جعل يده اليسرى في جيبه، لأن بعضهم يفهم من حديث: {ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه} يقول: ربما يحتمل أنها قد تعلم، فيجعل شماله في جيبه ويخفيها. وكان علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنه وأرضاه إذا أظلم الليل ونام الناس، أخذ الصدقات وحملها على كتفه ووزعها على فقراء المدينة، فلا يعلم الفقير من الذي أعطاه، لكن الواحد الأحد يعلم. فيا أيها الإخوة لنتجنب الشهرة في أعمال الخير، ولنحذر الرياء والتبجح بما قدمنا قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] وقال ابن المبارك: [[في صحيح الحديث شغل عن سقيمه]] يقول: يكفيك الحديث الصحيح عن غيره، فتشاغل به واستنبط منه، تجد بعض الناس حاطب ليل يتكلم من الأحاديث الموضوعة والضعيفة، والأحاديث الصحيحة لا يمسها، حتى إني أعلم أن بعض الشباب يركز مثلاً على غير الكتب الستة ليبرز للناس، ليقولوا: ماشاء الله يقرأ حتى وصل إلى الطبراني! فدائماً يقول: رواه الطبراني، رواه الدارقطني، رواه ابن خزيمة، هذا إذا كان طالب العلم متضلعاً في طلب الحديث، أو أحوجه العلم إلى ذلك الأثر فلا بأس، أما أن يذهب يقفز هناك ويترك كتب العلم المشهورة فهذا فيه نظر. فيا أيها الإخوة: يوجد من الوعاظ والخطباء من يأتي إلى الحديث الضعيف ويشرحه للناس، أليس عندنا أحاديث صحيحه؟ أليس عندنا البخاري ومسلم؟ أنا أنصح الخطباء إذا تكلموا أن ينقلوا من القرآن ومن الصحيحين وهذا يكفي الناس، أما من يأتي بالغرائب، حديث علقمة، حديث ثعلبة، والناس يحبون الغرائب، حتى تجد في الترهيب والترغيب حديثاً يقول: {من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله بنى الله له سبعين قصراً في الجنة، في كل قصر سبعين حورية، على كل حورية سبعين وصيفة، في كل سبعين وصيفة سبعين} فيبقى في السبعين ساعة ونصف! كله موضوع، ألا تكفينا الأحاديث في البخاري ومسلم؟! فلا تشغل الأمة بالحديث الضعيف ولا الموضوع، ولا بالغرائب والخرافات والخزعبلات.

توقيره للحديث ولآل البيت

توقيره للحديث ولآل البيت وقال: جاء رجل من بني هاشم إلى عبد الله بن المبارك ليسمع منه، وأسرة بني هاشم أسرة النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يحدثه، يقول ابن المبارك: أنا لا أحدثك، فقال الشريف لغلامه: قم فإن أبا عبد الرحمن لا يرى أن يحدثنا، فلما قام ليركب فرسه، جاء ابن المبارك ليمسك بركاب الفرس، فقال: يا أبا عبد الرحمن! تفعل هذا ولا ترى أن تحدثني؟ قال: [[أذل لك بدني ولا أذل لك الحديث]] أنا أترجم لكم القصة. الهاشمي هذا شريف من الأشراف السادة، جاء والطلاب فقراء عند ابن المبارك، فأراد هذا الشريف أن يأخذ ابن المبارك في مجلس خاص ويحدثه بالحديث، قال ابن المبارك: لا. أنا لا أحدثك وحدك، اجلس مع الطلبة وأنا أحدثك معهم، فقام وقال: أنا استأذنك إذن، سبحان الله! بعض الناس فيهم الكبر، حتى أعرف أن من المسلمين من يمنعه كبره من حضور مثل هذه الندوات أو الدروس، يقول: أنا أحضر مع هؤلاء! لقد قرأت ترجمة رجل ترك صلاة الجماعة يقول: والله تركت صلاة الجماعة لئلا أزاحم السوقة بأكتافي، أنا أزاحم هؤلاء!!! فتجده يصلي في البيت، حتى بعضهم يسأل ويقول: من أين أتيتم؟ قالوا: من الدرس، قال: ما في هذه الدروس؟ قالوا: علم، أو فهم، أو توجيه عام، قال: لا بأس بها، لا بأس بها، والحمد لله أعطانا الله من علمه ما أعطانا!! فلذلك يقول مجاهد: [[لا ينال العلم متكبر ولا مستحي]]. قال ابن المبارك: لا أعطيك، فخرج هذا الرجل الشريف، فأمسك ابن المبارك بركابه يهيء له الركاب لأنه من أسرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وحق علينا أن نقدر الطائعين من أسرته عليه الصلاة والسلام، {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] قال هذا الشريف: تمنعني من الحديث الآن وتهيء لي ركابي، قال: [[أذل لك بدني ولا أذل العلم]] أو كما قال. يقول ابن المبارك: [[السيف الذي وقع بين الصحابة فتنة، ولا أقول أن أحداً منهم مفتون]] يقول: الذي وقع بين الصحابة في الجمل وصفين فتنة، لكن لا أقول لأحد منهم: مفتون؛ لأن الله عصم الصحابة في مجموعهم من الفتنة فليسوا بأهل فتنة رضي الله عنهم، بل كلهم -إن شاء الله- في الجنة، لكن أن نقول: أنهم مفتونون أو نخوض فيهم، فحذارِ حذارِ من هذا، وليس من السداد أن يتكلم الإنسان في أعراض الصحابة، أو يخوض فيما شجر بينهم فإن الله قد غفر لهم سيئاتهم، وتقبل منهم حسناتهم، أسأل الله أن يجمعنا بهم في دار الكرامة.

الأتقياء لا يأمنون من أربع

الأتقياء لا يأمنون من أربع يقول ابن المبارك: [[إن البصراء -يعني: الأتقياء- لا يأمنون من أربع: ذنب قد مضى لا يدرى ما يصنع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيه]] فأنت خائف دائماً من الذنب الماضي، لا تدري ماذا يُصنع فيه، لأنه ليس عندك وثيقة أنه قد غفر لك [[وعمر قد بقي لا يدرى ما فيه من الهلكة]] لا تدري ما يأتي من الفتن، نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قد يفاجأ العبد بفتنة تذهب عليه دينه، فعليه أن يعتصم بالله، وأن يخلص وأن يلتجئ إلى الله أن يعصمه من الفتن [[وفضل قد أعطيه العبد لعله مكر واستدراج]] بعض الناس يمكر به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بمال أو بغنى أو بمنصب حتى يتلفه بهذا الشيء ويظن أنه خير، ولكنه قد يكون شراً وضلالة قد زينت وهو يراها هدى [[وزيغ قلب في ساعة]] فقد يسلب المرء دينه ولا يشعر، ببدعة وهوى وارتكاب الشبهات والشهوات، هذا مما يزيغ به قلب العبد. وكان ابن المبارك رحمه الله يعجبه إذا ختم القرآن أن يكون دعاؤه في السجود، فقد كان للسلف ختمات، ومعظم السلف يختمون القرآن في سبعة أيام، كانوا يحزبون القرآن، يجعلون لليوم الأول ثلاث سور، واليوم الثاني خمس سور، واليوم الثالث سبع، اليوم الرابع تسع سور، واليوم الخامس إحدى عشرة سورة، واليوم السادس ثلاث عشرة سورة، واليوم السابع من (ق) إلى (الناس) وهذا ترتيب وتجزئة للقرآن، فإن لم يستطيعوا ختموه في شهر، فكل يوم جزء وهو ثلاثون جزءاً، وما كانوا يتجاوزون الشهر، فكان ابن المبارك إذا ختم القرآن يجعل آخر ختمة في صلاة؛ فإذا وصل إلى (قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس) صلى ركعتين وختم فيها القرآن ودعا وابتهل لأنه يؤثر أن من أحوال إجابة الدعاء ختم القرآن. يقول ابن المبارك: [[من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته]] وهذا كلام عجيب، يقول: من استخف بأهل العلم واستهزأ بهم ولم يتأدب معهم أذهب الله عليه آخرته؛ لأنهم خلفاء الأنبياء، ومن استهزأ بالسلطان وسخر منه ذهبت دنياه، يقول: احذروا السلطان واحذروا بطشه لأنه إذا قال فعل [[ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته]] فيصبح بلا أخ. ويقول: [[الحبر في الثوب خلوق العلماء]] أي: الحبر في الثوب خضاب العلماء، ما أجمل الحبر في ثوب طلبة العلم وهو شرف لهم!! ودخل أحد العلماء على خليفة وعلى ثوبه حبر فوصل إليه فجلس بجانبه، قال: "والله للحبر الذي على ثوبك أحسن عندي من الدم الذي على الشهيد الذي قتل في المعركة"، وذكر الغزالي في الإحياء: "أن الحبر الذي يكتب به العلماء يوزن يوم القيامة بدم الشهداء" ولكن هذا يحتاج إلى نقل من المعصوم عليه الصلاة والسلام، وقد تفقه ابن المبارك بـ أبي حنيفة وأحبه، وهو معدود في تلامذته، ولو أنه لا يوافقه في كثير من المسائل، لأن ابن المبارك محدث وعالم في الحديث، ومن ضمن ما اختلفوا فيه: أن أبا حنيفة صلى إماماً وعلى ميمنته ابن المبارك، فكبر أبو حنيفة فرفع ابن المبارك يديه، والأحناف لا يرفعون أيديهم إلا في تكبيرة الإحرام، أما ما بعدها من التكبيرات فلا يرون الرفع، وابن المبارك محدث يرى أن ترفع الأيدي مع التكبيرات الأربع، فكان أبو حنيفة لا يرفع يديه وكان ابن المبارك كلما قال أبو حنيفة: (الله أكبر) وهو إمام قال ابن المبارك: الله أكبر، ورفع يديه، فلما سلم قال أبو حنيفة: خشيت أن تطير من جانبي -أي: كأن له جناحين وكأنه طائر- قال ابن المبارك: لو أردت أن أطير لطرت في الأولى، أي أنا وإياك كبرنا سوياً في تكبيرة الإحرام، لكن لم نطر والحمد الله، والصواب مع ابن المبارك.

من ورع ابن المبارك

من ورع ابن المبارك ولما احتضر ابن المبارك في السفر قال: [[أشتهي سويقاً]] كان جائعاً ويريد سويقاً، أي سويق الشعير الذي يلت بالتمر أو بغيره، قال: فلم نجده إلا عند رجل كان يعمل للسلطان -كان هذا الرجل يعمل عند السلطان صاحب السويق- وكان معنا في السفينة، فذكرنا لـ ابن المبارك فقال: [[دعوه]] فمات ولم يأكله، مادام يعمل هذا العمل أنا لا أريده، لا يدري من أين أتى الدخل، وهذه نظرية للسلف، لأنهم يقولون: الذي لا يظهر دخله أو يكون عند الظلمة ففي دخله شبهة، حتى إن الإمام أحمد ما رأى أن يمر على الجسر الذي بناه أبو مسلم الخراساني على دجلة، كان يأتي الإمام أحمد ببغلته من طريق بعيد ولا يمر على الجسر، قالوا: لماذا؟ قال: "بناه من الظلم من أموال المسلمين"، قالوا: ترى أن نصلي في مسجد أبي مسلم الخراساني، قال: "لا، لا تصلوا فيه" لأنه جزاه الله خيراً ما قصر، قتل ألف ألف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم بنى مسجداً، أي: قدم مشروعاً للأمة، بنى مسجداً جامعاً وذبح مليوناً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم المصلين الصائمين. فلما بنى مسجداً قال الإمام أحمد: "لا تصلوا فيه" فكان الجسر هذا من المشاريع التي نفذها أبو مسلم على نهر دجلة، وكان الإمام أحمد إذا وصل إلى رأس الجسر ضرب البغلة وردها، انظر الورع حتى لا تمر البغلة من على الجسر، فـ ابن المبارك وأمثاله يتورعون من هذا ويخافون كثيراً، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:113]. وقد رأى الحسن البصري رجلاً ينظر إلى موكب ظالم، قال: [[لا تنظر إليه، قال: وماذا يضر النظر؟ قال: يقول الله: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:113]]].

رسالة ابن المبارك إلى الفضيل في الجهاد

رسالة ابن المبارك إلى الفضيل في الجهاد قال: أملى عليّ ابن المبارك سنة (177) وأنفذها معي إلى الفضيل بن عياض من طرسوس، وكان يجاهد فيها هارون الرشيد والمأمون وكان ابن المبارك مقيماً هناك يجاهد العدو وكتب إلى الفضيل يقول: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خَده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب يعرض بـ الفضيل يقول: إن كنت تبكي بالحرم وتسيل دمعوك على خدك فو الله إن نحورنا تسيل بالدماء صباحاً ومساء، أيهما أغلى الدم أم الدمع؟ الدم الأحمر الذي يسيله شباب محمد صلى الله عليه وسلم في الجبهات، قال: أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب خيول المسلمين أصبحت للسباق فقط، أما الجهاد في سبيل الله فالحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه، قال: ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب يقول: أنتم بالمجامر في الحرم تدار عليكم البخور والألوة، البخور الكمبودي، أما نحن فالغبار كل صباح من الخيل، وهذا أحسن من بخوركم. ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لايكذب لا يستوي وغبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب لأن الله لا يجمع يوم القيامة في أنف عبد بين دخان جهنم وغبار في سبيل الله أبداً تظن أن رجلاً خرج في سبيل الله عز وجل ودخل الغبار أنفه أن الله يدخله نار جهنم على أنفه، لا. قال: هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب فلقيت الفضيل بكتابه بالحرم، فقرأه وبكى حتى بله بالدموع وقال: [[صدق أبو عبد الرحمن ونصح]]. وكان ابن المبارك يقول وينشد: أبإذن نزلت بي يا مشيب نظر في المرآة وكان شاعراً فرأى الشيب، والعرب يفرون من الشيب، ويبكون منه، ويندمون ويرون أنه نذير الموت، ويقول ابن عباس في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] قال: [[الشيب نذير الموت]] وقال الإمام أحمد: "والله ما مثلت الشباب إلا مثل شيء كان في يدي ثم سقط منها" قال: أبإذن نزلت بي يا مشيب أي عيش وقد نزلت يطيب تعرفون أن الذي يدخله الشيب -خاصة من توغل فيه- لم يعد يجد قوة الشباب، ولا طعم الطعام في الشباب، ولا شرب الشراب في الشباب، ولا المزح في الشباب قال: وكفى الشيب واعظاً غير أني آمل العيش والممات قريب كم أنادي الشباب إذ بان مني وندائي مولياً ما يجيب وكان ابن المبارك يقول: كيف القرار وكيف يهدأ مسلم والمسلمات مع العدو المعتدي شاعر الجهاد اسمع إليه، واسمع إلى العلم كيف يقفز به في قضايا الإسلام! والحرارة في الدفاع عن بلاد الله عز وجل! كيف القرار وكيف يهدأ مسلم والمسلمات مع العدو المعتدي الضاربات خدودهن برنة الداعيات نبيهن محمد القائلات إذا خشين فضيحة جهد المقالة ليتنا لم نولد ما تستطيع ومالها من حيلة إلا التستر من أخيها باليد وكان ابن المبارك يقول وهو يندِّم الناس على فضل أوقاتهم وعلى ماضاع من أعمارهم: اغتنم ركعتين زلفى إلى الله إذا كنت فارغاً مستريحا وإذا ما هممت بالنطق بالـ باطل فاجعل مكانه تسبيحا فاغتنام السكوت أفضل من خو ض وإن كنت بالكلام فصيحا اسمعوا ديباجة الأدب والفصاحة المتناهية! وهي فصاحة كسبها من الكتاب والسنة.

وفاة ابن المبارك وماله من المبشرات

وفاة ابن المبارك وماله من المبشرات لما احتضر ابن المبارك حضرته سكرات الموت وكان على فراش الانتقال إلى الله عز وجل، جعل رجل يلقنه لا إله إلا الله، فأكثر عليه والسنة إذا لقنت المحتضر لا إله إلا الله ألا تعيدها عليه إلا إذا تكلم بكلام أو أغمي عليه فقل: قل لا إله إلا الله، أما أن تبقى عند رأسه وتقول: قل لا إله إلا الله، قل لا إله إلا الله فلا، ويكفي مرة فإذا قال: لا إله إلا الله فاصبر لأن هذه هي السنة، لأنه في حشرجة وفي هول، وفي ساعة ما مر بالعالم مثلها، الساعة التي يذعن فيها الجبار، ويذل فيها المتكبر، ويضعف فيها القوي ويتوب فيها العاصي، ساعة أليمة سوف نمر بها جميعاً، أسأل الله أن يسهلها علينا وعليكم. فمن السنة ألا تضجره فإن أمامه هول وفزع وخوف ومشقة، يتذكر صحفه وعمره وسيئاته، ثم تلاحقه: قل لا إله إلا الله قل: لا إله إلا الله. فأكثر عليه فقال له: [[لست تحسن -يقول ابن المبارك - وأخاف أن تؤذي مسلماً بعدي، إذا لقنتني فقل: لا إله إلا الله ثم إذا لم أحدث كلاماً بعدها فدعني، فإذا أحدثت كلاماً فلقني حتى تكون آخر كلامي من الدنيا]] هذه السنة، علمه السنة وهو في سكرات الموت. وقال محمد بن الفضيل بن عياض: [[رأيت ابن المبارك في النوم، فقلت: أي العمل أفضل؟ قال: الأمر الذي كنت فيه، قلت: الرباط والجهاد؟ قال: نعم. قلت فما صنع بك ربك؟ قال: غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة]] أي: أتت على جميع الخطايا. وقال: [[سمعت أبا حاتم الفربري يقول: رأيت ابن المبارك واقفاً على باب الجنة بيده مفتاح فقلت: ما يوقفك هنا؟ قال: هذا مفتاح الجنة، دفعه إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: حتى أزور الرب، فكن أميني في السماء كما كنت أميني في الأرض]] هذا ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء، وذكره غيره من أهل العلم وقال: [[رأيت الحارث بن عطية في النوم، فسألته فقال: غفر لي، قلت: فـ ابن المبارك، قال: بخ بخ -أي: حسن جميل- ذاك في عليين، ممن يلج على الله كل يوم مرتين]] يزور الله مرتين كل يوم، أي: يرى ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ورؤية الله ثابتة عند أهل السنة في الآخرة، كل يوم مرتين لأعماله ولخيره ولفضله، ولما جعل الله فيه من الصدق والإخلاص، وعن نوفل قال: [[رأيت ابن المبارك في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي برحلتي في الحديث، عليك بالقرآن، عليك بالقرآن]] أي: اقرأ القرآن كثيراً، عليك بالقرآن لأنه شفيع مشفع عند الله عز وجل ولأنه يقود صاحبه إلى الجنة إذا عمل به، ولأنه شاهد صادق ناطق يوم العرض الأكبر على من قام به آناء الليل وأطراف النهار.

ابن المبارك عند الإمام مالك

ابن المبارك عند الإمام مالك وقال يحيى بن يحيى الليثي: [[كنا عند مالك بن أنس إمام دار الهجرة- فاستأذن لـ عبد الله بن المبارك بالدخول فأذن له، فرأينا مالكاً تزحزح له في مجلسه، ثم أقعده بجانبه]] كان مالك لا يتزحزح لأحد ولا يقوم، لكن لما أتى ابن المبارك، تزحزح وأجلسه بجانبه، قال: [[وما رأيت مالكاً يتزحزح لأحد في مجلسه غيره، فكان القارئ يقرأ على مالك فربما مر بشيء فيسأل مالك ما مذهبكم في هذا؟ أو ما عندكم في هذا؟ فرأيت ابن المبارك يجاوبه بسكوت وصمت لا يسمعه إلا مالك]] هذا من الأدب، الناس جلوس أمام الإمام مالك: في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام وابن المبارك بجانب مالك فكان مالك إذا مر به الحديث يقول: [[ما هو مذهبكم في هذه المسألة؟]] وابن المبارك عالم مثل مالك أو أكثر في الحديث، وذاك يمكن أن يكون أكثر في الاستنباط، فكان يدني رأسه ويكلم مالكاً في أذنه حياء من الإمام مالك وأدباً، وهذا درس لطلبة العلم ودرس للشباب أن يتقوا الله في العلم، فمن يفعل مثل هذا؟ أما الآن فإذا عرضت مسألة وقال فيها طالب علم قوله، قام طالب هناك وقال: هذا خطأ والحديث ضعيف لا يصح، في سنده فلان بن فلان وقد حققته في رسالة،، أهكذا يبكت الناس؟ وهي مسألة فرعية للذي اجتهد فيها ولم يوفق للصواب أجر واحد ومن يوفق للصواب فله أجران؟! حتى إذا سألت مثلاً في المجلس مجموعة من الشباب -من طلبة العلم- تبادروا كل يفتي، تقول: ما رأيكم في هذا الحديث؟ فقائل: صحيح، وقائل: لا. حسن، وقائل: هذا ضعيف، وقائل: ذاك موضوع، كلهم يريد أن يتكلم!! فـ ابن المبارك يعلمك الأدب، يقول: ما عليك ألا تتكلم وقد وجد عالم في الحلقة، فعلمه في أذنه، أو لا حظ عليه، لا أن تفتي معه وتتكلم، وكذلك من الأدب ألا تتكلم، وهناك من هو أولى منك بالكلام في المجلس، بل تجد أحياناً بعض الكبار من العلماء يحضرون مجالس العامة فتجد شباباً يتكلمون في حضورهم فيبدأ الشاب وبدون حياء، ويقول: (إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، أمَّا بَعْد: فنرى أن نمضي هذا الوقت فيما ينفع، ومن الواجب عليّ ألا أكتم العلم الذي عندي) وليس عنده ما يملأ كوباً، بينما العلماء الكبار موجودون، فمادام أن العالم موجود فقد عفاك الله عز وجل فأحل عليه، ثم أن هذا من الوقار وحسن الأدب أن تحول الكلام إليه وتقول: الشيخ موجود ولا نتكلم بوجوده، و (لا يفتى ومالك في المدينة) ونريد منه أن يتحفنا، ثم إذا أردت أن تتكلم أنت فتكلم لكن بأدب بعد أن تقول: كما تفضل والدنا وشيخنا في هذه الكلمة المباركة ,وأنا لست زائداً عليه ولا أريد أن أضيف إلى كلامه شيئاً، لكني أعرض عليكم بعض المسائل، هذا من الأدب ومن الوقار ومن هذا الأمر الذي يريده ابن المبارك رحمه الله. وقالوا: سئل ابن المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة فقال: [[إنا نهينا أن نتكلم عند أكابرنا]] ما شاء الله ابن عيينة أكبر منه سناً، وابن المبارك أصغر، فسئل وابن عيينة جالس فقال: [[نهينا أن نتكلم عند أكابرنا]] ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {كبر كبر} أي ابدأ بالكبير، فإذا عرضت عليك مسألة وفي المجلس من هو أولى منك فأحل إليه المسألة وقل: مارأيكم في هذا؟ وقد قلت وقال غيري من طلبة العلم ومن الدعاة: إن هناك أشياء تنقص في بعض الشباب منها: عدم احترام الكبير: تجد أحياناً كبير سن في السبعين من عمره -وأقصد: ممن يتبعون السنة، أما كبير في السن وهو فاسق فهذا لا تكرمه، لكن أقصد شيخاً كبيراً على السنة، يحب الله ورسوله تجده يجلس في طرف المجلس وتجد الشباب في صدر المجلس هذا خلاف السنة، أو تجد أحياناً بعض القضاة يدخل فيجلس في طرف المجلس فهذا ليس من السنة فلا بد أن يكرم، وسلطان عادل يحكم بالكتاب والسنة ويخاف الله لا بد أن يكرم. وحامل القرآن لا بد أن يكرم، وداعية له أثر لا بد أن يكرم، وشيخ قبيلة له أثر في الخير يحب الله ورسوله ويفعل الخير لابد أن يكرم، فإنزال الناس منازلهم وارد، أما بعضهم فإنه يقول: لا. ليس عندنا تميز كلنا سواسية، الإنسان يجلس بأي مكان، وكان صلى الله عليه وسلم لا يقام له، صحيح وضعٌ للنصوص في غير مواضعها، بل لابد من إنزال الناس منازلهم، واحترام الناس.

فوائد من حياة ابن المبارك

فوائد من حياة ابن المبارك نخرج من ترجمة ابن المبارك بمسائل:

الفضل بالتقوى

الفضل بالتقوى أولاً: الفضل بالتقوى، ومن حمل هذا الدين نكرمه، ونعتبره من أشرفنا ولو كان مولى من الموالي، أما اللعب على العقول بمسألة الأنساب فهذه مسألة فيها تبجح، بعضهم يخرج لك شجرة نسبه، ويضعها في برواز في المجلس، ينسب لك أنه من آدم، يخاف أن تقول إنه من فصيلة الدود!! وكلنا من آدم، وهل سمعتم أن أحداً في الكرة الأرضية من غير آدم، كل حام وسام من آدم، وهؤلاء الذين يفتخرون بالأنساب يعودون في أصل السلسلة إلى آدم، لا يخرجون عنه وليس لهم فصيلة أخرى غيره لا من البراغيث ولا من الزواحف. طرق طارق على الفضل بن دكين فقال أبو نعيم: وكان مزاحاً: من؟ وكان وراء الباب، قال: معك رجل من ذرية آدم! فخرج واحتضنه وقال: ماشاء الله ماظننت أنه بقي من ذرية آدم أحد! فكلنا والحمد لله من ذرية آدم، خلق الله آدم واحداً ثم أتت الذرية منه، فيأتي لنا الآن ليقول: خط مائتين وعشرين وخط مائة وعشرة، وأنا أسرتي كانت تفعل وتفعل، وأنا من فلان بن فلان بن فلان وينسب لك ويحسب {من افتخر بتسعة آباء في الجاهلية، فهو عاشرهم في النار} [حديث حسن يرويه البخاري في الأدب المفرد، وغيره] إذا فخرت بآباء لهم شرف نعم صدقت ولكن بئسما ولدوا إن الفتى من قال هاأنا ذا ليس الفتى من قال كان أبي

الحرص على طلب العلم

الحرص على طلب العلم ثانياً: من الدروس المستفادة من سيرة هذا الإمام: أن من أعظم ما يتقرب إلى الله به طلب العلم والحرص عليه، وحفظه، وتدارسه واستنباطه، فإنني أدلكم وأرشد نفسي وإياكم وأدعوكم، وأستحثكم -يا معشر من حمل العلم للعالَم- بتوجيه طاقات وقدرات الشباب والناشئة لطلب العلم والدروس العلمية والمحاضرات العامة، وأن يكون التوجه العام لطلب هذا العلم الشرعي الموروث عن محمد عليه الصلاة والسلام.

الموازنة بين الحسنات والسيئات

الموازنة بين الحسنات والسيئات ثالثاً: من الدروس المستفادة: كما مر أن منهج الجرح والتعديل: أن من كثرت حسناته على سيئاته فهو محسن، ومن كثرت سيئاته على حسناته فهو مسيء، وأن نعامل الناس بحسب قربهم من الله.

العمل بالعلم

العمل بالعلم رابعاً: ومن الدروس أيضاً: أن العلم في الإسلام إنما هو العمل والتطبيق وأن يظهر على سلوك العبد.

اللين في الدعوة

اللين في الدعوة خامساً: إن من أنجح وسائل الدعوة، اللين وعدم التجريح والتشهير، والدخول إلى قلوب الناس بالحب كما فعل ابن المبارك.

تواضع العلماء

تواضع العلماء سادساً: أن علماء السنة، علماء عامة، يجلسون مع العامة، يعتمرون ويحجون معهم، ويحضرون ولائمهم وأعراسهم، وأبوابهم مفتوحة كما كان ابن المبارك يفعل، أما الاعتزال والاحتجاب وقطع الصلة، وعدم معايشة الناس في مشاكلهم، وعدم التمشي معهم، وعدم النزول إليهم، فهذا ليس من منهج علماء السنة كما مر في سيرة ابن المبارك والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

الاستكثار من الشعر

الاستكثار من الشعر Q يقول الشافعي: ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد فهل هو من قوله فعلاً؟ A نعم. للشافعي هذا البيت، لكن على كل حال ليس هذا نصاً شرعياً، وهذه وجهة نظر الشافعي، ثم إنه شاعر ولم يمنعه هذا البيت من قول الشعر فقد قال قصائد كثيرة، لكن أظنه لو كان في درجة لبيد لما امتنع عن الشعر ولما حبس شعره. بل لا بد أن ينطلق، لكنه شاعر ومن العلماء ومكثر، والصحيح في الشعر أن يقلل منه بقدر الحاجة، ولا بأس به فهو كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح.

التوفيق بين طلب الرزق والعلم ونحوهما

التوفيق بين طلب الرزق والعلم ونحوهما Q كيف أوفق بين التجارة وطلب العلم؟ A بأن يكون لك جدول، وقت لطلب العلم، ووقت للتجارة، أما قضية أن بعض الناس يقول: لا يستطاع أن يطلب العلم مع التجارة فليس بصحيح، السلف جمعوا بين التجارة وطلب العلم وباستطاعتك أن تفعل هذا، مثلاً: نصف النهار لطلب العلم ونصفه للتجارة، أو أيام من الأسبوع لطلب العلم وأيام للتجارة، وتجمع بينهما، وهؤلاء الصحابة من أين كان دخلهم؟ كانوا مزارعين فلاحين ومجاهدين وتجاراً، وكان أبو بكر يبيع ويشتري وهو سيد الأولياء، ليس التصوف الهندوسي الذين يعتكفون في الزوايا يشحذون من الناس، ويدعون أنهم الأولياء، تولى أبو بكر الخلافة وبعد ثلاثة أيام من توليه الخلافة خرج بالخطام وذهب إلى السوق يبيع جمالاً ويشتري ويزاول مهنته، فلقيه عمر وأبو عبيدة، المستشاران العظيمان اللذان حضرا ساعة البيعة، قالوا: [[إلى أين يا أبا بكر؟ قال: إلى السوق أبيع وأشتري، قالوا: تترك أمور المسلمين وتبيع وتشتري؟ قال: يموت أطفالي جوعاً وعرياً ويبقى أطفالكم وتشغلوني بالخلافة، بل أبيع وأشتري، قالوا: نفرض لك راتباً من بيت المال -أي: من الميزانية، يستلمه في آخر السنة- قال: كم؟ قالوا: ألفي درهم، أي: في السنة، قال: ما يكفيني، قالوا: ألفين وخمسمائة، قال: زيدا، قالا: لا. قال: ألفين وخمسمائة وعاد إلى البيت، وأتى يوم الجمعة وقال للناس: يا أيها الناس: ما رأيكم: فرض لي عمر وأبو عبيدة ألفين وخمسمائة درهم كل سنة من بيت المال هل أنتم مسامحون بهذا وأترك التجارة واشتغل بأموركم أو تجعلون لي وقتاً للتجارة ووقتاً لأموركم؟ قالوا: رضينا بألفين وخمسمائة درهم كل سنة، قال: جزاكم الله خيراً]].

ماء زمزم لما شرب له

ماء زمزم لما شرب له Q هل يشرب ماء زمزم لأكثر من سبب؟ A نعم. يشرب لأكثر من سبب، سبب أن يرزق زوجة صالحة، ورزقاً واسعاً، وعلماً نافعاً، وصحة في البدن، ومغفرة في الآخرة.

المشاركة في المراكز الصيفية

المشاركة في المراكز الصيفية Q المراكز الصيفية هل ترى أن ننتظم فيها وأن نكون في صفوفهم؟ A نعم، أرى ذلك، المراكز الصيفية التي قامت على النصح وقام عليها رجال ناصحون -كما هو العادة في معظمها- وقامت على طلب العلم الشرعي، وعلى حفظ شباب المسلمين وتوجيههم، فأرى أنها من أحسن ما يستثمر فيها الوقت في العطل الصيفية، ودفع الشباب إليها فهي من أحسن ما يكون وقد أثمرت، من ثمارها هذا الجيل الرائد الخالد الذي اتجه إلى الله عز وجل والذي ظهر خيره ونفعه للمسلمين.

كتب في العقيدة

كتب في العقيدة Q أنا أدرس في بعض القرى وأريد أن توجهني إلى بعض كتب العقيدة لأدرس الناس منها؟ A عليك بثلاثة كتب في العقيدة، كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، كتاب معارج القبول للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله، وكتاب شرح الطحاوية لـ ابن أبي العز رحمه الله، هذه عندك اجلعها مراجعك ودرس الناس منها وسوف تستفيد ويستفيدون.

حكم القات

حكم القات Q ما هو الحكم الصحيح في القات؟ A القول الصحيح فيه أنه محرم؛ لأنه من الخبائث، وقد أفتى كثير من أهل العلم بتحريمه.

حكم مصافحة الأجنبية

حكم مصافحة الأجنبية Q دخلت في مستشفى على امرأة وهي أجنبية فسلمت عليها وأنا كاره؟ A ارتكبت محرماً، لأن مصافحة المرأة الأجنبية محرم، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء وإنما كان يبايعهن من وراء حجاب، وعليك أن تستغفر وتتوب إلى الله عز وجل، وتنبه في مثل هذا الموقف أن هذا أمر محرم، وأنه لا يلزمك أن تمد يدك لأنه لا يتحاكم إلى الجاهلية، ولا إلى الأعراف والتقاليد، حتى بعضهم يعارضك ويقول: هذه نشأنا عليها وأجدادنا وآباؤنا ولا نستطيع أن نجرح شعورهم، فهل ترضيهم وتسخط ربك؟!

كتاب صفوة التفاسير

كتاب صفوة التفاسير Q ما رأيك في كتاب: صفوة التفاسير للصابوني؟ A فيه ملاحظات وأرى أن لا يقرأه إلا حاذق، ولو استغنيت عنه لكان أحسن، وفي كتاب تفسير ابن كثير غنية، وكذا تفسير الشيخ السعدي وابن جرير، فأنا أرى أنه لا يقرأ فيه، وقد نبه على هذا كثير من أهل العلم منهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، ولكن الصابوني أجاد في مختصر ابن كثير وما رأيته تدخل إلا في بعض الملاحظات وهي نسبة بعض الأحاديث إلى غير مراجعها، لكن مختصره في هذا جيد، وعسى الله أن يوفقنا وإياه لكل خير.

التفسير الكبير لابن تيمية

التفسير الكبير لابن تيمية Q ما رأيكم في التفسير الكبير لـ ابن تيمية؟ A ما أدري ماذا يقصد بـ التفسير الكبير، لكن خذها قاعدة، كل كتاب لـ ابن تيمية فاقرأه ولا تسأل أحداً عنه، سل ابن تيمية وحده، ولا نغالي فليس برسول ولا معصوم، لكن من يسأل مثلنا عن ابن تيمية؟! تسأل العلماء عن ابن تيمية! بل اسأله هو عن العلماء.

كتب في الفقه للمبتدئ

كتب في الفقه للمبتدئ Q ما أيسر كتب الفقه للمبتدئ؟ A مثل العدة في شرح العمدة والدرر البهية للشوكاني فهو جيد ومختصر ومقرر، ومثل السلسبيل، وهو تعليق على زاد المستقنع للبليهي هذه الثلاثة من أحسن ما يكون.

الرضاعة كالنسب

الرضاعة كالنسب Q هل يجوز أن تكشف لي أختي من الرضاعة وكذا أمها التي أرضعتني؟ A تصبح أختك من الرضاعة كأختك من النسب تماماً، وأمك من الرضاعة كأمك من النسب تماماً {يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب} فتزورها وتجلس معها، ولها أن تسافر معك، وتصبح أختك تماماً، هذا القول الصحيح في هذه المسألة.

دواوين شعرية مفيدة

دواوين شعرية مفيدة Q دلنا على بعض الدواوين الشعرية المفيدة؟ A الصفاء في الشعراء قليل، لكن من الشعراء القدامى حسان بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه، ويستفاد من شعر أبي تمام وشعر المتنبي، وشعر محمد إقبال وهو من أبرز الشعراء، أما المعاصرين فإني أدلكم على شعر الأستاذ الدكتور عبد الرحمن العشماوي فهو شاعر الشباب وشاعر الصحوة وهو لسان الإسلام في الشعر الفصيح، وأنعم به وأكرم! وهو مبرز، ولكن أهل الباطل لا يريدون أن يبرز هو وأمثاله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31]. ولذلك تجدونهم يأتون بشياطين الشعر الأرذال السفلة، الذين يحاربون الله صباح مساء، فيعقدون لهم الدورات، وتستقبلهم الأندية الأدبية، وتحييهم الصحف الصباحية، وصورهم في المجلات، ومقطوعاتهم تكتب بخطوط مكبرة، ويشغل بها الجيل وتنزل دواوينهم وهي مطبوعة على أوراق فخمة، ولكن كما قال الواحد الأحد: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36]. ينفقونها بدمائهم، ينفقونها بشيكاتهم وملايينهم، ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون، فعليكم بشعر العشماوي فهو شاعر مبرز وصافي المعتقد والوجهة والمبدأ، وهو قوي الإدراك وصاحب فطنة، ومثل هذا لا بد أن يقرأ شعره، ولا بد أن يستضاف في جلسات الشباب والأندية ويكون بدليلاً عن شعراء الضلالة، وهناك كثير من هذا الركب المجيد من الشعراء، مثل الدكتور أحمد بهكلي، والدكتور زاهد بن عواض الألمعي في كثير من قصائده وكثير من دواوينه، والدكتور صالح بن عون الغامدي الشاعر وهو من سكان أبها في كلية اللغة، هؤلاء الشعراء المبرزين الذين يحضروني الآن وغيرهم كثر، لكن هؤلاء الذين لهم تواجد في الساحة، ولهم قصائد وأحب شعرهم وأقرأ لهم كثيراً، وأحذركم من قراءة كتب وشعر بعض الشعراء منهم البردوني ونزار قباني، ومثل كثير من شعر القصيبي ومقالاته، وخاصة القديمة فإن في مقالاته القديمة شعر ينبو عنها الذوق والدين وهذا يلاحظ عليه. فيجب على المسلم أن يعرف ماذا يقرأ، ونحن صراحة ليس بيننا وبين أحد عداوة، بيننا أن يحمى هذا الدين وتحمى العقيدة، أما الذي يقول: إنه لعداء أو لأمور، فليست بيننا أمور لا خصومة في ميراث ولا في أراض أو سيارات، بل كل ما بيننا من أجل أنا رأينا شيئاً من الباطل ورآه كثير فبيَّنا هذا، وأرى أن تقرءوا ما كتب الدكتور سمير المالكي في هذا الجانب، والدكتور محمد بن سعيد القحطاني والدكتور وليد الطويرقي، والدكتور سعيد بن زعير، وهي أربعة كتب مفيدة نافعة، حتى يتبين لكم من يستحق أن تقرءوا له، وقضية أن الإنسان أحياناً يدافع عن نفسه بمقالة، أو يتظاهر بشيء، فإن الله عز وجل جعل على الإنسان خصيماً من نفسه. العلماء يقولون: إذا أراد إنسان أن يتبرأ من ماضيه، فعليه أن يعلن للناس أني أتبرأ من ديوان كذا ومن قصيدة كذا، ليفعل مثل ما يفعل الفنانون الآن فإنهم إذا تابوا من الغناء، تبرءوا أمام الناس من هذا وقالوا: نبرأ إلى الله، إعلان أننا نبرأ إلى الله عز وجل من أغنية كذا ومن شريط كذا ومن فيلم كذا، حتى يصدقهم الناس، أما أن يبقى القديم والحديث، صحيح أن بعضهم يحسن في بعض المقالات، لكن القديم هذا الموجود الذي في الأسواق والمكتبات، انزلوا السوق وافتحوا الدواوين التي ذكرت لكم وسوف تجدون قصائد يستحي الإنسان أن يذكرها، قصائد في غرف النوم، وقصائد في الجماع، وقصائد تشيع بالزنى والعياذ بالله، وقصائد في الفاحشة، فمن هو المسئول؟ وإذا ما نبهنا فمن ينبه؟ ثم أيها الإخوة: أذكر في التاريخ أن أبا الحسن الأشعري رحمه الله لما أراد أن يعود عن مذهب الأشاعرة: وقف على المنبر بعد صلاة الجمعة، وقال: أبرأ إلى الله من مذهب الأشاعرة، ووقف كثير من المبتدعة وقالوا أمام أهل السنة، نبرأ إلى الله مما كنا فيه. ولله الذي لا إله إلا هو ليس بيننا وبين أحد عداوة إلا بسبب هذا الدين أقولها عن نفسي، والله إن الأسماء التي ذكرتها الآن إني أود من قلبي -والله الشاهد على ما أقول- أن يهديهم الله وأن يدخلهم الجنة، فإننا لا نريد لهم الغواية، ولا نريد أن يعذبهم الله بالنار، نشهد الله وملائكته وحملة عرشه والمؤمنين أنا نريد من هؤلاء الذين ذكرت خاصة الأخير منهم، أن يجلعه الله عز وجل داعية من دعاة الإسلام، وشاعراً من شعراء الدين، وأن يشرح الله صدره، وأن ينور بصيرته ومهما تعرض للدعاة أو نالهم بقلمه أو في مجالسه، فغفر الله له إذا اهتدى وأعلن براءته من القديم الذي كتب، ومن الهجوم على الإسلام الذي افترى به، ليعلم بعض الناس؛ لأني سمعت أن بعض الناس يتأثر ويقول لم هذا العداء؟ وأنا ذكرت لكم أنه ليس قصدي -إن شاء الله- إلا النصيحة، والله يشهد على ما أقول: فأسأل الله من هذا المكان أن يهدي قلبه وأن يرده إليه رداً جميلاً، وأن يجعله يتبرأ من ماضيه، ويجعله سيفاً مصلتاً في كف جيل محمد صلى الله عليه وسلم، وألا يجعله ثائراً على شباب الصحوة ودعاتها وعلمائها، وأن يجنبه مزلات الفتن، هذا ما نريده له، ولعل هذا الكلام يبلغه، ليعلم أن ليس هناك ضغينة؛ لأن بعضهم يتصور أن القلوب تغلي حقداً بسبب ثارات أو أشياء جانبية، لا. بل بسبب الدين، كل شيء إلا إياك نعبد وإياك نستعين، كل شيء معنا يمكن أن يتفاوض فيه إلا هذا الدين يبقى مرفوعاً، رءوسنا تقطع، دماؤنا تسيل، أجسامنا تمزق ويبقى هذا الدين، تصوروا هذا التصور، وأنتم من عقولكم تحكمون، وراجعوا تلك الرسائل التي كتبها علماء البلاد، كالدكتور ابن زعير، والدكتور القحطاني والدكتور الطويرقي، والدكتور سمير المالكي. أسأل الله التوفيق والهداية، والرشد والسداد. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

ثمرات النصر

ثمرات النصر النصر فوائده عظيمة، وثمراته جليلة، وبعد أزمة الخليج عاد الفرج بعد الشدة، وفرجت الحلقة بعد أن ضاقت. وهناك ثمرات عظيمة تحتاج منا إلى تفكر وتذكر واسترجاع لحساباتنا، وأن نعرف كيفية المحافظة على هذه الثمرات في حال الرخاء.

الوحي غيث القلوب

الوحي غيث القلوب إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها المسلمون: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. شكر الله اجتماعكم, وأشكر صاحب هذه الدعوة لهذه المحاضرة فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم النملة , وكما تفضل في كلامه عن الغيث الذي عشناه في بلادنا، ونسأل الله عز وجل أن يغيث قلوبنا، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول في الوحي كما صح عنه في الصحيحين: {مثل ما ابتعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث} وإنما قال: بعثني؛ لأنه بعث في أناس أموات ما كانوا يعرفون لا إله إلا الله، بل هو عليه الصلاة والسلام من أعظم المنن عليه أن يهتدي هو بالوحي قبل أن يهدي الناس: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52].

ثمرات النصر

ثمرات النصر ثم اعلموا حفظكم الله أن للنصر ثمرات، ولكل نصر تنتصره الأمة ثمرات أجمله في مسائل هذه الليلة، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يقتطف هذه الثمرات، لأنه مر على الأمة الإسلامية سنوات مديدة، وأعوام عديدة ما عرفت النصر, بل عرفت الهزائم فقط، تعيش الهزيمة بعد الهزيمة بلادها تحتل تضيع الأندلس تضيع فلسطين , وتضيع أفغانستان , فالأمة طيلة سنوات مديدة لم ترَ نور النصر، وأسأل الله أن ينصرها كما نصرها بالأمس، وللنصر حلاوة، لكن على يد من تنتصر الأمة إنها تنتصر على أيدٍ متوضئة, على أيدٍ تعرف ربها وتعاهده فلا تخونه، وتعرفه فلا تتنكر له، وتشكره فلا تكفره.

حب الأمة للشهادة في سبيل الله

حب الأمة للشهادة في سبيل الله أولاً: من ثمرات النصر: أصبحت الأمة الإسلامية تحب الشهادة وتعشق الموت في سبيل الله وهذه أعظم ثمرة.

قصص بعض عشاق الشهادة في سبيل الله

قصص بعض عشاق الشهادة في سبيل الله يقول أحد الصحابة: أيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت على شرجعٍ يعلى بخضر المطارفِ ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فجٍ من الأرض خائفِ إذا فارقوا أوطانهم فارقوا الأذى وصاروا إلى موعود ما في المصاحف ما معنى الأبيات؟ يقول: يا رب! إذا حانت وفاتي فلا تمتني على الفراش، ولكن اقتلني في سبيلك واملأ بطون الطير والسباع من لحمي دمي حتى ألقاك شهيداً. وذكر أهل السير -كما ذكره ابن إسحاق وغيره في أسانيد جيدة- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه قال: [[لما التقينا يوم أحد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نقاتل المشركين قال لي عبد الله بن جحش: يا سعد! تعال ندعو الله هذا اليوم أن ينصرنا، قال: فملت أنا وإياه أمام هضبة -أكمة كبيرة أو صغيرة- قال: فلما أكملنا دعوت الله بالنصر, فتقدم عبد الله بن جحش واستقبل القبلة، قال: اللهم إنك تعلم أنني أحبك, اللهم إذا التقينا بالأعداء فلاقِ بيني وبين عدوٍ شديد حرجه، قوي بأسه، فيقتلني فيك، فإذا قتلني بقر بطني, وجذع أنفي، وقطع أذني، وفقع عيني، فإذا لقيتك يوم القيامة قلت: يا عبد الله! لم صنع بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب! قال سعد بن أبي وقاص: فالتقينا وانتهت المعركة, ومررت على القتلى فوجدت عبد الله بن جحش قد قتل وبقر بطنه، وجذع أنفه، وفقئت عيناه، وقطعت أذناه، قال سعيد بن المسيب -أحد الرواة-: أسأل الله أن يلبي له ما سأل]]. وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {والذي نفسي بيده, لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل} قال ابن كثير: فأعطاه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الشهادة مع النبوة، فله منزلة الشهادة فإنه مات شهيداً على القول الصحيح؛ لأنه أكل لحماً مسموماً وبقي سنة يتعاوده هذا السم- سمه اليهود عليهم لعنة الله فمات من أثر ذاك السم. والشهادة والموت في سبيل الله؛ ما كانت تتردد على أسماعنا, فكان كثير من الناس يموتون لكن على الفرش, والمسلمون الأوائل كانوا يرون أنه عيب أن يموت الإنسان على فراشه، ويرون كما يقول عبد الله بن الزبير: [[إنا لا نموت حبجاً أي: تخمة، إنا نموت تحت صقع السيوف وضرب الرماح]] فأكبر ثمرة لهذا النصر أن نستثمر طلب الشهادة من الله عز وجل أن يرزقنا الشهادة: {من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه} رواه مسلم. والعجيب أن هناك أناساً قد يموتون في الجبهة وبين الصفين! والله أعلم بنيتهم، وهذا حديث عند أحمد في المسند مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم يقول: {رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته} لماذا؟! لأن الله هو المطلع على النيات: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وقد صح أن أحد الناس اسمه قزمان خرج مع المسلمين إلى أحد يقاتل، فما ترك للمشركين شاذة ولا فاذة إلا ضربها، وفي آخر المعركة قتل، قال الصحابة: {هنيئاً له الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: كلا، والذي نفسي بيده! إنه في النار، قالوا: يا رسول الله! كيف؟! فسألوا أهله كيف قتل؟! قال أهله: أصابته جراحة في رأسه فما صبر فنحر نفسه} وفي غزوة أخرى -والحديث صحيح- وقتل أحد الناس فقالوا: {هنيئاً له الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: كلا والذي نفسي بيده! إن البردة التي غلها لتتلظى عليه في النار} فوجدوه قد غل بردة لا تساوي أربعة دراهم. ألا بلغ الله الحمى من يريدها وبلغ أكناف الحمى من يريدها فالله أعلم من يقاتل لتكون كلمة لا إله إلا الله هي العليا؟ والله أعلم من يقاتل لترتفع إياك نعبد وإياك نستعين؟ وفي الصحيح: {أول ما تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: منهم رجل شجاع مقدام، يقول الله عز وجل: ألم أمنحك شجاعة؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا فعلت؟ قال: قاتلت فيك وقتلت، قال الله: كذبت، وتقول الملائكة كذبت ويقول الله: إنما قاتلت ليقال: شجاع وقد قيل خذوه إلى النار، فيأخذونه فيدهده على وجهه في النار} والمقصود هنا أن علينا أن نربي أطفالنا وقلوبنا وبيوتنا ورجالنا على حب الشهادة. وأكثر ما ذهب شباب الأمة في حوادث السيارات، أو في غرف الباطنية من كثرة المأكولات والمشروبات والمطعومات، وأصبحنا لا نسمع قتلى، نحن الذين نعلّم الناس كيف نقتل في سبيل الله عز وجل. فهذا عبد الله بن عمرو الأنصاري -وقصته تتكرر وسوف تتكرر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها- قبل المعركة سأل الله أن يقتل شهيداً فقتل لكن بعد ماذا؟! بعد قتال يوم كامل في أحد , فما سقط حتى ضرب ثمانين ضربة من ضربات السيف والرمح, فأتى ابنه يبكي وأبوه مسجى، فقال صلى الله عليه وسلم: {يا جابر! ابك أولا تبكِ، والذي نفسي بيده! ما زالت الملائكة تظل أباك بأجنحتها حتى رفعته، والذي نفسي بيده! لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، فقال تمن: قال أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون, فتمن، قال: أتمنى أن ترضى عني، قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً} فهذه أعظم الثمرات, وهي أن نقدم أبناءنا ونعلمهم الشهادة، وأن يسأل الإنسان الله الشهادة في سبيله علّ الله أن يرزقه شهادة تمحو ذنوبه.

استعداد الأمة للجهاد

استعداد الأمة للجهاد الثمرة الثانية: أن الأمة تهيأت للجهاد في سبيل الله، فإن راية الجهاد سقطت من عهد صلاح الدين الأيوبي الكردي المسلم، فهو لم يكن عربياً, لما تولوا العرب للعزف على الموسيقى, وللسهرات الحمراء، وللشهوات والنزوات، قال سبحانه: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89]. فإن العرب لم يأخذوا الإسلام بصك شرعي، إذا انحرف العرب عن الإسلام أعطى الله الأكراد أو الأفغان أو الهنود أو الأحباش الإسلام، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] فلما تولى العرب وأصبحوا أهل جواري, وأهل ما يطلبه المستمعون, وجمع طوابع, وضياع, وهوايات ساقطة؛ غضب صلاح الدين وأقسم بالله لا يتبسم حتى يفتح بيت المقدس , وجهز جيشاً عرمرماً، فهل تعلمون متى بدأ الهجوم في معركة حطين؟ أنه بدأ الساعة السادسة يوم الجمعة، قيل لـ صلاح الدين: لم اخترت هذا الوقت، قال: " إذا ارتقى الخطباء على المنابر يوم الجمعة في عالم الإسلام, رجوت أن يدعى لنا بدعاء فينصرنا الله "، وبدأ الهجوم، يقول بعض المؤرخين: قرأ قبل الهجوم سورة الأنفال وكان الجيش الذي يصادمه -الجيش الصليبي الألماني والفرنسي والإنجليزي- كلهم جبهة ضد صلاح الدين، ولكن مع صلاح الدين الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَاد * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52] واستمع قبل المعركة قليلاً لـ موطأ مالك وانظر هذا القائد الرباني حتى موطأ مالك يقرأ عليه في المعركة، فقرئ عليه في باب الجهاد بعض الأحاديث ثم بدأ الهجوم وانتصر, وبعد أسبوع صلى الجمعة في مسجد بيت المقدس الذي سقط بعد عمر وأعاده للمسلمين صلاح الدين، وكان في الصف الأول وقام شمس الدين الحلبي العالم يخطب الجمعة، فاستهل الجمعة وقال: الحمد لله مجري السحاب، منزل الكتاب، هازم الأحزاب، الحمد لله وحده، الذي نصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم قال يحيي صلاح الدين: تلك المكارم لا قعبان من لبنِ وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا وهكذا يعصف التوحيد بالوثن فهذه من أيامنا وليالينا التي عشناها منتصرين, فلما تركنا الجهاد انحصرنا وأصبحنا في آخر الركب, دول نامية لا قيمة لنا في العالم، ليست لنا ريادة، بل روى أحمد وأبو داود بسند يصححه ابن القطان: {إذا رضيتم بالزرع، وتبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم} وهذا أمر معلوم. إذا انصرفت الأمة إلى الفلاحة وزراعة البطاطس والباذنجان, وأصبحت فقط هوايتها الأسعار وأخبار الأمطار والأشجار والحدائق والبساتين, وأصبحت هوايتها ما يطلبه المستمعون وافتح يا سمسم, وهذه الأمور تسقط الأمة من عين الله, فلا يكون لها مكانة في العالم. إذا عادت لنا الأزمة فعلينا أن نجاهد ونحمل راية الجهاد من جديد وألا نستسلم، وأي إنسان يقول كما يقول بعض أهل العلمانية: أن هذا الجهاد وحشية, والإسلام ينتشر فقط بالقلم والفكر والرأي والحوار، وكيف تحمل السلاح وتقتل الكفار؟! قال: بالحوار, فاهجره حتى يسمع كلام الله، وهل نسي أن ثلث القرآن من الآيات التي طالبت المسلمين بالقتال في سبيل الله؟! {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111].

التخلص من الغثائية

التخلص من الغثائية الثالث: عادت الأمة تلغي غثائيتها وتعيد بناءها العقدي والفكري. لأننا مرت بنا سنوات عشنا غثاءً وبعداً وعشنا بروداً وعشنا غفلة؛ غفلة في المعتقد, صحيح أننا نحفظ السور والآيات والأحاديث عن العقيدة، لكن لا نطبقها في دنيا الواقع، تجد الواحد منا يستشهد: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة:52] لكن لا يعمل بها، ويستشهد بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:36] مع أن هذا الإنسان الذي يستشهد بهذه الآية تجده مهزوماً وفيه خور, بل يخاف البشر أكثر من خوفه من رب البشر. قطاع هائل من الناس الآن يخافون من الناس أكثر من خوفهم من رب الناس, ويتحفظون من كلامهم في الناس أكثر من كلامهم أو من معاصيهم مع رب الناس تبارك وتعالى وهذه غثائية في المعتقد، وأصبح عند الناس كراهية الموت وحب الحياة، وغثائية في الفكر فلا تجد التفكير السليم, بل تجد أحد الناس يصلي ويصوم ولا يعرف ما هو دور الإسلام في الحياة, بل يقول: الإسلام للتيمم والمسح على الخفين، والإسلام له حيز خاص، ويقول بعضهم: لا تدخلوا الإسلام في كل قطاع وفي كل مجال, الإسلام له خطوط يجب أن يبقى عندها! ونسي قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] ونسي قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِين} [الأنعام:162 - 163].

معرفة الرجال وهم أهل لا إله إلا الله

معرفة الرجال وهم أهل لا إله إلا الله الرابع: ظهر للأمة أن حملة المبادئ هم رجال الأزمات وأبطال المواقف, من الذي يصمد في العاصفة؟! من الذي يحمل السلاح؟! بعد الأزمة ظهر لنا أنهم أهل الصلوات الخمس, والذين يتعلقون بكتاب الله وبـ "لا إله إلا الله ", أما الذين يعيشون الغثائية والضياع والشهوات فلن يكون لهم دور في الأزمة وليس لهم موقف مهما كان. فلا الجانب الغنائي اكتسح العراق ولا المسرحيات قصمت ظهر حزب البعث، ولا المسلسلات وقفت وحررت الخفجي، ولا الجلسات الحمراء وجلسات البلوت, حملوا الرشاش، وقاموا على الدبابات والمجنزرات. لم يكن هذا أبداً, بل الذين كانوا يسجدون ويعبدون هم الذين قدموا دماءهم؛ فأهل المواقف هم أهل لا إله إلا الله: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] ولا بد من هذه التصفية. وفي عهد الرسول عليه الصلاة والسلام اختلط الحابل بالنابل قبل معركة أحد , فأراد الله أن يميز الصف ويظهر الصادق من الكاذب, فبدأت المعركة. خرج صلى الله عليه وسلم بألف مقاتل فانخذل في الطريق ثلاثمائة مقاتل, خرج المنافقون على جنب: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة:46] , فلم يخرجوا أبداًً ولم يقبلهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وانخذلوا؛ لأنهم ما صدقوا، وأحد الشعراء يقول: من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح والذي لا يصلي الصلوات الخمس في المسجد فلا تظن به خيراً, أو تنتظر منه أن يرفع لا إله إلا الله أو أن يجاهد من أجل لا إله إلا الله، أو أن ينصر لا إله إلا الله؛ لأنه خان لا إله إلا الله في المسجد فكيف ينصرها في الميدان؟! وقصة طالوت في الميدان هي مثل هذه القصة, لما مروا بنهر، قال لقومه: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة:249] فمضوا قليلاً فلما أحسوا بالظمأ لم يصبروا, انهار أهل الشهوات فشربوا حتى رووا، وبقي ثلة كأهل بدر ثلاثمائة وأربعة عشر لم يشربوا، ولما نزلوا قالوا: {قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:250] قال الله: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:251] فهذه ثمرة من ثمرات النصر يجب أن نقف معها طويلاً، وأن نتأملها ونعرف من الذين يقدمون للأمة نفعاً, ويمكن أن يكون لهم مكانة لننزلهم منازلهم؟!

عودة الأمة إلى ربها

عودة الأمة إلى ربها الثمرة الخامسة: عودة الأمة في جملتها لتوثق صلتها بربها تبارك وتعالى, والناس كثير منهم لا يعرف الله إلا في الأزمات, إذا اشتدت به الكرب عاد إلى الله، يقول سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [العنكبوت:65] وقال سبحانه: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ} [الإسراء:67] وهذا أمر معلوم. وهذه قصة تكررت في مناسبة سبقت، وإني أطلب من الإخوة الذين سمعوها أن يتحملوا سماعها مرة ثانية. يوم الأحد الماضي عشت أنا وبعض الإخوة تجربة في طائرة وقد أقلعت بنا من أبها في الصباح، فلما قطعنا شيئاً من الوقت -ما يقارب نصف ساعة- عادت بنا إلى المطار مرة ثانية وأصلحوا في محركاتها ما أصلحوا, ثم أقلعت بنا, فلما اقتربنا من الرياض أبت محركاتها أن تنزل المطار, ووقفنا على سماء الرياض ساعة كاملة أو ما يقاربها، وتسع مرات كلما اقتربنا من المدرج رفضت أن تهبط وأصبحنا في قلق, أما النساء فأصابهن انهيار، ورأينا بعض الناس ممن كان يضحك ويلهو أصبح قاب قوسين أو أدنى من الموت, وبلغت القلوب الحناجر, وأصبحنا نكتب أسماءنا في قصاصات ليتعرف على جثثنا بعد أن نصل الأرض، ونسينا الأهل والأولاد والمناصب والحياة وأصبحنا نتذكر في الدقائق التي بعد قليل (من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟): والله لو عاش الفتى في عمره ألفاً من الأعوام مالك أمره متلذذاً فيها بكل لذيذة متنعماً فيها بنعمى دهره ما كان ذلك كله في أن يفي فيها بأول لحظة في قبره وهذا هو المصير، فلا إله إلا الله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] فلما أتت الأزمة امتلأت المساجد ولاحظنا ذلك، لما أصبحت صواريخ اسكود تضرب بعض المدن أتى العصاة -الآن الذين ما كانوا يسمعون لا إله إلا الله ويستكبرون ويتعامون ويتصامون- يهرولون في المسجد كأنهم ما يعرفون الله إلا في الحرب، كبعض الطلبة في الامتحانات يؤدون الصلوات الخمس في المسجد فإذا علقت النتيجة ورأى اسمه مع الناجحين, ترك المسجد: {أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً} [الإسراء:83] {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [فصلت:51] وإذا مسه الشر ألقى على الله محاضرات من الدعاء والابتهال: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] فتجد كثير من الناس وسمعنا نساء تبن وتحجبن، وعرفت بعض الأسر تركوا سماع الأغاني، وقالوا: لماذا نسمع الأغاني والكيماوي قريب منا والمزدوج؟ فلما سمعوا بانتهاء الأزمة: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28] ولكن بقي في الناس من جدد صلته وعاد إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فنسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يثبتنا وإياه. وهذه من دروس الفتن والمصائب حتى على مستوى الأفراد، فقد تجد كثيراً من الشباب لم يعودوا إلى الله إلا بحادث سيارة، أو بموت أب، أو بموت أم، والله يبتلي من يشاء: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين} [العنكبوت:2 - 3].

القضاء على أعداء الله

القضاء على أعداء الله الثمرة السادسة: أزيح عن طريق الأمة عدواً لدوداً من أعدائها، تصوروا من هو العدو! إنه جيش يربى من عهد ميشيل عفلق أتظن أن ميشيل عفلق يربي جيشه أحمد حسن البكر وصدام حسين لقتل إسرائيل أو إحراق نصف إسرائيل! في مذكرات حردان التفريدي أخبر أن هناك معاهدة عدم اعتداء حزب البعث وبين إسرائيل عدم الاعتداء وهذه موجودة في المواثيق، أما الضحك على دقون الشعوب بأنا سوف نحتل إسرائيل لا: أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافرِ هلا برزت إلى غزالة في الوغى بل كان قلبك في جناح طائرِ وهذا الجيش مهيأ لضرب بلاد المسلمين؛ لأنه لا يريد لا إله إلا الله، فإن علمه مكتوب عليه: آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ماله ثاني وإنما قول صدام: الجهاد في سبيل الله كقول فرعون لما أصبح في البحر: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] فهو يضحك على الهنود والباكستانيين والأفغان والأتراك؛ لأنهم يحبون من ينادي للجهاد؛ لأنهم ما وجدوا من ينادي بالجهاد فلما نادى أراد أن يكسب عاطفتهم فما كسبها والحمد لله، المقصود بالثمرات كسر ظهر البعث , وما ألذ وما أحسن أن رأينا وجهه يعفر بالتراب: ما ربع أمية محفوف يطوف به غيلان أبهى لنا من خدها الترب لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب يقول سبحانه: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21] انظر كم أتاه من رجل يلتمس منه أن يتنازل ويصطلح، ولو تنازل واصطلح مع الناس لأبقى قوته، ولكن الله غالبٌ على أمره، قالوا: خذ ما أردت من الشروط، فلو وافق كان خيراً له, لكن الله غالبٌ على أمره. فحطم الله قوته, وكسر ظهره, وأزال شره, فلله الحمد والشكر. وهذه ثمرة -وأظنها والله أعلم- في طريق مستقبل الإسلام؛ لأنه بإذن الله بعد سنوات سوف يسيطر على العالم هذا الدين الخالد؛ لأن المستقبل له: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:40] فالوارث هو الله, والخلافة لهذا الدين، وقبل سنوات كسر ظهر الشيوعية واليوم البعث وغداً الصليبية وبعد غد اليهودية ليبقى دين الله عز وجل: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45].

استجابة الله لدعاء المؤمنين

استجابة الله لدعاء المؤمنين الثمرة السابعة: أثر دعاء الصالحين في النصر، فالصالحين لهم أثر, تصور كم دعا من داعٍ في هذه الأزمة أن ينصر الله دينه, وأن يهلك طاغية العراق في الحرمين والمساجد! ولو قدر أن الجميع ما قبل دعاؤهم إلا واحداً أفلا يكفي؟! بلى دعاءٌ واحد يكفي فالله يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} [البقرة:186]. ذكر أحد الدعاة من الكويت اسمه طارق السويدان: أنه التقى في اثني عشر نائباً من مجلس النواب الأمريكي، وسألهم عن مشاعرهم في هذه الأزمة، فكلهم بلا استثناء كما ذكر ذلك في محاضرة مسجلة -ذكر أن لدعاء المسلمين في البلاد هنا أثر في الانتصار، وهذا رئيسهم يدعوهم وهو دينه محرف لا يقبله الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فـ المسيحية لا يقبلها سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] ولكن رئيسهم دعاهم في وقت الهجوم البري أن يتجهوا إلى الكنائس ويدعون الله، لكن دعاء محرف، ودين باطل محرف، فكيف بالمسلمين إذا صدقوا والتجئوا إلى الله؟! كم من شيخ وعجوز وأم! وكم من طفل! دعوا الله عز وجل فلبى الله دعاءهم. إذاً علينا أن نكثر من الدعاء، فنحن وعندنا سلاح معطل ما استخدمناه إلا قليلاً، وهو الدعاء الذي هو أقوى من صواريخ المعتدي: دعها سماويةً تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوسِ يقول أحد الصالحين لأحد الجبابرة وقد اعتدى عليه: "اللهم إني مغلوب فانتصر، ليس لي قوس ولا وتر ولا نبل ولكن عندي أقواس أريشها في السحر, ثم أطلقها بالدموع, ثم أرفعها فتصل علام الغيوب, فيقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين". قيل لـ علي بن أبي طالب -وهو ثابت عنه في الترجمة- كم بين العرش والأرض؟! قال: دعوة مستجابة. وسجن يحيى بن خالد البرمكي سبع سنوات، أخذه الخليفة هارون الرشيد وسجنه، وكان يحي البرمكي وزيراً من أكبر الوزراء في الدنيا، فمكث سبع سنوات لا يرى الشمس، فزاره أحد أصدقائه، قال: يا يحيى! بعد النعيم تنزل في هذا السجن قال: نعم. دعوة سرت في ظلام الليل غفلنا عنها, وما غفل الله عنها. هذا أثر دعاء الصالحين فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد، والأمة يجب عليها أن تثق بربها سُبحَانَهُ وَتَعَالى, وأن تحسن الظن به, وأن تعلم أنه الذي نصر رسوله في بدر ونصر أولياءه في كل المواقف وهو ينصرنا متى استنصرناه ومتى صدقنا معه سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

ارتفاع الإيمان في قلوب المؤمنين

ارتفاع الإيمان في قلوب المؤمنين المسألة الثامنة: ارتفاع الإيمان بالغيب في قلوب الصالحين. فقد زاد الإيمان بالغيب في قلوب الصالحين بعد أن كشف الله هذه الأزمة, فوثقوا بربهم الذي أزال المكروه عنهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأصبحت التقارير وكثير من التخرصات والتكهنات والتحليلات السياسية والصحفية والإعلامية؛ هباءً, لقد سمعنا وسمعتم أنتم في بعض التحاليل أنه سوف يدمر جزء كبير من المنطقة، وآبار البترول سوف تحترق وسوف تهدم, ويقتل كثير من الناس ويباد كثير من الجيش, وأن الكيماوي سوف يهلك المنطقة بأسرها وما حصل شيء من ذلك. من أطفأ وأسكت هذا السلاح؟! ومن أباد هذه القوة؟! بل خذلوا خذلاناً ما سمع التاريخ بمثله, من الجنود يسلمون الأسلحة ويستسلمون ثم يقودهم جندي واحد، بل سمعت أن جندياً كان يسوق ثلاثة آلاف، وهذا ما سمعنا به في الحروب، فمن الذي ينصر ويخذل: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] وأنا أعلل ذلك بالذنوب التي قام بها ذاك الشعب, فإن من يعرف تاريخه ويعرف تاريخ انحراف كثير منه, يعرف أن الذنوب هي التي خذلته هذا الخذلان العظيم وإلا فلا يتعثر من جبن فهو من أشجع الشعوب؛ ولكن المعصية -والعياذ بالله- تخذل الجيوش. وكان عمر رضي الله عنه يكتب لـ سعد ويقول: [[إياكم والمعاصي! فإني لا أخشى عليكم من عدوكم لكن أخشى عليكم من المعاصي]] فإن أعظم ما يخذل الجيوش معصية الواحد الأحد، فهي التي تعمي بصره وتظهر خوره وتبيد خضراءه، وهي خطيرة إذا حلت بأي أمة أو بأي بلد، فارتفع الإيمان بالغيب ووثق الناس بربهم. بل بعض الناس لما سمع عن انجلاء هذه الفتنة كان يسجد على الأرض ويقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، وعرف أن هناك رباً ينصر وينتقم ويأخذ وقد تحققت في الطاغية آيتين في القرآن، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف:52] فهو خائن فما هدى الله كيده، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] وهو مفسد فما أصلح الله عمله.

ظهور أمر المنافقين

ظهور أمر المنافقين الثمرة التاسعة: ظهور كثير من المنافقين من مرتزقي الأفكار ومحترفي الأزمات، الأمة تعيش أزمة وصراعاً وحرباً وتجد بعض الناس يشتغل بقضايا لا تمس للمعركة بمسيس، ولا تتصل الأزمة بصلة قضايا جانبية، إما طعناً في الدعاة، أو طلباً يناقض الدين، أو خروجاً بمقالات، أو بقصائد معارضة للكتاب والسنة، فأظهر الله حقيقته للناس، ولو كان هناك العافية ما ظهر هؤلاء, فإن السلف يقولون: في العافية يتساوى الناس وفي البلاء يتميز هذا من هذا، وقال سفيان الثوري: [[إذا أقبلت الفتنة لا يعرفها إلا العلماء، وإذا أدبرت عرفها العالم والجاهل]] وهذا أمر معلوم، فإنه لما أقبلت الفتنة, عرفها المؤمنون ولم يعرفها السفهاء المنافقون، فلما أدبرت عرف الجميع الفتنة ولكن ما نفعهم: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] يتعجب الإنسان أن تعيش الأمة أزمة وتواجه مليون بعثي مسلح ويأتي بعض الناس يشكك في الحجاب ويطالب المرأة أن تترك الحجاب -هذا وقت مباحثة الحجاب- لكنه يظن أن العلم الشرعي سوف يضعف وسوف تشتغل الأمة ببعض القضايا فوجد مكاناً خصباً ليثير هذه المسألة إلى غير ذلك من القضايا.

استشعار نعمة الأمن والاستقرار

استشعار نعمة الأمن والاستقرار الثمرة العاشرة: عشنا نعمة الأمن التي ننعم بها ولم نكن نشعر بها، كثير من الناس ما كان يشعر أنه في أمن، الآن تتصور مثل العاصمة الرياض لما خرج كثير من أهلها بعد هذه الضربات عادوا إليها الآن عادوا بلذة للأمن وفرحة لاجتماع الأهل شعروا برغد العيش, وحمدوا الله عز وجل, وقال بعضهم: (كنا نحسب أننا في أمن ونسيناه، الآن تذكرنا وذقنا الأمن الذي نعيشه. الآن مثل أهل الكويت لما خرجوا قبل الأزمة وقبل اجتياح العراق الكويت ما كانوا يشعرون بهذا النعيم الذي هم فيه ولا بالرغد ولا بالسكينة ولا بالاستقرار فلما أخرجوا وعادوا الآن، وعادوا يتلهفون على هذه النعمة وعلى هذا الأمن -وشكره سوف يأتي في عنصر كيف نعبر عن شكرنا أمام هذا الحدث الجلل- فالمقصود أن كثيراً من الناس لا يعرف النعمة حتى تنصرف عنه. الآن سل الشاب صحيح الجسم عن صحته، يقول: الحمد الله، لكنه إذا أصبح على السرير الأبيض في المستشفى حمد الله وتذكر ذاك النعيم وتلك القوة والعضلات وهذا أمر قد يفوت، ولا يتذكره إلا كبير السن إذا تذكر شبابه وصحته ونعيمه، فبم يستقر الأمن؟! يستقر بشكر المنعم سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].

الحق لا تحميه إلا القوة

الحق لا تحميه إلا القوة الثمرة الحادية عشرة: الحق لا تحميه إلا القوة، أي سلطة في الأرض، وأي مبدأ في الأرض لا تحميه قوة ينهار، الرسول صلى الله عليه وسلم ما أتى بمسبحة وبسواك فقط, وقال: يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله، لو قال هذا وسكت, لاعترضه أبو جهل وعبد الله بن أبي والجاهلية في أول الطريق، لكن حمل المصحف في يد والسيف في يد وأعلن على المنبر حالة الاستنفار والجهاد, وعقد الرايات لـ خالد بن الوليد ولـ عكرمة بن أبي جهل، ولـ عثمان بن أبي العاص، ولغيرهم كثير، من أجل أن ترتفع لا إله إلا الله بالقوة، يقولون: كان هناك أعرابي ذهب بامرأته يحج بها فلما أصبح يطوف بالبيت عرض فاسق ينظر إلى امرأته، قال الأعرابي: لا تنظر إلى المرأة، اتق الله! قال: وما بي من بأس أن أنظر لامرأتك هل آكلها بعيني، قال: لا تنظر إليها، قال: والله لأنظرنّ إليها، قال: انتظر قليلاً, فخرج من الحرم وأتى بسيف من الجراب كان في خرج وسله بجانبه وقال: يا عدو الله والذي لا إله إلا هو إن نظرت إليها ثانية لأقتلنك، فنكس رأسه، فقال الإعرابي في قصيدة طويلة: تعدى الذئاب على من لا كلاب له وتتقي مربض المستأسد الضاري وهذا أمر معلوم، الحق لا يحميه إلا قوة، ولا إله إلا الله لا يحميها إلا شباب محمد: بلاد أعزتها جيوش محمد فما عذرها ألا تعز محمدا من أعزنا بعد الله؟ جيوش الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا ما كان لنا كيان في العالم ولا كان لنا ذكر ولا تاريخ ولا ثقافة فما حقنا إلا أن نعز دينه، ويقول زهير وقد أخطأ، في نصف البيت وأصاب في نصفه الآخر ويقول: ومن لا يذود عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم فالأخير جاهلي والأول صدق فيه (ومن لا يذود عن حوضه بسلاحه يهدم) إذاً هذا الدين الذي معنا لا يحميه إلا قوة ذخيرتها شباب محمد عليه الصلاة والسلام، وتحمل علم لا إله إلا الله، ألا ترى سيطرة الشعوب في العالم ما سيطرت إلا بالقوة، لا عبرة للاقتصاد في عالم القوة إذا قورن بعالم السلاح ولا عبرة في الإعلام، ولا عبرة في عدد السكان, فإن بريطانيا عضو دائم ممن تملك حق النقض (حق الفيتو) في مجلس الأمن، والهند أكثر منها ما يقارب سبعمائة مليون: لكن عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبتهم وجدتهم أصفاراً والعجيب أن القوة الآن بيد الكافر، دول النقض الخمس كلها كافرة، فهي التي تملك حق الفيتو، ومن مواثيق هيئة الأمم المتحدة، تجدون الرابع والخامس من المواثيق يقول: إذا اعتدت دولة كبرى من الدول الخمس على دولة صغيرة فلا يحق لدولة أخرى أن تتدخل، فـ الاتحاد السوفيتي لما اعتدى على أفغانستان؛ لأنها دولة من الخمس، لكن قصم الله ظهرهم من فوق سبع سماوات وقالوا: في البند الذي بعده وإذا تدخلت دولة صغرى تسندها دولة كبرى فلا يحق لأي دولة أن تتدخل، إسرائيل لما أسندتها أمريكا من تدخل؟! لا يستطيع أحد, وهذا ظلم وعدوان، وعلينا أن نعرف حقيقة أنه لا يمكن أن نحمي مسجداً أو نحمل مصحفاً إلا بقوة ونتربى على الجهاد. وهذا هو الأمر المطلوب الذي يعرفه العقلاء من كل الناس.

العلاقة والصداقة والأخوة ميزانها طاعة الله

العلاقة والصداقة والأخوة ميزانها طاعة الله الثمرة الثانية عشرة: لابد للمصالح أن تخدم المبادئ؛ لأن بعض الناس انقلب عن موقفه وتغير، أصدقاء الرخاء والموائد والمنافع يتلاشون: جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي فلا نصادق أحداً إلا على لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا نحبه إلا لأنه يتولى الله ورسوله والذين آمنوا: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:55 - 56]. يا أيها الإخوة: هذا هو المبدأ الصحيح, ألا يكون بيننا وبين الناس منافع مشتركة أو مواقف محددة فانتقاصنا لهذا لأمر غير الدين، ويمدح هذا، ويسب هذا لأمر غير الدين، حينها تفشل هذه الصداقة: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] بل وجد أن من مد بالسلاح أصبح حرباً، ومن مد بالمال أصبح طعنة: أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني إذاً من هو حبيبنا؟! من يسجد لله بأي لون أو بأي شعب أو بأي لغة، من يعترف بلا إله إلا الله محمد رسول الله هو أخونا نحبه ونتولاه.

النعمة لا تدوم إلا بالشكر

النعمة لا تدوم إلا بالشكر الثمرة الثالثة عشرة: يجب أن نعلم أن النعمة لا تدوم إلا بالشكر, وهذه حقيقة كبرى يعرفها الناس، عرفها من عرفها, وجهلها من جهلها, والذي يجهلها ربما يعرفها بدرس من الله: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] وهذا أمر معلوم، فإنه علم أن بعض الشعوب غرقت في المعاصي وسقطت في الفواحش إلى درجة رهيبة؛ فاجتوحوا وأصيبوا بمصائب لا يعلمها إلا الله عز وجل: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً} [الطلاق:8] وهذا جزاء من يفعل ذلك، وهذا جزاء أكيد لمن يستمر في إغضاب الله عز وجل وفي نقض أمره وعدم تطبيق كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. كيف تدوم النعمة؟! إن شكر الباري سبحانه، ليس شكراً باللسان فقط بل شكر العمل وشكر اللسان وشكر الاعتقاد، نعتقد أن المنعم هو الله، رأيت في قصة لداود عليه السلام أنه يقول: يا رب! كيف أشكرك؟! وداود عليه السلام أنعم الله عليه بالنبوة والملك وجمع آل داود وكانوا ثلاثين ألفاً، فقال داود: إن الله أنعم عليكم بنعم لم ينعمها على أحد من الناس فقيدوها، قالوا كيف نقيدها؟ قال: بالشكر، قالوا: ماذا نفعل، قال: دعونا نقتسم ساعات الليل والنهار، نصلي ونسبح ونذكر الله، فتوزعوا ساعات الليل والنهار فما مرت ساعة من ليل أو نهار إلا وأناس من آل داود يصلون وأناس يسبحون ويدعون، فقال الله: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] يقول داود في بعض كلامه لربه: يا رب! كيف أشكرك؟ قال: يا داود! أتعلم أن هذا النعيم مني، قال: نعم، قال: فقد شكرتني، وهذا شكر الاعتقاد. وشكر العمل أن تصرف هذه النعمة في مرضاة الله عز وجل، فالمال الكثير حارب به الشركات السياحية والإجرام، والصد عن سبيل الله، ومحاربة لا إله إلا الله: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36] وأنا أعرف أن بعض الناس سحب من بعض الأشرطة الغنائية أكثر من مائة ألف شريط ليوزعها على الناس، انظر هذه الهدايا والصدقة: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] شكوت لأحد العلماء هذا الموقف فقال: لا يهمك حبل الباطل قصير، ثم قال: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36] بينما لو صرف هذا الجهد وهذا المال في بناء المساجد, وفي توزيع الشريط الإسلامي, وفي إطعام المساكين والفقراء, وفي توزيع الكتيب الإسلامي, وفي إعطاء اللاجئين والمجاهدين؛ لكان عنده فضل عظيم من الله: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] وهذا من عدم شكر النعم وما عرف كيف يصرفها في مصارفها فجعلها الله حسرة كما يقول أبو تمام: قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم بل تجد حرص بعض أهل الباطل على نشر الباطل والإنفاق عليه وتأييده كأنه هو الذي يجب أن يسود ويسيطر وهذا خطأ في المنهج.

معرفة أن النصر بيد الله وبتأييده

معرفة أن النصر بيد الله وبتأييده الثمرة الرابعة عشر: عرفنا أن العدة والعدد وحدها لا تكفي: إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده وإلا فالمشركون كانوا في بدر ثلاثة أضعاف المسلمين فهزمهم الله، وقال الله لأوليائه: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران:123] ولما أعجب الصحابة بعددهم في حنين أخبرهم الله أن العدد لا يكفي فانهزموا في أول المعركة، قال سبحانه: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25] لأن العدد وحده لا يكفي، يقول أحد المسلمين في حنين: " لا نغلب اليوم من قلة ", لكن غلبوا من غير القلة، من العجب، وعادوا وانتصروا في آخر المطاف لما تلقنوا درساً. الجيوش العالمية التي يهول بها ليست شيئاً أمام الحق، والحق متى يستعد أصحابه بما استطاعوا من قوة نصرهم الله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال:60] في قدرتكم واستطاعتكم ليس إلا ثم ينصر الله يفتح ويثبت ويؤيد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]. إذاً: التهويل لجيوش الباطل ليس له أساس عند المسلم، خالد بن الوليد التقى في اليرموك وكان جيشه ثلاثين ألفاً وجيش الروم مائتين وثمانين ألفاً، فمائتان وثمانون ألفاً, يقابلها ثلاثون ألفاً وانتصر عليهم خالد يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، يقول سبحانه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:174 - 175] فهذا فضل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وحده.

عدم الرهبة من الموت

عدم الرهبة من الموت الثمرة الخامسة عشرة: أزحنا شبح الموت عنا ولله الحمد، نحن أمة ما خضنا معاركاً منذ أن يعقل من أمثالنا وسننا وأسرابنا ما سمعنا أن البلاد خاضت معركة والحمد الله ونسأل الله أن يبعد عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، فلما سمعنا بهذه الأزمة خاف الناس خوفاً عظيماً ما سمع الناس بمثله، وما أظن أن هناك بلداً يشبه هذا البلد أو ما حوله، في قضية استنفار الطاقات وقضية الاهتمام بالحدث الجلل الذي وقع؛ لأن بعض الشعوب ولو كانت منحرفة فإنها عاشت الحروب واستمرت عليه يقول المتنبي: إذا اعتاد الفتى خوض المنايا فأهون ما يمر به الوحول يقول: إذا كان الرجل معتاداً على القتل والقتال، سهل عليه خوض المعركة والوصول لها، وتعرفون من الصور والنماذج التي كانت من شبح الموت أن بعض الأطفال أتاهم عن طاغية العراق من التهويل وساهمت بعض الصحف في تهويل هذا الطاغية، فكانت ترسمه بأنياب كالخناجر، وبعيون يخرج منها الشرر وترسمه وتصوره وعليه خنجر وسلاح؛ فخوفوا الأطفال والبنات الأحياء منهم والأموات، وظنوا أن هذا يأكل البشر حتى أن بعض الأطفال يقول: هذا صدام يأكل الناس، قلنا: ما يأكل، بل يأكل خبزاً وسوف يقصم الله ظهره، أما الأطفال ما يأكلهم. فهذا ساهم فيه بعض الصحفيين في رسمه وتقبيحه وتكبيره وتهويله وهذا خطأ، ويسمى عند أهل الفقه: الإرجاف، ويُمنع المرجف والمخذل الذي يرجف في الناس ويخذل ويُمنع ويؤخذ على يديه؛ لأن العدو ضعيف ضعيف، والذي يتصل بغير الله حقير، لا يقام له وزن وأن جندنا لهم الغالبون وهذا هو جند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وأعرف ناساً في أقصى الجنوب، في قرى يمكن لو قامت أكبر المعارك العالمية يمكن ما يصلهم شيء قاموا على نوافذهم باللاصق فألصقوها حتى لا يدخل الهواء. وفي جدة كانت هناك محاضرة عامة اسمها: "خطر ممنوع الاقتراب" قبل الهجوم بيوم أو بيومين -الهجوم الجوي- فكنت أتحدث مع الإخوة عن مسألة التوكل على الله وماذا علينا ولو متنا: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة:52] ونحن إن متنا فإلى نعيم نموت، فنحن نموت على التوحيد والإيمان وهل المصير إلا الموت، وفي أثناء ذلك يحس الإنسان أن الناس انشدت أعصابهم وزادت شجاعتهم، وفجأة على الميمنة من المسجد سمعنا صوت عجل سيارة له دوي كدوي البندقية أو الرشاش، فكاد الناس يخرجون من الأبواب الأخرى، فإذا المحاضرة ذهبت من المغرب إلى صلاة العشاء في الهواء؛ والسبب أن شبح الموت كبِّر وضخِّم للناس وعاشوا خوفاً، وإلا لماذا هذا الخوف؟ وكيف يصبح أعداء الله أشجع من المسلمين، بل تجد الاشتراكيين يقدمون جماجمهم تحت الدبابات، وهكذا والبعثيين والماركسيين، والشيوعيين في أفغانستان كيف قتلوا هذا القتل والإبادة؟! مع العلم أنهم يقدمون على المعركة من أجل مبادئهم الباطلة, ونحن أهل مبادئ لا إله إلا الله: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] ويقول تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] يقول أحد الشعراء واسمه النابغة الجعدي: والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: كيف تنتصرون على العرب، وهو كان من قبيلة بني جعدة وكانوا من الشجعان شجعان، قال: كيف تنتصرون على العرب؟ قال: تذكرت والذكرى تهيج على الفتى ومن عادة المحزون أن يتذكرا فلما قرعنا النبع بالنبع لم تكن على البعد أنت في عيدان تسترا سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا فتبسم عليه الصلاة والسلام, ومعنى البيت: هم شجعان ونحن شجعان لكنا أصبر منهم، ثم يقول في بعض أبيات: بلغنا السما مجداً وجوداً وسؤدداً وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا قال: إلى أين يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة يا رسول الله! قال: لا فض فوك -وليس لا وظفوك! - قال: فما سقط له سن وقد عاش مائة وعشرين سنة وليس هذا شاهدنا, بل الشاهد الصبر والتحمل، ونحن لا نخاف الموت، بل لابد أن نربي أطفالنا أن يخرج الطفل بعد صلاة المغرب إلى الشارع وإلى البيت الآخر، ما يخاف من القطط والكلاب والحمير والوحوش بل يبقى صامداً شجاعاً أما حياة الجبن والخور فيجب أن نزيحها تماماً، ويقولون أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت أمه تلاعبه وهو صغير وتقول: بأبي وأمي حيدره كليث غابات كريه المنظره ويقولون كان علي إذا سقط على الأرض وسال دمه لا يبكي مثل الأطفال لكن علياً من جرأة قلبه لا يبكي، وكان إذا بارز الكافر يقول: أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره أكيلكم بالسيف كيل السندره فهذا هو إنتاج محمد عليه الصلاة والسلام, أما أن يوجه الناس إلى الحياة فقط ويحبب لهم الركود ويصبح لا هم لهم إلا الاستقرار بدون جهاد وتضحيات؛ فهذا ينتج جيلاً جباناً لا نحتاجه ولا يحتاجه الإسلام. فشبح الموت زال عنا ووجدنا أن الموت قريب والحمد الله، وأن هذه الأوهام التي يخوف بها الناس لا حقيقة لها ولو مات الإنسان أو قتل ففي سبيل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً} [آل عمران:145] وهناك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة:52].

معرفة أن الصراع بين الإسلام والكفر ما زال مستمرا

معرفة أن الصراع بين الإسلام والكفر ما زال مستمراً السادسة عشرة من الثمرات: عادت لنا حقيقة الصراع الذي يواجه هذا الدين، ومن يقول: إن الإسلام انتهى من الصراع فما صدق, بل لا بد للإسلام أن يصارع, ويصارع حتى نلقى الله عز وجل: {كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] وقال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] فلا يتوهم متوهم ذلك. وقد سمعت مقالة لأحد الناس يقول: نحن في عصر حرية الرأي وكلام يشبه هذا، وعصر الإخاء الإنساني الذي يجب أن يزال وينزع فيه السلاح وتتهادن الشعوب، وقضية العداء الديني نزيله من أذهان الناس وهذا الكلام مخالف لكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، سبحان الله! وأي إخاء إنساني؟! وماذا يربطك بالكافر؟! قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22] فلا مودة ولا إخاء إنساني، فأخونا من اقترب معنا في إخاء لا إله إلا الله, قال تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54] هذا هو أخونا وحبيبنا وبلده بلدنا: وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطانِ في الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيرانِ أما إخاء يدخل أبا لهب وأبا جهل في الإسلام فلا نريده أبداً، فـ بلال لما قال: لا إله إلا الله وسلمان الفارسي لما قال: لبيك اللهم لبيك، وصهيب الرومي لما أقبل يقول: الله أكبر الله أكبر أدخله صلى الله عليه وسلم تحت مظلة إياك نعبد وإياك نستعين ودخلوا الجنة. فلما جاء أبو طالب القرشي وأبو لهب القرشي والوليد بن المغيرة القرشي وكفروا بلا إله إلا الله دخلوا النار. إذاً: هذه المقولة ليست صحيحة، وقضية مسالمة الكافر ليست بواردة, بل لا بد من الجهاد حتى تنتصر لا إله إلا الله كما قال صلى الله عليه وسلم: {جاهدوا المشركين بأموالكم وألسنتكم وقلوبكم} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، القلم يجاهد، واللسان يجاهد، والسلاح يجاهد؛ لتنتصر لا إله إلا الله؛ لأن المستعمر صار دخيلاً في الأرض ليس له حق البقاء، أي كافر سواء الصليبي أو اليهودي أو الشيوعي أو القومي أو البعثي؛ ليس له حق البقاء في الأرض، بل البقاء للا إله إلا الله محمد رسول الله فقط -فيا أيها الإخوة- لا بد من الصراع حقيقة، ليل ونهار, رشد وضلال, حق وباطل من سنن الله في الكون، ولو كان الحق لا توجد عقبة في طريقه لاهتدى الناس جميعاً ولما عرف الصادق من الكاذب، ولكن أبى الله إلا أن يميز أولياءه من أعدائه. فيا أيها الإخوة الكرام! هذه من ثمرات النصر التي وقفنا عليها وشاهدناها وعشناها ونسأل الله أن ينعم علينا وعلى الأمة الإسلامية بنصر خالد تعود فيه بلادنا إلينا وتحكم فيه شريعته في الأرض كلها وتنتصر لا إله إلا الله ويزاح الباطل, ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يرزقنا وإياكم الشهادة في سبيله، وأن يمنحنا موتةً على منهج رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يسقينا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبداً، وأن يحشرنا في زمرته، وأن يجعلنا من أتباع دينه، وأنه إذا أراد بقوم فتنة أن يقبضنا إليه غير مفتونين ولا مفرطين ولا ضالين ولا مضلين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حزب البعث وصدام حسين

حزب البعث وصدام حسين Q هل انتهى حزب البعث بانتهاء صدام حسين أم أن هناك جذوراً لا زالت باقية؟ A العلم عند الله، والذي يظهر أن هذا الرجل منته، فقد احترقت أوراقه وقصم ظهره وأصبح مبغوضاً من شعبه، والمشكلة أن حزبه قوي عنيف ولكن لا قوة فوق قوة الله عز وجل، وإلا فهو قد ربى الحرس الجمهوري خاصة وهو ما يقارب مائة وخمسين ألفاً وقيل أكثر وهو نزيف من الناس، ولكن منذ أن يبلغ الإنسان رشده أو في سن التمييز يذهب به إلى المدرسة العسكرية ويتلقى تعاليم صدام ويسبح بحمده ولا يرى إلا هو، فهم له موالون, لكنهم منتهون بإذن الله وسوف يقصمهم رب العزة، والوضع في العراق خطير؛ لأن هناك ثلاث جهات أو أكثر: 1 - جبهة رافضة وهي الكبرى. 2 - وجبهة الأكراد وهي سنة، لكن ضعيفة. 3 - وجبهة الشيوعيين. وربما تكون هناك جبهة الديمقراطيين الوطنيين. وسمعت أنها اجتمعت في لبنان لتشكل حلفاً ضد صدام وتسقطه، وعلى كل حال -والله أعلم- الذي يظهر أن حزب البعث سوف ينهار وينسحق بعد وقت، وهذه من المبشرات، لكن الذي يأتي بعده ما ندري، وقد تشكل حكومة ائتلافيه من كل هذه الأحزاب وهذا هو الحال في هذا الوقت إن أرادوا إسقاط هذا المجرم.

سبب خذلان حزب البعث

سبب خذلان حزب البعث Q يعز البعض خذلان جيش البعث إلى القوة الآلية للقوى المتحالفة، وأنها دول متقدمة في هذا المجال، وأن العرب لولم يكن معهم الحلفاء لم يهزموا جيش البعث؟ ما رأيك بهذا الكلام أرجو إن كان هناك رد عليه؟ A على كل حال هذه الاحتمالات لا ندري صحتها وعلمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى، فمسألة لو لم يكن هذا لكان كذا؛ هذه في علم الله عز وجل, لكن الذي يظهر أن حزب البعث وجيش البعث قد خذله الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وإلا فتصور جيشاً تعداده ما يقارب المليون وكان في الكويت ما يقارب نصف مليون مسلح بآلياتهم وقواتهم ودباباتهم وكان عندهم من الدبابات ما يقارب خمسة آلاف وخمسمائة دبابة, وهذا يسمونه رابع قوة في العالم، ومع ذلك خذلوا. على الأقل مع قوة كهذه لو أراد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى شيئاً لقتل كثيراً وتوقع الناس أن يقتل ألوفاً بل عشرات الألوف من الشعب الذي يقابله, لكن خذله الله. وخذلانه ظهر من أول لحظة فإنه دُمر وذهب طيرانه وأتى إلى المعركة بدون غطاء جوي وسحق سحقاً بيناً واستسلم جنوده وأعمى الله بصيرته أن يتقيد بالشروط من قبل ثم افتضح أمام العالم؛ فذهب ما يقارب من جيشه مائة وخمسين ألف أسير، ودُمَّر ما يقارب أربعة آلاف دبابة، ودمر اقتصاده ومشاريعه وإنتاجه ثم افتضح أمام العالم فأخذ قرارات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، اثنا عشر قراراً فابتلعها كما يبتلع المريض الحبوب ولباها، ووجد أن الأسرى عنده بالعشرات وما قتل أحداً، وهذا خزي وعار، فأين جبروته الذي لا يسلطه إلا على أفراد شعبه وعلى دول الجوار؟! فالقوة قوة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وإلا كان بالإمكان أنه ما قصم كل القصم، وما تلقى من غارات ولو أثرت فيه لكن بقي له قوة فانخذل وعاد وتراجع وانسحب، بل العجيب مما علم من بعض التقارير التي سمعت من بعض المراسلين أنه أمر هو في اليوم الأول بعد الهجوم البري بسحب الدبابات من الكويت وبقي الأفراد بالرشاشات أمام الناس، وهذا من الخذلان العظيم، ثم أتى يقاتل الناس وما عنده غطاء جوي، وهذا من الخذلان العظيم ثم قطعت موارده وما غطى خطه الخلفي الذي يمد من البصرة إلى الكويت وهذا من الخذلان العظيم، ثم كان يقول له قادته: القوة التي نصارعها قوة عالمية رهيبة وقوتنا أصغر من قوتهم، فكان يعدمهم ويعزلهم، فقد عزل اثنين من وزراء الدفاع أثناء الأزمة وقتل الثالث وهذا من الخذلان العظيم، وعلى كل حال يقول تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160].

نصيحة في الرجوع إلى الله

نصيحة في الرجوع إلى الله Q على الرغم مما مرت به بلادنا من هذه الأزمة من الفتنة والحرب إلا أننا لم نرَ من الناس رجوعاً وإنابةً إلى الله وخصوصاً بعد زوال الغمة حيث مباني الربا ومحلات الغناء وغيرها من المنكرات والمعاصي وتهاون الناس في الصلوات وخصوصاً صلاة الفجر وغير ذلك، فما هي نصيحتكم وما توجيهكم لمثل هذا بالذات، وجزاكم الله خيراً؟ A هذا السؤال فيه شقان: الشق الأول: ما يتعلق بالناس من أنهم لم يلاحظ الأخ عليهم عودة إلى الله، وأظن أنه لم يلاحظ العودة في هذه الأيام الوجيزة أو أن الإنسان لا يستطيع أن يستقرأ العودة في عيون الناس وقلوبهم ووجوههم, لكن لوحظ عودة كثير من الناس، ومن يلاحظ أخبار الناس ويتأملهم وجد ذلك وعلى كل حال إذا التزمنا بما نحن فيه من خيرية ولو أنها قليلة فهذا خير كثير, إذا لم تستطع أن تزيد على ما معك فالزم ما عندك: ولم أرَ في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمامِ لأن بعض الناس -والعياذ بالله- بعد الانتصار يبطرون ويتكبرون ويتجبرون فيرتدون على أعقابهم. وأما ما ذكر الأخ من بعض المعاصي ودور المعاصي وأماكن الربا, فنسأل الله عز وجل أن يوفق ولاة الأمر وأن يهديهم إلى سواء السبيل؛ لإزالة مثل هذه الأماكن وهذا يرفع إليهم، ونسأل الله تعالى أن يهديهم قراراً حكيماً يتخذون بشأن هذه وهذا الذي نأمله؛ لأنهم هم الذين يملكون هذا القرار المهم في حياة الأمة وهذه أمنية السواد الأعظم من أمة هذه الرسالة؛ لأن الشعب هذا شعب مسلم علمه لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويحب الله ورسوله، حمل وثيقة إياك نعبد وإياك نستعين، وما أظن أنهم إذا رأوا هذا وتأملوا إلا هداهم الله عز وجل لما فيه خير للإسلام والمسلمين.

استقبال رمضان

استقبال رمضان Q أسأل الله أن يبلغني وإياك والحاضرين شهر رمضان المبارك وأن يجمعنا وإياكم والحاضرين في جنات النعيم، نرجو من فضيلتكم التكلم قليلاً بمناسبة قدوم شهر رمضان، وحث الناس على كثرة الخير والطاعات؟ A ما ذكره الأخ من طلب التحدث عن شهر رمضان فقد سبق بالأمس محاضرة بعنوان (هدي السلف في رمضان) وقد أشبع فيها الكلام بما فتح الله عز وجل، وفيها مسائل مهمة -والحمد لله الشريط سهل التداول- وإعادة الكلام وتكراره على الناس صعب، فأنا آمل من الأخ إن استطاع أن يعود إلى الشريط الذي به محاضرة الأمس (هدي السلف في رمضان) ولكن بهذه المناسبة يمكن أن أقول: إن أعظم ما يمكن أن نستقبل به رمضان أن نجدد توبتنا وعودتنا إلى الله, واعلم أنه إذا انسلخ منك رمضان وما حرصت على أن تعتق رقبتك من النار فقد خسرت خسراناً مبيناً -نعوذ بالله من الخسران- وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {رغم أنفه، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من أدركه رمضان ولم يغفر له} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فيا أخي! احرص على أن تعتق رقبتك من النار بالطاعات والتوبة إلى الله، وأما بقية المسائل ففي المحاضرة السابقة.

تعليق على ظهور الفنانين بعد انتهاء الأزمة

تعليق على ظهور الفنانين بعد انتهاء الأزمة Q نلاحظ أثناء الأزمة اختفاء دور أهل الفن والكرة والعلمانيين وأصحاب المصلحة، لكن حينما زالت الأزمة نرى أنهم يعودون الآن تدريجياً فما تعليقكم على ذلك؟ A يقول العربي: وإذا تكن ملمة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب وهذا بيت يمثل به الشجاع العربي أخاه وهو، يقول: إذا كانت هناك مهمة وكلفة ومشكلة أدعى أنا لأحمي أهلي، وإذا كان هناك حيس -والحيس: هو البر بالسمن- يدعى جندب أخوه، يقول: وهذا ليس صحيحاً، فبعض الناس للحيس، يعني أوقات الراحة والتسلية على الأمة، بل بعضهم كما يقول تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:8] وقرأت مقابلة مع مغن في أحد الصحف قالوا: ماذا قدمت للأمة في تلك الأزمة؟ قال: قدمت لهم صوتي ووتري وعودي -الله أكبر! جزاك الله خيراً ما هذا الطموح؟! - قال: وأنشدت نشيداً وطنياً قلت فيه: الله الأول وحبـ ك يا الوطن ثاني وهذه الكلمة شرك في حد ذاتها، وقد نبه أهل العلم أنه لا يجوز إطلاقها وهو يعني أنه هزم صدام حسين بالوتر والعود! والجيوش العربية كانت تتوخى ألا تسمع نشيداً في المعركة ولا غناء لأنها تنهزم، ويقولون معركة عبس وذبيان كانت من أسباب انهزام إحدى القبيلتين أنهم سمعوا مغنية معها عطر اسمه: منشم، فانهزم الجيش كله فيقول زهير: تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم فالأمة لا تحيا ولا تنتصر بالغناء والمجون واللهو والضياع والتفلت, فنحن أمة لنا رسالة خاصة واتجاه ولنا مبادئ محددة, والحمد لله الأمة في غنى عن الغناء والضياع, وعندها مبادئ وسماع شرعي رحماني أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين واليابانيين واليونان والروس والصينيين إذا استمعوا الغناء, فما عندهم قرآن, لكن عندنا السماع الشرعي المحمدي القرآني وعندهم السماع الشيطاني الطاغوتي اللاهوتي الضائع، فلا يجوز أن تقرن هذا بهذا, والحقيقة أن الأحداث تتكلم عن نفسها، فقد رأينا من هو أعود على الأمة صلاحاً, هل هو الطيار والطبيب والمهندس والداعية والمعلم والأستاذ والتاجر المسلم؟ أم هو المغني والمطبل والضائع والكاتب بلا هوية والمرتزق بمبادئه والمتعاطي بقلمه, يقول تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60].

حقيقة العلامة التي يرفعها الناس بأصابعهم على شكل سبعة

حقيقة العلامة التي يرفعها الناس بأصابعهم على شكل سبعة ؤال: أرجو أن تخبرنا يا شيخ عن هذه العلامة التي يستخدمها بعض الناس، ويزعمون أنها علامة للنصر، ويرفعون بها أصابعهم بشكل سبعة فما معنى هذه الإشارة؟ A السبعة اسم جنية، وهذه الإشارة فيما قرأت لـ جيجون الفرنسي فقد كان يشير بها الجيش الفرنسي ثم نقلت إلى أنحاء العالم، وقد أشار بها أبو عمار في ثالث هزيمة تعرض لها، فلما طرد من بيروت أشار للفلسطينيين بهذه، ولما سحق كذلك بعض الفلول له، وهذه مصيبة فلسطين مصيبة لنا نحن ولا يحرر فلسطين إلا المصلون العابدون، وليس هي قضيتهم وحدهم بل هي قضيتنا نحن أيضاً، وقضية المسلم الهندي والأفغاني, والمسلم التركي والكردي، إنما المقصود بها أن يشيروا بها إلى الهزائم: واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب ومن النكات التي سمعتها -ربما كانت من الإسرائيليات لكن كان يحدث بها بعض الشباب في بعض الجهات- أن طارق يوحنا وهو وزير خارجية العراق وهو نصراني طارق يوحنا عزيز وهم يحذفون يوحنا تمويهاً على الناس: طلقة في رأسك اليوم تطلقها للفرود وطلقة في رأس حنا وطلقة في علا فـ طارق هذا يقولون -وهذا من الظرائف: إنه دخل بعد أن اجتاحت القوات الكويت على صدام وأشار إليه بهذه الإشارة فقال: بشر، قال: ما بقي اليوم إلا أنا وأنت! أما علامة النصر عندنا فهي رفع السبابة قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4] وكان صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه عند الدعاء والذكر فهذه علامتنا، أما هذه العلامة فهي علامة الانهيار والهزيمة وما حملها إلا عميل ومستخذ ومجرم وربما يفعلها بعض الناس جهلاً أو تشبهاً وهذا ما يجرم هذه الفعلة لأنه يكون مخطئاً ونقول له: لا، الإشارة الأولى أحسن، وهذه تب واستغفر واتركها.

آخر أخبار أفغانستان

آخر أخبار أفغانستان ؤال: الحديث عن النصر ينقلنا إلى جبال وأودية أفغانستان التي نسأل الله أن ينصر المجاهدين هناك، فما هي أخبار المجاهدين، جزاك الله خيراً؟ A أولاً: لست بحديث عهد بـ أفغانستان من قبل سبعة أشهر أو تسعة أشهر كنت هناك مع بعض الإخوة وأتيت بالأخبار اسمه: " ليالي في أفغانستان " إنما مجمل ذاك أن الجهاد رفع به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جبهة الأمة الإسلامية وأثبت لنا أن القوة الأرضية مهما كانت أمام الحق فهي لا شيء, فمجاهدو الأفغان لما احتلت روسيا كابل خرجوا من المساجد بالكلاشنكوف يقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وهذه وحدها تكفي؛ لأن تكون ميثاقاً وعلامة أن الأمة لا زالت مستطيعة، إذا جدت وواصلت سيرها واستعانت بربها أن تنتصر على عدوها وهي قضايا أخرى وحقيقة أن إدخالاً لموضوعات في موضوعات أو طرق بعض المحاضرات في بعض المحاضرات قد يأخذ وقتاً طويلاً أو يمل السامع.

أبيات شعرية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم

أبيات شعرية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم Q نريد أن يسمعنا الشيخ شيئاً من الأبيات الشعرية، سواء كانت مناسبة للأحداث أو المحاضرة أو غيرها ونترك الخيار له أن يسمعنا ما يراه مناسباً من الأبيات والقصائد لتكون ختام هذه الجلسة؟ A من القصائد مقطوعة الرسول صلى الله عليه وسلم عارضت بها البردوني شاعر اليمن وله قصيدة رائدة من أجمل ما قيل، مع العلم أني نبهت أن البردوني هذا مجرم، عمره الآن ما يقارب السبعين سنة لكنه بعثي ويحمل الاشتراكية والقومية أعمى القلب والبصر قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّه} [الجاثية:23] لكن أتته مرة ثائرة من حادث، فألقى قصيدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في صنعاء وهي من أروع ما قيل، يحيي فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: بشرى من الغيب ألقت في فم الغار وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرار بشرى النبوة طافت كالشذا سحراً وأعلنت في الدنا ميلاد أنوار وشقت الصمت والأنسام تحملها تحت السكينة من دار إلى دار ثم يقول يا رسول الله: أنا ابن أنصارك الغر الألى سحقوا جيش الطغاة بجيش منك جرار نحن اليمانيين يا طه تطير بنا إلى روابي العلا أرواح أنصار إذا تذكرت عماراً وسيرته فافخر بنا إننا أحفاد عمار فقلت في قصيده: صوت من الغور أم نور من الغار أم ومضة الفكر أم تاريخ أسرار يا عيد عمري ويا فجري ويا أملي ويا محبة أعمار وأقطار تطوي الدياجير مثل الفجر في ألق تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والناري أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبار فما لقومي بلا وعي قد انتكسوا أصغوا لصيحات عربيد وخمار يبيع ذمته في الرجس في وثن والدين ينهاه منه في شف هار لو بيع في السوق ما حازوا له ثمن ولو شروه لكان الغبن للشار جمع الطوابع من أسمى هوايته ذو همة بين خباز ونجار فهذه من المقطوعات وأستأذنكم في البقية. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أمن يجيب المضطر إذا دعاه

أمن يجيب المضطر إذا دعاه تعرف على الحي القيوم في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن عبادتك دعاء وتوحيدك دعاء، إن سألت فاسأل الله، وإن استعنت فاستعن بالله، وإن أصابتك بلوى أو حدقت بك مصيبة تمثل بقول الله عز وجل (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) [النمل:62]. اطلب حاجتك من ملك الحاجات، ثم لا تكن كمن قال الله فيهم: (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت:65]. واعلم علم اليقين أن دعوة المضطر سهام صائبة، ثم لا تستعجل الفرج (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء:19].

إجابة المضطر

إجابة المضطر الحمد لله رب العالمين، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ، إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أكرم هادي، وأفصح من نطق في البوادي، وأجل من تكلم في النادي، وأحدى من حدى به حادي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. شكر الله لأهل الفضل فضلهم، وعلى رأسهم مدير معهد محايل وأساتذته وطلابه والحضور الكرام، وعنوان هذه المحاضرة: أمن يجيب المضطر إذا دعاه. أيها المسلمون: يا مالك الأملاك أنت المقصد يا من له كل البرايا تصمد أبواب كل مملك قد أوصدت ورأيت بابك واسعاً لا يوصد الصالحون بنور وجهك آمنوا عافوا بحبك نومهم فتهجدوا لا إله إلا الله، من ذا الذي يجيب المضطر إذا دعاه؟! من الذي يجيب حاجة المحتاج؟! من الذي يغفر ذنب المستغفر؟! من الذي يعفو عن الزلل؟! إنه الله لا إله إلا هو: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:25 - 26] التجأت الكائنات إلى الله، والتفتت الأبصار، واتجهت القلوب إليه، كل المعمورة إلا الكافر تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ولهذه المحاضرة خمسة عناصر: أولها: فضل الدعاء وما ورد فيه. الثاني: آداب الدعاء. الثالث: دعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. الرابع: دعاء الأولياء. الخامس: فوائد الدعاء. وقبل أن أبدأ اعلموا -يا مسلمون- أن الدعاء حبل بين العبد وبين الله، ولا يصدق العبد في الدعاء إلا إذا صدق مع الله، ولا تأتي حاجة الدعاء عند كثير من الناس إلا في الأزمات: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65] يوم تشتد الأزمات فلا تجد إلا الله، ويوم تجتمع عليك المشاكل والأحداث والمصائب فلا تجد إلا الله، وحين تضيق بك الكوارث فلا تجد معيناً ولا ناصراً ولا هادياً إلا الله. يا حافظ الآمال أنت حميتني ورعيتني وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني

كل الخلائق تدعو الله

كل الخلائق تدعو الله خرج سليمان عليه السلام -والحديث صحيح- يستسقي بالناس، فمر في الطريق بنملة وإذا هي قد انقلبت على ظهرها ورفعت يديها إلى الحي القيوم فمن أخبر النملة أن الله خلقها؟ من أخبر النملة أن الذي يحيي ويميت ويضر وينفع ويشافي ويعافي هو الله؟ أتدرون ماذا تقول النملة؟ تقول: يا حي يا قيوم! أغثنا برحمتك، فبكى سليمان وقال لقومه: عودوا فقد سقيتم بدعاء غيركم. النملة تعلم أن لا إله إلا الله وتشتكي ضرها إليه، وهكذا العجماوات والسمكة في البحر والدودة في الطين: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد والبقر تشهد أن لا إله إلا الله، وقد ورد عن عيسى عليه السلام أنه مر ببقرة وهي في الولادة وقد اعترض ابنها في بطنها، فأخذت البقرة تنظر إلى السماء تطلب العون من الله، فأنطقها الله الذي أنطق كل شيء، وجعلها الله داعية متكلمة تقول: يا حي يا قيوم! يسر علي!! ثم قالت: يا روح الله! أسألك أن تدعو الله أن يسهل علي، فبكى عيسى ودعا الله فسهل الله عليها. وكل الكائنات تلتجئ إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وقد أخبرنا شيخ جليل لا يزال في أبها وهو حي يرزق يقرأ كتاب الله، يقول: سافرت في سفينة في البحر الأحمر، قريباً من باب المندب الذي يشرف على عدن، فحانت صلاة المغرب وأنا في وسط البحر في السفينة، فقمت أؤذن، فكان هناك ثعبان في البحر كلما قلت: الله أكبر؛ رفع نصفه من البحر واستقام، فإذا انتهيت عاد إلى الماء، فإذا قلت: الله أكبر؛ عاد من جديد واستقام، فإذا سكت عاد، فما قلت كلمة ولا جملة من الأذان إلا رفع جسمه ثم نزل بعد أن سكت. من علمه؟ إنه الله لا إله إلا هو. يا طبيب! يا من عنده العلاجات! يا حامل الأدوية! قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا يا طبيب! من الذي أرداك وقتلك وأماتك؟

كاشف البلوى هو الله

كاشف البلوى هو الله أبو بكر في مرض الموت قالوا له: ماذا تشتكي؟ قال: أشتكي ذنوبي. قالوا: ماذا تريد؟ قال: أريد المغفرة. قالوا: ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: قد رآني الطبيب. قالوا: فماذا قال؟ قال: يقول: إني فعال لما أريد. كيف أشكو إلى الطبيب ما بيا والذي قد أصابني من طبيبيا قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا إبراهيم عليه السلام مرض فقال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80] فانظر إلى الأدب: نسب المرض إلى نفسه ونسب الشفاء إلى الله، وإلا فالشافي والمعافي والنافع والضار هو الله: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3].

فضل الدعاء

فضل الدعاء أما فضل الدعاء فحدث ولا حرج، وقد صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال -كما عند الحاكم بسند صحيح-: {الدعاء هو العبادة}.

من فضائل الدعاء: أنه هو العبادة

من فضائل الدعاء: أنه هو العبادة يوم ترى العبد كثير الدعاء اعلم أنه عابد، يوم تراه متصلاً بالله اعلم أنه قوي الإرادة. نظرت إلى فيلم مع بعض الإخوة للمجاهدين الأفغان في منطقة ترخم، وقد رفعوا أياديهم قبل القصف المسلح وهم يحملون الكلاشنكوف فبكينا جميعاً. من أين يأتي المدد؟ أخذوا المدد من الله، لا من هيئة الأمم، ولا من مجلس الأمن، ولا من موسكو، ولا من واشنطن، ولكن {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:160] النصر من السماء، كان الصحابة إذا حضروا طلبوا من الله أن ينصرهم فينصرهم سبحانه. فقبل المعركة لهم دعاء، واتصال بالله. وقف حبيبنا ورسولنا ومعلمنا صلى الله عليه وسلم في معركة بدر يدعو إلى الفجر حتى سقطت بردته من على كتفيه. يقول سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] إذا قالوا لك: أين الله؟ هل هو قريب أو بعيد؟ إذا سألك العباد عن قدرة ربك، وعن سمعه وعلمه، فقل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] ولم يقل: فقل لهم إني قريب، قال أهل المفسرين: ترك الفصل لشدة الوصل، ولم يقل: فقل لهم: إني قريب. لأن في هذا فصل، وإنما قال: إني قريب، ترك الفصل لشدة الوصل ولاتصال الكلام {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] وسبب نزول هذه الآية أن الصحابة أتوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم حديثو عهد بالجاهلية التي كانت تجعل الإنسان يعبد الوثن واللبن والتمر والحجر والمدر، فجعلهم عليه الصلاة والسلام يعبدون الله، جعلهم أمة ربانية تتصل بالله، بينها وبين الله جسور، أمة ليس بينها وبين الله واسطة إلا في التبليغ عن طريق محمد عليه الصلاة والسلام. قالوا: {يا رسول الله أربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟}. يقولون: يا رسول الله! أخبرنا وأفتنا أربنا قريب يسمع فنتكلم بصوت خافت أم هو بعيد فنرفع أصواتنا؟ ولذلك يقول ابن مسعود: [[كنت متستراً في لباس الكعبة فمر بي مشركان كثيرة شحم بطونهما، قليل فقه قلوبهما، فسمعت الآخر يقول: أيسمعنا رب محمد إذا تكلمنا؟ فيقول أخوه التيس الأعمى الذي هو غبي مثله قال: إذا رفعنا سمعنا، وإذا خفضنا لا يسمعنا. فيقول: خفض صوتك]]. وبالمناسبة كان هناك رجلان مشركان، وقد أسلما فيما بعد، جلسا تحت ميزاب الكعبة والرسول -عليه الصلاة والسلام- في المدينة وكما قيل: أين مناخ العيس من حلب. لا هاتف، ولا فاكس، ولا اتصال، ولا برقيات ولا شيء، أمة صحراء، الجمل يأخذ من المدينة إلى مكة عشرة أيام، فقال صفوان بن أمية لـ عمير بن وهب: ما رأيك يا عمير في محمد قتل آباءنا وإخواننا وأعمامنا في بدر؟ ما رأيك لو قتلته؟ قال عمير بن وهب: أريد أن أقتله لكن من يقوم بأطفالي وأهلي؟ قال: أنا أقوم بأطفالك وأهلك، الهدم هدمي والدم دمي والحياة حياتي والموت موتي. فأخذ عمير سيفه فسمه حتى أصبح السيف أزرق، فذهب إلى المدينة يريد أن يقتل محمداً عليه الصلاة والسلام ولم يدر أن الله قال: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]. عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم وصل عمير إلى المدينة يريد تنفيذ خطة من أبشع خطط البشر، فوصل إلى المسجد فرآه عمر، فقام عمر وهو مجرد من السلاح وذاك عنده السيف، فأخذه عمر بسيفه وثيابه ومماسكه وقاده كما يقود التيس، حتى أدخله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد. فقال عليه الصلاة والسلام: يا عمير! ماذا جاء بك؟ قال: جئت أفادي أسرانا في بدر. قال: بل كذبت! جلست أنت وصفوان تحت ميزاب الكعبة، فقال لك صفوان: كذا، وقلت له: كذا وكذا وجئت لتقتلني، وما كان الله ليسلطك علي. قال عمير بن وهب: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. من الذي علمه؟ من هو القريب؟ قالوا: {أربنا قريب فنناجيه أو بعيد فنناديه؟ فسكت عليه الصلاة والسلام فأنزل الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]}.

من فضائل الدعاء: أنه لا يهلك معه أحد

من فضائل الدعاء: أنه لا يهلك معه أحد أما فضل الدعاء فحدث ولا حرج، ورد في الحديث {لن يهلك مع الدعاء أحد} كيف تهلك والدعاء معك؟ كيف تموت والدعاء معك؟ كيف تخزى في الدنيا والدعاء معك؟ قال أبو الحسن علي بن أبي طالب: [[عجباً لكم! معكم الدواء ومعكم الداء، داؤكم الذنوب ودوؤكم الدعاء والاستغفار]] فأكثروا من الدعاء وألحوا في الاستغفار. ذكر الله إبراهيم عليه السلام فوصفه أنه كان أواه منيب، وقد اختلف أهل التفسير في تفسير كلمة "أواه" قال بعضهم: كان يقول: أواه من ذنوبي، أواه من خطاياي، أواه من معاصي، أواه من تقصيري. وبعضهم قال: كان كثير الدعاء، وكثير المسألة والإلحاح. ألحوا في الدعاء فإن الله يحب الملحين في الدعاء. ألح في الدعاء فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى واسع المغفرة. الله يغضب إن تركت سؤاله وترى ابن آدم حين يسأل يغضب لو سألت الإنسان، طلباً وطرقت عليه بابه، وألححت عليه يغضب منك، أو يطردك أو يسأم منك إلا الله. وكلما اقتربت من الله ودعوته وصدقت معه زادك توفيقاً وهداية ورشداً. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن زكريا وغيره من الأنبياء {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]. ولو سئل الناس التراب لأوشكوا إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا أما خزائن الله فملأى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً} [الإسراء:100].

آداب الدعاء

آداب الدعاء من آداب الدعاء: أ- دعاؤه سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالأسماء الحسنى والصفات العلى. ب- الإلحاح في الدعاء. ج- عدم التعرض والتعدي والظلم في الدعاء. د- توخي الأوقات الفاضلة في الدعاء. هـ- ترك السجع والتكلف. والدعاء بالجوامع. ز- الإخفاء في الدعاء.

من آداب الدعاء: دعاء الله بأسمائه الحسنى

من آداب الدعاء: دعاء الله بأسمائه الحسنى أما دعاء الله بالأسماء فلله أسماء سمى بها نفسه، ولم يسمه أحد من الناس، بل اختار لنفسه أسماء كالحكيم والكريم والعليم والحليم والحي القيوم وذو الجلال والإكرام وأمثالها {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:180] الصوفية لهم دعاء عجيب! يقول ابن عربي الصوفي الغالي: من أفضل الأسماء: هو هو. الضمير المنفصل، وقد ضحك عليه ابن تيمية بقوله: هذا ليس دعاءً بل هذا نبيح كلاب، فهم قالوا: بدلاً من هو الله، يكفي أن تقول: هو، وبعضهم قال: الله الله الله الله، وبعضهم يردد فقط الاسم بلا دعاء، وأنت تجدهم في المدينة ومكة ممن يقدم من البلاد الأخرى جالساً الليل كله من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، وهو يقول: يا لطيف يا لطيف، يا لطيف يا لطيف. ماذا فعل اللطيف؟ وماذا تريد من اللطيف؟ فلو أتاك رجل عند الباب واسمك محمد، فقال: يا محمد، يا محمد، يا محمد، يا محمد. فتقول: نعم. فيقول: يا محمد، يا محمد. فتقول: نعم. فيقول: يا محمد. ما هذا! ماذا تريد من محمد؟ إن الاسم لابد أن ينادى بمشتق أو بفعل أو بطلب، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، يا أكرم الأكرمين أكرمنا بطاعتك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة. ووردت أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، كقول بعضهم كما يذكر الغزالي صاحب كتاب الإحياء: يا دهر الدهارير. سبحان الله! وهل من أسماء الله دهر الدهارير؟! هذه طلاسم ما أنزل الله بها من سلطان، أسماؤه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى توقيفية وهي التي سمى بها نفسه وسماه بها رسوله عليه الصلاة والسلام. جاء عند أحمد في المسند بسند صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول: {اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، وجلاء همي وغمي، وذهاب حزني} ما أجمل هذا الدعاء! وما أحسن هذا الكلام! وعند البخاري عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة} قال أهل العلم: معنى (من أحصاها) على أحد معان ثلاث: من أحصاها قيل: حفظها، ومن أحصاها قيل: عمل بمقتضاها، ومن أحصاها قيل: عرف معانيها. والكل صحيح. والدعاء بالأسماء الحسنى يكون بأن تثني على الله قبل أن تدعوه كما كان يقول عليه الصلاة والسلام في الليل: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون! اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}.

من آداب الدعاء: الإلحاح في الدعاء

من آداب الدعاء: الإلحاح في الدعاء من آداب الدعاء: أن تكون ملحاحاً، لا تقول: دعوت دعوت فلم يستجب لي. بل تستمر، يقول صلى الله عليه وسلم: {لا يقل أحدكم: دعوت فلم يستجب لي} وقال في حديث آخر: {يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل، يقول: دعوت دعوت فلم يستجب لي} وكل شيء عنده بمقدار. أتملك اقتراحاً على الله؟ أتريد أن تنفذ إرادتك على الله؟ أتريد أن يلبي الله لك طلبك في أسبوع؟! أنظر إلى موسى، وقف عليه السلام داعياً يقول {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس:88] فيقول أخوه هارون وهو بجانبه: آمين، آمين، آمين. فأخبر الله أنه استجاب لهما فسماهما داعيين، قال: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يونس:89] قال أهل العلم: كان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة. أربعون سنة مكث موسى ينتظر عذاب الله على فرعون وقومه. شاعر يمني موحد له منظومة عجيبة اسمها: (الجوهرة) مثل العسل المصفى، تبكي عيون الموحدين، يعارض بها ابن دريد صاحب قصيدة: يا ظبية أشبه شيء بالمها ترعى الخزامى بين أشجار النقا والتي يقول فيها من الأبيات الجميلة: والناس ألف منهم كواحدٍ وواحدٌ كالألف إن أمر عنا وآفة الرأي الهوى فمن علا على هواه رأيه فقد هوى وإنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى فرد عليه اليمني وهو يتوجه إلى الله في جبل من جبال صنعاء ويبكي ويقول: لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجى كم فرج بعد إياس قد أتى وكم إياس قد أتى بعد النوى سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزل مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا الإلحاح أن تستمر في الدعاء {ليسأل أحدكم حاجته حتى شسع نعله -وفي بعض الروايات- حتى الملح فإنه إن لم ييسره الله ما تيسر}. القلوب بيد الحي القيوم، ولا يفتح القلوب إلا هو، والمفاتيح عنده: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59].

من آداب الدعاء: عدم التعدي في الدعاء

من آداب الدعاء: عدم التعدي في الدعاء أولياء الله لا يتعدون في الدعاء، التعدي شيء يخالف الشرع مثل أن يدعو العبد أن يكون نبياً من الأنبياء، كيف تكون نبياً وقد ختمت الرسالة؟! الله عز وجل يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران:144] ويقول في آية أخرى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] وكأن تدعو أن تكون أفضل من أبي بكر الصديق وقد صح بالنصوص أنه أفضل الأمة. سمع سعد بن أبي وقاص -المجاهد العظيم الشجاع فاتح العراق - ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض على يمين الجنة -اشتراط: قصر أبيض وعلى يمين الجنة في الشارع الثاني، قصر على شارعين! - قال: يا بني، إني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ليكونن أقوام من أمتي يعتدون في الطهور والدعاء} فلا تكن منهم، ولكن ادع الله الجنة واستعذ به من النار. يقول ابن الجوزي: أتى أعرابي ووقف بـ عرفة ثم نزل وبات بـ مزدلفة وفي اليوم الأول رمى الجمرات، وسبق الناس إلى الحرم ودخل الحرم مسرعاً، ثم تعلق بأستار الكعبة وقال: اللهم اغفر لي قبل أن يكثر عليك الناس. لا إله إلا الله! يقول: نفِّذ طلبي يا رب الآن قبل أن يأتي الناس ألوف مؤلفة. وهو الذي لا تختلف عليه اللهجات، ولا يضيق بتعدد الحاجات، ولا تختلط عليه النغمات ولا السمات ولا الأعراف ولا القبائل ولا الجهات، لو اجتمع أهل الأرض من خلق الله من ذرية آدم إلى قيام الساعة في صعيد واحد قال: {فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر} رواه مسلم. هذا من دعاء الأعراب، وهو من الجهل بما عند الله، وهو من التعدي، بل بعضهم كان يدعو بالدعاء الجاهلي الذي ذكره أهل العلم ولا يليق بذلك قال بعض الأعراب: اللهم اغفر لي وإن كنت غفرت لي فأرني علامة. يقول: أرني علامة لأرى هل غفرت لي أم لا. وكان بعضهم إذا دخل في الإسلام كما ذكر ذلك ابن عباس يقول: اللهم ارزقنا دراً -أي: لبناً- وزرعاً وضرعاً. فكان إذا لم يرزق ارتد عن الإسلام، يعبد الله على حرف: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:200] دعاء في الدنيا فقط، فيأتيه دعاء الدنيا ومعيشة الدنيا لكن لا حظ له عند الله، فالمسلم لا يتعدى في الدعاء. ومن التعدي في الدعاء أن تقول: اللهم إني أسألك أن ترفعني على فلان وفلان في الجنة، وأسألك أن تدخلني الجنة وترزقني ثلاثة قصور: قصر أبيض وقصر أزرق وقصر بنفسجي. هذا من التعدي والاشتراط الذي ما أنزل الله به من سلطان.

من آداب الدعاء: توخي الأوقات الفاضلة

من آداب الدعاء: توخي الأوقات الفاضلة للدعاء أوقات، وأعز وقت في السحر، سبحان الله الذي جعل السحر من أفضل الأوقات! قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحاري نام الناس ورقدوا وغفلوا إلا الله، وفي الصحيحين: {ينزل ربنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟ فإذا طلع الفجر ارتفع الله} فالسحر عجيب {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18] {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران:17] إن كنت تريد الخير فكن من الداعين في الثلث الأخير يوم تنام العيون إلا عين الله: نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك فالسحر السحر. والسجود من الأماكن والحالات الفاضلة، يقول عليه الصلاة والسلام: {إني نهيت أن أقرأ القرآن وأنا ساجد، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم} -أي جدير- حديث صحيح. وصح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: {أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد}. يقولون: كان محمد بن جعفر الصادق إذا سجد في المقام بكى عند الكعبة حتى يبكي الناس، ويقول: مسكينك بين يديك، فقيرك بين يديك. نور الدين محمود بن سبكتكين التركي المجاهد العظيم كان إذا سجد يقول: اللهم اغفرلي، فإن عندي من الخطايا كالجبال. هذا هو الصدق والإخلاص. محمد بن واسع الأزدي يوم فتح المسلمون كابل عاصمة أفغانستان طوقوها فأخذ يرفع سبابته ويتكئ على رمحه، ويقول: يا حي يا قيوم! انصرنا. فيقول المجاهد قائد المعركة قتيبة بن مسلم: والله لأصبع محمد بن واسع عندي خير من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير. إذاً: توخي الأوقات الفاضلة ومنها الساعة التي بعد صلاة العصر إلى المغرب من يوم الجمعة فما جاء في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: {إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله عز وجل أو يصلي -كما في رواية أبي هريرة - ويسأل الله شيئاً إلا أعطاه} إذا جلست في المسجد أو في بيتك داعياً منيباً مخبتاً لبى الله طلبك. ومن الأوقات: يوم عرفة، حيث يتجلى الله للناس يوم عرفة فيقول: {يا ملائكتي! انظروا لعبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين، أشهدكم أني قد غفرت لهم}.

من آداب الدعاء: ترك السجع والتكلف

من آداب الدعاء: ترك السجع والتكلف مثلما يعرض في بعض المساجد في دعاء القنوت والتراويح، تجدهم لا يبكون عند القرآن، فإذا أتى القنوت اهتز المسجد والحارة لأن الإمام مجهز نفسه من الصباح بـ مقامات ابن نباته ومقامات الحريري، يمسك الراء نصف ساعة، والدال نصف ساعة. اللهم يا رافع القصور، ويا موسع الدور، ويا كسار الظهور، وشارح الصدور، ثم يمول دعاءه ويتكلف فيه، وهذا خلاف السنة. وقد نبه على ذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في كثير من المناسبات، فليجتنب الإنسان التكلف، فإننا ديننا بسيط سهل، الأولى أن يبكي من القرآن، وادع بما عندك، وكان السلف يكرهون التكلف، والدعاء هو الذي يخرج من القلب لا ما حفظ في الرأس أو في القرطاس، فهذا يطير مع الهواء والأنفاس. العجم كانوا يدعون بلغاتهم ولكن الله يستجيب لهم، حتى سئل ابن تيمية قالوا له: لو دعا الله داع بلغة عامية أيستجاب له؟ قال: سبحان الله! المهم أن يوجد الصدق والإخلاص لأنهما طريق الاستجابة وليس الفصاحة، كم من فصيح قلبه أعمى، وأعجم، وأبكم.

من آداب الدعاء: الدعاء بالجوامع

من آداب الدعاء: الدعاء بالجوامع الدعاء بجوامع الأدعية، تقول عائشة في الصحيح: {كان عليه الصلاة والسلام يتوخى الدعاء بالجوامع من الكلم من الأدعية ويدع ما سوى ذلك}. ومن الأدعية الجوامع: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللهم إني إسألك العفو والعافية، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اهدني وسددني، اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك. هذه هي الأدعية الجوامع ونحوها مما ورد في السنة.

من آداب الدعاء: الإسرار في الدعاء

من آداب الدعاء: الإسرار في الدعاء يقول عز من قائل في الذكر: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} [الأعراف:205] وفي الدعاء قال: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] وقد سبق بيان هذا التفصيل في شريط "الدعاء هو العبادة" لمن أراد أن يعود إلى تفصيل هذه الجزئية لأن المجال ليس مجال تفصيل هنا.

دعاء الأنبياء عليهم السلام

دعاء الأنبياء عليهم السلام اسمع إلى الأنبياء يدعون الله، اسمع إلى أقرب الناس وإلى أفضلهم، وإلى أخشعهم، اسمع إلى الأبرار يدعون الله.

دعاء نوح عليه السلام

دعاء نوح عليه السلام يقول نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً} [نوح:28] يقول العلماء: جزى الله نوحاً عنا خير الجزاء دعا لنا وقد أتى قبلنا بآلاف السنوات، نحن في موكب نوح، وفي نسبه، وطريقه، ومنهجه {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً} [نوح:28] إلى قيام الساعة، فدعا عليه السلام فجزاه الله عنا خير الجزاء {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]. ونوح عليه السلام له دعوات، فقد دعا بالرحمة للمؤمنين ودعا بالهلاك للكفار يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح:26] يقول: لا تترك منهم ساقاً يدور ولا قدماً تمشي؛ لأنه جربهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فما نفع فيهم إلا الدعاء {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:26 - 27] فدعا عليهم بالهلاك، ورسولنا عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك، {أتاه ملك الجبال وملك الريح وأرادا أن يطلب منهما طلباً لينفذاه في قريش الكفرة، قال: لا. لكني أسأل الله وأرجوه أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً} فجزاه الله عنا خير الجزاء وآتاه الله الوسيلة صلوات الله وسلامه عليه.

دعاء إبراهيم عليه السلام

دعاء إبراهيم عليه السلام إبراهيم عليه السلام له دعاء كثير في القرآن، دعا لنا يا أهل الجزيرة! يا أهل الفواكه والخضروات! يا أهل الفلل البهية! يا أهل القصور! نحن أهل الصحراء، ليس عندنا ماء ولا شجر، ولا عندنا حدائق ولا بساتين، صحراء جرداء قاحلة، لا ظل وارف ولا ماء بارد ولا شيء، لكن إبراهيم التفت إلى البيت وقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37] عليك السلام وصلت دعوتك، أصبحت فواكه الدنيا تجبى إلينا من كل مكان، ما سمعنا بأحد مات جوعاً في الحرم، الحجاج ملايين مملينة والخبز والفاكهة واللحم والطعام والماء متوفر لدى الحجاج {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم:37] من رأى الزرع في مكة؟ إنها جبال سود، ولكن نحن من أرغد شعوب العالم، فدعوته طافت حتى دخلنا نحن أهل المناطق البعيدة في فوج ذاك الدعاء الخالد الذي سجله القرآن، يقول إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم:37 - 40] وهذا من الدعاء الذي سجله القرآن، وهو يحفظ للمؤمنين.

دعاء موسى عليه السلام

دعاء موسى عليه السلام أما موسى عليه السلام فأمره عجيب، كان شجاعاً وجريئاً، لم يصلح لليهود إلا هو، كانوا يتصورون صورته في الماء البارد، إذا غاب عبدوا العجل وإذا حضر مدحوه، وإذا غاب سبوه {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69]. قام قارون فأرشى امرأة وأعطاها كنزاً، وقال: إذا حضرنا فادعي على موسى أنه فعل بك الفاحشة. فقامت المرأة أمام الناس تضرب شعرها ووجهها، وتقول: إن موسى فعل بها الفاحشة. فقام موسى أمام الناس وقال: يا أمة الله! أسألك بمن شق لي البحر، وبمن أنزل علي الألواح، وكتب التوراة لي بيده، أنا فعلت ذلك؟ قالت: لا. قال: اللهم خذ قارون: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص:81]. موسى عليه السلام قال له الله: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] كان فرعون في عاصمة مصر يحكم مصر، وكان حرسه ستة وثلاثين ألفاً مدججين بالسلاح، وكان موسى يرعى الغنم ومعه عصا يهش بها على غنمه، قال: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه:24 - 36] قال المفسرون: قال سؤلك ولم يقل أسئلتك. لأنها اعتبار عن سؤال واحد، إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.

دعاء خاتم النبيين صلى الله عليهم أجمعين

دعاء خاتم النبيين صلى الله عليهم أجمعين ثبت في الحديث الصحيح أن صحابياً قال: {يا رسول الله! ادع الله أن يغيثنا. فقام صلى الله عليه وسلم يدعو الله، فقام أحد الصحابة عنده تمر في جرينه -في حوشه- يخاف عليه من المطر فقال: يا رسول الله! لا تدعو الله عندي تمري في الجرين -وهو يعرف أن دعاءه صلى الله عليه وسلم مستجاب في الحال- فتبسم صلى الله عليه وسلم على المنبر، وقال: اللهم أغثنا، اللهم أنزل غيثك حتى يقوم أبو بردة بثوبه يسد جحران الجرن -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- فأمطرت السماء، ورأوا أبو بردة وهو يسد الماء عن التمر}. وفي الصحيحين: {أنه عليه الصلاة والسلام كان يتكلم إلى الناس في خطبة، وفي أثناء الخطبة -والجماهير أمامه- وإذا بأعرابي أتى من البادية يدخل من الباب ويقطع الخطبة مباشرة، وقال: يا رسول الله! جاع العيال، وضاع المال، وتقطعت السبل فادعو الله أن يغيثنا -هل فكر الرسول عليه الصلاة والسلام؟ هل تلعثم؟ - لا بل رفع يديه على المنبر وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا} فما انتهى من دعائه إلا ونزل المطر نزولاً شديداً، وظل ينزل أسبوعاً كاملاً حتى كانت الجمعة القادمة فدخل الأعرابي وقال: {يا رسول الله! جاع العيال وضاع المال، وتقطعت السبل فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر} قال أنس: [[فوالله ما يشير إلى جهة إلا ويتحدر الغيث إلى تلك الجهة]] سبحان الله! لا إله إلا الله! يشير يمنة والغيث يمنة، ويشير يسرة والغيث يسرة، فخرج الناس والمدينة كالجوبة كأنها مفصلة في ثوب على المدينة شمس وصحو وحول المدينة غيث ومطر. أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه من وحد العرب حتى صار واترهم إذا رأى ولد الموتور آخاه سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

دعاء يونس بن متى عليه السلام

دعاء يونس بن متى عليه السلام وأما يونس بن متى فله قصة مع الدعاء، فقد عاش وذاق الدعاء. دعا يونس عليه السلام قومه فأعرضوا عن منهج الله، فركب السفينة وما استأذن الله. من الذي أرسله؟ الله، إذاً ممن يطلب الإذن؟ من الله. إذا أرسلك رجل -ولله المثل الأعلى- أو مسئول في مهمة وذهبت لغيرها، فإن هذا يدل على أنك قد عصيته، فكيف بمن عصى الله؟! فما استأذن الله؛ لأنه ضاق بقومه فركب السفينة، والمعاصي تدمر وتغرق السفن، وتسقط الطائرات من السماء، وتحطم السيارات. يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي نسيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله سبحان الله! ركب يونس عليه السلام في السفينة فأتت الريح تلعب بالسفينة، قال ربانها وقائدها: فينا عاص لله، أنزلوه في البحر، السفينة سوف تهلك وتغرق، فأقرعوا فوصلت القرعة والسهم إلى يونس، فقالوا: ننزلك. قال: أعيدوا القرعة. فساهم ثانية فوقعت فيه، فساهم ثالثة فوقعت فيه، فأخذوه بثيابه وأطرافه وألقوه في البحر {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات:141] أخذوه وما أعطوه منقذاً ولا حبلاً قالوا: رموه وسط الليل بعد صلاة العشاء، فوقع في ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الحوت. وليته حين وقع في الماء كان قريباً من الشاطئ لكن وسط لجة البحر، وليته كان في النهار لتراه السفن لكن كان في الليل، وليته كان عنده قارب لكن لا قارب له، وليته كان بعيداً عن الحوت لكن كان هناك حوت عظيم يستقبله ليضيفه في ليلة طيبة الأنداء، دافئة الظلال، ففتح فمه وابتلعه فأصبح بين الضلعان. لا إله إلا الله! ما أبعده من مكان!! ماذا فعل؟ تذكر الزوجة لا زوجة، تذكر الولد لا ولد، تذكر القوم لا قوم، فقال كلمة من أروع الكلمات، رفع سبابته في بطن الحوت بين اللحم والعظم في ذلك المكان الضنك وقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. وارتفعت مباشرة إلى الحي القيوم {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]. قيل في سيرته عليه السلام سمعت الملائكة هذا الصوت فبكت، وقالت: يا رب! صوت معروف من عبد معروف لا ندري أين هو -الملائكة لا يدرون، لا يدري جبريل ولا ميكائيل ولا إسرافيل أين يونس- قال الله: أنا أدري أين عبدي سوف أنجيه {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144] فأخرجه الله عارياً ليس عليه شيئاً {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات:146 - 148].

من أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم

من أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم أما أبو القاسم -حبيبنا عليه الصلاة والسلام- فله دعاء، لكن دعاءه له طعم خاص، دعاؤه من أعجب الدعاء، ومن أحسن ما يكون، دعاؤه يصل إلى القلب مباشرة، في الصحيحين عن ابن عباس قال: {بت عند خالتي ميمونة -زوجة محمد عليه الصلاة والسلام- فأتى عليه الصلاة والسلام وقد تناومت -لم ينم ابن عباس ولكن تناوم لأنه يريد أن يرى عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم في الليل، فقال صلى الله عليه وسلم لـ ميمونة: نام الغليم؟ قالت: نام. قال: فسبح عليه الصلاة والسلام ونام حتى سمعت غطيطه، ثم قام فقضى حاجته، ثم قام فتوضأ، ثم استقبل القبلة، وقال: اللهم أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، اللهم أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، اللهم أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وعند مسلم عن عائشة: {كان عليه الصلاة والسلام إذا قام من الليل يقول: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}. كان يدعو فتأتي الإجابة مثل فلق الصبح، أتاه رجلان من العرب يريدان قتله، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. والعربيان هما: عامر بن الطفيل سيد من سادات العرب، وأربد بن قيس يريدون ذبحه فمنعه الله، فأما عامر بن الطفيل فأصابه الله بغدة كغدة البعير فقتلته في بيت عجوز سلولية، وأما أربد بن قيس فأرسل الله عليه صاعقة من السماء فأحرقته. ابن أبي لهب آذى الرسول -عليه الصلاة والسلام- وقال بعض أهل السير: قام ابن أبي لهب فتفل في وجه المصطفى عليه الصلاة والسلام (بصق في وجهه). لا إله إلا الله! جازاه الله بصنيعه. فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك. فسافر هذا الرجل مع قافلة إلى الشام، فكانوا إذا أرادوا أن يناموا توسطهم، قالوا: ما لك تخاف؟! قال: دعا علي محمد، ودعوته لا تخطئ وأنا أخاف من السباع في الليل، ويوم اقتربوا من الشام نام وسط القافلة فأتى أسد في الليل -حيدرة وما أدراك ما حيدرة! - الأسد ليس بذئب ولا كلب ولا ثعلب، الأسد إذا زمجر يخلي الحارة من سكانها -يحكى أن ليثاً دخل من غابة إلى عاصمة أسبانيا مدريد فأعلنت حالة الطوارئ في العاصمة- يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:50 - 51] الأسد هذا أمره عجيب! ولذلك يقولون: أشجع العرب من يقتل الأسد بالعصا، وما حدث هذا في التاريخ إلا مرة من أحد أمراء الأردن، فقد سمع بأن أسداً دخل عمان -وهذا في عهد المتنبي في القرن الثالث- فأخذ عصا -لكن عصا ليست صغيرة تنكسر- بل لو ضرب الحمار بها لمات، وقد كان الأمير من أشجع الناس، فترك السيف في البيت لأن السيف كل إنسان إذا ضرب به أصاب، أما سلاح البنادق فالنساء والجبناء والأطفال كلهم شجعان بالسلاح الناري. فأخذ السوط بيده وأخرج عصا قوية مديدة والتقى هو والأسد والناس على سطوح المنازل ينظرون إليه، فتقدم الأسد فوثب على الأمير، فوثب الأمير على الأسد فضربه على هامته، ثم ضربه على هامته ثم ثنى ثم ثلث حتى ضربه سبعاً فقتله. يقول المتنبي: أمعفر الليث الهزبر بسوطه لمن ادخرت الصارم المسلولا يقول: هذا بالعصا فكيف إذا خرجت بالسيف؟ لمن ادخرته؟ فسلط الله على ابن أبي لهب أسد، أتى يتشمشم الناس وهم نائمون، فكان يفتح الإنسان عينيه فينظر إلى الأسد فيغمض، ماذا يفعل؟ يعض الأسد أو يقوم ليخانق الأسد؟ كان الإنسان إذا فتح عينيه ورأى نيوب الأسد كالأصابع غمض وسكت مكانه منتظراً للموت، ولكن الأسد يريد ابن أبي لهب لأنه مرسول من الله على رجل، فكان يشم هذا فيتركه، فيشم الثاني فيتركه، ولسان حاله يقول: أنت لم تنطبق عليك الوصفة أو العنوان خطأ، فيصل إلى ابن أبي لهب فاعتلف رأسه وأكله. وهذا ثابت في السيرة وهو من دعائه -عليه الصلاة والسلام- إلى غير ذلك من الأدعية التي ليس هذا مجال بسطها.

دعاء الأولياء

دعاء الأولياء اسمع إلى دعاء الأولياء {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63] أولياء الله هم أهل الصف الأول، وأهل الروضة، والمصحف، والقرآن، وأهل التسبيح، والصيام، وقيام الليل، والذكر الخالد، وأهل الحجاب. أما أهل الغناء، والمخدرات، والسيجارة فهم ليسوا من أولياء الله.

ابن العلاء متضرعا

ابن العلاء متضرعاً لما خرج الصحابة رضوان الله عليهم وأميرهم العلاء بن الحضرمي للجهاد فقطعوا صحراء الدهناء، فلما انتصفوا الصحراء، انتهى ماء الشرب، وكان عندهم بئر هناك ولكن البئر جفت ويبس ما فيها، ولا يوجد فيها قطرة، حاولوا أن يجدوا الماء فبحثوا وحفروا ولكن لم يجدوا شيئاً، وكانت الخيل تصهل صهيلاً وتبح بحيحاً من الضمأ، وأشرفوا على الهلاك. قالوا: يا علاء بن الحضرمي! ادع الله أن يغيثنا. فوقف العلاء واستقبل القبلة مع الصحابة، وقال: يا حكيم يا عليم، يا علي يا عظيم اللهم أغثنا هذا اليوم. قالوا: والله ما انتهى من دعائه إلا وسحابة قد غطت المخيم فأمطرت حتى سقوا وغسلوا وشربوا!. سبحانك ما أسرعك إجابة لعبدك إذا دعاك! يقول الله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] حتى لو كان المضطر كافراً فإن الصحيح عند علماء السنة أن الكافر إذا اضطر في الدعاء وصدق، يجيب الله دعوته {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} [العنكبوت:65] هؤلاء هم المشركون {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65]. يقول ثمانية عشر أمريكي أصحاب - كتاب " الله يتجلى في عصر العلم ": أنهم نزلوا في سفينة في المحيط الأطلنطي فانقطع جهاز الإرسال (الأريال) وانقطعوا عن جهاز الاتصال بالأمريكان وبالسفن المحيطة، فغاصت بهم السفينة وعادت الفطرة إلى الله {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] وأخذوا يقولون بلغتهم: يا ألله (قود قود) فأخرجهم الحي القيوم ونجاهم فأسلموا. دعاء المضطر علامة للتوحيد وانقياداً للإيمان، ووسيلة لمعرفة الواحد الديان، وعلامة ظاهرة على صدق البرهان: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19].

البراء بن مالك لو أقسم على الله لأبره

البراء بن مالك لو أقسم على الله لأبره من هو البراء بن مالك؟ إنه صحابي جليل، كان من أفرس الصحابة، وكان أسداً يفترس الرجال مثلما يفترس الأسد الماعز!! دخل عليه أخوه أنس وإذا البراء في بيت من بيوت الأنصار وإذا به يرفع صوته بنشيدة إسلامية، وضع رجلاً على رجل وهو ينشد مرتاحاً بعد صلاة الظهر قال له أخوه أنس: أنت صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنشد؟! قال: اسكت يا أنس! والله لقد قتلت مائة فارس مبارزة ولا أموت إلا شهيداً. لماذا يحلف؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك} كان يحلف على الله ويستجيب له حلفه. حضروا في معركة تستر والمسلمون مع أبي موسى الأشعري فلما حضرت المعركة وبدأت ساعة الصفر، قالوا: يا براء! نسألك بالله أن تقسم على الله أن ينصرنا. قال: انتظروني قليلاً. فاغتسل ولبس أكفانه وأتى بالسيف، وقال: اللهم إني أقسم عليك أن تجعلني أول قتيل وأن تنصرنا. فكان أول قتيل وانتصر المسلمون. إن هذه الأمة ربانية؛ لأنها اتصلت بالله، ولقد تكرر مجدها مع كل وقت وحين، ولذلك أنتم ترون المجاهدون وتسمعون من أخبارهم وعجائبهم ما يرفع إيمانكم إن شاء الله، يقفون ويكبرون ثم يطلقون الرصاص من السلاح العادي الكلاشنكوف فتسقط الطائرات سبحان الله! يضعون عتادهم على الحمير، ويسحقون الدبابات الروسية كل ذلك بسبب دعاء الأولياء.

قصة الرجل الصالح صاحب الحمار

قصة الرجل الصالح صاحب الحمار أما الرجل الصالح صاحب الحمار فقصته مشهورة والعهدة على ابن القيم وهو ثقة إمام علامة، جاء بها في الجواب الكافي قال: خرج رجل صالح على حمار وقد كان يقوم الليل ويصوم النهار، فاعترضه لص ودخل به في غابة، وقال له: سلم ما عندك وإلا ذبحتك. قال: أسألك بالله أن تتركني لأهلي وخذ ما عندي. قال: والله لأذبحنك. قال: إذاً، اتركني أصلي ركعتين. قال: فتوضأ وقام يصلي، فضاعت الآيات وكثرة الدمعات، من الذي لا تضيع الآيات عنده والخنجر على رأسه؟! بل لعلك تنسى اسمك. قال: فوقف بالخنجر على رأسه. قال: فوالله لقد نسيت كل آية في القرآن الكريم إلا قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] فقلت: يا من يجيب المضطر إذا دعاه! يا من يجيب المضطر إذا دعاه! يا من يجيب المضطر إذا دعاه! فإذا بفارس على فرس وقد أرسل رمحه فقتل هذا اللص. قلت: من أنت؟ قال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه، لما دعوت الدعوة الأولى كنت في السماء السابعة، ولما دعوت الدعوة الثانية كنت في السماء الرابعة، ولما دعوت الثالثة كنت في السماء الدنيا لأقتل هذا المجرم {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:31].

سعد بن أبي وقاص من مجابي الدعاء

سعد بن أبي وقاص من مجابي الدعاء جاء في حديث يروى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة} كانت دعوته مثل فلق الصبح، يقول عليه الصلاة والسلام: {اللهم أجب دعوته وسدد رميته} لو رمى في الشرق لعادت الرمية إلى الكافر في الغرب. وكان ينظر إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد ويعطيه الأسهم فيضرب سعد فيقع سهمه في عين الرمية فيتبسم عليه الصلاة والسلام، والحديث في البخاري يقول: {ارم سعد فداك أبي وأمي}. حتى يقول علي: [[لم يفد الرسول عليه الصلاة والسلام أحداً بأبيه وأمه إلا سعداً مما جعله الله من المجابين في الدعاء]]. روى البخاري في الصحيح في باب الصلاة: أن عمر سأل الناس عن سعد بن أبي وقاص وكان سعد أميراً من قبل عمر، فسأل عمر الناس عن إمرة سعد وعدله، فأثنوا عليه خيراً إلا رجل كبير، قال: إذا سألتنا بالحق؛ فإن سعداً لا يمشي في السرية، ولا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية. فقام سعد وقال: اللهم إن كان قام رياءً وسمعة فأطل عمره وأكثر ماله وولده وعرضه للفتن. فطال عمر هذا الشيخ حتى سقط حاجباه على عينيه وأخذ يغمز نساء الناس في السكك والشوارع ويقول: شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد. وذكر الذهبي في السير أن رجلاً سب علياً رضي الله عنه وأرضاه، وقد مات علي فقال سعد: لا تسب أخي. قال: لأسبنه. قال: اللهم سلط عليه ما شئت. فإذا بجمل أقبل مسرعاً من الكوفة فلطم هذا الرجل الساب فقتله.

فوائد الدعاء

فوائد الدعاء

من فوائد الدعاء: إعلان التوحيد

من فوائد الدعاء: إعلان التوحيد أعظم الناس توحيداً أكثرهم دعاءً، انظر إلى الشيوخ كبار السن، انظر إلى اللحاء البيضاء التي أكثرت من الدعاء إن فيها علامة على صدق اللجوء بالحي القيوم، أقل الناس دعاء أقلهم توحيداً، إذا رأيت الإنسان يقلل من الدعاء فاعرف أن توحيده ضعيف. وإذا رأيت الإنسان قليل الذكر فاعلم أن توحيده ضعيف. إعلان التوحيد هو بالدعاء، إنه اتصال بالله عز وجل، لا يرزق ولا يعافي ولا يشافي إلا الله.

من فوائد الدعاء: صدق العبودية

من فوائد الدعاء: صدق العبودية أن تكون صادقاً في العبودية، قريباً من الواحد الأحد، هذا دليله الدعاء، فإن الذي يدعو الله بلسان خفي، دليل على أنه يثق بالله. بعض الناس يقال له: ادع الله. يقول: هذا مكتوب علي سواء أدعو أو لا أدعو، إنْ كتب الله عليَّ أن أنجح نجحت، وإن كتب عليَّ أن أرسب رسبت، لا فائدة من الدعاء. سمعت رجلاً مريضاً في قلبه، قيل له في سبب دنيوي: ادع الله، قال: الأمر سواء، إنه مكتوب علي ما حدث. ولقد أخطأ خطأً بيناً وخالف الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم.

من فوائد الدعاء: التعرض لمحبة الله

من فوائد الدعاء: التعرض لمحبة الله أحب العباد إلى الله أقربهم وأكثرهم دعاء له. لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من جود كفيك ما علمتني الطلبا هذا البيت يورده ابن القيم، فأحب الناس إلى الله أكثرهم دعاء، فأرجو من نفسي وإياكم كثرة الدعاء والابتهال والإلحاح في السجود وأدبار الصلوات وبين الأذانين وفي السحر دعاءً خالصاً أن يعيننا الله.

من فوائد الدعاء: قرب العبد من الله

من فوائد الدعاء: قرب العبد من الله فإن العبد إذا أكثر من الدعاء استشعر القرب من الله، وهي درجة الإحسان، التي هي أعظم درجة، وهي: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

من فوائد الدعاء: الثقة بوعود الله

من فوائد الدعاء: الثقة بوعود الله الواثق بالله كثير الدعاء، والفاشل المهزوم المتردي قليل الدعاء، حتى إن بعضهم أيس من الدعاء، يقول: جربت الدعاء فوجدته لا ينفع، وهو الذي ما نفع بنفسه وقطع صلته بالله، وهو الذي موَّت قلبه وعطَّل اتصاله بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

من فوائد الدعاء: دحر الشيطان

من فوائد الدعاء: دحر الشيطان فالشيطان يندحر من الداعي ويغضب غضباً عظيماً ويخسأ ويطرد ويبعد؛ إذا دعا الداعي ربه. فيا أيها الإخوة: أكثروا من الدعاء وارفعوا أياديكم إذا دعوتم، واطلبوا من الله عز وجل العون والسداد، وادعوه بالأسماء الحسنى، وصلوا في دعائكم على الرسول عليه الصلاة والسلام. وأحسن الدعاء ما كان في الأوقات الفاضلة واستقبل به القبلة، وكان بعد ذكر وتسبيح وتحميد وثناء وتهليل، ودعي بأسماء الله الحسنى، وكان بعد تسيوك وطهارة، وكان في مكان فاضل في مسجد أو في مقعد ذكر أو في الكعبة وهي من أشرف الأماكن، أو في الحرم. أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، والرشد والسداد، وشكر الله لمن أحسن، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

حكم التصفيق للرجال

حكم التصفيق للرجال Q ما حكم التصفيق، وهل ورد، وهل يفعل؟ وما حكم من رأى قوماً يصفقون كالحفلات العامة، وحفلات المدارس والمجامع؟ A التصفيق ليس بوارد، وليس من فعله عليه الصلاة والسلام، ولا من فعل أصحابه، ولا من فعل السلف الصالح، وهو أمر أجنبي وارد على المسلمين، وقيل: أول من أتى به الفرنسيون، ولم يصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان يصفق ولا أحد من أصحابه. وسمعت أن بعض الناس ترشح للفتيا وهو ليس بمفتي، ويقول: لا بأس به. هؤلاء الناس أدخلوا كل شيء وأباحوها من خلال فتاوى رخيصة. فنقول: من أين لك بجوازك بالتصفيق؟ ولماذا وضعت نفسك مفتياً، خف من الله عز وجل! وكان الصحابة إذا أعجبهم شيء كبروا، يقولون: الله أكبر. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يكبر، أتى عمرو بن ود يتقاتل هو وعلي فلما حجبهم الغبار انكشف الغبار وقد قتل علي عمرو بن ود فقال المسلمون: الله أكبر.

قول: صدق الله العظيم بعد التلاوة

قول: صدق الله العظيم بعد التلاوة Q ما حكم قول القارئ بعد إنتهائه من التلاوة، قول: صدق الله العظيم؟ A قول "صدق الله العظيم" بعد القراءة بدعة، وإن كان المعنى صحيح ولكن الفعل ليس بوارد، وإلا فالله يقول: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران:95] أما أن تقال بعد التلاوة فليست بواردة.

تحريم الإسبال بجميع أشكاله

تحريم الإسبال بجميع أشكاله Q ما حكم الإسبال في الملبس من غير خيلاء؟ A الإسبال محرم، سواء لخيلاء أم لغير خيلاء، وسواء كان البشوت، أو البنطلون، أو السراويل أو غيرها.

حرمة الأغاني بالإجماع

حرمة الأغاني بالإجماع Q يسأل سائل عن حكم الغناء، وهل هناك إجماع حول حكمه؟ A الغناء محرم بالإجماع، نقل الإجماع الشوكاني وأبو بكر الآجري وغيرهم. وأنا أدلكم على شريط بعنوان: رسالة إلى المغنين والمغنيات تسمعون فيها أحكام أهل العلم والنقولات من السلف، وتسمعون بشرى سارة: سبعة من المغنيين في بلادنا تابوا -ولله الحمد- من أمثال أبو الكرم وعودة العودة وفهد السعيد ومشاري ومحمد البيتي ومسفر القثامي كلهم تركوا الغناء واستبدلوا مكان الوتر والموسيقى مصحفاً وسنةً وتلاوةً وذكراً.

حكم لعب البلوت ونحوها

حكم لعب البلوت ونحوها Q سأل سائل عن حكم لعب البلوت ونحوها هل هي حرام أم لا؟ A المسلم لا يلعب البلوت، المسلم حياته أعظم من لعب البلوت، لعب البلوت ليس إلا للفاشلين في الحياة، والذي يعرف أن أنفاسه تكتب عليه ليلاً ونهاراً أيلعب بلوت؟! {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] أبناء سعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد وطارق بن زياد يلعبون البلوت؟! أحفاد أبي بكر وعمر يلعبون البلوت؟! المؤمنون المصلون يلعبون البلوت؟! أنا لا أريد الآن أن أقول هو حرام أو حلال، لكن هل يعقل أن من يريد جنة عرضها السماوات والأرض أن يلعب البلوت أو الباصرة أو ما في حكمهما؟! أو يسهر في المقهى للساعة الثانية؟ أين الإيمان؟! أين الرسالة الخالدة؟! أين حفظ الوقت؟! دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني كان معاذ وسعد وخالد وطارق ليلهم سهر مع الله، صلاة وبكاء وعبادة، وليل كثير من شبابنا في المقاهي اليوم إلى الساعة الثانية يلعبون بلوت وباصرة ودخان وسيجارة وبعد عن الله، أولئك كما يقول الأول: عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياه يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه متى كان المسلم يلعب بلوت؟ متى كان المسلم همه جمع الطوابع؟ متى كان المسلم ضائعاً في أموره؟ متى كان المسلم يعيش بلا رسالة؟ يوم سلخ المسلم بثقافات غربية ديكارت وكانت وأعداء الله سلبوه الإيمان والبعد عن الكتاب والسنة، وأصبح لاهياً عابثاً لعاباً طبالاً. كذلك أخرج الإسلام قومي شباباً مسلماً حراً أميناً وعلمه الريادة كيف تشرى فصاهر أن يقيد أو يهونا انظر إلى الصنفين من الشباب، شباب في المساجد في الصف الأول يتلون كتاب الله، وشباب يدخلون الرعب على الناس: تفحيط، وصد عن منهج الله، وجلسته سيئة، وعقوق للوالدين، وقطيعة للرحم، ومقاطعة لكتاب الله. فرحماك يا رب! شباب في أفغانستان يحملون السلاح، وشباب عندنا يسهرون على المعصية لا يعرفون المسجد، كم الفرق بين الشبابين؟ وهؤلاء المجاهدون بعمائمهم ولحاهم أذلوا روسيا، لقد سحق المجاهدون هناك الشيوعيين الروس وعلى رأسهم جرباتشوف. فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ يسعى فيعثر في سروال خيبته في أذنه من رصاص الحق خرصان ردوه كالقرد لو بيعت سلامته بشعبه لشراها وهو جذلان شكر الله لكم، وشكر الله لمدير المعهد، وشكر الله لأساتذة هذا المعهد الرائد معهد محايل وللطلاب ولكم أيها الحضور وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة

تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة النبي صلى الله عليه وسلم هو طبيب هذه الأمة, ويعلم بأن سنن الكون ماضية على كل إنسان, فالإنسان يمر بفترة رخاء ولا بد أن يمر أيضاً بفترة شدة, فلذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس والأمة من بعده على أن يعرفوا الله في الرخاء كي يعرفهم الله في الشدة.

لا بد من الاعتراف بالتقصير

لا بد من الاعتراف بالتقصير الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، قيماً لينذر بأساً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً، ما كثين فيه أبداً. الحمد لله رب العالمين الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير. والصلاة والسلام على أشرف هادي، خيرة الحواضر والبوادي، وأفصح من تكلم في النوادي، وأكرم من الغوادي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، جئت الليلة فقيراً أتكلم إلى فقراء، ومسكيناً أتكلم إلى مساكين، فإن كنا قبلنا بعد هذا الدعاء فهنيئاً لنا ومريئاً لنا وبشرى، وإن كنا طردنا من عند الأبواب فإننا نقف نادمين خاشعين باكين، يقول عمر بن عبد العزيز للناس: [[والله إني لآمركم بتقوى الله، ولا أعلم أحداً أكثر ذنوباً مني]] , ويقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [[والله الذي لا إله إلا هو، لو علمتم بما عندي من الذنوب لحثوتم على رأسي التراب]]. ويقول عمر رضي الله عنه: [[يا ليتني كنت شجرة فأعضد، يا ليتني ما توليت الخلافة، يا ليتني ما عرفت الحياة]]. إنها والله حياة مضنية وشاقة ومكلفة إلا لمن عمل صالحاً قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:101 - 103] , وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:30 - 31].

كلمات قليلة تحمل معان عظيمة

كلمات قليلة تحمل معانٍ عظيمة إخواني في الله! يقول عليه الصلاة والسلام من حديث طويل: {تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة} وهذا هو عنوان هذه المحاضرة، وهذه الوصية قالها أخشى الناس لرب الناس، وأعلم الناس بما لرب الناس من جلال وكمال، وأصدق الناس في الوصية للناس، وهي من حديث طويل، ركب ابن عباس رضي الله عنهما مع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم على حمار، محمد صلى الله عليه وسلم يركب الحمار، وهو يقود القلوب إلى بارئها، محمد صلى الله عليه وسلم يركب الحمار وهو أشرف من طلعت عليه شمس النهار! محمد صلى الله عليه وسلم يركب الحمار وهو أشرف الأبرار وأخير الأخيار وأحسن من يرثون الدار! قال لـ ابن عباس وهو في مقتبل العمر، شاب لا يدري ما هي طريق الحياة، في أول الطريق لا يعلم ما الله صانع به، فاختلسها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرصة سانحة نادرة وقال لـ ابن عباس: {يا غلام -فالتفت الغلام واستمع وأنصت- إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء, لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} ما أحسن الحديث، وما أعظم الوصية، وما أجل الخطاب!! تعالوا معنا -أيها الناس- إلى دعوته صلى الله عليه وسلم وكيف علم أصحابه أن يعرفوا الله في الرخاء ليعرفهم في الشدة، وهذه سنة الله في الخلق: أن من تعرف على الله في الرخاء عرفه في الشدة، ولذلك كانت أمنية الصالحين قديماً وحديثاً أنبياء وغير أنبياء أن يحفظهم الله في الشدة.

قصة إبراهيم عليه السلام

قصة إبراهيم عليه السلام يقول إبراهيم عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82] طمع فقط في رحمة الله، نسي رسالته، ونسي الصالحات التي قدم، وعدَّ نفسه مذنباً فقال: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82] إبراهيم عاش الرخاء حافظاً لله، يوم أعرض الناس عن الله, كان مصلياً متوجهاً موحداً حنيفاً مسلماً ولم يك من المشركين، الناس يسجدون للأصنام وهو يسجد لله، الناس يتعلقون بالأوثان وهو يتعلق بالله، الناس يقدسون الخرافة وهو يقدس ربه ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا

إبراهيم عليه السلام يناظر النمرود

إبراهيم عليه السلام يناظر النمرود أوقدوا له النار، بعد أن دخل على النمرود الكذاب الدجال على الله، يقول الله جلت قدرته: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} [البقرة:258] ألم تر إلى من ضيع حدود الله؟! ألم تر إلى من انتهك حرمات الله؟! ألم تر إلى من كفر بالله؟ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة:258] الخالق الله، الرازق الله، المدبر الله، المحيي الله، المميت الله: قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافكا والنحل قل للنحل يا طير البوادي ما الذي بالشهد قد حلاكا وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله: كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا الحمد لله العظيم لذاته حمداً وليس لواحد إلاكا {قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة:258] لا يحيي ولا يميت إلا الله، ولا يعلم ما في الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما تكسب النفس غداً إلا الله، ولا يعلم بأي أرض تموت النفس إلا الله. فقال الكذاب الدجال: أنا أحيي وأميت. قال: كيف تفعل؟ فأخرج محبوسين، وأعتق واحداً قال: هذا أحييته، وقتل واحداً قال: هذا أمته. فسلم له جدلاً وقال: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258].

إبراهيم يقذف في النار

إبراهيم يقذف في النار جمعوا لإبراهيم ناراً أحرقوا الحطب أشعلوا النار أججوا الوادي، ووضعوه في المنجنيق وأطلقوه ليهوي في النار، لا صاحب ولا صديق ولا ركن ولا ناصر إلا الله, وهذا أبو الفتح البستي يقول: من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفه شر من عزوا ومن هانوا فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52]. رفعوه في المنجنيق، قال بعض أهل العلم: أتى جبريل عليه السلام إلى إبراهيم قال: ألك إلي حاجة؟ قال: أما إليك فلا وأما إلى الله فنعم. فقال وهو يهوي: حسبنا الله ونعم الوكيل. قال ابن عباس في صحيح البخاري: [[حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم لما ألقي في النار فنجاه الله، وحسبنا الله ونعم الوكيل قالها محمد صلى الله عليه وسلم لما قيل له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]]] فهل قال شبابنا: حسبنا الله ونعم الوكيل؟ هل قالوا لما أتتهم الهموم والغموم: حسبنا الله ونعم الوكيل؟ هل قالوا لما رأوا المعاصي والفتن ومجريات الحياة والحوادث التي وجدت: حسبنا الله ونعم الوكيل؟ هل رأوا الفقر والمرض فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل؟ هل قالولها لما وقف الشيطان لهم بالمرصاد, ورأوا الفتن من أغنية ماجنة، ومجلة خليعة، وفيديو مهدم، ومسلسل مخرب، وجلساء سوء؟ هل قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل؟ وهل قالت فتياتنا ذلك؟ وهل امتثلن هذا الخطاب العظيم وهذه الكلمة العظيمة؟ هل قالت المسلمات المؤمنات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله وهن يرين الفساد ويرين بأم أعينهن ما يتعرض له الإسلام والمسلمون والمسلمات: حسبنا الله ونعم الوكيل؟ يرين الذين يدعون إلى السفور وإلى التبرج وإلى هدم الفضيلة وإلى الفاحشة وإلى الزنا فهل قلن: حسبنا الله ونعم الوكيل لينقلب الجميع بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء؟!! وقع إبراهيم في النار فكانت برداً وسلاماً، تعرف على الله في الرخاء فعرفه في الشدة.

قصة موسى عليه السلام

قصة موسى عليه السلام ولد موسى عليه السلام في زمن كان فيه السفاح الملعون فرعون يقتل الأبناء، فأين تخفيه أمه؟ وما قدرة أمه؟ وأين تحميه أمه؟ انقطعت بها الحبال إلا حبل الله، وانتهت بها الحيل إلا الاستعزاز بالله، فأخذت ابنها ووضعته في تابوت وغطته وربطته بالحبل وأنزلته في النهر، تسحبه فترضعه فإذا حست جنود فرعون أطلقته في النهر ومسكت رأس الحبل في بيتها، وسحبت الحبل فجأة وإذا بالحبل مقطوع، أين ذهب الابن؟ أين ذهب الحبيب؟ الله, أين ذهب قرة العين؟ بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا إن كان عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا جلست تبكي وكان قلبها فارغاً وكادت أن تبدي به فربط الله على قلبها فاستأنست، وأين يذهب موسى الطفل الصغير الذي لا يعرف كيف يأكل أو يشرب أو يتكلم أو يدافع عن نفسه؟ ذهب إلى بستان فرعون من بين سائر البساتين، نهر النيل يدخل في معظم البساتين فترك موسى تلكم البساتين وذهب إلى بستان الطاغية. يقول أحد العلماء من المعاصرين: سبحان الله! مغامرة مكشوفة أمام العين، بل هي حرب مكشوفة! فيدخل في بستانه وتأخذه الجواري، ويضعونه بين يدي الطاغية المجرم صاحب السيف الذي دائماً يسفك الدماء، وأتى ليقتله ويذبحه ذبح الشاة، قالت امرأته آسية عليها السلام المؤمنة الصادقة التي تعرفت على الله في الرخاء فعرفها في الشدة. يقول أهل العلم: لما عذبها فرعون، حين أن طلبها أن تشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو كفرت به وقالت: لا إله إلا الله، سمر أياديها في الأرض فما وجدت ألماً، ووضعها في الشمس فأتت الملائكة تظللها بأجنحتها! يا حافظ الآمال أنت حميتني ورعيتني وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني فلما رأت موسى أحبته قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه:39] قال أهل العلم: ما رآك أحد إلا أحبك. فأراد أن يذبحه فقالت: قرة عين لي ولك, اترك الطفل عله أن يكون ولداً لنا؛ لأنهما عقيمان، فقال فرعون: قرة عين لكِ أنتِ أما أنا فلا. قال أهل العلم: لو قال فرعون: قرة عين لي لأقر الله عينه بموسى. وعاش موسى والله يحفظه؛ لأنه كان من المخلصين، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، ودارت الأيام وقتل رجلاً وفر حافياً لا يملك شيئاً، جائعاً، مريضاً، غريباً؛ ولذلك أورد أهل السير: أن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وسقى للجاريتين عاد إلى الظل فرفع يديه وبكى وقال: يا رب! أنا مريض، يا رب! أنا غريب، يا رب! أنا جائع، يا رب! أنا فقير، فأوحى الله إليه: يا موسى! المريض من لم أكن أنا طبيبه، والجائع من لم أكن أنا مشبعه، والغريب من لم أكن أنا مؤنسه، والفقير من لم أكن أنا مغنيه {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:24] فعاد وتزوج ابنة الرجل الصالح، وعاد في قصة طويلة.

موسى حفظ الله في الرخاء

موسى حفظ الله في الرخاء ومن حفظ موسى لله في الرخاء أنه لما أتته المرأة الجارية ابنة الرجل الصالح تدعوه إلى أبيها قال لها: تعالي ورائي ودليني على الطريق. سبحان الله يا للحياء، يا للروعة! يا لمراقبة الله! فهل تصور شبابنا هذا الموقف موقف موسى، يقول للجارية في الصحراء الذي لا يخشى من أبيها وليس عندها قوة وبإمكانه أن يفعل ما أراد وهو قوي حمل صخرة من فوق البئر لا يحملها إلا عشرة، وهو شاب أعزب، وهو في مكتمل القوى، وهي منفردة في الصحراء، قال: تعالي من ورائي ودليني على الطريق؛ لئلا يرى شيئاً منها، احفظ الله يحفظك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة. هل علم شبابنا بهذا المبدأ؟ هل علم هذا الذين أطلقوا نظرهم إلى الحرام، ونظروا إلى الأجنبيات، وانتهكوا الحرمات، وأغضبوا رب الأرض والسماوات، وأكثروا من الخطيئات؟ هل حاسب شبابنا أنفسهم وهم يتسترون بالمعاصي وراء الجدران ويرتكبون الخطيئات بين الجدران ونسوا الواحد الديان. وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني وعاد موسى ووصل وتزوج على كلمة الله حلالاً، حلالاً لا حراماً؛ لأنه حفظ الله وتعرف على الله في الرخاء فعرفه في الشدة. وأتى إلى الصحراء يهش بعصاه على الغنم، يتوكأ على عصاه في الصحراء، وإذا بالله يناديه {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:14 - 15] رأى ناراً عليه السلام، فأتى إلى النار ليقتبس منها أو يجد على النار هدى أي: يهديه الطريق، فوجد هداية لجنة عرضها السماوات والأرض، ووجد هداية لحياة أبدية سرمدية، ووجد هداية مع الأنبياء والرسل، ووجد هداية لا إله إلا الله، الدين لله، والمنهج لله، والسماء لله والأرض لله. لمعت نارهم وقد عسعس الليل ومل الحادي وحار الدليل فتأملتها وفكري من البين عليل وطرف عيني كليل

الله جل وعلا يأمر موسى بالذهاب إلى فرعون

الله جل وعلا يأمر موسى بالذهاب إلى فرعون فأراد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يؤانسه، لأنه خائف، كان يرعى غنماً في الصحراء فسمع صوتاً كاد قلبه أن يطير منه، فأراد الله أن يؤانسه فسأله عن العصا والله يعلم فهو الذي خلق العصا وخلق موسى، وخلق فرعون، وخلق الأرض والسماء، فقال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17] فاستلذ بالخطاب وفرح بالجواب {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:18] قال الله له: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] سبحان الله! يفر من الطاغية وقد قتل أحد رعية الطاغية والطاغية يبحث عنه، واليوم يلزمه رب الأرض والسماء أن يدخل على فرعون!! لا حرس, ولا جنود, ولا سلاح, ولا قوة, ولا جيش, ولا كتائب, ولا أصدقاء, ولا إخوان لكن {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة). فذهب وفي الطريق علمه الله أدب الدعوة يقول: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] , ولو أنه سفاك ومجرم ووثني، وزنديق، وملحد، ولو أنه داس التاريخ تحت قدميه لكن لا تنسيا أن الدعوة لها أسلوب، وأن الدعوة لها أصول ولها قواعد ولها نتائج، وهذا درس لدعاة الإسلام أن يستخدموا اللين {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:45]. وقف رجل من الأعراب أمام هارون الرشيد الخليفة العباسي وقال: اسمع مني فإن عندي كلاماً شديداً سوف أقوله لك. قال هارون الرشيد: والله لا أسمع، والله لا أسمع، والله لا أسمع. قال: ولمَ؟ قال: أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني فقال له: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:46]. ووصل موسى وتذكر الخوف، وتذكر السياط الحامية عند المجرم، تذكر السيوف التي تقطف الرءوس وحمامات الدم، وتذكر الزنزانات والسجون، وتذكر الحديد والنار والإرهاب؛ فالتفت بطرفه إلى السماء وقال: {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] سبحان الله! قال عز من قائل: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]. تعرف على الله في الرحاء يعرفك في الشدة، وانتصر في الحوار، ونزل إلى الميدان وحيداً فريداً معه العصا.

أهل مصر وثلاثون ألف ساحر يقفون ضد موسى وأخيه

أهل مصر وثلاثون ألف ساحر يقفون ضد موسى وأخيه وأتى فرعون بثلاثين ألف ساحر أو ما يقارب ذلك العدد، وأتى بأهل مصر , فملئوا العمارات والسكك والمنحنيات والمحافل والشوارع وسدوا الطرقات وجاء موسى وحيداً، وقف كل هؤلاء ضد موسى، لكن تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، قال السحرة بلسان المستعلي: {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} [الأعراف:115] فألقوا، ثلاثون ألفاً كل واحد منهم خبير بالسحر، وبدأت العصي وبدأت الحيات، وفي هذا درس للدعاة وطلبة العلم والعلماء: أن القوة بالإيمان، وأن الباطل مهما كثر، وأن الدنيا مهما وقفت في وجوههم، فإن الباطل حقير وصغير وهزيل، وإن الباطل ينتفش ثم يذهب سدى ويزهق قال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81]. فلما ألقوا العصي وتحركت الميادين أوجس في نفسه خيفة موسى، فأتى الخطاب من الله لمن عرف الله في الرخاء ليعرفه في الشدة قال: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:69] {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه:67]. كيف يخاف من الله معه؟! وكيف يخاف من الله ركنه؟! وكيف يخاف من الله ينصره ويعاونه؟! تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة.

الله جل وعلا ينجي موسى عليه الصلاة والسلام

الله جل وعلا ينجي موسى عليه الصلاة والسلام وصل إلى البحر، والتفت وراءه فإذا جنود فرعون كالجبال، قال ابن جرير وغيره: أتى فرعون بما يقارب ألف ألف، وقيل: ستمائة ألف من الجيوش، وموسى يلتفت وإذا وراءه الخوف والقتل والدمار والنار والذبح، فإذا أمامه موج البحر كالجبال فيقول بنو إسرائيل: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61]. فيأتي الرجل الذي عرف الله في الرخاء ليعرفه في الشدة ليقول: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] كلا. أنا أعرف الله في الرخاء يعرفني في الشدة، كلا. لن أهزم اليوم؛ لأني حفظت الله في الرخاء، حفظت سمعي وبصري، وحفظت قلبي وبطني، حفظت يدي وفرجي، وحفظت إرادتي، وحفظت رجلي: لعمرك ما مديت كفي لريبة وما حملتني نحو فاحشة رجلي ولا دلني فكري ولا نظري لها ولا قادني فكري إليها ولا عقلي وأعلم أني لم تصبني مصيبة من الله إلا قد أصابت فتىً قبلي فتضايق بين الجيش وبين البحر، فأوحى الله إليه أن اضرب البحر، عصاً قصيرة وقلة بصيرة ولكن الله هو المدبر، فضرب البحر فانفلق اثنتي عشرة طريقاً، فسلك الطريق، ونجاه الله، فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة. وأتى الذي ضيع الله في الرخاء فرعون المجرم السكير العربيد الدجال الذي ضيع الله في الرخاء أتى ليجرب في الشدة، مثل ما يفعل كثير من الشباب، ومثل ما يفعل كثير من الناس، وقت الرخاء لعب وغناء ومجلة خليعة وتخلف عن الصلوات الخمس، وجلسات تغضب المولى، جلسات حمراء، وساعات أليمة مظلمة، تخلف عن الصلاة، هجر للمسجد، إدبار عن تدبر القرآن، قسوة قلوب، كذب، عقوق، وقطيعة رحم، ثم يأتون ليجربوا حظوظهم في الشدة، إذا أصيب أحدهم بحادث انقلاب أو صدام أو مرض عضال، وجيء به فوق السرير الأبيض قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90]. فأتى الدجال فرعون فلما امتلأ بطنه طيناً وأصبح يغرغر كالضفدع في الماء قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90]. فيقول الله له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] تؤمن الآن؟ أما تعرف أن من يعرف الله في الرخاء يعرفه في الشدة؟ ما هذه التوبة؟ إذا بلغت الروح الحلقوم قلنا: تبنا! إذا تكسرت ظهورنا وأصبحنا على الأسرة البيضاء في المستشفيات قلنا: تبنا! إذا كسرت رءوسنا تحت عجلات السيارات قلنا: تبنا! إذا أصابنا داء عضال وأصبحنا نستنشق الماء قلنا: تبنا؟ تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] لا.

قصة يونس عليه السلام

قصة يونس عليه السلام لكن يونس بن متى لما عرف الله في الرخاء عرفه الله في الشدة. خرج عليه السلام مغاضباً، وركب في السفينة، ولما أصبح في البحر استهموا فوقع السهم عليه فدحرجوه من السفينة، في ظلمة الليل وفي ظلمة البحر وفي ظلمة الحوت، ظلمات ثلاث: ظلمة ليل لا يلوح فيه إلا نجم غائر، وظلمة بحر أمواجه كالجبال، وظلمة حوت ابتلعه حتى أصبح في بطن الحوت، ولك أن تتصور المشهد! فمن يدعو؟ وإلى من يشكو حاله؟ ومن يسأل؟ وإلى من يبدي فقره وحاجته؟ لا صديق، ولا صاحب، ولا أهل، ولا زوجة، ولا ناصر إلا الله؛ فقال في ظلمة الليل وظلمات البحر وظلمات الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. قال أهل التفسير: سمعت الملائكة هذه الكلمة فبكت وقالت: يا رب! صوت معروف من عبد معروف. {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات:143] متى؟ في وقت الرخاء، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:144].

قصة يوسف عليه السلام

قصة يوسف عليه السلام يوسف عليه السلام أخذه إخوانه في قصة عجيبة، وفي مسلسل غريب مبكي وطرحوه في البئر، وأتى الإخوة بثوبه ولكن ما مزقوه بل خلعوه خلعاً، ولطخوه بدم شاة، وأتوا عشاء إلى أبيهم يعقوب -الرجل الصالح النبي الناصح- ونسوا أن يمزقوا الثوب لأن الذئب لا يعرف كيف يخلع الثوب، الذئب لا يكوي الثياب ولا يغسلها، ولا يعرف أن يحطها بالأزرار، ولكنه يمزقها، ولكنهم ما مزقوا الثوب قالوا: أكله الذئب {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف:18] فعرف الرجل الناصح أنها خديعة.

يوسف يسبح الله في البئر

يوسف يسبح الله في البئر أين طرحوا يوسف وهو غلام فتىً صغير؟ طرحوه في البئر، يقول ابن رجب في جامع العلوم والحكم: نقل عن أهل العلم أنهم قالوا: انظر إلى الغلام الصغير الشاب الذي نشأ في طاعة الله- أين فتياننا؟ أين شبابنا؟ أين حفظة الرسالة؟ أين أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟ أين القمم؟ أين النجوم الزواهر؟ أين الذين يعرفون طريقهم إلى الله؟ - لما أنزلوا يوسف في البئر هدأت الضفادع من التسبيح إلا يوسف فإنه أخذ يسبح، وهو غلام صغير {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24] عرف الله فعرفه الله، أنقذه الله، وخرج إلى مصر وعاش وترعرع.

يوسف وامرأة العزيز

يوسف وامرأة العزيز أتت امرأة العزيز تعرض نفسها عليه، أغلقت الأبواب ولفظ القرآن الكريم يقول: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} [يوسف:23]. زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، سبحان الله! وغلقت الأبواب إنها مَلِكة! وهو لا يخاف أن يؤتى من جانبها؛ لأنها تأمر وتنهى، والأمر الثاني: جميلة وهي لذلك أدعى وأشهى، والأمر الثالث: أنه في قصرها وليس في بيته، والأمر الرابع: أنه شاب، والأمر الخامس: أنه أعزب، ولم يكن متزوجاً ليعود إلى حلال، والأمر السادس: أنه ليس من أهل مصر ولو كان من أهل مصر لاستحى من سمعته ومن شهرته ومن صيته، لكنه غريب، والغريب لا يوجل ولا يتحرج كما يتحرج القريب، والأمر السابع: أنها هي التي دعت، والأمر الثامن: أنها غلقت الأبواب، والأمر التاسع: أنه ليس معها أحد من الناس ولكن نسيت رب الناس، وقال بعضهم: إن الأمر العاشر أنه جميل، فإنه أوتي شطر الجمال، جمال الناس. قالت: هيت لك. قال: معاذ الله! سلام عليك يا يوسف وهنيئاً لك وبشرى لعينيك! هل قال شبابنا وشاباتنا وفتياننا وفتياتنا لما رأوا الحرام قالوا: معاذ الله؟ يا من نظر إلى الفتاة الجميلة وغض بصره وقال: معاذ الله! هنيئاً لك، يا من رأى المجلة الخليعة فقاطعها وقال: معاذ الله! يا من سمع نغمة ماجنة فتاب وقال: معاذ الله! يا من دعاه جلساء السوء لهجر المساجد وللإدبار عن القرآن فقال: معاذ الله! هنيئاً لك. وأنت -أيتها الفتاة- هنيئاً لك يوم قلت في حياتك: معاذ الله، معاذ الله من أخدان السوء {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:25] معاذ الله من معاكسات الهاتف، ومن التجرم والتفسخ في الهاتف، معاذ الله من خلع الحجاب، معاذ الله من السفور، معاذ الله من الرفقة السيئة، معاذ الله من الخلوة المحرمة، فهنيئاً لك وسلام عليك يوم تلقين الله. فأنجاه الله؛ لماذا؟ تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وأصبح من نجاح إلى نجاح، ومن اتصال إلى اتصال، ومن قرب إلى قرب، حتى ملكه الله مصر وقال في آخر المطاف: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101].

أمثلة لمن لم يعرف الله في الرخاء

أمثلة لمن لم يعرف الله في الرخاء وتعال إلى من لم يعرف الله في الرخاء فلم يعرفه في الشدة أنا أذكر بعض الأمثلة من تاريخنا القريب:

البرامكة

البرامكة ترجم ابن كثير للبرامكة، وما أدراك ما البرامكة! شيء عجيب! نبأ غريب! البرامكة أسرة أعجمية، فوضها المهدي وابنه هارون الرشيد بعده في الأموال والديار، بنوا القصور، بنوا الحدائق، رفعوا الدور، كانوا يطلون قصورهم بماء الذهب وماء الفضة، أي بذخ هذا! أي ثراء هذا! أي غنىً هذا! لكن نسوا الله، تركوا الصلوات، ارتكبوا الشهوات، أكثروا من السيئات، أكثروا من الفواحش، فأمهلهم الله عز وجل، ثم سلط عليهم أقرب قريب إليهم هارون الرشيد، وثقوا بـ هارون الرشيد ووثق بهم، أحبوه وأحبهم، لكن كما أتى في الحديث: {من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخط الناس برضى الله رضي الله عنه وأرضى عنه الناس}. فغضب عليهم هارون الرشيد غضبة؛ لأنهم ما عرفوا الله في الرخاء فلم يعرفهم في الشدة، فأخذ أكبرهم الذي علمهم المعصية يحيى بن خالد البرمكي , فأنزله في السجن سبع سنوات حتى طالت لحيته وأظفاره وشعره وحاجباه وطال شاربه، وطال كل شيء فيه حتى أصبح يقول: لا أنا في الدنيا ولا أنا في الآخرة. !! ما رأى الشمس سبع سنوات، قال له بعض الناس لما دخلوا يزورونه: ما لك؟ قال: ما عرفت الله في الرخاء فلم يعرفني في الشدة، وقال في رواية عنه: أتدرون لماذا أصابني الله بهذه المصيبة؟ قالوا: ما ندري؟ قال: دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها. فيا من تمهل في الرخاء، ويا من قاطع المساجد والصلوات الخمس: اعلم أن معنى حفظ الله في الرخاء معناه الحفظ في الشدة. يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث جندب بن عبد الله البجلي: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من طلبه أدركه ومن أدركه كبه على وجهه في النار} كيف يحفظ الله؟ كيف يَرعى حدود الله؟ كيف يتعرف على الله في الرخاء من لم يصل الصلوات الخمس أو من أخرها عن أوقاتها أو من أسرف في تضييعها أو من تلاعب بها قدمها مرة وأخرها مرة أخرى؟ البرامكة قتل منهم هارون الرشيد مقتلة عظيمة، وأهانهم إهانة ما سمع في التاريخ بمثلها، وأنزلهم منازل الإذلال والقهر والبكاء والندم والحسرة وجعلهم يسبحون في دمائهم؛ لماذا؟ لأنهم ما تعرفوا على الله في الرخاء فلم يعرفهم في الشدة.

أحمد بن أبي دؤاد لم يعرف الله في الرخاء

أحمد بن أبي دؤاد لم يعرف الله في الرخاء أحمد بن أبي دؤاد القاضي المعتزلي، هو أحمد أهل البدعة وأحمدنا أحمد بن حنبل، يقول أهل السنة: أحمدنا أحمد بن حنبل وأحمد أهل البدعة أحمد بن أبي دؤاد. كان كريماً في المال، ينفق في المجلس الواحد مائة ألف دينار، وأنفق مرة من المرات يوماً واحداً ألف ألف درهم لكنه ضيع الله وضيع حدود الله، يقصد بالمال رياء وسمعة، يقصد بالمال غير وجه الله؛ ليمدح، يقول فيه أبو تمام: لقد أنست محاسن كل حسن محاسن أحمد بن أبي دؤاد وما سافرت في الآفاق إلا ومن جدواه راحلتي وزادي حرش على الإمام أحمد، وأغرى على الخليفة المعتصم بجلد الإمام أحمد؛ فدعا عليه الإمام أحمد، الإمام أحمد عرف الله في الرخاء فعرفه في الشدة، وأحمد بن أبي دؤاد ضيع الله في الرخاء فضيعه الله في الشدة، فقال الإمام أحمد: اللهم احبسه في جلده، اللهم عذبه قبل موته؛ فاستجاب الله للإمام أحمد فتعذب أحمد بن أبي دؤاد قيل: أصيب بالفالج كما قال الذهبي، وزاره بعض الناس من تلاميذ أحمد وقالوا: والله ما زرناك لنعودك ولكن زرناك شامتين، الحمد لله الذي عذبك في جسمك، الحمد لله الذي حبسك في أعضائك، فكيف تجد حالك؟ قال: أما نصفي فوالله لو وقع عليه الذباب فكأن القيامة قامت، وأما النصف الآخر فوالله لو قرض بالمقاريض ما أحسست به. مات أحمد بن أبي دؤاد قال ابن كثير والذهبي وابن الأثير: شيع جنازة أحمد بن أبي دؤاد ثلاثة، ثلاثة بعد الدنيا، بعد الوزارة، بعد أن كان يسمى قاضي القضاة، بعد الذهب والفضة؛ لأنه ما تعرف على الله في الرخاء فلم يعرفه في الشدة. وأما الإمام أحمد كلكم يدري كم شيع جنازته، مع أنه فقير، مسكين، لكنه مع العلم، والقرآن، ومع صلاة الليل، والذكر، والعبادة، قيل: يحفظ ألف ألف حديث. قال الذهبي: بالمرسلات والمقطوعات والموقوفات وفتاوى الصحابة، يحمل الحطب في السوق، فيأتي وزراء بني العباس وقالوا: نحمل عنك الحطب؟ قال: لا. نحن قوم مساكين لولا ستر الله افتضحنا! يقول ابنه عبد الله فيما صح عنه: كان أبي يصلي غير الفرائض ثلاثمائة ركعة. ذكرها صاحب تذكرة الحفاظ وسير أعلام النبلاء والبداية والنهاية وكل من ترجم عن الإمام أحمد، ثلاثمائة ركعة غير الفرائض!! لماذا؟ لأنه تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة. أين قوتنا يا شباب الإسلام؟! أين عضلاتنا؟! أين شبابنا وصحتنا لماذا لم تستخدم في الطاعة؟! جاءه رجل فقال الإمام أحمد: أتحفظ شيئاً من الشعر؟ قال: نعم, قال: ماذا تحفظ؟ قال: قول الشاعر إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب فقام يبكي الإمام أحمد حتى سمع نحيبه. قال المؤرخون: شيعه ثمانمائة ألف، خرجت بغداد العاصمة دار السلام عن بكرة أبيها، خرج جنود المتوكل، الجيش، الكتائب، الناس، الباعة، طلبة العلم، الحائكون، الخياطون، الصباغون، خرجت المدينة حتى قال بعضهم: وخرج بعض اليهود والنصارى!! بكت المدينة عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، ودفن الإمام أحمد وما زال ذكره في الذاكرين، وما زال اسمه في الخالدين، وما زال رسمه مع طلبة العلم والمتعلمين، يقرأ في الكتب، ويناقش في المجالس، وتدوي بصوته المنابر وتسمع به الإذاعات والصحف، إمام أهل السنة والجماعة سلام عليه في الخالدين. تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة.

القاهر الخليفة العباسي ما عرف الله

القاهر الخليفة العباسي ما عرف الله القاهر الخليفة العباسي، ذكره السيوطي والذهبي قبله وغيرهم تولى الخلافة فنسي الله، يوم تولى الخلافة نسي الله، أخذ حربة، فكان يحميها بالنار، ويقول: والله لا أضعها حتى أقتل بها رجلاً، حفر حفراً وبركاً وخزانات، وملأها ذهباً وفضةً، قالوا: ما لك؟ قال: أخشى الفقر. سبحان الله! يخشى الفقر والغني في السماء! يخشى الفقر والرازق في السماء!! {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذريات:22] يملأ خزانات من الذهب والفضة فما كانت النتيجة؟ أتى الخليفة الذي من بعده، فسلبه الخلافة واقتاده وأخذ خزائنه وأخذ ذهبه وفضته وأحمى حديدة، فأذهب عينيه الاثنتين حتى أصبح أعمى، فقام في مسجد بغداد مسجد دار السلام جامع المنصور كما يقول السيوطي والذهبي يمد يده ويقول: من مال الله يا عباد الله! لماذا؟ لأنه ما عرف الله في الرخاء فلم يعرفه الله في الشدة.

نماذج من التابعين وممن تبعهم ممن عرفوا الله

نماذج من التابعين وممن تبعهم ممن عرفوا الله

عمر بن عبد العزيز عرف الله

عمر بن عبد العزيز عرف الله عمر بن عبد العزيز لما أتته الوفاة وهو خليفة لم يكن يملك شيئاً، بعض المؤرخين يقول: ترك اثني عشر درهماً. قالوا: أين المال؟ قال: إن كنتم صالحين فالله يتولى الصالحين، وإن كنتم فجرة فوالله لا أعينكم بالمال على الفجور. قال أهل العلم: فكان أبناؤه من أغنى أبناء الخلفاء. وأبناء سليمان بن عبد الملك لما حضرته الوفاة أعطاهم القناطير المقنطرة من الذهب والفضة فأصبحوا بعد طول العهد شحاذين يسألون الناس في المساجد؛ لماذا؟ تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة. ومن هذا المنطلق -يا عباد الله- ينبغي لنا أن نقف طويلاً عند قوله صلى الله عليه وسلم: {تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة} تعرف عليه في وقت الصحة أن تصرفها في مرضاة المولى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وتعرف عليه وقت الفراغ، الفراغ القاتل، الفراغ الضائع الذي ضيع كثيراً من الشباب، لا قرآن، ولا تلاوة، ولا طلب علم، ولا استغفار، ولا جلوس مع الصالحين ولا الدعاة، وإنما ضياء في ضياع {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] ولذلك علم أن من تعرف على الله في الرخاء عرفه في الشدة.

عبد الله بن المبارك عرف الله في الرخاء

عبد الله بن المبارك عرف الله في الرخاء حضرت ابن المبارك الوفاة، من الذي لا يعرف ابن المبارك؟ الزاهد، العابد، العلامة، المحدث، أمير المؤمنين في الحديث، المولى، المجاهد عبد الله بن المبارك، عبد الله الذي كان يجتمع تلاميذه يذكرون فضائله، عبد الله بن المبارك الذي أصبح فخراً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، كان يخشى الله، له خبيئة بينه وبين الله، سافر مع تلاميذه فدخلوا في حجرة في السفر فانطفأ السراج عليهم، فذهبوا يلتمسون السراج وأتوا إليه وإذا دموعه تنهمر من رأس لحيته، قالوا: ما لك؟ قال: تذكرت القبر والله في هذه الغرفة, تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة. قال أهل التاريخ: خرج عبد الله بن المبارك بتجارة من خراسان وخرج بقافلة من الحجاج يريد مكة ليحج، وكل أهل خراسان على نفقته، فقد كان تاجراً ينفق أمواله في سبيل الله، فلما أصبح في الطريق عند الكوفة خرجت امرأة فوجدت غراباً ميتاً في مزبلة, فأخذت الغراب ودخلت بيتها فقال لمولاه: اذهب فاسأل المرأة ما لها أخذت الغراب؟ فسألها فقالت: والله مالنا طعام منذ ثلاثة أيام إلا ما يلقى في هذه المزبلة. فدمعت عيناه وقال: نأكل الفالوذج وهم يأكلون الغربان الميتة، اصرفوا القافلة جميعاً في أهل هذه المدينة، مدينة الكوفة، وعودوا فلا حج لنا هذه السنة. وعاد إلى خراسان. وذكروا عنه أنه رأى في المنام رجلاً يقول له: حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور. {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. حضرت الوفاة ابن المبارك وهو في سكرات الموت يتبسم، من يتبسم في سكرات الموت؟ الذي يعرف الله في الرخاء ليعرفه في الشدة، من يسر في سكرات الموت وضيق الموت؟ الذي عرف الله في الرخاء ليعرفه في الشدة، يبتسم ويقول: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:61] وذهب إلى الله سعيداً؛ لأنه عرف الله في الرخاء فعرفه في الشدة.

الوزير ابن هبيرة

الوزير ابن هبيرة ومما أذكر في هذا الجانب مثلما ذكر ابن رجب في طبقات الحنابلة: الوزير ابن هبيرة الوزير الحنبلي العظيم، ابن هبيرة الحنبلي العالم العابد، كان وزيراً، دخل عليه رجل فأتى هذا الرجل إلى ابن هبيرة , فأعطاه مالاً جزيلاً ومسح على رأسه فقال الناس لـ ابن هبيرة: ما لك مسحت على رأسه؟ قال: عفوت عنه, قالوا: كيف عفوت عنه؟ قال: لما دخل علي عرفني ولم أعرفه، هذا الرجل ضربني ونحن شباب في رأسي، فأذهب عيني، فلا أبصر بها منذ أربعين سنة، فلما دخل علي عفوت عنه. يقول أهل العلم: حج ابن هبيرة فلما أصبح في منى وحجه هو والناس على نفقته وعلى ماله, قحط الناس وأجدب الناس وأشرفوا على الهلاك؛ لأنهم ما عندهم ماء، فصلى ركعتين ودعا الله فأتت غمامة بإذن الله فنزلت وهلت وأمطرت حتى شربوا الثلج ذاك اليوم. فيقول وهو يبكي: يا ليتني سألت الله المغفرة تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة.

نداء إلى كل مسلم ومسلمة

نداء إلى كل مسلم ومسلمة يا عباد الله! يا مسلمون! يا صائمون! يا مصلون! يا أبناء الذين تعرفوا على الله في الرخاء فعرفهم في الشدة: أما آن لنا أن نعرف الله ليعرفنا؟ إنها وصية المصطفى عليه الصلاة والسلام، وإنه درسٌ خالدٌ نوجهه لأنفسنا ثم لإخواننا من كل مسلم ومسلمة علّهم أن يرعوا حدود الله، علّهم أن يحترموا حرمات الله، علّهم أن يعظموا شعائر الله، فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين. إذاً وصيته عليه الصلاة والسلام بل من أعظم وصاياه: (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة) والله لقد أدرك أهل المال أن لا لذة لهم ولا سعادة إلا بتقوى الله، والله لقد سكنوا القصور وعمروا الدور واصطحبوا السيارات الفاخرة وتقلدوا المناصب لكن لما ضيعوا الله ضاعوا والله, {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] ألا إنها وصيته عليه الصلاة والسلام، ألا إنها دعوته عليه الصلاة والسلام: (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة) ويا شباب الإسلام ويا حملة كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نعيش رخاء والله، رخاء يمثل في الأمن والاستقرار وبرد العيش، ويمثل في السكينة، ويمثل فيما كل ما سألنا وما طلبنا من الله أجابنا سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فنعوذ بالله أن نغير نعمة الله كفراً، وأن نتنكر لمعروف الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28] ألم تروا إلى الذين هجروا بيوت الله وهجروا كتاب الله، وهجروا شعائر الله، وأخذوا ما يغضب الله ويسخطه؟ ألم تروا ما فعلوا بأنفسهم؟ ألم تروا كيف يلعبون بالنار؟ وكيف يسعون إلى الدمار؟ وكيف لا يخشون الواحد القهار؟ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28] {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] سكنوا وارتاحوا وأكلوا وشربوا لكن انتهكوا المحرمات وأكثروا من السيئات فغضب عليهم رب الأرض والسماوات فأخذهم أخذ عزيز مقتدر {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]. سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا أسأل الله لي ولكم حفظاً وهدايةً وسداداً، اللهم اجعلنا من المقبولين الذين رضيت عنهم ورضوا عنك، اللهم بيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مظلة، برحمتك يا أرحم الراحمين! سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

شاب يعود إلى المعاصي بعد رمضان

شاب يعود إلى المعاصي بعد رمضان Q أنا شاب مسرف على نفسي بالمعاصي، ولكن إذا دخل رمضان قلَّت هذه المعاصي، وما إن يخرج رمضان إلا وأعود إلى ما كنت عليه، وإني في هذا الشهر أحس بذلك، فما تنصحني أن أفعل في هذا الشهر وفي غيره؟ A الحمد لله، هذا الأخ السائل يظهر عليه الخير من سؤاله، أثابه الله وأجزل مثوبته، أما بالنسبة لحالته فهذه تسمى الفترة بعد الشرة، أو تسمى الإقبال والإدبار، ولا يسلم منها أحد، وقد صح عن بعض السلف أنه قال: إن للنفوس إقبالاً ولها إدباراً، فاغتنموها عند إقبالها وذروها عند إدبارها. وبعض السلف يقول: إذا أقبلت أنفسكم فأكثروا من النوافل، وإذا أدبرت فألزموها الفرائض، فوصيتي لأخي أن يلزم نفسه إذا أدبرت وكلت وملت بالفرائض، فلا يخدش باب الفرائض، ولا يسيء بأي إساءة إلى الفرائض، ولتبق الفرائض آخر خط دفاع له، وإذا أقبلت نفسه أن يتزود بالنوافل وأن يكثر من الذكر وتلاوة القرآن. وللفتور أسباب: منها توالي المعاصي رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها فالمعاصي على المعاصي {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13]. الأمر الثاني: رفقة السوء؛ وما أدراك ما عصابة السوء! عصابة تجمعت للصد عن سبيل الله، وللوقوف في طرق رسول الله وأنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، عصابة وشلة أخرجت الناس من المساجد إلى السجون، وأخرجتهم من الصلوات والذكر والتلاوة إلى المخدرات والسيئات والفواحش والمنكرات، عصابة حببت المجلة الخليعة وجعلتها مكان القرآن، عصابة أتت بشباب الإسلام لتسمعهم الأغنية بدلاً من سماع التلاوة (السماع الشرعي) فوصيتي لأخي أن يتقي الله، وأن يصدق النية {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وأن يواصل الطاعة بالطاعة، وأن يزور الأخيار ويجتنب الأشرار وأن يتدبر القرآن، وأن يزور المقابر ويذكر الموت، نسأل الله أن يحفظنا وإياه من كل سوء.

المجاهدون الأفغان يعيشون أصعب المواقف

المجاهدون الأفغان يعيشون أصعب المواقف Q الإخوان الأفغان اليوم يعيشون في أصعب المواقف حيث إن كثيراً من المسلمين يعتقد أنه قد انتهى دوره في نصرة هذا الجهاد بعد هذا التقسيم وهذا الانتصار، فما تعليقكم وما توجيهكم لهؤلاء الإخوة الذين نسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياهم؟ A الإخوان المجاهدون الأفغان قوم رفعوا رأس العالم الإسلامي، قوم أمجاد أعزة، قوم علموا المستعمر والأجنبي الذلة، وعلموه أن النصر لهذا الدين, وأن المستقبل لهذا الدين، قوم نقف معهم مسلِّمين، ونقف معهم معجبين، ونقف معهم داعين لهم بالنصر والثبات. الجهاد الأفغاني لم ينته بعد، هو في أتون شدته وعنفوان اضطرامه، هم الآن يعيشون في جبهات وعلى ثغور، هم في رباط الله أعلم به؛ ولذلك ينبغي علينا في هذه الليالي أن نكثر من الدعاء لهم؛ لأنهم يضربون من الجو ومن الأرض، وهم يعيشون في معركة من أعتى المعارك، فنسأل الله أن ينصرهم وأن يثبت أقدامهم، وأن ينزل السكينة عليهم، وأن يوفقهم بنصر من عنده إنه على كل شيء قدير. وإخواننا في بلاد الأفغان لا يزالون يواصلون الزحف المقدس الذي رايته: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وبالمناسبة لابد أن نكون شاكرين لأهل الفضل، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، والذي يجحد المعروف لا خير فيه، فنشكر ولاة الأمور في هذه البلاد على أن اعترفوا بحكومتهم وهم أول دولة في العالم اعترفت بحكومة المجاهدين، وهذا أمر يثلج الصدر ويبشر بالخير، فشكر الله لهم اعترافهم، وبارك الله في قرارهم، وزادهم ثباتاً ونصرةً لهذا الدين، ونصرهم الله بالإسلام ونصر الإسلام بهم. ثم إن الإخوة المجاهدين يحتاجون إلى تبرعات، وإلى مد يد العون، وإمام هذا المسجد يتلقى التبرعات من المحسنين والمخلصين ومن المنفقين في سبيل الله، وفي هذا التبرع الذي يقدم للمجاهدين شيء وقسط منه للفقراء والمساكين، فحيهلاً بالهمم وبالأيادي البيضاء وبالعطايا وبالإنفاق في سبيل الله، وهذا شهر الصدقة، وهذا شهر البذل والعطاء، فأنفقوا ينفق عليكم، وأعطوا يخلف عليكم، وتوكلوا على الله: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261]. الله أعطاك فابذل من عطيته فالمال عارية والعمر رحال المال كالماء إن تحبس سواقيه يأسن وإن يجر يعذب منه سلسال ومنها الزكاة تصرف إليهم كما أفتى بذلك علماؤنا.

الوقت عمرك فافعل به ما تشاء

الوقت عمرك فافعل به ما تشاء Q إنني أشعر بالفراغ وخاصة في رمضان خاصة بعد صلاة التراويح، فما هو الطريق لاستغلال هذا الوقت، بارك الله فيكم؟ A أما الفراغ الذي يعيشه كثير من الشباب في رمضان وغير رمضان فهذه مأساة عامة، مأساة عامة في العالم الإسلامي إلا من رحم ربك، شباب مستقيم ومتجه، نحن لا نتكلم عن الضائع، الضائع المفلوت من الصلاة المفلوت من القرآن المفلوت من السنة هذا لا يتكلم فيه لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار لكن نتكلم عن شباب الصحوة، المقبلين على الله والتائبين إلى الله أين تصرف أوقاتهم؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] فوصيتي لإخواني أن يستثمروا أوقاتهم، الدقائق محسوبة، صح في الحديث: {لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه}: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني يا إخوتي في الله: كم سلبت منا الساعات؟ كم ضاعت منا الأوقات؟! كم أكثرنا من المخالفات والسيئات؟! فهل آن لنا العودة في استثمار الأوقات؟! ظواهر: كثرة الزيارة بين الشباب على غير جدول عمل وعلى غير تلاوة وعلى غير طاعة، أزورك وتزورني، وأحبك وتحبني، وأتعشى عندك وتتعشى عندي، لكن حديثنا في مجريات الحياة وأخبار ونكت ومزاح لا تحصيل، هذه لا تبشر بخير. الأمر الثاني: نوم طويل؛ بعض الناس جعل نهار رمضان نوماً، فهو يرى أنه يرى في المنام أنه صائم، يرى في المنام أنه يرى سبع بقرات سمان وأخرى عجافاً، ويرى أنه صائم، ثم يستيقظ وقت الغروب لا أحس بالجوع ولا أحس بالظمأ ولا تدبر القرآن ولا ذكر الله، فهل سمعتم بإنسان يصوم وهو نائم؟! وسهر في ظلام الليل، من صلاة التراويح إلى السحر، إما كرة ودائماً كرة كرة، أو رحلة ونزهة لا طائل من ورائها، أو جلسة لا يحمد ما يدار فيها، فوصيتي لإخواني أن يعتبروا كل ثانية تصرف من أوقاتهم، فهي عمرك فافعل به ما شئت.

فضل الدعاء في السحر

فضل الدعاء في السحر Q يمر بالفرد المسلم وبالمسلمين عامة أزمات وتحديات من قبل أعداء الإسلام، فأرجو من فضيلة الشيخ الإرشاد والتوجيه لاستخدام سلاح الليل وهو الدعاء في السحر لمواجهة هذه الشدائد، وجزاكم الله خيراً؟ A نعم. السهام التي تسري في ظلام الليل هو دعاء السحر، سئل علي بن أبي طالب فيما يروى عنه [[كم بين العرش والأرض؟ قال: دعوة مستجابة]] وصح في الحديث {أن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟} قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار دعاء الثلث الأخير من الليل، دعاء السحر، في السجود، في أدبار الصلوات سلاح للمسلم، إذا فاته الدعاء فاته خير كثير {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] فيا إخوتي في الله, الله الله في الدعاء، وورد في الحديث {لن يهلك مع الدعاء أحد} وقال عمر: [[إني لا أحمل هم الإجابة إنما أحمل هم الدعاء]]. وعند الترمذي من حديث سلمان أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً} اللهم فوفقنا واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات والنور وانصرنا على من ظلمنا وعلى من بغى علينا، ومن أرادنا بسوء ومن أراد الإسلام بسوء فأشغله بنفسه واجعل تدبيره في تدميره إنك على كل شيء قدير.

شكر نعمة الرخاء في العيش

شكر نعمة الرخاء في العيش Q كثير من الشباب وأخص منهم الطيبين يعيشون في رخاء عظيم، ولكن نلاحظ أنهم يفرطون فيه بالتشاغل بأمور هامشية، وكثرة المخالطة وجلسات السمر، نرجو من فضيلة الشيخ التوجيه لاستغلال هذا الرخاء، ومجالات الاستغلال المفيدة. A سبق في الحديث عن الوقت ما يغني عن الكثير من الإجابة عن هذا السؤال، وأما الرخاء الذي نعيش فيه فنحمد الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15] جيراننا من الدول والشعوب ينامون على أصوات المدافع، ويستيقظون على هدير الصواريخ، القنابل تقع على بيوتهم، حطمت منازلهم، قتل شيوخهم، أعدم أطفالهم، أجهضت نساؤهم، ذاقوا الجفاف، ذاقوا الفيضانات، ذاقوا الجوع، ونحن في أمن وسكينة تجبى إلينا ثمرات كل شيء، والطيبات تأتينا من كل مكان، فهل من شاكر؟ وهل من مستغفر؟ إن استدامة النعم إنما تكون بتقوى الله {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53] فهل من شكر؟ وهل من عبادة؟ وهل من استلهام لهذا الرشد؟ فمحافظة على هذا الرخاء والنعيم بالعودة إلى الله واستثمار الوقت. والملاحظ على كثير من الشباب إشغال أنفسهم بأمور هامشية ومجريات الحياة، أو مشاغل لا تنفعهم عند الله، والإعراض عن طلب العلم أو تدبر القرآن أو النوافل فعودة صادقة إلى الدين، ومن تبصر بنور الكتاب والسنة بصره الله.

الأسواق وخروج المرأة إليها

الأسواق وخروج المرأة إليها Q ما هو الواجب على المرأة من ناحية خروجها إلى السوق، وكما تعلمون فالأسواق في هذه الأوقات مليئة بالشباب والمعاكسين، أرشدونا وفقكم الله؟ A الأسواق مجامع يجتمع فيها لغير طائل أهل الريبة الذين ليس لهم غرض, أهل الريبة وسوء الأخلاق ومن في قلوبهم شك ونفاق، وأصبحت الأسواق ظاهرة من ظواهر التفسخ والتبرج وقلة المروءة والحياء، والتطاول على تعاليم هذا الدين، وأصبحت كثير من الأسواق فرصةً لدعاة الشيطان ودعاة السوء في أن يمزجوا بين الصنفين الرجال والنساء، وهناك نساء قل الإيمان ووازع الإيمان في قلوبهن وقل أثر القرآن والتربية الإسلامية فجعلت من السوق متفسخاً لها، تفسخ جلبابها وحياءها وستر الله عنها، فنحن نسائلها من هذا المكان أن تتقي الله، وألا تخلو مع أجنبي، فإن الخلوة معه معصية ومحرم. وأشير إلى ناحية أنه وجد من بعض النساء أنها تذهب مع السائق ولو كانت صالحة وعابدة، ولو كانت تذهب إلى المسجد، ولو كانت تذهب لصلاة التراويح فيستقل بها السائق الأجنبي وتظن لأنه سائق أنه لا يتحرك فيه شيء. ما دام رجلاً، فعنده ما عند الرجال وهو أجنبي، هل إذا كان سائقاً يحل منه ما يحرم من غيره؟! لا والله، فخلوتها معه في السيارة لا تجوز، وهو محرم عليها، ويمكن أن الإثم الذي حصل لها من خلوتها مع السائق إلى المسجد, أعظم من الأجر الذي قد يحصل لها من صلاة التراويح والتباكي مع الإمام، لا. عليها أن تنتبه لنفسها! وأن تتقي الله في عرضها، وفي دينها وفي رسالتها.

المعاصي ونسيان العلم

المعاصي ونسيان العلم Q عندما سئلت في أحد المحاضرات عن طريقة حفظ كتاب الله وكتب السنة قلت: إن كان يرتكب المعاصي فتجده ينسى دائماً وأبداً، و Q ما هي الطريقة التي على المرء اتباعها لكي تبقى هذه الكتب وخاصة كتاب الله عالقة في الذهن، علماً أنني أحس أنني لا أرتكب المعاصي؟ A في هذا السؤال مسألتان، وأبدأ بالمسألة الأخيرة التي أعتبرها الأولى بالنسبة لي: المسألة الأولى: وهي أن السائل كأنه يزكي نفسه، يقول: أنه لا يرتكب المعاصي أو أنه ليس عنده شيء من المعاصي فيما يعلم، وهذه تزكية والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32] {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} [النور:21] كلنا مخطئون، وأبونا آدم سن لنا الخطيئة فقلدناه، وتاب فينبغي أن نقلده في التوبة، ومن شابه أباه فما ظلم، فعليك أن تعرف أن عندك ذنوب، وأنك ما طهرت ولا طهرنا من الذنوب والخطايا {كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون} ولو من الصغائر. الأمر الثاني: نعم ذكرت أن من أسباب النسيان المعاصي لكتاب الله ولغيره من العلم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة: 13] والحظ الذي ذكروا به قالوا هو العلم، وفي بعض الآثار: [[إن العبد ينسى الباب من العلم بالذنب يصيبه]] ونظر بعض الناس إلى امرأة لا تحل له، قال له أحد الصالحين: تنظر إلى الحرام؟ والله لتجدن غبها وعقوبتها ولو بعد حين قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة. شكا الشافعي إلى وكيع سوء حفظه، عله أن يجد مأكولاً يقوي حفظه وقد روي عن الزهري أنه قال: جربت المأكولات فما وجدت كالزبيب للحفظ. فأتى الشافعي إلى وكيع بن الجراح الرؤاسي فسأله ما هو دواء سوء الحفظ؟ قال: ترك المعاصي. لا أكل الزبيب ولا البطاطس ولا البقدونس، إنما تقوى الله واجتناب المعاصي، فيقول في بيتين: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصي وبعض الناس تجده ولياً عابداً خاشعاً زاهداً تالياً لكتاب الله لا يعرف كثيراً من المعاصي لكن لا يحفظ آية، ربما ينسى اسمه الثلاثي، يتحفظه في الصباح وينساه مع الظهر، فما الحل؟ نقول: هذه جبلة، فإن بعض الناس فيه جبلة عجيبة، ينسى كل شيء، حتى يروى عن بعضهم أنه: طلب العلم ما يقارب عشر سنوات، فأخذ سطرين يكررها من صلاة العشاء إلى قرب الفجر ثم نام، فاستيقظ في الصباح وقال للجارية: أتذكرين السطرين الذين كنت أكرر في البارحة؟ قالت: هي كيت وكيت. قال: ألهمك الله الشهادة ذكرتني العلم. فبعض الناس، قد لا يحفظ الفاتحة وهو وراء الإمام أربعين سنة؛ والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يقسم الذكاء ويقسم العي، وهذا لا يعني أنه باخس الحظ مع الله, بل قد يكون من الأولياء الكبار. ابن الراوندي الملحد الذي سماه الذهبي الكلب المعفر, كان من أذكياء الناس، قال: كان ذكياً ولم يكن زكياً؛ كلب معفر، هاجم الإسلام، هاجم السنة، ملحد، زنديق، وقف على نهر دجلة عنده كسرة خبز يأكلها وهو فيلسوف، وكم حسب علينا من فلاسفة! ابن سيناء، والفارابي، وابن الريوندي حسبوا علينا ونحن منهم براء، وهم منا براء. وقف ابن الراوندي يأكل كسرة خبز، فمر مولى من الموالي معه خيول ومعه تاج ومعه ذهب ومعه أموال، فالتفت إلى السماء وقال: أنا الفيلسوف الذكي تعطيني كسرة وتعطي الخادم هذه الخيول! هذه قسمة ضيزى! ثم رمى الكسرة في النهر. ولذلك سخط الله عز وجل عليه. ولما مدحه ابن خلكان قال ابن كثير: ترجم له ابن خلكان ومدحه؛ لأنه شاعر وذكي، وكأن الكلب ما أكل له عجيناً! ومن الأذكياء أيضاً أبو العلاء المعري كان من أذكياء الناس، لكنه زنديق فيما يؤثر عنه إلا أن يكون تاب، وتجد بعض الصالحين لا يحفظون كثيراً من الحديث، إذاً -يا أخي- ليست العبرة بالحفظ، حتى يقول الذهبي في ترجمة ابن الرواندي: فحيا الله البلادة بالتقوى! ولعن الله الذكاء بالزندقة!

الشعراء والهجاء بين القبائل

الشعراء والهجاء بين القبائل Q بعض القبائل تحضر في الحفلات والمناسبات بعض الشعراء الشعبيين، ثم تكون فيها محاورات بين شاعر وآخر، ويكتنف هذه الأشعار إظهار عيوب قبيلة الشاعر الآخر، ويدفع من الأموال الطائلة ما يدفع، وقد يكلف إحضار هؤلاء الشعراء الألوف الكثيرة، فما حكم هذه المبالغ التي تصرف؟ وما حكم الوقت الذي يصرف في هذه المحاورة علماً أنها تستمر إلى طلوع الفجر؟ A ما ذكره السائل من هذه المشاهد والظواهر موجود في كثير من المجتمعات، وهناك قبائل كأنهم يعيشون بمعزل عن العالم، كأنهم في أرض والناس في أرض، يأتي شاعرهم فيمدح قبيلته، وكأنها هي التي انتصرت في بدر واليرموك , ورفعت راية لا إله إلا الله في القادسية، وقدمت الشهداء، وإذا رجعت إلى تاريخ هذه القبيلة تجده لا يساوي ريالين أو قرشين، ما عندهم شيء سوى الأكل والشرب وتزوجوا ودخل فلان على فلان فزاره في بيته وأكرمه وذبح له ناقة، ونحن فعلنا وصبحنا القبيلة وذبحناها! مسلمون يذبحون مسلمين! ويتهتكون في أعراض المسلمين، هؤلاء مثلهم كما قال ابن تيمية: كصوفي أعمى يقرأ وهو أعمى القلب والبصر ومن غلاة الصوفية، ويقرأ في سورة النحل: فخر عليهم السقف من تحتهم. قال ابن تيمية: لا عقل ولا قرآن! لأن السقف دائماً يأتي من فوق، هل سمعتم بسقف أسفل؟! لو لم يكن معك قرآن فعلى الأقل معك عقل تعرف أن السقف دائماً فوق فقال ابن تيمية: لا عقل ولا قرآن، فبعض القبائل لا عقل ولا قرآن، لا دين ولا رسالة في الحياة، ولا تواصي بالمعروف. وواجب الدعاة أن يفهموا هؤلاء وأن يعايشوهم وأن يوصلوا كلمة النور والهداية إليهم. أما اجتماعهم ففيه محاذير: المحذور الأول: يوجد في بعض القبائل -وأعرف ذلك علم اليقين- اختلاط بين الرجال والنساء، يقف مجموعة -خاصة في البوادي- من النساء ينظرن إلى الرجال، والرجال ينظرون إلى النساء، بل من العجيب أنه وجد في بعض النواحي أن يأتي صف من الرجال وصف من النساء هذا لا يوجد إلا في موسكو أو في باريس. والمحذور الثاني: شعراء ضلالة، يدعون إلى أبواب النار، يمدح هذه القبيلة ويقترف إثماً وزوراً وبهتاناً في عرض قبيلة أخرى، فيصفهم بالبخل وبالجبن وبالخيانة وبالغدر وبالكذب. والمحذور الثالث: مبالغ تصرف في غير طائل؛ رياءً وسمعةً وبذخاً، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال:47] لو صرفت هذه الأموال في تحفيظ القرآن أو في بناء مساجد أو في شراء كتب وأشرطة إسلامية للمسلمين لكانت عند الله شيئاً كثيراً. فهذه ثلاثة محاذير أنبه عليها وهي محرمة.

السنة في تطبيق السنة

السنة في تطبيق السنة Q ما هي الطريقة في تطبيق السنة؟ A السنة في تطبيق السنة، أن يكون التطبيق وفق سنة الله، بين الإفراط والتفريط، بين الجفاة والغلاة، وسنة الله وسط كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] والسنن -يا إخوتي في الله- لابد أن تعطى حقها، فإن الناس انقسموا إلى ثلاثة أقسام: قسم أتى إلى مثل هذه السنن مثل اللحى وتقصير الثياب والسواك والأكل باليمين والشرب باليمين وتقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد، واليسرى عند دخول الخلاء وقالوا: هذه قشور، والإسلام دين لباب. فيذهب بالقشور وبالقشور حتى ما يبقي سنة واحدة في الإسلام. تقول له: قيام الليل، فيقول: المسألة ليست مسألة قيام الليل، تقول له: طلب العلم فيقول: المسألة ليست مسألة طلب العلم، المسألة مسألة دين. فما هو الدين؟ فيقول: هذه السنن قشور، ونحن ندعو إلى الأصول، وعلينا أن نعرف الناس بهذا. فيقللون من شأنها حتى سمعت من بعض الدعاة أنه سمع داعية يقول: ينبغي على بعض الدعاة أن يحلقوا لحاهم حتى لا يشعروا الناس بالتزمت ولا بالتشدد وليقبلهم المجتمع. سبحان الله! هذا مثل اليهود حرم الله عليهم شحوم الحيوانات فجملوه وباعوه وأذابوه وأكلوا ثمنه، وهذا خطأ فاحش فلا يدعى إلى الله بمعصية. وقوم تشددوا في هذا الجانب، فرأوا أن الإسلام هو هذا الثوب، وهذه اللحية، حتى سمعت أن بعض الناس مر به خواجة فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، انظر إلى العاصي، عاصي جددته حلق لحيته! خواجة لا يعرف لا إله إلا الله ولا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ثم ينكر عليه حلق لحيته! وتجد بعض الدعاة يتكلم قبل الظهر وبعد الظهر وفي المناسبات وفي المجالس عن تقصير الثياب، وربما الذين يتكلم فيهم زنادقة، أو فيهم نفاق، أو لا يصلون، أو لا يصومون، أو يرتكبون من الفواحش مثل الجبال وتوسط قوم ممن هدى الله {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:213] فقالوا: هذه السنن أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم، لا ننكرها ولا نجحدها ولا نقول: قشور، لكن نعطيها حجمها، فالذي أتى باللحية هو الذي أتى بلا إله إلا الله، والذي أتى بتقصير الثوب هو الذي أتى بالإيمان بالله واليوم الآخر، فعلينا أن نعطيها حجمها، لكن لا نغلو ولا نلغي، لا نغلو فيها ولا نلغيها، وهذا الدين الوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143].

حكم من يعمل في قطاع الموسيقى العسكرية

حكم من يعمل في قطاع الموسيقى العسكرية Q إنني عسكري في قطاع الموسيقى العسكرية، أرجو إفادتي هل الذي أستلمه حلال أم حرام؟ جزاكم الله خيراً! A هذا السؤال ينبغي أن يتأمل فيه كثيراً وأن يحال على هيئة كبار العلماء ليجيبوا عنه؛ لأن وراءه مجريات وأسباب ونتائج عن الموسيقى وعن حكمها وعما يستدر منها، والذي أعلم أن الموسيقى محرمة، وأنها لم تكن عند السلف الصالح، وأنها من المعازف المحرمة، أما دخله فعليه أن يحيل المسألة على الشيخ عبد العزيز بن باز؛ لأنه أعرف وأفهم، لأن هذا السؤال ينبغي أن يكون شفهياً ولا يحتاج إلى كتابة. في نهاية هذه المحاضرة نسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما نقول، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

عقيدتنا

عقيدتنا إن مما يثبت المسلم على دينه أن يكون لديه عقيدة صحيحة يدفع بها الشبهات والشهوات التي تعترضه، وقد ضلت كثير من الفرق في هذه العقيدة المأخوذة من الكتاب والسنة، فليحذر المسلم منها، وقد اختصر الشيخ عقيدة أهل السنة والجماعة في سبع وعشرين مسألة مبسطة سهلة الفهم لطالب العلم بل والعامي.

حقيقة الإيمان

حقيقة الإيمان الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه والتابعين. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسعد الله ليلكم باليمن والمسرات. أما بعد: فإن معنا في هذه الليلة درس بعنوان (عقيدتنا) وهذا اقتراح من بعض الإخوة، لما رأى من الحاجة في بعض النواحي، واقترح هذا الأخ الكريم أن تبسط العقيدة الإسلامية، عقيدة السلف الصالح، بسطاً يسيراً مسهلاً يفهمها الناس في القرى والبوادي، وكثير من الأماكن. وهذه العقيدة أسأل الله عز وجل أن تكون صائبة وموفقة، وأن يعيننا وإياكم على العمل بها، واعتقادها حتى نلقى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وقد حرصت كل الحرص أن تكون مدللة بالكتاب والسنة، وبما قاله سلف الأمة، فإن أصبت فمن الله وحده سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله بريئان من الخطأ. عقيدتنا هي عقيدة أهل السنة والجماعة التي أتى بها محمد عليه الصلاة والسلام، والتي ذكرها الله في كتابه، وقد جعلت هذه العقيدة في سبع وعشرين مسألة:

الأدلة على زيادة الإيمان

الأدلة على زيادة الإيمان المسألة الأولى: الإيمان قول وعمل. نقول: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والدليل على ذلك قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173] فدل ذلك على أن الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بالطاعة ويتعاظم، حتى يكون كأمثال الجبال الرواسي، ويقل حتى يكون في القلب كأمثال الهباء أو الذرة، يزيد بطاعة الله، بالإخلاص في القلب، وبالتواضع لله، وبالحب لله ولرسوله، ويزيد بالأعمال الظاهرة، وبكثرة النوافل، وبالجهاد، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالصدقة، ووالله الذي لا إله إلا هو لا نجعل إيمان أبي بكر كإيمان الواحد منا، كما قالت المرجئة، وقد أخطأت خطأً بيناً، حيث جعلوا الإيمان تصديقاً فحسب، قالوا: من صدق واعتقد بقلبه فكفى، ولا يزيد الإيمان ولا ينقص، وقد أخطئوا خطأً بيناً، بل يزيد وينقص، وإيمان الواحد منا ليس كإيمان جبريل عليه السلام.

الإيمان قول باللسان

الإيمان قول باللسان أما قولنا الإيمان قول: فأول ما يدخل المؤمن في هذه الدين بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله} وليس بصحيح ما قالت المناطقة: أن يبدأ بالنظر والاستدلال قبل الشهادة، بل طالب عليه الصلاة والسلام الناس كافة عرباً وعجماً ورجالاً ونساء بقول: لا إله إلا الله، ولم يقل لهم قبل ذلك: انظروا واستدلوا، بل يأتي النظر والاستدلال قبل وبعد ومع لا إله إلا الله محمد رسول الله. ومما يقوي الإيمان النظر في آيات الله الكونية والشرعية بالتدبر، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191] ويقول تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20].

الإيمان عمل

الإيمان عمل وقولنا عمل: أي: أن العمل يدخل في الإيمان، ولا يخرج كما قالت المرجئة، ومن قال: أحب الله بقلبي ولا أصلي في المسجد كذبناه، ومن قال أحب الله بقلبي ولا يصلي ولا يزكي ولا يحج كذبناه، {وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105]. وقولنا اعتقاد: أي: من اعتقد ولم يشهد ولم ينطق بالشهادة وهو مستطيع فهذا كاذب، ومن اعتقد ونطق ولم يعمل فهذا كاذب، ومن نطق وعمل ولم يعتقد فهذا منافق، والمؤمن يعتقد وينطق ويعمل فهذا هو الإيمان الصحيح الذي نسأل الله أن يتوفانا وإياكم عليه.

حكم مرتكب الكبيرة

حكم مرتكب الكبيرة المسألة الثانية: أن صاحب الكبيرة تحت مشيئة الواحد الأحد. تحت مشيئة أرحم الراحمين، إن شاء عذبه وإن شاء رحمه، ولكن من يعمل كبيرة ولا يستحلها نخاف عليه العذاب، ومن استحل الكبائر فقد كفر، لكن من شرب الخمر، أو سرق، أو زنى وهو مسلم ولم يستحل ذلك، قلنا: هو تحت مشيئة الله.

مرتكب الكبيرة عند الخوارج والمعتزلة

مرتكب الكبيرة عند الخوارج والمعتزلة لا نقول كما قالت المعتزلة: هو في منزلة بين منزلتين، يقولون: ليس بمسلم وليس بكافر، وقد أخطئوا، ويخلدونه في النار. وقالت الخوارج: من ارتكب كبيرة فهو كافر خالد مخلد في النار، وقد كذبوا. ونحن نقول: لا يزال مسلماً. وأما قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن} فالمعنى أنه مسلم، لكن يرتفع الإيمان عنه، كما قال عطاء وغيره، فهو في حالة مزاولته الزنا، يرتفع عنه الإيمان حتى يصبح كالظلة فوق رأسه، لكنه ما خرج من دائرة الإسلام، فالإسلام دائرة واسعة، وداخلها دائرة الإيمان، وداخل دائرة الإيمان دائرة الإحسان، فكل محسن مؤمن، وكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن، وليس كل مؤمن محسن فليعلم ذلك.

الرد على الخوارج والمعتزلة

الرد على الخوارج والمعتزلة والدليل على أن صاحب الكبيرة لا يكفر، قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] وقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. والدليل أيضاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يُصَلَّى في عهده على المرجوم الزاني، وشارب الخمر، والسارق، ولم يخرجهم من الملة، وكانوا يدفنون في مقابر المسلمين، فليعلم ذلك. وأيضاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوتي بشارب الخمر، فجلده أمام الناس، فقال رجل: أخزاه الله -أي: شارب الخمر- ما أكثر ما يؤتى به، وقيل: لعنه، فقال عليه الصلاة والسلام: {لا تلعنه! فوالذي نفسي بيده إني لأعلم أنه يحب الله ورسوله} فهو لا يزال مسلماً.

توحيد الربوبية

توحيد الربوبية المسألة الثالثة: توحيد الربوبية. وهذا القسم من أقسام التوحيد قد أقر به المشركون، ومن أقر بتوحيد الربوبية، ونفى توحيد الألوهية، فلن ينفعه ذلك عند الله، بل فرعون اللعين عليه لعنة الله أقر بتوحيد الربوبية.

تعريف توحيد الربوبية

تعريف توحيد الربوبية وتوحيد الربوبية: هو اعتقاد أن الله خالق، ورازق، ومصرف الكون، ومدبره، فهذا أقر به المشركون وفرعون، قال موسى عليه السلام لفرعون: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102]. يقول: يا لعين! يا خسيس! أنت تعلم أنه ما أنزل الآيات، وما أنزل هذا الكلام، وما بنى هذه السماء والأرض إلا رب السماوات والأرض، ولكنك جحدت، وهذا صحيح، وقد أنكر فرعون الصانع، وأنكر توحيد الربوبية في الظاهر لكنه في الباطن يدري، ولذلك يقول لقومه: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51].

إقرار مشركي قريش بتوحيد الربوبية

إقرار مشركي قريش بتوحيد الربوبية المشركون، ومنهم: أبو جهل وأبو لهب وأمية بن خلف وأمثالهم وأشكالهم وأضرابهم، أقروا بتوحيد الربوبية، ولكن أنكروا توحيد الألوهية، قال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] فهم يدرون أن الله خلق السماوات والأرض، ولكن أنكروا توحيد الألوهية. إذا علم هذا؛ فمن اعتقد أن الله خالق ورازق، ولم يعبد الله، ولم يوحده بالعبادة؛ فهو من أهل النار. وأحمد زكي هذا الرجل، محرر مجلة العربي وقد هلك منذ زمن، له كتاب من آيات الله في السماء، أثبت بها توحيد الربوبية، وقال: هو الذي دعت إليه الرسل، وقد كذب على الله، فالرسل دعت إلى توحيد الألوهية مع توحيد الربوبية.

توحيد الألوهية

توحيد الألوهية المسألة: الرابعة: توحيد الألوهية. وهو: إفراد الله بالعبادة، وأن يوحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولا يصرف لغيره شيء من العبادة، فمن فعل ذلك فقد أشرك، وهو الذي دعت إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، كل واحد منهم يقول لقومه: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون:32] فكلهم أتى بهذه الكلمة، وهو توحيد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ * بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66] وقال سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] وقال سبحانه: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] وقال عز من قائل: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [فصلت:6]. إذا علم هذا، فتوحيد الألوهية؛ هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو: إفراد الله بالعبادة، ولا يشرك معه غيره تبارك وتعالى.

توحيد الأسماء والصفات

توحيد الأسماء والصفات المسألة الخامسة: الاقرار لله بالأسماء والصفات.

معنى توحيد الأسماء والصفات

معنى توحيد الأسماء والصفات نقر لله عز وجل بالأسماء والصفات، التي أتت في السنة الصحيحة، ونعتقد أن له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى صفات تليق بجلاله، لا نكيفها، ولا نمثلها، ولا نحرف، ولا نعطل وإنما نثبت له الصفة التي أثبتها هو لنفسه تبارك وتعالى، وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم، كصفة اليد نقول: لله يد تليق بجلاله، بلا كيف، ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، ولا تشبه أيدي المخلوقين، لكن نثبت له يداً تليق بجلاله، وكالعين، والاستواء، والكلام، والمشيئة، وكل الصفات التي وردت في الكتاب والسنة هذا هو المعتقد.

موقف أهل البدع من توحيد الأسماء والصفات

موقف أهل البدع من توحيد الأسماء والصفات ولا نقول كما قالت الأشاعرة، الذين أثبتوا سبع صفات، ونفوا بقية الصفات، فقد أخطئوا وابتدعوا. ولا نقول كما قالت الجهمية، الذين نفوا الأسماء والصفات، فقد أخطئوا وابتدعوا. ولا نقول كما قالت المعتزلة، الذين أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات، فقد أخطئوا وابتدعوا، بل نقول كما قال أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام في الأسماء والصفات: نثبتها كما أثبتها الله لنفسه، بلا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف ذلك الدين الخالص كما قال الشافعي: آمنت وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الرؤية

الرؤية المسألة السادسة: الرؤية. يثبت أهل السنة والجماعة إن الله عز وجل يرى في الآخرة تبارك وتعالى، يراه المؤمنون بعيونهم زيادة في النعيم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن المعرضين: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] فلما حجب أهل المعصية والإعراض والفجور، دلل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بمفهوم المخالفة أن المؤمنين يرونه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامُّون في رؤيته -أو لا تضارون في رؤيته-}. فنقول: يُرى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يراه المؤمنون وهي الزيادة في القرآن، كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد فسرت في الحديث بالنظر إلى وجهه الكريم، فنسأل الله أن يرينا وجهه في جنة عرضها السماوات والأرض، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة.

موقف أهل البدع في إثبات الرؤية

موقف أهل البدع في إثبات الرؤية وذهبت المعتزلة إلى أنه لا يرى سبحانه لا في الدنيا ولا في الآخرة، وذهب غلاة الصوفية إلى أنه يرى في الدنيا وفي الآخرة، فأخطأ الفريقان، وأصاب أهل السنة، فقالوا: لا يرى في الدنيا تبارك وتعالى، ويرى في الآخرة، والله يقول في سورة الأعراف لموسى: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:143]. قال ابن مالك في الألفية: ومن رأى النفي بلن مؤبدا فقوله اردد وسواه فاعضدا إذاً: فالله يُرَى في الآخرة، يراه المؤمنون، ويحجب عنه الكافرون.

مقتل الجعد بن درهم

مقتل الجعد بن درهم أقول: وقد كلم الله موسى تكليماً، واتخذ إبراهيم خليلاً، وقد أنكر ذلك الجعد بن درهم المبتدع الضال المنحرف، أنكر أن الله كلم موسى تكليماً، وقال: لم يتخذ الله إبراهيم خليلاً، فأتى خالد بن عبد الله القسري أمير العراق، فأخذ سكيناً يوم عيد الأضحى، والجعد مربط بالحبال عند أساس المنبر، فخطب الناس خالد، وقال: يا أيها الناس! إن الجعد زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، فضحوا تقبل الله منا ومنكم، فإني مضح بـ الجعد بن درهم، فذبحه كما تذبح الشاة. قال ابن القيم ممجداً وشاكراً خالد القسري. ولأجل ذا ضحى خالد بـ الجعد يوم ذبائح القربان إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان يقول: شكر الله لك، ولله درك هذا الذبح وهذا القربان، الذي تقربت بدمه إلى الله، فمعتقد أهل السنة أن الله كلم موسى تكليماً، ولم يكلم أحداً من الناس، وإنما المكلم موسى عليه السلام، وقالت الأشاعرة في مقولة لهم: خلق الله الكلام في الشجرة، فسمعه، تعالى الله!! بل كلمه الله عز وجل كلاماً معروفاً يعرفه الناس.

القرآن كلام الله

القرآن كلام الله المسألة السابعة: القرآن.

القرآن عند الجهمية

القرآن عند الجهمية ونقول وهو معتقد أهل السنة والجماعة: القرآن كلام الله عز وجل، وليس بمخلوق، والكلام صفة من صفات الله، قديم النوع، حادث الآحاد، فالله متكلم بما شاء وكيف شاء، ومتى شاء، ويتكلم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ومن كلامه: القرآن، وقد أنكر ذلك الجهمية وقالوا: القرآن مخلوق وليس بصفة، وكذبوا لعمر الله!! والله يقول: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] فقام الإمام أحمد في وجوههم، وقد أنكر ذلك المأمون وزعم أن القرآن مخلوق!! وقامت فتنة القول بخلق القرآن؛ فتصدى لها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وبيض الله وجهه {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106].

نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم

نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم أنزل الله القرآن على قلب محمد صلى الله عليه وسلم {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:194 - 195] نزل منجماً، وهو في اللوح المحفوظ، من الله بدأ وإليه يعود، متعبد بتلاوته، معجز في لفظه ومعناه، فتعالى الله من أنزله ومن تكلم به، قال تعالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] وقال: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت:3] وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:29]. من معتقدنا وهذه أهم من فرعيات العبادة، وأهم من كل موضوع، وأجل من كل مسألة، فهذا هو علم أصل الأصول، الذي ينبغي للعبد أن يكرر هذه المسائل، وأن يستمعها كثيراً، وأن يعتقدها، وأن يسأل عنها؛ حتى يثبته الله بالقول الثابت.

الاستواء

الاستواء المسألة الثامنة: الاستواء. نقول: إن الله مستوٍ على عرشه -تبارك الله- استواءً يليق بجلاله فوق سماواته، بائن من خلقه، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، تعالى الله.

معنى الاستواء عند الخرافيين

معنى الاستواء عند الخرافيين وقد قال أهل الحلول عليهم من الله ما يستحقونه: إن الله قد يحل في أحد الناس. وأتى غلاة الصوفية المعرضون عن الله عز وجل، فيقول أحد شيوخهم: ما في الجُبة إلا الله!! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. ويقولون: إذا صفا أحدهم وتنزه، وأصبح في منزلة، حلَّ الله فيه، تعالى الله علواً كبيراً! وأتى أهل الاتحاد كـ ابن عربي وابن سبعين عليهم من الله ما يستحقونه، فقالوا: اتحد الله في مخلوقاته، فاتحد بالشجر، والحجر، والجبال، والإنسان، والحيوان، والطيور، والحشرات، وقالوا: ما في الدنيا إلا هو، وهو في الكائنات متحد -تعالى الله- {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} [الكهف:5] فالله على العرش استوى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] وهو معنا بعلمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وبمراقبته {لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] يسمع دبيب النمل، في حندس الليل، على الصفا السوداء، في الليلة الظلماء. يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل ويرى نياط عروقها في نحرها والمخ في تلك العظام النحل اغفر لعبد تاب من زلاته ما كان منه في الزمان الأول

معنى المعية عند أهل السنة

معنى المعية عند أهل السنة فهو معنا بعلمه، ومعيته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لأوليائه المؤمنين بالتأييد والنصرة، قال سبحانه عن صاحب الغار صلى الله عليه وسلم، وعن صاحبه: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] وقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:7] أي: بعلمه {وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة:7] أي: بعلمه {وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة:7] يعني: بعلمه {أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7] فالقلوب تلهج إلى فاطرها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وباريها، والقلوب تتجه إلى العلو {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10].

النزول إلى السماء الدنيا

النزول إلى السماء الدنيا المسألة التاسعة: النزول إلى السماء الدينا. فقد ثبت في الصحيحين {ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل} {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام:18] هذا معتقد أهل السنة والجماعة. فالله ينزل إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، نزولاً يليق بجلاله، {فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟} فله نزول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يليق بجلاله، دل على ذلك الحديث في الصحيحين من رواية أبي هريرة.

الإيمان بالملائكة

الإيمان بالملائكة المسألة العاشرة: الإيمان بالملائكة. نقول: ونؤمن بأن لله ملائكة، سمى الله بعضهم في القرآن كجبريل وميكال، ولم يسمِ بعضهم، فنؤمن بمن سمى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وبمن لم يسم، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285]. أما من قال: عزرائيل ملك الموت، فما سمعت في الكتاب ولا في السنة الصحيحة أن اسمه عزرائيل، وإنما سماه الله ملك الموت، وإسرافيل ورد بهذا الاسم، فمن سمى الله من الملائكة نؤمن به تفصيلاً، ومن لم يسم نؤمن به إجمالاً، فالملائكة فيهم حفظة، وموكل بالقبر، وفيهم موكل بالتعقيب على الناس {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] وصنف منهم موكل بقبض الأرواح، فنؤمن بالجميع على التفصيل والإجمال، ومن لم يؤمن بذلك بعد أن سمع البينة فقد كفر.

الإيمان بالكتب

الإيمان بالكتب المسألة الحادية عشر: الإيمان بالكبت المنزلة. فنؤمن بكتبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ} [البقرة:285] وقد سمى الله منها: الزبور لداود، والتوراة لموسى، والإنجيل لعيسى، والقرآن لمحمد عليهم الصلاة والسلام فنؤمن بما سمى وبما لم يسم. ونقول: هناك كتب ما سماها الله، نؤمن بها ولكن ذكرها الله بالإجمال، وعند ابن ماجة عن الحسن البصري: إن الله أنزل مائة وأربعة كتب، فنؤمن بجميع كتب الله التي أنزلها الله على رسله، ومن كفر بشيء منها، فقد كفر بالله العظيم.

الإيمان بالرسل

الإيمان بالرسل المسأله الثانية عشر: الإيمان بالرسل. فنؤمن برسل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنهم كثير؛ وقد سمى الله لنا بعضهم. قال بعض العلماء: سمي خمسة وعشرون نبياً ورسولاً، لكن من سمى الله نؤمن به، ومن لم يسم {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ} [النساء:164] فمن قص الله نؤمن به، كنوح، وإبراهيم، وإدريس، وإسماعيل، وذا الكفل، ولوط، ويونس، وسليمان، وداود، وعيسى، وموسى، ومحمد وكثير ممن سمى الله، وبعض الناس يقول: هم مائة وأربعة وعشرون ألف، لحديث أبي ذر ولكن تكلم في الحديث، على كل حال، سواء عرفنا عددهم أو لم نعرف عددهم، فنقول: آمنا برسل الله من سمى ومن لم يسمِ إجمالاً وتفصيلاً.

الإيمان باليوم الآخر

الإيمان باليوم الآخر المسألة الثالثة عشر: الإيمان بالبعث والحساب. نؤمن بأن الله سوف يبعث من في القبور، وأنه سوف يحاسبهم ليوم لا ريب فيه، قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94] وقال سبحانه: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:94 - 95] وقال سبحانه: {فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:51 - 52] وقال سبحانه: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9 - 10] فمعتقدنا أن الله سوف يبعثنا من القبور ليحاسبنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فلا إله إلا الله من يوم ما أرهبه! ولا إله إلا الله من يوم ما أرعبه! ولا إله إلا الله من نهار ما أشده! نسأل الله أن يسهله علينا وعليكم.

الإيمان بالقدر

الإيمان بالقدر المسألة الرابعة عشر: الإيمان بالقضاء والقدر. القضاء والقدر حق، فلا يقع شيء في العالم إلا بعلم، وإرادة، ومشيئة، وقدرة الله تعالى، قال سبحانه: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] ومن أنكر القضاء والقدر فقد كفر، وقال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] وقال: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157]. وقال عليه الصلاة والسلام كما ثبت ذلك في صحيح مسلم: {احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل} وفي لفظ: {قدَر الله وما شاء فعل} وعند الترمذي بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} وفي لفظ صحيح: {واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك} وفي حديث جبريل الصحيح أن الإيمان: {أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخرة، وتؤمن بالبعث بعد الموت، وتؤمن بالقضاء والقدر حلوه ومره} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فهذا معتقد أهل السنة والجماعة يؤمنون بقضاء الله، وإذا حدثت لهم مصيبة قالوا: قدر الله وما شاء فعل، وقالوا: هذا بكتاب من الله، وهذا قضاء الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الإيمان بفتنة القبر

الإيمان بفتنة القبر المسألة الخامسة عشر: الإيمان بنعيم القبر وعذابه. نعيم القبر وعذابه ومساءلته حق نعتقد بذلك، ونسأل الله أن يجعل قبورنا وقبوركم رياضاً من رياض الجنة. ومن كلام الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي في معتقده. والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار} وصح عنه صلى الله عليه وسلم كما في حديث البراء عند أبي داود في مسائلة الميت، وصح عنه صلى الله عليه وسلم عند البخاري من حديث أسماء أن المنافق أو المرتاب إذا سئل يقول: {هاه هاه لا أدري؛ فيضرب بمرزبة} وأما المؤمن، فيصدق بالله رباً، وبمحمد نبياً، وبالإسلام ديناً، وذلك مصداق قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. وقال سبحانه في عذاب القبر: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100] استدل بها عند بعض المفسرين على عذاب القبر، قال سبحانه: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] والمعنى: يعرضون عليها غدواً وعشياً قبل قيام الساعة وهو عذاب القبر، ومن لا يؤمن بعذاب القبر فلا يقبل الله منه إيماناً ولا يكلمه ولا ينظر إليه وله عذاب أليم، والإنسان من يوم يموت إما منعم أو معذب والله يتولى السرائر، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن الرسول عليه الصلاة والسلام مَرَّ على قبرين فسمعهما يعذبان، فأخذ جريدة خضراء فشقها، وجعل على كل قبر شق، وقال: {إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير! أما أحدهما: فكان يمشي بالنميمة في الناس، وأما الآخر: فكان لا يستتر من البول} أي: لا يتنزه ولا يتنقى ولا يتطهر، وفي لفظ: {أرجو أن يخفف عنهما ما لم ييبسا أو تيبسا} أي: هذا الشق الأخضر من العصا.

الميزان

الميزان المسألة السادسة عشر: الإيمان بالميزان. نعتقد اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الميزان ينصبه الله يوم القيامة للأعمال، وأنه الحاكم، وأن الأعمال الصالحة توضع في كفة، والسيئة توضع في كفة، كما صحت بها الأحاديث، وأتت بها الآيات، قال الله تبارك وتعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] فلا إله إلا الله ما أدق الحساب! ولا إله إلا الله ما أصعبه على من نوقش! وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من نوقش الحساب عذب أو هلك} فنسأل الله أن ييسر ويخففه علينا، وأن يأخذنا برحمته ولطفه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقال سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:6 - 9] فعلم أن هناك ميزان له كفتان توضع الحسنات في كفة، والسيئات في كفة، فمن مالت حسناته بسيئاته فهنيئاً له، وطوبى وكرامة له، ومن مالت سيئاته بحسناته فخسارة وندامة له، نسأل الله العافية والسلامة.

الإيمان بنشر الصحف

الإيمان بنشر الصحف المسألة السابعة عشر: الإيمان بالصحف التي توزع يوم القيامة. ومن معتقدنا أن هناك صحفاً توزع على الناس، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله، نسأل الله أن يسلمنا وإياكم صحفنا بأيماننا، قال سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:20 - 23] وقال سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:7 - 8] وقال سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:25 - 32]. فهذا معتقد لا بد أن يعتقده المسلم حتى يلقى الله.

الصراط

الصراط المسألة الثامنة عشر: الإيمان بالصراط. ونقول: هناك صراط مده الله على متن جهنم -نسأل الله أن يسهل مرورنا عليه- أحد من السيف، وأدق من الشعرة، يمر عليه الناس بحسب الأعمال، فمار كلمح البرق، وكلمح الطرف، ومار كالريح، وكالجواد المسرع، ويسير أو يسعى أو يمشي، ويحبو أو مكردس على وجهه في النار، فعلى حسب الأعمال لا بد منه، والأنبياء والرسل بجنباته، كلٌّ يقول: اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم.

الحوض

الحوض المسألة التاسعة عشر: الإيمان بالحوض. من مسائل أهل السنة والجماعة: اعتقاد وتصديق أن هناك حوضاً جعله الله في عرصات القيامة، قيل: هو الكوثر للرسول عليه الصلاة والسلام، وقيل: غيره، والدليل على ذلك قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر:1 - 3] طول الحوض شهر، وعرضه شهر، وفي بعض الأحاديث: مثل ما بين صنعاء في اليمن إلى أيلة أي: بيت المقدس في فلسطين، ماؤه: أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وعدد أكوابه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لا يضمأ بعدها أبداً، يرده المؤمنون، ويصرف عنه المعرضون، والرسول عليه الصلاة والسلام إذا رأى بعض أمته يصرفون، يقول: {يارب! يارب! أمتي أمتي: فيقال له: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك، فيقول: سحقاً سحقاً} أي: هلاكاً هلاكاً، ويشربه أتباعه عليه الصلاة والسلام في سنته، المقتدون به في سيرته، عليه صلاة الله وسلامه.

الموحد لا يخلد في النار

الموحد لا يخلد في النار المسألة العشرون: الموحد لا يخلد في النار. لا يخلد أحد من المؤمنين الموحدين في النار، قد يدخلها بعض أهل القبلة بذنوب وكبائر لكن لا يخلدون، وقد كذب الخوارج والمعتزلة في قولهم بتخليد الموحدين العصاة، بل الموحد لا يخلد في النار، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان} فدل على أنه يدخل النار، ولا يخلد فيها ويخرج منها؛ لأنه موحد، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة ولابد أن يعرف.

الشفاعة

الشفاعة المسألة الواحدة والعشرون: الشفاعة. الشفاعة حق لمن أذن الله له بالشفاعة، ولمن رضي أن يشفع له، ولرسولنا صلى الله عليه وسلم شفاعات، قال سبحانه: {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ:23] وقال سبحانه: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى} [الأنبياء:28] وقال سبحانه: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] وقال تقدس اسمه: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم:26].

شروط الشفاعة

شروط الشفاعة ويشفع الشافع بشرطين: أولها: أن يأذن الله لهذا الشافع، من نبي، أو ولي، أو رجل صالح، في أن يشفع عنده، على خلاف سلاطين الدنيا فإنه لا يشترط عندهم هذا الشرط، فقد يشفع الشافع بغير إذنهم. ثانيها: أن يرضى تبارك وتعالى عن المشفوع فيه، فيأذن ويرضى عنه فيشفع له.

أنواع الشفاعة

أنواع الشفاعة ولرسولنا عليه الصلاة والسلام شفاعات، والأنبياء يشفعون، أما الشفاعة الكبرى فهي خاصة لرسولنا عليه الصلاة والسلام، يوم يقول كل واحد من أولي العزم: نفسي نفسي، ويأتي الناس إلى رسولنا عليه الصلاة والسلام، فيقول: أنا لها -فهو المقام المحمود- فيسجد تحت العرش، وينهال بثناء عظيم على الله لا يتذكره في الدنيا، فيقول الله له: {ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع} قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي: واستشفع الناس بأهل العزم في إراحة العباد من ذا الموقف وليس فيهم من رسول مالها حتى يقول المصطفى أنا لها ثم يشفع الأنبياء، ثم يشفع الأولياء، ومنهم يشفع في اثنين، ومنهم من يشفع في أهل بيته إذا كانوا مسلمين.

الشهادة للمعين بالجنة أو النار

الشهادة للمعين بالجنة أو النار المسألة الثانية والعشرون: الشهادة لأشخاص بالجنة. ونشهد بالجنة لمن شهد له رسول الله عليه الصلاة والسلام، كالعشرة المبشرين بالجنة، فنشهد أن أبا بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وأبو عبيدة وثابت بن قيس بن شماس، كلهم في الجنة رضوان الله عليهم، ومن ذكره عليه الصلاة والسلام. وذكر ابن تيمية مسألة أخرى، هل من اشتهرت عدالته وجلالته وإمامته يشهد له بالجنة ولو لم يأت نص بذلك؟ قال: لأهل العلم قولان: منهم من يقول: لا، حتى يأتي نص، ومنهم من قال: نشهد له بالجنة كالإمام أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة، واستدلوا بحديث الجنازة التي شهدوا لها بالخير، فقال عليه الصلاة والسلام: {وجبت وجبت وجبت} وقال للثانية التي شهدوا لها بالشر {وجبت وجبت وجبت} فقال: في الأولى {تلك شُهد لها بالخير، فقلت: وجبت لها الجنة، وهذه أثني عليها سوءً فقلت: ولها النار، أنتم شهداء الله في أرضه}.

أفضل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم

أفضل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم المسألة الثالثة والعشرون: أفضل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم. وأفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، فـ أبو بكر أفضل الناس بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد صح في فضله أحاديث، كقوله صلى الله عليه وسلم: {لو كنت متخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر؛ ولكن صاحبكم خليل الرحمن} وكقوله عليه الصلاة والسلام، عند الترمذي من حديث حذيفة: {اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر} واستفاضة عدالته رضي الله عنه وأرضاه، وتقديم الصحابة له بالخلافة والإمامة والجلالة، وكذلك تخليفه بعد الرسول عليه الصلاة والسلام في الصلاة، وأمره صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالناس في مرض موته عليه الصلاة والسلام ثم عمر بن الخطاب لجلالته، ولذكره عليه الصلاة والسلام له بالأحاديث المشهورة، فـ عثمان لقول ابن عمر في الصحيحين [[كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر فـ عمر فـ عثمان]] ثم علي بن أبي طالب أبو الحسن رابعهم في الفضل وفي الخلافة، وننزله منزلته التي أنزله الله فيها، فلا نفعل ما فعلت الشيعة، ولا نفعل ما فعلت النواصب، فـ الشيعة غالوا فيه حتى إن من فرقهم من جعلته إلهاً تعالى الله، ومن النواصب من غلوا في بغضه حتى لعنوه رضي الله عنه وأرضاه، بل نحبه ونتولاه وننزله في المنزلة التي أنزله الله ورسوله فيها رضي الله عنه، وعن سائر صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام.

حكم إتيان الكهان والعرافين

حكم إتيان الكهان والعرافين المسألة الرابعة والعشرون: إتيان العراف أو الكاهن. إن من معتقد أهل السنة أنه {من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد} وهؤلاء هم الذي يدعون علم الغيب، أما ما سلف أو ما استقبل من الزمان، ويستخدمون الجن، فمن أتى إليهم مصدقاً لهم وطالباً النفع منهم، أو دفع الضر منهم، فقد كفر بالكتاب والسنة، وبما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح عند مسلم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال: {من أتى عرافاً أو كاهناً لم تقبل منه صلاة أربعين يوماً} فليعلم ذلك.

التمائم

التمائم المسألة الخامسة والعشرون: التمائم. التمائم: من خيوط أو حلق أو حديد، من علقها معتقداً فيها جلب النفع أو دفع الضر، فقد أشرك، واستثنى بعض العلماء ما علق من آيات قرآنية، والصحيح: المنع سداً لذريعة الشرك، وسداً لباب الشرك، وغلقاً لهذه الفتنة فـ {من تعلق بتميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق بشيء يمنعه من الواهنة ما زادته إلا وهناً} ومن تعلق عليه خيطاً خلط عليه أمره، ومن تعلق حديداً ليدفع عنه أو يقرب له النفع حبسه الله في حديد نار جنهم، فلا ينفع ولا يدفع ولا يرزق ولا يعافي ولا يشافي ولا يحيي ولا يميت إلا الله، {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ حصين بن عبيد الخزاعي {كم تعبد؟ قال: سبعة، قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: من لرغبك ولرهبك؟ قال: الذي في السماء، قال: فاترك الذي في الأرض واعبد الذي في السماء}.

السحر

السحر المسألة السادسة والعشرون: السحر. الساحر ملعون، وحده القتل بالسيف، فمن سحر أو تعلم السحر فقد كفر عند كثير من الأئمة وارتكب مكفراً، وعند البعض ارتكب كبيرة من السبع الموبقات، نسأل الله العافية والسلامة. وقال كثير من العلماء: تعلم السحر حرام، ولو للنشرة عن المسحور، وإنما ينشر عن المسحور بما ورد في السنة، بأن يأخذ سبع ورق من السدر -ذكر ذلك ابن حجر في الفتح وغيره من العلماء في باب النشرة- فيسحقها مع الماء ويقرأ القواقل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ثلاثاً {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] ثلاثاً {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] ثلاثاً ثم يغتسل بهذا الماء ويستشفي ويقرأ القرآن، ولا يطلب حله من كاهن، أو عراف، أو ساحر، فإن فعل ذلك فقد أساء وظلم نفسه.

موقف أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة

موقف أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة المسألة السابعة والعشرون: عدم الخوض فيما دار بين الصحابة. فلا نخوض فيما شجر بينهم، بل نتولاهم جميعاً رضي الله عنهم، ونترضى عنهم، ونكف عما شجر بينهم، ولا نخوض بألسنتنا في المجالس، ولا نحمل لهم ضغينة، قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] فنترضى عنهم جميعاً، ونستغفر الله لنا ولهم، ونقول: ما شجر بينهم بقضاء وقدر، كما حدث بين علي في الجمل وبين الزبير وطلحة وعائشة ونقول: اجتهدوا وكلُّ واحد مأجور في ذلك، من أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد. سئل عامر الشعبي لماذا التقى الصحابة بعضهم ببعض في صفين ولم يفر بعضهم من بعض؟ فقال: أصحاب الجنة التقوا فاستحيا بعضهم أن يفر من بعض. وسئل عمر بن عبد العزيز عن ما وقع بين الصحابة من فتن وحوادث وحروب، قال: [[تلك أمور سلم الله منها سيوفنا من دمائهم، فلماذا لا نسلم ألسنتنا من الخوض فيها]] ومن فعل ذلك، واستوشى الأخبار في المجالس، وبثها، فهي علامة النفاق. ومن كره معاوية بن أبي سفيان فهذه علامة النفاق، فهو خال المؤمنين وعلي أفضل منه، والحق مع علي بن أبي طالب أبا الحسن ومعاوية مؤمن بالله، ومن كتبة الوحي، ومن أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن أبغض الأنصار فهو من علامة النفاق، قال عليه الصلاة والسلام: {آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار} وقال عليه الصلاة والسلام: {لا يحب الأنصار إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق}.

المسح على الخفين

المسح على الخفين ونعتقد في جزئية فرعية من الفقه الإسلامي، أن المسح على الخفين سنة، لأنه خالفنا فيه بعض الطوائف، فأنكروه. قال الإمام أحمد: روي المسح على الخفين عن سبعين من أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام. هذا أيها المسلمون ملخص لمعتقد أهل السنة والجماعة، بعنوان عقيدتنا، اقترحه بعض الإخوة علي، فأسأل الله أن يرحم عبداً أعان على نشر هذا الشريط، أو وزعه؛ لأنه ملخص لمعتقد أهل السنة والجماعة حرصت أن يكون ميسراً ومقرباً، مأخوذاً بأساليب شيخ الإسلام ابن تيمية عله أن ينفع في كثير من الأماكن، وعند كثير من طلبة العلم، والبيوت، والقرى، والبوادي، لأن العقيدة أهم شيء في حياة الإنسان، ويوم يلقى العبد ربه بهذه العقيدة يلقاه بقلب سليم {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:89] ويلقاه مبيض الوجه {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:106 - 107].

عقيدتنا إجمالا

عقيدتنا إجمالاً أيها المسلمون: هذه سبع وعشرون مسألة أعود بتلخيصها رءوس أقلام لتلخص لنا ما مر من درس: نقول: عقيدتنا: الإيمان: قول وعمل واعتقاد ينقص ويزيد، وصاحب الكبيرة تحت المشيئة ولا يكفر بارتكابها ما لم يستحلها. وتوحيد الربوبية أقر به المشركون ولكنهم نفوا توحيد الألوهية. وتوحيد الألوهية هو إفراد الله بالعبادة وهو الذي بعث به الرسل. أسماء الله وصفاته نقر بها ونعتقدها على ما أتت في الكتاب والسنة، بلا تكييف ولا تمثيل، ولا تعطيل ولا تحريف. والله عز وجل يُرَى في الآخرة، يراه المؤمنون ويحجب عنه الكافرون. والقرآن كلام الله ليس بمخلوق، منه بدأ وإليه يعود. والله مستوي على عرشه، بائن من خلقه، ليس في خلقه شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من خلقه، استواءً يليق بجلاله على عرشه تبارك وتعالى. والله ينزل إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، نزولاً يليق بجلاله. ونؤمن بأن لله ملائكة سمى بعضهم ولم يسم البعض. ونؤمن بكتب الله سمى بعضها ولم يسم البعض. ونؤمن برسل الله الذي سمى والذي لم يسم تبارك وتعالى. ونؤمن بأن الله يبعث من في القبور ويحاسبهم. ونؤمن بالقضاء والقدر، وأنه لا يقع شيء في العالم إلا بعلم الله، وبإرادة الله، وبمشيئة الله، وإذن الله. ونؤمن بأن نعيم القبر حق، وأن عذاب القبر حق، ومساءلة القبر حق، وأن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. ونؤمن بأن الميزان ينصبه الله لوزن الأعمال يوم القيامة وقد مرت الأدلة. ونؤمن بأن الصحف يعطاها الناس بحسب أعمالهم، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ بشماله، وقد دلت عليه النصوص. ونؤمن بأن الصراط على متن جهنم يمر عليه الناس بحسب أعمالهم. ونؤمن بأن الحوض المورود يشرب منه المؤمنون، ويحرمه المعرضون فلا يشربون منه. ونؤمن بأنه لا يخلد أحد من المؤمنين الموحدين في النار، بل يخرجون بحسب إيمانهم فلا يخلدون. ونؤمن بأن الشفاعة حق، وأن الله يقبل الشفاعة لمن أذن أن يشفع، ولمن رضي أن يشفع فيه. ونؤمن بأن الجنة حق ونشهد بها لمن شهد بها الرسول صلى الله عليه وسلم له. ونؤمن ونقول: إن أفضل الأمة بعد نبيها: أبو بكر فـ عمر فـ عثمان فـ علي ثم المؤمنون على منازلهم في الإيمان. ونؤمن بأن من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد، وأن من أتاه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً. والتمائم من خيوط أو حلق أو حديد وغيرها من علقها واعتقد نفعها أو أنها تضر فقد أشرك. وكذلك من ذبح لغير الله، ومن أقسم بغير الله، ومن أتى قبر صالح أو ولي أو غيره، فتبرك به، ليرفع حوائجه إلى الله فقد أشرك. وكذلك من جعل طاغوتاً من الناس حاكماً، فأحبه ووالاه، وأخذ كلامه شرعاً من دون شرع الله، فقد أشرك. ومن صرف الولاء والبراء لغير الله من طاغوت بشري، أو هيئة، أو جهة، أو مقصد، أو محب من غير الله فقد أشرك. ونقول: إن صور الطاغوت كثيرة، قد يكون في إنسان، أو هيئة، أو جهة، أو حجر، أو حب يحب به غير الله تبارك وتعالى. ونقول الساحر ملعون، حده القتل بالسيف، وتعلم السحر وطلبه حرام. ونقول في الأخير: لا نخوض فيما شجر بين الصحابة، بل نترضى عنهم ونسأل الله أن يجمعنا بهم في دار الكرامة. {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ} [آل عمران:193] وقد انتهى هذا الدرس بعنوان (عقيدتنا) وهو ملخص لما كتبه علماء أهل السنة، إن كان من صواب فمن الله، وإن كان من خطأ فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

حكم الجمعية الشهرية

حكم الجمعية الشهرية Q حكم الجمعية التي يفعلها كثير من الناس، يجتمع مجموعة من الأساتذة والموظفين فيجتمع راتبهم كل شهر، ثم يدور على البقية، فهل هذا جائز؟ A قال سماحة الشيخ هذا محرم؛ لأنه قرض وشرط ولم يستدل بالحديث؛ لأنه يقول إنه ضعيف، لكن معناه مجمع عليه حديث {كل قرض جر نفعاً فهو ربا} ضعيف، لكن معناه مجمع عليه، بل قال: قرض وشرط، فقال: بالتحريم.

حكم التمثيل

حكم التمثيل Q سألنا سماحته: عن التمثيل الذي يزاوله كثير من الشباب في المراكز الصيفية والمخيمات؟ A قال: محرم، لأنه مبني على الكذب.

العروضات الشعبية

العروضات الشعبية Q وسألناه وفقه الله: عن العروضات الشعبية التي يزاولها القبائل؟ A قال: لا يجوز أن تكون بدف، أو طبل، أو نحوها، لحديث عند أحمد في المسند، وإنما يجوز أن تكون بالحراب، وبالسلاح، عرضات حربية بلا دف ولا طبل كما فعل الحبشة عنده صلى الله عليه وسلم. هذه بعض المسائل التي عرضت عليه، وفي أوقات أخرى نعرض بعض المسائل التي عرضت عليه، ثبتنا الله وإياه بالقول الثابت.

بعض الأبيات المنسوبة للشافعي

بعض الأبيات المنسوبة للشافعي Q أرجو أن تبدي رأيك في قول الشافعي رحمه الله في هذين البيتين، وهل في ذلك تعارض مع قول الله تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12] أو ما شابهها، قال الشافعي: لا يكن ظنك إلا سيئاً إن سوء الظن من أقوى الفطن ما رمى الإنسان في مهلكة غير حسن الظن والقول الحسن فما رأيكم؟ A أولاً: صحة هذه الأبيات للشافعي ليست بصحيحة، وربما رآها الأخ في بعض ما نسب للشافعي، أقول لك: كثير من القصائد نسبت للشافعي ليست بصحيحة. ثانياً: ولو كانت صحيحة للشافعي فليس الشافعي معصوماً، بل يؤخذ من كلامه ويرد كما قال مالك: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب ذاك القبر، يعني: رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإذا أتى كلام لبشر وأتى كلام رب البشر، وبينهما تعارض جعلنا كلام رب البشر على العين وعلى الرأس، ورمينا بكلام البشر، بل ضربنا به عرض الحائط، كما قال الشافعي عن نفسه وأبو حنيفة ومالك وأحمد فإنهم طالبوا ألا يقلدوا في أقوالهم، وإذا عارضت أقوالهم قول الله، أو قول رسوله عليه الصلاة والسلام، فلا نلتفت إلى أقوالهم أبداً، سواءً في الأصول، أو الفروع، أو الآداب، أو السلوك. وبالمناسبة وأنا أذكر في العقيدة قد مر بعض الأبيات التي أساءت على العقيدة، لما أدخل بنا الأخ في بحر الشعر، ندخل معه في باب المعتقد عن قصائد لا يجوز الاستشهاد بها، ومن اعتقدها فقد كفر، كقول ابن هانيء الأندلسي وقد دخل على سلطان من السلاطين: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار فابتلاه الله بمرض، حتى كان ينبح كما ينبح الكلب على فراشه، ويقول هذا الشاعر: أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالق لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق وكما قال الشاعر القروي عليه من الله ما يستحقه، وإن كان مات عليها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، دخل دمشق وسط عاصفة من التصفيق مع القوميين فأخذ يقول: هبوا لي دينا يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم ثم يقول: فيا مرحباً كفراً يؤلف بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم ومنهم البرعي البدعي الغالي القبوري، وصل قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فوقف عند القبر، وقال: يا رسول الله -يناديه وهو في قبره صلى الله عليه وسلم- يقول: يا رسول الله يامن ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاماً فأقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاماً فقد أخطأ وأشرك. ومنها قول البوصيري في آخر البردة: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم إن لم تكن في قيامي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم القصيدة في أولها جميلة، ولكنه أساء في الأخير بكل إساءة. وقال أبو فراس ولا نستطيع أن نشركه ونجعله مشركاً بهذه الأبيات، ولكن ذكرت بذلك قول ابن القيم في بدائع الفوائد قال: أحسن هذا الشاعر في نظمه، وأساء في أن صرفها لمخلوق، يقول أبو فراس لـ سيف الدولة ابن حمدان: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب فنقول: أسأت كل الإساءة لما جعلتها لمخلوق، ولو أنك قلت للخالق هذه الأبيات لأحسنت كل الإحسان. وأورد ابن عساكر في تاريخه بيتين لم أرهما في ديوان المتنبي ذكرهما ابن كثير وغيره أن المتنبي يقول لـ سيف الدولة: يا من ألوذ به فيما أؤمله وأستعيذ به مما أحاذره لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره قال ابن كثير: وسمعت شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إني أدعو في سجودي بمضمون هذين البيتين. أي: يحول مضمون البيتين لله الواحد الأحد، فلا يعاذ إلا بالله، ولا يلاذ إلا بالله، ولا يجبر الكسير ولا يكسر الجابر إلا الله، ولا يعافي ولا يشافي ولا ينفع ولا يضر إلا الواحد الأحد.

مدح الكفار أو العجب بهم

مدح الكفار أو العجب بهم Q دار نقاش بين مجموعة من المدرسين عن المخترعات الحديثة، فقال أحد مدرسي اللغة الإنجليزية وبملء فيه: لو حملنا الأمريكيين على ظهورنا لم نكافئهم بما قدموا لنا من اختراعات، وأخذ يسرد لنا منجزات، فما كان من المدرسين إلا أن دخلوا في عاصفة من الضحك، ولم يتمعر وجه أحد منهم، وعندما عوتب على إعجابه بالكفار، قال: أقصد العلماء منهم الذين يمضون الساعات في الخنادق للبحث والتحليل، فما حكم ذلك، وأرجو توجيه وصية لهذا الأستاذ؟ A جعلك تحملهم على ظهرك حتى تلقى الله. أولاً: أقول لهذا الأستاذ: ما ينبغي لك أن تعجب بالكافر، قال سبحانه: {وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ} [التوبة:85] وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء:51 - 52] وقال سبحانه: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] لا تعجب بالكافر؛ لأن ثقافته وحضارته وإبداعه ظاهر في عالم المادة، وقد شاهر الله بالحرب، قال سبحانه: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] وقال سبحانه: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66]. وهذا الأستاذ على أحد نوعين من الناس: الأول: إما معاند معجب بالكفار ممسوخ مغسول الدماغ؛ لأن من الناس من درس هناك فمسخ وغسل دماغه، فأتى لا يتحدث إلا بثقافتهم، يصبح ويقول: أصبحنا وأصبحت أمريكا لله، وأمسينا وأمست أمريكا لله، إن حدثته عن تقدمنا وعن بلادنا، حدثك عن بلادهم، وإن حدثته عن شمسنا حدثك عن شمسهم. من بلادي يُطلب العلم ولا يطلب العلم من الغرب الغبي وبها مهبط وحي الله بل أرسل الله بها خير نبي قل هو الرحمن آمنا به واتبعنا هادياً من يثرب فنستتيب هذا، ونقول: عد إلى رشدك، فإنك قد غسلت تماماً، وينبغي لك أن تتشرف بأن تسير في موكب محمد عليه الصلاة والسلام، وأن تنتسب في سلسلة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع وأن تبتعد عن ريجن ونيكسون وجونسون وبوش وعن أضرابهم وأمثالهم، فقد أعلنوا العداء لله، ولا يعجبك ما قدموا من حضارة، فهذه قد يقدمها الإنسان المسلم والكافر. ونحن نقول: بما قدموا من حضارة التقصير منا وعلينا أن نفعل كما فعلوا، وأن نبني كما بنو، ولا نكتفي بما عندنا من دين، بل علينا أن نستعمر الأرض التي استعمرنا الله فيها {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60]. الثاني: إما أن يكون هذا الأستاذ جاهل، ولا يدري بمدلول هذه الكلمة، فكيف يحمل الكافر على ظهره، مسلم يصلي لله خمس مرات في اليوم والليلة، متوضئ عرف الله وعرف عبودية الله، ويحمل الخواجة الكلب على ظهره، هذا جاهل، فإن كان جاهلاً فليبصر، أما إخوانه الذين ضحكوا وما أنكروا فقد يكونون من زمرته، وقرص في طرف عجينة، فربما اشتركوا في الهوى، وكانوا إخوة في الهوى. ولذلك يقول العربي الأول: فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقين فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتها ولقلت بِيْنِ كذلك أجتوي من يجتويني قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ} [المجادلة:22] من أحب الكافر فقد حاد الله بموادته لهذا الكافر؛ نسأل الله العافية والسلامة {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:113]. حدثنا أحد الأساتذة بسند جيد، قال: حدثني شيخ لي أن الإنجليز لما دخلوا السودان البلد المسلم ونزلوا الخرطوم أتى إنجليزي بريطاني عليه من الله ما يستحقه، ومسك إشارة في المرور -كان رجل مرور- وكان هناك مسلم سوداني في قرية من القرى، ما رأى الكفار على وجهه، هذا المسلم السوداني كان من مصحفه إلى المسجد ومن المسجد إلى البيت، ومن البيت إلى المصحف لم يرى خواجة ولا سمع، يظن أن الكرة الأرضية كلها تسجد لله رب العالمين، لا يعرف أن في الدنيا كفرة ولا يدري أنه {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] وما يعلم وأنه {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] فأتت له حاجة أصيب بمرض، فنقل إلى مستشفى في الخرطوم فأدخل، فلما تشافى نزل، فرأى هذا الأحمر الأشقر المبرقع الإنجليزي وهو عند الإشارة. قال السوداني: ما هذا؟ قالوا: هذا إنجليزي، قال: ما معنى إنجليزي؟ قالوا: كافر قال: كافر بماذا؟ قالوا: يكفر بالله، قال: وهل في الدنيا أحد يكفر بالله! ثم أمسك بطنه وطرش وذهل، فهذا مربى على العقيدة. وأحدثكم عن طالب علم كان في قرية من قرى الجنوب، عاشوا على التوحيد والإيمان، فأتى بقصاصة ورق من كتاب الله جل جلاله لـ سعيد حوى، مكتوب في فصل من الفصول الدليل على وجود الله، وهذه مباحث بحثها أهل السنة، لكن هذا الرجل الذي في القرية الشيخ الكبير الذي عاش على العقيدة مثل الجبال يرى أنه ليس هناك داعي أن نكتب الدليل على وجود الله، فأتى ابنه بالورقة، قال أبوه: اقرأ علي يا بني ما عندك، قال: بسم الله الرحمن الرحيم. يقول: المؤلف رحمه الله: باب الدليل على وجود الله، فضرب الأب ابنه على وجهه وأخذ الورقة وقطعها، وقال: من هذا عدو الله الذي يكتب الدليل على وجود الله، وهل يحتاج الله إلى أن ندلل عليه بدليل. هذا من عمق الإيمان، لكن بعض الناس يصل إلى درجة أن يقول: إن بيننا وبين الحضارة الغربية قدر نسبي من الإخاء، كما فعل بعض المفكرين، يوم قال في كتابه ظلام من الغرب: لا بأس أن نجتمع مع النصارى في وجه الصهيونية العالمية، ولا بأس بالأخوة الإنسانية، وأمثال ذلك، بل بعد ذلك قال الأخ العزيز شنودة، ثم هاجم بعض المستقيمين، نسأل الله أن يغفر لنا وله، ويتجاوز عنا وعنه. وهذا من تمييع القضايا، أو تمييع الولاء والبراء، ليس عند المسلم تمييع القضايا. وقولهم: لا بد أن نظهر بحسن خلق، ولا بد أن لا نفاصل الناس، ولا نظهر للأمريكان أننا سيئو الأخلاق؟ نقول: التعامل شيء، والولاء والبراء شيء آخر. نحن لا نقول: إذا أصبحت الصباح تضرب الخواجة على وجهه، وتقول: أتقرب بهذا إلى الله، لا. هذا ليس من الإسلام {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] لكن أن تواليه أو تحبه أن تجعله كأخيك، وتقول: والله إني أحبك في الله، وأرى آثار الإيمان، وإشراق الطاعة من وجهك، لا. لك أن تحسن له، أن تحسن في معاملته في أسلوبك، لكن الولاء والبراء والحب والبغض لا يصرف إلا في مرضات الله، ولوجه الله تبارك وتعالى. أيها المسلمون: ما بقي من أسئلة فنرجئها إلى درس قادم إن شاء الله، والدرس القادم سوف يكون بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الجامع الكبير في الخميس، مساء السبت، وأسأل الله أن يتولانا وإياكم، وأن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت، وأن يحسن إلينا وإليكم، وأن يغفر لنا ولكم الذنوب والخطايا {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180 - 182] وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

توجيه نبوي لمعاذ

توجيه نبوي لمعاذ حديث إرسال معاذ إلى اليمن وما فيه من نصائح وتوجيهات من النبي صلى الله وسلم له، يعتبر من أهم القواعد والأصول في الدعوة إلى الله تعالى. الذي لابد لكل داعية خصوصاً، ولكل مسلم عموماً أن يضع هذه القواعد والأصول في اعتباره وأن تكون نبراساً له وقائداً يقوده في مسيره وطريقه.

نص حديث معاذ بن جبل

نص حديث معاذ بن جبل إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصلى الله على محمد عبده ورسوله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. ولا زلنا في طوافة ومعيشة مع البخاري في صحيحه، ولو أنصفوه لما خط صحيحه إلا بماء الذهب؛ ولذلك كان لهذا الكتاب مكانته كما تعرفون ويعرف غيركم من طلبة العلم، ولا بد من تكرار هذه المعاني في كتب أهل السنة التي قدمها أئمة الإسلام إلى هذه الأمة المرحومة، الأمة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. ومعنا في هذه الجلسة حديث يستهل به الإمام البخاري رحمه الله كتاب الزكاة في هذا الكتاب، وقد قلنا في مناسبة: إنه لا بد في مثل هذه الجلسات من التنويع بين الرقائق والأحكام وبين المسائل والفضائل، وأنه لا بد أن يجمع طالب العلم بين مسائل العلم التي ترقق القلب وبين الأحكام التي تفقه المسلم في دينه. قال البخاري رحمه الله: "باب وجوب الزكاة" وقال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:83] ثم قال بعد أن ساق الحديث بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: {لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال: إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتدفع إلى فقرائهم، وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} هذا الحديث رواه البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والنسائي واتفق الجماعة على إخراجه من طرق، واختلفوا في الألفاظ كما سيرد بإذن الله في الشرح. أما صاحب هذه القصة فإنه سيد العلماء رضي الله عنه وأرضاه وقائدهم إلى الجنة، يسبقهم يوم القيامة برتوة حجر، فهم يمشون يوم القيامة بعده حتى يدخلوا الجنة جميعاً. والعجيب أن هذا الحديث من رواية الأقران، أي: من رواية صحابي عن صحابي، وهو فن مستقل بذاته. والطرفة الأخرى هي: أن هذا الحديث رواه عالم عن عالم، فـ ابن عباس ترجمان القرآن وحبر الأمة يروي قصة معاذ رضي الله عنه وأرضاه وقبل أن نشرع في هذا الحديث الذي سمعتموه فإن معنا عشرون قضية:

سيرة معاذ رضي الله عنه

سيرة معاذ رضي الله عنه معاذ بن جبل الأنصاري أسلم وعمره ثمانية عشرة سنة، وأحب الدين بكل قلبه، فكان يصبح ويمسي مع الإسلام، وكان رجلاً طويلاً، وجميلاً، وبساماً، وضحاكاً، وكريماً.

معاذ رضي الله عنه وجوده وسخاؤه

معاذ رضي الله عنه وجوده وسخاؤه كان معاذ رضي الله عنه لا يمسك الشيء في يده من جوده وسخائه. ألا أيها المال الذي قد أباده تعزى فهذا فعله في الكتائب قال كعب بن مالك: [[كان أسخى الأنصار بعد سعد بن عبادة معاذ بن جبل على قلة يده]] مع فقره كان أسخى الناس، حتى باع بعض دوره وأملاكه ضيافة للوافدين، وكان الناس ينطلقون بالاثنين والثلاثة وينطلق هو بالثمانين من ضيوف الرسول إليه، فكثرت ديونه رضي الله عنه وأرضاه، وأتى أهل الدين رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكوا معاذاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسألة سوف تطول، وأن أموال الناس سوف تهدر، وأن تركته لا تغطي ولا تفي، حجر عليه صلى الله عليه وسلم، وأعلن في الناس أن ماله محجور تحت تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أرسله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن لحكم سوف أذكرها بإذن الله.

معاذ يروي أعظم حديث في التوحيد

معاذ يروي أعظم حديث في التوحيد جاء في الصحيحين أن معاذاً عندما كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار، واسم هذا الحمار عُفير، وقيل: اسمه يعفور ولا يهمنا اسمه إنما هو حمار ركبه رسول الله صلى عليه وسلم من تواضعه لله تعالى. والعجيب أن ابن كثير في كتابه الشمائل، ساق بسند مظلم أن هذا الحمار لما توفي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المدينة يطوف ويلتمس كأنه فقد صاحبه ثم تردى في بئر ليس فيها ماء ومات. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان راكباً وكان معاذ رديفه قال: {فمشينا برهة -أي ردفة من الزمن- فقال عليه الصلاة والسلام يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم! وفي لفظ للبخاري قال: يا معاذ! قال: لبيك وسعديك يا رسول الله! ثم مشى قليلاً وسكت هنيهةً، ثم قال: يا معاذ! قال: لبيك وسعديك يا رسول الله! قال: أتدري ما حق الله على العباد؟ - وفي لفظ: حق الله على العبيد- قال: الله ورسوله أعلم -وهذا من كمال أدبه وعدم تطفله، ومن توقيره لرسول الله صلى الله عليه وسلم- قال عليه الصلاة والسلام: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم مضى قليلاً وقال: أتدري -يا معاذ - ما حق العباد على الله؟! قال: الله ورسوله أعلم! قال: حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ألا يعذبهم} هذا الحديث رواه معاذ رضي الله عنه وأرضاه، وروى الكثير في الفضائل والعقائد والعبادات.

معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم في تبوك

معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم في تبوك وفي تبوك كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة، وفي أثناء الطريق قال معاذ: اقتربت من راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسسته، وكان الصحابة يستأنسون أيما أنس بقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما آتاه الله من حسن الخلق والبركة والهداية والنور، وكان من سعة حلمه وتواضعه وخلقه أنه إذا صاحب الرجل من الصحابة في السفر حدثه كثيراً حتى في الليل. ففي تلك الليلة قال معاذ: اقتربت منه صلى الله عليه وسلم فوجدت أبا قتادة من الأنصار قريباً منه، وكان في آخر الليل، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعس على راحلته -لأنه سهر في الليل في تلك الليلة- وكاد أن يسقط من على الراحلة وتكاد تسقط به. قال أبو قتادة كما في صحيح مسلم: {فاقتربت منه ودعمته بيدي -أي: أسندته بيدي- حتى رددته إلى مكانه، قال: ثم نعس الثانية، فرددته، ثم نعس الثالثة حتى كاد يسقط، فانتبه عليه الصلاة والسلام، قال: من؟ قلت: أبو قتادة، قال: حفظك الله بما حفظت نبيه عليه الصلاة والسلام} قال أهل العلم: ما زال أبو قتادة محفوظاً في أسرته وذريته حتى في القرن الثاني؛ لأنه تكلم بهذا الكلام، حتى عندما أتت الفتن لم يتدخل فيها، ولم يشترك في مشكلات الأمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له بالحفظ، قال: {حفظك الله بما حفظت نبيه} والحفظ أعظم ما يمن به الله على عبده. يقول ابن المسيب رضي الله عنه: [[إن الله يحفظ العبد المؤمن في أهله وأولاده ودويريته]] أي: حتى في الدور التي تقاربه في قريته. ففي تلك الليلة العامرة التي لا ينساها معاذ رضي الله عنه وأرضاه تقدم ليستغل الوقت في سمر من أحسن السمر مع سيد البشر عليه الصلاة والسلام -هل يتحدث معه في الدور أو القصور أو الوظائف أو يطلبه منصباً؟ وهو عليه الصلاة والسلام يستطيع أن يعطيه ذلك؛ فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعطاه من الولايات ما الله بها عليم- فقال: يا رسول الله! ما هو العمل الذي يقربني من الجنة ويباعدني من النار؟! هذا أعظم سؤال قد وقع بعد سؤال العقائد على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: {إنه ليسير على من يسره الله عليه} وفي لفظ الترمذي: {يا معاذ! لقد سألت عن عظيم}. أي: لقد سألت عن أمر من أعظم الأمور، وهذا الحديث الذي تسمعونه قاعدة من قواعد الإسلام وأصل من أصول الدين، وهو من الأحاديث النبوية التي عليها مبنى أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام قال: {لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه} ثم أتى صلى الله عليه وسلم يسوق الأمور التي تقرب العبد من الجنة وتوصله إليها، وهي مفاتيح من مفاتيح أهل الجنة، فاستمعوا إليه: يقول: {تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت -ثم وقف عليه الصلاة والسلام، وظن معاذ أن الخطاب قد انتهى- ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه} انظر إلى الكلام! كأنه هيئ من شهر أو شهرين وهو وليد الساعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد، حتى يقول أبو موسى: [[إنه صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم]]. وقال ابن مسعود: [[أوتي رسول الله جوامع الكلم وهديه وآخره]]. ثم قال: {ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم سكت صلى الله عليه وسلم وقال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: الصوم جُنة -يعني: وقاية- والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل صدقة، ثم تلا عليه الصلاة والسلام قوله تبارك وتعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [السجدة:16] إلى قوله: (يعلمون) ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: كف عليك هذا، وأخذ بلسان نفسه عليه الصلاة والسلام، فقال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟! -أي: أيسجل علينا؛ لأنهم ما علموا إلا ما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال عليه الصلاة والسلام: ثكلتك أمك يا معاذ! -وهذا عند العرب لا يراد به الظاهر وإنما هو دعاء، أي: فقدتك، حتى هذه المسألة لا تعرفها- وهل يكب الناس على مناخرهم أو قال: على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم} رواه الترمذي وقال: حديث حسن. عاش معاذ رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليه الصلاة والسلام معجباً به وبعلمه، وروى الإمام أحمد في مسنده، والترمذي بسند صحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح}.

اختيار معاذ لما أرسل إلى اليمن

اختيار معاذ لما أرسل إلى اليمن أرسله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وكانت هذه الرسالة إلى اليمن رسالة تشريفية تكليفية من رسول الله إلى معاذ، وقال أهل العلم: إنما أرسله بأمر الله عز وجل، وفي بعض الآثار: أنه صلى الله عليه وسلم لما أوحى الله إليه أن أرسل أحد أصحابك، تحير صلى الله عليه وسلم فيمن يرسل ونزل عليه جبريل، وقال: إن الله يقرئك السلام ويقول: أرسل معاذ بن جبل فاستدعاه عليه الصلاة والسلام -ونحن نتوخى الأحاديث الصحيحة؛ لأنه قد زيد في قصة معاذ بعض الأحاديث الباطلة الموضوعة- وأرسله إلى اليمن. فاشتد عليه ذلك أيما شدة؛ لأنه سوف يفقد حبيبه عليه الصلاة والسلام، وسوف يفقد صاحبه الذي يقول له كما في سنن أبي داود وغيره قال: {صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، فشبك أصابعه مع أصابعي، وقال: يا معاذ والله إني لأحبك، فقال معاذ: والله إني لأحبك يا رسول الله! ثم قال له: لا تدع في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك}.

ملاحظات النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ

ملاحظات النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ لم يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم معاذاً مفوضاً في كل الأمور، بل استدرك عليه بعض الملاحظات. كان معاذ -رضي الله عنه- فيه بعض الحدة على جودة خلقه وجودة يده وسخائه، فقال له صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي: {يا معاذ! حسن خلقك للناس} وكان دائماً باسطاً يده ويمينه وكفه. تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله من ملاحظاته صلى الله عليه وسلم على معاذ: أن معاذاً -كما في الصحيحين - كان إماماً على قباء عند بني سلمة، فصلى بهم وأطال العشاء، وفي ألفاظ في السنن أنه قرأ بهم سورة البقرة، فأتى أحد الأنصار كان يعمل على ناضح له طيلة يومه يروي النخل، فأقبل الظلام فترك عمله وأتى للصلاة فوجد معاذاً يصلي، فكبر وبدأ معه، فطال عليه الليل وطالت القراءة، ومعاذ ربما كان متفرغاً مرتاحاً همه أن يراجع الآيات وهو جالس في البيت، لكن كثيراً من الأنصار عندهم سقي المزارع رضوان الله عليهم وأرضاهم، فهم أهل كسب ومعيشة. فانتظر هذا الرجل وإذا الليل يسري، فأخذ نفسه وصلى في طرف المسجد، فلما سلم قال الناس: يا أبا عبد الرحمن! إن فلاناً دخل في الصلاة ثم قطعها، فأفتاهم معاذ، قال: ذاك رجل منافق؛ لأنه ظن أنه من لا يصبر على طول الصلاة أنه منافق. فسمع الرجل هذه الفتوى فذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وطرح القضية بين يديه، قال: يا رسول الله! والله إني لأترك صلاة الغداة مما يطول بنا معاذ، وقد تركت معه صلاة البارحة مما طول بنا، فلما تركت الصلاة قال إني منافق. فاستدعاه صلى الله عليه وسلم، وربما يتوهم متوهم أنه سوف يعطيه جائزة على صبره وحسن قراءته، ولأنه طول بالناس، قال ابن مسعود: {فلما دخل معاذ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، تغير وجهه وغضب، ثم التفت إليه وقال: أفتان أنت يا معاذ؟! أفتان أنت يا معاذ؟! ثم قال عليه الصلاة والسلام: من صلى منكم بالناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والفقير والكبير والصغير وذا الحاجة، ثم قال عليه الصلاة والسلام: اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى، أو والليل إذا يغشى} وهذا في صلاة العشاء وما يناسبها، وهذه من ملاحظاته صلى الله عليه وسلم الله وسلم عليه في القول.

النبي صلى الله عليه وسلم يودع معاذا لما أرسله إلى اليمن

النبي صلى الله عليه وسلم يودع معاذاً لما أرسله إلى اليمن وأما من ملاحظات رسول الله عليه في الأفعال: قال الذهبي: صح بأسانيد أنه لما أرسله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له: {حفظك الله يا معاذ من بين يديك وخلفك، ودرأ الله عنك شياطين الإنس والجن} ثم قال له: {لعلك يا معاذ لا تراني بعد يومي هذا، فأجهش معاذ بالبكاء وجزع، فقال له صلى الله عليه وسلم: لا تبكي فإن البكاء من الشيطان} وهذا حديث صحيح. ثم التفت إليه صلى الله عليه وسلم فقال: {اتق الله حيثما ما كنت -وهذا أعظم حديث وهو من الأحاديث النووية- وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} ثم قال: {يا معاذ، اذكر الله عند كل شجر وحجر ومدر} فوصل إلى اليمن، والصحيح أنه وصل إلى بلد الجند، فاستقبله الناس وكان معه قوس ورمح -رضي الله عنه وأرضاه- وهو شاب، ثم أخبرهم برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستقبلوها أيما استقبال، وكان مثالاً للقدوة في التواضع والزهد والتعليم وحسن الخلق، وكان بحق سيداً من سادات العلماء وقائداً من قوادهم العلماء، فمكث هناك حتى توفي عليه الصلاة والسلام، وجاءه الخبر وكان خبراً مؤسفاً عليه؛ لأنه من أعظم الأخبار التي تلقاها في حياته؛ لأن أحب الناس إليه وأعظمهم عنده وأجلهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. طوى الجزيرة حتى جاءني خبره فزعت فيه بآمالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً شركت بالدمع حتى كاد يشرق بي

حياة معاذ بعد رجوعه من اليمن

حياة معاذ بعد رجوعه من اليمن علم معاذ أن أبا بكر تولى الخلافة فقدم-رضي الله عنه وأرضاه- وعنده بعض الإبل والخيول والمال أخذها من كده وكسبه في اليمن.

رد معاذ ما كسب من أموال في اليمن إلى أبي بكر

رد معاذ ما كسب من أموال في اليمن إلى أبي بكر لما وصل معاذ إلى المدينة لقيه عمر فاروق الإسلام الذي فرق الله به بين الحق والباطل، والذي ما رآه الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجه، وقال: يا معاذ! أأرسلك رسول الله للتجارة أم للولاية والتعليم؟! قال: وماذا يا ابن الخطاب؟! قال: ما هذه الخيول والجمال التي عندك؟ قال: أخذتها بكسبي وبتجارتي، قال: لا. أدها إلى أبي بكر، قال: لا. وكلاهما يريد وجه الله، لكن عمر كان فيه صرامة واتجاه وصدق حتى على نفسه يحكمها بحكم الله عز وجل. فذهب عمر -رضي الله عنه- إلى أبي بكر وقال: يا خليفة رسول الله! أأرسلتم معاذاً إلى اليمن تاجراً أو معلماً؟! قال: وماذا؟! قال: أتى بإبل وخيل ومال، فحاكمه وناصفه وخذها لبيت المال. وهو يقصد النصيحة، وإلا فوالله إنه يحب معاذاً كما يحب نفسه، وهذا لا نشك فيه؛ لأن الله عز وجل جعلهم إخوة متحابين كما وصفهم في القرآن أنهم رحماء بينهم. فقال أبو بكر: لا والله لا آخذ مال معاذ، إنه أصدق وأنصح لله ولرسوله من أن يأخذ من بيت المال شيئاً، قال معاذ: فحلمت تلك الليلة وكأنني أساق إلى النار، وكأن عمر يأخذ بحجزي -يعني بأطراف ثيابي يبعدني عن النار- فلما أصبح الصباح، صليت الفجر، فسلمت على عمر واحتضنته وهو يبكي وأنا أبكي، قال: مالك؟! قال: رأيت البارحة كذا وكذا. قال عمر: قلت أما قلت لك ذلك. قال: فذهبت إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه حتى بسوطي -أي: بعصاي التي أتيت بها من اليمن - فقلت: يا خليفة رسول الله! والله ما أبقيت في بيتي فرساً ولا جملاً ولا درهماً، ولا ديناراً حتى هذا السوط الذي أتيت به من اليمن خذه، قال أبو بكر: لا. الآن طابت أنفسنا، هو لك حل وبل فخذه. قال: فخرجت فلقيت عمر: قال هو لك حل وبل فخذه، الآن طابت أنفسنا، فاستمر معاذ -رضي الله عنه وأرضاه- على هذه الحالة، وكان من المقربين في أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام.

معاذ يشارك في معركة اليرموك

معاذ يشارك في معركة اليرموك حضر معاذ من المعارك معركة اليرموك، وكان من الصادقين مع الله في تلك المعركة، رؤي أنه أخذ السيف وسلَّه ومده قبل المعركة، وقرأ سورة الأنفال على الناس، قال: أبو سفيان بن حرب، ما سمع أحدٌ معاذ بن جبل يقرأ سورة الأنفال في اليرموك إلا بكى، ثم قال: [[يا أيها الناس: اجثوا على الركب فإن هذا موعود الله، إن الله قد تجلى لكم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أما ترضون أن يكون الله في صفكم وأن يكون الشيطان في صف أعدائكم؟!]] فجلس الصحابة ومعهم سبعون من أهل بدر، ومنهم معاذ رضي الله عنه فلما أقبل الأعداء زحفوا وكان النصر.

وفاة معاذ بن جبل

وفاة معاذ بن جبل ذهب معاذ إلى فلسطين معلماً، ومفقهاً في دين الله، وعمره أربعة وثلاثون وقيل: ثلاثة وثلاثون كما قال الذهبي، فأتته قرحة في كفه اليمني، فعزاه الصحابة وقالوا: لا بأس عليك جعلها الله لك طهوراً وشفاك الله، قال: [[لا والله. أسأل الله أن يكبرها فإنه يكبر الصغير ويبارك في القليل، وأسأل الله أن تكون وفاتي في هذه، والله لقد مللت الحياة، ولو كانت نفسي في يدي لأطلقتها]]. هو ما تمنى الموت، لكنه هكذا قال، وآتاه موعود الله عز وجل. ولما ابتلي بالطاعون -والطاعون شهادة لكل مسلم- مكث في بلده صابراً محتسباً، رزقه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى الشهادة فهو من الشهداء بلا شك، فحضرته الوفاة وتغشى جسمه بالطاعون حتى أصبح كل جسمه أحمر، فأتوا وهو على الفراش، فسلموا عليه وعزوه. فلما أتى صباح يوم من الأيام صلى الفجر، يومئ إيماءً على فراشه؛ ثم قال لجاريته: [[انظري هل طلع الفجر؟ فنظرت، قالت: لا بعد، فانتظر برهة ثم قال لها: انظري هل طلع الفجر؟ فقالت: طلع، قال: اللهم إني أعوذ بك من صباح إلى النار]] لأن هذا الصباح أول صباح يلقى فيه الله عز وجل، وهذا اليوم أول أيام الآخرة، وهذا اليوم آخر أيام الدنيا، يوم يستقبل الإنسان سجل أعماله، ويقبل على الله عز وجل: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. فيقول: [[أعوذ بالله من صباح إلى النار]] لأن الإنسان إذا مات في الليل إما أن يمسى في الجنة أو يمسي في النار، إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وإذا مات في الصباح فإما أن يصبح في حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة، فهو ينظر إلى هذا الصباح الذي أطل عليه ويقول: [[أعوذ بالله من صباح إلى النار]]. ولذلك يقول الحسن البصري: [[يا بن آدم! إنما هما يومان، يوم تصوم فيه ويوم تفطر، فاجعل صيامك في الدنيا عن المحرمات وفطرك عند الله عز وجل]]. وهذا صح من كلام سالم بن عبد الله لما كتب لقريبه عمر بن عبد العزيز لما تولى الخلافة، قال: [[يا أمير المؤمنين! اجعل الدنيا يوم صوم تفطره عند الله عز وجل]]. فـ معاذ -رضي الله عنه- يقول: [[اللهم إني أعوذ بك من صباح إلى النار، ثم التفت إلى أهله -وكان عنده ابن فقط اسمه عبد الرحمن -وقال: إني أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، ثم قال: اللهم إنك كنت تعلم أني لم أحب الحياة لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، ولا لعمارة الدور، ولا لرفع القصور، ولكن كنت أحب الحياة لمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر، ولصيام الهواجر، ولقيام الليل]]. فقبض -رضي الله عنه وأرضاه- وتأسف عليه الناس أيما أسف، وأصابتهم حسرة، وكان ممن قال فيهم عمر رضي الله عنه: [[والله لقد هممت أن أوصي بالخلافة بعدي لـ معاذ، فإذا سألني الله عز وجل يوم القيامة، أقول: سمعت رسولك محمد صلى الله عليه وسلم يقول: معاذ يأتي يوم القيامة، يتقدم العلماء برتوة]] أي: قبلهم بخطوات وبمسافة يقودهم إلى الجنة، هذا هو معاذ بن جبل الحبيب المحبوب، والذي كان من أجلِّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر لخادمه: خذ هذه الدراهم وسلمها إلى أبي عبيدة وانتظر عنده قليلاً وانظر ماذا يفعل بها؟ فذهب بها فلما أعطاها أبا عبيدة، قال أبو عبيدة: وصله الله ورحمه -يقصد عمر - ثم وزعها على جيرانه ومساكين الحي ثم نفذت فلما انتهى ورجع الخادم قال: خذ هذه الدراهم، وسلمها لـ معاذ بن جبل وتلهى في بيته قليلاً، فلما أعطاها معاذاً وجلس عنده وتلهى، فأخذ معاذ خادمة وقال: يهذا بذهب إلى فلان، وبهذا إلى فلان، حتى ما أبقى درهماً واحداً، فلما وصل إلى عمر، دمعت عينا عمر وتلا قوله تعالى: {} [آل عمران:34]. وأثر في ترجمة معاذ: أن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- صلى بالناس الفجر فالتفت إلى الناس وقال: [[يا أيها الناس: يا أصحاب محمد والله الذي لا إله إلا هو، إني لأشتاق إلى الواحد منكم فأبيت سهران لا يأتيني النوم حتى أصبح، ولقد اشتقت اليوم لـ معاذ بن جبل، فقام هو ومعاذ يتعانقان ويبكيان]]. فهذا معاذ رضي الله عنه وأرضاه بقي له حديث واحد، قال: ابن القيم في مدارج السالكين -وهذا الحديث في مسند أحمد - " ثبت أن عمر مر بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فوجد معاذاً جالساً عنده يبكي قال: مالك، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن أدنى الرياء شرك} وإن أحب الناس إلى الله كما قال: الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، أولئك مصابيح الدجى يخرجون من فتنة مدلهمة، رضي الله عن معاذ وأرضاه، ورضي الله عن أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم.

وقفات مع عمر بن الخطاب

وقفات مع عمر بن الخطاب

موقف عمر مع أبي هريرة لما بشر الناس بالجنة

موقف عمر مع أبي هريرة لما بشر الناس بالجنة يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بستان رجل من الأنصار، فالتمسناه فلم نجده؛ وكان الصحابة إذا فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ذهبوا ليلتمسوه؛ لأنهم يريدون أن يجلسوا مع هذا النور الذي دقائقه تعادل السنوات من كثير من سنوات الصالحين، ومكسب عظيم أن يجلس المرء مع الرسول ولو ساعة، فهو رسول الهدى وأعظم من خلق الله. يقول: فالتمسناه فلم نجده، فذهبنا بدداً -أي: انتشرنا- لنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيت فسمعت حسه صلى الله عليه وسلم في المزرعة، فأتيت إلى قائد ماء، أي ساقية يدخل فيها الماء، وكان الأنصار يسقون مزارعهم فكان لكل واحد منهم قائداً. قال: فجمعت ثيابي -كما في رواية مسلم - فدخلت كالثعلب من هذا المكان، فرأيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رآني صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا هر -كان رسول الله يمازحه- قلت: نعم. بأبي أنت وأمي يا رسول الله! قال: خذ نعلي هاتين واخرج فمن لقيت من الناس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فبشره بالجنة، فأخذ رضي الله عنه نعلي الرسول وضمهما. قال: ثم جمعت نفسي وخرجت، قال: ثم لقيت الناس، وقلت: يا عباد الله! من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشره بالجنة، قال: فلقيني ابن الخطاب -أي: عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه- قال: وما جاوزت المكان كثيراً، فجمع يديه، ثم ضربني في صدري فوقعت على قفاي، قال: أتبشر الناس فيتكلوا؟! عد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فأخذت النعلين وفي رواية في الصحيحين فبكيت بكى إما من شدة الضربة وإما من هذا العنف، أو لأنه عطل المهمة التي أرسله رسول الله لها، والتي فيها بشارة للناس وأجراً في الآخرة، فرده عمر من حيث أتى. قال: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي وقلت: يا رسول الله! فعل بي عمر كذا وكذا، فتبسم صلى الله عليه وسلم، قال: ادع عمر، فدعوت عمر، فدخل عمر رضي الله عنه. فقال صلى الله عليه وسلم: مالك؟! قال: يا رسول الله! أتخبر الناس أن من شهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله أنه يدخل الجنة فيتكلوا؟!! قال: صدقت، فلا تخبرهم. وهذا من رأيه الحصيف، ومن قوة نظره وفكره، فإنه من عمالقة العالم.

وقفة مع فراسة عمر

وقفة مع فراسة عمر قال الإمام الذهبي: هو من أذكياء الدنيا بلا شك، فإن الله آتاه من سداد البصيرة -حتى في الجاهلية- ومن قوة النظر والإدراك ما جعل السكينة تنطق على لسانه، يأتي بالكلمة فيأتي الوحي مؤيداً ومسانداً لها، وهذا من شدة الفرقان في قلبه؛ لأن الله علم صدقه وإخلاصه، فنور قلبه، كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال:29]. يقول: ابن تيمية: "فلشدة فرقانة رضي الله عنه وللنور الذي في قلبه جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كلامه يصيب الحقيقة بلا شك" حتى في صحيح البخاري يقول ابن عمر: [[كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر، وكان لا يقول للشيء كذا إلا أتى]]. كما قال عمر وهو جالس مع الصحابة في المدينة يتحدث بعد صلاة العصر، وإذا برجل قد انحدر من جبل، فقال عمر: أتدرون ما خبر ذلك؟ قالوا: ما ندري! قال: هذا إما ساحر وإما كاهن وترك وديعة في الجبل وأتى. فأتى الرجل وجلس بين الصحابة فقال عمر رضي الله عنه: يا فلان! قال: نعم، قال: قد كنت ساحراً أو أنت ساحر، وتركت وديعة في الجبل؟ قال: والله ما استقبلني أحد من العرب بمثل ما استقبلتني اليوم يا أمير المؤمنين -أي: كان ينتظر أن يقول له: حياك الله وأهلاً وسهلاً -فقال: أأنت ساحر أو كاهن؟ فسكت الرجل، فقال عمر: أسألك بالله إلا صدقتني، فقال: أما وقد سألتني فأنا سواد بن قارب كاهن العرب، هو كاهن العرب على الإطلاق وليس كاهن قومه، قال عمر رضي الله عنه: وماذا تركت في الجبل؟ قال: مات ابني -يا أمير المؤمنين- في الصباح، فحفرت له وصليت عليه ودفنته؛ لأنه أسلم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وله قصيدة عند ابن هشام يقول: فكن لي شفيعاً يوم لاذو شفاعة بمغنٍ فتيلاً عن سواد بن قارب فوقع أمر عمر رضي الله عنه وأرضاه حتى إن أمراء عمر على الأقاليم كانوا إذا أتى يحاسبهم تحرجوا أيما حرج، لأنه سوف يكشفهم بإذن الله.

محاسبة عمر للربيع بن زياد

محاسبة عمر للربيع بن زياد يقول الربيع بن زياد: ولاني عمر على الكوفة فجمعت الأموال وأتيت أحاسبه في المدينة، فأتاني من الهم ما قرب وما بعد، قلت: إن هذا الرجل سوف يكشف ما عندي وإن أخفيت عنه شيئاً فسوف يظهره الله، قال: فلما جلست عليه كان يسألني فكنت أتحفظ في كل كلمة -حتى لما دخل المدينة كان ثوبه غالياً وثميناً- فلما قربت من المدينة، نزلت عن راحلتي وطويت ذلك الثوب الثمين وشريت ثوباً بثمانية دراهم ولبسته حتى يظهر النسك والزهد أمام عمر رضي الله عنه وأرضاه. قال: فلما دخلت على عمر قال: أخذ يلمس هذا الثوب، قال: أتيت بشيء، قال: أتيت بالأموال يا أمير المؤمنين، قال: يا فلان! اذهب وائتي بالراحلة، ما أرسل الرجل هذا إلا لأنه سوف يخفي الثوب، قال: فذهب ذاك فأتى بالراحلة فأناخها عنده، فقام ليفتشها فوجد الثوب. قال: لمن هذا الثوب؟ قلت: لي يا أمير المؤمنين، قال: أتلبس لي ثوباً بثمانيه دراهم، وتلبس لله ثوباً بخمسين درهماً؟! قال: فما زلت أتحفظ حتى ظننت أني انتهيت من المحاسبة، قال: ثم قلت كلمة ليتني ما قلتها، قالوا: وماذا قلت؟! قال: قلت: يا أمير المؤمنين! أنت أولى الناس بالمطعم الهنيء، والملبس الرضي، والمطعم الشهي، قال: أنا؟! قلت: أنت، قال: انتظرني قليلاً، قال: فضربني فأخذ خشبة فظربني على رأسي قال: اذهب، والله لا تلي لي عملاً أبداً، أي: لا تتولى لي عملاً.

محاسبة عمر لعمرو بن العاص

محاسبة عمر لعمرو بن العاص ذكر الذهبي عن عمرو بن العاص أنه قال: أتيت بأموال من مصر ففقدت بعضها وذكرت بعضها، ونسيت بعضها وحفظت بعضها، فلما دخلت المدينة أتاني من الهم ما قرب وما بعد، وقلت: سوف يحاسبني أمير المؤمنين عمر على كل قليل وكثيرٍ. وكان عمرو بن العاص من دهاة العرب، فإذا لم يخرج نفسه من هذه الورطة فمتى يخرجها؟ قال: فانتظرت حتى أتى بعض الأمراء والولاة على الأقاليم؛ لأن عمر كان يحكم العراق والشام ومصر واليمن، أقاليم كثيرة وواسعة. قال: فانتظرت حتى أتى الأمراء وجلسوا بجانب عمر، فلما أتى يحدثهم دخلت -ليحاسبه في هذه الزحمة- فلما جلست معه، قلت: يا أمير المؤمنين! قال: تكلم، قلت: يبدأ من هو أكبر مني، قال: فتكلم معاوية، فلما تكلم قاطعت معاوية فقال معاوية: أتقاطعني يا لكع؟ يقول عمرو: فلطمت وجهه، فقام عمر رضي الله عنه قال: ادعوا لي أبا سفيان، أتت مشكلة غير مشكلة المحاسبة، فدعوا أبا سفيان، فقال: إن هذا لطم ابنك فإن تجعلها لله عز وجل يثيبك خيراً منها، قال: قد جعلتها لله، قال: فقم قبل على رأسه ويقبلك على رأسك، قال: فقبلت رأسه وقبل رأسي وقلت في أثناء ذلك: يا أمير المؤمنين! خذ هذه الأموال واتركني أذهب، فذهب فما حاسبه، ذكر ذلك الذهبي وابن كثير في سيرهم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أرضاه وهذا من فقهه.

الأسئلة

الأسئلة

سبب اختيار معاذ لدعوة أهل اليمن

سبب اختيار معاذ لدعوة أهل اليمن Q لماذا اختير معاذ إلى اليمن؟ A عند أهل العلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعرف رجال المواقف، يعرف كل رجل ومؤهلاته فيجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجانب الذي يريده، وهذا من حكمته صلى الله عليه وسلم، فهو يضع الأمور في موضعها ووضع الندى في موضع السيف بالعلى مضر كوضع السيف في موضع الندى فأهل اليمن لما كانوا أهل كتاب، وكان معاذ هو حامل القرآن، وما اختار لهم رجلاً عسكرياً ولا اقتصادياً ولا سياسياً؛ لأن عمر في الإدارة هو البارع في الصحابة، وأبو ذر في الزهد، وابن عباس في تأويل القرآن والفتوى، لكن يحتاج أهل اليمن إلى فقيه يعلم الحلال والحرام ويعلم فقه الدعوة، فاختار صلى الله عليه وسلم معاذاً رضي الله عنه وأرضاه وأرسله.

متى دخلت الديانة اليهودية إلى اليمن؟

متى دخلت الديانة اليهودية إلى اليمن؟ Q متى دخلت اليهودية اليمن؟ A قال أهل السير ومنهم ابن إسحاق: دخلت اليهودية اليمن في عهد أسعد بن كرب وهو جد العرب، ولهذا قال: صلى الله عليه وسلم: {إنك تأتي قوماً أهل كتاب}.

فائدة قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنك تأتي قوما أهل كتاب)

فائدة قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنك تأتي قوماً أهل كتاب) Q ما فائدة قول الرسول عليه السلام {إنك تأتي قوماً أهل كتاب}؟ A الفائدة عند أهل العلم: أن يأخذ حذره في الدعوة وفي أساليب الدعوة وفي توجيه كلام الناس، فيقول: المدعوون أمامك أهل كتاب فانتبه لعقولهم وفهمهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يكلم الناس على قدر عقولهم، فانتبه واعرض عليهم عرض من يعلم أنه يخاطب أهل كتاب. ولذلك فرق بين أن يخاطب الإنسان طلبة علم، أو من كان على درجة من المعرفة، وبين من يخاطب أناساً في البادية ما عرفوا من الإسلام شيئاً كالأعراب، وهذا من فقه الدعوة، فإن بعض الناس -وربما قد يكون هذا غير موجود ولكن من باب ضرب المثل- إذا أتى إلى البادية وهم لا يعرفون الوضوء ولا الصلاة، ولا الغسل من الجنابة، ولا يعرفون عن أمور الدين الأساسية فمن الخطأ أن يتحدث لهم عن الربا، أو البنوك الربوية، أو الفكر الإسلامي، أو أسس الدعوة، أو الكلمات المنفوشة والضخمة التي تنطلق من أطر وتنصهر في بوتقة، فينظرون إليه وكأنه يتكلم لهم بالإنجليزي. ورجل آخر إذا أتى في مجتمعٍ قد عرف الدين والطهارة وعرف أركان الإسلام وأصبح يتلمس إلى الدقائق، أتى إليهم وقال: يا أيها الناس: يجب على الإنسان أن يغتسل من الجنابة وهو واجب، من تركه يعذب. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إنك تأتي أهل كتاب فانتبه إليهم وادعهم كأهل الكتاب، ثم قال: عليه الصلاة والسلام: {وليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله} وهذا هو التدرج في الدعوة، وهذه هي حكمته صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] فإنه يبدأ بأسس الدين وأسس العقائد قبل أن يخاطب الناس في أمور جانبية ولو أنها من السنة، كمن يأتي إلى أناس لا يصلون ولا يصومون ولا يحجون ولا يعتمرون ولا يزكون فيقول: يا أيها الناس: يجب عليكم أن تعفوا لحاكم، فقد صح في تربية اللحى عشرة أحاديث، أيربون اللحى وهم فسقة مردة لا يعرفون من الدين شيئاً. أو يأتي إلى أناس آخرين قد شهدوا أن لا إله إلا الله، وأصبحوا في العلم والفهم والفقه على درجة عظيمة فأتى يقول: يا أيها الناس: قولوا: لا إله إلا الله، وهم يقولون: لا إله إلا الله وإن كان مقصوده تجديد الإيمان، فهذا وارد وإن كان المقصود أنهم كفرة، فهذا مخطئ. فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {وليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله} فالواجب على الداعية بدايةً هو الدعوة إلى التوحيد، ولكل مقام مقال، والداعية أو طالب العلم أو الأستاذ أو المربي أو الموجه يعرف ما هي حاجة الناس. ولذلك يشترط في مجال الدعوة أن الداعية يعرف أحوال الناس، ولذلك قال أهل التفسير: إن الله عز وجل بعث الأنبياء من أقوامهم {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] وقالوا: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ ِ} [الفرقان:7] كيف يكون منا؟ فأخبرهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أنه لو أنزل عليهم ملكاً من السماء لما آمنوا ولكفروا به. إذاً: فالله عز وجل أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس يجوع كما يجوعون، ويشبع كما يشبعون، ويغضب كما يغضبون، ويعرف المشكلات والآمال والآلام التي يعيشها أتباعه عليه الصلاة والسلام، ولذلك هداهم الله به، ولو كان ملكاً لما استطاع أن يتلاءم معهم، قال: {ليكن أول ما تدعوهم شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله} وأن هذه هي دعوته عليه الصلاة والسلام ودعوة كل نبي وكل رسول عليهم الصلاة والسلام، كل نبي يقول: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، وأسعد الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه.

حكم صلاة الوتر والضحى والسنن الرواتب

حكم صلاة الوتر والضحى والسنن الرواتب {ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، قال: فإن هم أجابوك لذلك؛ فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة}. أخذ أهل العلم من هذا الحديث: أنه لا يجب الوتر ولا ركعتي الضحى ولا السنن الرواتب، وإنما هي سنن فيها المؤكدة وفيها المستحب؛ لأن الله أوجب على رسوله وعلى المسلمين خمس صلوات في اليوم والليلة فقط. وفي الصحيحين عن أبي طلحة، قال: {كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقدم رجل من أهل نجد ثائر الرأس من الغبار والشعث، نسمع دوي صوته ولا نسمع ما يقول، فقال رسول الله: مالك؟! فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت قال الرجل: والله! لا أزيد على ذلك ولا أنقص، فانصرف ثم قال عليه الصلاة والسلام: أفلح وأبيه إن صدق} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فالصلوات الخمس المرتبة الثانية بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبعض الناس يقولون: من قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله يكفي هذا ويدخل الجنة للأحاديث التي وردت وسبق ذكرها، وسواء صلى بعض الصلوات أو ترك البعض أو صلاها كلها فلا شيء عليه، وهذا ليس بصحيح، ومن قال ذلك فقد أخطأ خطأً بيناً وغلط غلطاً فاحشاً، بل من ترك الصلاة فقد كفر وبرئت منه الذمة، واستبيح دمه وعرضه وماله، نسأل الله العفو والعافية، فالصلوات الخمس في اليوم والليلة هي الفرائض التي افترضها الله على عباده. فقال عليه الصلاة والسلام: {فإن هم أطاعوك لذلك} أي بعد الصلوات الخمس، وقال أهل العلم: ليس المعنى أنهم إذا لم يطيعوا فلا يخبرهم بما بعدها، فهذا ليس بصحيح وليس بوارد، وإنما درج لـ معاذ الأمور المهمة التي يدعو الناس إليها.

دعوة المظلوم

دعوة المظلوم قال عليه الصلاة والسلام: {وإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم} الكرائم جمع كريمة، يقول: أنت جامع للصدقة وللزكاة فلا تأخذ أحسن الشيء من الغنم والبقر والإبل، فإنها من كرائم الأموال، والكرائم هي النفائس الغالية، ثم قال عليه الصلاة والسلام: {واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} أي ترتفع إلى الله عز وجل ولا يردها راد. وهل يفهم من الحديث أن بين الله وبين خلقه حجاب إلا فيما بينه وبين دعوة المظلوم؟ لا. لأن الله عز وجل له معية سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فمعيته للكافر بالرصد وبالإحاطة وبالمحاسبة وبالمراقبة، ومعيته للمؤمن بالنصرة والتأييد والحفظ والرعاية، وفي صحيح مسلم عن أبي موسى -رضي الله عنه وأرضاه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره} سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وهناك فائدة عند كلمة (لا ينام) في سيرة موسى عليه السلام -كما ذكرها أهل التفسير-: أنه كلم الله تبارك وتعالى فقال: يا رب أتنام؟ فقال: يا موسى! لا تنم هذه الليلة، فما نام موسى تلك الليلة، فلما أتت الليلة الثانية قال: يا موسى! لا تنم، فما نام، فلما أتت الثالثة قال: يا موسى! لا تنم فما نام، فلما أتت الرابعة قال يا موسى: خذ قارورتين ثم املأهما ماءً ثم قف هذه الليلة من المساء حتى الصباح ولا تجلس، فوقف موسى عليه السلام وكان ينعس وتكاد تلتطم القارورتان، وعند الفجر لطم بين القارورتين فتكسرتا. فكلمه الله عز وجل وقال: إني لا أنام ولا ينبغي لي أن أنام، وإني لو نمت لوقعت السماء على الأرض، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:41]. فهو سبحانه الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، هذه فائدة عند كلمة "لا ينام" ولكن الشاهد في الحديث: "حجابه النور" أنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا يحجبه نور عن خلقه، وإنما هو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يراهم، بل يرى النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. قال أهل العلم: أي أخفى من السر الذي ما علمه العبد الذي هو صاحب السر، أنت تريد أن تسر شيئاً وقبل أن تسر شيئاً وقبل أن تدري أنت فإن الحي القيوم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يعلمه، فهذا هو معنى يعلم السر وأخفى.

الدعوة إلى التوحيد

الدعوة إلى التوحيد وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والإسلام كله توحيد ينبع من محبة الله عز وجل، ولابد أن توحد الله عز وجل في المحبة، والعمل توحيد وهو المسمى بالتوحيد العملي الذي يذكره ابن تيمية ويقصد به توحيد العبادة، والتوحيد: معناه الأدب والسلوك مع الله عز وجل مع توحيد القصد والإرادة، ومن جهة أخرى ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات وهو بهذا يشمل الإسلام كله، فكل الإسلام توحيد.

الكفار مخاطبون بفروع الشريعة

الكفار مخاطبون بفروع الشريعة Q هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟ وهل يخاطبهم الله عز وجل ويقول: لماذا لم تصلوا يوم القيامة؟ أو لماذا لم تزكوا؟ A ذهب كثير من أهل العلم إلى أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة، ودليل ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام لـ معاذ: {فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم بخمس صلوات} فدل ذلك على أنهم إذا لم يوحدوه فلا يسألهم عن هذا، لكن في القرآن: يقول الله عز وجل للكفار: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:43 - 44] فالله عز وجل أنبأهم على لسان الملائكة، فاعترفوا أنهم لم يكونوا من المصلين ولم يطعموا المسكين، كأنهم مخاطبون، والصحيح: أن الله يحاسبهم على كل ما تركوه من الإسلام، ولكنهم غير مطالبين بها حتى يسلموا؛ لأنهم تركوا أعظم أصل وهو التوحيد.

حكم نقل الزكاة إلى بلد آخر

حكم نقل الزكاة إلى بلد آخر Q هل الزكاة خاصة بأهل البلد فقط؟ A يقول عليه الصلاة والسلام: {ثم أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم} في هذا دليل أن الزكاة والصدقة تصرف في فقراء البلد، فلا تؤخذ مثلاً من أبها إلى الطائف حتى ينتهي مثلاً فقراء أهل أبها وتصرف فيهم وهذا هو مفهوم هذا الحديث، وأخذ به الإمام أحمد ومالك وكثير من أهل العلم، وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: من صرفها في أي بلد جاز، والأولى ألا يصرفها الإنسان إلا في البلد الذي هو فيه، وهذا هو الأحسن والأولى، حتى زكاة الفطر من كان هنا في أبها وأهله في بلد بعيد فعليه أن يبذل زكاة الفطر لأهل وفقراء هذا البلد، وزكاة ماله كذلك لفقراء هذا البلد، وإن نقلها فهذا خلاف الأولى. أما في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه فقد نقلت زكاة خراسان إلى الشام فردها إلى خراسان وقال: توزع على فقرائهم لا على فقراء الشام.

حكم دفع الزكاة إلى غير المسلمين

حكم دفع الزكاة إلى غير المسلمين Q هل يلزم إسلام الرجل الذي تصرف له الزكاة؟ A الفقير الذي تدفع إليه الزكاة لا بد أن يكون مسلماً، ولا يجوز أن تدفع الصدقة إلى يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بوذي، بل يتوخى الإنسان لمن يدفعها حتى يلمس الأصلح فالأصلح، فإذا كان هناك فقيران: أحدهما قانت منيب إلى الله عز وجل، يتقرب إلى الله بالنوافل، يصوم، ويصلى الضحى، ويكثر من الذكر، وهذا فقير ولكنه فاسق يشرب الدخان، ويؤخر الصلوات، ويخالف السنة، فالأولى أن يصرفها على هذا الرجل الصالح كما قال أهل العلم؛ لأنها تكون عوناً له على الطاعة؛ لأن الآخر قد يذهب بها في المعاصي. فالصحيح ألا تصرف على الكافر وأن الأولى والأصلح هو هكذا. وأما صرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم فهذا صنف ثامن؛ لأن الله عز وجل ذكرهم فإن علمت أن في إعطاء هذا الكافر شيئاً من الزكاة أنه سوف يسلم، أو تكف شره، أو سوف يكون للإسلام دعاية طيبة فلا مانع أن تعطيه شيئاً من الزكاة، كأن تكون تعمل في شركة أو في مؤسسة وفيها بعض الخواجات وفيهم قسوة وعنف فإن عليك أن تعطيه شيئاً من الزكاة تتألفه بها أو يرق قلبه أو تدرأ حدته وشوكته كما نص أهل العلم على ذلك، أو تطمع في إسلامه وعرض الدين عليه فتعطيه من ذلك.

وجوب الزكاة في مال الطفل الغني واليتيم والمجنون

وجوب الزكاة في مال الطفل الغني واليتيم والمجنون وهذا هو الصحيح؛ لأن الله عز وجل قال: {تؤخذ من أغنيائهم -وهذا على العموم- وترد على فقرائهم} فمن عنده طفل وله مال خاص نمى له شيء من الغنم أو الإبل أو البقر أو الذهب، فإنه يأخذ زكاة مال هذا الطفل ويصرفها، وقد يكون هذا الطفل يتيماً ورث أمولاً طائلة، فهذا يؤخذ من أمواله الزكاة وتدفع، وكذلك المجنون الذي ذهب عقله، يأخذ وليه المال فيزكي ويتصدق من ماله، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: {تؤخذ من أموالهم}.

بعث السعاة لأخذ الزكاة

بعث السعاة لأخذ الزكاة الرسول عليه الصلاة والسلام كان يبعث أصحابه في الأقاليم يجمعون المال والصدقة، وهذا دليل لمن قال بنقل الزكاة من مكان إلى مكان؛ لأن عمر وغيره من الصحابة كانوا يذهبون إلى البوادي فيجمعون الزكاة ويأتون بها إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي صحيح البخاري في كتاب الزكاة والجهاد، قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً -يعني لأجمع الصدقة والزكاة- فدرت على الناس كلهم فأعطوني زكاتهم، إلا ثلاثة: العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وخالد بن الوليد وابن جميل -أحد الناس الذي عكر عليهم النفاق بعض حياتهم-]] أما العباس فقد امتنع لأن الرسول عليه الصلاة والسلام اقترض منه زكاة عامين، قال له صلى الله عليه وسلم: ادفع لي زكاة عامين مقدماً؛ لأني أحتاجها في الجهاد، فأخذ العباس زكاة عامين وأعطاها الرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول عليه الصلاة والسلام ما نسي لكن أرسل عمر للمسلمين ونسي أن يقول له: لا تأخذ من العباس، فذهب عمر وطرق باب العباس، وقال: ادفع الزكاة، قال: لا أدفعها، واستحى أن يقول: إنها عند الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن دفعها سوف تذهب عليه زكاة ثالثة وما مر إلا عام، فقال عمر رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: دفع الناس جميعاً إلا ثلاثة: عمك، وخالد بن الوليد وابن جميل، فأتى صلى الله عليه وسلم، يجيبه عن كل واحد ويفصل: فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا عمر! أما تدري أن عم الرجل صنو أبيه -يقول: أتيت تشكو عمي علي وهو أخو والدي بل هو والدي في الحقيقة- أما علمت أنها علي دين ومثلها له. وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، يقول: دائماً مظلوم، احتبس أدراعه وخيوله ونفسه ودمه في سبيل الله وتطلب منه الزكاة. لأن خالداً -رضي الله عنه- أوقف ماله في سبيل الله، يقول: ليس لي مال، كل هذه السيوف معلقة في سبيل الله، وهو أبو سليمان يعرف كيف يضرب بالسيف، وفي مؤتة ذكر ابن كثير بأسانيد كثيرة أنه كسر تسعة أسياف بيده حطمها تحطيماً وما ثبتت إلا صحيفةٌ يمانية، وعلق مائة سيف وقال: هي في سبيل الله، وملأ اسطبلاً من الخيول وقال: هي في سبيل الله، فيقول عليه الصلاة والسلام: أما يكفي أن يوقف أمواله في سبيل الله حتى تأخذوا الزكاة من خالد. وأما ابن جميل هذا فإنه لا عذر له، فقال عنه صلى الله عليه وسلم: فما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله، أي كيف يحق لـ ابن جميل أن يغضب ويتحامل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان فقيراً لا يملك شيئاً من الدنيا فأغناه الله. وروي أن ابن جميل أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له: {يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالاً، فأشار عليه الصلاة والسلام ألا يفعل ذلك؛ لأنه فتنة، فألح عليه فدعا له صلى الله عليه وسلم، فكثر ما له حتى، ترك الجماعة مع الناس في المسجد، ثم ترك الجمعة، ثم منع الزكاة} وهذا ليس بـ ثعلبة. وقصة ثعلبة لا تصح بل هي باطلة، وأما ابن جميل فهي في صحيح البخاري وسندها صحيح. فلما ذهب عمر إليه رفض وقال: إنما هي جزية وليست بزكاة، فعاد عمر وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما ينقم إلا أن كان فقيراً فأغناه الله، فأنزل الله عز وجل في ذلك: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة:77]. كذبوا مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فأرسل عليه الصلاة والسلام أصحابه ومنهم معاذ بجمع الزكاة، وهذا واجب على الإمام أن يرسل السعاة وألا يترك الزكاة بأيدي الناس لأنها تضيع، بل الواجب عليه أن يأخذها منهم ثم يصرفها في مصارفها.

الصحابة يضربون أروع الأمثلة في الأمانة

الصحابة يضربون أروع الأمثلة في الأمانة ذكر ابن كثير بسند حسن قال: لما فتح سعد رضي الله عنه القادسية وأتى المدائن أتى بأموال منها مائدة سليمان وجدوها في قصر كسرى أنوشروان، مائدة موروثة من عهد سليمان عليه السلام، محلاة بالزبرجد فحملت على جمل ووصلت الأموال إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه فلما أوصلها ابن ناجية صاحب الجمال، نام عمر في تلك الليلة ورأى في المنام كأن من يكويه بكيات من نار، فقام عمر رضي الله عنه وصلى بالناس الفجر، ودعا بعض الصحابة وقال: أعيدوها إلى سعد بن أبي وقاص في العراق، والله لا أتولى شيئاً حماني منه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فذهب بعض أهل العلم يقولون: يتحفظ الإمام أو المسئول في أموال الناس، ويكلها إلى من هو بصير بها ويعرف منافذها ومصارفها ومنافعها.

توصية الإمام عامله

توصية الإمام عامله كان عليه الصلاة والسلام دائماً إذا أرسل عاملاً أوصاه بتقوى الله عز وجل، وهذا على العموم، ولكن كان يوصي صلى الله عليه وسلم الوصايا بما تناسب الناس، وهذه ليست إلا له صلى الله عليه وسلم، يأتي الرجل المحتد الغضبان، يقول: أوصني فيقول: {لا تغضب} لا يقول له عليه الصلاة والسلام: لا تنفق أموالك؛ لأنه ليس له أموال أو ربما يكون بخيلاً فلا يزيده صلى الله عليه وسلم إلا بخلاً، ويأتي الرجل الشجاع، فيقول: أوصني؟ فيقول: {عليك بالجهاد في سبيل الله} ويأتي الشيخ الكبير فيقول: أوصني؟ فيقول: {لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} ويأتي الغني من ذوي الأموال، فيقول: أوصني يا رسول الله، فيقول: {أشبع الجائع، وفك العاني، وافدِ الأسير} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ويأتي صاحب الوالدة أو الوالدين وهما كبيران في السن قد بلغا الشيخوخة، فيقول: أوصني يا رسول الله، فيقول: {عليك ببر والديك أو ففيهما فجاهد} فهذا له عليه صلى الله عليه وسلم وليست لغيره؛ لأنه لا يعرف أحوال الناس إلا هو صلى الله عليه وسلم بما علمه الله. فكان يضع كل شيء في موضعه صلى الله عليه وسلم، وكان يؤمِّر من يستحق الإمارة عليه الصلاة والسلام وأتى بعض الناس من الصحابة يطلبون الإمارة فيرفض؛ لأنه يعرف أنهم ليسوا أهلاً بالإمارة لا لقلة دينهم أو لقلة زهدهم أو ورعهم، لكن لأنهم لا يجيدون التصرف في الإمارة كـ أبي ذر قال له صلى الله عليه وسلم: {والله إني أحبك، وأريد لك ما أريده لنفسي، لكنك رجل ضعيف} قالوا: ضعيف لا يحسن تصريف قيادة الجيش، فما ولاه عليه الصلاة والسلام، وفي هذا توصية الإمام، أو توصية من يرسل بتقوى الله عز وجل، وواجب على كل مسئول ومدير ورئيس أن يوصي الموظفين والطلاب عنده بتقوى الله عز وجل صباحاً ومساءً. قال الإمام النووي: حق على من ولاه الله شيئاً ألا تفتر لسانه بتقوى الله عز وجل للناس، فإنه إذا أدمن صباح مساء أن يوصي بتقوى الله والإخلاص في العلم وبذل الجهد والصدق مع الله رسخت هذه الكلمات ونفع الله بها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. أي أنه لا يكفى أن يقول لهم في الشهر مرة ثم يتركهم، لا. بل يكرر عليهم هذا دائماً إذا كان ناصحاً وصادقاً ومخلصاً، أما إذا كان غير ذلك فنسأل الله العافية والسلامة.

قبول خبر الواحد والعمل به

قبول خبر الواحد والعمل به ورأي العلماء أن خبر الواحد يقبل، وخالف في ذلك المعتزلة وبعض الفرق ردوا خبر الواحد، والصحيح: أن خبر الواحد يقبل، فخبر الواحد قبلناه وقبلته الأمة، فمحمد صلى الله عليه وسلم واحد أرسله الله إلى الناس، وأرسل صلى الله عليه وسلم أصحابه واحداً واحداً إلى الناس فقبلوا خبره. وكان عليه الصلاة والسلام يقبل خبر الواحد، فقبل خبر الذي أخبره بالهلال، والذي أخبره بأنه قد منع قوم الزكاة، والذي أخبره عليه الصلاة والسلام بصدقات القوم واحد، فقبل صلى الله عليه وسلم خبر الواحد حتى في العقائد.

حكم أخذ الغني من زكاة الناس

حكم أخذ الغني من زكاة الناس وهذا معلوم من الحديث: {تؤخذ من أغنيائهم وتعطى لفقرائهم} ومن ملك النصاب فلا يعطى، فقالوا: غني؛ لذلك بعض الناس لِمَ جعل الله في قلوبهم من الجشع والطمع يبذلون أعراضهم ودينهم وماء وجوههم في أخذ شيء من الزكاة والصدقة، فلو كان أحدهم يملك الملايين المملينة ثم سمع أن تاجراً يوزع الصدقات في رمضان، لبس أردى ثيابه، وتحنط بالغبار، وجلس تحت الشمس والريح والبرد، ثم أخذ يمد يده في موقف شنيع مخزٍ، ما يفعله أحد عنده رجولة أو مروءة، فكيف بالذي عنده دين. فعلى الإنسان ألا ينظر إلى هذا المال، أو يجعله كما يقول ابن تيمية في كتاب التصوف " كالكنيف -يعني: الحمام- إذا احتاج إليه ذهب إليه، وإن لم يحتج فلا يفعل"، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لـ عمر {: ما أتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل وما لا فلا تتبعه نفسك} فإن من أخذ المال باستشراف وبسؤال لا يبارك الله فيه، ويكون كالشاة التي تأكل من خبط الربيع أو من خضراء الربيع ينتفخ بطنها ولكنها ما شبعت، هذا مثل من يأخذ من أموال الناس ويسأل ولا يرد شيئاً ويتطلع إلى الأموال، ولا يرد فاقته بالقناعة وتقوى الله فهذا مثله. فعلى المسلم أن ينتبه لهذا، فإن من أخذ المال بقناعة أو عدم استشراف بارك الله له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والبركة ليست بكثرة المال ولكن بما ينزله الله عز وجل من حلال فيه وطيب.

إذا تلف المال قبل الحلول فلا زكاة

إذا تلف المال قبل الحلول فلا زكاة إذا تلف المال قبل حلول الحول فلا زكاة عليه، وهذا ما رجحه ابن حجر وسانده في ذلك الشوكاني وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: تؤخذ من أغنيائهم وقت الحلول، ولكن إذا تلفت قبل الحول فلا زكاة عليه بشرط أن لا يكون مفرطاً. مثلاً: يكون عنده غنم ومن حمقه لأنه لا يريد أن يدفعها إلى السلطان وأتى وقت حول الزكاة، أتى بسم، فماتت الغنم وقال: ماتت الغنم وأنا ما وجب علي شيء، فهذا إذا علم به تؤخذ عليه الزكاة ويؤدب ويعزر، ومن منعها كما قال عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود {فإنا آخذوها وشطر ماله، عزيمة من عزائم ربنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى}.

سبب عدم ذكر الحج والصيام في حديث معاذ

سبب عدم ذكر الحج والصيام في حديث معاذ Q لماذا لم يذكر الحج والصيام عليه الصلاة والسلام في حديث معاذ؟ A الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان معتنياً بهذه الأركان الثلاثة، وأما تلك فتأتي تبعاً. وذكر صلى الله عليه وسلم الزكاة لأنها مقرونة في الكتاب بالصلاة في كثير من المواطن بخلاف الصوم والحج فإنها تأتي تبعاً، وبعض الصحابة منهم من شهد أن لا إله إلا الله، ولكن منع الزكاة مع أنه مسلم ولم يحارب أو يقاتل. فلما مات عليه الصلاة والسلام ارتدت العرب عن الإسلام -إلا من رحم الله- وبعضهم رفض الإسلام جملة وتفصيلاً، والبعض رفض الزكاة، حتى قالوا: رضينا رسول الله إذ كان بيننا فما بالنا نرضى بحكم أبي بكر أيملكها بكر إذا مات بعده فتلك لعمر الله قاصمة الظهر فرفضوا الزكاة، فسمع أبو بكر رضي الله عنه ذلك فصعد على المنبر، وأخبر الناس وقال: ماذا ترون؟ فقام عمر: وأشار بألا يقاتلوا، وأشار عثمان بأن لا يقاتلوا، وقام علي وقال: لا يقاتلوا، وأجمع المهاجرون والأنصار في كل المسجد على ألا يقاتلوا. فسل أبو بكر السيف وقال: [[والذي نفسي بيده! لأقاتلن الذي يفرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -وفي لفظ عناقاً- لقاتلتهم عليها]]. ثم عقد الراية وهو على المنبر، ثم سلم الجيوش وأرسل خالداً إلى اليمامة وخالد بن سعيد بن العاص إلى اليمن وعمرو بن العاص إلى ناحية البوادي، وعكرمة رضي الله عنه إلى اتجاه البحرين وكان يعقد الرايات ويقول للصحابة: [[والله لو أخذت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين لأنفذن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم]]. فنصره الله نصر عزيز مقتدر، حتى أتى الذين منعوا الزكاة في عمائمهم يقودهم خالد وعكرمة وعمرو وخالد بن سعيد بن العاص حتى أدخلوهم المسجد، فقام عمر -رضي الله عنه- على المنبر، وهؤلاء أهل العمائم رافضين الزكاة، في أطراف المسجد ساداتهم ومشائخهم. فقال أبو بكر: [[اختاروا من اثنتين -وفي لفظ: من ثلاث- قالوا: وما هي يا خليفة رسول الله؟ - أصبح اليوم خليفة بعد أن ذاقوا سيف خالد - قال: إما حربٌ مجلية أو سلم مخزية. قالوا: بين لنا، قال: السلم المخزية، أن نترككم كالنساء، لا تحملون سيفاً ولا رمحاً ولا درعاً، وتبقون تذهبون مع النساء ومع الأطفال، وتأتون معهم، لا تحضرون معركة ولا غنيمة، ولا فيئاً. قالوا: والحرب المجلية، قال: أن نلبس سلاحنا الآن وننزل معكم فنتقاتل، فاضطربوا فقالوا: سلم مخزية. يكفيهم ثلاثة أشهر وخالد يعمل فيهم بالسيف، والآن أبو بكر رضي الله عنه يريد أن يقاتلهم مرة ثانية، ثم قال: إذاً كل من قتل لنا فادفعوا ديته، واشهدوا على أنفسكم أنكم ضلال وأنكم تبتم، وأن قتلاكم في النار وأن قتلانا في الجنة فنكسوا رءوسهم، فقام عمر فقال: يا خليفة رسول الله! أما قتلانا ففي الجنة, وأما أن يدفعوا دية قتلانا فما نرى ذلك، فما فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: صدقت، ولهم ذلك. فسلب أبو بكر سلاحهم وتركهم في عامة الناس]]. وإذا قلنا: لماذا ذكرت الزكاة في هذا الجانب؟ قلنا: فقَّه الله أبا بكر، وشرح صدره، ووافقه الناس على ذلك يوم يشرح الله صدور أوليائه، نسأل الله أن يهدينا بهداه، وأن يوفقنا لرضاه، وأن يأخذ بأيدينا وأيديكم لكل خير، وأن يجعلنا وإياكم من المتفقهين في دينه، المتطلعين على أسرار كتابه، العاثرين على سنن نبيه صلى الله عليه وسلم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

كيف تعيش مع القرآن؟

كيف تعيش مع القرآن؟ القرآن الكريم حبل الله من تمسك به نجا ومن تركه غرق. والشيخ في هذه المادة تطرق إلى كثير من المسائل والأحكام المتعلقة به، من أوصافه، وفضائله، والحث على تدبره، وحال الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه، ووسائل حفظه.

أوصاف القرآن

أوصاف القرآن الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أيها المسلمون: عنوان هذه المحاضرة: كيف تعيش مع القرآن؟ عظمة المسلم تكمن في مصاحبته لهذا القرآن، وفي العيش معه، وفي تلاوته وتدبره، والعمل به وحفظه؛ لأنه مبارك، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:29] فهو مبارك. قال بعض العلماء: مبارك في تلاوته وحفظه وفي العمل به، وتعليمه، ومبارك في الرقية به، ومبارك في طلب مداواة الأجسام والقلوب منه، وقال سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] كلام الله، أنزل ليوجه هذه الأمة، أنزل وليحكم هذه الأمة، وأنزل لتسير هذه الأمة عقيدةً وأخلاقاً وعبادةً وسلوكاً ومعاملةً على هذا القرآن: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] من استكفى به كفاه، ومن طلب الشفاء منه شفاه، ومن طلب الحماية في ظل من أنزله حماه، ولكن من طلب الهدى من غيره أضله الله، وأعماه وأخزاه ونكَّل به؛ ولذلك كان مصدر حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام: آياته كلَّما طال المدى جدد يزينهن جلال العتق والقدم أتى على سفر التوراة فانهدمت فلم يفدها زمان السبق والقدم ولم تقم منه للإنجيل قائمة كأنه الطيف زار الجفن في الحلم سبحان من أنزله! وسبحان من تكلم به! وهذا الدرس بعنوان: كيف تعيش مع القرآن؟ هو على عناصر: 1 - أوصاف القرآن. 2 - مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم مع القرآن. 3 - الحث على تدبر القرآن. 4 - تحزيب القرآن وفي كم يُقرأ القرآن، وكم تختم القرآن، وما هو وردك اليوم من القرآن؟ 5 - كيف تحفظ القرآن، وما هي الوسائل التي تعين على حفظ القرآن -بإذن الله- لمن أراد أن يحفظ القرآن؟ أما أوصاف القرآن فسماه الله ذكراً، والذكر هو الشرف والرفعة والمجد، فقال سبحانه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف:44] ومعنى الآية أنه شرف لك -يا محمد- ولقومك، وأنه مجد لك -يا محمد- ولقومك، وأنه علو وبهاء وثناء لك -يا رسول الله صلى الله عليك وسلم- وقومك العرب من هم إلا بالقرآن؟! ما هو تاريخ العرب إلا بالقرآن. ما هو مجد العرب إلا بالقرآن. {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف:44] قال تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص:1] ذي الشرف والرفعة. وسماه الله روحاً: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ} [الشورى:52] والروح هي التي تقوم بها الأجساد، فإذا ماتت الروح ماتت الأجساد ولم تهتدِ. وسماه الله نوراً ووصفه الله بأنه يهدي للتي هي أقوم، وأنه شفاء لما في الصدور، وأنه مبارك وأن آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. وهو الصراط المستقيم، وهو حبل الله المتين، وهذا من كلام علي موقوفاً عليه عند الترمذي، فلذلك لا يمدح المادحون كتاب الله مثل ما مدحه الله، ولا يمدحه بعد الله إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام. كان عليه الصلاة والسلام يستعرض السرية من الصحابة فيقول لأحدهم: {كم معك من القرآن؟ قال أحدهم: أحفظ سورة البقرة، قال: اذهب فأنت أميرهم} وهذا من حديث أنس وهو صحيح. فقرب الناس من الرسول عليه الصلاة والسلام بالقرآن، حبه لهم لصلتهم بالقرآن، كثرة تلاوة الصحابة للقرآن؛ تقربهم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقد صح من حديث جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو بالشهداء في أحد فيقول: {أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فيقولون: هذا، فيقدمه إلى القبلة ثم من بعده، ثم يصلي عليهم}.

مكانة قارئ القرآن

مكانة قارئ القرآن إن حفظة القرآن أئمة في الدنيا وفي الآخرة، فقد صح من حديث ابن عمر مرفوعاً إليه عليه الصلاة والسلام: {أنه يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها} والذي يظهر من النصوص أن معناه في حافظ القرآن، وليس في الذي يتلوه من المصحف، وذلك لأمور: 1 - أنه ليس في الآخرة مصاحف، وهناك يقال لمن يقرأ القرآن: اقرأ وارتقِ ورتل. 2 - أنه جعل فيه حداً نسبياً، فلو كان لمن يتلو من المصحف لكان الناس مشتركين في هذا الفضل جميعاً، ولكن يقال لأهل القرآن من الأمة المحمدية: {اقرأ وارتقِ ورتل} فكلما قرأ آية ارتقى في الجنة درجة، وفي الجنة درجات بين الدرجة والأخرى كما بين السماوات والأرض نسأل الله من فضله، فيقول: {اقرأ وارتق} فإذا وصل إلى محفوظه وقف، فإن منزلته عند آخر آية يقرؤها. فبعضهم يحفظ جزءاً وبعضهم يحفظ جزأين، وبعضهم يحفظ نصف القرآن، ولكن الذي يحفظ القرآن كما جاء عن ابن عمر موقوفاً عليه: [[من حفظ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه]] وقال أبو الدرداء: [[احفظوا القرآن فإن الله لا يعذب قلباً وعى القرآن]].

خيرية حافظ القرآن ومكانة أبي بن كعب

خيرية حافظ القرآن ومكانة أبي بن كعب فكلام الله لا يحفظه إلا موفق، ولذلك كان هو السبب العظيم الذي كان صلى الله عليه وسلم يشرف أصحابه به، فقد كان يحب أبي بن كعب سيد القراء رضي الله عنه وأرضاه، حتى يقول عمر: [[أقرؤنا أبي، وإنا نأخذ ونترك من بعض قراءة أُبي]] وقد صح ذلك عن عمر. وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس فنسي آية فلما سلَّم قال الصحابة: {يا رسول الله! أنسخت الآية أم نسيتها؟ -فمن يسأل، ومن صاحب هذا التخصص؟ معاذ تخصصه الحلال والحرام، وعلي قاضي، وزيد بن ثابت فرضي، وحسان بن ثابت أديب مسلم، لكنه أعطى القوس باريها- فقال: يا أبا المنذر! أكما يقول الناس؟ قال: نعم يا رسول الله!} وفي الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله -والمسألة تناسب تخصص أبي - فقال له: {أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران:2] فضرب على صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر} ليهنك هذا الفتح العظيم، ليهنك هذا التقدم، إذا افتخر الناس بالشهادات، وافتخروا بالشاة والنعم أو بالمناصب والوظائف فليهنك هذا الفضل العظيم: لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد شهم يموت بموته بشر كثير وذلك كـ أبي. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام، أن الله لما أنزل عليه سورة البينة ذهب إلى أبي وطرق عليه الباب وقال: {إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة، فقال أبي: وسماني في الملأ الأعلى؟ -أنا معروف في السماء من أنا، أنا لولا الرسالة الخالدة لست بشيء- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم سماك الله في الملأ الأعلى، وقرأ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم سورة البينة} ولذلك يتفكه المحدثون ويقولون: هل عرض الرسول صلى الله عليه وسلم على شيخ من الشيوخ؟ قالوا: عرض على أبي. وعند أحمد في المسند بسند صحيح، قال أبي بن كعب: {قال المشركون لرسول الله: انسب لنا ربك -أي: من أبوه ومن جده؟ سبحان الخالق! لم يتخذ ولداً ولا والدة ولا زوجة: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95] فسكت عليه الصلاة والسلام فأنزل الله قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]}.

الحث على تدبر القرآن

الحث على تدبر القرآن فلا قراءة إلا بتدبر، فالتدبر يثمر الإيمان، ويزرع في قلبك الإخلاص، ويربيك على التوحيد، والقرآن ما نزل إلا للتدبر، أن تسمع إذا قرأ الإمام ثم تتفكر: من أنزل هذا الكتاب؟! من أنزل هذا الكلام؟! ماذا يراد من هذا القرآن؟! ما هو المطلوب منا إذا قرأنا واستمعنا هذا القرآن العظيم؟ قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:29]. ذكر ابن القيم أن امرأة صالحة مكثت في قراءة القرآن سبع عشرة سنة في ختمة واحدة، وذكر الغزالي في الإحياء أن بعضهم يمكث عمره ليختم ختمة واحدة، لكن أخذ القرآن تكاليف أمور ربانية؛ حلال وحرام، أخلاق وسلوك وعقيدة.

كيف تحفظ القرآن

كيف تحفظ القرآن وعن أبي عبد الرحمن السلمي وغيره من القراء قالوا: [[كان الصحابة عثمان وأبي وزيد يخبروننا: أنهم كانوا يأخذون القرآن من الرسول عليه الصلاة والسلام عشراً عشراً، فلا يتجاوزونها حتى يعلمون ما فيها من العلم والعمل، فتعلمنا العلم والعمل جميعاً]] وقد صح هذا من كلام ابن مسعود. وكان أبو العالية يقول: [[كنا نقرأ القرآن خمساً خمساً]] وهو تابعي جليل، والمقصود هنا تدبر القرآن، وورد في ترجمة أبي بكر الصديق أنه كان له مصحف معلق في بيته، فكان إذا دخل بيته أخذ المصحف وتدبر آيات ليعمل بها، فكان أبو بكر قرآناً يمشي على الأرض، وكان عمر قرآناً يمشي على الأرض، فكل آية يعملون بها. القرآن لم ينزل فقط لنقرأه على الأموات، ولا لافتتاح الحفلات، ولا تعاويذ وتمائم تعلق في رقاب المرضى، ولم ينزل للتباهي بأخذ الجوائز. فإن بعض الناس -نسأل الله العافية- لا يحفظ إلا للجوائز وطلب المال وللتأكل به عند الناس والسلاطين، فشر الناس وأضلهم وأبعدهم أولئك الذين اتخذوا دينهم لعباً، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ} [الأعراف:175]. فالقرآن أعظم من ذلك، فقد نزل القرآن إيماناً، وعقيدةً، ونزل سياسةً ومعاملةً، ونزل أخلاقاً وسلوكاً. فوصيتي لنفسي ولإخواني أن يقرءوا القرآن ويقفوا عند كل آية وينظروا ماذا تريد الآية منهم إن كانت أمراً فائتمر، وإن كانت نهياً فانته، وإن كانت خبراً فصدِّق، وإن كانت قصةً فاتعظ، فالقرآن ليس بأحاديث سمر.

القرآن كتاب هداية

القرآن كتاب هداية أيها المسلمون! إن القرآن ما نزل إلا لهدف الهداية، والسر في القرآن كما يقول أبو الأعلى المودودي شكر الله له ورحمه الله في كتابه العجيب أسس في قراءة القرآن الكريم يقول: القرآن ما نزل كتاب هندسة؛ لأن بعض المفسرين مثل صاحب الجواهر يأتي بأمور القرآن بعيد عنها وما قصدها، فهو يقول في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] يقول: هذا دليل على أن الخط المستقيم أقرب موصل بين نقطتين، وهل نزل القرآن لهذا؟! وقال في قوله تعالى: {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} [المرسلات:30] قال: فيه دليل على أن إحدى زوايا المثلث منفرجة، لا إله إلا الله! {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] ولذلك رسم حيات في التفسير، ورسم عقارب عند ذكر الحشرات ورسم بحاراً ورسم غزلاناً، والقرآن لم يأتِ بهذا. وثانياً: القرآن لم يأتِ تاريخاً، يخبرنا متى ولد فرعون، ومتى مات، وكم عنده من أطفال، وماذا كان يفطر ويتغدى، بل أتى يبين ضلال فرعون وكفره وطغيانه، وأتى يبين الضلال والهداية للناس، فهذا سر إذا عرفه الإنسان مضى في القرآن. الأمر الثاني: أن القرآن ليس كتأليف الناس، فالقرآن يختلف عن التآليف البشرية، فالتآليف فهارس، والباب الأول فيه أربعة فصول والفصل فيه ثلاث عشرة فقرة، لكن القرآن أمره عجيب، فهو يحدثك عن التوحيد، ثم ينطلق بك إلى الطلاق؛ فإذا انتهى عاد بك إلى اليوم الآخر، فإذا انتهى أتى بك إلى الجهاد، أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً، والمقصود التدبر.

مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة مع القرآن

مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة مع القرآن في فصل: جيل قرآني فريد؛ كلام عجيب، من ضمن ما فهمت من هذا الفصل أنه ليس عند الصحابة ثقافة إلا القرآن، لم يكن عندهم مجلدات ولا مصنفات ولا صحف ولا جرائد، أما نحن فابتلينا بثقافات ملأت قلوبنا وعقولنا وأبصارنا وأسماعنا، ثم أظلمت قلوبنا إلا ما رحم ربك، تجد الواحد يظل ست ساعات يقرأ الصحيفة، ولا يقرأ آيات من القرآن، أحدهم يقول لصاحبه وهو على مكتبه يحاوره: والله! ما فتحت المصحف ستة أشهر، لكنه نشيط في قراءة الصحف، إعلانات شركات الإسمنت، درجات الحرارة، الصيدليات المناوبة، وأخبار من ضيع تابعية ومن هذا القبيل، أما النور والهداية والحبل الوثيق والصراط المستقيم فلا يقرأ، وبعضهم يقف أمام الشاشة سبع ساعات، أما القرآن فلا يقرأ ولا يسمع، مستعد أن يرى الأفلام، ويسمع الغناء، ويقرأ المجلات ويقرأ الصحف، ويشارك ويمزح؛ لكن القرآن ما وصل إلى قلبه، فكيف يهتدي؟! فسر الإنسان وهدايته في هذا القرآن.

حب سماع الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن من غيره

حب سماع الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن من غيره وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يطلب من أصحابه أن يقرءوا عليه القرآن وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال لي الرسول صلى الله عليه وسلم: {اقرأ عليَّ القرآن، قال: قلت: يا رسول الله! أقرأ عليك وعليك أنزل؟! -يعني من أنا حتى أقرأ عليك القرآن وأنت الذي أنزل عليك- قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فابتدأت بسورة النساء حتى بلغت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] فقال لي الرسول صلى الله عليه وسلم: حسبك الآن، فنظرت فإذا عيناه تذرفان عليه الصلاة والسلام} تأثر، وكان صوت ابن مسعود جميلاً، ولذلك يجد الإنسان من الإمام الجميل الصوت من التأثير ما لا يجده من الآخر. وقال ميمون بن مهران: لا بأس أن يتتبع المسلم الإمام حسن القراءة أو جميل الصوت أو كما قال، وهذا طيب؛ لأن الإنسان يخشع وراءه، ويجد من التلذذ ما لا يجده خلف رجل ليس بحسن الصوت أو حسن التجويد.

قراءة أبي موسى على الصحابة

قراءة أبي موسى على الصحابة وأبو موسى كان يقرأ على الصحابة كما كان يقول عمر: [[اقرأ علينا يا أبا موسى! ذكِّرنا بربنا]] فيقرأ أبو موسى والصحابة يتباكون. وقد صح أن أبا موسى قرأ ليلة من الليالي فمر عليه الصلاة والسلام فاستمع لقراءته، وفي الصباح لقيه وقال: {يا أبا موسى! لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لقراءتك، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود} هذه فرصة عظيمة أن يبشره، تصور أنك تصلي في مثل هذا المسجد ولا تدري من يستمع لك، ثم يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا استمعت لك، قال: {لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود، فيقول أبو موسى: والذي نفسي بيده! لو كنت أعلم أنك تستمع لي لحبرته لك تحبيراً} يعني لجمَّلته وحسنَّته. ولذلك قال الإمام مالك لأجل هذا الحديث: لا بأس أن يتكلف الإمام في تحسين صوته، بدون تكلف يخرج إلى المشقة كما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله. وعند أبي حاتم بسند صحيح: {أنه عليه الصلاة والسلام مر في ليلة من الليالي في سكة من سكك المدينة فسمع عجوزاً وراء الباب تقرأ سورة الغاشية وتردد من وراء الباب وتقول: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] فجعل صلى الله عليه وسلم رأسه على صائر الباب، وأخذ يبكي ويردد معها: نعم أتاني، نعم أتاني، كلما قالت ورددت هذه الآية قال عليه الصلاة والسلام: نعم أتاني، نعم أتاني}. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحيي ليله بالقرآن، وكان لا يجلس مجلساً إلا ذكر الله عز وجل، وكانت خطبه ومواعظه وفتاويه من القرآن، فلذلك لما سئلت عائشة كما في صحيح مسلم عن خُلُقه صلى الله عليه وسلم، قالت: {كان خُلُقه القرآن} فإذا قرأت القرآن فهو ترجمة حية لحياته عليه الصلاة والسلام.

تحزيب القرآن وحفظه

تحزيب القرآن وحفظه كيف نحزِّب القرآن؟ وما هو تحزيب القرآن؟ وفي كم نختم القرآن؟ أيها المسلمون! اعلموا أن الدين يسر ليس بالعسر، وما جعل عليكم في الدين من حرج، قال تعالى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:1 - 3] لكن تسعد فلا تشقى في تلاوة القرآن، ولا في القيام بالقرآن، ولا في حفظ القرآن، ولا في العمل بالقرآن، واعلموا أن ظروف الناس تختلف، فيهم العامل المنهك بعمله، والأستاذ المشغول بتعليمه وتلاميذه، والطالب المشغول بامتحاناته، والمزارع والتاجر والسلطان، فالله عز وجل جعل تحزيب القرآن لظروف الناس، وهذه أمور لم تتقيد بأمر واجب تكليفي من الله ورسوله بل تركت للناس.

دروس من قصة عبد الله بن عمرو

دروس من قصة عبد الله بن عمرو هناك أمور نسبية تقريبية أذكرها لكم، والأصل في ذلك ما في الصحيحين من حديث ابن عمرو أنه كان يختم القرآن كل ليلة، ويصوم كل يوم واعتزل أهله، فذهبت امرأته إلى أبي عبد الله عمرو بن العاص داهية العرب، الصحابي الجليل، فشكت زوجها، فهي تريد حياة زوجية -فهو رضي الله عنه وأرضاه ظن أن الإسلام عبادة فقط، وإلا فالسعي على الأهل عبادة، وإعطاء الزوجة حقها عبادة، وطلب التجارة لمرضات الله عبادة، والكسب عبادة، والجهاد عبادة، والنوم إذا قصد به وجه الله عبادة، لكن ابن عمرو رضي الله عنه وأرضاه ظن أنه للعبادة فقط، قراءة وصيام، يصوم النهار ويفطر مع الغروب، يصلي المغرب والعشاء ويأتي وقد نامت زوجته، ويصلي إلى الفجر ويبكي وأصبح برنامجه هكذا- فذهبت إلى أبيه وقالت: تزوجت رجلاً ليست له حاجة بالنساء، إذا كان كذلك فليطلق سراحها، فذهب عمرو بن العاص إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ورفعه إلى القائد الأعلى؛ فهذه قضية لا يفصل فيها إلا محمد صلى الله عليه وسلم لأمرين: الأمر الأول: إما لأن عمرو بن العاص يريدها أن تكون قاعدة للناس جميعاً؛ لأنه يريد أن يأتي من المشرِّع صلى الله عليه وسلم. الأمر الثاني: أو أن عمرو بن العاص أراد ألا يواجه ابنه، وأراد أن يكون الخطاب لابنه من محمد عليه الصلاة والسلام ليكون أنفع وأقبل. فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: {يا رسول الله! ابني زوجته فتاة جميلة من آل فلان، ثم تركها، فكان يصوم النهار ويقوم الليل، قال: ائتني بابنك، فلقيه صلى الله عليه وسلم، وقال له: يا عبد الله! أأنت الذي يقال عنك أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قال: نعم يا رسول الله! وما أردت إلا الخير، قال: لا إن لربك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه} ما أجمل الإسلام! ما أجمل التشريع! هكذا الروعة، وهكذا الإبداع، وهكذا الجمال! دين يتربى عليه البدوي في الصحراء، والملك في القصر، والجندي في الساحة، والفلاح في المزرعة، والتاجر في الدكان، دين عام حق يصل إلى القلوب، ليس كدين الكنيسة أو الرهبوت أو الكهنوت، التي قال الله عنها: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَامَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27]. أما ديننا فدين كامل يصلح للجميع، فلما أعطاه هذه القاعدة، قال: {اقرأ القرآن في شهر، يعني اختم القرآن في شهر ولو أن في بعض الروايات يذكرها بعض المحدثين في أربعين يوماً، لكن لا أظن أنها صحيحة، ففي الصحيحين في شهر يعني: في كل يوم جزءاً- قال: إني أستطيع أكثر من ذلك، قال: اقرأه في عشرين -وفي بعض الألفاظ في خمسة وعشرين- قال: أستطيع أكثر من ذلك، قال: اقرأه في خمسة عشر، قال: أستطيع أكثر من ذلك، قال: اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك} لأن أمامك متطلبات؛ قد يمرض الإنسان أو يسافر، أو قد يأتيه ضيف قريب أو جار أو رحم. ونازله صلى الله عليه وسلم في الصيام وقال له: {صم من كل شهر ثلاثة أيام، قال: أستطيع أكثر من ذلك، فزاده صلى الله عليه وسلم حتى قال له: صم يوماً وأفطر يوماً} وهذا صيام داود عليه السلام. ثم أخبره بقيام الليل، فقام ابن عمرو، ولما كبر ابن عمرو وشابت لحيته ورأسه ودقَّ عظمه، قال: [[يا ليتني قبلت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم]] يقول: يا ليتني ختمته في شهر، وياليتني صمت من كل شهر ثلاثة أيام. والسبب أنه ما يريد أن يترك شيئاً شبَّ عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم بعيد النظر ويربي أجيالاً؛ لأن هذا الدين للملايين ليس لي ولك فقط، صحيح أنك تستطيع شيئاً، أما أن تفرضه علي فلا، أنت أعطاك الله عضلات وقوة تستطيع أن تفعل شيئاً، لكن أنا لا أستطيع أن أفعل ذلك، ولذلك ترك التطوع للناس.

كيف نقسم القرآن على الأيام

كيف نقسم القرآن على الأيام أيها الإخوة! تعالوا اليوم لنختم القرآن في شهر كلنا، أو فإن لم نستطع ففي كل يوم حزب، ولا بأس أن تختمه في شهرين، ومن يفعل ذلك ففيه تقصير، لكن ما لا يدرك جله لا يترك كله، والإنسان بظروفه، حتى إن بعض العلماء قالوا: لا يفوته أن يقرأ في المصحف يوماً ولو شيئاً يسيراً، والقرآن لم يأت بفريضة في جزء ولا حزب لكن أقرب ما أقول: حزب، أما طلبة العلم والأئمة والعلماء فلهم أحزاب أخرى، لكن جمهور الناس لا يفوتهم في اليوم حزب، وكان الصحابة عموماً يختمون القرآن في سبعة أيام، ذكر هذا ابن تيمية وغيره، يقول ابن تيمية: كان الصحابة يختمون القرآن في سبعة أيام، كلهم أو جلهم وهو الأشبه. وكان الإمام أحمد يختمه في سبعة أيام، وابن تيمية يختمه في سبعة، وكثير من الأئمة، وكانوا يحزِّبونه كما يلي: ثلاث، وخمس، وسبع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، والمفصل، أي: ثلاث سور في يوم، البقرة وآل عمران والنساء ثلاث، وتأتي خمس بعده، ثم سبع سور في اليوم الثالث، ثم تسع في اليوم الرابع، ثم إحدى عشرة في اليوم الخامس، ثم ثلاث عشرة سورة في اليوم السادس، ثم من ق إلى الناس في اليوم السابع. فجل الصحابة كانوا يفعلون هكذا، أبي وزيد وعلي رضي الله عنهم وأرضاهم، وذكره أيضاً صاحب الإحياء الغزالي. وذكر ابن تيمية توزيعاً آخر لمن يختمه في شهر، قال: إما جزء وإلا فليجعل البقرة جزءين، وآل عمران جزءين، ثم أتى يقسم السور مرة سورتين ومرة ثلاثاً حتى قسمها على ثلاثين يوماً. والآن -الحمد لله- القرآن مجزأ عندنا ثلاثين جزءاً لمن أراد أن يقرأه في شهر، ومحزب لمن قَصُر به الحال، فأراد أن يأخذ حزباً في اليوم. وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث} وهل هو منهي أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث؟ أما الفقه فلن يفقه، أي لا يستفيد في التدبر، لكن الأجر أرى أنه يؤجر إن شاء الله، وقد ذكر الأئمة أن بعضهم كان يقرأ القرآن في يوم واحد. فـ الشافعي ذكر عنه المترجمون كـ الذهبي وغيره أنه قرأ القرآن في رمضان ثلاثين مرة، وقرأه البخاري كذلك، وهذا ليس ببعيد، بل أعرف من العصريين من قرأ القرآن في يوم واحد، وهذا يحدره حدراً ويتمتم به تمتمة وهو لا يتدبر ولكنه يريد الأجر؛ لأن من قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة والحسنة بعشرة أمثالها: {لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف}.

وسائل حفظ القرآن

وسائل حفظ القرآن القرآن هو الشرف العظيم، والذكر الحكيم، والنور المبين، فكيف نحفظ القرآن، وما هي الوسائل؟ أنا أسردها سرداً ثم أعود بشيء من البسط والشرح لبعض المسائل. الوسائل التي تعين على حفظ القرآن إحدى عشرة وسيلة وهي كالتالي: 1 - الإخلاص وطلب ما عند الله، وطلب ثواب الله من هذا القرآن، لا ليتأكل به، ولا ليقال قارئ؛ لأن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة منهم: قارئ حفظ القرآن ليقال: إنه قارئ أو ليقال أنه حافظ. 2 - تفريغ البال من هموم الدنيا ومشاكلها. 3 - كثرة الاستغفار. 4 - التكرار: أن تأخذ مقطعاً وتكرره أكثر من خمسين مرة، بعض علماء الهنود من الأحناف، يقولون: يكرر المقطع خمساً وسبعين مرة إلى ثمانين مرة. 5 - اختيار الوقت المناسب. 6 - تقليل المحفوظ. 7 - أن يكون حفظك على مصحف واحد. 8 - سماع القرآن من الشريط الإسلامي ومن الأئمة المقرئين. 9 - معرفة معاني القرآن، بقراءة تفسير مبسط في ذلك. 10 - تلاوة القرآن في الصلاة، وفي النوافل والفرائض، وقيام الليل. 11 - المراجعة مع صديق لك وصاحب، وما أكثر الأصحاب والأصدقاء! لكن ما أكثر الضياع مع الأصحاب والأصدقاء!

الإخلاص

الإخلاص الإخلاص: كل عمل لا يكون فيه إخلاص فهو ضياع، وصاحبه ليس موفقاً ونهاية العمل إلى الفشل. قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65] وقال أيضاً: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:7]. {وإنما الأعمال بالنيات} {من أشرك معي غيري في عمل تركته وشركه}. والأمور التي تدخل في حفظ القرآن غير الإخلاص أو التي تضاد الإخلاص، كأن يحفظه الإنسان ليشتهر بين جماعته وقريته أنه حافظ، أو ليعين في المسجد أو ليتأكل بالراتب، ليس قصده الإمامة، ولا نفع المسلمين لكن قصده فقط الحفظ، لأنهم يشترطون أحياناً في الإمام أن يحفظ جزءين أو ثلاثة أو أربعة فيكر ويفر على الجزءين فإذا سبق ونجح وأصبح إماماً ترك الجزءين فنسيهما. ومنهم من يحفظ للامتحانات فقط، ولذلك بعض الجامعات والكليات والمعاهد يحفظ فقط قبل الامتحان بأيام، فإذا قدم ورقة الامتحان نسي القرآن فنسيه الله، ومنهم من يعلن عن جوائز باهظة من أحد المحسنين أو أحد الهيئات فيتقدم فيكر الليل والنهار ويسهر، فهو يسهر من أجل ثلاجة أو غسالة أو مجموعة أحذية، وهل هذه تعادل كتاب الله عز وجل؟! أهكذا يفعل مع كتاب الله عز وجل؟! أهكذا يشترى به ثمن قليل؟ هل أصبح القرآن رخيصاً لهذه الدرجة؟ فإذا فاز في المقابلة وفي المسابقة أخذ الجائزة ثم نسي القرآن وأعرض عنه. وبعضهم لا يقرأ القرآن في رمضان إلا ليجيب عن الأسئلة -الثلاثين سؤالاً- فتجده يفتح القرآن كأنه يفتح معجماً، أو كأنه في كتاب تاريخ يبحث عن تراجم؛ لأنه لا يعيش مع القرآن، ولا يدري أين القرآن؟ ولذلك بعضهم لو سألته عن سورة مشهورة وهو يقرأ ما أعطاك خبرها، تقول له: افتح (تبارك) فيبحث لك عند سورة الناس؛ لأنه لا يعيش مع القرآن. وبعض الناس من كثرة قراءته في المصحف لو تسأله في آية لفتح عليها في سورة كذا ورقم كذا، عاش مع القرآن، تذوق القرآن، أحيا قلبه بالقرآن. وبعضهم يحفظ من أجل التقدم على زملائه، وبعضهم يحفظ من أجل أن يقرأ في الحفلات العامة، وبعضهم يحفظ ليهول الناس بصوته وبكائه في صلاة التراويح. وبعضهم يحفظ لتسجل أشرطته بواسطة هذا القرآن ويقال: المقرئ المفضل، وكلها نسأل الله العافية والسلامة من هذه المقاصد. فيجب أن يحفظ القرآن لله عز وجل: {أول من تسعر بهم النار ثلاثة منهم: قارئ سأله الله أما علمتك القرآن؟ قال: بلى يا رب! قال: ماذا عملت به؟ قال: قمت به وأحللت حلاله وحرمت حرامه، فيقال له: كذبت، إنما تعلمته ليقال قارئ وقد قيل، خذوه إلى النار فيأخذونه حتى يلقى على وجهه في النار}.

تفريغ البال

تفريغ البال المسألة الثانية تفريغ البال: فالقرآن لا يستقر مع هموم الدنيا، وبعض الناس يشتغل بالتوافه حتى تستولي على عقله وفكره، يفكر في الغداء وهو في صلاة الظهر، وفي العشاء وهو في صلاة العشاء، يفكر في مسائل جزئية حتى يصبح حاله شذر مذر، أمره عجيب، يذكر الذهبي أن بعض المحدثين غلب عليهم حب الحديث وأفرطوا فيه حتى ضيع عليهم الخشوع في الصلاة. وذكر أن أحدهم قام فقال: الله أكبر -في صلاة الظهر- فرفع صوته بالقراءة وقال: حدثنا الربيع بن سليمان، وبعضهم يقرأ التحيات وهو في الفاتحة من الشواغل التي مرت عليه، ويقرأ الفاتحة في التحيات. فهذا لا يحفظ القرآن، بل هذا له محفوظات أخرى، لذلك تجد بعض العوام يحفظ القصائد التي قيلت حتى يكاد يجمع مجلدات، يجلس في المجلس يقول: قالت قبيلة كذا ترد على كذا، وقال فلان من آل كذا يرد على فلان من قبيلة كذا، وملحمات في ذهنه، لكن إذا سألته اقرأ سورة تبت يقول: ما حفظتها، الدين يسر ويكفي الفاتحة تقوم بها الصلاة، لكن القصائد مسجلة. وبعضهم يحفظ أرقام الهاتف غيباً وأسماء المجلات، وأسماء العواصم، والصادرات والواردات، ورؤساء الدول، ووزراء الخارجية، لكن لا يحفظ من القرآن شيئاً. والبخاري ذكر عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمته أنه قال: أردت أن أكتب لأقاربي في بخارى فنسيت اسم بعض خالاتي وعماتي، كذا ذكرها الذهبي؛ لأن البخاري توجه إلى القرآن والحديث، كتابه التاريخ الكبير فيه ألوف مؤلفة من الرجال فخدم به سنة الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ما من رجل كتبته إلا وأعرف أين ولد، ومتى توفي، وأين توفي، وكم يروي، ولذلك لما رآه أبو عبيد القاسم بن سلام وعبد الله بن الطاهر راوي الكتاب قالا: هذا سحر، لا أحد يؤلفه، وليس بسحر بل حق مبين، ولكنه من حفظه وذكائه حفظهم بينما لم يهتم بتلك الأمور فنسيها. ولذلك بعض العلماء يحفظ كثيراً من الأحاديث بالسند، سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يذكر له الحديث يقول: رواه الترمذي وفي سنده فلان بن فلان، قال فلان فيه: كذا وكذا، وهو أعمى البصر لكنه منور البصيرة: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الرعد:19] بصيرته حية: إن يأخذ الله من عينيَّ نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور عقلي ذكي وقلبي غير ذي عوج وفي فمي صارم كالسيف مأثور دروس الشيخ الآن إذا درس يقرأ عليه السند فيتحدث عن الرجل، ثم يتحدث عن من زاد في الحديث، ولذلك من يقرأ فتاويه مثل الجزء الأول مثلاً يقول: قال صلى الله عليه وسلم في حديث أوس بن أوس عند أبي داود: {أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: كيف تعرض عليك صلاتنا يا رسول الله وقد أرمت؟ -أي: بليت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء} قال الشيخ: ولا يصح الشهداء لأنها زيادة ضعيفة. والذي علمه هو الله؛ لأنه انتهج إلى العلم: بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطل في إشراقه الضافي تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم درا غير أصداف يكفي محياك أن القلب يعمره من حبكم والدي أضعاف أضعاف حياة ليست كهذه الحياة ضياع، الإنسان عمره ستون سنة وهو يحفظ أغاني، ويحفظ أرقاماً، ويحفظ أسماء لا تنفع، وقصائد وخزعبلات! فهذا خطأ، فعمرك محسوب عليك.

كثرة الاستغفار

كثرة الاستغفار ومنها كثرة الاستغفار: ورد عن ابن تيمية أنه قال: إنها لتعجم علي المسألة فأستغفر الله أكثر من ألف مرة فيفتحها الله علي، يقول: تصعب عليه المسألة فيبحث عن الترجيح والتحقيق فتتعارض عليه أقوال العلماء -بعض الأوقات كما يقول الشوكاني: تتعارض الأدلة حتى تقع عمائم الأبطال، وتتكسر النصال على النصال، يقطر عرق الإنسان، ويفض رأسه وتتشنج أعصابه كيف يجمع بين هذه الأقوال- فيأتي ابن تيمية بالاستغفار؛ لأنه لا يفتحها إلا الواحد الأحد، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام:59] دائماً يبتهل ويدعو الله بالفتح، بل ورد في ترجمته: أنه كان يذهب إلى الخربة القديمة قبل الفجر ويمرغ وجهه في التراب ويبكي ويقول: يا معلم إبراهيم! علمني. ويا مفهم سليمان فهمني، فعلمه معلم إبراهيم وفهمه مفهم سليمان. فتأتي إلى النحو فإذا هو أقوى من سيبويه، وفي المنطق أقوى من ابن سينا، وفي الحديث كـ يحيى بن معين، وفي الفقه أقوى من السبكي الشافعي الذي معه، كان يجلس أمام علماء المذاهب فيسمع من عالم المذهب فيقول: مذهبك ليس كذا، الصحيح في مذهبك كذا. جاء أبو حيان الأندلسي النحوي الكبير صاحب البحر في التفسير فذكر سيبويه، فقال ابن تيمية: في الكتاب لـ سيبويه ثمانون خطأً لا تعرفها أنت ولا سيبويه، قرأ كتاب سيبويه الذي ما يقرأه الإنسان إلا كأنه حديد، وسجل ثمانين خطأً، قرأ المنطق ففتح الله عليه. كان يغلق عينيه بعد صلاة العصر ويتكلم بشتى العلوم، ويفتحها مع الغروب، ثم يعتذر عن زملائه، وهذا يذكره ابن عبد الهادي يعتزلهم يسلم على الجالسين ويقول لهم: اعذرونا سافرنا عنكم، يغلق عينيه ثم ينطلق مثل البحر {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21]. وصح أن ابن دقيق العيد عالم الشافعية الذي يجعلونه مجدد القرن السابع، دخل على ابن تيمية فلما رآه يتكلم، قال: رأيت رجلاً كأن القرآن والسنة أمام عينيه، يأخذ ما شاء ويترك ما شاء، ثم يقول لـ ابن تيمية: والله ما أظن أن الله يخلق مثلك -أستغفر الله العظيم- فغضب ابن تيمية، حتى قال ابن تيمية: أنا المكدي وابن المكدي وهكذا كان أبي وجدي فقير يأخذ هذا العلم بالأسباب، بالاستغفار، وبالفتح من الله، دائماً يرفع يديه، يعلم أنه لا يفتح عليه إلا الواحد الأحد، ولذلك منحه الله من العلوم ما الله به عليم، وأنا لا أعرف أحداً بعد الصحابة أعلم من ابن تيمية، وابن تيمية، لم يتكرر كما يقول المستشرق المجرم، جولد زيهر الذي قال: وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن.

التكرار

التكرار يظن بعض الناس أن حفظ القرآن مثل حفظ أي متن؛ كحفظ قصيدة أو حديث أو قصة، لا، فالقرآن يختلف، فإنه ينسى، قال صلى الله عليه وسلم: {تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها} إن لم تتعاهده يخرج منك، والحكمة في ذلك والله أعلم ليبقى الإنسان متصلاً بالقرآن، لا تظن أنك إذا حفظت مقطعاً وكررته مرتين أنك انتهيت، صحيح أنك تحفظه في الحال؛ لكن تنساه، وهذا يسميه الموريتانيون الكتابة (بالرصاص) الذي يكرر مرتين أو ثلاثاً مثل الذي يكتب (بالرصاص) ثم يمحى، أما إذا أردت أن تكتبه كتابة كالنحت على الحجر فكرره أكثر من خمسين مرة، خذ ثلاث آيات كل يوم وكررها أكثر من خمسين مرة، ثم تعاهدها وسوف تحفظ.

تقليل المحفوظ

تقليل المحفوظ أيها الإخوة! من أراد أن يحفظ القرآن فلا يحفظه بالكثرة، القرآن إذا حفظته جملة فاتك جملة، قال بعض الشباب: حفظت سورة يوسف في يوم، وبعضهم يقول: حفظت سورة الكهف في يوم، وهذا صحيح، لكن لو اختبر بعد أيام فإنه يكون قد نسيها فالحفظ بالتقليل، قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: تقليل المحفوظ والثبات أصل عظيم. ولذلك وصيتي لإخواني ألا يتجاوزوا في اليوم خمس آيات، قال أبو العالية: [[كنا نأخذ القرآن من الصحابة خمساً خمساً]] وقال أبو سعيد: [[كنا نتعلم القرآن ونحفظه خمساً خمساً]] أربع آيات، خمس آيات في اليوم ثم تكررها ثم تبني عليها في اليوم التالي، وتجعل لك يوماً في الأسبوع كيوم الجمعة تراجع فيه ما قرأت في الأسبوع.

الوقت المناسب

الوقت المناسب أنسب أوقات حفظ القرآن قبل الفجر وبعده، وبعد صلاة المغرب، فهذه أنسب الأوقات للحفظ، والله ذكرها في القرآن: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39] وكذلك الفجر قال تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] فالفجر تشهده الملائكة، ثم إنك قمت وأنت مرتاح البال ليس في فكرك إلا القرآن، وأرشح إذا أراد الإنسان أن يحفظ مقطعاً أو ثلاثة مقاطع أو أربعة أو خمسة أن يقرأها قبل النوم كثيراً، فإذا استيقظ يقرؤها ويكررها.

القراءة في مصحف واحد

القراءة في مصحف واحد مما يعكر على الحفاظ أنهم إذا تنقلوا من مصحف إلى آخر اختلفت واجهات المصحف، وأنا أرشح المصحف الواحد، وليكن هذا المطبوع الموجود بين أيدينا من المجمع فهو من أحسن ما يكون، وهو الذي ينتهي بآية وهو مشهور ومتوفر فليحفظ عليه، شكر الله لمن قام عليه، ولمن أسداه، ولمن قدمه للأمة الإسلامية.

سماع القرآن من أشرطة

سماع القرآن من أشرطة ووسيلة الشريط أمرها عجيب، كثير من الشباب يحفظ الآن بواسطة الشريط، يجعل الشريط في سيارته على مقطع واحد، وكلما ركب كرره فإذا انتهى عاد، فإذا انتهى عاد حتى يرسخ السماع في ذهنه، أنا أعرف شاباً حفظ سورة الأنعام من الشريط كما يحفظ الفاتحة، وهذا مجرد تعود على الشيء فإذا به يرسخ في ذهنك، بل قدم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى آلة السمع في القرآن على آلة البصر قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء:36] وقال أيضاً: {وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:9] فالسمع أولاً؛ لأنه أحفظ ما يكون، فوصيتي للإنسان أن يحفظ من طريق الشريط، إما في البيت وإما في السيارة، ويكرر ذلك ليحفظ المقطع الذي يريد حفظه.

معرفة معاني القرآن

معرفة معاني القرآن وهي مما يعين على حفظ القرآن، وقد ذكر ذلك ابن تيمية؛ فإنك إذا حفظت المعنى وحفظت الكلمة أعانك الله بإذنه، مثل قوله تعالى: {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً} [النحل:52] لا تدري ما معنى كلمة (واصباً) أو لا تدري ما آخر السور، أحياناً تجده يقول: وكان الله عزيزاً عليماً، والصحيح هو: {وكان الله عليماً حكيماً} [النساء:17] فلو فهم المعنى عُرف أن القرآن لا يختم إلا بهذا. أحد الأعراب سمع مقرئاً يقرأ قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] فقرأ المقرئ: إنه هو العزيز الحكيم -ذكر ذلك مثل ابن إسماعيل وابن قتيبة - قال: لا. لا يكون هذا، أعرابي لا يعرف القرآن لكنه يعرف لغة العرب، قال الأعرابي: لا يكون بعد المغفرة إلا غفور رحيم، فعاد المقرئ إلى المصحف فقال: صدقت. فلو كان يعلم معنى الآية ما كان ختمها بشيء لا يناسبها، ومما يرشح في هذا الجانب كلمات القرآن لـ حسنين مخلوف مفتي مصر وقد طبعته الإفتاء وهو مجلد واحد صغير، وهو يعينك على فهم القرآن فهماً مبسطاً، وتفسير الجلالين لا بأس به، ومثل تفسير ابن كثير، أو مختصر ابن كثير لـ نسيب الرفاعي، فهذه أيضاً تعين على فهم القرآن بإذن الله عز وجل.

تلاوة القرآن في الصلاة وقيام الليل والنوافل

تلاوة القرآن في الصلاة وقيام الليل والنوافل إذا حفظت مقطعاً فكرره في الأربع والعشرين ساعة التي بعده في الفريضة، والنافلة، والوتر، والضحى، وتحية المسجد، وفي قيام الليل، وكلما كررته ونسيت فعد إلى المصحف فإنك سوف تحفظه بإذن الله، فقيام الليل من أحسن ما يكون للقرآن، قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل:6].

المراجعة مع صديق أو صاحب

المراجعة مع صديق أو صاحب وأنا أرشح من الإخوة الذين يجتمعون دائماً للسمرات والحفلات والمناسبات أن يكون بينهم جدول عمل، والكفار بينهم جدول إلا المسلمين، فيجتمعون في قصص، وأطروحات وفكاهات، أرى أنهم يقولون: إذا اجتمعنا عندك هذه الليلة فلنحفظ خمساً من الآيات أو نقرأ في تفسير ابن كثير، أو نقرأ في رياض الصالحين، أو يكون معنا قصة نقرؤها، أو حديث، أو سيرة نبوية، فهذا مطلوب. وأرشح أن تكون هذه المراجعة مع الصاحب، فيكون لك صديق وصاحب تقرأ عليه وتردد، وليكن ولو كان في الأسبوع يومان أو يوم واحد كالأساتذة مثلاً في المدرسة، كثير من الأساتذة يفوت عليهم وقت الطلبة بين الحصص وكذلك وقت انتظار ركوب الطائرة ساعة أو ساعتين، وتجد الإنسان يعدد الناس وينظر إلى أشكال الناس وحقائبهم حتى تتعب رقبته من كثرة الالتفات، وبعضهم إذا وقف على الرصيف، أخذ ينظر في السيارات يوصلها من مكان إلى مكان بنظره، فعليه أن يأخذ المصحف أو يكرر سورة. فضياع الوقت أمره عجيب، بعض الناس يفتح البقالة بعد صلاة الفجر فلا يأتيه أحد، بعضهم عنده بصل أو ثوم وشيء من سكر فيفتح من بعد الفجر خوفاً أن يبتعد عنه الزبائن، فيبقى إلى الساعة العاشرة ولا يأتيه أحد، وتجده جالساً لا يقرأ، إنما ينظر في هذه المعلبات حتى لا تفر من بين يديه، يا أخي! افتح المصحف، كثير من التجار معهم مصاحف في حوانيتهم، وهذا ينبغي أن يكون كذلك في مكاتب الموظفين والأساتذة والمدراء ليقرءوا وقت الفراغ، فبعضهم ليس لديه إلا معاملة واحدة أتعب المسلمين بها، كلما أتاه المراجع يقول له: بعد شهرين إن شاء الله، لماذا؟ يقول: الأدراج مليئة بالملفات والمراجعات، وهو بهذه المعاملة أتعب الناسَّ وليس عنده شيء إلا اتصالات، فينبغي أن يكون المصحف على طاولة المكتب. وإذا وجد هناك من الملابسات والظروف ما يعيق فليكن عندك مسجل تستمع، وهذا من أحسن ما يكون، وأنا رأيت بعض الناس معه مصحف يقرأ فيه قراءة عجيبة، مع كثرة أشغاله وأعماله لكن يزيده الله عوناً وصحة. كذلك بعض الناس ينتظر السيارة وتجده جالساً ولكنه لا يقرأ، فيضيع الوقت وهو حياته، وهو يصرف من وقته والله محاسبه على هذا العمر، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. وبعض الناس لا يبيع ولا يشتري ولكن ينزل في السوق يجلس عند بائع الخيار نصف ساعة، وعند بائع الجرجير ساعة، ثم يقوم في الظهر لم يشتر ولم يبع، لماذا هكذا يا فلان؟ يقول: أتمشى وأنظر في هذه النعم، وأنظر في خلق الناس. لكن هل ترضى أن يذهب وقتك سدى؟! وبعضهم -نسأل الله العافية- يذهب إلى المحاكم يشهد شهادة زور، ليس موظفاً ولا مدرساً ولا عنده عمل، لكن أخذ مسبحته وذهب، يا فلان! عندك شيء والفلوس جاهزة -نسأل الله العافية- وهذه يفعلها من ضاع حظه من الله، فيبيع دينه بألف ريال، أو ألف وخمسمائة، أو ألفين، وبعضهم باع دينه بعشرة آلاف، ووالله! لو دفعت له الدنيا بما فيها ذهباً وفضة لهو الخسران.

فضائل بعض سور القرآن

فضائل بعض سور القرآن أيها الإخوة! هنا سور ورد فيها فضل، ولنا فيها كلام.

فضل سورة الكهف

فضل سورة الكهف من هذه السور: سورة الكهف، صح في قراءتها يوم الجمعة حديث صحيح عند الحاكم والبيهقي والدارمي موقوفاً عند الدارمي وابن مردويه وهو قوله عليه الصلاة والسلام: {من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة ويوم الجمعة، أضاء له نوراً من تحت قدميه إلى عنان السماء} وهو حديث صحيح، وأورده ابن القيم وهو صحيح عند الأئمة، وفي بعض الروايات لكن فيها نظر أوردها الضياء صاحب المختارة من حديث علي؛ لكن كأنه موقوف، وهذا لا يكون من قبيل الرأي فيكون في حكم المرفوع لكن في سنده رجل تكلم فيه يحيى بن معين: {من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أو يوم الجمعة كفرت له ذنوبه ثمانية أيام}. فوصيتي أن تقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، يقولون: كان الإمام أحمد لا يترك سورة الكهف يوم الجمعة لا في حضر ولا سفر، حتى في مرضه كان يقرؤها.

فضل سورة الملك

فضل سورة الملك صح عنه عليه الصلاة والسلام عند أحمد أنه قال: {سورة ثلاثون آية شفعت لصحابها حتى غفر له} فتعالوا أنا وإياكم من هذه الليلة نأخذ على أنفسنا عهداً أن نقرأها كل يوم وليلة ليلاً أو نهاراً أي: ما يمر على الواحد أربع وعشرون ساعة إلا وقد قرأها مرة، وتعالوا من الآن نوصي أهلنا وإخواننا وجيراننا أن نقرأ سورة (الملك) كل يوم، وذلك لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحديث. وقد ورد في السير أن الناس حفظوها حتى جواري المدينة، فكانت الجارية تلقي قربتها لأختها وتصب تلك بالدلو وتحفظها سورة (الملك) وفي بعض الألفاظ: هي المنجية أنجت مسلماً من عذاب القبر كان يقرؤها، ونسأل الله أن تنجينا من النار، فوصيتي لكم حفظ سورة (الملك) فإنها سهلة، وعملوها أهليكم وأبناءكم وجيرانكم. وقراءتها كل يوم، إما في النهار أو الليل قبل أن تنام، فتقرؤها وتكون وردك وتعيش معها وتتأثر بها، لأنها عظيمة جد عظيمة.

فضل سورة الإخلاص

فضل سورة الإخلاص وهي ثلث القرآن، سأل الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة: {أيكم يستطيع أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قالوا: يا رسول الله! لا نستطيع، قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن} أجرها بثلث القرآن تقرأ ثلاث مرات: (قل هو الله أحد) كأنك قرأت القرآن مرة بالأجر والمثوبة.

فضل المعوذتين

فضل المعوذتين المعوذتان وأمرهما عجيب! خاصة في الصباح والمساء! قال عبد الله بن خبيب -والحديث صحيح-: {كنت أسري مع الرسول عليه الصلاة والسلام في ظلمة الليل فقال: يا عبد الله! قل، قلت: ماذا أقول يا رسول الله؟ قال: قل، قلت: ماذا أقول يا رسول الله؟ قال: قل، قلت: ماذا أقول يا رسول الله؟ قال: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، قلها ثلاثاً إذا أصبحت وإذا أمسيت تكفيك من كل شيء} وهذا شيء عجيب. أحد المشايخ يقول: قرأت على مصروع فأتت الجانة التي في المصروع تقول: أنا أقفز عليك، قال: اخرجي، قالت: لكنك قرأت المعوذات اليوم، ما استطاعت، فهي حجاب وحرز، وهي حصن حصين.

فضل سورة البقرة

فضل سورة البقرة وكذا سورة البقرة: صح عنه عليه الصلاة والسلام: {أن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان} فوزع سورة البقرة -مثلاً- في الأسبوع سورة البقرة حتى تتمها في أسبوع في بيتك إن لم تستطع أن تتمها في يوم أو يومين أو ثلاثة.

فضل سورة الواقعة

فضل سورة الواقعة ورد فيها حديث ابن مسعود، وبعض العلماء يصححه وبعض العلماء يضعفه لعلة فيه، وهو أن ابن مسعود كان يعلم بناته سورة الواقعة فيقرءونها كل يوم، فلما حضرته الوفاة جاءه عثمان بن عفان -رضي الله عنهم جميعاً- يسلم عليه قال: يا بن مسعود! ألك وصية؟ قال: لا. قال: أتوصي ببناتك إلي؟ قال: بناتي علمتهن سورة الواقعة، ولقد سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من قرأ سورة الواقعة كل يوم لم تصبه فاقة قط} أي: لا فقر ولا حاجة، وأنا أرى أن الحديث هذا حسن. وسورة الواقعة عجيبة حتى يقول مسروق في سير أعلام النبلاء: كل علم في سورة الواقعة، قال الذهبي: في بابها؛ فإن في بابها أعاجيب لمن قرأها بتدبر.

فضل آية الكرسي

فضل آية الكرسي وهي أعظم آية في القرآن، وأنتم تعرفون الحوار الحار بين الشيطان وأبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه حين جعله صلى الله عليه وسلم يحرس تمر الصدقة -والحديث عند البخاري ومسلم - فقام يحرس، فأتى الشيطان في صورة شيخ كبير، فكان يأخذ من التمر والحب فأمسكه وقال له أبي هريرة: لأرفعنك لرسول صلى الله عليه وسلم، فشكا الحال والجوع والفقر والأبناء -وكان أبو هريرة رحيم القلب- فتركه، وفي اليوم التالي أتى فأراد أبو هريرة رفعه فقال: اتركني، وفي اليوم الثالث أتى، فقال له: لأرفعنك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: دعني أعلمك آية لا تقرؤها في ليلة إلا كانت لك حرزاً -أو حافظاً فلا يقربك فيها شيطان -وكان أبو هريرة أحرص الناس على الخير- قال له: ما هي؟ قال: آية الكرسي، فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبره فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: {أتدري من تحدث منذ ثلاث يا أبا هريرة؟ قال: لا. قال: ذاك الشيطان، صدقك وهو كذوب}. وقد يصدق الكذاب، مثل الكاهن يكذب مائة كذبة ويأتي بكلمة صدق واحدة. فالآن إذا ذهبت إلى بعض الكهنة في بعض القرى تجده يأتي لك بشيء يبين لك به أنه صادق، مثل يقول: سيارتك هيلوكس؛ لأن الشيطان علمه، لكن يأتيك بتسع وتسعين كذبة: {من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد}. فآية الكرسي تقال عند النوم وفي الصباح، وفي دبر كل صلاة، وقد صح بها الحديث عند الطبراني.

الأسئلة

الأسئلة

حكم وضع اليدين على الصدر بعد الركوع

حكم وضع اليدين على الصدر بعد الركوع Q ما رأيك في وضع اليدين على الصدر بعد القيام من الركوع، خاصة أن بعض الشباب الملتزمين يقولون: إن وضعها على الصدر واجب؟ A ما قاله هؤلاء ليس بصحيح، وليس للمسلم أن يوجب شيئاً إلا ما أوجب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يحرم شيئاً إلا ما حرمه الله أو رسوله، ولا يستحب شيئاً إلا ما استحبه الله ورسوله، ولا يكره شيئاً -يعني في أمور الشرع- إلا ما كرهه الله ورسوله، قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116] وأنتم سمعتم نقاشاً بين عالمين في هذه المسألة. والأقرب أنه بعد (سمع الله لمن حمده) توضع اليمنى على اليسرى على الصدر، فهذا هو الأقرب إلى الأدلة، وإلا فلا أعلم نصاً صريحاً فيها، حتى من استدل من العلماء في هذه المسألة ما أتوا بنص إنما لعموم الأحاديث، ولأنها أوفق في الهيئة.

الصدقة والداوفع الإنسانية

الصدقة والداوفع الإنسانية Q أحد المؤلفين المفكرين الموجودين من المسلمين يقول في كتاب له: الذي يدفعك إلى إعطاء الصدقة للمحتاج هو شعور إنساني، وقد يكون من الصعب أن تحدد معنى هذا اللفظ الدقيق، فهو في شموله معجز: كالإنسانية فلفظ الإنسانية استبدل به بعض الناس لفظ الشريعة والأخوة الإسلامية؟ A هذا ليس بصحيح، وهذا الكاتب أعرفه وأشكره، وله قدم صدق في الدعوة، ولكن هذه اللفظة (بدافع إنساني) غير صحيح، بل دافعك إلى الصدقة طلب مرضاة الله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} [الإنسان:8 - 9] أما الدافع الإنساني فيشترك فيه أنك تتصدق على الأفريقي في أفريقيا وعلى الأحمر الروسي، وعلى الخواجة الأمريكي الرأسمالي بدافع إنساني. فهذا خطأ، بل هي صدقة لوجه الله، وتريد بها ما عند الله، وهذا أحسن من هذا المصطلح.

حال حديث (من لم تنهه صلاته)

حال حديث (من لم تنهه صلاته) Q حديث ابن مسعود ما مدى صحته: {من لم تنهه صلاته عن المنكر ولم تأمره بالمعروف، لم يزدد بها من الله إلا بعداً}؟ A هذا موضوع على الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس من كلامه واللفظ المشهور وهو لا يصح: {من لم تنهه صلاته عن المنكر -أو الفحشاء والمنكر- لم يزدد من الله إلا بعداً} قال ابن تيمية: هذا حديث باطل ومعناه لا يصح، بل كلما تقرب الإنسان بالصلاة كلما نهته عن الفحشاء والمنكر، ورجل يرتكب المنكرات ويصلي خير من رجل يرتكب المنكرات ولا يصلي، وقد قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].

حكم حديث الصلاة بعد المغرب من ليلة الجمعة

حكم حديث الصلاة بعد المغرب من ليلة الجمعة Q من صلى بعد صلاة المغرب من ليلة الجمعة صلاة يقرأ فيها فاتحة الكتاب وسورة الزلزلة خمس عشرة مرة في كل ركعة؛ أكرم بعدة كرامات، هذا الكلام في كتاب شرح الصدور فما تعليقكم على هذا؟ A هذا حديث باطل لا يصح، وهو من كيس الصوفية، وليس من بضاعة محمد عليه الصلاة والسلام.

حكم صلاة التسابيح

حكم صلاة التسابيح Q ما رأيك بصحة صلاة التسابيح؟ A صححها بعض العلماء وضعفها بعضهم، ولكن كما قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حديثها ضعيف، ومن عمل بها على أنها من فضائل الأعمال فإنه يؤجر إن شاء الله، وصححها كثير من العلماء كالشيخ الألباني وغيره وعملوا بها. وعلى كل حال من اعتقد صحة كلام هؤلاء الأجلاء وأخذ به فهو مأجور إن شاء الله، ومن قال بضعفها وله علل في حديثها فهو مأجور إن شاء الله، وقد سمعتم كلام العلماء في ذلك، وأنا لا أستطيع أن أختار ولا أرجح في هذه المسألة.

التعليق على رسالة فيها رؤيا خرافية

التعليق على رسالة فيها رؤيا خرافية Q انتشرت رسالة فيها حمد الله والثناء عليه عليه ثم فيها: مرضت فتاة وعمرها ثلاثة عشر عاماً مرضاً شديداً، وعجز الأطباء عن علاجها، وفي ليلة اشتد المرض عليها وبكت المسكينة حتى غلبها النوم، فرأت في منامها السيدة زينب رضي الله عنها -إذا ذكرت السيدة زينب وأحمد البدوي فإننا نترضى عن عبد القادر الجيلاني والسيدة زينب ونترحم على عبد القادر الجيلاني أما هؤلاء المشعوذون الكهنة فلا وفقهم الله- قال: فوضعت في فمها قطرات، وبعد أن استيقظت من النوم وجدت نفسها قد شفيت من مرضها تماماً، وطلبت منها السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها أن تكتب هذه الرواية ثلاث عشرة مرة وتقوم بتوزيعها على المسلمين والمسلمات لينظروا فيها. والنسخة الأولى وقعت في يد فقير فكتبها ووزعها على الناس، وبعد مضي ثلاثة عشر يوماً أغنى الله هذا الفقير، وآخر توظف وثالث جاءه أولاد، فما تعليقكم على هذا؟ A هذا كذب وشعوذة وسحر وكهانة، ولا يفعلها إلا أحمق ضل سعيه، وانقطع حبله من الله، وليس عنده نور، وهذا كذاب مفتر، لو ظُفر به فحظه أن يضرب ويبطح على بطنه ووجهه حتى يرتدع.

حكم مكبرات الصوت في المسجد

حكم مكبرات الصوت في المسجد Q ما حكم مكبرات الصوت في المساجد؟ A هذه من أحسن ما يكون، وهذه وسائل أنعم الله علينا بها، فلك الحمد يا رب، فقد أصبح الآلاف المؤلفة يسمعون في المكرفون ويسمعون الخطيب والمقرئ، ولكن تعلق المايكرفونات في حالة واحدة، إذا كان فيها تسابق، كأن يكون هناك مسجدان متجاوران ينزعج هذا بقراءة هذا أو يرفع بعض المأمومين على ركوع ذاك؛ فهذه يخفف في أصواتها. والمقصود أن يسمع أهل المسجد ومن حوله إلا لضرورة وملابسات، فالقول بتحريمها لا يصح، والقول بأنه لا ينبغي أن ترتب وأن توجه لا يصح، وقد جعل الله لكل شيء قدراً.

حكم قراءة القرآن في الليل

حكم قراءة القرآن في الليل Q قلت: إنه لا بد أن يختم كل شخص حزباً أو جزءاً من القرآن قبل أن تغرب الشمس، فما رأيك لو أخرتُ ذلك إلى الليل؟ A لا بأس يا أخي! وأنا قلت ذلك من باب الحث، وإلا في الليل أو في النهار: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62].

كتاب الترغيب والترهيب

كتاب الترغيب والترهيب Q ما رأيك في كتاب الترغيب والترهيب؟ فـ المنذري اشترط ولكن ما وفَّى بشرطه؟ A كتاب الترغيب والترهيب للمنذري كتاب جيد؛ وفيه الصحيح والضعيف، بل وفيه الموضوع، وهو يحتاج إلى تحقيق وتحرير وقد قام الألباني جزاه الله خيراً بتلخيصه واختصاره اختصاراً جيداً. وأرى أنه لا بأس أن يقرأ هذا الكتاب، وطالب العلم ينبه على الأحاديث الموضوعة إذا وصل إليها. أما قوله: إن المنذري اشترط ولكن ما وفَّى بشرطه. فأقول: أنا ما رأيت له شرطاً لكن يقول نص عليه إمام وهذا لا يكفي فإن الطبراني نص على أحاديث صحيحة وهي ليست بأحاديث صحيحة، وابن حبان ينص على أحاديث صحيحة وهي ليست صحيحة، بل ابن خزيمة الذي يقولون أنه أقوى من البخاري أتى بحديث واهٍ في صحيحه. وعلى كلٍّ أرى أن رياض الصالحين ينوب عن ذلك، وأيضاً جامع العلوم والحكم، ومختصر البخاري للزبيدي، التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، ومختصر مسلم للمنذري فأرى أن تقرأ في المساجد وفي البيوت.

كتاب صفة الصفوة

كتاب صفة الصفوة Q ما رأيك في كتاب صفة الصفوة؟ A يسمى صِفة الصفوة، أو صَفوة الصفوة لـ ابن الجوزي وهذا الكتاب فيه غموض من وجوه ثلاثة: أولها: لا يعتني بالحديث النبوي، فأتى بأحاديث موضوعة وروايات باطلة. ثانيها: أتى بكلام للصوفية لا داعي له إذا قارنته بالكتاب والسنة. فنقول: رحمك الله يا بن الجوزي! وأنت سني محدث كيف تفعل هذا؟ يأتي بصوفي يقول: ما أكلت الرطب أربعين سنة، ومن منعه أن يأكل الرطب؟! وإنسان آخر يقول: صلى صلاة الفجر بوضوء العشاء. وهذه القصص أهم شيء أن تكون قصصاً صحيحةً تتوافق مع الكتاب والسنة. ثالثها: أنه قلل من الآثار فيه، وقلل من تراجم الصحابة. والصحابة هم سادات الأولياء وصفوة الأصفياء وخيرة الأخيار، وهم البررة، فيأتي بـ بهلول رحمه الله وبعابد آخر وبعابدة وحامدة، وأين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟ وهو قد ذكرهم في المقدمة لكن بإيجاز. فالأولياء هم الصحابة، والأخيار هم الصحابة، ثم التابعون وقد جعل الله لكل شيء قدراً.

الكلام عن سنن النسائي وأبي داود

الكلام عن سنن النسائي وأبي داود Q ما رأيك في سنن النسائي وأبي داود بدون تحقيق؟ A تقرأ، ولا أعلم عن أبي داود والنسائي حديثاً موضوعاً؛ لكن فيهما أحاديث ضعيفة لا بد أن يتنبه لها، وبعض الأئمة يرى أنه يستدل بما في السنن، وهذا منهج لبعض الناس، وابن تيمية من استقرأ فتاويه يرى أنه يقول: رواه النسائي ويسكت، لكن هناك روايات شاذة أو منكرة نبه عليها أبو داود والنسائي وهناك كتاب جامع الأصول لـ ابن الأثير فإنه من أحسن ما يكون، وهو أحد عشر مجلداً، وفيه الأحاديث محذوفة السند والمكرر، وهو من أحسن الكتب المقدمة للمسلمين، وكذلك مجمع الزوائد، ومن جمع هذين الكتابين، فكأنما جمع ما يقارب عشرين كتاباً من كتب السنة أو أكثر. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

ليلة عذبة الأصداء مع سير العظماء

ليلة عذبة الأصداء مع سير العظماء لنا في سير العظماء من سلفنا الصالح القدوة الحسنة، والناظر إليهم يجدهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بالاستقامة على دين الله، والجهاد من أجله.

قصة محمد بن واسع مع قتيبة بن مسلم

قصة محمد بن واسع مع قتيبة بن مسلم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصبحه وسلم. هذه قصة محمد بن واسع، وقد خرج يجاهد في سبيل الله، فافتقده قتيبة بن مسلم فأرسل الجنود يبحثون عنه، فوجدوه قد رفع طرفه إلى السماء وقد اتكأ على قوسه، ورفع سبابته وهو يقول: يا حي يا قيوم! يا حي يا قيوم! يا حي يا قيوم! فعادوا يخبرون قتيبة بن مسلم بما وجدوه، فدمعت عيناه فرحاً وهو يقول: أبشروا فوالذي نفسي بيده لأصبع محمد بن واسع أحب إلي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير في سبيل الله. وينتصر المسلمون بإذن الله، وبعد المعركة يؤتى إلى قتيبة بن مسلم بشيء من الذهب كرأس الثور فيقدم بين يديه فيقول لوزرائه: هل تظنون أحداً من المسلمين يأبى إذا دفعنا له هذا الذهب؟ فيقولون: ما ندري، قال: والله، لأخبرنكم أن في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من لا تساوي الذهب والفضة عنده التراب الذي يطؤه بأرجله، ثم قال: عليّ بـ محمد بن واسع. فذهبوا إلى محمد وإذا هو يصلي في خيمته ويبكي قالوا: الله نصر الإسلام والمسلمين وأنت تبكي في خيمتك. قال: نعم. لأن ثواب الشكر العبادة والذكر أو كما قال. قالوا: القائد قتيبة يريدك، قال: وماذا يريد مني قتيبة وأنا خرجت لله وأعود لله عز وجل؟ قالوا: هو الأمير فقد أمرك، فاستعان بالله ودخل على قتيبة في خيمته، فدفع له قتيبة هذا الرأس من الذهب وقال: خذه وتمول، فأخذه وقام من الخيمة. فاحمر وجه قتيبة ووجوه الوزراء، ثم قال: قتيبة في نفسه: اللهم لا تخيب ظني فيه، كيف يأخذ الذهب وهو أزهد الناس وأعبدهم وأعلمهم في عصره بالله عز وجل، فيقول: لأحد جنوده اذهب وراءه وتلفت ماذا يصنع بهذا الذهب. قال: فحمله بين يديه، فمر به مسكين يسأل الجنود والجيش فدفع إليه الذهب فمر، فاستدعى قتيبة هذا المسكين فقال: ادفع إلينا المال ثم دعا الوزراء وقال: هذا محمد بن واسع الذي أخبرتكم أن الله ينصرنا بدعائه.

العبادة سر الفلاح

العبادة سر الفلاح ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في أشرف المواقف بالعبودية: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19] وقال أيضاً: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. وأحد الصحابة الشباب الذين عاشوا الدعوة الإسلامية مع الرسول عليه الصلاة والسلام، يأتي زملاؤه فيطلبون الرسول صلى الله عليه وسلم مالاً فيعطيهم إلا هو ما مد يده، فيقول صلى الله عليه وسلم: ماذا تريد؟ قال: أريد أن أناجيك يا رسول الله، فيذهب معه صلى الله عليه وسلم، فيقول: يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال: هو يا رسول الله! قال: {فأعني على نفسك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة} رواه مسلم. فالعبودية معناها: أن تصدق العبادة مع الله، وأن تتعب هذا الجسم في مرضاة الله، فإن الدرجات العلا لا تنال إلا بإتعاب الأجسام: يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن غرور المال أحزان إذا علمت أولئك، فهذا شيء من سير السلف الصالح أو شيء من أخبارهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] ولذلك قال أبو حنيفة رحمه الله: سير الرجال أحب إلينا من كثير من الفقه، لأنها تربية صلة بأولئك الجيل، وامتداد لتلك الدعوة الخالدة التي تركها صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة إذا جلسوا في آخر عهدهم يتذاكرون سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيرة أبي بكر وعمر، يقول ابن مسعود: [[إذا ذكر الصالحون فحي هلاً بـ عمر]] فحي هلا بأولئك الأخيار الأبرار الذين عشنا معهم لحظات نسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم، وأن يجعلنا من الجلاس والسمار معهم كما سمرنا مع حديثهم في هذه الجلسة: أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] لقد كان في قصصهم عبرة، ولقد كان في مسيرتهم منهج، ولقد كان في دعوتهم إلهام، ولقد كان في كلامهم حرارة، ولقد كانت في أفعالهم صدق، فهل من صادق ومتوجه؟ وهل من منيب وتائب؟ وهل من مستغل لهذه الليالي، ليالي الخلود، والمغفرة، والتوبة، والإقبال على الله عز وجل، وقبل أن أنتهي أدعوكم ونفسي إلى أن نستمر في مسيرة التوبة، ولا نري الله من أنفسنا في رمضان عباداً مقبلين وفي غير رمضان مدبرين فارين من الله، فعجباً للعبد كيف يلج باب التوبة فإذا انتهى مراده وخاطره فر من الله؟! والله لا يفر منه وإنما يفر إليه: يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبان لقد أظلك شهر الصوم مجتهداً فلا تصيره أيضاً شهر عصيان

العبادة في رمضان وغير رمضان

العبادة في رمضان وغير رمضان ناداكم الله وفتح لكم باب التوبة، فيا من أقبل على الله في رمضان أقبل في رمضان وفي شعبان، وأقبل إلى الله في غير رمضان وفي غير شعبان، فربك في رمضان هو ربك في غير رمضان الذي يعلم السر وأخفى، وبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، والله اطلاعه عليك في رمضان وعلمه بسرك وما يحدثه خاطرك وتهجسه نفسك في رمضان وفي غير رمضان. فما دام أن بابه قد انفتح وأن صدرك قد انشرح فعطاء الله مفتوح، ونواله ممنوح، وبذله يغدو ويروح، فلا تتول عن الله، أسأل الله أن يثبتنا وإياكم وأن يجعلنا ممن تقبل منهم صيامهم وقيامهم، وأن يجعلنا ممن صام هذا الشهر إيماناً واحتساباً، وكما ظمئنا هنا أن يسقينا من الحوض المورود شربة لا نظمأ بعدها أبداً، وكما جعنا هنا أن يطعمنا من ثمار الجنة فلا نجوع بعد ذاك الطعام أبداً، وكما سهرنا هنا أن يريحنا هناك فلا نجد نصباً ولا وصباً: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55]. اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق، أحيينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك الغنى والصدق في الخفاء والعلانية، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وإن كان من شكر فإنني أشكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الذي شرفني بالجلوس في هذا المكان أمام هذه الوجوه الغانمة الباسمة المقبلة إلى الله، أمام هؤلاء الأبرار الأخيار، ثم أشكر من كان سبباً في دعوتي وإجلاسي في هذا المكان فإن أهل الفضل يشكرون، ومن لا يشكر أهل الفضل فإنه لا يشكر الله: زاد معروفك عندي عظماً وهو في نفسك مستور حقير تتناساه كأن لم تأته وهو عند الناس مشهور خطير وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

كيف نصل إلى مستوى الصحابة والتابعين؟

كيف نصل إلى مستوى الصحابة والتابعين؟ Q فضيلة الشيخ: كيف نصل إلى مستوى هؤلاء العظماء ونحن في هذه الحالة التي يرثى لها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذي يلونهم} أي: أننا بعيدون عنهم جداً؛ فما هو الجواب يا فضيلة الشيخ؟ A الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، لابد من اعتراف أن الأفضلية متناقصة أو أن الفضل متناقص في الجملة، أما في الأفراد فقد يأتي من القرن الثالث من يكون أفضل من القرن الثاني، أما القرن الأول فأولئك هم النبلاء والفضلاء والشرفاء الذين لا يبلغ مستواهم ولا يصل إلى درجتهم إلا من أحبهم. وأما أن نعمل بعملهم فكأن هذا ليس متحصلاً، فقد جاهدوا وأقاموا الدين وأسسوا دولة الإسلام، فواجبنا نحوهم أن نحبهم كما قال أنس في الصحيح، يقول صلى الله عليه وسلم: {المرء يحشر مع من أحب} ونحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ولا نعمل بعملهم، إذاً فواجبنا أن نحبهم وأن نعمل عملاً مما نستطيعه، ولكن أن نصل إلى تلك الدرجة فلن نصل، وقد يصل بعض الأفراد لكن في الجملة فكما تلا أخي: {خير القرون قرني} هذا على الجملة، وقد يصل بعض الأفراد لكن لا إلى أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام فواجبنا نحو هؤلاء السلف ثلاث واجبات: 1 - حبهم في الله عز وجل. 2 - الدعاء لهم ألا نجد في صدورنا عليهم محنة أو غلاً، لأن بعض الطوائف تجد على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في عقيدتها حقداً وغلاً وكراهية، حتى يقول ابن تيمية في منهاج السنة ليس لهم حظ من الفيء -تلك الطائفة- لأنهم ليسوا من الذين قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر:10] فهؤلاء في قلوبهم غل للذين آمنوا فليس لهم حظ في الفيء. 3 - أن نعمل بما أقدرنا الله عليه من أعمالهم الصالحة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أما قضية أنا نحبهم ولكن لا نعمل بعملهم فهذا خطأ: يا مدَّعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهويناً خذها جمعياً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ عنها الشياطينا فالمقصود: أن اليهود أتوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقالوا: نحب الله ولكن لا نتبعك ولا نعمل بأعمالك، فكذب الله مقالتهم ورد فريتهم وقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] فإن كنت تحب السلف حباً صادقاً فادع لهم، ولا تجد في نفسك عليهم، وكف عما شجر بينهم، واعمل بما أقدرك الله من أعمالهم الصالحة.

حكم ختم القرآن في أقل من ثلاث ليال

حكم ختم القرآن في أقل من ثلاث ليال Q فضيلة الشيخ: ما هي السنة في ختم القرآن؟ لأن بعض الأئمة كما تعلم كان يختم القرآن في ليلة وبعضهم في يوم فهل هذا يعتبر من السنة؟ A أثر عن كثير من السلف أنهم كانوا يختمون في رمضان كل يوم ختمة ذكر ابن حجر في مقدمته عن البخاري صاحب الصحيح أنه كان يقرأ في رمضان القرآن ستين ختمة، ختمة بالليل وختمة بالنهار، وقيل ثلاثين، وذكروا عن الشافعي رحمه الله أنه كان يختم في الليل مرة في رمضان وفي النهار مرة، والعجيب وهو مثير للدهشة أن النووي في كتاب التبيان في آداب حملة القرآن يذكر أن كرز بن وبرة كان يختم القرآن في اليوم أربع مرات، فما موقف السنة من هذه؟ الرسول صلى الله عليه وسلم هو المعصوم والمقتدى به وهو بأمي وأبي، وهو الذي أمرنا بالاقتداء به: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] وكلٌ -كما قال مالك - يؤخذ من كلامه ومن أفعاله وأحواله ويرد إلا صاحب ذاك القبر عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد ورد في الصحيحين إلى سبع ليال وقال: لا تزد على ذلك أي: في أقل من سبع ليال، فحدد له سبع ليال، وفي بعض الأحاديث: {لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث} فالأولى تدبر القرآن وختمه في السبع أو ما قاربها كما فعل كثير من الصحابة، وأما ختمه في اليوم الواحد فليس بسنة، ولو أن صاحبه يؤجر لكن لا يطالب الناس بذلك ولا يحثون على ذلك، لأن القصد في العمل مطلوب في الإسلام والتدبر مطلوب، وهؤلاء الأئمة الذين ختموا القرآن في اليوم مرة لمحوا ملمحاً واحداً وهو أنهم يريدون تكثير الأجور. وفي سنن الترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اقرءوا القرآن، فمن قرأ القرآن فإن له بكل حرف حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن أقول: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف} قال الترمذي حديث حسن صحيح. إذا علم ذلك وأنهم إنما أرادوا تكثير الأجور، فإن التدبر والتمهل في قراءته والترتيل والتجويد أولى.

السنة في البكاء من خشية الله

السنة في البكاء من خشية الله Q فضيلة الشيخ: البكاء من خشية الله من أفضل العبادات، ولكن ما هي السنة فيه؟ وهل يرفع به الصوت وما هي حالة السلف حال البكاء حفظكم الله؟ A البكاء من أعظم ما يتقى به عز وجل: {وعينان لا تمسهما النار منهما: عين بكت من خشية الله عز وجل} والله عز وجل مدح الباكين من خشيته في كتابه وقال: سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المائدة:83] وقال في الأنبياء: {خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم:58]. فالبكاء من خشية الله مطلوب، وعند بكائه صلى الله عليه وسلم كانت تدمع عيناه، وربما سمع لصدره أزيز كأزيز المرجل، لكن ما كان إلى درجة رفع الصوت والعويل والمناداة والإزعاج، أما من يبكي كثيراً ويقول: البكاء غلبه فهو مأجور ومشكور عليه، ونسأل الله أن يحرم عينه على النار، وأن يكون من المخلصين الأبرار، وإن كان يتكلف البكاء ليظهر من نفسه أنه خاشع فهذا مصدر من مصادر الرياء نعوذ بالله من الرياء، وهذا هو المحق والبوار والدمار، نعوذ بالله وهذا شعبة من الشرك، فإن المسلم لا يتصنع ولا يتكلف للناس. كان الأوزاعي لا يبكي أمام الناس أبداً كما ذكر ذلك ابن كثير، فإذا خلى ببيته بكى حتى يسمع جيرانه بكاءه من خشية الله. وذكروا عن أيوب السختياني الراوي الكبير أنه إذا بكى غطى أنفه وقال: ما أشد الزكام؛ ليظهر للناس أن هذا زكام وليس بدموع من خشية الله. وقال الحسن البصري: والله! إن الرجل من الصالحين تفيض عيناه بالبكاء فيقوم من المجلس ويختفي لئلا يرى دمعه أحد من الناس. فالذي يشهر بنفسه ويتكلف البكاء ليعلم الناس أنه خاشع، ليس له من الأجر شيء، وعليه وزر، ويخاف أن يمحق عمله وأن يكون من المرائين نسأل الله العافية والسلامة. وفي الصلاة بكى عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود، يقول مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه: {} فهذا صوت يترجرج من الخشية، أما الإزعاج ورفع الصوت والضجة والصجة فليس من شيم الصالحين، أما المغلوب فمعذور، وأما الذي يظن أنه مأجور على هذا أي: التشهير والإزعاج ورفع الصوت فما أظن أن هذا من شيم السلف الصالح، وفيه تشويش على المصلين، وفيه إرباكٍ على الإمام وعلى المتدبر وعلى السامع، وهو شيء من الإزعاج على المسلمين، ومدخل من مداخل الرياء؛ لأن البكاء والذكر والصيام يدخل فيه الرياء كثيراً إلا من عصم الله، فوصيتي أن من غلبته عيناه أن يحتسب ذلك عند الله ويحاول أن يكظم من بكائه إلا إذا غلب فهو معذور.

تطبيق سنة المصطفى في الاستواء في الصف

تطبيق سنة المصطفى في الاستواء في الصف Q فضيلة الشيخ: أنا أصلي في هذا المسجد، ولكن يوجد بجانبي من يضايقني برجليه ويقول: هذه هي السنة في المراصة، ويوجد من يضايقني بيده، ويقول: هذه سنة المجافاة، فهل هذا من السنة، أفتونا مأجورين حفظكم الله؟ A أمر صلى الله عليه وسلم بمراصة الصفوف والاستواء وسد الفرج، لكن أن يبلغ الدرجة إلى كثير من الصور التي وجدت عند كثير من الناس، لا تصبح مراصة تصبح مراصعة ومصارعة وملاكمة؛ فهذا ليس بوارد، ودين الله عز وجل بين الغالي والجافي، فالمراصة مطلوبة، أما المراصعة فليست مطلوبة، أن تنتهي من الصلاة وأقدامك وجنبك يوجعك وتحتسب ذلك على الله، تصوم ثنتي عشرة ساعة، وتجد في المسجد من يلاكمك ويصارعك فهذا ليس بوارد، الوارد بارك الله فيك المراصة بالتي هي أحسن، وأن تسد الفرجة وأما أن يكون القدم بالقدم بالسنتي متر، وكذلك الكتف بالكتف والأذن بالأذن والساعد بالساعد فالأمر فيه سعة، لا بد من الملاينة، وشيء من السهولة واليسر، حتى لا يجد المؤمن مضايقة في الصف، لأن بعض الناس يتضايق إما مريض وإما متضرر وإما إنسان فتح الله عليه فأكثر في الإفطار، فيأتي فيحاسب بمحاسبين عن يمينه وعن يساره فما تنتهي التراويح إلا ويقول: ربنا أخرجنا منها، فالمقصود بارك الله فيكم أن المسألة مسألة مراصة بالتي هي أحسن. في هذا كذلك ما أشار إليه الأخ من التفحيط بالأرجل أكثر من اللازم حتى يتشقق الثوب وبعضهم إذا سجد أخذ في الأرض طيلة حتى لا يعود للرفع إلا بصعوبة، والبعض الآخر يضع يديه في حلقه وهي على الصدر، فالمسألة بين الغالي والجافي ومعرفة السنة. يقول سفيان الثوري: الرخصة لا يجيدها إلا العالم وأما الجاهل فما يحسن إلا التشديد. فكلما تفقه العبد في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته كلما اتضحت له هذه الأمور، وهؤلاء الأخيار عندهم من الفقه ومن الفهم ما يجعل الحديث لغيرهم.

حكم قراءة سورة الفاتحة في الصلاة

حكم قراءة سورة الفاتحة في الصلاة Q ما حكم قراءة سورة الفاتحة في صلاة التراويح مع أن الإمام لا يترك فرصة في قراءتها بالنسبة للمأمومين، أفتونا جزاكم الله خيراً؟ A قراءة الفاتحة بالجهرية للمأموم مسألة طويلة المدى، وهي من المسائل التي تساقطت فيها عمائم الأبطال، وتكسرت فيها النصال على النصال، وأكثر فيها من الحديث والمقال، هذه مسألة طويلة عريضة لكن يلخص فيها إلى أن الأولى إن شاء الله والأرجح الذي يظهر للقاصر مثلي أنه لا بد للمأموم أن يقرأ الفاتحة وراء الإمام لقوله صلى الله عليه وسلم: {لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب} وفي لفظ: {بأم الكتاب} {وصلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج خداج -وقيل خِداج بالكسر-} أي ليست بصحيحة، وهذا رواه مسلم وعند النسائي عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: {صلينا خلف الرسول صلى الله عليه وسلم فلما سلم قال: من قرأ منكم خلفي؟ قال رجل: أنا يا رسول الله! وما أردت إلا الخير، فقال عليه الصلاة والسلام: إني أقول مالي أنازع القرآن، من كان منكم قارئاً فلا يقرأ وراء إمامه إلا بالفاتحة، فإنه لا صلاة لمن لا يقرأ بالفاتحة} فشأنك أن تقرأها وأن تحدر القراءة ليتسنى لك أن تستمع كتاب الله عز وجل وكلامه وآياته البينات.

حكم من تأخر عن صلاة العشاء فصلاها مع من يصلون التراويح بنية العشاء

حكم من تأخر عن صلاة العشاء فصلاها مع من يصلون التراويح بنية العشاء Q ما رأيكم بمن يأتي متأخراً عن صلاة العشاء، والإمام يصلي التراويح هل يصلي مع الإمام بنية فرض أم يصلي مع جماعة أخرى وهو الحاصل الآن في هذا المسجد، يتكرر الذين يؤدون الفريضة في الليلة الواحدة عدة مرات، فيحصل على المصلين للتراويح التشويش، أفتونا في هذه المسألة جزاكم الله خيراً؟ A الأمر الأول: هذه المسألة مبنية على مسألة عند أهل العلم: هل يجوز للمفترض أن يأتم بالمتنفل؟ أي: هل يجوز أن يكون الإمام متنفلاً والمأموم يصلي الفريضة؟ والذي صح إن شاء الله، وقرب من كلام أهل التحقيق وعليه الأدلة أن المتنفل يؤم بالمفترض، وأن للمفترض أن يصلي بالمتنفل، دل على ذلك حديث معاذ رضي الله عنه في الصحيح: {أنه كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده مفترضاً ويعود إلى بني سلمة في قباء فيصلي بهم وهو متنفل وهم مفترضون}. فعلى ذلك: من دخل والناس يصلون صلاة التراويح أو قيام الليل فعليه أن يدخل معهم وأن يصلي ويكون مقتدياً بالإمام، فعلى ذلك عليه أن يصلي مع الناس وهو في العشاء وهم في التراويح ولا ينفصل بجماعة أخرى؛ لأنه لا جماعتين في مسجد واحد. والأمر الثاني: أنه يحدث ارتباك وتشويش للمصلين، ويحدث عدم تدبر للقرآن وهذا لا ينبغي، فواجبه أن يدخل في التراويح ويصلي العشاء، وهؤلاء يصلون التراويح ويكمل بعد أن يسلم الإمام لجمع كلمة المسلمين، ولعدم التشويش عليهم، فإن هذا مضر في المساجد وخاصة في مثل رمضان، وهذا هو السنة إن شاء الله.

حكم الاحتفاظ بالصور للذكرى

حكم الاحتفاظ بالصور للذكرى Q فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعلمك بأنني أحببتك في الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى والله الشاهد، ما حكم الاحتفاظ بالصور للذكرى؟ وهل حرمة التصوير بالكاميرا مثل حرمة التصوير باليد أرجو إخباري بالحكم جزاكم الله خيراً؟ A أحبك الله الذي أحببتنا فيه، وأما الصور وما سألت عنها فاحتفاظها للذكرى ليس بجائز، لأن الصور في الأصل محرمة بالأحاديث الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم إلا للضرورة -كما قال أهل العلم- فإن كانت ضرورة فهذا جائز، والضرورة معلومة أبوابها؛ وأما التفريق بين الصور التي ذكرت العاكسة وغيرها والممثلة والمرسومة وهذا مجاله رحب، ولا أريد أن أتحدث أنا في هذه العجالة لأنها تحتاج إلى حديث طويل وهناك رسائل تغنيك ربما اطلعت عليها، للعلماء رسائل في التصوير وحكم التصوير بأقسامه وكثر الحديث فيها، فحديثي الآن إن كان في ذهنك شيء استقررت عليه فلا يزيدك حديثي إلا ارتباكاً أو تحصيل حاصل، وإن كنت حدثتك بشيء موجود وهو مطبوع ومكتوب فمن باب إمضاء الوقت إلى شيء مكرر، فأنا أحيلك إلى رسائل العلماء في التصوير وأنت إن شاء الله ربما اطلعت عليها.

من تدفع إليه الزكاة

من تدفع إليه الزكاة Q فضيلة الشيخ: لقد سمعنا عن فضل الصدقة ووجوب دفع الزكاة، وأنا رجل أحب أن أتصدق وأريد أن أدفع الزكاة، ولكن هل هناك أحد يعينني على ذلك لأنني لا أعرف الفقراء والمساكين، وأنا سمعت أن إمام هذا المسجد يجمع الصدقات والزكاة ويعطيها للمستحقين فهل أدفعها إليه وتبرأ ذمتي بذلك؟ A نعم. وأنا أشهد بذلك أن إمام هذا المسجد كما سمعت من الثقات بسند رجاله رجال الصحيح أنه يقبل التبرعات من المسلمين والنفقات ويوزعها في وجوه الخير، وهذا المسجد حافل بمشاريع الخير والتبرعات، فأنت تدفعها إليه وتبرأ ذمتك؛ لأنه مؤتمن إن شاء الله ومعه إخوة أبرار قائمون معه بالتبرعات، وفي تنظيم الندوات، وفي إيصال النفع للمسلمين فأدعوك وأدعو كل مسلم عنده مال إلى أن يدفعه إلى إمام هذا المسجد، فكما سمعت أنه ينفقها على المستحقين من متزوج ومعسر ومديون ومكاتب، ومن محبوس ومجاهد فهنيئاً لك إذا دفعتها إليه وتبرأ ذمتك إن شاء الله.

الصلاة بعد الوتر

الصلاة بعد الوتر Q ما حكم من أوتر مع الناس ثم أراد أن يصلي من آخر الليل؟ A من أوتر مع الناس ثم أراد أن يصلي من آخر الليل فهو مخير بين أمرين: إما أن يشفع ذاك الوتر الذي صلاه مع الإمام، فإذا سلم الإمام من الوتر من صلاة التراويح فيأتي بركعة فتشفع له ما قد صلى، ثم يصلي من آخر الليل ويوتر، أو يكتفي بالوتر الأول؛ لأنه لا وتران في ليلة، وإذا قمت في آخر الليل صليت شفعاً شفعاً وتكتفي بذاك الوتر ركعتين أو أربع أو ست، لكن لا تعود إلى ذاك الوتر. وهناك صورة ثالثة: أن توتر مع الناس، فإذا قمت في آخر الليل فصلِ ركعة تشفع لك ما صليت ثم ابدأ شفعاً ثم أوتر بركعة لكن أقربها أن تكتفي بالوتر الأول والدعاء مع الناس وأن تصلي شفعاً من آخر الليل.

زكاة الحلي

زكاة الحلي Q فضيلة الشيخ: ما حكم زكاة الحلي بالنسبة للمرأة وهل تخرج الزكاة من مالها أو من مال زوجها إن كان عندها مال أفتونا جزاكم الله خيراً؟ A زكاة الحلي كثر الكلام فيه، وأنتم سمعتم فتاوى أهل العلم فيها، والذي دلت عليه النصوص وترجحت المسألة وقامت عليها البراهين أنه لا بد للمرأة أن تزكي الحلي، وفي حديث أم سلمة وحديث عمرو بن شعيب: {أنه دخل صلى الله عليه وسلم ورأى امرأة وفي يدها مسكتان فقال: أتؤدين زكاته؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث صحيح عند أبي داود وغيره، وأحاديث أخرى بعضهم عددها إلى أربعة أحاديث، فقامت الحجة على أن على المرأة أن تزكي حليها، وإذا تبرع زوجها بالزكاة عنها جاز ذلك والمقصود: أن تؤدي هذه الزكاة، ولو تبرع عنها متبرع فقد برئت ذمتها من إثم الزكاة إن شاء الله.

مسألة الازدحام في الصف الأول

مسألة الازدحام في الصف الأول Q فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ألجأ إلى الله بالشكوى وأستفتيكم وأقول: ما أن يهم المؤذن أن يؤذن لصلاة العشاء فإذا بفرسان ينطلقون من الصفوف الخلفية لاحتلال أماكن متقدمة حتى يضيقوا على عباد الله حتى تختلف أضلاعهم عليهم، فيا فضيلة الشيخ! أفتنا فيما سبق إن كان جائزاً فيبين ذلك حتى ننطلق كما ينطلقوا ونحل محل الإمام، أفتونا جزاكم الله خيراً؟ A لقد صاغ الأخ السؤال صياغة جيدة، صياغة حربية عسكرية وليست فقهية شرعية، والمقصود: أن الذي يطالب به المسلم أن يحسن التعامل مع إخوانه ولا يضر مسلماً ولا يؤذيه لا بكلامه ولا بفعاله ولا بتصرفاته، وهذه التصرفات التي ذكر الأخ تأتي عن سببين اثنين: إما رغبة في الخير أكيدة مع عدم تفقه في دين الله عز وجل، أو شيء من السفه، أن يكون هناك أناس صغار في السن ما بلغوا من التؤدة والعقل والاتزان ما يجعلهم يقومون بحقوق المسلمين. فنصيحتي للإخوة: أنه من أتى في مكان أن يلزم مكانه، وأن المتقدم له المكان المتقدم، أما يتأخر في آخر الناس ثم يأتي وهو متأخر ثم يقتحم الصفوف ويقتحمها صفاً صفاً فهو آثم وأظنه لا يبرأ من الذنب لأنه آذى إخوانه المسلمين، وسبب في إرباك الصفوف وتخطي رقاب الناس، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فنصيحتي إن كنت تريد الأجر وكنت تريد المسابقة فعليك أن تأتي مبكراً وإلا فتبقى في مكانك، ولو كانت المسألة بالقوة كان أقوى الناس سبقوا على الصفوف الأولى، وكان الضعاف من أمثالي وأمثالك يصلون في آخر المسجد، لكن المسألة بالتقدم في أول الوقت، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لو يعلمون ما في الصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فأنا أدعوك إلى حسن التعامل مع الناس وفقني الله وإياك لما يحبه الله ويرضاه.

حكم قراءة القرآن للحائض والجنب

حكم قراءة القرآن للحائض والجنب Q هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن وهي حائض وأن تمسها بيدها؟ A الجواب الصحيح أن الجنب لا يقرأ القرآن لا غيباً ولا نظراً، وأما الحائض فقد رخص في قراءتها غيباً للقرآن لأن الحديث الذي عند أبي داود فيه ضعف وهو حديث علي رضي الله عنه وأرضاه، أما حديثه في الجنابة فهو صحيح، وكذلك حديث أبي بكر عمر بن حزم في: {نهيه صلى الله عليه وسلم ألا يمس القرآن جنب} فهذا معروف ألا يقرأ القرآن جنب، إذا عرف ذلك فالحائض لها أن تقرأ القرآن غيباً وإذا أرادت أن تقرأه من المصحف فلها أن تقرأه بدون أن تمس المصحف، إما أن تأخذ شيئاً موصلاً كما قال أهل العلم، لكن الأحسن أن تقرأه غيباً ولا تقرأه نظراً، فلو حدث أن قرأته نظراً لجاز بإذن الله ذلك؛ لضعف الحديث الناهي عن ذلك.

مس الطفل للمصحف

مس الطفل للمصحف Q هل يجوز للطفل أن يمس القرآن؟ A هذه من المسائل التي ابتلي بها المسلمون وهي مسألة وجدت من الصدر الأول؛ لأن هناك كتاتيب ومساجد يدخلها الأطفال من الرابعة والخامسة والسادسة، وهؤلاء لا يمكن أن تأخذهم واحداً واحداً وتحلفهم والضامن الله على أنهم على وضوء بل أحدهم من سبعة أيام وهو متوضئ والحمد لله والشكر، فقضيتنا في الحلق وفي المجالس والمساجد أن نخرجهم واحداً واحداً ونقول: هل توضأت أم لم تتوضأ؟ وهل لك شاهدان عدلان اثنان ثقتان أنك توضأت أم لا؟ فلن يبقي في المساجد طفل يتعلم القرآن، فأهل العلم رخصوا في هذا، وقالوا: لا بأس أن يقرأ القرآن للحفظ، ولو لم يكن متوضئاً، لكن الأولى أن يكون الأستاذ والمربي عنده فقه وتدبير فلا يدخلهم إلا متوضئين، لكنهم سوف يحلفون لك على المصحف أنهم متوضئون وبعضهم ليسوا متوضئين، فالحكم لله عز وجل، فنأخذهم بعلانيتهم ونوكل الأمر إلى الله عز وجل، لأن قلم التكليف ما وصلهم إلى الآن، فما دام رخص عليهم بأمور فهذه إن شاء الله من باب الرخص.

حكم إتيان النساء بأطفالهن إلى المسجد

حكم إتيان النساء بأطفالهن إلى المسجد Q فضيلة الشيخ: كثير من النساء يأتين بأطفالهن فيزعجون المصليات في المسجد، فما حكم ذلك، أفتونا جزاكم الله خيراً؟ A فرق بين المسجد ودور الحضانة، فالحضانة تجمع وترحب بكل طفلٍ صغير أو كبير أنثى أو ذكر، أما المسجد فيرحب بكل عبد وأمة أتوا للعبادة وللذكر ولتدبر القرآن، وللتعبد والاتصال بالله عز وجل، إذا علم ذلك؛ فالحكمة من بناء المساجد هي للعبادة، فأي شيء يوجب تنغيص هذه العبادة فقد خالف الحكمة التي جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هذه المساجد لها. وقد وجد في كثير من المساجد أن يتحول المسجد إلى فوضى، حتى لا يدري الناس ما يقول الإمام، ومتى يكبر، ومتى يرفع، فمثل هذا يحد منه، ولتتقي الله المسلمة في أطفالها أن تبقيهم في بيتها إذا علمت أنهم يؤذون، إلا أن يكون عندها تحفظ وحصانة أنه لن يحدث هناك ارتباك ولا صجة ولا ضجة إذا علم ذلك: فالرسول صلى الله عليه وسلم ترك الأمر عاماً وأتى بـ أمامة -كما في الصحيحين - وصلى بها؛ لأن أبناء الصحابة كانوا على أدب، وكانوا يعرفون الحكم من المساجد ومن بنائها، وكانوا يوقرون بيوت الله وأما حديث: {جنبوا مساجدكم صبيانكم} فلا يصح، إنما يصح أن المساجد لعبادة الله وذكره فليتق الله المسلمون وفي بيوت الله يعمروها بالذكر ويجنبوا عنها كل ما يؤذي.

صلاة النساء في الصفوف المتأخرة

صلاة النساء في الصفوف المتأخرة Q فضيلة الشيخ: كثير من النساء لا يصلين في الصفوف ولا يتراصصن فيها، وبعضهن تترك الصفوف الأولى وتبقى في مؤخرة المسجد، فما حكم ذلك؟ A هذا الحديث شمل قضايا، وهو أنوار بعضها فوق بعض، فأما الأول: فصلاة المرأة في الصف المؤخر وهو السنة وهو الأولى؛ لأن خير صفوف النساء آخرهن، فحينما تتأخر فهذا من علامة تقواها وعدم اقترابها من الرجال إلا أن يكون هناك مصلحة أو يكون هناك ساتر أو هناك ما يحجب النظر والفتنة فلا بأس أن تتقدم، لكن في الأصل مطلوب أن تكون في المؤخرة كما أشاد بذلك صلى الله عليه وسلم ونادى به. وقضية عدم صفوف النساء، فالسنة: أن تصف النساء كما يصف الرجال كما كن يفعلن في عهده صلى الله عليه وسلم، وفي المراصة أحاديث عامة للرجال والنساء، فأنا أدعو المسلمات الصالحات إلى أن يصففن في الصفوف كصفوف الرجال، وأن يتراصصن في الصف، وهذه هي السنة التي أتى بها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.

قراءة القرآن في الليل أفضل

قراءة القرآن في الليل أفضل Q فضيلة الشيخ: يلاحظ أن كثيراً من الناس يقرءون القرآن في شهر رمضان في وقت النهار، أما الليل فقليل من يفعل ذلك فما رأيكم بهذا الصنف من الناس؟ A هذه الظاهرة موجودة، وهي أن كثيراً من الناس لا يقرءون القرآن إلا في النهار، وأما في الليل القليل منهم من يقرأ أو يتدبر أو يعيش مع الآيات، والعجيب أن القرآن يحب الليل، والليل يحب القرآن، ولذلك إذا ذكر الله القرآن في كتابه العزيز ذكر الليل معه {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:1 - 4]. فالليل مقرون في القرآن، والقرآن مقرون بالليل، فالأولى أن تكون تلاوة القرآن في الليل أكثر منه في النهار، حتى ذكر الإمام النووي في التبيان في آداب حملة القرآن أن تكثير القراءة في الليل هو السنة؛ لأن الليل وقت سكون وهدوء وإقبال القلب على الله عز وجل، فأنا أدعو إخواني إلى تدبر القرآن في الليالي المباركات في رمضان وفي غيره وإذا كان في الصلاة فأبرك، وإذا كان في آخر الليل فأنفع وأفيد، نفعنا الله وإياكم بكلامه.

التهنئة بشهر رمضان

التهنئة بشهر رمضان Q فضيلة الشيخ: هل وردت التهنئة بشهر رمضان؟ A لا أعلم حديثاً صحيحاً في ذلك، مر بي حديث: {أن رجلاً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم -أظنه واثلة بن أصقع مر بالرسول صلى الله عليه وسلم -فقال في العيد- عيد الفطر- تقبل الله منا ومنكم يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: نعم. تقبل الله منا ومنكم} لكن هذا يبحث في سنده فلا يحضرني ما قيل فيه الآن، والإمام أحمد قيل له في عيد الفطر هذا فقال: نعم. تقبل الله منا ومنكم، أما إحداث كلمات لا بد من قولها ومراسيم وهيئات فما وردت في السنة لا أعلم في ذلك أحاديث صحيحة أنها وردت؛ لكن تدعو للمسلمين بالقبول وأدعية مطلقة بالخير، بشرط ألا تكون شعاراً لا بد من قولها دائماً وأبداً.

جلسة مع الأولياء

جلسة مع الأولياء ذكر الله تعالى في الحديث القدسي فضل الأولياء الصالحين وأنه يدافع عنهم ويحميهم ويبغض من عاداهم. والولاية ليست حكراً على فردٍ دون فرد، ولا جماعة دون أخرى، بل هي صفات من اتصف بها حاز تلك المكانة السامقة، وهناك من أهل البدع من حكروا هذه الولاية خاصة بأناس دون غيرهم.

حديث الولي

حديث الولي اللهم لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت, في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك, وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك, وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك, لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, أسمع بدعوته الأحياء، ونشر الخير برسالته الغراء, وتركنا على المحجة البيضاء، فصلاة الله وسلامه عليه دائماً وأبداً، ما فاحت الأزهار، وما غردت الأطيار، وما تدفقت الأنهار، وما تعاقب الليل والنهار، وعلى آله وصحبه من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان، أولئك لهم عقبى الدار. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته معنا هذه الليلة حديث عظيم جد عظيم، يأخذ بأطناب القلوب وأطراف الأرواح ويخاطب الأنفس، فهذا الحديث يعرف عند أهل السنة والجماعة بحديث الولي, وقد شرحه الإمام الشوكاني في كتاب قطر الولي في شرح حديث الولي , وشرحه غيره, وفيه مسائل أعضلت على الفطاحل من العلماء، فما بالك بطلبة العلم أو العوام!

نص حديث الولي

نص حديث الولي نص هذا الحديث كما أورده البخاري، وسوف أتعرض بإذن الله للزيادات في الحديث. عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال الله تبارك وتعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بأحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء كترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته} أو كما قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى. هذه ضميمة الحديث أو جسم الحديث أو هيكل المتن، ولكن ورد بألفاظ أخر عند الأئمة في كتبهم.

زيادات حديث الولي من غير رواية البخاري

زيادات حديث الولي من غير رواية البخاري من زيادات الحديث: (من عادى لي ولياً) عند الإمام أحمد في المسند: {من آذى لي ولياً} وفي حديث ميمونة وهو حديث صحيح: {فقد استحل محاربتي} وفي رواية وهب بن منبه: {من أهان وليي المؤمن فقد استقبلني بالمحاربة} وفي حديث معاذ وهو صحيح: {فقد بارز الله بالمحاربة} وفي حديث أبي أمامة وأنس وسنده حسن: {فقد بارزني} وفي رواية: {وما زال عبدي} بالماضي، وعند أهل الصحيح: {وما يزال عبدي يتقرب إليّ}. وهناك رواية: {يتحبب} بدل (يتقرب) في حديث أبي أمامة , وفي حديث ميمونة: {حتى أحببته} في مكان: (حتى أحبه) وصح من حديث أبي أمامة: {ابن آدم! إنك لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضته عليك} وقوله: {وبصره الذي يبصر به} وصح من حديث عائشة: {وعينه التي يبصر بها} , وفي رواية صحيحة: {وعينيه التي يبصر بهما} زاد عبد الواحد أحد الرواة العدول: {وفؤاده الذي يعقل به، ولسانه الذي يتكلم به} وفي حديث أنس الصحيح: {ومن أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً} , وفي رواية: {وإن سألني عبدي} بجعل الظاهر مكان المضمر, وفي حديث أبي أمامة: {وإذ استنصرني نصرته} وفي حديث أنس الصحيح: {نصحني فنصحت له} , وعند أبي أمامة الذي صح من كلامه صلى الله عليه وسلم يرفعه: {وأحب عبادة عبدي إليّ نصيحته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله} وعند عائشة: {ترددي عن موته}. انتهت زيادات الحديث، وأصله اتفق عليه الشيخان، ولكن اختلفا في الألفاظ كما عند الإمام أحمد وغيرهم من الحفاظ.

مسائل في حديث الولي

مسائل في حديث الولي في هذا الحديث مسائل منها: من الولي؟ وما تعريف الولي؟ وما معنى حب الله لعبده تبارك وتعالى؟ ولماذا كانت النوافل سبباً للمحبة مكان الفرائض أو قبل الفرائض؟ وما هي خاصية الفرائض على النوافل؟ ومتى تكون النوافل محبوبة عند الله عز وجل؟ والمعضل في هذا الحديث المشكل: قوله تبارك وتعالى: {كنت سمعه} فكيف يكون الله سمع العبد وبصره ويده ورجله؟ ثم ماذا قال أهل التصوف في هذا الحديث؟ وما موقف أهل السنة والجماعة من هذا الحديث؟ وما موقف الاتحادية الجائرة الظالمة من هذا الحديث؟ وما معنى: {ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن}؟ وهل الله تبارك وتعالى يتردد؟ وهل يجوز أن نطلق عليه التردد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الإرادات؟ هذا ما سوف نعرض له بإذن الله.

أبو بكر خير الأولياء

أبو بكر خير الأولياء وقبل أن نبدأ اعلموا أن خير الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام, وهو أفضل الأنبياء وسيدهم وخطيبهم وقائدهم، إذا وردوا فهو خطيبهم, وإذا احتشدوا فهو إمامهم، وهو الشافع المشفع عليه الصلاة والسلام، وهو أول من تنشق له الأرض, وهو أول من يقرع باب الجنة. وخير الأولياء أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فليس هناك ولي أعظم ولا أفضل من أبي بكر بعد الأنبياء والرسل, لا الخضر عليه السلام ولا غيره, إذا كان الخضر على قول من قال: إنه ولي فـ أبو بكر أفضل منه, وفي الحديث: {ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر} إذاً أبو بكر هو خير الأولياء, ولن يأتي أحد بعد أبي بكر في هذه الأمة أفضل منه, مهما صلى وصام، ومهما حج وجاهد؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه أخذ المرتبة والدرجة الأولى في كل منزلة من الفضل, ففي صحيح البخاري في كتاب الجهاد يقول عليه الصلاة والسلام: {إن للجنة أبواباً ثماينة، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة, ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان, ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد إلى آخر تلك الأبواب, فقال أبو بكر -لا يسأل إلا أبو بكر: يا رسول الله! أيدعى أحد من تلك الأبواب جميعاً؟} أي: هل يدعى أحد يوم القيامة من جميع الأبواب- فيتبسم عليه الصلاة والسلام ويقول: {نعم وأرجو أن تكون منهم} فـ أبو بكر يدعى من جميع الأبواب يوم القيامة؛ لأنه برز في كل عمل صالح رضي الله عنه وأرضاه.

من هو الولي

من هو الولي

الولي عند أهل التصوف

الولي عند أهل التصوف قال غلاة أهل التصوف: الولي من غاب بمشهوده عن شهوده, ويقصدون بالمشهود: الله, والشهود: ما نراه ونبصره, يقولون: يغيب حتى لا يدرى هل هو حاضر أم غائب؟ هل هو في أبها أو في حضرموت؟ هذا عند غلاة الصوفية. وقالوا في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:24] قالوا معنى الآية: إذا نسيت نفسك ومن حولك فقد ذكرت الله, وهذا خطأ في التفسير. وقالوا في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152] قالوا: سبحان الله! أين الذي يريد الله؟ أي: أنهم جعلوا الذين يريدون الآخرة لا يريدون الله, والله يذكر أن بعض الصحابة في معركة أحد يريد الله وبعضهم يريد الدنيا، فأهل الغنائم وهم الذين نزلوا وعددهم سبعون من الجبل يريدون الدنيا، فالله يقول: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} [آل عمران:152] وهم هؤلاء الذين نزلوا من الجبل, {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152] وهم الصحابة وعلى رأسهم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام, فأما تفسيرهم فقالوا: لا, كلا الطائفتين كانت خاطئة، فأين الذين يريدون الله؟ لا أحد! وقال بعضهم: من صفى وجانب الجفاء وأتى بحقوق الوفا، فهو من الصوفية على صفا، وهو الولي. وقالت الاتحادية: كل ما في الكون من الأولياء, ويقولون: إن المشهود كله هو الله عز وجل!! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً! ولذلك رد عليهم ابن تيمية شيخ الإسلام رداً عجيباً، فسحق مفترياتهم ودحض حججهم.

الولي عند أهل السنة

الولي عند أهل السنة أما تعريفه عند أهل السنة فهو التعريف الذي عرفه الله من فوق سبع سموات, قال الله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63] فتعريف الولي هو: الذي آمن واتقى، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:55 - 56].

الولاية بين الصحابة وأهل التصوف

الولاية بين الصحابة وأهل التصوف أما الصحابة فكانت طرق الولاية عندهم بالعبودية, وكانت طرق الولاية عند غيرهم ثلاث طرق: بالمواجيد والأذواق، وبالفلسفة وذو الجدل، وبالتفكير. أما الصحابة فسلكوا في الولاية مسلك العبادة, فأقربهم عند الله أكثرهم عبادة له. لماذا كان أبو بكر أفضل الأولياء؟ لأنه أكثر الناس عبادة, حج وجاهد، وصام وزكى، ودعا وفدى الإسلام بنفسه، ثم كان أخوف الخائفين من الله. ولذلك جاء في كتاب الزهد للإمام أحمد -وقد تكرر هذا- أنه رضي الله عنه وأرضاه كان يبكي كثيراً حتى يُرثى له, وكان يقول: [[يا ليتني شجرة تعضد وكان يقول إذا رأى الطائر يطير: يا ليتني طائراً فأطير، طوبى لك أيها الطائر! ترد الماء وترعى الشجر ثم تموت لا حساب ولا عذاب]]. ولما حضرته الوفاة قالت له ابنته عائشة: [[صدق الشاعر يا أبتي! حيث يقول: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فقال: يا بنية! لا تقولي ذلك, ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:19 - 21]]] وانتقل إلى رحمة الله ولم يترك إلا ثوبه وبغلته وشيئاً من مال قليل، وكان من أتجر التجار، ولكن دفع ماله كله في سبيل الله. هذا ما يستقر عليه التعريف، أن الولي من خاف الله واتقاه وعمل الصالحات. ولـ أبي عثمان الصابوني كتاب في الولاية , ذكر أن صاحب الولاية: من أتى بالفرائض واجتنب المحرمات، وتزود بالنوافل، وكان سليم الصدر، حسن الخلق، قائماً قيام الليل, مجاهداً نفسه في ذات الله, عاكفاً نفسه على عبودية الله, حسن التعامل مع الناس، وكان صادقاً فهو الولي إلى آخر كلام طويل له؛ يقرر لنا فيه أن الولاية تنال بهذا. والولي لا يشترط له لباس كما يقول ابن القيم في مدارج السالكين: فليس للأولياء لباس يخصهم, وليس للأولياء عمائم, وليس من لبس العمامة فهو ولي، ومن أتى حاسر الرأس فليس بولي, أو أن أهل الثياب البيض والغتر الحمراء أولياء, والذين لا يلبسون هذا اللباس ليسوا بأولياء, أو الحمر البلق, أو السود الذين يميلون إلى الصفرة, لا. أو بنو فلان وبنو فلان، لا. أو الكبار في السن، أو التجار، أو أبناء الأمراء والوزراء، لا. {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63]. وابن تيمية في المجلد الحادي عشر من مجموع الفتاوى يقول: إن الصوفية - أو كلاماً يشبه هذا -يرون أن من لبس البذاذة أنه هو الولي, فيأتون بالمرقعات من الثياب الممزقة ويبقون في الزوايا ويدعون الولاية, ولذلك يقول: كم من ولي في قباء، وكم زنديق في عباء. كم من ولي في قباء، أي: في منظر بهيج وفي حلة فاخرة, وكم من زنديق في ثياب ممزقة؛ لأن المقصد ليس الثياب. ولذلك دخل ابن عباس رضي الله عنهما على الخوارج يوم النهروان أو قبله بيوم, والخوارج فرقة ضالة، وهم كلاب النار, أخذوا في العبادة وتركوا العلم والفقه في الدين, دخل عليهم ابن عباس يحاورهم لعلهم يعودون إلى أهل السنة والجماعة , وقبل أن يدخل اغتسل وتطيب ولبس حلة بألف دينار -أي: بعشرة آلاف درهم- فلما رآه الخوارج وكانوا يلبسون الثياب الممزقة قالوا: أأنت ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام وتلبس هذا؟! قال: أأنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم أم أنا؟ قالوا: أنت, قال: فوالذي نفسي بيده لقد رأيته في حلة حمراء كأحسن الحلل. فالمقصود أن الملابس والطقوس والجلسات، أو الأكل الخاص أو أنهم إذا مشوا نكسوا رءوسهم ومشوا رويداً كأنهم نملة، هذا ليس من الولاية في شيء. [[رأت عائشة رضي الله عنها وأرضاها شبيبة بدأوا في الاستقامة، فأخذوا يتمسكنون ويتضاعفون ويتماوتون، إذا تكلم أحدهم تكلم بالهوين، وإذا سلم سلّم بالهوين, وإذا صافح مد يده لك كأنها ميتة. فقالت عائشة: من هؤلاء؟! قال لها الناس: هؤلاء قوم نساك. قالت: والله الذي لا إله إلا هو لقد كان عمر أخشى لله منهم، وأنسك لله منهم، وكان إذا مشى أسرع، وإذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع]]. الفاروق كان يدكدك الدنيا إذا مشى، وإذا تكلم هز القلوب, والمنابر تهتز وتبكي تحت أرجله, وإذا تكلم أسمع حتى نقل عنه أنه أرسل إلى امرأة وهي حامل يريد أن يحاسبها على قضية، فأسقطت حملها -وهذا صحيح- وسأل علياً عن ذلك فقال: أرى أن فيه غرة وأن تديه فوداه رضي الله عنه وأرضاه. وأوردوا عنه كصاحب كنز العمال وغيره، أنه رضي الله عنه وأرضاه كان يمشي أمام الصحابة في سوق المدينة فسمع جلبة, أي: صوتاً وراءه, فالتفت، قال علي أبو الحسن رضي الله عنه: والله لكأن قلوبنا نزلت في بطوننا. ولذلك الجن خافت من عمر؛ فإذا أتى عمر من فج لم يسلك الشيطان فجه الذي يسلكه رضي الله عنه وأرضاه, كان يفرق الله به بين الحق والباطل، ولذلك سمي الفاروق. قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها فلذلك ليس للأولياء أصوات غير أصوات الناس، وليس لهم لباس غير لباس الناس, ولا طعام ولا شراب، بل يأكلون ويشربون ويبيعون ويشترون مثل الناس. فغلاة الصوفية لما ظنوا أنهم أولياء جلسوا في الزوايا مثل الرهبان في الصوامع، لا يبيعون ولا يشترون ولا يتزوجون ولا يمزحون ولا يضحكون ولا يلبسون, وسيد الأولياء وخير الأولياء أبو بكر اشترى السمن وباعه في السوق, ويأخذ الجمل، وينزل بحمله، ويبيع ويشتري في السوق، ويسعر رضي الله عنه وأرضاه, ويقوم على المنبر يتكلم ويضيف الناس، ويودعهم ويستقبلهم، كل هذا وهو سيد الأولياء. فحياة ليست كحياة الصحابة ليست بحياة, وليست بولاية ولا استقامة.

أقسام الأولياء

أقسام الأولياء الأولياء عند الجمهور قسمان: مقتصدون، وسابقون, وشيخ الإسلام ابن تيمية ذهب إلى أنهم ثلاثة أقسام فيقول: الأولياء تشملهم هذه الآية، قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:32]. الظالم لنفسه: هو الذي يترك بعض الواجبات ويأتي بعض الكبائر, وهو عند الخوارج كافر, وعندنا مسلم لا يخرج من الإسلام. والمقتصد: هو الذي يفعل الفرائض بواجباتها ويترك الكبائر، ولكنه قد يترك المستحبات وقد يفعل بعض المكروهات. والسابق بالخيرات: هو الذي لا خوف عليه ولا حزن، وهو الذي يفعل الفرائض والواجبات والمستحبات، ويترك الكبائر والمحرمات والمكروهات, ووصفه ابن القيم في طريق الهجرتين فقال: هو الذي ينام وقلبه معلق يطوف حول العرش. فهو معلق بربه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فإذا نام وانتصف الليل قام فتوضأ وهو خائف منكسر القلب، خجول من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فيصلي ويناجي ربه وقد أسلم أعضاءه وروحه وإرادته وعزيمته ومحبته، فليس له من نفسه شيء، وليس لنفسه منه شيء وسوف يأتي معنا في الحديث كلامه أن الله يكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به- فهذا السابق بالخيرات. فهم أقسام ثلاثة، وعند الجمهور قسمان: مقتصدون وسابقون, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:1 - 10]. فأصحاب الميمنة هم المقتصدون, وأصحاب المشأمة على رأي ابن تيمية ليسوا من الظالمين، بل هم كفرة, والسابقون هؤلاء هم الصنف الثاني, فالمقتصدون هم أصحاب يمين, والسابقون بررة, قال سبحانه في آخر السورة بعد أن قسم في أولها: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الواقعة:83 - 88]. فهؤلاء المقربون هم السابقون: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:89 - 90] المقتصدون {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ} [الواقعة:91 - 92] وهؤلاء الكفرة وهم أصحاب المشأمة, نسأل الله أن يجيرنا من مصيرهم.

معاداة الأولياء

معاداة الأولياء قسَّم الحديث الأولياء إلى مقتصد وسابق -ومر هذا- حيث يقول الله تبارك وتعالى فيه -وسوف يأتي شرحه-: {من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إليَّ عبدي بأحب مما افترضته عليه} وهذا هو المقتصد {ولا يزال يتقرب إليّ بالنوافل} وهذا هو السابق, فمن تقرب بعد الفرائض بقيام الليل، وصيام النوافل، واتقى الله، وحسن خلقه وتعامله، وصدق، وبر والديه، ووصل رحمه، فهو سابق بالخيرات, فهذا هو المقتصد والسابق كما قسم في الحديث.

معنى المعاداة في الحديث

معنى المعاداة في الحديث يقول الله تبارك وتعالى: {من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة} ما هو معنى المعاداة؟ نحن نختلف فيما بيننا في مسائل, وقد اختلف أهل العلم في مسائل، اختلف الإمام أحمد ومالك والشافعي وأبو حنيفة، واختلف أبو بكر وعمر في مسائل وتشاجرا وتجادلا, فهل هذه معاداة؟ هل إذا عاديت المسلم وأتى بينك وبينه غيظ ثم تصافيتم فهل هذا من المعاداة؟ قال أهل العلم: لا تدخل المشاحنة والمشادة ولا الخلاف والمجادلة في العداء. ومعنى المعاداة: المعاداة التي سببها الولاية، أنه ما عاداك العدو إلا لأنك ولي لله, قالوا: مثل بغض أبي بكر من الرافضة , وسب علي من الناصبة , ومثل عداء الكفار مع المؤمنين وعداء أهل البدعة مع أهل السنة، هذا هو العداء. ومنه عداء أهل النفاق مع أهل الإيمان, فقد عادوهم بالسخرية وبالغيبة واستحلال الأعراض والاستهزاء, فهذه هي المعاداة وليس الاختلاف العلمي والجدل والضغينة الطفيفة التي لا يخلو منها البشر معاداة, كالتي حدثت بين أبي بكر وعمر وغيرهما رضوان الله عليهم من السلف الصالح فهذا ليس عداء. هذا يخرج معنى المعاداة في الحديث من معنى الجدل إلى معنى الضغينة بسبب الولاية.

محاربة الله لمن عادى الأولياء

محاربة الله لمن عادى الأولياء والمحاربة: هي مفاعلة، فلا بد من جانبين للمقاتلة، أي: أن يقاتل هذا هذا، ويقاتل هذا هذا، وهو من أفعال المشاركة، كالمضاربة والمجادلة, فكيف نلحق هذه الصفة بربنا تبارك وتعالى, وهي من جانبين، والله عز وجل يجل أن يحارب العبد؛ لأن سببها العداوة من الجانبين أو التوازن والتساوي، والله أجل قدراً, وأقدر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وأعظم وأجل؟! قال أهل العلم: المعنى: قد تعرض لهلاكي، فقوله: {من عادى لي ولياً فقد آذنته بالمحاربة} ليس معناه: أنه يحاربني وأحاربه، فالعبد أذل وأقل وأصغر من أن يحارب الله, لكن المعنى: فقد تعرض لما يوجب هلاكه, أي: أنه أغضبني فأهلكه, ليس معناه أن العبد قام بسلاح والله بسلاح ليتحاربا -جل الله- فقالوا: هذه من الأفعال التي تبنى على الأسباب، كما يقول ابن حجر: معناه أن العبد إذا بدأ بسبب العداء فقد تعرض لهلاكه من الله تبارك وتعالى, لأنه حارب الله, ومن يحارب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟!

التقرب بالنوافل سبب محبة الله للعبد

التقرب بالنوافل سبب محبة الله للعبد كيف عظمت الفرائض على النوافل؟ حيث أن الله جعل سبب المحبة النوافل، ولم يذكر في الحديث أن سبب المحبة الفرائض إنما ذكر النوافل, ولو أنه في أول الحديث قال: {وما تقرب إليَّ عبدي بأحب مما افترضته عليه} ولكن يقول: {ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه} ثم يكون الله سبحانه وتعالى سمعاً للعبد وبصراً له بسبب فعل النوافل لا بالفرائض.

أهمية النوافل

أهمية النوافل و Q كيف عظمت الفرائض إذاً عند أهل السنة والجماعة على النوافل؟ ولماذا كانت النوافل في الحديث سبباً لمحبة الله أكثر من الفرائض؟ من الأجوبة التي أوردها أهل العلم: أنه إنما ذكرت الفرائض وعظمت لأنها سبب في رفع العقاب والغضب من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, والنوافل كانت سبباً للحب لأن العبد يفعلها حباً فيما عند الله عز وجل. قال الحافظ ابن حجر وغيره من أهل العلم: لأن الفرائض كالأصل والأساس ولأنها علامة للعبودية، ولأن فيها الذل، وفيها امتثال أمر الآمر تبارك وتعالى, ونهي الناهي تبارك وتعالى، فكانت أعظم من النوافل، والآمر والناهي هو الحاكم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإذا امتثلت أمره كنت أفضل ممن يتقرب إليه بالنوافل, فكانت الفرائض هي أفضل, وأما النوافل فعلى الجواب السالف كانت سبب المحبة لأن العبد لا يفعلها خوفاً من العقاب ولا من العذاب، إنما يفعلها حباً من نفسه، ولا يكثر من النوافل إلا محب لله تبارك وتعالى. وأنت لا تسأل عن إيمان الشخص ولا كثرة صلاحه, ولكن انظر إلى نوافله. يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [[كل يحسن الكلام ما لم يعملوا، ولكن إذا عملوا انكشفوا]] أو كما قال فالكلام سهل لكن الفعل هو الصعب, فلا تسأل عن عبادة عابد أو حبه لله تبارك وتعالى حتى تنظر إلى نوافله, وكلما أكثر من النوافل كان أقرب إلى الله, وأحب إلى الله, فإذا رأيته حريصاً على النوافل فمعنى ذلك أنه من أقرب الأقربين إلى الله تبارك وتعالى، وأنه من المحبين لله تبارك وتعالى. والنوافل في الحديث -أيها الكرام- أولها نوافل الصلاة, ولذلك تكلم عليها الحفاظ لأن نوافل الصلاة هي المتبادرة إلى الذهن، ولذلك لا يحافظ على نوافل الصلاة إلا مؤمن تام الإيمان وكامل اليقين, كصلاة الضحى, وأربع قبل الظهر وأربع بعدها, وأربع قبل العصر, وركعتين بعد المغرب أو أربع أو ست, وركعتين بعد العشاء أو أربع أو ست, والوتر إلى ثلاث عشرة إلى ما يفتح الله عز وجل، إلى نوافل كثيرة.

حرص السلف الصالح على الإكثار من النوافل

حرص السلف الصالح على الإكثار من النوافل ولذلك صحح العلماء أن الإمام أحمد كان يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة غير الفرائض, قال ابنه عبد الله: فلما آذاه الجَلْدُ-لما جلد في سبيل الله وفي سبيل رفعة لا إله إلا الله- كان يصلي مائة وخمسين ركعة, وكان إذا سجد ربما أعنته حتى أعيده إلى مكانه. يقول أحد الذين جلدوه: لقد جلدته جلداً لو جلد به بعير لمات. كل ذلك في سبيل الله. وأول ما أخذ الإمام أحمد -وهو من الأولياء الكبار في الإسلام، رضي الله عنه وأرضاه ورحمه الله رحمة واسعة- أركبوه على فرس، قال: فحمَّلوني بالقيود من الحديد في يدي ورجلي -وسبب التعذيب أنه يريد منهج أهل السنة وهم يريدون البدعة, فـ المأمون ومن معه والمعتصم والواثق كلهم يريدون منهج الاعتزال بالقول بخلق القرآن, وهو يقول: لا -فلما أركبوه قال: خشيت أن أقع على وجهي فيتهشم وجههي، فكنت أداري نفسي على الفرس، لا يمسكه أحد إلا الله في ليلة ظلماء، وكان الجنود وراءه يضربون الفرس حتى أدخلوه في ثكنات المعتصم العسكرية. فلما أدخل قال: أغلقوا عليَّ الباب وأنا في ظلمة لا يعلمها إلا الله, قال: فالتمست لأجد ماء، فيسر الله لي بإناء فيه ماء, فأكبر مهمة له أن يصلي في الليل نافلة, فتوضأ رحمه الله رحمة واسعة وقام يصلي حتى الفجر. ولما أتى في الصباح عرضوا له الإفطار من مأدبة المعتصم الخليفة. يقول الخليفة: لا آكل حتى أخبر أن أحمد أكل قبلي, فهم يعرفون أنه إمام الدنيا وفقيه المعمورة، ولذلك جعله الله إماماً، حتى إذا قيل للأطفال: أحمد بن حنبل، دخل في أذهانهم أنه إمام, قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. فلما عرضوا له المائدة قال: لا والله، عندي دقيق يكفيني، كان معه سويق في جراب, وكان صائماً طيلة دخوله في السجن, فإذا أذن لصلاة المغرب أخذ حفنة واحدة من هذا الدقيق -السويق- ووضعه في الماء ثم خلطه بيده ثم أكله بعد صلاة المغرب, ويبقى عليه لليوم الثاني, حتى يقال: تغاضت جفناه أو خداه من الضعف لما خرج من السجن. ومع ذلك أخرجوه وحققوا معه وأرادوه أن يعود إلى منهج الابتداع، فرفض ولم يرض إلا منهج الإسلام ومنهج أهل السنة والجماعة , فجلدوه جلداً مبرحاً, وسلمه الله وأخرجه ورفعه رفعة ما بعدها رفعة، حتى إنه لما توفي كان الناس في جنازته، ومن كثرتهم تقطعت الأحذية، وذهب به بعد صلاة الفجر وما وصلوا إلى المقبرة إلا في صلاة العصر, وأغلقت الحوانيت في بغداد , وتوقف اليهود والنصارى عن أعمالهم, وظن بعض الناس أن القيامة قامت في يوم جنازة الإمام أحمد , حتى قال بعض المؤرخين: لم يحفظ جنازة في التاريخ اجتمع لها جمع أكثر من جنازة الإمام أحمد. فالمقصود أن الأولياء في الإسلام إنما عَظُموا من كثرة النوافل. يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة سفيان الثوري أبي سعيد، الإمام الحبر الزاهد العلامة الكبير الذي رفع الله هامته وقدره: يقولون: ذهب إلى صنعاء اليمن يريد أخذ العلم من عبد الرزاق بن همام الصنعاني العلامة الكبير, فلما وصل إليه قدم له عبد الرزاق بن همام رطباً وزبدةً، فأكل منه أكلاً كثيراً, لماذا؟ لأن الرجل صالح وطعام الصالحين فيه شفاء بإذن الله, والرجل مسافر، فلما أكثر التفت إلى نفسه، وقال: أكلت هذا الأكل! -يقول المثل وقد ذكره الذهبي: أشبع الحمار وكده، والله لا أنام حتى الفجر- فأخذ يصلي ويبكي حتى طلع الفجر. ولذلك حفظ عن سفيان الثوري أنه من الذين كانوا يقومون الليل كله, ذكر الغزالي في الإحياء: أن من السلف من كان يقوم الليل كله، منهم: سعيد بن المسيب وسفيان الثوري والفضيل بن عياض، كانوا يقومون الليل كله, ولكن إذا عرضنا أنفسنا فأين الثرى من الثريا؟!! سارت مشرقة وسرت مغرباً شتان بين مشرقٍ ومغرب لكن عزاؤنا وسلوتنا أننا نحب القوم ومن أحب القوم حشر معهم, لكن العجيب أن هناك من يبغض هؤلاء لا لشيء، يبغض الإمام أحمد، ويبغض سفيان الثوري، ويبغض عمر بن عبد العزيز , أما نحن فنقول: والله لا نقدر أن نعمل بعملهم ولا نستطيع أن نصل إلى هذا المستوى، ولكن من أحب القوم حشر في زمرتهم، فنشهد الله وملائكته والناس أجمعين أننا نحبهم في الله. يقول سعيد بن المسيب: [[الحمد لله ما فاتتني تكبيرة الإحرام في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أربعين سنة]] سعيد بن المسيب بكى حتى ذهبت عينه اليمنى, وقالوا له: لا تبكِ، رويداً وإلا سوف تذهب اليسرى, قال: [[لا خير فيها إن لم تذهب من خشية الله]]. وقيل له: [[اذهب إلى العقيق فإن فيه خضرة لعل بصرك أن يعود إليك, قال: سبحان الله! ومن لي بصلاة الدلجة؟ ومن لي بصلاة في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام التي تعادل ألف صلاة فيما سواه]]. هؤلاء هم السلف الصالح الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.

لماذا كانت النوافل سببا للمحبة

لماذا كانت النوافل سبباً للمحبة لقد تقدم جزء من الجواب، والسبب في أن النوافل سبب للمحبة؛ لأنها تؤتى باندفاع وبحب وباشتياق ولا يرغمك أحد عليها, وبعض الناس يصلي في المسجد -نسأل الله العافية- إما مداراة للناس، وإما مجاملة لأهل الحي، وإما لأنه يخاف من الإمام والمؤذن أن يرفعه أو الهيئة، أو يخاف من السلطان أن يبطحه ويجلده فيصلي مع الناس, لكن يظهر هذا في النوافل, لا تجده يتنفل في المسجد, إذا سلم الناس كأنه طائر في قفص يخرج متضايقاً، فهو يحسب هذه الدقائق ولا يحسبها في أماكن اللهو واللغو واللعب, وبإمكانه أن يجلس جلسة سافرة ساحرة ماكرة الساعات الطويلة، يتمايل مع الأعواد، يأخذ النغمات، ويستنشق الفرح الذي ليس هو بفرح ولكنه حزن ولا يمل, لكن إذا حضر في المسجد كان آخر من يدخل وأول من يخرج، فإذا سلم الإمام يذهب ولا يتنفل, فهذا علامة على أنه ليس محباً. أما المحب فهو الذي يتنفل, فكانت النوافل سبباً في محبة الله, فلذلك تجده يتنفل كثيراً وتجده يأتي مع الأذان أو قبل الأذان, يقول عدي بن حاتم كما في كتاب الزهد للإمام أحمد: والله ما أذن المؤذن إلا وأنا متوضئ والحمد لله، وهذا من باب قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] وذكروا أن أحد السلف كان يعمل نجاراً فكان يرفع المطرقة فإذا سمع (الله أكبر) تركها وأسقطها وراء ظهره ولا يطرق بها مرة ثانية. وعائشة رضي الله عنها تقول: {كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم معنا ويكون في مهنة أهله ويقطع مع أهله اللحم، فإذا سمع (الله أكبر) قام كأننا لا نعرفه ولا يعرفنا}. وكان كثير من السلف يقومون ويأتون المسجد في الغدوات، ويؤذن للصلاة وهم في المسجد، ولذلك ضيوف الرحمن يأتون على قدر منازلهم. وقال أهل الأثر: الناس يوم القيامة في المنازل كمنازلهم في المسجد. يقول ابن مسعود: [[اللهم لا تسبقني بأناس كثير في الجمعة, فاغتسل وتأخر قليلاً حتى سبقه ثلاثة, فدخل هو الرابع, فقال: رابع أربعة، وما رابع أربعة من الخير ببعيد]] قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:37] يتقدم في الخير ويتأخر عن الخير. ولذلك نحن نقيس هذه الأعمال أو محبة الناس لله عز وجل بأعمالهم الظاهرة، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105].

مثل المتنفل وغير المتنفل

مثل المتنفل وغير المتنفل قيل لـ ابن المبارك: لماذا يصلى قبل الظهر أربعاً؟ ألا تقبل الظهر بلا أربع؟ قال: يا بني! -لأن هذا غر جاهل يسأل- مَثَلُ الرجل الذي أتى إلى المسجد متوضأً في أول الوقت، فصلى أربعاً ودعا الله وهلَّل وكبر، ثم صلّى الظهر، ثم صلّى بعدها أربعاً، كمثل رجل له حاجة عند ملك من ملوك الدنيا -ولله المثل الأعلى- فراسل الملك قبل أن يصله، بالهدايا وأتحفه وأسمعه خيراً, ثم وصل واستأذن الملك بشفاعة طيبة، ثم تكلم بين يدي الملك بكلام طيب حتى ارتاح له الملك، ثم عرض عليه حاجته فلبَّى حاجته, فهذا مثل من فعل هذا. ومثل الذي يأتي فيتوضأ فيدخل والناس يصلون فيصلي ثم يذهب، كمثل رجل دخل على الملك بلا إذن, وما سبقه هدية، وما تكلم مع الملك بكلام طيب، ثم قال للملك: أعطني هذه الحاجة، فإن شاء أعطاه وإن شاء منعه, فانظر إلى هذين المثالين.

فوائد من حديث الولي

فوائد من حديث الولي

النافلة لا تقدم على الفريضة

النافلة لا تقدم على الفريضة يستفاد من الحديث أن النافلة لا تقدم على الفريضة، وقال هذا ابن هبيرة وزير الخلافة، وهو من أعظم الوزارء في تاريخ الإسلام. ابن هبيرة صاحب الإفصاح، كان حنيفاً مسلماً ولم يك من المشركين, كان زاهداً عابداً, ولذلك مدحته الشعراء بمدائح لم يمدح أحد من الوزراء في التاريخ الإسلامي بمثل مدح هذا الوزير أبداً, حتى يقول فيه ابن حيُّوس: صفت نعمتان عمَّتاك وخصتا فذكرهما بين البرية يذكر وزهدك والدنيا إليك فقيرة وجودك والمعروف في الناس ينكر فسمعها الخليفة العباسي المستنجد فزاد عليها بيتين وقال: ولو قام يا يحيى مكانك جعفر ويحيى لكفَّا عنه يحيى وجعفر ولم أرَ من ينوي لك السوء يا أبا المظفر إلا كنت أنت المظفر اسمه أبو المظفر ابن هبيرة , من أعماله الصالحة: أنه حج بالناس من بغداد، وأعلن فيهم أن من أراد الحج فليحج, ونفقته على الوزير, فحجوا بأطفالهم ونسائهم والمساكين والفقراء، وخرجت بغداد إلا قليلاً, فكان يطعمهم الفالوذج، والثريد، والعسل, وكان يظللهم من الشمس، وكان يدور عليهم في الخيام في الليل يتفقدهم وهو الوزير. فلما وصلوا إلى منى في اليوم الثامن أتاهم في ذلك اليوم شدة شمس وقحط حتى انتهى الماء، وكانوا يبحثون ويلتمسون الماء حتى أشرف كثير من الناس على الهلاك, فقام فتوضأ وصلى ركعتين، وقال: اللهم إني أسألك أن تغيثنا, فغطت السماء غمامة ونزل الغيث في ذلك الوقت حتى شربوا بعدما يقارب ساعة شربوا الثلج, فكان يبكي وهو يشرب ويقول: يا ليتي سألت الله المغفرة. كان في الوزارة بجانب الخليفة، فدخل عليه رجل، فلما دخل نظر هو إلى الرجل كثيراً كثيراً وتملاه، فلما انتهى قال للرجل: تعال, فأتاه ذاك الرجل, فمسح على رأسه وأعطاه شيئاً من المال، وقال: عفا الله عنك، ثم ذهب الرجل, فقال الناس: ما لك؟ ماذا حدث؟ قال: هذا الرجل تذكرت حالي وإياه في الشباب، حصل بيني وبينه مشادة ومشاجرة، فضربني بعصاً عنده على رأسي فأذهب عيني هذه فلا أرى بها شيئاً منذ ثلاثين سنة, فلما دخل عرفته وتذكرت القصاص يوم القيامة عند الرحمن، فأردت أن يعفو الله عني كما عفوت عنه فقد عفوت عنه. فـ ابن هبيرة من أجل الوزراء في التاريخ الإسلامي، وإنما ذكرته لأنه ذكر هنا. يقول ابن هبيرة: يؤخذ من هذا الحديث أن النافلة لا تقدم على الفريضة. وصدق -رحمه الله- وبعض الناس من قلة الفقه في الدين يعتني بالنوافل أكثر من الفرائض, تجده في صلاة الضحى يحسب لها ألف حساب, وهذا شيء طيب، فيصلي بخشوع وخضوع وإقبال, وإذا أتت صلاة الظهر صلاها بسرعة كأنها نافلة, يقوم الليل حتى قبيل الفجر ثم ينام عن صلاة الفجر -ما شاء الله تبارك الله!! وأين الفريضة التي تعادل آلاف الآلاف من النوافل؟ وهذا حتى في غير الصلاة، فتجد بعض الناس يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويقرأ فيها ما تيسر من القرآن، ويسبح ويهلل ويحضر نفسه عند الإفطار، ويعيش عبودية الصيام, فإذا حضر رمضان ما كأنه يعيش فريضة، والله يطالب العبد في الفرائض أكثر من النوافل.

النافلة مكملة للفريضة

النافلة مكملة للفريضة ويستفاد من الحديث: أن النافلة لا تقدم على الفريضة، وأن النافلة مكملة للفريضة, وفي الحديث الصحيح: {إن الله عز وجل إذا حاسب العبد يوم القيامة قرره بذنوبه فيقول لملائكته: انظروا هل له من نوافل؟ فإن كان له نوافل أخذ من نوافله على فرائضه} فهي تكمل ما نقص من فرائضه. وظاهرة الاهتمام بالنوافل على حساب الفرائض هي من قلة الفهم في الدين, ولذلك [[كان سلمان رضي الله عنه وأرضاه إذا قام إلى الصلاة يحمر وجهه, فقالوا: ما لك؟ قال: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟!]] و [[كان يصلي قبل الفجر أربع ركعات في الليل، فيقول له بعض السلف: ألا تزيد على الأربع؟ قال: لا. إن الفرائض تكفر المقحمات وأما النوافل فهي لصغار السيئات، أو هي كوامل للفرائض، وإني في رحمة الله عز وجل إذا أكملت الفرائض]]. فالجودة في الفرائض هو المطلوب, قال الله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] ولم يقل: أكثر عملاً.

ما المقصود بالسمع والبصر في الحديث؟

ما المقصود بالسمع والبصر في الحديث؟ ما معنى قول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: {كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها}؟ فيه ستة أقوال لـ أهل السنة ولغيرهم من الفرق.

أقوال أهل السنة في معنى: السمع والبصر في الحديث

أقوال أهل السنة في معنى: السمع والبصر في الحديث القول الأول: أن هذا على سبيل التمثيل, أي: كنت سمعه وبصره في امتثال أمري وفي طلب طاعتي, فهو يحب طاعتي كحبه لسمعه وبصره. أي: يحب طاعتي وذكري وتلاوتي ومرضاتي كما يحب سمعه وبصره، فهذا على التمثيل. القول الثاني: قيل: كله وجسمه مشغول بي، فلا يصغي بسمعه إلا إلى ما يرضيني، ولا ينظر إلا لما يعجبني، ولا يتفكر إلا في مخلوقاتي، ولا يفعل بيده إلا في طاعتي، ولا برجله إلا مرضاتي. القول الثالث: أجعل مقاصده كأنه ينالها بسمعه وبصره, أي: ألبي له المقاصد حتى كأنه يتناولها بالسمع والبصر. القول الرابع: كنت له في النصرة كسمعه وبصره ورجله, أي: كنت أقرب إليه في النصرة من اليد، وفي المعونة من الرجل، وفي المعونة والنصرة من العين ومن الأذن. القول الخامس: قيل: على حذف المضاف, فمعناه كنت حافظ سمعه وبصره ويده ورجله. القول السادس: وهو الراجح إن شاء الله، قيل: معنى سمعه أي: مسموعه، فلا يسمع إلا ذكري ولا يرى إلا صنعي. وقال الخطابي: هذه أمثال، والمعنى: أني أوفقه لطاعتي ولمحبتي ولعبادتي فيباشر الأعمال، هذا هو معنى الحديث الراجح إن شاء الله, وهو أن الله يوفقه للطاعة فلا يتصرف بأعضائه إلا في محبة الله عز وجل كنت سمعه وبصره ويده ورجله, أي: أنني أحفظه في هذه الأمور وأوفقه لهذه الأمور فيكون لله وفي الله وبالله, فيستخدم ويستغل هذه الأعضاء والجوارح في مرضاة الله تبارك وتعالى.

قول أهل التصوف في معنى: السمع والبصر في الحديث

قول أهل التصوف في معنى: السمع والبصر في الحديث يقول أهل الفناء: معنى الحديث: أنه يفنى بإرادته عن إرادته, ومعنى: كنت سمعه الذي يسمع به: أن العبد يفنى بإرادة الله عن إرادة نفسه, وبشهود الله عن شهود نفسه, فيكون في إرادة الله عز وجل وفي شهوده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وهذا خطأ, لكنه أخف خطأً من الذي يأتي بعده. وقال أهل الاتحاد - وأهل الاتحاد للبصيرة والبينة لمن لم يعرف أهل الاتحاد وأهل الحلول هم طائفتان كافرتان مجرمتان في الإسلام-: يقولون: كل ما في الكون هو الله, اتحد الله في الأجسام, فلا ترى إلا الله في الناس والحيوانات والطيور والأشجار وكل شيء تجد الله قد اتحد فيهم. فقالوا في معنى الحديث: إن الله إذا وصل العبد إلى منزلة من الخير والبر والصلاح والولاية يتحد فيه, فيكون الله في صورة العبد جلّ الله وتعالى عما يقولون علواً كبيراً!! وقالوا: وما دام جبريل عليه السلام أتى بصورة دحية بن الخليفة الكلبي , فكذلك قد يأتي الله في صورة العبد, إذا بلغ العبد في الولاية مبلغا ًعظيماً يتصور الله بصورته, {سُبحَانَهُ وَتَعَالَىَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً} [الاسراء:43]. وهذا من أخطر الأقوال في الإسلام، وهذه مقالة ابن عربي صاحب الفصوص والفتوحات المكية، وابن سبعين , حتى يقول ابن تيمية لما ذكر هذا القول: إن صح عنه هذا القول فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وهذا كفر بواح ما أكبر منه. إذاً هذا رأي لهم, وإنما عرضت إليه لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55] وليكون المسلم على بصيرة؛ لأن طالب العلم لا يكفيه أن يعرف الحق بل لا بد أن يعرف مع الحق الباطل, قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة من قوم نشئوا في الإسلام لم يعرفوا الجاهلية]] وليس الفطن الذي يعرف الخير, لكن الفطن الذي يعرف الخير والشر. عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه ولذلك لا بد للمسلم أن يعرف المذاهب الهدامة وماذا يقولون؛ لأنه ربما لُبِّس عليه فيظن أنها من مذهب أهل الحق.

معنى عدم إجابة دعاء بعض الأولياء

معنى عدم إجابة دعاء بعض الأولياء وجد من الأولياء من دعا فلم يُجب دعاؤه، فما السر؟ يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه} لكن وجد في الأولياء من عبد الله وخافه ورجاه وصام له وبلغ في الولاية مبلغاً عظيماً، لكن دعا فلم يجب، فما هو السر؟!! السر هو: أن الله عز وجل قد يؤخر جواب السائل ولو كان ولياً لأمور، منها: 1 - أن الله عز وجل قد يعطيه من الخير غير المطلوب ما يعلم سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن مصلحته في هذا الأمر وليس في ذاك الأمر، ونحن لا ندري بمصالحنا, والله هو الأعلم سُبحَانَهُ وَتَعَالى, وأدرى بنتائج الأمور، فإنك قد تطلبه في شيء فيعطيك الله عز وجل شيئاً غير الذي طلبته سُبحَانَهُ وَتَعَالى بسبب هذا الدعاء؛ لأن الله أعرف وأعلم بما تحب، أو فيما هو في مصلحتك. 2 - أن يدخر لك من الثواب في الآخرة أحسن مما يلبي لك في الدنيا. 3 - أن يصرف عنك من السوء, فقد يقدر الله عليك بعض الحوادث والكوارث والزلازل والفتن, فلكثرة دعائك صرف الله عنك من المحن والفتن ونحوها. ولذلك أوصي نفسي وإياكم بكثرة الدعاء دائماً وأبداً، ولا تقل: دعوت دعوت فلم يستجب لي، بل ادع الله دائماً وأبداً, قاعداً وقائماً وعلى جنبك, فإنك لن تزال بين أحد أمور: 1 - إما أن يصرف الله عنك من السوء بقدر ما سألت. 2 - أو أن يدخر الله لك من الخير بقدر ما سألت. 3 - أو أن يعطيك الله عز وجل غير ما سألت. 4 - وإما أن يلبي الله لك سؤالك. فأنت في خير وبر ومثوبة.

عظمة الصلاة

عظمة الصلاة عظم الصلاة وأنها قرة العين وسبب المحبة ورفع الدرجة وزلفى إلى الله؛ ولذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم كما في سنن النسائي بسند صحيح كما يقول ابن حجر: {وجعلت قرة عيني في الصلاة} فقرة عين النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة, وفي صحيح مسلم: {فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة} وفي صحيح مسلم من حديث ربيعة بن كعب بن مالك الأسلمي أو ابن مالك بن كعب ورد هذا وورد هذا لما قال: {يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة}. فمن أعظم النوافل الصلاة, ولذلك إذا فرغت فتزود من النوافل, وتقدم إلى الله بركعتين, فإنه سوف يمر عليك وقت تتمنى أنك صليت ولو ركعة، ولكن كما قال سبحانه: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54]. أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعقُ نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا أين الأكاسرة الجبابرة الألى كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا من كل من ضاق الفضاء بجشيه حتى ثوى فَحَواه لحد ضيق خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق ذُكِرَ عن مطرف بن عبد الله بن الشخير أنه مر على مقبرة في البصرة فقال: لا إله إلا الله! فلما أمسى تلك الليلة رأى قائلاً يقول: يا مطرف! مررت اليوم على المقابر فقلت: لا إله إلا الله! والله لقد حيل بين أهل المقابر وبين لا إله إلا الله، ولو علمت بفضل لا إله إلا الله لقطعت بها عمرك. وذكر ابن كثير في ترجمة زبيدة زوج هارون الرشيد الخليفة أنها رؤيت في المنام بعدما توفيت، رآها ابنها الأمين الخليفة, فقال: ما فعل الله بكِ؟ قالت: كدت أهلك وأعذب, قال: أما أجريتي عين زبيدة -أي: للحجيج- قالت: ما نفعتني شيئاً عند الله, قال: ولَمَ؟ قالت: ما أردت بها وجه الله، أردت بها رياء وسمعة. قال: فما نفعك إذاً؟ قالت: نفعتني ركعتان في السحر كنت أقوم فأتوضأ فأدور على شرفات القصر -قصر الخليفة- وأقول: لا إله إلا الله أدخل بها قبري, لا إله إلا الله أقضي بها عمري, لا إله إلا الله أقف بها في حشري, لا إله إلا الله ألقى بها ربي. فهي التي نفعتها عند الله عز وجل مع هذا العمل الصالح. وقيل للجنيد بن محمد: ما نفعك؟ -وهذه ذكرها أهل العلم كـ الخطيب البغدادي والذهبي في السير - ذكروا أنه لما توفي -والرؤيا في المنام بشرى كما قال عليه الصلاة والسلام- قالوا: ما نفعك؟ قال: طاحت تلك الإشارات وما بقي إلا ركيعات كنا نركعها في السحر, أي: أن الإشارات وكثرة الكلام والمجادلات والمباحثات والمناقشات ذهبت وما بقي إلا ركيعات نركعها في السحر. فمن أعظم النوافل الصلاة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {اعملوا ولن تحصوا، واعلموا أن أفضل أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن} حديث صحيح. وابن تيمية يناقش ما هو الأفضل بعد الفرائض, كما في المجلد العاشر لسؤال أبي القاسم المغربي , فيرجح ويقول: شبه إجماع بين العلماء أن ذكر الله عز وجل بعد الفرائض أفضل الأعمال, لكن النافلة تختلف من شخص إلى شخص, بأسباب ثلاثة: بالنفع وبالحاجة وبالحال. فمن وجد في النافلة نفعاً له فعليه أن يكثر منها، صحيح أن القرآن أفضل الذكر، لكن بعض الناس كما ذكر ابن تيمية وغيره أنه يرق قلبه وفؤاده ويستحضر عظمة الله عند الدعاء, فالدعاء في حقه أفضل من قراءة القرآن. وبعض الناس إذا استغفر وسبح وهلل استحضر قلبه, فيكون التسبيح والتهليل والتكبير أفضل من قراءة القرآن في حقه. وبعض الناس إذا صام كان أفضل له من الصدقة، فقد تكون حالته المالية لا تتحمل الصدقة، فالصيام بحقه أفضل {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] وقد مر تقرير هذا المبدأ الذي أتى به رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.

العصمة لأولياء الصوفية

العصمة لأولياء الصوفية قال بعض أهل التصوف: إذا حفظ القلبُ الله كانت خواطره معصومة، فهل هذا صحيح؟! هل صحيح أن العبد إذا حفظ الله عز وجل كانت الخواطر والواردات التي ترد عليه معصومة فلا يخطئ أبداً؟ يقولون: إذا بلغ العبد في الولاية مبلغاً عظيماً وحفظ قلبه الله كانت خواطره معصومة. هذا غير صحيح؛ لأن العصمة ليست إلا لكتاب الله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم, فليس بصحيح هذا الكلام, وقد أخطئوا في ذلك. فـ عمر رضي الله عنه سيد الملهمين، ولو كان في الأمة نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان عمر، فهو محدث، أي: كانت السكينة تنطق على لسانه, لكن مع ذلك أخطأ اجتهاده في بعض المسائل، فليس بمعصوم, ورد عليه بعض الصحابة وأصابوا وأخطأ رضي الله عنه وأرضاه وأجر أجراً واحداً. فليس الولي أو خطرات الولي معصومة ولكنه يخطئ ويصيب، والعصمة ليست إلا لكتاب الله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم.

هل يثبت لله تعالى صفة التردد؟

هل يثبت لله تعالى صفة التردد؟ ما هو التردد في الحديث؟ يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى في هذا الحديث: {وما ترددت عن شيء كترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته} التردد في حق الله غير جائز، والبداء غير سائغ, فالله لا يتردد سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ لأن التردد صفة نقص وضعف, ولا يتردد إلا ضعيف الإرادة. إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا فالتردد صفة نقص وضعف ولا يجوز إطلاقه على الله عز وجل, والبداء على الله غير جائز، وقد قال بالبداء على الله اليهود، وقال به بعض الفرق المبتدعة.

معنى البداء

معنى البداء ما معنى البداء؟ معناه أن الله يبدو له شيء لم يكن يعرفه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من قبل جلَّ الله عن ذلك! بل الله يعلم الأمور قبل أن تكون كيف تكون، وبعد أن تكون كيف تكون، ولو كانت أو لم تكن فإن الله يعلمها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فما هو التردد في الحديث؟ التردد حمله أهل العلم على أربعة معانٍ:

أقوال العلماء في معاني التردد

أقوال العلماء في معاني التردد 1 - قيل: يشرف العبد على الهلاك فيدعو الله فيشافيه الله عز وجل فيكون هذا من جهة التردد, لأنه أشرف على الهلاك، وكأن القضاء قرب منه وأراد أن يموت، فيعجل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى له بالعافية فيعود, فهنا هلاك وعافية فيصبح شبه تردد, هذا قول. 2 - والقول الثاني: إن معناه: ما ردَّدت رسلي في شيء كترديدي إياهم عن قبض نفس عبدي المؤمن, أي: أن الله عز وجل إذا بعث الملائكة يكره مساءة العبد، فكأن ترداد الملائكة من محبتهم للعبد، ونفوذ القضاء والقدر في الوفاء كأنه تردد إرادتين. وذكروا قصة موسى فقد جاء في الحديث الصحيح عند البخاري وغيره: {أن الله عز وجل أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام- وكان موسى رجلاً قوياً شجاعاً- فلطم موسى ملك الموت فأذهب عينه, فعاد ملك الموت إلى الله فرد عليه عينه} فقال أهل هذا القول: هذا تردد بين الملك وبين المتوفى فهو تنازع إرادتين, وهذا القول فيه ضعف. وهذه الأخبار إذا سمعنا بها قلنا: {آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [القصص:53] وإذا سمعناها قلنا: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:1 - 3] فنحن نؤمن بالغيب ونصدق ما جاء عن الله وعن رسول الله على مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، ونجعلها على العين والرأس. يقول الشافعي: آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله, وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3 - القول الثالث: أنه لطف وتدرج في قبض روحه فكأنه تردد, فإن الله عز وجل رحيم بالعبد المؤمن، فيتلطف في قبض روحه، فكأنه تردد. 4 - وقيل -وهو القول الراجح-: يحب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما يَسرُّ العبد, ويكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما يسوء العبد المسلم, والعبد المسلم يسوءه الموت لما فيه من مشقة وكلفة, فكأن تعارض إرادة الحب مع ما يسر العبد وإرادة العبد فيه شبه تردد، وليس هناك تردد لأن التردد منتفٍ عن الله عز وجل, فكأن الله عز وجل يحب ما يسر العبد ولا يحب أن يسوءه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, فهذه إرادة وهذه إرادة، فوجود إرادتين لا وجود تردد؛ لأن التردد ليس بوارد عن الله عز وجل. وهناك يقول: {إن الله لا يمل حتى تملوا} والله لا يمل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, حتى ولو مل العبد لا يمل الله, لكن مثل المقابلة: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة:79] {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] وهذه صفات نقص لا تليق به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لكنها على المقابلة. وأما الموت فإن الله قال: يكره الموت, فكيف يكره المسلم الموت؟ المسلم يكره الموت لما فيه من صعوبة ولا يكرهه لما بعده, فالمسلم يحب لقاء الله إذا رأى ما عند الله وقت السكرات ورأى ما أعد الله له من نعيم, أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه. ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حبا وعكسه الكاره فالله اسألِ رحمته فضلاً ولا تتكلِ فالمسلم يكره الموت لما فيه من المساءة. قيل لـ عمرو بن العاص وهو في سكرات الموت -وقد جاء بسند صحيح-: [[صف لنا الموت. قال: كأن جبال الدنيا على صدري, وكأني أتنفس من ثقب إبرة]]. وقال عمر لـ كعب الأحبار: [[صف لنا الموت. قال: يا أمير المؤمنين! ما أجد للموت وصفاً إلا كأن غصن شجرة من شوك ضرب بها الجسم فتعلقت كل شوكة بعرق, ثم سحب هذا الغصن فانسحب كل عرق في البدن]]. ولذلك يأتي الميت من الهول في السكرات، ويأتيه من العرق وخاصة المؤمن، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول -كما عند الترمذي -: {المؤمن يموت بعرق الجبين} يأتيه من العرق ومن الكلفة التي تذهب عنه بقايا السيئات حتى يلقى الله وما عليه سيئة، فالمؤمن يموت بعرق الجبين ويغشاه من الكرب ما الله به عليم. بل الرسول عليه الصلاة والسلام تصبب عرقه، وكان يأخذ خميصة وهو في سكرات الموت ويضعها على وجهه ويقول: {لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، اللهم هوّن عليَّ سكرات الموت}.

النهي عن أذية أولياء الله

النهي عن أذية أولياء الله وفي الحديث النهي عن أذية أولياء الله عز وجل، وأن من والى أولياء الله فقد والى الله, ومن عادى أولياء الله فقد عادى الله. وفيه النهي عن غيبة الأولياء الصالحين من المؤمنين من العَّباد والصوَّام والزهاد، وطلبة العلم والدعاة، وعدم الاستهزاء والسخرية بهم, وأن معنى هذا هو معاداتهم ومحاربة لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم صلاة الرجل منفردا خلف الصف

حكم صلاة الرجل منفرداً خلف الصف ؤال: إذا دخل رجل إلى المسجد والصف مكتمل، فهل يصلي منفرداً، أم يجر أحداً معه، أم يدخل في الصف؟ A إن استطاع أن يدخل في الصف فبها ونعمت، وإن لم يستطع فلينتظر ولا يجر أحداً من الصف, وحديث جر الرجل من الصف لا يصح فهو حديث ضعيف بل واهٍ. يقول الناظم: والطبراني قد روى جر الرجل فيه السري تركوا ما قد نقل أي: في الحديث: السري بن إبراهيم، وهو ضعيف أو واهٍ فأبطل هذه الرواية أو ضعفها، فلا يستشهد بها, فجر الرجل ليس بصحيح, ولا يقوم بهذا الحديث دلالة. فلينتظر قليلاً ويتحرى، فإذا لم يأتِ أحد يدخل في الصلاة ولو منفرداً وصلاته إن شاء الله مقبولة، لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] وقوله صلى الله عليه وسلم: {إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإن نهيتكم عن شيء فاجتنبوه}. أما حديث: {لا صلاة لمنفرد خلف الصف} فهو حديث صحيح رواه الإمام أحمد بثلاث طرق كلها صحيحة, ولكن قيل: إنها حادثة عين, وقيل: النهي عن صلاة المنفرد الذي يجد فرجة، والأولى أن يحمل الحديث على هذه الرخصة وهي فتوى ابن تيمية، أنه يتحرى، فإن لم يجد فليصل وصلاته مقبولة.

حكم صلاة الضحى

حكم صلاة الضحى Q ما هو القول الراجح في صلاة الضحى علماً بأن ابن عمر كان لا يصليها؟ A صلاة الضحى الراجح فيها أنها سنة, يقول أبو هريرة كما في الصحيحين وفي غيرهما: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت: ركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر} فهذه الثلاث هي التي أوصى بها صلى الله عليه وسلم أبا هريرة، ومعناها: المداومة عليها. وكان كثير من السلف يداومون عليها, وفي حديث زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {صلاة الأوابين حين ترمض الفصال} أي: حين تشتد حرارة الشمس، فتأتي الفصال: وهي ولد الإبل، فترفع أخفافها عن الأرض، وهذا هو وقت صلاة الأوابين. وفي حديث أم هانئ في الصحيح قالت: {دخلت يوم الفتح والرسول عليه الصلاة والسلام يغتسل وتستره فاطمة بنته رضي الله عنها, فلما اغتسل قام فصلّى ثمان ركعات} قيل: صلاة الضحى، وقيل: صلاة الفتح, والراجح أنها صلاة الضحى. فصلاة الضحى سنة, ومن تركها أحياناً أو صلّى أحياناً فلا بأس, والأحسن أن تصليها دائماً لحديث أبي ذر الصحيح: {كل سلامى من الناس عليه صدقة, وكل يوم تشرق فيه الشمس تصلح بين اثنين صدقة, وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو تحمل له متاعه صدقة, وبكل تسبيحة صدقة, وبكل تحميدة صدقة, وبكل تكبيرة صدقة, وبكل تهليلة صدقة, وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة, ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما أحدكم من الضحى} فهذه الركعتان يداوم عليها المسلم أو أربع أو ست أو ثمان. واعلم أنك كلما سجدت لله سجدة رفعك الله بها درجة. وعلى المسلم أن يتنفل ويجتهد ويقترب من الله كما قال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19] فكلما سجدت اقتربت من الله فإنه {أقرب ما يكون العبد من الله وهو ساجد, فأكثروا الدعاء فقمن أن يستجاب لكم}. ووقتها: من ارتفاع الشمس بقدر رمح إلى قبيل الظهر قبل أن يقوم قائم الظهيرة، فإذا قام قائم الظهير يتوقف عن الصلاة, وأحسن أوقاتها إذا حميت الشمس, أي: تقدر من الساعة العاشرة إلى الحادية عشرة, لكن إذا أتت ظروف للمسلم فأراد أن يقدمها أو يؤخرها فله ذلك.

حكم سب الأموات

حكم سب الأموات Q ما حكم سب الأموات؟ A لا يجوز سب أموات المسلمين، يقول عليه الصلاة والسلام: {لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا}.

حكم قيام الليل كله

حكم قيام الليل كله Q ذكرت أن بعض السلف كان يقوم الليل كله، فهل هذا من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام؟ A لا. هديه عليه الصلاة والسلام أنه يقوم وينام, ففي الصحيحين عن عائشة: {أن نفراً أتوا أزواج الرسول عليه الصلاة والسلام فسألوا عن عبادته، فكأنهم تقالوها، فلما أتى صلى الله عليه وسلم أخبر أن أحدهم قال: أنا أقوم الليل ولا أنام, وقال الثاني: وأنا أصوم النهار ولا أفطر، وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء، فقال عليه الصلاة والسلام: أنتم الذي تقولون كذا وكذا؟! قالوا: نعم. فقال: أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني}. فالسنة أن تقوم شيئاً وتنام شيئاً, يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {خير القيام قيام داود عليه السلام، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه, وخير الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً}.

عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم

عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم Q هل الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم عصمة مطلقة؟ A الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم، لكنه قد يفعل صلى الله عليه وسلم بعض المسائل التي يراها عليه الصلاة والسلام وقد يكون غيرها أولى، كأسارى بدر، لكن العجيب في أسارى بدر لما عاتب الله رسوله صلى الله عليه وسلم فيهم فقال الله سبحانه: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال:67] وكان الرأي رأي عمر، العجيب أن كثيراً من أهل العلم قالوا: الرأي الصحيح هو الذي وافق رأي الرسول صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ لأن الله أقره ولأنه أصلح, فإنه استبقى الأسارى فكان منهم مسلمون، وأتى من أصلابهم من عبد الله، وعلموا أبناء الصحابة، وأقره الله على ذلك, لكن في تلك الفترة كان ذاك أرجح. ولكن يكفي أن نقول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم، ثم لا نبحث هو معصوم هل من الكبائر أو من الصغائر؟ وهل في المروءات والعبادات أو العادات؟ لا. بل نقول: معصوم، قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4 - 5]. والحمد لله رب العالمين.

الرسول بين المعاناة والانتصار

الرسول بين المعاناة والانتصار الابتلاء سنة من سنن الله الكونية القدرية، وأكثر الناس ابتلاء الأنبياء والرسل وأعظمهم ابتلاء ومعاناة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وفي هذه المادة عرض سريع لسيرته صلى الله عليه وسلم وما فيها من العداوة والصراع مع الكفار واليهود والمنافقين في مكة والمدينة ثم تأييد الله له بالنصر والرفعة.

الابتلاء من سنن الله

الابتلاء من سنن الله إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته. السلام عليكم يا أتباع من جلسنا لنستمع أخباره! ولنعرف أسراره، ولنعيش حياته عليه الصلاة والسلام في محاضرة بعنوان: (الرسول صلى الله عليه وسلم بين المعاناة والانتصار). {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110] وهذا أمرٌ مطرد في الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فإن لأهل التفسير في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف:110] معنيين اثنين: الأول: (كذبوا) أي: أنهم خلفوا ما وعدوا من الله عز وجل، فكأنه ما تحقق لهم النصر الذي سألوه الله ووعدهم به من كثرة ما وجدوا من المصائب والشدائد. وقال بعض أهل العلم: بل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف:110] أي: كذبوا من أقوامهم تكذيباً بيناً ليس فيه استجابة ولا عودة إلى الحق، والقول الأول أولى. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم تمر به المعاناة تلو المعاناة إلى درجة أن يسأل الله نصره الذي وعده، فيقول في ليلة بدر: {اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم نصرك الذي وعدتني}. والقضية التي وعدت البارحة أن أبسط فيها الكلام هي: مقولة لبعض العلماء، يقول: لا يبعث الله نبياً ولا رسولاً حتى يبتليه بالمصائب والفتن والمحن، إلى درجة أن يعلم هذا الرسول أن لا إله إلا الله. ولذلك كان من أول ما نزل على الرسول عليه الصلاة والسلام: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. وهذه الليلة أستميحكم عذراً أن نعيش نصف المحاضرة مع معاناته عليه الصلاة والسلام، مع الأسى والفقر واليتم، مع دولة بالباطل تجابه الحق، مع القرابة وهم يقطعون الرحم، مع التهديدات، وتشويه السمعة له عليه الصلاة والسلام، مع الاتهامات والنكبات، والأعداء الكثر.

بعض الابتلاءات التي واجهها صلى الله عليه وسلم

بعض الابتلاءات التي واجهها صلى الله عليه وسلم مكث صلى الله عليه وسلم قبل النبوة أربعين سنة يصاب ويبتلى، يمتحن ويصقل؛ ليعلم أن لا إله إلا الله. مكث يتيماً بلا أب وبلا أم والناس حوله ينامون في أحضان الأمهات، ويستعزون برعاية الأباء؛ ليعلم أن لا إله إلا الله. مكث صلى الله عليه وسلم فقيراً لا يجد كسرة الخبز، والطغاة يحبرون بالموائد المترفة؛ ليعلم أن لا إله إلا الله. مكث صلى الله عليه وسلم مجابهاً مضطهداً في مكة، وأعداء الله معهم الحراسة والجيش والجلبة ليعلم أن لا إله إلا الله. ولكن لنبدأ الرحلة من أولها، والخيط من أوله، والحديث من مبتدئه معه عليه الصلاة والسلام، لنصل سوياً إلى آخر لحظة في عمره صلى الله عليه وسلم.

نشأته يتيما صلى الله عليه وسلم

نشأته يتيماً صلى الله عليه وسلم أولاً: حملت به أمه صلى الله عليه وسلم، ثم وهو حمل مات أبوه، حكمة بالغة وقدرة نافذة، فالرسول المهيأ لقيادة البشرية يموت أبوه قبل أن يراه ويسعد به، ولا يعيش مع أبيه، مات وأمه حامل به، فلما ولدته عليه الصلاة والسلام لم يجد أباً يضمه، ولا أباً يداعبه ويمازحه ويلاعبه، بل بقي صلى الله عليه وسلم يتيماً من الأب، وتصوروا هذا الطفل الذي ينشأ بلا أب، كيف يكون به من الأسى واللوعة ما الله به عليم، ولكن لأسرارٍ أرادها الله، ولما وصل سنه السادسة ماتت أمه، فأصبح بلا أم وبلا أب، يتيماً بين أطفال مكة، كلٌ معه أبٌ وأم إلا هو عليه الصلاة والسلام، واليتيم دائماً مضطهد، دائماً يعيش الحسرة، ويتجرع الغلظة من الناس، ويعيش الأسى كله والمصائب كلها.

موت جده وعمه

موت جده وعمه ثم كفله جده، فسعد بجده، وظن أن جده سوف يقوم مقام الوالدين، وسوف يدافع عنه وينافح، ولكن كلما تعلق قلبه في جهة انقطعت هذه الجهة؛ ليعلم أن لا إله إلا الله. يقول بعض أهل العلم: إن السر في أن إبراهيم أمره الله عز وجل أن يقتل إسماعيل هو أنه تعلق بإسماعيل، فأراد الله عز وجل أن ينهي هذه المحبة والخلة لتبقى بينه وبين إبراهيم؛ ليبقى إبراهيم خليلاً. فالرسول عليه الصلاة والسلام كلما تعلق بشيء غير الله قطعه الله من هذا المتعلق به ومن هذا السبب؛ ليعلم أن لا إله إلا الله، فمات جده، فكفله عمه، واستمر عليه الصلاة والسلام مع عمه. قال بعض أهل السير، وذكرها ابن كثير في التفسير، وأشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية:"من حكمة الله عز وجل البالغة أن جعل عمه كافراً يذب عنه وهو رسول" إذ لو أسلم لاضطهد الكفار أبا طالب، ولجعلوه في دائرة الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه والاهم من جهة، وخالفهم من جهة، فولاؤه لهم بالكفر -أعني أبا طالب - جعلهم لا يعتدون على الرسول عليه الصلاة والسلام، وظل أبو طالب يذب عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وهو الذي يقول: والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسَّد في التراب دفينا وهو صاحب اللامية الشهيرة الباهرة: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل إلى آخر ما قال، فلما استأنس صلى الله عليه وسلم، وركن إليه، ووجد فيه النصرة والقوة، مات عمه؛ ليعلم أن لا إله إلا الله. فإلى من يلتفت من البشر -ولا بد للإنسان مهما عظم صبره وجلده- من قريب، أو صاحب، أو صديق يستأنس به، ويقول الشاعر: ولا بد من شكوى إلى ذي قرابة يواسيك أو يسليك أو يتوجع

موت زوجه خديجة

موت زوجه خديجة فرجع صلى الله عليه وسلم يبث همومه خديجة رضي الله عنها وأرضاها، العاقلة، الحازمة، صاحبة الكلمات الصحيحة الصادقة، ولما شكا إليها صلى الله عليه وسلم ما وجد في الغار، قالت: {كلا. والله لا يخزيك الله أبداً -ثم أتت بالأدلة- إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتعين على نوائب الحق} فأنس إليها فماتت؛ ليعلم أن لا إله إلا الله.

مواجهة العداوة من الأقربين

مواجهة العداوة من الأقربين إلى من يفوض أمره؟! إلى الله. واسمع آيات التفويض، وهي طاقات هائلة ومبادئ راسخة يجب علينا أن نحملها، وأن نقدم جماجمنا من أجلها، ومن عرفها وحفظها يخرج من هذا المكان شجاعاً يتحدى الدهر والزمن والتاريخ. قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:36] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64]؛ والمعنى: أن الله يكفيك ويكفي من اتبعك من المؤمنين، وليس المعنى كما قال بعض المبتدعة: الله يكفيك ويكفيك المؤمنون مع الله، فهذا خطأ، بل معنى الآية: أن الله يكفيك ويكفي من اتبعك من المؤمنين، لا الذين اتبعك من المؤمنين يكفونك مع الله، فهذا معنى خاطئ. فاتصل بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وفوض أمره إلى الله، وبدأ يدعو الناس، فقامت له القرابة: وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهند قام له أبو لهب يكذبه أمام العرب، ويقول: انتبهوا للساحر وللشاعر وللكاهن، وفي حديث معضل يذكره ابن إسحاق في السيرة: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم -يشكو إلى الله- يقول: اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين، إلى من تكلني؟! إلى قريبٍ ملكته أمري، أم إلى بعيد يتجهمني} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فشكا من ظلم القريب؛ لأنه ظلم وزيادة، ولأنه قطع للقرابة. وانظر إلى المواقف، فالله قادر على نصر رسوله عليه الصلاة والسلام، وقادر على أن يمنع عنه الأذى، ولكن هكذا يمرغ الحق أحياناً ليخرج حقاً، وهكذا يصاب الداعية ليخرج ذهباً أحمر، كما قال بشر الحافي: "دخل الإمام أحمد السجن ذهباً فخرج ذهباً أحمر" وهذا أمر معلوم.

تعرضه لإهانات من الكفار

تعرضه لإهانات من الكفار تعرض صلى الله عليه وسلم لإهانات من الكفار، والله عز وجل قادر على حمايته ومنعه ولكن حكمةٌ بالغة، في الصحيحين عن ابن مسعود قال: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام، وملأٌ من قريش جالسون، فلما سجد أرسلوا رجلاً منهم إلى فرث ودم وسلى وضعته ناقة، فأتوا به فوضعوه على رأسه وعلى ظهره وهو ساجد} انظر إلى الإهانة، هل سمعتم في التاريخ بإهانة مثل هذه الإهانة فرث ودم وسلى الناقة يوضع على ظهره ورأسه صلى الله عليه وسلم، ويتمايل كفار قريش ويتضاحكون من هذا المشهد، فتأتي فاطمة وهي تبكي، فتزيل السلى والدم والفرث، ويقوم صلى الله عليه وسلم فيدعو على ذاك الملأ، قال ابن مسعود في آخر الحديث: {فوالذي نفسي بيده، لقد رأيتهم صرعى في قليب بدر، وأتبع أهل القليب لعنة}. ويخرج صلى الله عليه وسلم مرة ثانية ليطوف بالبيت، فيجتمع عليه الكفار، فيأخذون بتلابيبه، هذا يتفل عليه، وهذا يتكلم عليه، وهذا ينهره، أليس هناك حماية؟!! أما يعلم من على العرش استوى أن رسوله هذا يهان هذه الإهانات؟!! أليس الله يغضب لأوليائه فلماذا؟!! ليعلم أن لا إله إلا الله، وليعلم أن الناصر هو الله، وأن النافع والضار هو الله، وأن المحيي والمميت هو الله.

ما لقيه في الطائف

ما لقيه في الطائف يخرج عليه الصلاة والسلام من مكة إلى الطائف، يقولون له: لا قرار لك في مكة فاخرج منها، وفي حديث في سنده نظر، وهو بشواهده يقبل التحسين، يلتفت عليه الصلاة والسلام وهو في مكانٍ يشرف على مكة والبيت، ويلتفت إلى مكة ويبكي ويقول: {والله إنك من أحب بلاد الله إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت} فهذه مراتع الصبا: وحبب أوطان الرجال إليهم مآرب قضاها الشباب هنالكا إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهمُ عهود الصبا منها فحنوا لذلكا خرج يبكي عليه الصلاة والسلام، لكن إلى أين يذهب؟ لا حراسة ولا موكب، لا جنود ولاجيش، لا قريب ولا زوجة ولا ولد، خرج وحيداً وصعد إلى الطائف، ووصل جائعاً متعباً ظامئاً، فلما رأى ملأ ثقيف قال: {قولوا لا إله إلا الله تفلحوا} هذه كلمته دائماً. وقال البردوني: بشرى من الغيث ألقت في فم الغارِ وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرارِ بشرى النبوة طافت كالشذى سحراً وأعلنت في الدنا ميلاد أنوارِ وشقت الصمت والأنسام تحملها تحت السكينة من دار إلى دارِ في كفه شعلة تهدي وفي دمه عقيدة تتحدى كل جبارِ البدر والشمس في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنارِ أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبارِ أتى يقول: لا إله إلا الله، فما هو إلا الرد العنيف؟ قام الأول وقال: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كنت صادقاً. وقال الثاني: ما وجد الله إلا أنت ليرسلك. وقال الثالث: إن كنت نبياً فأنا أصغر من أن أتكلم على الأنبياء، وإن كنت كاذباً فأنا أكبر من أن أتحدث مع الكذابين. فليتهم ضيفوه! لكنهم ما فعلوا، ليتهم أسقوه! لكنهم ما فعلوا وطردوه، وليتهم تركوه، بل أرسلوا الأطفال والعبيد يرمونه بالحجارة، أما يرى الله المشهد؟ أما يرى رسوله يهان هذه الإهانات، ويتلقى الحجارة على قدميه الشريفتين، ورجله تسيل بالدم؟ إن كان سركمُ ما قال حاسدنا فما لجرحٍ إذا أرضاكمُ ألمُ هل أنت إلا أُصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيتِ ولكن ليعلم أن لا إله إلا الله. ونزل عليه الصلاة والسلام في وادي نخلة وكله جراح، قلبه مجروح، مبادئه مجروحة، عرضه مجروح، كل شيء في حياته يعيش الجراح. ثم وقف يدعو في تلك الليلة، وقصتها طويلة، وهي ليست مقصودة في هذا المقام.

تكذيبه في حادثة الإسراء والمعراج

تكذيبه في حادثة الإسراء والمعراج وعاد صلى الله عليه وسلم، وأكرمه الله بليلة الإسراء والمعراج، ثم نزل صلى الله عليه وسلم يخبر الناس، فأتت الاتهامات المغرضة. وزعوا السفهاء على مداخل مكة يقولون: انتبهوا له؛ هذا شاعر وكاهن وساحر، هذا كذاب، أي أنه قد ديست كرامته، وأحرقت أوراقه، وذكرياته، وشبابه، وتاريخه الذي يسمى فيه الصادق الأمين؛ كفروا به: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89] ليعلم أن لا إله إلا الله. ويعيش هذه اللوعة وهذا المضض، وكلما يكاد ينهار أو تنهار أعصابه؛ يتنزل عليه القرآن ويقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} [الأنفال:64] وقال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} [الإسراء:74]. ويدافع الله عن عرضه، ويدافع عن سمعه وبصره، ويدافع عن مبادئه، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:1 - 5] وقال تعالى: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] وقال تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الحاقة:41 - 42] وقال تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:5] فرد الله عليهم: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:6]. وكذلك من المفتريات والإشاعات التي تحرق الإنسان احتراقاً ولا يعيشها الإنسان إلا بجرع من الدم، قولهم كما في الآية: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103].

السخرية منه وإشاعة انقطاع الوحي

السخرية منه وإشاعة انقطاع الوحي ويستمر الدفاع، لكن بعض الناس يظن أن الله تخلى عن رسوله عليه الصلاة والسلام، ولكن: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:3]. ينقطع الوحي، وتأتي عجوزٌ مشركة فتقول: ودعك ربك وقلاك وتركك، فأتاه من الهم عليه الصلاة والسلام ما ذكر في السير أنه كاد يتردى من رأس الجبل، تصور مسألة أن يبلغ بالإنسان أن يرى الموت علاجاً، كيف يكون هذا؟!! يقول أبو الطيب في قصيدته الكافورية: كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكنَّ أمانيا تمنيتها لما تمنيت أن ترى صديقاً فأعيا أو عدواً مداجيا يقول: إذا أصبح الموت علاجاً لك، فيا لها من حالةٍ ما بعدها حالة، فنزل قوله تعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:1 - 3] نحن معك، وإنك بأعيننا، أنت تعيش في رعاية من الله وحفظ، فعاش صلى الله عليه وسلم وعاد، وكاد أن يهلك أسفاً لما تولى الباطل عنه تماماً، قام عند الصفا يقول: {قولوا لا إله إلا الله تفلحوا} فقال أبو لهب: "تباً لك! ألهذا جمعتنا؟! " فيخسر المحاضرة، والخطبة، والدعوة، ويكذبونه، ويذب الله عن عرضه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد:1 - 2]. إلى متى؟! {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف:110] وتسمى ساعة الصفر: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب:10 - 11] فالمؤمن يقول: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب:22] والمنافق يقول: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12]. وصح في السيرة -كما مر في بعض المناسبات- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ضرب بالمعول صخرةً قال: {أريت كنوز كسرى وقيصر، وسوف يفتحها الله لي} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فتضاحك المنافقون، وهذه تقطع القلب، والكبد، الغمز والهمز، قالوا: أحدنا لا يجرؤ أن يبول من الخوف، ويعدنا قصور كسرى وقيصر.

الفقر

الفقر يستمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويواصل المسيرة، ويعيش فقيراً: {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} [هود:12] {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان:7] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى راداً عليهم: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً} [الإسراء:48] وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} [الفرقان:10]. لا يجد كسرة الخبز، لا يجد مذقة اللبن، يعيش فقيراً عليه الصلاة والسلام مملقاً لدرجة أنه يجوع جوعاً ما جاعه الناس، وفي بعض الروايات: {أنه يضع الحجرين على بطنه صلى الله عليه وسلم} وقال عمر في الصحيح: {ما شبع صلى الله عليه وسلم ثلاث ليالٍ من طعام البُر} وذكر عن عائشة وهو في الصحيح: {أنه يمر بنا الهلال تلو الهلال لا يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قالوا: فماذا كان طعامكم؟ قالت: الأسودان -التمر والماء-} سبحان الله! هذا الرجل الذي أتى -بإذن الله- بالموائد لهذه الأمة، وفتح لها الحدائق والبساتين، وأسكنها قصور الطغاة في أنحاء العالم، لا يجد إلا الأسودين: التمر والماء، لماذا؟ ليعلم أن لا إله إلا الله. ينام عليه الصلاة والسلام على الحصير فيؤثر في جنبه، وفي البخاري عن أنس أن عمر رضي الله عنه وأرضاه: {دخل مشربة؛ اعتزل فيها صلى الله عليه وسلم نساءه، فقام صلى الله عليه وسلم لما دخل عمر فوجد عمر الحصير قد أثر في جنبه صلى الله عليه وسلم، فدمعت عينا عمر وقال: فأدرت طرفي في البيت فلم أجد إلا قليلاً من شعير معلق، قال عمر: يا رسول الله! هذا كسرى وقيصر وهما أعداء الله في هذا النعيم، وأنت رسول الله في هذه الحالة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفي شكٍ أنت يا بن الخطاب؟ أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا}. {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} [الفرقان:10].

إعراض الكبراء وإيذاؤهم لأصحابه

إعراض الكبراء وإيذاؤهم لأصحابه ثم يأتي صلى الله عليه وسلم للناس ليدعوهم، فلا يستجيب له الكبراء ولا المترفون إلا ما قلَّ، بل يستجيب له الضعفاء فيؤذون، يسحب بلال أمامه عليه الصلاة والسلام على الحجارة، ويصيح بلال وهو يكوى كياً على رمضاء مكة وهو يقول: [[أَحَدٌ أَحَد، أَحَدٌ أَحَد]] فلا يستطيع صلى الله عليه وسلم أن يدفع عنه؛ ليعلم أن لا إله إلا الله. ويمر صلى الله عليه وسلم بآل ياسر، وبكاؤهم ينعقد في طبقات الأثير، ويقول لهم: {صبراً آل ياسر! فإن موعدكم الجنة} أليس هناك ربٌ ناصر؟ ليعلم أن لا إله إلا الله. وجاء في الصحيح من حديث صهيب وغيره: {يقول الصحابة: يا رسول الله! ألا تدعو لنا؟! ألا تستنصر لنا؟! ألا ترى ما نحن فيه؟! فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنهم يستعجلون، ثم أخبرهم بالميثاق الذي يحمله فيقول: والذي نفسي بيده ليتمَّن الله هذا الدين حتى يسير الراكب مِِنْ صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم قومٌ تستعجلون} يعني: هو متأكد أنه سوف ينتصر، ويرى أصحابه يبطحون في رمضاء مكة، وما أسلم معه إلا أربعة: مولى، وشيخٌ، وصبيٌ، وامرأة، والله يقول له وهو عند الصفا وما عنده إلا أربعة، والجاهلية تحاربه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. ليس لقريش أو لـ مكة أو للجزيرة، بل للعالمين كلهم، يؤذى أصحابه صلى الله عليه وسلم إيذاءً بيناً، ولا يدفع عنهم ولا يستطيع، ويحبس صلى الله عليه وسلم أساه ولوعته وحرقته في قلبه صلى الله عليه وسلم.

موت أبنائه وبناته

موت أبنائه وبناته يموت أبناؤه صلى الله عليه وسلم، يولد له أبناء كثير، لكن لا يبلغ أحدهم أبداً، أربعة من الأبناء يموتون في الصغر، وتعلق بـ إبراهيم، وأصبح إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنتين أحب ما يكون، يدغدغه، ويشمه، ويمازحه، ويرفعه بيديه، ويأتي إليه بعد هموم الدعوة، فيحتضن هذا الطفل، فلما كاد قلبه أن يميل لطفله قبض الله طفله، فيموت بين يديه، وتقعقع روحه كأنها في شن بين يديه صلى الله عليه وسلم، فيحتضنه ويبكي، وتسيل دموعه، وهو يعيش اللوعة، ويتجلد ويصبر، ويقول: {يحزن القلب، وتدمع العين، وما نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون}. بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا ويدفن ابنه في التراب، ويعود بلا طفل، ويستمر صلى الله عليه وسلم معه أربع بنات، وبعد أيام تموت الأولى فيدفنها صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، وتموت الثانية، ثم تموت الثالثة، وتبقى الرابعة ويخبرها أنها سوف تلحقه قريباً، فتلحقه بعد ستة أشهر؛ هذا من حيث الأسرة التي عاشها صلى الله عليه وسلم، أي أن وضعه الأسري يبعث على الأسى والبكاء. ووضعه الاجتماعي والاقتصادي يبعث على الأسى والبكاء، ووضعه كذلك في مسار الاتهامات الجارحة يبعث على الأسى والبكاء.

صراعه مع أهل الباطل

صراعه مع أهل الباطل

صراعه مع المشركين

صراعه مع المشركين أما صراعه فانظر: يتأخر النصر عنه فترة، يعيش ثلاثة عشرة سنة والمسلمون يعدون على الأصابع، كل صباح وهو يقول: قولوا لا إله إلا الله، والأصنام ثلاثمائة وستون صنماً حول الكعبة، والخمر يشرب عند المقام، سامراً تهجرون، وأبو جهل يبدو بطلعته اللعينة يتحدى لا إله إلا الله، وكذلك أبو لهب والوليد بن المغيرة، ويضربون بناته، ويخرجون أصحابه إلى الحبشة، ويطردونه إلى المدينة، ويطاردونه ويجعلون لمن يأتي به جائزة، ومع ذلك يتحرى متى ينتصر.

صراعه مع اليهود والنصارى والمنافقين

صراعه مع اليهود والنصارى والمنافقين يذهب إلى المدينة عليه الصلاة والسلام، ويلحقونه في الغار، وفي الطريق، ويصل إلى المدينة، أفيهدأ في المدينة؟! لا. بل تقوم له جبهات، وتحاربه الدنيا، لكن: في كفه شعلة تهدي وفي دمه عقيدة تتحدى كل جبار فيخرج له اليهود والنصارى، وهذا اكتشاف جديد، وملحمة أخرى، ومسيرة ثانية، فيكذبه اليهود إلا بضعة نفر منهم، ويكذبه النصارى، ويقوم له المنافقون، وتشوه سمعته في عرضه صلى الله عليه وسلم وفي أعز ما يملك، في زوجته عائشة، في فراشه الطاهر صلى الله عليه وسلم ويتهم، ويعيش الأسى. يقول سيد قطب: "عاش صلى الله عليه وسلم على أعصابه شهراً" ومع ذلك من الناصر؟ إنه الله، وليعلم أن لا إله إلا الله.

معاركه بين النصر والابتلاء

معاركه بين النصر والابتلاء يستمر صلى الله عليه وسلم ولكن وصل السيل منتهاه، وبلغ الحزام الطبيين، وحانت ساعة الانتصار، وحانت البشائر؛ لأنه قدم من التضحيات إلى درجة أنه عرف أنه لا يهدي ولا يضل، ولا ينفع ولا يضر إلا الله. واستحق الآن هو وأصحابه أن ينتصروا، لذلك تجد بعض الناس يقول: ما للأمة الإسلامية لا تكتسح العالم؟! مالها لا تنتصر؟! أي تضحيات قدمتها الأمة الإسلامية؟! أنا قلت البارحة: أبناء الاشتراكية، وفراخ العلمانية، وأقطاب الماسونية، وأذيال الصهيونية العالمية، والصليبية المارقة، قدموا من التضحيات ما لم نقدم نحن عشر معشاره. يقتلون بالمئات من أجل البعث، ويقولون هم: لا بد أن يبقى البعث في الأرض. ويقتل الملايين من الشيوعية من أجل أن تبقى الشيوعية، وأنتم تعرفون ذلك، لكن ما هي تضحياتنا، نقتصر فقط أنا نجتمع بالألوف في المحاضرات، وأنا نحب سماع الخير، والكلمات الطيبة، لا. فالنصر مرحلة تأتي بعد طريق ملؤه الأشواك والأسى والمصاعب.

انتصار في بدر يعقبه الابتلاء في أحد

انتصار في بدر يعقبه الابتلاء في أحد والآن تبدأ بشائر الانتصار، ينتصر صلى الله عليه وسلم في بدر، ويستهل خطبته، ويبشر أصحابه، ويقول: الحمد لله الذي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده. فيفرح بالنصر، وما تتم سنة إلا ويعود -حتى لا يركن إلى النصر ولا يركن إلى قوته- فيغلب في أحد، سبحان الله! ويذبح من أصحابه سبعون، ويرى رؤيا في المنام قبل أن يخرج إلى أحد، يرى ذباب سيفه انكسر عليه الصلاة والسلام، وبقراً تنحر، وكأنه أوى إلى درع حصينة. قال: أما ذبابة السيف فأحد قرابتي يقتل، وهو حمزة، وأما البقر التي تنحر؛ فما يقتل من المؤمنين وهم الشهداء، وأما الدرع الحصينة؛ فـ المدينة المنورة. فما تمت فرحة الانتصار، وما أسرع الضحك من البكاء! وعاد بعد معركة أحد وهو مثخن من الجراح، وقد كسرت ثنيته عليه الصلاة والسلام، ودخلت حلقتا المغفر في رأسه، وشجت جبهته، وسالت دماؤه. ووقف على حمزة وهو يتقطع من الغيظ، وقد قتل حمزة، وقطع أنفه، وبقر بطنه، وأكل من كبده، فقام صلى الله عليه وسلم وهو منهك في وضعٍ الله أعلم به، وقال: {والذي نفسي بيده لئن ظفرت منهم لأمثلن منهم بسبعين} فهل يقره الله، يقول تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128] لا إله إلا الله! يقول: هذه ليست ملكك، وأنت فقط مرسل، وليس لك أن تتصرف إلا بإذننا، ولا تنتقم لنفسك، ولو قتلوا ما قتلوا، لماذا تنتقم؟ فيعود ويكظم غيظه.

موقفه يوم الفتح من كفار قريش

موقفه يوم الفتح من كفار قريش ويدخل صلى الله عليه وسلم منتصراً فاتحاً، ويصف كفار قريش يوم الفتح، فيقول الله له قبل سنة: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:1 - 2] فيقف موقفاً مبكياً وهو ينظر إلى كفار قريش الذين نادُّوه، والذين ذبحوا أصحابه، وأساءوا سمعته، وأخرجوه، ونكلوا بجيشه. تصوروا لو أن أحد الأقزام من العصريين الطغاة الذين لا يساوون الغبار الذي على قدميه صلى الله عليه وسلم ماذا يمكن أن يحدث؟ فهذا الخميني يقولون في مذكراته التي كتبت بعده: قتل سبعمائة ألف من الشعب الإيراني انتقاماً؛ لأنه لطم مرة في قم. وبعض الطغاة العصريين أدخل الألوف المؤلفة من شعبه في السجون، ثم حرقهم بالغاز عن بكرة أبيهم؛ انتقاماً منهم؛ لأنهم خرجوا مظاهرة مسالمة، معهم الحمص والفصفص ينشرونه على الناس. والانتقام سهل، وباستطاعته صلى الله عليه وسلم -والله- أن يقتطف رءوسهم في لحظات، لماذا؟ تدرون يوم وقف على الكعبة، أخذ حلقة باب الكعبة صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: {الحمد لله الذي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده} ثم افتتح خطبتيه وتذكر في ذكرياته مع قريش، واستفاض في الأيام الأولى التي يعرفها الناس، ونكسوا رءوسهم خجلين، فقال: {ما ترون أني فاعلٌ بكم} يقول: تصوروا ماذا ترون، عنده اثنا عشر ألف مسلح بالأبواب من المهاجرين والأنصار، يمكن أن يشير إلى الزبير أن يقتطف رأس فلان فيقتطفه قبل أن يتم الإشارة، وإلى عمر وعلي وخباب وبلال ومصعب {قالوا: أخٌ كريم، وابن أخٍ كريم} ما شاء الله! أتت في آخر ساعة، في الوقت الضائع، أتت (أخٌ كريم وابن أخٍ كريم) قال: {اذهبوا فأنتم الطلقاء} عفا الله عنكم. أليس هذا هو الانتصار الذي ما سمع التاريخ بمثله؟!

التأييد بالوحي نصر مؤزر

التأييد بالوحي نصر مؤزر ويستمر صلى الله عليه وسلم ويأتي الانتصار؛ لأنه يؤيد بوحي من السماء، أي أنه في لحظات محرجة يكاد قلبه فيها أن يتقطع فيأتيه الوحي.

وصفه لبيت المقدس

وصفه لبيت المقدس ذكر أهل السير بأسانيد صحيحة أنه صلى الله عليه وسلم لما أسري وعرج به، قال له الوليد بن المغيرة: "يا محمد! إن كنت صادقاً أنك ذهبت البارحة إلى بيت المقدس فصف لنا بيت المقدس؟ وهذا تحدٍ سافر، ماذا يقول صلى الله عليه وسلم؟! فهو قد دخل دقائق في بيت المقدس في ظلام الليل، ما رأى أبوابه، ولا سراديبه، ولا طرقه، فوقف صلى الله عليه وسلم، وغشيه العرق صلى الله عليه وسلم، فعرض الله له بيت المقدس عند باب دار الأرقم بن أبي الأرقم في الحرم، فأخذ يصف بيت المقدس باباً باباً".

اليهود يسألونه فيجيب

اليهود يسألونه فيجيب ويسأله كفار اليهود للتحدي: أخبرنا ما الروح؟ قال: أنظروني قليلاً، فينزل عليه الوحي لينجده، يقول تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85]. وفي سنن الترمذي: {أن عبد الله بن سلام قال: انجفل الناس من السوق، فانجفلت مع من انجفل، فأتيت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فنظرت إلى وجهه، فإذا وجهه ليس بوجه كذاب، قال فسمعته يتكلم -فكلامه صلى الله عليه وسلم ليس ككلامنا- يقول: أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام}. لو لم تكن فيه آياتٌ مبينةٌ لكان منظره ينبيك بالخبر لكن عبد الله بن سلام من علماء اليهود -حبر- يريد أن يتحدى، فهو لا يؤمن إلا بمعجزة. قال: يا محمد -لأنه لم يشهد في تلك الفترة أن الرسول صلى الله عليه وسلم رسول- قال: مالك؟ قال: أسألك عن ثلاث مسائل إن أجبتني فيها صدقتك وآمنت بك. قال: ما هي؟ قال: ما هي أول علامات الساعة؟ والثاني: لماذا يشبه الابن أباه أو يشبه أمه؟ والثالث: ما أول ما يأكل أهل الجنة في الجنة؟ -وهذا في البخاري - فوقف صلى الله عليه وسلم، وأتاه الوحي يخبره. وإلا فهو أمي ما قرأ ولا كتب: كفاك باليتم في الأمي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم وهذه أقوى في المعجزة؛ لأنه لو كان يكتب لقالوا: اكتتبها، وقد قالوها، وهو لا يكتب فكيف لو كتب؟! فهو الرسول والنبي الأمي: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً} [الجمعة:2] {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]. فيقول صلى الله عليه وسلم: {صلى الله عليه وسلم: أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. قال: صدقت. وأما أن يشبه الابن أباه، أو يشبه أمه: فماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فأيهما علا أشبه الأب أو الأم. قال: صدقت. وأما أول ما يأكل أهل الجنة في الجنة فزيادة كبد الحوت. قال: صدقت، آمنت بالله ثم بك}. لكن أدخلني يا رسول الله! في هذه المشربة، وسل اليهود عني. فأدخله في المشربة، وقال: كيف ابن سلام؟ -هذا من التحدي- قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، وفقيهنا وابن فقيهنا، قال: فإنه أسلم، قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا، وسيئنا وابن سيئنا.

التأييد بالآيات

التأييد بالآيات ويؤيد صلى الله عليه وسلم بالآيات؛ وهذه من أعظم الانتصارات في حياته، بعد اللوعة والحسرة.

تكثير الطعام

تكثير الطعام يأتي إلى أصحابه فينقطع عنهم الأكل في مجاعة في الصحراء، فيقول: هل أحد منكم عنده طعام؟ قالوا: لا يا رسول الله! إلا قليل في مزود. قال: عليَّ به، فأتوا به فنثره فسمى عليه ودعا، ثم قال: كلوا، فأكلوا منه جميعاً!

نبع الماء من بين أصابعه

نبع الماء من بين أصابعه وينتهي الماء عليه في الصحراء، فيقول: من عنده ماء؟ قال أحدهم: عندي شيء في إداوة. قال: عليَّ به، فأتى فصبه على أصابعه، وأمامه صحفة رحراح، قال أنس: {والذي نفسي بيده إني رأيت الماء يثور من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم كالأنهار، فأخذ يقول: أشهد أني رسول الله، أشهد أني رسول الله، أشهد أني رسول الله} فشرب الناس فسقوا، وتوضئوا، واغتسلوا، وهم أكثر من سبعمائة، أليس هذا بعجيب؟! بل هو من أعجب العجب.

انشقاق القمر

انشقاق القمر يُتحدى ويقول له أبو جهل -ويقسم باللات والعزى- لا أسلم لك حتى تشق لي هذا القمر ليلة أربعة عشر، فينظر صلى الله عليه وسلم إلى القمر، ويقول: أئن شققته بإذن الله تؤمن؟ قال: نعم. فدعا الله وسأله، فشق الله له القمر، فذهبت فلقة تجاه عرفة وفلقة تجاه جبل أبي قبيس، فقاموا ينفضون ثيابهم ويقولون: سحرنا محمد، سحرنا محمد، فينزل قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر:1 - 5]. فيؤيد بالمعجزات، وتسمى عند أهل السنة الآيات، وتسميتها بالمعجزات تسمية متأخرة، وإنما الصحيح: الآيات التي أيد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي خارقة للعادة، وهي تربو على ألف، وقد جمعها وليد الأعظمي وغيره، حتى أربى بها الأصبهاني وغيره على ألف معجزة لرسولنا صلى الله عليه وسلم. ومن أعظم معجزاته القرآن الذي نتلوه.

تثبيت الله له من أعظم انتصاراته

تثبيت الله له من أعظم انتصاراته وينتصر صلى الله عليه وسلم بالتثبيت: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} [الإسراء:74] وهذا التثبيت سلاح من الله عز وجل، فأحياناً يكاد الشخص ينهار فيثبته الله: {وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128] ويقول له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6] فيسليه، ويقول: لا تهلك، نحن معك، ويقول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] ويقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} [الأنفال:64] فإذا تأييد الله وتثبيته معه: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] وهذا أجمل من قوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] لنوح، فقال لرسولنا صلى الله عليه وسلم: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48]. ثم يصدقه الناس عليه الصلاة والسلام، وتكون العاقبة له، فيدخل الناس في دين الله زرافات ووحداناً: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3]. وهذه هي النتيجة الحتمية لهذا الدين، أن ينصر الله أولياءه، لكن بعد أن يمحصوا ويبتلوا ويفتنوا، ويصلوا إلى درجة استحقاق النصر، ولا بد من هذه: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110].

إرسال الجيوش ومراسلة الملوك

إرسال الجيوش ومراسلة الملوك ومن انتصاراته صلى الله عليه وسلم: أنه أصبح يرسل الجيوش من الجزيرة لتغزو أطرافها، وأصبح يراسل الملوك من المدينة. قال أنس في الصحيح: {كتب صلى الله عليه وسلم إلى الملوك كتباً، فقالوا: يا رسول الله إن هؤلاء الملوك لا يقرءون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ صلى الله عليه وسلم خاتماً مكتوباً عليه: محمد رسول الله، محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر}. واسمع إلى إحدى الرسائل، وتصور هذه اللحظة وهو في مكة صلى الله عليه وسلم، ويوضع السلى والدم والفرث على رأسه فيكتب: {بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، أمَّا بَعْد فالسلام على من اتبع الهدى، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]}. أبو عمار في جنيف قرأ الآية وأمامه اليهود والنصارى، فأحرجته آخر الآية فقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64] ثم وقف حمار الشيخ في العقبة، وآخر الآية تقطف رأسه ورأس شامير وأمثالهم: (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ) لأنها تخزيه أمام الناس: والحق يخزي ظلام الكفر في بجحٍ كاللص يخشى سطوع الكوكب الساري والمقصود أن إحدى تفوقاته صلى الله عليه وسلم أنه يراسل الملوك، وبعضهم يرحب بالرسالة ويرفعها، وبعضهم يمزقها، فيدعو عليه: {مزق الله ملكه} فيمزق ويغتال بعد ليال. ويصبح الأبطال عنده صلى الله عليه وسلم يعقد لهم الرايات من على المنبر، خالد براية، وعكرمة براية، وعمرو بن العاص براية، والمغيرة براية، وأمثالهم كثير.

تخرج القادة والأبطال والعلماء على يديه

تخرج القادة والأبطال والعلماء على يديه ومن انتصاراته صلى الله عليه وسلم: أن يخرج علماء ربانيين عباقرة من مسجده صلى الله عليه وسلم، مسجدٌ من الطين يخرج منه أعظم جيل أليس هذا من أعظم الانتصارات؟! المفسرون والمحدثون والفقهاء والجهابذة والقادة والساسة يخرجهم صلى الله عليه وسلم من المسجد، وهذا انتصار. وتصور أمامك وهو صلى الله عليه وسلم يودع أصحابه في آخر خطبه وكلماته، وهو ينظر إلى وجوه الصحابة وإلى الملأ الأعظم، ثم يتذكر تلك الدقائق التي عاشها في مكة يوم يطارده الكفار وليس معه إلا أربعة.

الغنائم

الغنائم ومن انتصاراته صلى الله عليه وسلم: أن يصبح عنده ميزانية ضخمة، إحدى الغزوات غنم صلى الله عليه وسلم -كما قال ابن القيم في زاد المعاد -: 24000 رأس من الغنم، و (7000) من الإبل، غير الذهب والفضة، فأين يدخلها؟ هل أخذ شيئاً لنفسه؟ هل بقي بيته الأول بعد ثورة (17) سبتمبر؟ لا. ما تغير حاله، بيته الطين قبل الهجرة وبعد الهجرة، ثوبه ثوبه، أكله أكله، صحابته يتقاسمون، وصناديد العرب يأخذون من مائة ناقة، وهو لا يأخذ ناقة واحدة. في الصحيحين تقول عائشة: {كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يوتر، فإذا أراد أن يسجد غمزني فكففت قدمي} قالوا من فوائد الحديث صغر بيته صلى الله عليه وسلم: أي أنه ما يقارب مترين أو أقل من ذلك، هذا بيته صلى الله عليه وسلم، يقول أحد الجهابذة: كفاك عن كل قصر شاهقٍ عمد بيتٌ من الطين أو كهف من العلمِ تبني الفضائل أبراجاً مشيدةً نصب الخيام التي من أروع الخيمِ إذا ملوك الورى مدوا موائدهم على شهيٍ من الأكلات والأدمِ مددت مائدة للروح مطعمها عذبٌ من الوحي أو نور من الكلمِ هذا هو رسولنا عليه الصلاة والسلام، الغنائم التي لا حد لها ولا مثيل يعطيها صلى الله عليه وسلم لضعاف الإيمان، الذي تقديره في الإيمان مقبول يعطيه مائة ناقة، أما أهل الامتياز أبو بكر وعمر فما يعطيهم شيئاً، وهذا عمرو بن تغلب وحديثه في صحيح البخاري يقول: يا رسول الله! أعطيت فلاناً وفلاناً وتركتني؟! فيقول صلى الله عليه وسلم: {إني أعطي بعض الناس لما جعل الله في قلوبهم من الهلع والجزع، وأدع بعض الناس لما جعل الله في قلوبهم من الخير والإيمان، منهم: عمرو بن تغلب، قال عمرو بن تغلب: كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما فيها}.

تأليف القلوب له

تأليف القلوب له ثم من انتصاراته: أن الله يؤلف عليه القلوب ويجمع عليه العرب، والعرب لا تجمعهم امبراطورية، ولا يجمعهم سيف أو مظلة إلا مظلة (لا إله إلا الله محمد رسول الله): {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62 - 63]؛ وهذا انتصار هائل أن يرى صلى الله عليه وسلم أعداءه يأتون إليه ويقفون أمامه معتذرين. وفي الحديث: أن أبا سفيان بن الحارث ابن عمه صلى الله عليه وسلم -وليس هو أبو سفيان بن حرب - أتى إليه صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! والله ما أجد لك إلا كما قال إخوة يوسف: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91] فقال عليه الصلاة والسلام: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:92]. ابن الزبعري هذا الشاعر الذي كان يقدح في الإسلام والمسلمين فرَّ إلى نجران، وفي الأخير لما رأى الجزيرة أسلمت أتى ووقف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: مضت العداوة وانتهت أسبابها وأتت أواصر دونها وحلومُ فاغفر عليك من المهيمن رحمة تاجٌ يلوح وخاتم مختومُ كأنه يقول: انس يا رسول الله الماضي. وأتت هند تبايعه صلى الله عليه وسلم؛ وهي التي أكلت من كبد حمزة، فمدت يدها من وراء الستار لتصافحه، وما كان يصافح امرأة، قال: {ما هذه اليد التي كأنها يد سبع؟} -ما كانت تختضب، ولا تقلم أظفارها- قالت: أنا هند، فذكرها صلى الله عليه وسلم بما فعلت بـ حمزة، قالت: يا رسول الله! عفا الله عما سلف، قال: عفا الله عما سلف، فما انتقم لنفسه أبداً، بل عاش صلى الله عليه وسلم منتقماً للا إله إلا الله، غاضباً لحدود الله فحسب.

إخراج أهل الكتاب من جزيرة العرب

إخراج أهل الكتاب من جزيرة العرب ومن انتصاراته صلى الله عليه وسلم: إخراج أهل الكتاب من الجزيرة. وهذا نصر بحد ذاته لا يتصور، واكتساح عالمي؛ لتبقى لا إله إلا الله مهيمنة، ومرتسمة، ولتبقى هذه الجزيرة مستقلة بالريادة والقيادة والإسلام، وهذه من انتصاراته عليه الصلاة والسلام.

ظهور الإسلام

ظهور الإسلام ثم تحضره سكرات الموت صلى الله عليه وسلم، وتفيض روحه، وينظر أنه قد أسند الخلافة إلى ملأ من الناس، وأن دينه قد انتشر، واطمأن على مبادئه أنها قد اتضحت، وأن الله قد أهلك أعداءه من المشركين، واليهود، والنصارى، والمنافقين، والمناوئين، والحسدة، وهذا هو الانتصار الخالد: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ} [الروم:4 - 5]. وانتصر عليه الصلاة والسلام، لكنه أتاه النصر بعد تلكمُ المعاناة والرحلة الطويلة، فقد عاش صلى الله عليه وسلم يدفع ثمن ذاك النصر من دمه وعرقه وجهده وماله وسمعته وأصحابه، وكل ما يملك، حتى أتاه النصر أعز ما يكون. والنصر الرخيص يذهب سريعاً ليس له قيمة، وهذا مثل النجاح المزيف، ينجح الطالب الذي يغش في الامتحان فلا يجد للنجاح طعماً، فالغشاش إذا رأى النتيجة: ممتاز (الأول) يضحك عليه قلبه، ويقول: أنت خائن في الداخل وخائن في الظاهر لا يفرح كثيراً مثلما يفرح الطلاب، أما الطالب الذي سهر، وألهب ذاكرته، وأسهر دقائقه وثوانيه، وحصل العلم بجدارة فإنه يفرح بالأولية والامتياز فرحاً باهراً. والذي يأخذ النصر رخيصاً يدفعه رخيصاً، ومن أخذ النصر عزيزاً لا يطلقه من يديه ويتهنأ بهذا النصر؛ وهذا ما حدث له صلى الله عليه وسلم يوم نصره الله. فهذه رحلة في محاضرة: (الرسول صلى الله عليه وسلم بين المعاناة والانتصار) وفيها دروس لكل خَيَّر على وجه الأرض من المسلمين، ولكل تابع له صلى الله عليه وسلم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأن العاقبة للمتقين، وأنه لا بد من القوارع، واللذعات، واللدغات، والعصرات؛ ليعلم المسلم أن لا إله إلا الله, وليحصل على النصر، وليثبت من يثبت، وينتهي من ينتهي، وليصفى نخبة رائدة تحمل لا إله إلا الله، وتكون مرشحة لحمل هذا الدين. يقول كثير من العلماء: الذين ثبتوا في الغزوات هم أهل بدر وأحد، وهم أهل بيعة العقبة، أما مسلمة الفتح، فهل تدرون ماذا فعلت مسلمة الفتح؟ فروا يوم حنين؛ لأن الإيمان في قلوبهم ضعيف، فمسلمة الفتح مثل الطالب المنتسب؛ تجد الطالب المنتسب لا يعرف إلا رءوس الأقلام من الإجابات، أما المنتظم فيعرف ما قال الأستاذ، ويعرف المقرر، وما في المذكرات. فلما أتت معركة حنين فر المنتسبون - (أهل حنين) - وبقي أهل بدر وأحد: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25] {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ} [الروم:4 - 5] {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110].

قضايا للتأمل

قضايا للتأمل وأنا أختتم هذه المحاضرة بثلاث قضايا: القضية الأولى: هذه طريق الأنبياء والرسل؛ انظروها وتأملوها ما أصعبها، وما أشدها، وما أقواها، وما أشد ضريبتها! ولكن ما أحسن حلاوتها، ونتيجتها وعاقبتها! فيا من تقدم في طريقهم انتظر شيئاً مما أصابهم، وانتظر شيئاً من نتائجهم، واعلم أن هذا الطريق طريق التضحيات، فما دام الكافر يضحي بتضحيات، فأنت مسلم أولى بأن تضحي في سبيل الحق، قل: فإما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا رضينا بك اللهم رباً وخالقاً وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا القضية الثانية: أن الناس عندهم إيمان نظري بلا إله إلا الله، ولكن ينقصهم الإيمان العملي، وهذا لا يأتي بالدرس على السبورة، ولا بالمذاكرة في الامتحان، ولا بقراءة فتح المجيد وفتاوى ابن تيمية لكنه يأتي بالواقع، واللدغات، والصراع، والنكبات، حتى تعي العقيدة وعياً حياً لا تنساه أبداً. القضية الثالثة: أن علينا أن ننقل هذا الدين كما نقله صلى الله عليه وسلم، ولا ننتظر نصراً نقطفه نحن، فقد يتأخر، ولكننا يكفينا انتصاراً أننا بذلنا وتكلمنا وأعطينا وأسدينا، فإذا فعلنا ذلك فلا نقول: لماذا لا ينتصر العالم الإسلامي الآن؟ فالله عز وجل أعلم، وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً، والعلم عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وكل شيء عنده بحسبان، وكل شيء عنده بأجل مسمى ولِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ، والله هو العليم سُبحَانَهُ وَتَعَالى. هذا ما حضرني في هذه العجالة مع رسولنا صلى الله عليه وسلم. وأسأل الله عز وجل كما اجتمعتم حباً له صلى الله عليه وسلم ولتسمعوا الكلام عنه، أن يجمعنا وإياكم به صلى الله عليه وسلم في دار الكرامة، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ، وأن يسقينا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبداً، وأن يثبتنا على سنته حتى نلقى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يجعلنا من أنصار دينه، ومن حملة كتابه، ومن المنتصرين لمبادئه، ومن الذابين عن حرمات دينه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

كتب في المعجزات النبوية

كتب في المعجزات النبوية Q ما هي الكتب التي تحتوي على معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم التي ذكرت في غضون المحاضرة؟ A من هذه الكتب ومن أوسعها دلائل النبوة للإمام البيهقي، وقد مدحه الذهبي في ترجمة البيهقي في كلمة لوحظت من بعض المشايخ والعلماء، ولكن قالها الذهبي، يقول: كتبه كـ الدلائل هدىً ونور وشفاءٌ لما في الصدور، مع العلم أن في الدلائل هذا أحاديث موضوعات كحديث الضب وحديث الحمار، والدلائل للأصبهاني فيه معجزات كثيرة، وكتاب الشمائل لابن كثير، وكتاب الشمائل للترمذي؛ وفيها أحاديث ضعيفة بل موضوعة، ولكن تحتوي في الجملة مع كتب الصحاح والسنن والمسانيد على معجزاته صلى الله عليه وسلم. ومن المتأخرين: وليد الأعظمي في كتاب المعجزات المحمدية.

عدم الابتلاء لا يدل على ضعف الإخلاص

عدم الابتلاء لا يدل على ضعف الإخلاص Q هل يلزم أن يكون الداعية السائر على طريق الحق والجهاد في الدعوة في الابتلاء الشديد وإلا كان ذلك نقصاً في إخلاصه ودعوته؟ A أولاً: علينا ألا نتعجل البلاء، وألا ندعو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالبلاء، ولكن نسأله العافية سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإذا ابتلينا فعلينا أن نصبر، ومن أحسن الأدعية: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والله أعلم بعباده، وعند الطبراني حديث: {إن الله تعالى يقول: إن من عبادي من لو أصححت جسمه لأفسدته، ومنهم من لو أسقمته لأفسدته، ومنهم من لو أغنيته لأفسدته، ومنهم من لو أفقرته لأفسدته، فأنا أعلم بعبادي، أصرفهم كيفما أشاء} أو كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فالمقصود أن بعض الناس لا يعيش على الابتلاء ولا يستطيع أن يصبر له، فنسأل الله لنا ولكم العافية. وكان صلى الله عليه وسلم يدعو الله بالعفو والعافية، وقد علمه العباس بن عبد المطلب: {سل الله العفو والعافية} ولا يلزم أن يبتلى الداعية، بل قد يعافى في دينه، وجسمه، وعرضه، ويستمر، ولذلك ترى في سير كثير من الأئمة أنهم ما وجدوا صعوبات، لكن ربما ابتلوا في أمور الله أعلم بها، والله أعلم بعباده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. لكن الغالب العام من الأئمة والعلماء والدعاة أنهم يبتلون، قال الشافعي لـ مالك: "أيهما أفضل يبتلى العبد أو يمكن؟ قال: لا يمكن حتى يبتلى": {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3] قال المتنبي: تريدين وجدان المعالي رخيصةً ولا بد قبل الشهدِ من إبر النحل

حكم التمثل بأشعار الغزل في محبة الله

حكم التمثل بأشعار الغزل في محبة الله Q ذكرت في كتاب: ثلاثون درساً للصائمين، بيتاً وهو: وإني ليبكيني سماع كلامه فكيف بعيني لو رأت شخصه بدا فقد قال قومٌ: إنه هنا تشبيه لصفات الله عز وجل، فحاولت على حسب علمي أن أبين لهم ولكن لم يقتنعوا، ولكن أرجو أن تبين الحق في هذه المسألة. A أولاً: يا أخي! شكر الله لك هذا الرأي، وأنا أخبرك بأن هذا البيت قيل في شخص وما قيل في الله، وكثير من الأئمة ومن العلماء يوردون هذه الأبيات، ولا يقصدون بها التشبيه، ولله المثل الأعلى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وإنما يخاطبون بها المخلوق، فيقول هذا لمحبوبه: وإني ليبكيني سماع كلامه فكيف بعيني لو رأت شخصه بدا وهذا كثير يستدل به الأئمة، وهو على هذا المنوال، مثل قول ابن تيمية وقد ذكره ابن القيم في روضة المحبين ونزهة المشتاقين لما خرج إلى الصحراء في قصة تقي الدين بن شقير، فقال: رأيت ابن تيمية، قال: "لا إله إلا الله في الخلوة، ثم قال في الصحراء: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا وهذا البيت لـ مجنون ليلى، من قصيدة يقول فيها: وإني لأستغشي وما بي غشوةٌ لعل خيالاً منك يلقى خياليا وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا ولله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى صفات تليق بجلاله، ولا نشبهه بصفات المخلوقين: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] فليتنبه لهذا.

واجب الشباب بعد أزمة الخليج

واجب الشباب بعد أزمة الخليج Q ما واجب الشباب بعد انكشاف الغمة؟ وهل من كلمة إلى الشباب الذين ما زالوا في غفلتهم؟ A الأمر الأول: في الأمس كان هناك ذكر عن معنى الغمة، وهل الغمة أن تقدم الأمة أبناءها مجاهدين في سبيل الله؟! وهل الغمة أن يستشهد عالم من هذه الأمة المحمدية التي عاشت على الشهادة؟! وهل الغمة أن نواجه المستعمر والطاغية والكافر بالسلاح ونقتله؟! وهل الغمة أن تستنفر الأمة لترفع لا إله إلا الله، ولتجاهد في سبيل الله؟! لا. هذا ليس من الغمة، وليس من الغمة أيضاً أن نبني على جماجمنا صروح لا إله إلا الله، فعلى جماجم مصعب وحمزة وخباب وابن رواحة وزيد وجعفر بنيت معالم لا إله إلا الله، لكن الغمة أن تنحرف الأمة عن منهج الله عز وجل، وتعيش خواءً عقدياً، والأمة في معظمهما الآن تعيش خواءً عقدياً، أي أن: العقيدة الحارة التي تعلمها أصحاب صلى الله عليه وسلم لا تعيشها الأمة، وهذه أمثلة: فالآن تجد الناس يخافون من الناس أكثر من خوفهم من رب الناس، وأنت فكر في نفسك فإنك تلاحظ ملاحظات البشر، ومراقبة البشر، فتتثبت في ألفاظك، وتتأدب في عباراتك، وإذا رآك تتكلم في بعض المسائل نظرت إلى السطح والجدران، وقلت: للجدران آذان، وإلى النافذة والهاتف، بينما تجد أحدنا يغتاب ولا يفكر في الله عز وجل، أو ينم، أو يسمع الأغنية، أو يفعل بعض المعاصي، فرقابة الناس عند بعض الناس أكثر من رقابة رب الناس عندهم. الأمر الثاني: أنك تجد أننا ندرس حتى في الابتدائية: {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك} ونقرأ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:36] مع العلم أننا لا نطبقها إلا القليل، فيوم جاءت الحرب وكانت الأمة في الأزمة، أخذ الإنسان يخاف من ظله، وبعض الناس يموت في اليوم مرات وهو يتحرى هذا الموت متى يأتي، وقرى نائية عن موطن الحدث سترت نوافذها. وأخذ الحيطة مطلوب، ولكن إلى درجة أن يجعل شبح الموت كأنه قيامة قامت، هذا ليس بوارد. ثم تجد الإنسان لا يعيش مسألة رعاية الله له وحماية الله له، مثلما عاشها السلف رضوان الله عليهم، وقد ذكرت قصة ابن تيمية فقد قيل -كما ذكر ابن عبد الهادي - أنه في الإسكندرية قالوا: "الناس يريدون قتلك؟ قال: كأنهم الذبان". وقد قال علي بن أبي طالب: أي يوميَّ من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر يوم لا قدر لا أرهبه وإذا ما جاء لا يغني الحذر ثم وجد أيضاً أن كثيراً من أهل الدنيا يبذلون لدنياهم أكثر مما يبذل أهل الدين لدينهم، وأنا أعرف وأنتم تعرفون أن من عامة الناس من رجال القبائل ومن غيرهم من يقاتل على أرضه ويذبح عليها لتبقى الأرض أرضه: فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويتُ ولو بلغت الأمور مبالغها، بينما تجد كثيراً من الأخيار الذين يجاهدون من أجل لا إله إلا الله يتنازلون في أول الطريق، حتى يقول أحدهم: للبيت ربٌ يحميه، والله يحمي الدين، وليس بحاجة إلينا، والله يتولى نصر دينه، وليس في حاجة لنا إلى آخر هذا الكلام، فهو يسلي نفسه، وهذا أمر معلوم. ثم قلت في المحاضرة: إن كثيراً من الناس، من حملة المذاهب الهدامة يبذلون ويضحون أكثر مما يضحي أهل الخير لدينهم ولرفعة كلمة لا إله إلا الله في الأرض. بل قد سمعنا من أخبارهم التي يسمونها بطولات، بل مغامرات، وسمعتموهم لما بدأت المعركة يقولون: جئنا نكتب التاريخ من جديد، مع العلم أنهم لا ينتظرون جنة وراءهم، ولا ينتظرون فوزاً ولا شهادة، ومع ذلك يقولون: جئنا نكتب التاريخ من جديد. إذاً: المسألة مسألة مبادئ. أما واجب الشباب بعد انكشاف الغمة، فإنني أرى أن يتحول اهتمام الشباب وعواطف الشباب إلى أمور عملية تنفعهم، فقد توجد أمور سلبية في حياة الشباب، ونضرب على ذلك أمثلة: أنك تجد الشاب يتصل إلى الناس وقت الدعوة فقط، أما تقديم الخدمات، والعون، والوقوف معهم؛ فقليلٌ من يفعل. تجد الشاب يعيش في الحي ولا يعرفه أهل الحي، يمرض المريض في الحي، ويحتاج المحتاج، وصاحب الغرض، والمسكين، والأرملة، وهو لا يقدم شيئاً من الخدمات، وإنما يرونه يوم الجمعة يلقي عليهم موعظة أو خطبة أو محاضرة فقط، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما ملك قلوب الناس بالخدمات التي قدمها صلى الله عليه وسلم. الأمر الثالث: يطلب من الشباب تكثيف سواد المؤمنين في وقت المحاضرات والدروس ومجامع الخير؛ لأنه انتصارٌ للا إله إلا الله محمدٌ رسول الله. ومن أسرار صلاة الجمعة وصلاة العيد أن يجتمع المسلمون كما في حديث علي عند الترمذي: {كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج من طريقٍ إلى العيد ويعود من طريقٍ آخر} قال أهل العلم: ليرى الناس هذه الكثرة الكاثرة، ويروا الاجتماع، فأرى أن الشباب، ولو كانوا يرون المحاضر أقل منهم علماً، أو لا يستفيدون، أو يسمعون كلاماً هو تحصيل حاصل، لكن حضورهم نصرٌ لهذه المبادئ، ونصرٌ للدعوة، وتأليف لقلوب المؤمنين، وإغاظة للمنافقين. ومن واجب الشباب كذلك: أن يقوم كلٌ بحسبه، وبطاقته، فإن بعضهم يجيد الكتابة، وبعضهم يجيد التأليف، وبعضهم يجيد الخطابة، وبعضهم يجيد التحدث، وبعضهم يجيد الدعوة العلنية، وبعضهم يجيد الدعوة الفردية، كلٌ فيما يخصه، فعلى الإنسان ألا يتقلد دوراً غير دوره، بل يبذل ما يستطيع هو بذله، ثم تتضافر الجهود كما فعل أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فليس أصحابه كلهم خطباء، وليسوا كلهم مفتين، ولا علماء، ولا ساسة، ولا قادة، ولكن كلٌ في موضعه. أيها الإخوة الفضلاء: بقيت كلمة للنساء، وكل ما سبق من حديث يشمل النساء، فرسولهن رسولنا، ورسولنا رسولهن، والمنهج واحد، والكتاب والسنة لنا جميعاً: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران:195]. ولكن ربما تنفرد النساء ببعض المسائل، ومن أعظم ما تطالب به المرأة الآن أن تتحصن بالإيمان أمام هذه المغريات، وأمام هذا الزحف الكافر الذي قصد المرأة، وتآمر عليها، وجعلها طريقاً لهدم هذا الدين، ومن أعظم الفتن والمداخل على العالم الإسلامي: فتنة المرأة، بل قد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: {ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وكانت فتنة بني إسرائيل في النساء} وما سقط كثير من الناس ولا كثير من المبادئ إلا عن طريق النساء وعن طريق المرأة. وهذا الذي هاجمنا به العالم الشهواني الغربي، يوم هاجمنا العالم الشرقي بالإلحاد والزندقة، هاجمنا العالم الغربي بالكأس والمرأة الفاتنة والأغنية الماجنة والموسيقى والمجلة الخليعة والفيديو الهدام، فكان من أعظم الفتن ومن أشدها فتنة النساء. فأنا أطالب من أختي المؤمنة أن تتحصن بالإيمان، وأن تستظل بمظلة لا إله إلا الله، ويكمن ذلك في أمور: الأمر الأول: الحجاب الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليها أن تتصور أنه عفاف وستر، وأنه كرم لها وليس حجراً عليها، وليس شيئاً من الضيق، وليس تقليلاً من قيمتها، بل جعلها الإسلام درةً في صدف، وشمساً في غمامة، وريحانة في باقة، وهذا هو من مقاصد الإسلام. الأمر الثاني: أرى أن يكون لها بذلٌ في عالم الدعوة؛ فتنشر الرسائل والأشرطة، وتتصل بأخواتها، وتحمل هموم الدعوة في مجالسها الخاصة والعامة؛ لأن المرأة أسمع لكلام المرأة من المرأة للرجل، وهي أقرب اتصالاً بالنساء. الأمر الثالث: أن تجعل مجالسها في ذكر الله وما يقربها من الله، وتبتعد عن جليسات السوء، وعن التشبه بأعداء الله عز وجل من الكافرات والفاسقات. ثم أطالب المرأة أن تجدد توبة نصوحاً لله عز وجل، وأن تطلب من الله عز وجل أن يجعلها من عتقائه من النار، وأن تعرف أنها فرصة وحيدة قد لا تتكرر مرة ثانية. وأشكركم على حسن إصغائكم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

من جوامع الكلم

من جوامع الكلم أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، وتلك معجزة من معجزاته، ومن جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم قوله: (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). وفي هذا الدرس شرح لهذا الحديث العظيم، واستنباط ما فيه من فوائد وأحكام.

الألفة والاجتماع من خصائص هذه الأمة

الألفة والاجتماع من خصائص هذه الأمة الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أيها الإخوة الكرام: عنوان هذا الدرس: (من جوامع الكلم). وصاحب الجوامع هو محمد عليه الصلاة والسلام، فقد آتاه الله جوامع الكلم، ولم يخلق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أفصح منه، وما نطق بالضاد أروع من محمد عليه الصلاة والسلام. وقبل أن أدخل في هذا الدرس ألفت أنظاركم إلى أمر معهود لديكم، وهو هذا السر الذي جعله الله عز وجل في هذه الأمة الخالدة، وهو أنه جمعهم على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، لم يجمعهم سيف، ولا كيان، ولا دستور وضعي، وإنما حبٌ في الله تبارك وتعالى. فقد فشلت المجالس الأممية، والجمعيات العمومية، والقوانين الوضعية أن تجمع الناس، وأخفقت أن تجمع قلوبهم؛ ولذلك عرضوا مرةً من المرات الماسونية بديلاً عن الإسلام، وهي هيئة تقوم على إلغاء الفروق بين بني الإنسان، الفروق التي بين الإنسانية في الظاهر وإلا فهي الباطن يهودية، وجعلوا من البدائل: العلمنة، وهو مذهب إلحادي أذاعه أتاتورك في الدنيا؛ ليلغي الفروق بين البشر، لكنها أخفقت جميعاً، وبقي دينه عليه الصلاة والسلام مستعداً ليجمع الناس على كلمة: لا إله إلا الله محمد رسول الله: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. والتأليف مظهره في هذا الشهر، فنحن نستقبل فيه هذا البيت، الذي صدحت منه لا إله إلا الله، والذي انبعثت منه الرسالة الخالدة، وصلينا صلاة واحدة، وصمنا جميعاً المسلمين من جميع أنحاء العالم، فيجلس بعضنا إلى بعض في إخاء عجيب من الذي جمع مسلم اليابان مع مسلم الجزيرة، مع مسلم السودان والعراق والمغرب وتونس والجزائر والإمارات واليمن وكل بلاد الأرض؟ لقد جمعتهم لا إله إلا الله محمد رسول الله. وهذا السر يذكره أهل العلم في كتبهم، وهو لا يوجد في أي دين آخر إلا في هذا الدين، وهو الولاء والبراء، والحب والبغض، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام في سنن أبي داود أنه قال: {من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان} وفي الصحيحين: {وأن تحب المرء لا تحبه إلا لله} وفي الصحيحين: {ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه}. يقول محمد إقبال، وهو هندي: إن كان لي نغم الهنود ودنهم لكن هذا الصوت من عدنان يقول: إن كنت هندياً، وجسمي ولحمي وشحمي هندياً، فأنا أحمل إيماناً أتى به محمد عليه الصلاة والسلام. والجباه والقلوب كلها متجهة إلى الله، فله الحمد على هذه المظلة التي جمعتنا جميعاً وآخت بين قلوبنا. أما الدرس فهو كما قلت لكم: من جوامع الكلم. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصاراً}. وعند الدارقطني: {وفواتح الكلم، وخواتمه، واختصر لي الكلام اختصاراً} فهو معجز في كلامه، تأتي بكلمة له عليه الصلاة والسلام؛ فتعرف أنه هو الذي قال الكلمة، ولا يستطيع أحد أن يقول غير هذه الكلمة، وكلامه دون إعجاز القرآن؛ لأن للقرآن منزلة في الإعجاز لا يضاهيها كلام آخر من كلام البشر. ويقول هتلر في مذكراته لما أراد جيشه أن يدخل موسكو قبل الثلج والهزيمة، وقد وقف خطيباً فيهم، وقد رأى الهول والدمار في العالم، وظن أنه سوف يحتل العالم يقول: اقتربت الساعة وانشق القمر. ولا أعلم هل قالها بلغته أم بالعربية، فهو لم يجد كلمة يعبر بها أعظم من هذه الكلمة، ولكن تعالوا إلى كلامه عليه الصلاة والسلام -لا أتحدث عن معجزة القرآن- من يستطيع من الناس أن يقول: {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى}؟ هل يستطيع شاعر، أو أديب، أو فصيح، أو زعيم، أو قائد أن يقولها؟ أو يقول: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة}؟

وثيقة معجزة من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم

وثيقةٌ معجزةٌ من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم عندي في هذا الدرس وثيقة أريد أن أشرحها لكم، وهي وثيقة من محمد عليه الصلاة والسلام، كلمات معدودات ما فكر فيها ولا تأمل، إنما قالها فأعجزت أهل العلم، فهي تستحق أن تشرح في مجلدات، ويصنف لها تصنيف خاص يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: {إن الله حرم عليكم ثلاثاً، وكره لكم ثلاثاً: حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال} وهذه الألفاظ درر وجوهر! بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا أم المعاني اللواتي قد أتيت بها أرى بها الدر والياقوت متصلا لو ذاقها مدنف قامت حشاسته ولو رآها غريبٌ داره لسلا وفي الحديث قضايا: أولها: التحريم والتحليل للشارع الحكيم. الثانية: بلاغة الحديث، وفيه من أمور البلاغة أربعة أمور: اللف والنشر، والإيجاز، والسجع، والعدد لا يقتضي الحصر. القضية الثالثة: عقوق الأمهات، وفيها قضايا. وما معنى: وأد البنات، ومنعاً وهات، و (كره)؟ وما هي القضايا في قيل وقال، وكلام أهل العلم وشراح الحديث فيها؟ وما المقصود بالسؤال؟ ومتى يكون صرف المال إضاعة؟ ومتى يكون حفظاً؟ ومسائل في هذا الباب ثم ننتهي. أولاً: يقول عليه الصلاة والسلام: {إن الله حرم عليكم ثلاثاً وكره لكم ثلاثاً} الحديث، هذا لف، وقد سبق في بعض المحاضرات أن هذا يسمى لفاً عند أهل البلاغة. واللف: أن تأتي بالمعاني وتجمعها، والنشر: أن تشرحها، ويسميها أهل الإعلام من المتأخرين: الموجز والتفصيل، يقول: كان هذا هو الموجز وإليكم الأنباء بالتفصيل. فالرسول عليه الصلاة والسلام استخدم طريقة بلاغية بديعة تسمى: اللف والنشر، وفي القرآن يقول الله تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:1 - 3] انتهى اللف، ويأتي النشر فيما بعد. والتحريم والتحليل ليس لأحد إلا للشارع الحكيم، وليس لأحد من البشر. فأي زعيم أو موجه أو منظر أو عالم أو فقيه أو محدث لا يملك حق التشريع في الدين، والعلماء يُحتج لأقوالهم ولا يحتج بأقوالهم، والتحليل والتحريم لله عز وجل ولرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116] فإذا رأيت رجلاً يحلل أو يحرم من غير دليل شرعي، فهو معتوه أو أحمق أو زنديق؛ لأن من الزنادقة من أتى يستهزئ بالدين، فحلل وحرم بلا برهان، فخرج بهذا التحليل والتحريم من الملة.

التحليل والتحريم حق محض للشارع الحكيم

التحليل والتحريم حقٌ محضٌ للشارع الحكيم المسألة الأولى: التحريم والتحليل -كما تقدم- للشارع الحكيم: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] والرسول عليه الصلاة والسلام يملك حق التحليل والتحريم، بخلاف خوارج العصر الذين يأخذون بظاهر القرآن، كصاحب الكتاب الأخضر وغيره، ويقولون: السنة لا مجال لها هنا، وليس لها مصداقية ولا مكانة، ونأخذ بالقرآن فحسب. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يوشك رجل شبعان ريان على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول: دونكم هذا القرآن ما أحل فأحلوه وما حرم فحرموه، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه} فالسنة مثل القرآن، ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج، قال ابن تيمية: الخوارج لا يأخذون من السنة إلا بما وافق ظاهر القرآن، أما أهل السنة فيأخذون بالسنة إذا صحت حتى في العقائد، والمعتزلة لا يأخذون في العقائد بأحاديث الآحاد، بينما أهل السنة يأخذون بأحاديث الآحاد في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك. وهذه قواعد لا بد أن تفهم، خاصة لشباب الصحوة الرائدة المقبلة إلى الله، الذين يجب عليهم -وجوباً لا استحباباً- أن يربوا أذهانهم على العلم الشرعي، لتكون هذه الصحوة منضبطة، فإن للصحوة ضوابط عشرة، وهي مجموعة في رسالة سوف تخرج اسمها: عشرة ضوابط للصحوة الإسلامية، والضابط الثالث: مصدر التلقي: الكتاب والسنة، وهذا إذا ضلت عنه الصحوة أو حادت فلن تكون صحوة موجهة، وسوف تكون مبتدعة، وفيها من الخلل العجيب والانحراف الغريب ما الله به عليم.

بلاغة الحديث

بلاغة الحديث المسألة الثانية: بلاغة الحديث، وقد سبق اللف والنشر.

الإيجاز

الإيجاز وتأتي مسألة الإيجاز والاختصار. ولو أراد أحدنا أن يتكلم عن هذه القضايا لأخذ ست محاضرات: محاضرة في عقوق الوالدين، ومحاضرة في وأد البنات، ومحاضرة في قيل وقال، ومحاضرة في كثرة السؤال، ومحاضرة في إضاعة المال، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام جمعها في كلمة، وهذه هي البلاغة والفصاحة: {ومَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] فهو يخرج من بين الصخور والجبال السود في مكة فإذا هو أفصح فصيح. يقول كريسي موريسون الأمريكي: إن من أعظم معجزات هذا النبي الأمي أنه ما تعلم ولا قرأ ولا كتب، وبعد أربعين سنة يكون أكبر مفتٍ في الدنيا، وأكبر خطيب في المعمورة، فهذه أكبر معجزة. إنسان عاش أربعين سنة، ما حمل قلماً ولا عرف سبورة ولا شيخاً ولا أستاذاً، ويأتيه الوحي في حراء، ثم ينطلق يتكلم للناس فإذا هو أفصح من يتكلم في المعمورة، وأفتى مفتٍ، وأخطب خطيب، وأشجع شجاع، وأقوى قائد، وأعظم سياسي في المعمورة! فهذه معجزة وحدها. يقول شوقي: أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم يقول: عيسى عليه السلام كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، لكن أنت أحييت شعوباً، أسلم أهل الجزيرة، وقد كانوا رعاة غنم وأبل، ولم يكن عندهم ثقافة ولا حضارة ولا فنون ولا دراسة ولا شيء، وبعد خمس وعشرين سنة يدخلون حدائق الأندلس، ويؤذنون في قرطبة، ويدخلون السند، ويستشهدون في كابل، ويرفعون لا إله إلا الله في صقلية وقبرص، وهذا كله بهذا الدين. وهذا هو السر العظيم الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام -الإيجاز في الكلمات- وهذه مفتقده عندنا مهما أوتينا من الفصاحة، وهي موهبة من الله. ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمة من عفاء كلمة واحدة منه عليه الصلاة والسلام يحيي بها الله ألوفاً من الناس.

السجع محموده ومذمومه

السجع محموده ومذمومه الأمر الثاني: السجع. والسجع هو: اتفاق أواخر الكلم على حرف، مثل: {إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات} على التاء ثلاث مرات، ثم قال: {وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال} وهنا على اللام. وفي هذه القضية مبحث، حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من الأعراب فقال: {يا رسول الله! كيف تدي من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل} فالأعرابي سجع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ودى جنيناً، حيث ضربت امرأةٌ امرأةً حاملاً فأسقطت جنينها من بطنها، فأمر صلى الله عليه وسلم في هذا الحمل بدية جنين، فأتى شيخ القبيلة يعترض، ويقول: {كيف تدي من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل، فقال صلى الله عليه وسلم: أسجع كسجع الكهان؟} فهنا غضب صلى الله عليه وسلم وقال: كيف تسجع مثل سجع الكهان. فيقول أهل العلم: كيف غضب عليه الصلاة والسلام، بينما قد ورد عنه أنه سجع. والقرآن فيه سجعٌ كثير: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً} [الذاريات:1 - 3] وهذا سجع. ومسيلمة الكذاب عليه لعنة الله، عندما أتى يقول في قرآنه المخرف، الذي أوحاه له الشيطان الرجيم -وقد وذكره ابن كثير في البداية وغيره- يقول: والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً، والخابزات خبزاً يعارض بذلك سورة الذاريات، وأتى بكلام كثير، يقول: يا ضفدع بين الضفدعين، نقنقي ما تنقنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين فهذا سجع، وقد كذبه المؤمنون ولعنوه. فما الفرق بين السجع المحمود والسجع الذي ذمه عليه الصلاة والسلام؟ يقول بعض الفضلاء: الفرق في أمور: أولاً: ذاك تكلف والرسول عليه الصلاة والسلام ما تكلف، بل أتى سجية هكذا، مثل الهواء والماء البارد، فتكلم به فأتى على لسانه، وأما العربي فإنه تكلف، ففكر فيها ساعات ونظمها، وقد قال عمر كما في صحيح البخاري في كتاب الأدب: [[نهينا عن التكلف]] ولذلك ينهى الأئمة في دعاء الوتر أن يتكلفوا في الدعاء، فبعضهم يبقى أربعين دقيقة يدعو بالناس في القنوت أو أكثر، ويبكي ويُبكي الناس في القنوت وهو لم يبك في القرآن، يمر بسورة يوسف التي تبكي الحصى والحجارة، التي كان أبو بكر لا يقرؤها إلا ويبكي، ويبكي المسجد معه، فلا تجد الإمام يهتز عندها ولا يهتز المصلون، ويمر بسورة طه، وق، والحجرات، فلا يتأثر، فإذا أتى في الوتر أتى بسجع متكلف، ويقول: اللهم انقلنا من ظلمة اللحود التي فيها الدود، إلى سدر مخضود، وطلح منضود، وظل ممدود ويبقى على الدال نصف ساعة، وهذا التكلف وتطلب السجع في الكلام منهي عنه، حتى وجد أن بعض الأئمة يتحفظ دعاء التراويح من قبل رمضان، فيكتبه في أوراق ويحفظه، والمسألة سهلة، لماذا لا يدعو بجوامع الكلم: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم إنا نسألك العفو والعافية، فالدين ليس فيه تكلف. وهناك مادة في علم النفس يسمونها: التكلف، وبعضهم بتكلف حتى في الصوت، وقد سبق في بعض المناسبات أن الأمريكي دايل كارنيجي في كتاب: دع القلق وابدأ الحياة، يقول: لا تتقمص شخصية غيرك، ويقول: أنت خلقك الله شخصية مستقلة، لا تتقمص شخصية غيرك، لكن هنا أحسن، وأروع وأجود من هذا الكلام قول الرسول عليه الصلاة والسلام عند الترمذي، ولو أن في سنده نظر: {لا يكن أحدكم إمعة} أي: لا تلغي شخصيتك وتذوب، وبعض الناس من الشباب يعجب بعالم فيقلده حتى في سعاله ونحنحته، مع أنه قد خلق الله له سعالاً خاصاً، لكنه يسعل مثل سعال الشيخ، ويبكي مثل بكاء الشيخ، ويمشي مثل مشية الشيخ، وهذا تقليد مذموم. والممدوح من التقليد أن تقلد الشيخ في الكرم والعلم والصبر والحلم، أما أن تقلده في هذه الحركات الظاهرة فهذه سذاجة وبرود، وهذا شيء ثقيل على النفس ولا يصلح. وأعود إلى الموضوع فأقول: السجع في كلام الأعرابي جاء متكلفاً، وكلامه عليه الصلاة والسلام هنا بغير تكلف. الأمر الثاني: أن سجع ذاك الرجل الذي ذمه عليه الصلاة والسلام أتى لغرس الباطل وصرف الحق، فالرسول عليه الصلاة والسلام أنكر عليه ذلك، ورفض عليه الصلاة والسلام هذا المبدأ؛ لأنه لا يصح، حيث أنه أتى لفرض الباطل ونسف الحق.

العدد الوارد في الحديث لا يقتضي الحصر

العدد الوارد في الحديث لا يقتضي الحصر جاء في الحديث: {حرم عليكم ثلاثاً وكره ثلاثاً} الحديث، وهذا لا يقتضي الحصر، فقد حرم الله عز وجل أشياء كثيرة تبلغ المئات، حرم الشرك والزنا والربا وحرم الكذب والغيبة والنميمة هنا لا يقتضي الحصر. وهناك عدد لا مفهوم له، مثل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة:80] الآية، فهذا لا مفهوم له، فلو استغفر عليه الصلاة والسلام فوق السبعين فلن يغفر الله لهم، لكن العدد معروف عند العرب، أي: أنك لو فعلت هذا الفعل، ووصلت إلى هذا العدد، -والمقصود ولو ما فوقه- ما فعلنا لك ما أردت.

بيان تحريم عقوق الأمهات ومعناه

بيان تحريم عقوق الأمهات ومعناه المسألة الثالثة: قال عليه الصلاة والسلام: {إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات} الحديث، ويدخل فيه عقوق الآباء، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الجنة تحت أقدام الأمهات} وقد علقه البخاري في الصحيح، ومعنى ذلك أن الجنة قريبة إذا بر العبد أمه، فهي في متناول يده وفي قربه بسبب هذا البر. وقال أهل العلم: للأم ثلاثة أرباع الحق، وللوالد الربع وقد أخذوه من قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين، لما جاءه رجل وقال: {يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك} فجعل للأم ثلاثة أرباع الحق، وللأب الربع؛ لأن الأم قامت بأمور لا يعلمها إلا الله، من البر، والصلة، والعناء، والمشقة، والأسى، واللوعة. وورد في ترجمة ابن عمر رضي الله عنهما بسند جيد، أنه كان يطوف بالبيت في شدة حرارة الشمس، ورجلٌ من أهل اليمن يطوف بأمه، وقد تصبب العرق من وجه اليماني، وهو متعب ومرهق، فقال: [[يا بن عمر! أرأيتني جزيت أمي بما فعلتُ لها؟ -يطوف بها في حرارة الشمس وهي على ظهره- قال ابن عمر: لا والله! ولا بزفرة من زفراتها]]. وأورد الزمخشري في الكشاف، ونسبه إلى الطبراني وفي سند الحديث كلام: {أن رجلاً وفد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: مالك؟ قال: يا رسول الله! ابني ربيته، فلما كبر عقني وظلمني واضطهدني! قال: هل قلت فيه شعراً؟ قال: نعم يا رسول الله! قال: ماذا قلت؟ -لأن العرب كانت تنفث همومها في الأشعار، إذا اهتم الواحد منهم أو عقه ابنه، أو طال عليه الليل، أو ضاعت ناقته، أو سقطت منه حذاؤه، نظم قصيدة، فهي أمة فصيحة رائعة، تتعامل مع الشعر، فلما أتاها الوحي كفاها الوحي- قال: هل قلت في ذلك شعراً؟ قال: نعم. قال: ماذا قلت؟ قال: غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململ يقول: يا بني! ربيتك، وحرصت عليك، وأنشأتك، حتى إذا مرضت أنت كأني أنا المريض، فلا أنام الليل إذا ما نمت أنت. فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظةً كأنك أنت المنعم المتفضل فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام، وجاء بالابن وهزه بتلابيب ثوبه، وقال: أنت ومالك لأبيك} وأصل كلمة: {أنت ومالك لأبيك} صحيحة، لكن القصة فيها كلام من باب أحاديث السير. فعقوق الأمهات يدخل فيها تبعاً عقوق الآباء. وما معنى عقوق الوالدين؟ قال بعض العلماء: قطع الأم والوالد من الزيارة، وقال بعضهم: ألا تنفق عليهما وهم يستحقون النفقة، وقال بعضهم: أن تعقهم حتى يبكون من العقوق، فإذا بكوا فقد بلغت درجة العقوق. والصحيح أن عقوق الوالدين يكون بتكدير خاطرهما، وعصيانهما في غير معصية الله عز وجل، وعدم الوفاء بحقوقهما، فهذا هو العقوق، وإذا لم يرض عنك أبوك وأمك فأنت عاق، وإذا رضيت الأم والوالد فقد وجد البر وانتفى العقوق. وهذا أمر نسبي عند بعض الناس، فقد يقول بعضهم: أمي في مدينة وأنا في مدينة، فهل هذا من العقوق؟ والجواب أن يقال: لا. ليس هذا من العقوق؛ لأنها في مدينة وأنت في مدينة، فإن كانت راضية عنك وهي في تلك المدينة فقد بررتها، وإن كانت ساخطة عليك ولو كانت في البيت التي تسكن فيه فقد عققتها، هذا هو الصحيح.

تحريم وأد البنات

تحريم وأد البنات قال عليه الصلاة والسلام: {ووأد البنات} الحديث، وهو قتل البنات وهن على قيد الحياة، وهذا مذهب للعرب، حيث كانوا في الجاهلية يصيبهم العار من أن يرزق الرجل منهم بنتاً؛ فيذبحها ويقتلها وهي صغيرة، قال تعالى: {وإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9] فسوف يسألها الله، ويسأل من قتلها.

أول من بدأ وأد البنات

أول من بدأ وأد البنات وأول من قتل الموءودة قيس بن عاصم المنقري التميمي، وهو من سادات العرب، وكان حليماً كريماً، لكنه خشي العار كما زعم، فأتته ابنة فقتلها وكسر عنقها ودسها في التراب: {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل:59] فدسها في التراب، وقد رزقه الله الإسلام فيما بعد، وكان سيداً عجيباً، حتى يروى في السيرة أنه صلى الله عليه وسلم لما أتاه قيس بن عاصم قال: {هذا سيد أهل الوبر} وكان حليماً جد حليم، وسيداً مطاعاً، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: {يا رسول الله! رق عظمي، وشاب رأسي، ودنا أجلي؛ فعظني، قال: يا قيس! إن مع القوة ضعفاً، وإن مع الغنى فقراً، وإن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، يا قيس! إن معك قريناً يدفن معك وأنت ميت، وتدفن معه وهو حي، وهو عملك} فبكى قيس بن عاصم، وهو المقصود بقول القائل: عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما تحية من ألبسته منك نعمةً إذا زار عن شحط بلادك سلما وما كان قيس موته موت واحد ولكنه بنيان قوم تهدما وقد كان قيس -واسمحوا لي أن أستطرد فيه- كان من أحلم العرب، أي: واسع البال، كريماً، يكظم الغيظ، ويعفو، قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم، قالوا: كيف؟ قال: كنت جالساً معه في مجالس بني تميم، وقد اجتمع شيوخ بني تميم، وقد احتبى -والحبوة: أن تلف كساء على ركبتيك وأن تجلس القرفصاء- قال: فأتت امرأة فدخلت عليه، وقالت: ابنك مقتول! -ابن قيس بن عاصم كان يلعب مع الأطفال، فرماه أحدهم بحجر فإذا دماؤه في الأرض - قالت: ابنك مقتول! قال: من قتله؟ قالت: ابن فلانة، قالوا: فو الله ما قطع قصته -كان في قصة، فحدثهم بها حتى أتمها- ولا حل حبوته، ثم قال: اغسلوا ابني وكفنوه وتعالوا به، فغسلوه وكفنوه وأتوا به، فقال: اذهبوا بمائة ناقة إلى أمه وأرضوها، فدفع الدية عن الجيران فهل بعد هذا حلم؟! وهل بعد هذا كرم؟!

وأد المرأة المعاصرة وضروبه

وأد المرأة المعاصرة وضروبه وقد انتهى وأد البنات -والحمد لله- في الإسلام، لكن وأد المرأة اليوم غير وأد الجاهلية، ففي الجاهلية كانوا يذبحونها بالسكين، لكن وأد الجاهلية العصرية هو قتل لإرادة المرأة وحريتها وكرامتها وحقها، وهم يزعمون أنهم ينادون بحرية المرأة، وأنهم يحافظون على حقوق الإنسان. الحاكمون وواشنطن حكومتهم اللامعون وما شعوا وما غربوا فهم الذين أكلوا المرأة وشربوها في كرامتها ومروءتها، فوأد المرأة في هذا العصر أن يقطع حجابها، وأن يهاجم الحجاب، ويدعى أنه رجعية وتخلف، وما هو إلا العظمة والروعة والجمال للمرأة، وما هو إلا الستر والصون والكرامة. ووالله! يوم كانت المرأة متحجبة كانت لها قيمة، وكانت النفوس تحبها وتقدرها، فلما تبذلت المرأة، وأدخلت بعد الحرب العالمية الثانية في أتون المصانع، وأصبحت عاملة، وأصبحت موظفة وسكرتيرة وتشارك في البرلمان، أصبحت ممجوجة، ومملولة، ومتبذلة يقول الشاعر العربي: إذا سقط الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كُنَّ الكلاب ولغن فيه ومن وأد المرأة: أن تمنع من إنشاء بيت إسلامي، بحجة الفاحشة الكبرى: فتح الروتاري وغيرها، وإدخال النساء تحت مظلة الإنسانية والحب الإنساني الذي ما أنزل الله به من سلطان، لتربي غير أبنائها من زوجها، وتورث الفاحشة الكبرى التي أظلمت بها الدنيا. ومن وأد المرأة: أن تجعل المرأة في غير المكان المناسب الذي خلقت له، فقد خلقها الله أمينة على الجيل ومربية له الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق الأم نبت إن تعاهده الحيا بالري أورق أيما إيراق فالأم رسالة، فقد أخرجت العظماء، فهذا خالد أُمه امرأة، وسعد وطارق وحسان وابن تيمية وصلاح الدين والعظماء على مر التاريخ، فالمرأة أرادها صلى الله عليه وسلم والإسلام أن تكون جوهرة في صدر، أما أن تكون متبذلة فلا. ومن وأد المرأة: أن هاجموها وسحقوا كرامتها أمام العالمين، مرة بمقالةٍ يستهزئون بالنقاب والحجاب ويسمونه خيمة، ومرة يقولون: تأخر المرأة وتخلف عقل المرأة، ومرة يقولون: متى يسمع صوت المرأة؟! ومرة يكتب كاتب في بعض البلاد، ويقول: المرأة إلى أين؟ نقول: المرأة إن صلحت إلى جنة النعيم، وإن فسدت فإلى نار تلظى، لكن أنت يا مغفل يا مغرور! أنت يا عميل،! أنت يا مخزي الرسالة! أنت يا ممحوق البركة إلى أين؟! وأنت تحت أي لافتة تتكلم؟ فنحن تحت قضية كبرى قضية لا إله إلا الله محمد رسول الله، لكن أنت تنادي أختك، وتنادي أمك وزوجتك أن تخرج إلى الشارع! ومن وأد المرأة: أن تحرم العلم الشرعي، فتربى على الجهل؛ لأن بعض الناس الآن يقولون: المرأة إذا أصبحت جاهلة فإنها تصبح جيدة وعاقلة، ولا تعرف السوء، وتصبح خاماً قابلاً للتوجيه، وهذا خطأ، لأن المرأة الجاهلة جاهلة، فلابد أن تعلم المرأة، ولكن أي علم؟ إنه العلم الشرعي، وبعض الناس أرسل ابنته إلى بروكسل لتطلب العلم! انظر إلى هذا العلم التي تأتي به هذه البنت في السادسة عشرة! ذهبت إلى بروكسل ومكثت أربع سنوات هناك بلا محرم، تسكن في كل فندق وبارة، وتأتي بعلم، فلا بارك الله فيها ولا في علمها إن لم تتب! لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار نحن لا نفتقر إلى تدريس المرأة هندسة التربة في دول أوروبا أو أمريكا أو الصين، وتأتينا وقد مسخت من لا إله إلا الله، وتحاربنا في عقر دارنا، لا نريدها ولا نريد علمها ولا شهادتها، نريد العلم النافع، الذي يربي امرأة تأتي بالأجيال وتوجه الجيل. فهذا من وأد البنات، وهو وأد آخر يكتشف في هذا العصر، اكتشفه علماء الجيولوجيا من أهل الفقه الإسلامي، اكتشفوا أن هناك وأداً وحرباً، وقد يكون هناك -إن شاء الله- محاضرة اسمها: حرب على المرأة، ينقل عن كتبة العلمانية، وعن فروخهم وأذنابهم، وعن الشعراء ما قالوه في البنت المسلمة بحجابها وسترها، ويرد عليها -إن شاء الله- من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم.

تحريم المنع والبخل وتحريم السؤال والطلب

تحريم المنع والبخل وتحريم السؤال والطلب قال صلى الله عليه وسلم: {وحرم عليكم منعاً وهات} الحديث، منع: أن تمنع ما بيدك، فالبخل حرام في الإسلام، والبخل نوعان: بخل بالعلم وبخل بالمال، والبخل بالعلم أشد وأنكى، وهو من أكبر الذنوب والخطايا، يقول سبحانه عن البخل بالعلم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] فلم يكن عند علماء الإسلام بخل بالعلم، وقد كان علماء السلف علماء عامة، كالإمام أحمد والبخاري ويحيى بن معين وابن المديني ومسلم والترمذي وأبي حنيفة ومالك والشافعي وابن تيمية وابن القيم، فهؤلاء كانوا علماء عامة، لم يكن العالم يغلق عليه بابه فإذا أتيته تستفتيه كأنك تراجعه في معاملة، ويفتيك بالقطارة كأنه ينفق عليك من شحمه ولحمه ودمه! لقد كان علماء السنة في المسجد، والشارع، والعشة، وفي البيت والمهرجان والمقبرة، في كل مكان ينشرون علمهم كالسيل، فهذه ميزة العلماء. وقد علقها محمد الراشد -عمر الله وقته- في كتابه الجيد المنطلق، فقد كتب فصلاً بعنوان: علماء السنة علماء عامة. وهذا ميزة علماء السنة عن علماء البدعة؛ لأن بعض الناس الآن يقول: العالم لا بد له أن ينفصل عن المجتمع، ولا بد أن يربي الشباب تربية فردية، ولا يتصل بالعامة فقط لأن الانتقاء وارد، ونحن نقول: قد تكون هذه من الوسائل، لكن أن يحكم حكماً عاماً، ويحجز علماء الإسلام وقضاته ودعاته عن العامة فليس بصحيح، هذه نظرة تقبل النقض، وقد تصلح في بعض الفترات وبعض المناطق ولا تصلح في بعض. الثاني: البخل بالمال، قال تعالى: {يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء:37] البخل شر أسود، وهو أشر الأخلاق، والعرب ما ذمت خلقاً كما ذمت البخل وكرهته، حتى أصبح عندهم مثل الكفر تماماً {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن:16]. (منعاً) أي: حرّم الله على الإنسان أن يمنع الحقوق التي عليه، والكلام على هذه يطول، وإنا أرشح أن تكون هناك محاضرة اسمها: منعاً وهات؛ لأنه لا يستطيع الإنسان أن يشرح أنواع المنع، ومتى يكون المنع واجباً، أو مستحباً، ومتى يكون محرماً، أو مكروهاً، وماذا يمنع، ومتى يمنع إلى غير ذلك. وهات: أي: الطلب والجدوى، والإنسان شريف، واليد العليا خير من اليد السفلى، اليد العليا يد المعطي، واليد السفلى يد الآخذ، جاء في صحيح مسلم: {ومن سأل أموال الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر} وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لأن يأخذ أحدكم حباله فيذهب فيحتطب فيبيع، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لا تزال المسألة بالعبد حتى تأتي خدوشاً في وجهه يوم القيامة} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يأتي وليس في وجهه مزعة لحم} أي: ملمساً له، والحديث صحيح، صححه ابن حجر وغيره. فسؤال المال من غير حاجة ملحة محرم، والذين يسألون ويشحذون الناس ولهم ما يكفيهم، لا ميزان لهم عند الله ولا قدر شاب في الثلاثين يطلب الناس! اذهب يا أخي وتاجر وابذل واخدم نفسك. وهناك ما يسمى بالبطالة عند شباب الصحوة، وأنا أستغفر الله أن أتهم هذه الصحوة المباركة بشيء، لكن يقولون: وجد في بعضهم بطالة، أي: عدم طلب الرزق [[دخل عمر رضي الله عنه وأرضاه المسجد، فوجد شباباً جالسين في المسجد، فقال: ماذا تفعلون؟ قالوا: نعبد الله، قال: من يطعمكم ويسقيكم؟ قالوا: الله، قال: أدري أنه الله - عمر يدري أن الله هو الذي يطعم ويسقي- قال: لكن من يقدم لكم الطعام والشراب؟ قالوا: جيراننا، قال: انتظروني قليلاً، فذهب رضي الله عنه وأغلق عليهم الباب وأخذ درته -الدرة قطعة خشب تخرج الوساوس من الرءوس، إذا ضرب بها عمر رجلاً عرف القبلة، فالذي لا يعرف القبلة فهذه الدرة مثل البوصلة يعرفه عمر القبلة بهذه العصا. فدخل عليهم وضربهم، وقال: اخرجوا قاتلكم الله! إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة]]. فلذلك لا يعترف الإسلام بمقولة: طلب الرزق يعطلني عن الاستقامة والعبادة وصلاة التراويح وقراءة القرآن، ولما فعل المسلمون ذلك أنتج الكافر الطائرة والثلاجة والبرادة والصاروخ، وأنتجوا السيارة وكل شيء حتى الطباشير، وأصبحنا نحن نأكل ونقول: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وهذا جيد وممتاز، لكن ماذا قدمنا نحن؟ لماذا لا ننتج مثلما أنتجوا؟ ولماذا لا نبدع كما أبدعوا؟ منهم أخذنا العود والسجارة وما عرفنا نصنع السيارة استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا

كراهة (قيل وقال) وبيان معناها

كراهة (قيل وقال) وبيان معناها الكراهة قد تكون تحريماً، وقد تكون كراهة بلا تحريم. قال عليه الصلاة والسلام: {وكره قيل وقال} قيل: هو الذي يشعب الكلام على الناس وينقل الكلام، ما همه إلا المراسلة، فهو وكالة أنباء، قال فلان، ورد عليه فلان، وسمعت أن فلاناً قال، ولكن فلاناً يعترض عليه، فهو ينقل الشائعات، ليس عنده عمل، ولا يعرف كيف يقرأ القرآن، ولا يتدبر ولا يطلب العلم، ولا يدعو إلى الله، وإنما هو فارغ، من العمل، فيجلس من الصباح يتبرع بنقل الأخبار سمعت فلاناً قال فيك اليوم، وأنا لا أريد أنه قال فيك، فماذا تقول أنت؟ قال: أقول فيه كذا، فيذهب إلى فلان ويقول: قد أخبرته بما قلت فيه، فقال فيك كذا فهل هذا عمل مسلم مؤمن؟! إن هذا عمل الذين لا يرجون لله وقاراً، وهم الفارغون في كل زمان ومكان، وهم الذين يسمون شيوخ القمر، ويخططون في التراب، ليس لهم أصالة ولا مكانة، وليس لهم حفظ ولا وقت، ثم تضيع أوقاتهم. إذاً: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال، وهي استحداث الأقوال وجمعها بعض الناس يتظاهر بالعلم وليس عنده علم، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {المتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور} أي: الذي يتظاهر بما ليس عنده مثل الرجل الذي له ثوب واحد، لكن له أكمام ثوبين، فيظهر للناس أن عنده كمين كأن عليه ثوبين، وهو ثوب واحد، فهذا مثل المتشبع بما لم يعط، كرجل فقير، إذا جلس في المجلس يتظاهر أمام الناس أنه غني، ويقول: أمرت أن يحول لنا شيكات على البنك اليوم! وماذا فعلت يا فلان في أراضينا في المدينة الفلانية؟ وماذا عملت في معرضنا؟ وليس عنده لا معرض ولا سيارات ولا شيء، فهو أعمى ويناقر، حشفاً وسوء كيلة. فالذي يستحدث الأقوال وليس عنده علم، فإذا قيل له: يا شيخ! ما رأيكم في المسألة؟ قال: فيها ستة عشر قولاً! وهي ليس فيها إلا قول واحد، فإذا قيل له: أفدنا أثابك الله! قال: قال قوم كذا، وقال قوم كذا، وقال قوم كذا، فترك السائل وهو في ربكة ما بعدها ربكة، وهو لا يحفظ دليلاً لكل مسألة ولا يدري. يقولون: أحد الحمقى كان له ابن عنده علم، وابنه هذا يريد أن يتظاهر أن أباه عالم، فقال لأبيه: إذا سألك الناس فقل: فيها قولان، وأنا سوف أفتيهم، لكن نريد أن يعرفوا أنك عالم ولست بجاهل، قال: سأفعل. فسألوه، فقال: فيها قولان، قالوا: وما تفصيلها؟ قال: أحيلكم على ابني، فالابن يفصل، هذا يوجز وهذا يفصل، قالوا: ما رأيك في الله عز وجل؟ قال: فيه قولان، سبحان الله! {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]. فهذه (قيل وقال) وهي استحداث الأقوال، وقد عرض لها ابن تيمية وقال: هي التكثر بأقوال أهل العلم ولو لم يكن لها أصل. وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافٌ له حظ من النظر

كراهة كثرة السؤال

كراهة كثرة السؤال وكثرة Q وهو الذي يسأل العلماء تعنتاً، فيعنتهم بالمسائل، لا لقصد الاستفادة، وهذه توجد عند الشباب بكثرة يقول: هذا الشيخ شاب، وبادئ في العلم، وأنا سآتي له بمسألة توقفه عند حده وتخجله في المجلس! فهذا منهي عنه، وما يفعل ذلك إلا الذي في قلبه مرض، نعوذ بالله! فيقول: يا شيخ! ما رأيك في أطفال أهل الفترة؟ أو ما رأيك في أطفال المشركين؟ أو ما رأيك في دوران الأرض حول الشمس، والشمس حول الأرض؟ فهذه من المسائل التي لا يستفاد منها. ونحن نقول له: رأينا فيك كرأي عمر في صبيغ بن عسل، حينما أتى بهذه المسائل فقال له عمر: انتظر، ثم أرسل عسب النخل فرشه بالماء، وقال: والله لا يحول بيني وبينه أحد، فضربه عمر ضربةً حتى أغمي عليه، ثم رش الرجل بالماء واستفاق، يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، ثم ضربه عمر ضربةً، حتى أغمي عليه، فرشه عمر، ثم قال: يا أمير المؤمنين إن كانت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد دوائي فقد شفيت والحمد لله. فهذا العلاج لا يخرج إلا من صيدلية عمر. فبعض الناس يأتي بمسألة يتعنت حتى يحرجك أمام الناس ويخجلك، وهذا من كثرة السؤال، قال مالك في السؤال عن الأغلوطات -أي: أغلوطات المسائل الصعبة-: ونهينا عن التكلف، فمن فعل ذلك فقد أساء وتعدى وظلم. فقد تجد الرجل لا يعرف سجود السهو، لكنه يسأل عن مسائل ما وقعت، يقول: يا شيخ! ما رأيك في أهل القطبين، القطب الشمالي والقطب الجنوبي كيف يصلون؟ فتجيبه بجواب، فيقول: لا. هذا خطأ، وكيف يصومون؟ فتجيبه فيقول: لا. هذا خطأ إذاً طالما تعرف الجواب فلا تخطئنا. وإذا قلت له: سجود السهو قبل السلام أم بعده؟ فيقول: لا أدري. هذا الذي هو دائماً معك في كل صلاة، وأما أهل القطبين فلا يمرون بك ولا في العمر مرة، فلماذا تتشاغل بهم؟

معنى إضاعة المال وبيان كراهة ذلك

معنى إضاعة المال وبيان كراهة ذلك قال: {وإضاعة المال}: والإضاعة على أنواع: إضاعة معصية، كما يفعل بعض التجار اليوم حينما يضيعون أموالهم، قال الله: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36] كالسفر للفاحشة إلى الخارج، وشرب الخمر، ودور الدعارة، والربا، ومحاربة الدين، والعهر، والخمارات، والبارات، والغناء الماجن، والمجلات الخليعة، ودعم المؤسسات الشريرة المحاربة للدين، ودعم العلمنة في الساحة، ومحاربة الإسلام بهذا المال الذي سيكون عليهم حسرة ثم يغلبون. ومن إضاعته أيضاً: الإسراف فيه، وهذا يوجد حتى عند كثير من الملتزمين، فإن بعضهم عنده ثلاثون ثوباً، وفي كل صلاة يلبس ثوباً، وهذا من إضاعة المال، وعليه أن يقتصد، فإن الدين وسط، والإسلام لا يعرف الدروشة، فإن بعضهم يجعل الزهد في الثوب، وعنده عمارات وقصور، لكن ثوبه بخمسة وثلاثين ريالاً حتى يظهر أنه زاهد، أتزهد في الثوب ولا تزهد في الأراضي والعقارات والبنايات والمعاقل؟ هذا ليس بصحيح. وكذلك الإسلام لا يؤيد الترفه كثيراً؛ فقد جاء في الحديث الحسن: {البذاذة من الإيمان} فالترفه منتشر، حتى أن بعض الشباب المعرض يشتري كبك -نوع من أزرار الملابس- بخمسمائة ريال، وحذاء بستمائة ريال، وعليه من الملابس ما يعادل أربعة أو خمسة آلاف وهو لا يساوي اثنا عشر ريالاً، وملابسه بستة آلاف، يقول أبو الفتح: يا متعب الجسم كَمْ تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان استكمال الفضائل بالقرآن، والاستقامة، والتوبة النصوح، والصدق مع الله، ومجالسة الصالحين، وحمل رسالة لا إله إلا الله محمد رسول الله، والصدق مع النفس ومع الله عز وجل وأن تكون عبداً لله تبيع نفسك من الله ثم لا ترجع في البيع أبداً: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111]. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

حقيقة البعث والنشور

حقيقة البعث والنشور الموت حقيقة لا بد منها، ولكن الموت ليس هو نهاية الإنسان، بل هناك بعث ونشور، وثواب وعقاب، ومن الناس من ينكر البعث وذلك لجهله بعظم قدرة الله عز وجل. والشيخ تحدث عن هذا الموضوع ذاكراً بعض الأمثلة لمن ينكرون هذه الحقيقة الجلية الواضحة.

حتمية البعث والنشور

حتمية البعث والنشور الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس:77 - 83]. {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ} يا أيها الإنسان: يا من حمل همومه وغمومه! يا أيها الإنسان: يا من تعدى حدود الله وانتهك حرماته, وأكل نعمه, واستظل بسمائه, ووطئ أرضه! يا أيها الإنسان: إنك سوف تُعرض على الله, ويل لك أيها الإنسان، أما فكرت بالقدوم على الله؟! ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شي يا أيها الإنسان! {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] ما الذي خدعك حتى عصيت الله؟ ما الذي غرك حتى تجاوزت حدود الله؟ ما الذي أذهلك حتى انتهكت حرمات الله؟ يا أيها الإنسان! ألم تكن نطفة؟! ألم تكن ماء؟! ألم تكن في عالم العدم؟! قال سبحانه: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [الإنسان:1 - 2] مسكين هذا الإنسان! حقير هذا الإنسان! صغير هذا الإنسان! أتى من ماء, من عالم العدم, أتى من نطفة, فلما مشى على الأرض تكبر وتجبر, ونسي الله الواحد الأحد!! في المسند للإمام أحمد بسند جيد عن عبد الله بن جحش قال: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بصاقاً من فمه ثم وضعه في راحته, ثم أخذ يديره بأصبعه ويقول: يقول الله تبارك وتعالى: يابن آدم! خلقتك من مثل هذا ثم ربيتك، فلما تربيت جمعت ومنعت ومشيت على الأرض, وللأرض منك وئيد, ثم قلت: لن يعيدني كما أنشأني أول مرة ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78]} من هذا المجرم الذي اعترض على قدرة الله؟ من هذا العاصي الذي أنكر البعث والقدوم على الله؟ صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد ساعة الموت أيها العبد أضعاف سرور في ساعة الميلاد

إنكار العاص بن وائل للبعث

إنكار العاص بن وائل للبعث هذا المجرم هو العاص بن وائل , أثمر الله ماله, وأصح جسمه, وأعلى شأنه في الدنيا, ولكن كفر بلا إله إلا الله, أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بعظم بالٍ ففته وحته ونفخه أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد! أتزعم أن ربك يعيد هذه العظام بعد أن يميتها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: {يميتك الله ثم يبعثك الله ثم يدخلك الله النار} فيقول الله له: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} [يس:78] أتى يضرب لنا الأمثال, نسي مكرماتنا, ومعروفنا, وجميلنا ونعمنا, وأتى يضرب لنا الأمثال اليوم. {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78] من الذي أنشأه من العدم؟ من الذي أغناه من الفقر؟! من الذي أمشاه على رجليه؟ {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] فما له نسينا اليوم؟ هذا العاص بن وائل قتل في بدر كافراً بالله العظيم, أتاه أحد الفقراء من المسلمين وقد عمل له عملاً واشتغل له شغلاً فقال له الفقير: يا أبا عمرو!! أعطني أجرتي؟ قال: أتؤمن بمحمد؟ قال: نعم. قال: أتؤمن أن الله يبعثنا يوم القيامة؟ قال: نعم. قال: -وهو يضحك يستهزئ- فإذا بعثني ربي من قبري وعندي كنوز من الأموال فأحاسبك في ذلك اليوم وأعطيك أجرتك, فقال الله: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} [مريم:77 - 80]. {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:79]. والله لنبعثن كما نستقيظن حفاة عراة غرلاً بهما كما بدأنا أول مرة يعيدنا قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94] نخرج من قبورنا مذهولين خائفين وجلين إلا من رحم الله, ولا يأمن من مكر الله وعذابه ولعنته إلا من أمنه الله. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:101 - 104]. صح عنه صلى الله عليه وسلم: {أن الإنسان بعد أن يخرج من قبره ويقف في أرض المحشر، فمنهم من يبلغ عرقه كعبيه, ومنهم من يبلغ العرق ركبتيه, ومنهم من يبلغ حقوه, ومنهم من يبلغ حنجرته, ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً فلا يتكلم} قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:27 - 28]. {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس:79 - 80]. قال أهل العلم: الشجرة بذرة -كما تعرفون- أنبتها الله ورعرعها بالماء ثم يبست ثم أصبحت حطباً يوقد به في النار, وقال بعضهم: المرخ والعفار شجر في الحجاز إذا ضربت هذا بهذا وهو أخضر انقدح ناراً, فمن الذي قدح النار منه؟ ومن الذي جعل آيات الكون قائمة أمام الأعيان؟ أليس هو الذي يعيدنا يوم العرض الأكبر؟

ضرورة التوبة قبل الموت

ضرورة التوبة قبل الموت يا أيها الإنسان: انظر إلى السماوات بلا عمد. يا أيها الإنسان: انظر إلى الأرض في أحسن مدد, من أجرى الهواء؟! من سير الماء؟! من جعل الطيور تتناغم بالنغمات؟! من جعل الرياح غاديات رائحات؟! من فجر النسمات؟! من خلقك في أحسن تقويم؟! قال سبحانه: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس:81] سبحان الله! ما أقدر الله! يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[والله لولا يوم القيامة لكان غير ما ترون]] لو لم يكن هناك يوم بعث ونشور لأكل الأقوياء الضعفاء, وأخذ الظلمة المظلومين, وتجبر المتجبرون في الأرض. مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إن قيل نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي ومالك نور حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور متى سيفيق من لم يستفق اليوم؟! متى يتب إلى الله من لم يتب هذه الساعات؟! متى يحاسب نفسه من لا بد أن يحاسبها قبل أن تعرض على الله؟ عباد الله: أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه, إنه هو التواب الرحيم.

رؤية إبراهيم عليه السلام بعث الموتى

رؤية إبراهيم عليه السلام بعث الموتى الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً, وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً, وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً, وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراًَ ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: إبراهيم عليه السلام إمام التوحيد ومعلم الرسالة وأستاذ العقيدة. إبراهيم خليل الرحمن الذي نشر عقيدة التوحيد في الأرض, مرّ يوماً من الأيام على ساحل البحر فرأى جثة حيوانٍ ميت قد ألقاه البحر بالساحل, وهذه الجثة تأتيها السباع فتأكل منها والطيور تنهش منها, فوقف عليها متعجباً وهو يقول في نفسه: كيف يعيدها الله يوم القيامة وقد أكلتها السباع والطيور؟ كيف يعيد الله هذه الجثة وقد تشتتت في بطون السباع وفي حواصل الطير؟ قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة:260] فكلم ربه وناداه وسأله أن يريه كيف تقوم عملية الإحياء وعملية الموت؟! والله هو الذي يقول: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2]. {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة:260] فقال الله له: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} [البقرة:260] أما آمنت إلى اليوم؟ أما تيقنت أن الله يبعث من في القبور؟ أما علمت أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ينشر الناس ليوم النشور؟ {قَالَ بَلَى}: بلى يا رب آمنت وأسلمت وتيقنت: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260] سبحان الله! في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {نحن أحق بالشك من إبراهيم} معنى ذلك: لو كان إبراهيم يشك لكنا نحن أضعف وأولى أن نشك في قدرة الله، ولكن إبراهيم عليه السلام لا يشك: {قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260] أي: لأزداد يقيناً إلى يقيني وإيماناً إلى إيماني, فليس الخبر كالمعاينة: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]. قال الله: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:260] أي: خذ أربعة أنواع من الطير، وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [حمام؛ ودجاج؛ وأوز؛ وطائر من عنقاء مغرب] أو كما قال, ولا يهمنا تعداد الطيور؛ لكن يهمنا الشاهد والدلالة في الآية, فأخذ أربعة من الطيور قال تعالى: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:260] أي: قطعهن ومزقهن, فقطع رءوسها, وفصّل أرجلها, وبتّك أكتافها وأيديها, ونتف ريشها, ثم خلط الأربعة, قال الله له: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً} [البقرة:260] فأخذ كل مجموعة من هذا اللحم والعظام والريش والدم فجعله ووزعه على أربعة جبال, ثم نزل في الوادي. قال الله: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً} [البقرة:260] فلما نزل قال: تعالي أيتها الطير بإذن الله, فبعث الله الأرواح فيها, وكانت رءوس الطير بين يديه, فأقبل الريش والعظم واللحم من كل طائر يدخل إلى رأسه لا يغلط في رأسٍ غير رأسه, فلما تركبت أجسامها في رءوسها فرفرت وطارت وأصبحت تأخذ مجالها في الجو, قال إبراهيم عليه السلام: أعلم أن الله على كل شيء قدير، قال تعالى: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260]. فيا من شك في قدرة الله: ويا من شك في البعث والنشور! ترقب يوم يبعث الله الأولين والآخرين, يوم يناديهم في يوم لا ريب فيه, يوم يسمعون الداعي لا عوج له, فاعمل لذاك اليوم، وتزين ليوم العرض على الله, والبس لباساً ليس كلباسنا اليوم؛ فوالله! لا تجزئ ألبستنا إن لم تكن من تقوى, واستعد بحسنات وبأعمال صالحات فإنك راحل! إن بعد الحياة موتاً عظيماً يستعيذ الجدود منه الجدود فاستعد لذاك البعث, وترقبه وكأنه في غد, واشكُ حالك إلى الله, وجدد توبة صادقة إلى الحي القيوم: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] يوم ينادي الله الخلائق وهم حفاة عراة غرلاً, وقد وضع السماوات مطويات بيمينه والأرض باليد الأخرى, فهزهن ونادى: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ فنسأل الله أن ينجينا وإياكم في ذاك اليوم, ونسأله أن يبيض وجوهنا ووجوهكم ذاك اليوم, ونسأل الله ألا يجعلنا من أهل الفضائح والنكبات وأهل البوار والخسار. عباد الله! صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه, فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلّى عليّ صلاة واحدة؛ صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صل وسلم على نبيك محمد, وبلغه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين, وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم اجمع كلمة المسلمين, اللهم وحد صفوفهم, اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه, اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق, أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة, ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا, ونسألك القصد في الفقر والغنى, ونسألك لذة النظر إلى وجهك, والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أصلح شباب المسلمين, اللهم ردهم إليك رداً جميلاً, اللهم كفر عنهم سيئاتهم, وأصلح بالهم, وأخرجهم من الظلمات إلى النور, واهدهم سبل السلام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

إلى الرفيق الأعلى

إلى الرفيق الأعلى إن أعظم مصيبة وقعت على الأمة الإسلامية؛ هي موت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانتقاله إلى الرفيق الأعلى؛ لأنه كان النور الذي تستضيء به الأمة، وهو المربي والمعلم والمجاهد والزعيم. ولذلك فإن من قرأ سيرته وعرف أحداثها من ولادته إلى موته، سيجد العبر والعظات الكثيرة، وسيعرف عظم المصاب الذي أصيبت به الأمة. والشيخ -حفظه الله- قد صور انتقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ربه صورة بليغة ومؤثرة، سرد فيها أهم الأحداث من حجة الوداع إلى أن مات وغسل وصلي عليه ودفن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قبل موته صلى الله عليه وسلم

قبل موته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الحمد لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ونستهديه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. إخوة الإيمان! يا حملة التوحيد! يا أرباب المبادئ! عنوان هذه الخطبة "إلى الرفيق الأعلى". من الذي قال هذه الكلمة؟ من هو أول من أنشأها؟ ومتى قيلت؟ القائل: هو محمد عليه الصلاة والسلام، قالها في سكرات الموت، في آخر لحظة من لحظات الحياة يوم مات كما مات الناس، وفارق الحياة كما فارقها الناس، فهو بشر يموت كما يموت البشر، وهو في سكرات الموت شخص طرفه إلى السماء، وهو يقول: إلى الرفيق الأعلى، إلى الرفيق الأعلى، وهذه الأيام تناسب تلك الأيام التي مات فيها عليه الصلاة والسلام، فإنه مات بعد الحج. حج بالناس فوقف محرماً في عرفة، حاسر الرأس، أشعث أغبر، فقال وهو يخاطب مائة ألف من المؤمنين: {يا أيها الناس! إنكم مسئولون عني غداً، وأنا مسئول عنكم، فما أنتم قائلون لربي غداً؟ فقالوا بصوت واحد: نشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، فرفع سبابته على الناقة، وقال: اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، اللهم فاشهد} فأنزل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]

العودة إلى المدينة وبداية المرض

العودة إلى المدينة وبداية المرض ولما عاد عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، أحس بدنو أجله، وبدأت وحشة الفراق وطلائع التوديع ودموع الأسى، وقف على المنبر، وقرأ قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3] فبكى أبو بكر، فقال الناس: مالك تبكي يا أبا بكر! فقال: أجل الرسول عليه الصلاة والسلام نعي إليه، الفراق قريب. فراق ومن فارقت غير مذممٍ وأم ومن يممت خير ميمم وما منزل اللذات عندي بمنزلٍ إذا لم أبجل عنده وأكرم

قبل المرض

قبل المرض وقام عليه الصلاة والسلام ذات ليلة وسط الليل، وقد نام الناس وهجعوا، قام وسط الليل إلى أحد حيث مقبرة الشهداء، حيث يرقد هناك حمزة ومصعب والسبعون الشهيد ينامون هناك، فوصل إليهم، وسلم عليهم، وودعهم إلى لقاء قريب في مقعد صدق عند مليك مقتدر، ثم عاد ونام، وفي اليوم التالي خرج إلى مقبرة بقيع الغرقد، فسلم على أهل المقبرة، وقال: {ليهنكم يا أهل القبور ما أمسيتم فيه، فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مسلماً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل} ثم عاد عليه الصلاة والسلام، وفي آخر رمضان دارسه جبريل القرآن مرتين، وكان قبلها يدارسه في كل رمضان مرة واحدة.

بداية المرض

بداية المرض بدأ مرضه عليه الصلاة والسلام بصداع في الرأس -بأبي هو وأمي- فديناك يا ليل السهاد الذي سرى بجسمك في أجسامنا أبداً يسري ويا ليت أنَّا نحمل الضيم كله عن العلم المحبوب في البدو والحضر عقد البخاري باباً، فقال: (باب قول الرجل: وارأساه) هل هو من الشكوى لغير الله؟ لا، إنها من التوجع، وبث الحزن للأحباب. ولا بد من شكوى إلى ذي قرابةٍ يواسيك، أو يسليك، أو يتوجع {دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة فقالت: وارأساه يا رسول الله! كان بها صداع، فقال عليه الصلاة والسلام: بل أنا وارأساه} نزل عليه المرض ثلاثة عشر يوماً، وابتدأ عليه المرض يوم الخميس، فكان ابن عباس إذا ذكر يوم الخميس قلب الحجارة، وبكى، وقال: آه! يوم الخميس وما يوم الخميس كأنه مطعون؛ لأنها ذكرى حرجة، وأسىً ولوعة، وكان ابن عباس كلما ذكرها أثارت عليه الدموع والشجون والأسى واللوعة.

أثناء مرضه عليه الصلاة والسلام

أثناء مرضه عليه الصلاة والسلام وتوطأ عليه صلى الله عليه وسلم الفراش ثلاثة عشر يوماً، وسمع الأذان مرة، فاستفاق. وداعٍ دعا إذ نحن بـ الخيف من منى فهيج أشواق الفؤاد وما يدري دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أطار بليلى طائراً كان في صدري قال: {الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم} ثم قال: {اغسلوني} فغسلوه من آثار الحمى، وكان جسمه حارٌ، حار، حتى وضع ابن مسعود يده على جسمه فنزعها، وقال: {يا رسول الله! إن بك حمى، قال: نعم، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قال ابن مسعود: ذلك بأن لك الأجر مرتين، قال: نعم، ما من مؤمن يصيبه هم ولا غم ولا نصب ولا مرض حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه} فغسلوه بالقربة الأولى، فقام فأغمي عليه فسقط، والثانية حتى غسلوه بسبع قرب، فلما علم أن صلاة الجماعة سوف تفوته، قال: {مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس، قالت عائشة: يا رسول الله! مر عمر} وأبو بكر أبوها لكنها تريد عمر لئلا يتشاءم الناس بـ أبي بكر في أول صلاة، ويقولون: وجدناك وفقدنا ذاك قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس إنكن لأنتن صويحبات يوسف} فأمروا أبا بكر فقام يصلي فتلعثم بالبكاء، وهو في الصلاة.

آخر لقاء جماهيري مع الصحابة

آخر لقاء جماهيري مع الصحابة واستمر به المرض عليه الصلاة والسلام، وكان آخر لقاء جماهيري مع الصحابة، هكذا يعنونون له أهل السير من المحدثين: خرج عليه الصلاة والسلام إلى المنبر، وقال لـ علي بن أبي طالب، وللفضل بن العباس، وللعباس: احملاني إلى الناس، فاتكأ عليهما وهو منصوب الرأس بعمامته، فجلس على المنبر أمام الناس، نظروا إليه ونظر إليهم، واشتد البكاء، وقام بجسده الشريف يتوكأ على خشب المنبر، وقال: أيها الناس: اللهم من ضربته، أو شتمته، أو لعنته، أو آذيته، فاجعلها رحمةً عندك له. أيها الناس: من أخذت من ماله، فليقتص من مالي، ومن ضربت جسمه، فهذا جسمي فليقتص مني اليوم قبل ألا يكون درهمٌ ولا دينار، فوقف عكاشة بن محصن الأسدي أمام الناس، فقال: يا رسول الله! ما دام أنك طلبت القصاص فأريد أن أقتص منك! قال: وما ذاك؟! قال: يوم كنا يوم بدرٍ وأنت تسوي الصفوف طعنتني بعصا كانت في يدك في خاصرتي، أريد أن أقتص منك اليوم، فقام علي بن أبي طالب فقال: أنا فيَّ القصاص. فداً لك من يقصر عن مداكا فلا ملك إذاً إلا فداكا أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا إذا اشتبكت دموع في خدودٍ تبين من بكى ممن تباكى من هو الذي يقف أمام الناس، وهو زعيم الدنيا، فيعرض جسمه للضرب وللقصاص من الرعية، فقال عليه الصلاة والسلام: لا، بل يقتص مني، فأرسلوا للعصا التي كانت معه في بدر فأتي بها، ورفعها عكاشة في يده، وارتفع صوت البكاء في المسجد! أصحابي يضرب جسم النبي عليه الصلاة والسلام في مرض الموت؟! فألقى عكاشة العصا من يده، ثم تقدم فضم الجسم الشريف، ومرغ شيبته في الجسم الطاهر، وبكى بكاءً، وهو يقول: جسمي لجسمك الفداء، ونزل عليه الصلاة والسلام والدموع من كل تحفه، في أحرج ساعة مرت بالأمة الإسلامية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويدخل بيته قبل الموت بيومين، ويشتد عليه المرض عليه الصلاة والسلام، ويوصي الناس بتبليغ دينه للناس: {بلغوا عني ولو آية نضَّر الله امرأً سمع مني مقالة، فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مُبلِّغ أوعى من سامع}.

قبل الموت بيوم واحد

قبل الموت بيوم واحد وفي اليوم الأخير أعتق عليه الصلاة والسلام مواليه، وبحث عن ماله في ميزانيته فوجد سبعة دنانير، ليس إلا هي عنده تسع نسوة، والأمة تحت يده، وجبال الدنيا تعرض له أن تُسير ذهباً وفضةً، ويموت عن سبعة دنانير، فيتصدقها في سبيل الله، ودرعه مرهونة في ثلاثين صاعاً من شعير كانت عند يهودي من يهود قاتلهم الله. انظر الخسة والحقارة! {أتى عليه الصلاة والسلام إلى اليهودي، فقال: بعني شعيراً لأهلي - سبحان الله! هذا النبي الذي عرض عليه ملك الجبال، مفاتيح الجبال أن يسيرها الله ذهباً، فيقول: لا، أشبع يوماً، وأجوع يوماً حتى ألقى الله -ثم يأتي إلى يهودي ويستدين منه ثلاثين صاعاً من شعير، فيقول لليهودي: أعطني ثلاثين صاعاً، قال اليهودي: لا أعطيك إلا برهن، قال: ما عندي ما أرهنك إياه، قال: درعك الذي عليك، قال: هذا درعي} فرهنه الدرع، وما فك الدرع إلا عليٌ بعد موته عليه الصلاة والسلام.

الميراث وتوزيع التركة

الميراث وتوزيع التركة يموت عليه الصلاة والسلام، ويبحث عن بيوته؛ فإذا هي غرفٌ لا يتجاوز طول الواحدة ثلاثة أمتار. قال الحسن البصري: دخلت غرفته عليه الصلاة والسلام، فمددت يدي فوصلت يدي سقف الغرفة، سقفها جريد النخل. كفاك عن كل قصرٍ شاهقٍ عمدِ بيت من الطين أو كهف من العلم تبني الفضائل أبراجاً مشيدةً نصب الخيام التي من أروع الخيم وما هو فراشه؟ خزف النخل، فراش واحد، إذا اشتد من الشمس والسواد غسل بالماء وصلى عليه ووسادته أدمٌ حشوها ليف، إذا نام أثرت في جنبه الشريف. في بيته شيء من شعير من الثلاثين صاعاً معلقة في قطعة قماش عند سقف المنزل، فأين الميراث؟! يقول عليه الصلاة والسلام: {إنا نحن معشر الأنبياء لا نُورَث، ما تركناه صدقة} وزع أمواله في الناس. أتت فاطمة إلى أبي بكر، فقالت: أعطني ميراثي من مال أبي، قال أبو بكر: لا، يقول عليه الصلاة والسلام: {لا نورث، ما تركناه صدقة} وصدق أبو بكر، وبر أبو بكر، ونصح أبو بكر، لم يوجد شيء تماماً خلفه عليه الصلاة والسلام إلا هذه البذلة، وسيف قاتل به في سبيل الله، فبحثوا في البيت فلم يجدوا شيئاً، وأتوا إليه عليه الصلاة والسلام وهو في آخر رمق من الحياة.

ساعة التوديع ووحشة الفراق

ساعة التوديع ووحشة الفراق وفي آخر ساعة كان في حضن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهو يذكر الله، وكانت ترقيه عليه الصلاة والسلام بيديه؛ لأنها أشرف وأبرك، فكانت تأخذ يديه وتنفث، وتقرأ المعوذات، وتمسح جسمه، وكانت يديه من شدة المرض مسفودتان منهوكتان. دخل أخوها عبد الرحمن وفي فمه سواك من أراك، فأبدَّه صلى الله عليه وسلم نظره، وكأن عينيه تتحدثان تطلبان السواك، فعرفت عائشة، ودعت بالسواك فقضمته وسلمته إلى محمد عليه الصلاة والسلام، فاستاك بيده كأشد ما يستاك في الحياة الدنيا، ثم رد السواك، أخذت تقول: عافاك الله، شافاك الله، أزال الله ضرك، فنزع يده مغضباً من يدها، وهو يقول: {بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى} أي: لا أريد الحياة، أريد أن أموت اليوم. ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حب وعكسه الكاره فالله اسألِ رحمته فضلاً ولا تتكلِ ثم يتمتم عليه الصلاة والسلام ويقول: {مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، ثم قال: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ثم رفع طرفه، وقال: اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد}.

سكرات الموت والانتقال

سكرات الموت والانتقال هو الموت ما منه ملاذٌ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعل الردى مما نرجيه أقرب وصل عليه الصلاة والسلام إلى لحظة سوف نصل إليها جميعاً، ولا يبرأ منها أحد، وصل إلى درجة أن يموت كما يموت الناس، فأخذ خميصة كانت أمامه، أي: قطعة قماش- وبلها بالماء، وغطى بها وجهه الشريف، وهو يقول: {لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات، لا إله إلا الله، اللهم هوِّن عليَّ سكرات الموت، لا إله الله إلا الله، اللهم خفف عليَّ سكرات الموت} ثم مات. قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] مات، فأين ميراثه؟ وأين تركته؟ أنا وأنت، وأبي وأبيك من تركته! المساجد ملايين المساجد في العالم ملايين العلماء ملايين الشهداء ملايين الصالحين كلهم من تركته! الوحي، المسيرة، الجيل، الشعوب الإسلامية، النور، كلهم من تركته! خلف رسالة طوقت ثلاثة أرباع الكرة الأرضية! لا يعلم في تاريخ الإنسان، ولا في حياة الشعوب مؤثراً أعظم منه عليه الصلاة والسلام!! ومع ذلك هذه تركته، كأفقر فقراء هذا العصر، بل لا يوجد في هذا العصر -في علمي- في بعض البلاد أكثر فقراً مما كان عليه صلى الله عليه وسلم! لم يشبع ثلاث ليال متوالية من خبز الشعير، فأين ميراثه؟! الرسالة الخالدة، قال عليه الصلاة والسلام: {إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر}. أسأل الله أن يجمعنا به في دار الكرامة، وأن يلهمنا اتباع سنته، وأن يجعلنا سائرين على منهجه، وأن يعصمنا بشريعته. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

مصيبة موته صلى الله عليه وسلم

مصيبة موته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. أيها الناس: يموت البشر من الزعماء والقادة والرؤساء، فتقوم الدنيا وتقعد من أجل موتهم، إما مجاملة، وإما استخذاءً، وإما جهالةً بحالهم، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام ليس كالناس، مات فكادت قلوب الصحابة تتفطر، وجعلوا أعظم المصائب مصيبة موته عليه الصلاة والسلام، وقال قائلهم: وإذا أتتك من الأمور بليةٌ فاذكر مصابك بالنبي محمد فأعظم مصيبة مرت بالعالم الإسلامي موته عليه الصلاة والسلام، فما وَقْع الخبر على الصحابة؟ كيف تلقوا نبأ موته صلى الله عليه وسلم؟ بينما هو الذي يسكن في قلوبهم، ويعيش في ضمائرهم، وينام في أجفانهم، وإذا به يموت. بينما يخطب بهم يوم الجمعة، ويصلي بهم، ويعلمهم، ويهديهم، ويرشدهم، ويوجههم، وإذا هو يموت. بينما هو يقف مع الطفل، ويحمل متاع العجوز، وتوقفه المرأة في حرارة الشمس، ويقضي حاجة الفقير فإذا هو يموت بينما هو يطعمهم قبل أن يطعم، ويسقيهم قبل أن يشرب، ويسهر ليناموا، ويتعب ليرتاحوا، إذا هو يموت، فكيف الخبر؟ ما هو وقْعُه? وما مدى تأثيره؟

أثر خبر موته عليه الصلاة والسلام على الصحابة

أثر خبر موته عليه الصلاة والسلام على الصحابة اسمع! سمع الصحابة الخبر، فاجتمعوا جميعاً حول المسجد، فاختلطت أصوات النساء بالرجال وبالأطفال من البكاء، فأصبح زعماء المعارك، وقادة ميادين المعركة، وحملة الألوية؛ يخورون كما تخور الأطفال، خالد وسعد وطلحة والزبير، الذي كل إنسان منهم تاريخ انهد تماماً! وقف عمر، فما استطاع أن يقف على قدميه وسقط بين الرجال. اجتمعوا حول المسجد، كأنهم غمامةٌ تدور، وفي بكاء رهيب يتسلون بالصبر. كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذر توفيت الآمال بعد محمد وأصبح في شغلٍ عن السفر السفر فتى كلما فاضت عيون قبيلة دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر قام عمر، وأبو بكر كان غائباً لم يدر بالخبر إلى الآن أبو بكر في مزرعته في عوالي المدينة كان عنده مزرعة نخل يغرس هناك بمسحاته، وهو الصديق الأكبر لم يدر بالخبر! قام عمر على المنبر، فسل سيفه، وبيته صلى الله عليه وسلم مغلق على الجثمان الشريف، فقال: يا معشر الناس! من زعم منكم أن محمداً قد مات ذبحته بهذا السيف. إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يمت، وإنما رفع إلى السماء كما رفع بعيسى، وسوف يمكث أربعين ليلة، ثم يأتي، هذا رأي عمر، وهذه وجهة نظره في الحادث، ثم نزل عمر مع الناس يجول بسيفه، ليستمع من الذي يقول: مات الرسول عليه الصلاة والسلام، فيذبحه كما يذبح الشاة، وسار الخبر إلى أبي بكر الصديق، فركب فرسه، قالوا: مات الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: الله المستعان، وكان رجلاً رشيداً عاقلاً فصيحاً حكيماً، ولذلك اختاره عليه الصلاة والسلام ليكون رجل الساعة -ساعة الصفر ليكون الخليفة بعده- فأتى وإذا بسكك المدينة مطمورة بالأوادم، وإذا الأطفال والنساء يموجون كالغمام حول المسجد؛ فسكت الناس بعصاه، ولم يتكلم بكلمة، وأخذ يستغفر ويسبح في ثبات، وشق الصفوف على فرسه، ثم نزل وهبط من على الفرس، ودخل البيت ففتحه، وأتى إلى الجثمان الشريف إلى الوجه الطاهر إلى البدن العامر؛ فكشف الغطاء عن وجه الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم بكى، وقال: [[ما أطيبك حياً، وما أطيبك ميتاً، أما الموتة التي قد كتبت عليك فقد ذقتها، ولكن والله لا تموت بعدها أبداً]] ثم قبله ودموعه تخر من على لحيته إلى جبين محمد عليه الصلاة والسلام، وهو يمسح الدموع، يمسح الدموع بيده ويقبل مكان الدموع، ثم يخرج إلى الناس، وعمر يتكلم وهو هائجٌ كالأسد، قال: اسكت يا عمر! اسكت يا عمر! اسكت يا عمر! فدلف أبو بكر بعصاه، وتوكأ عليها، وقال: [[أيها الناس: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت]] فسقط عمر من على المنبر على وجهه، علم أنه مات! وأتوا بالماء فرشوا عمر على رأسه، فقام ودموعه تنهار على لحيته، ثم أخذ أبو بكر يتحدث، ويقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] ثم دعا بعد ذلك، وذهب بهدوء، وسكت الناس، ورجعت لهم السكينة، وهدأت الضمائر، وأخبرهم أبو بكر أن هناك رباً فوق سبع سماوات لم يمت، وأنه حيٌ قيومٌ، وأنه هو الذي يعُبد، أما الناس فيموتون ويولدون، ويغنون ويفتقرون، ويذهبون ويأتون، ومحمد عليه الصلاة والسلام من هذا البشر الذي كتب الله عليه الموت.

غسله والصلاة عليه ودفنه صلى الله عليه وسلم

غسله والصلاة عليه ودفنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الصحابة: يا أبا بكر! نختار للرسول عليه الصلاة والسلام قبراً في ناحية من نواحي المدينة، قال أبو بكر: لا. سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض} فادفنوه مكانه، فكشفوا الفراش الرخيص، الفراش المتقشف، رفعوا الفراش وحفروا الأرض، وكان الحافر أبو طلحة، ألحد لحداً، فلما عمقوا اللحد سمعت أصوات المساح، وبكاء النساء وراء الحجب، ثم أتوا لتغسيل الجثمان الشريف، فقال النفر منهم علي والعباس: لا ندري هل نجرد الرسول عليه الصلاة والسلام من ثيابه، أو نغسله من فوق الثياب، فألقى الله عليهم النوم فناموا قليلاً وكانوا ستة أو سبعة، فسمعوا قائلاً يقول: اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من فوق ثيابه، فأخذوا يغسلونه ويرشونه بالماء من فوق ثيابه. وعند البيهقي أنه عليه الصلاة والسلام قال وهو في مرض موته: {إذا مت وغسلتموني وكفنتموني فضعوني على شفير القبر ساعة، فانتظروا ساعة، فإن ربي سوف يصلي علي} أي: إذا وضع على شفير القبر، وعلى طرف القبر، فلا يصلون عليه؛ بل ينتظرون ساعة، فإن الرحمن الرحيم الذي على العرش استوى سوف يصلي عليه. أي عظمة! وأي تاريخ! وأي عطاء: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5] هل فوق أن يصلي عليه -عليه الصلاة والسلام- ربه عطاء ? قال: {فإذا انتظرتم ساعة، فانتظروا ساعة أخرى، فإن ملائكة ربي سوف تصلي عليَّ، فإذا انتظرتم هذه الساعة، فصلوا علي زرافات ووحدانا، وليصلِّ عليَّ أحدكم في أي مكان، فإن صلاتكم سوف تبلغني، قالوا: يا رسول الله! كيف تبلغك صلاتنا وقد أرمت؟ -أي: بليت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء} فلما وضعوه على شفير القبر بعد أن كفنوه، وأخذت روائح الطيب تعج وتضج في المدينة من جسمه الشريف، وقفوا ساعة، ثم وقفوا أخرى، ثم تقدموا يصلون بلا إمام على الصحيح من أقوال أهل العلم، أبو بكر معه فرقة، وعمر معه أناس، والنساء والأطفال والأعراب. قال الشوكاني: " صلّى عليه صلى الله عليه وسلم ما يقارب واحداً وثلاثين ألفاً، ودفن عليه الصلاة والسلام ". نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم يا خير من دفنت القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم

ماذا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ماذا بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وذهب ولكنه ما ذهب! أين يذهب وهو يعيش في أبصارنا وأسماعنا، وقلوبنا، وضمائرنا؟! أين يذهب! وقد ترك لنا الحرمين والكتابين والقبلتين والبيعتين والعقبتين؟! أين يذهب، ونحن نصلي فنتذكر قوله: {صلوا كما رأيتموني أصلي}؟! أين يذهب، ونحن نحج فنسمع قوله معنا في كل مكان: {خذوا عني مناسككم}؟! أين يذهب، وهو يعيش معنا في تقليم الأظافر بسنته، وقص الشارب، وإعفاء اللحية، في تقصير الثوب، والخلق، والتعامل، والصدق، والأمانة، والوضوح، والبر، والعطاء، والعفاف، والزهد، والورع فأين يذهب? أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا وأنت لنا التاريخ أنت المحرر تذوب شخوص الناس في كل لحظة وفي كل يوم أنت في القلب تكبر قال الله عَزَّ وَجَلَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].

حقوقه علينا صلى الله عليه وسلم

حقوقه علينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقوقه علينا أربعة: أولاً: أن نكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم. ثانياً: أن نعمل بسنته في كل جزئية من جزئيات الحياة، قال عَزَّ وَجَلَ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء:65]. ثالثاً: أن ننشر دعوته للناس، فنتكلم بها في كل مجلس، وفي كل منتدى. رابعاً: أن نحبه حباً يملك علينا أشواقنا ودموعنا وهمومنا، ويزيل عنا غمومنا، أشد حباً من حب الأقزام للأقزام، والعبيد للأصنام، والعبيد للسادة، أشد مما يحبه الثوريون الخونة لساداتهم الخونة والوطنيون الضائعون لساداتهم الضائعين، شباب الثورة العقيمة، والطليعة الوخيمة، والبعث السقيم، والعلمانية الفاشلة. وأن نحب ذاك أعظم من حب هؤلاء لزعمائهم، زعماء الدمار والعار، والذبح والاستعباد والاستخذا، والهلاك والتبجح، أما ذاك فحقه علينا أن يسري حبه في الدم، في كل ذرة. طه إذا ثار إنشادي فإن أبي حسان أخباره في الشعر أخباري يا صاحب المثل العليا وهل حملت روح الرسالات إلا روح مختار اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الأبرار، واجمعنا بهم في دار الكرامة، اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم إلى ما تحبه وترضاه. اللهم اهدنا سبلنا، ووفقنا لكل خير، اللهم ولي علينا خيارنا! اللهم تقبل منا حجنا وعمرتنا وأعمالنا، وكفر عنا سيئاتنا، اللهم ألحقنا برسولنا في مقعد صدق عند مليك مقتدر، اللهم بلغنا شفاعته، وثبتنا على رسالته، واسقنا من حوضه شربةً لا نظمأ بعدها أبداً، وأرنا وجهه، وأجلسنا بجانبه، وبلِّغنا منازلنا في عليين يا رب العالمين! اللهم رد شباب الإسلام إليك رداً جميلاً! اللهم اجعلهم حملةً للرسالة، حفاظاً للعقيدة، أمناء على المبادئ. اللهم بلغهم ما يريدون من الخير والبر والتقوى، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

العلماء ما لهم وما عليهم

العلماء ما لهم وما عليهم تحدث الشيخ عن فضل العلم والعلماء، وعن حق العلماء على الأمة، وحق الأمة على العلماء، فبين أهمية العلم ورفعته، ومكانة العالم، وطاعة العلماء، وبعض آفات العلم. وفصل القول فيما يجب للعلماء وما يجب عليهم، وذكر أن علماء بني إسرائيل لم يقوموا بالوفاء بهذه الحقوق، وكان من نتائج ذلك التحريف في شريعتهم.

فضل العلم والعلماء

فضل العلم والعلماء الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وحياكم الله يا طلعات الإيمان، ويا أهل الفضل، ويا أهل التوحيد، ويا أهل الحب والطموح. إن حضوركم هذا تأييد للدعوة، ونصرة للإسلام، وحضور تكريم للوافدين إليكم: أصح وأعلى ما سمعناه في الندى من الأثر المعروف منذ قديم أحاديث ترويها السيول عن الحيا عن الغيث عن كف الأمير تميمِ وأشكر إمام هذا المسجد الشيخ عبد الله السميعي، وأشكر جماعة المسجد، وأشكر كل من حضر وسمع وشارك بقلبه مسيرة العودة إلى الله عزوجل. عنوان المحاضرة: العلماء مالهم وما عليهم، وما أتيت هذه الليلة لأسرد عليكم النصوص في فضل العلم والعلماء، فهي معروفة لديكم، لكني أتيتكم في هذه الساعة، وفي هذه الأيام، وفي هذا الوقت الحرج بالذات؛ لكي نقف جميعاً، يقف العلماء في صف، ونقف نحن شباب الصحوة في صف، ونرى ما هي الحقوق التي تلزمنا للعلماء فنؤديها. دينٌ لعينك عندي ما وفيت به يا طالما كذبت عيني عيناكِ ونقف أمام العلماء لنسألهم حقوقنا، نحن لنا حقوق وديون على العلماء، لكن بعد أن نسلمهم حقوقهم؛ نأخذ حقوقنا، ثم ننفصل في مجلس المصالحة، و {البيعان بالخيار ما لم يتفرقا} فإذا تفرقا فقد وجب البيع. عناصر هذه المحاضرة ثلاثة: أولها: فضل العلم والعلماء. الثاني: ما هو حق العلماء على الأمة. الثالث: ما هو حق الأمة على العلماء. أما فضل العلم: فيكفي من ذلك قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: [[كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس من أهله، وكفى بالجهل مذلةً أن يتبرأ منه من هو فيه]]. العلم يدعيه كل إنسان، جهلة يدعون أنهم علماء، لشرف العلم، وقال ابن عبد البر: ومن أحسن الكلام ما قال علي بن أبي طالب: [[قيمة كل امرئٍ ما يحسنه]]؛ فقيمتك المعلومات التي في ذهنك إذا اتقيت الله وعملت بها، وقيمة المرء ليست بجسمه ولا بوزنه ولا بلحمه ولا بشحمه إنما هي بالفضل الذي يحمله، وبالمواثيق التي لله عليه إذا عمل بها. يقول سبحانه وهو يستشهد على ألوهيته: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] والشاهد هنا {َ أُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران:18] قال ابن كثير في تفسيره: وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام، وأيُّ خصوصية أن يجعلهم الله معه ومع ملائكته يشهدون بألوهيته، فلقد ميزهم عن الناس لفضلهم ولمكانتهم. قال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] بعدما ذكر الله الآيات الكونية، والشرعية، وذكر ما للعلماء من منزلة، قال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] ومفهوم المخالفة في الآية: أن غير العلماء لا يخشون الله. ووجد في العلم التجريبي التكنولوجي، والعلم الطبيعي المادي، أن أكثر الناس عودة إلى الإسلام من نبغ في هذا العلم، الذين ألفوا كتاب: الله يتجلى في عصر العلم؛ من العلماء البارزين أسلموا وأعلنوا إسلامهم، وهم جماعة من الأمريكان، وكثير منهم أعلن إسلامه مثل: كريسي موريسون، وأظن أن أليكسيس كارل صاحب كتاب: الإنسان لا يقوم وحده أعلن إسلامه؛ لأنه تعمق في حياة الإنسان.

العالم المثالي

العالم المثالي {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9]. والجواب مسكوت عنه، وتقديره: أنهم لا يستوون، وأن العلماء أفضل، والله يقول: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] لا يفهم الآيات البينات، ولا يعقل مقاصد الأمور ولا تأويل الحوادث إلا أهل العلم. ويقول سبحانه: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49] ثم يقول سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. ولسنا بحاجة يا شباب الصحوة! ويا أبطال التوحيد! ويا حملة الرسالة! لسنا بحاجة إلى أناس يحفظون النصوص، ثم لا يكون لها أثر في واقعهم، وحياتهم، وسلوكهم، وأمتهم، كما سيأتي في العناصر المقبلة إن شاء الله. حاجتنا إلى عالم يمشي قرآناً على الأرض، يقول سبحانه للرسول عليه الصلاة والسلام، وهو في أول الطريق: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] قال البخاري في صحيحه: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، أمة متعلمة. هل العلم في الإسلام إلا فريضة وهل أمة سادت بغير التعلم من الذي فتح منائر العقل؟! من الذي خاطب الضمير بالعلم إلا محمد عليه الصلاة والسلام؟! لما ثار الفرنسيون على الكنيسة عام (1887م)؛ كان سبب ذلك: أن الكنيسة كانت تحارب العلم، كانوا إذا اكتشف مكتشف علماً ذبحوه، أو اخترع مخترع جهازاً؛ قتلوه وشنقوه، وظنوا أن كل دين سوف يحارب العلم حتى الإسلام، ففصلوا بين الإسلام وحياة الناس، وهذا خطأ، والله عزوجل يقول للرسول عليه الصلاة والسلام: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] لم يطالبه بالتزود من شيء إلا من العلم. هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مضارب من أردت وكنزٌ لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنت يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددت وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ والإِيمَان} [القصص:80] يوجد في الساحة علم بلا إيمان، عندنا دكاترة يحملون رسالة الدكتوراه، لكن لا يصلون الفجر في جماعة!! وعندنا دكاترة قطعوا أرحامهم، ودكاترة استهزءوا بالدين، ودكاترة تهجموا على شباب الصحوة والملتزمين، ودكاترة تجرءوا على اقتحام الشريعة!! أين العلم؟!! {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] وقال تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66]. إذا ما لم يزدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا مشيت القهقرى وخبطت عشوى لعمرك لو وصلت لما رجعتا وإذا لم يصل الأستاذ إلى اليقين، كيف يستمر؟ ولذلك يقول الناظم: لعلك يا أستاذ ما زرت أحمدا رسول الهدى المبعوث من خير هاشمِ فوالله لو قد زرته الدهر مرة لما كنت نهباً للقصور القشاعمِ لما انفصل العلم عن الإيمان، صار العلم طاغوتاً يُعبد من دون الله. نشرت جريدة الهدف قبل اجتياح الكويت في افتتاحيتها مقالاً تقول: امرأة فنزولية تلد كلباً، ووجد أنه صحيح، عقموا المرأة بمني كلب!! وهل هذا يجوز في الإسلام؟ إنه حرام بالإجماع!! لكنهم ما سألوا الإيمان، عندهم علم، فاخترعوا وتطورا وتقدموا لكن ما ضبطوه بالإيمان، والله تعالى يشترط في العالم أن يكون مؤمناً: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:56].

غيث الرسالة

غيث الرسالة أيها الفضلاء! يقول عليه الصلاة والسلام، وهو يصف رسالته، ودعوته، كما ثبت ذلك في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث}. أي أسلوب؟! وأي فصاحة؟! وأي إبداع؟! قال: الهدى والعلم، لماذا؟ أليس العلم هدى؟ بلى. أليس الهدى علم؟ بلى. لماذا فصل العلم عن الهدى؟ لأن العلم هو العلم النافع كما قال ابن تيمية، والعمل: هو العمل الصالح. {كمثل الغيث} وقال الغيث لمعنيين: الأول: أن الغيث صافٍ من السماء، ينزل على القلوب. والثاني: أن الغيث فيه غوثٌ للأرواح، فرسالته عليه الصلاة والسلام كالغيث للأرواح. أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ أنا وأنت، وأبي وأبوك، وجدي وجدك، كنا رعاة إبل وغنم، حتى أتى محمدٌ عليه الصلاة والسلام، فقال: استيقظوا فاستيقظنا، وقال: افتحوا الدنيا بلا إله إلا الله فكبرنا وفتحنا بالعلم، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولكن فجر حصائل العقول بمفاتيح العلم، فسرت في غياهب الدياجير تبني بدوراً في سماء الفضل. وفي الصحيح عن معاوية رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} ومفهوم المخالفة، وهو ليس حجة عند الأحناف، لكن مفهوم المخالفة حجة عند الجمهور: أن من لم يرد الله به خيراً لا يفقهه في الدين. أنت الآن تجد العلمانيين عنده شهادة دكتوراه في هندسة التربة، وعنده دكتوراه في مرض الدوسنتاريا في البقر، وعنده دكتوراه في السرطان في الحمير، لكن لا يعرف الوضوء ولا التيمم ولا المسح على الخفين، لماذا؟ لأن الله ما أراد به خيراً، فهو يفقه كل شيء إلا الإسلام، موسوعةٌ في كل شيء إلا في صحيح البخاري وصحيح مسلم والفقه والتفسير؛ لأنه يعلم علماً ظاهراً ولا يعلم علماً باطناً. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر}. يا أيها الإخوة! ما هو ميراثه عليه الصلاة والسلام؟ أين قصوره؟ أين دوره؟ كفاك عن كل قصرٍ شاهق عمد بيتٌ من الطين أو كهفٌ من العلم تبني الفضائل أبراجاً مشيدةً نصب الخيام التي من أروع الخيم إذا ملوك الورى صفوا موائدهم على شهيٍ من الأكلات والأدم صففت مائدة للروح مطعمها عذبٌ من الذكر أو هديٌ من الكلم نقف وهذه الليلة الخالدة نحن والعلماء أمام الله، ثم أمام الناس، ثم أمام البلاد، لنسألهم هل أنقصنا من حقهم شيئاً؟ ونسأل حقنا عندهم؟ ولعل الله أن يؤلف بين الشبيبة والرواد، وبين الرواد والشبيبة ليصلح الحال.

رفعة منزلة العلماء

رفعة منزلة العلماء والعلم من فضله يرفع الفقير، ويعلي المسكين، ويجعل المولى سيداً، فهذا عطاء بن أبي رباح مفتي الدنيا، نادى سليمان بن عبد الملك: لا يفتي في المواسم إلا عطاء بن أبي رباح؛ كان عبداً، أشلَّ، أفطس، ضعيف البنية، هزيلاً، أحنف، لكن حمل علماً! فكان الخلفاء والأمراء يأخذون طريقهم في الدور ليسألوه سؤالاً. وكان ابن أبي الجعد مولىً عند سيده، فأعتقه، وقال له سيده: ما أعتقتك حباً فيك، لكنك لا تحسن تجارة، ولا نساجةً، ولا خشابةً، فعليك بالعلم، قال: فطلبت العلم، فاستأذن عليَّ أمير المدينة أن يزورني بعد سنة فما أذنت له. كان مشغولاً، طرق عليه الباب أن يأذن له، فما أذن له. لماذا رُصِدَ لـ ابن تيمية هذا الرصد العالمي الهائل، فقد ألف فيه أكثر من أربعين كتاباً من الغرب، أما الشرق فمئات الكتب، لماذا رصد له؟ ألمنصبه؟ لا. ليس معه منصب! ما تولى ابن تيمية منصباً أبداً. ألتجارته؟ ما عنده إلا ثوب وكسرة خبز. ألأسرته؟ لا. أسرته لا تستطيع تحميه. لكن للعلم الذي حمله، وللعمل الذي قام به، والإنتاج الهائل الذي قدمه للأمة عليه رضوان الله. تقدم شاعراً فيهم خطيباً ولولاه لما ركبوا وراءه هذه بعض اللمحات. يسجن الإمام أحمد من أجل فتنة القول بخلق القرآن، يأبى ذلك ويرفض فتبقى الأمة في الشوارع وتملأ سكك بغداد. يقول الخليفة للناس: ادخلوا البيوت؟ قالوا: لا ندخل البيوت والإمام أحمد في السجن. قال: أنصتوا؟ قالوا: لا ننصت حتى نسمع أحمد. أخرج المعتصم جيشاً يطوقُ الطرقات، وأعلن حالة استنفار في جيشه الذي حطم به الروم، وهزم به أهل عمورية، وأحرق المدن، يريد أن يطوق هذا الهيجان الإيماني فيأبون، يقولون: نريد أن نسمع كلام أحمد أولاً. يا عباد الله! قالوا: عباد الله حتى نسمع كلام أحمد، فيقول أحمد الكلمة فتخرج الأمة معه، وينتصر الحق، ويثبت المنهج الرباني، ويكون الرصيد العالمي للإمام أحمد أنه رجل عامة، كما سأذكر ذلك إن شاء الله. يقول الشاطبي في الاعتصام: وذلك أن الجميع اتفقوا على اعتبار أهل العلم والاجتهاد سواء ضموا إليهم العوام أم لا. فهم أهل الاجتهاد، وهم أولو الأمر، وهم أهل الريادة والقيادة العلمية، ولا عبرة بغيرهم. وقال ابن تيمية في كتاب الفتاوى (4/ 97): وعيب المنافقين للعلماء -كالعلمانيين- بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قديم، من زمن المنافقين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأما أهل العلم، فكانوا يقولون: هم الأبدال لأنهم أبدال الأنبياء وقائمون مقامهم. وهناك حديثٌ في الأبدال لكني إلى الآن أتتبع طرقه ولم أرَ أنه صحيحٌ ولو أن بعض المحدثين المتأخرين يصححونه، لكن الأبدال هم أبدال الأنبياء الذين يخلفونهم في حمل الرسالة، وحمل العقيدة، وتقديمها للأمة هؤلاء هم الأبدال. وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 9): فقهاء الإسلام ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام، الذين خصوا باستنباط الأحكام، وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام، فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء؛ بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب.

طاعة العلماء

طاعة العلماء أيها الأحباب! هذه مكانة العلماء، أن يطاعوا بأمر الله، إذا قالوا نفذ أمرهم، لكن إذا قالوا عن الكتاب والسنة لا بآرائهم، إذا اتقوا الله، إذا قالوا كلمة الحق، إذا تقدموا وأنكروا المنكر، حينها لزم على الأمة أن تطيعهم في طاعة الله. وقال الشافعي في الرسالة: فإن من أدرك علم أحكام الله تعالى في كتابه نصاً واستدلالاً، ووفقه الله للقول والعمل بما علم منه، فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الريب، ونورت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] متى تكون إماماً؟ بم تنال الإمامة في الدين؟ بالصبر واليقين. من تعلم وعمل فهو الرباني، {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79]. وقال البخاري في الصحيح: باب (انحسار العلم وقلة العلماء) وذكر انقباض العلم، وقال: كيف يقبض العلم؟ وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: [[أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خشيت اندراس العلم، وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً]]. ثم أورد حديث ابن عَمْرو الصحيح: {إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا}. أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

آفات العلم

آفات العلم أيها الإخوة! هذا فضل العلم، ولكن تدخل على العلماء وعلى طلبة العلم آفات وأخطر الآفات ثلاث: الكبر، الرياء، الحسد. عقارب طلبة العلم، وحيات العلماء ثلاث: الكبر، والرياء، والحسد، أعاذنا الله من ذلك. أما الرياء: فقال الرسول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {من راءى راءى الله به، ومن سَمَّعَ سَمَّعّ الله به} {أول من تسعر بهم النار ثلاثة، ومنهم: عالم تعلم العلم ليقال: عالم، وقد قيل، قال: فخذوه إلى النار}. وهذه آفة، لا يدركها إلا الفطناء من المخلصين، وهي خطورة عظيمة تتصدى لطلبة العلم، وتقف لهم بالمرصاد. المسألة الثانية: الكبر. والكبر آفة عظيمة، ومن تكبر على الله وضعه، وحقيقٌ بمن حمل الكبر أن يذله الله عزوجل، وألا يجعل له قبولاً، وإنه مزرٍ مزرٍ ولكن بالعلماء أزرى وأزرى. والعالم إذا تكبر، وقبض جبينه، وتكبر على عباد الله، وارتفع عليهم، انسلخت محبته من القلوب، وذهبت بشاشته وملاحته، وما أحبته الأرواح، وما انقاد له الناس، وأصبح مبغوضاً في أوساطهم، وهذه سنة الله في المتكبرين. يقول أحد الشعراء في المتكبرين: وجوههم من سواد الكبر عابسةٌ كأنما أُوردوا غصباً إلى النار هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بذكرهم ذكروك الواحد الباري قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس عن هذه الآفات، وعن أصحاب الحديث: إن بعضهم يقدح في بعض؛ طلباً للتشفي، ويخرجون ذلك مخرج الجرح والتعديل، الذي استعمله القدماء في هذه الأمة للذب عن شرع الله، والله أعلم بالمقاصد. أكثر غيبتنا الآن في الجرح والتعديل، تغتاب فلاناً فأقول: استغفر الله، فيقول: ليس قصدي أن أغتابه، إنما قصدي أن أخبر الناس به، الحاج موسى وموسى الحاج، أنت ما قصدت إلا غيبته، بل بعض الاستغفار والدعاء غيبة، كما إذا ذكر لك رجل، وقال: ما رأيك في فلان؟ فتقول: استغفر الله. فهل تستغفر من الذنب؟! إنك تطعنه بالخنجر من الاستغفار، وهذا عيب على طريقة الذاكرين. ومنها: الغيبة إذا ذكر لك رجل، قلت: هداه الله، وما قصدك الدعاء لكنك تقصد شيئاً فطلبت الدعاء له، وقد نبه على ذلك شيخ الإسلام في منشور من الفتاوى موجود. وذكر الغزالي في الإحياء: عن الحسن قال: (عقوبة العلماء موت القلب). نعوذ بالله من موت القلب، وموت القلب طلب الدنيا بعمل الآخرة، إظهار التزهد وهو يريد أن يجمع الدنيا، ويستولي على المناصب، ويجمع الدنانير والدراهم، وأن يترك رسالته. عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى ومن يشتري دنياه بالدين أعجب وأعجب من هذين من باع دينه بدنيا سواه فهو من ذين أعجب وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176]. نزلت هذه الآيات في عالم من بني إسرائيل، وهذا قياسٌ يطرد في كل عالم ترك منهج الله، وترك الدعوة إلى الله، وأخلد إلى حطام الدنيا، وكتم علمه، ولم ينكر المنكر، ينسلخ من قداسة العلم، ومن شرعية الكلمة، فللكلمة شرعية. لكن لا يحملها إلا العلماء، شرعية الكلمة، متى يقول، فيسمع له، إذا حمل جلباب العلم، وكأس العلم، وسيف العلم. قال ابن الجوزي في صيد الخاطر (ص:442): (وينضاف إليه مع الجهل بها -أي: بالسنن- حب الرياسة، وإيثار الغلبة في الجدل، فتزيد قسوة القلب): {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا} [المائدة:13]. أيها الفضلاء! ولكن يبقى في بعض الناس رقة، وخير وفضل، ويبقى في أهل العلم بقية؛ هم أهل الصدارة والريادة. قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 174): (وددت لو أن جسمي قرظ بالمقاريظ، وأن الخلق كلهم أطاعوا الله عز وجل). يقول: يا ليت جسمي قطع تقطيعاً وأن الخلق أطاعوا الله! يا ليتني قدمت جسمي فداءً لهذه الأمة وأنهم أطاعوا الله. قال: (فعرض قوله على بعض المتقدمين) فقال: (إن كان أراد بذلك النصيحة للخلق، وإلا فلا أدري، ثم غشي عليه) أغمي عليه من كثرة البكاء، ومن خطورة هذه الكلمة التي تدل على النصيحة وعلى الصدق. وقد قرأت عن الإمام أحمد أنه قال: (يا ليت الله يجعلني فداءً لأمة محمد عليه الصلاة والسلام). يقول: ليتني أفديهم، وبالفعل تقدم الإمام أحمد للسياط، وجلد، وعرض للسيف، ومع ذلك ما تزحزح من أجل رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن أجل أمة الرسول عليه الصلاة والسلام. فتىً كلما فاضت عيون قبيلةٍ دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر تردى ثياب الموت حمراً فما أتى لها الليل إلا وهي من سندس خضر

حق العلماء على الأمة

حق العلماء على الأمة وحقوق العلماء على الأمة أربعة، وإليك التفصيل:

الرد إليهم عند المسألة والتنازع

الرد إليهم عند المسألة والتنازع أما الرد إليهم: فأوجب الله علينا ذلك عند المسألة وعند التنازع، فقال: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]. سمعت شاباً أفتاه بعض العلماء في مسألة في الجهاد، فقال: أنا لا أقبل فتوى هذا العالم. قلت: لماذا؟ قال: لأنه لا يقبل فتوى القاعدين في شأن الجهاد، وإنما يقبل فيها فتوى المجاهدين. قلت: يا أخي! ولماذا؟ قال: لأن هذا العالم يفتي وهو تحت المكيف، والمجاهدون يفتون وهم في الجبهة، فأنا أطلب فتوى المجاهد؛ لأنه في الجبهة، وأما فتاوى العالم القاعد تحت المكيف فأنا لا أطلب فتواه. قلت: إن العلم لا يأتي بالمكيفات وغيرها، والفتوى ليست لقاعد ولا لمجاهد، الفتوى أوصلها الله وأسندها لأهل الذكر، وأهل الذكر إن كانوا في الجبهة سألناهم، وإن كانوا تحت المكيف سألناهم، والمكيف حلال بالإجماع وليس بحرام، والمكيف لا يدخل إلى تكييف العالم فيلغي علمه ونصوصه وإنما يبقى المكيف في الجدار، ويبقى قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، في رأس العالم {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] إما مجاهد أو غير مجاهد، قاعد أو غير قاعد، فلا علاقة لهذا بالفتوى، وإنما: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]. فإذا أشكلت عليكم المسائل فعودوا إلى كبار العلماء، إلى طلبة العلم الأجلاء، إلى الدعاة الناصحين، إذا استطاعوا أن يفتوكم في ذلك، وإلا فمن هو أعلم وأعلم {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:76]. يقول سبحانه: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83]. من الذين يستنبطونه؟ إنهم العلماء، لأنك تأتي بنص لعامي وعالم، فالعالم يدرك من جلالة ومقصد النص ما لا يدركه العامي: وإن تَفُقِ الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال يقول المتنبي لـ سيف الدولة: (إذا كنت ذكياً وأنت من البشر، فإن المسك من دم الغزال، لكن ريحه مسك، يباع القليل من المسك بقناطير الذهب، ولكن كيلوات الدماء من دم الغزال لا يباع بدرهم). وإن تَفُقِ الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال إذاًَ كيف نرد إليهم؟ إذا أشكلت علينا مشكلة، أو أتتنا أزمة، أو ألمَّ بنا حادث، هرعنا إلى العلماء، وقلنا: يا علماء الإسلام! يا أهل الحل والعقد! يا نجوم الأمة! هذه مسألة معضلة، أفتونا مأجورين فيها، فإنا نطلب فتواكم، فهذا واجبنا أن نرد إليهم. ولقد رأيت بعض الناس يقول: أصبحت الثقة غير متبادلة، وعلينا أن نفتي أنفسنا الآن؛ لأن الموقف يتطلب شجاعة وحماساً، ولا يتطلب أن نعود إلى هؤلاء، لماذا؟ وهل الفتوى بالحماس والشجاعة؟! أو بكبر الجسم والعضلات؟! إنما الفتوى بالعلم، وكان الصحابة يتدافعون الفتيا خوفاً من الله، وفي أثر مرسل لا يصح مرفوعاً فيما أعلم: [[أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار]]. يقول أحد التابعين لبعض طلبة التابعين: [[والذي نفسي بيده إنكم تفتون في مسائل لو عرضت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر]] لكن ما بالك إذا كان الشاب في الخامسة عشر من عمره، يتربع، يناقش هيئة كبار العلماء في أكبر المسائل، ويقول: خالفوا الأدلة، الذي ظهرت لي بعد طول تأمّل. كم عمرك حتى طال التأمل؟! ومن أنت حين تقول: الذي ظهر لي بعد طول تأمل، والذي عليه ترجيحي وترجيح أصحابي، أن هذه المسألة كيت وكيت؟! فالواجب الاحترام، وأهل العلم لهم تجربة، ولهم عقل، ولهم قدم، وسوف أبرر لماذا يكون لهم عقل وعلم، ثم نطالبهم بحقنا عليهم؟ لأن لنا عليهم حقوقاً.

حماية أعراضهم

حماية أعراضهم اعلموا -رحمكم الله- أن لحوم العلماء مسمومة، وأن عادة الله فيمن تَنَقَّصَهم معلومة، وأن أسوار من استهزأ بهم مهدومة. هذه كلمة قالها ابن عساكر. فمن تَنَقَّص العلماء، وتعرض لهم: أذله الله، وأخزاه، وقمعه، وأنزل به كارثة أو نازلة، وهذا أمر معلوم. بل التعرض للعلماء تعرض للإسلام مباشرة، وانتهاك قداسة العلماء انتهاك لقداسة الإسلام. فحذارِ حذارِ! وإنما أنبه غيركم وأما أنتم فإنكم -إن شاء الله- لديكم من العلم والتقوى، والورع والوعي، ما تدركون ذلك، لكن إياك أعني واسمعي يا جارة. يقول بعض المفسرين في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد:41]. قالوا: موت العلماء، أورده الشوكاني وغيره، موت العلماء نقصان الأرض من أطرافها، وموت عالم ثلمةٌ في الإسلام، وموت العالم زلزال في الأمة، وموت العالم جرح لا يندمل إلا بعالم آخر، وكانت الأمة إذا مات عالمها، بكوا كثيراً وحزنوا، وسألوا الله أن يبدله بمثله أو بخير منه. ومعلوم أيها الإخوة! أنَّا عرفنا من الأشخاص من كان مذهبه التنقص في العلماء، فأصابه الله بخيبة، ولم يجعل له قبولاً، وصار عرضه منتهكاً عند شباب الإسلام، ولم يحفظ الله عليه عورته؛ لأنه لم يحفظ حرمة العلماء.

عذر العلماء إذا أخطئوا

عذر العلماء إذا أخطئوا الثالث من حقوق العلماء على الأمة عذرهم إن أخطئوا في اجتهادهم. أولاً أيها الأحباب! ليس العلماء معصومين، لأنه من عقيدة أهل السنة ليس معصوماً إلا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، أما العالم فليس معصوماً، قد يخطئ وقد يذنب، تجوز عليه الكبائر في الجملة، ولكن قد يتوب منها، وقد يأتي بمسألة يظنها صحيحة وهي خطأ، ويأتي بوجهة نظر وهي متردية لا تساوي شيئاً، لكن لا تسقط عدالته ولا تذهب كلمته. يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح كما ورد عن عمرو بن العاص: {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد} فإذا اجتهد وبحث عن الأدلة، رأى دليلين في موطن التعارض، رأى من عمومات النصوص، وحاول أن يجتهد، لكنه أخطأ، فله أجر واحد لأنه أخطأ، وإن أصاب فله أجران؛ أجر الاجتهاد وأجر الصواب. ولـ ابن تيمية رسالة بديعة اسمها: رفع الملام عن الأئمة الأعلام وقد عذر اختلاف أهل العلم في مسائل الفروع التي يختلف فيها، وفيها يجري الاجتهاد. ومن أعذارهم: أولاً: أن الدليل قد يبلغ هذا العالِم ولا يبلغ العالِم الآخر؛ فقد يكون وصلك الدليل لكن لم يصلني أنا، مثل: تحريك الإصبع، فأنا -مثلاً- لا أحرك إصبعي في الصلاة وأنت تحركها، فتسألني: لماذا لا تحرك إصبعك؟ أقول: ما وصلني الدليل، فهذا تَعَذَّر عليه، ولك أجر واحد أنك اجتهدت بحسب ما وجدت، ولا تبطل صلاتك، وتبقى المسائل الفرعية مختلفٌ فيها. ثانياً: أن يكون الدليل عندك ثابتٌ وعندي منسوخ. تقول: هذا الحديث لماذا لا تعمل به؟ أقول: منسوخ. فلا تحمل عليَّ، ولا تشنع ولا تغضب عليَّ، فقد اجتهدت فأخطأت. وثالثاً: أنه قد يكون عندك الحديث صحيحٌ، وعندي ضعيف؛ والتصحيح والتضعيف -يا أيها الفضلاء- أمرٌ اجتهادي، لك أن تصحح الحديث ولي أن أضعفه بطرقي الخاصة، ولذلك تجد حديثاً يصححه ابن حجر ويضعفه -مثلاً- من بعده كـ السخاوي -مثلاً- أو الألباني، ويصحح ابن تيمية حديثاً ويضعفه ابن القيم، فلا حرج والمسألة فيها سعة، إنما الصدق، والنصيحة، والإخلاص، والجد في طلب الدليل. ورابعاً: أنك قد تفهم من الدليل ما لا أفهم أنا، مثل قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141] فهم الأحناف من هذه الآية: أنها تدخل فيها الثمار والحبوب والخضروات، فقالوا: في الخضروات زكاة، حتى الجرجير عند الأحناف فيه زكاة، والخس والبقدونس. وقال الجمهور: لا. وإنما فيما يحصد فقط؛ لأن الله يقول: {يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141] والجرجير والخس والبقدونس لا تحصد. فماذا نفعل؟! هل نضلل الأحناف؟ لا. بل نقول: اجتهدوا فربما أخطئوا ولهم أجر واحد، والجمهور لهم أجران، وهكذا المسائل، ومن عَبَدَ الله على مذهب أبي حنيفة نجا بإذن الله، أو على مذهب مالك، أو على مذهب أحمد، أو على مذهب الشافعي، شريطة أن يبحث طالب العلم عن الدليل في أي مذهبٍ كان، ويعمل به، ويتمسك بدليل عن المعصوم، ولا يسعه إلا ذاك.

ربط الشباب بالعلماء

ربط الشباب بالعلماء الرابع: من حقوق العلماء على الأمة: ربط الشباب بهم. فالفوضى لا تصلح، فوضى بدون قيادة فكرية علمية لا تصلح، كلٌ يخطب، وكلٌ يعمل، وكلٌ يوجه، وكلٌ يتحمس، لا. لا بد من علماء للمسيرة: لا يصلح القوم فوضى لا سراةَ لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا والبيت لا يبتنى إلا بأعمدةٍ ولا عماد إذا لم تُرس أوتاد الأوتاد: العلماء، نراجعهم، وللخطيب أن يعود إلى العالم قبل صلاة الجمعة، فيقول: أترى أن أخطب في هذا الموضوع؟ أترى أن أثير هذه المسألة؟ أترى أن أورد هذا الكلام؟ يسأله لأنه أكبر منه وأعلم وأفضل، وقد يمنحك الله بركةً على لسانه، ويجري حقاً على فمه، فيكون لك الحق فتعمل به وهكذا. وإذا وسد الأمر إلى غير أهله، إذا تقلد الأمور العلمية أناسٌ جهلة، وقادوا الأمة إلى مهاوٍ ومزالق، وهم جهلة، وقد سبق معنا: {فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا} والله المستعان!. نطالب أهل الفضل، وأهل العلم، وأهل السنة، أن يتقدموا المسيرة، ولا يتركوا الميدان للجهلاء السفهاء، من سفهة البغاة العلمانيين: عذرت البدن إن هي قارعتني فما بالي وبال ابن اللبون هذا البيت لـ جرير، ومعناه يقول: أنا أعذر أن يصارعني الجمل الهائج أما ابن اللبون، ابن سنة فلا أستطيع له، أنا لا أبارزه، وهذا أمر معلوم في الفِطَر والأحوال.

حق الأمة على العلماء

حق الأمة على العلماء وصلنا الآن إلى حقوقنا على العلماء، وأنا أقدمها هذه الليلة إلى العلماء حفظهم الله ورعاهم بصفتي من إخواني ومن زملائي المجتمعين في هذا الجمع الحافل، أرفعها بالدعاء والثناء والسلام والتحية إلى أصحاب الفضيلة علماء الأمة نطالبهم بها، علَّ الله أن يحفظهم ويرعاهم للأمة رواد خير وفضل. أطالبهم بأربعة مطالب، وهي متحققة إن شاء الله في الكثير أو بعضها: الأول: عدم الكتمان، نطالبهم ألا يكتموا الحق. الثاني: ألا يقولوا على الله إلا الحق، لا يأتي أحد بافتراء على الله، لا يحكم بغير حكم الله، لا يأتوا بحكم ويقولون: هو من عند الله وما هو من عند الله. الثالث: أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر. الرابع: أن ينزلوا إلى الناس ويكونوا علماء عامه مع الأمة، في أوساط الأمة، في مجالس الأمة، في مساجد الأمة، يقودون الشبيبة، ويوجهون الأمة إلى مرضاة الله.

عدم كتمان العلم

عدم كتمان العلم أما عدم الكتمان: فهو مطلب أساسي، والكتمان مصيبة، وكبيرة من الكبائر، نعوذ بالله من ذلك، فكتمان الحق جبن، وكتمان الحق انهزام في الشخصية، وكتمان الحق فشل، وعندما تصبح هذه الظاهرة عند العالِم تنتهي الأمة فلا تصدقه، ولا تثق به، ولا تنضوي تحت لوائه، ولا تذهب معه، ولا تشيد به، وتصبح الأمة بعيدة كل البعد عنه، كيف يكتم وعنده جوهر، وعنده وثيقة، وعنده نصوص في صدره؟! يقول الله محذراً من الكتمان: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160]. ما هي بركة العلم؟ لماذا الكتمان؟! ولماذا الخوف؟! {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب:39] أي: يبلغون ما أنزل الله من الكلام رضي من رضي وسخط من سخط، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط، نحن لا نداري الناس بالعلم الذي نحمله، ولا نترضى أمزجة الناس، ولا نسترضي الناس بسخط الله، فإن عند ابن حبان مرفوعاً: {من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضى عليه الناس}. وهذه سنة الله، والعالم يوم يرضي الله ولو سخط الناس، لكن سترضى عنه الأمة، ويرضى عنه الناس جميعاً. يقول سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187]. والكتمان يعني: التغطية، إغلاق المعلومات في قدر من الضغط ثم القفل عليها، ففي وقت الحاجة تضطرب الأمة، فعندما تريد منه رأياً، وحكماً، يكتم ويسكت، تسأله: تكلم؟ أفتنا؟ قال: الحكمة الحكمة، إنها حكمة مدفونة، حكمة ميتة، نريد حكمة حية، لا نريد حكمة لم يفهمها أبو بكر، ولا عمر، ولا ابن تيمية، ولا العز بن عبد السلام، الحكمة: وضع الشيء في موضعه، وليس معناها: الموت! أو إماتة الحق! لا، هذه ليست مرادفة. يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجامٍ من نار}. علم أن الأمة تحتاج إلى مسألة، إلى مقولة، إلى خطبة، ولكنه كتم! يسألونه فيحوص من هنا ومن هنا، يأتي من فوق ومن تحت ومن يمين ومن شمال حتى لا يصل إلى المقصود كتماناً، هذا هو الخور، والأمة ليست بحاجة إلى هذا الصنف أبداً، ولا تجد الأمة لهم مكاناً في صفوفها، ولا استعداداً لتقبل كلام هذا الصنف، وقد أثبت التاريخ ذلك. والكتمان أصيب به بنو إسرائيل، قال سبحانه: {وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:37]. قيل: أهل العلم، عندهم رسائل وعندهم آيات وأحاديث ولكنهم كتموها، وما أعطوها الأمة حتى وجد من بعض العلماء من يبخل على الشباب بدرس أو محاضرة، وكأنه ينفق عليك من جيبه ومن لحمه ودمه، وإذا ألقى كلاماً قطر بالقطارة عليك، كأنه يعد عليك الكلام عداً، هذا بخل بالعلم، والبخل بالعلم حرام.

قول الحق ولو كان مرا

قول الحق ولو كان مراً المسألة الثانية: ألا يقولوا على الله إلا الحق. {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [الأعراف:169] أما أخذنا عليهم الميثاق ألا يخافوا في الله لومة لائم؟! ألم يؤخذ عليهم أن يقولوا كلمة الحق صريحةً هادئةً حكيمةً تصل القلوب؟! الكلمة قوية، أقوى من شعاع الشمس، وأقوى من الذرة، والأمة تحتاج إلى كلمة العالم، يقولها في وقتها وفي مكانها، حينها يشكره الله، ويثيبه الله، ويرفع منزلته، وهذا واجب طلبة العلم، والدعاة، والأخيار، أن يقولوا كلمة الحق، لكن {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] بهدوء، وبصدق، وبإخلاص، ولا يكتم على الأمة كلمات الحق، ولا يخرس ألسنتهم، ولا يعكفوا في بيوتهم، لكن يصلوا إلى الحق بحكمة وهدوء وانضباط واتزان ليبلغوا دين الله، وينصروا هدفهم الذي هو إعلاء {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. أما أن يقول العلماني كلمته، ويبرز علينا من الشاشة، ويتكلم من الصحف والمجلات، ويستهزئ بالخيرين، ويكون جريئاً متحدياً، وإذا قلنا له: لا، قالوا: عليكم بالحكمة: إذا عير الطائي بالبخل مادرٌ وعير قساً بالفهاهة باقل وقال السهى للشمس أنت كسيفة وقال الدجى للبدر وجهك حائل فيا موت زر إن الحياة ذميمةٌ ويا نفس جدي إن دهرك هازل قُلْ كلمة الحق، ولو ذهب رأسك في كلمة الحق، لماذا أتباع برجنيف تسحق جماجمهم تحت الدبابات في أفغانستان؟! لماذا أذناب شامير -إسرائيل- في سيناء تشدخ رءوسهم تحت المجنزرات، يريدون أن يثبتوا عقيدتهم وعقيدتنا التوحيد، لكن بلا طيش، ولا تهور، ولا عجلة، لكن حمل الواثق الذي يحمل مبادءه، ويؤديها في رسوخ، وفي ثقة، وفي حكمة، ويطالب بحقه الإسلامي الشرعي الذي فرضه الله. أنا وأنت لو اعتدي على منزلنا وعلى أرضيتنا وسيارتنا، ما رضينا، نذابح أنا وأنت، ونقاتل، لكن الإسلام يُنْتَهَك، والمنكرات تفشو، والحدود تُنْتَهَك، ومع ذلك نفسي نفسي، لكن الله تعالى يقول: {أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [الأعراف:169] والله تعالى يقول للعلماء وللدعاة ولطلبة العلم: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116] لا تحللوا المحرم، ولا تحرموا المحلل. وعجبت لكاتبٍ أديبٍ من هذه البلاد في الشرق الأوسط، جعل نفسه مفتياً، وهذا هو العجب العجاب، وأظنه لا يحفظ حديثاً من صحيح البخاري أو صحيح مسلم. وأتحداه أن يحفظ حديثاً ويخرجه لنا، أو يحفظ مسألةً فقهيةً وينسبها إلى كتاب من كتب أهل العلم، وأتى يقرر علينا في عين العاصفة قضية القضايا وبقية القضايا، ويناقشنا في مسائل هي لهيئة كبار العلماء وليست له: ويُقْضَى الأمر حين تغيب تيمٌ ولا يُسْتَشْهَدون وهم شهود أنت لست هناك، تفرض على الأمة، أنت لست أميناً، وليس لك مكان فقه على الأمة، طهر كيانك أولاً. وقرأت له أيضاً مقابلة نشرت في مجلة الدعوة قبل ثمان سنوات، يقول: ما رأينا النور في الجزيرة العربية منذ ثلاثة آلاف سنة، وعرضت فتواه على بعض العلماء، فقال: إن كان اعتقد ما يقول فقد ارتد عن الإسلام، وأقول له: أنت ما رأيت النور منذ ثلاثة آلاف سنة، فنقول: صدقت أما أنت فما رأيت النور، لكن نحن عشنا النور، وشربنا النور، ومشينا في النور، {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35] {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]: أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أَينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه فكيف يكون هؤلاء متكلمون بلسان الأمة، ومتحدثون عن شريعة الأمة؟! يفاوض على مسائل ليست له، هي لـ ابن تيمية، ابن باز وابن عثيمين ولأمثالهم من هيئة كبار العلماء والفضلاء أما له فلا، لا نقبل. عليه أولاً: أن يتوضأ ويصلي معنا! عليه أولاً: أن يتوب، ويعلن إسلامه، ويتخلى عن الرجس والوثنية، ثم يتكلم لنا في المعتقد والشريعة. قال سبحانه: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً} [النساء:50]. انظر كيف يكذبون على الله، يقولون: حلال وحرام؟! رأيت في مجلة وهو موجود في شريط: (الفتاة السعودية والعلمانيون) توثيق هذا الكلام موجود، رأيت مفتياً أتوا به على حد قول جمال: عاوز مفتي بفرخة!! ماذا يقول جمال: أطلب من المصريين أن يعطوني مفتياً وأعطيه فرخة، إذا أردت مفتياً يفتيني في مسألة أعطيته دجاجة ويفتيني فتوى على الكيف!! ولذلك وجد من يفتي بفرخة، ووجد قرَّاء بفرخة، اففتح جمال ذات مرة مشروعاً في أسوان فأتوا بقارئ قالوا: اقرأ سورة فيها ذكر جمال، فتأمل هذا القارئ واستعرض القرآن، فوجد لفظة (جمال) في سورة النحل، يقول فيها: {لَكُم فِيهَاَ جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل:6] والله يذكر الإبل والبغال والخيل والحمير، ولا يذكر جمالاً، فأتى المقرئ فقال: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل:6] فالتفت جمال، وقال: يفتح عليك. اكتشف لفظ (جمال) في القرآن، هذه قراءة بفرخة!!. فهذا المفتي في إحدى المجلات النسائية قيل له: أتزور المرأة المقبرة؟ قال: نعم، يجوز لها أن تزور بمحرم. ما شاء الله! هم في المسارح لا يشترطون المحرم، والسفر إلى بنكوك وباريس لا يشترطون أن تزور المرأة بمحرم، وتسافر في المطارات بلا محرم، لكن عند المقبرة بمحرم حتى لا يخرج عليها الموتى، هذه فتوى بفرخة، فتوى على الكيف. {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النساء:50]. انظر كيف يدجلون على الأمة؟ يضحكون على لحانا؟!!، هل أصبحت الأمة بقراً؟! ما أصبح في الأمة مثقفون يفهمون الحرام والحلال!! حتى طالب ابتدائي يعرف أن بعض المسائل التي يفتيها بعض الناس خطأ، ولكن علماؤنا -إن شاء الله- منزهون عن ذلك، وهم بمنزلةٍ عاليةٍ رفيعة. نسأل الله أن يثبتهم وأن يزيدهم توفيقاً لقول الحق لا يخشون في الله لومة لائم.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبنا عليهم وواجب الأمة أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، العالم إذا نزل ليغير المنكر نزلت الأمة معه، كان ابن تيمية يدرس بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ثم ينزل بالعصا والمقص، عنده مقص في جيبه، فينزل في الأسواق أما العصا فيقيم بها الحدود والتعزير، وأما المقص فيأتي إلى من أطال شعره على مذهب البطائحية فيقص شاربه، ويقص جمام الناس التي تخالف السنة، لأنها فرقة خالفت السنة وأصبح لهم شعار خاص، ثم يقف إلى الموازيين والمكاييل يغيرها، وإلى أصحاب الفاكهة، ويسلم على الباعة ويَعِظُهم، ويأمر من أسبل إزاره بتقصير إزاره في السوق. فإنك شمسٌ والملوك كواكبٌ إذا طلعت لم يَبْدُ منهن كوكبُ يقود ابن تيمية الأمة في أحلك الظروف، أتى التتار، فأتى إلى السلطان وقال له: اخرج قاتل الكفار؟ قال السلطان: هؤلاء التتار يغلبونا، قال: لا. قاتلهم بالسياط الشرعية، والسيوف المحمدية، وأنا معك، فوالله لننتصرن، قال السلطان: قل: إن شاء الله، قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً! قال: أخاف أن أهزم؟ قال: إما أن تقاتل وإلا قطعنا عنك البيعة، ولا بيعة لك بعد اليوم، ومعنى ذلك: أن ابن تيمية إذا قال: لا بيعة، انتهت المسألة، انتهت الدنيا! فنزل السلطان وقاتل مع الناس، ونصر الله المسلمين {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45]. يقول سبحانه عن العلماء وطلبة العلم: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63]. يقول: أين العلماء؟ أين طلبة العلم؟ أين الدعاة؟ لماذا لا ينهوا هؤلاء السفهاء الذين قست البلاد وقحطت بسبب ذنوبهم وأخطائهم وتعدياتهم؟ أين طلبة العلم؟ أين شباب الصحوة؟ {لَوْلا يَنْهَاهُمُ} [المائدة:63] أي: هلَّا {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63] قال بعض المفسرين: لبئس ما كان يصنع الربانيون من العلماء بتركهم النهي عن المنكر والأمر بالمعروف. وقال آخرون: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63] الذين يقولون الإثم، ويأكلون السحت، وكلا المعنيين صحيح. وقال سبحانه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104] كلمة الحق ثقيلة لكن تحتاج إلى رجال، وعند ابن حبان عن أبي ذر وهو حديث صحيح، قال عليه الصلاة والسلام: {قل الحق ولو كان مراً}. الحق مثل العلقم، الحق فيه تقديم الرءوس؛ لكن قل الحق ولو كان مراً. {أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، وسيد الشهداء: حمزة -عم الرسول عليه الصلاة والسلام- ورجل قال كلمة حق عند سلطان فقتله} هذا سيد الشهداء. والأمة تحتاج إلى كلمة حق هادئة، بكلامٍ لين، تصل كلمة الحق ليكون فيها خير للأمة وللعباد وللبلاد ولولاة الأمر. ذكر الذهبي عن ابن أبي ذئب؛ العالم الكبير قرين الإمام مالك، وكان محدث المدينة، جلس في المسجد، فدخل المهدي الخليفة العباسي، فقام الناس له إلا ابن أبي ذئب لم يقم، ولم يتزحزح من مكانه: أنا صخرة الوادي إذا ما زوحمت وإذا نطقت فإنني الجوزاء قال المهدي: يا ابن أبي ذئب! قام الناس لي ولم تقم أنت؟ قال: أردت أن أقوم لك فذكرت قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فتركت القيام لذاك اليوم. قال المهدي: اجلس! والله ما بقيت شعرةٌ في رأسي إلا قامت. كلام يقيم الميت، يحيي العظام بإذن الله. أتى ابن أبي ذئب إلى أبي جعفر قبل المهدي، قال أبو جعفر: أسألك بالله يا ابن أبي ذئب هل أنا خيرٌ أم الحسن بن الحسن؟ لأن الحسن هذا يجادله، ويقاتل على الخلافة، من أولاد علي بن أبي طالب قال: اعفني يا أمير المؤمنين! قال: عزمت عليك. قال: ورب هذا البيت إنك ظالم. خذها أو اتركها -يقول: ظلمت الأمة، لا أقول لك: عادل وأنت ظالم- ثم ذهب. فكان الإمام أحمد يمجد ابن أبي ذئب كثيراً، ويدعو له. وأتى النابلسي فقال لتلاميذه: من كان عنده عشرة أسهم فليرمِ النصارى بسهمٍ، ويرمي الفاطميين بتسعة؛ وهم حُكَّامُه في القاهرة، لكنهم كانوا ملاحدة زنادقة. قال: ويرمي الفاطميين بتسعة أسهم، فسمع السلطان فاستدعاه، وقال: يا نابلسي! سمعنا عنك فتيا خطيرة. قال: ما هي؟ قال: سمعنا أنك تقول: من كان عنده عشرة أسهم فيرمينا بسهمٍ ويرمي النصارى بتسعة. قال: الفتيا خطأ. قال: ما هي؟ قال: يرميكم بتسعة ويرمي النصارى بسهم، فذبحه ذبحة ما ذُبِحَ بها أحد من الناس. وطلعات العز بن عبد السلام يأتي إلى السلطان يأمره وينهاه، فيرفض السلطان، فيخرج العز بن عبد السلام على حمار، فتخرج الأمة وراءه من القاهرة ويقولون للسلطان: والله لا نبقى في القاهرة ولنخرجن مع العز بن عبد السلام حتى تعيده، فيخرج السلطان وراء العز بن عبد السلام يطلب منه أن يعود ويترجاه، فقال: لا أعود حتى تنفذ الشروط: منها: أننا متى أردنا أن نبيعكم بعناكم وسلمنا ثمنكم لبيت المال؛ لأنهم موالي قطز، وقرابته موالي يباعون ويشترون في العهد الأول، وحرج بهم في السوق مرتين، يقول: من يشتري قطز؛ قطز صاحب عين جالوت؛ البطل، الشهم، الشجاع، الذي لما حضر المعركة، واحتدت السيوف، وبدأت الرماح تخطف الرءوس أخذ خوذته ووضعها تحت قدمه، وقال: وإسلاماه وإسلاماه وإسلاماه! فسمعته الأمة فثبتت ونصرهم الله، وهو بطل، مع ذلك غضب عليه العز؛ لأنه أراد أن يتخلف عن الجهاد، فقال: إما أن تجاهد أو أبيعك وأسلم ثمنك لبيت المال، فجاهد. ويقولون: طرق عليه السلطان يريد ذبحه، فخرج مسرعاً، وقال: اللهم ارزقني الشهادة، ولكن يقول لابنه عبد اللطيف: أبوك أهون على الله من أن يرزقه الشهادة، يقول: ربما كنت مذنباً فلا يمنحني هذا الشرف العظيم والوسام الرفيع. ودخل الأوزاعي على عبد الله بن علي عم أبي جعفر المنصور، وكان سيف ذاك مسلطاً، والسيوف على رأسه، فقال للأوزاعي: ما رأيك في الدماء التي سفكناها؟ قال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة} قال الأوزاعي: فرأيت وزراءه -يعني: وزراء عبد الله بن علي - ضموا ثيابهم خوفاً من دمي أن يرش ثيابهم، فثبت. وسأله عن الأموال؟ قال: إن كانت حلالاً فحساب، وإن كانت حراماً فعقاب. قال: اخرج، فخرج وأنجاه الله. قالوا للأوزاعي: كيف استطعت أن تتحدث؟ قال: والله ما دخلت عليه إلا تصورت عرش الرحمن بارزاً يوم القيامة، فصغر في عيني كأنه الذباب. ودخل ابن السماك على أبي جعفر فجلس عنده؛ ابن السماك العالم، الداعية، الواعظ، فأتى الذباب يطير على أنف أبي جعفر المنصور الخليفة، فَيُطَيِّر الذباب فيعود على أنفه، فيطيره فيعود على أنفه، قال أبو جعفر يا ابن السماك! -يريد أن يهينه أمام الناس- لماذا خُلق الذباب؟ يعني: ما هو السر في خلق الله للذباب؟ قال: ليذل به أنوف الطغاة. والنماذج تستمر، والأمة في حشد هائل تتحرى من أهل العلم أن ينهوا عن المنكر ويأمروا بالمعروف كما أمرهم الله.

على العلماء أن يكونوا علماء عامة

على العلماء أن يكونوا علماء عامة الرابع: أن ينزلوا للناس، ويكونوا علماء عامة، علماء السلف علماء عامة، لا يعرف السلف عالماً في برجٍ عالٍ، تلقى الإمام أحمد في الطريق، وعلى الرصيف، وفي المسجد، وتطرق بيته فيفتح لك، ويفرش لك الفراش، ويجلس معك، ويقدم لك الماء، العالم مع الأمة في ضمائر وقلوب الأمة يعيش، بخلاف المفكرين العصريين؛ لأنهم أتونا بمسألة قالوا: لا بد من العزلة الشعورية، ولا بد أن تربي نفسك أولاً، ثم تأتي إلى الناس في لقاءات خاصة، على مذهب كانت وديكارت. لكن علماء السنة علماء عامة، أبو بكر تجده في السوق يبيع ويشتري ويفتي، وعمر وعثمان وعلي وابن تيمية. ابن تيمية أين وقته؟ دائماً مع الناس، ينام معهم، ويصحو معهم، ويعلمهم، ويلقنهم، ويفتيهم، ومع العامة، لأنه وجد بعض الناس يدندن بالتهويل من شأن المواعظ للعامة. وهل الأمة إلا عامة؟! وهل ثلاثة أرباع الأمة إلا عامة؟! وهل القاعدة الشعبية إلا عامة؟! تجلس معهم، تعلمهم الفاتحة، وأمور الدين، ومسلمات العقيدة. نحن لا نحتاج إلى علم سيبويه في (حتى) يقولون: حضرته الوفاة، قال: أموت وفي نفسي شيء من (حتى) رحم الله سيبويه نفع بالنحو، لكن دقائق المسائل، وهذه الحتحتة، لا نريدها الآن، نريد العلم المؤصل المشهور، أن يعرض على الناس مبسطاً سهلاً، أما في المسألة أربعة عشر قولاً، قال ابن أبي ذئب، وقال مالك، وقال ابن تيمية، وقال الروياني، وقال الشافعي، والراجح، فالتفريع لطلبة العلم، لكن الناس يحتاجون إلى علم سهل مبسط، ويحتاجون إلى عالم يجلس معهم، ويقودهم، وإن التقصير الذي نلحظه من بعض العلماء أنهم ما نزلوا إلى الشباب. فيا أيها العلماء! لا تلوموا الشباب إذا أخطئوا في تصرف، أو هاجوا، أو ماجوا، أو تحمسوا؛ لأنكم أنتم المسئولون في عدم ضبط وتعليم وقيادة الشباب. ويا أيها العلماء! لا تصفوا الشباب بالتهور، ولا بالتطرف، ولا بالطيش، ولا بالعجلة؛ لأنكم أنتم أو بعضكم الذين لم تجلسوا للشباب في مجالس طويلة تتحدثون إليهم، وتربونهم، وتمسكون من جأشهم، وتربطون على قلوبهم، وتحبسون أعصابهم. شباب الصحوة لا يقتنعون إلا بعلماء ودعاة، ومهما أتيت إليهم بالدساتير فلا يمكن أن يقفوا؛ لأنهم مقتنعون بآراء. لكن يوم تسمع العالم يحاورهم، ويلقنهم، ويثبت أمامهم؛ حينها يشكرون له، ويهدأون وينضبطون ويسلكون معه. فمطالبتنا الجادة: أن نتصل نحن ونتقدم إلى العلماء. يقول أحد العلماء العصريين: إذا تقدم العلماء خطوة فعلى الشباب أن يتقدموا إليهم عشر خطوات، وهذا صحيح، علينا ألا ننتظر من العلماء أن يزورونا في بيوتنا، ويطرقون علينا الباب، إنما نحن نأتيهم، ونُقَبِّل رءوسهم، ونتواضع لهم، ولا نسميهم زنادقة، نعوذ بالله! بعضهم سمعته -نعوذ بالله- يقول في بعض العلماء، يظن أنهم أخطئوا في فتوى، وقال: هؤلاء عملاء، ما معنى عملاء؟ تقول للعلماء ورثة الأنبياء: عملاء، وبعضهم يسميهم: مرتزقة، وهذا خطأ، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5]. هم نجوم الأرض، لكن نطرق أبوابهم، لا يطرقون هم أبوابنا، وننتظرهم نحن في الشمس ولا ينتظرونا هم، ونقف نسلم عليهم، ونأخذ بألبابهم، ونبجلهم، وندعو لهم، ولكن عليهم -أيضاً- أن يقفوا لنا، ويفتحوا أبوابهم، ويجلسوا ويتحدثوا لنا طويلاً بالمحاضرات، بالندوات، بالفتيا، بالوعظ، بالتربية، عندنا علماء آلاف كثر، وكلهم نجوم متى ما نزلوا ومتى ما صدقوا، ومتى ما أخلصوا؟!! فنسأل الله أن يثبتهم ويزيدهم علماً، ونسأل الله أن يرزقنا حكمةً وسداداً في الرأي ورشداً. هذا ما للعلماء علينا، وهذا مالنا على العلماء. وللعلماء علينا أن ندعو الله لهم بظهر الغيب، ونطلب منهم أن يدعوا لنا بالثبات والسداد والفقه في الدين، وحينها تتصل المسيرة، ويصلح الحال، ويزيل الله شراً عن البلاد والعباد، وتقوم أمور الأمة على هدى من الله، وهدى من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أيها الأخيار! انتهت محاضرة (العلماء مالهم وما عليهم) وأشكركم على صنيعكم في حضوركم، وعلى إنصاتكم في استماعكم. رفع الله منازلكم، وغفر ذنوبكم، وأصلح بالكم، وأحق لكم الحق، ورزقكم اتباعه، وأبطل عنكم الباطل، ورزقكم اجتنابه. وما بقي من وقت فللأسئلة، وسلام الله وصلاته على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

انقطاع الشيخ عائض عن المحاضرات

انقطاع الشيخ عائض عن المحاضرات Q ما سبب انقطاعك عن المحاضرات وخاصة بعد الأحداث الأخيرة، وكذلك ردك ولو في الشعر كما فعل العشماوي، حيث إن أكثر الناس من الشباب يتساءلون، أرجو توضيح ذلك؟ A لم يحصل انقطاع، بل هناك خمس محاضرات، منها: الفتاة السعودية والعلمانيون، وصراع مع العلمانيين، والعلمانيون في كتاب الله، وخطبة: المرأة تقود السيارة، وخطبة: من هم الأصوليون؛ رداً على كاتبٍ أديب معروف كتب في جريدة الشرق يوم الأحد قبل الماضي: يا أيها الأصوليون الصداميون! اسمعوا وعوا، فرد عليه، وهي موجودة. على أن المنهج الحق في مثل هذه الأحداث، أن يُعرض أمر الله الشرعي، وأن يبين الحرام، وألَّا يجرح الأشخاص لأنهم أشخاص، لكن يبين الحق للناس، ولا يخشى الداعية في الله لومة لائم، يقول: هذا حق وهذا باطل، هذا حلال وهذا حرام. أما أن يجرح الناس ليتشفى هو، فليس هذا منهجاً، قد يؤذى، قد يضرب، قد يسجن، فلا يتشفى لنفسه، إنما يطلب الحق لله عزوجل ليقيم شرع الله. وقد دخل الإمام أحمد على المعتصم فجلده حتى أدماه، قال الإمام أحمد: والله ما خرجت من قصر المعتصم حتى دعوت الله له. يعني أن الإمام أحمد يريد أن يثبت دين الله لا يريد أن ينتصر هو، ولا يريد أن يجرح شخص المعتصم لأنه المعتصم، لكن ليقوم دين الله في الأرض ولتسود شريعته، وهذا هو الهدف الصحيح. فهذا هو المطلوب والمقصود فلا يغب عن أذهان الإخوة؛ لأنه قد يجد إنساناً ليس دافعه غيرة لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولا لرسوله، ولكن لأحقاد وثارات ومحن، أو دوافع طائشة، أو أسباب مادية!! لا، ليكن قصدك هو الحق، وإعلاء كلمة الله، وليكون دين الله هو الأعلى وهو الأجل، هذا هو الصحيح.

الانطلاق في الدعوة

الانطلاق في الدعوة Q كيف أستطيع أن أنطلق في الدعوة؟ A تنطلق في الدعوة بجهدك، بما عندك من علم، تحفظ مسألة؟ ادعُ للمسألة، عندك آية؟ ادع بالآية، معك حديث؟ ادع بالحديث {بلغوا عني ولو آية} {نضَّر الله امرأً سمع مني مقالةً فوعاها، فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع}. تنشر العدل والعلم الذي معك، تفيض أنت بما عندك من الخير، لا تجلس ولا تخلص، أنا أعرف أن هنا آلافاً من الناس، لو خرجوا وقالوا كلمة الحق بعقل وبهدوء لانتهت المنكرات، وإلا فترى موقف الكثير من الشباب وللأسف سلبياً من المنكرات، تجده متحمساً في المجلس، وينتقد الدعاة، ويتكلم على كثير من العلماء، وأنهم ما أنكروا وما فعلوا، تقول له: لماذا لم تفعل؟ يجيب: أنا ما عندي قدرة، أنا أحتاج إلى أن أتعلم أكثر. إذاً ضاعت الأمة وأنت تتعلم، هل نتحراك عشر سنوات؟ أما عندك علم؟ ألا تعرف كيف تقول لصاحب المنكر: اتق الله، ألا تستطيع أن تقول: هذا منكر؟! ألا تستطيع أن تقول للمرأة: تحجبي يا أمة الله؟! ألا تستطيع أن تقول لصاحب المكان الغنائي البهيت المقيت: اتق الله وأغلق مكانك، الغناء حرام، بهذه الكلمات؟! هذه ميسورة في يد كل أحد {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104].

مصطلح الصحوة

مصطلح الصحوة Q ألا تعتقد أن كلمة: (الصحوة الإسلامية) فيها أخطاء، لأن ذلك يدل على أن الأمة كانت نائمة وهي ليست كذلك؟ A لا مشاحة في هذه التسمية، وفيها سعة والحمد لله، وليست نصاً منزلاً، وليست كلمة الصحوة بالقراءات السبع!! لا، فيها سعة، وبعضهم يسميها: العودة إلى الله، وإلا فإن أسلوب القرآن هو التوبة {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53] {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً} [النور:31] فالتوبة أسلوب القرآن، والعودة كذلك أسلوبٌ قديم، والصحوة لا بأس منها ولا بأس بها: خذا جنب هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق

البداية في طلب العلم

البداية في طلب العلم Q أريد أن أطلب العلم، ولكن لا أعلم كيف أبدأ، ومن أين أبدأ، وإلى أي شيخٍ أذهب، وبأي كتابٍ أبدأ؟ A نسأل الله أن يسلك بنا وبك طريق الصواب والخير. أنت تبدأ على بركات الله عزوجل، وإن كنت طالباً فمعك من المشايخ من يدلك إن شاء الله، وما أعلم في كل حيٍ إلا طلبة علم وأخيار بإمكانك أن تستفيد منهم. لكن تطلب العلم كلمة كلمة، ونصاً نصاً. قال الزهري: [[من أخذ العلم جملة ضيعه جملة]]. وقال البخاري: (إنما يؤخذ الحديث حديثاً أو حديثين) في اليوم الواحد: حديث أو حديثان. فالعلم لا يأتي دفعة، ولا يمكن أن تتعلم العلم كله في العطلة الصيفية، بل يمكن أن تربي نفسك وتتدرج في طلب العلم، وتبدأ بصغار المسائل قبل كبارها، تبدأ بالمختصرات النافعة المبسطة المفيدة، وهناك كتيب في السوق اسمه: كيف تطلب العلم؟ يحتاج هذا السؤال إلى أن يبدأ الإنسان يحاضر كيف تطلب العلم؟ هذا يكفي فيه الكتيب الصغير، وكتاب: حلية طالب العلم للدكتور بكر أبو زيد.

كتاب الإحياء

كتاب الإحياء Q ما قولك في الإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي صاحب الإحياء؟ A فيه خير كثير، وفيه زهد، وفيه إخلاص وصدق، لكن نقصه ثلاثة أشياء: الأول: العقيدة لا تأخذها من الإحياء أبداً، عقيدته مهلهلة، أشعري، أحياناً يتطاول مع الأشاعرة، وأحياناً مع المناطقة، ما ثبت على قدم. الثاني: يأتي بالموضوعات في الإحياء؛ فهو حاطب ليلٍ في الحديث، ويقولون: مات وصحيح البخاري على صدره، يطلب الحديث في آخر عمره، وبضاعته مزجاة في الحديث. الثالث: أنه معجب بـ الصوفية أيما عجب، ويمدحهم، ويثني عليهم، وهذا خطأ، بل نعجب بـ أهل السنة، الذين هم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. على كل حال! غفر الله لـ أبي حامد ورفع منزلته.

التسرع في الفتيا

التسرع في الفتيا Q كثير من الشباب يتسرعون في الفتيا، فما علاج ذلك؟ A هذه أصبحت ظاهرة، ولكنها الآن بدأت تتلاشى رويداً رويداً، بعد أن عَقَلَ الشباب، وهدءوا، وبعد نزول كثير من المشايخ إلى الساحة وإلى المساجد. الفتيا أمرها صعب وهي زلفى إلى النار والعياذ بالله. وما عليك إذا سُئلت عن شيء فقل: الله أعلم لا أدري، فلا أدري نصف العلم، ولا أدري نصف الجهل، {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43].

المسجد والدعوة

المسجد والدعوة Q كيف أجعل من المسجد مركزاً للدعوة إلى الله؟ A إن كنت إمام مسجد، أنت بنفسك تقرأ وتتحدث فيما استطعت، وتدعو العلماء، وطلبة العلم، والدعاة، ويكون لك برنامج مع أهل الحي، وتستطيع في كل أسبوعين يمران عليك أن تحضر طالب علم يتحدث للأمة، يوضح لهم أمور دينهم، ويدلهم على صراط الله المستقيم. وأبشركم أن عندنا مئات الدعاة، ويستطيعون أن يحضروا في أي مسجد، ويستجيبوا بإذن الله.

معنى المادة عند أهل الإلحاد

معنى المادة عند أهل الإلحاد Q ما رأيكم في هذه الكلمة: المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم؟ A هذه الجملة إلحادية كفرية، وليست بصحيحة، وهي تعارض الكتاب والسنة، لا تفنى، بل تفنى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. وإذا عرضها الأستاذ في الفصل، فقل له: بل تفنى، والدليل على ذلك قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] وتقوم أنت وتشطبها وتكتب بدلها الآية، لأن تلك الجملة كفر وزندقة. والذي يأتينا بالكفر، ونقنعه ولا يقتنع، نأخذ تراباً ونملأ به فمه، لأنه يدرس الإلحاد، وما أظن عاقلاً يسمع بهذا الإلحاد ثم يصر على رأيه؛ لأنه يخالف الكتاب والسنة. أما قولهم: ولا تستحدث من العدم، كذب، وهذا كلام إلحاديٌ شيوعي يعني: أن المادة ما خُلِقت بل خَلَقت نفسها، والله يقول: {الله خَالِقُ كُلِّ شَيْ} [الأنعام:102] هو الخالق سبحانه، الذي ما خلق نفسه، ولا خلقه غيره، فهو الأول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى والآخر والظاهر والباطن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4].

أخلاق العالم

أخلاق العالِم Q هل إذا كان العالم أو طالب العلم، الذي يعلِّم الناس، سيء الخلق، ولسانه سليطاً، هل يؤخذ منه العلم، أم يترك لأجل سلاطة لسانه؟ A نحن لا نبرر للعلماء أخطاءهم، أي: أخطاءهم الخُلُقية. كأن يكون العالمُ بخيلاً، يعني: يغلق عليك الباب، فتطالب أن تدخل الباب، يقول: والله لا تدخل، ويمنعك، وإذا وجدك كشر، ورفع صوته، وسبك دائماً، هذه ليست أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] فالهدوء والارتياح، والبسمة، والبشاشة، من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم. لكن أمراض البشرية دائماً تتكرر، والإنسان ليس معصوماً: ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه ذكر الذهبي عن شيخ من الشيوخ، يقول: كان زعراً، أي: كان حاد الخلق، شرساً، إذا هبت الريح غضب، فيقول: أتاه أحد التلاميذ وعرض له كتاباً؛ فرفض الشيخ، فلحقه التلميذ عند الباب، وضايقه كثيراً، وبعض التلاميذ عِلَّة يرى الشيخ غاضباً، وجائعاً، ومنهكاً، ويرمي بنفسه عليه، ويضايقه، وينكد عليه. يقولون من أدب الطلب: أن تتوخى وقت المعلم ووقت راحته، ووقت هدوئه. فأتى هذا الشيخ فغضب، فأتى بعصا -كان عندهم عصي- فضرب التلميذ، فأخطأت العصا فضربت في الكتاب فشقته. قال الذهبي: الخطأ مشترك بينهما، يحكم الذهبي، يقول: الخطأ مشترك بينهما، (يمزح)!! وكان الأعمش رحمه الله فيه شيء من هذا، يقولون: دعاه أحد تلاميذه يغديه في البيت، فأتى هذا التلميذ، وكان الأعمش لا يبصر الطريق كثيراً، فسقط الأعمش في حفرة بجانب بيت هذا التلميذ وهو لم يحفرها للأعمش لكن الطلاب حفروها له، قال: والله لا أدخل بيتك ولا أحدثك شهراً -هذا في السير- وعاد التلميذ وتلطف وصنع غداءً وبعد شهر دعا الأعمش، وأتى به إلى البيت وقبل الغداء أراد أن يصب عليه من البراد وكان الماء حاراً فلم يجربه قبل، فوقع الماء على يد الأعمش فسحب يده، وقال: والله لا أتغدى ولا أحدثك شهراً. ما هذا الكلام؟ ما هذه الحدة؟! إن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم هي: الحلم، والسعة، والتواضع. ولذلك يوجد هذا، فعليك أن تتحمل وتصبر حتى تطلب العلم. بعضهم بحر في العلم، لكنه حاد، يضارب على صاع تمر، فعليك أن تصبر حتى تأخذ العلم منه. يقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: تلطفت بـ ابن عباس فحصلت على علم كثير، وأما أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف فما تلطف فلم يحصل على علم ابن عباس. العلم حربٌ للفتى المتعالي كالسيل حربٌ للمكان العالي أي: أن العلم مثل السيل، إذا رأى المكان منخفضاً ذهب إليه، وأما المكان المرتفع فلا، وكذلك العلم. عَمَّرَ الله أوقاتكم بالسعادة، وجمعنا بكم في الجنة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخطاء يقع فيها الناس

أخطاء يقع فيها الناس إن طلب العلم الشرعي حصن من البدع والمحدثات، يجعل الإنسان يعبد الله على بصيرة وبعقيدة سليمة، ولما قل طلب العلم الشرعي، وكثر انتشار الجهل؛ كثرت البدع والأخطاء التي يقع فيها الناس في العبادات والمعاملات، وكذلك انتشرت بعض الألفاظ الشركية والأخطاء العقدية. فلا بد أن تواجه هذه البدع بنشر العلم، والاعتصام بحبل الله، ورص صفوف أهل السنة بعيداً عن الاختلافات التي تفرق الأمة.

أخطاء الناس إجمالا

أخطاء الناس إجمالاً الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. عنوان هذا الدرس: (أخطاء يقع فيها الناس) ونماذجها وعناصرها كما يلي: - الزيارة وخطأ الناس في الزيارة. - السؤال بوجه الله تعالى. - الحلف بغير الله. - الحلف بالطلاق. - قولهم: انتقل إلى مثواه الأخير، وكلام أهل العلم في ذلك. - وقولهم: فلان غني عن التعريف. - وقولهم في ذلك الدعاء العامي: الله لا ينسانا ولا يقصانا. - وموقف أهل العلم من الصفات، وتفصيل ابن تيمية لصفات الله تبارك وتعالى. - وقولهم: المرحوم فلان، والمغفور له. - قولهم: لقيته صدفة، وما تعليقنا على الصدفة. - (حتمية التاريخ) وقول الصحفيين: حتمية التاريخ، وهذه من حتميات التاريخ. - قولهم: شاءت الأقدار. - الاستقلالية في الصفات. - ما رأي الدين، إذا قالوا وسألوا: ما رأي الدين في ذلك. - قولهم: اللهم اغفر لي إن شئت، وبارك الله فيك إن شاء الله. - تقديم بعض الألفاظ على السلام، كما يقول بعض العوام: سلمتم والسلام عليكم. - قولهم: العصمة لله تبارك وتعالى. قول: صدق الله العظيم في باب التلاوة. - قول الداخل للإمام لانتظاره: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153]. - رد التحية مثل قول: "أهلاً ومرحباً"، والاكتفاء بلفظ: "صباح الخير، ومساء الخير" بدل تحية الله ورسوله عليه الصلاة والسلام. - قولهم بعد لفظ استووا: "استوينا لله" أو "اللهم أحسن وقوفنا بين يديك". - قول المبتدع: "نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات أو غيرها من الصلوات ". - قولهم: "اللهم صلِّ على محمد، وزيادة سيدنا ". - التأمين برفع الأيادي بعد الخطيب يوم الجمعة. - قوله: "لا والله، وفلان" و"لولا الله ومحمد". - سب الدهر والأيام. - قولهم: رجال الدين. - الدعاء بعد الفريضة برفع الأيدي، والمصافحة بعد الفريضة وجعل ذلك سنة. - وفي الأخير: الألفاظ الشركية كقولهم: "وسوف يبين هذا بدعوة الجان ليتصرفوا بالكائنات والمخلوقات"

نصيحة لشباب الدعوة

نصيحة لشباب الدعوة أيها الإخوة! هذه هي المسائل التي سوف تعرض هذه الليلة إن شاء الله، وقبل أن أبدأ بهذه المسائل أقدم نصيحة للشباب: أولها: الحكمة في الدعوة. ثانيها: تحصيل العلم الشرعي. ثالثها: نبذ الخلاف والفرقة.

الحكمة في الدعوة

الحكمة في الدعوة أما الحكمة: فلا نعني بالحكمة إماتة الدعوة حاشا وكلا! وقد يتهم من يتكلم بالحكمة في الدعوة أنه يريد إماتة الدعوة بالحكمة؛ فالحكمة شيء وإماتة الدعوة شيء آخر. لكن الحكمة على حد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في رسوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. فالحكمة هي: وضع الشيء في موضعه، قال سبحانه: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:269] والحكمة عند أهل العلم إذا أطلقت انصرفت إلى مدلولين اثنين: المدلول الأول: وضع الشيء في موضعه، كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:269]. المدلول الثاني: السنة، قال سبحانه: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:34] وقوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة:2] أي: السنة. وقضية الحكمة: أن تنطلق من منطلق. أي: أن تصلح أكثر أو تحصل مصلحة أكثر من المفسدة التي تشتمل عليها، قال ابن تيمية في قاعدة نقلها السعدي عنه، ليس الفطن من يعرف الخير من الشر فجل الناس يعرفون ذلك؛ لكن الفطن الذكي من يعرف خير الخيرين وشر الشرين. ومن مسالك أهل السنة في الدعوة: أن للخاصة دعوة خاصة وللعامة دعوة عامة، ولا أعلم أن مسئولاً إذا عرضت عليه الدعوة عرضاً طيباً كعرض موسى عليه السلام وهارون لفرعون يوم قال الله لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. ولا أعلم مسئولاً يوم تعرض عليه الدعوة يكابر إلا في النادر، وليس كل ما يعلم يقال، وليس ما يقال للخاصة يقال للعامة، وليس ما يريد العبد أن ينفذه ينفذه بغض النظر عن المصالح المترتبة على ذلك، وهذا يعني ألا يستعجل مستعجل، وألا يطيل طائل، وألاَّ يتجنى متجنٍ على الدعوة؛ فرب كلمة منعت ألف كلمة، ورب خطوة ردت ألف خطوة.

تحصيل العلم الشرعي

تحصيل العلم الشرعي أما تحصيل العلم الشرعي: فأدعو إخواني للعكوف عليه؛ فهو من أعظم مطالب الدين وهو نافلة الموحدين بعد الفرائض؛ وهو من أحسن ما يتقرب به إلى الله، والعلم الشرعي هو ما قال رسوله عليه الصلاة والسلام. والعلم -أيها الإخوة- عبادة إذا صاحبته النية، والمقصود هو تحصيل العلم الشرعي وليس تحصيل الفكر، والإنشاء وزبد الكلام.

نبذ الخلاف والفرقة

نبذ الخلاف والفرقة والمسألة الثالثة: نصيحة ثالثة: نبذ الفرقة والخلاف والشجار؛ وعدم الالتجاء إلى غير مظلة محمد صلى الله عليه وسلم، والانطواء تحت مظلة غير تلك المظلة السامقة الرفيعة الجميلة الرائعة، قال عز وجل: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63].

أخطاء يقع فيها الناس

أخطاء يقع فيها الناس أما هذا الدرس فعنوانه كما أسلفت " أخطاء يقع فيها الناس ".

أخطاء في الزيارة

أخطاء في الزيارة فمما يقع الناس فيه: الزيارة وعدم التقيد بما ذكر الله في كتابه، وبما سن الرسول صلى الله عليه وسلم في الزيارة، بل أصبح في نظام الزيارة همجية وعشوائية، وكدر على الزائر والمزور. لقد ذكر الله الزيارة في سورة النور فقال: {ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور:58] فهذه الأوقات الزيارة محضورة فيها، وهذه الثلاثة الأوقات؛ أوقات استجمام وراحة، وهي أوقات خاصة للمؤمن مع أهله وفي بيته، وليس من الحكمة أن تزوره قبل الفجر، أسمعت غبياً أو أحمقاً يطرق عليك قبل الفجر، فتفتح له بابك، وتقول له: ماذا تريد؟ فيقول: عندي مسألة أو أريد أن أتحدث معك؟! يا له من حديث ما أسوده! ومن وقت ما أعكره! هذا وقت إما قيام ليل أو وقت نوم لمن سهر من مرض أو سفر، أو وقت خاص فلا يزار فيه. (وبعد صلاة الظهر -حين تضعون ثيابكم من الظهيرة-) حين تأتون من الأعمال منهكين، عليكم من الكلال والمشقة ما الله به عليم، فهو وقت قيلولة؛ فيطرق الطارق في مسألة وكم يتعرض الإنسان لمثل هذا الأمر، فيجب أن نتقيد بما في الكتاب والسنة، وقضية أن نفقه في الصلاة ولا نفقه في الزيارة ليس بصحيح، فزيارتنا واتصالنا وجلوسنا تؤخذ كلها من مشكاة محمد عليه الصلاة والسلام. فالزيارة بعد الظهر ليست زيارة إلا أن تكون معدة لوليمة أو دعوة أو جدول عمل مرتب. (ومن بعد صلاة العشاء) وهذا لا يزار فيه؛ وهو وقت أذهبه كثير من الناس في السهر المضني، والضياع وعدم التحفيز، والسهر الذي فوت على كثير منهم صلاة الفجر. وإنني أدعو إخواني إلى أن تكون زيارتهم هذه -من باب الاقتراح ووجهات النظر الموافقة للنصوص- من بعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء؛ فهو وقت مستهلك وبسيط على الزائر والمزور؛ وبعض الناس إذا زار أثقل في الزيارة يزورك بعد العصر ولا يخرج إلا آخر الليل. رأى الشافعي رجلاً زاره وكان ثقيلاً -ذكر ذلك الذهبي وغيره- فقال الشافعي: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان:12] وكان الأعمش يقول: إني لأسمع بالثقيل فتتمايل بي الأرض، أظن الأرض ستنخسف من جهتي. وقال ابن الرومي في زائر زاره: أنت يا هذا ثقيل وثقيل وثقيل أنت في المنظر إنسان وفي المخبر فيل ونحن نقول لإخواننا: أنتم مسلمون وأحباب وعلى المقل، وطئوا على شفاف العين، لكن هناك أوقات يرتاح فيها المرء ليأتي بصفاء ذهنه، لأن العبد، وخاصة من يتلقى أمور الناس، كالأئمة والخطباء والقضاة والمسئولين وأعيان الناس دائماً عليهم من المشاكل ما الله به عليم، فإذا صار وقت راحتهم مشغولاً مع الناس؛ فلن يجدوا وقتاً للراحة، ولتكدر صفوهم وأُحرجوا حرجاً بيناً. وأشير بحول الله -إن تذكرت- إلى مسألة سارع إليها العلماء وهي "نظام بعض العلماء في المسائل" ونظام الجيران في الحارات.

السؤال بوجه الله

السؤال بوجه الله المسألة الثانية: السؤال بوجه الله: وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه {لا يسأل بوجه الله إلا الجنة} وقد أسرف كثير من الناس بالسؤال بوجه الله - (وجه الله عليك أن تأتي، وجه الله عليك أن تذهب، وجه الله عليك أن تقوم) - وهذا من عدم توقير الله في قلوبهم، ومن التعدي على حرمات الله وشعائره؛ فإنه لا يعظم حرمات الله إلا متقٍ، ولا يعظم شعائر الله إلا من في قلبه تقوى والواجب على العبد أن يقدر ربه حق قدره. إن وجه الله أعظم من أن يذكر في هذه المسائل -في ركوب السيارة، والزيارة والطعام- فلنتق الله في ألفاظنا، ولنعلم أن هذا النص عظيم ولا يسوغ استخدامه لأي مسألة، ولا يسأل به إلا الجنة؛ فلك أن تقول: أسألك بوجهك الجنة، أما غيرها من الأمور التافهة فليس بوارد وليعلم هذا.

الحلف بغير الله

الحلف بغير الله ومنها: الحلف بغير الله، كأن يقول: بحياتي أو بشرفي أو بنجاحي وحياتي، فمن فعل ذلك؛ فقد باع حظه من الله وقد أشرك. قال عليه الصلاة والسلام: {من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت} وقال صلى الله عليه وسلم -فيما صح عنه-: {إن الله نهاكم أن تحلفوا بآبائكم} فلا يحلف أحد إلا بالله الواحد الأحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى العظيم؛ لئن الحلف تعظيم، قال ابن مسعود [[لئن أحلف بالله كاذباً أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقاً]] لأن تحلف بالله وأنت كاذب، أحسن وأقرب من أن تحلف بغيره وأنت صادق؛ لأن الحلف بالله كذباً معصية، والحلف بغيره صدقاً شرك، والشرك أعظم المعاصي وأكبر الكبائر فاستعيذوا بالله من الشرك ظاهراً وباطناً. ومن المسائل: الحلف بالطلاق. وهو منتشر؛ بل جعلوه -في الولائم والمناسبات، والحضر والمنع والطلب، وفي الأمور النسبية والعلاقات فيما بينهم- أعظم من الحلف بالله؛ بل إن أحدهم لا يأذن لأخيه إذا حلف عليه. ويطلق عليه -هذا عند بعض العلماء-: أنه أقسم بغير الله وأشرك؛ وعند بعضهم: أنه حلف وانعقد به الطلاق، وعند بعضهم: أنه صار يميناً توجب به الكفارة ولسنا هنا في تفصيل الطلاق؛ ولكن في التحذير من الحلف بالطلاق، وعدم استخدامه على اللسان ولا يفعل ذلك إلا من قلَّ فقهه في الدين، أو صغرت معلوماته في هذه المسألة الضخمة التي استخدمها كثير من الناس.

قول: (انتقل إلى مثواه الأخير)

قول: (انتقل إلى مثواه الأخير) ومن المسائل -وأنا أذكرها باختصار- قولهم: (انتقل إلى مثواه الأخير) فإذا مات شخص قالوا: اليوم انتقل إلى مثواه الأخير، وهذه الكلمة عُرف أنها لبعض الزنادقة، من زنادقة المتصوفة بل زنادقة الفلاسفة، فكانوا يقولون: إن القبر هو آخر مثوى بل هي من الأقوال التي نشرت لـ ابن سينا. وابن سينا هذا ضال، وقد تعرض له بعض العلماء، وتعرض له ابن تيمية فقصم ظهره في أكثر من موطن من كتابه " درء تعارض العقل والنقل "، بل قال مسائل كفَّره بها الغزالي في " تهافت الفلاسفة "، وقال عنه ابن تيمية في بعض المسائل: إن صح عنه ما يقال؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وهذا من أمثال من قال: (انتقل إلى مثواه الأخير) فأخذها بعض الصحفيين، فقالوا: فلان انتقل إلى مثواه الأخير، والقبر ليس مثوىً أخيراً؛ بل المثوى الأخير الجنة أو النار كما بين سبحانه: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] ومقصود الزنادقة أن يقولوا: إن القبر هو المستقر، ولا حياة بعد القبر، كما قال عمر الخيام: فما أطال النوم عمراً وما قصر في الأعمار طول السهر ثم يواصل فيقول: لبست ثوب العمر لم أستشر وتهت فيه بين شتى الفكر ثم يذكر في القصيدة أن القبر آخر مستقر وكذب عدو الله! فليس القبر آخر مستقر؛ بل بعد القبر حياة طويلة إما في الجنة وإما في النار، وبعد القبر حساب وصراط وميزان وتطاير صحف، وأنبياء وشفاعة وملائكة؛ وبعد القبر يوم يشيب من هوله الولدان فمن يعلم أن هذه الكلمة خاطئة؛ فليس مثواه الأخير القبر؛ فليعلم ذلك! يقول إيليا أبو ماضي: جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!! ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!! كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري!! ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!! فنقول له: والله لتدرينَّ إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور، وكيف لا تدري! قال الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:1 - 2] {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد:8 - 9]. إذاً: كلمة (مثواه الأخير) ليست صحيحة، وأعلم أن بعض الإخوة يقول: إن بعض الناس يستخدمها ليس لهذا المقصد؛ لكن إذا اشترك مسلم في كلمة ومقصده صحيح مع مجرم مقصده سيء؛ ولم يقرنا من الكتاب والسنة على هذه الكلمة؛ تحاشيناها. قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:104] فكان الصحابة يقولون: (أَرعنا سمعك) وهذه كلمة فصيحة، واليهود يقولون: (راعناً) وهي الرعونة من السذاجة والخبل والبلادة؛ فنهى الله عنها لاشتراك الكلمتين في بعض الشبه.

قول: (فلان غني عن التعريف)

قول: (فلان غني عن التعريف) ومن الكلمات التي نبه عنها في بعض المناسبات: (فلان غني عن التعريف) فإذا قدموا لشيخ أو محاضر أو داعية أو مسئول قالوا: (فلان علم غني عن التعريف) وهذه الكلمة خاطئة فالغني عن التعريف هو الله، فهو الذي عرف نفسه بنفسه فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر:1]. فالغني عن التعريف هو الله، وقد عرف نفسه فقال لموسى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] وقال: (ِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65]. وقد ذكرت في مناسبة أن سيبويه توفي فرؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: "غفر لي" قيل: بماذا؟ قال: لما أتيت في الكتاب؛ أتيت بلفظ الجلالة (الله) فقلت: الله غني عن التعريف أي: لا يحتاج إلى التعريف، فغفر الله له. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فيا عجباً كيف يُعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد فأنت تعلم بأنه واحد، وما منا من أحد إلا ويحتاج إلى تعريف، ملكاً أو أميراً أو عالماً أو موظفاً أو مسئولاً أو وزيراً لا بد أن يُعرف، وعند الترمذي بسند ضعيف، يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا لقي أحدكم أخاه فليسأله عن اسمه وعن نسبه؛ فإنه واصل المودة} وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه {كان إذا لقي رجل قال: من أنت؟} وفي صحيح مسلم عن ابن عباس {أن وفد عبد قيس قدم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: من القوم أو من الوفد؟ قالوا: من مضر، قال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى} وكان عمر يقول: من؟ يسأل عن الرجل، وفي صحيح البخاري عن جابر يقول: {استأذنت على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: من؟ قلت: أنا! قال: أنا، كأنه كرهها} يقول: من أنت؟ فـ (أنا) مجهول، فكل الناس يقول (أنا) لكن من أنت. واستدل النووي على ذلك -بتسمية الاسم- بأن الرسول صلى الله عليه وسلم مع جبريل طرقا باب السماء فقالوا: من؟ قال: جبريل، قالوا: {ومن معك، قال: محمد، قالوا: مرحباً بك وبمن معك}. وطرق أبو ذر على الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: {من؟ قال: أبو ذر}. فلا بأس بالكنية، وكلنا محتاج إلى تعريف، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]. ومن الأدب في الإسلام -أيها الإخوة الأحباب! - أن إذا نزل بك ضيف أو وفد أن تسألهم عن أسمائهم. ولا تبق معهم وكأنهم صم بكم عمي فهم لا يرجعون، يتغدون ويتعشون، وينامون ولا تعرف أسماءهم. فأقول: يا أخي! يا فلان! هذا لا يصح، هذا ليس من أسلوب التعامل وليس من أدب الإسلام، قال الأزدي: أحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب يقول: أنا من صفتي أنني أحادث الضيف وهو على الراحلة، فكيف إذا نزل! ومن أدب الضيافة أن تحدثه وتؤنسه، قال بعض العلماء: هذا إشراق، قيل: لما كلم موسى ربه قال: يا موسى!: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17]. وهي من المحادثة والأنس؛ وإلا فالله يعلم أنها عصا، وهو الذي خلقها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويعلم بفرعون والعصا.

قول: (الله لا ينسانا ولا يقصانا) ونحوها

قول: (الله لا ينسانا ولا يقصانا) ونحوها ومن المسائل التي سمعتها من بعض الناس في دعائهم وربما تكون منتشرة في بعض النواحي لكن أخذ ما انتشر وما لم ينتشر حسباناً لانتشاره، كقولهم: (الله لا ينسانا ولا يقصانا) وهل الله ينسى، وهو القائل: {فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52] وأما ما ورد في القرآن كقوله تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:126] وقوله: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} [الأعراف:51] فكيف نحمل ذلك؟ النسيان هنا عند العرب: بمعنى الترك، أي: تركهم، ولا يعني أنه نسيهم ولا غفل عنهم، فقول القائل: "الله لا تنسني" أو "ربِّ لا تنساني " ليس بصحيح. سبحان الله! خلقك وسيَّرك وأحياك وأماتك ثم ينساك؛ جلَّ الله عن النسيان!! والنسيان صفة نقص لا تنسب له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لا تقييداً ولاإطلاقاً، وتنفى عنه؛ فهو لا ينسى تبارك وتعالى، ولا ينام ولا يصحو ولا تأخذه السِّنة ولا يحتاج إلى الطعام لا يطعم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو يُطعم، فقول الشخص: (الله لا ينسانا) أو قوله: (اللهم لا تغفل عنا) من الألفاظ التي يُنْهَى عنها.

موقف أهل العلم من الصفات

موقف أهل العلم من الصفات وابن تيمية يذكر في كتابه درء تعارض العقل والنقل، وغيره من أن الصفات عند أهل السنة على أربعة أقسام: 1 - صفات نثبتها لله بإطلاق. 2 - صفات ننفيها عن الله بإطلاق. 3 - صفات نثبتها مقيدة. 4 - صفات نستفصل فيها. - فأما الصفات التي نثبتها لله مطلقاً: فهي الصفات التي أثبتها ربنا لنفسه أو أثبتها له رسوله عليه الصلاة والسلام: مثل: الحكيم، العليم، الواحد، الأحد وأمثالها، فهذه نثبتها لله مطلقة. وأما الصفات التي ننفيها مطلقاً: فهي ما نفاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن نفسه ورسوله عليه الصلاة والسلام مثل: (السهو، والنسيان، والغفلة، والنوم، والحاجة، والولد، والصاحبة) فهذه ننفيها مطلقة. - وأما الصفات التي نثبتها مقيدة: فالتي ذكرها الله في القرآن مقيدة مثل قوله تعالى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة:79] فنقول: الله يسخر ممن يسخر منه، ولا نقول: ساخر، وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:15] فنقول: "الله يستهزئ بمن يستهزئ به" مقيدة، ولا نثبتها مطلقة، وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] فنقول: "الله يمكر بمن يمكر به" مقيدة؛ لا أنه يمكر دائماً، وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142]. "فالله يخدع من يخادعه وليس يخدع مطلقاً. وانظر إلى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:71]. ولم يقل: (فخانهم)؛ لأن الخيانة صفة نقص، سواء أطلقت أو قيدت؛ فلم يأتِ بها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فليعلم ذلك. وهذه قاعدة تكتب بماء الذهب، وبيَّض الله وجه شيخ الإسلام يوم حررها. - أما الصفات المستفصل فيها كصفة الجسم أو الجوهر أو التحيز فنقول: ماذا تريد بها؟ فلو قال مثلاً لنا قائل: "الله مهندس الكون" فلا نقول: لا، ولا نقول: نعم؛ وإنما نقول: ماذا تريد بكلمة (مهندس الكون)؟ فإن قصد بكلمة (مهندس الكون) أنه بنى الكون وشيده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فنقول: صدقت وأحسنت؛ لكن استخدم غير هذه العبارة، قل: الذي خلق السموات والأرض، قال عز وجل: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة:117]. وإن كان يريد بكلمة (مهندس الكون) مثلاً أنه شارك في خلق السموات والأرض -سبحانه جل عن الند والمثيل- أو قصد مشابهته بمهندس الدنيا؛ فنقول: لم تحسن في هذه العبارة لا مقصداً ولا لفظاً.

قول: (المرحوم فلان، والمغفور له)

قول: (المرحوم فلان، والمغفور له) ومن الألفاظ التي انتشرت بين الناس وخاصة في الصحف قولهم: (المرحوم فلان، والمغفور له) فلا يعلم السر إلا الله، ولا يعلم نتائج الناس إلا الله، ولا نشهد لأحد بجنة أو نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكننا نسأل الله للطائعين الجنة، ونثني على الصالحين وندعو لهم، أما أن نقول: (المرحوم) فلا. وما يدريك! هل هو مرحوم أم لا؟! وما يدريك فلعل في قبره ناراً تلظي عليه؟! فكيف تقول: مرحوم أو مغفور له؟! وكيف نستبدل هذه العبارة؟ نقول للمسلم إذا مات: (فلان غفر الله له، وفلان رحمه الله)؛ لأن هذا من باب الإنشاء، وذاك من باب الخبر، وأجاز أهل العلم الإنشاء ولم يجيزوا الخبر، لأنك إذا قلت: (المغفور له) فإنك تخبر! والخبر عن الله من علم الغيب، ولا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله. وأما من قال: (رحمه الله) فهو من باب الدعاء، وهو إنشاء؛ فيجوز إنشاءً ولا يجوز خبراً؛ فليعلم ذلك. وهذا مثل قولهم: (فلان شهيد) فالله أعلم بحاله، لكننا نرجو لمن مات في سبيل الله؛ أنه مات شهيداً، لأنه لم ترد نصوص في ذلك للعلم بها وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم قيل له ذلك لما مات عثمان بن مظعون -كما في صحيح البخاري - فغضب عليه الصلاة والسلام وقال: {وأنا رسول الله! والذي نفسي بيده لا أدري ما الذي يفعل بي!} فالعلم عند الله، لكن نشهد للصالح الذي يعتاد المسجد خمس مرات في اليوم، والصادق الصائم المنيب، وبار الوالدين وواصل الرحم، فنثني عليه، ونحن شهداء الله في أرضه، ومثل هؤلاء نشهد لهم في أرضه. وقد ذكره ابن تيمية -على العموم- في الفتاوى في مجلد مجمل اعتقاد أهل السنة وغيرها، يقول: هذا من أقوال أهل السنة تجدونه في المجلد الثالث في باب الاستثناء في الإيمان.

قول: (لقيته صدفة)

قول: (لقيته صدفة) ثم من كلامهم المشهور والمتداول بين الناس " لقيته صدفة ": وهل الصدفة واردة؟ لا. ليس في خلق الله صدفة! قال سبحانه: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:49 - 50] وقال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22]. وكل شيء بقضاء وقدر والليالي عبر أي عبر قال الحسن البصري لتلاميذه: [[والله لَوَضْعُ يدي هذه اليمني في اليسرى بقضاء وقدر من الله، ومن لم يؤمن بالقضاء والقدر فقد كفر]]. وقال عليه الصلاة والسلام في أركان الإيمان الستة: {وأن تؤمن بالقضاء والقدر حلوه ومره خيره وشره} وعند مسلم في الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام: {احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا؛ ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل} ومن أنكر القضاء والقدر فقد كفر، لأنه يقصد به أنه ليس لله سابق علم، وكأن الله لم يقدر في قوله أن نلتقي، بل يقول: بينما أنا في المطار لقيني صدفة! لا. بل لقيك بقضاء وقدر؛ بل قل: قدَّر الله أن يلقاني. وقول: (ودخلت الفصل؛ فرأيت الأستاذ صدفة) والصدفة مدخل للشيوعية؛ فإنهم دخلوا بثلاث مداخل: دخلوا بـ (لا إله والحياة مادة) وهي التي أسس عليها ماركس كتابه في الشيوعية ونحن نقول: (لا إله إلا الله محمد رسول الله). وقبل ثلاثة أشهر كانت هناك مقالة في مجلة الدعوة أن جرباتشوف وأمثاله يعلنون خسارة الشيوعية في العالم، وأن الإلحاد كذبة، وأنه ثقافة، وأنه ليس بصحيح؛ ولذلك عزل ستة وزراء من وزرائه، ولا يريد أن يدخل في التوحيد والإيمان؛ ولكنه يقول: هذا النظام الذي قام على الإلحاد ليس بصحيح، بل هناك قوه فاعلة في العالم يسمونها (الطبيعة) ويسميها ابن سينا (العقل الفعال) ونسميها نحن (الله الذي لا إله إلا هو الذي يملك الضر والنفع، الذي بيده كل شيء) وقتل الشباب في بكين من أسبابه هذه النظرية اللعينة الخاطئة. ودخلوا كذلك بمدخل (الصدفة) وقالوا: الكون ليس له قضاء وقدر والكون كذا، فأنت تدخل الفصل بلا قضاء ولا قدر، وتأكل بلا قضاء ولا قدر؟ ودخلوا كذلك بمدخل (الطبيعة) وقالوا: "الطبيعة تسير الأحداث" البكتيريا تأتي بالدود، وتأتي بالطيور، وتأتى بالحشرات. فنقول: كذبتم! بديع السموات والأرض وحده لا شريك له. وهذه المسائل التي أحببت التنبيه عليها.

قول: (حتمية التاريخ)

قول: (حتمية التاريخ) ومنها: قول بعض الناس وخاصة الصحافة: "من حتمية التاريخ" وليس للتاريخ حتمية، ولا يفعل في الكون إلا الله، ولا يقضي إلا الله، "حتماً يقول التاريخ للأمة أنها أمة نامية، والرجعية رجعية، والقوية قوية" قالوا: هكذا حتمية التاريخ. ويقولون: من حتمية التاريخ أن الدول تنهار، أي: بعد أن تصبح عالية تبدأ في الانهيار؛ لكن من الذي سبب وحكم عليها بالانهيار؟ إنه الواحد القهار الذي بيده ملكوت كل شيء {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. إذاً: حتمية التاريخ خطأ.

قول: الأخوة الإنسانية

قول: الأخوة الإنسانية وألحق في ذلك مسألة تسمعونها عند من لا يؤمنون بالله، أو عند العلمانيين يقولون: "الإنسانية، والأخوة الإنسانية" ولا يذكرون الأخوة الإسلامية، لكن الإنسانية، ويدخل فيها: رابين وجرباتشوف وبوش، وكل عدو لله يدخل في هذه المظلة؛ وأما إذا قلنا: (الأخوة الإسلامية)؛ خرج منها أعداء الله وبقي حزب الله: {أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22] وقال سبحانه: {أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19] وقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55] وقال: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:56] {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63] وقال سبحانه: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] وقال سبحانه في سورة المائدة: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54]. هذه صفات المؤمنين وأما (الأخوة الإنسانية) فما سمعنا بها في آبائنا الأولين، ولا في الكتاب ولا في السنة ومعنى ذلك: أنك تدخل القطط والكلاب والحمير والخنازير، والكفرة والملحدين والمعرضين في الأخوة الإنسانية.

قول: (شاءت الأقدار ونحوها)

قول: (شاءت الأقدار ونحوها) ومنها قولهم: (شاءت الأقدار) وإنما أقول هذا؛ لأنه يشعر بالاستقلالية في الأقدار والصفات وسبق في بعض المناسبات أن قيل " يا رحمة الله! "، وفي حوار مع بعض العلماء ثبت أن هذه لا تطلق، وأن الصحيح عدم إطلاقها وألا نقول: (يا رحمة الله!) ولا (يا غوث الله) ولا (يا لطف الله)؛ لأن هذه تشعر بالاستقلالية في الصفة؛ بل ننادي الواحد الأحد: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا واحد، يا أحد، يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. أما هذه (شاءت الأقدار) فلا. لأن الله قدر؛ ولأننا لو قلنا: (شاءت الأقدار) أو (أبت الأقدار) (ما سمحت الظروف) (لا بل ما سمحت الظروف) فهذا خطأ؛ بل الذي يسمح ويمنع ويقدم ويؤخر هو الله. فقوله: (ما سمحت له الظروف) هو الصدفة، مثل (ما شاءت الأقدار)؛ وهي خطأ فليعلم ذلك.

قول: (ما رأي الدين)

قول: (ما رأي الدين) ومنها قول السائل في كثير من الأسئلة التي تعرض: ما رأي الدين؟ والدين ليس له رأي، قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4 - 5]. فالدين قال الله وقال رسوله، والدين ليس رأياً: [[جاء رجل إلى ابن عمر قال: يا ابن عمر! أرأيت لو أني طفت قبل أن أسعَ أو سعيت قبل أن أطوف، قال: اجعل أرأيت في اليمن]] قال: اترك أرأيت في اليمن وتعال. ولذلك سموا فقهاء الأحناف أو بعضهم لما أكثروا من الرأي (ارتيائيين) أي: ارتيائي على الرأي، والرأي دائماً لا يصيب؛ لأنه إلى من يعود؟ ألآرائنا أو لرأي فلان أو علان! ولذلك أمرنا الله عند التنازع أن نعود إلى الكتاب والسنة؛ لا لرأي أحد من الناس، ولا لرأي أحد من العلماء. وسؤال الأخ، إذا سأل وقال: ما رأي الدين ليس بصحيح. وهذه الكلمة يذكرها مثل مجلة المسلمون وعليها ملاحظات، وهي لم تتميز حتى الآن، ولا بد أن يسأل المحررون عليها: ماذا تريدون؟ وأين الصفاء؟ وأي قلم تكتبون به؟ وما هي مقاصدكم؟ فهم مرة يأتون بصورة من صور الإسلام فيظهرونها بصورة مشوهة، ومرة يعرضون قضية تشوه أفكار العامة، ومرة يأتون بفتاوى رخيصة لا تساوي الحبر الذي كتبت به، ويعارضون بها فتاوى أهل العلم، ومرة يأتون بقضايا تشوش على أذهان الناس، وأنصح طلبه العلم أن يحذروا كل الحذر من هذه المجلة، ومن تصيد الأخبار منها؛ يجد أن أسانيدها من الإسرائليات أحياناً. أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل فيوردون في كثير من الأسئلة: ما رأي الدين؟ والدين ليس له رأي، إنما هو كتاب وسنة.

قول: (اللهم اغفرلي إن شئت)

قول: (اللهم اغفرلي إن شئت) وقول القائل وعليه كثير من الملاحظات، وهذه قد أفتانا فيها محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: {لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، ولا يقل أحدكم: اللهم ارحمني إن شئت؛ بل فليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له} أي: ارحمني إن شئت، بل يعزم المسألة فإن الله يحب الملحاح في الدعاء، قال سبحانه: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90].

تقديم بعض الألفاظ في السلام

تقديم بعض الألفاظ في السلام ومنها: تقديم بعض الألفاظ في السلام، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد قال: {أولى المؤمنين بالله من بدأهم بالسلام} والسنة عند المسلمين وعند أهل السنة؛ أن تبدأ بالسلام ولا تقدم كلاماً عليه -كما يفعل بعض الناس إذا التقوا في الصفوف قالوا: سلمتم والسلام عليكم. أرحبوا يا ضيفان! الله يحييكم، قال: سلمتم. والسلام عليكم- فهذه مخالفة للسنة، وهذه أقرب إلى عادات الجاهلية، والسنة أن يسكت المستقبلون في أماكنهم، ولا نصفهم بالبخل أبداً، فهم كرماء؛ لكن يتقيدون بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي الضيوف فإذا قالوا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يقولون: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ ثم يقولون: ما أرادوا من الكلام: مرحباً، ألف أهلاً وسهلاً، مرحباً تراحيب السيل، يا أهلاً يا سهلاً، يا مرحباً، وقد عقد البخاري في الأدب المفرد " باب قول المضيف مرحباً " يقول: هل يقول مرحباً؟ وأضاف "باب هل يقال أهلاً" فأورد حديث أم هانئ في الصحيحين وفي المسند والمسانيد: {أنها دخلت على الرسول عليه الصلاة والسلام فسلمت، فقال من هذه؟ فقالوا: أم هانئ، فقال: مرحباً بـ أم هانئ} وقال عمر لـ عدي بن حاتم، وعليكم السلام حياك الله؛ أما أن تقول: (سلمكم) فتقدم على لفظ الرسول وعلى لفظ القرآن؛ فهذه التحيات من الجاهلية، أما الصحابة فكان الرجل إذا لقي الرجل رد عليه؛ فلا يقدم أي كلام، والتراحيب تأتي بعد التحية.

قول: (العصمة لله)

قول: (العصمة لله) ومنها -أيها الإخوة! وسوف تأتى- قولهم " العصمة لله " فمثلاً: تسأله مسألة فيقول لك: أخطأت والعصمة لله، وهذه المسألة خطأ، وقد نبه عليها الكثير من العلماء؛ لأن الله لا عاصم له، والمعصوم يحتاج إلى عاصم، والعصمة أمر نسبي يدخل فيها الاشتقاق، والله لا يعصمة أحد من الناس؛ فلا نقول: (العصمة لله)؛ لكن نقول: (الكمال لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والجلال والعظمة له) أما قول: (العصمة لله) فليس بصحيح هذا اللفظ، ويصح لك أن تقول: المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم؛ أما الله؛ فلا تقل: العصمة لله؛ لأن المعصوم يحتاج إلى عاصم، والله لا يعصمه أحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

قول: (صدق الله العظيم) بعد التلاوة

قول: (صدق الله العظيم) بعد التلاوة ومنها قولهم بعد التلاوة: (صدق الله العظيم) وهي بدعة لم يقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولم تأتِ في السنة. ومعناها صحيح واستخدامها خطأ وبدعة، وإلا فالله يقول في سورة آل عمران: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران:95] والله صادق وهو أصدق الصادقين، قال سبحانه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87] لكنَّ استخدامها بعد التلاوة يكون بدعة فليعلم ذلك.

قول الداخل للإمام: (إن الله مع الصابرين)

قول الداخل للإمام: (إن الله مع الصابرين) قول الداخل للإمام: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153] وذلك عند دخوله والإمام راكع، فالداخل يريد أن ينتظره الإمام حتى يدركه في الركعة، فيتنحنح -أي: يصدر صوتاً- ويقول: (إن الله مع الصابرين) فنبه عليها العلماء وحذروا من استخدامها، وهي من البدع المستحدثة، فلا تستخدم، بل كما قال صلى الله عليه وسلم: {يأتي أحدكم إلى المسجد فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، أي: تدخل بسكينة ووقار، فإن أدركت الركوع فبها ونعمت؛ وإن لم تدركه فصل ما فاتك ولا تقل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153] أما أن تتنحنح لكي يسمعك، فهذا ليس بالصحيح. وسئل أحد العلماء: هل ينتظر الإمام الداخل؟ قال: إذا لم يشق على الناس والإمام أحمد يرى ألا ينتظره، قال: يصلي صلاته العادية، أي لو تنحنح عشرين مرة، ولو كرر: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153] ألف مرة. لأن وراءك ألفاً أو مائةً أو ثلاثمائة وهم أولى من واحد متأخر لو فرط.

رد التحية بغير السلام

رد التحية بغير السلام ومنها: رد التحية بغير السلام: تقول: (السلام عليكم ورحمة الله) فيرد: (أهلاً ومرحباً) وهذا خطأ، ومخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي من أفعال الجاهلية، أو تقول: السلام عليكم فيقول: (حياك الله) أو (الله يحييك). بل يكون ردك إذا سلم عليك. وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، كما قال سبحانه: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] وقال سبحانه: {سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الذاريات:25] فالتحية ترد بمثلها أو بأحسن منها، وهي السلام. ومنها: الاكتفاء عند بعض الناس: أي: قبل أن يسلم عليك، أحدهم يقول: صباح الخير، فتقول: صبحك الله؛ ثم ينصرف فهذا خطأ، ويلقاك في المساء فيقول: (مساء الخير) وإذا اتصلت بالهاتف، قال (ألو) وهي إنجليزية، ونحن لدينا (نعم) فمن أين (ألو) هذه؟ وما الذي أحوجنا إلى هذا الكلام؟! أنحن إنجليز أم عرب؟ فالكلام الذي نتكلم فيه بيننا؛ نتكلم به في التلفون، ونترك هذه المصطلحات المستوردة. يقول أحد المفكرين: تعلمت من الإنجليز ثلاث كلمات، رأيتها في مذكرات علي الطنطاوي، منها: يقول: (بليز) وهي تعني: من فضلك، ومعناها عندنا بالعربي (إبليس) يقول: قال لأحد الخدم في المطعم: بليز، يطلبه ووتر أي: ماء، قال: يا إبليس! أعطني ماء ومنها من الألفاظ، (وِلْكَم) يعني: حياكم أو أهلاً، ومعناها بالعربية (ويْلَكُم) وكلمة نعود إليها، ولعلها تبحث لما فيها من الفوائد والله المستعان. وعلى كل حال: ألفاظنا ينبغي أن تكون إسلامية. وقد ذكر ابن تيمية -ويعرف ذلك طلبة العلم- في اقتضاء الصراط المستقيم أن من قدم غير اللغة العربية عليها لغير حاجة لها ففيه شعبة من النفاق ومثاله: أن يذهب إنسان إلى أهله في بادية أو قرية فيقول: (هلو جدمورنينج سير) ولا يوجد داعي؛ فهم بدو أو عوام أو عجائز لا يعرفون حتى العربية، ولا يعرفون: ضرب زيد عمَراً؛ فيستخدم هذا؛ قال: فهو في شعبة من النفاق وهو الصحيح؛ لأنك لا تجد هذا الصنف إلا يحب الخواجة أكثر مما يحب المسلم، ومتعلق بـ أمريكا، فهو في الخميس هنا لكن قلبه في واشنطن فلا يعجبه إلا ذلك الطراز، وصدق ابن تيمية. لكن عند الحاجة فإنا نطلب أن يتعلم الإنسان اللغة الإنجليزية، فهي واجب على الكفاية، فالرسول صلى الله عليه وسلم: {أمر زيد بن ثابت أن يتعلم العبرية لغة اليهود فتعلمها في خمسة عشر يوماً} والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أرسل رسلاً لكل قوم، والإنجليز يخاطبون بلغتهم، والروس، وحيَّهلاً بمن تعلم اللغة وأجاد ودعا إلى الله؛ أما التعلم تكبراً وتبجحاً وتظاهراً؛ فهذا من شعب النفاق.

قول: (استوينا لله اللهم أحسن وقوفنا)

قول: (استوينا لله اللهم أحسن وقوفنا) ومنها قولهم بعد قول الإمام (استووا): (استوينا لله) وهذه ألفاظ شرعية لا بد أن تضبط ولم يقل الصحابة ذلك وراء الرسول، ولم يعلمهم (استوينا لله) فالله يعلم أنكم استويتم واعتدلتم، وأحد الأئمة يقول: أخبرني إمام وقد كان يطيل في الصلاة كثيراً، وكان إذا سوى الصفوف أخذ وقتاً طويلاً، فصلى هذا الإمام بأناس في صحراء وقال لهم: استووا، استووا، استووا، وكان تحتهم حرارة الرمضاء أي: حجارة حارة، فقال: (استووا) فرد عليه أحد الناس قائلاً: (اشتوينا) يعني: اشتوت أرجلهم من حرارة الشمس. فعلى كل حال لا يقال استوينا؛ بل تدعو الله، وتستغفر، وتسبح، وهو أمر مطلق لا تتقيد به دائماً. وقولهم: (الله أحسن وقوفنا بين يديك) واتخاذه شعيرة أو سنة، فإنها تصبح بدعة؛ لأن تكييفها في حالةٍ وزمنٍ تُدخلها في البدعة.

قول: (نويت أن أصلي)

قول: (نويت أن أصلي) ومنها: (نويت أن أصلي كذا وكذا) والجهر في هذا الكلام بدعة كقول أحدهم " نويت أن أصلي الظهر أربعاً والعصر أربعاً "، وقد نبه على ذلك ابن القيم في زاد المعاد، في هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة.

قول: (اللهم صل على سيدنا محمد)

قول: (اللهم صل على سيدنا محمد) وقول بعضهم في التحيات في الصلاة: (اللهم صلِّ على سيدنا محمد) وكلمة " سيدنا " لم تأتِ في النصوص، وهي دخيلة، ولا يجوز أن نستخدمها في النصوص، ولا يجوز أن نستخدمها هنا، ولم يصح بها حديث في التشهد، أما كلمة (سيد) فقد استخدمها صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري قوله في الحسن: {إن ابني هذا سيد} ومثله في البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: {قوموا إلى سيدكم} وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:39] والسيد كامل السؤدد، فاتضح أن استخدامها في التحيات لا يجوز.

التأمين برفع الأيدي يوم الجمعة

التأمين برفع الأيدي يوم الجمعة ومنها: التأمين برفع الأيادي في الخطبة يوم الجمعة، مثلاً: "اللهم أصلح ولاة المسلمين " فيقولون: "آمين" ولا يصح رفع الأيدي بعد الخطيب يوم الجمعة، فليس فيه نص ولا حديث فيما أعلم، ومن عنده دليل فليأتِ به لنستجيب؛ وإلا فلا يصح هذا الأمر، وهو من البدع التي انتشرت. فرفع المأمومين أيديهم بعد الخطيب يدعون، لا يصح إلا في مسألة واحدة: إذا استسقى الخطيب على المنبر فدعا؛ فعليهم أن يرفعوا أيديهم، أما إذا أطلق الدعاء؛ فلا يرفعون أيديهم، ويؤمن الإنسان في نفسه ولا يردد مع الإمام. وإذا قال الإمام: فاذكروا الله يذكركم؛ قالوا: (لا إله إلا الله) أو: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب:56] فيرتج المسجد " اللهم صلِّ على النبي"، فهذا من اللغو، بل يصلون في أنفسهم، ويؤمنون في أنفسهم؛ لأن المقصد الاستماع والإنصات {ومن قال لأخيه: "أنصت أو صه" فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له} وهذا في سنن أبي داود ومسند أحمد.

قول (لولا الله وفلان)

قول (لولا الله وفلان) ومن المسائل: "لولا الله وفلان" وهي تدخل في الشرك اللفظي، أي: من الألفاظ الشركية (والله ومحمد) (لولا الله وأنت) فهذه ألفاظ الشرك. بل يقال: (لولا الله وحده) (ولا أسأل إلا الله وحده) ولو قال: أنت فعلت ذلك بفضل من الله ثم بفلان " فلا بأس لأن " ثم " للتعقيب والتراخي بخلاف " الواو " فإنها للتشريك و"الفاء" للتعقيب؛ فينبغي أن يفصل بينها بثم أو استقلال اللفظ لله.

سب الدهر

سب الدهر ومن الألفاظ: سب الدهر، وذم الأيام، كقول شاعر الجاهلية: لحا الله هذا الدهر إني وجدته بصيراً بما ساء ابن آدم مولعا وكقول أحدهم: (قبحاً لهذا الزمان) أو (خيب الله هذا العهد) أو هذا الدهر، أو هذا الليل، أو زماننا هذا زمان قبيح، وهذا الزمن جر علينا المصائب. فهذا لا يصح، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم ويسبني ابن آدم ويشتمني ابن آدم، أما سب ابن آدم لي: فإنه يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء، وأما شتمه إياي " فإنه يزعم أن لي صاحبةً وولداً؛ وما كان لي صاحبة وولد وهو لم يتخذ صاحبة ولا ولداً -أو كما قال عليه الصلاة والسلام-}. فسب الدهر من كلمات أهل الشرك، ونسبة الأفعال إلى الدهر لا تصح؛ فليعلم هذا حفظكم الله، فسب الدهر -أي سب الليل والنهار- لا يجوز! والجاهليون الدهريون قالوا: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] فيعني الدهر (الليل والنهار) فلا يملك إلا الله، ولا يحيي إلا الله، ولا يشافي إلا الله. والأيام كلها ظروف، يفعل الله فيها ما يشاء.

قول (رجال الدين)

قول (رجال الدين) ومنها: قولهم: (رجال الدين) كأن يقال " ما رأي رجال الدين في هذا " أو "هذا من رجال الدين" أو " مطاوعة" أو نسبه قوم من الناس " ناس للدين وناس للدنيا " لا. بل نحن للدين والدنيا، وليس عندنا رجال دين، ورجال الدين في الكنيسة، وهذه الكلمة أتت مترجمة من الكنيسة؛ لأنه في الكنيسة كان هناك رجال دين، وكان هناك رجال دنيا، أما نحن فنقول على حد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] فالحياة والموت وأعمالنا وتجارتنا وصلاتنا لله الواحد الأحد؛ فليس عندنا رجال دين ورجال دنيا، والذي لا يكون للدين فهو للشيطان، والذي لا يكون لله فهو لإبليس. فنسبة رجال الدين وتخصيصها لنوع من النفر ليس بصحيح، وهذا من الكنيسة النصرانية، ولا يصح تسميتها عند المسلمين. وكلمة " مطوع " نقول لمن قال هذا: إنها في العربية ليست مستقيمة، بل هي مستبدلة، وإلا مطيع وطائع، والطاعة لله عز وجل: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] طائعين، فالصحيح (الطائع أو مطيع). أما (مطوع) فلا تصح من حيث العربية، واستخدامها لنفر من الناس ليس بالصحيح ونقول -لمن قال: مطوع-: وأنت إما أن تكون مطوعاً أو عاصياً، ليس هناك إلا قسمان (عاصٍ وطائع لله) فإما أن تكون طائعاً لله أو عاصياً لأوامر الله تبارك الله رب العالمين.

المصافحة بعد الفريضة وجعلها سنة

المصافحة بعد الفريضة وجعلها سنة الدعاء بعد الفريضة برفع الأيدي والمصافحة بعد الفريضة، واتخاذها شعاراً دائماً بعد أن يسلم الإمام بدعة، وقد نبه كثيرون عليها، وقد نص ابن تيمية وابن القيم أنها من البدع المنتشرة عند المسلمين. فأقول الدعاء بعد الفريضة وارد أما رفع الأيدي فلا، فقد صح عن معاذ {أن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: يا معاذ! والذي نفسي بيده إني أحبك! فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك} أما رفع الأيدي بعد السلام مباشرة بالدعاء كما يفعل بعض الناس، فليس بصحيح وهو من البدع. بل تدعو بدون رفع للأيدي، وتسبح كما ورد في السنة. ومنها: اتخاذ المصافحة شعاراً، فتجد بعض الناس -وهم كثير- في الحرمين وفي بعض المساجد إذا صافح قال: (تقبل الله) وقد نص كثير من العلماء على أنه بدعة، وأنه لم يرد عن السلف؛ أما إذا كان أحد من الناس قدم من سفر ورأيته؛ فسلم عليه، أما رجل دائماً معك في كل صلاة فتقول: (السلام عليك تقبل الله، تقبل الله) فلا. وبعضهم يسلم على ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره، وثلاثة أمامه وثلاثة خلفه؛ حتى تجد بعض الناس في الحرم يكلم الناس ويقطع عليهم ذكرهم وتسبيحهم ويشوش عليهم، وهذا من الجهل والبدع.

ألفاظ شركية

ألفاظ شركية ومن الألفاظ الشركية التي انتشرت وقد نبه عليها كثيرٌ من الأئمة والخطباء والتي قد تصل بصاحبها إلى الشرك، مثل قوله: " خذوه " أو "شلوه" -نسأل الله العافية- وهي من نسبة الأفعال والتصرف في الكون للجن وهذا شرك. فلا يصرف إلا الله قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] فنسبة هذه الأفعال لغير الله عز وجل غير صحيح، وهذا ينبه عليها. أو قول البعض " نعوذ بالله سبعة " وهذا أمر عجيب! وأخبرنا أحد الإخوة: أنه نزل إلى السوق يأكل تمراً؛ فأتى عند رجل فقال: ستة مبارك ثمانية، أي: قفز عن لفظ سبعة في الكلام؛ حتى لا ينصرف إلى الجن، فقال هذا الشاب له: قل سبعة؛ فقفز الرجل على الشاب، وقال: " باسم الله، اللهم احفظني واحرسني" وهذا من اعتقادهم أنهم يضرون وينفعون، ولا ينفع إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4] وهذا من الخطأ، ومن صرف الأفعال التي يؤثر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيها بالكون، والناس لا يملكون ضراً ولا نفعاً. فهذه من الأفعال التي انتشرت بين الناس وأحببت أن أنبه عليها حتى لا يقع فيها الناس، ونسأل الله لنا ولكم الهداية والرشد والسداد.

الإرجاء حقيقتة وخطره

الإرجاء حقيقتة وخطره ومعي قضية أختتم بها الحديث. مسألة الإرجاء: وهي مسألة منتشرة بين كثير من الناس، وهو مذهب بدعي فـ المرجئة يقولون إن الإيمان قول واعتقاد، أما العمل فلا يدخل فيه، والناس متساوون في الإيمان، ولا يلزم الإنسان أن يفعل صالحاً إذا آمن، قال ابن تيمية في المجلد السابع: " جعل المرجئة الإسلام كالثوب البالي"، والمرجئة منتشرة بين الصفوف، خاصة أن كثيراً من الناس الذين لم يقبلوا على الله فليس عندهم توبة وليس عندهم عمل صالح، فتقول له: صلِّ، فيقول: الله غفور رحيم ويزني ويقول: الله غفور رحيم، ويقول: الله لا يؤاخذنا بأعمالنا، والله أرحم من ذلك، والله أرحم من أعمالنا!! وأحد الناس الكبار في السن لقيته مع أحد الإخوة في مسجد من المساجد، فكان جالساً، وليس لديه عمل، دائماً في المسجد؛ لكنه لا يسبح ولا يقرأ ولا يذكر الله يعني: ينظر إلى الشارع فيوصل السيارات برأسه، يراقب الأولى ثم يأخذ الثانية ثم الثالثة، فقلت له: يا والد! حفظك الله: لو استغللت وقتك وقلت: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله) وجئت له بأحاديث؛ فقال: يكفي أن أصلي، فالله ليس بحاجة لتسبيحنا، وأنا -والله- لا أريد من الله إلا الصلاة التي أصلي له سبحان الله! وهذا حصل معي مع بعض الشباب، وكثير من الشباب الذين عندهم كثير من العلم، لكنهم يقعون في كثير من المعاصي والخطايا ويقولون: (الله غفور رحيم) أما قرأوا: {إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وأنه: {لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25 - 26]؟! فمذهب الإرجاء منتشر؛ ولذلك تجده يرجو رجاءً عظيماً ويعمل عملاً سيئاً؛ فلْيُعْلَمْ هذا، فهو من الخطورة بمكان، وهو منتشر في صفوف كثير من الناس؛ حتى أخبرنا أن بعض الناس عرف في حيه أنه من أفظع الناس في الخطايا، يرتكب منها أمثال الجبال؛ فلما ذهب بعضهم إليه في البيت لينصحه، قال: اسمع، وكأنه يريد أن يقنعه بالحديث فانظر إلى هذا القحط الذي وقع في الدنيا، قال: نحن في خير والحمد لله، ولو ذهبت إلى أمريكا وفرنسا لرأيت العجائب، أما نحن -والحمد لله- فنحن في خير واستقامة، والله عز وجل ليس بحاجة إلى عملنا، وأبشرك أننا مصلحون وفي خير. ماذا تقول لهذا؟ ألم يقرأ القرآن والسنة؟ فهو يرد عليك بكلام أهل الإرجاء. فهي بدعة مشينة؛ وهي تحطم الدين؛ وتقطع تقوى الله رب العالمين؛ وتسد طريق السالكين إلى الله، فليحذر من الإرجاء، فإن الله قد يغضب من كلمة يقولها الشخص في مجلس، فتهوي به في النار سبعين خريفاً، أو ربما يفعل فعلة لا يرضى الله بها عنه أبداً. بكى الحسن البصري فقالوا: مالك؟ قال: أخشى أن يطرحني في النار ثم لا يلتفت إليَّ. فنسأل الله العافية والسلامة.

الأسئلة

الأسئلة

حديث (ملعون من سأل بوجه الله)

حديث (ملعون من سأل بوجه الله) Q ما صحة هذا الحديث: {ملعون من سأل بوجه الله، ملعون من لم يجب}؟ A بحثت عن هذا الحديث مع بعض الإخوة وهو في كشف الخفاء ومزيل الإلباس وقد نسبه للطبراني وقال: سنده حسن عند بعض الأئمة، لكن في القلب من تحسينه شيء، وعلى كل حال تكلم فيه بضعف ثم قال وسنده حسن عند بعض الأئمة، والذي يظهر لي أنه ضعيف، وأن كلام العجلوني أو السخاوي -والسخاوي نص كذلك على نسبته إلى الطبراني في الكبير وحسنه- فيه نظر؛ ولكن الذي أقوله الآن أن النص لا يُطمأن إليه وقد نص بعض العلماء والأئمة أنه ضعيف.

حكم لعن الشيطان

حكم لعن الشيطان Q ما حكم لعنة الشيطان؟ A الشيطان ملعون، ويجوز لعنه، لكن حُبذ في بعض الأحاديث ألا تلعن الشيطان لأنه ينتفض كالجبل، ولكن استعذ بالله منه، وأنا أرى أن يقال: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لأنه أفضل، وإلا فيلعن.

حكم قول (أنا أكبر من الله)

حكم قول (أنا أكبر من الله) Q ما حكم قول بعض الناس فيما يقوله في المزاح: " أنا أكبر من الله " ويريدون فيها أنه يكبر بتوفيق من الله، يعني من الله؟ A هذه العبارة لا تستخدم، ولا يجوز أن تلقى على الناس لأنه وقع بها الإيهام الذي نهى عنه أهل العلم، قال علي بن أبي طالب: [[حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله]] وقال ابن مسعود: [[إنك لست محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة]] فلا يحدث بهذه الألغاز، ويضيع بها الحياة إلا من قل حظه من العلم الشرعي، والغريب أنك تجده لا يجيد الوضوء ولا يعرف سجود السهو، ويقول: أنا أسألك عن شيء إذا رفعته بكى وإذا خليته سكت، وأسألك عن معنى " أنا أكبر من الله "، " وأسألك عن شيء إذا اقتربت منه ابتعد عنك وإذا ابتعدت عنه اقترب منك، وهذا كلام خزعبلات يليق بعجائز البربر وشيوخ القمر، أما طلبة العلم والأخيار فليس هذا حديثهم. وكلمة " أنا أكبر من الله " موهمة، فالكبير هو الله، وما الداعي لقول هذا الكلام، فهذا قد أخطأ وضل ضلالاً مبيناً، وكذب على الله، وأنا أعرف قصده، لكن لماذا يستخدم هذه الكلمة المهينة المشوشة المسيئة. وقوله " أنا أطهر من الكعبة " بل هو أنجس من الكلب -نعوذ بالله- فإن كان قصده هذا الكلام؛ فهو أنجس من الكلب " -إن كان يقصد ما يقول- وإن كان قالها تبجحاً؛ فهو جاهل نأتي به فنعلمه ونؤدبه، ونمر به على القاضي يحكم عليه بعشر جلدات بعد صلاة الجمعة ليذهب يتغدى مع أهله، ولذلك يقول السيوطي من يستخدم الألفاظ المجملة على القضاة أن يؤدبوه، على الناس أن ينتبهوا لهذا. ويقول في الثاني: أنا أنجس من الكلب ويقصد بها أنه يتنجس من الكلب، فهذا حكم على نفسه، ولا نأخذ إلا حكمه على نفسه. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الصيام تدريب روحاني

الصيام تدريب روحاني رمضان شهر التوبة والغفران، وهو أعظم فرصة للمذنبين ليعودوا إلى الله. وفي هذا الدرس بيان لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهدي السلف الصالح في رمضان، وبيان للأخطاء التي يرتكبها الناس في رمضان.

وقفات مع آيات الصيام

وقفات مع آيات الصيام الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم عليه من معلم جليل، ومؤيد بجبريل، ومذكور في التوراة والإنجيل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: يا مسلمون! يا مصلون! يا صائمون! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. وإن كان من شكر فإني أشكر الله تبارك وتعالى على أن أجلسني أمام الصالحين الأبرار، والنبلاء الأخيار، ثم أشكر أهل الفضل لفضلهم وهم الداعون من ثانوية الملك خالد بهذه المنطقة، مديراً وأساتذة وطلاباً. جاءكم ضيف كريم على أنفسكم، وأتاكم حبيب طالما تشوقتم إليه، أو الكثير منكم طالما تشوق إلى هذا الضيف، وهو الصيام وشهر رمضان. مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام قد لقيناك بحب مفعمٍ كل حب في سوى المولى حرام فاقبل اللهم ربي صومنا ثم زدنا من عطاياك الجسام لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلق أسهرنا جنح الظلام أتى شهر رمضان وقد فقدناه سنة، وفي هذه السنة الله أعلم ماذا فعلنا فيها؟ ذنوباً وخطايا، ومعاصٍ وفواحش، كبائر وصغائر، تخلف عن الجماعات، وإغضاب لرب الأرض والسماوات، سيئات كثيرة، لكننا نسأل الله مغفرة، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {رمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن ما لم تغش كبيرة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. أتى رمضان ووقف العصاة على أبواب التوبة أتى رمضان وتحركت القلوب إلى باريها أتى رمضان لتبكي العيون التي ما عرفت الدموع أتى رمضان لتلين القلوب التي كانت قاسية أتى رمضان لتجوع البطون التي طالما شبعت وما عرفت الجوع أتى رمضان لتضمأ الأكباد التي ما عرفت الضمأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183]. يا مؤمنون! يا مصلون! يا حملة الرسالة الخالدة! يا أهل المساجد! يا أهل الثلث الآخير من الليل! أنتم المؤمنون لا غيركم، الآية لا تخاطب الفنانين والفنانات، ولا الراقصين والراقصات، ولا المطبلين والمطبلات، إنما تخاطب أهل الإيمان، الذين غرسوا في قلوبهم لا إله إلا الله، والذين سجدوا لله، وتوجهوا إلى الله: يا أيها الذين آمنوا. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك: يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] فهو واجب وفريضة وليس بسنة: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] والمقصد من الصيام أن يتقي العبد ربه. كيف يتقي العبد ربه بالصيام؟ إذا جاع انكسر وتواضع وعرف الله، فالعين لا تغض عن الحرام حتى يتقي العبد ربه، والفرج لا يحفظ إلا إذا اتقى العبد مولاه، ومتى يحفظ؟ إذا جاع. إن الشبع وكثرة المطعومات والملبوسات، والمرطبات والمشروبات والمشهيات تجعل القلب جباراً، لا يغض طرفه، ولا يحفظ فرجه، ولا يدري ماذا يأكل، ولا يحفظ أذنه من الحرام. {{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] فالتقوى في الصيام، يقول عليه الصلاة والسلام: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} يوم يصوم العبد تذبل روحه، وينكسر قلبه، ويتوجه إلى الله، ويصبح عبداً لله. فيا أيها الإخوة! من منطلق هذه الآيات نأخذ دروساً من الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:183 - 184] ليست شهوراً، كم أكلنا؟ كم شربنا؟ كم تمتعنا؟ إحدى عشر شهراً ونحن نأكل أفلا نصوم شهراً واحداً؟ إحدى عشر شهراً نشرب أفلا نصوم شهراً واحداً؟ {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:184] مرحباً برمضان، شهر التوبة، وأسأل الله في هذه الليلة المباركة أن أكون وإياكم والمسلمين من عتقاء هذا الشهر، الذين اطلع الله عليهم في ليال حبيبة قريبة من ليالي الصيام، فأعتقهم من النار، ويحرَّم أجسادهم على النار، وعظامهم وعصبهم وشحمهم ودماءهم. يا رب! عبادك بين يديك من يرحمنا إذا لم ترحمنا؟! من يغفر إذا لم تغفر لنا؟! من يقبلنا إذا رددتنا؟! من يتوب علينا إذا لم تتب علينا؟! إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقنا من النار {شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة:185] ما هي مواصفاته وصفاته؟ {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185]؟ يا أيتها الأمة التي كانت أعرابية بدوية متخلفة ساذجة، فأنزل الله عليها القرآن؛ فحكمت الدنيا! يا أيتها الأمة التي ما عرفت الثقافة والمعرفة والنور فأنزل الله عليها القرآن ففتحت الدنيا! {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة:185] لك الحمد، ولك الشكر، ولك الثناء الحسن: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185] لكن هنا قضايا: أولاً: هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام. كيف كان يصوم؟ ثانياً: أثر الصيام في تربية النفس التلاوة الصدقة النوافل ذكر الله التفرغ للعبادة طرد الشيطان إلى غير ذلك من القضايا. ثالثاً: الأعمال الصالحة في رمضان، بم نقضي شهر رمضان؟ وهذه المآسي التي نعيشها إن لم نوجد لها حلاً إسلامياً سوف نستمر في الخطأ، أصحيح أن رمضان يحدث في بعض الأماكن، وفي بعض الأسر والبيوت رجالاً ونساء يكون موسماً للنوم، النهار نوم والليل يقظة وسمر وسهر في غير طائل، بل في المعاصي والمخالفات، ثم يأتي الإفطار فتكون مطعومات ومشروبات ومرطبات تكفي الجماعات الهائلة ثم ترمى وتهلك وتهدر بلا حساب ولا مراقبة لله؟ تلك خطايا سوف نمر بها هذه الليلة، لكن ما هي الأعمال الصالحة التي نقضيها في شهر رمضان؟ ذلكم ما سوف نستمع إليه في هذه الليلة المباركة إن شاء الله. المسألة الرابعة: محاذير يقع فيها كثير من الناس في رمضان. أ- السهر الضائع أولاً. ب- كثرة المطعومات والمشروبات والتهيؤ لهذا الإفطار والسحور بشيء الله به عليم. ج- إدمان النوم وكثرته على حساب رقة القلب والعبادة. د- عدم التأثر بالصيام، يدخل الشهر ويخرج ولا أثر ولا تربية ولا نزع ولا فائدة؛ فما هي فائدة الصيام؟ هـ النزول إلى المحلات والأسواق بكثرة حتى أصبحت ظاهرة عند كثير من المسلمين في رمضان؟

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ما هو هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ أولاً: صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصحيحين: {يقول الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره أو بصومه، وإذا لقي ربه فرح بصومه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام ثم قال في آخر الحديث: {ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك والصوم جنة -يعني وقاءً وساتراً وحاجباً- فإذا كان يوم صوم أحدكم فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم}. أولاً: يقول الله في الحديث القدسي: {كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي} لأن الصلاة والناس يرونك، والحج والعمرة تكونان مع الناس، والزكاة تزكي بمرأى ومسمع من الناس، لكن الصيام سر بينك وبين الله. من يعرف -أيها الإخوة المسلمون- أنك صائم أو غير صائم إلا الله؟ بإمكانك أن تتستر بالحيطان، بإمكانك أن تختفي وراء الجدران ثم تأكل وتشرب ولا يدري بك إلا الله. وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقلها إن الذي خلق الظلام يراني والمؤمنون يتميزون عن الكفرة بالإيمان بعلم الغيب: {آلم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:1 - 3] إيمانٌ بالغيب، يعبدون الله كأنهم يرونه فإن لم يروه فإنه يراهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى. أحد الصالحين توفي فرئي في المنام قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ذنبي، قالوا: بماذا؟ قال: أذنت وحدي في الصحراء وأقمت ولا يراني إلا الله. والصيام سر بينك وبين الله، ولذلك تميز الصيام عن غيره من الأعمال أنه لا يعلم بك إلا الله، وقد سمعنا وشاهدنا ونقل إلينا من كثير من أبناء المسلمين الذين يعيشون في بلاد المسلمين ممن قلت رقابتهم لله، وممن ضعف إيمانهم في قلوبهم، وممن تذكروا كل شيء إلا الله، استحيوا من الناس وما استحيوا من الله: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ} [النساء:108] {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة:7]. إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب وجد من شبابنا بل من كبار السن ممن قلت رقابتهم؛ من يأكل ويشرب في رمضان، لا إله إلا الله! أبعد هذا العمل خوف من الواحد الديان؟! أبعد هذا التصرف خشية للرحمن؟! أي إيمان هذا؟ وهذا لأنهم تربوا على غير القرآن، ولم يعرفوا المساجد، ولم يداوموا على الصلوات الخمس، أخذوا ثقافتهم من المجلة الخليعة، والجلسة الآثمة، والأغنية الماجنة، والجلساء السيئين، فانقطعوا عن القرآن والحديث، وانقطعوا عن الدعوة والمحاضرات والدروس، فوقعوا في براثن المعصية.

جوده صلى الله عليه وسلم

جوده صلى الله عليه وسلم كان هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان أنه إذا أقبل رمضان حياه وبياه وأنزله في شغاف قلبه، يقول ابن عباس في الصحيحين: {كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس} أولاً: هذه قاعدة: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس} يعني هو أجود الناس في رمضان وغير رمضان، وقد ورد في المسند أن أعرابياً سأله فقال: {لا. وأستغفر الله} يعني: أستغفر الله من (لا) فهو لا يعرف (لا) لكنه هذه المرة قال: لا، واستغفر الله. ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم {كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة}.

مدارسة القرآن مع جبريل

مدارسة القرآن مع جبريل وفي رواية: {فيدارسه القرآن إذا لقيه جبريل} ويختم معه القرآن ويعيش مع آيات الواحد الديان، ويتدبر معه العبر التي أنزلها الرحمن، فيأتي صلى الله عليه وسلم كالريح المرسلة، بالعطاء، والعلم، والنفع، والفائدة، والصدقة، هذا هديه، إذن يستفاد من الحديث الصدقة، وتلاوة القرآن، ومدارسة كتاب الله عز وجل، هذا هديه صلى الله عليه وسلم. أما لياليه فلا تسأل عنها، فهي عبادة وبكاء، ومناجاة للواحد الديان. قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران:17] {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:16 - 17] {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17] يا من أذهب ليله بالمعاصي! يا من جعلها في السهرات والسمرات! يا من ضيعها في المخالفات والسيئات! أما خفت الله؟ أما راقبته وحاسبت نفسك قبل أن يحاسبك الله؟

أثر الصيام في تربية النفس

أثر الصيام في تربية النفس القضية الثانية: أثر الصيام في تربية النفس: من فوائد الصيام -ومن لم يستفد من صيامه في رمضان فليراجع نفسه، وليعلم أن في صيامه نظر، وليعلم أن في صيامه نقص، وليعلم أنه ما صام صياماً حقيقياً-:

غض البصر وحفظ الفرج

غض البصر وحفظ الفرج أولاً: غض البصر وحفظ الفرج: فإذا لم يصم العبد عن هذه الأمور فكأنه ما صام، والصيام ليس معناه أن تصوم عن الخبز والماء والفاكهة والخضروات، ثم تفطر على أعراض المسلمين والمحرمات، لا والله. لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ فكلك عورات وللناس ألسن وعينك إن أبدت إليك معايباً فصنها وقل يا عين للناس أعين بل الصيام أن تصوم عينك عن الحرام، ويصوم لسانك عن الخنى والغيبة والنميمة والفحش، الصيام أن يصوم فرجك عن الحرام وبطنك عن أكل الحرام، وإلا فلا مدلول للصيام، دل عليه قول صلى الله عليه وسلم كما سبق في الصحيحين: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} ومعنى وجاء، أي: مانع من المحرمات أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وفي لفظ: {فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج} فهذه مدرسة الصيام، أولها: حفظ اللسان وغض البصر، وحفظ الفرج والجوارح مع الله الواحد الأحد، فمن وجد نفسه من أول يوم في رمضان أنه لم يحدث له شيء ولا تغير وأنه إذا نزل إلى الأسواق نظر إلى عورات المسلمين والمحرمات والأجنبيات فليعلم أنه لم يصم، وأنه ما دخل في الصيام، بل جاع وضمئ فقط لكنه لم يصم.

التواضع والانكسار

التواضع والانكسار والمسألة الثانية من فوائد الصيام: التواضع وانكسار النفس، فالنفس جموحة طامحة لا تنكسر إلا بجوع، والجوع هذا مدرسة، يوم تجوع تتذكر الفقراء والمساكين، فكثير من الناس اليوم شبعان ريان في قصره وسيارته الفاخرة، ووظيفته العالية، يظن أنه ليس في الدنيا فقير، وقد سمعت عن فقير أنه ما وجد عشاء ليلة هو وثمانية من الأطفال عنده، ولم يجد الوقود الذي يعبئ به سيارته ليس له وظيفة أو دخلٌ أو منصبٌ، وهو رجل يعول عائلة، ومستأجر في بيت، فلم يجد عشاء ليلته، فذهب إلى جيرانه يطرق عليهم ليستلف منهم ما يعشي به أطفاله، ولكن كثيراً من الذين يتعاملون بالربا ويستقلون السيارات الفاخرة، والمناصب العالية، والأموال الغزيرة لا يشعرون بهذا، لكن يشعرون إذا صاموا بحرارة الجوع وحرقته ولوعته، فكيف لا يعيش الإنسان هذه الأحداث؟! فيا أيها المسلمون! مقصدي ومقصدكم إن شاء الله أن نشعر بالجوع، وهو المحذور الذي ذكرنا من النوم في رمضان، فإن بعضهم ينام بعد الفجر إلى قريب من الظهر، ثم ينام من العصر إلى قريب المغرب، فمتى يصوم ويحس بالصيام، هل هو صوم النوم؟ كتب عليه الصوم وهو نائم في الأحلام، يرى في المنام أنه صائم، فلا يستيقظ إلا ثلاث ساعات، وبعضهم وجد أنه لا يستيقظ إلا وقت الصلاة، يصلي الفجر ثم ينام حتى صلاة الظهر فإذا سمع الأذان توضأ وأتى فنقر أربع ركعات، وليس فيها نافلة، ثم يعود مباشرة لئلا يضيع الوقت فينام إلى صلاة العصر، ثم يصلي العصر ثم لا يستيقظ إلا في صلاة المغرب، فهل هذا صوم؟ هذه كصلاة عجائز نيسابور وليس بصوم هذا، فليس المقصود في الإسلام أن يستلقي الإنسان على فراشه ثم لا يشعر بالجوع والظمأ، ولا يتلو القرآن ويعيش التلاوة، ولا يتذوق السيرة، أو يقرأ الحديث، ولا يدعو إلى الله، ويغتنم الذكر والاستغفار والتوبة، إذاً ماذا قدم؟ وماذا فعل؟

طرد الشيطان

طرد الشيطان ثم القضية الثالثة من الفوائد: طرد الشيطان وتضيق مجاري الدم، فالدم يزيد بكثرة الطعام والشراب، ولذلك قالوا عن الصيام: إنه قرة عيون العابدين، وشرح لصدور المستقيمين، وبلسم شافٍ لقلوب الموحدين، وكهف يلجأ إليه العابدون، ويحبه القائمون العارفون، أو كما قالوا. إذا علم ذلك فإن الطعام والشراب يكثر جريان الدم، والشيطان يجري -كما في الحديث الصحيح- من الإنسان مجرى الدم، كلما أكثر الإنسان من الأكل كلما كان شيطانه أكبر إلا أن يستغفر الله ويذكره، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الكافر يأكل في سبع معي -أمعاء- والمؤمن في معي واحد} لأن الكافر يأكل معه الشيطان والعفاريت والجن، ويحضرون مأدبته ويشاركونه هذه الضيافة الكريمة منه لإخوانه وقرنائه. أما الصالح فإنه يسمي ويأكل وحده، ولذلك يقول بعض العلماء لما قال صلى الله عليه وسلم في صيام أيام البيض: إنما خص البيض -وهذا علم عصري يقبل الرد والقبول -يقول: إنما خصص الرسول صلى الله عليه وسلم الثلاثة الأيام البيض؛ لأن الأيام البيض يكثر جريان الدم في العبد، ولذلك المد في البحر يزيد، والجزر ينقص إذا اختفى القمر فقالوا: جريان الدم يزيد في الثلاثة الأيام البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فجعل صلى الله عليه وسلم الصيام في هذه الأيام لتضيق مجاري الطعام والدم، ليندحر الشيطان، فأخسأ ما يكون الشيطان في رمضان. ولذلك إذا دخل رمضان فتحت الجنان- اللهم اجعلنا من أهل الجنة، اللهم اجعلنا من ورثة الجنة -وغلقت النيران -نعوذ بالله من النار وصفدت الشياطين- ومصفودة، يعني: مغلولة أياديها إلى أعناقها لا تتحرك في رمضان، لأنه حجر عليها في الطعام والشراب.

تذكر المساكين والمحتاجين

تذكر المساكين والمحتاجين من دروس رمضان كما أسلفت: تذكر المساكين والمحتاجين، أحد الصالحين كان ينام ثم يستيقظ في وسط الليل فقالوا: مالك لا تنام؟ قال: أتذكر المساكين واليتامى والمحتاجين، يا من نام على الفراش الوثير! غيرك ينام على الرصيف، يا من أكل الموائد الشهية! غيرك لا يجد كسرة الخبز، يا من يسكن القصور البهية! غيرك يسكن في خيمة أو في الصحراء، غطاؤه السماء ولحافه الأرض، وأقرب الناس إلى الله أنفعهم لعياله، وهناك أثر: {الناس عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله}.

التفرغ للعبادة وقراءة القرآن

التفرغ للعبادة وقراءة القرآن المسألة الخامسة من الفوائد: التفرغ للعبادة، إذا لم يأتِ هذا السر في الصيام أصبح الصيام ناقصاً، فمن أسرار الصيام -يا مسلمون ويا مسلمات، ويا مؤمنون ويا مؤمنات- التفرغ للعبادة، وذلك لأن الطبخ والنفخ وكثرة الاشتغال في المأكولات والمشروبات تأخذ وقتاً على الإنسان، بل بعضهم ما همه في أكثر الأوقات إلا في الأكل والشراب، بعضهم الآن له خمس وجبات يفطر في الفطور فيشاور أهله وهو على الإفطار ماذا تريدون من الغداء؟ فإذا تغدوا، عقدوا مجلساً مغلقاً للعشاء، ودار الحوار بالأغلبية عن الوجبة التي تقدم في العشاء، ثم يأتي العشاء، وفي العصر لا تسل عما يمر من شاي وقهوةٍ وباردٍ وببسي وميرندا وفواكه وغيرها، حتى أصبحت حياتنا حياة أكل وشرب، أصبحت الزيارات للأكل والشرب، لا آية، ولا حديث ولا استثمار، وما كانت هذه حياة السلف. ونحن لا نقول للناس لا تأكلوا وتشربوا لكن نقول لهم: نظموا حياتكم وبرمجوا أوقاتكم ليكون هناك استثمار للعبادة وطائل من الحسنات ووقت لرفع الدرجات عند المولى، أما تنظر إلى الخواجة الكافر وهو في مصنعه ومعمله يهدر وهو لا يجد وقتاً، يأكل الطعام وهو واقف، وهو لا يرجو جنة ولا ثوباً ولا يخاف ناراً ولا عقاباً، فكيف يذهب الوقت سدى؟ قالوا: من فرص الصيام التفرغ للعبادة وهو صحيح، فإنك من صلاة الفجر ليس عندك ما تشتغل به، ثم يأتي الظهر وهو وقت الوجبة التي يأخذ على الناس لإعدادها وإحضارها ساعتين أو أكثر، فهذا أنت معفي عنه أيام رمضان، ثم العصر حتى تتفرغ ويتفرغ قلبك للاتصال بالحي القيوم وهي فرصة.

هدي الإسلام في رمضان

هدي الإسلام في رمضان والمسألة الثانية من فوائد الصيام:

الإكثار من قراءة القرآن

الإكثار من قراءة القرآن ما هي الأعمال الصالحة يا مسلمون؟ أنا أوصيكم ونفسي أن يكون رمضان خاصاً بالقرآن، وأوصي أهل الاطلاع أن يقللوا من اطلاعهم إلا في القرآن، وقد ذكر عن الإمام مالك: أنه لما دخل رمضان امتنع عن الفتيا ومجالس العلم، وقال: هذا شهر القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185]. فأدعو نفسي وإياكم إلى أخذ هذا المصحف من أول يوم، ثم الإدمان في النظر فيه، والاستمرار في القراءة والترداد والتكرار والتدبر، علَّ الله أن يجعله بلسماً لقلوبنا، فقد روى الحاكم في المستدرك بسند حسن أنه قال عليه الصلاة والسلام: {يأتي الصيام والقرآن يوم القيامة يشفعان للعبد، يقول الصيام: يا رب! منعته طعامه وشرابه وشهوته، ويقول القرآن: يا رب! منعته نومه فشفعني فيه، فيشفعان فيه}. فيا مسلمون! أوصي نفسي وإياكم بكثرة تدبر القرآن، وكثرة قراءته وتلاوته، وسوف أورد بعض القصص لا على أنها سنة، لكن تدل على أن بعض السلف كان يجتهد اجتهاداً عظيماً في رمضان: الإمام الشافعي ذكر عنه الإمام الذهبي: أنه كان يختم القرآن في رمضان ستين مرة، وقد نقل هذا ابن كثير أيضاً، أنه كان يختم القرآن في رمضان ستين مرة، مرة في الليل ومرة في النهار، ونحن أمرنا في السنة أن نختمه في سبع ولا يفقهه من قرأه في أقل من ثلاث لكن لزيادة الأجر: {من قرأ القرآن فله في كل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف} والحديث عند الترمذي. فكان السلف من أحرص الناس على قراءة القرآن. وذكر ابن حجر أن البخاري صاحب الصحيح: كان يقرأ القرآن في رمضان ثلاثين مرة. فأين الهمم؟ وأين أصحاب العزائم؟ فليتقربوا إلى الله في رمضان بكثرة تلاوة القرآن؛ فيختمه كثيراً ويكرره كثيراً، ويتدبره كثيراً فإنه سوف يكون شفيعاً له عند الله. وعند ابن حبان أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق، من عمل به قاده إلى الجنة، ومن أعرض عنه أخذه وقذفه على وجهه في النار} {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. نشكو إلى الله حال الكثير منا، فالكثير يأتي إلى الصحف والمجلات، والجرائد والمنشورات، فيعطيها الوقت الكثير ولا يعطي كتاب الله إلا قليلاً من وقته، أهذا حال الأمة الإسلامية؟ أهذا حال مؤمنين يريدون الله والدار الآخرة؟! إن هذا معناه -والله أعلم- أن في الأمة قسوة، وأن فيها قلة فقه، وعدم توجه إلى الله. إذاً: أكثر ما يستغل في رمضان المصحف -القرآن- فأكثروا من ختمه، وأكثروا من تدبره وحفظه، فشهر رمضان شهر القرآن.

المحافظة على الجماعة

المحافظة على الجماعة المحافظة على الجماعة، ولا يعني مفهوم المخالفة أن تحافظ في رمضان، وأن تترك الجماعة في غير رمضان، لا والله. فإن اليوم الذي تركت فيه صلاة الجماعة؛ وقع الناس في المعاصي، ويوم تركت صلاة الجماعة؛ وقع الناس في السيئات. فالمحافظة -أيها المسلمون- على صلاة الجماعة في رمضان وغير رمضان، لكن يمتلئ العالم الإسلامي بأناس كأنهم يدجلون على الله، أو يريدون الضحك على مبادئ الله، إذا أتى رمضان ملئوا المساجد، المصحف في يده البكاء صلاة التراويح فإذا صلى العيد تاب من دخول المسجد، ولا يعرف المسجد وفي أثر: {بئس قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان} فرب رمضان هو رب شعبان، وهو الذي يراك وهو الديان أينما كنت، ينظر إليك في منامك ويقظتك وفي تقلبك في الساجدين، فالانتباه الانتباه يا أيها الإخوة. وبعض الناس سمعت منهم أنه كان يقول: ما دام أن رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما، إذاً نصلي في رمضان ونحضر ويكفر الله ما بينهما، وهذا أخطأ خطأً بيناً، وغلط -والله- غلطاً فاحشاً، فرمضان مكفر لما بينه من الصغائر، أما ترك الجماعة فكبيرة لا يكفرها إلا التوبة إلى الله.

كثرة الذكر والاستغفار والتهليل

كثرة الذكر والاستغفار والتهليل ومنها: كثرة الذكر: من الاستغفار والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، والصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] يا مسلمون! اشغلوا ألسنتكم بذكر الله في رمضان وغير رمضان، أكثروا من التهليل، ليكن للعبد مئات من التهليل، ومئات من التسبيح، مئات من الصلاة والسلام على المصطفى عليه الصلاة والسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: {سيروا هذا جمدان، سبق المفردون، قالوا: يا رسول الله! وما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات} حديث صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام لرجل سأله: {إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فدلني على شيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} حديث صحيح في سنن الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: {من قال: سبحان الله وبحمده؛ غرست له نخلة في الجنة} حديث صحيح في سنن الترمذي، وقال عليه الصلاة والسلام: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ أحب إلي مما طلعت عليه الشمس} ووالله ثم والله لقد وجدت ألوف مؤلفة من الأمة الإسلامية ما عرفوا إلى اليوم مستقبلهم ولا مصلحتهم ولا طريقهم إلى الله، قوم جعلوا بيوتهم ثكنات للمعصية وللفاحشة وللغناء، وهذا الغناء عيب والله، وهو قلة مروءة، وقلة شهامة، حتى الأمم الكافرة والصهيونية -إسرائيل وجيش إسرائيل- لا يعرفون الأغاني الماجنة، لكن أن تربى أمة من الأمم وجيل من الأجيال على مطبلين ومغنيين ومغنيات؛ والله إنه خزي وعار، ويكفينا خيبة وهزيمة، يكفينا مغنون ومغنيات، ومطبلون ومطبلات، وفنانون وفنانات، يسمونهم نجوم لامعة، لا والله، نجومنا اللامعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي نجومنا اللامعة خالد بن الوليد وطارق وصلاح الدين ونور الدين محمود زنكي نجومنا اللامعة: ابن تيمية وأحمد ومالك والشافعي وأبو حنيفة، نجومنا اللامعة: من يتقي الله ويحافظ على الصلوات الخمس، أما أناس امتلئوا قذارة وقلة حياء يتصدرون للأجيال ليفسدوهم، ويطبلوا على أعوادهم، ويصدوهم عن المساجد، وطائرات إسرائيل تقصف بلادنا ومقدساتنا وأرضنا وكرامتنا، ما هذا العقل؟ وما هذا التمييز؟ وما هذا التصرف؟ إلى الآن لم نشعر بفائدتنا، ويظن بعض الناس إذا حدثنا في بعض المحاضرات أو الدروس وقلنا حرام، قال: هذا تنطع وتزمت، لكن انظر لبناتك وأبنائك الذين تربوا على الغناء ماذا فعلوا، ارتكبوا فيما بعد الفاحشة؛ لأنهم سمعوا من المغني أنه يحب ويرى ويعشق وأنه يموت ويذوب فتجدهم يقولون: هل رأى الحب سكارى مثلنا يا من هواه أعزه وأذلني كيف السبيل إلى وصالك دلني السبيل! نار جهنم إن لم يتب إلى الله، فيكفينا قلة حياء كما قال بعض العلماء: أُحل الغناء بإجماع الفساق وسكوت العارفين، أخذوا الفتوى من فساق، وأنا لا أقصد أن من يفتي بإباحة الغناء أنه فاسق، لكن من تصدر لإغواء الآمة وإرهاق وتضييع أوقات، وصد شبابنا عن القرآن، وعن حلقات الدروس تعقد في العصر في كثير من المساجد، محاضرات ودروس تقام في الجوامع في أكثر مناطق المملكة والشعوب الإسلامية، فيأتي هذا المغني الفاجر فيأخذ عوداً ويقف أمام الملايين ليعلمهم طريق الفاحشة، يقول: من هنا الزنا، من أراد أن يزني فليتبعني، حتى يقول ابن القيم: الغناء بريد الزنا ورقية الشيطان، وما داوم أحد على الغناء إلا وقع في الزنا، والعياذ بالله. يا أيها المسلمون! هل من عودة إلى إدخال الإسلام في البيوت؟ وإدخال القرآن والشريط الإسلامي بدل الشريط الغنائي والمسلسل المهدم والفيديو المخرب، جلسة روحية بدل جلساء السوء، كتاب إسلامي بدل المجلة الخليعة، هل من عودة؟ لا يكفي أن نصلي فقط، والصلاة لها أثر في الواقع، ولذلك تجد بعض الناس يقول: نحن على خير والحمد لله، قلنا: والغناء، والربا، والزنا، والغيبة، والنميمة، قال: انظر المساجد الناس يصلون وسددوا وقاربوا والله غفور رحيم، وأبشر بالخير، الأمة في خير وإلى خير، نعم. لكن من أفسد الأمة؟ ومن حول طريق الأمة من أن تكون أمة صالحة مهتدية، وأن تكون أمة عابدة متجهة إلى الله تبارك وتعالى.

الإكثار من الصدقة

الإكثار من الصدقة من هدي الإسلام في رمضان ومن سنن رمضان: كثرة الصدقة، بالقليل والكثير، يعني تكون يمينك كالريح المرسلة، لا يشترط أن يتصدق بالألوف، بل ريال واحد ينفعك عند الله ولو بصلة، ذكر الذهبي عن أحد الصالحين أنه: ما خرج إلى الصلاة إلا تصدق بشيء، فإن لم يجد أخذ بَصلة من بيته ووضعها في يد فقير. والله! يوم القيامة يحتاج الإنسان ولو إلى بصلة أو إلى قرش واحد أو كسرة خبز، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل إنسان في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن لله ملكين يناديان كل صباح يقول أحدهم: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من تصدق من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا طيباً- فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى تصبح كـ جبل أحد} يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] ويقول: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:274]. كثير من الناس يقول: الآن ليس في الناس فقر، كلهم مرتاحون والحمد لله، كل إنسان مستور في بيته وهذا خطأ، بل فيهم فقراء، وأنا عندي اثنا عشر معروضاً لاثني عشر من الذين وقعوا في أزمة مالية، أحدهم تحمل رقاباً، وآخر هو وذريته وأهله لا يجدون دخلاً لا شهرياً ولا سنوياً، طلبة أتوا من بلادهم يدرسون بأهلهم ولا يجدون سكناً ولا طعاماً ولا شراباً، وهؤلاء تحق فيهم الزكاة، فلا يقول أحد من الناس: ليس في الناس فقر، فاغتنم رمضان في الصدقة، واغتنمه في الزكاة، واغتنم أن تعتق رقبتك من النار. أحد الصالحين - عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير - كان يسأل عن ديته ثم يدفع ديته في رمضان حتى أعتق نفسه واشترى نفسه من الله أربع مرات، ويوم حضرته الوفاة قال: "اللهم إني اشتريت نفسي منك أربع مرات، اللهم لا تخزني يوم يقوم الأشهاد، اللهم لا تخزني يوم يقوم الأشهاد" هذا الرجل الصالح كان إذا صلى الفجر قال: "اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، قالوا: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فحضرت صلاة المغرب، فقبض الله روحه في السجود في صلاة المغرب في آخر ركعة": {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] الجنة لا تُدخل بالمؤهلات، ولا تعرف الجنة دكتوراه أو ماجستير: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:1 - 3] قالوا: تخفض أناساً كانوا مرفوعين في الدنيا، لا ينظرون إلى البشر، فتجعلهم يوطئون بأقدام الناس، لما صح عنه صلى الله عليه وسلم قال: {يحشر المتكبرون يوم القيامة على صورة الذر، يطؤهم الناس بأقدامهم} وترفع أناساً كانوا مخفوضين، ينامون على الأرصفة، فهم فقراء لكنهم أهل سجود، وخشوع، وتبتل، وإقبال على الله. محمد إقبال ينظر إلى المساجد والوعظ، وإلى حياة الأمة الإسلامية وما وقعت فيه، قال: أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال ثم يقول: وعند الناس فلسفة وفكرٌ ولكن أين تلقين الغزالي وجلجلة الأذان بكل حيٍ ولكن أين صوتٌ من بلال منائركم علت في كل ساحٍ ومسجدكم من العباد خالي

صلاة التراويح

صلاة التراويح ومما يكثر في رمضان ويحافظ عليه؛ صلاة التراويح، فاجتماعك بالمسلمين فرصة لا تتعوض، ولعل الله يغفر للجمع فتكون أنت منهم وأنت مسيء فيدخلك الله في حسنات الصالحين، ولذلك يقول الداعي والإمام والقانت في رمضان: اللهم هب المسيئين منا للمحسنين، أليست فرصة أن تدخل مع المسلمين، عل الله أن يتوب على الجمع فيدخلك معهم؟! ولذلك في الحديث الصحيح: {إن الله عز وجل يسأل ملائكته وهو أعلم: أين كنتم؟ قالوا: مررنا على عباد يسبحون ويهللون -والله أعلم- قال: هل رأوني؟ قالوا: ما رأوك ولو رأوك كانوا لك أكثر تقديساً وتسبيحاً، قالوا: ويسألونك يا رب! قال: ما يسألونني -والله أعلم؟ - قالوا: يسألونك الجنة، قال: هل رأوا الجنة؟ قالوا: ما رأوها، قال: كيف لو رأوا الجنة؟ قالوا: كانوا أكثر سؤالاً وطلباً وإلحاحاً، قال: ومما يستعيذون؟ قالوا: يستعيذون من النار، قال: هل رأوها؟ -والله أعلم- قالوا: ما رأوا النار، قال: كيف لو رأوها؟ قالوا: كانوا أكثر استعاذة واستجارة من النار، قال: أشهدكم أني غفرت لهم وأدخلتهم الجنة، فتقول الملائكة: يا رب! -وهو أعلم- فيهم فلان بن فلان ما حضر معهم إلا جالساً، لا يريد ما أرادوا، قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم وله غفرت} فاغتنم صلاة التراويح ولا تفوتك لعل الله نظر إلى عباده في مسجد من المساجد فغفر لهم جميعاً وأنت معهم. يقول ابن القيم: "اهجم هجمة الكذابين، وادخل مع المتطفلين؛ علك أن تكون مع الصادقين" المتطفل هذا هو الذي يأتي للضيفة ولم يدع إليها، إذا رأى زواجاً وقناديل معلقة في الشوارع لبس ثوبه وأتى، يوهم أهل البيت أنه من الضيفان، ويوهم الضيفان أنه من أهل البيت، وهذا كثير في فن التطفل، فيقول ابن القيم: افعل مثل ما يفعل المتطفل، ادخل معهم وأنت لست معهم لكنك مذنب مخطئ عل الله أن يجعلك مع الصادقين. وصلاة التراويح على الصحيح إحدى عشرة ركعة، ولا بأس بمن زاد عليها لكن صح عند مسلم عن عائشة قالت: {ما زاد رسول صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا غير رمضان على إحدى عشرة ركعة} فعلى الأئمة أن يأخذوا هذه السنة فيصلوا إحدى عشرة ركعة، ثمان ركعات وثلاث وتر، فهذه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي رواية عن ابن عباس في صحيح البخاري: {ثلاث عشرة ركعة} جمع بينها ابن القيم فقال: بركعتي الفجر، وإلا فالأصل إحدى عشرة ركعة، لكن صلاة الليل بركعتي الفجر ثلاث عشرة ركعة.

محاذير في رمضان

محاذير في رمضان محاذير يقع فيها كثير من الناس في رمضان:

السهر الضائع في رمضان

السهر الضائع في رمضان السهر الضائع: فإن البرنامج بعد ما يدخل رمضان يتحول إلى نوم في النهار وسهر في الليل، فيصبح الليل نهاراً والنهار ليلاً. أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل وقد جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الليل لباساً، والنهار معاشاً، وجعل النوم سباتاً، والليل سكناً، والنهار معاشاً ونشوراً، فلماذا نخالف سنة الله في الحياة؟ وبعد أيام سوف ترى السهر من صلاة التراويح إلى صلاة الفجر، وهو ليس بحرام والحمد لله، لكن على ماذا السهر؟ إن الحدائق سوف تكتظ بالناس، وتسمع الغناء كأنهم في عيد سبتمبر، عيد الخسارة والدمار يوم أحرق وجه الأمة وأرغم في التراب، أرغمه مثل شامير ورابين وأذنابهم وأمثالهم، وتجد كثيراً من الرحلات والجلسات التي لا ترضي المولى بل قد تغضبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، جماعات من كثير من الشباب الذين ما اهتدوا، يتجمعون في رمضان في السهر إلى السحر، ثم قد ينامون بدون سحور النهار كله، فهذا السهر لا يرضي الله، وهو سهر في المعصية، وحبذا من أراد أن يسهر أن يكون له برنامج في السهر، يسهر مع أهله يعلمهم السنة، مع كتاب وشريط إسلامي، مع دعاة، في دروس، في تهجد، يأخذ المصحف ويصلي تارة، ويدعو تارة، ويقرأ تارة، ويستغفر تارة، فهذه -والله- فرص لا تتعوض. ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حيٍ ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيء تتمنى يوم القيامة دقيقة صرفتها في الطاعة، ولكن لا تجد دقيقة.

كثرة المطعومات والمشروبات في رمضان

كثرة المطعومات والمشروبات في رمضان ومن الظواهر في رمضان -أيها المسلمون- كثرة المطعومات والمشروبات، وهذا يخالف سر الصيام وهو التخفف من المطعومات، لكن بعض الناس يحسب الفطور والغداء والعشاء ثم يقضيه مرة واحدة، فيهيئ حتى تصبح بعض البيوت كأن فيها حرائق، يبدأ الطباخون والطباخات، والعجانون والعجانات، والفرامون والفرامات، الأحياء منهم والأموات، يبدءون بعد صلاة الظهر، هذا للإفطار، وبعضهم يبدأ من ضحى ليكون كمن أهدى بدنة في الساعة الأولى، فتجد البيت في حالة استنفار وطوارئ، ثم تعرض السفر، وهذا من الخطأ، فهذا الشخص في رمضان لم يتغير كثيراً، والإسراف الذي تعيشه الأمة ليس برشد، ولم يأخذوه من الكتاب والسنة. توضع السفر فتوضع فيها أنواع الأطعمة والأشربة، وأنواع المأكولات وما هب ودب، وما تعرف اسمه وما لا تعرف اسمه، وهذا فيه ثلاثة محاذير: أولاً: إغضاب لله لأن فيه تبذيراً، وقد وجد أن ما يرمى من الأكل في الزبالات والقمامات والمجامع العامة أكثر مما يؤكل. الثاني: أن فيه إرهاق لأهل البيت، فالمرأة المسلمة تريد الخير مثلما تريد أنت، أما أن تحولها إلى مباشرة وطباخة في رمضان، لا تقرأ ولا تسبح، ولا تستغفر وتبقى من صلاة الظهر وهي عند الفرن، فهذه ليست بحياة، وهذه ليس فيها عبادة، كل يوم تبقى المرأة في مطبخها حول إنائها وقدرها وصحنها، هذا ليس بصحيح وليس منهجاً إسلامياً، فلو اكتفى بالقليل من الطعام لكان أحسن. الثالث: أن فيه كذلك اشغال للنفس عن مطلوبها وهو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلذا نحث المسلمين على أن يبدءوا من الآن، فيرشدوا النفقات، وأن يكتفوا بنوعين أو ثلاثة أو أربعة إذا زادوا، أما عشرون صنفاً وثلاثون وأربعون فهذا خطأ، وهذا لا يفعله حتى الكفار، وليس عندهم هذه الأصناف، فهذا تبذير وإسراف وإرهاق للأسر وإتعاب للبيوت وعليك -أيها المسلم- أن تريح أهلك فإنك راع ومسئول عن رعيتك، أما هذا الإجهاد والإرهاق، والتبذير فلا يرضي الله تبارك وتعالى.

كثرة النوم في رمضان

كثرة النوم في رمضان ومن الظواهر: إدمان النوم، وقد سلف الحديث عنه، وهذا فيه إذهاب للوقت الذي يستخدم في طاعة الله عز وجل، وإلا فما فائدة الصيام إذا كان النهار كله نوم، فهذا ما كأنه صام، وصومه صحيح لكن لا أدري هل يكتب له أجر أو لا؟ ولا يعيش الصيام، ولا يدخل أثر الصيام إلى قلبه ولا يستفيد من الصيام، فقضية نوم النهار كله، لك أن تنام إلى قبيل الظهر إذا أردت، لكن يبقى لك من بين الظهر إلى العصر ومن العصر إلى المغرب، ليكون لك قراءة وتسبيحاً وتلاوة ومطالعة كتاب إسلامي استغفاراً ودعاء، أما كل الوقت نوم -وقد عرفنا من بعض الناس من ينام كل الوقت- حتى من بعد صلاة العصر ينام حتى يوقظه أهله للإفطار كأنه قام لصلاة الصبح، يقوم يتوضأ قبل المغرب ويبدأ يأكل، فهذا لم يصم، بل هذا صام في عالم النوم، رأى سبع بقرات سمان وسبعاً عجافاً، حتى يأتي يوم العيد ماله طعم عنده؛ لأن العيد لمن صام وقام، والعيد لمن خاف الواحد العلام، ولمن اتقى الله، وأكثر من التلاوة والاستغفار، وليس العيد لمن نام النهار وقام الليل في السهرات والضياع والفحش والبعد عن الله، هذه من الظواهر التي نشكوها صالحين وطالحين، بررة وفجرة.

عدم التأثر بالصيام

عدم التأثر بالصيام والمسألة الرابعة: عدم التأثر بالصيام وهي التي توجد عند بعض الناس، أنه لم تتحول حياته قبل رمضان وبعد رمضان، فتجده يكذب قبل رمضان وفي رمضان، ويخون في رمضان وبعد رمضان، ويغدر في رمضان وقبل رمضان، فإذاً ما هو أثر الصيام؟ يقول كثير من أهل العلم كـ أحمد وغيره: كان الصالحون إذا دخل عليهم الصيام، أخذوا مصاحفهم وجلسوا في المساجد -هذه ميزة الصيام في الإسلام- يتعبدون الله عز وجل، ولا تتحول حياة هذه الأمة إلا بتقوى الله عز وجل والعودة إليه بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا بد للمسلمين من اليوم الأول أن يبدءوا بالتوبة -نسأل الله أن يهله علينا وعليكم بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والمثوبة والأجر- ولابد أن نسأل أنفسنا، التاجر في متجره، والأستاذ في فصله، والموظف في دائرته، والعامل في عمله، يسأل هل تغير في هذا اليوم في صدقه ووفائه، وخوفه من الله وخشيته وعبادته، وإلا فليعلم أنه سيخسر رمضان حتى ينتهي رمضان.

الخروج إلى الأسواق

الخروج إلى الأسواق الظاهرة الخامسة: ومن الظواهر التي منيت بها الأمة الإسلامية أو المجتمع المسلم الآن: الخروج المكثف إلى الأسواق، قبل صلاة المغرب، تجد السوق يزداد سيارات ورجالاً، على المحلات كأن القيامة قامت، لو قامت القيامة كان أحسن للعمل الصالح، لكن كأن الأطعمة سوف تنتهي هذه الليلة، وينزل الناس إلى الأسواق كأن الأقلام رفعت عنهم، يأخذون ويلبسون من كل ما لذ وطاب، وكأنه سوف يأكل ما في السوق، فتزدحم الأسواق، وهذا الازدحام فيه ضرر، ويأتي بعد صلاة التراويح ما الله به عليم، اختلاط بين الرجال والنساء يغضب المولى، وضياع للأوقات، وفيه ثلاثة محاذير: الأمر الأول: قسوة قلب. الأمر الثاني: اختلاط الرجال بالنساء. الأمر الثالث: ضياع للوقت الثمين: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} فيا مسلمون! سيطل عليكم الشهر الكريم بعد أيام فاستقبلوه برضا وتسليم وحاولوا كل المحاولة أن يكون كفارة لما سبق، واجتهدوا أن تكونوا من عتقاء الله في هذا الشهر: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:101 - 103]. يا مسلمون! فرصة والله لا تتعوض، فرصة نادرة سانحة لمن أراد الله والدار الآخرة أن يجدد توبته، فيا من عصى الله كثيراً! ويا من تمرد على الله كثيراً! ويا من تعدى حدود الله كثيراً! ابدأ بالتوبة واستغفر الله وجدد توبتك إلى الله؛ وعد إلى الله علّ الله أن يجعلك من التائبين والمقبولين، فإن عطاء الله يغدو ويروح وبابه مفتوح ونواله ممنوح: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136].

كلمة إلى الأخت المسلمة

كلمة إلى الأخت المسلمة وفي آخر هذه الكلمة والمحاضرة أتوجه بالكلام إلى المرأة المسلمة؛ علها أن تسمع هذا الكلام مباشرة أو بواسطة الشريط: أن تتقي الله في رمضان، وأن تحافظ على رمضان ألا يفوتها ويسلب منها، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وخافت ربها، وأطاعت زوجها، دخلت جنة ربها} فهنيئاً للمرأة المسلمة التي جددت توبتها في أول رمضان، وأكثرت من التلاوة والذكر، وقدمت لنفسها من الصدقات، وأطاعت زوجها في طاعة الله، وغضت بصرها، وحفظت زوجها في نفسها، وقامت بإدخال الإسلام بيتها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] ما معنى إدخال الإسلام البيوت؟ معناه أن تدخل الصلاة البيت، وأن تدخل القرآن والشريط والكتاب الإسلامي وذكر الله البيت، وأن تخرج المعاصي والغناء والفحش والخنا وكل ما يغضب الله من البيت، هذا هو معنى الإسلام، والمرأة المسلمة كفيلة إذا وفقها الله بهذا، فإذا صلحت أصلح الله بها أبناءها. الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق الأم نبت إن تعاهده الحياء بالري أورق أيما إيراق أسأل الله لنا ولكم صلاحاً، رجالاً ونساء، وتوفيقاً خالداً، حضوراً وغياباً، وأن يتغمدنا برحمته ويجزل لنا مثوبته، وأن يجعلنا من عتقائه في هذا الشهر، وألا يجعلنا من قوم دخل عليهم رمضان ولم يخافوا فيه الديان، ولم يتقربوا إلى الرحمن، ولم يستفيدوا فيه من الدروس وما اتعظوا بالعبر. اللهم لا تجعلنا من قوم انسلخ عنهم رمضان وهم في الغضب والخسران والخذلان والحرمان، واجعلنا ممن أعتقتهم من النيران، وصفدت عنهم الشياطين وأدخلتهم الجنان، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أسدل علينا عفوك وبرك ورحمتك، واعتق رقابنا من النار، فإن أجسامنا على النار لا تقوى. اللهم ثبتنا بالقول الثابت، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، واجعلنا ممن تقبلت عنهم أحسن ما عملوا وتجاوزت عن سيئاتهم في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة .

مشكلة الدوري الرياضي في رمضان

مشكلة الدوري الرياضي في رمضان Q بعض الشباب عندما يأتي رمضان يقومون بتنظيم الدوريات الرياضية، فما هو تعليقكم على ذلك؟ وما هي نصيحتك لهم؟ A الإخوة الذين ذكر الأخ السائل أنهم يقومون بذلك، لا أدري كيف صيغة القيام بذلك؟! إن كان قصدهم يعني إعطاء الأمة من هذا، فالأمة والحمد لله مكرسة جهدها في هذا الأمر، وإن كان قصدهم أنهم يذهبون أوقاتهم في الكرة أو في الدورات هذه فما أظن عاقلاً يفعل بعمره هكذا، يسلب عمره من بين يديه في هذه التراهات، الكرة عندنا نعتقدها اعتقاداً جازماً أنها وسيلة والرياضة وسيلة وليست غاية، وسيلة لأن نكون أقوياء على العبادة؛ وأن نكون دعاة ومجاهدين؛ أما أن تكون غاية فلا. فإذا رضي لنفسه هذا المنزل فهو وذاك، لكني أوصيه كأخ وحبيب لي يجمعني أنا وإياه دين واحد، ونسير وراء رسول واحد -صلى الله عليه وسلم- ونقرأ كتاباً واحداً: أن يتقي الله في عمره ووقته، ماذا يقول للملكين في القبر؟ أين أذهبت أيامك ولياليك؟ مع المشرف الرياضي في ليلة كذا وكذا، نعم لكن رويداً رويداً، دائماً أهداف، دائماً منتخب، دائماً أجوال وحارس مرمى، أين وقت القرآن والعلم والخشية؟ هي ليست حراماً لكنها تحرم إذا تركت من أجلها الصلاة أو أخرت أو كانت حزبيات -هؤلاء ينقمون على هؤلاء- فأنا أرى أن على الأخ أن يتبصر ويتفقه: {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14] ويتثبت من هذه الأمور.

ضرورة الاهتمام بقراءة القرآن

ضرورة الاهتمام بقراءة القرآن Q نطلب توجيهاً للاهتمام بتصحيح قراءة القرآن والالتزام بشروطه، فما تعليقكم على ذلك؟ A صاحب السؤال دعاكم وهو ليس بسؤال وإنما أضم صوتي إلى صوته، وهي فرصة ثمينة في رمضان، أن يخصص هذا الشهر لمدارسة القرآن وتحسين قراءته. كثير من الناس يعرف كل شيء إلا القرآن والدين، يعرف قيادة السيارة وهندستها وكل مسمار منها، لكن إذا قرأ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] لا يعرف، فيقرأ مثل: الأحمق يقول: أحفظ أشعار العرب، قالوا: اقرأ القرآن، قال: وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً، وأكيد كيداً، فمهل الكافرين أمهلهم رويداً، وهذه ثلاث سور. ولذلك يوجد من الناس من لا يعرف يقرأ، لكن إذا حدثتهم عن السيارات والموديلات والموضات، والعمارات، والمشروبات والمطعومات، والمفروشات تجده محاضراً من الدرجة الأولى. فيا إخوتي! تعالوا إلى المساجد، كثير من المساجد فيها طلبة علم وكثير من الأماكن والجمعيات الخيرية فيها أساتذة جديرون بأن يتعلم منهم ويقرأ عليهم، وهذه دعوة ما أظن أحداً منكم يخالفها، لأنها طيبة وصحيحة، الخير طيب والشر سيئ، النهار مضيء والليل أسود. الأرض أرض والسماء سماء والأرض فيها الماء والأشجار

نصيحة لمن أسرف على نفسه بالمعاصي

نصيحة لمن أسرف على نفسه بالمعاصي Q إني قد أذنبت ذنوباً وجرائم كثيرة، وأنا لا أعلم ذلك، فهل لي كفارة، أفيدوني جزاكم الله خيراً؟ A أولاً: أحبك الله الذي أحببتني فيه، وأشهد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في هذا المجلس أني أحبكم جميعاً في الله، وأعلم أنه ما حضر في هذا المجلس إلا رجل -إن شاء الله- يريد الله والدار الآخرة، وأسأل الله أن يجعلها كفارة له مما سلف من ذنوبه، وواجبنا وضيافتنا عليكم وضيافتكم علينا: الدعاء، أن تدعوا لنا وندعو لكم، فإنا إذا تعاونا على البر والتقوى -ومنها الدعاء- غفر الله لنا ذنوبنا. وأما ما ذكره الأخ السائل أنه أجرم وأذنب، فمهما أذنب ولو أتى بمثل الجبال، وتاب تاب الله عليه، لو كان مثل جبل كهلان وأحد وجبال السروات وكله جبال من الخطايا والذنوب والمعاصي ثم تاب؛ تاب الله عليه، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} وهذا الحديث في سنن الترمذي: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] {يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} وعند مسلم {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها} وفي الصحيحين: {أن رجلاً قتل تسعة وتسعين رجلاً، فقال: دلوني على عالم، فدلوه على عابد -خرافي صوفي متخلف في غار- قال: هل لي من توبة؟ قال: ما لك توبة، -تقتل تسعة وتسعين وتتوب من أين تتوب؟ قال: نبدأ بك، نتغدى بك قبل ما تتعشى بنا، وهذه فتوى لا تصلح- فذبحه ذبح الشاة فوفى به الرقم مائة، قال: دلوني على عالم آخر، فقالوا: العالم الفلاني، فذهب اليه وقال: هل لي من توبة؟ قال: ماذا فعلت؟ -ظن الرجل أنه تخلف عن صلاة ثم صلاها في الوقت، أو ثوبه تحت الكعب، أو أتاه الشيطان فأخذ سجارة مرة من المرات، أو استمع أغنية- قال: قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ قال: ومن يغلق عليك باب التوبة، باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، قال: أتوب إلى الله وأستغفر الله، قال: اذهب إلى تلك القرية فإن فيها قوماً صالحين -بعض القرى تعينك على طاعة الله، صيام وصلاة ودعوة وبعض القرى شقية والعياذ بالله؛ عندهم الفئوس هذه معلقة للذبح على الطريقة الإسلامية، في الجمعة يتضاربون والعيد والاستسقاء، وغيبة ونميمة، وحسد وفحش، وبغضاء، وإذا رأوا إنساناً صالحاً بقوا في وجهه حتى يترك الصلاح- فقال: اذهب إلى تلك القرية فإن فيها قوماً صالحين، فذهب وفي الطريق أدركه الموت فمات، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ملائكة الرحمة يقولون: تاب وأناب وأقبل إلى الواحد الوهاب، فيدخل الجنة، وملائكة العذاب قالوا: لا ما سجد لله سجدة وما فعل شيئاً، وهو تاب الآن فقط، فقال الله عز وجل: قيسوا ما بين القريتين، ثم أوحى الله إلى تلك القرية الصالحة أن اقربي ولتلك أن تباعدي -رحمة الله- فكان أقرب إلى تلك فدخل الجنة}. وفي الصحيحين: {أن رجلاً قال لأبنائه: إذا حضرتني الوفاة فأحرقوني فإني قد فعلت فعائل مع الله، أحرقوني بالنار ثم اسحقوني ففعلوا، فأخذته الريح في كل مكان، فجمعه الذي بدأه أول مرة، قال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك وخفت ذنوبي، قال: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة}. فيا أخي! لا تتعاظم زنيت قتلت شربت الخمر تب من الآن في هذا المجلس، وأقبل إلى الله وأبشر، يبدِّل الله سيئاتك حسنات، لا يتوب عليك فقط، بل السجلات السود تقلب لك حسنات عند الله.

كيفية ترك سماع الغناء

كيفية ترك سماع الغناء Q أنا مستقيم -والله أعلم- مع التقصير، والمشكلة أني لم أستطع ترك سماع الأغاني، فما هو العلاج وجزاكم الله خيراً؟ A هذا السؤال مقلوب، تقول: مستقيم، والله أعلم، في المسألة نظر، ولكنك مقصر وهذا صحيح، والدليل على تقصيرك سماعك للغناء. إذاً: أنت من قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، أما استقامتك فيتعارض معها سماعك للغناء. تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع فلو كنت صادقاً في حبك لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ ما تعوضت بلذاذة الأوتار والعيدان عن آيات الرحمن والقرآن. قال ابن عباس: هذا غناء أهل الجنة نسأل الله ألا يحرمنا غناء الجنة، والذي يسمع غناء الدنيا لا يسمع غناء الجنة، بل يكفيه ما سلف في الدنيا، يقولون: أخذت حسابك في الدنيا، أما من حرَّم على أذنيه سماع غناء الدنيا فيسمع غناء الجنة، وعند أحمد في المسند بسند جيد عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة جوارٍٍ يغنين: يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا} وقد نظمها ابن القيم فقال: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاًَ تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات في الأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان ولو تذكرت القبر، ويوم ينفخ في الصور، ويبعثر ما في القبور، ويحصَّل ما في الصدور -والله- ما استمعت إلى الغناء، لكن هذا لمرض في القلوب، فنسأل الله أن يكشف هذا المرض عنك ويعافينا منه، وان يرزقنا التوبة النصوح، إنه على كل شيء قدير.

هل يلزم من يطعم رجلا في رمضان أن يطعمه طول الشهر

هل يلزم من يطعم رجلاً في رمضان أن يطعمه طول الشهر Q نحن عائلة نطعم رجلاً فقيراً في رمضان، وسمعت أن من يلتزم بإطعام يطعمه رمضان كله، ويأتي علينا بعض الأيام فنكون مدعوين عند أقربائنا فلا نطعم هذا الرجل في هذا اليوم، فما حكم ذلك يا شيخ! جزاك الله خيراً؟ وأرجو أن تدعو لنا بالخير. A جزى الله الأخت السائلة خيراً ويبدو من السؤال أنها سائلة عن كل خير، وبيض الله وجوه من يفعل ذلك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وما ذكرتيه من إطعام المسكين، فأبشري ثم أبشري يوم يأتيك هذا يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94] وأما ما قلتي: أنه من أطعمه يوماً فيلتزم بقية الأيام فليس بصحيح، ولم يأتِ في الكتاب والسنة والله يقول: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة:91] يعني لا يوجب على المحسنين وجوباً، وإنما أنتم أحسنتم، فإن أطعمتموه بعض الأيام فمأجورون ومشكورون، وإن تركتموه فما على المحسنين من سبيل، ولا يجب عليكم المداومة وإنما هو تفضل منكم.

حكم الذهب الملبوس، وحكم السوار على شكل ثعبان

حكم الذهب الملبوس، وحكم السوار على شكل ثعبان Q امرأة لديها ذهب فهل تزكي من الذهب أو يزكيه زوجها عنها من ماله؟ وما رأيك في لبس الأسورة التي لدى النساء ويكون في رأسها ثعبان؟ A أما مسألة زكاة الحلي، فالصحيح من أقوال أهل العلم الذي دلت عليه النصوص أن في الحلي زكاة، سواء استخدم، أو لم يستخدم لما صح عند أبي داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: {أن امرأة أتت الرسول صلى الله عليه وسلم وعليها سواران فقالت: أكنز هذا يا رسول الله!؟ قال: أتؤدين زكاته؟ قالت: نعم. قال: فليس بكنز} وفي لفظ آخر: {أن امرأة دخلت وعليها سواران قال: أتؤدين زكاته؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار} وكل ما عارض هذه الأحاديث فهو حديث ضعيف، وأما ما ذكرت فلزوجها أن يزكي عنها إذا تبرع من ماله، ولها أن تزكي والأمر فيه سعة، فما دام تبرع فله ذلك ويكفيها زكاتها عن نفسها. وأما ما ذكرت من السوارة فصورة الثعبان إن كان صورة ثعبان مشخص فهذه صورة محرمة، وإن كان على الشكل ولكنه لا يقرب من الثعبان مع أنه يسمى ثعباناً، فهذا ليس به بأس، لكن الصورة الممثلة المشخصة المرسومة على صورة الأحياء محرمة، ويشملها نص: {لعن الله المصورين} {ويل للذي ذهب ليخلق كخلقي، فليخلقوا شعيرة، فليخلقوا ذرة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز أن تلبس ما فيه صور، كصور عقارب أو حيات أو أسود أو نمور ممثلة أو ثعابين، فهذا يحرم عليها.

متى يجب علي الصيام؟ وحكم لعب البلوت

متى يجب عليَّ الصيام؟ وحكم لعب البلوت Q أنا شاب عمري اثنتي عشرة سنة، هل وجب علي الصيام وما العمر الذي يجب فيه الصيام، وهل للرجل لعب الورقة -البلوت- في أوقات الصيام؟ A أما ما ذكرت من عمرك أنه اثنا عشر، فلا أعرف عمراً يحدد الصيام ولكنه تقريبي، إذا بدأ الإنسان يعرف ويميز فيؤمر بالصيام، وأقرب ما يقال سن الصلاة أو قريباً منها عند العاشرة: {مروا أبناءكم للصلاة لسبع، واضربوهم لعشر، وفرقوا بينهم بالمضاجع} فالعاشرة قريبة من هذا، أن يؤمر بالصيام ويحث عليه ثم يتدرج فيه حتى يكون له عادة ويستمر على ذلك، أما اثنتا عشرة سنة فأرى أنه يصوم وأن أهله يأمرونه بالصيام. أما ما ذكر الأخ من لعب البلوت أو الورقة ففيها تفصيل، إن عارضت صلاة أو أخرت الصلاة فهذه تحرم، وإن كان في وقت آخر فهي مكروهة على أقل أحكامها؛ لأنها تشغل وتلهي فإذا كانت على رهان كانت محرمة، إنما إذا كانت في وقت فارغ، فليست من شيم المؤمن أن يمضي وقته في هذه اللعب والضياع والخسار والحرمان والخذلان، ولا يفعل هذا مسلم يريد الله والدار الآخرة، فحياة قصيرة ستون سنة وتجعلها في ورقة وفي لعب غير مجدٍ ما أظن المسلم يفعل ذلك.

حكم بلع الريق للصائم

حكم بلع الريق للصائم Q هل بلع الريق يفطر، حيث أني باستمرار يجتمع عندي الريق فلا أدري هل للريق كمية معينة تبلع أم لا؟ الإجابة: ليس للريق كمية محددة، ولا يفطرك مهما بلعت من ريقك، فالريق أمره سهل، وهذا مما تجاوز الله عنه، وعفا عنه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، ولم يرد فيه شيء يدل على أنه يفطر، فالحمد لله على التيسير.

حكم أخذ الغني للزكاة

حكم أخذ الغني للزكاة Q إذا أعطوني أقاربي زكاةً وأنا أخرج الزكاة، فهل يجوز لي أخذ هذه الزكاة؟ A ما دام أنك لست محتاجاً وأنك تزكي أموالك فلا تأخذ الزكاة، فالزكاة لا يأخذها إلا أهلها الذين عددهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة التوبة، فما دام أنك تزكي فهذا دليل على أنك غني، فلماذا تأخذ زكاة أقربائك؟ فلا يجوز لك أنك تأخذ زكاة أقربائك إلا إذا كنت فقيراً. وزكاة الفطر لا تعطى للغني بل تعطى للفقير، وعند الناس عادة أنهم يعطون الزكاة صباح العيد، فيعطيها قريبه ويرد قريبه له، منكم وإليكم، وهذا ليس بصحيح، بل يلتمس الفقراء؛ لأن السر فيها كما قال صلى الله عليه وسلم كما في الدارقطني: {اغنوهم عن الطواف في ذاك اليوم} يعني الفقراء، فكيف نعطيهم حبنا ونأخذ حبهم؟!!

حكم دفع الزكاة في تعمير المساجد

حكم دفع الزكاة في تعمير المساجد Q هل يجوز دفع الزكاة في تعمير المساجد؟ وهل يجوز دفع الزكاة إلى الأشقاء السودانيين؟ A أما تعمير المساجد فلا تدفع فيها الزكوات؛ لأن الزكاة قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] فهؤلاء الأصناف تدفع فيهم الزكاة، أما بناية المساجد فهي للأوقاف، وقد أفتى أهل العلم في هذه المسألة أنه لا تدفع. أما أشقاؤنا السودانيون فلا أعرف ماذا يقصد؟ إن كان يظن أنه لا يجوز الزكاة إلا على السعوديين فهذا خطأ، بل يجوز على اليمنيين والسودانيين والسوريين وكل مسلم وليس هناك تمييز، بل تدفعها إليهم إذا تأكدت أنهم على الدين الإسلامي وهذا ظاهر منهم، لكن في بعض مدن السودان نصارى فلا تدفع لهم زكاتك إنما تتأكد من دفعها إلى المسلمين.

امرأة جاهلة فهل تأثم على جهلها

امرأة جاهلة فهل تأثم على جهلها Q إني امرأة غير متعلمة ولا أعرف القرآن ومعانيه، وعندي أبناء ولكنهم مشغولون عن تعليمي، ومدرسة تحفيظ القرآن بعيدة عني، فهل أنا آثمة على ذلك؟ وهل يجوز صلاة المرأة بالمرأة في التراويح في البيت؟ A أما ما ذكرت هذه الأخت من أنها أمية فالله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] لكن هناك حد أدنى للعلم لا يعذر المسلم والمسلمة بجهله فيها، وهو ما تقوم بها عبادتها: صلاتها وصيامها، فإذا أخذتي هذا القدر فما زاد فهو نافلة فأنتِ على خير، ومادام أنكِ تشعرين بهذا وأنتِ متجهة إلى الخير، فاتقي الله ما استطعت، لكن حافظي على الصلوات وتعلمي ما يهمك من أمور الدين والسور التي تقوم بها صلاتك، وما زاد فالحرص الحرص، لكن إذا تعذر ولم تستطيعي فالله المستعان. وعلى كل حال أنت مأجورة إذا صدقت مع الله، وحاولي أن تكثري من الذكر ما دام أنكِ لا تستطيعين القراءة من المصحف؛ فأكثري من الذكر والاستغفار والتوبة والصدقة. أما صلاة المرأة بالمرأة فلها ذلك، فتصلي المرأة بالمرأة في البيوت، لكن توقف بعض السلف هل هذا يعتبر وارد ويسمى سنة، لكن يقولون: إذا كان الأنفع والأحسن فلها ذلك لما عند أبي داود بسند صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم: {أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها} وأم ورقة امرأة عاقلة قارئة، أمرها أن تؤم أهل دارها فكانت تصلي في منزلها بالنساء، فالمرأة القارئة تصلي بالنساء صلاة التراويح، وهؤلاء مشكورون ومأجورون على ذلك.

وقت ليلة القدر والدعاء الوارد فيها

وقت ليلة القدر والدعاء الوارد فيها Q كيف ترى ليلة القدر وما شكلها؟ وماذا يقول العبد إذا رآها؟ A ليلة القدر فيها مسائل، فقد اختلف في وقتها على أقوال، والراجح أن آكدها في ليلة سبع وعشرين، وتلتمس في أيام الوتر من العشر الأواخر: ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، ودعاء ليلة القدر كما سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأت ليلة القدر ماذا تقول؟ قال: {قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني} فهذا من أحسن الأدعية، وما شابهه من دعاء وما فتح الله عليك من دعاء: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة وغير ذلك. أما علاماتها ففي حديث صحيح صححه بعض الأئمة والأساتذة العصريين: أن السماء في صبيحة ليلة القدر تكون صافية من السحب والشمس لا شعاع لها، فتأتي بيضاء كالقرص لا شعاع لها، وهذا حديث صحيح والله أعلم. وبعضهم يقول: تكون الليلة خضراء، لكني ما وقفت على نص صحيح في خضرة الليلة، لكن على كل حال من جعله الله من المقبولين وفق ولو كان في جزيرة في البحر، ومن كان من المحرومين لا يوفق لليلة القدر ولو كان عند الحجر الأسود من الكعبة، والقبول من الله، وهو أن تعمل وتصدق مع الله وسوف تجد القبول منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

إذا طهرت المرأة قبل الأربعين

إذا طهرت المرأة قبل الأربعين Q إذا طهرت المرأة قبل الأربعين، فهل عليها صوم؟ A إذا طهرت المرأة قبل الأربعين وانقطع دمها فعليها أن تغتسل وتصلي وتصوم ويأتيها زوجها، ولو طهرت قبل الأربعين بيوم واحد. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ساعة الاحتضار

ساعة الاحتضار ساعة الاحتضار ساعة رهيبة، ولحظات حاسمة، يعرف الإنسان ما مصيره! ذاقها الصالحون والطالحون، العباد والفجار لكن شتان بن مشرق ومغرب!! وفي هذا الدرس تحدث الشيخ عن وصف الموت من القرآن والسنة وعلى ألسنة الحاضرين، وأحوال الناس عند الموت، مؤمنهم وفاجرهم، وختم بذكر كيفية الاستعداد له.

وصف الموت على ألسنة المحتضرين

وصف الموت على ألسنة المحتضرين الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً, وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً, وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً, وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً, الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, أشرف من استظل بالسماء، وأكرم الكرماء، وأنبل من شرب الماء, وأنور من سار في الظلماء, وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد:- فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته أشكركم على اجتماعكم, وأشكر أهل الفضل على فضلهم، وعلى رأسهم القائمين على هذا الجامع, والداعين لهذه المحاضرة, وإني لأعرف أن في هذا المكان من أهل العلم والفضل من هو أعلم مني وأفضل, ولكن إنما هي ذكرى وقد درج السلف الصالح على التذاكر, وأخذ الفائدة من المفضول, وما قصة الهدهد منا ببعيد, فإنه أتى إلى سليمان عليه السلام، فقال له: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} [النمل:22] فخضع له، واستفاد منه، واستمع له. ساعة الاحتضار في حياة السلف , هي ساعاتنا التي سوف نمر بها, ما منا إلا ميت, وما منا إلا محتضر, وما منا إلا قادم على تلك الساعة, والله لنذوقنها, ووالله لنشربنها, فقد ذاقها الملوك والمملوكون, والرؤساء والمرءوسون, والأغنياء والفقراء, ذاقتها الأمم جميعاً, وأحسوا بالموت: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} [مريم:98]. وموضوعي هذا يدور على ثلاثة عناصر: 1 - القرآن يتحدث عن الموت. 2 - ذكر الموت في السنة المطهرة. 3 - الموت عند السلف الصالح وعند المعرضين الغافلين.

عمرو بن العاص يصف الموت

عمرو بن العاص يصف الموت حضرت الوفاة عمرو بن العاص الذي يُسمَّى (أرطبون العرب) داهية من الدهاة، ولكن لا حيلة في الموت, أبطل الموت دهاء الدهاة, وأعدم الموت قوة الأقوياء, ونسف الموت بنيان الأغنياء, فلما انقعر في سكرات الموت قال له ابنه عبد الله الزاهد العابد: [[يا أبتي! صف لي الموت، فإنك أصدق واصف للموت -فهو يذوق الموت ويشرب الموت, وهو يزاول سكرات الموت- قال: يا بني! والله لكأن جبال الدنيا على صدري, وكأني أتنفس من ثقب الإبرة]] انظر إلى الوصف: كأن جبال الدنيا على صدري، وكأني أتنفس من ثقب الإبرة.

عمر يصف الموت

عمر يصف الموت وأورد ابن رجب: أن كعب الأحبار قال له عمر رضي الله عنه وأرضاه: صف لي الموت؟ قال: يا أمير المؤمنين! ما مثل الموت إلا كرجل ضرب بغصن من شوك سدر -أو طلح- فوقعت كل شوكة في عرق، فسحب الغصن فانسحب معها كل عرق في الجسم. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:83 - 87] إنه مصرع عظيم, والله عز وجل كتب الموت على الأحياء، فقال جلّ من قائل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27].

الحسن البصري والربيع بن خثيم يصفان الموت

الحسن البصري والربيع بن خثيم يصفان الموت ولذلك كان الحسن البصري يعظ أبناءه وتلاميذه، ويقول: [[فضح الموت الدنيا، فلم يدع لذي لب فرحاً]] قال بعضهم: أعيا الأطباء علاجُ الموت. وقال بعضهم: أتى العواد يعودون المرضى، فمات العواد، ومات المعادون. وفي ترجمة الربيع بن خيثم الزاهد العابد: أنه مرض، قالوا: ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: فكرت وأردت أن أدعو طبيباً؛ فإذا الطبيب والمطبوب يموتان. هيهات تعالج قوم عاد وثمود ثم مات الطبيب والمطبوب، ومات العائد والمعاد.

احتضار أبي بكر الصديق

احتضار أبي بكر الصديق وفي سيرة أبي بكر رضي الله عنه وقد صحت عنه, أن الناس حضروا إليه من الصحابة، فقالوا: يا خليفة رسول الله! -وهو في مرض الموت- ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب قد رآني, قالوا: فماذا قال؟ قال: إنه يقول: إني فعال لما يريد. كيف أشكو إلى طبيب ما بي والذي قد أصابني من طبيب يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الانبياء:35] وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] فعلم عليه الصلاة والسلام أنه سيموت، ولكنه متهيئ منذ بعثه الله لتلك الصرعة وذاك المقعد, وتلك الضجعة.

أبو الدرداء يصف الموت

أبو الدرداء يصف الموت وفي كتاب: وصايا العلماء عند الموت أن أبا الدرداء لما حضرته الوفاة، قال: [[هل من عامل لمثل هذه الصرعة؟ هل من عامل لمثل مصرع الموت؟ هل من عامل لمثل هذه الضجعة؟]] أو كما ما قال.

القرآن يتحدث عن الموت

القرآن يتحدث عن الموت ولقد ذكَّرنا الله بالموت كثيراً في القرآن فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281] وقال سبحانه: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:61 - 62] وقال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:16 - 22]. والله لقد غفل كثير من الناس وأصابهم السكار فما استفاقوا إلا في ساعة الموت, وعند الترمذي بسند حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال: {أكثروا من ذكر هادم اللذات} وفي رواية: {فما ذكر في قليل إلا كثَّره، ولا في كثير إلا قلله} وهادم اللذات هو الموت, وهو مفكك الجماعات، وآخذ البنين والبنات, الذي أتى بالأجيال فصرعهم في الحفر المظلمات. أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر فيا سائلي عن أناس مضوا أما لك فيما مضى معتبر تروح وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور قال ابن كثير في البداية والنهاية: مر عمر بن عبد العزيز على المقابر، فقال: يا موت! ماذا فعلت بالأحبة؟ أين الأحباب؟ أين الأصدقاء؟ أين الإخوان؟ أين الأجداد؟ أين السمار؟ يا موت! ماذا فعلت بالأحبة؟ فلم يجبه الموت, قال وهو يبكي: أتدرون ماذا يقول الموت؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول: أكلت الحدقتين, وأتلفت العينين, وفصلت الكفين عن الساعدين, والساعدين عن العضدين, والعضدين عن الكتفين, ولو نجا من الموت أحد لنجا منه محمد صلى الله عليه وسلم, قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144].

ذكر الموت في السنة المطهرة

ذكر الموت في السنة المطهرة

موت المصطفى عليه الصلاة والسلام

موت المصطفى عليه الصلاة والسلام مات عليه الصلاة والسلام كما يموت الإنسان, وذاق الموت كما يذوقه الإنسان, وصارع سكرات الموت كما يصارعها الإنسان: نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم حضرته الوفاة وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما حضرته الوفاء كان يتناول خميصة فيضعها على وجهه وهو في سكرات الموت، وكان عرقه يتصبب -بأبي هو وأمي- فيقول: {اللهم أعني على سكرات الموت، اللهم هوّن عليّ سكرات الموت، لا إله إلا الله إن للموت لسكرات} ثم يقول: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} كانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها ترقيه بالمعوذتين، فيأخذ يده ويجر كفه، ويقول: {بل الرفيق الأعلى} يقول: أريد الرفيق الأعلى, أريد حياة أبدية ونعيماً خالداً, ملّ من الدنيا وسئم منها, فذاق الموت عليه الصلاة والسلام بعموم قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185].

الخليفة الأول: وفاته وموقف من حياته

الخليفة الأول: وفاته وموقف من حياته صح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه كما في السير أن الوفاة لما حضرته أتته ابنته عائشة الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سموات, الطاهرة العفيفة, جلست عند رأسه تبكي، وتقول: يا أبتاه! صدق الأول حين قال: لعمرك ما يغني الثوى عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر ومعنى البيت ينطبق على حاتم الطائي كريم العرب, الذي لم ينفعه كرمه, لأنه لم يستعد لساعة الاحتضار في حياته, ولذلك صح عن عدي بن حاتم أنه قال: {يا رسول الله! إن أبي كان يكرم الضيف، ويحمل الكل، ويعين على نوائب الدهر، فهل ينفعه ذلك عند الله؟ قال: إن أباك طلب شيئاً فأصابه} قال سبحانه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23]. فمعنى البيت: يقول: والله لا يغني الغنى ولا المنصب ولا الجاه إذا حشرجت الصدور بالنفوس, أو حضرت سكرات الموت, فالتفت أبو بكر إلى عائشة وقال: يا بنية! لا تقولي ذلك، ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:19 - 21] ولما مات بحثوا عن ميراثه -خليفة العالم الإسلامي ذهب والدنيا وفضتها تحت يديه- خلف بغلة وثوبين, قال: كفنوني في واحد وأرسلوا البغلة والثوب إلى عمر بن الخطاب الخليفة، وقولوا: [[يا عمر! اتق الله لا يصرعنك الله كمصرعي!]] ووصلت البغلة والثوب إلى عمر، فجلس يبكي ويقول: [[أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر]] إي والله! أتعب الخلفاء بعده! والله لقد أتعب الكل، فعلى كل مسئول أن يقتدي به ويمشي على مثل سيرته. ولذلك ذكر ابن القيم وغيره من أهل العلم: أن أبا بكر كان يخرج كل صباح مع طلوع الشمس إلى خيمة في ضواحي المدينة , فيدخل على عجوز عمياء حسيرة كسيرة من الرعية, فيكنس بيتها، ويصنع طعامها، ويحلب شياهها, هذا أبو بكر الأول بعد الرسول عليه الصلاة والسلام, المجاهد الكبير خليفة الرسول عليه الصلاة والسلام وهو رجل الساعة, فإذا انتهى رجع إلى المدينة , فأخذ عمر يتفقد أبا بكر كل صباح أين يذهب؟! وفي ذات يوم دخل عمر بعد أن خرج أبو بكر , فقال للمرأة: من أنت؟ قالت: أنا امرأة عمياء حسيرة كسيرة مات زوجي منذ زمن, وما لنا من عائل بعد الله إلا هذا الرجل الذي يدخل عليّ, قال: أعرفتيه؟ قالت: والله ما عرفته! قال: ماذا يفعل؟ قالت: يكنس البيت, ويحلب شياهنا, ويصنع لنا طعامنا, فجلس عمر يبكي، وقال: [[هذا خليفة رسول الله هذا أبو بكر]] رضي الله عنه وأرضاه. سلام على أبي بكر في الخالدين, ورضي الله عنه في الصادقين, وجمعنا به في دار كرامة رب العالمين. وهذا شاعركم الأول الداهية ابن عثيمين، يقول هذا -الشاعر الإسلامي الذي توفي قبل أربعين سنة تقريباً-: هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلّ الردى مما نرجيه أقرب ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندب صح في التاريخ أن الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي تحدّى الغمامة والسحب أن تمطر في أرضه, بنى قصراً مشيداً في بغداد، وقال للشعراء: ادخلوا؛ ليمدحوا القصر والخليفة، ويمدحوا الدنيا، والوزارة، والمال, فدخلوا جميعاً، ثم دخل أبو العتاهية الزاهد، فقال لـ هارون في قصيدةٍ: عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصور قال هارون وقد ارتاح وانبسط وهش وبش: هيه, أي: زد, قال: يجري عليك بما أردت مع الغدو مع البكور قال: هيه, قال: فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور فهوى يبكي حتى أغمي عليه.

استشهاد عمر بن الخطاب

استشهاد عمر بن الخطاب ولما حضرت الوفاة عمر بن الخطاب برزت العظمة الحقيقة لـ عمر وأنتم تعرفون ما هي وفاة عمر، فالصحابة ما بين صدِّيق, أو شهيد. من تلق منهم تقل لا قيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري ما أكثر من يموت من المترفين، يموت حبطاً وتخمة, شهيد الطعام والأكلات، وما أدراك ما الأكلات والمرطبات والمشهيات؟! فعندما يموت يقال فيه: كان رجلاً صالحاً أبلى بلاءً حسناً، فتح الفتوح، كان درة الزمن ووحيد العصر، على ماذا؟!! إن السيرة سيرة الأخيار: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبيِّ وسعد وخالد أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] حجّ عمر ووقف عند الجمرات، ورفع يديه، خليفة, شاب رأسه في العدل, ونحل جسمه في الصلاة, وذاب جماله في طاعة الله, وأثر الدمع في خديه, وصادق في الليل صادق في النهار. قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها رفع يديه، وقال: [[اللهم إنها ضاعت رعيتي، ورق عظمي، ودنا أجلي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون, اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتة في بلد رسولك]] والله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] فعاد وهو صادق, ووصل المدينة يتحرى الشهادة, يقول بعض الصحابة: [[يا أمير المؤمنين! تطلب الشهادة في المدينة , والذي يطلب الشهادة يخرج إلى الثغور! قال: هكذا سألت وأسأل الله أن يلبي لي ما سألت]]. ووصل وفي أول الليالي, رأى كأن ديكاً ينقره ثلاث نقرات, فسأل علماء تعبير الأحلام, فقالوا: يقتلك رجل من العجم, فاستودع الله نفسه, وصلّى بالناس صلاة الفجر، وطعن في المحراب, ووقع طريحاً شهيداً, في أحسن بقعة وفي أجل فريضة, وحمل على أكتاف الرجال, وهو يقول: [[أصليتُ الفجر؟ -أي: هل أكملت الصلاة؟ - قالوا: لا فأغمي عليه، قال: فلما وضعوا خده على مخدة, قال: انزعوا المخدة من تحت رأسي, ضعوا رأسي على التراب لعل الله أن يرحمني]] رحمك الله، وأكرم أشلاءك، ورفع درجتك, فقد كنت صادقاً كما قال ابن مسعود، يقول له علي - وهو يثني عليه في سكرات الموت: [[كان إسلامك نصراً, وهجرتك فتحاً, وولايتك رحمة, قال عمر: إليك عني، يا ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا عليّ]] فرضي الله عنه وأرضاه. إنهم أعدوا لساعة الموت من سنوات. وقد روى البخاري في صحيحه في باب الرقاق، وقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد:36] قال البخاري: وقال علي بن أبي طالب: [[ارتحلت الدنيا مدبرة, وارتحلت الآخرة مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا, فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل]]. علي بن أبي طالب مدرسة من الرقاق والتوجيه والتربية, وكلماته تنفذ إلى القلوب مباشرة؛ لأنه صادق مخلص فرزق القبول, وقد صح عنه أنه أخذ لحيته بيديه في الليل وهو يبكي، ويقول: [[يا دنيا يا دنية! طلقتك ثلاثاً لا رجعة بعدها, زادك حقير, وعمرك قصير, وسفرك طويل, آه من وحشة الزاد، وبعد السفر، ولقاء الموت]] وله مقطوعة نسبت إليه يقول: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها

الموت عند السلف الصالح وعند المعرضين الغافلين

الموت عند السلف الصالح وعند المعرضين الغافلين روى مسلم في صحيحه عن ابن شماتة المهري قال: حضرت الوفاة عمرو بن العاص فبكى بكاءً طويلاً -وهل أجدر بالبكاء من الذي صرع في سكرات الموت, متى يبكي إن كان لا يبكي لتلك الساعة؟ متى يتهيأ إذا لم يتهيأ لذاك المصرع؟ متى يندم إذا لم يندم لتلك الفترة؟ - قال: فلما بكى أتى ابنه عبد الله فأخذ يحسن ظنه بالله، ويرجيه في الله، ويقول: [[يا أبتاه! أما أسلمت؟ أما هاجرت؟ أما ولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاية كذا على الجيش؟ أما فتتحت مصر؟ قال: فحول وجهه إلى الحائط، ثم بكى طويلاً، ثم عاد إلى الناس, فقال: إني عشت في حياتي على طباق ثلاث, كنت في الجاهلية لا أعرف الإسلام، وكان أبغض الناس إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلو توفيت في تلك الحالة لكنت من جثا جهنم, ثم أسلمت فقدمت على الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة , قال: فلما بسط يده ليبايعني قبضت يدي، قال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أشترط, قال: تشترط ماذا؟ قلت: أشترط أن يغفر لي ربي ذنبي, فتبسم، وقال: {أما تدري يا عمرو أن التوبة تجب ما قبلها وأن الإسلام يهدم ما قبله} قال: فأسلمت, فوالله ما كان أحد أحب إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم, والله لو جعلتموني الآن أصفه ما استطعت أن أصفه لأني ما كنت أملأ عيني منه جلالاً له وهيبة منه, فلو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة, ثم تخلفت فلعبت بي الدنيا ظهراً لبطن, فوالله ما أدري هل يؤمر بي إلى الجنة أو يؤمر بي إلى النار]]. وفي صحيح مسلم زيادة: فقال: [[لكن عندي كلمة أحاج لنفسي بها عند الله وهي: لا إله إلا الله محمد رسول الله]] ثم قبض يده، فكلما أتوا ليبسطوا يده عادت، فغسلوه وهو كذلك، وأدخلوه أكفانه هكذا, وأدخلوه قبره وهو على هيئته.

وفاة معاذ بن جبل

وفاة معاذ بن جبل وهذا مصرعٌ ذاقه كل رجل مرّ، صالح وطالح، وسوف نسمع إلى بعض الغافلين وهم في سكرات الموت. من الصالحين الكبار معاذ بن جبل وقد أشار صاحب الإحياء إلى هذه القصة، وصاحب كتاب وصايا العلماء، والقرطبي في التذكرة، وغيرهم من أهل العلم، أنه لما حضرته الوفاة كان في السحر، فقال لابنه: اخرج با بني انظر هل طلع الفجر؟! قال: لا! فسكت قليلاً، ثم قال: اخرج فانظر هل طلع الفجر؟ قال: نعم، قال: [[اللهم إني أعوذ بك من صباح إلى النار، اللهم إنك كنت تعلم أني ما أحببت الحياة لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، ولا لعمارة الدور، ولا لرفع القصور -لكن لماذا تحب الحياة يا معاذ بن جبل؟ قال: كنت أحب الحياة لثلاث: لصيام الهواجر، ولقيام الليل، ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر]] انظر إلى الحياة الخالدة! وحياة ليست كهذه الحياة ليست بحياة، فهذه الحياة ليست كحياة الأكل واللهوات والشهوات والمغريات والسيئات، وحياة الأغاني الماجنة، والمجلات الخليعة، والجلسات الآثمة، وحياة الفراغ القاتل، وحياة الأمنيات التي لا تنفع صاحبها، بل تكون عليه حسرة، فهذا جانب مما شهده الصالحون في سكرات الموت.

وفاة عبد الملك بن مروان

وفاة عبد الملك بن مروان وأما أهل الغفلة؛ فقد ذكروا عنهم الكثير مما تعرضوا له في سكرات الموت, فهذا عبد الملك بن مروان -الملك الخليفة الأموي- ذكر الذهبي عنه: أنه لما حضرته الوفاة سمع غسالاً وراء القصر، قال: يا ليتني كنت غسالاً! يا ليت أمي لم تدلني! يا ليتني ما توليت الخلافة! يقول سعيد بن المسيب سيد التابعين لما سمع هذا الكلام: [[الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا وقت الموت ولا نفر إليهم]]. وقد كانت حياته حياة توصل صاحبها إلى الغرور، لما توّلى عبد الملك الخلافة وانتصر جيشه على مصعب بن الزبير في العراق. يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران دار أراد الله خرابها كيف تعمرها؟ منصب لا يوصلك إلى النجاة، كيف تريده؟ مال لا ينقذك من غضب الله ولعنته وبطشه كيف تجمعه؟ جاه لا يوصلك إلى رضوان الله ورحمته وجنته كيف ترغب فيه؟ أين هذا من حياة سعد بن أبي وقاص؟ فقد مات في البادية وهو أحد المبشرين بالجنة, أتت ابنته تبكي عند رأسه وهو في سكرات الموت, قال: [[يا بنية! لا تبكي, والله إني من أهل الجنة]] قال المعلق: صدق وهنيئاً له، فقد شهد له صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة, فانظر كم بين الرجلين؟ وكم بين المصرعين؟ وكم بين الواديين؟ ولا نشهد لأحد من المسلمين بجنة أو نار إلا من شهد له صلى الله عليه وسلم, لكنا نرجو للمحسن الثواب ونخاف على المسيء العقاب.

وفاة معاوية بن أبي سفيان

وفاة معاوية بن أبي سفيان ولما حضرت معاوية بن أبي سفيان سكرات الموت, فنزل من على كرسيه، وكشف البساط، ومرغ وجهه بالتراب، وقال: صدق الله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] ثم قال: ما عندي أرجى من لا إله إلا الله محمد رسول الله, وهذه في كتاب وصايا العلماء لكن في سندها نظر، ثم قال: إذا أنا مت فكفنوني في بردة أخذتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وانظروا إلى قارورة في الديوان فيها أظفار وشعر للرسول صلى الله عليه وسلم ضعوها في عيني وأنفي. ثم ذهب إلى الله, ولا ندري ماذا حدث؟! لكن -والله- هناك أمور تشيب منها النواصي, يوم تبيض وجوه وتسود وجوه, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] وقال: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94] وقال: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان:27] وقال: {َيا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:28]. ومن يستقرئ التاريخ يجد مصارع الغابرين من أهل الغفلة, وأنا لا أتحدث عن الكافر, فالكافر ملعون في بدايته، ملعون في نهايته, ملعون في حشره, ليس له نصيب في رحمة الله, لا يرجى له إلا الخلود في النار لأنه أشرك بالله, لكني أتحدث عن أهل الإسلام, ممن استقام على الطريقة وحافظ على أوامر الله, ومن غفل وأدركته المعاصي والشهوات.

وفاة هارون الرشيد

وفاة هارون الرشيد لما حضرت هارون الرشيد الوفاة, يقولون: استعرض جيشه، ثم قال: يا من لا يزول ملكه! ارحم من زال ملكه. والواثق الذي تولى الخلافة بعد المعتصم وقد كان بطاشاً شديداً فيه جبروت, وهو الذي قتل أحمد بن نصر الخزاعي العالم الشهير, من قادات أهل السنة والجماعة ومن وجهاء العلماء وله كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة لما دخل على الواثق فأمره الواثق بالقول بخلق القرآن, فرفض وأنكر وأبى ولم يستسلم, فتقدم إليه الواثق بالحربة، فطعنه حتى ذبحه ذبح الشاة, قال بعض المؤرخين: لما نزل الدم من أحمد بن نصر الخزاعي كتب: الله الله الله , والله أعلم. هذا الواثق لما أدركته سكرات الموت يقول السيوطي في تاريخ الخلفاء: لما أضجعوه ومات وسلّم روحه, أتى فأر فأخذ عينه فأكلها, لماذا؟ ليرى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى الناس الجبابرة في الدنيا, فأر دخل على عين الواثق الذي كان إذا رأى إلى الإنسان شزراً أرعد هذا الإنسان، أخذها الفأر وأكلها.

طاوس وأبو جعفر المنصور

طاوس وأبو جعفر المنصور دخل طاوس عالم اليمن على أبي جعفر المنصور , وأبو جعفر جبار من الجبابرة, وصنديد ذبح الملوك والوزراء والأمراء, داهية من دواهي الناس لكنه ذهب إلى الله, فأتت ذبابة ووقعت على أنف أبي جعفر، وكلما أزالها عادت عليه, فتضايق! وأتى يتفاضل على طاوس الزاهد العابد, قال: يا طاوس بن كيسان! لماذا خلق الله الذباب؟ قال طاوس: ليذل به أنوف الطغاة! فسكت, قال: ناولني الدواة -الدواة يكتب بها أبو جعفر - قال: لا والله، إن كنت تريد أن تكتب بها حقاً فما أنا بخادم لك, وإن كان باطلاً فلا أعينك على الباطل, قال: خذ من أموالنا؟ قال: لا. مالك! حلاله حساب وحرامه عقاب, ثم قام وتركه, وهؤلاء العلماء لهم عجائب مع أولئك الغافلين المعرضين.

ابن أبي ذئب والمهدي

ابن أبي ذئب والمهدي على سبيل المثال: ابن أبي ذئب المحدث الكبير, دخل عليه الخليفة المهدي في المسجد النبوي وهو ابن أبي جعفر المنصور , فقام له الناس إلا ابن أبي ذئب المحدث لم يقم, قال: المهدي لماذا لا تقوم لنا كما قام الناس؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو، أردت أن أقوم لك فتذكرت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فتركت القيام لذاك اليوم، قال: اجلس والله ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت, كأنه ما سمع الآية إلا تلك الفترة, لأنه غافل, وكثير من الناس يعيش في غفلة، كيف يصحو من فيه جنون في عقله؟! كيف يصحو من يمسي على الموسيقى ويصبح عليها وما سمع القرآن, وما تلذذ بآيات الله الواحد الديان, وما أتته قوارع الرحمن؟! كيف يصحو من لا يتعهد الصلوات الخمس؟ كيف يصحو من لا يجلس في مجالس الذكر مع طلبة العلم ومع الدعاة في حلقات الخير؟ كيف يستفيد؟ كيف يعرف طريقه؟ إنه في ظلمة وفي شك وشبهة.

وفاة المعتصم

وفاة المعتصم ذُكِرَ أن الخليفة العباسي المعتصم القائد العسكري الذي فتح عمورية بتسعين ألفاً. تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب يقول بعض المؤرخين: كان المعتصم من أقوى الناس كان يأخذ السيخ من الحديد ويكتب اسمه من قوته, حتى يقول أحد المحدثين: دخلت على المعتصم فمد ذراعه لي, وقال: أسألك بالله أن تعض يدي, -ذكرها السيوطي - قال: فعضضت يده، قال: والله ما أثرت أسناني في لحمه, لكن هذه القوة صرعها هادم اللذات, ومفرق الجماعات, وآخذ البنين والبنات, اسمعوا المتنبي ماذا يقول في الأقوياء أهل الحفر المظلمة: أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعق نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا أين الأكاسرة الجبابرة الأولى كنزوا الكنوز فلا بقينا ولا بقوا من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى ثوى فحواه لحد ضيق خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق فالموت آت والنفوس نفائس والمستعز بما لديه الأحمق. المعتصم لما حضرته الوفاة, قال: أأموت اليوم؟ قالوا: تموت اليوم - وهو شاب في الأربعين يظن أن الإنسان لا يموت إلا بعد السبعين فقال للعلماء: أأموت اليوم؟ قالوا: ثبت شرعاً أنك تموت اليوم, وهل عندك شيء؟ قال: سبحان الله! فنزل من على سريره وهو يرتعد، وقال: والله لو ظننت أني أموت اليوم ما فعلت الذي فعلت من المعاصي!! سبحان الله! ما الفرق بين اليوم وغدٍ؟ قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] غداً قريب, وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. ولا يستفيق المغرور بالمعاصي إلا في سكرات الموت, كم يعظ الواعظ؟ وكم يتحدث العلماء؟ وكم يدعو الدعاة؟ ولا يستفيق بعض الناس إلا إذا حشرجت بنفسه صدره. فلا إله إلا الله ما أغفل هذا الصنف! لكن الأخيار الأبرار علموا أن الطريق إلى الله تأتي بالتهيؤ لسكرات الموت.

وفاة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز

وفاة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد العابد الذي صح عن بعض السلف أنه قال: ليس أحد من التابعين قوله حجة إلا عمر بن عبد العزيز. لما حضرته الوفاة، قال لامرأته فاطمة: اخرجي من غرفتي، فإني أستقبل نفراً ليسوا بإنس ولا جن, قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32] وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101] اللهم اجعلنا منهم, اللهم ثبتنا بالقول الثابت, يوم تضيق بنا نفوسنا، ويشتد علينا كربنا، فلا يكون لنا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك, قال سبحانه: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. أدركت كثير من الناس سكرات الموت وهم في معاصٍ كالجبال, إما دم أو زنا أو شرب خمر أو ربا أو غناء, أو تخلف عن الصلوات الخمس, أو تجاهل لرسالة الرسول صلى الله عليه وسلم أو تجاهل لطلب العلم, فلا إله إلا الله ما أغفلهم!

الحجاج بن يوسف وسعيد بن جبير

الحجاج بن يوسف وسعيد بن جبير وهنا عالم وطاغية, يدخل سعيد بن جبير على الحجاج في حوار حار ساخن والحجاج يريد ذبحه, ويعرف سعيد بن جبير أنه لن يخرج إلا مقتولاً, رأسه في جهة وجثته في جهة أخرى, فيقول الحجاج: من أنت؟ قال: أنا سعيد بن جبير - الحجاج السفاك الذي يقول فيه الذهبي: نبغضه ولا نحبه، ونعتقد أن بغضه من أوثق عرى الدين. ويقول فيه أيضاً: له حسنات غمرت في بحار سيئاته, وبعض الناس يمدح الحجاج في بعض المواسم والمحاضرات, ويقولون: كان وكان! لكنه أهان الصحابة، وعذب أبناء المهاجرين والأنصار, وقتل العلماء, فأمره إلى ربه في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى- قال لـ سعيد بن جبير -قائم الليل، صائم النهار، المحدث الكبير الذي يقول فيه الإمام أحمد: مات سعيد بن جبير وما أحد في الدنيا إلا وهو محتاج إلى علمه, وهو من رواة البخاري ومسلم - من أنت؟ قال: سعيد بن جبير , قال: بل أنت شقي بن كسير!! قال: أمي أدرى إذ سمتني -أي: أدرى منك- قال: شقيت أنت وشقيت أمك, ثم قال له: والله لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى -يقول: أدخلك النار وهو لا يستطيع- قال: لو أعلم أنك صادق لاتخذتك إلهاً, قال: عليّ بالمال -ذكر هذه القصة المباركفوري صاحب مقدمة تحفة الأحوذي - فأتوا بالمال من الذهب والفضة أكياس ملئوها ذهباً وفضة, قال سعيد بن جبير: يا حجاج! إن جمعت المال لتتقي به من عذاب شديد فنعمّا صنعت, وإن كنت جمعته رياءً وسمعة، فوالله لا يغني عنك من الله شيئاً, فرفع المال, وقال: فعليّ بالجارية والعود -الآن في ساعة الاحتضار، وذبح العلماء يغني ويطبل ويرقص- فأتت الجارية المسكينة تضرب العود عند سعيد بن جبير: -هل رأى الحب سكارى مثلنا؟!! فلما ضربت العود بكى سعيد بن جبير , قال الحجاج: أهو الطرب؟ قال: لا والله. لكن جارية سخرت لغير ما خلقت له، وعود قطع من شجرة يستخدم في معصية الله -انظر إلى بعد النظرة، عالم يرى أن الناس لا بد أن يكونوا عباداً لله, والشجر لا بد أن تسخر في طاعة الله, عود وموسيقى تستغل في المعاصي ليس بصحيح, مطبل ومغني يتصدر الأمة ليضلها عن سبيل الله ليس بصحيح, لأن أرذل الناس وأفشلهم وأسفلهم هم المغنون والمغنيات, والراقصون والراقصات الأحياء منهم والأموات, وهذا عيب بلا شك، ولو لم يكن محرماً في الكتاب والسنة لكان عيباً، والمصيبة أن هذا المغني وهذه المغنية يتصدرون الأجيال، ويطبلون للأمم، ويضلون الشعوب, ويقودونهم إلى الهاوية- قال لـ سعيد بن جبير: خذوه إلى غير القبلة, قال سعيد بن جبير: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115]. قال: أنزلوه أرضاً, قال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55] قال: والله لأقتلنك قتلة ما قتلها أحد من الناس, قال: يا حجاج! والله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله بمثلها، فاختر لنفسك أي قتلة شئت! فأتوا يذبحونه؛ فقال في النفس الأخير: اللهم يا قاصم الجبابرة! اقصم الحجاج , اللهم لا تسلطه على أحد بعدي {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ) [إبراهيم:42 - 43]. فذبحه, وأتى الحجاج يخور بعدها كما يخور الثور! أتت له -في بعض الروايات- بثرة في جسمه كالدرهم، فحكها فافتشى في جسمه, يقول الحجاج وقد مكث شهراً بعد مقتل سعيد بن جبير ثم مات, يقول: ما نمت بعد مقتل سعيد بن جبير إلا رأيت وكأني أسبح في حمام من دم, وما تلذذت بطعام ولا شراب, وأخذ يخور كما يخور الثور, وحين مات ذكر أهل التاريخ والسير: أنهم مروا على قبره، فسمعوا صياحاً في قبره وكان أخوه محمد مع المارين، فقالوا: ما هذا الصوت؟ قال: رحمك الله يا أبا محمد! ما تترك قراءة القرآن حتى في القبر! يصيح من العذاب، ويقول أخوه ويزكيه: إنه حتى وهو في القبر لم يترك قراءة القرآن!! فهو يريد أن يعتذر له، وهذا أخوه محمد غاشم وظالم مثله، وقد كان حاكماً ظالماً في اليمن. وهناك قصة ذكرها أهل العلم: أن رجلاً مسكيناً من أهل اليمن كان يطوف بالبيت, قال طاوس: فصليت ركعتين عند المقام، فلما انتهيت من الركعتين التفت فإذا بجلبة السلاح والحراب والسيوف والرماح، فالتفت! فإذا به الحجاج بن يوسف الثقفي , قال: فجلست وسكت, وإذا بهذا الأعرابي مشى من عند الحجاج -لا يدري أنه الحجاج - فنشبت حربة أو رمح في رداء هذا الأعرابي، فوقعت على الحجاج , فأمسكه الحجاج، وقال: من أين أنت؟ قال: أنا من أهل اليمن. قال: كيف تركت أخي؟ قال: من أخوك؟ قال: محمد بن يوسف , قال: تركته سميناً بطيناً -يقول: لا تخاف عليه أما الأكل والشرب فإنه ممتلئ لكن لا قرآن ولا قيام ليل- قال: لست أسألك عن صحته بل أسألك عن عدله, قال: تركته غشوماً ظلوماً، قال: أما تدري أني أخوه؟ قال: أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله, قال طاوس: ووالله لقد تأثرت منها وما زلت ألحظ إلى ذاك وهو يطوف أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله. فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان ولذلك لا يندم النادم إلا في سكرات الموت وفي ساعة الاحتضار.

كيف نستعد للموت؟

كيف نستعد للموت؟ المطلوب منا أن نستعد للموت بأربعة أمور:

تذكر الموت

تذكر الموت أولاً: أن نتذكر الموت صباح مساء! وهذه غفلة وقعنا فيها, يوم نسينا الموت وما بعد الموت, وغفلنا عن ذلك، وقعنا في المعاصي، والشهوات والشبهات، والمخالفات وإغضاب رب الأرض والسماوات, حتى أن بعض الشباب إذا ذكَّرته بالموت، قال: دعنا نعيش ونأكل ونشرب لا تكدر علينا صفو أوقاتنا، فضح الموت الدنيا فلم يدع لذي لب فرحاً. خرج النعمان بن المنذر، ملك العراق قبل الإسلام في نزهة، فقال لـ عدي بن زيد شاعر الجاهليين وكان حكيماً: ماذا تقول هذه الشجرة يا عدي بن زيد؟ قال: تقول: رب ركب قد أناخوا حولنا يخلطون الخمر بالماء الزلال ثم ساروا لعب الدهر بهم وكذاك الدهر حالاً بعد حال فرفع الخمر وأخذ يبكي، فأول الأمور: تذكر الموت، ويأتي بأمور: - أن يكون في ذهنك كالصداع, فقد ذكروا عن ميمون بن مهران الزاهد العابد العالم أنه حفر قبراً في داره، فكان ينزل كل ليلة في القبر ثم يبكي ويقرأ القرآن ثم يخرج، ويقول: يا ميمون! ها قد عدت إلى الدنيا فاعمل صالحا!! وجعل بعض الناس كفناً في بيته ينظر إليه دائماً, فينظر إلى مصرعه, ومنهم من كتب كتابةً يتذكر بها الموت، يقول: اذكر الموت وهادم اللذات, فتذكر الموت يأتي بهذه الدواعي.

زيارة القبور

زيارة القبور زيارة القبور وهذا مع غلبة الحضارة واختلاط الناس، ومع المغريات والشهوات، ومع ما وجد من مطعومات وملبوسات ومفروشات؛ نسوا الموت، وزيارة المقابر -يا أيها المسلمون- إن من أعظم ما يذكر بلقاء الله: هو الزيارة الشرعية للرجال, فتزور فتتذكر وتسلم على أهل المقابر وتدعو لهم, وتذكر كيف أخذهم هادم اللذات؟ وكيف صرعهم في الحفر المظلمات؟ وكيف أخرجهم من الدور والقصور؟ أكلوا وشربوا واستأنسوا ولبسوا وضحكوا, ركبوا السيارات الفاخرة، وتقلدوا المناصب, وسعدت بهم المواكب, ورفعوا البنود، وحفت بهم الجنود، واحتشدت عليهم الأنام, وارتفعت على رءوسهم الأعلام, ثم سلبوها جميعاً ووقعوا هناك والله المستعان.

مجالسة الصالحين

مجالسة الصالحين ومما يُذّكِّر بالموت: مجالسة الصالحين, والاستئناس بزيارتهم، وطلب النفع والفائدة منهم, وأصلح الصالحين طلبة العلم الشرعي, طلبة الكتاب والسنة, فإنهم على بصيرة, وهم أصلح من العباد الذين لا يطلبون العلم، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] حضور مجالسهم ودروسهم ومحاضراتهم وندواتهم, وسماع كلامهم, وزيارتهم, والدعاء لهم, وحبهم في الله كل ذلك من العروة الوثقى، قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] يقول الشافعي: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة فإذا علم ذلك، فهذا مما يرقق ويدعو إلى الاستعداد لسكرات الموت.

تدبر القرآن

تدبر القرآن تدبر القرآن ومعايشته، وحفظ ما يستطاع منه؛ والعمل به. يقول أحد الصالحين: قرأت الرقائق والمواعظ فما وجدت كتدبر القرآن, والقرآن إذا صادف قلوباً واعية فإن القلب ينشرح، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} ويقول عليه الصلاة والسلام: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه}.

قصر الأمل

قصر الأمل يقول ابن عمر في صحيح البخاري: {أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي هذا وقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} وكان ابن عمر يقول: [[إذا أصبحت فلا تنتظر المساء, وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح, وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك]] ووجد -على سبيل المثال- أن الحاكم بأمر الله الفاطمي عليه لعنة الله، وهو ملحد زنديق عدو للإسلام والمسلمين, فعل هذا الفاجر من الأفعال ما أظن أن فرعون لم يفعلها , من يقرأ سيرته وترجمته يجد فيها عبرة، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران:13]. هذا المجرم السفاك الزنديق الملحد عليه لعنة الله الذي فعل الفعائل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان ينزل إلى السوق فيسجد له الناس, والذي لا يسجد له قطع رأسه, أخذ القرآن ومزقه وداسه بأقدامه, ونجس محراب المسجد, فعل أفعالاً لا يفعلها إلا من بلغ درجته, فأتى عالم من علماء أهل الحديث والسنة, فأفتى فتيا. يقول هذا العالم: من كانت عنده عشرة أسهم فليطلق واحداً من سهامه يرمي الروم أو الصليبين والنصارى ويرمي الفاطميين بتسعة أسهم -أي: يذم الحكام العبيديين الفاطميين الملاعين إلا من رحم ربك- فسمع هذا الحاكم فاستدعى العالم, قال: سمعت أنك تقول: أن من عنده عشرة أسهم فليرم النصارى بتسعة ويرمينا بسهم؟ قال: لا. الفتيا ليست هكذا, قال: ما هي؟ قال: قلت: يرميكم بتسعة ويرمي النصارى بسهم واحد, فاستدعى يهودياً من اليهود معه سكين وقال: اسلخ جلده عن لحمه وعظمه ولا تقتله, فقال العالم: حسبنا الله ونعم الوكيل, فرفع ودحرج على وجهه, وأخذ اليهودي يسلخ جلده عن لحمه وعظمه, حتى سالت قطرات الدم. وبعضهم قال: رؤي عليه كالظلة من السحاب أو الملائكة والله أعلم, وقد كان من الصالحين الكبار, كان مدلّى والدم يقطر من أنفه وفمه، وهو يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر, حتى وصل اليهودي وهو يسلخه إلى قلبه, فرحمه اليهودي. كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً وحسب المنايا أن يكن أمانيا فرحمه اليهودي؛ فأخذ السكين وضربه في قلبه ليموت, فلما وصلت السكين قلبه، قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله! وكانت عقوبة هذا المجرم أن أخذه الله في ذلة, فسلط عليه أعداءه، فأخذوه في مكان بـ المقطم في مصر وأحاطوا به، فقطعوا يده اليمنى أولاً, ثم يده اليسرى, ثم رجله اليمنى, ثم رجله اليسرى وهو حي, ثم قطعوا لسانه وهو حي, ثم قطعوا أنفه, ثم فقئوا عينه اليمني, ثم عينه اليسرى, ثم قطعوا أذنيه حتى مات كمداً وغيظاً: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16] ذاك عرف ساعة الاحتضار، فكان يسبح ويهلل ويكبر ويحمد الله, وهذا نسي القدوم على الله فذهب إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم!!

التوبة النصوح

التوبة النصوح يا إخوتي في الله! النتيجة من هذا الدرس هو الاستعداد للقدوم, ولا يكون ذلك إلا بالتوبة النصوح, من قال: أتذكر الموت ولم يتب فهو كاذب. ومن قال: أعرف أني أموت وأتذكر الموت ولم يداوم على الصلوات الخمس جماعة فهو كاذب, ومن أعرض عن القرآن وتذكر الموت فهو في تذكره كاذب, فعلينا بالتوبة النصوح، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8] وقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. الموت أيها الإخوة!! هو مدرسة للأحياء, ولا يستفيد من تذكره وساعة الاحتضار إلا من أعد توبة, وعملاً صالحاً. الأعمش سليمان بن مهران رواي الكتب الستة سماه الذهبي: شيخ الإسلام, حضرته الوفاة فبكى أبناؤه، وقال: لا تبكوا فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الإمام ستين سنة, فـ الأعمش , ستون سنة ما فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام, وهو في المحراب والروضة, هذا هو الدين والإسلام, أما إذا كان الدين كلاماً منفوشاً ولا يطبق, وكلمات رنانة ولا أثر لها في الواقع فليس بعمل وليس بخشية. سعيد بن المسيب وهو في سكرات الموت، وهو يقول: الحمد لله! ما أذن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام. وكان عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير إذا صلّى رفع يديه، وقال: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة, قال له أبناؤه: وما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد, فصلّى المغرب وهو في السجود الأخير، فقبض الله روحه, فهذه هي الميتة الحسنة, سأل الله فأعطاه الله ما سأله. وأبو ريحان -بعضهم يدعي له صحبه- كان يسأل الله أن يميته وهو ساجد, فمات وهو ساجد, ولكن وجد من الناس من بات وهو يستمع الأغنية، ويردد معها في حادث انقلاب, مسجلة تشتغل على آخر صوت, وهو يردد مع المغنية وقلبه موله بالمغنية التي هدمت القيم، وتعاليم الدين، وحاربت المسلمين بأغنيتها وسموها كوكب الظلام، وهي كوكب التخلف والانحراف، تقول: هل رأى الحب سكارى مثلنا؟!! ويقول وهو في سكرات الموت وساعة الاحتضار: هل رأى الحب سكارى مثلنا؟!!! يقول ابن القيم في الجواب الكافي: أتوا بمحتضر! فقالوا له: قل: لا إله إلا الله؟ قال: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ قالوا: قل: لا إله إلا الله؟ قال: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ فمات عليها, لأنه شب وشاب عليها، ومات عليها, ويحشر عليها. ويروي ابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين عن تاجر أنهم قالوا له: قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ قال: خمسة في ستة كم تصير؟ فكرروا عليه، فقال: خمسة في ستة كم تصير؟!! تصير إلى الهاوية! خمسة في ستة ما أنقذتك من غضب الله، خمسة في ستة ما علمتك الطريق إلى الله، خمسة في ستة ما بيضت وجهك أمام الله! فأي مال وأي فائدة؟! بعض الناس يتولّه في شيء يجعله عبادة, تجد أحد التجار حتى في الصلاة يتولّه في التجارة ويعد ويحسب, لا يدري هل صلّى مع الإمام في المسجد أم لا؟ خرج وقلبه مع التجارة وعبادتها ولا يدرك ذلك ثم يستيقظ في ساعة الاحتضار. وبعضهم يتولّه مثل باغاندي رحمه الله، من تولهه بالحديث -يذكرون عنه كـ الذهبي وغيره- أنه قام ليصلي؛ فقال: الله أكبر -كان محدثاً، حدثنا فلان عن فلان حدثنا فلان عن فلان أصبحت قضيته الكبرى إلى درجة الغلو في الحديث- فلما كبّر انتظر الناس أن يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال: حدثنا الربيع بن سليمان , فهذا وصل إلى درجة من التوله, ولذلك فإن من تعلق بالله حفظه الله، ومن ضيع الله ضيعه الله, قال الله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [ابراهيم:28]. فالنتيجة التوبة, والعمل الصالح في مثل تلك الساعة فلنعد, ولاننتظر. ولا تقل الصبا فيه امتهال وفكر كم صبي قد دفنتا إذا ما لم يفدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا وهذه قصة نختتم بها الموضوع, شاب صالح من الجزائر كان يحافظ على الصلوات الخمس, وقد حدثنا بقصته أحد الإخوة من الدعاة في الجزائر معه مصحفه دائماً، أتته سكرات الموت في حادث فبقي مغمى عليه أربعة أيام يردد الفاتحة, قال: والله ما فتر لسانه من الفاتحة, كلما أنهاها أعادها من أولها, لأنه عاش على الفاتحة, ويموت ويحشر عليها، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [ابراهيم:27]. نسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت, وأن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا, وأن يتولانا في الدارين, وألا يجعلنا ممن صرعتهم غفلتهم, وأتاهم موتهم مضيعين, فاستحسروا وندموا ولات ساعة مندم, نعوذ بالله من الخذلان، ونعوذ بالله من الحرمان, ونعوذ بالله من الإعراض عن شرع الواحد الديان, ونعوذ بالله من الإدبار عن القرآن, وهجر الإيمان, وعدم تذكر الرحمن. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

قصيدة في مدح الشيخ عائض

قصيدة في مدح الشيخ عائض Q أرجو من الشيخ عائض القرني أن يتقبل هذه الأبيات من أخٍ في الله: يا عائض الزهد في جنبيك قد جمعا والمجد والحق في كفيك قد وضعا هذي حروفي بلفظ الحب أنثرها على بساطك أنت النجم مرتفعا إني أحبك بالرحمن مرتجياً لقاك في جنة الفردوس مجتمعا يقول: وللأبيات بقية أرجو أن ألقاك حتى ألقيها على سمعك والله يحفظك؟! A أقول لصاحب هذه الأبيات: هنا مسألتان: الأولى: أني أشكره على أنه أجاد في الأبيات, لأن غالب الشباب الذين يكتبون يكسرون الأبيات، تأتي مكسرة الأضلاع, وهذا بحره وقافيته مستقيمة. الثاني: ألومه وأعاتبه, لأنني -والله- لا أستحق ذلك, وأنا أعرف بنفسي وكما قال أبو العتاهية: إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني وإذا جاء رددت عليه بقصيدة, والشعر بالشعر ليس رباً, إذا كان يداً بيد!!

حكم إضاعة الوقت في الملهيات

حكم إضاعة الوقت في الملهيات Q هناك بعض الشباب يؤدون الصلوات مع الجماعة، ويصلون التراويح, ومن بعد التراويح يقضون الوقت في لعب ولهو وشرب الدخان، وإذا نصحناهم أن يقلعوا عن هذا العمل الخاطئ, قالوا: صلينا الفريضة وصلينا التراويح، فماذا نعمل؟ نلعب الورق أو نأكل أعراض المسلمين؟ A في محاضرة سابقة تعرضت لهذه الأمور، ومنها: الفراغ الذي بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر, والمسألة محددة في السؤال أنه يقول: نهرب من الغيبة إلى الورقة, فكأن هذا الرجل ليس عنده صلاح وانتهاء عن المعصية، وليس عنده فرار من هذا الذنب إلا بذنب آخر أهون منه, ما هذا الفكر؟! أنا ذكرت كلام ابن تيمية لما مرّ بصوفي مغفل، لا قرآن عنده ولا علم؛ أعمى القلب والبصر، يقرأ في القرآن في سورة النحل قال: {فخر عليهم السقف من تحتهم} قال ابن تيمية: لا قرآن ولا عقل! لأن السقف دائماً من فوق. فهذا صاحب الورقة، يقول: إما أغتاب الناس أو الورقة، أليس هناك حل ثالث؟ أما هناك قرآن؟ أما هناك سنة؟ أما هناك طلب علم، أو استغفار، أو نوافل، أو سماع شريط، أو قراءة كتاب إسلامي, أما أن تترك الغيبة إلى الورقة فهذا ليس بصحيح, وهؤلاء الذين يقولون هذه الأحاجي مردودة عليهم، وحجتهم داحضة عند ربهم, ولا يقبل قولهم, وعليهم أن يتوبوا ويتذكروا أنهم محاسبون على أوقاتهم، وعندنا -والله- الأمور الشرعية المشرحة للصدر المنورة للفؤاد ما يشغل بها المسلم وقته, وبعض العلماء كانوا ينامون أربع ساعات, ونُقل عن عالم أنه كان ينام ساعتين في أربع وعشرين ساعة, قالوا: ما لك؟ قال: الحاجات أكثر من الأوقات, قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116].

معنى حديث: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة)

معنى حديث: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة) Q حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: {وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة} الحديث، هل سوء الخاتمة تكون دون أعمال قبلها، والأعمال قبلها لا تكون سبباً لحسن أو سوء الخاتمة؟ A أولاً: هذا الحديث نبه عليه ابن القيم في مسألة خطيرة، يقول: جهلها كثير من الناس, وهي أن بعض الناس يقول: إذا كان الحديث يقول: {وإن منكم لمن يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة} إلى آخر الحديث، قال: إذا كنت أتعب وأصلي وأصوم وأستغفر ثم يسبق عليّ الكتاب قال: هذا الأمر فيه شيء! قال: فقد أساءوا الظن بالله, عليهم دائرة السوء, كيف يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36]. ليس بصحيح؛ بل الحديث يفسره الرواية الصحيحة: {إن من الناس من يعمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس, حتى إذا لم يكن بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار -أي: منافق- ومنهم من يعمل بعمل أهل النار فيما يظهر للناس يظنون أنه مسيء وعنده أعمال صالحه وتوبة وعودة إلى الله فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة} وهذا من المعاني. فالأخ لا يغتر بهذا وأمثاله, والعمل الصالح له دور عظيم في حسن الخاتمة, والعمل السيئ له دور عظيم في سوء الخاتمة, وشواهد ذلك من القرآن كثيرة منها: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وقوله: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الانبياء:101 - 102] وقوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [ابراهيم:27].

النفس لها إقبال وإدبار

النفس لها إقبال وإدبار Q إني أعاني من الفتور, ومن نفسي الغافلة الناسية للموت, والله يعلم ما بي من قلق وقسوة في قلبي, أرجو أن تخبرني ما هي أسباب الفتور والغفلة؟ وما أسباب الإقبال على الله، أفادك الله وبارك فيك؟ A مسألة الإقبال والإدبار قال عنها بعض السلف فيما صح عنهم: إن للنفوس إقبالاً وإدباراً، أولاً: نعترف جميعاً أن نفوسنا ليست على وتيرة واحدة في القوة والنشاط، في العبادة والكسل, فمرة تصفو نفسك, وينشرح صدرك, وتقبل على الطاعة, وتكثر من النوافل, ومرة تكل وتسأم وتمل, فإذا سئمت ومللت وكللت فألزم نفسك الفرائض, وإذا أقبلت نفسك فعليك بالنوافل. لكن هناك أسباب للفتور, منها: 1 - الجلوس مع البطالين, قال أبو معاذ الرازي -أحد الصالحين-: لا تشتغل بالجلوس مع الفجار عن الجلوس مع الأخيار, ولا تشتغل بالجلوس مع الأخيار عن الجلوس مع الواحد الغفار. 2 - كثرة رؤية المعاصي كالنظر إلى الحرام، وسماع الغناء, وأكل للربا, وتخلف عن الصلوات جماعة, وإعراض عن القرآن. 3 - كثرة المباحات, مثل: كثرة النوم والضحك، والهزل والنشيد الذي لا ينفع, لأن بعض الناس يدمن حتى في بعض المباحات, فالنشيد على سبيل المثال تجد بعض الشباب عنده خمسون شريطاً في الأناشيد وليس عنده محاضرة أو درس إلا شريط واحد, وبعضهم مع الأناشيد على الحافلة وداخل الحافلة وتحت الحافلة , في الصباح والمساء كالصلوات الخمس, وهذا ليس بصحيح, فالمباحات يجب أن تكون بقدر, وكثرتها تقسي القلب، وتورث الفتور. ومما يقوي الإقبال: تدبر القرآن، كثرة النوافل، كثرة الذكر، زيارة الصالحين، حضور مجالس الخير.

حكم ذكر مخازي الأموات

حكم ذكر مخازي الأموات Q هل يجوز ذكر مخازي الأموات وما فعلوه في حياتهم؟ A إذا كان الميت من الكفار فاذكره, كما ذكر الله مخازي فرعون في القرآن, وذكر مخازي هامان وقارون , وأمثالهم وأضرابهم فهو كافر لا حرمة له أبداً, إذا اعتقدت أنه مات كافراً ملحداً زنديقاً فاذكره ليتعظ غيره , لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]. وأما من مات مسلماً فلا, وقد ورد في الحديث: {لا تذكروا الأموات إلا بخير} لكن في هذا اللفظ كلام, وكذلك في الحديث وهو حديث حسن: {لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا} فأما من مات مسلماً فلا نتعرض له, وعلمهم عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى، قال تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134].

ما يقال للمحتضر

ما يقال للمحتضر Q سؤالي عما يقال للمريض الذي يحتضر؟ وهل يجوز إحضار الزهور وإهداؤها للمريض، وجزاكم الله خيراً؟ A المريض وعيادته على قسمين: إذا أتيت والمريض يرجى برؤه، وهو في عافية وخير، فأفرحه بالعافية, ولو أن تلبس عليه بعض الكلمات (ما شاء الله أنت في أحسن حال) لتكسبه استيقاظاً معنوياً في نفسه, ما ظننت أنك على هذه الحالة ما شاء الله أنت طيب وفيك خير مثلاً: مريض بالزكام، تقول: ما شاء الله تبارك الله، مع العلم أنه لا يزار من الزكام ولا الرمد, لكن أما أن تقلب عليه الدعوة, ماذا مرضك؟ قال: كذا وكذا قال: ما سمعنا بأحد أصيب بهذا المرض إلا نقل إلى المقبرة تماماً!! والله يظهر الموت من عينيك: ميت (100%) لن تخرج -إن شاء الله- إلا على الجنازة!! فهذا من الحمق نسأل الله العافية, ولا يفعل هذا إلا من قل وعيه. وأما محتضر أتيت إليه وقد مد لسانه، وأصبح في ساعة الاحتضار، وفي سكرات الموت، وفي عالم الآخرة فلا تدجل ولا تكذب عليه! تقول: ما شاء الله! تصارع الحيطان، وتهد الجدران وما رأيت أصح منك، ما شاء الله تبارك الله!!! فلا، بل هذا تذهب ترجيه بحسن الثواب وتحسن ظنه بالله, واستحب السلف ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من حديث جابر: {لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه} فتذكره برحمة الله وعفوه وأنه سوف يقدم على رب غفور, لا تقل: إن الله شديد العقاب، وإني أخاف عليك مزلقاً وورطة لا تخرج منها! وهذا ليس من كلام أهل الصلاح. وأما إهداء الزهور؛ فليست بواردة للمريض، وليست من هدي السلف وما سمعت بذلك لا في أثر من كتاب أو سنة, وماذا تغني الزهور لمن نقل من الدور والقصور إلى القبور, وأتته قاصمة الظهور؟

آفة النسيان

آفة النسيان Q أكثر ما نعتبر في أثناء المحاضرة أو الندوة ولكن بعد ذلك ننساها فماذا نفعل لكيلا ننسى هذه المواعظ؟ A النسيان والتذكر موجود عند كثير من الناس, وقد شكا الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام, كـ حنظلة بن ربيع الأسدي في صحيح مسلم: أنه {شكا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر فقالوا: يا رسول الله! إنَّا نجلس معك فتذكرنا باليوم الآخر حتى كأنا نرى القيامة رأي العين, ثم نخرج من عندك فنعافس الأولاد والضيعات والنساء وننسى كثيراً، فيقول عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده! لو تكونون كما تكونون عندي في حلق الذكر لصافحتكم الملائكة، ولكن ساعة وساعة} فجلوسك هنا قد تتعظ وتتأثر لكن إذا خرجت نسيت بسبب مغريات الحياة وشواغلها، لكني ذكرت في إقبال القلوب دواعي من استحضرها يرق قلبه ويستحضر روحه إن شاء الله.

هجر الوالدين

هجر الوالدين Q هناك كثير ممن يهجر والديه بدون سبب، ويعتذر بانشغاله في أعمال أو نحو ذلك، فما حكم ذلك؟ وما حكم زيارة أقارب الوالدين؟ A هذه ظاهرة عند بعض الناس ولو كانوا من المستقيمين، وهي عدم أداء حقوق الوالدين، والقسوة والفضاضة مع الوالدين, وقد تجده باراً بزملائه وأصدقائه لكن مع والديه ليس محموداً، وهذا أمر مخالف لكتاب الله عز وجل، وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وآراء أهل العقول, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الاسراء:23] فالله الله بالوالدين والأم لها ثلاثة أرباع الحق والوالد الربع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: {أمك ثم أمك ثم أمك، ثم قال: أبوك} فإذا عُلم هذا؛ فإني أدعو إخواني لبر الوالدين، واللين معهم في الخطاب, وهو يحتاج إلى كلام طويل، لكن هذا شيء مجمل. وأما ما ذكره السائل من زيارة الأقارب، فالأقربون أولى بالمعروف، وأدناك أدناك, أو كما قال عليه الصلاة والسلام في قوله: {أدناك أدناك} وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23]. فهؤلاء يزارون ويوالون في طاعة الله وفي محبته, لكن إذا رأيت منهم إعراضاً ومعصية وقد دعوتهم وما استجابوا لك، فلا بأس أن تهجرهم من باب هجران أهل المعاصي علهم أن يتعظوا ويرتدعوا.

الحكمة من سكرات الموت

الحكمة من سكرات الموت Q نسمع كثيراً عن أناس عابدين ومتقين قد شدد الله عليهم سكرات الموت, وكذلك نسمع عن أناس عاصين مذنبين قد شدد الله عليهم سكرات الموت أيضاً, فهل كل إنسان سيلاقي شدة سكرات الموت, وهل الشهيد كذلك؟ A هذا ورد في بعض الآثار، وفي حديث يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن المؤمن يموت بعرق الجبين} وقد أورده ابن حجر وغيره وسكت عنه, وعرق الجبين قالوا: إنه يتحدر عرقاً من شدة كربه لتكون كفارة, فشدة الموت عليه كفارة, وقد جعلها ابن تيمية من المكفرات العشر التي يكفر بها الذنوب والخطايا, فيشدد عليه سكرات الموت حتى تكفر خطاياه, وبعضهم يقول: إن المؤمن يموت بعرق الجبين، أي: أنه يذهب ويتعب في العبادة والسهر في طاعة الله والصيام, وكأنه عامل يجد بعرق جبينه، وأما ما ذكر الأخ فصحيح, فأما المؤمن فإنه يشدد عليه لتكون كفارة, وكأن آخر سيئاته تكفر تلك اللحظة، وأما الكافر فيشدد عليه خزياً، خزي في سكرات الموت وخزي بعدها ثم خزي في النار والعياذ بالله.

حقيقة ضمة القبر

حقيقة ضمة القبر Q ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لقد ضم القبر سعداً ضمة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد} فكيف تكون الضمة؟ وكيف بنا ونحن لا نساوي شيئاً ولا نبذل كما بذل سعد رضي الله عنه؟ A هذا الحديث صحيح, فالقبر قد ضم سيد الأوس أبو عمرو سعد بن معاذ الشهيد الأوسي الكبير, رضي الله عنه وأرضاه، الأنصاري أبو عمرو الذي اهتز عرش الرحمن لموته, مات شهيداً وقد أصابه سهم في عزوة الخندق، فقال: [[اللهم إن كنت أبقيت بين الرسول واليهود حرباً فأبقني لها, وإن كنت أنهيت الحرب بين اليهود وبين رسولك صلى الله عليه وسلم فاقبض نفسي إليك]] فثار دمه فمات شهيداً, ولذلك بكى عليه الصلاة والسلام عليه, وذكر الذهبي: أن أبا بكر كان يقول: [[واكسر ظهراه عليك يا سعد]]. لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد شهم يموت بموته بشر كثير فلما مات اهتز عرش الرحمن له والحديث حسن, ويقبل الصحة في الشواهد, حتى يقول حسان: وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لـ سعد أبي عمرو ويروى أنه شيعه سبعون ألف ملك، وأنه لما وصل إلى المقبرة ضمه القبر، فقال عليه الصلاة والسلام: {لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا منها سعد} ويحمل هذا على أحد أمرين: قيل: ضمة شوقاً, وقد قال بهذا بعض علماء السنة والله أعلم. وقيل: ضمه يكون كفارة، ما من أحد إلا وله ذنب, فمن المكفرات ما يجده المؤمن في القبر, وقد ذكر ابن تيمية هذه من المكفرات, فيكون من المكفرات وهو لا ينجو منها أحد، فنسأل الله أن يعيننا, لكن تخفف على المؤمن وقد لا يجد لها ألماً، ونسأل الله أن يعيننا على ضمة القبر وما بعد القبر.

حكم تمني الموت

حكم تمني الموت Q ما حكم تمني الموت لكي يترك هذه الدنيا، وخاصة وهو ظالم؟ A تمني الموت من حيث الأصل لا ينبغي ولا يرد, وليس بوارد من حيث الأصل، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {لا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنٌ فلعله أن يزداد إحساناً، وإما مسيء فلعله يستعتب} أي: يتوب, وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {واعلموا أنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً} وصح عنه أنه قال: {خيركم من طال عمره، وحسن عمله, وشركم من طال عمره وساء عمله} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فمن حيث الأصل لا ينبغي للمؤمن أن يتمنى الموت, يقول خباب بن الأرت: {والله لولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهانا أن نتمنى الموت لتمنيت الموت} لكن تحدث أمور وطوارئ ومواقف للمؤمن يتمنى فيها الموت, وقد ذكر صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {أنه يأتي المؤمن فيجلس على القبر ويقول: يا ليتني مكان صاحب هذا القبر} كأن تأتي فتنة عظيمة أو يخاف على نفسه من القتل فلا يصبر, أو يخاف من الابتلاء، أو يخاف من بعض الفواحش التي قد تخرجه من الدين أو من المنكرات أو الظلم فيتمنى الموت, وعلى ذلك يحمل كلام عمر لما تمنى الموت: [[اللهم اقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون]] وبعض كلام السلف الصالح.

كيف ينجو المسلم من سوء الخاتمة

كيف ينجو المسلم من سوء الخاتمة Q إن ساعة الاحتضار ساعة وخيمة فكيف ينجو المسلم من سوء الخاتمة؟ A أولاً: على الإنسان أن يصدق مع الله, فإن الله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] من صدق مع الله صدقه الله. أتى أعرابي وقال: {يا رسول الله! بايعني، أسلم الأعرابي فأعطاه صلى الله عليه وسلم شيئاً من المال, قال: لا أريد المال, قال: ماذا تريد؟ قال: أريد أن يأتيني سهم طائش يقع هنا ويخرج من هنا, قال: إن تصدق الله يصدقك فأتاه سهم فقتل فقال عليه الصلاة والسلام: صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله} من يحافظ على الصلوات الخمس فلن يخذله الله, من يتدبر القرآن, ويهجر المعاصي, ويجدد توبته, ويتصدق بالأفعال الصالحة كما قال أبو بكر: [[صنائع المعروف تقي مصارع السوء]] فما أظن -إن شاء الله- أن يساء إلى عبد وقد أحسن إلى الله؛ بل يجازيه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالإحسان إحساناً ويثبته.

نصيحة حول الضحك

نصيحة حول الضحك Q إن كثيراً من الشباب -وأخص الشباب الملتزم- يكثرون من الضحك, فهل من علاج؟ A نعم. قد وجد كثرة المزاح عند بعض الشباب، خاصة الذين في سن قبل الزواج، إن كانوا عزاباً واجتمعوا في مكان فيا سبحان الله! يكسرون الأخشاب والأبواب والنوافذ بحجة الحب وقضية أننا نمزح مزحاً مباحاً, وقضية ساعة وساعة, وقضية إن لعينك عليك حقاً, وليدك ورجلك حقاً ومن هذا القبيل!! وهذا ليس بل بصحيح, المؤمن منضبط في أموره, قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] فالمؤمن يمزح بوقار ويضحك, ولا بأس من الضحك, أما قول بعضهم: لا تضحك فإن الأمة المجاهدة لا تعرف الضحك, فإن هذا ليس بصحيح, فقد ضحك سيد الخلق صلى الله عليه وسلم, والله يقول: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:43]. فالضحك وارد, وقد تبسم عليه الصلاة والسلام وتبسم الصحابة, لكن ليس الضحك الذي يقسي القلب، فقد ورد في حديث: {لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب} وهو حديث حسن من حديث أبي هريرة , حتى إن بعضهم تسمعه -وبينك وبينه أمداً بعيداً- وهو يضحك من كثرة ضحكه, وبعض الناس لا يستطيع أن يتحكم, لكن وصيتي أن يخفف من الضحك ولا يقطع، ولا بأس بالمزح أحياناً بجذب القلوب. أما الإفراط فيه فإنه يؤدي إلى سلب الوقار، وقسوة القلب، ونسيان العلم، والقرآن، والاشتغال عن المهمات بالتوافه. نشكركم على استجابتكم وتلبيتكم، ونسأل الله جل وعلا أن ينفعنا جميعاً بما سمعنا، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه, وأن يجمعنا في دار كرامته إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه سلم تسليماً كثيراً.

عالم الأحلام

عالم الأحلام ما هو المقصود بعالم الأحلام؟! وإلى كم تنقسم الرؤى؟ وهل كل ما تراه في المنام يقع؟ وإذا رأيت رؤيا ماذا تفعل؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تحدث عنها الشيخ في هذه المادة مستعرضاً الرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم.

أحاديث بين الصحة والضعف

أحاديث بين الصحة والضعف الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. عنوان هذه المحاضرة (عالم الأحلام). عالم الأحلام عالم آخر غير هذا العالم، وسوف آتي على مسائله إن شاء الله وعناصره والحديث عنه، ولكن قبل هذا معي مقطوعة شعرية أحيي بها الحاضرين، ومن لا يقول للمحسن: أحسنت، ولا يقول للمسيء: أسأت، فليس بمصيب، وأهل الإسلام يمدحون أهل الإسلام، والمدح فيه ثناء، وإذا كان فيه تشجيع على الخير فهو من باب قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيح لـ أشج عبد القيس: {إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله}. حَيِّ من جاء لدرس العلم في مجلس فيه منارات الأدب تركوا الدنيا لمن يعشقها وتجافوا عن قصور وذهب ولنا في كل سبت جلسة نلتقي فيها بسادات نجب أقبلوا من كل حي عامر كالنجوم الزهر تزهو في الحجب فيهمُ شيخ كبير صالح زانه الشيب وأغناه النصب وغلام طهرت أنفاسه يتهادى مثل ليث في صبب ونساء طاهرات مثلما يحفظ الدر بحسن المحتجب عرضت أحاديث سبعة يطلب فيها الإجابة عن صحتها وعن ضعفها: الحديث الأول: {التأني من الله، والعجلة من الشيطان} هذا الحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان وأبو يعلى وهو حديث حسن. الحديث الثاني: {التسبيح للرجال والتصفيق للنساء} هذا الحديث رواه أحمد في المسند، وهو حديث صحيح عن جابر. الحديث الثالث: {التائب من الذنب كمن لا ذنب له} هذا الحديث حسن رواه ابن ماجة عن ابن مسعود، والحكيم الترمذي عن أبي سعيد. الحديث الرابع: {الدعاء هو العبادة} حديث صحيح رواه أحمد وابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد والأربعة وابن حبان , والحاكم وهو صحيح كما قلت. الحديث الخامس: حديث {الدعاء مخ العبادة} رواه الترمذي وهو ضعيف. الحديث السادس: {الدال على الخير كفاعله} رواه البزار والطبراني وأبو نعيم في الحلية، وابن عدي وأحمد والطحاوي وابن حبان والترمذي وهو صحيح. الحديث السابع: {الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر} حديث صحيح رواه مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجة والطبراني والحاكم والبزار عن أبي هريرة وسلمان وابن عمر وهو حديث صحيح كما قلت. العوالم خمسة: عالم الرحم وهو: العالم الذي يعيشه الإنسان في بطن أمه. وعالم الدنيا، وهو قسمان: اليقظة والمنام فهذه ثلاثة عوالم. وعالم البرزخ في القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران. والعالم الخامس: عالم الآخرة إما إلى جنة وإما إلى نار. فالعالم هذا الذي أتحدث عنه هذه الليلة هو عالم الأحلام. وما يأتي في الرؤى؟ وما موقف العلماء من الرؤيا؟ وما موقف الكتاب والسنة من الرؤيا في المنام؟ وكم أقسام الرؤى؟ ورؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ومن رأى رؤيا لا تسره ماذا يفعل؟ وما هو موقفه؟ وبعض رؤاه عليه الصلاة والسلام. ثم من الذي يعبر الرؤيا ومن له الحق في تعبيرها؟ ثم مع أبي دلامة والأدب. ثم رؤيا ابن سيرين وتعبيره، وابن المسيب. ثم خليفة تعرض عليه الرؤيا. وبعدها من رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام.

أقسام الرؤى

أقسام الرؤى ما يراه الإنسان في النوم ثلاثة أقسام: 1 - من الرحمن. 2 - ومن الشيطان. 3 - وأضغاث أحلام.

رؤيا من الرحمن

رؤيا من الرحمن فقسم منها من الرحمن، وهي التي فيها خير وصلاح وبر وفلاح، وهي التي تدلك على طريق الجنة، كأن ترى عملاً صالحاً، أو ترى رسولك عليه الصلاة والسلام، أو ترى عالماً، أو ترى عابداً، أو ترى الجنة -نسأل الله لنا ولكم الجنة- أو ترى أنك في مسجد، أو أن تتلو كتاب الله، أو أنك في حلقة علم، أو في درس، أو في محاضرة، فهذه من الرحمن.

رؤيا الشيطان

رؤيا الشيطان ورؤيا من الشيطان، وهي رؤيا الفواحش، فإنه يؤز الإنسان عليها في المنام وفي اليقظة، كرؤيا أنه يتعاطى الخمر، أو يسرق، أو يزني، أو يقتل، أو يدوس المصحف، أو يقتل أقاربه، أو يذبح أولاده، أو ما في حكمها؛ فهذه من الشيطان لا تضره، لكن سوف يأتي موقف العلم والشرع من هذه الرؤيا.

أضغاث أحلام

أضغاث أحلام وقسم من الرؤى أضغاث أحلام وهي مجريات الحياة، أي: ما جرى لك في الحياة، وهذه لا تحتاج إلى تعبير؛ لأن العين كالعدسة تعيد الشريط الذي مر في النهار على الإنسان، ولذلك بعض الناس إذا نام يرى ما يجري في الحياة كأنه في سوق أو كأنه يشرب قهوة أو ببسي أو ميراندا، أو كأنه يسوق سيارة أو كأنه يصعد جبلاً، وهذه هي مجريات الحياة، أي: هي موجودة في الحياة، لكن شريط ذهنك أعادها على عينك وأنت نائم فأبصرت ما أمامك، هذه أقسام الرؤيا.

رؤيا الأنبياء حق

رؤيا الأنبياء حق الأمر الثاني: رؤيا الأنبياء حق، لا يلبس الشيطان على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

رؤيا إبراهيم عليه السلام

رؤيا إبراهيم عليه السلام قال تعالى: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102] إبراهيم عليه الصلاة والسلام رأى في المنام أن قائلاً يقول: اذبح ابنك إسماعيل؛ فقد درج إسماعيل وأصبح حبيباً إلى القلب، يسعى في سن ليس بالكبير الذي قد تقل محبته، ولا بالصغير ولكن في سن طيب، فأصبح له مكانة عند أبيه إبراهيم عليه السلام، فأراد الله أن يمتحن إبراهيم؛ لأن الله اتخذ إبراهيم خليلاً عليه السلام، فأراد أن يعرف هل يقدم محبوب الله على محبوبه أم يقدم محبوبه على محبوب الله؟ فرأى إبراهيم في المنام قائلاً يقول: اذبح ابنك، فصحا وصلى وعاد فعاد الرائي قال: اذبح ابنك، فصحا وصلى وعاد قال: اذبح ابنك، فأتى لابنه الصغير الموحد المتعلم الخائف من الله قال: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102] وهذه من أحسن الكلمات! افعل ما تؤمر، أي أنت لا تفعل ما في ذهنك لكن ما يأمرك الله به، ستجدني: ولم يقل: من الصابرين؛ ولكن قال: إن شاء الله، فأتى عليه وأجلسه -والقصة طويلة ما مررت بها إلا عرضة- فأضجعه على التراب وأخذ السكين، فكان كلما أجرى السكين على عنقه انقلبت السكين، وكلما أجراها انقلبت، حتى أتاه الوحي أن {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} [الصافات:105] وشكر الله لإبراهيم إمام الموحدين، وما نذبحه نحن في منى فداء لإسماعيل عليه السلام. فداً لك من يقصر عن فداكا فلا ملك إذاً إلا فداكا ولو قلنا فدى لك من يساوي دعونا بالبقاء لمن قلاكا أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم قبل معركة أحد

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم قبل معركة أحد محمد عليه الصلاة والسلام كان يرى في المنام فتأتي مثل فلق الصبح، فقبل معركة أحد بساعات رأى في الليلة الأولى ومعركة أحد سوف تبدأ في الصباح، وهو القائد الذي يخوض المعركة بنفسه ويصلي بالناس ويجاهد ويرفع الراية ويفتي ويربي ويعلم، ويجلس مع النساء فيعلمهن، ومع الأطفال ويوزع الصدقات، فهو أفصح وأكرم وأشجع وأبر الناس وأذكاهم عليه الصلاة والسلام. قام يوم الجمعة، فأعلن الحرب على أبي سفيان وأعلن حالة الطوارئ والتأهب في المدينة ونزل ونام تلك الليلة، فرأى أن ذباب سيفه انكسر، وكأنه يدخل يده في درع حصينة عليه الصلاة والسلام، هذه في المنام، وكأن بقراً تنحر أمامه عليه الصلاة والسلام، فخرج في الصباح قبل المعركة، وقال: {رأيت البارحة كأن ذبابة سيفي انكسرت -انكسر رأس السيف- وكأني أدخل يدي في درع حصينة، ورأيت بقراً تنحر قالوا: أول ذلك يا رسول الله، قال: أما ذبابة السيف التي انكسرت، فرجل من أهل بيتي يقتل في المعركة}؛ وكان حمزة أسد الله في أرضه الذي ما رأى التاريخ أشجع منه! كان يركب ريشة نسر حمراء على عمامته معناها عند أهل الحرب خطر ممنوع الاقتراب، وكان يدوس الكفار كما يدوس الأسد الماعز فقتل هو في أحد {قالوا: والدرع يا رسول الله قال: المدينة الدرع أن نأوي إلى المدينة وينصرنا الله قالوا: والبقر؟ قال: خير يقتل من المؤمنين شهداء} فقتل سبعون، هذه من رؤياه عليه الصلاة والسلام.

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أناسا وعليهم قمص

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أناساً وعليهم قمص وقال صلى الله عليه وسلم: {رأيت البارحة كأن الناس عرضوا علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثُّدَي}. بعض الثياب فقط إلى الثدي سبحان الله! هذا ثوب فقط من الرقبة إلى الثُّدَي، بعض الناس عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم طوابير، ورأى أن بعضهم عنده ثوب إلى ثديه وتصور المنظر، ومنها ما دون ذلك بعضهم إلى السرة، وبعضهم إلى الركبة وبعضهم دون ذلك، قال: {وعرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره} الحديث في صحيح البخاري {وعمر جالس بين الناس يسمع، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين} دين عمر من أكثر ما يكون فهو يجر قميصه. وهذا ليس حكماً لجواز جر القميص؛ لأن رؤيا المنام، لا يعمل بها في الأحكام، لو أتاك شيطان في المنام، وقال: اشرب الخمر، الخمر حلال، فقل: كذبت يا عدو الله أنت شيطان. عبد القادر الجيلاني قال عنه أهل الترجمة كـ الذهبي وابن رجب وغيرهم، قالوا: رأى في المنام صورة شيطان يقول له: أنا ربك أحللت لك الحرام قال: كذبت يا عدو الله، عرف أنه الشيطان. {رأى عليه الصلاة والسلام في المنام أنه يشرب لبناً، فلما بقي في الكأس قليل من اللبن أعطاه عمر قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم} فعلم عمر من فضل علم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو كثير، مع أنه ما بقي في الكأس إلا الشيء القليل فكيف بعلمه عليه الصلاة والسلام؟!

النبي صلى الله عليه وسلم يرى سوارين من ذهب

النبي صلى الله عليه وسلم يرى سوارين من ذهب {رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن في يديه سوارين من ذهب قال: فأهمني أمرهما -أخذ يقلب في المنام الذهب- فقيل لي: انفخهما فنفختهما فطارا، فقالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: كذابان أحدهما في المشرق والثاني في اليمن} فظهر الأسود العنسي في صنعاء يدَّعي النبوة، فذبحه عباد الله الصالحون، وظهر مسيلمة الكذاب يدعي النبوة في اليمامة فداسه خالد بن الوليد بالخيل وذبحه كالدجاجة، هؤلاء من تأويلاته عليه الصلاة والسلام، وسيكون لي عودة إن شاء الله مع هذا.

إذا رأيت رؤيا ماذا تفعل؟

إذا رأيت رؤيا ماذا تفعل؟ أنت كثيراً ترى في المنام شيئاً لا يسرك وتتكدر منه، خاصة من ينام بعد الفجر، أو ينام ملوي العنق، أو ينام على اليد اليسرى دائماً أو نحو ذلك، فما هو موقفك من الرؤيا التي لا تسرك:

إذا رأيت ما لا يسرك فماذا تعمل؟

إذا رأيت ما لا يسرك فماذا تعمل؟ أولاً: إذا رأيت مالا يسرك وما يشينك في المنام فانقلب -أولاً- على الجنب الآخر غير الجنب الذي كنت نائماً عليه، إن كنت على اليسرى فانقلب على اليمنى، وإن كنت على اليمنى فعلى اليسرى. ثانياً: انفث عن يسارك وتعوذ من الشيطان. ثالثاً: إن قمت -وهو الأحسن - توضأ وصل ركعتين. رابعاً: لا تخبر بها أحداً من الناس؛ فإنها لا تضرك إن شاء الله، لا تخبر ولا تبشر أهلك في الفجر أنك رأيت ورأيت، فإنها تضرك.

إذا رأيت ما يسرك فماذا تعمل؟

إذا رأيت ما يسرك فماذا تعمل؟ أما من رأى ما يسره فلا يخبر إلا من يحبه في الله أو من يصدق في حبه، لا يخبر كل أحد بما يسره؛ لأن في الناس حاسداً، وقد يغلبك على مرادك، وقد يحاربك ويناوئك ويبغضك من أجل الرؤيا. أن يوسف عليه السلام رأى في المنام أن أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، رأى وهو طفل أن الله أنزل أحد عشر نجماً من السماء والشمس والقمر يسجدون أمام يوسف، فأخبر أباه يعقوب وكان أبوه يعقوب عليه السلام يعبر الرؤيا {قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف:5] فيوسف لا يعرف شيئاً فيقول له: احذر لا تخبر إخوانك؛ لأنه عرف أن له مستقبلاً عند الله عز وجل في النبوة والملك، ولكنه تسرَّع فأخبر إخوانه، فجعلوها في صدورهم وبدءوا يكيدون له المكائد حتى أوقعوه في الجب وحاربوه وأوقعوه في الورطات حتى نجَّاه الله عز وجل.

إذا رأيت أضغاث أحلام فماذا تعمل؟

إذا رأيت أضغاث أحلام فماذا تعمل؟ أما أضغاث الأحلام هذه فلا يخبر بها الإنسان، لا يخبر الإنسان بتلاعب الشيطان به في المنام، ولا يخبر بما يجري كمثل الأطفال كلما رأى طفل في المنام شيئاً أخبر أهله في كل صباح، هذا ليس بوارد فهي أضغاث أحلام. المسألة الخامسة: لأنني سوف أنفذ إلى حديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم وعند أحمد في المسند لأشرحه إن شاء الله.

من الذي يعبر الرؤيا

من الذي يعبر الرؤيا الذي يعبر الرؤيا الرجل الصالح، العالم بالشريعة ويكون عنده تأييد إلهي في الرؤيا، وليس كل عالم يعبر الرؤيا، فقد وجد من أئمة الإسلام من لا يعرف تعبير الرؤيا، يحفظ القرآن والحديث، وعنده فقه، وتفسير، وعنده معرفة لكنه لا يعرف تفسير الرؤيا، فلا يدَّعي المدعي ويتسرع في تفسير الرؤيا على الناس، فإنه سيكسب إثماً إذا أخطأ في ذلك، إما أن تودي بهم في دواهي أو تحملهم على غير محامل الرؤيا، أو تخوفهم، أو تحلل لهم حراماً، أو توقعهم في ارتباك والله المستعان. يعبر الرؤيا عالم بالشريعة رجل صالح عنده تأييد إلهي من الله في الرؤيا؛ لأن تعبير الرؤيا موهبة، وسوف أتلو عليكم بعض من يعبرون الرؤيا من أهل العلم. وبعض الناس يعتمد على الدجالين والمشعوذين والكهنة في تعبير الرؤيا، وأنا أنصح بترك ذلك؛ فإنهم مردة فجرة لا يوثق بكلامهم، وهم يرجمون بتعبير الرؤيا رجماً بالغيب، وليسوا بصادقين فيما قالوا، وإنما يريدون أكل أموال الناس بالباطل، والله المستعان. ولو عرض لك إنسان رؤيا ليست بحميدة فقل له: رأت عيناك خيراً واسكت وخير إن شاء الله، كأن يقول: رأيت أني عريان أعذب في المنام، رأيت أني أقطع بسكين، قل: رأت عيناك خيراً، إن شاء الله، فلا تخوفه بها؛ لأنك لا تدري ولا كذلك تفترض له افتراضاً ولكن قل له: رأت عيناك خيراً أو قل: خير إن شاء الله. من يعبر الرؤيا في الإسلام كثير، وسيدهم في تعبير الرؤيا وإمامهم وحبيبهم محمد عليه الصلاة والسلام، وتعبيره للرؤيا كفلق الصبح ورؤياه كفلق الصبح.

سعيد بن المسيب من المعبرين للرؤى

سعيد بن المسيب من المعبرين للرؤى وأما ما وجد عن التابعين فكان سعيد بن المسيب يعبر الرؤيا، وكان عنده تأييد من الله في تعبير الرؤيا. يقول الذهبي في ترجمته: كان عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي خليفة على المسلمين، فرأى في المنام أنه يبول في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام في أركانه الأربعة. فهمه الأمر، واختلج عليه قلبه، وما يدري ما تأويلها؛ بول وفي مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فأتى بأحد الجنود، فقال: هذا المال لك هدية واذهب إلى سعيد بن المسيب في المدينة ولا تخبره من رأى الرؤيا وقل إنك رأيت أنك تبول في المسجد، فما تأويل رؤياي في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام؟ فذهب الرجل فجلس، فقال لـ سعيد بن المسيب: رأيت كذا وكذا، قال سعيد بن المسيب: أنت ما رأيت ذلك، قال: أنا الذي رأى، قال: لا والله لست أنت، من الذي رأى؟ قال: عبد الملك قال: أدري أنه عبد الملك، كم بال مرات؟ قال: أربع مرات، قال: في الأركان، قال: نعم! قال: يموت ويتولى بعده الخلافة أربعة أبناء من صلبه، فتولى الوليد أولاً، ثم سليمان، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك، وصحت رؤياه.

ابن سيرين وتعبيره للرؤى

ابن سيرين وتعبيره للرؤى كان ابن سيرين إمام التابعين عالماً ذكياً فطناً محدثاً، كان إذا نزل في السوق يترك الناس أغراضهم، ويقولون: لا إله إلا الله الله أكبر! سبحان الله! من رؤية وجهه، كان وجهه يذكرك بالله. كان جالساً مع تلاميذه، فأتى رجل، فقال: يا إمام! رأيت في المنام أني أذنت، قال: تحج ويتقبل الله منك، ثم جلس، فجاء رجل فقال: رأيت أني أؤذن في المنام، قال: تسرق أنت وتقطع يدك! ذكرها الذهبي في السير. هذا يؤذن فيتقبل الله منه ويحج، وهذا يؤذن، فيقول: تسرق وتقطع يدك، قالوا له: كيف هذا؟ قال: هذا رجل صالح رأيت عليه الصلاح، والله يقول: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً} [الحج:27] وهذا رجل عليه آثار المعصية والفساد، والله يقول: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف:70] وبعد سنة حج هذا وتقبل الله منه، وهذا سرق وقطعت يده وعلقت بباب الإمارة في الكوفة، وهذا ثابت عنه ويعبر. كثير من الناس في هذا العصر عنده تأييد إلهي في تعبير الرؤيا وأمر عجيب وشأن غريب وفتوحات إلهية، وذلك لصلاحهم وتقواهم وهو تأييد من الله عز وجل لهم. كان أبو دلامة صاحب نكتة وشاعراً للخلفاء، كان ينزل على أبي جعفر المنصور بل على المهدي وهارون الرشيد يدخل عليهم ينكت فقط، فدخل على المهدي يريد مالاً، قال: يا أمير المؤمنين! رأيت البارحة أنني قبلتك على رأسك، وأنك أعطيتني ألف دينار، قال الخليفة: {أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ} [يوسف:44] قال: لا يا أمير المؤمنين! والله لا أخرج حتى تعبر لي رؤياي بالفعل، قال: قبِّل رأسي ويكفيك هذا -يعني: بدون ألف دينار- قال: لا، هما حاجتان أسألك بالله لا تفصل بينهما؛ لأني رأيتهما في المنام. قال: أعطيك ألف دينار ولا تقبل رأسي، قال: الحمد لله يكفي هذا، ففصلها، فأعطاه ألف دينار وخرج. دخل أبو دلامة هذا على المهدي قال المهدي: أعندك طلب يا أبا دلامة؟ قال: عندي طلب سهل يسير -يعني: يشحذ- يطلب من الخليفة، قال: دائماً أنت تطلب، أفقرت بيت المال: قال: أسألك بالله لا ترد طلبي! قال: ما هو طلبك؟ قال: أريد كلب صيد، قال: خذ كلب صيد. قال: وأريد معه جارية إذا صدت الصيد تطبخ لي الصيد. قال: وجارية. قال: وفرس أحمل عليه الصيد، قال: وفرس. قال: وخادم إذا صدت الصيد يحمله على الفرس. قال: وخادم. قال: وبيت نطبخ فيه.

الذي يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام

الذي يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام من رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام؟ أولاً: صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من رآني في المنام فقد رآني} وفي لفظ: {فسوف يراني} والمعنى عند أهل السنة سوف يراه في القيامة، والمعنى: أنه رآه على حقيقته؛ فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الشيطان لا يتمثل بي} وحديث الرؤيا هذا يبلغ درجة التواتر {من رآني في المنام فقد رآني} {من رآني فسوف يراني؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي} لكن لذاك شروط:

شروط رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام

شروط رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام الشرط الأول: أن تراه على صورته صلى الله عليه وسلم، التي ذكرت في الحياة، لا ترى بوذياً ولا أمريكياً، ويقول لك: الشيطان هذا الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا ليس بصحيح. أو ترى رجلاً حليق اللحية!! أو ترى رجلاً يشرب الخمر، ويقول لك الشيطان: هذا هو الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا ليس بصحيح. بعض الناس الآن يسألون يقولون: رأينا الرسول عليه الصلاة والسلام؟ فنقول: كيف رأيته؟ قال: رأيته قصيراً أسمر لا لحية له، قلنا: ما رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم رجل ربعة، من أجمل الناس، وجهه كالبدر ليلة أربع عشرة، كث اللحية، أدعج العينين، أهدب الأشخاص، أقنى الأنف، يلمع وجهه كالضياء، نور على نور، هذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يُرَ على هذه الصورة فهو تلبيس من الشيطان.

رؤيا النبي في المنام ليست من شروط الإيمان

رؤيا النبي في المنام ليست من شروط الإيمان إن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام لا يتوقف عليها شرط الإيمان، فليس عند أهل السنة والجماعة من شروط إيمان المؤمن أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا دلت عليه النصوص لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله، بل قد يراه حتى بعض الفجرة، فإن بعض الفجرة من السلاطين في التاريخ رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن الظلم، وينهاهم عن سفك الدماء، ويشجب فعلهم ويستنكر أفعالهم عليه الصلاة والسلام، فلا يلزم أن من رآه يكون صالحاً، لكن الغالب أن من رآه عليه الصلاة والسلام فهو رجل صالح، وهي من المبشرات، وبعضهم يراه يتكلم معه، وبعضهم يراه ويجلس معه، وبعضهم يقال لهم: مر الرسول صلى الله عليه وسلم من هنا بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، هذا في رؤيته صلى الله عليه وسلم.

أفضل أوقات الرؤيا

أفضل أوقات الرؤيا وأحسن الأوقات للرؤيا: رؤيا الأسحار قبل الفجر، والرؤيا التي هي غالباً كاذبة الرؤيا بعد الفجر، نوم الصبح هذه أضغاث أحلام، مثل أحاديث الصحف ومثل الأحاديث الإسرائيلية لا يوثق بها، ونوم النهار في الظهر لا بأس به، لكن الليل أعظم أثراً خاصَّة السحر، هذا من رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام. بقي مما يذكر -الله المستعان- نذكره للدعابة لأن أهل الأدب ذكروه ولا جناح ولا ثوى. أحدهم ذكروا عنه في كتب الأدب أنه قال لصديقه يمازحه وبينهم مهاترة يقول: رأيتك في المنام تعض رجلي -رأى صديقه في المنام يعض رجله- لو رأيت صديقك في المنام يعض رجلك، فبماذا تفسرها؟ يقول الصديق لصديقه: رأيتك في المنام تعض رجلي فإن صدق المنام فأنت كلب وهذا من استهتارهم، ولا بأس بإيراد هذه الملح. قال ابن عباس: [[الأذن مجاجة، والقلب ملول، فحمضوا لنا]] أي: أعطونا من نكاتكم وطرائفكم وأشعاركم وقصصكم وأخباركم، بشرط ألاَّ يكون كذباً، ولا نجرح به عرضاً، ولا نتعدى فيه على قيم، ولا ننتهك فيه حرمة.

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لأناس يعذبون وتفسيرها

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لأناس يعذبون وتفسيرها قال محمد عليه الصلاة والسلام -وفي هذا الحديث اسمع إلى رؤياه في المنام يذكر هذه الرؤيا سمرة بن جندب رضي الله عنه وأرضاه- قال: {رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي} أي: رأى البارحة صلى الله عليه وسلم رجلين في المنام وهما ملكان لكن جاء بها صلى الله عليه وسلم على الظاهر مما رأى. قال: {رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي} أخذا بيدي محمد عليه الصلاة والسلام في النوم فذهب معهما، {فأخرجاني إلى الأرض المقدسة} قيل: بيت المقدس وقيل: غيرها، لكن أرض مقدسة، وبعضهم يقول: أرض الجنة لكن هذا بعيد {فإذا رجل جالس، ورجل قائم على رأسه بيده كلوب من حديد} هذا الرجل جالس وفوقه رجل قائم، معه كلوب من حديد والكلوب هذا منحني الرأس كالمنزاع الذي ينزع به اللحم، {قال: فيدخله الواقف في شدقه} في طرف فمه {حتى يخرجه من قفاه} الله المستعان! يدخل هذا الكلوب فيجره جراً حتى يخرج من قفاه {ثم يخرجه فيدخله في شدقه الآخر، ويلتئم هذا الشدق فهو يفعل ذلك به، فقلت: ما هذا؟} فهو يجر هذا الشدق حتى يجعله في القفا، ثم يخرج المنزاع والكلوب فيدخله هنا، فيجره حتى تخرج من القفا فلا يخرج من هنا حتى يلتئم ثم يعود للأول وهكذا يلعب به ويفعل {قلت: ما هذا؟} يقول عليه الصلاة والسلام للرجلين: ما هذا {قالا: انطلق} يقولان: امش معنا وإن أمامك أخباراً وأعاجيب قال: {فانطلقت معهما، فإذا رجل مستلقٍ على قفاه} ممدود على قفاه هكذا مضطجع على قفاه، {ورجل قائم بيده فهر حجارة مدحرجة} حجارة مدورة بيد القائم، ومعنى فهر: وهو ما كبر من الحجارة على ممسك الكف، أو صخرة أكبر من ذلك على الرأس {يشدخ بها رأسه} يشدخ رأس الجالس يوقع الصخرة عليه فينشدخ رأسه، فيضخ دمه ولحمه وعصبه، {فيتدهده} أي: يتدحرج الرأس {يتدهده الحجر فيسعى فيأخذ الحجر؛ فإذا ذهب ليأخذه عاد رأسه كما كان} لا يمكنه أن يذهب ليأخذ الحجر إلا وقد صنع رأس هذا ما شاء الله وعاد كما كان {فيصنع مثل ذلك فيرضخة كذلك، فقلت: ما هذا؟} يقول: فسرا لي هذا؟ {قالا: انطلق} أمامك أخبار وأعاجيب {قال: فانطلق معهما فإذا بيت مبني على بناء التنور} بيت مبني على شكل الهرم بداخله موقد بحرارة ونار مدلهمة يأكل بعضها بعضاً {أعلاه ضيق وأسفله واسع} هذا التنور مخروطي الشكل -هرمي الشكل- أعلاه ضيق، وأدناه وأسفله واسع، وفيه نار {يوقد تحته نار فيه رجال ونساء عراة في داخل النار، فإذا أوقدت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا} إذا أشعلت النار تقافزوا يريدون الخروج؛ لكنه ضيقِّ لا يجدون فتحة من أعلاه يخرجون منها {ولهم أصوات حتى يكادوا أن يخرجوا، فإذا أخمدت رجعوا فيها، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: انطلق فانطلقت، فإذا نهر من دم} نهر يجري لكنه دم أحمر {فيه رجل يسبح على شاطئ النهر رجل بين يديه حجارة} على الشاطئ -على الساحل- رجل يتصدى لهذا الرجل الذي يسبح {كلما رفع رأسه ألقمه حجراً في فمه، فينغمس هذا في الدم، ثم يظهر، فيلحقه حجراً فينغمس وهكذا} الحجارة تتلاحق وهذا في الدم ويرفع رأسه -أحياناً- فيقبل الرجل الذي في النهر، فإذا دنا منه ليخرج رمى في فيه حجراً، {فرجع إلى مكانه، فهو يفعل ذلك، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقت، فإذا روضة خضراء} بستان أخضر، وروضة فيحاء كثيرة الخضرة فيها ماء {وإذا فيها شجرة عظيمة، وإذا شيخ في أصلها حوله صبيان} شجرة وسط الروضة، وشيخ جالس عند الشجرة وحوله صبيان صغار أطفال {وإذا رجل قريب منه بين يديه نار} رجل قريب من الشيخ بين يديه نار {فهو يحسها ويوقدها} هذا الرجل يوقد النار وهذا الشيخ تحت الشجرة {فصعدا بي في شجرة، فأدخلاني داراً لم أرَ داراً قط أحسن منها، فإذا بها رجال وشيوخ وشباب، وفيها نساء وصبيان، فأخرجاني منها -من الدار هذه- فصعدا بي في الشجرة، فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل! فيها شيوخ وشباب، فقلت لهما: إنكما قد طوفتماني منذ الليلة} أي: أنا كنت معكم في رحلة وقد مررت بمناظر {فأخبراني عما رأيت، قالا: نعم} أي: انتظر منا الخبر، وهما: جبريل وميكائيل عليهما السلام، وسوف يخبرانه. كان هذا هو موجز الرؤيا، وإليكم تفسير هذه الأحلام.

الرجل الأول: كذاب

الرجل الأول: كذاب {أما الرجل الأول الذي رأيت أنت فإنه رجل كذاب} الرجل الذي يشدخ بالكلوب أو يشرشر بالكلوب هو رجل كذاب؛ لأن الكذبة تخرج من لسانه فتبلغ الآفاق، فجزاؤه لما خرجت الكذبة منه أن يعذب بالكلوب، قال بعض العلماء: هذا يحصل لهم في الآخرة في النار، الرجل يكذب الكذبة، فتسير في الآفاق وهو سببها، جزاؤه أن يعذب بالكلوب في نار جهنم، قال الشاعر: لي حيلة في من ينم وليس في الكذاب حيلة من كان يخلق ما يقول فحيلتي فيه قليلة كل رجل لك حيلة فيه إلا الكذاب. وقال جعفر الصادق لابنه: "لا تصاحب ثلاثة: عاق الوالدين، ولا الكذاب، ولا البخيل، فإن عاق الوالدين ملعون في السماء ملعون في الأرض، وإن الكذاب يقرب لك البعيد ويبعد عليك القريب -مثل السراب يأتيك بكذبات مدلهمة- وأما البخيل: فيبيعك أحوج ما تكون إليه" {قالا: فأما الرجل الذي رأيته فإنه رجل كذاب يكذب الكذبة فتحمل عنه في الآفاق} وبعضهم متخصص في فن الكذب، عنده شهادة في ذلك فهو يعرف صياغة الكذبات ولا تغيب عليه. أحدهم ذهب كما في بعض المجالس إلى فلسطين ومر بـ قناة السويس وعاد إلى البلاد بحفظ الله ورعايته، قال له جماعته: حدثنا يا فلان عما رأيت! قال: رأيت في قناة السويس سفينة طولها ما بين الطائف وتبوك، وقيل في رواية: عرضها ما بين الطائف إلى تبوك، قالوا: بدِّل غير هذا، قال: لا لن أغير، فذهبوا في بيوتهم وتفكروا في هذه السفينة؛ وقناة السويس ليست بهذه السعة فتكفي السفينة؟! وعادوا إليه، وأرادوا أن يتنازل ولو في كيلو مترات، علَّ الله أن يفتح عليه، وبعض الناس كريم، وهم كذلك مزاحون فيهم فكاهة، فطرقوا الباب عليه فدخلوا، قالوا: لا نأكل عندك طعاماً حتى تلبي طلبنا، قال: تفضلوا لو طلبتموني أحد أبنائي قدمته لكم، قالوا: نسألك بالله أن تلبي طلبنا، قال: ما هو طلبكم؟ قالوا: لقد قلت السفينة من الطائف حتى تبوك وهذه لا توجد في الدنيا فنسألك بالله كرامة لنا وحشمة أن تخفف من عرضها قليلاً، قال: حشمة لكم، وأنتم من أغلى الناس، أقلل، إنها من الطائف إلى جدة وأما غيرها لو سألتموني سنتيمتراً واحداً ما أنقصت، هذه من الكذبات الكبار. وبعضهم يكذب لكن بنكات، فعليه وزر من الإثم مثل ما كذب. حالات يجوز فيها الكذب: والكذب محرم بالإجماع إلا بثلاثة أمور: الأول: أن تصلح بين اثنين، تذهب إلى هذا وتقول: يمدحك فلان، ولو أنه لم يمدحه، وتذهب إلى الثاني، وتقول: فلان يثني عليك فأنت تريد الخير، هذا الجائز لحديث عند أبي داود. الثاني: الرجل مع امرأته، والمرأة مع الرجل في حدود، كأن يقول: هو يحبها وهي تحبه ويبني لها جبالاً من أوهام، تقول: أثث البيت يقول: في العام القادم، إن شاء الله سوف آخذ أثاثاً ما ورد في الشرق الأوسط مثله، فهذا جائز يعني على الأمان. اكذب النفس إذا حدثتها إن صدق النفس يغري بالأمل أما الكذبات التي على الزوجة أو على الزوج مثل أن يزعم لها أخباراً أو تنقل له أخباراً كاذبة، فهذا لا يجوز، فالجائز هو ما كان في حدود العشرة فقط، لأنه لو لم يكن شيء من التدليس في هذا الباب لما صلحت العشرة، قد لا يحبها ولا تحبه، لكنه هو يزعم أنه يحبها حباً جماً وهي تقول ذلك. الثالث: في مسألة الحرب، والحرب خدعة، لك أن تكذب على اليهود وعلى الروس، وهذا يدخل في علم استراتيجية الحروب، كأن تخرج الصحف ويقولون من ضمن أخبارهم: سيزور فلان ثم يصبحونهم بالقتل، أو أننا وقعنا على مذكرة هيئة الأمم ثم يعدمونها بالصواريخ، وهذه يعرفها أصحابها، ومن يقرأ كتاب اللواء الركن محمود شيت خطاب في كتابه الرسول القائد يعرف ذلك، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد حرباً ورى بغيرها كأن يريد الشمال قال: كيف طريق الجنوب؟ هل فيها مياه؟ هل هي وعرة أو سهلة؟ وإذا كان يريد الشرق، قال: كم من هنا إلى الغرب أو إلى المدينة التي في الغرب أو كذا، إلا غزوة تبوك لضخامتها ولعسرها فلم يور بغيرها. قال: {فهو يصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة، ثم يصنع الله به ما شاء} كأنه في قبره يعذب حتى يفعل الله ما شاء، وفيه دليل على عذاب القبر، وفيه دليل على أن عصاة الموحدين قد يعذبون، وفيه دليل على أن العاصي من الموحدين لا يخلد في النار لأنه يقول: ثم يفعل الله ما يشاء، ولو كان يخلد كما قالت الخوارج ما كان قال: ثم يفعل الله ما يشاء.

الرجل الثاني: رجل آتاه الله القرآن فنام عن الصلاة المكتوبة

الرجل الثاني: رجل آتاه الله القرآن فنام عن الصلاة المكتوبة {وأما الرجل الذي رأيت مستلقياً على قفاه، والذي يشدخ بالحجر وهو مستلقٍ على قفاه، فرجل آتاه الله القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يعمل بما فيه في النهار، فهو يفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة} رجل حفَّظه الله القرآن، ويسر الله القرآن له، فهو لا يتهجد به ولو قبل أن ينام، وهو لا يعمل به في النهار، يرتكب الكبائر، قال أهل العلم: هذا في من خالف الفرائض والواجبات وخالف المنهيات، أما من قصر في النوافل فهذا معذور، وإنما المقصود: يخل بالواجبات ويرتكب المنهيات، فالقرآن ما نفعه وما أفاده، ليس للقرآن أثر في حياته، فجزاؤه أن يشدخ رأسه حتى يلقى الله ثم يفعل الله به ما شاء؛ لأن الله أعطاه كنزاً ونوراً فما عمل به في الليل، وما صان علمه في النهار، ولعلك قد تجد قارئاً لا يصلي مع الجماعة، أو تجده مدمناً على سماع الغناء، أو يلبس الذهب والحرير، أو عاقاً لوالديه، أو قاطعاً لرحمه، أو آكلاً للربا أو نحو ذلك.

الزناة في التنور

الزناة في التنور {قال: وأما الذي رأيت في التنور فهم الزناة} الرجل الزاني والمرأة الزانية يجمعان في تنور، كلما أرادوا أن يخرجوا هدأت النار فعادوا، ثم أشعلت عليهم حتى يقضي الله ما شاء.

الرجل الثالث: آكل الربا

الرجل الثالث: آكل الربا {وأما الذي رأيت في النهر -هو الذي يسبح في الدم ويخرج رأسه من النهر ثم يلقم الحجر- فهذا آكل الربا} ولا إله إلا الله ما أكثر من يأكل الربا اليوم! كثير من الناس يأكل الربا عمداً جهاراً نهاراً مثل الشمس في رابعة النهار، ويعرف حكم التحريم، لكن لا يسمع موعظة ولا خطبة ولا نصيحة ولا محاضرة ولا فتوى، ويأكله وهو يدري أن بيته بناه من ربا، وسيارته اشتراها من ربا، وأن ثوبه لبسه من ربا، وبعد ذلك يأتي في المسجد، يقول: يارب يارب، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: يقول: {يمد يده إلى السماء يا رب يارب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، فأنى يستجاب له!} وصح في صحيح مسلم من حديث جابر قوله عليه الصلاة والسلام: {لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء} وصح عنه عليه الصلاة والسلام عند الحاكم وغيره أنه قال: {الربا ثلاثة وسبعون باباً أدناها كأن يزني الرجل بأمه، وأربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه المسلم} فالربا منتشر وفاشٍ وهو خطير يدمر المجتمعات، ويفسد الأبناء والجيل، وينزع البركة ويورث الهم والاضطراب حتى يعلل بعض فلاسفة الغرب أن ما أصاب الغرب من هم واضطراب وانزعاج وعدم استقرار هو من مسألة الربا، والمسئولون عن الربا في العالم هم اليهود، وأتباعهم يحشرون معهم، فحذارِ حذارِ من الربا!

الشيخ الذي تحت الشجرة هو إبراهيم عليه السلام

الشيخ الذي تحت الشجرة هو إبراهيم عليه السلام قال: {وأما الشيخ الذي رأيت في أصل الشجرة فذاك إبراهيم عليه الصلاة والسلام} الشيخ الجالس وحوله الصبيان الذرية، فهو إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء، وللمعلومية هو أشبه الناس صورة بالرسول عليه الصلاة والسلام، وهو صلى الله عليه وسلم مأمور باتباع أبيه إبراهيم صلى الله عليهما وسلم جميعاً، وعلى سائر الأنبياء والرسل. وأما الصبيان الذين رأيت فأولاد الناس، قيل: من ولدوا على الفطرة {كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه}.

الرجل الذي يوقد النار هو خازنها

الرجل الذي يوقد النار هو خازنها {أما الرجل الذي رأيته يوقد النار، فذلك خازن النار وتلك النار} خازن النار اسمه مالك، ورضوان أتوقف فيه؛ لأنني لا أدري هل اسمه ثابت عند أهل السنة بهذا الاسم؟ وما أزال أبحث، أما مالك فهو اسم خازن النار، لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77] فمالك خازن النار المسئول عن ملائكة النار، ولهم تخصصات عجيبة وهم كثيرون، وتسعة عشر منهم مكلفون بمهمات {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدثر:31] لكن مالكا هذا مسئول على النار أعاذنا الله وإياكم من النار. وفي بعض القراءات {وَنَادَوْا يا مالِ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} بدل يا مالك (يا مال) بالترخيم حذف آخر الحروف، فسئل أحد العلماء قال: ما أغنى أهل النار عن الترخيم، لأنه لا يرخم إلا إنسان مبسوط متكئ ينادي: يا مال يا حار، أما أهل النار فهم في عذاب.

ديار المؤمنين في الجنة

ديار المؤمنين في الجنة {وأما الدار التي دخلت أولاً فدار عامة المؤمنين} ولعلها الجنة نسأل الله الجنة، وأما الدار الأخرى فدار الشهداء، والشهداء أرفع من الصالحين، ثم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وبعضهم يبلغ درجات الشهداء بصدقه وعبادته وإخلاصه وبذله وعطائه، وأنا جبريل وهذا ميكائيل، وكأن المتكلم جبريل عليه السلام وهو حبيب رسولنا عليه الصلاة والسلام، وهو الذي يتنزل عليه بالوحي، وهو الذي يدارسه القرآن في رمضان، حتى اليهود غضبوا على الرسالة وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لما علموا أن جبريل هو المتكفل بنزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم. {قال: ثم قالا لي: ارفع رأسك؟ فرفعت؛ فإذا كهيئة السحاب، فقالا لي: وتلك دارك} دار الرسول صلى الله عليه وسلم مثل السحابة البيضاء تمشي في سماء الجنة، وكأنها الدرجة العالية أو الوسيلة، بل قيل: إن الوسيلة هي المقام المحمود، الشفاعة وهي الوسيلة إلى الله. وقيل: الدرجة العالية الرفيعة، هذا السكن الذي يمشي في سماء الجنة، فهو يدور على الغرف، وعلى البساتين، والحدائق كالسحابة والربابة البيضاء، في نعيم ما خطر على قلب بشر، ولا رأته عين، ولا سمعت به أذن، فكيف يقارن بين نعيم الجنة ونعيم الدنيا؟ سبحانك هذا بهتان عظيم. {فقلت لهما: دعاني أدخل داري} اتركاني أدخل هذه الدار، فما دامت هي داري فاتركاني أدخل الدار {فقالا لي: إنه قد بقي لك عمر لم تستكمله} بقي لك في الدنيا سنوات، فلو استكملته دخلت دارك، ثم استيقظ عليه الصلاة والسلام، هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد عن سمرة بن جندب رضي الله عنه وأرضاه.

بعض من رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة

بعض من رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة

الرميصاء في الجنة

الرميصاء في الجنة رأى رسول الله عليه الصلاة والسلام رؤى كثيرة خاصة في الجنة، يقول: {دخلت الجنة البارحة، فرأيت الرميصاء في الجنة} والرميصاء هي أم سُلَيم أم أنس بن مالك.

بلال في الجنة

بلال في الجنة وقال صلى الله عليه وسلم: {سمعت دف نعليك يا بلال في الجنة! فماذا كنت تفعل؟ قال: يا رسول الله، ما أعلم لي كثير عمل، لكن ما توضأت وضوءاً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بعده ركعتين}.

قصر عمر الأبيض في الجنة

قصر عمر الأبيض في الجنة وعن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: قال صلى الله عليه وسلم: {دخلت الجنة، فرأيت قصراً أبيض في الجنة، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لغلام من قريش، قلت: من؟ قالوا: عمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله، فتذكرت غيرتك يا عمر، فدمعت عينا عمر، وقال: أمنك أغار يا رسول الله؟!} هذه بعض رؤاه عليه الصلاة والسلام وهي كثيرة، وقد عقد الحافظ ابن حجر في الفتح باباً في الرؤى، وتكلم بكلام عجيب، وجمع الآثار في ذلك، ومن أراد ذلك فليعد إليه.

كتب تفسير الأحلام التي في الأسواق

كتب تفسير الأحلام التي في الأسواق تعبير المنام الكتاب الذي في السوق المنسوب لـ ابن سيرين ولا يصح، وهناك كتاب منسوب لـ ابن عباس ولا يصح، وكتاب لأحد الدكاترة المتأخرين، لكنه أقحم فيه كثيراً من النصوص الباطلة، وأتى بتعبيرات ليست بصحيحة، وكل من رأى رؤيا صالحة فليخبر من يحب، ومن رأى رؤيا سوء فعليه بما قلت في أول المحاضرة، ولا تضره ولا يخبر أحداً، وما عليك إذا أصلحت في اليقظة من حرج مما في المنام، بعض الناس تصيبه الرؤيا فيبقى مريضاً شهراً كاملاً أو شهرين، وهذا ليس بصحيح، فإنها لا تضرك إذا أحسنت مع الله، الرؤيا لا تضرك، إنما يضرك ما تفعل في النهار؛ لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق} لو طلق النائم في نومه ما أصاب طلاقه، وما كان وارداً لو حلف النائم في نومه ما كان له حلف ولا قسم، لو أعطى شيئاً من ماله ما سرت هذه العطية، لو عقد عقد بيع ما تم العقد، لو أجر أرضاً ما تم. أحد الأعراب كان بخيلاً؛ رأى في المنام أنه يبيع الشاة، رأى في المنام أن رجلاً يساومه عن الشاة -وهو لا يملك شاة- فقال: بكم تشتري الشاة؟ قال: أشتريها بثمانية قال: لا بعشرة، قال: أشتريها بتسعة، قال: لا بعشرة، ثم استيقظ فغمض عينيه وقال: خذها بتسعة. وذكر ابن الجوزي في كتاب الحمقى أنه قيل لأعرابي: بكم شاتك هذه؟ قال: شاتي بسبعة، وسيمت بثمانية، فإن تردها بتسعة، فخذها بعشرة، وهذا تدرج في باب البيع والشراء، وهذا ليس من باب الرؤيا. والبخلاء أكثر الناس رؤيا، ويرون المال كثيراً في المنام، والخشابون يرون الخشب، والنجارون يرون في المنام وهم ينجرون ويرى الفأس والقدوم بيده، ويسمع هدير المكينات، مكينة النجارة والخشابة، وأهل العمارات يرون المؤسسات والإسمنت والخلطات، وأهل العلم يرون الكتب والجلوس، والفلاحون يرون المزارع والماء والأبقار والمواشي، والتجار يرون الشركات والعمولات والبضائع، ولكن مرد ذلك وتقييده بالكتاب والسنة ليكون الإنسان منضبطاً في نومه.

آداب النوم

آداب النوم آداب النوم أسردها لكم باختصار: أولاً: أن تنام مبكراً، وهذا أسعد ما يكون، فهو صحة لك وعون لك على الطاعة وعلى القيام لصلاة الفجر أو تريد صلاة من آخر الليل، وقد ذم السلف السهر، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه {كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها}. ثانياً: أن تتوضأ وضوءك للصلاة، لقوله عليه الصلاة والسلام للبراء: {إذا أردت أن تنام فتوضأ وضوءك للصلاة} وحتى الإنسان الذي عليه جنابة يتوضأ وضوءه للصلاة، ولو أنه لا يصلي بهذا الوضوء ولا يقرأ به قرآناً. ثالثاً: أن تستقبل القبلة لعموم قوله عليه الصلاة والسلام {قبلتكم أحياءً وأمواتاً} قال بعضهم: أي: تتجه بشقك الأيمن اتجاه القبلة، قال بعضهم: تجعل أرجلك اتجاه القبلة هكذا بالطول. رابعاً: أن تجعل يدك اليمنى تحت خدك الأيمن استحباباً، كما فعل عليه الصلاة والسلام، فإنها تذكرك بضجعة القبر، والسكون في القبر والنوم في القبر. يا طويل المنام أكثرت نوماً إن بعد الحياة نوماً طويلا خامساً: أن تذكر الله عند النوم، وذكر الله عند النوم يأتي بآية الكرسي وقراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ثلاثاً، والفلق ثلاثاً، وسورة الناس ثلاثاً، وتسبح ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وتكبر ثلاثاً وثلاثين، وتقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثاً، وتقول: {اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت}. سادساً: أن يحضر سواكاً ويستاك قبل النوم، لئلا تتغير رائحته، أو يقوم متغير الرائحة، ويكون سواكه قريباً منه، حتى يبعثه الله من النوم من الليل ما شاء. سابعاً: ألا ينام في سطح بيت ليس محدوداً {فإنه نهى صلى الله عليه وسلم -كما في سنن أبي داود - أن ينام الرجل على سطح بيت ليس محدوداً} لأن سطح البيت الذي ليس عليه حائط فيه خطر؛ فبعض الناس يتحرك في المنام ويقوم بدون شعوره، وبعضهم يذهب ويطرق على أبواب الحارات ويبيع ويشترى وهو نائم، وبعضهم يأخذ ثوبه بيده ويذهب في الشوارع يدعو إلى الله عز وجل وهو نائم، فعليه ألا ينام على سطح نهى صلى الله عليه وسلم عنه. ومن الأمكنة كذلك: ألا ينام في الطرق، فمثلاً: إذا سافر لا ينام في الطرقات؛ لأنها ممر للدواب، فالعقارب والحيات والثعابين تمر من الطرق. ولا ينام في مجرى السيل كأن ينزل وادياً، وينام وسط الجلة ووسط المكان؛ لأن السيل سيجعلها شذر مذر يوصله البحر الأحمر أو البحر المتوسط؛ فعليه ألا يفعل ذلك ولا يعرض نفسه للخطر وقد فعل السيل بأناس؛ لأن السيل لا يستأذن. زارنا في الظلام يطلب ستراً فافتضحنا بنوره في الظلام ثامناً: من الآداب أن يكون له ملابس غير ملابس اليقظة، ولتكن ملابس خفيفة واسعة فضفاضة، واسعة للحركة، وأسهل للنوم، وتسمى: ملابس النوم. تاسعاً: أن ينفض فراشه؛ لأنه لا يدري ما خلفه وما يتعلق بالفراش كالبطانية والمنشفة والشراشف ونحوها؛ لأنه قد يكون اندس فيها صديق من عقرب أو ثعبان أو حية أو نحو ذلك. عاشراً: أن يقول إذا انقلب من النوم: {لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله}. حادى عشر: أنه إذا استيقظ يقول: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور. ثاني عشر: أنه إذا استطاع من الليل أن يقوم؛ فليصلِّ ركعتين لظلمة القبور؛ فهي من خير ما يكون. ثالث عشر: أنه إذا رأى رؤيا سوء أن يعود للآداب التي ذكرت سابقاً. رابع عشر: أن يكون له قيلولة من النهار ما يقارب ساعة، إما قبل الظهر وإما بعده، فهي قيلولة. قالوا فيما يروى: عند العربي أن النوم أربعة أقسام: فيلولة، وقيلولة، وهيلولة، وغيلولة، الفيلولة: بعد الفجر، والهيلولة: ضحى، والقيلولة: ظهراً، والغيلولة: بعد العصر، ولك أن تنام بعد الفجر، فهو ليس محرماً لكنه مذموم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام صح عنه أنه قال: {بارك الله لأمتي في بكورها} لكن إذا غلبت من سهر أو مرض أو تعب فلك أن تنام، والنوم بعد العصر ليس فيه تحريم ولا يصح فيه حديث في النهي عنه لكن تقول العرب: ألا إن نومات الضحى تورث الفتى خبالاً ونومات العصير جنون قالتها العرب، ولكن آراء العرب والأتراك والهنود نجعلها مع الكتاب والسنة، فإن وافقت وإلا رمينا بها عرض الحائط. ألا إن نومات الضحى تورث الفتى خبالاً ونومات العصير جنون وما جن أحد ممن نام العصر، وكثير من الفضلاء ينامون من العصر إلى المغرب وما جنوا والحمد لله، ومما يذم النوم من المغرب إلى العشاء؛ لأنه قد يفوت صلاة العشاء. هذا مما يقال في النوم، وأعدل النوم ما يكون ثمان ساعات، قال الغزالي في الإحياء من نام وعمره ستون سنة، نام ثمان ساعات في كل يوم وليلة كان نومه عشرون سنة؛ لأن الستين ثلثها عشرين دائماً خذها قاعدة، ثلث الستين عشرون وثلث أربعة وعشرين ثمان ساعات، فمن نام ثمان ساعات في أربع وعشرين ساعة فقد نام ثلث عمره، ويبقى من الثلثين أكل وشرب ولعب ولهو وصيد وسباحة وركوب خيل ومراسلة وجمع طوابع وغير ذلك، هذا في البقية، ويبقى وقت الإيمان قليل إلا المؤمن الذي حول حياته لله عز وجل. من الناس من يكتفي بقليل من النوم وليس عليه بأس؛ بعضهم ينام ساعتين وتكفيه، وبعضهم ينام أربع ساعات، وبعضهم كثير النوم وهو مرض. قد ينام بعضهم اثنتي عشرة ساعة، وبعضهم فتح الله عليه فينام ثماني عشرة ساعة، حتى فوت بعض الصلوات. وسمعت أنا من رجل ينقل عن رجل آخر أنه كان في الشباب نام حتى مر به صلوات ثم استيقظ في الليل، قال: فرأى الليل فنام ظن أنها الليلة الأولى {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا} [يس:52] إذاً: على المسلم أن يوقت وقته وأن يتعود؛ لأن التعود طيب، أما أن تنام ليلة متقدماً وليلة متأخراً سوف تكون منزعجاً في النوم. خامس عشر: أن تغلق الأبواب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: {أغلقوا الأبواب} في حديث جابر في الصحيح لئلا يدخل عليك عدو أو سارق أو حية أو عقرب أو شيطان، فتقول بسم الله وتغلق الباب. سادس عشر: إذا كان يوجد بجانبك نار فاطفئها، خاصة المسرجة، والقناديل كذلك عليك أن تقلل من ضيائها، وتكون هناك قناديل سهارية أو تعدم الضياء مباشرة، حتى الطب يقولون: لا تنام الخلايا إلا إذا انتهى النور، تبقى الخلايا تحترق وتشتعل في أثناء النور، وبعضهم يحذر من هذا، ويصاب الإنسان بمرض في بصره إذا كان النور قوياً ونمت فيه، ولذلك جعل الله النوم في الليل وجعل الاستيقاظ في النهار، فقال سبحانه: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} [النبأ:10] وقال: {وَالنَّوْمَ سُبَاتاً} [الفرقان:47] أي: راحة واطمئناناً، قالوا: ولا بأس بقنديل أقل من عشرين شمعة، قرأت هذا في بحث لأهل الطب يقولون ذلك للفائدة والمصلحة، ومن كان عنده ماء بجانبه أو لبن فليغطه بشيء ولو أن يعرض عليه شيئاً؛ لأنه أمر بأن يوكأ السقاء -القربة الزمزمية- توكأ وتسد، والإناء يوضع عليه شيء ليكون مستوراً من الحشرات. وأبشركم أنه سوف ينزل بعد أسبوعين أو ثلاثة أربعة أشرطة اسمها آداب نبوية تربوية جمعها الأستاذ الفاضل الشيخ صالح أبو عراد الشهري المدرس بالكلية المتوسطة في أبها وألقيت في أربعة أشرطة هي هدية من أول رمضان، أول يوم في رمضان سوف تكون في السوق، وهذه تعيش معها مع الرسول عليه الصلاة والسلام في نومه وطعامه ولباسه وعطاسه وتثاؤبه ومزاحه وحياته صلى الله عليه وسلم، وهي للرجل وللمرأة، وللطفل وللأستاذ، وللطبيب وللمهندس، أول يوم من رمضان سوف تكون موجودة في ظرف هدية، لكن بدراهم، لأنا نريد أن نهدي لكن التسجيلات لا يهدون وهذا عيبهم -إلا من رحم ربك- وهم يتصدقون أحياناً حيث لا يراهم الناس.

الأسئلة

الأسئلة

حديث الرؤيا كالطائر

حديث الرؤيا كالطائر Q ما صحة حديث {الرؤيا كالطائر فإذا أُوِّل وقع}؟ A حديث صحيح ثابت عنه عليه الصلاة والسلام.

حديث قضاء الوتر

حديث قضاء الوتر Q ما صحة حديث {من نام عن وتره في الليلة ونسي فليصل إذا ذكره}؟ A حديث صحيح.

حديث من لم يوتر فليس منا

حديث من لم يوتر فليس منا Q ما صحة حديث {من لم يوتر فليس منا}؟ A حديث صحيح.

الرؤيا الصالحة

الرؤيا الصالحة Q رأيت رؤيا صالحة لصديق لي غير ملتزم فهل أخبره بها أم لا؟ A نعم تخبره بها؛ لأنها قد تكون داعية له إلى الالتزام، وقد يكون طريقاً إلى حب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وبعض الناس يتربى على الرجاء، فإذا أخبرته بذلك أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأحب الإيمان، فأخبره بذلك، وهذه من المبشرات.

الخرافيون وكذبهم على النبي صلى الله عليه وسلم

الخرافيون وكذبهم على النبي صلى الله عليه وسلم Q بعض المخرفين يقول: إنه اجتمع بالرسول في اليقظة عليه الصلاة والسلام؟ A كذب عدو الله! لا يجتمع به في اليقظة، ولا يخرج صلى الله عليه وسلم من قبره، فهو مدفون، في روضة في المدينة في بيته صلى الله عليه وسلم بجانب مسجده، لا يخرج من قبره إلا يوم البعث، ولكنه حي في قبره حياة الله أعلم بها، لا تأكل الأرض جسده صلى الله عليه وسلم للحديث الصحيح: {أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة ويوم الجمعة؛ فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟! -أي بليت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء}.

رؤيا أهل المعاصي للنبي صلى الله عليه وسلم

رؤيا أهل المعاصي للنبي صلى الله عليه وسلم Q بعض الفجرة أسمعهم يقولون: إنهم يرون رؤيا صالحة ويرون الرسول صلى الله عليه وسلم؟ A يمكن أنهم يرونه من باب أنه يهددهم أو يزجرهم عن المعاصي أو يدعوهم إلى الله أو نحو ذلك، ولكن لا يوثق بهم ما داموا فجرة فلا يصدقون لأن بعض الناس يستمرئ الكذب خاصة في الرؤيا، {ومن أرى عينيه ما لم تريا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد} حديث صحيح.

تعليم المرأة القرآن

تعليم المرأة القرآن Q هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن بترتيل بحيث يسمعها رجل كفيف يقوم بتعليم النساء أحكام التجويد؟ A نعم، بشرط ألا تخلو به ولا يخلو بها، وتكون في مجمع من النساء ويكون أعمى، فلا بأس أن ترتل عليه القرآن وأن تجلس في المجلس الذي يعلم فيه.

بعض المعبرين في هذا العصر

بعض المعبرين في هذا العصر Q اذكر لنا بعض المعبرين للأحلام في هذا العصر؟ A سمعت بشيخ فاضل في الرياض اسمه يوسف المطلق وهو يعبر الرؤيا بجدارة، وقد فتح الله عليه في هذا الجانب.

رؤيا بعض ملامح الرسول

رؤيا بعض ملامح الرسول Q رأيت بعض ملامح الرسول عليه الصلاة والسلام؟ A لعلك إن شاء الله من أهل الخير، وزد في الطاعة، وأكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم.

رؤيا ارتكاب المعاصي في المنام

رؤيا ارتكاب المعاصي في المنام Q إذا رأيت في المنام أني أعمل المعاصي وأنا لا أعملها في النهار؟ A لا تخف من هذا؛ فلا تحاسب على ما لم تعمل، والنوم لا يحاسبك الله عليه؛ وقد رفع عنك القلم في تلك الفترة، فلا تخف، وعليك بالإصلاح في النهار فلن يضرك في النوم.

أذية الجيران

أذية الجيران Q عندنا الجيران يزعجوننا في الليل فما أفعل بهم؟ A تصبر وتحتسب وعليك أن تكلمهم بالتي هي أحسن، أو ترسل لهم من يهدئ من مشاعرهم، وتكتب لهم رسالة أو تكلمهم بالهاتف كلاماً ليناً طيباً.

النوم عن صلاة الفجر

النوم عن صلاة الفجر Q عندي قريب يسهر الليل وينام عن صلاة الفجر؟ A هذا من المعصية بمكان، وعليك أن تحاول أن ينام مبكراً، وأن تذكر له الآثار في نوم الفجر، وأن تدعوه وتوقظه بالتي هي أحسن، وأن تخوفه من عذاب الله عسى الله أن يهديه سواء السبيل.

حكم النوم في الصباح

حكم النوم في الصباح Q نوم الصباح هل فيه نهي؟ A لم يصح فيه حديث، وليس بمحرم كما أسلفت لكم القول في ذلك.

نوم النبي صلى الله عليه وسلم

نوم النبي صلى الله عليه وسلم Q هل الرسول صلى الله عليه وسلم ينام قلبه؟ A بل صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {تنام عيناي ولا ينام قلبي} فالرسول صلى الله عليه وسلم نومه لا ينقض وضوءه بخلاف غيره، لا يأتي أحد الناس ينام ست ساعات، ونقول: توضأ، فيقول: تنام عيني ولا ينام قلبي، نقول: لا والله ينام قلبك، وعليك أن تتوضأ، وإلا فإنك قد أخطأت خطأً بيناً، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فذلك خاص به، وله خصائص صلى الله عليه وسلم مثل: أنه صلى بالناس، فقال: {يا أيها الناس! استووا واعتدلوا، فإني أراكم من رواء ظهري} فإذا جاء إمام، وقال: استووا واعتدلوا فإني أراكم من وراء ظهري، قلنا: كذبت يا عدو الله، أنت لا ترى إلا أمامك، أما خلفك فلا، فليعلم هذا.

البيضة في المنام

البيضة في المنام Q من رأى البيضة في المنام؟ A يقولون إن البيض في المنام هو النساء؛ لأن الله عز وجل يقول: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:49] ومن رأى الذهب، قالوا: فتنة، ومن رأى الماء، قالوا: علم أو رزق، ومن رأى الخضرة فنعيم، ومن رأى ثوباً عليه فهو دينه سواء كان قليلاً أو كثيراً أو أسود أو أبيض، ومن رأى أنه عريان، قالوا: عريان من الذنوب إن شاء الله، ومن رأى أنه مقيد وهذا نص عليه ابن حجر فهو ثابت بالدين إن شاء الله، وهناك رؤى كثيرة، ولكن على هذا الجانب يكفي ما ذكر.

أضغاث أحلام

أضغاث أحلام Q رأيت في المنام أني أصيح على بيت؟ A يمكن أنك صحت على بيتكم قبل أن تنام.

أهمية كتاب الكلم الطيب

أهمية كتاب الكلم الطيب Q أرجو أن ترشد الناس لكتاب الكلم الطيب؟ A كتاب الكلم الطيب لـ ابن تيمية من أحسن الكتب ومثله: كتاب الوابل الصيب لـ ابن القيم رحمه الله، وكتاب الأذكار (للنووي). وعلى كل حال! انتهت محاضرة عالم الأحلام، وأشكركم على حسن إصغائكم وجميل حضوركم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

الزواج الناجح

الزواج الناجح إن الزواج سنة الله التي أودعها في خلقه، وإذا أسس على تقوى الله والخوف من الله؛ فهو الزواج الناجح المبارك القائم على شروط ومواصفات وحقوق وواجبات ولطف وحب وتراحم ومساعدة واختيار حسن من الزوج والزوجة ولزوم تقوى الله.

مقدمة الشيخ علي القرني

مقدمة الشيخ علي القرني الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان والقرآن، نحمده حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها لي ولكم إلى يوم المصير، يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله إلى العالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان: أمَّا بَعْد: أيا مجمع الذكر فيك الإخاء وفيك المحبة والملتقى وفيك تجمع شمل الرجال وصرت بحق لهم منتدى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم يوم أن أجبتم دعوة أخيكم في الله، السلام عليكم يوم أن اجتمعتم على ذكر الله وتقوى الله، والسلام عليكم يوم أن اجتمعتم في فرح من أفراح المؤمنين، باسمي وباسمكم جميعاً نحيي محاضرنا الكريم، ونسأل الله أن يجزل له المثوبة والأجر؛ لأنه تجشم الصعاب في سبيل تلبية طلبنا فنسأل الله الذي جمعنا وإياكم مع هذا المكان مع شيخنا أن يجمعنا قي مستقر رحمته. أيها الإخوة الكرام: فرحٌ بذكر الله يحيا، لأنه مفخرة ومنفعة وطاعة، وفرح بغير ذكر الله مقبرة بل مزبلة ومهزلة، فرح بلهو ومزمار ولعب ورقص وغناء مشأمة ومعصية، وفرحنا في هذه الليلة -بإذن الله- سيكون من نوع آخر، إنه فرح بذكر الله يوم ترقص القلوب طرباً بذكر الله تعالى، هذا هو فرحنا هذه الليلة، لا يسعني في هذه الليلة إلا أن أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك للزوج وزوجه، وأن يبارك عليهما ويجمع بينهما على خير، ويرزقهما الذرية الصالحة، ويجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً.

ترجمة عائض بن عبد الله القرني

ترجمة عائض بن عبد الله القرني الشيخ: عائض بن عبد الله القرني، ولد الشيخ عام 1379هـ، ولد في قرية آل سليمان في بلاد بلقرن، وتلقَّى تعليمه الابتدائي بقرية آل سليمان في بلاد بلقرن، ثم تلقى تعليمه الأساسي بمعهد الرياض العلمي، ثم تلقى تعليمه بالمرحلة الثانوية في معهد أبها العلمي، ثم التحق بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع أبها، ثم تخرج منها بالشهادة الجامعية وعين بها محاضراً، ثم حصل على شهادة الماجستير، وكان عنوان أُُطروحته العلمية رواية المبتدع في علم الحديث، والشيخ محدث وشاعر وأديب -كما تعلمون- بدأ زهرة شبابه بالدعوة إلى الله والتحصيل العلمي، والتضلع من الكتاب والسنة، ويكفيه بذلك نبلاً أنه تتلمذ على كتب شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم، ومناقب الشيخ أكثر من أن تحصى، ونسأل الله أن يوفقه لما يحبه ويرضاه.

التذكير بالله في الأفراح

التذكير بالله في الأفراح الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وأقام علم الجهاد، ونشر العدل في البلاد، وهدى الله به العباد، وفتح الله به أفكار الإنسانية، وأنار به أفئدة البشرية، وزلزل الله به كيان الوثنية، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، ما فاحت الأزهار، وما تدهدهت الأنهار، وما هطلت الأمطار، ما تحركت الورق على الأشجار، وما تعاقب الليل والنهار، وعلى آله وصحبه من المهاجرين والأنصار. أمَّا بَعْد: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وهنيئاً لكم بمجلس الذكر، غيركم إذا اجتمعوا على غناء وطبلٍ ورقصٍ، وأنتم اجتمعتم تسبحون وتذكرون الله كثيراً، الملائكة تحفكم، والسكينة تتنزل عليكم، والله يباهي بكم في عليائه، فهنيئاً لكم. أسأل الله أن يصرفني أنا وإياكم من هذا المكان وهو يقول لملائكته {انظروا لعبادي اجتمعوا على ذكري أشهدكم أني غفرت لهم، انصرفوا مغفور لكم}. ثم أشكر لصاحب الدعوة، وأسأل الله أن يجعل زواجه مباركاً هنيئاً مريئاً، وأن يبني زواجه على خير وهدى، وأن يرزقه ذرية صالحة لاتشرك بالله أحداً، ذرية تعرف المسجد والمصحف، وذكر الله، ذرية تأكل الحلال وتتجنب الحرام، ذرية تجاهد في سبيل الله؛ لأن الله أخذ على نفسه أن من بدأ معه الطريق أن يثبته إلى النهاية، فمن كان زواجه على الخير، وعلى ذكر الله، وتقوى الله كان مستقبله إلى الخير حتى يلقى الله: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. أفمن أسس زواجه على تقوى، وذكر، ودعوة، وعلى حب وإخاء خير ممن أسس زواجه على كبر، وكبرياء، وبطر، والله أعلم بالقلوب: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران:193]. أما ما ذكره الشيخ علي بن عبد الخالق القرني من تقدمة فأبرأ إلى الله، وأعرف نفسي وأسأل الله أن يغفر لي ولكم ذنوبنا وخطايانا، وأن يسترنا وألاَّ يفضحنا على رءوس الأشهاد، وأسأله ألاَّ يؤاخذنا بتقصيرنا، فإنا والله نصبح مذنبين ونمسي مذنبين، حنانيك يا رب! إليك نشكو خطايانا وتقصيرنا. ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت رجائى نحو عفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما لما جلسنا تحت هذه الخيمة في صلاة المغرب، تذكرت خيام الجنة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم يقول: {إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً} والميل أكثر من الكيلو متر فما بالكم بخيام الجنة، الخيمة الواحدة ليست من شعر، ولا ذهب، ولا من خشب، أو جص أو حديد، الخيمة من لؤلؤة مجوفة، في طرف كل خيمة أهلون وأولاد، لا يرى بعضهم بعضاً أعدها الله عز وجل لمن أحسن الكلام، وأطعم الطعام، وأفشى السلام، ووصل الأرحام، وصلى بالليل والناس نيام. أصغر أهل الجنة ملكاً من يملك عشرة أمثال ملك الدنيا، وهو آخر الناس دخولاً الجنة، يقول الله عز وجل: {تمن يا عبدي} وهذا الحديث في صحيح مسلم وأنا أقص لكم الحديث ثم أعود لموضوع المحاضرة. يقول عليه الصلاة والسلام: {آخر أهل الجنة دخولاً الجنة رجل ينجيه الله من النار بعد أن دخلها} وفيه دليل على أن بعض الناس ولو صلّى وصام وحج واعتمر، قد يدخل بذنوبه النار نعوذ بالله منها. رحماك يا رب! أجسادنا لا تقوى على النار، أجسادنا ضعيفة، وعظامنا هزيلة، لا نقوى عليها، فرحماك يا رب! لكن بعض الناس قد تكون ذنوبه كالجبال فلا تدركه الشفاعة فيتدهده في النار، وهو من عصاة الموحدين الذين لا يخلدون في النار {فيخرجه الله من النار وقبل أن يخرج، يقول: يارب! يا رب! يا رب! أخرجني من النار؛ قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، أي: حماؤها ونارها فيخرجه الله. قيقول الله له: يا بن آدم! أئذ أخرجتك أتسال غير ذلك؟ قال: لا. والله يارب! أعاهدك ألا أسأل غير ذلك، فيخرجه الله من النار فيجعله في قنطرة بين الجنة والنار، فينظر إلى الجنة، قال: يا رب! قربني إلى الجنة، فيقول: فإذا قربتك إلى الجنة، قال: أعاهدك ألا أسأل غير ذلك، فيقربه الله من باب الجنة فينظر إلى أنهارها، وأشجارها، وثمارها، وقصورها} والقصر الواحد كالربابة البيضاء مثل السحابة يمشي في جو الجنة. الشجرة الواحدة يمشي فيها الراكب المجد على الفرس مائة عام لا يقطع ظلها، أما أنهارها فنهر من عسل مصفى، ونهر من لبن أبيض كالثلج، ونهر من ماء غير آسن، ونهر من خمر لذة للشاربين، قطوفها دانية، إذا جلست أتاك القطاف، وإذا اضطجعت على جنبك وصلك التمر إلى فمك، وإذا قمت يرتفع الغصن -لا إله إلا الله ما أعظم الجنة! - إذا اشتهى أهل الجنة الغناء والطرب، وهذا لمن حرم على سمعه الطرب في الدنيا، أرسل الله له ريحاً طيبة، فتهز أغصان أشجار الجنة فيجدون حلاوة الصوت، يقول ابن القيم رحمه الله لمن اشتغلوا بغناء وطرب ورقص الدنيا، وهذا الكلام موجه خصوصاً إلى من اشتغل قلبه بطرب أهل الدنيا ألا تريد طرب الجنة؟ فلم تشتهي طرب الدنيا؟! يقول: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان {فيخرج الله هذا الرجل؛ فإذا اقترب ورأى الجنة وما فيها، قال: يارب! أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تدخلني الجنة، فيضحك ربنا تبارك وتعالى ضحكاً يليق بجلاله، كما ورد في صحيح مسلم ثم يقول الله: يا بن آدم! ما أغدرك، ما أخونك! تقول: لا تسأل وسألتني، أدخلوه الجنة، فيدخل الجنة فإذا رأى ما فيها من قصور ونعيم ودور وملك كبير، الله أعلم بذاك الملك، دار لا يمرض صاحبها، ولا يفنى شبابه، ولا تبلى ثيابه، ولا يذهب حسنه وجماله، دار ليس فيها هم ولا غم، ولا حسد أو حقد، أو دين أو مرض أو خوف ولا جوع، لا يبولون ولا يمتخطون، وجوههم كالقمر ليلة أربعة عشر، أعمارهم ثلاثاً وثلاثين سنة، الرجال والنساء فيقول الله: تمنَّ يا عبدي! فيتمنى من القصور مئات القصور، ومئات الأشجار والأنهار، والبساتين، فيقول الله: لك ذلك ومثله، لك ذلك ومثله، لك ذلك ومثله، لك ذلك ومثله، لك ذلك ومثله، قال أبو سعيد: خمس مرات، قال أبو هريرة: والذي لا إله إلا هو لقد سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: عشر مرات، وصدق: مثل ملك الدنيا عشر مرات، فيقول العبد: -والحديث في صحيح مسلم - يقول: أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟! قال: لا. وعدي الحق، وقولي الحق} فنسأل الله أن ينجينا وإياكم بكلمة التوحيد، لأنه ليس عندنا عمل، ولا حسنات وكلنا أهل سيئات ومقصرون، فنشكو حالنا إلى الله. لما أتت الوفاة عمرو بن العاص وهو في سكرات الموات، فقال: لا قوي فأنتصر، ولا معذور فأعتذر، وليس عندي إلا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أحد الصحابة توفي ويديه مضمومة، وأخذوا يغسلونه ففتحوا أصابعه فعادت، ثم أدخلوه الكفن وفتحوا أصابعه فعادت، ثم حاولوا فتح أصابعه عند القبر فعادت فدخل القبر بلا إله إلا الله محمد رسول الله. والمقصود بهذا الكلام أن نستعد للقاء الله بالأعمال الصالحة، وأن ننظر إلى نعم الله كيف أنعم الله علينا، قبل عشرين أو ثلاثين سنة كانت أحوالنا صعبة وشديدة، ويخبرنا كبار السن كيف الفارق بين تلك الأيام التي كانوا فيها في رعب وجوع ومشقة، وبين هذه الأيام التي أنعم الله علينا نعم ظاهرة وباطنة، أتتنا نعم الدنيا من كل مكان: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34] أما سترنا الله؟ أما أمننا؟ أما أشبعنا؟ أما أروانا؟ فما جزاء هذه النعمة؟ جزاؤها أن نستخدمها في طاعة الله. يقول الله عن بعض القرى التي أعرضت عن منهجه: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. بعض الناس وجد في زواج من الزواجات أنه ذبح ما يقارب من خمسين خروفاً رياء وسمعة ثم إنه ما وجد من الناس من يأكلها، ثم حملها في القلابات ووضعها في الزبالة، وطلب هذا الرجل -وكان تاجراً من التجار- أن يبني مسجداًَ، قال: لا أستطيع، قلنا: سبحان الله! تستطيع لهذه الأمور التي لا ترضي الله، أما أن تبني مسجداً؛ فيبني الله لك بيتاً في الجنة فتأبى، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة} يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الحديث القدسي: {يا بن آدم! عجباً لك! خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي، خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد}. يذكر أن رجلاً من بني إسرائيل، قال: يارب! أريد أن أعبدك عبادة ما عبدك بها أحداً من الناس إلا الأنبياء؛ فأمره الله أن يخرج إلى جزيرة من الجزر في وسط البحر، فأتى هذا الرجل المسكين العابد فخرج إلى جزيرة وحده لا زوجة ولا ولد ولا أهل ولا قبيلة يعبد الله خمسمائة سنة، فأنبت الله له شجرة من رمّان، وكان إذا اشتهى الأكل قطف الرمانة وأكلها، وصلى وعبد الله وذكره وسبحه وتأمل في مخلوقاته، فلما عبد الله خمسمائة سنة توفاه الله وليس له ذنوب، ما أكل مال أحد، ولا اغتاب أحد، ولا أكل الربا، ولا استمع الغناء، ولا زنى، ولا شهد شهادة الزور، فلما قبض الله روحه قال: ياعبدي! أتريد أن تدخل الجنة بعملك أم برحمتي؟ قال: أريد أن أدخل الجنة بعملي؛ لأنه توهم أن عبادة خمسمائة سنة تخوله وتؤهله لدخول الجنة. قال الله: تريد الجنة بعملك أم برحمتي؟ قال: بعملي يا رب. قال الله: نحاسبك بقدر النعم التي أعطيناك وبقدر عبادتك التي عبدتنا إياها، فتقدمت الملائكة بالميزان يحاسبونه فنشروا له الصحف، وعدّوا نعم الله عليه وعبادته، فوجدوا عبادته جميعاً لا تعدل إلا نعمة البصر، وبقية نعمة القلب والسمع والحياة، والتنفس والعقل، والهداية وغيرها، قال الله: خذوه إلى النار. قال: يا رب! أسألك أن تدخلني الجنة برحمتك. قال: أدخلوه الجنة. إذاً مهما فعلنا، ومهما صلينا وصمنا وذكرنا الله، والله إننا مقصرون إلى أبعد نهاية، لكن أملنا في الواحد الأحد أن يغفر لنا الذنوب والخطايا. وأنا أريد أن أعرض لكم بشرى من محمد عليه الصلاة والسلام، وأريد منا جميعاً أن نتذكر هذا الحديث كلما أدركنا اليأس أو القنوط من رحمة الله عز وجل. يقول عليه الصلاة والسلام كما في سنن الترمذي: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت ل

تيسير أمور الزواج

تيسير أمور الزواج وهنا أوصي إخواني وآبائي بمسألة مهمة وهي: ألا تتأخر المرأة إذا حان زواجها، فالمرأة كالثمرة إذا حان قطافها وتأخرت عن حان القطاف فسدت، وكذلك الرجل، {إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه} ولا تتأخروا إذا وجدتم الكفء للمرأة الصالحة فلا تتأخروا، فإن أقواماً أخروا زواج بناتهم فكسبوا إثماً من الله الواحد الأحد، وهؤلاء أحد رجلين: إما جاهل لا يعرف الشريعة ولا يعرف أمر الله، وإما رجل طماع يبيع ابنته كما تباع الدابة أو الأرضية أو السيارة. يحدثنا أحد العلماء في الرياض يقول: حضرنا إلى باب المستشفيات فوجدنا رجلاً مع ابنته وهي في مرضها، وعمرها أربعين سنة لم تتزوج، كلما تقدم لها رجل رفض أبوها، يقول: كان من أطمع الناس، صاحب دنيا لكن لم تنفعه دنياه، عنده من الدور ومكاتب العقارات والسيارات والمعارض، لكنه معروف بين الناس أنه إذا زوج ابنته لا يزوجها إلا بمئات الألوف، فكلما تقدم لها شاب رفض تزويجها؛ لأن الذين تقدموا إليها شباب فقراء، وأكثر الناس أحوالهم لا تمكنهم من دفع المهور الغالية، فكلما تقدم له رجل صالح سأل عن وظيفته؟ وسياراته؟ ومرتباته؟ فإذا أخبره بأنه دون ذلك تركه، حتى وصلت إلى سن الأربعين، ثم أصابها مرض عضال، ونقلت إلى المستشفى، فلما حضرتها سكرات الموت، وهو الانتقال إلى الواحد الأحد الذي يحكم بين الخصمين ولا حاكم إلا هو، والذي ينصف المظلوم من الظالم، فلما حضرتها سكرات الموت قالت: ياأبتاه! اقترب، فاقترب منها، فقالت: قل آمين، فقال: آمين، فقالت: قل آمين فقال: آمين. -والله لقد حدثنا بها شيخ من الشيوخ الذين تقبل شهادتهم- فقالت: قل آمين، ثالث مرة، قالت: أحرمك الله الجنة كما أحرمتني لذة الزواج. أربعين سنة تقف المرأة في بيت أبيها ماذا تنتظر؟! ثم يأتي يرد هذا ويرد هذا من أجل أن تباع ابنته كما تباع الدابة، أهذا في الإسلام؟! كان السلف الصالح الواحد منهم يأخذ درهمين، أو ثلاثة، أو أربعة، ثم يمتع ابنته، وبعضهم يبني لابنته بيتاً ويسلم ابنته لزوجها مكرمة مهذبة معلمة، ثم يشكر الله أن رزقها زوجاً صالحاً؛ لأن المحرم أمرها صعب، وجود البنت في البيت صعب، الجاهليون في الجاهلية يأخذ أحدهم ابنته فيدفنها وهي حية؛ خوف العار، فلما أتى الإسلام كرمها بالزوج، وحفظها ورعاها وسترها، ثم قام بالقوامة عليها، ولهذا كيف يشترط الإنسان مهراً غالياً مع هذه التكاليف؟

صورة من حياة السلف الصالح في تيسير الزواج

صورة من حياة السلف الصالح في تيسير الزواج سعيد بن المسيب أحد الصالحين من علماء السلف الصالح، كان من علماء الدنيا بل هو عالم الدنيا في عصره، كان عنده ابنة حفظها كتاب الله فحفظت كتاب الله كله، كانت مفتية مثل سعيد بن المسيب، ومن أجمل النساء، تقدم لها ولي خليفة المسلمين الوليد بن عبد الملك يخطبها فرفض سعيد بن المسيب، قال: أعطيك نصف الملك، قال: والله لو تعطيني الدنيا وما فيها، الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة وتعطيني نصف جناح بعوضة! قال: ولم قال: إذا سلمت ابنتي لك أسمعتها الغناء والمعازف ونسيت كتاب الله. إن حياة أمراء بني أمية وبني العباس معروفة، لهذا رفض ذلك، فلما أتى فقير من تلاميذه لا يملك إلا درهمين، قال له سعيد بن المسيب أين تأخرت يا فلان؟ قال: كنت عند زوجتي أمرضها، مرضتها ثم ماتت فجهزتها ودفنتها وأتيت، قال: هل لك من زوجة؟ قال: لا. قال: هل عندك مال تتزوج به؟ قال: والله ما عندي إلا درهمين، قال: فآتي بالدرهمين، فقال له: أترضى أن أكون صهراً لك؟ فانذهل ولم يصدق، كيف يصاهر سعيد بن المسيب عالم الدنيا، قال: هات الدرهمين، فأخذها وكتب له عقد وسلمها له بعد مغرب تلك الليلة، ولم تكن وليمتهم إلا شيئاً من خبز الشعير، وشيئاً من الزبيب، قال: فلما دخلت عليها وجدتها حافظة لكتاب الله تعالى، عالمة فقيهة محدثة، تقوم الليل وتصوم النهار، فهذا هو تقوى علماء أمة محمد عليه الصلاة والسلام. الرسول عليه الصلاة والسلام زوج فاطمة فانظروا إلى مراسيم الزواج، ومن هي فاطمة؟ يقول محمد إقبال شاعر باكستان: هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟ من ذا يساوي في الأنام علاها أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها وعلي زوج لا تسل عنه سوى سيف غدا بيمينه تياها أبوها محمد صلى الله عليه وسلم، وابنها: الحسن والحسين، زوجها: علي، فما هو مهرها؟ وكيف زفت من بيت أبيها إلى بيت زوجها؟ انظروا إلى مراسيم العرس: يقول علي: أردت أن أحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزواج من فاطمة -الإمام المرتضى أبو الحسن الذي يضرب رءوس الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر كضرب الصرام أو كضرب رءوس الشعير، أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: فلما دخلت البيت أردت أن أحدثه بالزواج من فاطمة، فنظرت إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم فأصاب وجهي الخجل والحياء والرهبة، فما استطعت أن أتكلم بكلمة، مع من يتكلم؟ مع سيد الخلق، شفيع الناس، وجهه كان كالقمر ليلة أربعة عشر، إذا رآه الشخص أخذ يرتعش كأنه أصابته حمى، كما جاء أن أحدهم دخل على الرسول صلى الله عليه وسلم فلما رأى وجه الرسول، ورأى هيبته أخذ ينتفض ويرتعش، قال صلى الله عليه وسلم: {هون عليك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة} يقول صلى الله عليه وسلم: إن أمي كانت تأكل القديد بـ مكة، القديد: اللحم المشوي الذي يشوى في الملح ويعلق بالحبال، كأنه يقول: إن أمي كانت فقيرة وأنا فقير، أنا لست من السماء، وهو أشرف من ملائكة السماء، لكنه تواضع، ونحن نقول: صدقت أنت ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة لكنك حولت العالم، وابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة لكنك أنت من فتح من السند إلى الهند إلى أسبانيا بلا إله إلا الله، ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة لكن دعوتك سارت في أنحاء المعمورة، وأنت شفيع الناس يوم القيامة، قال علي: فلما أتى بي من الخجل والهيبة والحياء مالا يعلمه إلا الله سكت، فتبسم عليه الصلاة والسلام. لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4] قال يا علي: كأنك تريد فاطمة قلت: نعم يا رسول الله! قال عندك مال -وهو يدري أنه ليس عنده شيء- علي بن أبي طالب الذي ضرب رءوس الجبابرة أبوه شيخ الأباطح ليس عنده من الدنيا شيء! كان ينام على صوف الخروف، ينام عليه في الليل ويلتحف به بالنهار، قال له صلى الله عليه وسلم: أعندك مال؟ قال: ليس عندي شيء يا رسول الله! قال: تذكر، قال: والله ليس عندي درهم ولا دينار ولا تمرة، أو حبة، أو زبيبة أبداً، قال: تذكر هل عندك شيء من السلاح، قال: عندي درع لا تساوي درهمين ألبسه في المعركة قال: هاته، فذهب وهو خجول رضي الله عنه وانتزعه من بيته، وأتى به ووضعه عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا مهر فاطمة، فقال صلى الله عليه وسلم: قد قبلت، قال: وهل قبلت يا علي؟ قال: قبلت، قال صلى الله عليه وسلم: وفاطمة زوجة لك، فذهب بها إلى البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: اصنع مأدبة عشاء. قال: ليس عندي شيء يا رسول الله، قال: اذهبوا إلى بيوت أمهات المؤمنين، وكان عنده صلى الله عليه وسلم تسع نسوة، وكان كل امرأة في غرفة صغيرة إذا نام صلى الله عليه وسلم وصل رأسه طرف الغرفة ورجلاه في الطرف الآخر، فقال: اذهبوا والتمسوا شيئاً، فذهبوا إلى أم سلمة ووجدوا عندها بعض أقراص الخبز، ثم ذهبوا إلى عائشة فقالت: لا. والله ما عندنا شيء، ثم ذهبوا إلى زينب فقالت: ووجدوا عندها شيئاً من الزبيب، ثم ذهبوا إلى امرأة أخرى، وكان معها شيء من لبن، فلما جمعوا من هذه الأشياء البسيطة، قال صلى الله عليه وسلم: هاتوا لأدعو عليه بالبركة، لأنه مبارك عليه الصلاة والسلام، ينفث على الطعام فيزيده الله، نفث على الشراب الذي لا يملأ كأساً فكفى ثمانمائة مقاتل، فتوضئوا، واغتسلوا، وسقوا خيولهم وغنمهم وبقرهم وإبلهم.

بيان بركة النبي صلى الله عليه وسلم

بيان بركة النبي صلى الله عليه وسلم يقول جابر: رأيته صلى الله عليه وسلم وهو يحفر خندق المدينة، يطوقه ضد اليهود والمشركين حتى لا يقتحموا المدينة، قال: فأتيته فإذا به من الجوع ما لا يعلمه إلا الله، قال: فلما رأيت الجوع بوجهه، أتيت إلى زوجتي، وقلت لزوجتي: أعندك شيء من طعام؟ قالت: عندنا عناق -ولد الماعز- ومد من شعير، قلت: اطحني الشعير وأنا أذبح هذا العناق، وأسلخها وأضعها في القدر على البرمة، وطحنت الشعير، وأقامت منه طعاماً، وذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو يحفر ومعه ما يقارب من سبعمائة مقاتل، كلهم جياع، فوقع على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! أريدك بكلمة، قال: ماذا تريد؟ قال: تعال أنت واثنان معك أو ثلاثة، قال: فقام صلى الله عليه وسلم فوضع المسحاة من يده، وقال: يا أهل الخندق! إن جابر بن عبد الله صنع لكم طعاماً فحيهلا بكم. قال جابر: فأخذني من الخجل ما قرب وما بعد، أريد النبي صلى الله عليه وسلم ومعه اثنان فقط وأتى بسبعمائة، قال: فمضيت وأنا لا أدري ماذا أفعل، قلت: لعله لم يسمعني، أو لم يفهمني صلى الله عليه وسلم، قال: فسبقت إلى زوجتي، وقلت: الويل لك، قالت: وماذاك؟ قال: قلت للرسول صلى الله عليه وسلم يأتيني باثنين أو ثلاثة، فصاح بأهل الخندق كلهم فأقبلوا، قالت: -وكانت عاقلة- الله ورسوله أعلم. فأتى صلى الله عليه وسلم، والتفت جابر وإذا بالصحابة مئة بعد مئة، مئة بعد مئة، مئة بعد مئة، فتبسم صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يدري أن قلب جابر أخذ يحترق، فقال: يا جابر! لا تنزل الطعام عن البرمة، ولا تنزل اللحم من القدر، اتركها في برمتها، قال: سمعاً وطاعة يا رسول الله! ثم أتى عليه الصلاة والسلام إلى القدر، وفيه اللحم فبصق عليه، وبصاقه بركة، فقال: بسم الله اللهم بارك! بسم الله اللهم بارك! باسم الله اللهم بارك! ثم أتى إلى هذه البرمة، فدعا بالبركة، ثم قال: يا جابر أدخل الناس عشرة عشرة، فدخل عشرة فأكلوا وقاموا، ثم عشرة ثم عشرة ثم عشرة حتى أكل جميعهم -السبعمائة- فلما قاموا وانتهوا بقي الرسول صلى الله عليه وسلم وجابر فأكلا، قال جابر: والله لقد تقدمت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بحالها ما نقص منها لقمة، فأخذ عليه الصلاة والسلام يتبسم ويقول لـ جابر وهو ينظر إليه: أشهد أني رسول الله -وأنا أقول: أشهد أنك رسول الله، وأنك صادق أمين، مبارك، وأنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة. الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في طعام علي وفاطمة فكفى الناس بإذن الله، وأتى علي وفاطمة ينشئون بيتاً جديداً على ذكر الله. وكان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي وسط الليل ويذهب إلى علي وفاطمة لأن غرفتهما قريبة من غرفته، فيوقظهم لصلاة الليل، جاء في صحيح البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام: قام وطرق على باب علي، وقال: ألا تصليان؟ ثم عاد صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل، فما سمع فتح الباب؛ لأن الذي يقوم من الليل يفتح الباب ويتوضأ فلم يسمع فتح الباب، فعاد صلى الله عليه وسلم فضرب الباب، فقال: ألا تصليان؟ فقام علي يعرك النوم من عينيه، ويقول: إنما نفوسنا بيد الله إن شاء قبضها وإن شاء أرسلها، فأخذ صلى الله عليه وسلم يضرب على فخذه ويقول: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:54]. أتت فاطمة إليه، وقالت: يا رسول الله! طحنت بالرحى حتى تشققت يدي، وكنست البيت حتى اتسخت ثيابي، وحملت الماء حتى لوي ظهري، فهل لي من خادمة تخدمني من السبي؟ فأتى إليهما، وقال: ألا أدلكما على خير من خادم وخادمة؟! قالا: بلى. يا رسول الله! فقال: سبحا الله ثلاثاً وثلاثين، وأحمدا الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبرا الله أربعاً وثلاثين، فذلك خير لكما من خادم وخادمة. الأمر الثاني: على المسلم ألا يكلف رحمه وصهره من الدنيا إلا قدر طاقته: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]. كيف يشق الإنسان على صهره ورحيمه فيطلب منه المهر ما يكلف عليه، فيستدين فيضطر إلى الدين، ويأخذ أموال الناس وتدخل ابنتك عليه وقد أصبح فقيراً، يبيع بعض أملاكه. والله لقد سمعت أن بعضهم يقول: لقد كلفني الزواج ما يقارب مائتي ألف، ويبقى مديناً، ويظل يقضي دينه ما يقارب من ست أو سبع سنوات، وتبقى هي فقيرة في بيت هذا الفقير، هذا ليس من الأخلاق، وأين الرفق والرحمة؟ ما دام ربطك الله بهذا الرجل معناه: أن الله اختاره لك واختارك إليه، الدنيا تذهب وكذلك المال والذهب والفضة، ولا يبقى إلا تقوى الله عز وجل. الثالث: ينبغي ألا يغال في الزواجات، ولا يسرف فيها، ولا يكون رياءً وسمعة؛ لأنه وجد من الزواجات أن يجمع لها الشعراء ثم يعطوهم الأموال الطائلة مقابل أشعارهم، وهذا حرام، من سلم ماله للشاعر سواء كان المتزوج أو أبو البنت أو قرابة المتزوج أو قرابة أبو البنت. حرام أن يعطوا أموالهم لهؤلاء الشعراء لأنهم لا يتقون الله ولا يرضونه، والشعراء ليس همهم إلا مدح هذه القبيلة وسب تلك القبيلة، وهذا الصرف حرام، ولايجوز، وقد أفتى العلماء فيه مراراً وتكراراً في فتاوى شفوية ومكتوبة، وهؤلاء الشعراء الذين يأخذون هذه الأموال لا يجوز لهم أكل أموال الناس بالباطل، كيف يأخذه؟ هل فعل خيراً؟ هل قدم شيئاً لهذه الأمة؟ ما هي النتيجة والثمرة التي قدمها للناس؟ فقط أنه يمدح هذه القبيلة، وأنهم فعلوا وأنهم انتصروا، كلها حروب جاهلية، مسلم على مسلم، وقبيلة مسلمة على قبيلة مسلمة، أو يتكلم في النساء وقد سمعنا من الشعراء من يتغزل بنساء الناس في الحفل، واستقدام هؤلاء الشعراء محرم ولا ينبغي للمسلم أن يعطيهم أجرة، وإذا غلب في ذلك فليأتِ الشاعر وليس له إلا التراب، يتكلم بما شاء من القصائد، فإذا طلب منا أجرة قلنا له هذا الجبل خذ منه ما تشاء، وليس له شيء، وكذلك أخذ المغنين والمغنيات وهذا موجود في المدن، لكن نخشى أن تصل هذه إلى القرى، أو تتدهور القرى حتى تصل مثل بعض المدن، تأتي بمغنية أو بمغني وهؤلاء المغنين أو المغنيات والمطبلين والمطبلات، الأحياء منهم والأموات، فعلهم يغضب رب الأرض والسماوات، ولا يجوز أبداً.

حكم الدف في الأفراح للنساء

حكم الدف في الأفراح للنساء يجوز للنساء في الحفل أو الأعراس أن يجتمعن وعندهن دف وهن وحدهن، فيرقصن وينشدن: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] بعضهم يحملهم على حب السنة والشريعة إلى أن يخرج من السنة، يخرج من السقف أو من العرصة، لكن الوسط هو المطلوب، النساء في الإسلام يجوز لهن في العرس أن يجتمعن على دف فينشدن ويرقصن ويغنين بشرط ألا يكن معهن أجانب من الرجال، ولا يكن معهن مغنيات، أو أشرطة غناء لمغنين ماجنين، لكن يرقصن ويغنين وحدهن فإنه لا بأس بذلك، يقول عليه الصلاة والسلام: {أعلنوا النكاح واضربوا بالدف} ويقول لـ عائشة: {هل معكن شيء من اللهو؛ فإن الأنصار يعجبهم اللهو} فلا بأس باجتماع النساء بمجلس خاص؛ لأنه فرح وليس عزاء، وكذلك لا بأس إذا اجتمع الرجال في مجلس أن ينشدوا الأشعار، يأتي الكبار منهم، ويتحدثون بالشعر حتى من شعر القبائل، ولا بأس أن يذكروا فكاهات بشرط ألا يكون فيها غيبة ولا كذب، أو يستدعى بعض طلبة العلم أو الدعاة، فيتكلمون في هذا المجلس ويعرضون الناس، لأن بعض الناس يقول: ما تنبغي المحاضرات في الزواج، والناس لابد أن يتحدثوا بحق أو بباطل، وإذا ما ذكروا الله ذكروا الشيطان، وإذا ما سبحوا الله ذكروا إبليس -والعياذ بالله- واغتابوا ونموا واستهزءوا، فشغل حفلات الزواج بذكر الله من أحسن ما يكون. كذلك ينبغي على الرحم أن يقدر رحمه، ويحترمه، وأن يدعوه إلى تقوى الله عز وجل إذا رأى خللاً منه لابد أن يقوم البيت على منهج الله بالتي هي أحسن: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] فهذه هي الدعوة المطلوبة أن تكون مباركاً أينما كنت، وتؤثر في بيوت أصهارك بالكتاب الإسلامي، وبالكلمة الإسلامية، وبالشريط الإسلامي، علَّ الله أن يهديهم بك.

مواصفات المرأة المسلمة

مواصفات المرأة المسلمة بعض الناس يقول: أنا لا أتزوج إلا من بيت يصلون الليل، ويصومون النهار، ولا ينظرون، ولا يغتابون، وهؤلاء ليسوا موجودين في الدنيا، وإنما هذه من صفات الملائكة، أما نحن بشر نصيب ونخطأ، ونعصي الله ونستغفر، أما الشروط هذه بأنهم يفعلون كذا وكذا فهذه ليست من الشروط، فالرسول صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة بنت يهودي، فدلها على طريق الاستقامة، وعلى الهداية، فهداها الله عز وجل، وتزوج بنات المشركين فهداهم الله على يده. إذاً بعض الشروط التي يزيدها بعض الناس ليست بصحيحة، لكن الشروط الصحيحة أن يكونوا محافظين على الصلوات الخمس، ويجتنبون الحرام، وليس عندهم اختلاط ولا تبرج، فمثل هذه الأمور هي التي ترضي الله عز وجل، وهي التي مطلوب منا أن نتواصى بها. ثم من الأمور التي يجب أن ننبه عليها: أن على الرجل أن يحسن عشرة زوجته، ويتق الله فيها، وأن يقيمها على منهج الله عز وجل، ويدلها علىطريق الجنة، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي} ويقول: {إنهن عوان عندكم - أي أسيرات - فالله الله في النساء}. وعلى المرأة أن تحترم زوجها، فتطيعه في طاعة الله، وتحفظه بالغيب، ولا تجلس أحداً على فراشه، ولا تدخل الأجانب في غيبته، ولا تتطلع على عورات المسلمين، ولا تعرض عرضها للناظرين - والعياذ بالله - فإن من تفعل ذلك فإنها ناقصة عقل ودين، وقد سلب الإيمان من قلبها، وأهم وصف للمرأة أنها: {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34] {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31]. حور حرائر ما هممن بريبة كضباء مكة صيدهن حرام يحسبن من لين الكلام روانياً ويصدهنَّ عن الخنا الإسلام

حقوق الزوج على المرأة

حقوق الزوج على المرأة فهذا وصف المرأة المسلمة، ومن حقوق الرجل عليها أن تقتصد في النفقة، لأن بعض النساء مبذرة ومسرفة، تعدم مال زوجها وما يدخله عليها، فتعدمه بالملابس والأثاث، والأكل والشرب؛ والمطعومات والمفروشات؛ فهذه ناقصة عقل ودين، أما حافظة المال فإنها من الحافظات بالغيب بما حفظ الله. صحيح أن لها أن تأخذ من مال زوجها ولو لم يعلم، ولو بغير علمه، لكن بالمعروف. قالت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان: يا رسول الله! أبو سفيان رجل شحيح -بخيل- لا يعطيني وأولادي، فهل آخذ من ماله شيئاً؟ قال صلى الله عليه وسلم: {خذي من ماله وبنيك بالمعروف} أي: ما يكفيك وأولادك. ومن حقوق الزوج: أن تقوم على خدمته بالمعروف، بالطبخ، والغسيل، وخدمة البيت؛ لأن انتشار الخادمات لا يبشر بالخير، واشتراط أبو البنت خادمة لابنته أو سائقاً -وهذا موجود في المدن كثيراً- منهي عنه، وليس من المعروف؛ لأن استقدام الخادمات وخاصة غير المسلمات لغير ضرورة ليس من الشرط، لكن يجوز استقدامهن بثلاثة شروط: 1 - أن تكون مسلمة، فلا يجوز استخدام يهودية أو نصرانية أو شيوعية أو بوذية أو هندوسية. 2 - أن تكون لضرورة في البيت، كأن تكون المرأة مريضة أو عندها عمل. 3 - ألا يراها الزوج ولا يراها الأجانب وتكون في غرفة خاصة. هذا هو المطلوب من المرأة، وهو أن تقوم بخدمة زوجها.

حقوق الزوجة على زوجها

حقوق الزوجة على زوجها ومن حقوقها عليه -كما قلت-: إحسان العشرة، والنفقة، وأن يحفظها -كذلك- بالغيب، وأن يبر أهلها، وألا يحرمها زيارة أبيها وأمها، وهذا هو المطلوب، والذي نريد أن نقوله لكم: أيها الناس! اعلموا أن هذه الحياة بزواجها وأكلها وشربها، وسياراتها ومناصبها ما هي إلا مرحلة كالحلم والنوم حتى نلقى الله عزوجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:71] هذه الحياة حياة هم، وغم، وحزن، ومرض، وفقر، لا يشفى مريضها، ولا يهنئ شابها، ولا يهدأ غنيها: يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُون} [الأنبياء:101 - 103].

الاستعداد ليوم المعاد

الاستعداد ليوم المعاد فيا إخوتي في الله شيوخاً وشباباً، كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً! اعلموا أنكم عما قريب قادمون علىالله، لقد تزوج آباؤنا وأجدادنا، ثم ذهبوا ووسدوا التراب، وفارقوا الأصحاب، وتركوا الأحباب، وجردوا عن الثياب، كأنهم ما أكلوا مع من أكل، ولا شربوا مع من شرب، ولا تزوجوا مع من تزوج، ولا كأنهم تمتعوا. والله لقد ذهبوا مرتهنون بأعمالهم: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94] لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها عاش نوح عليه السلام ألف سنة، فلما أتته سكرات الموت، قال الله له: كيف وجدت الحياة؟ -والله أدرى وأعلم- قال: وجدت الحياة كبيت له بابان، دخلت من هذا الباب وخرجت من هذا الباب. آدم عبد الله ألف سنة في الجنة ثم أكل من الشجرة بعد أن نهاه الله عنها فعصى ربه، فأنزله الله من الجنة فبكى، أول ما نزل من الجنة على جبل في الهند فبكى ثلاثمائة سنة، ثم قال الله له: يا آدم! ما لك؟ قال: يارب! عبدتك ما يقارب ألف سنة، فلما عصيتك بأكل شجرة أنزلتني وأهبطتني من الجنة. قال الله: يا آدم! وعزتي وجلالي لو عصاني أهل السماء والأرض لأنزلتهم في ديوان العاصين ولحرمتهم حتى يعودوا من التائبين. قال: يارب! هل لي من توبة؟ قال: يا آدم! تب أتوب عليك، فقال: أستغفر الله، فتاب الله عليه، فلما قال الله: يا آدم! وعز تي وجلالي لو أن أهل السماء والأرض عصوني لكتبتهم في ديوان العاصين، أنزل جبريل -كما قال ابن الجوزي - التاج من على رأسه وبكى، وكذلك ميكائيل وإسرافيل، قالوا: وعزتك وجلالك ما عبدناك حق عبادتك. إذا علم هذا فلنخف من معصية الله، يقول الله: مهلاً مهلاً وعزتي وجلالي لولا شيوخ ركع، وأطفال رضع، لخسفت بكم الأرض خسفاً. وذنوبنا ومعاصينا وخطايانا وسيئاتنا لا تعد ولا تحصى، انظر ماذا فعلنا؟ كثير من الناس يشهد عند القضاة شهادة زور، وبعضهم يشتري الشاهد بآلاف الدراهم والدنانير، فيبيع دينه وذمته، ويبيع نصيبه وحظه من الله، ويقطع الحبل الذي بينه وبين الله، فلا ينظر له الله يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم، فيذهب إلى القاضي فيشهد شهادة الزور فيغضب الله وملائكته وعباده. لو دفع للإنسان الدنيا وما فيها على أن يشهد شهادة الزور فإنه والله هو الخاسر وهو المطرود، أيضاً يوجد من الناس من يصنع لجاره المشاكل والمصائب والعناد ما لا يعلمه إلا الله. أين الغيرة؟ أين الإسلام؟ يقول صلى الله عليه وسلم: {ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه} أي: سيجعل له حظاً من الميراث. كان جار الرسول عليه الصلاة والسلام يهودياً، فكان صلى الله عليه وسلم إذا اشترى اللحم يعطيه منه. وكان صلى الله عليه وسلم يزور اليهودي إذا مرض، وفي الأخير قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، هذا هو الإسلام، الجار أمره عظيم، يأتي جار يبكي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرتفع بكاءه فيقول صلى الله عليه وسلم: مالك تبكي؟ قال: يا رسول الله! أشكو إليك جاري، سبني وشتمني، إذا غبت ما حفظني، وإن حضرت هضم حقي، قال: ماذا أفعل يا رسول الله؟ قال: اصبر واحتسب، فصبر واحتسب، ثم عاد يبكي ثانية، فقال صلى الله عليه وسلم: اصبر واحتسب، فصبر واحتسب، ثم عاد يبكي، فقال صلى الله عليه وسلم: خذ متاعك وأهلك وأطفالك وانزل واجلس في طريق الناس، فأخذ متاعه وزوجته وأطفاله ونزل في طريق الناس، قالوا: مالك يا فلان؟ قال: أخرجني جاري من داري، قالوا: لعنه الله! وهكذا كلما مر شخص يسأله عنه حاله، فيعلم بما حصل له، فيسب ذاك الجار المؤذي، فسمع ذلك جاره، فقال: والله لا أعود، عد إلى بيتك، بعد أن أخذ لعنة العالمين؛ فنعوذ بالله من الخذلان! بعض الناس الباب إلى الباب ولا يسلم بعضهم على بعض سنوات طويلة، بل الأرحام يتقاطعون، ويتشاكون، بل يتلاعنون، بل بعضهم يكادون يتقاتلون، أين الإيمان؟! أين الإسلام؟! يوجد في القرى مساجد لا يصلي فيها إلا ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة فأين الإيمان؟! يسمعون الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أربع شهادات، ثم لا يجيبون: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأعراف:40 - 41]. أين إيمان المؤمن؟ إذا سمع الأذان ترتاح نفسه. هذا أحد السلف مرض مرضاً طويلاً كأنه قطعة لحم على الفراش، وكان إذا سمع: الله أكبر، قال: احملوني إلى المسجد، قالوا: عذرك الله! أنت مريض، قال وهو يكاد يتقطع: كيف أسمع: الله أكبر ولا أقوم! أسمع: حي على الصلاة حي على الفلاح ولا أقوم إلى المسجد! ولو كان في القلوب إيمان والله ما يأتيك النوم بعد أن تستمع الأذان، بل يضطرب قلبك، ويصبح مثل القدر يغلي، لأن الإيمان يجعل القلب كالقدر يغلي غلياناً. وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خال يقول أحد السلف: [[يا رب! إذا أمتني أمتني ميتة حسنة. فقال له أبناؤه: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد]] فأعطاه الله ما تمنى؛ لأن الله يعطيك على قدر نيتك: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21]. أتته سكرات الموت، فقال: احملوني إلى المسجد، قالوا: أنت معذور، أنت في سكرات الموت، قال: سبحان الله! أسمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح ولا أجيب!! فحمله أبناؤه على أكتافهم حتى وضعوه في الصف، فصلى صلاة المغرب فلما كان في السجدة الأخيرة قبض الله روحه، لأنه صادق مع الله، طلب الموت وهو ساجد، فأعطاه الله. يقول أحد الصالحين وأبناؤه يبكون عنده: لا تبكوا عليَّ، قالوا: ولم؟ قال: والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الإمام ستين سنة: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] أحد الناس لا يعرف إلا المسجد، أول ما يفتتح برنامجه اليومي صلاة الفجر، حتى يقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله -أي: في حفظ الله - فالله الله لا يطلبنكم الله بشيء من ذمته}. وأوصيكم بترك أكل المال الحرام، كالربا، فقد انتشرت البنوك الربوية، وكيف يدعو الله وهو يأكل الربا، فيقول الله: لا لبيك ولا سعديك مطعمك حرام، ومشربك حرام، وملبسك حرام، فأنى يستجاب لك! لا يستجيب الله للذي يأكل الحرام، حتى الحاج يحج ويتعب ويصهر في الشمس ويجوع وتفصم ركبه من السير، فيقول: لبيك اللهم لبيك، فينادي الله من السماء: لا لبيك ولا سعديك، مطعمك حرام، ومشربك حرام، وملبسك حرام، فأنى يستجاب لك! فحذارِ حذارِ من الدخل الحرام، فإنه يفسد العبادة ويعطل الدعاء ويغضب المولى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ثم أوصيكم ونفسي بالتزود من النوافل، وكثرة الذكر فأنتم قادمون على سفر، وأنتم الآن مقبلون على هذا السفر البعيد، بعضنا بقيت له أيام وبعضنا أسابيع وبعضنا أشهر وبعضنا سنوات وسوف نجتمع غداً، فاعملوا لجنة عرضها السماوات والأرض، واعلموا أننا والله مهما ارتحنا وضحكنا واسترحنا وبنينا وعمرنا وركبنا فإنها ستسلب منا سريعاً، وأنه لا يبقى إلا وجه الله. هارون الرشيد ملك الدنيا من الشرق إلى الغرب، من الشمال إلى الجنوب، بنى قصراً من أعظم القصور في بغداد عاصمة العراق وكان اسمها دار السلام قديماً، فلما بنى هذا القصر، قال للشعراء: ادخلوا وامدحوا القصر وصاحبه، فدخلوا ومدحوا الخليفة نفسه، ثم أتى شاعر الزهد والحكمة أبو العتاهية، فقال لـ هارون الرشيد: عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصور قال: هيه، قال: يسعى عليك بما اشتهيت مع الرواح أو البكور قال: هيه، قال: فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور فبكى حتى سقط من على كرسيه. إن سكرة الموت تنسيك كل لذة في الحياة. والله إنه قد وجد من بعض الملوك وقد قرأت سيرهم، مثل: المعتضد كان عنده أربعمائة جارية، وأربع نسوة، وكان عنده من القصور في كل مكان، وكان يقول: ما تركت لذيذاً حتى أكلته، وما تركت جميلاً حتى لبسته، ولا نعمة حتى تمولتها، فلما أتته سكرات الموت كان على عرش الملك، قال: أنزلوني، فأنزلوه، فكشف البساط، ومرغ وجهه في التراب، وقال: ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانية، ياليتني ما عرفت الحياة! يا ليتني ما عرفت الملك! إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندب ولله كميت حبيب ورائح يشيعه للقبر والدمع يسكب فيا أيها المسلمون: يا من عرف مصيره! ويا من عرف طريقه إلى الله! تزود من العبادة، وأكثر من النوافل، أكثر من التسبيح، وسع قبرك بالعمل الصالح، القبر والله لا يوسعه الدور، ولا القصور، ولا المال، ولا المنصب، ولا الوظيفة، لا يوسعه إلا العمل الصالح: والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ اللهم تولنا فيمن توليت، اللهم تب علينا، اللهم إنا نسألك من العيش أرغده، ومن العمر أسعده، ومن الوقت أتمه، ومن الزمن أعمه. اللهم ثبتنا على لا إله إلا الله، وأمتنا على لا إله إلا الله، وأدخلنا قبورنا على لا إله إلا الله، ونجنا من النار بلا إله إلا الله، وأدخلنا الجنة بلا إله إلا الله. اللهم إنا نسألك الأمن والأمان، والالتزام والسلام، والراحة في الأبدان والأوطان والأديان يا رب العالمين. ربنا زدنا تقىً وعفافاً وغنى، وثبتناً وأرشدنا واصرفنا مغفوراً لنا يا رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم اللعن وقطع الأرحام

حكم اللعن وقطع الأرحام السؤال الأول: أب لا يمر عليه يوم واحد حتى يلعن زوجته وأولاده؛ كما أنه لا يصل رحمه، فإذا نصح تمادى في غيه وسبه وشتمه، أرجو من شيخنا التوجيه في هذا؟ A أسأل الله أن يهدي هذا الأب وكل ضال من ضلال المسلمين، وأن يرده إليه رداً جميلاً، فإن الله يتوب على من تاب والهداية بيده تعالى، وليعلم هذا الأب أن اللعن من كبائر الذنوب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة} ويقول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء}. فحذارِ حذارِ من اللعنة؛ فإن معناها: الطرد والإبعاد من رحمة الله، فقد يلعن الولد فتصادف ساعة استجابة من الله لا يسأل فيها شيئاً إلا أعطاه، فيلعن ولده فيطرد الله هذا الولد من رحمته أبد الآبدين. أو يلعن زوجته فيطردها الله من رحمته أبد الآبدين. مر عليه الصلاة والسلام في غزوة، وفي الجيش امرأة معها ناقة، فقالت المرأة للناقة: لعنك الله! - تلعن الناقة - فقال صلى الله عليه وسلم: {خذي متاعك من على الناقة واتركيها لا تصحبنا ناقة ملعونة} فكيف بالزوجة؟! فيكيف بلعن الأهل والأولاد؟! كيف يأتي حسن الخلق؟! كيف ينزل الله السكينة؟! كيف تغشى الرحمة؟! فيا أيها الأب! حذارِ حذارِ، فليس لديك كفارة إلا التوبة، أما المرأة فلا تطلق باللعنة - بعض الناس قد يتوهم أن المرأة عليها أن تذهب إلى بيت أهلها، لا. مهما لعن فإنها لا تطلق، بل هي زوجته وما زالت، لكن تنقص البركة ويكتسب أكثر الذنوب، ويقل الله السكينة في البيت، ويدخل الشيطان والعياذ بالله. فأنا أوصيك أولاً أن تجتنب اللعنة، وأن تستغفر، وتتصدق لعل الله أن يكفر عن سيئاتك: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]. أما قوله: إنه يقطع أرحامه، فلا إله إلا الله ما أعظم قطيعة الرحم! من أعظم الذنوب والخطايا: قطيعة الرحم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23]. فوصيتي إليك أن تتوب وتعود إلى أرحامك ولو قطعوك، أن تصلهم ولو آذوك، أن ترحمهم وتعطيهم ولو منعوك: {أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم -والحديث عند مسلم - قال: يا رسول الله! إن لي قرابة أحسن إليهم ويسيئون إلي، وأصلهم ويقطعونني، وأرحمهم ويؤذونني، فقال صلى الله عليه وسلم: إن كنت كما تقول فلا يزال معك من الله ظهير -أي: نصير- وكأنما تسفهم المل} أي: كأنما تحرقهم بالرماد الحار. فوصيتي لك أن تصل رحمك، وأنت سوف تقف أمام الله باكياً نادماً مثبوراً إن لم يتداركك الله برحمة منه.

طريقة إحياء الزواج المشروع

طريقة إحياء الزواج المشروع السؤال الثاني: أرجو أن توضح لنا كيف يستطيع الزوج إحياء ليلته بفرحه بمثل هذه الليلة المباركة خصوصاً إذا عرف أنه لا يتيسر لكل شخص أن يجد طلاب العلم أمثالكم؟ A ولو لم يكن لصاحب هذا الزواج إلا وجود مثل هؤلاء الناس، لأنهم صفوة المجتمع، لأنه لا يحرص على مجالس الخير إلا صفوة الناس، فمجالس الشيطان يحضرونها حثالة الناس، رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه سارقاً ووراءه قوم من الناس يصيحون بالسارق، قال عمر: [[قبح الله هذه الوجوه لا ترى إلا في الشر]] لأن وجوه أهل الخير تجتمع في مجالس الذكر، ففرصة لهذا المتزوج أن يستضيف هؤلاء الأخيار، أهل الصدق مع الله، أهل السنة، وأهل الخير والفضل، فوجودهم ودعوتهم له تعادل الدنيا وما فيها، يوم ندعو نحن ويقول الناس: آمين. تعادل الدنيا وما فيها، فليحرص الإنسان على مجالس الذكر مثل هذه؛ لأن الملائكة تحف مجالس الذكر، وتتنزل عليه السكينة، والرحمة تغشاه، والله يذكرهم فيمن عنده، فهي من أعظم الفرص، هذا نموذج للزواج الحي الإسلامي، لكن الزواج الجاهلي لا يذكر فيه اسم الله، بل يحضره الشيطان ومعه جنوده من الراقصين والمغنين والمطبلين وغيرهم من أتباعه: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] وأهل الخير ومجالسهم فيها قال الله قال الرسول، ومجالس أهل الشر قال الشيطان، وقال فلان، ويحسن بالإنسان أن يستدعي طلبة العلم وهم متواجدون في كل مكان، المعاهد العلمية، هيئة الأمر بالمعروف، والدعوة، والقضاة، كلهم فيهم خير، يجمع مجموعة من الناس، ويتحدثون بكلام طيب ولا يشترط أن يحضر مكروفون، وأن يرفع المحاضر صوته، وأن يهز يديه الاثنتين، هذا لا يشترط، بل إذا حضروا في المجلس يتكلم هذا بكلمتين وهذا بكلمة طيبة، وهذا بحديث، وهذا بآية؛ لأن الناس لا تغلق أفواههم وألسنتهم، لا بد أن يتحدثوا، والمجالس إما أن تشغل بالخير وإلا أتى الشيطان يشغلها بسوء، إما أن يتكلموا بقال الله، وإما تكلموا بالغيبة والنميمة وبغض واستهزاء يغضب الله تعالى، فإذا استطاع الأخ أن يجمع من هؤلاء فطيب وحسن. وفكرة أخذ الكتيبات والأشرطة الإسلامية وتوزيعها وإهداؤها بين الأحبة والوفود من أحسن ما يكون؛ لأنها أصبحت وسيلة ناجحة للدعوة.

ميراث المرأة بين الشرع والجاهلية

ميراث المرأة بين الشرع والجاهلية السؤال الثالث: كثير من القبائل يعيبون على المرأة إذا أخذت ميراثها من عند أهلها ويقطعونها، نرجو التوجيه؟ A من يفعل ذلك قطع الله حبله؛ لأنه عارض الكتاب والسنة، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كتب لها في القرآن ميراث، امرأة مخلوقة لها حق: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11] حتى يقول بعض العلماء: [[إن الله لم يترك تقسيم الفرائض لأحد من الناس بل قسمه بنفسه تبارك وتعالى]] الله من فوق سبع سماوات هو الذي قسم المواريث، لهذا السدس، ولهذا الثمن، ولهذا النصف، ولهذا الثلثين، فيأتي الناس يقولون: عيب أن تذهب المرأة إلى أهلها حتى تأخذ حقها! فيحرمون حقها من أبيها، هذا من الجاهلية: {حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] ومن يفعل ذلك فقد حارب الله، وعارض شريعة الله! وليس بعيب على المرأة أن تذهب إلى إخوانها إذا احتاجت. ولو أخذنا على نظام الجاهلية هذه، وقلنا: لا يجوز أن تأخذ حقها من أهلها، هل كل النساء لها ولد، أو زوج يرعاها؟ كثير من النساء يرميها ولدها، وقد رأينا قضية أن بعض الأبناء ضرب أمه سبع مرات، حتى تدخل الأمن ورجال الشرطة، وسحبوا هذا الابن الفاجر وضربوه بالمداسات؛ لأنه بلغ إلى هذا المستوى، ووجد من الأزواج من إذا صارت زوجته عجوزاً وأصبحت متعته شهوانية كأنه في شريعة الغابة والبهائم وما أصبح له بها حاجة، طلقها، لأنها أصبحت عجوزاً وأحرمها ميراثها فتذهب لا تجد أهلاً، وإذا ذهبت تطلب بيتاً تسكن فيه من أهلها وإخوانها، قالوا: لكل واحد منا بيت ومزرعة وأنت ليس لك شيء وهذا عيب! فأين تذهب؟ سبحان الله! هذه شريعة لا توافق عليها حتى الأمم الكفارة، حتى اليهود والنصارى، للمرأة أشياء محددة، والحمد لله هذه الظاهرة بدأت تخف وتقل؛ لأن الناس صحوا وعادوا إلى الله، وأصبح عندهم رشد، وأصبح فيهم عقلاء، والذي يخالف هذا ففيه سفه، وأسأل الله أن يهديه سواء السبيل.

أحوال الناس بعد سماع المحاضرة

أحوال الناس بعد سماع المحاضرة السؤال الرابع: كثيراًَ ما يحضر أبناء المنطقة مثل هذه المحاضرات، فتجدهم قلوب خاشعة وآذان صاغية، ولكن حين مغادرتهم للمحاضرة تجدهم يعودون إلى غيهم، وتشاجرهم، وحسدهم على لا شيء، ماذا تقول لهم؟ A لا شك أن من يحضر المحاضرة ويسمع الذكر، تحف به الملائكة، وتتنزل عليه السكينة، وتغشاه الرحمة، ويكون قلبه قريباً من الله، لكن إذا خرج تعرض له شياطين الإنس والجن، نظره وأذنه ولسانه تعصي الله، ولا شك أن القلب يتغير، كما قال حنظلة لما أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: نافق حنظلة يا رسول الله! قال: ولم؟ قال: نكون معك فتحدثنا عن اليوم الآخر، فنرى الجنة والنار كأنها رأي العين، فإذا عدنا لعبنا ونسينا وغفلنا، فقال عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده لو كنتم كما تكونون عندي، لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولكن ساعة وساعة، ساعة وساعة، ساعة وساعة}. ولكن لابد أن تربي نفسك تربية إسلامية، وتجتنب المعاصي، وتتوب إلى الله، وتعرف من تجالس، وتسد عن أذنك المعصية، وعن عينك التطلع إلى عورات المسلمين والنظر إلى ما حرمه الله، وعلى لسانك ما يغضب الله عز وجل؛ فهذا هو الدين، وهذا هو مفهوم قول الله عز وجل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

الحجاب الإسلامي

الحجاب الإسلامي السؤال الخامس: نرجو التكرم بالتحدث عن الحجاب، علماً بأن كثيراً منا يعملون في الزراعة والأعمال الزراعية؟ A الحجاب الإسلامي: أن تغطي المرأة ما ظهر من زينتها، وأعظمها: الوجه والكفين، لا كما يقول بعض الناس: إن الوجه والكفان ليس من الزينة، ولها أن تخرج الوجه والكفين وهذا خطأ، فالوجه والكفان لا بد أن تسترهما وأن تكون محتشمة، وهناك ظاهرة موجودة في بعض القرى وهي أن المرأة تظهر على حميها -أخو زوجها- وقريب زوجها، وهذا محرم في الشريعة، قال صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الحمو فقال: {الحمو الموت}. لا يجوز لأخي الزوج أن يختلي بزوجة أخيه، وبعض الأقارب يخرجون في رحلة فيجلس الأجانب والأجنبيات يتضاحكون، ويسمرون ويمزحون وهذا خطأ ومحرم، فالواجب أن المرأة تبقى محتشمة، والمحارم لها هم سبعة في كتاب الله تعالى، ليس لها غير ذلك، أما ابن عمها، وابن خالها فليسوا بمحارم، والمحارم في الشريعة معروفون. ثم أقول: أما ما ذكر الأخ من مزارع فلا بأس أن المرأة إذا خرجت المزرعة وكان الأجانب بعيدون أن تكشف وجهها وتحصد وتساعد زوجها على أني أنادي بتخفيف المؤونة على المرأة؛ لأنه وجد ضرر على النساء، فإن عملها في البيت وفي المزرعة، وتكليفها أكثر من طاقتها، والمرأة ضعيفة تعاني الحمل والولادة والرضاعة، والغسل والطبخ والكنس والقيام على شئون البيت، ثم تحول ذلك إلى عاملة في المزرعة، هذا فيه مشقة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فإذا نزلت المرأة فلا بأس أن تساعد زوجها وتكشف عن وجهها لترى وتبصر، بشرط أن يكون الأجانب بعيدون عنها أما إذا اقترب أجنبي أو رأت شخصاً نزل من طريق فعليها أن تستر وجهها، هذا إن شاء الله هو الأقرب إلى السنة.

علم السلف وعلم الخلف

علم السلف وعلم الخلف تهدف المحاضرة إلى بيان أفضلية علم السلف على علم الخلف، وقد ذكر الشيخ أخطاء المتأخرين باهتمامهم بالجزئيات، وابتكارهم لعلومٍ لا حاجة لها، بل بعضها مضرتها أكثر من نفعها، وكذا تعصبهم وبعض مزالقهم وألقابهم العلمية، وانتقد كل ذلك بأسلوب شيق. ثم تحدث عن أصالة علم السلف ويسره وسهولته، ثم انتقل إلى بيان اهتمام السلف بالمقاصد والغايات، كما أثنى على واقعية علومهم وعدم تجشمهم الإجابة على المسائل الافتراضية التي لم تقع. ثم ذكر بعض الوسائل التي تحفظ العلم، وأسهب في الكلام عن المذاهب والاختلاف والجوانب والسلبية في ذلك.

فضل علم السلف

فضل علم السلف الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. عنوان هذا الدرس: علم السلف وعلم الخلف، وانطلق هذا العنوان ليرد على مقولة صنفها الفلاسفة والمناطقة، وأهل علم الكلام، يقولون فيما نقل عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم؛ طريقة السلف أسلم، لأنهم في معتقد هؤلاء وعلى زعمهم يتوقون الدخول في المعمعات وفي المسائل المشكلات، ولا يستطيعون أن يخوضوا غمار المسائل العلمية التي تتساقط فيها عمائم الأبطال، وتتكسر فيها النصال على النصال، فهؤلاء المناطقة والفلاسفة مثل من يقول: السلف قومٌ مساكين، لا يدخلون في هذه الغمار، ولا هذه البحار، ولا يعبرون هذه المحيطات التي نعبرها نحن، فطريقتهم أسلم وطريقتنا أعلم وأحكم. والرد عليهم بإيجاز أن يقال: طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم، وطريقتكم أغشم وأظلم وأسقم، وما وجد عند السلف إلا الأصالة والعمق واليسر، ووجد عند الخلف إن لم يكن عند السلف وجد عندهم علم (القِدْر) لأن العلم علمان: علم قبر، وعلم قِدر؛ فعلم القبر هو الكتاب والسنة الذي يوصلك إلى مرضاة الله والدار الآخرة، ويدخلك جنةً عرضها السموات والأرض، وتجوز به الصراط، ويسقيك من الحوض قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] وقال: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] وقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] وقال: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49] وقال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] وقال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] وقال: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} [القصص:80]. إلى غير ذلك من الآيات، فهذا علم القبر؛ علم ينجيك من عذاب القبر، وينوره لك. وأما علم الخلف إن لم يكن متصلاً بهذا فهو علم قدر؛ فن الطبخ، وفن تقطيع البصل. لأنها ألفت رسائل ماجستير في هذا العصر في فن الطباخة ونوقشت، ووجدت رسالة أخرى في فن الأزياء، وكيف يلبس النساء في الموضات الجديدة، والموديلات، رسالة ماجستير؛ فهذا علم الخلف، علم القدر، وعلم الصحن والملعقة والشوكة. وأما علم السلف: فهو علم النجاة والنور والإيمان والاستقامة، وإذا أردت أن تلخصه فهو: الإيمان والحب والطموح. ويوم وجد السلف كانت الدنيا مشرقة بنور العلم، ويوم أتى المتعمقون من الخلف أتت التشقيقات في الكلام حتى نسبوا إلى بعضهم أنه يتساءل ويسأل نفسه: إذا خرجت سمكة من البحر، ثم صلت بالناس، ثم عادت، هل تجوز الصلاة وراء السمكة؟ هذه الافتراضات وغيرها هو ما نسمعه في هذه الجلسة.

محاور الدرس

محاور الدرس وهذا الدرس يدور على ست مسائل: أولها: أصالة علم السلف؛ وهي الأصالة والعمق، وعلم الخلف؛ علم الكلام والمنطق وعلم الفلسفة. المسألة الثانية: يُسر علم السلف، وصعوبة التحصيل عند الخلف. المسألة الثالثة: علم السلف؛ علمٌ موجزٌ مختصرٌ غزيرٌ مبارك، وهذا في كتاب فضل علم السلف على علم الخلف لـ ابن رجب. المسألة الرابعة: علم السلف علم مقاصد، وعلم الخلف علم وسائل. المسألة الخامسة: علم السلف علم تطبيق وتأثر ونفع عام، وعلم الخلف علم جدلٍ وأمورٍ لا يكون لها دور في الواقع غالباً. المسألة السادسة: علم السلف منضبط بأصول وقواعد كلية؛ وهذه من كلام ابن تيمية والشاطبي، وعلم الخلف مبعثر في جزئيات لا يكون تحت مظلة ولا قاعدة في الغالب. قبل التفصيل سوف نعرج على أمور:

أقوال نيرة في فضل علم السلف

أقوال نيرة في فضل علم السلف سوف نسلم الليلة على ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه ليحدثنا كيف كانوا يتلقون عن الرسول صلى الله عليه وسلم. ونقف مع الإمام المرتضى سيف الله أبي الحسن علي بن أبي طالب، ومدرسته في الكوفة، وكيف ألقى أول دروسه في الكوفة في الرحبة؛ وهي عاصمة العراق آنذاك. ثم قبل ذلك نستمع إلى أنس وهو يقرر لنا كيف كان الصحابة يتلقون العلم فيحفظون ويوجهون. أما ابن عمر فهو يعترض على أهل الرأي، وينشئ مدرسة النقل، ويحارب العقل الذي يحارب النقل؛ لما يسأله السائل عند الجمرات: أرأيت لو فعلت كذا، أرأيت لو فعلت كذا، قال: اجعل (أرأيت) في اليمن. ثم نأتي إلى الإمام أحمد ونتساءل لماذا كره الإمام أحمد تأليف الكتب؟! وتصنيف المصنفات؟! والتوسعة في الشروح؟! حتى قال له سائل: أكتب رأي إسحاق بن راهويه وابن المبارك والأوزاعي؟ قال: لا، اكتب الحديث، وخذ من حيث أخذ القوم. وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: كره الإمام أحمد تأليف الكتب. ونتساءل معه: يا إمام أهل السنة! والجماعة، يا أبا عبد الله، يا أيها النور المشرق، يا أيها المجدد الكبير! لماذا ألفت أنت المسند وكرهت للناس أن يؤلفوا الكتب؟!! هي وقفة مع الإمام أحمد. أما الشاطبي فيقول في أول الموافقات: كتب المتقدمين أنفع من كتب المتأخرين، وهو يقول عن نفسه: أنا لا أقرأ في فقه المتأخرين. حياك الله أيها الشاطبي من عقلية باهرة، توازن عقلية شيخ الإسلام ابن تيمية. وفي الشاطبي هذا شيء عظيم؛ الشاطبي هذا صخرة الوادي: أنا صخرة الوادي إذا ما زوحمت وإذا نطقت فإنني الجوزاء ومن شاء أن يقرأ عمق الرجل، وأصالته وروعته وإبداعه فليقرأ الاعتصام والموافقات، كتابان اثنان. قال رشيد رضا؛ الكاتب المتأخر، تلميذ محمد عبده؛ المتأخر المصري الإمام في التفسير قال: دخلت المكتبة في القاهرة فكم من كتب وقعت عيني عليها، فما رأيت بعد الكتاب والسنة إلا كتابين اثنين هما: الموافقات والاعتصام للشاطبي، فتذكرت قول الأول: سامحن بالقليل من غير عذلٍ ربما أقنع القليل وأرضى أو قول الآخر: وقد كانوا إذا عدوا قليلاً فقد صاروا أقل من القليل

التعصب المذهبي والجهل بالحديث

التعصب المذهبي والجهل بالحديث وبعد ما انتهينا من الشاطبي، نأتي إلى التعصب المذهبي، ونسأل الذي كسر إصبع أخيه المسلم يوم أشار بها في الصلاة؛ لأنه لا يرى الإشارة بالسبابة في الصلاة؛ فكسر إصبعه: لماذا كسرت إصبعه؟! ثم نسأل الحنابلة: لماذا يتضاربون بالأحذية في سوق بغداد من أجل التعصب المذهبي؟! ونسأل كذلك الوزير الخادم مرجان العباسي يوم يقول: أنا مقصودي أن أقتلع المذهب الحنبلي. ورد ابن الجوزي وابن هبيرة عليه. ثم نسأل الذين يقولون: الرأي الصحيح ما ذهب إليه الأحناف، لكن ننتصر لمذهبنا رياضةً وتقليداً، لماذا والحق أحق أن يتبع؟ عدم معرفة بعض الفقهاء بعلم الحديث؛ أليست مصيبة!! نعاها ابن تيمية للمسلمين! يأتي محدث فيقول في أول الكتاب، وهو في كتاب من كتبنا نحن الفقهاء، أو نحن أهل هذه البلاد: {أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم} وهو حديث موضوع. فرحم الله ذاك العالم، هل سأل نفسه أن هذا حديث موضوع؟! أو عالم آخر يأتي في كتاب الطهارة بأول حديث: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لـ ابن مسعود في ليلة الجن أمعك ماء؟ قال: معي نبيذٌ. قال عليه الصلاة والسلام ثمرة طيبة وماء طهور} واستدل به هؤلاء في كتبهم، والحديث باطل من أصله، لم يكن ابن مسعود مع الرسول عليه الصلاة والسلام ليلة الجن. ثم نأتي كذلك إلى عدم معرفة بعض المحدثين للفقه والاستنباط من الدليل، محدثٌ يروي حديثاً واحداً من أحد عشر طريقاً؛ حديث عائشة وهو في صحيح البخاري وصحيح مسلم: {كان صلى الله عليه وسلم يخرج لي رأسه من المسجد وأنا حائض، فأرجل رأسه} يُسْأَلُ هذا العالم فيقال له: هل يجوز للحائض أن تمس الرجل؟ قال: لا أدري؛ اسأل أبا حنيفة الذي يقول إنه يفهم علم الأولين وعلم الآخرين. فذهب الرجل إلى أبي حنيفة فقال: نعم يجوز للحائض أن تمس الرجل، حدثنا الذي أرسلك عن فلان عن فلان عن عائشة أنها قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج لي رأسه من المسجد فأرجله وأنا حائض} فانظر كيف خفي الاستنباط والمقايسة في المسائل على هذا المحدث، وظهر لذاك؛ مع العلم أن هذا بارع في الحديث وذاك بارع في الفقه، وهذا ليس له باع في الاستنباط وذاك ليس له باع في الحديث. ثم مجلس مع أحد الخرافيين عند ابن تيمية في الإسكندرية ومع أخيه عبد الله وقد ادعى العلم، وسوف يندد به ابن تيمية وأخوه ويضحكان عليه في المجلس.

أصالة علم السلف

أصالة علم السلف أما أصالة علم السلف فهذا أمر كالشمس: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ وينكر الفم طعم الماء من سقم السقيم هو الذي يقول: إن علم السلف ليس أصيلاً، والسقيم هو الذي لا يفهم علم السلف؛ أصالة علم السلف تأتي من الكتاب والسنة، يتوضأ الصحابة والتابعون ويجلسون في حلقات، ويحتبون بأيديهم على أرجلهم، ولا قلم، ولا دفتر، ولا مسطرة، ولا سبورة، ولا طباشير، ويبدءون يتساءلون قال الله وقال رسوله، ويقول مصنفهم ومؤلفهم: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فلان ويقول الثاني من شعرائهم: العلم ما قيل فيه قال حدثنا وما سوى ذاك وسواس الشياطين

كراهية افتراض المسائل والقول بالرأي

كراهية افتراض المسائل والقول بالرأي لا يفترضون المسائل التي لم تقع، ولكنهم يبحثون في الواقع. وبعض الناس يسأل عن علمٍ، أو عن مسألة لم تقع، أو ربما لا تقع في مائة سنة، وهو يجهل الأمور التي تقع في كل أربع وعشرين ساعة. جاء رجل إلى زيد بن ثابت فقال له: لو فعل رجل كذا وكذا فماذا عليه؟ قال: [[أوقعت هذه المسألة؟ قال: ما وقعت. قال: اذهب إلى أهلك، فإذا وقعت فتعال فاسألنا فيها، لنتجشم لك الجواب]]. وبعض الناس من قلة الورع إذا عرضت عليه المسألة التي يتحرج منها، ابن عباس وابن تيمية وابن القيم طفر طفراً بالجواب أخطأ أم أصاب: وليس بحاكم من ليس يخشى أأخطأ في الحكومة أم أصابا قال هذا التابعي: [[لا إله إلا الله، تفتي في كل هذه المسائل؟ قال: نعم. قال: والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتفتون في مسائل لو عرضت على عمر رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر]]. ولما أراد عمر رضي الله عنه أن يدخل الشام (سوريا) توقف في الطريق، قالوا: مالك يا أمير المؤمنين؟ قال: [[وقع طاعون في الشام فلا أدري أأدخل أم لا، أرى ألا أدخل. قال: استفت الناس فأتى بالمهاجرين فجلسوا قال: أسمعتم من الرسول عليه الصلاة والسلام]]. هو لا يريد المشورة، هي ليست بيع غنم، ولا مساومة كشاة الأعرابي الذي عرض شاته في السوق فقيل: بكم شاتكم؟ قال: شاتي بسبعة، وأتى لي بثمانية، فإن كنت تريدها بتسعه فخذها بعشرة، وهذه المساومة لا تدخل في العلم. فـ عمر لم يجمع المهاجرين ليقول لهم: ماذا ترون؟ ما هو رأيك يا علي! ويا عثمان! ويا أبا عبيدة؟ يريد كلاماً مفصلاً، وإلا فرأيه وعقليته أكبر من أن تحصى؛ هو عبقري على مستوى العالم، فهو الثاني في العظماء كما قال الأعداء: والحق ما شهدت به الأعداء [[أتى المهاجرون قالوا: ما سمعنا شيئاً، ونفضوا ثيابهم وخرجوا من المجلس. قال: عليَّ بالأنصار فجلسوا فقال: أسمعتم شيئاً في الطاعون من الرسول عليه الصلاة والسلام؟ قالوا: ما سمعنا شيئاً. قال: قوموا، فنفضوا ثيابهم فقاموا. قال: عليَّ بالأعراب وبقية المسلمين، فدخلوا، قال: أسمعتم شيئاً من المعصوم عليه الصلاة والسلام؟ قالوا: ما سمعنا شيئاً. قال: قوموا]]. ولما أراد أن يدخل الشام على الصحيح، وإذا بـ عبد الرحمن بن عوف مقبلٌ كان أظلَّ جمله فتأخر يبحث عنه، فأقبل وقال: لماذا اجتمع المسلمون؟ قالوا: من أجل مسألة الطاعون. قال: إن عندي فيها علماً، حياك الله يا ابن عوف! وحيا الله علمك. [[قال عمر: ماذا سمعت من الرسول صلى الله عليه وسلم. قال: سمعته يقول: {إذا وقع الطاعون بأرضٍ فلا تخرجوا منها، وإذا وقع في أرضٍ وأنتم خارجها فلا تدخلوا إليها} قال عمر: أنت عندنا العدل الثقة]] وهذا من أوائل التجريح والتعديل في الإسلام.

العلم نقطة كثرها الجاهلون

العلم نقطة كثرها الجاهلون كان السلف بأصالة علمهم؛ لا يبعثرون المسائل، علمهم قليل لكنه مفيد نافع، تسأله محاضرة كاملة عن سؤال فإذا انتهيت قال: نعم. أو لا. فإذا قلت: ما هو الدليل؟ قال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم فعل كذا، وقال الرسول صلى الله عليه سلم كذا وكذا. وعند السيوطي رسالة في أن العلم نقطة، قال علي رضي الله عنه وأرضاه: [[العلم نقطة كثرها الجاهلون]] العلم قليل كالجوهر والمسك: فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال الغزال دماؤه كثيرة توزن بالكيلو غرامات، لكن فيه غدة درقية يخرج منها المسك؛ فكلام الناس كدم الغزال، والمسك الذي فيه كالعلم. ولذلك يقول حماد بن زيد: الحمد لله والشكر على كثرة العلم. حماد بن زيد؛ من رجال البخاري ومسلم، اسمه حماد بن زيد بن درهم. وحماد بن سلمة؛ من رجال مسلم لا من رجال البخاري. ولذلك ترى ابن حبان ينزل نزولاً جوياً على البخاري ويقول: لماذا لا ترو عن حماد بن سلمة، والإمام أحمد يقول: لن تزيدنا الأيام في حماد بن سلمة إلا بصيرة. ومعذرة فهذا الاستطراد لا بد منه، وهو من سير القوم!!. اسمه: حماد بن زيد بن درهم، وحماد بن سلمة اسمه: حماد بن سلمة بن دينار. قيل لأحد السلف: أيهما أفضل حماد بن زيد بن درهم أو حماد بن سلمة بن دينار؟ قال: الفضل بينهما كما بين جديهما في الصرف، الدينار عشرة دراهم فمن يفضل من الحمادين؟ حماد بن سلمة. ذكر الذهبي في المجلد الثامن من سير أعلام النبلاء أن حماد بن سلمة تزوج سبعين امرأة، ولم ينجب ولداً؛ قالوا: لأنه من الأبدال والأبدال لا ينجبون. وكان فيه تقوى من الله عزوجل، يقول الذهبي رحمه الله: كانت حياته معمورة بالطاعة، لا يحدث حديثاً واحداً حتى يقرأ مائة آية، وإذا جلس وحده جلس يسبح ويستغفر، وإذا مشى إلى المسجد لا يماشي أحداً من زملائه لئلا يشغلوه في الكلام. قال حماد بن زيد ل أيوب بن أبي تميمة السختياني: كثر العلم. وأيوب هذا علم في رأسه نار. يقول الإمام مالك: ما كنت أظن في أهل العراق خيراً، حتى رأيت أيوب بن تميمة السختياني أتى يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم، فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف. كان أيوب بن أبي تميمة السختياني إذا نزل إلى السوق هلل الناس وكبروا حتى يرتج السوق؛ لأنه من الذين إذا رؤوا ذُكِرَ الله. قال عنه ابن كثير والذهبي: إذا حدث بالحديث بكى فيمسح عينيه وأنفه ويقول: ما أشد الزكام؛ ليوهم الناس أنه مزكوم، قال ابن الجوزي معلقاً على القصة: أفدي ظباء فلاةٍ ما عرفن بها مضغ الكلام ولا مزج الحواجيب هذا البيت للمتنبي يقول: أفدى بروحي، وهو يفديهم بروحهم من لا يعرفون التكلف في الكلام ولا في العطاء. أيوب هذا قال له حماد: كثر العلم يا أبا تميمة. قال: لا والله ما كثر العلم، ولكن كثر الكلام وقل العلم. قال ابن القيم في الفوائد معلقاً: فانظر إلى هذا الحبر، كيف فهم أن العلم قد قل وكثر الكلام. أصالة علم السلف تنطلق من أمور؛ منها تحديد مسارهم في العلم، فهم ليس عندهم إلا آية وحديث؛ نحن عندنا علم سند، ومصطلح، وأصول فقه، وعلوم قرآن، وجغرافيا، وتاريخ، وتربية، وعلم نفس، فإذا خرج إنسان سُئِلَ في مسألة؟ قال: لا أدري، هل هي في كتاب عنترة بن شداد أو في كليلة ودمنة، أو في البخاري، أو في القرآن. هذا علم الخلف؛ علم الخلف يدري أنه لا بد أن يشغل وقته وعمره في منتجات أسبانيا، ماذا تصدر من ككاو وأناناس؟ وما هي عاصمتها؟ وما هي المحاصيل فيها؟ هذا علم يبكي القلوب، كيف يصبر أهل الجغرافيا ولا يبكون في الفصل! نحن لا نزري بهم جزاهم الله خيراً فقد أفادونا وعلمونا أن عاصمة الكويت الكويت وتونس تونس، ولا نستهين بعلم أحد من البشر؛ فعلمهم مطلوب. لكن المطلوب أن يكون المحور هو القرآن والسنة، وعلم التاريخ المتأخر علم جميل، سليمان فرنجية ما ندري متى ولد حتى أخبرونا في المذكرات، هذا اللبناني تولى الحكومة بعد صائب سلام، وولد في عام كذا وكذا، وهذا علم جليل شريف، وأخبرونا كذلك أن زنوبيا الزباء يأخذها من تدمر قبل الإسلام، فإذا مروا بالرسول صلى الله عليه وسلم مروا مرور السحاب. الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ميلاده، هجرته من مكة إلى المدينة، بناته أربع، هذا رسول البشرية تتحدث عنه بهذا الكلام، معلم الإنسانية الذي يحتاج إلى مجلدات وجلسات ومصنفات تمر عليه فإذا أتيت إلى زنوبيا أخبرتنا بـ الأبرش ماذا فعل بها وماذا فعلت به، وحروب داحس والغبراء، وينتقلون عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي حتى يصلون إلى السلاجقة، ثم يدخل إلى هتلر والحرب العالمية، ومن يقرأ يجد بعض كتب التاريخ تتحدث في الحرب العالمية أكثر من حديثها عن الرسول صلى الله عليه وسلم وحياته. فلا نعيب علماً حاشا وكلا، لكن العلم إذا لم يرتبط بقال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم فهو علم قِدْر أو علم طبخ (فن الطبخ) هذا أمر.

علم الكلام هو من علم الخلف

علم الكلام هو من علم الخلف علم الخلف في أصالته ليس كعلم السلف لأنه كثر كما قلت. قال ابن تيمية: إن الله لن يغفل عن المأمون لما أدخل في بلاد المسلمين من علم الكلام، فنحن في غنية عن علم الكلام. أتى التتار وهاجموا بلاد المسلمين واجتاحوها فما أتلفوا لنا كتاباً. الآن القوميون والوطنيون والترابيون يقولون: ذهب تراثنا، في نهري دجلة والفرات. مقصودهم حتى يقال للسنة: إنها ناقصة، وإن كتب الإسلام ذهبت. والصحيح عند المؤرخين أنه ما ذهب علينا إلا علم الكلام، انسحق في النهر، أما كتب السنة فالحمد لله موجودة، المعاجم، والصحاح, والمسانيد، والسنن، وعلم الرجال، وعلم الفقه والتفسير كلها موجودة في المكتبات. حتى الآن اكتشف لـ ابن تيمية تفسير في بون في ألمانيا خمس مائة مجلد، فلك الحمد يا ربي ولك الشكر {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] والذكر إذا حفظ فلا يستطيع التتار ولا الأمريكان ولا الإنجليز هَدْمَة ولا إهداره ولا إحراقه، أما القوميون فيقولون ذهب، حتى إن بعضهم يقول: ما بقي من السنة إلا العشر، يا ويلك من الله! أليس الله عزوجل قد تكفل بحفظها، وما هي المخطوطات لا زالت ترد الآن وتفد وتحقق في الأسواق لكن من يقرأ. علم الخلف علم المنطق، وهذا ذهب به المأمون فقال: من ترجم كتاباً وزنت له وزنه ذهباً، فما أمكنه الله عزوجل بل تصدى له الإمام أحمد وأحمد بن نصر الخزاعي، وهذا المشرب الصافي الثجاج، مشرب أهل السنة والجماعة ترد بدعته، وانتصرت السنة فيما بعد، وهذا له حديث خاص يعادل درس (حرب طاحنة بين السنة والبدعة) بالأمس. أما الفلسفة فانتشرت، وهي التي دخلت بالعقل وقدمته على النقل، فأتوا يئولون الصفات، وأدخلوا علم الكلام في التوحيد، ولذلك تجد بعض الناس يرى أن علم التوحيد هو علم الكلام، حتى صاحب الطحاوية رحمه الله رحمة واسعة لما أراد أن يدخل في التوحيد دخل بعلم الكلام. علم التوحيد علم قال الله وقال رسوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] تكفي، ما يأتي بعلم المتأخرين ثم الردود عليهم، لا خارج العالم ولا داخله، ولا متصل ولا منفصل، ولا جوهر ولا عرض. صحيح أن في الرد عليهم كما فعل ابن تيمية فائدة، أما تدريس أبناء المسلمين فلا يدرس علم الكلام.

يسر علم السلف

يسر علم السلف الثانية: يُسر علم السلف. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] الآن صعبوا علينا العلم، الإنسان منا يدرس أربع عشرة سنة أو ست عشرة سنة أو عشرين سنة فإذا تخرج قال له الأستاذة والدكاترة: إن العلم لا زال بينك وبينه مراحل، أنت الآن أعطيت مفاتيح العلم؛ لكن لا بد أن تحضر الماجستير، ثم بعد الماجستير الدكتوراه، ثم تحصل بحثاً وتحققه، ثم تقابل بين المخطوطات لأنك الآن ما تحقق النص تحقيقاً كما في الأصل، وطبعة بولاق، وطبعة دار الشروق وضاعت الأمة.

عدم التكلف والالتزام بالشرع

عدم التكلف والالتزام بالشرع الصحابة يتعلمون عشر سور فيذهبون في البوادي فيحي الله بهم أمماً وشعوباً وأجيالاً. أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم أتطلبون من المختار معجزةً يكفيه شعبٌ من الأموات أحياهُ يقول البراء بن عازب: [[أرسلني صلى الله عليه وسلم داعية إلى غدير الخضمات لأعلم الناس، وأنا أحفظ من سورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] إلى سورة الناس]]. لكن الآن الطفل الذي يلعب الكرة ولا يصلي العصر في الشارع يحفظ خمسة عشر جزءاً، والسر؟ أن الإمام مالك روى في كتابه الموطأ عن ابن مسعود، قال: [[إنكم في زمانٍ كثيرٌ فقهاؤه قليلٌ خطباؤه، كثيرٌ من يعطي، قليلٌ من يسأل، وسوف يأتي زمان كثير خطباؤه قليل فقهاؤه، كثير من يسأل قليل من يعطي يحفظون حروف القرآن ويضيعون حدوده]]. الصحابة يوم أرسلهم صلى الله عليه وسلم دعاةً ومعلمين كان عندهم شيء قليل؛ لكن بارك الله فيه بالإخلاص، بقيام الليل، بكثرة الدعاء، بالابتهال. أرسل صلى الله عليه س وسلم معاذاً إلى اليمن فكان معه كما في المسند ما يقارب مائة وثلاثين حديثاً، وأرسله وهو شاب فجعله صلى الله عليه وسلم قاضياً من القضاة الكبار، وما درسه حتى يأخذ الماجستير والدكتوراه.

عظم المصطلحات وقلة العلم عند الخلف

عظم المصطلحات وقلة العلم عند الخلف الدكتوراه كلمة نمساويةمعناها (كبير التوراة) (دك) كبير، (توراة) التوراة؛ وهي لغة يهودية صهيونية عالمية، تعني أكبر الناس في التوراة، أو عالم التوراة، ثم نقلت إلى الشرق الأوسط فأصبح إذا تشرف الشيخ الذي يقرأ البخاري ومسلم لا يتشرف حتى يقول: يا دكتور، يا كبير أهل التوراة، هذه كلمة ولكن تحتاج إلى عراك ليسمى الإنسان عندنا بالأسماء الشرعية، إما حافظ، أو إمام، أو شيخ، أو مخرف على هذه التسميات كما فعل السلف الصالح يسمون العالم عالماً، وإماماً، وشيخ الإسلام، والحافظ، والعلامة، وطالب علم، وداعية، ويسمون يعقوب بن الوليد المدني صاحب الحديث الذي في الدارقطني الحديث الموضوع: {أول الوقت رحمة الله، وأوسطه عفو الله، وآخره رضوان الله} قال الإمام أحمد: في سنده يعقوب بن الوليد أحد الكذابين الكبار، وقال أبو حاتم: جبل من جبال الكذب، أول ما تسمع كلمة جبل تهتز ثم يقول: من جبال الكذب، هذا أمر بارك الله فيكم ينبغي أن ينبه إليه. فيسر علم السلف هو الذي هدانا إلى هذا الكلام، ولذلك ترى بعض الناس يهوش ويشوش على الطلبة لفصلهم عن العامة، وهي خطة ماسونية، فإذا قيل لطالب العلم من الشريعة وأصول الدين: فلان! علِّم العوام في هذه القرية الفاتحة والوضوء والصلاة، تكبر ورفض وقال: أنا أعلمهم الوضوء! يبحثون عن أمثالهم، أنا لا أعلِّم إلا أسساً منطقية في العلم، ديكتاتورية الدعوة، من أين تنطلق! ومن أين تنبثق! وما هي الأطر التي تنصهر فيها، والبوتقة التي تنصب فيها! فهذه بارك الله فيكم خطة الماسونية، وقد قرأت مذكرات يقولون: إن من الخطط الماسونية التي قدمت إلى الشرق أن يؤتى بطلبة العلم فيعجبون بأنفسهم، أو يرفعون عن طبقة العامة، لو ذهب إنسان للغرب إلى بريطانيا وفرنسا وأمريكا أعطي رسالة ماجستير ودكتوراه، فإذا دخل عندنا هنا قالوا: حضر في بريطانيا رسالة الدكتوراه؛ سبحان الله في بريطانيا، فتأتي تسأله فلا يعرف الفاتحة، ولا يعرف {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين:1] ولا يعرف {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ولا حديثاًَ واحداً من صحيح البخاري، وأين النظارات يا شيخ، وأين هذه الأبهة، وأين الكنبات، وأين الرحلة والتذكرة والذهاب والإياب، قال: تعلمت العلم في أمريكا وفي بريطانيا، هم بأنفسهم في منشوراتهم لا يعترفون بهذه الرسائل، فخذوها قاعدة، وهي أن الأمريكان لا يعترفون بالدكتوراه ولا بالماجستير، علماؤهم في جامعاتهم ما عندهم إلا شهادات مبدئية، ولكن هم أساطينهم. أما عندنا فأصبح الأمر بالعكس فيقال: دكتور يعلم العجائز الفاتحة، دكتور يذهب يعلم الناس الغسل من الجنابة، لا لكن الدكتور له محاضرات خاصة، لما توفي الخليل بن أحمد الفراهيدي، وكان من أذكياء العالم، وهو من الزهاد العباد الكبار، وكان يدخل عليه ابنه وهو يقول: تن تن، تن تن، تن تن، فذهب الولد إلى أمه وقال: جُنَّ أبي، أصابه الصرع، وقد ذهب عقله، قال الخليل بن أحمد: لو كنت تعلم ما أقول عذرتني أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمت أنك جاهلٌ فعذرتكا دخل المسجد وهو يفكر في مسألة قال: لأضعن كتاباً في الحساب تذهب الجارية إلى البقال فلا يظلمها بدرهم، فاصطدم بالسارية فكان الخطأ منه فمات؛ رئي في المنام قالوا ما فعل الله بك؟ قال: ما نفعني علم العروض ولو مثقال ذرة، ولكن أدخلني الجنة لأني كنت أعلم عجائز في قريتنا سورة الفاتحة. عجائز يستدعيهن في الصباح مع إطلالة الفجر، فيبدأ يا خاله! اقرأي بسم الله الرحمن الرحيم، يا عمَّه قولي الحمد لله رب العالمين، فأدخله الله الجنة بهذا، أما علم العروض فسواءً وضع بحوراً أو لم يضع فـ أهل السنة هم أهل السنة، والسماء هي السماء، والأرض هي الأرض: الليل ليل والنهار نهار والأرض فيها الشمس والأقمار

علم السلف علم مقاصد وعلم غيرهم علم وسائل

علم السلف علم مقاصد وعلم غيرهم علم وسائل هذا يسر علم السلف وصعوبة علم الخلف. الآن تعال إذا أردت أن تدرس الحديث، تحتاج إلى أن تعرف الغريب في الحديث، مثلاً في البخاري في باب السترة يقول النبي {كمؤخرة الرحل} فتبحث عن معنى مؤخرة الرحل؟ يوماً ونصف أوثلاثة أيام، ثم تأتي إلى رجل فلا تدري هو ضعيف أم صحيح، فتبحث عنه، ثم تأتي بالحديث ثم طرق الحديث ومن رواه غيره ثم شرح الحديث، ولا بد لشارح الحديث من أصول فقه، ثم الآيات ولا بد للآيات من تفسير وعلم قرآن، وهكذا. قال ابن القيم في إعلام الموقعين: فنأتي إلى النصوص بأفكار كالة. ويعجبني الغزالي في بعض نظراته، وأنتم كذلك يعجبكم إحياء علوم الدين، يقول: مثلاً الذي يتكلف الوسائل في العلم، يعيش دائماً مع الوسائل، مصطلح حديث دائماً، ما وصل النص أبداً ولا وصل إلى المتن، يصل إلى أبي هريرة ويرجع، يصل إلى ابن مسعود ويعود، دائماً في المعضل والمنقطع والمعلق حياته هي علم وسائل. قال الغزالي: مثل الذي يشتغل بالوسائل عن المقاصد كمثل رجلٍ ذهب يحج إلى البيت الحرام؛ فلما أصبح في الطريق لدغته عقرب، فأخذ العقرب فقتلها قال: ليته ذهب إلى الحج وانتهى، لكن أتى إلى الصخرة فقلع كل صخرة وأخذ يقتل الحيات والعقارب، فحج الناس وعادوا فقيل مالك؟! قال: لدغتني عقرب فأنا أقتل هذه العقارب والحيات. قال: فهذا مثل إنسان اشتغل في الوسائل، مطلوب من الوسائل إصلاح اللفظ في اللغة من النحو، ومعرفة علوم الحديث، لتصل إلى قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، البعض يبقى عشرين سنة يدرس أصول الفقه، ويشغل كل حياته ووقته فيه، ولا يصل إلى القرآن والحديث، وهذا عيب فأصول الفقه وسيلة يفهم بها الكتاب والسنة.

علم السلف مختصر مبارك

علم السلف مختصر مبارك علم السلف علم موجز مختصر غزير مبارك، وعلم الخلف كثير متشعب لا ينطوي تحت مظلة. تعال معي إلى النص من الرسول صلى الله عليه وسلم، في مسألة ناقشها السلف الصالح أعرضها للفائدة، في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الماء من الماء} أي لا يغتسل الجنب إلا إذا أنزل منياً، فلا يجب الغسل بالماء إلا إذا أنزل ماءً، وبهذا أفتى كثير من السلف، حتى جاء الناسخ من حديث أبي هريرة {إذا جلس بين شعبها الأربع فقد وجب الغسل} وهذا نسخ اتفق عليه الناس. أتى المتأخرون؛ فأتوا تكلموا عن الماء، ومصدر الماء، ومن أين أتى الماء؛ ولماذا نسخ هذا الحديث، ثم تكلموا في الحديث الآخر، ثم أتى صاحب المتن فكتب شرحاً وحاشية على الشرح، وأتى الثاني فاختصر الحاشية، فلما اختصره في مختصر المسألة شرحها الآخر، ثم اختصرها الذي بعده هذه الحواشي فيها خير، أنا لا أقول هذا الكلام من كيسي، يقول الشاطبي رحمه الله رحمة واسعة: أنا لا أقرأ إلا للمتقدمين -القرن الرابع، الثالث، الثاني، الأول، أما من يأخذ الفقه الآن مثل هذا القرن فإنه يسير في مسائل وارتباكات إلا في مسائل جديدة لم يخضها السلف؛ مثل مسألة الصرافة، البنوك الربويه، السفر إلى الخارج، طفل الأنبوب؛ هذه مسائل تؤخذ من الخلف أما المسائل المؤصلة التي بحثها السلف فخذها من السلف. أقول: علم السلف علم موجز مختصر غزير، ولكن علم الخلف كثرة الكلام، تجد بعض كتب الفقه مجلد كامل وتبحث فيه فلا تجد آية ولا حديثاً، ولكن تجد قال أصحابنا الخراسانيون، وقال فلان من أصحابنا المتأخرين، ورد عليهم المتقدمون، وقال خصومنا، قال خصومنا ورددنا عليهم، هذه الكتب تحتاج إلى دليل وإلى اختصار لتكون مباركة. وهذه الجلسة مفتوحة لطلبة العلم لمن أراد أن يناقش، أو يرد، أو يحاور؛ لأن المجلس عندنا شورى.

علم المقاصد ثلاثة: تفسير وفقه وحديث

علم المقاصد ثلاثة: تفسير وفقه وحديث والمسألة الرابعة: علم السلف علم مقاصد، وعلمنا علم وسائل. علم السلف يدور على ثلاثة فنون: علم التفسير والفقه والحديث، ولو كان يطاع لقصير أمر، لما كان في الكليات وفي المعاهد إلا علم التفسير والفقه والحديث، لكن توضع للتفسير محاضرة، وتوضع للثقافة محاضرتان، وللتربية ثلاث، ولعلم النفس محاضرتان، ونحن لا نقول تلغى، لكن العلم هو التفسير، والحديث والفقه، فهذه ثلاثة علوم تدار حولها العلوم، فإشغال الطالب بتسع مواد أوعشر يجعله يأتي فاتر البال، كالَّ الذهن، يذاكر في الامتحانات لأجل الاختبار؛ فيبدأ يخطط تحت كل كلمة ثلاثة خطوط، وينعس فإذا أتى الصباح امتحن وسلم الورقة وخرج، فلا وصل إلى تفسير ابن كثير، ولا إلى كتب ابن تيمية، ولا إلى البخاري. علم السلف يدور حول ثلاثة علوم؛ علم التفسير وعلم الفقه وعلم الحديث.

البخاري وعلم المقاصد

البخاري وعلم المقاصد يقول ابن حجر: العلوم أصولها: تفسيرٌ وفقهٌ وحديث، والبخاري ضرب في كل علم بسهم. فهو يبدأ معك في التفسير، فيصدر الكتاب بآية ثم يفسر الغريب فيها ثم يأتي بالحديث، وهذا هو علم المسلمين، فحبذا أن يكون طالب العلم يومه ونهاره حول هذه الثلاثة العلوم، أو يكون له ثلاثة أيام من الدهر يوم التفسير يبحث فيه كتب التفسير، ويوم الفقه يعيش مع الفقهاء، ويوم الحديث يعيش مع المحدثين؛ لأن أصالة المسلمين في المحدثين والفقهاء والمفسرين، أما البقية فعلم وسائل تندرج تحتها، وإن قصرت فيها فتعذر، غير أنك لا تعذر حين تقصر في التفسير والفقه والحديث، هذه وصية ونصيحة وتجربة. إن على طالب العلم أن يركز على هذه المقاصد، التوحيد يدخل في الفقه والتفسير، وهو ليس علماً مستقلاً، ما أكثر التشقيق والتقعر في مسألة التوحيد! حتى أن الذهبي كان يلوم الذين يزيدون على النصوص، ففي نصٍ رواه أحد العلماء يقول: الله ربنا مستوٍ على العرش، وزاد بعضهم وقال: بذاته، قال الذهبي: قلت: هذه من كيس عفان والسلام، من أين أتى بذاته، التوحيد يمرُّه السلف كما جاء خاصة الأسماء والصفات معتقدهم أن يثبتون روح النص، ولذلك لاموا ابن حزم الظاهري رحمه الله في أول المحلى يوم أتى إلى التوحيد فشرح، وأتى يستنبط، وأتى إلى الفرعيات فجمد على الظاهر ونفى القياس، قالوا: سال في موضع الجمود وجمد في موضع السيلان.

علم التوحيد داخل في علم المقاصد

علم التوحيد داخل في علم المقاصد فعلم التوحيد يؤخذ من الحديث والفقه والتفسير، فإذا قيل لك: الرحمن هل استوى؟ فلا تقل: قال فارابي، ورد عليه ابن سينا، فهذا علم القِدر، بل قل: قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] وقال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {ينزل ربنا إلى سماء الدنيا} نزولاً يليق بجلاله. هل لربنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يد؟ تجيب بالآية وبالحديث. هل يعجب ربنا من شيء؟ نعم، لقوله صلى الله عليه وسلم في جامع الترمذي: {يعجب ربك من العبد إذا قال: اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت}. كثرت الوسائل في علم الخلف وقد أسلفت هذا، وكثر الكلام حتى كثرت الكتب على طلبة العلم، وأصبح الواحد منهم في بيته من الكتب والمجلات والجرائد والمصنفات ما الله به عليم، فإذا سألت فبعضهم عرف عنوان الكتاب، ومن ألفه، ومن حققه، لكنك إذا دخلت به في الصفحات الأولى لا يعرف شيئاً. والعلم ليس بكثرة الكتب، ولا بكثرة الرواية، بعض طلبة العلم عنده عشرات الكتب لكنه قرأها، وأخرج كنوزها، وفجر أنهارها، وأنبت أشجارها، وفهمها، وحفظها، فهو العالم حقاً. وبعض طلبة العلم عنده مجالس ومجالس من الكتب لكنه: لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع وهذا نشكو حالنا إلى الله من كثرة الإعياء، وكثرة ما ورد في الساعة عند المسلمين مع قلة الجودة في العطاء.

علم السلف تطبيق وعمل

علم السلف تطبيق وعمل المسألة الخامسة: علم السلف تطبيق وتأثر وخشوع وخشية ونفع عام. يطلبون العلم لوجه الله، ويطلبون العلم الواقع، ولا يشتغلون بعلمٍ لم يقع، كأن يقال مثلاً: لو قال رجلٌ لامرأته لو طرت فأنت طالق، فطارت فطلقت، أو لو سافرت امرأة من قبرص إلى إندونيسيا في الجو فوقعت في البحر، وقال لها زوجها إن وقعت في البحر فأنت طالق: على أو قال إن أتت الخالة وماتت قبل الجدة، هذه الأمور قد تقع لكن نسبية، حتى قالوا: إن بعض مسائل الفرائض ما وقعت في كل تاريخ الإسلام. اشتغالنا بمسائل كهذه عن مسائل تهمنا في كل يوم وليلة عبث. علم السلف كان علم تطبيق، عند الدارمي أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه بـ صبيغ من المبتدعة، فقال: أنت الذي تعارض الآيات، قال: أريد أن أشرب. قال: تعال، فضربه بجريد النخل حتى أدماه، وأغمي عليه, ورش بالماء فاستفاق، فضربه حتى أدماه، فرش فلما استفاق قال: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد شفائي فقد شفيت والحمد لله، فـ عمر رضي الله عنه كان يعارض هذه المسائل التي تشغل بها الأذهان ثم لا يكون لها دور. كان يجتمع طلبة بعد صلاة العشاء، ولو اجتمعوا على صحيح البخاري أو على صحيح مسلم أو على تفسير ابن كثير، وقرأ أحدهم، وناقشوا بهدوء دون أن يخرج النقاش إلى جدل؛ لكان من أحسن ما يكون، لكن اجتمعوا بعد صلاة العشاء فقال أحدهم: الأرض تدور. قال الثاني: لا تدور الأرض. ثم أخذوا في حوار، ثم تضاربوا بالأحذية، ثم خرجوا وهم متضاربون. يأتي طالبٌ يعرف أنه لا يحفظ إلا القليل من القرآن، فيقول أهل الفترة هل هم في الجنة أم في النار؟ فتقول أنت: في الجنة. قال: لا في النار، هو متجهز لأن يعاكسك، إن قلت: في النار، قال: في الجنة. وإن قلت في الجنة، قال: في النار. أطفال المشركين للعلماء فيهم ثلاثة أقوال، قال: لا أربعة أقوال، فإذا قلت: قولين، قال: ثلاثة. فهذا معناه الجدل؛ والجدل هذا ما رغبه الصحابة أبداً، وكانوا يغضبون منه، وفيه حديث حسن: {ما ضل قومٌ بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل} أي كثرة المجادلة والمخاصمة على أشياء لا تقع في الساحة، أو على تعلق بأشخاص. فتأتي إلى المجلس، وأحدهم يقول: فلان فيه كيت وكيت، قالوا: لا، فلان إمام حافظ علامة. والله لا يسألنا عن الناس؛ إنما يسألنا عن أنفسنا.

انضباط علم السلف بقواعد كلية

انضباط علم السلف بقواعد كلية المسألة السادسة: علم السلف منضبط بأصول وقواعد كلية تجمع جزئيات العلم، وعلم الخلف كثرت جزئياته على حساب كلياته. السلف يتكلمون بالمسائل وعندهم أصول لها، وقواعد تضبطها؛ وهي من اللغة ومن القرآن والسنة، أما نحن إلا ما رحم الله فنتكلم على جزئيات ليس لها أصل يجمعها ولا كليات، ولذلك فميزة علم ابن تيمية والشاطبي الكليات، والعيب عند بعض الناس من المتفقهة أن عندهم الجزئيات لكن ليس عندهم كليات، هذا أمر. وأما علم الخلف جزئياته على حساب كلياته كثرت لكن ليس لها كلية تندرج فيها. قال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه فيما صح عنه: [[كنا إذا تعلمنا عشر آيات لم نجاوزهن حتى نتعلم ما فيهن من العلم والعمل، فتعلمنا العلم والعمل جميعاً]] ولذلك يقول سيد قطب رحمه الله: كانوا يأخذون القرآن على أنه أحكام تكليفية، وأوامر ربانية تنفذ يوماً بيوم، ثم أخذه من بعدهم كأنه كتب سمر ومتعة وقصص، يسمر الإنسان ليرى في القرآن بعض العجائب، وسوف يمر بك في القرآن الأدب واللغة والإبداع والجمال والإشراق، ولكن مقصد القرآن أن يهديك إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ ولذلك يقول أحد أهل العلم: أخطأ من جعل القرآن كتاب طب، فليس بكتاب طب، وليس بكتاب هندسة؛ أتدرون أن أحد الناس كتب تفسيراً وقال: في القرآن دليل أن زوايا المثلث منفرجة، قالوا: من أين أخذت هذا؟ قال: من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات:30 - 31] وقال الخط المستقيم هو أقرب خط يصل بين نقطتين، قالوا: من أين أخذته؟ قال: من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]. وأخطأ من جعل القرآن كتاب جغرافيا، في القرآن تضاريس، ذكر جبال وأودية وسهول لكن لم ينزل ليكون جغرافيا. والقرآن ليس كتاب تاريخ، فيه تاريخ، لكنه نزل ليكون كتاب هداية للناس أجمعين. قال ابن مسعود: [[كنا إذا تعلمنا عشر آيات لم نجاوزهن حتى نعمل بما فيها من العلم والعمل جميعاً]].

وسائل الحفظ

وسائل الحفظ يقول ابن هبيرة الوزير رحمه الله: العلم يحفظ بثلاثة أمور: بالتطبيق وهو العمل به؛ إذا أردت أن تحفظ حديث الأذكار فاعمل به وكذلك أحاديث الآداب والسلوك. المسألة الثانية يحفظ بالتأليف: أن تؤلف وتحقق مسائل وتحرر وتكتب، قال يحيى بن معين: لو لم نكتب الحديث خمسين مرة ما عرفنا من أين أصله. المسألة الثالثة: بالتدريس؛ فإذا أردت أن تثبت المعلومات في ذهنك فإذا ذهبت في الأربعاء والخميس والجمعة إلى قريتك فكن علامة الزمان في قريتك، كن ابن تيمية، تأتيهم وتعلمهم بين المغرب والعشاء، وتأخذها فرصة منَّ الله بها عليك فتفقههم في الدين، وسوف يبارك الله في علمك، وتعود وأنت في زيادة خير ونماء. يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا فبادره وخذ بالجد فيه فإن أعطاكه الله انتفعتا وإن أعطيت فيه طول باعٍ وقال الناس إنك قد رأستا فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملتا وهذا من التطبيق الذي يثبت به العلم. يقول علي رضي الله عنه وأرضاه فيما صح عنه: [[يا طلبة العلم! اعملوا بعلمكم؛ فإن العالم من عمل بعلمه]] ليس في العلم قليل إذا عمل به، وليس في العلم بركة وكثرة إذا لم يعمل به، فالعلم مع البركة والإخلاص والخشوع والدعاء والذكر والإنابة كثير مبارك، ولا تسمع إلى أقوال المستشرقين: إن العلم ينبغي أن يكثر؛ لأن هذا ثقافة، إنما العلم المؤصل ولو كان قليلاً فإنه مبارك. يقول أنس: [[كان الواحد منا إذا حفظ سورة البقرة وآل عمران جَدَّ فينا]] أي نبل وشرف، وكثير من الأطفال والشباب يحفظون القرآن كاملاً، أو ثلثي القرآن، أو نصفه، وليس عنده بركة؛ لأنه لم يعمل بهذا القرآن، فبركة العلم العمل به يا أيها الأبرار الأخيار.

تفريع المسائل على حساب الرأي

تفريع المسائل على حساب الرأي ثم مسألة تفريع المسائل على حساب الرأي. ألقى أحد الأساتذة درساً في الحديث؛ فلما انتهى من درس الحديث كان طالب يحب الفلسفة ويحب كتبها، يذاكر دائماً في الفلسفة، وفي كتب الثقافة، لا يعرف النصوص ولا يحبها كثيراً، فلما انتهى قال: يا أستاذ أتسمح لي أن أفلسف الدرس للطلبة؟ قال: لا دعنا منك ومن فلسفتك ومن علم ابن سينا. فانظر كيف استحب هذا الطالب أن يفلسف الدرس، والدرس لا يحتاج إلى فلسفة، الحديث حديث، والتفسير تفسير، والفقه فقه فكيف يفلسف للطلاب؟! لأنه من يعش على كتب الفلسفة والإرتيائيين يحب هذا المنحى، بعض الطلبة إذا أصبح قال: ما عنده إلا رواه البخاري، رواه مسلم، رواه أبو داود، رواه أحمد، وهل العلم إلا هؤلاء؟ وهل العلماء إلا هؤلاء؟! وهل الدعاة إلا هؤلاء؟! فيعرف هذا. وهي مسألة: اجعل أرأيت في اليمن، يقولها ابن عمر، وجعلت منهجاً لتقديم النقل على العقل، اجعل أرأيت في اليمن. ومسألة: قالوا فإن قالوا قلنا، كثير من المتفقهة في كتبهم يقولون: (فإن قالوا قلنا) وهذه افتراضات وتوليدات المسائل تنفع لتفتيق الذهن وإيجاد ملكة، لكنها تستهلك الوقت، وتعدم الذكاء في مسائل ينبغي أن تفهم، فعليك أن لا تسلط على ذهنك كثيراً في مسألة: فإن قالوا قلنا إلا أن تمر مروراً عابراً، ثم تجعل ذكاءك وفطنتك ولموعك وإشراقك في قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

كراهة تأليف الكتب عند بعض المتقدمين

كراهة تأليف الكتب عند بعض المتقدمين صح عن الإمام أحمد أنه كره تأليف الكتب، فقد نقل عنه ذلك ابن القيم في إعلام الموقعين. فـ المسند؛ قالوا: المسند جمعه وما ألفه لأنه حديث نبوي، والتأليف من قبل النفس فما ألف شيئاً، ولذلك ما كان يزيد كلامه على النص، كان يأتي ويقول: حدثنا هشيم حدثنا فلان عن فلان عن أبي هريرة ويسوق الحديث ثم يسكت عنه. سُئِل أن يؤلف كتاباً، قالوا: فرفض أن يؤلف شيئاً، وكان يغضب إذا رأى التلاميذ يكتبون عنده، قال: خذوا من حيث أخذنا، العلم آية وحديث، قال له أحد التلاميذ: أأكتب رأي ابن المبارك؟ قال: لا، خذ من حيث أخذ ابن المبارك. فما أسهل هذا العلم والله، يوم تشعر أن المصحف في بيتك والحديث، ثم يكون عندك قليل من النحو واللغة ومعرفة الناسخ والمنسوخ أو مثل هذه الأمور الجزئية، وهي لطيفة لا تهول على العقل، ثم تأتي إلى الحديث والقرآن تتعامل معهما، كيف يكون عندك ملكة ويصحو عقلك على قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، فصح عن الإمام أحمد أنه نهى عن تأليف الكتب وكره ذلك، لكن كلٌ يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب ذاك القبر. والكتب من أحسن ما يقتنى في البيوت، وتأليفها من أشرف الأعمال، قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: أخطأ بعض الزهاد من العباد يوم أتوا إلى كتبهم فأمروا بإحراقها عند الموت، أو أغرقوها، أو دفنوها. والكتب من أعظم ما يذكر، لكن كتب وكتب، بعض الكتب تستحق أن تشب بها في النار، وبعضها لا تساوي الحبر الذي كتبت به، وبعضها لو بيعت العيون، أو مقل القلوب، أو قطع القلوب وشجا الروح فيها ما وزنتها: كتاب البخاري لو أنصفوه لما خط إلا بماء الذهب أسانيده كنجوم السماء أمام متونٍ لها كالشهب ذكر ابن تيمية أن أحد العلماء ألف أكثر من ألف تأليف، ولكن أيهما أشهر هو أو الإمام أحمد؟ الإمام أحمد في الجلسات، وعلى المنابر، وفي الدروس الإمام أحمد بن حنبل؛ لأن علمه أصيل.

كتب المتقدمين خير من كتب المتأخرين

كتب المتقدمين خير من كتب المتأخرين أنا ذكرت أن الشاطبي ينعى كتب المتأخرين، وأنها لا فائدة فيها في الغالب، وأن كتب المتقدمين أفيد خاصة القرن الثالث والرابع وما قبلهما. وصدق رحمه الله، فإنه كلما تقدم العلم كان أحسن، وكلما تأخر كان أسوء، ولذلك من يؤلِّف في الغالب في هذا القرن بالفقه أضعف وأسقم من الذي يؤلِّف قبله إلا في مسائل ما وقعت فيمن قبلهم، ومن قبل فيمن قبل أضعف، وهكذا حتى تنتهي إلى التابعين ثم الصحابة؛ لحديث: {خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم} والفضل هنا فضل مطلق، وبركة مطلقة في التأليف، والعلم، والتدريس، والدعوة، والتوجيه, والزهد، والعبادة. التعصب المذهبي تخلف ونقص، وجد في الناس من يقول: لا تهاجموا المذاهب، ونحن نقول: رحم الله أهل المذاهب، وأصحاب المذاهب، ومن سار مع المذاهب، ومن جلس مع أهل المذاهب من المسلمين، وأكل مع أهل المذاهب، وشرب معهم. والآخرون يقولون: المذاهب لا بد أن تقصى من الساحة، وأن تجتث وتبعد، وأن يرمى بها في البحر الأحمر. والناس كأنهم ثلاثة، طرفان ووسط: طرف يقولون: لا نحتاج إلى المذاهب، ولا إلى كتب الفقه أبداً، نأخذ من حيث أخذ القوم من الدليل والحديث؛ وهذا فيه حقٌ وشيءٌ من النقص. وطائفة أخرى تقول: لا بد أن يحترم كلام العلماء، وفقه العلماء، ومصنفات العلماء الفقهاء، وهذه المتون الفقهية هي الأصل؛ لأنهم عرفوا من أين يستنبطون، فلا بد أن نأخذ منهم، ونقلدهم، أما نحن فلا نستطيع أن نأخذ من حيث أخذوا؛ وهذا الكلام فيه حق ونقص. أما حق الكلام الأول، فحقه أنه ردنا إلى النص وإلى قال الله وقال رسوله، وصدق، ف أبو حنيفة والإمام أحمد ومالك والشافعي ليسوا بأنبياء، خاتم الأنبياء هو محمد عليه الصلاة والسلام وهو المعصوم الذي أنزل عليه القرآن، لم ينزل جبريل على أبي حنيفة ولا على أحمد ولا الأوزاعي ولا مالك ولا الشافعي، فالمعصوم الذي يؤخذ منه العلم والوحي هو محمد صلى الله عليه وسلم. فحقه أن يقال: لا بد من الدليل في المسألة، وأنت لا تتأخر يوماً من الأيام إذا سألت عالماً أن تقول: ما هو دليلك؟ الإمام أحمد أزهد منا، وأصدق منا، وأخلص منا، وفكره أثقب من أفكارنا، فهو يستنبط درراً وكنوزاً، لأن بعض الناس ينزل إلى قاع البحر فيأخذ خشباً وفحماً، وبعضهم إذا غاص أتى بدرٍ وزبرجدٍ وجوهر، فالإمام أحمد إذا غاص أتى بهذا اللموع والإشراق ومثله مالك والأوزاعي والثوري وفقهاء التابعين. فهذا نقصه: الاستزراء بعلم السلف، فإنهم يجب أن توقر أقوالهم، لكن إذا خالف الدليل فاتركه جملةً وتفصيلاً، واضرب به عرض الحائط كما قالوا. أما الذين يقولون: كتب الفقه لا بد أن تسيطر في الساحة، وأن يؤخذ منها، ولا يؤخذ من الدليل لأنا لا نعرف الاستنباط من الكتاب والسنة، ويحترم أقوال العلماء. نقول: الحق احترام كلام العلماء، والنقص أن تجعلوا كتب الفقه كـ صحيح البخاري ومسلم كتب ألفها بشر، ليس عليها دليل، لكن نسألهم عن دليلهم. يوم تضعف الأمة الإسلامية في فترة من فتراتها تنشأ هذه العصبيات والخلافيات؛ لكن في صور متعددة، مرة تعصب مذهبي، ومرة تعصب لآراء وتشتت وتناحر، ولذلك دخل التتار والناس يختلفون في مسألة رفع الأيادي، ويتضاربون في المساجد بالأحذية، هل ترفع أو لا؟ هذه فترة سقوط للأمة، فإذا ما انتصرت الأمة وتقوت وعادت إلى الكتاب والسنة تأخذ منها مباشرة، مع احترام آراء العلماء والأئمة، وكلما كثر الخلاف في الأمة: ضعفت وهزلت، وأصبحت أمةً سقيمةً مريضة، وحلُّها أن يكون السائد فيها والقائد كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أنت أخي وأنا أخوك، مصحفنا واحد، وعلمنا واحد، ورسولنا واحد، وقبل ذلك ربنا واحد تبارك وتعالى، تخالفني في فرعية وأخالفك لكن هذا لا يجعلني أحمل الضغينة عليك، نعم أنت إن أصبت فمأجور ولك أجران، وإن أخطأت أنا فلي أجرٌ واحد لأني اجتهدت. إذاً هذا هو التعصب المذهبي الذي مرت به الأمة، ولا يقال للناس: الاختلاف رحمة، وردت هذه الكلمة عن ابن تيمية، لكن جمع الكلمة هو الأحسن، وهو الأقوى، وكلما توحدت الأمة كان أحسن، والخلاف مذموم دائماً {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود:118] قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92] إذا علم هذا فالأمة أمة واحدة.

أهمية علم الحديث وعلم أصول الفقه

أهمية علم الحديث وعلم أصول الفقه ضعف بعض الفقهاء في علم الحديث. لا يعفى طالب الشريعة أن لا يعرف تخريج الحديث، أو صحة الحديث، ويقول: تخصصي شريعة وأصول فقه، لأنه سيكون معلماً، وعالماً، وداعيةً، ومفتياً، فكيف يستدل بالحديث الضعيف والموضوع!! فهذا ضعف دخل فيه كثير من المتفقهة، حتى ذكر عن كثير من العلماء أنهم لا يميزون بين الحديث الضعيف والموضوع، والصحيح والحسن، ويحضرون الحديث هكذا بلا خطام ولا زمام، من أين والشريعة هي قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. فكتب الفقه يحتاج كثير منها إلى تحقيق تخريج، وحبذا لطالب الفقه أو الشريعة أن يكون له اهتمامٌ بالحديث وتخريجه، ولو اهتمام نسبي لا كاهتمام متخصصينا في تخريج الحديث. وأيضاً مشكلة عدم معرفة بعض المحدثين الفقه والاستنباط. وجد في المحدثين من يورد الأحاديث لكن لا يستطيع أن يستنبط، منها لأنه لا يملك قواعد وأصول فقه، فيحتاج هذا إلى قراءة بعض كتب الفقه إلى أن تتكون عنده ملكة، وأن يكون عنده كتاب ولو مختصراً في أصول الفقه يعرف كيف يستنبط الفقهاء، يعرف العموم والخصوص، والمجمل والمبين، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، ولو على وجه الإجمال، وهذه لا تأخذ منه إلا أياماً قليلة. بعض الناس يكثر في العلم، لكنه على حساب جودة العلم، والجودة هي المطلوبة قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود:7] ولم يقل: أكثر عملاً.

تفاوت الناس في العلم

تفاوت الناس في العلم شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام رحمه الله، الذين قالوا في هذه السلسلة أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام؛ عبد السلام هذا جده أبو البركات، صاحب المحرر والمنتقي قالوا عن جده: كان قمراً، وأبوه كان نجماً، وابن تيمية كان شمساً {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء:12]. جلس معه بعض الناس فجادلوه في مسألة، قال ابن كثير: لقيه العلماء ولكن والله الذي لا إله إلا هو إنها ذرات صادفت جبلاً، وبحيرات صغيرة صادفت بحراً عذباً؛ يعني: ابن تيمية. أتى رجلٌ يسأله في مسألة فرد أخوه عبد الله؛ وكان عالماً، لكن العلماء عند ابن تيمية إذا حضروا انطفأت نجومهم: فإنك شمسٌ والملوك كواكب إذا ظهرت لم يَبْدُ منهن كوكب فأتى رجل يجادل ابن تيمية من أهل البدعة؛ عنده علم لكن علم خرافي، فسكت ابن تيمية يتبسم، مصيبة إن ذهب يجادل هذا، أين ابن تيمية وقوته العلمية، وتيقظه، وبحره، وسيلانه؟!! وإن صار يسكت، فمشكلة: ولو أنه جهلٌ بسيطٌ عذرته ولكنه يأتي بجهلٍ مركب هذا أحد المادحين ل ابن تيمية يقول: ليت خصوم ابن تيمية علماء يعرفون، لكنهم جهلة.

تقسيم الخليل بن أحمد للناس تجاه العلم

تقسيم الخليل بن أحمد للناس تجاه العلم قال الخليل بن أحمد: الناس أربعة: رجلٌ يدري ويدري أنه يدري؛ فذاك عالمٌ فاسألوه. ورجلٌ يدري ولا يدري أنه يدري؛ فذاك غافلٌ فنبهوه. ورجلٌ لا يدري ويدري أنه لا يدري؛ فذاك جاهلٌ فعلموه، لكن داهية الدواهي الذي بُلي به ابن تيمية؛ رجلٌ لا يدري ولا يدري أنه لا يدري؛ جاهلٌ ويقول: عالم، يدخل حتى في المسائل الضيقة وهو لا يعرف شيئاً، لا يعرف أن يتوضأ. فـ ابن تيمية تبسم لما قال له هذا الرجل ذلك الكلام، فقال أخوه عبد الله: أما أنت فأنا سوف آتي بأحاديث من صحيح البخاري، وكتب الموضوعات، وقصص عنترة، وأخلطها لك؛ فوالله الذي لا إله إلا هو ما تستطيع أن تميز بينها، فكأنه قصمه فأسكته. علماء المذاهب كانوا يجلسون الحنبلي والمالكي والشافعي والحنفي هم متخصصون في مذاهبهم، ويسكت ابن تيمية فإذا انتهوا تكلم. يقول للحنفي -عالم الأحناف- أنت قلت هذه المسألة وهي خطأ ومذهبك يقول: كيت وكيت وكيت، ثم يقول للمالكي كذا، ثم يقول للشافعي كذا والحنبلي، فيعودون. والشاهد في هذا أن التزود ليس على حساب الكثرة، بعض الناس عنده علم كثير لكنه مخبوص ملبوص، ليس بمنقح وليس فيه جودة، والعلم القليل هو العلم المبارك الذي يكون مؤصلاً على دليل، أما من يحفظ القصص والقصائد والأشعار والأخبار، ثم يأتي يوردها على الناس بلا خطام ولا زمام فليس بصحيح. كتاب الموضوعات لـ ابن الجوزي، أتى أحد الخطباء فيما سمعت فأخذ منه حديثاً، وهو يظن أن الموضوعات جمع موضوع وهو الذي يلقى للناس ما يدري أن الموضوع يعني: الحديث المكذوب، فألقى الحديث فلما انتهى؛ قال له الناس: هذا حديث باطل ذكره ابن الجوزي في الموضوعات.

مكانة النحو من العلم

مكانة النحو من العلم النحاة ليس لهم نصيب فيما سبق، لكن نتكلم قليلاً. صحيح أن النحو من أشرف العلوم، وأن الإنسان إذا لم يصلح لسانه اختبل، لا ندعي أنه بالنحو سوف يكون رجلاً فصيحاً لا يلحن أبداً، فلا يسلم من اللحن أحد في الغالب، سيبويه إمام النحو، الذي صنع النحو من خيوط الحرير وجمعه من البوادي، ووضع كتاباً كالمعجزة اسمه الكتاب، كان لا يتكلم العربية بطلاقة، ولو أنه عملاق وعبقري من أذكى الناس، مات وعمره اثنان وثلاثون سنة. من تلظي لموعه كاد يعمى كاد من شهرة اسمه لا يسمى من تداجي يا بن الحسين أداجي أوجهاً تستحق ركلاً ولطما سيبويه هذا لم يكن كلامه فصيحاً، يقال عن ابن رجب وابن كثير إنهما يشققان الكلام حتى يذهب عن المقصود. وتَجد في كثيرٍ من النحاة كثيراً من الخيلاء والعجب؛ حتى دخل أحدهم يلحن ولا يدري أنه يلحن، قالوا: ماذا تريد؟ قال: رمانتان طازجتان طيبتان، ثم أخذ من هذا المثنى، قال له البائع: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13] تستحق ضربتان، وصفعتان، وركلتان، أو كما قال، ذكره ابن الجوزي عن هذا. المقصود أن التعمق والتقعر من شيم أهل الكبر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {هلك المتفيهقون} قال أهل العلم: المتفيهقون هم الذين يتكلمون بتوسعٍ ليظهرون فضلهم وعلمهم عند المجالس وليس عندهم علم، يتكلم في عوامٍ ما يعرف الواحد منهم اسمه، فيقول: إن الحال يوم ينصب حينها يكون للعامل فيه تأثير وهو الفاعل في الغالب، وإنني يوم انطلقت اليوم مع إشراقة الصباح ونداء الفجر وإطلالته ونسماته، ما يدرون هل يتكلم عربي أو فرنسي فهذا معناه العجب؛ قال ابن قتيبة: سقط نحويٌ في حفرة، فأتاه رجل ينقذه، قال: مالك؟ قال: خذ حبلاً رقيقاً، وشده شداً وثيقاً، واسحبني سحباً رفيقاً، قال الرجل: امرأتي طالق ثلاثاًَ إن أنقذتك من الحفرة، الآن تلقي محاضرات وخطب جمعة ورأسك في الحفرة، ما هذا التكلف. فالنحو يطلب للوصول إلى المقاصد. أيها الإخوة الفضلاء: قبل أن نأتي إلى انتهاء هذه الجلسة نحب أن نسمع الأسئلة الشفوية؛ لكن هذه الأسئلة لا بد أن تدور حول الدرس، أما في الرضاع أو في الطلاق أو في الحجاب فبعيد، ولو أن أحد الإخوة يريد أن تكون مباشرةً.

الأسئلة

الأسئلة

الدعوة إلى الحجاب

الدعوة إلى الحجاب Q في قريته الحجاب صعب تطبيقه فماذا يفعل؟ A نقول: انصح لوجه الله، وكن طالب علم وداعية، عظ الناس في خطبة الجمعة، انشر فيهم الكتاب عن الحجاب، أدخل الشريط الإسلامي إلى البيوت، تكلم بعد الصلاة، نبه بالحكمة، إذا حضرت مناسبة تكلم في الحجاب وحكم الله فيه، فمع المواصلة، وحسن الخلق واللين؛ سوف يغير الله الحال ولو امرأة واحدة، فالإنسان إذا لم يتكلم ولم ينصح ثم يقول: حسبنا الله عليهم ونعم الوكيل، لا يصح حسبنا الله عليهم وأنت ما تكلمت، من قال لك إن الله لن يهديهم، وإن الله طبع على قلوبهم، لا والله.

استغلال الأوقات

استغلال الأوقات Q هذا سؤال يقبل في كل مكان، يسرح في كل زمان خارج العالم وداخل العالم، كيف يستغل الوقت؟ A استغلال الوقت يكون بحفظ الوقت، وحفظ الوقت يكون باستغلال الوقت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] استغلال الوقت يكون مثل ابن عقيل الحنبلي كان إذا أراد أن ينام عنده رزمة من أوراق، فيكتب أفكاره، وعصارة عقله قبل أن ينام، هذا فقط الوقت الفارغ، هذا للوقت الذي ليس فيه كدٌ وتعب، ترك من هذا الوقت قبل النوم وبعد النوم سبعمائة مجلد اسمه كتاب الفنون. استغلال الوقت أن تكون كـ الخطيب البغدادي، يذهب إلى المسجد وكتابه في يده، ويعود من المسجد وكتابه في يده، لكن سواءً كتاب، أو تسبح في أصابعك، أو تقرأ شيئاً من القرآن، لكن ذرة ودقيقة واحدة لا تفوت من عمرك. استغلال الوقت أن يكون مثل جد ابن تيمية؛ كان يدخل المرحاض فيقول لابنه: اقرأ وارفع صوتك حتى أسمعك وأنا هناك لئلا يضيع الوقت. استغلال الوقت يكون مثل البخاري؛ كان يقول: أنام فأتذكر الحديث فأقوم خمس مرات وست مرات فأضيء السراج في الليل وأكتب شيئاً من الحديث وأنام، فيتذكر فيضيء السراج فيكتب، ويتذكر ويضيء السراج فيكتب. استغلال الوقت، يكون كما كان الإمام أحمد: يحمل المحبرة وعمره سبعين سنة؛ شَابَ، ودنا أجله، ورقَّ عظمه، قالوا: تحمل المحبرة وأنت في السبعين!! قال: من المحبرة إلى المقبرة هذا هو السمو: همةٌ تنطح الثريا وعزمٌ نبويٌ يزعزع الأجبال

كتب تتحدث عن علم الواقع

كتب تتحدث عن علم الواقع Q يقول السائل: لو لم يعرف شيخ الإسلام ابن تيمية الواقع لما استطاع أن يرد على أصول مخالفيه، فأي الكتب تنصحنا بقراءتها في علم الواقع؟ A لو كان السائل معنا في الجلسة الماضية كان أجيب على هذا السؤال، الجلسة الماضية كتبٌ في الساحة الإسلامية، وتكلمنا عن الكتب التي تشير إلى الواقع، ولا بد للعالم أن يعرف الواقع، كأن يسأل عن مجلة خليعة؛ مجلة النهضة وآخر ساعة قال: ما أدري يمكن وادي في قبرص أو شجرة أو بقرة في الهند، ويقول: هو فقيه، الفقيه لا بد أن يعرف الواقع، وكذلك صاحب الواقع لا بد أن يعرف علم السلف فيجمع بين الحسنيين. ابن تيمية قوته كما تفضل السائل الكريم في مسألتين: مسألة علم السلف، ومعرفة علم الواقع؛ كان لا يغيب عنه شيء، يتكلم عن علوم وأشياء وجزئيات في واقعه حتى أصبح هو التاريخ. ابن كثير رحمه الله نسي نفسه في المجلد الرابع عشر، ونسي السلطان والتاريخ والدولة وأصبح يقول: ثم دخلت سنة كذا وكذا وكان ابن تيمية في جبل كسروان، ودخلت سنة كذا وكذا وكان ابن تيمية في السجن؛ أصبح ابن تيمية هو التاريخ. وابن تيمية يسأل عن مسائل لا يعرفها إلا المتخصصون، فيفي فيها أعظم من المتخصص، يسأل عن الإسكندر يقول: ليس ابن فيليدوس، إنه هو الأول الذي بينه وبين ذاك أربعمائة وخمسون سنة، ويسأل عن أنوشروان فينسبه إلى آل شروان وبنو شروان وأخوال شروان وأعمام شروان، وهم من آل كسرى. فمعرفة الواقع حولته إلى أن يدعي العلم، من أحسن الكتب في علم الواقع، كتب بعض المؤلفين: كـ أبي الأعلى المودودي كما سبق، وكـ أبي الحسن الندوي وسيد قطب ومحمد قطب، وذكرت أن من الكتب التي تنفع في هذا الجانب وقد تغني كثيراً في ظلال القرآن لـ سيد قطب، أنت إذا دخلت في ظلال القرآن وجعلته في بيتك لتفهم به الواقع لا تفهم في علم السلف فليس فيه من علم السلف إلا في القليل، ولكن للواقع وربط القرآن بالأحداث التي تقع في الوقائع فإنه يغنيك كثيراً. وعلم الواقع سهل تراه من الجلوس مع الناس، ومن الأخذ والعطاء، والذهاب والإياب، ترى علم الواقع معك، فلا يكلفك كثيراً، أما أن يأتي الإنسان ويقرأ الجريدة كأنه يقرأ صحيح البخاري بفصها وحصها ورصها من أولها إلى آخره؛ حتى يقرأ الإعلانات عن الإسمنت، والإعلانات التي إذا أضاع أحد من البدو تابعيته ومن وجدها فليسلمها إلى مخفر الشرطة، فيحفظ هذه الإعلانات، ويحققها ويخرجها، ويستنبط منها فوائد، وإذا أتى يقرأ صحيح البخاري نعس فسقطت غترته ثلاث مرات، قال هذا حدثنا حدثنا، أين جهودي وطاقتي أبقى مع حدثنا، حدثنا هو العلم، وحدثنا هو الروعة والإبداع.

القراءة في الكتب المطولة والمختصرة

القراءة في الكتب المطولة والمختصرة Q في الكتب المطولة الموجودة في المكتبات يجد الطالب عندما يقرأها أنها مضيعة للوقت فلو كان هناك كتب مختصرة يكون فيها العلم النافع؟ A هذا السؤال كغيره سبق الإجابة عليه في المختصرات والمطولات، وفن القراءة في المختصرات وفن القراءة في المطولات. وكما ذكرت أن الذهبي ترجم لأحد العلماء، قال: زهد الناس في كتبه لطولها، فالكتاب الطويل ثلاثون مجلداً إذا بدأ في أول مجلد فلا ينتهي من قراءة المجلد الأول حتى يكون قد نسي ما في أوله، والكتب المضبوطة المختصرة تحفظ لك العلم، والكتب المطولة تعطيك ملكةً واستشرافاً وحب مباحثه ومناقشته للعلماء، فلا بد من قراءة المطولات ولو لم تصب شيئاً من العلوم، لكن المختصرات تُهدِّفُ لك العلم، في الفقه زاد المستقنع وفي الدليل، منار السبيل، العدة شرح العمدة، الحديث: بلوغ المرام، رياض الصالحين، المنتقي للجد ابن تيمية، البيقونية في المصطلح. أنا ذكرت كتباً هناك من عاد إلى الشريط وجدها فيه. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الطغاة يغرقون في البحر

الطغاة يغرقون في البحر إن موسى عليه السلام قد قاتل قتالاً برياً وبحرياً وميدانياً وعلمياً، كل ذلك من أجل رفع راية التوحيد وإقامة دين الله على أرضه، وقد جاهد مثله صلى الله عليه وسلم، ولقي أصحابه كثيراً من العناء وأتى بعدهم التابعون فكان لهم نصيب؛ لأن البلاء كأس لابد من شربه لمن سلك طريق الدعوة إلى الله.

قصة المواجهة مع فرعون

قصة المواجهة مع فرعون الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسعد الله مساءكم، مع درس في كتاب الله عز وجل عنوانه: (الطغاة يغرقون في البحر). الطغاة يغرقون في البحر يوم أغرق الله فرعون وأتباعه وأشياعه في البحر، وهذه نماذج من نهايات الطغاة والمجرمين والعصاة، يوم ينهيهم الله عز وجل إلى نهاية وبيئة لعينة خسيسة؛ جزاء ما قدموا في حق البشرية وما اقترفوا في حق الإنسانية، وسوف نستمع في هذه الليلة إلى درس من القرآن، وهو يصف لنا فرعون يوم خرج يطارد موسى إلى البحر على موسى السلام وعلى فرعون اللعنة. سلام الله يا مطر عليها وليس عليك يا مطر السلام قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:49 - 52] لا زال الحديث والخطاب يتحدث لبني إسرائيل ويقررهم بنعم الله تعالى عليهم كأنه يقول: أما نجيناكم من فرعون؟! أما واعدنا موسى وأعطيناه التوراة وكلمناه لمصلحتكم؟! أما عفونا عنكم؟ أما فرقنا بكم البحر؟ أما فعلنا وفعلنا بكم؟ فلماذا هذه الجرائم؟! ولماذا هذه الفضائح؟ ولماذا هذه الفواحش؟ ولله المثل الأعلى. كأنك تؤدب ابنك فتقول: أما علمتك؟ أما اشتريت لك سيارة؟ أما بنيت لك بيتاً؟ فلله المثل الأعلى، وهذا تقرير لنعم الله على بني إسرائيل.

موسى يطلب أخاه هارون وزيرا

موسى يطلب أخاه هارون وزيراً موسى عليه السلام يقاتل قتالاً برياً وبحرياً، ويصارع صراعاً ميدانياً وعلمياً وعملياً، يرسله الله إلى فرعون في ديوانه وإيوانه وقصره، فيجعل معه أخاه هارون وزيراً، لماذا يجعل هارون معه؟ ما هو السر وما هو السبب؟ لأن هارون أفصح منه لساناً، موسى صاحب الرسالة ولكن هارون فصيح، موسى كان (أدرم) يأكل بعض الكلمات، ولا تتضح الكلمات التي ينطقها، ولكن هو أفضل من هارون بلا شك، والعجيب أن بعض المؤرخين قالوا: هارون أكبر من موسى بسنة! ولكن نعمة الله ورعايته وولايته وعطاءه جعلت النبوة والرسالة في موسى، ثم جعل ذلك في فضله ورحمته وعطائه حتى يقول الله له: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24]. {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه:25] أمر كليف صعيب وكأنه يحمل الجبال على كتفيه، وهل هذا أمر سهل؟ تصور أنك راعي غنم فقير، ومعك ضأن وعصا تهش بها على غنمك، عليك ثياب صوف، تدخل على طاغية من طغاة الدنيا كحكام مصر وحرسه -كما قال أهل العلم- معه ستة وثلاثون ألفاً عند الحدائق، وعند مداخل مصر فكيف تصل إليه؟ قال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طه:25 - 27] أي: يا رب أنت تدري أن لساني يتلعثم، ما هو السبب؟ قالوا: لما عرضت له التمرة والجمرة أخذ الجمرة ووضعها على لسانه فأصابت لسانه {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه:27 - 28] قال الحسن البصري: [[رحم الله موسى، ما سأل إلا أن تحل عقدة واحدة من لسانه!]] فقط بمجرد أن يفهموا قولي، ما قال: أكن خطيب مصر ولا أديبها ولا متكلمها، إنما ليفقهوا قولي فقط. ثم قال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي} [طه:29] وزيراً يساعدني ويكون من أهلي؛ لأنه لو كان من غير أهلي ربما يكون حاسداً أو عدواً أو حاقداً، ثم عينه باسمه؛ لأن أهله كثير، كبار وصغار وأبناء عمومة وأقارب {هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:30 - 32]-لماذا؟ - {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً} [طه:33]-الاثنان يسبحان أكثر من الواحد- {وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً} [طه:34]-هو يذكرني وأنا أذكره- {إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً} [طه:35]. فأتى الجواب مباشرة قال: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه:36] لم يقل أسئلتك؛ لأنها سهلة في علم الله {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] هذه الأسئلة مجرد سؤال قال: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه:36]. ثم قال له وكأن الخطاب يقول: لا تنس أننا أعطيناك والأيادي التي منحناك قال: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى} [طه:37]. ثم أورد قصة فيها مذكرات حياته في الأربعين سنة يقول: وفعلنا بك كذا وكذا وكذا. فلما أصبحا في الطريق؛ أوصاهما الله بأدب الدعوة قال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] انتبهوا من الخبيث! عليكم بالأسلوب السهل ولين الخطاب، لأنه رجل فاجر، والله يعلم في علم الغيب أنه لا يؤمن، الله كتب عليه أنه من أهل النار: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23].

الله عز وجل يؤيد موسى

الله عز وجل يؤيد موسى موسى وهو في الطريق بعد أن بدأت فرائصه ترتعد من سيوف وخناجر ورماح وجند وجيش وأسطول فرعون وهامان وقارون، دنيا وقصور مدلهمة ونار مظلمة!! {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] والله أعلم بفرعون {رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا} [طه:45] أي: يستعجل بالعقوبة، نريد أن نتكلم ونسمعه الحجة لكنه لن يتركنا نتكلم {أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] أي: يزيد في العقوبة، بدل أن يجلدنا مائة سوط فسوف يجلدنا خمسمائة سوط. قال الله -وما أحسن العبارة! -: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] لا إله إلا الله! أنتم في إيواني وعلمي وأنا معكم، أنتم في الصحراء وأنا معكم، أنتم في البحر وأنا معكم بعلمي: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] الله معك بعلمه ونصرته وإحاطته وشهوده أينما كنت. فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان يا حافظ الآمال أنتت حميتني ورعيتني وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] ثم قص عليه القصة، دخل، تكلم، انتهى الحوار وشاهدنا قصته يوم خرج.

اللحظة الحاسمة بين موسى وبين فرعون وسحرته

اللحظة الحاسمة بين موسى وبين فرعون وسحرته الطغاة يقولون: تلقي أم نلقي؟ قال: ألقوا أنتم، ابدءوا، أنتم أهل الباطل. قيل: كانوا اثنين وسبعين ساحراً وقيل ثمانين ألفاً، كل ساحر يأتي بالعجائب! {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى} [طه:60] قالوا: متى الموعد؟ {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحىً} [طه:59] قيل: إنه يوم عيدهم مثل يوم الجمعة {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحىً} [طه:59] يقول: موعدنا إذا ارتفعت الشمس، واجتمعت الجماهير، وامتلأت القصور والميادين والمحافل {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى} [طه:60] فلما أتى صف ثمانون ألف ساحر، وقام هو ووزراؤه وجيشه والناس من الشرفات من كل مكان، وأتى موسى وهارون!! والمعركة بين اثنين وبين الدنيا كلها! لكن الله معهما {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:40] تصور: موسى عليه السلام راعي غنم! لكنه يحمل الإيمان والتوحيد، وقف في أطرف الناس، قالوا: تلقي أو نلقي؟ قال: ألقوا؛ فبدءوا فأتت الحبال تصور تصويرات عجيبة من الهول والضنك، تأتي وتطيش على الناس، وتمور على الناس وتدلهم، والجماهير يصعقون في كل مكان!! موسى عليه السلام ظن أن المسألة سهلة، وليست كذلك: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه:67] الله يعطيه عهوداً يقول: أنا معك، لا تخف، يدخل القصر فيخاف، فيقول الله له: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] أتى في الميدان فخاف، قال: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [طه:67 - 68] أنت المنتصر اليوم، فلما امتلأت الساحة بالحيات والعقارب التي يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، قال الله: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} [طه:69] الآن هذا وقتك، الوقت ضائع معهم وأنت الآن مستلم الساحة. فقال: بسم الله، فألقى عصاه على الأرض -قيل: إن أصلها من الجنة- فلما وقعت على الأرض صورها فاطر السموات والأرض صوراً عجيبة، انتفخت حتى أصبحت كبعض القصور، ثم امتلأت حتى أصبح رأسها كالجبل، ثم أتت على هذه الحيات والعقارب تأكلها وتأكل ما يأفكون. ثم أقبلت على الجماهير فانصرعوا في كل مكان، ثم أتت إلى فرعون في المنصة فهرب. قال الحسن: [[كان طائشاً خسيساً]] وأخذ يرفع يد الاستسلام -كما في بعض التفاسير- وقال: يا موسى، أسألك بالرحم. الآن تذكر الرحم يا خسيس! فأوقف موسى العصا وأخذها بلسانها {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} [الأعراف:119] ذليلين حقيرين خاسئين، وأتت الآن المصافاة، والقتال يبدأ الآن.

موسى ومن آمن معه يهربون

موسى ومن آمن معه يهربون جاء في الليل المظلم وقال موسى لبني إسرائيل: لا تخبروا أحداً، غداً سوف نرتحل ونهاجر من مصر؛ لأن فرعون عذبنا وسوف يقتلنا، فإنه قال للسحرة: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى} [طه:71] أسلم السحرة وسجدوا لله، ففرعون إذاًَ سوف يجزرهم جزراً، فقال موسى: الصباح الصباح، قبل أن يطلع الفجر ليكن الكل متهيئاً، كم كانوا؟ قال ابن جرير الطبري: كان بنو إسرائيل ستمائة ألف، اثنا عشر سبطاً (قبيلة) كل سبط خمسون ألفاً. بنو إسرائيل أهل سرق ومرق إلا من آمن منهم، يحبون الخيانة، استعاروا الحلي من آل فرعون في الليل، كما يقال في المثل: (إذا كنت رايح كثر من الفضائح) فاستعارت كل جارة يهودية حلي جارتها من القبطيات المصريات، ثم مضوا مع الفجر. قال ابن عباس: فمات كل بكر لكل مصري ولد له مولود، فاشتغلوا بدفنهم في ذاك الصباح لكي يتأخروا، ولذلك يقول تعالى في كتابه: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [الشعراء:60] أي: ما أتوا إلا مع شروق الشمس، أراد فرعون أن يخرج مع الفجر من المدينة وقال: انتبهوا علينا أن نذهب وراءه! فمكثه الله ولبثه بقضاء وقدر فتأخر حتى طلعت الشمس. قطع موسى نصف المرحلة من الطريق يريد فلسطين، وفرعون خرج من مصر بالجيش وراءه، قيل كان معه ألف ألف أي: مليون مقاتل، وأما موسى فإن معه الأطفال والنساء والبنات من بني إسرائيل -على موسى وعلى هارون السلام- فلما أصبحوا في الصحراء التفت موسى، وكان دائماً كلما مضى قليلاً يلتفت وراءه، فهو يعرف أن هذا الخبيث سوف يتابعه ولن يتركه، وفجأة وإذا بالجيش أشرف كالجبال أين يلتفت؟ هل يلتفت إلى واشنطن أو موسكو؟ أو يقدم مذكرة إلى هيئة الأمم المتحدة؟ بل يلتفت إلى الله {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62] فقال: يا رب قال: {قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [طه:68] هذا هو الموعد الثالث، يقول: نحن أرسلناك، إذاً نحن نضمن سلامتك فلا تخف، ولماذا تخف؟ من الذي يحمي؟ من الذي يرعى؟ من الذي يهدي؟ من الذي يسدد إلا الله، فلا تخف، فلم يخف ومشى، وبعد قليل أصبح بنو إسرائيل تصطك لحاهم؛ لأن الخوف داخلهم والعرق يتصبب قالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] فتوقفوا عند البحر ونظروا وإذا بالجيش يقترب منهم قال موسى: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] يقول: أنا أسير بقوة الله، لا تخافوا فالنصر معي بإذن الله.

انغلاق البحر لموسى

انغلاق البحر لموسى اقترب موسى من البحر فقال الله له -وكان في آخر الناس-: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء:63] كما قال ابن جرير ظن موسى عليه السلام أن الأمر يقبل النيابة -وذكر كثير من أهل العلم كـ أبي السعود في تفسيره وابن جرير أن موسى قال للبحر: يا أبا خالد. فإذا أردت أن تنادي البحر فقل: يا أبا خالد- قال موسى لهارون: اضرب البحر أنت؛ لأن هارون كان في أول الناس وموسى في آخرهم، فضرب فما تحرك البحر! الضرب ضرب والعصا عصا، ولكن اليد غير اليد والعصا غير العصا، شيء الله أعلم به! يقول المتنبي لـ سيف الدولة: وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال يقول: إذا تفوقت أنت على الناس فأنت مثلهم لك عيون كعيونهم ولك دم كدمهم وعظام كعظامهم، ولكن الله له سر في الناس! فإن المسك بعض دم الغزال المسك دم ولكن له تميز. فقال: اضرب البحر يا هارون فضربه، قال ابن جرير: فقال البحر وتكلم بلسان أنطقه الله: من هذا الجبار الذي ضربني؟ فقال الله لموسى: اضرب البحر أنت، فتقدم واقترب وضربه. ماذا تفعل ضربة بعصا قصيرة في بحر مدلهم مشرف لا يعرف طرفه؟ هذه عناية الله، فلما وقعت في الماء وإذا باثني عشر طريقاً مفتوحة! اثنى عشر نفقاً، كل نفق كالطود العظيم، جبل من هنا وجبل من هنا. وقال أهل العلم: وفتحت لهم نوافذ حتى ينظرون إلى الطبيعة من قرب؛ وحتى لا تكتتم الأنفاس وينظر بعضهم لبعض. ولماذا اثنا عشر طريقا؟ لأنهم اثنا عشر قبيلة، فهم يشربون من اثنتي عشرة عيناً من الصخرة، وهنا اثنا عشر طريقاً كل قبيلة لها شيخ، هذا الكابتن لابد أن يقودها من هذا الطريق، وهو مسئول عنها فلا تأتي قبيلة مع قبيلة أخرى. فأتى بنو إسرائيل وإذا هي اثنا عشر طريقاً، قبيلة بنو فلان تمر من هذا الممر حتى تخرج بإذن الله، أما قبيلة بني فلان فتدخل من هنا وتخرج من ذاك المخرج حتى انتهت فأتوا فنزلوا، فلما نزلوا قال الله له: {لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى} [طه:77] قالوا: لو كان زلقاً لزلق بنو إسرائيل وتساقطوا، ولو كان ماءً غمسوا، ولو كان ثلجاً تدحرجوا، فجعله الله تراباً. ذكر الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير أن ملك الروم كتب لـ معاوية بن أبي سفيان يسأله عن مسائل يقول: أسألك عن أرض ما رأت الشمس إلا مرة في عمرها؟ فـ معاوية تقهقر، لا يدري ما هو الجواب فأرسل لـ ابن عباس. ابن عباس مرجع علمي {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4] قال: يا ابن عباس كتب لي ملك الروم يتحداني: ما هي الأرض التي ما رأت الشمس إلا مرة في عمرها؟ قال: هي أرض البحر الذي فلقه الله لموسى ما رأت الشمس إلا ذاك اليوم. وأجابه في مسائل كثيرة؛ أعطى الله ابن عباس فهماً؛ لأنه اتقى الله وفتح الله عليه. مر بنو إسرائيل وأتى فرعون فرأى الطرق مفتحة ورأى أن بني إسرائيل قد مروا؛ فحاول أن يتقهقر، لأن الرجل ليس مجرباً لمثل هذه الأمور، ويعرف أن البحر بحر، وينظر إلى كتل الماء وهي كالجبال فهو لا يدري ولا يعرف آيات الله عز وجل بل يقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] أتى إلى شيء جاهز فادعاه لنفسه، مثل الطفل الآن إذا رأى لعبة مع طفل الجيران قال: هذه لعبتي ويحلف اثنا عشر يميناً عليها! لجدته ولخالته، قالوا: لما قال: {وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] أجراها الله من فوق رأسه. قال ابن جرير: فأتى فرس فرعون -وهذه نوردها من قصص بني إسرائيل وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج- فرأى بغلة جبريل عليه السلام، فأراد فرعون أن يكف يقول: تخلصنا، لا نذهب، انتهينا، فلنرجع، وإذا بجبريل عليه السلام يأتي ببغلة فرآها الفرس، والفرس إذا رأى البغلة رفع القلم عنه!

قصة شبيب الخارجي

قصة شبيب الخارجي شبيب الخارجي بطل من أبطال الناس ومن أشجعهم! ذكره ابن كثير، يقولون: إنه لما قتله الحجاج شق بطنه فوجد فيه قلباً فأخذه وكان يضرب به في الأرض -ومن شاء فليراجعها في البداية - فيقفز مثل الكرة! فشق قلبه فوجد فيه قلباً آخر! يقال: كان من أشجع الناس، هزم ألف مقاتل وهو في ستين مقاتلاً، هو خارجي واسمه شبيب، بطل شجاع؛ ولكنه مبتدع، كان يمشى على البغلة والناس والمقاتلون عن يمينه ويساره وينعس من شجاعته! من الذي ينعس في المعركة؟! أحدنا لو أخبر أنه سيموت بعد عشر سنوات ما نام الليل! ينظر في الساعة والتقويم ويسأل الجيران متى بعد عشر سنوات! لكن هذا الموت والسيوف على ذهنه وينام على البغلة ويوقظه تلميذه يقولون له: اصح، القتال. ووغزالة امرأته كانت من أشجع الناس، هرب منها الحجاج فما بالكم بزوجها! إذا كانت المرأة يهرب منها الأبطال فكيف بالزوج؟! أتت غزالة هذه ودخلت الكوفة مع مقاتلين، فأتى الحجاج فقاتلها في طرف المدينة فدخلت واقتحمت القصر، فخرج من الباب الثاني، ودخلت في المنبر وألقت خطبة، حتى يقول الشاعر للحجاج: أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر أسد علي: على أهل السنة وأهل الطاعة وعلى سعيد بن جبير والزهاد العباد. أسد علي وفي الحروب نعامة إذ تنفر من صفير الصافر هلا برزت إلى غزالة في الوغى أم كان قلبك في جناحي طائر أذكر لكم قصة لأحد الكتاب كان يدرس في مدينة من المدن، ثم يرجع يسكن في قرية، كان بين القرية والمدينة واد ومجار للمياه والقاذورات، وهناك جسر وضعه الأتراك، عبارة عن خشبتين يظن هو أن الدراجات تمر عليه والأصل أنه يمر عليه الناس، فأتى في الصباح بدراجته، فإذا بشيخ يريد المدرسة وعليه جبة وعمامة ومسبحة وكتب قال: يا شيخ، تركب معي على الدراجة، وهو لا يعرف قيادة السيارة والدراجة إلا من قريب. قال: الله يرضى عليك اتركني هذا اليوم. قال: والله لتركبن معي. وأركبه وراء ظهره على الدراجة ومشى بحفظ الله ورعايته، فلما أتى فوق الخشبتين قال: نظرت إلى المجاري مثل السيل فتلعثمت فسقطت يدي من على الدراجة! فأول من وقع في هذا النهر النجس هو الشيخ الراكب ثم وقع الأستاذ على رأسه ووقعت الدراجة من فوقهما {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:40]. المقصود: أن شبيباً هذا أتى إلى نهر دجلة فرأى الجيش، فأراد أن يرجع فرأى فرسه بغلة في طرف دجلة في الناحية الأخرى فهاج الفرس وماج وركب في الجو! قالوا: فقفز في الجو فوقع في النهر، فكان شبيب مربوطاً في الفرس، يخرج من الغائبة ومن الماء، فكلما خرج قال: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:4] ثم يغطس ثم يخرج ويقول: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:4] وفي الثالثة قال: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:4] ثم مات.

إغراق الله لفرعون

إغراق الله لفرعون فما هو الشاهد؟ الشاهد أن فرعون دخل فلما دخل وقعت الورطة! دخل الأرنب في المصيدة، فلما خرج بنو إسرائيل من البحر دخل فرعون بآل مصر وبالظلمة الذين معه {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:54] فلما اجتمعوا ما خرج الأول ولا بقي الآخر؛ ارتمى عليهم البحر، يقولون: إنه يقول بعد أن أصبح في الطين وهذا ثابت في سورة يونس: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] قال الله: {آلْآنَ} [يونس:91] بعض الناس لا يؤمن إلا في الشدة! أحد الناس أهوج أحمق سفيه تجادل هو وأمه، قال: صلي على النبي، قالت: والله ما أصلي عليه -أستغفر الله- فضربها بالمحماس الذي يقلى فيه البن في رأسها، فقالت: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم! يقول موسى لفرعون وهو في الصحراء: قل: لا إله إلا الله؛ قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38]. قال: قل لا إله إلا الله، قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي} [الزخرف:51]. قال: قل لا إله إلا الله، قال: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات:24]. فأتى به الله فلما دسه في الطين قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] قال الله: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] انظر إلى بني إسرائيل دائماً يلاحقون موسى بالتكذيب، فلما نجا بنو إسرائيل قال موسى عليه السلام: فرعون أهلكه الله. قالوا: والله ما أهلكه الله. قال: أستغفر الله، بل أهلكه الله. قالوا: ما أهلكه الله، اعطنا جثة فرعون. فلفظ البحر جثته فرأوه فقال تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس:92] فهو لا زال محنطاً، ويقولون: إنه لا يزال إلى الآن في الأهرامات. إذا تباهى إلى الأهرام منهزم فنحن أهرامنا سلمان أو عمر فهم يفتخرون الآن بالأهرامات التي فيها الفراعنة، ونحن مجدنا ومجد أهل مصر من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، من دخول عمرو بن العاص في ذلك اليوم المشرق الذي أطلت فيه مصر على الهداية، من الأزهر المعمور، من أهل العلم والمعرفة والدعوة لا من الفرعونية والقبطية والثقافة الخاسرة الكافرة المتزندقة التي لا تعرف الله. يقولون: إنه لا يزال محنطاً، ونقول: سواء كان محنطاً أو غير محنط، فقد لقي عذابه {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46].

حال بني إسرائيل مع موسى

حال بني إسرائيل مع موسى نجى بنو إسرائيل من فرعون وكانت لهم مع موسى قصص وعجائب، نذكر منها:

بنو إسرائيل يعبدون العجل

بنو إسرائيل يعبدون العجل قال لهم موسى: انتظروا هنا وأنا سأذهب وآتيكم، صام ثلاثين يوماً ثم أتمها الله بعشر -كما سوف ترد في الآيات- وذهب لموعد الله ويعطيه التوراة، فعبدوا العجل حسبنا الله ونعم الوكيل! من نجاكم؟ من نصركم؟ من قواكم؟ من أطعمكم وسقاكم؟ وهل هذه النتيجة؟! أخذوا ذهباً فصنعوه بالنار كمثل البقرة ثم ألقوا فيه حفنة من تراب فخار الحسير، فقال السامري وهو أحد الضلال الأخساء الحقراء: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه:88] يقول: هذا إلهكم وإله موسى، لكن موسى نسي هذا الإله وذهب إلى إله آخر! لا إله إلا الله! بنو إسرائيل هؤلاء عقولهم متحجرة، أذناب للعملاء، غباء وحقد وتمرد على الله، ولذلك لعنهم الله في كل كتاب، فلا يمكن أن يصلحوا أبداً، أتريد ولد الحية أن يكون لبيباً؟! أتريد ولد الذئب أن يكون حبيباً؟! لا. تلك العصا من هذه العصية لا تلد الحية إلا حية فاسمع إلى الآيات قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [البقرة:49] ما معنى نجيناكم؟ نجيناكم مأخوذة من النجاة، وهي الأرض البارزة التي ينجو بها الإنسان، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا ذكر الأنبياء: {وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} [هود:58] وذكرت العرب النجاة، وهي معنوية وحسية، فالنجاة الحسية أن تنجو من العذاب والسجن والحبس والمرض، والنجاة المعنوية: أن تنجو من الفسق والمعصية أو من الاعتقادات الباطلة. يقول حسان شاعر الإسلام -رضي الله عنه- في النجاة وهو يهجو الحارث بن هشام وهو من سادات قريش، أخ لـ أبي جهل ولكنه أسلم فيما بعد، كان كريماً يقولون: كان يكسو الكعبة سنة وقريش تجتمع فتكسوها سنة، أتى في معركة بدر فلما رأى سيوف الله تفتك بالكفار فر ببغلته، فما استقر ولا قر ولكن فر وجر، فلما وصل إلى مكة قام حسان يهجوه في قصيدة له يقول فيها: طوبى لمعترك من الآرام قبل الأصيل كعاكف أو رامي هو يتغزل في أول القصيدة كعادة الشعراء فيقول: إن كنت كاذبة الذي حدثتني فنجوت منجى الحارث بن هشام ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ونجا بفضل طمرة ولجام يقول: ترك أحبابه وإخوانه وفر ببغلته.

استطراد مع علي وآل البيت

استطراد مع علي وآل البيت يقول معاوية: نجوت وقد بل المرادي سيفه من ابن أبي شيخ الأباطح طالب والمعنى: أن الله نجاني يوم قتل علي بن أبي طالب؛ والسبب في ذلك -لا بأس من الاستطراد قليلاً- أن الخوارج المبتدعة كلاب النار، قالوا: نقتل ثلاثة فنريح الدنيا والناس من هؤلاء الثلاثة. وكذبوا على الله، لا يرتاح الناس من الثلاثة خصوصاً علي بن أبي طالب؛ فإنه إمام من أخشى الناس في عهده، عالم، زاهد، نحبه ونتولاه، فاجتمعوا، فأتت الربابة -امرأة فاجرة جميلة- فقالت لـ عبد الرحمن بن ملجم: إذا قتلت علياً تزوجتك. الرجل رصد لـ علي بن أبي طالب ونام على بطنه والسيف معه وأتى علي يوقظ الناس لصلاة الفجر فركله برجله وقال: لا تنم هذه النومة فإنها نومة أهل النار، ثم توجه علي فكبر ركعتي الفجر فقام هذا ثم ضربه بالسيف في وجهه فابتلت لحيته الشريفة بجبهته، حتى أنه لما أعطوه لبناً في مرض قبل هذه القتلة قال: [[والله لا أموت حتى تدمى هذه من هذه وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله ما كَذَبت ولا كُذِّبت]]. وذهب اثنان واحد من الخوارج إلى معاوية في الشام ليقتله، والثالث إلى عمروبن العاص في مصر، أما صاحب معاوية فرصد له فخرج معاوية -رضي الله عنه وأرضاه- فانطلق عليه الخارجي كالسهم فضربه، فما تمكنت الضربة إلا في حقوه فانقطع نسله فكووه وشفي. وأما عمرو بن العاص فقضاء الله وقدره نام تلك الليلة وأتاه مرض، فقال لـ خارجة رئيس الشرطة: صل بالناس الفجر أنت، وكلتك ما أحسنها من وكالة!! قال: استعنا بالله، قبلنا الوكالة، فخرج لصلاة الفجر فصمد له الخارجي فقتله، فقال الخارجي: أردت عمراً وأراد الله خارجة. فيقول معاوية بعدما سمع الخبر: نجوت وقد بل المرادي سيفه من ابن أبي شيخ الأباطح طالب

آل الأنبياء هم أتباعه

آل الأنبياء هم أتباعه قال الله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْن يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [البقرة:49]. يقول: من الذي منعكم وحماكم من آل فرعون؟ وآل فرعون هم أتباعه لأن أتباع الرجل هم من كان على دينه، إذا قال المصلي: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، فمعناه من اتبع محمداً. آل النبي هم أتباع ملته على الشريعة من عجم ومن عرب لو لم يكن آله إلا قرابته صلى المصلي على الطاغي أبي لهب لو كانت آله قرابته لكان من قرابته المصلى عليهم أبو لهب وأبو طالب، لكن آل الرسول كل تقي، وفي الأثر: [[آل محمد كل تقي]]. فليس الآل القرابة في النسب، لا والله، لكنهم على اتباع دينه وشرعته من العجم والعرب. بلال من آله صلى الله عليه وسلم، وسلمان من آله، وصهيب من آله، وخباب بن الأرت من آله، ولكنَّ أبا طالب وأبا لهب ليسا من آله. وقال بعض أهل العلم: إذا ذكر الآل والأمة -كمن قال: اللهم صلَّ على محمد وصحبه وأمته وأتباعه- فالعطف (الواو) يقتضي المغايرة، فالآل هنا هم مؤمنوا آل محمد، منهم آل الرسول عليه الصلاة والسلام وأهل البيت وسلمان على المجاز أنه من أهل البيت وإلا فهو ليس منهم، ولكنه على القرابة في الدين والحب والولاية والنصرة منهم. لكن على الصحيح أن آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم هم آل علي وآل العباس وآل عقيل وآل جعفر، فأما آل العباس فهو العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله، أهل الدولة التي شرقت وغربت ووقفت أعلامها في سمرقند وطاشقند، الستة والثلاثون خليفة العباسيون كلهم من نسل ابن عباس، السفاح، أبو جعفر، المهدي، هارون الرشيد، الهادي، الواثق، المعتصم، المتوكل، القادر، المقتدر كل هؤلاء من نسل ابن عباس. آل علي: علي بن أبي طالب والحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وذريته من الصالحين. وآل عقيل: أولاد عقيل بن أبي طالب. وآل جعفر: أولاد جعفر بن أبي طالب الذي قتل في مؤتة. إذاً فهؤلاء هم آله، أما أبو لهب فلا يدخل، وأبو جهل بينه نسب وبين الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه ليس قرابة أو صهراً فلا يدخل أبداً؛ لأنه كفر بالله العظيم. وهذا أمر ينبغي أن ينبه عليه. وعند مسلم عن أبي حميد الساعدي قال: قلنا يا رسول الله! كيف نصلي عليك؟ قال: {قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم -انتبهوا لم يقل: على إبراهيم- وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم -وفي رواية صحيحة- في العالمين إنك حميد مجيد}. يقول ابن تيمية: لم يرد في الأحاديث الجمع بين محمد وآل محمد وبين إبراهيم وآل إبراهيم، إنما جاء محمد وآل إبراهيم فقط. رد عليه ابن حجر قال: لا، ثبت في الطبراني بسند صحيح أنه ورد في الحديث {اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد} وهذا كلام سديد، وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فلك في التحيات أن تقول هذا وتقول هذا. ولما أتى أهل نجران النصارى يباهلون الرسول صلى الله عليه وسلم {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61] على ماذا الابتهال؟ على أمور: أن عيسى روح الله، وعلى قضايا في التوحيد؛ فأتى صلى الله عليه وسلم لما أمره الله بالمباهلة جمع أهله؛ لأن المباهلة إذا باهلت رجلاً فاجمع أهل بيتك، فجمع علياً وفاطمة والحسن والحسين وأعطاهم الكساء ولفهم وقال: هؤلاء أهلي. وأتى يباهل فرفضوا المباهلة؛ لأنهم عرفوا أنهم سوف يهلكون ويعدمون؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق، إذاً فهؤلاء أهله عليه الصلاة والسلام، وآل محمد كل تقي.

الافتخار بالأنساب

الافتخار بالأنساب قيل لـ سلمان من أبوك؟ قال: أبي الإسلام لا أبَ لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم ما لي أب إلا هذا الدين، أنا متعلق بهذا الدين، ولا أعرف إلا هذا الدين، أما أهل التراب فيقولون: أبي كان يذبح الأعداء، ويسرق، ويأكل الربا ويستمع الغناء ومات. أو أبوه كان ما كان لكن هو ليس بشيء. إذا فخرت بأقوام لهم شرف قلنا صدقت ولكن بئسما ولدوا وعند البخاري في الأدب المفرد: {من افتخر بتسعة آباء من الكفار فهو عاشرهم في النار} من افتخر بآبائه الجاهليين حشر معهم، لا تفتخر بإنسان ذهب قال تعال: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134]. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [البقرة:49] ما معنى هذه العبارة؟ أي: تلقون منهم شدة ومشقة وكلفة، ونقف قبل هذا عند آل فرعون: آل فرعون هم من تبع فرعون على ملته، وهم يعرضون على النار غدواً وعشياً حتى هذه الساعة، استدل أهل السنة والجماعة على عذاب القبر بهذه الآية: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] نسأل الله العافية. هذا يسميه بعض العلماء: فطور وأما الغداء ففي جهنم، لكن هذه مشهيات ومرطبات! {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] فدخلوا معه. قال: {يَسُومُونَكُمْ} [البقرة:49] السوم: هو أشد العذاب، والسوم من الخسف، والمشقة، وشدة الكلفة على من لك سلطة عليه أو قدرة. يقول عمرو بن كلثوم في ملعقته الشهيرة: إذا ما الملك سام الناس خسفاً أبينا أن نقر الذل فينا يمدح قبيلته، وهذه من أفخر القصائد، هو جاهلي لم يدرك الإسلام، لكن ذهب إلى عمرو بن هند أحد الملوك، فذهب بأمه يتحاكم هو وقبيلة ثانية فقال لأمه: ادخلي عند امرأة الملك حتى أشكو عليه أن القبيلة الفلانية تقاتلنا، فأمه امرأة من أسرة قوية، والملك يظن أن من كان من غيره فهم خدم، فأتت المرأة أم الشاعر ودخلت عند زوجة السلطان. فقالت زوجة الملك: ناوليني هذا الإناء، تريد أن تستخدمها في البيت. فحلفت ألا تناولها؛ فضربتها كفاً على وجهها، فصاحت أمه وهو داخل خيمة الملك، فعلم أنها أهينت. فقام عمرو بن كلثوم فقتل الملك، ثم فر إلى قبيلته ونظم قصيدته يقول في أولها -وهي من المعلقات-: ألا هبي بصحنك فاصبحينا ولا تبقي خمور الأندرينا إلى أن يقول: بأي مشيئة عمرو بن هند تطيع بنا الوشاة وتزدرينا إلى أن يقول: متى كنا لأمك مقتوينا أي متى كنا لك عبيداً ولأمك؟! إلى أن يقول: ألا تعرفنا؟! بأنا نورد الرايات بيضاً ونصدرهن حمراً قد روينا إلى أن يقول: إذا ما الملك سام الناس خسفاً أبينا أن نقر الذل فينا وهكذا قتله وضحى به، فلذلك يقول: الخسف لا نقره.

فرعون سام بني إسرائيل سوء العذاب

فرعون سام بني إسرائيل سوء العذاب يقول ابن تيمية في مقطع له يتكلم في المجلد الأول من الفتاوى عن بعض الناس قال: إذا أسيم الخسف رضي به، وإذا وجد قوة تمرد؛ تجده ظالماً جباراً يظلم العباد، ولكن إذا أهين ذهبت كرامته ونخوته ومروءته فسبحان الله! له في خلقه شئون. قال: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [البقرة:49] كان أهل مصر يستخدمون بني إسرائيل، اليهودي عند المصري خادم، التمييز العنصري مثل جنوب أفريقيا؛ البيض والسود، يقدمون الطعام في المطاعم، والأعمال العادية لا يقوم بها إلا بنو إسرائيل {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [البقرة:49] وليته يكفي! قالوا من باب التفسير قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [البقرة:49] وهناك في سورة إبراهيم: {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [إبراهيم:6] قالوا: الواو لتعداد النعم، فلما أراد الله أن يعدد عليهم في سورة إبراهيم النعم قال: {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [إبراهيم:6] بالواو، ولما أراد الله أن يفسر العذاب قال: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [البقرة:49] بدون واو.

سبب قتل فرعون لأطفال بني إسرائيل

سبب قتل فرعون لأطفال بني إسرائيل أعلن فرعون بعد أن رأى رؤيا: أن ناراً خرجت من بيت المقدس من فلسطين فأشعلت مملكته كلها، فذهب إلى المنجمين فقال: ما رأيكم؟ قالوا: ماذا رأيت؟ قال: رأيت كذا وكذا قالوا: يقتلك وينهي ملكك غلام من بني إسرائيل؛ فكتب مرسوماً: كلما ولد لبني إسرائيل ولد فالقبلة والسكين، على جنبه يذبح. {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة:49] قال الزجاج: ما أحمق فرعون! إن كان كتب الله له أن يقتله بنو إسرائيل فسوف يقتل سواء قتلهم أو لم يقتلهم، وإن لم يكتب الله عز وجل عليه ذلك فما معنى قتل الناس؟! فأخذوا يقتلون، ولما استمر القتل وكثر أتى الوزراء إلى فرعون قالوا: يا فرعون! قال: نعم. قالوا: صبحك الله بالنار. قال: آمين. قالوا: قتلت أبناء بني إسرائيل وما أصبح عندنا خدم، ونريد أن تقتل أبناءهم سنة وتستحييهم سنة. قال: سمعاً وطاعة؛ فأتى في سنة يذبحهم وفي سنة يتركهم، ففي السنة التي منع فيها ذبح بني إسرائيل فيه ولد هارون فسلم ونجا والحمد لله، وفي السنة الثانية ولد موسى، فلما أتت أمه نظرت إليه وعلمت أن المسألة مسألة إعدام، وكان جنود فرعون كل ليلة وكل صباح لا تخرج لتملئ الماء إلا وهم عند الباب! أتاكم مولود اليوم بشروا؟ قالوا: أتانا رجل. قالوا: اعطونا إياه ويذبحونه. فلما أتاها الولد نظرت إليه فإذا هو جميل بهي عليه من المحبة ما الله به عليم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه:39] يقولون: لا يراك أحد إلا يحبك، حتى امرأة فرعون يوم رأته أحبته، ولذلك الأنبياء هكذا، أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم يرونه فيحبونه. لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر فأخذته فلفته في قماش ووضعته في تابوت وحزمت الخيط بالتابوت وأنزلته في النهر، وهي كانت تسكن على الشاطئ، فأنزلت التابوت فيأتي الجنود فتخرج التابوت وتنزله في الماء، يذهب الجنود تعيد الخيط وترضعه، تسمع صوتاً عند الباب تنزل الخيط ويبقى في الماء، سحبته لترضعه فانقطع الخيط، لا يوجد تابوت، أشرفت على الماء ما وجدت شيئاً، أين ذهب؟ مزارع مصر ممتدة على طول هذا النهر، ولربما أخذه الجنود أو أي شخص، ولكن الحفظ الإلهي والرعاية السماوية أخذته إلى بيت الطاغية الأكبر ليترعرع في بيته وفي أحضان ملكه، فلما أتى به الخدم إلى زوجة فرعون فرحت به، فوصل الخبر إلى فرعون، فأراد قتله. فقالت له: ما لي ولك ولد -هو عقيم وهي عقيم، أراد الله عز وجل ألا يجعل لها نسلاً منه؛ لأن الكافر أبتر- ونريد أن نربيه وجلست به تترجى وتتمنى وتتوسل قال: نعم، خذيه. قالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [القصص:9] قال: قرة عين لك أم أنا فلا. قال ابن عباس: [[والله لو قال: قرة عين لي ولك كما قالت لجعل الله موسى قرة عين له]]. قالت في سورة القصص: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [القصص:9] بدأت بنفسها ثم قالت: ولك. نشأ هذا الطفل في حبابة وتصون؛ لأن الله يريد له أن يحول العالم، ولما كبر وشب وأصبح طفلاً ترتاح له النفوس تقدم إلى فرعون، وكان على السرير وكان له سلاسل من ذهب وجواهر على صدره فهو ملك، فاقترب منه فأعطاه كفاً مع الصباح! هذا أول الخير وأول المبشرات. فقال: إيه صدقت الرؤيا، لأقتلنه هذا اليوم. قالت آسية: أعرض عليك أمراً هذا لا يعرف، هذا طفل صغير وهذا لا يدري بمصلحته من مفسدته، نجمع له تمرة وجمرة، فإن أخذ التمرة فمعناه أنه عرف المصلحة فاقتله، وإن أخذ الجمرة فما يدري. قال: أصبت. فعرضت له جمرة وتمرة. يقول أهل التاريخ والسير: أتى يأخذ التمر -الرجل ذكي يعرف والله يعطيه من المواهب والفطن ما الله به عليم، لأن الأنبياء ليسوا عاديين- فحرف جبريل يده إلى الجمرة، فأخذها فأوقعها في لسانه فارتتقت لسانه، فتركه فرعون. شب وترعرع في قصة طويلة وإنما المقصود: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [البقرة:49] ولكن نجى الله موسى من هذا الذبح في عام الميلاد، وذهب إلى البستان وتربى في القصر، مغامرة مكشوفة، ولذلك يقال: فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرعون مؤمن موسى هو موشى بالعبرية، و (مو) معناها الماء بـ اليهودية العبرانية، و (شى) شجر، وإنما سمي موسى ماء، لأنه ولد عند الماء والشجر فيسمونه ابن الشجر أو ابن الشجرة، أو ابن الماء والشجر، ذكر ذلك أبو السعود وغيره من أهل العلم، فترعرع واستقام حاله وانظر كيف تربى في بيت فرعون، وأما موشى ذاك السامري فإنه رباه جبريل على تربية الله أعلم بها، فخرج فاسقاً مارداً وهو الذي أتى بالعجل حتى عبد بنو إسرائيل أو بعضهم العجل، نسأل الله العافية.

فرعون قدوة لمن بعده من الطغاة

فرعون قدوة لمن بعده من الطغاة {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة:49] قالوا: للخدمة والتمتع، كان الزنا ظاهراً مشهوراً، وكانت كل فتاة إسرائيلية عرضها مبذول على آل فرعون، نعوذ بالله من ذلك {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة:49] هنا معنيان: {بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة:49] قيل: نعمة من الله عظيمة، فتكون الإشارة عائدة على قوله: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ} [البقرة:49] نجيناكم بنعمة عظيمة وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم. وقيل (بَلاءٌ) نقمة وعذاب، فمن الذبح والسوء والقتل والاستخدام: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة:49] والآن إذا وجدت إسرائيلياً أو يهودياً صهيونياً وقرأت عليه هذه الآيات أقر بما تقول، وهي موجودة في التوراة ولكن لا يفقهون قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] قوله {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [البقرة:49] يعني أشد العذاب {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [البقرة:49]. هذا كيد الطغاة للدعاة، وهذه مجزرة ينصبها الطغاة الكفرة للدعاة المؤمنين مثل زكريا عليه السلام عندما ذبحه بنو إسرائيل. تصوروا: في بعض الروايات أن بني إسرائيل قتلوا أربعمائة نبي، ولذلك قال الله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران:112] وفي آية أخرى {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة:61] فقتلوا أربعمائة نبي، ذبحوا يحيى بن زكريا عليهما السلام، قطعوا رأسه وأتوا إلى زكريا وهو جالس يعظهم ويدلهم على الجنة ويحذرهم من النار، فأخذوا رأس يحيى ثم ألقوه بين يديه! وطاردوا زكريا عليه السلام حتى فر في غابة يريد أن ينجو بنفسه، فأتت شجرة فانقسمت له فدخل فيها، فأخذ الشيطان ببعض ثوبه، فعرفوه فنشروا الشجرة من أعلاها إلى أسفلها فانقسم قسمين.

كرامات لخبيب بن عدي

كرامات لخبيب بن عدي في الصحيح من حديث خباب بن الأرت {قد كان يؤتى بالرجل ممن كان قبلكم ينشر بالمنشار ما بين لحمه ودمه، أو يوضع المنشار في رأسه حتى يقسم قسمين ما يصده ذلك عن دينه} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وممن حدثت له من هذه المصائب خبيب بن عدي أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك يقول ابن كثير: إن في أمة الرسول صلى الله عليه وسلم من الصالحين من أتت لهم كرامات مثل معجزات أنبياء بني إسرائيل. مفهوم الكلام: إن في صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الصالحين من أتت له كرامات مثل ما أتت لأنبياء بني إسرائيل.

خبيب يأكل العنب والسحابة تظله

خبيب يأكل العنب والسحابة تظله خبيب بن عدي -أحد الصحابة- في معركة وهو شاب في الثلاثين من عمره لكن يتوجه إلى الله، قلبه معلق بالله، أخذوه إلى مكة وأغلقوا عليه، لماذا أخذوه إلى مكة؟ لأنه قتل عظيماً من عظمائهم قيل في بدر وقيل: في غيرها. وضعوه في مكان وكان السقف مكشوفاً في حر مكة ومنعوه الطعام والشراب، كان يجلس وحده، قيل في بعض الروايات: كانت تأتيه الغمامة فتظلله من السماء. تقول المرأة التي سجن في بيتها: والله ما في مكة عنقود عنب ولا حبة عنب وقد كنت أدخل عليه وبين يديه أطباق العنب يأكل منها!

خبيب في ساحة الإعدام

خبيب في ساحة الإعدام وفي ساعة قرروا إعدامه فخرج به كفار قريش فلما أصبحوا في الصحراء بنسائهم وأطفالهم وكبارهم وصغارهم قال: يا كفار قريش، قالوا: نعم. قال: أريد أن أصلي ركعتين. قالوا: صل وأسرع. فتوضأ وصلى ثم نظر إليهم قال: [[والله الذي لا إله إلا هو لولا أن تظنوا بي جزعاً من الموت لطولت الصلاة]] ثم رفع يديه وقال: [[اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً]]. ثم رفعوه على المشنقة، هل بكى؟ لا، الأبطال لا يبكون في ساحات القتل، يقول: ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو أوصال ممزع

سلامه على رسول الله

سلامه على رسول الله ثم قال: [[اللهم أبلغ رسولك ما لقينا الغداة]] يقول: اللهم أخبر رسولك ماذا فعل بي؟ ثم قال: [[السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا رسول الله]]. بالله أين مناخ العيس من حلب سهم أصاب وراميه بـ ذي سلم من بـ العراق لقد أبعدت مرماك يقول موسى بن عقبة: ففي تلك اللحظة كان صلى الله عليه وسلم يقول في المدينة وخبيب في مكة يقول: {وعليك السلام يا خبيب، وعليك السلام يا خبيب، وعليك السلام يا خبيب {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30].

النابلسي رحمه الله والمعز الفاطمي لعنه الله

النابلسي رحمه الله والمعز الفاطمي لعنه الله النابلسي عالم ترجم له الذهبي وابن كثير وهو عالم كبير ومحدث، وإذا سمعت أن المحدث يعمل بالحديث فاعلم أن المحدثين واجهات الأمة، القوة تكمن في المحدثين إذا عملوا بعلمهم. أتى المعز الفاطمي وهو من الحكام الفاطميين الملاعين الذين حكموا مصر وهم زنادقة يهود، جدهم ابن قداح يهودي، وأتوا إلى المسلمين وقالوا: جدتنا فاطمة، ونحن من نسل فاطمة، فصدقهم كثير من الناس وكتبوا لهم صكاً بالنسب وقبلوا منهم هذا؛ فعبدهم كثير من الناس. الحاكم بأمر الله الفاطمي أتدرون ماذا يفعل؟! يخرج إلى السوق فيسجد له الناس في السوق من دون الله، كان يأتي بعبيد له ويفعل الفاحشة في الناس، يمزق المصحف ويدوسه برجليه، وهو من ذرية المعز. قال النابلسي في حلقة عظيمة من الناس في مدينة من المدن: من كانت عنده عشرة أسهم فليرم النصارى الذين في طبرية وعكا ويافا وفي حدود البحر الأبيض بسهم واحد، وليرم الفاطميين بتسعة.

أعوان المعز يبلغونه مقالة النابلسي

أعوان المعز يبلغونه مقالة النابلسي فذهب الجواسيس والعيون فأخبروا المعز وقالوا: النابلسي يقول في حلقته: من كانت عنده عشرة أسهم فليرمِ النصارى بتسعة وليرمك بسهم، والمقالة خاطئة وليست هكذا؛ بل هي مقلوبة. قال المعز: عليَّ به. قال له المعز: يا عدو الله -والمعز هو عدو الله وذاك ولي الله- تقول: من عنده عشرة أسهم فليرم النصارى بتسعة وليرمنا بسهم؟ قال: خطأ، الفتيا ليست هكذا بل هي مقلوبة. قال: ما هي؟ قال: قلت: من كانت عنده عشرة أسهم فليرمكم بتسعة وليرم النصارى بسهم.

اليهودي يسلخ جلد النابلسي

اليهودي يسلخ جلد النابلسي فاستتابه فما رجع عن قوله وأخذ يلعن المعز، فأول يوم استتابه ثم شهر به على بغلة وهو يضرب ويلطم، ثم جلده في اليوم الثاني، ثم أتى بيهودي في اليوم الثالث فقال: اسلخ جلده عن لحمه، لا تقتله وابق على رأسه. فعلقه اليهودي برجليه، وتصور يهودياً يتولى مسلماً! فأخذ اليهودي سكينة ثم سلها، فلما أتى العالم هذا من وجهه أتدرون ماذا قال هذا اليهودي؟ قالوا: والله ما أنَّ النابلسي أنَّة ولا بكى بدمعة وإنما كان يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل. فأخذ يسلخ جلده.

الملائكة تظلله

الملائكة تظلله وقيل: رئيت الملائكة وهي تظله بأجنحتها وقت سلخ الجلد، فلما بلغ قلبه وهو يسلخ الجلد كما تسلخ الشاة رحمه اليهودي، انظر إلى إنسان يبلغ من الدرجة أن يرحمه اليهودي!! يقول المتنبي: كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا يقول: كفى بك مصيبة إذا تمنيت الموت. قال الذهبي: فروي أنه لما خرج الدم من قلبه كتب لا إله إلا الله على الجدار، وفي بعض الروايات: أخذ الدم يقطر منه ويكتب: الله الله الله والحساب عند الله يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين، وسوف يرى.

سعيد بن جبير والحجاج

سعيد بن جبير والحجاج ومن ضمن من عذب بالقتل والذبح سعيد بن جبير وقد مر معنا، ولكننا نقر بهذه القصص من نواحي، ونعرضها في قوالب حتى تثبت الدروس التربوية في قلوب الأمة. سعيد بن جبير يدخل على الحجاج، ما ذنب سعيد بن جبير؟ عالم ينشر العلم، ينشر الدعوة، ينشر لا إله إلا الله، لكن خرج مع من خرج في فتنة ابن الأشعث فأتى به الحجاج فأوقفه أمامه وحاسبه وكلمه كلاماً عنيفاً فما تنازل له سعيد بن جبير بقلامة الظفر! يقول له الحجاج: من أنت؟ وهو يعرف أنه سعيد بن جبير. قال: أنا سعيد بن جبير. قال: بل أنت شقي بن كسير. قال: أمي أعلم إذ سمتني. قال: شقيت أنت وشقيت أمك. ثم قال له: أتريد المال؟ ثم أتى بمال في أكياس فقال له: يا حجاج إن كنت أخذت المال رياءً وسمعة فسوف يكون عليك عذاباً، وإن كنت أخذته تمتنع به وتحتمي به من عذاب الله، فنعم ما فعلت. فأتى الحجاج بجارية تضرب العود فبكى سعيد بن جبير. قال: بكيت من الطرب، أأعجبك الغناء؟ قال: لا والله، لكن جارية سخرت في غير ما خلقت له، وعود قطع من شجرة سخر في معصية. فقال له: لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى. قال: لو كنت أعلم أن ذاك عندك لجعلتك إلهاً من دون الله. فقال: والله لأقتلنك قتلة ما قتلها أحد من الناس. قال: يا حجاج اختر لنفسك أي قتلة قتلتني بها، والله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله بمثلها. قال: ولُّوه لغير القبلة. فقال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] قال: أنزلوه أرضاً. قال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55] فذبحوه. فقال: اللهم لا تسلط الحجاج على أحد من بعدي، يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج. وما انتهى المجلس إلا وببثرة من هذا الدمل تنشأ في يد الحجاج فيحكه فيتفشى في جسمه ويشتعل جسمه ويصبح كالثور يخور، لا ينام، لا يشرب، لا يرتاح، لا يهدأ، كل ليلة يرى في المنام أنه يسبح في دم. يقول لوزرائه وهو يبكي: رأيت البارحة أن القيامة قامت وأن الله أوقفني عند الصراط فقتلني بكل رجل قتلته قتلة، إلا سعيد بن جبير قتلني به سبعين مرة! ثم ما أمهله الله بعده إلا شهراً: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16] وهذا مثل كثير من المكائد التي يضعها أعداء الله لأولياء الله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52]. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة:49] قالوا: للخدمة والمنفعة. {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْر} [البقرة:50] نقف مع البحر قليلاً، في البحر أربع قضايا: القضية الأولى: ماؤه، الثانية: ميتته، الثالثة: ركوبه، الرابعة: عظمة الله تتجلى في خلق البحر. أما رأيت الشمس إذا أرادت أن تغيب بإذن الله على البحر؟ أما ركبت البحر ورأيت العظمة؟ هذا اليابس الذي نعيش منه لا يشكل إلا ربع هذه الكرة الأرضية بل أقل، أما رأيت البحر كيف يهيج؟ أما رأيته إذا ماج وغضب؟ هذا خلق الله يتجلى في هذا المخلوق، فلذلك ماؤه -للفائدة- سئل عنه صلى الله عليه وسلم قال: {هو الطهور ماؤه الحل ميتته} حديث صحيح.

الأسئلة

الأسئلة

حال مؤمن آل فرعون

حال مؤمن آل فرعون Q قال الله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر:28] فالرجل مؤمن فهل يعتبر من آل فرعون الكفرة، أرجو توضيح ذلك؟ A { مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [غافر:28] إضافة نسب لا إضافة ولاء ونصرة، لذلك ذكر الله مثل لوط عليه السلام وصالح وهود فقال: {قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ} [الشعراء:142] فأخوهم في النسب لا في الولاء والمنهج والمشرب والتشريع، فهو من آل فرعون في النسب وليس في الدين.

الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس على الله

الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس على الله Q الحديث الذي معناه: {صوموا الإثنين والخميس فإن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس} هل تعرض على الله أم على الرسول صلى الله عليه وسلم؟ A أولاً: الحديث صحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم الإثنين والخميس، فقالوا: يا رسول الله! لمَ تصوم؟ قال: {إن الأعمال تعرض على الله يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم}. ولكن الأعمال تعرض على الواحد الأحد، لا تعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا، ولا يحاسب العباد، ولا ينعم عليهم ولا يعذبهم، إنما بلغ الرسالة ويشفع في الآخرة. وأما الحديث الصحيح من حديث أوس بن أوس في السنن وغيرها أن الصلاة والسلام تعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله: {أكثروا علي من الصلاة والسلام ليلة الجمعة ويوم الجمعة} فعليه الصلاة والسلام ما كور الأقدار، وما أتى الليل وعقبه النهار، وما فاحت الأزهار، وما تدفقت الأنهار، فعليه الصلاة والسلام دائماً وأبداً، قال: {أكثروا من الصلاة والسلام علي ليلة الجمعة ويوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي قالوا: كيف تعرض عليك صلاتنا يا رسول الله! وقد أرمت -أي بليت؟ - قال عليه الصلاة والسلام: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء} وليس في الحديث الشهداء بل الأنبياء، فالصلاة والسلام تعرض عليه لكن لا تعرض عليه الأعمال، لأن المحاسب والمجازي وكاشف الضر هو الله، ويخطئ من يذهب إلى قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ويقول: اكشف مرضي، أو نجح ابني هذا شرك {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] فليتنبه إلى هذا.

حديث: (أول رمضان رحمة)

حديث: (أول رمضان رحمة) Q ما صحة الحديث الذي يقول: {أول رمضان رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار}؟ A هذا الحديث لا يصح وهو حديث ضعيف، ونبه على ضعفه المنذري في الترغيب والترهيب وهو من أحاديث فضائل الأعمال.

الإسرائيليون اليوم من سلالة بني إسرائيل

الإسرائيليون اليوم من سلالة بني إسرائيل Q هل الإسرائيليون الموجودون الآن هم سلالة بني إسرائيل؟ A بنو إسرائيل هؤلاء من تلك السلالة، شامير ورابين وموشى ديان وأمثالهم وأذنابهم هم من اليهود تماماً، لا تلد الحية إلا حية، الخبيث من ذاك الصنف الخبيث. أما موسى عليه السلام والمؤمنون -رضي الله عنهم وأرضاهم فهؤلاء نحبهم ونتولاهم وهم في موكب كريم، ومنهم كثير ممن أسلم من اليهود كـ عبد الله بن سلام وكعب الأحبار وأمثالهم. وبعض الناس يقول: نسالم اليهود، اليهود قوم حلماء. ونحن نقول: بل هم قوم ألداء، لا يمكن أن ينزعوا الغل من صدورهم، وهم أعداؤنا بلا شك يريدون تمزيق العالم الإسلامي، وكل خراب وإجرام وزنا وربا في العالم عامة فهو من اليهود.

حكم الإسلام في من ينكر عذاب القبر

حكم الإسلام في من ينكر عذاب القبر Q ما حكم الإسلام في من أنكر عذاب القبر؟ A إن أقر بالأدلة وعلم بها فأنكر فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وإن لم يصله دليل ولم يعلم فيبصر ويعذر بجهله حتى يبصر.

كراهة الإشارة إلى النفس عند ذكر الصفات

كراهة الإشارة إلى النفس عند ذكر الصفات Q في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه:39] أشرت إلى نفسك، ألا ترى أنه من التشبيه، أرجو بيان ذلك؟ A إن رأيت هذا فأنا معك ونتصالح أنا وإياك وقد يكون هذا، والأحسن للإنسان ألا يشير في الصفات إلى نفسه، لا يقول: {كنت يده التي يبطش بها، وسمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به} ويشير إلى نفسه، وقد تكون مني مع السرعة والشرح فأشرت إلى ذلك، فأنت مشكور على كل حال.

ليس في القرآن مجاز

ليس في القرآن مجاز Q هل في القرآن مجاز؟ A ليس في القرآن مجاز على الصحيح، وهو رأي لشيخ الإسلام ابن تيمية ولـ ابن القيم وللأمين الشنقيطي صاحب التفسير على أن المسألة فيها خلاف حتى عند أهل السنة، لم يجمعوا على أليس في القرآن مجاز بل فيهم من يقول: إن في القرآن مجازاً.

رأي الشيخ في مجموعة من الشعراء

رأي الشيخ في مجموعة من الشعراء Q ما رأيك في هذه الشخصيات: أبو العلاء المعري، بشار بن برد، الجاحظ، محمد عبده الإمام، عبد الله بن المقفع؟ A أبو العلاء المعري ذهب إلى الله وقد ترجم له الذهبي وابن كثير وأبو العلاء أعمى القلب والبصر، رهين المحبسين، ما تزوج، ولا كان يأكل الحيوانات مثل الدجاج، يأكل النباتات فقط، فيلسوف، يقول: عذاب وحرام أن يعذب الإنسان الدابة، كيف يذبح الشاة ويأكل منها؟! انظر إلى العميل الخسيس! متخلف! الله يبيحها وهو يقول: لا، حرام، لا يأكل إلا بطاطس وعدس! يصبح على بطاطس ويمسي على فول! حتى أصبح عقله مملوءاً بالكفر والزندقة، وهو شاعر مجيد من الدرجة الأولى، حتى ترجم له الذهبي قال: وله تلك الأبيات المشهورة يقول فيها: يا راقد البرق أيقظ راقد السمر لعل في القوم أعواناً على السهر وإن سقيت بلاداً من بني مطر فاسقِ الأواهل حياً من بني مطر ما سرت إلا وطيف منك يتبعني يمشي أمامي وتثويباً على أثري يود أن ظلام الليل دام له وزيد فيه سواد السمع والبصر يقول: يريد المحبوب مع حبيبه أن ظلام الليل يدوم وأنه يعطى من سواد العين؛ ولذلك ابن القيم كلما مشى صفحتين في بعض الكتب قال: يود أن ظلام الليل دام له وزيد فيه سواد السمع والبصر فهي له، وليته اكتفى بهذا فهو شاعر، يقول في قصيدته: غير مجدٍ في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شادي وسواء صوت الشدي إذا قيس بصوت النعي في كل نادي خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد كلام عجيب! لكن ليته سكت لكنه تفوه بالكفر والنفاق والزندقة. يقول: إذا أخطأ الإنسان وقطع يد آخر فهي بخمس مئتين دينار ذهب، فإذا سرق تقطع في ربع دينار. قال: يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار تناقض ما لنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار يا خسيس، تستعيذ بعدما كفرت؟! تناقض الشريعة وتقول: نستعيذ بمولانا من النار؟ فرد عليه علماء أهل السنة مثل القاضي عبد الوهاب المالكي -بيض الله وجهه- يقول في قصيدة يدمغ هذا الفاجر: قل للمعري عار أيما عار جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري لا تقدحن بنود الشرع عن شبهٍ شرائع الدين لم تقدح بأشعار وذهب إلى الله وقد استهزأ في أبياته، ورئي في منامه كما ذكر بعض أهل العلم أن عليه حية لما دفن، فأخذ رأسها بلسانه وذنبها أخذ بفرجه، وهذا من عذاب القبر وسوف يلقى ما قدم، ولا أدري هل تاب أم لا. أما الاستهزاء فوالله لقد ملئ ديوانه بالاستهزاء والاستهتار، وقد كان ذكياً لكن لم يكن زكياً، أكل مشمشاً -وقد كان أعمى- فوقعت قطرات على صدره فقال له رجل: أكلتم مشمشاً اليوم؟ قال: قبح الله العمى؛ عرف أنه وقع على صدره شيء. ذكر الذهبي أنه نام على سرير قال: ارتفعت السماء قدر درهم أو ارتفعت الأرض قدر درهم، فبحث فوجد تحت فراشه درهم، وأظن أن هذه من كذبات الصنع، بعض الكذبات باستطاعتك أن تجبرها لكن بعضها لا تجبر، لكنه على كل حال زنديق إن لم يتب. أما بشار بن برد فهو شعوبي، فيدرالي، دكتاتوري، يسعى إلى التمييز العنصري، هو ينادي دائماً بـ الشعوبية ويبغض العرب، هو شاعر وهو صاحب: إن في بردي جسماً ناحلاً لو توكأت عليه لانهدم يقولون: سمع هذا البيت رجل في المدينة فبقي طول الليل ينشد هذا البيت قال: ليتني أجد هذا الرجل، والله لأسافرن له، أين هو؟ قالوا: في بغداد؛ فركب دابته وتوجه إليه فاقترب منه فقال: أين بشار؟ قالوا: في هذا البيت. فدخل عليه فوجده مفلطخاً على فراشه كالثور، قال: يا عدو الله أنت الذي تقول: إن في بردي جسماً ناحلاً لو توكأت عليه لا نهدم؟ قال: نعم. قال: كيف تقول هذا؟ قال: أما يقول الله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:224 - 226]؟ وهو الذي يقول: يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا وشعره جميل لكنه شعوبي، واتهم بشيء من النفاق، ومات كما يموت التيس الأعمى في السفينة فذهب إلى الله. أما عن الجاحظ: فهو يقود فرقة الجاحظية، وهو خطيب المعتزلة وخطيب هذه الفرقة الجاحظية وأهل البدعة، وخطيبنا نحن أهل السنة هو ابن قتيبة. يقول ابن تيمية: خطيب أهل السنة ابن قتيبة وخطيب المبتدعة الجاحظ، له كتاب الحيوان من أحسن ما يكون، وله كتاب البيان والتبيين، ذكي؛ لكنه استخدمه في بدعة، وبدعته الله أعلم بها، لكن نسأل الله أن يعافي من مات مسلماً. صورته مشوهة، كان جاحظ العينين، عيناه تكاد أن تخرجان من رأسه، وعنده شعر في حواجبه بكثرة، حتى أتت امرأة إلى صائغ يصنع الخواتم فقالت له: أريد أن ترسم على خاتمي الشيطان. قال: أين الشيطان، ما رأيته؟ قالت: انتظر قليلاً، فذهبت إلى الجاحظ فقالت له: إن بائع الختم يريدك في غرض، فأتت به بيده فقالت له: مثل هذا! وهو على كل حال أجاد في الكتابة، وقد أثرت مدرسته الأدبية في كثير من الكتاب مثل المازني والرافعي تأثرا به في بعض النواحي، والشيخ علي الطنطاوي متأثر به في بعض الكتابات، فقد كون مدرسة أدبية، لكن العقائد والدين لا تؤخذ منه، وهو أديب هزلي. الشخصية الرابعة: محمد عبده الإمام؛ الإمام لأنه لو لم يذكر السائل الإمام أخرج مطبلاً آخر، لا نتكلم عنه ولا نتكلم على الناس، علمهم عند ربي ونسأل الله أن يتوب عليهم، لكن نتكلم عن هذا الإمام محمد عبده المصري، هو بارع ذكي وتلميذ جمال الدين الأفغاني، كان يشرح القرآن فيبهر الألباب، جلس في تونس ومصر وفرنسا وباريس وكون جريدة العروة الوثقى وهي جريدة يومية، كان يسلب الألباب بكتابته، وكان إذا تكلم في القرآن يقف الناس مدهوشين منه! الرجل الله أعلم به، لكن اتهم بأمور أما ظاهره فطيب، ومن يقرأ تفسير المنار لرشيد رضا يعلم أن الرجل فيه الخير وأنه يريد الخير لكن اتهم بالاعتزال، واتهم ببعض الانحرافات، واتهم أنه تورط مع الماسونية العالمية وربما يوجد له أعذار، ولكن بالنسبة لي لا يزال من الأشخاص الذين أتوقف فيهم، ونسأل الله ألا يحاسبنا بذنب أحد من الناس هو وجمال الدين الأفغاني {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134]. الشخصية الخامسة: عبد الله بن المقفع؛ اتهم بالزندقة وهو أديب كبير، ولكن وجد أنه يريد من الناس أن يعبدوا النار، فعلمه عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى. إلى هنا وننتهي وسوف يكون للدرس بقية، أسأل الله لي ولكم قبولاً وهداية وسداداً، وأسأل الله أن يجعل ما تجشمتم به من تعب في سبيله، وما مشيتم فيه من خطوات رافعات للدرجات، درجات الحسنات مكفرات للسيئات، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

من آداب النبوة (1)

من آداب النبوة (1) الأدب والتحلي بالأخلاق الحميدة من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم, بشهادة الناس والتاريخ, بل بشهادة الله سبحانه, ولأنه القدوة والأسوة صلى الله عليه وسلم, كان لزاماً على كل مسلم أن يتبعه ويسير على خطاه. وقد سلك الشيخ للوصول إلى تلك الأخلاق والآداب أعظم طريق موصل إلى ذلك, وهو كتاب الإمام البخاري: الجامع الصحيح الذي يعد المصدر الأول لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وبعد أن تكلم الشيخ عن الأدب واستخدام لفظه, اقتبس من كتاب الأدب أبواباً مهمة وتكلم عنها، وهي كالتالي: باب البر والصلة, باب من أحق الناس بحسن الصحبة, باب لا يجاهد إلا بإذن الوالدين, باب لا يسب الرجل والديه, باب عقوق الوالدين من الكبائر.

معنى الأدب واستعمال لفظه عند الإمام البخاري وأهل العلم

معنى الأدب واستعمال لفظه عند الإمام البخاري وأهل العلم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

كتاب الأدب في صحيح البخاري

كتاب الأدب في صحيح البخاري معنا في هذه الليلة أول الأحاديث من كتاب الأدب من صحيح الإمام البخاري حياه الله وبياه، وأنزله أحسن المثوى في دار النعيم، ورفع درجته بما رفع للأمة من سلامة في هذا الكتاب الصحيح. يقول رحمه الله: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الأدب، باب البر والصلة، وقول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} [العنكبوت:8] ثم قال: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، قال الوليد بن عيزار أخبرني، قال: سمعت أبا عمرو الشيباني، يقول: أخبرنا صاحب هذه الدار وأومأ بيده إلى دار عبد الله، قال: {سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزادني}. أولاً: للبخاري رحمه الله تعالى كتابٌ منفصل اسمه الأدب المفرد، فيه الحديث الصحيح والحسن، وربما كان فيه الضعيف، وفيه الموقوفات على الصحابة وعلى بعض التابعين، والأدب أتى به في صحيحه غير كتابه المستقل؛ لأنه جعل كتابه الصحيح يضرب في كل غنيمة بسهم، فهو كلما انتهى من باب فتح جبهةً أخرى، ليكون كتابه -إن شاء الله- من أكبر المصادر في الإسلام. وقد تكرر معنا في بعض الدروس، أن شيخ الإسلام ابن تيمية سئل في المجلد العاشر من الفتاوى: أي كتاب يكون أنفع في طلب علم الحديث؟ قال: لا أعلم كتاباً أنفع ولا أكثر إفادة بعد كتاب الله وصحيح البخاري. فهذا الكتاب ثروة عظيمة عند من يعرف الثروات.

تعريف الأدب

تعريف الأدب الأدب اختلف في تعريفه، ونحن نحاول أن نقترب من التعريف المسدد بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وفي التعريف سعة، وليس فيه مشاحة بين أهل العلم، قيل: الأدب استعمال ما يجمل من الأقوال والأعمال والأحوال. وقيل هو: أن تكون رضي الخلق سهل الطبيعة. وقيل: هو أن تكون متأدباً بأدب الله الذي أنزله على رسوله وهذا تعريف لأهل الإسلام. وقيل: هو أن تكون على تعاليم الكتاب والسنة، وعلى ما أتى به المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو مثل الذي قبله. وقيل الأدب: هو ألا تخرج من الدين بفسق -نعوذ بالله- ولا من المروءة بخارمٍ، ويستحق هذا التعريف أن يكون عند أهل الجرح والتعديل. الأدب فيه الواجب وفيه المستحب، والأدب -بارك الله فيكم- صبغة يجعلها الله ويحليها من يشاء سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فالأدب ليس هو الشعر الذي تسمعونه، لا الحر ولا الحداثي، فهذا أمر آخر، لكن أهل الإسلام والحديث والتفسير والسير والفقه إذا تحدثوا عن الأدب فمعناه ما يجمل أو يحسن من الأقوال والأعمال الظاهرة والخفية، وأحسن ما يروض المسلم عليه في الأدب كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أشار القرآن إلى كثير من الآيات في الأدب، قال لقمان لابنه وهو يعظه عليه السلام: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19] وهذا أدب. لأن العجيب أن وصية لقمان عليه السلام لابنه، بدأت بالعقائد، ثم العبادات، ثم الأخلاق والأدب والسلوك، فقال: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] عقيدة، وقال: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] عبادات، ثم قال: {واقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان:19] أدب، وهذا هو الأدب الذي يريده الله عز وجل من الناس.

نموذج لأهل الأدب الشرعي

نموذج لأهل الأدب الشرعي قال ابن المبارك رحمه الله: طلبنا الأدب حيث لا مؤدبين، فهو يشكو حاله على عصره، يقول: طلبنا الأدب حيث لا مؤدبين، يقول: ما وجدنا من يؤدبنا، ونحن في الكبر أصبحنا شيوخاً، وقد اشتعلت رءوسنا شيباً، فأصبحنا نطلب الأدب، فكيف لو رآنا عبد الله بن المبارك في هذا العصر! فهو في عصر تابعي التابعين، وكان معه مؤدبون وأخيار، وعلماء وفقهاء ومحدثون وزهاد وعباد ويشكو من حاله، يقول: طلبنا الأدب حيث لا مؤدبين. وكان عبد الله بن المبارك هذا من آدب الناس، ولا بأس أن نسرح قليلاً مع عبد الله بن المبارك وللذهبي كتاب اسمه قضِّ نهارك بأخبار ابن المبارك، يقول الذهبي في تذكرة الحفاظ: والله! إني لأحبه لما جعل الله فيه من العبادة والزهد والعلم، أو كما قال. عبد الله بن المبارك كان من أحسن الناس أدباً، وكان يضع كلمات أدبية نثرية وشعرية في منهج الأدب، يقول من ضمن أبياته: وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفاف وحياء وكرم قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم وهذا يسمى أدب الموافقة، أن يوافقك الشخص في غير معصية؛ لأن بعض الناس من قلة أدبه يحب الخلاف فيما لا فائدة فيه، إن قلت: نجلس تحت هذه الشجرة، قال: هذه أحسن، وإن قلت: ننطلق الساعة السابعة، قال: لو تأخرنا للثامنة كان أحسن، وإن قلت: ما رأيك نتكلم ربع ساعة، قال: لو كان ثلث ساعة كان أحسن، لا لشيء؛ لأن المسألة متقاربة ولكن حب الخلاف، وهو الذي ينعاه ابن المبارك على أهل عصره في القرن الثالث، فكيف لو رآنا في القرن الخامس عشر. ابن المبارك رحمه الله رحمة واسعة، كان يترنم بأبيات في الأدب كثيراً، وكان في أكثر أبياته، يعلم الناس الزهد والسيرة والأخلاق، وهو بمجمله يسمى الأدب، خرج من مكة وترك الفتيا، وأخذ بغلته، فقال له الناس: أتترك الحرم وتخرج للجهاد؟ قال: بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا

أمثلة أخرى لأهل الأدب

أمثلة أخرى لأهل الأدب وكان من أفضل الناس قولاً في الأدب الإمام الشافعي، ولذلك سجل له الإمام الذهبي أكثر من عشر نقاط تكلماً على الأدب، يقول: والله الذي لا إله إلا هو لو أنقص الماء البارد من مروءتي ما شربته -لو كان الماء البارد ينقص من المروءة ما شربته-. وكان من أدبه أنه ما بصق عن يمينه ولا عن يساره أبداً، فكان يخفي بصاقه، قال: وما مد رجله مع الجليس من أدبه أبداً، قال: وما قاطع أحداً في كلامه حتى ينتهي. وهذا أدب الكتاب والسنة، وإنما تعلموا الأدب من المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي نحن بحاجته أحوج إلينا من كثير من العلم. يقول أحد أهل العلم: ينبغي أن يكون أدبك كالدقيق وعلمك كالملح، قال بعض المتأخرين: فما أصبح عندنا لا دقيق ولا ملح. وقال عامر الشعبي: لا يطلب العلم إلا رجلان عاقلٌ وناسك، فإن طلبه عاقل بلا نسك -بلا دين- قالوا: هذا أمرٌ لا يتحصل عليه أبداً، وإن طلبه ناسكٌ بلا عقل، قالوا: هذا أحمق لا يحصل على شيء أبداً، وإنما يطلب الفهم العاقل والأديب الذي يتقي الله عز وجل، ورأس الحكمة مخافة الله، ومن لا يخاف من الله فلا أدب له أبداً. ولذلك أخطأ كثيرٌ من أهل الأدب، كـ ابن عبد ربه وابن قتيبة في عيون الأخبار وفي العقد الفريد، يوم ذكروا أدب كسرى، وقالوا في وصف بعض الأئمة: كأن هذا الإمام أدَّبه كسرى، سبحان الله! أكسرى أصبح مؤدباً؟! أصبح الدجال مؤدباً ومسيراً للأمة ومعلماً وفقيهاً؟! لا والله، لكنه أدبه محمد عليه الصلاة والسلام، فهذه مسألة الأدب. وممن نقل عنه الأدب معاذ رضي الله عنه وأرضاه، ذكروا عن أدبه الجم الكثير. فقد كان من حيائه لا يعمد بصره لجليسه حياءً وأدباً وتقوى ورعاية للجليس، وهذا نحن بحاجة إليه جد الحاجة، وأحوج ما نكون إليه أن نربي أطفالنا على الأدب الذي أتى به محمدٌ عليه الصلاة والسلام، وهناك ما يقارب مائة حديث في الأدب، سوف يسوق منها البخاري ما لذ وطاب، من الثمر المستطاب، في كل فن في الطعام، والشراب، والمنام، والإياب، والذهاب، كأنها أخذت من أم الكتاب، فجزاه الله خيراً وأسبل على قبره شآبيب السحاب.

الكلام عن قول البخاري: باب البر والصلة

الكلام عن قول البخاري: باب البر والصلة هذا الإمام البخاري يقول: باب البر والصلة، وهذا فيه لف ونشر، لف العنوان ثم سوف ينشره نشراً. ملكٌ منشدُ القريض لديه يضع الثوب في يدي بزاز ولذلك تبويب البخاري أجلس العلماء على الركب، حتى كان يتساءل الزين بن المنير في شرحه، ماذا يريد بهذا الباب؟ ويأتي ابن بطال فيقول: يريد كذا، وابن التين، قال: لا يريد كذا، وابن حجر يأتي ويربع، ويقول: بل أراد كذا, وهذه هي العظمة، وبعض الناس يشف ويرف ويدرج حتى يصل في العظمة مكانة لا يرقى إليها، ولذلك فتح الله عليه بصدقه ولإخلاصه وعلمه في هذا الكتاب فتحاً عظيماً. ويروى عنه أنه قال: ما رويت حديثاً حتى اغتسلت وصليت ركعتين واستخرت الله، وبعدما سوده كتبه في ضوء القمر قبل الأسحار في روضة المصطفى صلى الله عليه وسلم في المدينة. قلت لليل هل بجوفك سر عامرٌ بالحديث والأسرار قال لم أجد في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسمار باب البر والصلة، إن كان على الإضافة فالجر، وإن كان على القطع فالرفع، بابٌ البر والصلة، وباب البر والصلة، قال: البر هنا لف، وترك المضاف إليه بر الوالدين، والصلة صلة الرحم.

سبب نزول قوله تعالى: (ووصينا الأنسان بوالديه حسنا)

سبب نزول قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً) وقول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} [العنكبوت:8] آيات الوصاية بالوالدين في القرآن ثلاث آيات، في سورة الأحقاف، وفي سورة العنكبوت، وفي سورة لقمان، وكأن هذه الآية في سورة لقمان وابن حجر عاكس قليلاً مع بعض الشراح، وقال: هذه الآية التي في لقمان وليست التي في العنكبوت، ثم عاد وقال: ربما تكون التي في العنكبوت. سببها: سعد بن أبي وقاص، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وخال رسول الله صلى الله عليه وسلم، مدمر إمبراطورية كسرى، دائس الظلمة بأرجله، الذي كسر إيوان العمالة والضلالة إيوان كسرى، يقول عنه مصعب ابنه، قال أبي لما أسلم: أشهد أن لا إله إلا الله -أمام أمه- وأشهد أن محمداً رسول الله، قالت أمه: أصبوت؟ ثم حلفت بلاتها وآلهتها لا آكل أكلاً، ولا أشرب شراباً حتى تعود عن دينك -والحديث في صحيح مسلم - فحاول معها, وراودها فأبت، قالت: أدينك يأمرك أن تعصيني، وأن تعقني؟ فأنزل الله عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} [العنكبوت:8] وهناك: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15]. قال: [[يا أماه! والله الذي لا إله إلا هو، لو كان لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما عدت عن ديني]] حياك الله وبياك أيها البطل المقدام! فلما رأت الجد أكلت وشربت والحمد لله والشكر، واسم هذه الأم حمنة، وهي لم تسلم، وربك يهدي من يشاء ويضل من يشاء، سبحان الله!

الهداية بيد الله

الهداية بيد الله يأتي الله عز وجل برجال من أطراف الدنيا فيسلمون ويؤمنون، ويأبى الذين بين الركن والحطيم وعند زمزم أن يسلموا {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]. أتى بـ أبي هريرة من بلاد دوس من زهران ليكون أكبر راوية في الإسلام، وأتى بـ سلمان من أرض فارس ليكون حامل رسالة نداء الأرض إلى السماء، وأتى بـ بلال من أرض الحبشة لتستفيق على أذانه الدنيا، وأتى بـ صهيب الرومي ليكون سفير الإسلام إلى الروم، وأتى بـ خباب بن الأرت ليكون موجهاً من أكبر سادات الصحابة، وأتى بـ ابن مسعود راعياً من رعاة الغنم في هذيل ليكون من أكبر علماء الدنيا ومن أذكياء العالم الذين أنصتت لهم أذن الدهر. ولكنْ أبو طالب الذي تبجح بكبريائه ما أسلم، وأبو لهب الذي التهب رأسه بالغباء ما آمن، والوليد بن المغيرة الذي كان يكسر الذهب بالفئوس ما انقاد للرسالة، سبحان الله! {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. انتهينا من قصة سعد، وللصحابة قصص طويلة مع أمهاتهم، هؤلاء العجائز لهن نكبات ووقفات وعثرات هناك ربما ثلاثين عجوزاً وقفت في وجه الدعوة؛ لأن رأسها جف وخف ونشف لا يفهم لا إله إلا الله، دُمغ فلا تدخله لا إله إلا الله، ولا يفهم إلا بالفأس.

ضرورة نصرة الشباب لدينهم

ضرورة نصرة الشباب لدينهم ذكر بعض الشراح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصر بالشباب، ولذلك لما التقى في بدر المهاجرون والأنصار مع الكفار، كان أكثر جيش الرسول صلى الله عليه وسلم شباباً، ولذلك لما هَجَمَ أبو حمزة الخارجي على المدينة واقتحم أسوارها، خطب في المسجد النبوي، وقال: تعيبونني بأصحابي تزعمون أنهم شباب، والله لقد كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم شباباً، شبابٌ مكتهلون في شبابهم، غضيضة عن الشر أعينهم، ثقيلة إلى الباطل أرجلهم، أنضاء عبادة وأطلاح سهر، وهل كان عظماء الإسلام إلا شباباً، وهل كان علماء الصحابة إلا شباباً. ولذلك أتى الشيطان فوسوس لنا في أذهاننا، وقال: لا يتحدث متحدث حتى يبلغ الخمسين والستين وخمسة وتسعين، حتى تضيع الأمة، وتتردى الإرادة والمعطيات ومصداقيات الناس فلا يفهمون، ومعاذ أرسله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن في الثامنة عشرة، وأسامة أرسله صلى الله عليه وسلم في الثالثة عشرة، وقيل: في الخامسة عشرة، وابن عمر كان يتحدث ويقول ويفعل وهو في الخامسة عشرة. شباب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا وما عرفوا الأغاني مائعات ولكن المنى كانت منونا أو كما قال.

قصة إسلام أم أبي هريرة

قصة إسلام أم أبي هريرة إذا علم هذا فمعنا أبو هريرة وأمه، أتت من أرض دوس، فلما دخلت أتت تسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أماه! اتقِ الله، لا تسبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت تسب، فأخذ يبكي رضي الله عنه وأرضاه، وذهب إلى الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر؛ فدعا لها صلى الله عليه وسلم، فعاد فإذا هي تغتسل من وراء الباب لتتهيأ للإسلام، فلما طرق عليها الباب، قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فبكى من شدة الفرح. طفح السرور علي حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني فعاد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، والحديث في الأدب المفرد، فأخبره الخبر، قال: {يا رسول الله! ادع الله أن يحببني وأمي إلى صالح المؤمنين، ويحبب صالح المؤمنين إلي وإلى أمي؛ فدعا لهما، قال أبو هريرة: فو الله! ما رآني أحد من المؤمنين أنا وأمي إلا أحبنا} ونحن نشهد الله على أننا نحبه في ذات الله.

الكلام عن راوي الحديث: ابن مسعود

الكلام عن راوي الحديث: ابن مسعود قال: أخبرنا صاحب هذه الدار، وصاحب هذا الدار ابن مسعود، فقد كان في العراق كالسراج المنير، وكان من ألطف الناس، يقول حذيفة: لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن أقربهم إلى الله وسيلة هو ابن مسعود، وقالوا: ما رأينا رجلاً أقرب دلاً ولا سمتاً ولا هيئة ولا تقوى بالرسول صلى الله عليه وسلم من ابن مسعود. وذكروا عن الإمام أحمد أنه كان من أعجب الناس بتقواه وبزهده وورعه، وذكروا أنه أخذ هذا الورع من هشيم الراوية الكبير، وأخذه هشيم عن سفيان الثوري وأخذه عن إبراهيم النخعي، وأخذه إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس تلميذ ابن مسعود، وأخذه علقمة عن ابن مسعود وابن مسعود أخذه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم. سندٌ كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا وروى النعمان عن ماء السماء كيف يروي مالك عن أنس قال: أخبرني صاحب هذه الدار، وأومأ بيده إلى دار عبد الله، وكانت دار عبد الله التي أشار إليها، قريباً من المسجد ليقرب من الفتيا والتعليم، وكان يحدث الناس كل يوم خميس لا يزيد على ذلك، فقال له أهل العراق: وددنا يا أبا عبد الرحمن! أنك تحدثنا كل يوم. من حسن حديثه، كأنه الثمر المستطاب، أو كأنه الشهد المصفى، أو كأنه الماء الزلال، أو كأنه الهواء العليل على القلب السقيم، قالوا: [[وددنا أنك تحدثنا كل يوم، قال: والله! إني أتخولكم بالموعظة كما كان صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا]] يتخولنا، قيل: يتحولنا وأقربها يتخولنا من التخول خالاً بعد خال. فـ ابن مسعود لذكائه وفطنته في فقه الدعوة، كان يتكلم مع الناس وهم يشتهون حديثه؛ لأنّ بعض الدعاة يكلم الناس سرمداً ليلاً ونهاراً وصباحاً ومساءً وصيفاً وشتاءً، حتى يقول له الناس من الاستثقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون. وهذا الأعمش قيل له: أنزلت في الثقلاء آية؟ قال: نعم. قالوا: وما هي؟ قال قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان:12] وذكر عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمته، أنه قال: إذا صلى عن يمينك ثقيل فسلم تسليمةً تكفيك. وهذه فتوى تسمع ولا يعمل بها، ولكنا على عهدة الأعمش الزاهد العابد النحرير رضي الله عنه وأرضاه ورحمه الله، فهو الذي يقول: ما فاتتني تكبيرة الإحرام في الجماعة ستين سنة، لكنه كان صاحب دعابة كـ الشعبي. يقول: صاحب هذا الدار وأومأ بيده إلى دار عبد الله، ربما كان يتحدث في داره، وربما يتحدث في المسجد، وكان إذا قام يتحدث أخذ العصا واهتز هو والعصا سيان، فقالوا له: مالك؟ قال: أتدرون عمن أتحدث؟! أتحدث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وقام يتحدث في مسجد الكوفة؛ فرأى حية وهو يخطب الناس قد دخلت المسجد؛ فهاب الناس منها، وكان من أصغر الناس جسماً، ربما كان أصغر الحضور جميعاً، فانطلق من بين الصفوف وأخذ يضربها حتى قتلها. وهو في أثناء طريقه سمع رجلاً يقول: يا ابن مسعود! من أين تأتي بهذه الأحاديث؟ فاقترب منه؛ فشم منه رائحة الخمر، فقال: [[أتكذب بالكتاب وتشرب الخمر؟! والله لا تفارق المسجد حتى أجلدك ثمانين]] فجلده في طريقه، قالوا: فقتل حية، وجلد مجرماً، وعاد يخطب، كان نحيل البنية، لكن بين جنبيه قلب كبير. ألا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم، والعقلاء أسئلتهم مفهومة، أما سؤال البلهاء فلا يعرف، ولذلك كانت أسئلة الناس عند الرسول صلى الله عليه وسلم تعلم بعقل الرجل، دل على اختصاصك بالعقل سؤالك للعاقل أو للعالم، قال أنس في صحيح البخاري: [[كان يعجبنا الرجل اللبيب أن يأتي من البادية فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع، فيخبره عليه الصلاة والسلام ونحن نسمع]] قال: اللبيب العاقل؛ لأنه يوجد رجلٌ لا يجيد الأسئلة فلا يستفيد الناس منها. ولذلك كان من أجود الناس سؤالاً ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، قال: {سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله عز وجل} وهذا ليس مثل سؤال الأعراب، فإن أحدهم يأتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فيربط ناقته في الوادي ويقول: {أين ناقتي يا رسول الله؟} والثاني يقول: {أفي الجنة ثريدٌ يا رسول الله؟} أي: لحم بخبز، والثالث يقول: {يا رسول الله! أيزرع هذا الزرع والنخل في الجنة؟ قال: نعم. فيها ما تشتهي الأنفس، قال: إذاً هذا يعجب الأنصار} لأن الأنصار أهل نخل، لكن هذه الأسئلة ما كانت ترد على علماء الصحابة ومنهم ابن مسعود.

الكلام عن حديث: (أي الأعمال أحب إلى الله)

الكلام عن حديث: (أي الأعمال أحب إلى الله) قال: {سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أيُّ -هذه تضبط عند النحاة بأيٌ بالتنوين، وتضبط بأي ويوقف على حركة الرفع- ثم أيُّ؟ قال: ثم بر الوالدين، قال: ثم أيُّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني}. أولاً: لماذا لم يورد الزكاة والصيام والحج؟ هذا سؤال. والسؤال الثاني: لماذا لم يستزده ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه؟ والسؤال الثالث: لماذا أتى ببر الوالدين قبل الجهاد، وذاك نفعه متعدٍ لصالح الإسلام، وهذا نفعٌ خاصٌ للوالدين؟ ولو أنه متعدٍ لكان تعدياً نسبياً إضافياً. أما لماذا لم يذكر الزكاة والصيام والحج، فإنه ذكر الأعمال المعتادة التي تلازم العبد دائماً وأبداً، فذكر عليه الصلاة والسلام هذه الأمور التي هي الأحب إلى الله، ولا يقتضي الأحب إلى الله أنه أعظم أو أجل شأناً، هذا جواب. قال عليه الصلاة والسلام: {الصلاة على وقتها} وفي لفظ في الترمذي والحاكم بسند صحيح: {الصلاة على أول وقتها} فأنت إذا لم تأت بها في أول وقتها فقد تنازلت في الدرجات حتى تصل إلى مسألة القضاء فقط، أو أداء بتأخر. أما الحديث الذي عند الدارقطني {أول الوقت رضوان الله، وأوسط الوقت رحمة الله، وآخر الوقت غفران الله} فهذا الحديث لا يصح، فيه يعقوب بن الوليد، قال الإمام أحمد: يعقوب بن الوليد جبل من جبال الكذب، وقال علي بن المديني: أحد الكذابين الكبار، فهذا الحديث لا يصح، ولو أن ابن حجر رحمه الله تساهل وغض طرفه، ولو أنه حافظ الدنيا لكنه أورده في بلوغ المرام، فليتنبه له.

شرح الأدب الأول: الصلاة على وقتها

شرح الأدب الأول: الصلاة على وقتها قال: {الصلاة على وقتها} وهذا في الصحيح، لكن هناك: {في أول وقتها} إلا في مسائل استثناها الأئمة بأحاديث، منها شدة الحر في صلاة الظهر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم، وفي الصحيح عن أبي ذر قال: {خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأُذن لصلاة الظهر، فقال عليه الصلاة والسلام: أبرد أبرد، فقام يؤذن، قال: أبرد أبرد، فقام يؤذن، قال: أبرد فإن شدة الحر من فيح جهنم}. وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله أذن لجهنم بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، ففي الصيف هو أشد ما تجدون من فيح جهنم -أي: الحرارة- ومن الزمهرير أشد ما تجدون في الشتاء} أعاذنا الله وإياكم من جهنم. فصلاة الظهر تؤخر عن وقتها لشدة الحر، لكن استثنوا منها صورتين: وجود الغمام ولو في شدة الحر فتصلى، وإذا كان كما قال الشافعي: المصلون ذو ظل لا يكلفهم الذهاب والإياب، أي: كانوا في بيت أو في حديقة أو في غابة؛ فلهم أن يصلوا ولو في أول الوقت، وهذا إن شاء الله جيد؛ لأن العلة وجود الحر ومشقة الناس. ومما تتأخر عن وقتها كذلك وهو أفضل، صلاة العشاء، إذا وجدت الجماعة يتأخرون معك لأحاديث كثيرة، منها: حديث عائشة في الصحيح حتى خرج صلى الله عليه وسلم على الناس وقد تأخروا في صلاة العشاء، فقال: {أما إنه لا ينتظرها أحدٌ من أهل الدنيا إلا أنتم} وقال: {وإنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي} عليه الصلاة والسلام. وفي حديث عمر لما نام النساء والصبيان، فقالوا: يا رسول الله! نام النساء والصبيان، فخرج صلى الله عليه وسلم، وقد ابهار الليل، فهذان وقتان فليعلم ذلك. قال: {الصلاة على وقتها} أو {في أول وقتها} وإذا أخرت الصلاة عن الوقت ورأيت الإنسان أو المسلم يؤخر الصلاة عن الوقت؛ فاعلم أن في قلبه دخن، وفي نفسه مرض، إلا من عذر عاذر. قال المؤرخون: سبب سقوط دولة بني أمية أن الخلفاء كانوا يؤخرون الصلاة. فهذه دولة عظيمة ضربت أطنابها في الأرض، وامتدت إلى جبل طارق، وإلى نهر السند، وإلى طاشقند، وإلى جنوب أفريقيا، سبب تزعزعها وسقوطها تأخر الصلاة، فكانوا يؤخرونها إلا عمر بن عبد العزيز، دخل عليه عروة بن الزبير، قال: حدثني فلان، عن أبي مسعود البدري {أنه صلى جبريل بالرسول صلى الله عليه وسلم في أول الوقت، ثم صلى به اليوم الثاني في آخر الوقت} الحديث. وهو أول حديث في كتاب المواقيت في صحيح البخاري، فقام عمر بن عبد العزيز؛ فقدم الصلاة رضي الله عنه وأرضاه، ودخل أنس دمشق، وهذه رواية الزهري، قال: [[رأيت أنساً دخل دمشق؛ فصلى مع الناس، ثم خرج يبكي، وقد وضع عمامته على وجهه، قال: والله! لقد أنكرت كل شيء مما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة]] قال الزهري: وهذه الصلاة، ألستم صنعتم فيها ما صنعتم؟ أما أخرتم صلاة العصر حتى تدنو الشمس من المغيب؟ والرسول عليه الصلاة والسلام في حديث حسن، قال: {تلك صلاة المنافق} أي: صلاة العصر التي يؤخرها حتى تأذن الشمس بالمغيب، ثم يقوم ينقر أربع ركعات لا يذكر الله إلا قليلاً، تأخير الصلاة عن وقتها سواء كنت في عمل، أو وظيفة، أو مكتب، أو فصل دراسي، ممنوع، إذا سُمع داعي الله عز وجل فلو تغيرت الدنيا وفلكها ومجرتها، ولو أتت الشمس من الغرب، لا بد من أمر الله! الرسول عليه الصلاة والسلام كان يستقبل الوفود، وكان يجلس مع الناس؛ فإذا سمع الله أكبر قام وفض اجتماعه عليه الصلاة والسلام، كان يتكلم مع أهله فإذا سمع الله أكبر أسقط ما بيده، كان يقطع معهن اللحم، وكان ربما صلى الله عليه وسلم يقوم على الخدمة فإذا سمع الله أكبر قام يقول: {أرحنا بها يا بلال} وهي إراحة الهموم والغموم والأحزان والأوصاب. فقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترقَ أبواب الجنان الثمانيا

شرح الأدب الثاني: بر الوالدين

شرح الأدب الثاني: بر الوالدين قال: {ثم أيٌ؟ قال: ثم بر الوالدين} وإنما قدم بر الوالدين على الجهاد لسببين: السبب الأول: أن الجهاد يتوقف على إذن الوالدين، فإذا لم يأذن الوالدان فلا جهاد، فلا بد لمن أراد أن يجاهد أن يستأذن والديه، إلا إذا كان الجهاد فرض عين ويكون كذلك في مسائل، أما إذا كان فرض كفاية فلا بد من إذن الوالدين؛ فإن لم يأذنا فلا جهاد، فمن أعظم الأعمال القيام على خدمة الوالدين كما نص الحديث هذا وغيره, كحديث النسائي بسند صحيح، جاء رجلٌ من أهل اليمن، فقال: {يا رسول الله! أريد الجهاد، قال: أمن والديك أحدٌ حي؟ قال: أمي، قال: الزم رجلها فإن الجنة عند رجلها} هذا لفظ النسائي، فلا جهاد إلا بإذن الوالدين في فرض الكفاية. والسبب الثاني: أن بر الوالدين أعظم؛ لأن إعطاء الحق جهدٌ ومشقة، فهم أعطوك حقاً فلا حق لمن بر والديه، فلا يتمنن على والديه، ويقول: أنا فعلت وصنعت وأتيت وذهبت، فو الله! ما فعل شيئاً إلا رد الحق، رأى ابن عمر رجلاً يطوف بأمه في حرارة الشمس على ظهره وهو يزفر، قال: [[يا بن عمر! أأديت حقها؟ قال: لا والله ولا بزفرة من زفراتها]]. قال: {ثم أيُّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله} الجهاد في سبيل الله على درجات، أعظمها أن يخرج المسلم بجواده -إذا كان له جواد- فيهراق دمه ويعقر جواده ويذهب ماله، هذا الجهاد في سبيل الله، وهو يختلف إذا كان فرض عين فهو أعظم، وفرض الكفاية يليه في المرتبة، قال: {حدثني بهن ولو استزدته لزادني} وفي لفظ: {ما تركته إلا إبقاء عليه} أي: خوفاً عليه صلى الله عليه وسلم من كثرة الحديث والمشقة، انظروا إلى لطف التلميذ بشيخه، وانظروا إلى تقدير الصحابة للمعلم عليه الصلاة والسلام، ما زاده على ثلاثة أسئلة، وهذا من عقل ابن مسعود رضي الله عنه؛ لأن الأسئلة تنتهي في العادة إلى ثلاثة، والضربات إلى ثلاث، والكلام إلى ثلاث.

بيان من هو أحق الناس بحسن الصحبة

بيان من هو أحق الناس بحسن الصحبة ثم قال البخاري رحمه الله تعالى: باب من أحق الناس بحسن الصحبة؟ يتساءل من هو أقرب الناس وأحقهم بصداقتك وصحبتك وخلقك ودينك وبرك؟ قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، وهؤلاء الرجال أعلام. من تلقَ منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري قال: حدثنا جرير، عن عمار بن القعقاع بن شبرمة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك}. في هذا الحديث قضايا: أولها: أيهما يقدم في البر الوالد أو الوالدة، وهذا معترك بين العلماء وفيه ما يقارب أربعة أقوال: منهم من قال: الوالد يقدم في الأوامر، وأما اللطف والبر؛ فتقدم الوالدة. ومنهم من قال: يقدم الوالد في أمور مثل الحضانة والوصاية والرعاية، ولكن الصحيح الذي دلت عليه النصوص أن الوالدة تقدم، وأن لها ثلاثة أرباع الحق، وللوالد ربع. وبعضهم قال: لها ثلثان وللوالد ثلث واحد، على الأحاديث إن كان تكرر أمك أمك أمك ثلاثاً فلها ثلاثة أرباع، وإن كان مرتين فلها الثلثان وله الثلث والثلث كثير، هذا للوالد وللأم. فالرسول صلى الله عليه وسلم قدم الأم ثلاث مرات. ثم تساءل العلماء مثلما ذكر ابن حجر، عن مسألة إذا كانت الوالدة قليلة دين، وهذا مبحث آخر، أو ناقصة تدبير، قالوا: فالرشد للوالد، لكنه يرعاها ويؤدي إليها حقها، أما الأمر للوالد، ولا خلاف بين أهل العلم على أنه إذا كان الأب مسلماً والأم كافرة -والعياذ بالله- فأن الذي يطاع ويقدم هو الأب. في سنن أبي داود أن رجلاً أتى بابنه وقال: {يا رسول الله! أسلمت وهذا ابني يريد أمه، فدعا صلى الله عليه وسلم بأمه وهي كافرة، فقال للابن: اذهب إلى أي أبويك شئت -إلى أبيك أو إلى أمك- فأدركه الحنان فذهب إلى أمه، فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم اهده} فقبل أن يصل إلى أمه رجع إلى أبيه، فهذه دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وأما مسائل الحضانة فسوف تأتي في باب مستقل، ومسائل الوصاية أمر آخر، لكن الأم تقدم بالرعاية والحق، فلها ثلاثة أرباع الحق: قالوا: للحمل، وللولادة، وللرعاية، وللضعف، فإنها حملته وأرضعته ورعته وقامت عليه، ثم هي من أضعف الناس له، أي: من أضعف الناس لا تقوم، فحق على المسلم أن يكون ثلاثة أرباع الحق للوالدة وربعٌ واحد للوالد؛ لأن الوالد قيم؛ ولأنه قوي الإرادة؛ ولأنه ما تكلف الحمل ولا الوضع رضي الله عن سلفنا الصالح وجعلنا من المرضيين معهم، هذه مسائل هذا الحديث وليس فيها إطالة وهو شبه إرداف للحديث الذي قبله.

شرح باب: لا يجاهد إلا بإذن الوالدين

شرح باب: لا يجاهد إلا بإذن الوالدين ثم قال البخاري: باب لا يجاهد إلا بإذن الوالدين، هذه فتوى من الإمام البخاري؛ لأن أبوابه فتيا، يفتي الناس يقول: لا يجاهد إلا بإذن الأبوين.

ترجمة رجال سند حديث: (إن الله كره لكم قيل وقال)

ترجمة رجال سند حديث: (إن الله كره لكم قيل وقال) حدثنا مسدد شيخ البخاري اسمه مسدد بن مسرهد بن عرندل بن صرندل بن مغردل بن مشردل، ذكره الذهبي وقال: السند في رواية بقية الاسم ضعيف، قال الفضل بن دكين أحد تلاميذه: هذه رقية العقرب. أي: الاسم هذا رقية عقرب، يكفي فقط أن تقول: بسم الله، ثم ترتقي بهذا الاسم لتذهب حمة العقرب، وهذا مزاح، قال: حدثنا يحيى، الراجح أنه يحيى بن سعيد القطان. قال الإمام أحمد: لو أن أحداً يلزم نفسه من خشية الله للزمها يحيى بن سعيد، تلي عليه القرآن وهو على بيته فغشي عليه حتى سقط على خشب في الأرض، وكان إذا تلي عليه القرآن يقول زملاؤه للتالي: لا تتلُ حتى ننزله على الأرض، فكان ربما يغشى عليه الساعات الطوال، وكان من أعبد الناس وأزهد هم، قال الإمام أحمد: رأيت الناس فما أقدم أجلَّ من يحيى بن سعيد القطان. عن سفيان، وسفيان هذا هو الثوري، أبو سعيد، وقيل: أبو عبد الله من أجل الناس، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: ثلاثة من العلماء بعد الصحابة لا يسكن قلبي إلى مثلهم أبداً، الحسن البصري وسفيان الثوري، والإمام أحمد. وقال الإمام أحمد: لا يحل قلبي بعد الصحابة والتابعين مثل سفيان الثوري. هذا سفيان الثوري بلغ منزلة عظيمة في العبادة والعلم والزهد، وكان من أقوى الناس قولاً بالحق، وكان يتقي الله عز وجل، كان إذا أظلم عليه الليل توضأ وأخذ حذاءه وصعد الجبال يصلي حتى صلاة الفجر. وذكر عنه صاحب حلية الأولياء أنه نزل في منى مسافراً إلى مكة؛ فأدركته صلاة العشاء؛ فصلى ومعه زملاؤه، فلما ناموا توضأ وأخذ حذاءه يصعد الجبال فصلى حتى اقترب الفجر، فسقط؛ فجرحت إصبعه، فأخذ يربط عليه، ويقول: يا دنيا يا دنية تباً لكِ. حج مع الناس، فلما حج رأى موكب أبي جعفر المنصور، وقد دخل في عرفات ومعه حرسه وأمراء بني العباس ووزراؤهم وأغنياؤهم، فالتفت إلى السماء فقال: لقد خذلتُ العلم اليوم إذا لم آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. فأخذ حذاءه ودخل على أبي جعفر المنصور، فقال: يا أبا جعفر! اتقِ الله في يوم لا يتقى فيه إلا الله، قال: وماذا فعلت؟ قال: جمعت الناس، وبذرت الأموال، وأخذت المواقع على المسلمين، قال أبو جعفر وكان من أقويا الدنيا وجبابرة العالم: أتريد أن أكون مثلك؟ قال: لا تكن مثلي ولا تكن مثلك، كن أقل مما تكون عليه، حج عمر بن الخطاب فما خسر في حجه إلا عشرين درهماً. ثم خرج، فلما أظلم الليل أخذ ينام في مزدلفة، فيجمع تراباً لتكون مخدةً له، وقال: والله الذي لا إله إلا هو إن هذا العيش أحب إليّ من عيش أبي جعفر المنصور، لما أدركته الوفاة قام ستين مرة يتوضأ في الليل؛ لأنه أصيب بالدم، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء عرض ماؤه على الأطباء، فقالوا: هذا رجل لا يعيش طويلاً، فتّت الحزن كبده، من كثرة مخافة الله عز وجل. ذكر عنه بعض زملاؤه، أنه نام عند رجل؛ فأخذ يتقلب في فراشه فلما قرب الفجر قام، فقال له هذا المضيف: ما رأيناك نمت، قال: كلما نمت تذكرت أن الله على العرش بارزٌ يحاسب الناس. في السير أنه ذهب إلى عبد الرزاق بن همام الصنعاني في اليمن، فلما تعشى عنده قام وشد وسطه وصلى إلى صلاة الفجر، أخذ مطهرة من المطاهر ليتوضأ بها ليوتر بعد صلاة العشاء فتذكر إذا زلزلت الأرض زلزالها، فأخذ المطهرة بيده، وهو واقف يقرأ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] ويبكي حتى طلع الفجر وأذن للفجر وما أوتر. كان من أخوف الناس لله عز وجل، حتى قال الناس: رأينا من خاف وسمعنا عمن خاف, أما سفيان الثوري فلم نرَ أخوف منه، رضي الله عنه وأرضاه. ذكر عنه المترجمون: أنه رئي في المنام، قالوا: وما فعل الله بك؟ قال: رزقني -هذه عهدة على النقلة- جناحين أطير بهما في الجنة حيث أشاء. وكلمني ربي كفاحاً وقال لي هنيئاً لك الخيرات يا بن سعيد هذه من الأبيات التي حفظت عنه، ومن شاء فليعد إلى المصادر. وكلمني ربي كفاحاً وقال لي هنيئاً لك الخيرات يا بن سعيد فقد كنت قواماً إذا أظلم الدجا بعبرة مشتاق وقلب عميد تزوج زوجة واحدة وله منها ولد، وكان لا يحب كثرة الذرية، قال: يشغلونني عن العبادة، فأراد الله أن يجبر قلبه، وأن يعلي حظه، فارتفع ابنه على جدار الدار في عسقلان في فلسطين؛ فسقط؛ فإذا هو ميت، فأخذ يتبسم ويحضنه بين يديه، وقال: الحمد لله الذي سرني بك مولوداً، ولم يكدرني بك فاجراً، ثم دفنه، وماتت امرأته، ثم عاد من كل شيء، حتى يوم توفي وجدت حذاؤه وثيابه فكفن في ثيابه. بنفسي ذاك الشخص ما أحسن الربى وما أحسن المصطاف والمتربعا قالا: حدثنا حبيب، وحدثنا محمد بن كثير، ثم ساق الحديث إلى ابن عمر، قال رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم: {أجاهد؟ قال: لك أبوان؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد} قيل: إن هذا الرجل هو الذي أتى ووالده وأمه يبكيان عليه، فأراد أن يتمدح أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {يا رسول الله! والله ما أتيتك إلا وأبي وأمي يبكيان، قال: عد إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما}. وعند الطبراني كما أورد ذلك صاحب الكشاف وغيره، أن رجلاً أتى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! عقني ابني، قال: كيف؟ قال: ربيته، أسهر لينام، وأجوع ليشبع، وأظمأ ليروى، فلما شب وترعرع لوى يدي وتغمط حقي وترك خدمتي، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، قال: أقلت في ذلك شعراً؟ قال: نعم. قال: ماذا قلت؟ قال: قلتُ: غدوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململ كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغتَ به دوني فعيناي تهمل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذا لم ترعَ حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل فأخذ صلى الله عليه وسلم الابن بتلابيب ثوبه، وقال: أنت ومالك لأبيك} زاد صاحب الكشاف، فنزل جبريل، قال: فبكت الملائكة لبكاء هذا الرجل يا رسول الله! والعهدة على من نقله، وفي الزيادة نظر.

حديث في النهي عن تسبب الرجل في سب والديه

حديثٌ في النهي عن تسبب الرجل في سب والديه ثم قال البخاري رحمه الله: باب لا يسب الرجل والديه، قال يسوق السند: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد. إبراهيم بن سعد هذا من ذرية عبد الرحمن بن عوف الزهري رضي الله عنه وأرضاه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد رآه الإمام أحمد، وما كان الإمام أحمد يقوم لأحد، يأتيه كبار بني العباس؛ فلا يقوم، فلما أتاه هذا قام، قال له الناس: مالك يا أبا عبد الله قمت؟ قال: ألا أقوم لابن عبد الرحمن بن عوف. عن حميد بن عبد الرحمن -هذا جده- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه؟ قيل: يا رسول الله! وكيف يلعن الرجل والديه؟! قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه}. وهذا يسمى التسبب، أن تتسبب في جريمة: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] وهذا من قلة فقه الرجل أن يتسبب بإنكار منكر، أو بشيء من الإنكار إلى منكر أعظم، ولذلك قالوا: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر بلا منكر، فإن بعض الناس يأمر بالمعروف فيكون أمره بالمعروف منكراً، وينهى عن المنكر بطريق المنكر، فبعض الناس ربما يصل به الإنكار إلى سب الوالدين، فيصل هذا إلى أن يعيد السب إلى والديه، فهذا من أكبر الكبائر. كأن يأتي إنسان إلى الكفرة الذين يعبدون الأصنام، فيسب أصنامهم؛ فيسبون الله؛ لأنه منهي عنه بنص القرآن، ومثل ذلك من يسب آباء الناس وأمهاتهم، وهذا من قلة العقل والفحش -نعوذ بالله من ذلك- والمجون، وما لك وما للوالدين؟ إما أن تسب من سبك وإلا فالعفو فهو أحسن.

تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر وبيان معنى كل منها

تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر وبيان معنى كل منها من تسبب في سب أو لعن والديه؛ فقد ارتكب إحدى الكبائر، نعوذ بالله من ذلك: {إن من أكبر الكبائر} فيه دليل عند أهل السنة والجماعة على أن الذنوب صغائر وكبائر، و Q ما هي الكبائر؟ وما هي الصغائر؟ أو ما هو تعريف الكبائر؟ وما هو تعريف الصغائر؟ أو هل هناك كبائر؟ وهل هناك صغائر؟ A فيه ستة أقوال لأهل العلم من السلف الصالح، وفيه قولٌ للأشاعرة، وقولٌ للأحناف من الفقهاء، وقولٌ للمحدثين، قيل: لا كبيرة ولا صغيرة، بل كل الذنوب كبائر، ونقل هذا القول عن ابن عباس بسند صحيح أنه قال: [[كلها كبائر، والكبائر تصل إلى سبعمائة]] وقال: [[هي للسبعمائة أقرب]] وفي لفظ أنها إلى السبعين أقرب، فهل يوافق على هذا القول، وأين قول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:31] أليس فيه كبائر؟ وقوله صلى الله عليه وسلم: {ألا أخبركم بأكبر الكبائر، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله الحديث}. إذاً ما هو الحد الفيصل بين الكبائر والصغائر؟ قيل الكبائر هي: ما استهان بها الشخص، نعوذ بالله من ذلك، والاستهانة بالمعصية معصية أخرى، فبعض الناس يعصي بلا مبالاة، ولذلك تكبر المعصية بسبب ما يصاحبها من قرائن وسياقات، كأن يترك الصلاة أو يتهاون ويؤخر الصلاة شخصان، تقول لهذا: لماذا أخرت الصلاة؟ فيحمر وجهه، ويقول: أستغفر الله وأتوب إليه، وتقول لهذا: لماذا أخرت الصلاة؟ فيقول: وماذا حدث؟ هل قامت الحرب العالمية الثالثة؟! هل انطبقت السماء على الأرض؟! كلها صلاة، هذا الوقت وقت، وهذا الوقت وقت، فهذا يحمل كبيرة، وذاك قد يغفر له. ولذلك ذكر ابن تيمية أن مما يكبر المعاصي الأحوال والأجناس، وذكره قوله صلى الله عليه وسلم: {ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم، قيل: من هم -يا رسول الله- خابوا وخسروا. قال: عائل مستكبر} فقير ويتكبر، لماذا؟ لقلة الداعي، لماذا يتكبر وهو فقير؟! لو قالوا: غني كان أيسر، ولو كان عنده تجارة بسيطة فإنه لا يعذر لكنه أخف، أما فقير ليس عند شيء ويتكبر! فهذا يسمى حشف وسوء كيلة أعمى مكابر، قال: {وأشيمط زانٍ} شيخ -نعوذ بالله من ذلك- شاب رأسه وشابت لحيته ويزني! لو كان شاباً ما كان معذوراً، لكن ربما كان جموح الشباب موجوداً، لكن شيخ ويزني: {وملكٌ كذاب} فالملك ليس بحاجة إلى أن يكذب! فهؤلاء الثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، لماذا؟ لقلة الداعي عندهم. والقول الراجح إن شاء الله: أن الكبائر ما توعد الله عليها بعذاب في الآخرة، أو بلعنة في الدنيا أو بحد من الحدود، فهذه كبائر، وعد صلى الله عليه وسلم من الكبائر سبعاً: {عقوق الوالدين، والسحر، وقتل النفس، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات} سبع عدها صلى الله عليه وسلم، وفي الأحاديث الأخرى أنها تزيد عن السبع، وربما لو جمعت الأحاديث لبلغت عشرين أو أكثر، ومنهم من قال سبعة وسبعين. إذاً: الكبيرة هي ما توعد الله عليه بلعنة في الدنيا، نعوذ بالله من لعنة الله، أو بعذاب في الآخرة، أو بحد من الحدود، والصغائر هي ما سوى ذلك، ولكن الصغيرة تختلف، فمن الغيبة ما تكون كبيرة الكبيرة، ومنها ما تكون كبيرة فحسب، قالوا: الغيبة بقذف، والغيبة بلا قذف، وأما الغيبة للحاجة فقد رخص فيها بعض أهل العلم، وفيها رسائل, وكلام للنووي، ورسالة للشوكاني اسمها رفع الريبة في من تجوز فيه الغيبة، وهذا حديث البخاري الذي فيه لا يسب الرجل والديه، وهذا يسمى عند المحدثين أو عند الفقهاء من التخلية قبل التحلية.

بعض الآداب في مخاطبة الوالد والقيام له

بعض الآداب في مخاطبة الوالد والقيام له يبدأ الآن يقول: الأمور التي لا ينبغي أن يعامل الوالدين بها، فهذا يخلي، ثم أتى بالتحلية: ما يجب من البر؟ قالوا: من بر الوالدين أن تدعوه بكنيته، أن تقول: يا أبا فلان، ولو كنت أنت ولده، وإما أن تقول: يا أبي، يا والدي، يا أبا محمد، يا أبا علي. وكان سالم بن عبد الله ينادي أباه كما في الأدب المفرد يا أبا عبد الرحمن! وهذه كنية. أكْنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقب كذاك أدبت حتى صار من خلقي إني وجدت ملاك الشيمة الأدب فالكنية واردة، ومنها يقولون: أن إذا نزل أن تأخذ بركابه، لكن الآن ألا تركب في السيارة حتى يركب، وأنت تتحرى حتى يركب، وإذا دخل البيت تنتظر حتى يدخل، وإذا دخلت معه تنتظر حتى يجلس، وإذا جاء أن تقوم له وتتلقاه عند الباب بالترحاب وبالمعانقة، ومن حقوقه أيضاً أن تدعو له بظهر الغيب، وأن تستغفر له، وأن تعلن خدمته دائماً وأبداً، وألا تتعكر أو لا تتكدر مما يكلفك به إذا كان في طاعة الله عز وجل، وهذا يسمى قيام الولد للوالد. وبالمناسبة لا بأس بقيام الولد للوالد، ففي الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يزور فاطمة فإذا جاءها ودخل بيتها قامت إليه وقبلته وأجلسته مكانها، فإذا زارته قام إليها وقبلها وأجلسها مكانه، انظر إلى لطفه عليه الصلاة والسلام. وكان أحد العلماء جالساً؛ فدخل عالم آخر؛ فقام العالم ليستقبل ذاك، قال: لا تقم -ينهاه عن القيام- قال العالم: قيامي والإله إليك حق وترك الحق ما لا يستقيم وهل رجلٌ له لب وعقل يراك تجي إليه ولا يقوم ولذلك القيام ثلاثة أقسام: قيام إليه، وقيام له، وقيام عليه، فالقيام عليه: منهي عنه، وهو أن يجلس رجل فيقوم عليه الناس على رأسه، فهذا يقول فيه عليه الصلاة والسلام: {كدتم أن تفعلوا كما فعل أهل فارس بملوكهم يقومون على رءوسهم} وقيام له: أن إذا دخل زائر تقوم له ولا بأس بذلك في وقت الحاجة، كأن يكون عالماً أو وجيهاً أو كبير سنٍّ، أما إذا كان يعذرك كأن يكون زميلاً أو ابناً أو أخاً، فلا بأس بعدم القيام. وقيام إليه: قيام لتتلقاه عند الباب كأن يكون ضيفاً فلا بأس به، قال عليه الصلاة والسلام للأنصار لما أتى سعد بن معاذ: {قوموا إلي سيدكم} وزادوا: فأنزلوه، فمن العلماء من قال: العلة أنهم ينزلونه، ومنهم من قال: لا. القيام من أجل احترامه وتقديره، لما قال عليه الصلاة والسلام: {قوموا إلى سيدكم}. وسعد بن معاذ يحق له أن يقال له سيد، فهو من السادات الكبار في الإسلام، توفي وعمره اثنتان وثلاثون سنة، وفي رواية سبعٌ وثلاثون سنة، ولما توفي بآثار الجرح، قال كما قال الذهبي في أعلام النبلاء، قال: فبكى أبو بكر وقال: " واكسر ظهراه عليك يا سعد! واكسر ظهراه عليك يا سعد! واكسر ظهراه عليك يا سعد! ". لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية موت شهم يموت بموته بشر كثير سعد الذي اهتز له عرش الرحمن، حتى قال بعض العلماء: اقتربت رواية اهتزاز العرش من درجة التواتر. ثم قال البخاري: باب إجابة دعاء من بر والديه، نحن نتخطى هذا الحديث؛ لأنه ورد قبل خمسة دروس، وهو في الثلاثة الذين دخلوا الغار فانطبقت عليهم الصخرة ونأتي إلى الحديث الذي يليه؛ لأن البخاري يكرر الحديث، كرر حديثاً واحداً سبعاً وثلاثين مرة. يقول أبو الحسن الندوي، العالم الهندي، الداعية الكبير، قال: وللبخاري إشراقات في تكرير أحاديثه؛ فكأنه يفتح جبهة في الرد على الخصوم، أو يروق معنى من المعاني، فهو كما قال الأول: يزيدك وجهه حسناً إذا ما زدته نظرا كرر العلم يا كريم المحيا وتدبره فالمكرر أحلى قالوا تكرر قلت أحلى علمٌ من الأرواح أغلى فإذا ذكرت محمداً قال الملا أهلاً وسهلا فهو لا يكرر إلا الميراث والبضاعة؛ لترسخ في القلوب، ويتعلمها ويتفقهها من لا يتفقهها.

شرح باب: عقوق الوالدين من الكبائر

شرح باب: عقوق الوالدين من الكبائر قال: باب عقوق الوالدين من الكبائر، قاله ابن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم، وعن المغيرة بن شعبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال} هل سمعتم أجمل من هذا الكلام بعد القرآن؟ من يستطيع أن يصوغ مثل هذا الكلام؟ ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمة من عفاء يقول عليه الصلاة والسلام: {أوتيت جوامع الكلم} أي: اختصر لي الكلام اختصاراً. {إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات} على التاء: {ومنعاً وهات، وأود البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال}.

تحريم عقوق الأمهات

تحريم عقوق الأمهات في الحديث قضايا: {إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات} شاهد البخاري من الترجمة من الباب أن من الكبائر عقوق الأمهات، ولماذا قال: الأمهات، ولم يقل: الآباء؟ لسببين: قيل: لمراعاة اللفظ ومراعاة السجعة؛ لأنه لو قال: إن الله حرم عليكم عقوق الوالدين لما استقامت مع التاء، ولو قال: عقوق الآباء لما استقامت، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يقيم الكلام حتى يحفظ، وهو صلى الله عليه وسلم يسجع بلا تكلف. وقيل: لعظم حقوق الأمهات فمن عقها فقد عق والده، نسأل الله العافية. وقيل: للتغليب، فأن الأمهات هنا يدخل فيها الآباء بالتغليب. يقول أهل البلاغة، أو أهل الأدب: القمران، ويدخل فيها الشمس والقمر، والعمران: أبو بكر وعمر، فهذا من باب التغليب، وتقول العرب: الليلان والنهاران، لليل والنهار، تقول الخنساء: إن الجديدين في طور اختلافهما لا يفسدان ولكن يفسد الناس وروي البيت:- إن النهارين في طور اختلافهما لا يفسدان ولكن يفسد الناس إذاً فعلى التغليب.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (منعا وهات)

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (منعاً وهات) قال: {ومنعاً وهات} ما معنى منعاً؟ وما معنى هات؟ وفيها مسائل، منعاً، قال العلماء: أن تمنع ما عليك من الحقوق، أو أن تمنع حقوق السائل إذا سألك، لا تقل: لا. نستغفر الله من " لا " ما أصعب " لا "! فـ " لا "، أحسن شيء وأقبح شيء، فـ " لا " أحسن شيء في لا إله إلا الله، وأقبح شيء عند الطلب، يقول الفرزدق وهو يمدح زين العابدين بن الحسين بن علي: ما قال "لا" قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم يقول: لا يعرف "لا". وفي مسند أحمد أن رجلاً جاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: {يا رسول الله! أعطني مما أعطاك الله، قال: لا وأستغفر الله} أستغفر الله من " لا "؛ لأنها صعبة. وإذا قلت في شيء نعم فأتمه فإن نعم دينٌ على الحر واجب فأما " لا "؛ فإنها مستقبحة إلا في مواطن فهي من أفضل ما يكون، إذا قلت: لا إله إلا الله. قال: {ومنعاً وهات} منعاً هنا، أن تمنع ما أوجب عليك من الحقوق أو سألك سائل، ولذلك أمر الإنسان باللطف عند المسألة، إذا سألك سائل أن تقول: إن شاء الله يأتينا خير، أو تعال غداً، أو إذا فتح الله، أو رزقك الله، أما لا فهي صعبة، لقوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} [الإسراء:29] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً * وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً} [الإسراء:27 - 28]. قال أهل التفسير: هي أن تقول للسائل إذا سألك: يأتي الله بالخير، إن شاء الله، أبشر، أما " لا " فهي صعبة على النفوس. قال عليه الصلاة والسلام: {ومنعاً وهات} معنى هات هنا: السؤال بلا حاجة، قيل: هو أن يسأل من الزكاة من لا يستحقها فهذا مذموم، وهذا يقع عليه شيء من الإثم والعقاب، وقيل: هو الذي يسأل وعنده ما يغنيه، فالذي سأل وعنده ما يغنيه لا يحق له أن يقول: هات، وقيل: هو الذي يسأل وهو يستطيع العمل، ذو مِرَّةٍ قوي، صحيح البنية، يستطيع أن يكد وأن يعمل، ويقول: هات، فليس له حق.

وأد البنات عند العرب وتحريمه في الإسلام

وأد البنات عند العرب وتحريمه في الإسلام {ووأد البنات} وأد البنات: قتلهن وهن على قيد الحياة، أي: ما أتاهن الموت إلا بتسبب الوالد {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9] وفي قراءة أبي بكر {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتِ} [التكوير:8 - 9] والجمهور يقرءون قتلتْ. وأول من قتل البنت، وأول من وأد قيس بن عاصم المنقري سيد العرب وسيد الوبر، هو أول من بدأ بوأد البنات، رحمه الله ورضي الله عنه؛ لأنه أسلم، وكان سيد بني تميم، وكان بنو تميم ما يقارب مائة ألف لا يعودون إلا عن رأي قيس بن عاصم المنقري هذا. كان له بيتٌ في الخلاء، وكان يغير على العرب دائماً، كان كثير الحروب؛ لأنه شجاع، فسبى العدو بنته، فتزوجها رجلٌ منهم، فلما ظفر بالأعداء، قال لابنته: أتريدين أن تعودين إلي أم تبقين؟ قالت: أريد البقاء مع زوجي، فنذر ألا تلد له بنتٌ إلا وأدها، فكان كلما أتى له بنت تركها حتى تترعرع، ثم يذهب بها، يقول: نسلم على أخوالها، فإذا مر ببئر له هناك في الصحراء، قال: أشرفي هل في البئر ماء، فإذا أشرفت ضربها من قفاها فوقعت في البئر، وهذا خطأ. ولو أنه من أحلم العرب، لكن هذا فعل وثني إشراكي، نسأل الله أن يعفو عنه؛ لأنه أسلم وآمن وحسنت توبته، وهو الذي يقول عنه العربي الأول: عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما تحية من ألبسته منك نعمة إذا زار عن شحط بلادك سلما وما كان قيس موته موت واحد ولكنه بنيان قوم تهدما وأول من منع الوأد أو أمر بإعفائها واشترى البنات من العرب، كل بنت بمائة ناقة وأحياهن، هو صعصعة، وهو تميمي، جد الفرزدق الشاعر، الفرزدق اسمه همام بن غالب بن صعصعة، وفد على الوليد بن عبد الملك هذا الفرزدق فأراد أن يمدح الخليفة، فقال: سروا يخبطون الليل وهي تلفهم على شعب الأكوار من كل جانب إذا ما رأوا ناراً يقولون ليتها وقد خصرت أيديهم نار غالب قال الوليد بن عبد الملك: اذهب إلى غالب يعطيك مالاً، والله لا أعطيك فلساً، أي: غضب لما مدح جده. وصعصعة هذا أدرك الإسلام وأسلم والحمد لله، وله حديث في البخاري، عن أبي سعيد أنه قال: {يا صعصعة! أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في باديتك وفي غنمك فأذن وارفع صوتك؛ فإنه لا يسمع صوتك أحدٌ إلا شهد لك من جن أو إنس أو طير أو شيء}. فهذا وأد البنات عند العرب، وأتى الإسلام -والحمد لله- بذم هذه الخصلة وتحريمها، فمنعها الإسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم جعلها من الكبائر.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (قيل وقال)

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (قيل وقال) {وكره لكم قيل وقال} قيل وقال فيها معاني، قال بعضهم: هي أن تحكي الأقوال دائماً، وفي صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع} إذا رأيت الإنسان يحدث بكل ما سمع؛ فسوف يقع في الكذب لا محالة، يسمع القصة فيرويها فكاهة طرفة دعابة أطروحة، أي كلمة في المجتمع يرويها وينقلها لا يمحص ولا يقف عندها؛ فسوف يكذب لا محالة. {قيل وقال} هي أن تبدأ الرجل بالسؤال، يأتيك رجل يريد ستر الله والطعام، ويدخل في بيتك، فتبدأ معه في مناقشة كأنك تناقشه في رسالة ماجستير، من صلاة المغرب إلى الساعة الحادية عشرة والثانية عشرة، كيف حالكم؟ كم عندك من الأطفال؟ متى ولدت؟ أين بيتك؟ كم عندك من غرف؟ فكلما فتح لك ملفاً فتحت له آخر، فهذا مكروه؛ لأن فيه إملالاً للضيف وسأم، لكن هذا يدرج في مسألة عدم تكثير الكلام بالقيل والقال. وقيل: القيل والقال، هو أن يأتي طالب العلم فيورد أقوال العلماء بلا تمحيص، أن يقول: قال الإمام أحمد كذا، وقال أبو حنيفة، وقال مالك، وقال الشافعي، ثم يترك السائل في حيص بيص، يأتي السائل فيقول: كم أتمضمض؟ فيجيبه بقوله: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ذهب الأحناف إلى أن المضمضة كذا وكذا، ولكن رد عليهم الشوافع، أما ابن حزم الظاهري فقال، ولكن مالك يرى هذا، وأما داود الظاهري فهذه ليست فتيا، يقولون: تسمى قيل وقال. قال ابن تيمية: من أورد الأقوال؛ فإن كان أوردها تدليلاً وكانت مؤصلة فهذا مأجور، وإن كان أوردها تزوداً؛ فهذا متشبع بما لم يعط, فهو كلابس ثوبي زور، مثل رجل ليس عنده إلا ثوب واحد، فيركب يدين، يد من تحت اليد هذه، حتى تظهر كأنها يدين، فينظر الناس فيقولون: عليه ثوبان، وهو ثوب واحد، فهو لابس ثوبي زور. كأن يأتي يسأل في مسألة فلا يعرف الأدلة ولا الأقوال، فيقول: وقال بعض العلماء، حتى يقولون: ما شاء الله، يغرف من بحر: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] فهذا تشبع بما لم يعط, وهو لابس ثوبي زور. وقيل: قيل وقال هو: أن يتحدث بما لا ينفع في مجالسه، في الأسعار والأخبار والأمطار دائماً، أما هذا فلا بأس بها إذا كانت في حدود الحاجة، أما إذا زادت على أوقات الجد، وأخذت أوقات الذكر والقراءة والتلاوة، فهذا ليس بصحيح.

معنى كثرة السؤال المكروهة

معنى كثرة السؤال المكروهة {وكثرة السؤال} ما معنى كثرة السؤال؟ قيل: كثرة السؤال في الأغلوطات، أن يسأل طلبة العلم والعلماء والدعاة ليغلطهم تغليطاً، فليس قصده الفائدة والله أعلم بالقصد، وإنما يأتي يتحير ويريد أن يحير هذا الطالب ويربكه؛ فيربكه الله يوم القيامة. فهو يأتي إلى الطالب فيقول له: ابحث عن سند -مثلاً- أو رواية، وهو يعرف أنه ضعيف في هذا، ويقول: ما رأيك في هذا الحديث؟ وهو يدري بجوابه، وما دام أنه يعرف فلا داعي للسؤال، أو يغلطه في أمور، يقول مثلاً: قال الله في آية كذا وكذا، وقال كذا وكذا، فما الجمع بينهما وهو لا يستقيم على هذا فائدة، أو يسأله في بعض علم الفلك الذي ليس عند طلبة العلم شيء منه، ولا شيء من جانبه، أو علم النفس، أو مجريات الحياة. وقيل: كثرة السؤال هي: أن يسأل الناس أموالهم دائماً، فهذا منزوع البركة -نعوذ بالله من ذلك- إلا إذا كان لحاجة.

معنى إضاعة المال

معنى إضاعة المال {وإضاعة المال} قيل: التبذير به والإسراف، قال ابن حجر: من زاد على الحاجة فقد أسرف، ولكن يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فمن الناس من يحتاج إلى بيت واسع، ويحتاج إلى نفقة كثيرة، قال ابن حجر: فهذا يسامح فيه، ومن الناس من صرفته على قدره، وهذا المثل العامي الذي يقول: مد رجليك على قدر فراشك، وهذا ليس بحديث، ولا يحمل على أنه حديث، فلم يروه أبو داود ولا الترمذي ولا ابن ماجة، بل هذا مثل. قيل: وإضاعة المال هي: إتلافه في المعاصي، فمن جعل ماله في المعصية فقد أضاعه كل الإضاعة. وقيل: إضاعة المال هي: أن تشتري القليل بالكثير، ويسمى هذا -عند العرب- أحمقاً، فالأحمق هو: الذي لا يعرف أن يبيع ويشتري، فيشتري -مثلاً- دجاجة بثلاثمائة ريال، فهذا عند العرب أحمق. أتى رجل اسمه حبان عند الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: {يا رسول الله! إني أخدع في البيع، كلما باعني أحد غشني، قال: إذا بايعت فقل: لا خلابة} أي: لا تخدعني فإني لا أجيد البيع والشراء، فكان يقول: يا خيابة! يا خيابة! لأنه لم يكن يجيد النطق، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إذا بايعت فقل لا خلابة} فالمماكسة واردة، وقالوا: من ضيع ماله في هذا، فقد ضيع ماله.

الأسئلة

الأسئلة

رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام

رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام Q حديث: {من رآني في المنام فسيراني في اليقظة} ما مدى صحة هذا الحديث؟ وهل هناك ما يدل على معناه؟ A هذا الحديث اقترب من درجة التواتر، رواه البخاري ومسلم، وأبو داود وصاحب المسند وغيرها من كتب الإسلام، وهو صحيح. وهناك ما يدل على معناه، فمن الصالحين من يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فالشيطان لا يتمثل به قطعاً: {من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي} وهذا لفظ الحديث الذي في صحيح البخاري وصحيح مسلم وعند أهل السنن والمسند بأسانيد بلغت درجة التواتر بلفظه: {من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي}. أما معنى أنه يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، فنعم. رآه الناس سلفاً وخلفاً، والشيطان لا يتمثل به عليه الصلاة السلام في المنام، وعصمه الله من ذلك، لكن بشرط أن يرى عليه الصلاة والسلام على صفته التي كان عليها، كأن يكون ربعة من الرجال، بهي المنظر، كأن وجهه القمر ليلة البدر، ويظهر أنه عليه الصلاة والسلام أبيض مشوب بحمرة، أقنى الأنف، كث اللحية، هذه أوصافه. أما أن ترى إنساناً حليقاً نحيفاً ضعيفاً, ويقول: أنا رسول الله؛ فهذا لا يكون، ليعرف هذا الأمر، يقولون: إذا كان بوصفه في الحياة عليه الصلاة والسلام.

الموقف الشرعي من نزار قباني

الموقف الشرعي من نزار قباني Q نزار القباني ما رأيكم فيه؟ فقد ورد عنه شعر يندى له الجبين وينفطر له القلب؟ A وهل رجلٌ يؤمن بالله واليوم الآخر يرتاح لشعر نزار قباني؟! وهل شعر نزار قباني إلا وثنيات وشركيات ومعارضة لدين الله الخالد؟! وهل أظهر إلا هجوماً على لا إله إلا الله؟! وهل ما صدر عنه إلا؛ {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] وهل هذا الرجل إلا مخدوع ومغرور ومخذول؟! فهذا رجل طالما أسرف في الخطايا، وطالما تجاوز الأدب والعقل، أما الدين فلا دين، وقد صفق له كثير من الأدباء خاصة الحداثيون، فعليه وعليهم من الله ما يستحقونه، وهؤلاء طالما فتحوا له المجالات، ورحبوا بشعره، ورددوه، وعلقوا عليه، ونشروه، وهذا ليس بعزيز على الله أن يأخذه أخذ عزيز مقتدر. فأنا أنصح الشبيبة والجيل ألا يقرأ شعره إلا قراءة المستنكر، الغاضب لدين الله عز وجل، الحامي لذمار الإسلام عل الله أن يأجره، على غضبه لحدود الله وحرماته. وبعض الناس ولو كان فاجراً، لكن فيه مروءة، لكن هذا لا دين ولا مروءة، مثل فقير اليهود لا دين ولا دنيا، إذا تكلم في الدين هاجم الدين، ثم يهاجم المروءة والعرض، ثم يتكلم عن المرأة، ثم يخبر بسجله الأسود، وحياته السوداء في قرطاجة وأسبانيا وهولندا، نسأل الله العافية والسلامة. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

فتنة المسيح الدجال

فتنة المسيح الدجال يقول صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي إلا وقد حذر أمته من المسيح الدجال) فحري بالمسلم أن يعرف صفات المسيح الدجال جيداً، ويعرف حقيقته، وسبب تسميته، وأصله، وأسباب خروجه، والبلاد التي يخرج منها، وما هي دعوته، وسبب إعطاء الله له الخوارق، وما هي الكلمة المكتوبة على جبينه، وكيف يفتن الناس؟ وهل المسيح هو نفسه ابن صياد؟

معنى كلمة مسيح ومسيخ

معنى كلمة مسيح ومسيخ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: السَّلامُ عَلَيَّكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. هذه المحاضرة السابعة بعد الثلاثمائة وعنوانها: "فتنة المسيح الدجال" أعاذنا الله وإياكم من فتنته، وسلمنا الله وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن. والفتن ذكرها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه، وهي بقضائه وقدره تبارك وتعالى، يقول سبحانه: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان:20] وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً) [المائدة:41] ويقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ:37] وذكر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن من الأولاد والأموال فتنة، وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3]. المسيح الدجال في البحث عنه قضايا منها: أصله، من أي بلد هو؟ ومن أي قوم؟ ومنها: متى يخرج؟ ومنها: وصفه. وما هي البلاد التي لا يدخلها؟ وما هو جيشه؟ وما هو زيه؟ ومن يقتله؟ وهل ذكره الله عَزَّ وَجَلَ في كتابه؟ ولماذا يخرج؟ ومن الذي ينخدع به؟ وما هي الآيات التي يخرج بها؟ كل هذه وغيرها من القضايا أتكلم عنها بإذن الله والله الموفق. المسيح ينطق: المسيح والمسيخ: بالخاء المعجمة وبالحاء المهملة. فالمسيح معناه: الممسوح العين. والمسيخ: الذي مسخه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أو مسخ عينه، وقيل: المسيح هو الذي يمسح الأرض، وسمي المسيح عيسى بن مريم مسيحاً؛ لأنه سوف يمسح الأرض يوم القيامة، وهو الذي يقتل المسيح الدجال. فالمسيح عيسى بن مريم رسول من الله عَزَّ وَجَلَ حبيبنا ومن أنبياء الله عَزَّ وَجَلَ، والمسيح الدجال عدونا وبغيضنا كفانا الله فتنته، والدجال هو: الكذاب الكبير، ولا يطلق الدجال إلا على من كثر كذبه واشتهر، وجمعه: دجاجلة. يقول أحد العلماء: ما كنت أعرف أن دجالاً يجمع على (دجاجلة) حتى جلست عند الإمام مالك، فسألته عن راوٍ في الحرة من رواة الحديث، قلت: يا إمام! كيف هو في الرواية؟ قال: دجال من الدجاجلة، أي: كان الرجل من قبل لا يعرف جمع كلمة (دجال) حتى جمعها الإمام مالك، قال: دجال من الدجاجلة، وتصغيره: دجيجيل، ولذلك يقول الذهبي راداً على أبي العلاء المعري -نسأل الله أن يكفينا فتنته- يقول أبو العلاء المعري: في كل جيل أباطيل يدان بها فهل تفرد يوماً بالهدى جيل فهو ينكر الرسالات، ويقول: في كل جيل، حتى أمة محمد عليه الصلاة والسلام ترى أنها مهتدية، لكن ليس هناك جيل مهتدٍ، هذا زعمه الباطل المنحرف. وقال الذهبي راداً عليه: نعم أبو القاسم الهادي وشيعته فزادك الله ذلاًَ يا دجيجيل وهو تصغير دجال. المسيح الدجال هذا أولاً: أخبر به عليه الصلاة والسلام وأنذر، وقال: {ما من نبي إلا قد أنذر قومه الدجال وإن أخوف ما أخاف عليكم فتنة المسيح الدجال} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وفي الصحيحين: {أنه كان عليه الصلاة والسلام يتعوذ من أربع: من فتنة النار، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال} وهي: خمس عند بعض أهل العلم. ومن أعظم الفتن: فتنة المسيح الدجال؛ حتى أن نوحاً عليه السلام أنذر قومه المسيح الدجال. Q كيف ينذر نوح عليه السلام من المسيح الدجال قومه مع العلم أنه لا يخرج إلا آخر الزمان؟ A قيل أن نوحاً عليه السلام لم يعلم بذلك، وقيل: إن الله عَزَّ وَجَلَ افترض على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن ينذروا قومهم فتنة المسيح الدجال، فأنذرنا عليه الصلاة والسلام فتنته، وأخبرنا أن فتن غيره تسهل وتقل، وأنا سوف أُعرض عن هذه القضايا. وسوف أعرض عليكم حديثاً رواه مسلم والإمام أحمد وغيرهم من الأئمة، وهذه رواية أحمد: {خرج صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القيلولة - القيلولة: بعد صلاة الظهر- فجمع الناس، قال: الصلاة جامعة، أتى ينام صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما أتاه النوم فرحاً، فقال: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة -فاجتمع الناس- قال: من منكم لقي تميماً الداري، قال بعضهم: لقيناه، قال: حدثكم بحديث الدجال، قالوا: نعم، فأخذ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث البقية الباقية}.

حديث تميم الداري مع المسيح الدجال

حديث تميم الداري مع المسيح الدجال يقول تميم الداري رضي الله عنه وأرضاه - وهو من داريا قريباً من الشام ركبنا في سفينة فوقعت بنا إلى جزيرة من الجزر - قيل: قريباً من قبرص - فنزل هناك جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم معهم تميم الداري، وإذا بدابة أهلب -كثيرة الشعر- قال: وجهها كوجه الإنسان ولا ندري هل هي ذكر أم أنثى؟ فتكلمت بإذن الله! قالت: من أنتم؟ قلنا: عجباً دابة تتكلم! قالت: أعجب مني الرجل المقيد في البئر - رجل قريب منها مقيد في بئر- فاسألوه فإن عنده خبراً، فتقدموا فوجدوا المسيح الدجال مقيداً في قعر البئر، وليس فيها ماء وهو مصفود بالحديد، وهو أعور العين اليمنى، قال: فقلنا من أنت؟ قال: من أنتم؟ - ترك الجواب- قلنا: من العرب! قال: ما فعل نبي العرب أبعث؟ - أي: ينتظر مبعث الرسول عليه الصلاة والسلام- قالوا: نعم بعث. قال: كيف العرب؟ قالوا: انقسموا إلى قسمين قسم أطاعه وقسم حاربه، قال: أما إنهم لو أطاعوه لكان خيراً لهم، قال: ما فعلت نخل بيسان؟ - بلد في الشام فيها نخل- قالوا: تثمر -أي: تطلع- قال: يوشك ألا تطلع أبداً، قال: ما فعلت بحيرة طبرية؟ قالوا: لا زال فيها ماء، قال: يوشك ألا يكون فيها ماء، ثم أخبرهم أنه سوف يخرج ويطأ البلاد إلا مكة والمدينة وهذا كما في رواية مسلم. فأخبروا الرسول عليه الصلاة والسلام فتهلل وجهه وفرح بأمرين: الأول: لما علم الصحابة به، فأراد أن يخبر الناس تأكيداً لهذا الخبر حتى يتقوا فتنته. الثاني: أنه لا يدخل مكة والمدينة وهذا سوف يأتي بحثه معنا -إن شاء الله - وسوف أتكلم عن ذلك، وبعد ذلك أعرض الأحاديث في الباب.

أصل المسيح الدجال ولماذا لم يذكره الله تعالى في القرآن؟

أصل المسيح الدجال ولماذا لم يذكره الله تعالى في القرآن؟ ما هو أصل المسيح الدجال؟ أصله عند أهل العلم من اليهود عليهم لعنة الله، واليهود هم شر خليقة على وجه الأرض، ولا يأتي الفساد والإجرام إلا منهم، وفي رواية عن أبي سعيد الخدري كما في مسلم أنه من اليهود. - هل هو موجود في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؟ نعم كما سلف معنا أنه موجود من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ولا زال إلى الآن، فيخرج متى أذن الله عَزَّ وَجَلَ له بالخروج. وهل ذكره الله في القرآن؟ الصحيح عند أهل العلم: أن الله لم يذكره باسمه، ذكر الله عَزَّ وَجَلَ الدابة، وذكر يأجوج ومأجوج، ولكن لم يذكر المسيح الدجال. قال أهل العلم -وهو أحد الشافعية- عن سبب عدم ذكر الله له في القرآن: إن الله يذكر الآيات المتقدمة ولا يذكر الآيات القادمة -هذا فهم خاطئ- فإن الله ذكر الدابة وهي مستقبلية وقادمة، وكذلك يأجوج ومأجوج. وقال عالم آخر: بل أشار الله إليه في القرآن في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام:158] قالوا: هو المسيح الدجال، وعند الترمذي: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام قرأ قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) [الأنعام:158] قال: الدابة، والمسيح الدجال، ويأجوج ومأجوج}. وقال عالم آخر من الشافعية أيضاً: بل أشار الله عَزَّ وَجَلَ إلى خلق المسيح الدجال في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:57] قال: الناس هنا المسيح الدجال! وهذا ليس بيقين، والآية ليس فيها دليل تنصيص على أنه المسيح الدجال، وهذا أمر لا يعرف إذا لم يشر إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبرنا به وحذرنا من فتنته، وذكر لنا معالم لخروجه عليه لعنة الله ووقانا الله شره. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يخرج عند فتح المسلمين القسطنطينية} والقسطنطينية فتحت وهي استانبول وسوف يخرج بعدها، وأيام الله عَزَّ وَجَلَ تعادل من أيامنا الألوف، وقد أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام أنه خرج هو والساعة كهاتين، ونحن في القرن الخامس عشر، ولا زلنا في هذا الفارق البسيط بين الأصبع الوسطى والسبابة، فإنه ولو فتحت القسطنطينية قديماً، فهو قريب أن يخرج - أعاذنا الله من شره- وقد حاول فتحها يزيد بن معاوية وغزاها، والذي فتحها هو محمد الفاتح الخليفة التركي، غزا الصليبيين فافتتحها فتحاً عظيماً، وهي من حسناته التي تكتب له -إن شاء الله- وهو من خيرة خلفاء الدولة العثمانية.

سبب خروج المسيح الدجال

سبب خروج المسيح الدجال يغضب غضبة ثم يخرج على الناس، فيمشي في البلاد أربعين ليلة، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع وبقية أيامه كأيام الدنيا، فيطوف البقاع كلها، إلا مكة والمدينة لا يدخلها أبداً، فإذا اقترب من مكة رجفت مكة رجفة تخرج له الفسقة والمنافقون ويقترب من المدينة، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {والذي نفسي بيده ما من نقب من أنقاب المدينة إلا عليه ملك معه سيف مصلت} يمنع ويحمي المدينة بإذن الله، فترجف رجفة فيخرج له المنافقون والفجرة فيفتنهم. وهنا اعتراض صح عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيحين أنه قال: {رأيت البارحة - يعني في المنام - عيسى بن مريم عليه السلام، يطوف بين رجلين بالبيت كأنه يخرج من ديماس -يعني يقطر رأسه دهناً- وسطٌ ربعة، أحمر، ثم رأيت رجلاً بعده أشبه الناس بـ ابن قطن -وهو رجل مات في الجاهلية- أعور العين اليمنى، جعد الشعر - أي: ملفوف الشعر- قلت: من هذا؟ قال: المسيح الدجال} والسؤال عند أهل العلم: كيف رآه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند البيت وفي الحديث أنه لا يدخل مكة؟ و A أولاً: هذه رؤيا منام وليست في اليقظة، وليست كل رؤيا في المنام تحققت في اليقظة. الأمر الثاني: أنه محرم عليه أن يدخل مكة يوم يخرج على الناس في الفتنة، أما قبلها فقد يدخل، وهذا جواب سديد.

البلاد التي يخرج منها الدجال

البلاد التي يخرج منها الدجال من أين يخرج؟ الصحيح عند العلماء: أنه يخرج من خراسان وهي: في بلاد إيران وقيل عند مسلم: {بل يخرج من أصبهان} وأظنها قريبة من خراسان. خذا جنب هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق فـ خراسان كـ أصبهان قريبتان من بعضهما، ويخرج معه سبعون ألفاً من اليهود، وهم جيشه، عليهم الطيالسة أخزاهم الله، والطيالسة هي: الثياب بالقبع التي على الرأس، أي: الثوب بالطربوش -مثل: ثياب المغاربة- يخرجون معه يناصرونه ويذبون عنه.

دعوة المسيح الدجال

دعوة المسيح الدجال ما هي دعوته؟ فيدعي أولاً: الإيمان والصلاح، ثم يدعي النبوة، ثم يدعي الألوهية، فيعبث بالناس ويفتنهم فتنة عظيمة، لأن الله عَزَّ وَجَلَ أجرى على يديه مخاريق، وليست كرامات من كرامات المؤمنين، ولا معجزات من معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ومنها: أنه يأتي إلى الخربة فيأمرها أن تخرج كنوزها، فيتبعه الذهب والفضة كأعاسيب النحل. ومنها: أنه يأتي بجنة ونار يعرضها للناس، فجنته نارٌ وناره جنة. ومنها: أنه يأتي إلى الشاة الحائل، فيقول لصاحبها: أتريد أن أحلبها؟ قال: نعم، قال: فتؤمن بي؟ قال: إن فعلت آمنت، فيحلبها فيؤمن به. ويأتي إلى الرجل يقول له: أأحيي أباك؟ قال: نعم فيحييه بإذن الله. فهو فتنة عظيمة ما بعدها فتنة، لكنِ المؤمنون لا يفتتنون به، فهم على بصيرة من الله، وسوف أذكر بإذن الله الأمور التي تحجب فتنة المسيح الدجال، أعاذنا الله من فتنته. فتنه كثيرة يأتيه رجل من المؤمنين أقرب الناس درجة لرسولنا عليه الصلاة والسلام في الجنة، وهو من خيرة الشهداء، رجل من الموحدين المؤمنين يخرج إلى المسيح الدجال، فيقول المسيح: أتؤمن بي؟ قال: لا. فيقطعه بالسيف قطعتين، ثم يحييه بإذن الله، فإذا هو أمامه، قال له: أتؤمن بي؟ قال: أكفر بك، فيريد أن يقتله فلا يستطيع، فيأخذه بيده ورجليه فيقذف به، فيظن أنه ألقاه في النار وإنما أُلقي في الجنة، وهذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين. أما الذي يقتل المسيح الدجال فهو عيسى عليه السلام، وعيسى ينزل عند المنارة الشرقية في دمشق ينزله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في آخر وقت من الزمن، فيأتي وإذا المهدي عليه السلام -من ذرية الرسول عليه الصلاة والسلام- الذي يظهره الله في الأرض يملؤها عدلاً وسلاماً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، فيصلي المسيح عيسى بن مريم وراء المهدي، ويحكم بشريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم يطارد هذا المجرم، ويقتله عند باب لد في فلسطين وينهي الله فتنته. والمسيح الدجال من الآيات الكبرى لقيام الساعة، ثم تقوم الساعة، وكان عليه الصلاة والسلام في كل صلاة يستعيذ بالله من فتنته، وهو سيد الخلق المعصوم، فكيف بنا ضعاف الإيمان المتعرضين للفتن صباح مساء.

سبب إعطاء الله للمسيح الدجال الخوارق

سبب إعطاء الله للمسيح الدجال الخوارق السؤال عند أهل العلم: لماذا يعطيه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذه الآيات والمخاريق وهو مجرم؟ وكيف يسلطه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو دجال كافر؟ A يقول أهل العلم: هذه إنما هي مخاريق ولا حقيقة لها، وأما آيات الأنبياء فهي حق لسببين اثنين: أولاً: آيات الأنبياء يتوصل بها إلى إقامة الحق. ثانياً: أنه لا معارض لها، فيصدقها الناس وتستمر ولا معارض لها. أما هذه فهي دجل وتمويه ظاهره كذب، وباطنه نفاق وخديعة، فهذا الفارق بين الاثنين.

المسيح أعور العين اليمنى

المسيح أعور العين اليمنى يقال: كيف يكون مطموس العين اليمنى مع العلم أنه أتى في بعض الروايات العين اليسرى؟ وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عينه اليسرى كالعنبة الطافية. قال القاضي عياض - رحمه الله - الجمع بين ذلك أن يقال عينه اليمنى هي العوراء، وأما عينه الصحيحة فتبقى لها بريق، وصفها عليه الصلاة والسلام كالنخامة في الجدار، ووصفها كالكوكب الدري، تلمع لمعاناً، ويظهر أنه ولد صحيحاً، ثم دخلته العاهة وهي دليل على أنه لو كان إلهاً كان أزال العاهة عن جسمه، وأزال الخلل عن خلقته، ولكن أبى الله أن يكون الكمال إلا له وحده، حتى يقول له الذي يخاصمه: لو كنت إلهاً أزلت العيب الذي فيك، لو كنت إلها ما كنت أعور والله ليس بأعور! تبارك الله رب العالمين، بل الكمال المطلق له: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]. والعور هذا في عينيه فيه مصالح ومقاصد: أولاً: ليتميز به بين الناس. ثانياً: لينفصل عن الألوهية فيكذب. ثالثاً: أنه دخله العيب، ولا يستطيع إزاحة العيب عن جسمه.

المسيح مكتوب على جبينه كفر

المسيح مكتوب على جبينه كفر مكتوب كما في الصحيح على جبينه كافر، وفي رواية مسلم يتهجاها الراوي يقول: (ك- ف- ر) أي: كفر. يقرؤها القارئ وغير القارئ من المؤمنين، وأما المنافق والفاجر فلا يستطيع قراءتها، ولو كان يحمل الدكتوراه، فهي قراءةٌ خاصةٌ وحدسٌ خاص، ولله أسرار سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. يأتي الأمي وهو موحد مؤمن، فيقرأ على جبينه كفر، أو كافر، ويأتي هذا المتعلم الزنديق الملحد فلا يستطيع أن يقرأها، إنها حكمة بالغة وقدرة نافذة، فما تغني النذر، وليس كل العلم هو العلم التلقيني، أو العلم التجريبي، إن العلم المتلقى ليس كل شيء، قال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الرعد:19] وقال الله في قوم تعلموا العلم ولم ينفعهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7].

الأكلة التي يفتن بها المسيح الدجال الناس

الأكلة التي يفتن بها المسيح الدجال الناس جلس عليه الصلاة والسلام بين الصحابة فذكر لهم فتنة المسيح الدجال، وأخبرهم أن معه ثريد يفتن به الناس، ثريد أي: لحم ومرق وخبز، وهذه أكلة شهية عند العرب، أحسن ما ينغمس العرب في هذه الأكلة، ويقولون: الطوائف من الناس لهم أكلات، وهذه بين الشعوب معروفة مثل: أهل إفريقيا مغرمون بالبطاطس، ومثل: أناس يغرمون بالفول، وقريش مغرمة بالسخينة، حتى يقول كعب بن مالك: زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغلب الغلاب يقول كعب: سخينة هؤلاء أهل الحساء -دقيق وسمن- وأهل الشربة يزعمون أنهم سوف يغلبون الله، لأنهم حاربوا الله في بدر، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: {كيف قلت يا كعب؟} يقول أعد علي البيت، كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب الشعر الحسن، ويحب الدعابة، والفكاهة ويدخل إلى النفوس، قال: {كيف قلت يا كعب؟} قال: قلت يا رسول: زعمت سخينة أن ستغلب ربها فليغلبن مغلب الغلاب قال: {إن الله شكر لك بيتك يا كعب!} سبحان الله! {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر:10] وبعض الأبيات يشكرها الله وهي من أحسن ما يكون، وبعض الأبيات يدخل الله أصحابها النار، فمما يُشكر قول حسان وهي أشرف بيت قالته العرب: وبيوم بدرٍ إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد هل هناك أشرف من هذا البيت؟ يقول: قيادتنا العسكرية يوم بدر جبريل ومحمد، وعند أهل السنة: أن القائد الأعلى رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وأن جبريل كان في قيادته، لأنه نزل جبريل بألف من الملائكة على الأقل، ثم شارك في المعركة، وهذا يسميه بعض العصريين (الكمندوز) ونحن نتحرز من هذا الإطلاق ونتوقر أمام هذا، لأن الألفاظ الشرعية نلقيها كما كانت، أنا سمعت خطيباً في شريط يقول: واتصل عليه الصلاة والسلام اتصالاً فورياً بالملأ الأعلى، ويطلب منه أنه -عاوز ألف جندي- قال: فأرسل الله له على الفور جبريل وهو قائد فرقة (ثمانية وثلاثين) المتخصصة في النسف والإبادة والتدمير، مقصوده: أن جبريل عليه السلام دائماً يدمر القرى، قال: فنزل واشترك معه في المعركة. فلا بأس أن نستخدم أسلوباً عصرياً جذاباً، مثلما فعل صاحب كتاب الرحيق المختوم الذي نال الجائزة العالمية في كتابته عن سيرة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مثل قوله: أبو بكر يعلن سياسة حكومته الجديدة بعد توليه الحكم بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجتمع بكبار مستشاريه قبل معركة بدر، الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلن الحرب على المنبر على أبي سفيان، الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقطع خط القافلة ويضرب حصاراً اقتصادياً على مكة. هذا أسلوب عصري جميل، أما بعض البياض إذا زاد أصبح برصاً ولا يقبل، فالألفاظ الشرعية نحفظها مكانها. الشاهد: أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مع المسيح الدجال ثريد يفتن به الناس، فمن أكل من ثريده فتنه، قال الأعرابي: {يا رسول الله كيف يفتنه؟ قال: يؤكله من ثريده، ويقول: أنا ربك، قال بدوي أعرابي: والله يا رسول الله لآكلن من ثريده حتى أشبع، ثم أقول: آمنت بالله وكفرت بك، فتبسم عليه الصلاة والسلام} أي: من يملك عقله في ذاك الوقت، ويظن ذلك الرجل أنه على الظاهر، كذلك يأكل ثم يحلف بالله أنه لا يؤمن به، وهم أهل دواهي، ولذلك كان يتحمل لهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جفاهم. ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث يحسنه بعض الناس: {من بدا جفا، ومن تتبع الصيد غفل، ومن دخل على السلطان افتتن} وهذا ليس من حديثنا في شيء، ولكن عرجنا عليه تعريجاً. نشير إلى التنوفة وهي قفر ومن بالسفح يعرف من عنينا

صفة الدجال ونسبه

صفة الدجال ونسبه وصف الجسم: أنه أفحج أي: يمشي كأنه مختون، متباعد الرجلين، كبير البطن من كثرة ما يأكل من الحرام، وقصير القامة، وجعد الشعر أي: ملفوف الشعر، أعور العين اليمنى، وأما اليسرى فبادية ظاهرة كأنها عنبة طافية، ويقول أهل العلم: ليس له ذرية، وقد ولد من نسل يهودي كما ذكر سابقاً.

المسيح الدجال هل هو ابن صياد؟

المسيح الدجال هل هو ابن صياد؟ والقضية الأخيرة: هل هو ابن صياد، أو غير ابن صياد؟ كان بعض السلف كـ ابن عمر وغيره يرون أنه ابن صياد. وابن صياد رجل من اليهود في المدينة لقيه عليه الصلاة والسلام وخرج إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدما أخبره الله أنه موجود، وهذا رجل مفتون من اليهود، وأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والرجل اليهودي هذا غلام صغير وراء النخلة، فكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي هويناً ويقول للصحابة: انتظروا -يريد أن يقبض عليه- فأتى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يختفي، يقول الراوي: كأني برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد أن يصيد مثل: من يصيد الحمامة معه بندقية، قال: كان يختفي في ظل النخل ليقبض عليه، وإذا بأم هذا المجرم اليهودية تنظر إليه، قالت: محمد، محمد، أي: انتبه، فقام: فلحقه عليه الصلاة والسلام قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خبأت لك خبيئة ما هي؟ قال: الدخ، قال: كذبت}. خبأت لك، أي: كتمت في قلبي الدخان، الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتم كلمة في صدره وهي: الدخان، قال: هل تعرفها؟ قال: الدخ. عرف شيئاً منها ولم يعرف الآخر! قال عمر يا رسول الله: دعني أضرب عنقه -كان عمر جاهزاً دائماً لضرب الأعناق- قال: {إن يكنه فلن تسلط عليه}. يقول: إن كان هو الدجال فلن تسلط عليه، فإنه لا يقتل الدجال إلا عيسى عليه السلام، فإنه يقتله بحربة معه، يأتي به ويطارده إلى باب لد فيذبحه هناك، وأما عمر فلن يسلط عليه، رضي الله عن عمر وأرضاه. وابن صياد حير كثير من الصحابة؛ لأنه فجأة خرجت له عين طافية وهو شاب، وأصبح أعور العين اليمنى، فاحتاروا فيه. الأمر الثاني: أنه يهودي. يقول أبو سعيد الخدري: خرجت مع ابن صياد إلى مكة للعمرة، فقال: كم لقينا منكم يا أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آذيتموني حتى قلتم أني أنا المسيح الدجال! أما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام أن المسيح الدجال كافر وأنا مسلم؟! قال أبو سعيد: نعم. فقال: أما يقول أنه لا يولد له وعندي أولاد، قال أبو سعيد: نعم. فقال: أما يقول أنه لا يدخل مكة وأنا أدخل مكة الآن معكم، قال: نعم. فقال أبو سعيد: اطمأننت أنه ليس المسيح الدجال، ثم قال لي: والله إني أدري أين مكان المسيح الدجال؟ وما هو وصفه، وأين هو الآن؟! قلت: تباً لك سائر هذا اليوم، أردت أن أطمئن إليك فأتيت بهذا، ثم قال: خذ الماء اشرب - أتى بماء من قربة لـ أبي سعيد الصحابي - قال: فخفت أن أتناول الماء من يده، لما سمعت كلامه فقلت الجو حار - وهذا من التعريض في الكلام، أي: لا أستطيع أن أشرب، ولكنه لا يريد أن يشرب من يده، أخزاه الله، هذا ابن صياد - والظاهر والله أعلم أنه غير المسيح الدجال. والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبر بدجاجلة ثلاثين كذابين، وأكبر الدجاجلة المسيح الدجال فهو قائدهم وأكبرهم، وأخبر أنهم سوف يأتون بعده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعي كل منهم النبوة وآخرهم الرجل الذي ادعى النبوة قبل ما يقارب سنة ونصف، أو سنتين ذلك الصيني الذي كان في أمريكا في ولاية" أريزونا " عليه غضب الله ولا يزال يظهر الآن منهم حتى يتم العدد ثلاثين، ثم يأتي المسيح الدجال، وفتنته فتنة لكل مفتون.

أحاديث الفتن

أحاديث الفتن

حديث حذيفة الذي فيه ذكر فتنة الدجال

حديث حذيفة الذي فيه ذكر فتنة الدجال كان الصحابة يعملون بالتخصصات فكان حذيفة تخصصه السؤال في الفتن، وأبو ذر دائماً يسأل عن أحاديث الزهد والعبادة في الغالب، وجابر أحاديث الحج، وأحاديث الفرائض عند زيد بن ثابت. يقول حذيفة: {كان الناس يسألون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني} وهذا مبدأ جميل أن تعرف الشر وتعرف الباطل. عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه ومن ميزة رسالة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه عرف الشر، يقول العلماء: إن السر الذي جعل الله عَزَّ وَجَلَّ يكتب لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيش أربعين سنة بين الجاهليين ليعرف الجاهلية، لم يكن ملكاً حتى يعترضون عليه، فالله عَزَّ وَجَلَّ أخبرهم أنه بشر يعيش آلامهم وآمالهم وطموحاتهم، ويأكل مما يأكلون، ويشرب مما يشربون، ويمشي في الأسواق، ويبيع ويشتري، ويتزوج النساء قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] ليعرف واقعهم، أما إن كان ملكاً فسيقولون: لا نستطيع أن نفعل كفعلك لأنك ملك ونحن بشر، إذا صلى قالوا: لا نستطيع، فجعله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بشراً. الشاهد في ذلك: قال الله عَزَّ وَجَلَ: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55] ومعرفة الشر قضية مهمة، وهي من معرفة الواقع، ولذلك يقول أحد المستشرقين: في كتاب" ماذا قالوا عن الرسول محمد؟ " صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أنا لا أعجب من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون نبياً فقبله أنبياء، ولا رسولاً فقبله رسل، لكن أعجب من هذا الرجل يعيش أربعين سنة بين البدو- يقصد أهل مكة - ثم ينبري بعد الأربعين، فإذا هو أخطب خطيب، وأفصح فصيح، وأقوى قائد، وأحنك سياسي وأفتى مفتٍ، هذا هو العجب، لكن نقول: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:1 - 4]. وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال قال حذيفة: ذُكر الدجال عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: {لأنا لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال، ولن ينجو أحد مما قبلها إلا نجا منها، وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة ولا كبيرة إلا لفتنة الدجال} أي: أن الفتن تهون إلا فتنة هذا الدجال -عياذاً بالله- هذا الحديث قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح، والمقصد أنه أكبر فتنة، وأن من نجا من الفتن قبله ينجو من فتنته بإذن الله. ومن الفتن: اختلاط الحق بالباطل حتى لا يدري الإنسان أي شيء يتبع، فتجده مرة في طائفة، ومرة في طائفة، ومرة في مبدأ، ومرة في قضية، هذا من الفتن العظيمة {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} [المائدة:41] وهو الرجل المفتون في دينه الذي يبيع دينه كل يوم وأخبر عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {أنه تأتي فتن يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا} وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام: {أنه سوف تأتي فتن يمر الرجل فيها بصاحب القبر فيقول: يا ليتني كنت مكانك!} من كثرة الفتن التي تعم، حتى لا يعرف الإنسان كيف يتصرف، وماذا يقول، ومن يتبع؛ من كثرة من يدعو إلى الحق وهو ليس بمحق، ومن كثرة من ينادي بأن منهجه هو الصواب ومنهج غيره الخطأ، وعلى المسلم في ذلك أن يلتزم بالكتاب والسنة , وأن يتبع الرسول عليه الصلاة والسلام، وسوف يأتي كلام في هذا في كتاب الفتن إن شاء الله.

وجود فتنة أكبر من فتنة الدجال

وجود فتنة أكبر من فتنة الدجال وعن هشام بن عامر الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: {ما بين خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أكبر من فتنة الدجال} رواه مسلم بأطول من هذا، فهي الفتنة العظيمة التي تعوذ منها المتعوذون، أعاذنا الله وإياكم من فتنته. إذا خرج الدجال تكون الأيام -كما قلت- يوماً كسنة، ويوماً كشهر، ويوماً كأسبوع {فسأل الصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام: كيف نصلي في اليوم الذي كسنة؟ قال: اقدروا له قدره} أي: قدروا الأوقات، فاليوم الذي كالسنة لا تكفيه خمس صلوات؛ لأنك تصلي الفجر وتمكث ستة أشهر، ثم تصلي الظهر، وتمكث ثلاثة أشهر ثم تصلي العصر- قال: اقدروا قدره. أخذ من هذا بعض العلماء: على أن أهل القطبين يقدرون قدر الصلوات، لأن في القطب الآن يكون عندهم النهار ساعتين، والليل عندهم اثنتان وعشرون ساعة أحياناً، فماذا يفعلون؟ يكفيهم في النهار فقط صلاة، قال: اقدروا قدره، وأحياناً عندهم إذا أذن المغرب بعد ساعة وربع، يؤذن لصلاة الفجر، فأين تذهب العشاء؟ يقدرون قدرها، لأن أهل الفتوى يقولون لأهل القطبين على قولين: - يصلون على صلاة أهل مكة. - ومنهم من قال: أقرب البقاع إليهم، والصحيح يقدرون قدرها في الساعات كالأيام العادية في بلد متوسط معتدل. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ما كانت فتنة ولن تكون حتى تقوم الساعة أكبر من فتنة الدجال} قال الحافظ ابن كثير في النهاية تفرد به أحمد وإسناده جيد وصححه الحاكم. وهنا الحديث الطويل الذي أوردته عند مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: والله لقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: {ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وكذابون ثلاثون} هؤلاء الثلاثون يدعون النبوة، وفي عهده عليه الصلاة والسلام خرج أناس منهم مسيلمة الكذاب، وبعده الأسود العنسي وطليحة بن خويلد ورجع طليحة إلى الإيمان.

جنود المسيح الدجال

جنود المسيح الدجال وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: {حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أن الدجال يخرج من أرض المشرق، يقال لها خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرَّقة أو المطْرقة} أي: وجوههم ملفوفة في آنافهم. يقول بعض العلماء في هذا الحديث: هم مثل أهل الصين وأهل كوريا تجد أنوفهم من جنس وجوههم ليس فيها بروز كأنها الحبحب، والشعب الآري دائماً أشبه الناس بهذا الذي وصفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا خرج جيشه خرج من هذا الصنف، حتى إن بعض المتأخرين من العلماء في يأجوج ومأجوج قالوا: هم أهل كوريا والصين واعترض عليه باعتراضات كثيرة، فالله أعلم. لكن في التاريخ الآن هناك قبائل في الصين اسمها يأجوج ومأجوج، حتى بلغة الصين، وهي موجودة يقول: أصلها من عهد كونفشيوس وهو مؤسس مذهب إلحادي، وهو روحاني منحرف، ويتبعه الصينيون الآن، ويريد بعض الشيوعيين أن يعود إلى كونفشيوس ومبادئه، ومن أجلها وقعت المقتلة في الساحة الكبرى في بكين -كما تعرفون- قبل ما يقارب سنة، أو سنة ونصف، والشاهد: أنهم من تلك الجهة يخرجون معه -أعاذنا الله من فتنته وفتنتهم- ويقاتلون معه، وهذا الحديث إسناده صحيح.

محاولة الدجال دخول المدينة

محاولة الدجال دخول المدينة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {يأتي المسيح الدجال من قبل المشرق وهمته المدينة حتى ينزل دائر أحد - يعني: قريباً من جبل أحد - ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام} وهناك يهلك، يريد أن يقترب ولكن ينزل في حرة قريباً من المدينة والملائكة تجتمع عليه فتطرده بإذن الله، فيحاول أن يدخل من كل جهة، لكن لا يستطيع لأنها محصنة بالملائكة لشرفها، ولوجود الرسول عليه الصلاة والسلام. والعجيب من المعجزات يقولون: أن المسيح يصعد على جبل أحد ويقول: هذا قصر محمد، هذا قصر محمد الأبيض، أي: المسجد، وكان في عهده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طين لكن انظر المعجزة الآن -كما تعرفون- يبنى ويبيض ويصبح أبيض كالقصر، فيقول: هذا قصر محمد، يعني مسجده عليه الصلاة والسلام. بنفسي تلك الأرض ما أحسن الربى وما أحسن المصطاف والمتربعا ذاك المسجد منه انطلقت الرسالة، والنور، والهداية، والإيمان، والعدل، والسلام، والحب، والرحمة، والحنان. ذاك المسجد خرج منه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. ذاك المسجد خرج منه الشعر الصادق، والأدب الناصع، والكلمة الحية، والأدب الجم. ذاك المسجد خرجت منه حضارة الإنسان، حضارة الروح التي أهداها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام للناس. وفي قصيدة مترجمة لـ محمد إقبال يقول أبو الحسن الندوي: محمد إقبال ما زار المدينة، ولكنه توهم أنه مشى في الليل، فوصل إلى قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فأهدى له قصيدة، وإن شاء الله ستكون هناك محاضرة في كلية الشريعة بعنوان" محمد إقبال شاعر الحب والطموح" نتكلم عنه وعن شعره الإسلامي، وعن أثره في الأدب، إنما يقول: وصلت إلى المدينة، فقال لي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أين أتيت يا محمد إقبال؟ وهذا شعر ترجم بالعربية، لو كان نظمه هو لكان أحسن كان يبكي بشعره الهنود، فشعره قوم دولة باكستان والتي فيها ثمانين مليوناً بإذن الله، ثم بجهود محمد إقبال، وهو الذي أتى بـ محمد علي جناح ويسميه الباكستانيون جنة، محمد علي جنة هذا أول رئيس لهم، فالمقصود: أنه يقول: أتيتك يا رسول الله! فقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أين أتيت؟ قال: أتيت من الهند، قال: هندي وتأتي إلي، ماذا أتى بك؟! قال: أنا جسمي هندي وقلبي عربي -يترجمها العربي- يقول: إن كان لي نغم الهنود ودنهم لكن ذاك الصوت من عدنان قال: ماذا جاء بك؟ قال: يا رسول الله أبحث عن أصحابك الذين رفعوا الرسالة في العالم ما وجدتهم -يقول: أين هم الدعاة الذين يبعثون لا إله إلا الله ويرفعونها- قال: أما أتوكم في الهند؟ قال: أتونا لكن ماتوا، ثم ما أصبحت السفينة ترسل لنا أحداً في الهند - يقول: الجزيرة ما أصبحت تخرج لنا دعاة، خرج من الجزيرة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وخرج من الجزيرة خالد وسعد وخرج من الجزيرة علماء الإسلام، وأمة الإسلام أين هم؟ - الآن لم يبق إلا أناس عاديون، أصبح يخرج منها بعضهم مطربين فنانين، ولكن ما أصبحت تخرج تلك العملة، أين هم يا رسول الله؟ فقال: فتأسف الرسول عليه الصلاة والسلام وتحسر قال: ثم وقفت باكياً، وقلت له وأنا أناجي ربي عند الرسول عليه الصلاة والسلام في قصيدتي المشهورة: يارب! من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا يا ربي أين الأمة؟ أتيت إلى الجزيرة فما وجدت الأمة، وجدت أناساً يبنون فللاً، وجدت أناساً يركبون سيارات فاخرة، ووجدت الناس عندهم قصور، ووجد الناس يلعبون البلوت والكيرم، وأناساً يصلون، لكن العالم يا رسول الله يفتقر إلى هذه الأمة لينشروا الدين، فأعدهم يا رب، قال: يارب! من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا محمد إقبال دخل أسبانيا، فأتى الحمراء فبكى. قال له الأسبان: مالك تبكي؟ قال: أجدادي هم الذين بنوا هذا المسجد، دعوني أتكلم مع أجدادي، فتقدم إلى مقبرة، يقولون: بها الناصر وعبد الرحمن الداخل خلفاء الإسلام هناك قال: السلام عليكم، تركنا إرسال وفود من شبابنا إليكم، فأتت الماجنة الحمراء تغني على قبوركم، أي: الفرنجة تغني. مر بـ السويس في مصر فأرسل رسالة إلى فاروق مصر رسالة من السفينة يقول: يا فاروق مصر إنك لن تكون كـ الفاروق عمر حتى تحمل درة عمر، يقول: يا فاروق مصر لا تسم نفسك فاروقاً، فلن تكون كـ الفاروق عمر حتى تحمل درة عمر. الشاهد: أن المدينة لا يدخلها - بإذن الله - وأن النور سطع منها، وأنها تراثنا، وسمونا، وسؤددنا من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم. أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا يقول ابن تيمية وهو يذكر بعض العلماء: كانوا إذا اقتربوا من المدينة، يأتيهم شوق إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وبعضهم كان يبكي، والإمام مالك أثر عنه أنه قال: والله لا أركب دابةً في المدينة، قيل له: ولم؟ قال: تراب مدفون فيه رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، لا أركب دابةً وأطأ ثراه بدابة، وهذا من ورع مالك. وذكروا عن علماء العراق ومحدثيهم أنهم كانوا إذا اقتربوا من المدينة مشوا حفاة احتراماً وتوقيراً لرسول الهدى عليه الصلاة والسلام. ولغلاة الصوفية عجائب في باب زيارة الرسول عليه الصلاة والسلام هناك، ويأتون بخزعبلات لا يصدقها العقل، قرأت لأحدهم يقول: أتيت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام عند الروضة فاقتربت من القبر فقلت: يا رسول الله أنا فلان بن فلان -يعرف ببطاقته الشخصية- جئت من بلد كذا وكذا، وأنا يا رسول الله: في حالة البعد نفسي كنت أرسلها تقبل الأرض عنكم وهي نائبتي وهذه دولة الأشباح قد حضرت فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي قال: فانشق القبر ومد يده، فسلم علي، هذه أكبر كذبة في التاريخ، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينشق عنه القبر، ولم يسلم على أحد، وهو حي في قبره حياة الله أعلم بها، ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أكثروا عليّ من الصلاة والسلام ليلة الجمعة ويوم الجمعة، فإن صلاتكم معروضة عليّ، قالوا: كيف تعرض عليك صلاتنا يا رسول الله وقد أرمت؟ - أي بليت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء} ولهم أخبار في ذلك لكن حتى لا يتلبس على الإنسان بهذا، ونسأل الله أن يغفر في بعض المواقف وبعض ما يجري من الناس. حدثنا بعض المشايخ يقول: كنا عند الروضة نسلم عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السلام الشرعي، فأتى رجل عجوز فسلم، قال: يا رسول الله! ما أريد أطول الكلام الشفاعة والسلام - يعني أنه مستعجل فيقول: يا رسول الله! عندي كلام كثير وأنا سوف أختصر لك الطلب، أريد شفاعة يوم القيامة، نسأل الله أن يغفر لنا. وقد ذكر أهل العلم في ذلك حتى في كتب السنن كلاماً عجيباً لمثل هؤلاء منهم ابن الجوزي يقول: أتى حاج أعرابي فخرج لرمي الجمرة يوم العاشر -جمرة العقبة- ونزل إلى الحرم، ثم تعلق بأستار الكعبة قال: اللهم اغفر لي قبل أن يزدحم عليك الحجاج.

اليهود الذين يتبعون الدجال

اليهود الذين يتبعون الدجال وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم التيجان} فلا ينشر البلاء، والربا، والزنا، والزلازل، والفتن، إلا اليهود. وعن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {من سمع بالدجال فلينأى منه؛ فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فلا يزال به لما معه من الشبه حتى يتبعه} أي: أن أسلم السبل عند أهل العلم هو تجنبه، فإن سمعت أنه وصل إلى بلد فابتعد عنها إلى بلد آخر سريعاً، فلا بد أن يكون قبله تغطية إعلامية، ولا ندري هل يأتي ووسائل الإعلام متحركة فتخبر بوصوله؟ أم يأتي في وقت قد انتهت هذه الوسائل -الله أعلم بذلك- لكن من سمع به فلينأى عنه. وعن جابر رضي الله عنه قال: {أشرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فلق من أفلاق الحرة -الحرة: الحجارة السوداء في المدينة - ونحن معه، وقال: نعمت الأرض المدينة إذا خرج الدجال كان على كل نقب من أنقابها ملك لا يدخلها، فإذا كان كذلك رجفت المدينة بأهلها ثلاث رجفات لا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه -وأكثر من يخرج إليه النساء- وذلك يوم التخليص}. أي: النساء يخرجن بكثرة لكثرة الشبه في النساء، ولضعف عقول النساء، ولضعف إيمانهن في الغالب، وذلك يوم تنفي المدينة الخبث، كما ينفي الكير خبث الحديد، يكون معه سبعون ألفاً من اليهود على كل رجل منهم ساج وسيف محلى، فتضرب رقبته بهذه الضراب الذي عند مجتمع السيول، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ما كانت فتنة ولا تكون حتى تقوم الساعة أكبر من فتنة الدجال، وما من نبي إلا قد حذر أمته، ولأخبرنكم بشيء ما أخبر به نبي أمته قبلي، ثم وضع يده على عينه، ثم قال: أشهد أن الله - عَزَّ وَجَلَ - ليس بأعور} هذا الحديث صحيح بمجموع طرقه، وأورده الطبراني في الأوسط وغيره من أهل العلم، وصححه الحاكم، والمقصود قوله عليه الصلاة والسلام: {أشهد أن الله ليس بأعور} معناه: أن هذا يدعي أنه إله والله عَزَّ وَجَلَ لا يكون أعور تبارك وتعالى، بل له الكمال المطلق تقدس الله عن المثيل، وعن الشبيه، وعن الضد والند.

تحذير الأنبياء أمتهم من الدجال

تحذير الأنبياء أمتهم من الدجال وعن سفينة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسبب تسميته سفينة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه متاعاً يحمل فحمل، فزاده الصحابة متاعاً، ثم زادوه، ثم زادوه فحملها من قوته، قال صلى الله عليه وسلم: {احمل إنما أنت سفينة} يتبسم له، فسموه سفينة، وله كرامة حيث نزل في البحر فانكسرت السفينة فركب خشباً منها فهبت به الريح إلى الساحل، فنزل إلى الساحل فإذا الأسد (أبو حيدرة) على الساحل ينتظره فقد فر من الموت وفي الموت وقع، فكان الماء أسهل، وتعرفون الأسد أنه ملك الحيوانات حتى سماه الله في القرآن ولم يهدد بحيوان آخر يقول: {فَمَا لَهُمْ عَنْ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:49 - 51] وقسورة: هو الأسد، له مائة اسم، اسمه طلحة، وحمزة، وقسورة، وحيدرة، وأسامة، وهزبر، والليث. وسامحوني أن أستطرد في قضية ذكرها صاحب كتاب" كليلة ودمنة " يصفها للناس حتى يمتثلوا ويعتبروا بها من التجربة، وإلا يمكن أنها لم تقع، يقول: قام الأسد في الصباح، وكان ملك الحيوانات، فقال: اذهبوا والتمسوا لي رزقاً، أي: غداء وعشاء، فذهبوا فأتوا بظبي وأرنب وغزال، فوضعوها أمامه ميتة، قال: من يقسم بيننا؟ فأتى الذئب -الذئب عجول دائماً (أبو حصين) ليس عنده فكر، فالثعلب أذكى منه، الذئب فارس ولكنه عجول- قال: أنا أقسم، قال: كيف؟ قال: أما الغزال فلك؛ لأنه كبير، وأما الظبي فلي، وأما الأرنب فلأبي معاوية (الثعلب) لأنها صديقة له دائماً، ولذلك تجد هذا الثعلب ما يهوي إلا على الأرانب والدجاج فقط، فغضب الأسد فأتى فخلع رأس الذئب بيده في الأرض، وقال: من يقسم بيننا؟ قال الثعلب: أنا يا أستاذ، قال: تفضل، قال: أما الأرنب ففطور لك، وأما الظبي فغداء لك، وأما الغزال فعشاء، قال: من علمك هذه الحكمة؟ قال: رأس الذئب!! يقصدون بهذا أنك إذا أخطأ رجل أمامك تستفيد من خطئه، يقول المتنبي: مصائب قوم عند قوم فوائد أي: أن تستفيد فهذا هو المقصود وهو درس تربوي، لكن جعلوه في صيغة حيوان؛ لأنه أصلاً في كتاب" كليلة ودمنة " طلب ملك من الملوك أن يكتب له هذا الحكيم، فخاف أن يكتب ويتكلم على أسرة الملك، فتكلم على الحيوانات، أي: (إياك أعني واسمعي يا جارة) حتى يعرف هو. فنزل سفينة وإذا الأسد أمامه، والبحر من ورائه قال: يا أسد! أنا من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام فدعني، قال: فطأطأ الأسد له، ثم شم ثيابه، ثم تركه، وهي في ترجمة سفينة في كتب السيرة رضي الله عنه وأرضاه. وعلى سبيل الاستطراد صلة بن أشيم وقعت له قصة حيث كان في خراسان يغزو، وقيل: في جهة كابول، وكان من العباد الكبار، فترك الجيش نائمين، فقام يتوضأ، ودخل غابة من شجر يصلي، وفي أثناء الصلاة أتى أسد -يقول أحد تلاميذه- فرقيت شجرة ألتمس ماذا يفعل صلة، قال: فأتى الأسد فطاف به فو الله ما تغير ولا استعجل في صلاته ولا تحرك من مكانه، ثم سلم من ركعتين، وقال: أيها الأسد إن كنت أمرت بقتلي فكلني وإلا فاتركني أصلي، قال: فزأر، ثم أرخى ذنبه وسحبه وذهب. أي أمة سخر الله لها الحيوانات!! وأعود لـ محمد إقبال، يقول في إفريقيا: إن عقبة بن نافع لما مر بـ إفريقيا - وهذا صحيح في كتب التاريخ - خرجت عليه الحيات، والثعابين مع الجيش في إفريقيا في الغابات والأسود فوقف عقبة بن نافع رضي الله عنه وأرضاه يريد أن يفتح إفريقيا كلها قال: أيها الحيات، والعقارب، والثعابين، والسباع، والأسود نحن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، جئنا نفتح الدنيا بلا إله إلا الله فادخلي جحورك بإذن الله فدخلت، يقول محمد إقبال: لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا قال سفينة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: {ألا إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد حذر الدجال أمته، هو أعور عينه اليسرى، بعينه اليمنى ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر} وفي رواية كما قلت: تتهجى ك - ف - ر، أي: منفصلة: {يخرج معه واديان أحدهما جنة والآخر نار، فناره جنة، وجنته نار، ومعه ملكان من الملائكة يشبهان نبيين من الأنبياء لو شئت سميتهما بأسمائهما وأسماء آبائهما، واحد منهما عن يمينه والآخر عن شماله، وذلك فتنة، فيقول الدجال: ألست بربكم؟ ألست أحيي وأميت؟ فيقول له أحد الملكين: كذبت، ما يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه، فيقول له: صدقت؟ فيسمعه الناس، فيظنون أنما يصدق الدجال -هذا الملك يصدق الملك في تكذيب الدجال- فيظنه صدق الدجال، وذلك فتنة، ثم يسير حتى يأتي المدينة فلا يؤذن له فيها، فيقول: هذه قرية ذلك الرجل، ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله - عَزَّ وَجَلَ - عند عقبة وفيق} والحديث سنده صحيح ووثق رجاله النسائي وله شواهد عند أهل العلم. وقد اختلف أهل العلم أيهما أفضل المدينة أم مكة؟ فقال الإمام مالك: المدينة أفضل من مكة، والصحيح: أن مكة أفضل، وأن الصلاة في الحرم بمائة ألف صلاة فيما سواه، وأن الصلاة في مسجده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بألف صلاه فيما سواه، إلا في الحرم المكي، ولكن المدينة لها ميزة في آخر الزمان كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يأرز الإيمان إليها كما تأرز الحية إلى جحرها} وهذه بلاغة لا يدركها إلا أصحابه عليه الصلاة والسلام، وصف (يأرز) والحية لها جحر، فشبه الإيمان بها؛ لأن الإيمان في آخر الزمان يأرز إلى المدينة والمدينة تنفي خبثها وينصع طيبها، ولا يرتاح المنافقون في المدينة وتتشوش أفكارهم. والحقيقة أن المدينة فيها لأواء ولكنه لا يصبر على لأوائها إلا مؤمن، وهم الذين يحبون السكنى هناك، ولكن تجب الطاعة في أي مكان فإن الأرض لا تقدس أحداً، ولو كنت وراء البحر.

بعض صفات الدجال الواردة في الأحاديث

بعض صفات الدجال الواردة في الأحاديث وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {إن الدجال أعور العين اليسرى، عليه ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر قال وكفر} أي: جمة وظفرة، رأسه لا يحلق، هذه من علاماته، والحديث صحيح. وعن سعد بن أبي وقاص -خال الرسول عليه الصلاة والسلام- ومدكدك امبراطورية فارس، وهو صاحب قادسية لا إله إلا الله، والتي حضرها وكان مريضاً رضي الله عنه وأرضاه كان مصدوراً، وكان في بطنه جراح، فجعلوا له وسادة على القصر، وأشرف على المعركة يديرها هناك حتى نصر الله أولياءه نصراً ما سمع التاريخ بمثله، ودخل إيوان كسرى فكبر فانصدع الإيوان، وهو صاحب الفتح العظيم، كان يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هذا خالي فليرني كل امرؤ خاله} أي: يتحدى. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنه لم يكن نبي إلا وصف الدجال لأمته، ولأصفنه وصفاً لم يصفه أحد كان قبلي: إنه أعور، وإن الله - عَزَّ وَجَلَ - ليس بأعور} حديث صحيح وقد سبق له شواهد. وقال عليه الصلاة والسلام من حديث عمران بن حصين: {لقد أكل ومشى في الأسواق - يعني الدجال-} والذي يظهر بهذا الحديث أنه وجد في عهده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو في أول عهده، وكان يمشي في الأسواق، ثم قيده الله لفتنته في البئر التي ذكرت في الجزيرة في البحر، وسوف يخرج منها نعوذ بالله من فتنته. وكثير من الأمم يعترفون به، وحتى في علم اليهود والنصارى الصليبيين يعترفون بهذا، ولكنهم لا يقفون منه موقفنا، لأنه يهودي فاليهود يتعصبون له، ويرون أنه من الفاتحين لهم، وأنه يعيد شيئاً من دولتهم، ولكن سوف يُدْحَر هو وإياهم بإذن الله. هذا الحديث حديث عمران: {لقد أكل الطعام ومشى في الأسواق} أخرجه الإمام أحمد والطبراني ورجاله ثقات إلا رجل اختلف فيه وفي إسناد أحمد يقول: علي بن زيد وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح. وبقي حديثان: حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {رأيت عند الكعبة مما يلي وجهها رجلاً آدم -يعني: يميل إلى السمرة- سبط الرأس -أي: مسترسل الشعر- على رجلين، يقطر رأسه من الدهن، فقلت: من هذا؟ قالوا: المسيح بن مريم عليه السلام، ورأيت وراءه رجل أعور العين اليمنى جعد الرأس أشبه من رأيت به ابن قطن -وابن قطن يقولون: رجل مات في الجاهلية، وقيل: يهودي، والصحيح أنه رجل مات في الجاهلية يعرفه الناس كان أعور- فقلت: من هذا؟ قالوا: المسيح الدجال}. وفي الصحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا، إن المسيح الدجال رجل قصير أفحج -كما قلت متباعد الرجلين- جعد، أعور مطموس العين ليس بناتئة ولا حجراء -ناتئة يعني: ليست خارجة جداً! ولا حجراء ليست بغائرة- فإن ألبس عليكم أمره، فإن ربكم تعالى ليس بأعور، وإنكم لن تروا ربكم تعالى حتى تموتوا}. نسأل الله أن يرينا وجهه الكريم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة:21 - 25].

طريقة الاعتصام من فتنة المسيح الدجال

طريقة الاعتصام من فتنة المسيح الدجال مسألة: كيف يُعصم من فتنة المسيح الدجال؟ يُعْصمُ منها أولاً: باتباع رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فسنته سفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها هلك: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. ثانياً: كثرة الدعاء: {يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، يا مصرف القلوب والأبصار صرف قلوبنا إلى طاعتك} الثبات، الدعاء من الله - عَزَّ وَجَلَ - ألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هداها. ثالثاً: بكثرة النوافل والعبادة، والاتجاه إلى الله، والصدق مع الله. رابعاً: بطلب العلم النافع الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم. خامساً: بالدعوة إلى سبيل الله، فإن الداعي محصن: أول تحصين: ألا يكون مدعواً، فإذا كنت داعياً لم تكن مدعواً، فأولاً: أن تحصن نفسك فيحصنك الله عَزَّ وَجَلَ، ولذلك يقال في بعض الآثار: إن الله عَزَّ وَجَلَ يدخل المؤمنين يوم القيامة الجنة، فيترك الذين كانوا يدعون من دعاة الأمة المحمدية، فيقولون: يا ربنا أدخلت الناس وتركتنا، قال: أنتم كبعض ملائكتي اشفعوا في الناس. توفي منصور بن المعتمر وكان واعظاً كبيراً فرئي في المنام قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وشفعني فيما شئت. فنسأل الله أن ينفعنا وإياكم، فالدعوة إلى سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي مما يتقى به فتنة المسيح الدجال، أعاذنا الله من فتنته، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

صلاة الاستسقاء

صلاة الاستسقاء Q أرجو أن تذكر متى ستكون صلاة الاستسقاء؟ A صلاة الاستسقاء تكون بإذن الله يوم الإثنين بإذنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأذكركم ونفسي بالخروج لها خاشعين متبتلين، داعين علّ الله أن يرحمنا، ونحن بحاجة ماسة إلى رحمة الله عَزَّ وَجَلَ. وسبب عدم نزول القطر إنما هو ذنوب العباد، وصدوفهم عن منهج الله، وبما وقع في الأرض من فساد وارتكاب للمحرمات، ونحن نسأل الله عَزَّ وَجَلَ أن يغفر لنا ولكم وأن يتوب علينا وعليكم، وأن يسقينا وإياكم الغيث ولا يجعلنا من القانطين، وكان عليه الصلاة والسلام يخرج في الاستسقاء، متبذلاً، خاشعاً، باكياً، نادماً مستغفراً، متواضعاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. متبذلاً: لابساً ثياب البذلة لا متزيناً؛ لأنه ليس من السنة أن تتزين للاستسقاء كالعيد , لأنك تعرض نفسك وفقرك على الله عَزَّ وَجَلَ وهذا لا يناسب، فتخرج متبذلاً. وورد في حديث صحيح أن سليمان عليه السلام خرج يستسقي بالناس، فرأى نملة رفعت قدميها ويديها تدعو الله عَزَّ وَجَلَ فبكى سليمان، وقال: عودوا فقد سقيتم بدعاء غيركم. وعند أبي يعلى بسند فيه نظر أن الله - عَزَّ وَجَلَ - يقول: وعزتي وجلالي لولا شيوخ ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع، لخسفت بكم الأرض خسفاً. فبرحمة الله عَزَّ وَجَلَ وبسبب من لا ذنب له من الأطفال، والحيوانات، والعجماوات، والديدان، والصالحين، فينا يرحمنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وذكر أهل العلم: أن موسى عليه السلام خرج ببني إسرائيل يستسقي بهم، فأوحى الله إليه أن يا موسى عد ببني إسرائيل لأرمينهم بالحجارة من السماء، قالوا: والسبب في ذلك أنهم استحلوا الربا، واستحلوا الزنا، ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، فوصيتي لنفسي ولكم: أن نخرج ذاك اليوم بكثرة استغفار وتوبة، وتوجه إلى الله بالدعاء؛ علَّ الله عَزَّ وَجَلَ أن يرحمنا وإياكم وأن يغيثنا.

المعجزة لا تكون إلا للأنبياء

المعجزة لا تكون إلا للأنبياء Q ذكرت أن سفينة كان له معجزة في البحر، فهل المعجزة لغير الأنبياء؟ A قد يكون سبق لسان، لكن حتى لفظ المعجزة لا أظن أن إطلاقها شرعي في الكتاب والسنة على الأنبياء، إنما تسمى آية للنبي عليه الصلاة والسلام، وهي الأفصح عربياً وشرعياً نقول: من آياته عليه الصلاة والسلام، وأما المعجزة فلا تكون لغير الأنبياء إنما تسمى كرامة للأولياء، وشرط الكرامة شرطان: - أن تكون من رجل صالح يعمل بالكتاب والسنة. - أن يرفع بها دين الله، أو ينصر بها دين الله

مصير المسيح الدجال بعد قتله

مصير المسيح الدجال بعد قتله Q ما هو مصير المسيح الدجال بعد أن يقتله عيسى عليه السلام، هل يحاسبه الله بعد ذلك ويدخله النار؟ A نعم يدخل النار خالداً مخلداً؛ لأنه كافر.

ضعف حديث: (امرؤ القيس قائد الشعراء إلى النار)

ضعف حديث: (امرؤ القيس قائد الشعراء إلى النار) Q ما مدى صحة هذا الحديث: {امرؤ القيس يجر لواء الشعراء في النار}؟ A هو بلفظ: {امرؤ القيس قائد الشعراء إلى النار} ولكن لا يصح هذا الحديث، وليس بثابت عنه عليه الصلاة والسلام، وامرؤ القيس مات كافراً مشركاً، وقد كان ابن ملك من ملوك كندة، وكانوا يسكنون نجد، وهو شاعر يسمى (أمير الشعراء) في الجاهلية، وكان شعره جميلاً، ومن شعره: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصرا فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا وذهب إلى ملك الروم ليستنجد به على من قتل أباه في نجد، فلما ذهب إلى ملك الروم أوشت الحاشية بـ امرئ القيس عند الملك وأوغروا عليه صدره، فأهدى له حلة -بدلة من حرير- وديباج مسمومة سماً، فلبسها ففشا في جسمه المرض، ونزل في أنقرة عاصمة تركيا ولما أتاه الموت انتفخ جسمه، فقال: كم خطبة مسحنفرة وطعنة مثعنجرة وجفنة متحيرة حلت بأرض أنقرة أو كما قال. ثم قال بيتين يبكي نفسه ينظر لحمامة في النخل في أنقرة: أجارتنا إنا مقيمان هاهنا وكل غريب للغريب نسيب ولكنه ذهب مشركاً ورحل إلى حيث ألقت رحلها أم قعشم، وكان الصحابة يستلذون شعره كثيراً، وكانوا يختلفون أيهما أشعر، فيقال: إن علياً رضي الله عنه قال: أشعر الناس امرؤ القيس إذا شرب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب، وفلان إذا ركب، ويقول عمر: بل أشعر الناس من يقول: ومن ومن ومن، يقصد به زهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي الذي يقول: ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم ومن كان ذا فضلٍ فيبخل بفضله على قومه يستغن عنه ويذمم

علاقة الجساسة بالمسيح الدجال

علاقة الجساسة بالمسيح الدجال Q ما علاقة حديث الجساسة بالأعور الدجال؟ A لأن الدابة التي رأوها عليها شعر اسمها الجساسة، فنسب العلماء الحديث كله لهذه الدابة، التي رآها تميم الداري وإخوانه رضي الله عنهم.

معنى قوله تعالى (ورفع أبويه على العرش)

معنى قوله تعالى (ورفع أبويه على العرش) Q ما معنى أن يوسف عليه السلام يجلس والديه على العرش كما ورد في القرآن {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف:100]؟ A معنى العرش: كرسي الملك، كان يوسف عليه السلام ملك مصر، فلما دخل يعقوب وأم يوسف أجلسهم معه على الكرسي، وهذا من الرفعة لهم، وخروا له سجداً يعني من التقدير والاحترام وليس سجود عبادة، وهذا في شرع من قبلنا، وهذا تأويل رؤياه من قيل: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف:4] فالشمس والقمر أبوه وأمه، وأحد عشر إخوانه، فدخلوا عليه كلهم الشمس والقمر والإخوان، فسجدوا أمامه قال: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً} [يوسف:100] وسورة يوسف من أجمل ما في القصص، فسبحان من أنزل هذا الكتاب!

الحكمة في أنه لا يقتل المسيح الدجال إلا عيسى

الحكمة في أنه لا يقتل المسيح الدجال إلا عيسى Q لماذا لا يقتل المسيح الدجال إلا عيسى عليه السلام؟ A حكمة من الله بالغة مثل: أن نصلي المغرب ثلاثاً والعشاء أربعاً فهذه من الله عَزَّ وَجَلَ لا تدخلها العقول، فقد أراد الله ألا يقتله إلا المسيح عيسى، والمسيح عيسى حبيبنا والمسيح الدجال عدونا.

حفظ عشر آيات من سورة الكهف تعصم من فتنة الدجال

حفظ عشر آيات من سورة الكهف تعصم من فتنة الدجال Q لم تذكر مما يعصم من فتنة الدجال حفظ آيات من أول سورة الكهف؟ A صدقت. وفي الصحيح من حديث أبي الدرداء: {من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من فتنة الدجال} وفي لفظ {من آخرها} لكن يصحح أهل العلم عشر آيات من أولها، تحفظها وتقرؤها تعصم -إن شاء الله- من فتنة المسيح الدجال.

سببت تسمية المسيح

سببت تسمية المسيح Q لماذا سمي المسيح الدجال؟ ولماذا سمي المسيح بن مريم؟ A قيل: إن المسيح بن مريم كذلك يطوي الدنيا مع المسيح الدجال، وهذا من مسح الأرض، وقيل: المسيح الدجال سمي مسيحاً؛ لأنه مسحت عينه، عليه غضب الله وقد فعل.

قضاء الصلاة الفائتة التي قبل التوبة

قضاء الصلاة الفائتة التي قبل التوبة Q كنت لا أصلي، وتركت الصلاة فترة، ثم تاب الله عليّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فأصبحت أصلي، هل أقضي ما فات؟ A أن تتوب ولا تقضي ما مر، ما دام تركته فأنت في تلك الفترة كنت مقصراً ومعرضاً ولا تطالب بالقضاء، ولكن تسدد وتتوب وتكثر من النوافل وتعمل الصالحات؛ عل الله أن يتوب علينا وعليك.

نظام الساعات

نظام الساعات Q نحن نتعامل مع نظام الساعات ولا نجد وقتاً نستغله في حفظ القرآن، أو في عمل يعود علينا وعلى أوقاتنا وعلى حياتنا بالخير؟ A إن نظام الساعات نظام سلبي، ولم يثبت جدارته في التعليم، وقد تذمر منه كثير حتى من القائمين عليه، ومن طلبة العلم، ولأنه يفرق وقت الشباب، فيصبح وقتاً مضطرباً لا ينضبط للراحة، ولا ينضبط للقراءة، ولا ينضبط للاطلاع، ويكون وقتاً ضائعاً، وقد جُرب الوقتان في كثير من المؤسسات العلمية، فَوُجِد أن الوقت الذي تفعله بعض المؤسسات وهو الآن المعهود من الصباح إلى الظهر، هو أحسن وأسلم وأجدى، ولكن ما دام أنك في هذا، فنسأل الله أن يعينك، لكن عليك أن تعرف أن هذه الساعات من عمرك، وحبذا أن تجعل عملاً مؤقتاً، أو مبرمجاً من الصباح لهذه الأعمال يكون لديك، وهذا يفعله حتى أعداء الله الكفار، ويذكرها مثل صاحب" دع القلق " يقول: لا بد أن تبدأ ببطاقات تسجلها في الصباح ماذا تفعل؟ يعني: كيف تستغل كل ساعة؟ حتى تؤدي عملك - إن شاء الله - على أكمل وجه، لأن الحياة أو الأوقات لا تعود إذا ذهبت. دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني

إحياء المسيح الدجال للموتى

إحياء المسيح الدجال للموتى Q ذكرت أن المسيح الدجال يحيي الموتى -بإذن الله- وأظن أنه لا يحيي الميت نفسه، بل يصور شيطاناً يشبه الميت؟ A لا أظن هذا، ولا مر عليّ في النصوص، بل مر عليّ أنه يحيي الميت نفسه، وهذا من الفتن.

زيادة الإيمان

زيادة الإيمان Q أنا قليل الإيمان فادع لي؟ A نسأل الله أن يثبتنا وإياك، ويزيدنا وإياكم {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى) [محمد:17] ومما يزيد الهدى العمل الصالح، لأن أهل العلم وأهل السنة يقولون: الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، يزيد بقراءة القرآن وبالنوافل، والاستغفار وحضور مجالس الخير، والدعاء، والصدقة، والحج والعمرة.

فتنة النظر

فتنة النظر Q أعاني من فتنة النظر إذا دخلت المستشفيات! A عليك أن تغض نظرك، لك الأولى وليست لك الثانية: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] والنظر سهم من سهام إبليس، مسموم من كف بصره أبدله الله إيماناً يجد حلاوته في صدره.

شعر الغزل

شعر الغزل Q هل في الشعر الإسلامي غزل؟ وما ميزة الغزل في الشعر الإسلامي؟ A لا يسمى غزلاً إسلامياً بل يسمى غزلاً آخر، ولا يمكن أن يسمى مباحاً، ولا تقل غزلاً إسلامياً، فالإسلام بريء من هذه الكلمة، إنما لك أن تقول: مباح؛ لأن على ذلك القاعدة تسمى مثلاً -نعوذ بالله-: غناء إسلامي، وموسيقى إسلامية، حتى يأتون بالمحرمات وينسبونها إلى الإسلام، أما أن يكون هناك غزل مباح مثل: أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استمع لـ كعب بن زهير الشاعر المشهور بين يديه، وهو يعتذر بالقصيدة يقول: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول وسمعها عليه الصلاة والسلام قال: {من سعاد؟ قال: امرأتي، قال: ما بانت إذن} فكان يستمع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستمع إلى حسان وقال له: {إذا لم يكن فحشاً، أو تشبيباً بامرأة معروفة} فكان يقول: ويستمع له صلى الله عليه وسلم، والبوصيري الذي مدح الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له أبيات جميلة استفتح بها قصيدته التي هي البردة، ولو أنه سلمها من الشركيات والخرافات في آخرها وكانت من أجمل القصائد ولا يزال ثلثها من أجمل القصائد يقول: أمن تذكر جيران بذي سلم مزجت دمعاً جرى من مقلةٍ بدم أم هبت الريح من تلقاء كاظمةٍ وأومض البرق في الظلماء من إضم ففي الختام أيها الإخوة: نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية والحفظ والرعاية، وأن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

قراءة في السيرة

قراءة في السيرة إن الله امتن على هذه الأمة برسول منهم، من أشرفهم نسباً، وأحسنهم خلقاً، اختاره الله للرسالة، وتعهده من ولادته بالرعاية، فحري بالمسلم أن يتعرف على سيرته حتى يقتدي به. وفي هذه المادة جوانب من حياته صلى الله عليه وسلم: نسبه، ومولده، ورضاعته، ومسيرة حياته في البادية، وسفره إلى الشام، وحادثة تحكيمه صلى الله عليه وسلم في إعادة بناء الكعبة، ومعجزاته، ودعوة الناس سراً وما وجده النبي صلى الله عليه وسلم من البلاء، ثم مرحلة الجهر بالدعوة، وإسلام بعض الصحابة وحياتهم في الإسلام كبلال وعمر وعمار وابن مسعود وحمزة وغيرهم.

نسب النبي صلى الله عليه وسلم

نسب النبي صلى الله عليه وسلم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها المسلمون: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. أولاً: نهنئكم بقدوم هذا الشهر الكريم أهلّه الله علينا وعليكم باليُمن والمسرات, وغفر لنا الذنوب والخطيئات, وجعلنا من عتقائه من النار. ثانياً: سوف نستصحب في كل ليلة قبل صلاة العشاء طيلة هذا الشهر المبارك -إن شاء الله- رسول الهدى عليه الصلاة والسلام في سيرته العطرة الكريمة, فنبدؤها بالدرس الأول في نسبه صلى الله عليه وسلم. وعنوان هذه الدروس: "قراءة في السيرة النبوية". النسب الشريف: محمد صلى الله عليه وسلم، السيد الأكرم الذي شَّرف الله الناس بوجوده, هو محمد بن عبد الله، أمه آمنة بنت وهب، هاشمي قرشي من أفضل العرب نسباً. نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا تدوول عليه الصلاة والسلام في الآباء والأجداد, وولد كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {ولدت من نكاح لا من سفاح} فلم يأتِ في نسبه -والحمد لله- لا في الجاهلية ولا قبلها زناً، وإنما أتى عن أب وجد إلى أن وصل عليه الصلاة والسلام إلى الدنيا, هذا نسبه فأبوه عبد الله يأتي خبره وأمه كذلك. كان عبد الله بن عبد المطلب من أحب ولد أبيه إليه, هذا والد الرسول عليه الصلاة والسلام, أحب أبناء عبد المطلب , وكان لـ عبد المطلب عشرة من البنين، أقربهم إلى قلبه عبد الله والد الرسول عليه الصلاة والسلام, فقربه منه , وأحبه, وزوجه وهو في الثامنة عشرة من عمره. آمنة بنت وهب بن عبد مناف , وهي أفضل نساء قريش نسباً وموضعاً, ولما دخل عليها كان في وجه والد الرسول صلى الله عليه وسلم نور, فلما أفضى إليها ذهب هذا النور, قالوا: هذا النور هو الرسول صلى الله عليه وسلم, وقع في بطن أمه, وحملت به، وأثناء الحمل توفي أبوه عليه الصلاة والسلام, فهو لم يرَ أباه في الحياة, وما سعد بتقبيل أبيه، ولا بمزاحه وملاعبته, بل ولد يتيماً في الحياة صلى الله عليه وسلم, علَّه أن يتحمل هذه الحياة ومصائب الحياة, وينهج نهجاً فريداً يعتمد فيه بعد الله على نفسه, فنشأ عصامياً عليه الصلاة والسلام, يقوم بجهده، ويقوم بعرق جبينه, لأن الله أراد أن يرشحه لمهمة هداية العالم. وسوف تسمعون العجائب في سيرته العطرة عليه الصلاة والسلام، فإن سيرته تضوع بها المجالس, وما أوجد الله أبر ولا أشرف منه صلى الله عليه وسلم. قال: ولما دخل عليها حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يلبث أبوه أن توفي بعد الحمل بشهرين, ودفن في المدينة عند أخوال عبد المطلب من بني النجار، فإنه كان ذهب بتجارة إلى الشام -أي: عبد الله - فأدركته منيته وهو بـ المدينة وهو راجع, ولما تمت مدة حمل آمنة وضعت ولدها، فاستبشر العالم بهذا المولود الكريم, يقول أحمد شوقي: ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء فلما ولد هذا المولود الكريم الذي ما وقع على الأرض أشرف من رأسه, ولا أحسن من دمه! ولا أروع من قلبه! بث في أرجاء العالم روح الآداب, وتمم بنفسه مكارم الأخلاق.

مولده صلى الله عليه وسلم

مولده صلى الله عليه وسلم كان مولده صلى الله عليه وسلم صبيحة يوم الإثنين، وسُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الإثنين كما في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة قال: {ذاك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه، وأوحي إليّ فيه} فأحب الأيام إلى قلوبنا يوم الإثنين الذي ولد فيه رسولنا صلى الله عليه وسلم, وصيامه سنة, وهو من أفضل الأيام التي تُصام. ولد في تاسع ربيع الأول، الموافق ليوم العشرين من إبريل سنة (571) من الميلاد, وهو يوافق السنة الأولى من حادثة الفيل, وكانت ولادته في دار أبي طالب بشعب بني هاشم, ولما وُلِدَ أرسلت أمه لجده عبد المطلب تبشره, فأقبل مسروراً وسماه: محمداً، سبحان من وفقه! فهذا الاسم لا يُعرف عند العرب, العرب تعرف حرباً وصخراً وحمزة وطلحة هذه أسماء العرب, لكن لما بشَّر عبد المطلب سيد قريش, وهو سيد الأبطح , هذا عبد المطلب كان عظيماً, كانت له سجادة لا يجلس فيها إلا هو , تفرش له تحت ميزاب الكعبة في العصر, وممنوع أن يقترب من هذه السجادة أحد، لو أتى ملك الدنيا لا يجلس عليها إلا عبد المطلب سيد قريش, فيجلس عبد المطلب، ويأتي أبناؤه العشرة حوله, وكانوا تسعة بعد موت ابنه والد الرسول صلى الله عليه وسلم, ثم يجلس أشراف مكة , ثم يجلس شعراؤها, ثم أشراف العرب, وهذه السجادة لا يجلس عليها إلا عبد المطلب , قالوا: ففرشوها ذات صباح فأتى عبد المطلب فجلس، فأتى صلى الله عليه وسلم وهو طفل يحبو، فجلس فأزاله الناس -الخدم- فرفض، فأتى فجلس مرة ثانية, فأزالوه, فلما جلس عبد المطلب زحف هو بنفسه وجلس, قال: والبيت ذي الحجب والنصب والشهب إن ابني هذا له سبب من السبب. هذا ابنك تدري أنه سيحول الكرة الأرضية من الكفر إلى الإيمان؟ من هو المصلح الذي فجَّر الطاقة في الأرض مثل محمد صلى الله عليه وسلم؟ من هو الرجل الذي يمكن أن يكون أنملة أو ظفراً في كفه صلى الله عليه وسلم أو غباراً على قدمه؟ لا ندري بأحد, قال: فلما ولد سماه محمداً, يقول حسان: وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد يقول: الله هو المحمود سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا محمد، فالله شق له من اسمه، وذكروه بالتسمية عليه الصلاة والسلام. من أشرف أسمائه: اسم محمد, واسمه: العاقب والحاشر والماحي, وله أسماء أخر عليه الصلاة والسلام، وكنيته: أبو القاسم, فهذا اسمه صلى الله عليه وسلم، وسماه: محمداً ولم يكن هذا الاسم شائعاً قبل عند العرب, ولكن الله يريد أن يحقق ما قدره. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] , يقول أحد الكتاب العصريين: فتش في جوانحك، وابحث في خفاياك، أما شرحنا لك صدرك؟ أما كان صدرك ضيقاً فشرحناه بلا إله إلا الله محمد رسول الله؟ بلى والله! انشرح صدره عليه الصلاة والسلام, وأصبح صدره مشروحاً. وقال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4] ليس أحد في العالم أشهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم, يقول مجاهد في تفسير قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} قال: [[لا أذكر إلا ذكرت معي]] ويقول الأستاذ علي الطنطاوي: ألا يكفي من شهرته صلى الله عليه وسلم أن منائر مليار مسلم اليوم كلما أذن المؤذن في باكستان أو الهند أو العراق أو المغرب أو السودان يقول: أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً رسول الله, هذا هو الذكر، فذكره صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم. وذكره الله في القرآن في أربعة مواضع باسمه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح:29] وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران:144] وقال: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب:40] وقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [محمد:2]. قال: وذكر في الكتب التي جاءت بها الأنبياء؛ كالتوراة والإنجيل بهذا الاسم, وسماه عيسى عليه الصلاة: أحمد, ومن أسمائه أحمد أيضاً, ويسمونه أحمد ولكن اشتهر عند العرب: محمد, فألهم جده أن يسميه بذلك إنفاذاً لأمره. وكانت حاضنته أم أيمن بركة الحبشية هي التي تولَّت رعايته وحضانته, وتربيته وملاعبته صلى الله عليه وسلم وهو طفل, وكان إذا عرته من الملابس لتغسله بكى وضم جسمه عليه الصلاة والسلام. وهذه أم أيمن استمر بها الحال حتى بعث صلى الله عليه وسلم نبياً، وكان لها ماعز ترعاها, فكان يأتيها في العوالي يزورها من باب حفظ العهد, وأتاها مرة وقد تغيَّب عليها كثيراً، فغضبت وتعتبت، وقالت: هجرتنا ولا تزورنا؟ وعتبت عليه صلى الله عليه وسلم, لأنه أصبح مشغولاً بالعالم, مشغولاً بقضايا الساعة، باليهود والنصارى والمنافقين والعرب، بالجهاد والاقتصاد، بالإدارة والسياسة والتعليم، ولكن وجد فراغاً فزار أم أيمن ووجدها ترعى غنماً لها ما يقارب مائة ماعز, فعتبت عليه، فأخذ يتبسم صلى الله عليه وسلم وما قال شيئاً, والله يقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].

الرضاع ومسيرة الحياة

الرضاع ومسيرة الحياة وأول من أرضعته ثويبة أمة عمه أبي لهب , هذه ثويبة بشَّرت أبا لهب -لا بشَّره الله إلا بالخزي وقد فعل- فقالت له: ولد لأخيك عبد الله ابن سموه محمداً, قال: أنت عتيقة, فما كان جزاؤه عند الله؟ جعل الله له سُبحَانَهُ وَتَعَالى عيناً من ماء، وهذا في صحيح البخاري، كلما أتى يوم الإثنين تفجَّرت، فشرب منها في نار جهنم جزاء عتقها, كلما أتى يوم الإثنين تفجرت من راحة أبي لهب عين يشرب منها، لأنه أعتق ثويبة , لكنه كفر بلا إله إلا الله, وأخذ التراب وحثا به على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم, وهو الذي قال: تباً لك ألهذا دعوتنا؟ فأنزل الله: {تَبَّتْ يَدَا أبي لهب وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد:1 - 2]. وكان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لمواليدهم في البوادي, ليكون أنجب للولد, وحتى يكون أفصح، وأفصح من يتكلم بالضاد هو رسولنا عليه الصلاة والسلام, ما تلعثم في كلمة, ولا توقف في خطاب وحديث: {أنا أفصح العرب بيد أني من قريش} ليس بصحيح لكن معناه صحيح, فليس هناك رجل أفصح منه صلى الله عليه وسلم, يرتجل الخطبة, ويتكلم في الجماهير, تكلم في الحج في مائة ألف, قالوا: فأوصل الله كلامه حتى بلغ كل أذن والناس في الخيام, وكان إذا صعد المنبر سمع للقلوب حنين من البكاء, حتى يقول شوقي: وإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو الندي وللقلوب بكاء هذا هو رسولنا عليه الصلاة والسلام, وكانوا يقولون: إن المربى في المدن يكون كليل الذهن، فاتر العزيمة, وهذا أمر ملحوظ، أبناء المدنية إذا ما فتحوا أذهانهم بالعلم والتربية الصحيحة يأتون بلداء أغبياء, ليسو كأبناء القرى, وأحد المؤرخين له كتاب عصري، يقول: إن عظماء العالم والمكتشفين حتى في الغرب كلهم من أبناء القرى, وحتى المشاهير, ليسوا في المدن, والمدن تحبس من قدرة الإنسان وتجعله -إن لم يرحمه ربك- جباناً، والآن انظر إلى ابن المدينة وابن القرية, هذا في الجملة، فترى ابن المدينة بعد صلاة المغرب وهو طفل لا ينزل, ويتخوف من كل شيء, وابن القرية الليل أخوه وهو أخو الليل. فالمقصود: ذهب به صلى الله عليه وسلم إلى بني سعد في الطائف , وكانوا من جيران الطائف، وأنتم تعرفون الآن مكان بني سعد, فأخذته حليمة السعدية -مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم- وكان لها ناقة عجفاء، ركبت عليها وأخذت هذا الطفل، من هذا الطفل؟ إنه محمد صلى الله عليه وسلم, أخذته على الناقة وهو ما زال طفلاً -وجلسنا بإذن الله، ثم بدعوته في هذا المكان- أخذته على الناقة عليه الصلاة والسلام وكانت ناقتها عجفاء, فلما ركب صلى الله عليه وسلم الناقة، مشت الناقة على أحسن ما يكون, فلما وصل إلى الديار, قالت: كانت ديارنا ممحلة قحطاء لا عشب فيها ولا لبن ولا ماء, فلما نزل, وصل الغيث بإذن الله, قال: فنبت النبات، وسار الزهر، وحلبوا من اللبن, وذلك فضل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى, فجاءت نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن أطفالاً ليرضعنهم, فكان الرضيع المحمود من نصيب حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية واسم زوجها أبو كبشة , وهو الذي كانت قريش تنسب له رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يريدون الاستهزاء به، يقولون: هذا ابن أبي كبشة, وقد فعلها أبو سفيان اقترف في عرضه عليه الصلاة والسلام, عند هرقل لما أرسل صلى الله عليه وسلم بعد النبوة -انظر هذا التطور- يصبح صلى الله عليه وسلم من المدينة المنورة عاصمة الإسلام يرسل رسائل يتهدد ملوك الأرض, الإمبراطوري المجرم الدكتاتور هرقل يتهدده صلى الله عليه وسلم، ويروعه فيما بعد بأصحابه, بناصيته وينزله في الأرض، وتحكم دولته بلا إله إلا الله محمد رسول الله, اسمع الرسالة من الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا من أوائل أحاديث البخاري: {بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم, السلام على من اتبع الهدى, أمَّا بَعْد: فأسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فعليك إثم الأريسيين} {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]. وصلت الرسالة عند هرقل , وأقامت له الدنيا وأقعدتها, لأن الخطاب مهدده, بعد الرسالة وهي ثلاثة أسطر فيها خاتم رسول الله: (محمد سطر, ورسول سطر, والله سطر) بعدها جيش جرار يزحف من الجزيرة يحطم تلك الإمبراطورية الظالمة, ماذا فعل هرقل؟ جمع القساوسة, والبطارقة، والوزراء، والحجاب, واجتمعوا ثم دعا أبا سفيان , وكان أبو سفيان عدواً للرسول صلى الله عليه وسلم آنذاك، وكان مشركاً, لكن كان يبيع ويشتري في الشام , فدعاه وسأله عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقارب عشرة أسئلة وهي في أول صحيح البخاري , وفي الأخير قال: أخرجوه, فأخرجوه؛ فإذا اللغط قد كثر, قال أبو سفيان: لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كبشة إنه ليخافه ملك بني الأصفر -يقول: هذا الذي عندنا نستهزئ به في مكة أصبحت الدنيا تشتغل به, وأصبح حديث الناس في المجالس وحديث الساعة، نعم. قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:1 - 5]. ودرت البركات على أهل ذاك البيت، كما ذكر الشوكاني عن بعضهم: ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا ويقول المتنبي في أحد العظماء: وكذا الكريم إذا أقام ببلدة سال النضار بها وقام الماء يقول: الكريم إذا نزل في مكان يسيل الذهب, ويحيي الماء الأرض, وهذا أشرف من يقال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام, وكانت مدته للرضاعة صلى الله عليه وسلم التي رضع فيها وبقي في البادية تربو على أربع سنوات عليه الصلاة والسلام.

حادثة شق الصدر

حادثة شق الصدر شق صدره صلى الله عليه وسلم وهو في البادية, يرعى هو وأخوه من الرضاعة ابن حليمة الآخر البهم, أي: أنه طفل لا يستطيع أن يرعى الغنم, لكن هذا الذي يرعى البهم يرعى الملوك ويرعى الدول, وأصحابه بعد خمسة وعشرين سنة من بعثته حكموا اثنتين وعشرين دولة من دول العالم, ثم بعد ثلاثين سنة دخلوا قرطبة مهللين مكبرين وطاشقند، وتركستان، ونهر الجنج، ووقفوا على مشارف السند يرفعون: لا إله إلا الله محمد رسول الله, هذا هو الذي يرعى الغنم. خرج في الصباح يرعى, وحصل له وهو بينهم حادثة مهمة، وهي شق صدره وإخراج حظ الشيطان منه, كل منا فيه مرارة سوداء هي موطن للشيطان, إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخرجت المرارة السوداء, أي: أجريت له عملية عليه الصلاة والسلام على أيدي الملائكة، وقطعت هذه المرارة السوداء فلا يأمره الشيطان ولا يقربه أبداً, فأحدث هذا عند حليمة خوفاً فردته إلى أمه، وحدثتها قائلة: بينما هو وإخوته في بهم لنا خلف بيوتنا, إذ أتى أخوه يعدو، وقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشي -يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم- قد أخذه رجلان -الملكان- عليهما ثياب بيض -والملائكة دائماً لا تلبس إلا البياض {البسوا البياض وكفنوا فيها موتاكم} - فأضجعاه فشقا بطنه، فخرجت أنا وأبوه نحوه فوجدناه منتقعاً لونه خائفاً عليه الصلاة والسلام مرتعداً من هذا الحادث؛ لأنهم بطحوه في الأرض وشقوا صدره صلى الله عليه وسلم, وما وجد ألماً كأنه أغمي عليه, فلما شق صدره أخذوا -والحديث أصله عند مسلم في الصحيح - المرارة السوداء فقطعوها, وأخذوا قلبه فغسلوه بماء زمزم في طست من ذهب, ثم ردوا صدره, ولا زال وهو في ستين من عمره يرى الصحابة أثر الشق, وأثر هذه العملية في صدره صلى الله عليه وسلم. قال: فالتزمته والتزمه أبوه وقلنا له: ما لك يا بني؟ قال: أتاني رجلان عليهما ثياب بيض, فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ -يتأكد الملك من الرسول, أهذا هو المقصود الذي أرسلنا الله إليه؟ قال: نعم. فأقبلا يبتدراني فأضجعاني، فشقا بطني فالتمسا فيها شيئاً فأخذاه وطرحاه ولا أدري ما هو. إذاً المسألة مقصودة من زمان, حتى وهو حمل في بطن أمه. وعيسى عليه السلام كان يكلم النصارى به قبل مئات السنوات، يخبرهم أنه سوف يبعث في العالم، وسوف يكون خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام, وسوف ينقذ به الله الأمة من الضلالة، هذا هو صلى الله عليه وسلم.

حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أمه

حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أمه اليتم يتدحرج معه صلى الله عليه وسلم, مات أبوه وأمه به حاملة, فلما نزل في الأرض ماتت أمه, فكفله جده, فمات جده, فكفله عمه, فمات عمه فالتفت إلى خديجة فماتت خديجة , لماذا؟ يقول بعض العلماء: حتى ينفصل صلى الله عليه وسلم عن كل ما سوى الله وتكون صلته بالواحد الأحد: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] فهذه صلة الرسول صلى الله عليه وسلم بالله تبارك وتعالى. ثم إن أمه أخذته من حليمة وتوجهت به إلى المدينة لزيارة أخوال جده بني النجار وكانوا يحبونه لما هاجر صلى الله عليه وسلم, لأنهم أخوال جده, خرجوا من كل قبيلة من الأنصار كانوا ما يقارب ثمان قبائل خرجت كل قبيلة بالسيوف والرماح يعرضون ويرفعون السيوف ويقولون: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع فكان يبتسم ويحييهم وهو على الناقة صلى الله عليه وسلم, ويريدون أن يأخذوا زمام الناقة حتى يتشرفوا بضيافته, فيقول: {دعوها فإنها مأمورة} اتركوها حتى تنيخ هي في مكان يناسبها. فسبحان الله! أراد أن يجبر خواطر أخوال أبيه فتركت الناقة كل بيت في الأنصار، وذهبت إلى بني النجار, فخرجت جواري الأنصار تقول: نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار فنزل عليه الصلاة والسلام يحيهم، ونزل عند أبي أيوب الأنصاري، وبينما أمه عائدة أدركتها منيتها في الطريق فماتت بـ الأبواء , وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا مر ب الأبواء يستأذن ربه أن يزور قبر أمه؛ لأنها ماتت فأذن له -وقد ثبت كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة - قال: {استأذنت ربي أن أزور أمي فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي} فزارها صلى الله عليه وسلم وبكى وأبكى. كنز بحلوان عند الله نطلبه خير الودائع من خير المؤدين

كفالة عبد المطلب النبي صلى الله عليه وسلم

كفالة عبد المطلب النبي صلى الله عليه وسلم فحضنته أم أيمن بعد أن ماتت أمه، وكفَّله جده عبد المطلب سيد قريش الذي لا يتكلم أحد إذا كان موجوداً, وإذا أراد أحد من قريش أن يتكلم يستأذنه في الحديث, وهو الذي قابل أبرهة الأشرم يوم هجم على مكة عام الفيل, وكان سيداً مطاعاً كهالة القمر, والرسول في الحروب كان إذا فر أصحابه لا يفر هو صلى الله عليه وسلم، كان يأخذ السيف، ويقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب والبردوني شاعر اليمن يحيي الرسول صلى الله عليه وسلم في قصيدةٍ له، ويقول: في كفه شعلة تهدي وفي دمه عقيدة تتحدى كل جبار نحن اليمانين يا طه تطير بنا إلى روابي العلا أرواح أنصار إذا تذكرت عماراً وسيرته فافخر بنا إننا أحفاد عمار هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يمتدح بجده هذا في المعارك, وهو الذي قابل أبرهة وهو مرتفع على سرير، وقد أراد اجتياح مكة، وقتل الأطفال واحتلال البيت, فنزلوا -وتعرفون قصة أصحاب الفيل- لقيه عبد المطلب وعندما أقبل عبد المطلب رأى عليه هالة كالقمر فنزل أبرهة إلى الأرض إكراماً لـ عبد المطلب , ثم قام هو وإياه وأجلسه بجانبه على الكرسي, قال: ماذا تريد؟ ظن أنه يشفع في البيت، وأنه يشفع في الحرم, قال: أريد الإبل، عندي مائة ناقة أخذتها أنت وجيشك, قال: ظننت أنك عاقل، وظننت أنك سوف تسألني حماية البيت وتسألني الإبل؟ قال عبد المطلب: أما الإبل فأنا ربها، وأما البيت فله رب يحميه, فأعطاه الإبل فأخذ عبد المطلب الإبل وأدخلها مسارحها, ثم أتى إلى البيت فلزم باب الكعبة وقال: لاهم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبداً محالك انظر إلى الفصاحة! يقول: يا رب! الرجل يعدون على بيته فيحمي بيته، ويغضب على بيته، أما أنت فبيتك هذا لا نستطيع أن نمنعه, لأن معه جيشاً جراراً وهو من القوة العالمية الموجودة، أبرهة الأشرم , قائد الكتائب والذي معه أحابيش, لا يخافون الموت, ومعه من طوابير اليمنيين وطوابير العرب ما الله به عليم، لا تقف قريش ولا قبائل العرب تجاهه, بل سحق القبائل في طريقه, فأتى عبد المطلب قال: لاهم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبداً محالك وأخذ يبكي، ثم أخذ الأطفال والنساء وقال: اخرجوا على الجبال فإنه سوف تأتي أمور, كأنه متوقع, وهذا من فضل الله عز وجل أن تأتي الغارات والناس قد أخرجوا من الملاجئ, فخرجوا فلما أصبحوا في رءوس الجبال, رفع أصحاب قريش أكفهم إلى الله, والله يذكرهم بعد ما كذبوا: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا} [القصص:57] أما حميناهم من الهجوم الكاسح من أبرهة؟ أما أطعمناهم؟ لماذا لا تقولون: لا إله إلا الله؟ {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:4] لكن ما قدروا نعمة الله. وفي الضحى أرسل الله عز وجل طيراً أبابيل، قال ابن عباس: خرجت من البحر, يقول: القواعد التي أتى منها هذا الهجوم لا ندري من أين أتت؟ وقال بعضهم كـ أبي: لا. أتت من السماء, وقال بعضهم: لا. بل أتت من المشرق. دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا أراد زلزلهم أو أرسل عليهم ريحاً أو حريقاً، لكن انظر هذا الجيش العرمرم الذي يحمل السيوف، ويحمل كل ما جادت به قرائحه في تلك اللحظة, أرسل الله عليه طيراً أبابيل, يقولون: مكتوب على كل قذيفة اسم من ترميه من الجنود، فلان بن فلان! إذا كانت للضابط لا ترمي الجندي, الحبشي لا ترمي اليمني, كل واحد موسم, وكانت صغيرة مثل الحمص, قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1] يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم, أسمعت ما فعلنا بأصحاب الفيل في الغارة؟ هذا مولده صلى الله عليه وسلم كان في عام الفيل {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} [الفيل:2 - 4] ولأهل العلم مبحث, هل كل واحدة ألقت قذيفتها فقط وعادت أم لا؟ والصحيح أن كل واحدة ألقت حبة ورجعت, أي: من كثرتها ظللت مكة , ثم ألقت حمولتها مرة واحدة, فقتلتهم شر قتلة.

زيارة النبي صلى الله عليه وسلم قبر أبيه مع أمه

زيارة النبي صلى الله عليه وسلم قبر أبيه مع أمه قال المؤلف رحمه الله تعالى: ثم إن أمه أخذته منها -أي: من حليمة السعدية - وتوجهت به إلى المدينة لزيارة أخوال جده بني النجار, وبينما هي عائدة أدركتها منيتها في الطريق، فماتت في الأبواء , فحضنته أم أيمن وكفله جده عبد المطلب , ورق له رقة لم تعهد له في ولده؛ عندما كان يظهر عليه من أن له شأناً عظيماً عليه الصلاة والسلام, فإنه من صغره صلى الله عليه وسلم تبين فيه علامات تدل على أن هناك له شأن عليه الصلاة والسلام, وسوف يكون له خبر، وما أعظم من خبره صلى الله عليه وسلم {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} [النبأ:1 - 2] والنبأ العظيم هو مبعثه صلى الله عليه وسلم, وكان يكرمه غاية الإكرام, ولكن لم يلبث عبد المطلب أن توفي بعد ثمان سنوات من عمر الرسول صلى الله عليه وسلم.

كفالة أبي طالب النبي صلى الله عليه وسلم

كفالة أبي طالب النبي صلى الله عليه وسلم لقد كفل النبي صلى الله عليه وسلم شقيق أبيه، أبو طالب , الذي مات مشركاً, وحاول عليه الصلاة والسلام أن يهديه إلى الله عز وجل, ولكن سبق الكتاب، قال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} القصص:56]. وأبو طالب كان يدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم, وهو صاحب القصيدة المشهورة في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم والتي يقول فيها: وأبيض يستسقىالغمام بوجهه ثمال اليتامي عصمة للأرامل فكان له رحيماً، وعليه غيوراً, ويذكر في السيرة أن أبا طالب لما أتاه كفار قريش، وقالوا: يا أبا طالب! إن ابن أخيك سب آلهتنا، وشتمنا، وسفَّه أحلامنا, فإن كان ابن أخيك مطبوباً -أي: مسحوراً- داويناه, وإن كان يريد ملكاً ملَّكناه, وإن كان يريد مالاً جمعنا له مالاً, وإن كان يريد زوجة زوجناه بأحسن فتاة في مكة , فقال أبو طالب للرسول عليه الصلاة والسلام هذا الكلام, قال: {يا عم! والذي نفسي بيده، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه} قال: وكان أبو طالب مقلاً من المال, فبارك الله له في قليله, وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في مدة كفالة عمه مثال القناعة والبعد عن السفاسف التي يشتغل بها الأطفال عادة, كما روت ذلك أم أيمن حاضنته, لأنه صلى الله عليه وسلم كان مرشحاً لهداية الناس لرب العالمين, وبالفعل تم هذا, ولم تأخذ عليه الصلاة والسلام صبوة ولا انحراف في خلقه ولا في سلوكه, فكان إذا أقبل وقت الأكل، جاء الأولاد يختطفونه وهو قانع بما سييسره الله له.

السفر إلى الشام

السفر إلى الشام هذا أول سفر يخرج فيه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى خارج مكة , ولما بلغ سنه اثنتي عشر سنة أراد عمه وكفيله السفر بتجارة إلى الشام فاستعظم الرسول صلى الله عليه وسلم فراقه, فرقَّ له وأخذه معه, يقول: دمعت عينا الرسول صلى الله عليه وسلم لما أراد أبو طالب أن يسافر، لأنه ما زال طفلاً وليس له من يرق عليه من مكة إلا أبو طالب , وخاف أن يفقده, وهناك قصيدة ل أبي ريشة منها: يا عم لا تدعني هنا وحدي مالي سواك من مفضال فتلقاه بالدموع وسارت بهم الخيل في شعاب التلال فأخذه معه في هذه الرحلة وهي الأولى, ولم يمكثوا فيها إلا قليلاً، وقد أشرف على رجال القافلة وهم بقرب بصرى، وهي قرية في الشام وقيل: في أطراف العراق , وبحيرا الراهب نصراني له صومعة, فسألهم عما رآه في كتبهم -وهذه القصة نبَّه الذهبي على أن بلالاً لم يكن في القافلة؛ لأن بعض أصحاب السير يقولون: كان بلال مع الرسول صلى الله عليه وسلم, والصحيح أنه لم يكن معه, لأن بلالاً آنذاك ربما لم يكن قد قدم من الحبشة - فسألهم عما رآه في كتبهم المقدسة, من بعثة نبي من العرب في هذا الزمن, لأنهم كانوا يقرءون في التوراة والإنجيل خبره عليه الصلاة والسلام, فقالوا: إنه لم يظهر الآن, وهذه العبارة كثيراً ما كان يلهج بها أهل الكتاب من يهود ونصارى قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89] وكان اليهود يخبرون بصفات الرسول عليه الصلاة والسلام, وأنه أحمر أو أبيض مشوب بحمرة، أقنى الأنف، ربعة من الرجال، وأنه سوف يخرج إلى أرض ذات حرتين, يقصدون المدينة , فلما خرج صلى الله عليه وسلم ورأوا أوصافه كانوا يتوقعون، وكان يتمنون أن يكون من اليهود, فلما كان من العرب حسدوه, لأن أكثر الأنبياء من اليهود, حسدوه عليه الصلاة والسلام وكذَّبوه, وما أسلم منهم إلا أربعة أو خمسة، والبقية كفروا حسداً وبغياً من عند أنفسهم.

حرب الفجار

حرب الفجار سميت حرب الفجار بهذا الاسم لكثرة ما وقع فيها من فجور, ولكثرة ما استحل فيها من المحارم, وهي وقعت بين قبيلتين من العرب بين قريش وكنانة من جهة، وبين قيس, وكان موقعها قريباً من سوق عكاظ , ويأتي سببها, وقد حضرها عليه الصلاة والسلام وذلك قبل أن يبعث. ولما بلغ عليه الصلاة والسلام سنة عشرين حضر حرب الفجار، وهذه الحرب كانت بين كنانة ومعها قريش، وبين قيس, وسببها: أنه كان 1000200>للنعمان بن منذر ملك العرب بـ الحيرة تجارة يرسلها كل عام إلى سوق عكاظ لتباع له, هذا النعمان بن المنذر ملك من العرب؛ لكنه يتبع كسرى, فكسرى كان يتملك حتى على العرب, ذلك المجرم الدكتاتور الإمبراطور الفاجر، كان يحكم العرب قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم, فما الذي حررنا؟ ومن الذي أعتق رقابنا بإذن الله؟ من الذي رفع رءوسنا؟ إنه هذا الدين ثم رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام. هذا النعمان كان له يومان: يوم عفو ويوم قتل, فمن أتاه في العفو عفا عنه وأكرمه وأعطاه جائزة, ومن أتاه في يوم غضبه قتله, والنابغة الذبياني يُروى أنه نال من عرض النعمان بن المنذر، فوشي به إلى النعمان فأقسم النعمان أن يذبح النابغة هذا, فقال فيه قصيدة من أبدع ما يقال, يقول فيها: أبيت اللعن أنك لمتني وتلك التي أهتم منها وأنصب فبت كأن العائدات فرشن لي فراشاً به يغلو فراشي ويقشب ثم يقول: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب فعفا عنه، هذا النعمان كان له تجارة يرسلها إلى سوق عكاظ , وكان يرسلها في أمان رجل ذي منعة وشرفٍ في قومه ليجيزها, فجلس يوماً وعنده البراض الكناني وهو فاجر من فجار العرب وخليع وماجن, وكان فاتكاً خليعاً، خلعه قومه لكثرة شره, وكان عند النعمان، عروة بن عتبة الرحال , قال: من يجيز لي تجارتي هذه حتى يبلغها سوق عكاظ؟ فقال البراض: أنا أجيزها على بني كنانة, فقال النعمان: إنما أريد من يجيزها على الناس كلهم, فقال عروة بن عتبة الرحال: أبيت اللعن -هذه كلمة تستخدم بين يدي الملوك, أي: أعوذ بالله أن أبوء بلعنة الملك- أكلبٌ خليع يجيزها لك؟ يقصد عروة بن عتبة الرحال: البراض - أنا أجيزها على الشيح والقيصوم من أهل نجد وتهامة , فقال البراض: أو تجيزها على كنانة يا عروة بن عتبة الرحال؟ قال: وعلى الناس كلهم, فأسرَّها في نفسه وتربص به, فلما خرج عروة بن عتبة الرحال ذبحه البراض , فاختصمت العرب، وأتت بين دائرة وتواعدوا, قريش وكنانة في صف وقيس في صف, واجتمعوا في سوق عكاظ، ثم تواعدوا العام المقبل أن يجتمعوا, فاجتمعوا في مكان, وقد خرجت قريش يقودها حرب بن أمية والد أبي سفيان , وكان الرسول صلى الله عليه وسلم عمره عشرين سنة, حضر معهم ومع كنانة ومع أعمامه, لأن أباه قد توفي كما سلف, فلما حضر صلى الله عليه وسلم كان يعطي الأسهم لأعمامه، فاقتتلت العرب مقتلة ما سمع التاريخ بمثلها, وفي الأخير اصطلحوا وأديوا قتلاهم, وانتهى إلى هذا الحد، وقد حضرها صلى الله عليه وسلم، وهي من أشأم الحروب في حياة العرب.

حلف الفضول

حلف الفضول بعد أن انتهت المعركة, اجتمعت قريش في دار عبد الله بن جدعان التميمي وهو من قريش, وعبد الله بن جدعان أمره عجيب، كان فقيراً, ولم يدرك الإسلام, كان فقيراً لا يملك شيئاً, ذهب إلى عرفة يرعى غنماً له, فوجد كنوزاً من الذهب والفضة, فادخرها وكان يطعم العرب من أجل أن يقال: كريم, وقد قيل في صحيح مسلم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سألته عائشة تقول: {يا رسول الله! عبد الله بن جدعان كان يطعم الجائع، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، هل ينفعه ذلك عند الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا يا عائشة إنه لم يقل يوماً من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين} ما مرت به لحظة قال فيها: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين, ومات كافراً, ولما قتل أبو جهل في بدر كان رأسه مقطوعاً وما عرفوا جثته, قال صلى الله عليه وسلم: {التمسوا جثته -بقية الجسم- قالوا: يا رسول الله! هل له علامة؟ قال: نعم. جرح في ركبة أبي جهل تصارعت أنا وإياه ونحن شباب على مائدة عبد الله بن جدعان فصرعته على الأرض، ففيه جرح} وكان قريباً من سنه صلى الله عليه وسلم، لكن انظر! هذا كان محرر العالم، وذاك كان فرعون هذه الأمة, فأتوا به فوجدوا الجرح في ركبته. هذا عبد الله بن جدعان مدحته العرب بأحسن المدائح, ويقول فيه أمية بن أبي الصلت: أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحباء إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء فاجتمعوا في بيت عبد الله بن جدعان التميمي، وكان صلى الله عليه وسلم قد حضر معهم الاجتماع, وهذا من أحسن الاجتماعات في الجاهلية, وكان المتحالفون هم: بنو هاشم، وبنو المطلب بن عبد مناف، وبنو أسد بن عبد العزى، وبنو زهرة بن كلاب، وبنو تيم بن مرة, تحالفوا وتعاقدوا على ألا يجدوا بـ مكة مظلوماً إلا رفعوا الظلم عنه, والسبب في ذلك: أن تاجراً من تجار اليمن أتى فاستلب تجارته أهل مكة وسرقها رجل منهم، فأتى إلى الناس، قال: من يجيرني يا أيها الناس؟ فما أجاروه, قال: سلبت تجارتي من يعطيني الدين؟ فرفضوا أن يعطوه, فقام عبد الله بن جدعان ومن معه، وقالوا: نحن نجيرك، ثم اجتمعوا في حلف الفضول في بيت عبد الله بن جدعان , وكتبوا بينهم عهداً أنَّ من وجدوه مظلوماً أن يرفعوا عنه الظلم وأن يردوا مظلمته، وكان هذا من أحسن العقود التي شهدها صلى الله عليه وسلم, قال: {لقد شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت} يقول: تلك الليلة التي حضرت فيها، وحضرت هذا الميثاق، ما أريد أن لي بذلك حمر النعم, وهذا يسمى حلف الفضول عند العرب, وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم مبعوث بمكارم الأخلاق، وهذا منها، وقد أقر دين الإسلام كثيراً منها, وأما قوله صلى الله عليه وسلم: {بعثت بمكارم الأخلاق} فحديث فيه نظر, وفي سنده كلام.

رحلته إلى الشام المرة الثانية

رحلته إلى الشام المرة الثانية ولما بلغ سنه صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين سنة سافر إلى الشام للمرة الثانية, وذلك أن خديجة بنت خويلد الأسدية كانت تاجرة, وكان عندها مال، وتوفي عنها زوجها, وكان عمرها أربعين سنة, فالتمست شاباً في مكة يستطيع أن يقوم بالتجارة، وأن يبيع ويشتري لها ويكون أميناً، فما وجدت إلا الرسول عليه الصلاة والسلام, وكانوا يسمونه الصادق الأمين, وكانت ودائعهم عند الرسول عليه الصلاة والسلام, ولذلك يقول الوليد بن المغيرة لما اجتمعوا في ليلة سمر، لما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بلا إله إلا الله محمد رسول الله, قال كفار قريش: تعالوا نبحث لنا عن عيب وعن عار نلحقه بهذا الرسول، حتى يتسامع العرب أن فيه كذا وكذا، فلا يقبلون دعوته, فاجتمعوا وقالوا: ساحر, قال الوليد: لا يصلح هذا, قالوا: نرى أنه مجنون, قال: لا يصلح, قالوا: خائن, قال: كيف كنا نستأمنه وهو في الخامسة والعشرين من عمره، فلما ظهر الشيب في صدغيه -أي: أصبح في الأربعين- نقول: خائن؟ والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يرد عليهم: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] بل كان أصدق الناس وأعظمهم أمانة، وكانت الودائع عنده صلى الله عليه وسلم. فاستأجرته خديجة، فذهب صلى الله عليه وسلم في التجارة، فكانت من أحسن السفرات, التي سافروا فيها للتجارة في تلك الفترة, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم, وهذه بركته صلى الله عليه وسلم, وربحوا ربحاً عظيماً، ثم لما أتى عرضت خديجة نفسها على هذا السيد الكريم صلى الله عليه وسلم، فتزوجها، وكان الذي خطب الخطبة أبو طالب سيد قريش -وحضر أبو طالب فقال: الحمد الله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل وضئضيء معد، وعنصر مضر، وجعلنا حفظة بيته, وسواس حرمه، وجعله لنا بيتاً محجوجاً، وحرماً آمناً، وجعلنا حكاماً على الناس -فقريش سادة في الجاهلية، وسادة في الإسلام- ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يعدل به رجل شرفاً ونبلاً وفضلاً -يقول: ائتوني برجل يعادله من شباب مكة فلا تجدون- وإن كان في المال قل، فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مستردة، يقول: إذا كان قليل المال فالمعذرة، فإن المال لا يثبت بل ينتهي والمال عارية والمال يذهب, ولا تبقى إلا الرسالة. والرسول صلى الله عليه وسلم بقي فقيراً حتى مات, أتباعه فتحوا ثلاثة أرباع الدنيا، وبقي صلى الله عليه وسلم فقيراً حتى مات, تصور مثلاً: عبد الملك بن مروان بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بسنوات تولى الخلافة، وكان يحكم اثنتين وعشرين دولة عربية وغير عربية, أي: أن الجامعة العربية الآن ودولها كانت جزءاً من حكومة عبد الملك بن مروان الذي هو من التابعين للرسول صلى الله عليه وسلم, ومع ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أتاه مرض الموت كان له حصير من خصف, ووردت رواية: أن ملكاً آتاه، قيل: جبريل وقيل: غيره، معه مفاتيح جبال الدنيا ذهباً, فقال: يا محمد! خذ هذه مفاتيح جبال الدنيا ذهباً, قال: {بل الرفيق الأعلى, بل الرفيق الأعلى, بل الرفيق الأعلى من الجنة} فقالت: عائشة خيرت واخترت يا رسول الله- ثم أخبر بالمهر وقال كذا, وعلى ذلك تم الأمر وكانت خديجة متزوجة قبله بـ أبي هالة، توفي عنها ولها منه ولد اسمه هند بن أبي هالة وهو ربيب المصطفى صلى الله عليه وسلم, ولما تزوج خديجة كانت عاقلة، وكانت من أفصح النساء, وهي التي شدت من قلبه صلى الله عليه وسلم, وواسته في الأزمات, وكان يشكو إليها جراحه وآلامه ولوعته وحرقته, وما وجده من نكال وعذاب, حتى يوم أتى من غار حراء يرتجف صلى الله عليه وسلم, فقال: {خشيت على نفسي قالت: كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق} ونزل جبريل مرة, فقالت: من هذا؟ قال: {هذا جبريل يقرئك السلام، ويبشرك ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب} والبيت في الجنة من قصب، من لؤلؤ مجوف لا صخب فيه ولا نصب, وكان صلى الله عليه وسلم إذا التجأ إلى شيء قطع الله هذا الشيء، ليلتجئ إلى الله, مات أبوه وهو في بطن أمه ماتت وهو طفل, فالتجأ إلى جده فمات جده, فالتجأ إلى عمه فمات عمه, فالتجأ إلى خديجة فماتت خديجة , لتبقى صلته بالواحد الأحد.

بناء البيت

بناء البيت ما زلنا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والذكريات الأولى قبل البعثة، وما زلنا في سن شبابه صلى الله عليه وسلم. قال: ولما بلغ سنه عليه الصلاة والسلام خمساً وثلاثين سنة جاء سيل جارف، فصدع جدارن الكعبة, هدمها من كل ناحية، وهي كانت رضيمة من الحجارة قامة الإنسان فقط, وبناء إبراهيم كان زائداً اختصروا النباء لأنهم قلَّت بهم النفقة. فما استطاعت قريش أن تبني على المكان الذي بنيت عليه الكعبة، فاختصروا الكعبة اختصاراً مشيناً, فلما هدمت الكعبة وقع الحجر الأسود بعيداً, والحجر الأسود نزل من الجنة أبيض كاللبن, فسودته خطايا بني آدم, ولا يستلمه مسلم بصدق إلا أنطقه الله بلسان يوم القيامة، كما في الأثر الصحيح، وله عينان يشهد لمن استلمه بحق يوم العرض الأكبر, وهو خرج من ياقوتة بيضاء من الجنة, وتجده أملس, ولعلكم يوم تقبلونه تجدون فيه ضروب ثلاثة, هذه الضروب الثلاثة، ضربها أبو جناب القرمطي عليه لعنة الله, كان عنده دبوس من حديد، وأتى بالحرس وقتل الحُجاج في الحرم وقال: أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا ثم أخذ الحجر الأسود فضربه ثلاث ضربات بالدبوس، كالفأس, فشج الحجر الأسود, ثم اقتلع الحجر الأسود وحمله إلى القطيف , جهة الأحساء وبقي وجلس هناك فترة, والعجيب أنه لما حمله، كان الجمل الأول يموت, فأعطاه جملاً ثانياً فمات في الطريق, إلى أن مات سبعمائة جمل, ولما ردوه كفاه جمل واحد حتى رجع. المقصود: هدمت الكعبة، فأتوا يبنونها, فلما أتوا إلى الحجر الأسود، أتت بنو هاشم أسرة الرسول صلى الله عليه وسلم, فسلوا السيوف في الصباح، وقالوا: والله لا يرفع الحجر الأسود إلى مكانه إلا بنو هاشم, من هي أشرف أسرة في الكرة الأرضية؟ بنو هاشم, لا يوجد أشرف منهم في العرب, لا العرب ولا العجم ولا الترك ولا البربر, فأتوا جميعهم وكانوا ما يقارب مائة رجل، فتعاقدوا على ألاَّ يرفع الحجر الأسود إلا هم, فأتى بنو أمية بنو العمومة وهم ما يقارب مائة رجل، وقالوا: لا يرفع الحجر إلا نحن, وأتت بنو زهرة وبنو سهم حتى اجتمعت الأسر، كلها في طرف الحرم, تعاقدوا وتعاهدوا لا يرفع الحجر إلا هم, وفي الأخير أتى بنو هاشم بصحفة رحراح، من أعواد فملئوها دم ناقة، قالوا: ضعوا أيمانكم نتعاهد ونتعاقد على الموت، لا يرفع الحجر إلا نحن, لأن المسألة فيها خطورة؛ لأن هذا يسمى مصيراً ومستقبلاً, فقام أمية بن المغيرة عم خالد بن الوليد وكان شيخاً في الثمانين, وقال: يا معشر قريش! خفضوا أصواتكم, فخفضوا أصواتهم, قال: ضعوا سيوفكم, فوضعوها, قال: أترضون أن نحتكم إلى أول من يدخل من باب بني شيبة؟ قالوا: رضينا, قال: أول من يدخل من الناس نحتكم إليه, وما هي إلا لحظات، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليهم, والرسالة لم تنزل عليه آنذاك, وكان عمره آنذاك خمساً وثلاثين سنة, وكان أجمل الناس! كان وجهه كالقمر! لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر فشق الصفوف، والسيوف على الأرض، والناس تقطر عيونهم دماً أحمراً ينتظرون الموت, فقال: ماذا؟ فأخبروه الخبر, فأخذ رداءه الشريف عليه الصلاة والسلام، ووضعه في الأرض، وأخذ الحجر الأسود فوضعه على الرداء, وقال: ليقم بنو هاشم بهذا الطرف, وبنو زهرة هنا, وبنو أمية وبنو تميم وبنو كعب حتى عدَّد بطون مكة , فقام واحد من كل أسرة، فرفعوا الحجر حتى حاذوا به مكانه، فأخذه صلى الله عليه وسلم فرده مكانه, لأن الله لا يريد أن يرد الحجر الأسود إلا باليد الشريفة التي لم تلطخ بدم ولم تسرق ولم تخن, فوضعه عليه الصلاة والسلام, وتم البناء, وهذه قصة الحجر، قال سبحانه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران:96 - 97].

معيشته عليه السلام قبل البعثة

معيشته عليه السلام قبل البعثة لم يرث عليه الصلاة والسلام من أبيه ميراثاً لا درهماً ولا ديناراً, مات أبوه فقيراً, وكان صلى الله عليه وسلم فقيراً محوجاً, لا يملك الثوب إلا في السنة, كان عليه من السنة إلى السنة ثوب واحد, ومع ذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يظهر جسمه كالديباج يقول أنس: {صافحت الرسول صلى الله عليه وسلم، فوالله ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كفه, وشممت عرقه صلى الله عليه وسلم، فوالله ما شممت مسكاً ولا عبيراً أحسن وأزكى من رائحته عليه الصلاة والسلام}. كفله عمه أبو طالب وكان أبو طالب عنده أطفال كثير, وكان فقيراً, فأخذ صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم لـ ابن أبي معيط على حفنة من تمر, وما من نبي إلا رعى الغنم, وهذه من حكمة الله أن يرعى الغنم, قال أهل العلم: في رعاية الغنم مسائل منها: 1 - أن رعاية الغنم تكسب الإنسان رقة وانكساراً وتواضعاً, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعاً. 2 - ومنها: أنها تعلمه سياسة الناس، وتدبير شئون الناس, ولذلك دبَّر صلى الله عليه وسلم شئون الناس. 3 - ومنها: أنها من أحسن الكسب، فليست كالتجارة التي قد يدخلها الحلف أو الربا. فامتن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بهذا بعد أن أغناه، قال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:6 - 8] وكان صلى الله عليه وسلم يخبر دائماً أنه رعى الغنم, وما من نبي إلا رعى الغنم, ولما بعث صلى الله عليه وسلم أتاه وفود العرب, وكان كثير من الصحابة يقومون على رأسه بالسيوف المصلتة، فأتاه ملك من الملوك؛ فأخذ يهتز هذا الملك ويرتعش من هيبة الرسول صلى الله عليه وسلم, قال: {هوِّن عليك، فإني ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة , وكنت أرعى الغنم قبل النبوة} يقول: لا تخف, وهذا من شدة تواضعه عليه الصلاة والسلام ورحمته. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن السيرة الأولى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] ولولا الله عز وجل ثم مبعثه عليه الصلاة والسلام كانت أنوف الأمة في التراب، وما كانت تعرف حضارة ولا مستقبلاً ولا رقياً ولا ازدهاراً وما كان لها تاريخ. تاريخنا من رسول الله مبدؤه وما عداه فلا ذكر ولا شان ويقول أحدهم: في كفه شعلة تهدي وفي دمه عقيدة تتحدى كل جبار

سيرته عليه الصلاة والسلام في قومه قبل البعثة

سيرته عليه الصلاة والسلام في قومه قبل البعثة هذه سيرته صلى الله عليه وسلم, ولما أخذته حليمة السعدية وكان طفلاً، كانت تدخله في الخيمة في الليل, وكانوا في بادية بني سعد في نواحي الطائف , فكان يخرج وينظر إلى النجوم متفكراً عليه الصلاة والسلام, من أبدع النجوم؟ من خلقها؟ من سوَّاها؟ من رفعها؟ ويقول كما في صحيح مسلم: {إني لأعرف حجراً في مكة كان يسلم عليّ بالنبوة قبل أن أبعث} كان يمر يرعى الغنم، فإذا مر بحجر في الطريق, قال الحجر: السلام عليك يا رسول الله, هذا قبل أن يبعث عليه الصلاة والسلام, إلى غير ذلك من أخباره العظيمة. بل جعل ابن تيمية من أعظم دلائل نبوته: أنه عاش ثلاثاً وستين سنة ما كذب كذبة، ولا خان خيانة، ولا فحش ولا بدرت منه بادرة, بل كان على السداد حتى لقي الله عز وجل. هذه قطاف من سيرته صلى الله عليه وسلم, وأزيد مسألة وهي أنه ما شرب الخمر في مستقبل حياته أبداً, لم يشرب كأساً واحداً, وكفار قريش كانوا يشربون كلهم الخمر, وكانوا يعاقرون الخمر عند الحجر الأسود, أما هو فعصمه الله من شرب الخمر، ولا سجد لصنم أبداً, ويقول صلى الله عليه وسلم وهو يذكر حياته وذكرياته الأولى، يذكر ذلك لزملائه ولأصحابه بعد أن بعث بالرسالة يقول: كان في بيت آل فلان عرس -وهو يرعى الغنم، وهو شاب صلى الله عليه وسلم - قال: فسمعنا طرباً -معناه: حفلة شعبية, زيراً -وكمنجة ووتر وعود وأهل مكة كانوا أهل طرب- قال: فقال لي أحد الرعاة: أمسك عليك غنمك، وتذهب لتسمع وتحضر، ثم تمسك غنمي وأذهب وأسمع وأحضر, قال صلى الله عليه وسلم: لا بأس, فأمسك الرجل غنم الرسول صلى الله عليه وسلم، وذهب صلى الله عليه وسلم فلما اقترب ألقى الله عليه النوم في الطريق فما استفاق إلا من حرارة الشمس وما سمع صوتاً ولا حضرها؛ لأن الله أراد أن يسدده ليكون رسولاً للعالم، ولذلك ما وجدوا فيه مدخلاً بل تكلموا بكلام ليس له أساس من الصحة, فزاده الله عز وجل بذلك شرفاً ومكانة.

ما أكرمه الله به قبل النبوة

ما أكرمه الله به قبل النبوة قال المؤلف رحمه الله تعالى: أول ما منحه الله، ما حصل له من البركات على آل حليمة الذي كان مسترضعاً فيهم, فلقد كان قبل حلوله بناديهم مجدبين, فلما صار بينهم نزل عليهم الغيث، بأمر الله وبإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى, فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالى هو الذي ينزل الغيث ويكشف ما بالناس, وهو الذي يقدر سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولكن قد يرحم الله كثيراً من الناس ببعض الناس, فلبركته عليه الصلاة والسلام رحم أهل البادية الذين سكن معهم صلى الله عليه وسلم كما سلف معنا, وأغاثهم الله عز وجل, فأصبحوا في نعيم مقيم, يقول البوصيري: وإذا سخر الإله سعيداً لأناس فإنهم سعداء البوصيري مصري له منظومات لكن لاحظ عليه العلماء المبالغة في مدحه عليه الصلاة والسلام, وله نهج البردة التي يقول فيها من ضمن أبياتها: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم إن لم تكن في قيامي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم وهذا شرك, يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم, ويقول: ما لي من ألوذ به يا رسول الله إلا بك, وهذا خطأ وشرك في المعتقد, بل الذي يلاذ به الله عز وجل, ويعاذ به تبارك وتعالى، ولا يلاذ ولا يعاذ بغيره تبارك وتعالى, والرسول عليه الصلاة والسلام لا يكشف ضراً ولا يجلب نفعاً، ولا يحيي ولا يميت ولا يشفي ولا يرزق ولا يبتلي، إنما هو فقط يبلغ الرسالة، وإلا فهو بشر عليه الصلاة والسلام, فلينتبه الناس لهذه المسألة، وهي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر، وأن مهمته تبليغ الرسالة، وقد بلغها على أكمل وجه صلى الله عليه وسلم. ثم شرح الله صدره، وبعض المفسرين يقولون في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] يقول بعضهم: أما شققنا صدرك وأخرجنا منه المرارة السوداء؟ لأن المرارة السوداء التي كانت في قلبه صلى الله عليه وسلم أخرجت, فكان صلى الله عليه وسلم يرعى البهم في الصباح وعمره ما يقارب ثمان سنوات، أو أقل من ذلك, ومعه أخوه من الرضاعة ابن حليمة السعدية المرضعة, فلما رعوا البهم بجانب ديارهم وخيمهم في بادية بني سعد المعروفة تجاه الطائف , وإذا بملكين اثنين ينزلان من السماء، فيأخذان الرسول عليه الصلاة والسلام فيبطحانه على ظهره ويشقان صدره شقاً, ثم أخرجا المرارة السوداء، وغسلا قلبه صلى الله عليه وسلم. قال أهل العلم: غسلاه بماء زمزم في طست من ذهب, فيقول بعض المفسرين: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) يقول الله عز وجل: أما شرحنا لك صدرك في هذه المرة؟ والصحيح عند جمهور المفسرين: أي: جعلناه مشروحاً واسعاً, فأزال الله همه وغمه. ولذلك تجده صلى الله عليه وسلم في المعارك وقد كسرت رباعيته, وشج رأسه عليه الصلاة والسلام, وقتل سبعون من الصحابة وهو يتبسم, وفي الغار وقد أحاط به المشركون من كل جهة وهو يتبسم, وقتل كثير من أقاربه وهو يتبسم عليه الصلاة والسلام, ثم كان عليه الصلاة والسلام على كثرة المصائب مشروح الصدر, يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125] وقال: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22] وأول ما دعا موسى عليه السلام أن قال: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} طه 25] وهي من أحسن الدعوات. فشرح الله صدره، وأخرج حظ الشيطان منه, ثم إن الله عز وجل منّ عليه أن جعل شيطانه يسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: {ما منكم من أحد إلا ومعه قرين قد وكل به، قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا، لكن أعانني الله عليه فأسلم} فشيطانه أسلم ولا يأمره إلا بخير, أما نحن فكل واحد منا معه قرين يأمره بالشر إلا من عصم ربك, والله جعل لنا هذا ابتلاء ليرى إيماننا ويرى سُبحَانَهُ وَتَعَالى عملنا الصالح, وأحسن ما يستدفع به الشيطان الوضوء وذكر الله، وقراءة القرآن، والدعاء، والمعوذات، وآية الكرسي، فهذه يستدفع بها الشيطان نعوذ بالله منه. ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام سخر الله له الغمامة في سفره إلى الشام فاستظل بها, ونزلت القافلة إلى السوق وترك الرسول عليه الصلاة والسلام يرعى الإبل وهو في الشام , وعمره ما يقارب خمساً وثلاثين سنة، فأتت غمامة فظللته عليه الصلاة والسلام, وهذه من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم. ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يمر فتسلم عليه الأشجار والأحجار بالنبوة قبل أن يبعثه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

تبشير التوراة بالرسول صلى الله عليه وسلم

تبشير التوراة بالرسول صلى الله عليه وسلم أنزل الله التوراة على موسى عليه السلام, والله كتبها بيده, والعجيب أن التوراة كتبها بيده سُبحَانَهُ وَتَعَالى, والقرآن كتبه الكتبة, والإنجيل كتبه الكتبة, أما التوراة فكتبها الله عز وجل بيده, ولذلك لما التقى موسى عليه السلام وأبونا آدم في السماء السابعة، وقيل: في السادسة, وقيل: غير ذلك, فسلّم موسى على آدم, وبينهم آلاف السنوات وهذا ابنه, موسى لم يبعث إلا بعد آلاف السنوات, بعد أن رفع الله موسى كما ثبت في الصحيحين, قال: {أنت أبونا آدم؟ قال: نعم. قال: خيبتنا -موسى كان جريئاً, حتى يقول ابن تيمية: كان جريئاً وشجاعاً, حتى لما كلمه الله عز وجل يقول: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143]- قال: خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، وأهبطتنا إلى الأرض -لماذا تأكل الشجرة, نهاك الله أن تأكل الشجرة فأكلتها, فنزلت فنزلنا, ولو جلست في الجنة لجلسنا في الجنة كلنا, لكن أنت السبب الأول في نزولنا- قال آدم عليه السلام: من أنت؟ قال: موسى, قال: موسى بني إسرائيل؟ -لأنه يقرأ سيرته- قال: نعم. قال: أنت الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه، بكم وجدت الله كتب علي ذلك -يقول كم رأيت في التوراة كتب عليَّ أن آكل من الشجرة- قال: بأربعين سنة, قال: أفتلومني على شيء قدره الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: فحجّ آدم موسى, فحجّ آدم موسى, فحجّ آدم موسى} أي: غلبه, فسكت موسى عليه السلام. فلما أنزل الله التوراة على موسى قال المؤلف: كانت محتوية على الشرائع التي تناسب أهل ذاك الزمن, نوه بذكر كثير من الأنبياء الذين علم الله أنه سيرسلهم, ومما جاء به في التوراة تبشيراً برسولنا الكريم خطاباً لسيدنا موسى عليه السلام, وخطاب التوراة مترجم إلى العربية يقول وهذا يعرفه بنو إسرائيل جميعاً, حتى اليهود الآن الذين في فلسطين يعرفون هذا الكلام: " سوف أقيم لهم نبياً مثلك, من بين إخوتهم، وأجعل كلامي في فمه, ويكلمهم بكل شيء آمره به ومن لم يطع كلامه الذي يتكلم به باسمي, فأنا الذي أنتقم منه, فأما النبي الذي يجترئ علي بالكبرياء ويتكلم باسمي بما لم آمره به أو باسم آلهة أخرى فليقتل, وإذا أحببت أن تميز بين النبي الصادق والكاذب, فهذه علامتك، إن ما قاله ذلك النبي باسم الرب ولم يحدث فهو كاذب يريد تعظيم نفسه ولذلك لا تخشاه. هذا كلام من التوراة يخبر بالرسول عليه الصلاة والسلام. والعجيب أن الكتب التي أنزلها الله عز وجل لا تسمو إلى بلاغة أو إعجاز القرآن, إذا قرئ علينا في الصلاة كأنه أول مرة تسمعه, ويقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأنس وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الاسراء:88] وعرف اليهود أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يبعث, ولكنهم أخذهم الحسد لأنه عربي, وهم يريدون أن يكون من اليهود. كان رجل في المدينة قبل أن يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان اليهود أهل النخل في خيبر , فكان يجمع اليهود كلهم -هذا عالم من علمائهم- ويقول: يا معشر اليهود! النبي سوف يبعث في هذه الأيام، وسوف يبعث من عندنا, قالوا: ما علامته؟ قال: ربعة من الرجال، أبيض مشوب بحمرة، يخرج من بين حرتين, لا يقرأ ولا يكتب, فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فخرج من بين الحرتين, أبيض ربعة لا يقرأ ولا يكتب, فيقول اليهود لعالمهم الذي كان يقص عليهم بعد صلاة العصر: أهذا هو الرسول؟ قال: لا. فأنزل الله عز وجل: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]. ويقول عبد الله بن سلام: {كنت أقرأ وصف الرسول عليه الصلاة والسلام في التوراة -هذا يهودي من علمائهم- قال: فلما نزل صلى الله عليه وسلم المدينة جهة قباء -المسجد المعروف عند قباء - قال: فنزلت السوق فتركت نخلي وأتيت من مزرعتي، وإذا بالناس قد اجتمعوا على الرسول صلى الله عليه وسلم, قال: فزاحمت حتى أشرفت، فرأيت وجهه، فإذا هو كأنه القمر في ليلة أربعة عشر, قال: فعرفت أنه ليس بوجه كذاب, قال: فاقتربت منه وإذا هو يقول: يا أيها الناس! أفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخوا الجنة بسلام, فقلت له: من أنت؟ قال: أنا رسول, قلت: من أرسلك؟ قال: الله, قلت: ألك علامات؟ قال: سل ما بدا لك, قال: أسألك عن ثلاث مسائل -هذا عبد الله بن سلام وهو عالم من علماء اليهود- إن أجبتني عنها فأنت صادق يتحداه!! قال: ما هي؟ قال: أولاً: ما أول علامات الساعة؟ ثانياً: ما هو أول شيء يأكله أهل الجنة؟ ثالثاً: لماذا يشبه الولد أباه أو يشبه أمه؟ قال عليه الصلاة والسلام: أما أول علامات الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب قال: صدقت. قال: وأما أول ما يأكل أهل الجنة في الجنة فزيادة كبد الحوت، قال: صدقت. وقال: وأما لماذا يشبه الولد أباه أو أمه، فماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة رقيق أصفر، فإذا علا أحدهما الآخر أشبه أباه أو أمه, قال: صدقت! أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله, ثم قال: يا رسول الله! قال: نعم. قال: أنا من أحبار اليهود ومن علمائهم, وقرأت أوصافك في التوراة, فأدخلني هذه المشربة -المشربة غرفة دائماً تأتي وراء الغرف الكبرى- فأدخله عليه الصلاة والسلام وأغلق عليه الباب -باب خشب- وقال: ادع اليهود واسألهم عني وسوف تسمع, ثم أخبرهم أني أسلمت, فدعا صلى الله عليه وسلم عشرة من علماء اليهود الكبار الذين يحفظون التوراة، فأجلسهم أمامه, وعبد الله بن سلام وراء الباب, قال: كيف عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: حبرنا وابن حبرنا، وعالمنا وابن عالمنا، وفقيهنا وابن فقيهنا, ففتح صلى الله عليه وسلم الباب له, وقال: أرأيتم إن أسلم؟ قال: أعاذه الله من ذلك, قال عبد الله بن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, قالوا: شرنا وابن شرنا، وسيئنا وابن سيئنا، وخبيثنا وابن خبيثنا} , وهذه لا تقبل نعوذ بالله من الخذلان, هؤلاء اليهود يعرفون مبعث الرسول عليه الصلاة والسلام, ولكنهم غضبوا لأنه عربي. ولذلك لا يقبلونا الآن غضباً؛ لأن دعوته غطت ثلاثة أرباع الكرة الأرضية عليه الصلاة والسلام, والمستقبل لدعوته وهم الآن شرقوا بها, ويموتون من ذكره صلى الله عليه وسلم, يقول سبحانه في مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة:44 - 46]. يقول: لو زاد من عنده على كلامنا لقطعنا منه الوتين, قالوا: العرق الذي فيه الحياة, قال: لصرعناه أو لقتلناه وقيل: لذبحناه, يقول: ليس له أن يتكلم بكلمة إلا منا: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67].

عصمة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم

عصمة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام مكث بين أعدائه من المشركين واليهود ثلاثاً وعشرين سنة يدعوهم إلى الله، ومع ذلك عصمه الله منهم، وأنزل عليه تطميناً لخاطره في سورة المائدة: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]. كان إذا أراد أن ينام صلى الله عليه وسلم في الليل جعل حارساً على الباب من الصحابة؛ معه سيف ورمح وخنجر يحرسه حتى الصباح, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خطير واغتياله سهل, والله عز وجل حماه في فترة طويلة، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يعتدى عليه من قبل اليهود والمنافقين, قالت عائشة: {سافر صلى الله عليه وسلم مرة من المرات فنام صلى الله عليه وسلم في الصحراء ومعه خيمة, قال: ليت رجلاً صالحاً يحرسنا هذه الليلة, قالت: فإذا به يسمع صوت سلاح فقال صلى الله عليه وسلم: من؟ قال: سعد بن أبي وقاص -الذي دمر إمبراطورية كسرى وقيصر, هذا الذي فتح فارس الذي قتل الدكتاتور رستم , يقول صلى الله عليه وسلم إذا رأى سعد بن أبي وقاص: هذا خالي فليرني كلٌ خاله- فقال صلى الله عليه وسلم: من؟ قال: سعد بن أبي وقاص , قال: رحمك الله, فحرس النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الصباح أنزل الله عز وجل: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)} يقول: لا تخف لا تأخذ حراسة، فلن يعتدي عليك أحد, فترك صلى الله عليه وسلم الحراسة، فكان يمشي وحده بلا سلاح ولا حرس, وقد تعرض لإحدى عشرة محاولة اغتيال ونجاه الله, وأنا أذكر بعضها: رجل من قريش اسمه فضالة أخذ خنجراً كخافية النسر وسمّه حتى أصبح الخنجر أزرق, قال: {فلما أصبح صلى الله عليه وسلم يطوف جعلت الخنجر تحت إبطي، قلت: فسوف أتركه فإذا قبل الحجر طعنته, قال: فاقتربت منه، فكلما أردت أن أطعنه إذا كالبرق بين عيني, قال: ثم التفت وأنا بجانبه، قال: يا فضالة! ماذا تقول؟ قلت: أستغفر الله وأحمد الله وأدعو الله, قال: قل أعوذ بالله من الشيطان, فقلت: أعوذ بالله من الشيطان, قال: فأخذ يده فوضعها على صدري، فوالله ما رفعها حتى كان أحب الناس إلى قلبي}. وقال عثمان بن أبي شيبة: {خرجت مع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن قتل آباءنا في بدر فلما أهويت لأقتله حماه الله، قال: ثم التفت إلي صلى الله عليه وسلم ودعا لي وعفا عني فكان أحب الناس إلي}. ومن محاولات الاغتيال: أن رجلين من العرب عامر بن الطفيل سيد العرب, كان عنده ألف مقاتل, وأربد بن قيس ذهب إلى المدينة , فقال عامر بن الطفيل لـ أربد: سوف أشغل الرسول عنك وأحدثه، فإذا أشغلته فاقتله من ورائه, فلما وصلا إلى المدينة , قال للرسول: اخرج معنا إلى الصحراء نريدك, فخرج معهم صلى الله عليه وسلم, وليس لديه سلاح ولا أخبر أحداً من الصحابة, فلما أصبح وحده معهم, قام عامر بن الطفيل يحدث الرسول صلى الله عليه وسلم, ويشير بعينه إلى أربد , ومع أربد سيف يقول: اقتله, فتوقف أربد , فأشار له فتوقف, وأشار له فتوقف, ثم ترك عامر الرسول صلى الله عليه وسلم ومشى هو وأربد , فقال عامر لـ أربد: والله لا أصحبك بعد اليوم، ولا رأيت أجبن منك في العرب, قال: ولِمَ؟ قال: أشغلت الرجل عنك وما قتلته؟ قال: والله ما هممت ولا رفعت سيفي لأقتله إلا وجدتك بيني وبينه أفقتلك؟ فالتفت صلى الله عليه وسلم وعرف أنهما خائنان لما مضى, قال: {اللهم سلّط عليهم ما شئت} فأما عامر بن الطفيل فسلط الله عليه غدة نزلت كثدي المرأة في حلقه, وهو في بيت عجوز من بني سلول، قال: غدة كغدة البعير في بيت امرأة من بني سلول! يقول: أنا أكرم العرب أموت في بيت هذه العجوز, فركب على الفرس فمات, وأما أربد بن قيس فقد أنزل الله عليه صاعقة فأحرقته وأحرقت جمله وسط السوق. يا غارة الله جدي السير مسرعة في أخذ هذا الفتى يا غارة الله يقول سبحانه يرد على الرسول صلى الله عليه وسلم: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الشورى:24] ومعنى الآية: هل تفتري علينا الكذب؟ فإذا شاء الله ختم على قلبك فلا تستطيع تتكلم, فمن الذي جعلك تتكلم؟ هذا المصحف الذي بين أيدينا أتى به عليه الصلاة والسلام, وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، لا تعلَّم ولا دخل مدرسة، ولا يعرف أن يكتب اسمه عليه الصلاة والسلام {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:2] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت:48 - 49]. ثم إن الله بشَّر به عليه الصلاة والسلام في الكتب السابقة، وعرفه الناس عليه الصلاة والسلام قبل مبعثه, ومن أوصافه صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة ما روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أجل والله! إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن, اسمع إلى كلام التوراة " يا أيها النبي! إنا أرسلناك شاهدا ومبشراً ونذيراً -وهذه جملة في القرآن- وحرزاً للأميين -أي: حرزاً لنا, الأميين الذين لم يقرءوا ولم يكتبوا, نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب- أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة -ما كان يرفع صوته صلى الله عليه وسلم ولا كان يصيح، وإذا أراد أن يلتفت لا يلتفت برأسه فقط، بل يلتفت بجسمه كله, ولا يشير بأصبعه ويشير بيده كلها, وكان عليه الصلاة والسلام لا يتثاءب أبداً منذ أن ولدته أمه إلى أن مات ما تثاءب, لأن التثاؤب من الشيطان, ولم يحتلم أبداً, وكان إذا قام يقول: {استووا استووا اعتدلوا إني أراكم من وراء ظهري} فكان يرى الصفوف من وارء ظهره, وكان صلى الله عليه وسلم إذا نام تنام عيناه ولا ينام قلبه, ويرى أحياناً أنه يدخل الجنة، وأحياناً يتكلم مع الملائكة عليه الصلاة والسلام، وله صفات كثيرة عليه الصلاة والسلام, كان العرق الذي يتصبب منه أحسن من المسك, وكانت الأنصار تأخذه في قوارير, ويأخذون منه قطرات يغسلون به المرضى فيتشافون بإذن الله.

لمحة من أخلاق النبي الكريم

لمحة من أخلاق النبي الكريم كان صلى الله عليه وسلم ينزل الأسواق, لكن ما كان يرفع صوته, ومرة من المرات نزل فأتى إلى زاهر وهو بدوي, كان زاهر هذا يأتي بالعسل والسمن للرسول صلى الله عليه وسلم يشتريه منه, فوجد زاهراً يبيع، فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم من وراء زاهر، فاحتضنه من وراءه وأمسكه بقوة -وكانت قوته صلى الله عليه وسلم تعادل قوة ثلاثين رجل صلى الله عليه وسلم, ولذلك يقول أحد الأنصار: رأينا صخرة في الخندق اجتمع عليها نفر منا ما استطعنا لها, فأتى صلى الله عليه وسلم فرفع عن ساعديه فحملها، فوالله ما أنسى ذراع يديه وهو يحمل الصخرة حتى رماها بعيداً- فلما أمسكه قال: من يشتري العبد؟ يقولها صلى الله عليه وسلم وسط السوق, فأخذ زاهر يقول: اتركني اتركني لا يدري من هو هذا العربي الذي أمسكه, قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {من يشتري العبد؟ من يشتري العبد؟} فالتفت فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخذ يتمحك بظهره بصدر الرسول صلى الله عليه وسلم للبركة, ثم قال: إذاً يا رسول الله تجدني كاسداً، قال: {لكنك عند الله لست بكاسد. وقريش يقولون: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان:7] يقولون: لماذا يتكسب يبيع ويشتري؟ لو كان رسول صدق لجلس في البيت, فالله أخبرهم أنه يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، وأنه بشر يعرف آلامهم وآمالهم, ويعيش حوائجهم عليه الصلاة والسلام, ويجوع كما يجوعون, ويشبع كما يشبعون. قال: ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر, كل من أساء في حقه صلى الله عليه وسلم عفا عنه وغفر, لما دخل مكة وفتح عليه الصلاة والسلام مكة , أخذ بحلق باب الكعبة قال: {الحمد لله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده} ثم قال لقريش الذين آذوه وقتلوا أصحابه وقاتلوه: {ما ترون أني فاعل بكم؟} يقول: ماذا تتصورون وماذا تتوقعون أني سوف أفعل؟ أنا الآن منتصر, السيف في يدي, أنتم لا تملكون شيئاً مجردين من السلاح, وكان حراسته على الحرم اثني عشر ألف مقاتل من الصحابة- فأخذوا يتباكون، يقول أحد الصحابة: سمعت بكاء الأطفال والنساء والرجال, أي: يقولون: أنقذنا, فقام أبو سفيان فقال: أخ كريم وابن أخ كريم, يقولون: افعل ما بدا لك, نحن أسأنا وأخطأنا, قال صلى الله عليه وسلم: {عفا الله عنكم, وغفر الله لكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء} فأخذ أبو سفيان يبكي عند الباب، ويقول: [[لا إله إلا الله ما أرحمك! ولا إله إلا الله ما أحلمك! ولا إله إلا الله ما أبرك! ولا إله إلا الله ما أوصلك!]] عليه الصلاة والسلام. والله يقول له: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [المؤمنون:96] وقال سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقال سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. {جاء بدوي أعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم برد نجراني غليظ الحاشية -جبة- فمشى صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فأدركه الأعرابي فسحبه سحبة شديدة حتى أثر البرد في عنقه, فالتفت صلى الله عليه وسلم إليه يتبسم صلى الله عليه وسلم, قال الأعرابي: أعطني من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا مال أمك -أعوذ بالله من الخطأ- قال صلى الله عليه وسلم: أعطوه, فأعطوه, ثم أسلم هذا الأعرابي, فقال صلى الله عليه وسلم: لو تركته وما فعل لارتد وارتد قومه معه} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. واعلم حفظك الله أنه صلى الله عليه وسلم، تميز بآيات عديدة منها: معجزات ظاهرة سوف تأتي معنا: ومنها: معجزات خُلقية وخَلقية. ومنها: أن العالم شهد بنبوته منهم من آمن ومنهم من كفر. ومنها: أن الله أتم له نوره وجعل العاقبة له, وجعل الدائرة على أعدائه.

تبشير الإنجيل ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم

تبشير الإنجيل ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم قال: المؤلف رحمه الله تعالى (بابٌ في تبشير الإنجيل بالرسول صلى الله عليه وسلم) أي: أن ذكره صلى الله عليه وسلم كان في الكتب السالفة، ومر معنا أنه وجد ذكره صلى الله عليه وسلم في التوراة، وقد بشر به موسى قومه بني إسرائيل. نسمع الآن إلى عيسى عليه السلام يبشر كذلك بني إسرائيل بالرسول عليه الصلاة والسلام، قال: بشر عيسى عليه السلام قومه في الإنجيل بالفار قليط، ومعناه قريب من اسم محمد أو أحمد، وهذه في لغتهم في الإنجيل، ولا يوجد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين عيسى نبي، بل عيسى قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم خُتم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهو خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، قال: فكان يدعى في الإنجيل بالفار قليط، ومعناه قريب من محمد أو أحمد. ويصدقه القرآن في قول الله تعالى في سورة الصف: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أحمد} [الصف:6] وهو رسولنا عليه الصلاة والسلام، واسمه: أحمد ومحمد والعاقب والماحي والحاشر، أما اسم طه فلم يثبت عند أهل السنة أن اسمه صلى الله عليه وسلم طه، إنما قاله بعض الناس. وهنا وقفة لطيفة في الآية: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ} [الصف:5] ولما أتى عند عيسى قال: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ} [الصف:6] فلماذا قال موسى: يا قوم؟ ولماذا قال عيسى: يا بني إسرائيل؟ قال بعض أهل العلم: لأن موسى من بني إسرائيل، فأبوه من اليهود، أما عيسى فليس له أب، فما ينتسب إليهم، ما قال: يا قوم، إنما قال: يا بني إسرائيل، فناداهم كأنه بعيدٌ عنهم عليه السلام، قال الله: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} [الصف:6] التوراة التي أتى بها موسى عليه السلام، والتوراة كان فيها الأحكام والحدود، والإنجيل كان فيه الرقائق والمواعظ: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أحمد} [الصف:6] قيل: بينه وبين عيسى عليه والسلام خمسمائة سنة، وقيل: أربعمائة سنة، وقيل: ما يقارب ذلك. وقد وصف المسيح هذا بالفارقليط، بأوصاف لا تنطبق إلا على نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال عيسى عليه السلام يصف الرسول صلى الله عليه وسلم لقومه: إنه يوبخ العالم على خطيئته، أي: الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي؛ فيوبخ الناس على خطاياهم، وعلى معاصيهم، وإعراضهم عن الله، وأنه يعلمهم جميع الحق؛ لأنه ليس ينطق من عنده، بل يتكلم بكل ما يسمع، ومصداق ذلك في القرآن: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:1 - 4]. فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يأتِ بالشريعة من نفسه: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة:44 - 46] إنما أتى بوحي ينشره في الناس صلى الله عليه وسلم، ويتكلم بوحي من الله، ولا يمكن أن يفرض للناس ما لم يتنزل عليه، ومن علامة ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده ثقافة، ولم يكن يقرأ ولا يكتب، إنما أنزل الله عليه هذا الوحي فبلغه للناس عليه الصلاة والسلام. وقد ورد في إنجيل برنابا، الذي ظهر منذ زمن قريب وأخفته حجب الجهالة، ذكر اسم الرسول عليه الصلاة والسلام صراحة، فورد في إنجيل برنابا اسمه محمد، وورد أن اسمه أحمد وهو رسولنا عليه الصلاة والسلام، واليهود والنصارى يعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق، وأنه رسول من الله، وأنه نبي، لكن منعهم الحسد والبغي والغرور أن يؤمنوا به.

حركة الأفكار قبل البعثة

حركة الأفكار قبل البعثة قال المؤلف: بابٌ في حركة الأفكار قبل البعثة، وهذا يسهل لك فهم الحركة العظيمة من الأحبار والرهبان قبيل بعثته عليه الصلاة والسلام؛ فإن اليهود كانوا يستفتحون في المدينة على العرب، وكان اليهود مجاورين للعرب من الأوس والخزرج في المدينة، وكان اليهود يقرءون التوراة ويرون خبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فكانوا يستفتحون على الذين كفروا، أي: يستفتحون على المشركين. يقولون: غداً سوف يظهر النبي يقاتلكم ونقاتلكم معه وسوف نكون معه، لماذا يقول هذا اليهود؟ لأنهم ظنوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يكون من اليهود لا من العرب، وكانوا يقولون: صفته كذا، ربعة أبيض مشوباً بحمرة، أمي لا يقرأ ولا يكتب، يخرج بين النخل، يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، أوتي قوة ثلاثين، تنام عيناه ولا ينام قلبه، لا يتثاءب ولا يحتلم، وهذه أوصاف الرسول عليه الصلاة والسلام. والأوس والخزرج من العرب ولم يكن عندهم كتاب، كانوا ينتظرون، فلما بعث عليه الصلاة والسلام فوجئ اليهود أنه بعث من العرب؛ فكفروا، قالوا: لا. ليس هذا بالرسول، قال الأوس والخزرج: هذا الذي أخبرتمونا به، هذه أوصافه، قالوا: لا. ليس هو، قال الله: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]. وكان في صفاته عليه الصلاة والسلام عند اليهود في التوراة أنه كلما أغضبته كلما زاد حلماً، كلما رفعت صوتك على الرسول صلى الله عليه وسلم كلما ازداد حلماً. فلما أتى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جاء تاجر من تجارهم اسمه زيد بن سنعة، رأى أوصاف الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فأراد أن يختبر حلمه، هل هو صحيح أم لا؟ فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا أبا القاسم! أنا رجل من تجار اليهود، وعندي مالٌ كثير، وأريد أن تأخذ من مالي تستعين به على غزواتك وعلى حوائجك، قال عليه الصلاة والسلام: لا بأس، فأخذ منه صلى الله عليه وسلم مالاً إلى الحول إلى سنة. وبعد شهر أتى اليهودي والرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد في صلاة العصر يصلي بالناس، والصحابة قد اجتمعوا، فقال اليهودي التاجر: يا محمد! أعطني مالي الذي عندك، قال صلى الله عليه وسلم: أنت أعطيتني إلى حول -إلى سنة- قال: إنكم مطل يا بني عبد المطلب، أي: أنكم تماطلون الدائن، أنتم لا توفون، فتبسم عليه الصلاة والسلام، قال: أعطني مالي ولا تتبسم، فتبسم أكثر، فقام عمر -قال الرواي: تتدحرج عيناه رضي الله عنه من الغضب يريد اليهودي- فأجلس النبي صلى الله عليه وسلم عمر وقال: سوف أعطيك إن شاء الله، فأخذ اليهودي يرفع صوته وأخذ صلى الله عليه وسلم يتبسم، وأخذ يد اليهودي معه، وذهب به إلى بيته فقضاه، فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، ما من علامة في التوراة كانت مكتوبة إلا وجدتها فيك، إلا هذه العلامة فأردت أن أبتليك وأمتحنك فوجدتها فيك، فأشهد أنك رسولٌ من عند الله، وهذه صفاته عليه الصلاة والسلام. ثم لما بعث عليه الصلاة والسلام من العرب منعهم الحسد أن يؤمنوا به، وكان أمية بن أبي الصلت المتنصر العربي، كثيراً ما يقول: إني لأجد في الكتب صفة نبي يبعث في بلادنا، أمية بن أبي الصلت ثقفي من أهل الطائف وشاعر، وكان يقرأ التوراة والإنجيل، وهو الوحيد الذي يقرأ في الطائف، كانوا يجتمعون فيكتب لهم الرسائل، ويخبرهم أنه سوف يبعث نبي، وكان هو يعرض بنفسه، يقول: هو الذي سوف يبعث؛ لأنه يقول: ليس هناك رجلاً مثقفاً في الجزيرة العربية إلا هو، أي: أكاديمي، أما البقية فليس عندهم ثقافة، الرسول صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب، لكن أمية بن أبي الصلت، يقرأ وشاعر ويكتب، وذاك الوقت لو وجد في العرب من يقرأ ويكتب وشاعر فهو الكامل عندهم، وهو صاحب القصائد العجيبة التي يذكر الله فيها، يروي قصة موسى عند فرعون في قصيدة قديمة عربية، يقول: أن موسى ذهب إلى فرعون، فقال: فقولا له هل أنت سويت هذه بلا عمد حتى استقلت كما هيا يقول: إن الله أرسل موسى إلى فرعون، فقال الله لموسى: قل له يا موسى: أأنت سويت السماء بلا عمد؟ وله قصيدة يحيي فيها ملك اليمن سيف بن ذي يزن، يقول: اجلس بـ غمدان ذاك القصر في وله في قصر غمدان حالاً دونه حال تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعاد بعد أبوالا لأن العرب كانوا يهنئون سيف بن ذي يزن في اليمن ويحيونه؛ لأنه طرد أبرهة الأشرم، وطرد الأحباش الذين احتلوا اليمن، فهذا أمية بن أبي الصلت، يقول عمرو بن الشريد أحد الصحابة وهو سُلمي، كان يحفظ الشعر، قال: {أركبني صلى الله عليه وسلم وراءه على الدابة، فقال لي صلى الله عليه وسلم: تحفظ لـ أمية بن أبي الصلت شعراً، قلت: نعم يا رسول الله، قال: أنشدني، قال: فأنشدته بيتاً، قال: زدني، قال: فأنشدته ثانية، قال: هيه، فأنشدته ثالثاً، قال: هيه، حتى أنشدته مائة بيت، فقال صلى الله عليه وسلم: آمن لسانه وكفر قلبه}. هذا أمية بن أبي الصلت لما بعث صلى الله عليه وسلم كفر؛ لأنه أسقط في يديه، لكن الله يقول: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] أصلاً ليست بالانتخابات، الله أعلم بالقلوب، والله أعلم بمن هو المهيأ لقيادة العالم وإصلاح البشر، هذه مهمة صعبة، فاختار الله الرسول عليه الصلاة والسلام، وترك هذا؛ فكفر هذا.

سلمان الفارسي والبحث على الهداية

سلمان الفارسي والبحث على الهداية وحدث سلمان الفارسي رضي الله عنه عن نفسه: أنه كان في أرض فارس، وكان أبوه ملك النار، يوقد النار لأهل فارس ويعبدونها من دون الله، ويسجدون لها، فأتى يوماً من الأيام، فأرسله أبوه ليوقد النار، ومع صلاة المغرب يوقد المجوس النار، يقول محمد إقبال يحيي الرسول صلى الله عليه وسلم: أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا يقول: من الذي أطفأ نار المجوس إلا أنت يا رسول الله. فذهب سلمان بعد أن أرسله أبوه قبل الغروب، قال: أوقد النار حتى يعبدها الناس، فمر في أثناء الطريق براهب نصراني عنده علم من التوراة، فأجلس سلمان وقال: عبادة النار شرك من دون الله عز وجل، وأرى أن تترك عبادة النار، فترك إيقاد النار؛ فخاف أبوه عليه؛ فقيده في البيت وربطه، وقال: لا تخرج من هذا البيت أبداً، فاحتال سلمان وهرب وترك الحبال، وذهب إلى نصراني يعبد الله فجلس معه يتعبد، فلما حان الأجل من هذا النصراني، قال له سلمان الفارسي: يا فلان! حانت منك الوفاة، وتعرف أنني يتيم، وأني تركت أهلي، فبمن توصيني؟ قال: أوصيك بفلان، رجل في مدينة من مدن العراق، قال: فذهبت إليه؛ فخدمته، فكان من أسوأ الناس، يأخذ أموال الناس سرقة، ويزعم أنه يتصدق ولا يتصدق، قال: فأخبرت الناس به، فأتوا عليه؛ فهدموا صومعته وضربوه، وأخذوا قسيساً مكانه ووضعوه، فذهبت إلى القسيس هذا فوجدت فيه خيراً كثيراً، فلما حضرته الوفاة، قلت له: إلى من أذهب؟ قال: لا أجد رجلاً من القساوسة الآن في الدنيا، لكن سوف يبعث رسول قريب من أرض العرب من مكة، فإذا بعث فاذهب إليه، وله ثلاث علامات: العلامة الأولى: أن فيه خاتم النبوة عند كتفيه كزر الحمامة، قيل: بيضة الحمامة أو كذا. العلامة الثانية: أنه يقبل الهدية ويأكلها ولا يأكل الصدقة. العلامة الثالثة: يخرج بين حرتين. قال سلمان: فسمعت بمبعث الرسول عليه الصلاة والسلام، فجمعت ما عندي من مواشي، وما عندي من غنم وإبل، وجعلتها أجرة لأهل السفينة يحملونني في البحر فحملوه، فلما وصل إلى ساحل البحر نزل وذهب إلى المدينة، فأخذه اليهود الذين كان معهم في القافلة، وقالوا: هو عبد لنا وهو حر، لكن الخونة فعلوا ذلك، فأخذوه؛ فأنزلوه يشتغل في النخل ويعمل معهم، وفجأة سمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة إلى المدينة، قال: فأخذت رطباً معي من النخلة، وأتيت به وتركت سيدي، وأتيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا أصحابه حوله، قلت: يا رسول الله! هذا صدقة لكم، قال: فردها صلى الله عليه وسلم، وقال لأصحابه: كلوا هذه صدقة، فأكلوا ولم يأكل صلى الله عليه وسلم. قال: وفي الليلة الثانية، أتيت بعذق رطب، وقلت: هذا هدية لك يا رسول الله. قال: فأكل مع أصحابه، قلت: هذه ثانية، قال: وحضرته وهو يشيع جنازة فجلس، فأتيت من وراء ظهره؛ فعرف أنني أريد أن أنظر إلى العلامة؛ فرفع الكساء، فوجدتها كزر الحمامة، وهو خاتم النبوة، قال: وبعث بين حرتين كما في الحديث، فأسلم سلمان الفارسي بهذه العلامات، هذا بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام.

مراسلة النبي صلى الله عليه وسلم لملوك الأرض

مراسلة النبي صلى الله عليه وسلم لملوك الأرض ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم راسل ملوك الأرض، فأما النصارى منهم فأجابوا بهدوء، ولو أن بعضهم لم يسلم، ولذلك تجد النصارى أقرب قلوباً للمسلمين من اليهود، وتجد أن اليهود والشيوعية في معسكر واحد عداء للإسلام والمسلمين، أما النصارى فقد يكون عندهم احترام إنساني في مسألة الدين، وهم لا يريدون أن يتورطوا في مسألة التصادم بين الإسلام والدين. يونس خالص وهو أحد قادة المجاهدين دخل البيت الأبيض على ريغان، -والقصة معروفة، وموجودة ومنشورة- فيقول لـ ريغان: أسلم تسلم، إني أدعوك إلى الإسلام، فيقول ريغان: أنا أحترم الأديان السماوية، هم لا يريدون أن يستثيروا غضب مليار مسلم، ثم إنهم يعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق، لكن لا يتبعونه، بزعم أنهم يؤمنون بعيسى عليه السلام، وهذا والعياذ بالله كفر بالرسول صلى الله عليه وسلم وبعيسى؛ لأن بعد رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم انتهت الرسائل {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] أي: انتهت بعد مبعثه كل رسالة.

رسالته صلى الله عليه وسلم إلى كسرى

رسالته صلى الله عليه وسلم إلى كسرى أرسل صلى الله عليه وسلم رسائل، منها: إلى كسرى وكان وثنياًلم يكن عنده كتاب، ولا يدري ما الرسول هذا، وكان يستعبد العرب، وكان له ملك يراجعه يملك العرب النعمان بن المنذر في الحيرة في العراق، كان يملك العرب ويأخذ أموالهم، ويأخذ منهم المكوس ويدفعها لكسرى، فلما بعث صلى الله عليه وسلم أرسل رسالة إلى كسرى؛ فمزقها، قال صلى الله عليه وسلم: {مزق كتابي، مزق الله ملكه}. ثم إن المجرم كسرى، أرسل إلى الوالي في اليمن قال: أرسل جنديين من عندك لسحب هذا المدعي النبوة من مكة حتى تأتوني به وأحاسبه في المدائن، فأرسل لـ باذان أمير اليمن، أرسل جنديين حليقين -أي: لحاهم على الصفر- فوصلا إلى المدينة، فحياه بتحية الجاهلية، قال صلى الله عليه وسلم: من أمركما بهذا؟ أي: بحلق اللحية، قالا: ربنا أمرنا بذلك، يعنون: كسرى؛ لأن الدولة كانت تصدر مرسوماً أنهم كلهم يحلقون، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {اغربا عني إن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي} ثم قالا: نريد أن تذهب معنا، أي: أن الأمر سهل، الرسول صلى الله عليه وسلم مرسل من الله رب العالمين، يذهب معهم إلى كسرى، قال: أين؟ قالوا: تذهب معنا إلى ربنا، يقصدون: كسرى، قال: {إن ربي عدا على ربك البارحة فقتله} يقول صلى الله عليه وسلم أي: أنه اغتيل البارحة، ووجدوا في الليلة نفسها أن ابن كسرى اعتدى على أبيه في ظلام الليل؛ فذبحه على الفراش، وانتهت المناورة هذه. وبعد سنوات اكتسحه سعد بن أبي وقاص، ودمر رستم الدكتاتور وأمثاله، ودمر إيوان كسرى، وافتتح -والحمد لله- جنوب العراق وشمالها في قادسية لا إله إلا الله محمد رسول الله. وأما الملوك الآخرين الذين عندهم علم من التوراة والإنجيل، فبعضهم على ثلاثة أنواع:

رسالته صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس

رسالته صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس بعضهم هادن الرسول صلى الله عليه وسلم مهادنة، فـ المقوقس ملك مصر أهدى للرسول صلى الله عليه وسلم جاريتين، وأهدى بعض البغال والمواشي، حتى يكون هناك تعايش سلمي، لا يريد أن يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أن يستثير حفيظته. والثاني: لا يريد كذلك أن يكذب بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يدري أنه صادق، ولا يريد أن يسلم؛ لأنه لو أسلم ذهب ملكه فاحتار في المسألة، فرأى الحل الوسط أن يهدي له هدية، فأهداه فوصلت.

رسالته صلى الله عليه وسلم إلى هرقل

رسالته صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وأما هرقل عظيم الروم، فإن الإسلام دخل قلبه، فلما دخل قلبه جمع الناس، وقال: ما رأيكم نسلم وندخل مع هذا الرسول؟ فقال قومه: ماذا تريد منا؟ قال: نريد أن ندخل في دين الله وأن نسلم للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أغلق عليهم حوشاً كبيراً فحاصوا كحيصة حمر الوحش من الغضب، وكان هو مرتفع على قبة، وكادوا يقتلونه، وتمزقوا يريدون أن يخرجوا من الأبواب، فإذا الأبواب مغلقة، قال: عودوا فعادوا، قال: إنما أردت أن أمتحن صلابتكم على دينكم، وأمتحن جدارتكم، ولا أريد أن أسلم، وهو أراد أن يسلم، لكن ما فعل. ونص رسالته صلى الله عليه وسلم إليه: {بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى هرقل عظيم الروم، أمَّا بَعْد: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:64]}. هؤلاء الملوك استمروا حتى عزلهم صلى الله عليه وسلم بحكم الإسلام، وأرسل جيوشه وكتائبه، ففتحت مشارق الدنيا ومغاربها مهللة مكبرة. وأما ما سمع من الهواتف والكهان قبيل زمنه عليه الصلاة والسلام، فلا يدخل تحته حصر فهي كثيرة، وكانوا يسمعون الهاتف من الليل يهتف، قريش طاردت الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة، وقالت: من يجد الرسول فله مائة ناقة، فلحقه سراقة بن مالك، ولا تدري قريش أين يذهب صلى الله عليه وسلم، هل ذهب المشرق أم المغرب، أو الشمال أو الجنوب؟ لم يعلموا أنه ذهب باتجاه المدينة؛ لأنكم تعرفون اتجاه المدينة عن مكة، والرسول صلى الله عليه وسلم خالفهم ونزل تجاه الجنوب في غار ثور؛ لأنه يعرف أنهم سوف يبحثون عنه في خط المدينة، فنزل في غار ثور فلحقوا به وطوقوا الغار ولم يدخلوه بإذن الله وأعمى الله أبصارهم ونجاه. فلما أصبح في الطريق لم تدرِ قريش أين ذهب، فلما اقترب من المدينة وإذا هاتف يهتف في مكة من الجن وهو يقول: جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلاَّ خيمتي أم معبد هما نزلا بالبر ثم تروحا فأفلح من أمسى رفيق محمد فيا لقُصيَّ ما زوى الله عنكمُ به من فخار لا تُجاذى وسؤددِ سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهدِ هذا شعر الجن، فعرفت قريش أنه ذهب إلى المدينة. وهذا القصة: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نزل عند هذه المرأة أم معبد الخزاعية -وكانت في خيمة- وزوجها يرعى الغنم وهي عجوز كبيرة، فقال لها صلى الله عليه وسلم: أعندك شاة حلوب؟ قالت: ما عندي من حلوب، قال: وما هذه الشاة؟ قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم، قال صلى الله عليه وسلم: هل لي أن أحلبها؟ قالت: إن وجدت بها حليباً فاحلبها، فأتى صلى الله عليه وسلم بإناء رحراح، ثم قال: بسم الله، تبارك الله، ثم حلب فملأ الإناء، فأعطاها فشربت العجوز حتى رويت، ثم حلب فملأ الإناء، فأعطاه أبا بكر فشرب، ثم حلب فملأ الإناء فشرب صلى الله عليه وسلم. قالت: من أنت؟ فأخبرها، قالت: ثم بقيت مذهولة ومشى صلى الله عليه وسلم فأتى زوجها فأخبرته الخبر وهي مذهلة، أتاها من الدهش ما لا يعلمه إلا الله، فأخبرت زوجها، قال زوجها: لعله الرجل الذي تطارده قريش، ويقول: إنه رسول الله، وبعد أن استقرت الرسالة أتت هي وزوجها بغنم هدية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأسلموا فكساهم صلى الله عليه وسلم، وأعطاهم من المال ما الله به عليم، هذا من ضمن ما ورد من الأخبار عنه صلى الله عليه وسلم.

بدء الوحي

بدء الوحي بدء الوحي، هو الانطلاقة الكبرى لتحرير الأمة، والخروج من الظلمات إلى النور، النور الآن يهبط على الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الأربعين من عمره صلى الله عليه وسلم، كنا فيما مضى نتحدث عن سن ما قبل الأربعين، سن الشباب العشرين، والخمسة والعشرين والخمسة والثلاثين، الآن وصل الأربعين صلى الله عليه وسلم، اكتمل رشده وأشده: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف:15]. فالرسول صلى الله عليه وسلم بلغ الأشد وهذه سن الأشد عند العرب، يقول الشاعر العربي سحيم بن وثيل: وماذا يبتغي الشعراء مني وقد جاوزت حد الأربعين أنا ابن جلا وطلاَّع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني فسن الأربعين هي اكتمال القوة الجسيمة والعقلية، فلما بلغ الأربعين صلى الله عليه وسلم كان يخرج من مكة يأخذ معه طعام ويجلس في غار حراء، وهو غار مرتفع يتعبد فيه، هل كان يصلي مثل صلاتنا التي علمنا إياها هو؟ قالوا: لا. يتجه إلى القبلة، ويتأمل في الكون، وينظر في النجوم وفي الليل، ويبقى الليالي الطويلة هناك، ثم يعود يتزود ويعود لمثلها. وبينما هو في الغار إذ جاء جبريل في صورة رجل، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرفه، ولا أتاه سابق إنذار ولا إخبار، إنما كان يمر صلى الله عليه وسلم أحياناً بالحجر، فيقول الحجر: السلام عليك يا رسول الله، فيخاف صلى الله عليه وسلم، ويمر بالشجر، فتقول الشجرة: السلام عليك يا رسول الله فيخاف، فدخل عليه جبريل، فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو جالس، فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ -وهو أمي- يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمََ} [العنكبوت:48 - 49] وقال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:2] وقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]. قال: اقرأ -مرة ثانية- قال: ما أنا بقارئ، فأخذه جبريل هكذا، والرسول صلى الله عليه وسلم مقابله، فجعل صدره على صدره، ثم أمسكه بقوة، وقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأنسانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق:1 - 3] فاندفع يقرأ صلى الله عليه وسلم معه، فنزل صلى الله عليه وسلم مرتعداً خائفاً من هذه المفاجأة، من أين أتى هذا؟ ثم نظر إلى جبريل فما وجده، فنزل ودخل على خديجة وهو يرتعد، قال: {زملوني زملوني} حمى، فزملته، وقال: {لقد خشيت على نفسي قالت: كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق}. تقول: لا. صفاتك أنت لا تخزى، أنت سوف يكون لك مستقبل، قال بعض أهل العلم: انظروا إلى هذه العاقلة كيف استدلت بحسن أفعاله على حسن مستقبله! فلما جلس إذا بجبريل يأتيه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً} [المزمل:1 - 2] {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:1 - 5]. ثم ذهبت به خديجة إلى ورقة بن نوفل، وهو شيخ كبير في مكة من قريش، كان يقرأ الكتاب، تعلم الإنجيل، ويعرف اللغة العبرانية لغة اليهود، قالت خديجة: اسمع من ابن أخيك واسأله ماله، فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فسأله، فأخبره صلى الله عليه وسلم بما رأى وما وجد، قال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني جذعاً، إذ يخرجك قومك، قال: أومخرجي هم؟! قال ورقة: نعم، ما أتى أحد بمثل ما أتيت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. ثم مالبث ورقة أن مات، واستمر الوحي، وأخرج صلى الله عليه وسلم من مكة، وأتاه من القصص ما سوف يمر معنا، قصص تشيب الرءوس. في كفه شعلة تهدي وفي فمه عقيدة تتحدى كل جبار وبين جنبيه وعدٌ ما سمعت به وعد التحية من بر وإصرار ولما بلغ عليه السلام سنة الكمال وهي أربعون سنة، أرسله الله للعالمين بشيراً ونذيراً ليخرجهم من ظلمات الجهالة إلى نور العلم، وكان ذلك في أول فبراير سنة (610) من الميلاد، كما أوضحه المرحوم محمود باشا الفلكي، تبينت بعد دقة البحث أن ذلك كان في (17) رمضان سنة (13) قبل الهجرة، وذلك يوافق يوليو سنة (610) وأول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وذلك لما جرت عادة الله مع خلقه أن يتدرج بهم حتى يصلوا إلى درجات الكمال.

فترة انقطاع الوحي

فترة انقطاع الوحي قال المؤلف رحمه الله: "باب فترة الوحي" بعد أن أنزل على الرسول عليه الصلاة والسلام الوحي لأول مرة في غار حراء، وهي سورة العلق، فتر الوحي عنه عليه الصلاة والسلام، لم ينزل من السماء شيء ولم يأته جبريل، قيل: هذه الفترة كانت أربعين ليلة، لم يجد صلى الله عليه وسلم فيها وحياً ولم ينزل عليه قرآن، فأتاه من الخوف ما الله به عليم، وحزن صلى الله عليه وسلم واغتم؛ لأنه كان يطمع أن يكون -كما نزل عليه الوحي- رسول هذا العالم، وأن ينزل عليه الله هذا النور، وأن يأتيه هذا الوحي وهذا العلم، كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113]. فلما وصل إلى هذه المرتبة فتر الوحي عنه عليه الصلاة والسلام، فاهتم هماً لا يعلمه إلا الله، حتى يذكر في بعض الروايات أنه كان يشرف صلى الله عليه وسلم من كثرة الهم من رأس بعض الجبال ليتردى، يريد أن يرمي بنفسه عليه الصلاة والسلام بعد هذه المأساة العظيمة، وبعد هذا الانقطاع الهائل من الوحي، وكانت تمر به عجوز، فتسأل، تقول: هل نزل عليه وحي؟ فيقولون: لم ينزل وحي، قالت: قلاه ربه، تركه شيطانه. تقول: الشيطان الذي كان ينزل عليه تركه، وتعالى الله عما يقول هؤلاء علواً كبيراً، وتكرم عليه الصلاة والسلام عن هذه العبارة، قالت: تركه شيطانه، فأنزل الله عز وجل: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:1 - 3] هذا قسم بالضحى، وبالليل إذا أظلم، أن الله ما ودعك وما تركك ولا هجرك ولا قلاك ولا أبعدك، وأنك ما زلت حبيباً وخليلاً وقريباً ومكرماً، وبينما الرسول صلى الله عليه وسلم يسير، سمع هاتفاً يهتف، فالتفت، فإذا الملك بين السماء والأرض وإذا هو يخاطبه على كرسي، وأنزل الله عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر:1 - 2]. هذه هي فترة الوحي أربعون ليلة، انقطع الوحي فيها، والسبب في ذلك: ليشتاق الرسول عليه الصلاة والسلام للوحي، وأن يكون أكثر اشتياقاً له؛ ولذلك يقول بعض الفضلاء والحكماء: إذا أردت من أخ أن يتحبب إليك فحاول أن تبتعد عنه قليلاً، فإنه سوف يتعلق بك أكثر، فإن بعض الناس إذا تعلقت به حاول أن يبتعد عنك، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى -وله المثل الأعلى- أراد أن يشوق رسوله عليه الصلاة والسلام إلى الوحي، ففتر الوحي أربعين ليلة ثم اتصل، أما قوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] فإنه لما رجع عليه الصلاة والسلام -هذه غير رجعة الغار- رجع وهو ينتفض ويرتعد عليه الصلاة والسلام ويقول: {دثروني دثروني} مثل: {زملوني زملوني} أي: ألحفوني، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:1 - 4] قيل: معنى ثيابك فطهر أي: طهرها من النجاسات وهذا شرطٌ في الصلاة، وقيل: من الأدناس والأوضار، وقيل: طهِّر عرضك من كل ما يصم العرض {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:5] قيل: الرجز الصنم لا تعبده، وقيل: الرجز العذاب، يقول: كلما يستوجب عذاب الله وغضب الله فاهجره واتركه، هذا هو الرجز، فاهجر: اترك (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) يقول: لا تعط الناس عطية، وأنت تطمع أن يردوا عليك عطية أكثر منها؛ لأن هذا منٌ واستكثار من عطايا الناس، هذا توجيه الله له.

مرحلة الدعوة سرا

مرحلة الدعوة سراً قام صلى الله عليه وسلم يدعو ولا يستطيع أن يجهر بالدعوة، كان إذا لقي الرجل وحده، تكلم معه بينه وبينه، ويستكتمه الخبر، وبدأ صلى الله عليه وسلم بالفقراء أولاً والعبيد الموالي، فكان يأتي إلى خباب بن الأرت، وكان خباب حداداً عنده كير، ينفخ عليه في الفحم وينتثر الرماد على وجوه الناس، ولا يأتي خباب أحد، فيأتي صلى الله عليه وسلم إلى خباب، فيجلس معه في الصباح وفي المساء، ويدعوه إلى لا إله إلا الله. فأتى ذات مرة سيد خباب، قال: ماذا يفعل محمد يوم يأتيك؟ قال: يأتيني يتحدث معي، وهو يدعوه إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفي الأخير اجتمعت قريش، وقالوا: أتدرون لماذا يذهب محمد إلى خباب؟ قالوا: لا ندري، قالوا: يتعلم منه القرآن؛ لأن خباباً أعجمي وعنده علم من الكتاب، فمحمد يأتي في الصباح وفي المساء يأخذ العلم والقرآن من هذا، ويخبرنا به في الحرم في المساء، والقصة كلها رد الله عليه بآية: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:4 - 5] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103]. يقول: هذا القرآن أليس بعربي؟ وخباب أليس بعجمي؟ لا يعرف النطق بالعربية، كيف يتعلم منه القرآن والقرآن أفصح ما تكلم به الناس، لا تستطيع قريش أن تنسج مثل القرآن، ولا تنظم مثل القرآن، فكيف يأتي خباب العجمي المولى الحداد ويخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا؟ ثم كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلقى الرجل فيستكتمه الخبر حتى انتشر الخبر، يقول: كل سر جاوز الاثنين شاع، يأتي صلى الله عليه وسلم وما أسلم معه إلا أربعة: أبو بكر من الشيوخ، وعلي وكان دون العاشرة، وأبوه أبو طالب لم يسلم ورفض، وأسلمت خديجة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، وزيد بن حارثة، شيخٌ وصبيٌ ومولى وامرأة. كان صلى الله عليه وسلم يأتي في غرفة صغيرة، فيقرأ عليهم، فإذا رفع صوته قليلاً بكى أبو بكر حتى يسمع بكاؤه من وراء الحائط؛ لأن هذا القرآن شيء مذهل، وخاصة أنهم يفهمون القرآن، فالعرب ليسوا مثلنا، أمزجتنا نحن قد فسدت لا نفهم القرآن، لكن تصور إذا قرأ صلى الله عليه وسلم القرآن: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:1 - 3] كان أبو بكر يغلبه البكاء، فكان إذا رفع صلى الله عليه وسلم صوته، أتى كفار قريش فاستمعوا من وراء الحائط وآذوه، وإذا خفض صوته ما سمع منه أبو بكر ولا المصلون وراءه، فقال سبحانه: {ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء:110]. قال: لا تجهر؛ فيؤذيك الناس، ولا تخافت بصوتك؛ فلا يسمع منك أصحابك، ولتكن قراءتك وسطاً حتى يسمعك أصحابك، واستمر صلى الله عليه وسلم يدعو، فدعا بلالاً إلى الله عز وجل فاستجاب له، حتى يقول هرقل عظيم الروم، وهو يسأل أبا سفيان وكان في تجارة بعد أن التقى به، قال: أأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ الذي يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم هم السادة أم الضعفاء؟ قال: بل ضعفاء الناس، قال: هم أتباع الرسل، والله عز وجل يقول: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16]. وهذه من سنن الله في الكون إلا ما ندر، تجد المترفين أبعد الناس عن وعي الكتاب والسنة، حتى تجد قلب أحدهم مثل الحجر، لا يستمع إلى كتاب ولا سنة، وقد يمر به الوقت وهو لا يسمع إلا خطبة الجمعة، وتجده في آخر الصفوف لا يستمع إلى درس، ولا محاضرة، ولا يتدبر القرآن، ولا يعيش سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما وقته في مسلسل، أو أغنية، أو تمثيلية، أو لعب بلوت، أو سكار، أو كمنجة، أو ما يطلبه المستمعون، فتجد أن قلبه كالحجر تماماً. فالله عز وجل ذكر هذه القاعدة، قال: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] ولذلك تجد أن عامة الناس وفقراءهم ومساكينهم هم الذين يملئون الجنة؛ لأن الجنة كما وصفها الله، يقول: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:1 - 3]. قال أهل العلم: تخفض أناساً كانوا مرفوعين في الدنيا، أي: أن الدنيا كانت تشير إليهم، لا يأتي لهم ثمن، وترفع أناساً كانوا مخفوضين في الدنيا في الغرف العالية، نسأل الله من فضله. فتجد أن مساكين الناس هم أكثر الناس قرباً من الله، وحرصاً على الدروس، واحتفاءً بالدعاة، وأكثر الناس احتراماً لطلبة العلم، ولصوقاً بالعلماء، وأكثر الناس مسألة عن أمور الدين، وأكثر الناس حباً لرسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم ترك أبا جهل وأبا لهب والوليد بن المغيرة، ولو أنه كان يحاول أن يكون بينه وبينهم خيط ممدود أو يصل الحوار معهم، لكن كانوا متكبرين متجبرين ولم يكونوا يتكلمون معه، ولا يسلمون عليه، ولا يردون التحية، ويرسلون له الصبيان يضربونه ويرمونه بالحجارة، بل كان أبو لهب -عمه- يأخذ التراب، ويحثو به على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول: احذروا -أيها العرب- هذا الساحر! احذروا هذا الكاهن! احذروا هذا الشاعر! كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينزل إلى الحرم في السحر، فكان أبو لهب يرسل امرأته أم جميل فتأتي بالشوك فتضعه في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج صلى الله عليه وسلم أصابه الشوك، ومسح الدم من قدميه، وهو يقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}. لقد وجد من الإساءات واللدغات، ومن الأسى واللوعة ما لم يجده أحد، ومع ذلك يقول:: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} فينزل ملك الجبال، فيقول: يا رسول الله! ائذن لي أن أطبق عليهم الأخشبين، إنما هم جثث وطواغيت، لا يساوي الإنسان منهم شيئاً، وفي علم الله يفنيهم بكلمة (كن) فيقول صلى الله عليه وسلم: {لا، إني أرجو من الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا} وفي الأخير يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَبَّتْ يَدَا أبي لهب وَتَبّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1 - 5] قالوا: من نار تتلظى جزاء ما فعلت. واستمر عليه الصلاة والسلام يدعو فاستجاب له الفقراء، فوجدوا من النكال ما لا يعلمه إلى الله، انظر إلى الموالي الآن، دعوته عليه الصلاة والسلام تحرر الإنسان، فالذي يريد الكرامة ينتهج دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يلغي العبودية للبشر، أن يأتي بشر مثلك يتسلط عليك، أو تعبده من دون الله، أو تستخذي له، هذا مرفوض في الإسلام، لا. إنما هو الحوار، أن تكون رجلاً وهو رجل، أن تكون محترماً، بأن تكون لك كرامة وإنسانية، هذا ما يريده الرسول صلى الله عليه وسلم. فلما سمع الموالي بدعوته صلى الله عليه وسلم، دخلوا في دين الله، أتى آل ياسر وهم أسرة موالي، منهم عمار بن ياسر؛ فدخلوا في دين الله، فأخذهم أبو جهل وعذبهم، فقال صلى الله عليه وسلم وهو يمر بهم: {صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة} ومر صلى الله عليه وسلم على بلال وهو يسحب في رمضاء مكة، في شدة الحرارة وقت الظهيرة على الصخور السود، ويسحب على ظهره وبطنه، فيقول: أحدٌ أحد، أحدٌ أحد، يقولها بلال، حتى انتصر بإذن الله، هذه كلها من أوائل العقبات التي واجهها صلى الله عليه وسلم وهو في مكة. ولكن أعظم شيء في دعوته صلى الله عليه وسلم، ومما حبب الناس إلى دعوته، أنها تجعل للإنسان احتراماً وقيمة؛ لأن بلالاً كان كالحيوان عند قريش لم يكن له احترام، كان مولى أسود، يقولون: ليس له حق في التعايش ولا تسمع كلمته، ولا يقبل رأيه، فرفض صلى الله عليه وسلم هذا كله. وقد وجد ذلك أيام الخلافة الراشدة، فهذا عمر بن الخطاب يقوم يوم الجمعة، فيقول: [[أيها الناس! ما رأيكم لو قلت عن الطريق هكذا]] أي: ملت، فيقوم أعرابي من آخر المسجد بدوي، فيسل سيفه، فيقول: [[والله الذي لا إله إلا هو يا أمير المؤمنين لو رأيناك قلت عن الطريق هكذا، لقلنا بالسيوف هكذا]] ماذا يفعل عمر؟ تدمع عيناه! ويقول: [[الحمد الله الذي جعل في رعيتي من لو قلت عن الطريق هكذا، لقال بالسيف هكذا]] فالرسول عليه الصلاة والسلام أتى بهذا المنهج، وهو تقدير الرأي واحترام الإنسان؛ فدخل الناس في دين الله عز وجل زرافات ووحدانا. كان أبي بن خلف مجرماً من العتاة الكبار وهو من سادات مكة، نزل والرسول عليه الصلاة والسلام يطوف، فجمع كفار قريش فاجتمعوا عليه، فبصق أُبي -عليه لعنة الله- في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخذها صلى الله عليه وسلم وأسرها في نفسه، ثم وقف عند المقام فدعا عليهم. فأما السبعون الذين دعا عليهم فقتلوا جميعاً في بدر، يقول أحدهم بعدما أسلم: والله ما زلت أعلم أنهم سوف تصيبهم قارعة بعد أن دعا عليهم صلى الله عليه وسلم عند المقام، السبعون جميعاً ذبحوا على الكفر في بدر، هذه شلة أبي جهل، وأما أُبيّ بن خلف فإن الله أراد أن يخزيه، ولم يقتل في بدر فر وشرد ببغلته في أول المعركة فتوعده عليه الصلاة والسلام، فذهب إلى مكة فقال: أين أقاربي؟ فقالوا: قتلوا جميعاً في بدر، فأخذ يعلف فرسه، يأخذ صاع البر ويعطي فرسه، ويقول: كُلْ سوف أقتل عليك محمداً، ويأخذ السيف ويملؤه سماً شهراً كاملاً حتى أصبحت سلة السيف زرقاء من السم. فوصل الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله! يقول أبي بن خلف سوف يقتلك، قال: أنا أقتله إن شاء الله، يقول المتنبي: وما كنت قرناً غالباً لقرينه ولكنه التوحيد للشرك هازم حضر أبي بن خلف معركة أحد، فقال لكفار قريش: ما رأيكم أن تعفوني من المعركة وأنا أقتل لكم محمداً، قالوا: ما دام أنك تقتله فلا تقاتل معنا، فترك المعركة، وجلس في وادٍ وحده، فلما انتهت المعركة، انتهت بقتل سبعين من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرماة خالفوا أمره، وانتهت وقد كسرت رباعية الرسول صلى الله عليه وسلم هذه، ودخل المغفر في رأسه؛ لأنه لم يكن يفر في المعركة، كان هو في الصف الأول دائماً، وانتهت والدم يغشى وجهه الشريف عليه الصلاة والسلام وبه من التعب والإعياء ما الله به عليم، ثم مر ووجد حمزة مقتولاً، وقد بقرت بطنه، فغضب وتغير عليه الصلاة والسلام، وقال: {والذي نفسي بيده، لئن ظفرت بهم لأمثلن منهم بسبعين} فأنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128] فتأثر صلى الله عليه وسلم، وفي تلك اللحظة يقول للصحابة صلى الله عليه وسلم: {صفوا ورائي لأثني على ربي}. يقول أحد المفكرين: لله درك! في هذه الضربات الأليمة التي وصلتك في عرضك وجسمك وأصحابك وقرابتك، ومع ذلك تقول: أثني على الله، ثم صلى بهم العصر،

عقيدة الولاء والبراء عند الصحابة

عقيدة الولاء والبراء عند الصحابة هاجرت امرأة إلى المدينة تزور بنتها أسماء بنت أبي بكر، فأتت فنزلت -انظر مسألة الولاء والبراء عند الصحابة، دين فصل الوالد عن أبيه، دين جعل الإنسان قبل أن يعانق أباه يذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: أتأذن لي أن أسلم على أبي؟ أتأذن لي أن أصاحب أبي؟ أتأذن لي يا رسول الله أن أضيف أمي؟ فأتت فنزلت عند بنتها وهي امرأة مشركة، وبنتها أسماء بنت أبي بكر مسلمة مؤمنة، فنزلت فأقسمت ألا تُدخلها من الباب، حتى تستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلا من يخبر صلى الله عليه وسلم أنها استقبلتها أو ضيفتها أو أهدتها، لكن الإيمان القوي العميق، قالت: اجلسي عند الباب حتى أستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن أذن لك أدخلتك وضيفتك، وإن لم يأذن فو الله لا تدخلين الباب، فذهبت؛ فاستأذنت الرسول صلى الله عليه وسلم، فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: {نعم! صلي أمك} والحديث أصله في صحيح البخاري. ويأتي أبو سفيان وهو يحارب الرسول صلى الله عليه وسلم يدخل فجأة في المدينة، يريد أن يسلم على بنته زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان صهره، فأتى إلى رملة أم حبيبة في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم في غرفة، فدخل عليها، فلما دخل أراد أن يجلس على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم فطوت عنه الفراش، قال: لمه؟ وهو أبوها، قالت: أنت مشرك نجس، والرسول صلى الله عليه وسلم نبي طاهر، هذه لا إله إلا الله التي فصلت هذا عن هذا. وهذا أبو عبيدة من العشرة المبشرين بالجنة، يقول عمر: [[تمنوا أيها الناس]] فتمنى كل إنسان، قال عمر: [[أما أنا فأتمنى من الله لو أن لي ملء هذا البيت رجالاً من أمثال أبي عبيدة]] وهو قائد الجيوش في الشام، الذي فتح الشام، أبو عبيدة يلتقي في بدر مع أبيه وهو مشرك، فيميل عنه أبو عبيدة لا يريد أن يقاتله، ثم في المرة الثانية يميل عنه، ثم في الثالثة يأخذه أبو عبيدة فيضرب رأسه فإذا رأسه في أرض وجثته في أرض، فيمدحه الله من فوق سبع سماوات: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ} [المجادلة:22]. هذا هو الدين الذي يفصل بين الوالد وولده، ورسالته عليه الصلاة والسلام اسمها: رسالة المفاصلة بين معسكر الكفر ومعسكر الإيمان.

إسلام بعض الصحابة في أول الإسلام

إسلام بعض الصحابة في أول الإسلام

إسلام أبي بكر الصديق

إسلام أبي بكر الصديق قال المؤلف رحمه الله تعالى: وأول من أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه. أول من أجابه من الرجال أبو بكر، وأول من أنفق أمواله في سبيل الله أبو بكر، ولذلك كان هو الخليفة بعد الرسول عليه الصلاة والسلام وما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر الصديق. يقول عمر: {أردت أن أسبق أبو بكر يوماً من الأيام؛ فأخذت نصف أموالي وأتيت بها رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال لي صلى الله عليه وسلم: ماذا أبقيت لأهلك؟ قلت: أبقيت لهم نصف مالي، ثم قلت: يا رسول الله هل سبقني أحد بشيء، قال: نعم سبقك أبو بكر الصديق بماله كله قال عمر: فو الله ما أستطيع أن أسابق أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه}. أسلم وصدَّق الرسول عليه الصلاة والسلام وأنزل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قوله: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر:33] يقول عليه الصلاة والسلام: {ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة، غير أبي بكر الصديق} أي: كان له توقف وكان له تأمل إلا أبا بكر رضي الله عنه فإنه أسلم وما تلعثم وما تأخر رضي الله عنه وأرضاه.

إسلام عثمان بن عفان

إسلام عثمان بن عفان وممن أسلم في أول الإسلام عثمان بن عفان، وهو ذو النورين؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام زوجه ابنتيه، زوجه رقية ثم ماتت، ثم زوجه أم كلثوم، وهو رضي الله عنه عند كثير من المفسرين المقصود بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] كان ابن عباس إذا قرأ هذه الآية، قال: ذاكم عثمان بن عفان، وقد آتاه الله مالاً كثيراً، وكان من تُجَّار الصحابة، فأنفق أمواله في سبيل الله. يقول صلى الله عليه وسلم على المنبر: {من يُجهِّز جيش تبوك وله الجنة؟} فتوقف الناس، فقال: {من يجهز جيش تبوك وله الجنة} فقام عثمان؛ فجهز جيش تبوك، فقال عليه الصلاة والسلام: {اللهم اغفر لـ عثمان بن عفان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض} وقتل شهيداً رضي الله عنه. أبو بكر الصديق والصديق لا تأكله الأرض عند كثير من أهل العلم، وعمر قتل شهيداً، وقتل عثمان شهيداً، وقتل علي شهيداً، فـ عثمان قتله الثوار عليه، وكان المصحف مفتوحاً بين يديه، وكان صائماً يوم قتل، وقد نام بعد صلاة العصر قليلاً، فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، وكأنه صلى الله عليه وسلم في الجنة معه أبو بكر وعمر، فقال له صلى الله عليه وسلم: يا عثمان! اصبر فإنك سوف تفطر عندنا هذه الليلة، فقتل قبل الغروب وما أفطر، وسال دمه على المصحف، على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:137] هذا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، رفع الله منزلته، وجمعنا به في دار الكرامة، ويتنقصه الرافضة عليهم غضب الله، وهو من السعداء عند الله عز وجل وهو ثالث الخلفاء الراشدين.

إسلام الزبير بن العوام

إسلام الزبير بن العوام وممن أجاب أيضاً الزبير بن العوام: حواري الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان صلى الله عليه وسلم يرسله في المهمات وكان من أشجع الناس، يقول ابنه عروة: [[كنت ألعب بجروح في صدر أبي وفي كتفه وفي ظهره من كثرة ما ضرب في سبيل الله]] هذه الجروح كانت مغارات من ضرب السيوف والرماح، قال: [[كنت ألعب بها بعدما برئت فيما بعد]] هذه جروح الزبير بن العوام، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة. حضر معركة الجمل، وبعدها رجع وفي أثناء طريقه وهو عائد إلى المدينة نام تحت شجرة، فأتاه رجل اسمه ابن جرموز، فوجد الزبير نائماً، فأخذ سيف الزبير وهو معلق؛ فذبح الزبير، فأتت عاتكة زوجة الزبير تقول: يا ذاك لو نبهته لوجدته لا طائشاً رعش الجنان ولا اليد شلت يمينك إن قتلت لمسلماً حلت عليك عقوبة المتعمدِ فلما قتله ابن جرموز هذا، كان يرى في المنام أنه يسبح في بحر من الدم، فأتى إلى عبد الله بن الزبير، فقال: خذوا بدمي من دم أبيكم اقتلوني بأبيكم، والله ما نمت بعده ليلة واحدة إلا رأيت في المنام أني أسبح في بحر من الدم، قال عبد الله بن الزبير: والله لا نقلتك بـ الزبير، والله لا تساوي شراك نعل الزبير، ولكن نتركك لله، وقد صدق؛ لأن ابن جرموز ماذا يساوي مع الزبير بن العوام أحد العشرة؟! فتركوه.

إسلام عمر رضي الله عنه

إسلام عمر رضي الله عنه وممن أسلم: عمر رضي الله عنه وأرضاه، وهو من المتقدمين في الإسلام، خرج متوشحاً سيفه يريد أن يقتل الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي أثناء طريقه إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم، عرض له رجلٌ من قريش أو ممن أسلموا، فأخذ عمر يسب هذا المسلم، ويقول: كيف تصبأ وتترك دينك؟ قال: اترك عنا هذا يا ابن الخطاب، فإن الإسلام قد دخل بيتك وأختك قد أسلمت وزوجها، فعاد غاضباً ومعه السيف، وكان كبير الجسم وشجاعاً، فأقبل إلى أخته وزوجها، فضربهم حتى شج رءوسهم وسالت دماؤهم. وسمعهم يقرءون في صحف فطلبها، فقالا: لا. أنت نجس حتى تغتسل، فاغتسل ثم فتح الصحف، فوجد فيها: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} [طه:1 - 4] فأسلم، وأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مسلماً، فخرج له صلى الله عليه وسلم لما رآه بالسيف، وأخذه صلى الله عليه وسلم بتلابيب ثوبه، يظن أنه لا يزال مشركاً، قال: [[أما آن لك يا ابن الخطاب أن تسلم حتى ينزل بك ما نزل بـ الوليد بن المغيرة؟ فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله]] فأسلم. ولما هاجر وقف على الصفا وقال: [[يا معشر قريش، من أراد أن تثكله أمه فليلقني ببطن ذاك الوادي]] فما قام له أحد، كان من أشجع الناس، حتى يقول حافظ إبراهيم: قد كنت أعدا أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها

إسلام طلحة بن عبيد الله

إسلام طلحة بن عبيد الله وأسلم طلحة بن عبيد الله ذو الجود، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وكان من أكرم الناس يداً، وأنفعهم لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد حضر الغزوات كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وشلت يده يوم أحد، ضرب بالسيوف والرماح والنبل حتى شلت يده، فلما انتهت المعركة قال له الصحابة: كيف وجدت نفسك؟ قال: والذي نفسي بيده، ما في جسمي شبر إلا وفيه ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، فكان أبو بكر يبكي على المنبر ويقول: [[أما يوم أحد فقد ذهب بأجره طلحة بن عبيد الله]] وكان من أشجع الناس. وقد قتل طلحة يوم معركة الجمل التي وقعت بين علي من جهة ومن معه، وبين عائشة ومن معها، وهي فتنة وقعت {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134]. ومن معتقد أهل السنة والجماعة ألا يخوضوا فيما شجر بين الصحابة ولا يتكلموا ولا يخطئوا بعض الصحابة، ويقولوا: الصواب مع فلان أو مع فلان، لا، بل يكفوا ألسنتهم كما كفوا أسيافهم، قيل لـ عامر الشعبي: ما رأيك في أهل الجمل وأهل صفين عندما فر بعضهم من بعض؟ قال: أولئك أهل الجنة التقوا فاستحيا بعضهم من بعض. طلحة بن عبيد الله قتل في المعركة، وكان في الصف المقابل لـ علي، وسبب خروجه من المدينة أنه يريد أن يقاتل قتلة عثمان فلما خرج قتل، فنزل علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما رأى طلحة، وكان زميله وحبيبه وصديقه ومن العشرة المبشرين بالجنة معه، فنزل علي وأخذ يمسح التراب عن وجه طلحة وهو مقتول، ويقبله ويبكي، ويقول: [[يعز عليّ يا أبا محمد أن أراك مجندلاً على التراب، لكن أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]]]. قيل: هذه الآية نزلت في الصحابة وفي المسلمين عامة، فممن أسلم طلحة رضي الله عنه.

إسلام صهيب الرومي

إسلام صهيب الرومي وممن أسلم أولاً: صهيب الرومي الذي اشترى نفسه من الله، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:207]. خرج مهاجراً إلى المدينة، وكان من أرمى الناس في الأسهم، يرمي رمياً هائلاً، فلحقه كفار قريش، وقالوا: لنقتلنك، وحوطوا عليه، فأخرج كنانته وأسهمه، وقال: إنكم تعلمون أني من أرمى الناس، والله لا أترك سهماً إلا رميت به، ولكن خذوا مالي واتركوني، قالوا: أين مالك؟ فأخبرهم بمكان المال، فلما رجعوا وجدوا ماله؛ فأخذوه كله، وذهب بلا مال إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة، فلما رآه عليه الصلاة والسلام قال: {ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى} صهيب كنيته: أبو يحيى، وقد اشترى نفسه من الله، فيقول الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة:204] ثم قال بعدها بآيات: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:207].

إسلام ابن مسعود

إسلام ابن مسعود ومن السابقين الأولين: عبد الله بن مسعود، وهو هذلي، كان يرعى الغنم، نحيف الجسم، يقولون: كان جسمه إذا قام يعادل الجالس إذا جلس، أي: وأنت جالس وهو قائم يعادل رأسك، وكان نحيف الجسم جداً، حتى صعد مرة يأخذ سواكاً للرسول عليه الصلاة والسلام من شجرة، فهبت الريح، فاهتزت الشجرة وعليها ابن مسعود كالصقر، فأخذ الصحابة يتضاحكون من خفته ومن دقته، فقال صلى الله عليه وسلم: {أتعجبون من دقة ساقيه! والذي نفسي بيده، إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد}. ولذلك ترى بعض المجرمين مثل السارية وهو مجرم لا يساوي عند الله فلساً، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] ويقول حسان في بعض المجرمين، لما رآهم طوالاً، قال: لا بأس بالقوم من طول ومن قصر جسم البغال وأحلام العصافير أسلم ابن مسعود وكان له لقاء تاريخي مع الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم، خرج صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وفي أثناء الطريق وإذا راعي هذا الضأن يرعى -وهو ابن مسعود - لهذيل، وهذيل قبيلة قريبة من البحر الأحمر، فاقترب صلى الله عليه وسلم، فقال: يا غلام! أفي غنمك حلوب؟ فقرب لهم، وقيل: قرب لهم حائلاً؛ فدعا صلى الله عليه وسلم فحلب بإذن الله، فقال له ابن مسعود: علمني يا هذا مما تعلم؟ سمع دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم: {إنك غلام معلم} ثم ذهب صلى الله عليه وسلم، ولما عاد أسلم ابن مسعود رضي الله عنه وأخذ من فم الرسول صلى الله عليه وسلم سبعين سورة مباشرة. وكان جميل الصوت، يقول مسروق بن الأجدع: [[استمعت لـ ابن مسعود وهو يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] في صلاة المغرب، والله ما سمعت صنجاً، ولا ناياً، ولا وتراً، أجمل من صوته، وودت أنه قرأ بنا بسورة البقرة]]. كان صلى الله عليه وسلم يقول: {اقرأ عليّ القرآن، قال: كيف أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن أسمعه من غيري -يقول: أنا أتلذذ بالقرآن من غيري- فبدأ يقرأ سورة النساء، حتى بلغ قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حسبك الآن، يقول ابن مسعود فنظرت؛ فإذا عيناه تذرفان عليه الصلاة والسلام}. قام ابن مسعود يقرأ سورة الرحمن عند المقام، وأبو جهل جالس هو وكفار قريش فأخذ يرفع صوته ويقول: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإنسانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن:1 - 5] هل يستطيع بشر أن يقول مثل هذا الكلام؟ هل سمعتم أجمل من هذه العبارات؟! (الرَّحْمَنُ) (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) (خَلَقَ الْإنسانَ) (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) فقام أبو جهل؛ فأخذ يضربه على وجهه بيده، وابن مسعود لا يتوقف يندفع يقرأ ويضربه ويضربه ثم أخذ بأذنه وجعل يطوف به في الحرم. فلما أحق الله الحق، وأتت معركة بدر، حضرها ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، فلما قتل أبو جهل وأصبح في الرمق الأخير، أتى ابن مسعود ومعه سيف؛ فأخذ يحز عنق أبي جهل، قال أبو جهل: سيفك هذا لا يصلح، خذ سيفي، يريد أن يريح نفسه بالموت؛ لأنه مطعون ودمه يسيل، فأخذ سيف أبي جهل وصعد على صدر أبي جهل، قال أبو جهل: لقد ارتقيت مرتقاً صعباً يا رويعي الغنم، يقول: تصعد على صدري، فلما حز رأسه أتى برأسه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، يسحبه بخيط في أذنه، فتبسم صلى الله عليه وسلم، وقال: {هذه بتلك} وقيل في بعض الروايات: {الأذن بالأذن والرأس نافلة} يقول: سحبك بأذنك في الحرم، وأنت تسحبه الآن بأذنه. ثم قال صلى الله عليه وسلم: {هذا فرعون هذه الأمة} قالوا: يا رسول الله! كيف نعرف جثته؟ قال: {تعرفون جثته بجرح في ركبته، فإني تصارعت أنا وأبو جهل ونحن شباب على مائدة عبد الله بن جدعان في مكة؛ فصرعته في الأرض فهو مجروح في ركبته} فأتوا إلى ركبة أبي جهل وإذا فيها آثار جراح، فسحبوا جثته فلما ألقي في القليب قام عليه الصلاة والسلام فيهم ثم قال: {يا معشر قريش! هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا فقال عمر: يا رسول الله! ماذا تحدث من جثث لا حراك بها؟ قال: والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم}.

إسلام أبي ذر الغفاري

إسلام أبي ذر الغفاري وممن أسلم كذلك: أبو ذر الغفاري رضي الله عنه في مكة، وهو من المتقدمين، وفي بعض الروايات أنه يحشر مع عيسى عليه السلام، وورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر الغفاري} وهو الزاهد الكبير والعابد. أما سبب إسلامه فإنه كان في البادية، في قبيلة غفار في شمال مكة، وكانت بادية لم يكونوا حاضرة، فسمع بمبعث الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال لأخيه أنيس: يا أنيس! اذهب إلى هذا الذي يدِّعي النبوة في مكة، فأعطني منه خبراً، فأتى أنيس فركب جمله، وأبو ذر يرعى إبل وغنم أخيه مع إبله وغنمه، فذهب أنيس هذا؛ فدخل مكة؛ فلقيه أبو لهب، قال أنيس: من هذا الذي يدعي النبوة عندكم؟ قال: كذاب، ساحر، شاعر، خرج علينا يسب آلهتنا، فخرج أنيس وما أخذ الخبر. وأتى إلى أبي ذر، قال: يقولون: كذاب، ساحر، شاعر، قال: ما أنصفتني وما شفيت غليلي، فركب جمله رضي الله عنه وأرضاه، فوصل إلى مكة فدخلها في ظلام الليل. فالتقى بـ علي بن أبي طالب وهو شاب، قال لـ علي: دلني على هذا الذي يدعي النبوة؟ قال: هو ابن عمي، وصدق، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو ابن عم علي فهذا علي يبكي في معركة تبوك ويقول: يا رسول الله! خلفتني مع النساء والأطفال؟ قال صلى الله عليه وسلم وعيونه تهراق بالدموع: {يا علي! أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي} ويقول صلى الله عليه وسلم لـ علي: {لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق}. فالمقصد: أن خرج علي بن أبي طالب وقال لـ أبي ذر: إذا توقفت أصلح حذائي أتظاهر كأني أصلح حذائي فهو الرجل القريب مني؛ لأنه لا يريد أن يكشف نفسه لكفار قريش، فأتى علي فنزل مع أبي ذر إلى الحرم، فلما اقتربوا كان صلى الله عليه وسلم يجلس في وسط الحرم؛ دائماً هو في عراك -كل يوم وكل ليلة- مع كفار قريش، يقول: {قولوا: لا إله إلا الله} ويقولون: لا. وثلاثمائة وستين من الأصنام حول الكعبة لم يهدمها؛ لأنه ينتظر بها مستقبل لا إله إلا الله، حتى يهدمها {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً} [الفتح:1 - 3] فوقف صلى الله عليه وسلم وهو جالس، وتوقف علي يصلح حذاءه، فتقدم أبو ذر وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: عم صباحاً يا أخا العرب -هذه تحية الجاهليين- العرب إذا التقى أحدهم أخاه في الجاهلية، يقول: عم صباحاً يا أخا العرب، ويقول امرؤ القيس في قصيدته الشهيرة: ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي فقال صلى الله عليه وسلم: {إن الله أبدلني بتحيةٍ خيراً من تحيتك} قال: ما هي؟ قال: {السلام عليكم ورحمة الله وبركاته} قال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، قال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، قال: من أنت؟ قال: {أنا رسول} قال: من أرسلك؟ -هذا يسمى اللقاء الحار- قال: {الله} قال: بماذا أرسلك؟ قال: بعبادة الله وحده وإقام الصلاة، وصلة الرحم، والبر، ثم ذكر له، قال: أسمعني مما أنزل الله عليك، قال: بسم الله الرحمن الرحيم، وبدأ صلى الله عليه وسلم يقرأ عليه من القرآن، قيل: من سورة فصلت، فقال أبو ذر: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: {من أين الرجل؟ قال: من غفار، فتبسم عليه الصلاة والسلام، ورفع طرفه إلى السماء، وقال: إن الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}. أبو جهل وأبو لهب عند الحجر الأسود، رفضوا لا إله إلا الله، ويأتي هذا من غفار يسلم، قال: يا رسول الله! ائذن لي أن أجهر بالدعوة، قال: لا. -انظر الحكمة! يقول: لا تجهر الآن- فخرج أبو ذر ووقف على الصفا، وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقام عليه كفار قريش، وضربوه حتى سال دمه وأغمي عليه، فأتى العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: يا معشر قريش! هذا من غفار، والله إن سمعت قبيلته، لتمنعن عنكم تمر وحب الشام فلا يصلكم منه شيء، فتركوه. وبعدما هاجر صلى الله عليه وسلم، أتى أبو ذر بقبيلة غفار بكاملها، كأنها جيش، ودخلوا في دين الله أفواجاً وأسلموا، وهو سيدهم عند الله، وله قصة طويلة شائقة. قد بكت غربتي الرمال وقالت يا أبا ذر لا تخف وتأسا قلت لا خوف لم أزل في شباب من يقيني ما مت حتى أدسا أنا عاهدت صاحبي وخليلي وتلقنت من أماليه درسا جمعنا الله وإياهم في دار الكرامة، ووفقنا وإياكم لسيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وهدانا لا تباع سنته، وحشرنا في زمرته، وسقانا شربة من حوضه لا نظمأ بعدها أبداً.

مرحلة الجهر بالدعوة

مرحلة الجهر بالدعوة قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب الجهر بالتبليغ) لما أسر صلى الله عليه وسلم دعوته وكتمها في صفوف الناس لم تجدِ كثيراً هذه السرية ولو أنها من لوازم الدعوة، وكان صلى الله عليه وسلم يرى أول العهد أن يكتم دعوته، حتى لا تتصور قريش أنه يريد ملكاً أو مالاً أو يريد سبباً آخر. فأنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94] ومعنى اصدع بما تؤمر: أي: تكلم بما يأمرك به سُبحَانَهُ وَتَعَالى أو بما ينزل ربك عليك. واصدع كلمة جميلة، معناها: ارفع صوتك صادعاً بالحق، وبما تؤمر، وفيه أن كل ما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم فهو وحي: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:1 - 3] فلم يأتِ بشيء من عنده عليه الصلاة والسلام، ودائماً يقول: إنما أنا بشر يوحى إلي، ودائماً يتبرأ صلى الله عليه وسلم من الحول والقوة، ويقول: لا أعلم الغيب {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [الأعراف:188].

وقوف النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا يدعو كفار قريش

وقوف النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا يدعو كفار قريش فلما أنزل الله ذلك وقف صلى الله عليه وسلم على الصفا، وقد كان هناك وادٍ بين الصفا والمروة قبل أن تسوى الآن، وقبل أن يصلح حالها ويطبطب، واد فيه شجر ولم يكن مغطى، وكانت الصفا من أرفع أماكن الحرم، وتحتها قرى قريش حول الحرم، فوقف صلى الله عليه وسلم ورفع صوته بالنداء، يدعو كفار قريش بطناً بطناً: يا بني فهر! يا بني عدي! يا بني كعب: فلما نادى القبائل اجتمعت، يقول الراوي: كان الرجل إذا سمع الصوت ولم يستطع أن يأتي أرسل ابنه أو أخاه؛ لأن المسألة صعبة وقريش إذا سمعت النداء، فمعناه إما عدو هجم عليهم، وإما رجلٌ منهم قتل، وإما جيش عرمرم يريد اجتياح الحرم، هذه احتمالات. فاجتمعوا حتى ملئوا الحرم، منهم من اجتمع بالسلاح، ومنهم من كان لابساً رمحه، ومنهم من تدرع، وأتى الشيوخ والنساء والأطفال، فلما اجتمعوا: قال: يا قريش! قالوا: نعم، قال: {أرأيتم لو أخبرتكم أن ببطن هذا الوادي خيلاً تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟} هذا سؤال عجيب، يقول: لو أخبرتكم أن جيشاً يريد اجتياحكم أتصدقوني أم لا؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً هل سمعتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم في عمر أربعين سنة، هل يمكن أن يكون له فيها كذبة أو خيانة أو سرقة أو غش؟ هل سمع في التاريخ بهذا؟ {قالوا: ما جربنا عليك كذباً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا}. فقال الله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] تلاها على الصفا، والله يقول له ذلك في مكة وليس عنده إلا أربعة: أبو بكر وخديجة وزيد وعلي بن أبي طالب، فأخذ بعض الكفار يلتفت في بعض ويضحك، ويقول: أي رحمة للعالمين وهو يتخفى بصلاته، لكن أراد الله عز وجل ذلك، ويقول: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32]. وبعد خمس وعشرين سنة، أما سارت كتائبه إلى قرطبة؟ أما وصلوا إلى الحمراء؟ أما فتحوا الهند والسند؟ هذا رحمة للعالمين. فقال أبو لهب لما سمعه وهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم وقد كان وضيء الوجه، لكنه ليس وضيء المبادئ، وهذا دين فرق بين الوالد وولده، وبين الأخ وأخيه {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] والهداية هبة ربانية، لا تأتي للأسر، ولا للأموال، ولا للأولاد، يمنحها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الفقير، ويحرمها الغني متى شاء. ذكر ابن جرير وغيره أن موسى عليه السلام تربى في بيت فرعون الطاغية، فرباه فرعون وأعطاه فرعون التعاليم، ولقنه المبادئ، لكن لم يستمع لأي جملة من مبادئه تماماً، وموسى السامري رباه جبريل عليه السلام، فلما رباه جبريل على التوحيد وصل هذا عمره أربعين وهذا أربعين، هذا الذي ربَّاه جبريل كفر بالله العظيم، وهذا الذي وصل الأربعين -موسى- أصبح نبياً من أنبياء الله عز وجل من أولي العزم، قال الشاعر: فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرعون مؤمن

موقف أبي لهب من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم

موقف أبي لهب من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] قام أبو لهب؛ فقال للرسول صلى الله عليه وسلم: تباً لك ألهذا دعوتنا؟ ألهذا جمعتنا؟ يقول: أتعبتنا من أجل هذه الكلمة؟! فتولى الله الرد عليه، وقال: {تَبَّتْ يَدَا أبي لهب وَتَبّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1 - 5] يقول بعض أهل التفسير {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:4] أي: تمشي بالنميمة، وقال بعضهم: بل وضعت الشوك في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الظاهر. فتصدعت القبائل تريد قتله عليه الصلاة والسلام وتجمعوا وذهبوا عامدين بسيوفهم وسلاحهم إلى بيت أبي طالب، وهو أكبر أهل مكة ذاك الوقت وهو الذي يديرهم، فاجتمعوا؛ فقالوا: نشكو إليك ابن أخيك هذا، سب آلهتنا، وسفَّه أحلامنا، إن كان يريد ملكاً ملّكناه، وإن كان يريد زوجة زوجناه، وإن كان مسحوراً بحثنا له عن طبيب فداويناه {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: صاحبكم عنده دواء الجنون، أما أن يكون مجنوناً فلا؛ لكنه يداوي المجانين: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير:22 - 24]. يقول: هل سمعتم أنه يخون الغيب أو أنه بخيل بالغيب أو أنه مظنون بعدالته؟ لا يكون ذلك فيه عليه الصلاة والسلام، اجتمعوا، فقال أبو طالب وكان عاقلاً: أرجئوني يوماً، قالوا: لك يومين -وكانوا عندهم عقول، لكن ما أجدت وما أغنت عنهم، عقول لكن في الدنيا مثل عقول بعض الناس: ثقافته في الدنيا لكن ليس له ثقافة فيما يقربه من الله، ليس عنده ثقافة في الإيمان، يعرف كل شيء إلا أمور الإيمان- فذهبوا، فأتى أبو طالب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى هذا اليتيم الذي يريد أن يشق العالم، وقال له: ماذا تريد؟ قال: يا عم! أريد أن يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال: إنهم عرضوا عليك أموراً، وأرى أن تكف عنهم ويكفوا عنك، وأخبره، قال: {والذي نفسي بيده، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه} فقام وتركه، ثم رجع له أبو طالب، فقال: يا بن أخي! افعل ما بدا لك، والله لأحمينك وأنصرنك حتى لو أقتل دونك، ثم نظم فيه قصيدة لامية رائعة، هي موجودة في السير، يمدح فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل ويقول في قصيدة أخرى: والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا يقول: لن يصل إليك كفار قريش أبداً، وهو صادق، فاستمر في حمايته، واستمر صلى الله عليه وسلم يصدع ويخطب، ثم مرت به اللدغات واللذعات والأسى واللوعة، واسمع إلى بعض المواقف. في اليوم الثاني: نزل صلى الله عليه وسلم، فجلس في الحرم، فحانت وقت الصلاة؛ فقام صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام، فلما سجد قال أبو جهل: مَن مِن شبابكم يذهب فيأتي بسلى ناقة آل فلان فقد ولدت؛ فيضعها على رأسه، فذهب رجل: يشتد أي: يسعى حتى أتى بها، فلما سجد صلى الله عليه وسلم وضعها على رأسه، قال ابن مسعود: وكنت أنظر وما أغني عن الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً، لأن ابن مسعود فقير ويتيم ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، والحرم كله يمتلئ بهؤلاء الطواغيت، قال: فأتت فاطمة؛ وألقت عنه الأذى وأخذت تبكي، فقام صلى الله عليه وسلم؛ فاستقبل القبلة؛ ورفع يديه ودعا، قال ابن مسعود: {والذي لا إله إلا هو، لقد كانوا في الحرم سبعين، وما من أحد ممن رأيت إلا رأيته قتيلاً في بدر}. السبعون كلهم قتلوا جميعاً في بدر، وقد ألقى فيهم صلى الله عليه وسلم خطبة عصماء وتكلم فيهم، وقال: {هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً}. واستمر عليه الصلاة والسلام، قال الله له: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء:215 - 216] فجمعهم صلى الله عليه وسلم، وقال: {إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبت الناس جميعاً ما كذبتكم، ولو غررت الناس جميعاً ما غررتكم، والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم خاصة وإلى الناس كافة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون}. كل شيء تفهمه قريش إلا مسألة كيف يعود الإنسان إذا مات: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7]. أتى أعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا محمد! أومن أن ما جئت به حق وأصدقك، لكن هناك مسألة حاكت في صدري، قال: ما هي؟ قال: كيف يبعثنا الله بعدما نموت؟ قال: أأنت في شك من ذلك؟ قال: بلى. قال: أما مررت بروضة خضراء؟ قال: بلى مررت بها} يتكلم الرسول صلى الله عليه وسلم معه؛ لأنه صاحب غنم يعرف الروضة الخضراء، ولذلك ترى القرآن يخاطب الأعراب الأوائل، بالجمل، والسماء، والنهر، والماء، والشجرة، والخيمة، والصوف في سورة النحل؛ لأنهم هم الذين يعرفون هذه الأمور، قال: {أما مررت بروضة خضراء؟ قال: بلى مررت بها، قال: فمررت بها بعد حين؟ قال: نعم قال: فكيف وجدتها؟ قال: وجدتها ميتة هامدة، قال: فمررت بها بعد حين؟ قال: نعم. قال: فكيف وجدتها؟ قال: وجدتها خضراء مزهرة، قال: فمن أحياها؟ قال: الله، قال: فالذي يحيي هذه يحيي هذه}.

موقف العاص بن وائل

موقف العاص بن وائل أما العاص بن وائل المجرم، أتى من الحرم معه عظام في جيبه -انظر الإجرام والسخرية بالرسول صلى الله عليه وسلم كل إنسان يأتي بمصيبة- فلما استمعوا وجلسوا، أخرج العظام وهي باليه، فقال: يا محمد! قال: نعم. قال: أتزعم أن ربك يحيي هذه، قال: {نعم، يحييها ويدخلك النار} لا يحييها فقط، لكن يحييها ويدخلك النار، فأتى جواب القرآن، نزل جبريل والرسول صلى الله عليه وسلم جالس، أمامه العاص بن وائل، قال: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79]. والآن تأتي الاعتراضات على الرسول صلى الله عليه وسلم، اسمع إلى قول الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [البقرة:170] الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج عليهم، ليلة أربعة عشر، وهي ليلة اكتمال البدر، يصبح القمر في كبد السماء جميلاً وبديعاً ويقول: {أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله} لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم أولاً بالصلاة، ولا بالزكاة، ولا بالصيام، ولا بتقصير الثياب، ولا بإعفاء اللحى، إنما يقول: قولوا لا إله إلا الله، حتى لما اجتمعوا مرة، قال: أريد منكم كلمة، قال أبو جهل: نعطيك عشراً، فما هي كلمتك؟ قال: قولوا: لا إله إلا الله، قال: أما هذه فلا؛ لأنها ما دخلت أمزجتهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5]. فلما دخل صلى الله عليه وسلم الحرم، كانوا بعد صلاة العشاء والبدر في كبد السماء، قال: {قولوا: لا إله إلا الله} قال أبو جهل: ما دليلك على أنك رسول؟ قال: ما أردت، قال: وأقسم باللات والعزى لا أومن لك حتى تشق لي هذا القمر، قال صلى الله عليه وسلم: لئن شققته أتؤمن لي؟ قال: نعم. فرفع صلى الله عليه وسلم يديه، وسأل الله أن يشق القمر، فشق الله القمر، فلقة ذهبت تجاه عرفة، والفلقة الأخرى ذهبت تجاه جبل أبي قبيس، فقام أبو جهل ينفض ثيابه، ويقول: سحرنا محمد، سحرنا محمد؛ فأنزل الله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:1 - 3].

حادثة الإسراء

حادثة الإسراء أسري بالرسول صلى الله عليه وسلم وعاد في ليلة، وصلى في بيت المقدس، وفرض الله عليه خمس صلوات، فلما رجع مع الفجر أتى إلى كفار قريش.

موقف كفار قريش من حادثة الإسراء

موقف كفار قريش من حادثة الإسراء قال أبو جهل في الصباح: ما هي أخبارك يا محمد البارحة؟ لأن القصة طويلة، والصراع طويل، وكل يوم هو في قصة قال: أسري بي إلى بيت المقدس، هذه أطم وأعم لا يتصورها إنسان، هو يصيح من مسألة ادعائه النبوة، قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، قال: وبعدها؟ قال: وعرج بي إلى السماء السابعة، فضحك أبو جهل حتى تمايل على زملائه، قال: في ليلة؟! قال: في ليلة، وأقسم باللات والعزى أن المسافر منا يسافر إلى بيت المقدس في شهر ويعود في شهر، وأنت سافرت وذهبت إلى السماء السابعة وعدت في ليلة! قال: انتظر حتى يسمع الناس، فذهب فجمع كفار قريش، قال: تعالوا اسمعوا خبراً، فاجتمعوا؛ فلما ملئوا الحرم قال: ماذا تقول يا محمد؟ قال: أقول كذا وكذا، قال: من يصدقه منكم؟ قال أبو بكر: أشهد أنه صادق، أبو بكر الصديق، قال تعالى فيه: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر:33]

وصف النبي صلى الله عليه وسلم لكفار قريش بيت المقدس

وصف النبي صلى الله عليه وسلم لكفار قريش بيت المقدس قال الوليد بن المغيرة: لا تكذبوه يا معشر الناس -هذا من شيوخهم عاقل، لكنه مات كافراً هو أبو خالد بن الوليد، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: {ولعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً} فأخرج الله من صلب هذا المجرم - الوليد - خالد بن الوليد سيف الله المسلول، هذا خالد أبو سليمان، الذي أدب الطغاة على مر التاريخ، أرسل أبو بكر برسالة إلى مسيلمة الكذاب، يدعوه إلى ترك النبوة ويدعوه للدخول في الدين فرفض، قال أبو بكر على المنبر: والله لأرسلنّ لك أبا سليمان خالد بن الوليد يخرج منك وساوس الشيطان؛ فأرسل له خالداً؛ فذبحه، هذا خالد بن الوليد بن المغيرة - إنما الوليد بن المغيرة المقصود- قال: يا معشر الناس! لا تستعجلوا عليه بالتكذيب، أنا أعرف بيت المقدس -وهو من تجار قريش- وقد ذهبت، فأنا أعرف أبوابه وسراديبه ومداخله، فإن كنت صادقاً -يا محمد- أنك ذهبت إلى بيت المقدس فصف لنا بيت المقدس، أليس هذا هو الحكم العدل؟ بلى. حكم عدل، فهذا إنصاف يرضاه ويؤيده العقل، وهذا هو الحوار. الرسول صلى الله عليه وسلم دخل في الليل الدامس، ولم يرَ شيئاً من البيت، إنما دخل بيت المقدس وصلَّى بالأنبياء وعرج به، ولم يرَ شيئاً، قال: فأخذت الرحضاء والعرق يسيل من جبين الرسول صلى الله عليه وسلم، ويلتفت إلى الله عز وجل ألاَّ يخيبه -هذا موقف صعب؛ لأنه سوف يكون نتيجة لسنوات عديدة، أو لتاريخ الدعوة إلى آخر الأبد- قال: فالتفت إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم تجاه الحرم، فأتى الله بصورة بيت المقدس مكبرة؛ فوضعها أمامه، فأخذ يصفه لهم باباً باباً، وسرداباً سرداباً، وغرفة غرفة، قال الوليد بن المغيرة: والذي لا إله إلا هو، ما زدت ولا نقصت على وصف بيت المقدس بهذه، فأسلم جماعة من الجلوس وكفر آخرون. قال الله: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ} [الحجر:14] اسمع أسلوب القرآن، يقول: لو فتحنا عليهم باباً سلماً، وصعد أبو جهل ومن معه حتى رأوا الملائكة والجنة، وظلوا فيه يعرجون: {لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر:15] فيقول الله لهم استهزاءً إذا أدخلهم النار يوم القيامة، قال: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] يقول: ذوقوا أفهذا السحر مثل سحر الدنيا أم لا؟ واستمر عليه الصلاة والسلام، قال الله فيهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [المائدة:104] وأتى صلى الله عليه وسلم وجمع حصيلته في الدعوة بعدما يقارب ثلاثة أسابيع، تدرون من الذي استجاب له؟ صهيب الرومي وخباب بن الأرت نافخ الكير الحداد، وبلال الحبشي من أرض الحبشة، وأمثالهم وأضرابهم، وابن مسعود راعي الغنم من هذيل، هؤلاء حصيلته عليه الصلاة والسلام. فاقترب أبو جهل هو وكفار قريش، قالوا: يا محمد! نريد مجلساً معك، قال: اجلسوا، قالوا: والله ما نجلس معك وهؤلاء الأعبد والموالي معك، أخرجهم ونجلس معك، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يخرجهم ويطردهم ويأتي بهؤلاء السادة على منطق الجاهلية، فأنزل الله {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] وقال: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام:52] فقال صلى الله عليه وسلم: {بل أكون معكم، بل أكون معكم} وطرد هؤلاء السادة؛ لأنهم لا يهتدون. وفي اليوم الثاني جلس عبد الله بن أم مكتوم في الحرم، ورأى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اجتمع به سادات مكة، فأتى إليه يسأله مسألة فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم، سأله وكان أعمى لا يرى والرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يكسب هؤلاء السادات حتى يدخلوا في الدين، فأعرض عنه؛ فأنزل الله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس:1 - 2] عبس: يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم خطاب الغيبة، يقول الله: عبس هذا من العتاب الحار {أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس:2] سماه أعمى، يقولون: هنا من باب جلب عطف الرسول عليه الصلاة والسلام، بينما في سورة الرعد يقول: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] فعمى العين سهل، ولكن عمى القلب هو البعيد والسحيق والمخيف، قال: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} [عبس:1 - 4] قال: وما يدريك أن يكون منارة من منارات الأرض تتلقى نور السماء: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} [عبس:5 - 7]. يقول: أنت مشغول به وما عليك ألاَّ يتزكى، دعه في رجسه ونجسه، وفي الأخير تركهم عليه الصلاة والسلام وما استجابوا. وأصبح ابن أم مكتوم قائداً عسكرياً ومؤذناً وعذره الله من الجهاد، وقال: والله لأخرجن بالراية، فقتل في القادسية، أما أولئك فإلى النار. واستمر عليه الصلاة والسلام يدعو، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف:24] هذا أبو جهل يقول: لو كان فيما جاء به محمد هداية كان أبي وجدي دخلوا فيه، لكن ماتوا على غير الهداية، وقال الوليد بن المغيرة: لو كان في دينه هداية ما سبقنا هؤلاء الأعبد إلى دينه، كيف يسبقنا بلال؟ فيقول ابن القيم: نادى منادي الحق على الصفا فقال أبو جهل: لا سمع ولا طاعة، وقال الوليد بن المغيرة: لا نسمع ولا نطيع، وقال أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا؟ وقال بلال من أرض الحبشة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، دينه صلى الله عليه وسلم يناسب الضعفاء والمساكين، ويصعب على المترفين، لذلك ترى الظلمة والمستبدين لا يريدون أن يحكموا الإسلام في حياتهم، ولا يريدون أن ينتشر الإسلام؛ لأن الإسلام يلغي قداسة البشر، وظلمهم واستبدادهم. ولذلك الشيوعية الآن عندما تنتشر لا تنتشر إلا في المناطق الضعيفة الفقيرة بدعاوى: رفع الظلم الكادحين الفقراء حقوق الشعب الضمائر فتنتشر في هذه الأوساط، أما الإسلام كله حق، ليس فيه تورية، يرفض الظلم، فوجد بلال هذا النور سوف يرفع الظلم عنه، فدخل هو والفقراء والمساكين، وترك المترفون دين الله ودائماً هم أعداء الرسل عليهم الصلاة والسلام، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] وفي قراءة: {أَمّرْنَا مترفيها} [الإسراء:16] ومعنى أمَّرنا، قيل: كثرنا، وقيل: (أمَّرنا): جعلناهم ولاة أمر، وقيل: (أمَّرنا): جعلنا سوادهم كثيراً، وجعلنا لهم بقعة أو شريحة من المجتمع كثيرة، هذه سنة الله عز وجل. واستمر عليه الصلاة والسلام، ووصل إليه من الإيذاء ما لم يجده رسولٌ قبله عليه الصلاة والسلام، وحتى كان يتذكر أيامه الأولى صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة، يقول: {والله لقد أخفت وما خاف أحد} أي: في أول الدعوة، يقول: كنت أخاف أنا وحدي في هذا العالم، في الكرة الأرضية لا يخاف إلا هو {وجعت وما كان يجوع أحد، ويسرت وما كان ييسر أحد، وأوذيت وما كان يؤذى أحد} وكان عليه الصلاة والسلام يسجد، ويبكي طويلاً ويسأل الله عز وجل، وكان سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يرفع من قيمته صلى الله عليه وسلم، ويرفع من معنويته، ويقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64] ويقول: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] ويقول: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهَ} [الأنفال:62] {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال:71] {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]. يصل به اليأس إلى درجة الإحباط أحياناً، فيقول الله عز وجل له: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6] يخاف من القتل، فيقول الله له: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] أي: يمنعك، يخاف أن يغلب، فيقول الله له: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52] يخاف أن يهزم، فيقول الله له: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173]. هذه ساعات ودقائق ولحظات من حياته عليه الصلاة والسلام طواها الزمن لكن ما طوتها القلوب، وعفا عليها التاريخ ولكن ما عفت عليها القلوب والأرواح والأفئدة التي تعيش معه صلى الله عليه وسلم أينما حل وارتحل، فقد سكن في ضمير كل مسلم في كل بقاع الأرض.

إيذاء المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم

إيذاء المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب الإيذاء) أي: إيذاء المشركين للرسول عليه الصلاة والسلام، ورأى صلى الله عليه وسلم من المشركين الأذى الكثير؛ فصبر واحتسب، استهزءوا به، سفهوه في رأيه، اتهموه بالجنون والشعر والسحر والكهانة، ومع ذلك صبر حتى أتم الله نوره، وأكمل دينه، وأتم على الأمة النعمة بمبعثه عليه الصلاة والسلام.

أبو جهل من أشد الناس إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم

أبو جهل من أشد الناس إيذاءً للنبي صلى الله عليه وسلم من أشد من تعرض له صلى الله عليه وسلم بالإيذاء: أبو جهل عليه غضب الله، اسمه عمرو بن هشام، ولم يؤمن، وقتل كافراً في بدر، يقول لقريش: يا معشر قريش! لأحملن صخرة على رأسي، وأخدش بها رأس محمد، فامنعوني أو أسلموني، يقول: إن شئتم قوموا معي وإن شئتم اتركوني، فذهب بالصخرة والرسول عليه الصلاة والسلام جالس، فلما اقترب منه دنا ليرمي الصخرة، وإذا بصورة فحل -جمل- مقبل هائج على أبي جهل، فرمى الحجر وفر فزعاً خائفاً وجلاً، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:15] والناصية: مقدمة الرأس، أي: يؤخذ بناصيته ويجر في نار جهنم {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق:16] وهي ناصية أبي جهل وأمثاله، أي: لا تعرف الصدق {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} [العلق:17] لأنه يقول هو: يا معشر قريش! يقول محمد: إنه سوف يدعو الملائكة وسوف أدعو عليه أهل النادي، يقصد: كفار قريش، قال سبحانه: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبَْ} [العلق:17 - 19]. وقد آذى الرسول عليه الصلاة والسلام إيذاءً بالغاً، ولكن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حمى رسوله حتى أتم به النعمة.

إيذاء عقبة بن أبي معيط للنبي صلى الله عليه وسلم

إيذاء عقبة بن أبي معيط للنبي صلى الله عليه وسلم ومنهم أيضاً عقبة بن أبي معيط، كان الجار الثاني للرسول عليه الصلاة والسلام، جمع الناس في وليمة، ودعاهم جميعاً، فحضر صلى الله عليه وسلم وقال: والله لا آكل طعامك حتى تؤمن بالله، فتشهد عقبة، فبلغ ذلك أبي بن خلف الجمحي، وكان صديقاً له، فقال: ما شيء بلغني عنك؟ قال: لا شيء، دخل الرجل منزلي فأبى أن يأكل طعامي حتى أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت له، قال أبي: وجهي من وجهك حرام، إن لقيت محمداً فلم تطأ عنقه وتبصق في وجهه وتلطم عينه، فلما رأى عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل به ذلك، فأنزل الله فيه سورة الفرقان {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإنسانِ خَذُولاً} [الفرقان:27 - 29]. هذا عقبة حضر يوم بدر، وكان في صف المشركين فوقع في الأسارى، وقع أسيراً في يد المسلمين، فمر صلى الله عليه وسلم وهو محجل بالحديد -في يديه سلسلة من حديد- وفي أقدامه سلسلة من حديد وهو كالجمل، وهو من أشجع الناس، فرآه صلى الله عليه وسلم بين الأسرى، فقال صلى الله عليه وسلم: من يقتل هذا؟ قال علي بن أبي طالب: أنا يا رسول الله، فتقدم علي بن أبي طالب بالسيف المسلول، فيقول عقبة بن أبي معيط: يا محمد! لمن الصبية؟ قال صلى الله عليه وسلم: إلى النار، فتقدم علي بن أبي طالب فقتله؛ لأنه آذى الإسلام وآذى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذاءً بالغاً، وهو الذي بصق في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وآذاه في مكة واعترض على المسلمين وعذب كثيراً من المؤمنين، وكذلك قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه النضر بن الحارث، ثم ذهب صلى الله عليه وسلم فنزل في الأثيل وهي قرية قريبة من بدر ومعه الجيش، فأتت أخت عقبة تقول: دلوني على الرسول صلى الله عليه وسلم فدلوها فوقفت بين يديه، قالت: عندي أبيات أريد أن أنشدها بين يديك، قال صلى الله عليه وسلم: قولي، قالت: أمحمد يا نسل كل كريمة من قومه والفحل فحل معرق ما كان ضرك لو مننت وربما منّ الفتى وهو المغيظ المحنق ثم أخذت تنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده، لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته} لكن إلى النار؛ لأنه عدو لله وللمؤمنين. واستمر صلى الله عليه وسلم يصبر ويحتسب ويدفع بالتي هي أحسن حتى بلَّغ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى دينه مبلغ الليل والنهار.

العاص بن وائل وأذيته للنبي صلى الله عليه وسلم

العاص بن وائل وأذيته للنبي صلى الله عليه وسلم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن العاص بن وائل، وكان هذا العاص -كما قلت لكم- هو أبو عمرو بن العاص - السهمي قتل في بدر، أتى إلى خباب بن الأرت، فصقل له سيفاً، وخباب كان يعمل على الكير، فقال خباب: أعطني الأجرة، قال: أتؤمن بمحمد؟ قال خباب: نعم أومن، قال: وتؤمن أن الله يبعثنا بعد الموت، قال: نعم أومن، قال: فانتظر حتى يبعثنا الله فأعطيك الأجرة؛ لأني سوف أكون كثير المال يوم القيامة -يضحك- قال: كيف تكون كثير المال؟ قال: لأني إذا بعثت سوف أكون على وضعي في الحياة الدنيا، وأنت سوف تكون على وضعك، يبعثك الله كياراً حداداً، ويبعثني غنياً تاجراً. اسمع رد القرآن، ليس برد البشر: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} [مريم:76 - 80] هذا رد القرآن، يقول: انظر إلى هذا المجرم الذي يتقول على الله، وكأن عنده عهداً من الله عز وجل أو أثارة من علم، أنه سوف يبعث غنياً -كذاب وهو مجرم- ويقول الله بعدها؛ لأن هذا المجرم العاص بن وائل يقول: سوف أبعث من القبر في أسرتي، بني سهم سوف يخرجون معي من القبور، فيحمونني من ملائكة محمد الذي يزعم أنهم يأخذون الرجل فيكبونه في النار، قال سبحانه: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95]. وهذا رد على كل طاغية في الأرض، فلا حرس ولا موكب ولا حراسة ولا حماية إلا حماية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا في الحياة الدنيا، وأكبر آية أن الإنسان يدفن بدون أن يدخل معه أحد. هارون الرشيد الذي حكم ما يقارب نصف الكرة الأرضية المشرق كله من السند إلى أسبانيا، قال لما حضرته الوفاة، قال: يا من لا يزول ملكه! ارحم من قد زال ملكه، وعبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، لما حضرته الوفاة، قال: يا ليتني كنت غسالاً، يا ليتني ما عرفت الحياة، يا ليتني ما توليت الملك، وهذه هي مصائر الناس، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94].

الوليد بن المغيرة وأذيته للنبي صلى الله عليه وسلم

الوليد بن المغيرة وأذيته للنبي صلى الله عليه وسلم وممن آذى الرسول صلى الله عليه وسلم الوليد بن المغيرة، أبو خالد بن الوليد، كان عنده عشرة أبناء، وكان تاجراً وذا مالٍ في مكة، كان يكسو الكعبة سنة، وكفار قريش يجتمعون في كسوة الكعبة في سنة، الوليد بن المغيرة كان الذهب عنده يقسم بالفئوس، إذا أراد أن يحضر نوادي مكة أو ولائم مكة جعل خمسة من أبنائه عن يمينه وخمسة عن يساره، هو صاحب عشرة أبناء، فالله سوف يعترض عليه الآن وسوف يدمغه القرآن بعد قليل. أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وجمع كفار قريش، قال: يا معشر قريش! دعوني أذهب إلى محمد وأفاوضه، قالوا: اذهب، فجلس أمام الرسول عليه الصلاة والسلام وطلب منه أن يترك دعوته، وطلب منه ألا يقطع الأرحام، كأن الذي قطع الأرحام رسول الله صلى الله عليه وسلم -وألاَّ يسب الآلهة، أي: الأصنام، قال: وألاَّ يثير على قومه فتنة، ولا يفتح عليهم باب قتل، فقال صلى الله عليه وسلم: انتهيت يا أبا المغيرة؟ قال: نعم انتهيت، قال: اسمع، لا يرد صلى الله عليه وسلم من عنده، يرد بسورة فصلت، فبدأ صلى الله عليه وسلم من أولها، ثم قرأ عليه بصوت الرسول صلى الله عليه وسلم، وذاك مبهوت أمام الرسول صلى الله عليه وسلم كالصنم، ثم بلغ صلى الله عليه وسلم قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:13]. فقام الوليد فجعل يده على فم الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: أسألك بالله والرحم، يقول: أسألك بالله لا تزيد علينا من هذا؛ لأنه بلغ إلى أضلاعه وأقطار نفسه ودخل قلبه، فقام بوجه كقطع الليل المظلم متأثراً، فرجع إلى كفار قريش، قال كفار قريش: والله لقد جاءكم الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، قالوا: ماذا رأيت؟ قال: سمعت الشعر هزجه ورجزه وليس بشعر، وسمعت السحر نفثه ورفثه، وليس بسحر، وسمعت الكهانة وليس بكهانة، قالوا: ما هو؟ قال: كلام يعلو ولا يُعلى عليه، أسفله مغدق وأعلاه مثمر، له حلاوة، وعليه طلاوة، قالوا: لا تبرح من هذا المكان حتى تقول فيه كلاماً وإلا قاطعناك. فجلس، والقرآن ينقل لنا صورة الرجل وهو يتكلم، قال: فجلس وفكر، ثم رفع طرفه يبحث عن كلام يغمز به القرآن، ثم تأمل قليلاً ثم عاد، فقال: إن هو إلا سحر يؤثر، اسمع كيف يرد عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} [المدثر:11] يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: اتركني وهذا المجرم، وأنت إذا تركتني لهذا المجرم أنا أنصفك منه، كقولك ولله المثل الأعلى: اتركني وفلاناً، لا تتدخل بيني وبين فلان أنا أكفيك فلاناً، فالله يقول: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} [المدثر:11] يقول: هذا خلقته واحداً، لكن عنده عشرة أبناء الآن: {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً} [المدثر:12] من الذي جعل له المال؟ من الذي خوَّله؟ من الذي أعطاه؟ الله، يقول: أنا الذي أعطيته، وأنا الذي سوف أحاسبه {وَبَنِينَ شُهُوداً} [المدثر:13] قال أهل التفسير: يشهدون المحافل معه، منهم خالد بن الوليد لكنه أسلم، وأحد الأئمة رحمه الله، يقولون: كان يصلي في الحرم، وكان وراءه خالد بن الوليد، فصلى خالد رمضان هناك، فلما أتى الإمام إلى هذه السورة قفزها. هذا مشرك نعم، لكن تقدير المشاعر وارد، أبوه الوليد في النار، لكن خالد هو سيف الله المسلول، هذا أبو سليمان الذي فتح المشرق وراءه، قال: فمن احترامه وتقديره قفز في سورة المدثر، وهذه ذكرها التاريخ، لأن خالداً يعرف من هو المقصود، أنت تصور في أسرتك أنه يقرأ عليك في الحرم القرآن وهو في أبيك وفي أسرتك ألا تتأثر ولو كان أبوك كافراً؟ البشر بشر، قال: قفزها وتركها، فقالوا: يسمونه النبيل، سموا هذا الإمام نبيلاً لعقله وذكائه وفطنته، وإلا فلا يهدر شيء من كلام الله عز وجل. قال: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً} [المدثر:11 - 14] أي: أصلحت له الأمور، ولذلك ترى كثيراً من الكفرة تتكسر العقبات في طريقهم، تجد الفاجر يعيش ستين سنة لا يبكي أبداً، ولا يتضور من الجوع ولا يظمأ ولا تحدث له مشكلة، كل شيء معبد في طريقه، إن ذهب يراجع فالشفاعات أمامه، إن ذهب في مصلحة وجدت الواساطات قبله، إن أراد شيئاً وجد الفيتامينات، تسمى فيتامينات (و) تسهل عليه كل مهمة. بينما تجد بعض الصالحين الأولياء الكبار، مبهذل في الحياة، جائعاً وأسرته جائعة، وإذا تقدم إلى طلب رُفِضَ طلبه. ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع الصحابة، وعنده أبو ذر الغفاري، فمر رجل على فرس في ديباج أخضر ومعه سيف، وفرسه له إشارة طويلة، فقال صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر: ما رأيك في هذا الرجل؟ -هذه موازين محمد عليه الصلاة والسلام، ليست موازين العروبة والقومية الخاسرة القبيحة- قال أبو ذر: هذا جدير إن شفع أن يشفع -أي: إذا توسط عند الناس أن تقبل وساطته- وإذا نكح أن ينكح -إذا أراد أن يخطب امرأة زوجوه ولم يردوه- وإذا قال أن يسمع له، فتبسم صلى الله عليه وسلم وسكت. فمر رجلٌ فقير يمشي على الأرض، عليه ثياب مقطعة مرقعة وجائع وعليه تضور الجوع والفقر، قال: يا أبا ذر! ما رأيك في هذا؟ قال: هذا جدير إذا شفع ألا يشفع -لا تقبل له وساطة، ولذلك بعض الناس لا يدخل من الأبواب، ينام على الرصيف، ولا يقبل كلامه، ولا يلتفت ولا ينظر إليه، ولا يسلم عليه أصلاً- قال: وجدير إذا نكح ألا ينكح -لا يزوج- وإذا قال: ألا يسمع، قال صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر! والذي نفسي بيده، إن هذا الرجل خير من ملء الأرض من ملء ذاك} لماذا؟ لأن الموازين عند الواحد الأحد. يقول: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:1 - 3] قال أهل التفسير: تحفض أناساً كانوا مرفوعين في الدنيا بالكذب، وترفع أناساً كانوا مخفوضين في الدنيا، هذه موازين الله عز وجل. والمقصود، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزيد} [المدثر:15] هذا المجرم كذلك يطمع أن أزيد أمواله وهو يفعل كذا: {كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً} [المدثر:16] بآيات الله عز وجل الشرعية القرآنية {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} [المدثر:17] الصعود: جبلٌ في جهنم نعوذ بالله منه، يقول: يصعده يصعده وله نفس، فإذا بلغ منتهاه سقط إلى آخره، ثم يصعد، وهذه تسمى الأعمال الشاقة التي اكتشفها هتلر، أن يصعد الإنسان، لكن عذاب الآخرة أشد وأخزى، فإذا صعد ووصل رأس الجبل، يقولون: يصعده ما يقارب سبعين سنة، فإذا انتهى إلى أعلاه سقط إلى آخره وهكذا. {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} [المدثر:18] الآن يصف لك المجلس الذي جلسه، فكر، أي: ماذا يريد أن يطعن في هذا القرآن، ماذا يريد أن يتقول على هذا القرآن، أعظم معجزة هو هذا القرآن، أحد المستشرقين أسلم، وأنتم تعرفونه أنه يوسف، اعتنق الإسلام وحيته الصحف، يقولون: إن من أسباب إسلامه، ولو أنها رويت عن رجل أمريكي آخر، لكنها نقلت عن هذا كذلك، أنه أتى يقرأ القرآن، الآن أي كتاب يؤلف من كتب البشر التي بأيدينا، كل كتب المكتبات الإسلامية في أولها يقول المؤلف: وأنا أعتذر إلى الإخوة القراء، أو كلام يشبه هذا، إن ند بيان، أو تلعثم لفظ، أو أخطأت في مسألة، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه بريئان، فالمعذرة، هكذا البشر يقولون إذا ألفوا كتاباً اعتذروا إلى قرائه، أما الله عز وجل فما اعتذر لأحد من الناس، يقول في كتابه: (الم) {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] يقول: أتحدى أن يوجد فيه ريب أو خطأ، ويقول بعدها: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] ثم يقول: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإنس وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88]. الآن اسمع في صلاة التراويح، كأن الآية أول مرة تسمعها في حياتك، كأنك ما سمعت بها إلا هذه الليلة، كأنها أنزلت هذه الليلة فحسب. لما مات صلى الله عليه وسلم، قام عمر يقول: [[يا معشر الناس! من زعم أن محمداً قد مات ضربتُ عنقه بهذا السيف]] فأتى أبو بكر، فقال: [[رويدك يا ابن الخطاب]] ثم قام أبو بكر يتلو قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] قال عمر: [[والله الذي لا إله إلا هو، كأنها أول مرة أسمع هذه الآية]] ثم أغمي على عمر، هذه جدارة القرآن. يقول: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّر * ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر:18 - 21] الآن بدأ يصف لنا مجلسه مع كفار قريش. يقول: نظر إلى السماء يتفكر ماذا يطعن في القرآن: {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [المدثر:22] عبس وجهه: أظلم وجهه، وبسر: كلح، هذا أسلوب القرآن يخاطبهم باللغة العربية الفصحى: {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر:23 - 24] أي: ينقل {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:25 - 26]. الفيصل مع هذا المجرم، وذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وقال: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم:10] وكان كثير الحلف فجوراً وإعراضاً وصداً عن منهج الله، ووصفه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فقال: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11] الهماز: هو العياب الطعان، مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ: ينقل الأحاديث للإفساد بين الناس: {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم:12 - 13] عتل: غليظ القلب، بعد ذلك زنيم، قيل: بخيل {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم:14 - 16] يقولون: ضرب على أنفه الخرطوم، وقيل: في الآخرة سوف يضرب على أنفه الخرطوم، وإنما قال: الخرطوم، وإلا كان يقول: الأنف، لكن من باب أن يلحقه بعالم الحيوانات؛ لأن الخرطوم للفيل ولأمثاله، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم:16] والعرب تدري بهذا، وتعرف ما هي دلالة هذه الألفاظ.

أذية النضر بن الحارث للنبي صلى الله عليه وسلم

أذية النضر بن الحارث للنبي صلى الله عليه وسلم ومن المستهزئين النضر بن الحارث العبدري، من بني عبد الدار، كان إذا جلس الرسول صلى الله عليه وسلم مجلساً للناس يحدثهم ويذكرهم ما أصاب من قبلهم، قال النضر: هلموا يا معشر قريش، فإني أحسن مثل هذا الحديث، فقام يحدثهم عن فارس، وعن الروم، وعن أساطير وأخبار عجائز الجاهلية فيتضاحكون. يحدثهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن فرعون وعاد وثمود، فيأخذ هو كرسياً ويجلس بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم، فيحدثهم عن عجائز الجاهلية، فلانة، وفلانة، فيضحكون استهزاء. ينقل في السير: [[أن عمر دخل المسجد فوجد قاصاً من المسلمين -لكنه مغفل- أخذ كتاب دانيال، فأخذ يقص على الناس في المسجد، وعمر داخلٌ من الباب، قال عمر: ما هذا؟ قالوا: قاص، قال: وما قاص؟ قالوا: يقص علينا من أخبار دانيال، أخبار مثل: تودد الجارية، مثل: داحس والغبراء، مثل: المهلهل، ومثل: الزير سالم، ومثل هؤلاء الذين هلكوا في الجاهلية، قال عمر: خير، ثم ذهب، وأتى بعصا ودخل عليه، وهو عند الكرسي، فأتى؛ فأمسكه وضربه على رأسه. قال: يا عدو الله! يقول الله عز وجل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] وأنت تقص علينا قصص دانيال، أي: هل أصبحت أفضل من قصص القرآن؟! هل هي أحسن من قصة يوسف، وقصص الصالحين، وقصص الهالكين؟ أي: كأن الأمة تعيش فراغاً فكرياً، مثلما نعيش الآن، نحن نعيش خواءً عقدياً، أي: تجد الأمة محتاجة لقال الله وقال الرسول، وتجد المسلسل يأخذ ساعة ونصف أو ساعتين في كلام فارغ (افتح يا سمسم). أي: ضياع للأمة، وضياع للضمائر، الأغاني أربع ساعات، ونحن بحاجة إلى حدثنا، ورواه البخاري ورواه مسلم، ولذلك انظر واقع العالم الإسلامي، الطباشير مستوردة، أمة تأكل وتشرب وتنام وترقص، تخرج اللاعب والمغني والموسيقار، هذه جودتنا أمام العالم، وهذا بسبب الترف الفكري والضياع الذي ما شهده عمر رضي الله عنه، يسمى الخواء العقدي، فإذا فرغت الأمة تصبح هكذا. يقولون: إذا لم يتشاغل الإنسان بالكتاب والسنة يصبح فارغاً، حتى تجد -الآن- أناساً في الأربعين والخمسين، بل منهم من بلغ الستين، ينطلق بعد التراويح إلى المقهى يلعب البلوت إلى الساعة الثانية ليلاً، لا يقرأ قرآناً، ولا يستمع حديثاً، ولا يقرأ من ثقافة الأمة، أو من ثقافة تنفعه في الدنيا والآخرة، ولا يتقرب إلى الله إنما يلعب البلوت إلى الثانية ليلاً أو إلى السحور، وهذا موجود لا ينكره إلا مكابر، وشريحة في المجتمع تفعل ذلك؛ لأن هناك خواء عقدياً، لم يحمل الكثير {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فنحن نشكو حالنا إلى الله. يقول سبحانه في هؤلاء الكذبة: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6] القرآن شيء، ولهو الحديث شيء آخر، لهو الحديث ضياع للمجالس: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان:6] قصده الصد عن منهج الله، تجد بعضهم يرتاح لسماع الأغنية ولا يرتاح لسماع القرآن، ولا يريد أن تحدثه ولا تعظه، بل إذا حدثت في المجلس، قال: عندنا خير، واستفدنا والحمد لله، واتركونا من هذه الأحاديث اتركونا نتكلم في حديث آخر، هذا من الذين يصدون عن سبيل الله: {وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [لقمان:6 - 7].

إسلام حمزة بن عبد المطلب

إسلام حمزة بن عبد المطلب قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب إسلام حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حمزة أحد الأعمام التسعة للرسول عليه الصلاة والسلام، وكانوا أبناء عبد المطلب عشرة، منهم: أبو الرسول صلى الله عليه وسلم، وحمزة، وأبو طالب، والعباس، كلهم أعمام له صلى الله عليه وسلم. فـ حمزة كان من أشجع الناس، وحمزة في لغة العرب اسمٌ للأسد، والأسد له ما يقارب مائة اسم، من أسمائه حمزة، وحيدرة، والليث، وهزبر، فسمى عبد المطلب ابنه هذا بـ حمزة، فأتى اسماً على مسمى، ولذلك كان هو من أشجع الناس، كان يأخذ ريش نعامة فيضعه في عمامته وقت المعركة، فإذا ركب ريش النعامة عرف الناس أنه سوف لا يحجم، ولا ينكسر حتى يفل خصمه. سبب إسلام حمزة أنه كان يصطاد في وادي نعمان فوق عرفة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو إلى الله في الحرم، وفي النهار أتى بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي جهل كلام، فقام أبو جهل فسب الرسول صلى الله عليه وسلم وآذاه وتكلم عليه، وكان من أشد الناس إيذاءً للرسول صلى الله عليه وسلم. فجاء حمزة إلى أهله بصيد صاده من البرية، إما طير أو غزلان أو أرانب، قال: هل وقع اليوم شيء؟ قالوا: ترافع صوت ابن أخيك محمد وصوت أبي جهل اليوم في الحرم، فسبه أبو جهل أمام الناس، فقام، فأخذ قوسه الذي يصيد به وذهب والناس مجتمعون في الحرم، وأبو جهل في أكبر حلقة، فعمد إلى أبي جهل فضربه على رأسه فشجه؛ فإذا الدم على وجهه، فأراد أن ينتقم، فقامت الأسر بعضها تحامي عن بعض، فلما أخذته الحمية ذهب حمزة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. مادام أنه بلغ هذا الإيذاء وعلم الله انتصاره للرسول صلى الله عليه وسلم، فهداه للإيمان: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56] واستمر حمزة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من أحب أعمامه إليه، قريباً من قلبه، ومواقفه البطولية لا تنسى أبد الدهر.

حياة حمزة مع الرسول صلى الله عليه وسلم

حياة حمزة مع الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من بارز في معركة بدر، دعاه صلى الله عليه وسلم للمبارزة حمزة عمه، لئلا يقول الناس: دعا الناس للمبارزة والقتال وترك أقاربه، جعل كل المبارزين أقاربه صلى الله عليه وسلم، حمزة، وعبيدة بن الحارث وعلي بن أبي طالب، يقول علي بن أبي طالب في الصحيح: [[أنا أول من يجثو يوم القيامة، ومن بارز يوم بدر؛ لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19]]] الذين تبارزوا يوم بدر هم أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن يوم القيامة، ثلاثة من المؤمنين، وثلاثة من المشركين. ثم بدأت المعركة، يقول أحد من حضر المعركة: [[والله إني كنت أنظر إلى حمزة وبيده السيف، وإن الناس يتفللون بجانبه وأمامه كالمعزى في الليلة الشاتية، أي: الرجال يصبحون أمامه كالمعزى إذا رأت الأسد، وإلا فهم شجعان، أشجع العرب هم قريش، لكنهم بلوا برجل من أشجع الناس، وحضر معركة أحد، وكان أكثر السبعين الذين قتلوا يوم بدر من كفار قريش على يد حمزة. فأتت هند امرأة أبي سفيان، فأخذت قلادتها، وأخذت ذهبها وحليها، وأتت إلى وحشي مولى من الموالي، وقالت: هذه الحلي، وأعتقك إن قتلت حمزة في معركة أحد، وحضر الجمعان أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله، قائدهم رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، ومعه عمه حمزة، ولما بدأت المعركة، أخذ حمزة ووضع ريش النعامة على صدره، مستعداً لمعركة ويوم كيوم بدر، فأتى ابن عرفطة، فنزل حمزة والتقى معه وبدأت المعركة، قال حمزة لـ سباع بن عرفطة: يا ابن أم مقطعة البظور! أتيت تحاد الله ورسوله، يقول: يا ابن الختانة! لعنك الله، ثم قتله. وقد قتل سبعة من قادة قريش ومن حملة الراية، فلما أتى في منحنى الوادي، قام وحشي وكان من الحبشة معه حربة، فهزها وحمزة لم يدرِ أن هذا قد كمن له في شجرة، وإلا لو كان أمام الأرض كان رآه، فضربه بالحربة حتى أخرجها من بطنه، قال بعض الرواة: إن حمزة ضرب الشجرة حتى قطع غصونها، لكنه لم يدرك وحشياً، وسبقه الدم فوقع صريعاً على وجهه. فأتت هند بعدما قتل حمزة، فبقرت بطنه، وجدعت أنفه، وأخذت كبده فلاكتها، ثم لفظتها ولكنها لم تستطع أن تبتلعها من الحقد والغيظ والضغينة؛ لأنه قتل أقاربها الكفار، فمر صلى الله عليه وسلم على القتلة، فلما رأى حمزة وقف طويلاًَ، وبكى وغضب عليه الصلاة والسلام، وقال: {والذي نفسي بيده، لئن ظفرت بهم لأمثلن منهم بسبعين} فأنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128]. هذا هو حمزة الذي أسلم، وهذه أيامه ومشاهده، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5].

حياة بلال بن رباح

حياة بلال بن رباح وممن أوذي في سبيل الله بلال بن رباح، الذي أتى من أرض الحبشة مجيباً لداعي الله عز وجل، فأجاب دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، وركب في سفينة التوفيق مع رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، سحبوه في الرمضاء، وهو يقول: أحد أحد، وأحرقوه في الشمس، وهو يقول: أحد أحد، وضربوه بالسياط وهو يقول: أحد أحد. مر أبو بكر الصديق وبلال رضي الله عنه وأرضاه يعذب، وهو يصيح: أحد أحد، فقال أبو بكر لـ أمية بن خلف سيده -عليه غضب الله- هذا أمية بن خلف المجرم، هذا الذي عذَّب بلالاً، من سادات قريش.

أبو بكر الصديق يشتري بلالا من أمية بن خلف

أبو بكر الصديق يشتري بلالاً من أمية بن خلف قال له أبو بكر: أتبيع مني بلالاً؟ قال: خذه لو أخذته بدرهم بعته منك، قال: وأنت لو قلت: بمائة ألف دينار أخذته منك، فأعتقه أبو بكر، فكان عمر يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا؛ لأن عمر دخلت في قلبه لا إله إلا الله وإلا لو أنه كان مشركاً لما قال هذه الكلمة، كان كفار قريش لا ينظرون إلى بلال ولا يُسلِّمون عليه ولا يجلس معهم، واستمر بلال فجعله صلى الله عليه وسلم مؤذناً للرسالة الخالدة. كان يؤذن دائماً بصوته الجميل العاطر الندي، فيرتفع صوت الأرض إلى السماء، وكان صلى الله عليه وسلم دائماً إذا حزبه أمر، يقول: {أرحنا بها يا بلال} أرحنا بالصلاة، وكان دائماً مع الرسول صلى الله عليه وسلم قريباً من راحلته، وأحياناً ربما حمل معطف الرسول صلى الله عليه وسلم، أو حمل أدواته وحاجياته الخاصة عليه الصلاة والسلام.

بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم

بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم ونام الجيش في ليلة من الليالي، والحديث في البخاري والرسول صلى الله عليه وسلم معهم، فقال: {من يحرسنا هذه الليلة، ويحبس علينا صلاة الفجر} أي: يوقظنا لصلاة الفجر، هبط في معرس من الأرض يريد أن يوقظهم أحد الصحابة، قال بلال: أنا يا رسول الله! فوقف مع ناقته يصلي ويتهجد، فلما قرب الصبح، جلس بجانب الناقة فنام حتى طلعت الشمس، فلما طلعت الشمس، حمي الناس من الشمس، لم يقم أحد من الجيش، معهم المشرع المعصوم عليه الصلاة والسلام، وإلا فالله كان يوقظه؛ لأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه، لكن أراد الله أن يشرع للأمة، يخبرنا ماذا يفعل الإنسان إذا نام. وعند الإمام مالك في الموطأ، حديث يقول: {إني لأنسى لأسن} وهو منقطع لكن معناه صحيح، أنسى، أي: ينسى صلى الله عليه وسلم ليسن للناس، ينسى ليشرع للناس، فكان أول من استيقظ لحرارة الشمس عمر بن الخطاب، وكان رجلاً مهيباً جلداً صابراً حازماً، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً -وانظر إلى الأدب كيف صاغ الله هذه الأمة حتى أصبحت تتعامل مع رسولها عليه الصلاة والسلام! أتظن أن عمر يأتي ويقول: يا رسول الله! قم تأخرت عن الصلاة، أو يقول: يا رسول الله! ويرفع صوته، لا. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63] لا تتعاملون مع هذا الرجل كبعض الرجال، إنه رسول، إنه معصوم، إنه نبي- فأتى عمر فوقف بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، فاستيقظ صلى الله عليه وسلم. فلما استيقظ الناس وإذا بهم من الخوف والهلع ما الله به عليم، أول مرة في تاريخهم تطلع عليهم الشمس، وهم لم يصلوا الفجر، فقل لي بالله كم من ملأ لا يصلون الفجر دائماً إلا بعد طلوع الشمس، لكن يقول المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام فقال صلى الله عليه وسلم: ما عليكم، أي: لا تخافوا ولا تحرجوا، ثم أمرهم بالاستيقاظ والمشي، فمشوا من هذا الوادي، يقول صلى الله عليه وسلم: {هذا وادٍ بات معنا فيه شيطان} قيل: وادي العقيق، وقيل: وادٍ غيره، ولكن يهمنا أن هذا الوادي بات شيطان مع الصحابة فناموا، فلما مشوا قليلاً، قال صلى الله عليه وسلم: أعندكم ماء؟، قالوا: ما عندنا يا رسول الله شيء، فالتمسوا في القرب فما وجدوا ماءً، يريدون أن يتوضئوا، جيش ما يقارب ثمانمائة مقاتل، قال صلى الله عليه وسلم: يا علي! - وهو رجل المهمات أبو الحسن: فلسان يدعو وعقل يشير وحسام يمضي وفكر جدير قال: يا علي! ويا زبير! التمسا لنا الماء، والزبير كذلك رجل المهمات، حواري الرسول صلى الله عليه وسلم، وهما من أشجع الناس. فذهبا على فرسين في الصحراء، وإذا بهم بأعرابية أقبلت على جملين تريد الماء لأهلها، هذه بدوية ذهبت تستقي من غدير وركبت القرب على الجمال، وذهبت تريد أهلها، فاعترضها علي بن أبي طالب والزبير، فقالا لها: كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: الصابئ؟ أي: المنحرف عن دين آبائه وأجداده إلى دين غيره، وهذه كلمة من التشويش الإعلامي الذي وقع له صلى الله عليه وسلم، قالوا: هو الذي تريدين، صلى الله عليه وسلم، وهذا جواب لطيف، لو قالا: نعم. لكانا أخطأ، ولو قالا: لا، لما عرفت هي، ولذلك قالا: هو الذي تريدين. فذهبا قبلها بالفرسين وهي وراءهم بالجمال، فلما اقتربوا أخذ صلى الله عليه وسلم قربة من قربها، فقال: صبوها عليَّ، فأخرج يده البيضاء النظيفة الجميلة، التي لم تعرف سفك الدماء ولا السرقة، ولا أكل أموال الشعوب، ولا اللعب بالمبادئ، اليد التي أخرجتني وأخرجتك وأخرجت هذا العالم من الظلمات إلى النور، فقال: صبوا، قال: بسم الله الرحمن الرحيم، قال أنس: [[والذي نفسي بيده، إني رأيت الماء ينبع من بين أصابعه كالأنهار]] ليس من القربة، إنما من بين يديه، فأخذت الصحاف تمتلئ ويغتسل الناس ويتوضئون ويملئون القرب من قربة واحدة. فلما انتهت، دعا صلى الله عليه وسلم بالبركة لها، فامتلأت قربتها، لم ينقص منها شيء ولم تذهب منها قطرة، وأعادها على الجمل، ثم قال للناس: اجمعوا طعاماً لهذه الأعرابية، فجمعوا طعاماً ووضعوه على جمالها، ثم ذهبت. هذا من قصص بلال، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: {إن بلالاً يؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم} كان يؤذن قبل أن يوتر الناس، وابن أم مكتوم ينادي مع الفجر، أتى صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي -والحديث صحيح- وفي الصباح قال للصحابة: {يا بلال! دخلت الجنة البارحة، فسمعت دفَّ نعليك في الجنة، فماذا كنت تصنع؟ قال: ما توضأت في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بعده ركعتين}.

بلال بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم

بلال بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم هذا بلال منادي رسول الله، وكان جميل الصوت، وذكر بعض أهل السير -والله أعلم بذلك- أن بلالاً مات في الشام في حمص، لكنه لما سافر إلى الشام مكث هناك فترة طويلة، بعدما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض أن يؤذن للناس، توفي صلى الله عليه وسلم، وقام هو يؤذن صلاة الفجر، فرفع صوته الجميل في المدينة يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فلما بلغ أشهده أن محمداً رسول الله، بكى وخنقه البكاء، فما استطاع أن يكمل الأذان فنزل؛ لأنه تصور الرسول صلى الله عليه وسلم قد انتهى. قال أبو بكر: أذن لنا يا بلال؟ قال: والله لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا ما شاء الله، ولما فتح عمر بيت المقدس، تقدم عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى الصخرة. رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا تقدم، قال: يا بلال! عزمت عليك أن تؤذن هذا اليوم، فرقى بلال عند بيت المقدس، وقال: الله أكبر، فانفجر الصحابة يبكون؛ لأنه ذكرهم أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، فقام بلال في الشام، وفي ليلة من الليالي رأى الرسول صلى الله عليه سلم في المنام، قال: هجرتنا يا بلال! أي: لا تزورنا حتى في المدينة، هذه الفترة لم نرك، فشد بلال جمله وذهب إلى المدينة، فوصلها ليلاً ووجد المؤذن قد تأخر تلك الليلة عن الأذان، فقام بلال يؤذن، قالوا: فما بقي بيتٌ سمع نداء بلال وصوته إلا بكى.

مصرع أمية بن خلف على يد بلال بن رباح

مصرع أمية بن خلف على يد بلال بن رباح ذهب بلال إلى الله، ولكن بقي بلال في قلب كل مسلم من مسلمي الكرة الأرضية يعيش معه، ويتفاعل معه، ويحبه، ويتولاه، وذهب أمية بن خلف وأبو جهل والوليد بن المغيرة، ولم يبق قلب مسلم إلا يبغض هؤلاء ويلعنهم ويتبرأ منهم إلى قيام الساعة. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن أمية بن خلف وعن أبي بكر الصديق، في قصة البيع والشراء: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل:14 - 15]. هذا أمية بن خلف رفض أن يخرج يوم بدر، يقول له كفار قريش في بدر: اخرج معنا نلاقي هذا الصابئ محمداً، قال: لا. إني رأيت محمداً دعا علينا عند الكعبة، وأخاف أن أخرج فأقتل هناك -وإذا كتب الله أن يقتل فسوف يخرج- فرفض أن يخرج وأرسل أبناءه وأرسل أجيراً له، فأتى أبو جهل إليه بمبخرة، فركب فيه البخور والجمر، وقال: يا أمية بن خلف! تجمر مثل النساء، أما القتال فلا تحضر معنا. قال: أنا أشجع منك ومن أبيك ومن جدك، ثم أقسم أن يخرج -هذا أحرجه حتى يورده الموت- فخرج معهم، فلما أصبح في معركة بدر أي: أمية بن خلف وفر الناس وفر أمية بن خلف، فرآه بلال من آخر الوادي -هذا صاحبه الأول- فأخذ بلال يرفع السيف، ويقول للأنصار: [[أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا، أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا]] أي: صاحب الصفحات والفعائل السوداء، فلحقه الأنصار فاشتبكوا معه، فأتى عبد الرحمن بن عوف فألقى رداءه وألقى جسمه على أمية بن خلف، فاستخرج الأنصار أمية بن خلف ورفعوا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وهو يريد الإصلاح، فتناولوه بالسيوف فقطعوه إرباً إرباً، هذا أمية بن خلف قتل في معركة بدر، ورحل إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم. فيقول: {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل:16] هذا هو أمية بن خلف {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل:17] هذا الصديق الأكبر أبو بكر الصديق {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:18 - 21]. ذكر ابن ماجة لكن في سنده كلام، أن الله عز وجل أول من يلقى بعد الرسل والأنبياء في الجنة أبا بكر الصديق، والذي نعتقده أن أفضل الناس بعد الأنبياء والرسل هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه بلا خلاف.

إسلام عمار بن ياسر

إسلام عمار بن ياسر وممن أسلم أيضاً: عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه، وأخذه كفار قريش وعذَّبوه، حتى قدموا له الجعل وقدموا له الحشرات، فيقولون: ربك هذا؟ قال: نعم ربي. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106].

تعذيب كفار قريش لعمار بن ياسر

تعذيب كفار قريش لعمار بن ياسر ومن هذه القصة أن من عذب عذاباً شديداً ولا يستطيع أن يتحمل، له أن يتفوه بشيء يوافق من عذبه حتى ينجو من العذاب إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان. الآن انظر إلى الأنظمة الفاسدة التي عذبت البشر، مثل بعض المذكرات: نظام الحكم مثلاً في العراق الذي عذب الدعاة، كانوا يقولون: أنت متواطئ مع الصهيونية، يأخذون العالم من المسجد المفتي عالم المسلمين، ويقولون: أنت متواطئ مع موشي ديان، فيقول: لا. فيجلسونه على منضدة من كهرباء، ويركبون الفيش حتى يحترق، فيقول: نعم أنا تعاملت مع موشي ديان. وهذا يفعله الناس كذا، والإنسان له أن يتكلم بكلام حتى يرفع عنه الضيم إذا بلغ به هذه المسألة، فيقول: ربك هذا، قال: نعم ربي، ثم حرج رضي الله عنه وخاف بعدما قال هذا، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} [النحل:106]. وصل صلى الله عليه وسلم المدينة، ولما وصل هناك واستقر أتى النبي صلى الله عليه وسلم يبني مسجده، فأخذ اللبنة الأولى، فوضعها في مكانها، من يأخذ اللبنة الثانية؟ أبو بكر الصديق عرف الناس أنه رجل الساعة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذها ووضعها، ثم قام عمر فأخذ اللبنة الثالثة، فقام عمار كان يأخذ الناس لبنة لبنة، وهو يحمل لبنتين، فأتى إليه صلى الله عليه وسلم، فمسح التراب عن رأس عمار رضي الله عنه وقبله، وقال: {ويحك يا ابن سمية! تقتلك الفئة الباغية} هذه من دلائل النبوة، كل يوم برهان من براهين النبوة، وحجة من حجج الرسالة: {ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار} قال عمار: أعوذ بالله من الفتن، لم يعرف ماذا ينتظره المستقبل وينتظره القدر.

مقتل عمار رضي الله عنه

مقتل عمار رضي الله عنه واستمر الحال بـ عمار حتى بلغ السبعين، وقيل: الثمانين من عمره، فلما حضر معركة صفين التي كانت بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عن الجميع {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134] مرض عمار في أول المعركة، فقال ابنه: يا أبتاه! أوصِ بدينك فأني أظنك تموت، قال: [[والله لا أموت حتى أقتل في المعركة، وعد خليلي الصادق المصدوق ما كذب ولا كذب]] ولما حضر المعركة أتوه بكوب من لبن، قال: أشهد بالله أنه آخر شرابي من الدنيا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرني أن آخر ما أذوقه من الدنيا شربة لبن. فشرب وخرج وكان من أشجع الناس، وتصور ابن ثمانين يقاتل، وقاتل حتى قتل في سبيل الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بعض الناس أنه سوف يقتل، هذه من أقوى دلائل النبوة التي عاشها صلى الله عليه وسلم والتي قدمها للإنسانية {كان رأس الرسول صلى الله عليه وسلم في حجر علي مرة فتبسم، قال علي: مالك يا رسول الله؟ قال: أتدري من أشقاها؟ -يقول صلى الله عليه وسلم: أتدري من أشقى الأمة؟ - قال: ما أدري، قال: أشقاها قاتل الناقة وأشقاها من يخضب هذه بهذه، ثم أشار إلى لحية علي بن أبي طالب وكانت كثة} هذا أشقى الأمة عبد الرحمن بن ملجم. فأتى علي رضي الله عنه، ومرض ليلة بالحمى، فقام الحسن والحسين يدفونه، ويقولون: مرض الموت يا أبتاه مرض الموت، قال: لا. والله لا أموت حتى تخضب هذه من هذه، وعد الرسول عليه الصلاة والسلام. وليس على الأقدام تدمى كلومنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما وبالفعل قتله عبد الرحمن بن ملجم الخارجي عليه غضب الله، ولما قتله قال عمران بن حطان مادحاً له: يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره يوماً فأحسبه من خير خلق عباد الله إنسانا هذا خارجي يمدح خارجياً، فرد عليه أحد شعراء أهل السنة، فقال: يا ضربة من شقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانا إني لأذكره يوماً فألعنه وألعن الكلب عمران بن حطانا فنسأل الله أن يرفع منازل الصالحين، ويجمعنا بهم، هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنتم من تلك السلالة، ومن ذاك الموكب، (ومن يشابه أبه فما ظلم) وحبهم يدخلكم مع العمل الجنة، ومن تولاهم في الدنيا تولاه الله في الآخرة، نشهد الله على حبهم، وعلى توليهم، وعلى بغض أعدائهم، ونسأل الله أن يجمعنا بهم في دار الكرامة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

بين يدي كتاب الله

بين يدي كتاب الله تعددت مناهج المفسرين، فاللغويون اهتموا باللغة، والقصاصون أكثروا من رواية الإسرائيليات، والمتكلمون شحنوا تفاسيرهم بمباحث كلامية فلسفية عقيمة لا تسمن ولا تغني من جوع. والباطنية من الصوفية والشيعة جاءوا بتحريفات عجيبة يضحك الجاهل والطفل الصغير من سخافتها، أما أهل السنة فإنهم يفسرون القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بما صح عن الصحابة والتابعين، وبما فهم من كلام العرب.

أهمية تفسير القرآن

أهمية تفسير القرآن الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. يصل بنا الإمام البخاري -رحمه الله- هذه الليلة إلى قمة القمم، وإلى بيت القصيد، وإلى المعنى واللباب، إلى كتاب التفسير من صحيحه، ويوم نظرنا إلى كتاب التفسير لم نجد تفسير القرآن كاملاً في صحيحه، بل وجدنا أحاديث وتركت أكثر منها بعشرات المرات أضعافاً مضاعفة؛ لأنه يشترط في الحديث الصحة، فهو لا يأخذ إلا ما كان على شرطه، فرأيت أنه من السُعْدى ومن البركة والخير أن نبدأ بأول القرآن، وأن نعيش مع القرآن، وأن نحيا بالقرآن، وأن ننغمس في أنهار القرآن، وأن نتأدب بآداب القرآن، وأن نعيش سويعات في مثل هذه الليالي المباركة مع القرآن. إنني لسعيد جداً يوم أتل آيات الله المباركات على هذا الجمع المبارك النبيل الحافل، وأستمع ماذا قال فيها العلماء والمفسرون، وإنني أعلم أن من العلماء من يفسر، ولكن لكلٍّ مشرب ولكلٍّ مقصد، ومقصدنا جميعاً هو -إن شاء الله- ما يرضي ربنا تبارك وتعالى. والقرآن يا أمة القرآن ينبغي أن يأخذ كثيراً من دروسنا ومن اجتماعاتنا، ولقاءاتنا ومحاضراتنا وندواتنا. والقرآن يا أمة القرآن يفسر تفسيراً يفعله بعض العلماء، لا تفسيراً آخر. إن بعض الناس عندما يفسر القرآن يجعله كتاب صرف، أو كتاب نحو، أو كتاب لغة، فأخذ يعرب الآيات والكلمات حتى ذهبت طلاوة القرآن، وذهبت حلاوة القرآن! هذا الكتاب الخالد الذي أخرج الأمة الضائعة من الضلالة إلى الهدى، وبصرها وعلمها ورفع رأسها، هذا الكتاب هو كتاب العقيدة، هذا الكتاب هو كتاب العبادة، وكتاب الاقتصاد، وكتاب الأدب، واللغة، هذا الكتاب الذي أخرج الأمة من رعي الغنم إلى أن قلدها مفاتيح التاريخ، وأعطاها منبر الدنيا، وأركبها صهوة المجد، وقال: أنتِ الأمة المجيدة الرائدة. نريد أن نسمع القرآن في هذه الليالي، ونعيش مع القرآن إن شاء الله من الفاتحة إلى الناس، وسوف لا نطيل بخلافيات وصرفيات ونحويات، لكننا نورد القرآن بالقرآن، والحديث الذي يفسر القرآن واللغة العربية، ثم نصل إلى قضايا: منها قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] وقوله تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:1]. {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِين * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:192 - 195]. وقال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم:1 - 8]. دعني ومدحي آيات له لمعت كلمع برق سرى ليلاً على علم أتى على سفر التوراة فانهزمت فلم يفدها زمان السبق والقدم ولم تقم منه للإنجيل قائمة كأنه الطيف زار الجفن في الحلم القرآن من قرأه أجر، ومن عمل به أجر، ومن تدبره أجر، القرآن يذهب عنك الوساوس والخطرات والهواجس. والقرآن يشفيك شفاءً ظاهراً وباطناً ويقودك إلى الجنة. والقرآن يعلمك الإيمان والحب والطموح. ولكن قبل أن نبدأ بسورة الفاتحة؛ أريد أن نأخذ الخمس والست والسبع آيات ونبدأ بقضايا كبرى عن القرآن:

مناهج التفسير في القرآن

مناهج التفسير في القرآن ما هي مناهج التفسير في القرآن؟ وتتلخص مناهج المفسرين في أربعة مناهج: المنهج الأول: منهج الصوفية. المنهج الثاني: منهج الرافضة. المنهج الثالث: منهج المتكلفين المتنطعين. والمنهج الرابع: منهج أهل السنة والجماعة حشرنا الله في زمرتهم: {هم القوم لا يشقى بهم جليسهم} هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا ولا يستطيع الفاعلون كفعلهم وإن حاولوا في النائبات وأجملوا

منهج الصوفية في تفسير القرآن

منهج الصوفية في تفسير القرآن أما الصوفية: فإنهم دخلوا في مقاصد لم يقصدها القرآن، لا من قريب ولا من بعيد، تركوا القرآن بالقرآن والسنة النبوية واللغة العربية، وأتوا ينحتون من أفكارهم وشعوذاتهم، وزواياهم ومن مرقعاتهم؛ كلاماً يُضحك عجائز نيسابور! اسمع إلى بعض تفسيراتهم يقول الحقي في التفسير الذي نقلته عنه وقرأته قبل ساعات وهو عجمي ونحن لا نقول هنا العرب والعجم بل نقول الإسلام: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم لكن من باب التعريف، يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، بدأ الله بالباء لعشرة أسباب: السبب الأول: أن الباء فيها تواضع وانكسار، ولذلك تمتد على السطر نقول: فتح الله عليك! أأنزل القرآن لهذه المعاني؟! تمتد على السطر منكوسة على رأسها، ومطروحة على ظهرها، ولذلك بدأ الله بالباء هكذا يقول في تفسيره. السبب الثاني: لأن الباء فيها تواضع ولذلك ما وقفت مثل الألف. يقول: الألف متكبرة وترى نفسها وتفتخر فوقفت وقوفاً! أما الباء فانصرعت وتواضعت فبدأ الله بها. السبب الثالث: من تواضع الباء جعلت النقطة تحت أرجلها! لأن الجيم أخذت النقطة في بطنها، والخاء على رأسها والحاء تركت النقطة! لكن الباء من تواضعها جعلت النقطة تحتها. ونحن نقول: الياء أكثر تواضعاً لأن تحتها نقطتان! فهكذا يقول إلخ. وهذه الأسباب ولا أريد أن نضيع الوقت في نقل مثل هذه الأشياء. ونقول: أأنزل القرآن لهذا؟! لو سألت ابن عباس وابن مسعود وخالد بن الوليد الذين فتحوا الدنيا ووصلت خيولهم إلى المحيط الأطلنطي وعمروا منبر التاريخ، وأقاموا لا إله إلا الله في الأرض أيقولون الباء بدئ بها لهذه الأسباب؟! لا والله. ويقول من ضمن الأسباب: لأن الباء مكسورة، والكسر معناه انكسار القلب والتواضع والرقة. قلنا: حاشا وكلا ما نزل القرآن لهذا، زيدونا من تفسيركم يا أيها الصوفية! ففيهم كما ترون الخير، يحمد فيهم أشياء، ولكن هناك أمور غلوا فيها لا نقبلها؛ لأنها وزنت على السنة فرمت بها السنة على شفا جرف هار فانهار بها في نار جهنم. أحد الصوفية لما قال الله عز وجل في سورة آل عمران: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152] أي: من الصحابة. فأهل المغانم لما نزلوا وتركوا عبد الله بن جبير -قد قتل مع السبعين في أحد -وتركوا الجبل وحماية الموقف قال الله لهم: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} [آل عمران:152] المتاع: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} [آل عمران:152] ومنكم من يريد جنة عرضها السماوات والأرض كـ مصعب، وكـ أنس بن النظر، وعبد الله بن عمرو الأنصاري الذين يأتون إلى الواحد الأحد تتدفق دماؤهم، ولسان حال الواحد منهم يقول: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى. فيقول هذا الصوفي: سبحان الله! وأين الذي يريد الله؟ فهذا يريد الدنيا وهذا يريد الآخرة ولا أحد يريد الله؟! قلنا له: يا غبي! الذي يريد الآخرة يريد الله. ولذلك سمعت أن بعض الناس يقول: إن رابعة العدوية تقول: ما عبدت الله طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره -قلنا: لماذا عبدت الله؟ - قالت: إنما عبدته حباً فيه. قلنا: هذا يخالف منهج أهل السنة والجماعة؛ والله عز وجل ذكر السنة وأهل الصلاح فقال: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الفتح:29] وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] وجعفر تتحكم السيوف على رأسه يوم مؤتة ويقول: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها ثم يطير بعد ساعات بجناحين من شجرة إلى شجرة في الجنة، والله يقول: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران:170]. ما هذا التخلف؟! تقول للذي يريد الآخرة أنه لا يريد الله؟! فهذا كلام رابعة مرفوض ولا نقبله؛ لأنه وزن بالقرآن والسنة فأصبح كلاماً خاطئاً لا صحة له. يقول أحد الصوفية وهو يعظ الناس: يا قلب! يا لسان! اذهب إلى فرعون إنه طغى. قالوا له: من هو فرعون؟ قال: قلبي. قالوا: وموسى؟ قال: لساني. ففرعون هنا يقول: إنه القلب، قال: وأرسل الله اللسان إلى القلب فقال: يا لسان! اذهب إلى فرعون إنه طغى. كأن هذا المتخلف ما علم أن الله خلق فرعون وخلق موسى، وأوجد صراعاً عالمياً، وتحدياً حضارياً، بين دعاة التوحيد ودعاة الضلالة، بين أهل العمالة وأهل الحق، وقامت الدنيا، حتى قال بعض المفكرين: موسى وفرعون حربهم جوية وبحرية وبرية. فكان الثعبان يشتغل في الجو، والبحر يدمر فيه فرعون، والبر ينازله فيه موسى. وبعد هذا كله ينسى التاريخ ويقول: اذهب يا لساني إلى قلبي -فقلبي فرعون- إنه طغى.

منهج الرافضة في تفسير القرآن

منهج الرافضة في تفسير القرآن أمَّا الرافضة فهم أجهل الناس؛ يقول ابن تيمية: هم من أضل الناس في المنقولات ومن أجهلهم في المعقولات، لا خبر ولا علم ولا شيء. وهذا مثل أحد الناس كان يقرأ: "فخر عليهم السقف من تحتهم" والقرآن يقول من "فوقهم" لكن هذا أعمى بليد جاهل لا يعرف الآية، ولا يعرف معنى اللغة، فقال: "فخر عليهم السقف من تحتهم! " قال ابن تيمية: لا عقل ولا قرآن؟! فالسقف دائماً من فوق ولو لم يقرأ الإنسان، وهل يأتي السقف من أسفل؟! واسمع إلى تفسيراتهم قالوا: {الم} "ألف": ألف الله محمداً فبعثه هادياً ورسولاً، "لام" لام الله المشركين، "م" مقت الله معاوية. أهذا كلام؟ حتى الذين ما قرءوا وما كتبوا وهم في أدغال إفريقيا وأحراش آسيا لا يقولون مثل هذا الكلام. وقالوا في تفسير قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن:19] قالوا: البحرين علي وفاطمة! وقوله تعالى: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ} [الرحمن:20] قالوا: التقوى والعفاف. قلنا: وقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:22] قالوا: الحسن والحسين. قال مفسرهم في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67] قال: البقرة عائشة؛ لأنهم يلعنونها، نعوذ بالله من الخذلان والحرمان، وكذبوا لعمر الله! فهم ما علموا القصة ولا قرءوا اللغة، ولا عاشوا مع موسى وهو يقول هذا لقومه. فهذا تفسيرهم.

منهج المتكلفين في تفسير القرآن

منهج المتكلفين في تفسير القرآن أما تفسير المتكلفين فهم من العصور المتأخرة، من عهد الرازي إلى هذه العصور، يقول بعض العلماء: إن الرازي أدخل في كتابه كل شيء إلا التفسير. فهو أدخل الكيمياء والفيزياء والطب والهندسة والتاريخ والجغرافيا لكن لم يتكلم فيه بالتفسير. فهو مر وترك التفسير على شماله، وما التفت إليه حتى وصل سورة الناس، لكن فيه بعض اللمحات واللطخات من التفسير، وهو يجهل الحديث النبوي مع أنه عقلية كبيرة، حتى إنهم فضلوه على ابن سينا -ابن خالته وعمته في المنهج- يقول الشاعر: كذب امرؤ بـ أبي علي قاسه هيهات يبلغ مستواه أبو علي ومن اللطائف أن الرازي يقول عنه ابن كثير أن عنده خمسين من الخدم، وكانت ملوك خوارزم تعظمه. وكان فصيحاً داهية لكنه ما تعلم الإيمان والحب والطموح من الكتاب والسنة، ولم يقرأ الحديث قراءة مكثفة، بل قرأ فلسفة سقراط وأرسطو وعماتهم وخالاتهم، وهذه عملة مزيفة، إذا أركبتها عملة محمد صلى الله عليه وسلم سقطت ولا تصلح، فإذا أتت عملة مختوم عليها من طيبة المدينة من محمد صلى الله عليه وسلم وتحت الختم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فاقبلها وإلا فردها فهي لا تصلح. فهو أخذ ختمه من سقراط وبقراط وأفلاطون وأتباعهم وأشباههم، فتموج الرجل وما انضبط. كان جالساً في المسجد بعد صلاة الفجر يدرس الناس الفلسفة، فتكتفت حمامة من البرد فوقعت على بردته فأخذها فضمها، فقال أحد الشعراء وهو جالس هناك: جاءت إليك حمامة مشتاقة تشكو إليك بقلب صبٍ واجف من أخبر الورقاء أن مكانكم حرم وأنك ملجأ للخائف وهذا من أحسن ما قيل، على أننا لا نوافقه أنه (ملجأ للخائف) إلا بعد الله، لكن هذه من أحسن الكلمات، من يستطيع أن يأتي بهذا الإبداع، حمامة سقطت فاعتذر لها وقال: إنها خائفة، فأتت إلى الشيخ لتشكو إليه هذا تصوير أدبي، وهل الشعر إلا خيال وأسلوب؟! أما أن تقول للشجرة شجرة ولليل ليل وللنهار نهار فما فعلت شيئاً. يقول ابن عبد ربه في العقد الفريد: بعض الشعراء يقول: الليل ليل والنهار نهار والأرض فيها الماء والأشجار فهذالم يأت بشيء. جلس أحد الطفيليين مع بعض الشعراء فحلفوا عليه أنه لا يقوم حتى يقول بيتاً -وهو ليس بشاعر، بل هو أكال فقط، يأكل ويشرب مجاناً- فقالوا: لا تقوم حتى تقول شعراً، فنظر فرأى النهر حوله ونظر إلى الشعراء وقال: كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماء وهذا ليس إبداعاً. والمقصود: أن هؤلاء المتكلفين يبدءون من الرازي ثم تصعد إلى أن تصل إلى هنا. ,الأستاذ الداعية المتحمس للإسلام، الباكستاني القوي، أبو الأعلى المودودي سقى الله عظامه شآبيب الرحمة، كان قلمه مارداً جباراً على الطغاة، وعلى المفسدين من الشيوعيين وأذنابهم، وكان له ترجمان القرآن، تبدأ في الصباح باستهلاليتها، وكان بليغاً يأسر القلوب، حتى يقول أحد الناس: قرأت له مقالة، فأخذ قلبي بالمقالة فما رد قلبي إلى اليوم. يقول: قبل أن تقرأ القرآن انزع من ذهنك كل تصور سابق عن القرآن، فالقرآن ليس بكتاب تاريخ -صدق- ولا بكتاب هندسة أو جغرافيا أو طب، بل القرآن كتاب هداية؛ ولذلك يأتي بعض المفسرين فيقولون: يقول الله عز وجل: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] فمعنى ذلك: أن كل قضية لابد أن تكون في القرآن سبحان الله! كل شيء؟ قالوا: كل شيء. على سبيل الدعابة: الإمام محمد عبده المصري الذي يسمونه إماماً مفسراً، وكان ذكياً لامعاً، توفي قبل سنوات، سافر في سفينة اسمها كوك إلى فرنسا، ومعه خواجة مستشرق يقرأ القرآن، فأراد أن يسخر من محمد عبده يقول: يا محمد عبده! يقول الله في كتابكم: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] فهل سمى السفينة هذه في القرآن؟ قال: ما اسمها؟ قال: كوك. قال: نعم، سماها في القرآن. قال: ماذا قال؟ قال: وتر كوك قائماً وهذه الآية التي في سورة الجمعة في قوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِماً} [الجمعة:11] أي: تركوا الخطيب قائماً، لكنه يريد أن يهزأ من هذا ويضحك على عقله، وإلا فالقرآن ما أتى معجماً، حتى بعض الناس يقول: كيف لم يورد الله عز وجل تحريم الشيشة ولا الدخان في القرآن؟ ونقول له: على استطراداتك لماذا لم يذكر الميرندا والبيبسي والموز والتفاح؟!! هل تريد القرآن أن يأتي معجماً لكل اسم يرد في الكون؟ فلا تسعه الدور ولا القصور. فالقرآن قواعد كلية، يأتي بقاعدة تندرج فيها ملايين القضايا، فقوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف:157] أدخل فيه مليون قضية، وقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] أدخل فيه مليون قضية. واسمع ما يقول المتكلفون، فأحدهم يفسر -وتفسيره موجود- ويقول القرآن فيه أسس علم الهندسة. قلنا: مثل ماذا فتح الله عليك؟ قال: الخط المستقيم أقرب موصل بين نقطتين. قلنا من أين أخذته؟ قال: من قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] قال: والمثلث إحدى زواياه منفرجة. قلنا: من أين لك هذا؟ قال: من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات:30 - 31]. فالقرآن لم ينزل للتاريخ، ولم ينزل للجغرافيا، فلم يخبرنا متى ولد فرعون، ومتى تولى ومتى توفي. بل القرآن كتاب هداية، فلا بد أن نعرف هذا. والقرآن ليس كتاب صرف، والآن كثير من التفاسير كلها صرف، ما تقرأ فيه إلا ويقول وأصل الكلمة فيعمل فانقلبت الواو إلى ياء، فماتت الأمة وذهبت معتقدات الأمة ونحن من فيعل إلى فعول كانت ياءً فقلبها الله حتى صارت واواً، صحيح أن هذا فن مختص لكن لا يصح أن ندخله ليكون تفسيراً. وكثير من التفاسير كلها نحو، ما تقرأ إلا ويقول: الفاعل المفعول الحال المبتدأ الخبر، حتى تجد في القلوب قسوة، ننظر في السبورة والأستاذ يشرح فيقول: قال أصلها قول، وهي من الفعل الماضي، قال زيد لعلي: كذا وكذا. أين هذا الإبداع الذي أتى به القرآن؟ فالقرآن ما أتى لهذا بل أتى لمقاصد أبينها إن شاء الله. ثم هو ليس كتاب جغرافيا -كما قلت- فما ذكر المناخ ولا التضاريس، وما ذكر هبوب الرياح ولا دراجات الحرارة، ولا ذكر الصادرات والواردات وأهم المدن، بل هو كتاب هداية. لذلك يريد سيد قطب أن يقرر هذا المبدأ جزاه الله خيراً في كتاب الظلال، فهو يقرره دائماً، ويقول: كتاب هداية.

منهج أهل السنة في تفسير القرآن

منهج أهل السنة في تفسير القرآن أما تفسير أهل السنة، فرحم الله أهل السنة وجعلنا منهم، فهم يعتمدون في تفسيرهم على أربعة أسس: الأساس الأول: تفسير القرآن بالقرآن، فهم إذا رأوا آيات بحثوا لها عن مفسر من القرآن، ففسروا القرآن بالقرآن. الأساس الثاني: يفسرون القرآن بالسنة. الأساس الثالث: يفسرون القرآن بأقوال الصحابة كـ ابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبي بن كعب والخلفاء الراشدين، ثم بأقوال كبار التابعين كـ سعيد بن المسيب وقتادة والحسن البصري، وهؤلاء الكبار. الأساس الرابع: يفسرون القرآن باللغة العربية.

قضايا تتعلق بالتفسير

قضايا تتعلق بالتفسير ثانياً: قبل أن نبدأ في سورة الفاتحة، نبدأ بقضايا في التفسير وهو الباب الثاني، وهنا أربع قضايا فانتبهوا لها:

القرآن كتاب هداية

القرآن كتاب هداية أولاً: القرآن كتاب هداية يدعوك للهداية وإلى إنقاذ نفسك من النار والعار والدمار. القرآن يدعوك إلى أن تنقذ بيتك ومجتمعك من لعنة الله ومقته وغضبه. القرآن يدعوك إلى جنة عرضها السماوات والأرض. القرآن يدعوك إلى ترك الوساوس والخطرات والشكوك والأمراض والمعاصي والمخالفات فهو كتاب هداية.

إعطاء كل قضية حقها

إعطاء كل قضية حقها القضية الثانية: القرآن يُعطي كل قضية حجمها وحقها، سبحان الله! إبداع القرآن، حيث يُعطي التوحيد أكثر لأنه قضية كبرى، والغيبة يعطيها آيتين أو ثلاث لأنها قضية محجمة، والنميمة يعطيها آية، وخفض الصوت يعطيه آية، والتواضع في المشي آيتين، أما الأسس الكبرى كالتوحيد، والإيمان، والإحسان، والإسلام، والصلاة، والبر، والعدل، والسلام، فيعطيه القرآن أكبر حجم؛ فهو يعطي كل قضية حجمها وهذا درس للدعاة. كيف نأخذ درساً للدعاة من هذا؟ إن الداعية إذا قام يتكلم فإن عليه أن يُعطي القضية حجمها، وأثرها في الواقع، ولذلك قد تجد داعية لا يتكلم في التوحيد أبداً وهي قضية كبرى تكلم القرآن بثلاثة أرباعه في التوحيد، لكن يقوم بعد كل صلاة: يا أيها الناس! ربوا لحاكم، إن الله عز وجل سوف يسألكم عن اللحى يوم القيامة. قلنا: سمعنا وأطعنا، هذه سنة لا بد منها؛ لكن يبقى كل يوم بعد الفجر وبعد العصر وبعد الضحى دائماً في اللحية، فهذا قد أعطاها أكثر مما تستحق. فالقرآن يعطي كل قضية حجمها، وينتبه له الدعاة، يُبدأ بالأولويات، ثم بما يليها إلى أن تنتهي إلى التي أعطاها القرآن من المندوبات ومن المستحبات حتى تكون مقبولاً عند الناس.

الاهتمام بالقضايا الكبرى

الاهتمام بالقضايا الكبرى المسألة الثالثة: القرآن يدعو إلى قضايا كبرى، والقضايا الكبرى في القرآن مثل: الإحسان، والإيمان، والعدل، والتقوى، والصدق. هذه دائماً تمر بك في القرآن كثيراً، وهي قضايا كلية لابد أن يتحدث عنها. ويمقت القرآن قضايا نعوذ بالله منها: مثل: الكذب، والسوء ووالفحشاء والمنكر، والخداع، والمكر، والظلم، والكفر، والنفاق. وهذه دائماً تتكرر معك في القرآن.

الاهتمام بالسنن الكونية

الاهتمام بالسنن الكونية الأساس الرابع: القرآن مليء بالسنن الكونية، فقعد لك قاعدة وهي تصيب بلا شك، وهي قاعدة ثابتة ثبوت الجبل، بل أثبت من الجبل مثل: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128] فهذه قاعدة، والعاقبة والنصر والفلاح دائماً للمتقين. قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:21] فهذا يعلم به الناس أنه من ظلم لا يفلح أبداً لا في الدنيا ولا في الآخرة، والتاريخ يصدق هذا بالاستقراء. منها قوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف:52] من خان وظن أنه ينتصر على خصمه وزميله وقرينه فلا يهدي الله كيده ويكون هو المغلوب، فهي قاعدة. ومنها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] المفسدون؛ لا يصلح الله عملهم ولو بهرجوا عملهم وغطوا عملهم بشيء من الكلام، لا يصلح الله عملهم أبداً. ومنها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة:120] من أحسن لا يضيع الله أجره لا في الدنيا ولا في الآخرة. من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس قيل: إن هذا البيت هو أحكم بيت قالته العرب، وهو للحطيئة، وأستطرد مع الحطيئة. مر من جبال بني تميم فلما وصل إلى ماء عليه الزبرقان بن بدر الأمير جالس -وهو تميمي- قال: أقرني (ضيفني). فما أقراه وما ضيفه ولا عشاه -ولسان الشاعر تقطع بشيء من المال حتى لا يتكلم- فأعطاه أخزى قصيدة في التاريخ، يقول للزبرقان: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس فلما سمع الزبرقان هذه الأبيات قامت قيامته وذهب إلى العبقرية المتحدرة، إلى عمر بن الخطاب وشكا إليه الوضع، فمن يحكم عمر في المسألة؟ أيحكم زيد بن ثابت الفرضي؟ لا. فهو تخصصه فرائض: جدة وعمة وخالة، أيعطيها خالداً؟ لا. فهو تخصصه ضرب الرءوس. أيعطيها ابن عباس؟ لا. فـ ابن عباس مفسر. فدعا حسان بن ثابت -أعطى القوس باريها- فهو أديب الإسلام؛ فدعاه فقال له: هل ترى في هذا هجاءً؟ قال حسان ما هجاه ولكن سلح عليه. فأنزله عمر في حفرة من بئر فأخذ يبكي فيها ويقول: ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر (يقصد أبناءه في اليمامة) ضيعت كاسبهم في قعر مظلمة فاغفر عليك سلام الله يا عمر فلما وصلت عمر القصيدة دمعت عيناه، وكان رقيقاً رققه الإسلام، وقواه الإيمان، ورباه القرآن، فقال: علي به، اقطعوا لسانه. ولكن قطعوه بالمال واشترى أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم منه، ووقع على العقد ألاَّ يسب مسلماً؛ فلما مات عمر أخذ يتكئ في المجالس ويسب من أراد ويمدح من أراد، وأمره عند الله. والمقصود من هذا: {إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة:120] قاعدة.

حالة القرآن مع الخلف

حالة القرآن مع الخلف المسألة الثالثة قبل أن أبدأ بتفسير القرآن: حالة القرآن مع الخلف، بعض المناطقة الأغبياء يقولون: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم! أي: إن السلف دائماً لا يتكلمون في القضايا الحرجة، مثل الصفات، والغيبيات فقالوا: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم. قلنا لهم: بل طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم، وطريقة الخلف أغشم وأظلم وأجرم. أما القرآن فإنه طالت به العهود إلى أن أصبح للرقى والتمائم، إذا صرع مصروع ودخلت عليه جانة بركوا على صدره وقرءوا عليه القرآن ولا بأس بقراءة القرآن، لكن القرآن لم ينزل للمجانين فحسب، بل نزل للعقلاء ليحكموه في حياتهم وفي اقتصادهم واجتماعهم وأخلاقهم وسلوكهم، لكن مرحلة القرآن بعد قرون أصبحت لهذا الأمر، إذا صرع مصروع بركوا على صدره وقرءوا عليه آية الكرسي. إذا أتى حفل ومناسبة ووليمة بدءوا بآيات من القرآن الكريم وكأنهم يقولون: هذا القرآن للحفلات والتمائم: يكتبون عليها آيات القرآن، والأهازيج والمواليد التي ما أنزل الله بها من سلطان. ويجتمع المتصوفة وتنكس رءوسهم بعد أن يأكلون القصع من العصيد: وقالوا سكرنا بحب الإله وما أسكر القوم إلا القصع فجعلوا القرآن لهذه الأمور. ثم جعل القرآن للتأكل به، فقد وجد صنف من الناس وقراء ما أخذوا طريق الراتب والمعاش إلا من القرآن، يريد أن يتعلم التجويد والقلقلة ليكون قارئاً في التلفاز وفي الراديو ليستلم راتباً!! سبحان الله! يتأكل بكلام الله! سلوكه وإيمانه ومعتقده في واد، والقرآن في واد آخر. رأينا حليقين عليهم من آثار البشاعة والخوف، ويصاب الإنسان برجفة إذا رآهم يقرءون القرآن ويتمتمون به فلا يصبح للقرآن طعماً ولا ذوقاً ولا أحاسيس؛ فهذا قرآن التأكل. والتأكل بالقرآن، للمسابقات وللجوائز، أنا لا أقول: حرام. لكن لا بد أن يكون مقصد الشاب الذي يتسابق وجه الله، ثم تأتي الجائزة فيما بعد، أما أن يسابق ليحفظ عشرة أجزاء لينال جائزة ثم ينسى العشرة ويأخذ الجائزة ولا يصلي ولا يعتبر بالقرآن، فهذا آثم يسحب على وجهه إلى النار -نعوذ بالله من النار-. فهذا القرآن أتى إلى تركيا فحولها إلى أمة إسلامية، فلما تركت القرآن في عهد أتاتورك وسجدت للعلم فسميت علمانية سلخ الإيمان والمهابة والقداسة من علم تركيا. أتى إلى باكستان فحولها إلى أمة إسلامية في عهد الفتوح، فلما تركت القرآن تحولت إلى أمة متخلفة. أتى إلى أمم كثيرة وكثيرة لا نذكرها في هذا المجال لأنكم تعرفونها، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق. ونحن اليوم نشكو حالنا إلى الله، والقرآن يشكو إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى من وضعنا معه، فكثير منا لا يقرأ القرآن إلا يوم الجمعة إذا تيسر له ذلك، فيقرأ سورة الكهف وهو نعسان لا يدري لماذا أنزلت؟ فلا يعرف تفسير القرآن، وما أحيا بيته بالقرآن، ولا عاش مع القرآن، ولا تدَّبر القرآن، حصيلته من القرآن قليلة جداً، حتى سمعت من بعض الناس يحلف لزميله ويقول: والله ما قرأت القرآن ستة أشهر. ويلك من الله، وتحلف! إذا بليتم فاستتروا، ستة أشهر بلا حياة! ستة أشهر بلا نور! ستة أشهر بلا فهم! ستة أشهر في تخلف! والله لو جمعت كتب الدنيا وقرأتها ثم لم تقرأ في القرآن، كأنك ما قرأت شيئاً. حتى يقول العلماء لما رجعوا إلى القرآن وكثير من المفكرين لما تابوا ومن الناس الكبار كـ سيد قطب وغيرهم قال: لما أتينا إلى القرآن كأننا ما قرأنا شيئاً. وبدأنا مع القرآن. يقول محمد إقبال: أنا ثروتي وكنزي أن أقرأ القرآن بعد صلاة الفجر. موجود هذا في روائع إقبال لـ أبي الحسن الندوي. ودخل محمد إقبال على ملك أفغانستان قبل أربعين سنة فقال لملك أفغانستان: أريدك في كلمة بيني وبينك؛ فأغلق عليه الباب هو وإياه، فأخرج محمد إقبال -شاعر باكستان الشاعر العالمي- المصحف وقال: "يا فلان، يا ملك أفغانستان! أوصيك بهذا القرآن ". فبكى ذلك الملك وقال: والله من كذا وكذا سنة ما أسمر إلا على القرآن. وأورد ابن كثير في ترجمة المتقي لله أحد الخلفاء العباسيين قال: "لما تولى الخلافة أخذ مصحفاً وقال لوزرائه والأمراء: اخرجوا عني، كفى بالقرآن سميراً". قال الشاطبي في الموافقات: "من أراد أن ينصح نفسه، فليأخذ القرآن سميراً وأنيساً له". وهذا خالد بن الوليد في آخر حياته أخذ المصحف وأخذ يقرأ طيلة النهار ويبكي ويقول: [[شغلني الجهاد عن القرآن]] لم يقل شغلني لعب الكرة أو الشهوات أو الروحات أو الزملاء بل قال: شغله الجهاد عن القرآن. وعثمان بن عفان في سيرته بسند صحيح أنه كان يقرأ القرآن من بعد صلاة الفجر حتى صلاة الظهر، فيقول له الصحابة: لو رفقت بنفسك. قال: [[لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من القرآن]]. كتاب أنزل على الناس ليحيي قلوبهم فكان حظه الهجر، وهجر التدبر، والتلاوة، ونأخذ الآن مذكرات ألفها البشر أساتذة، ونسهر عليها الليالي الطويلة أيام الامتحانات، ونضع تحت كل كلمة قالها الأستاذ وهو ينعس، ونخرج الدر منها والياقوت والمرجان وليس فيها در ولا ياقوت ولا مرجان، ثم نأتي وقد صممناها صماً ثم ننساها نسياناً، ولو أعطينا القرآن ربع هذا الاهتمام أو عشر هذا الاهتمام لعشنا بالقرآن؛ وأنا أتكلم عن غالب الناس وأمثالي من الناس، فهذا هو موقف الخلف مع القرآن.

القرآن يهدي للتي هي أقوم

القرآن يهدي للتي هي أقوم القضية الرابعة: يقول الله عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9]. قال أهل العلم: "أقوم في العقيدة، وأقوم في العبادة، وأقوم في السلوك والأدب، وأقوم في الاقتصاد فكل خير هو في القرآن، والقرآن متكامل ودستور حياة، فمن اعتقد بأنه سوف يهتدي بغيره فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".

افتتاح سورة الفاتحة

افتتاح سورة الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم، ونبدأ بسورة الفاتحة. سورة الفاتحة الكافية تكفي عن غيرها ولا يكفي غيرها عنها. سورة الفاتحة شافية تشفي من الأمراض والهواجس والخطرات. سورة الفاتحة راقية يسترقى بها من الأوجاع والأمراض ومرض الصرع والجنون. سورة الفاتحة أم الكتاب فهي تقود الكتاب وهي ملخص القرآن. سورة الفاتحة السبع المثاني، ثني فيها القرآن. سورة الفاتحة موجزة للقرآن في سبع آيات. ولذلك ذكر ابن القيم في مدارج السالكين عن شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه كان إذا صلى الفجر مكث في مجلسه يقرأ الفاتحة ويرددها حتى طلوع الشمس أو ارتفاع النهار. قالوا: "ما لك إلا الفاتحة؟ " قال: "إن الله أنزل أربعة كتب: الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن فجمعها في المفصل وجمع المفصل في الفاتحة، وجمع حكمتها في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ". ابن تيمية تجده بدأ من القرآن فجدد في المعتقد وفي الأدب والسلوك والأخلاق، ولذلك لما دخل الإسكندرية اجتمع أهل الإسكندرية لقتله، لماذا؟ لأن أكثرهم مبتدعة، وأشاعرة وصوفية، ومتخلفة، يريدون قتله. فقال له أحد زملائه: يـ ابن تيمية امكث في هذا المسجد ولا تخرج. قال: ولم؟ قال: هؤلاء جميعاً يريدون قتلك؛ فتبسم ثم نفخ في يده -هذا في سيرة ابن عبد الهادي - وقال: "والله ما يعادلون عندي ذباباً كلهم! " فدخل المسجد فاجتمع عليه الناس فلما رآهم قام بعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب يشرح: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] يتهدر كالسيل. فمدرسة ابن تيمية مدرسة القرآن، ولذلك كان يعيش مع الفاتحة من الصباح إلى ارتفاع النهار، فأنا أوصي نفسي وإياكم بترديد الفاتحة، وبالعيش مع الفاتحة. إن كثيراً من الهموم والغموم والاكتئاب والمرض النفسي ما كان ينبغي له أن يوجد في بلاد الإسلام، وهذا الاكتئاب والقلق والمرض عند الخواجات، ونحن نشافي الناس بكتاب الله، فنحن نعالج الناس، ونصدر لهم ولا نستورد. ولذلك وجد في شباب الإسلام من ذهب إلى مستشفيات الغرب يقولون: مصروع، مجنون، عنده اكتئاب. فعندك القرآن والدواء فلا تطلبه من غيرك لأنك أنت صاحب الدواء وتوزعه على الناس.

سبب تسمية سورة الفاتحة بهذا الاسم

سبب تسمية سورة الفاتحة بهذا الاسم الفاتحة، سميت الفاتحة لأنه افتتح بها القرآن. ولأنها تفتتح بها الصلوات. ولأنها تفتتح بها القضايا الكبرى؛ فهي الفاتحة التي يفتح الله على من قرأها.

فضل سورة الفاتحة

فضل سورة الفاتحة أما فضلها: ففيها أحاديث صحيحة، وأنا أحرص بحول الله وقوته ألاَّ أورد في مجال التفسير -وهذه أول حلقة من حلقات التفسير- إلا حديثاً صحيحاً، روى البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد عن أبي سعيد بن المعلى -وهو أنصاري- قال: {كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقمت أصلي فدعاني صلى الله عليه وسلم فلم ألتفت -الرجل يصلي والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: يا أبا سعيد! - فلما سلم، قال له صلى الله عليه وسلم: لماذا لم تجبني؟ قال: كنت في صلاة يا رسول الله! قال: ألم يقل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24]؟ لأخبرنك بأعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من هذا المسجد قال: فأخذ يدي بيده}. انظر إلى التربية والرقة والتواضع، وهذا درس عملاق في التربية، وهو لفتة تربوية، لا ينتبه لها الناس، فقد كان صلى الله عليه وسلم أحياناً يربت على الكتف، وربما ضرب على صدر الصحابي لكن لها معان ومعان لا يدركها إلا القلة من الناس. قال: {فلما وصلنا إلى باب المسجد قلت: يا رسول الله! أخبرني بأعظم سورة، قال: ماذا تقرأ في الصلاة؟ قلت: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال: هذه أعظم سورة في القرآن}. ورد هذا الحديث كذلك من حديث أبي بن كعب عند أحمد ومالك في الموطأ والترمذي وورد عن أبي هريرة عند أحمد كذلك، وعند أحمد عن أبي بن كعب قال: [[ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن كسورة الفاتحة]].

حكم الرقية بالفاتحة

حكم الرقية بالفاتحة أما كيف يرقى بالفاتحة فأعظم رقية يرقى بها المريض الوجع المصروع الذي أصابه جان، وكثير من الناس ينكرون هذه الرقى على مذهب محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، وهؤلاء ينكرون الغيبيات كثيراً، وهذا ليس بصحيح، بل يرقى بالقرآن، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد قال: ذهبنا في البادية -أي: فرقة من الصحابة- فلدغ رجل من الأعراب -رجل بدوي لدغته عقرب أو حية، وعند العرب إذا لدغ الرجل سموه سليماً تفاؤلاً- يقول الأعشى في قصيدته الدالية التي يمدح بها الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن ما وصل بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد رشاه أبو سفيان في الطريق بمائة ناقة، فعاد فوقع من على ناقته في درب قريباً من الرياض، فانكسرت عنقه فذهبت مائة ناقة ولا أسلم ولا نجا ولا كفى. يقول: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وعادك ما عاد السليم مسهدا يقول: إنني بت في الليل لا أنام، شوقاً إلى المصطفي في المدينة صلى الله عليه وسلم. ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وعادك ما عاد السليم مسهدا ثم يقول وقد بز الشعراء ببيتين حسنين جميلين ظريفين يقول: إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد لما كان أرصدا لكنه ما أسلم، فالشاهد أن السليم عند العرب هو الملدوغ، وقالوا له: سليماً تفاؤلاً، وقالوا للأعمى: بصير وهو أعمى، فسموه بصيراً تفاؤلاً، وقالوا للذي بعين: أبو عين كريمة. وهذا أحسنوا فيه، وبعض الناس عنده من الذكاء ما يخرج الموقف، إذا أحرج في المجلس يأتي بكلام طيب. دخل ابن هرثمة وهو أحد القواد العباسيين الكبار -وقيل غيره- في مجلس أبي جعفر المنصور، وأبو جعفر زوجته اسمها الخيزران، وبيد القائد خيزران وعنده الوزراء والأمراء، فقال أبو جعفر المنصور للقائد: ما بيدك؟ فإن قال: الخيزران تذكر أن امرأته في البيت اسمها الخيزران، فقال: يا أمير المؤمنين! هذه عصا تؤخذ من الشجر الذي يصنع منه الرماح؛ فأعطاه جائزة. واسم هذا الشجر الخطي، وذكر زهير بن أبي سلمى يقول: وهل ينبت الخطي إلا وشيجه وتغرس إلا في مغارسها النخل فلذكائه قال هذا. فلدغ هذا الرجل فأتى أبو سعيد -وقيل: غيره- فرقى الرجل -هذه القبيلة للؤمها وقلة حيائها من الله أبوا أن يضيفوهم. بعض القبائل تحطم الرقم القياسي في البخل، تصلي معهم في المسجد فيتركون تسبيح ثلاثة وثلاثين ويذهبون وأنت تسبح ثلاثة وثلاثين! لأنهم رأوك غريباً في المسجد، ولهم فنون في ذلك، وربما يتحالفون على الضيف حتى يتركوه، يحلف هذا أنك لا تأخذه ويحلف هذا أنك لا تأخذه فيبقى واقفاً، وتركوك قائماً. فالصحابة ذهبوا إلى القبيلة هذه فطلبوا منها القرى فرفضوا، فلدغ شيخهم فأخذ يتعقرص ويتعقرب في البيت فقالوا: هل منكم قارئ يقرأ عليه؟ قال: والله الذي لا إله هو لا أقرأ عليه إلا بثلاثين شاة. وهذا بطل، أحرموهم عشاء شاة فأخذ عليه تسعاً وعشرين شاة. فقالوا: اقرأ عليه ونعطيك؛ فبرك على صدره وقرأ عليه الفاتحة فاستفاق بإذن الله، فأعطوه ثلاثين شاة. قال الصحابة بعضهم لبعض: لا تذبحوها حتى نسأل الرسول صلى الله عليه وسلم فسألوه قال: {كلوا واضربوا لي معكم بسهم، وقال للقارئ: من أخبرك أنها رقية؟} -أي: أنه أصاب فإنها رقية تقرأ على المصروع فيشافى بإذن الله ويخرج الجان المتلبس في المصروع وإلا كيف تتكلم امرأة على لسان رجل؟ فهذا لا ينكر عقلاً ولا حساً قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275] وقال تعالى: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} [الأنعام:128] والرسول صلى الله عليه وسلم رقى صريعاً كما في صحيح مسلم وأخرج الجان وقال: {اخسأ عدو الله أنا رسول الله} فهذه مسألة.

حكم قراءة الفاتحة في الصلاة

حكم قراءة الفاتحة في الصلاة قراءة الفاتحة في الصلاة تحتها مسائل منها:

اختلاف الفقهاء في قراءة الفاتحة في الصلاة

اختلاف الفقهاء في قراءة الفاتحة في الصلاة أولاً: قراءتها في الصلاة، عند أبي حنيفة والأحناف يجوز قراءة غير الفاتحة، فلك أن تقرأ غير الفاتحة في الصلاة، ولك أن تصلي صلاة رباعية أو ثلاثية أو ثنائية ولا تقرأ فيها الفاتحة ولو مرة، وتقرأ ما تيسر من القرآن. قلنا لهم: ما دليلكم؟ قالوا: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل:20] فيكفيك أن تقرأ ما تيسر من القرآن سواء كانت آية أو آيتين آو ثلاثاً من أي سورة ولا تقرأ الفاتحة فهذا رأي الأحناف. وما هو دليل الأحناف غير الآية: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل:20]؟ في الصحيحين عن أبي هريرة في قصة المسيء: {ثم اقرأ ما تيسر معك في القرآن} قالوا: "ما تيسر" عموم، فلا نخصصه بالفاتحة ولا بغيرها. إذاً: يقرأ الإنسان ما تيسر من القرآن. وقال الجمهور: لابد من قراءة الفاتحة في الصلاة لأدلة منها: قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة القرآن} وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن خزيمة وابن حبان بسند صحيح: {لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة القرآن} وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج خداج خداج} أي: باطلة. وهذه ثلاثة أحاديث صحيحة.

حكم قراءة المأموم للفاتحة

حكم قراءة المأموم للفاتحة لكن القضية الكبرى التي يُنتبه لها هل يقرأها المأموم والإمام أم يقرأها الإمام فقط أم يقرأها المأموم في السرية دون الجهرية أم ماذا؟ الأقوال في هذه المسألة ثلاثة أقوال وسوف أرجح الراجح بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: القول الأول: يقرأها الإمام والمأموم في السرية والجهرية لعموم الأحاديث السابقة. القول الثاني: لا تجب على المأموم قراءة الفاتحة بالكلية لا في السرية ولا في الجهرية. قلنا: وما دليلكم؟ قالوا: ما رواه أحمد والدارقطني عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له} وهذا القول الثاني للأحناف. قالوا: إذا قرأ الإمام فلا تقرأ أنت لا في السرية ولا في الجهرية، أي: تقف في الظهر نصف ساعة في الركعة الأولى وأنت صامت، أي: تعدد البطن، ويكفيك ألاَّ تتلفت بشيء، لا تستغفر ولا تسبح ولا تقرأ شيئاً من القرآن، لكن لا يجوز لك أن تقرأ قصيدة عصماء. قلنا: وما الدليل؟ قالوا: {من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له}. قلنا: الحديث ضعيف والحمد لله رب العالمين، وهذا الحديث من جميع طرقه لا يصح أبداً، وهو ضعيف لا ينجبر. القول الثالث: تجب على المأموم في السرية ولا تجب في الجهرية لما روى مسلم عن أبي موسى الأشعري: {إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا}. يقولون: القول الثالث: يقرأها الإمام في السرية ولا يقرأها في الجهرية. التحقيق والترجيح: القول الراجح أن على المأموم أن يقرأها في السرية والجهرية وراء الإمام، ولا يزيد على الفاتحة في الجهرية، وأما في السرية فليزد ما تيسر؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: {لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب} {وصلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج خداج خداج} وقوله: {لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن} فعلى المأموم أن يقرأها في السرية والجهرية ولا يزد في الجهرية على الفاتحة، وهذا رأي الجمهور. وابن تيمية يرى خلاف ذلك فيقول: لا تقرأ في الجهرية ويستدل على ذلك من قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] وهذا فيه دليل عموم، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور؛ فلابد لك من قراءتها في الصلاة السرية والجهرية وراء الإمام ووحدك؛ لأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة القرآن. فهذا ملخص في قضايا ولا نستطرد لأنها قضايا فقهية. ولكننا ندخل إن شاء الله إلى الاستعاذة؛ لأننا قد نقف على الاستعاذة في هذه الليلة ثم نبدأ فنأخذ الفاتحة في درس آخر إن شاء الله ونبدأ بالقرآن بما تيسر.

أحكام الاستعاذة

أحكام الاستعاذة الاستعاذة فيها مسائل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهذا شرف للأمة أن علمها الله كيف تستعيذ من الشيطان الرجيم. وفيها مسائل:

مشروعية الاستعاذة عند القراءة

مشروعية الاستعاذة عند القراءة الأول: الأمر بالاستعاذة عند كل أول قراءة؛ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] ماذا تفهم من الآية؟ تفهم من ظاهر الآية أنك إذا قرأت القرآن وانتهيت قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأنه يقول: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] لكن لا، فهناك كلام مقدر: إذا أردت أن تقرأ القرآن فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

حكم الاستعاذة في الصلاة

حكم الاستعاذة في الصلاة المسألة الثانية: الاستعاذة على الندب في كل قراءة في غير الصلاة؛ فمندوب وليس بواجب أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، والاستعاذة بصفتين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وبعضهم يزيد لكن ما وردت الزيادة، وقد أورد القرطبي صوراً لذلك، لكن هذان اللفظان هما اللذان وردت بهما السنة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. وفي الصلاة، صح عنه صلى الله عليه وسلم، عند أبي داود وغيره: {أنه كان إذا افتتح الصلاة قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه} همزه: الشعر، ونفخه: الكبر، ونفثه: السحر. قاله أبو عمرو أحد الرواة وهو أبو عمرو بن مرة، همزه: الشعر، والشعر إذا لم يضبط بالإسلام والقرآن والإيمان أصبح صاحبه مجنوناً: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:225 - 226] يقولون كلاماً لكنهم ما أصلوه بإيمان وقرآن. والنفث: السحر، والنفخ: الكبر؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من هذه الأمور، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله في الصلاة.

الاستعاذة ليست من القرآن

الاستعاذة ليست من القرآن المسألة الثالثة: أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية من القرآن، فيجوز للجنب أن يقرأ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

فضل الاستعاذة

فضل الاستعاذة المسألة الرابعة: فضل التعوذ، ورد التعوذ في أمور، وفضل صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ العبد عند الغضب، فعن سليمان بن صرد قال: {استب رجلان عند الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام جالس في المجلس، الأول يسب الآخر ويتكلم عليه فغضب ذاك غضباً عظيماً حتى احمرت أوداجه فقال عليه الصلاة والسلام: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، فقالوا للرسول عليه الصلاة والسلام: ما هي؟ قال: لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد، فقاموا فقالوا للرجل، فقال: لست بمجنون}. انظر إلى الكبر قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة:89] وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ} [البقرة:206]. قيل له: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فقال: لست مجنوناً والحمد لله. أنت أكبر مجنون!! ما دام أنك تكلمت بهذا السباب والشتائم والجرائم فأنت مجنون. فقال: لست مجنوناً. فمن غضب فعليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن أصابته غفلة ورانت على ذهنه، والغفلة: تأتيك دائماً وأبداً على مر الساعات وأنت في مكتبك، وفصلك، وأنت في طريقك، وسيارتك تمر بك الغفلة قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:24] فتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا أتاك مرض الشهوة فتعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ومن فضلها: ما رواه مسلم عن عثمان بن أبي العاص وعثمان بن أبي العاص شاب ثقفي، لكنه من شباب الإيمان والحب والطموح، شاب صغير لكنه تعلم القرآن حتى حفظ الكثير منه، ثم أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام -وهذا في سنن أبي داود بسند جيد- قال: {يا رسول الله! اجعلني إمام قومي} هذا لا يطلب وظيفة من أجل الراتب، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يمني الناس بالرواتب والمعاشات، بل كان أجرهم ومثوبتهم على الله، تقول له بعض القبائل العربية: {إذا ملكت الدنيا أشركتنا في الملك؟ قال: لا. الأرض لله يورثها من يشاء}. يأتيه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهم فقراء يريدون شيئاً فيقول: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133]. فقال هذا الرجل: {يا رسول الله! اجعلني إمام قومي}. وهذا فيه دليل على طلب الإمامة، لا كما يفعل بعض طلبة العلم والدعاة سامحهم الله، يوم يتأخرون عن الإمامة ويقول: لا أريد أن أحرج نفسي، لو صليت بهم المغرب أحرجوني وورطوني في صلاة العشاء. فهل الإمامة ورطة؟! هل تتورط أن تكون واجهة: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74]. لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا والبيت لا يبتنى إلا بأعمدة ولا عماد إذا لم تبن أوتادُ فتخجل وتتورط أن تكون داعية وأن يدعى لك بالخير، وأن يترحم عليك، وأن يترضى عليك! إن هذا من الإحباط والانهزامية والفشل. وهذا موجود أن بعضهم لا يريد الإمامة، ويقول: خطبة الجمعة لا أريد أنا محرج عندي من الأعمال ما يكفيني. فعملك أن تكون إماماً وداعيةً، وأعمالك الأخرى لا تساوي فلساً واحداً. فقال: اجعلني إمام قومي، قال: {أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم} وهذا فيه درس على أن من قام يصلي في الناس فلينظر في المسجد هل يرى شيوخاً كباراً، وهل يرى مرضى، وهل يرى أطفالاً، فليكن حكيماً لبيباً فقيهاً. وبعض الناس إذا دخل في الصلاة نسي كل شيء وطول الصلاة وهو ربما يوسوس ويبيع ويشتري في السوق، ويطول على الناس حتى يتضجرون من الجماعة والصلاة، وهذا تعذيب للناس: {أفتان أنت يا معاذ؟}. وبعضهم يسلقها سلقاً كسلق البيض: الله أكبر، الله أكبر، سمع الله لمن حمده، فالناس معه كأنهم شغالين من الصباح إلى المساء! وكأنهم في تمارين سويدية! وترى لفيحهم فقط من السرعة والعجلة، وسقطت ساعاتهم وأقلامهم وكتبهم من جيوبهم! والأمر لله عز وجل؛ فيسلمون والفحمى قد قطت ظهورهم!! فهذه صلاة لا تقبل. والصلاة التي تقبل أن تستكمل ركوعها وخشوعها وخضوعها، قال: {أنت إمامهم واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً}. لكن ما هو الشاهد هنا؟ الشاهد أن عثمان قام بعد الصلاة فشكى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! شيطان لبس علي صلاتي} لأن بعض الناس إذا وسوس وسوس، ما يدري أهو في المسجد أو في مكان آخر، ذهب عقله ولبه فلا يدري أين هو. ويقولون: الشيطان لا يأتي بقوة إلا في الصلاة. وعلى ذكر ذلك يقولون: إن جحا رأى غمامة في السماء فحفر حفرة في الصحراء ووضع ماله تحت الغمامة؛ وأتى وإذا الغمامة في واد وماله في واد. وذكر هذا عباس محمود العقاد لكن هذا من حديث عجائز نيسابور. لكن أذكر أن أبا حنيفة جاءه رجل فقال: ما علمت أين وضعت مالي. قال: قم صل فإن الشيطان سوف يخبرك. فتوضأ الرجل، فلما قال: الله أكبر، أتى الشيطان وقال: وضعت مالك في مكان كذا وكذا. فذهب وترك الصلاة وليته أكمل! فيقول: {يا رسول الله! أشكو إليك شيطاناً لبس علي صلاتي لا أدري ماذا أقول. قال: ذاك شيطان يقال له خنزب. فإذا أحسسته فاستعذ بالله وانفث عن يسارك ثلاثاً} وهذا في صحيح مسلم. الآن قد يقول البعض: لو ذهبنا ننفث ونفثت الجماعة كلهم لأصبح المسجد نفيثاً وأصبح شهيقاً وزفيراً! فهل هذا وارد؟ وهذا قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لمن كانت حالته كحالة هذا الرجل، أي أنه لبس عليه الصلاة ولا يدري هل قرأ الفاتحة أم لا. أما الشرود فهو حاصل عند الجميع فلا تنفث فيه، لكن إنسان لا يدري هل قرأ الفاتحة؟! هل هو في الركعة الأولى؟! هل هو في صلاة الظهر؟! شرد ذهنه تماماً؛ فعليه فنقول: ينفث عن يسراه ثلاثاً ويستعيذ بالله من الشيطان، والحديث في مسلم وإذا أصبح الحديث في مسلم فخذه أيها المسلم فهذا أمر.

شرح معنى الاستعاذة

شرح معنى الاستعاذة الاستعاذة: لدينا ثلاث كلمات: أعوذ، والشيطان، والرجيم. وسوف يرد معنا لفظ "الله" وما أعظم لفظ "الله"! وما أجل الله! وما أكبر الله! يقولون: إن سيبويه النحوي الفاره العبقري، الذي ألف الكتاب في النحو من خيوط الحرير، خيوط الهوى، أتى إلى أمة عربية فمنحه الله عقلاً مدركاً، فألف الكتاب، وهذا الكتاب يقولون عنه: من قرأه وفهمه فهو عالم. ويقولون: لما توفي رآه العلماء في المنام قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قالوا: بماذا؟ قال: لأني كتبت في باب المعرفة: الله أعرف المعارف؛ فغفر الله لي. أتى سيبويه إلى الكتاب، وانظر إلى الإيمان والحب والطموح، فهو أتى يؤلف وليس كبعض الناس إذا أتى يؤلف قصيدة نسي الله، وانخلع تماماً من الإسلام، وأصبح كأنه قطعة وثن، أو كأنه زنديق عميل ضد الإسلام وهو في بلاد الإسلام، يطعن الدين بقصيدة، ويتكلم في رب السماوات والأرض قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95]. والآن الذي يقرأ كتاب الأعلام للزركلي ويرى الشخصيات هؤلاء وكيف ماتوا، ويرى ما تركوا من تراث، وتقرأ لبعضهم قصائد إلحادية، وتتفكر في أصحابها وقد ذهبوا إلى علام الغيوب، قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94]. فالمقصود أن سيبويه لما رأوه في المنام قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قالوا: بماذا؟ قال: قلت في باب المعرفة "الله أعرف المعارف". فهو لم يقل: الله لفظ الجلالة مشتق من أله يألهه إذا تحير أو أحب، فقال: الله أعرف المعارف. فالله تعرف إلى الناس بنعمه، حتى يقول بعض الفلاسفة: يستدل بوجود الله عز وجل على وجود الكائنات، ولا يستدل بالكائنات على وجود الله. وهذا أمر ليس بصحيح، ولكن لمبالغته في الإثبات قال هذا الكلام، فيستدل بآياته ومخلوقاته على وجوده سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وعلى ملكه وصنعته وحكمته ولطفه وجماله وجلاله. قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا والنحل قل للنحل يا طير البوادي من الذي بالشهد قد حلاكا وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا يعيش بقدرة الله فالحمد لله الكريم لذاته حمداً وليس لواحد إلاكا وأبو نواس شاعر الخمريات، ذهب وأمره إلى الله في يوم العرض الأكبر، قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] والله يزن الناس بالحسنات والسيئات، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. أبو نواس هذا توفي؛ فرئي -كما يقول ابن كثير - في المنام قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بقصيدتي في النرجسة. النرجسة: زهرة وصفها وردها إلى قدرة الباري تبارك وتعالى. ولذلك يقول سيد قطب: لا يلزم الأديب والشاعر والقصصي أن يمدح الإسلام دائماً، لا. ولكن صف الليل ورده إلى الواحد الأحد، صف الزهرة والبستان والحديقة، والماء النمير، والجدول الغدير، ولكن ردها إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. صف النجوم والخمائل، صف الفيافي والصحراء، صف البيداء، تكلم في كل شيء، لكن كن مؤمناً، ولا تتخلى عن إيمانك. فماذا؟ ماذا قال في النرجسة؟ يقول أبو نواس: تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك وهذا من أحسن ما قيل!

معنى "أعوذ"

معنى "أعوذ" أعوذ: معناها ألتجئ وأعتصم وأعتمد وأستجير وألوذ بالواحد الأحد، وأنت يوم تنطق "أعوذ" فعليك أن ينصرف قلبك إلى أنك خلق أمام خالق، وأنك ضعيف أمام قوي، وأنك فقير أمام غني، فالقوة والغنى لله، والعظمة لله، وأنت إذا لم يُسددك الله عز وجل فالهلاك والدمار والشنار والبعد لك. إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان وكلمة "أعوذ" قبل أن نعرف إعرابها أو نحوها أو صرفها نعرف عقيدتها، وهذا هو الواجب الذي نريد تدارسه؛ لأن الهداية في أعوذ، معناها: أن نعقد نية وعقيدة في أنفسنا على أنه لا يعيذ إلا الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يكتفى إلا بالله، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]. وأورد ابن عساكر للمتنبي بيتين ليست في ديوان المتنبي، كان يقول المتنبي لأحد السلاطين والملوك الذي هو سيف الدولة ابن حمدان: يا من ألوذ به فيما أؤمله وأستعيذ به مما أحاذره لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره وهذا يقوله لرجل من الناس سبحان الخالق! يقول ابن تيمية: إني لأدعو بما تضمنهما هذين البيتين لله في السجود. بمضمون هذين البيتين يدعو بهما إلى الواحد الأحد؛ لأنها لا تنصرف إلا إلى الباري. وأحد الناس وقف أمام سلطان وقال: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار فابتلاه الله بالمرض وأقعده فأخذ ينبح كما ينبح الكلب على فراشه، حتى يقول وهو يخاطب السلطان: أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالق لست الملوم، أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق سبحان الخالق! وتأتي أبيات للشعراء فيها انحرافات عقدية، فيبدعون لكنهم انحرفوا. أما رأيتم الأبيات لـ أبي فراس الحمداني التي قالها في بشر لا يملك ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، حتى يقول ابن القيم: أبدع كل الإبداع ولكن أساء كل الإساءة لما جعلها في بشر، والناس ينسبون هذه الأبيات لـ رابعة العدوية، وهي لـ أبي فراس يقولها لابن عمه سيف الدولة؛ لأن أبا فراس الحمداني سجن في سجن الروم أسيراً، فيقول لـ سيف الدولة: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب فأجاد كل الإجادة في النظم، ولكن أساء كل الإساءة يوم صرفها إلى مخلوق، مات قبله أو مات بعده لم ينفعه أبداً ووصلوا إلى الواحد الأحد.

معنى الشيطان

معنى الشيطان أعوذ: ألتجئ بالله، فلا يمنعك إلا الله. والاستعاذة من شيطانين: شيطان الإنس وشيطان الجن، وشيطان الجن يختفي إذا استعذت منه، وشيطان الإنس يلابسك ولكن عليك بالحروز. يقول الذهبي لما ترجم لرجل: "إذا رأيت رجلاً يدعوك إلى خلاف السنة فاستعذ بالله منه فإنه أبو جهل، وابرك على صدره واقرأ عليه آية الكرسي إن استطعت وإلا ففر منه". فالمقصود أن في القرآن قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف:200] وقد جاءت بعد: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] ووردت الاستعاذة في آيات أخرى لكن لا أريد أن أطيل. ولكن الشيطان شيطان أنس وشيطان جن، فشيطان الجن تستعيذ منه ويختفي، وشيطان الإنس تداريه وتداريه بالهدية والإحسان وتستجير منه حتى يختفي عنك، فهذا شيطان وذاك شيطان، فأما الشيطان الإنسي فأمرنا بالمصانعة معه: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:34] وأما شيطان الجن فأمرنا بمصارعته وبمقاتلته فلا ينفع فيه إلا القتال، وأعظم قتال هو أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إذا غضبت فقل: أعوذ بالله. وإذا أصابتك غفلة أو شهوة أو شيء من جنوح أو شيء من شرود فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وأكبر ما نصل إليه من القضايا في "أعوذ" أنها بمعنى: أستجير وأستعيذ وألتجئ وأستكفي فهذه المعاني كلها في معنى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. والشيطان: قالوا: من شاط أي احترق أو هلك. أو من تشيطن أي: بعد، تشيطنت الديار أي بعدت، فلا يهمنا هذا ولا يهمنا هذا ولكن الشيطان خلق من خلق الله، لا يخرج عن قدرة الله، خلقه الله للابتلاء، ولو لم يخلق الله الشيطان لدخل الناس الجنة، لكن الله أخذ على نفسه أن يملأ الجنة وأن يملأ النار، لهذه ملؤها ولهذه ملؤها، والشيطان الرجيم يوسوس لك وهو أعظم عدو لك في الدنيا، وعليك بحروز: أولها: أن تستعيذ بالله، فأنت إذا استعذت بالله شرد عنك وفر. ثانياً: الأذان، فإنه إذا سمع الأذان شرد وهرب. ثالثاً: مداومة الذكر. رابعاً: الصلاة، فإنك إذا توضأت وصليت قتله هذا الأمر. خامساً: قراءة القرآن بتدبر. سادساً: التعوذات والحروز التي في القرآن كآية الكرسي، والمعوذات والإخلاص وغيرها. سابعاً: تهليل مائة تهليلة في الصباح وفي المساء فلا يقربك شيطان أبداً. ثامناً: قراءة سورة البقرة في البيت: {فبيت تقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان أبداً} حديث صحيح. والشيطان الرجيم: فيه خلاف. قالوا: هو من الجن. ولا يهمنا هل هو من الجن أو من بني سلمة أو من خلق الإنسان، إنما يهمنا أن الله خلقه ابتلاء للعبد، وأن مدافعته لا تأتي إلا بهذه الأمور التي أوردناها وقد أوردها ابن القيم في بدائع الفوائد عندما فسر سورة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1]. وهذه الأمور هي حروز من الشيطان. والشيطان هل يموت أم لا؟ وهو كأنه يتناسل، والله قد أنظره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فقال: {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف:15] وقوله تعالى: {إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [الحجر:38] فأنظره الله إلى يوم القيامة فهو يوسوس، وعرشه وكرسيه نصبه على البحر، ومن الصباح يوزع جنوده ويرسلهم في المهمات وأعظمهم من يأتي فيقول: فرقت بين المرء وزوجه، فيقول: أنت حبيبي وقريني. والشيطان يحب الأسواق لأنها ضجة وصجة، ويكره المساجد. والشيطان يحب اللغط وارتفاع الأصوات. والشيطان يرتاد الأماكن القذرة والنجاسات في المراحيض والحمامات. والشيطان يدخل مع الإنسان وقت الغضب فيوسوس له وخاصة في وقت الشهوة والغفلة، فمنافذ المعصية ثلاثة منافذ: غضب وشهوة وغفلة، فإذا وصلتك هذه الأمور دخل الشيطان معك فيها. هذا هو الشيطان، والشيطان يعدك الفقر؛ فهو يأتيك بالهواجس بأنك سوف تكون تعيساً في حياتك، والله يعدك مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم. والشيطان يأمرك بالفاحشة. والشيطان يخيل لك الحوادث والزلازل والكرب. هذا هو الشيطان وهذا هو تعريفه المعنوي، ولا ندخل في التشقيقات اللفظية.

معنى "الرجيم"

معنى "الرجيم" الرجيم: الرجم هو القتل واللعن والطرد والشتم، فرجم فلاناً بكلمة، أي: شتمه، ورجمه بحجر، أي: رماه وقذفه بحجر، رجمه فقتله، أي: قتله، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن قوم نوح: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء:116] أي: من المقذوفين أو من المقتولين بالحجارة. وقال أبو إبراهيم لابنه: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ} [مريم:46] فهذا الرجيم. والرجيم هنا معناه: المطرود الملعون، فهو مطرود من رحمة الله فلا تدركه رحمة الله. وقيل: مشتوم من الناس فالناس يشتمونه، وقيل: مقتول بالأعمال والصالحات؛ فإن العبد إذا سجد تنحى إبليس وبكى وقال: يا ويلتاه! أمر بالسجود فسجد وأمرت بالسجود فعصيت. ولا رئي الشيطان -كما في الصحيح- يوماً أغيظ ولا أدحر ولا أبعد من يوم عرفة لاجتماع الناس. والشيطان يغيظه أمور أربعة: منها قيام الناس في الصفوف وقت الصلاة، إذا قاموا في الصلاة صفوفاً فهو أغيظ للشيطان من كل شيء، ولذلك الذين ينادون بجواز الجماعة في البيوت، وأن جَوز هؤلاء الصلاة في البيوت فهم يرضون الشيطان ويغضبون الرحمن. ومما يغيظ الشيطان قيام المجاهدين صفوفاً في سبيل الله، إذا شهروا السيوف وأشرعوا الرماح وأراشوا الأسهم واستقبلوا وجه الله عز وجل فهذا يغيظه غيظاً كبيراً. ويغيظ الشيطان إذا جلست مع المصحف وقرأت وذكرت الله. ويغيظه دروس العلم ومجالس الخير وحلق الذكر فيموت غيظاً، أغاظه الله ولعنه وشرده. وموقفك من الشيطان أن تستعيذ، واللعن وارد لكنك لست دائماً مضطر لأن تلعن. وكثير من الناس إذا غضب في المجلس، قال: لعن الله الشيطان! وهذا صحيح لكن قل: أعوذ بالله من الشيطان؛ لأنه يتكبر إذا لعنته حتى يصبح كالجبل، وهو ملعون، لكن من السنة أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا نسيت شيئاً قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، تقول كلمة غير صحيحة قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فالسائد بيننا والواجب أن نكرر دائماً أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأنه يتكبر من اللعن والشتم. و"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" ليست بآية من القرآن، ويجوز قراءتها في الصلاة قبل القراءة سراً ولا يجهر بها بالإجماع، فتقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بعد الاستفتاح. وسوف نصل إلى البسملة فيما يأتى -إن شاء الله- وما قرب، ونواصل -إن شاء الله- في التفسير لأن البخاري وصل إلى كتاب التفسير، واستفتح صحيحه بحديث أبي سعيد بن المعلى، قال: {كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فدعاني وأنا أصلي فلم أنصرف إليه، فلما انتهيت قال: لماذا لم تجبني؟ أما يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24] لأعلمنك أعظم سورة من القرآن قبل أن أخرج، فأخذ بيدي فلما أردت أن أخرج، قال: هي الحمد لله رب العالمين}. وهذا الحديث أورده البخاري، ولكن صحيح البخاري وحده لا يكفي في التفسير؛ لأنه لم يختر إلا نبذاً وشذرات وثمرات من الأحاديث الصحيحة، فلابد من التفسير، ومن كان له وجهة نظر أو نصيحة أو إرشاد إلى طريقة التفسير؛ لنعيش مع القرآن ونحلق مع القرآن وليكن كتابنا وسميرنا وأنيسنا القرآن. وأدعوكم ونفسي من هذه اللحظة إلى العودة إلى المصحف، فيكون معك في كل مكان أنيسك وسميرك، لاتدخل وتجلس في بيتك إلا وقد قرأت آيات، ولا تقم في الصباح بعد الفجر إلا وقد فتحت مصحفك، وتتدبر منه وتعود إليه، وتأخذ حروزك من القرآن وأذكارك وأدعيتك الصباحية والمسائية. وانظر إلى الجمال في القرآن، فإن القرآن عجيب جد عجيب لمن تذوقه، وقبل أن تقرأ القرآن عليك بأمور ذكرها النووي في كتاب التبيان في آداب حملة القرآن منها: أن تتوضأ وتكون طاهراً، وأن تتساك، وتتطيب، وأن تستقبل القبلة ولم أعلم في ذلك حديثاً، وأن تتدبر ما تقول، وأن تقرأه بتمهل وترسل، ثم تعيش مع القرآن فإنك سوف تجد الجمال والروعة والإبداع. آنس الله قلبي وقلوبكم بالقرآن، وهدانا الله بالقرآن، ووفقنا الله بالقرآن، وفتح الله علينا بالقرآن، وأرشدنا الله سواء السبيل بالقرآن، وعصمنا الله من الذنوب والخطايا بالقرآن، وشرح الله صدورنا بالقرآن، وجعل الله طريقنا إلى الجنة بالقرآن. اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن أقام حدود القرآن وحفظ حروفه، اللهم اجعلنا ممن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، يعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه، ويكل ما لا يعلم إلى عالمه. اللهم اجعلنا ممن قاده القرآن إلى الجنة، ولا تجعلنا ممن أخذه القرآن فقذفه في النار. اللهم اجعلنا من حملة القرآن العاملين بالقرآن، التالين للقرآن، المصدقين للقرآن، المنفذين لأحكام القرآن، اشرح به صدورنا، وأذهب به همومنا وأحزاننا، ووفقنا به لكل خير. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أجب على هذه الأسئلة

أجب على هذه الأسئلة في سورة النمل آيات عظيمة تقرع القلوب بأدلة التوحيد، وتهز المشاعر بسياقها الرائع، وكلماتها المؤثرة، إنها تستجيش الوجدان بذكر إبداع الله في خلقه، ونعمه على الإنسان، وإجابة دعائه إذا دعا، ثم تهزه هزاً عنيفاً بقوله: آلله خير أم ما يشركون!

آلله خير أم ما يشركون

آلله خير أم ما يشركون الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكوراً, وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً عنوان هذه الخطبة: " أجب على هذه الأسئلة". من هو السائل؟! ومن هو المسئول؟! وما هي الأسئلة؟! السائل الله تعالى الله في علاه، السائل الرحمن الذي على العرش استوى. المسئول أنت، يا من جعل الله له عينين، ولساناً وشفتين، يا من خلقه فسواه فعدله، يا من في أي صورة ما شاء الله ركبه! يا من، كان في عالم العدم! يا من خلق في كبد! يا من وقع على الأرض يبكي! يا أيها الفقير أنت أمام حشد من الأسئلة، يوجهها الله إليك، وأنت تجيب, {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الاسراء:14] ولا يجيب غيرك. الخلق يشهد للجليل مع البرية والفلك والليل يكتم سره يا ليل جئتك أسألك والماء تمتم ناطقاً يا ماءُ سرٌ لي ولك والطير يشهد صادحاً أن لا إله سوى الملك سبحان من برأ الورى كتب الهلاك وما هلك سبحان من بعث الضياء مع الشعاع المشترك سبحان من رفع السما منسوجةً مثل الحبك إن تحمي عيني أن تراك جعلت قلبي منزلك هذه الأسئلة يسألها الله، ويوقف الإنسان أمامها، ضعيفاً ذليلاً فقيراً حقيراً. يقول سبحانه في محكم كتابه بعد أن ذكر مصرع الشرك أمام التوحيد، وبعد أن ذكر معركة لا إله إلا الله مع لا إله والحياة مادة، يقول سبحانه: {آللَّهُ خَيْرٌ أَم ما يُشْرِكُونَ} [النمل:59]. آلله خير أم هذه الآلهة الحقيرة؟ آلله خير أم الطواغيت التي تعلق بها البشر وأحبوها؟ وخاف منها البشر، ورهبوا منها؟ آلله خير أم هذه الأنظمة والكيانات والواجهات السحيقة في الفناء، البعيدة في الخزي، الماثلة في الدمار؟ ثم ترك الإجابة للعقول وحدها لتجيب، ولا يجيب غيرها.

الله خالق السماوات والأرض

الله خالق السماوات والأرض {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [النمل:60] من الذي يدعي يا بشر؟ من الذي يتكلم يا عالم؟ من الذي ينطق وينسب السماوات والأرض له، من بناها؟ من سَّواها؟ من قومها؟ من عدلها؟ ذلكم الله لا إله إلا هو، {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]. يقول الله لهارون وموسى: قولا له: يا مجرم, أأنت رفعت هذه؟ أأنت بسطت هذه؟ أأنت أنبت الزهر في الربى؟ أأنت تمتمت الماء في النهر؟ أأنت أرسلت الضياء والسناء والهواء؟. ولذلك كان جواب موسى متفوقاً، والعجيب أن الملحد هذا الذي يتكرر بالآف في كل قرن، هو الذي بدأ العراك، وهو الذي بدأ الحرب مع موسى في البلاط، فقال: فمن ربكما يا موسى؟ وموسى أتى من الصحراء ما تعلم، ولا قرأ، ولا كتب، وما عنده فن الجدل، ولكن الله قال له: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] قال أهل العلم: أسمع معك وأرى في الجدال العلمي، والعراك العملي. قال: فمن ربكما؟ ولو قال موسى: ربي عليم، لقال المجرم: أنا عليم، ولو قال: ربي حكيم، لقال: أنا حكيم , وربما اصطاده، لكنه فر من هذه الإشكالات، وأوقفه مخزياً خاسئاً أمام قدرة الباري، وقال: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50]. من الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى؟ من الذي أخرج الطفل لا يعي، ولا يفهم، ولا يتكلم، ولا ينطق، ولا يمشي، ودله على الثدي، وأخبره أن في الثدي لبناً؟ من الذي أرسل النحلة تجوب القفر والساحة والحديقة، وتأخذ الرحيق إلى الخلية؟ من الذي جعل النملة تدخر قوتها من الصيف إلى الشتاء: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50].

وجعلنا من الماء كل شيء حي

وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [النمل:60] وقصة الماء يعيشها الإنسان في كل لحظة يشربه، ويغتسل به، ويرى الكائنات تترعرع على الماء، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:30] ويرى الفلك يبنى على الماء؟ ويرى الأرواح تسبح على الماء، فمن الذي أنزل الماء؟ من الذي جعله سائغاً للشاربين فلم يجعله مالحاً، ولا غائراً، ولا متكدراً؟ ذلكم الله ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب. إنها محاضرات العقيدة تلقى في كلمات يسيرة، إنها دعائم التوحيد ترسخ في جمل سهلة. دخل ابن السماك على هارون الرشيد وهارون يحكم ثلاثة أرباع الدنيا، فاستدعى هارون ماءً في كوز ليشرب، قال ابن السماك - الواعظ-: أسألك بالله ألاَّ تشرب حتى أسألك، قال: سل، قال: بالله لو منعوك هذه الشربة، أكنت مفتديها بنصف ملكك؟ قال: إي والله -وإلا فماذا يفيد الإنسان أن يموت وملكه وراءه- فشرب، قال: أسألك بالله لو مُنعْتَ إخراج هذه الشربة، أتخرجها بنصف ملكك؟ قال: إي والله، قال: لا خير في ملك لا يساوي شربة ماء وإخراجها. يوقف الله العبد أمام الماء الذي يشربه، ليدرس مع الماء من هو الخالق؟ ومن هو الرازق؟ ومن هو الواهب؟ ثم يترك الإجابة.

حدائق ذات بهجة

حدائق ذات بهجة وينتقل إلى الحدائق. يقول أحد الفضلاء: مدرسة التوحيد في الحديقة تنبئك عن الخالق الواحد لا إله إلا هو، فالزهر، والشجر، والماء، والبساط السندسي، والعبير كلها تدل على الله، ولكن أسلوب القرآن أخَّاذ ينفذ إلى القلوب، يقول الله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} [النمل:60] بهجة، قالوا: حياة، وقال بعضهم: روعة، وأصاب، وقال بعضهم: منظر حسن، وأجاد، وقال بعضهم: تشكيلة خلقها الله في الكون. ويقول أحد العصريين: من الذي جعل الألوان تتماوج في الزهرة الواحدة حتى يعجز أعظم فنان في الأرض أن يرسمها، ذلكم الله لا إله إلا هو، الذي جعل الزهرة حمراء بجانب الخضراء والصفراء, أبدع الخلق فلا يتعقب، ثم يقول للكائنات وللناس: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:11] يقول: هذا خلقي، وهذا صنعي، وهذه قدرتي، وهذه صناعتي، فأروني ماذا أنتج الطواغيت للعالم؟! يُتَحَدَّون بالذباب والبعوض، فيموت النمرود ببعوض في دماغه فيقتله الله، لأنه أهون من أن يصارع بالجيوش. ذباب يقف على أنف أبي جعفر المنصور الخليفة السفاك، فيقول أبو جعفر لأحد العلماء: لماذا خلق الله الذباب؟ قال: ليذل به أنوف الطغاة، فسبحان من خلق وأبدع. قال سبحانه: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} [النمل:60] تحدٍ صارخ، وتحدٍ سافر للبشرية أن يجتمعوا فيخلقوا شجرة، أإله مع الله؟! هل هناك أحد يخلق كخلق الله؟ هل هناك قوي كقوة الله، مبدع كإبداعه سُبحَانَهُ وَتَعَالى؟ والجواب معروف، وينتقل متحدياً، ويقول: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل:60]. قال أهل السنة: يعدلون به غيره، وهؤلاء خونة الميثاق تجدهم يقرعون أبواب غيره، ولا يقرعون بابه، ويتذللون عند عتبات غيره من المجرمين، ولا يتذللون عند عتبته. يا رب حمداً ليس غيرك يحمد يا من له كل البرايا تصمد أبواب كل ملوك الأرض قد وصدت ورأيت بابك واسعاً لا يوصد الصالحون بنور وجهك آمنوا عافوا بحبك نومهم فتهجدوا فالله يلومهم يقول: لماذا يعدلون مني إلى غيري؟ ولماذا يطلبون غيري؟ قال وهب بن منبه: قرأت في الحكمة أن الله يقول: (وعزتي وجلالي ما اعتصم بي أحد من خلقي فاجتمعت عليه السماوات والأرض ومن فيهن إلا جعلت له من بينهن فرجاً، وعزتي وجلالي ما اعتصم بي أحد من خلقي، ثم كادت له السماوات والأرض ومن فيهن إلا جعلت له من بينهن فرجاً، ثم قال سبحانه: وعزتي وجلالي ما اعتصم بغيري أحد من خلقي إلا أسخت الأرض من تحت قدميه، وقطعت الحبل بيني وبينه، وأهويته في مكان سحيق) هذه قدرة الله، وهذه قدرة غيره تعالى الله.

أمن جعل الأرض قرارا

أمن جعل الأرض قراراً وتستمر الأسئلة والحوار، ويقول: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً} [النمل:61] خَلْقُ السماء شيء، وخَلْقُ الأرضِ شيء، ولكن جعل الأرض قراراً شيءٌ آخر لم يدركه العلم إلى الآن، ولا يدري العلم من أين أتت الأرض، وأين كان ترابها وجبالها ووهادها وماؤها؛ هذا سر مكتوم، فمن الذي جعلها قراراً؟ هو الواحد الأحد. {وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً} [النمل:61] وهذا جمال فني بديع، وهي المفاصل البليغة الأخَّاذة، حينما تقف على الفواصل، قال: {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً} [النمل:61]. والسلف يرون أن الله حجز بين الماء العذب والمالح بطبقة أرضية تعزل النهر عن البحر، والنهر مرتفع، والبحر منخفض، لأن ماء النهر سلس خفيف، وماء البحر ثقيل غليظ. وأتى العلم اليوم، وقال: إن قوله سبحانه: {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً} [النمل:61] أي: في داخل البحور والمحيطات عيون من الماء العذب لا تطغى في المالح، ولا يطغى المالح عليها. فتوجد في بعض البحار عين تفيض يشرب منها الناس داخل البحر، وبينها وبين الماء المالح طبقة عازلة كثيفة من الماء، الله الذي أوجدها لا غيره، يتحدى بها غيره سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

أإله مع الله؟

أإله مع الله؟ قال تعالى: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [النمل:61] وأكثر الخليقة مشركون به، فمنهم من يقول: الله ثالث ثلاثة، وهي الأمة الغربية التي صنعت وأبدعت وأنتجت، لكن أخفقت عقولها، وخسف بأبصارها وبصائرها، حتى يقول الله لهم بعد آيات: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] ومنهم من يقول: لا إله والحياة مادة، وهم الشيوعيون عليهم غضب الله، ومنهم من عدد الآلهة، وهم: الشرقيون، وعندهم: الظلمة إله الشر، والنور إله الخير.

مجيب الدعاء

مجيب الدعاء ثم تأتي القارعة، والسؤال الضخم الذي يعرفه الناس، وأقرب من يعرفه الطلاب وهم في قاعات الامتحان، فقد عرفوا هذه الإجابة، وإن لم يعرفوها فسوف يعرفونها في حوادث الزمن، وفي وقائع الدهر. يقول سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] والمضطر: هو الذي بلغ به الكرب مبلغاً عظيماً، وهو الذي وقع في ورطة لا يكشفها إلا الله، والمضطر هو الذي أحيط به من كل جانب، وهو من تجمعت عليه المصائب من كل حدب، ومن تقطعت حبال البشر عنه ووسائل الدنيا وقوة الأنظمة، والقوى الأرضية، وبقي وحيداً مضطراً فإلى من يلتجئ؟ من يجيب المضطر؟ أتى أعرابي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام اسمه أبو تميمة الهجيمي كما عند أحمد في المسند، فقال: يا رسول الله! إلى ماذا تدعو؟ قال: أدعو إلى الله أتدري من هو الله؟ -العرب الجاهليون الوثنيون يعرفون أن الله هو الذي خلق السماء، وأوجد الأرض فقط- قال: أتدري من هو الله؟، قال: لا، قال: من إذا أصابك ضر فدعوته كشفه، ومن إذا ضل بعيرك في الصحراء- والبعير عند الأعرابي هو كل شيء- فدعوته رده عليك، ومن إذا أصابك سنة قحط مجدب دعوته فأمطر، هو الله، هذه العقيدة البسيطة السهلة يعرضها عليه النبي عليه الصلاة والسلام. ومما يذكر في هذا الباب: ما نجَّى الله المضطرين كيونس بن متى صاحب الظلمات الثلاث الذي ما وجد ملتجأً من الله إلا إليه، فر من الله إلى الله، كل شيء تفر منه تبتعد عنه إلا الله، فكلما فررت منه اقتربت إليه، قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50] وكل شيء تقرب منه تأمنه إلا الله، فكلما اقتربت منه خفته، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. ووجدها موسى في البحر، يوم اجتمعت عليه القوى الأرضية والطواغيت، فالتجأ إلى الواحد الأحد، فقال: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] فنجا. ووجدها إبراهيم قبل أن يدرك النار بدقائق، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فنجا. قال ابن عساكر: خرج رجل من الصالحين التجار في ناحية على بغل، فاعترض له لص فأخرجه إلى الصحراء، وأخرج سكينهُ ليذبحه، فقال للص: أسألك بالله أن تتركني، قال: لا والله، قال: أسألك بالله أن تتركني لأصلي ركعتين لتكون آخر عهدي بالدنيا، قال: قم فصلِّ، فتوضأ الرجل وصلى -وهو مضطر، فمن يدعو؟! أين ملوك الأرض؟ أين القوى؟ أين الأموال؟ أين العشيرة؟ أين الأولاد؟ تبددوا، فقام يصلي- قال: فارتج علي القرآن، فلم أدرك ولا آية إلا قوله سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62]-فهتف من قلبه والقلب له هتاف خالد، وله مناجاة شائقة، والقلب له حديث سمر يعرفه من يعيش المصائب والكوارث، فيجد أن القلب يقفز قفزات إلى الحي القيوم- قال: يا من يجيب المضطر إذا دعاه! يا من يجيب المضطر إذا دعاه -يا من يجيب المضطر إذا دعاه! قال: فإذا بفارس على فرس نزل من السماء، فأرسل خنجراً فقتل السارق، قلت: من أنت؟ قال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه- قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] وهؤلاء الجنود يتكررون، فقد نزلوا في بدر، وفي أحد، وفي كل معترك بين التوحيد والإلحاد، وهؤلاء الجنود لله الواحد الأحد ينصر بهم أولياءه- قال: لما دعوت الدعوة الأولى كنت في السماء السابعة، ولما دعوت الثانية كنت في الرابعة، ولما دعوت الثالثة وصلت إلى الأرض لأقتل هذا المجرم. {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] فلا كاشف للبلوى إلا هو، يمرض المريض، وتجتمع عليه الأطباء والدواء والعلاج فلا يشافى، لأن الله ما كتب الشفاء، فإذا كتبه رفع المرض. تقدم بختيشوع طبيب الناس والعالم في عهد أبي جعفر المنصور وأبو جعفر في سكرات الموت، قال: أنقذني يا بختيشوع! بعلاج إني أجد الموت، قال: حضر الحق ولا علاج، قيل له: أين دواؤك؟، قال: ينفع أحياناً ولا ينفع أحياناً، قال: ماذا أفعل؟ قال: الطبيب يريد أن يقربك منه، من هو الطبيب؟ الله. مات المداوي والمداوى والذي صنع الدواء وباعه ومن اشترى وبختيشوع هذا حضرته سكرات الموت، كان يعالج من القولنج، وهو المرض الخطير، فأصابه الله بمرض القولنج وقد كان تخصصه أن يشفي -بإذن الله- من هذا المرض، فأصابه الله بالمرض نفسه، فجمع العلاج، وقال له الناس: أين علاجك؟ قال: ذهب العلاج ولا علاج. قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا؟ قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا؟

الاستخلاف في الأرض

الاستخلاف في الأرض {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [النمل:62] الأسئلة كثر, تزدحم كالليل أمام الإنسان، فيجيء قرن بعد قرن، قال تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} [إبراهيم:45] ملوك بعد ملوك، تجار بعد تجار، وصنف بعد صنف، وقوى بعد قوى، وشعوب بعد شعوب، تهلك وتبيد، ويبقى الواحد الأحد, قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] يقول ابن بطوطة: زرت تربة في خراسان، فأخبرت أنه دفن فيها ألف ملك من ملوك الأرض في تلك الناحية, فقال الناظم: وسلاطينهم سل الطين عنهم والرءوس العظام صارت عظاما وسلاطينهم - جمع سلطان- وبقي الواحد العظيم، ثم قال سبحانه: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:60] ثم ترك الجواب، وقال: {قَلِيلاً مَا َتَذَكَّرُونَ} [النمل:62] والإنسان بإمكانه أن يعمى إذا أراد أن يعمى، وأن يكابر ربه، وأن ينسى مبدأه، وأن يخون ميثاقه، وأن يتلاعب بأصالته يوم يريد أن يكفر، فينحط إلى درجة الحيوان. هذه الأسئلة، ولك أنت أن تتأملها في الكون، وفي نفسك، ولك أن تجيب عنها إجابة، أما إجابة اللسان فكل يقول: الله لكن أعمالنا وعقائدنا وأفكارنا ومبادؤنا، لا بد أن نركبها على هذه العقيدة، فلا نخاف إلا الله، ولا نرجو إلا الله، ولا نحب إلا إياه، ولا نعتصم إلا به، ولا نتوكل إلا عليه، ولا نلتجئ إلا إليه، ذلكم الله ربي وربكم فاعبدوه. هل من خالق غير الله؟ تعالى الله عما يشركون. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

العطلة الصيفية

العطلة الصيفية الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير، وهادي البشر ما اتصلت عين بنظر، وما تألقت أذن لخبر، وما هتف الورق على الشجر، وعلى آله وصحبه البررة، ومن سار على منهجهم إلى يوم الدين, أمَّا بَعْد:

استغلال العطلة الصيفية

استغلال العطلة الصيفية أيها الفضلاء: في هذه الأيام ينتهي الطلبة من امتحاناتهم، وكثير منهم يفكر ملياً ماذا يفعل بهذه العطلة القصيرة من عمره، وأين يصرف تلكم الساعات التي سيسأل عنها يوم العرض الأكبر, كثيرٌ منهم لا يدري ماذا يفعل، أله أن يروح على نفسه في الشاطئ، أم يسافر، أم يقيم في بيته على لعب وتسليات، أم يشارك في مخيمات ترفيهية، أم ماذا يفعل؟ وأنا أوقف كل أخ من طلبة العلم، ومن رواد هذه المبادئ، ومن تلاميذ محمدٍ عليه الصلاة والسلام أمام نفسه. أولاً: لا عطلة عند المسلم، ولا فراغ عند المؤمن {لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع منها: عمره فيما أفناه} أين أفنى العمر؟ دقات قلب المرء قائلةً له إن الحياة دقائق وثوان فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان وسوف يرى طالب العلم أي حياة أضاع في نهاية العطلة الصيفية التي تعَّود كثير من الناس أن يضيعها ضياعاً تاماً، وهذه حقيقة أعرضها للآباء الكرام، وللأمهات الكريمات، وللعقلاء من شباب الإسلام: أن يتقوا الله عز وجل في هذه العطلة وفي غيرها، وأن يسيروها في الطريق الصحيح من مراجعة للعلم الذي درسوه، ومن تذكر لكتاب الله، وحفظ شيء من العلم، والاستفادة من هذا الوقت الطويل الذي يذهب سدى. صحيح أن الأمم التي لا تحمل مبدأ كمبدئنا لها أن تفعل ما شاءت لأنها كفرت بالله، عربدت، وسكرت، وتبرجت، وتمردت، وخسف بمبادئها، وضاعت قيمها، وامتزج حقها بباطلها، وسلخت من كرامتها، ومرغت في التراب، أما وهذه الأمة لا تزال تحمل المبدأ، فإن على الطلبة أن يعوا أن أمامهم فرصة ثمينة للاستفادة من العمر، فسوف يسألون عنه يوم العرض الأكبر، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. ما البديل إذاً؟ البديل المراكز الصيفية التي تقوم على قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام والجلوس فيها مع الصالحين من طلبة العلم، ومدارس الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، والدروس العلمية والمحاضرات التي تعقد في كثير من هذه البلاد، والبديل أن تجعل لنفسك جدول عمل تحاسب نفسك أمامه لتستثمر وقتك.

العبث بالكتب بعد انتهاء الدراسة

العبث بالكتب بعد انتهاء الدراسة ملاحظة أخرى: نمي إلى علمي وعلم كثير من الإخوة، أن بعض الطلبة أسرفوا في عدم تقدير كتب العلم بعد الانتهاء من الامتحانات، وروي أن منهم من ركل الكتاب برجله، ووجد أن الكتاب يحمل سيرة محمد عليه الصلاة والسلام، ومنهم من مزق الكتاب ورماه على الرصيف، ومنهم من عبث بأوراقه ووضعه في مكان مشعرٍ بعدم المبالاة والسخف، وأنا أسأل شباب الإسلام: ما فائدة العلم إذاً؟ ما هي النتيجة من هذه السنة، ومن هذا الامتحان؟ ما هي الثمرة من هذه الأسئلة، ومن هذه الإدارة، وهيئة التدريس، ومن هذا الامتحان والقاعات؟ لماذا طلبنا العلم إذاً؟ أن تصل قداسة العلم عندنا إلى هذا المستوى، أي طالب علم يفعل بكتابه هذا الفعل؟ يركل سيرة محمد عليه الصلاة والسلام، كأنه يتعامل مع ذاك الرجل العظيم كما يتعامل بعض الناس مع بعض الأقزام، لك أن تركل الأقزام أنفسهم بقدمك. من تداجي يا بن الحسين أداجي أجهاً تستحق ركلاً ولطما أما سيرته، أو شيء كُتِبَ فيه اسمه، أو آيات ربه، أو مبادؤه الخالدة، فحرام، حرام، حرام أن تمتهن، بل نص أهل العلم: ألا يدخل بها دورات المياه، ولا يجلس أو يركب أو يتكأ عليها، بل تحترم، وكان بعض أهل العلم لا يقرأ الحديث إلا متوضئاً، والإمام أحمد في سكرات الموت سُئِلَ عن حديث واحد من أحاديث الحبيب. أعد سهر العيون فكل نومٍ لغيرك أيها المولى حرام وأسمعني حديث الحب سبعاً رضيت لك السرى والناس ناموا فقال الإمام أحمد: أجلسوني، قالوا: أنت مريض، قال: لا والله، لا يسأل عن حديث الحبيب، وأنا مضطجع. وكان الإمام مالك يمشي في الطريق، فسألوه عن حديث، فجلس واستقبل القبلة، وقال: أيسأل عن كلام الحبيب ونحن نمشي، أي: لا نجيب عنه ونحن نمشي، ولذلك رفعهم الله، وعظمهم؛ لأنهم قدسوا دينه فقدسهم الله، وأتى جيل أهانوا دين الله فأهانهم الله، وما أعظم الإهانة التي يتلقاها العالم الإسلامي بسبب عدم توقير مبادئ الله! هل هناك أعظم إهانة من أن يصبح هؤلاء الثلة من اليهود المردة، أبناء القردة والخنازير الذين طوردوا في العالم، وضرب الله عليهم اللعنة والغضب والمسكنة، ليس لهم حبل مع الشعوب، مطاردون في كل ناحية من أنحاء العالم، طوردوا في بلجيكا، وطوردوا في سويسرا، وسحقوا في إنجلترا، وأحرقوا في ألمانيا، ثم احتضنهم العالم الإسلامي، والآن يداجيهم ويتنازل لهم ويراضيهم، فهل بعد هذه الإهانة من إهانة؟ بسبب أعمالنا. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار. عباد الله! صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على منهجه ومنواله إلى يوم الدين. اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم علمنا علماً ينفعنا، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع، ومن قلب لا يخشع، اللهم إنا نعوذ بك من علم يكون وبالاً علينا. اللهم احفظ علينا أعمارنا، وأوقاتنا، وأعراضنا، وأموالنا، وأقم لنا مبادئنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين. اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم ولِّ علينا من يخافك فينا، ويرجوك، ويرحمنا فيك يا رب العالمين برحمتك يا أرحم الراحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

سر الخائفين

سر الخائفين كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس خوفاً من الله، وبعده الصحابة رضوان الله عليهم، ومن كان بالله أعرف كان له أخوف، ولما قست قلوبنا ابتعدنا عن الله، وابتعدنا عن الخوف من الله. وقد تعرض الشيخ في أثناء حديثه لنماذج من الخائفين، ثم ذكر أسباب الخوف من الله، وبالمقابل ذكر موانع الخوف من الله، وكذا المظاهر التي تدل على صدق العبد في الخوف من الله.

النبي صلى الله عليه وسلم أخوف الناس من الله

النبي صلى الله عليه وسلم أخوف الناس من الله الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً, وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. اللهم لك الحمد خيراً مما نقول, وفوق ما نقول, ومثلما نقول, عزّ جاهك، وجلّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك, ولا إله إلا أنت, والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين, هدى الله به البشرية, وأنار به أفكار الإنسانية، وزعزع به كيان الوثنية؛ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته سلام الله عليكم يوم اجتمعتم على ذكر الله, وقلب لا يخاف الله عز وجل فليس بقلب، وحي لا يرجو موعود الله عز وجل فليس بحي وإنما هو ميت, قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. ومن يوم وقع رأس الإنسان في الأرض وهو مسئول أمام الله عز وجل, وهو واقع في مشكلة أريبة معقدة لا يقطعها ولا يحلها إلا الخوف من الحي القيوم, قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50 - 51]. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا وأشرف ما يشرف هذا العبد الحي عبودية الواحد الأحد, فلا شرف له ولا خروج من المأزق إلا بأن يكون عبداً لله تبارك وتعالى, ولذلك شرف الله رسوله صلى الله عليه وسلم, وذكره في أشرف المواطن بالعبودية، فقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. وقال في حقه: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19] , وقال عنه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1]. فالذي لا يتشرف بهذه العبودية، سوف يبقى ضالاً في الدنيا والآخرة ويحشر أعمى يوم يعرض الله الناس أولهم وآخرهم ليوم لا ريب فيه, ولذلك طالبنا سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالخوف منه, وأخبرنا بأنه أعد جنتين اثنتين لمن خافه، حيث قال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] , وقال: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41]. ولذلك أجمع أهل العلم على أن أفضل المنازل منزلة الخوف مع الإخلاص, فمن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل, والذي يخاف الله عز وجل يعمل, لأن المؤمن يحسن العمل ويخاف, والمنافق يسيئ العمل ويرجو، ولذلك فرق عند أهل السنة والجماعة بين أهل الإرجاء وأهل العمل الصالح من ناحيتين: 1 - أهل العمل الصالح يخافون ويعملون. 2 - وأهل التواكل والإرجاء يسيئون ويرجون. وفرق بين الطائفتين وبون بين الفريقين. ولذلك كان أخوف الناس هو رسول الهدى صلى الله عليه وسلم, ولا وجد أخوف منه لربه تبارك وتعالى, ولذلك يقول للصحابة وهم يجتهدون في العبادة, بعضهم من شباب الصحابة يرى ألا ينام الليل إلى الصباح، فقل لي بالله! أين شبابنا الذين يسهرون إلى الفجر على الليالي الحمراء وعلى الكلام الآثم الماجن الضائع؟ وقل لي بالله! أي جلسات تلك الجلسات التي يقطعها شيوخنا -إلا من رحم الله- في أعراض الناس بالغيبة والنميمة؟ يرى بعض الصحابة أن يقوم الليل ولا ينام حتى الفجر في عبودية الله, ويرى الفريق الآخر أن الأحسن أن يصوم النهار فلا يفطر أبداً إلا مع الغروب, ليجوع بطنه, ولتظمأ كبده, وليروى من الحوض المورود, يوم يذاد عن الحوض المورود بسبعين ألف ملك مع كل ملك مرزبَّةٍ من حديد, يريد أن يري وأن يشبع في ذلك اليوم, فيأتون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ويعرضون عليه أحوالهم, فيقول: {أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له} وصدق عليه الصلاة والسلام, ولذلك أتى به الإمام البخاري في كتاب العلم في باب الخشية وعدها من أعمال القلوب التي ينكرها أهل الإرجاء، علم من ذلك أن أخوف الخلق لربه هو الرسول عليه الصلاة والسلام.

خوف النبي صلى الله عليه وسلم من ربه عند قراءته القرآن

خوف النبي صلى الله عليه وسلم من ربه عند قراءته القرآن وروى ابن جرير الطبري وابن مردويه عنه صلى الله عليه وسلم: {أنه مرّ به بلال بن رباح -المؤذن, داعي السماء, الذي أخرج من أوضار الوثنية إلى نور الإسلام- قبل صلاة الفجر, فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم يبكي, فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي ماذا يبكيك؟ قال: آيات أنزلت عليّ ويل لمن قرأها ولم يتدبرها، ثم تلى عليه الصلاة والسلام: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]}. والذي يتلو مثل هذه الآيات ولا يتدبر ولا يتفكر؛ فكأن قلبه طبع عليه إلا ما شاء الله, والطبع يصيب القلوب بالمعاصي وبالغفلة وبالشهوة, فنسأل الذي بيده مفاتيح القلوب أن يفتح على قلوبنا وقلوبكم, ولذلك يقول جل ذكره مخاطباً الصحابة ومن سار على منهجهم إلى يوم الدين -يقول بعض الصحابة: ما بين نزول هذه الآيات المعاتبة وبين إسلامنا إلا أربع سنوات-: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:16 - 17]. فكما يحيي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الأرض بالماء والغيث من السماء فإنا نطمع منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحيي قلوبنا بالذكر فقد جفت ويبست وخمدت, فإنه الذي قال: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [الأنعام:95]. ولذلك إذا نسي القلب موعود الله تبارك وتعالى, والعرض عليه, والقبر, وتلك الوقفات الهائلة الفظيعة أصبح قلباً فاجراً قاسياً بعيداً عن الله. روى الإمام ابن كثير في البداية والنهاية المجلد الثاني عشر: عن السلطان نور الدين محمود وهو من سلاطين الإسلام الذين كانوا يقومون الليل ويصومون النهار, ذكر ابن تيمية هذا السلطان فقال: رحم الله تلك العظام؛ لأن تقوى الله يوزعها على البشر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, لا تختص بغني ولا فقير, ولا كبير ولا صغير, ولا أحمر ولا أسود, وإنما يوزعها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه يعلم القلوب التي تستحق الهداية. استعرض هذا السلطان فترة من فترات الذهول والغفلة في جيشه في دمشق وعمل مهرجاناً ضخماً حضره أمراؤه ووزراؤه وقواده, وحضره أهل دمشق في مقام بهيج وفي حفل مرعب, ولما اكتمل هذا الحفل دخل أحد علماء الإسلام اسمه ابن الواسطي، دخل ببردته وعصاه ووقف أمام السلطان ثم قال: اسمع أيها السلطان لموعود سلطان السموات والأرض؟ فتوقف الناس وخمد المهرجان وانتظروا ماذا يقول هذا الواعظ, فرفع صوته وقال لهذا السلطان وهو على سرير الملك: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إن قيل نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي وما لك نور حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور ثم يقول: هذا بلا ذنب يشيب لهوله يعني: الوليد يخاف يوم القيامة وتشيب ناصيته لهول اليوم, يقول: هذا بلا ذنب يشيب لهوله كيف المصر على الذنوب دهور فسقط السلطان من البكاء مغشياً عليه في الأرض, ورش بالماء، واستفاق وهو يقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:27 - 28]. وأصبح هذا الموقف له توبة إلى الله وعودة إلى الحي القيوم.

خوف النبي صلى الله عليه وسلم من ربه أثناء الصلاة

خوف النبي صلى الله عليه وسلم من ربه أثناء الصلاة كان عليه الصلاة والسلام دائماً وأبداً يخلط خطبه ودروسه ومواعظه بالمخافة من الله الحي القيوم, بل كان هو -كما سلف معنا- أخوف الناس، وأرجاهم لربه، وأخشى الناس لمولاه, يقول أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه - أبو ذر الصادق الزاهد العابد المنيب-: {بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي, فقام يصلي من الليل, فسمعته يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى! ثم عاد فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم بكى! ثم عاد ثالثاً، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى! ثم قال وهو في صلاة النافلة: ويل لمن لَم تدركه رحمة الله} إي والله ويل لمن لم تدركه رحمة الله تبارك وتعالى.

بكاء النبي صلى الله عليه وسلم من قراءة ابن مسعود القرآن عليه

بكاء النبي صلى الله عليه وسلم من قراءة ابن مسعود القرآن عليه ويقول ابن مسعود ذاك الشاب الذي كانت هدايته على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم, ابن مسعود الذي جسمه وهو واقف كالرجل الجالس, ليس عنده جسم ولكن عنده قلب, والله عز وجل لا ينظر إلى الأجسام أو الصور أو الأموال أو المناصب أو الأولاد، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم -وفي لفظ: ولا إلى أموالكم- ولكن ينظر إلى أعمالكم وقلوبكم} فالقلب محل نظر الرب تبارك وتعالى. وقد ذم الله المنافقين الذين ماتت قلوبهم من النفاق، ولكن عاشت أجسامهم كأجسام البغال, قال: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4]. فالعبد الذي لا يعتني بقلبه ويخلصه لله لا ينفعه جسمه ولا ماله ولا منصبه ولا ولده, أتى ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه وأسلم لرب العالمين, كان راعي غنم، وأبو جهل كان سيداً من سادات مكة، إذا قال لأهل مكة هذا الأمر هو الأمر, قالوا: هو الأمر, وإذا نفى أمراً نفوه, وإذا أثبت أمراً أثبتوه, ولكن خسئ ذاك الفاجر؛ لأنه ما آمن برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأما ابن مسعود فآمن فرفعه الله عز وجل وأكرم منزلته, وجعله من عباد الله الصالحين. صعد ذات مرة شجرة من الشجر وجسمه نحيف, فأخذت الريح تعبث بأوراق الشجرة وغصونها وهو عليها يهتز، فتضاحك الناس, جسم نحيل لطيف صغير, ولكن فيه قلب وعى القرآن، وفيه قلب معمور بلا إله إلا الله, وفيه قلب عاش على مبادئ لا إله إلا الله, فيقول عليه الصلاة والسلام: {أتضحكون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده، إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد} هذا هو الإيمان, يوزن يوم القيامة، إيمان المؤمن ويقينه وثباته وصدقه وإخلاصه, ويتهاوى أهل الفجور فلا إيمان ولا إخلاص ولا صدق. يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {يحشر المتكبرون يوم القيامة على صور الذر يطؤهم الناس بأقدامهم} فنعوذ بالله أن نتكبر في الدنيا ونحن من المهانين في الآخرة, ونعوذ بالله أن نتجبر على متن هذه الأرض ونحن من المعذَّبين في بطنها, نعوذ بوجهه وجلاله ونوره. إذا علم هذا، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحرك شجونه بالقرآن الكريم, لتذكره الآيات مخافة الله تبارك وتعالى, يقول لـ ابن مسعود كما في الصحيحين: {اقرأ عليّ القرآن؟ فيقول: يا رسول الله! كيف أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ -حياء وأدب وسكينة من ابن مسعود يتعاظم أن يقرأ القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تعلم القرآن هو من رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيقول: اقرأ فإني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فاندفعت أقرأ في سورة النساء، فلما بلغت قوله تبارك وتعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال: حسبك الآن فنظرت فإذا عيناه تذرفان} فعليه أفضل الصلاة والسلام, ما كان أتقاه لله! وما كان أخوفه من ربه تبارك وتعالى! حتى كان عليه الصلاة والسلام إذا قام في النافلة كما يقول مطرف بن عبد الله بن الشخير: {دخلت عليه صلى الله عليه وسلم فسمعت في صدره أزيزاً كأزيز المرجل من البكاء} والمرجل: هو القدر إذا استجمع غلياناً.

نماذج من الخائفين

نماذج من الخائفين انظر إلى أحوالنا اليوم، هل خلا أحد بنفسه فتباكى أو بكى؟ هل تذكر في الحفرة الضيقة يوم لا يدخل معه ولد ولا مال ولا زوجة ولا قريب ولا حبيب؟ هل تذكر ذاك المصرع؟ وإنه والله لعجيب! ولو تذكرناه كل يوم لزهدنا ولتورعنا ولتبنا ولاستغفرنا.

خوف عمر بن عبد العزيز من ربه

خوف عمر بن عبد العزيز من ربه يقول ابن كثير في البداية: صلّى عمر بن عبد العزيز رحمه الله صلاة العيد بالناس - عمر بن عبد العزيز زاهد من الزّهاد, تولى أمر الأمة الإسلامية على رأس المائة, فكان مجدداً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم, فلما انتهت الصلاة ذهب إلى بيته فاستعرضه الناس وأتوا بالموكب، فقال: باعدوه عني فما أنا إلا رجل من المسلمين, فلما مرّ بالمقبرة التفت إليها، وقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، ثم قال: آلله كم في هذه القبور من خد أسيل وطرف كحيل! ثم قال للناس والوزراء والأمراء حوله وهو ينظر إليهم: ما كأنهم أكلوا مع من أكل, وما كأنهم شربوا مع من شرب, وما كأنهم استأنسوا بالدور ولا عمروا القصور, ثم رفع صوته وقال للمقابر: يا موت! ماذا فعلت بالأحباب؟ يا موت! ماذا فعلت بالأصحاب؟ فجاوب نفسه بنفسه، وقال: أتدرون ماذا يقول الموت؟ قالوا: لا. -هو يقصد بهذا الكلام مدرسة لهم حتى لا ينسوا هذا الدرس أبداً- قال: يقول: ذرفت بالعينين، وأكلت الحدقتين، وفصلت الكفين عن الساعدين, والساعدين عن العضدين, والعضدين عن الكتفين, وفصلت القدمين عن الساقين, والساقين عن الركبتين, ثم بكى حتى غشي عليه, هذا الرجل العظيم الذي خاف الله وموعود الله فأكرمه الله أن جعله من السعداء في الدنيا وفي الآخرة إن شاء الله, فما يذكر إلا ترحم عليه. ولذلك لما حضرته الوفاة يوم عيد الفطر خرج الناس يلبسون الجديد يوم عيد الفطر إلا هو, فقالوا: ما لك؟ قال: أرى أن مصرعي اليوم وأني ألتقي بربي اليوم, فلما دخلت عليه زوجته والناس يصلون العيد, قالت: ماذا ترى؟ قال: اخرجي من البيت! فإني أرى ملأً ونفراً ليسوا بجن ولا إنس, قال أهل العلم: هم ملائكة, فخرجت، فلما قبضت روحه رحمه الله، قال أهل السير والتاريخ في ترجمته: سقطت على المصلين صحيفة من السماء مكتوب فيها: براءة لـ عمر بن عبد العزيز من النار؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا علم من العبد أنه يخافه يؤمنه المخاوف سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ولذلك قال أهل العلم: إذا خفت من الله خوَّف الله منك كل شيء, وإذا خفت من غيره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أخافك من كل شيء، ولذلك أذل الناس وأخوفهم وأخنعهم وأهزمهم وأفشلهم من لا يخاف من الله, ولو رأيته جباراً عنيداً فاعلم أن الله أذهب الهيبة من قلبه. ولذلك يتحدث شيخ الإسلام ابن تيمية عن الخوف, ما هو الخوف المطلوب؟ قال: ما حجزك عن المعاصي فهو الخوف المطلوب. أما ما زاد على ذلك فلا يطلب في الإسلام, فالذي يردك عن معاصي الله تبارك وتعالى فهذا هو الخوف الذي يطلب منك لتكون خائفاً منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام إنما امتازوا علينا بمخافتهم من الحي القيوم.

خوف أبي بكر الصديق

خوف أبي بكر الصديق ذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد بسند جيد, أن أبا بكر الصديق -رحمه الله رحمة واسعة- أنفق أمواله, ووقته, ودمه, ويومه, ونهاره, وليله, وكل ما يملك من قليل وصغير للإسلام, حتى أتي بثوبه الذي يلبسه فكُفِّن فيه، ما وجد له كفناً من التركة وهو خليفة المسلمين. يذكر عنه الإمام أحمد: أنه دخل هو وبعض الصحابة في مزرعة رجل من الأنصار في المدينة، فكان النخل يانعاً بالثمار, وقد تدلّت غصونه بالرطب وعليه الأطيار, فأما الصحابة فارتاحوا, وأما أبو بكر فجلس يبكي, فقالوا: ما لك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: [[طوبى لهذا الطائر يرد الشجر ويأكل منها، ويرد الماء ويشرب منه، ثم يموت لا حساب ولا عذاب، يا ليتني كنت طائراً! يا ليت أمي لم تلدني! فبكى الصحابة!!]]. فانظر إليه -رضي الله عنه وأرضاه- والرسول عليه الصلاة والسلام بشره بالجنة, وهو مع ذلك يخاف, وهو مع ذلك يحاسب نفسه, حتى يقول: والله لا آمن مكر الله، ولو كانت إحدى رجليّ في الجنة والأخرى خارجها!! لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون, والذي يأمن عقاب الله وعذابه، فقد أضله الله على علم, وقد طمس الله على بصيرته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه من يأمن أخذه الله؟ ومن يعتقد أن أعماله مقبولة! نعم. صلينا آنفاً صلاة المغرب؛ لكن من يدري منا هل ارتفعت صلاته أم بقيت؟ هل قبلها الحي القيوم أم ردت عليه واضرب بها في وجهه؟ ولذلك يقول ابن القيم -رحمه الله-: رب مصليين اثنين وقفا في صف واحد كلٌ بجانب صاحبه ما بين صلاتيهما كما بين السماء والأرض؛ لأن بعض الناس إذا قام للصلاة خاف لقاء الله وموعوده, وخاف العرض على الله, وتذكر أنه سوف يقف مثل هذا الوقوف يوم القيامة! فإن الناس يقفون يوم القيامة عند الله كما يقفون في صلاتهم, وقد صح في الحديث: {أن الله تبارك وتعالى إذا قام العبد وقف تجاهه في الصلاة, فإذا انصرف بقلبه انصرف الله عنه} فنعوذ بالله أن تنصرف قلوبنا في الصلاة فينصرف الله عنا, وكم تنصرف القلوب إلى الأسواق! والشهوات! والنزوات! والأغراض؟! وكم نعطي الله عز وجل من صلاتنا ونحن نقف بين يديه تبارك وتعالى؟ ولذلك كثير من الناس يتذكر المقام بين يديه تبارك وتعالى بمقامه في الدنيا, قال ابن الجوزي رحمه الله: المؤمن يتذكر بكل شيء ما يحدث له يوم القيامة, إذا أتى ينام وتلحف بلحافه تذكر القبر, وإذا رأى الخضروات والفواكه والنعم تذكر الجنة, وإذا رأى النار في الدنيا والمعذَّبين والمحبوسين تذكر جهنم -نعوذ بالله من جهنم- ولذلك لا يزال من فكرة في فكرة!

خوف ابن أبي ذئب

خوف ابن أبي ذئب دخل المهدي الخليفة العباسي مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام وكان الناس مجتمعين فيه, طلبة العلم، وأهل الحديث والفقه والتفسير, ومنهم الزاهد العابد العالم ابن أبي ذئب، فلما دخل الخليفة ومعه قواده وحرسه قام له الناس في المسجد احتراماً إلا ابن أبي ذئب فما قام ولا تحرك, فاقترب منه الخليفة قال: لِمَ لَمْ تقم وقد قام لي الناس جميعاً؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو، لقد أردت أن أقوم لك، فتذكرت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فتركت القيام لذلك اليوم, فانظر كيف تذكر بقيام الناس يوم يقوم الناس من قبورهم! ولذلك الذي نعني به في هذا المكان أن الذي ينبغي علينا أن نحصِّل أسباب الخوف, وأن نتذكر ما يمكن أن نتوصل به لنكون خائفين من الله عز وجل, لأن من خاف من الله أمَّنه يوم الفزع الأكبر, ومن أمن منه اليوم خوَّفه يوم الفزع الأكبر, قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:101 - 103] ثم يقول عز من قائل عن هذا اليوم: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:104]. ولقد كان وعداً عليه أن يرث الأرض ومن عليها ويجمعنا ليوم لا ريب فيه. ولذلك كما أسلفنا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه, ما كان خوفه مجرد خوفٍ نظري، لأن بعض الناس في المواعظ يخاف, ولكن إذا خرج نسي -نعوذ بالله من الغفلة- هو يخاف إذا ذُكِّر, ولكن ما يمر عليه برهة أو ذهب من الزمن إلا قدر الموعظة, أما أبو بكر وأمثال أبي بكر فكان خوفهم معهم يصاحبهم دائماً وأبداً ليل نهار. وذكر ابن القيم: [[أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه لما تولى الخلافة كان يخرج إلى ضاحية من ضواحي المدينة المنورة بعد صلاة الفجر كل يوم, فتفقده عمر بن الخطاب وسأل عنه! فقالوا: لا ندري أين يذهب؟ قال عمر: لأذهبن وراءه هذا اليوم وأرى ماذا يصنع! فذهب وراءه رضي الله عنه وأرضاه وإذا به دخل خيمة امرأة أعرابية مسلمة فتركه عمر حتى خرج من الخيمة, فدخل وراءه وأبو بكر لا يرى عمر، فأتى عمر فوجد امرأة عجوزاً عمياء معها أطفال، فقال: يا أمة الله! من أنت؟ قالت: أنا عجوز حسيرة كسيرة في هذه الخيمة, قال: ومن هذا الرجل الذي يأتيك؟ قالت: رجل لا أعرفه من المسلمين -لم تعرف أنه أبو بكر - قال: ماذا يصنع إذا دخل عندكم؟ قالت: يأتينا كل يوم لأن أبونا مات منذ زمن, فيصنع طعامنا للإفطار، ويكنس بيتنا، ويحلب شياهنا, فجلس عمر يبكي ويقول: أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر!]] إي والله أتعبت الخلفاء بعدك, وأتعبت كل مسئول حتى يرث الله الأرض ومن عليها. تصوروا أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خليفة المسلمين الذي ضمن له صلى الله عليه وسلم الجنة, يأتي ويصنع الإفطار لهذه العجوز وأطفالها ويأتي ويكنس البيت ويحلب الشياه, فرضي الله عنه وعن أمثاله وحشرنا في زمرتهم.

خوف عمر بن الخطاب

خوف عمر بن الخطاب يأتي عمر فيكون من الخائفين لله, أول مخافته من الله يوم خطب أول خطبة للجمعة, أول ما أعلن فيها مبادئه وأسسه التي ينبغي أن يسير عليها، قطع له البكاء, فقالوا: ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال: والله لوددت أنني لم تلدني أمي, يا ليتني كنت شجرة تعضد {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام:15]. وهذا هو مقصود الخوف منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, ولا يكفي الخوف النظري كما قلت, بل صاحب ذلك خوف منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إن كان في أعماله كان خائفاً من الله. يذكر الذهبي عن عمر رضي الله عنه وأرضاه: أنه خرج ذات ليلة من الليالي يطوف في سكك المدينة -فكان خليفة لا ينام إلا قليلاً، تقول له زوجته عاتكة بنت زيد: [[يا أمير المؤمنين! لماذا لا تنام؟ قال: إن نمت في النهار ضاعت رعيتي، وإن نمت في الليل ضاعت نفسي]] فأما الليل فصلاة, وأما النهار فمحافظة وسعي لصالح الأمة- فسمع امرأة تبكي من وراء الباب, فأنصت قليلاً وهو يبكي!! فقال له أسلم: ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه المرأة في النفاس، وإنك لا تدري ماذا تجد من ألم الولادة! قال: اذهب بنا يا أسلم، قال: فعدت معه إلى بيت مال المسلمين، فحمل جراباً من شحم، وجراباً من زيت، وجراباً من دقيق، قال: احمله على ظهري -وهو خليفة- قلت: يا أمير المؤمنين! أنا أحمله عنك؟ قال: أأنت تحمل أوزاري يوم القيامة؟ قال: فحمله ووالله لقد رأيته يهرول أمامي ثم دخل البيت واستأذن وقام في طرف البيت يصنع عشاء هؤلاء الأسرة, فتقول له المرأة: من أنت رحمك الله! والله لأنت خير من عمر بن الخطاب -تقول: أنت بتواضعك وخدمتك وقيامك على شئوننا خير من الخليفة عمر، وهي لا تعلم أنه هو عمر - قال أسلم: فلما انتهينا انطلقت معه وقد أذن لصلاة الفجر, فقام يصلي بنا، فلما بلغ قوله تبارك وتعالى في سورة الصافات: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] بكى! حتى سمعنا بكاءه من آخر الصفوف, ثم عدناه شهراً كاملاً من خوف الله عز وجل. فأين هذه القلوب؟ وأين هذه الأرواح التي تربت على القرآن؟ وما لنا حل ولا صلاح ولا فلاح ولا سعادة إلا أن نراجع حسابنا مع الله عز وجل, وأن نعود بسير هؤلاء وبأمثالهم نستقرؤها, ونكررها في المجالس والمنتديات والمحافل ونعيدها دائماً وأبداً؛ لأن الله يقول: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف:111] وقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]. قال أبو حنيفة -رحمه الله-: سير الرجال أحب إلينا من كثير من الفقه؛ لأن الفقه أحكام مسيرة يقوم بها طائفة من الناس, أما السير والمواعظ والرقائق؛ فإنه ينبغي لكل عبد أن يكون خائفاً من الله, راجياً موعود الله, مخلصاً لله تبارك وتعالى صادقاً فيما بينه وبين الله.

نماذج من سيرة النساء الخائفات من الله

نماذج من سيرة النساء الخائفات من الله يقول ابن أبي حاتم في تفسيره: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من الليالي, فمرّ ببيت امرأة من الأنصار, فسمعها تقرأ من وراء الباب تردد في الليل بعض الآيات، عجوز تقرأ! انظر إلى هذه العجوز المسنة الطاعنة كيف تتربى مع القرآن!! فأين نساء المسلمين؟! وأين الأمهات اللواتي كن يتربين على كتاب الله عز وجل؟! وأين تلك البيوت التي كانت كدوي النحل من كتاب الله عز وجل ومن ذكره ومن تلاوة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بُدّلت بالغناء الماجن, وغيرت بالكلام القبيح, واستولت عليها الغيبة والنميمة والفحش واللعن والسب والشتم إلا من رحم الله, فهل آن للبيوت أن تعود إلى الله عز وجل؟ وهل آن للأمهات المسلمات أن يراجعن حسابهن مع الحي القيوم, فإن قبلهن عائشة وأسماء وأم سليم وعاتكة وغيرهن هن يوم القيامة أسوة لكل امرأة مؤمنة تريد الله والدار الآخرة. وقف عليه الصلاة والسلام ووضع رأسه على الباب والمرأة هذه تتلو قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] وتبكي! ثم تعود، وتقول: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] فأخذ صلى الله عليه وسلم بيده على رأسه ويبكي، ويقول: {نعم أتاني نعم أتاني} المخاطب الرسول عليه الصلاة والسلام يقول الله له: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] أي: ما أتاك وما عرفت وسوف تعرف, والغاشية والزلزلة والطامَّة والواقعة والصاخة والقارعة كلها أسماء ليوم القيامة, لأن الله ضخَّمه وفخَّمه فهل وعته العقول؟ هل تدبرت؟ هل تذكرت؟

خوف عائشة رضي الله عنه

خوف عائشة رضي الله عنه يقول أحد التابعين: مررت بـ عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها وأرضاها، الصادقة بنت الصدّيق, المطهرة المبرأة من فوق سبع سموات, زوجة رسولنا عليه الصلاة والسلام، التي أتاها في يوم واحد كما يقول عروة بن الزبير من معاوية بن أبي سفيان وهو خليفة في دمشق ثمانون ألف دينار فوزعتها وهي صائمة، ونسيت نفسها من الإفطار! فقالت لها مولاتها وجاريتها: يا أم المؤمنين! كيف لم تبق دنانير نأخذ بها إفطاراً؟ قالت: والله إني نسيت, يا سبحان الله! من ثمانين ألف دينار تنسى نفسها! - قال هذا التابعي وأظنه الأسود بن يزيد: [[مررت بها وهي تقرأ في صلاة الضحى: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:27 - 28]. قال: وسمعت لبكائها نشيجاً، فذهبت والله إلى السوق وعدت وهي تقرأ مكانها في ركعة واحدة]] عائشة رضي الله عنها وأرضاها التي بقيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, أما ليلها فمناجاة للحي القيوم وتلاوة وذكر ودعاء, وأما نهارها فصيام. عائشة التي كانت تربي بكلماتها ما لا يربيه ألف أستاذ وألف داع وداعية اليوم, كانت كلماتها من نور؛ لأنها تربت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما أعقلها وما أعلمها بالله تبارك وتعالى!

خوف أم سليم رضي الله عنها

خوف أم سليم رضي الله عنها كانت أم سليم امرأة عاقلة من الأنصار, عرفت قدر الإسلام, والمرأة المسلمة لابد أن تعلم بأن القرآن يخاطبها, وأن السنة تندبها, وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث للرجل والمرأة، ولذلك يقول عزَّ من قائل: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195] فالأجر حاصل, وجهادها في بيتها وصدقها مع ربها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أجر ومثوبة, ويمكن أن تكون تربيتها لأبنائها على منهج كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من نوافل الصيام والصلاة إذا قصدت بذلك وجه الله تبارك وتعالى. يقول أنس رضي الله عنه وأرضاه: [[ما سمعنا بمهرٍ في الإسلام أعظم من مهر أم سليم -أي: أمه- قال الناس: وما مهرها؟ قال: كان مهرها الإسلام]]. أتى لها رجل من الأنصار وهو مشرك قبل أن يسلم فأراد أن يتزوج بها، فقالت: أنت مشرك وأنا مسلمة، والله لا أتزوجك حتى تسلم فيكون مهري معك الإسلام, فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, ثم أتت بـ أنس وعمره عشر سنوات, فقالت: يا رسول الله! تفّكرت في الدنيا فإذا هي ذاهبة, وأردت هدية أقدمها لك فما وجدت أغلى من ابني، شجا روحي، وفلذة كبدي، فخذه هدية يخدمك في الحياة الدنيا, فقال عليه الصلاة والسلام: {غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر} ثم قالت: يا رسول الله! ادع لابنك أنس؟ -أي: ابنها- فقال عليه الصلاة والسلام: {اللهم أطل عمره -وطول العمر على طاعة الله سعادة- وكثر ماله وولده، واغفر ذنبه} فأما عمره فطال حتى قارب المائة، وقيل: نيّف على مائة, وأما أولاده فكثر ذرية بعضها من بعض, يحفظون كتاب الله ويناجونه ليلاً نهاراً, حتى يقول عن نفسه كما في الإصابة وأسد الغابة وغيرها: [[دفنت من ولدي لصلبي وولد أولادي يوم دخل الحجاج الكوفة مائة نفس]] وأما جسمه فإنه صح فما مرض وما سقم, وأجرى الله عليه رزقه, وأما غفران الذنب فهذه سعادة الآخرة يوم يلقى الله. ثم يقول عليه الصلاة والسلام: {دخلت الجنة البارحة -أي: شبه الرؤيا والمنام- فرأيت الرميصاء أم سليم في الجنة} وأخبرها صلى الله عليه وسلم, لماذا؟ لأنها صدقت مع الله عز وجل, وأنها عرفت موعود الله فأخلصت للا إله إلا الله.

خوف الخنساء

خوف الخنساء وتأتي الخنساء السلمية في معركة القادسية، والناس قد اصطفوا للقتال, المسلمون في جهة والكفار في جهة, حزب الله في ناحية, وحزب الباطل في ناحية, ولا إله إلا الله ترتفع هنا, وراية الباطل ترتفع هنا, فالتفتت إلى القبلة ورفعت يديها، وقالت: [[اللهم إنه ما عندي اليوم أغلى من أبنائي الأربعة, اللهم إني أقدمهم لك، اللهم ارزقهم الشهادة هذا اليوم, فتأتي إلى أبنائها الأربعة, ليس لها عائل يعولها في الدنيا إلا هؤلاء الأبناء, وليس لها في الناس أحب إليها من هؤلاء الأبناء, مات أبوهم وأقاربهم, فقالت: يا أبنائي! اذهبوا واغتسلوا وتحنطوا وتكفنوا, فذهبوا واغتسلوا وتحنطوا ولبسوا أكفانهم ثم أتوا, فقالت: والله ما خنت أباكم ولا خدعت خالكم، والله إنكم أبناء رجل واحد, فإني أحتسبكم عند الله يوم العرض الأكبر, وأقدّمكم هذا اليوم, فإذا أتيتم فأخلصوا بلا إله إلا الله ولله، ثم لا أراكم إلا يوم العرض الأكبر, فلما انتهت المعركة أتوا يبشرونها، قالوا: قتل أبناؤك الأربعة, فتبسمت! وهذا من فرح المؤمن. طفح السرور عليّ حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني وقالت: الحمد لله الذي رفع منزلتي بشهادتهم, اللهم اجعلهم عندك {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]]] الوداعة لا تضيع عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا استودعت غيره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ضيعت وديعتك، أما الله فلا تضيع عنده الودائع. ولذلك حفظ لنا الإسلام هذه النماذج الخالدة يوم أن كنا مسلمين, يوم كانت بيوتنا تبيت مع القرآن, وتصبح مع القرآن, فلما استبدلنا بالقرآن الغناء الماجن والعهر والفحش -إلا من رحم الله- ضاعت أجيالنا, وضاع شبابنا, وضاعت نساؤنا وبناتنا, وأصبحنا نتلفت فلا نجد إلا قلوباً جافة خامدة هامدة قست من المعاصي, فأملنا في الحي القيوم أن يعيدنا كما كان عليه سلفنا الصالح.

بعض وصايا النبي صلى الله عليه وسلم

بعض وصايا النبي صلى الله عليه وسلم يأتي معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه، فيسافر إلى أرض اليمن داعية, فيوصيه صلى الله عليه وسلم بأجمع وصية، وصية المخافة من الله تبارك وتعالى وتقوى الله, ولذلك إذا أردت أن توصي حبيبك أو قريبك أو صاحبك أو ولدك فلا توصيه إلا بحفظ الله, فإنه إذا حفظ الله حفظه الله, وإذا ضيع الله ضيعه الله.

وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ

وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ يقول عليه الصلاة والسلام له كما في سنن الترمذي: {يا معاذ! اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن}. وفي سير أعلام النبلاء للذهبي في ترجمة معاذ: فيبكي معاذ! فيقول له صلى الله عليه وسلم: {ما لك تبكي؟ قال: يا رسول الله! والله ما بكيت لأمر فاتني من الدنيا, لكن أخشى أن يكون آخر العهد بك ولا أراك إلا يوم القيامة, قال: يا معاذ! لا تجزع، فإن الجزع من الشيطان, إنك لن تراني بعد يومي هذا} ثم يقول له صلى الله عليه وسلم يزوده زاد السفر, ليس زاد السفر الأكل والشراب والطعام هذا زاد دنيوي, لكن زاد الآخرة, قال: {يا معاذ! اتق الله حيث ما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} , ثم قال له: {يا معاذ! اذكر الله عند كل شجر وحجر ومدر, فإنك إذا ذكرت الله كان الله معك} هذه وصيته عليه الصلاة والسلام.

وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس

وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس ويقول صلى الله عليه وسلم وهو يزود ابن عباس من زاد الآخرة كما في الترمذي: {احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك, رفعت الأقلام وجفت الصحف}. ولذلك كان معنا فيما سلف معاذ رضي الله عنه وأرضاه أخذ وصية الرسول عليه الصلاة والسلام, فكانت نصب عينيه مخافة الله, ومراقبة الله عز وجل, لأن بعض الناس يراقب الله عز وجل في الجلاء, ولكن لا يراقبه في الخفاء, يراقبه أمام الناس فإذا خلا بمحارم الله انتهكها وضيعها وهدّ حدود الله عز وجل وانتهك معاصيه. ولذلك جاء في سنن ابن ماجة في كتاب الرقاق قال ثوبان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {لأعلمن رجالاً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً، يجعلها الله هباءً منثوراً, قال الصحابة: يا رسول الله! أليسوا مسلمين؟ قال: بلى مسلمين, يصلون كما تصلون ويصومون كما تصومون, ولهم حظ من الليل -أي: يصلون في الليل- ولكنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها} نعم. إن العجيب أن تخشى الله في السر, والخفاء يوم لا يراك إلا هو, يوم تنام عنك عيون الناس ولا تنام عينه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, يوم يغفل عنك الناس ولا يغفل عنك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, ولذلك يقول الأندلسي لابنه: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني فلا يراك إلا الحي القيوم, ولا يراقب تحركاتك وسكناتك إلا هو وقد غفل عنك الناس فتذكره, ولذلك يقول أهل العلم: إذا خلوت عند الناس ورأيت الكواكب فاسأل: من كوكبها؟! وإذا رأيت النجوم! فاسأل: من أنارها؟! وإذا رأيت السماء! فاسأل: من رفعها؟! فإنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى معك أين ما ذهبت! واعلم أنك إن لم تكن تراه فإنه يراك تبارك وتعالى. أتت سكرات الموت إلى معاذ في هذه الآونة, فتفكر بماذا يقدم على الله عز وجل, فقال وهو في سكرات الموت لابنه: اخرج انظر هل أصبح الصباح؟ فنظر ابنه وقال: لا ما أصبح, فجلس قليلاً ثم رفع طرفه، وقال: [[اللهم إنك تبارك في القليل وتكثر الصغير، اللهم بارك في هذا الجرح -وكان جرحاً من الطاعون- قال: كيف تدعو على نفسك بالموت؟ قال: مللت والله الحياة، وسئمت والله البقاء, فقال لابنه: اخرج هل أصبح؟ قال: أصبح, قال: أعوذ بالله من صباح يوم إلى النار]]. كانوا يذكرون بعض المناقب يوم تأتيهم سكرات الموت؛ لأن في سكرة الموت يذهب الكبر والخيلاء, ويذل فيها الجبار, ويذعن فيها المتكبر, ويفتقر فيها الغني, ويضعف فيها القوي, فأين الكبر عنهم؟ إنما يذكرونها للأمور التربوية للأمة التي بعدهم وللجلاس. ولذلك يقول الأعمش لما حضرته سكرات الموت -رحمه الله رحمة واسعة، وهو من الزهاد العباد الكبار- لما بكى عليه أبناؤه, قال: يا أبنائي! لا تبكون فوالله الذي لا إله إلا الله، ما فاتتني تكبيرة الإحرام ستين سنة مع الإمام, ما قالها تفاخراً ولا تكبراً, وإنما قالها ليربيهم على تكبيرة الإحرام, ويقول ابن إدريس الزاهد العابد لابنه وهو يبكي عند رأسه: يا بني! اتق الله عز وجل, يا بني! لا تعص الله في هذا البيت الذي سكنته أنا وإياك فيه، فوالله لقد ختمت فيه القرآن أربع آلاف مرة, ذكرها الذهبي في سير النبلاء، وذكرها صاحب أهل الهمم العالية في تذكر الأيام الخالية. بعض الصالحين يُورِّثون أشقياء -والعياذ بالله- فجرة, بدل القرآن وبدل قيام الليل يحل الغناء الماجن, ويحل الفجور والبعد عن الله عز وجل, بدل الصيام تحل المعاصي, بدل تلاوة الحديث تأتي الأفلام الخليعة الماجنة, والصحف المنهارة التي تبث السموم, وهذا سوء وراثة يبتلي الله عز وجل بها بعض الناس, فمن أراد أن يحفظه الله في أبنائه فليخف من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وليحفظ الله, فإن أهل الكنز الذين في سورة الكهف حفظ الله عليهم كنزهم، فقال: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:82] قال ابن المسيب -رحمه الله تعالى-: انظر كيف حفظ الله الكنز لهؤلاء، وقال: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:82] فلما كان صالحاً حفظ الله عليه أبناءه وكنزه, قال تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف:196] فكل من يتولى الله يتولاه الله في أهله وزوجته وأولاده ورزقه في مدخله ومخرجه حتى يلقى الله.

تميز الصحابة بالخوف من الله

تميز الصحابة بالخوف من الله الصحابة ميزهم عن الناس خوفهم من الله تبارك وتعالى, ولذلك سلف في مناسبة أن عمر لما خرج إلى بيت المقدس تلقته الجيوش الإسلامية, أتى ليفتح بيت المقدس ويأخذ مفاتيحه, فخرج المسلمون في جيوشهم بأبّهة وزينة وجمال وخيول وكتائب وجنود, فلما رآهم عمر رضي الله عنه وأرضاه ترك الطريق إليهم، وانحرف إلى طريق أخرى, فلحقه أبو عبيدة فوجد عمر يبكي, فقال له أبو عبيدة: ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال: [[ضيعنا والله، نسينا ما كنا عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم]] ثم قال لـ عمرو بن العاص: ما لك يا عمرو؟ قال: يا أمير المؤمنين! جمعت الجيوش لأرهب بها أعداء الله, فيقول كلمته الخالدة التي يجب أن نحفظها وأن نرددها كثيراً يقول عمر: [[نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]] ولذلك من اعتز بغير التقوى أذله الله, ومن اعتز بمنصبه ونسي طاعة الله، أذله الله وأخسأه وحقره؛ لأن الله أخذ على نفسه أن من تواضع له رفعه, وأن من تكبر عليه وضعه. فدخل عمر وخطب الناس في الجابية ثم دخل على أبي عبيدة في الليل, فقدم له أبو عبيدة أقراصاً من شعير, فقال له عمر: أما لك طعام غير هذا؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، العطاء الذي نأخذه منكم ننفقه في سبيل الله, فأخذ عمر يبكي! فلما أتى النوم قدم له شملة فالتحف نصفها عمر وافترش نصفها وأخذ يبكي، ويقول: [[غيرتنا الدنيا إلا أنت يا أبا عبيدة]] عمر -رضي الله عنه وأرضاه- بإمكانه أن يفعل كما يفعل من سبقه من ملوك كسرى وقيصر وأن يستخدم الدنيا, ولكن خاف موعود الله ولقاءه. مرّ عمر بـ جابر بن عبد الله كما في ترجمته, فوجد عنده لحماً, فقال لـ جابر: [[يا جابر! ما هذا الذي معك؟ قال: يا أمير المؤمنين! لحم اشتهيته فاشتريته, قال: كلما اشتهيت اشتريت؟ والله إني أملك الذهب والفضة وأنفقها في سبل الخير، وإني أعلمكم بلباب البر وبصغار الماعز وبنسل العسل, وكنت أخلط هذا بهذا ثم آكله، ولكن أخشى أن أعرض على الله يوم القيامة فيقال لي: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف:20]]]. من أين تعلم عمر مخافة الله؟ تعلم من كتاب الله عز وجل ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم. في صحيح البخاري: {أنه دخل رضي الله عنه وأرضاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة قال: فدخلت فوالله ما رأيت في المشربة ما يلفت النظر إلا شيئاً من شعير في قطف, فدمعت عيناي, فقال صلى الله عليه وسلم: ما لك يا عمر؟ قلت: يا رسول الله! -وكان جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثر فيه الحصير- هذا كسرى وقيصر يتمتعون بما يتمتعون به وأنت رسول الله، والله فضلك على الناس في هذا العيش؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: أفي شك أنت يـ ابن الخطاب؟ أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟} فمن رضي بموعود الله وبحكم الله فليرض بطاعة الله, فوالله لساعة واحدة يجلسها المؤمن في مثل هذا المجلس والمسجد يذكر الله فيها ويتصل به سُبحَانَهُ وَتَعَالى لهي خير ممن ملك ألف سنة وسنة في الدنيا وغير الدنيا؛ لأنها ذاهبة, قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. ولذلك ذكروا أن عثمان رضي الله عنه وأرضاه حضر المقبرة ورأى إنساناً يقبر، فبكى حتى غشي عليه وحمل إلى بيته صريعاً, فقالوا: نراك تقرأ القرآن ولا تبكي! وتذكر ببعض الذكريات ولا تبكي، فإذا رأيت القبر انصرعت, قال: سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار}. ولذلك يقول علي رضي الله عنه وأرضاه: [[ما أحسن ظواهركم! -أي: ما أحسن ظواهر القبور- ولكن ليت شعري ما في بواطنكم]] المصائب الحيات والعقارب داخل القبور, تبدو القبور لنا مزينة مجملة هامدة ساكتة, ولكن ليت أخبارنا مع أخبارهم, يقول علي رضي الله عنه وأرضاه وهو يسلم على المقابر، قال: [[ألا أخبركم عنا لتخبرونا عنكم؟ ثم قال: أما أخبارنا فعدنا من بعد أن دفناكم، فأما البيوت فسكنت, وأما الزوجات فتزوجت، وأما الأموال فقسمت, فما هي أخباركم؟ ثم بكى وقال: سكتوا ولو نطقوا والله لقالوا: تزودوا فإن خير الزاد التقوى]]. لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الموت نبنيها فاعمل لدار غدٍ رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيش نابت فيها

أسباب الخوف من الله

أسباب الخوف من الله والأمور التي تحدث الخوف عند المؤمن من أربعة أمور, إذا تذكرها وتدبرها أحدثت له رقة وذكرته موعود الله عز وجل, ولقاء الله:

زيارة المقابر

زيارة المقابر فإن فيها الأولاد والأحفاد والأجداد, وفيها الأحباب والأصحاب والأصدقاء. هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلّ الردى مما نرجيه أقرب ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما في سنن الترمذي: {زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة} ويقول عليه الصلاة والسلام وهو يزور المقبرة: {السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية, اللهم لا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم}. فزيارة القبور لما تركت أو قلل منها قست القلوب, ونسي الإنسان مع بهرج الحياة قصورها ودورها وسياراتها وعماراتها ومناصبها فجف القلب وقسا! فأعظم ما يذكر وما يحدث الخوف زيارة القبور, ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام وهو يزور مقبرة بقيع الغرقد في المدينة: {ليهنكم -يا أهل بقيع الغرقد - ما أمسيتم فيما أمسى فيه الناس, فتناً كقطع الليل المظلم -أي: أقبلت- يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً, ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً, يبيع دينه بعرض من الدنيا} نعوذ بالله من ذلك, ونسأل الله العافية, فأولها زيارة القبور، والوقوف عليها طويلاً، وهي للرجال وليست للنساء, فإن النساء منهيات في شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة المقابر, ويكفي المرأة أن تتذكر الموت في بيتها, وأن تتذكر موعود الله ولقاءه في بيتها, لتلقى ربها وهي سليمة مبرأة من كل ما يصرفها عن الله تبارك وتعالى. وقد زار الصالحون كثيراً المقابر, يقول مطرف بن عبد الله بن الشخير في سيرته وهو من الصالحين الكبار: [[كنت آتي من بادية البصرة إلى البصرة لأصلي الجمعة في جامع البصرة، فكنت آتي قبل صلاة الجمعة بليلة، فإذا أتيت في الليل مررت المقابر، فسلمت عليهم ودعوت لهم كثيراً, إلا ليلة من الليالي مررت وكان المطر نازلاً وكان الليل بارداً فذهبت إلى بيتي وما وقفت على المقبرة ولا دعوت ولا سلمت, قال: فنمت تلك الليلة، فرأيت رجلاً من أهل المقابر يكلمني، ويقول لي: يا مطرف! أحرمتنا هذه الليلة من الدعاء والله الذي لا إله إلا هو، إن الله ينور علينا مقابرنا أسبوعاً كاملاً بدعائك]] فهم من أحوج الناس, فقد انقطعوا عن الأعمال وعن الصلة، وانقطعوا عن الأصحاب والأخلة والأحباب، وبقي لهم الدعاء منا, ومن دعى لقريبه أو حبيبه أو لأي مسلم وقد مات وصله ذلك ونفعه, وهم في أحوج الحاجة مرتهنون بأعمالهم. خرس إذا نودو كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق فالموت آت والنفوس نفيسة والمستعز بما لديه الأحمق فهم مرتهنون لا يكشف ضرهم ولا بلواهم إلا الحي القيوم, لا أنيس لهم إلا ما قدموا, ولذلك يقول محمد بن واسع: مررت بمقبرة، وقلت: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسمعت هاتفاً من المقابر يقول: يا محمد بن واسع! تزود منها فوالله لو تعلمها لأخرجتها مع أنفاسك, لقد حيل بيننا وبين لا إله إلا الله فما نستطيع أن نقولها. من يصلي عنك إذا لم تصلِ في الحياة؟ ومن يصوم عنك بعد أن تموت؟ ومن يتصدق عنك؟ ومن يحسن خلقه عنك؟ ومن يبذل الخير عنك؟ لقد انقطع العمل وبقي الدعاء.

تذكر الموت دائما وأبدا

تذكر الموت دائماً وأبداً كلما أصبح العبد أو أمسى, وكلما آوى إلى فراشه عليه أن يتذكر الموت دائماً، تقول فاطمة بنت عبد الملك زوجة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه: كان عمر إذا أوى فراشه تقلب كالطائر الخائف من البرد, فقالت: يا أمير المؤمنين! لم لا تنام؟ قال: كيف أنام، وقد ذكّرني هذا الفراش القبر؟ تذكر القبر فما استطاع أن ينام, وقال الذهبي عن سفيان الثوري رحمه الله: ثبت عنه أنه قرأ: {أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1 - 2] من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر, فإذا أتى لينام يقول: [[كيف أنام والقبر أمامي؟]]. فيا عباد الله! تذكروا الموت دائماًَ وأبداً, وذلك بقراءة سير الصالحين وأخبارهم, وأعلامهم في الكتب, وسماع المحاضرات التي تدعو إلى ذلك, وقراءة كتب الرقائق, والجلوس مع الصالحين الذين يذكرونك بموعود الله سبحانه وبلقائه.

تذكر أن الله شديد العقاب

تذكر أن الله شديد العقاب ومما يدعو إلى مخافته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: تذكر أنه شديد العقاب, وأنه إذا أخذ لم يفلت, وأنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا انتقم انتقم انتقاماً قوياً, ولذلك يقول عمر وقد كتب لبعض عماله: اعلم أن الله شديد العقاب فهل نسيت ذلك؟ ويقول عمر بن عبد العزيز لـ عدي بن أرطأه: [[يا سبحان الله! ما الذي أذهلك حتى ظلمت واعتديت، أما مررت على المقابر؟ أما علمت أن الله شديد العقاب؟]]. يقول ابن تيمية: القلب بيت الرب, ولا يمكن أن يصح هذا البيت ولا أن ينقى ولا أن يصدق سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلا كلما لاحظت أن الله ينظر إليك. كان الإمام أحمد إذا دخل بيته تربع وهو وحده وجلس خائفاً متخشعاً, فقالوا: ما لك تجلس مع الناس ولا تخشع، وإذا جلست وحدك خشعت؟ قال: يقول الله: {أنا جليس من ذكرني} كيف لا أتأدب معه تبارك وتعالى؟ هذا من أعظم ما يلاحظ مخافته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, أن يلاحظ المؤمن عين الله عز وجل ومراقبته, وإن لم تكن تراه فإنه يراك. إذا علم هذا، فاعلموا -بارك الله فيكم- أنه قد صح في أحاديث أن الله عز وجل إذا حاسب العبد يوم القيامة يدني سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كنفه من كنفه, أي: كنفه من كنف عبده, فيحاسبه ويقرره بذنوبه، فإذا رأى العبد أنه هلك أو أنه على شفير هلاك, قال الله عز وجل: {يا عبدي! أما خفتني في يوم من الأيام في الحياة الدنيا؟ فإن كان خافه العبد نجى وسلم بإذن الله وإن لم يكن هلك}.

أسباب عدم مخافة الله

أسباب عدم مخافة الله وذكر بعض أهل العلم من أهل السير والسلوك والآداب, أن أسباب عدم مخافته سُبحَانَهُ وَتَعَالى تكمن في أربعة أسباب, فإذا توفرت هذه فقد نسي العبد ربّه ومولاه تبارك وتعالى, وأصابته الغفلة وارتكب الشبهة والشهوة, وضل قلبه في أودية الدنيا, هذه الأربعة هي سبب عدم مخافته تبارك وتعالى, وينظر بعض الناس إلى بعض, فيجدهم يفجرون ويرتكبون الأخطاء مثل الجبال ثم لا يحسون بمخافة, ولا بقلق, ولا بندامة, ولا بتوبة, فيتفكر ويتأمل، فإذا هم مصابون بأربعة أو بواحد من هذه الأربعة:

الغفلة

الغفلة فإن الغفلة إذا رانت على القلب، طبعته فلا يمكن أن يكون مستقيماً ولا يعي الذكر ولا يفهم أبداً, وقد ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن لبعض الناس قلوباً لكن لا يفقهون بقلوبهم, ولهم أسماع لكن لا يسمعون بها, ولهم أعين ولكن لا يبصرون بها, يعيشون بها في الحياة الدنيا ولكن عليها الران, فهي لا تعرف ولا تفهم ولا تتلقن, ولذلك ذكر الله في القرآن الكريم قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق:37]. والناس كلهم لهم قلوب, لكن بعضهم له قلب حي وبعضهم له قلب ميت, فالذي له قلب حي فهو صاحب القلب, أما الآخر فلا. قال تعالى: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]. قال أهل العلم: أقفالها منها, فالغفلة إذا رانت على القلب أنسته موعود الله وذكر الله, تحدثه بالمواعد فلا يفهم ولا يعي ولا يعقل أبداً، طمس على قلبه وطبع عليه, وهذا لا يستفيق إلا -كما يقول ابن القيم - بسوطين، سوط الخوف من الله عز وجل, وسوط الرجاء, أن تخوفه وعود الله، وأن ترجيه فيما عند الله وأنه أحسن مما عنده هنا في الدنيا.

المعاصي

المعاصي فإنها أعظم ما يحجب العبد عن مولاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وهي الحجب {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] وكلما كثرت المعاصي رانت على القلب, أول ما تحدث الغين، ثم تحدث الران، ثم تحدث الطبع, فالطبع آخرها وهو الذي يصيب الكافر, والران يصيب الفاسق, والغين يصيب المؤمن, ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام -وهذا في صحيح مسلم -: {يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إلى الله في اليوم أكثر من مائة مرة} وفي رواية: {في سبعين مرة} , ويقول في حديث الأغر المزني: {يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإنه يغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم مائة مرة}. أما الران فيقول سبحانه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] أي: تراكم عليها وحدث لها، وهذا يشمل الفاسق والكافر, وأما الكافر فإنه يتحد وينفرد بالطبع, وإذا طبع الله على القلب فلو تناطحت جبال الدنيا بين عينيه ما اتعظ أبداً, ولو وعظته بعلوم الأولين والآخرين ما سمع أبداً, فنعوذ بالله من الطبع.

كثرة المباحات

كثرة المباحات وهذه التي وقعنا فيها جميعاً, التفاخر في الدنيا والتكاثر منها, والتوسع فيها وتقديمها على أغراض الآخرة وعلى مطالب الآخرة, ومطالب ما عند الله عز وجل, هذه من الأمور المضنية: كثرة المباحات من أكل وشراب وخلطة بالناس وملبوس ومركوب ومسكون كلها من الأمور التي تصد عن مخافة الله.

ضياع الوقت

ضياع الوقت وأعظم ما يمكن أن يحاسب عنه العبد يوم القيامة ضياع وقته عند الله عز وجل, وكثير من المسلمين لا يحسبون للوقت حساباً, يحسبون الدرهم والدينار, لكن تذهب الأيام والليالي فلا يتفكرون فيها أبداً, ولذلك يقول جل ذكره: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون:115 - 117]. فعلم أن المحاسبة تكون على الوقت يوم القيامة, ولذلك يقولون: أتعس من يقف يوم العرض الأكبر على الله رجلان: رجل منحه الله عز وجل وقتاً وأصح جسمه فلم يستخدمه في طاعة الله, ورجل طوله الله عز وجل وخوّله في الدنيا فأخذ فسعى في الأرض ليهلك الحرث والنسل, وفي صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسئل عن أربع وذكر منها: الوقت -العمر فيما أبلاه وفيما صرفه-} الحديث. ولذلك يقول ابن عباس كما في الصحيح: يقول عليه الصلاة والسلام: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} وأعظم ما يستغل الوقت فيه بعد أداء الفرائض ليس أداء الفرائض كما نؤديها ونشكو حالنا إلى الله ونستغفر الله من ذلك, لكن أداء الفرائض بمعنى أداء الفرائض, يقول ابن تيمية وقد سئل: ما هو الحل لمرض الشبهات والشهوات؟ قال: أعظم ما يمكن أن يداوى به هذا المرض: أن تصلح الفرائض ظاهراً وباطنا, فأما إصلاحها في الباطن فأن تخلص قصدك وعملك لوجه الله عز وجل, وإذا نصبت قدميك في الصلاة أن تتذكر وقوفك أمام الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, فهذا إخلاصها في الباطن, وأما إخلاصها في الظاهر فأن تكون على سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام, وأن تكون مؤداة كما صح بها الحديث, فهذا إصلاحها باطناً وظاهراً. وبعد الفرائض التزود من النوافل, وما سجد عبد لله سجدة إلا رفعه بها درجة, يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: يا عجباً لمن عرف أنه سوف يموت كيف لا يجعل كل نفس من أنفاسه طاعة لله! ويقول: لقد صح في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم يقول: {من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة} وهذا في سنن الترمذي، فيقول: يا سبحان الله! كم يفوتنا من النخل لا نسبح الله, إذا علمت أن من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة, فأي وقت يذهب وأي ساعات تسير؟! ولذلك استحضر كثير من أهل العلم منهم ابن رجب في جامع العلوم والحكم أهل الطاعة, وقال: إنما حملهم على الطاعة المخافة من الله, حتى ذكروا أن خالد بن معدان كان يسبح في اليوم مائة ألف تسبيحة, ذكره في قوله عليه الصلاة والسلام: {لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} قال: فلما أتوا به في المقبرة حملته الملائكة من أيدي الرجال, ذكره ابن رجب بسنده, وقال: ورؤي في المنام، فقالوا: ما فعل الله بك؟ قال: رفعني في عليين, قالوا: بماذا؟ قال: بكثرة ذكري له في الحياة الدنيا! فقل لي بالله: أي تعب يحدث على المسلم إذا حفظ وقته بالذكر؟ سئل ابن تيمية -في المجلد العاشرمن الفتاوى - سأله أبو القاسم المغربي: ما هو أعظم عمل تدلوني عليه بعد الفرائض؟ قال رحمه الله: لا أعلم بعد الفرائض أعظم ولا أحسن ولا أفيد ولا أنفع من ذكر الله عز وجل، وهو أسهل العبادات وهو شبه إجماع بين أهل العلم, ولذلك يقول جل ذكره: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. ويقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152]. فإني أوصيكم ونفسي بحفظ الوقت بذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, فهذه عوامل المخافة إن كنا صادقين أن نخاف من الله عز وجل.

علامات الصدق في الخوف

علامات الصدق في الخوف وعلامات الصدق في المخافة أربع علامات:

أن يستوي ظاهر العبد وباطنه

أن يستوي ظاهر العبد وباطنه يستوي الظاهر والباطن فيكونا سيان, لا يكون ظاهره خير من باطنه, خاشع أمام الناس، لكنه متهتك في حدود الله في الخفاء, فنعوذ بالله من ذلك, وفي الترمذي أن الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: {يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ليكونن أقوام يظهرون للناس التخشع يلبسون للناس جلود الضأن من اللين, ألسنتهم أحلى من العسل, وقلوبهم أمر من الصِّبر, فبي حلفت لأنزلن فتنة تدع الحليم حيران، أبي يغترون أم عليّ يجترءون؟} فنعوذ بالله أن تكون ظواهرنا جميلة ولكن بواطننا خبيثة, فإن هذا هو المصيبة وهذا عدم المخافة منه تبارك وتعالى.

أن يكون العبد صادقا مع الله عز وجل في جميع أحواله

أن يكون العبد صادقاً مع الله عز وجل في جميع أحواله والصدق ليس في القول فحسب, قال أهل العلم: الصدق على ثلاثة مراتب: صدق في الحال, وصدق في الفعال, وصدق في المقال. فصدقك في المقال: ألا تتكلم إلا بصدق؛ لأن من تذكر لقاء الله لا يكذب أبداً. وصدقك في الحال: أن تكون حالك كحال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, على الكتاب والسنة. وصدقك في الفعال: أن تكون فعالك تطلب بها مرضاة الله عز وجل, فالذي يطلب بفعله الرياء والسمعة يذهب الله بها في الدنيا والآخرة. وصح في صحيح مسلم عن شفي الأصبحي قال: دخلت على أبي هريرة وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فقلت: أسألك بالله -يا أبا هريرة - أن تحدثني حديثاً سمعته أنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: والله لأحدثنك حديثاً سمعته من رسول الله عليه الصلاة والسلام, ثم بكى حتى نشق -أي: غشي عليه- ثم استفاق، فقال: سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: {أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة, عالم علمه العلم -قارئ قرأه الله كتابه- فيقول الله: ألم أعلمك العلم؟ قال: بلى يا رب, قال: ماذا فعلت؟ قال: تعلمت فيك وعلمت, قال: كذبت! ولكن تعلمت ليقال: عالم، وقد قيل, خذوه إلى النار, فيجرونه على وجهه حتى يلقى في النار} ثم ذكر الجواد والشجاع الحديث, قال شفي الأصبحي: فدخلت على معاوية فعلمته بهذا الحديث وكان على كرسي له وهو خليفة, فوقع على وجهه على الأرض يبكي وقال: صدق الله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16].

الندم على السيئة والفرح بالحسنة

الندم على السيئة والفرح بالحسنة خطب عمر الجيش رضي الله عنه وأرضاه فقال: [[أيها الناس! من سرته حسنته وساءته سيئته فهو المؤمن]] فإن سرتك الحسنة؛ تصدقت بصدقة, صليت ركعتين, ذكرت الله كثيراً, فانشرح بالك، وارتاحت نفسك، فاعلم أنك مؤمن, أسأت أخطأت اغتبت نظرت منظراً لا يجوز, ثم ندمت وحاسبت نفسك، فاعلم أنك مؤمن إن شاء الله, قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136].

أن يكون يومك خير من أمسك وغدك خير من يومك

أن يكون يومك خير من أمسك وغدك خير من يومك فمن ترقى في العبادة والصدق فهذا علامة الصدق والمخافة, ومن كان أمسه خير من يومه، ويومه خير من غده، فإنما هو يمشي القهقرى وقد دخله كذب في العبادة. فعلينا أن نصدق مع الله عز وجل في المخافة, والذي أدل نفسي وإياكم عليه كما أسلفت آنفاً: قراءة السير، وسماع أخبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإنهم خير جيل أخرج للناس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, ربَّاهم صلى الله عليه وسلم على سمع وبصر, وعلمهم وقادهم وفقههم فكانوا أخوف, وأعلم الناس بربهم تبارك وتعالى. والخوف -بارك الله فيكم- كما سلف يستفاد في أمور, يقول ابن تيمية: حد الخوف -أي: تعريف الخوف أو المطلوب في الإسلام من الخوف- ما حجزك عن المعاصي فما زاد فلا يحتاج إليه. وقال أهل العلم غير ابن تيمية: الخوف من الله عز وجل: أن إذا جلست وحدك تصورت كأن الله بارز للناس على عرشه. وقال أحد الصالحين: الخوف كأنك تتلظى في نار جهنم، وكأنك أفلست حتى من لا إله إلا الله. وقال غيره: الخوف أن تأتي بأعمالك وأنت قد خجلت من الله عز وجل كأنها ردت عليك جميعاً, لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]. قال ابن عمر: [[وددت -والله- أن الله تقبل مني مثقال ذرة, قالوا: لماذا؟ قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] , قالوا: أتخشى وأنت تعمل الصالحات؟ قال: والله ما أخاف من الصالحات ولكن أخاف أن أعمل صالحاً، فيقول الله: وعزتي وجلالي لا أقبلها منك]]. ولذلك يقول الله عز من قائل في سورة الزمر: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]. كانوا يحتسبون أعمالاً صالحة لكن داخلها الرياء والنفاق والسمعة, فعادت إلى وجوههم وضرب بها وجه صاحبها؛ لأن الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه وما كان صواباً على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولذلك سجد عمر فسمع وهو يبكي في سجوده، ويقول: [[اللهم اجعلني عبداً لك وحدك]] وهذا من أحسن الكلام! اللهم اجعلني عبداً لك وحدك, فإن بعض الناس يعبد مع الله نفسه, ولذلك يقول أحد أهل العلم وأظنه ابن تيمية: الصوفي يعبد نفسه والمسلم يعبد ربه, بعض الناس ولو بلغ في التصوف والتقشف والزهد مبلغاً لكنه عبد نفسه، كأنه يقول: انظروا إليّ. ! أنا زاهد أنا عابد فعبد نفسه مع الله. وبعض الناس يعبد الدرهم والدينار والريال فيجعله معبوداً من دون الله تبارك وتعالى فيكون عبداً له. وبعضهم يعبد الزوجة, أو الوظيفة, أو الشهرة, فنسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن نكون عباداً له وحده, ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في كتاب الجهاد من صحيح البخاري: {تعس عبد الدرهم والدينار، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش} فالعبد كل العبد الذي يكون عبداً لله وحده, في مقاله وحاله وفعاله. فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن نكون عباداً له مخلصين صادقين، وأن يرزقنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مخافته وخشيته, وأن يجعلنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في السراً خير من العلن, وفي الباطن خيراً من الظاهر, وفي الخلاء خيراً من الجلاء, فإنه القدير على ذلك. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا, وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا, اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة, ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

شباب الأمس واليوم

شباب الأمس واليوم إن واقع شباب الأمة الإسلامية اليوم واقع مؤلم، وإذا نظرنا إلى واقع شباب سلف الأمة وما كانوا عليه من عزة ومجدٍ وهمة عالية؛ نجد شباب هذا الزمان في الحضيض، حياتهم حياة اللهو والطرب والأكل والشرب والمعصية، نجده يعاني من كثير من المشكلات مثل: التفريط في صلاة الجماعة أو ترك الصلاة، ويعاني من رفقاء السوء، وضياع الوقت، وعدم الاهتمام بالعلم الشرعي.

أقسام الناس في العطلة

أقسام الناس في العطلة الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، ونصر دين الله، وبذل نفسه في سبيل الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً: زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير خسران وكل وجدان قوم لا ثبات له فإنما هو في التحقيق خسران يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران اللهم رب جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. هذا دعاء رسولنا عليه الصلاة والسلام في كل ليلة، والمسلم يحتاج في كل دقيقة، بل في كل لحظة إلى هداية من الله الواحد الأحد، ونحن في حياتنا، وفي دراستنا، ووظائفنا، وتجارتنا، وأعمالنا نحتاج إلى هداية من الله تبارك وتعالى. وقد اقتربت العطلة الصيفية أو العطلة الربيعية أو الإجازة الفصلية، اقتربت من شبابنا وكل شاب في ذهنه تصور كيف يقضي هذه العطلة. وهم على قسمين اثنين: القسم الأول: على ما اعتاد من الضياع، واللهو، والغواية، واللعب، صمم تصميماً جازماً وأكد تأكيداً بالغاً أن يقضيها في النزهات واللغو، والمرح، واللهو، واللعب، وهذه عادته في عمره ينهيه في كل معصية، وفي كل مباح مترف، وفي كل لغو ولهو. القسم الثاني: نظر الله إلى قلوبهم فرأى ما فيها من الصلاح والصدق والاستقامة، وقد صمموا أن يصرفوها في مرضات الله الواحد الأحد، وهؤلاء شباب عرفوا أن الإجازة من أعمارهم وأنها من أوقاتهم: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. ولهؤلاء شكر وثناء، ولأولئك دعاء مع هؤلاء، نسأل الله أن يثبت هؤلاء وأن يصلح أولئك.

قضايا الشباب ومشكلاتهم

قضايا الشباب ومشكلاتهم شبابنا يعانون من مسائل، ومشكلات الشباب ومعاصيهم وحوادثهم تتلخص في أربع قضايا:

التفريط في صلاة الجماعة

التفريط في صلاة الجماعة القضية الأولى: التفريط في صلاة الجماعة -إلا من رحم ربك- التي ما تركها صلى الله عليه وسلم وهو في مرض الموت، صلاة الجماعة التي طعن عمر بن الخطاب وهو يتلهف عليها، صلاة الجماعة التي يقول أحد السلف فيها وهو في مرض الموت وقد سمع المؤذن يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح، احملوني إلى المسجد، قالوا: أنت مريض، قال: لا إله إلا الله! أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لا أجيب المؤذن؟! لا والله. فحملوه فقبض الله روحه في السجدة الأخيرة. صلاة الجماعة التي يقول عنها سعيد بن المسيب: [[والله ليس لي من عمل بعد لا إله إلا الله إلا أني لم تفتني تكبيرة الإحرام في الجماعة أربعين سنة]] وقال الأعمش: ستين سنة. صلاة الجماعة التي من فقدها بلا عذر فقد فقد الإيمان والنور والاستقامة والهداية والسداد، صلاة الجماعة التي قصرنا فيها جميعاً -هذا المصلي فما أمر التارك- الأب يخرج من بيته ووراءه الستة والسبعة من أهله ولا يأمرهم بالصلاة، أنا أسكن في حي مكتظ بالسكان لا يصلي معنا الفجر إلا صف أو صف ونصف أو صفان، والحارة ممتلئة ومكتظة بالمسلمين وبالموحدين، فماذا نقول لربنا غداً إذا تركنا أطفالنا وأبناءنا وشبابنا وراءنا؟ كيف يصلح الحال وصلاة الجماعة معطلة؟ كيف ينتهي الشاب عن الفواحش وما ذاق صلاة الجماعة؟ كيف يهتدي الشاب؟ كيف يسلم من المخدرات وهو لم يعرف المسجد؟ كيف ينجو من الجرائم وما دله أبوه ولا أمه على المسجد؟ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] صلاة الجماعة حياة. وقد شيدنا المساجد ووسعناها لكن لا يعمرها إلا القليل من الناس. وجلجلة الأذان بكل حيٍ ولكن أين صوت من بلال منائركم علت في كل ساحٍ ومسجدكم من العباد خالِ

قرناء السوء

قرناء السوء القضية الثانية: وهذا المشكلة تأتي من قرناء السوء، وهم قومٌ علم الله من قلوبهم الخبث فأخرهم، قوم لا أفلحوا في الدين ولا في الدنيا، قوم رسبوا في الدراسة، وفشلوا في الوظيفة، وتقهقروا في العمل، فجلسوا على الأرصفة يصدون عن سبيل الله. تجارتهم ورقة البلوت، وأغنية، وموسيقى، ومسرحية، وغيبة، ونظرة آثمة، يصدون عن منهج الله، يتلقفون شباب الإسلام، نراهم إذا ذهبنا إلى المسجد جلسوا على الأرصفة، أهذا جزاء الجميل من رب الجميل؟ أنعم علينا بنعم، أفيكون هذا الجزاء؟ أهذا جزاء الشكر والعرفان؟ شباب أمهلهم الله في أعمارهم، وأصحهم في أجسادهم، وجدوا المال رخيصاً، أب يدفع لابنه، وهذا الابن في كل مكان ليس وراءه عمل ولا دراسة، بل معه شيطان يؤزه إلى كل معصية، فوجد سيارة فاخرة، وفلة واسعة، ولباساً ومأدبة، ودراهم متوفرة؛ فهتك الأعراض، وصد عن سبيل الله، وتعرض لشباب الإسلام يحملهم في سيارته إلى المنتزهات اللاغية، والأماكن اللاهية، إلى كل معصية، فأين الأب الحصيف؟ وأين الآمرون بالمعروف؟ وأين الناهون عن المنكر؟

ضياع الوقت

ضياع الوقت القضية الثالثة: ضياع الوقت: والوقت غالٍ لكن عند غير المسلمين، والوقت رخيص عند المسلمين، الساعات الطويلة والسنوات المديدة يضيعها كثير من الشباب في اللهو واللعب، برنامجه اليومي من صلاة العصر في الغالب إلى العشاء لهو ولعب وخروج عن البيت، دوران في المدينة لا عمل ولا تجارة ولا وظيفة ولا كسب ولا تحصيل ولا طاعة، ثم يعود كالجثة الهامدة فيسهر مع زملائه إلى منتصف الليل، ثم يرمي بجسمه على الفراش بلا ذكر وتسبيح؛ وبلا تحميد وتهليل وبلا وضوء، ثم يلغي صلاة الفجر من برنامجه، فكيف يعيش هذا؟! أيها اللاهي بلا أدنى وجلْ اتق الله الذي عز وجل واستمع قولاً به ضرب المثل اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل كم أطعت النفس إذ أغويتها وعلى فعل الخنا ربيتها كم ليال لاهياً أنهيتها إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] وقال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94].

عدم الاهتمام بالعلم الشرعي

عدم الاهتمام بالعلم الشرعي القضية الرابعة: عدم الاهتمام بالعلم الشرعي والتحصيل، أصبحت الأمة -إلا من رحم ربك- أمة ثقافة سطحية، فتحولت من أمة الأصالة والعمق، من أمة قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام إلى أمة تعرف المعلومات العامة، والثقافة السطحية، علم يشترك فيه الكافر والمؤمن، الوثني والأحمر الروسي، والخواجة الأوروبي، يشتركون في الثقافة العامة، لكن أين التحصيل؟ أين الدروس؟ أين الحرص على الدراسة؟ أين حفظ المتون؟ أين تدبر القرآن؟ يا شبابنا! يا حفظة العقيدة: اسمعوا لمقارنة بين شباب السلف وشباب هذا العصر، إلا من رحم ربك.

مقارنة بين شباب السلف وشباب الحاضر

مقارنة بين شباب السلف وشباب الحاضر شباب السلف نجومه: حمزة وأنس بن النضر وجعفر الطيار وابن رواحة وأسامة بن زيد وابن عباس وابن عمر. عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غابٍ إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياه يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه الشاب عقبة بن نافع وعمره خمس وعشرون سنة يقف على المحيط الأطلنطي الذي ينفذ من أفريقيا إلى أوروبا، يقف موحداً مصلياً بسيفه يرفعه هكذا مع ظلال الشمس، ويقول: [[والله لو أعلم أن وراء هذا الماء أرضاً لخضت بفرسي هذا الماء لأرفع لا إله إلا الله محمد رسول الله]] فتح أفريقيا، شكر الله سعيه، ورفع منزلته، ليتك تدري من شبابنا منهم من بلغ الثلاثين والأربعين وهو لا يعرف لماذا أتى ولماذا يعيش، وإلى أين يسير؟ لاهٍ لاهي لم يعرف رسالته في الحياة. جعفر الطيار حمل سيفه، وهو شاب في الثلاثين، وذهب إلى مؤتة في أرض الأردن، فترجل للمعركة ولبس أكفانه ورفع سيفه ثم قاتل قتال الأبطال، فقتل في سبيل الله. جعفر الطيار ليله سجود وتسبيح، ونهاره جهاد ودعوة، أتى إلى مؤتة فقطعت يمناه، فأخذ الراية باليسرى، فقطعت، فضم الراية فكسروا الرماح في صدره وأخذ يتبسم وهو يقدم إلى جنة عرضها السماوات والأرض ويقول: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها أنس بن النضر يقول: [[إليك عني! والله! إني أجد ريح الجنة من دون أحد]] فيضرب ثمانين ضربة فيموت في سبيل الله: أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59] فخلف من بعدهم خلف جعلوا بدل التلاوة الغناء، وبدل مجلس الحديث المسرحية، ومكان المصحف المجلة الخليعة، ومكان التسبيح التجارة، ومكان التهجد البلوت، ومكان التقوى الفجور، ومكان حفظ الوقت ضياع الوقت. فيا رب! أعد هذه الأمة إليك، من ينصر لا إله إلا الله إذا تولى شبابنا؟ من يرفع لا إله إلا الله في الدنيا؟ يا مسلمون: عطلة الصيف تستغل إما في جماعات تحفيظ القرآن، أن تخطط لنفسك في عطلة الربيع، أن تحفظ ثلاثة أجزاء أو أربعة أو ما يشابهها مع الجماعة الخيرية. فالمساجد ترحب، والأساتذة موجودون، أو مع المخيمات الإسلامية وأنا أقول لأصحاب المخيمات -وفقهم الله-. اعتنوا بتربية الشباب على العلم الشرعي، وعلى كتب السلف، وعلى سيرة السلف، وأخلاقهم ومنهجهم؛ عل الله أن ينفع بكم وبمخيماتكم، وهناك شباب رأوا أن يحصلوا بأنفسهم العلم مطالعة ودراسة وحفظاً، نسأل الله لنا ولهم التوفيق والهداية. أقول ما سمعتم وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

دعوى إسلام مايكل جاكسون

دعوى إسلام مايكل جاكسون الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. قالوا: أسلم مايكل جاكسون، قلنا: الحمد لله، قالوا: اهتدى، قلنا: ليس بعجيب. قالوا: عرف النور، قلنا: كان في الظلام. قالوا: أتى إلى الإسلام، قلنا: كان في الكفر. قالوا: شهد أن لا إله إلا الله، قلنا: لو أنه لم يفعلها كان من أهل النار. مايكل جاكسون يعرفه قطاع هائل من شباب العالم، القارات الخمس يعرفون هذا الرجل، فنان وما أدراك ما الفنان! مغنٍ وما أدراك ما المغني! أعطاه الله موهبة فصرفها إلى اللهو واللغو والإعراض، ثم منَّ الله عليه كما قالت بعض وكالات الأنباء والصحف، وأوردتها عكاظ في رواية صحيحة، أنه قد أعلن إسلامه، وأنه قد شهد أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، رجل يأتيه آلاف مؤلفة من الناس ليحضروا حفل الغناء أو الأمسية التي يحييها، رجل تتبارى الشركات والمؤسسات بالملايين على أخذ صورته للدعاية على السيارات والعلب والمخترعات، ولكن فجأة ينفجر داخله على الفطرة فينطق لسانه: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. فـ جاكسون كان غربياً كافراً، ثم أسلم.

دروس من إسلام الفنانين

دروس من إسلام الفنانين وهنا ثلاث مسائل: الدرس الأول: ليس عجيباً أن يسلم، وليس عجيباً أن يؤمن، فقد قال الله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] وقال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} [القمر:4] فمالهم لا يؤمنون؟! ويقول تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:35 - 36] فماله لا يسلم؟! السماء تشهد أن لا إله إلا الله، والأرض تشهد أن لا إله إلا الله، والماء والضياء والمدر والحجر والشجر. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحدُ فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحدُ لماذا لا يؤمن؟ العجيب ألا يؤمن هذا الرجل، أساطين الدنيا، وعلماء الذرة الذين بلغوا سطح القمر، كثير منهم يتوجه اليوم إلى الإسلام والمسجد والمصحف؛ ليقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. الدرس الثاني: من هو جاكسون قبل الإسلام؟ ومن هو جاكسون بعد الإسلام؟ أما قبل الإسلام فكان دابة، وقال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] يبلغ الإنسان منهم إلى علم الذرة، وتسليط الضوء، وتسيير ذبذبات الأثير، ولكنه يبقى في مسلاخ حمار، قال الله: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. كان قبل الإسلام دابة يأكل ويشرب، ويرقد ويغني، ويلهو ويلعب، ويعزف وينام، ويستيقظ ويسعى ولكنه دابة، قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. وبعد الإسلام أحياه الله، قال الله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] بعد الإسلام أصبح عبداً وولياً لله، أصبح مسلماً يعرف الدنيا والآخرة، والغيب والشهادة، والحاضر والمستقبل، يعرف من هو الله، ومن هو محمد عليه الصلاة والسلام، وما هو القرآن، وما هي القبلة، ويعرف الهداية قال الله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125] أصبح عبداً وأصبح إنساناً، أسلم واعتزل الفن، وترك المسرح وقال للجماهير: معذرة أنا أسلمت ووقف يقول على الشاشات في العالم: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله). الدرس الثالث: ماذا يقول الفنانون في بلادنا تعليقاً على إسلام جاكسون وما هي ردود الفعل عندهم؟ وما هو تعليقهم على هذا الحدث؟ هل يستمرون في مسيرة الفن والغناء والمجون والعشق والوله، أم سوف يراجعون حسابهم مع الله؟ ماذا يقول الفنانون في بلاد المقدسات ومهبط الوحي وبلاد محمد عليه الصلاة والسلام وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، أو في العالم الإسلامي عموماً، ماذا يقولون عن إسلام هذا الرجل؟ أيقولون: إنه اهتدى، فيوم اهتدى ترك الفن، فلماذا لا تتركون الفن؟ أنتم لا زلتم في الظاهر مسلمين ولا نكفر أحداً بذنب مالم يستحله. لكن أإسلام ترك الصلاة أو تأخيرها أو الأعراض عن القرآن والذكر وطلب العلم والدعوة والمراقبة والخشية؟ أإسلام العود والكمنجة والخوذة؟ أإسلام تدريب الناس على العشق والتزلف للزنا، وإيجاد الفراغ الذهني في العقول، وغرس الإبر من العشق في قلوب ناشئتنا؟ أإسلام تغزل الفنان بامرأة لا تحل له؟ أإسلام يُوجد في الأمة فراغاً هائلاً يسد بالغناء وبالتراهات وبإحداث العشق؟ يا أيها الفنانون: راجعوا حسابكم مع الله، وتوبوا إلى الله من الفن المغرض المقيت.

توبة بعض الفنانين

توبة بعض الفنانين وقبل أيام أربعة فنانين من بلادنا أعلنوا: أن المسجد خير من المسرحية، وأن القرآن خير من العود، وأن ذكر الله خير من الغناء، وأن محمداً عليه الصلاة والسلام أفضل قدوة، وأن النور في طريقه، وأن من لم يركب في سفينته غرق ولعن وطرد من رحمة الله، فأتوا وتابوا وأحدهم تبرأ من كل شريط له في الساحة، وأنتم تسمعون به اسمه عودة العودة هذا تبرأ من كل أغنية له، وأخذ المصحف يرفعه ويقول: بقية عُمُري مع هذا الكتاب. نقول: أحسنت كل الإحسان، وأصبت كل الإصابة، وسلك الله بك طريق الخير، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم؛ لأنك مسلم في بلد مسلم في أرض مسلمة، يريدك الله لمهمة عظيمة؛ وهي العبادة، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58]. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، وفلسطين، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اجمع كلمتهم، اللهم أنزل السكينة في قلوبهم. اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان واجعلهم من الراشدين، اللهم حبب إليهم الشريعة والسنة، وحبب إليهم محمداً عليه الصلاة والسلام. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

قصة الإنسان الأول

قصة الإنسان الأول آدم عليه السلام هو أبو البشر, ومنه خلقت حواء ليسكن إليها ولكن أين خلقا؟ وما هي قصتهما؟ ولماذا أخرجهما الله من الجنة؟ وما هو دور إبليس في هذه القصة؟ كل هذا وغيره ما ستعفرونه في هذه المادة.

تفسير قوله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وحجة الله على الناس أجمعين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: ما زلنا نواصل المسيرة في تفسير كتاب الله عز وجل، ومعنا الليلة قصة أبينا آدم، قصة الخلق الأول، وسجود الملائكة له، وقصة الخطيئة. يقول تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34] فهنا قضايا هائلة، وأحداث عالمية عاشها آدم عليه السلام وسمعها الأنبياء والرسل والملأ الأعلى. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ} [البقرة:34] أي: كلفنا وأمرنا وتعبدنا الملائكة أن يسجدوا لآدم، وفي هذه الكلمة قضايا:

حكم السجود لغير الله

حكم السجود لغير الله ما هو هذا السجود الذي يريده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من الملائكة؟ وهل يجوز صرف السجود لغير الله؟ وفي الحديث الصحيح: {أن معاذاً أتى من الشام، فقال: يا رسول الله! رأيت العجم يسجدون لملوكهم، وأنت أولى أن نسجد لك، فقال عليه الصلاة والسلام: لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها, لعظم حقه عليها، ولكن لا يكون إلا لله} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وهي سجدة التشريف، فيوم تضع جبينك في الأرض على التراب يرفعك الله درجات. ففي صحيح مسلم عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة}. وفي صحيح مسلم أيضاً، عن ربيعة بن كعب وضبط ابن مالك الأسلمي قال: {قلت: يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود}. فكلما سجدت لله رفعك، وكلما سجدت تحررت من العبادة لغير الله، من عبادة الوظائف والطواغيت والمناصب والدراهم والدنانير. فهل هذا السجود الذي أمر الله به الملائكة هو السجود على الأرض مثلما نسجد في الصلاة؟ لأهل العلم قولان: القول الأول: معناه الانحناء والخضوع, أي: يدهده رأسه ويخضع. والقول الثاني: أن يسجد في الأرض, ويكون السجود لله ولكن تكريماً لآدم وإجابة لأمر الله تبارك وتعالى. والرأي الثاني هو الصحيح. وكان في شرع من قبلنا السجود للإكرام، قال تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} [يوسف: 100] أما في شريعتنا فلا يسجد إلا لله ولا يسجد لعظيم مهما كان، ولا يُنحنى له فإن الانحناء محرم، وقد كان هذا موجوداً في الدولة العباسية، فإن من يقرأ تفسير ابن كثير وابن جرير والكامل لـ ابن الأثير، يجد قال: فدخل الوزير فقبل الأرض بين يدي الخليفة، ودخل الشاعر فقبل الأرض بين يدي الوزير. وهذا كله أمر محرم, ليس في شرعنا الانحناء ولا الخضوع إلا لله الواحد الأحد. وهنا قضايا أثارها ابن تيمية وابن القيم، وغيرهما:

هل الملائكة أفضل أم بنو آدم

هل الملائكة أفضل أم بنو آدم هل الملائكة أفضل أم بنو آدم أفضل؟ قال بعضهم: الملائكة أفضل لأنهم أقرب إلى الله، ولأن الله رفع أمكنتهم، ولم يجعل لهم شهوات، فإنهم عقول بلا شهوات، وابن آدم شهوة وعقل، والحيوان شهوة بلا عقل. ومنها: أنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وكل من في السماء من الملائكة سجود إلى قيام الساعة: ففي سماء راكعون، وسماء يسبحون، وسماء يحفون بالعرش، وهناك ملائكة لهم اختصاصات عجيبة مجالها في موضوع الحديث عن الملائكة. واستدلوا بأدلة منها: "أنهم يستغفرون لمن في الأرض" والفاضل يستغفر للمفضول، وليس العكس. وقال قوم: بل بنو آدم أفضل -يعني الصالحين- لأنهم ركبت فيهم الشهوة وصارعوها، يعني الصالحين، أما الكفرة فلا يوازون بالحمير، أو الخنازير، أو الكلاب، فإنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً. والصحيح كما يقول ابن تيمية: العبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات, أما في الدنيا فالملائكة أفضل لأنهم أقرب إلى الله، ولأنهم لا يذنبون أو يخطئون ولا يعصون الله، وأما في الآخرة، إذا قرّب الله بني آدم وأدخلهم الجنة - نسأل الله من فضله - أصبحوا أفضل من الملائكة. وهذا الكلام عجيب: بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا وهذه المضايق لا يستطيع لها إلا ابن تيمية.

كيفية خلق آدم

كيفية خلق آدم أولاً: خلق الله آدم من طين لازب، من حمأ مسنون، وقيل: من فخار، والطين اللازب هو الطين اللزج كالغراء، فلما خلقه الله تركه أربعين يوماً طيناً, تدخل الرياح من فمه وتخرج من دبره، وانظر إلى الخلق الضعيف، فهذه أصل النشأة، فالناس جميعاً من هذا الطين، ثم انظر إلى المتكبرين المتجبرين الذين لا ينظرون بعين البصيرة، وينظرون بعين البصر، يتيهون تيهاناً ويهيجون هيجاناً، وكأنهم ليسوا من ذاك الأصل. وقد مر أحد وزراء بني أمية, وهو وزير متكبر متجبر, عنده بغلات وخيول وسيوف، وعنده حشم, مر والحسن البصري جالس، فقام له الناس إلا الحسن البصري، فالتفت الوزير وقال: أما عرفتني؟! قال الحسن البصري: لما عرفتك لم أقم، قال: من أنا؟ قال: أنت الذي خرج من مخرج البول مرتين -هذا وزير متجبر وهذا عالم- وأنت تحمل العذرة، وأصلك تعاد إلى جيفة قذرة، وأتيت من نطفة مذرة، فسكت كأنما أغشي على وجهه النار. ودخل المهدي العباسي مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فقام الناس له جميعاً لأن حرسه يمتدون من آبار علي إلى الباب، وكان الخليفة هو أبو هارون الرشيد، فقام الناس في المسجد -طلبة العلم والعلماء والعامة- إلا ابن أبي ذئب المحدث الكبير لم يقم، بل ظل جالساً فسلم على الحضور ثم التفت إلى ابن أبي ذئب، وقال: مالك لا تقوم لنا وقد قام لنا الناس؟ قال: أردت أن أقوم لك، فتذكرت قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فادخرت هذا القيام لذاك اليوم, قال: كفى لقد قامت كل شعرة من رأسي. حكى ابن كثير: عن طاوس بن كيسان المحدث تلميذ ابن عباس , قال: دخلت الحرم، فطفت ثم صليت ركعتين عند المقام ثم جلست أنتظر وأنظر في الناس. فهو يتفكر في هذه الخليقة، وهي عبرة من العبر. وسيد قطب يقول في الظلال: انظر إلى المطارات إذا كنت في انتظار أو في مغادرة, وانظر إلى الصالات والمستشفيات, واختلاف الصور والأبدان، اللمحات والنظرات كل واحد عالم مستقل في نفسه، هموم وأحزان وأفكار, شقي وسعيد، فقير وغني, سالم من الهموم، ومتورط في المدلهمات, فسبحان الباري! ومع ذلك الله يراقب حركة كل واحد من الناس، كل يوم هو في شأن، لا تفعل من حركة ولا سكنة ولا خطوة إلا والله معك، كل العالم يموت هذا بعلم من الله، ويولد هذا بعلم من الله، ويمرض هذا بعلمه، ويشفى هذا بعلمه. قال: فجلس طاوس يتلفت في الكعبة وإذا به يرى جلبة السلاح والحراب والرماح، فالتفت فإذا هو الحجاج بن يوسف، وهذا الحجاج بن يوسف الموت الأحمر، سفاك قتل مائة ألف بسيفه, رأى في المنام: أن القيامة قامت وأن الرحمن على عرشه بارز، وقد حاسبه الله فقتله بكل مسلم مرة، إلا سعيد بن جبير فقتله به سبعين مرة. قال: فالتفت فإذا جلبة السلاح، قال: فسكنت مكاني، وإذا بأعرابي مسلم مؤمن بالله، يطوف بالكعبة فلما انتهى من الطواف أتى ليصلي ركعتين فنشبت حربة في ثيابه، فارتفعت ووقعت على الحجاج، فأمسكه الحجاج بيده، وقال له: من أين أنت؟ قال: من أهل اليمن، قال: كيف تركت أخي؟ قال: من أخوك؟ قال: محمد بن يوسف قال: تركته سميناً بطيناً، قال: ما سألتك عن صحته وسمنته وبطنته بل سألتك عن عدله؟ قال: تركته غشوماً ظلوماً، قال: أما تدري أنه أخي؟ قال: أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله؟! قال طاوس: والله ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت. وهكذا تكون أجوبة من عرف الله، وعرف أن الخلق ما هم إلا ذرة. وقال ابن عبد الهادي في الدرر البهية: دخل ابن تيمية الإسكندرية، وهم يريدون سجنه، فأخرجوه من سجنه يريدون نقله إلى سجن آخر، لماذا يسجن؟ لتثبت لا إله إلا الله في الأرض، فهو يرد على المبتدعة والملاحدة والزنادقة والمعتزلة والجهمية والأشاعرة، فقال له أحد المبتدعة: والله، إن كل هؤلاء يطالبون بدمك ويريدون قتلك الآن، قال ابن تيمية: أتخوفني بالناس؟ ثم نفخ في كفه وقال: والله كأنهم ذباب. فلما خلق الله آدم تركه أربعين يوماً، فكان يمر به الشيطان فينظر إليه وهو طين، فينفخ فيه فيجلجل نفخه فيه فعرف أنه ضعيف لا يتمالك، قال الله عز وجل: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:28] {وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولاً} [الإسراء:11] {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] فهذه طبيعة الإنسان إلا إذا رتبها ونقاها وسيرها بالكتاب والسنة، فإنها تصلح بإذن الله. فعرف أنه ضعيف ولذلك يستولي الشيطان عليه فيضعفه، فلما نفخ الله فيه الروح من روحه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا شرفٌ أحياه الله، فقال للملائكة: {اسْجُدُوا لِآدَمَ} [البقرة:34] لماذا؟ أولاً: ليمتحنهم للطاعة هل يطيعونه أم لا؟ ثانياً: ليرى من هم العصاة؟ ثالثاً: ليري الجميع فضل آدم عليه السلام. فقاموا فسجدوا جميعاً إلا إبليس لأنه متكبر، فلماذا تكبر؟ قال ابن عباس: [[كان إبليس أعلم الملائكة]] لكن لم ينفعه علمه، بل زها وتجبر وافتخر, وقال في بعض الروايات التي أوردها ابن كثير وغيره: [[كان إبليس ملك السماء الدنيا]] فقال الله: (اسْجُدُوا) فأتى يعترض، يقول -انظر إلى الخبيث اللعين، عليه لعنة الله -يقول لرب العزة الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] أأسجد وأنا أشرف؟! عنصري من نار وعنصره من طين، والنار أشرف من الطين، فكيف تجعل النار تسجد للطين؟! وهذه الكلمة هي بداية الخذلان واللعنة، وهذا الاعتراض سببه الكبر: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} [البقرة:34] أي: امتنع، ولم يكتف بقوله: أبى, بل قال: واستكبر. ولذلك أركان الكفر ثلاثة:- الأول: الحسد. الثاني: الكبر. الثالث: الكذب. فمن كان فيه كبر فقد أخذ ثلث الكفر وما عليه إلا الباقي، والكبر نميمة إبليس نعوذ بالله. ومن علامات المتكبر: أنه لا يستفيد من غيره ولا يرى الفضل لغيره، ولا ينقاد للحق إذا عرفه، ويعرف بلفظه، فالمتكبر يسعل وليس به سعال، ويتنحنح وليس به نحنحة، ويطرق رأسه ليرى عظمته وليس عنده فكر ولاشيء. قالت العرب عنه: "أحمق الناس المتكبر". ولذلك أحمق الطيور الطاوس، لأنه متكبر عندهم، فهذا من الحمق. ولذلك ذكروا لبعض الحمقى من السلاطين والكبار ما الله به عليم، سلطان من السلاطين كان وزيراً في خراسان عزل من منصبه فذهب إلى قرية من القرى ففرشوا له ملاحفهم وعمائمهم في الطريق لأنه أجزل إليهم بمال وهو في الوزارة، فالتفت إلى الناس وقال: لمثل هذا فليعمل العاملون. ومرّ وزير من الوزراء العباسيين على الجسر -جسر بغداد - فوقف قبل الجسر, قالوا: مالك؟ قال: والله إني أخشى ألا يحمل الجسر شرفي وأن ينكسر بي في النهر. وذكروا عن الحجاج بن أرطأة أحد المحدثين رحمه الله وهو ضعيف، روى له أحمد وأهل السنن لكن كان فيه تيه وزهو، وقد ذكر الذهبي له قصصاً منها: أنه دخل مجلساً فجلس في طرف الناس, قالوا له: اجلس في صدر الناس، قال: حيث ما جلست فأنا صدر. وهذه من علامات الكبر التي أخذت من أصل ذاك العنصر أو أخذت بالاقتباس.

تفسير قوله تعالى: (إلا إبليس أبى واستكبر)

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ) {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34]. قال المفسرون في قوله: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34] حيث أنه لم يكن كافراً بأن معنى الآية: سيكون في علم الله كافراً: وقيل: {مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34] لما سوف يصيرون - وهو الرأي الصحيح -. فلما قال هذا القول ماذا فعل الله قبل أن يحرمه ويرجمه، وقبل أن يلعنه ويطرده؟ لا يزال هذا الشيطان مع آدم يلاحقه. العجيب أن هذا القرآن على صغر حجمه أتى بالقضايا الكبرى والصغرى في العالم، وأنشأ العلميات ونوع النفسيات وبين القواعد الكلية والآداب والسلوك. آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جلال العتق والقدم وبعد ما ننتهي من هذا سوف تأتي حرب النسف والإبادة على بني إسرائيل بعد آيات, ولننظر ماذا يقول الله في إسرائيل.

تفسير قوله تعالى: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك)

تفسير قوله تعالى: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ) {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:35]. فسجد الملائكة وأراد الله إكرام آدم فأسكنه جنة الخلد، وبعض العلماء كما أورد ابن القيم وغيره اختلفوا هل هي جنة في الأرض أم جنة الخلد؟ والصحيح أنها جنة الخلد.

كيفية خلق حواء

كيفية خلق حواء وكان آدم عليه السلام لوحده، أبونا وأبو الجميع لم يكن معه أحد، فاستوحش، وجلس فارغاً والتفت يريد أن يجلس مع أحد لكن لم يجد، فالملائكة لهم جنس خاص والجن جنس خاص، يقول أبو عبد الله بن عتبة في الأشكال والأقران والأحباب: تخذني خليلاً أو تخذ لك صاحباً خليلاً فإني مبتغ صاحباً مثلي عزيز منالي لا ينال مودتي من الناس إلا مسلم كامل العقل ولا يلبث الأخدان أن يتفرقوا إذا لم يؤلف روح شكل إلى شكل فلا تأت بالطير مع الحمام أو الدجاج مع الحمام، أو تجعل البقر مع الغنم فهذا لا يصلح, فهذه فصائل ولا بد أن كل فصيلة -من حكمة الله- تكون مع فصيلتها. فلما استوحش آدم عليه السلام نوّمه الله -كما يقول أهل التفسير- نومة، وأخذ من ضلعه الأيسر حواء. فما أضعفنا! وما أهزلنا! وما أقلنا! وما أحوجنا إلى رحمة الله، إنسان هذا خلقه وهذه أمه، وهذا هو الخلق: طين لازب، ماء وطين، ويأخذ من الضلع الأيسر قطعة لحم ويخلق منها امرأة، ثم يأتي الإنسان، ويظن أنه واحد العالم وفريد العصر وأن الناس ليسوا بشيء, فيرتكب الكبائر ويأتي بكل ما عنى وخطر له، وينسى ذاك المنشأ. فلما خلق الله حواء التفت آدم إليها بعد أن استيقظ فرآها بجانبه، فعرف أنها زوجته فسكن إليها: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21] سكن وارتاح. ولماذا سميت حواء؟ قالوا: لأنها من الحياة، والله أعلم.

المنع من الأكل من الشجرة

المنع من الأكل من الشجرة ثم قال الله لهما: اسكنا في الجنة وتمتعا فيها, هذه قصورها وأنهارها وثمارها، وكلا مما لذ وطاب، لكن هذه الشجرة لا تأكلا منها، لماذا؟ إنه امتحان وابتلاء من الله، ليرى عبوديتهما، وصدقهما, وليرى إيمانهما. ما هذه الشجرة؟ اختلف أهل العلم إلى أقوال: قيل السنبلة: البر: الحنطة تسمى الحنطة والبر والقمح وكلها أسماء لهذه السنبلة. وقيل الكرم: العنب، وقيل: التين وهذا غير مهم كما قال ابن جرير؛ لأن الله لم يحدد لها اسماً بعينها, ولم يسمها لنا, ولم يأت بها قرآن ولا سنة فلماذا نتكلف؟ وأحب شيء إلى الإنسان ما منع منه, فإذا أدخلته غرفة مكيفة مفروشة, وعنده ما لذ وطاب من الطعام والشراب ثم قلت له: احذر! لا تخرج من هذه الغرفة وإن خرجت عاقبناك عقاباً أليماً، فيأتي فيتقهقر فيقول: منعني من الخروج, وحبسني في هذا المكان, حسبنا الله عليه! لكن اتركه, ولا تقل له: لا تخرج, بل قل: خذ راحتك وأنت مرتاح، فإنه سيأخذ راحته ولن يفكر في شيء, قال علي بن أبي طالب: [[لو منع الناس من فت البعر لفتوه]]. فأحب شيء إلى الإنسان ما منع منه, ولو منع الناس من فت البعر لفتوه، لو أتى حديث: "لا تفتوا البعر" سيقول الناس: لماذا؟ إن فيه سراً فلنجرب. ولذلك الخمر التي تذهب العقل واللب وتفسد الأسر وتسبب التناحر بين الأقارب، وتقتل بها أمك وزوجتك, وترتكب بها الطامات، ومع ذلك يسافر لها بعض الذين لا يرجون لله وقاراً، ولا يخافون لله هيبة ولا رقابة إلى بلادها، بل بعض الناس بلغ الثمانين من عمره وهو يعاقر الخمر ويشربها, وقد ذهب لبه وعقله وإرادته. وكذا الزنا، والنظر إلى المحرمات والغناء وأمثالها، وهذه هي التكاليف. ولو كانت المسألة بلا منع ولا حذر, لم يكن هناك ابتلاء ولكان الناس في الجنة، وما عرف الطيب من الخبيث والمؤمن من الكافر. فلما منعه الله أتى إبليس يوسوس له، فهذه هي العداوة.

خلاف العلماء في كيفية دخول إبليس إلى الجنة

خلاف العلماء في كيفية دخول إبليس إلى الجنة و Q كيف دخل معه إبليس الجنة؟ اتفقنا أنهم كانوا في السماء وخلق الله آدم في السماء، ثم أسجد له الملائكة ورفض إبليس, والآن جعل الله عز وجل آدم وحواء في الجنة, وإبليس في منأى, فلما حذرهم الله من الشجرة أتى إبليس يوسوس فأين وسوس؟ لأهل العلم ثلاثة آراء: الأول: قالوا: دخل مطروداً محروماً، لكنه دخل يوسوس ولا تنعم, مطرود من رحمة الله لكن جعله الله يذهب، لأنه سأل أن يمهله ليحتنكن ذريته إلا قليلاً وينظره إلى يوم الدين فأنظره الله، فهو يدخل بلا حجاب ويدخل بلا حرس ويدخل عليك وأنت في السيارة والطائرة وهو معك يجري منك مجرى الدم. الثاني: قالوا: أخذته الحية، حية سارقة مارقة ابتلعت إبليس ثم دخلت الجنة. والثالث: قالوا: وسوس من بعيد لكن بواسطة الرادار والذبذبات الهوائية ووصلت الوسوسة. والذي يرجح هو الرأي الأول أنه دخل مطروداً محروماً لكن أتى يوسوس. ثم انظر إلى الخبيث قال: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20] فصدقه آدم, والآن: الإنسان يصدق إبليس ولو كان مؤمناً، فهو يأتيك. فيقول: جارك لم يتكلم عليك بتلك الكلمة إلا لقصد في نفسه، قال: ما هو مقصده؟ قال: امتهانك واحتقارك وازدراؤك قال: صدقت ويذهب بسيفه وخنجره ويقاتل جاره. وإذا غض شخص طرفه في السوق قال: أنت ما نظرت إلى السحر الحلال، ولو نظرت إلى الجمال نظرة واحدة حتى ترد نفسك بنظرة واحدة، فينظر النظرة فيكون هلاكه فيها. والغناء: يسمع الأغنية الماجنة ويقول: الغناء حلال, والعلماء الذين قالوا بتحريمه ليس لهم دليل ثابت، اسمع وتمتع قليلاً وأنت ما ارتكبت شيئاً، هل هو شرب خمر أو زنا؟! استمعت أغنية، ويسمع الذي يقول: "هل رأى الحب سكارى مثلنا" فيسكر ثم يزني ثم يرتكب الفواحش ثم يتدهده على وجهه في النار. فوسوس له، فآدم عليه السلام من حكمة الله -وكل شيء بقضاء وقدر- استمع لإبليس فأكل من الشجرة وأكلت حواء، فلما أكلا سقط اللباس الذي يواري عوراتهما, وهو عليهما من لباس الجنة وحسنها وحليها وبهائها, تناثرت في الأرض، لا إله إلا الله ما أزراه من موقف! هذا موقف المسكنة والذنب والخطيئة. يقولون: يوسف عليه السلام لما هم بالمرأة وهمت به سمع هاتفاً يهتف ويقول: يا يوسف! لا تزن فإن من زنى كالطائر الذي عليه ريش نتف ريشه، وهذه مغبة المعصية. انظر! كيف سلب الحياء والجمال والحلي وكل نعمة، وأصبح في موقف هو وحواء عراة، فأخذا من أوراق الشجر، عليهما السلام يخفيان عوراتهما من الناظرين إن كانوا ملائكة أو غيرهم، فأتاهما الخطاب مباشرة: {اهْبِطَا} [طه:123]. العصاة لا يجاورون الواحد الأحد، وهذه أعظم أمنية منينا بها, يقول ابن القيم: ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم يقول: نحن سبينا من الجنة, سبانا إبليس وأنزلنا في الأرض, فمتى نعود إلى أوطاننا؟! نحن أهل الأوطان والأنهار والقصور: يا راقداً يرنو بعيني راقد ومشاهداً للأمر غير مشاهد تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي نزل النعيم وفوز خلد واحد ونسيت أن الله أهبط آدماً من جنة المأوى بذنبٍ واحد فكيف بنا نحن الذين أتينا بعشرات الذنوب؟! قال: {اهْبِطَا} [طه:123] هذه الكلمة مأساة في تاريخ البشر، وهو الذي ارتكبها عليه السلام، وهي من قضاء الله وقدره فله الحمد أولاً وآخراً، وله الشكر ظاهراً وباطناً، ونسأله أن يعيدنا إلى تلك المنازل فإننا قد اشتقنا لها. فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم وانظر إلى الهبوط من العلو فأين وقعا؟ وقعا في أرض يابسة قاحلة, قال أهل العلم "عن ابن عباس: أما آدم فهبط في الهند وبيده غصن شجرة -وهذا خلق الله وإبداع الله في الكون، والله لن يتعرف الإنسان على الإنسان ولا على الكون ولا على آدم ولا على الحياة حتى يتعرف على هذا القرآن وهذا مذهل- هبط وبيده شجرة بـ الهند، وهبطت حواء بـ جدة بالفتح أو بالضم أو بالكسر. سلام الله أرفعه إليكم بأشواقي وحبي والمودة وأرفع من ربى أبها سلاماً لأهل الفضل من سكان جدة قال السدي: هبط آدم على الصفا، وهبطت حواء على المروة، ولا يهمنا سواء هنا أو هنا. فالمقصود: أن الله أهبطهما إلى الأرض. أما آدم فأهبط بغصن شجرة فنزل هذا الغصن، فنبت بـ الهند فقالوا: "كل بخور وكل طيب يأتي فهو من آثار ذاك العود": تضوع مسكاً بطن نعمان إن مشت به زينب في نسوة عطرات ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرّت في جوانبه بردا فهذا من آثار عود (قطعة عود) كل الآثار التي ترد في العالم تغيرت بالماء والطين، فبقيت هذه الأطياب التي تباع في العالم من ذاك الغصن الصغير، فكيف بأطياب الجنة. والآن يباع الرطل في بعض الأماكن النوع الغالي منه بسبعين وبثمانين ألفاً، وربما يزيد زيادات, وهناك طيب لا يستطيع شراءه إلا الملوك، وأما الطيب الذي يباع هنا بستين وثلاثين وعشرين، فهذا حطب عرعر وطلح، وهذا يمكن أن يكون من السودة والقرعى، ليس من الطيب المذكور المشهور، لكن ذاك على الرائحة والبركة والعافية.

تفسير قوله تعالى: (وكلا منها رغدا)

تفسير قوله تعالى: (وَكُلا مِنْهَا رَغَداً) {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة:35] اسكن: لفظ فيه حبابة, ولم يقل: اجلس أو اقعد، لأن اسكن فيه من اليقين والطمأنينة والفرح والبشر ما الله به عليم: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً} [البقرة:35] والرغد هنا ليس إلا في الجنة وقد يطلق مجازاً في الدنيا يقال: عيش رغيد، لكن -والله- إذا سمعت من يقول: أنا في عيش رغيد مستمر فلا تصدقه، هل سمعتم أن أحداً استمر عشر سنوات في سعادة ما اهتم ما اغتم ما حزن وما قلق؟ لا والله. هشام بن عبد الملك قال لوزرائه: تعالوا نحصر الأيام التي أتاني فيها السرور منذ توليت الخلافة، فحسبها فوجدها ثلاثة عشر يوماً، تصفَّى من الزلازل والنكود والفتن والمحن، استقر حاله، قال لوزرائه: لا جرم - لا ريب ولا شك - لأخلون غداً في بستاني وعلي الحراسة ولا يأتيني خبر, لأسعد من الصباح إلى المساء، قالوا: فخرج في بستان له في روضة دمشق وقال للحرس: لا تستقبلوا رسولاً موفداً ولا تأذنوا لأحد, ودعوني في هذا البستان يوماً كاملاً. وهذا هشام كان من الخلفاء الذين ذهبوا إلى الله، فجلس في هذا المكان من الصباح فلما قرب الظهر وإذا هو بسهم فيه دم وقع بجانبه فرفع السهم فوجده طار من اثنين تقاتلا من خارج البستان وأتى إليه السهم، قال: ولا يوم واحد نسلم من المشاكل. ولذلك لا تصدق، فهذه الدنيا حزن وهم، ولو قال الإنسان: أنا في سعادة، فربما هو مرتاح مع أهله, لكنه يموت ابنه ويمرض، وترسب ابنته وتُصدم سيارته، وتأتيه دواهي، ويأتيه جاره فيضربه بالفأس في رأسه. يقولون: الثوب الخلق تهب الرياح من هنا فتمزقه، فإذا رقعت من هنا انشق من هنا فهذه الدنيا: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها يقول أبو الفتح البستي أحد العلماء: يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران يقول: الله أذن بخرابها وأنت تعمر. فتجد الآن الشيخ الكبير عمره ثمانون سنة يمشي على العصا يزور قصره الذي يعمره وقد أخذ قرضاً من البنك ويعمر وينظر في القصر ويقول: "اجعل المجلس في هذا المكان، واجعل لنا حوشاً نتفرج فيه، تتفرج وعمرك ثمانون؟! بينك وبين القبر خمسة عشر سنتيمتراً، لكن العقول لا تذهب لذلك, يقول صلى الله عليه وسلم: {يشيب ابن آدم ويشب ومعه خصلتان: طول الأمل وحب الحياة} فترى الكبير متمسكاً بالدراهم أكثر من الشاب، إذا جاء يحاسب في البقالة أو في المطعم يعد الدراهم ثلاث مرات، ويستخير الله ويخاف أن يلصق الريال بالريال والعشرة بالعشرة، أما الشاب فيخرج الفلوس من هنا ومن هنا لكن الإنسان هكذا طبيعته ولا يعرف حقيقة الدنيا إلا من عرف الله ورسوله والدار الآخرة، ولذلك يتعجب كثيرا ويأتون الآن ويكررون على الناس وقالوا: يقول كسرة غرسها لنا آباؤنا فأكلنا وغرسنا لأبنائنا فيأكلون، وهذا ليس في الصحيحين ولا عند البخاري ولا عند مسلم، بل الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} وكان ابن عمر يقول: [[إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح]]. ويقول أبو الفتح: يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزان والله، سلبوا من قصورهم وأنزلوا في قبورهم، كانت الجيوش أمامهم ميمنة وميسرة. هارون الرشيد من منا لا يسمع بـ هارون الرشيد ? العجوز في نيسابور تسمع بـ هارون الرشيد أتته سكرات الموت فقال: أخرجوني أرى الجيش فأخرج - جيشه تسعون ألفاً, جيش جاهز للطوارئ- قال: يا من لا يزول ملكه! ارحم من قد زال ملكه. الوليد بن عبد الملك بنى قصوراً في دمشق لا يعلمها إلا الله, وهو الذي وسع المسجد النبوي، ووسع المسجد الأقصى وأتى بالمشاريع الهائلة، وبنى قصوراً وحدائق، هذا النهر يضرب في هذا النهر، فلما أتته سكرات الموت لبط وجهه في الأرض وضرب وجهه وقال: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:27 - 28] لكنهم لا يستفيقون إلا عند سكرات الموت. عبد الملك بن مروان على ما فيه يوم حضرته سكرات الموت وسمع غسالاً بجانب القصر، قال: يا ليتني كنت غسالاً! ياليت أمي لم تلدني! قال سعيد بن المسيب: لما سمع هذه الكلمة: الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا وقت الموت ولا نفر إليهم, لماذا؟ لأن سعيداً عرف الطريق إلى الله وتهيأ للمنازل. وهذا ميمون بن مهران - أحد الصالحين- حفر له قبراً في قعر بيته -في حوشه- فإذا أراد أن ينام توضأ ونزل في القبر وقرأ في القرآن، وخرج من القبر وقال: يا ميمون! قد عدت إلى الدنيا فاعمل صالحاً. {وَكُلا مِنْهَا رَغَداً} [البقرة:35] الرغد: لا يكون إلا في الجنة، رغد لا هم لا حزن ولا تفكر في شيء, لا يبولون ولا يتغوطون رشحهم المسك، قلوبهم على قلب امرئ واحد، خلا من كل حقد وحسد وبغضاء، لا يخافون موتاً ولا جوعاً ولا هرماً، ولا يصيبهم سوء أبداً: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63] {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101] {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:103] {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:35] فقربا الشجرة فظلما أنفسهما ونزلا إلى الأرض وتلقى آدم كلمات من الله، ولكن قبلها آية نتلوها ثم نستمع إلى الكلمات.

تفسير قوله تعالى: (فأزلهما الشيطان)

تفسير قوله تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ) {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة:36]. خسارة للشيطان ونعوذ بالله من الشيطان، والحروز من الشيطان كثيرة: أولها: أن تكون دائماً على طهارة، فالوضوء حصن حصين. ثانيها: الأذكار، وخاصة آية الكرسي فهي تحرق الشياطين. ثالثها: المعوذتان, وقل هو الله أحد. رابعها: تهليل مائة تهليلة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وفي صحيح البخاري قال: {من قالها في يوم مائة مرة كتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له عدل عشر رقاب، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل بعمله أو زاد عليه}. خامسها: ومن الحروز من الشيطان: أن تتبع أمر الرحمن: غض البصر حفظ الأذن حفظ اليد والفرج، فهذه من الحروز. سادسها: بعض الآيات في القرآن وهي كثيرة أوردها أهل العلم، لكن من اهتدى هداه الله وسدده. سابعها: ومن الحروز أنك إذا غضبت ألا تتكلم؛ ليزيل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عنك وسوسة الشيطان. والشيطان من الجن، وبعضهم يقول: من الملائكة, لكن قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50] هذا الشيطان. {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ} [البقرة:36] والشياطين على أحجام صغير وكبير, وعلى مستويات, فإذا كان الإنسان أخبلاً فيُرسل له شيطان من الدرجة الثالثة، وإذا كان الإنسان من أقوى الناس في دينه يرسل له شيطان أقوى، والمؤمن شيطانه ضعيف جداً، يقول: أنهكه وأضناه كالجمل الطريح -الضعيف- لأنه كلما حاول الشيطان أن يبني من ذنوب هذا العبد، قال: أستغفر الله, وتاب إلى الله, وعاد إليه وهدم المبنى، يجره معه فإذا أراد أن يدخله بيته قطع الحبال وفر، فهو دائماً معه في صراع، ومن المؤمنين من لا يستطيع لهم إبليس أبداً، حاول وحاول فترك. أما بعض الناس فيأخذهم يميناً وشمالاً. ورسولنا عليه الصلاة والسلام يقول: {لكل منكم قرين وكل به -يعني من الشياطين- قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا لكن الله قد أعانني عليه فأسلم}. فأعانه الله على شيطانه فأعلن الإسلام فلا يأمره إلا بخير. أما نحن فالقرين معنا دائماً لكن نتحفظ منه بالآيات والأحاديث. يقول ابن عباس: [[الشيطان جاثم على قلب ابن آدم يأتي كالحية فإذا سكت وغفل الإنسان وسوس، وإذا ذكر الله خنس وسكت، وهو يجري من الإنسان مجرى الدم]]. فأخرجهما من النعيم المقيم وقرة العين إلى الدنيا. {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة:36] والعداوة بين الناس قضاء كوني قدري من الواحد الأحد، ولكن تزول العداوة بالإيمان، والله عز وجل يقول: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود:118]. ولكل شيء آفة من ضده حتى الحديد سطا عليه المبرد فالحديد هو الحديد لكن سلط الله عليه المبرد، فكل شيء له عدو, فتجد الشاة تسرح لا تخاف من الحمار أو الجمل، لكن لو رأت الذئب انتهت وترست مكانها، ولا تخطو خطوة لأنه عدوها. والحمار له عدو وهو الضبع، والثعبان للإنسان، وهذه المواشي للأسود ولغيرها وهي فصائل، يقول أهل العلم: من العداء الذي جعله الله في الأرض: العداء الذي جعله بين الأجناس، ولذلك تجد بعض الحيوانات تتوافق وبعضها تتعادى: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ} [الأعراف:24]. فالله جعل هذين العدوين لهذا الأمر، والناس كذلك بينهم عداء.

أنواع العداوة في الدنيا

أنواع العداوة في الدنيا والعداء بين الناس على قسمين: قسم بحق، وهو عداء أهل الباطل مع أهل الحق، لا أقصد أنه حق لهم لكنها عداوة للحق، فحق أن يعادى أهل الباطل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251]. فلا يأت أحد ويقول: لا تغتابوا إسرائيل في المجالس, وإذا قيل له: قاتل الروس، قال: لا أقاتل الناس, أحب الرحمة للناس وللبشر، فهذا مذنب مخطئ غلط غلطاً بيناً، بل يحمل السلاح ويجاهد فهو مأجور، لكن على أعقاب المسلمين تجده متهتكاً فارساً. دخل رجل على محمد بن واسع فاغتاب مسلماً قال: مهلاً قاتلت الروم؟ قال: لا. قال: يسلم منك الروم ولا يسلم منك المسلمون. وأما العداء في الباطل: فعداء المؤمنين بعضهم لبعض، وهذا يحصل؛ لكن على المؤمن أن يصلح وأن يكظم الغيظ وأن يحسن: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]. وعلي رضي الله عنه في معركة الجمل لما رأى طلحة مقتولاً مسح التراب وقبله وقال: [[يعز عليَّ -يا أبا محمد - أن أراك مجندلاً على التراب، لكن أسأل الله أن أكون أنا وإياك ممن قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]]]. فلا بد من شيء بين المؤمنين, حتى بين الدعاة والعلماء تجد من به غل لكن ينزعه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يوم القيامة فيتكلمون وهم أصفياء إخوان أصدقاء أحباء, وهذا لا يكون إلا في الجنة، وفي الدنيا لا بد أن يسود الإخاء. يقول أبو تمام في مسألة الدين والإسلام: إن كيد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد فنسبنا نسب الدين.

حقيقة المتاع في الحياة الدنيا

حقيقة المتاع في الحياة الدنيا {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة:36] تستقرون في الأرض وتتمتعون إلى زمن قليل، ووالله، إنه لزمن قصير، وإنه عيش بسيط سهل وإنما هو كلمح العين. عاش نوح عليه السلام ألف سنة فلما أتته سكرات الموت قالوا له: كيف وجدت الحياة؟ قال: وجدت الحياة كأنها بيت له بابان دخلت من هذا وخرجت من هذا. وقال علي وهو يبكي في ظلام الليل: [[يا دنيا يا دنية! طلقتك ثلاثاً, عمرك قصير, وسفرك طويل، وزادك حقير، آه من قلة الزاد, وبعد السفر، ولقاء الموت]]. فكل الدنيا ليست إلا لمحة، قال: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:112 - 116]. وهذا المعتصم الخليفة العباسي عسكري وفارس من الدرجة الأولى, وهو الذي حطم الروم في عمورية بتسعين ألفاً: تسعون ألفاً كأساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب أتته سكرات الموت في الأربعين فنزل من على سريره وقال: أموت اليوم؟ قالوا: تموت اليوم، ثبت شرعاً أنه يموت، وأجمع العلماء على أنه يموت، قال: والله، لو كنت أعلم أني أموت ما فعلت ما فعلت من الذنوب والخطايا. يقول الإلبيري وهو يوصي ابنه: أبا بكر دعوتك لو أجبتا إلى ما فيه حظك لو عقلتا وقد قالها في مطلع قصيدة هي من أحسن القصائد, وأنا أقول: لو كان شيئاً ويوجب غير الكتاب والسنة على الناس لوجب على طلبة العلم والأخيار أن يحفظوا هذا القصيدة الزهدية, وهو يقول في أولها: تفت فؤادك الأيام فتا وتنحت جسمك الساعات نحتا فهو يوصي ابنه, وكان ابنه مسرفاً على نفسه في الشباب لا يحفظ الوقت, يجلس مع كل جليس, والحياة عنده أكل وشرب ولبس وغناء ومجون فقال له هذا في قصيدة مبكية, قالوا: إن ابنه لما قرأ القصيدة بكى وتاب: تفت فؤادك الأيام فتا وتنحت جسمك الساعات نحتا وتدعوك المنون دعاء صدق ألا يا صاح أنت أريد أنتا إلى أن يقول: ولا تقل الصبا فيه مجال وفكّر كم صبي قد دفنتا إلى أن يقول: إذا ما لم يفدك العلم نفعاًً فليتك ثم ليتك ما علمتا وإن ألقاك فهمك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا فناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا ويقول في آخرها: وقد أردفتها ستاً حساناً وكانت قبل ذا مائة وستا مائة واثنا عشر بيتاً من أحسن ما قيل في الحكم والمواعظ! وحفظها الملوك وتهادوها في الأقطار، وطنَّت بها الأمصار، وعمرت بها القصور والدور، واتعظ بها كثير من الناس وهي لـ أبي إسحاق الألبيري. {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة:36] فالأرض متاع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أو إلى حين الموت: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:19 - 21]. فحين تقبض روحك -ولا عليك من العالم أن يتأخر بعدك أو يتقدم- قامت قيامتك.

تفسير قوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات)

تفسير قوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ) {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37]. لك الحمد ولك الشكر ولك الثناء الحسن، أذنب آدم وأنزل وأهبط فأخبره الله بكلمات يقولوها ليتوب عليه، قال آدم: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص:16] وقال هو وحواء: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. فمد يديه عليه السلام وقال: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] فتاب الله عليه، فمن فعل مثل أبيه بالذنب فليفعل مثله بالتوبة: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37] وقيل: إن الكلمات: (لا إله إلا الله الحكيم العليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض رب العرش الكريم). وقيل: (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو). وكلها تدخل في الاستغفار, إنما علمه الله كلمات فأنقذه الله بها, فهذه هي التوبة، فنحن المخطئون والمذنبون ونحن -والله- أهل الخطايا والذنوب، وليس لنا حل إلا التوبة النصوح. وقد صح عند الترمذي من حديثه صلى الله عليه وسلم مرفوعاً: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}. إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم مالي إليك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثم أني مسلم سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا فانظر ما أكثر المعاصي زنا، وربا، وقطيعة رحم وعقوق والدين، وضياع أوقات، وتفلت عن أمر الله, وترك للصلوات، والرزق يأتينا من كل مكان! لا تنقطع عنا الفاكهة أبداً والخضروات صيفاً ولا شتاءً والماء البارد, والأمن والاستقرار, والسكينة والمشاريع الحية، والخطأ مع ذلك متواصل: يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة:37] فقالها آدم وقالتها حواء فغفر الله لهما، وتاب عليهما إنه هو التواب الرحيم، وما أحسن هذه الكلمات! النصرانية تقتل الإنسان إذا أذنب، قالت: خزيت وبعدت ليس لك توبة. واليهودية كانت التوبة عندهم قتل أنفسهم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:54]. والإسلام يقول لك: إذا أذنبت توضأ وصلّ ركعتين واستغفر الله من الذنب وتب توبة نصوحاً. في مسند أحمد بسند صحيح عن أبي بكر، قال علي بن أبي طالب: {كان الرجل إذا حدثني عن الرسول عليه الصلاة والسلام حديثاً استحلفته, فإن حلف صدقته وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر -ما استحلفه- قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد يذنب ذنباً فيتوضأ ويصلي ركعتين إلا غفر الله له ذلك الذنب}. فما أيسر الإسلام وما أسهله! وما أوسع باب الله! عطاؤه ممنوح, ونواله يغدو ويروح، وبابه مفتوح، ولذلك أرهقتنا الذنوب لأننا لم نعرف طريق التوبة: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37] {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. {يا عبادي! إنكم تذنبون في الليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم}.

تفسير قوله تعالى: (قلنا اهبطوا منها جميعا)

تفسير قوله تعالى: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً) {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38]. {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً} [البقرة:38] من الجنة, قيل: يهبط آدم وحواء ومعهما الحية والشيطان. {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} [البقرة:38] الهدى: دين الله الذي يبعث به رسله، فكل الرسل أتوا بالهدى، وكل له شريعة وهم يتفقون أنهم أتوا بالإسلام. والفرق بين الخوف والحزن. الخوف: على أمر مستقبل، فتخاف من أمر يأتيك. والحزن: على أمر قد فات. {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38] فهذا كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:123 - 124]. قال ابن عباس: [[كتب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى على نفسه أن من اتبع هذا القرآن فأحل حلاله وحرم حرامه، ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة]] {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] معه دراهم ودنانير ودور وقصور، ولكن عليه الضنك واللعنة والغضب: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. يا إخوتي في الله! هذا درس للإنسان بأنه لا ينجيه إلا شرع الكتاب والسنة، ولا يمكن أن يكون ناجياً أو فائزاً أو مفلحاً إلا إذا جعل ورده الكتاب والسنة، وأنا أدعو إخوتي طلبة العلم والأخيار أن يكون لهم حزب كل يوم من الكتاب, وحزب من السنة, ولا يقدموا آراء البشر ولا مشاربهم أو أفكارهم، فإذا فعلوا ذلك وقدموه على الكتاب والسنة فهو أول الخزي والضلال. {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} [البقرة:38] وقد أتى والله! والله لقد أسمعت دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام راعي الغنم في الصحراء، وسمعت بدعوته العجائز في حجورهن وخدورهن، ونفذ إلى العاتق من النساء والعذراء من دعوته ما وصل علماء الصحابة في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم, والله لقد سارت دعوته مسير الشمس والليل والنهار, فما هو عذرنا إذا قلنا: لم يأتنا ولم يبين وما وضحت الطريق؟! لقد وضحت كل الوضوح, وقد بُينت كل البيان: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس:70]. فمن هو الحي: أهو الذي يأكل ويشرب، ويشجع ويزمر ويغني، ويلعب البلوت ويضيع الليالي والأيام, وهو يسمى حياً مجازاً، حياة الثور والشاة، فهو يأكل ويشرب لأنه حي، ولكن قلبه ليس بحي. {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] لا سواء. فالحياة هي حياة الإيمان وحياة القرآن، والذكر، والاتصال بالله، حفظ الوقت، وطلب العلم، حياة طلب مجالس الخير, واستماع كلام الخير هذه فهي الحياة، أما غيرها فهي حياة الخواجات، كيف ينعم الإنسان؟! كيف يهدأ باله وهو ليس مستقيماً وليس الله راضياً عنه؟ عنده قصور ودور، عنده سيارات ومناصب، لكن الله غضبان عليه من فوق سبع سماوات، كيف يهدأ؟! كيف يرتاح؟! ينتهي بعد أيام ويرتحل إلى الله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. فأتى صلى الله عليه وسلم يخرج الناس من الظلمات إلى النور فمن أطاعه اهتدى ومن عصاه تردى.

الأسئلة

الأسئلة

الفائدة من خلق الحشرات

الفائدة من خلق الحشرات Q ما الفائدة من خلق الله للحشرات والزواحف الضارة للبشرية؟ A أولاً: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى له الأمور الظاهرة والباطنة, سواء عرفناها أو لم نعرفها, وبعض أهل العلم يستنبط حكماً، وبعضهم لا يستطيع, فنكل العلم إلى الباري لأن عقولنا قاصرة, كيف يعترض المخلوق على خلق الخالق وهو مخلوق بنفسه؟ والآن في هذا العالم الذي أنت تعيش فيه, إذا انتهى هذا الغطاء الغازي ثم انتهى العالم، ماذا بعده؟ تقول فضاء, فماذا بعد الفضاء؟ ما هو الجواب؟ هذه محيرة العقول: حارة الأفكار في قدرة من قد برانا ربنا عز وجل فهذه تحير الأفهام ولا تدرك حكمتها.

مكان لقاء آدم وحواء وقبراهما

مكان لقاء آدم وحواء وقبراهما السؤال الثاني: لم جعل الله آدم في الهند وحواء في جدة وأين التقيا بعد ذلك؟ ومن مات منهم قبل الآخر؟ وأين؟ وقد قيل: إن قبر آدم في الطائف، وهذا قول الشيباني؟ A أما أين التقيا؟ فقد قال بعض أهل العلم أنهما التقيا في عرفة، فسميت عرفة، وهذا قول للتابعين في التفسير. أما من مات منهما أولاً؟ فلا أدري وقبر آدم ذكر أنه في الطائف وفي غيرها, ولا يتوقف على ذلك كبير علم، وليست من مسائل التكليف.

كيف يتكاثر الشياطين؟

كيف يتكاثر الشياطين؟ Q المعروف أن الشيطان الذي جاء ذكره مع آدم واحد ولم يسجد له, فمن أين أتى هؤلاء الشياطين الذين مع كل واحد منا, أم أن الشيطان متزوج؟ A أما زواجه فما حضرنا وما دعانا وما سمعنا، قيل لـ عامر الشعبي: هل الشيطان متزوج؟ قال: ذاك عرس ما حضرته، فلا أدري عنه, ويمكن أن يكونوا تناسلوا بالتزويج ولا يكون إلا هذا. وهنا مسألة طامة غامة وهي مسألة هل يتزوج الإنس من الجن؟ وهذه لم يتكلم فيها السلف ولا القرون المفضلة ولا أتت في الكتاب ولا في السنة، ومن يتكلم في مثل هذه المسائل ولو كان من كان فهو متكلف يتكلف، حتى ذكروا أن واحداً يقول: يتمنى (جانة) يتزوج منها لكي يكثر الشياطين في الدنيا. فهذه من المسائل التي لا فائدة منها. أما قوله: مع كل واحد منا شيطان فنعم, نعوذ بالله من الشياطين. أما كيف وجدوا؟ فهكذا وجدوا, خلقهم الله عز وجل وتناسلوا, فيهم كبار وصغار.

قصيدة الألبيري

قصيدة الألبيري Q أين توجد قصيدة أبي إسحاق الإلبيري؟ A توجد في كتاب: القصائد الإسلامية المفيدة وقد توجد في بعض الأشرطة إذا سألتم أهل التسجيلات الإسلامية يدلوكم على ذلك.

مكان سكن الشياطين, وكيفية صورتهم

مكان سكن الشياطين, وكيفية صورتهم Q ما هو الشيطان؟ وكم عددهم؟ وأين يسكنون؟ وكيف صورتهم؟ وهل يموتون؟ A الشيطان: هو من الجن وهو الذي يغوي، وقد ذكرنا في الفاتحة اسم الشيطان. كم عددهم: ما أحصيناهم. يسكنون: في الأرض وتحت الأرض، وهم يتصورن بصور, وقد يأتون بصورة الثعالب والحيات والثعابين والقطط، ولهم تصرف في أهل القلوب الضعيفة التي والت الشيطان والمعاصي، وهم يأتون في المذابح والقاذورات والحمام كما ذكر صلى الله عليه وسلم. ويُطردون بالطهارة والأذكار الشرعية، وقد رآهم كثير من الناس في أشخاصهم. وقد ذكروا عن عمر: أنه رأى عفريتاً منهم فصارعه عمر فصرعه ثلاث مرات، قال عمر: [[أأنت من أقواهم؟ قال: لقد علمت الجن أني من أقواهم]] فـ عمر صرعه فما كانت الشياطين تسلك فج عمر ولا طريقه، بل كانت تأتي من طريق آخر. وقد تأتي في صورة الحيات وهي كثيرة وتدخل في البيوت, والحيات جان وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن على من وجد حية أو ثعباناً في بيته ألا يقتله حتى يؤذنه ثلاثاً: يقول للحية أو الثعبان في البيت: أحرج عليك أن تخرج من بيتي، أحرج عليك أن تخرج من بيتي، أحرج عليك أن تخرج من بيتي، فإن خرج فبها ونعمت وإلا فاقتله، فيجعل الله لك سلطاناً عليه. أما إن قتلته قبل أن تحرج عليه فإنه لا يؤمن أن ينتقم منك أو من أبنائك أو يؤذيك أو تؤذيك قرابته لأن لهم قرابات. وفي الصحيح عن أبي سعيد قال: {دخل رجل من الأنصار من معركة أحد إلى بيته فرأى حية فتناولها بالرمح فقتلها فعاد الباقي عليه فقتلوه, فأُخبر صلى الله عليه وسلم فقال للصحابة: أما أخبرتكم ألا تؤذوها؟} أو كما يقول عليه الصلاة والسلام. والشياطين يضرون وفيهم فسقة وكفرة، ومسلمون: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} [الجن:14] وهم يتلبسون ببني آدم ولاشك في ذلك، وقد دلت الأحاديث والآيات على ذلك: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275]. وقد عالج صلى الله عليه وسلم منهم فنعوذ بالله منهم، لكن من يعوِّد أبناءه على قراءة آية الكرسي والمعوذات والفاتحة ويعلمهم الأذكار لا يمسونه أبداً، لكن الذين يعلمونهم أغنيات كوكب الشرق، وهذه الأغاني يدخلون إلى المخ.

هل يسلم الشياطين؟

هل يُسْلِم الشياطين؟ Q الشيطان الذي مع الرسول صلى الله عليه وسلم أسلم، فهل تسلم الشياطين؟ وهل يقبل إسلامهم؟ A { وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً} [الجن:14] فمنهم المسلمون, فالله أعان رسوله على شيطانه فأسلم ولا يأمره إلا بخير.

إبليس ليس بملك

إبليس ليس بملك Q هل كان إبليس من الملائكة أم ماذا؟ A الصحيح أنه لم يكن من الملائكة وإنما كان من الجن كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50].

سبب وسوسة الشيطان لأبينا آدم

سبب وسوسة الشيطان لأبينا آدم Q لو لم يوسوس الشيطان لآدم وحواء في الجنة فهل كانا الآن في الجنة ونحن معهم, فما هو تعليقكم؟ A نعم. لكن حكمة الله اقتضت هذا والحمد لله نزل وكان في ذلك خير، فقد وجد الأنبياء والرسل والشهداء والعلماء، والأخيار والصائمون, والعباد والقائمون والمتصدقون, وسوف يأتي أن للجنة أبواباً ثمانية ما بين المصراعين كما بين بصرى وأيلة , وقيل: كما بين صنعاء وأيلة - بيت المقدس في فلسطين - فهو كما بين صنعاء اليمن وأيلة , يقول عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده! ليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام} وهي ثمانية أبواب. نسأل الله أن نكون ممن نزاحم على ذاك الباب: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران:191 - 192]. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

حكم الغناء والأناشيد

حكم الغناء والأناشيد ما حكم الغناء؟ وما الفرق بينه وبين الأناشيد؟ وهل يجوز الضرب بالدف؟ هذه الأحكام وأحكام أخرى تحدث الشيخ عنها في هذا الدرس.

سيرة بلال بن رباح وما فيها من عبر

سيرة بلال بن رباح وما فيها من عبر إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: هذا الدرس هو الدرس (41) من صحيح البخاري، ولنستمع إلى الإمام البخاري رحمه الله تعالى حيث يتحفنا من صحيحه، الكتاب النير العطر، بحديث في كتاب العيدين. يقول رحمه الله تعالى: باب الحراب والدرق يوم العيد. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: {دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش، وحول وجهه صلى الله عليه وسلم، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دعهما، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم، وإما قال: تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم. فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى إذا مللت، قال: حسبك؟ قلت: نعم. قال: فاذهبي}. في هذا الحديث مسائل وسوف تأتي بإذن الله، وبمناسبة لعب الحبشة وعرضهم يوم العيد أمام الرسول صلى الله عليه وسلم نتكلم هنا عن داعية الحبشة، وعن رجل من أهل الحبشة، هو أفضل أهل الحبشة في الإسلام وفي الصحابة، فمن هو يا ترى هذا الرجل؟

بلال سفير الحبشة للإسلام

بلال سفير الحبشة للإسلام بلال بن رباح داعي الأرض الذي تلقى نور السماء وأذن في الخالدين، وكان حقاً على قلب كل مؤمن أن يقول: وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا بلال رضي الله عنه وأرضاه يعرفه الجميع، أهل الملايو ومسلمو اليابان والصين والسودان والعراق والجزائر، كل مسلم على وجه الأرض يعرف بلالاً رضي الله عنه وأرضاه، هو سفير الحبشة إلى الإسلام، وسفير الإسلام إلى أهل الحبشة، فإن لكل قوم سفيراً وسفير الحبشة إلى الإسلام بلال رضي الله عنه وأرضاه، كما أن سفير الروم صهيب وسفير أهل فارس سلمان. دخل بلال مكة فما كان له قيمة عند المكيين ولا عند القرشيين، كانت وثنية تمعر في رءوسهم، لا يقيمون لهؤلاء الموالي قيمة أبداً ولا وزناً، وإنما ينزلون هؤلاء الموالي منزلة الحيوان، فأرخصوا ثمنه وهو غال عند الله، وعطلوا قيمته وهي ثمينة جد ثمينة، فلما أتى الإسلام كان بلال رضي الله عنه ممن شرح الله صدره للإسلام، أسلم مبكراً، ووضع يده في يد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام؛ فأخرجه من الجاهلية إلى الإسلام، ومن الظلمات إلى النور، وهداه ورقاه فأصبح غالياً من أغلى الناس. كان عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]]. إن السيادة في الإسلام تكون بالتقوى وبالعمل الصالح وبالقرب من الله عز وجل، وأما الجاهليون فما استمعوا لهذا، لما علموا أنه قال: لا إله إلا الله، ودخل في هذا الدين؛ لأن هذا الدين مجرد عن الطلاء، من يرغب في الاستقامة يأت، لا لمنصب ولا لولد ولا لمال ولا لأسرة ولكن لوجه الله تبارك وتعالى، فلما أتى بلال رفعه الإسلام وجعله الرسول صلى الله عليه وسلم مؤذناً فأبى أمية بن خلف وعذبه بأنواع العذاب، سحبه على وجهه على الرمضاء، طرح الصخور على صدره وما يزداد إلا إيماناً وتسليماً، كان كلما عذبه، قال: أحد أحد، أحد أحد هتف بها لكل معطل، يفني بها كل شرذمة باطلة خاسرة خائبة عند الله.

هجرة بلال

هجرة بلال هاجر رضي الله عنه وأرضاه، واستفاقت المدينة من سباتها ومن نومها على أذان بلال تنفض الجاهلية والوثنية وأدرانها، كان دائماً يمر ببيت الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الصلاة، ويقول: الصلاة الصلاة يا رسول الله! فينتشي صلى الله عليه وسلم، وإذا تأخر بلال عن هذا الموعد، قال عليه الصلاة والسلام: {أرحنا بها يا بلال} أي: بالصلاة؛ فإنها قرة عين المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشرحة فؤاده، وراحة نفسه، عليه أفضل صلاة وأجل تسليم. وفي مرض موته صلى الله عليه وسلم يمر بلال فيقول: الصلاة الصلاة يا رسول يا الله! ولكن أين مناخ العيس من حلب؟! كيف يستطيع صلى الله عليه وسلم أن يقوم وهو في مرض الموت، فقال: {يا بلال! مر أبا بكر فليصلِّ بالناس} فيتلعثم بلال رضي الله عنه بالبكاء ويقول: واحبيباه! وارسولاه! واخليلاه! ثم يقول: يا أبا بكر! صلِّ بالناس، فيقول أبو بكر: الله المستعان، إنا لله وإنا إليه راجعون! ويؤثر في السيرة أنه رضي الله عنه وأرضاه قام من صلاة الفجر في أول يوم توفي فيه صلى الله عليه وسلم فرفع صوته الندي الشجي بالتكبير والتهليل فلما بلغ قول المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله التفت فخنقته العبرة وبكى وما استطاع أن يتم الأذان. كان يوم الفتح مع الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما دخل الجيش العرمرم المسلم الذي يرفع لا إله إلا الله، جيش قوامه عشرة آلاف، والرسول قائده صلى الله عليه وسلم، فلما حانت صلاة الظهر ونصر الله رسوله نصراً مؤزراً ما سمع التاريخ بمثله، وقف كفار قريش أمامه وقد جردهم من السلاح والسيوف والرماح، وقال: ما ترون أني فاعل بكم؟ فبكوا حتى اختلطت أصوات بكاء الأطفال بالنساء، وظنوا أنها مجزرة ومذبحة، وظنوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يعاملهم بالمعاملة التي عاملوه بها، فقد أخرجوه وكذبوه وشتموه وآذوه وظنوا أنه كالبشر الذين فعلوا ما علمتم في التاريخ. هتلر يوم دخل الشرق ماذا فعل؟ ونابليون يوم دخل الدول العربية ماذا صنع؟ ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوع آخر، رباه الله وعلَّمه وأدبه؛ فقال: {اذهبوا فأنتم الطلقاء! عفا الله عنكم} فزاد البكاء بكاءً، وقام أبو سفيان يقول: الله ما أرحمك! الله ما أوصلك! الله ما أبرك! الله ما أكرمك! ولما أتت صلاة الظهر قام صلى الله عليه وسلم وأخذ بحلق الكعبة وقال: {الحمد لله الذي نصر عبده -اسمعوا للنصر التاريخي العظيم- وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده. ثم قال: قم يا بلال أذن. فقام بلال فارتقى الكعبة} وكانت مقصودة من الرسول صلى الله عليه وسلم. كان من الممكن أن يدعو أبا بكر أو عمر لكن قال: قم يا بلال، يا من سحب على الرمال! يا من أوذي بالصخور! يا من تعرض للإهانة والإساءة! يا من كان هؤلاء لا يقيمون له وزناً! أخبرهم أن هذا الدين يرفع المولى، ويعز الضعيف، ويعرف قيمة الإنسان؛ فقام وهم ينظرون إليه، أهذا هو العبد الأسود الذي كان معنا نمتهنه كما نمتهن الدابة؟! أهذا هو الخادم يرتقي على الكعبة؟! فيقوم ويطلق: الله أكبر؛ فيرتج المسجد الحرام بالبكاء. إنه نصر عظيم! وإنه صوت عجيب! وإنه فتح كبير! ويعود حتى يقول صفوان بن أمية: ما كنت أظن أن الحياة تطول بي حتى أرى هذا الغراب ينادي من على الكعبة. ولكن سوف يعلم لمن الرفعة عند الله عز وجل. وفي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {دخلت الجنة البارحة فسمعت دف نعلك يا بلال، فماذا كنت تصنع؟ قال: يا رسول الله! ما كنت كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة -أي: في النوافل- لكن ما توضأت وضوءاً إلا صليت بعده ركعتين}.

بلال بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

بلال بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم توفي صلى الله عليه وسلم وكان من أحب الناس إليه بلال، ومن أندى الأصوات لديه صوت بلال، فلما أتى أبو بكر قال: أذن يا بلال؟ قال: والله لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له أبو بكر: لم لا تؤذن؟ قال: ما كنت أرفع صوتي مؤذناً إلا له صلى الله عليه وسلم، ثم استأذن أبا بكر أن يخرج إلى الشام فقال أبو بكر: لا آذن لك. قال بلال: إن كنت أعتقتني لوجه الله؛ فاتركني أخرج للشام للجهاد -وأبو بكر يريد أن يستأنس بـ بلال وهو معه- وإن كنت أعتقتني لنفسك؛ فلك ما ترى وسوف أبقى؛ فدمعت عينا أبي بكر رضي الله عنه، وقال: أعتقتك لوجه الله فاخرج. فخرج إلى الشام، وبقي هناك، وفي بعض السير أنه رأى -وهو في حمص - الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: هجرتنا يا بلال من الزيارة، فقام يبكي في الليل وشد راحلته وأتى المدينة -ولو أن في هذا السند ضعفاً لكنه جبر بطرقه- فقدم فلما وصل المدينة رآه الصحابة فكأنهم يرونه لأول مرة، فعانقوه وهم يبكون، ولما فتح عمر رضي الله عنه بيت المقدس قال: يا بلال! قم أذن للظهر. فقد فتح بيت المقدس. قال: اعفني يا أمير المؤمنين! قال: سألتك بالله أن تؤذن. فقام فأذن قالوا: فما بقيت عين إلا بكت ذاك اليوم. هذا بلال رضي الله عنه، أحد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أهل الحبشة الذين نعيش معهم ونسمع إلى أخبارهم ومراسيمهم وإلى عيدهم أمام الرسول صلى الله عليه وسلم.

حديث عائشة والجاريتين

حديث عائشة والجاريتين مجمل قصة الحديث تقول عائشة: {دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد} وهو من أول الأعياد في حياته صلى الله عليه وسلم {فلما دخل صلى الله عليه وسلم وجد جاريتين عند عائشة تغنيان} وفي رواية صحيحة: {وليستا بمغنيتين، لكن تكلفتا الغناء} فليس عندهن عود ولا ناي ولا طبل ولا وتر، وإنما ترزفان وتنشدان بصوتيهما.

غناء الأنصار يوم بعاث

غناء الأنصار يوم بعاث {فدخل صلى الله عليه وسلم فاضطجع وحول وجه إلى الحائط} ترك المغنيتين وترك عائشة ولم ينكر صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يستمع، فحول وجهه صلى الله عليه وسلم إلى الحائط، وواصلت المنشدتان تغنيان بغناء الأنصار يوم بعاث، وهو مكان حول المدينة حدثت فيه معارك رهيبة بين الأوس والخزرج، والله يمتن على الأوس والخزرج وعلى غيرهم فيقول: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. لقد كانوا متناحرين ومتباغضين وهم كلهم من الأزد وهم أبناء عم، لكن أورث الشيطان بينهم حقداً حتى قالت عائشة: وكان يوم بعاث يوماً الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ وذلك أن من حكمة الله قبل أن يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم أو يهاجر إلى المدينة تقاتل الأوس والخزرج فسفكوا عظماءهم جميعاً، وبقي الشباب وبعض الشيبة، ولو بقي هؤلاء العظماء ما قبلوا الإسلام، فالله عز وجل مهد هذا اليوم فصفي فيه الحساب بينهم، قتل فيه رئيس الخزرج عمرو بن النعمان وكذا رئيس الأوس حضير والد أسيد وهو من الأوس، وقتلت فيه الأسر الشهيرة حتى قدم صلى الله عليه وسلم وأكثرهم شباب، فتقبلوا هذا الدين وعاشوا معه وأخلصوا له. وكان اليهود إذا أرادوا أن يحركوا الضغينة فيما بين الأنصار أو يوقدوا نار الفتنة ذكروهم بيوم بعاث، فإذا سمعوا يوم بعاث فكأنها النار أشعلتها بوقود. حتى أن شاس بن قيس وهو تاجر يهودي خبيث أتى في المسجد والأنصار جلوس فغاظه أنهم مجتمعين، الأوسي بجانب الخزرجي إخواناً متحابين في الله عز وجل، ألف الإسلام بينهم، يتضاحك بعضهم إلى بعض في إخاء ما شهد التاريخ مثله، فأتى اليهودي فجلس بجانبهم وقال لرجل من الأوس: ماذا يقول شاعر الخزرج يوم بعاث؟ قال: يقول كذا وكذا. قال للخزرجي: ماذا يقول شاعر الأوس يوم بعاث؟ قال: يقول كذا وكذا؛ فأخذتهم النعرة والحمية، فقام ابن الأسلت وحسان فأنشدوا شعراً كل يسب قبيلة الآخر، فنادى رجل من الأوس: يا معشر الأوس! السلاح السلاح -وهذا أورده ابن جرير في تفسيره - فأخذوا السيوف وقالوا: موعدنا الحرة وهي ضاحية في المدينة، يريدون أن يصفوا الحساب مرة ثانية، والغضب قد دخل رءوسهم، والشيطان قد وسوس لهم حتى نسوا تعاليم الدين، فقاموا وأخذوا يتنادون بالسيوف. والأنصار من أشجع الناس، حتى قتل منهم في معارك الإسلام (80%) وما مات منهم موتاً إلا (20%) حتى يقول حسان: فنحكم بالقوافي من هجانا ونضرب حين تختلط الدماء وكان بعض الأنصار إذا لقي المعركة؛ فقد شعوره كـ البراء بن مالك، حتى قال عمر: [[لا تولوه المعركة؛ فإنه سوف يحطم المسلمين حطماً]]. ومن الأنصار أبو دجانة كان إذا أتت المعركة أخرج عصابة حمراء وعصب رأسه؛ فقال الناس: افتحوا لـ أبي دجانة طريقاً فقد أخرج عصابة الموت. فخرجوا رضوان الله عليهم، فصف الأوس في صف، وصف الخزرج في صف وسلوا السيوف، وأتى الخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، وإذا الصائح يصيح وإذا البكاء يرتفع، وقالوا: يا رسول الله! أدرك الأوس والخزرج لا يقتتلوا هذا اليوم. قال: ولم؟ قالوا: أوشى بينهم شاس بن قيس حتى ورث بينهم الضغينة، وقد تواعدوا في الحرة الآن؛ فقام صلى الله عليه وسلم حافياً، فما انتعل من السرعة، خرج يجر إزاره، ومعه أبو بكر وعمر وكثير من المهاجرين، حتى وقف صلى الله عليه وسلم بين الصفين، فذكرهم بالله واليوم الآخر، وقال: ألم آت وأنتم ضلال فهداكم الله بي؟ متفرقون فجمعكم الله بي؟ ثم ذكرهم حتى بكوا، ثم تركوا السيوف وتعانقوا وهم يبكون فأنزل الله في ذلك: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران:103] فلما سمعوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم كأنهم سمعوه لأول مرة: إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها فتعانقوا والرسول صلى الله عليه وسلم معهم، وعادوا إلى المدينة إخواناً متحابين، فهذا الموقف على ذكر يوم بعاث الذي ذكرته عائشة.

إنكار أبي بكر على الجاريتين

إنكار أبي بكر على الجاريتين {فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني} وكان أبو بكر رجل فيه حدة، حتى يقول عمر: [[كنت أراعي حدة في أبي بكر]] وقد علم الله إخلاصه وصدقه وإنابته وعبوديته، فرفعه فأصبح أفضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك يقول عمر: [[لما ذهبنا إلى سقيفة بني ساعدة -لما مات صلى الله عليه وسلم- وخفنا أن يختلف الناس علينا؛ زورت كلاماً في صدري، لأخطب في الأنصار به، وخفت أن يسبقني أبو بكر؛ لأنه كان مشغولاً وما تهيأ أبو بكر، قال: فلما جلسنا أردت أن أتكلم وكنت أراعي حدة في أبي بكر، فلما أردت الحديث رفض أبو بكر رضي الله عنه واعترض على عمر قال: فتكلم فوالله ما ترك كلمة زورتها في صدري إلا أتى بأحسن منها!]] وهو من أخطب خطباء العرب على الإطلاق، ومن أنسب أنسابهم ومن أفصح فصحائهم، اسمعوا إلى الكلمة اللينة، الأنصار في سقيفة بني ساعدة هموا بالاختلاف، وسبب اجتماعهم أنهم يريدون أن يكون الخليفة من الأنصار، وسعد بن عبادة كأنه الرجل المتوج للخلافة، فكأنهم يشيرون ويلوحون ولا يصرحون بتسليم الخلافة له، فلما أتى أبو بكر اندفع في الكلام وقال: [[يا معشر الأنصار! نحن الأمراء وأنتم الوزراء، قدمنا الله في القرآن وثنى بكم، نحن أقرب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم نسباً وأقرب داراً والعرب لا تجتمع لحي إلا لحينا، ثم قال: يا معشر الأنصار! جزاكم الله عنا خير الجزاء، واسيتم وكفيتم وآويتم]]. ذكر ذلك الإمام الشافعي يقول: حدثني الثقة أن أبا بكر قال في سقيفة بني ساعدة: واسيتم وكفيتم وآويتم، والله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال طفيل الغنوي: جزى الله عنا جعفراً حين أشرفت بنا نعلنا في الشارفين فزلت هم خلطونا بالنفوس وألجئوا إلى غرفات أدفأت وأظلت أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي الذي يلقون منا لملت فلما سمعوا هذا الكلام بايعوا أبا بكر بالخلافة رضي الله عنه وأرضاه. الشاهد هو في حدة أبي بكر، حتى يقول رضي الله عنه وأرضاه في اليوم الثاني من توليه الخلافة، الذي كان إعلاناً عاماً وخطبة عامة وبياناً عاماً للمسلمين في توليه الخلافة؛ لأنه في اليوم الأول لم يستطع أن يتكلم رضي الله عنه وأرضاه، فقد انصدع من البكاء على المنبر، تذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وتذكر تلك الأيام والذكريات فما استطاع أن يتكلم، فقام عمر رضي الله عنه فتكلم كلمة أبي بكر في اليوم الأول، ومجد أبا بكر وذكر مناقبه. وفي اليوم الثاني تكلم أبو بكر وقال: [[يا أيها الناس: إن لي شيطاناً يأتيني -وكل إنسان له شيطان- فالله الله لا أمسَّن أبشاركم]] (أي لا أضربكم) يخاف من الحدة أن ينال منهم رضي الله عنه وأرضاه. وفي كنز العمال منسوباً إلى السير: أنه رضي الله عنه وأرضاه جاءته إبل الصدقة يريد أن يوزعها في مصارفها، فقال لرجل من الناس: لا يدخل علي أحد ثم قال: يا عمر! ادخل معي. فدخل عمر رضي الله عنه وأما هذا الحارس فغفل، فدخل أعرابي بخطام معه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: من أدخلك؟ وأخذ الخطام وضربه، فقال: اعطني من مال الله الذي عندك، فقال أبو بكر: أستغفر الله، اقتص مني. قال عمر: والله لا يقتص منك. قال: لماذا؟ قال: تجعلها سنة، كلما أدبنا أحد أو عزرنا أحد قال: أقتص منكم!! لكن أعطه من المال؛ فأعطاه ناقة وأخرجه من إبل الصدقة. تقول عائشة: {فانتهرني} أبو بكر -له أن ينتهرها لأنها ابنته- حتى في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم تأخر عن الناس في صلاة العشاء فمر أبو بكر فقال: الصلاة يا رسول الله. انظر إلى تواضعه صلى الله عليه وسلم! في الصحيحين أن عمر رضي الله عنه يأتي في المسجد في صلاة العشاء وينظر إلى الصفوف ممتلئة وهم ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نعس هذا ونام هذا وخفق رأس هذا، فخرج عمر وأتى إلى باب الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: الصلاة يا رسول الله، نام النساء والصبيان. والآن بعض الناس لشدة تعامله وعنفه لا يرضى هذا الكلام، أتخاطبني وتقول لي هذا الكلام؟! من أنت حتى تناديني من عند باب بيتي؟ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قام وصلى بالناس، فثبت أن أبا بكر مر ببيته صلى الله عليه وسلم فقال: الصلاة يا رسول الله. فسمع حفصة وعائشة يرفعان صوتيهما على رسول الله يطالبانه بالنفقة، فقال: يا رسول الله! احث في وجوههن التراب وقم صل بالناس؛ فتبسم صلى الله عليه وسلم وقام يصلي بالناس؛ لأنه كما وصفه الله {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. ويقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] بل ثبت أنه صلى الله عليه وسلم شكا إلى أبي بكر من عائشة فدخل أبو بكر وعنف عائشة وأخذ يغمزها بيده فأخذ صلى الله عليه وسلم يمنعها ويحميها، فلما خرج أبو بكر قال: {أما رأيتي كيف منعتك من أبيك؟!} صلى الله عليه وسلم. فهنا أتى فدخل عليها فانتهرها، والرسول صلى الله عليه وسلم مضطجع، وظن أبو بكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم نام، فقال: {مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم!} يقول: هذا الغناء تغنيه في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم؟ {فأقبل عليه صلى الله عليه وسلم والتفت إليه وقال: دعهما -وفي لفظ صحيح- فإن لكل قوم عيد وهذا عيدنا} دعهما فإن هذه مناسبة عامة، وسوف يأتي كلام مفصل عن هذه المسألة في هذه الناحية. قالت عائشة: [[فلما غفل غمزتهما فخرجتا]] فـ عائشة كانت هي خائفة من أبيها وكذلك أرادت أن تقر كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يليق بها بعد أن قال صلى الله عليه وسلم: دعهما، أن تقول: اخرجا، لكن لما غفل رسول الله صلى الله عليه وسلم غمزتهما فخرجت الجاريتان.

لعب الأحباش في المسجد يوم العيد

لعب الأحباش في المسجد يوم العيد قالت عائشة: وكان يوم عيد، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين، والناس كانوا يجتمعون في المصلى قبل أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا خرج لبس أحسن لباس، والمسلم عليه أن يعتني بالمناسبات الإسلامية، بعض الناس في الزواج والأعياد وفي الرحلات يلبس من أحسن اللباس، فإذا أتى يوم الجمعة أتى بثوب النوم! فهل هذا يليق؟! {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] عند كل صلاة، فالواجب إظهار القوة والعظمة والروعة والجمال والطيب في المناسبات والأعياد الإسلامية. يقول ابن عباس: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في حلة حمراء يوم عيد فوالذي نفسي بيده ما رأيت أجمل منه}. كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلبس في المناسبات أحسن الثياب، عندما يكون مع أهله يلبس ثياب الابتذال أي ثياب البيت، ويوم الجمعة يلبس أرقى لباس، وفي المعركة يلبس الدروع صلى الله عليه وسلم. البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد إلى المسجد ودخل المدينة، وإذا بهؤلاء النفر والثلة تستعرض أمامه صلى الله عليه وسلم، وهل ضاقت بهم الأرض حتى يعرضون ويلعبون بالحراب، في المسجد؟! وكانوا من أرمى الناس، وكان وحشي الذي قتل حمزة منهم، فكانوا يهزون الحربة حتى يرضون عنها فيرمونها فلا تغادر مقتلاً إلا أصابته. أما أناشيدهم فيقولون كما في المسند وغيره محمد عبد صالح، محمد عبد صالح. يقولون هذا الرسول صلى الله عليه وسلم هو رسول البشرية ومعلم الإنسانية! ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا أنت إذا أتيت تمدح عظيماً من العظماء فتقول له: أنت إنسان، ليس هناك مدح، أو أنك أتيت إلى كريم، فقلت له: أنت رجل. ليس هناك طائل. وهنا كيف يقولون: محمد عبد صالح! بل هو سيد الصالحين صلى الله عليه وسلم، فأخذ صلى الله عليه وسلم يتبسم، وفي رواية في الصحيح: {فلما رآهم عمر - عمر رضي الله عنه دائماً يغير هذه الأمور المخالفة- أخذ حصباء من المسجد ورماهم، وقال: أفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فالتفت فإذا به يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوقف} مادام أن الرسول صلى الله عليه وسلم موجود هنا فالأمر يقتضي استفتاءه صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {دعهم -يا عمر - ليعلموا أن في ديننا فسحة -وفي لفظ صحيح- دعهم لتعلم يهود أن في ديننا فسحة} أي: هناك يسر وسهولة وسماحة في ديننا؛ فتركهم. انظر إلى تكملة القصة فقال صلى الله عليه وسلم: {أتشتهين تنظرين؟ (أي يقول لـ عائشة: أتشتهين تنظرين إلى هذا العرض؟) قالت: نعم. قالت: فأقامها صلى الله عليه وسلم وراء ظهره وجعلت خدها على خده، وهي تنظر إليهم، حتى قال لها: أرضيتي؟ قالت: نعم. } فقام صلى الله عليه وسلم وقامت وبادرت بالحجاب.

مسائل من حديث لعب الأحباش وغناء الجاريتين

مسائل من حديث لعب الأحباش وغناء الجاريتين هذا مجمل القصة وفيها مسائل:

معرفة أعياد المسلمين والأعياد البدعية

معرفة أعياد المسلمين والأعياد البدعية المسألة الأولى: ما هي أعياد المسلمين وما هي الأعياد البدعية؟ وأحسن من كتب في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم، ذاك الكتاب العجيب، الذي هو قنبلة على رأس كل ملحد وبدعي وشركي ومعطل. وأعياد المسلمين: عيد الفطر وعيد الأضحى، ليس للمسلمين عيد إلا هما. قال أنس: لما قدم صلى الله عليه وسلم كان للأنصار أعياد في الجاهلية فقال: {إن الله عز وجل أبدلنا بيومين خير من أعيادكم: يوم تفطرون من صيامكم ويوم تضحون} فعيد الأضحى وعيد الفطر هما عيدا المسلمين وليس لهم أعياد غيرهما، ومن ابتدع مناسبة وعظمها وقدسها فقد أخطأ وابتدع، فلا عيد للمرأة ولا للرجل غير عيد الفطر وعيد الأضحى، ولا عيد للمولد، فيأتون بإنسان قد يكون ملحداً أو فاجراً ويقيمون له عيد ميلاد، ويذكرون حسبه ونسبه، وماذا أكل وشرب، وكيف ينام ويقوم، ولا له أثر في الدنيا أبداً! فليس هناك أعياد إلا هذين العيدين، وأما عيد الجمعة فهو عيد على المجاز، وإلا فمناسبة العيد ليس إلا عيد الفطر وعيد الأضحى فقط. والأعياد البدعية كيوم النيروز، وهو يوم لأهل فارس يعظمونه، وعيد الميلاد، وعيد المرأة، وغيرها من هذه الكلمات التي جعلها الناس مناسبات وهي ليست بمناسبات. فأعيادنا: عيد الفطر وعيد الأضحى حرام صيامهما، فلا يصومهما المؤمن أبداً، سواء كان عليه قضاء أو نذرٌ أو يريد تنفلاً، بل له أن يتزين ويتجمل ويتطيب وأن يروِّح عن نفسه، وسوف يأتي الكلام عن الترويح المباح ما هو، وما هي المناسبة التي تجري في مثل هذه الأعياد.

مظاهر الفرح يوم العيد

مظاهر الفرح يوم العيد الأمر الثاني: الفرح يوم العيد: الفرح يوم العيد كإنشاد الشعر الذي لا يصاحبه طبل ولا مزمار ولا دف ولا ناي، والفرح يوم العيد كالرحلة والنزهة، والفرح يوم العيد كزيارة الأقارب، وبعض المزاح المباح والدعابة الطيبة، وإظهار التوسعة على الأهل من الكسوة والمطعم والنزهة وغير ذلك هذا هو الفرح الذي نص عليه أهل العلم.

حكم الغناء في الشريعة الإسلامية وأضراره

حكم الغناء في الشريعة الإسلامية وأضراره الأمر الثالث: حكم الغناء في الإسلام: تقول عائشة هنا: تغنيان؛ فهل الغناء وارد وجائز أم لا؟ أما قولها في الحديث: {تغنيان} تبين هذه الرواية رواية {وليستا بمغنيتين} أي: لا تجيدان الغناء، والغناء في الإسلام هو الغناء الذي يصاحبه وتر أو طبل أو ناي أو مزمار فهو حرام نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم على تحريمه، وفي القرآن ما يشير إلى ذلك قال أعز من قائل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً} [لقمان:6]. قال ابن مسعود في "لهو الحديث": أقسم بالله إنه الغناء، وفي صحيح البخاري عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} واستحلالها أي: بعد التحريم، فهي محرمة إذاً. وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء:64] قال بعض أهل العلم: أي بالغناء. والغناء كما يقول ابن مسعود: [[ينبت النفاق في القلب كما ينبت البقل من المطر]] فحرام على المؤمن أن يسمع أذنيه الغناء الذي يصاحبه وتر أو عود أو ناي أو غيرها من الآلات الموسيقية، فإن كان من المرأة؛ فهو أشد تحريماً وأغلظ قبحاً وأشد سوءاً، نسأل الله العافية والسلامة. ومن أضرار الغناء: أنه يصد عن ذكر الله عز وجل، ويعمي القلب، ويشغل عن الطاعة، ويفوت المقصود، ويحبب الجريمة من الزنا، والفاحشة. قال عمر بن عبد العزيز لأبنائه: [[إياكم والغناء فإنه بريد الزنا]] وقال ابن القيم في كتاب مدارج السالكين: الغناء بريد الزنا، فما استمعه إنسان وداوم عليه إلا حبب إليه الفاحشة وهون عليه حدود الله عز وجل، وحمله إلى أن يقترف المعصية إلا من عصم الله. وقال عقبة بن عامر لأبنائه: إياكم والغناء؛ فإنه يشغل عن كتاب الله عز وجل ويصد عن طاعته. ومنها: أنه يزرع النفاق في القلب، فإن الذي يستمع الغناء صباح مساء يوجد فيه شعبة من النفاق العملي، فهو يظهر للناس الخير ويبطن السوء من كثرة ما استمع. ومنها: أنه يوجد وحشة بين العبد وبين الله عز وجل، فلا يجد أنساً بذكر الله، ولا أنساً بقراءة القرآن كما قال ابن القيم: قرئ الكتاب فأنصتوا لا خشيةً لكنه إنصات لاغ لاه وأتى الغناء فكالحمير تراقصوا والله ما سجدوا لأجل الله فأهل الغناء يجدون من روعة صوت الغناء ما لا يجدون في القرآن، حتى إذا أتيت بأحسن مقرئ وأجمل صوت وقراءة حزينة مبكية لا يتأثرون ولا يبكون، فإذا سمعوا الغناء هشوا وبشوا وارتاحوا له. فهذه أضرارا الغناء التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حكمها.

حكم الأناشيد والفرق بينها وبين الأغاني

حكم الأناشيد والفرق بينها وبين الأغاني هناك فرق بين الغناء وبين النشيد، والنشيد الإسلامي مباح إذا خلا من ثلاثة أمور: الأمر الأول: ألا يصاحبه دف ولا طبل ولا مزمار ولا ناي ولا وتر ولا أي آلة من آلات المعازف، فإن صاحبه شيء من ذلك فهو حرام؛ لأنه استحلال للآلات بعد تحريمها. والأمر الثاني: ألا يكون الشعر الذي ينشد به شعر مجون وغزل يحبب الفاحشة والجريمة فإنه حرام. والأمر الثالث: ألا يُسرف فيه، ولا يكثر ولا تضيع فيه الأوقات؛ لأن بعض الناس لما فتح باب إباحة النشيد؛ أنشد وهو قائم وهو قاعد وفي المخيم وفي خارج المخيم وفي السفر وفي الحضر، وفي الحافلة! حتى لم يترك للقرآن مكانة ولا وقتاً يقرأ فيه، فالنشيد إنما يؤخذ منه بقدر الحاجة، يجعل في فترة ترويح؛ لأنه ليس بعلم ولا فقه ولا مسائل حلال ولا حرام، وإنما هو ترويح يؤخذ بقدر الحاجة. والصحيح أن الصحابة أنشدوا، وقد استمع صلى الله عليه وسلم للنشيد، لكنه صوت بلا مزمار، ولذلك كان له صلى الله عليه وسلم مولى اسمه أنجشة، والموالي في الغالب أصواتهم حسنة، والسبب في الحداء هذا أن العرب تحدو للبعير إذا أرادوا أن يسافروا مع الجمال حدوا لها، أي: أنشدوا للجمال فتهز رءوسها وتقطع المسافات ولو كانت هلكى من الجوع. قال ابن قتيبة في عيون الأخبار يروي عن الأصمعي قال: دخلت خيمة رجل من الأعراب فوجدت عنده جمالاً قد ماتت وهي حول الخيام -على ميمنة الخيمة وعلى ميسرتها- فقلت: ما هذه؟ قال: سلط الله عليَّ هذا العبد، وفعل الله به وصنع، وقد ربطه في طرف الخيمة. قلت: وماذا فعل؟ قال: أنشد إبلي من البارحة حتى قطعت كبودها تسعى حتى وصلت إلى البيت ثم ماتت! وهذا صحيح فإن ابن عباس رضي الله عنه قال: [[أول ما عرف الحداء عن العرب أن غلاماً لـ عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم سافر معه إلى الشام، فضرب عبد المطلب الغلام، فأخذ الغلام يبكي ويترنم في البكاء، فأخذت الإبل تهز رءوسها فعرف أن الإبل تتحرك مع الحداء]] وهذا موجود ومعروف عند العرب، فإن الجمل إذا كلَّ وملَّ أنشدوا له؛ فارتاح وتعجب وانبسط وانشرح صدره، ولذلك يقول عمر كما في مناقبه لـ ابن الجوزي في كتاب المناقب: [[أنشدوا لنا في السفر فإنه زاد المسافر. قال: فلما أنشد أقبل عليه الصحابة، فتركهم حتى تفرقوا فقرأ في سورة الذاريات فما أقبل عليه أحد قال: عجيب! أنشد النشيد فتقبلون وأقرأ القرآن فلا تقبلون!]] وقد طلب عمر رضي الله عنه النشيد، فإنه ثبت عنه أن دخل عليه متمم بن نويرة أخو مالك فقال: [[يا متمم! ماذا قلت لأخيك؟ يا ليتني كنت شاعراً فأرثي أخي! والله ما هبت ريح الصبا إلا جاءتني ريح أخي من اليمامة]] أخوه هو زيد بن الخطاب، أسلم قبل عمر واستشهد قبل عمر، وخرج لقتال مسيلمة الكذاب الدجال الأثيم فقتل هناك، يوم يبعثه الله من تلك الجبال من اليمامة يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أنه قاتل في سبيل الله، وعاد خالد من اليمامة، واستقبل أبو بكر وعمر الجيش فلما رآهم واستعرضهم، التفت عمر إلى زيد، وكان رجلاً طوالاً عله أن يجده في الصفوف فلم يجده فانصرع يبكي رضي الله عنه وأرضاه. فيقول لـ متمم: ماذا قلت في أخيك؟ لأن أخاه مالك بن نويرة قتله خالد بن الوليد، فقال فيه من أعجب الأبيات عند العرب، حتى قال الأصمعي: أم المراثي هي قصيدة متمم يقول فيها: بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا فليت المنايا كن خلفن مالك افعشنا جميعاً أو ذَهَبْنَ بنا معا وكنا كندماني جذيمة برهة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا وعشنا بخير في الحياة وقبلنا أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا فلما تفرقنا كأني ومالكاً لطول اجتماع لم نبت ليلة معا فبكى عمر وقال: [[يا ليتني كنت شاعراً فأرثي أخي]]. وفي الأدب المفرد للبخاري رحمه الله بسند حسن قال الأسود بن سريع: {ركبت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم على الراحلة فقال: أتحفظ شيئاً من شعر أمية قلت: نعم. قال: أنشدني. قال: فأنشدته بيتاً فقال: هيه! فأنشدته الثاني فقال: هيه! حتى أنشدته مائة بيت، ثم قال صلى الله عليه وسلم: آمن لسانه وكفر قلبه}. وفي بعض الروايات أن عمرو بن الشريد هو الذي أنشد الرسول صلى الله عليه وسلم. وعند الطبراني في المعجم الكبير عن الأسود بن سريع قال: {وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إنني مدحت ربي بقصيدة؛ فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: أما إن ربك يحب المدح} إي والله الله عز وجل يحب المدح، صح من حديث ابن مسعود عند مسلم: {ولا أحد أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه} أما قال الله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]؟ أما قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]؟ أما قال بعد أن دمر الأمم الكافرة: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45]؟ فالله يحب المدح، ولذلك من كان ينظم شعراً فليمدح الله عز وجل وليكثر من الثناء عليه. وفي البداية والنهاية لـ ابن كثير أن الشاعر العباسي أبا نواس لما توفي رئي في المنام، فقالوا: ماذا فعل الله بك؟ قال: كدت أهلك فغفر الله لي. قالوا: بماذا؟ قال: نظمت قصيدة وصفت فيها النرجسة ومدحت الله في القصيدة فغفر لي. ذكره ابن كثير في سورة البقرة لمن أراد أن يعود، وذكره في ترجمة أبي نواس في البداية والنهاية، وهي أبيات جميلة في مدح النرجسة يقول في بعضها: تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك غفر الله له بإعلانه الوحدانية في هذه القصيدة. إذاً: الشاهد الذي حدت عنه واستطردت هو عن أنجشة وكان مولى للرسول صلى الله عليه وسلم، فطلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحدو، فقام يحدو بنشيد من أناشيد العرب؛ فأخذت الإبل تهرول والنساء عليهن، فكدن يسقطن فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {رويداً يا أنجشة بالقوارير}. أي: خفف الصوت حتى لا يسقطن النساء وهن في الهودج من على الجمال. وفي الصحيحين أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وأرضاه كان ينشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعركة، وينشد يوم المعمعة ويوم السعة، يقول: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا ثم كان ينشد الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصراً كالذي نصرا فقال صلى الله عليه وسلم: وإياك فثبت. ولما أتته المنية نزل من على فرسه واقتحم وأخذ الراية وقال: أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أقبل الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة هل أنت إلا نطفة في شنة إلى آخر تلك الأبيات، فالنشيد الخالي من المجون والإسراف وآلات اللهو لا بأس به إذا اقتصد فيه كما مر. وعند ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد -وهي ليست مراجع أصيلة لكن أوردها كالزهرة تشم ولا تعك- وعند ابن قتيبة في عيون الأخبار أن عمر رضي الله عنه وأرضاه مر بغلامين له يرعيان ناقة (راعيان على ناقة واحدة) فقال عمر: ماذا تفعلان هنا؟ قالا: نرعى هذه الناقة. قال: أعيدا علي النشيد الذي كنتما تنشدانه آنفاً. فخجلا وخافا واستحيا. قال: عزمت عليكما إلا أنشدتما. فبدأ أحدهما ينشد ثم أنشد الآخر فإذا أصواتهما لا تحسن ولا ترفع ولا تشرح، فقال عمر: [[أنتما كحمار العبادي]]. والعبادي هذا كان له حماران قيل له: أيهما أخس؟ قال: هذا ثم هذا. ثم قال: أراعيان على ناقة؟! فالمقصود: أن الصوت الحسن يستأنس به؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {ليس منا من لم يتغن بالقرآن} ومعنى التغني: تحسين الصوت، وما أذن الله لأحد كما أذن لقارئ حسن الصوت أن يتغنى بالقرآن، قال ابن تيمية: معنى أذن: استمع، (وأذنت لربها وحقت) معناها: استمعت. وتحسين الصوت مطلوب في الصلاة، ولا يقول الإنسان هذا من التكلف بل عليه أن يحسن صوته ما استطاع، فإن أبا موسى -كما في الصحيحين - يقول: {لو أعلم أنك يا رسول الله تستمع لقراءتي لحبرته لك تحبيراً} أي: القرآن. وأنشد الموالي والجواري عنده: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع إلى آخر القصيدة. وفي السنن: [[ w=8002498>> أن أنساً رضي الله عنه وأرضاه دخل على أخيه البراء بن مالك، فوجده قد رفع رجلاً على رجل، وينشد ويرفع صوته وعقيرته في البيت، فقال: أتنشد وأنت من علية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: اسكت، والله لقد نشدنا عند رسول الله]]. هذا البراء الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {رب أشعث أغبر ذي طمرين -ثوبين ممزقين- لو أقسم على الله لأبره} فلما جاءت معركة تستر قالوا: يا براء! أقسم على ربك أن ينصرنا هذا اليوم. قال: انتظروني قليلاً، فنزل فاغتسل وتحنط وتكفنّ وقال: [[اللهم إني أقسم عليك هذا اليوم أن تنصرنا وأن تجعلني أول قتيل في المعركة]] فكان أول من قتل وكان النصر مع المسلمين. وفي صحيح البخاري في كتاب الأدب وفي كتاب الطب أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أتت تزور أباها وبلالاً، وقد أصابتهم حمى المدينة؛ لأنهم عندما وصلوا المدينة أصابتهم حمى، والحمى تحدث عند المرء شبه الوسوسة والهلوسة من كثرة ما تهزه وترجه، فيتكلم بكلام لا يعيه، فدخلت عائشة تزور بلالاً فسلمت عليه وقالت: يا بلال! كيف تجدك؟ فرفع صوته وكان صوته جميلاً وقال: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل وهل أرِدن يوماً مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل وهذه جبال في مكة، يقول: أيا ليتني أصحو من هذا الحمى وأعود إلى مكة، فتركته وأتت إلى أبي بكر وقالت: كيف تجدك يا أبتاه؟ قال: كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله رضي الله عنهم وأرضاهم.

حكم ضرب الدف للنساء

حكم ضرب الدف للنساء المسألة الخامسة في هذا الدرس: ضرب الدف للنساء ما هو حكم ضرب الدف؟ وهل هو وارد أم لا؟ أما ضرب الدف ففي السنن وغيرها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف} وهذا للنساء، فإن للنساء في مناسبات الأعراس والأعياد أن ينشدن ويغنين ويضربن بالدف. أما الغناء الذي يحدث في بعض الأماكن: أن تأتي مغنية عاهرة فاجرة خسيسة خبيثة تجر القبح والزنا والفاحشة وتغني وتضرب الوتر فهذا حرام، وهذا أمر يغضب الله عز وجل، ولا يرضي رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أمر منكر وجريمة شنعاء. لكن أن يجتمع النساء في مكان لا يخالطهن ولا ينظر إليهن رجال، فيأخذن دفاً ويصفقن ويغنين وينشدن ويرقصن فلا بأس بذلك، بل قد يكون من السنة، فلا يتشدد الإنسان لكثرة الحرص حتى يخرج من السنة، فلا ينكر الإنسان أن تفعل النساء مثل هذا الفعل بل عليه أن يكون مع السنة، وأن يكون مع سيرته صلى الله عليه وسلم مسهلاً ميسراً، فالدف للنساء وليس للرجال، ولا يرى أهل العلم لهذه الأدلة أن الرجل يقف بطوله وعرضه ويرقص على الدف والمزمار، ويكفيه أنها تشغل عن ذكر الله، لكن له أن ينشد أو يستمع نشيداً مباحاً أو يستمع ما خلا من دف أو آلة لهو أو لعب.

حكم نظرة المرأة إلى الرجال

حكم نظرة المرأة إلى الرجال المسألة السادسة: نظر المرأة إلى الرجال من غير ريبة: تقول عائشة: {وضعت خدي على خد الرسول صلى الله عليه وسلم وأنا أنظر إلى الحبشة} فهل في هذا جواز نظر المرأة إلى الرجال؟ أولاً: قال الإمام النووي: نظر المرأة إلى الرجال بشهوة حرام بالإجماع، ولذلك قال أعز من قائل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31] فالغض هنا واجب إذا كانت هناك ريبة وشهوة. وأما عند انتفاء الريبة فقال: في المسألة خلاف والأصح ألا تنظر، ولكن الذي يبدو لي أنه إذا لم يكن هناك ريبة؛ فلها أن تنظر، إلى الرجال، فإن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن ينظرن إلى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكن ينظرن إلى وجه أبي بكر على المنبر وهو يخطب وكذلك عمر، ولو كان لا يجوز للمرأة أن تنظر كان أمر الرجال أن يحتجبوا وأن يغطي الرجل على وجهه حتى لا تنظر إليه المرأة كما تفعل المرأة في جبال الطوارق في الجزائر حيث يتغطى الرجال والنساء سافرات! يسمون قبائل الملثمين، هم مغطون ويرون الطريق بحفظ الله ورعايته لكن المرأة لها أن تنظر كاشفة عن وجهها. ووضع الندى في موضع السيف بالفتى مضر كوضع السيف في موضع الندى فلو كان النظر إلى وجه الرجل حرام؛ كان الرجال أمروا بأن يضعوا شيئاً على وجوههم، لكن للمرأة في حالة عدم الريبة لها أن تنظر من وراء حجابها إلى من يعلم ويدرس في حلقة العلم إذا لم يكن هناك ريبة والأولى أن تترك، لكن هنا نبين الحكم ولا يحملنا الحرص على أن نتجاوز السنة. وأما حديث عائشة فقال أهل العلم فيه: أن هذا قبل الحجاب، أي: أن نظر عائشة رضي الله عنها وأرضاها كان قبل الحجاب، ولكن ليس هناك دليل، وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال، فمن يدلل لنا بحديث صحيح أنه قبل الحجاب أو بعد الحجاب فيبقى على أنه ليس هناك دليل، ويبقى على الأصل أنها نظرت إليهم. وقال بعضهم: لأنها صغيرة رضي الله عنها وأرضاها، لكن حقق الحافظ ابن حجر أن هذا النظر كان في السنة السابعة وعمرها رضي الله عنها وأرضاها خمسة عشر عاماً فدل على أنها كبيرة. وقال النووي وبعض الشافعية: نظرت إلى سلاحهم ولم تنظر إلى وجوههم. لكن ليس هناك دليل على أنها نظرت إلى السلاح والحراب ولم تنظر إلى الوجوه. وأحسن الأجوبة أن يقال: نظرت ولم يكن فيها ريبة ولا شهوة رضي الله عنها وأرضاها، فجاز لها الأمر وأقرها صلى الله عليه وسلم في ذلك، فليعلم هذا، لأن هذا كأنه أقرب الأجوبة مما ظهر من كلام أهل العلم.

الحث على التدريب على القتال

الحث على التدريب على القتال المسألة السابعة: التدريب على القتال قبل نزوله ومنها المسابقة بين الخيل: يقول عز من قائل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال:60] فكان صلى الله عليه وسلم يقر التهيؤ للمعركة والاستعداد، ومن هؤلاء أخذ أهل العلم أن على الناس أن يتثاقفوا بالسلاح، ويريشوا سهامهم، ويجردوا سيوفهم، وأن يتدربوا على المنازلة قبل المعركة. لما التقى سعد رضي الله عنه وأرضاه في القادسية بـ رستم قائد فارس قبل بداية المعركة بليلة، أرسل رستم الفارسي جاسوساً له، وقال: اذهب فادخل في جيش المسلمين وانظر ماذا يفعلون في ليلهم؟ وعد وادخل في جيشنا وانظر ماذا يفعلون في ليلهم؟ فذهب هذا الجاسوس إلى جيش المسلمين، فدخل في أوساطهم، فرأى فرقة تتدارس القرآن في الليل، ورأى كتيبة تتلو القرآن وتذكر الله عز وجل، ورأى آخرين يدعون الله ويناجونه ويبكون ويسألون الله النصر، ورأى آخرين يصلون، ورأى آخرين يتدربون يريشون السهام ويجردون السيوف ويتثاقفون بالرماح، فخرج من جيش المسلمين ودخل في جيش فارس فرأى أناساً قد سكروا وفقدوا وعيهم من الخمر، وأناس يعاقرون، وأناس على الفاحشة، فعاد فأخبر رستم فعض على أنامله وقال: هزمنا من الآن. وهزموا بأمر الله {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45]. فالمثاقفة والتدريب وارد عند المسلمين، ولذلك يقول ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين: {سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي ضمرت والخيل التي لم تضمر} -الفرس يضمر عند العرب أي: يجوع حتى يصبح خصره كالقوس، أي: يترك من الأكل أربعين يوماً، ويسقى ماءً ويعطى بعض الأمور الخفيفة حتى يبقى خفيفاً يصبح خصره كالقوس؛ فيصبح سريعاً كمر الريح، فضمر صلى الله عليه وسلم بعض الخيل وبعضها لم يضمرها، ثم أتى في استعراض حافل يستعد للمعارك عليه الصلاة والسلام فطلب من شباب الصحابة أن يتسابقوا ويرى صلى الله عليه وسلم- فذهبوا إلى الثنية وبدأت الخيل التي ضمرت تتسابق والرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة عند مسجده في المدينة، وبدأ السباق من ثنية الوداع، فكان ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه في الخيل التي ضمرت فأتى فرسه يقذف به قذفاً قال: فلما وصلت إلى المسجد كان الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة ينتظرون السابقة منا، حاولت أن أحبس فرسي عند المسجد وكان للمسجد جدار فما استطعت من سرعة الفرس فاقتحم بي ودخل بي المسجد! والرسول صلى الله عليه وسلم ينظر، حاول أن يحبسه بلجامه وأن يحد من سرعته لكنه لم يأخذ حذره من ذاك الموقف فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يتبسم هو والصحابة، فلما قرب الفرس؛ ما استطاع أن يرده الجدار، فقفز به من على الجدار، حتى دخل به داخل المسجد، فكان ابن عمر فيمن سابق. وتسابق الناس على الأقدام كما في صحيح البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: نادى مناد: من يسابق؟ من يسابق؟ أعرابي عنده جمل فقال سلمة: أنا أسابقك. فكان سلمة رضي الله عنه وأرضاه يسابق على الأرض وذاك على الجمل، فسبق بإذن الله، وسلمة أسبق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول أهل السير: كان يصيد الغزلان من سبقه، وكان يطارد الأرنب حتى يمسكها برجلها! وثبت في صحيح البخاري في حديث الغابة أنه لما أتى السبعة العرنيين أكرمهم صلى الله عليه وسلم وأنزلهم في المدينة ورأى بطونهم قد ذربت من الوباء والسقم، فأمرهم أن يذهبوا إلى الغابة فيشربوا من أبوال إبل الصدقة ومن ألبانها علهم يصحون. وهذا علاج للسقيم أن يشرب من بول الناقة ومن لبنها، وهذا يعرفه العرب، فلما ذهبوا ومَنَّ الله عليهم بالشفاء -انظر إلى جزاء المعروف- قاموا إلى الراعي مولى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقتلوه وجدعوا أنفه وقطعوا أذنيه وكفروا بالله وارتدوا عن الإسلام وساقوا الإبل معهم! وكلها مخازٍ وفضائح بعضها على بعض {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:40]. فأتى خادم من موالي الرسول صلى الله عليه وسلم ففر منهم وأتى وأخبرهم في المدينة فسمعه سلمة وهو في الطريق فقال: ماذا حدث؟ فأخبره الخبر، فقام سلمة على جبل أحد قال: فصوت حتى أسمعت ما بين لابتيها قبل صلاة الفجر، ثم أخذ وراء هؤلاء يريد أن يلاحقهم قبل أن يصبحوا في قومهم في غطفان، وإذا دخلوا في غطفان منعتهم غطفان، قال: فلحقتهم بعد طلوع الشمس بعد أن ارتفع النهار، قال: فكنت أرميهم بالحجارة وأعطلهم فيعودون إلي فأفر إلى الجبل، فإذا رجعوا؛ شددت وراءهم، قال: فأثخنتهم بالجراح، حتى أخذوا ينزلون بردهم من عليهم ويقولون: ماذا لقينا منك هذا اليوم؟ قال: فحاججتهم وعلمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يرسل سرية ورائي وظللت أريد أن أمهلهم وأثبطهم حتى تأتي السرية، فلما أتوا يريدون الماء وقت الظهيرة وقد عطلهم أن يصلوا ديارهم، قال: وإذا بالغبار ينقاد من وراء الجبل؛ فعلمت أنها سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظرت وإذا به كرز بن عبد الرحمن أحد الأبطال والشباب من شباب محمد صلى الله عليه وسلم يقود كتيبةً قوامها ثلاثمائة مقاتل، فطوقت المكان واستسلم هؤلاء الخونة، وأتى صلى الله عليه وسلم فلقيه سلمة فقال: يا رسول الله! أعطني هذا الجيش أصبح به غطفان؛ فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: ملكت فاسجح. أي: أنك توليت فاعفوا واصفح، انتهى الأمر، فأخذ صلى الله عليه وسلم هؤلاء السبعة فألقاهم في الحرة فقطعهم من خلاف {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33] وسمل أعينهم صلى الله عليه وسلم بالمسامير الحارة، وتركهم يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا عطشاً. إذا الشاهد من هذا أن التدريب على القتال قبل نزوله ومنها المسابقة بين الخيل، والمصارعة، وأن هذا من أسباب القوة ومن إظهار الاستعداد لقتال الكفار، والرسول صلى الله عليه وسلم -كما تعرفون في السيرة- صارع ركانة، ولو أن بعض أهل الحديث له كلام في هذا لكن هكذا ورد في السيرة أنه صلى الله عليه وسلم صارع ركانة وقد كان من أقوى الناس وأشد العرب، فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يسلم، فطلب معجزة؛ فأعطاه صلى الله عليه وسلم المصارعة، فصارعه أول مرة فصرعه صلى الله عليه وسلم، ومرة ثانية فصرعه، وثالثة فأسلم ودخل في دين الله. وصح أنه صلى الله عليه وسلم تسابق هو وزوجه عائشة رضي الله عنها وأرضها، وهذا من كمال خلقه ومن حسن عشرته صلى الله عليه وسلم، فإن الذي نشعر فيه بالتقصير في الغالب سوء العشرة مع النساء، فإن بعض الناس يكون ضحاكاً بساماً مزاحاً مع الناس، فإذا دخل بيته؛ كشر وتزمت وغضب، وفي كتاب الأدب المفرد للبخاري قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: [[الدعابة مع الأهل، والوقار مع الناس]] وقال بعض السلف: كن كالطفل إذا دخلت على أهلك. وقالت عائشة رضي الله عنها: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل علينا دخل علينا ضحاكاً بساماً مزاحاً صلى الله عليه وسلم}.

جواز التوسع في اللعب المباح الذي لا يصد عن ذكر الله

جواز التوسع في اللعب المباح الذي لا يصد عن ذكر الله المسألة الثامنة: التوسع في بعض اللعب المباح الذي لا يصد عن ذكر الله ولا يشغل عن طاعته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في مثل المناسبات والأعياد، كالرمي والنضل والمسابقة وإنشاد الشعر والمساجلة والمطارحة وبعض المزاحات التي لا يدخلها كذب ولا غيبة ولا استهزاء بالمسلمين ولا تقسي القلب. والصحابة مزحوا بل مزح سيدهم صلى الله عليه وسلم، قيل لـ سفيان الثوري: المزح هجنة. قال: بل سنة. فكان صلى الله عليه وسلم يمزح ولكن لا يقول إلا حقاً، وكانت تعجبه الدعابة صلى الله عليه وسلم. وورد في السيرة: أن ابن النعيمان كان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رجلاً مزاحاً من الأنصار. أتى أعرابي في المدينة بسمن وعسل فأخذ السمن والعسل منه، وقال: اطلب قيمته من ذاك الرجل (يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم) ثم ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: هذه هدية أهديتها لك يا رسول الله. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أصلاً يريد الدعوة، وأما الحساب وقضية الحساب فأمر آخر، فدعا له صلى الله عليه وسلم فلما انتهى وخرج وإذا بالأعرابي يقول: اعطني مالي. قال: وما مالك؟ قال: قيمة السمن والعسل؛ فتبسم صلى الله عليه وسلم وأعطاه. ابن النعيمان سافر مع أبي بكر إلى دمشق، فلما أصبحوا في الطريق أتى رجل من الأنصار وكان أسمر اللون، وكانت عنده الميزانية: التمر والدقيق والخبز وكل شيء، وكان هو الذي يوزع عليهم الأكل وابن النعيمان كان رجلاً أكولاً، يريد خمس أو ست وجبات في اليوم، وكان هذا الرجل المتصرف يريد أن يوزع عليهم وقت الوجبة فحسب، فكان يطلبه كثيراً يقول: اعطني تمراً، اعطني خبزاً فيرفض فقال ابن النعيمان: والله لأرينك. فلما وصلوا إلى الشام وهناك أسواق يباع فيها الرقيق قبل أن يعتق الرقيق، ذهب ابن النعيمان إلى تجار من أهل الشام قال: عندي مولىً لي وسوف يقول لكم أنه ليس مولى، لقد اتعبني وأشغلني فأريد أن تشتروه مني. قالوا: سمعاً وطاعة. فنازلهم في الدراهم فلما دفعوا له القيمة، قال: تعالوا معي، وسوف يقول لكم: إنه حر فإن كنتم تريدون إشغالي وإشغاله فلا تأخذوه من الآن. قالوا: لا. فأخذوا الحبال واقتربوا منه، فلما قربوا منه قال: إني حر، أعيذكم بوجه الله، لا تقربوا مني. قالوا: أخبرنا قبل أن تخبرنا أنك سوف تفعل، فقيدوه وسحبوه. فلما أتى أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه قال: أين فلان؟ قال ابن النعيمان: بعته يا أبو بكر. قال: ممن؟ قال: بعته قبل قليل في السوق. قال: فعل الله بك وفعل، وضحك أبا بكر حتى استلقى رضي الله عنه وأرضاه فدخل أبو بكر السوق يلتمس وينادي: أين فلان؟ فأجابوه، فلما رأى التجار أبا بكر عرفوا وجهه؛ لأنه كان سفيراً في الجاهلية وفي الإسلام، صبيحاً قائداً زعيماً، فلما رآه قال: هذا فلان من أسرة آل فلان من الأنصار. فأطلقوا له الرجل، قال: فلما وصل إلى الصحابة ضحكوا حتى ترادوا هذه القصة عاماً كاملاً. هذا من ضمن ما ورد في المزح المباح، ولكن بعض المزح قد يجحف أو يغضب فعلى العبد أن يتجنبه.

حكم حمل السلاح في الأعياد

حكم حمل السلاح في الأعياد المسألة التاسعة: كيف يجمع بين لعب الحبشة بالسلاح في العيد وبين النهي عن حمل السلاح في الأعياد؟ لقد عقد البخاري باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم، ويجمع بينهما بأمور: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتألفهم إلى الإسلام فتركهم يلعبون بالحراب في العيد. الأمر الثاني: أنه لا يخاف منهم أشراً ولا بطراً ولا تجبراً ولا تكبراً. الأمر الثالث: أنه لا يخاف منهم أن يعدو بعضهم على بعض، وإنما منع حمل السلاح في الأعياد لأن بعض الناس والقبائل بينهم ثارات أو بعض الأشخاص قد يأخذونه فرصة فيقتل بعضهم بعضاً في مجمع الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم منع من إدخال السلاح في الحرم وحمل السلاح في الأعياد والمناسبات، حتى أتى ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه مكة لما حج الحجاج الطاغية؛ فطعن أحدهم ابن عمر في رجله -رضي الله عنه وأرضاه- برمح، فأتى الحجاج يزوره، ويقول: حسبنا الله ونعم الوكيل. يقول هذا دجلاً ويقول: من طعنك؟ ليتني أدري، وهو الذي أمر بطعنه كما يقول بعض أهل العلم، قال ابن عمر: أنت الذي طعنتني. قال: ولمه؟ قال: أمرت بإدخال السلاح في يوم لا يدخل فيه السلاح، فدعا عليه ابن عمر، ومات منها ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه. فهذه مسائل هذا الباب الذي عقده البخاري في كتاب العيدين، والذي أتحفنا به، وكل كتب البخاري وأبوابه حسنة، بل تزداد حسناً كلما تأملها الإنسان وتدبرها، وكأن القائل حينما يرى هذا التبويب وهذا الكلام وهذا الجهد المشكور يقول للبخاري: بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا أم المعاني اللواتي قد أتيت بها أرى بها الدر والياقوت متصلا لو ذاقها مدنف قامت حشاشته ولو رآها غريب داره لسلا اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إن نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

حسبنا الله ونعم الوكيل!

حسبنا الله ونعم الوكيل! إنها الكلمة التي قالها إبراهيم عليه السلام وهو بين السماء والأرض عندما ألقي في النار فأنجاه الله. وهي الكلمة التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم لما اجتمع عليه الناس. وهي الكلمة التي قالها ويقولها أصحاب الدعوات في كل زمان ومكان إذا أدلهمت بهم الخطوب، واشتدت عليهم الكروب، فماذا تعني هذه الكلمة العظيمة؟ وما هو تعريف التوكل عند أهل العلم؟ وكيف يكون التوكل؟ وهل الأخذ بالأسباب من التوكل؟ ثم ما هي صفات السبعين الذين يدخلون الجنة بغير حساب؟ كل هذه المسائل أجاب عنها الشيخ في هذا الدرس.

فضل كلمة: (حسبنا الله ونعم الوكيل)

فضل كلمة: (حسبنا الله ونعم الوكيل) إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ويتجدد اللقاء، ويزداد الشوق، ويتكاثر الحب لأناس ما أحببناهم إلا في الله عز وجل, وليس بأول مرة ولا بآخر مرة -إن شاء الله- أن نرى الأخيار والأبرار, وأن نرى شباب الصحوة وجنود محمد عليه الصلاة والسلام تكتض بهم المساجد, وتزدحم بهم الأرصفة، وهم يكونون مسيرة للواحد الأحد, إنني أقول لكل شاب منهم: أحبك لا تسأل لماذا لأنني أحبك هذا الحب رأيي ومذهبي وأرتاح أن ألقاك في كل مجلس لقاؤك فوز للحبيب المعذب أيها الأخيار: نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بهذا الحب, فوالله إن القلب ليسعد أن يرى المسلم أمامه وهو يحضر هذه المجالس، ليشارك بمجلس من مجالس الخير يحفظ له عند الله، اللهم إن أهل الباطل يجتمعون في مجالس ينكثون عهدك، ويحاربون أولياءك، ويحشدون حشودهم من أجل معاصيك، اللهم فقد اجتمعنا لمرضاتك يا رب العالمين, واجتمعنا لنرفع لواءك فارحمنا رحمة عامة وخاصة. ثم إنني أزف إليكم بشرى، وهي: أنا جئت من الجنوب وهناك آلاف الشباب يملئون المساجد, يسبحون الله بالغدو والآصال, صحوة عارمة؛ لأن الله يقول: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21]. والله عز وجل إذا أراد أن يتمم شيئاً فلابد أن يتممه, فالنور نوره, والرسالة رسالته، والرسول رسوله قال تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32]. وعنوان المحاضرة كما ذكرنا: "حسبنا الله ونعم الوكيل" وهي كلمة المسيرة التي تحققت في حياة الإمام الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام, قالها في رهج العاصفة, قالها وهو يصارع الأحداث؛ لأنه كما يقول بعض المعاصرين: إنه عليه الصلاة والسلام فتح جبهات عديدة: جبهة ضد الصهاينة , وجبهة ضد النصرانية , وجبهة ضد المجوسية , وجبهة ضد الصابئة , وجبهة ضد المشركين, وكلها يتلقاها بـ (حسبنا الله ونعم الوكيل) , وهي الكلمة التي قالها إبراهيم عليه السلام وهو بين السماء والأرض عندما وضع في المنجنيق, فلما اقترب من النار أتاه جبريل عليه السلام، فقال له: ألك حاجة؟ فنبض التوحيد والتوكل في قلب إبراهيم، فقال: أما إليك فلا. وأما إلى الله فنعم. حسبنا الله ونعم الوكيل، فجعل الله له النار برداً وسلاماً. والله يصف أولياءه في أحد , والرسول صلى الله عليه وسلم كله جراح, وقد انكسرت رباعيته ودخل المغفر في رأسه عليه الصلاة والسلام, وذُبح من أصحابه سبعون, فأتاه رجل من الناس يقول: إن الناس قد جمعوا لكم، فقال عليه الصلاة والسلام: {حسبنا الله ونعم الوكيل} قال سبحانه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174].

أهمية الاعتصام بالله والتوكل عليه

أهمية الاعتصام بالله والتوكل عليه روى البخاري وغيره في الصحيح وزاد الإسماعيلي في روايته: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم -سيد المتوكلين- خرج إلى الصحراء في غزوة يجاهد في سبيل الله, وفي الظهيرة تفرق أصحابه تحت الشجر ينامون، كل وضع رداءه لينام, وأخذ صلى الله عليه وسلم الشجرة الكبيرة فنام تحتها وخلع ثوبه وعلقه في الشجرة وبقي في إزار، فلما نام عليه الصلاة والسلام -ولكن كما يقول شوقي: وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان أي: إذا لاحظتك عناية الله فنم ملء عينك, ونم ملء جفونك ولا تخف {نام صلى الله عليه وسلم فأتى مشرك من المشركين فاخترط سيف الرسول عليه الصلاة السلام صلتاً بيده, وأيقظ الرسول عليه الصلاة والسلام, والرسول صلى الله عليه وسلم مضطجع أمامه، فيقول المشرك: من يمنعك مني؟ قال: الله! فاهتز المشرك خوفاً ورعباً وسقط السيف من يده, فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم السيف وأجلس المشرك، وقال له: من يمنعك مني؟ قال: لا أحد، كن خير آخذ، قال: عفوت عنك} فأسلم الرجل ودعا قبيلته للإسلام فأسلموا عن بكرة أبيهم. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في حديث قدسي يصححه بعض العلماء: {وعزتي وجلالي ما اعتصم بي أحد فكادت له السماوات والأرض إلا جعلت له من بينها فرجاً ومخرجاً، وعزتي وجلالي ما اعتصم بغيري أحد إلا زلزلت الأرض من تحت قدميه} فالذين يتصلون بغير الله جبناء وسفهاء, ولا يملكون شيئاً حتى ولو خططوا وملكوا ورصدوا ولو حاولوا فالقدرة قدرة الله, اسمع إلى الله تعالى وهو يقول: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:79 - 80]. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لرسوله عليه الصلاة والسلام ولكل مسلم: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] لأن الله لا يموت أما سواه فيموت، الأنداد, والأضداد, والهيئات, والمنظمات, والكيانات كلهم يموتون، والمطلوب منا ألا نخف إلا من الله، قال بعض المفسرين: إذا أردت أن تكون أشجع الناس فلا تخف إلا من الله, ومن خاف من غير الله, خوفه الله من كل شيء، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159]. وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2] والتوكل فسره أهل العلم فقالوا: أن تفوض أمرك إلى الله، كما فعل موسى عليه السلام, أتى إلى البحر والعدو من ورائه فقال بنو إسرائيل: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] قال موسى: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62]. وكما فعل عليه الصلاة والسلام في الغار يوم قال لـ أبي بكر: {لا تحزن إن الله معنا} فنجاه الله. وكما فعل الصالحون من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ويفعله الدعاة دائماً، أن تفوض أمرك إلى الله, قال تعالى: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر:44 - 45]. وقال تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر:43]. ويقول تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]. وقال تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142]. ويقول تعالى أيضاً: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:26]. لا تهولنكم الأنظمة الكافرة, والكيانات الصادة عن منهج الله, ولو عظمتها أجهزة الإعلام, ولو ذكرت قواها, فإنها تبور أمام قوة الواحد الأحد. ورأيت ابن تيمية شيخ الإسلام رحمه الله ذكر دعاء موسى عليه السلام في سيناء يوم سجد وقال: "اللهم إليك المشتكى, وأنت المستعان, وعليك التكلان, ولاحول ولا قوة إلا بك". وذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد أن موسى عليه السلام يوم أن كشف الغطاء عن البئر، ثم عاد إلى الظل قال: يا رب مريض فقير غريب جائع -موسى فيه أربع صفات هي: أنه فقير، ومريض، وجائع وغريب- فأوحى الله إليه: يا موسى! الفقير من لم أكن أنا مغنيه، والمريض من لم أكن أنا طبيبه، والجائع من لم أكن أنا مطعمه، والغريب من لم أكن أنا مؤنسه. وقال ابن القيم في الفوائد: "من توكل على الله أكسبه عشيرة بلا عشيرة".

أثر التوكل على الله في النصر على الأعداء

أثر التوكل على الله في النصر على الأعداء يقول تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173]. ولذلك يمدك الله بنصره وتوفيقه، ويشتد على قلبك؛ لأن الواحد الأحد كتب الغلبة له وحده، فيقول: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21] ومن الآيات في هذا الباب قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب:22] والسبب أن الرسول صلى الله عليه وسلم حفر مع الصحابة-كما تعرفون- الخندق فلما عرضت في الطريق صخرة عظيمة، فما استطاع الناس أن يزيلوها, فأعطوا الرسول صلى الله عليه وسلم المعول فنزل بيده الشريفة فضرب الصخرة فبرق بارق من الصخرة ملأ المدينة قال: {أريت قصور كسرى وقيصر وسوف يفتحها الله علي} هذا في وقت الضيق والجاهلية تحاصره، فيضحك المنافقون ويتغامزون ويقول أحدهم: أحدنا لا يجترئ أن يبول، وهذا يقول: يفتح الله عليه قصور كسرى وقيصر، يقول تعالى عن المنافقين: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12] فأما أبو بكر وعمر وأمثالهما فيقولون: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب:22]. وبالفعل فتحها الله عليه, وسبح المسبحون بحمد الله بدعوته في أسبانيا والسند وفي طاشقند وأذربيجان، وجورجيا وفي سمرقند كلها بدعوة المعصوم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه توكل على الله, وقال الأنبياء: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [ابراهيم:12].

توكل الأنبياء والصالحين على الله

توكل الأنبياء والصالحين على الله ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سير الصالحين وأن كل واحد منهم كان يقول: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] ويقول هود عليه السلام: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:56] فيقول أحد المفسرين: الله على صراط مستقيم، والرسول على الصراط المستقيم، والإسلام صراط مستقيم والصالحون على الصراط المستقيم. في كفك الشهم من حبل الهدى طرف على الصراط وفي أرواحنا طرف قيل لـ ابن مسعود: ما هو الصراط المستقيم؟ قال: [[محمد في أوله وتركنا في آخره]] ويقول ابن القيم: "في الدنيا صراط مثل صراط الآخرة من نجا فيه هنا نجا هناك" لأن الصراط هنا هو الطريق المستقيم، وفيه شهوات وشبهات ومعاصٍ, ومنكرات, فكلما نهشتك شبهة؛ نُهِشْتَ بشوك السعدان أو الكلاليب على صراط جهنم، أعاذنا الله وإياكم من السقوط والوقوع من على الصراط، إنه على كل شيء قدير. يقول شعيب -وهو خطيب الأنبياء- ويقال: ما سُمع بحجة كحجة شعيب عليه السلام وكان خطيب الأنبياء وكان فصيحاً وحججه دامغة أوردها الله في سورة هود إيراداً عجيباً، يقول شعيب: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] يقول المفسرون: توكلت في أول الطريق وأنيب في آخر الطريق، ويقول الله لرسوله عليه الصلاة والسلام: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129] ولا يمكن لأحد أن يصارع الأحداث إلا بالتوكل على الله الواحد الأحد، ويجعل قوته من قوة الله المستمدة لا من قوة البشر، انظر إلى الأدعياء الذين يتبعون الكيانات دائماً ويفتخرون بها، تجد الواحد منهم عنده نشوة أنه يتبع فلاناً, وأنه من خدم فلان, ولكن أنت مع الله وفي حزب الله عز وجل قال تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52]. قال ابن عباس: [[كان آخر كلام إبراهيم عليه السلام يوم ألقي في النار حسبنا الله ونعم الوكيل]] وفي الصحيحين أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: {رأيت البارحة في المنام النبي ومعه الرهيط -أي: مجموعة قليلة- والنبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد، فإذا سواد عظيم فظننتهم أمتي، فقالوا: هذه أمة موسى عليه السلام, ثم إذا سواد عظيم قد سد الأفق فقلت: من هؤلاء؟ قالوا: أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب} ثم قام عليه الصلاة والسلام وترك المجلس، فخاض الناس فيهم، فقال بعض الصحابة: هم الذين ولدوا في الإسلام، وقال بعضهم: هم الذين صحبوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وقالوا أشياء أخرى، فخرج عليه الصلاة والسلام وأخبرهم فقال: {هم الذين لا يكتوون، ولا يتطيرون ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون} وفي الحديث مسائل ليس الآن مجال بحثها، ومعنى: "لا يتطيرون" أي: لا يعلقون أحداثهم بالطير كمن يتشاءم بالطير ومن يظن أن هناك فألاً حسناً أو فألاً مشئوماً هذا: لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع فعلم الغيب عند الله ليس عند الطير، كذلك بعضهم يتفاءل أو يتشاءم بصوت الثعلب، أو بعضهم بصوت الغراب حتى يقول بعضهم: ناح الغراب فقلت نح أولا تنح فلقد قضيت من الأنام ديوني ويقول النابغة: زعم البوارح أن رحلتنا غداً وبذاك خبرنا الغراب الأسود فالعرب عندها سانح وبارح، فالسانح: إذا طار الغراب في الصباح على الميمنة سافروا، وإذا طار في الميسرة لم يسافروا، كانت أمة جاهلة قال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء:113] وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] وقال: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2]. يذكرني هذا الحديث بحديث في الصحيحين لطرافته وحسنه, أورده هذه الليلة لأن فيه مسألة خاض الناس أي: اختلف الناس في مراد الرسول عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث هو في خيبر حيث أرسل عليه الصلاة والسلام من يفتحها فاستعصت عليهم فكان الناس مهمومين مغمومين مكروبين وبعد صلاة العشاء قال عليه الصلاة والسلام: {لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله على يديه} قال عمر: [[ما أحببت الإمرة إلا ليلة إذ]] أي: أحببت أن أكون أنا صاحب الراية؛ لأنه من مواصفاته أنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله, فليست رتباً عسكرية, ولا شهادات علمية، إنما هي رتبة عالية هي: حب الله والرسول، وبات الناس يدوكون من يعطاها, فصلى عليه الصلاة والسلام صلاة الفجر وسلم، والتفت إلى الناس وقال: {أين علي بن أبي طالب؟} قالوا: يا رسول الله! في خيمته في طرف المعسكر، وهو لم يحضر صلاة الفجر مع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يرى مد يده حيث أصابه رمد في عينيه، فقال عليه الصلاة والسلام: أين هو؟ قالوا: به رمد يا رسول الله لا يرى شيئاً، قال: عليّ به، فذهب الناس يقودونه إلى المعصوم عليه الصلاة والسلام، فلما اقترب منه تفل في عينيه فأصبح كأن لم يكن به رمد قال: {خذ الراية، وادعهم قبل أن تقاتلهم، لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. فأين الإعلام العالمي الذي يقول: إن شباب الصحوة ودعاة الإسلام يريدون قتل البشرية؟ في الجزائر يوم خرج مليون جزائري قبل شهر من المساجد يكبرون ويهللون في شوارع الجزائر وهم يطالبون بحكم الله ويقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا قام عليهم الإعلام العالمي قال: الأصوليون يريدون إزهاق الأرواح, أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله ليخرج الإنسان من الظلمات إلى النور! بعثه بالسعادة والنور والإيمان قال تعالى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2] أما الصهيونية والعلمنة والزنادقة والحداثيون، والمهرجون، والمغنون، والضائعون فلهم الميدان والإعلام والمكانة, وأما هؤلاء فهم متهمون دائماً, تلاحقهم التهم, سبحانك ربي هذا بهتان عظيم. وذكر الترمذي في حديث حسنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: {لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً} الطائر في الصباح من يتكفل برزقه إلا الله, حتى أن ابن تيمية له كلمة في هذا يقول: "الطيور في أوكارها تشدوا بذكره " إذا سمعت الحمام يغني فاعلم أنه يشدوا بذكر الواحد الأحد، "والدود في الطين تلهج بذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى" والحيتان في البحر, وجميع ما في الأرض يسبح له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6]. وقد سمعت بعض الفضلاء يذكر قصة، يقول: رأيت عصفوراً كان يأتي إلى رأس نخلة, يهاجر من مكان إلى مكان, ومن ثم يعود إلى رأس النخلة، والعصافير عند العرب لا تبيض في النخلات، قال: فتعجبت كيف يأتي العصفور إلى النخلة؟! فصعدت النخلة فوجدت حية عمياء ويأتي هذا العصفور برزق هذه الحية, فإذا اقترب هذا العصفور فتحت الحية فمها فأعطاها اللحمة والخبز، وهذه الحية العمياء في مكانها, رزقها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بهذا الرزق, وهذا عجب من الأعاجيب؛ فإن الله يرزق الحية العمياء وهي في جحرها فكيف لا يرزق الإنسان، حتى يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:2]. حتى يقول بعض الفضلاء من الفلاسفة يقول: يخرج الإنسان من بطن أمه أول ما تضعه أمه ويداه مقبوضتان من حبه للدنيا وحرصه عليها, حتى يقول أحدهم: ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا فهو التوكل على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وممن توكل على الله أصحاب الرسول عليهم الصلاة والسلام خرجوا في الصحراء مع العلاء بن الحضرمي! فانقطع بهم الماء في صحراء الربع الخالي، بحثوا عن الماء فلم يجدوا شيئاً, حتى ذكر في السير أن بعضهم حفر قبره وجلس عليه! فقام أحدهم وقال: يا علاء بن الحضرمي ادعُ الله أن يغيثنا، فقام العلاء الحضرمي وقال: يا علي يا عظيم! يا حكيم يا عليم! أغثنا؛ فأتت غمامة لتوها فنزل القطر. أنا أعرض عليكم قصة ربما سمعها الواحد منكم مائة مرة سامحوني في التكرار, لكني أزعم أنني لا أكرر, وأن القصة ولو تكررت فهي في قالب آخر وفي مجال آخر: قالوا تكرر قلت أحلى علماً من الأرواح أغلى فإذا ذكرت محمداً قال الملا أهلاً وسهلا لكن خذوا هذه القصة, وألقوها في دار الإلحاد العالمي والشيوعية العالمية في موسكو , فإذا لم يؤمنوا فاعلموا أنما يتبعون أهواءهم. في يوم الجمعة يصعد الرسول عليه الصلاة والسلام على المنبر ويقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيقول الصحابة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته -في جو المدينة صيف قارص, والشمس لامعة ليس هناك قطعة سحاب- يقول أنس: {والذي لا إله إلا هو، ما في السماء من سحاب ولا قزعة} فيأتي أعرابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يتكلم في موضوع آخر, والأعرابي يأتي من طرف المسجد -من باب الندوة فيدخل- فيقول الأعرابي: يا رسول الله! اجاع العيال, وضاع المال فادع الله أن يغيثنا، فتوقف صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا}. قال أنس: {فسارت سحابة كالترس -الذي يضعه المقاتل على رأسه- فملأت جو المدينة ثم أرعدت, ونزل المطر وصار الماء يتصبب من سقف المسجد على وجه الرسول صلى الله عليه وسلم, وأخذ يتبسم عليه الصلاة والسلام} هذا سيد المتوكلين, محمد صلى الله عليه وسلم، وكان يسجد في المحراب في الطين وبقي المطر أسبوعاً كاملاً ليل نهار لا ينقطع حتى يقولون: سال وادي قناة في المدينة شهراً كاملاً وهو يسيل وبعد أسبوع في الجمعة دخل الأعرابي أو غيره, والرسول صلى الله عليه وسلم في الخطبة والمطر متواصل مدة أسبوع إلى الجمعة الثانية وهو مستمر فقال: يا رسول الله! جاع العيال، -أي: ما خرج بسبب المطر- وضاع المال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يرفع عنا هذا المطر، انظر ما أسرع العبد، لا يستقر على حال البأس ولا على حال النعمة، متبجح هذا الإنسان يقول تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً} [الاسراء:83]. الإنسان إذا ألقي في السفينة, وأخذت تموج به في الهواء تجد الدعاء والتذلل والتضرع لله, فإذا خرج بطر, وأخر الص

عجائب من الحيوانات في رزق الله لها

عجائب من الحيوانات في رزق الله لها حتى ذكر الجاحظ في كتاب الحيوان: أن الحية في الصحراء -في مثل الربع الخالي - تعيش السنوات, فإذا جاعت خرجت فنصبت نفسها كالعود؛ لأن الغراب لا يهبط إلا في مكان فيه عود, فيظنها عوداً فيهبط على رأسها فتأكله، من الذي دلها؟! الله. وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله: كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا فالحمد لله العظيم لذاته حمداً وليس لواحدٍ إلاكا يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] الحيوان يخرج من بطن أمه فيأتي إلى الثدي، من علمه؟! الله، النملة تعلم -بإذن الله- بأنه سوف يأتي فصل الشتاء فيه برق ورعد ومطر وسيل فتأخذ الحبوب فتجعلها في المخزون عندها في المستودع, وتخاف النملة إذا وضعت الحب في الطين في المستودع أن تنبت الحبة فتأتي إلى الحبة فتقسمها نصفين، ذكرها ابن القيم في مفتاح دار السعادة وهذا صحيح وأثبته أهل الطب من علمها؟! الله {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50]. النحلة تذهب الأميال الطويلة ثم تعود إلى خليتها، حتى يقول الأمريكي كرسون مرسون: عندها جهاز أريال، فيقول سيد قطب: لا ما عندها جهاز أريال، ليس هذا الجهاز، ولكن عندها جهاز: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل:68]. هذا التوكل على الله عز وجل, لكن الكثير من الناس لا يتوكلون على الله عز وجل, وهم يصلون ويصومون، ولقلة اعتصامهم بالواحد الأحد, تجد بعضهم يخوفك من أهل الدنيا أخوف من الله عز وجل، يقول: انتبه! هم إذا أرادوا نفذوا ما أرادوا، والله يلغي ذلك ويقول: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:16]. يقول أهل السنة ليس في الدنيا فعال لما يريد إلا الله، فليس كل أحد يريد شيئاً يمكنه أن يفعله, فإن من الناس من يريد شيئاً ولا يفعله، ومنهم من يفعل شيئاً ولا يريده، أما الذي يريد ما يفعل ويفعل ما يريد فهو الله، قال تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:16] أحياناً أنت تفعل شيئاً وأنت ما أردته، أحياناً يسقط عليك المسجل، فيقول صاحبه: لماذا أسقطته؟ فتقول: ما أردت، صحيح ما أردت، يعني: أن حركاتك وسكناتك بيد الواحد الأحد، أحياناً تقول: أريد أن أعبر البحر ماشياً, هذا ما أردت لكن لا تفعل؟ أتحداك! لست فعالاً لما تريد، أما الله فهو فعال لما يريد, هذه كذلك من المفارقات بين الخالق والمخلوق سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل

الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل أيضاً فيما يتعلق بهذا الباب ما ذكره العلماء كما عند ابن ماجة: {من خرج من بيته وقال: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان} فأوصيكم بهذا عند ذكركم وخروجكم ومزاولتكم لأعمالكم, أن تتوكلوا على الله لكن بالقلوب, وأن تعتقدوا أنه لا ينفع ولا يضر إلا الواحد الأحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ومن هذا الباب ما ذكر عن كثير من السلف منهم عمر رضي الله عنه وأرضاه أن رجلاً كان يلزم باب عمر يسأله في حاجة, ثم ذهب هذا الرجل وقال: يا رب أسألك أن تغنيني عن عمر وعن آل عمر، فأغناه الله عز وجل فسأله عمر، فقال: ما بك انقطعت عنا؟ قال: أغناني الله عنك وعن آل عمر لأني دعوت بهذا، وهذا عمر يريد أن ينقطع عنه الناس, ويتصلون بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لأن الخزائن في يديه، وكان عمر يحرك الناس إلى الله حتى نزل فرأى أعرابياً في السوق، قال: كيف أنت يا فلان؟ قال: الحمد لله، قال عمر: إياها أريد، يعني: أريد أنك تقول: الحمد لله. ومما يلحق هذا الجانب -أيها الإخوة- أن المحققين من أهل العلم يقولون: إن الأسباب لا تنافي التوكل, فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بارز في درعين وهو سيد المتوكلين, وأخذ بالأسباب وهو سيد المتوكلين عليه الصلاة والسلام، وعند الترمذي وغيره من أهل العلم كـ البيهقي وأبي نعيم: {أن أعرابياً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله أترك ناقتي وأتوكل؟ أو اعقلها وأتوكل، قال عليه الصلاة والسلام: اعقلها وتوكل}. فأدِّ السبب واترك المسبب وهو الله عز وجل فإنه سوف يحكم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أمره، فلذلك على أهل الخير أن يعملوا بالأسباب ويتركوا المسبب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يفعل ما يريد، فأنت عليك مثلاً: أن تذاكر إذا أردت أن تنجح، وعليك أن تعمل صالحاً إذا أردت الفوز في الآخرة. وعند أحمد في المسند أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {نصرت بالرعب، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، ومن تشبه بقوم فهو منهم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، قال أهل العلم: قوله عليه الصلاة والسلام: جعل رزقي تحت ظل رمحي: أي: أن الله جعل سبب رزقه بالجهاد في سبيل الله, وهو الفيء والغنائم، فالرسول صلى الله عليه وسلم زاول العمل وفعل ثم منحه الله عز وجل, لا أن معنى التوكل أن تقول: رزقي سوف يأتيني في بيتي. أنتم تعرفون القصة المشهورة -وهي ثابتة- أن عمر رضي الله عنه وأرضاه دخل المسجد فوجد شباباً يصلون ويسبحون في المسجد، فقال: ماذا تفعلون؟ قالوا: نعبد الله، قال: كلنا نعبد الله، قال: من يرزقكم؟ قالوا: الله -يُعلِّمون عمر أن الرازق هو الله- قال: أعلم أن الرازق هو الله، لكن من يطعمكم ويسقيكم؟ قالوا: جيران لنا، قال: جيرانكم خير منكم، انتظروني قليلاً، فانتظروه وأغلق عليهم المسجد, وأتى بدرته -بيض الله وجهه ووجهها- فدخل عليهم وبطحهم على ظهورهم وبطونهم ثم قال: [[اخرجوا فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، اخرجوا واعملوا]] فهو يدعو إلى أن تكون عندك مزاولة في الحياة ويكون لك مشاركة وتأثير، وتكسب المال ولا تصدق الدعوات المنحرفة التي تدعوك إلى الخمول والكسل, وتدعوك إلى ترك التأثير في العالم, وترك جمع المال كما يفعله الصالحون حتى من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بل اكسب واعمل واعبد الله عز وجل, والله عز وجل يتولاني وإياك. أيها الإخوة الكرام: صراحة لا أريد أن أستهلك المحاضرة في كلام, لأني ما أردت بهذا إلا أن أشير إليكم وأذكركم بكلمة "حسبنا الله ونعم الوكيل" ولعلنا نجدد في أسلوب المحاضرات, لا يلزم أن تكون المحاضرة كلها من المغرب إلى العشاء فيكون لها مقدمة وختام ولا نبقي للأسئلة وللمشاركة وقتاً:

الأسئلة

الأسئلة

الحور العين ومآل الزوجة في الجنة

الحور العين ومآل الزوجة في الجنة Q يقول السائل: إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعد للمتقين الحور العين, نريد أن نعرف ماذا عن النساء التقيات المتزوجات وغير المتزوجات وهل هناك فرق بينهن وبين الحور العين؟ A الذي يظهر أن الحور العين ينشئهن الله إنشاء في الجنة, ويمنحها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لعباده المتقين، أما المرأة إذا كانت متزوجة فإنها لزوجها إذا كان زوجها يحبها وهي تحبه وكان صالحاً وهي صالحة, ولا يجبر ولا يجبر بزوجة لا يحبها أو كانت سيئة الخُلق، وقد أخبرنا بعض المشايخ يقول أحد الخطباء يوم الجمعة: أبشركم بشرى أن المسلم يزوج في الجنة بزوجته في الدنيا، فقال: أحد المصلين: ابتليت بها في الدنيا وأيضاً في الآخرة! ليس هذا بل إذا كان بينهما حب ووئام زوجهما الله، وأيضاً المرأة التي ما تزوجت يزوجها الله في الجنة، وهناك امرأة تزوجت أكثر من واحد -اثنين وثلاثة- فهي لأحب الأزواج إليها أو لآخرهم, هذا على خلاف بين أهل العلم, فالله أعلم بهذا, لا يهمنا إنما نعمل صالحاً وفي الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

نصيحة بقراءة كتاب

نصيحة بقراءة كتاب Q هل في ذاكرتك آخر كتاب تنصحنا به؟ A نعم. تعودت في المحاضرات أن أنصح ببعض الكتب، وفي آخر كل شريط, وأنا في هذه الليلة أطلب من نفسي ومنكم أربعين صفحة في أول كتاب لـ ابن تيمية المجلد الأول في توحيد الألوهية، في الفتاوى المجلد الأول من الفتاوى أربعين صفحة أو خمسين صفحة، فاقرءوها كلما ضعف إيمان كل واحد منكم فليقرأ من هو الخالق سبحانه ومن هو المخلوق؟ وكيف تتوكل عليه وتعتصم به؟ أعني: أن تجعل هذا المجلد عند رأسك وقبل النوم تقرأ منه صفحات، ولذلك بلغ هذا الرجل في الإيمان مبلغًا عظيماً -رحمه الله- بسبب توحيده العظيم.

دور الوافدين في الدعوة إلى الله

دور الوافدين في الدعوة إلى الله Q ما هو دور الإخوة الذين توافدوا على جدة بقصد النزهة وأخذ هذه العطلة؟ A نعم. أنا أرى أن هناك وجوهاً قد وفدت, حتى إني أرى كثيراً من الوفود قد وجدت. وأرى الإخوة من الجنوب وأنا أعرف أهل الجنوب أكثر من غيرهم, وفدوا هنا, والشرقية والوسطى والقصيم قد يتوافدون وكل بلد منزله هو بلدنا لأننا معنا أحبة وإخوة يحملون قلوبنا ومبادئنا وأفكارنا وأشواقنا كما في القصيدة: أنا الحجاز أنا نجد أنا يمن أنا الجنوب بها دمعي وأحزاني بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبالفسطاط جيراني وفي ثرى مكة تاريخ ملحمة على رباها بنينا العالم الفاني في طيبة المصطفى روحي وا ولهي في روضة المصطفى عمري ورضواني والنيل مائي ومن عمان تذكرتي وفي الجزائر آمالي وتطوان دمي تصبب في كابول منسكباً ودمعتي سفحت في سفح لبنان فأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني إن دور الوافدين في جدة وأمثالهم من الأخيار ومن أمثالكم, أقول باختصار: واجبهم أن يدعوا إلى الله عز وجل, ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر, ولا يرضوا بالمنكرات ويمرون عليها ثم لا ينكرون ولا ينهون ولا يزجرون, فإن هذه خطورة ولو أن كل إنسان رأى منكراً وسكت، لعم الفساد في العالم, والله يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. فوصيتي كلٌ بحسبه: {بلغوا عني ولو آية} تأمر بالمعروف بكلمة, وتنهى عن المنكر بكلمة, تصور لو أن صاحب الفيديو وعنده أفلام هدامة, يمر عليه في اليوم عشرة، كل واحد منهم يقول: اتق الله! هذا محرم, فإنه بعد وقت سوف يشعر أن الرأي العام ضده، وسوف يشعر أنه مخطئ، تلومه نفسه وضميره, وسوف ينتهي، لكنه يرى الناس ساكتين لا ينهونه ولا يزجرونه فيستمر في ذلك.

ما موقفنا من الذين يتكلمون في العلماء؟

ما موقفنا من الذين يتكلمون في العلماء؟ Q إن الدعاة عندنا في البلاد يَنالُ منهم الفسقة, ويتكلمون فيهم في المجالس حتى تكلم في سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز، والشيخ/ ابن عثيمين، وتكلم فيكم، وفي الشيخ/ سلمان وناصر العمر؟ A الأمر الأول أقول: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38] فإن كنا مؤمنين دافع الله عنا. الأمر الثاني: على الدعاة أن يتصدقوا بأعراضهم ثم لا يعودون في الصدقة فتبتلى في سبيل الله -كما فعل بالرسول صلى الله عليه وسلم- وبدمائهم وبأموالهم. الأمر الثالث: ينبغي على المؤمنين أن يدافعوا عن عباد الله عز وجل, فإن من خذل أخاه المسلم خذله الله في موطن يحب أن ينصر فيه, وما من مجلس إلا ويحضره صالحون, فإذا سمعت أن عالماً أو داعية أو طالب علم تنتهك كرامته وتداس، فما موقفك إلا أن تدافع عنه وتبري ساحته, وأن يراك الله وقد جاهدت وقلت الكلمة، والحمد لله نحن نعلم أن الله قد جعل خطين متدافعين متوازيين قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31]. ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس الجبل هذا لا يهم، وأمرنا إلى الله عز وجل، وأسأل الله أن يجعلها كفارة في سبيله، فالرسول صلى الله عليه وسلم أتى إليه ابن مسعود يقول له: يا رسول الله! فلان يسبك قال: {رحم الله موسى ابتلي بأكثر من هذا فصبر} وعند البخاري في الصحيح {وصبر} وأصل القصة في غير البخاري: {أن موسى كلم الله عز وجل، فقال: يا رب أسألك مسألة، قال: ما هي؟ قال: أن تكف ألسنة الناس عني، قال: يا موسى! ما اتخذت ذلك لنفسي إني خلقتهم ورزقتهم ويسبونني ويشتمونني} وفي البخاري: {يسبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك, ويشتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، أما سبه إياي فيسب الدهر, وأنا الدهر أصرف الليل والنهار كيف أشاء، وأما شتمه إياي: فيدعي أن لي صاحبة وولداً وأنا الله لم أتخذ صاحبة ولا ولداً} فما دام أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يصبر، وقد وصفه صلى الله عليه وسلم بذلك؛ لأن أهل السنة واقفين عند الصفات، يقولون: لا أحد أصبر على الأذى من الله فما بالك بنا نحن الذي نعتبر مصدر النقص فينبغي علينا أن نصبر ونحتسب, لكن لابد على كل واحد منا أن يذب عن أخيه المسلم.

لا بد أن نعرف القائل

لا بد أن نعرف القائل Q من هو القائل: كدأب علي في المواطن كلها أبي حسن والغصن من حيث يخرجُ A القائل هو ابن الرومي في قصيدة مشهورة يرثي أحد أبناء علي بن أبي طالب في عهد بني العباس في قصيدة رائعة من أجمل المراثي يقول فيها: أزيد العلا لهفي لذكراك لهفة يباشر مكواها الفؤاد فينضج متى تستعيد الأرض ثوب جمالها فتصبح في أثوابها تتبهرج عفاء على دنيا رحلت لغيرها فليس بها للصالحين معرج كدأب علي في المعارك كلها أبي حسن والغصن من حيث يخرج سيصغي له من عالم الغيب ناصر ولله أوس آخرون وخزرج وهي من أروع ما قيل في الأدب العربي وهي من الرثاء الحق. أيها الإخوة الكرام: لا أطيل عليكم بل أطلب منكم الدعاء لدعاة الإسلام, وطلبة العلم, والعلماء بالنصر والتمكين في الأرض, وبالحماية والرعاية فإنهم بحاجة شديدة، وأطلب منكم ألا تنسوا السهام في آخر الليل فإن عندكم سهاماً لا تستخدم أحياناً، وهي أقوى من صواريخ اسكود، وهي الدعاء بظهر الغيب، قالوا متى؟ في الثلث الأخير من الليل، يعقوب عليه السلام قال لأبنائه: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يوسف:98] يقول أهل العلم: لماذا قال: سوف أستغفر لكم ربي؟! قالوا: حتى يتحرى وقت السحر. دخل أحد الناس على أحد الوزراء في بني العباس, وكان هذا الوزير ظالماً في عهد الخليفة القاهر وكان هو أيضاً ظالماً عنيداً يضرب الناس بالكفوف على وجوههم, لكن: كل بطاح من الناس له يوم بطوح فدخل أحد المساكين إلى هذا الوزير يريد أن يسأله مسألة فلطمه على وجهه، فقال ذاك الفقير: لأشكونك في الثلث الأخير إلى الله ثم ذهب، قال: افعل ما بدا لك -يتحدى- فجلس هذا الرجل في السحر في الثلث الأخير يوم يقول عليه الصلاة والسلام: {ينزل ربنا في الثلث الأخير إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه، هل من داعٍ فأجيبه، هل من مستغفر فأغفر له} فرفع كفيه إلى السماء، وقال: اللهم إنه لطمني هذا اليوم بيده اللهم اقطع يده، قال أهل العلم: والله ما مر أسبوع إلا وغضب عليه القاهر وقطع يده, وعلقت بـ باب الطاق عند مدخل بغداد وكان يستقي هذا الوزير بشماله, وله مقطوعة جميلة, وأصبح يخط بشماله ويقال: رأوه يأخذ الدلو بشماله -أهانه الله تعالى يأخذ الدلو بشماله- فقالوا: إذا أراد أن يشرب وضع الحبل في فمه وهزه حتى يشرب من الدلو ويتوضأ. على كل حال إذا كان الجزاء في الدنيا فهو سهل, وإنما قصدي هذا أنه لا يفوتكم الثلث الأخير؛ لأن الدعاء فيه مستجاب حيث يتنزل الرب سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]. وقف المسلمون على حدود كابول بجيش عرمرم ما يقارب مائة ألف, قائدهم: قتيبة بن مسلم فقال: التمسوا لي محمد بن واسع، - محمد بن واسع أزدي من جماعته- فذهبوا يلتمسونه فوجدوه قد اتكأ على الرمح ورفع إصبعه يدعو الله عز وجل وكان من سادات المحدثين, فعادوا إلى قتيبة فأخبروه، فبكى قتيبة قبل المعركة، وقال: والذي نفسي بيده، لأصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومائة ألف شاب طرير. وعن أبي الدرداء في الترمذي -وهو حديث صحيح- يقول عليه الصلاة والسلام: {إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم}. ووالله إنني كلما رأيت مع إخواني مسكيناً أو ضعيفاً تقربنا منه لأن دعاءه يفوق الألوف المؤلفة, لا تجلس إلا مع المساكين ولا تحب إلا الفقراء وحاول أن تجلس معهم, وحاول أن تقترب منهم وتجتمع بهم قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28]. أتى الفقراء يجلسون حول الرسول عليه الصلاة والسلام وأتى أبو جهل يريد أن يسمع القرآن وأبو لهب والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل أتوا وعليهم الحلل من الحرير والديباج، والفقراء مثل: ابن مسعود وعمار وصهيب وسلمان وبلال، فقالوا: يا محمد! إن كنت تريد أن نجلس معك فاطرد هؤلاء الموالي عنا، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطردهم, والرسول صلى الله عليه وسلم بشر ويجتهد فأنزل الله جبريل بقوله: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:52]. لا تبقى إلا معهم فالنصر معهم والتأييد والدعاء والحب والصلاح, ولكن ارفض الفجرة ولا تجلس معهم ولا تحبهم ولا تنتمي إليهم؛ لأن الله قطع الحبل بينه وبينهم, فلماذا نتحاب هل بيننا نسب؟! ليس بيننا نسب إلا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] هل بيننا سبب؟! ليس إلا سبب لا إله إلا الله، اللهم انفعنا بهذا النسب والسبب. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

العلمانيون والصحوة

العلمانيون والصحوة Q يقول السائل: ما موقف العلمانيين في بلادنا؟ وهل يرتاحون من الصحوة أم لا؟ A أنا أقول: وهل نتحرى ارتياحهم من الصحوة؟ يقولون: يزيد حاسداً له (يزيد) مغضباً منه قال: يزيد يغض الطرف دوني كأن ما زوى بين عينيه عليَّ المحاجم فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغم في يوم عرفة الكل سعيد إلا الشيطان, يقول عليه الصلاة والسلام: {ما رُئي الشيطان أصغر وأدحر من يوم عرفة} فهؤلاء ما يرون أصغر ولا أدحر من اجتماع أهل الخير, ومن اجتماع أهل العلم, ومن اجتماع أهل الفضل من أمثالكم فما ضرنا، فهل نستشيرهم أرغم الله تلك الأنوف، تجدهم دائماً في الإثارات والحوادث, تجدهم وراء السارق, أو يجتمعون في البلوت, أو مع المنتخب, أو مثل هذه المشاهد لكن لا يأتون هذه المجالس التي تحفها الملائكة، ويباهي بها الله من عنده وتتنزل عليها السكينة وتغشاها الرحمة. رأى عمر رضي الله عنه الناس يطارودون سارقاً فأتى عمر وحفن حفنة من التراب, وحثاها على وجوههم وقال: [[شاهت هذه الوجوه التي لا ترى إلا في الشر]] أما أنتم فأقول: طابت هذه الوجوه التي لا ترى إلا في الخير وعل الله أن ينفعني وإياكم بمثل هذه المجالس، فإن عطاء بن أبي رباح يقول: [[مجلس الذكر يكفر سبعين مجلساً من مجالس اللهو]]. أي: اعتمد على الله أن يكفر هذا المجلس سبعين مجلساً كنت لغوت فيه في زمن ما, أو سهوت عنه أو ذهلت عن الطاعة.

طلب محاضرة في الترغيب والترهيب

طلب محاضرة في الترغيب والترهيب Q كذاك يقول الأخ: وددت أن تكون المحاضرة في الترغيب والترهيب حتى تخشع القلوب؟ A كل ما يقال من كلام الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، الأجر حاصل فيه بحسب النية والخير, سواء كان من الرقائق أو من الأحكام, أو من التخويف, أو من أي مسألة حوت ذكر الله عز وجل، والقرآن كله إما أحكام أو مواعظ, أو فيه آيات تحثك على التفكر والتأمل والتدبر في آيات الله فالكل فيه خير والحمد لله وحضورك للاستماع لأي شيء منها سوف ينفعك عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

حكم البنوك الربوية

حكم البنوك الربوية Q ما حكم البنوك الربوية؟ A قد سبق في هذا خطب، وذكر أقوال أهل العلم في هذه المسألة, فإني أحذر نفسي وإياكم منها وأدعوكم إلى عدم التسارع إلى البنوك الربوية؛ لأنها تحارب الله وتتحدى شرعه وهي من العار في البلاد؛ لأنها تناطح السحاب ودائماً نخرج إلى صلاة الاستسقاء نطلب الغيث لكن البنوك الربوية تقول للغيث: لا تنزل {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279] والمرابي محارب لله ورسوله، قال ابن عباس رضي الله عنه: [[على المرابي أن يأخذ سلاحاً فإن الله سوف يحاربه يوم القيامة]]. فأحذركم وأحذر نفسي وأطلب منكم مقاطعة هذه البنوك التي حاربت الله عز وجل, وعارضت شرع الرسول صلى الله عليه وسلم, وكأن هؤلاء يقولون: لا يوجد حل اقتصادي غير هذا، ولم يعلموا أنه ما من طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وأعطانا منه خبراً عليه الصلاة والسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: {تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك} فنشهد أنه بلغ, وأدى, ونصح, وعلم, وهدى, وأرشد عليه الصلاة والسلام, فلا يلومن أحد إلا نفسه, سبحان الله!! يُطْعَم الأطفال من الربا, وتصرف سيارة من الربا, ثم نقول: يا رب يا رب يقول المعصوم عليه الصلاة والسلام: {ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له}.

يوسف عليه السلام في الجب

يوسف عليه السلام في الجب سورة يوسف عليه السلام من السور التي ما يقرؤها القارئ إلا ويذوب فيها ولا يفيق من صورها البديعة وقصتها المؤثرة إلا بانتهائها، لأنها تخاطب كيان الإنسان كله، تخاطب مشاعره ووجدانه كما تخاطب عقله، تخاطب وجدانه بما تحمله من عواطف جياشة، ومواقف مؤثرة؛ آلام آحزان فراق بكاء شكوى لقاء. وهي تخاطب العقل بما فيها من دروس وعبر لمن تأملها وتدبرها.

قصة يوسف

قصة يوسف الحمد لله القائل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ * إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف:3 - 6]. والصلاة والسلام على رسول الله القائل: {أتدرون من هو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم} وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: [[دخل عمر رضي الله عنه وأرضاه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد قاصاً يقص على الناس، وواعظاً يعظهم بأخبار الجاهلية، فقال عمر: من هذا؟ فيقولون: هذا قاص يقص علينا، فيعلوه عمر بالدرة -وهي عصى غليظة- ويضربه، ويقول له: أتقص يا عدو الله! والله يقول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3]]] ومن أحسن القصص قصة يوسف عليه السلام وبطلها يوسف عليه السلام، وهو يمر فيها بأربعة مشاهد: المشهد الأول: مشهد الفراق من أبيه، أربعون سنة لا يرى أباه وأهله. المشهد الثاني: مشهد الفتنة، امرأة العزيز تتعرض له وهي من أجمل خلق الله. المشهد الثالث: مشهد السجن ليسجن في ذات الله. المشهد الرابع: مشهد ملك مصر، والتحدث من مصدر القوة بعد الفراق والسجن. يقول الله عز وجل في بداية السورة: {الر} من هذه الحروف نتكلم بحروفنا، ومن هذه الحروف نقول كلماتنا، ومن هذا الكلام قرآننا. فيا أيها الفصحاء! يا قريش البليغةالعرباء! صوغي من هذه الحروف كما صغنا منها قرآناً يتلى، المادة موجودة، والخام معروف؛ لكن هل تستطيعون أن تصوغون قراناً كهذا القرآن؟! {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف:1] كتاب مبين واضح: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2] فيا من نام ولم يستيقظ! استيقظ بهذا القرآن، ويا من غفل ولم يصح! اصح بهذا القرآن، ويا من عطل عقله! اعقل بهذا القرآن: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف:3] والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل من بعده عليه الصلاة والسلام، ثم يقول تبارك وتعالى مقدماً للقصة: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] أطيب وأصدق وأروع القصص: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف:3] كنت أمياً لا تقرأ ولا تكتب، كنت أمياً في صحراء مع أمة أمية جاهلة، ليس عندها قصص ولا كتاب. ثم ينتقل بنا القرآن إلى يوسف عليه السلام، وإلى أبيه يعقوب، الأنبياء المطهرون المشرفون المكرمون، والأسرة العريقة في الكرم والجود والتقوى وفي الورع: وما كان من خير أتوه فإنما توارثه آباء آبائهم قبل وهل ينبت الخطي إلا وشيجة وتغرس إلا في مغارسها النخل يوسف عليه السلام يصحو وهو غلام لا يقارب العاشرة، وفي الصباح يجلس أمام أبيه، ومن أعجب الأعاجيب عند الطفل أن يرى في النوم ما يرى، لذلك الأطفال يرتاحون إيما ارتياح إذا رأوا في نومهم ما يقصونه على آبائهم، لو رأى حتى خيالاً أو طائراً أو جبلاً، لزاد عليه ونمق وزخرف ولأخبر أهله في الصباح، أما يوسف عليه السلام فما زخرف ولا زاد، يجلس أمام أبيه ويقول: يا أبتاه! إني رأيت البارحة أحد عشر كوكباً -نجماً في السماء، والشمس والقمر- ولو سكت لما كان في القصة عجب كل يرى أحد عشر كوكباً، وكلهم يرون الشمس والقمر، لكن ما هو المذهل يا ترى؟ إن سر الحلم والرؤيا هو: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف:4] رأيتهم نزلوا من السماء وسجدوا لي في الأرض، فلمح يعقوب عليه السلام وهو نبي آتاه الله من العلم والإدراك والفطنة والفهم، أن ابنه هذا سيكون له شأن أيما شأن، وسوف يكون وارثه بالنبوة، فخاف أن يخبر إخوانه، فيأتي الشيطان فيحول بينهم وبينه، وهذا ما حدث. فقال: {يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف:5] احذر أن يسمعوا هذه القصة، لا تخبرهم أبداً أنك رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون لك، ولكنه ما أخذ الوصية وما حفظها وما شك في إخوانه، بل أخبر إخوانه من أبيه، الأشقاء الرحماء، والأصفياء كيف ينقم بعضهم على بعض؟ ولذلك علمنا صلى الله عليه وسلم: {إذا رأى أحدكم رؤيا فلا يقصها إلا على من يحب}. فأتى يوسف عليه السلام إلى إخوانه وهو أصغرهم وقص عليهم القصة، فثار الحقد في قلوبهم، والحسد في نفوسهم، وبدا تدبير عملية اغتيال يوسف أمراً مؤكداً، بل من المهمات التي يجب أن تنفذ، وأخبر يعقوب عليه السلام وسقط في يديه، وعلم أن المكيدة سوف تتم: {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف:5 - 6] وكذلك يجتبيك بهذه الرؤيا وبغيرها، ويعلمك من تأويل الأحاديث: لأنك رأيت رؤيا، ويتم نعمته عليك: نعمة الرسالة والاستقامة. {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف:7] أي: عظات وعبر للمعتبرين، إخوان ينقمون على أخيهم، بل حاولوا طرده وإبعاده من بيت أبيه بل هموا بقتله.

تدبير الخطة لقتل يوسف

تدبير الخطة لقتل يوسف اجتمع إخوة يوسف، ويوسف ليس معهم، وقال قائلهم: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يوسف:8] إخوان في بيت واحد من أب واحد قالوا: أخطأ حين قدم أخانا، لماذا يقبله أكثر مما يقبلنا؟ لماذا يجلسه بجانبه ولا يجلسنا بجانبه؟ ولذا فهذا درس في التربية؟ من كان عنده أبناء أو بنات فلا يميز أحدهم على الآخر، فإن هذا يورث الضغينة والحقد بينهم، إلا أن يكون طفلاً صغيراً فله أن يميزه بين الآخرين: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يوسف:8] فكانت النتيجة: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} [يوسف:9] مكيدة ما سمع التاريخ بمثلها، شاب بريء طفل عاقل من أبناء النبوة، وليس البعيد الذي سيقتله بل إخوانه: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً} [يوسف:9] أو اذهبوا به إلى أرض بعيدة، وسوف تنفردون بأبيكم وينفرد بحبكم -وظنوا أن هذا سوف يحدث- ثم تتوبون من الخطأ وتستغفرون من الجريمة ويتوب الله عليكم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[نووا بالتوبة قبل الذنب]] {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [يوسف:9 - 10] والقائل أظنه أكبرهم، القتل صعب وجريمة نكراء، فتحرك هذا الأخ برحمة الأخوة والقرابة والعاطفة، وقال: لا تقتلوه وألقوه في بئر مغيبة إن كنتم مصممين على هذه الفعلة، وأجمعوا أمرهم على هذه المكيدة، ولكن من يخرج يوسف من بين يدي أبيه عليه السلام، فيأتون ويجلسون: كاد المريب أن يقول خذوني. فيقولون: يا أبتاه! مالك لا تأمنا على يوسف أنحن خونة؟! أتشك فينا؟! ماذا فعلنا هل أسأنا إليه! نحن نحبه -والله- وننصح له ولا نريد إلا الخير له: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف:11 - 12] أرسله غداً معنا يرعى الغنم، وهم لا يحتاجون راعياً فإنهم أحد عشر، وربما كان بعض الرعاة أكثر من الغنم، فهم لا يريدون أن يعاونهم بالرعي، ولكن أضافوا عذراً آخر وقالوا: ويلعب، فهو لم يشك ولكنهم شككوه. {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} [يوسف:13] أولاً: أجد وحشة أن يخرج من بيتي، وأخاف أن يأكله الذئب، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[لو لم يقل لهم أخاف أن يأكله الذئب، لما قالوا له في الأخير أكله الذئب]] لأنه ليس في أذهانهم أنهم سيقولون: أكله الذئب. فهم يقولون: نلقيه في غيابة الجب ولم يجهزوا عذراً لكنه فتح لهم طريقاً وأتى لهم بعذر، فقال: أخاف أن يأكله الذئب، ولذلك في بعض الآثار: أن الله عاقب يعقوب عليه السلام بسبب هذه الكلمة أن أفقد عليه ابنه أربعين سنة، وأوحى إليه، قال: يا يعقوب! أخفت الذئب ولم تخف مني ولم تثق بي، كيف تقول: أخاف أن يأكله الذئب، ولم تقل كما قلت في آخر القصة: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]؟ ولذلك في آخر السورة بدأ يغير من هذا لكلام فكان يقول: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] فخرجوا، وعذر أكل الذئب في أذهانهم. فلما أصبحوا في الصحراء بغنمهم، الغنم ترتع وهم يلعبون والجو ساكن وهادئ، والطيور تغرد وتزغرد، ولكن القلوب تغلي بالحقد على الأخ القريب الصغير، فأخذوه أول ما وصلوا إلى الصحراء ولم يتركوه يرتع ويلعب كما قالوا، وإنما قيدوه بحبل وأنزلوه في البئر، فأخذ يستغيث ويظن أنهم يمزحون، وقد خيروه بين القتل، وبين أن يطرحوه في البئر: كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً وحسب المنايا أن يكن أمانيا تمنيتها لما تمنيت أن ترى صديقاً فأعيا أو عدواً مداجياً فأنزلوه وهو يتشبث بالحبل ويبكي، ويقول له أخوه الأكبر وهو يستهزئ به ويتهكم، كما في الآثار: [[هذه أحد عشر كوكباً وهذا الشمس والقمر يسجدون لك]] فأخذ ينزل في الحبل، وذكر ابن رجب في جامع العلوم والحكم أنه لما نزل أخذ يقول: "حسبي الله ونعم الوكيل" ويقول: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس:83] قال ابن عباس وهو يبكي عند قراءة سورة يوسف: [[هدأت الحيتان في البحر من التسبيح، ولم يهدأ يوسف عليه السلام من التسبيح]] فأنزلوه، فلما نزل قطعوا الحبل فبقى في حفظ الله، فصار في حفظ الله ورعايته، وفي عين الله. وإذا الرعاية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان يا واهب الآمال أنت حفظتني ومنعتني وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فحميتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني قطعوا الحبل وتركوه في البئر، وهو يلهج بذكر الله في صحراء ليس معه فيها إلا الله، الذئاب حوله والجو مقفر، لا خبز ولا ماء ولا طعام ولا أهل ولا جيران ولا أحبة، لا ماراً يمر، وإنما الذئب يعوي في صحراء مدوية: عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوّت إنسان فكدت أطير

الأخطاء التي وقع فيها إخوة يوسف

الأخطاء التي وقع فيها إخوة يوسف وعادوا والذي يظهر من القصة أنهم أخطئوا في ثلاثة مواقف: الأول: أنهم استعجلوا في التنفيذ فلو كادوه في غير هذا اليوم وعادوا به في ذلك اليوم ليطمئن أبوه، ولكن من أول يوم يأكله الذئب! ما هذا الذئب الذي ينتظر يوسف في الصحراء، وكأنه يرصد متى يخرج يوسف في تلك الساعة ثم يعدو عليه؟! والأمر الثاني: أنهم أتوا بثوبه وهم قد خلعوا قميصه، ولم يمزقوه، والذئب لا يعرف خلع القميص، وفك الأزرار، وإنما يفك الثياب تمزيقاً، فهم خلعوا الثوب ولفوه بدم شاة. الأمر الثالث: أنهم قالوا لأبيهم عندما جاءوا إليه: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:17] كاد المريب أن يقول خذوني. فهم يقولون: لن تصدقنا، وهذا علامة على أن في الأمر شيئاً. ولكن ماذا فعل يوسف؟ أظلم عليه الليل، قال أهل العلم: أنزل الله عليه جبريل يسكنه تلك الليلة، وأخبره أنني معك أسمع وأرى، فلا تفتر لسانك من ذكري، فإني جليس من ذكرني، فبدأ يوسف عليه السلام يذكر الله، فلما استأنس قال: يا جبريل! استأنست بجلوسي مع الله فإن شئت فاذهب، فأوحى الله إلى يوسف: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [يوسف:15] سوف تمر الأيام ونخبرهم بصنيعهم هذا. ولماذا أتوا عشاءً ولم يأتوا في المغرب أو العصر؟ أولاً: ليظهروا أنهم تأخروا في مصارعة الذئب، وملاحقته فتأخروا حتى أتوا في العشاء. والأمر الثاني: لئلا يرى أبوهم الدم في النهار فيميز بين دم الإنسان والشاة، وانظر إلى المكيدة أتوا يتباكون، وجاءوا إلى أبيهم ولم يذهبوا إلى بيوتهم، وإنما تركوا كل شيء وعمدوا إلى أبيهم وهو في البيت عليه السلام وهم يبكون، قال: ماذا حدث؟ يا لله ما هذه الرحمة التي أبكتهم!! ما هذه الدموع الحارة على فراق يوسف عليه السلام، فسألهم ما الخبر؟ قالوا: إنا ذهبنا نستبق -تجارينا وتسابقنا- وتركنا يوسف إشفاقاً عليه عند متاعنا، فأكله الذئب، وهذا التعليل لأنه أخبرهم وقال: أخاف أن يأكله الذئب: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:17] والدليل على ذلك هذا الثوب، وهذا دمه، فقد أتوا بدم شاة على الثوب، فأخذه عليه السلام وهو يبكي ويقلب الثوب، {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18] قال ابن تيمية رحمه الله: الصبر الجميل: الذي لا شكوى فيه، والصبر الجميل: الذي لا يظهر فيه الفقر والمسكنة لغير الله، والصبر الجميل: أن تتجمل أمام خلق الله. قيل لأحد العباد: ما هو الصبر الجميل؟ قال: أن يقطع جسمك قطعة قطعة وأنت تتبسم، وقال آخر: الصبر الجميل: أن تبتلى وقلبك يقول: الحمدلله. ثم تولى يبكي حتى ابيضت عيناه. وفي بعض الآثار: أن الملائكة بكت لبكاء يعقوب عليه السلام، وكان أبو بكر رضي الله عنه يقرأ سورة يوسف في صلاة الفجر فإذا بلغ قوله تعالى: ((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف:18] بكى وبكى الناس معه. وافترق يوسف ويعقوب عليهما السلام أربعين سنة، واستوحش الفراق وخلا الدار، وعاد يعقوب منكساً رأسه ولسان حاله يقول في فراق ابنه: بنتم وبنا فما ابتلت جوارحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواطن الحشر نلقاكم ويكفينا وللحديث بقية أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم

دروس من قصة يوسف عليه السلام

دروس من قصة يوسف عليه السلام الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدون إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين، ومحجة السالكين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: ففي هذا المقطع السابق من سورة يوسف دروس أيما دروس، فمن هذه الدروس: أولاً: أن هذا القرآن معجز، وهو معجزة رسولنا صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88]. ثانياً: أن في الرؤيا حق وباطل، فإذا كانت من رجل صالح، وكانت صالحة، ولم تكن في أمر مستحيل فإنها من المبشرات. ثالثاً: أن على المسلم إذا رأى رؤيا خير ألا يخبر بها إلا من يحب، ولا يخبر بها كل الناس، وإن رأى رؤيا سوء فلا يخبر بها أحداً سواء يحبه أو لا يحبه، فرؤيا السوء لا يخبر بها أبداً. وبعض الناس إذا رأى رؤيا مكروهة أخبر بها فتقع عليه، وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم وهو صحيح: {الرؤيا على جناح طائر إن تحدث عنه وقع}. رابعاً: أن الحسد فطرة في الناس، قال الحسن رحمه الله: [[ماخلى جسد من حسد]] ولكن المؤمن يدفعه، والحسد من أكبر الذنوب والخطايا، وأقبح السيئات، وهو يأكل الحسنات وينحل الجسم، ويذهب بالتقوى، ويغضب الرب على العبد ألا قل لمن كان لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في فضله لأنك لم ترض لي ما وهب فمن حسد فقد أساء الأدب مع الله، واعترض على القضاء والقدر، وضيع نفسه، ورد فضل ربه على الناس: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} [النساء:54] فالحسد مقيت وهو أول ما عصي الله به في الأرض، نعوذ بالله منه، والواجب على الحاسد أن يتوب إلى الله، وأن يراجع حسابه مع الله، وأن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويحسن إلى المحسود ويهدي له، وأن يستغفر له، ويعلم أنه ارتكب خطيئة ما بعدها خطيئة. خامساً: أن الإخوة تقع بينهم الإحن إذا فضل بعضهم على بعض، فمن التربية أن يوازوا بالقسمة وبالحب، في التقبيل والجوائز، ولا يقدم أحدهم على الآخر، ولو أن هذا تفوق أو نجح في الدراسة أو قدم عملاً، فلا يقدم على إخوانه، {أتى النعمان بن بشير وأبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال -وقد ميزه أبوه بشيء من القسمة- فقال صلى الله عليه وسلم لأبيه: أعطيت أبناءك كلهم مثل هذا؟ قال: لا يا رسول الله! قال: إني لا أشهد على جور} وفي رواية: {أشهد على هذا غيري} وفي رواية أخرى: {اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم} فإن من الظلم أن يقدم أحد الأبناء وأن يؤخر الآخرين، لأنه سبيل إلى الإحباط والتباغض بين الأبناء. سادساً: أن الحافظ هو الله، وأن المانع من السوء هو الله، والرقيب والحسيب هو الحي القيوم، فيوسف عليه السلام لما ألقي في الجب نسي كل شيء إلا الله، فحفظه ورعاه وتولاه وأيده، وسدده وآواه وأصبح ملِكاً على مصر، وآتاه النبوة وشرفه بالرسالة، ومنحه العلم والدعوة، وكذلك يحفظ الله من يحفظه: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] وهكذا تستمر سورة يوسف بمشاهدها التي سوف تأتي إن شاء الله، وبحديثها الشائق، وبروعتها في الأداء وفي الأخذ بأطناب القلوب. نسأل الله فقهاً في كتابه، وتدبراً لآياته، وعملاً بمواعظه وأحكامه، إنه على كل شيء قدير، عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صل على حبيبك ورسولك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمَّر أعداء الدين، من الشيوعيين ومن اليهود والصليبيين، إنك على كل شيء قدير. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم وفق إمام المسلمين لما تحبه وترضاه، اللهم وفقه للخير ودله عليه، وجنبه من السوء إنك على كل شيء قدير، اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفي فلسطين، وفي كل صقع من بلادك يا رب العالمين، اللهم ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وسطية أهل السنة والجماعة

وسطية أهل السنة والجماعة أهل السنة والجماعة ليسوا كغيرهم من الفرق التي انحرفت عن المنهج الرباني. ولهم خصائص ليست لغيرهم من الفرق، وكما أن أهل الإسلام وسط بين أهل الملل (اليهود والنصارى)؛ فكذلك أهل السنة وسط بين الطوائف، فهم وسط بين الخوارج والمرجئة، وبين الروافض والنواصب، وبين المجسمة والمعطلة.

مقدمة عن الموت والحياة

مقدمة عن الموت والحياة الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: فعنوان هذه المحاضرة: (وسطية أهل السنة والجماعة) وقبل هذا الموضوع، هنا وقفة: إن الله عز وجل خلق الموت والحياة، وهما خلقان من خلقه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] فما دام أن الموت وارد لا محالة وواصل لا شك فيه، فعلى المسلم أن يتهيأ لهذا الموت، فإن سعادة المسلم، أن يعيش حميداً وأن يموت شهيداً. فإما حياةٌ نظَّم الوحي سَيْرَها وإلا فموت لا يسر الأعاديا وأخوف من يخاف من الموت هم المنافقون وأهل الشهوات، وأرباب المادة وخدام المطامع، فإنهم يخافون أشد الخوف من الموت، قال تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4]. وأما المسلم فإنه متهيئ دائماً إن عاش ففي رضا الله، وإن مات فإلى رحمة الله: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة:52] إما الموت في سبيل الله، وإما الحياة في رضوان الله، والمستجدات في الحياة تجعل المسلم يتأمل مستقبله مع الله، ويتدبر أين يضع قدمه، ويعلم أن الليل والنهار يأتيان بالعبر، وبمقدور من الله عز وجل: وكم من مصبح أصبح ساكناً آمناً، ثم أمسى عليه الليل في هم وغم ومصائب لا يعلمها إلا الله: يا راقد الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا فعلى المسلم أن يتهيأ، والتهيؤ هو أن يكون على منهج محمد عليه الصلاة والسلام وسنته، وعلى حبه وسيرته، وعلى كتاب الله عز وجل وسنة محمد عليه الصلاة والسلام. إن الذين يخافون من الموت، إنما هم الذين يريدون أن يعيشوا الحياة فقط، قال تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} [البقرة:96] فإذا علم ذلك، فليتمنَّ المسلمُ من الله أن يميته على الإسلام والسنة. قيل للإمام أحمد توفاك الله على الإسلام، قال الإمام أحمد: وعلى السنة. لأن الإسلام مجمل، والسنة هي الإسلام مفصلاً، وهذا هو الذي تمناه الصالحون، هو أن يموت الإنسان على سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وقد حث عليه الصلاة والسلام على اتباع سنته خاصة في مثل هذا العصر الذي كثرت فيه الطوائف والملل والنحل، وأشربت القلوب الأهواء وأصبحت الفتن كقطع الليل المظلم، وأصبحت الحياة معرضة للخطر في كل وقت وساعة، بما صنعه الإنسان من دمار للبشر، فأصبح متعيناً على الإنسان أن يلاحظ سنة محمد عليه الصلاة والسلام صباح مساء. يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ} ويقول صلى الله عليه وسلم: {من رغب عن سنتي فليس مني} وأهل سنته أولهم أصحابه، وخيرهم الخلفاء الراشدون ومن سار على منهجهم من التابعين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

أهل السنة وأهل البدعة وأهمية التمسك بالسنة

أهل السنة وأهل البدعة وأهمية التمسك بالسنة أما التمسك بالسنة فليس كلاماً فقط، لأن بعض الناس جعل للتمسك بسنته عليه الصلاة والسلام عواطف أو كلاماً يعبر به بلسانه، لكن التمسك بسنته صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أطراف: إعتقادٌ وقولٌ وعمل. وقد ضل في التمسك بسنته صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد طوائف، فليس على سنته في الاعتقاد إلا أهل السنة والجماعة، فـ الخوارج ليسوا على سنته في الاعتقاد، والرافضة والنواصب والقدرية والجبرية والمعتزلة والأشاعرة، فقد خالفوا في الاعتقاد سُنَّتَهَ عليه الصلاة والسلام. وهناك طائفة من أتباعه صلى الله عليه وسلم ضلت في السلوك، فتجدهم لا يتبعونه في السلوك الظاهر، وهذا دليل على مرضهم في الباطن، فهم يجعلون السلوك من القشور، ويقولون: هذه ليست من اللب بل هذه من القشور، فعندما تحدثهم في الإسبال وعن تحريمه قالوا: هذه قشور؟ ويقولون: لا تحدثنا عن الثياب، لأن الإسلام أرفع من الثياب، فالإسلام أصول، وليس فيه هذه القشور والتوافه التي يتحدثون عنها: اللحى لبس الحرير والذهب الأكل بالشمال إلى غير ذلك. فهذه كلها يجعلونها من القشور. والرد عليهم أن نقول: ليس في سنته عليه الصلاة والسلام قشور، بل هي لباب كلها وهي جميلة وبديعة كلها، فمن رضي بلا إله إلا الله فليرض بمحمد عليه الصلاة والسلام في أصغر شعيرة وفي أقل سنة، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]. يا مدعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا فقد أعلنت المبادئ الأرضية خسارتها واندحارها وتمزقها، ولم يثبت إلا منهجه عليه الصلاة والسلام في الأرض. ضلت طوائف في اتباعه عليه الصلاة والسلام، منهم أهل التصوف، فإنهم لم يتبعوه في حاله وعبادته صلى الله عليه وسلم، فجنحوا، وجعلوا العبادة جوعاً وسهراً وتمزقاً وزوايا ومرقعات ما أنزل الله بها من سلطان: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}) ([الحديد:27] فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا قام من الليل كما في صحيح مسلم من حديث عائشة، يقول: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم} فعليكم بالإكثار من هذا الدعاء، فإنه من أعظم الأذكار في الفتن والحوادث والأخطار وهو المنجي، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الجمعة:8] وقال تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62] قال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78]. فلا عيش إلا باتباعه عليه الصلاة والسلام، وأتباعه هم أهل السنة والجماعة، نسأل الله أن يجعلنا منهم. وإني في هذا الموقف أترحم على الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فإن له أعظم الدور واليد البيضاء على هذه البلاد بدعوته الناصعة، السلفية الجميلة البديعة، دعوة التوحيد، ولذلك تجد الصفاء، ولانقولها تعصباً بل العامي في مثل هذه البلاد يعادل كثيراً من العلماء في البلاد الأخرى. فالعامي بسبب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب يعادل في معرفته للعقيدة والسنة واتباع الرسول عليه الصلاة والسلام علماء في البلاد الأخرى، وهذا في العموم الغالب، فرحمه الله رحمة واسعة، كيف جدد الدين، وعلمه الناس، ولذلك أذكر نبذة مما فعل: من خططه في نشر العلم في البلاد: حيث كان ينشر في الرياض وضواحيها، أتباعه وتلاميذه في المدارس التي تقوم من بعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، ويدرس فيها كتاب التوحيد والأصول الثلاثة وكشف الشبهات. وكان الناس يحضرونها كما أخبرنا كثير من المشايخ بما يشابه الإجبار، لا بد أن يحضروا الحلقات، فتغلق الحوانيت والدكاكين، والمتاجر، ويأتي أهل المزارع بعد أن يذهبوا إلى بيوتهم فيحضرون الحلقات، ويتحدث العلماء، وينشرون العلم والسنة، وتفتح المساجد أبوابها لهذا الخير العظيم الذي أتى به الله للعباد.

خصائص أهل السنة والجماعة

خصائص أهل السنة والجماعة أيها المسلمون! أهل السنة وسط، يذكر شيخ الإسلام في كلام ما معناه: أهل الإسلام وسط بين أهل الملل -يعني وسط بين اليهود والنصارى- وأهل السنة وسط بين أهل الطوائف، لكن قبل أن آتي إلى هذا الكلام، أحب أن أنبه إلى مسائل لا بد أن تعوها جميعاً: من خصائص أهل السنة والجماعة: أولاً: أنهم يدينون بالكتاب والسنة بفهم الصحابة: فالذين يدَّعون اليوم في العالم الإسلامي بل في العالم أجمع، أنههم يتبعون محمداً عليه الصلاة والسلام كثيرون، بل تسمع الإذاعات تزبد وترغي باتباعه صلى الله عليه وسلم، لكن إذا بحثت عن الحقيقة؛ فإنك لا تجدهم صادقين، بل تجدهم كذبة ومردة، ومفترين على الله. أهل السنة يفهمون الكتاب والسنة بفهم الصحابة، فـ الخوارج يقولون: نحن أهل الكتاب والسنة، والرافضة والناصبة والقدرية، وأمثالهم يقولون: نحن أهل الكتاب والسنة، وأهل السنة يقولون: نحن أهل الكتاب والسنة، فمن نصدق؟ نصدق الذين يفهمون الكتاب والسنة بفهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. الخوارج يقولون: نحن رجال والصحابة رجال، فنحن نفهم كما فهموا. ونقول: هذا خطأ، بل نفهم الكتاب والسنة بفهم أبي بكر وعلي، وفهم الصحابة. قال سعيد بن جبير: [[كل علم لا يفهمه أهل بدر فليس من العلم]] فالعلم أن تفهم الكتاب والسنة كما فهمه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنهم كما قال ابن مسعود: أعمق الأمة علماً، وأقلها تكلفاً، وأصدقها وأخلصها؛ فعلينا أن نفهم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام بفهم أبي بكر، إذا أتيت إلى تفسير القرآن فتعود إلى تفسير ابن كثير، وتفسير ابن جرير لا أن تفهم القرآن أو السنة فهماً من عندك. وقد نشأ داعية في هذا العصر اسمه رشاد خليفة، لكن ذبحه دعاة الإسلام في أمريكا، كان في ولاية ترزونا، في مدينة توسان، وهذا الرجل كان يريد أن يفهم الكتاب والسنة كما ارتأى، ثم أنكر رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، فتشرف بعض الشباب، فذبحوه على الطريقة الإسلامية، وذهب إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم: لقد ذهب الحمار بأم عمروٍ فلا رجعت ولا رجع الحمار ثانياً: أهل السنة لا يجتمعون على ضلالة: عصم الله أهل السنة فلا يجتمعون على ضلالة، والذي يظهر لي أن معنى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الحسن: {لا تجتمع أمتي على ضلالة} أن المقصود بهم أهل السنة. لأننا وجدنا أن الخوارج اجتمعوا على ضلالة، وأن كثيراً من الطوائف البدعية اجتمعت على ضلالة، وهي في الجملة من الأمة الإسلامية. إذاً فلا ينطبق عليهم الحديث، أما الحديث فينطبق على أهل السنة، فلك الحمد يا رب لا يجمعنا على ضلال أبداً، فلا تجد أن أهل السنة يجتمعون أولهم وآخرهم وعلماؤهم وعامتهم على الضلالة أبداً، وقد يرد أن يخطئ قائل بقول، فينكر عليه البقية، فمن عصمة الله عز وجل لـ أهل السنة وحفظه لهم، أنهم لا يجتمعون على ضلالة. ثالثاً: يفهمون النقل بالعقل ولا يحكمون العقل في النقل: فالكتاب والسنة ليسا مجالاً للصرف وللتحويل، فهما مجالان لأن تفهم منهما، وتفجر كنوزهما، وتأخذ من أشجارهما ثماراً، لا أن تصرفها، وتلعب بها، إنما لتفهم ولتتدبر. إذاً هم يفهمون النقل بالعقل ولا يحكمون العقل في النقل، وقد ألف ابن تيمية كتابه العظيم ولله دره درء تعارض العقل والنقل، الذي يقول فيه ابن القيم: ما طرق العالم مثل هذا الكتاب، يعني ما سمع في هذا الباب مثل هذا الكتاب، ونهايته ونتيجته أن العقل لا يصادم النقل، بل النقل الصحيح مع العقل الصريح متفقان والحمد لله. يقول أحد علماء السلف: أتحدى الناس قاطبة أن يوجدوا دليلين متعارضين صحيحين ثابتين أو دليلاً صحيحاً يخالف العقل الصريح. فهذا لا يوجد والحمد لله، بل العقل السليم يدل على النقل القويم، فيتفقان. الرابع: يؤمنون بالغيبيات ويتدبرون العمليات: ابن حزم رحمه الله صاحب المحلى يقولون عنه: جمد في موضع السيلان، وسال في موضع الجمود، فأتى إلى الغيبيات -الأسماء والصفات- يشرح ويفيض فيها، ورد عليه ابن تيمية وأوقفه، وقال: خطأ. وأتى إلى الأحاديث العملية التي تحتاج إلى شرح وفهم واستنباط، ووقف فيها، قال بالظاهر، قالوا: حفظك الله، لماذا ما سلت في موضع السيلان وجمدت في موضع الجمود، اجْمِدْ في نصوص الغيبيات، لأن أهل السنة يمرونها كما جاءت، وسِلْ في موضع السيلان، في النصوص التي تفهم، وهي نصوص الأحكام العملية في العبادات والمعاملات وغيرها.

معنى وسطية الأمة

معنى وسطية الأمة أيها المسلمون! ما معنى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143]: لأهل التفسير فيها قولان: الأول: وسطاً: خياراً عدولاً، قال زهير بن أبي سلمى في قصيدته المعلقة الشهيرة وهم وَسَطٌ يرضى الأنام بحكمهم أي: خيار عدول، فقال بعض المفسرين: أي عدول. وقال بعض المفسرين: الوسط هم الذين يتوسطون بين الغلاة والجفاة وهو المتوسط بين الطرفين، ويرد النحوي الزجاج وغيره هذا ويقول: تركيب كلمة وسط خطأ، بل معنى المتوسط بين الطرفين يسمى وَسْط: جلست وَسْط الحلقة، وجلست وَسْط الرجلين ومشيت وَسْط الجملين، ولا يقال وَسَطَ الرجلين أو وَسَطَ الحلقة. أما سيد قطب في الظلال فيرى أن المعنى الأخير هو الصحيح، ويأتي بكلام بديع جميل، أحببت هذا الكلام وربما يعجبكم، يقول: نحن وسط -يعني الأمة الإسلامية هي وسط- وسط في الزمان ووسط في المكان فنحن وسط في الكرة الأرضية، هذا معنى ما سبق إليه يقول: حتى إن الله لم يجعلنا في القطبين ولا في ألاسكا ولا بعيدين ولا قريبين، ولا في حدود سيبيريا، بل جعلنا وسطاً، حتى يقول لنا أهل أبولو الذين صعدوا بها إلى القمر أنهم قد وجدوا أن مكة وسط الدنيا، وهذا هو الموافق للتفسير. فـ أم القرى في الوسط، والعالم كله في نواحيها وهي وسط بين الدنيا. إذاً فنحن وسط في المكان. قال: ووسط في الزمان، فما جئنا في أول الناس، فنحن ما أتينا مع نوح عليه السلام، وما تأخرنا لنأتي في آخر الدنيا، بل أخذنا تجارب الأولين ثم مضينا للآخرين، فسبحان من اختار هذه الأمة.

الوسطية في المعتقد

الوسطية في المعتقد ونحن وسط في المعتقد، فلم نؤله كل شيء كـ المانوية والثانوية وغيرهم، الذين يؤلهون كل شيء والعياذ بالله، النور والظلمة، والليل والنهار، ولذلك يرد الله عليهم في القرآن فيقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] بل قال بعض العلماء: ردت بداية سورة الفرقان على سبع طوائف، وهذا في أولها فقط. قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الفرقان:1 - 2] على المانوية {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} [الفرقان:2] على اليهود: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الفرقان:2] على كفار مكة: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [الفرقان:2] على الاستثنائية: {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} على نفاة القدر: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} [الفرقان:3] ثم عودة على المشركين والطوائف الصابئة: {لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3].

الوسطية في الأخلاق

الوسطية في الأخلاق قال: ووسط في الأخلاق، فلسنا بالذين يجعلون الأخلاق هو الحل العالمي، فـ الماسونية تجعل الوسط العالمي القدر المشترك بين الأمم من الأخلاق، حتى تجدهم الآن - العلمانية والماسونية - ينددون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويأتون إلى الرجل ولو لم يكن في قلبه مثقال ذرة من إيمان ويقولون: ما أحسن خلقه! هو لا يجرح المشاعر، يعني: لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، قالوا: وهو هادئ وأسلوبه طيب، يدخل البيت ويسمع الأغنية فلا يزعج أهله وإخوانه، وإخوانه يصلي بعضهم ويترك بعضهم، وهو مع ذلك مسالم مع الجميع ويحبه المجتمع، وسفيان الثوري يقول: إذا رأيت الرجل أجمع عليه جيرانه فاعرف أنه رجل سوء، فإذا سكت عنه الجيران جميعاً فاعرف أنه لا يتكلم، حتى قالوا لـ سفيان: نراك كثير الأعداء، قال: كلمة الحق لم تترك لي صديقاً، فـ سفيان دائماً مع كلمة حق، فهو يدخل على أبي جعفر وينزل السوق، يقول عنه الذهبي: كان سفيان إذا لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر بال الدم، فهذا ثابت عنه في السيرة، وقال: كان يغمى عليه، وكان يقوم ينتفض في الليل، فيقولون له: مالك؟ يقول: مررت اليوم بشيء فما نهيت عنه فأصابني منه شيء، فلله دره ما أعظمه. فلذلك الإماتة -إماتة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- بحجة الأخلاق يجعلونها سُلَّم العالمين. ونحن نقول: لا. الخلق تحت راية لا إله إلا الله. (وهم وسط في الفن والأدب) كما يقول سيد قطب، فلسنا بالأمة الجافية التي تقول: لا يصح الأدب، فلا شِعْرَ ولا جمالَ في الكون. فالله عز وجل يقول: {فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} [النمل:60] فلك أن تتأمل الزهرة، والوردة، والياسمين، والروضة الفيحاء، والبساتين الغناء، لكن في حدود الجمال المباح، فنحن لسنا بالجفاة الذين يغلقون أنفسهم عن الأدب، فإذا ألقى شخص قصيدة، قال: حرام، لا تلقيها، وإذا شارك شخص في أمسية قال: هذا حرام، فالصحابة لم يشاركوا. وهذا ينشد نشيداً بديعاً في حدود المباح، فيقول: لا. هذا خطأ، فنحن أمة نتوسط، ورجل آخر يأتيك، فيقول: لا. الإسلام أباح الأغنية، والموسيقى والأغنية الإسلامية، والجلسة الحمراء الإسلامية، حتى قرأت كتاباً اسمه: (الفن والجمال) لأحد المفكرين من السودان، أخطأ فيه خطأً بيناً، وأساء إساءة واضحة، وفعل مثلما فعل ابن عربي في كتبه، مثل (الفصوص) (والفتوحات المكية). فهذا خطأ، حتى يقول: من يمنع هذا، حتى يقول: لك أن تنظر في الوجوه الجميلة فهي من التدبر، وهذا مثل كلام ابن عربي، نعوذ بالله من الخذلان. ويقولون: أحد الزنادقة، كان ينظر لفتاة جميلة، قالوا له: اتق الله، قال: أتفكر في خلق الله، فهذا حسيبه الله، أما وجد إلا هذا، وقد قال تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:28] فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لم يأمر بهذا. إذاً فالوسطية أن تحل ما أحل الله وتحرم ما حرم الله، قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116].

الوسطية في معاملة الأنبياء

الوسطية في معاملة الأنبياء فنحن وسط، أليس أهل الإسلام وسط بين اليهود والنصارى؟ اليهود علقوا أنبياءهم بالمشانق. والنصارى ألَّهوا أنبياءهم، فقالوا: عيسى بن مريم هو الله أو ثالث ثلاثة، واليهود ذبحوا في يوم واحد أكثر من أربعمائة نبي، لأن الله كان يبعث لهم أنبياء كثر في وقت واحد، كما يقول بعض المفسرين، فتوسطنا نحن، فقدرنا الأنبياء، وجعلنا رسولنا عبداً رسولاً، كما قال في الصحيح: {لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله} ولا نجفوا فيه عليه الصلاة والسلام، كما جفا بعض الناس، وقالوا: هو رجل كسائر الرجال مثل ما يفعل العقاد في عبقرية محمد عليه الصلاة والسلام، أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في العسكرية في آخر الكتاب وقال: هو يتفوق على نابليون. حسيبك الله! تقارن محمداً أصفى البشر ورسول الله وأكرم الناس وأصفى الناس وأبر الناس، بمجرم كلب فرنسي. ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا فهؤلاء يقارنون الرسول صلى الله عليه وسلم بـ هتلر ويقولون: هو في استطلاع المعارك أقوى من هتلر، وهذا خطأ، فهم يريدون أن يمدحوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن على حساب ذمه فهو بشر يوحى إليه الله: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:1 - 4] فوقع في الأمة غلو فيه عليه الصلاة والسلام، طائفة رفعته حتى كانوا يستسقون به وهو في قبره، ويطلبون منه عند القبر المغفرة، ويقولون: اغفر لنا يا رسول الله! حتى يقول البرعي شاعر اليمن: يا رسول الله يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما أقل لي عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما فهو يقول: اغفر لي ذنبي. ويقول البوصيري: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم وهو شرك. ويقول ابن عربي لما وصل القبر: في حالة البعد روحي كنت أرسلها تقبل الأرض عنكم وهي رائدتي وهذه دولة الأشباح قد حضرت فامدد يمينك كي تحضى بها شفتي وقال الكذابون المخرصون: فمد يده صلى الله عليه وسلم من القبر، فسلم على ابن عربي، يقول هذا أمثال النبهاني المسرف على نفسه، الذي يتعدى على ابن تيمية وكتبه، والله يتولى السرائر.

الوسطية في العلم والعبادة

الوسطية في العلم والعبادة أيها الكرام! أهل الإسلام وسط في العلم والعبادة بين اليهود والنصارى، فاليهود أهل علم، لكن لا يعملون -سلة مهملات- فغضب الله عليهم. والنصارى أهل عمل بلا علم فضلوا، قال الله في اليهود: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13] وقال عنهم: {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المجادلة:14] وقال عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة:64] وقال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] فالمغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى، الضالون عبدوا الله بلا علم {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَامَا} [الحديد:27]. ويقول ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم: سوف يقع في هذه الأمة كما وقع في اليهود والنصارى، طائفة تتعلم ولا تعمل، لذلك تجد بعض الناس يعلم كثيراً ولا يعمل أبداً، وقد يكون عنده شهادة عالية ولكن لا يعمل بعلمه، وتجد من الجهلة من يعبد الله لكنه بدعي، فيعمل على غير بصيرة من الله عز وجل.

وسطية أهل السنة بين الفرق

وسطية أهل السنة بين الفرق أهل السنة وسط بين الخوارج والمرجئة. وبين الرافضة والنواصب. وبين القدرية والجبرية. وبين المجسمة والمعطلة. ووسط بين أهل الرأي البحت وأهل الظاهر الصرف. وبين أهل الشهوات البهيمية وأهل التصوف. ووسط بين المفوضة والمؤولة. ووسط بين الجفاة والغلاة. ووسط في الأخلاق والعبادة. ووسط في الجرح والتعديل. لكن قبل أن أبدأ، لا بد أن أشرح بعض الجمل والكلمات. ما معنى الخوارج ومن هم؟ الخوارج: طائفة خرجت، أول ما نبتت نابتتها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأولهم إمامهم وشيخهم ذو الخويصرة، الذي قال عنه العلماء: هو الذي بال في المسجد، فمن حسناته أنه بال في مسجده عليه الصلاة والسلام، وبعض أهل السير يقولون: هو الذي صلى مع الرسول عليه الصلاة والسلام في المسجد وقال: {اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً} ثم بال في المسجد وقصته معروفة، وهو الذي قال كما في الصحيح: {لما قسم الرسول عليه الصلاة والسلام الغنائم قال: اعدل يا محمد} فيقول هذا للرسول صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: {خبتَ وخسرتَ، من يعدل إذا لم أعدل؟!} وفي لفظ مضبوط صحيح: {خِبتُ وخَسرتُ إذا لم أعدل} أي يقول: إذا لم أعدل هلكتُ، وعلى الرواية الأولى: خبت أنت وخسرت، إذا لم أعدل فمن يعدل؟! من يعدل من حكام الأرض وزعماء الأرض وقضاتها وعلمائها إذا لم يعدل أشرف أهل الأرض عليه الصلاة والسلام؟! فقال عمر: {يا رسول الله! ائذن لي أقتل هذا -كان سيف عمر جاهزاً- فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا عمر! يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وقراءتكم إلى قراءتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية} وفي رواية مسلم: {لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد} وبالفعل أدركهم أبو الحسن علي رضي الله عنه، فقتل منهم أربعة آلاف في النهروان. فهم الخوارج، خرجوا على إمام العدل والحق، رضي الله عنه وأرضاه، وقالوا بمسائل خالفوا بها أهل السنة، منها: لا يأخذوا من السنة إلا ما وافق ظاهر القرآن، فأكثر السنة يعطلونها. والخوارج يرون أن الحاكم إذا ارتكب الكبيرة يخرج عليه ولا طاعة له، وهذا خلاف أهل السنة، فإن أهل السنة يرون الصلاة وراء الأئمة والجهاد معهم ولو ارتكبوا الكبائر ما لم يكفروا بالله، لحديث مسلم: {إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان}. والخوارج يرون أن صاحب الكبيرة كافر ومخلد في النار، فالسارق عندهم كافر، والخليلي له كتاب وهو ما زال حياً وكتابه ينص على ثلاث مسائل -هو من الإباضية - ينفي رؤية الله في الآخرة، ويرى أن القرآن مخلوق، ويرى أن صاحب الكبيرة كافر، وكتابه موجود ومشهور. فهذه نبذة عن الخوارج، ولا أريد الإطالة. المرجئة من هم؟ المرجئة: قوم يرون أن الإيمان قول واعتقاد بلا عمل، سواء صليت أو لم تصل، زكيت أو لم تزك، صمت أم لم تصم، فأنت وأبو بكر سواء في الإيمان، فيقولون: ما دام حصل الإيمان وآمنت بالله عز وجل ووصل الإيمان إلى قلبك فيكفي، ولهم أدلة لكن ما فهموها، فهذه المرجئة. وتوجد طائفة أخرى أرجئوا، وهم الذين أرجئوا علياً وعثمان وقالوا: لا نحكم بكفرهم ولا بإيمانهم، فيقولون في علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان: لا ندري هم في الجنة أو النار، ومن وراءهم قالوا: لا ندري ونكل علمهم إلى الله، ونحن نقول: لا والله، بل هم من أهل الجنة، ومن العشرة المبشرين بالجنة، ومن أولياء الله وأحباب رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد توفي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ. والقدرية يقولون: لا قدر، فيقولون: كل شيء يقع في الكون لا يعرفه الله إلا بعد أن يقع، وهم على طائفتين، الاولى تقول: لم يسبق تقدير شيء، فيقولون مثلاً: إذا حصل بركان لم يقدر الله البركان إلا بعد ما وقع، فلا قدر والأمر أنف، ومنهم من ينفي العلم. قال ابن تيمية: من نفى علم الله السابق كفر، وأما من نفى التقدير فمبتدع بهذا، لأن منهم من يقول: لا يعلم الله حتى يقع!! فمن يقول هذا فهو كافر. ومنهم من يقول: يعلم الله عز وجل لكنه ما كتب، فهو يعلم أنه سوف يقع البركان أو الزلزال في المكان الفلاني، لكن لم يكتب ولم يقدر، إنما علم سُبحَانَهُ وَتَعَالى فقط. والجبرية يقولون: العبد مجبور على المعصية، ولذلك الجبرية يجعلون آدم جبرياً وموسى قدرياً، في حديث التقاء موسى مع آدم في الحديث الصحيح في البخاري ومسلم، قال عليه الصلاة والسلام: {تحاج آدم وموسى} وفي لفظ: {احتج آدم وموسى} يقول ابن الجوزي محتاراً: لا ندري أين التقوا، وابن حجر ذكر سبعة أقوال أو ثمانية منهم من يقول: في القبر، ومنهم من يقول: في البرزخ، ومنهم من يقول: في السماء، والذي يظهر أنهم التقوا في السماء فالتقى الابن مع الوالد الشيخ، مع آدم عليه السلام، وموسى كان جريئاً، حتى يتعجب أهل العلم من جرأته، حيث كان يتكلم بجرأة، فقد أعطاه الله المكالمة التي ما أعطاها أحداً من الناس، فلم يكلم الله أحداً من الناس إلا موسى، فلما كلمه الله وبلغ منزلة التكليم، قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] يقول: ما دام كلمتني أريد أن أراك، قال: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] وقالوا: أنه لما رأى فضائل الأمة قال: يا رب بعثت غلاماً بعدي جعلت أمته أفضل من أمتي، إلى غير ذلك مما قيل، وهو الذي تكلم مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وقال: {عد إلى ربك فإن أمتك لا تستطيع ذلك} فعاود رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه وحاوره، حتى خفف الله عن الأمة فجزاه الله عنا خير الجزاء، فإنه قد أحسن كل الإحسان معنا، وتلطف مع رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى خفف الله عنا. قال: فلما التقوا {قال موسى -فهو يبدأ بالكلام وقد لقي آدم الشيخ وبينهم مئات السنين بل آلاف-: أنت آدم أبونا؟ قال: نعم. قال: أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه؟ قال: نعم. قال: خيبتنا وأخرجتنا من الجنة} -قال: أنزلتنا في الأرض نعصي ونتضارب، ونتقاتل ونتحارب، ونسفك الدماء ثم نحاسب، وبعضنا يدخل الجنة وبعضنا يدخل النار، لماذا ما بقيت في الجنة؟ لماذا نزلت؟ {قال آدم عليه السلام: أنت موسى؟ -موسى بن عمران لأن موسى يختلف كثيراً ويريد أن يميزه- قال: الذي بعثك الله في بني إسرائيل؟! وكتب لك التوراة بيده سُبحَانَهُ وَتَعَالى؟! قال: نعم. قال: بكم وجدت في التوراة كتب الله عليَّ المعصية قبل خلقي -الأكل من الشجرة- قال: بأربعين سنة -أي: وجدت أن الله كتب على آدم قبل أن يخلقه بأربعين عاماً أنه يأكل من الشجرة -قال: أفتلومني على شيء كتبه الله عليَّ؟! -والآن يتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام- قال: فحج آدم موسى} يعني غلبه، والجبرية يقولون فحج آدم موسى وينصبون آدم فيكون مفعولاً به، يعني هو المغلوب، كقراءة قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} [البقرة:124] وهذا خطأ بل حج آدمُ موسى، أي غلبه، عليهم السلام جميعاً. المجسمة والمعطلة: المجسمة: قوم منهم مقاتل بن سليمان، الذي وصف الله كوصف المخلوق تماماً، فقالوا: الله مثل الإنسان -تعالى الله- يقول: ينزل كنزولنا وله أيد كأيدينا، وسمعٌ كأسماعنا، وبصرٌ كأبصارنا، والمعطلة قوم قالوا: لا سمع ولا بصر ولا صفات ولا أسماء، فجردوا الله من أسمائه وصفاته. أهل الرأي البحت: قوم أخذوا آراء الرجال وتركوا الحديث، فلا يفتون دائماً إلا بالرأي فقط، فتجدهم يقولون: يجوز ولا يجوز وهذا مباح والأمر محرم أرى أنه لا يجوز لكن لا آية ولا حديث، لا رواه البخاري ولا رواه أبو داود. وأهل الظاهر: قوم أخذوا الحديث وجمدوا عليه وتركوا القياس وما فهم الناس، إلى غير ذلك

توسط أهل السنة بين الخوارج والمرجئة

توسط أهل السنة بين الخوارج والمرجئة لكن أقول: ما معنى توسط أهل السنة بين الخوارج والمرجئة في مسألة الإيمان؟ الخوارج قالوا: من فعل الكبيرة فقد كفر، فشارب الخمر كافر، والسارق كافر ومخلد في النار، وقابلهم المرجئة فقالوا: لا يكفر، ولا ينقص إيمانه، والحمد لله ما زال مؤمناً، وما زال يشهد أن لا إله إلا الله، فلو شرب الخمر فما زال مؤمناً كامل الإيمان. فذاك يقول: كافر، وهؤلاء يقولون: كامل الإيمان، وقال أهل السنة: أخطأ الخوارج والمرجئة، فمرتكب الكبيرة فاسق، ناقص الإيمان، رداً على المرجئة وليس بكافر رداً على الخوارج، فهو ناقص الإيمان فاسق، ولا نكفره بارتكابه الذنب ما لم يستحله وهو تحت رحمة الله، لكن نخشى عليه العقوبة ونخشى أن يأخذه الله، وهو فاسق بكبيرته، فهم في هذا الباب وسط.

توسط أهل السنة بين الرافضة والنواصب

توسط أهل السنة بين الرافضة والنواصب ووسط بين الرافضة والنواصب: الرافضة: أتوا إلى علي فبلغوا به حد الغلو، بل بعضهم يرى ألوهية علي رضي الله عنه وأرضاه، ويقدسون أهل البيت، حتى يقدمونهم كثيراً على الرسول عليه الصلاة والسلام، ويسبون الصحابة على حساب أهل البيت، ويلعنون الشيخين رضي الله عنهما، ويفترون ويرمون بالفاحشة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وقد برأها الله. وقابلهم النواصب فيسبون أهل البيت، ويرون أن علياً متهم، وتوسط أهل السنة، وقالوا: أهل البيت منا وهم أحبابنا، ونحبهم في حب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحبهم إيمان، قال تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] فقرابة الرسول عليه الصلاة والسلام أشرف القرابة، وقد كان الشافعي يقول: إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي إذاً حبهم عقيدة ولا نسبهم، ولكن لا نغلوا فيهم فنوصلهم الدرجة التي لم يصلوا إليها، فنرد على النواصب ونقول: أخطأتم، وعلى الروافض ونقول: أخطأتم، وننزلهم منزلتهم اللائقة بهم، وننزل علياً في الدرجة الرابعة في الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم، فإذا سمعت النواصب، فمعناها طائفة من المسلمين لكنهم ابتدعوا، حيث كانوا يسبون أهل البيت. وسموا نواصب لأنهم ينصبون لأهل البيت العداء، يقول المتنبي يمدح أحد العلويين: إذا علوي لم يكن مثل طاهر فما هو إلا حجة للنواصب

توسط أهل السنة بين المجسمة والمعطلة

توسط أهل السنة بين المجسمة والمعطلة وأما المجسمة والمعطلة: فـ المجسمة -كما قلت- وصفوا الله كالمخلوق تماماً، جل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، بل كانوا يشيرون بأيديهم ويقولون: هو كأحد منا، والمعطلة كـ الجهمية وغيرهم نفوا صفات الله وأسماء الله تماماً، فتوسط أهل السنة، وقالوا: نثبت لله ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام، وننفي عنه ما نفاه عن نفسه ونفاه رسوله عنه، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. فالأسماء والصفات توقيفية، والطوائف فيها ثلاث: منهم من نفاها مطلقاً، وهم المعطلة، فقد نفوا الأسماء والصفات، فقالوا: لا أسماء ولا صفات، قالوا: لا نطلق عليه اسم عليم، ولا قادر ولا حكيم، ولا سميع ولا بصير. والمعتزلة قالوا: نثبت الأسماء، وننكر الصفات، عليم بلا علم، سميع بلا سمع، وحليم بلا حلم، وكريم بلا كرم. والأشاعرة: أثبتوا سبع صفات مع الأسماء، وأنكروا وأولوا بعض الصفات، وهذا خطأ. وأهل السنة يثبتون لله ما أثبته لنفسه من غير تحريف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل.

توسط أهل السنة بين أهل الرأي البحت وأهل الظاهر الصرف

توسط أهل السنة بين أهل الرأي البحت وأهل الظاهر الصرف فـ أهل السنة وسط بين أهل الرأي البحت وأهل الظاهر الصرف. ففي الواقع توجد مدرسة متوسطة ومدرستان متطرفتان، مدرسة في الفقه -في الفرعيات- ترى أنه لا بد بأن يقلد الشخص أهل المذاهب، ويأخذون المتون فيحفظونها حفظاً ويحكمونها في الناس، ولو خالفت الأدلة، حتى لو رددت على أحدهم، قال: لا. هذا موجود في الكتاب، تقول: الحديث في البخاري، قال: لا. الشيخ أعلم بهذا، أبو حنيفة أعلم، والإمام أحمد أعلم، تقول: الدليل، قال: ما ندري، إنما موجود في المتن هذا، فيحكم آراء الناس ولو صح الحديث بخلاف ذلك، وهذا خطأ. وقابلتهم مدرسة متطرفة، -وقد ذكر المدارس الثلاث ابن تيمية، في أول كتاب الاستقامة: مدرسة الرأي ومدرسة الظاهر وذكر أن أهل الحديث وسط- فقابلهم أهل الظاهر، قالوا: لا. مَن أحمد هذا؟ هو رجل ونحن رجال. ثم يأخذون الحديث ولا يعرفون أهو صحيح أو ضعيف ناسخ أو منسوخ، فيعملون به، وتجد أحدهم يأخذ كتب الحديث ويجتهد ويفتي وعمره ست عشرة سنة، فيطوي رجله تحته ويقول: والذي تطمئن إليه نفسي، وأرى أن الإمام مالك أخطأ في هذه المسألة، وأرى أن الشافعي لم يهتد للصواب في هذه الجزئية، فنقول رويدك: أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا أو قول جرير: وابن اللبون إذا ما شد في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس وتوسط أهل الحديث، فقالوا: نأخذ الدليل ونستفيد من أفهام وأفكار الأئمة الكبار، لأنهم أفهم منا وأحسن عقلاً وإدراكاً ووعياً، فنأخذ فهمهم، ونترضى عليهم، ولا نجعلهم معصومين، فالمعصوم محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الصحيح.

توسط أهل السنة بين أهل الشهوات وأهل التصوف

توسط أهل السنة بين أهل الشهوات وأهل التصوف وتوسط أهل السنة بين أهل الشهوات البهيمية، وأهل التصوف. والعالم الآن -حتى العالم الإسلامي- ثلاثة أقسام: القسم الأول: أهل اعتدال في حياتهم. القسم الثاني: أهل عبادة شهوانية بهيمية. القسم الثالث: أهل تصوف مذموم. أما أهل الشهوات البهيمية فرجل لا يعبد إلا بطنه وفرجه، حياته كأس وبلوت، ومجلة خليعة، وأغنية ماجنة، وسهرة حمراء وعربدة وسفر إلى غير ما يرضي الله عز وجل، وانهيار في الخلق. وحياته أكل وشرب ولهو، وما عنده من الإسلام شيء، بل هو كما يقول بعض العلماء: كجفاة الأعراب لا يفهم من الدين إلا مجمل العقيدة، فيفهم لا إله إلا الله إجمالاً، لكن لو سألته في سيرة محمد عليه الصلاة والسلام أو في بدر أو أحد أو في سيرة الخلفاء الراشدين، أو في تفسير آية؛ فإنه لا يعرف منها شيئاً أبداً، فحياته فقط حياة ظاهرة، قال تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الاحقاف:20] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] وقال تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3]. ويقول أحد الشعراء: لا بأس بالقوم من طول ومن قصر أجسام البغال وأحلام العصافير قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] فيتعب جسمه لجسمه، ويتعب بطنه لبطنه، ويتعب شهواته لشهواته، والله إن أحدهم يهتم بقضية سيارته ووظيفته ومنصبه أكثر من اهتمامه بالإسلام، بل الإسلام في آخر القائمة!! فقضية التحمس للدين في آخر القائمة، لا يلقي لها بالاً ولا يعد لها حسباناً أبداً: يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان وقابلهم طائفة تطرفوا -طائفة التصوف- فقتلوا النفس، فلا ينامون كما ينام الناس، سهر متواصل، ولا يأكلون الطيبات، وقد ذكر ابن الجوزي أعاجيبهم ومن يطالع كتاب إحياء علوم الدين للغزالي يجد العجائب، يقول أحدهم: والله الذي لا إله إلا هو ما أكلت الرطب أربعين سنة، فهو يمتدح نفسه بهذا، فهل الرطب حرام؟! ومن حرمه؟ هل في كتاب الله عز وجل تحريم للرطب أو الأرز أو اللحم؟ لا. {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] فهذا ليس وارداً، لكن أهل التصوف قتلوا النفس، ويرى الغزالي وأمثاله أن هذا هو المسلك الطيب. قال: فلان ما صلى الفجر أربعين سنة إلا بوضوء العشاء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر} قالوا: الحمد لله، فلان ما تزوج في حياته، قال: {وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني}. جاء تلميذ إلى الإمام أحمد ممن أثرت عليه مدرسة التصوف، فقال لـ أحمد: هل الزواج أفضل أو تركه؟ قال الإمام أحمد: الزواج أفضل، قال: إبراهيم بن أدهم ما تزوج، قال الإمام أحمد: أوَّه، وقعنا في بنيات الطريق! يقول الله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] فسنته عليه الصلاة والسلام هي المتبعة. يقول الخطابي في كتاب العزلة: أحد المتصوفة أخذ لاصقاً فوضعه على عينه اليسرى، فقال له الناس: مالك؟ قال: إسراف أن أنظر إلى الدنيا بعينين، والله عز وجل يقول: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] هذا موجود عند الخطابي - أبو سليمان - قال: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) [البلد:8] فهذه نعمة، وهو يقول: إسراف أن ننظر بعينين، وأتوا بعجائب أخرى. فتوسط أهل السنة فقالوا: نتوسط بالنعم، فنأكل الطيب ونلبس الطيب، ونتجمل بجمال الله، بدون إسراف ولا مخيلة، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172]} لكن نشكر بها الله، بلا إسراف ولا مخيلة، ولا كبر ولا رياء، ويرى أهل السنة أن ننام ونقوم، فلا يُقام الليل كله، وقد نص كثير من العلماء بهذه الفتوى، ولا يُصام الدهر كله، وهو الصحيح، ولا يترك الزواج، وهو الصحيح، بل الأفضل الزواج، بل بعض العلماء يوجبه إذا وجد موجب هذا. أهل السنة وسط بين أهل الشهوات البهيمية وأهل التصوف، فهم الذين هداهم الله سواء السبيل.

توسط أهل السنة بين المفوضة والمؤولة

توسط أهل السنة بين المفوضة والمؤولة وأهل السنة وسط بين المفوضة الذين فوضوا الأسماء والصفات، وقالوا: لا نقول فيها شيئاً، فلم يثبتوها ولم ينفوها، وبين المؤولة وكـ الأشاعرة وغيرهم الذين أولوا صفات الله. يقول عليه الصلاة والسلام: {يضحك ربنا} قال الأشاعرة، الضحك معناه الرحمة، وهذا خطأ وليس بصحيح بل له ضحك يليق بجلاله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فالقول في الصفات كالقول في الذات، ونرد عليهم أيضاً، بأنهم يثبتون سبع صفات منها: العلم، فنقول: لماذا أثبتم العلم؟ قالوا: نثبته فله علم يليق بجلاله، قلنا وللمخلوق علم، أما تخافون أنكم إذا أثبتم العلم لله أن يشابه علم المخلوق؟ قالوا: لا. لأن لله علماً يليق بجلاله، وللمخلوق علم يليق به، ونقول لهم أيضاً: قولوا في مثل ما نفيتم مثل ما أثبتم، فلله ضحك يليق بجلاله، وللمخلوق ضحك يليق بالمخلوق، فليس للمخلوق جلال مع الله، بل الجلال لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

توسط أهل السنة بين الجفاة والغلاة

توسط أهل السنة بين الجفاة والغلاة أهل السنة وسط بين الجفاة والغلاة، فهم وسط في حبه عليه الصلاة والسلام، وقد مر شيءٌ من هذا، فهناك قوم جفوا عن حبه صلى الله عليه وسلم، حتى أنه يذكر في المجالس عندهم، فكأنك ذكرت عالماً من العلماء بالحسنات، أو ذكرت مصلحاً من المصلحين، أو رجلاً من عامة الناس، وبعضهم لا يصلي ولا يسلم عليه صلى الله عليه وسلم، رغم أنف من لم يصلِّ ولم يسلم عليه صلى الله عليه وسلم. بل وجد من بعض العلمانيين أنه إذا تكلم في محمد عليه الصلاة والسلام أنه يدرجه في قائمة الزعماء، فيقول: ومن إصلاحاته عليه الصلاة والسلام أنه حرر الأمة وجاهد وقاتل في سبيل الله وأنه علَّم الناس، وكذلك جاء بعده أبو بكر وجاء بعده صلاح الدين، وجاء بعده فلان بن فلان، وكلهم مصلحون. فنقول: أخطأت، الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كهؤلاء، فهو المصلح الأول، وهو صلى الله عليه وسلم المعصوم، وهو الرسول للبشرية، وهؤلاء تلاميذ له، ولا يقارنون به. وبعضهم غَلا في حبه حتى أوصله إلى مرتبة الألوهية واستسقى بقبره وسأل منه المغفرة بعد موته وغالى فيه غلواً، كما قد ذكرت بعض أبيات المتصوفة فيما سبق.

توسط أهل السنة في الأخلاق

توسط أهل السنة في الأخلاق وهم في الأخلاق وسط: فالبياض إذا كثر أصبح برصاً، قال تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3] فالتواضع إذا زاد عن حده صار ذلة، والعزة إذا ارتفعت صارت كبراً، والكرم إذا زاد أصبح إسرافاً، وإذا قل صار بخلاً. فالوسط الوسط في الأخلاق. وهذه يلهمها العبد، وهي المسألة التي يقول فيها ابن تيمية الهداية إلى الصراط المستقيم، التي يسأل العبد ربه في كل صلاة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] فإن دراجات الهداية دقيقة وكثيرة لا يعلمها إلا الله، ولا يصل إلى الدرجة العالية إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فليعلم هذا. إذاً التوسط في الأخلاق هو المحمود، ومن أسس الماسونية أنهم يجعلون القاسم المشترك هو خلق الإنسان، فيقولون: ما دام حسن الخلق، أي: لا يزعج أحداً، حتى إذا كان الخواجة الأمريكي معك، فليس لك أن تزعجه إذا رأيته يخالف في بعض الأمور، فمن حسن الخلق أن تتأدب معه وتتلاطف، وأن تذل له، لأن خلق الإنسان لا بد أن يكون مشتركاً بين الناس، حتى أنهم يقولون: العزة هذه من أين أتيتم بها؟ فلا يجوز عندهم جرح الشعور. والله عز وجل يقول: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29] وقال تعالى عن المؤمنين: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54] فلا يصح أن تقلب، بل يبقى المسلم عزيزاً بإسلامه، والكافر ذليلاً بكفره، لكن يبقى حسن المعاملة، فالدين المعاملة: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] قال بعض المفسرين: قيلت في سائر الناس، أن تقول لهم: حسناً؛ تصرفاً حسناً، أما الذلة والاستخذاء فهذا محرم.

توسط أهل السنة في العبادة

توسط أهل السنة في العبادة أهل السنة وسط في العبادة، فلا يكسلون، ولا يجفون، ولا يتركون النوافل، ولا يقصرون في أداء حقوق الله عز وجل بل يتزودون بالنوافل ويعلمون أن أقرب الناس إلى الله أكثرهم نافلة، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: {ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به} الحديث. وعند مسلم عن ربيعة بن مالك قال: {أريد مرافقتك في الجنة يا رسول الله! قال: أوغير ذلك؟ قال: هو ذاك، قال: أعني على نفسك بكثرة السجود}. وعند مسلم عن ثوبان: {فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة} فإذا رأيت الإنسان لا نافلة له، فاعلم أن هذا لمرضٍ فيه، بل بعضهم يترك العشر النوافل التي كان يحافظ عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي السنن الراتبة، وقد قال كثير من العلماء: من تركها فهو رجل سوء، وهي: ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، فهذه العشر التي حافظ عليها الرسول صلى الله عليه وسلم مع الوتر وركعتي الضحى، ومثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فهذا هو الوسط. وأما قوم فزادوا على أنفسهم، فسردوا الأيام كلها صياماً، وقاموا الليل كله، وختموا القرآن في يوم؛ فانقطعوا، وأهل السنة وسط بين هؤلاء وهؤلاء، ودل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: {القصد القصد تبلغوا} {فإن المنبتّ -وقد أرسله ابن المنكدر ففي الحديث نظر- لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع} {إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

توسط أهل السنة في الجرح والتعديل

توسط أهل السنة في الجرح والتعديل وأهل السنة وسط في الجرح والتعديل، أي: في الكلام في الرجال، والكلام في الهيئات، فهم يحكمون كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، لأن بعض الناس يحكم هواه في حب الناس، فَيُسْأَلُ عن عالم ولو كان فيه ضلالٌ، فتجده لحبه أو لأنه أسدى له معروفاً يمجده وينسى خطأه ويرفعه لأعلى عليين، ويذكر عالماً آخر أفضل من ذلك، ولكن ربما لمواقف شخصية أو هوى أو حسد، فيحط من قدره وينسف حسناته، وهذا خطأ، وقد ذكر الذهبي في ترجمة قتادة بن دعامة السدوسي وقد كانت فيه بدعة، لكنه حافظ من حفاظ الحديث وعالم جليل، قال: ولا تهدر حسنات الرجل وذكاؤه وحبه الخير -أو كما قال- هذا ولا ننسى بدعته. ويسأل ابن تيمية عن الغزالي فيعطي حسناته وسيئاته، ويسأل عن كتابه (إحياء علوم الدين) فيعطي حسناته وسيئاته، فهم يعملون بقوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] فلا يحكِّم أهل السنة الأهواء أو الحسد أو الغيرة؛ لأن كلام الأقران كما يقولون: يطوى ولا يروى، ولا يقبل في بعضهم، إلا إذا ذكر السبب وعرفت الملابسات. والإمام مالك على جلالته ومحمد بن إسحاق صاحب السير على جلالته يقول أهل العلم: لا نقبل كلام الإمام مالك في ابن إسحاق، ولا كلام ابن إسحاق في مالك، فالإمام مالك يقول عن ابن إسحاق: دجال الحرة، وابن إسحاق يقول: أنا بيطار كتبه، خرجت كتب مالك من يدي، رحمك الله يا بن إسحاق أنت مأجور ومشكور، ولا نقبل كلامك في مالك، ولا نقبل كلام مالك فيك، وكذلك أبو نعيم يقول في ابن مندة: ليس بحافظ، قال الذهبي: لا نقبل كلامه فيك، ولا نقبل كلامك فيه، وهو حافظ صين دين، وأنت حافظ صين دين، لكن احفظ لسانك. وذكر عالماً آخر تكلم في رجل، وقال: لا نقبل كلامك فيه والسلام. فأهل السنة يحكمون الكتاب والسنة، ويحكمون الدين بلا هوى في الجرح والتعديل. وقد اجتزأتها نظراً لأني سوف أترك المجال للشيخ العامل والداعية المعروف: الشيخ/ عبد الله الجلالي، فباسمكم جميعاً وباسم أهالي المنطقة أرحب به ضيفاً عزيزاً على قلوبنا، ونسأل الله أن ينفع به وهو معروف لدى الجميع، والتعريف به كالتعريف بالعلم، فأنا أدعوه للتقدم ليعطينا مما أعطاه الله زاده الله توفيقاً ورشداً، وحياه الله وبياه ومرحباً به، فليواصل معنا إلى الأذان، ومن الأذان إلى الإقامة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

فضل مجالس العلم

فضل مجالس العلم كلمة للشيخ عبد الله الجلالي: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين إلى يوم الدين. أمَّا بَعْد: أيها الأحبة في الله! ما كنت أتمنى أن أتقدم، وكنت أظن أن الشيخ لم يرني وكان الحديث مفيداً، لكن دعاني الشيخ، فأنا مستعد -إن شاء الله- لا معلقاً وإنما شاكراً أولاً لله عز وجل، فهو الذي يدافع عن الذين آمنوا، وهو الذي يحق الحق ويبطل الباطل، ثم شاكراً للشيخ/ عائض جزاه الله عنا خيراً، فهو الذي اجتمع أمامه هذا العدد الكبير الذي لم أره في حلقةٍ من حلق الذكر أو مجلسٍ من مجالس العلم أبداً؛ إلا لحسن طويته ولإخلاصه إن شاء الله تعالى، وأسأل الله أن يثيبه. ثم أشكر لكم أيها الإخوة! وأقول: هكذا يجب أن يكون الرجال، وهكذا يجب أن يكون المؤمنون مع علمائهم وشيوخهم، أشكر لكم؛ لأن كثيراً منكم جاء من أماكن بعيدة، وأشكر لكم؛ لأنكم تعيشون فترة قل فيها الطالبون للعلم، وكثر فيها الطالبون للدنيا ومتاعها، وأرجو أن نكون جميعاً من الغرباء الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: {هم الذين يصلحون إذا فسد الناس}. وليس غريباً -أيها الإخوة- أن تجتمعوا هذا الاجتماع يوم كانت المقاييس غير المقاييس التي يعيشها الناس اليوم، ولا نفقد الثقة ففي هذه الأيام خيرٌ كثير والحمد لله؛ لأن العلم تضرب له أكباد الإبل قديماً وحديثاً، ولأن في سلفنا الصالح من يقطع آلاف الأميال يبحث عن مسألة في وقتٍ كان فيه الظهر غير متوفر، ولا الظروف ميسرة، أما وقد تيسرت الوسائل وتوفرت الظهور فإن هذه حجة علينا لا حجة لنا. أيها الإخوة! أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على مجالس، بل أثنى الله عز وجل قبل ذلك وقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والذيْنَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى حلقتين: حلقة علمٍ وحلقة عبادة، فترك حلقة العبادة وجلس في حلقة العلم، وقال: {إنما بعثت معلماً}. بل قال عليه الصلاة والسلام: {وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده} فهذه صفات -يذكرنا الله في من عنده من الملائكة، وتحفنا الملائكة، وتغشانا الرحمة- نحن بحاجة إليها دائماً وأبداً.

ضرورة حضور مجالس العلم

ضرورة حضور مجالس العلم إخواني! أعداؤنا يضربون أكباد الإبل من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، من أجل مصالح مادية، بل من أجل فسادٍ في الأرض، بل من أجل إهلاك الحرث والنسل، ونحن أولى بأن نحث الخطا لمثل هذه المجالس. والله -يا إخوتي- لا أكذبكم لقد رأيت بعيني هاتين ولا أكتم ولا أغير ما رأيت: كنت ذات يومٍ في دولةٍ من دول العالم الذي ابتلي بالهجرة -من الدول المجاورة- فسرت ساعاتٍ طويلة داخل غاباتٍ موحشة، وفي شدة الحر، وفي ضنكٍ من الطريق، فلما وصلت إلى تلك المعسكرات التي يقطنها أبناء المسلمين المعذبون رأيت أطفالاً أشبه ما يكونون بالأشباح، وليس هذا عجيباً فالعالم الإسلامي في جله معذبٌ اليوم، وأكثرهم مشرد. وتقول الإحصائيات أن في أفريقيا وحدها: 250 مليون كلهم تهددهم المجاعة والموت، والعجيب أني رأيت أطفال المسلمين بأيدي فتياتٍ أوربيات، كأنهن الشمس جمالاً في سن العشرين فما دونها، كل امرأةٍ من هؤلاء النساء احتضنت طفلاً من أبناء المسلمين تربيه، لا تريد أن تربي جسمه؛ وإنما تريد أن تربي عقله خلاف الفطرة، قلت: سبحان الله! كيف جاء هؤلاء من بلاد أوروبا المترفة إلى هذه الغابات الموحشة التي تنتشر فيها الأمراض والأوبئة؛ ولكنها سنة الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال:36 - 37] بل قلت: سبحان الله! هؤلاء الأوربيون جاءوا ليربوا أبناء المسلمين خلاف الفطرة، فأين أبناء المسلمين؟! فأجبت نفسي بنفسي: المسلمون معزولون عن المسلمين، لو بحثت عنهم في الأندية أو في ملاعب الكرة أو لوجدتهم يتكاثرون هناك، فغفلوا عن أبناء جلدتهم فتولى تربيتهم غير المسلمين وإنها لفتنةٌ أسأل الله أن يخلص المسلمين من شرها. أحبتي في الله: من هنا يجب أن نفهم أن الجنة سلعة الله، وأنها غالية، وأننا يجب أن نضحي بالنفس والنفيس، والوقت وكل شيء، من أجل أن نعرف كيف نعبد الله، وكيف نتعامل معه بالعبادة، ومن أجل أن نعرف كيف نتعامل مع الناس. وإذا قيض الله لنا علماء كأمثال الشيخ/ عائض جزاه الله خيراً والحمد لله هم كثيرون اليوم، يجتزئون جزءاً من وقتهم لهذا الأمر؛ فإنه يصبح لزاماً على كل واحد منا ألا يضيع هذه الفرصة، وإن ضيع هذه الفرصة فأخشى أن يأتي وقتٌ لا تتوفر فيه هذه الفرص؛ لأن العلم سوف يرفع كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفع العلم علامةٌ من علامات الساعة، ورفعه بموت العلماء.

ضرورة العمل لهذا الدين

ضرورة العمل لهذا الدين والمهم -أيها الإخوة- هو العمل من أجل هذا الدين، وأن نتحمل في سبيله كل مشقة؛ لأن الله تعالى يقول لنا: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214] وإذا كان من الناس من يعتبر أو يظن أن حمل الدين سهل أو مفروشٌ بالورود والرياحين فليصحح معتقده، وليتفقد عقله. قرأت ذات يومٍ -وإن كان منذ مدةٍ طويلة- قصة رجلٍ من الأتراك كان يدعو إلى الله فضلَّ الطريق فدخل في حدود بلغاريا الشيوعية التي كانت لا تسمح بأي شيءٍ اسمه دين، يقول هذا الأخ التركي: فما زلت أسير في الظلام وقد ضللت الطريق داخل الحدود البلغارية إذ أنا في وسط غابة موحشة فسمعت صوت القرآن الكريم، فاطمأنت نفسي -هو الراوي نفسه- يقول: فاقتربت فوجدت سراجاً صغيراً يحيط به أطفال وفي الوسط شيخٌ كبير السن، فجلست معهم من منتصف الليل إلى قرب الفجر، وهم يقرءون القرآن والشيخ يقرئهم، فلما قرب الفجر تفرقوا، فسألت صاحبي: فقال هؤلاء شبابٌ من بلغاريا، يجتمعون في كل ليلة في منتصف الليل، وهذا شيخ يأتي من تركيا فيخترق الحدود في كل ليلة، فيجلسون ليقرئهم القرآن ويتفرقون قبل أن تنتبه السلطات الشيوعية. هكذا يقدر المسلمون لهذا الدين قدره. أما إذا ظن المسلمون أن الدين يحتاج أقل من ذلك؛ فإنهم في خطأ. أيها الإخوة! الإسلام يحتاج إلى تضحية، وما وصل إلينا بهذا المستوى إلا بعد جهدٍ جهيد، ونحن مطالبون بأن نسعى كما سعى آباؤنا؛ لإقرار الحق وإحقاقه وإبطال الباطل. أما العلم فإنه أمرٌ مطلوب، ونحن بمقدار فرحتنا بالصحوة الإسلامية المباركة وبهؤلاء الشباب، والحمد لله الذي منَّ عليهم بالعودة بعد شرودٍ طويل؛ نطالبهم بالعلم؛ لأن العلم هو سلاح الحياة، وهذه المجالس التي تشبه هذا المجلس إنما هي الوسيلة لتحصيل العلم النافع الذي يتحصن به شبابنا. فيجب أن نقدر لهؤلاء العلماء قدرهم، ولا نفقد الثقة فيهم مهما قيل عنهم. ثم أيضاً يجب أن نلتف حولهم لنأخذ منهم العلم الصحيح، كيف لا وهم يعلموننا ما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. أيها الإخوة! إن وجود مثل هؤلاء العلماء بين ظهرانينا فرصة، ولذلك فإني سوف أزف لكم بشرى سوف يفرح بها كل واحدٍ منكم إن شاء الله: لقد سمعت منذ أيام أن الشيخ عائض سوف يرتحل إلى مكة وبإلحاحٍ من إخوانه الغيورين على دين الله عز وجل وعلى انتشار العلم في كل مكان في الأرض، ولأن مكة فيها والحمد لله خير كثير؛ عدل فكرته -والحمد لله- وقرر الاستقرار هنا. ويجب أن يكون هاهنا العلماء، فلا يجوز أن يتركوا الميدان إلا إذا كان أحدهم متحيزاً إلى فئة، ونحن نقول: هنا يجب أن يكون العلماء كما يجب أن يكون هناك في مكة وفي كل مكان من الأرض.

أهمية التزام الوسطية في العمل للدين

أهمية التزام الوسطية في العمل للدين إن خلو منطقة من العاملين، الذين يبذلون الجهد والوقت؛ ليؤذن بخطر؛ ولذلك فأنا أقول: أيها الإخوة! ما دام الشيخ قد عدل عن هذه الفكرة وعزم على البقاء هنا من أجل المصلحة فإني أحثكم: أن تحثوا الخطا إليه مهما غلا الثمن وعز المطلب وأن تقطعوا مسافات طويلة، فإن ذلك في سبيل مرضاة الله عز وجل. أما ما ذكره الشيخ عن الوسطية فإنه أمر نحتاج إليه دائماً لا سيما في هذه الفترة؛ لأننا نعيش في فترة انتشرت فيها الصحوة؛ لكنها تفقد في بعض الأحيان العلم الصحيح الذي يصحح المسار، ويحدد العمل؛ ولذلك نسمع في هذه الأيام تطرف وسواس تشدد، وهذا قد يوجد؛ لكنه نادر؛ وهذه الكلمات لربما تظهر من قوم فوجئوا بهذه الصحوة الإسلامية المباركة وعلى غير انتظار، وجاءهم شباب ملتزم مستقيم على دين الله بعد شرودٍ طويل فظنوا أن هذا هو التطرف، وأنا لا أنكر وجود هذا الشيء لكنه نادر جداً، بل أقل من النادر. أما ما يقال عن الصحوة الإسلامية: بأن فيها تطرفاً فليس فيها تطرف، بل هذا هو الحق الذي غفل عنه الناس مدة طويلةً من الزمن، فعاد الحق إلى نصابه وموقعه؛ فظن بعض الغافلين، وبعض الناس الذين ليس لديهم الخبرة والمعلومات الصحيحة عن حقيقة هذا الدين أن هذا تطرف، وقد يوجد شيءٌ من ذلك. ولذلك فكما قال الأخ: إن الأمة الإسلامية أمةٌ وسط، والله تعالى يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143] ومعنى هذه الآية عند المفسرين أنهم عدول؛ لأن الوسط معناه المعتدل، كما قال الله عز وجل: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم:28] أي: أحسنهم رأياً، إلا أن الوسطية أيضاً يفهم منها المعنى الآخر: وهي الاعتدال بين طرفي نقيض. فحقاً إن دين الإسلام دينٌ وسط، وهو دائماً بين طرفي نقيض سواء كان في أصوله، أو فروعه، أو سلوكه، أو أخلاقياته، أو آدابه وغير ذلك.

وسطية الإسلام بين المناهج العصرية

وسطية الإسلام بين المناهج العصرية فابتداءً من المناهج العصرية التي تعيش معنا اليوم نجد أن الإسلام دينٌ وسط. مثلاً: الرأسمالية في معناها الاصطلاحي الحاضر: جمع الأموال بدون قيدٍ ولا شرط، فلا زكاة، وليس هناك شيءٌ اسمه الربا أو الحرام في كسب المال، وهذا طرف. والشيوعية الملحدة الكافرة التي تحكم بـ الاشتراكية وهي طرفٌ آخر: تأخذ الأموال بحجة أنها تأخذها من الأغنياء وتعطيها الفقراء، وهذا كذب، بل تؤخذ من الأغنياء لتردهم فقراء، وتدفع إلى أشياء لا نستطيع أن نتحدث عنها الآن. ثم جاء دين الإسلام، بل دين الإسلام هو قبل هذه المذاهب كلها فهو دينٌ وسط، فقد أمر باقتناء الأموال وهو هنا مخالف للشيوعية التي تلغي الملكية الفردية، وتلغي الأسرة، بل وتنكر كل النواميس التي يؤمن بها الإنسان بعقله حتى تنكر الخالق سُبحَانَهُ وَتَعَالى تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- فجاء الإسلام وهو وسط بين طرفي نقيض فليس هو في الرأسمالية التي لا تقف عند حدٍ في كسب المال، ولا تعترف بربا ولا بمحرم في كسب المال، ولا تعترف بزكاة ولا غيره، ولا هو بـ الشيوعية الاشتراكية التي تبتز أموال الأغنياء لتحولهم إلى فقراء دون أن تسد حاجة الفقراء. فقد جاء الله عز وجل بأحسن نظام، وهو نظام الزكاة، والنفقات، والكفارات والصدقات، إلى غير ذلك. أمر آخر: من المذاهب العصرية التي تعيش معنا اليوم؛ الشيوعية الملحدة المادية التي لا تؤمن إلا بالمحسوسات، وهذه لا يخفى على أحدٍ منا، وهي -والحمد لله- الآن سقطت تحت أقدام المسلمين اليوم، فهي تداس بالأقدام حتى في بلادها. وهناك مذهبٌ آخر خرافي يقدس ويحترم الروح، ويهمل الجسد، تلك تهمل الروح وتهتم بالجسد، وهذه تهمل الجسد وتهتم بالروح وتبالغ. ولذلك الحديث عن هذا المذهب الأخير في بلادنا غير واضح وغير مفهوم والحمد لله؛ لأن بلادنا لا تعرف البدع ولا الخرافات ولا الشركيات والوثنيات، ونشكر الله عز وجل، ثم نشكر لدعوة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب الذي كان سبباً في إنقاذ هذه البلاد بالرغم من ترامي أطرافها، وبالرغم مما هي فيه من الجهل والبادية في سابق أمرها. لكن -يا أخي- لو سرت في العالم الإسلامي لرأيت العجب العجاب، ولرأيت قوماً يقدسون القبور والأولياء، ويعتقدون فيهم النفع والضر من دون الله، بل -والله- يقدسون حتى من دون ذلك، ولقد رأيت -والله- بعيني هاتين قبر رجل شيوعي في مكان وقد بنى عليه ضريح، وهم يعرفون أنه شيوعي صيني. فهذه الأمور التي تعدت الحدود في الروحانيات؛ فقدست الأولياء بدون قيدٍ ولا شرط، واعتقدت أنهم ينفعون ويضرون من دون الله عز وجل، وهذا شرك أكبر. ولو رأيت -يا أخي- بعض المزارات؛ لرأيت أن من يطوف حول الكعبة لا يساوي معشار من يطوف حول هذه الأضرحة، فإنه يحج إليها الناس في باصات وطائرات وقطارات، كلها تذهب إلى هذه الأضرحة، والناس في زحام حتى لا يُعطى الشخص في بعض الأماكن إلا شوطاً واحداً من شدة الزحام، يقول: شوط واحد فقط وتمشي، أما الطواف حول الكعبة فإنه سبعة أشواط؛ لأن العدد حول الكعبة معقول يتسع لسبعة أشواط؛ لكن هنا لا يتسع لسبعة أشواط. والمصيبة الكبيرة -يا إخوان- أننا رأينا علماء -أشكر الله على هؤلاء العلماء الذين يسيرون بكم نحو الفطرة- يدعون الناس إلى هذه الوثنيات والقبور والأضرحة، ويريقون من الدموع حول هذه الأضرحة؛ أكثر مما يريقه المسلمون حول الكعبة المشرفة وعند الحجر الأسود. وهذه بلية نحن -والحمد لله- سلمنا منها، فنشكر الله عز وجل الذي هدانا للفطرة. ولقد تذكرت حينما كنت أسير في تلك البلاد وأرى هؤلاء المخرفين والخرافات بل وأرى من العلماء من يدعون هؤلاء الناس إلى هؤلاء المهذرفين وهذه الخرافات، وإذا قيل لأحدهم: اتق الله، قالوا: أنتم تكرهون محمداً والأولياء والصالحين. ونحن -والله- نحب محمداً أكثر منهم، ونحب الصالحين أكثر منهم، لكننا لا نعطي أحداً ما نعطيه الله عز وجل، تذكرت وأنا أرى هذه المناظر المحزنة المبكية المضحكة في آن واحد قول الله عز وجل عن قومٍ في النار يلومون قوماً في النار: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات:28] يعني: ما جئتمونا عن طريق المعاصي، وعن طريق الآثام، بل جئتمونا عن طريق الطاعة، عن طريق اليمين وعن جهة اليمين، فلو جئتمونا عن الطريق المنحرفة لما صدقناكم، فهذا ما يقوله بعض أهل النار لبعض، ويقوله الأتباع للقادة وللسادة. فإنهم لو أتوهم عن طريق المعصية والخمور والزنا والفواحش والسرقة والسطو لما اتبعوهم، وهذه جرائم كبيرة خطيرة لكن الإنسان وهو يقترفها يتوب منها؛ لأنه يعترف بأنها معصية، وأجهلهم إذا قيل له: اتق الله، قال: عسى الله أن يهديني؛ لكن ما رأيك في إنسان يعمل البدع والخرافات والشركيات والوثنيات ويعتقد أنها من الدين؟ هل يفكر أن يتوب في يوم من الأيام؟ لا يفكر بذلك؛ لأنه يعتقد نفسه في طاعة، ولذلك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أخبر عنهم في النار، فقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَة * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:2 - 4] خشوعها ونصبها في الدنيا ما خلصها من النار الحامية؛ لأنهم لم يسيروا على المنهج الذي سار عليه محمد صلى الله عليه وسلم. إذاً نحن بين طرفي نقيض، بين من يدعو إلى المادية وينبذ الروح، وبين من يزيد في حق الروح ويتعدى فيها الحدود، ويهمل الجسد. ولذلك فإننا أمة وسط، وديننا وسط والحمد لله، ونحن نشكر الله عز وجل على ذلك، فنحن نؤمن بالله عز وجل، ونؤمن بالروحانيات، لكننا لا ننسجم معها على غير منهجٍ صحيح وعلى غير ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

أهمية فهم وسطية الإسلام

أهمية فهم وسطية الإسلام فهذه الأمة أمةٌ وسط، وهذه الوسطية مهمةٌ جداً، حتى لا يظن بعض الناس أن دين الإسلام دينٌ مطاط، يدخل فيه ما يشاء من البدع والخرافات، وكلما أتى ببدعة قال هذه بدعة حسنة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في كثير من خطب الجمعة: {ألا إن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة}. إذاً: ليس هناك بدعة حسنة، فالذين جعلوا الدين مطاطاً أخطئوا، كما أن الذين تجردوا عن الإسلام أخطئوا، ولكن -وأقسم بالله العظيم- لو بعث فينا اليوم محمدٌ صلى الله عليه وسلم ورأى هذا العالم، ما بين مجرمٍ فاسق، وما بين موغلٍ في الصوفية والخرافة والشرك والوثنية؛ لحمل السلاح في وجه هؤلاء الخرافيين قبل أن يحمله في وجه هؤلاء العصاة والمجرمين؛ لأن هؤلاء إما أن يكونوا قد كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، حينما قال: {تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك} أو يكونوا قد كذَّبوا الله عز وجل يوم قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] وقد جعل الله عز وجل شرطين لقبول العمل: أن يكون صالحاً صواباً موافقاً لما جاء به المرسلون عليهم الصلاة والسلام. وأن يكون خالصاً لله عز وجل. أيها الإخوة! لا أريد أن أدخل في هذه المواضيع، ولكني أقول: أبشروا فأنتم في روضةٍ من رياض الجنة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله! وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر}. فحلق الذكر: هي مجالس العلم، وهي رياض الجنة، وأبشروا فقد حدثنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة سوف تفترق على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة: {قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثلما أنا عليه وأصحابي} والله! لقد كانت حياة وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كلها علماً وبحثاً وكسباً وتحصيلاً وحرصاً على ما يرضي الله عز وجل؛ لأن هذا الإنسان ما خلق إلا للعبادة، وما تزاوله -يا أخي- من بيعٍ وشراء وأخذٍ وعطاء وغير ذلك من الأمور التي أنت محتاجٌ إليها ومأمورٌ بها إنما هي وسيلة، ولكن الغاية هي العلم النافع الذي يعرفك بالله عز وجل، ثم العمل الصالح الذي ينشأ عن هذا العلم. ونحن -والحمد لله- نعيش فترة توفرت فيها وسائل الراحة ووسائل النقل وتوفر فيها الرزق، يوم كان آباؤنا وأجدادنا لا يحصلون على لقمة العيش إلا بعد شغفٍ وتعبٍ ومشقة؛ كانوا أحرص على طلب العلم منا اليوم، ولكننا نشكر الله أن نجد في مثل هذه المدينة المباركة، وفي هذه المنطقة المباركة مثل هذا الوجوه الطيبة التي تأتي من هنا وهناك، وتقطع الفيافي تبحث عن العلم. وأسأل الله عز وجل أن يثبت الأقدام وأن يوفق العلماء لإحياء مجالس الذكر وحلق العلم، إنه على ذلك قدير. ثم أقول: أيها الإخوة! اتقوا الله لا سيما في هذه الظروف، فإن أمتنا اليوم تعيش ظروفاً فيها كثيرٌ من الخطر، وإن الإنذارات التي هي الآن من حولنا وقريبةٌ منا تنذرنا بأن نخشى الله عز وجل، وأن نتفقد أنفسنا وأن نراقب أعمالنا، وأن نتفقد سجلات العمل؛ لأن هذه الفترة تشبه فترةً يقضيها التاجر مع دفاتر تجارته لو أحس بشيء من الخسارة، أو شعر بشيء من ضياع المال فإنه يستعيد دفاتر تجارته؛ لينظر في أرباحه وخسارته. واليوم وفي مثل هذه الأيام -ونرجو أن تكون أياماً مباركةً إن شاء الله وبعدها أيامٌ مباركة- هي مفرقٌ من مفارق طرق الحياة، ولذلك فإن على كل واحدٍ منا أن يتفقد اليوم نفسه، فإن المؤمن لا يؤتى إلا من قبل نفسه، والله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة، فهو القائل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41] سواء كان فساداً خلقياً، أو فساداً اجتماعياً، أو اقتصادياً، أو أي نوع من الفساد إنما هو بما كسبت أيدي الناس، بل إن الله عز وجل يقول: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [فاطر:45]. أيها الإخوة! نحن مطالبون اليوم بأن نتفقد أنفسنا وبيوتنا ومجتمعاتنا، وننظر ما الذي حدث حتى لا نقع في سخط الله عز وجل وعقابه، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام:43] فالتضرع مطلوبٌ دائماً وأبداً لا سيما في أيام البأس، ولنا أعداء من الداخل والخارج، وأعداؤنا يكرهون بلادنا؛ لأنها هي البلاد الوحيدة التي تطبق شرع الله عز وجل؛ ولأن بلادنا هي الوحيدة التي ليس فيها معبدٌ ليهودي ولا نصراني ولا لوثني ولا بوذي ولا لغيرهم؛ ولأن بلادنا هذه هي بلاد المقدسات وبلاد الفطرة، وفيها الذين قدموا أنفسهم وأموالهم للدعوة لله عز وجل في أرجاء العالم؛ لذلك فإن علينا أن نجدد التوبة. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأشكر الله ثم أشكر فضيلة الشيخ/ عائض الذي قدمني لكم وما كان ينبغي أن نتقدم بعد حديثه، ثم أشكر إخواني الحضور وأرجو الله أن يثبتني وإياكم على كلمة التوحيد، وأن يتوفانا على ملة الإسلام. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنقذ نفسك يا مسكين!

أنقذ نفسك يا مسكين! الإمارة حمل ثقيل, افتتن بها الجهال وهم عاجزون عن حملها, وخاف منها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, مع أنهم قادرون عليها, وخافها أولو العلم من سلف الأمة اقتداء بالصحابة لأنهم يعلمون ما فيها, وما ذاك إلا خوفاً من أن يظلم أحدهم قيد أنمله، فيلقى الله وهو متحمل لها، ففضل بعضهم -مع أن لديه خصال الولاية من القوة والأمانة- أن يجلد على أن يولى.

حديث أبي حميد وقصة ابن اللتبية

حديث أبي حميد وقصة ابن اللتبية إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت، وأن يجعلنا وإياكم ممن إذا استمع القول اتبع أحسنه. في روضة من رياض المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي جلسة تصلنا بسيرته العطرة النيرة، معنا هذه الليلة حديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، فحيا الله البخاري وحيا الله مسلماً، الحديث عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه وأرضاه، قال: {بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبية على صدقة بني سليم، فلما بعثه صلى الله عليه وسلم لقبض صدقات بني سليم, أتى فقال: يا رسول الله! هذا لكم -يعني: من الصدقة- وهذا أهدي إلي، فقال عليه الصلاة والسلام له: أفلا جلست في بيت أبيك وأمك فترى هل يهدى إليك أم لا؟ ثم قام عليه الصلاة والسلام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال رجال أبعثهم لقبض الصدقات، فيأتي أحدهم، فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، أفلا كان جلس في بيت أبيه وأمه فيرى هل يهدى إليه أم لا؟ ثم قال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده، لا يأخذ رجل مالاً بغير حق إلا أتى به يوم القيامة، ولأعرفن رجالاً -هذه رواية في مسلم - يأتون على رقابهم ما أخذوا, إن كان إبلاً فبعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم قال عليه الصلاة والسلام: اللهم هل بلغت}. قال أبو حميد: رأى بصري وسمعت أذناي. هذا الحديث في الصحيحين، ومجمل قصة الحديث: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد أن يبعث لأخذ صدقات الناس، يبعث عليه الصلاة والسلام رجالاً من أصحابه، ففي هذه المرة بعث هذا الرجل واعتمد عليه صلى الله عليه وسلم، ووثق بدينه وإخلاصه وأمانته، فذهب هذا الرجل فجمع الصدقات، والناس لهم مقاصد في الهدايا، بعضهم يهدي للرشوة، وبعضهم لأغراض يصل بها إلى غرضه، فأهدوا له فقبل الهدية، ولو كان لم يعينه صلى الله عليه وسلم عاملاً ما أهدي له أبداً، فما أتته الهدايا إلا من هذا الطريق. فأتى فدخل المدينة بفرقتين وطائفتين من الغنم، فسأله صلى الله عليه وسلم: ما بالك قسمت الغنم؟ أو كما قال، قال: هذا لكم، أي: لبيت المال وللزكاة، وهذا لي، فغضب عليه الصلاة والسلام، وقال له كلمة حارة ساخنة: {أفلا جلست في بيت أبيك وأمك فترى هل يهدى لك أم لا؟} ثم قام صلى الله عليه وسلم، فأعلن بياناً عاماً لكل من يلي شيئاً من أمر المسلمين خاصاً أو عاماً، أن الله يحاسبه يوم القيامة. وفي المسند من حديث عبد الله بن المغفل بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يأتي أميرٌ يوم القيامة إلا وهو مغلول، فإن أصاب في ولايته فك الله غله، وإن لم يصب تدهده على وجهه في النار} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. عنوان هذا الدرس: (أنقذ نفسك أيها المسكين) الذي تولى شيئاً من الولايات، أو من يسأله الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن شيء من الأموال.

ترجمة أعلام الحديث

ترجمة أعلام الحديث أبو حميد الساعدي أحد أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، من بني ساعدة، وبنو ساعدة هم الذين جعلهم الرسول صلى الله عليه وسلم في المستوى الرابع يوم صنف الأنصار درجات. يوم رجع الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة من الغزوات، فنظر إلى قرى الأنصار وإلى قبائلهم، واستعرضهم في اللائحة، فانتظر، فقال عليه الصلاة والسلام: {خير دور الأنصار بنو النجار} وهم أخواله أو أخوال أبيه عليه الصلاة والسلام، ومنهم أنس بن مالك، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارثة، ثم بنو ساعدة، وبنو ساعدة سيدهم سعد بن عبادة الكريم الغطريف الشجاع الجحجاح، فسمع بهذه المقالة فغاضه؛ لأنه قوي الهمة كيف يوضع في المرتبة الرابعة؟ فحرك ناقته واقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام, قال: يا رسول الله! فضلت علينا الناس، قال: {أفلا يكفيك أن تكون من الخيار؟} لأن الأنصار ما يقارب عشر قبائل أو أكثر، لم يذكر عليه الصلاة والسلام إلا أربعاً، قال صلى الله عليه وسلم: {أفلا يكفيك يا سعد! أن تكون الرابع؟ والخيار خيار}. ولو أنه تأخر في المرتبة، لكن هذا أمر الله قضاؤه وقدره، أما الأزد فهم أزد شنوءة الذين منهم ابن اللتبية صاحبنا هذه الليلة. ونحن -للعلم- قبائل الجنوب أزديون حتى الموت، من قبائل الأزد، ومنه ابن اللتبية عبد الله، قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم وأسلم، فأرسله صلى الله عليه وسلم في هذه المهمة فأتى بهذا الخبر، وحديث وفد الأزد حديث ضعيف ولو أنه في فضائل الأعمال. قدم وفدهم سبعة فرآهم صلى الله عليه وسلم عليهم من الأبهة والجلالة والمهابة ما يلحق بمستوى الرجال العظماء، فتكلموا فكانوا أحسن وأحسن، فقال عليه الصلاة والسلام فيما يروى عنه: {حكماء، فقهاء، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء}. أما بني سليم فهم قبيلة عربية تسكن ساحل البحر الأحمر، وهم يجاورون جهينة وأشجع وأسد وتلك النواحي، وفيهم فضل كبير وخير كثير، لكنهم أسلموا متأخرين، ولذلك لم يجعلهم الله عز وجل كالمتقدمين، والمتقدم دائماً هو الذي يعرف له الفضل، يقول الهذلي: ولو قبل مبكاها بكيت صبابةً لكنت شفيت النفس قبل التندم ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا بكاها فقلت الفضل للمتقدم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى فيهم: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14]. أتوا إلى المدينة، فقالوا: يا رسول الله! آمنا، الناس حاربوك إلا نحن ما حاربناك أهذه منة؟ المنة لله ولرسوله، يمتنون على الرسول صلى الله عليه وسلم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات:17]. من الذي له الفضل؟ ومن الذي له الكرم؟ ومن الذي له العطاء إلا الله، {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات:17] وأنت هديتهم إلى طريق الإسلام، وأنت الذي قدتهم إلى دار السلام، وبينت لهم الكرامة والإكرام!! فأتوا كأن لهم الفضل عليك! لا والله. الفضل لله ثم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] فالمنة لله ثم لرسوله صلى الله عليه وسلم.

قضايا حديث أبي حميد

قضايا حديث أبي حميد في هذا الحديث قضايا منها: المسألة الأولى: عظم مسئولية الإمارة وخطورتها، وأنها حمل ثقيل، وأن الله عز وجل يسأل الناس وخاصة من تولى الولاية يوم القيامة في موقف عصيب، نسأل الله أن ينجينا وإياكم من كل خطورته. المسألة الثانية: أخذ الصدقات من الناس، ولا تترك في أيدهم، فإنها لو تركت تلاعبوا بها. المسألة الثالثة: محاسبة العمال، واستقصاء أخبارهم وطلب أعلامهم، ليكون الإمام وثيقاً في صلته بعماله، وسنورد قصصاً في ذلك. المسألة الرابعة: هدايا العمال، هل يقبل العامل أو الأمير أو المسئول أو رئيس الدائرة، هل يقبل هدية من الرعية ومن الناس؟ المسألة الخامسة: التعميم في الدعوة بلا تشهير، وبلا تجريح، وبلا ذكر أسماء. المسألة السادسة: إقامة الخطب للحاجة، ونفض القلوب وتوعيتها للتبصر بطريقها إلى الله تبارك وتعالى. المسألة السابعة: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {أمَّا بَعْد} في خطبته. المسألة الثامنة: الهدية وما ورد فيها.

عظم مسئولية الإمارة

عظم مسئولية الإمارة أعظم قضية في هذا الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام قام على المنبر، فجمع الصحابة من المهاجرين والأنصار، فقال: {ما بال رجال أبعثهم لأخذ الصدقات، فيأتي أحدهم فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، والذي نفسي بيده، لا يأخذ أحدكم شيئاً ليس له إلا أتى به يوم القيامة}. تصور قوله: إلا أتى به يوم القيامة! فمن يأتيك بالمال الذي في الدنيا؟ ومن يأتيك ببقر وغنم الدنيا؟ لكن يأتي بها الله ويصورها على أكتاف الناس. ثم قال عليه الصلاة والسلام: {فلأعرفن} جاءت اللام للقسم، وقيل: {فلا أعرفن} للنفي وهي الأصح. قال: {فلا أعرفن} كأنه يقول: أرجوكم لا تحرجونني يوم العرض الأكبر عند الله، لا تخيبوا الأمة المحمدية بالخيانة، لا تفضحوا الأمة على رءوس الأشهاد. يقول: {فلا أعرفن} أي: لا أرى هذا المشهد، {لا أعرفن رجالاً يأتون وعلى كتف أحدهم بعير له رغاء} الحديث. من سرق أو غل أو خان في الدنيا ببعير، حمله على أكتافه يوم العرض الأكبر, صحت بذلك الأحاديث، ويأتي البعير لا يأتي وهو ساكت، يأتي وله رغاء في الموقف والناس يشهدون، نسأل الله العافية والسلامة. لأن ذلك موقف المنائح أو الفضائح، إما إنسان سدد واتقى الله في المال، وخاف في الولاية أو المسئولية فهو ممنوح ومشروح، أو إنسان سلم منها سلامة مطلقة، فأتى الله وهو أبيض نقياً. إما إنسان مفضوح يوم العرض الأكبر، فيأتي وليس البعير ساكتاً ولكن للبعير حمحمة ورغو وزبد، يرغو حتى يسمعه الناس، ليعلموا فضيحة هذا الرجل. في الدنيا تستر عن جيرانه، وتستر عن زوجته في بيته وعن أطفاله، لكن الذي يعلم السر وأخفى هو أعلم بأنه خان وبأنه غل، ولذلك فإن الغادر يأتي بلواء منصوب مكتوب عليه: هذه غدرة فلان بن فلان، ولا حسرة, ولا ندامة, ولا كسف, ولا كسحة, إلا في ذلك اليوم. الدنيا همها سهل وبسيط، وهي نسبية (ستون سنة أو سبعون) وينقضي فيها ومن فيها، لكن على رءوس الأشهاد يوم العرض الأكبر {أو بقرة لها خوار} يأتي والبقرة محملة على ظهره تخور أمام الناس، لتخبر أنه خان في مال الله عز وجل، الذي استرعاه الله فيه، ولذلك ما بلغ الصحابة إلى هذا الزهد والتقشف والاحتماء من أموال الناس هذه المنزلة، إلا بسبب هذه الأحاديث وأمثالها.

عظم المسئولية عند أبي بكر وعمر

عظم المسئولية عند أبي بكر وعمر يموت أبو بكر وما خلف إلا ثوبين وبغلة وشيئاً من مال، ويقول: [[اذهبوا بها إلى عمر بن الخطاب، وقولوا لـ عمر: يا عمر! اتق الله لا يصرعنك الله كمصرعي]] فلما وصلت إلى عمر بكى حتى جلس، وقال: [[أتعبت الخلفاء بعدك يا خليفة رسول الله!]]. ولما تولى عمر الخلافة ما أخذ قليلاً ولا كثيراً حتى يقول على المنبر: [[والله الذي لا إله إلا هو، ما أخذت من مالكم شيئاً إلا بردتين (ثوبين) ثوب في الصيف وثوب في الشتاء]] وعين له راتباً كان يقوم بأحواله كفافاً، فإذا بقي دقيق، أو شيء من زبيب أو سمن رده إلى بيت المال. لما اشتهت زوجه الحلوى قال لها من أين لي ثمن الحلوى فأشريها حسبي وحسب القوافي حين أرويها أني إلى ساحة الفاروق أهديها يا رب هب لي بياناً أستعين به على حقوق العلا قد نام راعيها قل للملوك تنحوا عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها هذا هو التاريخ المشرق، هذا هو الرجل القرآني الفذ الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوف يمر بنا على الطريق مع علي وأبي ذر وأبي {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] وسوف نستمع إلى أخبارهم في الإمارة. {أو شاة تيعر} أو يأتي هذا الرجل الخائن الذي خان في شاة عليه الشاة، وفي حديث أبي ذر وأبي هريرة اللذين هما في الصحيحين {أن من غل ذهباً صفحت له صفائح فأحرق بها} وهذا شاهده في القرآن، وهو الذي يكنز ويغل ويخون {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34 - 35]. يا خونة! هذا كنزكم، يا خونة! هذا ميراثكم، يا خونة! هذا مالكم في الدنيا. فالله الله أن يراقب الإنسان نفسه مع الله، ولا يستصغر أي مسئولية، قال صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} درهم واحد، ريال واحد، شيء من حب، شيء من زبيب، شيء من ثياب، إنها مسئولية أمام علام الغيوب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. يقول عليه الصلاة والسلام: {اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن شق عليهم فاشقق عليه} هذا الحديث صحيح، فمن رفق ورحم رحمه الله، ومن شق عليهم وأخذ أموالهم وأتعسهم أتعسه الله في الدنيا والآخرة، وفي حديث لكن في سنده نظر: {الناس عيال الله أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله} وقد ضعفه كثير من العلماء ولو أن معناه صحيح. لما عرف الصحابة تيقنوا أن الإمرة لا تصلح أبداً، وأنهم إذا أقدموا على الإمرة أقدموا على النار، فكانوا يستعفون الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول لأحدهم: اذهب يا فلان، يقول: اعفني يا رسول الله من الإمرة. قام عليه الصلاة والسلام في الناس خطيباً في المسجد، فقال: {والذي نفسي بيده، لا نولي أحداً منكم على عمل فينقصنا ولو مخيطاً أو شعرة إلا أتى بها يوم القيامة، فقام رجل أسمر من الأنصار، فقال: يا رسول الله! خذ عملك والله لا أتول لك عمل، قال: ولم؟ قال: سمعتك تقول: كيت وكيت، فرفع عليه الصلاة والسلام أصبعه وقال: والذي نفسي بيده، لقد قلته، والذي نفسي بيده، إني أقوله الآن، أن من تولى عملاً فنقصنا مخيطاً أو شعرة ليأتين به يوم القيامة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فأحجموا جميعاً. حتى يقول عمر: [[ما أحببت الإمرة في الإسلام إلا مرة واحدة]] ما هي يا أبا حفص هذه المرة؟! ما هي هذه الليلة التي أحببت فيها الإمرة وأنت لا تحب إلا الآخرة؟ يقول: ما أحببت المنصب والتولي إلا مرة واحدة! اسمع يا هذا إلى الصادق، الصادق مع الله، والصادق مع القرآن، والصادق مع نفسه {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] يقول -وهو حديث أسوقه من رواية ابن عباس، قال- {أرسل صلى الله عليه وسلم لفتح خيبر أبا بكر فلم يفتح عليه، ثم أرسل عمر فلم يفتح عليه، فاهتم الناس وباتوا يدوخون ليلتهم كيف تفتح خيبر؟ تحصن بها اليهود حتى تعرضت لجيش المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأراد صلى الله عليه وسلم أن يقتحمها اقتحاماً، لكن أراد أن يفتحها أولاً بجيش وكتيبة، لكن في الليلة الثالثة صمم عليه الصلاة والسلام على اقتحامها بكرة النهار، وأحرق شيئاً من النخل والمزارع} حتى يقول حسان وهو يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم في قصيدة عسكرية رائعة، ويذم اليهود: وهان على سراة بني لؤي حريق بـ البويرة مستطير يقول: الأمر سهل، انظروا بني لؤي -أي: أسرة الرسول صلى الله عليه وسلم- ماذا فعلوا بكم يا إخوان القردة والخنازير؟ فأتوا تلك الليلة وناموا وهم في هم لا يعلمه إلا الله، تحصنت خيبر، والرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة قلت نفقتهم، وذهب طعامهم وشرابهم، وأتاهم أمر عظيم، فقال صلى الله عليه وسلم، بعد صلاة العشاء، في ليلة دامسة بطيئة النجوم، لكنها طيبة متفائلة بإذن الله: {لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله}. ما أحسن هذا الرجل! فمن هو هذا الرجل؟! هو أبو الحسن علي بن أبي طالب. يقول محمد إقبال: أما أبوها فهو أكرم مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها وعلي سيف لا تسل عنه سوى سيفٍ غدا بيمينه تياها يقصد فاطمة. فقال عمر: [[فأحببت الإمرة تلك الليلة]] يريد أن يكون هو، لا والله ليس للإمرة، ولا للفخر، ولا للشهرة، ولا للرياء والسمعة، ولكن لعله أن يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فكلهم ما أتاهم النوم، خاصة كبار الصحابة, الأسماء اللامعة، النجوم التي تأتي دائماً في المقدمة ما أتاهم النوم، يريدون هذه المواصفات، وبعد صلاة الفجر النبي صلى عليه الصلاة والسلام بالناس، وعلي شاب فقير عليه كساء مخمل أتاه من البرد وكان أرمد تلك الليلة ما يرى مد يده أبداً. قادوه إلى الصلاة وهو في طرف الناس، ما طلب الإمرة ولا سعى لها ولا حرص عليها، قال عليه الصلاة والسلام: {لأعطين الراية رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله يفتح الله عليه}. أين علي بن أبي طالب؟ قال الصحابة: يا رسول الله! مريض ما بات البارحة، ولا يبصر شيئاً أبداً، فذهبوا إلى أبي الحسن رجل المواقف المشهودة في الإسلام فأخذوه، ولذلك يقول وهو يبكي لما مرَّ بسورة الحج: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء:48] قال: [[أنا أول من يجثو عند الرحمن يوم القيامة للخصومة على ركبي يوم أتحاكم أنا ومن بارزني في بدر]]. يقول: أنا أول من يجلس على العرصات في القيامة للخصومة يوم أتحاكم أنا ومن بارزني في بدر؛ لأنه بارزه رجل من الكفار، وبارز هو رجلاً, كانوا ثلاثة من المسلمين وثلاثة من الكفار، فسوف يحكم الله بين الثلاثة والثلاثة. والقضية معروفة، الحق معروف والباطل معروف، لكن الله ليس بظلام للعبيد، يأتي بالثلاثة المبارزين من حزب الحق مع الثلاثة من حزب الضلال والغي، فيقول: لماذا تختصمون؟ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19]. فـ علي -رجل المواقف أتى يقودونه بيده- حتى وقف أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {خذ الراية} والرسول صلى الله عليه وسلم يتبسم، قال: [[يا رسول الله! والله ما أبصر شيئاً حتى مد يدي]] أرمد العينين، فقرب منه صلى الله عليه وسلم فتفل في عينيه، فإذا هو يرى كرؤية قلبه إلى الحق ما كأن به قلبة واحدة، فأخذ الراية بيده، قال: ماذا أفعل؟ -يتلقى التعليمات- ماذا أفعل يا رسول الله؟ أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، وعلي رضي الله عنه وأرضاه الرجل الذي يضرب هامات الملاحدة والطغاة في سبيل الله. علي يجزر الكفار جزراً، قال صلى الله عليه وسلم: {يا علي! امش على رسلك، وادعهم إلى الإسلام فوالذي نفسي بيده، لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم} فأخذ الراية. قال أحد الصحابة وأظنه بريدة بن حصيب: [[والله إنا كنا نهرول معه هرولة]] أي: يهرولون، كان شاباً متيناً قوياً، ولو أنه فقير لكن كان بطيناً، حتى أورد عنه في السيرة أن أحد الخوارج، قال: نراك زاهداً وأنت بطين، كبير البطن، قال: [[أما أعلاه فعلمٌ، وأما أسفله فنعمة من نعم الله]]. فأخذ يثب ويثب معه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كالأسود، فأتى يناديهم: انزلوا يا أعداء الله! انزلوا لموعود الله! عرض عليهم الإسلام فلم يقبلوه، ثم نزل له مرحب في القصة التي مرت بنا كثيراً، فقتله علي وفتح الله على يديه، قال عمر: [[فما أحببت الإمرة إلا ذاك اليوم]]. أما غيرها فكان يتملص من كل جهة لا يريدها، حتى يوم تولَّى الخلافة في أول يوم وقت البريقات والتشريفات والهناء والترحاب قام يبكي على المنبر حتى ما استطاع أن يتكلم. عمر رضي الله عنه أورد عنه ابن جرير أنه ما استطاع أن يتكلم أبداً، ثم قال في اليوم الثاني: [[اللهم إني بخيل فاجعلني كريماً لأوليائك، اللهم إني شديد فاجعلني رحيماً بأوليائك]] إلى آخر خطبته الصادقة رضي الله عنه وأرضاه. أتى العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم ورأى أن له حقاً في تولي الإمرة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يولي الناس، لا ينظر إلى نسب، ولا ينظر إلى أسرة، ولا ينظر إلى قبيلة بل ينظر إلى أتقاهم وأقربهم إلى الله وإلى رسوله {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] حتى ورد في المسند أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: {لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لوليته الخلافة} سالم مولى ورقيق، حافظ للقرآن، يقول صلى الله عليه وسلم: {لو كان حياً لوليته الخلافة} على المسلمين جميعاً. وسالم هذا يقول في اليمامة: [[بئس حامل القرآن أنا إذا انهزم المسلمون اليوم أو أوتي المسلمون من قبلي]] حضر اليمامة فاغتسل وتكفن، وكان يحفظ القرآن، وأخذ العلم وحفر لأقدامه إلى ركبه في الأرض، وقال: [[والله لا أتزحزح وقبري هنا]] فأتت كتائب مسيلمة، ووقف يقاتل ويقاتل حتى قتل في سبيل الله، فهذا هو سالم الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم ذلك. فـ العباس أتى وقال: يا رسول الله! وليت فلاناً، ووليت فلاناً أريد أن توليني ولاية، لأن المتولي يكسب، يكسب أولاً أناساً يخافونه، ويرهبونه، ويحترمونه، ويقدرونه، حتى أقل دائرة من الدوائر إذا كان رئيسها على ظهر المنصب وفي المنصب وجد تقديراً من الناس، لأن تقدير الناس في الغالب على الدنيا، لكن إذا عزل أصبح في طرف المجلس. وقبل ذلك يعانقونه وينادونه ويقولون: يا أبا سعيد، ويا أبا علي، ويا أبا عبد اللطيف, حياك الله وبياك، يا حسنة الدهر ويا بركة الزمان، لكن إذا انتهى، انتهى ودادهم معه. وكم في الحفل أبهى من عروس ولكن للعروس الدهر ساعد في قصيدة طويلة يقولها أحد الأدباء من الشافعية، معنى كلامه: أن هذه الدنيا تقاس بالرتب، لكن إذا انتهت رتب الدنيا فلا ينتهي الدي

أخذ الصدقات من الناس

أخذ الصدقات من الناس إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كتب الصدقات، والصدقات إذا أطلقت في القرآن معناها: الزكاة، وجعل هناك عمالاً، قال في سورة التوبة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] فكان عليه الصلاة والسلام لا يترك الصدقات في أيدي الناس يتلاعبون بها، بل كان يرسل عماله، وفي الصحيحين أنه أرسل معاذاً، والشاهد قال فيه: وأخبرهم بعد الصلاة: {وأن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، وتوق دعوة المظلوم -وفي لفظ- إياك ودعوة المظلوم؛ فإنها ليس بينها وبين الله حجاب}. فأرسله صلى الله عليه وسلم ليقبض الصدقات ولم يتركها للناس، فكان من أبر الناس, ومعاذ رضي الله عنه لم يتدنس من مالهم بشيء. وممن أرسلهم صلى الله عليه وسلم لجمع الصدقات من الناس عمر بن الخطاب، فمر بالناس جميعاً، وأتى -وهذا الحديث صحيح- وقال: {يا رسول الله! كل الناس دفعوا لي الصدقة إلا ثلاثة، قال: منهم؟ قال: عمك العباس وخالد بن الوليد وابن جميل، قال: أما عمي فيا عمر! أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه هي علي ومثلها} لأن العباس أقرض الرسول صلى الله عليه وسلم قرضةً لسنتين، واستحى يوم أن أتوا يأخذون منه الصدقة أن يقول: أعطيتها الرسول صلى الله عليه وسلم فأمسك الصدقة؛ لأنه يعرف أنهم سوف يعرفون أنها عند بيت المال. قال صلى الله عليه وسلم: {وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، لقد احتبس أدرعه وأعتده في سبيل الله}. يقول: شيء أوقفه في سبيل الله تطلب منه الصدقة، خالد كان له مائة فرس، ومائة سيف، ومائة درع في بعض الروايات، قال: هي وقف في سبيل الله. يقولون معن لا زكاة لماله وكيف يزكي المال من هو باذله هو البحر من أي النواحي أتيته فدرته المعروف والجود ساحله ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله {وأما ابن جميل فما ينقم إلا أن كان فقيراً فأغناه الله} هذا ابن جميل فيه نفاق، ولعله تاب من ذلك؛ فإنه منع الصدقة وقد كان فقيراً، والذي دعا له الرسول عليه الصلاة والسلام ثم منع الصدقة؛ في الأخير أنزل الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة:75 - 77]. هذا في ابن جميل وأمثاله، والشاهد: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرسل أصحابه، لكن يرسل الأمناء، فيرسل أهل الأمانة، والاستقامة، أرسل للنصارى أبا عبيدة، وقال: {لأرسلن معكم أميناً جد أمين}. ويشترط في من يتولى الأموال على الزكوات والصدقات والتبرعات وهذه الأمور، أن يكون عنده قوة وأمانة. القوة العقلية: يكون مصرفاً، مقدماً، محرفاً، مزيلاً، محيلاً. والأمانة أن يكون أميناً، ولذلك تقول ابنة الرجل الصالح, قيل: شعيب أو غيره: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26] فأمانة بلا قوة ضعف، وقوة بلا أمانة فجور، والقوي والأحسن والأطيب، أن يكون قوياً أميناً. فأرسل صلى الله عليه سلم مع وفد نجران أبا عبيدة، وقال: {لأرسلن معكم أميناً جد أمين} والرسول عليه الصلاة والسلام أرسل عبد الله بن رواحة يشاطرهم النخل، ويخرس نخل اليهود، فوصل إلى اليهود -وانظر إلى إخوان القردة والخنازير، الذي يربى على الخساسة يموت على الخساسة، والذي يعرف الدساسة يموت على الدساسة والنجاسة والانحراف والعياذ بالله- أتوا فجمعوا لـ ابن رواحة أموالاً، لماذا؟ رشوة، سبحان الله! ما وجدتم إلا عبد الله بن رواحة الذي ينتظر الموت صباح مساء في سبيل الله، ما يريد الدنيا إلا لمرضاة الله، أما وجدتم إلا صحابياً من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أحسن من مشى على الأرض. فأتوا وقالوا: يا ابن رواحة! خذ هذا المال، وراعنا في الخرص، فاحمرّ وجهه حتى أخذ ينتفض، ثم قال: [[يا إخوان القردة والخنازير! والله الذي لا إله إلا هو، إنكم أبغض عندي من أمثالكم، ومن عدّتكم من القردة والخنازير، وإن هذا لا يمنعني أو لا يحملني على الحيف -أي: على ظلمكم- والله لا أظلمكم ولا آخذ هذا قيد أنملة]]. قالوا: بهذا العدل قامت السماوات والأرض، وعاد ابن رواحة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما علم الله أمانة ابن رواحة وصدقه رزقه الشهادة في سبيله. ولذلك ثبت في الصحيح، أنه اتكأ في حجر امرأته - كان ابن رواحة من الشجعان الكبار من الأنصار، وكان شاعراً مجيداً يشعر في المعمعة- يقول: أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أقبل الناس وشدوا الرنة ما لي أراك تكرهين الجنة هل أنت إلا نطفة في شنة جلس ابن رواحة يقرأ القرآن في حجر امرأته، وأخذ يبكي ودموعه تسيل على لحيته، قالت: مالك؟ قال: ذكرت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:71 - 72] فأخاف أن أترك وأطرح في النار ثم لا ينظر إلي. فلما أخبر صلى الله عليه وسلم في بعض الآثار، قال: {لينجه الله عز وجل} كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر:61] فنجاه الله بمفازته من الإيمان، حتى رأى صلى الله عليه وسلم سريره من ذهب يعترض في جو وسماء المدينة ليدخل الجنة، وقتل في مؤتة في أرض الأردن هناك حيث يعرفهم الله عز وجل. عدو القتلى لـ عمر في معركة بها شهداء، فقالوا: فلان بن فلان قتل، وفلان وفلان ولا نعرف كثيراً، فدمعت عين عمر، وقال: [[ولكن الله يعرفهم]] يعرفهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يعرف أين ولدوا، ويعرف كيف نشأوا، ويعرف الصادق من الكاذب، ويعرف المقبل من المدبر، فهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى العالم بكل شيء. هذا ابن رواحة رضي الله عنه الذي عرضوا له المال؛ لأنهم قردة وخنازير، يقدمون له رشوة، ولا يعلمون أن قلبه أكبر من الرشوة، لأن قلبه عظيم، يحب الله ورسوله فلا يحب الدنيا أبداً. خذوا كل دنياكم واتركوا قلبي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا

محاسبة العمال

محاسبة العمال حق على المسلم الذي يتولى ولاية, وهو رئيس في دائرة, أو في مكان أو مجمع، أن يحاسب من تحت يده من رؤساء المكاتب، ومن المسئولين عن الأقسام والشعب والدوائر؛ ليلقى الله وقد حاسبهم، فإن ترك الأمور هكذا مبثوثة، فهذا معناه: الوهن والفشل والضياع، والرسول عليه الصلاة والسلام من هذا الحديث حاسب عماله. أرسله ثم لما أتى اعترضه، وقال: أين المال؟ أين الزكاة؟ فأخبره هذا, ولكنه فصل جزءاً من الزكاة لوحده، وقال: هذا لي، فغضب عليه الصلاة والسلام وأعلن تذمره صلى الله عليه وسلم من هذا التصرف، ثم تكلم عليه الصلاة والسلام بالكلام الذي سمعتم، فيؤخذ منه المحاسبة، وعدم ترك الأمور تذهب هكذا! ويقاس على ذلك: من كان مسئولاً في كلية، أو مدرسة، أو معهد، أو ثانوية، أو دائرة حكومية، أو مصلحة، أو شركة، أو مؤسسة، أن يتفقد دائماً من تحت يده بالحساب، وبالجلسة، وبالاستقراء من أخبارهم، ومتابعة دوامهم، وحضورهم، وذهابهم، وأدائهم للدروس، وتحضيرهم للمحاضرات والحصص فإن الله سوف يسأله عن رعيته، وعن أساتذته، وعمّن تحت يده، هذا هو أمر الإسلام في هذا. عمر رضي الله عنه وأرضاه يحاسب عماله، إذا لم يحاسب عمر عماله فمن يحاسب عماله؟! هو يحاسب نفسه قبل أن يحاسب الناس، ويحاسب زوجته في البيت وأبناءه، يأتي يوم عرفة في الحج الأكبر، فإذا حميت الشمس واجتمع الناس دعا عماله وصفهم بجانبه من ميمنته وميسرته، والي العراق، ووالي اليمن، ووالي مصر، ووالي الشام، كل الولاة في الأقاليم يجمعهم، ثم ينادي بالحجاج يا أيها الحجاج: هذا والي مصر -مثلاً- عمرو بن العاص تعالوا حاكموه، فيأتي كل أحد يتكلم بين يديه، هذا وهذا، فيحكم بينهم في يوم الحكومة الكبرى، يوم حقوق الإنسان، يوم أداء المظالم، يوم يتجلى الله للناس سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. حتى يأتي مصري، فيأتي بابنه، فيقول: مالك؟ قال: ابن هذا -أي: ابن الأمير عمرو - ضرب ابني، قال: ولم؟ قال: ابنه محمد سابق ابني فسبقه ابني على الفرس، فقال: أتسبقني وأنا ابن الأكرمين؟ فضربه، فقال عمر لـ عمرو: [[متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟]] متى بدأ هذا البيان عندكم ونحن في الإسلام أعرف بالإسلام؟ فأخذه وأخذ ابنه، وقال للصحابة: [[لا يحول بيني وبينهم أحد فأخذ يضربهم بالدرة]] وعمرو يقول: [[الله الله في نفسي يا أمير المؤمنين]] فأدبهما رضي الله عنه وأرضاه حتى رضي المصري. يقول حارث بن زياد فلما دخلت نظر إلي عمر وسأل عن أخباري، قال: فسددت والحمد لله -أي: في الكلام- هو مسدد أمام داهية الدنيا، أمام إنسان أعطاه الله من الفطنة والذكاء, فجعله ملهماً تنطق السكينة على لسانه، يقول ابن عمر: [[كنا نتحدث: أن السكينة تنطق على لسان عمر رضي الله عنه وأرضاه]]. ويقول علي: [[لقد كفنت سعادة الإسلام في أكفان عمر رضي الله عنه]]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {إن يكن أناس محدثون بعدي وملهمون فإنه عمر بن الخطاب}. فأخذ يسأله، قال: فلما أردت أن أقوم؟ قلت: -قال حارث بن زياد: وليتني تركت هذه الكلمة- عندما نظرت إلى عمر وعليه ثياب ممزقة ومرقعة، وهو يأكل خبز الشعير في ملح وزيت، فقلت: يا أمير المؤمنين! غيرك أولى بهذا، تكون بملبس رضي، ومطعم شهي، ومركب وطي، قال: فدخل؛ فأخذ خشبة؛ فضربني على رأسي، قال: [[ثكلتك أمك، والله إني كنت أظن أنك خير من ذلك، اذهب والله لا تلي لي ولاية]]. هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، العدل والتولية عنده كشرب الماء، كله رضى لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لا يفعل شيئاً إلا إرضاءً لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو مسدد. ولذلك كانوا يتحذرون منه دائماً وأبداً لأنه شديد الرأي، وسخره الله عز وجل في تلك الفترة ليحفظ به الإسلام، وقوة الإسلام وعمقه، هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه. ومثل هذا علي بن أبي طالب، ثبت في البداية والنهاية من حديثه رضي الله عنه وأرضاه، أنه لما جمع الصدقات في الكوفة، أخذ بيت المال فوزعه، ثم غسله، ثم صلى ركعتين، ثم استقبل القبلة، قال: [[اللهم اعلم واشهد أني ما أخذت لأهلي حبة ولا درهماً ولا ديناراً ولا زبيبةً خوفاً منك]]. ثم يأتي عمر بن عبد العزيز المجدد، فيحاسب عماله، تولى الإمرة، وأول ما أخذ الخلافة أتى بكيس معه، وأتى بـ مزاحم مولاه -هذا مزاحم يأتي ومعه السيف دائماً ومعه مقص- وأتى بكيس، وجلس على المنبر، وناظر الناس جميعاً، والأمراء من بني أمية في الصف الأول، والوزراء والعلماء والناس، يتولى أمر الأمة الإسلامية من سمرقند إلى أسبانيا، ومن تركستان إلى جنوب أفريقيا، فجلس على المنبر، وقال لـ مزاحم: اُخرج عليّ الصك الأول، فخرج فقرأ صكاً للعباس بن الوليد بن عبد الملك، أنه أخذ أرضاً في حمص ليست له ولا لأبيه ولا لأمه، فلما قرأ عليه قصَّه من أوله إلى آخره ورمى به، فقام العباس من هناك، وقال: والله لا تفعل، ولا تستطيع أنت ولا أبوك ولا أمك -يقول لـ عمر بن عبد العزيز - قال: عليَّ برأسه يا مزاحم! أعطني رأسه واترك الجثة، فسل سيفه، قال العباس: لا. سمعاً وطاعة، فتركه، مادام أن الأمر سيصل إلى هذه الدرجة فلا {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6]. يظن الأمر هيناً، يقبل التفاوض، لكن مادام أن هناك سيفاً فلا أستطيع، هذا العباس بن الوليد وقصته عند ابن كثير، وهي أكثر ما أخذت عن عمر بن عبد العزيز حتى نغصوا عليه، وسمموه في أكله، فمات مسموماً، لكن شهيداً إن شاء الله، وترك الدنيا لأهل الدنيا، ولكن سوف يلقى الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

هدايا العمال غلول

هدايا العمال غلول صح ذلك من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه. الهدية التي تقدم للعامل أو للوالي أو للمسئول من أحد الناس الذين يتمصلحون غلول، لا يقول: هدية بل هي رشوة، لولا أنه في منصبه، ولولا أن عنده شيء ما له هدية، يأتي إليه يريد أن يأخذ منه أمراً، أو بينه وبين أحد الناس نقاشاً أو خصومة في أرض، فيذهب لا يتكلم في الأرض أولاً، بل يذهب ويقول لهذا المسئول: أريد أن تشرف بيتي شرف الله قدرك، أحبك في الله حباً جماً حتى ما أنام الليل من محبتك، فيقول: ماذا حدث؟! قال: أحبك أن تشرف هذا البيت، وهو لم يعزمه من قبل أبداً، فيأتي فإذا عزمه، قال: فلان اعتدى علي وخاصمني، وأخذ أرضي، ماذا ترى؟ ذاك ينصرف قلبه إذا لم يكن فيه إيمان كالجبال؛ لأن الناس عبيد من أحسن إليهم. أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان كان المغيرة بن شعبة أميراً في الكوفة، فجعل خادمه عند الباب، وقال له: لا تدخل أحداً من الناس إلا من آذن أنا بدخوله، فأدخل من أذن له إلا واحداً أتى عرفه فأدخله، فقال المغيرة: لماذا أدخلته؟ قال: أدخلته لأمر، قال: ولماذا؟ قال: أحسن لي يوماً من الأيام، قال: أحسنت، إن المعروف ينفع حتى في الكلب! ولذلك قال الجاحظ وغيره: أحفظ الحيوانات للود الكلب، إذا أحسنت للكلب حفظ الود ولا ينساه، حتى يقول أحمد شوقي يهجو حافظ إبراهيم شاعر وادي النيل، يقول: فأودعت إنساناً وكلباً أمانةً فضيعها الإنسان والكلب حافظ أي: أن الكلب يحفظ لكنه يقصد حافظ إبراهيم. وعلي بن الجهم كان يرعى غنماً ومعه كلاب في البادية ما يعرف من الحضارة شيئاً، ما رأى في حياته قصراً ولا حديقةً، ولا رأى بستاناً، ولا رأى جسراً، ولا رأى جيشاً، فقط يرى التيس في الصباح يتصارع مع التيس، ويرى الكلب ينبح، فيظن الحضارة والإنسانية في هذا المحصول، وهو شاعر من أقوى الشعراء، وقد سبق هذا لكن بإعادته تتم الفائدة، فدخل على المتوكل يوم عيد الفطر، قال المتوكل: ماذا عندك؟ قال: عندي قصيدة؛ لأن الشعراء جميعهم يمدحون الخليفة، وكل الناس جالسون في المجلس, من حضر، قيل له: تفضل قل، قال: أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب فقاموا يبطشون به أرضاً، فقال المتوكل: اتركوه، هذا رجل عاش في البادية ما رأى إلا التيس والكلب وقد مدحنا بما عنده، أي: أن أقصى ما عنده قد مدحنا به، فأنزلوه سنة في الرصافة ليرى الجمال والحدائق والبساتين ونهر دجلة والفرات ثم يأتي بعد سنة. فأنزلوه فلما رأى الحدائق، ورأى الجمال، ورأى القصور، وأكل الدجاج الطري رجع بعد سنة، فقال قصيدته اللامعة في تاريخ الأدب مطلعها يقول: عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري وأسكت الشعراء في ذلك اليوم، ثم مدح الخليفة بمدح بلغه النجم أو الثريا. هذا علي بن الجهم، لكن ما هو الشاهد معنا؟ الشاهد: أن إسداء هذه الأمور والخدمات للناس وللعمال خاصة, معناها: رشوة، لكن استثنى الفقهاء من إذا كان بينهم هدايا من قبل، كأن يكون حبيباً له، وليس عنده معاملة ولا مشكلة ولا شيء من أمور الدنيا، فله أن يهدي له، يذهب ويعطيه ما تيسر ويأخذ هديته، أما أن يقف؛ فإذا أتت أمور من أمور الدنيا أهدى له فهي غلول، يلقى الله وقد غلها ويعيدها يوم القيامة {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161]. فهذا أمرٌ لا يغيب عن الأذهان. أيها الإخوة الفضلاء: إن هدايا العمال غلول، والهدية للعامل رشوة {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26] فحق على أي مسئول عنده لبعض الناس مراجعة أو مداولة أو مرافعة، ألا يقبل من أي خصم خدمة من الخدمات؟ ولذلك قال في آداب القاضي: ألا يكون معزوماً عند الناس، لا يجعل بيوت الناس مقاهي دائماً، السلام عليكم يذبحون له، سوف ينصرف قلبه يوماً من الأيام. القاضي يكون قاضياً عالماً، له هيبة وقيمة، ولا يكون خادماً يتجول في بيوت الناس ويأكل ويشرب على سفرهم، ثم يأتي في اليوم الثاني ويجالس الخصوم، ويعرف أن هذا أكرمه، وهذا ما أكرمه، حينها سوف يخفق في القضايا ويفشل فشلاً تاماً، إلا إذا كان صارماً كالسيف. قال أهل العلم: لا بأس أن يحضر في الولائم كالزواجات إذا كان من وجوده فائدة ونفع وكان متكلماً، وكان يعظهم ويأمرهم، وينهاهم فلا بأس، أما أن يصبح سبهللاً في كل وادٍ وكل مكان، فهذا فيه ريبة وشبهة وشك والعياذ بالله، هذا أمر يتنبه له. الرشوة في صورة الهدية: يأتون بالرشوة ويقولون: هذه هدية لك وهي رشوة، فالأسماء لا تغير المعاني، يقول عليه الصلاة والسلام: {أناس يأتون في آخر الزمان يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها} يتناولون المخدرات، يقولون ليست بخمر، شيء من المعطيات والتركيبات الكيميائية يسمونها: مشروبات روحية، وهي خمر، فهذه الأسماء لا تغير حقيقتها، الرشوة رشوة ولو سماها صاحبها صدقة أو هدية أو زكاة، هي رشوة. أقسام الرشوة: والرشوة لها أقسام: وهي هدية العمال: منهم من يرشي العامل ويظن أنه يهدي له بالعزائم والولائم، ومنهم من يقدم له الخدمات، ومنهم من يكثر الزيارة حتى يصادقه، ومنهم من يجاوره، ومنهم من يرسل عليه أناساً. ومنهم من يتداولون المنافع كأن يكون هذا مسئول في دائرة وذاك مسئول في دائرة أخرى، فيقول: اخدمنا في هذا المعاملة، أو أنجزنا فيها وسوف تراها -إن شاء الله- محفوظة لك عندنا. يحفظه في مال الله، يتصرف في معاملات ومسئوليات وضعها الله في عنقه، ولن نقصر عليك إن شاء الله، فينفذ له هذه المعاملة على أن ينفذ له ذاك معاملة، فإن كان منها إضرار بالمسلمين، فهذا -والعياذ بالله- هو الغلول، وهو الرشا بالخدمات ليس بالمال, هذا أمر يعرف.

التعميم في الدعوة بلا تشهير

التعميم في الدعوة بلا تشهير ومن مسائل الحديث التعميم في الدعوة بلا تشهير: نحن أمرنا أن نكون هينين لينين بالمسلمين وألَّا نشهر بالناس، ولا نعلن الأسماء على المنابر، الرجل هذا اسمه عبد الله بن اللتبية، والرسول عليه الصلاة والسلام يعرف أنه عبد الله بن اللتبية، ويعرف أنه أزدي من أزد شنوءة، لكنه لم يقم يوم الجمعة، ويقول: يا أيها الناس! اسمعوا أرسلنا عبد الله بن اللتبية إلى بني سليم قبل أيام، ففعل وفعل، لا. هذا أسلوب جارح، إنه أسلوب لا ينفع، إنه أسلوب إحباط المساعي، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يستخدم التشهير أبداً، يعمم المقال فيعرف المخطئ أنه أخطأ، ولكن الناس لا يعرفون من هو المخطئ فيتنبهون. فحق على الإنسان أن يتجنب التجريح والتشهير بالناس، ذواتاً، ومناصب، وأسماء لتبقى دعوته طيبة وتقبل، ويعرف الحق ويؤخذ، فهذا درس من هديه صلى الله عليه وسلم في تصرفاته مع الناس، وفي الدعوة، والحكمة، والقول اللين: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44].

الخطب للحاجة

الخطب للحاجة كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع أمراً يشوش على الناس، أو يحتاج إلى تنبيه قام فخطب الناس. تكسف الشمس، فقال الناس: كسفت لموت إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم، فقام وأعلن أنها {لا تكسف لموت أحد ولا لحياته} يأتي أناس فقراء فلا يجدون من يعطيهم، فيقوم عليه الصلاة والسلام يخطب ويخبرهم، وتأتي أمور وقضايا مهمة للناس، فيقوم صلى الله عليه وسلم فيتكلم فيهم، مثل هذه الخطب تكون للحاجة ويجمع الناس لها، يبصرون بأمور دينهم حتى يكونوا على بينة. فصلى الله عليه وسلم، ما ترك خيراً إلا دلنا عليه، ولا ترك شراً إلا حذرنا منه، نشهد بالله العظيم، نشهد بأسمائه وصفاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن رسوله أدى إلينا الأمانة كاملة مكملة، بيضاء نقية كالشمس، ما كتم ولا ظلم ولا خان، وإنما بلغها كالشمس بيضاء ليلها كنهارها، فعليه الصلاة والسلام، فإن كان تقصير فمنا، أما هو فاستشهد الناس -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- يقف يوم عرفات والناس أمامه، بعد أن بلغ الجهد، وتعب، وظمأ، وجاع، وعذب، وشرد، وحورب، وذهب أصحابه، وفي الأخير يقول: {يا أيها الناس! إن الله سوف يسألكم عني}. سبحان الله! الله يسأل الناس هل بلغكم؟ بعد هذا التعب وهذه المشقة، يقول للناس يوم حجة الوداع: {إن الله سوف يسألكم عني فما أنتم قائلون؟ فقام كبار الناس ووجهاء الصحابة، يقولون: نشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، وبلغت الأمة، قال: اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، اللهم فاشهد}.

قول: أما بعد

قول: أما بعد ومن قضايا الحديث، قول: أمَّا بَعْد: قال بعض المفسرين لما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) [ص:20] قالوا: فصل الخطاب: (أمَّا بَعْد) وأمَّا بَعْد لفصل ما بعدها عما قبلها، أو: أي الشأن هذا، أو: أمَّا بَعْد، فالشأن كيت وكيت، فالخطيب من آدابه أن يقول: أمَّا بَعْد: وهي غالباً اقتداءً به صلى الله عليه وسلم، ليكون فاصلاً بين كلامه، حتى استخدمت في الشعر، قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، يكتب لـ عمر بن عبد العزيز قصيدة يرثي ابنه: باسم الذي أنزلت من عنده السور الحمد لله أمَّا بَعْد يا عمر

الهدية وما ورد فيها

الهدية وما ورد فيها ورد في الحديث لفظ هدية، فللفائدة نتكلم عن الهدية، في كتاب الأدب المفرد: {الهدية تسل السخيمة} لكن الحديث الذي أنا متأكد منه ومتيقن: {تهادوا تحابوا} وهو حديث حسن، وورد في حديث حسن آخر: {الهدية تسل السخيمة} السخيمة هي: ما يأتي في القلب من أحقاد بين الناس، وحبذا أن تجعلها ديدنك مع جيرانك ومع أقاربك تهدي له ولو شيئاً قليلاً، لا مالاً، إنما شيئاً قليلاً، كتاباً، شريطاً، ثوباً، ملبساً؛ لأنها تسل السخيمة وتذهب الجفاء، وهي أحسن من كثير من المال، قالوا: ولو أنها قليلة؛ فإنها جليلة، ولو كانت صغيرة فإنها كبيرة، فقال عليه الصلاة والسلام: {تهادوا تحابوا} فالهدية مطلوبة ولو كان سواكاً تقدمه لأخيك المسلم، فإنه يرى أنك اعتبرته، وأنك تذكرته، وأنك احتفيت به، سوف يحفظ لك هذه اليد. وقف ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه عند زمزم في الشمس، فأتى أعرابي فظلل ابن عباس بمظلته وابن عباس يشرب، ثم ذهب الأعرابي، وذهب ابن عباس، وبعد سنوات أتى الأعرابي قال: يا ابن عباس! لي عندك يدٌ أريد أن تكافئني بها؛ لأنه احتاج فهو فقير، قال: ما هي يدك؟ قال: رأيتك بين الحجاج تشرب من زمزم وقد صهرتك الشمس فظللتك بكسائي، قال ابن عباس: [[حياك الله من معرفة، أهلاً وسهلاً فأجلسه بجانبه، فأغدق عليه من المال والأشياء، وقال: سامحني ما كافأناك بيدك؛ لأنك نفعتنا في وقت شدة، ونحن نعطيك من رخاء]] أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه.

رد الهدية وهديه صلى الله عليه وسلم فيها

رد الهدية وهديه صلى الله عليه وسلم فيها انتهت مسائل هذا الدرس، ولو أن هناك كلاماً في الهدية أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقبل الهدية ويثيب عليها صلى الله عليه وسلم، أي: يكافئ عليها، أهدي له مرة أمبجانية فقبلها، وأهدي له صلى الله عليه وسلم شيئاً فقبله، وكان يهدى إليه سمن فيأخذه ولكنه يرد ويثيب على الهدية، فيقول عليه الصلاة والسلام: {لو دعيت إلى كراع لأجبته، ولو أهدي إليّ ذراع لقبلت} وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم. فالحكمة أنك تقبل الهدية إذا علمت أنه لا يترتب عليها مفسدة في عرضك ولا في دينك، لأنك إذا رددت الهدية وجد صاحبها عليك، وكان هذا سوء تعامل مع الناس. مر الرسول عليه الصلاة والسلام بـ صعب بن جثامة بـ وادي ودان فأهدى له شقاً من حمار -أي: حمار وحشي- فرده صلى الله عليه وسلم، وقال: {إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم}؛ لأنه صاده من أجله، فإذا علمت أنه يجرح شعوره رد الهدية فلا ترد الهدية، بل اقبلها وأثب عليها بالدعاء، وبإجازتها بهدية أخرى. والهدايا من أحسن ما يفعل، خاصة الهدايا التي تنفع في الآخرة من علم ونفع عام، نسأل الله التوفيق والهداية.

الأسئلة

الأسئلة

لا ولاية لضعيف

لا ولاية لضعيف Q إنك ذكرت في أثناء الدرس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي ذر: (إني أحب لك ما أحب لنفسي، ولكن لا أريد أن أدنس إيمانك) فلماذا يولي الصحابة الآخرين؟ A هذا إدخال كلام في كلام، عمر الذي يقول لـ أبي: [[لا أريد أن أدنس دينك]] والرسول صلى الله عليه وسلم، قال لـ أبي ذر: {إنك ضعيف} فهو ضعيف في رأيه، ويحب له الرسول صلى الله عليه وسلم الخير، ولو أنه جاء في الحديث يحب الخير لعمه ولـ أبي ذر ذُكر كذلك. فالرسول صلى الله عليه وسلم ولىّ الصحابة لأنهم يستطيعون، وأما أبو ذر وأمثاله فلا يستطيعون؛ لأن الأمر يحتاج إلى طاقات، وإلى قوة، وأبو ذر يمكن أنه تنقصه هذه الأمور، وهو رجل ضعيف رضي الله عنه وأرضاه.

سبب نزول قوله تعالى: (ومنهم من عاهد الله) وبيان ضعف بعض الأحاديث

سبب نزول قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ) وبيان ضعف بعض الأحاديث Q قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} في من نزلت هذه الآية؟ A سبق أن قلنا أنها نزلت في ابن جميل وقال بذلك كثير من المفسرين. وقال بعضهم: في جماعة من المنافقين ولا تعارض، فـ ابن جميل قد كان فيه شيء من هذا، والمنافقون فعلوا ذلك، وليست العبرة بخصوص السبب، ولكن العبرة بعموم اللفظ. أما ثعلبة فليس حديثه بصحيح، ولو أن ابن جرير وابن كثير، وغيرهم من العلماء أوردوا قصته، فقصة ثعلبة لا تصح عند العلماء، وهي معارضة؛ لأنه ما قبل صلى الله عليه وسلم صدقته، ولا أبو بكر ولا عمر، فبقي هكذا، وأهل الذنوب تقبل توبتهم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} فالمقصود: أن هذه معارضة، القصة وسندها لا يصح، حديث ثعلبة لا يصح، هذا ولو استشهد به كثير من الخطباء فهو حديث لا يصح. ومثل ذلك على الذكرى حديث علقمة، الذي يقولون عنه: إنه عقّ أمه، فأتته سكرات الموت فلم يستطع ينطق بالشهادتين القصة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اجمعوا لي حطباً، حتى سامحته أمه، هذا حديث كذب، موضوع باطل عن المصطفى عليه الصلاة والسلام, حديث علقمة هذا لا يحدث به، وكثير من خطباء المساجد يخطبون به يوم الجمعة، فلا بد للخطيب والواعظ أن يتأكد من الحديث الذي يعرضه على الناس، ويتكلم به على المسلمين، ليكون متثبتاً من معلوماته، متأكداً مما يقول، حتى لا يظلل الناس في الأحكام، والاعتقادات والعبادات.

اعتبار الفرد مع إطلاق الجنس

اعتبار الفرد مع إطلاق الجنس Q لماذا جمع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بعد أن ثنى في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19] وفي قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:9]؟ A قال: اختصموا، ولم يقل: اختصما؛ لأن المثنى مرفوع بالألف، لكن هنا أتى بالجمع بعد المثنى، {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:9] قال أهل العلم: اعتبر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الأفراد في المجموعتين هنا، فإن الطائفتين {هَذَانِ خَصْمَانِ} [الحج:19] فيهم مجموعة، الخصم يكون مجموعة، تقول: جاء ضيف والضيف قد يكون عشرة، وتقول: آتاني خصم قد يكونوا عشرة أو عشرين، فاعتبر أفرادهم أكثر من واحد. قال: {هَذَانِ خَصْمَانِ} [الحج:19] أي: فريقان، وقد يكون في الفريقين أكثر من اثنين، قال: {اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19] وهذه من بلاغة القرآن، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الحجرات:9] الطائفة: قد تكون ألف، قال: {اقْتَتَلُوا} [الحجرات:9] فاعتبر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالأفراد في المجموعتين ولم يعتبر بالجنسين.

صحة حديث: (يا أبا ذر إنك رجل ضعيف)

صحة حديث: (يا أبا ذر إنك رجل ضعيف) Q ما هي رتبة الحديث: {يا أبا ذر! إنك رجل ضعيف}؟ A أولاً في أبي ذر أحاديث أذكر بعضها، منها: حديث: {يا أبا ذر! إنك رجل ضعيف} هذا حديث صحيح. {ويا أبا ذر! إنها حسرة وندامة} أي: الإمارة وهو حديث صحيح. {ورحم الله أبا ذر يعيش وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده} حديث ضعيف. {وإذا بلغ البناء سلع فاخرج منها} يقبل التحسين. {وأبو ذر يحشر مع عيسى بن مريم يوم القيامة} حديث ضعيف. أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء، هذا في أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه، لكنه روى أحاديث كثيرة تشرح البال، وهو من علماء الصحابة.

ضعف رواية: (سيدنا محمد) في الصلاة وجواز قولها في غير الصلاة

ضعف رواية: (سيدنا محمد) في الصلاة وجواز قولها في غير الصلاة Q هل نقول عند الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم صلِّ على سيدنا محمد أم أن السيادة لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟ A الرسول عليه الصلاة والسلام لما علم الصحابة في التحيات، لم يعلمهم سيدنا، وكثير من الناس تسمعهم يقول: اللهم صلِّ على سيدنا محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، هذا ليس بصحيح هذا اللفظ (سيدنا) لم يرد في التشهد ولو أنه صلى الله عليه وسلم كما صح عنه أنه قال: {أنا سيد ولد آدم}؛ وقال في صحيح البخاري عن الحسن من حديث أبي بكرة، وقد أخذ الحسن على المنبر، قال: {إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين} هذا في المدح. قال عليه الصلاة والسلام للأنصار: {قوموا إلى سيدكم} أي: سعد بن معاذ، فلا بأس أن يطلق على الناس لفظ "سيد"، لكن قال عمر: [[السيد: هو الله]]. وإن كان من باب التعظيم، وإدخال الغرور والعجب على الرجل فلا تقل له هذا اللفظ، أما في ألفاظ الصلاة فالأولى ألا تذكر, لأن الصحابة لم يذكروها, وما ذكرها صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، فالأفضل أن تقول: اللهم صلِّ على نبينا محمد، أو اللهم صلِّ وسلم على محمد رسول الله، أما لفظ سيدنا فلم يرد فيما أعلم في حديث صحيح، ولو أنه صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم.

ضعف حديث: (لقد أمرت بمداراة الناس كما أمرت بأداء الفرائض)

ضعف حديث: (لقد أمرت بمداراة الناس كما أمرت بأداء الفرائض) Q ما صحة هذا الحديث: {لقد أمرت بمداراة الناس كما أمرت بأداء الفرائض}؟ A هذا الحديث ليس بصحيح، حديث باطل ولا يرفع إليه صلى الله عليه وسلم، حديث {لقد أمرت بمداراة الناس كما أمرت بأداء الفرائض} ليس من لفظه، ولفظ الحديث ركيك، والرسول عليه الصلاة والسلام حديثه كالنور، وكالشمس في رابعة النهار، فهو يعرف، أما في المداراة فقد ورد فيها أحاديث وآثار، منها: في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم عيينة بن حصن، فاستأذن على الرسول عليه الصلاة والسلام -هذا الغطفاني الفزاري - قال: {ائذنوا له بئس أخو العشيرة} فلما دخل انبسط له صلى الله عليه وسلم وكلمه، فلما خرج قلنا: يا رسول الله! قلت في عيينة كذا وكذا، فلما دخل انبسطت إليه وحييته، قال: {إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه} أي: المدارة، وعلق البخاري عن أبي الدرداء في كتاب الأدب، قال: [[إنا لنكشر في وجوه قوم، وإن قلوبنا لتلعنهم]] هذا في المدارة. وهناك فرق بين المدارة والمداهنة: فالمداهنة هي: أن تذهب شيئاً من دينك لحصول الدنيا. والمداراة هي: أن تذهب شيئاً من دنياك لبقاء الدين، فلك أن تداري الناس وتعاملهم بالتي هي أحسن ببسمة؛ لأنك إذا قطعت الحبال بينك وبين الناس لا يبقى لك شيء، وسوف تخسر الناس ويخسرونك، فالمدارة بالبسمة، والكلمة الطيبة، تثني على من قدم خيراً، وتشكر أهل الفضل هذه هي المداراة. وأما المداهنة فهي: أن تنافق -والعياذ بالله- لحصول شيء من الدنيا وتضيع دينك، تأتي إلى رجل فاجر، فتقول: لا إله إلا الله ما أحسنك للإسلام! وما أنصرك للإسلام! وما أقواك في دين الله! هذه هي المداهنة، وهي شعبة من النفاق، أما المداراة فواردة وجائزة. وفي الختام! أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، والرشد والسداد، وأن يتولانا في الدارين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

فضل الوتر وقيام الليل

فضل الوتر وقيام الليل إن العبد المسلم قد يعاني طوال يومه من المشاق والتعب سواءً أكان في الدعوة أو في العمل، فجعل الله قيام الليل ليخلو بربه -عزَّ وجلَّ-. وقيام الليل يعطي الشخص القوة والقدرة على مشاق النهار، فيناجي العبد ربه في ذلك الليل، وخصوصاً وقت نزول الجبار جل وعلا في الثلث الأخير من الليل. وفي هذه المادة الحث على قيام الليل، وذكر فضائله، والأمور المساعدة على قيام الليل كما تطرق للحديث عن المسائل والأحكام المتعلقة بصلاة الوتر.

مجاهدة النفس

مجاهدة النفس الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] عهدٌ من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وحقٌ ألزم به نفسه، ولم يلزمه به أحدٌ من الناس، أن من جاهد فيه سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يهديه سبيله. قال أهل العلم: المجاهدة بالنية وبالعمل، والذي يدعي أنه يجاهد في سبيل الله يبذل وسعه للهداية، ومن لا يبذل وسعه ولا يعمل، فإنما هو مفترٍ على الله عز وجل. ولذلك ورد في الموطأ عن الحسن البصري رحمه الله موقوفاً عليه: [[ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل]]. ومن أسباب المجاهدة التي يزيد الله بها الهداية والإيمان على حد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] من هذه الأعمال الصالحة: قيام الليل، ومن أجلِّ قضاياه التي سوف نتدارسها هذه الليلة: الوتر. وفي الوتر قضايا، منها: المسألة الأولى: حكم الوتر في الليل، هل هو واجب أم سنة؟ وما ورد في ذلك، وما هو الصحيح؟ المسألة الثانية: الوتر على الراحلة، ويقاس عليها السيارة كذلك. المسألة الثالثة: عدد ركعات الوتر، وما حد أكثره وأقله؟ المسألة الرابعة: ما يقرأ في الوتر، وفي ركعاته، من السور التي قرأها صلى الله عليه وسلم، وحافظ على قراءتها في الوتر. المسألة الخامسة: الدعاء الذي يقال في الوتر. المسألة السادسة: رفع اليدين ومتى ترفع؟ المسألة السابعة: هل يمسح الوجه بعد الانتهاء من الدعاء؟ المسألة الثامنة: إذا فات الوتر في ليل هل يقضى بعد أن يطلع الفجر، أم لا؟ المسألة التاسعة: هل يُصلى من الوتر ركعة واحدة ويكتفي بهذه الركعة، ولا يزاد عليها؟ المسألة العاشرة: هل يصلى بعد الوتر صلاة؟ أم يكتفي بالوتر في الليل؟ المسألة الحادية عشرة: أفضل أوقات الوتر، وما هو الوقت الذي وردت بفضله النصوص؟ المسألة الثانية عشرة: الوتر قبل النوم.

حديث ابن عباس في قيام الليل

حديث ابن عباس في قيام الليل يقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم -وكل كتابٍ نبدأ فيه بالبسملة-. كتاب الوتر، باب: ما جاء في الوتر. ثم قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس أخبره أنه بات عند ميمونة وهي خالته، قال ابن عباس: {فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام عليه الصلاة والسلام حتى انتصف الليل، أو قريب منه، فاستيقظ يمسح النوم عن وجهه، ثم قرأ عشر آيات من آل عمران، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوضأ وأحسن الوضوء ثم قام يصلي، فصنعت مثله - ابن عباس يقول فصنعت مثله- فقمت إلى جنبه صلى الله عليه وسلم، فوضع يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني يفتلها، ثم صلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين، ثم خرج فصلى الصبح صلى الله عليه وسلم}. أورد البخاري هذا الحديث في هذا الموضع مختصراً، وإلا فالروايات الزائدة سوف نوردها على ما أوردها أهل العلم، والإمام البخاري يتفنن في إيراد الأحاديث كما سلف في بعض المناسبات، منها: أنه قد يبتدئ بالحديث ويختصره، ومنها: أنه يتشبع في طول الحديث، ومنها: أنه يأتي بالحديث بالمعنى: يزيدك وجهه حُسناً إذا ما زدته نظرا

ترجمة ابن عباس

ترجمة ابن عباس وابن عباس تكرر معنا في أكثر من موضع، فمن هو هذا العملاق؟ ومن هو هذا الشاب الذي حرص على الهداية، وأولى أمور العلم جلَّ اهتمامه، وهو ما زال في العاشرة من عمره، بل قبل ذلك يهتم بتتبع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته، فآتاه الله على قدر نيته، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كما أسلفنا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] فلما علم الله من ابن عباس أنه يريد وجهه، ويريد ما عنده؛ فتح عليه {وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} [سبأ:26] ورزقه علماً جماً؛ حتى يقال له: البحر. ويقال له: ترجمان القرآن. ويقال له: حبر الأمة وبحرها. قال مجاهد: [[وقفنا مع ابن عباس يوم عرفة، فأخذ يفسر سورة البقرة من بعد صلاة الظهر إلى صلاة المغرب حرفاً حرفاً، آيةً آيةً، مقطعاً مقطعاً، والله ما تلعثم في حرف، ولا توقف في آية، والله لو سمعه اليهود والنصارى لأسلموا]]. ويقول ابن كثير في البداية والنهاية: ثبت أن ابن عباس رضي الله عنهما لما أتته الوفاة، وعرضت جنازته للناس، وكفن في أكفان بيضاء، وقام الناس ليصلوا عليه، وثلَّ قائمٌ أبيض فدخل في أكفانه، وسمعوا هاتفاً يقول: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 29]. ورئيت له منامات رضي الله عنه وأرضاه، وهو ممن له قدم صدقٍ في الإسلام، حتى أنه رآى جبريل كرامة له ولم يره كثير من الصحابة.

معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله

معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله يقول: ذهبتُ ليلة من الليالي عند خالتي ميمونة، وهي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له تسع نسوة مجتمعات، كل امرأة يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً من لياليه المباركة الخالدة؛ يعلمهن مما علمه الله، وينشر لهن السنة لينشرنها في نساء الأمة. فعلم ابن عباس أن هذه الليلة ليلة خالته ميمونة فأخذ نفسه وذهب وسبق الرسول عليه الصلاة والسلام بعد صلاة العشاء، ودخل وهو لا يريد النوم ولا العشاء، ولكن يريد قوت القلوب والأرواح، يوم أن تتغذى القلوب والأرواح بغذاءٍ لا يشبه غذاء الناس، ولذلك يقول الألبيري: فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت ولا شربتا فقوت الروح: الهداية، والذكر، وآيات الله البينات، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الواضحات. وعلم ابن عباس أن خالته حائض؛ وهي في الروايات التي وردت صحيحة، حائضٌ لا يمكن أن يقربها تلك الليلة صلى الله عليه وسلم. فأتى في فراش ميمونة خالته، فنام في عرض الفراش، ودخل صلى الله عليه وسلم في الليل فالتفت فرأى ابن عباس، وعرف ابن عباس، وقال: {نام الغُلَيم؟} أي: نام الغلام، ولكن الغليم كلمة تَحَبُّبّ، ويصغر الاسم للتحبب، وللتعظيم، وللتصغير، وللتهويل، وهذا للتحبب، قالت ميمونة على حد ما ترى: {نام يا رسول الله} وهو لم ينم: نامت الأعين إلا مقلةٌ تذرف الدمع وترعى مضجعكْ فهو يريد العلم، ويريد أن ينتبه لما يقول صلى الله عليه وسلم، فيسمع هذه المحادثة؛ لأنه نقلها للناس. فقرب عليه الصلاة والسلام من الفراش وأتى يحدث ميمونة ساعة، يقول ساعة على حسابه الزمني: وفيه العشرة مع الأهل، وحسن الخلق، ومحادثة الأهل، وهذه من سنته صلى الله عليه وسلم، ولا يعتذر المعتذر بكثرة أشغاله، ولا أعماله، ولا ضيوفه، ولا 000، فأكثر الناس عليهم أشغال وأعمال، ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يشغله ذلك عن محادثة أهله صلى الله عليه وسلم، فلما حادثهم نام عليه الصلاة والسلام ولكن ابن عباس لم ينم. فقال ابن عباس: {فنام صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه} والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم نامت عيناه، أما قلبه فما نام، فقلبه يسبح، وقلبه مع ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك إذا نام لا ينتقض وضوءه. ويقوم من النوم صلى الله عليه وسلم ويذهب إلى المسجد، فتقول عائشة رضي الله عنها: {يا رسول الله! إنك نمت؟ قال: يا عائشة! إنها تنام عيناي ولا ينام قلبي} وكان ربما حدث صلى الله عليه وسلم في نومه بالآيات، فقام يقرأها على لسانه، ورؤياه صلى الله عليه وسلم حق كفلق الصبح، فإذا رأى رؤيا تقع، حتى أنه يقول قبل معركة أحد، وهو يستقرئ الأنباء للصحابة ويقول قبلها بليلة بعد أن صلى الفجر، وبعد صلاة الفجر سوف تبدأ المعركة صباح السبت، وسوف يبدأ الالتحام مع أبي سفيان في معركة أحد، قال: {رأيت البارحة كأن ثلماً أصاب سيفي، وكأن بقراً تنحر، وكأني أدخلت يدي في درعٍ حصينة، قالوا: يا رسول الله! ما أوَّلت ذلك؟ قال: أما الثلم في سيفي -كُسْر، وهو في الذبابة، في رأس السيف- فهو رجلٌ من أهل بيتي يقتل، وأما البقر التي تنحر؛ فهؤلاء المؤمنون يصابون ويستشهدون في سبيل الله، وأما أنني أدخلت يدي في درعٍ حصينة؛ فهي المدينة ندخل فيها وتحصننا بإذن الله} وبدأت المعركة وقُتل حمزة، وكان من أول من قتل في المعركة حتى وقف صلى الله عليه وسلم عليه وتغيظ كثيراً وبكى كثيراً وحلف ليمثلن منهم بسبعين، واستشهد من المسلمين سبعين، ودخل في الأخير صلى الله عليه وسلم المدينة.

صور من معايشة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن

صور من معايشة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن قام عليه الصلاة والسلام بعد أن نام، قال ابن عباس: {فرأيته في الظلماء} فما كانت هناك سُرُج ولا كهرباء، وكان بيته صلى الله عليه وسلم يلتقي رأسه بطرف الجدار ورجلاه الشريفتان بالطرف الآخر من ضيق بيوته صلى الله عليه وسلم. كفاك عن كل قصر شاهق عمدٍ بيتٌ من الطين أو كهفٌ من العلَم تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم فهو أتى ليبني الأرواح والقلوب عليه الصلاة والسلام، أما الأجسام والدور والقصور فلهن أناس متخصصون خلقهم الله لها، ولذلك يقول معاذ، أحد دعاة الإسلام، لما حضرته الوفاة: [[والله إني لم أكن أحب الحياة لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، ولا لعمارة الدور، ولا لرفع القصور؛ ولكن لمكابدة الليالي، ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر، ولظمأ الهواجر]] {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35]. قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب النوم من عينيه، وأخذ يتلو: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]. قرأ الآيات العشر حتى ختم سورة آل عمران، ثم قام عليه الصلاة والسلام. وعند ابن جرير الطبري وابن مردويه بسند يقبل التحسين قال بلال: {خرجت أؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة الفجر، فوجدته يبكي صلى الله عليه وسلم، فقلت: مالك يا رسول الله! بأبي أنت وأمي؟ قال: يا بلال! قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله! قال: أنزلت عليَّ آياتٌ بينات، ويلٌ لمن قرأها ولم يتدبرها، قلت: وما هي يا رسول الله؟ فأخذ يقرأ وهو يبكي: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]}. وربما كان عليه الصلاة والسلام يقوم فيصلي من الليل، وفي بعض الأحيان يقوم ويتوضأ ويخرج إلى المدينة، وينشط إلى بيوت الأنصار والمهاجرين وهم يقرءون القرآن، فيبكي وهو يستمع لهم صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك ما ثبت في الصحيح عن عمر وابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم قالوا: {خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فسمع أبا موسى الأشعري يقرأ القرآن، فوضع صلى الله عليه وسلم يديه على نافذة المسجد في الليلة الظلماء وهو ينصت لـ أبي موسى} وأبو موسى الأشعري من أهل اليمن، أُوتي صوتاً ما أجمل منه! ولا أحسن منه! ولا آثر منه! يقول مسروق: [[سمعت أبا موسى يقرأ، فوالله ما سمعت صنجاً ولا طنجاً ولا نأياً ولا وتراً أعجب من صوته!]] فأخذ صلى الله عليه وسلم يستمع وينصت -وذاك يصلي ويقرأ وهو لا يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستمع له- وأخذ صلى الله عليه وسلم يبكي، فلما سمع نساؤه بكاءه صلى الله عليه وسلم، أتين ووضعن أيديهن معه وبجانبه يستمعن ويبكين، فلما أصبح الصباح لقي الرسول صلى الله عليه وسلم أبا موسى وقال له: {يا أبا موسى! لو رأيتني البارحة وأنا أستمع إلى قراءتك، وقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود، فقال أبو موسى: يا رسول الله! أتستمع لي البارحة؟ قال: إي والله، قال أبو موسى: والذي نفسي بيده يا رسول الله! لو علمت أنك تستمع لي لحبرته لك تحبيراً} أي جوَّدته أكثر مما سمعت، وحسنته أكثر مما وقع في أذنيك ليكون أكثر تأثيراً. ولذلك تسابق أبو بكر وعمر مرة ثانية إلى أبي موسى يبشرانه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستمع إليه، قال عمر: [[لما صليت الفجر ذهبت إلى بيت أبي موسى لأبشره ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت أبو بكر قد سبقني، فقلت: والله لا أسابقه بعد اليوم]] كلما أتى عمر رضي الله عنه يسابق أبا بكر سبقه أبو بكر. ألا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا ولذلك كان أبو بكر أسبق الناس، فهو في الجهاد أستاذ الجهاد، وفي العبادة أول الصحابة، وفي الخلافة الرجل المرجى والمرشح رضي الله عنه وأرضاه، لا لشيء إلا لشيء وَقَر في قلبه وهو الخشية، حتى كان يصلي بالناس ويقطع قلبه بالبكاء وهو لا يزال في سورة الفاتحة لما علم من معرفة الله عز وجل. وقد أسلفت لكم أنه يخرج عليه الصلاة والسلام في المدينة، وفي تفسير أبن أبي حاتم بسند جيد عن امرأة من الأنصار قال: {خرج صلى الله عليه وسلم ذات ليلة يتمشى في شوارع المدينة، فسمع عجوزاً من الأنصار تصلي في الليل، وتقرأ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] فوضع رأسه صلى الله عليه وسلم على سائر الباب، وجعل يستمع معها وهي تردد وتقول: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] فيقول: نعم أتاني، نعم أتاني، وهو يبكي حتى الصباح صلى الله عليه وسلم}. هذه بعض الملامح لمعايشته لهذا الكتاب العظيم.

استفتاح الرسول صلى الله عليه وسلم صلاته في الليل بالدعاء

استفتاح الرسول صلى الله عليه وسلم صلاته في الليل بالدعاء وقام صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فخرج من بيته صلى الله عليه وسلم، فعَلِمَ ابن عباس وعمره ما يقارب عشر سنوات أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا عاد فسوف يبحث عن ماء أو يتوضأ. قال ابن عباس: [[فقمت إلى شَنِّ قِرْبَة -معلقة في طرف البيت- فحللت وكاءها، وسكبت الماء للرسول صلى الله عليه وسلم وقدمت له]] فلما جاء صلى الله عليه وسلم رجع ابن عباس وتناوم مرةً ثانية. فقال صلى الله عليه وسلم وهو يحدث نفسه: {من وضع لي الماء} ثم التفت إلى السماء صلى الله عليه وسلم، وقال: {اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل}؛ فعلمه الله التأويل أي: تفسير القرآن، حتى ما وجدت آية ولا سورة إلا ويعرف متى نزلت، وأين نزلت، وما معناها، حتى كبار الصحابة كانوا يسألونه رضي الله عنه وأرضاه، وفقهه الله في الدين. فقام عليه الصلاة والسلام يصلي، وقبل أن يصلي أخذ يستاك عليه الصلاة والسلام، يستقبل القبلة، وقال دعاءً تنخلع منه القلوب، روته عائشة وابن عباس، قال: {اللهم لك الحمد، أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، وعليك توكلت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت} ثم قال -كما صح في صحيح مسلم - عن عائشة: {اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}. من لم يكن له رصيد من الدعاء بعد كل صلاة، وفي دبر الليل، وقبل الصلاة، وبين الأذانين، وفي آخر ساعة من الجمعة، وفي يوم عرفة، وفي مناسبات الخير؛ فإنه سوف يبقى قلبه قاسياً إن لم يتزود بزاد الدعاء؛ ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي عن سلمان: {إن الله يستحي من العبد إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً} قال أحد الصالحين؛ وهو من علماء الجزائر، الثورة على الفرنسيين في الجزائر قال: في إحدى المرات في غارة على الفرنسيين -وهو من علماء ثورة الجزائر على فرنسا -: أمسيت ليلة من الليالي فرأيت عمر بن الخطاب في المنام ومعه الدرَّة، فقلت له: يا أمير المؤمنين! ابتلانا الله بهؤلاء احتلوا بلادنا، وقتلوا أطفالنا، وشيوخنا، ونساءنا، فما المخرج؟ قال: فضرب على كتفي بالعصا، قال: أتخاف والله معك؟! فقلت له: يا أمير المؤمنين! -وقد عرفت أنه عمر -: ما هي النجاة؟ قال: عليك بالدعاء، قال: فما نسيت يديه وهو يدعو لنا في المنام. فمن أراد النجاة فعليه بالدعاء، ولذلك يقال في الأثر: [[لا يهلك مع الدعاء أحد]] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].

موقف المأموم من الإمام وحكم الحركة القليلة للمصلي

موقف المأموم من الإمام وحكم الحركة القليلة للمصلي قام عليه الصلاة والسلام فابتدأ صلاته، فلما أصبح في الصلاة قام ابن عباس فأخذ ماءً وتوضأ ثم اقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام، فوقف عن يساره، يعني: تجاه جهته اليسرى صلى الله عليه وسلم. والمأموم إذا كان منفرداً يبقى عن يمين الإمام. فأرسل صلى الله عليه وسلم يده من وراء ظهره وألقاها على ابن عباس وفركه وهو في الصلاة ثم حوله إلى يمينه؛ قال ابن حجر: يؤخذ من هذا أن المعلم له أن يفرك أذن الطالب، وقد مرت هذه في مناسبات، وكانت أفهم له، بشرط أن يكون صغيراً في سنه، ولا يتأذى بذلك. فحوله عن يده اليمنى، وعند ابن خزيمة: أنه كلما نعس ابن عباس أرسل صلى الله عليه وسلم يده وفرك أذن ابن عباس حتى يوقظه في الصلاة. لماذا ينعس؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستمر في القراءة حتى ينسى المكبر أنه كبر. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: {قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي، فصلى فأطال القيام حتى هممت بأمر سوء، قيل له: وبماذا هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأدَعَهُ}. وقال حذيفة كما في الصحيحين: {قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابتدأ سورة البقرة، فقلت: يركع عند المائة، فواصل حتى خَتَمَها، ثم افتتح سورة النساء فقلت: يركع عند المائة، فاختَتَمَها، ثم افتتح سورة آل عمران، ثم اختتمها صلى الله عليه وسلم]]. فهو صلى الله عليه وسلم وابن عباس بجانبه جعل يده على أذن ابن عباس وفركه ليستيقظ، وفي رواية صحيحة أوردها ابن حجر: لئلا يستوحش في الظلماء. يقول: لئلا يستوحش ابن عباس، فيظن أن من طول قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم أو إسراره من الرسول صلى الله عليه وسلم تركه واقفاً، أو استيحاش من باب أنه يطول عليه الوقوف. والله أعلم. ولا يقاس على قوَّته صلى الله عليه وسلم قوة أحد من الناس، والإنسان فقيه بنفسه لا يستمع مثل هذه الأحاديث فيأتي فيقف ليلة كاملة من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر وبعدها يترك صلاة الفجر، فهذا لا أحسن في الأولى ولا في الثانية؛ أما في الأولى: فشدد على نفسه وخرج عن السنة، فإن سنة الله بين الغالي والجافي، والحسنة بين السيئتين، والقصد القصد تبلغوا. وأما الأمر الثاني: فأنه قد يفوت من الفرائض ما هو أعظم منه، ولا يفوتكم أن الرسول عليه الصلاة والسلام جُمِعَت في جسمه الطاهر قوة ثلاثين رجلاً، فهو أجمل وأقوى وأفصح وأحلم وأبر وأصبر الناس، حتى يقول علي؛ وأنتم تعرفون من هو علي بن أبي طالب، سيف الله المنتضى، من أشجع الناس يقول: [[كنا إذا اشتد الكرب، وحَمِي الوطيس، واقتربت الرماح، الحدق واحمرت اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم في المعركة، فوجدناه أقرب القوم إلى العدو]] من قوة جسمه صلى الله عليه وسلم. ولما التقوا في معركة هوازن في حنين، كان عليه الصلاة والسلام في المقدمة الأولى للجيش، وفرَّ جميع الجيش إلا ستة أنفار، فلم يثبت إلا هو وخمسة معه صلى الله عليه وسلم، وهذا من القوة التي أعطاه الله إياها.

قضايا من حديث ابن عباس

قضايا من حديث ابن عباس وفي حديث ابن عباس هذا قبل أحاديث الوتر قضايا: القضية الأولى: أسلفنا منها: أن الغلام الصغير، الذي لم يبلغ الحُلُم له أن يدخل على إحدى محارمه دون استئذان، في غير الأوقات الممنوعة من الزيارة، يدخل على المحارم بغير إذن، ويجلس معهن. ومنها: الحديث مع الأهل، والاستئناس معهم. ومنها: أنه لا بأس بالسمر بعد العشاء؛ لأن هناك حديث أبي برزة {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها} وقال: الحديث، أي: الحديث الذي لا ينهى عن الفحشاء والمنكر، ويلهي ويكون فيه لغو، ويصد عن صلاة الفجر، فهذا يكرهه صلى الله عليه وسلم. أما الحديث مع الضيوف، أو الأهل، أو الحديث في العلم، وفي مدارسة الشرع؛ فهذا لا بأس به، ولذلك عقد البخاري باباً في صحيحه، باب السمر مع الضيف، فلا بأس بالحديث مع الأهل بعد صلاة العشاء. وفيه: أن المحْدِث حَدَثاً أصغراً له أن يقرأ القرآن؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام -كما قلنا- لا ينتقض وضوءه بالنوم، لكن ليس عندنا دليل أنه نام متوضئاً صلى الله عليه وسلم. ما هو وجه الاستدلال؟ وجه الاستدلال: أنه لما قرأ صلى الله عليه وسلم هذه غيباً، يرد Q كيف يقرأ صلى الله عليه وسلم غيباً وهو لم يتوضأ بعد، لأنه توضأ فيما بعد. وفيه دليل على أن المحْدِث حَدَثاً أصغراً غير حَدَث الجنابة له أن يقرأ القرآن غيباً، لأن الجنب لا يقرأ القرآن، لا غيباً ولا نظراً، والمحْدِث حَدَثاً أصغراً لا يمس القرآن، وله أن يقرأ القرآن غيباً بهذا الحديث وبغيره. منها: في أثر سلمان قال: [[خرج عمر رضي الله عنه إلى البرية -إلى الخلاء- فقضى حاجته، ثم أتى يقرأ القرآن وهو لم يتوضأ]] يقرأه غيباً رضي الله عنه وأرضاه، فقال رجل من أهل نجد من اليمامة: [[يا أمير المؤمنين! كيف تقرأ القرآن وقد أحدثت ولم تتوضأ؟ قال: أأخبرك نبيك مسيلمة أنه لا يجوز أن يقرأ القرآن إلا من توضأ؟]] يقصد: مسيلمة الكذاب؛ لأنه من اليمامة، وهذا مسيلمة صفَّى حسابه خالد بن الوليد سيف الله: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45]. وأحاديث أخرى، ومنها: الحديث الذي في موطأ مالك مرسلاً لكنه معضود، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم -قال ابن عبد البر أشبه المتواتر-: {أن لا يمس القرآن إلا طاهر} فعُلِم بمفهوم المخالفة أن له أن يقرأ القرآن غير طاهر، ليس جنباً لكنه محدث حدثاً أصغراً، فهذه من القضايا. ومنها: الجماعة في النافلة: لك -إذا أوترت- أن توتر بأهلك في البيت، ولا تتخذها عادة دائماً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلها دائماً، لكن في بعض الأحيان توتر وأهلك معك، وإذا أتاك أناس وأرادوا أن يتنفلوا معك تتنفل فيهم بالليل، أو بعض الأوقات كصلاة الضحى، ولا تتخذ عادة، ففي صحيح البخاري عن عتبان بن مالك قال: {زارني صلى الله عليه وسلم في بيتي فقال: أين تريد أن أصلي لك من البيت؟ قال: فعرضت له حصيراً، وغسلته بالماء، ونضحته، فقام صلى الله عليه وسلم فصفنا خلفه، وصلى بنا ركعتين} قال أهل العلم: هذه صلاة الضحى، وهذا يقتضي جواز الجماعة في صلاة الضحى لا على الدوام، أي: أنها لا تتخذ على الدوام. والمسألة التي تستفاد كذلك من هذا الحديث: الائتمام بمن لم ينو الإمامة، تأتي في المسجد وأحد الناس يصلي وما نوى أن يكون إماماً، لكن هو فاتته الصلاة فقام يصلي وحده، فلك أن تدخل معه، ويكون إماماً لك، وأنت مأموم، وتصلي معه، وهذا يؤخذ من هذا الحديث؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قام يصلي من الليل ما نوى أن يكون إماماً، وإنما نوى أن يصلي ويتنفل حتى جاء ابن عباس. ومنها كذلك: أن من أراد أن يتنفل، مثلاً: صلى صلاة الظهر في المسجد، ثم قام يصلي ركعتين بعد الظهر وأتى رجل متخلف، فرأى هذا يتنفل، فله أن يدخل معه، ولو كان هذا متنفلاً وهذا مفترضاً، فدخلتَ معه وصليتَ صلاة الظهر، وهو يصلي نافلة، وهذا مأخوذ من هذا الحديث. ومنها صورة ثالثة كذلك: أنك إذا أتيت المسجد والناس قد صلوا، وما أدركتهم في الركعة الأخيرة مثلاً، فلما سلم الإمام قمت تقضي، وقام بعض الناس يقضوا معك، فلك أن تجعل الذي بجانبك إماماً وأنت مأموماً وتصلي بصلاته، هذه الصورة الثالثة تؤخذ من هذا، وهي جائزة لأنه لم يرد حديث بمنعها. ويؤخذ كذلك: موقف الإمام وأنه دائماً على يسار المأموم إذا كان واحداً، ولو كانوا جماعة فيصلون عن يمينه أو خلفه، والسنة إذا كثروا فخلفه، والواحد على يمينه ولا يصلي يساره؛ لأن ابن مسعود رضي الله عنه: يرى أن يصلي الإمام وسطاً، وأن يجعل الناس عن يمينه ويساره، ورد عليه أهل العلم بأن هذا منسوخ. المسألة التي تليها وتستفاد من هذا الحديث: أنه لا بأس بالحركة القليلة في الصلاة؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام تحرك في الصلاة، وأخذ بأذن ابن عباس، وحاله هنا: فلك مثلاً أن تؤخر ابنك عن مكان تخاف منه وأنت في الصلاة، وإذا كنت قريباً من الباب أن تفتح الباب؛ فقد صح عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح لها الباب وهو في الصلاة، وفي سنن أبي داود بسند جيد عن سهل بن الحنظلية قال: {أرسل صلى الله عليه وسلم بطليعة قوم ليأخذ أخبار العدو، فأخذ صلى الله عليه وسلم يلتفت مرة وهو في الصلاة}. ولا يحمل هذا على الترخص، ولا على التنطع، ولا على الخروج عن الخشوع الذي ورد عنه صلى الله عليه وسلم. ولكن نخبركم بهذا وعندكم خبر به من باب إبراء الذمة، ومن باب عرض بعض سننه صلى الله عليه وسلم للناس، ومن باب إيجاد بعض الرخص لبعض المكروبين في صلواتهم، أو الذين يظنون أنه لا يجوز إحداث شيء في الصلاة، فقد وردت الحركة القليلة عنه صلى الله عليه وسلم. ويؤخذ من هذا الحديث: الاضطجاع مع الحائض؛ فالمرأة إذا حاضت فلزوجها أن ينام في فراشها الذي تنام فيه، وأن يؤاكلها ويشاربها ويحادثها، ولا بأس بذلك كله. ومنها: الاعتداد بصلاة الصبي الصغير؛ فأنت إذا لم تجد جماعة، ولا رجل تصلي معه، لك أن تصلي مع ابنك بعد أن يتوضأ، وتجعله معك وتتم لكما جماعة، وإذا أتيت في المسجد ووجدت إماماً ومعك صبي فلك أن تصف مع الصبي وراء الإمام، وتعدُّ بالصف مع الصبي؛ ففي صحيح البخاري عن أنس قال: {صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصففت أنا واليتيم من ورائه والعجوز من ورائنا}. وأدخل عليه الصلاة والسلام المسجد وهو مريض، في رواية ابن عباس قال: {عليه عصابة دسمة، وهو يتخطى مع الفضل وعلي حتى أدخل، فأجلس على يسار أبي بكر وأبو بكر يصلي بالناس} فأصبح الرسول صلى الله عليه وسلم إماماً، وأصبح أبو بكر بجانبه مأموماً، وأصبح أبو بكر يردد بعده الناس وهو عن يمين الرسول صلى الله عليه وسلم، فالذي على اليسار هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس أبو بكر.

أحكام صلاة الوتر

أحكام صلاة الوتر وأما الوتر ففي حكمه خلاف بين أهل العلم: ذهب الجمهور إلى أنه سنة وليس بواجب. وأما بعض الأحناف فقالوا: واجب؛ واستدلوا على ذلك بأدلة منها: أنه يقضى بالنهار. ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما تركه في حضر ولا سفر. ولكن هذه الأدلة ظنية، والصحيح أنه سنة وليس بواجب. ومن الأحاديث التي تبين سنية الوتر: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي طلحة في الصحيحين، قال: {كنا جلوساً مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد، فجاء رجلٌ من أهل نجد؛ ثائر الرأس، نسمع دويَّ صوته، ولا نفقه ما يقول، فأقبل علينا، فإذا به يسأل عن الإيمان، قال: الإيمان أن تؤمن بالله، -وفي لفظ البخاري: يسأل عن الإسلام- قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله -وفي هذا الحديث تداخل بين الإيمان والإسلام - ثم قال: وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، قال: يا رسول الله! وما هي الصلاة؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع}. فأخذ من هذا أن الخمس الصلوات هي الواجبة، أما غيرها فتطوع، فلا يدخل غيرها في الوجوب كالوتر، ولا ركعتي الضحى، ولا تحية المسجد، ولا غيرها، إنما الواجب ما ذكره صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث. فحكمه على الصحيح أنه سنة؛ لكنه سنة مؤكدة، لا يُترك في سفر ولا في حضر. ومن تركه هل يقضيه بعد أن يفوته في الليل أم لا؟ سوف يأتي هذا الكلام.

الصلاة على الراحلة وعدد ركعات الوتر

الصلاة على الراحلة وعدد ركعات الوتر ويؤخذ من سنته صلى الله عليه وسلم أنه صلى على الراحلة، ويقاس على ذلك السيارة، فلك أن تصلي الوتر وأنت مسافر على سيارتك بعد أن تستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام، ثم لا بأس أن تتوجه وأنت تصلي في أي مكان وجهت بك سيارتك. ويؤخذ من ذلك أن الوتر سنة، وأقل عدد ركعاته ركعة، وأكثره لا حد له. وهل يجوز أن يصلي المسلم ركعة واحدة؟ أورد ابن حزم في المحلى وابن خزيمة ومحمد بن نصر المروزي وسعيد بن منصور في سننه أن كثيراً من الصحابة صلوا ركعة واحدة؛ منهم: معاوية وسعد بن أبي وقاص وعثمان رضي الله عنهم وأرضاهم. فأما عثمان رضي الله عنه وأرضاه فورد أنه دخل الحرم، قال تميم الداري: [[كنت عند المقام -مقام إبراهيم عليه السلام- فدخل رجلٌ وهو متلثم، فدفعني وأخرني عن المقام ثم قام ففك لثمته فنظرت إليه فإذا هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، فقام يصلي، فقرأ القرآن في ركعة من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، ثم سلم والأذان يؤذن]]. ولذلك كان ابن عباس رضي الله عنهما إذا قرأ قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] بكى وقال: [[ذلك عثمان بن عفان]] وقال حسان لما قُتل عثمان رضي الله عنه: ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا وثبت أن عثمان انخرمت في يده أربعة مصاحف؛ من كثرة ما يقرأ، فأربعة مصاحف انخرمت أو تقطعت وتمزقت من كثرة ما يمسكها. وهو على العموم أكثر من يقرأ القرآن من الصحابة الأخيار، حتى أنه كان يتوضأ ويصلي صلاة الفجر فيبقى والمصحف معه يقرأ حتى صلاة الظهر، وقال له بعض الصحابة: [[لو رفقت بنفسك يا أمير المؤمنين؟ قال: والله لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من القرآن]] رضي الله عنه وأرضاه، فالشاهد: أنه صلى ركعة. ومعاوية صلى العشاء ثم صلى ركعة وذهب لينام، فسئل ابن عباس وقيل له: [[إن معاوية صلى ركعة؟ قال: ذاك رجلٌ فقيه]] يعني: عنده فهم في الدين. وصلى سعد بن أبي وقاص ركعة رضي الله عنه وأرضاه. لكن الأولى والأحسن ألا تُتخذ عادة، وللمسلم أن يصلي ركعة واحدة، لكنه خلاف النصوص الوفيرة الكثيرة عنه صلى الله عليه وسلم: أن أقل الوتر ثلاث ركعات؛ لما روى أبو داود بسند جيد عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أوتر بسبع فهو أفضل، أو بخمس، أو بثلاث} وهذا الحديث صححه ابن حبان والحاكم، فالثلاثة أقل الوتر، فمن شاء أن يوتر ويقلل فعليه أن يداوم على ثلاث ركعات، يقرأ في الأولى: سورة الأعلى، وفي الثانية: سورة الكافرون، وفي الثالثة: سورة الإخلاص؛ والدليل على ذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه، وهو صحيح عند النسائي قال: {كان صلى الله عليه وسلم يصلي الوتر ثلاث ركعات يقرأ في الأولى: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] وفي الثانية: بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] وفي الثالثة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] لا يسلم إلا في آخرهن} ففي هذه الرواية، أي: رواية النسائي والحاكم عن عائشة: لا يفصل بينهن. وقال: محمد بن نصر المروزي في كتاب الوتر: يفصل بين الوتر، ولم ينقل في حديثٍ صحيحٍ أنه يوصل بين الوتر، قال ابن حجر: بل يوصل بينها، ومن صلاها كالمغرب، فجائز له ذلك. أما حديث أُبَي الذي أسلفت في سنن النسائي أنه يقول: {لا يسلم إلا في آخرهن} فلكم أن تراجعوه في الصفحة (481) من فتح الباري المجلد الثاني. فهذا -بارك الله فيكم- هديه صلى الله عليه وسلم، أو ما قاله في الوتر؛ لكنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الوتر إحدى عشرة ركعة، تقول عائشة في صحيح مسلم: {ما زاد صلى الله عليه وسلم في رمضان، ولا في غير رمضان على إحدى عشرة ركعة، فإذا فاتته من الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة}. ففي هذا دليل على أن التراويح السُّنَّة فيها، والأَولى والأفضل أن تُصلى إحدى عشرة ركعة، ومن زاد فلا بأس، ومن صلى ثلاث عشرة ركعة، أو إحدى وعشرين، أو ثلاثاً وعشرين، أو زاد فلا بأس، لكن الأَولى والسُّنَّة هي هذه وهي التي وردت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم. ما يقرأ فيه؟ ذكرنا لكم أنه يقرأ فيه بِسُوَر: الأعلى، والكافرون، والإخلاص.

دعاء الوتر

دعاء الوتر ما هو دعاء الوتر؟ إذا أوترت، وقرأتَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وركعت كما هو معروف، فبعد أن ترفع صلبك من الركوع، ترفع يديك هكذا وتقول: اللهم اهدني فيمن هديت؛ لحديث الحسن بن علي رضي الله عنه وأرضاه؛ ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في سنن الترمذي، وقال ابن حجر: فيه ضعف؛ ولكن له طرق تشهد له فيصبح بها حسناً، قال صلى الله عليه وسلم: {إذا أوترت، فقل: اللهم اهدني في من هديت، وعافني في من عافيت، وتولني في من توليت}. الحديث. ولك أن تدعو بما تيسر، سواء هذا الدعاء أو غيره من الدعاء الذي يجمع لك خيري الدنيا الآخرة.

آداب الدعاء

آداب الدعاء من آداب الدعاء: 1 - أن تبدأ بالحمد لله والصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تدعو. 2 - وترفع يديك بعد أن تقول: سمع الله لمن حمده، لما ثبت في مستدرك الحاكم، قال صلى الله عليه وسلم: {إذا رفعت صلبك فارفع يديك وادع الله عز وجل يُجِبْك} أورده ابن القيم في زاد المعاد. 3 - وهل بعد أن تنتهي تمسح وجهك أم لا؟ الراجح والصحيح ألا تمسح وجهك؛ لأن مسح الوجه لم يرد فيه حديث صحيح، وإنما هو حديث ضعيف، قال ابن تيمية: أما مسح الوجه في الصلاة فلم يرد. ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم حديثٌ صحيح في ذلك، فالأولى أن يمسح خارج الصلاة مرة في الدعاء ويترك مرة، أما داخل الصلاة فلا يمسح الوجه.

حديث مسح الوجه بعد الدعاء

حديث مسح الوجه بعد الدعاء Q هل حديث مسح الوجه في الصلاة لا يصح؟ A بعض أهل العلم يصححه، منهم ابن حجر، والصحيح: أنه ضعيف، ولكن له شواهد، وابن تيمية يقول: على احتمال تحسين الحديث فيمسح الوجه خارج الصلاة مرة، وعلى احتمال ضعفه يترك مرة. وقد أفتى فيه كثير من أهل العلم؛ منهم: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، يقول: خارج الصلاة يمسح مرة ويترك مرة، أما داخل الصلاة فلا يمسح.

تفصيل نظر الداعي إلى يديه

تفصيل نظر الداعي إلى يديه Q هل الذي يدعو ينظر إلى يديه؟ A لم يرد هناك شيء في النظر، ولكن الأَولى والأرجح أن ينظر إلى كفيه؛ لأنها الوجهة والقصد والمطلوب، وأجمع لقلبك، فينظر هناك عند كفيه، ولا يحيل بصره؛ لأن الداعي إذا دعا إنساناً أو طلبه فمن الأدب أن لا يحرف بصره عنه، وعند عبد الرزاق في المصنف بسند جيد يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا قام العبد في الصلاة قام الله عز وجل تجاهه، فإذا انصرف العبد ببصره انصرف الله عنه} وهذه الرواية عن عطاء، ولكن لها شواهد تؤيد أنها صحيحة أو تبلغ الصحيح لغيره.

قراءة المعوذتان والنفث قبل النوم

قراءة المعوذتان والنفث قبل النوم Q الرسول صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه كان يقرأ المعوذات قبل أن ينام وينفث في يديه ويمسح جسمه بذلك، فهل هذا من المسح في الدعاء؟ وهل هذا يقتضي أنه يجوز أن يمسح الداعي بيديه وجهه؟ A هذا سؤال جيد، لكن هذا في غير ما نحن فيه، لأن هذا قرآن، وفعل الرسول عليه الصلاة والسلام له يريد به البركة على جسمه، وقد كان يمسح ما أقبل من جسمه وما أدبر. وأما ذاك فمسح من باب طول التكريم، وقيل: إظهاراً للنعمة، وقيل: تبركاً لعلَّ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يجيب الدعاء.

حكم قضاء الوتر

حكم قضاء الوتر إذا فات المسلم الوتر في الليل، فالسُّنَّة والذي تَرَجَّح من الأدلة: أن يقضيه في النهار، ولكن يقضيه شفعاً لا وتراً؛ أي: أنه إذا كان ترك في الليل ثلاث ركعات فيصلي في النهار أربعاً، وإذا كان ترك خمساً فتصلي ستاً، وإذا ترك سبعاً يصلي ثماناً. ولماذا اختلفت الهيئة في النهار؟ لأن وتر النهار صلاة المغرب، ووتر الليل صلاة الوتر، والدليل حديثٌ حَسَنٌ، حَسَّنه ابن خزيمة وغيره من أهل العلم، فاقتضى أنه يقضى سبعاً، والدليل عليه ما مر معنا في صحيح مسلم عن عائشة قالت: {كان صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا فاته الوتر صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة} أي: أنه يجعل بدل إحدى عشرة اثنتي عشرة. ولكن Q لماذا روى أبو داود وأهل السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: {من فاته الوتر فليقضه وتراً إذا ذكره} وهذا على نظرين اثنين: النظر الأول: أن هذا قول لبعض أهل العلم؛ وذكره محمد بن نصر المروزي، وأن من الناس من يرى أن يقضى الوتر؛ وهي فتيا لبعض أهل العلم، فيقضى على هيئته ثلاث ركعات في النهار أو خمس. النظر الثاني: وقيل: إن هذا الحديث فيه ضعف، ويؤخذ بحديث عائشة الصحيح عند مسلم، والأَولى أن يقضى شفعاً في النهار.

أفضل أوقات صلاة الوتر

أفضل أوقات صلاة الوتر مسألة وهي: ما هو الوقت الأفضل في الوتر؟ قال أبو هريرة - كما في الصحيحين -: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت: بركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر -وفي المسند بدل: صيام ثلاثة أيام في كل شهر ورد: بغسل الجمعة-}. قال ابن تيمية: إنما قال صلى الله عليه وسلم لـ أبي هريرة أن يوتر قبل أن ينام؛ لأنه كان مشغولاً بتدارس الحديث في الليل، فخاف أن ينام عن مثله، فقال: {أوتر قبل أن تنام} ووقع لـ أبي هريرة هذا، فكان يوتر قبل أن ينام، ويتدارس الحديث ثم يصلي ما تيسر، أو ينام. وقال ابن تيمية أيضاً: إنما قال صلى الله عليه وسلم: {وركعتي الضحى} لتعوض ركعتي الضحى عن قيام الليل في آخر الليل الذي قد لا يتسنى لـ أبي هريرة وأمثاله من الناس أن يصلوا ركعتي الضحى. فلْيُعْلَم هذا، فمن أوتر قبل أن ينام ولا يستطيع أن يقوم الليل له أن يصلي الضحى وهي صلاة الأوابين، فيكفر الله بها عنه، ويكتب له أجر ثلاثمائة وستين مفصلاً من مفاصل جسمه في هاتين الركعتين الخفيفتين، فهذا وقت. أما أوقاته الأخرى فالأفضل تأخيره إلى الليل؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري: {اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً} وهو في سنن أبي داود كذلك، وصححه ابن حبان والحاكم. ولك أن توتر بعد صلاة العشاء، ولا بأس أن توتر قبل أن تنام، لكن أفضل أوقات الوتر آخر الليل، والوقت الفاضل كذلك قبل النوم، والوقت المفضول بعد صلاة العشاء. والإنسان يعرف عادته، وقدرته، وما يستطيع له، و: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. Q من نام بعد أن أوتر في الليل، ثم قام آخر الليل، هل يعيد الوتر، وقد أوتر في أول الليل، أم ماذا يفعل؟ A يصلي شفعاً ولا يوتر، وهذا رأي الإمام مالك وأورده في الموطأ أنه يصلي شفعاً ولا يوتر وكأنه الصحيح، وهو الأولى؛ لأنه لا وتران في ليلة. فإذا أوتر في أول الليل فليصل شفعاً ركعتين، أو أربعاً، أو ستاً، أو ثماناً. وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: أن من أوتر في أول الليل، وقام في آخر الليل وقد أوتر في أول الليل أنه يصلي ركعة واحدة تشفع له ما صلى، ثم يبدأ يصلي من جديد على الشفع ثم يوتر. لكن الأَولى ما ذهب إليه الإمام مالك لظاهر الحديث: أنه إذا أوتر في أول الليل يكتفي ويصلي ما يسر الله شفعاً.

حكم الصلاة بعد الوتر مباشرة

حكم الصلاة بعد الوتر مباشرة هل يصلى بعد أن يصلي الوتر مباشرة؟ ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى ركعتين بعد الوتر جالساً، فلك أن تصلي بعد الوتر جالساً ركعتين. قال النووي: يحتمل أن هذا لبيان جواز الصلاة بعد الوتر؛ لأن بعض الناس يتوهم أنه لا يجوز أن يصلي بعد الوتر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بهاتين الركعتين.

الأمور المساعدة على قيام الليل

الأمور المساعدة على قيام الليل ما هي الأمور التي تعين المسلم على قيام الليل؟ وأما فضل قيام الليل، فمهما عدَّد المعدِّد، ومهما تكلم المتكلم عن فضله فإنه أكثر من أن يذكر، ومن أراد تربية نفسه وروحه وقيادة قلبه إلى الله عز وجل فعليه بقيام الليل، ولو بمقدار حلب شاة، وورد في مجمع الزوائد بأسانيد تفيد أنه حديث حسن: {لا بد من قيام بالليل ولو بقدر حلب شاه} فهذا الوقت الصغير القصير الذي يمكن أن يقوم الإنسان ولو قبل صلاة الفجر بدقائق، يمكنه من الدعاء المستجاب إن شاء الله؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله ينزل في الثلث الأخير إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه} فهذا هو وقت الإجابة وهو من أعظم الأوقات. ومما يعين على قيام الليل: التقليل من الخطايا والذنوب؛ فإنها توبق العبد، وتقيده عن قيام الليل، وعن الأعمال الصالحة، قيل للحسن البصري: [[يا أبا سعيد! لا نستطيع القيام؟ قال: قيدتكم خطاياكم ورب الكعبة]] فعلى العبد أن يستغفر كثيراً قبل أن ينام، وأن يتوب إلى الله. يقول ابن تيمية: للعبد أن يأخذ وِرداًً من الدعاء، وحبذا لو كان قبل النوم، يقول في المجلد العاشر، والحادي عشر: حبذا أن يكون قبل النوم ليكون كفارة لما أسرف به وفعله في نهاره، ولا بد من الذنوب والخطايا. فعلى العبد أن يستغفر قبل أن ينام كثيراً، وأن يذكر الله لينام وهو تائب منيب، فإن توفاه الله كان من الخالدين الصالحين: {الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16] وإن كان من الباقين كتب الله أجر يومه، وغفر ذنوبه. ومما يعين على قيام الليل: التسبيح ثلاثاً وثلاثين، والتحميد ثلاثاً وثلاثين، والتكبير ثلاثاً وثلاثين؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بها علياً وفاطمة -رضي الله عنهما- فقال: {هما خيرٌ لكما من خادم} قال ابن القيم: يريد أنها في القوة مثل الخادم. فهي مجردة تقوي العبد، وتجعل عنده نشاط وهمة، ومن يسر الله له الخير تيسر. وكذلك أن ينام الإنسان مبكراً، وألاَّ يسهر كثيراً في غير طارئ إلا في مدارسة علم، أو في جلسة خير، أو قراءة القرآن وتدبره، وإذا علم أنه سوف يقوم لصلاة الفجر وتدبره، أما إذا علم أنه سوف تفوت عليه صلاة الفجر، فحرام أن يسهر هذا السهر، فليُعلم هذا. وفي البداية والنهاية لـ ابن كثير قال ابن كثير: توفيت زبيدة زوجة هارون الرشيد، وأم الأمين، فرئيت في المنام، وزبيدة هذه هي التي أجرت عيناً في مكة، المسماة: عين زبيدة، فرئيت زبيدة هذه في المنام، فقال لها ابنها: ما فعل الله بك؟ قالت: كدت أهلك -أي: أُعَذَّب- فقال: وأين العين -عين زبيدة - وأجرها وثوابها التي أجريتِها للحجاج؟ قالت: ما نفعتني بشيء، كادت تهلكني تلك العين، قال: ولِمَ؟ قالت: ما أردت بها وجه الله فما نفعتني. قال: وما نفعك إذاً؟ قالت: نفعتني رحمة الله، ثم إنه ما مرت عليَّ ليلة إلا أقوم في السحر، فأتوضأ ثم أقوم على شرفات القصر -قصر هارون الرشيد؛ لأنه خليفة وهي زوجته- فأنظر في السماء وأقول: لا إله إلا الله أدخل بها قبري، لا إله إلا الله أقضي بها عمري، لا إله إلا الله أقف بها في حشري، لا إله إلا الله يغفر بها ربي ذنبي. فهذا العمل القليل نفعها أكثر من تلك العين، والمشروع الضخم الذي عد في التاريخ من أفضل المشاريع التي عرفتها الأمة، ما نفعها بشيء: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] إن عملاً لا يراد به وجه الله لا ينفع صاحبه أبداً، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما أورده المنذري في الترغيب والترهيب: {يا معاذ! أخلص عملك يكفيك القليل} فإن المقلَّ مع الإخلاص يكفيه وهو من السابقين عند الله عز وجل، والمكثر بلا إخلاص لا ينفعه، كالذي يحمل الحجارة على ظهره فهو لم يستفد منها، ولم يسلم من حملها وثقلها، فليُعلم هذا. نسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق والهداية.

الأسئلة

الأسئلة

أحوال السلف في البكاء من خشية الله

أحوال السلف في البكاء من خشية الله Q كيف نوفِّق بين ما ذكر في الدرس من أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه كان إذا قرأ لا تسمع قراءته من كثرة البكاء، وبين الأوزاعي الذي كان لا يبكي أمام الناس، فإذا خلا بنفسه بكى حتى يَرثِِي له الجيران؟ A هذا ثابت في الصحيح من حديث عائشة: {كان أبو بكر رجلاً أسيفاً -وفي لفظ: حزيناً، وفي لفظ: رقيقاً-} وورد في كتاب الزهد للإمام أحمد بسند جيد: [[أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه دخل مزرعة رجل من الأنصار فرأى طائراً يطير من شجرة إلى شجرة، وهو خليفة، فبكى حتى جلس، فقال له الصحابة: ما لك يا خليفة رسول الله؟ قال: أبكي من هذا الطائر، يرد الماء، ويأكل الشجر، ثم يموت، فلا حساب ولا عذاب، ثم قال: يا ليتني كنت طائراً!]] فبكى الصحابة رضوان الله عليهم، وهذا معلوم. وفي مسند الإمام أحمد -وأول مسند فيه أبو بكر - في الصفحات: الأولى، والثالثة، والرابعة: أنه وقف على المنبر فبكى، ثم رفع رأسه وقال: [[أيها الناس! وقف صلى الله عليه وسلم موقفي هذا، ثم بكى ونكس رأسه، ثم رفع رأسه، ثم قال: أيها الناس! نسأل الله العفو والعافية]] فعُلم أن أبا بكر لا يمتلك عينيه رضي الله عنه، طبيعته هكذا، وإيمانه، واتصاله بالله جعله لا يملك عينيه أبداً، بل ربما كان في حياته يقولون: [[إذا ذكر صلى الله عليه وسلم دمعت عيناه على لحيته رضي الله عنه وأرضاه]]. وأما الأوزاعي فأورد ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة الأوزاعي، وأورد الذهبي، صاحب سير أعلام النبلاء: أنه كان لا يبكي أمام الناس، وإذا خلا أغلق على نفسه بابه وبكى طويلاً حتى يَرثِي له جيرانه، من خشية الله عز وجل. ويوفق بينهم أن الأوزاعي استطاع أن يملك شعوره وجوارحه, وأن يملك عواطفه فاستطاع ألا يبكي، أما أبو بكر فما استطاع، يقول المتنبي: إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكَى فهذا استطاع، وذاك لم يستطع، فرضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً.

حكم قضاء الوتر بين أذان الفجر والإقامة

حكم قضاء الوتر بين أذان الفجر والإقامة Q هل يقضي الوتر بين أذان الفجر والإقامة؟ A هذه المسألة فاتتنا، وقد تعرض لها ابن حجر، هل يقضى الوتر بين أذان الفجر وبين الإقامة؟ ورد في حديث عند محمد بن نصر المروزي أنه صلى الله عليه وسلم قال: {إذا خشي أحدكم الفجر فليوتر بركعة} وهو في الصحيح من حديث ابن عمر، قال: {وقف رجلٌ يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! صلاة الليل؟ قال: مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خشيت الفجر فأوتر بركعة} فقال: خشيت الفجر، أي: أنه لا صلاة وتر بعد الفجر. لكن أورد ابن حزم، صاحب المحلى: أن الصحابة أوتروا بعد الفجر. وخلاصة المسالة: أن من فاته الوتر، وأتى الفجر فله أن يصلي ولو ركعة بعد أذان الفجر إلى الإقامة، ولا بأس بذلك، وأما أن يتخذها عادة دائماً فلا يصح هذا، والصحابة لم يفعلوه، ولا الرسول صلى الله عليه وسلم.

من الأسباب المعينة على قيام الليل

من الأسباب المعينة على قيام الليل Q هل التخفيف في وجبة العشاء من الأسباب التي تعين على قيام الليل؟ A وهذا الكلام الذي أورده الأخ الكريم أورده الغزالي في إحياء علوم الدين يقول: إن من الأسباب التي تعين على قيام الليل: أن يخفف الإنسان عشاءه.

حكم قضاء النافلة

حكم قضاء النافلة Q من نسي النافلة، ثم ذكرها، ماذا عليه؟ A إذا كان في الليل الثاني فله أن يقضيها، ولو ذكرها بعد أيام؛ لأن هذا من باب قضاء النوافل، والنوافل تقضى ولو بعد أيام.

حكم صلاة الوتر بسلام واحد

حكم صلاة الوتر بسلام واحد Q هل يصلي الوتر بسلام واحد؟ A هذا هو الصحيح، وهذا هو الأولى والأغلب؛ لكن المسألة التي أوردتُها قبل قليل فهي لبيان الجواز، فمَن صلاها بسلام واحد فجائز؛ لحديث أُبَي الذي أورده في سنن النسائي أنه صلاها صلى الله عليه وسلم بسلام واحد، ولكنه كان غالباً يصليها بفاصل، وما هذا إلا لأبين الجواز من الأفضل، ولكن الأفضل أن يفصل مثنى مثنى، أي: بسلام.

من لا يستطيع قيام الليل؟

من لا يستطيع قيام الليل؟ بقيت مسألة لا بد من التنبيه عليها، وهي: أن كثيراً من الناس لظروفهم ولأعمالهم ولمشاغلهم، وما عندهم من الأسر لا يستطيعون أن يداوموا على قيام الليل، فما هو الذي ينوب عن قيام الليل؟ وكثير من الناس ليس عندهم مال ينفقونه في سبيل الله، ولا عندهم طائل في المال ولا في الدخل، فماذا يفعلون؟ وكثير من الناس كذلك لا يستطيعون أن يجاهدوا في سبيل الله، فماذا يفعلون؟ وكل هذه الأسئلة يجيب عنها سؤال معاذ رضي الله عنه وأرضاه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَن أعياه الليل أن يكابده، والنهار أن يصومه، والمال أن ينفقه، والعدو أن يجاهده، فعليه بذكر الله عزوجل} فأدلكم وأدل نفسي على أكبر وأفضل وأيسر وأسهل عمل في الإسلام يعدل القيام والصيام والنفقة والجهاد، ويعدل كل نافلة في الإسلام بعد الفرائض: عليكم بذكر الله، معنى ذلك: أنك تذكر الله في بيتك ومسجدك وطريقك وسيارتك؛ حتى تصبح عادة، ولذلك ورد عنه صلى الله عليه وسلم عند الترمذي، كما أورده ابن حجر في بلوغ المرام في باب الذكر؛ يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: {أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه} فكلما ذكر الله عز وجل، وكلما حرك العبد شفتيه كلما كان قريباً من الله، فينوب عن قيام الليل والصدقة والأنفاق وعن كثير من البذل. وعند ابن تيمية في المجلد العاشر رسالة من سائل اسمه أبو القاسم المغربي، بسؤال مشهور؛ قال فيه: دلني على أفضل عمل بعد الفرائض؟ قال: عليك بذكر الله. فأفضل عملٍ بالإجماع بين أهل العلم هو: ذكر الله عز وجل. فعلى المسلم أن يعود نفسه على التسبيح، لأنه قد يسبح في المجلس الواحد أو في دقائق معدودة ما يعادل أجر نفقة كثيرة، قال ابن مسعود رضي الله عنه: [[لأن أقول: سبحان الله! أحب إليَّ من أن أنفق درهماً في سبيل الله]]. وعند الترمذي بسند حسن؛ قال صلى الله عليه وسلم: {من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غُرِسَت له نخلة في الجنة}. فعلى الإنسان أن يستعين بالله عز وجل، وأن يكثر من الذكر والدعاء لتنوب عن هذه الأمور، ثم إن تيسر له القيام والصيام والنافلة والجهاد والإنفاق فعليه بذلك، والله الميسر.

أفضل الذكر

أفضل الذكر Q ما هو أفضل الذكر؟ A أفضل كلمة أتى بها صلى الله عليه وسلم بعد القرآن وهي من القرآن: لا إله إلا الله؛ فليس في الإسلام أفضل منها، وكل الكلمات تضم شفتيك بها: التسبيح والتكبير والتحميد والاستغفار والحوقلة، أما لا إله إلا الله فالإنسان لا يستطيع أن يضم شفتيه فيها، ومن أراد أن يجرب فليجرب إذا انتهت صلاة العشاء مائة مرة ليكتب الله له مائة حسنة، ويمحو عنه مائة سيئة، فتكون له عدل عشر رقاب، وتكون له حرزاً يومه ذلك حتى يمسي، كما في حديث أبي هريرة عند البخاري.

حكم الذكر مع انشغال القلب

حكم الذكر مع انشغال القلب Q بعض الناس يذكر الله عز وجل وقلبه مشغول، فلا يذكر إلا بلسانه. A الذكر على ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: أن تذكر الله بقلبك وبلسانك. والمرتبة الثانية: أن تذكر الله بقلبك دون لسانك. والمرتبة الثالثة: أن تذكر الله بلسانك دون قلبك. وكل هذه مأجور ومشكور فيها، وثوابك حاصل لكن على درجات، أفضلها: الدرجة الأولى، مهما حركت شفتيك فالله معك، ومهما تلفظت فالملائكة تسجل ما قلت، سواءً أحضر قلبك أم غاب، فعليك بالاشتغال بذكر الله عز وجل: {سبق المفردون: قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات} {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] فاذكروا الله يذكركم.

حكم حديث: لا تصلوا ثلاثا، لا تشبهوا

حكم حديث: لا تصلوا ثلاثا، لا تشبهوا Q ما حال حديث: {لا تصلوا ثلاثاً، لا تشبِّهوا بها صلاة المغرب}؟ A هذا الحديث وارد، يقول: {لا تصلوا ثلاثاً، لا تشبِّهوا بها صلاة المغرب} وهذا لا يحضرني سنده إلى الآن، فأنا أبحث عنه، ومن عنده سنده فليفدنا بهذا الحكم على هذا الحديث.

حكم صلاة الوتر بعد جمع التقديم

حكم صلاة الوتر بعد جمع التقديم Q هل يُصلِّي المسافر الوتر بعد العشاء إذا جمعها مع المغرب؟ A إذا جمعت العشاء والمغرب جمع تقديم فلك أن تصليها، فلو صليتها مع العشاء بعد صلاة العشاء لصح هذا، لكن الأفضل أن تجعله قبل نومك، ولكن لو صليته مباشرة بعد العشاء لصح الوتر، فهو وتر الليلة، والليلة تبدأ من غروب الشمس إلى بداية الفجر، بلا شك. وفي ختام هذه الجلسة نتوجه إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتجاوز عنا وعنكم سيئها. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين! سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سهام الليل

سهام الليل الأمة اليوم تعيش في ذل وهوان، ولا يمكن أن تنتصر إلا بقربها من الله، وبدعائها إياه. والدعاء له آداب، وله أوقات هو فيها أرجى من غيرها، وقد أتقن السلف رحمهم الله استخدام هذا السلاح لينصروا به دين الله عز وجل، وما ذلك إلا لأنهم أخذوا بأسبابه، وعرفوا أوقات إجابته، وتجنبوا موانع الاستجابة.

وقفات للسائلين مع رب العالمين

وقفات للسائلين مع رب العالمين إن الحمد لله، نحمده ونستيعنه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عنوان هذا الدرس: (سهام الليل) ولليل سهام لا يجيد إطلاقها إلا الموحدون، تطْلَق بأوتار العبادة، وبقسيِّ الدموع في السحر إلى الله الواحد الأحد، فيجيب من شاء متى شاء إذا شاء، {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54]. هذه هي ليلة الأحد مساء السبت: 14/رجب/1412هجرية. وحديثنا من كلام الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنني أسأل الله عز وجل في هذه الساعة المباركة أن يبلغ رسوله منا أزكى السلام وأشرف التحية. بلغ السهى بكمالهِ زان الورى بجمالهِ صلُّوا عليه وآلهِ اللهم صلِّ وسلم عليه صلاةً وسلاماً دائمَين كريْمَين مباركَين ما دام الليل والنهار، وما فاحت الأزهار، وما تدفقت الأنهار، وما صاحت على الأيك الأطيار. صلوا على المصطفى ما اهتز تيارُ وما تلألأ في الآفاق أنوارُ صلوا عليه وزيدوا في صلاتكم فنحن في شرعه الميمون أنصارُ والصلاة عليه - عليه الصلاة والسلام - حق له جزاء ما قدم للأمة، وما أنقذنا به من متاهة الجهل، وما أخرجنا به من الظلمات إلى النور؛ فإن من حقوقه الثابتة علينا - عليه الصلاة والسلام - أن نكثر من الصلاة والسلام عليه دائماً وأبداً. صلاةٌُ والدموع بها تُهَلُّ وتسليم أرتله أجلُّ فيا أخيار صاحبكم عظيمٌ ومعصوم عليه اليوم صلُّوا لكنها صلاة وسلام على منهج أهل السنة والجماعة، لا على منهج أهل البدع الذين جعلوا الصلاة والسلام عليه رقصاً وغناءً وتطبيلاً، بل صلاة بوقار واتباع، وتسليم بحب وميل إليه عليه الصلاة والسلام.

لفتة مع دعاء أبي بن كعب

لفتة مع دعاء أبي بن كعب جاء عند الترمذي من حديث أبي بن كعب قال: قلت: {يا رسول الله! كم أجعل لك من صلاتي؟ -أي: من دعائي- قال: ما شئتَ، قال: أجعل لك الثلث؟ قال: ما شئتَ وإن زدتَ فأحسن، قال: النصفَ؟ قال: ما شئتَ وإن زدتَ فأحسن، قال: الثلثين؟ قال: ما شئتَ وإن زدتَ فأحسن، قال: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذاً يُغْفَر ذنبُك، وتُكْفَى همك}. حديث صحيح. ولسيرة أبي بن كعب طعم في قلوب الموحدين، وهو سيد القراء، وكان عمر يهابه كثيراً، وكان إذا تنازع القراء في عهد عمر عادوا إلى أبي، بل ذكر أهل الحديث والفقه أن الرسول عليه الصلاة والسلام تجاوز آية وهو يصلي بالناس، فالتفت إلى الناس بعد الصلاة فقالوا: يا رسول الله! نُسِخَت الآية، أم نسيتَ؟ قال: {يا أبا المنذر! أكما يقولون؟}؛ لأنه مرجعية ثابتة في علم القراءة، فهو رئيس قسم القراء في عهده عليه الصلاة والسلام. وقد مرض بالحُمَّى ثلاثين سنة، حتى كُفِّرَت سيئاته -إن شاء الله- وخطاياه. استقبله عليه الصلاة والسلام فقال له: {أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] فضم -صلى الله عليه وسلم- كفه وضرب في صدره وقال: لِيَهْنَكَ العلم أبا المنذر} أي: افرح واغتبط بهذا العلم الصافي، النَّمِير الثابت، العميق الأصيل. وجاء عند مسلم: {أن سورة البينة لما نزلت على المعصوم عليه الصلاة والسلام أمر الله جبريل أن يأمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقرأها على أبي بن كعب، فقام عليه الصلاة والسلام وذهب إلى أبي في بيته، وقال: إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة. قال: أوسَمَّاني في الملأ الأعلى؟ -أي: هل ذكرني عند الملائكة باسمي أبي بن كعب؟ - قال: نعم سَمَّاك} فأجْهشَ بالبكاء. سلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن أبي بن كعب، وإنما هي لفتة في الطريق، والمقصود: سهام الليل. وأنتم حملة الأسهم، وأنتم المستضعفون، ولذلك أحببناكم في درس المستضعفين. اللهم إن بني إسرائيل عصوك يوم السبت وليلة السبت فمسختهم قردة وخنازير، وقد أطعناك واجتمعنا في مساء السبت فاجعلنا مرحومين بررة مقبولين.

الدعاء في جوف الليل

الدعاء في جوف الليل ينادي الله عز وجل المتحابين يوم العرض الأكبر كما في صحيح مسلم فيقول: {أين المتحابون في جلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} نسبي بيني وبينكم هذا الحب وهذا المسجد، وقصة الحب معكم انطلقت من قبل خمس سنوات، وابتدأت من مسجد أبي بكر الصديق، فلنا من الصديق نسب، ولنا من مساء هذا اليوم نسب، ولنا مما يتلى هنا -قال الله وقال رسوله- نسب. ولو أنه نور فريد عذرته ولكنه نور وثانٍ وثالثُ فعسى الله أن يجمع بيننا وبينكم بالنسب الخالد في مقعد صدق عند مليك مقتدر {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. قال ابن القيم مخاطباً أمثالَكم؛ لأنه كان عنده بررة في القرن السابع من أمثالكم، وكل قرن يفخر ببررته، وأنتم من بررة وصفوة هذا القرن، قال في أحبابه: وكنت إذا ما اشتد بي الشوق والجوى وكادت عُرى الصبر الجميل تَفَصَّمُ أعلِّل نفسي بالتلاقي وقربِه وأوهِمُها لكنها تتوهمُ إلى آخر ما قال. فيا أيها الأحباب: أسأل الله أن يزيد هذا الحب، وأن ينميه ويعمقه وأن يبارك فيه، وأن ينفعنا به وإياكم، فإنني ما اخترتُ هذا إلا لأنكم أنتم الذين تملكون هذا السلاح، وهو سلاح فتاك لكنه معطل، وهو قوة كبرى -دعاء الليل- وهو يوجد عندكم ولا يوجد عند غيركم؛ فإن الكيانات قد تملك صواريخ أسكود، والكيماوي، والطائرات، والمدمرات، والزواحف؛ ولكنها لا تملك هذا السلاح المعطل الذي لا يوجد إلا عندكم، لأنكم أنتم صفوة المجتمعات، وإذا صفَّى المجتمع أصحابه وأخياره ومفكريه وطلبة العلم كنتم أنتم الصفوة المثمرة النافعة التي تملك سهام الليل. لماذا الليل؟ لأن الليل له طعم خاص، وله أثر في العبادة، فهو: أولاً: أبعد عن الرياء والسمعة. ثانياً: أهدأ للنفس. ثالثاً: يكون الإنسان به أقرب من رب العالمين. ولقد صور الشعراء الليل مع الله عز وجل بصور، ومنهم: ابن القيم، يمدح أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام فيقول فيهم: بالليل رهبان وعند لقائهم لعدوهم من أشجع الأبطال وقال آخر في أصحاب الرسول - عليه الصلاة والسلام -: عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراهُ وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياهُ يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناهُ ولن تعود لنا أفغانستان سليمة ولا الأندلس ولا فلسطين إلا إذا قمنا الثلث الأخير، ولن ينتشر هذا الخير، ولن تعود الأمة إلى التوحيد، إلا إذا جلسنا جلسة راضية في الثلث الأخير مع الله. قلتُ لليل هل بجوفك سرٌ عامرٌ بالحديث والأسرارِ قال لم ألقَ في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحارِ

الوزير ابن بقية يقطع الله يده بدعوة

الوزير ابن بقية يقطع الله يده بدعوة دخل أحد الصالحين على الوزير ابن بقية -وقيل: غيره من الوزراء- فمَدَّ ابنُ بقية يدَه فضرب بها هذا الرجل الصالح والأيادي قد ترسل على الخلق لتبطشهم إن لم تقيد بتقوى من الله فقال له الصالح: لأرُدَّنَّ عليك بسهام الليل، قال: اذهب أنت وسهامك. فاشتكى إلى الله، وجلس بعدها بِلَيْلة في السحر يرفع شكواه إلى الواحد الأحد. قيل لـ علي بن أبي طالب: كم بين التراب والعرش؟ وظن السائل أن علياً سوف يعد له بالكيلومترات أو بالأميال، قال: [[بينهما دعوة مستجابة]]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين}. أما هذا الرجل الصالح الذي لطمه الوزير العباسي، الذي جعل لطمته لأحد المستضعفين والفقراء وليس وراءه هيئة تطالب بحقوقه؛ لكن معه الله جلس في السحر يدعو ويشكو ويبكي ويقول: يا رب! لطمني والله يعرف أنه لطمه، والله سوف يقتص له، لكن أراد هذا الرجل الصالح أن يكون النصف والعدل في الدنيا. قال: اللهم كما لطمني بيده، اللهم اقطعها في الدنيا. فاستولى الخليفة القاهر على الخلافة، وأتى بالوزير فقطع يده، وعلقها بباب الطاق عند مدخل بغداد، ومرَّ هذا الفقير ورأى اليد مقطوعة؛ لأنه اشتكى في الثلث الأخير من الليل. جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة، قال: {ينزل ربنا إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داعٍ فأجيبه؟}. قال المفسرون -وقد ذكره ابن كثير وغيره- في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن يعقوب حين قال لأبنائه: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يوسف:98] قالوا: لماذا لا يستغفر لهم وهم جلوس عنده؟ فقالوا: يريد أن يتحرى بهم السحر، أي: أراد أن يلتقي مع ربه في السحر، فقال: أنظروني قليلاً حتى يأتي السحر، فسوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم. ومدرسة المساكين والفقراء لا يعشقها إلا رواد الحق، ولا يحبها إلا أحفاد محمد عليه الصلاة والسلام، فهم يأتون من كل حدب وصوب لهذا الدرس ولأمثاله، ولهذه المحاضرة ولأمثالها، ويحشدون ويؤيدون السواد المؤمن، ويأتون ويباركون المسيرة الخالدة الموجهة التي بنيت على تقوى من الله ورضوان، فهم أهل الثلث الأخير من الليل، وهم أهل السلاح الفتاك الذي هو سهام الليل. وبيننا وبينكم وصية نجعلها سراً ولا تخبروا بها أحداً من الناس، وكلما ذكرت لكم سراً من الأسرار في درس السبت ذهبت إلى الناس فوجدت هذا السر قد انتشر. هذا السر: أن ندعوَ لكم وتدعو لنا، لا نريد منكم شيئاً ولا تريدون منا شيئاً، فليس بيننا شركة ولا مؤسسة، ولا مقاولات ولا بنايات ولا عمارات ولا فِلَل، بيننا أننا جمعية كبرى إمامها محمد عليه الصلاة والسلام، وأعضاؤها كل خيِّر في الأرض، وأنتم من روادها؛ ولكن بيننا حبل متين، وهو الدعاء في ظهر الغيب.

لا يأتي النصر إلا بالدعاء

لا يأتي النصر إلا بالدعاء تصوروا لو أن هذا الجمع وأمثاله وأضعافه وآلاف أضعافه في العالم الإسلامي يقومون قبل السحر بدقائق وبلحظات، فيرفعون الأكف، وفي أدبار الصلوات وفي السجود، ثم يدعون بالنصر لأهل الإسلام وعلمائه ودعاته، ويدعون بالمحق والسحق والهزيمة والخذلان لأعداء الله. فما النتيجة؟!! قدِّر أن واحداً قُبِلَتْ دعوتُه! أليس فينا رجل رشيد؟! أما في هذا الجمع والوجوه المكرمة الموقرة رجل يعلم الله أنه صادق؟! لماذا؟ لأن الولاية لا زالت لله، ولله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أولياء من عباده، والولاية ليست حكراً على قسم السنة في أصول الدين، ولا قسم العقيدة في الشريعة، ولا القضاء، ولا العلم، ولا الفُتيا، وإنما هي منثورة مبذولة من الواحد الأحد فهناك الولي في بقالةٍ، أو بنشرٍ، أو مؤسسةٍ، أو عيادةٍ، أو مستشفىً، أو وزارةٍ، أو دائرةٍ، أو مدرسة؛ لأن الله ينثر المناقب كما ينثر المثالب. أيضاً مما يُجَمِّل هذا المجلس: أنه مجلس لا يرتاده إلا من يريد الإسلام لذاته، والله يأمر رسوله عليه الصلاة والسلام في لفتة من لفتات القرآن أن يأتي إلى الفقراء، وأن يجلس مع المساكين، وأنا أعلم أن بعض من يأتي هم من الأغنياء والأثرياء، ولكن هكذا مسيرة المساكين؛ لأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو إمام المستضعفين؛ لأنه حررهم؛ ولذلك أحبوه، وعشقوا سيرته، وقدموا جماجمهم في نصرة مبادئهم في أحد وفي بدر والقادسية واليرموك {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28]. إن مجالسَ المستضعفين هي: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور:36]. ولباسَهم: التقوى {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26]. وهوايتَهم: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام:52]. وشغلَهم الشاغل: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20]. وسَمَرَهم في نادٍ ليلِيٍّ كُتِبَ عليه: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16]. فيا خيمتَي ليلى بعيني سُراكُما ولا ليلَ يُعطينا الودادَ وأنجما

قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم

قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم معذرة! قبل أن أشرع في الموضوع، كانت آخر مقطوعة: وقفةُ إجلال لمعلم الجيل، وهو محمد عليه الصلاة والسلام، وهي بنت الساعة، والمخاطب الرسول عليه الصلاة والسلام: المعاني إليك فرضاً ونفلا والتحيات في معاليك تُجْلى وشباب هم المحبون أضحوا فيك يا أكرم المحبين قَتْلَى لِمَ قتل الشباب في أفغانستان؟ وخرجت مسيرة مليون شاب في الجزائر يطالبون بحكم الله؟ ولِمَ يتدفق الشباب في فلسطين يقدمون صدورهم لبنادق الصهاينة؟ كل هذا لحب الله عز وجل وجل ولحب محمد صلى الله عليه وسلم. وشبابٌ هم المحبون أضحوا فيك يا أكرم المحبين قَتْلَى أنتَ أوقدتَ في القلوب مناراً فأتتك القلوبُ بالحب عَجْلَى شَهِدَتْ صدقَك الشعوبُ وصلَّت أدمعُ العاشقين والوصلُ يُتْلَى واستفاقَ الزمان أحسن ما كا ن ورؤياه بالفضائل حُبْلَى يَعْرُبِيَّاتُنا بغيرك زيفٌ والهوى في سواك أصبح جهْلا يعربياتنا: العروبة بغير محمد صلى الله عليه وسلم في الوحل. والدماء الدماء سالت لتروي في ثراك الميمون سفحاً وسهلا أنشد الفجر ثم غنى سروراً والعصافير في حقولك جذلى وهشيم البستان يخضر رياً وعيون الوادي من الهجر نجلا سر بنا موكباً من الموت إنا حمزة كلنا وسيفك أعلى اسقنا من بلال صوت يقين كلما أذن الوفا فيه صلى وارتجل خطبة الشهادة فينا ما عشقنا التراب بعدك كَلاَّ بك نلوي أعناق كل عنيدٍِ ليرى الحق في الوجود وإِلاَّ هل وعى الليل سرَّنا هل رآنا هل دعا غيرنا مدى الدهر خِلاَّ هل لهذا التاريخ كفء سوانا هل على غير نأينا يتسلى اللهم صلِّ وسلم على محمد.

إجابة الله للدعاء

إجابة الله للدعاء سهام الليل تبدأ من لحظة الحرج، ولحظة الحرج في حياة المؤمن تسمى: الساعة الحمراء، وهي- كما يقول بعض الكتبة - هي الساعة التي سحقت الشيوعية في العالم؛ لأن الله يقول متحدياً الصهاينة والرأسماليين والماركسيين بأصنافهم، والوثنيين والصابئة والمجوس: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] يقول: بيني وبينكم إجابة المضطر في الساعة الحمراء، فمن يجيب المضطر هو الذي يستحق الألوهية، أما غيره فليس له علاقة بالألوهية. فلما قالها سُبحَانَهُ وَتَعَالى انهارت كل القيم والكيانات، إلا قيمة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وكيان (لا إله إلا الله). {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]: واختيار القرآن عجيب، ولفظ المضطر أصلها: المضترر، فأدغمت الراء وقلبت التاء طاءً لأجل الضاد (مربوش) والكلمة لَمَّا ارْتُبِشَتْ اندمِجت فأصبحت مضطراً، كما قال سيد قطب في كلمة (ضنكا) في قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] قال: اختيار الضاد والكاف لصعوبة المعيشة التي يعيشها الإنسان، فكأن معيشته كإخراجه للحروف الثقيلة عليه فهي ضنك، حتى إخراجك لضنكا صعب. فالله يقول لهذا المخلوق: مَن الذي يجيبك في وقت الاضطرار؟ أليس هو الله؟ أما تذكرتَه؟ {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]. وهناك قصة ذكرها ابن القيم وابن عساكر، وقد كررتها كثيراً، وهي قصة الرجل الصالح صاحب الحمار، الذي أرسل الله له ملكاً نَصَرَهُ وقَتَلَ المجرمَ الذي أراد اغتياله؛ لأن الرجل الصالح يقول: يا من يجيب المضطر إذا دعاه! يا من يجيب المضطر إذا دعاه! يا من يجيب المضطر إذا دعاه!

قرب الله من عباده

قرب الله من عباده إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قريب، يقول تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] وفي الآية لفتة بلاغية، وهي: أن الله لم يقل: وإذا سألك عبادي عني فقل لهم: إني قريب. لا. بل قال: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:86]؛ لأن القرب وسرعة المبادرة للإجابة تقتضي الاختصار في الكلام، فقال: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:186]. ركب الصحابة مطاياهم، واستقلوا رواحلهم، وهَمْلَجَت بهم في روابي المدينة، فأخذوا يقولون: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والحمد لله، وسبحان الله! فجمعهم عليه الصلاة والسلام وقال: {أرْبِعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً، وإنما تدعون سميعاً بصيراً قريباً أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته}. انظر إلى الوصف! وما أحسن هذا التوحيد المبسط الذي يعلم به صلى الله عليه وسلم الأعراب وأهل البادية! يقول: هو قريب، فادعوه. قال أحد الصحابة: {يا رسول الله! أربنا بعيد فنناديه؟ أم قريب فنناجيه؟ فسكت عليه الصلاة والسلام -لأنه لم يكن يدري- فأنزل الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]}. والله يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف:55] وخفية: من الإخفاء، أي: أن تخفي دعاءك. قالوا عن زكريا -عليه السلام-: لما أراد أن يدعو ربه ما سمع جليسه، فقال: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} [مريم:4] لقد أراد ابناً فرزقه الله ابناً. قالوا: لما قال هذه الكلمة، لم يعلم أحد من جلسائه ماذا قال؛ لكن الله علم ووصَل خبرُه إلى الواحد الأحد. والله يقول عن نفسه: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7] ما هو أخفى من السر؟ قال أهل التفسير: الذي هو أخفى من السر هو الذي ما فكر به الإنسان إلى الآن؛ فالله يعلم أنك بعد دقيقة سوف تفكر في أمر، فيعلم به قبل أن تعلم أنتَ به. سبحان الله رب العرش العظيم! وذكر الله أنبياءه، وأن كل واحد منهم دعاه في أزمة؛ فجلى الله أزمته، وكشف ضره، وأزال كربته. فَذَكر عن نوح أنه قال: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10] فنصره الله ونجاه. ودعا موسى وكان أخوه هارون يُؤَمِّنُ بجانبه، ولم يُجابا إلا بعد أربعين سنة، قام موسى يقول كما في القرآن الكريم: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يونس:88 - 89] قالوا: إنما ذَكَر المثنى رغم أن الداعي واحد لأن هارون كان كلما قال موسى: ربنا، قال: آمين، فقال الله: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس:88] ثم قال هناك: {فَاسْتَقِيمَا} [يونس:89] قال أهل العلم: إنما أمرهم بالاستقامة لتجاب الدعوة، وقد أجيبت وانسحق فرعون وبقيت مبادئ موسى عليه السلام، وحُمِلَت في شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الدعاء هو العبادة}. رواه الأربعة وصححه الترمذي. والمعنى: أن جُلَّ العبادةِ تكون في الدعاء. وعند الحاكم: {الدعاء مخ العبادة} ولكن فيه ضعف. وصفوة العبادة الدعاء، وإذا رأيت الرجل يكثر من الدعاء ويلح فاعلم أنه مؤمن، وعلى حسب كثرة دعائه يكثر إيمانه، وكل مخلوق يغضب إذا دعوته كثيراً وسألته وألْحَحْتَ عليه، أما الله فكلما ألححت عليه ودعوتَه وسألتَه أحبك، وزادت محبتك عنده تبارك وتعالى. فاقرع باب الله دائماً، ولا تقل أكثرتُ؛ فإن الله أكثر، وما عنده أكثر مما عند غيره {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54]. وروى ابن حبان والحاكم عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: {ليس شيءٌ أكرم على الله من الدعاء} فلا يوجد في الأرض عبادة أكرم على الله عز وجل من دعائه تبارك وتعالى، والله يُلْجِئ عباده إلى بعض الاضطرارات والمواقف الحرجة والنكبات والأزمات حتى يلتجئوا إليه - سُبحَانَهُ وَتَعَالَى - ويدعوه.

أدب رفع اليدين في الدعاء

أدب رفع اليدين في الدعاء جاء في كتاب علماء من الجزائر، لأحد العلماء في عهد الشيخ عبد الحميد بن باديس، الذي يعتبر أستاذ الصحوة الحالية في الجزائر، الصحوة السنية الهادفة الراشدة، هذا الذي أخرج هو وتلاميذه- بإذن الله -الفرنسيين، وسحق منهم أكثر من مليون فرنسي، وقدم من الشعب أكثر من مليون شهيد، كان تلاميذ ابن باديس يحمل أحدهم القنابل والسلاح ويرمي نفسه -هذا على فتوى لبعض العلماء بجواز التضحية وجواز أن يقدم نفسه- فكان يفجر العمارة بما فيها من الفرنسيين، فدوخهم هذا الشيخ تدويخاً ما سمع العالَم بمثله. هذا العالِم كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فأتته مصيبةٌ، هُدِّدَ بالقتل من بعض الجهات التي تحارب الدعاة في الجزائر. قال: فأمسيتُ ليلة وأنا مهموم وحزين وخائف، فلما نمتُ رأيتُ عمر بن الخطاب، فقَرَعَنِي بالدِّرَّة وقال: لِمَ تَخَفْ؟ {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:36]؟ قلتُ: يا أبا حفص! ما النجاة؟ قال: عليك بهذا، ورفع كفَّيه أي: بالدعاء، وهذا ثابتٌ. فمن أعظم ما يكون ومن أحسن ما يكون للمؤمن أن يرفع أكُفَّه دائماً ويدعو، ولا تأتيه الحرب الوهمية الخاسرة التي يُدَبِّرها الشيطان في رأسه، ويقول له: كَمْ تَدْعُو ولا تجابُ؟ لا. بل ادْعُ وحاول أن تدعو دائماً، ولا تقل: لَمْ يُسْتَجَبْ لي؛ فسوف أخبرك عن سر عدم الاستجابة لنا في مرحلة من مراحل التاريخ عشناها؛ والسر هو: أسبابٌ نحن فعلناها، والله المستعان. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام عند النسائي وابن حبان: {الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُرد}. فأنت بين عبادة وعبادة، وبين ندائين، فحاول أن تدعو الله كثيراً. واسمع إلى هذا الحديث الصحيح الذي رواه الأربعة إلا النسائي، وصححه الحاكم، قال عليه الصلاة والسلام: {إن ربكم حييٌّ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صِفْراً} فنثبت لله حياءً يليق بجلاله، لا نكيفه ولا نمثله ولا نشبهه ولا نعطله؛ لكنك إذا رفعت يديك يستحي الله منك أن يردها صِفْراً، بل يردها مليئة. وقد ترجم ابن كثير في البداية والنهاية لأحد العباد، قال: أصابه برد في ليلة شاتية، فقام يدعو في السحر، فرفع كفاً واحدة يدعو، ثم نام، قال: فرأى قائلاً يقول: أعطيناك هذه الليلة في يدك اليمنى وبقي ما لليد اليسرى. أو كما قال. فمن الأدب أن ترفع الكفين، وقد رفعها عليه الصلاة والسلام وهو أبر الناس وأكثرهم إخلاصاً وصدقاً، رفعهما من بعد الزوال إلى أن غربت الشمس في عرفة، وكلما سقط خطام أو زمام الناقة أخذ الخطام وعاد ليجمع الأخرى ويدعو ربه، وربما رفعهما حتى يُرَى بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم.

قرب الرعيل الأول من الله في الأسحار

قرب الرعيل الأول من الله في الأسحار قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن أوليائه: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18]. وقال: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران:17]. وإنما ذكر الأسحار؛ لأنه قليل مَن يقوم في الأسحار، وعلامة المحبة أن تغالب النوم وتقوم، وقد جاء عند الطبراني: أن الله يضحك من ثلاثة، نذكر أحدهم: رجل كان في قافلة، سافروا ومضوا، فأضناهم السير، وباتوا في تعب شديد لا يعلمه إلا الله، فلما أقبل السحر نزلوا فناموا إلا واحداً منهم رغم الإعياء والتعب والسهر، فقام فتوضأ بالماء البارد وقام يصلي ويدعو، فقال الله لملائكته: {انظروا لعبدي هذا! ترك اللحاف الوثير، والفراش الدفِيء، وقام إلى الماء البارد يدعوني ويتملقني، أُشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة}.

صلاة عمار في الأسحار

صلاة عمار في الأسحار نام عليه الصلاة والسلام بجيش عرمرم في ذات الرقاع -كما عند أبي داود بسند صحيح- وكان الجيش هائلاً يحتاج إلى حراسة ليلية حتى لا يجتاح من الكفار، فقال صلى الله عليه وسلم: {من يحرسنا هذه الليلة؟} قال عمار بن ياسر: أنا يا رسول الله، وقال عباد بن بشر: أنا يا رسول الله، رجل من المهاجرين هو عمار، ورجل من الأنصار هو عباد بن بشر، ولكلٍّ منهم قصة في التاريخ، ولولا الإسهاب لوقفتُ وقفة إجلال مع كل رجل. أما عمار فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: {تقتُلُك الفئةُ الباغية} وقُتِل في صفين، وقد نيَّف على الثمانين رضي الله عنه وأرضاه. وأما عباد بن بشر فهو صاحب المواقف المشهودة، وقد قتل شهيداً في اليمامة. فقام الاثنان في الليل؛ فقال عباد لـ عمار: أتحرس الجيش أول الليل أو آخره؟ قال عمار: أنا أول الليل وأنت آخر الليل. فنام عباد وقام عمار، فقام يصلي ويقرأ سورة الكهف، وأتى عينٌ من الكفار وجاسوس من المشركين، فأرسل الأسهم على عمار وعمار يصلي، وخاف أن يقطع الصلاة؛ لأنه في حياة من التجليات مع الواحد الأحد، في اتصال مع الحي القيوم، يقرأ ويصلي، فأرسل السهم فوقع في جسم عمار حتى نزف الدم، فأخرجه عمار، فأرسل السهم الثاني فنزعه، فأرسل الثالث فنزعه، فلما غشيه الدم خفف الصلاة وركع وسجد وسلم وقام يسحب بجسمه ودماؤه تنزف وقال لـ عباد: قم عليك بالحراسة، والذي نفسي بيده! لولا خشية أن يُجْتاحَ الجيش لأكملت الصلاة ولما قطعتُ سورة الكهف. فقام عباد يحرس جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. الصالحون يدعون الله عز وجل، وأقرب الطرق إليه الطريق غير المُزاحَم، أي: أنك قريب من الله متى دعوته، ولا تفرح بحصول كيان من الكيانات لك، أو بشفاعتك، أو بواسطتك، ولكن افرح لأنك قريب من الله.

العلاء بن الحضرمي مستجاب الدعوة

العلاء بن الحضرمي مستجاب الدعوة خرج الصحابة مع أبي هريرة وقائدهم العلاء بن الحضرمي، أحد الأبطال من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فضاعوا في صحراء الدهناء، وقيل: في الربع الخالي، وهو الأقرب ما يكون، فلما ضلوا الطريق أخذوا يدورون في مساحة من الأرض ومفازة لا يعرفون طرفها ولا أولها من آخرها، حتى انقطع الماء، فبحثوا عن الأنهار، فما وجدوا نهراً، وعن الغُدْران فما وجدوا غديراً، فأشرفوا على الهلاك، حتى قال بعض الرواة: حفر بعض الناس قبورهم ووقفوا على أطراف القبور ينتظرون الموت. فقال أبو هريرة: [[يا علاء! إن الله عوَّدك خيراً، فقم فادعُ الله لنا]]. فقام العلاء معه سيفه وأسهمه، يبيع دمه من الله عز وجل في طاعة ما بعدها طاعة، واستقبل القبلة، وقال: [[يا حكيم يا عليم يا علي يا عظيم أغثنا]]. وما تأخرت الإجابة، وما هي إلا لحظات حتى ثارت سحابة في السماء حتى غطت الجيش، ونزل الغيث وسال، فامتلأت الغُدْران، وسَقَوا وشربوا واغتسلوا وتوضئوا. وهذه من كرامات الأولياء التي يثبتها أهل السنة والجماعة.

البراء بن مالك لو أقسم على الله لأبره

البراء بن مالك لو أقسم على الله لأبره مرَّ البراء بن مالك على الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو أخو أنس لكنه أكبر منه، وكان فقيراً، معه ثياب ممزقة ممزق الثوب كاسي العرض ملتهباً أنعى المخاطر في الدنيا وتنعاني فرآه صلى الله عليه وسلم وإذا الغبار يفوح من جُمَّتِه، غبار المعارك والغزوات، وغبار البذل، فقال صلى الله عليه وسلم: {رُبَّ أشعثَ أغبرَ ذي طِمْرَين، لو أقسم على الله لأبرَّه، منهم: البراء بن مالك}. وفي الحديث تجانس بلاغي بديع؛ (رُبَّ) و (لأبرَّه) و (البراء) وهذا تجانس بديع لا يجيده إلا محمد صلى الله عليه وسلم. قال: {لو أقسم على الله لأبرَّه} فكان البراء يقسم على الله، أي: أنه بلغ من قوة إيمانه أنه يقسم على الله، وهذا حق أحقه الله على نفسه، لم يحقه ولم يُوْجِبْه أحد من الناس عليه، أنه يجيب دعاء الصالحين المضطرين. فحضرت معركة تستر، وقائدها أبو موسى الأشعري، والتقى الجمعان، الجمع الإسلامي بقيادة أبي موسى أحد تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم، والمعسكر الكافر، وأتى الوعد الصادق. فأتى الصحابة فقالوا: [[يا براء! نسألك بالله أن تقسم على الله أن ينصرنا هذا اليوم. فقال: انتظروني قليلاً، فذهب فاغتسل وتطيب وتحنط ولبس أكفانه واستقبل القبلة، وقال: اللهم إني أقسم عليك أن تجعلني أول قتيل هذا اليوم، وأن تنصرنا]] فكان أول قتيل، وفُتِحَت قلعة تستر، وفتحوا بلد تستر وانتشر الإسلام.

دعاء الرسول لسعد بن أبي وقاص

دعاء الرسول لسعد بن أبي وقاص ومن أعظم من أجيبت دعوته: سعد بن أبي وقاص، خال الرسول عليه الصلاة والسلام، كان عليه الصلاة والسلام إذا جلس مع الصحابة وأقبل سعد بن أبي وقاص -وكان رِبْعَةً متيناً كثير شعر الساعدَين والصدر- قال: {هذا خالي، فلْيُرِنِي امرؤ خاله} بمعنى: أخرجوا لي أخوالكم إن كانوا مثل هذا الخال، وكأنه تحدٍّ، وكلامه صلى الله عليه وسلم صدق وحق؛ لأن له مساراً في التاريخ، فهو الذي دَكْدَكَ امبراطورية كسرى تحت قدميه. حتى إن عمر قال: [[مَن يقود جيش القادسية؟ قالوا: رأيك يا أمير المؤمنين. فقال: أنا]]. أي: أن الأزمة أصبحت إلى حد أن الخليفة الراشد يضطر إلى قيادة المعركة، ومعنى ذلك: تصفية ومقامرة ما بعدها مقامرة، إما أن ينتهي الإسلام أو أن تنتهي المجوسية ودين الصابئة وعباد النار، فقال عمر: [[أنا قائد المعركة]]. قال علي بن أبي طالب: [[يا أمير المؤمنين، ابقَ في المدينة فإنك إن ذهبتَ ذهب الإسلام، وكن فيئاًَ للمؤمنين إذا عادوا لك فقال عمر: أصبتَ، أصاب الله بك الخير يا أبا الحسن؛ لكن التمسوا لي قائداً]] فباتوا في الخيام وفي البيوت، ثم أقبل عبد الرحمن بن عوف -أحد العشرة- يُوَلْوِل، فقال لـ عمر: [[وجدتُه، الأسد في براثنه، قال: من هو؟ قال: سعد بن أبي وقاص. قال: صدقتَ]]. فولاه عمر، ورغم أنه كان مريضاً في المعركة، ولكن ببركته ولشجاعته ولرأيه وإقدامه كسب المعركة على مر التاريخ، وسحق الكفار سحقاًَ ما بعده سحق. يقول علي في معركة أحد: {ما سمعتُ الرسول صلى الله عليه وسلم يُفَدِّي أحداً إلا سعداً}. أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: فداك أبي وأمي لأحد، لا لـ أبي بكر، ولا لـ عمر، إلا لـ سعد. كان يعطيه صلى الله عليه وسلم الأسهم وقد كان رامياً من الدرجة الأولى، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله في بدر، فيقول: {ارمِ سعدُ فداك أبي وأمي} حتى أنه قيل: لو ضُرِبَ به في الشمال والهدف في الجنوب لأصابه بإذن الله. دعها سماوية تجري على قدرٍ لا تفسدنها برأي منك منكوسِ {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17]. رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لَمْ يصب فكان صلى الله عليه وسلم يعطيه الأسهم ويدعو له، وكان يتطاول حتى يستبشر أين يقع السهم، فيقع في عين الكافر ويموت، فيتبسم صلى الله عليه وسلم هكذا في السير، ولكم أن تعودوا إليها. فكان يقول: {ارمِِ سعد فداك أبي وأمي} ويلتفت صلى الله عليه وسلم ويرفع يديه ويقول: {اللهم أجب دعوته، وسدد رميته}. فكان مجاب الدعوة. وفي صحيح البخاري: [[أن عمر رضي الله عنه أرسله أميراً على أهل العراق -وبالخصوص أهل الكوفة وهم مشاغبون، ولو نزل عليهم ملك من السماء لاشتكوا منه- ذهبوا إلى عمر، فقال: ماذا تنقمون من سعد؟ قالوا: ما يحسن الصلاة بنا -اسمَعوا الكلام! - فأتى سعد رضي الله عنه. فقال له عمر رضي الله عنه: يا أبا إسحاق! زعم أهل الكوفة أنك لا تحسن أن تصلي بهم. فقال: عجباً لبني أسد! والله الذي لا إله إلا هو لقد أدخلتهم في الإسلام بسيفي هذا، ثم أصبحوا يعرفونني بالصلاة -فأراد عمر أن يسمع من الكل، وأن يعيش الحوار، وأن يعيش الشورى، وأن يسمع الشكوى على مبدأ (لا إله إلا الله) على مبدأ العدل، فكون لجنة يرأسها محمد بن مسلمة - وقال: مُرُّوا على مساجد الكوفة وأعطوني نتيجة سعد بن أبي وقاص -هذه تسمى أوراق استبيان ونتائج الاقتراع- فمروا، فوجدوهم كلهم يثنون عليه خيراً؛ إلا شيخاً كبيراً قال: إن سألتمونا عن سعد؛ فإنه لا يحكم بالسوية، ولا يعدل في الرعية، ولا يمشي مع السرية. فقام سعد وكان جالساً، وقال: اللهم إن كان قام رياءً وسمعة وكذباً عليَّ فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن. فطال عمره حتى سقط حاجباه على عينيه، وأخذ يتعرض للفتيات والبنات في شوارع الكوفة يَغْمِّزُهُنَّ، ويقول: شيخ مفتون، أصابتني دعوة سعد]]. فـ سعد كان متفوقاً في الدعاء؛ لأنه أطاب مطعمه، ولِمَا عَلِمَ اللهُ من إخلاصه وقربه. ويُروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: {يا سعد! أطب مطعمك تستجب دعوتك} ولكن في هذا الحديث ضعف.

مسائل في الدعاء

مسائل في الدعاء وفي الدعاء مسائل نذكر بعضها:

عدم الاستعجال بالإجابة

عدم الاستعجال بالإجابة لاتستعجل النتائج؛ فإن خزائن الله مليئة، وليس هناك فقر، وقدرة الله نافذة، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يقول للشيء كن فيكون، فلا نستعجل النتائج. يقول صلى الله عليه وسلم: {يستجاب للعبد ما لم يعجل يقول: دعوتُ دعوتُ فلم يستجب لي} فلا تقل ذلك، ولا تعدها بالأيام، ولا بالأشهر؛ فإن في عالم الغيب وقت محدد يجيب الله دعوتك {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21]. ضاع يوسف من يعقوب عليهما السلام، فبقي يبكيه أربعين سنة، فرده الله عليه، فقال يوسف في القرآن الكريم: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً} [يوسف:100].

قد تكون المصلحة أن تتأخر الإجابة

قد تكون المصلحة أن تتأخر الإجابة وقد يكون الأصلح لنا أن تتأخر عنا الإجابة {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19] فإن الله يدري ويطلع على الخبايا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو البصير بعباده، فقد يكون الأصلح ألا تجاب في هذه المرحلة. وقد يدعو الإنسان بما يضره، فتجد بعض الناس يدعو لنفسه بالمال أو بمنصب أو بوظيفة، وقد يكون سبب شقائه وتعاسته واندحاره هذا الأمر؛ فيمنعه الله، فالله أعلم بالعبد. وقد يدخر الله الدعوة للعبد في الآخرة أحسن مما له أجيب في الدنيا، فتتمنى يوم العرض الأكبر أنك لم تُجَبْ لك دعوة في الدنيا، ولم يتقدم لك شيء من حثالة الدنيا، ولا من مال الدنيا، ويبقى لك الخير عند الله مما رأيتَ من العطايا. وقد يصرف عنك من السوء أعظم مما سألت؛ فإنك قد تسأل إما ولداً، وإما رزقاً أو منصباً، أو باباً من الأبواب؛ فيصرف الله عنك من السوء أكثر من هذا الشيء الذي طلبته.

النصر والرزق يكون بدعاء ضعفائنا

النصر والرزق يكون بدعاء ضعفائنا أيها الإخوة: لا تستهينوا بدعاء المستضعفين، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم} وبعض أهل العلم يحسن هذا الحديث، وهو من حديث أبي الدرداء، وقد ذكره ابن حجر في كتاب الجهاد في المجلد السادس، من فتح الباري، وهو من معلقات البخاري. فليغتنم الإنسان حب هؤلاء المساكين والضعفاء؛ فإن الخير والنصر والإيمان والبركة والتأييد وحسن الخاتمة معهم، ويقترب منهم ويرجو دعاءهم، فإنهم هم أحرى بالإجابة بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فإذا رأيتَ شيخاً كبيراً فحاول أن يكون صديقاً لك، وحاول أن تستعطف قلبه ليدعو لك؛ لأنه قد سبقك في الإسلام، وقد شابت لحيته. وقد جاء بعض الآثار: {إن الله يستحي أن يعذب ذا شيبة في الإسلام}. جاء في ترجمة يحيى بن أكثم وهو قاضي المأمون، وقد شابَ وبلغ الثمانين، ثم مات، فرئي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: لقيني ربي فعاتبني على بعض الأشياء، وقال: وعزتي وجلالي! لولا شيبتك لعذبتُك، ثم أدخلني الجنة. وهذه القصة في سير أعلام النبلاء للذهبي؛ فعودوا إليها. لماذا غفر له؟ لأنه قد بلغ الثمانين، ولكنه أخطأ قليلاً، فقد كان الوزير المفوض عند المأمون، وقد وجد في بعض القضايا التي تحتاج إلى حسم وإلى صرم، خاصة قضية الإمام أحمد بن حنبل، قضية أهل السنة، وتحتاج إلى دفاع، فوجد فيه قليل من التباطؤ، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وعزتي وجلالي لولا شيبتُك لعذبتُك. فأهل الشيب هؤلاء عليكم أن تقربوا منهم، وكذلك المستضعفون من الفقراء والمساكين، فإنهم أقرب إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وأكثر تواضعاً، وأكثر مسكنة. وقد قرأت لـ ابن رجب في كتاب اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى حديثاً يعزوه إلى أحمد والترمذي، والله أعلم بصحته؛ لكن على رأي ابن رجب، يقول صلى الله عليه وسلم: {اللهم اجعلني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين}. فإن المساكين هم أقرب الناس إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا يزدريهم الإنسان، ولا يحاول أن يقلل من شأنهم؛ فإنهم هم الرصيد -بإذن الله- وهم القوة الهائلة. وربما دفع الله عن البلاد الإسلامية وعن العباد فتناً وحروباً ومحناً بسبب دعاء الفقراء والمساكين والمستضعفين في الأرض؛ لأن هناك من يملك المال والجاه والمكانة والقرار، لكنه قد يلطخ أعماله، ويسد الحجب بينه وبين الله بمصائب كالجبال، فلا يقبل الله دعاءه. نعم، قد يوجد من يعادل هؤلاء الفقراء بالمال بالملايين، أو من يملك نصف ما يملك أهل الأرض؛ ولكنه مع ذلك لا يستجيب الله كلمة منه، لأنه عدو له، أو أنه قد بارزه بالمعاصي.

موانع الدعاء

موانع الدعاء للدعاء موانع تمنع من استجابة الله للداعي، نذكر بعضها:

المطعم الحرام

المطعم الحرام وأقبحُ ذلك وأخبثُه الربا، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم: {إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً} والربا محرم، وهو أكثر سبب حجب به الدعاء من أن يرتفع إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. والأمة الآن تدعى إلى الربا، ويجر أبناء هذا الشعب جراً على وجوههم إلى أن يقعوا في حمأة الربا، وتُعْلَن الإعلانات على الشاشة وفي الراديو، وفي الصحف والمجلات المحلية والعالمية، إلى الاكتتاب والمساهمة، وهذا أمر خطير إن لم نقف ضده. ولنعلنها صريحة بقوة وشجاعة وبيان، وإلا فسوف تقع الأمة في كارثة لا يشابهها في كارثتها إلا ما فعلت دولة إسرائيل أو الصهاينة في العالم، وهذا الذي يراد لهذا البلد أن يجر جراً إلى هذه المأساة العميقة. لا أريد أن أفصل كثيراً، فقد سبق في خطبة الأمس بعنوان: (الحرب في ذكرى الحرب) شيءٌ من هذا؛ لكنني أحيلكم على فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عالم البلاد، وقد أرسلها قبل أسبوع، وطلب من الخطباء والأئمة والدعاة قراءة هذه الفتوى، وهي موجودة في هذا المسجد؛ توزع وتصور ليقوم الأئمة والأساتذة والدعاة والخطباء بقراءتها ونشرها؛ لأنها لم تُنْشر في وسائل الإعلام، ولأنها لو نُشِرَت لكان هناك تضاد، أن يُعْلَن عن الاكتتاب والاستهام في بنك الرياض، وبعدها بخمس دقائق يقولون: وقد أفتى سماحة الشيخ بكذا، فسحبوا هذه الفتوى، وأعلنوا المساهمة ودعوة الناس إلى الاكتتاب وجرهم إلى الربا وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً} [الأنعام:91] وقال: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ} [البقرة:85]. ففتوى سماحة الشيخ -أحياناً- تُخْرَج إذا كان لها مصلحة، ولكنها تُخْفَى إذا لم يكن هناك مصلحة، وتضر بمصالح الذين يريدون الربا في العالم. فواجبنا نحن أن نقف مع سماحة الشيخ، فقد استشاط غضباً مما فُعِل ومما حَدَث، فإن ذلك استهتار بشريعة الله. لماذا هذا؟ كيف تدعو عشرة ملايين إلى أن يرابوا ويحاربوا الله بالربا، ويذهبوا إلى بنوك تناطح السحاب وتتحدى شريعة الله، وتلغي شرع محمد صلى الله عليه وسلم؟ ما هو واجبك؟ كيف تخرج معي لصلاة الاستسقاء وأموالك في البنوك الربوية؟ تخرج تدعو الله أن ينزل المطر، وقد جاء في الحديث: {ثم ذكر الرجل أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، ومطعمه حرام وملبسه حرام، فأنى يستجاب له؟!}. أهل الباطل إيجابيون في باطلهم ومؤثرون، وأهل الحق سلبيون إلا من رحم ربك، فأنا أعرف آلاف الملتزمين والمستقيمين بشرع الله والأخيار، لكنهم لا يَدْعُون ولا يؤثرون ولا يقفون مع الكلمة الحية الصادقة، ولا ينشرونها في الناس، ولا يدافعون عن الحق. فأنت لا شك أنك تجلس في مجلس ومعك جيران، وتلتقي بالناس، ولك مَجامِع وزملاء، ولك أصدقاء، فأين موقفك من الدعوة إلى فتوى سماحة الشيخ؟ إذا رَفَضَت الشاشة -مثلاً- والصحف أن تُخْرِج فتوى سماحة الشيخ، فما هو البديل إذاً؟ إنه المنبر؛ إنه أنت، تقرؤها وتعلنها في الناس. وإنما أحذر؛ لأن البلاد إذا استمرت على هذا الوضع، فسوف تنهار فيما يقارب العشر سنوات، وقد قالها الكثير من المحللين، وقد ذكر ذلك محمد أحمد الراشد في أشرطة له ألقاها في مدينة فينيكس بولاية أريزونا بـ أمريكا. فهذه قاصمة ظهر، فانتبهوا! وقفوا ضد هذا المخطط الرهيب لجر الناس إلى المراباة وإلى الاكتتاب بحجة تنمية المال، والدعايات المغرضة، ثم تُلْغَى صلاتُنا وصيامنا ودعاؤنا، ونصبح في قطيعة مع الله ما بعدها قطيعة.

الدعاء بإثم أو قطيعة رحم

الدعاء بإثم أو قطيعة رحم إن بعض الناس قلبه ساخن على المسلمين وحقود؛ تجده لا ينسى الزلة ولا ينسى الغضبة ولا الهفوة التي صدرت من مسلم، حتى ولو كانت من قبل أربعين سنة، ومهما لا طفتَه لا يتلاطف، ودعاؤه: اللهم خذ فلاناً أخذ عزيز مقتدر وقد يكون من جيرانه، وهناك قصص في هذا الأمر، لكنني لا أريد أن أسهب؛ لأنها إما قد تكررت، وإما أنه لا داعي لذكرها، وهي عامية اجتماعية تدل على قلة إيمان بعض الناس وفقهه ومعرفته، يدعو على أسباب دنيوية، فتجده يبتهل إلى الله بدعاء ما دعاه نوح على أمته الكافرة. من أجل هذا السبب: تصور أن قَتَبَ جملٍ -وهو ما يوضع على الجمل- اختلف رجل عمره يقارب السبعين هو وجاره قبل ثلاثين سنة في هذا القَتَب، فحلف جاره أنه قَتبه فأخذه، فذُكِرَ هذا الرجل الصالح، وقيل: نسأل الله أن يغفر له، فقال: كلا، أسأل الله أن يكبه في نار جهنم بقَتَب الجمل الذي حلف عليه. انظر إلى قسوة القلب والحقد وقلة المعرفة، فمثل هذا وأمثاله يُحَذَّر منهم. وقطيعة الرحم: هو أن تُقْطَع الأرحام بالدعاء، فإن بعض الناس يدعو على أرحامه، فيدعو على أخته لأنها تطلب الميراث، فيقول: اللهم اقطع نسلها وذريتها، فلا يستجيب الله دعوته، فليست المسألة فوضى، وهل كلما دعوتَ يُنَفَّذ لك؟ إذاً لدُمِّرَت الدنيا بدعاء الجهلة؛ لكن الله حكيم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

الإلحاد في أسمائه سبحانه وتعالى

الإلحاد في أسمائه سبحانه وتعالى إن الله له أسماء حسنى، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:180]. فهو سبحانه سمى بها نفسَه, ولَمْ يُسَمِّه أحدٌ من الناس، وأسماؤه توقيقية شرعية وردت في الكتاب والسنة. ولا نوافق الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين عندما اخترع لنا أسماءً من ذاكرته ومن ذاكرة أئمة الصوفية، فلا يُوافَق عليها، مثل: (يا دهر الدهارير) يسمي الله بـ (دهر الدهارير). ولا نوافق كذلك ابن عربي في فصوص الحكم في قوله: (يا هو يا هو يا هو)؛ لأنهم يقولون: إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [آل عمران:18] فكلمة (هُوَ) اسم مفرد عَلَم، فعندما تدعوه تقول في الليل: (يا هو يا هو يا هو يا هو) قال بعض أهل السنة: هذا نباح كلاب وليس بدعاء. ودعا غيرُه، مثل صاحب قوت القلوب، فقال: ويدعى بـ (يا حي) فيقول: يا حي يا حي يا حي) لا بأس أن يقول: يا حي يا قيوم؛ لكن اطلب ماتريد؛ لأن الصوفية يقفون عند مقطع ويقولون: كرر الاسم. حتى إنهم يقولون في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم: فإذا صليتَ ركعتين في الروضة، فاجلس وردِّد: (يا لطيف) عشرة آلاف مرة، تقول: (يا لطيف، يا لطيف، يا لطيف، يا لطيف، يا لطيف) فماذا بعد (يا لطيف)؟! تصور أن رجلاً يأتيك في ظلام الليل فيطرق عليك بابك وينادي: يا محمد، يا محمد، يا محمد، يا محمد، يا محمد، فتقول له: نعم! فيقول: يا محمد، فتقول: نعم. فيقول: يا محمد، ما هذا؟! فالله قد علمنا الذكر الشرعي الذي ندعوه به، فتقول: يا غفور اغفر لي، يا لطيف الطف بي، يا رحيم ارحمني، هذا هو المطلوب في الإسلام، وهو الدعاء الشرعي، ولا تأت بأسماء (بلدية) لم ينزل الله بها من سلطان، مثل أن تقول: (يا كائناً قبل أن يكون) أستغفر الله! هذا من دعاء العامة؛ ولكن يمكن أن تقول كما يقول بعضهم: يا مستجيباً للصوت قبل الموت، وقبل إدراك الفوت) ومن هذه التراجم، وإذا صادف حرارة من الإخلاص قد يُجاب الدعاء؛ لكن الصحيح عند أهل العلم أن يُتَوَقَّف في الدعاء، بأن تكون الأسماء شرعية نبوية أتت في الكتاب والسنة.

الاعتداء في الدعاء

الاعتداء في الدعاء ويجب أن تدعو بدعاء شرعي ينفع، ولا تعتدِ في الدعاء. مثال الاعتداء في الدعاء: أحد الصحابة سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض على يمين الجنة. فقال الرجل: سمعتُ الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ليكونن أقوام من أمتي يعتدون في الطهور وفي الدعاء} وهذا من الإسراف في الدعاء، أي: التَّقَعُّر في الدعاء. أو مثل أن تقول -والعياذ بالله-: اللهم إني أسألك أن تجعلني خيراً من أبي بكر الصديق. والله لن تكون خيراً منه لا أنتَ ولا أبوك ولا جدك، ولو ظللت تعبد الله ألف سنة، فهوِّن على نفسَك، فإن ساعة من أبي بكر أحسن مني ومنك ومن الكرة الأرضية في هذه الفترة. وبعضهم ربما يعتدي ويقول: اللهم اجعلني من أنبيائك! أعوذ بالله! قد ختم الأنبياء بمحمد صلى الله عليه وسلم. فيجب أن تعرف ماذا تقول من لسانك لتُجاب الدعوة.

أوقات إجابة الدعاء

أوقات إجابة الدعاء

السحر وقت لإجابة الدعاء

السحر وقت لإجابة الدعاء في الثلث الأخير من الليل، إذا بقيت ساعة لصلاة الفجر أو أكثر أو أقل تقوم ولو بركعتين، وتمد يديك إلى الله تعالى وتدعو، لكن لا تدعُ لنفسك فقط، بل تدعو للمسلمين، ولعلماء المسلمين، وللمجاهدين، وللدعاة في نصرة هذا الدين.

آخر ساعة في الجمعة

آخر ساعة في الجمعة ومن أوقات الإجابة: آخر ساعة في يوم الجمعة، وقد تفنن ابن حجر - رحمه الله - فذكر في الفتح ثلاثة وأربعين قولاً في ساعة الجمعة، والصحيح: أنها من بعد العصر إلى صلاة المغرب، فتأتي قبل الغروب في بيتِك أو في المسجد وتدعو، ويكون هذا ورداً لك دائماً، تلجأ إلى الله فيه بالدعاء.

يوم عرفة

يوم عرفة وما رئي الشيطان أغيظ ولا أدحر ولا أصغر منه في يوم عرفة؛ لأنه المؤتمر العالمي الإسلامي الأكبر الذي بدأه محمد صلى الله عليه وسلم يوم أطلق صرخة (لا إله إلا الله) من على قرن عرفة؛ فتدعو مع الجموع.

بين الأذان والإقامة

بين الأذان والإقامة وهو وقتٌ للتَّنَفُّل, ولقراءة القرآن، والدعاء. وأنا أدعو في هذه المناسبة إخواني -خاصةً الشباب- أن يبادروا إلى الأذان دائماً، فإنه يوجد عند بعضهم طبع طبعت عليه نفسُه، وهو ألا يأتي إلا مع الإقامة، وبعضهم يترك الناس حتى يشرعوا في الصلاة ثم يأتي من بيته إن المسلم يُعرَف بحرصه على الخير، ويُعرَف باندفاعه الحي إلى مواسم الخير. فرجائي -أيها الأخيار- المبادرة وقت الأذان، فإذا سمعتَ الأذان عَطِّلْ كلَّ شغل عندك يُروى عنه -عليه الصلاة والسلام- {أنه كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع (الله أكبر) قالت عائشة: قام كأنَّا لا نعرفه ولا يعرفنا}. فلمثل هذا تقطع عملك، وتقطع اتصالك، وتُقِيْمُ ضيفَك من البيت، وتقول: هيا بنا إلى بيت الله، ولا تخشَ أحداً؛ فإذا حضرت وليمة أو عزيمة وسمعتَ الأذان تطلب أنت بشجاعتك الإيمانية وبحماسك وغيرتك وأدبك؛ تطلب من الناس أن يذهبوا إلى بيت الله عز وجل مع الأذان؛ لأن هذا تحصيل إيماني في الأوقات. تصوَّر أن ما بين الأذان والإقامة ثلث ساعة في كثير من الأوقات، فلو ضَمَمْتَ الثلث إلى الثلث في خمسة أوقات لخرج لك وقتٌ كثير تستطيع أن تقرأ فيه الجزء والجزئين، وبعض الناس يقرأ جزءاً وجزئين في هذا الوقت، أو تدعو كثيراً، أو تسبح، أو تبتهل إلى الله عز وجل. فهذا طلب لا يفوتكم وأمثالكم من الأخيار.

أدبار الصلوات

أدبار الصلوات خرج صلى الله عليه وسلم بعد صلاة من الصلوات فلقي معاذ بن جبل -قائد العلماء إلى الجنة- فأخذ بيده صلى الله عليه وسلم وقال: {يا معاذ! إني أحبك، فلا تَدَعْ في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك} هذه رواية أبي داود، وقد ورد عند بعضهم: {اللهم أعني على شكرك وذكرك} والصحيح الأغلب: {اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك}. قال ابن تيمية: تُقال هذه قبل السلام؛ لأن دبر الشيء منه. وقال ابن حجر: تُقال بعد السلام، هكذا قال في الفتح. والظاهر: أن الحق مع ابن حجر، فإن دبر الصلاة هو مابعدها -والله أعلم- فيرجح ابن حجر هذا الرأي وغيره من العلماء. والأحوط للعبد أن يقولها قبل السلام وبعد السلام، وهي الأحسن والأَولى والأكرم والأجل.

الأسئلة

الأسئلة .

إنسان يكره الدعوة والدعاة

إنسان يكره الدعوة والدعاة Q ما رأيك في شخص يكره الدعوة والدعاة، ويريد تحطيمها علناً؟ هل ندعو عليه أم ماذا؟ A أولاً: ندعو الله عز وجل أن يهديه، وأن يرده إلى الدين وإلى الحق رداً جميلاً، وإن أصر فندعو الله أن يأخذه أخذ عزيز مقتدر. ولا تظنوا أنه لا يوجد هناك حَسَدَةٌ، ولا منافقون، ولا مارقون، فهذا خلاف سنة الله -عز وجل- في الأرض، فلا بد أن يوجد للحق أعداء، حتى في القرية الصغيرة القليلة العدد، لا بد أن يوجد ضدٌّ لأهل الحق؛ حتى أن ابن الوردي يقول: ليس يخلو المرء من ضِدٍّ ولو حاول العزلة في رأس الجبل ومن حكمة الله عز وجل أن جعل ما يسمى بقانون المدافعة، قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ} [البقرة:251] وقال جل اسمه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31]. فمن حكمة الله أن يجعل أنداداً وأضداداً وأعداءً للمؤمنين وللدعاة وللأخيار. فلا تتكاثَرْ هذا، ولا يضيق صدرُك، واعرف أن هذه سنة ماضية؛ لكن العاقبة للذين اتقوا: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51] ويقول سبحانه: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ} [الصافات:173] ويقول سبحانه: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21]. فلا تظن أن الساحة سوف تخلو من هؤلاء؛ فعلينا أن نقف له بالدعاء في الأسحار، وفي أدبار الصلوات، من أراد تحطيم الدين والدعاة والعلماء ندعو الله عليه أن يحطمه وأن يأخذه وأن يقتله بسيفه، وأن يمزقه كل ممزق، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. ثانياً: واجبك أنت أن تكون داعية إلى الحق وإلى منهج الله عز وجل، فلا تكن سلبياً، بل تدافع وتعرض فكرتك مثلما يعرضها هو، وتبرر موقف أهل الحق، وتنافح عنهم؛ لأنك إن سكت فمعنى ذلك: أنك خذلتَ أولياء الله، وأنك رضيتَ، ومُطْعِمُ المأكولِ كالآكلِ.

كلمة إلى زوارنا من قطر

كلمة إلى زوارنا من قطر Q حضر هذا الدرس بعض التائبين والزوار من دولة قطر، فهل من كلمة لهم؟ A التحياتُ تَهامَتْ كالمطر لدُعاة الحق من أهل قطر حياهم الله وحياكم، ومرحباً بهم. وكلمتنا لهم: أننا نحن وإياهم بيننا -قبل أن تكون هناك مصالح دنيوية أو أمور أخرى- هناك نسب خالد أسسه محمد صلى الله عليه وسلم {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. نريد منهم ثلاث مسائل: الأولى: أن يعتبروا أنهم في هذا الجمع أهل وأحبة وإخوة، فنزلوا على الرحب والسعة، وكل منا لهم مضيف وهم الضيوف. الثانية: أن ينقلوا سلامنا وأشواقنا إلى حملة التوحيد والمبادئ الخالدة والدين والإسلام وأهل الاستقامة في قطر. الثالثة: أن يكونوا دعاة إلى منهج الله عز وجل، وأن يشاركوا هذه المسيرة التي فتحها الله على المسلمين، والتي أصبحت تسير في الأرض، وأصبحت سماوية، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يحميها ويرعاها، وهي مسيرة أهل الإسلام، وأن يثبتوا أقدامهم في العلى، ولك الحمد يا رب العالمين. وأنا أعلم أنه سوف يكون هناك عثرات وصدمات، لكن لا بد منها، فهكذا الطريق، ولو أنها سلمت من الشوك ومن الصدمات لنجى منها محمد صلى الله عليه وسلم؛ لكن اسمعوا إلى الأخبار الطيبة، ولو أنها تُلَوَّث بأجهزة الإعلام العالمية؛ لكن سوف يثبت الحق، قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:17]. جمهوريات في الاتحاد السوفيتي تعلن استقلالها، وإذا (70%) منها مسلمون، وإذا بعلماء الذرة يرجعون وعلى الواحد منهم اللحية السنية الموروثة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم، وهو يصدر الذرة للعالم، وإذا بالملايين المُمَلْيَنَة يتجهون إلى المساجد، والمصاحف والأشرطة تُوَزَّع هناك بالآلاف، والرسائل تَفِد من هناك: إننا لكم إخوان، وإننا كنا وراء الأسوار الحديدية حُجِبْنا عنكم، والآن أصبحنا نتصل بكم. وهذا فتح عظيم. أيضاً: شمال أفريقيا تتجه هناك صحوة يقودها العلماء على الكتاب والسنة. وقد أرسل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز شريطاً مسجلاً بصوته إلى جبهة الإنقاذ في الجزائر: أولاً: حياها بالتحية الإسلامية. ثانياً: سأل الله لها العون والسداد. ثالثاً: أفتى سماحته أن مَن صَوَّت لغير جبهة الإنقاذ وضم صوتَه من الجزائريين إلى الأحزاب الكافرة من الاشتراكية والشيوعية والعلمانية وغيرها فقد ارتكب جُرْماً عظيماً، وأن على الشعب الجزائري أن يصوت لهذه الجبهة، وأن يؤيدها، وأن يحشد وراءها هذا رأي سماحة الشيخ. وقبله أرسل العلامة الحافظ الألباني شريطاً بصوته، ووزع عشرات الآلاف في الجزائر. فماذا نقول عن هذه المسيرة الخالدة؟ نحن لا يهمنا ما حدث أو يحدث من تعكير، ولا يهمنا تجني الإعلام العالمي ضد أهل الإيمان وضد أهل الكتاب والسنة؛ فهذا أمر معروف، وماذا تريد من رجل شهواني منافق؟ ولكن إن تعجب فعجب ما فعلوه في الجزائر! جبهة الإنقاذ المسلمة الملتزمة بالكتاب والسنة التي يقودها علماء تحصل على (188) مقعداً، وحزب التحرير الضائع الضال يحصل على (16) مقعداً، والحزب الاشتراكي يحصل على (25) مقعداً، ثم يأتي الإعلام ويقول: طعونٌ في الانتخابات -طعن الله أكبادهم من منافقين! طعونٌ في الانتخابات؟! أنتَ الذي لا تسجد لله ولا تبكي إلا من الفرح، وتقول: طفح السرور عليَّ حتى أنني من عظم ما قد سرني أبكاني إنها (188) مقعداً! مليون امرأة محجبة من الجزائر يخرجن إلى صناديق الاقتراع؛ لأنهن مضطرات أن يقدمن أسماءهن، وسبعمائة ألف شاب جزائري كأنهم من شباب المهاجرين والأنصار، يهتفون بعد صلاة الجمعة بل الجمع ويقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا ويقول الإعلام العالمي: خوفاً من الأصوليين أن يحكموا الجزائر. أصوليون؟! أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، الذين نشروا العدل في العالم، تلاميذ عمر بن الخطاب! هل وَجْهُ هَوارِي بُوْمَدْيَن والشاذلي وأمثالهم الذين هم من المدارس المظلمة المنتنة أجدر بالحكم؟ والديمقراطية سُلَّمٌ يصعده كل أحد إلا المسلمين. ولما ظهرت النتائج قالوا: أُلغيت وشُطِّب عليها، وأُنْزِلَ الجيش، وكلما رأوا الصوت الإسلامي سوف يغلب استدعوا الجيش والشرطة والاستخبارات والمباحث في ضرب المتطرفين ومطاردتهم وإخراجهم من البلاد. يا أخي! هذا الشعب عَبَّرَ عن صوته، إنه يريد الإسلام، أتدرون لماذا صَوَّت الجزائريون مع جبهة الإنقاذ المسلمة؟ أنا أخبركم بالسر، سمعتُه من أناس من جبهة الإنقاذ في الرياض، يقولون: كان الرجل منا إذا تولى البلدية في مدينة من المدن حوَّل من سيرته صحابياً في هذا القرن، يأتي هذا من جبهة الإنقاذ وهو رئيس الإقليم، فيصلي بهم الجمعة، وهو رئيس البلدية، أي: رئيس المقاطعة، ثم يأتي ويجمع التبرعات ويوزعها على الفقراء، ثم يسمع بالمريض في المستشفى فيأخذ إخوانه ويذهب إلى المريض، ثم يأتي الأعراس فيحضرها ويحولها إلى أعراس إسلامية، ثم يأتي إلى المنكوبين فيساعدهم، ثم يراجع في معاملات الفقراء في الحارات، ويدخل لهم الماء والهاتف والكهرباء، فيقول الجزائريون: مادام أن هذا الدين يأتي لنا بهولاء، فلا نريد إلا هؤلاء. أما الطعون في الانتخابات فنحن نعرف من الذي يطعن في الانتخابات، ونعرف من الذي يتكلم في أعراض أهل الحق في كل مكان. أيضاً: نستبشر -والحمد لله- في اليمن، حيث أن هناك مسيرة خرج فيها الشيخ/ عبد المجيد الزنداني قبل جمعتين بـ (1. 000. 000) من شباب اليمن، هذا ليس رقماً من عندي ولا من كيسي، سلوا الدعاة، وسلوا أشرطتهم، مليون من شباب اليمن خرج بهم الشيخ/ عبد المجيد الزنداني ليقولوا: نريد الكتاب والسنة، لنا مطلب واحد، نريد الكتاب والسنة، لا نريد منصباً ولا دنيا ولا غيرها. والمفاجأة الآن: أن الشعوب الإسلامية كلها تريد الإسلام؛ لكن لم يقدِّم لها الإسلام، تريد الإسلام الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنها جربت مبادئ كل شيطان في الأرض فأُحْرِقَت وسُحِقَت؛ لكن دعوها تجرب (10) سنوات، اتركوها تُحْكَم بـ (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) حتى تروا تلاميذ أبي بكر وعمر كيف يعدلون! وكيف يرحمون! وكيف يوقرون! وكيف يقدرون! هذه بعض اللفتات. فالإخوة من قطر، نثني بالتحية والترحاب بهم، وأشكر الله لهم. وبالمناسبة: أشكر المشايخ من فرع جامعة الإمام الذين حضروا هذه الليلة، وأسأل الله لهم التوفيق والهداية، ومنهم نستفيد، وأثابهم الله وإياكم جميعاً.

كتاب الأسبوع

كتاب الأسبوع كتاب الأسبوع في هذا السبت: الطحاوية، وهي عقيدة أهل السنة والجماعة، هذا العقيدة التي تُفَضِّخ رءوس الشياطين، وهو الكتاب الموسع، وهو الدرجة الثالثة من كتب أهل السنة؛ لأن لـ أهل السنة ثلاث درجات: المبتدئون: كتاب التوحيد. والمتوسطون: معارج القبول للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي. والمنتهون: الطحاوية، وهو مُحَقَّق في مجلدين، حققه شعيب الأرناؤوط. فأنا أدلكم عليه، ليكون في مكتبة كل منكم؛ حتى تعرف ماذا يقول أهل السنة في المعتقدات، ولا تأخذ عقيدتك من الشرق ولا من الغرب، بل من أهل السنة. أيضاً: أنبهكم دائماً على التبرع للمساجد، ولكن أظن أنكم تظنون أن هذه الدعوة مقبولة مع وقف التنفيذ، فتقولون: دعوتك مقبولة؛ لكن مع وقف التنفيذ، والمقصود: أن تتبرعوا للمساجد التي ذكرتُ أسماءها؛ لأنها تريد أن تقام بأموالكم أنتم، مثل: جامع النماص، وجامع تنومة، وجامع ثريبان، ومسجد جماعة في ابن الأسمر.

مشاركة في بحث كيف تعالج القلق

مشاركة في بحث كيف تعالج القلق أيضاً: هناك بحث مقترح ومقدم اسمه: (كيف تعالج القلق؟!) وقد كتب بعض المثقفين العالميين في هذا؛ لكننا نريد هذا من منظور إسلامي. والمطلوب: الاطلاع على ما كُتِب من الكتب الشرقية والغربية والإسلامية وغيرها، وإعطاءنا التجارب وإرسالها إلينا في هذا المسجد. والمطلوب أيضاً: القصص الواقعية، إذا كان أحدكم وقعت له قصة، أو يعرف قصة ممن أصابه الهم والغم؛ لأنه مرض هذا العصر، وأصبحت الوسوسة والخوف والقلق والاضطرابات عند كثير من الناس، فنريد أن نقدم بحثاً ويُنْشَر -بإذن الله- واسمه: (كيف تعالج القلق؟!). أيضاً: أَلتَمِس من إخواني الدكاترة الأطباء -وقد حضر منهم فئة طيبة مباركة- أن يمدونا بتجارب من علمهم ومن خبرتهم عن هذا المرض، وكيف يُعالج. أيضاً: أرجو من أهل الفكر والأدب والعلم أن يمدونا، وألا يبخلوا علينا؛ لأن هذا مساهمة في الخير، فسوف تقوم لجنة فتهذب هذا البحث وتنقيه وتصفيه، ثم يُكْتَب ويكون بديلاً عن بعض الكتب؛ لأنه لم يطرق هذا الموضوع إلا القليل من الكتاب المسلمين. صحيحٌ أننا أغنياء من ناحية الكتاب والسنة -والحمد لله- لكنني أقصد بحثاً من كتب البشر ومؤلفات البشر، بمعنى: أنك تجد كتاباً لأمريكي: دع القلق وابدأ الحياة، وكتاب كان عليهم أن يشاهدوا باريس لِـ مُوْر، وكتب أخرى لِكَتَبَةٍ هنود وصينيين؛ لكن الكتاب المسلمين يريدون كتاباً وبحثاً في هذا، فهذا ما أريده. أيضاًَ: من أراد أن يرسل من غير مدينة أبها بتجاربه حول هذا الموضوع، أو ببحثه، أو ما قرأه في مجلة أو جريدة، أو كتاب، فعليه أن يكتب على: (أبها - فرع جامعة الإمام - كلية الشريعة وأصول الدين - قسم السنة) باسمي، وستصل بإذن الله. وسوف يراه قريباً، حتى يكون -إن شاء الله- في محاضرات، وينشر عليكم، وأعدكم -بإذن الله- إذا خرج أن يوزع عليكم مجاناً في سبيل الله عز وجل. أيها الإخوة: هذا الدرس سوف يتوقف في إجازة الربيع، ثم نبدؤه -بإذن الله- ونعود إليه بإعلان بعد الإجازة، وإن كنا سنفارق شيئاً في أبها، فلا نفارق إلا هذه الوجوه وهذه القلوب، ولن نحس بوحشة لفرقة الجبال، ففي كل بلد جبال، ولا للتراب ففي كل بلد تراب، ولا للشجر ففي كل أرض شجر؛ لكن أنتم، وإنما يُسْتأنَس بـ أبها لوجودكم، وإنما تُحَب أبها لأنكم أنتم فيها، وكلما أتى ضيف رآكم فأحب المدينة، كما قال مجنون ليلى: أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا وكان ابن المبارك إذا ودع تلاميذه بكى وقال: وخفف وجدي أن فرقة واحدٍ فراق حياة لا فراق مماتِ يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم

قضاء المسلم لوقته أيام الإجازة

قضاء المسلم لوقته أيام الإجازة ولكن أمامنا -أيها الأحباب- إجازة ربيع، وليس أمام المسلم إجازة ولا فسحة في الوقت ولا فراغ، إنما الجد المتصل والعمل المثمر لمن وفقه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا بد من مشاريع تبدؤها وتكتبها أنت حتى تستثمر الإجازة استثماراً طيباً. فمَن يذهب إلى مكة أدعوهم إلى كثرة العبادة، وإلى الإهلال بعمرة؛ لترضي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فقد ورد في سنن الترمذي: {تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما تنفي النار خبث الحديد}. أيضاً: أدعوهم إلى كثرة قراءة القرآن في الحرم، ومدارسة كتب أهل العلم. أيضاً: أدعوهم إلى أن يكون عند الواحد منهم كتاب يقرؤه، وأن يكون مستأنساً بعبادة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. لَفْتَة: -ولا تَجِدُوا عليَّ- ففي بعض الأماكن تجدهم إذا أرادوا أن يذهبوا إلى العمرة من أعجل الناس، يبشر بعضُهم بعضاً، ويقول: أبشرك، ما طلعت علينا الشمس إلا وقد انتهينا من العمرة وعدنا إلى الطائف، وكأنه خرج من سجن أو من حبس، يبشر الناس، ويقول: والله ذهبتُ بالوالدة، وما مكثنا في الطواف ولا في المسعى إلا ساعتين، وقبل أن يؤذن المؤذن ونحن في مكان كذا سلمك الله؛ لأنك خرجت قبل أن يؤذن المؤذن. وهذه العجلة -أيها الإخوة- ليست في العبادة، إنها في أمكنة أخرى، إن الأجر والمثوبة أن تبقى كثيراً، وأن تدعو كثيراً، وأن تدخل بهدوء وبعبادة، حتى أنك تجد بعض الناس يجر على نفسه في العمرة وفي الحج المشاكل والزحام حيث لا زحمة ولا مشاكل؛ لكن يأتي فتجده متحفزاً مستنفراً لقواه العضلية والجسمانية والعقلية والصوتية، حتى يدخل الزحام على نفسه ولا زحام. وتجد بعضهم يدخل بلا فقه، فيعتمر ولا يدري ماذا قال وماذا فعل، فإذا انتهى بدأ يتصل بطلبة العلم، هل يجوز هذا أو لا يجوز؟ فالواجب أن يسير على بصيرة، وأن يقرأ الكتب المبسطة في الحج والعمرة.

دعوة إلى الأمر بالمعروف

دعوة إلى الأمر بالمعروف أيضاً: هناك شبه سواحل ريفية، وسواحل يستفيد منها بعض الناس في الربيع، كالساحل الجنوبي في الشِّقِيْق، فيقع فيه اختلاط وأمور قد تخالف الشرع، فالواجب علينا أن ندعو إلى سبيل الله عز وجل، ومن ذهب إلى هناك عليه أن يدعو بالشريط، ويدعو بلسانه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد كتب بعض الإخوة كتابات في هذا، ومنهم: أحد الإخوة من البرْك كتب رسالة في ثلاث صفحات، فأنا أشكره باسمكم جميعاً، وأشكر غَيرته، وأخبر أن الناس يجتمعون ويقع هناك اختلاط، وأن بعض الناس يخرجون بملابس ليست بملابس محتشمة، ويسبح أمام العالمين، وهذا أمر مخالف، فما هو دوركم؟ هذا في منطقة البرْك، أرسلها قبل أسبوع تقريباً، ونسيت أن أذكرها أو أقرأها عليكم، لكن هذا ما يدعو إليه، فهو يدعو إلى المشاركة في الدعوة والوعي. أيها الإخوة: أسأل الله عز وجل أن يعيد هذا اللقاء بكم في أيام قريبة، وأن يحفظنا وإياكم، وطلبنا وهو طلبٌ مُلَبَّى فيكم: ألا تنسونا من الدعاء بظهر الغيب، فإن ثمرة هذا اللقاء (سهام الليل) هي الدعاء الذي تشرفون به، والذي هو كنز لكم، والذي هو في أيديكم، متى شئتم استخدمتموه، وكان لكم النفع العظيم والأجر العميم من الله عز وجل. أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يحفظنا وإياكم، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يتولانا، وأن يرزقنا الإخلاص والصدق، وأن يجزل لنا المثوبة، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين. كما أشكر الإخوة الطلبة الذين حضروا في هذا الأسبوع، وهو أسبوع امتحانات، ولكن وصلت من بعضهم أسئلة يقولون: إنا حضرنا وشاركنا حباً في الدرس وتركنا المذاكرة، فأقول: لا تتركوا المذاكرة؛ لكن اجمعوا بين الحسنيين، بين الحضور وبين المذاكرة، ونرجو لكم النجاح من الله والتوفيق. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

صفات أهل الكفر وأهل النفاق

صفات أهل الكفر وأهل النفاق النفاق عداوة لله ولرسوله وللمؤمنين، والمنافقون على مدار التاريخ هم أخطر على الأمة من عدوها الظاهر. وقد ذكر الله صفات المنافقين في كتابه الكريم، وذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علامات، فإذا وجدت في أحد من المسلمين صفة من صفاتهم كان نفاقه نفاقاً عملياً لا يخرجه من الملة غير أنه مع ذلك على خطر عظيم.

دروس وقضايا من بداية سورة البقرة

دروس وقضايا من بداية سورة البقرة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: سبق فيما مضى أن أخذنا صفات المفلحين في كتاب الله تبارك وتعالى وقد وصفهم الله تبارك وتعالى بصفات ثم قال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5] ثم في هذا الدرس يصف سُبحَانَهُ وَتَعَالى أهل الكفر وأهل النفاق، وفي أول سورة البقرة لف ونشر، واللف هو: أن يجمع القضايا ويجملها سُبحَانَهُ وَتَعَالى ثم ينشر القضايا ويتكلم عنها بالتفصيل، وانظر كيف جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى للمؤمنين خمس آيات، وللكفار آيتين، وللمنافقين ثلاثة عشر آية، وكأن النفاق -نعوذ بالله- أعظم من الكفر. ويقول بعض المفكرين: إن في أول سورة البقرة نسف وإبادة، ولذلك يتعرض سُبحَانَهُ وَتَعَالى للكفر وللنفاق ثم يفصل سُبحَانَهُ وَتَعَالى في بقية السورة أحوال المؤمنين، وأحوال الكفار، وأحوال المنافقين. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:6 - 7] انتهى من وصف الكفار وبعدها سوف يأتي بوصف المنافقين، يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6] في الآية قضايا: القضية الأولى: كيف يخبر سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن الكفار لا ينتفعون من الموعظة، وإذا كان الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يعلم أن الكفار لا ينتفعون من الموعظة فلماذا يأمر رسوله أن يعظهم ويذكرهم؟ ولماذا يأمر رسوله أن يبلغهم وما الفائدة؟ والله يعلم أنهم لن يتعظوا ويؤمنوا ويستفيدوا من الموعظة والبلاغ، فلماذا يأمره أن يعظهم؟ ما هو السر؟ القضية الثانية: ما معنى {أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} [يس:10]. القضية الثالثة: وجد من الكفار من لعنهم الرسول عليه الصلاة والسلام وآمنوا وأسلموا ودخلوا في دين الله، فكيف نجمع بينها، هذه ثلاث قضايا كبرى في الآية.

الكفار ووجوب إنذارهم

الكفار ووجوب إنذارهم أما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6] فالله يعرف أن طائفة من الناس لن يؤمنوا أبداً، ولكن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعظهم ليقيم الله عليهم الحجة: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15]؛ لأنه لو لم ينذرهم أتوا يوم القيامة وقالوا: ما أتانا من نذير، وقد أتاهم نذير في الدنيا ومع ذلك قالوا: ما أتانا من نذير ويحلفون بالله، وهم يكذبون وهذه شهادة باطلة لم يقبلها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. إذاً فليس لكل داعية يعلم أن المدعو لا يستجيب له أن يتوقف عن دعوته، يقول تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ} [آل عمران:20] ويقول: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد:7] ويقول: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:213] فواجب الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبلغ، ولا يقول: أنا أرتاح ولا أتكلم لا أدعو، قال الله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة:6 - 7] هذا صنف من كفار مكة منهم: أمية بن خلف وأبو جهل وأبو لهب، هؤلاء كتب الله عليهم أنهم لن يؤمنوا أبداً، والسبب يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5] ولماذا زاغوا؟ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23]. إذاً يقول الله للرسول عليه الصلاة والسلام: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] ولا يعني ذلك أن فيها مفهوم مخالفة: أي إذا لم تنفع الذكرى فلا تذكر {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] بل قال أهل العلم: حتى وإن لم تنفع فلابد من الذكرى؛ لأن في الكلام شيئاً مقدراً معناه: وإن لم تنفع: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] أي: وإن لم تنفع الذكرى فذكر {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى} [الأعلى:10 - 11] إذاً فواجب الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ.

معنى الإنذار والفرق بينه وبين الإشعار والبشارة

معنى الإنذار والفرق بينه وبين الإشعار والبشارة قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6] ما معنى الإنذار؟ يقول القرطبي: الإنذار هو: الخبر في مدة يمكن فيها النجاة، إنسان بقي عليه حتى يسقط في البئر أمتار، فتقول: قف مكانك! أمامك بئر، هذا إنذار، لكن إذا وقع إنسان في البئر فإن هذا إشعار، أما إذا وقع إنسان في البئر فلا تقل: انتبه أمامك بئر، وقد وقع فيها هذا لا يكون. قال: الإنذار في القرآن هو: الذي يكون فيه وقت يمكن النجاة فيه؛ ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في وصف نفسه: {أنا النذير العريان} والحديث في صحيح البخاري عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أنا النذير العريان} والنذير العريان عند العرب هو: رجل يأتي قومه فيخلع ثيابه فيبقى كيوم ولدته أمه ويأتي بثوبه يطير به في الجو يعني الهلكة الهلكة، محذراً لهم بأمر عظيم. ولذلك لما أرسل أبو سفيان أبا ضمضم الغفاري ماذا فعل؟ مزق ثيابه أمام أهل مكة وقال: اللطيمة اللطيمة! يعني أدركوا عيركم، لما قطع صلى الله عليه وسلم طريق العودة، فالنذير العريان: هو الذي يخلع ملا بسه ويبقى عرياناً، ويصيح من على جبل، يقول صلى الله عليه وسلم: أنا مثلي ومثل الناس، كالنذير العريان أتيتكم بالويل والدمار أو بالفلاح في الدنيا والآخرة. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6] هل الرسول منذر فحسب أم مبشر؟ يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب:45] ويقول هناك: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد:7] فكيف نجمع بينهما، يقول: إنما أنت منذر و (إنما) معناها الحصر أي حصرنا رسالتك في الإنذار. والجمع أن يقال: إذا تكلم الله عن إنذار الكفار حصر مهمته في الإنذار، وإذا تكلم عن البشارة سمى البشارة، وهنا لما أنكر الكفار ألوهية الله؛ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء:171] وهذا مثل إنسان يقول لك: محمد ليس بكريم! ما هو الجواب؟ إن قلت محمد كريم كان الجواب ضعيفاً لكنك تقول إنما الكريم محمد. إنما مصعب شهاب من الله تجلت عن وجهه الظلماء وقوله: (ءأنذرتهم) لماذا لم يقل أبشرتهم أم لم تبشرهم؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بالنذارة قبل البشارة، فهم أناس سكارى يعبدون الوثن والصنم فكيف يبشرهم؟ إنما ينذرهم ثم يبشرهم عليه الصلاة والسلام، وفي حديث تعرض له ابن تيمية لكن يقول: كما في الحديث وهو حديث ضعيف: يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أنا الضحوك القتال} وقال لكفار مكة لما دعاهم فكذبوا به وقام عقبة بن أبي معيط لعنه الله فبصق في وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال: {يا معشر قريش! والله الذي لا إله إلا هو والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح} ابن أبي معيط هذا حضر بدراً فلما رآه صلى الله عليه وسلم في الأسارى مسلسلاً في الحديد، أصبح مأسوراً مع السبعين لم يقتل في المعركة، مر به صلى الله عليه وسلم فالتفت فرآه فقال: {قم يا علي فاقتله} حتى لا يبقى في الأسرى ثم ينجو معهم قال: يا محمد! لمن الصبية؟ قال: {النار} يقول: صبيانك وأولادك لهم النار، نار جهنم، فقتل، وأتى النضر بن الحارث وهو مارد آخر فقتله صلى الله عليه وسلم، فسمعت أخته فألقت قصيدة، يقول عليه الصلاة والسلام: {لو سمعتها قبل أن أقتله ما قتلته} تقول: أمحمداً يا خدن كل كريمة من قومه والفحل فحل معرق ما كان ضرك لو مننت وربما مَنَّ الفتى وهو المغيظ المحنق والنضر أكرم من أسرت إسارة وأحقهم إن كان عتق يعتق فقال عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته لكن إلى النار}. فمعنى الآية أي: هؤلاء الذين ختم الله عليهم لا يؤمنون أبداً فلا تتعب نفسك، مع العلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بقي يدعوهم ليقيم عليهم الحجة، قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6] لماذا لم يقل يتقون؟ لأن التقوى متدرجة عن إيمان، وإذا ذكر الله الكفر أتى بالإيمان، وإذا ذكر الإيمان ذكر الكفر، وإذا ذكر الآيات الكونية جاء بالعقل، وإذا أتى بالأدلة النقلية، جاء بالفقه، وإذا أتى بالليل؛ أتى بالسمع قال: {لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [يونس:67] وإذا أتى بالنهار، أتى بالبصر قال: {أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ} [القصص:71] الليل لماذا؟ قالوا: لأن الأذن هي الحاسة القوية في الليل، هل رأيتم أحداً ينظر في الظلام، إنما يسمع ولذلك السماع في الليل بسهولة ويكون اختراقاً لحجب الظلمات، حتى في العلم الحديث أن حجب الظلمات يقوي ذبذبات الصوت، ولذلك إذا أتى الإنسان في الليل يسمع من مسافات وآلته المتحركة هي الأذن {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ} [القصص:71] ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [القصص:72] فلما ذكر النهار ذكر البصر، ولما ذكر الليل ذكر السمع؛ لأن البصر أقوى آلة وأقوى حاسة في النهار، وأما الأذن والسمع فهو في الليل وسوف يأتي ضرب من هذا. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6] ولم يقل: لا يتقون؛ لأنها مركبة على الإيمان، ولم يقل: لا يفقهون؛ لأنه ليست هنا أدلة نقلية، ولم يقل: يعقلون؛ لأنه ليس هنا أدلة عقلية، ولم يقل: لعلهم يتفكرون؛ لأنه لا يوجد هنا تفكر.

أمراض القلوب في القرآن

أمراض القلوب في القرآن قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة:7] ذكر الله في القرآن عن القلوب أموراً: ذكر الختم، والأكنة، والران، والطبع، والإقفال، والقسوة، والمرض، والرجس. فأما الختم: فقد قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة:7]. وأما الأكنة: فقال: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} [فصلت:5] يعني: في أغطية. وأما القسوة: فقال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ} [البقرة:74] وقال أيضاً سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13] وقال أيضاً: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد:16]. وأما الطبع: فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [النساء:155] على ماذا؟ على قلوبهم بكفرهم. وأما المرض: فقال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} [البقرة:10]. وأما الإقفال: فقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]. وأما الران: فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]. هذه أمراض القلوب التي ذكرها الله في القرآن وهي درجات. أولها: الغين: والغين شيء شفاف يأتي من كثرة المباحات، وكثرة الضحك وكثرة الكلام، وكثرة الخلطة في الناس، فيه غين على القلب، يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: {إنه ليغان على قلبي} هو أشرف البشر وأكملهم وأطهر الناس قلباً وأنقاهم سريرة، وأقربهم من المولى ومع ذلك من كثرة خلطته بالناس يقول: يغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة، هذا يسمى الغين، قالت الصوفية: هذا غين أنوار لا غين أغيار. قلنا: من أين أتيتم بهذا الكلام؟ وفسر الماء بعد الجهد بالماء، هذه الطلاسم لا نتعرض لها. وأما الران: فإنه يحجب القلب غشاوة من الذنوب وفي سنن النسائي وابن ماجة والترمذي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث ما معناه: {إذا أذنب العبد نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا زاد نكتت حتى يصبح قلبه أسود فهذ هو الران} قال مجاهد: [[القلب هكذا يذنب العبد فضم إصبعه، ثم يذنب ذنباً آخر فيضم الثانية، ثم يذنب ثالثاً حتى ضم أصابعه قال: فيصبح القلب هكذا]] من كثرة الذنوب وهذا هو الران. أما الطبع فإذا أذنب وأكثر من الذنوب والخطايا والإغفال طبع الله عليه، والختم آخر شيء، والقفل أشدها وأصعبها، نعوذ بالله من هذه الأمراض.

أقسام المرض في القرآن

أقسام المرض في القرآن وقد ذكر الله المرض في القرآن على ثلاثة أقسام: 1/ مرض الجسم: أولاً: مرض الجسم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور:61] وهذا هو مرض الجسم وليس مرض القلب: {أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء:102] أي مرض الجسم. 2/ مرض الشهوة: ثانياً: مرض الشهوة، إنسان قلبه مريض بالشهوة، إذا سمع صوت امرأة تحرك قلبه، بعضهم فيه شهوة ولو كان عنده أربع زوجات لكن مرض الشهوة في قلبه، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] وليس هذا مرض النفاق بل هذا مرض الشهوة. 3/ مرض النفاق: ثالثاً: مرض النفاق قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} [البقرة:10] {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة:125]. 4/ علاج هذه الأمراض: إذاً فالأمراض ثلاثة في القرآن: مرض الجسم وهو أقلها وأيسرها وأخفها ولا عبرة به، بل لو تقطع الإنسان على السرير من المرض لكان خفيفاً يسيراً، وأما مرض الشهوة فهو أثقل، ودواؤه الصبر، وأما مرض النفاق فهو أخطر ودواؤه اليقين، ولذلك ذكر الله اليقين والصبر في موضع واحد فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] لماذا ذكر الصبر؟ قالوا: عن الشهوات، ولماذا ذكر اليقين؟ قالوا: عن الشبهات، يقول ابن تيمية: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. ثم يقول سبحانه: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:7] هنا تساؤلات: أولها: لماذا ختم الله على قلوبهم؟ لأنهم لم يهتدوا {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5]. ثانيها: لماذا قدم القلوب وجمعها؟ لأن لكل واحد منهم قلباً، ولا يصح أن يقال في اللغة على قلبهم، أما السمع فإنه يؤخذ منه المصدر فيقال: على سمعهم؛ لأنه قال هنا: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة:7] ولم يقل: وعلى أسماعهم؛ بل أتى بها مفرداً أما القلب فلا يفرد. ثالثها: ولماذا أتى بالسمع قبل البصر؟ لأن آلة السمع في العلم أقوى من آلة البصر، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78] فبدأ بالسمع؛ ولذلك من يستخدم آلة السمع في طلب العلم يكون أقوى ممن يستخدم آلة البصر، ووجد أن العمي أذكى الناس؛ إذا استخدموا أسماعهم بعد تقوى الله في السماع، والسماع الذي تسمعه أنت أقوى من القراءة التي تقرأها، وحضورك للدرس وسماعك له أقوى من نظرك في الكتاب حين تقرؤه، لأنها تشترك الآلات جميعاً في استقبال الصوت وهذا مجرب وملحوظ، فالله بدأ بالسمع قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} [البقرة:7] ولم يقل: أسماعهم؛ لأنه يجوز أن يجعلها مفرداً هنا، وليس فيه ثقل في العربية، أي: في البلاغة، وأما لو قال: على قلبهم، فإنه لا يستقيم. {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة:7] هنا الأبصار الذي يظهر -والله أعلم- أنها هذه الأبصار التي يرون بها، ليست البصائر ولو أنه قد يقال: إنها البصائر.

الغشاوة في القرآن

الغشاوة في القرآن وقوله: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة:7] والغشاوة ثلاثة أقسام: غشاوة الكفر وهي أعظمها، وغشاوة الكبائر وهي بعد تلك الغشاوة، وغشاوة الصغائر، هذا الغشاوات من سلم منها؛ فقد أفلح ونجا في الدنيا والآخرة: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:7] قال أهل العلم: أي: على أبصارهم غشاوة في الدنيا ولهم عذاب عظيم في الآخرة.

المنافقون وصفاتهم

المنافقون وصفاتهم ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] الآن يبدأ سُبحَانَهُ وَتَعَالى بذكر المنافقين وصفاتهم وسوف نمر بها في القرآن في هذا الدرس إن شاء الله وقوله: (وَمِنَ النَّاسِ) لم يقل سُبحَانَهُ وَتَعَالى: آل فلان أو المنافقون، لأن التشهير ليس من أسلوب القرآن ولا السنة، وإنما شهَّر ببعض الناس في القرآن كفرعون؛ لأنه شهَّر بنفسه، وقارون وأبو لهب أما غيرهم فلم يشهر بهم في القرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يصعد المنبر ويقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ولا يسميهم. فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: (وَمِنَ النَّاسِ) وقيل: السر فيها لحقارتهم فإنهم لا يذكرون، ولذلك إذا أردت أن تتكلم عن بعض الناس لتهون من شأنهم، تقول: بعض الناس يقولون كذا وكذا لكنك إن قلت آل فلان بن آل فلان يقولون: كذا وكذا أو فلان ابن فلان يقول كذا وكذا، كأنك رفعت قدره. والبخاري في كتاب الحيل في الصحيح أتى بهجوم أدبي، على بعض الأحناف، يقول كثيراً: قال بعض الناس: يعني: خطَّأ آراءهم، ولذلك أتى حنفي في القرن الخامس كتب كتاباً اسمه المقياس في الرد على من قال بعض الناس يقصد البخاري، فـ البخاري يهون من شأن آرائهم، يقول: من هم هؤلاء حتى يردون على السنن، فيقول: قال بعض الناس غفر الله للجميع. المتنبي له طرفة يقولون: هجاه ثمانون شاعراً فقالوا: لماذا لا ترد عليهم؟ قال: ما سمعتهم حتى أرد عليهم، يعني: من هم؟ لأنه لو رد عليهم لضخمهم، ولذلك إذا أردت أن تميت الإنسان فاتركه. إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت فإن جاوبته فرجت عنه وإن أغفلته كمداً يموت لم يقل الشاعر: (أغفلته) لكن هذه الأقرب، وبعض القراء: يقرءون في سورة الدخان (مَنْ فرعون) والقراءة الصحيحة {مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ} [الدخان:31] فبعضهم يقرأ (مَن فرعون) استخفافاً واحتقاراً، فلذلك يقول الله عز وجل: (وَمِنَ النَّاسِ) استخفافاً بهم واحتقاراً لهم وسوف يأتي الاحتقار بهم.

معاني الشهادة في القرآن الكريم

معاني الشهادة في القرآن الكريم يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] أي: أن أناساً شهدوا فأورد الله شهادتهم في القرآن، ثم كذبهم وكذب شهادتهم، وهؤلاء هم المنافقون، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] أورد شهادتهم وأورد الشهود ثم كذبهم وكذب الشهادة، وهناك أناس قبل الله شهادتهم ثم أدخلهم والشهود في النار فمن هم؟ الجلود {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} [فصلت:21] قبل الله شهادتهم فأدخلهم وشهودهم النار، وهناك شاهد استشهده الله وهو صغير فقبلت شهادته، وهو الغلام الذي في بيت يوسف لما قال: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف:26] وأناس عامة شهدوا، فقبلت شهادتهم قبل أن يزكوا {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف:82] إلى غيرها من الآيات، وهذه أقسام الشهادة في القرآن، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86]. فالمنافقون، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة:8] لماذا لم يقولوا: آمنا بالرسول؟ لأن السورة تتكلم عن الله واليوم الآخر، والإيمان به صلى الله عليه وسلم يدخل في الإيمان باليوم الآخر. يأتي عبد الله بن أبي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول للصحابة: اسمعوا للنبي، وهو كاذب، ويأتي أحدهم فيقول: إني أحبك، فيكشفه الله عز وجل. الجد بن قيس يأتون له فيقولون: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يبايعك وقد ضاع جمله، فقال: والله لأن ألقى جملي أحب إلي من بيعتي لمحمد، وهو منافق، وقالوا له: تعال يستغفر لك ما دام صدرت منك الكلمة هذه، فأعرض برأسه خاف أن يقول: لا. بالحروف، لكن نقلت الصورة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون:5] ماذا قالوا؟ {لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ} [المنافقون:5] خاف أن يقول: لا. لن آتي، فيأتي الوحي من جبريل فيخبر الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: الجد بن قيس يقول: لا. لن يأتي، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون:5].

بعض صفات المنافقين في القرآن

بعض صفات المنافقين في القرآن قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] كيف يقولون باللسان ما ليس في القلوب؟ آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم، وصفات المنافقين في القرآن كثيرة منها: أولاً: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142]. ثانياً: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران:54]. ثالثاً: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142]. رابعاً: {يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142]. خامساً: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} [النساء:143] مرة مع الفسقة ومرة مع الأخيار، إن جلسوا مع المتقين قالوا: ما أحسن الإسلام! وما أحسن القرآن! وما أحسن هذه المجالس! لقد استفدنا فائدة ما كنا ندري بهذا! فإذا رجع إلى أصحابه -وسوف يأتي ذلك في آخر السورة- قال: جلسنا مع أناس متخلفين حدثونا بأساطير عن آبائهم وأجدادهم، هذه الرجعية التي يتكلمون بها إلى غير ذلك من التهم. سادساً: أنهم يعتنون بالأجسام وبالظواهر أكثر من المخابر يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] إنهم يشغلون أوقاتهم في الشارات والصور فقط أما الباطن فلا. لا بأس بالقوم من طول ومن قصر أجسام البغال وأحلام العصافير أتى وفد من فارس على ابن مسعود -وفد من كسرى- فدخلوا هذا الوفد يتلامعون من البياض والنظرة واللبس، فقال بعض الصحابة: انظر لهؤلاء! قال ابن مسعود: [[ترى الكافر بطيناً سميناً غشوماً ظلوماً، وترى المؤمن هزيلاً ضعيفاً مؤمناً تقياً]] وليس هذا دائماً بالاستطراد، فإنك قد تجد منافقاً هزيلاً ضعيفاً، وقد تجد مؤمناً سميناً بطيناً قوياً، لكن هذه فطر في الغالب، لكن أولئك يعتنون بالمظاهر {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] أي: فصحاء. وعند الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم قال: {البذاء والبيان شعبتان من النفاق، والعي والحياء شعبتان من الإيمان} أي: العي إنسان لا يتحدث، خجول في المجالس، فيه إيمان وحياء والبذاء والبيان شعبتان من النفاق إذا علم هذا فوصفهم الله بهذه الأوصاف {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ} [المنافقون:4] يقولون: صيحة عليهم، أي: إنهم يخافون من الأحداث، ولذلك المنافق الآن إذا وقع شيء في الدنيا كأنه وقع في بيته. ترتفع الأسعار يموت، ودائماً حديث الساعة عنده في المجالس: سمعنا بارتفاع الأسعار، سمعنا بكذا، سمعنا بكذا، نخاف من الحروب هذه، نخاف من الزلازل؛ لأنه يريد الحياة الدنيا فقط، لكن إذا ضيع الصلوات الخمس لا يخاف، وكثير من المسلمين منهم من يفسق، ومنهم لا يخاف من خروج المرأة متبرجة ولا يخاف من انتشار شريط الغناء، والفيديو الهدام ولا يخاف من المجلة الخليعة، لكنه يخاف من الأرزاق والأمطار والأشجار لأن همه الأكبر أن يأكل مثل الدابة {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3]. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] حكم الله عليهم أنهم كفرة، لأنهم {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة:9] الخداع معناه الفساد، هو في أصله من الخدع، أي: من الفساد، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (يُخَادِعُونَ) ولم يقل يخدعون؛ لأن يخادعون غير يخدعون فأنا أقول لك أنا أخادعك يعني أحاول خداعك، وخدعتك أي: أوقعتك في الخديعة حقيقة، فالله يقول: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة:9] ويقول هناك: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] أي: أثبت أنه خدعهم حقيقة، وأما هم فجعلهم يحاولون ولكن ما لم يستطيعوا. فقوله {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9] كيف يخادعون الله؟ يقولون: نحن نحب الصلاة ويصلون وليس في قلوبهم إيمان، يأخذون المصاحف فيقرءون ولا يصدّقون بالقرآن، يحضرون مجالس الذكر ولكن مجاملة ورياء وسمعة وهم لا يريدون مجالس الذكر ولا العلم ولا الفقه في الدين، يظهرون النسك والخشوع وليس في قلوبهم نسك ولا خشوع، فهؤلاء يخادعون الله والذين آمنوا. و (ما يخدعون) يعني: حقيقة (إلا أنفسهم). قال: {وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9] كيف قال: (وما يشعرون) لماذا لم يقل: وما يعلمون؟ لأن الذي لا يشعر أعظم جهلاً من الذي لا يعلم. من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام إنسان ميت وتأتيه بخنجر وتطعنه، هل يحس؟ لا، ولذلك (لا يشعرون) وهذا هو الجهل المركب، والجهل قسمان: جهل بسيط، وجهل مركب. والجهل البسيط: جاهل يعرف أنه جاهل، تقول له: أنت لا تحفظ الفاتحة، فيقول: صدقت أنا لا أحفظ الفاتحة. لكن تأتي إلى جاهل جهلاً مركباً تقول: أنت لا تحفظ -وهو لا يحفظ- فيقول: أنا؟! أنا أعلم الناس، أنا ماهر، أنا من أذكياء الدنيا. هذا جاهل جهلاً مركباً. قال حمار الحكيم توما لو أنصف الدهر كنت أركب وتوما هذا رجل حكيم، كان له حمار فتكلم الناظم على لسان حمار الحكيم توما: قال حمار الحكيم توما لو أنصف الدهر كنت أركب يقول: لو كان الدهر فيه إنصاف وعدل كان توما هو الحمار وأنا الراكب قال حمار الحكيم توما لو أنصف الدهر كنت أركب فإنني جاهل بسيط وصاحبي جاهل مركب أي: يقول: أنا جاهل وأعلم أني جاهل لكن صاحبي جاهل ولا يدري أنه جاهل.

أقسام الناس من حيث العلم والجهل

أقسام الناس من حيث العلم والجهل والخليل بن أحمد هو أحد أذكياء الدنيا، هذا العروضي الذي أتى بستة عشر بحراً، كان ذكياً حلف بالله قال: لأضعن حساباً، علم الحساب أضعه حتى تذهب الجارية إلى البقال فلا يظلمها -الجارية البنت الصغيرة- تذهب إلى البقال من عنده فلا يستطيع أن يظلمها مهما كان ذكياً وبقي يفكر حتى دخل المسجد مرة فارتطم بالسارية فوقع دماغه في الأرض فمات، والخطأ منه ليس من السارية لأن السارية واقفة. كان زاهداً عابداً ولكن أحب علم العروض يقول: تن تن تن يعني: البحور مستفعل مستفعل مستفعل فيتنتن، فدخل ابنه فلما رأى أباه يتنتن ذهب عند أمه وولول، وقال: أبي جُنَّ الليلة، قال الخليل بن أحمد لابنه: لو كنتَ تعلم ما أقول عذرتني أو كنت أعلم ما تقول عذلتكا لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمت أنك جاهل فعذرتكا يقول أنت لا تعرف ماذا أفعل؟ وأنا لا أعرف أنك سفيه، فأنت تعذلني وأنا أعذرك، هذا معنى كلامه، كان من الأذكياء الكبار، الشاهد أنه لما توفي رُئي في المنام رحمه الله - وهذه ذكرها الخطيب البغدادي في كتاب اقتضاء العلم العمل -قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: تعرفون علم العروض؟ قالوا: نعم نعرفه قال: ما نفعني عند الله بشيء قالوا: ماذا نفعك؟ قال: كنت أعلم سورة الفاتحة عجائز في قريتي. ذهب التنتن والدندن، يعني: ليس في الحسنات، هو صحيح قد يفيد في الشعر لكن هل يوضع في سجل الحسنات؟ هل الأمة متوقفة حتى تعرف تن تن ودن دن؟ لا. فالأمة تعيش بدون تن تن ودن دن، ولذلك أذهب أبو الفرج الأصبهاني وقته وحياته في كتاب الأغاني من التنتنة والدندنة ولو أن فيه فوائد. يقول الخليل بن أحمد: الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري، والثاني: يدري ولا يدري أنه يدري، والثالث: لا يدري ويدري أنه لا يدري، والرابع لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، يقول: هذه أقسام الناس. فأما الأول قال: فهو عالم فاسألوه، إنسان يدري ويدري أنه يدري، يعني يعرف ويعرف أنه يعرف، فهذا واثق من نفسه عالم تذهب إليه تقول هل تعلم هذا؟ قال: نعم أعلم علم الكتاب والسنة وأنا واثق من نفسي وأقول على حقيقة ودليل وبرهان، فهذا عالم فاسألوه. أما الثاني: فغافل فنبهوه، أي رجل غافل عنده علم ولكن لا يدري بذلك، يقول: ليس عندي شيء، مع أن عنده حصيلة طيبة من علم الكتاب والسنة ويفهم كثيراً من القضايا، لكن يقولون: تحدث أثابك الله، يقول: ما عندي شيء، قالوا: صل بنا الليلة، قال: أنا لا أعرف أصلي بكم، فلا يدري أنه يدري، قال: فهذا غافل فنبهوه، قولوا: عندك خير، عندك علم، عندك نفع للناس. أما الثالث: فهذا جاهل فعلموه، إنسان مسكين يقول: أنا ليس عندي علموني ما عندي شيء، فيقول له الناس: أنت لا تعرف تصلي قال: صدقتم كيف كان يصلي صلى الله عليه وسلم؟ هذا جاهل فعلموه. وأما الرابع: فهو الطامة الكبرى والمصيبة الدهياء: وهو الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، وهو الجاهل المركب، يقال له: أنت جاهل، قال: أنا جاهل؟! بل أنا عالم من العلماء، أنت لا تعرف شيئاً، قال: أنا حافظ من حفاظ الدنيا، فهذا هو الجاهل المركب، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9] إنهم يخدعون أنفسهم، يقول: أحد الشعراء يسب أعداء ابن تيمية: ولو أنه جهل بسيطٌ عذرته ولكنه يدلي بجهل مركب وقوله و (وما يشعرون) في الكلام تقدير أي: وما يشعرون أنهم يخدعون أنفسهم. ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة:10] تقديم الجار والمجرور يقتضي الحصر، إذا قلت: في البيت محمد أبلغ من قولك: محمد في البيت، وهذه من صور الحصر.

صفات النفاق العملي

صفات النفاق العملي قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة:10] أمرض الشهوة هنا أم مرض ماذا؟ هو مرض النفاق -نعوذ بالله من النفاق- وللنفاق علامات في الجوارح منها التكاسل عن الصلاة، والخلف في الميعاد، والكذب في القول، والغدر في العهد، والفجور في اليمين، كما في الحديث: {ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها} هذه صور النفاق، ويسمى هذا النفاق المذكور في الحديث: النفاق العملي، {إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان} فمن استكمل فيه كان منافقاً نفاقاً عملياً. أما النفاق الاعتقادي، فهو: الكفر الذي يخلد في النار مثل الذي يكذب بالقرآن، يقول: هذا القرآن ما نزل من عند الله، هذا منافق نفاقاً اعتقادياً، صاحبه خالد مخلد في النار، ومثل أن يكذب بالرسول صلى الله عليه وسلم، أما الذي يكذب في القول ويخلف في الوعد فهو منافق نفاقاً عملياً، ومن النفاق العملي حب أعداء الله، قد تجد بعض الناس مصلياً صائماً قائماً، يذكر الله، ويتلو القرآن، ولكن يحب الخواجات، قلبه معلق بالكفار، لا يتحدث في المجالس إلا عن أمريكا وأوربا، ترده إلى مكة يطير بك إلى واشنطن تأتي به إلى المدينة المنورة يذهب بك إلى لندن، يقول: كم عندهم من التقدم؟! كم عندهم من التنسيق؟! كم من الوفاء؟! كم من الصدق؟! كم من الإخلاص؟! هذا منافق نفاقاً عملياً.

صفات أخرى للنفاق العملي

صفات أخرى للنفاق العملي يذكر ابن تيمية من أنواع النفاق من يحب لغات الكفار، حتى تجد بعض الناس الآن هذا الجيل لا يحب أن يتكلم إلا الإنجليزي، سبحان الله! هو لا يعرف شيئاً لكن يحب أن يتكلم ويرطن بلغتهم ويقدمها على اللغة العربية وهذا من علامات النفاق؛ لأن الذي لا يحب العربية معناه أنه لا يحب القرآن؛ لأنها لغة القرآن فهذه من علامات النفاق التي وقعت، ومنها أمور أخرى مثل حب ملابسهم، فهو يحب البنطلون دائماً، ولبس البنطلون ليس حراماً لكن لباسنا المعروف هي: الثياب، لكن يأتينا واحد يلبس البنطلون دائماً، فنحن نشك فيه ونقول: عنده نفاق عملي، لأنه لا يحب البنطلون إلا لأنه يحب أهله وهذا فيما إذا كان ليس بجاهل. أحب بني السمراء من أجل حبها ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا يقول: حتى كلاب حيهم أحبها من أجل حب أهلها، ويقول مجنون ليلى: وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا فالمؤمن يحب مكة والمدينة ليس من أجل حجارتها السود، لا والله، بل من أجل من مشى على ترابها، سادة العالم وقادة البشرية ومفاتيح الخير ومشاعل الحق: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي مع صاحبهم الكبير عليه أفضل الصلاة والسلام، والكفر يبغض ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم {أحد جبل يحبنا ونحبه، وعير من جبال النار} فلذلك المؤمنون يحبون جبل أحد لا لحجارته وترابه لكن لأنه يحبه صلى الله عليه وسلم، والدبا يأكله أنس فقالوا: ما لك؟ قال: [[أحبه لأني رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يتتبعه في الصحفة فأنا أحبه]] والضب كثير من الصحابة لا يأكله، وكانوا يأكلونه، قالوا: ما لك؟ قال: [[كرهه الرسول صلى الله عليه وسلم فأنا أكرهه]] فحب ما يحب الله عز وجل من علامة الإيمان، وحب ما يبغضه الله من علامة النفاق، هذا لا بد أن يبين. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10] فيها إثبات زيادة الكفر وأن الكفر درجات، وأن النفاق درجات، وأن الإيمان درجات بمفهوم المخالفة، لأنه مر معنا أن الله يزيد الذين آمنوا إيماناً، ويزيدهم هدىً، وهنا يزيد الله المنافقين نفاقاً، فهم درجات، منهم في المركز الأول، ومنهم من يحمل دكتوراه في النفاق، ومنهم ماجستير، ومنهم من عنده مسحة من النفاق، ومنهم من عنده واحد في المائة، فهم درجات {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [آل عمران:163]. ولا يخلو أحد في الغالب من شيء من النفاق، ولذلك يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه لـ حذيفة كما في صحيح البخاري: [[أسألك بالله يا حذيفة، أسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ قال: لا، ولا أزكي أحداً بعدك]] فالنفاق كما قال الحسن البصري كما في صحيح البخاري: [[ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق]] المنافق الآن إذا جئته وقلت: أنت منافق! فإنه يقاتلك، يقول: أنا منافق؟! وإذا قلت لبعض المنتسبين إلى الإسلام الذي بلغ درجة الكفر وهو في بلاد المسلمين لا يصلي أبداً، يا كافر! فإنه يقاتلك، والمؤمن إذا أتيت تقول له: أخشى عليك من النفاق، يتأثر وينكسر قلبه، ويخاف منه ويقول: نعوذ بالله، نسأل الله العافية، يارب رحماك وعفوك، إذاً النفاق ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق. ومن علامات النفاق: الاستهتار بالذنوب والخطايا، قال ابن مسعود: [[المؤمن يرى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه، والمنافق يرى ذنوبه كأنها ذباب قال به هكذا فطار من على أنفه]] يرتكب الكبائر ويقول الحمد لله نحن على خير، ونسأل الله الخاتمة الحسنة، والله غفور رحيم والناس كلهم في صلاح وخير، ورحمة الله وسعت كل شيء، لكن لا يذكر أن الله شديد العقاب. ولكن المؤمن إذا أتى بخصلة فتراه دائماً يعض أنامله ويندم ويبكي ويتأثر، فهذه من علامات الإيمان وتلك من علامة النفاق، وقد ورد في حديث لـ عمر وبعضهم يرفعه وبعضهم يوقفه عليه {من سرته حسنته، وساءته سيئته فهو المؤمن} فمثلاً أنت إذا صليت بخشوع فرحت فأنت مؤمن، وإذا تصدقت انشرح صدرك فأنت مؤمن، وإذا وصلت رحمك فانشرح صدرك فأنت مؤمن وإذا أسأت بكلمة أو بنظرة فندمت فأنت مؤمن، إن شاء الله، وهذا ميزان. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10] يقول ابن تيمية شيخ الإسلام: مبنى النفاق على الكذب، أي أن الكذب بني على النفاق ولذلك أكذب الناس أقربهم إلى النفاق، وأكثر الناس نفاقاً أكثرهم كذباً، فالكذب ابن عم النفاق. رضيعي لبان ثدي أم تقاسما بأسحم داج عوض لا نتفرقا الكذب والنفاق أولاد عم رضعا من ثدي واحد، وهو ثدي الكفر والخبث -والعياذ بالله- فما يأتي الكذاب إلا منافقاً والمنافق إلا كذاباً، ولذلك الشجاع لا يكذب أبداً، وممن وصف بالصدق في التاريخ أناس كثير، حتى ولو كان في الصدق حتفهم منهم: زر بن حبيش أحد الرواة العلماء الصادقين الصالحين العباد، قال الحجاج بن يوسف: أيكذب أحد من الناس؟ قالوا: لا ندري إلا أن زراً لن يكذب أبداً قال: لأحوجن زراً إلى أن يكذب هذا اليوم، فقال: أين أبناؤه؟ قال الناس: أبناؤه في بيته، قال: سوف أقول له: سوف أقتلهم؛ فإنه بذلك سوف يخفيهم ويكذب، فأرسل إليه الجنود فأتوا بـ زر وهو شيخ كبير قال: أبناؤك خرجوا علينا وفعلوا وفعلوا ثم حلف الحجاج لأقتلنهم أين هم؟ قال: هم في البيت، فتبسم الحجاج قال: إن كذب أحد فلن يكذب زر أو كما قال، يعني من صدقه لن يكذب أبداً. يقول الإمام أحمد: الصدق كالسيف لو وضع على جرح لبرى، ولذلك بلغ الله الصادقين منازل الصدق، وبلغ الكاذبين منازل الكذب -نعوذ بالله من الكذب- وإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب، إذا ألجئت إلى مسألة وأردت ألا تكذب فعليك بالمعاريض، وهو أن تعرض بكلامك إلا في الحقوق فإنه لا يجوز لك أن تذهب إلى القاضي وتكذب في الظاهر وأنت تريد أمراً في الباطن؛ لأن في الحديث الصحيح {يمينك على ما صدقك به صاحبك} مثلاً: إذا ضربت أحداً بالعصا، فيأتي القاضي فيقول لك: كيف تضربه بالعصا؟ تقول: ما ضربته، فتقول: والله الذي لا إله إلا هو أني ما ضربته يعني: تقصد في نيتك ما ضربته بيدي، لكن العصا ضربته، -وهذا ما يفعله بعض الناس- ويقول: ما حلفت على هذا لكن حلفت على هذا، يقول لك: لماذا غيرت منار الأرض من مكان إلى مكان؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو ما غيرته، يعني: أنه ليس هو لكنه ابنه، وهذه من المعاريض المحرمة لأخذ حقوق الناس. لكن المعاريض المباحة تكون في عدم أخذ الحقوق وأموال الناس مثلما حصل لـ مطرف بن عبد الله وهو أحد العلماء لما غضب عليه الحجاج بن يوسف وأرغى وأزبد وأرعد وأراد أن يقتله قال: عليَّ بـ مطرف، فأتى مطرف فدخل عليه يريد أن يقتله؛ لأنه يقول: إنه مع الذين خرجوا عليه، قال: لماذا لم تأتنا؟ قال: والله ما رفعت جنبي منذ أن فارقتك إلا ما رفعه الله، وهو صادق، ما يرفع الإنسان جنبه إلا ما رفعه الله، فصدقه الحجاج، يقول: ما رفعت جنبي يعني: كأنه من المرض إلا ما رفعه الله. الإمام أحمد أتى إليه في أيام الفتنة جندي أرسله المعتصم يريد أخذ الإمام أحمد فطرق الباب فقام تلميذ الإمام أحمد وقال: إن أحمد ليس هنا وأشار بيده إلى كفه من وراء الباب، وهو صحيح وهذه من معاريض الأذكياء ولـ ابن الجوزي كتاب يسمى كتاب الأذكياء في المعاريض. ابن الجوزي دخل في حي للرافضة تعرفون الرافضة وهو لو تكلم بكلمة خطأ لقتلوه قالوا: أي الصحابة أفضل؟ فقال ابن الجوزي: أفضلهم الذي ابنته عنده، ثم سكت، فسكت أهل السنة وسكت الرافضة، أهل السنة يقولون ابنته أي: أبو بكر ابنته عند الرسول صلى الله عليه وسلم والرافضة يقولون: ابنته أي بنت الرسول صلى الله عليه وسلم عند علي فسكت، فهذه هي من المعاريض التي هي مندوحة عن الكذب هذا على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10].

أقسام الإفساد عند المنافقين

أقسام الإفساد عند المنافقين قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11] في الآية إخبار وحصر، أما الإخبار فقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} [البقرة:11] ما هو الإفساد في الأرض؟ الإفساد في الأرض على قسمين: إفساد بتعطيل الديانات، وإفساد بإرهاق الأنفس وقتلها، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة آل عمران: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:204 - 205] فما هو فساد هؤلاء؟ فسادهم في تعطيل الديانات والرسالات لا من إزهاق النفوس. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض}) [البقرة:11] إفساد المنافقين هو بتعطيل ما أنزل الله على رسوله وبتكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم، وبإدخال الشك والريبة في قلوب المؤمنين وهذا أعظم فساد {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} [البقرة:11] ما هو أصل الجواب؟ إنسان يقول لك: لا تفسد، الجواب أن تقول: أنا لا أفسد، لكن الأدهى والأمَرْ أن يقال لك: لا تفسد، فتقول: إنما أنا مصلح، لو قالوا: ما أفسدنا لكان أسهل، لكنهم: {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11] كما لو قلت للكافر: لا تكفر بالله، يقول: ما كفرت هذا يمكن أن تتفاوض معه، لكن أن يقول: إنما أنا مؤمن، فهذا من الطامة. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11] وهنا حصر " إنما " " نحن " بالضمير المنفصل وهو من أدوات الحصر (إنما نحن مصلحون) ما هو الجواب؟ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12] وسوف نتحدث بعد قليل عن السر بين كلمة (يشعرون) و (يعلمون). يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11] قال أهل العلم إفساد المنافقين: بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، والتشكيك في رسالته، والاستهزاء به من خلفه. 1/ تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم: الرسول عليه الصلاة والسلام في الخندق يحفر وبه من الجوع ما لا يعلمه إلا الله، وضع حجرين على بطنه، والصحابة وضعوا حجراً حجراً فأتى الصحابة يشتكون إليه ورفعوا عن بطونهم فرأى الحجر فتبسم صلى الله عليه وسلم ورفع ثوبه عن بطنه فإذا. ينزل صلى الله عليه وسلم والأعداء من حوله حلقة، الكفار والمنافقون واليهود والمشركون: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب:10] أي القلوب التي في الصدور أصبحت في الحنجرة من كثرة الخوف، ومع ذاك الخوف يأتي صلى الله عليه وسلم يأخذ المعول فيضرب به الصخرة فيلمع الشرر في الجو، فيقول: هذه قصور كسرى! فتحها الله عليَّ فيتضاحك المنافقون ويتغامزون، فقالوا: أحدنا لا يستطيع أن يبول من العدو ويقول: يفتح الله عليه قصور كسرى {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12] فيأتي صلى الله عليه وسلم فيضرب الثانية فيلمع الشرر في الجو، فيقول: هذه قصور هرقل يعني ملك الروم وسوف يفتح الله عليَّ الأبيضين: الأبيض والأحمر يعني الذهب والفضة، فيضحكون ويقولون: يفتح الله عليه قصور هرقل! وبعد خمس وعشرين سنة يفتحها الله عليه. 2/ الاستهزاء بالصالحين: من استهزائهم ما قاله عبد الله بن أبي حين اختلف أجيران أحدهما أنصاري والآخر مهاجري على ماء فتضاربا فكسع المهاجري الأنصاري فقال عبد الله بن أبي: صدق القائل: (سمن كلبك يأكلك، وجوع كلبك يتبعك) يعني: أن الصحابة لما أتوا من مكة كانوا جياعاً، فأطعمناهم حتى سمنوا فأكلونا، فذهبوا بكلامه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. ويقول أيضاً: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون:8] يقول: إذا رجعنا سوف نخرج هؤلاء المهاجرين، فوصل الكلام إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فسكت، فقال عمر: يا رسول الله اقتله فإنه منافق، فقال صلى الله عليه وسلم: سوف يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه. فأتى ابنه البار الراشد ابن عبد الله هذا واسمه عبد الله لكن الله {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [الأنعام:95] أرأيت الشوك يوم يخرج منه الورد، هذا المنافق أتى من صلبه مؤمن يحمل السيف، ويقول: يا رسول الله، لا تأمر أحداً بقتل أبي فوالله الذي لا إله إلا هو، لا أطمئن في الحياة ولا أمشي على الأرض وأنا أرى قاتل أبي إلا قتلته، ولكن إن تريد رأس أبي هذا اليوم فوالله الذي لا إله إلا هو لآتينك برأسه، قال صلى الله عليه وسلم: {أإنك قاتله؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو إن أمرتني بقتله لأقتلنه الآن -وصدق- فقال صلى الله عليه وسلم: بل نترفق به} يعني نصاحبه معروفاً، انظر إلى بعد النظرة، قال أحمد شوقي: المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء وإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هم الرحماء وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاء وتمد حبلك للسفيه مدارياً حتى يضيق بحبلك السفهاء وإذا خطبت فللمنابر هزة تعدو الندي وللقلوب بكاء وإذا غضبت فإنما هي غضبة في الحق لا ظغن ولا بغضاء وإذا سعيت إلى العدى فغضنفر وإذا جريت فإنك النكباء فلما أراد عبد الله بن أبي أن يدخل المدينة وقف عبد الله بن عبد الله ابنه عند مدخل المدينة فلما رأى أباه سل السيف أمامه وقال: [[والله الذي لا إله إلا هو، والذي شرف وجه محمد بالنبوة لا تدخل المدينة حتى يأذن لك الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: ولم؟ قال: لأنك الأذل وهو الأعز -هو عكس الآية عليه- فذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن له أما إذا أذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجز الآن]] يدخل هذا المنافق الكبير. في تبوك يأتي المنافقون فجلسوا في السمر، ودائماً إذا خلوا يخرجون ما في قلوبهم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا خَلَوْا} [البقرة:14] لم يقل: إذا ذهبوا، لأنهم يحبون الخلوات ويحبون الدياجير والساعات الحمراء مثل الماسونية وأذناب الصهيونية العالمية والقومية والعلمانية يحبون السمر من الساعة الثانية إلى الفجر دائماً: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} [البقرة:14] وسوف يأتي من هم شياطينهم ولماذا وصفهم بالشيطنة؟ وماذا يفعلون في خلواتهم؟ فخلوا في آخر الليل يتضاحكون قالوا: ما رأينا كقرائنا أرغب بطوناً وأجبن عند اللقاء يقصدون قراء الصحابة. وفي الصباح ولكن الله السميع البصير أنزل جبريل وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: الحق بهؤلاء فقد احترقوا، يعني احترقوا في النار، أتى صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لكم لماذا قلتم البارحة كذا وكذا؟ فأتوا يمسكون بحبل الناقة من أمامها ومن خلفها ويمسحون يد الرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونلعب، كنا نمزح فقال الله عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة:65 - 66] ولذلك في الحديث {رب كلمة يقولها صاحبها لا يلقي لها بالاً؛ تهوي به في النار سبعين خريفاً، ورب كلمة من الخير لا يلقي لها صاحبها بالاً يرفعه الله عز وجل عنده في الجنة}. مثل إنسان يقول في المجلس وهو يريد أن يضحك الناس فيتكلم على عالم من علماء المسلمين، أو على سنة، أو على هيئات الصلاة، أو يتكلم عن صيام رمضان، أو عن بعض القضايا الإسلامية، كالقرآن والحرم أو أي شيء فيه اسم الإسلام هذه ربما تهوي به في النار ويحترق سبعين خريفاً لا ينجو من النار أبداً، يقول كلمة يكفر بها العبد ربما يستهزئ بسنة صغيرة من السنن فيدخل بها النار -والعياذ بالله، ونسأل الله العافية والسلامة- وابن الراوندي الملحد والقاسم بن عبيد الله أحد الوزراء الملاحدة كان وزيراً عباسياً وكان ملحداً، دخل عليه أحد العلماء: فتساءل هو وإياه، قال: في أي سورة هذه؟ قال: في سورة البقرة، قال الوزير: في بقرتكم أنتم، فقال هذا العالم: والله ما صدقت أنه ملحد إلا ذاك اليوم. والإمام أحمد قال له رجل: إن فلاناً يتنقص أهل الحديث ويسب أهل السنة طلبة العلم، قال: زنديق زنديق، وزنديق يعني: ملحد وقد يلحد الإنسان بكلمة والعياذ بالله. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11] هذه دعوى عريضة. والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12] انظر إلى الضبط (أَلا إِنَّهُمْ) بالتأكيد بـ (إن) المؤكدة، (هُمُ) الضمير المنفصل (الْمُفْسِدُونَ) بأل (وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) إنما قال: لا يشعرون، لأن الشعور مع الدقة والخفاء والعلم مع الشيء الجلي الواضح. 3/ اتهام الصالحين بالسفه: قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ} [البقرة:13] أي إذا قيل للمنافقين: آمنوا كما آمن الناس، أي: الصحابة من المهاجرين والأنصار، وإذا قيل لشخص اهتدي كما اهتدى آل فلان قال: هم سفهاء متخلفون متطرفون متزمتون، وهذه أسماء تعرض دائماً لكن بألقاب تتغير مع مر التاريخ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ} [البقرة:13] يعني: الصحابة على رأي ابن كثير ومجاهد وغيرهم من العلماء {قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة:13] السفيه الذي لا يملك رشده، والسفيه: الذي يضع الشيء في غير موضعه، وقد يكون الإنسان سفيهاً وهو كبير، يعني: لا يملك رشداً {قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة:13] يقصدون بالسفهاء الصحابة -قاتل الله أولئك المنافقين- والصحابة هم الصحابة وأبصرهم وأكثرهم إشراقاً. وفي قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ) [البقرة:13] أعاد الله الضمير و (أل) ليحصر فيهم السفه {وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13] هنا أتى بـ (لا) يعلمون، وهناك أتى بـ (لا يشعرون)؛ لأنه هنا أمر جلي وواضح أنهم هم السفهاء، ولكن هناك التبست عليهم الأمور فقال: لا يشعرون {وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} وهذا وذاك من الجهل المركب الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري.

ادعاء الإيمان أمام المؤمنين فقط

ادعاء الإيمان أمام المؤمنين فقط ثم يقول سبحانه: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة:14] يأتون إلى الصحابة في مجالسهم عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقولون: صدقت {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] وهناك قال: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:14] ولم يقل: وإذا أتوا إلى الذين آمنوا، إنما قال: إذا لقوا، كأنهم لا يتعرضون للهداية بل هم لقوهم عرضة، كأنهم لا يذهبون لطلب العلم ولكن لقوهم في أي مكان {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} بماذا؟ بأفواههم {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} [البقرة:14] قال: خلوا والخلوة: هي الانزواء عن أعين الناس. إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني فالخلوة عند الصوفية يسمونها الخلوة والجلوة، والخلوة، هي: الانزواء عن أعين الناس، يقول ابن تيمية: "ماذا يفعل أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أنّا سرت فهي معي، أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة " يعني: خلوة أختلي بها مع الله عز وجل كما في الحديث: {ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه} يعني وحده؛ لأنه أبعد عن الرياء. فهذه الخلوة قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَإِذَا خَلَوْا) يعني خلا بعضهم إلى بعض، (إِلَى شَيَاطِينِهِمْ) وهم رؤساء الضلالة، ولكل قوم شياطين، مثلاً الماسونية لها شياطين كبار، ولليهودية شياطين كبار، وهكذا والعلمانية والزنادقة هؤلاء الأساتذة والمنظرون وراء الكواليس وراء الأسوار في الليالي الحمراء {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} [البقرة:14] تضاحكوا و {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة:14] كيف إنا معكم؟ يعني: معكم على معتقدكم ليس معكم بالجلوس، فهذا أمر معروف، إنا معكم يعني: على المعتقد والمنهج والسلوك والطريقة {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14] أي: نستهزئ بالمؤمنين وقيل: مستهزئون بالعقيدة، وقيل: بالقرآن وقيل: بالرسول، والكلام كله صحيح. {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14] هنا لم يقل: إنما نحن نستهزئ أو يستهزئون وإنما قال: مستهزئون؛ لأن الاسم يقبل الاستمرار أكثر من المصدر والفعل؛ لأنه اسم هنا يقبل الاستمرار والدوام أكثر من الفعل. وفي قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} [البقرة:14] أي: إلى كبرائهم قال ابن كثير - وقد أورد الأقوال- قال: هم رؤساؤهم من اليهود والمنافقين والمشركين وهو صحيح، وقيل: علماء اليهود وأحبارهم وقيل: هم رؤساؤهم في الدنيا، وكل المعاني صحيحة لكن الواحد منهم إذا كبر سمي شيطاناً، يقول أحدهم: وكنت امرأً من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي نعوذ بالله! يقول: وكنت امرأً من جند إبليس، أي: كنت تابعاً له فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي، أورده ابن القيم في ذخيرة الصابرين، فالمقصود أن الشيطان لا يسمى شيطاناً إلا إذا بلغ الرأس في الضلالة، فإذا أصبح رأساً سمي شيطاناً، ولذلك يقول الناس للمسرف في اللعب: هذا شيطان، ويقولون للمخرب والمدمر: شيطان مناوب، ويقولون للخبيث: شيطان مخبث، فالشيطان هو الرئيس في الضلالة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة:14] معكم أي: على معتقدكم، يعني: في الباطن معكم وفي الظاهر مع المسلمين، ولذلك نحذر أنفسنا وإياكم من ذي الوجهين، وهو الذي يجلس مع قوم بوجه ومع آخرين بوجه أن يكون فيه نفاق وهو بلا شك فيه نفاق- وهذا من أشد الناس عذاباً كما في الصحيح. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

مبشرون لا منفرون

مبشرون لا منفرون من أعظم أوصاف الدين الإسلامي أنه جاء بالتبشير لأتباعه. ومن رحمة الله بعباده أن أرسل إليهم رسولاً عزيز عليه ما فيه عنت لأتباعه، حريص عليهم وعلى هدايتهم، وهو بهم رءوف رحيم. وفي هذه المادة عرض لكثير من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم التي يظهر فيها بجلاء يسره في التعليم والتوجيه حتى مع العصاة.

التبشير في الإسلام

التبشير في الإسلام إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. نعم، " مبشرون لا منفرون " عنوان هذه المحاضرة. بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم لماذا هذا العنوان؟ لأن الله ابتعثنا مبشرين ميسرين، لا معسرين ولا منفرين، فإن زعم زاعم، أو ظن ظان أن الدعاة ينفرون الناس ويشددون ويكلفون، فقد أخطأ سبيله وضل سعيه، فأتباعه عليه الصلاة والسلام يحملون البشارة، وقبل أن أبدأ بالموضوع أخبركم أني أحبكم في الله حباً عظيماً، وهو الحبل المتين الذي أتى به عليه الصلاة والسلام، والمعجزة الكبرى التي بثها في الناس، أن يجمع بين الأبيض والأسود، وبين الأبيض والأحمر، وبين الأشعث الأغبر والمرفه تحت مظلة: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] ولسان حالي هذه الليلة يقول: أنا الحجاز أنا نجد أنا يمنٌ أنا الجنوب بها دمعي وأشجاني بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني وفي ربى مكة تاريخ ملحمةٍ على ثراها بنينا العالم الفاني في طيبة المصطفى عمري وواولهي في روضة المصطفى عمري ورضواني النيل معي ومن عمان تذكرتي وفي الجزائر آمالي وتطوان دمي تصبب في كابول منسكباً ودمعتي سفحت في سفح لبنان فأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] تلكم هي الكلمة التي بثها محمد عليه الصلاة والسلام في الكون، ولكن أيضاً لماذا اخترت هذا العنوان؟، لأقول للمتسرع وللمتعجل: إننا مبشرون لا منفرون، وأقول للمتهجم المجرح: إننا مبشرون لا منفرون، وأقول للمكفر المفسق إننا مبشرون لا منفرون، وأقول لمن يسيء الظن بالناس ولا يقبل ما فيهم من حسن، ولا يمد الجسور معهم، ولا يمهد لهم حبال الود إننا مبشرون لا منفرون. إخوتي في الله! الأصل في الإسلام التبشير وآيات التبشير في القرآن أكثر من آيات التخويف والتحذير، وقد ذكر ذلكم الإمام النووي، ولما كتب كتابه رياض الصالحين جعل للرجاء بابين، وللخوف باباً واحداً فقط. إن العصاة والبعيدين عن الإسلام، أو الفجرة، أو المنافقين لا يمكن أن يعودوا إلا بتبشير، ولا يمكن أن يجروا إلى حلبة الإسلام إلا بتبشير، ولا يمكن أن تعالج التعاسة فيهم والندامة والخزي والقلق إلا بتبشير. الرسول عليه الصلاة والسلام مبشر قبل أن يكون نذيراً {وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب:45] وهو يبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات، والقرآن مبشر {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} [الأعراف:2] وذكر الله كتابه، فقال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء:9]. المستقبل المشرق إنما يأتي بالتبشير، وقد ذكر الله عز وجل في كتابه آيات البشرى وعلامات التبشير والعاقبة للمتقين، وأخبر رسوله بأنه سوف يفتح العالم، وبشر الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه.

الأصل في الإسلام التبشير

الأصل في الإسلام التبشير {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] تلكم هي الكلمة التي بثها محمد عليه الصلاة والسلام في الكون، ولكن أيضاً اخترت هذا العنوان لأقول للمتسرع وللمتعجل: إننا مبشرون لا منفرون، وأقول للمتهجم المجرح: إننا مبشرون لا منفرون، وأقول للمكفر المفسق إننا مبشرون لا منفرون، وأقول لمن يسيء الظن بالناس ولا يقبل ما فيهم من حسن، ولا يمد الجسور معهم، ولا يمد لهم حبال الود: إننا مبشرون لا منفرون. إخوتي في الله! الأصل في الإسلام التبشير، وآيات التبشير في القرآن أكثر من آيات التخويف والتحذير، وقد ذكر ذلكم الإمام النووي، ولما كتب كتابه رياض الصالحين جعل للرجاء بابين، وللخوف باباً واحداً فقط. إن العصاة والبعيدين عن الإسلام، أو الفجرة أو المنافقين لا يمكن أن يعودوا إلا بتبشير، ولا يمكن أن يجروا إلى حلبة الإسلام إلا بتبشير، ولا يمكن أن تعالج التعاسة فيهم والندامة والخزي والقلق إلا بتبشير. الرسول عليه الصلاة والسلام مبشر قبل أن يكون نذيراً {وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب:45] وهو يبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات، والقرآن مبشر {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} [الأعراف:2] وذكر الله كتابه فقال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء:9]. المستقبل المشرق إنما يأتي بالتبشير، وقد ذكر الله عز وجل في كتابه آيات البشرى وعلامات التبشير والعاقبة للمتقين، وأخبر رسوله بأنه سوف يفتح العالم، وبشر الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه.

صور من التبشير

صور من التبشير يا أخي! يا تلميذ محمد عليه الصلاة والسلام، يا جنديه في معترك الحياة! صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه نزل في الخندق في جوع ومجاعة، وربط على بطنه حجرين فأخذ المعول ليضرب الصخرة في وقت الأزمة الذي وصفه الله- عز وجل- بأنه: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب:10 - 11]. نزل عليه الصلاة والسلام ليحفر والأحزاب تتجمع لغزو المدينة والكفر طغى والظالم اعتدى، فيضرب عليه الصلاة والسلام بالمعول، فيبرق بارق فيبتسم عليه الصلاة والسلام ويقول: {أريت قصور كسرى وقيصر وسوف يفتحها الله علي} فيتغامز المنافقون ويضحك اللاعبون، ويقولون: الواحد منا ما يجترئ من الخوف أن يبول، وهذا يريد أن يفتح قصور كسرى وقيصر، فقال الله عنهم: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12] وبعد خمس وعشرين سنة يفتح أصحابه الدنيا، ويحكمون الدهر، وتنصت لهم المعمورة، ويصفق لهم التاريخ. أيضاً: يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لرسوله عليه الصلاة والسلام وهو في مكة: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر:45] وهذه بشرى النصر، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لرسوله عليه الصلاة والسلام: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ} [فصلت:53] وأراهم الله آياته في الآفاق، وعلم رسوله عليه الصلاة والسلام تلكم الآيات. أيضاً وقف عليه الصلاة والسلام يقول لأصحابه في مكة والحديث في الصحيحين من حديث صهيب: {والذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الدين حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه} وحدث هذا. وفي السيرة لابن إسحاق يقول عليه الصلاة والسلام وهو يطرد من مكة ويطرد من الطائف وتسيل أعقابه بالدماء ويتلفت إلى الناصر المعين إلى الله، ثم يقول: {يا زيد إن الله جاعل لهذا الأمر فرجاً ومخرجاً} ويحدث هذا الفرج والمخرج وينتصر عليه الصلاة والسلام، ويحكم الجزيرة العربية بمنهج رباني، بل ثلاثة أرباع الكرة الأرضية. وفي القرآن نهي مطلق عن التنفير، ونهي مطلق عن الحزن، ونهي مطلق عن اليأس والقنوط، قال أهل التربية: وهو اليأس قتل للإرادة. ولما ذكر أبو إسماعيل الهروي في منازل السائرين قال: ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] منزلة الحزن، قال ابن القيم: هذا خطأ ليس من منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] منزلة الحزن، ولم يأمر به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولم يرضه، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يستعيذ الله من الحزن، فيقول: {اللهم إني أعوذ بك من الهم والغم، وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من البخل والجبن} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لرسوله عليه الصلاة والسلام: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6] والبخع عند العرب هو قطع النخاع بشيء حاد، فيقول: لعلك تمزق دماغك حزناً عليهم، أنت منهي أن تحزن، لست عليهم بمصيطر، لست عليهم بوكيل، بلغ دعوتك ولا تكن فظاً، لا تجرح الهيئات، ولا الأشخاص، ولا الأجناس، ولا تكن عدواً للأمة، ولكن كن حبيباً للقلوب. أيضاً: نهى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الأمة نهياً مطلقاً، فقال: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] قال سيد رحمه الله في الظلال: نحن الأعلون سنداً، والأعلون متناً، والأعلون منهجاً، والأعلون إرادة إلى آخر تلك الأعلون التي هي كالدرر جمعها أثابه الله.

التيسير في الدين

التيسير في الدين والتبشير روح يسري في القلب والعروق، ويصل إلى الإرادة فيحركها، بعث عليه الصلاة والسلام من أصحابه مبشرين في العالم، وصح من حديث أنس عند البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: {يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا}. وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ولـ معاذ: {بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا}. إذاً: هو منهج، فأين كثير من الدعاة من أمثالي من المقصرين عن هذا المنهج الرباني الرائد؟ إننا قبل أن نكون مؤدبين للناس، معزرين بالكلمات مجرحين، لا بد أن نكون محببين نقودهم إلى رضوان الله وإلى الجنة، وهذه هي مهمة الداعية، وهي مهمته عليه الصلاة والسلام وهديه. وصح عنه عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة: {أنه قال: إن الدين يسر} قال بعض العلماء -وهذه قاعدة- مقدمة من الرسول عليه الصلاة والسلام {إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه} وضبطت {ولن يشاد الدين أحداً إلا غلبه}. أي: إن الذي يريد أن يتعمق ويستولي على جزئيات الدين، وألا ينقص في أي مرحلة من مراحل الدين، أو أن يعبد ربه على أكمل وجه دون أن يثلم ثلمة، أو أن ينقص نقصاً، فلن يستطيع، أو أراد أن يأتي بجميع الطاعات والقربات والنوافل فلا يستطيع. ومن حديث بريدة عند أحمد -قال ابن حجر والحديث حسن- قال عليه الصلاة والسلام: {عليكم هدياً قاصداً، فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه}. أيضاً: من يشاد الدين في الدعوة ويريد أن يحول المجتمع إلى مجتمع رباني، وصنف من الملائكة، فليعلم أن مجتمع الرسول عليه الصلاة والسلام ما تحول كله إلى مجتمع (100%) من الاستقامة والالتزام، فكان في عصره صلى الله عليه وسلم الزناة وشربة الخمر والسارقون والخونة والمنافقون، ومع ذلك أصلح عليه الصلاة والسلام ووجه، ولمح ولم يصرح وكان يقول: {ما بال أقوام}. أيضاً: من حديث محجن بن الأدرع، وهو حديث حسن أيضاً، عند أحمد في المسند: {إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة، وخير دينكم اليسرة} وهذا منهج أيضاً للدعاة، فإن من يريد مغالبة المجتمع بأن يفرض سيطرته وكلمته يخطئ قال تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22] أي: أنت لا تحمل كرباجاً ولا عصاً ولا سيفاً {لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام:66] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]. قدم نصحك، وقدم كلمتك، فإن اهتدت القلوب فهذا هو المطلوب، وإن تولت، فأجرك كامل على الله و {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22] {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99]. أيضاً من حديث جابر عند البزار وفي سنده لين، لأن في سنده رجلاً عابداً لكن يهم في الحديث، يقول فيما يروى عنه عليه الصلاة والسلام: {إن هذا الدين متين، فأوغلوا برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى} والمعنى: أنه شديد، والدخول فيه عميق، وهو طاقة تفجر، والذي يملك الدين بلا عقل يتفجر هو، ولذلك لا يحمل الدين إلا العقلاء، ويوم يحمله الحمقى يتفجرون ويتفجر بهم الدين.

منهج الخوارج في التيسير

منهج الخوارج في التيسير الخوارج كانوا عباداً مسبحين مهللين، قراء صوام أهل صلاة، لكن كانوا حمقى بمعنى الكلمة. قال ابن تيمية: والسبب أن الخوارج أخذوا بظاهر القرآن وأبطلوا حقائق النصوص - لله درك! وهل هذا إلا الإبداع؟ صدقت! أخذوا بظاهر القرآن يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عنهم: {تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وقراءتكم إلى قراءتهم وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية}. عبد الرحمن بن ملجم هذا الفاجر العنيد، كان يقوم من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، أُتي به بعد أن قتل علي بن أبي طالب - تلكم القتلة التي لا تزال جراحها في قلوب المؤمنين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وتبكي عجوز العراق مع السحر لما قتل علي وتقول: يا ليتها إذ فدت عمراً بـ خارجةٍ فدت علياً بمن شاءت من البشر يؤتى بـ عبد الرحمن هذا وفي جبهته كركبة العنز من كثرة العبادة، يسأله ودمه يسيل في الأرض- فيسبح الفاجر لئلا يضيع وقته في الحديث. عجباً لك يا فاجر! تقتل أكرم الناس، وأزهد الناس، وأخشى الناس في عهده وتسبح، حتى يقول عمران بن حطان -كلبهم-: يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا هكذا معتقده إني لأذكره يوماً فأحسبه من أفضل الناس عند الله ميزانا قال شاعر أهل السنة: يا ضربة من شقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانا إني لأذكره يوماً فألعنه وألعن الكلب عمران بن حطانا هذه عقيدتهم، وهذا تصورهم، ماذا يفعلون؟ خُطَب الجمعة تكفير في علي، وتكفير في معاوية، وتكفير في عمرو بن العاص والصحابة كفار عندهم، العلماء مارقون ومنهزمون، هذا منهج ضال لا يرضاه رسولنا عليه الصلاة والسلام.

منهج القرآن في الوسطية والبشرى

منهج القرآن في الوسطية والبشرى لكن تعال بنا إلى منهج القرآن في الوسطية والبشرى قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] أن تتكلم للناس وأنت تعرف أن لهم طاقات محددة، فلا تكلفهم فوق الطاقة قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] فطبيعة الدين أنه ميسر يناسب الفطر {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] وفي الحديث الصحيح: {قد فعلت قد فعلت} وابن تيمية يرويه في الفتاوى أنه قال: {نعم، نعم، نعم} وهذه رواية مسلم، ومن طبيعة الرسول عليه الصلاة والسلام أنه {يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157] أي: أن الأغلال التي كانت على الأمم السابقة قد وضعها عليه الصلاة والسلام عن أمته. أتى بهذه الآية ابن تيمية رحمه الله وهو يتكلم عن مسح الخفين، والحقيقة انظر إلى العقل إذا تدخل في الشريعة فوق حدوده، أتى بعض الفقهاء، وقالوا: يشترط في الخفين تسعة شروط: أن يكون (جلداً- مخروزاً - قائماً بنفسه - لا ينفذ الماء - يمشى فيه-) إلى آخر تلك الشروط التي كأنها شروط المجتهد المطلق. من أين نأتي لكم بخف تنطبق عليه هذه الشروط؟ أنأتي به من السماء. قال ابن تيمية: شروط باطلة، الرسول صلى الله عليه وسلم {يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157] هذا مثل من الأمثلة. أيضاً يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن المتنطعين: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} [الحديد:27] من هذا المبتدع الذي يبتدع أحكاماً ويسير الأمة على مزاجه؟ فمن حاد عن مزاجه وعن منهجه وعن موقفه هو، فهو فاسق كافر يميت القضايا، منهزم يميع المنهج الرباني، هكذا يحكم على الناس، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} [الحديد:27] أنا أعرف أن من يتسرع ويتعجل يريد رضوان الله، ولكن ليس كل من ابتغى رضوان الله أصاب، والله عز وجل ذكر المبتدعة، فقال: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:8] قال سفيان بن عيينة: نزلت هذه الآية في المبتدعة، زين الله لهم سوء أعمالهم، أتظن عمران بن حطان كان يظن أنه فاجر أو مخطئ، أو الجعد بن درهم، أو الجهم بن صفوان؟ لا، يقول ابن المبارك في الجهم -لأنه كان داعية، وكان يضحي عن مبادئه أكثر من تضحيتي أنا وأنت عن مبادئنا- يقول: عجبت لدجال دعا الناس جهرةً إلى النار واشتق اسمه من جهنم الجعد بن درهم ماذا فعل؟ مخطئ فاجر ضال؛ رفض أن يتنازل عن خطئه ويظن أنه صائب، قال له خالد بن عبد الله القسري: أتعود عن رأيك، قال: لا، فقال في خطبة العيد: يا أيها الناس! إن الجعد بن درهم زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، ألا إني مضحٍ بـ الجعد بن درهم ضحوا تقبل الله منكم أضحياتكم، ثم نزل فأخذه بالخنجر قتله حتى يقول ابن القيم: من أجل ذا ضحى بـ جعد خالد القسري يوم ذبائح القربان إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني شكر الضحية كل صاحب سنةٍ لله درك من أخي قربان يقول: من أراد أن يضحي فليضح مثله، البدنة عن سبعة. أيضاً يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2] يقول بعض المفسرين: مفهوم المخالفة في الآية أن تسعد، نزل القرآن للسعادة، فالتلاوة فيها سعادة، والحكم به في الناس سعادة، تبيينه للناس سعادة، لا أن تشقي الناس، لماذا نشقي الناس بالقرآن؟ لماذا نشقي الناس بالسنة؟ وسوف أصل -إن شاء الله- في هذه المحاضرة إلى مواقف محمد عليه الصلاة والسلام، وليست من كلامي ولا من كلام آخر من المجاهيل النكرات، لكن من كلام من يجب علينا على رغم أنوفنا أن نستمع له، وأن نتحاكم إليه، كما قال مالك: ما من إنسان إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8] فاليسر من طبيعته في العبادة، وفي الدعوة، وفي التربية، والأخلاق، والسلوك، تقول عائشة كما في صحيح مسلم: {ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما} إذا كان الناس يستجيبون لك بالكلمة اللينة، فلماذا الغضب؟! ولماذا التشنج في العبارة؟! ولماذا الجرح؟! ولماذا الوصم بالكفر والفسق؟! لماذا؟! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7] فلا تطلب من الضعيف في العبادة ما تطلبه من القوي؛ لأنه قد علم كل أناس مشربهم. ومن صفاته عليه الصلاة والسلام: أنه رحمة للعالمين، فهل سأل كل واحد منا نفسه؟ هل سأل الإمام والخطيب والعالم والقاضي ورجل الهيئة نفسه: هل هو رحمة للعالمين أم هو شقاء للعالمين؟ رحمة للعالمين، فلم يقل رحمة للناس فيخرج الحيوانات، ولم يقل للمؤمنين فيخرج الكافرين، ولم يقل للرجال فيخرج النساء أما الرازي فقد مد نَفَسَه في هذه الآية وتكلم كثيراً، والعجيب أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان رحمة للعجماوات، رحمة للطيور، رحمة للزواحف ورحمة للوحوش. في سنن أبي داود بسند صحيح: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس تحت الشجر مع أناس من الصحابة، فأتت حمامة -طائر أنثى- كان أحد الصحابة، قد أخذ أفراخها، فأتت تشتكي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن بلا كلام، ولا نطق حامت على رأسه عليه الصلاة والسلام ففهم أنها تشكو، قال: من فجع هذه بأفراخها، قال رجل: أنا يا رسول الله! قال: رد عليها فراخها} فلما رد أفراخها، فرفرت فرحة جذلانة وعادت إلى عشها. يقول أحد الشعراء في هذه: جاءت إليك حمامةٌ مشتاقةٌ تشكو إليك بقلب صب واجف من أخبر الورقاء أن مكانكم حرم وأنك ملجأ للخائف هذه رحمته عليه الصلاة والسلام، وسوف أصل إلى وقفة مع رحمته عليه الصلاة والسلام فيما يأتي. أيضاً وصفه ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه (عزيز عليه ما عنتم) أي: أي شيء يعنت الأمة يعز عليه عليه الصلاة والسلام ويكلف عليه ويشق عليه قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة:128] وقرأ ابن مسعود: من أنفَسِكم، يعني: من أغلاكم، ومن أحسنكم، ومن أرفعكم نسباً وذكراً {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128].

يسر الرسول صلى الله عليه وسلم

يسر الرسول صلى الله عليه وسلم أولاً: من صفات الإسلام أنه بسيط، ويسير، وأنه سهل ليس فيه تعقيد ولا تقعر ولا تشدق، وما صعبناه على الناس إلا يوم تقعرنا في العبارات، وأكثرنا من الحواشي والردود، وأكثرنا من البسط والأخذ والرد، فصعب الإسلام صراحة، وإلا فالرسول عليه الصلاة والسلام يشرح الإسلام في عشر دقائق لأعرابي ويذهب الأعرابي من المسجد، ويقول: والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، فيقول صلى الله عليه وسلم: {أفلح الرجل ودخل الجنة إن صدق} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، هذا هو الدين. في الصحيحين من حديث أنس قال: {كان الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، فوفد أعرابي فعقل ناقته في طرف المسجد، وجاء يمشي قال: أين ابن عبد المطلب؟ يقصد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أشهر عند العرب بجده من أبيه، قال الصحابة: هو ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق، قال: يابن عبد المطلب، قال: نعم، قال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، قال: سل ما بدا لك، قال: من رفع السماء؟ قال: الله، قال: من بسط الأرض؟ قال: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك فتربع عليه الصلاة والسلام، وقال: اللهم نعم، فأخذ يسأله عن أركان الإسلام، فلما انتهى قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، فيتولى، فيشهد له صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة}. هذا هو الإسلام، هذا هو الدين البسيط، لماذا لا نشرحه للناس؟ لماذا لا نتحدث به؟ تعال الآن إلى كثير مما يُتحدث عنه من القضايا حتى المعتقد: التعقيد، الردود، استحداث الإشكال، التشبع بما لم يعط، حتى لا يفهم الناس من العقيدة شيئاً، وهذا فعل أهل البدع كـ المعتزلة والخوارج والروافض.

يسره عليه الصلاة والسلام في التعليم والتوجيه

يسره عليه الصلاة والسلام في التعليم والتوجيه يأتيه أعرابي فيصلي معه الصلاة - والحديث في الصحيحين - ويقرأ معه التحيات، فيرفع الأعرابي صوته في آخر التحيات، ويقول: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف من هو الأعرابي، من هو الذي قال هذه العبارة، لأن أبا بكر لن يقول هذا، ولا عمر، ولا أبي، ولا زيد، وهذا في الصف الأول، لكن أتظن الرسول- صلى الله عليه وسلم- يقول أنت قلت العبارة، لا، لا يواجه، يقول أبو سعيد كما في الصحيحين: {كان أشد حياء من العذراء في خدرها} حتى ذكروا عنه في السيرة: أنه ما كان يبده ببصره الإنسان، يعني: ما كان يشد نظره إليك، فإذا نظرت أنت إليه، خفض طرفه من الحياء قال الله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. قال صلى الله عليه وسلم: {من قال آنفاً -كيت وكيت وتلا العبارة- فسكتوا، قال: من قال؟ فقال الأعرابي: أنا يا رسول الله! قال: لقد تحجرت واسعاً إن رحمة الله وسعت كل شيء} أي: فأين الملايين المملينة ممن يريدون جنة عرضها السماوات والأرض؟ وأين البشرى؟ وأين التسهيل؟ وأين الرحمة المهداة والنعمة المسداة التي حملها محمد صلى الله عليه وسلم؛ لينقذ الألوف المؤلفة من النار ومن العار والدمار؟ أبقى أنا وأنت فقط في الجنة وتصير الأمم في النار، كما يفعل بعض الناس حين يقول: من فعل كذا ففي النار، ومن فعل كذا فعليه لعنة الله، ومن فعل كذا غضب الله عليه، ومن فعل كذا فهو في جهنم، لم يقلها رسولنا أبداً عليه الصلاة والسلام، قام الأعرابي وبال في طرف المسجد؛ ضاقت عليه الدنيا بما رحبت إلا المسجد، قام الصحابة يريدون أن يبطحوه أرضاً. كل بطاح من الـ ـناس له يوم بطوح قال صلى الله عليه وسلم: {اتركوه} لأن المشكلة سهلة، ومعالجة الأخطاء بأخطاء أفدح عنف، والنار لا تطفأ بالبترول، إنما تطفئ بالماء، وإذا أردت أن تصلح الخطأ وتعنف، وتريد أن تؤدب حينها ينقلب القط أسداً، لو أغلقت على القط في البيت، وقمت تحارشه حوله الله من قط إلى هزبر، وهذا فعل الناس ولذا قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125] وقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] استدعاه عليه الصلاة والسلام وأخبره وبين له، وأخذ ذنوباً من الماء وصبه على البول وانتهى، وعاد الأعرابي داعية إلى قبيلته فأسلموا عن بكرة أبيهم. دخل معاوية بن الحكم -والحديث في مسلم - وهو لا يدري أن الكلام في الصلاة حرام، فقال: السلام عليكم ورحمة الله -والصحابة يصلون- فما ردوا، فعطس واحدٌ منهم، قال: يرحمك الله، فضربوا على أفخاذهم قبل أن يعلموا التسبيح، فقال: ويل أمي أأحدثت شيئاً! فلما سلم قال: {دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيت معلماً قبله ولا بعده أرحم منه، وكان على كرسي من حديد، فعلمني وقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي للذكر والتسبيح وقراءة القرآن} انتهى وصلاته صحيحيه، لأنه تكلم عن جهل، قال أهل الفقه: من تكلم بجهل أو ناسياً فصلاته صحيحة. أيضاً: الدين أتى بما تفهمه العقول لا بما تحار فيه، وربما يأتي إنسان فيورد قضايا على الناس فتحار فيها عقولهم، قال عبد الله بن مسعود: [[]]. كثير من القضايا أرى أن طرحها ليس صحيحاً، وأن طرحها على الملأ ليس من الحق ولا من العدل، وكلام الخاصة للخاصة، وكلام العامة للعامة. كان الإمام أحمد يقول للمعتصم كلاماً بينه وبينه لم يقله للناس، وقال للناس كلاماً يصلح للناس.

الدعاة تابعون للنبي صلى الله عليه وسلم في التيسير والمحبة للناس

الدعاة تابعون للنبي صلى الله عليه وسلم في التيسير والمحبة للناس أيضاً ليس بيننا وبين أحد من الناس عداء، لا يتصور بعض الناس أن الدعاة يريدون شيئاً من الدنيا، أو يريدون شيئاً من الأراضي، أو المناصب، أو الممتلكات، أو القصور، فوالله ما رأيت داعية ممن يوثق بعلمه ودعوته إلا يريد الخير، ولا يريد سبباً إلا إن كان شيئاً لا نعلمه في نيته فالله المطلع، وما لسان حال كل منهم إلا كما قال القاضي الزبيري: خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا وهو منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ} [هود:88] وهناك {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86] لا يطلبون أجراً على دعوتهم، ولا يريد الواحد منهم كنزاً، إنما يعيش لدعوته فقط. أيضاً ليس بين الدعاة وبين أحد من الناس ثارات جاهلية، أو نزعات، أو مسألة أساء إلي فلا بد أن أنتقم لنفسي، أو ميراث أخذه جده أو عمته أو جدته، لا، مسألة الدين فقط، الإسلام فحسب، وإلا الرسول صلى الله عليه وسلم جرح عرضه صراحةً، وأدمي عقبه، ووضع سلى الجزور عليه، وأهين في مواقف، وقتل من أصحابه سبعون، وشج رأسه، وكسرت ثنيته، ومع ذلك يقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}. أيضاً الإسلام أيها الإخوة الكرام! أتى موافقاً للفطرة، فلا تحاول أنت أن تلغي هذا الدين الذي تقبله القلوب، والعالم الآن أصبح عالماً متديناً، نسبة التدين في العالم الآن من (76%) إلى (77%) حتى العالم الشيوعي أصبح يتدين بغض النظر عن الديانة التي يعتنقها، وقبل سنوات -كما تعرفون- اعتنق جرباتشوف النصرانية وغيره كثير من الحزب الشيوعي وتخلوا عن مسألة الإلحاد، لأنها نظرية خاطئة، والله يقول: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] لكن كيف يتدين الناس تديناً صحيحاً؟ يوم يرون عرض الإسلام عرض التبشير، عرض السهولة , عرض اليسر. وإني من هذا الموقف أقول كلمة ويوافقني عليها الدعاة ولا أعلم داعيةً يخالفني في هذا والله لا أريد بها مجاملة ولا محاباة والله الشاهد: إنني لا أعلم في هذا العصر عالماً له منهج رباني (من الأحياء) علمه سديد، ودعوته ومنهجه، ويسره وفتاويه كسماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وإنه يستحق أن يكتب في منهجه، في الدعوة، وفي التعليم، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كتب، وأن تدرس وأن تعلم، انظر إليه الآن في منهج الفتوى، فليس هو بذاك الذي يتعلق بالفروع ويطرح النصوص، ولا هو بالظاهري الجامد على ظاهر النص، ولكنه الموافق المتألق الذي يستوحي معلوماته من الكتاب والسنة بفهم صادق، ونية يريد بها الله والدار والآخرة، هذا أمر يستحق محاضرة عن منهج سماحته في الدعوة حتى نري شبابنا وجيلنا عالماً في الأحياء، وإلا فمن عدل الله ألا يعدم الأمة من عالم حجة ومجدد، من عدله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ألا يعدم الدنيا من ذلك. مراعاة واقع الناس، أنا أدعو إخواني من الدعاة أن يراعوا واقع الناس، وألا يطلبوا من مجتمعنا هذا أن يكون كمجتمع أبي هريرة وسلمان وسعد بن أبي وقاص، لأن القدوة عندهم محمد عليه الصلاة والسلام، وجبريل يتنزل بالوحي صباح مساء، أما زمننا أيها الإخوة! فشرور وفتن وابتلاءات وإغراءات ومحن، يقول أبو الدرداء رضي الله عنه -فيما نسبه العلماء إليه كـ ابن عبد البر والخطيب البغدادي - قال: [[إنكم في زمن من ترك عشر ما أمر به هلك، وسوف يأتي زمن من فعل عشر ما أمر به نجى]] وهذا ليس على إطلاقه، ولكن يقصد به من النوافل، أو ما زاد على الفرائض.

منهجه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع العصاة

منهجه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع العصاة مراعاة واقع الناس، الضغوط التي تقع عليهم، لماذا عصى صاحب المعصية؟ صاحب المعصية لا نفرح أنه عصى الله، لا يبشر بعضنا بعضاً أنه عثر على رجل يشرب الخمر، الواجب أن نبكي إذا رأينا رجلاً يشرب خمراً، لا ندين الناس بالتهم، لا نذهب ونحرج الناس إلى أن يعترفوا، أنا أرى أن هناك ممارسات خاطئة، مثلاً: نجد رجلاً شرب الخمر وينكر أنه شرب الخمر، ولا نجد للخمر رائحة ولا علامات، فنقول: لا، وتحت السوط، وتحت التقارير، وتحت الشهود حتى يعترف، هذا ليس منهجه عليه الصلاة والسلام. أيضاً لا نتهم الناس في نياتهم، ولا في مزاولاتهم لأعمالهم التي ظاهرها الخير. وأيضاً لا نتجسس لنكشف أناساً تستروا بالمعاصي وما جاهروا بها، ثم لا نفرح بالمجتمع أنَّا أدنَّاه بالخطأ. في الصحيحين أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أتي بشارب خمر شرب الخمر كثيراً، وفي بعض الروايات في غير الصحيح أنه شرب إلى خمسين مرة. تصوروا أيها الإخوة! لو أتي لنا برجل الآن شرب الخمر خمسين مرة، بعض الناس لا يسلم عليه ولا ينظر لوجهه أصلاً، فقال أحد الصحابة: {أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به في الخمر! فغضب عليه الصلاة والسلام وقال: لا تكن عوناً للشيطان على أخيك، فوالذي نفسي بيده ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله} فأثبت له أصل الحب، وبين أن فيه خيراً وأنه لا زال على الفطرة، ومعنى الكلام: لماذا نخسر هذا الرجل ولو تكرر منه الذنب، علَّ الله أن يصلحه، وكلنا مذنبون وكلنا خطاءون. سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا أيضاً في الصحيحين: أن ماعزاً الأسلمي زنى، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تصوروا تلكم الشفافية في التقوى الذي بلغها مجتمع الرسول عليه الصلاة والسلام حتى يقول ابن الوزير في العواصم والقواصم: والله الذي لا إله إلا هو لعصاة أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام خير من طائعي زماننا، لم يكن عند الرسول صلى الله عليه وسلم أجهزة تجسس ولا مباحث ولا استخبارات ولا هيئات، ولم يرسل للناس أناساً يكبسون عليهم بيوتهم، لكنها التقوى، فلما زنى تذكر الله والقدوم على الله والجنة والنار. أتى ماعز بنفسه ووصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ودخل عليه وقال: زنيت يا رسول الله! فهل استبشر صلى الله عليه وسلم! لو قيل لبعض الناس: اعترف فلان بالزنا لقال: خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسكلوه أثبتوا عليه، اكتبوا محضراً، خذوا بصماته؛ لأننا نخاف أن ينكر غداً، ليس هذا منهجه عليه الصلاة والسلام ماذا فعل؟ -حول وجهه من الجهة اليمنى إلى اليسرى- غضب، لا يريد صلى الله عليه وسلم أن يفتضح الناس. يقول كما روى الحاكم عن ابن عباس: {يا أيها الناس من ابتلي بشيء من هذه القاذورات، فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه الحد} هذا قوله عليه الصلاة والسلام وهذا الحديث في بلوغ المرام لـ ابن حجر. {فحول وجهه- صلى الله عليه وسلم- فاعترف ماعز حتى تكلم أربع مرات، وذهب به ورجم وفر قبل الرجم، فمسكه الصحابة ورجموه، قال صلى الله عليه وسلم: ألا تركتموه} لماذا ما تركتموه يذهب؟ لعله ما زنى من يدري؟! وعند البيهقي فيما يروى عنه صلى الله عليه وسلم وبعض أهل العلم يصحح هذا الحديث لكنه يقبل التحسين ويرويه مثل ابن عدي: {ادرءوا الحدود بالشبهات} وزاد البيهقي {فإن الإمام أن يخطئ في العفو أحسن من أن يخطئ في العقوبة}. زنت امرأة ولا يعلم بزناها إلا الله، ولم يأت الرسول صلى الله عليه وسلم خبر من المجتمع، أو إخبارية، أو قرار أنها زنت، ولم يصله ملف اعتراف، ولكنها لما زنت تحرك الإيمان الذي في قلبها، الإيمان الذي في عصاة الصحابة أكبر من الإيمان الذي في قلوب الطائعين في هذا العصر، فذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام واعترفت، قال: {عودي حتى تضعي} لأنها حبلى من الزنا، فعادت ولم يكتب عليها بياناً ولم يثبت عليها ولم يأخذ منها تقريراً وردها إلى أهلها. أسألكم بالله لو أنكرت هي ووقفت في بيتها هل سيرسل لها الرسول صلى الله عليه وسلم من يأخذها؟ لا والله، وأتت بعد أن وضعت بطفلها -قال الراوي: وكان في لفائف- في أول يوم لكن الإيمان ارتفع في قلبها كالجبال، وقدمته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: (طهرني يا رسول الله!) -فاعتبرت الحد تطهيراً- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: عودي حتى ترضعيه، فإذا فطمتيه فتعالي -ولم يأخذ عليها شهوداً وكفى بالله شهيداً- فذهبت فأرضعت طفلها، فلما فطمته، أتت به وفي يده كسرة خبز قال صلى الله عليه وسلم: من يكفل هذا وهو رفيقي في الجنة كهاتين؟ فأخذه أحد الأنصار وذهبوا بالمرأة فرجموها، والرسول صلى الله عليه وسلم قيل في بعض الروايات: كان معهم، فقال أحد الصحابة: أخزاها الله لو أنها استترت بستر الله، قال: لا تسبها والذي نفسي بيده إني لأراها تنغمس في أنهار الجنة، وفي الرواية الصحيحة: {والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم} وفي لفظ: {لو تابها صاحب مكس لغفر له} وفي بعض الروايات: {لو وزعت على أهل المدينة، لكفتهم}. هذا فضل الله، وهذه رحمته؛ وذاك عطاؤه لهذا العاصي أن يتطهر وأن يعود في الدين، وأن يدخل جنة عرضها السماوات والأرض. من الذي حجب الجنة عن السارقين والزناة وشربة الخمر بعد أن يتوبوا إلا الخوارج؟ ولذلك فهم مبتدعة عند أهل الإسلام، لكن ما دامت رحمة الله عز وجل وسعت هؤلاء العصاة وعادوا وأنابوا وجادوا بالنفوس، من منا الآن يجود بنفسه كما جادت المرأة الزانية، ثم تابت؟ يجود بالنفس إن ضنَّ البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود

الستر على العصاة

الستر على العصاة نحن دعاة قبل أن نكون مؤدبين، وفرق يا أيها الإخوة! بين من يجاهرون الله بالمعاصي، كمن يبني خمارةً في بيته وقصره، ومن يروج المخدرات ويتعامل بها ويزاول ذلك، ومن ينشئ بيتاً للدعارة -والعياذ بالله- فهؤلاء مجاهرون محاربون لله ولرسوله، لكن إنسان عثر عثرة، أو تستر بشيء وهناك ظنون، وهناك اتهامات فقط، فلا نذهب عليه ونجمع الناس وندينه حتى يعترف! وإلا فهي ممارسات خاطئة، أنا أحاج بالكتاب والسنة أن هذا لم يكن هديه عليه الصلاة والسلام. أيضاً علينا أن نفتح باب التوبة للناس، وإني لأعلم أن كثيراً من العصاة ما ردهم من الهداية إلا لأنهم أحبطوا أمام الوعظ الناري الحار الذي أغلق عليهم باب الهداية. عند الترمذي من حديث سلمان بسند حسن: {إن الله ستير يحب الستر} فهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يحب أن يستر عباده. {يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم} وعند مسلم: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها}.

الرحمة بالمؤمنين والغلظة على الكافرين

الرحمة بالمؤمنين والغلظة على الكافرين العنصر الرابع: الرحمة بالمؤمنين والغلظة على الكافرين والمنافقين: هذا مبدأ إسلامي، وأصل الاعتقاد لا يزول بمخالفة فرعية ولا بمعصية، هذه قاعدة لـ ابن تيمية رحمه الله. صفة رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه بالمؤمنين رحيم {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54] هؤلاء هم المؤمنون، أشداء على الكفار رحماء بينهم. {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73] لأن هناك دعوى تنشرها أجهزة الإعلام بين الفينة والأخرى، وتتكلم بها النخبة المثقفة -كما تسمي نفسها- وهي العارية عن علم الكتاب وعلم الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذه النخبة المثقفة في البلاد مثل: الضباط الأحرار في البلاد الأخرى، والأفكار واحدة، والمسار واحد، فيرددون: الوفاق العالمي، والأخوة الإنسانية، والعلاقة الدولية، والإنسان أخو الإنسان، ولا بد أن نسعى إلى بسط السلام ونبذ الفرقة أي أن المسلم واليهودي والنصراني والبوذي والماركسي كلهم تحت مظلة الوفاق الدولي، والإسلام يرفض ذلك، وليس من التشنج، وليس من الفضاضة، وليس من التنفير أن نهاجم معتقدات النصارى الصليبيين، ولا اليهود ولا أذناب اليهود ولا الماركسية بل مزيداً من تعريتهم وفضحهم، والله عز وجل قد لعنهم في كتابه سُبحَانَهُ وَتَعَالى ولعنهم رسوله عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:123] لكن لمَّا ذاب الولاء والبراء انقلبت الموازين، الآن يلقى الخواجة بالاحترام والشكر والتقدير، والعزايم والهدايا، والمرتب العالي، والسيارة الفخمة، والسكن في القصور، ويلقى المؤمن بالاتهام بالدروشة والفضاضة، والتنفير والغلظة حتى يقولون: إن الأشقر دائماً له من لونه نصيب، والأبيض له نبأ غريب وخبر عجيب، وتجد له كأن طابع انهزام المسلمين الداخلي من هذا المد الحضاري الذي يسمونه مد حضاري دخل عليهم حتى في المعاملات، فتجده إذا تكلم مع الخواجة تكلم بانبساط وانشراح وبشاشة وهشاشة ورضا، وإذا تكلم مع إخوانه المؤمنين إذا هو يغضب ويزبد ويرعد. قلب بعض الناس هذا المفهوم، فتجده أحياناً مع إخوانه في مسائل خلافية ويغلظ، بينما في مسائل كبرى لا يتكلم فيها، أحياناً تجد أفكاراً علمانية تطرح في الساحة وفي الصحف والمجلات، وفي الراديو على الشاشة ولا تجد من ينتقدها أبداً بحجة الهدوء والسكينة، لكنه على إخوانه الدعاة وطلبة العلم من أشد الناس تسلطاً ومن أضخمهم عبارة.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس غلظة ولا تشهيرا

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس غلظة ولا تشهيراً أيضاً ظن بعض الناس أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشهير، وهناك من يريد أن يلغي مسألة الهيئات، وأنها ليست من الإسلام، وأنها أساءت سمعة البلاد، وهذا ليس بصحيح، ويوم تلغى الهيئات، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تلغى هوية لا إله إلا الله محمد رسول الله، يقول تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الخونة العملاء المرتزقة من أهل البذاء والنفاق والعمالة العالمية من الصهاينة وغيرهم: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79] جريمتهم أنهم لا ينهون عن المنكر، مصيبتهم أنهم لا يأمرون بالمعروف، تريد ديناً ليس فيه محتسبون يأمرون وينهون، لا تقوم شئون العباد ولا البلاد إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الاهتمام بالمنكرات الكبرى

الاهتمام بالمنكرات الكبرى أيضاً: سكوت بعض الناس عن المنكرات الكبرى مع انقطاعهم إلى بعض المسائل واستحداثهم لبعض المشكلات؛ وفر جهدك بدل أن تتكلم ساعتين عن تحريك الإصبع، وهي من السنة ولا بد أن تحرك , وأنا لا ألغيها ولا أهاجمها، لكن وفر هذا الجهد في المسائل الكبرى كموضوع الربا، موضوع الفساد الذي يوجد في كثير من النواحي، الطرح الغثائي، مهاجمة العقيدة الإسلامية، الغثاء الفكري التي تعيشه الأمة، موت الولاء والبراء، انسحاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من القضايا.

التحليل والتحريم

التحليل والتحريم العنصر الخامس: ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله، أو يحل ما حرم الله، ربما يتسرع متسرع فيحب مسألة التحريم، يحب دائماً يقول: حرام حرام، حتى إن بعض المرتدين والمنافقين عيروا المهتدين والمستقيمين بذلك، حتى يقول أحدهم وهو يتبجح في مجلس: هؤلاء حرموا كل شيء حتى السُكرَّ، ويقول أحدهم: صليت الجمعة -اسمع الكذب- فقام خطيب يخطب فينا، فقال: حلق اللحية حرام، وإسبال الإزار حرام، والغناء حرام، والموسيقى حرام، وكل شيء حرام. والله ما قاله، وهذا من التشويه، هذه النصوص المزيدة من أكياس التشويه لمعالم الإسلام. أيضاً: يصفون الدعاة بالعنف: وأنا أجزم جزماً أنه ليس هناك عنف، وإن كان في العبارات غلظة؛ فهذا الذي أريد أن أعالجه هذه الليلة إن استطعت، أو وفقت، لكن أن يكون هناك عنف بمعنى العنف الذي يتعارف عليه الناس، فليس هناك عنف ولا تطرف، العنف يا أخي: مهاجمة المؤسسات بالحديد والنار، العنف: الاغتيال، العنف: إسالة الدماء، العنف: فتنة طامة عامة، العنف: حمل السلاح، العنف: قطع الرءوس، العنف: اقتحام المنازل للقتال، لكن هذا لم يحدث أبداً، ولم نسمع بصورة ولو واحدة أنه حدث، فلماذا يوصم هؤلاء بالتطرف؟! قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116]. أيها الإخوة: ليس لأحد من الناس أن يحرم إلا ما حرم الله ورسوله، ولا يحلل إلا ما حلل الله ورسوله، ولا يوجب إلا ما أوجب الله ورسوله، ولا يستحب إلا ما استحبه الله ورسوله، ولا يكره إلا ما كرهه الله ورسوله، ولا يبيح إلا ما أباحه الله ورسوله، هذه قاعدة يذكرها شيخ الإسلام في أصول الفقه كثيراً، لأن بعض الناس جعلوا من أنفسهم مشرعين، وهذا يدل على الجهل، وقلة الوعي، عدم المعرفة، وتحريم الحلال كتحليل الحرام سواءً بسواء، حتى المسائل الخلافية ليس لك أن تسارع إلى التحريم فيها. ذكر ابن القيم رحمه الله في أعلام الموقعين أن الإمام أحمد كان إذا سئل عن مسألة فيها تحريم، قال: أكرهها، أو أكره هذا، أو أخشى أن تكون حراماً؛ من الورع، لأنه لا يدري هل هي حرام أم لا. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة:101] فالواجب الورع وعدم إحراج الناس في تحريم ما لم يحرمه الله عز وجل، وما زاد عن حده انقلب إلى ضده، وقد يكون تنطعاً، ولذلك لما تنطع النصارى فحرموا على أنفسهم أموراً حرمها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليهم، وفيه حديث: {إن من أعظم الناس جرماً عند الله يوم القيامة من سأل عن شيء لم يحرم فحرمت من أجل مسألته}. وورد في الحديث وهو يحسن عند أهل العلم ولو أن ابن رجب نقد هذا الحديث: {إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم فلا تسألوا عنها}.

التسرع في التكفير

التسرع في التكفير العنصر السادس: التحذير من التسرع في التكفير: {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر} كما قال عليه الصلاة والسلام، والتكفير عند أهل السنة والجماعة أضيق من ثقب الإبرة، ويذكر عن ابن تيمية في ترجمة ابن النفيس: أنه لما حضرته الوفاة استقبل القبلة، وقال: تبت عن كل من كفرته من أهل القبلة، وأقل الناس تكفيراً هو ابن تيمية ومن يقرأ الرسائل والرد على البكري يجد أنه يعتبر الكثير من الناس الذين اشتهروا عند الكثير منا أنهم كفار، ويحمل كلامهم على محمل جميل وينصف ويخاف الله في ذلك، لكن تجد التكفير يظهر على ألسنة الكثير لجهلهم في فقه الدين. قال صلى الله عليه وسلم: {من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما إما القائل وإما المقول فيه} فلماذا نقول كافر؟ ولماذا لا نستغني عن هذه العبارة؟ وهل كلفنا أن نكفر إلا من أعلن كفره وعرفنا باليقين أنه كافر؟ أيضاً لا أريد في المقابل تمييع قضية التكفير فتقول: لا تكفر الناس بترك الصلوات الخمس، أو رجل يدوس المصحف بحذائه، فنقول: أحسن الظن به، أو يدمر حماة فيقتل ثلاثين ألفاً، فيقال: لا، لا تكفر اتق الله. كيف هذا؟! هذا إماعة للقضية ومن نواقض لا إله إلا الله، أو من نواقض الإسلام التي كتبها الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، أن من لم يكفر الكافرين أو شك في كفرهم فهو كافر، فلا بد أن نكفر الكافرين، لكن لا نكفر المسلمين أو العصاة منهم.

وقفة مع كتاب الحق الدامغ للخليلي

وقفة مع كتاب الحق الدامغ للخليلي قرأت من قريب كتاب الحق الدامغ، وهو للخليلي من عمان، واكتشفت فيما بعد أنه خارجي، وأتى بأهل المعاصي فأخرجهم من الملة جملةً وتفصيلاً، ولو سرنا على قاعدته، لخرجت دول الخليج من الإسلام ولم يبق أحد، وهذا المنهج خارجي بحت، والرجل في كتابه مبتدع، لأنه دافع عن ثلاث قضايا، وأنا أحذركم من هذا الكتاب، وهو يباع في الأسواق وهذه القضايا هي: 1/ أن الله لا يرى في الآخرة. 2/ أن أهل الكبائر كفار. 3/ أن القرآن مخلوق. وهل أخطأ المعتزلة وكثير من الخوارج إلا بهذه المسائل وأمثالها وبدَّعهم أهل العلم إلا بها، فنعوذ بالله من قلة الفقه في الدين. للكفر موانع وله مقتضيات، قد تتخلف بعض المقتضيات وتوجد بعض الموانع، فأنت تجد إنساناً قد يقول كلمة هي كفر، لكن له موانع، أو مقتضيات، أو تسأله عن حكمها فلا يدري! يأتيك رجل في أرض المسلمين، لكنه عاش في البادية لم يصل الصلوات الخمس، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من ترك الصلاة فقد كفر العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} فتقول: كافر، هذا ليس بصحيح. بل تسأله: هل الصلوات الخمس مفروضة؟، فإن قال: نعم أعلم ذلك، لكني لا أصلي، حينها يكفر، لكن قال: لا أعلم ذلك، ولا أسمع بالصلوات الخمس إلا منك الآن، فهذا لا يكفر، وقس على ذلك من أمثالها.

التقارب مع أهل البدع

التقارب مع أهل البدع الخوارج متهالكون في التكفير حتى كفروا بعض الصحابة، وكفروا أهل الكبائر غير المستحلين لها، يقابلهم أيضاً مرجئة العصر، ومساراتهم وسيعة حتى إنهم يرون أنه لا خلاف مع أهل البدع، وأن المسألة اعتقاد فحسب، والمقصود أنه يوجد في الساحة من يميع القضايا، ويقول: المسألة مسألة عقيدة فقط، من قال: (لا إله إلا الله) فهو أخونا. ما رأيك في الرافضي؟، قال: أخونا وحبيبنا وليس بيننا وبينه خلاف، والخوارج أحبابنا، والمرجئة إخواننا، والقدرية أخوالنا. فإذا قيل له: من هو العدو؟ قال: شامير. فهل هو العدو فقط؟ أما هؤلاء -المبتدعة- فيقول: لا تفرق كلمة المسلمين، وادع إلى الاتفاق، ومدوا الجسور مع هؤلاء!! إذاً فما هي ميزة أهل السنة والجماعة؛ المذهب الذي قدم صفوة العلماء دماءهم رخيصة من أجله، وشنقوا وجلدوا وحبسوا؟ لماذا سجن أحمد بن حنبل؟ لماذا ضرب بالسياط؟ تدري كم جلد الإمام أحمد بن حنبل يقولون: ما يقارب ألف وستمائة سوط في ستة وثلاثين شهراً حتى يقول له أحد الخمارين: -انظر العصاة للمبادئ يخدمون مبادئهم وهم عصاة- وكان مسجوناً معه: يا أحمد بن حنبل! اصبر على ضرب السياط، فإنك تجلد من أجل أمة محمد عليه الصلاة والسلام، والله الذي لا إله إلا هو لقد جلدت في الخمر ألف وستمائة سوط وما تراجعت، هكذا فلتكن الشجاعة والثبات. يذكرون في بعض المذكرات عن الأكراد أن رءوسهم يابسة من الشجاعة، فقيل: إن سلطاناً من السلاطين كان حارسه كردياً وبينما الوزراء عنده جلوس والسلاطين لا يريدون أن يكسر لهم جاه، فقال السلطان للناس: الحبحب يقطع بالسكين أو بالمقص، قال الوزراء كلهم: بالسكين، قال السلطان: نعم بالسكين، قال الكردي: لا بالمقص، قال السلطان: أنت وليد نعمتي وتخالف أمري: بالسكين، أو بالمقص؟ قال: بالمقص، قال: أوقفوه، فأوقفوه يومين، ثم استدعاه في اليوم الثالث: المقص أو بالسكين؟ قال: بالمقص، قال: غيبوه في البركة في الماء، أنزله الجنود، تدريجياً في الماء يغرقونه، ويقول: بالمقص بالمقص بالمقص بالمقص، قالوا: فلما اختفى رأسه أخرج إصبعه ويقول بها كذا، هذا من التضحيات إلى آخر قطرة من الدماء، فالمقصود: أن تنظر إلى الخمارين والسكارى كيف يبذلون دماءهم في سبيل منهجهم، فلما عرف الإمام أحمد قال: فما شد قلبي أحد كما شد قلبي ذاك الرجل جزاه الله خيراً. الإمام أحمد يدعو له؛ لأنه لا زال مسلماً لا زال يقول: لا إله إلا الله، لا زال يصلي فدعا له، قال: جزاه الله خيراً، فاشتد قلب الإمام أحمد وانتصر بإذن الله، وحقق منهج أهل السنة والجماعة. لماذا سجن ابن تيمية؟ أصل ابن تيمية هذا عجيب فهو دائماً في الحديد يخرج من قلعة دمشق إلى الإسكندرية؛ لأنه لا يريد الباطل، يريد أن يثبت منهج أهل السنة والجماعة، فقصدي: أن مرجئة العصر يتقون الله فينا كلما تكلمنا عن طوائف المبتدعة، قالوا: اتقوا الله لا تشتتوا شمل المسلمين، المسلمون منهم الرافضة ومنهم المرجئة ومنهم الخوارج وهؤلاء كلهم مسلمون، لا أهل السنة والجماعة فقط. هذا هو المنهج الرباني الذي يجب أن نربي الناس عليه، وأن ننشره، وعليه دعوة الإمام أحمد بن حنبل والإمام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب، وهؤلاء الثلاثة نجوم في عصورهم وحسبك بهم. تقريع الناس وتوبيخهم في الوعظ والتعليم ليس من هديه عليه الصلاة والسلام، التقريع والتعنيف تزكية ضمنية للمتكلم وإدانة للمستمعين، وإلى متى يحتمل الإنسان من يؤدبه ويجرحه؟ هو يجرحه ويعرض عليه سلبياته. من مناهج أهل السنة والجماعة أنهم لا يوبخون على رءوس الملأ، ولا يقرعون بوعظهم الناس، ولا يشهرون العصاة بالأسماء، أو بالعلامات التي تفهم، بل إنهم يعرضون الحق ويعرضون الباطل. أيضاً: ليس من مناهجهم التكتم على الباطل أو المنكرات، أو الفجور الموجود بحجة أن يستروا على العصاة فلا يعرضون الباطل، لا، هذا خطأ، وقضية ألا تعرض إلا الجوانب الحسنة فقط، ولا تعرض السيئة في المجتمع غير صحيح، بل عرضها بشكل عام لا يفهم منه إرادة توبيخ أحد، أو تجريحه. كان صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: {ما بال أقوام يصنعون كذا وكذا} وقال لقبيلة بني عبد الله: {يا بني عبد الله إن الله أحسن اسم أبيكم، فأحسنوا الاستجابة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وأمره ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34].

تغليب الخوف على الرجاء

تغليب الخوف على الرجاء أيضاً: تغليب الخوف على الرجاء، والترهيب على الترغيب، وهو منهج بعض الدعاة وهم قلة أنهم يتكلمون في الخوف أكثر من الرجاء، وفي العذاب أكثر من الرحمة، وفي سوء الخاتمة أكثر من حسن الخاتمة، وفي النار أكثر من الجنة، ويسبون أكثر مما يثنون، فالداعية عليه ألا يقدح ولا يمدح، بل يمدح الله عز وجل، والله يحب المدح، وهو الذي يستحق المدح، الداعية يعرض منهجه السليم السديد على الناس، وفي الترغيب والترهيب تسمى هذه النظرة السوداوية، وكأن العالم أغلق من الخير، وأنه أصبح عالم فتن ومصائب، وعالم كوارث فقط، ودين الله وسط بين الغالي والجافي، وقد جعل الله لكل شيء قدراً، والله قرن بين الترغيب والترهيب، فقال: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:3] وقال: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} [الرعد:6]. أخفق الحارث المحاسبي لما ألف كتاب الرعاية، ترك الناس المساجد وهو وإن أراد خيراً، لكن دخل في الخطرات والوساوس والواردات مثلاً: تريد أن تدعو العاصي وتقول: انتبه من صلى وقد وسوس في صلاته أظنها لا تقبل، ومن أتى إلى المسجد يريد رياء وسمعة الناس أظن إقباله باطل، ومن دخل المسجد ونظر إليه الناس فأعجبوا بخشوعه أظنه يبطل خشوعه، فإنه بالتالي يترك المسجد ويترك الصلاة ويترك الخشوع، هذا منهج الحارث المحاسبي، وتبعه في ذلك الغزالي في إحياء علوم الدين، وأنا أنصح أن يحذر الناشئة من قراءة هذا الكتاب، لأنه سوف يسحقهم سحقاً. أيضاً: بدون مجاملة، وقد أكون مخطئاً: ليت ابن القيم لم يؤلف مدارج السالكين، وليته حفظ جهده وذكاءه في كتب أخرى، وقال هذا مثل: محمد حامد فقي وغيره، والصحيح أن منهجه تتبع الخطرات والوساوس، وهي ليست من مناهج الصحابة، ولو أن ابن القيم سلفي صرف من أئمة أهل السنة والجماعة، لكن أمَّا في هذا الكتاب، فإنه يتعب في التربية، ويدخل بك في متاهات، ويريد أن ترتقي بروحك إلى مرتقى صعب، حتى لو أتيت بالصحابة ووزنتهم في مدارج السالكين، لرأيت بوناً شاسعاً عن ما يريده ابن القيم، هذه وجهة نظر.

فتح باب التوبة للعصاة

فتح باب التوبة للعصاة أيضاً: علينا ألا نغلق أبواب التوبة أمام العصاة، وأن نرحب بهم، وأن نخبرهم أن رحمة الله وسعت كل شيء. في الصحيح وقد أورده الشيخ / الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب" التوحيد ": {أن رجلاً قال لعاصٍ: تب إلى الله، قال: اتركني وربي، قال: تب إلى الله، قال: اتركني وربي، قال: والله لا يغفر الله لك، وفي لفظ: لفلان، قال الله- عز وجل-: من الذي يتألى علي؟ أشهدكم أني غفرت لهذا، وأحبطت عمل هذا}. غفر للعاصي، وأحبط عمل هذا الطائع المعجب بطاعته. أيضاً: مما يروى في كتب التاريخ أن أحد العلماء رأى أناساً في سفينة نزلت من دجلة، وهم يصفقون ويضحكون ويغنون، وعندهم مزامير وأعواد وكمنجة فضحكوا، فقال أحد الناس من المتشددين المنفرين: يا شيخ ادع على هؤلاء أن يغرق الله سفينتهم، فالتفت الشيخ الإمام العاقل الفطن إلى القبلة، قال: اللهم كما أضحكتهم في الدنيا، فأضحكهم في الآخرة في جنتك. وماذا يضر هذا العالم أن يدخل الجنة المغنون؟ ولذلك من الأحكام الجائرة أنه مات بعض المغنين العالميين (موسيقار) فسمعت بعض الخطباء يقولون: مات إلى جهنم وسوء المصير. وهذا لا يجوز لأنه عند أهل السنة ضوابط في الحكم على الناس بالكفر والإيمان والحنة والنار حتى ولو كان عاصياً فاسقاً؛ فإنه لا يستطيع الحكم عليه بالنار إلا الله عز وجل.

الوصول إلى من في وصوله الخير والنفع

الوصول إلى من في وصوله الخير والنفع أيضاً: المطلوب مد الجسور مع الناس، والوصول إلى من في وصوله الخير والنفع، وإذا رأيت أن من النفع أن تصل إلى هذا الرجل، أو إلى ذاك، فصل إليه وتبسم له وحاول أن تكسبه. موسى عليه السلام أرسله الله إلى فرعون، أنا قرأت وأنتم قرأتم أيضاً، وهذه موجودة في كتاب الشيباني في ترجمته لـ ابن تيمية فيما أظن أن ابن تيمية كان يخرج غالب الأيام ويذهب إلى ابن قطلوبك فيدخل عليه في قصره كثيراً، فيقول السلطان -مجاملة-: يا شيخ! يا إمام! أنت أولى أن نزورك في البيت، قال ابن تيمية: دعنا من كدوراتك، كان موسى يأتي فرعون في اليوم مراراً، فالله يرسله يقول: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:43] لا تنتظر أن يأتيك يطرق عليك بابك، لو بقيت خمسين سنة ما أتاك؛ لأنه غني عنك، ويتصور أن الدنيا عنده، وأن القرار بيده وأنه هو المؤثر، ولماذا يأتي عندك؟ فأنت تذهب إذا رأيت أن هذا الأصلح، وتتوكل على الله، وتدعو الله أن يكون عملك خالصاً لوجهه في نفع المسلمين، ثم لا تنافق ولا تجامل، ولا تتنازل عن ذرة من دينك، ولا تخاطر بمبادئك وتقدم النصح مثلما فعل أئمة الإسلام الزهري وابن تيمية وأحمد فعلوا ذلك. أيضاً: الدعاة كالأطباء يأتون مرضى الناس، والناس قريبون من الداعية، فهم على الفطرة، والرسول عليه الصلاة والسلام يجوب الأسواق والمنتديات ويصل إلى الطائف ويدخل سوق عكاظ، ويتكلم مع المنافقين ويصل إلى اليهود، ولكن صنف من الناس يريد أن يأتي الناس إليه في بيته ويطرقون عليه بيته. أنا أرى أن من النقص عند بعض المشايخ الأجلاء أنهم فوتوا وفرطوا وخسروا الجيل، خسروا الشباب صراحة، أيظن العالم أن من مهمته أن يبقى في بيته حتى نطرق عليه الجرس عشرين مرة، ثم يخرج نسأله عن مسألة في الطلاق والحيض فقط! أهذه مهمته في الحياة! ابن تيمية يا أخي! كان على الرصيف وفي المسجد، وفي السوق، وفي المعركة، ومع البقالين، أنا أريد العالم أن يكون مع الناس ومع العامة والأطفال والشباب في كل مكان، هذا هو العالم، العالم يتبسم، العالم يفرح أن يطرق بابه، ويرحب بهذا الجيل، ويحمد الله أن أتي إليه، وأنه حُبَّ في الله عز وجل. فأنا أقول: إن الكثير خسروا بسبب هذه الممارسات. أيضاً: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للرسول صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67] فعمم التبليغ، التبليغ ليس لطائفة فقط، كثير من المراكز الصيفية والمخيمات لا يدعى إليها إلا الملتزمون مع أنهم أصلاً جاهزون من قبل، الملتزمون مهيئون للطاعة، لكن من يذهب إلى المقاهي، وإلى المنديات، ونوادي الكرة، والمسرح، والملاعب، والقصور، والفلل؟ الدعاة المخلصون.

عدم تكليف الناس في عبادتهم

عدم تكليف الناس في عبادتهم من الواجب على العالم والداعية عدم تكليف الناس في عباداتهم، فلا نريد التنفير في الطاعة لا في إمامة المسجد، ولا في خطابة الجمعة، ولا في القراءة على الناس، ولا في تعليم الناس. يا أيها الإخوة: دعونا نتحاج إلى الكتاب والسنة، صلى معاذ رضي الله عنه وهو أفقه فقهاء الأمة، وهو عالم الأمة، فطول بالناس، قرأ سورة البقرة ظن أنه أحسن؛ لأنه يقرأ قرآناً ويكسب أجراً، فمل بعض الناس من الصلاة ورفضوا أن يصلوا معه، لأنهم لا يتحملون هذا التطويل وشكوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فغضب صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً حتى يقول جابر: {ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد غضباً منه في تلك الموعظة، وقال: أفتانٌ أنت يا معاذ! أفتانٌ أنت يا معاذ! أفتانٌ أنت يا معاذ} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يا أيها الناس! إن منكم منفرين، من صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم المريض والضعيف والكبير وذا الحاجة} وهذا درس للأئمة حتى لا يطيلوا على الناس، أتظن الناس على قلبك وقلب شباب الصحوة، رجل تاب من أسبوع، ورجل اهتدى من شهر، ورجل ترك الخمر أمس، ورجل كان يستمع الأغنية قبل الصلاة، فتريد أن تشده معك حتى يترك المسجد، اكسب الناس في صلاة التراويح، يبدأ بعض الأئمة والناس ملء المسجد، فشدد حتى ما بقي معه إلا صف فنقول: اتق الله واكسب الناس، وهذا منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: {إني لأدخل في الصلاة فأريد أن أطيل، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه} وفي سنن أبي داود قال عثمان بن أبي العاص الثقفي: {يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً} والشاهد: اقتد بأضعفهم. أيضاً: كان الرسول صلى الله عليه وسلم معاملته مع الثلاثة الذين شددوا على أنفسهم في العبادة، قال: {أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء , وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني}. رأى سعيد بن المسيب قوماً يصلون من الظهر إلى العصر -وهذا موجود في سير أعلام النبلاء في ترجمته- فقال له أحد العباد: ما شاء الله انظر يا أبا محمد! لهؤلاء الشباب يصلون من الظهر إلى العصر -معجب هذا الشيخ- قال سعيد بن المسيب سيد التابعين: لا، والله ليست هذه بالعبادة، إنما العبادة الكف عن محارم الله والتفكر في أمر الله، وهذه الذي بلغت سعيد بن المسيب هذا المبلغ. أما قضية أن يشد الإنسان على نفسه وعلى مجتمعه، فيكون نقمة عليهم حتى ينفرهم، فغير صحيح. أيضاً مثل: خطبة الجمعة لماذا تخطب ساعة في الناس؟ لماذا تعذب الناس ساعة كاملة ليستمعوا لك؟ هم ما جلسوا حباً فيك، لكنهم مجبرون على الجلوس؛ لأن وراءهم صلاة وبعضهم ساعة وربع! هذه محاضرة، ندوة، هذه أمسية شعرية، يقول- صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم من حديث عمار: {إن قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنة من فقهه}. أيضاً في الوعظ -وأنا طولت ما امتثلت لكن الله المستعان-!

سلامة الصدر وحسن الظن بالمسلمين

سلامة الصدر وحسن الظن بالمسلمين وفي الأخير أقول: المسلم سليم الصدر لا يسيء الظن حتى تظهر له البينات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ} [يونس:36] وفي صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم: {من قال: هلك الناس فهو أهلكهم} فلماذا نجعل الأصل في الإنسان سوء الظن؟ إذا تكلم بكلمة قلنا يريد كذا وكذا، فتقول أنت: لا، يريد أن يصلح، قال: لا، أنت ما تعرفه هو دائماً يريد السوء. أجل لقد فعل خيراً فاشكره على الخير، قال: لا، هو ما أراد إلا خبثاً ودهاءً ما أراد الخير. يقول عمر رضي الله عنه فيما صح عنه: [[من وجد لكلام المسلم محملاً فليحمله على أحسن العذر، أو على أحسن المحامل]] أو كما قال، ويقال: التمس لأخيك عذراً ما وجدت له محملاً. أيضاً: من مميزات المسلمين أنهم لا يسارعون في الحكم على الناس بالأحكام الجائرة: كالتفسيق، أحذركم منه وأحذر نفسي، رمي الناس بالتكفير وهذا قليل فينا ونادر -والحمد لله- لكني أخشى أن يتطور الحال إلى أن يصل إلى هذا المستوى بقلة علم أو فقه في دين الله عز وجل، فالأحكام الجائرة لا تخدم هذا الدين، واتهام الناس في نياتهم، وحمل كلام الناصح على أنه يريد السوء، أو الفوضى، أو أنه متطرف، أو أنه يريد أموراً الله أعلم بها، ليس هذا بصحيح، وهذا من الجهل ومن سوء التقدير. فأسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يرحمنا وإياكم، وأن يجمع قلوبنا على الحق، وأن يصلح الراعي والرعية، وأن يهدينا وولاة الأمر إلى ما يحبه ويرضاه، ونسأل الله أن يبقي من في بقائه صلاح للإسلام والمسلمين، وأن يهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلنا مبشرين لا منفرين، وميسرين لا معسرين، وأن يهدي على أيدينا أمماً من الناس، ولا يرد بسببنا أمماً من الناس {لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم} وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الفرج بعد الشدة

الفرج بعد الشدة في غزوة تبوك دروس وعبر عظيمة، أظهرت بجلاء صدق الصحابة وبلائهم وكذب المنافقين وخورهم، وفيها من الفوائد الشيء الكبير. والشيخ تطرق إلى هذا الموضوع مستخرجاً الكثير من الفوائد والأحكام.

غزوة تبوك والتهيؤ لها

غزوة تبوك والتهيُّؤ لها الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد: تجهز صلى الله عليه وسلم لغزوة تبوك - وغزوة تبوك كانت في حرارة الصيف، وفي شدة الحر وفي وهج الشمس- فخرج إليها صلى الله عليه وسلم، ونادى في الناس، فخرج معه ما يقارب الثلاثين ألفاً من أصحابه رضوان الله عليهم، وقبل المعركة أراد صلى الله عليه وسلم أن يجهز الجيش، فما وجد عليه الصلاة والسلام مالاً، فصعد المنبر ودعا إلى التبرع ورغب في البذل والعطاء: {من يجهز جيش تبوك وله الجنة؟ فوقف عثمان بن عفان وقال: أنا يا رسول الله، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم اغفر لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راضٍ، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وخرج صلى الله عليه وسلم، ولكن لما خرج في حرارة الصيف نظر بعض الصحابة فرأوا أن الثمار قد دنت في المدينة ورأوا أن الراحة في البيوت أحسن من الحر فجلسوا. والذين تخلفوا عن الغزوة ثلاثة وثمانون رجلاً، لم يسجلهم صلى الله عليه وسلم في كتاب، ولم يكتبهم في ديوان، أما ثمانون فكذبوا على الله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:49] والرسول عليه الصلاة والسلام كان يمشي مع أصحابه مشياً على الأقدام، في حرارة الصيف، وفي ظمأ ونصب وجوع، ومشقة لا يعلمها إلا الله. ثم جاء الجد بن قيس أحد المنافقين، فقال: {يا رسول الله! ائذن لي ألا أخرج معك إلى تبوك، قال: ولماذا؟ قال: أنا رجلٌ مفتون، فإذا رأيت بنات بني الأصفر افتتنتُ} أي: بنات الروم، وهو كذب على الله، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:49] وقال المنافقون يوصي بعضهم بعضاً: {لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} [التوبة:81] اطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتأخر، لا تنفروا في الحر، فرد الله عليهم: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً} [التوبة:81]. فخرج عليه الصلاة والسلام، وكان كعب بن مالك صادق الإيمان لكنه تخلف. يقول عن نفسه: قلت: أتهيأ غداً وألحق بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه خطيئة {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [التوبة:120] كيف يخرج رسول الهدى عليه الصلاة والسلام ويتخلف هؤلاء؟! هذا خطأ لا يقر. فتخلف رضي الله عنه، يقول: أتهيأ غداً، وذهب صلى الله عليه وسلم فلما أصبح في الصحراء، يقول: فقمت غداً لأتهيأ فثبَّطني الشيطان فجلست، ومشى عليه الصلاة والسلام حتى اقترب من تبوك فنزل في الجيش وهو ما يقارب الثلاثين ألفاً، ولما نزل قبل تبوك نزل عند شجر بجيشه العظيم عليه أفضل الصلاة والسلام، وفي أثناء الجلوس قال للصحابة: أين كعب بن مالك؟ -لم يذكره صلى الله عليه وسلم إلا عند تبوك - فقال رجلٌ من بني سلمة -من قرابة كعب بن مالك؛ يا رسول الله! حبسه برداه ونظره في عطفيه، فانبرى له معاذ رضي الله عنه وأرضاه سيد العلماء الذي يأتي أمامهم يوم القيامة برتوة- فقال: لا والله ما قلت خيراً، والله ما علمنا فيه إلا خيراً، والله ما علمناه إلا صادقاً مجاهداً، فسكت عليه الصلاة والسلام ولم يعلق على الحادث. وبينما الرسول صلى الله عليه وسلم جالس تحت الشجر وإذا برجلٍ أقبل كالصقر على ناقة، فقال صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة، فاقترب الرجل فإذا هو أبو خيثمة -وهو أحد المجاهدين الكبار في الإسلام- وسأل صلى الله عليه وسلم فقال: أين أبو ذر؟ قالوا: تخلف يا رسول الله! قال: إن يرد الله به خيراً يلحق بنا}. وأبو ذر مسكين فقير، يحشر يوم القيامة مع عيسى بن مريم، زاهد ليس عنده إلا جمل قحل هزيل، أتى بهذا الجمل فركبه فرفض الجمل أن يقوم وبرك على الأرض، فأخذ أبو ذر متاعه على كتفه ومشى في الأرض ليلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم، وبينما هم جلوس وإذا بـ أبي ذر يطل عليهم ويمشي في آخر الصحراء فقال عليه الصلاة والسلام: كن أبا ذر، فاقترب فإذا هو أبو ذر، قال: رحمك الله يا أبا ذر! تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك. وانتهى صلى الله عليه وسلم من الغزوة، لكن كعب بن مالك واثنان معه: هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وهؤلاء الثلاثة صدقوا لكن تخلفوا بلا عذر، أخذتهم من الهموم والغموم ما لا يعلمه إلا الله، قال كعب: {فكنت في غياب الرسول عليه الصلاة والسلام أخرج في الأسواق فلا أرى إلا منافقاً، أو شيخاً كبيراً عذره الله أو طفلاً أو امرأة، فأزداد هماً إلى همي، قال: وسمعت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقبل من تبوك إلى المدينة} الآن يتهيأ بحجج، وبراهين، ماذا يقول للرسول صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يتكلم معه؟ وما هو عذره؟ إن كذب فسوف يكذبه الله من السماء بالوحي، وإن صدق فسوف يهلك، في الأخير قال: لما أقبل الرسول صلى الله عليه وسلم حضرني بَثِّي -ما معنى بَثِّي؟ البث: أشد الحزن، قال تعالى: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86]- قال: حضرني بَثِّي وغمي وعلمت أني لا أخرج من غضب الله ولا من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالصدق، قال: فلما نزل صلى الله عليه وسلم المدينة بالجيش توضأ وبدأ بالمسجد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، فصلى ركعتين، ثم جلس للناس يفتيهم ويأخذ أخبارهم ويستقبلهم ويسلمون عليه ويرحبون به لأنه غاب عليه الصلاة والسلام ما يقارب شهراً أو أكثر، فصلى عليه الصلاة والسلام ركعتين ثم جلس.

صدق كعب بن مالك وصاحبه، والأمر بمقاطعتهم

صدق كعب بن مالك وصاحبه، والأمر بمقاطعتهم قال كعب بن مالك: {فتقدمت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فلم أدْرِ هل رَدَّ عليَّ أم لا! ووضع يده في يده} حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقماتٍ قوله القيل {فقال لي: يا كعب بن مالك! ما تخلف بك؟ أما كنت ابتعت ظهرك؟ فقال كعب: والله يا رسول الله! لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من غضبه بكلام، إني رجل شاعر، وإني قد أوتيت جدلاً -أي: رجلٌ فصيح يستطيع أن يتكلم- لكن يا رسول الله، لئن غضبت عليَّ اليوم في صدقٍ أقوله أرجو من الله عز وجل أن ترضى عني غداً، قال: قم حتى يقضي الله فيك وفي صاحبيك، فقام رضي الله عنه وأرضاه لا يكاد يرى الطريق من الهم والغم، فلحقه قرابته من بني سلمة، قالوا: كلنا اعتذر إلا أنت ما أحسنت تعتذر، فعد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأحسن واعتذر بعذر، فقال رضي الله عنه وأرضاه: والله ما زالوا بي حتى أردت أن أعود فأكذب نفسي عند الرسول صلى الله عليه وسلم -لكن عصمه الله- قال: فسألتهم هل معي أحدٌ وقع في مثل ما وقعت فيه من التخلف؟ قالوا: معك رجلان: هلال بن أمية ومرارة بن الربيع، قال: فذكرا لي رجلين من أهل بدر صالحَين، قلت: لي بهم أسوة قال: فخرجت من المسجد، وقام عليه الصلاة والسلام في أهل المدينة رجالاً ونساءً وأطفالاً وقال: لا تكلموا الثلاثة: كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع} فمنع صلى الله عليه وسلم الناس من كلامهم، قال كعب بن مالك: {فتغيرت لي الأرض التي كنت أعهد، فوالله ما هي التي كنت أعرف، وضاقت عليَّ الدنيا بما رحبت، كما وصف الله ذلك، وأظلم في عينيَّ كل شيء} لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجساد بالعلل واستمر الصحابة لا يتكلمون مع كعب، تأتي امرأته فتصنع له الطعام وتعطيه إياه، ولا تلتفت إليه، إذا أتى يأكل أعطته ظهرها؛ لأنها تريد أن تقاطعه، فالولاء والحب والبغض والعطاء والمنع لله، يقول لامرأته: اسقيني، فتأخذ الماء في الإناء وتعطيه إياه وهي لا تلتفت إليه؛ لأنه رجل تخلف وعصى الله ورسوله، ينزل إلى السوق فيسلم على الصحابة لا يكلمه أحد، يذهب إلى أقاربه فلا يفتحون له الباب، لا يزوره أحد، هذا هو مستوى المجتمع الذي رباه صلى الله عليه وسلم، قال: [[فضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، فتسورت حائط ابن عمي أبي قتادة -وأبو قتادة هذا فارس الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ممنوعٌ أن يدخل من الباب فأتى من الجدار، فهو ابن عمه ويريد أن يكلمه- قال: فتسورتُ الجدار واقتحمت عليه البيت فدخلت، قلت: يا أبا قتادة! أسألك بالله! هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فلم يكلمني، قلت: يا أبا قتادة! أسألك بالله! هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فلم يجبني، فسألته في الثالثة ودمعت عيناي، فقال: الله ورسوله أعلم، قال: فعدت من الجدار]]. وبعد أن تمت لهؤلاء الثلاثة أربعون ليلة أرسل صلى الله عليه وسلم إليهم أن اعتزلوا نساءكم. انظر إلى الشدة، وانظر إلى الكرب الشديد، وانظر إلى الزلزلة التي لا يعلمها إلا الله، إنسان يرى أن الله من السماء قد غضب عليه بسبب معصية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قاطعه، وأن الصحابة لا يكلمونه، أين شعوره؟ وأين أشواقه؟ وأين حياته؟ وأين صبره؟ قال: {فرفض الناس تكليمنا ولما تمت لنا أربعون يوماً أمر صلى الله عليه وسلم أن نعتزل النساء، فأتت امرأة هلال بن أمية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله! ماذا أفعل؟ قال: اعتزلي هلالاً، قالت: يا رسول الله! هلال شيخٌ كبير، والله ما زال يبكي منذ تخلف عنك إلى اليوم، والله ما يأكل من الطعام إلا قليلاً}.

رسالة ملك غسان لكعب بن مالك

رسالة ملك غسان لكعب بن مالك قال كعب بن مالك: كنت أنا أشب القوم -كان أصغر الثلاثة- فكنت أنزل إلى الأسواق فلا يكلمني أحد، أسلم فلا يردون، قال: بينما أنا بالسوق إذا بنبطي -النبطي هذا يبيع ملابس، وقد أتى من الشام، وهو أعجمي أرسله ملك غسان برسالة إلى كعب بن مالك يريد أن يغرق بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: ففتحت الرسالة -وكان كعب يقرأ- فإذا هي من ذاك الملك يقول: لم يجعلك الله بدار مضيعة، وإنا سمعنا أن صاحبك قد جفاك، فالحق بنا نواسِك -يقول: الحق بنا واترك الدين؛ فإن صاحبك محمداً صلى الله عليه وسلم جفاك- قال كعب: فقلت: هذا من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرتها -التنور هو الكانون، سحرتها أي: أحرقتها. ثم لبث في بيته حتى تمت خمسون ليلة. وقد يقال الثمانون؟ أما تخلف ثلاثة وثمانون، ثلاثة يعيشون المرارة والأسى واللوعة والقلق والاضطراب، وثمانون أين هم؟ الثمانون منافقون جميعاً، عفا عنهم صلى الله عليه وسلم وما عاتبهم؛ لأن هؤلاء منافقون، وحسابهم على الله ولا ينفع فيهم الهجر، فهو كافر فكيف يعاتبه صلى الله عليه وسلم؟ أما كعب بن مالك وصاحباه فإن فيهم خير وإيمانٌ وجهاد وصدق، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث. فقد أساءوا لكنه صلى الله عليه وسلم يمحصهم بالعتاب، والعتاب فيه مرارة، حتى يقول كعب بن مالك: {كنت أنزل فأحضر الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم -صلاة الفريضة- قال: إذا أتيت وهو يصلي سلمت عليه، وقال: وإذا كان جالساً سلمت عليه، فوالله لا أدري هل يرد عليَّ السلام أو لا، قال: فإذا سلمت من صلاتي أقبل على شأنه عليه الصلاة والسلام، فإذا قمت أصلي التفتَ إليَّ عليه الصلاة والسلام} وتصور الصورة، الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يعاتب ويربي أحد تلاميذه الأخيار الأبرار الصادقين مع الله- يقول: إذا قمت أصلي النافلة أتى صلى الله عليه وسلم ينظر فِيَّ ويتفقد حالي ويمد بصره فيَّ، قال: {فإذا سلمت رجع عليه الصلاة والسلام ونكس رأسه}. فلما تمت لهم خمسون ليلة أتى الفرج من الله، من فوق سبع سماوات، ليس من أحد، وإنما من الله. أما المنافقون فالله يقول: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43] يقول: ما لكَ تعفو عنهم وهم قد كذبوا على الله وخانوا شرعه، وعطلوا الجهاد في سبيله؟! فلماذا تعفو عنهم؟! إنما عفا عنهم صلى الله عليه وسلم، فعفا الله عنه ثم عاتبه. فتمت خمسون ليلة وأتى العفو من الله عز وجل، قال تعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:118].

توبة الله على كعب وصاحبيه

توبة الله على كعب وصاحبيه قال كعب: {فصليت الفجر على بيتي} كان بيته في سلع وسلع جبلٌ في المدينة قريب من مسجده صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر: {إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج من المدينة} أي: إذا تطاول الناس بالبنيان والعمران وبلغَتْ جبل سلع فاخرج من المدينة، فلما بلغ البناء سلعاً خرج أبو ذر إلى الربذة. فصلى كعب بن مالك صلاة الفجر مكانه، قال: {ولما سلمت من الصلاة، وإذا برجلٍ على فرس أقبل يريد أن يبشرني وبرجلٍ آخر على قدميه على جبل سلع} يعني: الذي يمشي على رجليه صعد الجبل، والفارس أتى من الوادي يريدان جميعاً أن يبشراه، وهذه شيمة المؤمن أنه يفرح لأخيه ويبشره إذا وقع ما يسره، وأن يقدم له ما يفرحه؛ فإن هذا من عمل الخير ومن شيم المؤمنين، قال: {فسبق صوت ذاك الرجل الذي على الجبل - فقد أراد الفارس أن يسبقه بالفرس، لكن ذاك صاح- وقال: يا كعب بن مالك! أبشر بتوبة الله عليك، أبشر بخير يوم منذ ولدتك أمك، قال: فسجدت لله شاكراً} وهذا سجود الشكر. وإذا الحسن همى فاسجد له فسجود الشكر فرض يا أخي وحسان الكون لما أن بدت أقبلت نحوي وقالت لي إليَّ فتعاميت كأن لم أرها حينما أبصرت مقصودي لدي والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسجد سجود الشكر إذا أتاه ما يفرحه ويسره عليه الصلاة والسلام، وفي إحدى المرات نزل صلى الله عليه وسلم من على الدابة وسجد على الأرض والحديث حسن، فقال سعد بن أبي وقاص: {ما لك يا رسول الله؟ قال: أخبرني جبريل الآن أن الله يقول: لا يصلي عليك رجلٌ صلاة إلا صليت عليه بها عشراً} فسجد عليه الصلاة والسلام من هذه النعمة، وأتاه كتابٌ من علي من اليمن يبشره أن قبائل همدان قد أسلمت، فسجد عليه الصلاة والسلام شاكراً لله، وقال: {السلام على همدان، السلام على همدان، السلام على همدان} وللفائدة: لا يشترط في سجود الشكر الوضوء، بل إذا أتاك ما يسرك ويفرحك فضع رأسك فرحاً لله عز وجل، خاصةً في الأمور الدينية، وتأتي الأمور الدنيوية تبعاً، لكن بعض الناس لا يظن أنه انتصر إلا إذا حصل على وظيفة أو منصب أو مال أو سيارة أو قصر، أما أمور الدين فلا يحسب لها ذلك الحساب: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] فسجد رضي الله عنه ورفع رأسه. قال: {وكان عندي ثوبان} وهم فقراء، وغنيهم قد يعادل فقيرنا اليوم، هو من أحسن الحال، عنده ثوبان وهو يحمد الله عز وجل على أن عنده ثوبين، لكن عند بعضنا اليوم ثلاثين ثوباً، عشرة زرق وعشرة بيض وعشرة صفر، وللعيد ثياب، وللأضحى ثياب، وللعرس ثياب، وللجمعة ثياب، بذخ، أما عنده فقال: {كان عندي ثوبان -وفي رواية البخاري كان عندي إزارٌ ورداء- قال: فلبست لباساً قديماً ثم أعطيت هذا المبشِّر} من بشرك بشيءٍ فلك أن تعطيه شيئاً من المال، فلا يكون الإنسان جافاً مثل الحجر صلداً، لابد من شيء، قال: {فلما بشرني خلعت له ثوبي ولبست ثوباً قديماً وسلمت له الثوب -هذا جزاء البشارة- وذهبت إلى ابن عمي، فاستعرت منه ثوباً فلبسته} لبس ثوباً جديداً ليلقى به الرسول صلى الله عليه وسلم. ومضى إلى المدينة، إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم حوله أصحابه، وهو جالس وسطهم كالبدر يقول شوقي: لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم يقول: مثل هؤلاء مثل النجوم إذا حفت بالقمر ليلة البدر أو مثل الجنود إذا حفوا بالعلم، فالعلم محمد عليه الصلاة والسلام، والقمر محمد عليه الصلاة والسلام، والجنود أصحابه، والنجوم أصحابه. أتى كعب رضي الله عنه وأرضاه مسرعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخل المسجد على الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {فإذا وجه الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه قطعة قمر، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سر بالأمر رئي وجهه يبرق من السرور} حتى قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: {كنت إذا رأيت وجه الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ أنظر إلى أسارير وجهه فأتذكر قول سويد بن كاهل: ومبرأ من كل غبر حيضة وفساد مرضعة وداء مغيل وإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل } ولذلك سر عليه الصلاة والسلام يوم تاب الله على أحد أصحابه، والتوبة لا يعادلها شيءٌ في الدنيا أبداً، والله ما قصور الدنيا، وملكها، وذهبها وفضتها تعادل توبة الله على العبد يوم يتوب على عبده الصالح ويعيده إليه!

حكم القيام للداخل

حكم القيام للداخل قال كعب بن مالك: {فلما دخلت قام لي طلحة بن عبيد الله -وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة- قال: والله ما قام لي من قريش ولا من المهاجرين غير طلحة} قام طلحة رضي الله عنه وأرضاه تكريماً لـ كعب بن مالك، واقترب منه وسلم عليه وصافحه، والقيام -للفائدة لما وصلنا هذه المسألة- للقادم على ثلاثة أضرب: قيام له، وقيام عليه، وقيام إليه. أما القيام عليه فهو محرم، كأن يجلس الجالس، ويقوم على رأسه أناس من باب التعظيم والتفخيم، فهذا محرم؛ لأنه فعل الأعاجم في ملوكهم، وفي الصحيحين من حديث أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا، وذلك عندما صلى جالساً صلى الله عليه وسلم ورأى أصحابه وقوفاً خلفه فأمرهم بالجلوس، وقال لهم بعد السلام: {كدتم أن تفعلوا كما تفعل الأعاجم بملوكها} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار} كأن يجلس الجالس في المجلس، ويدور الحديث ويقوم عليه بجنبتيه أو أمامه وخلفه رجال، هذا منهيٌ عنه في الإسلام، وهو الذي يسمى القيام عليه. أما القيام له: فإن كان للتعظيم وللتفخيم فهذا يلحق بالتحريم، وإن كان للتقدير ولإعطاء المسلم حقه فلا بأس بذلك، فإن من الحق أن تقوم للمسلم من باب التواضع ومن باب إعطائه حقه، لا كبراً ولا تعظيماً له ولا تفخيماً، جاء زيد بن حارثة فقام له صلى الله عليه وسلم وقبله، وصح أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت إذا دخلت على أبيها قام لها واحتضنها وقبلها وأجلسها مكانها، وكان إذا زارها في بيتها قامت إليه عند الباب واحتضنته وقبلته وأجلسته مكانها صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها وأرضاها، وجمعنا بهم في الجنة. وفي حديثٍ -في سنده كلام- أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه لما قدم من الحبشة قام له عليه الصلاة والسلام من بين الصحابة وقال: {لا أدري بأيهما أُسَر بقدوم جعفر أو بفتح خيبر وقَبَّل جعفر وأجلسه} أحد النبلاء من الأدباء رأى عالماً أقبل فقام الأديب، فقال العالم: لا تقم، فقال هذا الشاعر: قيامي والإله إليك حقٌ وترك الحق ما لا يستقيم وهل رجلٌ له لبٌ وعقلٌ يراك تجي إليه ولا يقوم وأما القيام إليه، فهو جائز بالإجماع، مثل أن تقوم إليه لتنزله أو لتعينه على شيء أو تفتح له الباب، أتى سعد بن معاذ سيد الأوس الذي اهتز له عرش الرحمن لما مات، وشيعه سبعون ألف ملك، قدم على حمار ليحكم بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين بني قريظة، وكان مريضاً مجروحاً من القتال، فلما أتى قال صلى الله عليه وسلم للأنصار: {قوموا إلى سيدكم، وفي رواية: فأنزلوه} فالقيام إليه جائز كما أسلفت. قال كعب بن مالك: {فقام لي طلحة بن عبيد الله، ووالله ما أنساها لـ طلحة} الإحسان ينفع حتى إلى الكلاب، يقول: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهم فطالَما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ كان المغيرة بن شعبة أحد الأمراء في قصره، فقال لحاجبه: لا تُدْخِل عليَّ أحداً، فأتى رجل صديق للحارس، قال: أريد الأمير المغيرة بن شعبة، قال: كيف؟ قال: أنا صديقك تمنعني قال: ادخل، فدخل قال المغيرة: أما قلت لك لا تدخل أحداً اليوم؟ قال: إنه صديقي وصاحبي فخجلت أن أمنعه، قال: [[أحسنت أصاب الله بك الخير، والله إن المعروف ينفع ولو في الكلب الأسود]] أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهم فطالَما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ يقول رجل أعرابي لـ ابن عباس: يـ ابن عباس! إن لي عندك يداً -أي: إني فعلت معك معروفاً، وقدمت لك مكرمة- قال ابن عباس: ما هي؟ قال: رأيتك في الحج في العام الأول، وأنت في الشمس فظللتك بكسائي فهذا الأعرابي رأى ابن عباس -عالم المسلمين ترجمان القرآن بحر الأمة وبحر القرآن- رآه في الشمس وهو حاج يفتي الناس وسط الحجيج كالغمام حوله يفتيهم، فأتى هذا البدوي بكسائه، فظلل ابن عباس، وابن عباس ما درى من ظلله، وبعد سنتين أتى الأعرابي يحاسب ابن عباس ويريد منه الأجرة، قال: إن لي عندك يداً، قال: ما هي؟ قال: رأيتك في العام الأول في الحج وأنت تفتي الناس، فأصابتك الشمس، فظللتك منها، قال ابن عباس: يا غلام! أعطه ألف دينار. الخير أبقى وإن طال الزمان به والشر أخبث ما استوعيت من زاد كان أبو جعفر المنصور الخليفة الجبار ثاني خلفاء بني العباس جالساً مع الأدباء والوزراء والأمراء، قال: ما أحسن الأبيات التي قالت العرب؟! فكلٌ أدلى ببيت، فقال: أحسن بيتٍ قالته العرب هو: الخير أبقى وإن طال الزمان به والشر أخبث ما استوعيت من زاد افعل الخير في أي رجل، يقول الحطيئة: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس اشترى عمر رضي الله عنه وأرضاه من الحطيئة أعراض المسلمين بألف دينار، وكان شاعراً هجاءً. مر الحطيئة برجل اسمه الزبرقان بن بدر على ماء، فأراد أن يضيفه الزبرقان بن بدر، وكان الزبرقان أميراً؛ لكنه كان بخيلاً، يمص الذباب وهو في الهواء، والحطيئة يخرج لسانه ويضرب أرنبة أنفه، وهذا لا يستطيعه كل الناس، ومن أراد أن يجرب فإذا عاد إلى بيته فليجرب، فـ الحطيئة لطول لسانه كان يضرب أرنبة أنفه بها، وقالوا عن حسان بن ثابت أيضاً أنه كان يضرب بلسانه أرنبة أنفه، يقول عليه الصلاة والسلام: {من يهجو المشركين؟ قال علي: أنا، قال: لا -لأن علياً لم يكن شاعراً بدرجة حسان -قال حسان: أنا يا رسول الله، قال: كيف؟ قال: عندي -يا رسول الله- لسانٌ لو وضعتها على حجرٍ لفلقه، ولو وضعتها على شعرٍ لحلقه، ثم أخرج لسانه وضرب أرنبة أنفه}. فـ الحطيئة مر بهذا الأمير، فطلب منه العشاء فما عشاه، فأتى بقصيدة مخزية مزرية، يقول في الأمير: دع المكارم لا ترحل لبُغيَتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي يقول: أنت خادم ولا تصلح أن تكون أميراً، لأن الأمير واجبه أن يضيف وأن يعطي وأن يبذل وأن يكون وجهه طلقاً سمحاً بشوشاً يعانق ويرحب. دع المكارم لا ترحل لبُغيَتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس أجمعت يأساً مبيناً من نوالكم ولا يرى طارداً للحر كالآسي أتى هذا الأمير وسمع القصيدة التي سارت في العرب -والعرب تتنقل فيهم القصائد كالهواء أو كالماء- فضاقت عليه الدنيا بما رحبت، فركب ناقته وذهب إلى عمر وخلع رداءه، وقال: [[لا أتولى ولاية، سبني الحطيئة، قال عمر: ماذا قال فيك؟ قال: يقول: دع المكارم لا ترحل لبغيتها فاقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي -وعمر يدري أنها تنزل على الكبد؛ لكن يريد أن يلطف الوضع- قال: لا أظن أنه سبك، يقول: اترك المكارم فإنك مطعم مكسي، وكلنا مطعم من الله ومكسي، قال: يا أمير المؤمنين! استدعِ حساناً -الذي يعرف- واسأله عن هذه القصيدة، فاستدعى حساناً، قال عمر: يا حسان! هل سبَّه؟ فقال حسان: لم يسبه -يا أمير المؤمنين- ولكنه سلح عليه، ليته سبه فحسب، لكنه سلح عليه. هذه قصة تطول، وإنما الشاهد فيها -بارك الله فيكم- القيام، وتكريم الوافد. فجلس كعب بن مالك بعد أن قام له طلحة بن عبيد الله، فقال عليه الصلاة والسلام: {أبشر يا كعب بخير يومٍ مر عليك منذ ولدتك أمك} قال كعب: فبكيت من الفرح. البكاء قسمان: بكاء حزن، وبكاء فرح، دمع الحزن حار، ودمع الفرح بارد، قال ابن القيم: يقول أحد الأولين: طفح السرور عليَّ حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني ومن هذا: المرأة، إذا سمِعَتْ بنجاح ولدها تبكي، لا تبكي لأنه رسب؟ بل تبكي فرحاً بنجاحه، وكذلك إذ رجع ولدها من سفر، فهذا يسمى دمع الفرح، أن يبكي الإنسان فرحاً وهو في غاية الفرح، ويقولون: إن صغار القلوب إذا أتاهم أمرٌ طامٌ ماتوا من كثرة الفرح، يصيب أحدهم سكتة فيموت. ذكر الجاحظ وغيره أن رجلاً من البخلاء ذهب إلى أحد الملوك، وكان هذا البخيل فقيراً وكان يظن أن الملك يعطيه عشرة دنانير أو مائة دينار أو ثوباً، أو أي شيء، فذهب فسأل الملك عطاء، فقال الملك: اصرفوا له عشرة آلاف دينار، هذه عشرة آلاف دينار ميزانية، فأتوا فأخبروا الرجل، قالوا: فجلس مرتعداً عند باب الملك وما مر عليه قليل حتى مات. لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار وهذا يقوله ابن القيم في كتابه الطب، على الإنسان أن يتدرج مع حبيبه خاصةً مع الأطفال في الفرح، فلا يعطيهم الفرح دفعة واحدة، يقول: كيف لو حصل كذا أو حصل كذا؟ وهذا نادر لا يحدث إلا لأهل الجشع، والطمع الذين يصابون بسكتات؛ لقلة الإيمان في قلوبهم، أما أهل الإيمان فسواء زادت الدنيا أو نقصت فأمرها سهل، بعضهم لا يتزعزع من المصائب ولو كانت كالجبال. قيل للأحنف بن قيس: [[ممن تعلمت الحلم؟ قال: تعلمت الحلم من قيس بن عاصم]] قيس بن عاصم هذا هو شيخ قبائل بني تميم، عنده عشرة آلاف رجل، إذا ناداهم حملوا عشرة آلاف سيف، لا يسألونه عما غضب، يقولون: إذا سمعوه ناداهم لمعركة قالوا: غضبت زبرة، وزبرة خادمة لـ قيس بن عاصم، فإذا ناداهم قيس بن عاصم، أخذوا السيوف لا يسألون عما غضب؛ هل هو محق أو مبطل، أو ظالم أو مظلوم! لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا ويروى عنه أنه قدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عليه جلالة ومهابة وعقل وسكينة، وهذه شارة المؤمن دائماً، فرآه صلى الله عليه وسلم فقال: {ما سمعت برجلٍ إلا كان أقل مما سمعت به إلا أنت يا قيس فكنت أعظم مما سمعت به} وقال: {هذا سيد أهل الوبر -أي: البدو- قال قيس: يا رسول الله! إنه قد رق عظمي، وشاب رأسي، ودنا أجلي فأوصني يا رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: يا قيس! إن مع الصحة سقما، ً وإن مع القوة ضعفاً، وإن مع الغنى فقراً، وإن مع العزة ذلة، يا قيس! إن معك قريناً تدفن معه وهو حي ويدفن معك وأنت ميت، وهو عملك فأقلل منه أو أكثر، فبكى وارتحل إلى قومه}.

الفرج يأتي بعد الشدة

الفرج يأتي بعد الشدة قال عليه الصلاة والسلام {يا كعب: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك -يوم تاب الله عليه- قال كعب: يا رسول الله! إن من توبة الله عليَّ أن أتخلع من مالي} يقول: من حق الله ما دام أنه قد تاب عليَّ وقبلني، فمن حق الله عليَّ أن أنخلع من مالي، وأتصدق به في سبيل الله. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {أبقِ عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك} وهذا مبدأ في الإسلام لابد أن يُتْنَبَه إليه، بعض الناس يمدح بعض الناس يقولون: لا يمسك درهماً ولا ديناراً! وورثته ومكسبه وأهله وأطفاله أين يذهبون؟! قال صلى الله عليه وسلم لـ سعد بن أبي وقاص: {إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس} فيقول رسول الله لـ كعب بن مالك: {أبقِ عليك بعض مالك، فهو خير لك؛ فإني أمسك سهي الذي بخيبر} وعاد كعب وقد فرح بعفو الله ورحمته ورضوانه، وكان له هذا فرجاً بعد الشدة، أي: أن الله فرج كربته بعدما اشتدت عليه الضوائق، قال الشافعي: ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج قال ابن عباس: [[لن يغلب عسرٌ يسرين]] قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5 - 6] وهنا Q كيف يقول ابن عباس: [[لن يغلب عسرٌ يسرين]] وهو قد ذكر في الآية العسر مرتين وذكر اليسر مرتين، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5 - 6] وابن عباس يقول: [[لن يغلب عسرٌ يسرين]] وكأن اليسر ذكر مرتين، والعسر ذكر مرة، كيف وقد ذكر العسر مرتين واليسر مرتين؟ و A لأن العسر معرف فهو واحد، وأما اليسر فَمُنَكَّر، فهو متعدد، فالعسر الثاني هو العسر الأول، أما اليسر الأول فغير اليسر الثاني، وهذه (ال) للعهد؛ فلذلك جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مع كل عسر يسرين، فإذا ضاقت بالعبد الكرب، فليمد يده إلى الله، ولا يسأل أحداً بتفريج كربته، فلا يفرج الكرب إلا الله قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:62] {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65]. ثم ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه لا يكشف الضراء إلا هو. والعرب تقول في الأمثال: (إذا اشتد الحبل انقطع)؛ أي: إذا اشتدت الكرب سهلها الله عز وجل.

ما يؤخذ من قصة كعب بن مالك

ما يؤخذ من قصة كعب بن مالك من حديث كعب بن مالك نأخذ أكثر من مائة فائدة، لكن أذكر ما تيسر من هذه الفوائد، منها:

التبكير بالسفر صباحا

التبكير بالسفر صباحاً ذُكر في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج صباحاً إذا أراد السفر، أي: بعد الفجر، وهذا درسٌ للمسلمين في أسفارهم أن يحرصوا على السفر بعد صلاة الفجر، للحديث الصحيح عن أبي صخر الغامدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بارك الله لأمتي في بكورها} رواه أحمد والترمذي وغيره، وهذا الحديث هو الوحيد لـ أبي صخر الغامدي، وهذه بشرى لآل غامد أنه وجد لهم حديث في مسند الإمام أحمد، وهذا شرفٌ عظيم، وذكر أهل السير في ترجمته أنه لما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {بارك الله لأمتي في بكورها} فكان يذهب بعد الفجر يتاجر حتى كثر ماله، فلا يدري أين يضعه. ومنها: أن السفر المرغوب يوم الخميس، فإنه ذكر كعب بن مالك أن الرسول صلى الله عليه وسلم سافر يوم الخميس، وكان غالباً ما يسافر صلى الله عليه وسلم يوم الخميس، والذي ينهى السفر فيه يوم الجمعة، وبعض أهل العلم على كراهية السفر يوم الجمعة، وبعضهم يقول: الكراهة والتحريم بعد الأذان الأول، إذا أذن الأذان الأول فلا تسافر، أما في صباح الجمعة فلك ذلك، لكن الأحسن أن يستقر العبد يوم الجمعة فيجعله للعبادة والغسل والتهيؤ للصلاة والذكر والتلاوة وتدبر القرآن؛ لأنه عيد المسلمين.

تفقد المسئول للرعية

تفقد المسئول للرعية ومن الدروس أيضاً: أن على المسئول أن يتفقد رعيته، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل في تبوك قال: {أين كعب بن مالك؟} فعلى المسئول وعلى راعي المدرسة ومديرها ورئيس الدائرة الحكومية أن يتفقد موظفيه، وأن يتفقد رعيته على حد تعبير الحديث صحيح: {كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته}.

فوائد الجرح والتعديل

فوائد الجرح والتعديل ومن الدروس أيضاً: أن يذكر ما يعلم في الشخص، وأن من المستقر عند أهل العلم أن الفاجر ليس له غيبة، وإذا استنصحت فعليك أن تنصح، والغيبة في مواطن جائزة؛ كأن يأتيك رجلٌ يستشيرك بأن يزوج ابنته رجلاً من الناس، وتعلم أن هذا الرجل فاجر أو تارك للصلوات، أو سكير، أو معرض عن الله، فحقٌ عليك أن تبين عيبه ولا تكتمه، لأن هذا ليس من الغيبة في شيء، وكذلك مما جوز أهل العلم جرح أهل الحديث بعضهم لبعض، كأن يقولوا: فلان كذاب أو ضعيف أو واهم أو سيئ الحفظ، هذا من العلم ومن السنة، وهم مأجورون على ذلك، ومنها إذا شاركت أحداً في تجارة فعليك قبل ذلك أن تسأل عن هذا: هل هو مؤتمن أم لا؟

الذب عن عرض الآخرين

الذب عن عرض الآخرين ومن دروس قصة كعب بن مالك: أن على المسلم أن يذب عن عرض أخيه، مثلما فعل معاذ رضي الله عنه وأرضاه، لما سمع كلاماً في كعب ذب عنه ودافع عنه، وقال: [[بئس ما قلت، ما علمنا إلا أنه يحب الله ورسوله]] وفي حديث يروى عنه صلى الله عليه وسلم: {من ذب عن عرض أخيه المسلم ذب الله عن عرضه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فحق على المسلم إذا سمع عن مسلم في مجلس من المجالس انتهاكاً لقيمته وكرامته ومكانته أن يرد وأن يذب، وأن يبين أن هذا خطأ وأن يخبر بمناقب هذا الشخص إذا علم أن فيه خيراً.

سنن في القدوم من السفر

سنن في القدوم من السفر وفيها من المناقب: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالمسجد إذا قدم من السفر، وكان يصلي فيه ركعتين، والبداية في السفر من هذا الحديث كانت في الضحى، أما إذا قدم عصراً فلا أرى أن يذهب إلى المسجد، لأنه وقت نهي، وكذلك بعد طلوع الفجر، إنما إذا قدم ضحىً فليبدأ في المسجد، وليكن متوضئاً، فيصلي فيه ركعتين، كما فعل عليه الصلاة والسلام، وصح عنه من حديث أبي قتادة عند البخاري ومسلم أنه قال: {إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين}. ومنها: أن يجلس للناس فيسلم عليهم ويسلموا عليه إذا قدم من سفر، وهذه من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم. ومنها: قبول عذر المعتذر، إذا اعتذر لك أخوك فاقبل عذره، واحمله على الظاهر، لا تقل: أراد كذا أو في نيته كذا، أو لم يصدق، أو كذب بل التمس له عذراً.

مشروعية هجر أصحاب المعاصي

مشروعية هجر أصحاب المعاصي ومنها -وهو أعظم درس- هجر أهل المعاصي، يقول الحسن البصري فيما رواه ابن أبي حاتم عنه: وذكره ابن حجر في فتح الباري يقول: [[يا عجباً! هؤلاء -أي: الثلاثة- ما سفكوا دماً، ولا قطعوا طريقاً، ولا أفسدوا في الأرض، ولا نهبوا مالاً، وقد وصل لهم من الجزاء ما تعلمون، فكيف بمن ارتكب الكبائر والفواحش؟!]] يقول: هذا فقط لأنهم تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كيف جزاء من ارتكب الفواحش والكبائر والعياذ بالله، فهجر أهل المعاصي من مذهب أهل السنة والجماعة، أما الذي أعلن بدعته فهَجْرُه مطلوبٌ؛ بل واجب، أو كالرجل الذي اشتهر عنه شهادة الزور، وهو كاذب يصرف الحقوق، ويموه على القضاة، ويخون على شرع الله، حقه أن يُهْجَر من المجتمع، ومثل مدمن المخدرات، والمدمن على سماع الغناء، والذي يخالف السنة في مظهره ومخبره فحقه أن يُهْجَر، وهجر أهل المعاصي من سنته عليه الصلاة والسلام، ويؤجر عليه العبد. أما الهجر الدنيوي فلا يجوز إلا لثلاث ليال، لحديث أبي أيوب عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: {لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث -أي: ثلاث ليال في الدنيا- يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام} وأما في أمور الآخرة فيهجر العصاة حتى يؤدبوا إذا كان الهجر أنفع لهم، لكن ابن تيمية يذكر مسألة وهي: إذا كان الهجر يؤدي بهم إلى زيادة الإعراض، أو كأن الداعية نفسه ضعيفاً، أو في مجتمع ينتشر فيه المفسدون فلا يشرع الهجر لأنك عندها تصبح وحيداً مضطهداً محتقراً، وظلموك واحتقروك، ومن أراد أن يراجع هذه المسألة فليراجعها في المجلد الثامن والعشرين من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في الحسبة وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الهجرة والجهاد.

من دلائل البشارة

من دلائل البشارة ومنها: أن على المسلم أن يبشر أخاه المسلم بالمبشرات، فإذا ولد له مولود، أو نجح ابنه أو أتاه خير أو سمع عنه ذكرٌ حسن، أو رئيت له رؤيا صالحة؛ لأن أهل الحسد وأهل الضغينة وأهل الحقد يكتمون الخير ويظهرون السوء، فإذا رأى أحدهم لأخيه المسلم خيراً أو سمع خيراً كتمه، وإذا سمع شيئاً يجرح عرضه أعلنه ونشره بين الناس، وهذا من شيم أهل الحسد -والعياذ بالله- والضغينة والحقد ومن شيم الذين أعرضوا عن منهج الله عز وجل. ومنها: أن على من بشر بشيء أن يعطي مكان هذا، لأن المسلم كريم يبذل ويعطي.

أسعد أيام المسلم هو يوم توبته إلى الله

أسعد أيام المسلم هو يوم توبته إلى الله ومنها: أن خير أيام المسلم يوم يتوب إلى الله، لكن كيف يقول عليه الصلاة والسلام: {يا كعب! أبشر بخير يومٍ مر عليك منذ ولدتك أمك} مع العلم أن إسلام كعب خير يوم، وهو قد تاب فكيف نجيب على هذا؟ يجيب أهل الحديث على ذلك، فيقولون: خير يومٍ مر عليك منذ ولدتك أمك بسبب إسلامك، أي: أنه بسبب إسلامك ذلك اليوم أتى لك خير يوم، وهذا تكلف. وأجاب آخرون وقالوا: هذا اليوم يوم الإسلام ويوم التوبة يجتمعان ليصبحا يوماً واحداً، فهو خير يوم ولدتك فيه أمك، أو مر عليك منذ ولدتك أمك، يوم تبت وعدت إلى الله، وكعب بن مالك لم يحضر بدراً وإنما حضر بيعة العقبة، يوم بايع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه البيعة الكبرى.

وقفات مع بيعة العقبة

وقفات مع بيعة العقبة لابد أن أقف مع بيعة العقبة وقفات لأنها تسمى: البيعة الكبرى. كان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على قبائل العرب، وكان يمر على السوق فيقول: من ينصرني؟ يقول لبني شيبان: انصروني، وامنعوني مما تمنعون به نساءكم وأطفالكم ولكم الجنة فيقولون: لا نستطيع، يمر على القبيلة الأخرى فيعرض نفسه عليه الصلاة والسلام فيعتذرون، وكل قبيلة تعتذر لماذا؟ لأنهم يقولون: لو أننا نصرناه لحاربَتْنا العرب عن وتيرة واحدة. ويوم أراد الله أن يرفع الأنصار جعلهم أنصار الرسول صلى الله عليه وسلم، فأتى عليه الصلاة والسلام في العقبة ليبايع الأنصار، قال عبدالله بن رواحة: {يا رسول الله! على ماذا تبايعنا؟ قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأطفالكم وأموالكم، قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا عند الله؟ -أي: ماذا تعطينا من مكافأة إذا نصرناك وآويناك وجاهدنا معك؟ - قال: لكم الجنة، قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل}. يقول ابن القيم معلقاً على هذه البيعة: {البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا فقد وجب البيع} ولذلك أعلنوا بيعتهم رضوان الله عليهم، وكانوا ينتظرون متى يسلمون أرواحهم رخيصة في سبيل الله. وأنا أذكر نماذج الأنصار كما فعل ابن حجر لما شرح هذا الحديث، عرض لبعض النماذج باستطراد ليثبت أن الأنصار بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الجهاد، كانوا يحضرون المعركة وهم ينشدون ويترنمون ويقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا من أبطالهم: أبو دجانة، سلم نفسه في أحد للبيعة، لكنه ما قتل ذاك اليوم، أتى إلى المعركة فوقف عليه الصلاة والسلام قبل المعركة، فمد سيفه صلى الله عليه وسلم، قيل: ذو الفقار، وقيل: غيره، قال: {من يأخذ هذا السيف؟ فمد الصحابة أياديهم كلهم يريد أن يأخذ السيف، قال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فسكنت الأصابع وهدأت الأصوات، وقام أبو دجانة وقال: أنا آخذه يا رسول الله بحقه، فما هو حقه؟ قال: حقه أن تضرب به في الأعداء حتى ينحني -فما قال: تضرب به فحسب، وإنما تضرب به حتى ينحني- فلما أخذه أخرج عصابة حمراء من جيبه، وشد رأسه وقال: أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل ألا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسول فلما أخرج عصابته الحمراء سكت الأنصار وقالوا: أخرج أبو دجانة عصابة الموت!} يسمى هذا خطر ممنوع الاقتراب قال أنس: فتتبعت أبا دجانة فكان يفلق بالسيف هامات الكفار حتى أتى بالسيف في العصر وقد انحنى. سبحان الله! سيف ينحني؟ يقول النابغة الذبياني يمدح الغساسنة فيقول: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب تخيرن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم جربن كل التجارب يقول: من أزمان جداتهم وسيوفهم معهم، لا عيب فيهم إلا أن أسيافهم مثلمة، وهذا يسمى عند أهل البلاغة: المدح بما يشبه الذم. كان عكاشة في معركة بدر يضرب بالسيف حتى تكسر، وما تبقى منه إلا المقبض، فأخذ صلى الله عليه وسلم عوداً من خشب، وقال: خذ هذا السيف بارك الله لك فيه، فهزه صلى الله عليه وسلم فتحول سيفاً بإذن الله -وقد ذكر هذه القصة ابن القيم وابن هشام وابن إسحاق - هز الخشب عليه الصلاة والسلام فأخذه عكاشة وقاتل به، وبقي معه حتى قال أهل العلم: دفن معه في القبر. وحضر قتادة بن النعمان معركة أُحُد، وهو من الذين بايعوا النبي عليه الصلاة والسلام يوم العقبة، فلما حضر المعركة رميت عينه اليمنى فسالت عينه على خده، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: باسم الله، ثم أعادها مكانها وأرجعها عليه الصلاة والسلام، فكانت أجمل من العين الأخرى} حتى يقول ابنه لما يمتدح: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد ومن أهل الأنصار من أهل بيعة العقبة: عبد الله بن عمرو الأنصاري حضر في معركة أُحُد فباع نفسه من الله، وقال: اللهم خُذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى، فسلم نفسه من الله فقتل، ضرب أكثر من ثمانين ضربة، حتى يقول صلى الله عليه وسلم لابنه جابر: {ابكِِ أو لا تبكِ، فوالذي نفسي بيده، ما زالت الملائكة تظلل أباك بأجنحتها حتى رفعته، وقد كلمه الله كفاحاً بلا ترجمان} هذه قصص استعرضتها لما قال كعب بن مالك إنه من أهل بيعة العقبة، أما الدرس فعنوانه (الفرج بعد الشدة) أي: أنها إذا اشتدت الشدائد واحتكمت الضوائق فلا يفرجها إلا الله عز وجل. لأحد أهل اليمن وهو شاعر يمني عظيم، له قصائد طويلة. فـ ابن دريد يقول: يا ظبيةً أشبه شيء بالمها ترعى الخزامي بين أشجار النقا فعارضه اليمني هذا بقصيدة في العقيدة كأنها قذائف من القِلب يقول: سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجا يقول ابن الجوزي في صفة الصفوة: "لا يفرج الكرب إلا الله، ولا يرزق إلا الله". وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وكتابات ابن تيمية تدور حول العبادة والرزق، وكشف الضر من الله عز وجل. يقول ابن الجوزي في قصته: "مر رجلٌ فرأى عصفوراً ينقل لحماً إلى نخلة، قال الرجل: فتعجبت لأن العصفور لا يعشعش النخل، فصعدت النخلة فوجدت في النخلة حية عمياء، قال: إذا أتى العصفور باللحم صوَّت العصفور، وترنم بصوته، ففغرت فاها وهي عمياء، فألقى في فمها اللحم وعاد، فعلمت أنه لا يرزق إلا الله الواحد الأحد". وعلى سبيل المثال عندما استطردنا في ذكر الحيوانات يذكر ابن القيم في مفتاح دار السعادة قصة أرويها على ذمة ابن القيم وهي قصة النملة المشهورة، لكن لا بأس بتكرارها. كرر العلم يا جميل المحيا وتدبره فالمكرر أحلى قص ابن القيم علينا قصة يقول: كانت هناك نملة خرجت من جحرها تطلب الرزق، والله عز وجل يتجلى في خلق النملة ويتجلى في خلق النحلة، ويتجلى في كل شيء قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6] {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] كلها تدل على الواحد الأحد. قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطِبِّه أرداكَا! قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب مَن عافاكَا! والنحل قل للنحل يا طير البوا دي ما الذي بالشهد قد حلاكَا! وإذا ترى بالثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاكَا! واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكَا! يقول: جلس رجلٌ عند بيت نملة، وكان هناك رجل جرادة بجانب بيت النملة، فخرجت النملة فوجدت رجل الجرادة، فحاولت أن تزحزحها وتسحبها إلى بيتها فما استطاعت، فعادت تأخذ نقالات وحمالات؛ لأن النمل ثلاثة أقسام: ملكة، وهذه لا تشتغل وإنما تصدر الأوامر ولها عاملات حولها وخدم، وهناك شغالات همها تبني خلايا البيض والبيوت وتصلح الأعشاش، وهناك خدم عمال، وهؤلاء جنودٌ متطوعون يأتون بالرزق، ذلك من حكمة الواحد الأحد، ذلك خلق الله، قال تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:11] وقال سبحانه: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:73] خرجت فحاولت أن تجر رجل الجرادة فما استطاعت، فعادت فأخبرت الشغالات أو الخدم، ففي أثناء عودتها ومعها ما يقارب الثلاثين نملة فأتى الرجل، فرفع رجل الجرادة، فبحثوا في المكان فما وجدوا شيئاً فعادوا، ووقفت النملة وحدها مكانها، فلما رجع البقية أعاد لها رجل الجرادة، فحاولت أن تسحبها ولكنها لم تستطع، فعادت فكلمتهم فأتوا، فرفع رجل الجرادة، فبحثوا ولم يجدوا شيئاً فرجعوا، ثم وضع الرِجل، فأتت تسحب فما استطاعت، فعادت فكلمتهم فأتوا فرفع الرجل فما وجدوا في المكان شيئاً، قال: فتحلقوا على هذه النملة فقطعوها إرباً إربا". ذكرها ابن القيم في مفتاح دار السعادة، والعهدة على ابن القيم وهو ثقة عند أهل السنة والجماعة. والذي يؤخذ من هذا: أن الفرج من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولا يفرج الكرب إلا هو تبارك الله رب العالمين. من ضمن هذه الكرب التي مرت قصة أكررها كثيراً، لكن لا بأس بإيرادها: يقول ابن القيم في كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي "كان هناك رجل تاجر وخرج في تجارة، فعرض له أحد قطاع الطرق، فلجأ إلى الله فأنجاه الله". وهناك قصة إبراهيم عليه السلام حينما أرادوا أن يلقوه في النار، تقطعت به الأسباب، وتقطعت به الحبال إلا من ذي الجلال والإكرام، أتاه جبريل فقال لإبراهيم: "ألك إليَّ حاجة؟ قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم" والصحيح أن الإنسان يلجأ لا إلى جبريل ولا إلى ميكائيل ولا إلى إسرافيل ولا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء لا ينفعون ولا يضرون ولا يشافون ولا ينجحون ولا يرزقون ولا يشفون، وإنما يفعل ذلك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3].

الأسئلة

الأسئلة

حكم استقدام العمال غير المسلمين

حكم استقدام العمال غير المسلمين Q أرجو منكم إيضاح مسألة العمال الذي يتم استقدامهم إلى هذه البلاد، ولا يهتم من يستقدمهم بمتابعتهم وحثهم على إقامة الصلاة؟ A كلمني في هذه المسألة كثير من الإخوة، وأنا أتوجه بهذا النداء إلى رجال الأعمال وأهل المؤسسات أن يتقوا الله عز وجل، وأخاطبهم بمسألتين: الأولى: ألا يستقدموا إلا مسلماً، فإنه انتشر الآن أنه لا يهم رجل العمل ولا صاحب المؤسسة استقدام مسلم أو كافر، حتى أصبح أكثر العمال الآن هنديين بوذيين وأمثالهم من أعداء الله عز وجل الذين لا يعترفون بدين الإسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه قال: {أخرجوا اليهود من جزيرة العرب} وفي لفظٍ: {أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يجتمع في جزيرة العرب دِينان} وقد نبه كبار العلماء على هذه المسألة أكثر من مرة، لكن من يعي؟ هناك من لا يعي، ولا يهتم إلا بمصلحته سواءٌ أقام الدين أو هدمه. كتب أبو موسى إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه، إن عندي رجلاً نصرانياً كاتباً حاذقاً فهل أستكتبه عندي في الإمارة؟ فكتب له عمر: [[قاتلك الله! أتقرب من بعَّد الله، وتوالي من عادى الله، وتحب من أبغض الله؟ لا تقربهم ولا تتخذهم كتبة]] فمثل هذا لا يجوز للمسلم أن يستقدم كفرة غير ديانة الإسلام. وإذا استقدم مسلمين فليشترط عليهم شروطاً في العقد، إقامة الصلاة في المساجد؛ لأن هجر المساجد التي نشهده في أمكنتنا وخاصةً في هذه المنطقة أرى أن المسئول عنها رجال الأعمال وأهل المؤسسات، يستقدم أحدهم مئات العمال ثم يتركهم يدرجون كالبهائم، لا يدري هل صلوا؟ هل حافظوا على أوامر الله؟ لابد أن يشترط عليهم هذه الشروط، وهذه صرخة أتوجه بها إلى هذا الصنف هداهم الله ووفقهم الله، فإن أكثر من عطل الصلاة هم العمال وأمثالهم بحجة أن صاحب العمل لم يشترط عليهم ذلك وما ذكر لهم ذلك، بل إن بعضهم يجمع الصلوات الخمس مرة واحدة، فهذا نضعه في أعناقهم، وعليهم أن يتقوا الله في عمالهم فإن الله سوف يسألهم عنهم.

منكرات البيوت

منكرات البيوت Q نرجو الحديث عن منكرات البيوت؟ A منكرات البيوت سوف يكون فيها خطبة جمعة إن شاء الله وأنا أجمع عناصرها. وأقول الآن من منكرات البيوت: الأغنية الماجنة، المجلة الخليعة، الفيديو المهدم، المسلسل المخرب، الاختلاط، ترك الحجاب، الفحش، الغيبة والنميمة، دخول الأجانب، ومما وصلني من رسائل من بعض الإخوة أنه يوجد هناك دخول بعض العمال إلى بعض المحارم، والرجل يدري أن امرأته تكلم العامل ويكلمها، وربما جلس معها، فيحدث من ذلك نتائج لا تحمد عقباها من الفاحشة والزنا والعياذ بالله، ويحدث في بعض النواحي والقرى دخول العمال والرعاة والمزارعين على المحارم، ومن رضي بذلك وفعله فهو ديوث؛ لأنه أقر الفاحشة في بيته، والجنة حرام على الديوث، فليتنبه لذلك. وسوف يكون في هذا كلام مفصل.

صيام التاسع والعاشر من محرم [عاشوراء]

صيام التاسع والعاشر من محرم [عاشوراء] Q اضطربت في صيام يوم الخميس والجمعة وظننت أن اليوم هو العاشر، وعلمت أن غداً العاشر وصمت اليوم فماذا أفعل؟ A إن كنت صمت الأمس مع اليوم فكفاك، وإن كنت صمت اليوم فحسب فصم غداً، أنا أعرف دائماً أن السبت قبله الجمعة وبعده الأحد، لكن جل من لا يسهو. وتقبل الله منك، وصم غداً وأنت مأجور على كل حال، فإنك ما أخطأت، وقد تمكن منك اليوم وتمكن منه، فغداً هو اليوم العاشر على ما أفتى به بعض العلماء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لئن بقيت لقابل لأصومن التاسع والعاشر} فصم اليوم وغداً، وإذا لم تصم اليوم فصم غداً وبعد غد، يوم قبله أو يوماً بعده، سنة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن لم يستطع إلا يوماً واحداً، فليصم يوم عاشوراء، لأنه لم يرد نهيٌ صريح في النهي على إفراده فحسب، لكن من باب الأولى أن تصوم يوماً قبله ويوماً بعده.

كفارة اليمين

كفارة اليمين Q ما هي كفارة اليمين؟ A كفارة اليمين ذكرها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بقوله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة:89]؛ وهذا على التخيير، وأما الصيام فعلى الترتيب، وكفارة اليمين أن تطعم عشرة مساكين من أوسط ما تطعم أهلك به، ولا يجوز دفع المال؛ لأن الله ذكر الإطعام، فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، هذه على الترتيب، وأما تلك التي قبل فمن لم يجد فعلى التخيير، فأنت مخير أن تطعم وأن تكسو، والإطعام ما يكفيه وجبة واحدة، تحضر عشرة فتغديهم أو تعشيهم، الصبوح لا يدخل لأنه رخيص، فلا بد من وجبة دسمة؛ مثل بعض الناس إذا عزم لم يعزم إلا على الصبوح.

حكم شرب الدخان

حكم شرب الدخان Q أنا مبتلىً بالدخان فما حكمه؟ وكيف أتوب منه؟ A نسأل الله لك أن يتوب الله عليك وأن يثبتك وأن يهديك سواء السبيل، الدخان محرم لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] فتذكر أنك قادمٌ على الله، وأن الله سوف يسألك عن عملك وحالك، ولأنك مسلم فلابد أن تتبع محمداً صلى الله عليه وسلم وأن تقتدي برسالته وتتوب وأن تجتنب جلساء السوء الذين قعدوا في طرق الأنبياء والرسل، وأخذوا شباب الأمة إلى المقاهي والمنتديات فأعطوهم السيجارة، ثم سلموا لهم كأس الخمر، ثم المرأة، ثم أودوهم إلى الشبهة والشرك والعياذ بالله، وكثيرٌ من شبابنا لم يأخذ من الغرب إلا هذه التقاليد البائسة الحقيرة الهزيلة، ما سمعنا شبابنا أنهم قدموا لنا صاروخاً أو صنعوا طائرة أو دفاية أو ثلاجة، إنما أخذوا مخلفات الغرب، كما قال الأول: منهم أخذنا العود والسيجاره وما عرفنا نصنع السيارة

وصية للمصطافين

وصية للمصطافين Q ماذا توصينا به ونحن مصطافون؟ A أوصيك به وكل نازل أن تتقي الله في هذه المنطقة، هذه البلاد بلاد محمد صلى الله عليه وسلم، بلادٌ ربيت على تقوى الله وعلى لا إله إلا الله، بلاد تهدلت أوراق أشجارها، وصدحت بلابلها على تقوى من الله، أسس بنيانها على بنيان محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] أوصيك بأربع وصايا أيها المصطاف: أولاً: شكر الله لك يوم اخترتنا عن الغرب وعن أمريكا، وعن تركيا، فهنا أسلم لك، هنا العفاف والجمال، وهنا القداسة والاحترام، حللت ضيفاً، مرحباً وسهلاً على التبجيل والسعة، وإذا ضاقت الأرض فصدورنا أوسع. ثانياً: أوصيك بالصلاة والحفاظ عليها في أوقاتها؛ لأن كثيراً من المصطافين في المنتزهات مثل السودة والقرعاء يؤخرون الصلاة عن أوقاتها بحجة الاصطياف والنزهة، وهذا خطأ فاحش. ثالثاً: أوصيك أن تتفكر في آيات الله في الكون، فإذا رأيت سفح الجبل، ورأيت الرابية، والهضبة، والماء، والشجرة، والنحلة، والزهرة، فاعلم أنها آيات بينات تدلك على الله. يقول أبو نواس: تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيونٌ من لجينٍ شاخصاتٌ بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك رابعاً: أن تقدر حرمات الله في المنتزهات، فلا تكشف عورة، ولا تنظر إلى أجنبية، وإنني أنعى على بعض الناس ممن استهجن الحجاب، فكشفوا محارمهم في المنتزهات بحجة أنهم في نزهة، وأنهم في فسحة ولا رقيب، والرقيب معهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والحجاب ضرورة شرعية لابد من التقيد بها للمصطاف ولغير المصطاف.

حكم كشف المرأة رأسها في السيارة

حكم كشف المرأة رأسها في السيارة Q بعض الناس يترك امرأته كاشفة في السيارة وهو يمشي، فما حكم ذلك؟ A إن كان داخل المدينة فهذا من الخطأ، أو في مكان يزدحم بالرائح والآتي، فهذا من الخطأ؛ لأنه يعرض أهله للنظر، وإن كان يمشي في ليلٍ أو في صحراء أو في مكان منقطع، فاتقوا الله ما استطعتم، لا يلزمه أن يحجب وجهها.

المال المجموع لمساعدة المحتاجين لا زكاة فيه

المال المجموع لمساعدة المحتاجين لا زكاة فيه Q هل المال الذي يجمعه أمناء القبيلة لمساعدة بعضهم فيه زكاة أم لا؟ A هذا المال للحوادث وذلك أن تتفق قبيلة على مال أنه يكون لحوادث السيارات أو لمساعدة المحتاجين المتزوجين وغيره ليس فيه زكاة؛ لأنه للمصارف العامة وقد أفتى به العلماء، كالجمعيات التعاونية عند القبائل وأمثالهم. أيها الإخوة الكرام: نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق والرشد والسداد، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يحسن لنا ولكم العاقبة. وقبل أن أنتهي: هنا مسألة أحب أن أعرضها عليكم -بارك الله فيكم- وهي: أن كثيراً من الشباب سمعت منهم كلاماً ورسائل تخرجوا من الجامعات، وبعضهم يدرس، وقد وصدت أبواب الزواج أمامهم وهم لا يستطيعون تكلفة الزواج، وطلبوا مني أن أوجه الرأي العام إلى مساعدة هؤلاء الطلبة المحتاجين في أن يغضوا أبصارهم ويحفظوا فروجهم وأن يحصنوا مستقبلهم وحياتهم، وأنا أعلم أن في البيوت كثيراً من الفتيات اللواتي أصبحن في سن الزواج، لكن سوء الفهم من آبائهن جعلهم يركنونهن في البيوت، وهذا خطأ شنيع. فمن حق الدين عليكم -يا معاشر الآباء والإخوة- أن تنشروا الوعي وأن تنشروا مسألة تخفيف المهور ومساعدة الشباب؛ لأنه ما عمت الفاحشة اليوم إلا من هذه المأساة، وهناك أشرطة تبين هذا الأمر مثل: التبرج والاختلاط والسفور، ومثل: صرخة غيور وغير ذلك تنقل لكم حقائق عن مسألة كيف أدى مغالاة المهور وحبس البنات في البيوت إلى مفاسد لا يعلمها إلا الله، وأمس رأيت رسالة، وهي موجودة في المكتبات اسمها: إليكِ إليكِ احذري الهاتف وفيه كثير من صرخات الفتيات أنهن ضقن ذرعاً بآبائهن في البيوت؛ لأنهم حبسوهن، وحسابهم على الواحد الأحد. والله يتولانا وإياكم ويهدينا وإياكم سواء السبيل. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

عشر خطط لتدمير الإسلام

عشر خطط لتدمير الإسلام إن أعداء الإسلام لا يألون جهداً في محاربة هذا الدين والقضاء عليه بكل وسيلة، ويمكن إجمال خططهم لتدمير الإسلام وأهله في عشر خطط؛ وهناك الكثير من الوسائل التي ينبغي الأخذ بها لرد عدوانهم وإفساد مخططاتهم وإجمالها في ثمان وسائل.

المخططات العشر لتدمير الإسلام وأهله

المخططات العشر لتدمير الإسلام وأهله إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. وعنوان هذا الدرس "عشر خطط لتدمير الإسلام" وهذا اليوم هو مساء السبت الحادي عشر من شهر محرم عام (1413هـ) وقبل أن أبدأ, أستأذنكم في هذا الهتاف؛ أسأل الله أن يستجيب دعاءنا وأن يكشف كربنا، اللهم أعز الدين وأعز حملته، اللهم أيد عبادك الصالحين واحفظ أولياءك المؤمنين، وثبت أقدام المجاهدين، اللهم اجعلنا في كنفك آمنين، وفي سترك معافين، وفي حمايتك مطمئنين، اللهم آمن روعتنا، واستر عورتنا، وثبت حجتنا، وارفع كلمتنا، وأزل فزعتنا، اللهم إنا نسألك الهداية والسداد والرشد والتوفيق، إنك على كل شيء قدير. وقبل أن أبدأ, أوجه تحية عامة لمن حضر, وأعلن -كما أعلنت من ذي قبل على هذا المنبر الشريف- حبي لهم في الله عز وجل، فعسى الله أن ينفعنا بهذا الحب الباقي الممتد إلى عرصات القيامة, بل إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ثم أوجه تحية خاصة لضيوفنا المصطافين الذين حلوا علينا ضيوفاً كراماً, وأحبة مبجلين, نسأل الله أن ينفعهم بهذه الأيام، وأن يجعلهم مطمئنين سعداء مرتاحين بما رأوا وبما شاهدوا؛ وإنه لشرف عظيم لنا أن نستقبل هذه النماذج الملتزمة المتجهة إلى الله عز وجل المتمسكة بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أيها الأحباب! هذه العشر الخطط, تكلم عنها كثير من المفكرين والعلماء, وهي خطط عشر لا يتجاوزها تخطيط الغرب أو غيره لتدمير هذا الدين، والحمد لله الذي جعل الإسلام الآن حديث الناس، حديث الصديق والعدو، وأصبحت وكالات الأنباء تتحدث عن الإسلام, وأصبح حديث الساعة والمقولات والصحف والدوريات كله عن الإسلام؛ ولكنهم لا يسمونه الإسلام بهذا الاسم الجميل المعروف من ذي قبل؛ وإنما ينسبونه إلى من يحمله؛ بوصم هو عندهم كالأصولية أو كالمتطرفين أو نحو تلك من العبارات، فلا يهمنا ذلك والله يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] وإنا لنعلم علم اليقين أنهم لن يهدءوا ولن يرتاحوا حتى يدمروا هذا الدين ويدمروا حملته، ولكن عزاؤنا أن الله يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. والعالم الغربي الآن بإعلامه يوجه الضربات تلو الضربات، أما الإعلام العربي فهو يأخذ معلوماته من ذاك الإعلام، فهو كالبغبغاء يردد فقط ما ينشر هناك ويذاع ويكتب؛ فلا يأتي بجديد, حتى إنه قد يذاع وقد ينشر ما يكرر هناك من عداء للإسلام لكنه لا يكتشف. المهم أن هذه الخطط مجملة في عشر خطط لتدمير هذا الدين وإبادة أهله، وقبل أن أبدأ أقول: لا تتشاءموا ولا ينظر أحدكم نظرة سوداوية لما يرى وما يسمع من سجون فتحت في بعض البلدان وضربات موجعة على حملة الدين, ومن قتل وإعدام وحشود عسكرية يصنعها الكافر المستعمر أو أذياله؛ فإن المستقبل لهذا الدين قال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21] والعاقبة للمتقين كا وعد الله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:54 - 52] وأبشركم -وهذا ليس بخافٍ عليكم وليس من الأسرار التي توزع على الجلاس, ولكنه أصبح علناً على مستوى العالم- أن الانتصار في هذا القرن خير من القرون التي مرت قبله بأربعة قرون أو بخمسة، فبشائر النور قد أطلت والحمد لله، فالمستقبل بإذن الله للإسلام، سواء في أفغانستان أو البوسنة والهرسك، أو الجزائر، أو تونس، أو السودان أو اليمن، أو أي مكان, مهما يوجه للإسلام هنا أو هناك من ضربات من الأنظمة أو غيرها، فإن المستقبل -بإذن الله- له والمسيرة خالدة, والاتجاه منضبط على الكتاب والسنة في الجملة، فلا تيئسوا من روح الله، ولا توهن أعضاؤنا أو قلوبنا مما نسمع أو مما نشاهد؛ فإن الله عز وجل أخذ على نفسه أن يتخذ شهداء, وأن يبلي المؤمنين بذنوبهم, وأن يمحصهم بزلازل: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3].

المخطط الأول: إسقاط الخلافة

المخطط الأول: إسقاط الخلافة كانت الخلافة العثمانية تبسط سلطانها على العالم الإسلامي, وهي آخر خلافة حكمت العالم الإسلامي, وكان المسلمون -على رغم ما في هذه الخلافة من ملاحظات أو من نقص- كانوا مجتمعين في الجملة، فالبلد واحد، ولم تكن هناك حدود ولا جوازات ولا أنظمة؛ تحول بين المسلم وبين أخيه المسلم في إقليميات ضيقة، وقطع من الأراضي ممزقة، بل كان العالم الإسلامي واحداً، فسعى العالم الغربي والاستعمار لضرب هذه الخلافة؛ ولذلك يقولون: لما ابتدأت المفاوضات، وأستأذنكم في الاستطراد، فإن عندي تقريرات مكتوبة. وسوف أعلن لكم أسماء الكتب والصفحات حتى تكونوا على بينة مما يكتب ومما ينشر. يقول: دخلت الجيوش الإنجليزية واليونانية, والإيطالية والفرنسية, أراضي الدولة العثمانية, وسيطرت على جميع أراضيها ومنها العاصمة اسطنبول، ولما ابتدأت مفاوضات مؤتمر لوزان لعقد صلح بين المتحاربين, اشترطت انجلترا على تركيا: أنها لن تنسحب من أراضيها إلا بعد تنفيذ الشروط الآتية. واسمع إلى شروط الاستعمار والغرب على المسلمين يوم أصبحنا ضعفة، نفعل ما يقال لنا، حتى سمعت أحد المفكرين في محاضرة مسجلة بالكاسيت وفي الفيديو وهو محاضر مشهور في العالم ما زال حياً يبلغ الستين من عمره، يقول: أصبح العالم الغربي كما يقال: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا والإل بي سي رابعهم، ولا خمسة إلا والسي إن إن سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا وأمريكا معهم أين ماكانوا)؛ فأصبح هذا العالم يُسيطر عليه سيطرة، وأصبح يتجه بغير واجهة, وأصبح مفقود الهوية؛ فليس له مكان ولا كلمة ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستشهدون وهم شهود فلا يسير نفسه في اقتصاده -مع العلم أن العالم الإسلامي أغنى بلاد العالم- ولا يسير نفسه في تعليمه ولا إعلامه ولا رأيه ولا سلاحه، بل هو عالم مستخذٍ في ضعف ومسكنة لا يعلمها إلا الله. لكننا نأمل من الواحد الأحد أن يعيد لنا عزتنا, كما كنا أعزة يوم كان فاروقنا على المنبر يهتز لصوته كل العالم، وليس على الله بعزيز إذا نحن اتبعنا منهج الرسول صلى الله عليه وسلم.

شروط انجلترا للانسحاب من تركيا

شروط انجلترا للانسحاب من تركيا لكن أبدأ بالشروط التي أملاها الكافر على المسلم: أولاً: إلغاء الخلافة الإسلامية، وطرد آخر خليفة من تركيا. الثاني: أن تتعهد تركيا بإخماد كل حركة يقوم بها أنصار الخلافة والدعوة الإسلامية، أي: أن تضرب الأصوليين صراحة. الثالث: أن تقطع تركيا صلتها بالإسلام، فأتوا بـ مصطفى كمال أتاتورك -الرجل الصنم وهو صنيعة غربية- ووضعوه بديلاً عن الخليفة، وأقام أول جمهورية علمانية في العالم الإسلامي، وأتى بحجاب المرأة المسلمة فمزقه في الميدان أمام الناس, وداسه بقدمه, وأتى إلى المصحف وهو يلقي خطبة أمام الجماهير وأمام الضباط، فمزق المصحف ثم داسه بجزمته عليه لعنة الله، ثم ألغى المدارس والمساجد واللغة العربية, وشطب على العقلية الإسلامية وصادر الخلافة؛ فتمزق العالم الإسلامي شيعاً وأحزاباً, كل حزب بما لديهم فرحون. يقول كريزون البريطاني وزير خارجية بريطانيا آنذاك: "لقد قضينا على تركيا التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم؛ لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين: الإسلام والخلافة" فصفق له النواب الإنجليز في مجلس النواب وسكتت المعارضة، هذا في كتاب (كيف هدمت الخلافة) صفحة (190). ومع القضاء على الخلافة أخبر عليه الصلاة والسلام -أيها الإخوة- بشرى أزفها إليكم هذه الليلة: أنها سوف تقوم خلافة راشدة علىمنهاج النبوة تحكم هذا العالم الإسلامي؛ كما كانت في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وطلائعها قد أقبلت, وأنتم طلائعها، أنتم الآن جيل الصحوة الذين صاحت الأمة فيهم من عشر سنوات؛ فإن الأمة كانت غافلة, لا نقول ميتة لكن غافلة, فأنتم الآن وأبناؤكم صحوتم في حين لم تكن للجيل الذي قبل معالم الصحوة ومعالم التدين والسنة كهذا، فكيف أنتم إذا أنتجتم أبناء صالحين, يعيشون مع الكتاب الإسلامي, ومع السنة, ومع الشريط الإسلامي؟ سوف يكون الحال أحسن بإذن الله.

المخطط الثاني: القضاء على القرآن والسنة

المخطط الثاني: القضاء على القرآن والسنة إن هذا القرآن يخوفهم تخويفاً عظيماً, ويرون فيه مصدر العزة، لأنه قرآن عظيم, لم يجدوا فيه مدخلاً من خمسة عشر عاماً؛ لأنهم يعتبرون القرآن هو المصدر الأساسي لقوة المسلمين، وبقاؤه حياً بين أيديهم يؤدي إلى عودتهم وقوتهم وحضارتهم، يقول غلادستون: "ما دام هذا القرآن موجوداً فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق, ولا أن تكون هي نفسها في أمان كما رأينا" كما في كتاب الإسلام على مفترق الطرق صفحة (39) أمان المسلمين كتاب الله عز وجل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ما دمنا نرفع القرآن والسنة فلا تخافوا ولا تخشوا أبداً. أما الأطروحات التي يطرحها الإعلام الغربي والعربي, أو مسألة ما يبث في بعض مناهج التعليم, أو ما يدخل من الأطروحات فمكتوب عليها: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]. ويقول المبشر ويليم بلقراف: "متى تولى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب؛ يمكننا -حينئذٍ- أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد صلى الله عليه وسلم وعن كتابه" يقول: إذا انقطعت صلة الإنسان بـ مكة وعن القرآن فسوف نرى العربي ينسى محمداً صلى الله عليه وسلم. عزتنا تكمن في محمد صلى الله عليه وسلم, أبونا الروحاني -كما يقول ابن تيمية - هو محمد صلى الله عليه وسلم، أما أبونا الجثماني فهو الأب الذي ولدت من صلبه، لكن الأب الروحاني والقرآني هو محمد صلى الله عليه وسلم، ومكة صلتنا بالعمرة وبالقبلة وبالحج، وبالاتجاه إلى الله عز وجل، وإذا فصلت عنا فنحن على خطر عظيم، ولذلك أصبح كثير من الجيل؛ الذي مسخ معتقداً وأخلاقاً وسلوكاً يعتمر ويزور لندن وباريس وبانكوك , ولكن هناك الألوف المؤلفة التي اتجهت إلى الله فلله الحمد، كلام بلقراف في كتاب جذور البلاغ صفحة (201). ويقول المبشر تاكلي: "يجب أن نستخدم القرآن وهو أمضى سلاح في الإسلام ضد الإسلام نفسه" يقول: نستخدم القرآن في ضرب القرآن, والإسلام في ضرب الإسلام، حتى يقول أحدهم: "اذبحوا الإسلام بسكين الإسلام". وهذا ألخصه لكم: أن ينشأ في بلاد الإسلام أناس يتكلمون لغتنا ويشربون ماءنا ويستنشقون هواءنا, ويحاربون الدعوة والعلماء والدعاة، وهذا وهم من أبناء جلدتنا الذين شكا منهم رسول الله عليه الصلاة والسلام. قال تاكلي: "حتى نقضي عليه تماماً، يحب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديداً وأن الجديد فيه ليس صحيحاً" انظر كتاب التبشير والاستعمار صفحة (40) الطبعة الثانية. ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر بمناسبة مرور مائة عام على احتلالها: "يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم حتى ننتصر عليهم" انظر مجلة المنار العدد (9،11) الصادرة عام (1962م) يقول: انتزعوا القرآن من صدورهم، لذلك دخل أحد المستشرقين القاهرة فوجد عالماً من علماء الأزهر، قال: سوف نمحو الإسلام من قلوبكم ومن صدوركم، قال العالم الأزهري: مكانك ثم دعا أطفالاً كانوا في الشارع, وأجلسهم أمامه وقال: اقرأ من سورة كذا فقرأ الطفل, ما يقارب عمره عشر سنوات, اقرأ من سورة كذا، ثم التفت إلى المستشرق وقال: أأطفالكم يحفظون التوراة والإنجيل؟ قال: لا، قال: لن تقضوا علينا أبداً ما دام أطفالنا يحفظون كتاب الله، جيلاً بعد جيل ورسالة بعد رسالة، ولكن على كل حال ففعلهم يظهر في العالم الإسلامي, وفعلهم يؤثر في عقيدتنا؛ إذا استمر وضعهم على هذا واستمر ضعفنا على هذا. وأثار هذا المعنى كثير من الفرنسيين الذين احتلوا الجزائر , وقد ذكرت مجلة المنار: أن الفرنسيين أخذوا عشر فتيات أو طفلات من الجزائر فمسخوهن في مسألة الحجاب ومسألة التدين، فلما أتى الحفل الرسمي في الجزائر حضرت الفتيات متحجبات، فقالوا: ضيعنا جهدنا. عشر سنوات يعلموهن ترك الحجاب، فلما أتى الحفل الرسمي وأخرجوهن في الشارع لبست المرأة الحجاب، ولذلك الحجاب الشرعي أصبح في دول الغرب حتى الشرقية - ألمانيا الشرقية - وصل الحجاب الشرعي إلى هناك, وهي لم تنفصل عن الاتجاه الشيوعي إلا قريباً فلله الحمد والشكر. يقول عبد الحميد كشك أثابه الله: دخل نصراني في مصر في القاهرة فجمع أناساً من العمال والفلاحين وأخذ يفطرهم ويغديهم ويلقي فيهم محاضرات التبشيرية النصرانية: أن الله ثالث ثلاثة، يقولون إن الله ثالث ثلاثة، فاستمروا معه لأجل غدائه وعشائه ودراهمه, يوزع عليهم جنيهات، وظن أنه رسخ في أذهانهم الدين النصراني ومسخ المعتقد الإسلامي, فمر بهم أحد الدعاة المسلمين وقال: وحدوه، قالوا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فانهار كل هذا الجهد من الصباح إلى المساء في كلمة واحدة. قيل لوزير المستعمرات الفرنسي لاكوست كما في جريدة الأيام عدد (7780) الصادرة بتاريخ (6/كانون أول/1962م) لماذا ما أثرت في الجزائر وقد مكث الاحتلال فيها (129)؟ قال: "وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟!.

المخطط الثالث: تدمير أخلاق المسلمين وعقولهم

المخطط الثالث: تدمير أخلاق المسلمين وعقولهم تدمير أخلاق المسلمين وعقولهم وصلتهم بالله، وإطلاق شهوتهم, وهذا تدمير عظيم رأيناه فيمن يتسمى بالإسلام وهو عدو للإسلام, فتجده يعاقر الخمر ليلاً ونهاراً، وتجده يتعامل بالربا ولا يسمع بفتوى العلماء, ولا لشيء من ذلك، وتجده يسمع الغناء ويهجر القرآن، وتجده يرى أن هؤلاء الملتزمين والمستقيمين والمتدينين خطر يهدد الأمة, ويهدد المسيرة، فماذا يصنع بمثل هؤلاء هذا هو صنيعهم وهذه هي تربيتهم. يقول باكتول: "إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم الآن بنفس السرعة التي نشروا بها سابقاً بشرط أن يعودوا إلى أخلاقهم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام" أن يعودوا إلى أخلاق أبي بكر وعمر، هذا ذكره في كتاب (جند الله) صفحة (22). يقول زويمر رئيس جمعيات التبشير في مؤتمر القدس عام 1935م: "إن مهمتكم -أيها المبشرون0 ليس بإدخال المسلمين في النصرانية؛ فإنهم لن يدخلوا بهذه السرعة، إن مهمتكم أن تفصلوه من الدين" تجعلوه يعيش بلا دين. أي: صلاة الفجر عنده أمر عادي ثانوي، لا حياة له مع القرآن، ومع الرسول صلى الله عليه وسلم ليس معه اتجاه، قد يصلي أحياناً وبعضهم قد يحضر الجمع، وبعضهم قد يقرأ المصحف، لكنه مفصول التصور ومفصول الفهم عن القرآن والإسلام، ولذلك وجدنا من يقول: الإسلام في المسجد فقط، لا تدخلوا شئون الحياة في الإسلام، لا تدخلوا الاقتصاد في الإسلام ولا السياسة ولا الإعلام في الإسلام، والإسلام أن تصلي في المسجد فقط، وهذا هو الذي يريده المستعمر زويمر رئيس التبشير، كلام زويمر هذا مذكور في (جذور البلاغ) صفحة (275) لمن أراد منكم أن يعود إليه. قال: "كرسوا جهودكم على أن تملئوا هذا الجيل بالشهوات، قدموا له المرأة العارية والمجلة الخليعة وكأس الخمر". ولذلك وجدت في العالم الإسلامي طائرات تحمل الزانيات المومسات من العالم الغربي, وتهبط بها في مطارات العالم الإسلامي، ووجدت فنادق في العالم الإسلامي للدعارة والعياذ بالله، ووجد من يسافر من العالم الإسلامي, ويمكث العطل والإجازات يفعل الأفاعيل ويقول: الله فقط في الجزيرة أما هنا فليس موجوداً، وهذه هي الشهوات التي نجح فيها المستعمر، وكان كما يذكر زويمر أن على المبشر أن يذهب ومعه فتاة من أوروبا؛ فإن العربي إذا رأى الفتاة انهارت قواه ونسي محمداً عليه الصلاة والسلام، يقول هو: إذا رأى الفتاه نسي محمد صلى الله عليه وسلم، ويقول محمد صلى الله عليه وسلم: {ما تركت بعدي فتنةً أشد على الرجال من النساء}؛ فنعوذ بالله من فتنتهن؛ فإنهن فتنة لكل مفتون. ويقول زويمر نفسه في كتاب الغارة على العالم الإسلامي: "إن التبشير بالنسبة للحضارة الغربية له ميزتان: ميزة الهدم وميزة البناء، أن تهدم شخصية المسلم، فتخرجه من المسجد ومن القرآن ومن محمد صلى الله عليه وسلم، وأما البناء فنعني به تنصير المسلم إذا أمكن، ولكن إذا ما أمكن فيكفي أن تخرجه من الإسلام" هذا بمعناه في كتاب الغارة على العالم الإسلامي صفحة (11) فليعاد إليه. يقول المبشر تاكلي وهو مبشر جاب أفريقيا وتوقف في نيجيريا ينشر المسيحية وانظروا يا إخوة لجلدهم! والله إن الإنسان يعجب، وقد حدثتكم قبل محاضرات: أن امرأة من فرنسا ذهبت تبشر بالدين النصراني في المجاهدين الأفغان، سبحان الله! الذين سحقت رءوسهم كالمجاهدين على لا إله إلا الله على صخور أفغانستان، والذين تقبلوا القنابل, كأنها عقود التفاح من السماء، والذين داسوا روسيا تريد أن تبشرهم بدين باطل، ذهبت بناموسية معها تهبط في الأودية, والبعوض تقرصها من كل جهة, وتنام على الثلج؛ من أجل أن تبشر بالدين، ونحن نقول لشباب الإسلام وخريجي الشريعة وأصول الدين: اذهبوا إلى البادية بسيارات فخمة وبمخيمات وبأكل وشراب, فعلموهم الفاتحة، فانظر إلى الجهدين! قال عمر كما في مصارع العشاق وقد علقت عليه لمن أراد أن يعود إليه قال: [[اللهم إني أعوذ بك من عجز الثقة ومن جلد الفاجر]]. يقول تاكلي: يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني لأن كثيراً من المسلمين قد زعزع اعتقادهم بالإسلام وبالقرآن, حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية. وتعلمها قد يكون فريضة أحياناً وقد يكون مستحباً، لكن مقصدهم من تعلمها أن تدخل عليك امرأة تعلمك اللغة، وأن تجلس في النوادي بحجة أن تتعلم اللغة، وأن تسافر الأسرة لتعلم اللغة، وقد وجد بعض الفتيات يسافرن من البلاد الإسلامية بلا محرم، ورأيت في بعض المقابلات, وبعض المراسلات في بعض الصحف أن بنات من الجزيرة العربية أنها تدرس في بروكسل وتهدي سلامها إلى والدها هنا، وذكر محمد الغزالي قال: "من أعجب ما أضحكني وأنا أستمع إلى صوت الإذاعة البريطانية لقاء مع أحد الناس الأعراب وأهله ينامون على أكوام الزبالات في الصحراء، تقول له صوت أمريكا: ماذا تهدي لوالديك -وهو في أمريكا ويريدون أن يهدي لوالديه- قال: أريد أن أهدي لهم أغنية عبد الحليم حافظ , وهم في الصحراء! ربما لا يعرفون ولا يجيدون الفاتحة وهم في خيمة وعلى كومة من زبالة ولا يجدون كسرة الخبز، قال: أهذا جهدنا؟ " والغزالي أحياناً له طلعات تعجبني. يقول في تراثنا الفكري بين العقل والشرع: "أعرف أناساً يسيمون عباد الله العذاب في العالم الإسلامي، ويدخلون عباد الله السجون، ويعدمون الناس وكانوا يطاردون الجحشة في قراهم وأصبحوا الآن ينتقلون بطائرات السمت من مدينة إلى مدينة" هذه من المفارقات، وكلمة تاكلي في كتاب التبشير والاستعمار صفحة (8). ويقول زويمر أهلكه الله: "ما دام المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية فلا بد أن ننشئ لهم المدارس العلمانية " والعلمانية على قسمين لأن بعض الناس يظن أن الدعاة يكفرون كل من تمسح بـ العلمانية، علمانية في تصورها غموض، قد تجد الواحد منهم يصلي، ويحج، ويعتمر، ويبر والديه ويقول: الإسلام فقط في المسجد، خطبة الجمعة لا يدخل فيها غير الصلاة وغير التيمم ومسح الخفين، لكن لا تتكلم في الحياة، محمد صلى الله عليه وسلم وأنت والمسجد والقرآن في المسجد، لا تخرج الإسلام إلى خارج المسجد، هؤلاء تصورهم ضعيف وهم مخطئون وليسوا بكفرة، أما من رأى أن الأمة يجب أن تعيش عيشة مادية لا دينية منفصلة عن الإسلام، فهذا كافر بإجماع أهل العلم، كلام زويمر هذا موجود في كتاب الغارة على العالم الإسلامي صفحة (82). ويقول جب: "لقد فقد الإسلام سيطرته على حياة المسلمين الاجتماعية، وأخذت دائرته تضيق شيئاً فشيئاً حتى انحصرت في طقوس محددة" ثم يتوجه بالشكر هو ويقول: "لقد علّمنا المسلمين أن الإسلام لا يمكن أن يحكم الحياة" وقد علموا أبناء المسلمين هذا فحسبنا الله ونعم الوكيل، انظر الاتجاهات الأدبية الجزء الثاني صفحة (204،206) تأليف محمد حسين رحمه الله، وله كتاب اسمه حصوننا مهددة من الداخل، وهو كتاب هذا الأسبوع؛ وأشير عليكم أن تقرؤه، وأرجوكم خاصة أنتم يا طليعة الخير! ويا طلبة العلم!

المخطط الرابع: القضاء على وحده المسلمين

المخطط الرابع: القضاء على وحده المسلمين وهذه ضربة قاصمة قد وقعت في العالم الإسلامي، وما من بلد عربي في الغالب إلا ومعه مشكلة حدودية مع جيرانه, بينما أوروبا تسعى لتوحيد نفسها في دولة، وهؤلاء يتناطحون على قطع صغيرة من الأراضي وهم لا يشكلون في المجمل جزءاً مما كان يحكم عمر بن عبد العزيز، كان عمر بن عبد العزيز يحكم من طنجة في المغرب إلى السند، ومن تركستان في الشمال إلى جنوب أفريقيا دولة واحدة. يقول القس سيمون: "إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية، وتساعد على التملص من السيطرة الأوروبية، والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذلك يجب أن نحول بالتبشير اتجاه المسلمين على الوحدة الإسلامية" انظر كتاب كيف هدمت الخلافة صفحة (190). ويقول المبشر براون: "إذا اتحد المسلمون في امبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذٍ بلا وزن ولا تأثير" كتاب جذور البلاغ صفحة (202). وأنا أنصحكم أن تزيلوا من أذهانكم الإقليمية والوطنية؛ قضية أن فلان وطني أو أنه يحب الوطنية أو أن روح الوطنية مرتفعة عنده، فإن هذا ليس مصطلحاً إسلامياً، ولو أن حب الوطن من الإيمان فمن هو الوطني وما هو الوطن؟ الوطن هو وطن المسلمين، فلا تقل: هذا سوري أو عراقي أو يمني أو جزائري أو إماراتي أو كويتي أو قطري، جنسيتنا جميعاً مسلم، فمن سعى إلى تفريق هؤلاء فرق الله شمله وقصم الله ظهره وأعدمه حياته، نحن كلنا مسلمون {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] أما أن تنظر أنت لأنك من بلد باعتزاز لمسلم آخر في بلد آخر، فقد أخطأت سواء السبيل وما فهمت الدين وسر الإسلام، هذا أخوك يصلي صلاتك, ويستقبل قبلتك, ويتبع رسولك, ويحمل كتابك, ويتعلم سنة نبيك عليه الصلاة والسلام، قد يعذر العامي الجاهل إذا قام بالتمييز العنصري, وبالوطنية أو الترابية أو الإقليمية, ولكن ما عذرك أنت أمام الله تعالى، قيل لـ سلمان الفارسي: من أبوك يا سلمان؟ والعرب يفتخرون عنده، قال: أبي الإسلام لا أبَ لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم كلنا {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92] ويقول سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] ويقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] ويقول: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال:46] فالحذر -أيها الإخوة- أن ننظر إلى أي صنف من أصناف المسلمين بازدراء؛ فإن هذه قاصمة الظهر. ثم يكمل براون قائلاً: "يجب أن يبقى العرب والمسلمون متفرقين ليبقوا بلا قوة ولا تأثير". يقول توينبي -وهو مؤرخ بريطاني شهير- في كتابه الإسلام والغرب والمستقبل صفحة (73) وقد تُرجم هذا الكتاب: "إن الوحدة الإسلامية نائمة، لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ" يقول: هم الآن نائمون، وهم ثمانون دولة، الآن دول عدم الانحياز أكثرها الدول الإسلامية، ودول المؤتمر الأفريقي كثير منها الدول الإسلامية، والمؤتمر الإسلامي كثير ما يقارب أربعين دولة، وفي مجموعها تقارب ثمانين، لكنها لا تشكل خطراً إلا إذا أصبحت دولة واحدة، وتصور أن العالم الإسلامي من أقاصي الهند والسند وشمال تركستان إلى الجمهوريات الإسلامية إلى جنوب أفريقيا إلى طنجة دولة واحدة، أي خطر سيشكله هذا على الغرب وعلى المستعمر! وقد فرح هنتو وزير خارجية فرنسا حينما انحل رباط تونس الشديد بالبلاد الإسلامية، وتفلت من مكة وماضيه الإسلامي، كما ذكر ذلك في مذكرات هنتو صفحة (21). أيها الإخوة الكرام: إن الحضارة الأوروبية مهددة بالانحلال والفناء يوم يتوحد المسلمون في دولة واحدة وفي بلد واحد وتحت كيان واحد وتحت كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، لكنهم إذا استمروا على وضعهم وعلى تقهقرهم فإنهم سوف يبقون خامدين مهزومين مقهورين، واعلموا أن بريطانيا وإيطاليا وفرنسا، ما انسحبت من الدول الإسلامية حتى خلفت خلافات في الحدود بين الدول الإسلامية تبقى إلى الآن وإلى غد لتبقى الحزازات في النفوس ويبقى الانقسام والدمار.

المخطط الخامس: تشكيك المسلمين بدينهم

المخطط الخامس: تشكيك المسلمين بدينهم أن يشكك المسلم بدينه، فيقال له: هذا القرآن الذي تحمله هو قديم، وبعضه يخالف بعضاً، ويقرءون على الأطفال أشياء ويقولون هذا ليس بصحيح، والعلم يكذب ذلك، مع العلم -أيها الإخوة وخذوها قاعدة- أنه ليس هناك نظرية علمية ثابتة صادقة إلا وقد صدقت القرآن والحمد لله. يقول المسيحيون في مؤتمر العاملين المسيحيين: "إن المسلمين يدَّعون أن في الإسلام ما يلبي كل حاجة اجتماعية فعلينا نحن المبشرين أن نقاوم الإسلام بالأسلحة الروحية والفكرية" انظر كتاب التبشير والاستعمار صفحة (191) فإذا شككوهم في دينهم؛ أصبح من السهل سحب هذا المسلم عن دينه وتخليه عن مبدئه. وسائل التشكيك بدين الإسلام: والتشكيك يكون بأمور: أولاً: الغمز في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم عسى الله أن يكرم وجهه ويكرم عرضه وأعراضنا لعرضه الفداء، ودماؤنا لدمه الفداء, ووجوهنا لوجهه الفداء، قالوا: إنه شهواني؛ ولذلك تزوج إحدى عشرة امرأة، وقالوا: إنه إرهابي؛ ولذلك أقام الجهاد لكي يقاتل الناس، ولذلك يعدون الجهاد الآن إرهاباً، وغيروا كلمة الجهاد إلى إرهاب، والإعلام العربي يردد وراءهم الإرهابيون، وقالوا: إنه جبى الأموال له صلى الله عليه وسلم فأين أمواله؟ مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة في ثلاثين صاعاً من شعير، ومات وبيته من طين دفن فيه صلى الله عليه وسلم. ثانياً: شككوا في القرآن وقالوا متناقض. ثالثاً: وشككوا في الإسلام بأنه قديم لا يلبي حاجات الإنسان، وصدقهم كثير من أبناء المسلمين الذين عاشوا في أوروبا أو انحرفوا عن منهج الله، وقد أصدرت مجلة العلوم والثقافة في اليونسكو، وهذه اليونسكو التي يسبح بعض الناس بحمدها صباح مساء، أصدرت وثيقة سوف أقرؤها وهي موجودة في مرجع سوف أخبركم به، اسمع الوثيقة في المجلد الثالث من وثيقة اليونسكو يقول: أولاًً: الإسلام دين ملفق من اليهودية والمسيحية والوثنية العربية: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5]. ثانياً: القرآن كتاب ليس فيه بلاغة، انظر كيف يحكم الأوربيون على أن القرآن ليس فيه بلاغة، والله يقول: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] القرآن هذا الذي نزل بلغة العرب وقال فيه الوليد بن المغيرة: والله إن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإن له لحلاوة, وإن عليه لطلاوة, وإنه يعلو ولا يعلى عليه. آياته كلما طال المدى جددٌ يزينهن جلال العتق والقدم أتى على سفر التوراة فانهدمت فلم يفدها زمان السبق والقدم ولم تقم منه للإنجيل قائمة كأنه الطيف زان الجفن في الحلم هذا كتاب الله: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] ويقول الله عنه: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود:1]؛ ويتحدى في أول المؤلف من كتاب الله عز وجل, والمؤلفون يعتذرون في أول مؤلفاتهم، ويقولون: سامحونا على التقصير في كتابنا، ومن وجد خطأً فليصلحه أو يتصل بنا، أما الله فيقول في أول كتابه: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:1 - 2] ويقول الله: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] وهذا يقولون: ليس فيه بلاغة! رابعاً: الأحاديث النبوية وضعت من قِبل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بفترة طويلة ونُسبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. وهم كذابون دجالون، بل هو كلامه صلى الله عليه وسلم، الكلمة الواحدة يمحصها نقاد الحديث، ويظهرون هل هي صدق أو كذب، وكان ابن المبارك قد أخرج ما يقارب عشرة آلاف حديث موضوعة صفاها، ويلقى الحديث الكذب في يوم واحد، فلا يأتي المساء إلا وقد قام الجهابذة من المحدثين، وقالوا: انتبهوا هذا الحديث كذب، فالحمد لله وصلتنا بالأسانيد، وممن قالها من المتأثرين بالغرب معمر القذافي في كتابه الكتاب الأخضر، وقد كتب عنه محمود شاكر في التاريخ الإسلامي المعاصر كتابة جميلة، وكتب عن رأيه وعن مسيرته وعما فعل. خامساً: وضع الفقهاء المسلمون الفقه الإسلامي مستندين إلى القانون الروماني والقانون الفارسي والتوراة وقوانين الكنيسة، يقصدون أن أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد أخذوا من التوراة والكنيسة والقانون الروماني، وألفوا الفقه، وهذا من الكذب الذي لا يرقع، يعني بعض الكذب تستطيع أن ترقعه؛ لكن بعضه لا يترقع. كان أحد الكذابين في مجلس، فقال لزميل معه دائماً يصدقه يُسمى: صح، يقول: كلما أقول قصة قلْ: صدق أنا حضرت، فقال: احذر لا تأتِ بكذبة لا نستطيع لها، قال: سنتوكل على الله -يتوكل على الله في الكذب وهو إنما توكل على الشيطان- فلما جلسوا في المجلس قالوا: يا فلان ما هي الأخبار؟ قال: أنا وجدت بطيخة في السوق وعندي سكين ففتحت البطيخة فطحت أنا والسكين داخل البطيخة، في داخل البطيخة أسواق فيها جن وعفاريت فدخلنا واشترينا ملابس ورجعنا أنت ما حضرت معنا؟ يقول لزميله من أجل أن يقول له: صدق، قال: والله هذه لا ترقع. سادساً: أن المرأة لا قيمة لها في المجتمع الإسلامي, وكأنهم يريدون بذلك أن قيمة المرأة هي عندهم. سابعاً: أرهق الإسلام أهل الذمة بالجزية والخراج. هذه مذكرة اليونسكو ذكرتها مجلة التمدن الإسلامي مجلد (44) العدد (7) صفحة (508) تموز (1977م).

المخطط السادس: إبقاء العرب ضعفاء

المخطط السادس: إبقاء العرب ضعفاء ولذلك تسمى الدول النامية بالنائمة فلا ترتقي ولا تصنع ولا تنتج وسبحان الله العلي العظيم! لا تنطبق قرارات مجلس الأمن إلا على الدول العربية، ولا تركب إلا عليهم، وعييت فلا تركب على إسرائيل، الآن إسرائيل عندها مفاعل نووي، وعندها أسلحة كيماوية، ولكن يأتي القرار وينشط وسبحان الذي أنشطه، يسكر لأن أمريكا هناك بالفيتو. أما على العراق فكل قرار يمشي، شعب العراق أصبحت الدجاجة عندهم الآن بمائة ريال لا أقولها مبالغة، قدم عراقي من الدعاة المسلمين من بغداد قال: دجاجة واحدة أصبح قيمتها مائة ريال، وقطمة الرز الصغيرة بسبعمائة ريال، وأصبح لا يجد الناس اللحم بسبب صدام المجرم, فهو الذي أتى بالإجرام وعاقب عشرين مليوناً فيهم المسلم وفيهم المصلي، وفيهم الضعيف وفيهم الفقير, ومجلس الأمن يهددهم صباح مساء من أجل صدام المجرم وهو يأكل الدجاج واللحم هو وطارق عزيز والشعب يموتون, ثم تسمع القرارات وتسمع الإعلام العربي حتى نبرة المذيع بشجاعة، قال: ولقد وصل موفد الأمم المتحدة إلى بغداد وإلى النظام، وقرر عليه الحجر، الحجر على الشعب المسكين المسلم, الحجر على الأرامل وعلى المساكين، وأما صدام فما تضرر, عليه غضب الله, صدام في قصره والشعب يحرسه. ثم يأتون لـ ليبيا وسبحان الله ينطبق القرار! ويأتون إلى باكستان وينطبق القرار؛ لأنها مسلمة ويمنعونها من التصنيع، سبحان الله! أي: حرام على باكستان والعراق وليبيا وعلى دول العالم الإسلامي أن ينتجوا أو يصنعوا القنابل النووية والذرية والكيماوية، أما لإسرائيل فجائز: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85]. واحد من غطفان غشاش كان عنده مكيالان فوق الجمل, صاعان صاع صغير وصاع كبير, فإذا ذهب هو يكتال من الناس أخذ بالكبير، وإذا كال من نفسه كال بالصغير، فأنزل الله: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:1 - 5]. الديمقراطية تصلح في كل مكان إلا في الجزائر فهي حرام، لأن الأصوليين هؤلاء لا يصلحون للديمقراطية، سبحان الله! ينادون بـ الديمقراطية في بولندا وفي كوبا وفي كل مكان ويسعون إليها، وأما يوم وصل صوت الشعب الجزائري للمسلمين وللإسلاميين قالوا: لا. التصويت حرام، هؤلاء الأصوليون لا يصلحون رءوسهم ناشفة، لأنهم يأتون بالكتاب والسنة إلى غير ذلك. يعتقد الغرب أن العرب هم مفتاح الأمة الإسلامية، يقول مورو بيرجد في كتاب العالم العربي: "لقد ثبت تاريخياً أن قوة العرب في الإسلام فليدمروا العرب ليدمر بتدميرهم الإسلام" إذا دمر العرب فقل على الإسلام السلام، هذا ليس تعصباًًًً, أعرف أن في العجم من هم أخيار، وقد يكون من أفرادهم أفضل من أفراد بعض العرب، لكن في العرب قوة الإسلام ودرعه وداره وبالخصوص -ولا يغضب علينا غاضب- جزيرة الإسلام، هذه الجزيرة لما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت، وفي آخر لحظة من لحظات الحياة كان يقول: {أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب} الرسول صلى الله عليه وسلم تصيبه الحمى وتعصره صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقال: {لا يجتمع دينان في جزيرة العرب} هذه جزيرة الإسلام، جزيرة الوحي، فقضية إبقاء العرب ضعفاء مسألة رهيبة, ومحزنة ومخيفة، ورأيت بعض الناس يفرحون من تطبيق القرارات على الدول العربية, وإسرائيل تكوّن نفسها وجيشها لضرب هذا الدين وهذا الإسلام، فأقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.

المخطط السابع: إنشاء دكتاتوريات في العالم الإسلامي

المخطط السابع: إنشاء دكتاتوريات في العالم الإسلامي يقول جلال العالم في كتابه: المسألة السابعة إنشاء دكتاتوريات في العالم الإسلامي، يقول المستشرق الأمريكي سميث الخبير بشئون باكستان، "إذا أعطي المسلمون الحرية في العالم الإسلامي في ظل أنظمة ديمقراطية، فإن الإسلام سوف ينتصر في هذه البلاد، وبالدكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها". يقول محمد أحمد الراشد في ثلاثة أشرطة اسمها: (النظام العالمي الجديد) وأنا أوصيكم بسماعها, ألقاها قبل سنة، قال: "الديمقراطيات فرصة لانتشار الإسلام، أما الدكتاتورية في العالم الإسلامي ففرصة لسحق الإسلام" فيبشر يقول: النظام العالمي الجديد فرصة لانتشار الدين، أرادوا هم حرب الدين، لكن النظام العالمي وأمريكا تتبنى الحكم الديمقراطي، وهو حكم الشعب بالشعب، فيقول: هي فرصة لانتشار القرآن والسنة وبشروا من وراءكم بالخير. الآن سقوط ما يسمى بـ الاتحاد السوفييتي فرصة لانتشار الدين والحمد لله، أخبركم بشيء لكن لا تخبروا به أحداً، فهو سر بيني وبينكم، أصبحت المآذن في إحدى عشرة جمهورية إسلامية -الآن- ترفرف ولها صولة وهدير بـ (الله أكبر الله أكبر) إحدى عشرة جمهوريةً تهتز اهتزازاً بالأذان، أصبح القرآن يدخل في كل بيت في الاتحاد السوفييتي الشريط الإسلامي أصبح يصل إلى هناك, الحجاج والمصلون، فهذا انتصار لهذا الدين. أخبرنا بعض الإخوة من الإغاثة, ركبوا في سيارة من الجمهوريات، ومروا بـ أفغانستان , ودخلوا على باكستان , ثم ركبوا وأتوا مكة، فحين وصلوا مكة رأوا رجلاً في الشارع يشرب سيجارة دخان، فيقول هذا الذي من جمهورية أوزبكستان سبحان الله! هذا عربي يشرب الدخان، فهم يحسبون أنهم من الصحابة. أو من العشرة المبشرين بالجنة. لأول مرة يصل إلى مكة يظن أنه إذا وصل إلى مكة فسيرى ما سمع به في التاريخ، وسيرى أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ويظن أنهم سوف يدلونه على بيت أبي بكر وأن أبناء أبي بكر يلاقونه فأول ما خرج له صاحب سيارة يشرب الدخان. فنحن لا نقول: إننا الذين نمثل الإسلام في أشخاصنا، لكننا نقول: الإسلام موجود نقدمه للناس, ونسأل الله أن يحمينا في تقصيرنا، أما كلام سميث فانظر إليه في كتاب جند الله صفحة (29). يقول وزير خارجية فرنسا الأسبق: "إن الخطر لا يزال موجوداً في أفكار المقهورين الذين أتعبتهم النكبات التي أنزلناها بهم لكنها لم تثبط من عزائمهم" انظر الفكر الإسلامي وصلته بالاستعمار صفحة (19). ولذلك وجدت مذابح من أجل لا إله إلا الله، هل تتصور أن يقع في العالم الغربي أو الشرقي مثل مذبحة حماة التي قتل فيها ما يقارب ثلاثين ألف مسلم موحد قتلوا في يوم واحد؟! هل يقع هذا في أمريكا أو يقع في أي بلد؟ هل تتصور أن حلبجة يقتل فيها ما يقارب ستة عشر ألف في يوم واحد، أين يقع؟ وهل تتصور أن في الجزائر , في الصحراء في شدة الحرارة التي تبلغ خمسين درجة يسجن ثلاثين ألف مسلم؟! وفي تونس يسجن مثلهم؟! ولكن منظمات العفو الدولي وحقوق الإنسان. لا تلتفت إلى المسلمين، أما إذا سجن أحدهم في أمريكا أو في بولندا أو في فنزويلا ناصروه، أما هذا العالم فمسكين يشكو حاله إلى الله!

المخطط الثامن: إبعاد المسلمين عن القوة الصناعية

المخطط الثامن: إبعاد المسلمين عن القوة الصناعية ومن مخططاتهم إبعاد المسلمين عن تحصيل القوة الصناعية ومحاولة إبقائهم لسلع الغرب (وهذا من التقرير في عام 1952م) يقول: وزير خارجية فرنسا الأسبق: "لا يوجد الآن دولة إسلامية تستطيع أن تعتمد على نفسها في الأسلحة، بل جعلناهم يستوردون الأسلحة من عندنا, ووضعنا في أذهانهم: أنهم إذا صنعوا السلاح فسوف يسقطون" أي: وضعوا في أذهان هؤلاء العرب أنهم إذا صنعوا السلاح فسوف يقتلون، فتجد كل شيء مستورداً؛ الطائرات والدبابات والسكاكين والخناجر والمسدسات والآربيجي, فكل شيء مستورد، وهذه هي النكبة العظيمة, وقاصمة الظهر أن يبقى هذا العالم الإسلامي مستضعفاً, ويستورد أسلحته لكن لقتال بعضه بعضاً، أسلحة الأردن لقتل الفلسطينيين في أيلول الأسود، أسلحة جمال عبد الناصر لقتل اليمنيين في صنعاء، أسلحة صدام حسين لذبح الكويتيين، وإسرائيل سالمة غانمة لا سلمها الله! هذه مسألة إضعاف المسلمين إلى هذه الدرجة التي لا يتصورها إنسان، لذلك المسلمون -الآن- يفخرون بإنتاج البيض والقمح والماء البارد في قوارير ذات أحجام كبيرة وصغيرة, أما السلاح فهذا يهدد الأمن ويهدد المسيرة. فيقول في كتاب جند الله صفحة (22): "فلنعط هذا العالم ما يشاء من الخبز والانتاج الفني" أي: نرسل له عوداً وكمنجة وطبلاً ودفاً وموسيقى، لكن لا تجعله يصنع سلاحاً، فالسلاح عند أولئك، ولا يرسلون إلا سلاحاً غير صالح للاستخدام. قرأت في التاريخ الإسلامي المعاصر لـ جمال عبد الناصر في العدوان الثلاثي وأنه أرسل له أسياده دبابات قد عفا عليها الزمن, وأصبحت غير صالحة للاستعمال، فلما أنزلها ليقاتل بها تحطمت جميعاً، ولما قاتل هو إسرائيل في حرب (67م) -التي يسمونها نكسة حزيران- أعطوه طائرات قد عفا عليها الزمن، وقد قال الخبراء الروس: إنها لا تصلح للاستعمال، فلما أتى ليرمي سحقت وسحق معها عبد الحكيم عامر، فهذا هو العالم الغربي ووضعه مع المسلمين.

المخطط التاسع: إبعاد المسلمين عن الحكم

المخطط التاسع: إبعاد المسلمين عن الحكم ومن مخططاتهم سعيهم المستمر لإبعاد قادة المسلمين الأقوياء عن استلام الحكم في دول العالم الإسلامي حتى لا ينهضوا بالإسلام، فيريدون بدل حكمتيار في أفغانستان صبغة الله مجددي، لأنه غربي ميله إلى هناك، وحكمتيار قوي مسلم على الكتاب والسنة، الشيخ عبد الرسول سياف طالب علم داعية، ويونس خالص عالم حنفي فيه خير كثير، فهؤلاء يخافونهم فيريدون أشخاصاً ذائبين. يقول المستشرق البريطاني مونتجمري في جريدة تايمز اللندنية من آذار من عام 1968م: "إذا وجد القائد المناسب الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام؛ فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى" انظر كتاب الحلول المستوردة صفحة (11). ويقول جب: "إن الحركات الإسلامية تتطور بصورة مذهلة تدعو إلى الدهشة، فهي تنفجر انفجاراً مفاجئاً قبل أن يتبين المراقبون من أماراتها ما يدعوهم إلى الاسترابة في أمرها، فالحركات الإسلامية لا ينقصها إلا وجود الزعامة، ولا ينقص المسلمين إلا ظهور صلاح الدين من جديد" انظر الاتجاهات الحديثة في الإسلام صفحة (365) عن الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر الجزء الثاني صفحة (206) يقول: "إذا ظهر عند المسلمين صلاح الدين من جديد فقل على الغرب السلام". أيا صلاح الدين هل لك عودةٌ فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ وقد سبق أن ذكرنا في بعض المحاضرات قول بنجوريون رئيس وزراء إسرائيل السابق يقول: "إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد". خرجوا في مظاهرات في تل أبيب وأطفالهم وطفلاتهم يقولون: محمد مات خلف بنات. ولما انتصروا وضربوا جمال عبد الناصر، أصبحت إذاعات العرب تسب إسرائيل، وتغتاب إسرائيل وطائرات الميراج تعربد على رءوسهم. يقول البردوني شاعر اليمن: وأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب يقول: خطبنا ما شاء الله، تقذفنا إسرائيل بالصواريخ ونحن نرد عليها بالخطب في إذاعة صوت العرب من القاهرة. وأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب وقاتلت دوننا الأبواق صامدة أما الرجال فماتوا ثمّ أو هربوا فلم يعد هناك رجال. ويقول دكتاتور البرتغال: " أخشى أن يظهر من بينهم رجل يوجه خلافاتهم إلينا ويكون كمحمد" عليه الصلاة والسلام، ونحن نقول: أما أن يكون كمحمد فلا، محمد صلى الله عليه وسلم نسخة لا تتكرر؛ لأنه كتب بخط المؤلف، وبقية القادة من بعده صور من تلك النسخة، أما هو صلى الله عليه وسلم فإنه معصوم، قال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} [الإسراء:74] وزكى الله سمعه وبصره وفؤاده وحركاته وسكناته وهداه صراطاً مستقيماً، لكن هذا برتغالي لا يعلم شيئاً، انظر التبشير والاستعمار صفحة (87).

المخطط العاشر: إفساد المرأة وإشاعة الانحراف الجنسي

المخطط العاشر: إفساد المرأة وإشاعة الانحراف الجنسي يقول المبشر آن ميليغان: "لقد استطعنا أن نجمع في صفوف كلية البنات في القاهرة اللاتي آباؤهن باشوات وبكوات, ولا يوجد مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ المسيحي، وبالتالي ليس هناك من طريق أقرب إلى تقويض حصن الإسلام من هذه المدرسة" انظر كتاب التبشير والاستعمار صفحة (87) وهذه النصوص ليست من عندي، بل أقرؤها قراءة، ماذا يعنون بذلك؟ يعنون إخراج المرأة المسلمة من دينها وحجابها واحتشامها بما يسمى اختلاط التعليم، ويدعى -الآن- في بعض البلاد الإسلامية أن يختلط الأطفال الصغار؛ ويقولون في الصف الرابع طفل وطفلة ليس عندهم دوافع جنسية, اتركهم يدرسون جميعاً، وبعضهم يكتب كتابات في ذلك، وقرأت كتابات لبعض الناس في بعض البلدان الإسلامية ممن يشجع هذه الفكرة، ويقول: هي فكرة جديرة بالاعتبار. فأولاً يقول: هي تخفف علينا النقل, فيصبح الركوب واحد نصفه بنات ونصفه رجال والفصول كذلك والمدرسات، التي تدرس مثلاً التاريخ امرأة والذي يدرس الحساب رجل، وهكذا نكون (حيص بيص) وكأن هذا الرجل الذي يكتب بدون محمد صلى الله عليه وسلم وبلا قرآن وبلا شيء. يقول جلال العالم في كتاب: قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدوا أهله: "حكى قادم من الضفة الغربية أن السلطات الصهيونية تدعو الشباب العربي بحملات منظمة هادئة إلى الاختلاط باليهوديات وخصوصاً على شاطئ البحر، وتتعمد هؤلاء اليهوديات دعوة هؤلاء الشباب إلى الزنا بهن، وأن السلطات اليهودية تلاحق جميع الشباب الذين يرفضون هذه العروض بحجة أنهم من المنتمين إلى الحركات الفدائية، رغم أنها لا تدخل للضفة الغربية إلا الأفلام الجنسية الخليعة جداً، وكذلك تفتح في المعامل الكبيرة التي يعمل فيها العمال العرب الفلسطينيون دوراً للدعارة مجانية تقريباً؛ كل ذلك من أجل تدمير أولئك الشباب لضمان عدم انضمامهم إلى حركات المقاومة في الأرض المحتلة" انظر كتاب قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله صفحة (84) وفيه هذا النص بجملته.

وسائل مقاومة خطط الأعداء

وسائل مقاومة خطط الأعداء أيها الإخوة الفضلاء! هذه مخططات الأعداء، فكيف نقاوم هذه المخططات؟ وقد سمعتم أن عنوان المحاضرة: عشر خطط لتدمير الإسلام، فقد أخبرتكم بالهدم، فما هي طريقة البناء؟ بعد معرفتنا بسلاح الأعداء فما هو السلاح الذي نواجه به هؤلاء؟ هل تنجو عند الله غداً يوم القيامة وأنت لا تحمل رسالة هذا الدين؟ هل تستطيع أن تضمن لنفسك السلامة وأنت لم تقم مدافعاً عن دين محمد صلى الله عليه وسلم؟ ماذا تقول لله غداً وأنت لم تنصر دينه ولم تغضب لشرعه، ولم يتمعر وجهك يوماً واحداً من أجل ما ترى وما تسمع. إذن الوسائل لدحر هذه الخطط ولردها ولتفكيكها هي: أولاً: اعتصامنا بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153] فيجب أن تكون دراستنا وتعليمنا وفكرنا ورأينا من الكتاب والسنة، وذلك بتكثير مدارس تحفيظ القرآن والجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، وأن تقوم أنت في بيتك بتحفيظ أبنائك كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنا أقترح أن تحفظ أبناءك كل يوم آيةً وحديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم. ثانياً: أن نتحد جميعاً نحن المسلمين، وإذا لم نستطع أن نتحد دولاً فلنتحد شعوباً، فكلما رأينا مسلماً من أي بلد إسلامي احتضناه، وأحببناه، وآخيناه، وواليناه، ودارسنا مشكلاته التي تمر به في بلاده، وعشنا قضية الإسلام في كل بلد مسلم كأنها قضيتنا في أنفسنا، المسلمون همهم واحد يسعى بذمتهم أدناهم، المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. فأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني أحد العلماء الكبار إذا ذكر له قتل في بورما أو في البوسنة والهرسك أو في الفلبين سالت دموعه على لحيته، فهم إخوانك وأطفالك وأبناؤك، فلذلك عليك أن تتابع أخبار هؤلاء بالإذاعة وبما يكتب, واسأل القادمين ما أخبار المسلمين في كل مكان، وأحذركم وأحذر نفسي من التحزب الجاهلي الأعمى والإقليمية والتمييز العنصري؛ فلا تنظر لمسلم من أي بلد كان إلا كأنه أخوك من أمك وأبيك؛ بل أعظم من ذلك قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. ثالثاً: أن نخبر المسلمين أو أن نخبر الناشئة بتاريخنا الأول الذي عشنا عليه نخبرهم تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وننشره في المحاضرات واللقاءات والمجالس ونعمر به أوقاتنا فليس لنا تاريخ إلا هو. تاريخنا من رسول الله مبدؤه وما عداه فلا ذكر ولا شان رابعاًَ: أن نكون دعاة إلى منهج الله عز جل بما نحمل من سلاح الدعوة، قال صلى الله عليه وسلم: {بلغوا عني ولو آية} {نضر الله امرأً سمع منا مقالة فأداها كما سمعها؛ فرب مبلغ أوعى من سامع} وإذا لم تستطع أنت أن تتكلم فانشر الكتاب الإسلامي والشريط الإسلامي، وكن داعية إلى منهج الله عز وجل. خامساً: ألا نصدق ما يبث في وسائل الإعلام الغربية والشرقية من هجوم كاسح على الإسلام، فإني رأيت بعض العوام شُوِّشَتْ أذهانهم لكثرة ما سمعوا في الإذاعات الغربية والشرقية من اتهام الدعاة إلى الله عز وجل بالتطرف والأصولية، حتى يقول بعضهم: ما أتى بهذا الشر إلا الأصوليون، سبحان الخالق! ويعنون بالأصوليين: الدعاة إلى الله عز وجل, الدعاة إلى منهج محمد صلى الله عليه وسلم, وتجد أولئك يهاجمون هؤلاء، فيسمع لهم من الناشئة ومن الجهلة الجمع الكثير. سادساً: علينا -أيها الإخوة الكرام- أن نسعى جهدنا في جمع الناس تحت مسيرة اتباعه صلى الله عليه وسلم، أن يكون رسولنا ومعلمنا القائد رسولنا صلى الله عليه وسلم فقط، وأن نربط الناس بشخصه وبرسالته، فلا نربطهم بشخص آخر ولا بكيان آخر، بل نجعل له صلى الله عليه وسلم الاتباع ونجرد المتابعة له صلى الله عليه وسلم, ونعلم أنه ناصح وصادق، وأنه أنجانا من الظلمات إلى النور. سابعاً: أن نقطع طريق الشهوات؛ بمنع المجلة الخليعة والفيديو المهدم والمسلسل المخرب، حتى إذا قطعنا سلسلة الشهوة استطعنا أن ننجو بإذن الله. ثامناً: من الحلول التي قد لا نستطيع نحن لها أفراداً لكن يستطيع لها غيرنا: أن تكون البلاد الإسلامية منتجة للسلاح، مثلما تنتج البيبسي والصابون, أن تنتج القنبلة والطائرة والصاروخ والدبابة والقاذفة، لماذا يجوز للغرب أن ينتج ولا يجوز لنا؟! ثم علينا أن نكذب تلك الأطروحات الكاذبة الظالمة الآثمة التي تجعل الحصار على الشعب العراقي المسكين حلالاً, والحصار على إسرائيل حراماً, والتي تحرم أن تصنع باكستان القنبلة النووية وتجوز لدولة اليهود والصهيونية أن تصنع القنبلة النووية، فيا له من ظلم! ويا له من دمار! ويا له من عار! ويا له من شنار! ثم نسعى لوحدة المسلمين, وأن نخبر الناس أن الحدود الإقليمية هذه ما أنزل الله بها من سلطان, وإنما أتى بها المستعمر, وأنها لم تكن في العالم الإسلامي, وكانت الخلافة الراشدة كلها ممتدة -والحمد لله- تسافر أنت إلى الهند وإلى طنجة وإلى ليبيا وإلى أي مكان, آمناً مطمئناً في بلاد المسلمين وهم أحبابك وأقرباؤك وإخوانك. بلادي كل أرض ضج فيها نداء الحق صداحاً مغنى ودوى ثَم بالسبع المثاني شباب كان للإسلام حصنا أيها الإخوة: هذه بعض المقتضيات التي لا تغيب عنكم, لكن أحببت أن أعيدها على حضراتكم؛ علَّها أن تفهم وترسخ وتكون أمام العبد معرفةً واعتقاداً وتصوراً، وإني أوصيكم -أيها الإخوة- أن تعودوا إلى الكتبة المسلمين العارفين بالواقع، مثل كتابات سيد قطب رحمه الله، وكتابات أخيه محمد قطب أثابه الله، والأستاذ أبي الأعلى المودودي، والأستاذ أبي الحسن الندوي، وغيرهم من الكتبة الأماجد؛ لتتصوروا التصور الإسلامي الراشد مع ما يكتبه علماؤنا كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أثابه الله، وفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ ابن جبرين والشيخ الفوزان وغيرهم من العلماء. أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية والرشد والسداد, ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ثباتاً وهداية ورشداً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم ضرب التنكة

حكم ضرب التنكة Q أيها الإخوة! عرض علي في المحاضرة في الأسبوع الماضي (رسائل من الداخل والخارج) سؤال عن حكم ضرب التنكة للنساء في الحفلات والأعراس، ووعدتم أن أعرض هذه السؤال على عالم الأمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وقد عرضته عليه ومعي ما يقارب أربعة وعشرين من العلماء والدعاة في البلاد مساء الأربعاء الماضي فأجاب سماحته، وأنا سألته مباشرة دون اتصال ليس بيني وبينه حجاب ولا ترجمان؟ A لا تجوز (التنكة) للنساء، وإنما يجوز للنساء الدف في الأعراس والأعياد، الدف الذي يضرب بالأيدي فقط، ولا تجوز التنكة للنساء ولا الطبل ولا الزير ولا أدوات الموسيقى والغناء.

حكم الطبل والزير للرجال

حكم الطبل والزير للرجال Q ثم سألته هل يجوز الطبل والزير والزلفة للرجال؟ A قال: لا يجوز للرجال وإنما يجوز للنساء فقط، فهل فهمت الفتيا؟ هذه رسالة من سماحة الشيخ أنقلها لكم شفوياً، وقد سألته ومعي ما يقارب أربعة وعشرين من العلماء والدعاة، ومن شك منكم فعليه أن يتصل بسماحة الشيخ ليؤكد له هذه المسألة.

قراءة في بعض المجلات المنتكسة

قراءة في بعض المجلات المنتكسة أيها الإخوة الكرام! بعض ما نشر في بعض الصحف والمجلات أذكر لكم بعض الكلمات فيه لتروا كيف يحارب الإسلام وتحارب الفضيلة، ويحارب أولياء الله عز وجل. في مجلة سيدتهم، عدد (510) " من عيوب الزوج العربي الغيرة " من عيوب الزوج العربي أنه يغار، ولو أنه يغار ما كان فيه عيب! وقد قال صلى الله عليه وسلم: {أتعجبون من غيرة سعد فوالله إني أغير من سعد والله أغير مني}. في مجلة كل الناس عدد (58) "ماذا لو قالت امرأة: هذا الرجل صديقي؟! " يقولون: ماذا في ذلك؟! هل فيه حرام أن تقول امرأتك عن رجل أجنبي: هذا صديقي؟! أو يقول رجل لامرأتك: هي صديقتي؟! ليس في ذلك عيب ولا تحريم! هذه دعوة صريحة إلى أن تتخذ المرأة لها صديقاً وخدناً، والله حرم ذلك ورسوله عليه الصلاة والسلام. في مجلة الحسناء عدد (81) تقول المجلة: "الفضيلة والكرامة تعترضان مسيرة النجاح" معنى الكلام بمفهوم المخالفة: إذا أردت أن تنجح في الحياة فعليك أن تترك الفضيلة والكرامة وأن تعيش حياة البهائم. وقد ذكرها عمر الخيام وهو زنديق؛ وأحد الكتبة المصريين له كتاب عمر الخيام بين الكفر والإيمان ولذلك يقول: لبست ثوب العمر لم أستشر وحرت فيه بين شتى الفكر هذا شعر عمر الخيام يقول: لبست ثوب العمر ما استشارني ربي يوم خلقني؟ وكأن الواجب أن يستشيره ربه، يقول: ولدت ما استشارني، وكبرت ما استشارني، ومت ما استشارني. لبست ثوب العمر لم أستشر وحرت في بين شتى الفكر ثم يقول: هات اسقنيها عذبة حلوة ممزوجة بالدمع وقت السحر يقول: هات اسقنيها -يعني: الخمر في رمضان- هذا وهو في الشمال. فما أطال النوم عمراً وما قصر في الأعمار طول السهر يقول: أنت تعصي أو تطيع أنت ستجلس في القبر تجلس أبد الآباد، كل واشرب من الحرام هنا قبل أن تموت، نعوذ بالله، ولذلك بعض العوام من المتفسخين المتبذلين إذا قلت له: اتق الله قال: يحلها الحلال، وبعضهم يرتكب المعصية ويقول: الذي عقد رءوس الحبال يحلها. هذا مما قيل. وذكرتكم بـ مصارع العشاق بكلمة ذكرتني بـ عادل إمام هذا أحد الرؤساء ذبح العلماء وسجنهم ثم خرج في الإذاعة يقول: أنا إمام عادل كـ عمر بن الخطاب، فقال أحد العلماء: نعم عمر إمام عادل وأنت عادل إمام. يقول الكاتب هنا: " عادل إمام مثل أبي ذر الغفاري يمشي وحده ويموت وحده ويبعث يوم القيامة وحده" مجلة المصور عدد (3507) انظر الهراء والكذب على الله عز وجل وعلى الأمة وعلى الرسالة، وإذا طلب مسلم أو طالب عالم أن ينشر زاوية عن الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: لا يوجد لدينا مساحة وليس هناك مجال. وقيل: " أبو هريرة يروي أحاديث تنافي الذوق السليم مثل حديث الذباب " جريدة الشرق الأوسط. وفي مجلة كل الناس عدد (84) يقولون: " عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس في طبقات المغنين، والسبب نشأتهما في المدينة المنورة حيث يتعانق الدين والفن عناقاً حاراً " بقلم الدكتور نعمات أحمد. سبحان الله!: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس في طبقات المغنيين، عمر بن عبد العزيز الذي بكى الليل والنهار حتى وصله العلماء وسألوه بالله أن يكف عن البكاء، قالوا: مالك تبكي؟ -وهو يحكم اثنتين وعشرين دولة- قال: تفكرت في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] فأخشى أن أكون ممن قيل فيهم: (وفريق في السعير). ووصله زياد الفقير عالم المدينة قال: يا عمر بن عبد العزيز، اتق الله في نفسك، تمتع في حياتك؛ لأنه ما استطاع حتى أن يعاشر أهله، وما استطاع أن يأكل الفاكهة, وأصبح جلده على عظمه من خشية الله عز وجل، لا يستطيع النوم تقول امرأته فاطمة بنت عبد الملك وهو حاكم يحكم في دمشق العالم الإسلامي تقول عنه: كان يأوي إلى فراشه فينتفض مثل العصفور؛ فتقول: مالك؟ قال: أخشى أن الله اطلع علي وأنا على معصية فقال: لا رضيت عليك أبداً، وقام مرة يصرخ مع السحر فتوضأ قالوا: مالك؟ قال: تذكرت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9 - 10] هذه النماذج نفخر بها. عمر بن عبد العزيز الذي ليس له إلا ثوب واحد، ووالله لقد ذكر أهل التاريخ أن صُبر الذهب والفضة كانت تنكت في المسجد وتوزع في الفقراء، وما كان يجد كسرة الخبز، كان يغسل ثوبه ويصعد به على المنبر فإذا أراد أن يتكلم يبكي، حتى يقول رجاء بن حيوة: "انظر إلى جدار المسجد هل يبكي معنا" رحمه الله. مجلة نصف الدنيا عدد (98) تقول: "قريباً تشدو نجاة الصغيرة لبيك اللهم لبيك" أحدهم يقول: سرح الليلة وانشق القمر من غزال صاد قلبي ونفر هذا كلام ينشد، وذلك يقول: تبت يدا الحب من صناجة العرب حمالة الورد لا حمالة الحطب ما بقي إلا القرآن، وقد أخبرنا بعض العلماء أنه وجد بعض الفسقة والعياذ بالله غنى بسورة تبت يدا أبي لهب وأفتى العلماء بقتله، مجلة نصف الدنيا أنشدوا هذا. أيها الإخوة هذا بعض ما ينشر، وبعض ما يقال، وأنا أستأذن في عدم المواصلة في هذا لأن هناك مسائل أخرى؛ ولكني أحببت أن أخبرك بهذا.

حكم البث المباشر (الدش)

حكم البث المباشر (الدش) Q الساتلايت المسماة بالدش الذي هي وسيلة للبث المباشر ما حكمها؟ A سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز سوف تخرج له فتيا في هذه الأيام يرى وجوب مقاطعة هذه الدشوش وعدم إدخالها في البيوت، وسوف أقرؤها عليكم بتوقيعه إذا وصلت إن شاء الله.

نصائح وتوجيهات

نصائح وتوجيهات أيها الإخوة الفضلاء! أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية والسداد والرشاد، وقبل أن أنتهي أخبرتكم بكتاب الأسبوع وهو كتاب " حصوننا مهددة من الداخل " فعليكم بقراءة هذا الكتاب, وأوصي إخواني طلبة العلم الذين عطلوا أو ارتاحوا من الدراسة ألا يرتاحوا من العمل الصالح, ليس عند المؤمن راحة كما قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] الذي يزعم أن طالب العلم إذا انتهى من الامتحان, يغلق على كتبه, وأنه يبدأ حياة النشاط والرياضة والتفسح قد أخطأ، هذا يصلح في بريطانيا وفي فرنسا وفي أمريكا، أما نحن شباب محمد صلى الله عليه وسلم فحياتنا اطلاع وقراءة وبحث ومدارسة وعبادة دائماً, فأوصيكم -يا إخواني- أن تقرروا لأنفسكم كتباً في هذه العطلة ولو تنزهت مع أهلك ولو ذهبت إلى أماكن الاصطياف والسياحة، فعليك أن تستصحب كتباً وأن تقرأ وأن تحقق مسائل وأن تحفظ شيئاً من كتاب الله، واحذروا أن تغفلوا، أو أن تجعلوا في أذهانكم العطلة أنها استجمام، وأنها ترك للقراءة والتحصيل، وهذا خطأ لا يقره الشرع الحنيف، قال عمر: [[المؤمن إذا ارتاح غفل]]. تنبيه آخر: أمانة في أعناقكم أسألكم عنها يوم العرض الأكبر ألا تتركوا علماء الإسلام ولا طلبة العلم ولا الصالحين ولا الدعاة ولا المستضعفين ولا المنكوبين من المسلمين من دعائكم في صلواتكم وفي السحر وفي أدبار الصلوات، وإذا قمتم وإذا قعدتم. يا أيها الإخوة الكرام: دعاؤكم إن شاء الله مستجاب، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {يستجاب للعبد ما لم يعجل, يقول: دعوت فلم يستجب لي} فالله الله أن تلحوا على الله. أتيناك بالجود يا ذا الغنى وأنت المعين فكن عوننا فما في الغنى أحدٌ مثلكم وفي الفقر لا أحد مثلنا فأكثروا وأبشروا وأملوا ما يسركم يقول المولى جلت قدرته: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] الله الله في الإلحاح! يقول أبو بكر: [[ألحوا على الله]] ادخل على الله من أي باب من الأبواب الشرعية وأكثر من الدعاء إليه والانطراح بين يديه، فإن علماء العالم الإسلامي ودعاته ومناهجه ومستضعفيه وفقراءه يعيش مأساة لا يعلمها إلا الله، فلعل الله أن يفرج بدعائك هموماً وكروباً وغموماً ويزيل ظلماً عن مظلوم، وينصر مضطهداً وأنت لا تدري. ثم أنبه على مسألة: لا يستصغر أحد منكم نفسه ولا يحتقر نفسه، فكلنا مذنب، وكلنا يشعر أن عنده ذنوباً فيقول: أنا لو دعوت يمكن ألا يستجاب لي! مع أن دعاءك يمكن أن يكون أفضل من دعاء أعبد العباد، لأنك تشعر بالتقصير وتشعر بالانكسار، فعسى الله أن يجيب! اللهم يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، اللهم يا أرحم الراحمين, اللهم يا ولي المسلمين! اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الركن الذي لا يضام, والعزة التي لا ترام, يا من لا ينام, يا من أنزل الإسلام؛ نسألك أن تنصرنا وأن تنصر دينك وأولياءك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم. اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأبطل سوءه, وأبطل بأسه, ونكس رأسه, وشرد بالخوف نعاسه, يا رب العالمين! اللهم احفظنا بحفظك من كل مكروه، اللهم انصرنا على من اعتدى علينا، اللهم تولنا فيمن توليت واهدنا فيمن هديت، اللهم من أراد أولياءك وعبادك والصالحين والمستضعفين والمسلمين بسوء، فاجعل تدميره في تدبيره، واقتله بسيفه ومزقه كل ممزق والعنه كل لعنة. اللهم اجمع شمل المسلمين, وأصلح ولاة أمورهم, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الحق وتحذرهم من الباطل، اللهم إنا نسألك العروة الوثقى, وأن تميتنا على لا إله إلا الله، وأن تدخلنا الجنة بلا إله إلا الله. سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين.

مفهوم الحب في الإسلام

مفهوم الحب في الإسلام الحب في الله، والبغض في الله؛ أوثق عرى الإيمان؛ وفي هذا الدرس بيان أقسام الحب, وذكر نماذج من أولئك الأخيار الذين قدموا حب الله على حب غيره, ونماذج أخر من أولئك الذين قدموا محبة غير الله على محبة الله, فإن الحب والبغض عقيدة تستقر في القلب وتترجم على الأعضاء والأركان, وليست مجرد دعوى يدعيها صاحبها.

أقسام الحب

أقسام الحب إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم صل وسلم على من بعثته هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً بإذن الله وسراجاً منيراً. أمَّا بَعْد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإن كان من شكر فإني أشكر الله تبارك وتعالى على أن أجلسني بين أساتذة وطلبة علم ودعاة، ثم أشكر لأهل الفضل فضلهم: {ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله تبارك وتعالى} فأشكر عميد هذه الكلية وهيئة التدريس، والأساتذة الدارسين، وأبدأ معكم موضوعي الذي هو: مفهوم الحب في الإسلام. لقد جاء الإسلام فقنن وحدد العقائد والأفكار والتصورات والأخلاق، وضبطها ووجهها ولم يجعلها هملاً، وإنما هي موجهة من الواحد الأحد، فمن هذا المنطلق سوف نتكلم عن الحب وكيف وجهه الإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام ولم يتركه، لأن كثيراً من الناس ظنوا أنهم يحبوا من شاءوا وفي أي وقت شاءوا وهذا خطأ، وهل العقيدة والعبادة إلا حب؟! وهذه المحاضرة تدور على ست مسائل: أولها: المحبوبات عند الناس في القرآن الكريم ثانيها: حب الكافر لغير الله عز وجل. ثالثها: ادعاء الحب, ومن ادعى الحب وكذب فيه. رابعهاً: محبة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم أعلى المطالب وأغلى المقاصد. خامسها: علامة حب الله عز وجل والفاصل بين الذين يحبونه ولا يحبونه. سادسها: هو الحب الرخيص الحقير التافه الذي هو شؤم وأذى ولعنة ومقت على أصحابه، وسوف نقف مع أهل الحب الرخيص الفنانين والفنانات، والمغنيين والمغنيات، وأين صرفوا حبهم؟! وماذا فعلوا بحبهم؟! وما هو جزاؤهم عند الله إن لم يتوبوا؟!. ذكر الإمام البخاري: {أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على المنبر فتكلم -وهو يتكلم للناس في العقائد والعبادات- فلما انتصف صلى الله عليه وسلم في حديثه وإذا بأعرابي يقاطعه فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم وقال: مالك؟ قال: متى الساعة؟ فسكت عليه الصلاة والسلام فلما انتهى قال: ماذا أعددت للساعة؟ قال: يا رسول الله! والله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة, ولكني أحب الله ورسوله, فقال عليه الصلاة والسلام: المرء يحشر مع من أحب} قال الحسن البصري معلقاً على الحديث: لا يخدعنكم الحب فحسب, فوالله الذي لا إله إلا هو لقد أحب قوم عيسى بن مريم حتى تألهوه فأدخلهم حبه النار، فهو حب بلا عمل. وروى الغزالي في الإحياء عن ابن عمر أنه قال: [[والله, لو أنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله، وصمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه ثم لقيت الله، وأنا لا أحب أهل الطاعة، ولا أكره أهل المعصية، لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار]] فمن هذا المنطلق جعل الرسول عليه الصلاة والسلام الحب عقيدة، ففي سنن أبي داود بسند صحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان} فهذه عقيدة وتصور وميول فمن صرفه لغير الله فقد أساء وتعدى وظلم. والحب على قسمين: الأول: فطري جبلي. الثاني: كسبي سببي. فأما الفطري الجبلي: هو حب جُبِل عليه العبد في ذلك، منها: حب الرجل الطعام، وحبه الماء، وحبه لابنه وزوجته. أما الكسبي السببي: فهو الإرادي الذي يحاسب الله عليه العبد إذا صرفه لغير مرضاة الله تبارك وتعالى. ونقف قليلاً مع سؤال وجه لشيخ الإسلام ابن تيمية وذكره ابن القيم في روضة المحبين. قال السائل: لماذا يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45] كيف يأمرهم بذكره وقت الأزمات، أما هناك وقت للذكر إلا وقت مصارعة الأعداء والمقاتلة؟ قال ابن تيمية: إن المحبين يتشرفون بذكر محبوبيهم وقت الأزمات، أما سمعت لقول عنترة لما يقول لمحبوبته: ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم فكان الجاهليون يتمادحون لأنهم يذكرون محبيهم وقت القتال, فأراد الله أن يحول هذا المعتقد الآثم إلى ذكره في وقت الأزمات، ولذلك أفضل الذكر يوم يذكر العبد ربه وقت ملاقاته لقرنه أو مصارعه أو مبارزه.

المحبوبات في القرآن

المحبوبات في القرآن يقول الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14] فكل محبوبات الناس تدور على هذا، ولكن عند الله خير من هذا، ومن أحب هذا الشيء الذي ذكره الله، وأفنى حبه فيه وعبده، فليس له عند الله من خلاق، لأن الحب عبادة وإذا اجتمع مع الذل فهو كمال العبادة، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة} والحديث عند البخاري في كتاب الجهاد ونصه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {تعس عبد الدرهم, تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش} وإنما سماه عليه الصلاة والسلام عبداً؛ لأنه صرف حبه لهذه الأمور حتى غلبها على حب الله، ومن الناس من يحب زوجته أكثر من حب ربه تبارك وتعالى! وعلامة ذلك أن يقدم مطلوبها -ولو كان معصيته- على مطلوب الله سبحانه وتبارك. من الذي أخرج حنظلة الغسيل من بيته وهو في أول يوم من عرسه إلى لقاء الله, وأتى إلى أحد وكسر جفن سيفه على ركبته، وقال: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]] إلا حب الله، وفي الأخير قال عليه الصلاة والسلام: {سلوا أهل حنظلة عن حنظلة ماله، فسألوهم، قالوا: خرج جنباً ولم يغتسل، قال: رأيت الملائكة بين السماء والأرض تغسله في صحاف الذهب بماء المزن} من الذي جعله في هذه الدرجة إلا حين غلب محبوب الله على محبوبه النفسي؛ ولذلك ترك كل شيء وخرج إلى لقاء الله، وسوف نمر بنماذج في العنصر الخامس إن شاء الله. يقول الله سبحانه: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:20] وهذا يدخل فيه نوعي الحب: سببي كسبي، وفطري جبلي. أما الفطري الجبلي: وهو أن الإنسان يحب المال بلا شك، وهو مفطور على ذلك، وأما الكسبي: فهو الذي يصل به إلى درجة العبودية للدرهم والدينار, فيسبح بحمده صباح مساء، ويجعله مقصده في الحياة ومطلوبه، فيكون كما قال الله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [الفرقان:43]. فمن جعل شيئاً أعظم من الله في قلبه وأحبه كان إلهه وكان مشركاً بالله. ولذلك ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ذلك: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165].

لا تقدم ملاذ الدنيا وحبها على حب الله ورسوله

لا تقدم ملاذ الدنيا وحبها على حب الله ورسوله وقد ذكر الله جل وعلا ملاذ الدنيا، فإن ملاذ الدنيا وشهواتها لا تخرج عن ثمانية أصناف ذكرها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة التوبة: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة:24] من قدم شيئاً من هذه الثمان على حب الله، فلينتظر الموت ولينتظر اللعنة والغضب، ومن قدم هذه الأمور على الجهاد في سبيل الله وعلى طاعة الله فمعناه: أنه صرف الحب لغير الله، واستحق اللعنة والغضب من الله تبارك وتعالى، فهذه ملاذ الدنيا فمن قدمها على حب الله؛ فقد باء بغضب الله، يوم تأتي مصارعة حب الأب مع حب الله تبارك وتعالى، الأب يدعوك إلى المعصية، والله يدعوك إلى المغفرة وإلى جنة عرضها السماوات والأرض, وتعصي أباك حينها تكون محباً لله. ومن أجلّ الصور قصة أبي عبيدة ولو أن في إسنادها نظر، لكن هي من قصص السير ولا بأس بإيرادها. وقف أبو عبيدة عامر بن الجراح -أحد العشرة المشهود لهم بالجنة- يوم بدر فعرض له أبوه مراراً فجنح عنه بالسيف، فلما رآه معترضاً له وعلم أنه يدعوه إلى النار وعلم أنه يحارب الله؛ ضربه بالسيف فكان كأمس الدابر فقتله، فما كان من الله إلا أن جازاه في الحب حباً، وبالصدق صدقاً، وبالإقدام ثواباً وأجراً. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:188] فهذا حب الجاه والشهرة, من أحب ذلك وقدمه على حب الله، فلا تحسبنه بمفازة من العذاب أبداً وله عذاب أليم. يذهل الإنسان يوم يجد أهل الكفر والضلالة يستميتون من أجل مبادئهم ويحبون أصنامهم وطواغيتهم أكثر من حب أهل الإسلام لربهم تبارك وتعالى, يسهرون الليالي في إنتاج الخطط في محاربة الإسلام, يقدسون عظماءهم, ويقبلون صور عظمائهم، ثم نعجب حين نجد الإنسان لا يشعر بحرارة النخوة وعقيدته مع الله تبارك وتعالى. يقول شاعر الضلالة والإلحاد الخوري: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم يعني: يتخذ من دون الله أولياء ثم يموت في هذا الولاء ويحيا فيه؛ فما جعل الشيوعي، واليهودي والنصراني يستميت ويقاتل ويذبح إلا من أجل عقيدته، ولذلك يقول: هبوا لي ديناً: لا يهمني أي دين إلا دين يجمع العرب، فلا حيّ الله ذاك الوجه ولا بياه وعليه لعنة الله. هبوا لي ديناً يجعل العرب ملة وسيروا بجثماني على دين برهم برهم: المجرم الهندوكي السفاك. فيقول هذا: فأتوني بدين ولو كان على دينه، ثم يقول: لاتنظر إلى الأديان، بل بلادك الطين والتراب، فهذه عقيدته وهذا حبه وهو يلقى الله عز وجل: بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم أحد الناس الذين صرفوا حبهم لغير الله من الفسقة - ابن هانئ الشاعر- يقف أمام سلطان لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا حياة ولا نشوراً، ولا حكمة ولا تصريفاً ويقول لهذا الحشرة: ما شئتَ لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار سبحان الله! من هو الواحد القهار إلا الله, من هو الذي يحيي ويميت إلا الله، من الذي يغني ويفقر إلا الله! قل للطبيب تخطفته يد الردى من ياطبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعد ما عجزت فنون الطب من عافاكا والنحل قل للنحل يا طير البوادي من ذا الذي بالشهد قد حلاكا وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله: كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا ستجيب بلسان حالها: الله. فهذا صرف معتقده ونسي نفسه وخلع حبه يوم دخل على هذا السلطان: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار فما كان جزاؤه؟ والله قد يعجل بالجزاء ليجعل بعض الناس عبرة للمعتبرين، فهذا الشاعر أتاه مرض عضال فأخذ ينبح كما ينبح الكلب على فراشه، وتذكر تلك الكلمة الخاسئة الحقيرة التي صرف الحب فيها لغير الله فقال: أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالق لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق فخر على وجهه فوقع على أرض سحيقة لأنه أشرك بالله. وهذا المتنبي الشاعر يقول لـ عضد الدولة: أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا فضيعه الله في الدنيا والآخرة، فلا حصل على حب الناس في الدنيا أو على مكانة فيها وضيعه في الآخرة كذلك، والأمر عند الله؛ لأن أعماله شهدت له بمقال أنه صرف حبه لغير الله تبارك وتعالى. وبعض الناس يجعل الرياضة إلهاً من دون الله فيحبها حباً شديداً، يسبح بحمدها, فيصبح عليها ويمسي عليها، ويوالي على فريقه ويعادي عليه, وهل العبادة إلا الحب والبغض؟! وهل العبادة إلا الولاء والبراء؟! وهل العبادة إلا الميول؟! ولذلك يغضب حين يجد إنساناً يناوئه على فريقه أو على نصر منتخبه، فهل هذه أمة تريد بحبها وجه الله؟! وهل هذه أمة رسالة؟! قد رأينا جميعاً بعض الناس يوالون على مغنيين، ومغنيات, وما جنين وماجنات, أحياء وأموات، فيتعصب لهؤلاء وهم أرخص الناس ثمناً وأقلهم سعراً في الأسواق، وهؤلاء لا عقل ولا دين كمثل أحد الصوفية كان يقرأ قوله تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:26]: (فخر عليهم السقف من تحتهم) لأن الأصل أن السقف من فوق، لكن لا عقل ولا دين: ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان عليّ ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني

بطلان ادعاء الحب

بطلان ادعاء الحب الدعوى سهلة, يقول أحد الصالحين: لا تعرضوا حب الله على الألسن فتدعيه، وادعاء حب الله سهل عند الناس جميعاً, فتارك صلاة الجماعة وهو يصلي -رغم قوته- في بيته كالعجوز، تقول له: لماذا لا تصلي في المسجد؟ قال: الله يعلم أني أحبه. وكذب لعمر الله! لو كان يحب الله ما تأخر عن الصلاة في المسجد: يقول محمد إقبال معبراً عن حبه لمولاه: نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا

المحبة تستلزم الطاعة

المحبة تستلزم الطاعة ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: يا رب! أمتني ميتة حسنة, قالوا: وما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فطالت به الحياة وعلم الله أنه صادق: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وأتت إليه منيته في وقت صلاة المغرب، فإنه لما كان في حالة الموت فسمع: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، قال: احملوني إلى المسجد، قالوا: أدركك الموت, قال: أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح ولا أقوم, لا والله! فنقلوه فلما أصبح في السجدة الأخيرة قبض الله روحه. فهذه هي الميتة الحسنة. فأهل الحب هم أهل الإيمان والحب والطموح. قال أبو الحسن الندوي في معرض كتابه مسيرة الحياة: عين بلا إيمان مقلة عمياء، وأمة بلا إيمان قطيع من ظأن وغنم، ونحن نقول: كتاب بلا إيمان كلام مصفف، وقصيدة بلا إيمان كلام ملفف، وعقل بلا إيمان ضلال وضياع وخسار ودمار وعار، لينتبه كل منتبه أن العقل لا يأتي بالدعوى, يقول ابن القيم في مدارج السالكين، وهو يتلطف مع المحبين، ويتكلم عمن يدعي حب الله عز وجل ثم يكذب، أقواله في واد وادعاؤه في واد آخر: أصحيح أن من يحب الله عز وجل يتدثر في فراشه وصلاة الفجر ينادى إليها؟ كذبٌ والله! إن هذا لم يحب الله، ولو أحب الله لأتى بيت الله، ولصلى مع المسلمين, ولتشرف بوضع جبهته في الأرض، فإن الذي لا يضع جبهته في الأرض لله يضعها لغير الله، والذي لا يمد يده سائلاً الله, يمدها لغير الله, وهذه قاعدة. فلا بد للإنسان من إله: الله أو غيره, لذلك يقول ابن تيمية: الإنسان همام حارث -كما في الحديث الصحيح- لا بد لقلبه أن يهم ولا بد له أن يزاول شيئاً، فلا بد له من إله يألهه وهو الله تبارك وتعالى، واسم "الله" معناه الذي تألهه القلوب وتحبه، ولا يركن القلب ولا يرتاح القلب إلا مع الله. وقد ذكر عن سيبويه النحوي: أنه رئي في المنام فقالوا: ماذا فعل الله بك؟ - سيبويه توفي وعمره (32 سنة) وقد ألف في النحو، ولو كان في الكتب معجزة -غير كتاب الله وسنة المصطفى- لكان هذا الكتاب، ولكن كتاب الله هو المعجز ونستغفر الله, لكن قالها أبو حيان المصري النحوي- فلما رئي في المنام، قالوا: ماذا فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قالوا: بماذا؟ قال: قلت في باب المعرفة: الله أعرف المعارف. فهو عندما أتى إلى اسم الجلالة ليعرفه للنحاة لم يعرفه بل قال: الله أعرف المعارف وسكت، ثم أخذ في الكلام، وهذا كلام عجيب، وهو أعرف المعارف سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] وابن القيم يتحدث عن ادعاء الحب فيقول: تقول امرأة لرجل يدعي حبها: ولما ادعيت الحب قالت كذبتني أليس أرى الأعضاء منك كواسيا تقول: لو كنت صادقاً لنحل جسمك من الحب، ولظهر عليك علامات الحب، أما أن تتظاهر بالحب وأنت تنام الليل، وتأكل ما اشتهيت، وأنت سمين، فأين آثار الحب عليك؟ ولذلك يقول ابن المبارك: تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع فيقول: كذب من ادعى المحبة، وفي أثر إسرائيلي: كذب من ادعى محبتي، فإذا ضمه الليل نام عني ولم يقم يناجيني, أو كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وهذا من أحاديث الإسرائيليات نرويها باعتبار: {حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج}. فالحب ادعاه قوم كثير وهو في المسلمين كثير وكثير، حتى من الفسقة الفجار ممن يحمل الكأس، ويعيش للمرأة، ويسمع الأغنية، ويعاصر الخلاعة، فإذا قلت له في ذلك ادعى حب الله، وهذا أكبر ادعاء وبهتان في الأرض وهو إفك وبهتان وزور مبين.

محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلى المطالب وأعظم المقاصد

محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلى المطالب وأعظم المقاصد ومحبة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم أعلى المطالب وأعظم المقاصد، فآخر ما تصل إليه من درجة العبودية أن تحب الله أكثر من نفسك وأهلك ومالك، ومن الناس أجمعين، وتحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الحب. في صحيح البخاري قال عمر: {يا رسول الله! والله إنك أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال عليه الصلاة والسلام: لا يا عمر! حتى أكون أحب إليك حتى من نفسك، فانتظر قليلاً ثم قال: والله -يا رسول الله- إنك أحب إلي من نفسي} فهذا هو منتهى الحب. وفي الصحيحين عن أنس يقول عليه الصلاة والسلام: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار} فمن وجد هذه الثلاث وجد حلاوة الإيمان ومنتهاه وأصله فهنيئاً له، ومن لم يجد ذلك فليبكِ على نفسه. وحب الله من أعظم المقاصد والمطالب، يقول ابن القيم في الفوائد في قوله تعالى: {يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] ليس العجب من قوله: (يُحِبُّونَه) فإن من أطعمك وكساك ومن خلقك ورزقك تحبه جبلةً وأصلاً، ولكن العجب من قوله: (يُحِبُّهُمْ) فالله خلقهم ورزقهم، وأعطاهم الأسماع والأبصار، ثم يحبهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأعطاهم النفوس ثم اشتراها منهم وأعطاهم الجنة ثمناً فكان الربح لهم. أتى جبريل بصك أملاه الواحد الأحد ووقع فيه محمد: السلعة الجنة، والثمن أرواح المؤمنين، فتقدم من يشتري تلك السلعة فقدموا أرواحهم في بدر وأحد وارتفعت أرواحهم إلى الحي القيوم، فكلمهم الله كفاحاً بلا ترجمان: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111].

صور من محبة الصحابة لله

صور من محبة الصحابة لله قال ابن القيم في زاد المعاد وهو يتحدث عن بيع جمل جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري أبوه أتى إلى يوم أحد فلبس أكفانه, ومعنى لبس الأكفان: أنها ساعة الخطر والصفر, فلا عودة إلى الحياة، ولا محاب إلا محبة الله، لا زوجة ولا ولداً ولا داراً ولا مالاً: ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى أم من رمى نار المجوس فأُطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا أتى إلى المعركة فأخذ غمد سيفه وكسره على ركبته -وهذا في أحد وحديثه في الصحيح- وقال: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]] فقتل، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام لـ جابر: {ابك أو لا تبك والذي نفسي بيده, ما زالت الملائكة تظل أباك بأجنحتها حتى رفعته} وفي حديث حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {يا جابر! والذي نفسي بيده, لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، فقال: تمن يا عبدي , قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فأتمنى أن ترضى عني, قال: فإني قد رضيت عنك، فأحل الله عليه رضوانه وعلى إخوانه من الشهداء, وجعل أرواحهم في حواصل طير ترد الجنة فتأكل من ثمارها، وتشرب من مائها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش حتى يرث الله الأرض ومن عليها} وأنزل الله قوله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171]. جابر أتى بجمله يضربه في غزوة لأن الجمل تحير عليه, فأتى عليه الصلاة والسلام فأخذ العصا فضرب الجمل -والحديث في الصحيحين - فتحرك الجمل حتى قال جابر: كنت أحبسه لا يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ صلى الله عليه وسلم يداعبه بكلام الأحباب بالسحر، فقال له وهم يمشون في آخر الليل: {يا جابر! أتزوجت؟ قال: نعم. قال: بكراً أم ثيباً؟ قال: ثيباً، قال: هلا بكراً تداعبها وتداعبك؟ قال: إن لي أخوات وقد قتل أبي - يعني: في أحد - وترك عندي سبع أخوات فأردت امرأة تقوم على شئونهن, فسكت عليه الصلاة والسلام، ثم قال: يا جابر! أتبيعني جملك؟ قال: ما ترى يا رسول الله! فشراه بأوقية، فلما ذهب اشترط جابر حملانه إلى المدينة، قال: فدخلت المسجد فصليت ركعتين -وفي لفظ: قال له صلى الله عليه وسلم: صلِّ ركعتين- فلما أتى قال لـ بلال: انقده الثمن, فأعطاه الأوقية, فولى جابر فأخذ الثمن وترك الجمل، قال: يا جابر! تعال خذ الجمل والثمن، فساق الجمل والثمن} قال ابن القيم: كأنه يشير إلى قصة أبيه عبد الله يوم أعطاه الله روحه ثم أخذ روحه وأعطاه الجنة، فهو الذي أعطى في الأولى والثانية: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111]. فهذا هو حب الصحابة لله تبارك وتعالى. وفي السير عند ابن هشام وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم: {وقف قبل معركة أحد يعلن الحرب على أبي سفيان على المنبر، ويتحدث للناس ويشاورهم: أنقاتل في المدينة أم نخرج خارج المدينة؟ فقال كبار الناس: يا رسول الله! دعنا نقاتل هنا, فقام شاب من بني سالم، ققال: يا رسول الله! لا تحرمني دخول الجنة، فوالله الذي لا إله إلا هو! لأدخلن الجنة, فقال عليه الصلاة والسلام وهو يتبسم: بم تدخل الجنة؟ -هل يحلف على الله أحد؟! هل يقسم على الله فرد من الناس، ومن يدر بأحكام الله تبارك وتعالى؟! - قال: بخصلتين، قال: ما هما؟ قال: إني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف، قال عليه الصلاة والسلام: إن تصدق الله يصدقك، وبدأت المعركة يوم السبت ودارت رحاها وأتى الصادق -يوم يوف الله الصادقين بصدقهم- فصدق الله فقتل، ومرّ عليه الصلاة والسلام على البواسل من الجنود فوجد هذا فأخذ يمسح التراب عن جبينه وتدمع عيناه صلى الله عليه وسلم ويقول: صدقت الله فصدقك الله} يقول محمد إقبال: أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا إلى أن يقول: كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا عبدة الدينار, عبدة الحلي, عبدة المناصب، عبدة الوظائف -نعوذ بالله أن نكون منهم- لأنهم أحبوا هذا أكثر من حب الله، وعلامة ذلك: ذكرهم لها في المجالس والولاء البراء والحب والبغض من أجلها والانقياد لها أكثر من الحب لوجه الله عز وجل. جعفر بن أبي طالب من الذي أخرجه فترك أهله وماله وولده وأحبابه؟ وقبل المعركة ماذا فعل؟ كسر غمده، وكسر الغمد عند العرب ليس بالأمر السهل، إذا كسر الرجل غمده على ركبته فهذا يعني: ساعة الصفر وأنه لن يعود أبداً، من الذي جعله يكسر غمده؟ إنه حب الله فيقول: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها عليّ إن لاقيتها ضرابها فقاتل حتى الظهر فقطعت يمينه, ولو كان يقاتل لغير الله فأتته نخسة برمح والله لا يثبت في المعركة, والروس يفرون الآن من أفغانستان , حتى إنهم رفعوا أصابع النصر يوم انسحبوا مهزومين، لماذا؟ لأنهم يقاتلون للطواغيت ولا يقاتلون لله، يحبون الحياة: فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ والذي يقاتل لله لا يفر ولا ينسحب, فقطعت يده اليسرى فضم الراية بعضديه, فكسرت الرماح في صدره فهوى شهيداً وأبدله الله بجناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء, وهذا أعلى الحب. عمير بن الحمام في بدر يقول له صلى الله عليه وسلم وللناس: {والذي نفسي بيده! ما بينكم وبين الجنة، إلا أن يقتلكم هؤلاء، فيقول الأنصاري عمير بن الحمام -الذي لا يملك إلا الرمح, ولا يملك إلا الثياب البالية, ولا يملك إلا حفن التمر في يده-: يا رسول الله! أسألك بالله ما بيننا وبين هؤلاء إلا أن يقتلنا هؤلاء؟ قال: إيه والذي نفسي بيده, قال: والله إنها لحياة طويلة إذا بقيت إلى أن آكل هذه التمرات، ثم رمى التمرات فقاتل حتى قتل -وفي لفظ في السيرة- وخلع درعه من على جنبه}. وفي الحديث: {ويعجب ربك من الرجل يلقى العدو حاسراً} ولذلك يقول الأول فيه وفي أمثاله: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما أنس بن النضر: من الذي جعله يزحف حتى يقول سعد: [[هون عليك رويداً رويداً؟ قال: إليك يا سعد! والذي نفسي بيده! إني لأجد ريح الجنة من دون أحد، فقاتل حتى قتل]] فما عرف إلا ببنانه، ووجدوا فيه بضعاً وثمانين ضربة؛ لماذا هذا؟ إنه حب الله عز وجل، والمطلوب منا نحن ليس أن نسفك دماءنا، فالحمد لله ليس عندنا سفك دماء، بل أكل خبز وشرب ماء، وصلاة في الجماعة في الصف الأخير! ثم إذا صلينا نظرنا إلى الفسقة الذين هم أسفل منا في الدين, وقلنا: نحن كالصحابة نصلي خمس صلوات في المسجد، وهذا هو حال المتخلف يوم ينظر إلى الأقل منه، لكننا ما نظرنا في الدنيا إلى الذين هم أقل بل نظرنا إلى من فوقنا، فكلما تواصينا بالزهد؛ قلنا: نحن على خير ونحن أفضل من كثير من الناس, أوما رأيت إلى أولئك وأولئك كم عندهم من الدور والقصور والسيارات! فرضينا في الدين بالهون والدنية، ولم نرض في الدنيا إلا بأعلى شيء وقمته، وهو ليس بقمة وليس بأعلى. فمحبة الله عز وجل هي أعلى المطالب وأعلى ما يطمح إليه المؤمن بلغني الله وإياكم محبته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

علامات محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

علامات محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كل يدعي المحبة لكن هناك علامات وإذا لم يأت الإنسان بشهود فهو كاذب: والدعاوى إذا لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء ولو أعطي الناس بدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي، وحديث ابن عباس: {لو أعطي الناس بدعواهم, لادعى أناس دماء أناس وأموال أناس}. ولو كان كل إنسان يسلم له بدعواه لأخر أناس صادقون وقدم قوم كاذبون.

بيع النفس لله

بيع النفس لله أما أعظم علامة من علامات حب الله عز وجل: هي بيع النفس. وبيع النفس هي أول خطوة من خطوات الهجرة, أن تبيعها من الله الواحد الأحد فتغضب لله وترضى لله وتقدم لله، وتعطي لله، وتحب وتبغض لله، وقد ذكرت نماذج من الذين باعوا أنفسهم حقيقة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111].

الإقبال على الطاعات

الإقبال على الطاعات ومن علامات حب الله عز وجل: الإقبال على الطاعات, والانتهاء عن المخالفات. من سمع الأذان ولم يأت إلى المسجد بلا عذر فإنه لم يحب الله. من هجر القرآن فلم يقرأ فيه, وقدم قراءة المجلة الخليعة والجريدة التافهة على كتاب الله فما أحب الله. من جلس مع رفقاء السوء وهجر الصالحين وما جالسهم فما أحب الله. من تخلف عن النوافل وعنده بسطة في الجسم وسعة في الوقت فما أحب الله. من أغلق قلبه عن الذكر فما ذكر الله وما تلذذ بذكره وما أحب ذكره فما أحب الله. فهذه علامات تظهر، وعلامات المحبين بيع النفس: يجود بالنفس إن ظن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين؛ منزلة المحبة, ويذكر ابن القيم عشرة أسباب للمحبة نذكر منها:

قراءة القرآن

قراءة القرآن قراءة القرآن بتدبر، فإذا رأيت الإنسان يحب المصحف ويتلذذ بالقراءة بالمصحف فاعرف أنه من أحباب الله.

كثرة ذكر الله

كثرة ذكر الله ومن العلامات كثرة الذكر: إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] {سيروا هذا جمدان سبق المفردون، قالوا: يا رسول الله! وما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات} وفي الترمذي عن عبد الله بن بسر: {أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فأخبرني عن شيء أتشبث به, قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} فإنسان لا يذكر الله كثيراً فشك فيه، يقول الله في المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] سبحان الله! منافق يذكر الله! ولكن ليس عنده ذكر إلا قليل, وأنت تعرف الناس بتصنيفات، فإن الناس على محبوباتهم الذي يبيع الغنم يريد أن يتكلم الناس في الظأن والماعز كما قال الغزالي، فتجد حبه في الكلام على الغنم، والبنّاء لا يتكلم إلا في البناء, والنساج والنجار وغيرهم. أما أولياء الله إذا جلسوا في مجلس لهجو بلا إله إلا الله والله أكبر ليذكروا الله: إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس تجده دائماً يريد أن يتحدث في الله عز وجل, وهذا أعظم شيء للإنسان في الحياة، فتجده يقول -مثلاً-: هل سمعتم ما قيل في هذه المسألة؟ لأنه يحمل الإيمان والحب والطموح، أما التافه فهو يتكلم في التافهات، يسميها ابن تيمية في المجلد العاشر (مجريات الحياة): وبعضهم ما يريد مجريات الحياة، وليس له هم إلا أن يتكلم في الدنيا، ويجمع من أخبارها، ثم تذهب وتسحق: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] ولذلك تأتي بضاعتهم يوم القيامة مزجاة ولا يقبل ذاك اليوم إلا بضاعة خرجت وعليها ختم محمد صلى الله عليه وسلم من طيبة، أما الختوم الأخرى فإنها لا تقبل عند الله. ومن علامات حب الله:

تعظيم الشعائر

تعظيم الشعائر وذُكر عن بشر الحافي في شبابه أنه وجد صحيفة على الأرض مكتوب فيها: الله -هل تعلم له سمياً؟ هل تعلم أعظم من الله؟ - فقال: يا رب! سبحانك تباركت وتعاليت يداس اسمك! والله لأطيبن اسمك, فأخذ الصحيفة وطيبها وعلقها, فسمع قائلاً وكأنه في المنام: يا من طيب اسم الله! ليطيبن الله اسمك، فرفع الله اسمه، فهو من العباد الكبار الذين تطيب بذكرهم المجالس؛ لأنه طيب اسم الله. يقول أحد الصالحين -وقد ذكر هذا الذهبي عن الإبيوردي -: ما نمت في غرفة فيها مصحف، وذلك تعظيماً لشعائر الله. الإمام أحمد - وهذا في ترجمة إبراهيم بن طهمان الراوية في الصحيحين، فهو راوية البخاري ومسلم - ذكروا عنده إبراهيم بن طهمان فقال: أجلسوني, فأجلوسه -في سكرات الموت- قالوا: كيف وأنت مريض؟ قال: نذكر الصالحين ونحن على جنب ولا نقعد! لا والله، وهذا من تعظيم شعائر الله. قالوا لـ سعيد بن المسيب: نريد أن تحدثنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أجلسوني، قالوا: أنت مريض، قال: أيذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ممدود مضطجع؟! فأجلسوه فتكلم. وسئل الإمام مالك وهو يمشي, قال: الحديث لا يسأل عنه والإنسان يمشي. ويقول ابن المبارك: كنت مع الإمام مالك في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فلدغته عقرب, فأخذ يتغير وجهه, فلما انتهى قلت: مالك؟ قال: لدغني عقرب فكشف عن ساقه فإذا لدغ العقرب عليها واضح، فقلت: ولم لم تقطع الحديث؟ قال: أأقطع حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في لدغ عقرب؟! ثم نفث في يده وقرأ ورقى رجله فكأنما بها قلبة. وهذا عباد تصيبه الأسهم وهو يقرأ سورة الكهف فما قطع الصلاة، قال له أخوه وزميله: لماذا لم تقطع الصلاة، قال: أقرأ كلام ربي وأقطعه من أجل هذا؟! لا والله، ثم يقول: لولا مخافتي أن يظهر العدو علينا، لبقيت حتى أتم السورة.

الحب الرخيص

الحب الرخيص الحب الرخيص التافه حب المرأة والكأس، وحب الماجنين والماجنات، والمغنين والمغنيات، والفنانين والفنانات الأحياء منهم والأموات. والفنان في لغة العرب هو: الحمار المخطط -الحمار الوحشي المخطط- وأكله حلال لكن أكل الحمار الإنسي حرام. أما الفنان الوحشي المخطط فأكله حلال؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يوم خيبر أذن به وحديثه صحيح عن أبي قتادة وغيره، أما الإنسي فلا يؤكل. فهؤلاء صرفوا الأمة وصرفوا القلوب عن باريها وهم أعداء الأمة في مسألة الحب، واسمع إلى بعض النماذج، يقول أحدهم -وهو يصرف قلوب الناس إلى غيرالواحد الأحد-: يا من هواه أعزه وأذلني كيف السبيل إلى وصالك دلني السبيل إلى النار خذها على يسارك ولك مقعد في النار إذا لم تتب، فالوصول إنما هو إلى الله الواحد الأحد. يا من هواه أعزه وأذلني نعم. لأنك ذللت لغير الله فأذلك الله، فهم في ذلة في الحياة الدنيا، والعجيب أنهم لا يخجلون لكن دعاة الحق يخجلون، فيخجل الإنسان أن يتكلم في الدعوة وأن يخطب فيها، وأن يكون إماماً في الدعوة، يقول: أنا لا أستطيع أن أخطب في جماعتي وأن أصلي بهم، والفنان أمام الملايين لا يخجل فيذل نفسه وعقيدته ويتكلم أمام الملايين، أتدرون من المخاطب فيها؟ إنها امرأة ماجنة, امرأة حرام وليست في الحلال.

حديث: (من عشق فعف) حديث باطل

حديث: (من عشق فعف) حديث باطل وبعضهم يستدل ويتنطع بحديث: {من حب فعف فكتم فمات؛ مات شهيداً} هذه شهادة نابليون وهتلر، وهؤلاء الأقزام الحقراء الكلاب، وليست شهادة تدخل الجنة؛ لأنه مات من أجل امرأة, وهذا لا يوجد في العالم, فليس هناك رجلاً حب فعشق فكتم فمات فهو شهيد، لا يوجد هذا من يوم خلق السماوات والأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لم يوجد هذا الصنف، ما وجد أن واحداً يحب ويعف ويكتم حتى يأتي بفاحشة، وهذا الحديث أورده ابن خلكان وسكت عنه لأنه يوافق مشربه, وابن خلكان كان يسكت عن الأشعار وهو عنده حديث، حتى يقول الذهبي: سكت عن ابن الراوندي كأن الكلب ما أكل له عجيناً، لماذا لا يتحمس, ويعلق على هذه الأحاديث؟ فلذلك قال ابن القيم في زاد المعاد: والله الذي لا إله إلا هو لو كان سند هذا الحديث كالشمس لكان باطلاً ولم يقله النبي صلى الله عليه وسلم، لو كان سنده سفيان الثوري ومالك وأحمد والشافعي لكان الحديث باطلاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول هذا للناس: من عشق وعف وكتم ومات مات شهيداً. فهل صحيح أن شخصاً يحب امرأة ويعشقها حراماً، ويكتم حبها ثم يموت فيدخله الله مع جعفر وسعد بن معاذ، وأنس بن النضر؟! قطعاً لا يدخل الجنة من هذه الطريق إلا أن يكون له حسنات غير ذلك. والثاني يقول: هل رأى الحب سكارى مثلنا وهذه منقولة، ورأيت أحد المفكرين ينقلها عما يسمونه كوكب الشرق وهي ظلام الشرق، تلك التي فتنت الأجيال والجماهير ووقفت تصد الشباب عن الله، وميراج إسرائيل يغطي ضوء الشمس عن الأرض ويقصف بالطائرات. شاعر اليمن البردوني وهو أعمى القلب والبصر: فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب يقول: أسقطنا الطائرات بالخطب, وشاعر آخر يقول: شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا كيف انهزمنا وما تلك بعادتنا سيسأل السيف عنا والقنا السلب لكن انهزمنا لما سمعنا لكوكب الشرق وظلامه وخسارته, وإسرائيل لا تعرف الغناء والمجون والرفاهية للجيش, وتقصف أرضنا وتأخذ حدودنا ومقدساتنا وتقتل نساءنا وأطفالنا ونحن مع المغنين والمغنيات والماجنين والماجنات.

من أمثلة الحب الرخيص

من أمثلة الحب الرخيص هذا هو الحب الرخيص الذي صرف لغير مرضاة الله عز وجل, والحب الرخيص موجود من القرون الأولى يقول أحدهم: حج الناس في عفاف وطهر محرمين لوجه الواحد الأحد فهذا الحاج لا يحب الله كثيراً، فهو يبحث -انظروا في أعظم المواقف- في الحرم الذي هو بيت الله عز وجل الذي جعله مثابة للناس وأمناً, فينسى الله وينسى حبه الوقوف بين يديه، فينظر إلى امرأة أتت من الطواف إلى البيت تريد الباب فنسي كل شيء وأخذ يتغنى في الحرم، فهذا شاعر ماجن: قف بالطواف ترى الغزال المحرما حج الحجيج وأراد يقصد زمزما لو أن بيت الله كلم عاشقاً من قبل هذا كاد أن يتكلما فهذا هو الحب الحقير الذي يحاسبه الله بما قال وبما اقترف، ولي مقطوعة أرد عليه: قف في الحياة تر الجمال تبسما والطل من ثغر الخمائل قد همى والمؤمن اطلع الوجود مسلماً أهلاً بمن حاز الجمال وسلما لا والذي جمع الخلائق في منى وبدا فأعطى من أحل وأحرما ما في جميع الأرض أجمل منظر من مؤمن لله جد ويمما فهذا هو الجمال وهذا هو الحب، أما من يتغزل بهذه الأمور ويصرف هذا إلى غير الله فقد كذب على الله. أحد الصالحين خرج من بيته، فلما أصبح في الصحراء رفع طرفه إلى السماء ورفع أصبعه، وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بكى وقال: وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس في السر خالياً {ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه} وأصل هذا البيت لـ مجنون ليلى يقول: ومحبوبة يخلو في الخلاء لعل طيفاً يلقاه منها ويستغشي وما به غشوة ويغمى عليه وما به إغماء، لعله أن يراها في المنام، فهذا سُلب إرادته وحبه وطموحه. وهذا المتنبي شعره شعر قوي في القمة، لكنه أساء كل الإساءة يوم صرفه لمخلوق، يقول: فومن أحب لأعصينك في الهوى فهو أقسم بمحبوبه وهي امرأة، نعوذ بالله من الخذلان والحرمان. يقول ابن القيم في بدائع الفوائد عمن صرف حبه لغير الله وهو أبو فراس الحمداني الشاعر: وأبو فراس سجن في سجن في أرض الروم, فأرسل لابن عمه سيف الدولة رسالة يقول فيها: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب قال: أحسن كل الإحسان في نظم الأبيات, وأساء كل الإساءة يوم صرفها لمخلوق. وخلاصة الباب: إن الحب عقيدة، ومن صرفه لغير الله فقد أشرك وأخطأ, وأعني به الحب الكسبي السببي لا الجبلي الفطري. فإن الإنسان لازال يحب الطعام إذا جاع، والماء إذا ظمئ, ويحب زوجته، ويحب السكنى واللباس، لكن هذا فطري جبلي لا يلام عليه, يشترك فيه المسلم والكافر، ولكن الحب الكسبي السببي هو عقيدة وعبادة، من صرفه لغير الله لقي الله لا حجة له -مقطوع الحجة- أو أصابه الخذلان والحرمان نعوذ بالله من ذلك. إخوتي في الله! الخلاصة: أدعوكم ونفسي إلى حب الله تبارك وتعالى وإلى حب رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلى إقامة البينات على هذه الدعوة من محافظة على فرائض, ومن تزود بنوافل, وتدبر لكتاب الله، وكثرة ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن حب المصطفى, وحضور مجالس الخير، وحب العلماء والصالحين. يا أمة الإسلام! مفهوم الحب هو أن يصرف لمرضاة الله عز وجل، وأن يحب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وألا يحب غيره الحب الكسبي السببي. يا من وقفتم أمام الأجيال رواداً: أدعوكم أن تلقنوا شباب الإسلام وأجياله وأبناءه، الإيمان بالله تعالى والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، والحب لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكتاب الله. واعلم أنك إذا أحببت شيئاً في الله فكأنك أحببت الله، وأنت مأجور على ذلك، فحبك للصالحين لأنهم أطاعوا الله أنت مأجور عليه، وحبك للمسجد لأنه بيت الله، فأنت مأجور. وأدعوكم أن تعلموا الأمة الطموح، فنحن حين تركنا الطموح خسرنا -والله- وانهزمنا, خسرنا حين أخذ جيلنا وطلابنا ينبت الواحد منهم وهو يستمع الأغنية الماجنة، وتعرض عليه على أن القمم والعباقرة هم هؤلاء المغنون ويسمون في بعض الصحف: الصاعدون، وهم الصاعدون إلى الحضيض، قيل لـ أبي علي الروذاباري: غلاة الصوفية -أهل الحلول- وصلوا, قال: نعم وصلوا، ولكن إلى سقر، لا تبقي ولا تذر! فمنهم من يعجب بالكافر ويظن أنه ما خلق في الأرض إلا هذا الرجل. يأتي بعض الشباب من أمريكا وبريطانيا حتى أن أحدهم يقول لأحد العلماء -عالم يشرح في الروض المربع، وهو أحد المتطورين الذين وقفوا على الجليد لا داخل الحلبة ولا خارج الحلبة- قال: يا شيخ! أنت تشرح في الروض المربع والناس قد صعدوا على سطح القمر، فقال له: أنت ما صعدت على سطح القمر ولا جلست على الأرض معنا تقرأ الروض المربع، فهو ما صنع لنا صاروخاً ولا طائرة ولا ثلاجة ولكن أخذ السيجارة والعود من الغرب: منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا ننتج السيارة أما المساوئ فنقلت للشرق، لكن ما سمعنا بأن أحداً صنع لنا ثلاجة أو سبورة ولا قدم مروحة أو سخانة أو برادة، وإنما أخذوا مخلفات الغرب وقدموها لنا، ثم يضحكون على الدعاة والعلماء وقالوا: إنهم خلف الركب، هم المتخلفون المتدهورون المتقهقرون {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227]. إخوتي في الله: في الختام أدعوكم إلى الحب والإيمان والطموح، وكذلك أدعوكم إلى علو الهمة, وأن يكون حبنا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكتاب الله، وحينها نرتفع وليس لي زيادة كلام, وإن كان هناك من أسئلة فسوف نستمع إليها. سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

الأخوة في الله وفضلها

الأخوة في الله وفضلها Q تكلمت عن الحب في الله, فأرجو التكلم عن الأخوة في الله وفضلها مع إلقاء قصيدة إن أمكن؟ A الأخوة في الله شق من الحب فيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا يؤاخى في الإسلام إلا في الحب في الله, ولا تؤاخي إلا أحباب الله، والأصل في ذلك: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] ولذلك أُثر عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [[تزودوا من الإخوان فإنهم عون في الدنيا وفي الآخرة, قالوا: أما في الدنيا فصحيح أما في الآخرة كيف؟ قال أما يقول الله: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]]] والرسول صلى الله عليه وسلم جعل من الأخوة أن تحب في الله وأن تبغض في الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والإخوان أن تحب الطائع لطاعته والمتقي لتقواه، وعلى ذكر القصائد يقول أبو تمام في الحب في الله: إن كيد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد وبعض الناس -وهذا كلام من كلام الصوفية - يقول لأخيه: أنت أصبحت أنا, فمن أنا؟ يقول: دخلت فيّ فأصبحت من حبي لك وحبك لي، أصبحت أنت أنا وأنا أنت فمن أنا, فهو لا شيء, وهذا خطأ, وهو للسعد الشيرازي، وهو شاعر سني إيراني يقول في الحب والأخوة في الله: قال لي المحبوب لما زرته من ببابي قلت في الباب أنا قال أخطأت تعريف الهوى حينما فرقت فيه بيننا ومضى عام فلما جئته أطرق الباب عليه الباب موهنا قال لي من أنت قلت انظر فما ثمّ إلا أنت في الباب هنا قال أحسنت تعريف الهوى وعرفت الحب فادخل يا أنا وهذا خطأ, بل في الإسلام تبقى أنت أنت وأنا أنا, أما هذا الاندماج وتغيير الصور والأشكال فليس بواردٍ, بل يبقى المسلم وولاؤه وبراؤه على حد طاعة ذاك, فليس عندنا انضباط في الولاء والبراء، فنحب الطائع لكثرة طاعته، ونبغض العاصي بنسبة معصيته، فصاحب الكبائر يبغض أكثر من صاحب الصغائر، والطائع الباذل نفسه وجهاده يحب أكثر من الطائع الذي هو دونه: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3].

أيهم أفضل قراءة القرآن أم الدعاء أم التسبيح

أيهم أفضل قراءة القرآن أم الدعاء أم التسبيح Q هل الأفضل قراءة القرآن أم التسبيح أم الدعاء؟ A السؤال فيه جواب عام، وجواب خاص مفصل. أما الجواب العام: فإن أفضل الذكر كلام الله عز وجل، وكتابه وقراءة كلامه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وهذا على العموم. أما على التفصيل: فيختلف باختلاف الأشخاص, وقد تعرض كثير من العلماء لهذه المسألة، فمن وجد رقة وخشوعاً وحضور قلب مع الذكر أكثر من القرآن فهو في نسبته أفضل له أن يذكر ويدعو أكثر مما يقرأ القرآن، وفي الترمذي حديث لكنه ضعيف: {من شغله قراءة القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أكثر مما أعطي السائلين} فعلى العموم القرآن أفضل من أي ذكر آخر، وعلى الخصوص من وجد رقة وخشوعاً وحضوراً في الدعاء والذكر أكثر من القرآن فعليه أن يكثر من الذكر والدعاء. وأنبه على مسألة: هناك هيئات وأوقات لا يكون فيها إلا الذكر أو الدعاء هو الأفضل. مثل الركوع: فالذكر فيه أفضل من قراءة القرآن، وفي حديث علي مرفوعاً وهو صحيح: {إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم}.

وجه التحريم في الأغنية

وجه التحريم في الأغنية Q ما وجه التحريم في الأغنية؟ هل هي نفس الكلمات في الأغنية، أم في العزف على العود أم كلاهما معاً؟ A الأغنية من عزف وناي: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] والكلمات في حد ذاتها يحلل فيها شيء ويحرم, فما كان في طاعة الله فهو كلام مباح، وما كان فيه بذاءة أو تشبه بامرأة أجنبية أو دعوة الناس إلى فاحشة أو زنا فهو محرم، ولذلك يقول ابن القيم: "الغناء بريد الزنا" وذكر هذا ابن تيمية في أول كتاب الاستقامة وابن القيم يلوم هؤلاء الذين صرفوا آذانهم لسماع الخنى والغناء عن سماع كلام الله، وأخبر في منظومته أن الله يحرمهم الغناء في الجنة, ففي مسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة جوار يغنين ويقلن: نحن الخالدات فلا نبيد, نحن الناعمات فلا نبأس. طوبى لمن كنا له وكان لنا} [[وإذا اشتهى أهل الجنة -وهذا من كلام ابن عباس - أرسل الله ريحاً تهز ذوائب أغصان الجنة فيجدون غناءً]] أو كما قال. قال ابن القيم في منظومته: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان إلى آخر ما قال. وأما الغناء -في حد ذاته- الذي يصاحبه الكلام الفاحش فإنه محرم ولو لم يكن عليه موسيقى وعزف، فإذا صاحبه زادت حرمته لحديث أبي مالك الأشعري في صحيح البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} واستحلالها إنما يأتي بعد تحريمها. وورد عند ابن خزيمة بسند جيد عن الزبير قال: قال صلى الله عليه وسلم: {إني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة وصوت عند مصيبة} قالوا: الصوت عند النعمة هو العزف والغناء، وفي لفظ عند: نغمة، وصوت عند المصيبة هو صوت النائحة, وفي سنن أبي داود وفي سنده كلام عن ابن عمر: {أنه سمع زمارة راعٍ, فوضع أصبعيه في أذنيه حتى ولى، قال لمولاه: أتسمع؟ قال: لا. فخلع أصبعيه، وقال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت}. وفي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان:6] قال ابن مسعود: [[أقسم بالله إنه الغناء]] وورد عن بعض المحدثين رفع هذا الحديث، والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود. فالغناء ينبت النفاق في القلب كما بنبت البقل من المطر, وقد أجمع أهل السنة على أنه محرم ولم يخالف في ذلك إلا ابن حزم رحمه الله تعالى، وكان ظناً منه أن الحديث ضعيف والحديث -والحمد لله- في البخاري.

حكم الفنون الشعبية, وحكم المال الذي مصدره الغناء

حكم الفنون الشعبية, وحكم المال الذي مصدره الغناء Q ما حكم الفنون الشعبية؟ وما حكم المال الذي مصدره الغناء أو الطرب إذا كان يتصدق منه ويبنى مساجد؟ A الغناء والعزف أو ما صاحب الغناء من آلات للرجال محرم، أما الدفوف فالذي أعرفه أنه للنساء لا بأس به في الزواج والمناسبات، لقوله صلى الله عليه وسلم عند أبي داود: {أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف} وهذا الخطاب للنساء, فقد علم بالاستقراء في حياة الصحابة أنه ماكان يزف المرأة إلا النساء, وكن يضربن بالدف, فضرب الدف للنساء، أما للرجال فلا أعلم أن هذه الآلات والغناء الماجن تجوز لهم. أما مسألة الحفلات بلا دفوف ولا طبول ولا ناي ولا موسيقى فأنا أتوقف فيها ويسأل عنها أهل العلم. وأما مسألة من يبني مساجد من هذه الأمور فهذا كسب خبيث، فأخذ الأجرة من الغناء والشعر بالمناسبات، قد سمعت فيه من بعض العلماء الثقات من هؤلاء العلماء الموجودين، أنه يقول: توضع في مرافق المسجد في حمامات وفي مصالح عامة كالخطوط إذا تاب أصحابها، ولا توضع في المساجد ولا في شراء الكتب؛ لأنها كسب خبيث فتوضع في خبيث وهذا حقه ومنزلته.

شروط مزاولة الرياضة

شروط مزاولة الرياضة Q أنا شاب أحب الرياضة وأزاولها بعض الأوقات، فما حكم هذا؟ A الرياضة يشترط في إباحتها ثلاثة شروط: أولها: ألا تعارض وقت صلاة، فإذا أخر من أجلها الصلاة أو ضيعت الصلاة فهي حرام وباطلة ولا تحل أبداً. الثاني: أن يكون من يلعبها بلباس ساتر, وعورة الرجل من السرة إلى الركبة كما أتت بها الأحاديث، فإذا لبس ذلك فهذا هو المطلوب، وإذا انكشف من العورة شيء فقد دخل في التحريم. الثالث: ألا تصد عن ذكر الله عز وجل, وألا يوالى ويعادى من أجلها، ولا تضيع أوقات طلب العلم والقراءة وإنما تكون ترويحاً.

السبيل إلى ترك الحب

السبيل إلى ترك الحب Q أحببت فتاة وأريد أن أتركها لأنني خفت الله، فكيف السبيل إلى تركها؟ A السبيل إلى تركها أن تتركها، سئل سعيد بن المسيب من هم أهل السنة، قال: الذين ليس لهم اسم إلا أهل السنة، فالسبيل إلى تركها أن تتركها وأن تتوب إلى الواحد الأحد، وأوصيك بأمور, وهذا السؤال قد وجه إلى بعض أهل العلم وهو موجود في كتبهم لمن ابتلي بحب فعشق: قال: فعلاجه أن يكثر الدعاء في السجود وفي أدبار الصلوات, وأن تدعو مقلب القلوب أن يقلب قلبك على دينه, ومصرف الأبصار أن يصرف قلبك إلى طاعته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وأدعوك أنك إذا قمت في السحر أن تمد يديك إلى الله أن يعيد في قلبك الإيمان واليقين والثبات والسكينة والطمأنينة. ومنها: أوصيك بتدبر القرآن، وتدبره يزيل عنك هذه الوساوس والعشق والغرام، ثم كثرة الذكر صباحاً ومساء. والأمر الرابع: أن تشغل نفسك بالطاعة، وبالجلوس مع الصالحين والأخيار. والأمر الخامس: أن تقطع جميع الحبال الموصلة إلى هذه الفاحشة مثل استماع الأغنية، والمجلة الخليعة وكل ما يذكرك بالعشق والمعصية، عسى الله أن يحجبك عن النار وأن يتوب الله علينا وعليك.

حكم حب الوظيفة

حكم حب الوظيفة Q إذا كانت الوظيفة هي مصدر المعيشة للإنسان بعد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, فما حكم حبنا لهذا المصدر الذي يعود علينا بفائدة؟ A حب الوظيفة -كما أسلفت- حب جبلي فطري, فالإنسان يحب العمل، ويحب الراتب والمعاش، لكن الكسبي السببي أن يبلغ به هذا المنصب أن يموت فيه ويحيا فيه، وأن يوالي ويعادي فيه، وأن يكون ليله ونهاره عليه، وأن يسبح بحمده صباح مساء، وأن يراه أعظم من كل شيء، ووجد من الناس من إذا تولى شيئاً لا تجده يقرأ القرآن، ولا يتدبر ولا يعرف من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولا يحرص على الدعوة، ولا على نصرة الإسلام في هذا المنصب، وإنما يريد هذا المنصب لهذا المنصب، فإنه يحب المنصب أشد من حب الله، ويبغض من يزاحمه على هذا المنصب أكثر من بغضه للكافر واليهودي والنصراني، فهذا بلغ بحبه سبباً كسبياً فأثم، أما الجبلي الفطري فلا بأس به فكل يحب الوظيفة.

توضيح في حب الجهاد

توضيح في حب الجهاد Q أرجو من فضيلتكم بيان حب الجهاد, وهل يقدم حب الجهاد على حب الوالدين؟ A حب الجهاد من حب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والجهاد المطلوب في الإسلام حدده صلى الله عليه وسلم وعرفه, قال أبو موسى: {يا رسول الله! الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه, أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو سبيل الله}. فهذا ليس فيه جواب منضبط, فإنه يختلف باختلاف الحالات والأشخاص والأحوال. فالرسول عليه الصلاة والسلام كان حكيماً لبيباً في الفتيا, وقد روى عبد الله بن بسر في سنن الترمذي أن شيخاً كبيراً هزيلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {دلني على عمل يا رسول الله! قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} وأتاه غيلان الثقفي، وهو يحمل عضلاته وقوة جسم فقال: {دلني على عمل, قال: عليك بالجهاد في سبيل الله} وفي النسائي: {أتاه رجل من أهل اليمن له والدة, فقال: يا رسول الله! دلني على عمل قال: ألك والدة؟ قال: نعم. قال: الزم رجلها, فإن الجنة عند رجلها}. فإذا قيل: إن بر الوالدين أفضل فقد يكون كثير من الناس سمح له والداه بالجهاد فليذهب، أو ليس له والدان على قيد الحياة، وقد يقال للناس: الجهاد أفضل مطلقاً فيتركون طلب العلم، والدعوة وبر الوالدين ويذهبون، ويقال لبعض الناس: الذكر أفضل فيترك الإنفاق في سبيل الله، لكن يُلاحظ في فضل الأعمال أمور: الأول: الظرف/ مثلاً: أن يكون الناس في وقت جهاد, فالأفضل أن يجاهدوا. الثاني: الحال: أن تنظر إلى حال المستفتي فتفتيه بما يناسبه. الثالث: النفع: نحن نخاطب التجار والأغنياء بالصدقة فلا نقول لهم: قوموا الليل, فهم سوف يقومون الليل، وأسهل شيء على التاجر أن يسمعك تتحدث عن ركعتي الضحى، وأصعب شيء عليه أن يسمعك تتحدث عن البذل والعطاء، والمجاهدون نحدثهم عن الجهاد في سبيل الله. فهذه أمور قد تكون ضابطة لهذه المسألة.

حكم الجلوس مع المتهاون بالصلاة

حكم الجلوس مع المتهاون بالصلاة Q إنني أحب الصالحين والحمد لله, ولكني أجلس مع بعض الزملاء, فبعضهم لا يصلي مع الجماعة ولا يصلي صلاة الفجر، فهل عليّ إثم في ذلك الجلوس؟ A إنما الأعمال بالنيات, إن كان قصدك أن تدعوه إلى طاعة الله وتؤثر فيه، فأنت مأجور ولا بد من الجلوس مع هؤلاء، لأن الطبيب إذا لم يجلس مع المرضى فلن يداويهم، والداعية طبيب، فإذا لم يتحمل هؤلاء فمن يعالجهم؟! والرسول صلى الله عليه وسلم جلس مع المنافقين والكفار ومع المشركين ليقودهم إلى الله. وأما إن كان جلوسك حباً وولاءً ورضاً بما يفعلون؛ فأنت آثم، وحسابك على الله, وينبغي أن تتوب إلى الله من مجالستهم وأن تقطعهم وتهجرهم؛ لأن هجر العاصي أصل أصيل من أصول أهل السنة والجماعة. وهناك استدراك وتعقيب من أحد المشايخ, يقول فضيلته: لا خلاف في جواز الدف للنساء في الزواج ولكن بشروط: أولها: عدم رفع الأصوات. ثانيها: عدم الاختلاط بالرجال. ثالثها: عدم اللعب والرقص للنساء؛ لأن الكثير من النساء يضربن بالطبل، وهو محرم ويظنونه أنه دف, ويلعب الناس على التركي والمصري ويقطعن الفلوس وينفشن شعرهن ثم يهيجن، ويملن ذات اليمين وذات الشمال حتى يسقطن على الأرض، فهذا تنبيه, وأنا أشكر لمن قاله, فما نحن إلا إخوة يكمل بعضنا بعضاً.

المعاصي سبب في سوء التحصيل العلمي

المعاصي سبب في سوء التحصيل العلمي Q إني أعاني من سوء التحصيل العلمي، فهل للمعصية دور في ظلمة النفس، وكيف أجد حلاً لهذه المشكلة علماً بأني أحرص على القراءة والأذكار فما هو الحل؟ A نعم للمعصية دور في سوء هضم العلم، وهو من أعظم الأدوار, والله عز وجل نص على ذلك وقال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] فالواو هنا قيل: استئنافية ومتعلقة بما قبلها وهو الأحسن، وقيل: عاطفة متعلقة بما قبلها أو حالية، والحال أن الله سوف يعلمكم بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فمن اتقى الله علمه الله، والمعاصي ترين على القلب وتطمس الذكاء والنور والإشراق، وتجعل صاحبها متخلفاً، وأعظم ما أتى الناس منه المعاصي، قال مالك للشافعي: إني أرى لك فهماً فلا تطفئ فهمك بالمعاصي, وقال وكيع للشافعي: لا تطفئ نور فهمك بالمعاصي. فقال الشافعي: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي ويحكي الذهبي عن أحد الصالحين: قال: نظرت نظرة لا تحل لي, فقال لي أحد الأولياء: أتنظر إلى حرام؟! والذي نفسي بيده! لتجدنّ غبها ولو بعد حين -أي نتيجتها- قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة. وفي ترجمة ابن تيمية قال: إني لتعجم عليّ المسألة -أي: تصعب- فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر أو أقل فيفتحها الله عليَّ. ولا يفتح إلا التوبة والاستغفار والعودة إلى الله والطاعة، ولا يطمس الذكاء والمستقبل إلا المعصية. فهي ظلمة في الوجه، وسواد في القلب، وضيق في الصدر والرزق. وبالمقابل الطاعة نور في الوجه وبياض في القلب، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، والله ذكر المعصية في بني إسرائيل في جانب العلم: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13]. وقد ذكر ابن تيمية في تحريف الكلام عن مواضعه قسمين: وهم العصاة قال: منهم الفسقة أهل الشهوات: يحرفون الكلم عن مواضعه في الطاعات، وأهل التأويل من أهل الشبهات وهم المبتدعون يحرفونها في الأسماء والصفات، وهذا واقع في الأمة، قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى، لأن النصارى عبدوا الله بجهل، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27]. وقال في علماء بني إسرائيل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176] وقد يصل ذهن الإنسان إلى مثل ذهن الحمار، ودماغه مثل دماغ الحمار من كثرة المعاصي، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5].

رجل يذكر الله ويأتي بكلام عن الحب والعشق

رجل يذكر الله ويأتي بكلام عن الحب والعشق Q ما رأيكم برجل يذكر الله ثم يأتي بكلام عن الحب والعشق والغرام، ولديه أشرطة كثيرة، ولا يدري كيف يتخلص منها وربما كانت أشرطة غناء؟ A هذا من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً, فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل مما يتكلم فيه من هذا, إن كان كلامه من جانب تحليله للناس فقد أخطأ خطأ بيناً، وغلط غلطاً فاحشاً: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل:116] وأنا سمعت من بعض الجهلة من الذين لا يحفظون الفاتحة ولا يقرءونها قراءة مستقيمة يقول: من الذي حرم الغناء؟ أنتم تحرمون وتحللون وهي ليست بحرام، وهذا لا يتحاكم إلى رأيه، فهذا لا رأي له ولا علم، وإذا ترك الناس لمثل أراء هؤلاء الجهلة فإنها سوف تعارض الشرائع وأحكام الله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] وبعضهم يستدل ويقول: بأن الغناء لم يذكر بلفظه في القرآن، ومثله شرب الدخان. والقرآن -يا معشر الإخوة الكرام- ليس معاجم أو قواميس للأسماء، فالقرآن قواعد كلية ثابتة تندرج تحتها مليون قضية: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] والطيبات ألف مليون طيبة، والخبائث ألف مليون خبيثة، أما أن نأتي بكل شيء جد في العصر ونقول: أخرجوه لنا من القرآن، فهذا لا يوافق العقل ولا النقل. "الميرندا" "الببسي" "التفاح" نريد نخرجه من القرآن، أيصبح القرآن بهذا المستوى؟! فالقرآن قواعد تسير الحياة والزمن والناس، فهذا يترك لأهل العلم، ولا يترك للجهلة أهل الشهوات: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7] فإذا استنبط أهل الذكر من القرآن تحريماً, نقول: على العين والرأس، أو استنبطوا تحليلاً فنقول: على العين والرأس, أما الجهلة فلا يلتفت إليهم. أما أشرطة الغناء، فيتخلص منها بأمور: بعض التسجيلات يقبلون هذه الأشرطة, وينسخون عليها مادة إسلامية فعليه أن يذهب بهذه الأشرطة، ويقدمها وينسخون عليها مادة طيبة تنفعه في دار الدنيا والآخرة. وإذا لم يقبلوه فعليه أن يحرقها من باب إتلاف أدوات اللهو، والخبيث لا يتأسف عليه, واحمد الله على التوبة. وماذا تفعل بالأشرطة؟! هل توصي بها لورثتك، أو تترك معك في القبر, أو تدفن عند رأسك؟!

حكم الترديد خلف المؤذن في دورة المياه

حكم الترديد خلف المؤذن في دورة المياه Q إذا أذن المؤذن وأنا في دورات المياه فهل يحق لي أن أردد معه أم لا؟ A الذي يظهر من النصوص أنه يحق لك أن تردد بقلبك، أما بلسانك فلا، وهذا من باب تعظيم شعائر الله، وعند أبي داود {أن رجلاً سلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه حتى أتى الحائط فتيمم فرد عليه} فأنت إذا كنت في الدورة فردد بقلبك, فإذا خرجت فلك أن تعيد من باب إعادة النوافل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد بعض النوافل، ولذلك تساءل بعض أهل العلم: من نسي الذكر بعد الصلاة أو قام لغرض؟ قالوا: يعيده من باب إعادة النوافل، والأصل: {أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد ركعتي سنة الظهر، وقال: شغلني عنها وفد عبد القيس}.

حكم إطالة الإمام في الصلاة

حكم إطالة الإمام في الصلاة Q إمام مسجد يطيل الصلاة ونصح ولم يستمع النصيحة، فما الحكم إذا ذهبنا نصلي في مسجد آخر؟ A الطول والقصر في الصلاة لا يترك لآراء الناس, فإن من الناس من يعد القصر الكثير تطويلاً، ومن الناس من أفحم الناس بالتطويل وشق عليهم، فهو يصلي بالناس فيتبرع الساعات الطوال، ولا يلتفت إلى مريض ولا إلى كبير وعاجز وطفل ويصلي بالناس حتى يتوب الناس من الصلاة وراءه ومن دخول المسجد، فهذا من باب التطويل. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ؟: {أفتان أنت يا معاذ} ويقول عليه الصلاة والسلام: {من صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف والكبير وذا الحاجة -وفي لفظ: الصغير-} ويقول عليه الصلاة والسلام - والحديث عند البخاري -: {إني لأقوم في الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهة أن أشق على أمه} وبعض الناس يقصر بالناس لسماع هذه الأحاديث، فيصب تمارين سويدية في المسجد، فلا يسلم الناس إلا وقد قطع صدورهم من الفحمة، وغترهم تشتغل وثيابهم وأقلامهم ومذكراتهم تساقطت، كأنه على سلم يشتغل ويغني، فهذا كذلك يستتاب ويتوب إلى الله. وحد الطول والقصر صفة صلاته صلى الله عليه وسلم، وهو أن يقرأ الإمام بما كان يقرأ صلى الله عليه وسلم, فيقرأ بقصار المفصل بترتيل في المغرب، وبالوسط في صلاة العشاء، كالضحى, والشمس وضحاها, والليل، وما شابهها، ويطيل في الفجر لأنها بعد راحة ولأنها ركعتان، والظهر يطيل ويتوسط في العصر على نصف صلاة الظهر, ويتمم الركوع والسجود حتى إنه في حديث حذيفة: {يسبح عشراً في الركوع ويسبح عشراً في السجود} وهذا لا يفعله كثير من الناس، فهذا ينصح به الأئمة ويكونون وسطاً بين هؤلاء وهؤلاء ويتحببون إلى المأمومين.

نصيحة للدعاة

نصيحة للدعاة Q إن الدعاة مقتصرون في دعوتهم على بعضهم البعض، والشباب يرتكبون المعاصي الكبيرة، والدعاة محاسبون عنهم؛ لأنهم لم يذهبوا إليهم ولم يخرجوا إليهم في أماكنهم, فما رأيكم يا شيخ؟ A هذا السؤال فيه كثير من الحقيقة والحق, ومن أتى بالحق نقبله من أي رجل تكلم به، سواء كان قاصداً للخير بهذا السؤال أو مغرضاً لتنقيص الدعاة، والدعاة لا يقال فيهم كلمة عامة بالبخس أو بالوفاء، فهم بشر فيهم المحسن وفيهم المقتصد، وفيهم سابق بالخيرات، وفيهم الظالم لنفسه، ولكن خير الناس الدعاة: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] وأعقل الناس الدعاة، وهذا على العموم -الجنس-. أما ما ذكر الأخ السائل فهذا صحيح, فقد وجد أن الدعوة قد انحصرت في بعض الأمكنة والأزمنة وعلى المساجد, فيقوم الداعية بعد الصلاة في أناس ما أتوا إلا ليصلون فيقول لهم: صلوا فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, اتقوا الله في الصلاة، ولكن المقاهي والنوادي ممتلئة بالفسقة الذين يصدون عن بيوت الله, فهذا خطأ, والرسول صلى الله عليه وسلم دخل إلى الأسواق - سوق عكاظ وذي المجنة - وخطب بالناس ودعاهم، وذهب إلى مجتمعات اليهود، ودخل على المنافقين والمشركين ودعاهم إلى الله، فهذا واجب على الدعاة أن يتنبهوا إليه. وبعض الناس يتوقف عن استخدام الوسائل في الدعوة, فلا بأس باستخدام الوسائل إذا كانت مصلحتها أعظم من مفسدتها، وهذا يقال في هذا الجانب ولا أحدد أي وسيلة، ولو كان بالكتابة في الصحف الرديئة فإني رأيت بعض الإخوة يحجم عنها ويقول: لا يكتب فيها؛ لأنها بوضع رديء وإذا تركت الكتابة في الصحف والدعوة في الصحف والمجلات أخذها أهل الباطل وسرحوا فيها كلمتهم، ونصروا فيها مبادئهم, وإذا تركت لهم الساحة فإنهم سوف يعيثون فيها فساداً: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] فواجب الإخوة الدعاة أن يتصدروا وأن يصنفوا أنفسهم، فلا يصلح كل إنسان إلا لما خلقه الله له، فداعية يصلح للخطابة يوم الجمعة؛ فهذا حقه المنبر، وداعية في البادية وفي القرى لأنه يجيد لغة البوادي والقرى، وداعية يستطيع بفكره وصبره وعلمه أن يدخل النوادي والمقاهي، وداعية يكون صحفياً وأديباً فيكون -من هذا الجانب- كل واحدٍ على ثغرة، والله خلق الناس وكلٌ ميسر لما خلق له، ونوع طاقاتهم لحكمة أرادها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في السفر

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في السفر إذا كان للحياة طعم، وللعيش لذة، فإنما هي في تذكر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتدارسها وتمثلها، وفي هذا الدرس نتعرف على سيرة إمام الهدى صلى الله عليه وسلم في السفر: آدابه معاملاته عباداته أذكاره.

وقفات مع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في السفر

وقفات مع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في السفر إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته: ما زالت هذه الجلسة مع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العطرة، وأيامه المشرقة، وأنفاسه المتوهجة بنور الإسلام صلى الله عليه وسلم، وإن كان للحياة سعادة، وللعيش لذة، وللعمر مواهب؛ فإنما هو في تذكر سيرته صلى الله عليه وسلم. فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يوفقنا لاتباعه صلى الله عليه وسلم، وأن يحشرنا في زمرته، وأن يجعلنا من الشاربين من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبداً. ومعنا في هذا الدرس هديه عليه الصلاة والسلام في السفر. ماذا كان يفعل في سفره صلى الله عليه وسلم؟ في قصره إفطاره أذكاره نوافله عليه الصلاة والسلام. وقد ذكر الله عز وجل السفر في كتابه، فذكر سفر الأنبياء، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} [الأنعام:11] ولما دمر قرى قوم لوط، وحاسبهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى، قال لقريش وللمشركين عامة: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً} [الفرقان:40]. يقول: أما مروا وهم مسافرون في رحلة الصيف إلى الشام على قرية قوم لوط فرأوها مدمرة؟ لماذا لم يتعظوا؟! فالذي يسافر ولا يتعظ لم يستفد من سفره. وذكر الله عز وجل أن إبراهيم عليه السلام لما سافر إلى مكة، وعاد منها مودعاً أهله قال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]. وذكر سبحانه سفر لوط عن قومه، وقال: {وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت:26] فانظر إلى تأدبه مع الله فقال: مهاجر، ولم يقل: مسافر؛ لأن من سافر لطاعة الله ولو كان في نزهة فهو مهاجر بإذن الله. وذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى موسى عليه السلام، وأنه لما كلّ وملّ وجاع في السفر قال لغلامه: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [الكهف:62] وكان يسافر لطلب العلم. وقد عقد البخاري في كتاب العلم باباً قال: باب السفر في طلب العلم، ثم أتى بقصة موسى عليه السلام يوم سافر للخضر وركب البحر؛ فأتى بهذه القصة. وهنا سبع وعشرون مسألة، نتدارسها في هذه الجلسة المباركة، التي نسأل الله أن تكون خالصة لوجهه، وأن تكون كفارة لكل مجلس باطل جلسناه، أو لغو تحدثنا فيه، أو مجلس ضيعناه.

الوقفة الأولى: وداع النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه

الوقفة الأولى: وداع النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه المسألة الأولى: وداعه صلى الله عليه وسلم لأصحابه: والعرب في جاهليتها كانت أحسم ساعة عندها ساعة الوداع والفراق. قيل لـ جعفر بن محمد الصادق: لماذا لا تصاحب الناس والإخوان؟ قال: أخاف وحشة الفراق. وكان الحسن البصري رحمه الله تعالى إذا ودع أصحابه بكى وقال: هو الدهر قد يعطيك من فلتاته رزية مال أو فراق حبيب وابن المبارك ودع أصحابه وهم سائرون في الغزو؛ فبكى كثيراً، وقال: بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا وعمر بن الخطاب كانت من أسعد اللحظات في حياته تلك الساعة التي ودَّع فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال له: {لا تنسنا يا أخي من دعائك}. فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول هذا لـ عمر، والحديث في الترمذي وقد تكلم فيه بعض أهل العلم، لكن الصحيح أنه حديث حسن، قال: {لا تنسنا يا أخي من دعائك} فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول هذا وعمر حسنة من حسناته، وتلميذ من تلامذته، وقد كان عمر ذاهباً ليعتمر. ثم يقول عمر وهو يبكي ويتذكر هذه الكلمة بعد وفاة المصطفى عليه الصلاة والسلام: [[كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما فيها]]. والرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا ودع أصحابه كما في صحيح مسلم من حديث بريدة بن الحصيب يقول: {أستودع الله دينكم، وأمانتكم، وخواتيم أعمالكم} وفي الصحيح أن ابن عمر قال: {كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ودع أحدنا قال: استودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك}. فالمسلم ينبغي له أن يقول هذا الدعاء، فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا استودع على شيء حفظه، والله لا تضيع ودائعه، وأحسن وأعظم ما يحفظه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هو الدين، والعمل، والإخلاص، والتوجه، وخواتيم العمل. وفي السيرة لـ ابن هشام وابن إسحاق قصة عبد الله بن رواحة وقد ذكرها ابن كثير وهي أن ابن رواحة لما ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان أرسله يغزو في سبيل الله في مؤتة وهي قريبة من معان، فتخلف ابن رواحة عن أصحابه وصلى الجمعة مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال له عليه الصلاة والسلام: {ما خلفك عن أصحابك؟ قال: ليكون آخر عهدي بك أن أراك على المنبر، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد فاتتك غدوة خير من الدنيا وما فيها} فلما ودعه بكى ابن رواحة، فقال الصحابة: مالك تبكي يـ ابن رواحة! أعادك الله علينا بالخير؟ قال: لا والله. لكنني أسأل الرحمن مغفرة وطعنة ذات فرغ تقذف الزبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا فكان الصحابة كلما مروا على قبره يتباكون، ويقولون: يا أرشد الله من غاز وقد رشدا- ولما انتهى نظر ابن رواحة إلى النخل وفيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال وهو يبكي: خلف السلام على امرئٍ ودعته في النخل خير مودع وخليل وودع صلى الله عليه وسلم معاذاً وقد ذكر القصة الذهبي في سير أعلام النبلاء في المجلد الأول، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم ودع معاذاً فبكى معاذ طويلاً؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال له: {يا معاذ! لعلك لا تراني بعد اليوم، فبكى معاذ كثيراً، فقال له صلى الله عليه وسلم: لا تبك فإن الجزع من الشيطان، ثم قال له: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} وهذه رواية الترمذي، وزاد غيره من أهل السير: {اذكر الله -يا معاذ - عند كل شجر وحجر ومدر} فأوصاه بتقوى الله وذكره والتوبة. والرسول صلى الله عليه وسلم قد ودع كثيراً من أصحابه فكان يوصيهم بذكر الله وبتقوى الله عز وجل كما ودع أبا ذر. قال بريدة بن الحصيب: [[كان إذا كان لنا قائد في الغزو اختص صلى الله عليه وسلم بهذا القائد، فأوصاه بتقوى الله في ذات نفسه، ثم خطب في الناس فأوصاهم بتقوى الله عامة]]. وأما أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فإنه استعرض الجيش -الغازي في سبيل الله- الذي خرج إلى الشام، وكان أميره يزيد بن أبي سفيان أخو معاوية، وهو خير من معاوية وأفضل عند أهل السنة والجماعة، فودعه أبو بكر وأوصاه بتقوى الله، وقال: [[الله الله في الإخلاص، ثم قال: إنما ثقل الحق على قوم لأنهم ملوه، وإنما خف الباطل على قوم لأنهم أحبوه]] ثم ودعه، وودع خالداً ودعا له كثيراً. وعمر رضي الله عنه وأرضاه ودع جيش سعد الذي ذهب إلى القادسية، وخطب فيهم خطبة عظيمة، ثم أخذ سعد بن أبي وقاص ومال به عن الجيش، وقال له: [[يا سعد بن وهيب! - سعد هو: سعد بن مالك بن أبي وقاص، لكن سماه سعد بن وهيب ليصغر من شأنه في نفسه، ويحقره كي لا تعجبه نفسه- قال: يا سعد بن وهيب! لا يغرنك قول الناس أنك خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، وإن أفضلهم عند الله عز وجل أتقاهم]] ثم أوصاه وذهب. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يوصي الناس بالاستخارة قبل السفر. قال أهل العلم: الاستخارة قبل السفر في السفر الذي ما ترجحت مصلحته، فأنت مضطرب لا تدري أتقدم على هذا السفر أم تحجم، فكان من الحكمة أن تستخير الله عز وجل، أما سفر حج أو عمرة أو طلب علم، فهذا واضح، وإن استخرت فلا بأس وأنت مأجور على هذا، لكن السفر الذي لم يظهر لك وجه المصلحة فيه فعليك أن تستخير الله، بعد أن تتوضأ وتصلي ركعتين، ثم تدعو بالدعاء المعروف في حديث جابر، وبعدها سوف يسهل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أمرك.

الوقفة الثانية: عدم التشاؤم

الوقفة الثانية: عدم التشاؤم وحق على المسلم الذي يعتقد وحدانية الله عز وجل ألا يتشاءم؛ لأن من عادة المشركين والمشعوذين والكهنة أن يتشاءموا في الأسفار، فإذا حزم أحدهم متاعه وهمَّ بالسفر، ثم سمع صوت غراب ترك السفر، أو سمع صوتاً تشاءم به وترك، وهذا هو مذهب الجاهلية، وأهل الوثنية والإشراك، والصد عن الله عز وجل. ولذلك يقول لبيد بن ربيعة: زعم البوارح أن رحلتنا غداً وبذاك ينعاق الغراب الأسود يقول: نحن مسافرون غداً وقد أخبرنا بذلك الغراب؛ لكن ليس عند الغراب خبر، إن الأمر إلا عند الله عز وجل، ولذلك لام الله المشركين؛ لأنهم يستقسمون بالأزلام، فكلما أرادوا السفر ضربوا بالقداح، فإن خرج اخرج خرج، وإن خرج لا تخرج ترك، وهذا من عبادة غير الله عز وجل.

الوقفة الثالثة: ذكر الله في السفر

الوقفة الثالثة: ذكر الله في السفر وكان من هديه صلى الله عليه وسلم، إذا ركب الدابة، وهذا أمر من الله في كتابه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويقاس على الدابة ما في حكمها من سيارة ومركب وسفينة وطائرة، أن إذا ركبها المسلم أن يقول: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف:13] فالذي سخره هو الحي القيوم، ولولاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما سُخر لنا شيء، فإنه الذي سخر وقاد وسهل ويسر، فإذا تمثل العبد هذه النعمة، فليقل: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف:13]. قال ربيعة -كما في سنن الترمذي -: {كنت مع علي بن أبي طالب أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه وهو في الكوفة، فأراد أن يسافر، قال: فركب دابته، فلما ركبها، قال: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقال له ربيعة: مالك يا أمير المؤمنين تضحك؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب دابته كما ركبتها الآن، ثم ضحك، فقلت: مالك يا رسول الله؟! -وفي لفظ الترمذي - رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب دابته، ثم قال: اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، قلت: ما أضحكك يا رسول الله أضحك الله سنك؟! قال: يضحك ربك إذا قال العبد: اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، يقول الله لملائكته: انظروا لعبدي علم أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا، صدق عبدي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنا} فكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله ثلاثاً، ويكبر ثلاثاً، ويسبح ثلاثاً، ثم يستغفر الله ويتوب إليه. وكان عليه الصلاة والسلام إذا انطلق في السفر، قال: {اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل} وزاد بعضهم: الولد لكن الرواية الصحيحة الأهل. فهذا الدعاء يفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليه، ويستحفظ الله عز وجل في أهله بعده، ثم يسأل الله عز وجل تسهيل السفر، وطي الأرض؛ لأن الأرض تطوى للصالحين، وهذه من كرامات الصالحين. ومن تيسير الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقطع المسافات الطويلة في وقت قصير، وكلما كثُر صلاح الرجل، واستغفاره، وذكره لله، سهل الله عليه السفر، فلم يأته من وعثاء السفر شيء، أو ما يشغله في سفره، وأعاده الله سليماً معافىً. ومن السنة والحكمة والمصلحة أن يكثر الإنسان من الذكر، خاصة آية الكرسي والمعوذات وقل هو الله أحد، إذا ركب دابته، ويتعوذ؛ ليحفظ الله عز وجل عليه كيانه، وإيمانه، ودينه؛ لأنه لا يدري بالمتالف ولا بالحوادث، والدعاء يرد القضاء بإذن الله، وإنما تلف من تلف في الحوادث؛ لأنهم ما ذكروا الله وما استعصموا بالله عز وجل، فلوا أنهم دعوا الله وتعوذوا به؛ لأعاذهم الله عز وجل، ولكن إذا وقع القضاء والقدر لطف الله بسبب الدعاء.

الوقفة الرابعة: أنواع أسفار النبي صلى الله عليه وسلم

الوقفة الرابعة: أنواع أسفار النبي صلى الله عليه وسلم الأمر الرابع: أنواع الأسفار التي سافرها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. وأسفاره ثلاثة أنواع: إما حج، أو عمرة، أو غزو في سبيل الله عز وجل. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فأسفاره صلى الله عليه وسلم تدور على هذه الأنواع الثلاثة: إما حج، أو غزو في سبيل الله، أو عمرة يعتمر فيها، ولكن ذكر أهل العلم أن هناك سفراً لطلب العلم، وهذا من أعظم الأسفار، وسفر لزيارة الصالحين، وسفر للتفكر في آيات الله المعروضة، وسفر للنزهة، وسفر للمعصية، وقد ذكر ذلك ابن تيمية في فتاويه. وتساءل شيخ الإسلام: هل يجوز أن تقصر إذا سافرت في المعصية؟ نعوذ بالله من المعاصي ما ظهر منها وما بطن، ومثّل على ذلك بمثال، يقول: كأن يخرج يريد قتل إنسان في المدينة أو في قرية بعيدة، هل له أن يقصر ويفطر، أو سافر لمعصية أخرى لأخذ مال أو نحو ذلك، فقال: نعم. له أن يقصر، وله أن يفطر؛ لأن الله أطلق السفر في القرآن ولم يقيده بشيء، وأما بعض أهل العلم كـ أبي حنيفة فقال: أما سفر المعصية فلا يقصر فيه، وهذا سوف يأتي معنا. إذاً أسفاره صلى الله عليه وسلم حج وعمرة وغزو، ولك أن تسافر في غير ذلك لنزهة، أو لتفكر في آيات الله المعروضة في الكون: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53]. وذكروا عن الجنيد بن محمد أنه كان كثير الأسفار، فقيل له: مالك كثير الأسفار؟ قال: لا أذكر الآخرة إلا إذا رأيت الفيافي، وهي الصحاري الطويلة العريضة، فهناك يتذكر الآخرة. وبعض الناس إذا خرج من المدن والقرى وأصبح في الصحراء؛ يتذكر فناء العالم، ودمار هذه المعمورة، وانتقال الناس والرحيل إلى الحي القيوم، فيخشع ويلين، فما عليه أن يسافر إذا أراد بعمله وجه الله عز وجل ليستعين به على طاعة الله.

الوقفة الخامسة: أفضل أوقات السفر

الوقفة الخامسة: أفضل أوقات السفر متى يخرج صلى الله عليه وسلم؟ وما هو اليوم الذي يعجبه؟ وما هو الوقت الذي يحب أن يخرج فيه للسفر؟ يقول كعب بن مالك كما في صحيح البخاري وصحيح مسلم: {كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج خرج صباح الخميس} فكان أحسن الأوقات له صلى الله عليه وسلم يوم الخميس، يتفاءل فيه عليه الصلاة والسلام وكان يعجبه الفأل، فيخرج يوم الخميس في الصباح، لكنه في بعض الأسفار لا يستطيع أن يحكم ظروفه ليخرج في هذا اليوم، فكان يخرج في أي يوم من الأيام، إلا يوماً واحداً ووقتاً سوف أتكلم عنه. وأما أحب الأوقات له صلى الله عليه وسلم فكان الصباح بعد صلاة الفجر، وكان صلى الله عليه وسلم يسافر في الغالب بعد صلاة الفجر، وكان يقول كما في حديث أبي صخر الغامدي في مسند أحمد: {بارك الله لأمتي في بكورها} أي: في صباحها يوم تصبح، وفي أثر: أن الأرزاق تقسم والأرض تطوى في الصباح، وهو أعظم وقت يستغله المسلم، ولذلك تقرب له المسافات بإذن الله عز وجل، وينهي أعماله؛ لأن الوقت في الصباح مبارك. وذكر أهل العلم أن أبا صخر الغامدي راوي هذا الحديث: {بارك الله لأمتي في بكورها} أخذ بهذه الوصية، فكان يبيع ويشتري منذ الصباح الباكر، قال: فكثرت أمواله، حتى لا يدري أين يضعها، والقصة هذه في مسند أحمد وما ذاك إلا لأنه أخذ بوصيته صلى الله عليه وسلم. والسفر في كل الأيام مقبول بإذن الله، وأحسنها يوم الخميس، وأحسن الأوقات الصباح بعد الفجر، وأما الجمعة فاختلف فيها أهل العلم، قال قوم: لا يسافر حتى بعد فجر يوم الجمعة، وقد رووا: {أن ملكاً ينادي من سافر يوم الجمعة ويقول: لا وفقك الله ولا صحبك الله في سفرك} وهذا الحديث ضعيف لا تقوم به حجة، وقد سافر بعض الصالحين بعد فجر يوم الجمعة، لكن الذي نُهي عنه بعد النداء الثاني من صلاة الجمعة، فلا يسافر المسافر أبداً، أمَّا بَعْد الفجر فله أن يسافر، ولو ترك السفر يوم الجمعة لكان أحسن وأولى حتى يسدده الله؛ لأن يوم الجمعة وقت تفرغ وعبادة، ووقت مقام مع الحي القيوم، وهو عيد المسلمين، فلو صرف السفر يوم الجمعة لكان أحسن، أمَّا بَعْد النداء الثاني فإنه حرام لا يجوز له، ولن يوفق في سفره، إذا عصى الله ورسوله وسافر بعد النداء الثاني.

الوقفة السادسة: اختيار الأصحاب في السفر

الوقفة السادسة: اختيار الأصحاب في السفر وأما المسألة السادسة فهي: اختيار الأصحاب في السفر، وقد أمر صلى الله عليه وسلم باختيار الأصحاب في الحضر وكذلك في السفر: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] وفي سنن الترمذي بسند حسن، قال النووي: لا بأس بهذا الحديث، أي: بسند هذا الحديث، قال عليه الصلاة والسلام: {لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي} فما هو السر في أن جعل الوصف في السفر مؤمناً وفي الطعام تقياً؟ جعله في السفر مؤمناً؛ لأنها كلمة مطلقة، فكل متق مؤمن، وليس كل مؤمن متقياً، فالمؤمن أقل درجة، أي: أنه يشترط في أكل الطعام ودخول البيت أن تتحفظ أو تستصحب الصالحين أكثر من السفر، أما السفر فكل من آمن بالله عز وجل رافقه، فأما استصحاب الجلوس في البيوت مع الناس فالواجب أنك تؤاخي المتقي لله كثيراً: {فلا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي} لأن الفجرة -والعياذ بالله- تتنزل عليهم اللعنات، ومن كان مع قوم أشركهم؛ فإن الشر يعم والخير يخص. ولذلك قال جعفر بن محمد الصادق لابنه وهو يوصيه كما في تراجمه: يا بني! لا تصاحب أربعة: لا تصاحب الفاجر، ولا تصاحب عاق الوالدين، ولا تصاحب الكذاب، ولا تصاحب البخيل. فأما عاق الوالدين فإن الله غضب عليه، فكيف ترضى عليه وقد غضب الله عليه. وأما الفاجر فإن اللعنة تتنزل عليه، فإياك أن تتنزل عليه لعنة فيصيبك منها مصيبة. وأما البخيل فيبيعك أحوج ما تكون إليه. وأما الكذاب كالسراب يقرب لك البعيد ويبعد عليك القريب. فهؤلاء الأربعة أوصى هذا الرجل الذي له قدم صدق في الإسلام ابنه ألا يصاحبهم، وقس عليهم أمثالهم، والمسلم آتاه الله بصيرة من لدنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

الوقفة السابعة: كثرة الدعاء

الوقفة السابعة: كثرة الدعاء ومن السنن في الأسفار: كثرة الدعاء والذكر؛ لأن للمسافر دعوة لا ترد بإذن الله، والله عز وجل عند المنكسرة قلوبهم. والمسافر إذا سافر عن أهله انكسر قلبه بالفراق والوحشة؛ فإذا انكسر قلبه؛ أجابه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فثلاثة دعوتهم مقبولة عند الحي القيوم، الوالد لولده، والمظلوم على ظالمه، والمسافر، وعند أبي داود: {الصائم حتى يفطر، والوالد لولده، والمظلوم على ظالمه} ورواية المسافر صحيحة؛ فإن له دعوة لا ترد بإذن الله. فعلى المسلم أن يغتنم سفره في الدعاء، وكثرة التهليل والتكبير والتسبيح، وأن يلتجئ إلى الحي القيوم. وفي صحيح مسلم قال أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه: {كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة، فسرنا؛ فعرض له جبل اسمه جمدان - جمدان جبل يقع بين مكة والمدينة - فقال: سيروا هذا جمدان سبق المفردون، قلنا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات}. قال سهل بن سعد: {دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنية، فتعبنا فيها - هذه الثنية هي: جبل شائك ركبوه بفرسانهم وخيولهم فتعبوا فيه - فلما نزلوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: نستغفر الله ونتوب إليه، فقال الصحابة: نستغفر الله ونتوب إليه، قال: أبشروا وأملوا في ربكم ما يسركم! هذه والذي نفسي بيده! الحطة التي عرضت على بني إسرائيل يوم دخلوا الباب، قال لهم الله عز وجل: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ} [الأعراف:161]}. لما دخل اليهود باب أريحا في فلسطين قال لهم الله: {قُولُوا حِطَّةٌ} [الأعراف:161] أي: قولوا: غفرانك يا رب! نستغفرك ونتوب إليك من الذنوب والخطايا، فأخذوا يستهزئون ويتبطحون على أدبارهم، ويقولون: حنطة في سنبلة، وحنطة في شعرة، فأخزاهم الله عز وجل وقطع دابرهم، فقبلها أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، وقالوا: نستغفرك الله ونتوب إليك. قال أهل العلم: من تعب في سفره، أو صعد جبلاً، أو حمل حملاً ثقيلاً، فليقل: نستغفر الله ونتوب إليه؛ لأنه لم تأت مشقة في سفر إلا بالذنوب التي لا نخلو منها طرفة عين، فإن ذنوبنا عدد أنفاسنا، نذنب ونحن جلوس في بيوتنا، وتذنب قلوبنا وأبصارنا وأسماعنا، ولا يغفر الذنب إلا الحي القيوم، فالجأ إليه واستغفره دائماً وأبداً. والمقصود هنا: كثرة الدعاء في السفر والتهليل والتكبير؛ ليصحبك الله عز وجل وليؤنسك مما تخاف.

الوقفة الثامنة: حسن الخلق

الوقفة الثامنة: حسن الخلق المسألة الثامنة: حسن الخلق والتحمل، وقد عقد له الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين فصلاً جامعاً مانعاً لا أحسن منه؛ لأن الأسفار تُظهر أخلاق الرجال. فالرجل قد يكون حليماً مع أهله وفي بيته، ولكن إذا سافر انكشفت أموره، ولذلك لما استشهد عمر رضي الله عنه وأرضاه رجلاً قال: [[من يزكيه؟ فقام رجل من الناس يزكيه، قال: هل صاحبته في سفر؛ فإن السفر يسفر عن أخلاق الرجال، قال: لا. قال: اجلس فإنك لا تعرفه]] وقال: هل جاورته؟ هل عاملته بالدرهم والدينار؟ إذاً: فالسفر يخرج أخلاق الرجال؛ لأنه وقت كربة ومشقة وجوع وملل، وثلاثة لا يُلامون في سوء أخلاقهم: المريض، والصائم، والمسافر. ولذلك أمر بحسن الخلق في السفر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس أخلاقاً إذا سافر. وإذا صحبت أرى الوفاء مجسماً في بردك الأصحاب والخلطاء وتمد حلمك للسفيه مدارياً حتى يضيق بحلمك السفهاء فهو صلى الله عليه وسلم كما وصفه ربه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. إذاً فحسن الخلق والتحمل، والذي لا يعرف من نفسه أنه لا يتحمل فلا يسافر مع المؤمنين. وهذا الإمام أحمد بن حنبل، قال له علي بن المديني: سمعت أنك تريد الحج فأريد أن أحج معك، قال: لا. حج وحدك وأحج وحدي؛ لئلا تملني أو أملك.

الوقفة التاسعة: أحكام الصلاة في السفر

الوقفة التاسعة: أحكام الصلاة في السفر المسألة التاسعة: مسألة القصر في السفر، ما هي المسافة المطلوبة في القصر؟ وما هو هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في السفر؟ اعلموا بارك الله فيكم، وقد علم كثير منكم أو علمتم جميعاً أن أقوال العلماء في مسافة القصر في السفر متعددة متشعبة، بعضهم قال: يقصر في بردان أو ثلاثة برود أو أربعة، كما بين مكة إلى عسفان، وما بين مكة إلى جدة، وما بين مكة إلى الطائف، وقد نُقل هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح البخاري تعليقاً، وأتى مسنداً عنه صحيحاً إليه، وذكره ابن تيمية في المجلد الثالث والعشرين من فتاويه، وورد عن أنس أنه فرسخ، وورد عنه أنه ميل، وورد عن آخرين قولهم: مسافة ثلاثة أيام، وآخرين: يومان، وغيرهم أربعة فراسخ، واضطربت الأقوال في هذه المسألة. والنتيجة والتحقيق -إن شاء الله- الذي عليه المحققون كـ ابن تيمية وابن القيم، أنه ليس هناك مسافة للقصر في السفر، وليس هناك سفر له مسافة، بل كل ما سمي سفراً فاقصر فيه. فإذا تعارف الناس في لغتهم أن هذا الخروج يسمى سفراً فاقصر فيه، أما إذا أنكروا من قلوبهم وأنكروا عليك أن هذا ليس بسفر فلا تقصر فيه، كأن تقول: سوف أسافر إلى الطائف فلا ينكر عليك أحد، أو إلى مكة، أو بيشة. أما أن تقول: أسافر من هنا إلى السودة، أو الخميس، أو القرعاء فسوف ينكر عليك الناس، فليس بسفر. فالخلاصة: أن ما سمي سفراً سواء طال أم قصر فهو سفر، قال ابن تيمية: وقصر صلى الله عليه وسلم إلى عرفة هو وأهل مكة، وعد ما بين مكة إلى عرفة مسافة سفر، فلما حج أهل مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصروا، ولو كان ليس سفراً لكانوا أتموا بعده صلى الله عليه وسلم حينما سلّم، لكنهم قصروا فصلوا ركعتين، ولو كان عليه الصلاة والسلام يريد أن يتموا، لقال لهم: {أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر} كما قاله يوم الفتح لأهل مكة، يوم صلى بهم صلى الله عليه وسلم، وقال: {أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر} أي: مسافرون، وأما في منى ومزدلفة وفي عرفة فما قال لهم هذا صلى الله عليه وسلم، بل سكت عنهم، فعلم أن السفر لا يتحدد بطول المسافة، والذين حددوه بواحد وثمانين كيلو متر؛ ليس لهم برهان ولا دليل: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام: ة148] {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]. ومن حدده بالأيام فالأيام تختلف، كما يقول ابن تيمية، بعضهم يقطع مسافة يومين في يوم واحد، وبعضهم يقطع مسافة ثلاثة أيام في ساعات، إما لجواده المسرع، أو لأن مركوبه سريع، والآن الطائرة قد تقطع مسافة عشرة أيام، في ساعة واحدة، فكيف نحدد للناس بأمكنة وأزمنة ما أنزل الله بها من سلطان، ولا ذكرها الله عز وجل في كتابه، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، وإنما الأقوال كلها مضطربة. إذاً فكل ما سمي سفراً فاقصر فيه، فهذا في مسافة القصر. وكان عليه الصلاة والسلام يقصر الرباعية ركعتين، إلا صلاة المغرب وصلاة الفجر؛ لأن الفجر مقرة على أصلها ركعتان، وصلاة المغرب وتر النهار فلا تقصر. وكان عليه الصلاة والسلام إذا سافر سفراً قصر فيه، وليس هناك سفر سافر فيه صلى الله عليه وسلم فأتم فيه أبداً، ورواية الدارقطني التي تقول عائشة: {سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقصر وأتممت، وأفطر وصمت} رواها الدارقطني وضعفها، وقال الإمام أحمد: هذا حديث كذب لا يثبت، وقال ابن تيمية: حديث باطل لا يصح أبداً. فعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام ما سافر إلا وقصر. والقصر أفضل في السفر، ولا يظن أحد من الناس أن هذا بالرأي، فيقول: كيف يكون أفضل أن أصلي ركعتين وأترك أربع ركعات؟ هذا الدين ليس بالرأي، يقول أبو الحسن علي رضي الله عنه وأرضاه: [[لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من أعلاه]] لأن باطن الخف يلامس الأرض والوساخات، والشارع الحكيم أمرنا أن نمسح على ظهر الخف، فهذا يخالف العقل؛ لأن العقل يقول: امسح على باطن الأقدام، أما ظاهرها فإنها نظيفة، قال: ليس الدين بالرأي إنما الدين بالنقل، ثم قال: {ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه}. أما نوافله صلى الله عليه وسلم في السفر، فما كان يتنفل العشر الرواتب، بل كان يتركها وهو مسافر عليه الصلاة والسلام، وهذه العشر يقول عنها ابن عمر كما في الصحيحين: {حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، ركعتين قبل الفجر، وركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء} وكان صلى الله عليه وسلم يترك هذه العشر، وهذا عين الحكمة؛ لأنه يصلي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين فكيف يقوم يتنفل بعدها. ولذلك قال بعض تلاميذ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لماذا لا تتنفل؟ قال: لو كنت مسبحاً لأتممت، ولو كنت متنفلاً لأتممت الفريضة، فكيف أتنفل؟! لأن الله شرع هذه الرخصة للتيسير على الناس، فكيف تصلي ركعتين ثم تقوم تتنفل، فلا نافلة في السفر، إلا الوتر، فالوتر لم يتركه صلى الله عليه وسلم حضراً ولا سفراً أبداً، وإذا نام عنه من سفر أو مرض أو تعب، فإنه يصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة. لكن Q هل ترك صلى الله عليه وسلم الوتر مرة في عمره؟ A نعم. ترك صلى الله عليه وسلم الوتر ليلة مزدلفة، يوم نام عليه الصلاة والسلام ليلة مزدلفة وصباح يوم منى يوم يرمي جمرة العقبة، في تلك الليلة ترك الوتر عليه الصلاة والسلام، وهو الظاهر من كلام أهل العلم، فإنه صلى العشاء ثم نام، وما قام عليه الصلاة والسلام حتى أذن لصلاة الفجر، حتى تلك الليلة ما قام يصلي فيها أبداً، وقد ذكر ابن القيم: أنه فعل ذلك ترويحاً على الناس، ويقول: من قامها فقد خالف السنة، ولا نقول: أنه خالف السنة لأنه يصلي في الليل، لكن إذا قام واعتقد أنها سنة أن يقوم في تلك الليلة فهو المخالف، أما من قامها ليتنفل فهو مأجور مشكور وأجره على الله. لكن الرسول عليه الصلاة والسلام ترك الوتر في تلك الليلة، فما أوتر حتى أصبح، وبعد أن أصبح لم يوتر عليه الصلاة والسلام، فترك في عمره تلك الليلة. إذاً فالوتر لا يترك في السفر، إلا في ليلة مزدلفة لمن تعب أو كلّ أو ملّ، ومن أوتر فلا عليه، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يوتر تلك الليلة. فهذا هديه صلى الله عليه وسلم في السفر في الصلاة والوتر. ويتساءل ابن تيمية من له ورد من الصلاة مثل صلاة الضحى في السفر، هل له أن يصليه؟ قال: نعم. له أن يصلي ذلك، وهو مأجور وأجره على الله عز وجل، فإن كان له ورد واستطاع أن يحافظ عليه في السفر فليفعل، أما التي تركها صلى الله عليه وسلم فلا تفعلها أنت، بل تتركها كما تركها صلى الله عليه وسلم، فلك أن تصلي من الضحى ثمان ركعات أو ست أو أربع أو ركعتين، وليس عليك شيء وأنت مأجور في هذا.

الوقفة العاشرة: حكم الإفطار في السفر

الوقفة العاشرة: حكم الإفطار في السفر مسألة الإفطار للصائم: يقول عز من قائل: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] والمسألة: أيهما أفضل الإفطار أو الصيام في السفر؟ و A بإذن الله وبعونه وبتوفيقه، أن الإفطار لمن يشق عليه الصيام في السفر أفضل، وأما إذا تساوت المشقة وعدمها فسيان إفطاره وصيامه، ولو أفطر لكان أحسن، وأما إذا وجد يسراً في سفره وسهولة، فإن صام فله ذلك وهو مأجورٌ وليس عليه شيء. وقبل أن أبدأ في هذه المسألة -مسألة القصر في الصلاة- يقول أبو حنيفة: من صلى الظهر أربعاً في السفر فصلاته باطلة، وعليه أن يعيد الصلاة ركعتين، وتبعه الأحناف في هذا. وقال ابن تيمية: القصر في السفر أفضل، وسئل الإمام أحمد عن القصر والإتمام في السفر، قال: أكره الإتمام؛ لأنه مخالفة لسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام. أما الإفطار في السفر فيفطر إذا حصل له مشقة، ومن لم يفعل وقد شق عليه، فقد عصى أبا القاسم عليه الصلاة والسلام، قال جابر كما في الصحيح: {سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحنا بـ كراع الغميم} وكراع الغميم: بلد بين مكة والمدينة، ولذلك ضحك العلماء من تفسير الغزالي لقوله صلى الله عليه وسلم: {لو أهدي إليَّ ذراع لقبلته، ولو دعيت إلى كراع لأجبت} والكراع أي: كراع الشاة، قال: الغزالي: لو دعيت إلى كراع الغميم - أي: إذا دعيت إلى هناك- لذهبت، فقال أهل العلم: فتح الله عليك وبيّض وجهك، ليس هذا المعنى، بل المعنى كراع الشاة، أما كراع الغميم فلم يتعرض له صلى الله عليه وسلم في الحديث. فيقول جابر: {فلما أصبحنا في كراع الغميم أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن الناس شق عليهم الصيام في السفر، وهم صوام، فنزل عليه الصلاة والسلام وأخذ ماءً بارداً فشرب وشرب الناس} فهذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8] والذي قال له: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] والذي قاله فيه: {طَهَ * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2] والذي قال فيه: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157]. {إلا رجلان -من الجهل وقلة الفقه، فقالوا: لا. أما نحن نستمر، الرسول صلى الله عليه وسلم أفطر وهم تركوا- فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة، أولئك العصاة}. أما النافلة في السفر، فلك أن تصوم نافلة، وهو من الخير أن تصوم إذا استطعت، ولا عليك إذا كان لك ورد أن تحافظ عليه، قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما في صحيح البخاري في باب نوافل الصيام: {جاء عمرو بن حمزة الأسلمي، فقال: يا رسول الله! إني أطيق الصيام في السفر، فهل عليّ من جناح؟ قال: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر}. فإذا صام المسافر فيشترط ألا يشق عليه ذلك؛ لأن الله عز وجل رخص له أن يفطر من الفريضة، فكيف يشق على نفسه بالنافلة في السفر؟! وأما الذي لا يشق عليه فله أن يصوم في السفر وهو مأجور كالحضر لهذا الحديث الذي معنا، وقد صام صلى الله عليه وسلم في السفر. والصيام يختلف عن القصر في الصلاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما أتم أبداً في سفره، وأما الصيام فقد صام في بعض أسفاره، ولذلك في الصحيح عن أبي الدرداء قال: {سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن رواحة، وإن أحدنا ليتقي الشمس بيده من شدة الحرارة} وكان في الناس صوام في سفرة سافرها صلى الله عليه وسلم، فلما نزلوا في منزل من المنازل، قام المفطرون فنصبوا الخيام، وبنوا الحياض وخلطوها بالطين، ثم ملئوها بالماء البارد، ثم سقوا وقاموا فقدموا الطعام للناس، فقال صلى الله عليه وسلم: {ذهب المفطرون اليوم بالأجر} يقولون: ظاهر الحديث أن المفطر في هذه الحالة أعظم أجراً من الصائم، والسبب أن نفعه متعد للناس؛ لأنه نفع الناس، وأما الصائم فنفعه لنفسه، فهذا لخدمته للمسلمين كان أجره أعظم من أجر الصائم الذي صام لنفسه.

الوقفة الحادية عشرة: أحكام المسح على الخفين

الوقفة الحادية عشرة: أحكام المسح على الخفين المسألة الحادية عشرة: مسألة المسح على الخفين: وهي لا تخفى على مسلم عنده فقه في دين الله، ولكن يختلف المسح على الخفين في السفر عنه في الحضر، والمسح على الخفين فيه ثلاثة أقوال لأهل العلم: قولٌ يقول: لا يحدد المسح إلا في الإقامة، أما في السفر فامسح ما بدا لك، وهذا قول الإمام مالك وابن تيمية، وقد مسح ابن تيمية سبعة أيام في سفره من دمشق إلى الاسكندرية في مصر، وخالفه وغضب عليه علماء الشافعية، مثل ابن مخلوف وابن الزملكاني، وقالوا: خالف السنة، لكن عنده دليل، ومعه أناس منهم عمر رضي الله عنه، وعقبة بن عامر وغيرهم، فالإمام مالك يرى أنه لا يحدد المسح. وقوم قالوا: ثلاثة أيام في السفر ويوم وليلة في الحضر وهو الصحيح. وقوم قالوا: لا يحدد في السفر ولا في الحضر وأنكروه، وهم الرافضة الضلال المبتدعة الذين هم أغبى من الحمير. قال الشعبي لما ذكر هذه المسألة: إذا دخلت باب الزج، فخذ بيدك أحد أهل باب الزج وحرج عليه فإنه حمار، وقد ذكر هذا ابن تيمية في منهاج السنة؛ لأنهم ضلوا في هذه، يقول الإمام أحمد: سبحان الله! نقل المسح على الخفين سبعون من الصحابة وأنكرها الضلال. يعني الرافضة. يقول سفيان الثوري: من عقيدتنا المسح على الخفين. فأدخلها في مسائل الأصول؛ لأنه خالف فيها تلك الفرقة الضالة. إذاً فالمسح في السفر ثلاثة أيام، والثقوب في الجورب لا عبرة بها، بل لك أن تمسح ولو كان به ثقوب وقد ذكر ذلك ابن تيمية وقال: إنهم اشترطوا شروطاً في المسح على الخفين ليست في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما هذا من وضع الآصار والأغلال على الأمة، والتكليف بما لا يطاق، والله عز وجل يوم سن هذا ورسوله عليه الصلاة والسلام إنما هو للتيسير على الناس، فكيف نأتي إلى الناس بعد أن يسر الله لهم المسح على الخفين ونقول: لا بد أن يكون مخروزاً، وأن يكون قائماً بنفسه، وأن يستطاع المشي عليه، بل شرطه الوحيد هو أن يسمى خفاً في لغة العرب. ثم يقول ابن تيمية: وهل كانت خفاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا مشققة، فقد كانوا قوماً فقراء ليس عندهم شيء، فكانوا يلفون اللفائف على أرجلهم حتى أن أحدهم يأخذ من قماشه -من بزه من ثوبه- ويقطعها ثم يلف بها على أرجله ويمسح عليها فيبدو منها ما شاء الله أن يبدوا. وفي سنن أبي داود عن ثوبان رضي الله عنه وأرضاه، قال: {أرسلنا صلى الله عليه وسلم في سرية، فأمرنا أن نمسح على العصائب -أي: العمائم- وعلى التساخين الخفاف} إذاً فالأمر فيه يسر وسهولة، فالخف عند العرب هو الذي يستر المكان ستراً لا تشدد فيه، فلا يشترط أن يأتي إنسان بناظور وينظر في رجله هل يرى رجله من تحت الجورب أو لا يراها، أو يصب ماء حاراً هل يحس به أو لا، فالتعمق والتدقيق ليس وارداً في الإسلام، إنما يلبس ويتوكل على الله عز وجل ويكون سهلاً ميسراً ويمسح على جوربه بشرط أن يدخلهما على طهارة. وقد ورد في البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة قال: {خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهويت لأنزع خفيه، قال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين} فإذا أدخلت رجليك طاهرتين، فلتمسح عليهما في السفر ثلاثة أيام، ولا تخلعها إلا بعد حدث، أي: يستمر على الوضوء بعد الثلاثة إذا كان متوضئاً فإذا أحدث بعد الثلاثة الأيام فليخلعها. وهذا هو الأحسن -ثلاثة أيام- لكن من زاد أربعة أيام أو خمسة أو ستة أو سبعة فله ذلك، وما أتى بمحرم، بل سبقه إلى هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كلامه من السنة إذا وافق السنة، لقوله عليه الصلاة والسلام: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي} قال عقبة بن عامر [[أتيت من الشام، فدخلت على عمر رضي الله عنه وأرضاه، فرأى في رجلي خفين، فقال: متى لبستها؟ قال: لبستها من الشام، قال: كم أخذت؟ قلت: سبعة أيام، قال: هل خلعتها؟ قلت: لا. قال: لو خلعتها لأوجعتك ضرباً]] لأنها خلاف السنة، فهو أخذها سبعة أيام، وذكر ذلك ابن تيمية وفعلها، فمن فعل ذلك فلا عليه إن شاء الله، لكن الثلاثة الأيام هي الأقرب للدليل.

الوقفة الثانية عشرة: التيمم في السفر

الوقفة الثانية عشرة: التيمم في السفر المسألة الثانية عشرة: التيمم: قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيباً} [النساء:43] فالتيمم في السفر والحضر وارد، لكنه لا يجوز في الحضر إلا إذا فقد الماء فلم يجده، أو كان مريضاً متضرراً لا يستطيع أن يتوضأ أو يغتسل، وكثير من الناس لا يفقه مسألة كيف يتيمم وهو يغسل بعض أعضائه. إنسان فيه شجة في رأسه، وإذا اغتسل آذاه الماء في رأسه، ماذا يفعل؟ حكمه أن يغتسل في بقية جسمه، وأن يتيمم لهذه الشجة، وفي لفظ عند أبي داود يعصب عليها ويمسح على العصابة، ثم يتيمم لها، فمن كان فيه جرح في أعضاء الوضوء فليترك هذا الجرح وليتوضأ ولا يغسل يترك هذا المنطقة، ثم يتيمم بعد الوضوء تيمماً كاملاً. والتيمم يكون في السفر؛ لأن الماء قليل في السفر، فعلى المسلم أن يتيمم في حالات: منها: إذا خاف على نفسه، حيث نزل في مكان وبجانبه وادٍ يعرف أن فيه ماء، ولكن يعرف أن هناك سباعاً ضارية وحيّات، وأن هناك أعداء، فله أن يتيمم في مكانه ولا يذهب إلى ذاك الوادي. أو إنسان قام في الصباح وعنده ماء، وادٍ مسيل أو غدير كبير، وقام وإذا الماء أصبح قريباً من التثلج، وخاف على نفسه إذا توضأ واغتسل، فله أن يتيمم ويصلي ولو كان عليه جنابة، وقد دل على ذلك النصوص ظاهراً وباطناً، وتكلم فيها أهل العلم، إلا أن يكون عنده شيء من وقود أو حطبٍ فيسخن به الماء فهذا واجبه، لكن يقول ابن تيمية: إذا خاف أن يسخن الماء؛ فيخرج وقت الصلاة، فعليه أن يترك التسخين وأن يتيمم ويصلي ولا يعيد الصلاة؛ لأن إدراك الوقت واجب، أما هذا الفعل عند تحقق هذا الشرط فإنه يسقط بالعجز، قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]. قال p=1000202>> عمرو بن العاص: {خرجت في سرية -هذا الحديث أصله في الصحيح، وذكره بطوله أبو داود، وهذه السرية هي غزوة ذات السلاسل، ولها أصل في كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يتألف بعض الصحابة، ومن الأناس المهمين في الإسلام عمرو بن العاص، فأراد أن يتألفه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فأمّره على سرية - قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ لصلاة العصر، وقد أمرني على السرية -فأراد عمرو بن العاص أن يبري ساحته، أي: أنه لا يحب المال ولا يحب الإمارة- قال: فقلت: يا رسول الله! لا أريد المال، أريد الجهاد في سبيل الله، قال: فما أنسى تبسمه وهو يتوضأ صلى الله عليه وسلم، وقال: يا عمرو! نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح} لأنه سوف يحصل في هذه الغزوة غنيمة، فلما خرج وصل إلى ذات السلاسل فسمع صلى الله عليه وسلم أن أعداءهم قد كثروا واجتمعوا عليهم، فأرسل جيشاً أميره أبو عبيدة وتحت إمرة أبي عبيدة أبو بكر وعمر وأناس من الصحابة، فلما وصلوا إلى عمرو بن العاص قال أبو عبيدة: أنا الأمير؛ لأن معي أكابر الصحابة أبو بكر وعمر، وأرسلني صلى الله عليه وسلم بعدك، قال عمرو بن العاص: والله لا يتأمر إلا أنا. قال الذهبي: وكان أبو عبيدة حسن الخلق رضي الله عنه وأرضاه متواضعاً، فتنازل عن الإمرة، فتأمر على الناس عمرو بن العاص، فقام يصلي بهم الفجر-لأن الأمير كان هو الذي يصلي بالناس- فتيمم من الجنابة وصلى بهم وهو جنب، لأنه عندما قام من النوم ليغتسل وجد الماء بارداً لا يستطيع أن يستعمله فتيمم، فأتى إلى المدينة فسبقه الجيش إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن أول وهلة حكم الرسول صلى الله عليه وسلم على فعله هذا أنه صحيح، لكن أراد أن يستدعيه ليرى ماذا في ذهن عمرو، وكان عمرو رجلاً داهية ذكياً لبيباً كما يقول ابن عباس، يقول لـ علي: أجعلت أبا موسى رضي الله عنه قريناً لـ عمرو -ذكر هذا الذهبي في ترجمة عمرو - قال: لا تزنه بـ عمرو فإنه رجل باز قارح مارس داهية. فلما دخل عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم: {يا عمرو! أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ -فأتى عمرو يفتي بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله! إن الله يقول: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] فتبسم صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً} والتبسم عند علماء الحديث معناه الإقرار، فإن الإقرار إما بالسكوت أو بالكلام أو بالتبسم، وقيل: الإقرار بالإشارة، وهذه مسألة مختلف فيها ويعاد فيها إلى المصطلح، فمن أشار إليه بيده هل هو إقرار أو لا؟ إنما هنا تبسم صلى الله عليه وسلم فأقره. فمن حدثت له هذه الحالة وهو مسافر فعليه أن يتيمم ويصلي ولا عليه، سواء كان جنباً أم محدثاً. بشرط أن يعلم الله عز وجل أنه متقٍ له وأنه لم يستطع أن يسخن الماء أو يحدث شيئاً، وإذا خاف أن يفوته وقت صلاة الفجر، وعلم أنه لن يسخن الماء أو يحضر الماء في ذلك الوقت، فليصلِّ بتيممه والله المستعان.

الوقفة الثالثة عشرة: حكم أداء النوافل في السفر

الوقفة الثالثة عشرة: حكم أداء النوافل في السفر المسألة الثالثة عشرة: نوافل الصيام والصلاة والقرآن: كثير من الصالحين الذين فتح الله عليهم: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر:32] كثير منهم له نوافل في الحضر، والمسلم لا بد أن يكون له حد أدنى من العبادة يداوم عليها ولو قليلاً، حتى الذكر، قال أهل العلم: ولو كان يكرر لا إله إلا الله عشر مرات بعد الفجر كان حقاً عليه أن يداوم عليها، فإن من داوم قرع الباب فتح الله له، ويقول عليه الصلاة والسلام: {أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل} وقيل: من كلام عائشة، فالقليل الدائم خير من الكثير المنقطع. فمن كان له ورد كركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وجزء من القرآن، فماذا يحصل إذا سافر؟ له على الله الحي القيوم المنان أن يكتب له أجره ولو لم يصم، ولم يصل ركعتي الضحى، ولو لم يأت بورده، وقد صح ذلك في حديث مسلم، قال عمر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا سافر العبد المسلم، أو مرض، كتب الله له من الأجر -أجر عمله- ما كان يعمل صحيحاً مقيماً} لأنه علم الله أنه يعمل في الحضر هذا فأعطاه أجره في السفر، فليكن للعبد في الحضر نافلة، فإن سافر واستطاع أن يأتي بها، فبها ونعمت، فيضاعف الله له الثواب، ويكثر له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الأجر، وإن لم يستطع فسوف يكتب الله له الثواب ولو لم يفعل ذلك؛ لأنه مسافر، وهذا في النوافل.

الوقفة الرابعة عشرة: دعاء نزول المكان

الوقفة الرابعة عشرة: دعاء نزول المكان المسألة الرابعة عشرة: دعاء نزول المنزل، يقول عليه الصلاة والسلام -كما في الأذكار -: {من نزل منزلاً -أي: في السفر أو غيره- فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر من خلق الله، لم يصبه سوء في منزله حتى يرتحل} فحق على العبد إذا وقف في مكان بسيارته أو وقف بأهله، أن إذا نزل مباشرة يقول في المكان الذي نزل فيه: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فيعصمه الله، ويحفظه، ولا يصيبه سوء أبداً، وكثير من الناس أصيبوا في الأسفار؛ لأنهم تركوا الذكر؛ فالذكر حرز وحصن حصين بإذن الله، ومنها: (ربنا أنزلنا منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين).

الوقفة الخامسة عشرة: التكبير عند الصعود والتسبيح عند النزول

الوقفة الخامسة عشرة: التكبير عند الصعود والتسبيح عند النزول ومن هديه صلى الله عليه وسلم التكبير عند الصعود، والتسبيح عند النزول، ولذلك يقول ابن تيمية: وضعت الصلاة على هذه، وهذا حديث ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه: {كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا} فالصلاة وضعت على هذا، يوم يرفع المسلم رأسه يقول: الله أكبر، ويسبح في الركوع والسجود، فكان عليه الصلاة والسلام إذا علا شرفاً كبّر، وإذا نزل وأبطن في الوادي والسهل؛ سبح عليه الصلاة والسلام.

الوقفة السادسة عشرة: النهي عن التطويل في الأسفار

الوقفة السادسة عشرة: النهي عن التطويل في الأسفار المسألة السادسة عشرة: مسألة عدم التطويل في السفر بلا حاجة: ففي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: {السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته فليعد} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وذكر ابن كثير في ترجمة هارون الرشيد أنه سافر ونذر على نفسه ألا يركب مركوباً في السفر إلى الحج، فكان يمشي على أقدامه، فقيل له -وقد تعب كثيراً حتى يقولون: كان يسند رأسه مرة إلى فرس ومرة إلى فرس وهو يمشي- صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: {السفر قطعة من العذاب} قال: بل العذاب قطعة من السفر. فالمسلم ينبغي له أن إذا قضى حاجته ومقصده وطلبه؛ أن يعود إلى أهله؛ لأن السفر يمنعه طعامه وشرابه واستقراره وراحته، وهناك أمور ينبغي أن ينبه عليها؛ لأن بعض الناس قد يضيعون أوقاتهم في الأسفار التي لا طائل منها، فتتشتت قلوبهم، وقد سأل سائل ابن تيمية -في كتاب الجهاد- أي بلد أسكن؟ قال: اسكن في البلد التي تسكن فيها نفسك وتجد قلبك خاشعاً فيها. فالمسلم يسكن في البلد ويستقر، ولا يشتت عمره في الأسفار، فإنها تشتت الأعمار. لكن قد يُبتلى المسلم بظروف تحوجه إلى السفر، منها ضيق الرزق، فإن في السفر فتح من الله عز وجل ورزق، ولذلك سافر سفيان الثوري إلى بغداد فقالوا: مالك؟ قال: سافرت إلى بلاد سلة الخبز فيها بدرهم، ومنها أن يكون معك نكد، إما جارٌ أو صاحب، أو كُبدت في بلد. فغرب فالتغرب فيه نفع وشرق إن بريقك قد شرقتا ولا تلبث بأرض فيها ضيم يذيب القلب إلا أن كبلتا فالسفر لهذه الأمور ولهذه الدواعي، ولذلك يقول المتنبي: إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون هم يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم

الوقفة السابعة عشرة: النهي عن الرجوع ليلا

الوقفة السابعة عشرة: النهي عن الرجوع ليلاً المسألة السابعة عشرة: استحباب الرجوع نهاراً لا ليلاً: وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كما في السنن ونهى صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً، حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة -التي أبطأ عنها زوجها- وليس من الحكمة أن يدخل الرجل على أهله ليلاً، لأمور يعلمها الله عز وجل، فالأفضل أن يأتي أهله نهاراً، أو إذا أراد أن يأتيهم ليلاً فيعطيهم خبراً قبل دخوله، إما أن يتصل عليهم أو يخبرهم أنه سوف يقدم عليهم في تلك الساعة ولو ليلاً حتى يكونوا على بينة. ولما سمع أحد الأنصار -كما في السير- هذا الحديث، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله، ليلاً، قال: وما في ذلك؟ فطرق أهله، فوجد مع امرأته رجلاً لمخالفته للسنة -نسأل الله العافية- فالرجوع يكون نهاراً أو يكون ليلاً إذا أخبر أهله وكان عندهم خبر بقدومه قبل وقت، ليكونوا على أتم استعداد ولا يفاجئهم أو يباغتهم، ولا يخلفهم؛ لأن طارق الليل لا يطرق إلا لخوف أو لحاجة ملحة. لذلك لما أتى محمد بن مسلمة لقتل اليهودي، قالت زوجة اليهودي: إن هذا صوت يقطر منه الدم. فكان أحرار العرب يفتخرون بإجابة الصوت والداعي ولو في الليل، ويقولون: يجيب الأحرار في الليل لا في النهار، أو كما قالوا.

الوقفة الثامنة عشرة: دعاء الرجوع من السفر

الوقفة الثامنة عشرة: دعاء الرجوع من السفر المسألة الثامنة عشرة: دعاء الرجوع من السفر: صح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا أطل وأفل من سفره قال: {آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وكان يكبر عليه الصلاة والسلام وهو عائد، وكان من هديه أنه يُستقبل بأطفال المدينة، فيستقبلونه عند المشارف، ولذلك اختلف العلماء في قولهم: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع متى كان؟ وقد تكلم ابن حجر عن هذه متى كانت؟ هل هو في قدومه من مكة إلى المدينة في الهجرة، أم من رجوعه من تبوك، وكأن ابن القيم والداودي المحدث رجحا أنه عند رجوعه من تبوك عليه الصلاة والسلام، ولكن لا يهمنا هذا وهذا، إنما كان عليه الصلاة والسلام يستقبل بالأطفال، فربما أركب بعضهم أمامه وخلفه، وقبلهم عليه الصلاة والسلام ودعا لهم. ولما دخل ونظر إلى أحد قال: {هذا أحد جبل يحبنا ونحبه -وفي رواية- وهو من جبال الجنة} وقال: {هذه - للمدينة - طابة} عليه الصلاة والسلام. فدعاء الرجوع من السفر وارد، وفي حديث صهيب رضي الله عنه وأرضاه، قال: {أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا أردنا أن ندخل قرية: اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، نسألك خير هذه القرية وخير ما فيها وخير سكانها، ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر ما فيها وشر سكانها} وقد تُكلم في سند هذا الحديث، لكن هذا في باب الفضائل، فإنه إذا أتى الحديث في الفضائل تسهل فيه ما لا يتسهل في الحلال والحرام، وهذه الكلمة ذكرها ابن تيمية في المجلد الثامن عشر من فتاويه رحمه الله، وهي كلمة للإمام أحمد ثبتت عنه، أنه قال: إذا أتى الحديث في الحلال والحرام تشددنا، وإذا أتى في الفضائل تساهلنا. وقد يفهم بعض الناس أن التساهل في أحاديث الفضائل معناه: أننا نتساهل حتى نجعل بعض الأمور مستحبة بأحاديث ضعيفة، وهذا ليس بوارد، لكن معنى كلام الإمام أحمد وابن تيمية رحمهم الله أن الفضائل ما كان لها أصلٌ في الدين يعضدها، فإن الذكر أمر الله به في الكتاب، وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا أتى حديث في فضل الذكر، فلا نقف عنده وندقق كما ندقق في الحلال والحرام؛ لأن للذكر أحاديث وآيات تسندها وتعضدها، وتبين أن لها قاعدة في الإسلام. كحديث من دخل السوق فقال: {لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كتبت له ألف ألف حسنة، ومحيت عنه ألف ألف سيئة} هذا حديث ضعيف، لكن ابن تيمية أتى به في الكلم الطيب، وسكت عنه، فلما أتى الأستاذ الأجل الشيخ الألباني، حذف هذا الحديث على قاعدته، وهو موفق ومن أنصار السنة جزاه الله عن الإسلام خير الجزاء؛ لأن الحديث علىقاعدته ضعيف حتى في الفضائل والأذكار، مع العلم أن ابن تيمية يوضح أنه إذا كان له أصل في الفضائل فلا بأس. إذاً: فالحديث الذي سقناه حديث ضعيف، لكن لا بأس بإيراده في مثل دخول القرية والمدينة.

الوقفة التاسعة عشرة: أول ما يفعله المسافر بعد الرجوع

الوقفة التاسعة عشرة: أول ما يفعله المسافر بعد الرجوع وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين، ثبت ذلك من حديث كعب بن مالك في الصحيحين: {أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا أفل قادماً بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين عليه الصلاة والسلام} فمن السنة للمسلم، ومن الأمور التي يؤجر عليها ويثاب، أنه إذا رجع من سفره أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين، وهاتان الركعتان من ذوات الأسباب، فمن قدم في وقت منهي عن الصلاة فيه فله أن يبدأ بالمسجد؛ لأنه لم يتحر الصلاة فيه، فهي من ذوات الأسباب -إن شاء الله- كركعتي الوضوء في حديث بلال رضي الله عنه الصحيح، لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم دفَّ نعليه في الجنة، فسأله فأخبره رضي الله عنه وأرضاه، أنه ما توضأ في ساعة من ليل أو نهار، إلا صلى بعدها ركعتين، فهذه تلحق بهذا، وابن تيمية سئل عن ركعتي الوضوء هذه أتصلى بعد الفجر أو بعد العصر، قال: نعم. لأنها من ذوات الأسباب.

الوقفة العشرون: عدم النوم في الطرقات

الوقفة العشرون: عدم النوم في الطرقات المسألة العشرون: عدم النوم في الطرقات في السفر؛ فإنها طرق الدواب: وهذا الحديث عند أبي داود {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن ينام في الطرق} فإذا نزل الإنسان مع رفقة فلا ينم في طرقات الناس أو على قارعة الطريق، بل يرتفع عنها؛ لأنها ممر الدواب، فالدواب تخرج في الليل -الثعابين والعقارب والحيّات- فهي طرق الناس في النهار، والدواب في الليل. فالرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن هذا لحكمة هي ظاهرة شاهرة معروفة عند الناس.

الوقفة الحادية والعشرون: الاجتماع عند النزول

الوقفة الحادية والعشرون: الاجتماع عند النزول المسألة الحادية والعشرون: الاجتماع عند النزول: ولذلك وصف جابر حال أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام أنهم كانوا يتفرقون إذا نزلوا، فأمرهم صلى الله عليه وسلم بالاجتماع، حتى لو بسط عليهم بساط لكفاهم، فالاجتماع أبرك، وهو أجمع للكلمة وأسد، وعدم التفرق في ذلك، ولذلك في حديث أبي حميد الساعدي عند مسلم {لما خرج صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، أمر الناس إذا نزلوا أن يجتمعوا ولا يتفرقوا، فكلهم أنصت وأجاب لهذا، إلا رجلان اثنان خرجا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم الخروج تلك الليلة؛ لأنه أخبرهم أنها سوف تهب ريح، فخرج الرجلان فهبت ريح، فحملتهما الريح، فألقت أحدهما في جبل آجا وسلمى} وهذا الحديث في صحيح مسلم.

الوقفة الثانية والعشرون: الاجتماع على الطعام

الوقفة الثانية والعشرون: الاجتماع على الطعام المسألة الثانية والعشرون: جمع الطعام: من هدي الإسلام في السفر أن يجمع الطعام؛ لأنه كلما كثرت الأيدي بارك الله في الطعام، وهذا عند العرب قبل الإسلام وهو من علامات الكرم، والرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: {إن الأشعريين إذا أرملوا جمعوا طعامهم فاجتمعوا عليه -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- أولئك مني وأنا منهم} فهؤلاء الأشعريون، وهم قبيلة أبي موسى رضي الله عنه من أهل اليمن، كانت فيهم خصلة جميلة أن إذا أرملوا جمعوا ما عندهم من أزواد وطعام ثم اجتمعوا عليه. ولذلك يذكر ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم، أن من فعل العجم وعاداتهم أن كل إنسان منهم يأكل وحده، أما العرب فلما جعل الله لهم من فطر سليمة، ومن كرم السجايا فإنهم يجتمعون سوياً، فلم يرد لا من السنة ولا من الأدب أن يكون مزادة كل أحد وصحنه وقدره لوحده، بل هذا من اللؤم، يقول أبو تمام: وإن أولى الموالي أن تواليهم عند السرور الذي واساك في الحزن إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في الموطن الخشن وقد كان عبد الملك بن مروان -الخليفة الأموي- في مجلس سمر، مع أدباء وشعراء وعلماء، فقال: أي العرب أكرم؟ فذكروا رجالاً. قال: ما وددت أنه ولدني من العرب إلا عروة بن الورد - كان عروة قبل الإسلام- حيث يقول: أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى بوجهي شحوب الحق والحق جاهد أوزع جسمي في جسوم كثيرة وأحسوا قراح الماء والماء بارد فإني امرؤ عافي إنائي شركة وأنت امرؤ عافي إنائك واحد يقول: أنت سمنت وتضحك مني أنني هزيل؛ لأني إذا نزلت أنزلت الناس على قدري، فأكلوا معي وبقيت كذا، وأنت؛ لأنه لا ينزل على قدرك أحد سمنت. ولذلك يقول نافع رضي الله عنه وأرضاه، ورضي الله عن ابن عمر [[كان ابن عمر إذا أُحضر له طعامه، قال: ادعوا لي أناساً يأكلون معي، فيدعون له الفقراء والمساكين]] ويقول حاتم لامرأته -وليته مات مسلماً، ولكن قدر الله وما شاء فعل- يقول: إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلاً فإني لست آكله وحدي من كرمه يقول: إذا صنعت الزاد وأحضرتيه، فالتمسي ضيفاً يأتي معي. وذكروا في سيرة إبراهيم عليه السلام أنه كان لا يأكل طعاماً إلا ويدعو ضيوفاً يضيفهم، ولذلك ذكر الله له روغتين في القرآن، روغة كرم، وروغة شجاعة، فروغة الشجاعة: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} [الصافات:93] وروغة الكرم: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26]. والبخيل لا يروغ، وإنما يخرج ظاهراً شاهراً بسكينته ويتنحنح ويتكلم، ويستخير الله ثلاثة أيام ثم يذبح ذبيحته. أما إبراهيم عليه السلام فإنه خرج، قال ابن القيم: انظر إلى روغته ما أحسنها! وانظر إلى عجلته، فخير البر عاجله، وانظر إلى ذبيحته ما أعظمها! عجل فيه، ثم جاء به سمين حنيذ، فهو عجل سمين وليس بهزيل، وهو حنيذ وليس بمطبوخ، ثم قربه إليهم ولم يقرب الضيوف إلى الأكل، ولكن قرب الطعام إليهم، إلى غير ذلك من الآداب. فمن الهدي والسنة في السفر أن يجتمع على الطعام، وهو من كرم السجايا.

الوقفة الثالثة والعشرون: الإمارة في السفر

الوقفة الثالثة والعشرون: الإمارة في السفر المسألة الثالثة والعشرون: تأمير أحد الرفقة: كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يؤمر أحد أصحابه إذا سافروا، وأمر الناس أن إذا سافروا أن يؤمروا أحدهم، يقول عليه الصلاة والسلام: {الواحد شيطان، والاثنان شيطانان، والثلاثة ركب} فالثلاثة يؤمر أحدهم. فنهى صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن يسافر الواحد وحيداً فإن الوحدة تذم، إلا لمصلحة راجحة. وقد قيل لـ مالك بن دينار: مالك لا ترافق الناس، والرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن الوحدة، ويقول: {الواحد شيطان} قال: أنا شيطان بنفسي -تواضعاً منه- فكيف آخذ لي شيطاناً آخر، فأحب أن يسافر وحده. فالمصلحة إذا ترجحت -لأن هذا ليس من باب الوجوب إن شاء الله- ورأى الإنسان أنه يقوم بنوافله، ويستطيع أن يذكر الله وحده، ويخاف أن إذا رافق أحد الناس أن يكثر من الغيبة، ومن تضييع الوقت، ومن اللغو، فلا عليه بإذن الله؛ لأن بعض الناس قد يكون حملاً ثقيلاً، وعبئاً عليك إذا سافر معك، فما عليك ألا تستصحبه، لكن احرص أن يكون معك أحد.

الوقفة الرابعة والعشرون: عدم سفر المرأة إلا مع ذي محرم

الوقفة الرابعة والعشرون: عدم سفر المرأة إلا مع ذي محرم المسألة الرابعة والعشرون: عدم سفر المرأة إلا مع ذي محرم: فالرسول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح، قال: {لا تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم -وفي رواية- يوم وليلة} وهي روايات كثيرة، لكن أقصاها ثلاثة أيام، وأدناها يوم أو ليلة، إلا مع ذي محرم، ومن باب أولى إذا كان أربعة أيام أو خمسة، فلا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. وابن تيمية تكلم في الحج في هذه المسألة: قال: إلا إذا احتاجت المرأة، مثل أن تكون حاجَّة، فما استطاعت أن تحج وهناك رفقة، وهم من الأخيار الأبرار، وتأمن على نفسها فلها أن تذهب معهم، أو كانت في مكان ثم خافت على نفسها من لصوص وسراق وقطاع فلها أن تسافر مع قوم صالحين لتنتقل من هذا المكان أو ما في حكمه من باب الضرورات.

الوقفة الخامسة والعشرون: عدم استصحاب الكلب والجرس في السفر

الوقفة الخامسة والعشرون: عدم استصحاب الكلب والجرس في السفر وأما المسألة الخامسة والعشرون: فالنهي عن استصحاب الكلب والجرس في السفر: يقول عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود: {لا تصحبُ الملائكة رفقة فيهم كلبٌ ولا جرس} فهذان منهي عن استصحابهما في الأسفار، فما بالك بالذين يربون الكلاب ويغسلونها بالماء والصابون ويضعون الميداليات في نحورها، ثم يركبونها في المرتبة الأولى، وأهلهم في المرتبة الثانية، وهؤلاء هم الذين طبع الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم، فهذه طباع الكفار، وقد تنتقل هذه العادات بالمشابهة. يقول الأستاذ محمد قطب: نحن قوم مقلدون، لو وضع أحد الإنجليز حذاءه على رأسه؛ لأصبح في المشرق بعد ثلاثة أيام قوم يضعون أحذيتهم على رءوسهم، فيُخشى أن ينقلوا الكلاب ويغسلونها، ثم يستصحبونها في السفر، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن استصحاب الكلاب والجرس، وما في حكمه من النواقيس والأدوات وآلات اللهو والطرب والدف والمزمار والموسيقى، فهذه منهي عن استصحابها في الأسفار، وهذا هديه صلى الله عليه وسلم. وأعظم ما يذكر به السفر القدوم على الله عز وجل، فالمسلم يتذكر أنه بانتقاله من بلد إلى بلد، أنه مسافر إلى الله عز وجل، وأن هذه الدار لا قرار فيها، فقبحاً لها من دار، فإنها تنغص بقدر ما تسر، وكلما تم فيها شيء تنغص، ولا يرتفع فيها شيء إلا كان حقاً على الله عز وجل أن يضعه، فليس للعبد مستقر إلا في الجنة، فحيهلاً: فحيَّ على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهبٌ والمسك تربتها والزعفران حشيش نابتٌ فيها نسأل الله أن يعيننا وإياكم على سفرنا إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن يزودنا بزاد التقوى، وأن يجعلنا من المعتبرين المتذكرين المتفكرين، وأن يجعلنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من الذي اتبعوا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وأن يجعل هذا المجلس في ميزان حسناتنا، وأن يتقبل الله منا أحسن ما عملنا، ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أحب لأخيك ما تحب لنفسك

أحب لأخيك ما تحب لنفسك إن الدين الإسلامي مبنيٌ على المحبة والمؤاثرة، والحلم والصبر والعفو، ومكارم الأخلاق، واتباع رسول الهدى، وموافقته فيما جاء به وتقديره وتعظيمه ولزوم نهجة، والنبي صلى الله عليه وسلم يضرب لنا أروع الأمثلة في المحبة والمؤاثرة وفي الحلم والصبر ومكارم الأخلاق وفي الآداب، ويعلمنا آداب الشريعة الإسلامية وسماحتها ويسرها.

المآثرة والحب في الله

المآثرة والحب في الله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. معنا في هذا الدرس ثلاثة أحاديث للإمام الكبير الزاهد العابد المجاهد، الإمام البخاري رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله عن أمة محمد أفضل ما جزى عالماً مجاهداً زاهداً عابداً عن هذه الأمة الماجدة. الحديث الأول: يقول الإمام البخاري، ويتفنن في التبويب، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ثم قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعن الحسين المعلم قال: حدثنا قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}.

ترجمة سعيد بن المسيب

ترجمة سعيد بن المسيب قبل أن نبدأ في شرح الحديث معنا علم من الأعلام سوف يمر في الأسانيد، وهو يمر كثيراً في صحيح البخاري وفي كل كتب العلم، وهو أشهر من نار على علم، وكما تعودنا أن نأخذ نموذجاً فريداً من السلف الصالح سواء كان من الصحابة أم من التابعين، أم من القرن الثالث، لنستضيء بسيرتهم، ولنجدد حبهم في الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، علَّ الله أن يحشرنا في زمرتهم، صاحبنا في هذا الدرس هو سعيد بن المسيب وأبو محمد القرشي الزهري؛ عالم أهل المدينة، في قرن التابعين، أدرك كثيراً من الصحابة، وسمع خطبة عمر رضي الله عنه على المنبر وحفظها، أدركته بركة من الله؛ لأنه رضع ثدي أم المؤمنين أم سلمة، هو والحسن البصري، فأكسبه الله بهذه الرضعة الطيبة من تلك الأم الحنون الرءوم الماجدة الشريفة، فصاحة، وبراعة، وعلماً نافعاً، وعاش رضي الله عنه في زهد، وعفاف منقطع النظير، وطلب العلم فنافس الأقران وأصبح وحيد الدهر، في تلك الفترة، كان رضي الله عنه، يتحدث بنعمة الله عليه يقول: [[من أربعين سنة، ما فاتتني تكبيرة الإحرام في المسجد]]. ويقول: [[والله ما نظرت منذ أربعين سنة إلى قفا أحد إلا الإمام]] يعني: أنه دائماً في الروضة وراء الإمام، فلا ينظر إلى قفا أحدٍ، أي: أنه لم يصلِّ في مرة من المرات في الصف الثاني، ولذلك سئل: من حافظ على الصلوات الخمس أعابد هو؟ قال: [[من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة فقد ملأ البر والبحر من العبادة]]. وأما برنامجه اليومي فكان يصلي الفجر ويجلس في المسجد يسبح، وكان يلبس البياض دائماً، حتى أن من رآه يتذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ويذكر الله، وكان مخبتاًَ دائماً لا يرفع نظره، ولا ينظر إلى السماء من كثرة خشيته، حتى أن بعض الجواري يقلن لآبائهن: "مر بنا الأعمى اليوم" يقصدون: سعيد بن المسيب وليس بأعمى رضي الله عنه، لكن من كثرة خشوعه يظن الناس أنه أعمى، كان يجلس مستقبل القبلة حتى تطلع الشمس، ثم يصلي ما يسر الله له، ثم تنظم له حلقات العلم في المدينة، فيتهدر منه العلم كالبحر العجاج رضي الله عنه وأرضاه، فكان هو المفتي في الدولة الإسلامية، ثم يستمر إلى قرب صلاة الظهر فينام نومة في بيته، ثم يعود، والذي أثر عنه أنه صام الدهر إلا عيد الفطر وعيد الأضحى. وكان يستمر فإذا أتى وقت الإفطار ذهب إلى ابنته -وقد ماتت زوجته وهي بنت أبي هريرة - فيفطر عندها ثم يعود إلى المسجد فيصلي، ثم يصلي العشاء، ثم يقرأ ما تيسر له من أوراده وذكره قليلاً، ثم يقوم ويصلي إلى الفجر، ويتقطع صوته بالبكاء، واستمر على البكاء من خشية الله حتى ذهبت إحدى عينيه، ولذلك قال له أحد تلاميذه: [[لو خرجت إلى العقيق الوادي الجميل الأخضر، علَّ بصرك أن يثوب إليك -يعني: بصره في العين الأخرى أما تلك فقد ذهب ضوءها ونورها- قال: وأين لي بشهود العتمة، ومن يضمن لي صلاة بألف صلاة في غير مسجده صلى الله عليه وسلم، فرفض أن يخرج]]. وكان شديداً في ذات الله لا تأخذه لومة لائم أبداً [[حاول عبد الملك بن مروان خليفة الدولة الإسلامية وأمير المؤمنين في تلك الفترة، أن يبايع لابنه الوليد بيعة ثانية ويلزم المسلمين بها -كما تعرفون ذلك- فتوقف المسلمون جميعاً حتى يبايع سعيد بن المسيب؛ لأنه رجل الموقف، ورجل الساعة في تلك الفترة، قالوا: "إذا بايع سعيد فسوف نبايع كلنا" وتوقفت الأقطار على فتواه، وأتى الوزراء إلى سعيد بن المسيب فرفض وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا يبايع لخليفتين في وقت واحد} وحاول عبد الملك معه بشتى الوسائل، أعطاه المال فرفض، ومناه ورجاه فرفض أيما رفض، وفي الأخير أتاه والي المدينة فخيره بين ثلاثة خيارات: إما أن يخرج من المدينة حتى يبايع أهل المدينة؛ لأنهم لا يبايعون وهو موجود، وإما أن يلزم بيته فلا يخرج أبداً، وإما أن يدخل من باب ويخرج من الباب الثاني، ويتظاهر للناس أنه بايع ولا يبايع، قال: أما قولك أخرج لأعتمر أو أخرج من المدينة، فما كان لي أن أعتمر أو أدخل مكة بدون نية، وأما أن ألزم بيتي فوالله لا أترك شهود العتمة والصلاة في المسجد حتى يحال بين رأسي وجسدي، وأما أن أدخل من باب وأخرج من باب آخر فوالله لا أغر مسلماً أبداً. ثم حاولوا استدراجه فرفض، وجُلد رضي الله عنه ما يقارب مائة جلدة، وطيف به على بعير، وبكى أهل المدينة عن بكرة أبيهم على هذا الإمام العالم الزاهد العابد، وحاول أن يسترضيه عبد الملك قبلها، وكأن عبد الملك وجد في نفسه لأنه خطب ابنته العابدة الصوامة القوامة لابنه الوليد بن عبد الملك ولي عهد المسلمين والخليفة المنتظر، فرفض سعيد بن المسيب وحاول العلماء، ألا يرفض وقال: أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم أتريدون أن أدخل ابنتي بعد قيام الليل، وصيام النهار، وحفظ القرآن، على أبناء مروان، لا يكون هذا أبداً. وفي الأخير زوجَّها من فقير كان يدرس معه ماتت زوجته فسأله: لم تأخرت؟ قال: مرضت زوجتي ثم دفنتها وأتيت، قال: هل لك من دراهم؟ -قال: معي درهمان -وقيل: أربعة دراهم- قال: أتريد ابنتي؟ فدهش الرجل وما صدق وظن أن هذا من الأحلام!! زوجه رضي الله عنه من ابنته، فوجدها حافظة كحفظ أبيها، فقيهة كفقه أبيها، عابدة عبادة أبيها، زاهدة زهد أبيها، رضوان الله عليهم جميعاً]] من كلماته النيرة المشرقة: [[سئل في المسجد ماذا يقطع الصلاة؟ قال: يقطعها الفجور ويسترها التقوى]]. وقال رضي الله عنه: [[الناس في كنف الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فمن أراد أن يخرجه من كنفه سلط عليه المعصية]]. ومرت في كتب السير والتواريخ دعابة له رضي الله عنه: وذلك أن تاجرة عراقية أتت ببراقع؛ والبراقع: لباس يلبس في العراق، ولا يلبس في المدينة؛ لأن أهل الحجاز لا يعرفون ذلك، وظنت العراقية أنها سوف تكسب مالاً طائلاً فذهبت ببراقعها على بعير فنزلت في أهل المدينة، فما عرفوا ما هي السلعة هذه، فما شرت امرأة واحدة أبداً، وفي الأخير أرادت أن تعود إلى العراق بتجارتها، فعرضت لها امرأة فقالت: "إن كنتِ تريدين أن تبيعي تلك البراقع فتعرضي لأحد الشعراء ليمدح البراقع، فإنها سوف تباع في وقتها، فذهبت المرأة وأهدت إلى رجل هناك من أهل المدينة هديه، وهذا الرجل اسمه ابن عنين وهو شاعر، وقالت: امدح البراقع، فعرض بـ سعيد بن المسيب في قصيدته يقول:- قل للمليحة في الخمار الأسودِ ماذا فعلتِ بناسك متعبد (1) قد كان يمم للصلاة بوجهه حتى وقفت له بباب المسجد يقول إن لابسة الخمار فتنت حتى سعيد بن المسيب على عبادته وزهده وجلالته، فسمع سعيد بن المسيب، فاستغفر وتبسم وقال: [[والله ما كان من ذلك من شيء ولكن صدق الله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:224 - 226]]]. رضي الله عنه وأرضاه كان إذا تكلم بكلمة في غير ذكر الله استغفر مائة استغفارة، توفي رضي الله عنه بعد هذا العمر المديد، وهو من فقهاء المدينة السبعة، وممن يتقرب بحبهم إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، نسأل الله أن يحشرنا في زمرته، وفي زمرة الأخيار الأبرار من أصحاب محمد ومن التابعين لهم بإحسان.

ترجمة بعض رجال البخاري

ترجمة بعض رجال البخاري أما الحديث الأول، فيقول الإمام البخاري باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، هذا تبويب البخاري، مرة يقول: باب: إطعام الطعام من الإيمان، ومرة يقول: باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فيقدم مرة ويؤخر مرة، لجلالة الرجل وذكائه وتفننه. قال: حدثنا مسدد ومسدد هذا شيخ البخاري، مسدد كاسمه، يقول البخاري عنه: مسدد كاسمه، أي: أنه مسدد في كلامه وفي روايته رضي الله عنه، ولعلمكم أن رجال البخاري ومسلم كلهم نجوم يهتدى بهم، وعلماء أجلة وزهاد وعباد، وللعجيب أورد الذهبي والحفاظ اسمه فقالوا: مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مرعبل، هذا اسمه أي يروى كذا، لأنه أعجمي ولذلك لما سمع الفضل بن دكين هذه التسمية قال: هذه رقية العقرب. يعني: يكفي أن تقول: بسم الله ثم تقرأ هذه على ماء ثم تشرب ملعقتين في الصباح وفي المساء وترقيك من العقرب، هذا الفضل بن دكين تلميذه وشيخ البخاري أيضاً، وهو صاحب دعابة حتى ذكر عنه أنه طرق عليه طارق في البيت، فخرج الفضل من عند الباب فقال الفضل: من بالباب؟ قال: رجل من ذرية آدم، ففتح له وقال: الحمد لله ظننت أن ذرية آدم قد انتهوا وانقرضوا، وإذا بك لا زلت حياً. فـ مسدد هذا كاسمه، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان إذا أطلق فهو يطلق على ثلاثة، لكن في البخاري يحيى بن سعيد الأنصاري ويحيى بن سعيد القطان؛ هذا يحيى بن سعيد القطان كان سبب موته أن سمع قارئاً يقرأ في سورة الصافات، فسقط من على الجدار، من خشية الله عز وجل ومات في ذلك اليوم. عن شعبة بن الحجاج أبي بسطام الضخم الضخام راوية الإسلام عن قتادة بن دعامة السدوسي وهذا قتادة بن دعامة السدوسي، أحفظ عباد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، دخل على سعيد بن المسيب فقال: اسمع مني سورة البقرة فسمع منه سورة البقرة، فقال: والله ما أخطأ ولا لحن ولا أسقط حرفاً، فقال له سعيد بن المسيب: أنت أحفظ أهل الأرض. وقال ابن المبارك: [[إن كان غير الدهر حفظ أحد فما غير حفظ قتادة بن دعامة]] كان فيه تشيع يسير، وهو من العلماء الأجلاء. وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال: عن الحسين المعلم قال: حدثنا قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}. في هذا الحديث مسائل، ثم نتعرض إن شاء الله للتحليل اللفظي والشرح المفصل.

فضل محبة المؤمن لإخوانه

فضل محبة المؤمن لإخوانه أولاً: فيه حث على محبة المؤمن لإخوانه المؤمنين، وهذه تنقسم إلى شقين: الشق الأول: التخلي، والثاني: التحلي. والتخلي من الأخلاق السيئة التي تؤذي المؤمنين، ولذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في مسند الإمام أحمد أنه قال: {ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئٍ مسلم}. هذا الحديث العظيم دائماً ابن تيمية رحمه الله يعيد ويبدي في شرحه ويهتم به اهتماماً عظيماً، ونحن أحوج الناس اليوم إلى هذا الحديث، يقول صلى الله عليه وسلم: {ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: الإخلاص لله في العمل، ثم النصيحة لولاة أمور المسلمين، وملازمة جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط بمن وراءهم}. هذه الثلاثة لابد منها، وهي تسمى التخلي أي: التخلي عن الأخلاق السيئة.

واجبات المؤمنين على بعضهم البعض

واجبات المؤمنين على بعضهم البعض ثم يأتي التحلي ومن واجب المسلم على المسلم أمور كثيرة تربو على العشرين لكن مفاد هذا الحديث، ربما تجمع هذه الأمور في أربع مسائل وهي واجب المؤمن على المؤمن.

الواجب الأول: النصيحة

الواجب الأول: النصيحة إن من واجب المؤمن على أخيه المؤمن أن ينصح له، والذي لا ينصح للمسلمين ولا ينصح للمؤمنين، فهو خائن غاش، غادر لله ولرسوله وللمؤمنين، يحاسبه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على عمله السيء والخبيث، والذي يحمل ضغينة على المؤمنين، على أمر من أمور الدنيا، أو لأمر لا يتعلق بهذا الدين فمقصوده أن فيه شعبة من النفاق، نسأل الله السلامة، ولذلك يقول جرير بن عبد الله البجلي: {وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قبل أن أدخل المسجد يقول: سوف يقدم عليكم رجل من أهل اليمن، على وجهه مسحة ملك. -لأن جرير بن عبد الله من أجمل هذه الأمة وهو يوسف هذه الأمة، على يوسف السلام ورضي الله عن جرير - فلما وفد قال صلى الله عليه وسلم: يا جرير! ما ذُكر لي أحد إلا كان أقل مما ذكر لي إلا أنت، فكنت أرفع مما ذكر لي، فأخذه صلى الله عليه وسلم بيده إلى بيته عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم أجلسه فوضع له مخدة يجلس عليها فأتى جرير فرفض أن يجلس عليها تواضعاً لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فتعجب صلى الله عليه وسلم فوضع إصبعه في بطن جرير وقال: أشهد أنك من الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، مد يدك لأبايعك، فمد يده فبايعه صلى الله عليه وسلم على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، قال جرير: والله ما زلت أنصح لكل مسلم حتى ألقى الله}. ولذلك كان إذا بايع رجلاً، وانتهت البيعة يقول جرير: [[السلعة التي اشتريت منك أحب إليَّ من الدارهم التي دفعت إليك، وقد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، فإن تريدني أن أقيلها أقلتك]] حتى لا يغشه أبداً، وهكذا دائماً كلما بايع حتى لا يغشه أبداً، ولذلك وفقه الله وحفظه الله بهذه النصيحة، حتى لقي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وفي صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم}. وهذا حديث صحيح وهو أصل من أصول هذا الدين، وهو من الأربعين النووية، يجب أن يحفظ وأن يفهم، وأن يلاحظ وأن يهتم به، فإنه من أعظم الأحاديث على الإطلاق.

الواجب الثاني: التودد وألفة المسلمين

الواجب الثاني: التودد وألفة المسلمين الأمر الثاني الذي يجب أن يلاحظ: التودد والألفة للمؤمنين خاصة. يقول عليه الصلاة والسلام: {ألا أنبئكم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون}. يألفهم الناس ويألفون الناس، والمقصود بهم في الحديث: المؤمنون ليس إلَّا. المقصود به: المؤمنون الذين يألفهم المؤمن ويألفونه، أما المنافق فله أمر آخر، وكذلك الكافر، ولذلك يقول الله في سورة الأنفال ممتناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الأمة الإسلامية: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. ورد عند ابن جرير وغيره من المفسرين: أن الأوس والخزرج كانوا في مجلس من المجالس اجتمعوا فيه؛ والأوس والخزرج قبيلتان، مشهورتان، عظيمتان أزدتيتان، وهما الأنصار رضوان الله عليهم، كانوا في الجاهلية يتقاتلون، وبينهم يوم بعاث المشهور، فلما أسلموا ودخلوا في دين الله أفواجاً، فنسوا تلك الإحن، وتلك الأحقاد, وتلك الثورات، فلما اجتمعوا في مجلس من المجالس رآهم ابن شاس؛ رجل من اليهود عليهم لعائن الله، واليهود يغيظهم جمع المسلمين، ويغيظهم اجتماع كلمة المؤمنين، فقام ابن شاس هذا الرجل اليهودي، فأتى إلى الأنصار فجلس بينهم، وأخذ يذكرهم بأيام الجاهلية، أيام الحروب التي وقعت بينهم بعد أن اهتدوا والرسول عليه الصلاة والسلام موجود بينهم، وهو حي صلى الله عليه وسلم، وقد نزل عليهم القرآن، فأخذ يذكرهم فقام رجل منهم فقال: {نحن خير منكم يا أيها الأوس! قتلنا منكم يوم بعاث كذا وكذا، فقام الأوسي وقال: بل نحن قتلنا يوم كذا وكذا منكم كذا، وقال شاعرنا قيس بن الخطيب كذا، فقام الآخر وقال: حسان فيكم كذا، فقام رجل منهم وسل سيفه وقال: موعدكم الحرة -وهو من الأوس- أيها الخزرج! ثم تلبس الأوس بسيوفهم ورماحهم وخرجوا إلى الحرة الحرة؛ ظاهر المدينة، وخرج معهم الخزرج، -وهذا من ضعف البشر، طاشت العقول، ونسوا تعاليم الإسلام في تلك الفترة- وأتى الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته ومعه أبو بكر وعمر قالوا: يا رسول الله! أدرك الأوس والخزرج فإنهم مجتمعون في الحرة يريدون المبارزة والمقاتلة، وإن لم تدركهم فإنا نخشى أن ينهي بعضهم بعضاً، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول ابن عمر: والله لقد قام صلى الله عليه وسلم بلا حذاء من كثرة ما أتاه صلى الله عليه وسلم من الدهش والفزع على هذا الأمر العظيم، فأخذ صلى الله عليه وسلم برده ومشى. قال: وإنه مهرول هرولة، ووراءه أبو بكر وعمر وكثير من المهاجرين فأتى صلى الله عليه وسلم وإذا هم يحاججون وقد أصبحوا صفين: الأوس في صف، والخزرج في صف، وقد سلوا السيوف، وامتشقوا الرماح، فقام صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس! مالكم، ألست برسول الله؟ قالوا: بلى، قال: أتشهدون أن لا إله إلا الله؟ قالوا: بلى، قال: أتؤمنون باليوم الآخر؟ قالوا: بلى، فأخذ صلى الله عليه وسلم يسألهم بالله العظيم، أن يثوبوا إلى رشدهم ويتركوا أمر الجاهلية، ثم قال: مالكم أتفعلونه وأنا بين أظهركم، كيف لو مت؟! ثم ألقى عليهم صلى الله عليه وسلم موعظة فبدأ الأوس يلقون السيوف والرماح في الأرض وأخذوا يتباكون، فأمر صلى الله عليه وسلم أن يتعانق الناس فتعانق الأوس والخزرج معانقة عظيمة وقام صلى الله عليه وسلم وسطهم وهو يبكي عليه الصلاة والسلام}. وهذا سبب الآية على الراجح عند الجمهور، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103]. ثم أمرهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بأن يذكروا هذه النعمة بعد أن كانوا متحاسدين، ومتحاقدين، ومتقاتلين، ومتباغضين. فرجعوا إلى المدينة والرسول صلى الله عليه وسلم معهم، وقام عليه الصلاة والسلام فألقى خطبة على المنبر ودعا بقية الأوس والخزرج وأخبرهم بهذه النعمة، فعاد الإخاء، وهذه حكمة من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ليجدد للقلوب وليرد للأرواح ما فقدته في بعض الأوقات التي يضعف فيها البشر.

واجب المؤمن على المؤمن

واجب المؤمن على المؤمن ومن واجب المؤمن على المؤمن العفو والصفح، وهو الذي يحتمله الحديث، بل احتماله أولياً، ودخوله دخولاً أولياً في الحديث، ولذلك يقول الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]. وهذه من أعظم الآيات في الأخلاق، ومن أراد أن يتعلم الأخلاق، فليفهم هذه الآية وليعيها، وليعمل بمقتضى هذه الآية.

صور من العفو في عصر السلف الصالح

صور من العفو في عصر السلف الصالح يقول ابن عباس رضي الله عنه: [[كان أهل القرآن خَاصَة عمر ومستشاريه صغاراً كانوا أو كباراً، وكان منهم الحر بن قيس؛ كان شاباً ويقربه عمر رضي الله عنه وأتى ابن عم للحر بن قيس؛ وهو شيخ قبيلتهم، فقال للحر بن قيس: إنك قريب عند هذا الأمير -يقصد عمر - فاستأذن لي عنده غداً لأكلمه، فأتى الحر بن قيس فاستأذن على عمر رضي الله عنه، فأذن عمر لذاك الرجل، فلما دخل قال: مهلاً يا عمر! والله ما تحكم فينا بالعدل ولا تعطينا الجزل، فغضب عمر وحمل درته وأراد أن يبطش بهذا الرجل الذي أساء الأدب معه رضي الله عنه، فقال الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين! إن هذا من الجاهلين والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]. فقال عمر: قد كظمت وعفوت وأحسنت، قال ابن عباس: رضي الله عن عمر، كان وقافاً عند كتاب الله عز وجل]]. وسطر السلف الصالح من مواقف العفو والصفح أعظم الصور الرائعة التي حفظها الدهر، ولذلك يروى عن عمر بن عبد العزيز أنه خرج رضي عنه وهو خليفة للمسلمين في وسط الليل، يريد أن يصلي في مسجد بني أمية الجامع في دمشق، وكان يخرج وحده في الليل يتفقد أمور الناس، وربما صلى في المسجد، وربما زار المقبرة، وكان هو الخليفة الوحيد في تلك الفترة خليفة المسلمين رضي الله عنه من المغرب إلى نهر السند شرقاً، [[فلما خرج ودخل المسجد في الظلام وطأ برجله أحد النوام، فقال: من هذا الحمار الذي وطأني؟ فقال عمر بن عبد العزيز: أنا عمر بن عبد العزيز ولست بحمار، ثم صلى رضي الله عنه، وانصرف]]. فيقول العلماء: "إنها من حسناته الفريدة التي يرى أنها قليلة لا يلتفت إليها بل هي من أعظم الحسنات؛ لأن أهل السلطان يغضبون على أي شيء، وأما هذا فرضي الله عنه، ما غضب" ولذلك يقولون: إنه من سلالة عمر رضي عنه وهم دائماً من أشد الناس في الحق، لكنهم من أعظم الناس عفواً عما يصلهم، أو ما يخص ذوات أنفسهم رضي الله عنهم. [[وكان سالم بن عبد الله رضي الله عنه يطوف، فزاحمه رجل من أهل العراق، فكأن سالماً زاحم الرجل فالتفت إليه العراقي، فقال: والله إني لأظنك شيخ سوء، فقال سالم: ما عرفني إلا أنت، ثم انصرف من الطواف رضي الله عنه وأرضاه]]. وسالم هذا من الذين يتقرب بحبهم إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لزهده وجلالته، ولكن العفو والصفح يأتي إما بجبلة، أو تعلم، وهو موهبة من الله عز وجل، أو اكتساب يكتسبها الإنسان بالدربة، وبالعلم، وبالرياضة، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم لـ أشج بن عبد القيس: {لديك خصلتان يحبهما الله: الحلم والأناة، فقال أجَبلني الله بهما أم تخلقت عليهما؟ قال: بل جبلك الله عليهما، قال: الحمد الله الذي وفقني لخلق، أو جبلني على خلق يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم}. ومن أحلم الناس وأعظمهم حلماً: قيس بن عاصم المنقري وقد تعرضنا له بشيء من الإيجاز، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ قيس بن عاصم المنقري: {أنت سيد أهل الوبر}. هذا سيد بني تميم وشيخهم، كان من أحلم الناس بل ضرب في الحلم والصفح أروع الأمثلة، حتى أنه ما كان يغضب أبداً. قيل للأحنف بن قيس: [[ممن تعلمت الحلم؟ قال: تعلمت الحلم من قيس بن عاصم المنقري، قالوا: بماذا؟ قال: كنا جلوساً عنده ذات يوم وكان محتبياً بثوب وهو جالس القرفصاء، فأتى ولد له فقال: يا أبتاه! قتل أخي، قتل أخي قال: من قتله؟ قال ابن فلانة -امرأة ربعية سكنت عندهم وحلت ورضعت معهم وكان معها ولد فقتل ولدها ولد قيس بن عاصم أي: أسقط عليه حجراً فقتله- قال الأحنف بن قيس: فوالله ما حل قيس بن عاصم حبوته، ولا تحرك، ولا تغير وجهه، ولا قطع حديثه، قال: فلما انتهى من الحديث قال: جهزوه، وغسلوه، وأتوني به أصلي عليه وأودعه، وخذوا مائة ناقة -لأنه كان غنياً ثرياً- وخذوا مائة ناقة واعطوها ذاك الولد لئلا يخاف ذاك الولد القاتل، وسلّوا أمه وعزوا أمه؛ لئلا تظن أنا نريد بها شراً، وعفىا الله عما سلف، قال الأحنف بن قيس: فمن ذلك تعلمت الحلم]]. وكذلك كأن الأحنف بن قيس هو سيد، بعد قيس بن عاصم وقيس بن عاصم هو الذي سارت بذكره الركبان يقول: عقد له البخاري باباً في الأدب المفرد وأخذ وصاياه العلماء بل حتى المحدثون جعلوه في كتبهم ولذلك يقول الأول: عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما تحية من ألبسته منك نعمةً إذا زار عن شحط بلادك سلما وما كان قيس موته موت واحد ولكنه بنيانُ قوم تهدما تولى الأحنف بن قيس بعده ولاية بني تميم، فجلسوا في مجلس يسمرون، فقال رجل منهم: [[هل رأيتهم الأحنف غضب في يوم من الأيام؟ قالوا: والله ما رأيناه قد غضب في يوم من الأيام، فقال: فما لي إن أغضبته؟ فأعطوه شيئاً من المال، فدعا رجلاً سفيهاً من سفهاء بني تميم، وقال: خذ هذه الجائزة -ما أدري كم من الدنانير والدراهم وهي في عيون الأخبار والعقد، وغيرها من كتب الأدب والتاريخ- قال: خذ هذه الجائزة واذهب إلى الأحنف بن قيس ولا تكلمه، وإنما الطمه على وجهه، فإذا قال لك: مالك؟ فقل: إني سمعت أنك تتعرض لي وتسبني وتغتابني، فذهب وإذا الأحنف بن قيس جالس في مجلس بني تميم فتعرض له ذاك السفيه فضربه على وجهه، فقال له الأحنف: مالك؟ قال: سمعت أنك تعرضت لي وسببتني وشتمتني، قال: من أخبرك؟ قال: أخبرني فلان بن فلان، قال: ماذا قال؟ قال اذهب إلى سيد بني تميم فلان فاضربه، فقال الأحنف: أنا ليس بسيد بني تميم، إن سيد بني تميم جارية بن قدامة -سيد آخر لكنه يغضب من الريح إذا مرت- فذهب إليه وهو في مجلس آخر، فانطلق هذا السفيه، ثم أتى جارية بن قدامة فضربه على وجهه، فقام جارية بن قدامة ومعه سيفه فضرب يد الرجل فأنزلها في الأرض]]. وهذه مشهورة عن جارية بن قدامة؛ لأنه من أحد الناس، ومن أغضب الناس. هذا نموذج للحلم أو الصفح الذي تمثل به أهل الجاهلية في جاهليتهم وزاده الإسلام قوة ومتانة، ولذلك أحلم الناس وأعظمهم عفواً هو رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. {دخل أبو سفيان بن حرب بعد تلك الأفاعيل والأيام السوداء، بعد أن أخرج الرسول صلى الله عليه وسلم، وحارب الرسول صلى الله عليه وسلم، وقاتله وباع أملاكه، في مكة دخل يوم الحديبية مستسلماً، فلما دخل أخذ عمر يطارده في الخيام، وكانت المعسكرات في الحديبية، والرسول صلى الله عليه وسلم قد وزع الجيش أربعة أقسام، فأخذ أبو سفيان يكر على بغلة الرسول صلى الله عليه وسلم مع العباس وعمر وراءه بالسيف ويقول: هذا أبو سفيان لا نجوت إن نجا، حتى دخل أبو سفيان في خيمة الرسول صلى الله عليه وسلم، فتكلم أبو سفيان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! فعلتُ وفعلتُ فاعف عني. قال: فقد عفوت, وحلمت، وقد صفحت، فدمعت عينا أبي سفيان وقال: لا إله إلا الله ما أرحمك، ولا إله إلا الله ما أبرك، ولا إله إلا الله ما أوصلك}. ولذلك لما دخل صلى الله عليه وسلم مكة -كما ثبت في أحاديث صحيحة- وقد كان أبو سفيان بن الحارث ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ذلك ما ترك قصيدة عصماء يهجو بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا نثرها في العرب، حتى أن الناس من المشركين أخذوا يهجون الرسول صلى الله عليه وسلم بشعر أبي سفيان بن الحارث ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كفى هذا، بل نازل وصرف ماله في حرب الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة ونصره الله ورفع الله رايته، وأعزه وهزم الأحزاب وحده {أتى أبو سفيان بن الحارث فجمع أربعة أطفال له ما بلغوا سن التمييز وخرج بهم يريد الصحراء فلقيه علي بن أبي طالب، وهو من بني عمومته، فقال: يا أبا سفيان إلى أين تذهب؟ قال: أذهب بأبنائي إلى الصحراء فأموت جوعاً وعطشاً، والله لئن أدركني محمد ليقطعني إرباً إرباً، فقال علي: أخطأت يا أبا سفيان! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحلم الناس، ومن أبر الناس، ومن أوصلهم، فعد إليه، وقل له كما قال إخوة يوسف ليوسف {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91] فعاد أبو سفيان بأطفاله، ووقف على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم على رأسه ما يقارب اثني عشر ألفاً من الأنصار ومن قبائل العرب والمسلمين مسلحين، فقال: يا رسول الله! السلام عليك، تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين، فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم عينيه ودمع صلى الله عليه وسلم وقال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فنسي كل ما مر به عليه الصلاة والسلام}. وفي ذاك اليوم وقف صلى الله عليه وسلم، وأخذ بباب الكعبة وتكلم للناس ثم قال لقريش وقد أخذ السلاح من أيديهم: {ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء}. أي: مسامحين معفو عنكم من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هذا عفوه صلى الله عليه وسلم وسماحته، وهذه قضايا الحديث. وبقيت قضايا لفظية في هذا الحديث منها: قوله صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم}. ورد في لفظ: {لا يؤمن أحد} بدون الإضافة، وورد: {لا يؤمن عبد} وورد: {لا يؤمن مسلم}. وأشملها: {لا يؤمن أحد} وهو أعمها في اللفظ، وأكثرها فائدة، ومعنى: {لا يؤمن} أي: الإيمان الكامل، أما أصل الإيمان فقد يحصل بدون أن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه لكنه إيمان ضعيف، وإيمان ليس في تلك القوة التي يريدها الرسول صلى الله عليه وسلم. {حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} قال كثير من العلماء منهم النووي والقرطبي: "أن يحب لنفسه من خير الدنيا والآخرة". ولذلك يورد ابن القيم في الوابل الصيب مسألة في الإيثار بالقربات: هل لنا أن نؤثر بالقربات؟ يعني: لك إذا رأيت مسلماً في الصف الثاني أن تترك الصف الثاني أنت وتتأخر وتقدمه مكانك، أو أتيت يوم الجمعة متقدماً وجلست في مكان، ثم أتى رجل متأخر من المسلمين، هل لك أن تجلسه مكانك وتعود؟ والذي يميل إليه ابن القيم وبعض العلماء: أن هذا وارد وأنه جائز ومشروع، وأن الله يثيبك على الإيثار في القربات. ورأى بعض العلماء: أن هذا لا ينبغي وأن الإيثار يكون في أمور الدنيا في الأكل، والشرب، واللباس، وفي مجالس الدنيا، أما في القربات التي يقصد بها التقرب إلى الله فلا يُؤثر بها. هذه المسألة: الراجح فيها ما ذهب إليه ابن القيم، وهو جيد في بابه فإن الله سبحانه يثيب ويعطي على مقدار ما جعلت أنت وما تنازلت عنه من الأحقية ومن الثواب الذي آثرت به غيرك؛ لأنه لا يوجد في النصوص ما يعارض ذلك أبداً، بل قد آثر كثير من الصحابة رضوان الله عليهم بعضهم، فـ عمر رضي الله عنه يقولون: [[أنه آثر أبا بكر في الصلاة في بعض المواقف، وتأخر قبل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وآثره بالخلافة]] وآثر بعضهم بعضاً بالقيادة، والإمامة، وآثار بعضهم بعضاً بالمجالس، وصدور المجالس، والصفوف الأول، هذا هو الوارد، وكأنه الصحيح والله أعلم، والمسألة سهلة لا تقتضي هذا الخلاف. أما قوله صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} فمعناه: أن من لم يحب لأ

لوازم حب الرسول صلى الله عليه وسلم

لوازم حب الرسول صلى الله عليه وسلم هذان الحديثان فيهما قضايا، أما الحديث الأول: ففيه القضية الأولى: لوازم حب الرسول صلى الله عليه وسلم، وما هي لوازم حب الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال العلماء: "لوازم حب الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة لوازم: أولاً: طاعته عليه أفضل الصلاة والسلام -وهي اللازم الأول من القضية الأولى- طاعته عليه أفضل الصلاة والسلام بما أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر، وتصديقه فيما أخبر، وهذه من أصول أهل السنة والجماعة. الأمر الثاني: كثرة الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام، فإنها من حقوقه المتوجبة على المسلمين، وهذه من لوازم الحب. الأمر الثالث: توقيره وتقديره عليه الصلاة والسلام. الأمر الرابع: تقديم قوله على قول غيره، وسوف أبسطها إن شاء الله.

طاعته صلى الله عليه وسلم

طاعته صلى الله عليه وسلم أما اللازم الأول: فهي طاعته، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] ولذلك يقول ابن القيم: "أوصد الله أبواب الجنة إلا من طريق محمد صلى الله عليه وسلم، فحرام أن يدخل الداخل من أمته الجنة إلا من طريقه، فالذي لا يأتي من طريقه، فليس بداخل أبداً والجنة عليه حرام". ولذلك من أراد أن يهتدي بغير هداه، فقد ضل سواء السبيل، وكثير من الناس تجدونهم في تراجم بعض أهل المعارف، والذين يدعون علم الفلسفة والزندقة، وعلم المنطق، وعلم الكلام الذين أعرضوا عن منهجه وعن سنته صلى الله عليه وسلم، والذين ادعوا الاهتداء وقالوا: نهتدي بغير هذا، فأضلهم الله. وكم أكرر هذه الكلمة لجودتها ولقوتها؛ ولأنها كلمة حارة يتعظ بها من شاء الله أن يتعظ وهي قول شيخ الإسلام في مختصر الفتاوى: "من ظن أنه يهتدي أو من اعتقد أنه سوف يهتدي بغير كتاب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وبغير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". لازم الحب الطاعة، والذي اعتقد محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم لا يعتقد طاعته فليس بصادق في محبته. تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كنت حقاً صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع هذا من كلام ابن المبارك رضي الله عنه، ولذلك كذَّب الله مقالة اليهود، يقول تبارك وتعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:18] فقال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} [المائدة:18]. قال أبو سعيد الخراز: "ائتوني بكلام من القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه فسكت الناس، قال: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} [المائدة:18] " فمفهوم الآية بالمخالفة، أن الحبيب لا يعذب حبيبه، السبب في ذلك: أنهم كانوا يقولون: نحب الله عز وجل -وهذا التلازم بين الآيتين، بين آية آل عمران وآية المائدة- فيقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] لأن اليهود والنصارى يقولون نحب الله لكن لا نتبع محمداً صلى الله عليه وسلم، فكذب الله مقالتهم ورد بدعتهم وفريتهم، وأدحض حجتهم وقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] وإذا رأيت الإنسان يقول: أنا أحب الرسول صلى الله عليه وسلم ثم لم يتقيد بالسنة، ولم تظهر عليه معالم السنة فلا تقبل قوله، وكذبه في الحال؛ لأنه لم يطع الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا لعدم حبه له.

كثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم

كثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وأما كثرة الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام فهذا أمر واجب في بعض المواقف، ومسنون في مواقف، فأما وجوبه ففي التشهد الأول في الصحيح وفي التشهد الثاني على الصحيح وهو قول طائفة من أهل العلم، منهم: القاضي عياض الأندلسي، ورجحه كثير من محققي العصر كـ الألباني، وفي أحاديث صحيحه، في التشهد الثاني، تدل على أنه واجب. وأما المسنون فهو ما سوى ذلك كخطب الجمعة، وبعضهم أوجبها كما في رواية عن الحنابلة، وكالمناسبات التي ذكرها ابن القيم وهي خمس وثلاثون مناسبة ذكرها في جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام صلى الله عليه وسلم. وورد في الترمذي أن أبي بن كعب سيد القراء قال: {يا رسول الله! كم أجعل لك من صلاتي؟ -أي: من دعائي- قال: ما شئت، قال: أجعل لك الثلث؟ قال: ما شئت وإن زدت فأحسن، قال: الثلثين؟ قال: ما شئت وإن زدت فأحسن، قال: أجعل لك دعائي كله، فقال صلى الله عليه وسلم: إذاً يغفر ذنبك وتكفى همك} فكان أُبيّ رضي الله عنه يجعل الدعاء، الذي يدعو به لنفسه ولأهله ولأولاده يجعله خالصاً كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك كفاه الله همه وغفر الله له ذنبه بهذا العمل العظيم، الذي قدمه للرسول صلى الله عليه وسلم، وبلغ الجهد ببعض علماء الإسلام، أنهم كان يصلون على الرسول صلى الله عليه وسلم، في اليوم مئات المرات، وقرأت لـ محمد الحامد، علامة حماة، الشامي المجاهد الكبير، أنه كان يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم ألف مرة، لا تفوته أبداً، وفاتته مرة لما تعالج فقضاها في الليل ولما انتهى من ورده مات رحمه الله رحمة واسعة، ولذلك يقول علي رضي الله عنه: [[والله لولا ما ذكر الله ورسوله في فضل التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد، لجعلت كل أنفاسي صلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم]]. فالأروع والأجزل في حياة المسلم أن يكثر دائماً وأبداً من الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم. وذكر ابن القيم المواضع التي يصلى ويسلم عليه صلى الله عليه وسلم فيها، منها: دخول المسجد والخروج منه، والتشهد، ورؤية المساجد، ودخول الأسواق، ودخول البيت والخروج من البيت، ونسيان الحاجة، وفي وقت الفقر، وفي البداية في العلم، وفي البداية في الخطب، والانتهاء من مجالس العلم، وفي لقاء الإخوان والأحباب، وفي موادعتهم ومفارقتهم، وفي مدارسة الحديث النبوي، وعند تذكره صلى الله عليه وسلم، وعند ذكر أصحابه، وعند ذكر شيء من مآثره، وعند دخول المدينة، وعند المرور على قبره صلى الله عليه وسلم إلى تلك المواضع العظيمة، التي من حفظها وحافظ عليها أجزل الله مثوبته، ورفع درجته، وكثر أجره، فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يعطي العطاء الجم، خاصة إذا كان المحب عظيماً عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو الذي أوصل لنا الهداية، وعرفنا بربه تبارك وتعالى، ونصحنا أجل النصيحة، وأرشدنا أعظم الإرشاد، وهدانا أكمل الهداية فعليه أفضل الصلاة والسلام، دائماً وأبداً ما ذكره الذاكرون وغفل عنه الغافلون.

توقيره وتقديره عليه الصلاة والسلام

توقيره وتقديره عليه الصلاة والسلام أما اللازم الثالث من لوازم حبه صلى الله عليه وسلم هو: توقيره وتقديره، فأهل السبق في ذلك وأهل القدح المعلى هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بل بلغوا من الروعة والتقدير والإجلال، ما لم يبلغه أصحاب نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ورضي الله عنهم مما يؤثر عن أبي بكر أنه لما تولى الخلافة، كان يسمى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، [[فكان كلما سمع رجلاً يقول: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم! بكى؛ لأنه يتذكر الرسول صلى الله عليه وسلم]] وأُثر: [[أنه لما حج مر بامرأة من أهل يحمس في منى، وكانت في خيمة فلما رأته قالت: من أنت؟ قال: أنا أبو بكر، فقالت: السلام عليك يا خليفة رسول الله! فبكى رضي الله عنه بين الصحابة]] والسبب في البكاء، قالوا: لأنها ذكرته بالرسول صلى الله عليه وسلم. ويؤثر عنه كما في كتاب المسند للإمام أحمد: {أنه كان إذا رقى المنبر يوم الجمعة، وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم يبكي رضي الله عنه، وربما يكاد يغشى عليه، حتى قال يوم تكلم: سمعت رسول الله العام الأول فبكى، ثم جعل وجهه على المنبر رضي الله عنه، ثم رفع رأسه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم العام الأول فبكى، ثم رفع رأسه، ثم قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم العام الأول يقول: أيها الناس! اسألوا الله العفو والعافية، فما أوتي مسلم بعد اليقين أحب من العفو والعافية -أو خير من العفو والعافية-}.

نماذج من محبة الرسول وطاعته

نماذج من محبة الرسول وطاعته فـ أبو بكر من أكثر الناس إجلالاً للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا لازم الحب، وبعد عرض هذه النماذج، أذكر ماذا ينبغي، وما يجب علينا أن نفعله في هذا الباب، ومن أحسن ما ألف في ذلك الجانب، دلائل النبوة للعلامة البيهقي، وكتاب الشفاء للقاضي عياض، وسوف أذكر منه نماذج إن شاء الله، أما عمر رضي الله عنه فقد ورد عنه في السيرة وفي التراجم: أنه خرج يوم الجمعة رضي الله عنه وأرضاه يصلي بالناس فلبس بردته البيضاء، فلما مر بميزاب العباس بن عبد المطلب؛ وذاك الميزاب كان يقطر بماء فيه دم؛ لأن العباس ذبح دجاجاً فوق السطح فأخذ هذا الميزاب يقطر الدم والماء، فوقع على بردة عمر وهو يريد الصلاة، فاقتلع الميزاب بدرته رضي الله عنه، فأوقعه في الأرض، ثم عاد فغير ثيابه، فصلى بالناس فلما خرج العباس قال: من أزال الميزاب؟ فقال عمر: أنا أزلته، لماذا تؤذي الناس بهذا؟ قال العباس: والله الذي لا إله إلا هو ما وضعه في ذاك المكان إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فبكى عمر وهو واقف مع الصحابة وقال: والله لا يعيده إلا أنت، والله لا تعيده إلا بعد أن تصعد على ظهري، فجلس رضي الله عنه والناس وقوف بعد صلاة الجمعة فجلس عمر على الأرض كالمحتبي ثم قام على أكتافه العباس فرد الميزاب إلى مكانه؛ إجلالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو الذي وضع ذلك الميزاب مكانه. هذا وارد عن عمر رضي الله عنه، وهذا شيء بسيط في جانب التوقير والتقدير من الصحابة والتابعين للرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا عبد الله بن رواحة رضي الله عنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: {اجلسوا -وهو في الشمس في الطريق- فجلس مكانه، فمر به صحابي فقال: مالك يا ابن رواحة؟ قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: اجلسوا، فما كان لي أن أخطو خطوة فجلست مكاني، فجلس في الطريق وفي الشمس امتثالاً لأمره عليه الصلاة والسلام} وهذا هو المطلوب منا، هذه العقيدة، وأي عقيدة وإيمان وإسلام ليس فيه هذا الامتثال ولا هذا التوقير، ولا هذا التقدير فليست بعقيدة وليس بمقبول أبداً. والمذكور عن سعيد بن المسيب وهو الرجل الذي مر معنا رضي الله عنه وأرضاه أنه كان في مرض الموت، فلما حضر الموت، سأله سائل عن معنى حديث، فقال: اسندوني، فقالوا يشق عليك ذلك، فقال: والله لا يسأل عن حديث من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع والله لا بد من إسنادي فأسندوه، ثم قال: أضجعوني فأضجعوه فتوفي رضي الله عنه. كل ذلك احتراماً للرسول صلى الله عليه وسلم أن يذكر حديثه وهو مضطجع، بل أسندوه توقيراً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وكان ابن المبارك يمشي فسئل عن حديث، فقال: [[لا أجيب على الحديث؛ لأن من توقير الرسول صلى الله عليه وسلم وتقديره وتعظيمه وتبجليه، ألا نجيب عن حديثه ونحن نمشي]] هذا كله في جانب الإجلال. وأورد ابن تيمية في فتاويه لما تعرض لجانب الرسول صلى الله عليه وسلم نماذج كثيرة من إجلال التابعين والسلف الصالح للرسول صلى الله عليه وسلم. وذكر لـ جعفر بن محمد الصادق من ذرية علي رضي الله عنه: أنه كان إذا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم تغير وجهه واحمر حتى يشق على أصحابه، فيقولون مالك؟ قال: أيذكر عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أتغير. كل ذلك إجلالاً له صلى الله عليه وسلم، والإمام مالك من أكثر الناس توقيراً له صلى الله عليه وسلم وتقديراً، حتى أنه حلف وأقسم بالله لا يركب دابة في المدينة أبداً، يقول: مدينة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفون، لا أركب دابة أبداً، وكان إذا قرب من المسجد يرفع حذاءه ويمشي حافياً، وكثير من العلماء إذا هبطوا في المدينة أو نزلوا المدينة، رفعوا الأحذية من أقدامهم ومشوا حفاة ومنهم بعض المحدثين: كـ ابن إدريس العراقي كان يبكي إذا نزل المدينة ويقول: أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا كله من أجل الرسول صلى الله عليه وسلم. قال ابن المبارك رحمه الله: دخلت المدينة، فوجدت مالكاً مكثور عليه، قال: فأتيت فجلست في حلقته وهو يقرأ في الموطأ، قال: فتغير وجهه ثلاث عشرة مرة، يحمر ثم يعود ثم يحمر ثم يعود، فلما انتهى من درسه قلت: ما لك يا أبا عبد الله؟ قال: انظر لدغتني عقرب ثلاث عشرة مرة، ثم رفع ثوبه فرأيت اللدغة في رجله رضي الله عنه، قلت: مالك ما قطعت الحديث؟ قال: أقطع حديث حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل نفسي لا والله!! قال: ثم تفل في يده وقرأ الفاتحة ومسح رجله فكأن ما به شيء رضي عنه وأرضاه. ويؤثر عن الإمام مالك أنه كان يرى الرسول صلى الله عليه وسلم كل ليلة إلا ليلة واحدة؛ لكثرة توقير الإمام مالك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتبجيله له صلى الله عليه وسلم. ومن حسنات معاوية بن أبي سفيان، وهو كما تعرفون خال المؤمنين، وكاتب وحي الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه لما حضرته الوفاة، قال: [[أيها الناس! ما عندي من العمل والله ما أعتد به عند الله، إلا شهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا أنا مت فخذوا أظفار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشيء من شعره في ديواني -مكان الخليفة- واجعلوها في أنفي واجعلوها في عيني علَّ الله أن يرحمني بها، ففعلوا ذلك]]. فنسأل الله أن يرحمه بذلك وأن يرضى عنه، وهذه من حسناته العظيمة التي يعتد بها عند الله عز وجل. وعمر رضي الله عنه كان في الحج يطوف، فلما انتهى من طوافه أتاه أعرابي فقال: يا أبا حفص! هل لي أن أسعى قبل أن أطوف؟ قال: لا. طف ثم اسع، وكان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الأعرابي -وهو لا يعرف شيئاً يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنهم: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة:97]- قال: والله لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاب بمثل ما أجبتني، قال عمر: خررت من يديك قاتلك الله، تستفتني وقد أفتاك الرسول صلى الله عليه وسلم. ولذلك في هذا الجانب قد يعذر الجاهل، لكن العالم، أو طالب العلم، أو من عنده شيء من فهم وإيمان فإنه لا يعذر أبداً، لمصادمة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع آراء غيره من الناس مهما بلغوا أبداً، فإنه لا ينبغي ولا يجوز، وليس بوارد أن تعارض بين رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بين قوله، وبين حكم أحد من الناس، مهما كان، ولذلك يقول العالم الأول المحدث: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فلان وهذا من كلام ابن القيم. وقال غيره: العلم ما قيل فيه قال حدثنا وما سوى ذاك وسواس الشياطين فالعلم هو المأخوذ والمستفاد والمستنبط من كتاب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يأتي في الفقرة الثانية، ولكن قدمته لقصة عمر ولا غرو أن يفعله الأعراب فإنهم فعلوا أعجب من ذلك مع الرسول صلى الله عليه وسلم: {أتى أعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! ماذا في الجنة؟ قال: فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال: يا رسول الله! إني أحب النوق -الإبل- فهل يجعل الله لي نوقاً في الجنة؟ قال: نعم. ما بذلت ناقة في سبيل الله إلا بسبعمائة ناقة في الجنة، فالتفت إلى الأنصار فقال: يا رسول الله! إن الأنصار يحبون زراعة النخل، أينبت الله لهم نخلاً وزراعة في الجنة؟ فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: أي نعم. قال: يا رسول! ماذا تخاف عليَّ؟ قال: أخاف عليك من فتنة المسيح الدجال، قال: وما هذا المسيح الدجال؟ قال صلى الله عليه وسلم: رجل أعور يضلل الناس، يعطيهم طعاماً ويوكلهم، وله جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار، قال: ما طعامه يا رسول الله؟ قال: طعامه الثريد؛ -الخبز باللحم- قال الأعرابي: والله لآكلن حتى أتضلع من طعامه، ثم لأكفرن به وأصدق بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فتبسم صلى الله عليه وسلم، والتفت إلى أصحابه من جرأة هذا الأعرابي} ولذلك كانوا مباشرة يردون على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو جالس، فيقول الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. أتاه أعرابي فقال صلى الله عليه وسلم: {ماذا تقول في الصلاة بعد التحيات؟ قال: أقول اللهم اغفر لي وارحمني وأسأل الله الجنة وأستعيذ من النار، أما دندنتك ودندنة معاذ فما أحسنها}. لأن معاذاً كان إماماً في ناحية من نواحي المدينة، وكان صلى الله عليه وسلم إماماً في المدينة، فيقول: كثرة الدعاء الذي تأتي به أنت ومعاذ أنا لا أعرفه، ولا أعرف إلا هذا، فقال صلى الله عليه وسلم: {ما تركت شيئاً من الخير} أو كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام. فهؤلاء يعذرون في جانب الجهل، ولذلك كما قال صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود: {من بدا جفا} أي: من ظهر ومن لم يساكن الناس ويخالط الأخيار والأبرار ويزورهم أتاه الجفاء، ولذلك في كتاب الإمام البخاري كتاب الأدب المفرد وسنده حسن يقول صلى الله عليه وسلم: {يا ثوبان! لا تسكن الكفور، فساكن الكفور كساكن القبور} قال الإمام أحمد: "الكفور: القرى والبوادي". ولذلك تجدهم من أقل الناس علماً، وفهماً، واستنباطاً، فالمقصود: أن من سكن في قرية فعليه أن يوجههم، وأن يعلمهم، وأن يرشدهم فإنهم من أقل الناس علماً، ومن أقلهم هداية ونوراً وبصيرةً، بخلاف أهل المدن، فإن فيهم الأخيار والأبرار وطلبة العلم، والدعاة المؤمنين، فنسأل الله أن يحشرنا في زمرة الصالحين.

تقديم قوله صلى الله عليه وسلم على قول غيره

تقديم قوله صلى الله عليه وسلم على قول غيره الأمر الرابع من لوازم الحب: تقديم قوله صلى الله عليه وسلم على قول غيره، ثبت في صحيح مسلم وفي غيره من كتب الحديث: {أن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله -وفي لفظ: لا تمنعوا النساء المساجد، وفي لفظ وهو لفظ الصحيح: إذا استأذنت امرأة أحدكم لتصلي في المسجد فلا يمنعها- فقام ولده بلال وكان عنده زوجة وقال: والله لنمنعهن أن يتخذن المساجد دخلاً -الدخل أي: المفسدة، أو كما قال- فغضب ابن عمر فسبه وجدعه وشتمه وقال: والله لا أكلمك فترة الحياة، أو قال: لا أكلمك حتى ألقى الله، فاستمر ابن عمر هكذا حتى تدخل كثير من الصحابة، ومن أولاد الصحابة عله يراضي ابنه، أو يعود إلى ابنه، فرفض أبداً، حتى أنه في مرض الموت رضي الله عنه، أتاه ابنه بلال وهو صالح، وفيه خير لكن زلت منه تلك البادرة السيئة فكان يسترضي أباه، فكلما أتى أباه من جانب، حول أبوه وجهه إلى الجانب الآخر، ثم مات ولم يكلمه أبداً}؛ لأنه عارض أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد للصلاة فلا يمنعها} أو: {لا تمنعوا إماء الله مساجد الله} فأعرض عن ذلك وهو مجتهد مخطئ، متأول في ذلك الباب؛ لأنه رأى المفسدة في إجابة طلبهن والمصلحة في منعهن، فأراد من هذا الجانب، أن يمنع، وقصده صحيح لكنه أخطأ في رد الحديث، فمنعه أبوه من الكلام وهجره حتى مات، ولذلك يقول الإمام مالك: "كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم ويشير إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم". فكل أحد لك أن ترد عليه، ولك أن تستدرك وتحتج عليه، ولك أن تؤول كلامه، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم فليس لك ذلك أبداً، ولا يجوز ولا ينبغي وليس بوارد. ويقول الإمام الشافعي: "إذا وافق كلامي كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوه، وإن عارض فخذوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم واضربوا بكلامي عرض الحائط". والأوزاعي يقول: "ما أتاك من الرسول صلى الله عليه وسلم فهو العلم، وما أتاك من غيره فألقه في الحش". الحش: بيت الخلاء، وهذه مقولة مأثورة عن الإمام الأوزاعي، وصحيحة السند إليه. وهذه مسألة ينبغي أن يتنبه إليها خاصة من يطلب العلم، أو من يريد عبادة الله عز وجل على بصيرة، أو من يريد مطالعة كتب السنة، خاصة الفقه الإسلامي، فإنه ينبغي أن يعول على الدليل، فعلم بلا دليل إنما هو إنشاء وتعبير، وإنما هو مجرد كلام، لكن المطلوب أن تقرن كل مسألة بدليل، يقول ابن تيمية في الفتاوى: "على طالب العلم أن يسند كلامه إلى دليل، من المعصوم صلى الله عليه وسلم وأن يعتصم به، فإذا استقر في ذهنه أن هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن هذا هو المراد من كلامه صلى الله عليه وسلم"، فلا ينبغي أبداً أن يعول على كلام غيره مهما كان. ولذلك فالفقهاء رضوان الله عليهم، إنما استنبطوا وأرادوا توضيح بعض المسائل، والشرح والبسط، وما أرادوا أن يشرعوا، الذي يشرع هو محمد صلى الله عليه وسلم، والفقهاء كلهم ينادون - أبو حنيفة والشافعي وأحمد ومالك رضوان الله عليهم- ينادون، باتباع السنة، لكن كذلك نستضيء بأقوالهم ونستفيد من استنباطاتهم في بعض المسائل الشائكة، أما أن نأخذ كلامهم بدون دليل، أو بدون مستند من آية أو حديث، فهذا ليس بصحيح وليس بعلم وهذا منهج خاطئ وغلط، فليتنبه الإنسان وليقرن بين الحديث والفقه في استنباط المسائل وفي عبادة الله عز وجل، وفي استخراج الفوائد. ومن أحسن مناهج العلماء في ذلك، منهج ابن تيمية المجدد الكبير شيخ الإسلام، فإنه قرن بين الدليل وبين الفقه، ومنهج ابن القيم، ومنهج النووي وغيرهم من العلماء وابن كثير رضوان الله عليهم وأرضاهم، أما الذين يريدون أن يجعلوا هناك تقيداً بمذهب دون النظر إلى الأقوال الراجحة، أو الأدلة، أو الأقوال المعارضة، أو الناسخ والمنسوخ فهذا ليس بصحيح، فليتنبه له. هذه لوازم حبه صلى الله عليه وسلم.

أسباب زيادة حبه صلى الله عليه وسلم

أسباب زيادة حبه صلى الله عليه وسلم أما أسباب حبه عليه أفضل الصلاة والسلام: فإنها تأتي بأمور قد تجمع في أربع كما قال بعض أهل العلم، أربعة أمور تتسبب في زيادة حبه صلى الله عليه وسلم في القلوب، وتجعل المسلم كثير الحب له صلى الله عليه وسلم.

السبب الأول: تذكر المنة بإرساله صلى الله عليه وسلم

السبب الأول: تذكر المنة بإرساله صلى الله عليه وسلم تذكر منة الله عز وجل على الناس بإرساله صلى الله عليه وسلم، فمن نحن لولا الله سبحانه ثم إرسال رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن نحن لولا أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أمدنا بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن نكون؟ وماذا عسى أن نفعل في الحياة لولا أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ابتعث منا خيرنا وأشرفنا، وسيدنا، وأكرمنا، وأفصحنا, وأعلمنا، وأتقانا لربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فهدانا إلى الله، ومن نحن إذاً؟ كنا أعراباً رعاة الشاة لا نعرف شيئاً، كان العرب في تلك الفترة يزنون، ويشربون الخمر، ويسجدون للحجارة، ويأكلون الجعلان، وتضحك منهم الأمم، في جوع لا يعلمه إلا الله، وفي فقر وذلة، ومهانة، وفرقة، وشحناء وحقد، وحسد، وفي جاهلية جهلاء، فلما أراد الله أن يرفع رايتهم، وأن يعلي حظهم، وأن يجعلهم سادة للأمم، وأن يجعلهم من أهل الجنة، وأن يرفع منزلتهم عنده، وأن يجعل منهم الصديقين، والشهداء، والصالحين والعلماء والأخيار؛ ابتعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فهداهم إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فأول سبب يمكن أن نحب به الرسول صلى الله عليه وسلم: أن نتلمح المنة بإرساله عليه أفضل الصلاة والسلام، نتذكر هذا الفيض الإلهي العظيم الذي أمدنا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى به، وجعلنا من خير أمة بسبب رسالته صلى الله عليه وسلم. يقول البوصيري: بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم فأكرم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وأكرم الأمم أمته عليه أفضل الصلاة والسلام، حتى أنه يروى في بعض التفاسير: أن موسى عليه السلام لما رأى ما أعد الله لأمة محمد قال في الأخير: "يا رب! اجعلني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم". ومصداق ذلك: ما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي} فلو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباع محمد صلى الله عليه وسلم.

السبب الثاني: تتبع خصال الخير فيه صلى الله عليه وسلم

السبب الثاني: تتبع خصال الخير فيه صلى الله عليه وسلم استقراء ومطالعة خصال الخير التي جعلها الله في الرسول صلى الله عليه وسلم، والتفكر فيما جعل الله فيه من المواهب، ومن الخصال الخيرة، والخصال الحميدة التي لم ينازعه ولم يشاكله فيها أحد أبداً، فهو كامل في كل وصف عليه الصلاة والسلام، ويأتي هذا الاستقراء بتدبر كتاب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وبتدبر سنته صلى الله عليه وسلم، وبقراءة السيرة النبوية قراءة مكثفة، والاهتمام بها؛ لأنها من أهم العلوم، فإذا قرأ المسلم ذلك، وحاول أن يتدبر وأن يتفكر، رزقه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سبباً وزيادة في المحبة تربو على أي وصف؟! فالأمر الثاني: استقراء خصال الخير فيه صلى الله عليه وسلم، الكرم، والشجاعة، والصبر، والحلم، والأناة والتواضع، الخصال التي فوق مئات الخصال والتي جعلها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيه وجمعها له، ولم يجمعها لأحد غيره.

السبب الثالث: النظر في رحمته عليه الصلاة والسلام

السبب الثالث: النظر في رحمته عليه الصلاة والسلام النظر في يسره ورحمته وشفقته عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذا يدخل في الثاني لكنه ينفصل عنه للاهتمام وتستقرأ في كل باب من أبواب الفقه، وفي كل باب من أبواب السيرة، النظر في يسره ورحمته وشفقته عليه أفضل الصلاة والسلام، تقرأ في باب الوضوء وتجد من اليسر والسهولة في سيرته صلى الله عليه وسلم، وكذلك في باب الصلاة وباب الزكاة وباب الصيام، وباب الحج، والتعامل مع الناس، والبيع والشراء، وكل أمر من الأمور تقرأ اليسر والسهولة، والشفقة والرحمة على الأمة حتى قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فما دام أن الله زكاه، ووصفه باليسر والسهولة، وقال: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8] وقال: (طه) * {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2] فإنه صلى الله عليه وسلم هو أول من أتى باليسر للأمم ورفع الآصار والأغلال التي كانت على الناس، ولذلك يقول السيد قطب رحمه الله رحمة واسعة في المجلد السادس في كتابه ظلال القرآن في سورة سبح، لما قال سبحانه: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8]. سال قلمه في هذا الموضع، قال: "اليسرى في التفكير واليسر في القول والعمل، واليسر في تناول الأشياء، واليسر في كل شيء، وفي كل دقيقة من دقائق الحياة". إلى آخر ما قال، وهو فصل جميل، يجدر بطالب العلم والمؤمن أن يطلع عليه.

السبب الرابع: أن مقام العبودية لا يتم إلا بحبه صلى الله عليه وسلم

السبب الرابع: أن مقام العبودية لا يتم إلا بحبه صلى الله عليه وسلم من أسباب حبه صلى الله عليه وسلم: أن مقام العبودية لا يتم إلا بحبه والاهتداء بهديه وإلا فمقام العبودية ناقص حتى يُحب صلى الله عليه وسلم الحب الكامل، هذا السبب الرابع من أسباب حبه صلى الله عليه وسلم، فمن ظن أنه سوف يكون عبداً لله مخلصاً منيباً، ثم لم يكمل حبه صلى الله عليه وسلم فليس بصادق وهو كذاب في دعواه، وينبغي أن يكمل عبادة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بحبه عليه أفضل الصلاة والسلام، ويحصل ذلك: بكثرة الصلاة عليه كما أسلفنا, وبقراءة أخباره، وبقراءة حديثه في المجالس، وتلمح سيرته صلى الله عليه وسلم، ليكون عندك أعظم إنسان: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].

سنن وآداب يوم الجمعة

سنن وآداب يوم الجمعة وفيما بقي من الوقت نتذاكر بعض الأحكام التي بقيت معنا من صلاة الجمعة، هذه الأحكام هي سنن وسوف يبقى معنا فصل أخير في صلاة الجمعة، وأسلفنا القول عن ساعة الاستجابة والراجح القول: بأنها في آخر ساعة من يوم الجمعة، وأنه هو القول الراجح فعلى المسلم أن يحرص على تلك الساعة، وتحدثنا عن سورة الكهف، وأن قراءة سورة الكهف في يومها من السنن والحديث في ذلك صحيح.

استحباب السواك

استحباب السواك السواك يوم الجمعة: بعض الظاهرية يوجبونه؛ لظهور الأحاديث في ذلك، والصحيح: أنه سنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال حديثاً عاماً: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة} وفي لفظ: {عند كل وضوء}. فالسواك سنة ويتأكد يوم الجمعة، قال ابن القيم: "وله ميزة في ذلك اليوم العظيم -يوم الجمعة- الذي تقوم فيه الساعة، ويحشر فيه الناس ضحى، هذا اليوم العظيم للسواك فيه ميزة". فأوصي نفسي وإخواني بالاهتمام بهذه الشعيرة العظيمة، والسنة الكريمة وألا يفرط المسلم فيه أبداً، مهما شق عليه فإنه لا مشقة إن شاء الله، وليجتهد دائماً بالسواك مع كل صلاة، ومع كل وضوء، وعند تغير الفم، وهو من شعائر المسلمين وهو من أعظم ما أتانا به صلى الله عليه وسلم، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: {السواك مطهرة للفم مرضاةٌ للرب} وخاصة يوم الجمعة، فعلى المسلم أن يعتني به، وأن يكون مستحضر السواك يوم الجمعة، ليتكلم ويذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويقرأ الكتاب وهو على طهارة طيبة وكاملة.

التطيب ولبس أحسن الثياب

التطيب ولبس أحسن الثياب السنة الثانية في يوم الجمعة: مس الطيب، وهو متأكد لحديث سلمان الصحيح: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل والطيب} وفي لفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من اغتسل واستن بما شاء من طيب، وبكر وابتكر 000} قال ابن عباس: [[أما الغسل فنعم، وأما الطيب فلا أدري]] لأنه ما بلغ ابن عباس، والطيب متأكد والملائكة تحضر يوم الجمعة ما لا تحضر في غيره، والمسلمون كذلك، فالطيب يُهتم به كثيراً، ويُفضل أن يكون الطيب الذي ليس فيه شائبة ولا شبهة، ولا يتعرض للأطياب التي فيها كحول، وليس الأمر فيها إلا من باب الورع وترك الشبه، وإلا فإنه ليس هناك تحريم قاطع لدليل قاطع؛ لأنه ولو كان فيها نسبة من الخمر أو الكحول فهل هناك دليل على أن الخمر نجس، نتوقف في المسألة وليس هناك قاطع لكن من باب ترك الشبه، والورع أن يترك، وأن يتطيب بالأطياب المباحة، في هذا الباب. ومع الطيب يلبس أحسن الثياب: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31]. والزينة: أجمل الثياب، وأن يتجمل الإنسان أحسن جمال يوم الجمعة، وأن يعتني بأن يظهر في المظهر اللائق الذي يليق بالمسلمين، وبالمناسبة فإن كثيراً من الناس إذا حضر مناسبة، أو حفلاً، أو زواجاً، أو سفراً، يعتني كثيراً بمظهره وملبسه، ويترك يوم الجمعة، وهذا يدل على عدم حرصه على الخير، وعلى نقصان الأفضلية في قلبه، فعليه أن يتنبه لذلك، ولتكن مقابلة الله سبحانه تعالى أعظم عنده من مقابلة الناس.

التبكير إلى المسجد

التبكير إلى المسجد من السنن أن يبكر المسلم لما علم من الحديث الصحيح، وتنزيل الناس على منازل الساعات التي ذكرها صلى الله عليه وسلم في الحديث، فليبكر المسلم مهما استطاع، فإنه يحصل الأجر العظيم، وكلما بكر كان أفضل قال ابن مسعود وقد أتى يوم الجمعة وقد سبقه اثنان في المسجد فقال: [[ثالث اثنين في المسجد وما ثالث اثنين ببعيد -وفي لفظ: رابع أربعة]] لأنه أتى الرابع، وقيل: أتى الثالث وقبله اثنان، فليبادر الإنسان وليبكر إلا من شغل يشغله، فإن هذا من الأعذار، لكن يحاول أن يبكر ولذلك فالصحيح: أن الملائكة تكتب الأول في الأول فإذا دخل الإمام طوت الصحف وجلست تستمع الذكر فلا تكتب أحداً بعد دخول الإمام.

الإنصات للخطبة

الإنصات للخطبة ومن السنن بل هي من الواجبات عند كثير من العلماء وهو الصحيح عند الفقهاء المحدثين، الإنصات يوم الجمعة للخطيب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {من مس الحصى فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له} وهذا حديث صحيح. وحديث: {من لغا فلا جمعة له} عند أبي داود قال الشوكاني: فيه مجهول، لكن يستند بآثار وشواهد واعتبارات تدل على أن له أصلاً، قيل: لا جمعة له كاملة، أو لا جمعة مقبولة ولا صحيحة، ولا يكتب الله له شيئاً، ولأن من لغا ذهبت جمعته، فليتنبه الإنسان لذلك، ولذلك لا يجوز للإنسان يوم الجمعة قياساً على الحصى أن يستاك بالسواك، ولا أن يصلح ملابسه، ولا أن يخرج شيئاً من جيبه يفعل به أمراً ثم يرده، ولا أن يزاول عملاً من الأعمال، إلا أن يكلم الإمام والخطيب في أمر ضروري، أو حدث أمر ضروري لا بد منه كأن يغلبه الدم أو القيء، أو أن يغمى عليه، فهذا من الأعذار التي أجازها الشارع.

كثرة الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم

كثرة الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم ومن السنن يوم الجمعة: كثرة الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه قال: {أكثروا من الصلاة والسلام عليَّ يوم الجمعة وليلتها فإن صلاتكم معروضة عليَّ، قالوا: يا رسول! كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ -أي: بليت وفنيت وذهبت في الأرض- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء} هذا من السنن التي ينبغي أن ينبه إليها.

الأسئلة

الأسئلة

حكم تعليق القرآن على الجدران

حكم تعليق القرآن على الجدران Q يوجد في السوق بائع أحذية وقد علق في محله قطعة قماش مكتوب عليها آية الكرسي، وقد مر عليه بعض الناس وأنكروا عليه فعله هذا، فأجابهم: بأنه ما وضعها إلا تعظيماً لها لا استهانة بها، فما حكم ذلك؟ A حكم ذلك أنه لا يجوز فقد كره هذا الفعل كثير من أهل العلم، وهو أن تعلق الآيات بلوائح وأقمشة إلا في أمر ضروري في أماكن موقرة، كأن يعلق الإنسان آية الكرسي في بيته، هذا ليس فيه نهي والذي أعرفه في هذا الباب أنها جائزة إما للتذكير، أو يحفظها من لا يحفظها، أو تذكر الزائر والضيف في البيت، هذه ما كأن فيها نهي، لكن إذا علقت في مكان يقصد منه الإهانة، فهذا نعوذ بالله منه، إن قصدها قصداً فهو كفر، وإن فعلها جهلاً فهو مذنب، ومخطئ، وجاهل، ويؤدب على ذلك، وينهى، فمثل هذا البائع لا ينبغي أن يفعل ذلك، وينكر عليه، والحق مع من أنكر عليه هذا العمل، لأنه قد ارتكب محذوراً، وآية الكرسي ما وضعت لهذه الأماكن وضعت لبيوت الله عز وجل، وللمنابر وللصلوات، ولغيرها من المناسبات الشريفة العظيمة التي أنزلها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لها، وما بالك إذا كانت آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله عز وجل، ورد أن إبراهيم بن أدهم وجد لفظة: بسم الله مرمياً بها في السوق فبكى وهو شاب، فقال: "سبحان الله! اسم الحبيب يوطأ بالأقدام، والله لأرفعنه فطيبه بدرهم ورفعه، فسمع هاتفاً يهتف وهو نائم، قال له: يا من رفع اسمي والله لأرفعن اسمك". فرفع الله اسمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فأصبح من علماء الأمة، ومن زهادها، وعبادها فرُفع في الدنيا والآخرة.

الفرق بين المؤمن والمسلم

الفرق بين المؤمن والمسلم Q ما الفرق بين المؤمن والمسلم؟ A هذان إذا اجتمعا افترقا، وإن افترقا اجتمعا، معنى إذا اجتمعا افترقا: أنه إذا ذكر الله أو ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ذكر علماء الإسلام المؤمن والمسلم في موطن واحد معاً فهو بالتفريق، فالمؤمن: القائم بالعمل القلبي الذي يقوم بالأركان الستة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم؛ الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، هذا يقصد به المؤمن إذا ذكر مع المسلم، والمسلم إذا ذكر مع المؤمن يقصد به المسلم ظاهراً الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت الحرام، وقال الله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14]. فذكر المؤمن والمسلم هنا للتفريق. أما إذا افترقا فهما يجتمعان، فإذا ذكر المسلم، فهو المسلم والمؤمن، فلك أن تسمي أمة محمد المسلمين، وهذا وارد، ولك أن تسميهم المؤمنين، وتسمي فلاناً مؤمناً إن شاء الله، وتسميه مسلماً هذا وارد؛ لأن المقصود: أن الإسلام إذا انفصل عن الإيمان أنه يشمل هذه الأعمال الباطنة والظاهرة، وإذا قلت: المؤمن كذلك يشمل العملين، هذا هو السر وهما كلمتان مترادفتان وليستا بمترادفتين مطلقاً بل بينهما اشتراك وتواطؤ كالنفاق والكفر، وكغيرها من الأمور التي نبه عليها بعض أهل العلم.

متى تكون النصيحة مطلوبة؟

متى تكون النصيحة مطلوبة؟ Q جاء في حديث حق المسلم على المسلم: {وإذا استنصحك فانصح له} فهل يلزم من هذا النصح عند طلب النصيحة، أم في أي وقت؟ A ظاهر الحديث إذا استنصحك أي: طلب منك النصيحة، استنصاح: استدراج، أي: طلب وهو من أفعال التدرج، الاستفعال يعني: أنه طلب منك النصيحة وقال: انصحني في هذا الأمر، ولكن الأحاديث الأخرى تدل على أن للمؤمن أن ينصح أخاه المؤمن ابتداءً من نفسه بدون أن يطلب منه النصيحة، فهذا في الأمور التي يطلب فيها النصيحة، والأخرى في أمور التعقل التي من الحكمة أن تنصحه فيها، كأن تراه ضالاً منحرفاً، فلك أن تنصحه إذا أخطأ في بعض المسائل، أو تراه مسرفاً على نفسه، أو لا يحسن تربية أولاده، فتنصحه في هذا الباب. أما أمور الدنيا فإنك لا تنصحه حتى يستنصح لك، فمثلاً: يريد أن يتزوج زوجة فتذهب أنت إليه فتقول: سمعت أنك تريد أن تتزوج فلانة فأنصحك ألا تتزوج فلانة، هذا من النصيحة التي ليست مطلوبة في هذا الباب ولا مقبولة وإنما قال صلى الله عليه وسلم: {وإذا استنصحك} ليخرج هذه النصائح الخاصة، أو التي لا تفعل إلا باستدراج، ومثل: أن يشتري السلعة أو يبتاع بيتاً أو كذا، فتذهب إليه وتقول -لأمرٍ الله أعلم به-: لا. إن بيت فلان فيه كذا وكذا وكذا، فهو لم يطلب منك هذا ولم يسألك ولم يطلب منك النصيحة، أما إذا طلب فلك أن تخبره كالشهادة، أما في الأمور الظاهرة، أو أمور الإسلام، أو أمور الآخرة فإنك تنصح له بدون أن يستنصحك.

حكم الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم

حكم الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم Q بعض الناس إذا دعوا الله فإنهم يدعون بجاه محمد صلى الله عليه وسلم ويقولون: اللهم إنّا نسألك بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فهل هذا وارد، أم لا؟ A هذه المسألة مختلف فيها، والصحيح عند علماء الحديث وأهل السنة أنها ليست بواردة، وأن الأحسن ترك هذا التوسل؛ لأن التوسل به صلى الله عليه وسلم إنما هو بمحبته عليه أفضل الصلاة والسلام والاقتداء به، أمَّا بَعْد موته فهذا ليس بصحيح، ومما لا يجوز: أن يذهب الإنسان في مثل هذه المسائل إلى قبره فيتوسل به صلى الله عليه وسلم فهذا شرك والعياذ بالله، وليس بوارد ولا يجوز، أو يقول: بجاه محمد وهو مخالف لسنة محمد صلى الله عليه وسلم. أما أن يقول: بحبي لك، أو بحبي لرسولك صلى الله عليه وسلم وبالاتباع لسنته صلى الله عليه وسلم فكأن هذا هو الصحيح، وكأن ابن تيمية يميل إلى هذا، واستدل على ذلك بحديث ولو أنه ضعيف، بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في دعاء الماشي إلى الصلاة: {اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا رياءً ولا سمعةً، خرجت اتقاء سخطك، واتباع رضوانك، فاغفر لي ذنبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت}. الحديث يُستدل منه: أنه يسأل بحق السائلين، وحق السائلين أوجبه الله على نفسه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من دون أن يفرضه أحد عليه، وحق السائلين أن يعطي السائل وأن يمنح المستفيد منه تبارك وتعالى، وبحق ممشاي فهو العمل، ويقاس عليه حق اتباعه للرسول صلى الله عليه وسلم فالإنسان يقول: "اللهم باتباعي لرسولك صلى الله عليه وسلم وبحبي له صلى الله عليه وسلم اغفر لي وارحمني". ويستدل بحديث الثلاثة الذين توسلوا إلى الله بأعمالهم، وهم الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار فإن هذا توسل بعمل، وذاك توسل بعمل، وأجاب الله توسلهم، وهذا توسل بالأعمال وهو وارد، أما التوسل بالجاه فلم يذكر عن السلف في ذلك، فتوقف كثير من العلماء خاصة أهل الحديث وأهل السنة في هذا الباب وقالوا: ليس بوارد، والأحسن أن يتقيد الإنسان في ألفاظه وأقواله وأفعاله بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، نسأل الله عز وجل أن يهدينا وإياكم سواء السبيل وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.

تأويل الحديث

تأويل الحديث Q هناك أحاديث ترد من الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: يُحمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم على كذا ويحمل على كذا؟ A هذا للعلماء فيه أقوال، لكن تختلف أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم باختلاف المناسبات، فأما أحاديث الأصول؛ أصول الإيمان فإنه لا يحمل على غير ما دلت عليه، ومن حملها على غيرها فهو إما معطل، وإما مؤول، ولذلك يحذر ابن تيمية من حمل أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في باب الصفات، وباب الألوهية وباب الربوبية التي هي أصول الإيمان، وإنما يفعل ذلك الأشاعرة والمعتزلة والجهمية وغيرهم من الفرق التي ابتدعت في الأصول، ولذلك يلوون أعناق الأحاديث بسبب أنه يحمل كذا ويحمل كذا، وأما في الفروع فالأمر أهون كما قال ابن تيمية، ولذلك لم يؤلف في الفروع رحمه الله وقيل له: "لماذا لم تؤلف في الفروع؟ قال: أمر الفروع أهون وأسهل وأيسر، فإنه لو أخطأ العالم كان لخطئه أجر واحد، ولو أصاب له أجران، لكنه يؤلف في الأصول؛ لأن الخطأ فيها، مزلة ومهلكة. فأما في الفروع -مثلاً- في الوضوء، وفي العبادات والمعاملات فيحمل كلامه على كذا، فهذا الذي حمل الحديث إن كان قصده صحيحاً ونيته صحيحةً فهذا يؤجر أجراً واحداً إذا أخطأ، وأجران إذا اجتهد وأصاب، وأما إن كان قصده التعصب إلى مذهبه ويعرف أن الحديث يدل على كذا لكن يحمله على محمل، ويلوي النص لياً، ويرفع من دلالة النص فهذا لا يجوز وهو آثم في هذا الباب، فالحمل قسمان: حمل في أصول الإيمان فهذا مزلة ومهلكة، وحمل في الفروع فهو يشمل شقين: إن حمله بحسن نية وحسن قصد وعلم الله أنه اجتهد فرأى هذا، فهذا وارد وصحيح، وإن كان حمله لهوى في قلبه أو تعصباً لرأيه ومذهبه، فهذا آثم ولا يجوز ذلك. نسأل الله التوفيق والهداية، وأن يلهمنا رشدنا وأن يقينا شر أنفسنا، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

صبر الأولياء في منازل الابتلاء

صبر الأولياء في منازل الابتلاء أصل الأعمال هو العلم بها، وثمرة العمل بهذا العلم هي الجنة، وإذا كان الذي قدر الله عليهم الابتلاء هم أكثر الناس حاجةً للصبر، فإنهم إن عملوا بالصبر، نالوا خيراً عظيماً. وفي هذا الدرس بيان فوائد الابتلاء، وذكر نماذج من أهل الصبر، ابتداءً من الأنبياء السابقين، ومروراً بنبينا صلى الله عليه وسلم، ثم أهل الصلاح من أمته.

الفطرة توحي الصبر

الفطرة توحي الصبر الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً، اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. اللهم صل على نبيك الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، لسان الصدق الذي بلغ الوحي بأحسن عبارة، وأذن الخير الذي تلقى الوحي فصاغه بألطف إشارة، صلى الله على سيف النصر الذي كسر الله به ظهور الأكاسرة، وقصر به آمال القياصرة، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأشكر مكتب الدعوة هنا في عنيزة وفضيلة الشيخ حمود الصائغ، وأشكركم على حسن استقبالكم، وقد سعدنا اليوم بزيارة شيخنا ووالدنا الشيخ محمد الصالح بن عثيمين، فكان مع اللقاء بعض الأبيات، أستأذنكم في إلقائها بين يدي المحاضرة، وهي تكملة لما مر في بريدة البارحة: قل للرياح إذا هبت غواديها حي القصيم وعانق كل من فيها واكتب على أرضهم بالدمع ملحمة من المحبة لا تنسى لياليها أرض بها علم أو حاذق فهم يروي بكأس من القرآن أهليها عقيدة رضعوها في فتوتهم صحت أسانيدها والحق في يرويها ما شابها رأي سقراط وشيعته وما استقل ابن سينا بواديها ولـ ابن تيمية في أرضهم علم من الهداية يعلو في روابيها إذا بريدة بالأخيار قد فخرت يكفي عنيزة فخراً شيخ ناديها محمد الصالح المحمود طالعه البارع الفهم والدنيا يجافيها له التحية في شعري أرتلها بمثل ما يحمل الأشواق مهديها سالت قريحته بالحق فاتقدت نوراً فدنيا الهدى زانت نواحيها أمَّا بَعْد: فموضوعنا في هذه الليلة (صبر الأولياء في منازل الابتلاء) وهذا الموضوع توحيه الفطرة للعبد، يوم أن فطر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى العباد على الصبر وعلى الجزع، وعلى الشكر وعلى الكفران قال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3] والصبر من مقامات العبودية عند أهل السنة والجماعة، بل ومن أعظم المقامات وقد ذكره الله في القرآن في أكثر من تسعين موضعاً، فمدح الصبر، ومدح الصابرين، وذم الذي لا يصبر، وبيِّن أجور الصابرين عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وما أعد لهم من درجات.

مراتب الصبر

مراتب الصبر والصبر في الإسلام على ثلاث مراتب: أولها: صبر على الطاعات، وثانيها: صبر عن المعاصي، وثالثها: صبر على الأقدار والمصائب. وأعظمها الصبر على الطاعات -إن شاء الله- على خلاف، لكن هذا الذي تميل إليه النفس، لأنها مقصودة الأداء وهو الصبر العظيم المطلوب، فتؤدي الطاعة وتصبر عليها وتصابر نفسك لتؤديها على أكمل وجه بخشوعها وخضوعها. والصبر عن المعاصي: حين تدعوك نفسك الأمارة بالسوء، فتصبر وتحتسب. وصبر على أقدار الله حين يكتب عليك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من أقداره ما يريد أن يخفف به من ذنوبك، ويرفع به من درجاتك، إذا علم هذا فإن أولياء الله الصالحين كان يميزهم الصبر مع اليقين، سئل شيخ الإسلام ابن تيمية، قيل له: بم تنال الإمامة في الدين؟ قال: بالصبر واليقين، أما سمعت الله يقول: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24].

سنة الابتلاء

سنة الابتلاء وعباد الله الصالحين ابتلوا في حياتهم بمصائب، فمنهم من ابتلي بالمال ففقد ماله، والله عز وجل يلطف بأقداره إذا حكم على عباده بها، فما على العبد إلا التسليم، ومنهم من أصيب في عقله بمصيبة، فذهبت بعقله، فبقي أبلهاً مصروعاً مبهوتاً، ومنهم من أصيب في جسمه، فأبطلت بعض حواسه أو أعضائه، ومنهم من أصيب بابنه، إما ضل، أو مات، أو ذهب عنه ولم يعد -كما سيأتي- ومنهم من أصيب بعرضه، واتهم تهمة وهو منها براء، وهي لا تليق به، ولا يليق بها، فصبر واحتسب، وسوف أعرض للصبر مع الأشخاص، وكان إلقاء الحديث سرداً على طريقة السلف الصالح، كما ذكر ذلك الشاطبي في الموافقات، وفي هذا العصر اهتم الناس بالتبويب والترتيب والصبر والحصر. إذا عُلم ذلك فإن الله قص قصص الصابرين ومدحهم، وقال جل ذكره في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153 - 155] ومن هم الصابرون؟ {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157]. واختلف أرباب السلوك أو التربية في تعريف الصبر، فقال أحدهم: هو أن يقطع جسمك وأنت تتبسم، تلذذاً بقضاء الله، وقال الآخر: هو أن ترضى بما رضي به الله لك، فأحبه إلى الله أحبه إليك: إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم وقال الثالث: هو أن تحتسب الأجر أعظم مما فاتك من العافية، إذا علم هذا فإن الله عز وجل يقول في محكم كتابه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200].

فوائد الابتلاء

فوائد الابتلاء والابتلاء سُنة من سُنن الله عز وجل، ويبتلي العبد لأربع فوائده: الأمر الأول: الرفعة في الدنيا؛ فإن المبتلين أعظم الناس رفعة، يكونون مبتلين في أول الطريق، فإذا صبروا واحتسبوا رفع الله ذكرهم أبد الدهر. والأمر الثاني: التربية؛ فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يربي القلوب بالابتلاء حتى تخلص وتصدق له عز وجل. والأمر الثالث: تحقيق العبودية؛ فإن الله يريد أن يكون هذا العبد عبداً له، ولا يمكن أن يكون عبداً بالدعاوى التي لا يقوم عليها دليل حتى يذعن، وكثير من الناس يعلن أنه عبد، ولكن إذا ابتلي نكص على عقبيه وخسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين، فمن أعظم فوائد الابتلاء أنه يحقق لك مقام العبودية، إن كنت عبداً فهذا هو الابتلاء فاصبر له، لأن الذي كتب عليك الابتلاء هو الذي كتب عليك النعم. والأمر الرابع: الأجر والمثوبة عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وهو لا تضيع عنده الودائع إذا ضاعت عند الناس، ولا يخسر من يعامله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، بل يستفيد، ولا يهزم من يتولاه، بل ينتصر: فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان

أمور تخفف الابتلاء

أمور تخفف الابتلاء إذا عُلم هذا، فليعلم أن مما يخف الابتلاء عند كثير من أهل العلم، ما ذكره ابن القيم في كتابه زاد المعاد: أولاً: أن تؤمن بالقضاء والقدر، فإنه أعظم معالم أهل السنة والجماعة وفي أول حديث في صحيح مسلم عن يحي بن يعمر قال ابن عمر لما حدث أن قوماً في العراق لا يؤمنون بالقضاء والقدر قال: {والذي يحلف به ابن عمر، وفي لفظ والذي نفسي بيده، لو أنفق أحد منهم مثل أحد ذهباً ما تقبل منه حتى يؤمن بالقضاء والقدر} وفي حديث صحيح عن عبادة بن الصامت، أنه قال لابنه عندما حضرته الوفاة: {يا بني! عليك بالإيمان بالقضاء والقدر، فو الذي نفسي بيده، إن لم تؤمن بالقضاء والقدر، لا ينفعك عملك أبداً}. وفي سنن الترمذي بسند حسن من حديث ابن عباس في حديثه الطويل قال: {كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك -انظر ما أحسن الكلمات- احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة -ثم قال:- واعلم أن النصر مع الصبر واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك} فأول ما يخفف الابتلاء والمصائب قضية الإيمان بالقضاء والقدر، ومن لم يؤمن بالقضاء والقدر فلا قبل الله له صرفاً ولا عدلاً، ولا كلَّمة ولا زكَّاه وله عذاب أليم. ثانياً: أن تعرف أن ما أصابك إنما هو قليل بالنسبة لما أعطاك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] فما أصاب الله العبد بمرض أو هم أو غم أو حزن إلا كفَّر الله به من سيئاته، فاعلم أنها تكفر عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولا تضيع. ثالثاً: أن تتسلى بالمصابين والمبتلين من الناس، وأن تعلم أن كل دار فيها مصيبة، وأنه ما ملئت دار حبرة إلا ملئت عبرة، وفي كل واد بنو سعد، ولذلك قالت الخنساء: تسليت ببكاء الثكالى حولي، ثم قالت: ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي فالتسلي بمصائب الناس وتذكرها، من أعظم ما يزيل الكرب عن النفوس، أو يخفف المصيبة، وذكر ذلك ابن القيم فقال: واعلم أن في كل دار بني سعد. إذا عُلم هذا فإن الذي يخففها أيضاً: أن تعلم أنها أقل مما كانت، فإن الله عز وجل يخفف بعض المصائب عن بعض، وأعظم مصيبة تصيب العبد مصيبة في الدين، فهي التي لا جابر لها، ولا مسلي، ولا معزي، ومن كل شيء عوض إلا من الله، فإذا فاتك فاتك، ومن كل شيء تسلية إلا الدين، فإذا فاتك فوالله ما بعده تسلية ولا عزاء ولا عوض، فاحمد الله عز وجل أن أصبت بمصيبة في جسمك، أو ولدك أو عرضك، ولم تصب بمصيبة في دينك، فإنها من أعظم المصائب، بل هي أم المصائب، ولا جابر لها إلا التوبة والعودة إلى الله عز وجل.

أنواع الابتلاء

أنواع الابتلاء واسمعوا الآن إلى الصالحين في قصص عجيبة، وفي إيراد رحب واسع عذب، يورده سُبحَانَهُ وَتَعَالى في القرآن، ويورده رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة، وأهل السير من أرباب الحديث ومن حفظة السنة. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن أيوب لما مسه الضر: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83] أصيب بمرض في جسمه فمكث ثمانية عشر عاماً، لا يهدأ، لا يذوق طعاماً، ولا يتلذذ بشراب، ولا يكتحل بمنام، فلما بلغ ثمانية عشر عاماً -كما قال أهل التفسير- عاد وقالت له زوجته: لم لا تشتكِ على الله عز وجل؟ لم لا تعرض نجواك وشكواك على الواحد الأحد؛ فإنه يكشف الضر {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] فقال: لا والله لا أدعوه حتى تتساوى أيام صحتي وأيام ابتلائي، فإن أيام الصحة لا تحسب عند كثير من الناس، نُصَح كثيراً، وننعم سنوات طويلة، فإذا أتت البلوى سنة استكثرنا السنة، وحسبناها وأحصيناها، أما أيام الرخاء فلا تحسب. فصبر أيوب مثل أيام صحته ثم قال، وانظر ما أحسن الأدب: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83] أنا المريض وبيدك الشفاء، فإن كنت ترى أني قد أصبحت في حال ترضى لي بالعافية فعافني يا رب! فأحب ما أحببته أنت والأمر ما أحببته أنت. ولذلك ذكروا عن خليفة الإسلام الصادق الزاهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، يوم أن دخلوا عليه وهو مريض، فقالوا: ماذا أصابك؟ قال: الله أعلم ما أصابني؟ قالوا: ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب قد رآني، قالوا: ماذا قال لك الطبيب؟ قال: يقول إني فعال لما أُريد، وأخذها بعض الناظمين فقال: كيف أشكو إلى طبيبي ما بي والذي قد أصابني من طبيبي وذكر بعض الكتبة في ترجمة ابن تيمية أنهم دخلوا عليه وهو مريض، فقالوا: يا أبا العباس! مالك؟ فرفع رأسه وقال: تموت النفوس بأوصابها ولم يدر عوادها ما بها وما أنصفت مهجة تشتكي أذاها إلى غير أحبابها ولذلك انظر إلى يعقوب ما أحسن عبارته يوم قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18] ثم يقول: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86] فالبث والحزن يشكى إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فهو من باب رفع الشكوى إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى. إذاً: الابتلاء بالأمراض والمصائب والزلازل والمحن من الأقدار التي يقدرها الله على الناس، والله عز وجل أعلم بالأجسام التي تتحمل المرض من غيرها. وفي الطبراني بسند فيه نظر، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يقول الله تعالى: إني أعلم بعبادي، من عبادي من لو ابتليته لما صبر، ومنهم من لو عافيته لما شكر، فأنا أُصرِّف عبادي كيف أشاء} فله سُبحَانَهُ وَتَعَالى الحكمة البالغة، فالمرض من الابتلاءات العظيمة التي مرت في تاريخ هذه الدنيا؛ منذ خلقها الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ابتلى الله عز وجل أيوب بهذا المرض، فقال هذه القولة: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83] وذكر ابن حجر في الإصابة أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ابتلى أحد الصحابة الأخيار وهو عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي، المجاهد الشهير الصحابي النحرير، ابتلاه الله بمرض مكث بسببه ثلاثين سنة لا يقوم من على فراشه، فقال له بعض الصالحين: لو شكوت، أو رفعت ضرك إلى الله؟ قال: أحبه إلى الله أحبه إلي، ما دام أن الله يرضى هذا لي، فأنا أرضاه لنفسي، فكانت الملائكة تصافحه بأيمانها مع كل فجر، وهذه من كرامات الأولياء التي أقرها أهل السنة والجماعة، فنحن نقول بها، يستبعد أن الملائكة كانت تصافحه؛ لأنه صبر واحتسب ثلاثين سنة، فشكر الله له سعيه، وجازاه في الدنيا بمصافحة الملائكة، والخير العميم والأجر والثواب عند الله تبارك وتعالى.

الابتلاء بفوت الأعضاء

الابتلاء بفوت الأعضاء وقد يبتلي الله عز وجل الإنسان في جسمه بفوت أعضائه، فالعقل نعمة من أعظم النعم، بل هي تأتي بعد نعمة الدين، ولكن إذا حكم الله بسلب عقل هذا المخلوق وأخذ عقله، فمالك إلا أن تسلم وتحتسب. عن عطاء بن أبي رباح في الصحيحين، قال: قال لي ابن عباس: يا عطاء! ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بأبي أنت وأمي نعم، قال: هذه المرأة السوداء، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: {يا رسول الله إني أصرع -أي: يصيبها مس من الجان فتصرع- فادع الله لي، قال: إن شئت دعوت الله لك، وإن شئت صبرت واحتسبت ولك الجنة -ما أحسن الخيارين! وما أحسن الخيار الثاني! عرض عليها خطتين، وخيرها بين طريقين، وأنزلها منزلتين- فقالت: أصبر وأحتسب، ولكني أتكشف فادع الله لي يا رسول الله! فدعا لها ألا تتكشف} فهي من أهل الجنة تمشي على الأرض؛ لأنها احتسبت عقلها وهو من أعظم النعم، فلما فوضت الأمر إلى الحي القيوم، جازاها الله بجنة عرضها السماوات والأرض. والله عز وجل قد يبتلي عبده بالبصر، والبصر نعمة من النعم الجليلة، يوم ترى الحياة، وتذوق الجمال، وتتعرف على الأشياء والذوات والأشخاص بالعينين الجميلتين، لكن إذا حكم الله بطمس نورهما، فمالك من حيلة إلا الصبر والتسليم، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: {من ابتليته بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة} ما أحسن الكلام! وما أحسن إيراد الحديث! لم يقل عينيه، وإنما قال حبيبتيه؛ لأنه يحبب العينين إلى صاحبها، فكأنها أحب إليه من كل شيء، فيقول: من ابتليته، ولم يقل من أخذت عينيه، وإنما قال: ابتليت ليبين أن هناك أجراً ومثوبة، وأن هناك كنزاً مدخراً، وأن هناك جنة وموئلاً، فقال: {من ابتليته بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة} وما أحسن الجنة! قالوا لـ يزيد بن هارون الواسطي -كما في سير أعلام النبلاء والتذكرة وهو شيخ الإمام أحمد، ومن حفاظ الدنيا، ومن رجال البخاري ومسلم، ومن أهل واسط، بل عالم واسط الوحيد- لما ذهبت عيناه، فقيل له: يا أبا خالد! أين ذهبت العينان الجميلتان؟ قال: أذهبهما والله بكاء الأسحار، لكن معه {عوضته عنهما الجنة}. وابن عباس حبر الأمة عمي في آخر حياته، فأتاه بعض الشامتين يعزيه استهزاء في عينيه، فعزاه في عينيه، فعلم ابن عباس أنه شامت فقال: إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور عقلي ذكي وقلبي غير ذي عوج وفي فمي صارم كالسيف مشهور صدق رضي الله عنه، إن يأخذ الله نور العين، ففي القلب نور وبصيرة، وإن يأخذ الله ضياء هاتين العينين الجميلتين، ففي الروح ضياء خارق مشع يبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وما حيلة الإنسان إلا أن يصبر. ذكروا عن ابن هبيرة صاحب الإفصاح، الحنبلي الوزير الشهير الكبير التقي، الذي دعا الله في يوم منى بالغيث، فسقوا الغيث وهم في يوم منى، فقال وهو يبكي: يا ليتني دعوت الله بالمغفرة! وكان وزيراً للمستنجد العباسي، وقد أدركه ابن الجوزي، بل كان ابن الجوزي من أصحابه، فدخل عليه أحد الناس فسلم له ابن هبيرة جائزة ومسح على رأس هذا الشخص، ثم ذهب الشخص، فقال له الناس يا بن هبيرة! مالك أعطيته ومسحت على رأسه؟ قال: هذا عرفته ولم يعرفني، ضربني مرة على رأسي فذهبت عيني منذ ثلاثين سنة ما أخبرت أحداً بها، ما أخبر أحداً؛ لأن الشكوى إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

الصبر على فراق الأبناء

الصبر على فراق الأبناء والأبناء نعمة من النعم الجليلة، والله عز وجل ذكر عن الصالحين أنهم كانوا يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:7] ومن أحسن ما يجمل الحياة المال والبنون، فهم زينة الحياة الدنيا، وما أحسن من أن ترى أطفالك وأبناءك يترعرعون أمامك، ويهشون ويبشون بنور الإسلام، ويسجدون للواحد القيوم، ويرددون عليك آيات القرآن، ولكن إذا حكم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بأخذهم فما لك من حيلة. في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ليس لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة} ولم يقل الولد ليخرج الأخ، ولم يقل الأخ ليخرج الأب، ولم يقل الأب ليخرج الصديق والصاحب، وإنما قال الصفي ليدخل الكل في هذا، وما أحسن هذا الكلام! فالصفي هو كل من أصابتك لوعة من فراقه، أو حرقة، أو حزن، عوضك الله عنه إذا صبرت واحتسبت الجنة. وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا مات ابن العبد المؤمن قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى -وهو أدرى للملائكة الذين قبضوا نفسه- قبضتم ابن عبدي المؤمن؟ قالوا: نعم يا رب! وهو أعلم، قال: قبضتم ثمرة فؤاده؟ قالوا: نعم يا رب! قال: فماذا قال عبدي؟ قالوا: حمدك واسترجع -أي: الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون- قال: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد} هذا الحديث حسن، والبيت هنا كالربابة البيضاء، أو كالكوكب الدري، مكتوب عليه بيت الحمد، يدخله الرجل الصالح يوم يحتسب مصيبته في ولده على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. والمرأة المسلمة تشارك الرجل في هذه المصائب، بل ذكر صلى الله عليه وسلم للنساء في فوت الأطفال ما لم يذكر للرجال، فإنه قال لما زارهن: {ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كانوا لها حجاباً من النار، قالت: امرأة واثنين يا رسول الله -اثنين عدد المفعولية- قال: واثنين، قالت: وواحد -في بعض الروايات- قال: وواحد} فالحمد لله أن جعل فضل موت ابن واحد تحتسبه عند الله؛ دخول لك جنة عرضها السماوات والأرض بإذن الله.

الابتلاء بالأعضاء والأبناء

الابتلاء بالأعضاء والأبناء قد يرزقك الله أعضاء تتمتع بها، وقوةً وحيوية وطاقة ونشاطاً، لكن له حكمة أن يسلب عنك القوة. ذكر أهل العلم وأهل السير والترجمة في سيرة عروة بن الزبير بن حواري الرسول عليه الصلاة والسلام، عروة الذي هو أكبر راوية في كتب الحديث عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، الذي ذكروا عنه أنه كان يختم القرآن في أربعة أيام، وأنا لا أقف عند أربعة أيام، لأن الأولى الختم في سبعة أيام كما في حديث ابن عمرو، لكن الشاهد قوة العبادة والإقبال على الله عز وجل، فأراد الله أن يرفع درجته عنده، فكتب عليه ابتلاء. فقد سافر عروة بن الزبير إلى الشام وبينما هو في الطريق أصابته آكلة في رجله، فاجتمع عليه الأطباء، وقالوا: نقطع رجلك من القدم، فقال: أصبر وأستأني، فدخل المرض إلى ساقه، فقالوا: نقطعها من الساق، قال: أصبر وأستأني، فدخل المرض إلى الفخذ، فقالوا: مالك من حل إلا قطعها وإلا متَّ، قال: الله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون، فقالوا لا نقطعها حتى نسقيك كأساً من الخمر، قال: يا سبحان الله! عقل منحنيه ربي أذهبه بكأس من الخمر، لا والله، ولكن إذا توضأت ودخلت في صلاتي فاقطعوها، فتوضأ واستقبل القبلة، وبدأ في صلاته ينادي رب العزة تبارك وتعالى، وهو يحلق بروحه مع تلك الآيات البينات، فتقدم إليه الأطباء بالمناشير، فقطعوا رجله، فلما غلبه الوجع سقط مغشياً على وجهه، وبعد ساعات استفاق، فقالوا: أحسن الله عزاءك في ابنك، رفسته دابة الخليفة فمات، يا سبحان الله!! في هذه الفترة، فترة الإغماء رفست ابنه دابة الخليفة فمات. انظر المصائب كيف تحدث، وانظر إلى ألطاف الله وحكمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في القضاء والقدر، ماذا قال؟ قال: الحمد الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم لك الحمد -لكن انظر إلى الذي يذكر النعم- إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن ابتليت فقد عافيت، أعطيتني أربعة أبناء، وأخذت ابناً واحداً، وأعطيتني أربعة أعضاء فأخذت عضواً واحداً فلك الحمد ولك الشكر، ثم قال: لعمرك ما مديت كفي لريبة وما حملتني نحو فاحشة رجلي ولا دلني فكري ولا نظري لها ولا قادني فكري إليها ولا عقلي وأعلم أني لم تصبني مصيبة من الله إلا قد أصابت فتى قبلي رجع محتسباً إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لأنه الذي قدر.

صور من الابتلاء

صور من الابتلاء

إبراهيم الخليل والبلاء المبين

إبراهيم الخليل والبلاء المبين رفع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالبلاء درجة الأنبياء، ومحا به خطايا الصالحين، وإبراهيم عليه السلام أستاذ العقيدة، ومعلم التوحيد، الذي بث مذهب التوحيد في الدنيا وأسسه، فكان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أشبه الناس به، ابتلاه الله بمصائب، منها أنه جمع له حطب ثم أوقدت النيران ثم ردي في النار، فانقطعت به الحبال إلا حبل الله، وأوصدت أمامه الأبواب إلا باب الله، لكن انظر إلى التوكل على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أتاه جبريل فقال: ألك إلي حاجة؟ قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم، فلما ألقي في النار ماذا قال؟ قال: حسبنا الله ونعم الوكيل. وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم لما ألقي في النار، وقالها رسولنا صلى الله عليه وسلم لما قيل له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران:173 - 174] فلما ألقي في النار تذكر عظمة الله، وألا كافي ولا حافظ ولا حامي إلا الله: يا واهب الآمال أنـ ت رعيتني ومنعتني وعدا الظلوم عليَّ كي يجتاحني فنصرتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك منعتني فالمانع هو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلما وقع في النار، أتت عناية الله عز وجل فقال الله عز وجل: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] لو قال برداً وسكت، لأصبحت زمهريراً يقطعه، ولكن قال: وسلاماً أي: بهدوء وراحة وعافية وصحة. وابتلاه الله بابنه، فلما شب إسماعيل عليه السلام -على الراجح من أقوال أهل العلم- وبلغ معه السعي، ودرج وسار وأتى، والابن إذا أصبح في هذه السن، أصبح يشاغف حبه القلب، لأنه إذا كبر قليلاً نقص حبه، ثلاثة يحبون في ثلاثة مراحل: المريض حتى يشفى، والغائب حتى يحضر، والصغير حتى يكبر، والصغير جداً من الأطفال قد لا يحب، ولكن توسط الحب بلوغ السعي، فيصبح شجى القلب، وشغاف الروح، فأراد الله أن يخلي قلب إبراهيم بحبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه الخليل. قد تخللت مسلك الروح مني ولذا سمي الخليل خليلا فكان من مقامات الخليل أن يكون أحب شيء إليه هو الله عز وجل، فلما بلغ معه هذا الابن الصالح السعي ابتلى الله أباه، فرأى في المنام ورؤيا الأنبياء حق -وعقد لذلك البخاري باباً في صحيحه: باب رؤيا الأنبياء حق- {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102] فقام الصباح بعد أن تأكد من الرؤيا فعرض الرؤيا على ابنه، لا مستشيراً ولكن ينظر إلى رد هذا الولد الصالح، فكان رده رد المؤمن الموحد: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران:34]: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه فلما علمه ولقنه التوحيد وأرضعه مع اللبن عقيدة لا إله إلا الله {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102] فماذا قال؟ قال: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102] وما أحسن التواضع! لم يقل افعل ما تؤمر ستجدني من الصابرين، وإنما قال: إن شاء الله، فالصبر والتثبيت منه تبارك وتعالى، فتقدم إليه، ولذلك يقول الله سبحانه: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات:106] لأنه ابتلاء ما سمع بمثله، ابنك، وقد بلغ السعي، بل صالح، ثم يأمرك الله أن تباشر الذبح أنت بنفسك، ما قال: يا إبراهيم مر فلاناً أن يذبح ابنك وأنت تختفي!! لا، بل خذ أنت السكين واذهب إلى ابنك واطرحه أمامك ثم اذبحه، فامتثل لهذا، فرفعه الله، وأثبت لله أنه صادق، وأنه من المحسنين وترك له لسان صدق في الآخرين، فالألسنة تثني عليه، وتمدحه أبد الدهر. فعليه السلام أولاً وآخراً، وجزاه الله في مواقف الصدق خيراً وأجراً ومثوبة.

ابتلاء الله ليونس عليه السلام

ابتلاء الله ليونس عليه السلام ذكر الله عز وجل المبتلين كذلك في الأزمات وفي الكرب، فمنهم يونس بن متى عليه السلام، خرج مغاضباً قومه، ولكن لم يستأذن ربه، فذهب إلى السفينة، ولما ألقي من السفينة ذهب في ظلمات ثلاث، ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وانقطعت به الحبال إلا حبل الله، ونسي كل أحد إلا الله، ما تذكر زوجة ولا ولداً، فقال وهو في الظلمات: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، دعوة أخي يونس، ما قالها مكروب إلا كشف الله بها كربه} وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى إذا ناديت واعترفت بلا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، كشف الله كربك، وغمك، وحزنك، ورزقك من حيث لا تحتسب. فكان جزاء الصابرين عند الله أجراً ومثوبة، فانظر كيف أخرجه الله ونجاه وقال: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144].

يعقوب وابنه يوسف عليهما السلام

يعقوب وابنه يوسف عليهما السلام هذا يعقوب عليه السلام يصاب بمصيبة، والعجيب أن المصائب التي عرضت في القرآن على أنواع، وما كانت على وتيرة واحدة، فنوع الله المصائب والنعم على الناس، وله في ذلك الحكم البالغة، فإن يعقوب عليه السلام لم يبتلَ بأن يكون ابنه ضالاً كابن نوح عليه السلام، ولا بأن يذبح ابنه كما ابتلي به إبراهيم، ولكن ضل منه ابنه يوسف عليه السلام، فلم يدر أين ذهب فكان يردد دائماً {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18] وبلغ يوسف في قلبه الشغاف من الحب، فلما ابتعد عنه كان مقدار هذا الابتعاد أربعين سنة: بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا فأخذ يبكي ويكظم أنفاسه، حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، وأخذ يقول: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، فلما علم الله تفويضه ورده الأمر إليه، رفعه بالابتلاء لما صبر وشكر، وهذا عاقبة العبد يوم أن يفقد شيئاً غالياً نفيساً عليه، فيحتسب ذلك عند الله عز وجل. ويوسف عليه السلام ابتلي في عرضه، واتهم فصبر واحتسب، وفوض أمره إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فرفعه الله رفعة ما بعدها رفعة، وأثنى عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقال: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24] لماذا؟ لأنه صبر على هذه البلوى العظيمة، ولذلك يذكر ابن القيم في مدارج السالكين نقلاً عن ابن تيمية، قال: إنما عَظُمَت مصيبة يوسف عليه السلام بأمور، وكان أجره ورفعته عند الله عز وجل لأمور: منها: أنه شاب، وهو أقدر على الفاحشة. ومنها: أنه غريب، والغريب لا يجد ملاماً ولا عتاباً من الناس. ومنها: أنه في بيت امرأة عندها سلطان، فهي لا تخاف على نفسها من السلطان ولا من تطبيق الحدود. ومنها: أن هذه المرأة جميلة. ومنها: أنها لبست حليتها وذهبها وفضتها. ومنها: أنها خلت به. ومنها: أنها غلقت الأبواب. ومنها: أنها هددته. ومع ذلك كله صبر، وقال: معاذ الله -وما أحسن هذه الكلمة! - فرفعه الله، فنحن نقرأ قصته دائماً في القرآن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فيا سبحان الله! كيف يرفع بعض الناس بالصبر، وكيف يرفعهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالابتلاء إذا عدوا ذلك قضاء وقدراً فآمنوا به وأنزلوه منازله.

حادثة الأفك

حادثة الأفك ومصيبة الابتلاء في العرض قد حدثت، وفي تاريخ الإسلام كما في قصة الإفك، حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، الذي رواه البخاري في غزوة المريسيع، وفي كتاب المنافقين عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس ومن طريق الزهري أيضاً: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها حدثت فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج -ما أحسن القصة حين تسوقها عائشة - لغزاة -أي: لغزوة- أقرع بين نسائه، فأيهن خرج نصيبها أو سهمها خرج بها صلى الله عليه وسلم، فخرجتُ معه في ذات غزوة، فلما قفلنا من الغزوة راجعين، نزلت في منزل ألتمس عقداً لي من ظفار فاتني، فارتحل الركب وما شعروا، وظنوا أني في الهودج -وهو البيت الصغير الذي توضع فيه المرأة- فحمل الهودج على الجمل، وذهبوا وارتحلوا من المنزل، وظنوا أن أم المؤمنين الطاهرة بنت الطاهر، الصديقة بنت الصديق، المبرأة من فوق سبع سماوات أنها في الهودج، فذهبوا وأتت في وقت الظهيرة، فلم تجد أحداً، فماذا فعلت تغطت، وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون!! {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156] فجاء رجل من الصالحين المجاهدين الزاهدين الأخيار، اسمه صفوان بن المعطل، فوجدها متغطية، فقال: الله المستعان! زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة: فو الله ما كلمني بكلمة، ثم أناخ بعيره، فأركبها على البعير فركبت، وذهب يقود البعير بزمامه وعائشة على البعير، والرسول عليه الصلاة والسلام قد نزل هو والصحابة منزلاً في الطريق. فأتى بالجمل وعليه عائشة فأما الذين آمنوا فزادهم ربهم إيماناً، وعلموا أنها طاهرة بريئة وأنها صديقة، وأما الذين في قلوبهم مرض فخار النفاق في قلوبهم، وعشعش الشك في نفوسهم، نعوذ بالله من ذلك، فقاموا يوشوشون بالأخبار: لماذا تأخرت؟ ولماذا أتى بها هذا الرجل؟ وما هو السبب؟ نفاق وكبر وعتو وإعراض عن الله وعن شرعه. والرسول عليه الصلاة والسلام لم يدر، ولما وصل المدينة، قالت عائشة: فأتاني مرض، فأنكرت منه صلى الله عليه وسلم ذاك اللطف الذي كنت أجده قبل ذلك يوم أمرض، لأنه وصله الخبر صلى الله عليه وسلم، ومرضت وهي في بيته، فكان يمر عليها وهي مريضة ويقول: كيف تيكم؟ ما يزيد على هذه الكلمة، قالت: فكان هذا يريبني، أي: أشك فيه، لماذا لا أجد تلك الحفاوة وذاك الحنان، وتلك الشفقة التي كنت أجدها قبل ذلك، فاستأذنته صلى الله عليه وسلم أن أمرض في بيت أبوي فأذن لي. فارتحلت رضي الله عنها وأرضاها بمرض، لكن لا تدري أنها أصيبت في عرضها، وهو أشرف ما يملكه الإنسان. ولذلك فأنت تريد أن يدمر بيتك ولا تصاب في عرضك، وأن تنتهي حياتك ولا تثلم في شخصيتك، وأن يذهب عنك كل شيء من ذوات الدنيا، وأن يموت أبناؤك وزوجتك وأحبابك وأقرباؤك ولكن لا تصاب في هذا المعلم أعني عرضك. ولذلك يقول سيد قطب رحمه الله: إن هذه الأيام أوقفت الرسول صلى الله عليه وسلم على أعصابه شهراً كاملاً، أصيب في عرضه، وفي رسالته، وشكك في مبادئه، ما أصبح عند المنافقين إلا في مقام التهمة، إنسان مصلح يريد تجديد أمر البشرية، والخروج بها من الظلام يصاب في عرضه صلى الله عليه وسلم وفي زوجته، كيف يثبت بعدها في الساحة، ويؤدي الرسالة ويعلم الناس، ويجاهد ويفتي، وهو متهم ومرتاب في عرضه عليه الصلاة والسلام، إنها مصيبة عظيمة. والعجيب أن من أقدار الله أن الوحي لم ينزل في تلك الفترة حتى يربي الله الأمة، ويرى المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب، فلم ينزل الوحي شهراً كاملاً، فنزلت عائشة في بيت أبوها تمرض، وأتى عليه الصلاة والسلام لا يدري ماذا يتصرف، الوحي لم ينزل عليه، وجبريل ما فاوضه في هذه المسألة، سمع عليه الصلاة والسلام أن زوجته اتهمت في عرضها، وهو يعلم أنها صديقة خيرة، لكن ليست عنده براهين وإثباتات وحجج تنفي هذه التهمة والشائعة التي استبيحت في الناس، وفي أوساط المجتمع. ذهبت عائشة رضي الله عنها ولم تدر، والنبي صلى الله عليه وسلم عاد إلى قريبه وابن عمه أبي الحسن أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، الذي هو منه صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى، فقال: يا علي، ماذا ترى في أهلي؟ قال: النساء غيرها يا رسول الله كثير، كأنه يقول تزوج!! فذهب إلى أسامة فشاوره، فقال أسامة رضي الله عنه وأرضاه: يا رسول الله زوجك ما علمنا فيها إلا خيراً، فذهب صلى الله عليه وسلم إلى الجارية وشاورها، وقال لها: ماذا ترين؟ -التي كانت تخدم عائشة - فقالت: ما رأيتها إلا صائمة قائمة عابدة، إلا أنها كانت تنام فتأكل الداجن عجينها، يعني من غفلتها وبراءتها ولطفها، تأتي الشاة من طرف البيت فتأكل العجين الذي هو في الصحفة. والرسول عليه الصلاة والسلام لَمْ يخرج إلى الآن بحل لهذه المشكلة المريبة، وتأتي عائشة فتخرج مع نساء فتخبرها امرأة أنها اتهمت، قالت: فسقطت على وجهي، وزاد مرضي مرضاً، وهمي هماً، والله ما اكتحلت بنوم، والله لقد بكيت حتى ظننت أن البكاء يخرق كبدي، أو يخالف بين أضلاعي، فدخل عليها صلى الله عليه وسلم وقال: {يا عائشة: إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفريه -إلى الآن لم يتأكد النبي عليه الصلاة والسلام أنها بريئة- وإن كنت بريئة فسيبرئك الله عز وجل} فقالت عائشة لأبيها: رد عني؟ فقال: والله ما أعلم ماذا أقول، فقالت: لأمها كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري والله ماذا أقول، فجلست عائشة وقالت: والله ما مثلي ومثلكم إلا كما قال أبو يوسف -ونسيت اسمه من الهم والحزن واسمه يعقوب وهذا في الصحيح- {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18] وما برح صلى الله عليه وسلم، أو ما برح من مكانه حتى أتاه الوحي، فنام واستيقظ فإذا هو يتلو تلك الآيات {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور:11] فبرأها الله عز وجل من فوق سبع سماوات، ورفع لها عظيم الدرجات، ومحا عنها كثيراً من السيئات؛ لأنها صبرت في عرضها واحتسبت عند الله. وجلد صلى الله عليه وسلم بعض الذين ذهبوا بهذه الشائعة، نسأل الله السلامة والعافية.

صور من صبر الرسول صلى الله عليه وسلم

صور من صبر الرسول صلى الله عليه وسلم رسولنا صلى الله عليه وسلم ابتلي على كافة الأصعدة، في صعيد المعركة ابتلي بالقتال، فصبر واحتسب، مات ابنه عليه الصلاة والسلام فلذة كبده وشجا روحه، وهو في العامين من عمره، فصبر واحتسب، يقول أنس: ذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم له ابنه إبراهيم ونفسه تقعقع، فأخذه صلى الله عليه وسلم واحتضنه وهو في سكرات الموت، وبكى عليه الصلاة والسلام وكان يقول: {إنا لله وإنا إليه راجعون: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم! لمحزونون} ما أحسن هذه الكلمات. وابتلي عليه الصلاة والسلام بفقد بناته، فصبر واحتسب، وجلس عند قبرٍ، وأخذ ينكت الأرض ويبكي ويقول: {والذي نفسي بيده، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً}. وابتلي عليه الصلاة والسلام في دعوته بالشائعات، فقالوا ساحر، وشاعر، وكاهن، فاحتسب ذلك عند الله عز وجل. فمن هذا نأخذ: أن الابتلاء عجيب، وأنه أنواع، وأنه يمر بالمؤمن من حيث لا يشعر ولا يحتسب، فما عليه إلا الصبر، وقد ابتلي الصالحون سلفاً وخلفاً. يقول ابن القيم: يا هزيل العزم -أو كلمة تشبهها- ناح في الطريق نوح، وذبح فيه يحيى، وقتل زكريا، وسجن الأئمة، وجلدت ظهور العلماء، هذا طريق الابتلاء {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24].

ابتلاء الإمام أحمد بن حنبل

ابتلاء الإمام أحمد بن حنبل سُجِنَ الإمام أحمد رحمه الله إمام أهل السنة والجماعة، وجلد بالأسواط على ماذا؟ على زهده وعبادته، على علمه بالحديث يوم حفظ ألف ألف حديث ما بين مرفوع وموقوف ومسند ومقطوع وأثر وكلام تابعي على صيامه في النهار، وإعراضه عن الحياة الدنيا، وعلى أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وعلى دعوته المشعة الفياضة، واستقامته في ذات الله، وتربيته لأجيال الأمة وتعليمهم العلم، ابتلي بلاء يرفع الله به منزلته، وجلد، ووضع في السجن، وأخرج فكان كالذهب الأحمر إذا أدخلته النار فعاد ذهباً خالصاً أحمراً {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3] الدين ليس دعاوى: والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء يدعي أحد الناس أنه يحب الله، فإذا سمع الأذان لا يتحرك إلى المسجد، فهذا منافق إن لم يكن له عذر شرعي، ويدعي أنه يحب الله ورسوله، وأنه يوالي الله ورسوله، ولكنه إذا أصيب بمرض تسخط وأنكر القضاء والقدر، وقال كلمات لا أصل لها، فأين الإيمان وأين الصدق؟! الإيمان معناه: أن تقوم إلى الماء البارد في صلاة الفجر، وهو أحب إليك من الجلوس مع الأخيار، في السمر، أو في مناجاة الأحبة، وفي الحديث: {إذا قام العبد المؤمن وتوضأ من الماء البارد -وهذا من الابتلاء في الطاعات- وترك فراشه الوثير ولحافه الدفيء، قال الله: يا ملائكتي! انظروا لعبدي، ترك فراشه الوفير، ولحافه الدفيء، وقام إلى الماء البارد يتوضأ منه، وقام يدعوني ويتملقني، أشهدكم أني غفرت له، وأدخلته الجنة}. وعلامة الصدق أن تثبت في صفوف المؤمنين في الصلاة، وأن تقدم إليها بشوق وحرارة، لأن المنافق قد يصلي، ولكن ليس هناك حب، ولا إخلاص، ولا انقياد، يقول جل ذكره: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] يصلون، ولكن كسالى، ويذكرون الله، ويقرءون القرآن لكن ببرود، ليس هناك صدق ولا إخلاص ولا محبة ولا اندفاع فلم ينفعهم ذلك. الإمام أحمد سجن لأنه يقول ربي الله، فرفع الله درجته، فأصبحنا نذكره في كل مجلس، وعلى كل منبر، وفي كل منتدى، وعلى رأس كل محفل، فانظر كيف رفع الله ذكره، وأما خصومه ومن عارضه فمحق الله ذكرهم، فلا يذكرون إلا قليلاً، مثل الوزير ابن الزيات الذي دعا عليه الإمام أحمد، فجلد وعذب وأدخل في الفرم وهو حي حتى قطع تقطيعاً، هذا ابن الزيات الوزير الذي اعترض على الإمام أحمد، فسلط الله عليه ظالماً مثله، فعذبه وابتلاه وقطعه. وأحمد بن أبي دؤاد شيخ المعتزلة المبتدع الذي هو أحمد أهل البدعة، وأحمد بن حنبل أحمد أهل السنة، دعا عليه الإمام أحمد فأصيب بالفالوج، لأن الإمام أحمد قال: اللهم عذبه في جسده، لأنه السبب في الجلد والسجن والضغوط السياسية للإمام أحمد، فقال الإمام أحمد: اللهم عذبه في جسده، فشل نصف جسده، والنصف الآخر سليم، قالوا: كيف حالك يا بن أبي دؤاد؟ قال: أما نصف جسدي هذا، فو الله لو أن ذباباً وقع عليه لكأن القيامة قامت، وأما نصف جسدي هذا، فوالله لو قطع بالمناشير قطعة قطعة ما أحسست به، لماذا؟ لأنه عارض الحق، أما الإمام أحمد فبقي مذكوراً في كتب الحديث، فهو يذكر آلاف المرات. أحد الصالحين دخل على ابن بقية، الوزيرالظالم، فضربه على وجهه بكفه فأجلسه، فقال الصالح العابد: اللهم إنه ضربني، اللهم فاقطع يده، فابتلاه الله بظالم فقطعت يده، ولذلك يقول ابن بقية: ليس بعد اليمين لذة عيش يا حياتي بانت يميني فبيني ذكره ابن كثير في ترجمته.

الابتلاء في حياة شيخ الإسلام

الابتلاء في حياة شيخ الإسلام وممن عاش مرحلة الابتلاء في تاريخ الإسلام شيخ الإسلام المجاهد الكبير ابن تيمية رحمه الله، فإنه ابتلي في عرضه بالتهم الرخيصة التي لا مصداق لها ولا حق، وابتلي بالسجن، فدخل السجن؛ لأنه يدعو إلى لا إله إلا الله، وإلى تصحيح المعتقد، وإلى الخروج بالناس من الظلمات إلى النور، فلما أدخل السجن رد عليه الباب، فالتفت إلى البواب وهو يوصد عليه قائلاً {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] دخل على سلطان عصره، السلجوقي، فقال له السلطان: يا بن تيمية يقول الناس: إنك تريد ملكنا، فتبسم ابن تيمية تبسم المستعلي بلا إله إلا الله، الذي يريد ما عند الله والدار الآخرة، والذي ينظر إلى أن الدنيا رخيصة لا تساوي مجلس نصف ساعة في المسجد، وقال: أنا أريد ملكك؟! قال: يقولون ذلك، قال: والله الذي لا إله إلا هو ما ملكك وملك آبائك وأجدادك يساوي عندي فلساً واحداً! تظن أنني أسعى إلى ملكك، ونحن نسعى إلى تقرير لا إله إلا الله في الأرض، لتبقى حية أَبَدَ الدهر، ولذلك بقيت كتبه، وبقيت معالمه، وبقيت مدرسته حية في قلب كل مسلم، وما عرفنا اسم السلطان إلى اليوم. رفع الله ذلك العلم، وكان وحيداً لأنه يعبد الله، وأما السلطان بموكبه وجنوده وحاشيته فأخفت ذكره، فلا نعرف اسمه وللأسف، لأن هذا الابتلاء عاشه ابن تيمية لوجه الله تعالى، واحتسب، وأنا قلت لكم إن من ثمار الابتلاء الرفعة، ولا تجد مبتلاً صبر واحتسب إلا رفع الله ذكره، وأعلى شأنه، فأصبح يذكر أبداً بالدعاء والثناء. ومن الفوائد العظيمة للابتلاء لذة الانتصار، فإن الله عز وجل أقر عيون الصحابة بعد أن كانوا مستضعفين بالنصر، وما أحسن من الإنسان أن يجاهد ويبذل، ويعطي ثم ينتصر في آخر المرحلة.

بلال بن رباح وعاقبة الصبر

بلال بن رباح وعاقبة الصبر وبلال بن رباح: أهين من الوثنيين إهانة لا يعلمها إلا الله عز وجل، والله عز وجل يعلم أن بلالاً يقول: لا إله إلا الله، ويصلي، ويريد الله والدار الآخرة، ويراه يسحب في جبال مكة، ويوضع عليه الصخر، وبلال يقول: أحد أحد، وفي قدرة الله عز وجل أن يخسف بهؤلاء الكفرة، وأن يطلق بلالاً ويفك أسره، لكن هكذا يريد الله ليجعله الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مدرسة من مدارس الابتلاء. وبعدها يأتي بلال بن رباح فينتصر إيمانه على الكفر، ويثبت يقينه على الطاغوت، ويهتدي بهدى الله عز وجل، فيصبح سيداً من السادات، فـ بلال بن رباح معروف الآن، وأما خصومه فليسوا معروفين، بلال يعرفه مسلمو الملايو والسودان والعراق، وكل صقع يذكر فيه لا إله إلا الله يعرفه المسلمون، لأنه مؤذن الإسلام: فاستفاقت على أذان جديد ملء آذانها أذان بلال وفي الصحيح لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح أمر بلالاً أن يؤذن، فارتقى بلال على الكعبة المشرفة التي بنيت على التوحيد ليؤذن، وليغيظ به صلى الله عليه وسلم المشركين رؤساء الضلالة والطاغوت، يقول: انظروا إلى هذا العبد الذي لا يساوي في نظركم فلساً واحداً، أصبح سيداً بلا إله إلا الله، وانظروا إلى هذا المؤمن التقي المتوضئ اليوم يرتقي على الكعبة فيؤذن بلسان التوحيد لتسمعه آذان البشرية. وانظروا إلى من سحبتموه على الصخور، وأهنتموه وضربتموه وشتمتموه، يؤذن يوم الفتح أذاناً، فتستمع الدنيا، وينصت الدهر لأذان بلال: وقل لبلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا فرضي الله عن بلال كيف ابتلي فصبر، فرفع الله ذكره أبد الآباد، هذا هو النصر، ولذلك يقول عمر: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا، أصبح بلال سيداً من سادات هذا الدين، وأصبح واجهة وقدوة يتشرف المسلم أن ينتسب إلى مثل أمة منهم بلال بن رباح رضي الله عنه وأرضاه. إذاً: يا أيها الإخوة الفضلاء! ويا أيها الأخيار النبلاء! من أعظم الدروس التي نستفيدها: أن الأجر والمثوبة مع المشقة، ولذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود {قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكاً شديداً، فقلت: يا رسول الله -بأبي أنت وأمي- إنك توعك وعكاً شديداً! قال: نعم، قلت: ذلك بأن لك أجر رجلين، قال: نعم، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم} ثم قال عليه الصلاة والسلام وهو يتحدث لـ ابن مسعود {ما من مسلم يصيبه هم أو غم أو حزن أو كرب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله به من خطاياه} وفي لفظ {إلا حط الله من خطاياه كما تحط الشجرة ورقها} فانظر إلى الابتلاء معه الأجر والمثوبة، فاحتسب ما يصيبك في ذات الله عز وجل، من همٍّ أو غمٍّ، أو حزنٍ، أو حتى حر الشمس، فإن الشوكة إذا أصيب بها العبد فاحتسبها عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كتب له أجر ذلك. ومنها: الرفعة، فإذا ابتليت فاعلم أن الله أراد رفعتك، وما أراد خفضك، فإنه إذا علم أنك تريده والدار الآخرة رفعك بالابتلاء. ومنها: أنه علمك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى درساً من دروس العبودية لا ينسى؛ لأنك تذل بالابتلاء، وتتواضع لنفسك، وتتهذب أخلاقك، لأن بعض الناس جاهل ما تربى، فإذا أصيب بمرض أو أصيب بمصيبة ذل، وأسلس القيادة لله الواحد الأحد. ومنها: أنك تتربى كذلك على الصبر، وهي المدرسة الكبرى التي أراد صلى الله عليه وسلم أن تتقرر للناس، ولذلك يقول الإمام أحمد: تدبرت الصبر في القرآن فرأيته في أكثر من تسعين موضعاً، وقال أهل العلم: من ركب الصبر أوصله إلى الرضا، وقال عمر: أدركنا خير عيشنا بالصبر، وقال بعض الصالحين: لما صبرنا نجحنا وأفلحنا. من لا يصبر فلا حظ له، ولا حكمة ولا نهاية معه، ولا غاية منشودة يطلبها. فعلينا يا عباد الله! أن نصبر في كل ما أصابنا، وأن نحتسب أجرنا على الله عز وجل، يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم، من حديث صهيب رضي الله عنه وأرضاه مرفوعاً: {عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، إن أصابته نعماء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن}. فاصبر على كل ما يصيبك في عرضك، فإن الأخيار وشباب الدعوة والصحوة الإسلامية الآن، أكثر ما يصابون في أعراضهم، متزمتون، متطرفون، رجعيون، مطاوعة، من هذه الألقاب والشائعات التي تلصق بهم، فعليهم أن يحتسبوا، وليعلموا أن رسولهم وقدوتهم صلى الله عليه وسلم أصيب بأشد من هذا، فقالوا عنه ساحر، وكاهن، وشاعر، ولكن صبر واحتسب، فأعلاه الله وخفض خصومه. واصبر على كل ما يصيبك في مجال الدعوة، فإنك تجد الجفاء والإعراض، وتجد تكبر المتكبرين وشتم الشاتمين، وسب السابين، فعليك أن تحسن خلقك، وأن تصبر، فإن النصر سوف يكون معك إن شاء الله. واصبر على كل ما يفوتك من الأحباب والأقارب، وكل ما يصيبك في جسمك من تعطيل بعض الحواس وتحتسب ذلك على الله، فنسأل الله لنا ولكم العافية، فإنا لا ندعو بالبلاء. ولما قرأ أبو علي الفضيل بن عياض قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31] قال: اللهم لا تبلونا فتفضحنا، يعني اتركنا مستورين، فإن بعض الناس يدعو بالابتلاء فإذا حصل لا يصبر، كما فعل بنو إسرائيل، كانوا يتمنون القتال فلما حضرت المعركة فشلوا، فنحن نسأل الله العفو والعافية، وفي حديث العباس أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في المسند: {ألا أحبوك يا عم} وفي رواية: {يا رسول الله! علمني دعاء أدعو به، قال قل: اللهم إني أسألك العفو والعافية} وفي صحيح مسلم {أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى رجل من الأنصار، فوجده مريضاً قد ضمر جسمه، قال: مالك؟ قال: قلت: اللهم ما كنت معذبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فابتلاني الله، قال عليه الصلاة والسلام: ألا قلت أحسن من ذلك؟ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]}. فندعو دائماً بالعافية. وعند الترمذي: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك الصبر، قال: مالك دعوت بالبلاء، ولكن اسأل الله العافية} فنحن نسأل الله العافية وأن نكون مستورين، لأنا لا ندري علَّنا أن نبتلى فنفتضح، فنسأله أن يعافينا وإياكم من أي سوء، وأن يجعل أحسن الأقدار علينا ألطفه، وأن يرزقنا من الخير أعمه، ومن البر أتمه، ومن العيش أرغده، ومن الوقت أسعده، وأن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة .

معنى الصبر

معنى الصبر Q ما معنى الصبر؟ وإذا حل بالإنسان أمر يكرهه وأخبر به أحداً، فهل يعتبر من غير الصابرين؟ A الصبر أثابكم الله في اللغة معناه: الحبس، ومعنى الصبر في الاصطلاح: أن تحبس نفسك على طاعة الله عز وجل، تحبسها من الشكوى من أمر وقع عليك، والشكوى على ضربين اثنين وعلى قسمين: شكوى بدون تأفف ولا تسخط، وإنما عرض ومناجاة، وطرح على الأحبة فلا بأس في ذلك، ولذلك قال الإمام البخاري في صحيحه: باب من قال وارأساه، هل هذا من الشكوى، ثم أتى بحديث عائشة أنها قالت: {ذهب صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، ثم أتى فقلت: يا رسول الله وارأساه، فقال: بل أنا وارأساه} فالرسول عليه الصلاة والسلام قال هنا وارأساه، وكذلك حديث فاطمة لما قالت: {واكرب أبتاه، قال: ليس على أبيك كرب بعد اليوم} فهذا ليس معناه التسخط على القضاء والقدر، وإنما معناه التسلية والبوح عما في النفس: ولا بد من شكوى إلى ذي قرابة يواسيك أو يسليك أو يتوجع وأما الناحية الأخرى، فهي الشكوى بمعنى التسخط، وهذا لا يجوز، بأن تعرض حالك على الناس وكأنك تشكو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على الناس، فهذا لا ينبغي: وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم وهذا من الخطأ، وهو مردود ومذموم، ولا ينبغي أن يزاول أو يفعل، بل يتقي الله العبدُ، ويشكو حزنه وبثه ومصابه إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

أدعية تدفع المصائب

أدعية تدفع المصائب Q هل توجد أذكار أو أعمال يفعلها المسلم تدفع المصائب؟ A هناك بعض الأحاديث في هذا الباب، منها حديث {لا يرد القضاء إلا الدعاء} وقد صححه بعض أهل العلم، ومنها حديث: {إن الدعاء والقضاء يعتلجان أيهما يغلب الآخر} فأما الدعاء فقد يخفف من المصائب، وأحسن ما يدعو به المؤمن كما سلف: اللهم إني أسألك العفو والعافية، وربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. وهل الدعاء يرد القضاء، هذه مسألة، والصحيح أن يقال، نعم وبيانه أنه قد كتب وقدر أن العبد يدعو بهذا الدعاء، فيرد الله عنه ما كان سيحل به، فالدعاء يرده من هذا الباب، لأن الله قدر عليه القدر، وقدر عليه أنه سيدعوه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيصرف عنه هذا الأمر بالدعاء، فلا يَهْلك مع الدعاء أحداً، وأساس الفرج الدعاء، لأنا لو قلنا: إن الدعاء لا ينفع مع القضاء لأبطلنا الأسباب، فما فائدة أن يقول الطالب: اللهم نجحني في الامتحان، وقد كتب الله عليه أن يرسب، فهذا لا فائدة فيه! فنقول: لا، بل له فائدة، وعلى الطالب أن يدعو لأمرين: أولاً أنه ما علم الغيب، وما علم أن الله كتب عليه الرسوب، فلماذا يقول كتب الله علي الرسوب فلا أدعو؟! ثانياً: لعل الله قد كتب له أن يدعو فينجحه بسبب الدعاء، يوم كتب الله عليه أن يرسب، لعله كتب: ثم يدعو فينجح، والقضية تحتاج إلى بسط أكثر من هذا.

الابتلاء بالنعم

الابتلاء بالنعم Q هذه المصائب التي ذكرتم في نقص النعم، فما أمثالها في زيادة النعم؟ A أحسنت، هذا جانب الضراء وهو الابتلاء بالنقص والأخذ، والمرض والألم، لكن هناك مصائب يبتليها الله عز وجل، وهي من السراء كالزيادة في العطاء والنعم. قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض الناس بالنعم فبعض النعم ابتلاء وامتحان ومزلة، ابتلى الله عز وجل كثيراً من الناس بالنعم والزيادة، فرسبوا وأخفقوا وما نجحوا، وابتلى الله بعضهم فأنعم عليهم فشكروا، وابتلي البعض بالنعم فما صبر وما شكر وما أعطى، وما أروا الله من أنفسهم خيراً كأهل سبأ {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا -ما شكروا- وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:15 - 17] فهؤلاء ما شكروا. قارون أنعم الله عليه فما قدر النعمة وما شكر، وهذا ابتلاء بالنعمة {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:79 - 80] فابتلي بالمال، فما شكر، فكان كفراناً وجحوداً وذنباً وغضباً. فرعون ابتلي بالمنصب أعطاه الله الملك، والواجب أن يستخدم هذا الملك في خدمة لا إله إلا الله، وفي خدمة دين الله، وفي تأييد رسله، لكن ماذا قال؟ جلس على المنبر، وقال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] فلما قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] أجراها الله من فوق رأسه لما أغرقه. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن الوليد بن المغيرة: {وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ} [المدثر:13 - 15] كلا، فابتلاه الله عز وجل ورداه إلى غير ذلك. فالمقصود أن الزيادة ابتلاء، وأن النقص ابتلاء، فمنهم من يشكر ومنهم من يكفر، لكن ذكر الله عز وجل أن بعض الناس أدى وشكر، وفي السيرة أن عثمان دفع أمواله، فاستنقذ نفسه من غضب الله، وابن عوف كذلك أنفق القافلة في سبيل الله عز وجل، فأنقذه الله من النار، وكثير من الصالحين بذلوا، وأعطوا وأنفقوا الكثير، وشكر الله للسائل هذه اللفتة الطيبة.

بقاء الصغير مع أهله العصاة

بقاء الصغير مع أهله العصاة Q كيف يصبر الإنسان في بيته، وبيته غارق بالمعاصي، وهو لا يستطيع الخروج من البيت؛ لأنه صغير السن؟ A هذا سؤال يتكرر كثيراً من الشباب الذين أقبلوا على الله عز وجل، وبيوتهم لا زالت تعيش الجاهلية الجهلاء، فهو بين أن يصبر في هذا المجتمع الآسن، وهذا البيت المكدر مع المعاصي والشهوات والمخالفات، وبين أن يترك البيت ويذهب، لكن من يكفله، والكافل هو الله عز وجل، لكن إلى أين؟ ما هو المكان الذي يذهب ليؤمن نفسه فيه؟ وأقول لأخي: عليك أولاً: بالصبر على هذا المصاب، فإنها مصيبة تؤجر عليها. والأمر الثاني: عليك بكثرة الدعاء، أن يجعل الله لك مخرجاً من هذه المصيبة، ومن هذا الكرب. والأمر الثالث: عليك بالدعوة إلى الله بالحكمة واللين مع أهلك، وأن تحاول أن تصلح قليلاً قليلاً، وأن تصبر، وأن يكون نَفَسُك مديداً، فإذا انتهت أعمالك وأشواقك فعليك أن تتوجه إلى الله، وأن تعالج الأمر بشيء من الحكمة. فإما أن ترى أن الهجر أنفع فتهجر بيتك ردحاً من الزمن علهم أن يتأدبوا؛ لأن هجر العصاة وارد وهو من السنة، وإذا رأيت ذلك لم ينجح ورأيت أهلك معرضين عن فرائض الله عز وجل فعليك أن تقاطعهم إذا رأيت ذلك بعد أن تصبر وتلين، وتدعو إلى الله عز جل، وسوف يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً إذا رأى صدقك واحتسابك، ورأى منك صدق الدعاء.

العلاج والتوكل

العلاج والتوكل Q هل الأخذ بالأسباب، ومعالجة المرض، ينافي الصبر على البلاء؟ وضحوا ذلك جزاكم الله خيراً؟ A المعالجة وطلب الدواء وعرض النفس على الطبيب إذا ابتلي العبد بمرض لا ينافي التوكل إن شاء الله، والرسول عليه الصلة والسلام يقول: {تداووا عباد الله! ولا تداووا بمحرم} وفي السنن من حديث أبي خزيمة أنه قال عليه الصلاة والسلام: {ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله} فطلب الدواء لا ينافي التوكل إن شاء الله. وإنما اختلف أهل العلم في الرقية والاسترقاء على حديث ابن عباس: {لا يكتوون، ولا يتطيرون، ولا يرقون، ولا يسترقون} ولكن طلب العلاج لا ينافي إن شاء الله التوكل. ومطلوب أن يعالج المسلم نفسه، ولكن العلاج على الصحيح رخصة، وليس بعزيمة، فلا يجب على العبد إذا مرض أن يتعالج إن شاء الله، كما قال بعض أهل العلم: وله أن يصبر حتى يموت، والأحسن أن يعرض نفسه على الطبيب، وأن يجلب الدواء. فطلب الدواء لا ينافي التوكل، وهو من الأسباب المطلوبة إن شاء الله، والرسول صلى الله عليه وسلم احتجم، ورقاه جبريل عليه السلام لما سحر صلى الله عليه وسلم، وكثير من الصحابة رضوان الله عليهم تداووا، وهم أكثر منا توكلاً، وأشد اعتماداً على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فأخذ الأسباب لا بأس به. وفي صحيح البخاري {أن الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد، لما شج في رأسه عليه الصلاة والسلام، أتي بسعف فأحرق، وأدخل في الشج} فهذا من الأسباب التي قدمت للرسول صلى الله عليه وسلم، وعرضت عليه، فلا ينافي ذلك التوكل بإذن الله.

هل البكاء ينافي الصبر؟

هل البكاء ينافي الصبر؟ Q إذا حصل للمؤمن مصيبة كموت عزيز ونحوه، ثم بكى فهل هذا البكاء وخصوصاً عند النساء ينافي الصبر، أرجو توضيح ذلك؟ A البكاء قسمان: بكاء بلا عويل، ولا نياحة، ولا تَسَخُّط ولا أيِّ من أمور الجاهلية، فهذا لا بأس به، فقد فعله صلى الله عليه وسلم، وبكاء تصاحبه نياحة وتسخط، وتذمر، وكلام، فهذا هو المنهي عنه، وهو الذي توعد صلى الله عليه وسلم صاحبه فقال: {النائحة إذا لم تتب أوقفت يوم القيامة وعليها درع من جرب، وصب عليها القطران، أو إزار من قطران} وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الحالقة والصالقة والشاقة} إذا علم ذلك فهذا الأمر مذموم. أما البكاء المجرد عن ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم بكى، وهو وأرض الناس بحكم الله، وقال: {تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون} وعليه فالبكاء ودمع العين من الرقة، والرسول عليه الصلاة والسلام بكى في مواضع كثيرة، أكثر من عشرة مواضع، بكى يوم أغمي على سعد بن عبادة، وهذا في الصحيح، قال: {مات أخي؟ قالوا: لا، فبكى صلى الله عليه وسلم} وبكى لما حضر جنازة ابنته زينب، وقال: {لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً}. وبكى صلى الله عليه وسلم لما مات سعد بن معاذ، وبكى عليه الصلاة والسلام ودمعت عيناه لما مات إبراهيم في مواطن يطول تعدادها. وقد ذكر ابن تيمية في فتاويه، ونقل عن الفضيل بن عياض أنه مات ابنه علي فضحك، يعني من كثرة الصبر والرضا فـ ابن تيمية ذاك الذكي الأريب، يعالج المسألة، ويقول: حال رسولنا صلى الله عليه وسلم أكمل، لأنه لما توفي ابنه بكى، والفضيل ضحك، فاجتمع للرسول صلى الله عليه وسلم واردان، وارد الرضا، ووارد الرحمة، فاستطاع صلى الله عليه وسلم أن يرضى بحكم الله، فقال: {تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا} هذا الرضا، وجانب الرحمة تدمع العين، فجمع بين الرحمة وبين الرضا، وأما الفضيل بن عياض فما استطاع أن يجمع بينهما، مع الرضا الرحمة فضحك، فحال رسولنا صلى الله عليه وسلم أكمل، وحال من بكى في المصائب بلا تسخط، ولا هلع، ولا جزع، ولا تذمر، أكبر من حال من جفت عيناه، وقسي قلبه، لأن الناس ثلاثة في هذا الباب: رجل لا يبكي ولا يتأثر عند المصائب أبداً، وهذا مذموم، ورجل يهلع ويتذمر وينوح ويشتم ويسب، إما رجل وإما امرأة، وهذا مذموم، والمتوسط وهو الخير، الذي تدمع عيناه، ويحزن قلبه، ويرضى بحكم الله ويسلم.

وسائل تعين على الصبر

وسائل تعين على الصبر Q ما هي السبل التي تعين الإنسان على الصبر؟ A أسلفت هذا في أول الحديث، ولا بأس من إعادة رءوس الأقلام في هذا الباب، فقد ذكرها ابن القيم في كتابه زاد المعاد، لما ذكر هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المصائب. الأمر الأول علاج المصيبة بالإيمان بالقضاء والقدر، وهو ركن من أركان الإيمان كما تعرفون، وهو شق من التوحيد. والأمر الثاني: احتساب الأجر والمثوبة عند الله. والأمر الثالث: أن تتسلى بأهل المصائب من عباد الله عز وجل. والأمر الرابع: أن تعرف أن هذه المصيبة أهون من غيرها، إلى غير ذلك من الأمور التي ذكر، وهذه الأمور الأربعة كأنها الأمور الأساسية والجوهرية في هذا الباب.

تمني البلاء

تمني البلاء Q هل يجوز للإنسان أن يتمنى البلاء، لكي يحصل على الثواب؟ A هذا ليس بجائز، بل كما أسلفت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للعباس قل: {اللهم إني أسألك العفو والعافية} والرسول عليه الصلاة والسلام كما في مسند الإمام أحمد من حديث أبي بكر قال الراوي: {قام فينا أبو بكر، فبكى على المنبر، ووضع رأسه، ثم رفع رأسه، وقال: يا أيها الناس! قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أول، ثم وضع رأسه، ثم بكى، ثم رفع رأسه، وقال: يا أيها الناس! اسألوا الله العفو والعافية فما أوتي العبد بعد اليقين خيراً من العافية}. فأمرنا أن نسأل الله العافية ولا نسأله البلاء، فإن من سأل الله البلاء لا يدري لعله يقع فيه ثم لا يجد مخرجاً ولا يصبر، فيقع في المحذور، ومن هذا الباب أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال، كما في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن سمرة: {يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة -لأن الإمارة ابتلاء- فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها -انظر كيف يعان عليها لأنه ما سألها، وما سأل الابتلاء- وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إلى نفسك} فمن طلبها بالمسألة وكل إلى نفسه، فالابتلاء لا يطلب لأنه إذا طلب وكل الإنسان إلى نفسه، وإذا أتى من دون سؤال أعين العبد عليه.

كتب لا يستغني عنها طالب العلم

كتب لا يستغني عنها طالب العلم Q أرجو منك تبيين ما هي الكتب التي لا يستغني عنها طالب العلم والتي تعينه على البحث والاطلاع، وعلى السير على الصراط المستقيم؟ A من الكتب التي أرشدكم إليها، بعد أن نتفق أنا وإياكم وكل مسلم على أن كتاب الله عز وجل عليه مدار التدبر والفهم والحفظ، وأنه المقدم دائماً وأبداً، وأنه الذي أوصى به صلى الله عليه وسلم في آخر حياته، وعليه وصية السالفين واللاحقين والصالحين والصديقين. من هذه الكتب زاد المعاد وجامع الأصول لـ ابن الأثير فإنه من أحسن الكتب التي ألفت في فن الحديث، مع رياض الصالحين للخطيب والداعية والمتكلم يحفظ نصوصه فهي من أفضل ما كتب وجمع؛ لأن صاحب الكتاب رزق الإخلاص والقبول، مع كتاب بلوغ المرام في الأحكام، فهو من أحسن ما حرر، قال ابن حجر في أوله: حررته تحريراً بالغاً، ليكون من يحفظه بين أقرانه نابغاً، مع عمدة الأحكام في الحديث. وأما في الفقه فهناك كتب وإني أشكر لعالمكم الفاضل، وهو الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي صاحب كتاب السلسبيل، فما يحتاج إلى فضيلة أخرى مع كتاب السلسبيل، فقد أجاد كل الإجادة في تدليله على مسائل الفقه، فإنه يأتي بالحديث ويخرجه بعض الأحيان من عشرة مراجع، وبعض المرات ينقل تصحيحه من أربعة أو خمسة مصححين. والأمر الثاني: أنه يأتي بترجيحات أو أقوال المذاهب، فيورد قول مالك كذا، وقول الشافعي كذا، وقول أحمد كذا، وتارة يأتي باختيارات ابن تيمية وابن القيم، فهو كتاب مفيد في الأحكام، مع البحر وحدث عن البحر ولا حرج، أعني نيل الأوطار للشوكاني، وبالجملة يقول الذهبي في ترجمة ابن حزم في سير أعلام النبلاء: أربعة كتب من جمعها وأمعن النظر فيها فهو العالم حقاً، المغني للحنابلة، والتمهيد لـ ابن عبد البر، وسنن البيهقي، والمحلى لـ ابن حزم، ومن زاد معها المجموع للنووي فقد أحسن، هذا في الأحكام وما الأحكام. والرقائق سلف أن قلت منها جامع العلوم والحكم لـ ابن رجب، ورياض الصالحين والترغيب والترهيب، وكتاب الزهد للإمام أحمد، وكتاب الزهد> ابن المبارك، ومن فتح الله عليه سهل له الأمور، لكن أرشدكم إلى ذلك، وفي التفسير: تفسير ابن كثير، وفي التاريخ البداية والنهاية لـ ابن كثير أيضاً، وأوصيكم في الجملة بكتب ابن تيمية، وكتب ابن القيم، والحديث يطول في هذا ولكن إن شاء الله يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.

ضرورة حفظ الأوقات

ضرورة حفظ الأوقات Q ما هي نصيحتكم للشباب لقضاء وقت نافع في حياته؟ A أوصي نفسي والشباب بحفظ الوقت، ومن أعظم المصائب التي أصيب بها شباب الإسلام إلا من رحم الله رخص الوقت عندهم، حتى أصبح الوقت عند الكافر أغلى منه عند بعض المؤمنين، ومن يقرأ كتاب دع القلق وابدأ الحياة لهذا الأمريكي، يلاحظ كيف يحرصون على أوقاتهم، وهم لا يرجون من الله ثواباً ولا أجراً ولا جنة ولا يخافون ناراً. أكافر يحفظ الوقت، ومؤمن يضيع الوقت؟! {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجات من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي أشاب الصغير وأفنى الكبير كرُّ الغداة ومر العشي إذا ليلة أهرمت يومها أتى بعد ذلك يوم فتي فأعظم ما أصبنا به أننا أرخصنا الوقت، الساعة الواحدة تمر بنا ونحن على إبريق الشاي نتحدث في كلام لا ينفع، من الأسعار والأمطار والأخبار والأنهار والأشجار، فأين حفظ الوقت؟! في ساعة واحدة يؤلف ابن تيمية كتاب التدمرية، وقرر علينا سنة في الكلية فقرأناه وما فهمناه، لأن التدمرية تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم، في ساعة واحدة يؤلف كتاباً يقرر في الكلية في سنة ولا يفهمه الطلاب. ابن تيمية يثني رجله في دقائق فيؤلف قصيدة قوامها مائتي بيت، ثم يرسلها للناس، ويبقى العلماء يشرحونها في مجلدات، وكذلك ابن عقيل الحنبلي، ذكروا عنه -كما ذكر عنه ابن الجوزي في سيرته- أنه ألف كتابه الفنون سبعمائة مجلد، قال: كتاب الفنون ما جعله إلا لفضول الأوقات، يعني فضول الوقت، جعل رزمة من الأوراق عند رأسه فإذا أراد أن ينام كتب قبل أن ينام عشر صفحات، وإذا استيقظ وقال: أصبحنا وأصبح الملك لله كتب عشر صفحات، وإذا مرت به خاطرة سجلها، وإذا أتته فائدة قيدها، كل هذا خارج أوقات الدروس والمحاضرات واللقاءات، فترك للأمة سبعمائة مجلد، حتى يقول: أنا آكل الكعك ولا آكل الخبز؟ قالوا: لماذا؟ قال: وجدت أن بين الوقتين مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية. ونحن الآن الأيام الطوال والفسح الطويلة والعريضة تذهب سدى ولا تستثمر. إن مصيبة الوقت عندنا مصيبة لا يعلمها إلا الله، فإني أدعو نفسي وإياكم إلى استثمار الوقت، وأحسن ما يستثمر بعد الفرائض في المطالعة الجادة، وفي الجلوس في حلق العلماء، وطلب العلم وحضور المحاضرات، والكلمات النافعة، ومجالس الخير، وزيارات الأحباب، وتكون الزيارات مرتبة مخطط لها، لاأن تزوره فما يكون في ذهنك أسئلة، فتبدأ تسأله عن نسبه وعن ميلاده وعن سيارته وأخباره ودياره، فهذه ليست بزيارة نافعة، لكن يكون بينك وبينه اتفاق على دروس وعلى شرح آية أو حديث لتكون متهيئاً. إنها أمور تربوية تركها صلى الله عليه وسلم للناس، يوم كانت أنفاسه حفظاً للوقت، وكلماته حفظاً للوقت، وتحركاته حفظاً للوقت، فكان كله حفظاً للحياة عليه الصلاة والسلام.

محبة الخير للمسلمين

محبة الخير للمسلمين Q كيف يعود الإنسان نفسه أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟ A هذه المنزلة -منزلة أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك- منزلة عالية وعظيمة، نسأل الله أن يبلغنا وإياكم إياها، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث أنس: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} أتى بها البخاري في كتاب الإيمان. ويعود المرء نفسه بأمور: منها: أن ترى فناء الدنيا، وأنها تزول، وأنه لا يبقى إلا وجه الله عز وجل، وأنه مهما غلب عليك بعض الأشخاص، أو تقدم عليك في بعض الدنيا، أو معطياتها فما عليك، فإن العطاء الجزيل هو أن يرزقك الله الاستقامة. ومنها: أن تعلم أن هذا الأمر يرضي الله عز وجل، يوم تحب لأخيك ما تحب لنفسك، هذا يرضي الله، فلماذا لا تسعى في مرضات الله؟! ومنها: أن تعلم أن هذا المسلم أخ لك، وأنه قريب منك، وأنه حبيبك في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فتود له ما تود لنفسك، لتلقى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وأنت مرضي عنك إن شاء الله.

هل الشعر مذموم أم لا؟

هل الشعر مذموم أم لا؟ Q عن قول الله عز وجل {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء:224] فهل كل الشعر مذموم؟ وما تفسير الآية؟ A الشعراء الذين هم من أتباع السنة كلهم في الجنة إن شاء الله، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ذم الشعراء عامة، ثم استثنى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى منهم {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء:227] والشعر كما يقول ابن عباس: كالكلام حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام، وفي صحيح مسلم عن عمرو بن الشريد، قال: ركبت وراء الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: أتحفظ من شعر أمية شيئاً؟ -يعني ابن أبي الصلت الجاهلي- قال: قلت نعم، قال: هيه؟ فأنشدته بيتاً، فقال هيه، فأنشدته ثانياً، فقال: هيه، فما زال يستنشدني حتى أنشدته مائة قافية. وفي صحيح البخاري في كتاب الأدب: باب من صده الشعر عن القرآن وعن الذكر وعن العلم، ثم ساق الحديث عن أبي هريرة، وقد اتفق معه مسلم على ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: {لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه، خير له من أن يمتلئ شعراً} قال بعض العلماء مما هجي به الرسول صلى الله عليه وسلم. فأنا أقول الشعر مطلوب، لكن بثلاثة أمور: أولها؛ ألا يكثر، حتى يطغى على حياة العبد وعلى نشاطه وعلمه، وجده. والأمر الثاني: ألا يكون شعر سخف ومجون. والأمر الثالث: ألا يكون مما أهين به بعض المسلمين، أو مما يُهْجَى به بعض المسلمين، فإذا سلم فهو الشعر المطلوب الذي ينصر به الإسلام إن شاء الله.

العلم بين الأستاذ والتلميذ

العلم بين الأستاذ والتلميذ فضل العلم عظيم، وخيره كثير، ونفعه كبير، ولابد للعلم من معلم يرعى الطالب ويربيه، ويهذبه ويزكيه، ويعلمه كيف ينتفع بعلمه، ولابد لهذا المعلم من أخلاق ومواصفات لا يخلو منها، وفي المقابل يجب على الطالب الالتزام بآداب تجاه معلمه، وفي هذا الدرس يذكر الشيخ كثيراً من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المعلم والمتعلم.

تاريخنا مبدؤه من البعثة

تاريخنا مبدؤه من البعثة اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. والصلاة والسلام على من بعثه الله فهدى الإنسانية، وزعزع به كيان الوثنية، وأنار به معالم البشرية صلى الله وسلم على أذن الخير التي تلقت الوحي من الله، فبلغته للبشرية، ووعته وحفظته صلى الله وسلم على لسان الصدق الذي دفع الكلمة الصادقة المخلصة إلى الأجيال صلى الله وسلم على المعلم النبيل، والهادي الجليل، والأستاذ النبيل صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً وسلاماً دائمين مادام الليل والنهار. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. وإن كان لي من شكر فإني أشكر الله تبارك وتعالى على أن أجلسني في هذا المكان، ثم أشكر أساتذة الجيل ورواد الحضارة، وأهل البناء العميق في تاريخ الإنسان، ثم أشكر سعادة عميد هذه الكلية ووكيله وهيئة التدريس، ثم أشكركم أيها الأبطال الأخيار النبلاء. أتيت من أبها بلاد الجمال أقول أهلاً مرحباً بالرجال روض النبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال ميراثه فينا جميل الحلى وأنتم أصحابه يا رجال المحاضرة في هذه الليلة: (العلم بين الأستاذ والطالب) ويوم أن يكون العلم عندنا نحن المسلمين يكون نوعاً آخر، ويكون له طعم آخر ومزاج آخر ورسالة أخرى وهل العلم إلا منا، وهل نحن إلا شادة العلم الذي ينفع في الدنيا والآخرة. وأما عناصر هذه الجلسة والمحاضرة فهي: فضل العلم، وما ذكره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عن العلم ثم لا علم بلا إيمان لنرد على العلمانيين، أهل التراب عبدة العلم من دون الله ثم العلم النافع يورث الخشية ثم عدم العمل بالعلم شؤم وزندقة وإلحاد، وهذا ليس مقصوداً. ثم مهمة الأستاذ في التعليم، وما هي هذه المهمة والرسالة التي تركها الإسلام على عاتق الأستاذ ثم ما هو واجب الطالب بيد الأستاذ؟ وقبل ذلك أمام رقابة الله تبارك وتعالى وفي الأخير المعاصي تذل العلم، وتطفئ الذكاء وتطمس المعرفة. أيها الإخوة: كنا قبل الإسلام أمة عربية أمية لا نعرف شيئاً رعاة غنم وإبل وبقر، والقوميون يقولون: لا. تاريخنا من أول الدنيا، ونحن أهل الحضارة حتى قبل الإسلام وكذبوا لعمر الله! ودجلوا على الحقيقة والتاريخ! كنا أمةً بلا معرفة ولا ثقافة، وأمةً بلا حضارة حتى أتى محمد عليه الصلاة والسلام تاريخنا من رسول الله مبدؤه وما عداه فلا ذكر ولا شان {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. كان للرومان حضارة، ولفارس ثقافة، وللهنود معرفة، أما نحن في الجزيرة فلا ثقافة ولا حضارة ولا معرفة حتى جاء عليه الصلاة والسلام فسكب فينا روح لا إله إلا الله، فاستيقظنا من نومنا وسباتنا العميق. إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها وبعد خمس وعشرين سنة يخطب خطيبنا في نواحي نهر السند واللوار، وعلى ضفاف دجلة والفرات، وبعد خمس وعشرين سنة يكون لنا منتدى في العالم شعراء وأدباء؛ لأننا أمة الإيمان والحب والطموح.

فضل العلم وعلاقته بالإيمان بالله

فضل العلم وعلاقته بالإيمان بالله أراد الله سبحانه وتعالى أن يستشهد على جلالته وعظمته ووحدانيته فقال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]. فانظر كيف استشهد العلماء وطلبة العلم على أعظم شهادة في الدنيا. والله عز وجل يرفع بين طبقات الناس بنسب إضافية، فما هي الرفعة في الإسلام بعد التقوى؟ إنه العلم، قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. وهل يستوي عالم متعلم وجاهل بليد رعديد؟! لا والله لا في العقل ولا في الحس ولا في النقل، يقول سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] أرأيت الكلب؟ هو كلب ويكفي في تعريفه أنه كلب، والمعارف لا تعرف، ولكن جعل الله الكلب في القرآن على قسمين: كلب معلم، تعلم وحمل شهادةً فصيده حلال، وكلب جاهل فصيده حرام يقول سبحانه: {مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة:4] أرأيت إلى الهدهد؟ إنه طائر ويفتخر بالعلم! وهل سمعتم بهدهد يفتخر بالعلم؟! إن سمعتم بذلك فهو في سورة النمل، أتى إلى سليمان عليه السلام فقال له: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} [النمل:22] ثم ألقى عليه محاضرة في التوحيد والعقيدة فقال: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل:23 - 24] ولم يطلب الله من نبيه أن يتزود من الحطام، ولا من المال، ولا من العمار، ولا من العقار، ولكن قال له: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114]. هذا الرجل العظيم عليه الصلاة والسلام، الذي يسكن في بيت من الطين، ويجلس على التراب، ويأكل خبز الشعير، ولكنه نشر العلم في العالم، ونشر المعرفة في المعمورة، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] وهذا الفضل إنما هو بالقرآن؛ بل أفضل من ذلك كله أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى جعل العلماء وطلبة العلم ورثة للأنبياء والرسل فيا ورثة الأنبياء والرسل! ويا أحفاد محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي! ويا من أراد أن يشع الخير في البشرية مرة ثانية! لنقول للناس من هنا خاصةً من مهبط الوحي، من حيث انتشر الإسلام، وانطلقت لا إله إلا الله: هذه رسالتكم، وهذا الحديث معكم عن العلم وفضله، فلا أفضل من العلم، ولا أجلَّ منه يقول الأندلسي المربي أبو إسحاق الالبيري، وهو يوصي ابنه بطلب العلم وفضل العلم: هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مضارب من أردتا وكنز لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا فبادره وخذ بالجد فيه فإن أعطاكه الله انتفعتا

طلب العلم لوجه الله

طلب العلم لوجه الله والعلم هو الذي يطلب لوجه الله تبارك وتعالى السلف الصالح يوم أن طلبوا العلم طلبوه لوجه الله؛ فآتى هذا العلم ثماره ونوره وأزهاره للبشرية. فهذا الإمام أحمد يطوف بالدنيا، فيذهب إلى خراسان، وإلى بغداد، وإلى مصر، وإلى الشام، وإلى اليمن، وإلى الجزيرة؛ حتى يجمع أربعين ألف حديث يقول: والله لقد كانت تمر علي الليالي لا أجد كسرة الخبز من العيش! اشتغل -رحمه الله- حصَّاداً ولقَّاطاً يطلب العلم لوجه الله عز وجل. وسمع عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني وهو في صنعاء اليمن، فسافر له من بغداد، وأخذ عمرة، وفوجئ وهو يطوف بالبيت بـ عبد الرزاق يطوف، فقال له أحد زملائه: هذا عبد الرزاق أتى الله به من اليمن، فخذ الحديث منه. قال: لا والله لا تكون هجرتي إلا لله عز وجل، وقد قصدت صنعاء، فلن آخذ منه شيئاً حتى يعود إلى اليمن فآخذ منه علماً إن شاء الله. وعاد ذاك، وسافر الإمام أحمد فطلب العلم الذي أوصله إلى رضوان الله، فأصبح إمام أهل السنة والجماعة يقول ابنه عبد الله فيما صح عنه عند الذهبي: كان أبي يصلي من غير الفرائض ثلاثمائة ركعة. وكان الإمام أحمد إذا دخل السوق ورآه الناس هللوا وكبروا وسبحوا لما يرون من الجلالة والمهابة والإيمان والتقوى. ويتحدث الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن موسى وعن طلبه للعلم عندما سافر إلى الخضر وقد بوب البخاري لذلك وقال: باب ركوب البحر في طلب العلم. ولذلك كان علم السلف الصالح علم خشية، وعلم تقوى وعمل. يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: {مثل مابعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً} انظر الإشراق في العبارة! لم يمثل بالمطر، وإنما مثل بالغيث لأسباب: منها: أن المطر أكثر ما يستخدم في القرآن للعذاب، قال الله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [الشعراء:173]. ومنها: أن الغيث فيه غوث للقلوب، وفيه صفاء: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكان منها أرض طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أرض أمسكت الماء فنفع الله به الناس، فسقوا وزرعوا، وكان منها أرض إنما هي أجادب لا تنبت كلأً ولا تمسك ماءً، فذلك مثل من نفعه الله بما بعثني به فعلم وعلم} وهذه الأمة على هذه المستويات: رجل نفعه الله بالرسالة الخالدة، فتعلم القرآن والسنة، ونشر الخير والدعوة والفضل وأصبح مؤمناً، فهذا هو الفاضل ورجل أخذ العلم لنفسه وانقبع في بيته وأغلق عليه بابه فنفع نفسه فحسب ورجل عاش التمرد، وعاش شهوة الفرج والبطن، وعاش في الحياة بلا رسالة، والذي يعيش في الحياة بلا رسالة أشبه بالبهيمة، لا علم ولا أصالة ولا عمق، إنما هو يركب كل شيء ولذلك إن المسئول عما وقع في واقعنا من الكلمة الملحدة الآثمة، والقصيدة التي تحمل الزندقة والكفر، والأغنية الماجنة التي تهدم الجيل والشباب والقلوب، والمجلة الخليعة التي تحبب الكأس والمرأة لأجيال الأمة وشباب الأمة؛ المسئول هو الذي لم يرفع رأساً بهذه الرسالة الخالدة، وهو الذي لم يرضع لبن دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام.

لا علم بلا إيمان

لا علم بلا إيمان إننا بحاجة إلى أن نتكلم للناس في الإيمان قبل العلم، لأن الله تعالى يقول: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:56] فلا علم بلا إيمان أتى أتاتورك إلى الأتراك، ففصل الإيمان تماماً، وسحق الإسلام مطلقاً، ودمر المساجد، وأتى بـ العلمانية الكافرة، فعبد العلم من دون الله تبارك وتعالى. ولذلك يقول الله عز وجل في الكفر وأهله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] ويقول الله عز وجل عنهم: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66]. يقول كريسي موريسون في كتاب الإنسان لا يقوم وحده: يا أهل المشرق! قدمنا لكم خدمة الإنسان للإنسان -يقصد الطائرة والصاروخ والثلاجة والبرادة- فقدموا لنا خدمة الروح للروح. يقصد لا إله إلا الله محمد رسول الله. وعندما يأتي الإنسان ليعيش العلم بلا إيمان فإنه سوف يضل الأمة، وسوف يذهب بالبلاد إلى الهاوية، وسوف يخرب كل الدنيا، والصحفي إذا لم يؤمن بالله فسوف يكتب بقلمه كلمات غير مسئولة، وكلمات الإلحاد والزندقة والفاحشة يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19]. والشاعر إذا لم يؤمن بالله يكن سائباً على الأحداث، هامشياً لا يحمل رسالة، ولذلك إنما تميز محمد إقبال عن شعراء كثير من الناس ولو في بلاد الإسلام؛ لأنه شاعر الإيمان والحب والطموح آمن بالله فكانت كلماته وقصائده تنبعث إلى القلب كأنها شعل، أو كأنها قطرات من دمه على الأمة الإسلامية جاء إلى مكة ورأى الجيل، وقبل أن يأتي من باكستان ظن أنه سوف يجد شباباً يحملون رسالة، وجيلاً يحملون مبدأً خالداً، وسوف يرى أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؛ ففوجئ بشباب لا رسالة لهم في الحياة -وأنا لا أعني هذا الجيل؛ فإن هذا الجيل جيل رسالة، طلعاتهم تبشر بالخير، وهم الذين يحيون بالإسلام، والسنوات سوف تظهر ذلك بإذن الله- فبكى طويلاً وسجل قصيدته التي يقول فيها: أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خالي وجلجلة الأذان بكل حيٍ ولكن أين صوت من بلال أين الإسلام؟ أين لا إله إلا الله؟ أين الأمة التي امتطت موج البحر ومتن المحيطات لتبلغ لا إله إلا الله؟ يقف عقبة بن نافع بفرسه على شاطئ المحيط الأطلنطي ويقول: والله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أن وراءك أرضاً لخضت بفرسي هذا البحر لأنشر (لا إله إلا الله) في تلك الأرض ويقدم سعد بن أبي وقاص دمه يوم القادسية ويقول: اللهم خذ من دمائنا هذا اليوم حتى ترضى يقول أحد الشهداء في العراق من المسلمين: فيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت على شرجع يعلى بخضر المطارف ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يموتون في فج من الأرض خائف هذا هو الإيمان، وحين يوجد في القلب يصبح قلباً حياً، يقول أبو الحسن الندوي: قلب بلا إيمان كتلة لحم ميتة ولكنها ترمى في الزبالة، وعين بلا إيمان مقلة عمياء، ويد بلا إيمان إشارة خاطئة آثمة، وجيل بلا إيمان قطيع من الغنم أو هوشة من البقر، وقصيدة بلا إيمان كلام ملفف، وكتاب بلا إيمان كلام مصفف فنحن أمة الإيمان وأمة الرسالة. فأقول: لماذا يكتب الصحفي ويعادي الإسلام؟! ولد في بلاد الإسلام، وسقط رأسه في مهبط الوحي، وشرب من ماء زمزم، وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، لكنه إذا كتب في الصحافة ترك الإسلام في بيته ونسي أنه مسلم لماذا؟ لأنه ما دخل الإيمان وما تعمق في قلبه يقول بشارة الخولي يوم أن ترك الإيمان في بيته وأتى يكتب شعراً: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمةً وسيروا بجثماني على دين برهم يقول: اعطوني أي دين، زندقة أو إلحاد أو ماركس أو لينين أو هتلر أو نابليون وسيروا بجثماني على دين برهم >> قاتله الله عدو الله! يريد دين برهم المجرم الهندوكي السفاك، ولا يريد محمد عليه الصلاة والسلام الذي ما طرق العالم أفضل ولا أنبل ولا أجل منه. يقول ابن تيمية: من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدىً غير هدى الله الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. إي والله! من ظن أنه سيسلك سبيلاً أو يرتقي في مستقبل أو يصل إلى نتيجة بدون هذا الدين فعليه لعنة الله تحيط به في قبره وصدره ليشهره الله على رءوس الخلائق. ويأتي شاعر آخر اسمه ابن هانئ الأندلسي يتملق عند السلطان ويمدحه وضع الإيمان في بيته وأتى يقول للسلطان: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار سبحان الله! يقول: يا أيها السلطان! يا أيها الملك! ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار ولكن علمه الله أنه هو الواحد القهار، فابتلاه بمرض عضال في جسمه، فأصبح يتقلب على الفراش بمرض مستعص عضال، وينبح كما ينبح الكلب؛ لأن الذي لا يعرف الله في الرخاء لا يعرفه الله بنفسه في الشدة. وقف فرعون يخطب في مصر -العميل الضال الدجال- يقول وهو على المنبر: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] فأجراها الله من فوق رأسه، وعندما أصبح في الطين ينقنق كما تنقنق الضفدع: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ} [يونس:90 - 91] أتؤمن في الوقت الضائع؟! ولذلك تجد كثيراً من الدعاة في الساحة من القصصيين والمسرحيين والشعراء والكتاب يضيعون الإيمان ويتركونه؛ لأنهم جعلوا المعرفة شيئاً والإيمان شيئاً آخر. وعندما مرض ابن هانئ أسف على ذلك البيت الآثم وقال: أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالق لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق سبحان الله! كيف يضل القلب وتعمى العين ويصم السمع إذا لم يؤمن الإنسان بالله رب العالمين. فعلم بلا إيمان لا نطلبه ولا نريده، فإن الكفار قد بلغوا أكثر مما بلغنا. منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا ننتج السيارة استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا فأما علم المادة فقد بلغوا أكثر مما بلغنا فيه، لكننا نأتي ونقول للإنسان: من هنا -أيها الإنسان- تهتدي، يقول دايل كارنيجي الأمريكي في كتاب دع القلق وابدأ الحياة: لا بد لك من جلسة ولو نصف ساعة مع الله تبارك وتعالى. هو مسيحي لكنه ما يعرف أين الطريق وأين الأسباب والوسائل، يقول: نصف ساعة مع الله، أما نحن -يا دايل - فنجلس اليوم والليلة والشهر والسنة والصيف والشتاء مع الواحد القهار. أيها الإخوة! هذا هو المبدأ الكبير، وقد وجد في المؤسسات العلمية، وفي المدارس والمعاهد من يأتي بلا رسالة.

العلم النافع يورث الخشية

العلم النافع يورث الخشية قال الله َتَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] والخشية: هي الخوف من الله تبارك وتعالى، وأن تراقبه سبحانه في علمك ومن ذهب إلى مدرسته وعاد إلى بيته ولم يزدد خشية من الله، وبقي مستواه في اقتراف المعاصي وتعدي الحدود وانتهاك الحرمات؛ فليعلم أنه أوتي علماً سقيماً ومريضاً لاخير فيه. وجاء في كتاب الزهد: قرأ ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه سورة المطففين حتى بلغ قوله تبارك وتعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فبكى حتى أغمي عليه ورش بالماء. وقال الذهبي في ترجمة ابن وهب في السير (ج/8): ألف كتاباً في أهوال يوم القيامة، فقرئ عليه فأغمي عليه ثلاثة أيام ومات في اليوم الرابع. فالعلم بلا خشية لا فائدة فيه، وأصل الخشية أن نكف عن المعاصي، قال ابن تيمية: الخوف المطلوب في الإسلام أن يحجبك عن المعصية وما زاد فلا يحتاج إليه. أي: أن ترتدع عن المعصية، وأما مازاد على ذلك فلا يحتاج إليه. إخواني في الله! يا طلبة العلم! هل آن لنا أن نخاف من الله الواحد الأحد وأن نخشاه في السر والعلن. وأن نراقبه في علمنا؟ وإلا فلنعتقد اعتقاداً جازماً أنه علم غير نافع، ونعوذ بالله من العلم الذي لا ينفع. وإن ألقاك فهمك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا فأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا ونادِ إذا سجدت له اعترافاً بما ناده ذو النون بن متى {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87].

العلم بلا عمل شؤم

العلم بلا عمل شؤم إذا رأيت المتكثر من الثقافة العامة والخاصة قد أصبح ذهنه سلة للمهملات، يحفظ الأرقام والمعلومات والألفاظ، ثم لا يظهر عليه نور من العلم، ولا أصالة ولا تأثير في معتقده وعبادته وسلوكه؛ فاعلم أن علمه شؤم عليه، وغضب ولعنة إلا أن يتوب الله عليه. يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في بني إسرائيل: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13] ويقول في عالمهم بلعام بن باعوراء -العميل المتخلف الذي طلب العلم ثم تركه وألحد في دين الله- قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176]. فإن الكلب إذا وضعته في الشمس يمد لسانه ويضيق نفسه ويلهث، وإذا أدخلته في الظل يمد لسانه ويتردد نفسه ويلهث، والخبيث في أصالته وفي قلبه يتعلم ولا ينتفع، فنعوذ بالله من هذا المثل الشؤم على كل من فعل هذا أو زاوله أو فكر فيه أو أراده. ويقول الله عز وجل في بني إسرائيل: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] والحمار حمار. لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع ومهما تعلم أو حمل من الكتب فعقله هو عقله لم يتغير، فنعوذ بالله من هذا المثل. إخوة الإسلام! هذه مسألة لا تغيب عن البال، وقد اتفق العقلاء من المؤمنين أن من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، والله عز وجل يجعل من عمل الإنسان ولو بجهده الميسور زيادة في الخير والفضل والنبل.

مهمة الأستاذ في التعليم

مهمة الأستاذ في التعليم الأستاذ حين يكون نائباً للرسول عليه الصلاة والسلام، ويكون حاملاً للرسالة، ومخلصاً متوقد القلب، وحين يكون كما كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس الأستاذ حين يكون خليفةً لـ أحمد ومالك والشافعي وابن تيمية وابن القيم فهو الذي نريد أن نتكلم معه اليوم، أما الآخر -وليس معنا إن شاء الله- فهو أستاذ يحمل أهدافاً دنيوية، إما تحصيل راتب أو تزجية وقت، أو ظهوراً وشهرة، أو مستوى علمياً لا ينفعه في الدار الآخرة، فهذا ليس معنا وليس بيننا إن شاء الله. ومهمة الأستاذ تدور على أربع مسائل: -الإخلاص. -القدوة. -القوة العلمية. -اللين واطراح الفضاضة.

الإخلاص

الإخلاص أما الإخلاص فنطالب به جميعاً أساتذةً وطلاباً مفتين وعلماءً ملوكاً وأمراء، كل مسلم يطالب بالإخلاص، يقول سبحانه: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] ويقول عليه الصلاة والسلام: {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى}. ويقول عليه الصلاة والسلام: {من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة وإن عرفها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} ويقول صلى الله عليه وسلم: {من تعلم العلم ليجاري به العلماء ويماري به السفهاء؛ فليتبوأ مقعده من النار}. وأول من تسعر النار بهم يوم القيامة ثلاثة: منهم: رجل تعلم العلم ليقال عالم، وقد قيل، فيسحب على وجه حتى يلقى في النار فنعوذ بالله من الشهرة لغير وجه الله، ونعوذ بالله من الرياء والسمعة قال عليه الصلاة والسلام: {من راءى راءى الله به، ومن سمَّع سمَّع الله به}.

القدوة

القدوة يا أيها الأستاذ! نحن مع شوقي أمير الشعراء إذ يقول للطالب: قم للمعلم وفه التبجيلاً كاد المعلم أن يكون رسولاً نعم. بقي عليه درجة وهو أن الوحي ما أتاه، لكنه خليفة الرسول عليه الصلاة والسلام فيا خليفة المصطفى صلى الله عليه وسلم في جانب التعليم {إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر} فأنت الآن تأخذ الميراث، فالله الله في شباب الإسلام، والله الله في جيل الإسلام، والله الله في بلادنا وأمتنا وبيوتنا! إنك -أيها الأستاذ- مسئول عن هذا الجيل، فقد فتحوا لك أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم وجلسوا أمامك ليسمعوا ما تقول، وضع المسلمون على الكراسي أفلاذ أكبادهم يستمعون منك؛ فهم يتوجهون بأمرك، فهل آن لك أن تكون قدوة تتكلم بما تفعل وتفعل بما تتكلم به؟! قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]. أيها الأستاذ! إن العقلاء من التربويين -حتى من غير المسلمين- يقولون: إنك لن تعلم أحداً حتى تعمل بما تعلم، والرسول عليه الصلاة والسلام ما تكلم فحسب، بل كان يقول للناس: كونوا صادقين؛ فيكون أصدق الناس كونوا بارين؛ فيكون أبر الناس كونوا أوفياء؛ فيكون أوفى الناس كونوا متقين؛ فيكون أتقى الناس لربه تبارك وتعالى. إن من يعلم بكلامه ثم يخالف بفعاله فإنه يكذب نفسه أمام الناس، قال سيد قطب في كتابه في ظلال القرآن في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] ما معناه: إن الناس يسمعون كلاماً جميلاً وينظرون فيرون فعلاً قبيحاً، فلا يقبلون بعدها ويكذبون هذا المتكلم. فيا أيها الإخوة الفضلاء! ويا أيها الأساتذة النبلاء! إن من يتكلم ثم يهدم ما تكلم به بأفعاله فإنه لايحقق نتيجة لأبناء المسلمين، وإن جلوسه في بيته أفضل وأولى؛ لأن معنى ذلك أنه يضحك على العلم وعلى طلبة العلم كيف يأمرهم بالصلاة وهو لا يصلي؟! كيف يأمرهم بهجر الغناء والمجلة الخليعة والأغنية الماجنة والسفه، وهو سفيه مطبل مغن ماجن نعوذ بالله من ذلك؟! من المسئول إذن عن الحركة الشبابية والاتجاه العلمي يوم ضل فريق منه إلا الأستاذ؟ ومن هو أكبر موجه في هذه البلاد وفي غيرها إلا الأستاذ؟ إن أعظم ما ترتقي إليه الأمم هي درجة التعليم، والمرء إذا بلغ مستوى من العلم عند كثير من الأمم وضع أستاذاً للناس.

القوة العلمية

القوة العلمية وأما القوة العلمية: فإنني أنصح نفسي وإخواني من الأساتذة أن يكونوا في موقف القوة، والقوة عند التلاميذ والطلاب ليست بكبر العضلات ولا بالحدقتين ولا بالعينين، ولا بضرب الكف على السبورة، ولا بهز الماسات ولا برفع الصوت وبالإزعاج لا. هذه فقط تغطي مُركَّب النقص، فإن بعض الأساتذة إذا شعر أنه لا يحمل مادة ولا رسالة أتى يستخدم الحرب المعنوية ليغطي نقصه في الفصل؛ إما بالضرب على ماسته، وإما بالإزعاج، وإما بالتهديد والتخويف، وإما بذكر سجلات حياته؛ فيترجم لنفسه نصف المحاضرة، ولد عام كذا، وكان من أذكى الناس، وكان فريد العصر، وأستاذ دهره، ولكن لا أستاذ ولا فريد إنما هو أمامنا بشحمه وعصبه ودمه. ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان عليّ ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني وقوة الأستاذ -عند جميع الأمم بما فيهم المسلمون- القوة العلمية، هو أن يظهر بمادته بتحضير وأصالةٍ، فيعرض المادة عرضاً متيناً جيداً، وحينها يسكت الطلاب، ويحترمونه ويجلونه؛ لأنهم يجلسون أمام علم ورجل يتكلم بجدارة، وأمام أستاذٍ له أصالة وعمق، يتكلم وهو أدرى بمادته من مركز القوة، وهذه هي قوة العلم. ومن يستقرئ الساحة التربوية يجد أن الأساتذة الذين يمتلكون قدرات للتحضير هم أهيب الناس عند الطلبة، يحترمونهم ويقدرونهم، ويجد أن الأستاذ الذي لا يحمل مادةً ولا رسالة ولا تحضيراً من أخفق الناس في اجتلاب القلوب، وفي الهيمنة والتسلط المقبول على الطلبة فلا تفوتنا القوة العلمية. أيها الإخوة الأبرار! كلٌ في تخصصه، لا أقول للمربي أن يكون مفتياً في الحيض والطلاق والرضاع، ولا للمفتي أن يكون تربوياً يعرف ما كتب في التربية وعلم النفس، ولا لصاحب الجغرافية أن يكون مفسراً بارعاً، كـ ابن كثير أو الطبري، قد علم كل أناس مشربهم، ونحن نؤمن بالتخصص بشرط أن يكون مع الجميع حد أدنى من العلم الشرعي.

اللين واطراح الفظاظة

اللين واطراح الفظاظة الحب أمر عجيب، ونحن أمة الحب، أتدرون ما هو الحب؟ ليس هو الذي يريده أمير الشعراء أحمد شوقي الذي يقول: الحياة الحب والحب الحياة. هذا كذب، هذا حب كوكب الشرق، وهو الذي رد الأمة عشرين سنة إلى الوراء كوكب الشرق تغني شبابنا بالحب هو الحياة والحياة هي الحب، وطائرات الميراج الإسرائيلية تغطي شمسنا فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها لله كم نددوا يوماً وكم شجبوا هذا الحب ليس هو المقصود، وهو حب المغنين والمغنيات، والمجرمين والمجرمات، الأحياء منهم والأموات، وهو ليس مقصوداً في الإسلام، فإن الحب أعظم من ذلك، نحن رسل الحب، ونحن الذين زرعوا الحب في قلوب الناس فآتى أكله كل حين بإذن ربه، والحب عندنا حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما الحديث الذي يقول: {من أحب فعف فكتم فمات مات شهيداً} فهو حديث كذب، سنده ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها، هذا الحديث كذب على الإسلام، وإن الذي يموت على المسرح وعلى الأغنية والمجلة الخليعة وفلانة فلن يكون شهيداً أبداً كيف يكون شهيداً؟! شهيد عمالة ودجل وتخلف ورجعية. إن الشهيد هو الذي يحب الله ورسوله كما يقول إقبال في قصيدة تاج مكة: من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا إذاً هذا هو الحب، وقد استطردت في الحب لأن مفهوم الحب عند كثير من الناس، ممن يكتب في الصحافة، ويتكلم في المنتديات، مفهوم خاطئ، ما عرفوا الحب ويموتون وهم لا يعرفون الحب، ويصلى عليهم صلاة الجنازة وما طعموا الحب، ويحشرون عند الله يوم القيامة وما عرفوا الحب الحب هو أن يأتي مثل عبد الله بن عمرو الأنصاري حين قال في معركة أحد: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى. فيقتل في سبيل الله، ويكلمه الله كفاحاً بلا ترجمان. الحب أن يأتي مثل البراء في معركة تستر ويقول: أقسمت عليك يا رب أن تنصرنا هذا اليوم؛ فينتصر ويكون أول شهيد الحب هو أن تسفك دمك لمرضاة الله الحب هو أن إذا سمعت أذان الفجر يدوي في الأرجاء قامت نفسك طليقة شجاعة إلى المسجد الحب أن يكون أعظم كتاب عندك في الحياة كتاب الله الحب أن تكون أناملك ولسانك يتمتم بذكر الله تبارك وتعالى. إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس هذا هو الحب فأقول للأستاذ: إن خيطاً ليس فيه حب مع الطالب خيط مبتور ومقطوع، وإن رسالة ليس فيها لين رسالة عصا وسوط ونار وحديد، وهي من كيس استالين وماركس ولينين، وليست من كيس محمد عليه الصلاة والسلام الذي يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. كأنه يقول: عجيب هذا المنهج العظيم العملاق الذي وضعته للناس كيف كسب قلوب العرب؟! والعرب كقرون الثوم، إذا قشرت قرناً خرج لك ستة قرون، فإذا قشرت الآخر خرج لك ستة، فالعرب مثل ذلك، لا يسيطر عليهم ملك، ولا سوط، ولا سجن، ولا سيف، أمة متمردة ومشاغبة، لكنه صلى الله عليه وسلم أتى يتبع قول الله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. ويقول الله له: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] لو دفعت الذهب والفضة ما كسبت القلوب، ولذلك أقول لدعاة الإسلام وأساتذته، والعمداء في الكليات: إن رسالتنا لا بد أن تحمل الإيمان والحب والطموح واللين للناس، ونحن لسنا مجرحين وإنما نحن دعاة، ولسنا قضاة وإنما نحكم على الناس بما ظهر، وإن الكلمة اللينة الطيبة تعشقها القلوب وتحبها النفوس. أرأيتم أكبر من فرعون؟ أسمعتم بشيخ الضلالة؟؟ أرسل الله له موسى فقال له وهو في الطريق: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] احذرا أن تجرحا شعوره، احذرا أن تسفكا كرامته في مجلسه، قال سفيان الثوري: القول اللين هو أن يكنيانه بكنيته، وكنية فرعون أبو مرة، مرغ الله وجهه في النار. فأخذ موسى يقول: يا أبا مرة! أتيت بمبدأ وبشريعة وبمنهج أعرضه عليك اليوم فهل فاتتنا الكلمة اللينة ولا تفوت موسى عند فرعون؟! دخل أعرابيٌ على هارون الرشيد فقال: أريد أن أتكلم معك بكلام شديد فاصبر عليَّ. قال هارون: والله لا أصبر قال: ولم؟ قال: أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، فقال له: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للرسول عليه الصلاة والسلام: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. كيف استطعت أن تقود القلوب؟ كيف سبيت الأرواح؟ كيف جعلت الأعداء أصدقاء؟ لأنك داعية عملاق. حتى إن ابن سيناء الذي هو من أفراخ الصابئة وأذناب المجوس، ولو أنه قد أجاد في الطب، يقول: ما طرق العالم مصلح كمحمد عليه الصلاة والسلام. وهذا صحيح وفي كتاب الأمريكان المسمى: عظماء العالم وضعوا في المرتبة الأولى محمداً عليه الصلاة والسلام، وقالوا: أعظم عظيم في الدنيا محمد، لأنه أصلح وبيته من طين -عليه الصلاة والسلام- ما لم تصلحه جامعات الدنيا في ثلاثمائة سنة، بل فشلت جامعات الدنيا، وشرب الخمر، وسفكت القيم، وانتهكت الأعراض، وذبح الناس، ودمرت البيوت. من دمر البيوت في نجزاكي من ضرب اليونان بالأتراك من قتل العمال في بولندا ومن أتى بالرق في يوغندا من الذي ناصر إسرائيلا حتى تصب عنفها الوبيلا أما محمد عليه الصلاة والسلام فأسلوبه لين مع طلبته. فيا أيها الأساتذة! حبل اللين حبل عجيب، وهو السحر الحلال، وإن كان في الإسلام سحر حلال فهي البسمة، قيل لأحد العلماء: ما هو السحر الحلال؟ قال: تبسمك في وجوه الرجال. يأتي أعرابي فيسب ويشتم الرسول صلى الله عليه وسلم، ويسحب ببردته الشريفة من على جسمه الشريف ويقول: أعطني من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا من مال أمك. فيلتفت إليه ويتبسم ويعطيه مالاً، ويريد الصحابة قتل هذا الأعرابي، فيقول: لا. فلما أكرمه قال: هل أحسنت إليك؟ قال: نعم جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. فيعود هذا الأعرابي داعية إلى قبيلته فتسلم عن بكرة أبيها، فيقول صلى الله عليه وسلم: {أتدرون ما مثلي ومثلكم ومثل هذا الأعرابي؟ قالوا: لا ندري. قال: كمثل رجل كانت له دابة فرت منه، فأتى الناس لمسكها وحبسها فما تزداد إلا فراراً، فقال: يا أيها الناس! دعوني ودابتي أنا أبصر بها، فأخذ شيئاً من خشاش الأرض -خضار الأرض- وأخذ يلوح للدابة فأتت فحبسها، قال: فلو تركتكم وهذا الأعرابي لقتلتموه ودخل النار}. فأي مستوى دعويّ طرقه صلى الله عليه وسلم للناس؟! وهذا هو اللين واطراح الفضاضة وإن الذي يستخدم الفضاضة ويفرض سيطرته وقوته؛ يخسر من القلوب والأرواح ومن الأسماع والأبصار أكثر مما يكسب فلينتبه لهذا.

واجب الطالب

واجب الطالب أما واجب الطالب -مع وجود الإخلاص- فهو أمور كثيرة، سنذكر بعضاً منها:

الهمة العالية في الطلب

الهمة العالية في الطلب الواجب الأول: الهمة العالية في الطلب، وألا يرضى بالمقرارات الدراسية فقط. همة تنطح الثريا وعزم له دوي يدكدك الأجْبَالَ اجعل في مخيلتك أن تكون كـ ابن تيمية، أو أبرع بارع، ومن يحجبك؟ هل أتاك القضاء والقدر بأنك لن تصل إلى مستوى من المستويات فتخفف على نفسك؟ إن الانهزامية ومركب النقص ما أتى إلينا إلا بعد الاستعمار، ننظر إلى الخواجة على أنه رجل مقدس، وأنه ذكي لامع، وأنه عبقري فاره لأنه خواجة. أما نحن فعرب في الشرق الأوسط من الدول النامية ما نفهم وما نعرف وما نفقه سبحان الله!! ومن أمة الحضارة إلا نحن! ومن أهل الذكاء والأصالة إلا نحن!! لكن عسى الله أن يعيد لنا مجدنا وسؤددنا لنكون للأمم سادة. والهمة العالية في الطلب هي أن تحصل العلم والتخصص ليل نهار، مع أن تقصد به نفع المسلمين، وتغطية الساحة في هذا التخصص لينفعك الله في الدنيا والآخرة.

احترام المعلم

احترام المعلم المسألة الثانية: احترام المعلم فإن المعلم هو الأب وهو الأخ الكبير، والمعلم هو الجذوة المتوقدة التي أحرقت نفسها لتضيء لك، والمعلم هو النبع الصافي الذي طالما شربت منه ورويت، فالله الله في احترام المعلم! احترامه في الكلام وباللين، وفي الأسلوب وفي التساؤل والحوار، كما أمر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم معه صلى الله عيله وسلم. احترام المعلم بأن تدعوه بأحب الألقاب إليه، وأن تشاركه الرأي وتترك رأيه يأخذ مجاله في الشرح والوقت، وإذا أردت أن تطرح سؤالاً فاحذر أن تخدش كرامة الأستاذ وعلمه ومقامه. احترام المعلم معناه أن تقدم السؤال في قالبٍ طيبٍ لينٍ؛ ولا يعني ذلك أن نكون كالنصارى حين يقولون: الواحد ثلاثة. والداخل في الكنيسة لا يفهم ذلك، ويقولون: لا تسأل عن معنى الواحد ثلاثة، فإذا قال: كيف يكون الواحد ثلاثة؟ قالوا: اخرج قاتلك الله أنت في النار لماذا؟ لأنه ما فهم أن الواحد ثلاثة، يقول الذهبي معلقاً على قول بعض غلاة الصوفية حين قال: لا يفلح طالب قال لمعلمه: كيف هذا؟ قال: الذهبي: يفلح والله، ثم يفلح إذا سأله. والخطأ لا يقر من أي أحد، فالكمال لله والعصمة لرسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا سمعت مسألة فلك أن تناقش، لكن بأدب ووقار وسكينة. أما الخطأ فمرفوض قبوله، والمعصية كذلك، وما يخالف المنهج الإسلامي كذلك.

ترك المعاصي

ترك المعاصي ومما ينبغي على طالب العلم ألا يكدر علمه وألا يشوشه بالمعاصي أتدري ما الذي يهدم القلوب ويشتت الشعوب وينكس المستقبل؟ إنها المعاصي يقول أحد السلف: نظرت نظرة لا تحل لي فقال لي أحد الصالحين: أتنظر إلى حرام؟! والذي نفسي بيده لتجدن غبها ولو بعد حين -أي: نتيجتها- قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي هذا العلم نور لطيف شفاف، أدنى شيء يؤثر فيه، وأدنى شيء يدنسه ويرديه، فنعوذ بالله من علم لا ينفع والمعاصي تكدر المستقبل، وتطفئ المعرفة والذكاء -وهذا عنصر مستقل لكن أذكره للفائدة- نعم لقد وجد أن المعاصي تدمر المستقبل تدميراً عجيباً، ولذلك وجد من العصاة من ذهبت به معصيته إلى أن بلغ مستوى الكفر والإلحاد والزندقة. وخطوط الدفاع في الإسلام تجاه المعاصي ثلاثة: أولها: الآداب. ثانيها: السنن. ثالثها: الفرائض. فمن ترك الآداب ابتلاه الله بترك السنن، ومن ترك السنن ابتلاه الله بترك الفرائض، ومن ترك الفرائض ابتلاه الله بالكفر، فنعوذ بالله من الكفر. أيها الإخوة الأبرار! إذا علم هذا فاعلموا أن المعاصي تذل العلم وتطفئ الذكاء، وتطمس المعرفة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. أيها الإخوة الأبطال! أيها الأبرار! عميداً ووكيلاً وأستاذاً وطالباً؛ إني أضعها من عنقي إلى عنقكم وأقول: إن رسالتنا واحدة، وديننا واحد، ومنهجنا واحد، فلنتق الله في ديننا وأصالتنا ورسالتنا ومبدئنا، ولنكن دعاة خير، ولنشهد الله على ما في قلوبنا من إيمان وصدق، يقول تعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. اللهم وجه هذا الجيل لمرضاتك، اللهم حببهم إلى دينك، واجعلهم متشرفين بحمل رسالتك، اللهم اهدهم سبل السلام، وكفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

الأرجوزة التي قالها الشيخ في أمريكا

الأرجوزة التي قالها الشيخ في أمريكا Q فضيلة الشيخ! نرجو من سعادتكم ذكر الأرجوزة التي قلتها في رحلتك إلى أمريكا ولك الشكر؟ A الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله صحبه وسلم تسليماً كثيراً هذه الأرجوزة هزلية من بحر الرجز، وبحر الرجز حمار الشعراء، يجوز لكل إنسان أن يركب هذا الحمار، لأنه خفيف لطيف، وهذه الأرجوزة قلتها في مؤتمر أكلاهوما شمال الولايات المتحدة، الذي عقد للطلبة العرب المسلمين هناك، وهي قصيدتان: جدية وهزلية، أما الجدية فعنوانها: أمريكا التي رأيت: وأبياتها تخاطب الأمة الإسلامية، قلت فيها: يا أمة ضرب الزمان بها جموح المستحيل وتوقف التاريخ في خطواتها قبل الرحيل سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل وسقت شفاه الوالهين سلافة من سلسبيل يا أمة كم علقوا بكيانها خيط الخيال وهي البريئة خدرها فيض عميم من جلال شاهت وجوه الحاقدين بكف خسف من رمال موت أتاتورك الدعي كموت تيتو أو جمال يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلي الإنسان خابوا ما لهم إلا الرماد جثث البرايا منهم في كل رابية وواد ما زرت أمريكا فليـ ست في الورى أهل المزار بل جئت أنظر كيف ند خل بالكتائب والشعار لنحرر الإنسان من رق المذلة والصغار وقرارنا فتح مجيد نحن أصحاب القرار ورأيت أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسام قد زادني مرأى الضلا ل هوىً إلى البيت الحرام وتطاولت تلك السنون فصار يومي مثل عام ما أرضهم أرض رأيت ولا غمامهم غمام أما الأرجوزة الهزلية فاسمها نشرة الأخبار، قلت فيها: يقول عائض هو القرني أحمد ربي وهو لي ولي مصلياً على رسول الله مذكراً بالله كل لاهي قد جئت من أبها صباحاً باكراً مشاركاً لحفلكم وشاكراً وحملتنا في السما طيارة تطفح تارة وتهوي تارة قائدها أظنه أمريكي تراه في هيئته كالديك يا سائل الأخبار عن أمريكا اسمع رعاك الله من يفتيكا وهذه أخبار هذي النشرة مسافة السير ثلاث عشرة من الرياض عفشنا ربطنا وفي نيويورك ضحىً هبطنا أنزلنا في سرعة وحطنا وقد قصدنا بعدها واشنطنا ثم ركبنا بعدها سيارة مستقبلين جهة السفارة منزلنا في القصر أعني ريديسون يا كم لقينا من قبيح وحسن وبعدها زرنا مباني الكونجرس ولم نجد مستقبلاً ولا حرس بها ملايينٌ حوت من الكتب في كل فن إنه هو العجب في بلد أفكاره منكوسة تثقله بصائر مطموسة يقدسون الكلب والخنزيرا ويبصرون غيرهم حقيراً ما عرفوا الله بطرف ساعة وما أعدوا لقيام الساعة فهم قطيع كشويهات الغنم هزل وجد وضياع ونغم فواحش قد أظلمت منها السما والأرض منها أوشكت أن تقصما من دمر العمال في بولندا ومن أتى بالرق في يوغندا من دمر البيوت في نجزاكي من ضرب اليونان بالأتراك ومن الذي ناصر إسرائيلا حتى تصب عنفها الوبيلا استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا نصنع السيارة ومعنا في صحبنا العجلان أكرم به مع العلا جذلان وصالح المنصور من بريدة يشبه سعداً وأبا عبيدة والشهم عبد القادر بن طاشي ذو القلم السيال في انتعاش فهو أبونا في مقام الترجمة لأننا صرنا صخوراً معجمة ملاحظة: صفق الحضور بعد إكمال الشيخ الأبيات، فعلق الشيخ على التصفيق بما يلي: أيها الإخوة الكرام! كما قلنا في المحاضرة نحن نتحاكم إلى مظلة الإسلام والإيمان والحب والطموح، وإسلامنا ينهانا عن التصفيق، والتصفيق ليس من الإسلام، وليس فيه تصفيق في مثل هذه المبشرات، لأن الله ذكر التصفيق فقال: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35]. لكن نحن أمة التكبير، كان الفارس منا إذا غلب قرينه في المعركة كبر، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا بشرهم بخير كبروا، فنحن أمة التكبير لأن ديننا كبير وأصالتنا كبيرة، ورسالتنا كبيرة، أما التصفيق فهو للمسارح ولغيرنا، ونحن لغيره.

آثار التقدم العلمي بدون إيمان

آثار التقدم العلمي بدون إيمان Q ربطتم بين العلم والإيمان وهذا شيء حسن وجميل؛ لكن بماذا نفسر التقدم العلمي المذهل للشيوعيين في روسيا والصليبيين في كل من أوروبا وأمريكا؟ A أنا قلت في كلامي: إنه لا بد من العلم مع الإيمان والإيمان مع العلم لقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ} [القصص:80] الآية، وما قلت: أن العلم بلا إيمان لا يتقدم، والله قد أثبت هذه النظرية في القرآن؛ أنه قد يتقدم العلم بلا إيمان، فقد يأتي العلم فيتطور في الماديات بلا إيمان، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] ومن المعلوم أن العلم بلا إيمان ينتج الطائرة والسيارة والذرة، ويفجر الطاقات ويمد الجسور، ويفعل مثل ما فعل الآن في روسيا وأمريكا واليابان والصين وفي أي مكان. أيها الإخوة: إن العلم بلا إيمان لا ينفع الشعوب والأرواح في حياتها، إنهم يشكون أساطينهم، وقد قرأتم كتب أذكيائهم وعلمائهم وهم ينذرون أممهم أنها تمشي إلى الدمار أما تفشت فيهم الخيانة والعمالة والضلالة؟ أما سفك الدم؟ أما أصبحت الأعراض منتهبة؟ أما انتشرت الأمراض الخطيرة من الاتصال الجنسي؟ أما أتت الأمراض ففتكت بهم في الأعصاب والعقول والأدمغة؟ أما يعيشون الحسرة والقلق؟ والعجيب أن صاحب كتاب دع القلق وابدأ الحياة دايل كارنيجي الأمريكي، ألف الكتاب هذا وترجم إلى تسعة وخمسين لغة، وفي الأخير لم يجد هو السعادة فانتحر، انتحر الذي أراد أن يعالج الناس من الأمراض فأنا أقول: إن الإيمان الذي نحن مكلفون به لا بد له من علم، والعلم الذي نخاطب الأمم به لا بد له من إيمان، ثم لا يمنعنا ذلك أن ننتج كما أنتجوا، وندخل المصانع كما دخلوا، ونقدم للبشرية كما قدموا، فالسؤال في واد وكلامي في واد آخر.

غرس الخوف من الله في النفس

غرس الخوف من الله في النفس Q كيف يخلق الإنسان في نفسه الخوف من الله، مع أن الإنسان يترك بعض الأعمال السيئة خوفاً من الناس وليس من الله، فكيف يكون العكس؟ A أولاً: السؤال لا بد أن يلاحظ عليه أنه يقول: يخلق، والإنسان لا يخلق بل هو مخلوق: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] فعبارة (يخلق) خطأ ولا تستخدم، واستعمالها استعمال بئيس لا يصح عقلاً ولا لغةً ولا نقلاً من الكتاب والسنة، والذي يخلق الأفعال في القلب وفي الروح وفي الجسم هو الله الواحد الأحد، واعتقاد أهل السنة أن الناس مخلوقون بأفعالهم، وقد ألف الإمام البخاري كتاب خلق أفعال العباد، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] إذاً فالصحيح أن تقول: كيف يشعر الإنسان بالخوف من الله؟ عليه بأمور ثلاثة: أولها: أن يتذكر الموت كثيراً. ثانيها: أن تكون ثقافته الكتاب والسنة. ثالثها: أن يحصن نفسه من المعاصي ويكثر من التوبة والاستغفار، وعسى الله أن يهديه سواء السبيل.

حكم تعلم الرياضيات

حكم تعلم الرياضيات Q عندنا إمام في مسجدنا يقول: إن الرياضيات ليس فيها خير، فما رأيكم؟ A الذي يقول: إن الرياضيات ليس فيها خير هو اجتهاده، واجتهاده لا يجعله مبدأ للناس ومنهجاً يسيرهم عليه، ونحن نقول للناس في الأمور التي لم يأت بها الكتاب والسنة: قناعتكم لكم، والأمور الاجتهادية يختلف فيها، أما أن تأتي وتشرع للناس وتخطب في الناس وتقول: هذه لا خير فيها، وهي مما يخالف فيها، فهذا غير صحيح، أمرك لك، وقناعتك لك وابق في مجالك، وأما الذي يعلم أن المسلمين لا بد لهم من هذه العلوم كالرياضيات وبعض التخصصات -لأن الأمة لا بد أن تتطور في عالم الحضارة والإنتاج، ومقابلة الأمم في الساحة- فرأيه أشبه شيء بالخطأ وهو بعيد، فلا بد مع الكتاب والسنة من رياضيات ومع الرياضيات من كتاب وسنة إذاً فالإيمان لا بد أن يقترن بأي علم، وهو ما تطرقنا له في الكلام.

عدم تعارض العلم الشرعي مع أي حقيقة علمية

عدم تعارض العلم الشرعي مع أي حقيقة علمية Q إذا تعارض العلم الشرعي بحقيقة علمية مثبتة فما العمل، وهل يمكن ذلك؟ A لا يمكن هذا ولا يحدث، وقد ألف ابن تيمية كتاب درء تعارض العقل والنقل، فالعقل لا يخالف النقل، والحقائق العلمية لا تخالف الكتاب أو السنة، ولو حدث هذا فعلى أحد محملين: إما أن الحديث ضعيف ليس بثابت عنه صلى الله عليه وسلم، فيأتون بالحديث الباطل الضعيف أو الموضوع الكذب فيعارضون به نظرية ويقولون للمسلمين: يقول رسولكم صلى الله عليه وسلم هذا والعلم يقول هذا، فنقول لهم: الحديث لم يثبت. أو أن النظرية لم تنضج ولم تصبح حقيقة لأنها تتدرج إلى أن تصبح حقيقة، ولذلك معارضة القرآن أو عرض القرآن للنظريات فيه خطورة لأنها تتغير، فقد يكتشفون اليوم شيئاً وغداً يعودون عنه، وبعد عدٍ يثبتون ما لم يثبتوا بالأمس، فعرض القرآن وجلوه للنظريات فيه خطورة كبيرة. فأقول حقيقةً لا يوجد معارضة بين ما يكتشف وبين الكتاب والسنة إلا من ناحيتين: إما أن يكون الحديث باطل أو أن تكون النظرية هذه ما أصبحت حقيقة واقعة بعد.

ترجمة بعض المؤرخين للحجاج

ترجمة بعض المؤرخين للحجاج Q فضيلة الشيخ! أرجو أن تذكر بعض المؤرخين الذين ترجموا للحجاج بن يوسف الثقفي، لأنه اشتهر عنه بين بعض الناس الظلم وسفك دماء المسلمين الأبرياء؟ A أولاً: الحجاج بن يوسف الثقفي الحاكم الوالي على العراق في عهد بني أمية، في عهد عبد الملك وولده الوليد بن عبد الملك، نقول فيه معتقد أهل السنة والجماعة: أنه من عصاة الموحدين، ومذنب صاحب كبائر وسفاك، لكنه من عصاة الموحدين، لا نشهد عليه بالنار ولا يخرج من الإسلام، لكننا نخاف عليه العذاب، فإن أهل السنة والجماعة لا يخرجون أهل الكبائر بكبائرهم من الإسلام، لكن يخافون على المسيء ويرجون للمحسن، والخوارج يكفرون أهل الكبائر، وهذا مذهب باطل بدعي لا صحة له. ممن ذكر الحجاج ابن كثير وقد أنصف في ترجمته، لكنه قال في كلمات (قبحه الله) أي: الحجاج، ومؤرخ الإسلام بجدارة وأصالة وعمق هو الذهبي، وقد ترجم له في سير أعلام النبلاء، فقال: الحجاج بن يوسف الثقفي له حسنات منغمرة في بحار سيئاته، نبغضه ونعتقد أن بغضه من أوثق عرى الدين، وأما ما ورد عنه من السفك للدم فهذا أمر متواتر ومشهور بين الأدباء والمؤرخين والعلماء، فقد قتل مائة ألف، كثير منهم أبرياء، وأهان كثيراً من الصحابة الأخيار، وقتل سعيد بن جبير، حتى قال الحجاج: رأيت في المنام كأن القيامة قامت، وكأن الناس أحضروا للحساب، وكأن الله قتلني بكل رجل قتلته قتلةً، إلا سعيد بن جبير فقتلني به على الصراط سبعين قتلة. فـ الحجاج بلا شك قتل وسفك وأمره إلى الله عز وجل، وقد حضرته الوفاة بعدما قتل سعيد بن جبير، فقد كان سعيد يقول وهو في سكرات الموت: اللهم لا تسلطه على أحد بعدي، اللهم لا تسلطه على أحد بعدي، يا قاصم الجبابرة! اقصم الحجاج، يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج، فمرض شهراً كاملاً وأخذ يخور كما يخور الثور، وكان يقول: أرى في كل ليلة أني أسبح في دم. ومن النكت والطرائف أنهم مروا بقبره بعد موته فسمعوا صوت تعذيب في قبره، فقال أخوه يعتذر له وهو حينئذٍ يمشي مع الأحياء على القبر: رحمك الله يا حجاج تقرأ القرآن حتى في القبر! هذا هو الحجاج بن يوسف.

معنى: (تعالى جدك)

معنى: (تعالى جدك) Q في دعاء الاستفتاح جملة لا نعرف معناها وهي: (وتعالى جدك) مع أني أقرأها في كل صلاة؟ A ( تعالى جَدكَ) لاتنطق إلا هكذا، ولا تقل: جِدك، فالجِد هو بذل الجهد في الشيء، وجَدك يطلق في الأنساب على أب الأب وما علا، والجدَ يطلق على الحظ، فمعناها: تعالى مقامك وحظك وقداستك، أي: تعاليت يا رب، وهو يعني المقام أي: مقامك وكبرياؤك وعظمتك، فمعناها يدور حول هذه المعاني.

القصيدة المدوية

القصيدة المدوية Q أرجو أن تذكر القصيدة التي قلتها في الأستاذ سياف؟ A هذه القصيدة اسمها المدوية، أو الإسعاف في إتحاف سياف، وقد أرسلت بها له وللمجاهدين، ومنها: سياف في ناظريك النصر يبتسم وفي محياك نور الحق يرتسم وفيك ثورة إسلام مقدسة بها جراح بني الإسلام تلتئم حطمت بالدم أصناماً محجلة وصافحت كفك العلياء وهي دم ثأرت لله وللدين الحنيف فلم يقم لثأرك طاغوت ولا صنم على جبينك من سعد توقده وخالد في رؤى عينيك يقتحم حلق إذا شئت فالأرواح طائرة فعن يمينك من عاهدت كلهم وصغ من المهج البيضاء ملحمة يظل يقرؤها التاريخ والأمم موتا على صهوات البيد يعشقه أهل البسالة في عليائهم شمم لا موت من تسكر اللذات فطنته حياته في الورى سيان والعدم سياف خذ من فؤادي كل قافية تجري إليك على شوق وتستلم قد صغتها أنت إسلاماً ومكرمة وفي سواك القوافي أشهر حرم كادت معاليك أن ترويك معجزة لكن تواضعك الأسمى لها كتم كأنما أنت كررت الألى ذهبوا هذا صلاح ومحمود ومعتصم السائرون وعين الله ترقبهم السابحون وبحر الهول مضطرم أكفانهم نسجوها من دمائهم على مطارفها النصر الذي رسموا ماتوا ولكنهم أحياء في غرف من الجنان وذابوا لا فقد سلموا إلى آخر ما قلت.

الغيبة والنميمة بين الطلاب

الغيبة والنميمة بين الطلاب Q ما هو رأيكم في النميمة التي تحصل أيام القبول والتسجيل، كما يقول بعض الطلاب: هذا الدكتور فيه كذا، وذاك فيه كذا وكذا إلى آخره؟ A هذه معصية مركبة، غيبة ونميمة، ليست معصية بسيطة لكنها مركبة من غيبة ونميمة، وبعض الطلبة يظن أنه يجوز غيبة الأساتذة، وأكثر ما يتشاغلون -بالاستقراء- في مجالسهم بغيبة الأساتذة، وخاصة إذا كان هناك عداء شخصي، فهذا يحرم ولا يظن الإنسان أنه ما تحرم الغيبة إلا في القرى أو في المسجد، لا. بل الغيبة هنا أشد وأشد، لكنها بين طلبة العلم، وبين الدعاة، وبين الأساتذة، وبين المتعلمين، فأنا أنصح هذا الأخ أن يتقي الله في نفسه، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وليعرف أن هذه الأعراض وهذه المقامات مقامات المسلمين أساتذة ومعلمين ولا ينبغي أن تبتذل أعراضهم وتنتهك، وأن تشرح أخلاقهم، فهذا من الأسف الشديد، وهو إثم كبير والله المستعان.

من هو القدوة

من هو القدوة Q هل يصح لي أن أكون معلماً قدوة ومعلماً صالحاً إذا كان ثوبي طويلاً، وأحلق لحيتي وأشرب الدخان وأزيد أنا يا شيخ وأقول: نحن نرتب هذه المحاضرات ليحضر الطلبة، وهي محاضرات محسوبة عليه، فيهرب البعض من فوق السور وهم قدوة لنا، فما تعليقكم؟ A أنت تريد أن ترد على السائل، تهاجمه مثل ما هاجم الأساتذة، هذه المعاصي التي ذكرها الأخ في السؤال كقول القائل: تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد ونحن أمرنا أن نقوم الناس بحسناتهم وسيئاتهم، ولا نأتي إلى صاحب السيئة الصغيرة فنكبرها حتى تصبح مثل الجبل، ولا إلى الحسنة الكبيرة فنصغرها حتى تصبح كالنمل، لا يقول سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. فالذي يشرب الخمر لانقول له: أنت بمنزلة المسبل للثوب، والذي يسرق لا نقول له: أنت بمنزلة من يحلق لحيته، لكن من هو المعلم الذي نقيس أحوالنا وأفعالنا وأقوالنا عليه؟ أليس هو الرسول عليه الصلاة والسلام؟ بلا شك هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنا أشكر فيكم وفي عميدكم هذه الروح الشجاعية والشورى ومبدأ حرية الرأي، كعرض هذه الأسئلة؛ لأن بعض المستويات ما يسمح بطرح هذه الأسئلة، ولا بد من هذا ليعرف الناس بعضهم بعضاً، ونحن أمة الشورى وأمة الحرية وأمة العقل المدرك، لا الإرهاب العقلي. والأستاذ الذي يفعل ذلك نقص من قدوته وأخطأ كثيراً، وطمس جانباً من معالم رسالته، وهو لا زال مسلماً -والحمد لله- وفيه خير كثير ويستفاد منه، لكن موقفنا منه أن ننصحه وأن نوجهه حتى يكون كاملاً، يقول أبو الطيب المتنبي: ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام وآنف من أخي لأبي وأمي إذا ما لم أجده من الكرام فأنت كن كريماً متبعاً للرسول عليه الصلاة والسلام، واعرف أنك لم تكون كاملاً حتى تقتدي به في الثوب واللحية، وفي ترك الدخان، وفي ترك الأكل والشرب بالشمال لتكون كاملاً، أما أن نجزئ الإسلام ونقول: هذه قشور وهذه لباب، فمن قال إنها قشور ولباب؟! الذي أتى لنا بلا إله إلا الله وبالقرآن هو الذي أتى لنا باللحية وبتقصير الثوب، والذي أتى لنا بحقوق الإنسان وحب الإنسان وفقه الإنسان هو الذي أتى لنا بهذه السنن. وأما ما ذكره الدكتور من أن بعض الطلبة يقفزون على السور، فهذا من عدم تطبيقهم للعلم، وعدم انتفاعهم به، وهو مخالفة للعقل والنقل، فأما النقل فإن النصوص من العمادة تنص على أن هذا أمر باطل مجمع عليه من كافة المذاهب، فهو عصى الأمر الأمور، والعاصي جزاؤه معروف. وأما عقلاً فإنه لا يليق -حتى عند غير المسلمين- أن تصبح هذه المؤسسات العلمية كحديقة الحيوان، أو كمتسلق، أو كالجبال، فعلى الإخوة الطلاب، أن يتقوا الله، وأن يجعلوا مع العلم الأدب والإيمان والحب والطموح.

حقيقة أهل الحداثة

حقيقة أهل الحداثة Q ما هي الحداثة وهل هي مذهب أدبي أم أنها نظرة شاملة للحياة من غير منظور الإسلام؟ A أهل الحداثة يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، وهم على أقسام: مقتصد وظالم وسابق بالخيرات، ومعنى الحداثة: الثورة على كل قديم، وهي مذهب قالباً ومضموناً، وسوف أقسم الحداثيين في الساحة، وسوف أتكلم عن أهم مقاصدهم الرمزية والغموض الأدبي، فهم يقولون: إننا نضع قالباً لا حجر علينا فيه، ونحن نصدقهم على هذا، وهذا سور له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، نوافقهم على القالب ونقول: ليس بحرام أن نخرج على الستة عشر بحراً أو السبعة عشر بحراً الموجودة في الساحة، لكن نقول: ما هو المضمون الذي تضعونه؟ فيقولون: نحن متصرفون ولنا مطلق الحرية. قلنا: لا. هناك كتاب وسنة، وكثير منهم نادى بالثورة على اللغة وعلى الدين وعلى الرسالة، فيقول: كل قديم نثور عليه، بما فيه القرآن والكعبة والرسول عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء ملاحدة بلا شك، وهو مركب أدونيس والسيَّاب، وقد أتى هذا بكثير من الساحة لا أذكر أسماءهم، وقد عرضت أسماؤهم عندكم في كثير من المنشورات والمقالات والكتب، فهذا القسم حظه معروف، وعليه أن يتوب إلى الله فقد ارتد عن الإسلام. والقسم الآخر: قسم يقول: لا مشاحة في المضمون، نحن مسلمون، لكن نكتب في قالب أدبي، ومن يحجر علينا؟ فبدلاً من أن القصيدة عمودية نجعلها منثورة، كهذا الشعر الموجود الذي ترجم، قلنا لهم: لكم ذلك لكن احذروا في المضمون وهؤلاء لا غبار عليهم، وقد نادى بهذه الفكرة أناس كثير منهم، ونقول لهم: أنتم لا زلتم في الإسلام، لكن اتقوا الله في المضمون. فهم على قسمين اثنين: أهل قالب لا شر فيه، وأهل مضمون كله شر وزندقة، وقد عرض لكم عنهم شيء كثير من التوجيه والملاحظة في كتب وأشرطة.

الذهاب إلى الجهاد بدون إذن الوالدين

الذهاب إلى الجهاد بدون إذن الوالدين Q أرجو من فضيلتكم بيان حكم من يذهب إلى أفغانستان لقصد الجهاد دون علم من أهله، أو أن يخبرهم بذلك؟ A لا بد من استئذان الوالدين في الذهاب إلى أفغانستان، وقد كثر الكلام في مسألة الاستئذان والذهاب، أما مسألة الجهاد فلا بد من الكلام فيها طويلاً.

أخذ النظريات وتجارب الغربيين

أخذ النظريات وتجارب الغربيين Q قدوتنا هو الرسول صلى الله عليه وسلم بلا شك، ولكن عند تطبيقنا في المدارس نأتي على طريقة فلان وعلان في التربية، ووظيفة فلان في الثواب والعقاب، وفلان في الحروف ودرجة الذكاء، فما رأي شيخنا هل نواصل مسيرتنا ونحن نأخذ من الغربيين ونحن نملك أعظم طريقة للتربية؟ A أولاً: يفرق بين العلم الذي أتى به صلى الله عليه وسلم والإيمان، فنأخذه من الرسول صلى الله عليه وسلم، والتجارب لا بأس أن نأخذها من الأمم، وقد رد في أثر بعضهم يرفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه من كلام علي: [[الحكمة ضالة المؤمن، يأخذها أنى وجدها]]. والشيطان علم أبا هريرة آية الكرسي، وقال له كما في الصحيحين: إذا قرأتها لا يقربك شيطان. فأخذها أبو هريرة. فالتجارب والنظريات التي وصل إليها الغربيون لا بأس أن نأخذ مايستفاد منها، كهؤلاء الذين كتبوا في علم النفس؛ بشرط ألا تعارض ديننا، فإذا عارضت إسلامنا وديننا وإيماننا رمينا بها وبهم وراء السور، وحرام أن ترد علينا، أما إذا لم تعارض فما هو الذي يحرم علينا أن نستفيد منهم؟ كما استفدنا منهم في هذه الوسائل، في المكرفون والمال والماسة التي أمامي والكرسي الذي أجلس عليه، وكل شيء علينا هي منهم، حتى الطباشير -والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه- لا نعرف صنعها. منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا ننتج السيارة وأما الأمور المذمومة والمحتقرة فقد نقلت إلى الشرق، لكن الكماليات والفوائد والنوافع لم تنقل، فقد سمعنا من يغني ويطبل لأن الفرنسيين غنوا وطبلوا؛ لكن ما سمعنا من يصنع السيارة ويقدم الثلاجة لأن الفرنسيين صنعوا السيارة وقدموا الثلاجة! مر أحد الناس بشيخ يقرأ على طلابه في الروض المربع، وهو كتاب معروف للحنابلة في الفقه، فقال أحد هؤلاء الشباب المتطورين الذين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لا خارج العالم ولا داخله، قال: يا شيخ! أنت تشرح في الروض المربع والناس صعدوا على سطح القمر! فقال له الشيخ: يا أخي! أما أنت فلا صعدت على القمر ولا جلست معنا في الأرض تقرأ الروض المربع. وهذا صحيح، هؤلاء الذين يهزءون بنا لأننا نتكلم في هذه القضايا هم ما ذهبوا ولا قدموا لنا شيئاً، وقد يعذر الخواجة لأنه قدم للبشرية شيئاً، ولكن لا يعذر لتركه الإيمان، فلينتبه لهذا.

حكم التصوير وتعليق الصور والغناء

حكم التصوير وتعليق الصور والغناء Q ما حكم التصوير التلفزيوني، وتعليق الصور، وما حكم الغناء؟ A هذه ثلاثة أشياء: التصوير التلفزيوني أو الفيديو أو نقل الصورة، الذي أعرفه أنه إذا كان يترتب على هذا التصوير مصلحة أعظم من مفسدته فلا بأس به، كأن ينقل صورة هذا اللقاء إلى مكان أو إلى صالة أو إلى أمكنة يستفيد منها المسلمون، وأما التصوير في التلفزيون فأمر آخر، وأنا أتكلم عن التصوير لنقل اللقاءات والمحاضرات والكلمات، فلا بأس به وهو من وسائل الدعوة، لينقل إلى أمكنة، ويستفيد منه جموع من المسلمين؛ لأن هذه الوسائل إذا لم تستغل في خدمة الدعوة فسوف يبقى مجالنا ضيق وقليل، وسيأتي الكافر ويسبقنا على هذه الأمور، ونحن نقف مكتوفي الأيدي. وأما الغناء فهو حرام، وقد اشتهرت في حكمه الأدلة وتظافرت، وأما الذين يفتون بعدم تحريمه، فليس لهم دليل، والأدلة على ذلك كثيرة من القرآن والسنة، منها قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مالك الأشعري في البخاري: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} واستحلالها يكون بعد التحريم، وفي سنن أبي داود: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع أصبعيه في أذنيه لما سمع زمارة راعي} إلى غيرها من الأدلة، وقد تعرض ابن تيمية في كتاب الاستقامة للغناء، وذكر أنه مسكر، ويوجد من الشهوات والشبهات ما الله به عليم، بل هو بريد الزنا، وما وجدت الجريمة والتفسخ وعدم احترام الأعراض إلا بهذه الوسائل من العشق والوله والجريمة، ومن أعظم مصائب الغناء إخراج حب الله عز وجل من القلب. وتعليق الصور لا يجوز، وليس فيها مصلحة ولا فائدة، وليست بضرورية، والصور إنما هي للضرورة، مثل الحفيظة والاستمارة وما يدخل في حكمها، وأما تعليقها للتعظيم فهذا حرام، وما ينبغي أن يكون لا في الصالات ولا في المكاتب، وهو يخالف نصوص الوعيد التي أتى بها المصطفى عليه الصلاة والسلام وقالها.

حب المدح والثناء

حب المدح والثناء Q فضيلة الشيخ! لي قلب يحب المدح والثناء، فما نصيحتكم لي؟ وأرجو ألا تنسوني من صالح دعائكم؟ A وفقنا الله وإياك وكل مسلم أما ما ذكرت أنك تحب المدح والثناء فهذا على قسمين: شكا بعض الصحابة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الأمر، ففي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: {قلت: يا رسول الله! الرجل يعمل العمل يريد به وجه الله فيمدح فيستبشر، قال: تلك عاجل بشرى المؤمن} فلا بأس إذا عملت العمل لوجه الله عز وجل ثم أثنى عليك الناس، كأن دعوا لك بظهر الغيب، أو قالوا: فلان طيب، فإنها من موجبات الرحمة، فقد قال عليه الصلاة والسلام لجنازة مرت به وأثنى عليها الناس: {وجبت وجبت، وقال للأخرى لما أثنوا عليها شراً: وجبت وجبت. قالوا: ما وجبت في الأولى والثانية؟ قال: تلك أثنوا عليها خيراً فقلت: وجبت لها الجنة، وتلك أثنوا عليها شراً فقلت: وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه}. وأما أن تعمل العمل من أوله لقصد الثناء والمدح فهذا رياء وسمعة، نعوذ بالله من ذلك، وهو محبط للأعمال، ودواؤه أن تعلم أنه لا ينفع ولا يضر إلا الله، ولا يجزل الثواب إلا الله، ولا يعطي إلا الله، ولا يرفع من مقامك إلا الله، ولا يحببك ولا يبغضك إلا الله، فخذ الحب والثواب والأجر منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وما عليك من الناس إن مدحوك أو ذموك. وجزى الله خيراً كل من ساهم في هذا اللقاء، وأشكركم شكراً لا حد له، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

عقبات في طريق الدعوة

عقبات في طريق الدعوة طريق الدعوة طريق مليء بالعقبات، مفروش بالمخاطر والتضحيات؛ لأن الجزاء الجنة. وفي هذا الدرس بيان بعض عقبات الطريق الذي يسير عليه الداعية، وكيف تجتاز هذه العقبات، فالنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من السلف كانت أمامهم عقبات في طريقهم في الدعوة لكنهم استعانوا بالله فأعانهم عليها.

أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم في دعوته

أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم في دعوته الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في سبيل الله، حتى أتاه اليقين، فصلِّ اللهم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. تمنيت الحجاز أعيش فيه فأعطى الله قلبي ما تمنى سقى الله الحجاز وساكنيه وروى كل رابية ومغنى عنوان هذه المحاضرة عقبات في طريق الدعوة، ولها عناصر: - ما هي العقبات التي تعرض للدعاة؟ - ما هي الحجب التي تغشى أبصار المدعوين؟ - ما هي الأزمات التي يتعرض لها من ينصح ومن يدعو ومن يوجه ومن يوعي الناس؟ هذا ما سوف نجيب عنه إن شاء الله، والموفق الله، والهادي الله. إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده أول العقبات: اتباع الهوى الذي يصد عن منهج الله. العقبة الثانية: الكبر من المدعو فلا يقبل الحق. العقبة الثالثة: كثرة أهل الباطل وقلة أهل الحق. العقبة الرابعة: جلساء السوء الذين يصدون عن منهج الله وهم أعداء الأنبياء والرسل. العقبة الخامسة: فتور الدعاة وضعف الدافع. العقبة السادسة: انصراف الناس إلى الدنيا على حساب الدين. وقبل أن أبدأ وقبل أن أتكلم، أقف مع أكبر داعية في العالم، فهو المصلح العظيم، أقف مع الذي هدى الله به البشرية، وأنار به أفكار الإنسانية، وزلزل به كيان الوثنية، أقف مع الرحمة المهداة، الذي قال الله له من فوق سبع سموات: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67]. فبلغ أتم البلاغ والله، وهدى أتم الهداية، إي والله، وجاهد أتم الجهاد، وايم الله، والله ما تركنا إلا على مثل البيضاء ليلها كنهارها، ما ترك خيراً إلا دلنا عليه، ولا شراً إلا حذرنا منه، نصح ووجه ودعا، وجاهد وخاطب وأفتى، وقدم دمه، ودموعه، وقدم وقته وماله وجهده. المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه نشأ يتيماً، الناس عندهم أبوان، يدلل كل أب طفله وتدلل كل أم طفلها، أما محمد عليه الصلاة والسلام فيتيم. أنت اليتيم ولكن فيك معجزة يذوب في ساحها مليون جبار الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار نشأ يتيماً يصارع الحياة، فما عرف حنان الأب، ولا رقة الوالدة، ونشأ عليه الصلاة والسلام مرة مع عمه، ومرة مع جده، ومرة مع قريبة، ما خان في جاهليته، فكيف يخون في الإسلام؟! وما كذب في حياته كذبة، فكيف يكذب بعد أن نزل عليه الوحي؟! قال عنه ربه: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [لنجم:1 - 4]. يا من ألقى محاضرة، محمد عليه الصلاة والسلام ألقى آلاف المحاضرات، يا من دمعت عينه في مجلس دعوة، محمد عليه الصلاة والسلام سالت دماؤه في كل معركة في سبيل الله، إصبعه تسيل في حنين، وهو يقول: هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت بيته من طين وقد سكن الدعاة القصور، يسير في شدة الحر وقد تكيفوا بالمكيفات، ويركب على الحمار وقد استقلوا السيارات الفاخرة، فهو عليه الصلاة والسلام كما قال الأول: كفاك عن كل قصر شاهق عمد بيت من الطين أو كهف من العلم وصل إلى الأربعين فدعا إلى الله، فأخرجه قومه، القريب قبل البعيد، ذهب إلى أهل الطائف، فطردوه أين يذهب؟! قتل أصحابه بين يديه، فبكى حزناً عليهم، لكنه عاد أقوى مما كان. ضربت بنانه عليه الصلاة والسلام فما انهار، أصبح أقوى من ذي قبل، أتاه الخبر أن سبعين من القراء ذبحوا مرة واحدة، فسالت دموعه على لحيته الشريفة، وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، جاءه الخبر وهو في المدينة، قالوا: أبو سفيان أقبل هو والمشركون مع اليهود، والمنافقين، فقام وأخذ اللامة والسيف، وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل. تأتيه الأخبار المدلهمة، فيتقوى، قالوا: شاعر، وثبت، قالوا: ساحر، وثبت، قالوا: كاهن، وثبت، قالوا: مجنون، وثبت، وانتصر في آخر المطاف. وصفه الله بأوصاف عجيبة، وصفه باللين، فقال له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وصفه بالصدق فقال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33] وصفه سُبحَانَهُ وَتَعَالى أنه على خلق عظيم، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. فيا دعاة الإسلام! ويا طلبة العلم! قدوتكم محمد عليه الصلاة والسلام، الذي ما مات حتى بلغ الدعوة مشرق الأرض ومغربها، وقال وهو يلفظ أنفاسه: {والذي نفسي بيده، لا يسمع بي يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار}. قامت العرب بالسيوف في وجهه، فقام بالسيف، قاتلوه فقاتلهم، حاربوه فحاربهم، قاطعوه فقاطعهم، حتى نصر الله دينه، ورفع كلمته، ودخل يوم الفتح وراية لا إله إلا الله محمد رسول الله ترفرف في السماء. بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم

اتباع الهوى

اتباع الهوى أول العقبات في طريق الدعوة: اتباع الهوى. إن الهوى إله يعبد من دون الله، وما ترك الطريق المستقيم من تركه إلا لأنه اتبع هواه، وهواه إما أن يبقى ضالاً، أو شقياً أو تعيساً، أو يبقى مصاحباً لفاجر، أو عبداً لأغنية، أو متعلقاً بصورة، أو متلذذاً بفجور، أو منتكساً على عقبه، لا يعرف المسجد، ولا القرآن ولا الهداية، ولا طريق الجنة، قال سبحانه: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26] والهوى يغلب العقل، نعوذ بالله من اتباع الهوى. وآفة العقل الهوى فمن علا على هواه عقله فقد علا وبعضهم يقول: وآفة العقل الهوى ومن علا هواهُ عقلَهُ هواه فقد هوى أي: إذا علا هواك على عقلك؛ فقد هويت على رأسك في نار جهنم -والعياذ بالله- وقال سبحانه: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28]. وسبب نزول الآية عند المفسرين: أن الرسول عليه الصلاة والسلام جاءه قوم من الكفار من عبدة الأوثان وشربة الخمر والزناة، أهل الدعارة والكبر، لابسي الذهب والحرير، قالوا: يا محمد، إن كنت تريد أن تدعونا، فأخرج هؤلاء المساكين والعبيد والفقراء من عندك، فإنا من علية القوم ولن نجلس مع هؤلاء، فهمَّ عليه الصلاة والسلام أن يخرجهم وكان منهم بلال وابن مسعود، وأمثالهم وأضرابهم. هَمّ أن يخرجهم من المجلس؛ فأنزل الله قوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف:28] يقول أحد العلماء معلقاً: اصبر مع المساكين، اجلس مع الفقراء، فالخير معهم، والنصر معهم؛ لأنهم صادقون، قبلوا الإسلام بلا طلاء، وقبلوا الإسلام بلا رشوة، وقبلوا الإسلام بلا تأليف، وهم الذين سوف تقوم عليهم الدعوة غداً. {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] فقال عليه الصلاة والسلام: بل أجلس معكم، فجلس معهم عليه الصلاة والسلام. وصح أنه عليه الصلاة والسلام أراد أن يكسب ود كبار وسادات قريش المترفين، وكان ابن أم مكتوم يريد أن يسأله مسألة، وكان مسلماً قد نور الله قلبه، ومع أنه أعمى البصر فقد كان منور البصيرة، وسماه الله في القرآن أعمى، ولكن في سورة الرعد قال سبحانه: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19]. الأعمى هو من عميت بصيرته، وعمي قلبه، ولم يعرف طريق الاستقامة، ولا طريق المسجد، ولم يحمل القرآن، ولم يعش الدعوة والذكر. جاء ابن أم مكتوم فأجلسه عليه الصلاة والسلام، فجاء كبراء مكة فصد عنه عليه الصلاة والسلام واستقبلهم واحتفى بهم؛ لأنه يريد أن يكسبهم، وأتى العتاب من الواحد الأحد: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس:1] عبس محمد وتولى عليه الصلاة والسلام لماذا تعبس وتتولى؟ {أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس:2] لأنه فقير مسكين تعرض عنه؟! ألا تدري أنه يحمل قلباً سليماً يقول سيد رحمه الله في الظلال: أما تعرف أن هذا الرجل الأعمى سوف يكون منارة من منارات الأرض تستقبل نور السماء، وبالفعل أصبح هذا الأعمى منارة من منارات الأرض تستقبل نور السماء، حياً على الهواء مباشرة، وحضر معركة القادسية وقال: احملوني أقاتل، وقالوا: أنت معذور لأنك أعمى، قال: والله الذي لا إله إلا هو لا أسمع قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41] وأتخلف! فحملوه وحمل الراية، وقتل في سبيل الله. هذا هو الأعمى. أما الكبراء، فقتلوا في بدر إلى نار جهنم، إلى نار تلظى، وقدمهم عليه الصلاة والسلام هدية وقرباناً إلى الواحد الأحد، قتلهم وقطع رءوسهم؛ لأنهم ما عرفوا الهداية والنور. قال سبحانه: {فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه:16] هذا الخطاب لموسى حتى عرفه الله على نفسه أكبر تعريف، والداعية عليه أن يعرف الله عز وجل، إذا سئل عنه أن يقول: هو الله الذي لا إله إلا هو، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. قال الله سبحانه لموسى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:14] وهذا تعريف لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. ذُكر أن سيبويه صاحب الكتاب في النحو رئي في المنام بعد موته، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ذنبي قالوا: بماذا؟ قال: كتبت في كتابي الكتاب لما وصلت إلى لفظ الجلالة: الله أعرف المعارف غني عن التعريف. فلقد استحيا سيبويه أن يعرف الله عز وجل، وآياته شاهدة بألوهيته. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فهنا يقول: {فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [طه:16] والهوى قد يكون في زوجة تصدك عن منهج الله، وقد يكون في أغنية، وقد يكون في مسرحية، وقد يكون في سيجارة، وقد يكون في لعبة، وقد يكون في معصية هائلة تصدك عن منهج الله. وقال سبحانه: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد:14] ولذلك دعي كثير من الناس، فأبطأ بهم الهوى وصدهم عن منهج الله، وقال سبحانه مبرأً رسوله عليه الصلاة والسلام من الهوى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:3 - 5]. لا يعرف الهوى، ولا يمر به الهوى، بل هو مقيد بالكتاب والسنة عليه الصلاة والسلام، قال سبحانه: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان:43] أي: جعل معبوده هواه، يطيع الهوى: يقول له الهوى: تعال إلى الفراش ولا تصلِ فيجيب، ويقول له: اترك القرآن وتعال إلى الأغنية، أو لا تصاحب أولئك الصالحين، واصحب هؤلاء المعرضين الفاجرين، فيقول له الهوى: لا تسبِّح فيجيب. متى يهديك قلبك وهو غافٍ إذا الحسنات قد أضحت خطايا متى يهديك عقلك؟ متى تهتدي إذا لم تعلم أن داءك في هذا الإعراض -والعياذ بالله- وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {ثلاث مهلكات: اتباع الهوى، وإعجاب المرء برأيه، وشح مطاع}. فأما اتباع الهوى وأن يقودك عقلك إلى كل مكان، فتسقط فيه، أي أن هواك يغلب عقلك، فتقع في شرك الهوى -والعياذ بالله من الهوى- والهوى يردي، وهو منتشر عند الناس، فأعظم عقبة في وجه الدعاة تصادفهم هي: اتباع المدعوين لهواهم، تقول للرجل: تب، فيريد ولكن يقول له هواه: لا تفعل. تريد الناس أن يتوجهوا إلى المسجد، فيقول هواهم: لا تفعلوا.

أبو جهل اتبع هواه

أبو جهل اتبع هواه اسمع إلى اتّباع الهوى في قصص بعض الناس: أتظن أن أبا جهل لا يعرف أن محمداً عليه الصلاة والسلام صادق، بل يعرف أبو جهل ذلك، يقول أبو جهل: إني لأدري أن محمداً صادق، ولكن قال بنو هاشم: فينا السقاية، فقلنا: فينا كذا، فإذا قالوا: فينا النبوة فماذا نقول؟ قال سبحانه: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33] يعرف نبوة الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه صادق، لكنه ركب رأسه واتبع هواه.

العاص بن وائل صده عن الله هواه

العاص بن وائل صده عن الله هواه وصح أن العاص بن وائل السهمي من سادات قريش، وقد انتهت السيادة والله، فلا سيادة إلا بالتقوى، يقول عمر بن عبد العزيز: [[لما أتى الإسلام أسكت كل منافق وأبطل كل نافق، وأنطق كل ناطق، فتحدثت الكائنات بلا إله إلا الله، وأرغم الكفار بأنوفهم في التراب]]. فأتى بلال يؤذن من الحبشة، وأتى سلمان من أرض فارس يقول: لبيك اللهم لبيك، وأحرم صهيب من أرض الروم، وتولى أبو جهل وأمية والعاص بن وائل فكبكبوا على وجوههم في النار. جاء العاص بن وائل بعظم يحته -لأن مشكلة الجاهليين عدم الإيمان باليوم الآخر، أدمغتهم كأدمغة الحمير! لم تهضم هذه القضية، كل قضية يهضمونها إلا قضية البعث بعد الموت- أتى بعظم فحته، ثم نفخه أمام الرسول عليه الصلاة والسلام ثم قال: يا محمد، أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد أن يميته؟ قال: {نعم ويدخلك النار} وأنزل الله جواباً له ولأمثاله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79]. ذكر أهل الترجمة كـ الحكيم الترمذي وغيره، أن مجنون ليلى ركبه هوى ليلى -وبعض الناس يضيع ستين سنة مع أغنية أو امرأة أو كأس- فغنى بحبها حتى صار مجنوناً، يقول في بيتين له: أتوب إليك يا رحمان مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب وأما عن هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب نعوذ بالله من الخذلان، لماذا لا يتوب؟ هكذا ركبه الهوى! اللهم لا تمكر بنا، بل نتوب إليك من جميع الذنوب والخطايا، وكان عليه الصلاة والسلام يبكي في قيام الليل وهو يقول: {اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، أوله وآخره، وعلانيته وسره} ما أحسن الدعاء! ليس كمن يقول: وأما عن هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب أغواك شيطانك وأعرضت عن منهج الله، ولو عرفت طريق الهداية لما قلت هذا الكلام. وحكوا قصة رجل ركبه هواه آخر يوم في حياته وقد حضرته سكرات الموت، والوعد الحق يوم ينسى الإنسان زوجته وولده وأهله أتدرون ماذا يقول في سكرات الموت؟ يقول وهو يوصي أحد أبنائه: إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد دفني عروقها الكرمة العنب، وهي التي يتخذ منها الخمر، فيقول: إذا مت فابحثوا لي عن عنبة؛ لأني لا أعيش إلا على العنب والخمر في الدنيا، عسى قبري أن يكون بجانب عروقها تروي عظامي. قال أهل العلم: اللهم لا تمكر بنا وثبتنا على الخاتمة الحسنة. إذا علم هذا فأمثال ذلك كثير، أن صاحب المغني الفقيه الحنبلي، يشاركنا في الهوى المضل وهو يتكلم عن الفقه، ثم يضرب مثالاً على آمين يقول أحدهم: يا رب لا تسلبني حبها أبداً ويرحم الله عبداً قال آمينا وممن اتبع هواه وركبه شيطانه: القروي وهو شاعر مجرم، استقبل في دمشق على الأكتاف، سبحوا بحمده وأنزلوه من الطائرة، فوقف يحيي الجماهير، وركبه هواه، ونسي الواحد الأحد فقال في قصيدة له: ألا مرحباً كفراً يؤلف بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم وتولاه الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله بسبعمائة بيت، فأخسأه وحقره، وقال: ركبك شيطانك وغلبك هواك.

الكبر من المدعو

الكبر من المدعو العنصر الثاني: الكبر من المدعو أعظم العقبات التي تواجه الدعاة وطلبة العلم، وكبر المدعو إما بمنصبه أو بماله أو بولده، وبعضهم يتكبر وهو على الحديدة والرصيف، لا يوجد لديه شيء وهو مع ذلك متكبر، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح {ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: عائل مستكبر، وأشمط زان، وملك كذاب} قال ابن تيمية: إنما وصفهم رسول الهدى عليه الصلاة والسلام بذلك؛ لأن الداعي عندهم ضعيف، ومع ذلك كذب هذا، وزنا هذا، وتكبر هذا. الفقير لا يعذر، والغني قد يعذر؛ لأن عنده مالاً وملايين، وبنوكاً وقصوراً وبساتين، لكن قل لي بالله في رجل لا يجد كسرة الخبز، وينام على الرصيف، ويتكبر عليك (أعمى ويناقر). ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني

الكبر يمنع اليهود من الاسلام

الكبر يمنع اليهود من الاسلام إن الكبر هو الذي منع اليهود أن يدخلوا في الدين وكانوا يقولون: الأنبياء منا؛ مع أنهم يقرءون في التوراة أنه سوف يبعث نبي من العرب اسمه أحمد، عليه الصلاة والسلام: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]. قال الترمذي بسند صحيح وأصله في الصحيحين عن عبد الله بن سلام، قال: {دخل عليه الصلاة والسلام المدينة فانجفل الناس} الجفلى عند العرب الدعوة العامة، إذا دعوت في زواج دعوة عامة فهذه تسمى عند العرب الجفلى، قال طرفة: نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر نحن ندعو الناس جميعاً، قال: عبد الله بن سلام: {انجفل الناس إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكنت فيمن انجفل، فزاحمت حتى رأيت وجهه؛ فعلمت أنه ليس بوجه كذاب}. لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر قال: {فتكلم فإذا هو يقول} كلاماً ما سمع الناس بمثله، كلاماً مرتباً، كلاماً عميقاً أصيلاً يقول: {يا أيها الناس، أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام}. قال راوي الحديث عبد الله بن سلام: {فأتيت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقلت: يا رسول الله، إني أسألك عن ثلاث لا يعلمها إلا نبي} هذه محاورة ساخنة حارة؛ لأن عبد الله بن سلام كان يقرأ التوراة، {قال: سل، قال: يا رسول الله، ما أول ما يأكل أهل الجنة؟ وما هي أول علامات الساعة؟ وكيف يشبه الولد أباه أو يشبه أمه؟} ما تفكر عليه الصلاة والسلام ولا تأمل، وإنما اندفع {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4 - 5]. قال: {أول ما يأكل أهل الجنة زيادة كبد الحوت، قال: صدقت، قال: وأما أول علامات الساعة، فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، قال: صدقت، قال: وإذا سبق ماءُ الرجل نزع الولد إلى أبيه، وإذا سبق ماءُ المرأة نزع الولد إلى أمه، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، ثم قال: يا رسول الله! إن اليهود قوم بهت -أي: يبهتون أهل زور- وإن علموا بإسلامي بهتوني، لكن أدخلني في هذه المشربة وراءك، وأغلق عليّ، واسألهم عني}. فأدخله عليه الصلاة والسلام وأتى المتكبرون الجبابرة فأجلسهم أمامه. ثم قال: {كيف ابن سلام فيكم؟ - مادروا أنه في المشربة- قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، وحبرنا وابن حبرنا، وفقيهنا وابن فقيهنا، قال: أرأيتم إن أسلم؟! قالوا: أعاذه الله من ذلك، ففتح عليه الصلاة والسلام الباب فخرج ابن سلام يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقاموا ينفضون ثيابهم يقولون: شرنا وابن شرنا، وخبيثنا وابن خبيثنا} ثم فروا.

جزاء المتكبرين

جزاء المتكبرين في صحيح مسلم عنه عليه الصلاة والسلام: {أنه كان جالساً ورجل من الناس يأكل بشماله} وبعض الناس يتكبر حتى في الأكل، فتجد مسلماً يصلي ويحج ويعتمر، لكنه لا يأكل باليمين، ويظن التقدم والديمقراطية أن يأكل باليسار، حتى يقول: الأكل باليمين، أو تربية لحى، أو تقصير الثياب كل هذه قشور، يجب أن يكون الإسلام سمحاً، وأنتم ما فهمتم الإسلام، فهو يريد إسلاماً أمريكياً، فأتى الرجل يأكل باليسار، فقال صلى الله عليه وسلم: {كُلْ بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت -هذا دعاء- ما منعه إلا الكبر، قالوا: فما رفعها إلى فمه} يبست وجفت، وأصبحت كالعود صلبة، فما رفعها إلى فمه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام دعا عليه. وخرج عليه الصلاة والسلام يعرض دعوته على أهل الطائف فما منعهم إلا الكبر، قال أحدهم: ما وجد الله إلا أنت يرسلك، وقال الثاني: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، وقال الثالث: إن كنت نبياً فأنت أعلا من أن نكلمك، وإن كنت لست بنبي أو كذاب فإنا لا نكلم الكذابين، فما أجابوه، هذا الكبر من المدعوين. وقال سبحانه عن المتكبرين من المدعوين: {أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ} [القمر:24] ولذلك بعض الناس أحرمهم الكبر دخول الجنة والسعادة والاستقامة في الدنيا والآخرة، يتكبر لماذا؟ خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد مر أحد الأمراء بـ الحسن البصري وعليه ديباج وحرير، ومعه موكب، فقام الناس لهذا الأمير إلا عالم التابعين الحسن البصري ما قام، قال الوزير: ما عرفتني؟ قال: بل عرفتك، قال: من أنا؟ قال: أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذيتك تحمل العذرة، فسكت وخجل ثم أدبر. هذه هي الحياة، العز عز التقوى وعز الاستقامة، لا كبير على الله عز وجل يقول سبحانه: {الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري؛ من نازعني فيهما قصمته} وفي رواية: {عذبته} حديث صحيح ولذلك يقول أحدهم في المتكبرين: وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أوردوا غصباً إلى النار هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري إن الذي منع قوم شعيب أن يتبعوه أنه ضعيف، لما قرأ ابن عباس قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} [هود:91] قال ابن عباس: ضعيفاً: أعمى، فقالوا: أنت ضعيف وفقير فلا نتبعك، لماذا لم يبعث الله غيرك؟ وقد قال سبحانه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام:53] وقال سبحانه: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] فالله أعلم من يصلح للخير ممن لا يصلح. ولذلك بعض الأسر لا تستجيب لبعض الدعاة، يقول أحدهم: يأتي فلان يدعوني وهو أقل مني طبقة في المجتمع، يدعوني وهو فقير، يدعوني ولا منصب له، وما علم أن الدعوة ملك للجميع، ولذلك ما صد عن منهج الله شيء كالكبر.

عامر بن الطفيل والتكبر

عامر بن الطفيل والتكبر عامر بن الطفيل سيد من سادات العرب، كان عنده من قبيلته ألف مقاتل، إذا صاح صيحة حضر الألف بالسيوف، حتى إنه يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: إما أن تجيبني وتعطيني نصف الأرض، وإلا ملأت عليك المدينة خيلاً جرداً وشباباً مرداً، قال عليه الصلاة والسلام: {بل يكفيني الله إياكم بما شاء}. أتى عامر بن الطفيل فأعرض عن منهج الله وكفر بالدعوة، وزيادة على ذلك صمم على اغتيال الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن: عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم أخذ رجلاً اسمه أربد بن قيس، وقال: يا أربد بن قيس، تريد شرف الدهر؟! قال: ما هو شرف الدهر؟ قال: نقتل محمداً فنرتاح وترتاح العرب منه، قال: كيف نقتله؟ قال: أنا سوف أشغله بالحديث وأخرج به من المدينة، فإذا خرجت به وأشغلته فاضرب الرجل، وما علموا أن الحافظ هو الله وأن الله قد قال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67] بعدها {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] لن يقتلك أحد، أنت في حفظ الله، فلما وصل إلى المدينة، قال: يا محمد، نريدك أنا وصاحبي في كلمة، فخرج بلا سيف ولا سلاح، ولا رمح ولا حربةٍ، خرج بثيابه عليه الصلاة والسلام فلما خرج إلى الصحراء، أتى عامر بن الطفيل يتحدث له ويغمز للرجل بعينه، أن اضرب، فإذا رفع السيف رأى بارقاً أمام عينيه، وإذا بـ عامر بن الطفيل صاحبه بينه وبين الرسول يريد أن يضربه، ثم حاول وحاول، فلما طال النهار ودعه عامر بن الطفيل وذهب، فقال لـ أربد: لا تتبعني ولا تكلمني فأنت أجبن العرب قال: ولم؟ قال: ما قتلت الرجل منذ اليوم قال: والله ما رفعت سيفي إلا رأيت بارقة ورأيتك بيني وبينه، أفأقتلك؟ فلما ولوا عرف صلى الله عليه وسلم فيهم الغدر، فالتفت وقال: {اللهم اكفنيهم بما شئت}. فأما عامر فأصابته غدة كغدة البعير، حتى وصلت إلى بطنه، فأخذ يقول: أموت في بيت سلولية؟ أركبوني على الفرس، فأركبوه قال: غدة كغدة البعير في بيت سلولية، ثم مات. وأما أربد بن قيس فأتته صاعقة من السماء على جمله وهو في السوق فأحرقته وأحرقت الجمل. لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار فهؤلاء متكبرون أعرضوا عن الدعوة فما اهتدوا.

قصة عمير بن وهب

قصة عمير بن وهب جلس عمير بن وهب في مكة تحت ميزاب الكعبة مع صفوان بن أمية بن خلف، يتحدثون فيما بينهم، ولكن الواحد الأحد نقل الحديث إلى المدينة مباشرة، إلى محمد عليه الصلاة والسلام، قال: في ليلة كذا وكذا في مجلس كذا وكذا، قال عمير وصفوان كذا وكذا. يقول صفوان: يا عمير، أما ترى ماذا فعل بنا محمد؟ قتل أبناءنا في بدر، وقتل أرحامنا وأقاربنا، أتكفيني إياه؟ قال: أريد قتله لكن من يقوم بأهلي وأطفالي ومالي؟ قال: الهدم هدمي والدم دمي، أذهب وأنا أكفيك أهلك، فأخذ سيفه فسمه شهراً حتى أصبح السيف أزرق، ثم ذهب إلى المدينة، وقد سبقه الخبر إلى المدينة. وأتى وهو متوشح سيفه، فرآه عمر وهو في الطريق -وتعرفون عمر - فعرف الشر في وجه عمير، فتقدم عمر إلى عمير، فأخذه بتلابيب ثوبه وبمحامل سيفه، ثم اقتاده بيده وكان عملاقاً رضي الله عنه. قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها رمى بك الله ركنيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم يُصِبِ فالله رمى بـ عمر أهل الشرك فهدمهم، وأخذ عمير بن وهب يصيح: يا محمد، انظر ماذا فعل بي عمر؟ قال: يا رسول الله، هذا الشيطان ماذا أتى به؟ فأجلسه عند الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: ما الذي أتى بك يا عمير؟ قال: أتيت في الأسارى أفاديهم، أي: الأسارى المحابيس من بدر، قال عليه الصلاة والسلام: بل جلست أنت وصفوان تحت ميزاب الكعبة، قبل أيام وقال لك صفوان كذا وكذا، وقلت له كذا وكذا، فقال 1000992>عمير: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. هؤلاء منهم من اهتدى بمعجزة، ومنهم من أعرض، وأكبر ما يعرض المعرض لكبره وعتوه، ولذلك تجد الدعوة تسري في المتواضعين أكثر مما تسري في المتكبرين.

كثرة أهل الباطل وقلة أهل الحق

كثرة أهل الباطل وقلة أهل الحق المعوق الثالث: كثرة أهل الباطل وقلة أهل الحق. يعيرنا أنا قليل وجارنا كثير وجار الأكثرين ذليل الطيب دائماً قليل قال تعالى: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيث}) [المائدة:100]. يقول ابن تيمية: أهل الإسلام قليل في أهل العالم، وأهل السنة قليل في أهل الإسلام، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116]. نزل عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى السوق، فسمع أعرابياً مسلماً يقول: اللهم اجعلني من عبادك القليل، فأخذ عمر بمنكبه وقال: ما هذا الدعاء؟ قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] فدعوت الله أن أكون من هذا القليل، قال عمر: [[كل الناس أفقه منك يا عمر]] فالقليل دائماً هو الخير، ولذلك ليفهم الدعاة وطلبة العلم قضيتين اثنتين، ومن أكبر القضايا:

أهل الباطل دائما أكثر من أهل الحق

أهل الباطل دائماً أكثر من أهل الحق القضية الأولى: لا يمكن أن يكون أهل الحق أكثر من أهل الباطل ولن تجد هذا أبداً، فتجد في المسرحية وحفل الأغنية جماهير مجمهرة، نعم قد يحضر بعض المحاضرات -إذا كثروا- خمسة آلاف وستة آلاف، ولكن يحضر حفل الأغنية ستون ألفاً، فأهل الباطل أكثر؛ وهذه قاعدة وكأن من سنن الله في الكون أنهم أكثر من أهل الحق.

إياك والفتور عن الدعوة

إياك والفتور عن الدعوة القضية الثانية: لا تحمل الدعاة رؤيتهم كثرة أهل الباطل لأن يتكاسلوا، ويقولوا: مادام الناس قد فسدوا، فلا فائدة في دعوتنا، لا، ادع، وإن لم يستجب أحد، وأجرك على الله قال تعالى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48] وقال عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:125] وقال سبحانه: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام:107].

لا تغتر بكثرة الهالكين

لا تغتر بكثرة الهالكين دعا نوح وما استجاب له إلا قليل، وبعض الأنبياء ما استجاب له أحد، ولكن أجرهم عند الواحد الأحد، فادع وما عليك، وأجرك على الله. أهل الباطل عندهم السلاح والوسائل والمغريات ووسائل أهل الحق منبر وكلمة ودرس ومحاضرة، مع أن الوسائل التي في ساحة العالم عظيمة جد عظيمة. قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[اللهم إني أعوذ بك من عجز المؤمن وجلد الفاجر]] ترى الفاجر قوياً ذكياً داهية، وترى المؤمن عاجزاً كسلان. ولذلك انظر إلى أهل الباطل كيف يتفانون مثل شعراء الحداثة، أما ترى عناوينهم البراقة؟! أما ترى بعض الأساليب التي يعرضونها لاستغواء الناس، أما ترى جمال العبارة؟! إنهم يسحرون به الناس، وبعض الدعاة إذا أتى عقّد كلمته وعقّد قصيدته، وأغلظ في خطابه، مع العلم أن الناس لا يأتي بهم إلا البسمة الحانية، والكلمة الرائعة، والأدب الفياض، والسحر الحلال الذي ليس بحرام. قال سبحانه: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة:100] فكثرة أهل الباطل من عقبات هذه الدعوة، وقد سبق قول بعض العلماء: أهل الإسلام قليل في العالم، وأهل السنة قليل في أهل الإسلام، فلا عليك من قلة أصحابك، فإن الخير في القليل. فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال ويقول الأول: وقد كنا نعدهم قليلاً فقد صاروا أقلَّ من القليل قال بعض التابعين: [[لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها، ولا تغتر بكثرة الهالكين]]. وأهل السنة قد يكون واحداً أو جماعة قليلة، فعليك بالجودة ولا تتبع الكثرة. يحتج بعض الناس لتركه الهداية، فيقول: كل الناس يفعلون هذا، وانظر إليهم، إذاً فأنا مع الناس. وعند الترمذي بسند فيه كلام: {لا يكن أحدكم إمعة، إن أحسن الناس أحسن، وإن أساءوا أساء، ولكن وطنوا أنفسكم إذا أحسنوا فأحسنوا، وإذا أساءوا فتجنبوا إساءتهم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

جلساء السوء

جلساء السوء جلساء السوء هم الأجارب الذين أجربوا على أهل الدعوة دعوتهم، والذين أفسدوا القلوب، وصرفوا الأرواح، ووقفوا حجر عثرة في الطريق.

أبو طالب وجلساؤه

أبو طالب وجلساؤه قال ابن القيم: وهل أشأم على أبي طالب في دعوة رسول الله عليه الصلاة والسلام من جليس السوء؟ وفي الصحيحين: {لما حضرت أبا طالب الوفاة، دخل صلى الله عليه وسلم وهو في سكرات الموت} ولو لم يكن معه جليس سيئ، لنفذ عليه الصلاة والسلام إلى قلبه، فهل تدرون من كان عنده؟ كان عند رأسه عبد الله بن أبي أمية وعند أرجله أبو جهل، فهم يلاحقونه في سكرات الموت، ليموت على الكفر، فجلس عليه الصلاة والسلام في مكان بعيد، وود أن يقوم عبد الله بن أبي أمية ليجلس عند رأس عمه، فقام عبد الله بن أبي أمية، فأسرع أبو جهل حتى جلس عند رأسه، فما أشد حرصه على الشر! فلما جلس قام عليه الصلاة والسلام من مكانه وهو بعيد، وقال: {يا عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله} فأراد أن يقولها، وأراد أن يحرك لسانه ولو فعل لنجاه الله في الدنيا والآخرة، {فقال أبو جهل: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال أبو طالب: هو على ملة عبد المطلب} فمات إلى نار جهنم! إن الجليس السيئ شؤم!

الجلساء ثلاثة

الجلساء ثلاثة صنف ابن القيم الجلساء ثلاثة، وفي بعض التقسيمات أربعة: جليس كالهواء دائماً معك، لا تمله وهو طالب العلم وهو الذي تحبه في الله، وهو الذي تأنس بحديثه، وهو الذي يدعوك إلى الذكر، ويحبب إليك الرسالة، ويدعوك إلى الجنة، وإلى التوبة والاستغفار، وجليسٌ كالغذاء تحتاجه أحياناً ولا تحتاجه أحياناً. وجليسٌ كالدواء تحتاج إليه نادراً، وهؤلاء مثل صاحب المغسلة، تذهب بثوبك إليه، وكاوي الثوب، وصاحب المكتبة، وأمثالهم كثير. وقسم داء عضال وسم زعاف، وموت، وهم أهل البدع والكفر، والعياذ بالله.

من هم الثقلاء؟

من هم الثقلاء؟ قيل للإمام أحمد من هم الثقلاء؟ قال: الثقلاء هم أهل البدع؛ لأن للناس تصانيف في الثقلاء من الجلساء، فيقولون: كان الأعمش إذا رأى رجلاً من الثقلاء أعرض -وهو عالم محدث- وقال: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان:12]. ويقول من ضمن مزحه: إذا صليت بجانب ثقيل على ميسرتك فسلم تسليمة تجزئك، وقال الشافعي: ما وفد إلي ثقيل فجلس في مجلسي إلا ظننت أن الأرض تميل في جهته، وقال ابن القيم في مدارج السالكين وهو يتحدث عن الثقلاء: ورأيت رجلاً جلس بجانب ابن تيمية من الثقلاء -أي أهل المعاصي- فرأيت ابن تيمية يتحامل ويتصبر ولكن انتهى الصبر، فالتفت ابن تيمية إلى ابن القيم وقال: الجلوس مع هؤلاء حمى الرِبْع، حمى الرِبع: حمى تهامة، تقتل الإنسان وتفرفره وتجعله عظاماً تستطر، والثقلاء هم المعرضون عن منهج الله، ومن أعظم عقبات الدعوة التي تحول بين الداعية وبين الناس جلساء السوء. أرى ألف بانٍ لم يقوموا لهادمٍ فكيف ببانٍ خلفه ألف هادمِ متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم حتى يقول بعض الأساتذة والعلماء قبل أن تأخذ الطوبة يأخذها الهدامون من يدك، فلا يدعونك تبني شيئاً؛ لأن ما يبنى في شهر يهدم في ساعة، فكيف تقدم موعظة أو درساً أو نصيحة، ووراءك آلاف الأغنيات والمسرحيات والمسلسلات والمعاصي والفواحش والمغريات والنزوات والجهالات؟! فكيف يُبْنَى الإيمان في القلب؟! قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي}. يقول أحد العرب: نزل فلان عند فلان، أي أضاف فلان فلاناً، قال: تعارفوا فتشابهوا فسكت بعضهم عن بعض، ثم قال: وفي السماء طيور إسمها البجعُ إن الطيور على أشباهها تقع لا يقع الفاجر إلا على فاجر، ولا يحب الفاسق إلا فاسقاً، ولا يحب المجرمين إلا مجرمٌ، بينما الأتقياء يحبهم الأتقياء، يقول ابن المبارك بسند صحيح وبكلمة نثرية: أحب الصالحين ولست منهم؛ وأكره الفساق وأنا شر منهم. كما أوردها أهل الترجمة، نظمها مثل الشافعي فقال: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة وفي القرآن في موضعين من القرآن أخبر الله أن لأهل الجاهلية جلساء، وأنهم هم السبب في إعراض هؤلاء الجلساء عن منهج الله، قال سبحانه: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:114 - 116] فأخبر الله في الآية أن لهم جلساء يجلسون معهم إذا خرجوا من عند المؤمنين، ولذلك إذا دعوت رجلاً ولم يتأثر بقولك منك ورأيته دائماً في المعاصي؛ فاعرف أن له قريناً وشيطاناً من شياطين الإنس يجلس معه ويخلو به، وهذا الذي يدمر عليك دعوتك؛ لأنك تبني في الصباح وهم يهدمون في المساء. وقال سبحانه في الجليس في موضع آخر: {وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [البقرة:76] فأخبر سبحانه أن لهم بعضاً وأن لهم جزءاً. ولذلك قال سبحانه: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة:67] فهم أجزاء مترابطة، يجلس الواحد منهم معك ولكن وراءه عشرات يصدونه ويأخذونه، ويسحبونه. ابن المبارك المحدث الكبير أحبه وأنتم تحبونه، قال الذهبي في سيرته لما ترجم له في تذكرة الحفاظ: والله الذي لا إله إلا هو إني أحبه وأسأل الله الخير بحبه، ولم لا وهو مجاهد وزاهد، وعابد، وعالم ومنفق وقائم ليل، وخاشع لله عز وجل، وهو شاعر جميل الشعر، نحب شعره؛ لأنه يصدر من القلب، يقول في بيتين يخبرك بالجليس يقول: من كان ملتمساً جليساً صالحاً فليأت حلقة مسعر بن كدام فيها السكينة والوقار وأهلها أهل الصلاح وعليهُ الأقوام يقول: إذا أردت جليساً صالحاً فتعال إلى المسجد في البصرة وابحث عن مسعر بن كدام، مسعر بن كدام راوية الصحيحين بكى حتى ذهبت عينه اليمنى من خشية الله، يقولون: ما نظر أربعين سنة إلى السماء ممايطأطئ رأسه من الخوف، قالوا: ما نراك تضحك؟ قال: أضحك وأنا ما مررت على الصراط وما أدري هل يؤمر بي إلى سقر أم إلى الجنة، كيف أضحك؟!! كان يجلس في اليوم ويتوضأ ويستقبل القبلة عليه ثياب بيض ويفوح الطيب من فمه ومن ثيابه، فإذا استقبل القبلة، رؤى كأن الملائكة حوله، ثم يبدأ يحدث ودموعه تتسابق مع الحديث، فيقول ابن المبارك لتلاميذه، يدعوهم إلى جلسة روحية تصلهم بالجنة، يقول: من كان ملتمساً جليساً صالحاً فليأت حلقة مسعر بن كدام يقول اسألوا عنه وادخلوا المسجد واجلسوا معه؛ ليقول لكم الله في آخر الجلسة: قوموا مغفوراً لكم، قد رضيت عنكم وأرضيتموني. وعمرو بن عبيد كان زاهداً مقطع الثياب لكن مبتدع، ونحن لانقبل الزاهد حتى يكون على السنة، ولا نقبل الباكي وقائم الليل، حتى يكون على السنة، ولا نقبل صائم النهار، حتى يكون على السنة، ولا نقبل المجاهد حتى يكون على السنة، ولا نقبل الداعية حتى يكون على السنة، كان عمرو بن عبيد شيء عجيب في الزهد والخشية من الله، لكنه مبتدع، يقول بالقدر، دخل على الخليفة أبي جعفر المنصور فرآه الخليفة فقال للعلماء: كلكم يطلب صيد كلكم يمشي رويد غير عمرو بن عبيد يقول كلكم فيكم شيء إلا عمرو بن عبيد فهو يطلب وجه الله. قال الذهبي: أثنى على ظاهره وما عرف بدعته، واكتشفها الذهبي والعلماء، يقول فيه ابن المبارك: أيها الطالب علماً إيت حماد بن زيد فاستفد فهماً وعلماً ثم قيده بقيد ودع البدعة من آثار عمرو بن عبيد وحماد بن زيد من أقران مالك، ومن رجال البخاري فجلساء السوء هم الجرب، وهم أعداء الأنبياء والرسل، وهم الذين أخذوا شبابنا وصدوا بفتياننا عن منهج الله. وهم قسمين: قسم منهم كفر بالله العظيم أو فجر وترك الصلاة وأعرض تماماً. وقسم يصلي ولكنه منغمس في المباحات وفي الترهات والسفاهات ولا يحرص على الوقت، ولا يطلب العلم، ولا يحضر مجالس الخير، ولا يستفيد من عمره، فهو لاهٍ لاغٍ مشغول سقط من أعين الصالحين، قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[إني لأرى الرجل ليس في شيء من أمور الدنيا ولا في شيء من أمور الدين فيسقط من عيني]]. يسقط من عينيه إذا رآه ساهياً لاهياً، تجد بعض الشباب يقيسون مساحات الأرض ذاهبين آيبين في السكك والشوارع، لا في كسب ولا في عبادة، ولا في دعوة، ولا في خدمة إسلامية، ولا سعي على أهل، وهؤلاء ممن ينصحون قبل أن يُجْتنبوا.

فتور الدعاة

فتور الدعاة العقبة الخامسة: من عقبات طريق الدعوة فتور الداعية، ولو أن كل طالب علم دعا إلى الله، لصلح الحال، ولكن طلبة العلم كثير، وأهل المعرفة كثير، وأهل الثقافة كثير، والدعاة قليل، والدعاة القليل مقصرون، فكيف بهذه النسبة؟! يقول محمد إقبال لدعاة الإسلام: أنت كنز الدر والياقوت في لجة الدنيا وإن لم يعرفوك محفل الأجيال محتاج إلى صوتك العالي وإن لم يسمعوك ففتور الدعاة خطر جسيم.

الدعوة في القرآن على قسمين

الدعوة في القرآن على قسمين ذكر الله عز وجل الدعوة في القرآن سلباً وإيجاباً، فالإيجاب مدح الدعاة وحثهم على الدعوة، قال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] وقال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] وقال سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108] وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67] هذا إيجاب، قل فادعُ إلى الله وتكلم وتحدث وانزع الوسوسة عنك. وقال عن السلب وهو الإنكار على من كتم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من كتم علماً، ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة}. ما فائدة العلم إلا أن تنصح وتعظ وتتحدث، ولا تقل أكثرت، أهل الباطل صباح مساء يطبلون ويرقصون ويغنون، مع أن أهل الحق قليل، وفي بخل عظيم بدعوتهم، وفي انهيار عجيب وفي فتور، ونشكو حالنا إلى الله. ويقول عليه الصلاة والسلام: {نضر الله امرأً سمع مني مقالة فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع} نَضَّر أي: جعل على وجهه بهاءً ونضرة وجمالاً، يقول أحد المحدثين: أهل الحديث طويلة أعمارهم ووجوههم بدعا النبي منضرة وللغماري رسالة اسمها المسك التبتي في شرح حديث نَضَّرَ الله امرأً سمع مني مقالتي. والتِبْتْ: هضبة في الهند تنبت الطيب، فيريد أن يصف المحدثين بالطيب، فجعل عنوان رسالته: المسك التبتي في شرح حديث نضر الله امرأً سمع مني مقالتي، إذا علم هذا فعند ابن حبان بسند صحيح: {نضر الله امرأً سمع مني مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} يقول الحارث بن مسلم أحد الصحابة الأخفياء الأتقياء، لا يُعرف كثيراً، لكنه تقي خفي حفي عند الواحد الأحد يقول: {خرجنا في غزوة مع الصحابة، فأراد الصحابة أن يبيتوا أهل قرية -أي يمسوهم في الليل- فيأخذوا غنائمهم قال: فوفدت إلى أهل القرية وحدي في الليل، فجمعت أهل القرية وهم مشركون، وقلت: إن أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام سوف يأتونكم، فإذا أتوكم فقولوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فلما أتى الصباح أتاهم الصحابة فطوقوهم، فقال أهل القرية: نشهد أن لا إله إلا اله وأن محمداً رسول الله، قالوا: من علمكم هذه الكلمة؟ قالوا: الحارث، فقال: الصحابة ما تركتنا ننال غنيمة -لأنهم في الأصل مشركون- فعادوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فشكوا إليه الحارث بن مسلم فدعاه عليه الصلاة والسلام قال: فرأيت وجهه يتهلل كالقمر، قال: فدعاني وبرّك عليّ وأخذني بيده، وقال لي قولاً جميلاً، وقال: ألا أدلك على شيء تقوله بعد الفجر وبعد المغرب، إن قلته لا تمسك النار إن شاء الله -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- قلت: بلى يا رسول الله، قال: إذا صليت المغرب، وإذا صليت الفجر؛ فقل بعد كل صلاة سبعاً: ربِّ أجرني من النار} وفي لفظ: {اللهم أجرني من النار} هذه جائزة له؛ لأنه فعل الخير، والحديث صحيح.

الدعوة في سن الشباب

الدعوة في سن الشباب فتور الدعاة أمر عجيب؛ ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] الهجوم على الدعاة الذين يريدون أن يدعو من ثلاث جهات، الجهة الأولى: مقالة تقول للداعية: لا تدعُ وأنت شاب، ما زلت صغيراً! يريدونه أن يبلغ السبعين ثم يموت من غير أن يكون له تأثير، والذي لا يستغل عمره من أوله لا يصلح في آخره، قال أبو مسلم الخراساني: من أراد شيئاً فعليه بالشباب، وهل كان دعاة الإسلام إلا شباباً؟! وهل كان علماء الصحابة إلا شباباً؟! وهل الدعوة إلا شابة؟! وإلى متى يبقى الإنسان؟ حتى تعمى عيناه، وتصم أذناه، ويشحرج العصا، ثم يبدأ يدعو!! وعليه أن يروض نفسه من الآن، وليس غداً، وهذه الشبهة تجدها كثيراً في المجالس يقولون: نرى أن يبقى الإنسان ولا يتصدر حتى يكبر، وأقول: في هذا تفصيل، أما التصدر للفتيا فأقول: أنا معكم، فلا تفتوا، أما الدعوة، فكما قال صلى الله عليه وسلم: {بلغوا عني ولو آية} وما الذي يمنع الطالب في الابتدائية أن يلقي كلمة مما يعرف فقد قال صلى الله عليه وسلم: {بغلوا عني ولو آية} هذا هو البلاغ العظيم منه عليه الصلاة والسلام.

الدعوة لا تؤثر على التحصيل العلمي

الدعوة لا تؤثر على التحصيل العلمي يقول بعض الناس: إن كثرة الدعوة تؤثر على التحصيل العلمي، فالذي يدعو الناس يقل تحصيله، وأقول: لا، بل يكثر تحصيله. يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا ولذلك أنقص الناس علماً من لا يدعو ولا يتحرك بالدعوة لأنه ينسى، بل تَكَلَّمْ وعِظْ ووَجِه وانصح، وستجد نفسك تحفظ النصوص والآيات، وتحفظ الأحاديث، ويزيدك الله بصيرة وتوفيقاً وفقهاً في الدين؛ لأن العلم كالماء، أنا أقول: العلم كالماء إن تحبس سواقيه يأسن وإن يجر يعذب منه سلسال تحيا على العلم أرباب القلوب كما تحيا على الماء أرواح وآمال الله أعطاك فابذل من عطيته فالعلم عارية والعمر رحال فإذا نصحت ووجهت زادتك الدعوة تحصيلاً وعلماً إن شاء الله.

التكرار من أساليب الدعوة

التكرار من أساليب الدعوة يقولون للداعية إذا كرر الكلام: كررت، وإذا أكثر من الكلام: أكثرت، فأقول: وهل المكرر إلا الجميل، وهل الجميل إلا مكرر، وهل القرآن إلا قضايا مكررة، من الفاتحة إلى سورة الناس كلما ختمناه عدنا إلى أوله، وهل العقيدة إلا مكررة، قصة موسى مكررة، وقد ذكرت أكثر من ست وثلاثين، لكن في قوالب. كرر العلم يا جميل المحيا وتدبره فالمكرر أحلى قالوا تكرر قلت أحلى علم من الأرواح أغلى فإذا ذكرت محمداً قال الملا أهلاً وسهلا فكرر ولا عليك، كلمة واحدة، ولو تلقيها ثلاثين وأربعين مرة في أمكنة مختلفة، تزيد عمقاً وينفع الله بها، وكان العلماء يحدثون الحديث الواحد مئات الجلسات. هذه قضية فتور الدعاة، قال الحسن البصري لرجل: عظنا -أي: تحدث فينا- قال: لست هناك، قال الحسن: أوَّه! ود الشيطان أن يظفر بها. ولذلك يأتيك الشيطان، يقول: لا تخطب، ولا تتحدث، لا تؤم الناس، الرياء سوف يسعى إليك، كفى بك رياء أنك أعرضت عن الدعوة، وأشهر الناس محمد عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي، بل تقدم والله معك.

انصراف الناس إلى الدنيا

انصراف الناس إلى الدنيا ومن العقبات في طريق الدعوة: انصراف الناس إلى الدنيا على حساب الدين، فأكثر الناس إنما يهتم بالدنيا، أما الدين فإنه في آخر المطاف، فتجد الواحد منهم ينهي أعماله وأشغاله ومتطلباته وحاجياته، ثم يلتفت إلى الصلاة والتفقه في الدين، وفي آخر برنامجه وجدوله القراءة في المصحف إن بقي وقت، لكن الخروج إلى السوق أو المستشفى أو زيارة الأقارب أو النزهة أو النوم كلها أولويات عنده. ولذلك ترى هذا الصنف يعيش على هامش الأحداث، أما الاشتغال بالدنيا فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] وفي حديث: {إن الدنيا يعطيها الله من يحب ومن لا يحب، وإن الدين لا يعطيه الله إلا من يحب} إذا أعطاك الله الدين فقد أحبك {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:37]. خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريباً فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليباً

ابن تيمية والملك

ابن تيمية والملك ذكر الشيباني كلمة وأنا وجدت كلمة أخرى في غير كتابه في ترجمة ابن تيمية، أن ابن تيمية كان يدخل على ابن قطلوبك، وهو سلطان سلجوقي مسلم، فدخل عليه ابن تيمية يعظه، فقام هذا السلطان واحتفى بـ ابن تيمية وقال: يـ ابن تيمية وددنا أننا أتيناك في بيتك، فأنت عالم زاهد مجاهد قال ابن تيمية: دعنا من كدوراتك يـ ابن قطلوبك، كان موسى يأتي فرعون في اليوم مرات، قال: سمعنا يـ ابن تيمية أنك تريد ملكنا، قال: أنا أريد ملككم؟! قال: نعم، قال ابن تيمية: والله الذي لا إله إلا هو ما ملككم عندي يساوي فلساً، إني أريد جنةً عرضها السماوات والأرض. فلذلك يقدم بعض الناس الدنيا في حياته ومهماته، قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش} وأقول: تعس عبد السيارة، تجد بعض الناس يسلخ في هذه السيارة ويغسل، ويطيب فيها، ويغير، دائماً هو في البنشر، وعند صاحب الديزل، يحميها ويعطرها ويزينها وهي سيارة، لن تلد بغالاً ولا حميراً. يا متعب الجسم كم تسعى لخدمته أتعبت نفسك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان وبعض الناس في العمارات، كل يوم يبني داراً، يوسع في الحدائق والمجالس، وقد تهدم قلبه، فهو خراب لا قرآن ولا حديث ولا نور ولا هداية، لكن تعال إلى البيت وانظر إلى الكنبات والنور، وانظر إلى المداخل والمخارج، وانظر إلى الحدائق الغناء تجد عجباً؛ ولكن القلب خواء. لا بأس بالقوم من طول ومن قصر جسم البغال وأحلام العصافير {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] دخل أبو العتاهية على هارون الرشيد، وكان قد زين هارون الرشيد قصره، وأبو العتاهية شاعر زاهد، قال: كيف القصر يا أبا العتاهية؟ قال: جميل لكن فيه عيب، قال: ما هو عيبه؟ قال: يموت صاحبه ويخرب القصر، قال: أما قلت شعراً في قصري؟ قال: قلت شعراً، قال: ماذا قلت؟ قال: عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصور قال: هيه، أي: زد. قال: يجري عليك بما أردت مع الرواح وفي البكور قال: هيه. قال: فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور استعرض المأمون جيشه، وهو في سكرات الموت، في طرسوس، وقيل في طوس، والمدينتان موجودتان، لكن اختلفوا هل مات في طوس أو في طرسوس؟ فلما أتته الوفاة قال: أخرجوني وقد كان المأمون فصيحاً؛ إذا تكلم كأن السحر ينطق على لسانه، قال: أخرجوني، فأخرجوه فرأى القادة والوزراء والأمراء، فالتفت إلى السماء، وبكى وقال: يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكه. باتوا على قمم الأجْبال تحرسهم غُلب الرجال فما أغنتهم القلل واستنزلوا بعد عز من قصورهم إلى قبورهم يا بئسما نزلوا أمر الدنيا سهل، بل إن حاجيات الإنسان الكمالية أمرها سهل، ولذلك تجد كثيراً من المعرضين والمفرطين في تقوى الله، والمفرطين في طلب العلم، والمفرطين في حفظ الوقت، تجد أحدهم يستغرق الساعات الطويلة في لباسه ساعة وهو يمشط رأسه، وساعة وهو أمام المرآة، وساعة وهو يلبس اللباس، وساعة وهو يكوي الغترة، وساعة يتطيب، نهاره كذلك!! ماذا فعلت؟ ماذا قدمت؟ عمر رضي الله عنه يخرج ببردة مقطعة، لكن من مثل عمر؟! يهتز منه كسرى وقيصر وهم في الملك، أبو بكر يخصف نعله، بل محمد عليه الصلاة والسلام يخرج في شملة، وهو رسول رب العالمين، عمروا أرواحهم، ولم يلتفتوا كثيراً إلى ملابسهم، ونحن عمرنا دورنا، وهدمنا قلوبنا، وزينا ملابسنا، وشوهنا أرواحنا، فنشكو حالنا إلى الله: متى يهديك قلبك وهو غافٍ إذا الحسنات قد أضحت خطايا

المال لأهل الهلع والطمع

المال لأهل الهلع والطمع إذا كنت لا ترى أنه من الضروريات أن تكون مستقيماً، متى تهتدي؟ ومتى تعود إلى الله عز وجل؟ وقف عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح البخاري فقال: {يا أيها الناس! إني أعطي بعض الناس لما أرى في قلوبهم من الهلع والطمع، وأدع آخرين؛ لما جعل الله في قلوبهم من الخير والإيمان، منهم عمرو بن تغلب، قال عمرو بن تغلب: والله ما أريد أن لي بكلمة رسول الله حمر النعم} بها الدنيا وما فيها قال الأنصار: غفر الله لرسول الله! أعطى قريشاً وتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال عليه الصلاة والسلام: {يا معشر الأنصار! ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتعودون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم، والله لما تعودون به إلى رحالكم، أفضل مما يعود به الناس، رحم الله الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، الأنصار شعار والناس دثار} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وأكثر ما جعل الناس يعرضون عن المحاضرات والدروس والدعوة والتفقه في القرآن والسنة اشتغالهم بالدنيا، تجد بعضهم يحسن قيادة السيارة، لكن لا يحفظ الفاتحة جيداً، ولا يعرف سجود السهو، بعضهم يبني القصور ويشق الأنفاق، ويمد الجسور، وهو متخصص في علم الآلات، ولكنه لا يعرف من الدعوة ولا من الرسالة ولا من السنة شيئاً، فهو مغبون قال سبحانه: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]. دخل عمر رضي الله عنه وأرضاه، فرأى إبل الصدقة في مسارحها، فقال له أحد الناس: صدق الله! هذا فضله ورحمته، قال عمر: [[كذبت، فضله ورحمته: العمل بتقوى الله على نور من الله، وترك معصية الله على نور من الله، قال سبحانه: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]]] اسمع إلى أربعة أحاديث صحيحة في الدنيا وفي الآخرة، يقول عليه الصلاة والسلام: {لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافراً منها شربة ماء} ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح: {لأن أقول: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) أحب إلي مما طلعت عليه الشمس} يقول عليه الصلاة والسلام: {من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة} حديث صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث رواه عبد الله بن بسر قال: جاء رجل فقال: {يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله}. فأسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية والسداد، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

رثاء عبد الله عزام

رثاء عبد الله عزام Q هل لك قصيدة في الداعية المجاهد عبد الله عزام رحمه الله رحمة واسعة؟ A ما نظمت فيه قصيدة، بل قلت فيه خطبة، ودعوت الله له، وتلك خير من القصيدة، وأسأل الله أن يجمعنا به في دار الكرامة. وفي بعض المناسبات استشهدت بقصيدة رائعة رائقة رنانة لـ أبي تمام قالها في أحد الشهداء المسلمين وهو محمد بن حميد الطوسي، البطل المجاهد أحد قادات المعتصم الأفذاذ، قاتل الكفار في جبهة من جبهات خراسان من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر، وكان كلما ناولوه سيفاً قاتل به حتى يتكسر، ويلتفت إلى أصحابه فأعطوه سيفاً آخر، وبعد صلاة الظهر طوق عليه الكفار فقتلوه مع الأذان: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. فقال أبو تمام فيه قصيدة يوم سمعها الخليفة قال: والله الذي لا إله إلا هو، لوددت أني المقتول وأنها قيلت فيّ، يقول أبو تمام: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذر فتى كلما فاضت عيون قبيلة دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر تردى ثيابَ الموت حمراً فما دجا لها الليل إلا وهي من سندس خضر عليكَ سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر ثوى طاهر الأردان لم تبقَ بقعة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر وما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمر وهي قصيدة طويلة جميلة، من أجمل ما قيل في الرثاء. وقتل أحد الوزراء وصلب على خشبة فقال فيه أبو الحسن الأنباري وأقولها كذلك لـ عزام: علوٌ في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات كأن الناس حولك حين قاموا وفود نداك أيام الصلات كأنك واقفٌ فيهم خطيباً وهم وقفوا قياماً للصلاة مددت يديك نحوهم احتفاءً كمدهما إليهم بالهبات هذه هي العظمة، ومن لم يمت هذه الميتة فسوف يموت ميتة أخرى حبطاً أو إغماءً إن لم يكن مؤمناً مستقيماً. ومن الشهداء من يموت على فراشه {ومن سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه} نسأل الله لنا ولكم الشهادة في سبيله.

ابن مكتوم لا يوصى إليه

ابن مكتوم لا يوصى إليه Q قلت: إن ابن عباس منارة للإسلام تستقبل النور من السماء مباشرة، فهل يعني هذا أنه يوحى إليه؟ A السائل وهم في مسألتين: الأولى: أنا قلت: ابن أم مكتوم ولم أقل: ابن عباس. والثانية: ما كنت أحسب أنك تظن هذا الظن، فما قصدته وما نويته وما أردته، وليس في كلامي ما يدل على ذلك، فـ ابن أم مكتوم، وأنت وأنا وكل مسلم نتلقى من محمد عليه الصلاة والسلام، ولن يوحى إلى أحد بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما أوحي إليه لأنه رسول؛ لكن يوحي شياطين الجن إلى شياطين الإنس، كما قال تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:112] واعلم يا أخي أن بعض المبتدعة قالوا: نحن لا نطلب العلم من عبد الرزاق لكن نطلب العلم من الرزاق، وعبد الرزاق محدث صاحب المصنف يقول: " نحن لا نقرأ الحديث في الكتب" وإنما يجلس أحدهم في زاوية، ويأتيه العلم، قال ابن القيم: لولا عبد الرزاق وأمثال عبد الرزاق ما عرفتم الرزاق سبحانه، فإنما العلم يتلقى قال صلى الله عليه وسلم: {العلم بالتعلم} العلم بالسند. العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم ألو العرفان وإنما معنى كلام هذا المفكر أنه منارة من منارات الأرض استقبلت نور السماء الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، وهو تعبير عجيب. دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس

الواجب نحو الأقارب الفاسقين

الواجب نحو الأقارب الفاسقين Q أنا شاب ملتزم، ولكن لي أقارب فاسقون، فماذا أفعل معهم؟ A انصحهم وعظهم واصبر على أذاهم، وكن ليناً في خطابهم، وحاول أن يهتدوا وادعُ الله لهم، واصدق معهم، وحاول أن تأخذهم إلى أهل الخير، وأن تأتي بهم إلى المحاضرات، وأن تهدي لهم كتاباً أو شريطاً إسلامياً، ولا تيئس من روح الله، فإن استمروا على فسقهم وأعرضوا، فاهجرهم علّ الهجر أن يردعهم.

الجلوس مع المذنبين

الجلوس مع المذنبين Q هل الجلوس مع المدخنين من الجلوس مع أهل السوء؟ A الجلوس مع المدخنين من الجلوس مع أهل السوء، إلا بقصد أن تدعوهم، فإن قصدت الدعوة فيجوز لك هذا بل يجب عليك إذا رأيت قبولاً من الناس، حتى مع الكافر أن تجلس معه لتدعوه، وقد جلس صلى الله عليه وسلم مع شارب الخمر وجلس مع الزاني، وجلس مع المنافق، وجلس مع المشرك ليدعوه إلى سبيل الله، والجلوس مع المدخن في غير وقت التدخين ومزاولة التدخين، لا أرى فيه بأساً، لكن أرى أنك لابد أن تحمل في ذهنك دعوته إلى هذه الجزئية التي قصر فيها.

كتب للقراءة

كتب للقراءة Q دلنا على كتب إسلامية؟ A هذا السؤال يتكرر كثيراً لكن أدله على بعض الكتب والكتيبات، كتاب الله عز وجل أولاً، وأحسن تفسير تفسير ابن كثير وزاد المعاد لـ ابن القيم ورياض الصالحين وبلوغ المرام وفتح المجيد، هذه خمسة كتب أرى أن الإنسان لو أدمن القراءة فيها وفهمها وضبطها كان عنده علم كثير، لكن مشكلتنا التجميع بلا قراءة، أو التجميع بلا ضبط، ترى معه مكتبة مليئة بالكتب ثم لا يقرأ؛ فما الفائدة؟ -حمْلٌ للأسفار بلا معنى، ليس بصحيح، وفي مسند أحمد بسند صحيح قال عليه الصلاة والسلام وقد التفت إلى السماء، وكان جالساً مع الصحابة، وهذا في أول مسند أحمد على ترتيب الساعاتي، وقد ذكر ابن تيمية في الفتاوى في المجلد العاشر، هذا الحديث، وعلق عليه تعليقاً عجيباً قال عليه الصلاة والسلام: {هذا أوان ارتفاع العلم، فقال: زياد بن لبيد: يا رسول الله! كيف يرتفع العلم والقرآن معنا، والله لنقرئن القرآن أبناءنا وبناتنا وليقرئنه أبناءهم أو كما قال، فقال عليه الصلاة والسلام: ثكلتك أمك يا زياد! إن كنت لأظنك من فقهاء المدينة، هؤلاء اليهود والنصارى عندهم التوراة والإنجيل ماذا نفعهم؟} يعني الكتب وحدها، بل قال بعض العلماء كثرة الكتب مع كثرة الانحراف لا تزيد صاحبها إلا ضلالاً وحيرة، والقرآن -وهو القرآن أنزله الله للهداية، من قرأه بقصد الاستغواء وبقصد الاستهزاء زاده ظلمات، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت:44] أي: يغويهم ويضلهم، لأنهم احتاروا فيه، فلينتبه لهذا.

شروط ذهاب النساء إلى المستشفى

شروط ذهاب النساء إلى المستشفى Q بحكم عملي في إحدى المستشفيات أخالط كثيراً من النساء الممرضات والمراجعات، ويصادفني أحياناً نساء غير محتشمات، فماذا يجب عليّ لأنه يلزمني مخاطبتهن؟ A أقول لك: أولاً قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وأقول لك ثانياً: غض بصرك، وطالب هؤلاء النسوة بالحجاب الشرعي وعلمهن السنة، ولا يقتضي هذا منك أن تنظر ولكن {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ولا تخلُ بامرأة أبداً، فالخلوة بالمرأة في غير ضرورة حرام، وليس هناك فيما أعلم ضرورة في ذهني، لكن قلت هذا احترازاً من بعض النصوص، فهو محرم قال عليه الصلاة والسلام: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} لا تخلُ بامرأة، ولا تنظر إلى وجهها، ولا تصافح ولا تلمس امرأة. والمرأة تذهب إلى المستشفى للعلاج بثلاثة قيود:- أن يكون معها محرم، وأن تعالجها امرأة، وأن تتحجب الحجاب الشرعي، وإذا اضطر إلى علاجها رجل، فبشروط ثلاثة:- الأول: ألا توجد امرأة معالجة، تقوم بهذا العلاج. الشرط الثاني: ألا يخلو بها، بل يكون محرمها معها. الشرط الثالث: أن يكون المرض ضرورياً خطيراً فلا تذهب للزكام أو للصداع.

التحاكم إلى العادات القبلية

التحاكم إلى العادات القبلية Q هل العادات والتقاليد والتحاكم إلى عادات القبائل ونحوها عقبة في طريق الدعوة؟ A نعم هو من العقبات، وأنا ما أتيت إلا بأهم العقبات، وإلا فإن بعضهم يوصلها إلى عشرين عقبة، وثلاثين عقبة، لكن أتيت بما يقارب الست لتدل على غيرها، وما ذكرت كل العقبات.

لمز الدعاة والاستهزاء بهم

لمز الدعاة والاستهزاء بهم Q ماذا أفعل في كل من يناديني بالمطوع، سواء استهزاءً أو مدحاً؟ A أولاً، احمد الله أن شرفك بأنك عبد له، الناس صنفان: مطوع أو عاص، هذا الذي يدعوك إن كان مستهزئاً، ويقول لك: مطوع فهو عاصٍ، لأنه يستهزئ بالمطوع، ومعناك أنك أطعت الله، فصرت مطوعاً، وقد يطلق عليه هو لكنه للشيطان، فإما أن يتطوع العبد للرحمن أو للشيطان، ولذلك يقول ابن تيمية: لا يسكن القلب إلا بإله، إما الله وإما آخر. فاعلم ذلك وعليك وأنت أمامهم أن تتذكر ثلاث قضايا: أولها: اعرف أن الله شرفك لأنك تؤذى في سبيله عز وجل، فسلفك في ذلك الأنبياء والرسل وقد قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3]. ثانيها: اعلم أنك مأجور، وأن أجرك على الله، وما يصيب المسلم من كلمة أو استهزاء أو نكد إلا كانت كفارة للسيئات ورفعاً للدرجات. ثالثها: إذا قالوا لك هذا الكلام؛ فتبسم لهم وقل لهم قولاً حسناً فقد ذكر الله المتقين -عباد الرحمن- فقال في وصفهم: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] قال عيسى بن مريم عليه السلام لحوارييه: كونوا كالنخلة ترمى بالحجارة فترد بالرطب. إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت فإن جاوبته فرجت عنه وإن خليته كمداً يموت وقال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] هذه القضايا التي أريد أن تفهمها مني.

أنا مصاب بالفتور

أنا مصاب بالفتور Q أجد فتوراً وعدم رغبة في الطاعة مع العلم أني أعرف كثيراً من الآيات والأحاديث؟ A عليك بالدعاء، عليك بالجلسات مع الصالحين، واعلم أن الفتور هذا لا بد منه، وفي حديث صحيح: {لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غيرها فقد هلك} والشرة: الحدة والقوة والنشاط في العمل، ولذلك تجد الشباب إذا اهتدوا تجد الواحد منهم قوياً على العبادة، ويزيد من النوافل فبدلاً من أن يتنفل بعد الظهر اثنتين يتنفل بثمان، تقول: يكفيك ثلاثة أيام في الشهر قال: لا يكفيني إلا الإثنين والخميس وثلاثة أيام، والمحرم وبعدها يقتصر على رمضان، فلذلك (لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة) والفترة هي النكوص، لكنه قال: {فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى} أي أن الحد الأدنى السنة، ألا تنزل عن السنة، حد أدنى لك، فعليك بذلك، واعلم أن الفترة لا بد منها، قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، فاغتنموها عند إقبالها، وذروها عند إدبارها]] وقال في لفظ آخر: [[إذا أقبلت القلوب فأكثروا من النوافل، وإذا أدبرت فألزموها الفرائض]]. تقبلنا الله وإياكم في من تقبل، وغفر لنا ولكم ورحمنا الله وإياكم، وشكر الله لكم اجتماعكم، ونريد ألا تنسونا من دعوة طيبة؛ لندعو لكم بظهر الغيب.

لقد سألت عن عظيم

لقد سألت عن عظيم إن الله تعالى أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فأنار به أفئدة الإنسانية، وهدى به البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، فنصح الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة الإسلامية ودلها على كل خير وكل عمل يقربها من الجنة ومن رضوان الله. وفي هذا الدرس حديث عظيم، هو قاعدة من قواعد الإسلام، فيا من يبحث عن طريق الجنة! فإن طريقها ومفاتيحها في هذا الحديث العظيم.

وقفات مع حديث: (لقد سألت عن عظيم)

وقفات مع حديث: (لقد سألت عن عظيم) إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. قبل أن يبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، نظر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى إلى الناس، فمقتهم جميعاً، عربهم وعجمهم، أحمرهم وأبيضهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، فلما بعثه صلى الله عليه وسلم أنار الله به أفئدة الإنسانية، وهدى به البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، فكان عليه الصلاة والسلام يوصي دائماً وأبداً، ومن أجل وصاياه، ومن أعظم ما أهداه صلى الله عليه وسلم لأصحابه: هذا الحديث الذي معنا هذه الليلة، وهو حديث عظيم من قواعد الإسلام، ومن أسس هذا الدين، وهو من الأربعين النووية. فاسمعوا إلى هذا الحديث القيم، الحديث الذي هو أقرب الطرق إلى الجنة لمن أراد الجنة، وهو أحسن الوصايا لمن أراد الله والدار الآخرة. عن معاذ بن جبل سيد العلماء، وقائد العلماء إلى الجنة رضي الله عنه قال: {كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقلت: يا رسول الله دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه} هذا السؤال من أعظم الأسئلة التي طرحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: {لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه -ثم أجاب عليه الصلاة والسلام- قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على رأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على أبواب الخير؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: الصيام جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل. ثم تلا عليه الصلاة والسلام قول تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] إلى قوله: {يَعْمَلُونَ} ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: كف عليك هذا، وأخذ صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه، فقال معاذ: أئنا لمؤاخذون يا رسول الله بما نقول؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ -أي فقدتك، وهو دعاء لا يراد به ظاهره- وهل يكب الناس في النار على مناخرهم أو على أنوفهم إلا حصائد ألسنتهم} هذا الحديث رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

ترجمة معاذ بن جبل

ترجمة معاذ بن جبل وكما أسلفت هو من أعظم أحاديث الإسلام التي ذكرها صلى الله عليه وسلم، وراوي هذا الحديث هو معاذ رضي الله عنه وأرضاه، داعية أهل اليمن إلى الإسلام، والذي استنقذهم من الضلالة بلا إله إلا الله، والذي هداهم إلى النور بلا إله إلا الله، كان عليه الصلاة والسلام يقول له دائماً وأبداً: {يا معاذ والله إني لا أحبك، لا تدع أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك}. ولا بأس أن نقف لحظات مع هذا الصحابي الجليل معاذ رضي الله عنه وأرضاه، جاهد في ذات الله، وذهب إلى اليمن، ولما ودعه صلى الله عليه وسلم، وهو مسافر إلى أرض اليمن، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أوصني يا رسول الله! قال: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} وقال له: {يا معاذ! اذكر الله عز وجل عند كل شجر وحجر ومدر} فذهب رضي الله عنه وأرضاه، ومات صلى الله عليه وسلم ومعاذ في اليمن. ولما قدم راجعاً، جاهد مع أبي بكر الصديق، ومع عمر، حتى كان مع أهل الفتوح الذين ينشرون لا إله إلا الله في المعمورة، وهو من الذين حضروا معركة اليرموك ضد الروم، وتوفي وعمره سبعٌ وثلاثون سنة، لكنها خيرٌ عند الله من سبعة وثلاثين قرناً، كان به دمل رضي الله عنه وأرضاه في يده اليمنى من الطاعون، فقال له الناس: لا بأس عليك تتشافى بإذن الله، فرفع يديه، وقال: [[اللهم إني قد مللت الحياة، اللهم فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون ثم قال: [[اللهم إنك تكبر الصغير، وتبارك في القليل، اللهم اجعل وفاتي في هذه القرحة]] وهذا لا يتعارض مع عدم تمني الموت، فإنه رضي الله عنه وأرضاه خاف من الفتن، فانتشرت هذه القرحة، ومات شهيداً رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه مات بالطاعون.

طريقة شرح الإسلام للناس

طريقة شرح الإسلام للناس يقول: {قلت: يا رسول الله -في الحديث السابق- دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار} هل تعلمون سؤالاً أعظم من هذا؟ من الذي يستطيع أن يسأل سؤالاً أحسن من هذا السؤال؟ عمل يقربه من الجنة ويباعده من النار، واسمعوا إلى معلم الخير وأنصح الناس للناس، وأصدق الناس مع الناس، وأفضل الناس قاطبة فيما يسمعون من كلام الناس، محمدٌ صلى الله عليه وسلم، طبيب القلوب، والناصح للأمة، والصادق فيما بلغه من الله تبارك وتعالى. فقال صلى الله عليه وسلم وهو يستعرض أمور الإسلام، لأن هذا الدين ليس ألغازاً، وليس أحاجي ولا مشكلات، إننا لن ندخل الجنة بالمؤهلات العلمية ولا بالدور ولا بالقصور ولا بالأشجار، ولا بجري الأنهار، إنما ندخلها بالصدق مع الله وبالعمل الصالح، وبالتقوى، وكما وصفها صلى الله عليه وسلم لـ معاذ، وقضية شرح الإسلام للناس، أو طرح مسألة الإسلام للناس لا يحتاج إلى تكلفات في التعبير، أو فلسفة، أو منطق، إنه أسهل من الماء البارد الذي نشربه، وأسهل من الهواء الذي نستنشقه. أتى أعرابي من الصحراء يريد طريق الجنة، يريد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعرابي من البادية، لم يسجد لله سجدة، ولا ركع لله ركعة، فجاء الأعرابي بجمله وعقله في طرف المسجد -وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يعرض الإسلام على الناس، لا كما يعرض الإسلام الآن صعباً شائكاً، إنما هو سهل ميسور لمن أراد الله والدار الآخرة- فعقل هذا الأعرابي الجمل، ثم تخطى الصفوف، يسأل عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول للصحابة: أين ابن عبد المطلب؟ يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم -يسميه بجده؛ لأنه أشهر في العرب من أبيه، حتى يقول عليه الصلاة والسلام: أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب في حنين - فيقول الصحابة: ذاك هو الرجل الأبيض، الأمهق المرتفق، أي: المتكئ، فيتقدم الأعرابي. واسمعوا إلى أسئلة عن الإسلام، واسمعوا لحسن العرض منه عليه الصلاة والسلام، ولحسن السؤال، ثم لحسن الجواب منه صلى الله عليه وسلم، فيقول: يا محمد! قال عليه الصلاة والسلام: لبيك! قال: إني سائلك فمشددٌ عليك في المسألة قال: سل ما بدا لك. فقال الأعرابي: يا محمد من رفع السماء؟ قال: الله! قال: من بسط الأرض؟ قال: الله! قال: من نصب الجبال؟ قال: الله! قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ وكان عليه الصلاة والسلام متكئاً، فجلس وتربع -لأن هذا أعظم سؤال عرفته البشرية، وهذا أكبر سؤال وقع على البسيطة منذ خلق الله الخليقة إلى اليوم- فقال عليه الصلاة والسلام، وقد احمر وجهه من عظم Q اللهم نعم. قال: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، ثم أخذ يسأله حتى انتهى من أركان الإسلام؛ فرفع يده، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، ثم ولى، وفك عقال جمله وذهب، فتلفت صلى الله عليه وسلم إلى الناس وهو يتبسم، ويقول: {من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا} وفي رواية: {أفلح الرجل ودخل الجنة إن صدق} أي: صدق مع الله، هذه هو دين الإسلام في سهولته ويسره الذي عرضه صلى الله عليه وسلم على الناس.

الغاية من الحياة

الغاية من الحياة يقول معاذ: {يا رسول الله دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار} فهل علم أهل القصور أن المصير ليس بقصور في الدنيا، وأن الشرف والسمو، والغاية المنشودة ليست بالقصور؟ وهل علم أهل الأموال أن الغاية المحمودة والمطلوبة عند المسلم ليست المال؟ وهل علم أهل الأولاد أن الذي يطلبه المؤمن أعظم من الأولاد؟ وهل علم أهل المناصب أن هناك أجل من المناصب؟ إنه رضا الله والجنة. فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيش نابت فيها صح في صحيح مسلم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن الشجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {للمؤمن في الجنة خيمة مجوفة طولها في الجو -وقيل: عرضها- ستون ميلاً، في كل طرف من أطرافها أهلون وبنون للمؤمن، لا يرى بعضهم بعضاً} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن في الجنة سوقاً يأتيه المؤمنون؛ فتهب عليهم رياح الشمال، فتحثو في وجوههم المسك، فيعودون إلى أهلهم وقد ازدادوا جمالاً إلى جمالهم وحسناً إلى حسنهم}. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الفرات والنيل وسيحون وجيحون أربعة أنهار من أنهار الجنة} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يوم الجمعة يزور المؤمنون فيه ربهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فيجلس الأنبياء على منابر من نور، ويجلس الشهداء على كثبان من مسك، ثم يجلس الناس على مجالسهم، فينظر إليهم ربهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وينظرون إليه، فما أُوتوا نعيماً أعظم من ذاك النعيم} وهو يوم الزيادة، يدخل أهل الجنة الجنة، فيتلذذون ويتنعمون، لا يبولون، ولا يجوعون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، ولا يبصقون بنو ثلاث وثلاثين سنه جرد مكحلون مرد حسنه وجوههم من النعيم مسفرة لا ظلمة ترهقهم أو قترة أهل الجنة إذا دخلوا الجنة انتهى عنهم الهم والحزن والغم والنصب قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:74]. فيقول معاذ رضي الله عنه وأرضاه: يا رسول الله! دلني على عمل يدخلني الجنة، هل قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليك أن تأتي بمؤهلات، أو أن تتوظف وتخدم كذا سنة، وتأتي بعدد من المال، أو تذبح نفسك كما يفعل بنو إسرائيل، أو تجوع نفسك الأيام والليالي كما تفعل النصرانية، أو تطول أظفارك وشعورك كما تفعل البوذية، لا. أتى بأمر بسيط يستطيع جمهور الناس أن يفعلوه، كله سهل وميسر على من يسره الله عليه. لكن يقول صلى الله عليه وسلم لما سئل: {إنه ليسير على من يسره الله عليه} أما من عسره الله عليه فليس بيسير، وبعض أهل الصلاح وأهل الاستقامة يتعجب من كثير من الناس، لا يصلون في المساجد، ولا يقرءون القرآن، ويقولون: ماذا يكلفهم لو صلوا خمس صلوات في اليوم والليلة؟ ماذا يكلفهم لو قرءوا شيئاً من القرآن؟ ماذا يكلفهم لو صاموا شهراً في السنة؟ ماذا يكلفهم لو حجوا مرة في العمر؟ لكن القلوب بيد فاطر السماوات والأرض، والنفوس بيد الحي القيوم، يقول عز من قائل: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56]. هذا الرجل مهتد مصل صائم منيب زاهد متورع إلى الله عز وجل، ويرزق ولداً فاجراً من الفجار، وفاسقاً من الفسقة، وفاسداً من المفسدين، ومارداً من المتمردين، فلماذا؟ حكمةٌ بالغة، وقدرةٌ نافذة من الحي القيوم. يقول عز من قائل: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23] هذا يسكن في أحسن مسكن، ويأكل أحسن طعام، ويتمتع بالمطاعم الشهية والمراكب الهنيئة والمشارب الرضية، ولكن قلبه مغلق عن الهداية، لا يريد لا إله إلا الله، ولا يتلذذ بلا إله إلا الله، ولا يمضي إلى مسجد الله، ولا يعفر وجهه ساجداً لله. وهذا رجلٌ آخر يعيش البرد كله، ويأخذ الجوع بحده، والظمأ والتعب والإعياء، وينام على الرصيف، وأحب كلام إليه كلام الله، وأحسن صوت إليه صوت المؤذن، وأحسن جملة تمر بأذنيه لا إله إلا الله، وجهه يلمع نوراً، وقلبه يتفتح للهداية، فما هو السبب؟ حكمة بالغة. فالله عز وجل نظر إلى قلوب العباد، فرأى أن هذا القلب يستحق الهداية فمنحه الهداية، ونظر إلى ذاك القلب، فإذا هو مطموس عليه لا يستحق النور ولا الهداية، فأغلق الله عليه: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:23 - 24]. ماذا قال أهل العلم في قوله عز من قائل: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] قالوا: يحول بين الإنسان والإيمان، يريد أن يؤمن، يريد أن يصلي، لكن الله علم فيه الخبث، فلا هداه ولا كفاه ولا وقاه ولا شفاه. فالله الله يا أيتها الأمة المحمدية، يا أيتها الأمة المرضية! التي يريد الله أن تدخل الجنة أول الأمم، والتي بنى الله لها قصوراً في الجنة؛ فإن طريق الجنة هو هذا الحديث. ثم قال له صلى الله عليه وسلم: {تعبد الله لا تشرك به شيئاً} هل هناك عسراً وصعوبة في عبادة الله، وعدم الإشراك به، أتعلمون إلهاً غير الله؟ هل تعلمون أكبر من الله؟ أو أعظم من الله أو أحق بالعبادة من الله؟!

كيفية الاستدلال على توحيد الله

كيفية الاستدلال على توحيد الله صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: عجباً لك يا بن آدم! خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقيرٌ إلي، في كل يوم خيري إليك نازل، وفي كل يوم شرك إلي صاعد} فقال عليه الصلاة والسلام: {تعبد الله لا تشرك به شيئاً} لأنه لا عبادة لمن أشرك مع الله من أهل أو ولد أو منصب أو وظيفة أو حجر أو شجر، وبعض الناس يظنون أن الأصنام قد انتهت، بل بعض الناس يعبد هواه من دون الله عز وجل، أما قال الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23]؟ وكل شيء يشير إلى وحدانية الله، وكل مخلوق يثبت بالبرهان أنه لا إله إلا الله، وكل كائنة تشير بيدها أنه لا إله إلا الله، الومضة من النور، اللمعة من الضياء، والقطرة من الماء، والورق من الشجر، الصوت من الطائر، الإنسان بما آتاه الله يشير أنه لا إله إلا الله. فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد قيل للإمام الشافعي رحمه الله: دلل لنا على القدرة، أي: اذكر لنا دليلاً على قدرة الحي القيوم، قال: هذه الورقة ورقة شجر، وتأكلها دودة القز فتخرج حريراً، وتأكلها النحلة فتخرج عسلاً، وتأكلها الغزال فتخرج مسكاً، وتأكلها الشاة فتخرج روثاً، أليست دليلاً على الحكيم الخبير؟ وقيل للإمام أحمد: دلل لنا على وجود القدرة، قال: هذه البيضة كالحصن الحصين، أما الباطن فذهب إبريز أصفر، وأما الظاهر ففضة بيضاء يخرج منها حيوانٌ سميع بصير، هو الفرخ، ألا يدل على وجود السميع البصير؟ فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد كل شيء يشير إلى الله، يقول عز من قائل: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ} [يونس:101] يقول عز من قائل لأهل مكة يوم نزَّل عليهم القرآن، وهم لا يرون إلا الجبال السود، ولا يرون إلا السماء، ولا يرون إلا الأرض، ولا يرون إلا الإبل، خاطبهم بلغة عصرهم؛ لأن العلم الطبيعي ما بلغ هذه الدرجة التي بلغها اليوم، فقال عز من قائل: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [الغاشية:17 - 20]. مالهم لا ينظرون؟ مالهم لا يتفكرون؟ ما للذي يترك الصلاة إذا سمع الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أربع مرات، ماله يلوي عنقه ويتولى عن المسجد؟ أنسي الله؟ أنسي البعث والنشور؟ أنسي الذي سواه في أحسن صوره؟ {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد:8 - 11] يقول: ما هو الأمر الذي أتى به هذا حتى يتكبر علينا؟ ويقول عز من قائل: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات:35].

أهمية الصلاة

أهمية الصلاة فيا أيها الإنسان الضعيف، والله لا فلاح لك ولا نجاح ولا رقي ولا نور، ولا هداية حتى تتعرف على باب المسجد، والله لا طهر لك ولا قداسة ولا قيمة ولا وزن لك، حتى تتوضأ كل يوم كما أراد الله عز وجل. يقول عليه الصلاة والسلام، وهو يتحدث عن الأعمال الموجبة لدخول الجنة: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله، لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه من ذمته بشيء أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار} رواه مسلم. وما معنى الحديث؟ يقول عليه الصلاة والسلام: من توضأ وصلى الفجر في جماعة، أحاطه الله ورعاه وكفاه ووقاه، فلا يحدث عليه بإذن الله أي حادث من حوادث الذنوب الكبيرة، لا يشرب الخمر، ولا يسرق، ولا يزني بإذن الله؛ لأنه عصم نفسه بصلاة الفجر في جماعة، فيقول صلى الله عليه وسلم: {فالله الله، لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء} معناه يقول: أن من صلى الفجر في جماعة فهو في حفظ الله، فلا يُتعدى على دمه أو عرضه أو ماله؛ لأنه أصبح في حفظ من الله، وفي رعاية من الواحد القيوم قال: {تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة} الصلاة التي لما ضيعناها وأخرناها، وأخللنا بأوقاتها وخشوعها وركوعها، ضعنا والله، وديست كرامتنا، واحتلت مقدساتنا، وفسد أبناؤنا، وقلت البركة في أرزاقنا، وقست قلوبنا. الصلاة التي لما ضيعناها قل القطر علينا، الصلاة التي لما تركناها أصبنا والله -إلا من رحم الله- بالبغضاء وبالشحناء والفتن ما ظهر منها وما بطن، الصلاة التي لما تركناها أو تهاونا فيها دخلت علينا المعاصي بلا حساب، الربا والزنا، والفحش والدعارة والمخدرات؛ التي فتكت بشباب الأمة، بسبب تركنا وتهاوننا بالصلاة. فيا أيتها الأمة المصلية يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام: من أراد الجنة، فهذه بيوت الجنة، ورياض الجنة، ومفاتيح الجنة عند مفاتيح هذه الأبواب، ومن أراد الهداية فليس له هداية إلا أن يعفر وجهه كل يوم خمس مرات، فو الله ثم والله ثم والله، إن لم تكن عبداً لله، فإنك عبد للشيطان، وعبد للشهوات، وعبد للنزوات، فافتخر بعبودية الله. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا عباد الله: هذا درس وجيز، نريد أن نجتمع بهذه الوجوه الطيبة الطاهرة التي جاءت لتصلي، وجاءت لتعلن الوحدانية لله، وجاءت لتغسل ذنوبها، وأدرانها، وسيئاتها، وتكفر ما فعلت من المعاصي. هذا مختصر في كل أسبوع من مساء الجمعة، أسأل الله أن يجعله خالصاً لوجه، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتجاوز عنا وعنكم سيئ الأعمال، وأن يجعلنا ممن إذا استمع القول اتبع أحسنه، وأن يحشرنا في زمرة الصالحين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا! سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم

لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم في هذه المادة ذكر الشيخ صوراُ من حياة الصالحين في تعظيم الله، سيما تعظيمه باليمين، وتطرق إلى مسائل وأحكام في اليمين كحم الحلف بغير الله، والسؤال بوجه الله، واللغو في اليمين.

صور من حياة الصالحين في تعظيم الله

صور من حياة الصالحين في تعظيم الله الحمد لله، الحمد لله القائل: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم:10 - 16] والصلاة والسلام على رسول الله، سيف النصر الذي قصَّر الله به آمال القياصرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، وأرداهم ظلمهم في الحافرة، ولسان الصدق الذي بلغ نغمة التوحيد لعباد الله الموحدين، وأذن الخير التي استقبلت آخر رسالات السماء؛ فبلغتها البشرية، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما اتصلت أذن بخبر، وما تعلقت عين بنظر، وما غرد حمام على شجر. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد:

قصة عدي بن حاتم

قصة عدي بن حاتم فلما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتائبه مشرقة ومغربة؛ تنشر (لا إله إلا الله) في المعمورة، كان من ضمن من أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سليمان خالد بن الوليد سيف الله المسلول، أرسله إلى جبل أجا وسلمى، حيث قبائل طيء، فلما سمعت بمقدم خالد؛ فرت القبائل لا تلوي على شيء، وذهبت بنصرانيتها إلى الشام. وكان من ضمن من فر عدي بن حاتم الطائي ابن كريم العرب، وترك أخته في بيته، فنزل خالد وتمركز بجيشه هناك، وسبى سبايا، وأخذ أسارى، وعاد بهم إلى عاصمة الإسلام، إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من ضمن الأسارى: سفانة بنت حاتم الطائي الكريم المشهور، والجواد العظيم، وأنزلهم خالد حول المسجد، وقامت سفانة إلى علي رضي الله عنه وأرضاه، وقالت: اشفع لي إلى ابن عمك، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال علي: إنا لا نشفع إليه، ولكن إذا خرج إلى الصلاة، فسوف ينظر إليكم، فتشفعي عنده واذكري أباك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلم الناس وأبرهم وأوصلهم. وخرج صلى الله عليه وسلم لصلاة العصر ومعه بعض الصحابة، وفي طريقه استعرض الأسارى، فقامت سفانة، وقالت: يا رسول الله! إن أبي كان يحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الدهر، أنا بنت حاتم الطائي كريم العرب، فاعف عني عفا الله عنك. فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، وقال: {خلوا عنها؛ فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، ثم قال: يا هنتاه، لو أن أباك مات مسلماً لترحمنا عليه} ثم أكرمها صلى الله عليه وسلم، وأعادها صيّنة محتشمة إلى ديار أهلها؛ فلقيت أخاها عدي، فقالت: يا قطوع، يا عقوق! تركتني وفررت، جئتك من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً، من عند أبر الناس، وأوصلهم، وأرحمهم. فتهيأ عدي ولبس لباسه، وركّب صليب النصرانية على صدره، وأتى إلى المدينة، وتسامع الناس أن ابن حاتم الطائي قادم، أو أظل المدينة ضيفاً؛ فخرجوا في استقباله، واستقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجلسه في بيته، وقدم له مخدةً ليجلس عليها، فأبى وجلس على التراب، فقال له صلى الله عليه وسلم: {أشهد أنك من الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً}. وبينما هو جالس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بروح القدس، وإذا بجبريل عليه السلام ينزل بآيات الله البينات، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمناسبة مقدم عدي بن حاتم، وهي قوله تبارك وتعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:30 - 31] فقال عدي، وعرف أن الخطاب له، وأنه المقصود بلفظ الفحوى "إياك أعني واسمعي يا جارة" فقال: {ما عبدناهم يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم ونظر إليه: بل عبدتموهم، أما أحلوا لكم الحرام فأحللتموه، وحرموا عليكم الحلال فحرمتموه؟ قال: بلى. قال: فتلك عبادتهم}. ثم تنمر له صلى الله عليه وسلم، وقرب منه، وأخذ بتلابيب ثيابه وقال: {يا عدي! أتفر أن يقال: الله أكبر في الأرض؟ هل تعلم أكبر من الله؟ أتفر يا عدي أن يقال: لا إله إلا الله في الأرض؟ هل تعلم إلهاً مع الله؟ فانتفض عدي وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله} وانطلق لسانه يلهج بنغمة التوحيد، وقلبه يرتعد بنغمة لا إله إلا الله. والمقصود من هذا كله: أنه لا عظيم إلا الله، ولا يحلف إلا بالله، ولا يتوكل إلا على الله، ومن توكل عليه كفاه، ومن عظَّم الله عظمه الله، ومن امتهن أسماء الله أمتهنه الله وحقره وأذله.

قصة صاحب بني إسرائيل

قصة صاحب بني إسرائيل وفي صحيح البخاري في كتاب الوكالة: {أن رجلاً من بني إسرائيل أتى إلى رجل آخر يقترض منه مائة دينار، فأقرضه وسلفه، فقال: هل لك من شاهد؟ قال: ما لي شاهد إلا الله. قال: كفى بالله شاهداً. قال: فهل لك من كفيل يكفلك؟ قال: ما لي من كفيل إلا الله. قال: كفى بالله كفيلاً. فأخذ هذا المال، وسافر به وركب البحر، فلما أتت المدة أتى بمائة دينار، يريد أن يعيدها إلى صاحبها، فوقف على ساحل البحر، وانتظر السفينة فلم تأتِ سفينة، وانتظر ثلاثة أيام، فلما يئس رفع طرفه إلى السماء، ثم قال: اللهم إني اقترضت منه، فقال: هل لك من شاهد؟ فرضيت بك شاهداً، وقال: هل لك من كفيل؟ فرضيت بك كفيلاً، اللهم فبلَّغ هذه الدنانير إليه. ثم أخذ خشبة، فنقرها، ووضع فيها الدنانير، ووضعها على ظهر ماء البحر، فسلط الله الريح؛ فأخذت هذه الخشبة، وساقتها إلى الساحل الآخر، وخرج ذاك الرجل صاحب الدين في ذلك اليوم، يقول لأهله: علني أتعرض للسفن، أركب إلى صاحب المال الذي جعل بيني وبينه الله شهيداً وكفيلاً. فانتظر سفناً فلم تأتِ سفينة، فقال: لقد يئست، وحسبي الله ونعم الوكيل. ثم نظر إلى الخشبة، فقال: آخذ هذه إلى أهلي لتكون حطباً لهم. فلما أتى بها إلى البيت كسرها؛ فإذا الدنانير فيها، وإذا الرسالة، والمبايعة، فقال: من استكفى بالله كفاه، ومن توقى بالله وقاه}.

الحلف بغير الله

الحلف بغير الله أيها المسلمون: إن الأيمان من أكثر ما تحدث في الناس الشرك، فإن كثيراً من الناس لجهلهم يعظمون غير الله، فلا يصدقون الحالف، ولا يأتمنون يمينه، ولا يركنون إلى حلفه، حتى يحلف بالطلاق أو بالحرام، وهؤلاء جهلوا عظمة الله، وما قدَّروا الله حق قدره، وما وقروه حق توقيره.

وقفة مع حديث (ثلاثة لا ينظر الله إليهم)

وقفة مع حديث (ثلاثة لا ينظر الله إليهم) وفي الطبراني بسند صحيح، عن سلمان الفارسي، الباحث عن الحقيقة، سفير الإسلام إلى أهل فارس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليم. قالوا: من هم يا رسول الله خابوا وخسروا؟ فقال: أشيمطٌ زانٍ، وعائل مستكبر، ورجلٌ جعل الله بضاعته، لا يبيع إلا ويكذب، ولا يشتري إلا ويكذب}. فأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أشيمط زانٍ) فهذا شيخ شائب، شابت لحيته، وشاب رأسه في الإسلام، ثم وقع في الكبائر، ومنها: الزنا، بعد أن وعظه الله بالشيب، قال ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما، لما قرأ قوله تبارك وتعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] قال: [[النذير والله الشيب]] وكفى بالشيب نذيراً. ومر عمر رضي الله عنه وأرضاه برجل وهو يترنم بقصيدة، ويقول: كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا فدمعت عينا عمر وقال: [[إي والله، كفى بالإسلام والشيب للمرء الذي يخاف الله ناهياً]] وأثر عن إبراهيم عليه السلام: [[أن الشيب لما ظهر في لحيته نظر إلى المرآة، فقال: يا رب ما هذا الشيء الأبيض في لحيتي؟ قال: يا إبراهيم! هذا وقار. فقال: اللهم زدني وقاراً]]. فمن وقرَّه الله بالشيب، ثم وقع في الفواحش؛ فلن ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكيه يوم يزكي الصالحين، وله عذابٌ أليم، فهذا أشيمط أسرف في الخطايا، شيخٌ ومذنبٌ ومسيء، وقد دنى من حفرته ولبس أكفانه! كان سفيان الثوري يقول: [[يا من بلغ الستين سنة! خذ لك كفناً على أكتافك، واحفر قبرك فإنك بلغت من الموت قاب قوسين أو أدنى]]. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (عائل مستكبر) فهو فقير يتكبر على عباد الله -حشفاً وسوء كيلة- ليس عنده ما يدعوه إلى التكبر، أو يجذبه إلى الزهو والعجب، ثم ينفخ صدره، ويزور بزوره، فهذا ممقوت مبخوس الحظ، فاقد عند الله عز وجل، وإلا فإن الله عز وجل إذا أراد أن يصحح نية العبد جعله من المتواضعين، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63]. وأثر عن موسى عليه السلام: [[أن الله أوحى إليه، فقال: يا موسى! أتدري لماذا اصطفيتك من الناس، واخترتك من بني إسرائيل؟ قال: لا يا رب. قال: نظرت في قلوب بني إسرائيل، فوجدت قلبك يحبني أكثر من كل قلب، ورأيتك ما جلست مع أحد إلا شعرت في نفسك أنك أوضع منه، وأنك أحقر منه]] ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {من تواضع لله رفعه، وحق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه}.

تعظيم الله عز وجل بالحلف به

تعظيم الله عز وجل بالحلف به وشاهدنا: أن أعظم عظيم هو الله، ولا يعلم أعظم من الله تبارك وتعالى؛ فلا يحلف إلا بالله، وويلٌ لعبد عظَّم غير الله أكثر منه، أو حلف بغير الله، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود وأبي هريرة أنه قال: {من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك}. وصح عنه صلى الله عليه وسلم، كما عند أبي داود من حديث ابن عباس: {أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسو الله! ما شاء الله وشئت. فغضب عليه وقال: ويحك! أجعلتني لله نداً، بل ما شاء الله وحده}. وصح أن أعرابياً قدم عليه صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! قحطنا، أجدبنا، فادع الله أن يغيثنا، فإنا نستشفع بك إلى الله، ونستشفع بالله إليك. فجلس صلى الله عليه وسلم، وقال: ويحك! ويلك! سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! أجعلتني لله نداً! أتدري ما شأن الله، إن شأن الله أعظم من أن يستشفع به أو يتشفع به إلى أحد من خلقه تبارك وتعالى}. وقال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، كما صح عنه: [[لأن أحلف بالله كاذباً خيرٌ من أن أحلف بغير الله صادقاً]] لأن من حلف بغير الله صادقاً فقد أشرك، ومن حلف به كاذباً فقد أذنب، والشرك أكبر الذنوب فيا عباد الله وقروا الله في أيمانكم.

الواجب علينا في الأيمان

الواجب علينا في الأيمان وواجبنا في الأيمان أمور: أولها: ألا نحلف إذا اضطررنا إلى اليمين إلا بالله تبارك وتعالى. قال الشافعي رحمه الله تعالى كما ذكر ذلك عنه الذهبي: ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً في حياتي؛ توقيراً لله تبارك وتعالى وتعظيماً له. وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير: عظِّموا الله تعالى، لا يقل أحدكم لمولاه: أخزاك الله، أو قبحك الله، فتقرنون الله بهذا الكلام. وذكر ابن تيمية رحمه الله أن محمد بن جعفر الصادق كان إذا قال له الرجل: لا والله؛ احمر وجهه إجلالاً لله تبارك وتعالى. فالذي لا يستكفي بالله عز وجل فلا كفاه الله، والذي لا تشفيه اليمين به تبارك وتعالى، بأسمائه وصفاته فلا شفاه الله؛ لأنه قد عظّم غير الله أكثر منه. ثانياً: على المسلم إذا حلف على يمين، ورأى غيرها خيراً منها أن يُكفِّر عن يمينه، وأن يأتي الذي هو خير. فعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه وأرضاه -كما في الصحيحين - قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فكفِّر عن يمينك وأتِ الذي هو خير} والذي يحنث في يمينه، أو الذي يلج في يمينه؛ هو الرجل الذي يحلف ألا يفعل الخير، ثم يمنعه يمينه عن فعل الخير، وهذا هو المقصود بقوله تبارك وتعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة:224] أي: مانعاً عن فعل الخير، فبعض الناس يحلف ألا يزور أقاربه، وألا يصل أرحامه، وألا يبر أباه، فواجب هذا أن يكفر وأن يعود إلى ما هو خير. ثالثاً: ومن واجبنا في الأيمان كذلك ألا نحلف بغير الله تبارك وتعالى -كما أسلفت- فإنه شرك، ويدخل في ذلك الحلف بالطلاق والحرام؛ فإن هذا تعظيم لغير الله، والطلاق في الإسلام إنما وضع لفظاً لمفارقة الزوجة، لا لليمين، ولا لعقد الحلف، فمن فعل ذلك؛ فقد عظَّم غير الله أكثر منه تبارك وتعالى، وكثيرٌ من الناس لا يستجيبون إلا بالطلاق وبالحرام، وما هذا إلا لبدعتهم وجهلهم، وقلة فقههم، ولقلة عظمة الله عز وجل في قلوبهم، فأولى لهم ثم أولى أن يرضوا بالله تبارك وتعالى. ذكر الغزالي في إحياء علوم الدين [[: أن عيسى عليه السلام رأى سارقاً يسرق، فقال عيسى للسارق: أتسرق؟ قال: والله ما سرقت. -وقد سرق- فقال عيسى عليه السلام: صدقت بالله عز وجل وكذبت عيني]]. وذلك احتراماً لليمين؛ لأنه حلف بالله. وفي سنن أبي داود عن سهل بن سعد {أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فعل فعلاً، فقال صلى الله عليه وسلم: أفعلت ذلك؟ قال: لا والله الذي لا إله إلا هو. فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد فعلته، ولكن غفر الله لك بالتوحيد} لأنه قال: والله الذي لا إله إلا هو. رابعاً: ومن واجبنا في الأيمان: ألا نلغو بكثرة امتهان اسم الله عز وجل على الألسن، وفي المجالس والمنتديات؛ فهذا من قلة توقير الله تبارك وتعالى، فإن كثيراً من الناس يحلف في مجلسه عشرات المرات يقوم فيحلف، ويجلس فيحلف وهذا من قلة تعظيمه لربه تبارك وتعالى، فإن الله عظيم ولا شيء أعظم منه تبارك وتعالى، ولا يحلف الرجل إلا عندما يستحلف، فله أن يحلف. وتقدم رجلٌ إلى محمد بن أبي داود الظاهري، فاستحلفه فحلف، فقال: كيف تحلف وأنت التقي الورع؟ فقال: إن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحلف في كتابه، فقال: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7] {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [يونس:53] فواجب على المسلم أن إذا استحلف في أمر وهو صادق أن يحلف. خامساً: من واجبنا في الأيمان -وخاصة أهل التجارة والبيع والشراء- ألا يتعرض للفظ الجلالة دائماً؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين: {ثلاثة لا ينظر الله إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، ورجل عرض سلعته بعد العصر، فحلف بالله عز وجل أنه أعطي بها كذا وكذا وقد كذب} فبعض الناس لا يبيع سلعته إلا باليمين الفاجرة. وصح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة في الصحيحين أنه قال: {اليمين منفقة للسلعة مذهبةٌ للبركة} فلا يبارك الله في مال الفاجر، ولا في سلعته، ولا في تجارته، فانتبهوا بارك الله فيكم لهذه الأمور. سادساً: ومما يجب علينا كذلك: أن ننهى عما ابتدعه الناس من شركيات في ألفاظهم، كقول بعضهم: وحياتي، وشرفي، ونجاحي، وكرامتي، ولو كان له شرف وكرامة، لما كرم إلا الله، ولما عظَّم إلا الله، وهذا منتشر في الناس، إلا من رحم الله تبارك وتعالى. فيا أبناء من نشروا لا إله إلا الله! ويا أحفاد من بينوا للناس التوحيد الخالص! هذه دعوته صلى الله عليه وسلم، وهذه رسالته، فاحفظوا أيمانكم، واحفظوا لهجاتكم، واحفظوا ألسنتكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. ذكر الذهبي وابن كثير أن الحسن بن هانئ الشاعر وفد على ملك من ملوك الدنيا، فقال له: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار يخاطب بشراً مثله، لا يملك ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً؛ فابتلى الله هذا الرجل بمرض عضال؛ أسهره في الليل، وأحرمه الطعام، حتى يعرِّفه من هو الواحد القهار، فتداول عليه الأطباء، وأتاه الممرضون، فما أجدى فيه علاج، وأخذ يتقلب على فراشه يبكي ويقول: أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالقِ لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق فمن علق أمله بغير الله؛ خذله الله عز وجل ومقته وأذله. وبعض الشركيين يتلفظون بألفاظ شركية بدعية، سوف يحاسبهم الله بها يوم العرض الأكبر، ومنهم البرعي، حيث يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: يا رسول الله يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما فأقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما والرسول عليه الصلاة والسلام بشر لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، فلا يعبد إلا الله، ولا يعظم إلا الله، ولا يحلف إلا بالله. فاتقوا الله عباد الله، وأصلحوا من قلوبكم وألسنتكم، أصلح الله لنا ولكم ما ظهر من أمرنا وما بطن. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

اللغو في الأيمان

اللغو في الأيمان الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: عباد الله: يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:89] وفي هذه الآية حلٌ لمن حلف بالله ثم حنث، ليس حلٌ لمن حلف بغير الله، فإن من حلف بغير الله فقد أشرك، ولا تنعقد يمينه على الصحيح من أقوال أهل العلم.

كفارة اليمين

كفارة اليمين من حلف بالله ثم رأى أن غير هذه اليمين خير منها، فواجبه أن يكفر، إما قبل الحنث أو بعده. والكفارة كما ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هي إطعام عشرة مساكين، قال علي رضي الله عنه وأرضاه: [[يطعمهم وجبة غداء وعشاء]] والجمهور على أنه يطعمهم وجبة واحدة ولا وجبتين ولا ثلاثاً، ولكل مسكين على الصحيح نصف صاع، وهو مدان، فيطعمهم ليبري الله ذمته، وليزكي يمينه، وليرفع الإثم عنه، ثم يأتي الذي هو خير. وهو على التخيير، فله أن ينتقل إلى الكسوة، فيكسو كل مسكين ما يصلح له أن يصلي فيه، ثم عتق الرقبة، فإن عجز عن هذه الثلاث فعليه بصيام ثلاثة أيام، وله أن يصومها متتابعات، وله أن ينثرها في أي وقت شاء، ولكن عليه أن يوقر الله في اليمين، وإذا تتابع عليه أيمانٌ موجبها وسببها واحد، ولم يكفر؛ كفاه كفارة واحدة، وإن حلف على أيمان متعددة أسبابها مختلفة؛ فلكل يمين كفارة. وقد مدح الله الذين يوفون بالنذر، فقال: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [الإنسان:7] وصح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عقبة بن عامر في صحيح مسلم أنه قال: {كفارة النذر كفارة يمين}. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من نذر نذراً لم يستطعه؛ فعليه أن يكفر كفارة يمين. والنذر الذي لا يستطيعه العبد هو ما كلف به نفسه، كأن ينذر أن يصوم الدهر إن نجَّح الله ولده، أو ينذر أن يصلي في يوم من الأيام ألف ركعة، إن أتى الله بحبيبه، فلم يستطيع؛ فعليه أن يكفر كفارة يمين، فهي تكفيه عن النذر الذي لا يستطاع. المهم أن يعظم الله تبارك وتعالى، وألا يحلف به العبد إلا مضطراً صادقاً، وأن يقدر أسماءه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وصفاته، فإن هذا من تقوى القلوب، وهو من تعظيم شعائر الله.

السؤال بوجه الله

السؤال بوجه الله والمسألة التي أحب التنبيه عليها: السؤال بوجه الله، الذي امتهنه كثير من الناس، فوجه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عظيم كريم مقدرٌ معظم مكرم، لا يسأل به إلا الجنة. فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يسأل بوجه الله إلا الجنة}. وكثيرٌ من الناس يسأل بوجه الله في أغراض رخيصة، وفي أسباب حقيرة تافهة، وهذا من قلة تعظيمه لربه، ومن قلة دينه، فوجه الله تبارك وتعالى عظيم، لا يسأل به إلا ما عظم من الأمور. ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أعوذ بنور وجهك، الذي صلح به أمر الدنيا والآخرة، وأشرقت به السماوات والأرض، من أن يدركني غضبك، أو يحل بي سخطك} فإنما استعاذ من الغضب والسخط، وهما أكبر ما يستعيذ منهما العبد. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين المهديين، وسائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، من اليهود والنصارى ومن أعانهم يا رب العالمين. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: إن الله يأمركم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الحقوق الزوجية

الحقوق الزوجية الدين الإسلامي دين متكامل، وفيه حقوق وواجبات، جاء الدين ليبني الأمة والمجتمع والأسرة، فجعل للأسرة حقوقاً وواجبات لكل من أفراد الأسرة، وخص المرأة بالفضل والتوصية بها وبحسن معاملتها وإرشادها، ولنا في رسول الله أسوة حسنة في معاملتهن وإرشادهن والرأفة بهن.

بشرى بانتصار الجهاد الأفغاني

بشرى بانتصار الجهاد الأفغاني الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المعلم الجليل، والمؤيد بجبريل، صلى الله وسلم عليه كلما تضوع مسكٌ وفاح، وكلما غرد حمامٌ وناح، وكلما شدا بلبلٌ وصاح، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته قبل أن أبدأ في الدرس هنا حدثٌ عالميٌ مهمٌ وخطيرٌ في حياة المسلمين، ولا بد للمسلم أن يعيش واقعه، وأن يعرف أخبار أمته، وأن يعيش الأحداث على الساحة، والحدث المهم في هذه الأيام هو انتصار المجاهدين الأفغان على عدوهم من أهل الكفر والطغيان، وهو انتصار ساحق، يوم قالوا: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174] موسى عليه السلام رأى البحر أمامه والبحر مغرق، وفرعون خلفه فقال الناس: الهلاك الهلاك، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل؛ فنجاه الله. إبراهيم عليه السلام رأى النار وهي تلتهب أمامه وهم يريدون دهدهته في النار، فأتاه ملك يقول: ما هي حاجتك؟ قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء. محمد عليه الصلاة والسلام في بدر وأحد والأحزاب، وفي كل معركة تجتمع عليه الجاهلية وقوى الأرض فيها، فيقول: حسبي الله ونعم الوكيل {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. قالوا للمجاهدين الأفغان: تعالوا إلى هيئة الأمم المتحدة، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـ هيئة الأمم المتحدة، قالوا: تعالوا إلى مجلس الأمن، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـ مجلس الأمن إلى جنيف، قالوا: آمنوا بالله وحده وكفرنا بـ جنيف، وخرجوا يهللون ويكبرون وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، واقترب فتح كابل {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:97]. خرجوا بالكلاشنكوف وروسيا بالصواريخ، والطائرات، والدبابات، والسيارات، والمصفحات، والمدرعات، ولكن: يا غارة الله جدي السير مسرعة في سحق أعدائنا يا غارة الله أخذ المجاهدون المتوضئون الصائمون المصلون يَذْبَحونهم على الطريقة الإسلامية في فتية من بني الأفغان ما تركت كراتهم للعدى صوتاً ولا صيتا قومٌ إذا قابلوا كانوا ملائكة حسناً وإن قاتلوا كانوا عفاريتا هذه من أعظم الأحداث في الساحة، وأنتم تشاهدون وتسمعون، فانظر ماذا تفعل لا إله إلا الله محمد رسول الله مع لا إله والحياة مادة، وانظر ماذا تفعل كلمة: حسبنا الله ونعم الوكيل مع قوى الأرض وجاهليتها وكفرها. وأما الحديث الخطير المهم، فهو حديث أبي القاسم صلى الله عليه وسلم بالله لفظك هذا سال من عسلٍ أم قد صببت على أفواهنا العسلا

شرح حديث: (أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء)

شرح حديث: (أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء) يقول البخاري رحمه الله رحمة واسعة في الحديث السابع والعشرين: باب كفران العشير وكفرٌ دون كفر، وفيه عن أبي سعيد الخدري، ثم قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أُريت النار فإذا أكثرُ أهلها النساء يكفرن، قيل: يا رسول الله! يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك معروفاً قط} هذا هو حديث ابن عباس عند البخاري. وفي الحديث ثمان مسائل: المسألة الأولى: الصدقة وفضلها؛ فإنه أتى في حديث أبي سعيد: {تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار}. المسألة الثانية: كفران العشير، وكيف يكون، وما هو العشير؟ المسألة الثالثة: مخاطبة النساء، والتكلم والحديث معهن. المسألة الرابعة: الرسول صلى الله عليه وسلم مع النساء. المسألة الخامسة: أسئلة النساء. المسألة السادسة: كفران الإحسان. المسألة السابعة: حضور المرأة مجالس الخير. والمسألة الثامنة: أجر المرأة المؤمنة.

قصة الحديث

قصة الحديث أما حديث ابن عباس فقد ورد من حديث أبي سعيد وقصته عند أبي سعيد أن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج يصلي بالناس العيد، وقد كان يخرج صلى الله عليه وسلم إلى الجبانة -إلى الصحراء- فيصلي بالناس هناك صلاة العيد، وكان إذا خرج الناس انتظر قليلاً حتى ترتفع الشمس ما يقارب قيد رمح، ثم لبس لباسه صلى الله عليه وسلم، لباس الجمال، والعظمة، والتواضع. البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها فكان يمضي فينتظره الناس، فإذا أطل عليهم أطل بمقدمه المبارك الباهي الذي يملأ العين جلالة، والقلب مهابة، فيتكلم مع الناس بما آتاه الله، وحيٌ من السماء يفيض عليهم بالنور والخير والبركة، فلما انتهى من كلامه للناس إذا بالنساء في طرف المصلى، هن لم يصلين مع الرجال بل كُنَّ في جهة واحدة من المصلى، وهذا فيه درس على أن الاختلاط ليس بوارد، لا في الأماكن التعبدية، ولا في الفصول الدراسية أو الاجتماعات العامة؛ لأن المرأة لها مكانٌ والرجل له مكان. وفيه درسٌ أيضاً أن على المرأة المسلمة أن تحضر مجالس الخير، واجتماعات البر، وأن تستمع إلى الكلمة النافعة، وأن تستمع إلى الدروس الإسلامية والمحاضرات القيمة، فإن هذا من أعظم الأمور، لكن شريطة أن تغض بصرها، وتتقي ربها، وتحفظ زوجها في غيابه، وفي حديث أم عطية عند البخاري: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الحيض والعواتق وذوات الخدور أن يخرجن يوم العيد} فأما الحائض تعتزل المصلى، وتحضر دعاء المسلمين، وتستمع إلى الموعظة والخطبة، ففيه فائدة تدل على أن الحائض لا تدخل المسجد، ولا المصلى الذي يصلي فيه الناس، لكن بإمكانها أن تحضر في مكان محجوز من وراء حجاب فتسمع الكلمة الطيبة التي تصل إلى قلبها. ثم اعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا تمنعوا إماء الله مساجد الله} والحديث صحيح، إي للصلاة، وهذا الحديث من رواية ابن عمر، وعند مسلم: {فقال له ابنه بلال: والله لنمنعهن يتخذنه دغلاً يقول: والله لنمنعهن؛ لأنهن يتخذن المسجد تحريشاً وفساداً -فقال ابن عمر: {أكلمك عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وتكلمني عن رأيك وتعارضه، والله لا أكلمك أبداً حتى الموت} انظر إلى عظمة السنة في قلب ابن عمر يقول لابنه: والله لا أكلمك أبداً حتى الموت، كيف تعارض أمر الرسول عليه الصلاة والسلام؟ قالوا: فما كلمه أبداً، فلما حضرته سكرات الموت اقترب ابنه يبكي ويقول: سامحني، كلمني ولو كلمة واحدة، فمات ولم يكلمه، وهذا في اعتراضٍ بسيط، فكيف بمن يرضى بأفعال المحاربين للسنة والشريعة، والمحاربين لِقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم!! ونعود للحديث ولكن جاء عند أبي داود: {أن صلاة المرأة في دارها خيرٌ من صلاتها في مسجدها} وتقول عائشة كما في صحيح البخاري من حديث عطاء: [[لو رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلت النساء بعده لمنعهن كما مُنعت نساء بني إسرائيل، قال عطاء: أمنعت نساء بني إسرائيل؟ قالت: نعم]] وعائشة تنظر في الحرم في وقتها، تنظر إلى الهيئة، وبعض الاختلاط، وبعض الأمور، فتقول: لو رأى صلى الله عليه وسلم هذا المشهد لمنع النساء، فكيف لو رأت عائشة المنظر اليوم! وكيف لو رأت التبرج والاختلاط! وكيف لو رأت ضعف الإيمان وقلته، وقلة العلم بالسنة والشريعة! نسأل الله العافية والسلامة. فخرج صلى الله عليه وسلم وتكلم للناس، فلما انتهى التفت إلى بلال بن رباح مؤذنه داعي السماء لأهل الأرض، الذي يقول فيه الشاعر وهو يتكلم عن المدينة: فاستفاقت على صباحٍ جديدٍ ملء آذانها أذان بلال بلال المتوضئ، الذي ما توضأ إلا صلى ركعتين، قصره كالربابة البيضاء في الجنة، لا نسب إلا التقوى، ولا سبب إلا لا إله إلا الله، ولا أسرة إلا لا حول ولا قوة إلا بالله وزاده في الآخرة، فأخذه صلى الله عليه وسلم ليذهب به إلى النساء، فأتى إليهن متكئاً على بلال، وهذا فيه دلالة على يسره صلى الله عليه وسلم وتواضعه. فلما دلف بطلعته البهية على النساء وكلهن متحجبات، فتكلم معهن وقال: {تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، ثم توقف فقامت امرأة داهية من الدواهي ذكية وقالت: ما بالنا نحن أكثر أهل النار؟}. أي: ما هو السبب والعلة؟ وهنا فائدة وهي: أن الطالب له أن يناقش، وعلى المرأة المسلمة إذا لم تفهم قضية فيجب عليها أن تبعث للعالم فتسأله وتستفتيه. تقول: ما بالنا أكثر أهل النار؟ وما هو السر؟ قال عليه الصلاة والسلام وهذا في حديث أبي سعيد: {لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، لو أحسن إلى إحداكن الدهر ثم رأت منه شيئاً؛ قالت: ما رأيت منك خيراً قط}. فسكتن وأتين يتصدقن، فكن يلقين بما معهن من سخاب، وذهب، وحلي، وأخذ بلال يعرض ثوبه لأنها لبيت مال المسلمين، ويقول: [[فداكن أبي وأمي! فداكن أبي وأمي!]] فأخذ التبرعات. وهنا فائدة وهي: أن المرأة المسلمة لابد أن تشارك بكلمتها ومالها وحليها، وأنها لا يبقى لها إلا ما قدمت عند الله، وأن الحلي والكنز هو الأدب والزهد والعفاف يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ ويا حريصاً على الأموال يجمعها أقصر فإن سرور المال أحزانُ من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفه شر من عزوا ومن هانوا فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركانُ وفي هذا الحديث قضايا سوف أتعرض لها. وهنا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري {ما رأيت ناقصات عقلٍ ودين} وللمرأة المسلمة أن تتساءل: ما بالنا ننقص في عقولنا وفي ديننا؟ فنقول: قد فسر ذلك صلى الله عليه وسلم: بأن المرأة تحيض فتمكث أياماً لا تصوم ولا تصلي، وأما عقلها فشهادة الاثنتين من النساء بشهادة رجلٍ واحد، وليس عليهن ذنوبٌ في نقص العقل، لكن ينتبه لهذا، وإلا فإن فيهن رشيدات، وشديدات، وعالمات، ومتقيات، لهن مكانة في الجنة، وموقف عند الله محمود {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195]. منا الفواطم ربات العلا ولنا كل الزيانب هم أهل وعمات والله لو أنصف التاريخ أمتنا لسجل المدح عذباً وهو سهران ثم الرسول عليه الصلاة والسلام عاش مع المرأة أباً، فقد كان له بنات، وعاش مع المرأة أخاً فله أخوات، وعاش مع المرأة زوجاً فله زوجات، ثم عاش قريباً فله عمات وخالات. وسوف نعرف في هذا الدرس كيف كان تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الجميع، لأنه هو القدوة، وما أتاك من سواه ومن غير بضاعته فاعلم أن فيها غشاً إذا لم توافق سنته وشريعته عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].

فضل الصدقة

فضل الصدقة أما القضية الأولى: فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (تصدقن) فيا معاشر المسلمات! الخطاب لكن أولاً، ثم أنتم يا رجال الإسلام! ويا أبناء لا إله إلا الله! ويا أحفاد محمد صلى الله عليه وسلم! تصدقوا. ما هي الصدقة؟ الصدقة لا حد لأدناها أو لأعلاها، أما أدناها فالبسمة، والكلمة الطيبة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وأما أعلاها فاسمع إلى الله وهو يقول: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261]. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والصدقة تطفئ الخطيئة} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا تصدق المرء المسلم من كسبٍ طيبٍ ولا يقبل الله إلا طيباً، فإن الله يتقبله بيمينه ثم يربيه لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى يكون كـ جبل أحد}. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل منكم في ظل صدقته يوم القيامة حتى يُقضى بين الناس} إلى غير ذلك من الأحاديث، ومنها ما في الصحيحين كقوله صلى الله عليه وسلم: {ما أصبح الصباح إلا وملكان يناديان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً}. وهي أنواع: أعظمها وأجلها الصدقة بالعلم، كما قال ابن القيم، ثم الصدقة بالنفس، بأن تسكب دمك في سبيل الله، وتبيع روحك من الله. يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجودِ ومن الجود: الجود والصدقة بالوقت، تجد بعض المحسنين الصالحين صرف وقته للمسلمين، ليله ونهاره، لا راحة ولا نوم، كله للمسلمين حتى يقول ابن القيم مستشهداً: بعض العرب من كرمه يكرم ضيفه، فإذا تعشى الضيف قال له: أتريد أن تسمر سمرنا معك، أو تريد أن تنام نمنا، فإن قال الضيف: نسمر سمر معه وبذل وقته له، ثم قال: متيمٌ بالندى لو قال صاحبه هب لي فُديت كَرَى عينيك لم ينمِ يقول: لو طلب نومه من عينيه ما نام من كرمه أبداً، ويقول الأول: أحادث ضيفي وهو يقظان ساهر وعلمي به أن سوف يهجع بعدها يقول: أحادثه وهو سهران وأنا متعب، لكنني لا أريد أن أنام حتى ينام هو، وهذه صفة أهل الشيم والمروءة: الجود بالأوقات. ومنها: الجود بالأموال، فلا ترى حاجة إلا تفعل ذلك فيه، وإنما خص عليه الصلاة والسلام المرأة بالملاحظة عليها في كثرة الصدقة؛ لأن من النساء بذيئات، يكثرن اللعن والسب والشتم، وهي خطايا ولا يطفئ الخطايا إلا الصدقات، فنبه عليه الصلاة والسلام المرأة على أن تتصدق من جلبابها أو ثيابها، أو ذهبها، أو مالها، أو معروفها، وسوف تلقى ذلك كله عند الله تبارك وتعالى. دخلت امرأة معها ابنتان -والحديث في صحيح مسلم - على عائشة رضي الله عنها وأرضاها فسألتها حاجة، فبحثت عائشة فلم تجد في البيت شيئاً غير ثلاث تمرات، -في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو معلم البشر، وهادي الإنسانية، وماذا تفعل ثلاث تمرات مع امرأة وابنتين؟ لكن: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8] فقامت فسلمتها التمرات، فأعطت كل واحدة من ابنتيها تمرة، وأرادت أن تأكل الثالثة ثم قسمتها بين ابنتيها، فتعجبت عائشة من رحمتها! ثم خرجت المرأة، فأتى صلى الله عليه وسلم فأخبرته عائشة بالقصة، فقال عليه الصلاة والسلام: {من ابتلي بابنتين من هذه البنات فأحسن تربيتهن وأدبهن وزوجهن فهو رفيقي في الجنة} رفيق محمد عليه الصلاة والسلام في الجنة، فمن شاء أن يفعل فليفعل، ومن شاء طريق الجنة فعليه أن يربي بناته في الإسلام تربية إسلامية، هذا شأن الصدقة الذي نص عليها الرسول صلى الله عليه وسلم.

حكم صرف الزكاة إلى الزوج

حكم صرف الزكاة إلى الزوج ولما أمر صلى الله عليه وسلم بالصدقة في المصلى -والحديث في الصحيحين - كان من ضمن الجلوس زينب امرأة عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه وأرضاه، فقامت فدخلت بيتها بعد سماع الموعظة، فأخذت حليها وذهبها وفضتها وخرجت من البيت فلقيها ابن مسعود وقال: إلى أين؟ قالت: أتصدق به، قال: أنا وولدك أحق من تصدقت عليه، فقالت: لا. حتى أسأل الرسول صلى الله عليه وسلم. تقول أنا لن أصرف مالي فيك، وفي أولادك، يمكن أنك أردت إغرائي بهذا حتى تأخذ مالي، فلابد من فتوى، فقال: اذهبي أنت واسأليه، فذهبت رضي الله عنها وأرضاها، والرسول صلى الله عليه وسلم في البيت جالس وعند الباب حارسٌ هو بلال، فأتت متحجبة وقالت لـ بلال: أريد الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: من أنت؟ قالت: أنا زينب امرأة ابن مسعود وفيه دليلٌ على أنه لا بأس بمعرفة الأسماء في الإسلام، إذا كانت المرأة عاقلة، ومحتشمة، ورشيدة؛ فذهب بلال فقال: يا رسول الله! زينب تستأذن عليك -وفي المدينة ما يقارب سبع أو ثمان زيانب- قال صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم: أي الزيانب؟ -فسر لنا من هي زينب هذه-: تضوع مسكاً بطن نعمان إن مشت به زينبٌ في نسوة عطرات تهادين ما بين المحصب من منى وأقبلن لا شعثاً ولا غبراتِ قال: زينب امرأة ابن مسعود، قال: ماذا تريد؟ أدخلها. وفي لفظٍ أنها سألت مباشرة، وفي لفظٍ عند مسلم أن بلالاً قام بنقل الفتيا من الرسول صلى الله عليه وسلم إليها ومنها إلى الرسول، فدخلت فقالت: يا رسول الله! زعم ابن مسعود} وزعم هنا لمن لم يُتأكد من لفظه، وزعم للصدق، قال سيبويه: وزعم الخليل، يعني: وقال الخليل، يعني بصدق، ولكن استخدمت في القرآن بمعنى القول المموه الذي لا حقيقة له، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7]. وقال جرير للفرزدق يستهزئ به: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً ومربع هذا رجلٌ آخر. والفرزدق كان عدواً لـ جرير: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطولِ سلامة يا مربع يقول له: أنا أعرف الرجل فلا تخف منه، فإنه لن يذبحك أبداً، زعم الفرزدق أي: من قول مموه كذباً ودجلاً. فتقول: {يا رسول الله! زعم ابن مسعود أنه هو وأولاده أحق من تصدقت بمالي عليهم، قال: صدق ابن مسعود} فعادت فسلمت حليها ومالها لزوجها الفقير، وفيه دليل على أن المرأة تدفع زكاتها لزوجها، وهو ما أفتى به أهل العلم حتى الزكاة المفروضة يجوز دفعها للزوج إذا كان فقيراً، وفيه دليلٌ على أنها تتصدق على زوجها قبل الآخرين، وتدفع مالها لزوجها فهو أحق الناس ببرها ومالها، وكرمها وجودها، هذه هي فتواه صلى الله عليه وسلم في مسألة الصدقة ومصارفها.

معنى: كفران العشير وكيف يكون

معنى: كفران العشير وكيف يكون المسألة الثانية: كفران العشير. ما هو الكفران؟ الكفران: مصدر كفر، وكفر: غطى، يقال: كفرت البذرة في الأرض إذا غطيتها، وكفر المعروف إذا غطاه، وإنما سمي الكافر كافراً لأنه جحد معروف الله وآياته، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29]. قال بعض المفسرين: الكفار: الزراع؛ لأنهم يكفرون البذرة في الأرض، وقال غيرهم: بل الكفار هنا هم الكفار المعروفون الذين كفروا بالله ورسوله واليوم الآخر. قوله: العشير هو الزوج، وإنما سمي عشيراً من المعاشرة وهي المصاحبة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]. فكفران العشير من أسباب دخول المرأة في النار، فهي تجحد المعروف، وتنسى الكرم، لو يبدأ معها حياته في شغف ويبذل كل ما يملك ثم تسمع كلمة نابية منه فإنها تنسى المعروف كله، وتنزل عليه بكلام مثل القذائف، وتكفر بمعروفه وجوده وكرمه، فهذا هو معنى كفران العشير. فيقول صلى الله عليه وسلم: {تكفرن العشير} والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم ما يتكلم به لسانه، فقد عاش في البيت زوجاً، ولو لم يتزوج لقال الناس: إنه عليه الصلاة والسلام ما عاشر المرأة، ولا صاحبها ولا عرف أخلاقها، لكن من نعمة الله عز وجل أن أرسله بشراً، ولم يرسله ملكاً، فلو كان رسولنا ملكاً وقلنا للناس: انظروا إلى صبر الرسول وكرمه وزهده، لقالوا: إنه ملك، لكن جعله بشراً ليكون لنا قدوة، ولذلك عاش مع المرأة صلى الله عليه وسلم، والله يقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]. وذلك ليعيشوا الحياة آلامها وآمالاها، وطموحاتها ومشاقها، والإنسان المعزول في رأس جبل كيف يصلح أمة، وهو لا يعرف ذنوب الناس وحسدهم وأمراضهم؟! الطبيب الذي يبدأ في غرفة مغلقة مع عقاقيره، ومعمله، وصيدليته، كيف سيداوي المرضى؟ ولذلك الرسل عليهم الصلاة والسلام تزوجوا، حتى إن الإمام أحمد جلس في مجلسٍ مصغر ومعه تلاميذه وحثهم على الزواج، فقال أحدهم: أما أنا فلا أتزوج، قال: ولم؟ قال: ترك الزواج أفضل، قال: من قال لك ذلك؟ قال: حُدثنا عن إبراهيم بن أدهم أنه لم يتزوج، وإبراهيم هذا أحد الزهاد العباد، فقال الإمام أحمد: أوه! وقعنا في بنيات الطريق، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] فهل إبراهيم بن أدهم قدوتنا أو محمد صلى الله عليه وسلم؟ فلذلك استدل الإمام أحمد بسيرته عليه الصلاة والسلام.

كيفية تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع مشاكل زوجاته

كيفية تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع مشاكل زوجاته حتى النبي صلى الله عليه وسلم عايش مشاكل نسائه، تصوروا أن الرسول عليه الصلاة والسلام معه تسع نساء، وفي الصحيح: {أن إحدى نسائه أرسلت صحفة فيها طعام إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو في بيت عائشة، وعائشة جارة لتلك وضرة لها، ومن إدخال الغيرة عليها أن ترى صحفة لامرأة أخرى من ضرائرها مملوءة طعاماً تقدم في بيتها للرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم جالس فدخل الخادم بالصحفة مليئة بالطعام، فرأت عائشة الصحفة فما تمالكت نفسها، فقامت فضربت الخادم بالصحفة والطعام، فانكسرت الصحفة ووقع الطعام في الأرض، فغضب صلى الله عليه وسلم، فلما غضب سكت، وكان إذا غضب سكت، ونكس رأسه في الأرض، فلما رأت ذلك عائشة عاد إليها شعورها وعقلها ووعيها فقالت: يا رسول الله! ما هي كفارة ذلك؟ قال: صحفة كصحفتها، وطعامٌ كطعامها} والحديث صحيح، أي: ردي إليها مثلما أتلفتيها، وهذا من الغيرة التي لا تخلو منها امرأة، لكن الواجب ألا تتعدى المرأة، فإذا وصلت إلى الغيرة أن تتقي الله ولا تتعدى في الأشياء، ولا تبخس الناس أشياءهم، ولا تظلم الآخرين، فانظر كيف عاش عليه الصلاة والسلام هذا الأمر. أتى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو لا يملك كسرة الخبز، ولا يملك حفنة التمر، ولا يملك إلا كوزاً من ماء، فأخذ نساؤه يطالبن بالنفقة والحلي، أن يشتري لهن ذهباً وفضة وحلياً، فسكت وتأخر عن صلاة العشاء، وسبب تأخره عن صلاة العشاء وهو في الحديث الصحيح عند البخاري: {أن حفصة وعائشة كانتا ترفعان أصواتهما عليه صلى الله عليه وسلم يطالبان بالنفقة، فانتظر ومر أبو بكر فسمع الصوت، ففتح الباب على الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله! اخرج إلى الصلاة واحث في وجوههن التراب} لكنه أعظم الخلق خلقاً، يقول الله عز وجل عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ويقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].

مواقف السلف في التعامل مع أهليهم

مواقف السلف في التعامل مع أهليهم والصحابة مع أنهم عاشوا معه لم يساووه في الحلم، وسعة الصدر والخلق، ولكن {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرين بالجنة، أتت امرأة تستفتي عمر، وتقول: [[يا أمير المؤمنين! خطبني الزبير، فهل أتزوجه؟ قال: لا -وهو من العشرة- قالت: ولم؟ قال الزبير: من أخشانا لله وأتقانا لكن يدٌ بالعصا ويدٌ بالقرط]] أي اليد اليمنى العصا أو الهراوة أو بالمشعاب وفي لفظ: بالكرباج، واليسرى بجدائل المرأة، أي: أنه ضراب، فـ عمر أرشدها لأنه لا يستطاع أن يعايش رضي الله عنه، ولذلك تزوج كثيراً، فأنى نبلغ مستواه صلى الله عليه وسلم! لكن التسديد والمقاربة. وكفران العشير ورد في صور: أتى رجلٌ -كما في المسند للإمام أحمد - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أشكو إليك ذربة من الذرب وهن شر غالب لمن غلب قصيدة طويلة، يقول: أشكو إليك مصيبة من المصائب، قال: ما هي؟ قال: زوجتي! أرته النجوم في النهار، وبعض الناس يفتح الله عليه بزوجة صالحة خاشعة منيبة عابدة تريه النجوم في النهار، فأتى هذا الرجل فقال: {يا رسول الله! أشكو إليك زوجتي -أطلقني أطلقك الله، وأعتقني أعتقك الله- قال عليه الصلاة والسلام وهو يتبسم: وهن شرُ غالبٍ لمن غلب، وهن شرُ غالبٍ لمن غلب} يقول: مهما كان الرجل قوياً صارماً فإن المرأة تغلبه في كثير من الأمور. دخل أبو أيوب الأنصاري على ابن عمر فوجد الستور -وجد الجدران مسترة بالقماش- فقال أبو أيوب: [[حتى أنت تستر الجدران وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك! قال: غلبنا عليهن النساء]] أي: غلبنا النساء على هذا الأمر ففعلنا، فرجع أبو أيوب ولم يحضر الوليمة رضي الله عنهم جميعاً. فالرسول عليه الصلاة والسلام عاش مصلحاً بين الناس، ويعرف أن المرأة لا تزال تكفر الإحسان حتى ولو كانت عابدة تصلي الضحى، وتصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وتقوم الليل، فلا يزال في طبيعتها أنها تكفر الإحسان. جاء رجل من الصحابة إلى عمر رضي الله عنه فطرق عليه الباب، وأراد أن يشكو إلى عمر زوجته أنها آذته -وعمر أمير المؤمنين- فسمع صوت عمر يرتفع على صوت زوجته وصوتها يرتفع على صوته، فولى الرجل، ففتح عمر الباب فإذا بالرجل قد ولى، فناداه وسأله: أين تذهب؟ قال: يا أمير المؤمنين! أتيت في أمرٍ فسمعت صوت زوجتك وصوتك فذهبت، قال: ولم؟ قال: امرأتي آذتني وسبتني وشتمتني، فأتيت أشكوها إليك، فلما سمعت امرأتك تسبك وتشتمك ذهبت، فتبسم عمر رضي الله عنه وأرضاه، وقال: [[إنما العيش بالمعروف، إنها امرأتي تصنع لي خبزي وتغسل ثوبي وتخدمني، فإذا لم نتلطف بهن ما عشنا معهن]] أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه. ولذلك لا بد في البيوت أن يحصل هذا الأمر لكنه على مستويات، وهذا الأمر من المصائب التي يسأل الله العبدُ أن يكفر بها من الخطايا والذنوب، ففي صحيح البخاري وعند مسلم بلفظ آخر عن حذيفة قال: {كنا جلوساً مع عمر رضي الله عنه وأرضاه، قال: أيكم سمع ما قال صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال حذيفة: أنا، قال: إنك عليها لجريء قل، قال: فتنة الرجل في أهله تكفرها الصلاة والصوم والصدقة. قال: دعني من هذه لست أسألك عن هذه -لأن يعرف عمر هذه- أسألك عن التي تموج موج البحر -أي: فتنة الدم والسيف- قال: إن بينك وبينها باباً، قال: أيفتح أم يكسر؟ قال: بل يكسر، قال عمر: ذلك أولى ألا يغلق أبداً} وعمر هو الباب ولذلك قتل وبدأ السيف والدم في الأمة إلى قيام الساعة، فكان عمر سداً دون الفتن رضي الله عنه وأرضاه. ولا يخلو بيت من المشاكل الزوجية، وقد جاء في صحيح البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام أتى إلى ابنته فاطمة فقال: {أين ابن عمك؟ -يقصد علي بن أبي طالب - قالت: غاضبته فخرج إلى المسجد} أي: تغضابت هي وعلي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، البتول الطاهرة المطهرة، أم الحسن والحسين هي بنت من هي أم من هي زوج من من ذا يباري في الأنام علاها أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها وعلي زوجٌ لا تسل عنه سوى سيفاً غدا بيمينه تياها {فخرج، فلحقه صلى الله عليه وسلم فوجده نائماً على البطحاء -أمير المؤمنين! أبو الحسن الأسد في براثنه، الذي قطع الله به رءوس الملاحدة وأهل البدعة، والزنادقة، والخوارج - فأخذ يضربه صلى الله عليه وسلم برجله، ويقول: قم أبا تراب! قم أبا تراب! قم أبا تراب!}. فأخذ بنو أمية هذه الكنية ليسبوا علياً بها، يقولون: أبو تراب أبو تراب! يقول سعد بن أبي وقاص: والله إنها أحب الكنى إلى علي، أي: لا يرتاح علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا إذا قيل له: أبو تراب، وأعداؤه يقولون أبو تراب تصغيراً لشأنه رضي الله عنه، فسمع علي رضي الله عنه وأرضاه قولهم أبو تراب فتبسم وقال: [[هي أحب الكنى إلي]]. وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهرٌ عنك عارها يقول: لا علي من هذا العار. والبيت لـ أبي ذؤيب الهذلي في قصيدته الرنانة الطويلة التي يقول فيها: فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها فأول راضٍ سيرة من يسيرها وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهرٌ عنك عارها واستدل بهذا البيت كذلك عبد الله بن الزبير، فإن بني أميه لا يعرفون معنى لقب ذات النطاقين، فكانوا يعيرون ابن الزبير به، يقولون: يـ ابن ذات النطاقين، وذات النطاقين هي أسماء بنت أبي بكر أخذت نطاقها رضي الله عنها وأرضاها فقسمته قسمين: قسمٌ تمنطقت به، وقسمٌ ربطت به الطعام للرسول عليه الصلاة والسلام ولـ أبي بكر في الغار، فقال صلى الله عليه وسلم: {ذات النطاقين في الجنة}. والوصية للمرأة أن تتقي الله في زوجها، فقد صح من حديث أبي أمامة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها؛ دخلت جنة ربها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام ولا تجحد المعروف، فإن ألأم الناس وأشأمهم من جحد المعروف، ولذلك يسميه العرب لئيماً إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا فأبغض الناس إلى قلوب الناس هو الذي يجحد معروفهم، وينسى إحسانهم، ويتغافل عما قدموه من مكرمات، فكيف بالزوج الذي قدم لزوجته من المكرمات ما الله به عليم!

مخاطبة النساء وضوابط في الحديث معهن

مخاطبة النساء وضوابط في الحديث معهن المسألة الثالثة: مخاطبة النساء وفيه أنه صلى الله عليه وسلم خاطب النساء، وكان يتكلم إليهن في مجالس خاصة وعامة، وقد أتت أسماء بنت يزيد فقالت: {يا رسول الله! -وهي متحجبة- غلبنا عليك الرجال، يحجون معك، ويعتمرون معك، ويجاهدون معك، فاجعل لنا يوماً من نفسك. فالتفت عليه الصلاة والسلام وقال للصحابة: هل سمعتم بأجمل منها خطاباً} فوعدهن صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، قال البخاري: باب من جعل للنساء يوماً من نفسه فهل يجوز هذا؟ وهل من حدد يوماً في الأسبوع هو مبتدع أم لا؟ فبعض الناس قد يقول: لماذا تحددون في مساء الثلاثاء في هذا المسجد درساً ويمكن أن يكون بدعة؟ نقول: يقول البخاري: باب من جعل للنساء يوماً من نفسه، فلا بأس بجعل بعض الأيام موعداً لطلبة العلم والاجتماع بهم أو لغيرهم؛ لتكون مواعيد المسلمين منظمة، ومضبوطة مسيرة، وهذا ليس من البدعة، بل من السنة والحمد لله. فأتى صلى الله عليه وسلم إليهن وليس معه ولا معهن غيره من الرجال، فأخذ يتكلم معهن بطلاقة في شئونهن، قال صلى الله عليه وسلم: {ما منكن امرأة تقدم ثلاثة أولاد إلا كانوا حجاباً لها من النار، قالت امرأة: واثنين، قال: واثنين فقالت المرأة: فنسيت أن أسأله عن الواحد: وفي بعض الألفاظ: وواحد} من قدمت واحداً فهو حجاب لها من النار، {وكان صلى الله عليه وسلم في مجلس مع النساء فأخذن يتمازحن وهو جالسٌ ساكت، فترافعت أصواتهن بالمزح والضحك وهو ساكت، فدخل عمر فلما سمعن جلبة عمر اندفعن إلى الحجاب وفررن من مجلسه صلى الله عليه وسلم، فدخل عمر ثم أشرف وهن متحجبات وراء الحجاب، فقال: يا عدوات أنفسكن! الرسول صلى الله عليه وسلم معكن وهو أولى أن تهبنه وفررتن مني. فقامت امرأة عاقلة -انظر إلى الجواب المسدد- وقالت: الرسول صلى الله عليه وسلم رحيم رؤوف سهل لين وأنت فظٌ غليظ القلب} {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. فلما قالت: الرسول رحيم رؤوف سهلٌ لين وأنت فظٌ غليظ القلب، تبسم عليه السلام ونظر إلى عمر وقال: {مهلاً يـ ابن الخطاب! والله ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك} أي: ما تسلك من طريقاً إلا ويسلك الشيطان من الطريق الآخر؛ لأنه صادق مخلص، وهو قوي الشخصية إلى درجة من الهيبة ما يستطاع أن يُتكلم معه، ملوك العرب إذا أتوا إلى عمر وأراد الواحد منهم أن يتكلم خلط بين الكلام، ولا يستطيع أن يتكلم. عيينة بن حصن قال للحر بن قيس: [[استأذن لي إلى هذا الأمير يعني: إلى عمر، وعيينة عنده كلام يريد أن يتكلم به مع عمر، استأذن لي عليه، فأذن له وعيينة من سادات العرب، فدخل عيينة وقال: أما عرفتني يا عمر! قال: من أنت؟ قال: أنا الكريم ابن الكريم ابن الكريم؛ لأنه عيينة بن حصن بن حمل بن بدر، وبنو بدر أسرة من الأربع الأسر الكبرى في العرب، التي يقول فيها حاتم الطائي: إن كنت كارهة معيشتنا هاتي فحلي في بني بدرِ الضاربون بكل معتركٍ والطاعنون وخيلهم تجري قال: أنا الكريم ابن الكريم ابن الكريم، قال عمر: بل أنت الخسيس ابن الخسيس ابن الخسيس، الكريم ابن الكريم ابن الكريم هو: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم]] هذا نسبٌ مؤمن وذلك نسب مظلم، وهذا نسبٌ يتصل إلى الجنة، وذلك نسب وثني، فقال عيينة: مهلاً يا عمر! إنك لا تعدل في القضية، ولا تقسم بالسوية. فقام عمر يريد الدرة ليداوي بها رأسه، هذا علاج يجيده عمر يخرج به الوساوس من الرءوس، فعنده درة لا يضرب بها أحداً إلا ويخرج الوسواس من رأسه، يضربه حتى يغمى عليه ثم يرش بالماء ثم يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، فقام عمر فوقف الحر بن قيس وهو من حفظه القرآن فقال: يا أمير المؤمنين! يقول الله عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] وهذا من الجاهلين، وكان عمر وقافاً عند القرآن فجلس، وقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فـ عمر وأمثاله قصم الله بهم الشياطين الإنسية والجنية، فلا تستطيع النساء أن يتكلمن مع عمر، بل قد صح في روايات عند كثير من أهل المصنفات: [[أن عمر أرسل إلى امرأة وهي حامل في قضية، يريد أن يتثبت منها، فخافت فألقت حملها، وهذه يصححها أهل العلم، فأتي بالمرأة، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه للصحابة: ماذا ترون في جنينها، هل عليَّ من ديته أم لا؟ فقالوا كلهم: ما نرى عليك شيئاً، أنت أمير المؤمنين وقد أرسلت لها، ولست مضنة التخويف فألقت حملها وكان عمر يقول: معضلة ولا أبو الحسن لها، وكان إذا أنقذه بعد إنقاذ الله قام وقبل رأسه وقال: فديتك يا أبا الحسن! فتكلم الناس فقال: وأنت يا أبا الحسن! ماذا عندك؟ قال: تكلم الناس وقد سمعت منهم، قال: أريدك أنت، ماذا تقول؟ قال: يا أمير المؤمنين! لا تجعل يقينك شكاً. وهذا الحديث في المصنف لـ ابن أبي شيبة - قال: فسِّر. قال: يا أمير المؤمنين! أنت الذي خوفتها حتى أسقطت جنينها فعليك ديته -من تسبب في إسقاط جنينها إلا أنت- فوداه عمر رضي الله عنه وأرضاه]]. الشاهد: أن كثيراً من الناس يبلغون من قوة الشخصية حتى لا يستطاع المعايشة معهم، أو القرب والاستفادة منهم، لكن الله عز وجل هو الذي خلقه، وله مصالح في العباد تبارك وتعالى، فمقصودي هنا هو: مخاطبة النساء.

كيفية مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء

كيفية مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء كان صلى الله عليه وسلم يتكلم مباشرة مع النساء، وفي البيعة لما قام يبايع النساء نصب حجاباً بينه وبينهن، فطلب البيعة من النساء كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ} [الممتحنة:12]. فظنت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان أنه صلى الله عليه وسلم يريد مبايعة باليد كالرجال، فأخرجت يدها من وراء الستار، ويدها غير مخضوبة ليس فيها حناء وغير مقلمة الأظافر، وهذا منظرٌ لا يرضاه الإسلام، وقد حسَّن ابن الأثير في جامع الأصول حديثاً وهو في السنن، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: {إني أكره المرأة أن تكون سلتاء مرهاء} والسلتاء هي: التي لا تختضب، والمرهاء: هي التي لا تكتحل، فهذه قد أصبحت رجلاً، والرجل لا يريد المرأة أن تكون مثله، بل جاء عند النسائي {أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن الرَّجلَة من النساء} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال}. الرجل رجل والمرأة امرأة، ولذلك هنا لابد من وقفة وهي: أنه قد تجد بعض الناس يترك رجولته بعد أن يترك دينه، فهو لا يترك الرجولة إلا بعد ترك الدين، فيأتي يقلد المرأة في كل شيء، فيلبس ثوباً شفافاً رهيفاً، طويلاً مائعاً مائساً، ويحمل كعباً، ويطيل جمته ويحلق لحيته، ويطيل أظفاره، ويلبس من دبل الذهب، ويركب باروكة على رأسه، فهذا يشمله اللعن. وتجد امرأة بالعكس، تأتي فتتشبه بالرجال، صوتها خشن، ولا تختضب، وتبارز الرجال في المنتديات، وتظهر نفسها في أماكن لا يرضاها الله عز وجل، وتريد أن تظهر للجماهير على الشاشات والمسارح والمنتديات، فهذه ملعونة لأنها ظهرت، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لم يرض ظهورها. وللفائدة: لعن صلى الله عليه وسلم أصنافاً وقد جمعها السيوطي في فصل: الذين لعنهم الرسول صلى الله عليه وسلم. فقد لعن النامصات والمتنمصات، والواشمات والمستوشمات، والواصلات والمستوصلات، والواشرات والمغيرات خلق الله وغيرهن. والنامصة هي التي تنتف شعر حاجبها، فالتي تنتفه ملعونة إلا إذا زاد عن الحاجة أو وصل إلى الجبهة، أو دخل إلى العين، فهذا أمرٌ آخر، والمتنمصة هي التي تطلب ذلك. والوشم: كالحبر والمداد بأنواعه، فتجعله في خد المرأة أو في يدها كالحبر ثم تغرزه، ثم تركبه فيبقى في الجسم كالخط مكتوباً، والمستوشمة: التي تطلب ذلك. والواصلة هي التي تصل شعرها بشعر آخر، فلا يجوز أن تصل المرأة شعرها بل لا بد أن يكون شعرها أصلي ولا تزيد فيه، والمستوصلة هي التي تطلب ذلك. والواشرة هي التي تحد أسنانها، أو تفرق بين أسنانها بشيء بين ثناياها، فهذه ملعونة هذا للفائدة. فأخرجت هند يدها لتبايع الرسول عليه الصلاة والسلام، فالتفت فرأى اليد، لأن العرب في الجاهلية لم يكونوا أهل رفاهية، بل كانوا أهل تعبٍ وكد وشغل، فقال عليه الصلاة والسلام: {ما هذه اليد التي كأنها يد سبع؟! -أي: كأنها يد الذئب أو الأسد- إني أكره المرأة أن تكون سلتاء مرهاء} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فأعادت هند يدها، فقال لها صلى الله عليه وسلم: {بايعي. قالت: ماذا أقول؟ قال: ألا تشركي بالله شيئاً، قالت: لا أشرك بالله شيئاً، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: ولا تزني، قالت: وهل تزني الحرة؟!} -انظر إليها وهي جاهلية لم تعرف القرآن والسنة، وتقول: وهل تزني الحرة؟! لذلك كان من العار عند العرب أن تزني الحرائر، مع أنه لم يكن عندهم شريعة حورٌ حرائر ما هممن بريبة كظياء مكة صيدهن حرام يحسبن من لين الكلام روانياً ويصدهن عن الخنا الإسلامُ قال: {ولا تزنين، قالت: وهل تزني الحرة؟! قال: ولا تقتلين ولدك، قالت: ربيتهم صغاراً وقتلتهم أنت في بدر كباراً. فضحك عمر حتى استلقى} وهذا صحيح، فالرسول صلى الله عليه وسلم تقرب بدمائهم إلى الله عز وجل؛ لأنهم كفرة مشركون منافقون، ملاحدة زنادقة، عارضوا لا إله إلا الله فذبحهم صلى الله عليه وسلم. إذاً: يجوز للعالم وطالب العلم للحاجة بلا ريبة أن يخاطب المرأة، ولكن هناك أمر وجد الآن كالاتصال بالهاتف، وما في حكمه، وطرق الأبواب، فللمسلم أن يسأل سؤالاً ولها أن ترد رداً ولا تزيد على الرد، له أن يقول: السلام عليكم، ولها أن تقول: عليكم السلام في الهاتف، ولكن يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32].

آداب الخطاب مع المرأة

آداب الخطاب مع المرأة ما معنى يخضعن بالقول؟ أي تطيل الجواب. مثلاً: يسألها: أين زوجك؟ فتقول: خرج بعد صلاة الظهر، وسوف يصلي في المسجد، ويأتي إن شاء الله بعد الصلاة، لماذا تريده؟ هل تريد أن أكلمه في شيء؟ وتلقي محاضرة، والذي في قلبه فساد سوف يطمع، وهذا لا يجوز؛ بل تجيب جواباً سديداً معروفاً ليس فيه اعوجاج. كذلك لا ترخي صوتها، وتتغنج فيه، فيطمع لأن قلبه مريض، وفيه شهوة وزيغ والعياذ بالله، وكذلك لا تذهب المرأة فتغلظ صوتها للمسلمين، فيحملها قوله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب:32] أن تشدد صوتها فتنبزه نبزاً. فإذا قال لها: أين زوجك؟ قالت: لا حياك الله ولا بياك خرج إلى المسجد، متى يعود؟ قالت: لا حياك الله ولا بياك يعود في الغروب، أو ترفع صوتها وتقول: من أنت؟ ولماذا تريده؟ فهذا خطأ، فقد قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32]. وبعض الناس يقول في بعض الأمكنة: على المرأة أن تضع إصبعها في فمها ليتغير صوتها، وهذا ليس صحيحاً، ولم تأت به شريعته صلى الله عليه وسلم، وهذه تكلفات وتنطعات، وبعضهم يقول: عليها أن تضم فمها، وبعضهم يقول: عليها أن تقوي صوتها وتصلبه كصوت الرجل، لا. يقول تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32]. أي: قولٌ فيه خير، فهذا هو المقصد من الخطاب، وعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل، وألا يكون اتصاله إلا لغرضٍ محمود، وإذا علم أنه سوف يكون ريبة والشيطان يؤز فيه فليتق الله عز وجل، فإن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً.

كيفية معاملة النبي صلى الله عليه وسلم ومعايشته للنساء

كيفية معاملة النبي صلى الله عليه وسلم ومعايشته للنساء ومن معايشته صلى الله عليه وسلم للنساء: ما ذكرت سالفاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم عاش أباً كان له بنات، بل رزق من البنات أكثر من البنين، فرباهن عليه الصلاة والسلام، وأحسن تربيتهن، وكان من عطفه أنه لا يسافر إلا ويمر ببناته، ولا يأتي من السفر إلا ويمر ببناته عليه الصلاة والسلام، وكان من حنانه ورقته أنه لا يمر يوم وهو في المدينة إلا ويصل فاطمة، وكانت مجاورة لبيته، حتى في قيام الليل، فكان إذا قام صلى الله عليه وسلم للصلاة يتوضأ، ثم يطرق على باب علي وفاطمة، وهو بيتٌ صغيرٌ من طينٍ لكنه مملوء بالنور والعظمة، أخرج زعماء العالم وقادته، وعند البخاري: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام قام من الليل، وأتى إلى علي وفاطمة فقال: ألا تصليان؟ فاستيقظ علي وهو يعرك النوم من عينيه، وقال: يا رسول الله! إنما أنفسنا بيد الله، إن شاء أرسلها وإن شاء أمسكها. فذهب صلى الله عليه وسلم وصلى ركعتين، ثم استمع هل سيسمع دفيف الباب، هل يسمع علياً أو فاطمة يتوضأ أحد منهما، فلم يسمع شيئاً، فعاد فطرق الباب ودخل وقال: ألا تصليان؟ قال علي: يا رسول الله! أنفسنا بيد الله إن شاء أمسكها. وإن شاء أرسلها، فولى عليه الصلاة والسلام يضرب فخذه ويقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً}. وعند الترمذي أن فاطمة أرسلت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تريد خادمة (جارية تخدمها، تكنس البيت وتقمه، وتنظف الثياب) والرسول عليه الصلاة والسلام قد وزع الجواري -السبي- في الجيش وترك فاطمة ابنته، فأتى في المساء إليها، فوجد علياً في البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: {ألا أدلكما على خير لكما من خادم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إذا أخذتما مضجعكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فهذا خيرٌ لكما من خادم}. يقول ابن تيمية: هذا الحديث فيه دليل على أنه من قاله رزق قوة بإذن الله، واستطاع أن يقوم بأعماله، فإن الذكر فيه قوة، فمن قال هذه الثلاث والثلاثين تسبيحة، والثلاث والثلاثين تحميدة، والأربع والثلاثين تكبيرة، كن له عوناً وقوة بإذن الله، وتسديداً وهداية على أعماله وأشغاله في الحياة، ومنها: صلاة الفجر، وقيام الليل، فأوصاهم صلى الله عليه وسلم بذلك، فهذا من تربيته صلى الله عليه وسلم. وكان عليه الصلاة والسلام لا يريد أن يجرح شعور أحد من بناته، بل كان يقف بجانبهن ويتفاعل معهن، ففي الصحيح من حديث أنس قال: {توفي ابنٌ لـ زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت زينب: اذهب يا فلان فقل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحضرنا -ابنها في سكرات الموت- فذهب الرجل وقال: يا رسول الله! ابنتك زينب تقول: احضر، ابنها في سكرات الموت- وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مشغولاً بوفود العرب، ومعه في المجلس وفود العرب يتحدث معهم في مسائل مهمة؛ عقيدة وتوحيد، إيمان وكفر ونفاق، هداية وضلال، يريد أن يدلهم على الله -فقال صلى الله عليه وسلم: اذهب وقل لها: تصبر وتحتسب، إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى فذهب إليها الرجل وقال: يقول صلى الله عليه وسلم: إن لله ما أخذ وله ما أعطى، قالت: والله الذي لا إله إلا هو ليأتين الآن -لأنها تقول على أبيها صلى الله عليه وسلم- فذهب فقال: حلفت يا رسول الله أن تأتي، فقام عليه الصلاة والسلام وقام معه ابن عوف ومعاذ وأبي وجماعة} كوكبة مشرقة من صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري فقال صلى الله عليه وسلم: {علي بالطفل، فقدموا الطفل، فإذا نفسه تقعقع بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخذ يبكي عليه الصلاة والسلام، فقال ابن عوف: ما هذا يا رسول الله؟! قال: رحمة يضعها الله في قلب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء} ثم أتى عليه الصلاة والسلام وقبَّل الطفل وأخذت دموعه تنحدر على خد الطفل، ثم سلم زينب طفلها ودعا لها، وبعد أيام وإذا الناعي بـ زينب: حضر الموت زينباً، فحضر صلى الله عليه وسلم بنفسه، ودخل البيت مع النساء وقال: {اغسلنها ثلاثاً -قام بنفسه على مراسيم الغسل، وهذا من رحمته بابنته - أو خمساً أو سبعاً إذا رأيتن ذلك، واجعلن في الماء شيئاً من كافور وسدر، وقال: إذا انتهيتن من الغسل فآذنني}. ثم جلس في البيت وحده، والصحابة ينتظرون عند الباب، فمن شفقته ورحمته وعطفه لم يستطع أن يبقى مع الناس، ولكن دخل بين النساء عليه الصلاة والسلام، فلما انتهى الغسل أتت أم عطية، وقالت: يا رسول الله! انتهينا، فخلع الثوب الذي يلي بدنه الطاهر، وهذا من الحب والعطف والحنان إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم وما جفت مآقينا فأخذ الشعار الذي يلي جسمه -كالفنيلة- فخلعه وقال: {أشعرنها في هذا} وأعطاهن حِقْوه صلى الله عليه وسلم، فلفوا ابنته في ذلك، ثم قام في أول الجنازة ودموعه تنحدر على لحيته صلى الله عليه وسلم، قال علي وأنس: {جلسنا حوله في جنازة زينب فأخذ مخصرة -عوداً صغيراً- وأخذ ينكت به على شفير القبر، ثم رفع طرفه، وقال: والذي نفسي بيده، لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً}. ثم دعا صلى الله عليه وسلم، فهذا من شفقته ومعايشته لبناته صلى الله عليه وسلم، ولا تنزع الرحمة إلا من شقي. فصلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، وجمعنا به في دار الكرامة، وأرانا وجهه، ودلنا على خُلُقه وشريعته في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. هذا شيء من معايشتة صلى الله عليه وسلم للنساء، وقد عاش صلى الله عليه وسلم كذلك أخاً، فإن أخته من الرضاعة، وقد قيل أن اسمها الشيماء بنت الحارث، أرضعته وإياها حليمة السعدية من بني سعد من الطائف، رضي الله عنهم، وسلام عليهم في أماكنهم في الطائف، فإنا نحبهم لأنهم أخوال الرسول عليه الصلاة والسلام من الرضاعة، فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم الطائف، أتت فشقت الصفوف وهي كبيرة في السن، ولا يعرفها صلى الله عليه وسلم لأن بينها وبينه مدة. فقال الصحابة: من تريدين؟ قالت: أريد الرسول عليه الصلاة والسلام قالوا: من أنت؟ قالت: أنا أخته من الرضاعة، فأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم فقام إليها وعانقها وبكى وحياها وأجلسها مكانه، وقام يظللها من الشمس، فلما انتهى قال: {تريدين الحياة معي أو تريدين أهلك. قالت: أريد أهلي وأطفالي، فأعطاها مائة ناقة، ثم ودعها عليه الصلاة والسلام} {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. وقد سلف أنه عاش صلى الله عليه وسلم مع النساء كذلك، وهن عمات وخالات، فقد دخل يوم الفتح عليه الصلاة والسلام عندما فتح الله عليه مكة، فلما انتهى من الفتح دخل بيت أم هانئ وأم هانئ هذه هي ابنة أبي طالب، أخت علي بن أبي طالب، وقد كانت كبيرة في السن كانت في الحرم، والرسول صلى الله عليه وسلم دخل بيتها لأنها ابنة عمه، وقد ارتاح لبيتها، فدخل يغتسل بعد الفتح الذي فتحه الله عليه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} [الفتح:1]. فأخذت فاطمة تستره وهو يغتسل عليه الصلاة والسلام، لم تكن أم هانئ في البيت بل كانت في الحرم، تشهد الفتح العظيم، وارتفاع لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأخوها علي بن أبي طالب أتى إلى الحرم يتلفت بسيفه على ابن هبيرة أحد المشركين الكفرة، يريد أن يسقي سيفه من دمه، فأخذ ابن هبيرة هذا يختبئ وراء الناس، وأخذ علي يتلفت عليه بالسيف، والسيف مسلول في يد علي، ويحلف بمن رفع البيت بالحجب ليقتلنه ذلك اليوم، وكلما مسكوا علياً ظهر له ذلك فيعمد إليه بالسيف، فأتت أم هانئ تولول وتدخل على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل، فلما علمت أنه يغتسل تركته، فخرج من اغتساله عليه الصلاة والسلام ومعه ملحفة، فصلى ثمان ركعات خفيفة، حتى تقول: لا أدري أقرأ الفاتحة أم لا، فلما سلم، قال: مرحباً بـ أم هانئ. ثم قالت: {يا رسول الله! ابن عمك يريد أن يقتل ابن هبيرة وقد أجرته. فقال صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ - مادام أنك أجرتيه فقد أجرناه- اذهب يا فلان! إلى ابن أبي طالب فكلمه}. فأتى الرجل إلى علي بن أبي طالب وقال: أجاره الرسول عليه الصلاة والسلام، فتركه فهذه من قريباته. وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أنا ابن العواتك من سليم} وسُليم هي القبيلة التي منها عباس بن مرداس السلمي، وخالاته وعماته أكثر ما رضعن في سليم، فلما أتت المعركة وأتى مالك بن عوف من هوازن من عتيبة، فأتى بجيش جرار كالجبال، فلما رآه صلى الله عليه وسلم وقد فر كثيرٌ من الصحابة بعد المفاجأة من قبل جيش هوازن، نزع صلى الله عليه وسلم نفسه ووثب كالأسد من على البغلة، وأخذ السيف مسلولاً وأخذ حفنة من التراب ثم رمى بها الرءوس وقال: {شاهت الوجوه} فما بقيت عينٌ إلا دخل فيها تراب، وأخذ يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ويضرب بسيفه ويقول: {أنا ابن العواتك من سليم}. يقول: من عنده عواتك فليخرج لنا هذا اليوم.

أسئلة من النساء

أسئلة من النساء المسألة الخامسة في هذا الدرس: أسئلة من النساء، وفتيا النساء نعرض لبعضها ولنماذج منها لتكون المرأة المسلمة على بصيرة، ولتعرف أن شئونها الخاصة لا يمنعها الحياء ولا يعفيها الإسلام أن تسكت على شيء من الجهل، بل ترسل للعلماء وللدعاة ولطلبة العلم أسئلتها واستفساراتها لتكون على بينة.

سؤال أم سليم

سؤال أم سليم جلس عليه الصلاة والسلام مع نسائه في البيت، فطرقت أم سليم وأم سليم لها سجلٌ حافلٌ بالبطولات، وهي أم أنس، وتسمى أم سليم قال عليه الصلاة والسلام: {دخلت الجنة البارحة فرأيت الرميصاء في الجنة} وقد أهدت أنساً للنبي صلى الله عليه وسلم. فدخلت أم سليم ونساؤه صلى الله عليه وسلم جالسات، فقالت: {يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق -وهذه مقدمة ما أحسنها! وراءها كلام لكنها عاقلة- فقال صلى الله عليه وسلم: نعم. إن الله لا يستحيي من الحق -تريد أن تمهد للموضوع، من عقلها فمهدت له- قالت: هل على المرأة غسلٌ إذا رأت الماء، وفي لفظٍ إذا احتلمت؟ فغطت عائشة وأم سلمة وجهيهما وقالت أم سلمة: تربت يمينك يا أم سليم! فضحتي النساء، فقال عليه الصلاة السلام: بل تربت يمينك أنت يا أم سلمة! نعم يا أم سليم! على المرأة غسلٌ إذا هي رأت الماء} أو كما قال عليه الصلاة والسلام قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: [[نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين]]. فمن يفتي المرأة ويخبرها بأمور دينها إلا أهل العلم والعلماء، لتكون على بصيرة من دينها، وأنا أوصي الإخوة المسلمين أن يدخلوا الكتيب والشريط الإسلامي، خاصة ما يتعلق بالنساء، والإيمانيات والغيبيات، ولقاء الله عز وجل، أن يدخلوها البيت، وليعلموا أن شريط الغِناء يزيد نساءهم من الله بعداً ومن النار قرباً، وأن شريط الغِناء يملأ البيت حسرة وندامة، وخيبة ونفاقاً، وأن بيتاً يتربى على الغِناء بيتٌ فاسد مهدوم: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. أفمن أسس بيته على القرآن والسنة، وعلى قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم خيرٌ أم من أسس بيته على الأغنية، والمجلة الخليعة، والفحش والبعد عن الله، لا يستوون، والله لا يهدي القوم الظالمين، فهذه لفتة والرسول عليه الصلاة والسلام قد تعرض لأسئلة كثيرة، منها: أن حمنة بنت جحش سألته في الحيض فأفتاها، وسألته فاطمة أختها فأفتاها، وغيرهن، كلهن يسألن في الحيض، فلا حياء في الدين، فعلى المرأة أن تسأل وتتفقه في دينها. بقي من قضايا الحديث أجر المرأة المؤمنة التي تحتسب أجرها على الله وتطيع زوجها في المعروف، والخلاصة أن للزوج حقاً على زوجته، ومن هذه الحقوق:

حقوق الزوج

حقوق الزوج أولاً: طاعة الله تبارك وتعالى فهو أعظم الحقوق. ثانياً: طاعة الزوج في طاعة الله. ثالثاً: أن تحسن العشرة بالخلق والطاعة في المعروف، وأن تحفظ نفسها وما له، فلا تجلس أحداً لا يرضاه ولا يرضى دخوله على فراشه أبداً، ولا تتبرج ولا تتكشف، ولا تخنه بالغيب، فإذا فعلت ذلك فقد أساءت له كل الإساءة، وقد قطعت ما بينها وبينه من الرحم والصلة والحقوق الزوجية، ونعوذ بالله من امرأة تفعل ذلك، وتخون زوجها بالغيب فإن الله يقول: {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34]. والمرأة التي تحفظ الله بالغيب هي التي تحفظ زوجها في نفسها وماله.

حقوق الزوجة

حقوق الزوجة أما الزوجة فمن حقوقها: الرحمة بها واللطف، والكسوة والنفقة، وإعانتها على طاعة الله عز وجل، وإعطاؤها حقوقها في الوقت وفي غيره، والصبر على ما يأتي ويبدر منهن؛ لأن المرأة كالضلع الأعوج، يصبر على أذاها، وكما في الحديث: {لا يفرك مؤمن مؤمنة -أي لا يطلق مؤمنٌ مؤمنة- إن كره منها خلقاً رضي آخر} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وأعيد الحديث وعنوانه، وهو السابع والعشرون من مختصر الزبيدي للبخاري: كفران العشير وكفرٌ دون كفر وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أريت النار، فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن، قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت لإحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط أو معروفاً قط}.

الأسئلة

الأسئلة

حكم اعتقاد الكرامة والنفع في تيس

حكم اعتقاد الكرامة والنفع في تيس Q وجد في مدينة بحرة تيسٌ له ثديٌ ويُحلب كالماعز، وبإرادة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن المريض الذي يشرب من حليب هذا التيس يشفى. ولي ثلاثة أسئلة في هذا الموضوع: أولاً: هل تكون هذه كرامة للناس _ كرامة التيوس - وماذا نسميها؟ ثانياً: ما حكم الإسلام فيه؟ ثالثاً: ما حكم من اعتقد بأنه لا يشفى إلا بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وإنما هو وسيلة أو سبب، علماً بأنه قد شرب رجل أعمى من هذا الحليب ووضع منه على عينيه فشفي، وكذلك امرأة مريضة بداء السكر وعندما شربت منه شافاها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من هذا الداء، وهذا الرجل كذلك، أرجو الإفادة والتوضيح، والله أعلم؟ A أولاً: حديث التيس طويل، وقد أُخبرت قبل أن أدخل هذا الدرس أن من قضايا الساعة المطروحة الآن أن تيساً يقابل المحكمة للمحاكمة، والحمد لله تُوصل إلى الحكم بالإعدام على هذا التيس. وهذا التيس شبهة على كثير من الناس الذين ضعف إيمانهم واتصالهم بالله، وفتنة يمتحن الله بها من يشاء، ويرى سبحانه وتعالى عقول وإيمان من يشاء: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:124 - 125]. والفتن والأحداث التي تقع في الأرض والنزاعات والأطروحات والمسائل كلها ليمتحن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى خلقه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3] فهذا التيس استخدمه بعض الناس المنحرفون، ثم نصبه للناس، والحليب الذي فيه فتنة، وأظنه خنثى مشكلاً وليس معزاً تيساً، ثم أخذ الناس من الجهلة وممن قل إيمانهم ومعتقدهم، أو عندهم ثقافة لكن ليست ثقافة نيرة، ليست ثقافة شرعية، ليست ثقافة قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، فانخدعوا بهذا، وسمعت أنهم أخذوا طوابير يحبسون ويأخذون لهم أسماء ويعرضون على هذا التيس هل يجد لهم شفاءً أو علاجاً أم لا؟ وهذا فيه قضايا: الأولى: كيف تبلغ العقيدة الإيمانية بهذا المجتمع وهذا الشعب المسلم إلى هذا الحضيض، تيسٌ يضحك على ألوف مؤلفة من الناس! تيسٌ يعرض علاجه على العقول التي ما عرفت الله عز وجل! وإنا نشكو حالنا إلى الله عز وجل، سبع جامعات ومؤسسات، ومحاضرات، ودروس، ومكاتب دعوة، وتوعية ثم تأتي القلوب تنتكس إلى هذه الدرجة وإلى هذا الحضيض! الثانية: لا يسمع الخواجات بما وصلنا إليه من هذا الأمر، أننا أخذنا طوابير على تيس وأننا نطلب منه الشفاء والعافية ونعرض عليه أمراضنا، فإنهم سوف يضحكون علينا، وهم قد ضحكوا علينا مرات كثيرة، لكن هذه المرة لا نريد أن يضحكوا علينا مرة ثانية. الثالثة: ليته في غير مكة مهبط الوحي، التي سطع منها إشعاع لا إله إلا الله والفتوحات الإسلامية، والتوحيد الخالد، فمحمد من مكة صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وسعد من مكة، ثم تأتي الخرافة ووراءها أناس من البشر، لا يعرفون دينهم ولا معتقدهم فيلبسون على عقول الناس، هذه مسألة -والله- مخزية. وأما قول السائل: كرامة الحمير والتيوس، فالأمة يكرمها الله بأن تكون على منهجه، يقول ابن تيمية: الكرامة لا بد فيها من شرطين اثنين، فإذا فقد شرط فليست بكرامة: الشرط الأول: أن تكون هذه الكرامة على يد رجلٍ صالح يعمل بالكتاب والسنة، قال الشافعي: لا تغتروا بالرجل ولو طار في الهواء، وسار على الماء حتى ترى هل يعمل بالكتاب والسنة. فهذا شرط، فإنسان مخرف يأتي لنا بخزعبلات؛ يحول الفناجين إلى بيض والبيض إلى فناجين؛ ننظر إليه فنجده يصلي بلا طهارة، ويحلق لحيته، ويلبس الذهب، ويتعامل بالربا، ويزني، فنقول: لعن الله البعيد، هذه شعوذة وليست بكرامة، فالكرامة أن تكون أنت في نفسك تعمل بالكتاب والسنة، كما أجرى الله الكرامات للبراء بن مالك، ولـ العلاء بن الحضرمي يدعو الله فتأتي السحابة للتو وتمطر، وأجراها لـ خالد بن الوليد عندما أخذ قارورة السم، سم زعاف وقال: بسم الله توكلت على الله، وشربها ولم يصبه شيء، وسعد يقول للجيش: بسم الله اركبوا النهر، فيجمد الله النهر لـ سعد، ويمر الخيل، فهذه كرامة لأن سعداً يعمل بالكتاب والسنة. والشرط الثاني: أن تكون هذه الكرامة لرفع لا إله إلا الله، ولنصرة الدين، فإذا لم يتم هذان الشرطان فليست بكرامة، وإنما هي خزعبلات وخرافات، وتخلف والعياذ بالله. ابن عربي هذا الملحد الزنديق، الذي يقول عنه ابن تيمية: إن كان صح عنه ما يقول فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، كان يأتي بجبته ويخرج منها دجاجاً وخرفاناً أهذه كرامة؟! بعض الملاحدة يأتي إلى السيخ من الحديد فيقسمه أقساماً ثم يركب منه إنساناً ثم يرده على هيئته الأولى، فهذا ابتلاء وسحر: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66]. إذاً فليست هذه بكرامة، بل لا بد من الشرطين الذين ذكرهما ابن تيمية، ومن شك فليعد إلى كتابه المجلد الحادي عشر، فقد تكلم عن الكرامة وغيرها في المجلد الحادي عشر من فتاويه، وقد تعرض لها في المجلد العاشر، فهذا هو العلم المؤصل، أما أن تظل تدخل الأمة وهي ساذجة ضائعة، إن أتاهم ساحر أو بهلواني أو كروي أو مغنٍ أو رقاص صدقوه، فهذا ليس بصحيح، ولذلك هذه الثقافات -ثقافات الصحف والجرائد- لم تنفع أصحابها في الساحة، ولم ينفعهم إلا قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنا لا أقول أن طالب العلم يحرم عليه أن يقرأ في الصحف والمجلات، بل لا بد أن يقرأ لكن بعد أن يتزود من ثقافة قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعرف الواقع من الصحف والمجلات العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفانِ ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فلانِ فيا أهل مكة! الخرافة تجول فيكم وأنتم دعاة التوحيد من أول العهد! ويا أهل مكة! أنتم أبناء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ويا أهل مكة! نزل جبريل في غاركم في حراء بالتوحيد ويا أهل مكة! من يعرف وينشر التوحيد إذا أصبحت هذه الخزعبلات والخرافات والمضحكات في مكة، وليتها في غير مكة! فالعودة العودة إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسأل الله لي ولكم الثبات والقبول.

حكم الهجر بسبب الاختلافات في المسائل الاجتهادية

حكم الهجر بسبب الاختلافات في المسائل الاجتهادية Q ذكرت في معرض الدرس أن ابن عمر لما غاضبه ابنه لأنه عارض الرسول عليه الصلاة والسلام قال: [[والله لا أكلمك أبداً]] فهل كلما اختلف رجل وآخر في مسألة علمية فيها دليل وعارضه الآخر هل يهجره ويقاطعه؟ A أنا لا أقصد هذا؛ لأن ابن عمر توهم من ابنه رضي الله عنه أنه يعارض الحديث بلا دليل، وبلا تأويل، أما الاختلاف بالتأويل فلا يوجب الضغينة بين المسلمين في الفرعيات والجزئيات، ولـ ابن تيمية كلام في رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ذكر فيه أن العالم يعذر، وطالب العلم إذا كان متأولاً في الدليل الفرعي، فإذا قلت لطالب علم: ضم اليد يكون على الصدر، فقال لك: بل تحت السرة، فتقول أنت: فيه حديث، ويقول هو: فيه حديث، فهل تقول: والله لا أكلمك حتى أموت؟! هذا خطأ، لأن له دليلاً وهو متأول في الدليل، بل ترضى عنه وتعذره، ولو كان دليله ضعيفاً، فـ ابن تيمية يعذر العلماء، ويقول: إما أن يكون الحديث بلغ أحدهما ضعيفاً والآخر صحيحاً، أو أن الحديث وصل إلى هذا العالم ولم يصل هذا، أو أن الحديث منسوخٌ عند هذا العالم وثابتٌ عند هذا، أو أن الحديث فهم منه هذا شيئاً وذاك فهم منه شيئاً آخر. إذاً أنا لا أقصد هذا، إنما أقصد الذي يعارض السنة جهاراً نهاراً، تقول: تربية اللحى سنة فيقول: لا. ليست بسنة، فهذا يستحق الهجر، فتقول له: الرسول عليه الصلاة والسلام كان يأكل بثلاثة أصابع، ويقول: بسم الله، فيقول: دعنا، نحن في القرن الخامس عشر، أتريد أن تردنا إلى المدينة والعصر الأول؟! فهذا منافق، وتقول: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصر ثوبه، فيقول: وما لنا حتى بالثوب تأتي لنا بالرسول دائماً! فهذا تهجره وتقاطعه {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]. نسأل الله أن يجمع بيننا وبينكم في مستقر رحمته، وأن يوفقنا وإياكم للاجتماع فيه، والعمل لما يرضيه، والحب فيه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

دستور الصحوة الإسلامية

دستور الصحوة الإسلامية تحت هذا العنوان سرد الشيخ أكثر من عشرين موضوعاً تنبثق كلها من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، فذكر من أبواب الجنة، وعرَّج على آداب الاستئذان، وعلى أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم. مروراً بمواضيع: الحياء، وعلامات الساعة، والربا، والعبودية، والفقر، والشريعة البيضاء. وهي تمثل واحة رائعة غناء من الأخلاق، والمواعظ، والفقه، والفكر، والعقائد. وقد ختم كلامه بالحديث عن البيعة (البيعة علىالولاء والبراء، ثم البيعة على الإسلام).

أبواب الجنة

أبواب الجنة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة الفضلاء! كنتُ قد أردتُ أن أترجم لبعض علماء الأمة؛ ولكن رأيتُ أن العيش مع متون الحديث ومع كلامه - عليه الصلاة والسلام - أفيد. وسوف يكون هناك - إن شاء الله - دروس عن تراجم العلماء وسير الصالحين. وهذا الكتاب الذي بين يديَّ سوف يكون سلسلة - إن شاء الله - مستمرة في رمضان وغير رمضان، لطلبة العلم والأخيار والدعاة من أمثالكم. وهذا الكتاب يحمل عنوان: (دستور الصحوة الإسلامية)؛ لأنك تحتاج إلى علم شرعي صحيح، على منهج أهل السنة الجماعة في العقائد والأصول والأخلاق والسير والسلوك. فأول درس نبدأ فيه: هو من كلام محمد عليه الصلاة والسلام وهذا هو مجموع الأحاديث الصحيحة التي وردت عنه صلى الله عليه وسلم. وسوف ترون في هذه الأحاديث أموراً، منها: الأمر الأول: صحتها: فلا يكون فيها حديث ضعيف أبداً. الأمر الثاني: أني أذكر الصحابي والمخرج، ودرجة الحديث. الأمر الثالث: المسائل المهمة في الحديث. الأمر الرابع: أنه لا يتقيد بباب ولا بكتاب؛ إذ سوف يأتي الحديث مرة في العقيدة، ومرة في السلوك، ومرة في العبادة، ومرة في الأخلاق؛ ليكون أسعد وأروح، والله الموفق.

الكلام عن أبواب الجنة

الكلام عن أبواب الجنة يقول عليه الصلاة والسلام: {آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أُمِرْتُ ألا أفتح لأحد قبلك} حديث صحيح، رواه الإمام أحمد ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه. في الحديث مسائل: أولاًَ: قوله صلى الله عليه وسلم: {آتي باب الجنة} معناه: في يوم القيامة، يوم يجمع الله الأولين والآخرين، فيفصل بينهم في القضاء، يأتي صلى الله عليه وسلم في ذاك اليوم، وذلك من عقيدة أهل السنة. ثانياً: وفيه: أن أول من يدخل الجنة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثالثاً: وفي الحديث: أن للجنة أبواباً، وقد صح عند البخاري وغيره: أن للجنة أبواباً ثمانية، وأبواب النار سبعة، نسأل الله أن يدخلنا من أبواب الجنة. وكما في الحديث الصحيح: {بين المصراعين -من مصاريع الجنة- كما بين صنعاء وأَيْلَة -وصنعاء عاصمة اليمن , وأَيْلَة هي بيت المقدس - وإنه ليأتي عليه يوم وهو كَضِيْضٌ من الزحام}. وتساءل العلماء: هل هناك أبواب داخلية في الجنة غير الأبواب العامة الكبرى. والصحيح: أن هناك أبواباً داخل ملك العبد في الجنة. قوله صلى الله عليه وسلم: {آتي باب الجنة} قلتُ: أول داخل الجنة هو الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو أنه متأخر في البعثة؛ ولكن الله شرفه، فجعله أول من يدخل، ثم يدخل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام على مراتبهم. وتساءل الإمام ابن القيم في الجمع بين قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] وبين قوله صلى الله عليه وسلم: {لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله؛ إلا برحمة الله}. فالجواب الصحيح باختصار: أن دخول الجنة أولياً لا يحصل بالعمل، وإنما هو برحمة أرحم الراحمين، ومن لا تدركه رحمة الله لا يدخل الجنة، وأما النزول في منازل الدرجات في الجنة فبالأعمال، وهذا على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72]. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن أبواب الجنة: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:73] ويقول في أبواب النار: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:71] زاد الواو في أبواب الجنة؛ لأنها هيئت فتحاً قبل أن يصلوا إليها، وهذا من تكريم الله لأهل الجنة، ففتحت الأبواب قبل أن يصلوا إلى الجنة، وأهان أهل النار، فتركهم ينتظرون عند الباب، فلا تفتح حتى يصلوان، وهذا من الإهانة. ولله المثل الأعلى، يقولون: الكريم يفتح أبوابه للضيافة من قبل أن يأتي الضيف، واللئيم لا يفتح الباب حتى يُطْرَق عليه طرقاً مخيفاً مزعجاً. ولله المثل الأعلى. فأبواب الجنة من ذي قبل مفتوحة، وهذه يسمونها: الواو التي تزيد المعنى، فإنهم يقولون: الزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى، مثل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} [فاطر:37] الأصل في العربية: وهم يصرخون فيها، فزاد {يَصْطَرِخُونَ} من باب زيادة المبنى لزيادة المعنى. وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} [يوسف:23] والعربية تقول في التخفيف: وأغلقت الأبواب؛ لكن زيادة في المعنى. وأنا لا أقصد من هذه الدروس الأحكام؛ لكن أن تكون مساراً إن شاء الله للصحوة الإسلامية المباركة في المعتقد، وفي العبادة، والسلوك، والأخلاق، والعمل، والدعوة؛ حتى يكون الإنسان على بينة وعلى ضوابط من الكتاب والسنة. والله الموفق.

هل الجنة والنار مخلوقتان الآن؟

هل الجنة والنار مخلوقتان الآن؟ قال عليه الصلاة والسلام: {آتي باب الجنة فأستفتح} هنا مسألتان لـ أهل السنة: المسألة الأولى: هل الجنة موجودة الآن أم لا؟:- والصحيح عندهم: أنها موجودة ومخلوقة، وخالف في ذلك المعتزلة، فقالوا: تُخْلَقُ فيما بعد، وقد كذبوا على الله، بل هي موجودة الآن. قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي: والنار والجنة حقٌ وهما موجودتان، لا فناءَ لهما المسألة الثانية: هل تفنى الجنة والنار؟: والصحيح: أن الجنة والنار لا تفنيان. والنار والجنة حقٌ وهما موجودتان لا فناءََ لهما وقال بفنائها بعض المعتزلة، كـ العَلاَّف وأبي إسحاق النَظَّام وغيرهما، ورد عليهم أهل السنة. والصحيح: أن أهل الجنة خالدون في الجنة، فلا موت، وأهل النار خالدون في النار، فلا موت، والله المستعان!

آداب الاستئذان

آداب الاستئذان ثم يقول عليه الصلاة والسلام: {فأستفتح، فيقول الخازن: مَنْ أنتَ؟} قال أهل العلم: فيه إشارة إلى أدب الاستئذان في الإسلام، وهو أنك إذا طرقت الباب، أن يسأل صاحب البيت: مَنْ؟ وهذا من الحكمة، فإن على الناس أن يتقيدوا بهذه الآداب النبوية التربوية التي هي من أحسن ما يكون. وقد أُشِيرَ لكم في بعض الدروس والمحاضرات: أن هناك سلسلة من الآداب النبوية التربوية، وقد وصلت هذه المجموعة إلى أبها هذه الليلة لمن أراد أن يستفيد من آدابه عليه الصلاة والسلام. كان عليه الصلاة والسلام إذا استأذن فسُئِل يقول: {أنا فلان} وطلب من الصحابة أن يخبر الإنسانُ باسمه. واستأذن عليه أبو ذر، قال: (مَنْ؟) قال: أبو ذر. وطرق جبريل السماء -في الحديث الصحيح- {قال أهل السماء: مَنْ؟ قال: جبريل، قالوا: مَن معك؟ قال: محمد، قالوا: مرحباً بك وبمن معك}. واستأذن جابر - كما في صحيح البخاري - {: فطرق باب المصطفى عليه الصلاة والسلام قال: مَن؟ قال: أنا، ففتح صلى الله عليه وسلم الباب، وقال: أنا أنا!! كأنه كرهها}؛ لأن فيها إيهام، لا بد أن تخبر باسمك، هذا من أدب الاستئذان. {فيقول الخازن: مَنْ أنتَ؟ فأقول: محمد} وهذا هو الأصل: أن يخبر باسمه، قال أهل العلم: ولو أخبر بكنيته لصح، ولو أخبر باسمه لصح، ولو أخبر بلقبه لصح، الشرط أن يكن مشهوراً عند الناس فيُعْرف به.

أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم

أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {فأقول: محمد} أسماؤه عليه الصلاة والسلام في السنة خمسة، صح بها الحديث، اسمه: (محمد، وأحمد، والعاقب، والحاشر، والماحي) العاقبٌ: أي الذي يحشر الله الناس على عقبه، والماحي: أي الذي محى الله به ما قبله، والحاشر: أي الذي يحشر الله الناس على قدمه عليه الصلاة والسلام. قال حسان: وشق له من اسمه ليُجِلَّه فذي العرش محمودٌ وهذا محمدُ يقول: الله شق لمحمد من اسمه؛ لأن الله محمود سبحانه. وقال صلى الله عليه وسلم: {أما ترون كيف يصرف الله عني سب المشركين، إنهم يسبون مُذَمَّمَاً، وأنا محمد} -يسمونه: (مُذَمَّم) ويسبونه- محمد، وأحمد، وهو أبو القاسم عليه الصلاة والسلام، والذي سماه محمداً عند أهل السيرة أنه عبد المطلب جده عليه الصلاة والسلام. فيقول: {بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك} وفيه مسألة: الله يقول: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:73] دليلٌ على أنها مفتوحة قبل أن يأتي الناس. وهنا يقول: {آتي أبواب الجنة فأستفتح} وأستفتح: فعل للتدرج، يعني: أطلب أن يُفْتَح لي؛ ولكن لم يفتح له عليه الصلاة والسلام في هذا، فكيف نجمع بين القولين؟ بين هذا وبين ذاك؟ A أن يقال: يأتي عليه الصلاة والسلام قبل أن تُفْتَح، فيستفْتِح، فتُفْتَح، فيأتي الناس وقد فُتِح لهم.

الحياء

الحياء وَرَدَ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: {آخِر ما أدرك الناسُ من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت} حديث صحيح، رواه ابن عساكر في تاريخه عن أبي مسعود البدري. وفي هذا الحديث مسائل: أولاًَ: ما هو الحياء؟ الحياء الصحيح: ما صدك عن المحارم، وهذا حياء واجب. وما صَدَّكَ عن المكروهات فهو حياء مستحب، وبعضهم يوجبه. أما الذي يصدك عن طلب العلم وعن الأمور النافعة، والتحصيل، والسؤال الذي فيه النفع، فليس بحياء، لكنه خجل، وهو حياء مذموم. ولذلك يقول مجاهد في صحيح البخاري، موقوفاً عليه: [[لا يطلب العلم مستحٍ ولا مستكبر]]. ومَرَّ عليه الصلاة والسلام على رجل من الأنصار - كما في صحيح البخاري - وهو يَعِظُ أخاه في الحياء، قال: {دَعْهُ، فإن الحياء لا يأتي إلا بخير}. ثانياً: الحياء خير كله: وخاصة إذا كان في شرف الأمور، يَصُدُّ عن خوارم المروءة والمعاصي. وصح عنه - عليه الصلاة والسلام - عند الترمذي أنه قال: {البَذاء، والبيان شُعْبَتان من النفاق، والعَيُّ والحياء شعبتان من الإيمان} وقد شرح هذا الحديث ابن رجب في كتاب مستقل. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: {آخِر ما أدرك الناسُ من كلام النبوة الأولى} أي: آخر ما حُفِظ من كلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وميراثهم هذه الجملة: {إذا لم تستحِ فاصنع ما شئتَ} وفي هذه العبارة معنيان لـ أهل السنة: المعنى الأول: يقول: {إذا لم تستحِ فاصنع ما شئتَ}: أي: إذا خلعت جلباب الحياء؛ فلك أن تفعل ما شئت من المعاصي وخوارم المروءة، بمعنى: إذا لم تستحِ من الناس ولا من الله قبل الناس؛ فاصنع ما بدا لك فقد ذهب الحياء عنك. والمعنى الثاني: يقول: {إذا لم تستحِ فاصنع ما شئتَ} أي: إذا كان هذا الأمر لا يدعو إلى الحياء منه فاصنعه؛ فإنه مباح لك. أي: إذا كان هذا الأمر ما عليك حرجٌ منه، ولا تستحي أن تصنعه، وليس عليك لائم ولا حرج من الناس ولا عَتَب فافعله. والمعنى الأول هو الصحيح. قال الشافعي: فلا والله ما في العيش خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ إذا لم تخشَ عاقبة الليالي ولم تستحي فاصنع ما تشاءُ وقيل لـ سهل: ما هو الحياء؟ قال: أن تستحي من الرقيب. وقال بعضهم: أن تجعل بينك وبين الله رقيباً، وهي درجة الإحسان التي وصفها - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح، قال: {أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك}. وقد بلغ ببعض الصالحين أنه ما كان يتعرى وحده حياءً من الله. وعند أحمد في (المسند) بسند صحيح: أن معاوية بن حَيْدَة قال: {يا رسول الله! إذا كان أحدنا وحده، هل يكشف عن عورته؟ قال: الله أحق أن يُسْتَحْيَا منه}. وصح عند الترمذي عن ابن مسعود: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: {يا أيها الناس! استحيوا من الله حق الحياء؛ فإن حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ومن تذكر البِلى ترك زينة الحياة الدنيا}. والحياء خير كله، وقد رد عمران بن حصين على عبد الله بن سلام، أو كعب الأحبار لما عارضه في ذلك، وقال: [[إني قرأت في التوراة أنَّ مِنْه جُبْناً وأنَّ مِنْه خيراً]] قال: [[أحدثك عن الرسول عليه الصلاة والسلام وتحدثني عن صحفك؟]] {الحياء خيرٌ كله}. والمعنى: الحياء المطلوب النافع، أما الخَجَل والخَوَر والجُبْن، فهذا ليس من الحياء، بل هو يصد عن طلب العلم وعن المسألة لأهل العلم، والاستفادة. قوله -عليه الصلاة والسلام-: {آخِر ما أدرك الناسُ من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئتَ}: ما معنى النبوة الأولى؟ النبوة الأولى: هي ما قبل نبوته عليه الصلاة والسلام فإن قبله أنبياء، وكان يُوْرِد صلى الله عليه وسلم بعض الكلمات منهم، وكان يأخذ بعض الآداب من شرائعهم.

علامات الساعة

علامات الساعة قال عليه الصلاة والسلام: {آخِر مَن يُحْشَرُ: راعيانِ مِن مُزَيْنَة، يريدان المدينة ينعقان بغنمهما؛ فيجدانها وحوشاً، حتى إذا بلغا ثنية الوداع خَرَّا على وجوههما} حديث صحيح، رواه الحاكم عن أبي هريرة. ولعلكم تلحظون أن الحديث الأول: في أبواب الجنة، والثاني: في الحياء، والثالث: في علامات الساعة. وأنا أقول: سوف تكون الحلقات من كتاب دستور الصحوة الإسلامية على هذا المنوال، مرة في الفرائض، ومرة في النكاح، ومرة في الصلاة، ومرة في الرضاع، ومرة في التوحيد؛ ليكون كالروضة. مرة زهرةً، ومرة وردةً، لئلا يَمَلَّ السامع.

آخر من يحشر

آخر من يحشر أما قوله صلى الله عليه وسلم: {آخِر مَن يُحْشَرْ: راعيان مِن مُزَيْنة} فمعنى الحشر هنا: إلى الله، قيل: لقيام الساعة، وقيل: الحشر هو من المشرق إلى المغرب؛ فإن من علامات الساعة الكبرى: نار تحشر الناس من المشرق، تَهُبُّ مِن عَدَن، فتحشر الناس وتجمعهم. والحشر: هو الاجتماع، حشرتُ الناسَ: أي جمعتهم، محشورون: مجموعون، يوم الحشر: يوم الجمع. قال عليه الصلاة والسلام: {آخِر مَن يُحْشَرْ -أي: آخِر مَن يُدْفَعْ من الناس- راعيانِِ مِن مُزَيْنَة} وهي قبيلة من قبائل العرب، ومنها: زهير بن أبي سُلْمَى، وغيره من الشعراء، وهي قبيلة ذكرها صلى الله عليه وسلم بالخير، وهي ما بين المدينة ونجد. {يريدان المدينة ينعقان بغنمهما؛ فيجدانها وحوشاً}: يجدان المدينة وحوشاً، وقد انتهى الناس، وماتوا في المدن والقرى قبل قيام الساعة، وهبَّت عليهم ريح باردة، فأفناهم الله، {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62].

أهمية الإيمان بيوم القيامة

أهمية الإيمان بيوم القيامة إن يوم القيامة هو المدرسة الكبرى التي تهذب أخلاق الناس، والتي تردهم إلى الله عز وجل، والتي تجعلهم عباداً صالحين. هذه القضية الكبرى هي الفارق بيننا وبين العلمانية والشيوعية والماسونية واليهودية، وهي الخيط الرفيع، وهي الفيصل بيننا وبين المذاهب الترابية الأرضية والقومية التي ينادونها بشعارات، هذه هي الفارق بيننا وبين كل من يدعي الأرض والتراب والوطن. نحن نعمل للآخرة، غيباً وشهادة، حياة وموتاً، نتصل مع الله، وإلاَّ فحياتنا هذه قليلة قليلة، والله يجمع بين الحبيب وأحبابه في جنة عرضها السماوات والأرض، وهذه مقررة في الكتاب والسنة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21]. والقرآن والسنة فيها الكثير من الحديث عن يوم القيامة والنشور، والجنة، والنار؛ وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مُتَوَقِّعٌ أنه سوف يُطْغَى على الجيل ويُظَلَّل بوسائل وبأُطْرُوحات وبدعوات وبغزوٍ فكري. العلمانية الآن هي السائدة في الساحة، وهي تبث أدواتها بزخرفة من الإعلام، وبكلام يعجب الناظرين، ومقصوده الإلحاد، لا الدين. ولذلك لا يكتبون في كتبهم عن اليوم الآخر، ولا في خطبهم، وكلماتهم، يقولون: الحياة، ويقولون: تطور وازدهار؛ لكن إذا أعَدْتَهم إلى اليوم الآخر، فلا. وكذلك لا يذكرون الولاء والبراء؛ ولذلك يقولون: إن من العنصرية أن تقول: أنا مسلم، وهذا نصراني، وتحاربون النصرانية واليهودية. العالم كله الآن -يقولون عنه-: مدينة واحدة، ولم تعد هناك حروب، وانتهى عصر التخلف، وأصبحنا في عصر ننهي التمييز العنصري حتى في الأديان. نقول: نحن نحارب التمييز العنصري؛ لكن الدين يبقى ولاء وبراء وحباً وبغضاً، ولذلك يأتون بشعارات الوحدوية بين العالم، وهذه كلمة ماسونية، ويقولون: ما ينبغي أن تدعوا للتفرقة بين البشر: هذا يهودي، وهذا نصراني، لا، لا يصلُح لا دين، ولا لغة، ولا جِنْس؛ إنما إنسانية. وفي الساحة توجد كتب الوحدة الإنسانية، والوحدة التراثية، ووحدة بني آدم، والفوارق الطبيعية، ويؤسسون اجتماعاتهم على هذا، فيُلْغون قضية الدين، فيقولون: إن قضية الدين قضية فردية؛ حتى يقول أكرم البستاني في مذكراته: "الدين للأفراد فقط، فاللبناني إذا كان مسيحياً يجوز له، واليهودي إذا سكن في اليمن له ذلك، والشيوعي إذا كان في الجزيرة له ذلك، ومن أراد أن يصلي فليصلِّ، وصُمْ رمضانَ لنفسك، أما أن تأتي وتدخل الحياة والدين في شعور الناس ومعتقداتهم وأخلاقهم فهذا خطأ"، وهذا هو الإلحاد بعينه. لكن تربية الصحوة على اليوم الآخر والإيمان والقيامة هو المطلوب، ولذلك كان لزاماً علينا - وأنا أمامي عشرات الدعاة - أن نعيد الشباب للكتاب والسنة، العلم الصحيح، بلا مذكرات وبلا أطروحات تخالف الكتاب والسنة. قال عليه الصلاة والسلام: {ينعقان بغنمهما فيجدانها وحوشاً} تصبح المدينة خاوية، وانتهى كل من عليها: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. الأطروحات، الهيئات، الكيانات، الزخارف، القصور، الدنيا، كل ذلك يذهب، ويبقى الواحد الأحد، وهذا الذي تفرد به الله، لا إله إلا الله. سمعتُ شريطاً قبل أسبوع للشيخ عبد المجيد الزنداني وفيه كلمة جيدة، يقابله شيوعي من شيوعي العرب، فيقول له: يا فلان، نحن إذا متنا حاسبنا الله الذي لا يموت {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] وأنت فإنك تخاف من إلهك، وقد مات إلهك استالين ولينين وماركس، أصبحوا تراباً ورماداً، أما ربنا فهو الله الباقي، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27] {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]. ثم يقول: {حتى إذا بلغا ثنية الوداع خَرَّا على وجوههما} انظر إلى هذا المشهد، لا إله إلا الله، لا يستطيعون دخول المدينة فتأتي الساعة فجأة، فيجمع الله الأولين والآخرين، ويقوم الفجرة من قبورهم، ويقولون -كما في القرآن الكريم-: {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:31] يا حسرتنا على الساعات الغالية! يا حسرتنا على الأيام والليالي! يا حسرتنا على الدقائق التي صرفناها! يا حسرتنا على القصور والبساتين والمتاع والمناصب! {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:31]. فيقول: {فيجدانها وحوشاً؛ حتى إذا بلغا ثنية الوداع} وثنية الوداع في المدينة، يقولون: يقابل مكة، وقيل: يقابل تبوك. أشرفَ من ثنية الوداع المصطفى عليه الصلاة والسلام، قيل: يوم الهجرة، وقيل: يوم عاد من تبوك، فخرج له أطفال المدينة فقد كان أباً، وأخاً، وحميماً، وكان قريباً من القلوب، وكان يحبه الناس كل الناس، عطف الله عليه القلوب، ولم يخلق الله أروع ولا أنبل منه، كان يربي ببسمته الأجيال والأطفال. فلما أقبل عليه الصلاة والسلام خرج أطفال وجواري، وبنات المدينة، في طرف السِّكَّة يستقبلون البدر، ويقولون: طلع البدر علينا من ثنيات الوداعِ وجب الشكر علينا ما دعا لله داعِ أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاعِ جئتَ شرَّفتَ المدينة مرحباً يا خير داعِ هذه أبيات رائعة، جميلة جداً، يُحَيَّا بها محرر العالم، فقد كانت الأمة عبيداً قبل أن يُبْعَث، وكانت ضائعة ضالة، فلما بُعِث أتى بهذا الوحي فحرر الأمة حتى جعلها أمة إسلامية تملك الدنيا -عليه الصلاة والسلام-.

قيام الساعة كلمح البصر

قيام الساعة كلمح البصر قال: {خَرَّا على وجوههما} في هذا الحديث دروس، منها: الأول: أن الساعة تأتي فجأة: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:63] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63] فائدة: إذا قال الله في القرآن: {وَمَا أَدْرَاكَ} فسوف يُخْبِرُه بعدُ، وإذا قال: {وَمَا يُدْرِيْكَ} فلن يخبره. فإذا قال: {وَمَا أَدْرَاكَ}: فسوف يخبره، مثل: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1 - 3] فأخبره بقوله: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ} [القارعة:4]. وإذا قال: {وَمَا يُدْرِيْكَ}: فلن يخبره، مثل: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63]. قال جبريل: {يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل} يقول: أنا وأنت سواء، أنا لا أدري، وأنت لا تدري، تسألني وأنا لا أدري؟! لا يدري بها إلا الله، فقد استأثر بعلمها، ولم يخبر مَلَكَاً ولا نبياً ولا رسولاً ولا إنساناًَ ولم يُؤْتَ أحدٌ علمها حتى يُبْعَث الناسُ مباشرة. فنحن ننتظرها، ونسأل الله ألا يجعل أجورنا ذاهبة في الدنيا، ولا يجعل متاعنا ما قَدَّم لنا هنا، بل يجعل راحتنا وأنسنا هنا وهناك: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء:101 - 102]. أيها الإخوة، هذه الحلقة الأولى من سلسلة: دستور الصحوة الإسلامية، أسير معكم في رحلة ممتعة مع محمد عليه الصلاة والسلام يتكلم لنا في شئون الحياة، والإيمان، والمعتقد، والتوحيد، ويتكلم لنا في الطهارة، والصلاة، والحج، ويتكلم لنا في البيت الإسلامي، مع الطفل، والزوجة، والأخت، ويتكلم لنا في الاقتصاد والسياسة، ويتكلم معنا في كل باب، علَّنا أن نفهم وأن نعي. اللهم انفعنا بما نسمع، اللهم انفعنا بما نقرأ، اللهم انفعنا بما نتعلم، اللهم اجعلنا من هذا الموكب الكريم، الذي يقوده محمد عليه الصلاة والسلام.

آخر من يدخل الجنة

آخر من يدخل الجنة بسم الله الرحمن الرحيم الدرس الثاني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً. المقصود من هذا الكتاب: تربيةُ الجيل على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ورَدُّ الناس إلى المصدَرَين العظيمين، مصدَرَي التلقي، وهو العلم الصحيح الموروث عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم. فإن العلم صراحة: هو علم الكتاب والسنة، وما سوى هذين العِلْمَين: إما أن يكون شرحاً لهما، أو أن يكون تذييلاً عليهما، وإن كان معارضاً لهما، فهو علم باطل فاسد لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة. قال عليه الصلاة والسلام: {آخر من يدخل الجنة: رجل يمشي على الصراط، فهو يمشي مرة، ويكبو مرة، وتصفعه النار مرة، فإذا جاوزها التَفَتَ إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منكِ، لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين، فتُرفَع له شجرة، فيقول: أيْ ربِّ! أُدْنُنِي من هذه الشجرة؛ لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله: يا بن آدم، لعلِّي إن أعطَيْتُكَها سألتَني غيرَها، فيقول: لا، يا رب! ويعاهده ألا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة أخرى، هي أحسن من الأولى، فيقول: أيْ ربِّ! أُدْنُنِي من هذه؛ لأشرب من مائها، وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا بن آدم! ألم تعاهدني ألا تسألَني غيرَها؟! ويقول: لعلِّي إن أدنيتُك منها تسألني غيرها، فيعاهده ألا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة، هي أحسن من الأَوْلَيَيْن، فيقول: أيْ ربِّ! أُدْنُنِي من هذه؛ لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا بن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟! قال: بلى، يا ربِّ! أُدْنُنِي من هذه، لا أسألك غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أيْ ربِّ، أدخلنيها، فيقول: يا بن آدم! ما يُعْرِيْنِي منك؟} ومعنى يعريني منك: أي: أَيُّ شيءٍ يرضيك؟ ويقطع السؤال بيني وبينك، {أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ فيقول: أيْ ربِّ! أتستهزئ مني، وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر} رواه الإمام أحمد ومسلم عن ابن مسعود، وهو حديث صحيح. وفيه مسائل: أولها: أن دخول الجنة على درجات. ثانيها: أن الناس يتفاضلون في دخول الجنة بحسب أعمالهم. ثالثها: أن لدخول الجنة أولاً، وآخِراً. فلا يدخلون مرة واحدة؛ وإنَّما أولٌ وآخِرٌ، وأولُ مَن يدخل الجنة محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام وآخر من يدخل الجنة: هذا الرجل. رابعها: أن عصاة الموحدين يُعَذَّبُون، خلافاً للمرجئة الذين لا يفاضلون بالإيمان. خامسها: أن الخوارج قالوا بتخليد أهل الكبائر في النار، وقد كذبوا على الله، بل لا يُخَلَّد الموحِّد في النار، وقد يخرج بعد أن يبقى مدة في النار. سادسها: أن الله عز وجل يخاطب الناس يوم القيامة كفاحاً، بلا ترجمان، ويتكلم معهم. سابعها: عِظَمُ ما أعطى الله عز وجل لأقل المؤمنين في الجنة؛ فإنه ثبت من حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن {أدناهم منزلة من يملك مثل ملك الدنيا خمس مرات} وقيل: {عشر مرات}. أَقَلُّهُم مُلْكاً من الدنيا مَلَكْ وعشرةٌ أمثالها من دون شكْ لكنَّما موطن سوطٍ فيها خير من الدنيا وما عليها قلت لكم آنفاً: إن الدستور الذي بين يدَيَّ يحمل أحاديث العقائد، والآداب، والأخلاق، والسلوك، بينما أنت تسمع حديثاً في الفرائض، إذا به ينتقل بك إلى اليوم الآخر، ثم يعرج على الجهاد، ثم يصلك بالتربية، ثم يعود بك إلى الأحكام، فأنت بين روضة وأخرى.

بعض الأصناف الذين لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم

بعض الأصناف الذين لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم يقول عليه الصلاة والسلام: {آكل الربا، ومُوْكِلُه، وكاتبه، وشاهداه إذا علموا ذلك، والواشِمَة، والموشومةُ للحُسْن، ولاوِي الصدقة، والمرتد أعرابياً بعد الهجرة، ملعونون على لسان محمد يوم القيامة} رواه النسائي وابن خزيمة والحاكم عن ابن مسعود، وهو حديث صحيح. معنى المفردات: (آكل الربا): الذي يتناوله أكلاً مباشرة، أو لُبساً، أو استخداماً، أو سكنىً، أو مركوباً، أو يمتهنه في تجارة. (ومُوْكِلُه): الذي يُوْكِلُه غيره: كالصراف، والبائع، وحامل العقود، والكاتب عليها، والشاهد، وصاحب الإرشيف، والحارس، والفراش. (وكاتبه): الذي يكتب العقود، ويوقع على المُسَيَّرات والشركات والحوالات. (وشاهداه): اللذان يشهدان على العقد، إذا علموا ذلك؛ لأن الجاهل معذور. (والواشِمَة): هي التي تَشِمُ نفسَها بحبر أو ما يشابهه، وتغرزه في جسمها أو في وجهها، وهي التي تَشِمُ غيرها أيضاً. (والمَوْشُومة): التي تطلبه من غيرها، أو تطلب غيرَها أن يَشِمَها، وهو غرز الحبر أو المداد أو نحوهما في الخدود، وتَرَوْنَ كثيراً من النساء يفعلن ذلك؛ للحسن، بقصد الجمال. (ولاوِي الصدقة): أي: مانع الزكاة والمماطل والمؤخر لها إذا حلَّت عليه، مثل أن يطلبه الإمام أن يدفع الزكاة، فيماطل، ويقول: بعد غد، ويطلبه ثانيةً، فيقول: بعد شهر، بعد شهرين، فيماطله. (والمرتد أعرابياً بعد الهجرة): كيف؟ أي: أنه في عهده عليه الصلاة والسلام كان إذا هاجر الرجل من مكة إلى المدينة انتهى، لا يرجع، فإذا ارتد إلى الأعرابية والصحراء وترك الهجرة، فإنه هو المقصود. (ملعونون على لسان محمد يوم القيامة): اللعن-نعوذ بالله منه- الطرد والإبعاد من رحمة الله، وقد لعن صلى الله عليه وسلم أصنافاً. وشاهدُنا هنا: أول الحديث. وقد صح عند مسلم من حديث جابر أنه قال: {لعن الله آكل الربا، ومُوْكِلَه، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء}. وعند الحاكم وابن ماجة بسند صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: {الربا ثلاثة وسبعون باباً، أدناها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عِرض المسلم}.

مكانة الدنيا عند الله

مكانة الدنيا عند الله ويقول عليه الصلاة والسلام: {آكُلُ كما يأكل العبد، فوالذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى منها كافراً كأساً} رواه هَنَّاد في كتاب الزهد، عن عمرو بن مرة مُرْسَلاً، وهو صحيح. والمعنى: مرت امرأة بالرسول عليه الصلاة والسلام، فرأته يأكل وهو على التراب، وهو أشرف مَن خَلَقَ الله، لم يخلق الله في الناس أشرف منه صلى الله عليه وسلم، فرأته يأكل على التراب، وكانوا يقولون: إذا أكل -أحياناً- يجلس على رُكْبَتَيه كهيئة المصلي في التشهد. وهذه المرأة التي مرت: مشركة متكبرة، قالت للناس على الرسول عليه الصلاة والسلام: انظروا إليه، يأكل كما يأكل العبد، ويجلس كما يجلس العبد، فَرَدَّ عليها، وقال: {آكُلُ كما يأكل العبد، فوالذي نفسي بيده! لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراًَ كأساً}. الدنيا سهلة، وليس منزلة الإنسان عند الله بما يعطيه من الدنيا، أفجر الفجرة قد يعطيه الله عز وجل الملايين المُمَلْيَنَة والقصور والدور والدنيا والذهب والفضة؛ ولكن لا يساوي عند الله جناح بعوضة، وتجد المؤمن التقي البار لا يجد كسرة خبز في اليوم؛ وأحياناً ينام على الرصيف؛ لأن الموازين ليست بالدنيا. وقوله عليه الصلاة والسلام: {جناح بعوضة} الجناح: هو طرف هذه البعوضة (النامِسَة) بمعنى: أن الله عز وجل لا يضرب للدنيا وزناً كوزن جناح البعوضة هذه التي ترونها إذا طارت به. فالدنيا سهلة عند الله عز وجل. وفي حديث صحيح: {إن الله يعطي الدنيا من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب} فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والله ينظر إلى القلوب، فيرى من يستحق هذه الرسالة والإيمان والقرآن فيمنحه الدين، ويرى أن بعض الناس لا يستحق الإيمان والصلاح، فلا يمنحه الإيمان: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23]. ولما كان الإيمان غالياً، أعطاه الله بعض الناس من الفقراء والموالي، وحرمه بعض الأشراف من كفار مكة، ولذلك مات بعض الكفار كافراً، وقُتِلوا في بدر ودخلوا النار، أما الإيمان فعزيز، من أعطاه الله الإيمان فقد أحبه، ومن أدخل الإيمان بيته فقد أحبه. وقوله: {ما سقى منها كافراً كأساً} مع العلم أن الكفار قد يتمتعون من الدنيا أكثر مِمَّا يتمتع المؤمن: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35].

العبودية لله

العبودية لله يقول عليه الصلاة والسلام: إنه عبدٌ لله، ولما أطراه ومدحه عامر بن صعصعة أحد وفود العرب، قال الرسول: {يا أيها الناس! قولوا بقولكم، أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان، إنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله}. وقد ذكر الله له العبودية في مقام التشريف، وهي: ذكره في الإسراء، فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1]. وذكره في مقام الدعوة، فقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19]. وذكره في مقام الإنزال، فقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. لا تدعُنِي إلا بـ (يا عبدها) فإنه أشرف أسمائي فأشرف أسمائه: العبودية لله، ومن لا يكون عبداً لله، كان عبداً لشيطانه وشهواته وغروره.

الفقر والشريعة البيضاء

الفقر والشريعة البيضاء وقال عليه الصلاة والسلام: {آلْفَقْرَ تخافون؟ والذي نفسي بيده لَتُصَبَّنَّ عليكم الدنيا صَبَّاً، حتى لا يزيغَ قلبَ أحدِكم إذا أزاغَهُ إلا هي، وايْمُ الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء} رواه ابن ماجة عن أبي الدرداء، وسنده حسن. معاني المفردات: {آلْفَقْرَ تخافون؟} معناه: هل تخشون الفقر من بعدي؟! وهذا الاستفهام للإنكار، أي: لا تخشوا الفقر؛ فإنه لا يُخْشَى منه، ولا تموت الأمة بالفقر، بل الذي قَتَل الناس هو الغنى، والذي دمَّر كثيراً من البيوت هو المال والثراء. {والذي نفسي بيده لَتُصَبَّنَّ عليكم الدنيا صَبَّاً} أي: لَتَكْثُرَنَّ عليكم الأموال كثرة هائلة، وقد حدث هذا، حتى أصبح الغنى أمراً عجيباً. ثم يقول: {لا يزيغَ قلبَ أحدِكم إذا أزاغَهُ} أي: لا يَمِيْلُه، كما قال تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران:8] والزَّوَغان: الميل، ولا يُمِيْلُ القلوبَ إلا الدنيا، ولذلك نسبة الانحراف في الأثرياء أكثر منها في الفقراء؛ وإلاَّ فعلى مستوى الأفراد قد يأتي الثري أتقى لله، وأصلح من الفقير، وهذا أمر مُشاهَد. {وايْمُ الله} وهذا قسم، كان يقسم به عليه الصلاة والسلام وهو مثل: تالله، وبالله، ووالله. {لقد تركتكم على مثل البيضاء} أي أن الشريعة والسنة مثل البيضاء، قيل: البيضاء هي الطريق الواضحة، وقيل: البيضاء الليلة المقمرة، وقيل: البيضاء: هي المسلك الذي لا عوج فيه. وكل المعاني صحيحة. {ليلها ونهارها سواء} تَرَكَنا عليه الصلاة والسلام على محجة واضحة، لا لَبْس فيها، وهي ظاهرة للعَيان، وشريعة كاملة، ولذلك قبل سنوات كان في الناس عدم تَمَيُّز، يعيش الناس في العالم في ثلاث معسكرات: معسكر إلحاد. ومعسكر إيمان صريح صحيح. ومعسكر وسط، فهم قوم تأتيهم شُبَهٌ وخطراتٌ؛ لكنه وسط، قد يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون، ولكنهم لم يتميزوا، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. ولكن في هذه الصحوة، والعودة إلى الله أصبح اليوم هناك تَمَيُّزٌ، حتى على مستوى العالم، لا تجد العالم الآن إلا يناشد التميز، حتى البلشفي الروسي الملحد أصبح يتميز، إما أن يدخل في دين، وإما أن يتجرد عن دين. وهذا معلوم لديكم، كَمَنْ يقرأ كتاب الانفتاح المترجم والموجود لـ جرباتشوف، الذي أصبح قبل سنتين نصرانياً مسيحياً، أي أنه تَدَيَّن، وأصبحت وُلايَتا أذربيجان وأوزبكان، والولايات الجنوبية في شمال أفغانستان أصبحت تنشد الإسلام. رُفِعَ (لا إله إلا الله) على المآذن، إمَّا دينُ إسلامٍ، وإما تبروء خالص، أما هذا الوسط، فإنه قليل في الناس، وهذا حتى في واقعنا اليوم، إما قوم أقبلوا على الهداية، وأقبلوا على الرب سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وعلى المسجد، وإما قوم ينحرفون تماماً، وهذا هو الصحيح في هذه المسألة وفي أمثالها ولها بحث آخر، وسوف يكون هناك -إن شاء الله- محاضرة عن مسألة (الشيوعية: أصولها ونتائجها) وعن: (أدوار العلمانية) بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى بعد شهر أو ما يقارب ذلك. قوله صلى الله عليه وسلم: {آلْفَقْرَ تخافون؟ والذي نفسي بيده! لَتُصَبَّنَّ عليكم الدنيا صَبَّاً} كان الصحابة في الغالب فقراء؛ فإذا أتت غنيمة اجتمعوا عند الرسول عليه الصلاة والسلام فحذَّرهم، وأخبرهم أن الفقر لا يُخْافُ منه، بل يُخَافُ من الغنى، حتى يقول ابن عوف رضي الله عنه وأرضاه: [[ابتُلِينا بالضراء؛ فصبرنا، وابتُلِينا بالسراء؛ فلم نصبر]] أي: ابتُلِينا بالفقر؛ فصبرنا، فلما ابتُلِينا بالغنى ما صبرنا، ويقول أحد السلف: [[كنا فقراء متآخين، فلما تغانينا واغتنينا حمل بعضُنا السيف على بعض]]. مَرَّ قيسُ بن زهير - وهو شيخ من مشايخ القبائل في الجاهلية - بقومه؛ فوجدهم فقراء، قال: الحمد لله، قالوا: ما لك؟ قال: يتعاونون ويتساعدون، ثم مَرَّ بعد سنة، وإذا هم أغنياء، عندهم خيل وبقر وإبل، فغضب، قالوا: ما لك؟ قال: يتقاتلون، وما مَرَّ على كلامه أشهر إلا وقد وقعت مقتلة بينهم. فالغنى له أسباب وتأثيرات، منها: الحسد، والضغينة، والبغضاء، والتناحر، وترك الطاعة عند كثير من الناس؛ لأنهم يشتغلون بأموالهم من دون الله عز وجل.

شرح حديث وفد عبد القيس

شرح حديث وفد عبد القيس قال عليه الصلاة والسلام: {آمُرُكم بأربع، وأنهاكم عن أربع. آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تؤدوا خُمُس ما غنمتم. وأنهاكم عن الدُّبَّاء، والنقِير، والحَنْتَم، والمُزَفَّت، احفظوهن، وأخبروا بهن من وراءكم} رواه البخاري ومسلم وأبو داوُد والترمذي والنسائي عن ابن عباس، وهو حديث صحيح. سبب الحديث: وفَدَ قوم من عبدُ قيس من الأحساء، وهذه من أعظم الوفود عند العرب، وفَدوا عليه - عليه الصلاة والسلام - من الأحساء وكانت تسمى البحرين، فإذا أطلقت البحرين في الحديث، فالمقصود بها الأحساء لا البحرين هذه التي عاصمتها المنامة. فوصلوا إليه - عليه الصلاة والسلام - وفيهم أشج عبد القيس، فلَبِس أشجٌّ هذا وهو أحدهم لباساً طيباً، وتطيَّب، فقال له عليه الصلاة والسلام: {إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحِلْمَ، والأناة قال: أَتَخَلَّقْتُ بهما يا رسول الله؟ أم اللهُ جَبَلَنِي عليهما؟ قال: الله جَبَلَك عليهما. قال: الحمد لله الذي جَبَلَني على خُلُقَين، أو صِفَتَين، يحبهما الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقال لهم: مَن القوم؟ قالوا: عبد قيس. قال: مرحباً بالقوم، غير خزايا ولا ندامى}: خزايا: جمع خَزْيان، وندامى: جمع ندمان، يقول: لا تخزون في الدنيا ولا تندمون في الآخرة. معاني المفردات: قالوا: مُرْنا بأمر. قال: {آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع} اسمع الجمال والأسلوب، واسمع الكلمات الحية التي أحيت شعوباً وأجيالاً. قال: {آمركم بالإيمانُ بالله وحده} هذا يسمى لَفّ ونَشْر عند أهل البلاغة، لا يستطيع اللَّفِّ والنَّشْر إلا محمد عليه الصلاة والسلام يلُفُّ العبارة ويجملها، ويقول: {أوتيتُ جوامع الكَلِم} اخْتُصِر لي الكلام اختصاراً وأوتيتُ فواتحه وخواتمه، فهو أفصح من نطق بالضاد، الآن يلُفُّ، ويقول: {آمركم بالإيمان بالله وحده} هذا لَف ونشر. {أتدرون ما الإيمانُ بالله وحده؟} ويسمي هذا أهلُ الصحافة: الموجز والتفصيل، فإذا قرأ مذيع الأخبار قال: كان هذا هو الموجز، وإليكم تفصيل الأنباء، وأهلُ العربية من السلف يقولون: اللَّف والنشر، فالرسول صلى الله عليه وسلم يلُف، ويقول: هذا هو الموجز، وإليكم التفصيل. قال: {أتدرون ما الإيمانُ بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان} ولم يذكر الحج، لماذا؟ قيل: لأن الوفد أتى قبل أن يُفْرض الحجُ من السماء. {وأن تؤدوا خُمُس ما غنمتم} من المغانم، تؤدوها لبيت المال. {وأنهاكم عن الدُّبَّاء} الدُّبَّاء: القَرْع، إذا جُوِّفَ القَرْعُ، وأُخِذَ ما بداخله، فقد كانوا يأخذون أسطُل القَرْع، وبيوت القَرْع، وآنية القَرْع، فيجعلون فيها زبيباً وشعيراً وبراً فتتحول إلى خمر وتتخمَّر فيها. {والنَّقِير} كانوا ينْقُرون عضو الشجرة فيجعلون فيها الخمر. {والحَنْتَم} وكذلك الحَنْتَم، قالوا: القارّ، أو الزِّفْت، يصبغونه فيصبح أدوات فخار. {والمُزَفَّت} يطلونه بالقارّ، ولكن الصحيح عند الإمام أحمد وغيره من المحدثين أن هذا منسوخ بقوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {اشربوا في كل شيء، ولا تشربوا مسكراً}. فلك أن تشرب في هذه دون أن تشرب مسكراً، فإن المسكر محرم. قال: {احفظوهن، وأخبروا بهن من وراءكم}. وصلى الله على محمد، وآله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً. والله الموفق.

شرح حديث: (آمركم بثلاث: أن تعبدوا الله)

شرح حديث: (آمركم بثلاث: أن تعبدوا الله) بسم الله الرحمن الرحيم الدرس الثالث: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماًَ كثيراً. هذا هو الدرس الثالث من كتاب (دستور الصحوة الإسلامية). ويُقْصَد من هذه الدروس: تعميق التربية النبوية، وترسيخ تعاليم الإسلام في قلوب الناشئة؛ ليكون العلم الموروث عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام هو العلم المطلوب والمرغوب فيه، ولينشأ جيل الإسلام على كتاب الله عز وجل وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا الكتاب كله صحيح، أحاديثه صحيحة، ما بين أحاديث في العقائد، وأحاديث في الأحكام، وأحاديث في التربية والأخلاق والسلوك. وهو لم يُرتَّب على باب، بل هو منثور كالروضة، مرة وأنت تعيش في عقيدة، ثم تنتقل إلى خلق، ثم تعود إلى سلوك، وهكذا. من هذه الأحاديث: قوله عليه الصلاة والسلام: {آمركم بثلاث، وأنهاكم عن ثلاث: آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وتسمعوا وتطيعوا لمن ولاه الله أمركم. وأنهاكم عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال} هذا الحديث بهذا اللفظ رواه أبو نُعيم في الحلية، وسنده صحيح. وشرط ما يتلى في هذا الكتاب أن تكون أحاديثه صحيحة كلها ليس فيها ضعيف أبداً, ولا موضوع، بل هي صحيحة إن شاء الله.

معاني المفردات

معاني المفردات أما قوله صلى الله عليه وسلم: {آمركم بثلاث} فالأمر إذا أُطْلِقَ يقتضي الوجوب. {وأنهاكم عن ثلاث} النهي إذا أُطْلِقَ يقتضي التحريم. والتحليل والتحريم ليس إلا للشارع الحكيم، ليس لأحد من الناس: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116] فليس لأحد أن يحلل أو يحرم ألا الله ورسوله عليه الصلاة والسلام. والله يقول في وصف رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157].

فضل التوحيد والنهي عن الشرك

فضل التوحيد والنهي عن الشرك ثم قال صلى الله عليه وسلم: {آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً} هذه كلمة التوحيد، وهذه ملخص رسالته عليه الصلاة والسلام فقد جاء بهذه الكلمة، ودعا لتوحيد الألوهية، أما توحيد الربوبية فمقرر في الفِطَر، ما أنكر الصانع في الظاهر إلا فرعون، وإلاَّ فإن الكفار يشهدون أن الذي خلق السماوات هو الله، والذي خلق الأرض هو الله، والذي أبدع هو الله؛ لكنهم يدعون معه إلهاً آخر، فكل نبي أتى معه بدعوة توحيد الألوهية: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون:32] والتوحيد ثلاثة أقسام: الأول: توحيد ربوبية. الثاني: توحيد ألوهية. الثالث: أسماء وصفات. فالربوبية: مقرر، وجاء به صلى الله عليه وسلم. والألوهية: أنكره الكفار، وهو عمدة رسالته صلى الله عليه وسلم. والأسماء والصفات: أتى به عليه الصلاة والسلام على أكمل وجه، وليس هذا محل بحثها؛ ولكن المبحث: {آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً} إذ قال الله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65] وفي الصحيحين: أن معاذاً كان رديف الرسول عليه الصلاة والسلام فقال له عليه الصلاة والسلام: {يا معاذ، أتدري ما حق الله على عباده؟} قال: الله ورسوله أعلم، قال: أتدري ما حق العباد على الله؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على عباده: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله: ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً}.

أهمية وحدة المسلمين على كتاب الله

أهمية وحدة المسلمين على كتاب الله ثم قال عليه الصلاة والسلام: {وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} حبل الله قيل: الرسالة، وقيل: القرآن، وقيل: الرسول، وقيل: محمد عليه الصلاة والسلام وقيل: (لا إله إلا الله) {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103]. وحبل الله يشمل الجميع، فهو: الإسلام، والدين، والرسول عليه الصلاة والسلام والقرآن. وقوله: {وأن تعتصموا} الاعتصام: الالتجاء والتمسك. {ولا تفرقوا} التفرق مذموم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105].

السماع والطاعة لولاة الأمر

السماع والطاعة لولاة الأمر ثم قال عليه الصلاة والسلام: {وتسمعوا وتطيعوا لمن ولاهم الله أمركم} في هذا ضوابط، منها: أن يكون هذا المولَّى طائعاً لله، غير معلن للكفر؛ فإنه واجب على المسلم أن يسمع ويطيع ما لم يرَ كفراً بواحاً، عنده فيه من الله برهان. ومعتقد أهل السنة والجماعة: أنه يُصَلَّى وراء أئمة الجور، ويُجاهَد معهم، ما لم يُرَ كفرٌ بواحٌ عند الرَّعِيَّة فيه من الله برهان. هذا هو الصحيح. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أتاكم وأمركم جميعٌ، يريد أن يفرق كلمتكم فاضربوه بالسيف كائناً من كان. وقال صلى الله عليه وسلم: {من فارق الجماعة فمات، مات ميتةً جاهلية}. والجماعةُ إذا كان لهم إمام، ففارقه أحدٌ وخرج بدون مكفِّر لهذا الإمام، فقد أثم وابتدع في دين الله.

القيل والقال

القيل والقال ثم قال عليه الصلاة والسلام: {وأنهاكم عن قيل وقال} قال العلماء: معنى {قيل وقال} كثرة نقل الكلام، والمسائل التي لا فائدة فيها، مثل: قال فلان ورَدَّ عليه فلان، ونقل أقوال الناس، والتشاغل بأحاديثهم، وما يبثه الناس، والدعايات، ونشر الشائعات في الناس. هذا هو قيل وقال. وقيل: هي الغِيبة، مثل: قال فلان في فلان، وقال فلان في فلان. وقيل: هي النميمة، مثل: قال فيك فلان، ثم ينتقل إلى الآخر: وقال فيك فلان.

كثرة السؤال

كثرة السؤال {وكثرة السؤال}: قال الإمام مالك: "كثرة السؤال عن المعضلات" وهي أن يأتي أحدٌ إلى طلبة العلم والعلماء فيسألهم عن المعضلات؛ ليعجزهم فقط، دون إرادة الفائدة، فهذا يعتبر من هذا القبيل، وهو آثم، ويدل على فساد قلبه، حيث يأتي إلى العالم، ويحبك له سؤالاً صعباً، ومسألة صعبة؛ ليعجز هذا العالم، فهذا منهي عنه. وقيل: كثرة Q هو الذي يسأل أموال الناس تعففاً، وعنده مال وعنده ما يغنيه؛ لكنه يسأل، فهو شَحَّاذٌ دائماً، أغناه الله؛ ولكن فيه حب المسألة، وكما في الصحيح: {يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزْعَة لحم} ويعذبه الله بأن يتساقط وجهه يوم القيامة، ويبقى العظم؛ لأنه سأل الناس تكثراً، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً؛ فلْيَسْتَقِلّ أو لِيَسْتَكْثِر}. وقيل: كثرة السؤال في عهده عليه الصلاة والسلام قبل أن يُنَزَّل الوحي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة:101].

إضاعة المال

إضاعة المال ثم قال عليه الصلاة والسلام: {وإضاعة المال} إضاعة المال منهي عنه، قالوا: إضاعته في المعاصي، كمن يُضَيِّعُه في الأغاني، أو في شراء أدوات الغناء، أو الدخان، أو المخدرات والخمر، أو في استئجار محلات للمعصية، كما يُشْهد اليوم في بلاد كثيرة وأماكن كثيرة، كصوالين الحلاقة التي يُزاوَل فيها امتهانُ سنةِ الرسول صلى الله عليه وسلم في اللحى، أو استئجار المحلات التي يباع فيها اللباس المحرم للنساء القصير منه والشفاف، أو استئجار المحلات على الفيديوهات، وعلى الأشرطة الغنائية، كلها تدخل في {وإضاعة المال}. وإضاعتُه: الإسرافُ في إنفاقه، كالتكثير في الملابس، والمطاعم، والمشارب، والبيوت، وهذا من إضاعة المال؛ فإنا أُمِرنا بحفظ المال؛ لنتقرب به إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. هذا الحديث رواه: أبو نعيم في الحلية بسند صحيح، عن أبي هريرة.

نكاح الثيب والبكر

نكاح الثيب والبكر وقال عليه الصلاة والسلام: {آمِروا النساء في أنفسهن، فإن الثيِّب تُعْرِب عن نفسها، وإذْنُ البِكْر صِماتُها}. ننتقل من هذه الآداب إلى مسألة النكاح وباب النكاح. {آمِروا النساء في أنفسهن، فإن الثيِّب تُعْرِب عن نفسها، وإذْنُ البِكْر صِماتُها}. رواه الطبراني والبيهقي عن العرس بن عميرة وهو حديث صحيح. معنى الحديث: يعني - عليه الصلاة والسلام -: فَوِّضُوا الثيِّب، فإن الثيِّب إذا أرادت الزواج أو إذا رضيَت الرجل المتقدم أو الخاطب فهي تتكلم بنفسها. {آمِروا النساء} معناه: فوِّضُوا النساء واجعلوا أمرَ النساء إليهن، أي: شاوروا النساء في هذه المسألة. ويظهر أن الثيِّب تُعْرِب عن نفسها؛ لأنها ليست كالبكر في الحياء ولا في الخجل، فهي تتكلم بلسانها إن أرادت أو رفضت. {وإذْنُ البِكْر صِماتُها} إذا سكتت البكر فهذا إذن ورضى، وهو يكفي، ولا يُطلَب منها الكلام؛ لكن إذا اعترضت فلا يجوز لوالدها ولا لقريبها ووليها أن يجبرها؛ أما إذا سكتت جاز النكاح وسرى وأصبح صحيحاً.

نكاح اليتيمة

نكاح اليتيمة وقال عليه الصلاة والسلام: {آمروا اليتيمة في نفسها، وإذنُها صِماتها} حديث صحيح، رواه الطبراني عن أبي موسى. ومعنى (اليتيمة): البِكْر، فإذنُها إذا صمتت وسكتت فهو إذنها، وجاز النكاح، وأما إذا اعترضت فقد تعطَّل نكاحها.

حب الأنصار من الإيمان

حب الأنصار من الإيمان وقال عليه الصلاة والسلام: {آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار} حديث صحيح، رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أنس. ومعنى {آية الإيمان} علامة الإيمان، أي: أن علامة إيمان المسلم، وعلامة حبه لله عز وجل، وحبه لرسول الله عليه الصلاة والسلام حب الأنصار. الأنصار: اسم شرعي سماهم الله عز وجل وإلاَّ فهم قبيلتان مشهورتان من الأَزْد، أتتا من اليمن، اسمهما: الأوس، والخزرج. سمى الله القبيلتين الأنصار؛ لأنهم نصروا الرسول عليه الصلاة والسلام. فآية إيمان المؤمن أن يحبهم، ومن أبغضهم فقد نافق، ولا يبغضهم إلا منافق عدو لله عز وجل ولرسول الله صلى الله عليه وسلم. والأنصار: كل من ناصر الرسول صلى الله عليه وسلم وبالأخص: الأوس والخزرج، أو من ناصره في المدينة يوم انتقل بعد الهجرة. {وآية النفاق -أي: علامة النفاق- بغض الأنصار} والأنصار لا يبغضهم إلا منافق، ولا يحبهم إلا مؤمن، ونشهد الله على محبتهم في الله عز وجل من أجل أنهم ناصروا الرسول - عليه الصلاة والسلام - ورفعوا دين الله، واستشهدوا في المعارك، يقال: قتل من الأنصار (80%) في المعارك، وأكثر من يُقتل في المعارك إذا التقى المسلمون مع الكفار هم الأنصار. يقول حسان: فنحكم بالقوافي مَن هجانا ونضرب حين تختلط الدماءُ إلى آخر ما قال، وهو أنصاري، والأنصار منهم العلماء والشهداء والعباد والزهاد والشعراء رضي الله عنهم وجزاهم خير الجزاء بما قدموا للإسلام. صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {جزى الله الأنصار عني خيراً، سيما عبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة}.

علامات النفاق

علامات النفاق وقال عليه الصلاة والسلام: {آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان} متفق عليه، رواه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة، وهو صحيح. معنى الحديث: {آية المنافق} أي: علامة المنافق، والمقصود به النفاق العملي؛ لأن النفاق عند المسلمين قسمان: نفاق اعتقادي. نفاق عملي. المنافق نفاقاً اعتقادياً: خالدٌ في الدرك الأسفل من النار، وهو الذي -مثلاً- يكفر بالرسالة، أو يكفر بالرسول عليه الصلاة والسلام أو يستهزئ بشيء أتى به صلى الله عليه وسلم أو يستهزئ بآيات القرآن؛ فهذا منافق نفاقاً اعتقادياً. أما المنافق نفاقاً عملياً: فقد يكون مسلماً، لكن فيه شُعَبٌ من النفاق، مثل: إذا حدَّث كذب، لكن يجوز للإنسان أن يكذب في ثلاث حالات فقط: المرأة على زوجها، والزوج على امرأته في أمور الحب والعشرة. يجوز للإنسان أن يكذب في الصلح بين الشخصين الاثنين. ويجوز للإنسان المسلم أن يكذب في الحرب مع الكفار؛ لأن الحرب خُدعة. وقوله صلى الله عليه وسلم: {وإذا وعد أخلف} أي: إذا ضرب ميعاداً بينه وبين الناس أخلف في الميعاد، وهذه من علامة المنافق، وعَدَ عليه الصلاة والسلام رجلاً، فانتظره ثلاثة أيام، فلم يأتِ الرجل، ثم تذكر الرجل، فأتى، فقال عليه الصلاة والسلام: {لقد شققت عليَّ} ثلاثة أيام ينتظره في المكان. {وإذا أؤتمن خان} أي: إذا حمَّلتَه أمانة خانها، وهي علامة النفاق، قال سبحانه: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72]. فمن كان فيه خَصلة من هذه كان فيه خصلة من النفاق حتى يَدَعَها، ومن كان فيه ثلاث خصال اجتمعت فيه خصال النفاق، وقد يكون مسلماً مع هذا النفاق، والنفاق يتجزأ، وقد يوجد شخص منافق بخصلة، ومنافق بخصلتين، ومنافق بثلاث خصال، إلى آخرها.

حقوق العشرة الزوجية

حقوق العشرة الزوجية قال عليه الصلاة والسلام: {ائت حرثك أنَّى شئتَ، وأطعمها إذا طعمتَ، واكسُها إذا اكتسيتَ، ولا تقبِّح الوجه، ولا تضرب} رواه: أبو داوُد عن بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جده، بسند حسن. {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223]. معنى {أنَّى شئتَ} أي: مُقابِلَة ومُدابِرَة، أما الدُّبُر فمحرم، وملعون من فعل ذلك. ومعنى {وأطعمها إذا طعمتَ} أي: من طعامك، فالنفقة واجبة على الزوج، وكذلك الكسوة، بمقابل ما استمتع منها. وقوله: {ولا تقبِّح الوجه، ولا تضرب} يقال: قبَّح الوجه أي: لا تدعو لها بالقُبْح في الوجه. وقيل: لا تضرب الوجه. وليجتنب الإنسان الوجه؛ فإنه محرم ضربُه، ومن فعل ذلك فقد تعدى وظلم؛ لكن إذا نَشَزَت فيضرب ضرباً غير مبرح في غير الوجه.

فوائد زيت الزيتون

فوائد زيت الزيتون قال عليه الصلاة والسلام: {ائتَدِموا بالزيت، وادَّهِنوا به، فإنه يخرج من شجرة مباركة} رواه ابن ماجة والحاكم والبيهقي في الشُّعَب عن ابن عمر، وسنده حسن. {ائتَدِموا بالزيت} أي: اجعلوا الزيت إداماً، والزيت -كما تعرفون- يخرج من شجرة مباركة، وهو زيت الزيتون؛ فإنه مبارك، وهو يُذهب مرض البرص والبَهَق، وفيه تليين للأعضاء، وفيه قوة وحرارة، وصفها ابن القيم وغيره من أهل الطب. {ائتَدمِوا بالزيت}: أي: اجعلوه إداماً لخبزكم ولطعامكم. {وادَّهِنوا به} أي: دَهْن الرأس والوجه، والرسول صلى الله عليه وسلم هو طبيب البشرية: طبيبها في القلوب، وطبيبها في الأجسام صلى الله عليه وسلم. {فإنه يخرج من شجرة مباركة} شجرة الزيتون، {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} [المؤمنون:20] وهو الزيت.

حكم إجابة وليمة العرس

حكم إجابة وليمة العرس وقال عليه الصلاة والسلام: {ائتوا الدعوة إذا دُعِيْتُم} رواه مسلم، وسنده صحيح - كما ترون - عن ابن عمر. معنى {ائتوا الدعوة إذا دُعِيْتُم} على الوجوب في الزواج، من دُعِي إلى زواج فواجب عليه أن يحضر؛ لكن بشرط ألا يكون في الزواج منكر، مثل: أن يكون في الزواج غناء، أو يُدارُ فيه خمر، أو اختلاطٌ بين الرجال والنساء، أو فيه استهزاء بالكتاب والسنة فلا يَحْضُر. أما إذا خلا من المنكرات: فواجب عليك، إذا دعاك صاحب الزواج أن تحضر؛ فإن دعوة الزواج واجبة. أما غيرها؛ كدعوة وليمة، أو غيرها من الولائم، فإنها على الاستحباب؛ لكن من حق المسلم عليك إذا دعاك أن تجيبه، وتجيب دعوته؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في (الصحيح): {حق المسلم على المسلم خمس} وذَكَر منها: {وإذا دعاك فأجبه}؛ لأن في هذا ترقيق للقلوب، وفيه صلة، ومودة، وتعاون بين المسلمين.

حكم صلاة النساء في المسجد

حكم صلاة النساء في المسجد وقال عليه الصلاة والسلام: {ائذنوا للنساء أن يصلين بالليل في المسجد} رواه الطيالسي وأبو داوُد عن ابن عمر، وسنده صحيح. شرح الحديث: قال: {بالليل} لأنه مظنة ألا يؤذن للنساء، ولأنه مظنة الفتنة والاختلاط، وهذا الأمر على الاستحباب والندب؛ لأنه ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه ما أوجب صلاة الجماعة للنساء، وقال: {وصلاتها في بيتها خير لها} لكن لو طلبَتِ المرأة من زوجها بدون فتنة، وقد عرف أنها لا تتعرض للفتن؛ فله أن يأذن لها لتصلي في المسجد، بشرط ألا يكون هناك فتنة، فإذا صلت في المسجد كانت محتجبة عن الرجال في مكان خاص، دون أن تتطيب، ودون أن تأتي مع أجنبي، كسائق أجنبي يخلو بها، فإن هذا محرم، بل تأتي مع ولِيٍّ لها؛ لتسمع القرآن، والمحاضرات، والدروس. قال عليه الصلاة والسلام: {ائذنوا للنساء أن يصلين بالليل في المسجد} جاء عند مسلم في صحيحه: لما قال ابن عمر هذا الحديث، قال ابنه بلال: " والله لا نأذن لهنَّ، يتخذن المسجد دَخَلاً أو دَغَلاً "، قال ابن عمر: [[أُحَدِّثُك عن الرسول عليه الصلاة والسلام وتعارضه؟! والله لا أكلمك حتى أموت]] فما كلمه حتى مات، هَجَرَه؛ لأنه عارض الحديث.

هل للقاتل توبة؟

هل للقاتل توبة؟ وقال عليه الصلاة والسلام: {أبى الله أن يجعل لِقاتِلِ المؤمن توبة} حديث صحيح، رواه الطبراني والضياء في المختارة عن أنس، وسنده صحيح. قوله: {أبى اللهُ} أي: منع اللهُ صاحبَ القتل من التوبة. ومعناه عند أهل السنة: أنه قد يُحْرَم القاتلُ فعل التوبة، لا أن يَحْرِمَه الله إذا تاب التوبة. لا، ليس هذا؛ فلو تاب وصدق مع الله جعل الله له توبة؛ فإن رجلاً من بني إسرائيل قتل مائة نفس، فتاب الله عليه؛ لكن من قتل نفساً عسر الله عليه أمور التوبة، حتى أنه لا يتوب إلا بكل مشقة. وصح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: {ولو اجتمع أهل السماوات والأرض على قتل امرئ مسلم لَكَبَّهُم الله على وجوههم في النار}. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لَزوال الدنيا بأسرها أهون عند الله من قتل امرئ مسلم}. ومعنى {لِقاتِِلِ المؤمن} أي المعصوم دمُه، ففي الصحيحين: {لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني} وهو الثيب الذي يزني فإنه يُرْجم {والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة} فهؤلاء الثلاثة يُقْتَلون، أما غيرهم فدماؤهم معصومة من المسلمين.

إجماع الصحابة على تولية أبي بكر رضي الله عنه

إجماع الصحابة على تولية أبي بكر رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: {أبى اللهُ وأبى المؤمنون يُخْتَلَفَ عليك يا أبا بكر} رواه الإمام أحمد عن عائشة، وسنده صحيح. معنى الحديث: {أبى اللهُ} أي: قدَّر اللهُ. {وأبى المؤمنون} أي: رفض المؤمنون. {أن يُخْتَلَفَ عليك يا أبا بكر} أي: كتب اللهُ عز وجل ألا تختلف عليك الأمة يا أبا بكر، في أن تجعلك للناس إماماً في الصلاة. ومنها: جُعِل خليفةً بعد الرسول عليه الصلاة والسلام. فلم يختلف الصحابةُ لما قُدِّم أبو بكر الصديق في الصلاة، لم يختلفوا، وهذا قضاء من الله وقدر، فأبى الله والمؤمنون أن يختلف الناس على أبي بكر، بل كلهم أجمعوا على إمامته في الصلاة، فلما مات -عليه الصلاة والسلام- جعلوه خليفة من بعده، حتى قال له بعض الصحابة: [[رضيَك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، أفلا نرضاك لدنيانا؟]]. فكان هو الخليفة الذي لم يُخْتَلف عليه، بل أُجْمِع على قبوله -رضي الله عنه وأرضاه- وهذا هو معنى الحديث.

أنواع بيعة النبي صلى الله عليه وسلم

أنواع بيعة النبي صلى الله عليه وسلم وقال عليه الصلاة والسلام: {أبايعك على أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة، وتنصح لكل مسلم، وتبرأ من الشرك} رواه الإمام أحمد والنسائي عن جرير بن عبد الله البَجَلي، وسنده صحيح. في الحديث قضايا: بايع - صلى الله عليه وسلم - الصحابة أو المسلمين بيعات عدة: منها: البيعة على الإسلام. ومنها: البيعة على الهجرة. ومنها: البيعة على الجهاد. ومنها: البيعة على الموت، في حديث البراء تحت الشجرة. ومنها: البيعة على ألا يسألوا أحداً من الناس. وقد بايع سبعة: عوف بن مالك، ومن معه؛ فهي بيعات كثيرة. وقوله هنا: {أبايعك على أن تعبد الله} هذه أكبر بيعة بايعها رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام-. {لا تشرك به شيئاً} هذه هي التخلية، يقولون: جمع في الحديث بين التَّحْلِيَة والتَّخْلِيَة، أي: يتخلى من الشرك ويعبد الله، فإن الذي لا يتخلى من الأضداد والأنداد، أو يوالي الكفار علىحساب المؤمنين، أو لا يتبرأ منهم، أو لا يرى أن دينهم باطل، أو أنهم منحرفون، أو يشايعهم، أو يوادهم، أو يقدمهم على المسلمين، أو يحبهم أكثر من المسلمين، أو يعاونهم في حروبهم ضد المسلمين؛ فليس بمسلم؛ لأن مفهوم الولاء والبراء عند أهل السنة والجماعة: أن تتبرأ من عدو الله، وأن توالي حبيب الله، وعند أبي داود بسند صحيح: {من أحب لله، وأبغض في الله، وأعطى في الله، ومنع في الله؛ فقد استكمل الإيمان}. قال: {وتقيم الصلاة المكتوبة} هي التي بُوْيِع عليها، وهي الخمس الصلوات، وما زاد فنافلة. {وتؤتي الزكاة} أي: المفروضة، أما الصدقة فنافلة. {وتنصح لكل مسلم} قيل: إنه خصه بالنصيحة لكل مسلم؛ لأن جريراً سيد بجيلة، سيد قومه، فأمره أن ينصح لكل مسلم، و {الدين النصيحة} فكان ناصحاً حتى مات، وكان يقسم على المنبر في الكوفة: " أني لكم ناصح"، وكان إذا بايع الرجل في سلعة أو في تجارة خَيَّره بين الثمن وبين السلعة، وأخذ بهذا؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام خصه بهذا الأمر. {وتبرأ من الشرك} ثم عاد عليه الصلاة والسلام الكلام عن البراء من الشرك، ومن الأضداد والأنداد والهيئات التي تعلن كفرها وإلحادها، أن يبرأ من جميعها.

نظرية الولاء والبراء في الواقع

نظرية الولاء والبراء في الواقع نظرية الولاء والبراء في الساحة ليست واضحة، حتى أنهم يقولون إن الذي يدعو إلى الحروب أو يدعو إلى التفرقة بين المسلم والنصراني متخلف ورجعي، ودَعُوْنا من القرون المظلمة التي مرت، أصل الإنسانية سواء، والناس كلهم في اتحاد وتعايش سلمي، ودَعُوْنا من التفرقة العنصرية. وقد أنشئوا عصبة الأمم ثم انهارت، ثم هيئة الأمم، وحقوق الإنسان التي تجمع حقوق الإنسان المسلم واليهودي والنصراني، لأنهم -عندهم- كلهم سواء. نقول: التفرقة العنصرية ليست في الإسلام؛ لكن الديانة موجودة في الإسلام، لا يتساوى مسلم وغيره، ولذلك من خطط العلمانية ألا تبرأ من الشرك، وتبدأ العلمانية بـ أتاتورك، وتنتهي بأصنام أهلك الله الكثير منهم.

أسس العلمانية

أسس العلمانية وهي تقوم على ثلاثة أسس: أولاً: لا دين: أول مبادئ العلمانية: لا دين في العالم، أتاتورك أزال اليهودية والنصرانية والإسلام في تركيا. ثانياً: الناس سواسية: والإسلام يقول: المسلمون سواسية؛ لكنهم يقولون: الناس سواسية. ثالثاً: السعي بالعلم: ومعنى ذلك: أنه طاغوت يُعبد من دون الله عز وجل، والعلم إذا عُبد من دون الله أصبح طاغوتاً وكفراً، ولذلك ذكر الله العلم في القرآن وقال: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:56] لأن علماً بلا إيمان زنذقة وكفر، وإلاَّ فقد وصلوا في العلم الكثير، قال سبحانه: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] فعلم بلا إيمان كفر وزندقة. وقوله صلى الله عليه وسلم: {وتبرأ من الشرك} أي: من الشرك بأنواعه الموجودة؛ لأن أطروحات الساحة يأتي منها الكثير. فمن أطروحات العلمانية في الساحة، وهي التي أتكلم عنها؛ لكثرتها ولغزوها، أنها تعارض توبة من تاب، وتقول: لم يكن مذنباً؛ لأنه (لا دين) عندهم؛ ولذلك يغضبون إذا تاب المغنون، ويقولون: كيف يتوبون؟! كأنهم كانوا مجرمين، وإذا قلتَ لهم في شيء من الدين، قالوا: الصلاة لك، ولك أن تصلي لكن دَعِ الناسَ أحراراً، لا تأمر ولا تنهى، ما علاقتك بالناس؟ أنتَ عِشْ مسالماًَ، ولا تتدخل في الناس. ومنها كذلك: أنهم يرون أن الدعوات التصحيحية لا أثر لها، ولذلك إذا ذكرتَ لهم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية الصحيحة، قالوا: هذه تناسب العوام، وهي في القبور، وقد انتهت، وإذا ذكرتَ لهم مسائل المعتقدات، قالوا: لا، هذه قد عفا عليها الزمن، وما لله لله، وما لقيصر لقيصر، إلى غير ذلك من أخبارهم وأعلامهم.

البيعة على الإسلام

البيعة على الإسلام يقول عليه الصلاة والسلام: {أبايعكم على ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفَّى منكم؛ فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فأُخِذَ به في الدنيا؛ فهو كفارة وطهور، ومن ستره الله؛ فذلك إلى الله عز وجل إن شاء عذَّبه وإن شاء غفر له} متفق عليه، ورواه: أحمد والترمذي والنسائي عن عبادة بن الصامت، وسنده صحيح. وفيه مسائل: البيعة على الإسلام التي بايعها الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه. وقوله {ولا تسرقوا} النهي عن كبائر الذنوب، ومنها: السرقة. والخوارج يكفرون بكبائر الذنوب، وأهل السنة يقولون: من ارتكب كبيرة فهو فاسق بكبيرته لا زال مسلماً، فشارب الخمر مسلم، وكذلك السارق، والزاني؛ لكنه خرج من دائرة الإيمان وأصبح فاسقاً، فيسمى فاسقاً عند المسلمين، ويسمى عند الخوارج كافراً. والخوارج يخلِّدونه في النار خالداً مخلداً لا يخرج منها، وأهل السنة يقولون: قد يدخل النار ويعذب، ثم يخرجه الله؛ لأنه موحد، وهو تحت رحمة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. هذه من مسائل الخوارج. قال صلى الله عليه وسلم: {ولا تقتلوا أولادكم} لأن العرب قبل الإسلام كانوا يقتلون الأولاد خشية أن يطعموا معهم: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9] وكان أبو بكر يقرأ {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9] قُتِلْتِ: أي: يسألها الله. وأول من وأد جارية في العرب هو: قيس بن عاصم المُنْقَرِي سيد العرب، وأحلمهم وأكرمهم قبل الإسلام. وأول من أحيا الجواري، ومنعهن من القتل أبو الفرزدق أو جدُّه. ومنا الذي منع الوائدات وأحـ ـيا الوئيد فلم توءد وقوله: {ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم} قيل: الزنا، وقيل: هي أن تحمل المرأة من غير زوجها. وقوله: {ولا تعصوني في معروف} أي بشرط: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ لكن الطاعة في المعروف، فمن أمرك بمعروف فأطعه، ومن أمرك بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، هذه قاعدة. {فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فأُخِذ به في الدنيا، فهو كفارة وطهور} والحدود كفارات على الصحيح من أُخِذ وتاب وجلد في خمر، أو قُطِع في سرقة ثم تاب كانت كفارة له، لا يكرر الله عليه العقوبة، أما من لم يتب وأُخِذ عليه الحد، فلا يزال العقاب ينتظره، وإن شاء الله عذبه، وإن شاء غفر له. {ومن ستره الله، فهو إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له} والدرس المهم هنا -أيها الإخوة الأبرار- أن على المسلم إذا ألَمَّ بذنب أن يستغفر الله، ويتوب، وأن يستر نفسه؛ فإن الله يغفر إلاَّ للمجاهرين بالخطايا، والمجاهرون هم الذين يبيتون يسترهم الله فيخرج أحدهم في الصباح يقول: فعلتُ كذا وكذا البارحة، فيفضحه الله في الدنيا ولا يغفر له في الآخرة {كل أمتي معافىً إلاَّ المجاهرون} الذين يجاهرون بالذنوب والخطايا. فلنتب ولنستغفر، {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] اللهم تب علينا يا رب العالمين.

الطريق إلى الجنة

الطريق إلى الجنة إن الله سبحانه وتعالى خلق الجنة، وجعلها منزلاً للمؤمنين، ودار حبور وقرار، فالوصول إليها سهل على المؤمن ومتعسر على المفرط، فهي غالية على الكسلان، رخيصة لمن اشتاق إليها وعمل لها، ومفتاحها سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولا دخول للجنة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الدرس بيان الطرق التي توصل كل عبد مؤمن إلى جنة رب العالمين، وذكر الأوصاف التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها حتى ينال هذه الجائزة العظيمة.

طرق دخول الجنة

طرق دخول الجنة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أرسل محمداً عليه الصلاة والسلام فكسر بدعوته ظهور الأكاسرة، وقصر بمبادئه آمال القياصرة الذين طغوا وبغوا حتى أرداهم ظلمهم في الحافرة، والصلاة والسلام على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل صلى الله عليه وسلم من معلم نبيل ومن هادي جليل، صلى الله عليه وسلم على صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والصراط الممدود، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته. يا مجمع الخير حيوا لي محياه نداء حق من الفصحى سمعناه وفي الجبيل لقاءات وأمنية مع الشباب الذي قد طاب مسعاه يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله أليس من انتصار الإسلام أن تجتمع هذه الشبيبة لترفع راية الإسلام؟ أليس الإسلام يعلن تفوقه يوم يأتي شباب مخلصون يعيشون رمزاً للصحوة الإسلامية التي أعلنت أن لا إله إلا الله، وأن لا بقاء إلا للا إله إلا الله، ولا عمق ولا أصالة إلا للا إله إلا الله؟

حب الله ورسوله وكثرة السجود طريق إلى الجنة

حب الله ورسوله وكثرة السجود طريق إلى الجنة فهذا لقاء مفتوح لكنه تحت مظلة وعنوان (الطريق إلى الجنة) والطريق إلى الجنة سلكه محمد عليه الصلاة والسلام، وبينه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يوم قال له الأعرابي قبل أحد: {يا رسول الله! لا تمنعني دخول الجنة -يقول: لا تمنعني دخول الجنة- فوالله الذي لا إله إلا هو، لأدخلن الجنة، فيتبسم عليه الصلاة والسلام ويقول: بما تدخل الجنة؟ -أي: ما هي مؤهلاتك لدخول الجنة؟ - قال: بخصلتين: بأني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: إن تصدق الله، وورد المعركة وقتل شهيداً فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت الله فصدقك الله} وأصبح من أهل الجنة إن شاء الله؛ لأنه صدق الله، وفي صحيح مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي ذاك الشاب المتوقد إيماناً، الذي يريد الجنة، يقول: {يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة، فيقول عليه الصلاة والسلام: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك يا رسول الله! قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود}. فمن طرق الجنة كثرة السجود. ومما زادني شرفاً وفخراًً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً ويوم يأتي ثوبان -كما في صحيح مسلم - يروي لنا حديثاً لكنه حديث راقٍ، يقول عليه الصلاة والسلام: {من سجد لله سجدة رفعه الله بها درجة}. الطريق إلى الجنة لا يعرفه إلا الخواص من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وقد أغلق الله طريق الجنة فلا تفتح بعد رسالته صلى الله عليه وسلم إلا من طريقه، فمن ظن أو وسوست له نفسه أو اعتقد أنه سوف يدخل من طريق غير هذه الطريق، أو يهتدي بغير هدى الله الذي أرسل به محمداً صلى الله عليه وسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب عظيم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: كل أرض لم تشرق عليها شمس الرسالة فهي أرض ملعونة، وكل قلب لم يهتد بهذا الدين فهو قلب مغضوب عليه. ولذلك يقول معاذ وكلكم يعرف معاذاً، ذاك الذي عاش العلم والسمو والحب والإيمان والطموح، وكان معاذ أمة وسجلٌ تاريخه حافلٌ بالمكرمات ورفع لا إله إلا الله، رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه، ثم بعثه داعياً بعلم قليل، ولكن علمه طيب مبارك، ذهب إلى أهل اليمن ورفع لا إله إلا الله محمداً رسول الله وترك هناك إسلاماً وإيماناً، وترك مؤمنين ومسلمين وشهداء، جاء في حديث حسن عنه صلى الله عليه وسلم: {معاذ يأتي يوم القيامة برتوة} أي يتقدم العلماء إلى الجنة برمية حجر.

عبادة الله وإقامة أركان الإسلام طريق إلى الجنة

عبادة الله وإقامة أركان الإسلام طريق إلى الجنة جاء في الترمذي بسند حسن، أن معاذاً سرى مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الليل الدامس في آخر الليل، والرسول صلى الله عليه وسلم كان له ورد من القيام في آخر الليل يناجي فيه ربه، يشكو على ربه ذنوبه وخطاياه وتقصيره وهو سيد الخلق وأعرف الناس بربه ومولاه، والليل عجيب! الليل يحب القرآن والقرآن يحب الليل. قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار قال معاذ: {يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة؟ -وفي لفظ صحيح-: دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار} ما أحسن السؤال! دل على اختيارك سؤالك؛ لأن هذا من انبعاث الإيمان وحرارته وشوقه حين يسأل عن طريق الجنة، دلني على عمل إذا عملته، يقربني من الجنة: ويباعدني من النار، هذا سؤال من أعظم الأسئلة والأطروحات التي وردت في كل العالم، ومن أعظم الأسئلة التي وردت في تاريخ البشرية، ومن هو المجيب؟ إنه سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، الدليل الماهر الذي عرف الطريق وما عرف العالم مصلحاً كمثل محمد صلى الله عليه وسلم، عرف ذلك الأعداء قبل الأصدقاء، عرف ذلك الفلاسفة الذين هم أذناب الصابئة المجوس كـ ابن سينا يوم يقول في كتابه الإشارات: ما طرق العالم مصلح كمحمد عليه الصلاة والسلام، ولفظه يقول: ما طرق العالم ناموس كناموس هذه الرسالة. وهذا أمر معروف، فيجيب صلى الله عليه وسلم على معاذ، هل قال: تدخل الجنة بالمؤهل، أو بالمنصب، أو بالشهادة والمرتقى، أو بالمال والولد؟ لا والله كلها لا تساوي في ميزان الحق ذرة، ويوم يتخلى المال عن الإيمان يصبح تبعةً ولعنةً وغضباً، ويوم يتخلى المنصب عن الإيمان يصبح فرعونياً دكتاتورياً طاغية، ويوم يتخلى الولد عن الإيمان يصبح عذاباً وشقوةً وندامةً، ويوم تتخلى الشهرة عن الإيمان تصبح ملعنةً ومسبةً على رءوس الأشهاد يوم القيامة، ثم إذا تخلى الحب عن الإيمان أصبح حب المعشوقين والمعشوقات، والمغنيين والمغنيات، والفنانين والفنانات، ويوم يتخلى الشعر عن الإيمان يصبح كلاماً مصففاً مزجياً كبضاعة الأخسة الذين طفروا بها وهي في ميزان باطلهم تتردى معهم في جهنم، يوم يحاسب الله المجرمين على كلماتهم، والخبيثين على تصرفاتهم، يحاسب الله عز وجل هؤلاء وأولئك لأنهم جردوا الحب والمنصب والمال والولد عن الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام وهو يجيب معاذاً: {لقد سألت عن عظيم} هذا السؤال عظيم، إن بعض الناس يسأل عن تكبيرة الإحرام، أو وضع اليدين، أو سجود السهو، أو المسح على الخفين أو التيمم، لكن العلامة الجهبذ معاذاً سأل عن سؤالٍ خطيرٍ محتواه أمر صعب وهائل وكبير، {لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه} فيا من يسر للصالحين طريقهم! يسر لنا طريقنا، العون والسداد والهداية منك وحدك وما جلسنا -إن شاء الله، ويعلم الله- إلا نريد نوراً وتوفيقاً وهداية من الله سبحانه. وإذا كان عاقبة مجالسنا واجتماعاتنا هذه غير محمودة فالشكوى إلى الله، والله المستعان. إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده إنها تنعكس عليه المقاصد، {لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه} وهذا يسمى (الإجمال في الجواب قبل التفصيل) وهو أسلوب قرآني، ويسمى عند أهل البلاغة: اللف ثم النشر، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه} فما هو اليسير؟ وما هو هذا الجواب؟ وما هو طريق الجنة؟ قال: {تعبد الله عز وجل ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً -ثم قال له صلى الله عليه وسلم وهو يواصل حديثه الشائق الرائق إلى القلوب الوالهة- يقول: ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله} ثم يواصل صلى الله عليه وسلم في طريق الجنة وفي وصفها، قال: {ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة} أي وقاء لك، تجتن به، وتتحصن به من النار، لذلك يقول عمر بن أبي ربيعة: وكان مجني دون ما كنت أتقي ثلاث شخوص كاعبان ومعصر فيقول: إن كنت تريد الجنة والغطاء والساتر عن النار فالصوم، {الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل بجوف الليل ثم تلا عليه الصلاة والسلام {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16]} ثم يقول عليه الصلاة والسلام ليختتم باللف بعد النشر، وبالإجمال بعد التفصيل فيقول: {ألا أدلك على ملاك ذلك كله} أي على ما يجمع لك شتات هذا الموضوع، {قال: بلى يا رسول الله! قال: كف عليك هذا، وأخذ عليه الصلاة والسلام بلسان نفسه، قال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟} إلى اليوم سيد العلماء لا يعرف أن الكلام يسجل في عالم الخطيئات، وأن له حسنات ومثوبات وسيئات وعقوبات، قال: {ثكلتك أمك يا معاذ! -أيخفى عليك هذا والخطايا أكثرها من اللسان- وهل يكب الناس في النار على مناخرهم أو على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم} صلى الله وسلم على صاحب ذاك الجواب. بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا

لا يدخل أحد الجنة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم

لا يدخل أحد الجنة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم يا من يريد الجنة! هذا طريق الجنة، الذي وصفه صلى الله عليه وسلم، فإن الجنة مغلقة بعد مبعثه، ولا يدخل إلى الجنة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم فتح للناس المستويات ليدخلوا الجنة من أبوابها الثمانية. وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا

أبواب الجنة الثمانية

أبواب الجنة الثمانية جاء في صحيح البخاري في كتاب الجهاد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن للجنة أبواباً ثمانية، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد إلى آخر تلك الأبواب، فيأتي أبو بكر ويقول: يا رسول الله! هل يدعى أحد من كل الأبواب الثمانية؟} يريد أبو بكر أن يدعى من الأبواب جميعاً. من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول هو يريد المركز الأول في الطاعات، إن كان من الذاكرين فهو الأول، ومن المجاهدين فمحل الصدارة، ومن العابدين فهو الجبين، ومن القادة والفاتحين فهو الموجه والسيف الشهير على أعداء الله، فيتبسم صلى الله عليه وسلم ويقول: {نعم. وأرجو أن تكون منهم}.

المسارعة إلى أبواب الجنة ومنها الجهاد

المسارعة إلى أبواب الجنة ومنها الجهاد فمن الناس من يدعى من باب واحد على حسب طاعته وتقواه، وعلى حسب سلوكه إلى طريق الجنة، {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] بعض أهل التفوق يعلن تفوقه في عالم الإيمان ويدخل الجنة، تأتيه الشهادة ليدخل من باب الجنة، ولذلك قال غلاة التصوف وأهل التصوف: نحن لا نعبد الله عز وجل طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره! فلماذا تعبدونه ثكلتكم أمهاتكم؟! أتعبدونه زندقةً؟! أم انزواءً؟! أم تلهياً وتلاعباً؟! قالوا: هكذا نعبده حباً، والله عز وجل وصف أولياءه بأنهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، والله يقول لأوليائه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول لأصفيائه: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:169 - 170] عمير بن الحمام في بدر يأكل التمر ويظن أن هناك وقتاً بين دخول الجنة وبين أكل التمر، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغرس شجراً من الإيمان لا تذبل أبداً، خرج على أهل بدر قبل المعركة فقال: {يا أهل بدر! اعملوا ما شئتم فقد غفر الله لكم، والله يا أهل بدر! ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة، فيقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله! ما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء فأدخل الجنة؟! قال: إي والذي نفسي بيده، فيلقي التمرات من يده، ويخلع الدرع من على جنبيه، ويأخذ غمد سيفه ويكسره على ركبته فيقاتل حتى يقتل}. وليس على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما تأخرت استبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما يأتي جعفر بن أبي طالب فيقف في مؤتة، وقد ترك زوجته وماله وأهله وشهرته ومنصبه وباع كل شيء وأتى بروحه إلى الواحد الأحد، والذي يهدي روحه ليس كالذي يهدي عشرة ريالات، الذي يهدي روحه أجود الناس، والذي يسكب دمه أكرم الناس، والذي يقدم نفسه أبذل الناس، فلما رأى الرومَ ونظر إليهم ولكنه تطلع إلى ما بعد الروم وهي الجنة، أخذ الغمد وكسره على ركبته وأخذ يقول في زمجرة المسلم وصولة المؤمن، يوم يمتلئ إيماناً ويقيناً، ويوم يرتفع على الشهوات والملهيات وعلى المعاصي والمخالفات. يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها علي إن لاقيتها ضرابها وصدق مع الله، وضارب وقطعت يداه، واحتضن الراية وهو لا يزال قوياً ما دام أن فيه ذرة من حياة؛ لأن وقوده من مشكاة محمد عليه الصلاة والسلام، وسقط في الأخير شهيداً ولكنه حي عند الله {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:169 - 170].

عظماء على فراش الموت

عظماء على فراش الموت

قصة خبيب بن عدي

قصة خبيب بن عدي خبيب بن عدي يأخذه الكفار أسيراً، ويدخلونه بيتاً غير مسقوف، وتصهره الشمس ولكن إيمانه يبرده، يأتيه البرد ولكن إيمانه يدفئه، يأتيه الجوع ولكن إيمانه يشبعه، يأتيه الظمأ ولكن إيمانه يرويه، تقول إحدى النساء من اللواتي عشن قريباً من خبيب: رحم الله خبيباً، والله لقد كنت أنظر إليه وقد حصر في مكة في بيت، ما في مكة عنبة واحدة وإن قطاف العنب يأكله خبيب، من أين؟ من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، {أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37] وخرج إلى ساحة الإعدام ساعة الصفر في حياة المسلم، يوم يستعلي على كل شيء، ساعة الصدق مع الله، خرج أهل مكة ليقتلوه، وهو ما قتلهم وما سرقهم {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر:28] لكنه ذنبه أنه رجل يعلن التوحيد، واجتمعوا في جمع حاشد في ضاحية من ضواحي مكة، فقال لهم: أريد أن تمهلوني لأصلي ركعتين، قالوا: صل ركعتين واستعجل، فقام يتوضأ وهو يعرف أن الموت سوف يأتيه بعد ركعتين، فصلى ركعتين ثم سلم ثم قال: [[والله الذي لا إله إلا هو، لولا أن تقولوا: جزع من الموت لطولت صلاتي، ثم قال: اللهم أخبر رسولك ما نلقى الغداة -يعني: أخبره بما يفعلوا بنا هذا اليوم، وفي سيرة موسى بن عقبة: {كان عليه الصلاة والسلام وهو في المدينة وخبيب! في مكة يقول: السلام عليك يا خبيب! السلام عليك يا خبيب! السلام عليك يا خبيب!} -قال: اللهم أبلغ رسولك ما نلقى الغداة، وأخذ يقول للكفار: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، فلما رفعوه إلى مشنقة الموت -هل بكى؟ لا. لأن الأبطال لا يبكون في ساعة الصفر، هل جزع؟ لا. لأن الأبطال لا يجزعون ساعة الموت، وهل ندم وتحسر؟ لا. لأنه يريد هذه الساعة، ويعمل لها، إنه يريد الجنة- قال له أبو سفيان في آخر لحظة: هل تريد أن محمداً مكانك وأنك في أهلك ومالك سليماً معافى؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو، ما أريد أني في أهلي سليماً معافى وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصاب بشوكة، ثم أخذ ينشد -هل رأيت شاعراً ينشد عند لحظة الموت؟ إن سمعت شاعراً فهذا هو الشاعر العظيم، شاعر الإيمان والحب والطموح، لا شاعر الفن الرخيص العفن المتخلف، الذي يشعر ليهدم الأمم ويزيل الشعوب ويخرب القلوب- أخذ على المنصة يلقي قصيدته الرائعة المدوية على رءوس الأشهاد لتحفظ في ميزان حسناته يوم القيامة، يقول: ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أشلاء شلوٍ ممزع ثم قتل]] ولكنه ما قتل! إنه حي عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مع الشهداء إن شاء الله، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:30 - 31] لا يكتشف طريق الجنة عند كثير من الناس إلا في سكرات الموت، وكثير من الناس لا يستفيق من سكاره وخماره إلا في ساعة الموت، تلك الساعة التي يضعف فيها القوي، ويفتقر الغني ويعجز الجبار، ساعة الموت يوم لا تنفع المنعة ولا الدفاع، ساعة الموت الواخزة المؤلمة المحيرة المدهشة.

قصة هارون الرشيد

قصة هارون الرشيد يأتي هارون الرشيد الخليفة العباسي الذي يتحدى السحاب، أرأيت السحاب يتحداها هارون من على شرفات قصره يقول للسحابة: أمطري حيث شئت فإن خراجك سوف يأتيني يصرع في مصرع الموت وينظر إلى جيشه ويبكي وهو يقلب وجهه في التراب ويقول: يا من لا يزول ملكه! ارحم من قد زال ملكه.

قصةالمعتصم

قصةالمعتصم وهذا المعتصم الخليفة العسكري الذي دك عمورية بتسعين ألفاً كما قال أبو تمام: تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب فالنصر في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا بالسبعة الشهب أتاه الموت وهو لا يزال في شبابه، فقال: أموت اليوم؟ قالوا: تموت اليوم، يظن أنه لا يموت الإنسان إلا بعد السبعين، لكن أفتاه أهل العلم أنه ثبت شرعاً أنه يموت اليوم، فنزل من على سريره ومرغ وجهه وبكى، وقال -وقد ذكر ذلك عبد الحق الإشبيلي في بعض كتبه، قال: والله لو كنت أموت اليوم ما فعلت ما فعلت من المعاصي.

قصة عبد الملك بن مروان

قصة عبد الملك بن مروان وعبد الملك بن مروان المؤسس الحقيقي أو المؤسس الثاني للدولة الأموية حضرته سكرات الموت وأخذ يصارع الموت فتذكر طريق الجنة، ولكن متى؟ في الوقت الضائع، هو مؤمن إن شاء الله، هو مسلم لكن ينبغي على من يكون مثله أن يكون أحسن وأرقى، ليس كفرعون، فرعون تذكر الله في الوقت الضائع، حتى دس في التراب وسحق في الطين وأخذ ينقنق كالضفدع ويقول: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] الآن أنت من المسلمين أيها المجرم؟! في الطين أصبحت مؤمناً موحداً؟ لا. آلآن، بعد صحائفك السوداء وتاريخك الأغبر؟ والله لا تنجو، أنت من أهل النار، لكن عبد الملك كان يترقب منه أن يكون أحسن وأحسن، قال الذهبي في ترجمته: لما تولى الخلافة في أول يوم فتح المصحف وقرأ فيه قليلاً ثم أطبقه، وقال: هذا آخر العهد بك. قال الذهبي: اللهم لا تمكر بنا، فلما حضرته سكرات الموت سمع غسالاً يغسل بوادٍ، والمؤمن قد يكون غسالاً ولكنه لا يكون عبداً ولا رقيقاً إلا لله، وبعض الناس قد يكون سلطاناً ولكنه رقيق وعبد وخادم لبطنه وفرجه وحذائه ووظيفته، وكان الغسال يترنم بقصيدة، فقال عبد الملك وهو في سكرات الموت: يا ليتني كنت غسالاً، يا ليتني ما عرفت الحياة، يا ليتني ما توليت الخلافة، سمع سعيد بن المسيب هذه الكلمة ثم قال: الحمد لله الذي جعلهم يفرون وقت الموت إلينا ولا نفر إليهم؛ لأن من عرف طريق الجنة من أول طريقه لا يندم في سكرات الموت.

قصة عبد الله بن المبارك

قصة عبد الله بن المبارك عبد الله بن المبارك العالم الجهبذ المحدث الكبير الزاهد رضي الله عنه أتته سكرات الموت فأخذ يتبسم، أرأيت متبسماً يتبسم للموت؟! لا. إلا الأخيار الأبرار، يقول المتنبي لـ سيف الدولة يمدحه بأنه يتبسم لكنه يتبسم لدنياه وشهرته: تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم نثرتهمُ فوق الأحيدب نثرة كما نُثرت فوق العروس الدراهم تبسم عبد الله بن المبارك فقال له الناس: مالك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: لمثل هذا فليعمل العاملون، لمثل هذا فليعمل العاملون، وأقف مع عبد الله بن المبارك قليلاً لأنه من الذين رسموا الطرق إلى الجنة، ومن الذين قادوا موكب صحوة الإسلام إلى الجنة، وعرفوا الناس بطريق الجنة إلى الله تبارك وتعالى. يسمع بداعي الجهاد في خراسان، فيترك الحرم ويترك مكة ويأخذ بغلته ويركبها، فيقول له الناس: ابق في الحرم، الصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة فيما سوى الحرم، قال: لا. بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا خرج وذهب للجهاد وأتته رسالة من الفضيل بن عياض يدعوه أن يعود من الجهاد إلى الحرم المكي فكتب للفضيل على خلف الورقة: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب العبادة التي نحن فيها أرقى مما ذقت في الحرم، العبادة يوم يسيل الدم، العبادة يوم نتنفل لله بالركعات في جنح الليل في الظلام البارد الذي يقع كالسكاكين على الجسم، العبادة يوم يقف الإنسان ليحمي حوزة الدين. يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب إن كنت تبكي فبكاؤنا من نوع آخر، نحن أجسامنا تسيل دماً وأنت عيناك تسيل دمعاً، والدم أغلى عند العقلاء من الدمع. من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب عبد الله بن المبارك الذي عرف طريق الجنة بالعلم، ولكنه بالعمل والصدق مع الله، خرج حاجاً إلى مكة ومعه قافلة، فكان يمول كل أهل القافلة وينفق عليهم من مال الله الذي آتاه، وإذا بامرأة تخرج من قرية حول الكوفة إلى المزبلة فتأخذ غراباً ميتاً، فيقول لمولاه: اذهب إلى هذه المرأة وسلها، لماذا أخذت الغراب؟ فسألها المولى، فقالت: والله ما لنا من طعام من ثلاثة أيام إلا ما يُلقى في هذه المزبلة، فدمعت عينا عبد الله بن المبارك وأمر بأمواله أن توزع على أهل القرية جميعاً، ثم عاد إلى بلاده ولم يحج، ورأى في المنام قائلاً يقول: حج مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور، رضي الله عنه وأرضاه فقد عرف طريق الجنة. وكما تعرفون أنه ألف كتاب الزهد، فكان يأتي ليقرأ كتاب الزهد فكأنه بقرة منحورة من خشية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال تلميذه الذي يصاحبه في السفر: سرت معه ليلة، فدخلنا إلى غرفة في طريق السفر فانطفأ السراج فذهبنا نبحث عن السراج فلما أتينا بالضوء والسراج وجدناه يبكي، قلنا: مالك؟ قال: تذكرت -والله- القبر بظلمة هذه الغرفة. والقبر فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءة وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشد ويل لعبد عن سبيل الله صد فيا من أراد الجنة إن الجنة وصفها وحقيقتها في القرآن والسنة، ويا من أراد أن ينجو يوم القيامة، يوم العرض الأكبر عند الله عز وجل! فاسلك الطريق إلى الجنة، الطريق إلى الجنة التي سلكها الأخيار. قدم للإمام أحمد اللحم والملذات، لكنها ثمن لدينه ومبدئه الأصيل يوم وقف حصناً لـ أهل السنة والجماعة في فتنة القول بخلق القرآن عند المأمون ولكنه لم يره، بل مات في الطريق وعند المعتصم والواثق، وقالوا: نغدق عليك، ونعطيك، ونوليك، فقال: لا والله، طعام دون طعام، ولباس دون لباس وأيام قلائل حتى نلقى الله، وما ذاك إلا لأنه عرف طريق الله.

الجنة ليست خاصة بالرجال

الجنة ليست خاصة بالرجال وطريق الجنة ليس للرجال فحسب، إن في الجنة قسم للنساء، وإن الله عز وجل يقول بعد أن ذكر الأولياء والأخيار: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] والرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أمامة الصحيح يقول: {المرأة إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، دخلت جنة ربها} والمرأة المسلمة هي نصف المجتمع يوم أن تتقي الله في رسالتها، وتعرف أن طريق الجنة لا يمكن أن يتحقق إلا بطاعة الله الواحد الأحد ثم بطاعة زوجها في طاعة الله، ويوم تعرف أن سترها وعفافها ستر الإسلام، وأن صيانتها صيانة لهذا الدين، وأن بقاءها في بيتها نصرة لهذه المبادئ الخالدة، ويوم أن تخجل من الواحد الأحد أن تتبرج أمام الأجانب، وتحفظ زوجها بالغيب فهي حافظة وراعية ومحاسبة على ذلك، ويوم تربي العلماء والأدباء والشهداء والصديقين في بيتها. الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق الأم نبت إن تعاهده الحياء بالري أورق أيما إيراق فجزى الله الأمهات خير الجزاء يوم يكن حاملات للمبادئ الأصيلة، مصليات عفيفات متقيات للواحد الأحد كـ عائشة وأسماء. منا الفواطم ربات العلا ولنا كل الزيانب هم أهل وعمات أسماء بنت أبي بكر نطاقها في الجنة شاهد بأنها كانت عفيفة ووقورة تقدم للإسلام كل ما تملك. وعائشة أعطاها معاوية بن أبي سفيان مائة ألف درهم فذهبت تتصدق وهي صائمة فتقول لها جاريتها: لماذا لا تبقي لنا درهماً أو درهمين نشتري لك لحماً لتفطرين عليه؟ قالت: نسيت نفسي لو أنك ذكرتيني عائشة رضي الله عنه تبقى في بيته صلى الله عليه وسلم محافظة على العهد، أما ليلها فقيام وأما نهارها فصيام، عائشة كانت تعلم الجيل وتربيه وهذه هي قدوتك أيتها الأخت المسلمة، وهي معلمتك في الحياة يوم تريدين الجنة ولقاء الله.

صفات الداعي إلى الجنة

صفات الداعي إلى الجنة إن من أراد أن يدل على الجنة فعليه بأمور:

أن يكون دليله الكتاب والسنة

أن يكون دليله الكتاب والسنة أولها: أن يكون دليله في هذا: كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

أن يصاحبه اللين والرفق

أن يصاحبه اللين والرفق الأمر الثاني: أن يكون ليناً في دلالته، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] يقول الله للداعية الكبير الذي ما طرق الدنيا داعية مثله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ويقول: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم} [الأنفال:63] أرأيت أكبر من فرعون طاغية في الدنيا؟ أسمعت أكبر من فرعون مجرماً في المعمورة؟ لا. أرسل الله له موسى، فأوصى الله موسى وهارون وهما في الطريق ذاهبان إلى ذاك الطاغية، فقال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. إننا يوم ندعو الناس رجالاً وإناثا، كباراً وصغاراً، رؤساء ومرؤوسين إلى طريق الجنة لابد أن ندلهم على طريق الجنة ونحن رحماء ولينين وسهلين كقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح لما أرسل أبا موسى ومعاذاً: {بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا} إن الدليل الماهر لا ينفر القلوب، والموجه لا يخدش الكرامات، والداعية لا يجرح الشعور، إنه يدل على الجنة لكن بإيمان وحب وطموح، فقال الله لموسى وهارون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] احذرا أن تجرحا شعوره، احذرا أن تغضبا هذا المجرم فتأخذه العزة بالإثم فيكفر. وفي تفسير ابن كثير عن سفيان الثوري، العالم الجهبذ يقول: [[أتدرون ما هو القول اللين؟ قالوا: لا. قال: يأمره الله أن يكني فرعون، أن يدعوه بالكنية، أن يقول: يا أبا مرة]] قال أهل التفسير: كنية فرعون أبو مرة -مرر الله وجهه في النار- فدخل موسى يقول: يا أبا مرة! ندعوك إلى طاعة الله، إن الله سوف يبقي عليك شبابك وملكك وصحتك، يا أبا مرة! إننا نعرض عليك الرسالة الخالدة ونحو هذا الكلام، والكنية تكسب المدعو قيمة وحفظاً وجاهاً. أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقب كذاك أدبت حتى صار من خلقي أني وجدت ملاك الشيمة الأدب فالمقصود: أن على من دل على طريق الجنة أن يكون ليناً، ولقد مني الإسلام في بعض جوانبه بشيء من الصلف في الدعوة والعنف في التوجيه، والشدة والغلظة في التربية، يوم يأت الداعية فينظر إلى نفسه أنه طاهر عفيف، وأن الناس مذنبون فيتهكم بهم، ويريد أن يحولهم في نصف ساعة إلى أن يصبحوا في درجة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، يوم يقوِّم الدنيا ويقعدها على مسائل سهلة لا يتدرج فيها، إنه قد أخطأ في ذلك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الداعية أن يتدرج، وقد أرسل معاذاً إلى اليمن فكلمه عن نوعية الناس الذين سيرسل إليهم تمهيداً له فقال: {إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله فإن هم أجابوك لذلك -لم يحشر عليه المسألة الثانية لكن- فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة} والرسول عليه الصلاة والسلام حين أتى إلى الأمة العربية، إلى أمة العنف، أمة لا حضارة تربطها، ولا ثقافة تؤسس مبادئها، ولا معرفة تنظر مسيرتها، أمة مبعثرة، قبيلة تطحن قبيلة وأخرى تلعن أخرى، فأتى صلى الله عليه وسلم بالحب، فيتبسم صلى الله عليه وسلم لعدوه اللدود فيكسب قلبه، وابن عمه الذي أخرجه وحاربه يقول له: عفى الله عنك، وقريش التي أخرجته وحاربته يقول: {اذهبوا فأنتم الطلقاء} قال الله عز وجل: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال:63] كيف ألفت بين قلوبهم؟ إنه اللين والسهولة، والمودة والقرب {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. أيها الإخوة: إن هذه الجلسة كانت لقاء مفتوحاً، لكن أكتفي بذلك لأدع وقتاً للإجابة على الأسئلة ما يكون فيها إن شاء الله عوضاً على ما بقي من حديث، ولكن هذه كالتقدمة والديباجة أمام هذا الجيل السائر إلى الله الواحد الأحد، السائر إلى الجنة بإذنه تعالى، المتطلع إلى رضوانه تعالى، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. شكر الله لكم وأثابكم، وجمعنا بكم في دار الكرامة، يوم يتقبل الله منا -إن شاء الله- أحسن ما عملنا ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. هينون لينون أيسار بنو يسر صيد بهاليل حفاظون للجار من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية مواجهة الحرب على الإسلام

كيفية مواجهة الحرب على الإسلام Q كيف يواجه شباب الإسلام موجة الكفر التي كادت أن تأتي على الأخضر واليابس عن طريق العري والتفسخ؟ A هذا السؤال مرَّ جوابه في كلية الملك فهد البحرية، وورد مثل هذا السؤال وكانت إجابته -لئلا يتكرر- أن الحرب التي وجهت ضد الإسلام والمسلمين حرب ذات شقين: حرب الإلحاد وهو: مرض الشبهات، وحرب الشهوات، أما حرب الإلحاد فأول من ألحد في الأرض إبليس مروراً بفرعون بـ أبي جهل إلى أن تنتهي إلى كل ملحد رعديد من استالين ولينين وماركس، وحرب الإلحاد هذه أخذت الأخضر واليابس، وهو حرب الشبهات في العقائد، وقد بين كثير من العلماء كـ ابن القيم أن هذا المرض هو أخطر مرض في حياة الإنسان، مرض الشبهات يأتي بالتشكيك، ويأتي بمركب الحداثة، والاستهزاء بالقيم وبالإسلام، وبدين الله الخالد، من الذي أنتج هذا اللفيف من الإلحاد في الساحة؟ إنه مرض الشبهات الذي ورد، فالشاعر الذي يكفر بالله تعالى ويسمي بعض الناس أنه إله من دون الله، هذا من مرض الإلحاد الذي انتشر في الساحة، والمسلم الذي يدعي الإسلام ويشرب ماءنا ويسير على أرضنا، ولكن إذا كتب ترك الإيمان في بيته، وإذا تكلم خلع الإيمان من على عاتقه، وإذا تحدث حارب الإيمان، هذا مركب الإلحاد. وأما مرض الشهوات فمرض خطير لكنه ليس في الدرجة كمرض الشبهات، إنه مرض المعاصي، وقد قدمته الرأسمالية - أوروبا - لما أخفقت الحروب الصليبية قدمته في الكأس والمرأة المتبرجة الخليعة والمجلة الماجنة، قدمت هذا المرض للشبيبة في هذا، حين يعزف على آذان الشباب بالأغنية الماجنة ينسى الله، وحين تدخل عليه المجلة والمرأة الخليعة ينسى الله، وحين يجعل مكان المصحف وكتب الحديث المجلة الخليعة ينسى الله، وحين يقدم له الكأس ينتهي قلبه ويقسو فلا يعرف الله. وأما بالنسبة لكيفية حل هاتين المصيبتين: فبالنسبة لمرض الشبهات فحله باليقين، وأما مرض الشهوات فحله بالصبر قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] قيل لـ ابن تيمية: بما تنال الإمامة في الدين؟ قال: بالصبر واليقين، فأنا أدعو إلى اليقين، والتفكر، وكثرة قراءة القرآن، والنوافل، والذكر، وحضور مجالس الخير، وحضور الدروس الإسلامية، والتبتل إلى الواحد الأحد، هذا علاج -بإذن الله- لمرض الشبهات، أما مرض الشهوات، فالصبر ومراقبة الله في السر والعلن، كذلك الدعاء أن يثبتك على المسيرة وعلى الحق والخير حتى تلقاه.

فضل الصحبة ومنزلة الصحابة

فضل الصحبة ومنزلة الصحابة Q إذا خاطبت الناس عن الرجوع إلى الله واستشهدت بحياة الصحابة، قالوا: هم تفرغوا وليس لهم إلا الدين ونشره، وليست لهم أعمال فهم متفرغون لذلك حتى بلغوا هذه المنزلة، وأما نحن فلنا أعمال ومشاغل كثيرة، فكيف نرد على أمثال هؤلاء؟ A أولاً: اعلم أنه لا نجاة ولا سعادة ولا فلاح إلا باتباع ما سلكه أولئك القوم {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] ثم اعلم أنه لن يوجد مجتمع متكامل في الأرض ولن يوجد ولن يتكرر كمجتمع الصحابة، جيل اختاره الله عز وجل، جيل متكامل، جيل قرآني فريد لحمل راية لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم اعلم أن فضل الصحبة درجة عالية لا يمكن أن تدركها أنت ولا أنا، فإنه لو أنفق أحدنا كـ أحد ذهباً وفضة ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، ولكن للعامل الصابر في آخر الزمن أجر خمسين من الصحابة، أما فضل الصحبة فلا يرتقي إليها أبداً. ثم اعلم أنه لا يطلب منك أن تكون كـ أبي بكر في بذله، فهيهات! ألا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا فلن تستطيع ذلك فأرح نفسك، ولكن كما قال أنس أن رجلاً قال: {يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: ماذا أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله، قال: أنت مع من أحببت قال أنس: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ولم أعمل بعملهم} فاعلم أنك لن تبلغ ذاك المستوى، لكن عليك بحبهم والتسديد والمقاربة كما قال الشافعي: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة رابعاً: اعلم أنه إذا كان لديك شيء يشغلك عن طاعة الله، وتعتذر به أنك لن تبلغ ما فعله الصحابة من الفرائض، أقول: فهو شؤم عليك ونكبة وحسرة وندامة، والذي يقول: نحن لا نستطيع أن نقيم الفرائض في هذا العصر فاعرف أنه قد دخل قلبه إلحاد وزندقة وكفر، فإن الفرائض هي الخط الدفاعي الأخير ضد الكفر، ومن ترك الآداب عاقبه الله بترك النوافل، ومن ترك النوافل عاقبه الله بترك الفرائض، ومن ترك الفرائض ابتلاه الله بالكفر.

حسن معاملة الزوجات

حسن معاملة الزوجات Q ما هي دعوة الشيخ للشباب في معاملة زوجاتهم؟ A أنا أدعو كل أخٍ أن يتدبر سيرته صلى الله عليه وسلم في الحياة الزوجية، فهو صلى الله عليه وسلم الكامل في بيته ومجتمعه، الكامل في خطابته وإدارته، الكامل في جهاده وسياسته واقتصاده، الكامل في كل منحى من مناحي الحياة، وفي جانب المعاملة مع النساء قال في عرفات: {الله الله في النساء فإنهن عوان عندكم} ويقول في سنن أبي داود: {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش مع المرأة، فعاش معها زوجاً وأباً وأخاً، تقول عائشة وهي تذكر تلك الذكريات مع المصطفى عليه الصلاة والسلام، يوم كانت أحلى حياتها وساعاتها أن تعيش بجانبه صلى الله عليه وسلم، فعند أن توفي عليه الصلاة والسلام فقدت ذاك الضوء لكن على أمل أن تلقاه في الجنة لأنها زوجته في الجنة. بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم وما جفت مآقينا نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا مع مشاكل الدعوة ومع الأحداث التي مر بها صلى الله عليه وسلم: أحداث تغيير الكون، وأحداث الفتوح، والجهاد، وأحداث الرد على اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين {سُئلت عائشة رضي الله عنها كيف كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليكم؟ قالت: كان ضحاكاً بسَّاماً} يأتي صلى الله عليه وسلم فيداعبها كما في كتاب الأدب من صحيح البخاري ويقول: {إني لأعلم رضاكِ من غضبكِ، قالت: بماذا؟ قال: إذا رضيت قلتِ: لا ورب محمد، وإذا غضبتِ قلتِ: لا ورب إبراهيم، فتقول الذكية اللماعة: والله ما أهجر إلا اسمك} وفي صحيح البخاري تقول: {يا رسول الله! أإذا نزلت أرضاً ووجدت شجرتين شجرة أكل منها وشجرة لم يؤكل منها في أي الشجرتين ترعى؟ -أي: غنمك وبهائمك- قال: في التي لم يؤكل منها ثم يتبسم عليه الصلاة والسلام} لأنها هي بكر وما سواها من شريكاتها في الحياة ثيبات، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبقى معها أنيساً قريباً من قلبها يعرف أن المرأة ناقصة عقل ودين، ولكنها تدخل الجنة وتربي الرجال، وتنتج العلماء، لأن بعض المتحدثين كان يتكلم في الشرق الأوسط وليست الجريدة لكن يتكلم في مجمع ويقول للناس: إنهن ناقصات عقل ودين، فقامت امرأة وقالت: كيف تقول: نحن ناقصات عقل ودين ومنا الطبيبة والمهندسة والوزيرة؟ قال: أنا أذكر الحديث في عهده صلى الله عليه وسلم فإنه يقول في نسائه: ناقصات عقل ودين ونساء الصحابة، أما أنتن فلا عقل ولا دين، فقامت مرة ثانية -وكانت سمينة بدينة- وقالت: كيف لا ترفق بنا في الخطاب والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {رفقاً بالقوارير} قال: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {رفقاً بالقوارير} ولم يقل: رفقاً بالبراميل! أما نحن فإننا لا نزال نرفق بهن ونعتقد أن المرأة نصف المجتمع، ونعتقد إكرامها وأدبها وصونها وحشمتها، ونعتقد اعتقاداً جازماً أن حياتها أن تكون في بيتها مربية، ولكنني أطلب من الإخوة من كان له زوجة أو قريبة أن يتقي الله فيها وأن يأخذ بناصيتها وأن يراعي ضعفها، وأن يدلها على طريق الجنة.

كلمة موجهة إلى أولياء أمور الأطفال

كلمة موجهة إلى أولياء أمور الأطفال Q انتشر في الوقت الحاضر إحضار الأطفال إلى المساجد؛ مما يؤدي إلى إزعاج المصلين، نرجو منك نصيحة في ذلك؟ A انتشر بين العوام حديث: {جنبوا مساجدكم صبيانكم} وهذا لا يصح، والرسول صلى الله عليه وسلم أحضر كثيراً من الصبيان إلى المسجد، ففي الصحيحين من حديث أبي قتادة {أنه صلى الله عليه وسلم كان يحمل أمامة بنت زينب ويصلي فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها} ذاك المعلم الكبير صلى الله عليه وسلم، فقضية إلغاء حضور الأطفال إلى المساجد ليست واردة، وحديث أبي بصرة عند النسائي قال: {صلى بنا صلى الله عليه وسلم إما صلاة الظهر أو صلاة العصر فلما سلم قال: أيها الناس: لعلي أطلت عليكم} يعتذر في السجود، وبعض الناس يطول في الناس حتى يقرءون السور، والتحيات وهم وقوف ويسبحون ويستغفرون ويتوبون كأنها صلاة الكسوف ثم إذا قالوا: أطلت قال: أنتم لا تعرفون الإسلام، فها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يعتذر من تطويل سجدة واحدة ويقول: {لعلي أطلت عليكم، إن ابني هذا ارتحلني آنفاً فكرهت أن أوذيه فمكثت حتى نزل} يا للطف حتى في الفرائض! {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. لكن الأمر إذا انتقل إلى أن يحول المسجد إلى روضة أطفال أو ملعب كرة فهذا حرام، لأن هذا مسجد فيه خشوع ودموع وابتهال وقربى وزلفى من الله، أما أن يأتي الأطفال كلما أعجز امرأةً طفلها وآذاها في كسر الفناجين وفي تخريب العملة نقلته إلى المسجد فنقول: لا والله، اتق الله في مساجد المسلمين، عليكِ بابنكِ وعليكَ أنتَ بابنك واحفظه في بيتك، ومع ذلك نقول: الأطفال ليسوا سواء، بعض الأطفال يكون عاقلاً لبيباً أريباً كـ الحسن كان في الخامسة من عمره يحفظ الأحاديث، وكبعض الشباب تراه متوقداً بالنور، وعمره في العشر السنوات أو السبع والثمان وهو أزكى وأعرف وأعلم بالله من الذين في الخمسين.

نصيحة إلى بائع الأفلام الخليعة

نصيحة إلى بائع الأفلام الخليعة Q أنا شاب وقد قمت بفتح محل للفيديو وخسرت حوالي نصف مليون ريال، والسؤال ما هي حقيقة مكسبي علماً بأني أبيع جميع الأفلام؟ A أولاً يا أخي! اتق الله في أمة محمد عليه الصلاة والسلام، اتق الله في هذا الدين، واتق الله في هذه المبادئ الخالدة، ما وجدت من تحاربه إلا الإسلام، ليتك ضررت بأعداء الإسلام أو بغير هذا الدين، وأنا أحمله على الفيديو المعروف الذي يؤذي، فيديو الخلاعة والمجون ليس الذي يستخدم في الخير، أنا فهمت من السؤال هذا، فإذا فعلت ذلك فاتق الله -يا أخي- أن تكون حرباً لله يوم القيامة، أن يوقفك الله على رءوس الأشهاد ويسألك: لماذا أضللت كثيراً من الناس؟ لماذا خربت البيوت؟ لماذا أدخلت الهدم والتدمير في بيوت أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ أنت يا أخي! المسئول عن كل فلم سيئ قبيح متبذل، فيه فحش ومجون تهدم به آلاف الأسر، وآلاف الأطفال، وآلاف البنات أنت المسئول، أتشارك الصهيونية العالمية وهي لم تقصر لا سلم الله رأسها في هدم الإسلام؟ أتشارك الرأسمالية والعلمانية والشيوعية في هدم هذا الدين وأنت من الذين تغذوا بغذاء لا إله إلا الله، وشربوا ماء لا إله إلا الله، وسروا على أرض لا إله إلا الله؟ أنا أقول: أناديك هذه الليلة وأشهد الله أنني أخبرتك أن تتقي الله في أمة محمد، وأن يتقيها كل صاحب مجلة وصحيفة وتسجيل وفيديو، أن يتقوا الله في الأمة المحمدية، وحربهم لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والله إذا أخذ الظالم لم يفلته، وأظلم ظالم من حارب هذا الدين، وأما خسارتك فاجعلها كفارة وليت كل خسارة مثلها ما أبردها على قلوبنا، فاعتبر أن هذه كفارة وعليك أن تتوب وتعود إلى الله، وأما المال الذي بقي من هذا فحوله إلى الخير، وشارك به في رفع راية لا إله إلا الله وفي الدعوة وفتح مكان ينفع الإسلام والمسلمين، وفي إفادة ونفع المجاهدين، وفي طبع كتب إسلامية، وشراء أشرطة إسلامية وتوزيعها على المسلمين، حينها تكون إن شاء الله مكفراً لذنوبك وسوف يتجاوز الله عنك {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16].

الإسلام ودور العلماء والدعاة

الإسلام ودور العلماء والدعاة Q نقرأ في بعض صحفنا المحلية والمجلات كتابات وأشعار تمس بكرامة الإسلام والمسلمين، فهل يقتصر دور العلماء على الزجر أم أن عليهم واجب أكبر من هذا، أفيدونا أفادكم الله؟ A هذا يقال في مناسبات كثيرة أن الواجب على العلماء والدعاة لم يكتمل ولم يقوموا به حق القيام، قضية أن يجلس العالم أو الداعية في بيته، ويقول: حلال أو حرام، كلما سئل عن مسألة أفتى، الدعوة شيء والفتيا شيء آخر، وهذه المجالات إذا تركت فإن أهل الإجرام لا يتركونها، وأهل النية السيئة لا يتركونها؛ لأن الخير يوم ينزوي يأتي الباطل، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من سننه الكونية والخلقية والأمرية الشرعية أن جعل الخير يصارع الشر {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] إذا علم هذا فإننا لا يكفي أن نقول: الحداثة حرام أو لا يجوز، نسأل الله أن يدمرهم تدميراً، الدعاء وراد، لكننا إذا تركناهم يكتبون كتبوا، وإذا أخلينا لهم الساحة فرخوا وباضوا وهذا هو المعروف، فواجب العلماء والأخيار والدعاة أن كلاً يعرف مشربه وتخصصه وأن ينفع الإسلام بهذا الأمر. نحن لا نقول لكل عالم: لابد أن تكون صحفياً؛ لأن العالم إذا أتى من المغني ومن المحلى لـ ابن حزم ليكتب في الصحافة لا يعرف، ونحن لا نقول كذلك لخطيب الجمعة أن تكون أديباً فهو يستطيع الخطابة لكن لا يستطيع أن يكون أديباً، فنقول: على المسلمين أن يصنفوا دعاتهم وأن يكون الصحفي مسلماً مؤمناً، وأن يكون الأديب مسلماً مؤمناً، وأن يكون صاحب المسرح مسلماً مؤمناً، والناثر الشاعر مسلماً مؤمناً، فواجبنا مقصرون فيه تماماً، وإلا فصحفنا وولاة الأمور عندنا ينادون بالإسلام ويدعون لتحكيم دين الله عز وجل، وهم يتحرون من يأخذ هذه المجالات ومن يأتي إلى الساحة ليكتب، ولكن يوم تركناها أتى أهل الباطل يكتبون ولذلك أدموا مقلة الإسلام، وأبكوا عينه وجرحوا كبده.

حكم الصلاة في البيت بدون عذر

حكم الصلاة في البيت بدون عذر Q أنا شاب لا أصلي في المسجد، وذلك بدون عذر فما الحكم؟ وهل صلاتي مقبولة؟ A لا أدري كيف فتح الله عليك حتى تركت الصلاة في المسجد بلا عذر، وما هو عذرك؟ هذا يحتاج إلا أن تراجع نفسك مع الله عز وجل، وتراجع إيمانك؛ فإنه أصابك باقة من النفاق دخلت إلى صميم قلبك، يقول ابن مسعود رضي الله عنه كما في صحيح مسلم: [[إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد فرض لكم سنن الهدى، وإن الصلاة من سنن الهدى، ولقد رأيتنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل فيهادى به بين الرجلين حتى يقام في الصف]] فأي عذر لك؟! وإنما عذرك هو مرض خطير دب إلى قلبك وهو النفاق، فعليك أن تتقي الله وتدعوه أن يزيله من قلبك، فمن تخلف عن الجماعة بلا عذر فهو منافق، والحديث الذي في الترمذي في سنده نظر: {من رأيتموه يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان} وأحاديث أخرى لو اجتمعت لكونت قاعدة وهي: إن من علامة إيمان المؤمن المحافظة على الصلوات الخمس. سبحان الله! وجد عند طبقة من السلف كـ عامر بن عبد الله بن الزبير كان يقول كل صباح: [[اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، قالوا: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني الله وأنا ساجد]] وحضرته سكرات الموت، وأذن لصلاة المغرب فقال لأبنائه وهو في سياق الموت: احملوني إلى المسجد لأصلي، قالوا: عذرك الله أنت في مرض وفي سكرات الموت، قال: أسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح ثم أموت وولا أحضر المسجد لا والله -كان من العباد الكبار كما ذكره ابن الجوزي والذهبي - فحملوه على الأكتاف، فلما صلى صلاة المغرب علم الله صدقه وإخلاصه سجد السجدة الأخيرة فقبض الله روحه وهو ساجد، {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] محمد إقبال يصف الشبيبة الإسلامية الجيل الأول الذين رفعوا لا إله إلا الله يقول فيهم: إنهم إذا حضرت المعركة وأقيمت الصلاة تركوا كل شيء حتى العدو وهو صاف لهم، وأتوا إلى الصلاة يقول: نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا هذه هي الأمة الخالدة التي رفعت لا إله إلا الله.

حكم بيع النقود والصرف بالنقود

حكم بيع النقود والصرف بالنقود Q بما أن العملة الورقية وضعت محل النقدين وأصبحت تزيد قيمتها وتنقص، وكأنها سلعة تجارية يجري عليها البيع أو الشراء، فمثلاً: إذا انخفض الدولار أو الفرنك سارع التجار إلى شرائه، فإذا ارتفعت قيمته باعوه ليربحوا فيه أليس هذا ضرب من الربا أرجو التوضيح؟ A هذه المسألة وغيرها من المسائل المصرفية ومن مسائل النقود، بيع النقود والصرف بالنقود وقبض السندات في الحال أو تأجيلها، هي ثلاث مسائل كلها لخلافيتها وعدم الوصول إلى قول ضابط فيها لا أتكلم فيها في هذه الجلسة، أنا أترك الحديث لأهل العلم من الذين يجتمعون على هذه المسائل، وأحيلكم إلى بعض البحوث التي تجدونها في مجلة البحوث تجدون فيها كل ما تتساءلون فيه في هذا الباب؛ لأن ضبط هذه المسألة لا بد لها من تقعيد، ثم تأصيل ثم بحث على روية؛ لأن هذه المسألة يتفرع منها عدة مسائل: مسألة السند بالسند، ومسألة الصرف بعملة أخرى، ومسألة تأجيل السند عن استلامه في فترة، ومسألة: هل الأسانيد تقوم بالزيادة كقوله صلى الله عليه وسلم: {يداً بيد مثلاً بمثل أو سواء بسواء} أم أن هذه تغطي رصيداً لها من الذهب فلا تعتبر إلا أسانيد ورقية؟ أنا لا أتكلم في هذه القضية لسعتها لكن أحيلكم إلى مجلة البحوث.

حقيقة الزهد في الدنيا

حقيقة الزهد في الدنيا Q نرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا الطريق إلى الزهد في هذه الحياة من جميع النواحي، خاصة سكان الجبال وأنت تعلم مساكنهم؟ A سكان الجبال وغيرهم يطلب منهم الإعراض عن الحياة الدنيا، وأخذ الدنيا طريقاً إلى الله عز وجل، وأحسن من عرف الزهد في الإسلام فيما أعرف ابن تيمية يقول: الزهد ترك ما لا ينفعك في الآخرة. أما ما ينفعك في الآخرة فليس تركه من الزهد، والزهد -أيها الإخوة- إنما مدحه الله عز وجل وأثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كما في سنن ابن ماجة بسند حسن من حديث سهل بن سعد لما جاء رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟ قال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} وعند البخاري من حديث ابن عمر قال: {أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، وقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} إذا علم هذا، فأحسن الزهد أن تترك كل ما يشغلك عن طاعة الله عز وجل، وكل شيء يشغلك أو يدخل العجب والزهو عليك أو يؤخرك عن الطاعة فاتركه، أما ما يعينك على طاعة الله عز وجل فتركه ليس من الزهد، فمثلاً إنسان عنده سيارة توصله إلى متطلباته، وتقضي له أعماله، وتخفف عليه الذهاب والإياب فإن تركها ليس من الزهد، بل بقاؤها عون له على طاعة الله، أو مثلاً إنسان عنده بيت وسيع يستقبل إخوانه وأرحامه وضيوفه وأقاربه فتركه والتخلي عنه ليس من الزهد، أو رجل يلبس لباس الجمال يريد بذلك إظهار قوة الدين، وروعة وجمال الدين، وإظهار نعمة الله عز وجل فإنه في الحديث الحسن: {إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده} إذاً ليس ترك ذلك من الزهد، فأنت تترك ما يشغلك عن طاعة الله، وبعضهم -كما فعل الغزالي - قسم الزهد إلى ثلاثة أقسام: زهد العوام، وزهد الخواص، وزهد خواص الخواص، فهذا التقسيم من كيس الغزالي، زهد العوام يقول: في الحرام، وزهد الخواص في المباحات، وزهد خواص الخواص في كل شيء إلا في قدر ما يقوت العبد أو كلام يشبه هذا، لكن الأحاديث تبين أن كل ما يشغلك فاتركه واستعن بكل ما يقربك من الله عز وجل.

حكم لعبة البلوت

حكم لعبة البلوت Q ما حكم لعبة البلوت أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. هذه اللعبة وغيرها من اللعب لابد من جواب منضبط عام؛ لتندرج في هذه القاعدة هي وأمثالها من اللعب، ويلاحظ في الحكم الضرر والفائدة، أو المفسدة والمصلحة، وأي شيء يكون فيه قمار محرم، فإنه ولو كان فيها فائدة وأي لعبة يكون فيها هذا الأمر فهي محرمة بنص الكتاب. ويلاحظ كذلك في اللعب قضية الصلاة وتأخيرها عن أوقاتها، كما ذم الله عز وجل اللاعبين المتهاونين بالصلاة، فإذا أخرت عن الصلاة كانت محرمة، هذه ناحية، وإذا وجدت في لعبة تسبب في تأخير الصلاة فهي محرمة. ناحية ثالثة: إذا أوجدت البغضاء بين المتلاعبين؛ لأنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ذكر في الخمر أنها توجد البغضاء بين الأحبة والإخوان فهذه -أيضاً- محرمة. ناحية رابعة: إذا شغلت عن طاعة أعظم منها، كذكر وتلاوة قرآن، فهي محرمة. هذه الأمور الأربعة لابد من النظر فيها للحكم على أي لعبة من اللعب، لتكون ضابطة للعب الموجودة، فإذا حدث شيء من هذه الأربع أو الأربع جميعاً فاعرف أنها محرمة، أما إذا خلت منها وكانت في وقت ليس فيه إلا متعه أو ارتياح للقلب وخلت عن محرم فلا بأس بها إن شاء الله.

حكم التبرع بالأعضاء بعد الموت

حكم التبرع بالأعضاء بعد الموت Q ما حكم التبرع بالأعضاء بعد الموت؟ وهل يعوض عنها المسلم أو يستطيع أن يؤخذ منه بعد الموت؟ A أما الجواب في هذا السؤال فأقول: أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين، هذه الأعضاء وما ورد فيها تحتاج إلى بحث وما عندي فيها حصيلة؛ لأنها لم ترد كما تعرفون عند السلف وليست فيها نصوص، ومن يتكلم يتكلم بالاجتهاد وباب الاجتهاد غير منضبط ومفتوح، ولو تكلمت فيها جاء أحد الإخوة وتكلم في الليلة الثانية وحرم والثالث يحلل، فأنا لا أقول فيها شيئاً حتى تنجلي وتتضح، ويكشف الله غطاها، ولابد فيها من اجتماع أهل الفقه في العالم الإسلامي لتقرير هذه المسألة، ومؤتمرات الفقه في العالم الإسلامي تجتمع لمثل هذه المسائل، ما تجتمع لسجود السهو ولا لوضع اليدين على الصدر فهذه معروفة بالنصوص، لكن تجتمع لمسائل عصرية لا يظهر حكمها كمثل: أطفال الأنابيب، وبيع الأعضاء وغيرها من المسائل التي جدت على المسلمين، أما لو تكلمت قد يجمع في المؤتمر على غير ما تكلمت في المؤتمر، أو يأتي داعية آخر فيخالف قولي، فهي أمر لا تنضبط ولابد لها من قواعد يجتمع لها الفقهاء في العالم.

معاملة الكفار وفق الشرع

معاملة الكفار وفق الشرع Q يوجد معنا في العمل معرضين وغير مسلمين كيف نعاملهم؟ A أرى أن تعاملهم معاملة غير المسلمين، الحسن مطلوب، قال الله لبني إسرائيل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] أي: البسمة واللطف في الكلام كمن صنع لك معروفاً تقول له: شكراً ومن هذا الكلام، لا يعني أنك مسلم وهو كافر أن تدخل عليه مغضباً وتخرج مغضباً وأن تلعنه في الصباح وفي المساء وتدعو عليه، هذا ليس أمر، الرسول صلى الله عليه وسلم عامل اليهود بالتي هي أحسن، والنصارى بالتي هي أحسن، لكن هناك أمور ضبطها العلماء ولابد أن تأخذ منها موقفاً: منها: أن تشعره بعزتك أنك مسلم، ولا تأتي إلى عدو الله الخواجة الذي هو أنجس من الكلب والخنزير وترفعه إلى درجة حتى توهمه أنه أفضل من المسلمين، أو يأتي في مراجعة فتقدمه على المسلمين المصلين الساجدين الراكعين، أو يأتي في أمر فتقدمه في الطابور على الناس، أو تجلسه وتترك الناس المسلمين واقفين، فهذه من الإهانة لدين الله عز وجل، وهذا من الجرح في صميم الإسلام، وهدم للإسلام، لابد أن تشعره أنه كافر، لكن لا يحملك هذا إلى أن تتعدى على شخصيته وتجرح شعوره، ثم إنك لا تجعله خدناً لك وصاحباً تزوره ويزورك، وتأنس به ويأنس بك، لا. قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ} [المجادلة:22] ما دام حاد الله فلا تحمل له مودة وإنما تتعامل معه بحسن المعاملة وتسمى مصاحبة عمل أو طريق كما فعل ابن مسعود مع أحد اليهود صاحبه فأحسن إليه، فلما تفرقا نظر إليه ابن مسعود وودعه، فقال له الناس: مالك؟ أما تعرف أنه يهودي؟ قال: أعرف ولكن الله يقول: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] هذا وارد، فلا بد من إشعاره بعزة الإسلام وإشعاره أنه الأقل، ولكنك لا تتخذه خدناً ولا صاحباً وهذه المعاملة تكون على هذه الضوابط.

بيان عقيدة بعض الفلاسفة

بيان عقيدة بعض الفلاسفة Q نرجو أن تبين لنا عقيدة كل من هؤلاء: (الرازي وابن سينا، أبو حيان وابن البيطار وجمال الدين الأفغاني،)؟ A فخر الدين أبو بكر الرازي صاحب التفسير، إن كان يقصده هذا الأخ السائل لا يقصد الطبيب الثاني، وابن تيمية رد على المفسر ولم يرد على الطبيب، ولكن للفائدة هذا المفسر الرازي ظهر من كلامه أنه أشعري بلا شك، والعجيب من ذلك أنه يميل إلى الاعتزاليات كثيراً، وقد قدم العقل على النقل، ولذلك رد عليه شيخ الإسلام الجهبذ ابن تيمية بكتاب: درء تعارض العقل والنقل فأتى بنيانه من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم، ولذلك يقول الرازي: الدليل النقلي والعقلي إذا تطابقا فإما أن نجمع بين النقيضين وهذا محال وإما تكذيبهما وهذا محال ولم يبق إلا أن نقدم العقل، فأتى ابن تيمية فرد عليه، والرازي هذا له تفسير والذي نعتقده أنه مسلم إن شاء الله، وعنده علم حتى في الفلسفة ولذلك يقول الشاعر: كذب الذي بـ أبي علي قاسه هيهات يبلغ مستواه أبو علي وأبو علي: هو ابن سينا يقول: إن الرازي أعظم وأذكى من ابن سينا. وله تفسير جيد يقولون: فيه كل شيء إلا التفسير، أتى بالكيمياء والفيزياء والهندسة والطب وكل العلوم حتى الجغرافيا إلا التفسير فسلم منه كتابه، ولكن ليس هذا بصحيح، قال بعض الكتبة: ليس بصحيح بل وجد فيه تفسير كثير، أما الأحاديث الموضوعة فحدث ولا حرج كلها من مسند الفردوس، حتى يأتي يقول: تكور الشمس والقمر كالثورين وتسقط في النار، حديث صحيح، من أين صححته سامحك الله؟ والرازي قليل البضاعة في الحديث ولا يؤخذ بتوثيقه ومعتقده يسمي أهل السنة أحياناً بالحشوية وهو لم يكمل تفسيره. أما الطبيب الفيلسوف فنقلت عنه كلمات والله حسيبه، لكن ليس له دور في العلم التنظيري، وهو صاحب عقاقير وأعشاب ولفائف، لكنه ذهب في المنطق فتردى. أما ابن سينا فكثر الكلام فيه، وبعض الناس يفتخر بـ ابن سينا الاسم اللامع ويحسبه على المسلمين، وهو فيلسوف بضاعته من بضاعة سقراط وبقراط وأولئك الملأ، ليست من بضاعة صاحب طيبة عليه الصلاة والسلام، وابن تيمية يقول: إن الله لن يغفل عن المأمون لما أدخل من كتب الفلسفة في بلاد الإسلام، نحن عندنا خير لا نحتاج إلى الفلسفة أو المنطق، يقول ابن تيمية: علم المنطق أو الفلسفة لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل، لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع منه البليد. فـ ابن سينا يُسمى: ذنب الصابئة وفرخ المجوس، وورد أنه كفر بثلاث كلمات كما قال الغزالي في كتاب: تهافت الفلاسفة منها: يقول: إن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات، وأن المعاد الجثماني لا يكون وإنما المعاد يكون للروح، ولذلك ألقى قصيدته في النفس فيقول: هبطت إليك من المكان الأرفع ورقاء ذات تعزز وتمنع ثم ذكر عقيدته، وتكلم كذلك في الغيبيات والسمعيات بكلام لا يصلح، حتى قال بعض العلماء: إن كان صح عنه ما يقول في بعض المقالات فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وأما أبو حيان فهما اثنان: أبو حيان الأندلسي الذي هو من أقران ابن تيمية النحوي الذي دخل دمشق ودخل مصر، فهذا ذكي لماع من أكبر النحاة، أتى إلى ابن تيمية فمدح ابن تيمية مدحاً راقياً بقصيدة رائعة، وكان ابن تيمية كما تعرفون من أذكياء الدنيا، قال أبو حيان هذا لـ ابن تيمية: ما أظن أنه يؤلف في الدنيا مثل الكتاب لـ سيبويه، قال ابن تيمية: سيبويه ليس نبياً ولا معصوماً في كتابه أخطاء، قال أبو حيان: ليس في كتابه أخطاء؟! قال ابن تيمية وغضب: في كتابه ثمانون خطأً لا تعرفها أنت ولا يعرفها سيبويه، وهو صحيح فـ ابن تيمية أخرج الثمانين خطأً، فغضب أبو حيان على ابن تيمية فأخذ يتهزر به ويستهزئ في قصائده بعد أن مدحه لأن الهوى ركبه، فهو محسن ومسلم ونحوي قوي رحمه الله. وأما أبو حيان التوحيدي فعليه من الله ما يستحقه، ونسأل الله أن يجازيه بعدله، هذا مجرم ألف كتباً -يحارب بها الإسلام- ويحارب بها القرآن وهو مثل ابن الراوندي الذي يسمى: الكلب المعفر أكل عجين المسلمين، فهو مثل أبي حيان التوحيدي، وأتت منه كلمات تدل على زندقته، واستباح المسلمون قتله لكن ما ظفر بقائد يذبحه مثل ما فعل خالد بن عبد الله القسري يوم قام، وقال: أيها الناس: إن الجعد يقول: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، يا أيها الناس: ضحوا تقبل الله أضحياتكم وإني مضحٍ بـ الجعد بن درهم عن سبعة، ثم أخذ سكينةً وافترش الجعد أضحية عن سبعة، وذبحه مستقبل القبلة ولذلك يتفنن ابن القيم وهو يشكر هذا الظالم، خالد بن عبد الله القسري ظالم لكن أحسن في هذا قال: ولذاك ضحى خالد بـ الجعد يوم ذبائح القربان إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان من أراد أن يتقرب يفعل مثلك، فلو وفق أبو حيان بسلطان مسلم كان ذبحه وكان أجزأه عن سبعه {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36]. ابن البيطار هناك أديب اسمه: ابن البيطار ما أظن أنه يعتقده هذا الأخ؛ لأن هذا الأخ ذكر مصاف الفلاسفة وما أدري أتته كلمة ابن البيطار يمكن قرأها في ترجمة وهو أديب ليس بالشهير، وهو رقيق العبارة في شعره مثل ابن الغزي ومثل ابن الخياط وله مقطوعات رائقة، ليس فيه كلام لأنه ليس صاحب معتقد، لا يحمل معتقداً باطلاً، ولا يتحمس للمعتقد الحق، وهو صاحب شعر، وبعض الناس مسألته في الحياة شعر فقط، يريد أن يشعر مثل المتنبي، يذهب فيمدح الملك هذا ويقول: أنت درة الزمان وبركة الوقت وفاتح الدنيا، فإذا أعطاه كيساً، ذهب وذمه، ويذهب إلى الآخر فيمدحه كما فعل في سيف الدولة وكافور وعضد الدولة، فهذا ليس له رسالة في الحياة.

حكم السفر والحج بالخادمة

حكم السفر والحج بالخادمة Q هل يجوز أن أحج بالخادمة فقط مع العلم أني حلفت لها بذلك؟ A ما دام وصل الأمر بك إلى أن تحلف للخادمة فنسأل الله أن يعافينا مما أصابك، أصبحت الخادمة كأنها زوجتك، كأنك تقرع بين نسائك أن تسافر وتحج معك، الخادمة لست بمحرم لها، بل أنت رجل أجنبي عليها، يحرم عليك أن تراها وتخلو بها في سفر، وأن تكلمها إلا من وراء حجاب، أما أن يصل بك الحال إلى أن تقول: ما رأيك في الحج في هذه السنة؟ أريد أن نحج إن شاء الله فهي أصبحت زوجة؟ نعوذ بالله من الخذلان، الخادمة إن كنت اضطررت إليها فلا بد أن تكون مسلمة متحجبة، وإذا كان معها محرم فهو الأولى، وألا تراها ولا تراك، أو تبقى في البيت ولا تخلو بها أبداً.

تعرض الغزو الفكري للمرأة المسلمة

تعرض الغزو الفكري للمرأة المسلمة Q أرجو تسليط الضوء على الأخطار المحدقة بالمرأة المسلمة أو طريق الغزو الفكري؟ A الأخطار المحدقة كثيرة. تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد لو بقينا نتكلم لطالت الليالي في الأخطار، لكن المرأة المحاربة اليوم تحارب بفنون الحرب، منها: الحرب على الحجاب وهو أخطر حرب تعرضت له المرأة المسلمة، قبل سنوات من يوم أطلق ذاك المجرم كلمة: (مزقيه) فتتابعت الصيحات من كثير من الناس بتمزيق الحجاب والخروج على الحجاب، وإنما معناه الخروج على الإسلام، فالدعوة إلى ترك الحجاب هي أكبر ما تعرضت لها المرأة، وكذلك تعرضت للأفلام والمسرحيات، والأغنيات الماجنة التي تعرض للرجال الأجانب، وتعرض العورات، حرب تعرضت له المرأة من قبل الذين ينادون بحقوق المرأة، وهم الذين قتلوا المرأة، وأعدموها وسفكوا دمها قاتلهم الله. قالوا هم البشر الأعلى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا فهذا لينين يقول: المرأة ملعونة فتانة، الأمريكان لما أدخلوا المرأة في الجيش ليس لخدمتها وتعليتها؛ إلا لأنه في الحرب العالمية سحق الأمريكان وقتل الكثير منهم، فاحتاجوا إلى الفتاة فأدخلوها تصارع الأحداث وتقوم بالطائرات وتركب المدفعية والصواريخ، وهذا هضم للمرأة، الجاهليون أحرموها من الميراث وما سمعوا لها كلمة، غاندي ينظر إلى المرأة باستهزاء ويرى أنه لا عقل لها تماماً، كل هؤلاء في جانب، والرسول صلى الله عليه وسلم أتى إلى المرأة فقال: {إنهن عوان عندكم} {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} {الله الله في النساء} الرسول صلى الله عليه وسلم جعل لها حظاً في الميراث، وأخبرها أن بيتها هو سترها وعفافها وصيانتها، وأخبرها إن ربِّت أبناءها فهي مأجورة ومشكورة وأخبرها إن أطاعت زوجها دخلت جنة ربها مع طاعة الله عز وجل، وكرمها وسمع كلمتها، وغضب صلى الله عليه وسلم للمرأة، وعاش معها أباً وأخاً وزوجاً، فلا إله إلا الله كم أعطى الإسلام المرأة من حق! ولا إله إلا الله كم هدمت الوثنية والصهيونية والرأسمالية والشيوعية من حق المرأة، وكم حاربت المرأة!

حكم تأخير الصلاة

حكم تأخير الصلاة Q هل يجوز للمرأة أن تؤخر صلاتها إذا كانت في السوق إلى أن تعود إلى المنزل أم ماذا؟ A ليس للمرأة أن تؤخر صلاتها إذا كانت في السوق حتى تعود بأي عذر، فليست معذورة وهي آثمة إذا أخرت صلاتها حتى خرج وقتها، وتعرفون ماذا قال أهل العلم فيمن أخر صلاته حتى خرج الوقت، فهذا ليس بعذر وعليها أن تتقي الله ولا تؤخر هذه الصلاة عن وقتها، فإنها آثمة ولا عذر لها بالخروج، ولا بالذهاب والإياب، لأنه لابد من عذر شرعي كإغماء أو نوم أو نسيان، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها} ولم يذكر عذراً آخر عليه الصلاة والسلام.

حكم حجاب المرأة عن الأقارب

حكم حجاب المرأة عن الأقارب Q ما هو الحكم بالنسبة للزوجة في عدم التغطي أو الاحتجاب عن الأقارب مع العلم بمعرفتها بحكم الإسلام وهي رافضة لاتباعه؟ A إن كانت تقصد الأقارب: الأخ والأب والقريب الحميم فيجوز لها ترك الحجاب، ما تتحجب في وجهها، لأنه قريب لها، وإن كانت تقصد الأقارب فيما يسمون أقارب في العرف مثل: أبناء العم وأبناء الخال وهم ليسوا بأقارب ويسمونهم الناس أقارب، فهؤلاء ليسوا بأقارب والحمو كذلك زوج الأخت أو أخو الزوج هذا الأمر لا ينبغي كذلك، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {الحمو الموت} فالحجاب معروف ولكن السؤال فيه عمته ولم ينجل إلى الآن.

دخول المؤمنين الجنة قبل الحشر

دخول المؤمنين الجنة قبل الحشر Q لقد سمعت بأحاديث أكثرها أن بعض أبطال الإسلام رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة كـ جعفر الطيار وبعض أصحابه كيف يكون ذلك، والجنة مقفلة وأول من يفتحها ويدخلها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؟ A يا أيها الأخ الكريم! أنا أذكر لك مثلاً ثم أذكر لك ضابطاً في الأخير، أذكر لك مثالاً، الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه دخل الجنة وأنه رأى فيها الرميصاء أم سليم، وأنه رأى عثمان بن مظعون في الجنة، وسمع صلى الله عليه وسلم دفَّ نعلي بلال في الجنة، وقال له: {ماذا كنت تفعل؟ قال: ما توضأت في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت ركعتين} ورأى صلى الله عليه وسلم الجنة وقد عرضت له في الحائط وهو يصلي صلاة الكسوف وهذا حديث صحيح، وأمثلة كثيرة، والمسألة مقررة نقبلها على العين والرأس؛ لأنها أتت من المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، أما قولك: كيف يدخلون الجنة وهي مقفلة؟ فهي ليست مقفلة يدخلها الصالحون فإذا أراد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يقيم الساعة، فإنه يخرج الناس سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لفصل القضاء في العرصات، وهذا من علم الغيب الذي لا تتدخل فيه العقول {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:1 - 3] فإيمانك بالغيب يقتضي أن تسلم بما أتى به صلى الله عليه وسلم وما أتى في الكتاب، وهذه ليست مشكلة -والحمد لله- فهي سهلة، يدخلهم الله الجنة ثم يخرجهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى العرصات ليقتص بين بعضهم البعض ويحاكمهم، ثم يدخلهم الجنة، ودخولهم لم يخالف فيه أهل السنة والجماعة ولا أحد منهم وإنما خالفت فيه المعتزلة وقالت: الجنة والنار لم تخلق بعد، وقال أبو الهذيل العلاف: إن النار تفنى، وهذا مذهب سقيم ليس بصحيح، ولذلك يقول حافظ الحكمي في التوحيد: والنار والجنة حق وهما موجودتان لا فناء لهما فالجنة والنار إلى الآن موجودتان.

كيفية التآخي في الله

كيفية التآخي في الله Q كيف ينبغي أن يكون التآخي في الله؟ A التآخي في الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يحتاج إلى كلام طويل، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] وهو عقد عقده الله عز وجل ما عقده أحد غيره، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران:103] والتآخي يكون بمعرفة حقوق المسلم على أخيه المسلم، بالسلام عليه إذا لقيته، وبحبه، والدعاء له، والزيارة، والعيادة له إذا مرض، والتشميت له إذا عطس، وتشييع جنازته، وهذا مجال طويل ولكن عليك أن تعود إلى الكتاب والسنة في حقوق الإخاء.

التعصب يكون للحق لا للأهواء والرجال

التعصب يكون للحق لا للأهواء والرجال Q من العوائق التي أثرت على شباب الإسلام تعصبهم لبعض العلماء والمشايخ في أمور خلافية، هل من نصيحة؟ A التعصب لغير الحق أو للهوى مذموم، والتعصب لبعض المشايخ أو الانتماءات من علامات مركب الهوى الذي يركبه بعض الناس، وأنا أدعو الأخ أن يكون محباً لا متعصباً، لا يتعصب إلا للحق، ولا يوافق إلا مع الدليل، فإن التعصب لغير الحق معناه: الهوى نعوذ بالله منه، واعرف الحق تعرف أهله، ولا تعرف الحق بالرجال، فأنا أوصي الإخوة أن يتقوا الله ويعرفوا الأدلة، ولا يتعصبوا لأحد من الناس إلا لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الخروج في سبيل الله للدعوة

الخروج في سبيل الله للدعوة Q ما رأيكم في الخروج في سبيل الله مع العلم أن عملي لا يسمح لي بهذا الواجب فهل أنا مطالب بالدعوة إلى الله؟ A أما الخروج في سبيل الله قصدك الدعوة وعملك لا يسمح فعليك أن تدعو إلى الله في عملك، لا تترك عملك لأنه شبه الفريضة عليك، ولأنك تحتاج إلى عملك ومضطر إليه، فلا تخرج من فريضة إلى نافلة وتضيع عملك وقد تجني على نفسك من خروجك هذا، فادع في مكانك، وأصلح وأنت في مكانك فإن الله لا يضيع من عملك شيئاً.

دعوة إلى حفظ القرآن

دعوة إلى حفظ القرآن Q ما هي دعوتك للشباب في حفظ القرآن؟ A حفظ القرآن من أعظم المناقب في الإسلام، وفي أثر لا يصح مرفوعاً: [[من حفظ القرآن فقد استدرج النبوة غير أنه لا يوحى إليه]] وفي حديث حسن: {يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارتق ورتل، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها} وعند الترمذي بسند فيه نظر: {إن الذي ليس في قلبه شيء من القرآن كالبيت الخرب} فعلى المسلم أن يجتهد في حفظ القرآن، ويعين على حفظ القرآن أربعة أمور: تقوى الله، وكثرة الاستغفار، والتقليل من الحفظ مع المداومة والمراجعة باستمرار، وقراءة المحفوظ في الصلاة.

التفريط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

التفريط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Q قضية الإفراط والتفريط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ A نعم. وجد من الدعاة من فرط وأفرط، وجد منهم من تشدد على الناس حتى وصل به إلى تكفير الناس والتشديد في الأحكام على الناس، والتعسير في الدعوة على الناس، وإخراجهم من الاستقامة، وتبكيتهم بكلمات حتى نفروا منه، فيطالبهم هو بالسنن قبل الفرائض، ويطالبهم بالآداب قبل السنن وهذا ليس بصحيح، ووجد من الدعاة من تساهل، وقال: المسألة مسألة إسلام وصلوات خمس، أما اللحى وتقصير الثياب والسواك فهذه قشور، وهذا خطأ والوسط معروف وهو: أن تعطي كل مسألة مساحتها كما أعطاها القرآن، العقيدة لها حجم كبير، ثم الفرائض ثم النوافل ثم الآداب، لكن لا تنسى هذا عن هذا، بل تعطي الأولويات في الدين.

حكم زيارة الجار الذي لا يصلي

حكم زيارة الجار الذي لا يصلي Q هل يجوز زيارة الجيران إذا كان الجار لا يصلي، وكان مجاوراً في السكن وقد سبق أن نصحناه ولكن دون جدوى؟ A هذا الجار إذا نصحته بالتي هي أحسن وكررت النصيحة عليه لا تهجره حتى تنصحه، فإذا نصحته وكررت عليه بالتي هي أحسن ثم أعلن أنه لن يذهب ولن يصلي مع الجماعة فاهجره ولا تزره لأنه قد حاد الله بفعله.

حكم التأمين على الأملاك

حكم التأمين على الأملاك Q ما هو حكم التأمين على السيارة؟ A هذا التأمين آخر ما توصل إليه في بعض الصور كهذه الصورة أنه لا يجوز؛ لأنه أولاً: شك في قدرته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والأمر الثاني: عدم التوكل عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وفيه أكل أموال الناس بالباطل ثم فيه تزجية الأموال.

معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم Q ما معنى صلى الله عليه وسلم؟ A معناها: الرحمة من الله عز وجل والرضوان: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب:56] ومن الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103] فهي الرضوان من الله ورفع المنزلة له، والسلام كذلك إفاضة الخير عليه صلى الله عليه وسلم.

وضع المال في البنك بدون أرباح

وضع المال في البنك بدون أرباح Q ما حكم وضع المال في البنك دون أخذ أرباح؟ A وضع المال في البنك بدون أخذ أرباح أيضاً لا يجوز؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ولا تقوم هذه البنوك إلا بمثل هذه الأموال، فتركك لمالك معهم معناه: أنك أعلنت تعاونك ومساعدتك لهم فسواء أخذت أم لم تأخذ فقد أخطأت، لكن عليك أن تسحب مالك وتستغفر الله وعفى الله عما سلف.

الفرق بين المداراة والمداهنة

الفرق بين المداراة والمداهنة Q ما هو الفرق بين اللين والمداهنة؟ A لو قلت: الفرق بين المداراة والمداهنة كان أحسن، المداراة هي: أن تدفع شيئاً من دنياك لبقاء دينك، والمداهنة هي: أن تتنازل عن بعض دينك من أجل دنياك، فالمداراة: أن تدفع شيئاً من دنياك من أجل دينك ليبقى، كأن تتبسم لمن تخشى بطشه أو تخشى اعتداءه على حرمات المسلمين، أو تلين له في الخطاب كما فعل موسى مع فرعون، والمداهنة: أن تتنازل بشيء من دينك من أجل دنياك، تذهب إلى بعض الناس وتمدحه وهو طاغية فاجر ليعطيك شيئاً من المال فتكذب على الله وتشهد الزور من نفسك، فهذا مداهنة.

حقيقة الرهبانية

حقيقة الرهبانية Q ما هي الرهبانية؟ وما حكمها في الإسلام؟ وهل صحيح ما يقال أنها أصبحت ظاهرة؟ A الرهبانية من النصرانية وهي: الانزواء عن الناس، والجلوس في الصوامع، وترك الحياة وملاذ الجسم والانعكاف على الروح، {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} [الحديد:27] والرسول صلى الله عليه وسلم ذمها وأنكر على أصحابه يوم أرادوا الانعزال وترك اللحم والنوم، وأما إن كانت ظاهرة فأما في بلاد الإسلام فليس صحيح، ليست ظاهرة والحمد لله، ووجد عند بعض الأفراد قلة من شدد على نفسه وترك الملاذ وأنكر استخدام هذه النعم مثل الصالات والكنبات والمكرفون والكرسي والأدوات والساعة والنظارة وغيرها، وهذا نوع من الرهبنة، ولكن -والحمد لله- ليست ظاهرة، لأن الظاهرة هي التي تحكمت وعرفت واشتهرت بين الناس وعرفت.

كثرة الوسوسة في الصلاة والخجل من الناس

كثرة الوسوسة في الصلاة والخجل من الناس Q هذا سائل يشكو من كثرة الوسواس في الصلاة، والخجول في دعوة الناس إلى الحق؟ A أما الوسوسة في الصلاة فهو مرض فعليك أن تستعيذ بالله منه، وهو يذهب عليك أجرك ومثوبتك وصلاتك، وهو درجات: منهم من يوسوس قليلاً فعليه أن يعلم أن هذا وارد ولا يسلم منه أحد، ولذلك في حديث عمار عند النسائي: {من الناس من لا يخرج من صلاته إلا بنصفها بثلثها بربعها إلى أن قال: عشرها ومنهم من يخرج من صلاته وما له منها شيء} لكن عليك أن تتقي الله عز وجل في حضور قلبك، أما الوسواس فإن عثمان بن أبي العاص في صحيح مسلم شكا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شيطاناً لبس عليه صلاته، قال: حتى ما أدري ماذا أقول، قال: {إذا أحسست به فانفث عن يسارك ثلاثاً وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم} وهذا يقال لمن بلغ درجة لا يعرف ماذا قرأ الإمام، أو ماذا قرأ هو، وفي أي ركعة، أصبح ملبساً عليه، وهذا نادر في الناس. أما خجولك من الناس والوقوف أمامهم فلا يقتضي من الداعية أن يكون كل الناس خطباء، ولا كل الناس متحدثين، ولا كل الناس مذكرين ومفتين، جلوسك وأدبك وسمتك وتقواك مع زملائك وإخوانك دعوة إلى السبيل، وتسهيلك مهمة الدعوة دعوة، واستضافة الدعاة العلماء دعوة في سبيل الله، والمساعدة بالمال دعوة، ونشر الكتب دعوة، هذا أمر، وإن أردت ذلك الأمر فعليك التدرب، أن تتكلم فإن الأمر يأتي بالتعلم تدريجياً حتى تصل إلى ما تريد.

حكم زيارة الوالدين إذا كانا مبتدعين

حكم زيارة الوالدين إذا كانا مبتدعين Q إذا كان أهلي يعتقدون غير معتقد أهل السنة والجماعة، وزيارتي لهم تسبب لي بعض المشاكل التي تحدث من سب الوالد وغيره، ويوجد عندهم تلفزيون وفيديو لا أستطيع إغلاقه نظراً لأنها تؤثر على تربية أبنائي، فهل إذا قطعت صلتهم علي إثم؟ A هذا سؤال مركب، فيه مرض شبهات ومرض شهوات، أما ما ذكرت من أنهم ليسوا على معتقد أهل السنة والجماعة لابد أن تحدده، إن كانوا أهل بدع فهناك بدع خفيفة وبدع مغلظة، وهذا أمر بحث وموجود في الساحة وهو معروف من الأحاديث، ومن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، لكن مما يقال: إن عليك أن تصل والديك ولو كانا كافرين، ففي الصحيح أن أسماء قالت: {يا رسول الله! قدمت أمي وهي مشركة أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك} والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] فعليك بزيارتهم فإذا خشيت على أبنائك من مفسدة فزرهم في وقت عجالة، أو زرهم أنت بنفسك واترك أبناءك ولا تقطعهم ولو كانوا كفاراً.

حكم تقصير الثوب إلى فوق الساق

حكم تقصير الثوب إلى فوق الساق Q بعض الشباب المسلم الطيب يقصر ثوبه أعلى من فوق الساق، فهل في ذلك مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم؟ A السنة إلى نصف الساق، ولا بأس فيما زاد إلى فوق الكعبين، أما إذا أصبح فوق الساق إلى الركبة صار فنيلة ولم يصبح ثوباً، الفنيلة شيء والثوب شيء آخر، ولا يصبح ساتراً، يصبح إلى الركبة ثم يسجد فلا يستره، والسنة إلى نصف الساق وهو أزرة المؤمن، وما زاد إلى الكعب فلا بأس به، لكن لا ينزل عن الكعب فإنه من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه، وما أسفل الكعب فهو في النار، فهاتان عقوبتان: عقوبة عدم النظر تأتي من الجر خيلاء، وعقوبة النار تأتي من مطلق الجر في الأرض، أو تحت الكعبين، وأما السنة فإلى نصف الساق وما زاد فليس فيه أثر. وإذا نزل السروال قليلاً دون أن يصل إلى الكعب فهل في ذلك حرج؟ ليس فيه حرج، وبعض الناس يقصر ثوبه إلى الساق وينزل سرواله إلى الأرض، أسبل في السروال وقصر في الثوب، فهو سني في الثوب ومخالف في السروال.

عقيدة جمال الدين الأفغاني

عقيدة جمال الدين الأفغاني Q ما رأيك في عقيدة جمال الدين الأفغاني، مع أني قرأت في كتاب جيد أن جمال الدين الأفغاني انتسب إلى الماسونية؟ A جمال الدين الأفغاني من الدعاة، والذي عرفت أنا من سيرته أن الرجل فيه رفض، ولذلك بارك الدولة الصفوية وذهب إلى الحاكم الصفوي في طهران وبارك مسيرتها هذا الذي عرفت عنه، أما مسألة الماسونية فلا أقف على ما ليس لي به علم ولا أتهمه في ذلك فالله وكيله.

حكم الأكل من مال الولد العاصي والفاسق

حكم الأكل من مال الولد العاصي والفاسق Q رجل فاسق وعاصٍ للوالدين، فهل يجوز له أن يعطي والديه من المال الذي يملكه، وهل يعتبر هذا المال حلالاً عليهما؟ A هذا الابن الذي عق والديه، أو عصى الله وأعطى والديه من المال، لهما أن يأخذا من هذا المال وليس بحرام عليهما لحديث: {أنت ومالك لأبيك} وقد يكونا مضطرين إليه، فإذا استغنيا فهو أحسن، لكن إذا كانا بحاجة فيأخذا من المال، وقضية الترك أو التحرص في الأكل وارد، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل طعام أهل الكتاب وقدمت له هدايا من اليهود فأكلها صلى الله عليه وسلم، فمثل حال هذا الولد، يجوز أن يأخذ الوالد والوالدة من ماله إذا كانا في حاجة، وإن استغنيا كان أحسن.

حكم من أخر العصر عن وقتها

حكم من أخر العصر عن وقتها Q أنا شاب أعمل وأخرج من العمل عند أذان العصر، ثم أذهب إلى البيت وأتغدَّى وأصلي صلاة العصر في البيت، وهكذا في أكثر الأيام، هل هذا جائز؟ A أخطأ خطأً بيناً لما أخر الصلاة عن وقتها وترك الجماعة، وأخطأ وهو عاصٍ لكنه لا زال يقضيها في الوقت، أما إذا تركها حتى يخرج وقتها فقد أثم، وقد يصل عند بعض العلماء إلى درجة الكفر؛ لأنه تعمد تأخيرها حتى خرج وقتها، أما فعله فهو فسق، ومن يفعل هذا ويداوم عليه فهو فاسق آثم معاقب، فعليه أن يتوب ويستغفر ويصلي الصلاة في وقتها.

حكم مساكنة من لا يصلي لأجل دعوته

حكم مساكنة من لا يصلي لأجل دعوته Q ماذا تقول فيمن يسكن مع الذي لا يصلي، ويعتقد أنه سوف يؤثر عليه ولكن يصلي أحياناً، ويترك أحياناً هل يبقى يدعوه ويساكنه؟ A الذي يسكن مع الذي لا يصلي يعرض نفسه لمخاطر، أما قضية (أؤثر عليه) فكثرت بين الدعاة وبين الشباب، فنقول له: اتق الله، قال: أوثر عليه، تؤثر عليه بعد عشرين سنة! فالمسألة أن يجعل حداً فاصلاً له، ثم أن يرى نتيجته مع هذا، إن كان يقبل على الله عز وجل وعنده تأثر وهو سوف يهتدي فلا بأس إذا كانت فترة محددة، أما أن يستمر معه فإنه خطأ لأنه من موادة من حاد الله، ومن ترك الصلاة فقد كفر.

نجيب محفوظ في الميزان

نجيب محفوظ في الميزان Q ما هي معتقدات الأديب نجيب محفوظ علماً بأنه أخذ جائزة نوبل؟ A نجيب محفوظ ما نشر عقيدة ولا نظر لعقيدة، إنما هو من الذين يعيشون الأدب باسم الأدب، شهيد الأدب وشهيد الفن والجمال، ورسالته معروفة وهو لم يأتِ فيه ما أعلم من الضرر كما أتى غيره ولو أن له كلمات حفظت عنه، لكن أقصد: لم يكن سفيهاً لدرجة، مثل ما فعل توفيق الحكيم ومثل ما فعل طه حسين يستهزئ بالإسلام وبالرسالة الخالدة، ويقول طه حسين: إن بين الأوس والخزرج وبين قريش لإحنٍ في الجاهلية ويتكلم ببذاءة، مثل توفيق الحكيم السفيه، وقد علم كل أناس مشربهم، أما نجيب محفوظ لا أعرف أن له رسالة في الإسلام، وليس له أثر وسيموت وحسابه على الله عز وجل، ولا أعرف ما أستند عليه حتى أحكم على الرجل.

الحداثة وخطرها على الأمة

الحداثة وخطرها على الأمة Q هل من كلمة مختصرة توضيحية عن أدب الحداثة وخطرها على الأمة؟ A أدب الحداثة سمعتم عنه كثيراً في أشرطة وكتب، وأدب الحداثة يرى أصحابه ولو أنهم يتخفون بهذا الكلام لأن كلامهم باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، فهم يرون الثورة على كل قديم بما فيها الإسلام والقرآن والسنة، ويرون إلغاء كل قيم بدأت من صدر الإسلام حتى يقول بعضهم في صحف أمريكية: ما رأينا النور منذ عشرين قرناً. فالله حسيبه نسي نور الرسول صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فهو ينتظر ليأتي ريجن له بالنور، وماله إلا الظلام، وهذا إن لم يتب من كلامه فالله يتولاه. هذه هي الحداثة وهم على قسمين لكن لا بأس أن أحشر قسماً في قسمين: قسم يرى أن الحداثة فن وأسلوب وقالب شعري، لكن لابد من المضمون أن يكون إسلامياً فلا بأس على هؤلاء ونحن لا نخالفهم، فمسألة أن يكون الشعر منظوماً على البحور أو منثوراً أو حراً لا بأس به، الأمر فيه سعة. وقسم آخر: يرى أن يكون المضمون والقالب لابد أن يكون فيه تجديد حتى للإسلام ولشعره ومبادئه والقرآن، فهذا كافر زنديق ملحد عدو للإسلام.

القصيدة البازية وقصيدة أمريكا التي رأيت

القصيدة البازية وقصيدة أمريكا التي رأيت Q نود أن نسمع منك بعض القصائد مثل البازية وأمريكا التي رأيت؟ A هذه تكررت على الإخوة وسئموا منها، البازية في سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً لك الله قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي أغراهم المال والدنيا تجاذبهم ما بين منتعل منهم ومن حافي مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعالي ولم تولع بإرجافي بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطير في إشراقه الضافي تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصدافي أقبلت في ثوب زهدٍ تاركاً حللاً منسوجة لطفيلي وملحافي تعيش عيشة أهل الزهد من سلف لا ترتضي عيش أوغادٍ وأجلافي فأنت فينا غريب الدار مرتحل من بعد ما جئت للدنيا بتطوافي سر يا أبي واترك الدنيا لعاشقها في ذمة الله فهو الحافظ الكافي أراك كالضوء تجري في محاجرنا فلا تراك عيون الأغلف الجافي كالشدو تملك أشواقي وتأسرها بنغمة الوحي من طه ومن قافي ما أنصفتك القوافي وهي عاجزة وعذرها أنها في عصر أنصافي يفديك من جعل الدنيا رسالته من كل أشكاله تفدى بآلافي وأما أمريكا التي رأيت فأنا أذكر من الجدية ومن الهزلية ذكرت في مواطن، من الجدية للأمة الإسلامية: يا أمة ضرب الزمان بها جموح المستحيل وتوقف التاريخ في خطواتها قبل الرحيل سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل وسقت شفاه الوالهين سلافة من سلسبيل يا أمة كم علقوا بكيانها خيط الخيال وهي البريئة خدرها فيض عميم من جلال شاهت وجوه الحاقدين بكف خسف من رمال موتاً أتاتورك الدعي كموت تيتو أو جمال يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلي الإنسان خابوا ما لهم إلا الرماد جثث البرايا منهم في كل رابية وواد ما زرت أمريكا فليـ ست في الورى أهل المزار بل جئت أنظر كيف ند خل بالكتائب والشعار لنحرر الإنسان من رق المذلة والصغار وقرارنا فتح مجيد نحن أصحاب القرار ورأيت أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسام قد زادني مرأى الضلا ل هوىً إلى البيت الحرام وتطاولت تلك السنون فصار يومي مثل عام ما أرضهم أرض رأيت ولا غمامهم غمام

الانتفاضة ليست بجهاد خالص

الانتفاضة ليست بجهاد خالص Q هل الانتفاضة في فلسطين هي جهاد أم لا؟ A الانتفاضة انتفاضة، والجهاد جهاد وفلسطين هي فلسطين، فأما الانتفاضة وتحديدها فأظن فيها الغث والسمين، فيها مسلم يرفع لا إله إلا الله، وفيها علماني يشير بسبابتيه وكأنه انتصر وهو يسحق، وفيها قومي يريد القومية، وفيها ترابي وفيها وطني ولكن نحن ندعو الله أن ينصرهم وأن يعيد فلسطين للإسلام، وأن يعيد كل أرض ليحكم فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله.

كلمة في التبرع

كلمة في التبرع Q كما تعلم أن لنا إخوة في العقيدة يعانون من شدة البرد الشديد القارس، ويعانون من نقص في الأطعمة التي يحتاجون إليها، فهل لفضيلتكم كلمة موجهة للأحباب في هذا المجلس الطيب حتى يقدموا ما تجود به أنفسهم؟ A أفغانستان أو المجاهدون الأفغان يعرَّفون بأنهم قوم تركوا ملاذ الطعام والشراب، وخرجوا لرفع راية الله والكتاب، وحاربوا الشيوعي الملحد، وأعلنوا قوة الإسلام وعظمته وتفوقه. المجاهدون الأفغان أثبتوا أن الأصالة لهذا الدين، وأن البقاء لهذا الدين. المجاهدون الأفغان أذاقوا الكافر الويلات، وهدموا ذاك الحصن الذي كان يعيشه كثير من المسلمين أن أمريكا وروسيا لن تغلب في الأرض، غلبوها وأذلوها وسفهوا برأيها. يا أمة النصر والأرواح أثمان في شدة الرعب ما هانوا وما لانوا هم الرعود ولكن لا خفوت لهم خسف ونسف وتدمير وبركان كم ملحدٍ ماجنٍ ظن الحقوق له زفوا له الموت مر وهو مجان فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ هؤلاء الأمة لهم منا الدعاء، وأنا أدعوكم إلى أن تقفوا معهم موقف المسلم مع أخيه المسلم، بالمال وبالدعوات ومن يستطيع الجهاد وكان له فرصة وانتفت الموانع فليجاهد في سبيل الله، إنما نشاركهم لأننا مسلمون، ولنشارك في رفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وليكون لنا الأجر والمثوبة أننا قدمنا شيئاً لهذا الدين، أو فعلنا شيئاً معه، أو بذلنا لرفعته. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الرحالة الكبير

الرحالة الكبير جابر بن عبد الله من أكثر الصحابة رواية لمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الدرس يروي لنا أربع معجزات من معجزاته صلى الله عليه وسلم، ويذكر قصة الطفيل بن عمرو الدوسي وصاحبه الذي قتل نفسه ودخل الجنة بعد أن غفر الله له. وزيد بن خالد الجهني يروي حديثين عظيمين عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قصة الطفيل بن عمرو الدوسي مع صاحبه الدوسي

قصة الطفيل بن عمرو الدوسي مع صاحبه الدوسي إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه:25 - 28]. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. سلام الله عليكم في روضة من رياض المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم يجلس المؤمن مع الحبيب عليه الصلاة والسلام, فيتربى في رياضه, ويتعلم بآدابه, فإنه -بأبي هو وأمي- هو الذي رضيه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى للناس, وأوصد من بعده أبواب الجنة فلا تفتح إلا من بابه, فعلى قوله توزن الأقوال, وعلى حاله تقاس الأحوال, وعلى فعله تقبل أو ترد الأفعال، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبجلوسكم هذا لاستماع حديثه صلى الله عليه وسلم فإنكم تطلبون علماً من علم المصطفى صلى الله عليه وسلم, لست أنا المعلم في هذه الجلسة، بل المعلم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم, والملائكة تحفكم بأجنحتها, فيبارك الله الجمع, وينزل الله الرحمة, ويغشيكم بالسكينة, ويرشدكم سواء السبيل, وجلوسكم في هذا المجلس طرد للنفاق وللريبة والشك والشبهة؛ لأن أهل النفاق لا يجلسون هذه المجالس, وأهل الدنيا لا يحبون هذه الأحاديث؛ لأن لهم أحاديث أخرى, لكن أحاديث أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام هي في هذه المجالس، يتغذون منها, ومنها يشربون ويستسقون. لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نور تستضيء به ومن حديثك في أعقابها حادي إذا تشكت كلال السير أسعفها شوق القدوم فتحيا عند ميعاد معنا حديث في صحيح مسلم الذي هو قمر بعد الشمس والشمس صحيح البخاري كما قال ابن القيم: البخاري ومسلم اللذان هما لنا شمسان, ومسلم أبو الحسين , مسلم بن الحجاج عالم رباني قدم هذا الكتاب هدية للأمة, فنحن نقتطف هذه الليلة حديثاً من صحيحه, وأنت إذا سمعت حديثاً رواه البخاري ومسلم فعض عليه بالنواجذ, فقد جاوز القنطرة، وقد أصبح رجاله عدولاً, رضيهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهم من خيرة الأمة لولا ذنوب البشر. الحديث الذي معنا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه قال: قدم p=1000010>> الطفيل بن عمرو الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مكة فقال: يا رسول الله! هل لك في حصن حصين ومنعة؟ قال عليه الصلاة والسلام: بماذا؟ قال: لنا حصن نحن معشر دوس في الجاهلية لا أمنع منه حصناً, فهاجر إلينا يا رسول الله! نمنعك من أعدائك فأبى صلى الله عليه وسلم لما ادخر الله للأنصار من الخير, فلما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، هاجر p=1000010>> الطفيل بن عمرو الدوسي إليه في المدينة، ومعه رجل آخر من دوس, فمرض هذا الرجل الدوسي صاحب الطفيل بن عمرو، فلما مرض جزع من المرض, فأقدم على براجمه فقطعها بمشاقص, فمات من آثار الدم, فلما توفي رآه p=1000010>> الطفيل بن عمرو الدوسي في المنام وهو في أحسن هيئة، وفي أجمل منظر، وهو يخبئ يديه في المنام, قال له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي ذنوبي بهجرتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فما بال يديك؟ قال: قدمت على ربي وقد قطعت براجمي فقال الله: لا نصلح من جسمك ما أفسدت. قال الطفيل: فأتيت الرسول عليه الصلاة والسلام في الصباح فأخبرته, قال: {اللهم وليديه} هذه روايه مسلم وله اختلاف في اللفظ؛ لأن الإمام مسلماً أتى به ثلاث مرات زاد بعض الزيادات وأنقص, ونسأل الله أن تكون هذه الرواية وافية أو قريبة. جابر بن عبد الله الأنصاري يخبر الناس بقصة الطفيل بن عمروالدوسي ودوس: قبيلة من قبائل زهران، ويكفيها أن منها الطفيل بن عمرو وأبا هريرة الراوي النحرير، والعلامة الكبير، صاحب الحديث النبوي، وراوية الإسلام, ودوس من القبائل الجنوبية التي تسكن جبال السروات قبيلة من قبائل زهران. قدم الطفيل مكة , بعد أن سمع أن الرسول عليه الصلاة والسلام أطل مشرقاً على جبال مكة بنور وضاء من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى, فقدم يطلب الخير والهداية قال: [[فلما قدمت، والله ما زال بي كفار قريش يخوفونني من محمد عليه الصلاة والسلام, قالوا: احذره على نفسك، حتى أخذت القطن فجعلته في أذني]]-لئلا يسمع شيئاً من الرسول صلى الله عليه وسلم! انظر إلى الدعاية المغرضة، وانظر إلى الإعلام الخائن الذي يشوه سمعة الصالحين! رسول الهدى، منقذ العالم صلى الله عليه وسلم؛ يريد إنقاذ البشرية ويلاحقه كفار قريش بالدعاية الآثمة المجرمة الغاشمة. يقولون: ساحر، شاعر، كاهن! قال: فما زلت حتى وضعت القطن في أذني، فدخلت الحرم فرأيت الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فعرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب -أنت إذا رأيت وجه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ عرفت من أسارير وجهه أنه لا يكذب أبداً, حتى يقول ابن رواحة: لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبئك بالخبر فهو لا يكذب أبداً, يقول عبد الله بن سلام -كما في سنن الترمذي -: جفل الناس، وأنا في سوق المدينة فانجفلت من الذي انجفل, فنظرت إلى وجه الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما تبينته عرفته بأن وجهه ليس بوجه كذاب. يقول الطفيل بن عمرو: قلت يا عجباً لي! أنا شاعر فصيح, أعرف جد الكلام من هزله, فلماذا لا أسمع ماذا يقول، فإن أعجبني أسلمت وإلا تركت, قال: فأزحت القطن من أذني واقتربت منه, فإذا هو يقرأ القرآن, فوقع الإسلام في قلبي {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4]-يهدي هذا ويضل هذا, ويقدم هذا ويؤخر هذا- قال: فأسلمت ثم عرض عليه القصة, قال له: {يا رسول الله! عندنا حصن حصين -أي: حصن منيع في بلاد زهران - فهاجر إلينا يا رسول الله! فإن عندنا منعة وعزاً ومجداً -أو كما قال- فأبى صلى الله عليه وسلم} قال جابر وهو أنصاري: لما ادخر الله للأنصار من الخير -لأنه شرف في الدنيا والآخرة أن يهاجر إليهم الرسول عليه الصلاة والسلام- قال: فهاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة , وأما p=1000010>> الطفيل بن عمرو الدوسي فرجع داعية إلى قومه, كما قال تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف:31] فأسلم معه أكثر دوس. وقد تأبوا عليه أول الأمر كما في صحيح مسلم في قصة أخرى، أنه قدم المدينة فقال: يا رسول الله! دوس فشا فيهم الزنا, وفي رواية: وكثر الربا, فادع الله يا رسول الله! على دوس, فرفع صلى الله عليه وسلم يديه واستقبل القبلة، قال الطفيل: هلكت دوس، هلكت دوس -ظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يدعو عليهم بـ: اللهم اقطع دابرهم ودمرهم واجعل كيدهم في نحورهم, وما هكذا أسلوبه صلى الله عليه وسلم إنه أتى لإنقاذ الإنسان، ولإحياء القلوب، ولإنقاذ الشعوب من الضلالة, فكيف يدعو عليهم وهم ما سمعوا لا إله إلا الله- فقال صلى الله عليه وسلم: {اللهم اهدِ دوساً وأتِ بهم, اللهم اهدِ دوساً وأتِ بهم} فعاد الطفيل وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم آية حتى يصدقوه وهي من الآيات التي للأولياء، (كرامات للأولياء) فأوتي نوراً فوضع النور في جبينه, فلما أشرف عليهم وإذا وجهه يسطع نوراً حتى أضاء ما قبل عينيه إلى قراهم, فقال: اللهم اجعلها في غير وجهي فإني أخاف أن يقولوا: مثلة -أي: لئلا يقولوا مرضاً، أو أصابه شيء من الجن، أو مس من الشياطين- فوقع النور في رأس السوط, فكان إذا رفع السوط برقت الأودية بالنور -أودية زهران جميعاً- فقدم عليهم فدعاهم فأسلموا، لم يبق منهم إلا بيوت, وفي السير: أسلموا جميعاً عن بكرة أبيهم. فقدم بكثير منهم، فلما وصل المدينة جلس إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ومع رفيق آخر, فمرض هذا المسلم الآخر فلما مرض كلّ من المرض, وتعب وسئم, فأتى على مشاقص وهي أشبه شيء بالمقصات، أو السكاكين فقطع أصابعه براجمها -والبراجم عقد الأنامل التي يجتمع عليها العفن- فلما قطعها سالت دماؤه ثم توفي, فرآه الطفيل في المنام وهو في أحسن حالة, وصورة, وفي أجمل منظر, قال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بهجرتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, قال: ما لك تخفي يديك؟ لأنه يخبئها في المنام قال: قال الله لي: لا نصلح من جسمك ما أفسدت, فأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام في الصباح, فقال: {اللهم وليديه فاغفر}. ما أحسن هذه العبارة" وليديه فاغفر" هذا مجمل قصة الطفيل بن عمرو. وتتميماً لقصة هذا الداعية الشهير الطفيل , أخذ فداؤه وتضحيته في سبيل الله، يتنقل به من معركة إلى معركة حتى وصل اليمامة ضد مسيلمة الكذاب وفي تلك الليلة التي يصبح صباحها المعركة رأى في المنام أن رأسه حلق, وأن طائراً خرج من فمه, وأنه دخل في فرج امرأة, فعرض ذلك على علماء الصحابة في الصباح، قالوا: هذه الشهادة، أما الطائر فروحك تسافر إلى الحي القيوم كما قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] , ولذلك يقول بعض أهل العلم: الطائر في المنام إذا رؤي قد خرج فهي الروح. وفي البداية والنهاية بسند حسن أورد ابن كثير في ترجمة ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما توفي في الطائف مكان مسجده الآن عرضت جنازته أمام الناس فرأوا طائراً أبيض على أكفانه، وسمعوا هاتفاً يقول: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. وأما المرأة التي تدخل فرجها فهذه الأرض, وأما حلق الرأس فالشهادة, لأنها تحلق الذنوب ولا تبقي خطيئة ولا سيئة, ورأى ابنه يلحقه ولا يدركه قالوا: يطلب الشهادة، ثم قتل ابنه في معركة أخرى. سلام على أولئك النفر, ورضي الله عنهم جزاء ما قدموا للإسلام. أما الراوي هنا فهو جابر بن عبد الله , وهنا لطيفة لأهل التخصص في علم الحديث, وهو أن هذا الحديث من رواية أبي الزبير وهي الصحيفة التي رواها أبو الزبير عن جابر , وأبو الزبير من التابعين وهو مدلس, والمدلس يروي عمن يروي دائماً وينقل، ولكنه لم يسمعه مباشرة منه، وهو تدليس الشيوخ, فهذا الحديث من الأحاديث التي دلسها أبو الزبير , كيف دلسها؟ كيف علم ذلك؟ وذلك لأنه يقول: قال جابر وعن جابر , فيحتمل أنه سمعه مباشرة من جابر أو من غير جابر. والأستاذ العلامة الألباني رفع الله درجته وأثابه الله يقول: الذي تحصل عند أهل العلم أن كل روايات أبي الزبير عن جابر إذا لم يصرح بها فإنها مظنة الضعف، إلا رواية الليث بن سعد , فإن الليث بن سعد إذا قال: عن أبي الزبير عن جابر فقد صح الحديث. وقال الذهبي رحمه الله: إذا روى أبو الزبير عن جابر فدلس ولم يكن من طريق ففي النفس منه شيء, ولو كان في صحيح مسلم , والصحيفة كلامها يطول وإنما ذكرتها لفتةً للمتخصصين في علم الحديث.

معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم التي رواها جابر

معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم التي رواها جابر جابر بن عبد الله هو ذلك العالم من علماء الأنصار الذي روى ما يقارب ثلاثة آلاف، وقيل أربعة آلاف من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام, وهو من أكثر الرواة في أحاديث السنة رضي الله عنه وأرضاه, وهو من أكثر من روى المعجزات في تاريخ الإسلام, وأبوه عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، الذي نتسلى بذكره وبقصصه دائماً، وهو الشهيد في معركة أحد والذي كلمه الله بلا ترجمان, والذي نظر الله إليه كفاحاً والله ينظر إلى كل مخلوق يوم القيامة كفاحاً, فقال: تمن يا عبدي! قال: أن تردني إلى الدنيا، فأقتل فيك ثانية, قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون, فتمنّ, قال: أتمنى أن ترضى عني, قال: فإني قد أحللت عليك وعلى إخوانك رضواني فلا أسخط عليكم أبداً القصة. وعند ابن كثير: فجعل الله أرواحهم في حواصل طير خضر ترد الجنة, فتأكل من أشجارها وتشرب من مائها, وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش. جابر بن عبد الله رضي الله عنه روى -فيما أعلم- أربع معجزات هي في الصحيحين، بعضها في صحيح البخاري وبعضها في صحيح مسلم.

حنين الجذع إلى النبي صلى الله عليه وسلم

حنين الجذع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري يقول جابر: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجمعة, وقد قال في حديث سهل بن سعد في صحيح البخاري يقول البخاري: باب صنع المنبر أو صناعة المنبر أو نحو هذا, قال سهل بن سعد: قال صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: مري ابنك النجار يصنع لي منبراً أكلم الناس عليه, فصنع هذا الابن للرسول صلى الله عليه وسلم منبراً, وكان صلى الله عليه وسلم يتكئ على جذع نخلة قبل المنبر إذا أراد أن يخطب، فلما صنع له المنبر ترك هذا الجذع، وقام على المنبر يخاطب الناس عليه صلى الله عليه وسلم, فأول جمعة ترك الجذع فيها وقام على المنبر؛ خار الجذع، وصوّت في المسجد، وأصبح له بكاء كبكاء الأطفال, سمعه أكثر من ألف من الرجال والنساء والأطفال, فقطع صلى الله عليه وسلم خطبته ونزل أمام الناس ووضع يده عليه يدهدهه ويسكته حتى سكت, ولذلك تأثر الناس كثيراً، وبكى أكثر الناس؛ لأن هذا الجذع الخشب الجماد يبكي لفراق الرسول صلى الله عليه وسلم, فكيف بالإنسان؟ وكيف بالتابع؟ وكيف الذي يريد السنة؟ إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس هذه قصة في البخاري.

معجزته صلى الله عليه وسلم مع الشجرة

معجزته صلى الله عليه وسلم مع الشجرة وهذه في صحيح مسلم ولا بد من تكرارها دائماً وأبداً حتى تحفظ. قالوا: تكرر قلت: أحلى علماً من الأرواح أغلى وإذا سمعت محمداً قال الملا: أهلاً وسهلا يقول جابر: {رافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر, فلما ذهب لقضاء حاجته تبعته في الصحراء, فقال: يا جابر! تعال, قال: فاقتربت منه صلى الله عليه وسلم قبل أن يقضي حاجته عليه الصلاة والسلام قال: يا جابر! اذهب إلى تلك الشجرة فقل لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: تعالي} إن للرسول صلى الله عليه وسلم ألف معجزة من الله عز وجل على صدقه، وعلى إخلاصه، وعلى نصحه. السماء تشهد أنه رسول الله، والأرض تشهد أنه رسول الله, والجبال تشهد أنه رسول الله, ولكن الكافر يوم أصبح عقله ودماغه كدماغ الحمار يقول: هذا سحر! فلذلك يقول الله له إذا أورده جهنم: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] هل النار سحر؟ يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر:14 - 15]. {فقال جابر: فوالذي أعطاني بصري وذهب به - وكان قد عمي في آخر عمره- لقد رأيت الشجرة أقبلت تخد الأرض خداً -تشقها شقاً- حتى وقفت بجانبه عليه الصلاة والسلام, والرسول عليه الصلاة والسلام يتبسم، لا يزيد على أن يقول: أشهد أني رسول الله, فيقول: ادع لي الثانية وقل لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: تعالي, فذهب فقال لها كما قال للأولى, فأقبلت تشق الأرض شقاً، أو تخد الأرض خداً حتى وقفت بجانبه عليه الصلاة والسلام} هذا الحديث في صحيح مسلم , سنده كنجوم السماء. من تلق منهم تقل: لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري {فلما انتهى صلى الله عليه وسلم أمر جابراً أن يأمر الشجرتين أن تعودا إلى موضعهما فعادتا كما كانتا} وهذه معجزة.

معجزته صلى الله عليه وسلم في تكثير التمر

معجزته صلى الله عليه وسلم في تكثير التمر وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم , قال جابر: أتاني رجل من اليهود عليّ له دين, فقلت: أمهلني؟ فقال: والله لا أمهلك -أو حلف بإلهه وبآلهته- قلت: أنظرني قليلاً؟ قال: أنظرك, فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أشكو له حالي, قلت: {يا رسول الله! هذا يهودي له عليّ مال كثير، ومالي لا يقوم بأداء ماله عليّ, قال عليه الصلاة والسلام: أعندك شيء من تمر؟ قلت: يا رسول الله! شيء قليل من تمر, قال: اجمعه لي حتى آتيك يأتيه في قباء في ديار بني سلمة عند المسجد فأتى عليه الصلاة والسلام قبل صلاة الظهر فدخل قال: أعندك عريش؟ قال: نعم, فنام فيه قليلاً صلى الله عليه وسلم, ثم استيقظ وأتى إلى التمر وهو حفنات قليلة, ودين اليهودي كثير, فأتى صلى الله عليه وسلم فأكل تمرة ثم دعا بالبركة في التمر, ثم قال: يا جابر! ادع ديانتك جميعاً -أي: كل من له دين عليك في المدينة ادعه ليأخذ من هذا التمر- فأعلن فيهم جابر فأتوا بأكياسهم، وأتوا بمواعينهم، وأتوا بكل ما يستطيعون أن يأتوا به فأخذوا, فقال جابر فوالله ما كأنه نقص تمرة واحدة، قال: فأشرفت على التمر, فتبسم عليه الصلاة والسلام قال: {أتشهد أني رسول الله، اذهب إلى عمر بن الخطاب وأخبره بهذا} انظر من اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم كيف اختار عمر؛ لأن عمر رضي الله عنه وأرضاه رجل إذا كسب فكأنه بألوف، بل بملايين من الرجال, فمثل هذه المعجزات تنفع في مثل عمر رضي الله عنه, فهو أشبه الناس بموسى عليه السلام, ولذلك كثّر الله لموسى من الآيات البينات, حتى موسى لما كلمه الله من فوق سبع سموات وليس بالأمر السهل فلما كلمه قال موسى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] , أي: لا أكتفي بالكلام. فلذلك لما ذهب وأخبر عمر قال عمر: لقد علمت والله أنه رسول الله, والله لقد علمت أنه ما أتاك إلا وسوف يبارك الله في ذاك التمر.

معجزته صلى الله عليه وسلم في تكثير الطعام في الخندق

معجزته صلى الله عليه وسلم في تكثير الطعام في الخندق ومعجزة رابعة وقد تكررت وهي معجزة الطعام, لما دعا جابر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحاب الخندق فكثّر الله لهم الطعام من عناق واحدة، وما يكفي ثلاثة أنفار من الشعير, فدخلوا وهم أكثر من ثلاثمائة وبعضهم يزيد العدد إلى سبعمائة, فأكلوا عشرة عشرة وبقي الأكل كما هو حتى شبع جيران جابر. فهذه معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم التي عاشها جابر.

شرح حديث: (اللهم وليديه فاغفر)

شرح حديث: (اللهم وليديه فاغفر) يقول في الحديث: " فاجتووا المدينة " يقول الطفيل بن عمرو: أتيت أنا وقريني هذا إلى المدينة فاجتوينا المدينة , فما معنى اجتوينا المدينة؟

معنى الاجتواء

معنى الاجتواء أي لم تناسبهم المدينة وكرهوا جوها وبغضوا الحياة فيها؛ لأنها موبوءة ولذلك دعا لها صلى الله عليه وسلم بالبركة, وسأل الله أن ينقل حماها إلى الجحفة كما جاء عند البخاري , قال: {اللهم إن إبراهيم دعا لـ مكة في صاعها ومدها بالبركة، فإني أدعوك أن تبارك في المدينة , اللهم انقل حمى المدينة إلى الجحفة} فنقلت حمى المدينة , لكن كأنه قدم الطفيل قبل أن تنقل الحمى, ولذلك لما قدم الصحابة المدينة وكانوا في جبال مكة , وهي وارفة وجيدة بالنسبة للجزيرة العربية , ماؤها طيب ووادي نعمان فيها، وفيها أرض لا بأس بها، لكن المدينة حارة، قاحلة، ذات حجار سود, فلما قدموا فيها استوخموها, حتى تقول عائشة في كتاب الطب في صحيح البخاري تقول: [[لما قدمنا المدينة مرض أبي، وعامر بن فهيرة وبلال بن رباح , فمررت على أبي فقلت: يا أبي كيف تجدك؟ قال: كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله أبو بكر الحمى تهزه, والحمى تؤثر على المزاج حتى ينشد الإنسان أناشيد ولو لم يستطع أن ينشد, يلقي قصائد ومحاضرات, ومن الحسن أن الحمى تجعل الإنسان يتحفظ محفوظات، ويعيد جدول الضرب، وينشد ويلقي إلقاء عجيباً لأنها حمى, ولذلك العرب تكره الحمى, ويقولون: إن الحمى لا تترك مفصلاً من ثلاثمائة مفصل إلا تدخل فيه, وهي المكفرة للذنوب, حتى يقول أحد الأعراب: زارت مكفرة الذنوب فقلت لها ألا ترجعين يقول ابن القيم: ألا تقلعي. وفد المتنبي على كافور في مصر وكافور هذا إخشيدي يلعب على حبلين, يقوم الليل وفي الصباح تقوم الجواري يغنين على رأسه, يقرأ المصحف وبعده يرقص مع الجواري, ولذلك لم يعرف له اتجاه، فوصله المتنبي يريد أن يأخذ إمارة, - المتنبي عنده طموح في الدنيا ولكن لا كَسَب الدنيا ولا الدين، نسأل الله العافية, لكنه شاعر العربية - فلما وصل مرض عند كافور , فيقول في قصيدة الحمى، وهي من أحسن القصائد: ملومكما يجل عن الملام ووقع فعاله فوق الكلام وزائرتي كأن بها حياءً فليس تزور إلا في الظلام يقول: الحمى هذه كأنها تخجل مني, ما تأتيني إلا بعد صلاة العشاء, بعدما يتعشى ويشرب الشاي تأتيه الحمى بحفظ الله ورعايته. بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي أبنت الدهر عندي كل بنت فكيف نجوت أنت من الزحام يقول: عندي كل مصيبة في الدنيا وكلما وقعت على رأسي, وحتى أنت تزاحمين مع المصائب لتدخلي في عظامي, فالعرب تتشاءم من الحمى- قالت عائشة كما في البخاري -: فمررت على بلال قلت يا بلال: كيف تجدك؟ قال: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل وهي من أحسن قصائد العرب وهي للهذلي أوردها صاحب الأغاني وغيره وابن قتيبة , يقول: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل شامة: جبل في مكة , وطفيل: جبل, والإذخر: شجر, وجليل: قيل: شجر، وقيل: جبل, والحمد لله سواء كان شجراً أم جبلاً لا يوجب الخلاف بين أهل السنة والجماعة لأن بعض العلماء إذا لم يعرف اسم شجرة في كتاب قال: شجرة تنبت في الهند لأنه يدري أنك لن تسافر إلى الهند فأحالك إلى معدوم, ومن أحالك على معدوم فما أنصفك. قال: فاجتوينا المدينة والاجتواء أي: عدم الموافقة، فالرسول صلى الله عليه وسلم دعا الله أن ينقل الحمى من المدينة، ولذلك وفد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وفد من عكل وعرينة, سبعة وقيل: ثمانية -وهذه رواية سلمة بن الأكوع في البخاري - أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأكراشهم قد كبرت من السقم, ومن الهرم ومن الإعياء, بطونهم منتفخة كبيرة ولكن أعضاؤهم صغيرة, فنظر إليهم صلى الله عليه وسلم وإذا هم صفر الوجوه، ضمروا من التعب والإعياء, فأراد أن يعالجهم صلى الله عليه وسلم وأن يداويهم وانظر إلى حسن الخلق، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] فأتى صلى الله عليه وسلم فقال: {اذهبوا إلى إبلي في الغابة فاشربوا من أبوالها وألبانها} وبول الإبل: طاهر, قال البخاري في صحيحه: باب طهارة أبوال الإبل، وأتى به في باب الوضوء, وبعض الناس إذا وقع عليه شيء رش من أبوال ما يؤكل لحمه, غسلوه وظنوا أنه تنجس ولم يتنجس, بل بول ما يؤكل لحمه طاهر- فذهب هؤلاء فشربوا من أبوالها، ثم شربوا من ألبانها فاصطحوا, فلما اصطحوا، ماذا كان الجزاء؟ أتوا إلى خادم الرسول صلى الله عليه وسلم راعي الإبل فقتلوه, ثم جدعوا أنفه, ثم قطعوا أذنيه, ثم قطعوا يديه وكفروا بالله العظيم, ثم استاقوا الإبل وخرجوا, قال سلمة بن الأكوع: فخرجت قبل صلاة الفجر بفرس لـ طلحة بن عبيد الله أريد أن أوصله الغابة فلقيني رجل من الخدم فقلت: ما لك؟ قال: خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل، ومثل به، واستيقت إبل الرسول صلى الله عليه وسلم, قال: فأشرفت على جبل من جبال المدينة فصوَّتُ بصوتي حتى أسمعت ما بين لابتي المدينة -هذا إعلان طارئ، واستنفار عام من سلمة وكان من أقوى الناس صوتاً، ومن أسرع الناس، وربما يكون فيمن ذكر في السير- فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم الصوت قبل صلاة الفجر, فصلّى عليه الصلاة والسلام بالناس الفجر -لكن سلمة ما ترك هؤلاء بل خرج بعدهم- قال: فخرجت وراءهم حتى أدركني الضحى وأنا وراءهم، فإذا بهم بإبل الرسول صلى الله عليه وسلم يسوقونها إلى غطفان في نجد , فأخذت أرجمهم بالحصى وكنت من أسرع الناس, فإذا عادوا إليّ وبعضهم خيال أفر حتى أعتصم بالجبل, فإذا ذهبوا رميتهم بالحجارة وأريد تعطيلهم حتى يدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: حتى تحاجزنا مع الظهيرة يريدون الماء، وأبيت أن يشربوا من الماء، فيقول أحدهم: كم لقينا من هذا؟ وهو ينشد ويرتجز يقول: إني أنا ابن الأكوع اليوم يوم الرضع قال: ولما أتى الظهيرة وإذا بغبار قد انعقد على رأسي وعلى رءوسهم، فإذا هي كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقائدها كرز بن عبد الرحمن -البطل المجاهد الشاب, أعطاه صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة خيال من الصحابة، ومن شجعانهم فطوقوهم ثم أتوا بهم، فلما استدعاهم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة , أجلسهم في الحرة , ثم سمل أعينهم، وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف, ثم تركهم حتى يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا, وهذا جزاء من كفر بالله، وحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم, هذا من الاجتواء. اجتوى: هذه الكلمة لا بد من معرفتها قليلاً، ولو أنها قد وضحت إن شاء الله, فمعنى اجتويت الشيء: ما ناسبني, يقول أبو شريح وقيل: أبو سحيم الرياحي وهي من أحسن القصائد عند العرب: أفاطم قبل بينك متعيني وإن لم تفعليه كأن تبيني فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني يقول: أريد أن تكون واضحاً، لا تكون مجاملاً ومنافقاً معي وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتها لقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني أي: أبغض من يبغضني. قال: (ثم قطع براجمه) وهي السلامى على الصحيح كما قال النووي: هي المفاصل, كم يكون في الأصابع أو في الكف الواحدة من سلامي! يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {على كل سلامى من الناس صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس؛ تعدل بين اثنين صدقه} أو كما قال صلى الله عليه وسلم, فالتسبيحة صدقة، والتهليلة صدقة، والتحميدة صدقة, وأمر بمعروف صدقة, ونهي عن منكر صدقة, ويجزي عن ذلك ركعتان يركعهما أحدكم من الضحى, أي: أنك إذا صليت في الضحى ركعتين اثنتين، خفيفتين قصيرتين، كتب الله لك الأجر ثلاثمائة وستين حسنة، بعدد هذه المفاصل, وهذا فضل من الله عظيم, والبراجم هذه هي التي في رءوس الأصابع التي يجتمع عليها الأوساخ, وفي رواية صحيحة: {وغسل البراجم} عشر خصال من الفطرة، وذكر صلى الله عليه وسلم فيها غسل البراجم, لأن الجاهليين لم يكونوا يغسلون هذه البراجم, فمن السنة غسلها عند الوضوء أو عند غير الوضوء حتى يكون الإنسان طاهراً نقياً.

من تلبس بمعصية ومات عليها

من تلبس بمعصية ومات عليها من تلبس بمعصية هل يدخل الجنة إذا رجحت حسناته؟ نحن لا نقول كما قالت الخوارج: من ارتكب كبيرة فهو خالد مخلد في النار, كذبوا لعمر الله وتبت أيديهم, فقد هلكوا في هذه المسألة وفي غيرها وغلو غلواً كبيراً, وهؤلاء الخوارج كفروا الناس بالذنوب, والمرجئة قابلوهم فقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب, وتوسط أهل السنة والجماعة والسلف الصالح وقالوا: لا, أخطأتم أيها الخوارج , فلا يكفر العبد بالذنوب إذا كانت أصول الإيمان عنده، ولكن من ارتكب كبيرة فهو تحت رحمة الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، لكنا نخشى عليه العذاب, وأنتم أيها المرجئة! أخطأتم كذلك حينما قلتم: لا يضر مع الإيمان معصية, بل تضر المعصية فهي تنقص الإيمان، وتخدش الحياء، وتقطع الحبل مع الله, وتورث الوحشة، وربما يدخل بها صاحبها النار، لكن لا يخلد في النار, فهذا توسط أهل السنة والجماعة. فشاهدنا من هذه القصة أن هذا الرجل قتل نفسه. وما حكم قتل النفس؟! قتلها كبيرة من الكبائر, وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من قتل نفسه بسم كان معه سمه في النار يتحساه, ومن قتل نفسه بسكين كانت معه سكينه يقتل أو يجأ بها في بطنه في النار, ومن قتل نفسه بشيء -أو كما قال صلى الله عليه وسلم- عذب بهذا الشيء في النار} فهذا الرجل لما قطع براجمه استعجل والله عز وجل هو الذي أعطى الروح وأعطى النفس, فليست ملكاً لصاحبها حتى يبادر بإهلاكها وإزهاقها, فمن أكبر الكبائر أن يقتل الإنسان نفسه, أو ينتحر, وهذا ليس في الإسلام فإنه ليس في الإسلام صعوبة تصل بهذا العبد إلى هذه الدرجة, صحيح أن الذي ينتحر هو الذي ما ملأ قلبه بلا إله إلا الله, الذي ينتحر هو الذي ليست له مبادئ في الحياة, الذي ينتحر هو الذي لا يؤمن بالله عز وجل، لا يؤمن بنعيمه ودرجاته وثوابه. والعجيب أن صاحب كتاب " دع القلق وابدأ الحياة " دايل كرنيجي الأمريكي ترجم بتسع وخمسين لغة من لغات العالم، وهو من أشهر كتب الدنيا, هذا الرجل أراد أن يعالج الناس, يقول: إن القلق ضرب الناس حتى ملأت المستشفيات في أمريكا من أهل القلق والاضطراب، وأراد أن يعالجهم فألف لهم هذا الكتاب, ثم في آخر عمره انتحر هو بالسكين!! هو الذي يريد أن يعالج الناس انتحر بالسكين وقتل نفسه, لماذا؟ لأنه ما عرف طريق الله، وطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. فالشاهد هنا أن هذا الرجل لما حشر وذنبه دخل الجنة، لأن حسناته أكثر، أسلم وهاجر، وجاهد وصام وصلّى فكثرت حسناته على سيئاته فدخل الجنة.

أقسام المسلمين عند الله عز وجل

أقسام المسلمين عند الله عز وجل والناس عند الله عز وجل من المسلمين ثلاثة أقسام, فاعلم من أي الثلاثة أنت، والله لتنزلن أحد المنازل الثلاثة إن كنت من المسلمين, ونسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الإسلام, أما إذا خرج الإنسان عن الإسلام فهذا أمر آخر. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:32] فأنت يوم القيامة إن كنت مسلماً سوف تنزل أحد المنازل الثلاثة ليس لك منزل رابع إلا من خرج عن الإسلام، نسأل الله العافية. القسم الأول: الظالم لنفسه: وهو من يخل ببعض الفرائض، ويرتكب بعض الكبائر, هذا تعريف, أي: يخل بفرائض الإسلام, قد يزني أو يشرب الخمر أو يسرق هذا ظالم لنفسه لكنه لم يخرج عن دائرة الإسلام, لا نقول كما قالت الخوارج أنه خرج من الإسلام. القسم الثاني: المقتصد: وهو الذي يؤدي الفرائض، ويجتنب الكبائر، لكنه لا يأتي بالمستحبات ولا يترك المكروهات. القسم الثالث: السابق بالخيرات: وهذا من أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , هو الذي يأتي بالفرائض والنوافل والمستحبات ويترك الكبائر والمحرمات والمكروهات, فسيره حثيث دائماً. من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول هؤلاء هم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم, قال ابن تيمية: الناس مقتصدون أصحاب يمين, وأبرار سابقون بالخيرات، يقصد الصلحاء ويأتي في الفجار من هو ظالم لنفسه، لكنه لا يزال في دائرة الإسلام، وهو تحت رحمة الله عز وجل, لكن نخشى عليه التنكيل والعذاب. وهنا مداخلة بسيطة، وهي عبارة عن سؤال حول هذه الآية: قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [النساء:93] أحسن ما قيل فيها والله أعلم قول ابن عباس رضي الله عنه قال: [[جهنم جزاؤه إن شاء الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جازاه بها فهو خالد مخلد وهي جزاؤه, وإن شاء غفر له]] لكن هنا مسألة كيف يكون خالداً مخلداً؟ قيل: هو من يستحل القتل, أي: أنه يرى أن القتل حلال, يقول له: كيف تقتل نفساً معصومة؟ قال: أحل الله القتل, فهذا خالد مخلد؛ لأنه أنكر أمراً من أمور الله عز وجل أو من نهيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وقيل: هذه ليست على الأشخاص لم يقل الله: فلان إذا قتل فلاناً دخل النار خالداً مخلداً, لكن جعلها الله على العموم وليس على الأشخاص, لكن جزاؤه إن شاء عذبه وإن شاء رحمه, هذا من أحسن ما يقال فيمن يستحل القتل، أما الذي لا يستحل القتل، فقد ارتكب كبيرة وأمره عند الله عز وجل.

أحسن الدعاء

أحسن الدعاء من رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته, دعاؤه لهم عليه الصلاة والسلام, ولذلك لم يغضب عندما أخبره الطفيل بن عمرو أن هذا قتل نفسه ومع هذا لم يغضب عليه الصلاة والسلام بل قال: {اللهم وليديه فاغفر} والرسول صلى الله عليه وسلم كان من أرحم الناس بالأمة, ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فهو رؤوف بهم رحيم بهم عليه الصلاة والسلام، وقد دعا لأناس في مناسبات. {زار عليه الصلاة والسلام البراء بن معرور في المدينة فوجده مريضاً, فلما زاره وانتهى عليه الصلاة والسلام وعاد إلى مسجده وإذا بصوت البكاء فالتفت فقال: ما هذا؟ قالوا: توفي بعدك البراء يا رسول الله! فالتفت إلى القبلة وقال: اللهم الق البراء يضحك إليك، وتضحك إليه} هذا من أحسن الأدعية في الإسلام, لا يتصور الإنسان أن يلقى ربه وهو يضحك إليه، والإنسان يضحك إلى الله! وفي صحيح البخاري قال أبو موسى: {لما قتل أخي أبو عامر أتيت الرسول عليه الصلاة والسلام، قلت: يا رسول الله! ادع الله لأخي؟ قال: فتوضأ عليه الصلاة والسلام واستقبل القبلة يدعو قال: فوقفت بجانبه وقلت: ولي ولي يا رسول الله!} -فقد استغلها فرصة، رضي الله عنه وأرضاه, هو أول الأمر نسي نفسه وأراد أخاه، وعندما قام صلى الله عليه وسلم يدعو فلما رأى اليدين ترتفعان، وعلم أنه مجاب الدعوة، وأنه أفضل خلق الله، قال: {ولي ولي يا رسول الله! فأخذ صلى الله عليه وسلم وهو يدعو يقول: اللهم ارفع أبا عامر وأبا موسى فوق كثير ممن خلقت وفضلهم تفضيلاً} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ودعا صلى الله عليه وسلم لـ أبي قتادة فحفظه الله، وحفظ ذريته, يقول أبو قتادة: {سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -في غزوة تبوك - وكان صلى الله عليه وسلم على ناقته, فأخذ بعد صلاة الفجر ينعس حتى يكاد يسقط, فأقترب منه وأدعمه، وأرده على الناقة فينتبه وينظر إليّ, قال: فينعس صلى الله عليه وسلم فأرده حتى يستثبت, وقال: ثالث مرة مال عليه الصلاة والسلام فدعمته بيدي فانتبه فرآني فقال: حفظك الله بما حفظت نبيه} ما أحسن هذه الكلمة! فحفظه الله في ذريته، وفي قلبه، وفي بيته، فما أصابته فتنة أبداً, مرت به الفتن وكأنه في بروج مشيدة عنها, وكان أبناؤه من خيرة الناس، ولما نزلت الفتن لم تصب ذريته بفتنة، ولم تصب بالحوادث والكوارث، والفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {حفظك الله بما حفظت نبيه}. وكان عليه الصلاة والسلام يعطي كلاً ما يناسبه من الدعاء, إذا جاءه بنحيل البنية يسأله صلى الله عليه وسلم فماذا يدعو؟ يقول: {قل لا حول ولا قوة إلا بالله} , لأن لا حول ولا قوة إلا بالله كنز وقوة, تقوي العبد كحالة أبي ذر رضي الله عنه فقد كان حاداً وضعيفاً فقال: {يا رسول الله! أوصني؟ فأوصاه بثمان -هذا عند ابن حبان - قال: وعليك بلا حول ولا قوة إلا بالله فهي كنز من كنوز الجنة} فأتى الصحابة كما في الصحيحين من حديث أبي موسى - يصعدون الثنايا ويكبرون ويرفعون أصواتهم, قال عبد الله بن قيس وكنت أقول في نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله -ما يسمعه حتى الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: فاقتربت من الرسول عليه الصلاة والسلام فقال للصحابة: {يا أيها الناس أربعوا -أي: خففوا من الصوت- على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً وإنما تدعون سميعاً بصيراً، أقرب لأحدكم من عنق راحلته، ثم التفت إليّ وقال: يا أبا موسى يا عبد الله بن قيس! ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله, قال: عليك بلا حول ولا قوة إلا بالله} فلا حول ولا قوة إلا بالله جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً لحمل الأثقال للبنية الضعيفة، لمن يصعد الجبال لمن يزاول أموراً مهمات من أمور الدنيا, أما الإنسان الجالس على فراشه فأنسب له غير هذا ولو أنه قال: لا حول ولا قوة إلا بالله لكتب له أجر, لكن إنسان نائم على فراشه وهو طيلة يومه: لا حول ولا قوة إلا بالله هو مأجور ومشكور لكن يقول أهل العلم: إن من الأحسن أن يتذكر الإنسان حاله ثم يأتي بحال تناسب أو بذكر يناسب هذا الحال. أنت إذا رأيت الجبال الشاهقة، والأشجار الوارفة، ورأيت آيات الله في الكون؛ لمع الضياء؛ وخرير الماء. وكتابي الفضاء أقرأ فيه صوراً ما قرأتها في كتاب فما هو الذكر المناسب؟ المناسب إذا رأيت ذلك أن تقول: سبحان الله! لأن الله إذا أتى بالآيات في القرآن قال: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر:23]. لأنك تنزهه، فهل بعد هذه الآيات، وبعد هذا الكيان، وبعد هذا الفلك، وبعد هذه القدرة يعبد من دون الله، سبحان الله! فأنسب شيء لهذه الآيات أن تقول: سبحان الله! رأيت نفسك وصحتك وأبناءك أمامك, ورأيت دارك ومسكنك وسيارتك فالأنسب أن تقول: الحمد لله! وأول من يدخل الجنة الحامدون، الذين يحمدون الله في السراء والضراء. تذكرت ذنوبك وخطاياك وإسرافك وبلاياك وبعدك عن مولاك فالأنسب لذلك أن تقول: أستغفر الله. تذكرت الوحدانية، وأثقل كلمة في التاريخ هي لا إله إلا الله حتى يقولون: إن الكلمات كلها تنضم الشفتين فيها إلا لا إله إلا الله فتبقى الشفتان غير مضمومة في هذه الكلمة لا إله إلا الله, يقول ابن الجوزي: لا إله إلا الله لا تقبل المزاحمة حتى النقط ليس عليها نقط، الله أكبر فيها نقطة، سبحان الله فيها أيضاً نقطة, لكن لا إله إلا الله ليس فيها نقط لأنها كلمة دمرت الدنيا من أجلها خمس مرات, قال ابن تيمية: أفضل الذكر لا إله إلا الله. جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم اسمه حصين بن عبيد وهو أبو عمران بن حصين، بعض الناس ضبطه ابن معبد لكن صاحب الإصابة يقول: ابن عبيد , وصاحب أسد الغابة يقول: ابن عبيد , قدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم -خزاعي من خزاعه- فقال عليه الصلاة والسلام: {كم تعبد يا حصين؟ قال: أعبد سبعة -أي: سبعة آلهة- قال عليه الصلاة والسلام: أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء} لأن الجاهليين بلغ بهم الإسفاف وهبوط العقل إلى درجة عقول الأطفال, بل الأطفال يميزون أكثر من ذلك, يأتي بأثافي -والأثافي هذه حجارة توضع عليها القدر- فإذا طبخ وتغدى؛ قام على حجر من هذه الأثافي يصلي له، ويسجد له, أهذا عقل؟ وإذا أعجبته شجرة طويلة وجميلة سجد لها، وعبدها من دون الله, فإذا رأى شجرة أخرى تفل هذه ورجع إلى تلك. عمر رضي الله عنه وأرضاه قبل إسلامه أتى بصرة من التمر ولو أن في سند هذه الرواية نظراً، قال: فكان يصلي ويعبد ويسجد لها من دون الله عز وجل في الجاهلية، فإذا جاع أكل منها ما شاء الله، يأكل من ربه!! أحدهم ذهب إلى آلهة -في جدة في جهينة- فأتى وإذا آلهتهم صنم تبول عليه الثعالب, قال: أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب فالله عز وجل نقدهم في القرآن وشن عليهم وشجب أفعالهم بشيء عجيب, ولذلك إذا ذكر الله الشرك في القرآن فإنه يذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويستهزئ بأصحابه, ويقول: أين العقول؟ يخاطبهم الله تعالى: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] , {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [يونس:3] , {أَفَلا تُبْصِرُونَ} [القصص:72]. فالشاهد في ذلك أن هذا أتى فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {كم تعبد؟ قال: سبعة, قال: أين هم السبعة؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء, قال: من لرغبك ولرهبك؟} -أي: من إذا اشتدت عليك الأمور, وذلك أنهم كانوا إذا اشتدت عليهم الأمور تركوا التمر، والشجر، والحجر الذي يعبدون، وعادوا إلى الله, جُربوا في مواضع, إذا ركبوا من جدة في السفينة ومرت عليهم الريح عاصفاً، قاصفاً، وأحسوا بالهلاك قالوا: يا حي يا قيوم! يا رب يا رب! فإذا نزلوا في الساحل وقبل أن يأخذوا أمتعتهم من السفينة يكفرون بالله! قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65]. - قال: {من لرغبك ولرهبك؟ قال: الذي في السماء, قال: فاترك التي في الأرض واعبد الذي في السماء, فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, قال: ألا أعلمك دعاءً تدعو به ينفعك الله به؟ قلت: بلى يا رسول الله, قال: قل اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي} ينبغي أن نحفظ هذا الدعاء، وهو من أحسن الأدعية على الإطلاق, لأن حاله ملتبسة فيناسب أن يهديه صلى الله عليه وسلم لهذا الدعاء. يقول علي بن أبي طالب: {علمني يا رسول الله! دعاءً أدعو الله به, قال صلى الله عليه وسلم: قل اللهم اهدني وسددني, واذكر بهدايتك هدايتك الطريق، وبتسديدك تسديدك السهم} هذا حديث في صحيح مسلم فكان علي دائماً يقول: اللهم اهدني وسددني, فهداه الله وسدده, حتى في حروب الطوائف المارقة مثل الخوارج وغيرهم، هداه الله فقتل المارقين، ورفع راية الدين، واتبع سيد المرسلين فله الرضوان من رب العالمين. وأبو بكر يقول: يا رسول الله! علمني دعاءً أدعو به في صلاتي؟ قال: {قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وفي رواية: كبيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم}. هذا حديث أبي بكر في الصحيحين. وحديث معاذ يقول له صلى الله عليه وسلم: {يا معاذ! والله إني لأحبك -ما أحسنها من كلمة! - لا تدع في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك} فجعل صلى الله عليه وسلم لكل أحد ما يناسبه. وانظر كيف يقسم صلى الله عليه وسلم الأدعية بمناسبة الناس, يأتيه ابن عباس وهو شاب صغير متهيئ لطلب العلم فدعا له قال له كما في الصحيحين: {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} ففقهه الله فكان حبر الأمة, وترجمان القرآن, وبحرها وعلامتها، ولسان منبرها رضي الله عنه وأرضاه. هذا الحديث الذي معنا هذه الليلة ينتهي بقصة سعد قال للرسول صلى الله عليه وسلم: {يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة, قال: يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة} ثم قال: {اللهم سدد رميته وأجب دعوته} فكان إذا رمى بالقوس لا تقع الرمية، ولا يقع السهم إلا في نحر كافر, يقول له صلى الله عليه وسلم يوم أحد: {ارم سعد فداك أبي وأمي} قال علي بن أبي طالب: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحداً بأبيه وأمه إلا سعد بن أبي وقاص. كان عليه الصلاة والسلام إذا رمى سعد الكفار ارتفع صلى الله عليه وسلم من بين الناس ينظر الرمية، فيراها تقع في لبة كافر فإذا هو مشدوخ كالثور على الأرض, فيتبسم عليه الصلاة والسلام ويقول: {إرم سعد فداك أبي وأمي} , وكان يقول: {هذا خالي فليرني كلٌ خاله} كأنه يتحدى به, فـ سعد هذا الأسد في براثنه. ولما خرج عمر رضي الله عنه لقيادة المعركة الفاصلة مع كسرى أنوشروان الضال جد الخميني , خرج عمر رضي الله عنه يريد تصفية حسابه فلما نزل في غدير الخضمات اجتمع به الناس, فأراد أن يقودهم فأتى أبو الحسن علي بن أبي طالب قال: يا أمير المؤمنين! إلى أين تذهب؟ قال: أقود المعركة أقود المسلمين, قال: يا أمير المؤمنين! إنك إن قتلت -انظر إلى عقلية أبي الحسن رضي الله عنه- لم يكن للناس درء ودرع بعدك، وإني أخاف أن يستحوذ على عاصمة الإسلام - المدينة - فأرى أن تبقى في المدينة وأن ترسل جيشاً فإذا غلبوا كنت لهم ردءاً وردفاً أو كما قا

حديث زيد بن خالد الجهني

حديث زيد بن خالد الجهني هذا هو الحديث, وما بقي من الوقت لحديث آخر في الأحكام وهو حديث زيد بن خالد الجهني , يقول زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه وأرضاه أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! ضالة المال -وفي رواية ضالة الذهب- قال صلى الله عليه وسلم: اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها, قال: يا رسول الله! فضالة الإبل؟ فغضب عليه الصلاة والسلام حتى احمر وجهه, ثم قال: ما لك ولها، دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وترعى الشجر، قال: يا رسول الله! فضالة الغنم؟ قال: هي لك أو لأخيك أو للذئب} متفق على هذا الحديث, وفيه قضايا. انظر إلى فقه البخاري عندما بوب لهذا الحديث: باب الغضب في الموعظة, أي: هل يجوز للأستاذ أن يغضب؟ أو حرام عليه أن يدخل الحصة جميعاً من أولها إلى آخرها ثم لا يغضب أبداً ولا يحمر وجهه؟ لا. إن له أن يغضب، ومن المصلحة أن يغضب, والله يقول عن موسى وهو معلم من المعلمين {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ} [الأعراف:154] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:55]. أي: أغضبونا، والمعنى: تجاوزوا الحد حتى انتقمنا منهم, والرسول صلى الله عليه وسلم غضب لكن غضبه لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. يقول أحمد شوقي: وإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء وإذا غضبت فإنما هي غضبة في الحق لا كبر ولا ظغناء وإذا سعيت إلى العدا فغضنفر وإذا جريت فإنك النكباء فالرسول عليه الصلاة والسلام إذا غضب، غضب لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. أتاه هذا السائل يقول: يا رسول الله! ضالة المال، هذه المجوهرات الثمينة، وهناك السوط وهو لا يعرَّف أو شيء يستحقر، أو لا تتبعه إلا همة أراذل الناس هذا لا يعرف, إنسان يجد حبلاً طوله متران في الأرض ويظل في الجوامع دائماً بعد صلاة الجمعة: من ضيع جداً طوله متران نايلون؟!! لونه أصفر!! وجدته الساعة كذا!! في شمسان! فمن هو حقه فعليه أن يأخذه! أو يخبر به!! وأنا أريد أن أبرئ ذمتي! هذا لا يستحق وقوفك ولو دقيقة معه, فهذا لا يعرف به, إنما يعرف بالأمور المهمة الخطيرة, وتعريفها سنة كما قال عليه الصلاة والسلام, وتعريفها في مجامع الناس, لكن قبل هذا ما هو المال الذي يعرف؟ المال الذي يعرف هو ما له ثمن, إنسان وجد شيئاً من مال، فعليه أن يعرف وعاءه وعفاصه ووكاءه, والوكاء ما يوضع في فيه, والحبل الذي يشد به, إذا وجدت حقيبة فيها مال فتعرف عليها ثم عرفها, لا تأت إلى الناس وترفعها وتقول: من ضيع هذه الحقيبة، كلهم سيقولون: نحن أضعناها, أو تجد قلماً وتقول: من ضيع هذا القلم؟ فيأتي الطلاب كلهم يقولون: نحن ضيعناه؛ لأن الناس يريدون التملك, والقلوب بين يدي الله عز وجل, لكنك تأتي وتقول: من ضيع قلماً طوله كذا، وعرضه كذا ولونه كذا أو ساعة! وتعرفها ثم يأتي صاحبها ويأخذها. هذا أشعب الطماع أحد الطفيليين في المدينة المنورة، كان شديد الطمع، وجد ثلاثين ديناراً في السوق, ثلاثون ديناراً تعني مكسباً وهو فقير مسكين, وسموه بالطماع؛ لأنه لا يسمع بمناسبة أو حفل زواج، أو أكل أو شرب، إلا ويذهب إليها, يقول: والله ما رأيت إنساناً يصنع الصحون إلا قلت: وسع! وسع! في الصحن, فيقول له الصانع: لماذا؟ قال: أخشى أن يهدى لي فيه طعام فيكون الطعام قليلاً! وأتى مرة فاجتمع عليه أطفال المدينة يلعبون معه فآذوه, فلما آذوه قال: إن في ذاك البيت زواجاً, يريد أن يتخلص منهم, فهرولوا إلى ذاك البيت, فلحقهم وقال: قد يكون الخبر صحيحاً!! ذكر ذلك الذهبي وغيره. شاهدنا في هذه القصة أنه وجد ثلاثين ديناراً في السوق, فلما رفعها قال: الحمد لله ما شاء الله هذا مكسب ولم يستحلها بهذه الطريقة, ذهب إلى عالم من علماء المدينة , قال: وجدت ثلاثين ديناراً, قال: عرفها في السوق, فذهب أشعب وقال: إذا عرفتها فسيأخذها الناس, فاشترى بها قطيفة وقال: من ضيع قطيفة؟! فلم يأخذها أحد فتملكها. فالمقصود أن الإنسان إذا وجد معيناً كما قال صلى الله عليه وسلم يعرفها بعينها, لا أن يجد خمسمائة ريال ورقة ويقول: من ضيع خمسمائة ريال متفردة، بالريال؟! أو يغير من لونها, يقول: {اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة}. قال صاحب تيسير العلام: وللأجهزة الآن أن تتدخل في الإعلام، وهذا لا بأس به عند علماء الإسلام, لكن الأشياء الخطيرة مثل التلفاز والراديو والصحف اليومية، يجوز أن يعلن فيها لكن للأشياء الثمينة, أما أن يجد الإنسان خمسين ريالاً فيذهب إلى جريدة عكاظ وجريدة الجزيرة وجريدة الندوة يعلن ثلاثة إعلانات بمائة وخمسين ريالاً, من ضيع خمسين؟!! ضيع أعرابي ناقة, فقال: من وجد لي ناقة وله ناقة؟ قالوا: كيف تعطي على الناقة ناقة؟ قال: إنكم لا تعرفون بفرحة الغائب إذا أتى! فهو يريد أن يدفع الحاضر حتى يجد الغائب. فغضب النبي عندما ذكر الإبل, لماذا غضب صلى الله عليه وسلم؟ غضب لأنه تعرض لشيء لا يتعرض له, فمن قال لك أن تتصيد إبل الناس وهي تمشي ولا خوف عليها, قال: {يا رسول الله! ضالة الإبل, فغضب حتى احمر وجهه صلى الله عليه وسلم, قال: ما لك ولها؟ دعها فإن معها سقاءها وحذاءها ترد الماء وترعى الشجر} يقول عليه الصلاة والسلام أنت لست مكلفاً بها، الإبل لا يخاف عليها, لا يأكلها السبع، ولا يجترئ عليها الذئب, ولا تموت ظمأ, وفي الغالب لا تموت جوعاً, لأن الجمل يصبر على الجوع أياماً كثيرة، وكذلك الظمأ, وهو قد يصارع النمر، والأسد، فهو ينجو بنفسه, والذئب لا يجترئ على الجمل, فيقول صلى الله عليه وسلم: {دعها، فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وترعى الشجر}. قيل لـ ابن الجوزي: ما رأيك في الإنسان الجاهل إذا اعتزل عن الناس؟ قال: عزلته خبال ووبال وضلال, قالوا: والعالم إذا اعتزل؟ قال: العالم إذا اعتزل دعها فإن معها سقاءها وحذاءها ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها, ومعنى ذلك أن الإنسان إذا وجد مثل هذه الأمور، يعني: الإبل فلا يتعرض لها. أما البقر فهي مسألة خلافية, وأما الغنم ماذا يفعل بها؟ قال صلى الله عليه وسلم: {هي لك أو لأخيك أو للذئب} يقول عليه الصلاة والسلام إذا وجدت ضالة غنم فخذها، فإنك إن لم تأخذها أخذها الذئب, لكن ماذا تفعل بها؟ تستمتع بها، فإن جاء صاحبها فعليك أن تؤدي ثمنها له، وجدت شاة في الفلاة, وليس معنى ذلك أن يأتي الإنسان إلى الحارات فإذا وجد كبشاً داخل الحارة يأخذه: ويقول: هي لك أو لأخيك أو للذئب, -لا! - هذه في الفلوات. يقول الإمام مالك: حدود العمار لا يتعرض لها، أي: لا يتعرض لسوارح الناس ومواشيهم ومزارعهم فيأخذ الضالة ويقول: هي لك أو لأخيك أو للذئب, -لا- المقصود بذلك في الصحاري, يأخذها من الصحاري ثم يذبحها فإن أتى صاحبها فبها ونعمت، وإلا فليستمتع بها وغفر الله له ذنبه, وبعض أهل العلم يقول: لو تصدق بها على نية صاحبها لوصلت بإذن الله، مثلاً: إنسان كان له أجير عامل، اشتغل له في عمارة ثم ترك أجره وذهب إلى بلاده, ماذا يفعل؟ إذا لم يستطع إرسال هذا المال، وظن أنه لن يعود وغلب ذلك على ظنه، فليأخذ ماله، وليتصدق به على نية ذلك العامل, هذا هو الحكم إن شاء الله فيه.

زيد بن خالد يروي حديثا في العقيدة

زيد بن خالد يروي حديثاً في العقيدة زيد بن خالد الجهني له فيما أعلم أحاديث قليلة، ما يقارب أربعة أو خمسة أحاديث في البخاري، منها حديثه الشهير وهو من الأحاديث المعتمدة في كتاب التوحيد وفي العقيدة الإسلامية, وفيه فوائد جمة. يقول: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر في الحديبية في إثر سماء من الليل أي: بعد نزول مطر في الليل فلما صلّى بنا صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر التفت إلينا قال: {أتدرون ماذا قال ربكم تبارك وتعالى؟ قلنا: لا يا رسول الله! -وربما قالوا: الله ورسوله أعلم, وهذا خطاب الصحابة دائماً- قال: يقول الله عز وجل: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب, وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب}. هذا الحديث من أعجب الأحاديث, ولذلك أتى به الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد، وقرره كثير من أهل العلم كـ ابن القيم وابن تيمية قبله, وغيرهم كثير, وهو ينهى عن مسألة التعلق بالأسباب من دون الله عز وجل. معنى الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل في الحديبية ومعه الصحابة، أمطرت السماء بفضل الله عز وجل في الليل, فلما نزل المطر والغيث صلّى بهم صلى الله عليه وسلم, فالتفت بعد الصلاة يحدثهم عن هذه القضية العقدية الكبرى, قال: (أتدرون ماذا قال ربكم؟) من أخبره صلى الله عليه وسلم أن الله قال؟ إنه بطريق الوحي, الله يوحي إليه كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4 - 5]. فقال الصحابة متهيبين متورعين مستحين: الله ورسوله أعلم, قال: (فإن الله يقول أصبح من عبادي) يعني: في هذا الصباح بعد هذا المطر, أصبح الناس صنفين: صنف يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته, وهذا مؤمن بالله كافر بالكواكب؛ لأن الكواكب لا تنفع ولا تضر, بل هي خلق من خلق الله عز وجل. وصنف آخر يقول: مطرنا بنوء كذا وكذا وهذا موجود عند بعض الناس, أن يقول: مطرنا بنوء الثريا، أو بسهيل، أو بالسبع! فهذا كافر بالله مؤمن بالكواكب, لكن في الأمر تفصيل. ومشهور عند الناس هنا وفي الأوساط الاجتماعية أنهم يقولون: إذا دخلت هذه السبع، أو دخل سهيل، أو دخلت الثريا نزل الغيث, فهل هذا تعليق للغيث بالكواكب أو كفر بالله؟ -لا- إن معنى كلامهم إن شاء الله -كما يقول ابن الأثير - إن هذه المواعيد وهذه الهيئات وهذه العلامات مواعيد لنزول الغيث من الله عز وجل, فهي علامات فحسب, فلا ضير عليهم وليس عليهم إن شاء الله بأس, الذي يقول مثلاً: يمطر بنوء كذا أو سوف يأتي نوء كذا ومعه المطر فمعناه: أنه علامة للمطر, وأنه في وقت نزول الغيث من الله عز وجل, وهؤلاء معتقدهم أن الذي ينزل الغيث هو الله, وأنه هو الذي يكشف الضر والبأساء واللأواء. أما من قال: إن هذا النوء إذا جاء هو الذي يمطر الناس وغيره لا يمطر، فهذا الكافر, قد كفر بالله عز وجل. فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يرد الأسباب إلى مسببها سُبحَانَهُ وَتَعَالى, والكواكب خصت لأنه وجد الصابئون وغيرهم من عبدة الكواكب, ولذلك ابن سيناء يتكلم في كتبه ويقول عنه ابن تيمية: وإنه يدعو في بعض كتبه إلى عبادة الكواكب والنجوم من دون الله, ابن سيناء الذي يقعقع بذكره في المجالس، والأندية العلمية، والمؤسسات العلمية حتى في أوساطنا! فابن سيناء هذا ضال مضل, نسأل الله العافية مما أصابه, لقد تعلم علمه كما قال تعالى: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] باطني, فلسفي, كوكبي, إسماعيلي, صابئ, متكلم. قال ابن تيمية في كتاب المنطق المجلد التاسع: قال أهل خراسان: ابن سيناء ذكي كافر, فأنا قلت هذا لئلا يغتر بكتبه؛ لأن له مذكرات وكتيبات، وينقل منه في بعض المؤلفات, وهو يعظم الكواكب والنجوم من دون الله, ويقول: إن الإله الذي في الكون هو العقل الفعال, فإن صح عنه ذلك -كما قال أهل العلم- فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, وإن كان قد تاب فيتوب الله على من تاب, لكن لا يغتر بمبادئه؛ لأن علم الكواكب شرك عند المسلمين وقد تناقلوه، وبعض المسلمين أخذه عن الصابئة. فالرسول صلى الله عليه وسلم ينهى عن هذا الأمر. وهذا الحديث من أحاديث التوحيد الكبار, فالرسول صلى الله عليه وسلم يثبت الأسباب, لكن أين مسببها إنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولذلك يقول: {من تعلق تميمة فلا أتم الله له} ويقول له الأعرابي: إنها تزيل الوهن. قال: {لا تزيدك إلا وهناً} والتميمة هي: شيء من خيط، أو خرزة، أو ظفار، أو قرطاس يكتب فيه شيء, ومن كتب هذه الأمور من غير الآيات، واعتقد فيها نفعاً أو ضراً فقد أشرك بالله عز وجل، وكفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. وسمعنا في بعض الأوساط أن قوماً حرف الله قلوبهم, وأضلهم على علم, وطبع على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم: أنهم يتعاملون بالسحر, ويكتبون بعض الأوراق لبعض الناس, فمن أتاهم وصدقهم فقد كفر بكتاب الله، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومن أتاهم فلم يصدقهم لم تقبل له صلاة أربعين يوماً, وهذا موجود، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما أتى لإنهاء هذه الخرافات والتبعية والتقليد والتأخر, والضحك على عقول الناس, وأكل أموال الناس بالباطل, فانتبهوا أثابكم الله لهذا الأمر. فمن ادعى علم الغيب من رجل أو امرأة فقد كذب على الله، والجن يخدمونهم, يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يأتي هذا الإنسان الذي يدعي علم الغيب حتى يأتي وينجس نفسه لتتلبس به الجن، ويزيد بعض الكلام, ومن العجيب أن غلاتهم هؤلاء من الإنس، لم تأته الجن حتى اشترطت عليه شرطاً وهو أن يبول على المصحف! فبال على المصحف فتلبست به, قال تعالى: {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا} [الأنعام:128]. يقول ابن تيمية: وكذلك يأتون إلى الأماكن الوسخة لتأتيهم الجن، فيجلسون في المزبلة والمجزرة والمقبرة ويدعون الجن من دون الله, ولا يقولون: باسم الله حتى تأتيهم الجن, ويقول: وقد قبضت على أناس كثر منهم حتى إن بعضهم يبقى في الجنابة عشر سنوات أو أكثر، لأنه لو اغتسل لا تأتيه الجن، ولذلك أعظم ما يؤمنك من الشياطين هو الوضوء، والغسل من الجنابة، وذكر الله عز وجل. فهؤلاء الذين يتعاملون بهذه المعاملة لا تقول: إنهم أولياء لله, وسمعنا في بعض الأوساط أنهم وجدوا من الرجال والنساء, امرأة تدعي علم الغيب، وهي تدعي إخراج الماء من الآبار وتريه للناس, وإنما يخدمها الجن، وهي من أفجر نساء العالمين وحسيبها الله عز وجل. وسمعت أن رجلاً إماماً في مسجد -أعجب من العجب- يكتب هذه الأوراق, ولما فتحت هذه الأوراق وجد أنه ليس فيها آية، ولا حديث، وإنما هي سحر وبهتان. وحد الساحر ضربة بالسيف, ومعنى ذلك أن من يسمع لهم أو يصغي لهم فقد أعان على تأصيل الكفر. والله قد يبتلي العبد, فتمرض زوجته فلا تجد علاجاً في مستشفيات العالم حتى العلاج عند هذا, ليرى الله هل تصبر على المرض، أو تأتي بها إلى هذا ليكشف ضرها, فإذا ذهبت بها وكشف الله ضرها, خسرت في الدنيا والآخرة. ويبتليك بولدك فيمرض مرضاً عجيباً، ويستعصي عليه الطب والأدوية، فإذا أتيت إلى هذا المجرم الأفاك الأثيم وجدت عنده العلاج, قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] وقال: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3] وهذه الخرافة أتى صلى الله عليه وسلم لإنهائها. ويوم توجد مثل هذه الخرافات في المجتمع فإنها تدل على ثلاثة أمور: 1 - على أن الأمة هبطت في مستواها الثقافي هبوطاً لا يعلمه إلا الله. 2 - تضحك علينا أمم العالم, ماذا يقول أعداء البشرية من الأمريكان والإنجليز إذا رأوا الناس المصلين الصائمين، أهل القرآن، وأهل العقيدة يذهبون إلى مقرطسين؟ 3 - إن معناها تأصيل الكفر, وخاصة في الجزيرة العربية , التي عصمها الله فلا يجتمع فيها دينان, فمن فعل ذلك فقد أعان على تأصيل الكفر. وإنما نبهت على هذه القضية لأنها من أخطر القضايا, وحبذا لو كتب فيها الكثير, وخطب فيها، وتكلم في المجالس العامة لأنها وجدت ويجدها خاصة من يداخل الناس, ويرى بعض المنشورات, وبعض الأخبار والأعلام. نسأل الله لنا ولكم الهداية والسداد والتوفيق والرشد, وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، وأن يتولانا وإياكم في الدارين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأخوة الإيمانية وأثرها في حياة السلف

الأخوة الإيمانية وأثرها في حياة السلف ذكر الشيخ الآيات الدالة على الأخوة وتعرض لتفسيرها ودلالاتها، ثم عقب بالأحاديث النبوية فآثار السلف الصالح من أقوالهم وأفعالهم، ثم ذكر ثلاث عشرة قاعدة للحفاظ على الأخوة مركزاً على الإخاء بين الدعاة والمصلحين ثم ختم بالإجابة عن أسئلة تتعلق بالدرس.

مقدمة عن الأخوة الإيمانية

مقدمة عن الأخوة الإيمانية الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، الحمد لله الذي جمع شتاتنا بالإسلام، ووحد صفوفنا بالإيمان، وآخى بين قلوبنا بالحب فيه، الحمد لله الذي أنزل الكتاب وكنا متفرقين فجمعنا به، وألف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم. والصلاة والسلام على معلم الخير، رسول المودة والمحبة والألفة والقربى، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سلام الله أرفعه إليكم بأشواقي وحبي والمودة وأنقل من ربى أبها سلاماً لأهل الفضل من سكان جدة سلام الله عليكم ورحمته وبركاته والذي أجلسني في هذا المكان! لا أحمل للجميع وللجلوس وللغائبين من المسلمين إلا الحب فيه، وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا بكم في دار كرامته، فإني أعرف أنه ليس عندكم إلا الغضب لحدود الله، والغيرة على محارم الله، وحماية حوزة هذا الدين. لو كنا نفهم القرآن ونفقهه ونتدبره؛ لكفانا ما سمعنا من الآيات في الصلاة. وأنا أريد أن أقول: إنما المؤمنون إخوة. إن اختلفنا في الأساليب وفي وجهات النظر وفي الفرعيات فإنما المؤمنون إخوة. إن حَقَدَ بعضنا على بعض، وحمل عليه، قلنا له: اتق الله! إنما المؤمنون إخوة. إن هجره وقاطعه، قلنا له: اتق الله! إنما المؤمنون إخوة. إن شرَّحه أو جرَّحه أو ذمه، قلنا له: اتق الله! إنما المؤمنون إخوة. إن اغتابه أو فسقه أو كفره وهو ما يزال مؤمناً، قلنا له: اتق الله! إنما المؤمنون إخوة. إن كيد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد

عناصر الدرس

عناصر الدرس محاضرتي هذه الليلة تدور على أربعة عناصر: أولها: الأخوة في كتاب الله عز وجل. ثانيا: ما ورد في السنة المطهرة عن معاني الأخوة. ثالثها: كيف تآخى السلف. رابعها: ما هو واجبنا نحو إخواننا من المؤمنين ومن المسلمين، وبالخصوص من الدعاة الذين يغضبون إذا انتهكت محارم الله عز وجل، والله عز وجل ذكرنا بأخوة الإيمان، ونادانا وأوجب علينا تلك الأخوة. ثم أتعرض لمسائل، منها: الخلاف الفرعي لا يوجب الفرقة. ومنها: إذا اختلفنا من هو الحاكم في المسألة. ومنها: حسنات الناس لا تهدر بسيئاتهم إن قلَّت. ومنها: لنكن شهوداً وعدولاً ولا يغلبنا الهوى.

الأخوة في كتاب الله

الأخوة في كتاب الله اسمعوا أيها الناس، اسمعي أيتها الأمة المحمدية الرائدة، اسمعي يا أمة لا إله إلا الله، اسمعوا يا من كنتم كوكبة واحدة في وجه الباطل، وكنتم كتيبة واحدة ضد الطغيان، اسمعوا يا من ركبوا متن البحر والمحيط ليرفعوا لا إله إلا الله، اسمعوا يا أبناء عقبة بن نافع الذي وقف على ساحل الأطلنطي بفرسه، وقال: والذي نفسي بيده لو أعلم أن وراءك أرضاً لخضتك بفرسي لأفتح تلك الأرض. الشهيد مع الشهيد، العالم مع العالم، الداعية مع الداعية: يا أمة ضرب الزمان بها جموح المستحيل وتوقف التاريخ في خطواتها قبل الرحيل سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل وسقت شفاه الوالهين سلافة من سلسبيل أنتم الأمة الخالدة الواحدة يقول الله لكم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] حبل الله: كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} [آل عمران:103] يا أمة الإبل والغنم، يا أمةً كانت حقودة حسودة ماردة قبل الإسلام {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]. لنزول هذه الآية سبب أورده كثير من المفسرين، أتعرفون الأوس والخزرج؟ يقول طه حسين في كتابه، متهجماً على الإسلام ودعاة الإسلام: حرب بدر هي عداء بين قريش والأوس والخزرج! كذبت، ليس عداء بين القبيلتين والعنصرين، إنما هو عداء بين الإسلام والكفر، وبين الضلال والرشاد، وبين النور والظلام. الأوس والخزرج تقاتلتا، تذابحتا، تباغضتا، تقاطعتا، فلما أتى صلى الله عليه وسلم ألف بين قلوبهم، آخى بينهم، فكانوا تحت مظلة واحدة، وفي جلسة واحدة، وفي مسيرة واحدة؛ ولكن الشيطان أبى أن يتآخوا، فدخل بينهم فذكرهم حرب بعاث؛ فاخترط أنصاري من الأوس سيفه، وقال: يا لثارات بعاث! واخترط خزرجي سيفه، ونادى: يا لثارات بعاث! فاجتمعوا في الصحراء بعد الإيمان والقرآن والإسلام؛ لأن الهوى قد يغلب العقل، فذهبوا إلى الصحراء واجتمعوا هناك، فسمع صلى الله عليه وسلم الصوت، وقالوا له: يا رسول الله أدرك الناس، فإن الذبح قريب منهم! قال: من؟ قالوا: الأوس والخزرج، قال: وأنا بين أظهرهم؟! والقرآن ينزل علي؟! اليهود هم الذين وشوا بهذه، وهم يوشون بها دائماً في الساحة، وفي خارج الساحة. فأخذ صلى الله عليه وسلم إزاره وأخذ يهرول، ودخل بين الصفين، وناداهم بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرهم بنعمة الإيمان والإسلام، وبث فيهم روح الإخاء، ووزع عليهم باقات الود فدمعت العيون، وسقطت السيوف من الأيدي، وتركت الرماح. يقول البحتري: إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها وتعانقوا والبكاء يملأ الساحة، وكأن الإسلام بدأ من هذا اليوم، وكأن القرآن نزل الآن، وعاد صلى الله عليه وسلم بالجميع في مسيرة حبٍّ في الطريق إلى المدينة. فأنزل الله صدر الآيات يحذر من اليهود، يحذر من الصهيونية العالمية، من الخطط التي شتتت الصفوف، وفرقت بين الإخوة والأحباب، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:100 - 103].

الود بين المؤمنين من مظاهر الولاء

الود بين المؤمنين من مظاهر الولاء يصف الله عز وجل أولياءه فيقول: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29] لكن والله لقد وجد في الساحة من كان شديداً مع إخوانه رحيماً للكافر المستعمر الأجنبي المارد الفاجر، ووجد من يحمل على إخوانه وعلى أحبابه من الضغائن والأحقاد والتشريح والتجريح ما لا يحمله على عدو الرسالة الخالدة وعلى عدو الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدو الإسلام. أيها الإخوة! يقول الله تعالى في المؤمنين: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54] أذلة جمع ذلول، فالمؤمن ذلول لأخيه، سهل لين، بشوش الوجه، طلق المحيا. متى يكون البر بالمسلم إذا لم يكن في الدنيا؟! متى يكون الوداد إذا لم يكن هنا؟! متى يكون العناق إذا لم يكن في الدنيا؟!

العرب والنقلة التي أحدثها الإسلام فيهم

العرب والنقلة التي أحدثها الإسلام فيهم يمتن الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم ويقول له: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] العرب -كما قال بعض الحكماء- كقرون الثوم، كلما قشرت قرناً خرج لك ستة قرون. كان العرب بلا إسلام قطيعاً من الغنم، همجية وضياعاً، فلما أتى صلى الله عليه وسلم لم يفتح السجن، ولم يرفع السوط، ولم يأت بالسيف إلا بعد أن وعت العقول وسمعت النقل. فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جمعهم به. أجمعهم بعنفوانه؟! بخطبه الحماسية النارية؟! لا. {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] منهجك عجيب، أسلوبك جيد، عرضك باهر، كيف استطعت أن تؤلف بين أمة الصحراء فتجعلهم إخواناً؟! بلال الحبشي رقيق من أثيوبيا، لا يساوي في عالم المادة العنصرية القرشية شيئاً، وأبو طالب وأبو لهب سيدان لا ينظر إليهما إلا من علو، لكن أتى الإسلام فقال: أنت يا أبا لهب في النار؛ لأنك لم تؤمن بالرسالة، وأنت يا بلال سيدٌ، قصرك في الجنة كالربابة البيضاء. وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خالي يأتي صلى الله عليه وسلم إلى سلمان ذلك الطريد ترك النار والوثن، ترك الصنم والتراب، وأتى يبحث عن لا إله إلا الله، فقال صلى الله عليه وسلم: {سلمان منا آل البيت} لكنَّ أبا لهب ليس من آل البيت؛ لأنه أبو لهب، وسوف يصلى ناراً ذات لهب، ولأنه لم يؤمن بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].

إصلاح ذات البين

إصلاح ذات البين قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] نذكر أنفسنا وإياكم بهذا الإخاء، فوالله لا يحلق الدين إلا البغضاء. أتعرف الدين؟! أتعرف الصلاة؟! أتعرف الزكاة والعمرة والحج؟! لا يحلقها إلا البغضاء، يوم يمتلئ الصدر بالغل والغش على عباد الله، يوم يكون اللسان مجرحاً، يكفر الحسنات، وينسى الجميل في الساحة، ويأتي فيجرح الناس وينزلهم تلك المنازل، هذا لا نريده ولا يريده الإسلام، وله ضوابط تأتي بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ * وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:10 - 9] قتال، دم يسيل، سيوف تتكسر، رماح تنثر الدم في الساحة، والله يقول: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10]. فقل لي بالله: ألكلمة أو لأسلوب أو لفرعية يوجب هذا النزاع ثم لا نجد حلاً ولا نجد نتيجة؟! وأما اليهود والماسونيون، والقوميون والوطنيون، والشيوعيون والحداثيون؛ فيجدون لمشاكلهم حلاً؟!! أهذا وارد عندنا في الساحة؟! إن هذا لأمر عجيب!

الأخوة في السنة البنوية

الأخوة في السنة البنوية يقول عليه الصلاة والسلام كلام الذي لا ينطق عن الهوى: {المسلم أخو المسلم} ابن تيمية له كلام في هذا يقول: "الأخوة عقدها الله عز وجل " لا تحتاج إلى حلف ولا مستندات، ولا صكوك شرعية من محاكم العدل، لقد عقدها الله عز وجل من فوق سبع سماوات: إن يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد ولا يحق أن يفصل هذا العقد إلا بموجب من الموجبات التي تفصل الأخوة، وهي سوف ترد إن شاء الله.

حق المسلم على المسلم

حق المسلم على المسلم {المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يسلمه، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه}. وفد رجل على جعفر الصادق - فقال له: يا إمام! فلان بن فلان قال كيت وكيت (أي يغتابك). فغضب جعفر الصادق غضباً عجيباً واحمر وجه وقال: تعال واجلس؛ فجلس، ثم قال له: أجاهدت الروم؟ قال: لا. قال: أجاهدت فارس؟ قال: لا. قال: أغزوت في سبيل الله؟ قال: لا. قال: أفيسلم منك فارس والروم ويسلم منك الكفار، ولا تسلم منك أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! إنه أمر عجيب! كانوا عند محمد بن واسع فقام أحدهم يقع في عرض أخيه؛ فقال له محمد بن واسع: اتق الله. قال: هو فعل ذلك. قال: أنا لا أقول لك: إنه فعل أو لم يفعل، ألا تذكر القطن إذا وضع على عينيك وأنت في القبر؟ إن ذِكْرَه القبر وذكر الانقعار في تلك الحفرة فاتَ كثيراً منا، فأصبحنا نقع بلا روية، ووزعنا ديننا وحسناتنا على الناس فسبحان الله! متى يكون اللسان مسلماً إذا لم يكن القلب مسلماً؟ ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في آخر الحديث: {التقوى هاهنا} فلا تنبعث كلمة، ولا يصدر منهج، ولا يوضع أسلوب، إلا لاعتقاد وارد في القلوب.

الإيمان والحب بين المؤمنين

الإيمان والحب بين المؤمنين يقول عليه الصلاة والسلام: {والله لا تؤمنوا -وفي لفظ آخر- والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم}. تريدون أن تدخلوا الجنة بالإيمان، لكن من أين يأتي الإيمان؟ أصلاة وزكاة وحج وعمرة لكن ضغينة وقلب يتوقد على عباد الله؟! إنسان يريد لكثير من الناس السوء والمحق والخسار والدمار أين مفهوم الإسلام؟ {والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم} ما أحسن هذا الكلام! أتى أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فسمع أن الأنصار بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لأخذ زمام المبادرة في الحكومة الجديدة الإسلامية، وقالوا: منا الخليفة. أبو بكر تعلم في مدرسة الإسلام أن الأمور تؤخذ بالشورى وبالنصيحة لعباد الله وباللين. فذهب إلى عمر فقال عمر: إنا نخاف على أنفسنا سبحان الله! أمن الأنصار؟! {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]. قال أبو بكر: لا والله، هم الأنصار. يكفي أنهم الأنصار، فدخلوا عليهم ليسمعوا الكلام، ويتثبتوا من الحديث، ويدلوا بالآراء، فالأمر شورى والحقوق قضاء، فجلس أبو بكر وسمع أنهم يريدون الخلافة فيهم، قال عمر: وقد زورت كلاماً في صدري (أي أنه حضر محاضرة رنانة طنانة في صدره) ولكن أبا بكر لم يسمح له وقال: على رسلك يـ ابن الخطاب! وابتدأ الصديق شيخ الخلافة يتكلم بكلام كالدر، أترون الدر كيف ينسكب؟! الكلمة الطيبة يحيى الله بها القلوب، وتأسر الأرواح وتسل الضغينة: بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا أم المعاني اللواتي قد أتيت بها أرى بها الدر والياقوت متصلا لو ذاقها مدنف قامت حشاشته ولو رآها غريب داره لسلا {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:53] فإن التي هي أسوأ تشتت، الكلمة غير المسئولة تهدم أكثر مما تبني، الكلمة المدمرة تهدم الصفوف، تضيع الجهود، تحرق الأوراق في الساحة. فقال أبو بكر: يا معشر الأنصار! جزاكم الله عن الإسلام وعنا خير الجزاء، واسيتمونا بالدار والمال، والله ما مثلنا ومثلكم يا معشر الأنصار إلا كما قال طفيل الغنوي -وهو شاعر جاهلي يمدح قبيلة: جزى الله عنا جعفراً حيث أشرفت بنا نعلنا في الشارفين فزلتِ همُ خلطونا بالنفوس وألجئوا إلى غرفات أدفأت وأظلتِ أبوا أن يَمَلُّونا ولو أن أُمَّنا تلاقي الذي يلقون منا لملَّتِ ثم قال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، نحن الشعار وأنتم الدثار، والخلافة فينا، فقاموا وصافحوه وبايعوه. هذا الحديث رواه الشافعي في كتاب السير بسنده إلى الشعبي. لما بايعوه لأن كلمته طيبة، منتجة، مثمرة، فرضي الله عنه وأرضاه.

صفات الحب المطلوب

صفات الحب المطلوب الرسول صلى الله عليه وسلم يذكرنا بحق المؤمن على المؤمن: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} هل سأل أحدنا نفسه وهو على الفراش قبل أن يداعب أجفانه النوم: ألا أحب للمسلمين وللدعاة والعلماء مثلما أحب لنفسي؟ ليعلم أنه إن لم يصل إلى هذه المرتبة فإنه ضعيف الإيمان، وأن في إيمانه عوجاً ومرضاً؛ كيف نتوضأ بالماء البارد، ونزيل القشور والغبار عن أيادينا، وقلوبنا حارة ملتهبة على عباد الله؟!

صفاء السريرة طريق الجنة

صفاء السريرة طريق الجنة دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحيته تتقاطر بالماء البارد الذي يشبه قلبه في برودته، جميل المحيا جمال مبدئه وعقيدته، فقال عليه الصلاة والسلام قبل أن يدخل: سوف يطلع عليكم رجل من أهل الجنة من هذا الباب، وأتى الرجل الذي هو من أهل الجنة وجلس، وفي اليوم الثاني يأتي الرجل ويتوضأ، ويأخذ حذاءه بشماله فيقول صلى الله عليه وسلم: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فيخرج الأول، وفي اليوم الثالث يخبر صلى الله عليه وسلم فيأتي ذاك الرجل؛ فيقوم ابن عمر فيذهب معه. ما هي مواصفات هذا الرجل الذي هو من أهل الجنة؟ ألصيامه؟ ألقيامه؟ ألدروسه ومحاضراته؟ ألمخيماته ومراكزه؟. وصل معه إلى بيته ونام، لكن هذا الرجل نام ولم يقم ليصلي من الليل، وصلاة الليل لها طعم عند العباد والأخيار قلت لليل: هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار قال: لم ألقَ في حياتي حديثاً كحديثِ الأحبابِ في الأسمارِ لم يقم الليل، وحين أذن المؤذن لصلاة الفجر انبعث الرجل من فراشه يقول: لا إله إلا الله، قال ابن عمر: لعل الرجل خادعني أول ليلة حتى لا يظهر عمله. وفي الليلة الثانية جلس معه، ولكن ما تغير في برنامج عمله شيء، وفي الليلة الثالثة كذلك؛ فانطلق إليه وقال له: ما جئتك إلا لأنني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرنا أنك من أهل الجنة ثلاث مرات، فما هو عملك؟! قال: عملي هذا الذي رأيت. فولى، وتوادعا، فلما مشى قال له: تعال! أما إن سألتني عن عملي، فوالله الذي لا إله إلا هو إني أبيت وليس في صدري لأحد من الناس غش ولا غل.

لزوم جماعة المسلمين

لزوم جماعة المسلمين في مسند الإمام أحمد بسند صحيح: {ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لوجه الله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين} هذه الثلاث إذا وجدها العبد في نفسه فليحمد الله تعالى على ذلك. فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل عرى الإيمان -أو فقد استكمل الإيمان- وأوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله} كما ورد في حديث أبي داود بسند صحيح. يا أخوتي في الله، يا عباد الله! هذا الكتاب والسنة يخبرنا بأدب الإخاء، بأدب الحب والحوار، بأدب تقارب وجهات النظر، ولننظر إلى الصحابة.

الأخوة عند السلف الصالح

الأخوة عند السلف الصالح الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي إلى عمر -كما عند الترمذي وبعض المحدثين يضعف هذا الحديث والصحيح أنه حسن- ودع عمر رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم لأخذ العمرة فقال صلى الله عليه وسلم لـ عمر وهو يعانقه: {لا تنسنا من دعائك يا أُخَيَّ. يقول عمر: فقال كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما فيها}. إن قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا هذا هو الحب يا أخي. عمر تلميذ لمحمد عليه الصلاة والسلام، وهو ورقة من شجرته المباركة، وقطرة من بحره صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يقول: لا تنسنا من دعائك يا أخي. يقول عمر: [[والله إنها لتطول علي الليلة إذا تذكرت أخاً لي أريد الصباح أن يصبح لأعانقه]]. وورد عنه في السيرة أنه لما صلى الفجر قال: أين معاذ؟ قال: هأنذا يا أمير المؤمنين. قال: تعال، لقد تذكرتك البارحة فبقيت أتقلب على فراشي حباً وشوقاً إليك، فتعال، فتعانقا وتباكيا.

الإخاء الصادق: عمر وأبو عبيدة

الإخاء الصادق: عمر وأبو عبيدة عند ابن كثير وابن جرير أن عمر عندما سافر إلى الشام قال: أين أخي؟ قالوا: كلنا إخوانك. قال: أخي أبو عبيدة. قالوا: يأتيك الآن. فهو له أخ من نوع آخر، أخ قريب وحميم. يقول عمر للناس: تمنوا. فكلهم يتمنى أمنيته؛ فيقول عمر: أتمنى أن لي ملء هذا البيت رجالاً من أمثال أبي عبيدة رضي الله عنه وأرضاه. فقال: أين أخي؟ قالوا: أخوك يأتيك الآن. فأتى أبو عبيدة على ناقة ليس عليها قتب، وخطامها من ليف، فتعانقا وجلسا على الطريق يبكيان. يقول أحدهما: تخلفنا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وفعلنا وفعلنا. قال عمر: يـ أبا عبيدة أريد أن أبيت عندك الليلة. قال: تريد أن تعصر عيونك عندي بالبكاء؟ قال: أريد أن أبيت الليلة عندك؛ فأتى، وأبو عبيدة آنذاك أمير الأمراء، ودخل معه وقدم له خبز الشعير على الملح، يأكلون خبز شعير ولكن قلوبهم ترتحل إلى الله، إخاءً وحباً وصفاءً. إن الدنيا ليس لها طعم مع الفرقة، إن الإمكانيات التي تطرح وتقدم من خدمات ليس لها مذاق مع الشتات؛ فجلس معه فلما أراد أن ينام قدم له شملة، افترش نصفها والتحف نصفها، فأخذ عمر الشملة يبكي داخلها، ويقول: أمير الأمراء على شعير، أمير الأمراء على ملح، أمير الأمراء على شملة!!؟ قال أبو عبيدة وهو يسمع بكاء الخليفة: أما قلت: إنك سوف تعصر عيونك عندي في البيت. ؟ سبحان الله! {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90].

ابن المبارك يشعل لهيب الشوق بين الإخوة

ابن المبارك يشعل لهيب الشوق بين الإخوة يقول ابن المبارك إذا ودع أصحابه وأحبابه وإخوانه وهو يبكي: وخفف وجدي أن فرقة واحد فراق حياة لا فراق ممات فمتى نشعر بهذه الأخوة تحت مظلة لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ وسوف أتكلم إن شاء الله عن إعطاء الناس حقوقهم بنسب إضافية؛ فإن الرجل يذكر بما فيه من كمال، ويحب بما فيه من طاعة ويبغض بما فيه من معصية؛ لأننا شهداء ولأننا قائمون بالقسط كما أمرنا الله بذلك، ولأن الإنسان لا ينبغي إلا أن يكون عادلاً، والظلم لا ينبغي في الحكم على الناس في الجرح والتعديل، في الحب والبغض، في الولاء والبراء.

أبو الدرداء والدعاء للإخوان

أبو الدرداء والدعاء للإخوان يقول أبو الدرداء: [[إن من إخواني من أدعو لهم في السحر وأسميهم]] منهم زملاؤه من الصحابة. أرأيتم أن أحداً منا يقوم في السحر فيقول: اللهم اغفر لفلان بن فلان وفلان بن فلان وفلان بن فلان، فيورد قائمة طولها سبعون اسماً؟! هذا أبو الدرداء يفعل ذلك، وهذه مدرسة أبي الدرداء التي تحبب الود وتزرع الحب. لوحوا بالكنوز راموا محالاً وأروني تلك الدنانير ملسا لا أريد المتاع فكوا عناني أطلقوا مهجتي فرأسي أقسى واتركوني أذوب في كل قلب أغرس الحب في حناياه غرسا هو أبو الدرداء يدعو لسبعين من الصحابة في السحر.

الشافعي وأحمد على الطريق

الشافعي وأحمد على الطريق يقول الإمام أحمد لابن الشافعي: "أبوك من الذين أدعو الله لهم في السحر" هما زميلان ومن الأقران، والأقران بينهم حرب شعواء بالجملة، ولذلك يقول الذهبي: كلام الأقران بعضهم في بعض يطوى ولا يروى وقاعدة الجرح والتعديل التي عليها الجمهور أن كلام الأقران في الغالب لا يقبل في بعضهم. وورد عن ابن عباس أنه قال: [[لَلْعلماء -أو الأقران- أشد تغايراً أو تعايراً من التيوس في زريبتها]]. قد تجد داعية إذا ذكر داعية، هون من شأنه، وقلل من قيمته، وترك حسناته التي كأنها الجبال، وأتى إلى سيئاته التي كأنها العصافير والذباب، فضخمها وشخصها للناس سبحان الله ألا تنغمر ذرات سيئاته في بحار حسناته عند الله عز وجل؟! فلماذا تغمر جبال حسناته في ذرات سيئاته؟! أين العدل؟ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143]. أحمد أرسل له الشافعي قصيدة مبكية، إذا لم يفهم النثر أهل النثر فالشعر يفهمهم، وقد تكرر هذا ولكن كرر العلم يا جميل المحيا وتدبره فالمكرر أحلى قالوا: تكرر قلت أحلى علماً من الأرواح أغلى فإذا ذكرت محمداً قال الملا أهلاً وسهلا هذه بضاعة أولئك الملأ الذين نصروا الإسلام، كان الإسلام في عهدهم مرتفع الهامة، قوي البنية، لكن لما أتى الاختلاف والشقاق، حوصرنا وحاصرنا الأعداء من كل جانب، يختلف الأعداء لكن في حربنا يتفقون. كتب الشافعي إلى أحمد يقول: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة يـ ابن إدريس لست من الصالحين؟! إذاً من الذي سيكون من الصالحين إذا لم تكن أنت منهم؟! أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة ثم يذكر الإمام أحمد بمنهج دعوي طيب لا يغيب عنه: تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه

الحسن وابن سيرين في التعامل مع المغتاب

الحسن وابن سيرين في التعامل مع المغتاب إن من سبك لم يهد لك إلا حسناته، ومن ذمك لم يقدم لك إلا درجاته في الجنة، ومن جرحك ما أعطاك إلا أجره، ومن اغتابك ما أعطاك جائزة إلا ثوابه عند الله. أتوا إلى الحسن البصري فقالوا: اغتابك فلان اليوم. هؤلاء قوم متبرعون لا هم لهم إلا نقل الكلام، إذا أصبحوا في الصباح قالوا: أصبحنا وأصبح الملك لله، وأصبحنا عباداً لله، ننقل النميمة بين عباد الله. فينقلون الكلام بين الناس، ويجلس مع هذا وينقل الكلام لهذا، ثم يحول إلى هذا متبرعون وأجرهم على الله! فأتوا إليه قالوا: سبك فلان اليوم. قال: ماذا قال في؟ قالوا: قال فيك كيت وكيت. فأخذ الحسن رطباً في طبق وقال: اذهب به إليه، وقل له: أهديت لنا حسناتك وأهديناك رطباً. والحسنات أغلى من الرطب، ما سمعنا أن البلح يوماً من الأيام حتى في الغلاء أغلى من الحسنات. وجاء رجل إلى ابن سيرين قال: اغتبتك اليوم فسامحني. قال: والله لا أحل لك ما حرم الله. وهذا منهج آخر. وابن سيرين فقيه عاقل، لو قال له: سامحك الله لرجع هذا الرجل يأخذ الناس في قوائم، كلما أصبح وكلما أمسى يجرح ويعدل، ويمدح ويذم، فأوقفه عند حده حتى يكون درساً له لا يغيب عنه. يا إخوتي في الله إن مدرسة الصحابة رضوان الله عليهم يوم أتت أتت بالحب والصفاء والود، كان الواحد منهم إذا غاب ثم أتى، استقبل استقبالاً حافياً بعناق وأخوة وحب في الله.

قاعدة في الولاء والبراء

قاعدة في الولاء والبراء صاحب الإحياء - الغزالي - ينسب أثراً إلى ابن عمر وهو صحيح قال ابن عمر: [[والله لو أنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله وصمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، ثم لقيت الله لا أحب أهل الطاعة، ولا أبغض أهل المعصية، لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار]]. أي إسلام بلا حب في الله ولا بغض في الله؟! ما هي موازيننا أيها الأحبة لنحب الناس. أو لنكره الناس؟ هذا أمر لا أظنه يغيب عنكم أبداً.

قواعد في التعامل مع المخالف

قواعد في التعامل مع المخالف

الخلاف الفرعي لا يوجب الفرقة

الخلاف الفرعي لا يوجب الفرقة والأمر الذي أريد أن أنبه عليه كذلك: أن الخلاف الفرعي لا يوجب الفرقة. إننا لابد أن نميز ما يشتت الناس وما يخالف بينهم من أصول وفروع، وإنه والحمد لله أكثر خلافات المسلمين في الغالب خلاف تنوع لا خلاف تضاد. فهو خلاف في الكيفيات، أو في الأساليب، أو في الفرعيات، وهو لا يوجب الفرقة، بل يوجب الحب والسعة في دائرة العمل. إنسان رأى أن من الصالح له أن يدعو الناس بواسطة مركز صيفي يقيم فيه الكتاب والسنة ثم أقول له حرام؟! وإنسان آخر يقول: أنا لا أستطيع إلا أن أخطب الناس وأوجه الناس، ثم أقول له: لا، هناك أسلوب آخر وأسلوبك خطأ؟! وإنسان يريد أن يفتي ويدرس أقول له: أسلوبك خطأ؟! لا. ما دامت المظلة هي الكتاب والسنة، وأما الأساليب فاعمل: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [الأعراف:160] {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً} [الرعد:17]. اعمل ولكن ليكن مقصدك الله تبارك وتعالى، اعمل ولكن ليكن منهجك الكتاب والسنة، اعمل ولكن لا تحمل ضغينة على إخوانك وأحبابك وأصحابك، فإنهم يعملون كما تعمل، ويريدون ما تريد، فالأساليب لا تفرق، والفرعيات لا تخالف، والبدائل التي توجد لظرف وزمان ومكان، نجعلها تحت مظلة الكتاب والسنة.

الفرقة شؤم وفشل

الفرقة شؤم وفشل الأمر الذي أريد أن أنبه عليه: الفرقة شؤم وفشل وضعف للحق، أرأيت أشأم من الفرقة؟ لا أشأم من الفرقة {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] إذا سمعت الإنسان يشجع الفرقة، ويشجع الاختلاف بمظلة من الكلام باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، ويقول: الاختلاف رحمة وقد قال صلى الله عليه وسلم: {اختلاف أمتي رحمة}. فقل له: لا يصح أن يكون حديثاً، مع أن ابن تيمية في مختصر الفتاوى يقول: الإجماع حجة قاطعة، والاختلاف رحمة واسعة. لكن هذه الكلمة ليست على إطلاقها الاختلاف رحمة واسعة في فرعيات العبادة التي توسع على الأمة، ولكنها شؤم إذا أتت بنتيجتين: النتيجة الأولى: أن تعلي خصومنا وأعداءنا علينا، فهذا شؤم ولا شك. النتيجة الثانية: إذا أتت ببغضاء وأحقاد بيننا، فلا حياها الله من فرقة واختلاف! فإنها عند ذلك شؤم وضعف لنا، ضعف لساعدنا وقوتنا وعلمنا ودعوتنا يا عباد الله.

الموازنة بين المحاسن والمساوئ

الموازنة بين المحاسن والمساوئ القضية التي أريد أن أنبه عليه ولعلها الثالثة هي قاعدة: أن نزن الناس بحسناتهم وسيئاتهم. يقول الله عز وجل في كتابه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16] وقديماً قال أحد الشعراء: ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه وقال آخر: تريد مهذباً لا عيب فيه وهل نار تكون بلا دخان إن الذي يقوِّم الناس ولا يقوِّم نفسه ضال، إن الذي يريد أن يجعل الناس في مستوى الخيال في الكمال، ولا يقوِّم نفسه في هذا المستوى ضال، وذنبنا وخطيئتنا وتقصيرنا أنا نرى الأذى والقذى والذرة في عيون إخواننا ولا نرى جذع النخلة في عيوننا! إن جبالنا من الأخطاء نجعلها ذرات، وإن ذرات الآخرين من الأخطاء نجعلها جبالا. ترجم الذهبي لـ قتادة بن دعامة السدوسي أحد رواة الصحيحين فقال عنه: رمي بالقدر، ومع ذلك فهو بحر في العلم، رأس في القرآن، حافظ في الحديث، فنسأل الله العافية، ولكن نقدره بهذه الأمور، ومع ذلك لا نسكت عن بدعته. إن من يبتدع لا نسكت عنه، ولا نقول له: أصبت، ولا نقول: بيننا وبينك إخاء إلا في الجانب أن تتنازل عن هذه البدعة. إن من يخطئ في مسألة نقول له: أخطأت، لكن بالنصيحة، ومن تكتم على شيء فلا نصور له فوق ما تكتم عليه، بل نتركه وما تكتم، لكن إذا علمنا فيه شيئاً تكتمنا، لكن من شهر بدعته وخطأه على الناس، فواجبنا الرد عليه وأن نشهر الخطأ لرد الناس عن هذا الخطأ. من سكت سكتنا، ومن تكلم أمام الناس ودعاهم إلى مذهب ضال تحاكمنا معه إلى الكتاب والسنة: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] الرد إلى الله أي: إلى الكتاب، والرد إلى الرسول أي: إلى السنة، نحن لا نعمل في فراغ، كل واحد ربما يقول: الكتاب والسنة. لكن يا أيها الإخوة! الأمة مسيرة بمنهج منذ القرن الأول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والكتاب موجود، والسنة موجودة، ولسنا بحاجة إلى من يتكلم أو يقنن أو يحدد أو ينظر، صحيح أن له أن يتكلم في الأساليب وفي الأمور التي تنفع الدعوة، لكن ليس له أن يتكلم في صلب المنهج والتشريع، نقول له: كثر الله خيرك! عندنا ما يكفينا، ونوزع على الناس، نحن نصدِّر ولا نستورد، عندنا الطاقة الكاملة. أنت إن فهمت من النص فافهم، وإذا لم تفهم فاذهب وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. هذه مسألة هذا الأمر.

أقسام الأخطاء التي يقع فيها الناس

أقسام الأخطاء التي يقع فيها الناس الأمر الرابع: أن الخطأ يقع من الناس -أعني المسلمين- والخطأ على قسمين: خطأ بدعة، وخطأ معصية. فخطأ البدعة مرض شبهات، وخطأ المعصية مرض شهوات. فصاحب البدعة موقفنا منه أن نبصره بالكتاب والسنة والآيات البينات، ولكن ما هي قضية التبصير، نحن مجمعون على أن المبتدع لا يوافق، فالخرافي لا يمشى في طريقه، لكن ما هي الوسيلة التي بها نبين له النصيحة؟ حديث تميم الداري {الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة} فالنصيحة هي اللين في إبلاغ هذه الدعوة إليه، فإن أصر واستكبر كان ذلك التشهير ليحذر من الأخذ عنه والتعلم على يديه وأخذ الراية منه؛ لأنه سوف يضل الناس. أما صاحب المعصية فإننا ندعوه بالصبر، وبالوعد والوعيد وبالآيات البينات، وندعوه للتوبة إلى الله عز وجل. المسألة الخامسة: ينبغي علينا ألا نهدر حقوق المسلمين بأسباب، فإن بعض الناس -كما يقول ابن تيمية - أكثر من مرة يحمله الهوى على أن يعتدي في حكمه، وهو يقصد الحمية لدين الله والغضب لشرع الله. لكن يعتدي في حكمه، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى طلب أن نكون قائمين بالقسط، نتكلم بعدل وأمانة؛ لأن الإنسان ظلوم جهول، جهول يتكلم بلا علم، وظلوم يعتدي حتى ولو كان عالماً.

الولاء على قدر الحسنات والبراء على قدر الزلات

الولاء على قدر الحسنات والبراء على قدر الزلات أقول: إن الحكم على الناس ينبغي أن يؤخذ على درجات في الولاء والبراء والحب والبغض، ولذلك يقول ابن تيمية في كتاب الجهاد المجلد الثامن والعشرين: عن الولاء والبراء: يوالى الإنسان ويعادى على قدر ما فيه من طاعة، وعلى قدر ما فيه من معصية. فأما أن تجعل الناس طرازاً واحداً وتجعلهم جملة وتقول: كل من دخل في هذه الطائفة فهو ضال. فهذا خطأ، إن الله يحاسب العباد فرداً فرداً: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95] وأنت تقول: كل من دخل هذه الطائفة مصيب ومهدي ومسدد وناج من النار؟! هذا خطأ؛ لأنه قد يوجد في الجملة من هو مركوس في الخطأ، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في حديث عمران الصحيح: {خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم}. لكن هنا تساؤل: وجد في القرن الثاني من هو أفضل من بعض الأفراد الذين في القرن الأول، ووجد في القرن الثالث من هو أفضل من بعض الأفراد الذين وجدوا في القرن الثاني ولكن جملة هؤلاء أفضل من جملة هؤلاء، ولا يمنع أن يكون فرد من هؤلاء أفضل من فرد من هؤلاء، لكن الخيرية تبقى للأول فالثاني فالثالث.

الاشتغال بالكتاب والسنة

الاشتغال بالكتاب والسنة الأمر السادس الذي ينبغي أن نتنبه إليه كذلك: أنه ينبغي علينا أن نأتي إلى أمر سواء بيننا وهو الكتاب والسنة، وأن نجعل كل ما نشتغل به ونفكر فيه من العلم ومن الدعوة هو الكتاب والسنة، وأن نشغل أوقاتنا بالكتاب والسنة، ففيها الخير والعطاء واليمن والبركة، فإذا فعلنا ذلك صلح الأمر بإذن الله، صاحب الخطأ يكتشف خطأه من القراءة في الكتاب والسنة، من عنده شك أو ارتياب داوى نفسه من الكتاب والسنة، من عنده زيغ أو رأى انحرافه أو زيغه فعليه بالكتاب والسنة.

التعصب مرفوض

التعصب مرفوض القضية السابعة: أن الولاء لله تبارك وتعالى ولكتابه ولرسوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55] والخطأ كل الخطأ أن نتخذ أشياء أو أموراً أو مسائل أو مناهج نوالي ونعادي عليها، ونحب ونبغض فيها، ونقاطع ونواصل عليها، فهذه عبادة لهذه المناهج من دون الله تبارك وتعالى، ولو قال أصحابها: نحن لا نعبدها؛ لكنهم يعبدونها. أسألكم بالله أن تعودوا إلى اقتضاء الصراط المستقيم لـ ابن تيمية واقرءوا هذا الموضوع فيه، فإنه ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن القوم إلا هم!} والله تعالى يقول: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ} [البقرة:113]. قال ابن تيمية في كلام ما معناه: سوف يأتي من هذه الأمة طوائف لا تقبل الحق إلا من طائفتها، ولا تقرأ إلا كتب طائفتها، ولا تستفيد إلا من مشايخ طائفتها، حتى أنه يوجد من هو أعلم من علماء طائفتها، وأحسن كتباً من كتب طائفتها، لكن تتركه، وهذا هو الهوى والعمى، والعياذ بالله! فالولاء والبراء شيء، والعمل شيء آخر، الولاء والبراء لا يكون إلا لله عز وجل نوالي على شرعته ونعادي عليها، وهو الحب والبغض، وإذا صرف ذلك إلى شيء غير هذا، فقد خسرنا وخذلنا وعصينا الله.

لا عصمة لأحد غير الأنبياء

لا عصمة لأحد غير الأنبياء القضية الثامنة: أنه لا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن جعل بعض الدعاة وبعض العلماء وبعض المنظرين معصومين فقد أخطأ سواء السبيل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ} [الأحزاب:21] فالعصمة له صلى الله عليه وسلم. فائدة: لا يصح أن تقول: العصمة لله. لأن المعصوم لابد له من عاصم، والله لا عاصم له، لكن لك أن تقول: إن الكمال له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى والصفات الحسنى والقدرة والجلال والجمال، أما العصمة لله فخطأ. فالعصمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضية أن يحسن محسن فنتولى كل ما قال، ونأخذ كل ما قال، ونعمل على كل ما قال، فهذا خطأ. فقضية العصمة لا تكون إلا للرسول عليه الصلاة والسلام، وهو الذي يتحاكم إلى شرعته مع القرآن عليه الصلاة والسلام، وأما هؤلاء فيترحم عليهم، ويعلم أنهم أجادوا وأنهم أحسنوا: أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سُدوا المكان الذي سَدوا نأتي إلى إنسان خدم الإسلام، وقدم دمه في رفع لا إلا الله، ونحن جالسون على الكراسي والكنبات نشرب الشاي البارد، ونقول: أخطأ في مسألة!! فعليه من الله ما يستحقه، سبحان الله، أله حسنات كالجبال؟ وذبح في سبيل لا إله إلا الله وتأتي بمسألة ركبتها عليه ثم كفرته بها! ينبغي علينا أن نكون شهداء بالقسط، كما وصفنا الله عز وجل بذلك {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143].

التأصيل العلمي عصمة للفكر

التأصيل العلمي عصمة للفكر المسألة التاسعة التي ينبغي أن تلاحظ: إن من أعظم ما يمكن أن يؤلف بيننا -ونحن مؤتلفون متآخون- مسألة الاهتمام بالعلم الشرعي، مسألة قضاء الوقت في التحصيل، لأن الفكر ليس له ضابط الفكر يتجدد كل يوم كدرجات الحرارة، يزيد وينقص، فإذا تماسكنا بالفكر أخذنا خيوطاً من بيت العنكبوت يتقطع في أيدينا؛ لأن هذا يقول فكراً، وهذا يقول فكراً، وذاك يعارضه بفكر، فإذا أصبحت المسألة مسألة فكر، أصبحت المسألة لا معنى لها. تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد هذا يأتينا في الظهر بفكرة ويقول: أؤيدها وأبني عليها، وفي العصر يعود ويتوب منها، وفي المغرب يعود إلى فكرة ثانية وفي العشاء يتوب منها إلى متى؟ لا ضابط للفكر، إنما الضابط للتأصيل قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حصيلة العلم الشرعي.

تذكر حقوق المسلم على المسلم

تذكر حقوق المسلم على المسلم الأمر العاشر: أنه ينبغي أن نتذكر حقوق المسلم على المسلم كإخوة وأحباء. أليس من حقوق المسلم على المسلم أن ندعو له بظهر الغيب؟ هل دعا بعضنا لبعض بكثرة في ظهر الغيب حتى يصلح الله أحوالنا؟ لكن إذا سمعنا إنساناً قد يخطئ قمنا عليه وخطأناه، لكن لو أننا في جنح ظلام الليل وفي ساعة السحر قلنا: يا رب، يا أحد، يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد اهده سبيل السلام، سدده، وفقه! قال الشافعي: "ما جادلت أحداً من المسلمين إلا أحببت أن يعلو علي بحجته -سبحان الله! إلى هذا المستوى؟! - لئلا يجد علي في نفسه. لأن المغلوب دائماً يجد في نفسه. فالمسألة العاشرة: هل حفظ أحدنا هذه الحقوق؟ هل دعونا لإخواننا بظهر الغيب؟ هل دعونا لهم بالهداية والسداد؟ لو فعلنا ذلك لصلح الأمر، ثم هل ناصحناهم؟ هل كتبت رسالة رقيقة، تقطر دمعاً ورقةً ووداً: يا أخي في الله أخطأت في هذه المسألة، فما هو وجه خطئك؟ ولماذا قلت هذا؟ ونسب إليك أنك قلت هذا والله عز وجل يقول كذا وكذا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا، فما هي حجتك؟ هنا يبدأ الحوار. هل زرنا المخطئ في بيته فبينا له خطأه، ونسمع بأنفسنا وبآذاننا؟ إنني أسمع وإنكم تسمعون بعض الكلمات التي ما صحت، والله لقد سمعنا كلمات نسبت إلى العلماء، شوهت الصورة وشتتت كثيراً من القلوب وأوجدت أحقاداً، فلما ذهبنا إلى ذلك العالم وقلنا له: اتق الله! كيف تقول كذا وكذا؟ قال: والذي لا إله إلا هو ما قلت هذا ولا فكرت به!! فمن المسئول عن هذا؟ المسئول هو تعطيل مجالس الحوار والنقاش والسماع من الناس، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] تندمون وتخسرون حين لا ينفع الندم. والحقوق كثيرة منها الصفاء والود، إذا لقيت أخاً لك هل عانقته بحرارة؟ هل تبسمت في وجهه؟ يقول عليه الصلاة والسلام: {تبسمك في وجه أخيك صدقة} قال جرير بن عبد الله والحديث صحيح: {والله ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي}. قيل لأحد العلماء: ما هو السحر الحلال؟ قال: تبسمك في وجوه الرجال. لكن لماذا انقبض هنا وانبسط هنا؟! لأمر في القلوب الله أعلم به، فالتبسم أمره عجيب! وهو يحبه الله عز وجل ورسوله خاصة للمؤمنين، وهو المطلوب أن يتبسم لهم، الذين يريدون الخير للإسلام والمسلمين. أحد الشعراء يصف المتكبرين، يقول: وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أوردوا غصباً إلى النار هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري من تلق منهم تقل: لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري شيخ الإسلام ابن تيمية لما تولى الناصر بن قلاوون، أحضره من السجن مكتفاً بالحديد، وكان أعداؤه جالسين أمامه. أعداؤه الجالسون أمامه. قال الناصر بن قلاوون: يـ ابن تيمية أفتني بسفك دماء هؤلاء، فوالله لأسفكن دماءهم اليوم. الناصر بن قلاوون لا يريد الغضب لـ ابن تيمية بل يريد الانتقام لنفسه، لأن هؤلاء العلماء أفتوا أن بيعته باطلة، فيريد أدنى فرصة يدخل بها من طريق ابن تيمية حتى يقطع رءوسهم. قال ابن تيمية: لا. إن الله أمرنا أن نكون قائمين بالقسط، وهؤلاء أدخلوني السجن. إي والله الذي سجن ابن تيمية هم هؤلاء الجلوس، ابن مخلوف، وآل السبكي وأمثالهم، وأضرابهم، رحمهم الله جميعاً وغفر الله لمن أساء من المسلمين إن أراد الخير. فقال ابن تيمية: هؤلاء الذين أدخلوني السجن، ولكن هم علماء الأمة، وخيرهم أكثر من شرهم. ليس كمن يُقَوِّم الناس بما فيهم من سوء ولو كان أقل من حسناتهم فعجب الناس لـ ابن تيمية!! قال ابن مخلوف: غفر الله لـ ابن تيمية، قدرنا عليه فحبسناه في الحديد، وقدر علينا وأخذ السيف بيده فعفا عنا. الرسول عليه الصلاة والسلام دخل يوم الفتح، فأتي بـ أبي سفيان بن الحارث ابن عمه الذي قاتله في كل معركة، سبه بالقصائد النارية الحارة، فلما ظفر به أتى فوقف فوق رأسه بعد أن أخذ أطفاله يريد أن يخرج إلى الصحراء يموت هو وأطفاله جوعاً وعرياً وعطشاً، قال علي بن أبي طالب: يا أبا سفيان أخطأت، الرسول صلى الله عليه وسلم أرحم الناس، وأبرهم وأوصلهم، فعد إليه وسلم عليه بالنبوة، وقل له: تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين، كما قال إخوة يوسف ليوسف. فأتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فسلم عليه، وقال له: يا رسول الله، تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين؛ فسالت دموعه صلى الله عليه وسلم -هذه دموع الصدق والحرارة- وقال: {لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}. فصلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. هذه حقوق المسلم في المسألة العاشرة لابد أن يتنبه إليها كثيراً، فإنه كثيراً ما يُخْطَأ فيها، فإن من حقوق المسلم إذا استنصحك أن تنصحه، وإذا مرض أن تعوده، وإذا مات أن تتبع جنازته في الحقوق الستة التي ذكرت، وهذا ليس مجال بسطها.

التزام منهج الرحمة

التزام منهج الرحمة المسألة الحادية عشرة: أنه من حق بعضنا على بعض العفو والرحمة، فالرحمة منهج، ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء، وهناك حديث في سنده نظر، وهو ضعيف لا يصح رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو أن العجلوني تساهل فأراد أن يرفعه، لكن لا يرتفع، فيه: {الناس عيال الله! أقربهم إلى الله أنفعهم إلى عياله} ولكن في الصحيح ما هو غنية عن هذا. لماذا لا نرحم المؤمنين؟ لماذا لا نحب لهم من الخير ما نحب لأنفسنا؟ هل نزعت الرحمة؟ {لا تنزع الرحمة إلا من شقي} ولذلك قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. يقول أحد العلماء: سبحان الله! الدعوة الخالدة تعلن عالميتها من مكة!!. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] قال العلماء: لم يقل: وما أرسلناك إلا رحمة للمؤمنين فيخرج الكفار، ولم يقل للرجال فيخرج الإناث، ولم يقل للإنسان فيخرج الحيوان فكان رحمة للناس، أما للمؤمنين فهو أعظم رحمة، رحمة الهداية، رحمة الاستقامة، رحمة التوفيق، رحمة النجاة من النار. وأما الكافر فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33]. وأما رحمة الحيوان فورد في ذلك أحاديث، منها حديث الجمل، والحديث يقبل التحسين: {ذهب صلى الله عليه وسلم إلى حديقة من حدائق الأنصار، فأتى جمل فوضع جرانه في الأرض ودمعت، فقال صلى الله عليه وسلم: إن هذا الجمل شكا إلي ما يفعل به صاحبه} فأنقذه بإذن الله وبفضل الله ثم بفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الرجل. حديث الحُمَّرَة وهو حديث يقبل التحسين، حمرة أُخذ فراخها، فأتت ترفرف على رأس الرسول عليه الصلاة والسلام، تشكو لكن لا تتكلم، يقول أحد الشعراء: جاءت إليك حمامة مشتاقة تشكو إليك بقلب صبٍّ واجفِ من أخبر الورقاء أن مكانكم حرم وأنك ملجأ للخائفِ فقال صلى الله عليه وسلم: {من فجع هذه بفراخها؟ قال أنصاري: أنا. قال: رد عليها فراخها}. ورحمته صلى الله عليه وسلم تتعدى حتى يرحم الذين أساءوا إليه، وقد مر نماذج من هذا.

ترك ما لا طائل تحته من المسائل

ترك ما لا طائل تحته من المسائل المسألة الثانية عشر: إن بعض الخلافيات ليس لها أساس وليس وراءها طائل، وهو خلاف يودي بأصحابه إلى أن يسيئوا أكثر مما يحسنوا، خلاف ليس له أساس، مثل خلاف الجدل البيزنطي: هل تدور الأرض حول الشمس أم الشمس تدور حول الأرض؟ لن يسألهم الله يوم القيامة عن هذا: هل تدور الأرض حول الشمس أم تدور الشمس حول الأرض؟ وينقسم المجلس، ويأتي بعض الناس فيجادل في المسألة ويعتبر هذا أسلوباً من أساليب الدعاة، ويقول: خطأ، فيقول الآخر: بل أنت أخطأت. فيقول: أنت خطأتني، ومنهجي منهج الإسلام؛ إذاً أنت فاسق، وما دمت فاسقاً؛ فقد اقتربت من الكفر، وما دمت قد كفرت فنبرأ إلى الله منك!!! يقول ابن تيمية عن أبي حامد إنه يركب الفتوى تركيباً، مثل بعضهم يقول: من فعل كذا فعلامة أنه يريد كذا، ومن فعل كذا فهو يريد كذا وكذا، إذاً هو كذا وكذا، وهذه مقدمات فلسفية، وهو المطلوب إثباته في الهندسة، فيقول مثلاً: ما دام قد طول إزاره فهو مستهزئ بدين الله وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومادام أنه استهزأ بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر، والذي يستهزئ كافر لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] تصل هذه الفتوى عند كثير من الناس.

التسرع في الفتوى مذموم

التسرع في الفتوى مذموم ما شاء الله! أما المفتون فالساحة مليئة بالفتاوى! كل يتربع في المجلس، ويقول: الذي تطمئن نفسي إليه كيت وكيت. من أنت يا إمام؟! هل كنت أبا عبد الله الإمام مالك بن أنس حتى تطمئن نفسك، هل كنت ابن تيمية حتى تطمئن نفسك إلى هذه الفتوى؟ فيعارضه الآخر. والتسرع في الفتوى يدل على أحد أمرين: إما الجهل، والجاهل يتكلم بلا علم؛ لأنه ليس لديه أصول مضبوطة، أو يدل على الهوى وحب الترؤس، فإنه يريد أن يظهر بين أصحابه أنه مفتٍ. يقول أحد التابعين: والله الذي لا إله إلا هو، إنكم تفتون في مسائل لو عرضت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر. أتى رجل إلى علي بن أبي طالب -وهذا في أعلام الموقعين - فقال: ما حكم كذا وكذا؟ قال: لا أدري. ثم تبسم أبو الحسن أمير المؤمنين فهو علامة جهبذ، قال: [[ما أبردها على قلبي! سئلت عما لا أدري! فقلت: لا أدري]]. هذا الخليل بن أحمد وكلامه من أحسن ما قيل، يقول: الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فذاك عالم فاسألوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذاك غافل فنبهوه (أي عنده علم لكن يقول: ليس عندي علم!. يقولون له: يا شيخ حدثنا بارك الله فيك، اشرح لنا، وجه الأمة فيقول: أنا من أنا، أنا ليس عندي شيء) ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذاك جاهل فعلموه (أي رجل ليس عنده شيء فنقول له: أنت لا تدري، وليس عندك علم؛ فيقول: صدقتم، أنا أريد العلم، أفيدوني، فذاك علموه) والطامة الكبرى والداهية الدهياء والمصيبة، الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري! هذا ليس له حل إلا أن يتوفاه الله ويصلى عليه، أو أن يصيبه غرق في البحر أو أن يأتيه زلزال ويموت شهيداً، فهذا-الذي لا يدري وهو لا يدري أنه لا يدري وهو الاحتمال الرابع- هذا مصيبة! نقول له: أنت لا تدري يقول: لا! أنا أدري. قلنا: هل تفتي في هذه المسألة؟ قال: نعم، أفتي. قلنا: ما الدليل؟ قال: ما عليكم من الدليل، أنا أعرفه هكذا. قلنا: مَنْ عَلَّمك؟ قال: علمني علام الغيوب!! هذه علامة غلاة أهل التصوف والابتداعيون، الذين يقولون: علمنا من الخلاق لا من عبد الرزاق. قال ابن القيم: والله لولا عبد الرزاق وأمثال عبد الرزاق ما عرفتم الخلاق. قالوا: علمنا علم الخرق وليس علم الورق. ويقصدون بالورق التحصيل العلمي، وإنما العلم بالتعلم، فمسألة التسرع في الفتوى هي التي تورث كذلك بعض هذه الأمور. إخوتي في الله! الشاهد من هذا الحديث أن نسأل الله تعالى لهذه الأمة المسكينة المضطهدة المظلومة، التي اجتمع عليها الأعداء من كل جانب، أما جوها فميراج إسرائيل تقصف الأرض، وأما أرضها فأهل فسق وأهل شرود عن طاعة الله عز وجل إلا من رحم الله عز وجل، وأما هواؤها فمسموم باختلافات وأمور لا توجب الخلاف؛ فنسأل الله أن يجمع الشمل، وأن يوحد الكلمة، وأن يوفقنا وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه، ولعل الحديث واضح: إن كيد مطرف الإخاء فإننا نسري ونغدو في إخاء تالدِ أو يختلف ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحدِ أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالدِ يا دعاة الإسلام! يا علماء الإسلام! يا أبطال الإسلام! إلى الكتاب والسنة، وقد أقولها وأنا أعرف أن من تقصيري وعجزي أنني قد لا أبلغ هذا المستوى ولكن بجهدي وطاقتي، لأن في الناس من يقول: أنا أدعو إلى الكتاب والسنة، الخوارج يقولون: نحن ندعو إلى الكتاب والسنة، ويقولون: نحن الطائفة المنصورة، ونحن أهل السنة والجماعة، ونحن الناجون. حتى يقول الزمخشري المعتزلي وهو يسب أهل السنة فيقول: لجماعة سموا هواهم سنة لجماعة حمر لعين موكفة كذب البعيد، نسأل الله أن يتولاه، ولا ندعو عليه لأن له حسنات، ولو أنه مبتدع. أنا أقول: إن هذه الكلمة تقبل، لكن المقصد أن نطبق بالفعال والمقال، وأن نعمل شيئاً ليدل على أننا نريد الكتاب والسنة، ما كل من قال مقالاً صدق. أيها الناس! إن على كل لسان قائل ما قال شاهد من عمله، فالله الله لا يظهر عمله مكذباً لقوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

التبسم وإفشاء السلام

التبسم وإفشاء السلام Q نرى من بعض الشباب الملتزمين بالدين عدم الابتسامة والضحك إلا لأصحابهم، وإذا سلم عليهم أحد من العامة، ردوا ووجوههم عابسة. ما نصيحتكم لهؤلاء الشباب؟ A هؤلاء أولاً يذكرون بالسنة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أفضل الإسلام قال: {إطعام الطعام، وإفشاء السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف} فالسنة أن تفشي السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف من المسلمين، ومن حصر السلام أو اللقاء أو شيئاً من الود وحقوق المسلمين على طائفة فِلهوىً في نفسه، وهذه الأمور الدقيقة يتساهل فيها بعض الناس، وهي تحدث أموراً من التشتت والتمزق كالجبال، إنه ليس من السهل أن تلاقي شاباً مسلماً أو داعية أو رجلاً خيراً صالحاً، ثم ينقبض وجهك إذا رأيته، إنها سوف تورث عنده ردة فعل، ويحملها إلى أصحابه وإخوانه ويوزعها، فيأتي الشقاق! إن البسمة ليست برخيصة بل هي غالية، تبني من قصور المحبة ما لا تبنيه وسائل أخرى، فأنا أدعو إخواني على أخذ هذا الحديث: أن تفشي السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف، وأن تعطي الناس من برك وصلتك، بل قال أهل العلم: حتى الكافر يدخل في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لبني إسرائيل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] وهو كافر، فكيف بالمسلم الذي يصلي الصلوات الخمس؟!! الانقباض يكون لليهودي والنصراني، ويكون للبدعي الذي يريد النكاية بهذا الدين، ويريد الإضرار بالسنة المطهرة، أما رجل أخطأ في مسألة، أو خالفك في أسلوب، أو رأى هذا الطريق، ورأيت هذا الطريق والمقصد واحد، فلماذا الانقباض؟ إنه الهوى.

التشهير بالبدعة والضلال

التشهير بالبدعة والضلال Q هل يجوز إذا كان هناك شيخ ضال أن أشهر به؟ A أنا قلت في غضون حديثي: الضلال الذي يطرح في الساحة، أو يكتب أو يسمع، لابد أن نتثبت منه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] فلابد من التثبت، بسماع الكلام، والتحقق من مصدره؛ لأن الشائعات كثرت بين الشباب وبين الدعاة، تنقل الكلمات وليس لها أي أساس من الصحة، وتنقل العبارات الجافة فيزاد فيها حتى تبلغ عدلين، ثم تصل فتسحق الود، فموقفنا أولاً التثبت والتبين من مصدر الخبر، فإذا ظهر لنا الخطأ فعلينا واجب النصيحة، نذهب إلى هذا الذي أخطأ فنعلمه الكتاب والسنة، ونقول له: دعنا نتحاكم في النزاع إلى الكتاب والسنة، قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن أصر على ذلك حذرنا الناس منه للأمانة، فإن الجرح والتعديل ليس من باب الغيبة، يقول البخاري في ترجمته وقد ورد هذا في سير أعلام النبلاء: منذ عقلت رشدي ما اغتبت أحداً أبداً. قالوا: فما لك ألفت في الجرح والتعديل؟ قال: هذا ليس من هذا. الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ عيينة بن حصن: {ائذنوا له، بئس أخو العشيرة!} تحذيراً وإخباراً به، فنحذر الناس خاصة من يطلب العلم عنده؛ لأنه يأخذ علماً مغشوشاً مسموماً، بهرجاً لا خير فيه. رجل آخر ما سمعنا عنه شيئاً، نحمله على أحسن محمل، يصلي لكنه متكتم على شيء الله أعلم. فنحذر ونأخذ حيطتنا، لكن لا نأتي على المنابر وفي المجالس والمجامع نقول مبتدع، فإن قيل لكم ما ظهر لكم من بدعته؟ قالوا: إن شاء الله يكون مبتدعاً! نسأل الله أن يكون مبتدعاً!! وما يدريكم لعله مبتدع؟ من يدري؟ لكن، نأخذ للاحتياط أنه مبتدع! فنحن نقول: التوقف عن رميه بالابتداع أولى من رميه بالابتداع. رجل آخر رفض، أتى يقول للناس: هذا هو الطريق الصحيح، هذا هو منهج أهل السنة والجماعة، هذا الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونشر وتكلم. بالتالي نحن نقوم ونتكلم، ونقول: أخطأت، لو أنك تكتمت تكتمنا، ولكن مادمت نشرت نشرنا: إن بني عمك فيهم رماح .

شرح حديث: احفظ الله يحفظك

شرح حديث: احفظ الله يحفظك Q أطلب منك شرح حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: {يا غلام احفظ الله يحفظك}. A بسم الله الرحمن الرحيم هذه محاضرة جديدة! هذا حديث ابن عباس من أروع وألمع وأبدع الأحاديث في السنة، وهو حديث رواه الترمذي وسنده صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله صلى الله عليه وسلم: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} وعند أحمد -: {واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. إذا علم هذا أيها الإخوة! فهذا يحتاج إلى كلام طويل، لكن مجمل الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم يُطالب بحفظ الله. فما هو حفظ الله؟ هو حفظ أوامره واجتناب نواهيه، حفظ الله هو العمل بالكتاب والسنة، حفظ الله أن تكون أقوالك وأعمالك وأحوالك موافقة لما في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حفظ الله أن تكون في ليلك ونهارك وحياتك وعبادتك وسلوكك لله هذا مجمل الحديث، والتفصيل بابه آخر. وأما حفظ الله لك فهو أن يهديك ويسددك ويوفقك ويرعاك، وهو الذي دل عليه الحديث الذي في الصحيحين: {ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه} ولينتبه لأنني سمعت من بعض الإخوة أنهم سمعوا قائلاً يقول في آخر الحديث: {وأجعل عبدي يقول للشيء: كن؛ فيكون} فهذا خطأ، وهذه زيادة باطلة، لا يصح إيرادها على الناس، وتشويش أذهانهم بهذه الزيادة.

الماسونية كفر

الماسونية كفر Q ما مدى خطر المسلم الماسوني على بلاده، وهل من صار ماسونياً يكفر؟ A ماسوني مسلم! هذا لفظ خاطئ، مثل قولنا: مسلم يهودي، مسلم صهيوني هذا ليس بصحيح وهذه نسبة خاطئة، المسلم مسلم، والماسوني ماسوني، إذا كان ماسونياً فليس مسلماً، ولو كان أبوه وجده على الإسلام، وكتب في التابعية وعنده جوازه بأنه مسلم، فلا ينفعه عند الله، لأن الماسوني عدو للإسلام فلا يسمى مسلماً هذا في التسمية. والماسوني رجل متستر بابتداعيات، بل عنده أكبر من ذلك وهو الكفر، وأنتم تعرفون الماسونية وما ظهر منها في الساحة، وهي حلف عالمي لهدم الإسلام، وقد دخلت في الذين اشتهروا بالدعوة في البلاد الإسلامية، ولا أذكر أسماءهم الآن، وهؤلاء منهجهم معروف، وهم يبدءون بأمور: أولها: تعطيل المعتقدات والكفر بالأديان السماوية، فهي أشبه بـ العلمانية لكنها تحت مظلة ما يسمونه الإنسانية. الأمر الثاني: أن الرسل عليهم الصلاة والسلام ليس لهم مجال في هذا المجتمع العالمي، وليس لهم دور ولا دخل في الإصلاح بشيء. الأمر الثالث: أن الأجناس لابد أن تندمج بغض النظر عن دياناتها ومعتقداتها، فاليهودي والنصراني والمسلم كلهم سواء في بوتقة واحدة، ولهم أرقام وأسماء تجدونها في كتب تتحدث عن الماسونية وهذا ما يحضرني من الكلام.

زيارة الجفاة

زيارة الجفاة Q لي بعض الإخوة في الله، والمشكلة أنني أقوم بزيارتهم دائماً، وقد أتعرض لكثير من الأذى من أجل زيارتهم وأتحمله، وأنسى كل ألم بعد رؤيتهم، ولكنني كلما طلبت منهم أن يزوروني يتعذرون بأسباب غريبة، وأحس أحياناً تهربهم مني مع أني أحاول كل جهدي ألا يجدوا مني ما يؤذيهم من قول أو فعل؛ فأصبحت وحيداً بلا أنيس ينصحني ولا يواسيني، فأرجو أن تبين مدى أهمية الزيارة في الله وفضل استمرارها. A أنا أقول لك مبدأً: على المسلم ألا يذل نفسه، لا تذل نفسك من أجل أن ترضي أحداً، والذلة لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الذي تنبغي له الذلة والعبودية، وأما الذي ذكرت من هؤلاء فهؤلاء قوم جفاة، عليك أن تنفض ثيابك ويديك وتدعو لهم أن الله يصلحهم. أما أن تتعرض للإهانات صباحَ مساءَ وتدخل عليهم لتؤانسهم وتلاطفهم، فترى الانقباض والوحشة والجفاء، فهؤلاء قوم جفاة لئام، وليس عندهم من الخير شيء، ودينهم مهزوز، وقلوبهم مريضة، فإنهم لو أرادوا الخير للإسلام لاستقبلوك وحيوك؛ لأنه زاد رجل من المسلمين الأخيار، وأنت معهم في الصف والطريق، لكنهم خسروك وأنت لم تخسرهم والحمد لله. وأما الذي ذكرت بأنك تجلس بلا مؤنس فلا! بل معك ألف ألف مؤنس، أولاً معك الله تبارك وتعالى: يا حافظ الآمال أنت حميتني ورعيتني وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني الذي مع الله ليس بوحيد! أنت القوي: فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان قد يكون صاحب الحق واحداً، وتكون الجماهير على ضلال. والأمر الثاني: أن لك في الساحة ألف صديق وصديق، سوف تجدهم، ما عليك إلا أن تفتش عن يمينك ويسارك، فسوف ترحب بك القلوب والبيوت والعيون والأسماع والأبصار، وبدلاً من هذا الذي جفاك ولم يعانقك؛ سوف يعانقك مئات الشباب، ويرحبون بك، ويفرشون لك مقلهم لو أن المقل تفرش، وبدلاً من هذا الذي كشر في وجهك سوف يبتسم أمامك عشرات الوجوه والحمد لله، هذا الذي خسئ بيده ولم يمدها لك تمد لك الأيادي والحمد لله، فما عليك ممن سار وممن شرق وغرب، وردد مع أبي فراس بينك وبين الواحد الأحد: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضابُ وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خرابُ إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب ترابُ

الكرامة

الكرامة Q ذكرتم في يوم أمس شيئاً عن الكرامة، وأقول: إن بعض الإخوان يذهبون إلى أفغانستان ويَقتُلون ويُقتِلون لما يسمعون من الكرامة، وهمهم ذلك فقط، هل هذا أمر شرعي أم لا؟ A أولاً: ينبغي للمسلم ألا يعمل عملاً إلا لوجه الله، ومما يرضي الله عز وجل؛ فقد قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] هذا الأمر -الإخلاص- لابد أن يكون لله، وفي الصحيحين من حديث أبي موسى قال: {قلت: يا رسول الله! الرجل يقاتل رياءً، ويقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله}. أما الكرامة، فلها ضابطان اثنان: أولاً: أن يكون صاحبها على العمل بالكتاب والسنة، وعلى منهج الكتاب والسنة. الأمر الثاني: أن تستخدم هذه الكرامة لنصرة دين الله عز وجل. وهذان الضابطان ذكرهما ابن تيمية. الأمر الثاني: في أفغانستان جهاد مبارك، ونسأل الله أن ينصرهم وينصر دينه الحق وأن يثبت أقدامهم. وأما من خرج لطلب الكرامة فقد أشرك في نيته، فإن أعظم الكرامة أن ترفع كلمة لا إله إلا الله، وأن تنصر الإسلام بنفسك، أما أن تخرج لطلب هذه الأمور أو ليسمع بك أو ليرى مكانك فهذا شرك والعياذ بالله! أما الكرامات ففيها ما يقبل، وأهل السنة والجماعة يقرون الكرامات، ومن أعظم من يكرم الله عز وجل الشهداء في سبيله؛ لأنهم في موقف ضعف وزلزلة؛ فيؤيدهم الله بالكرامات. النوع الآخر فإدخال بعض العادات في الكرامات له، فهذا ليس بصحيح، بعض الناس يأتي بأمور عادية ويقول: رأيت كذا وكذا كرامة من الله. وقفت بسيارتي عند الإشارة الحمراء، فلما وقفت ولعت الخضراء أكرمني الله بهذا. ! دخلت البيت وإذا بزوجتي قد فرشت السفرة ووضعت الطعام، فمن أخبرها أنني أتيت؟ هذه كرامة من الله! فهذه عادات وليست بكرامات. الأمر الثالث وهو أمر خطير: أن تجعل الزندقة والإلحاد والشركيات والخرافات كرامات، وهذا أمر أشرت إليه. السحرة والكهنة يخبرونك باسمك ولقبك وكنيتك فتقول: صدقتم! هؤلاء مخرفون قد خدمتهم الجن وليس هذا بكرامة، فلا تغتر بمن يطير في الهواء ويمشي على الماء حتى توازن عمله وقوله وفعله بالكتاب والسنة.

حكم الإيثار بالقرب

حكم الإيثار بالقرب Q ذكرتم أن من علامات الأخوة الإيثار، فهل يجوز الإيثار بالحسنات وبالسنن للإخوان، فمثلاً: إذا جاء إنسان يريد أن يؤذن فيؤثر أخاه في ذلك، وما مدى صحة الحديث الذي ذكرتموه: {سلمان منا آل البيت}؟ A أولاً أما حديث: {سلمان منا آل البيت} ففيه ضعف، وأما الإيثار بالحسنات، فهو مبحث تعرض له ابن القيم في كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب، كمن يؤثر أخاه المسلم بالصف الأول ويعود إلى الثاني ويترك مكانه له، فمن يأتي ليؤذن فيرى أخاه المسلم فيقدمه للأذان، وأهل العلم على رأيين: منهم من قال: لا يؤثر بالقرب لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133] والمسارعة تقتضي ألا تؤثر، وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148] والاستباق أن تكون الأول في كل شيء. من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول فكيف تترك الأول لتخرج من هذه النصوص ومن فضلها. وقالت طائفة: الإيثار بالقرب وارد، وقد آثر كثير من الصحابة بقربهم وبأعمالهم، مثلما فعلت عائشة عندما قتل عمر رضي الله عنه فسألها أن يدفن في قبرها الذي أعدته لنفسها بجانب أبي بكر والرسول صلى الله عليه وسلم ثم قالت: لأوترن به اليوم على نفسي. وكان بعض السلف يترك الأذان -كما في بعض الغزوات مثل القادسية- ولو أنهم أرادوا أن يقتتلوا عليه، لكنهم يتركونه لبعض الأخيار. وقد آثر عمر أبا بكر في أكثر من موقف: بالكلام والحديث، بالدعوة، بالصدقة، بالنفع، وكثير من ذلك. والصحيح أنه لا بأس بالإيثار في القرب التي تقبل الإيثار، مثل أن ترى من يستحق أن تؤثر له، ترى عالماً جليلاً دخل فلك أن تتأخر من الصف الأول إلى الثاني وتترك له مكانك، فيأجرك الله على ذلك، ترى شيخاً كبيراً مسناً تقدم يريد أن يؤذن وأراد أن يحتسب فتقدمه للأذان. لكن أهل المعاصي والفسقة لا يؤثرون، تجد رجلاً فاجراً فتقول: يا بركة الزمن، يا درة الدهر تعال وأذن بالناس! تتحدث في المجلس وتورد عليهم قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدخل عليك ضال مضل مخرف فتقول: يا أيها العلامة الجهبذ، يا شيخ الإسلام خذ الميكرفون وتكلم! هذا من الإيثار الخطأ، فلابد أن يكون الإيثار في القربات التي تقبل الإيثار، وأن يكون لمن يستحق الإيثار، وأما الذين هم متلبسون بالمعاصي أو مشتهرون بها، أو ضلال فسقة؛ فلا يؤثرون.

أشد أنواع الكفر

أشد أنواع الكفر Q ما حكم من يسب الله جل جلاله؟ وهل نأكل معه ونسلم عليه؟ وهو أخي شقيقي مع العلم أني دائماً أنصحه، وهل يجوز أن أضحك معه وأعطيه شيئاً من المودة؟ A نعوذ بالله من هذا، وتعالى الله عما يقول هذا علواً كبيراً!! رجل يسب الله عز وجل!! أهل الإسلام اختلفوا في هذه المسألة، هل له توبة بعد أن يتوب؟ ومنهم من قال: لا توبة له! أما علاقتك معه فعليك أن تتقي الله وتنصحه؛ لأن التوبة ما زالت مفتوحة وهو الصحيح لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] والله غفر للكافر الذي كان يسبه ويسب رسوله لما أسلم، فالتوبة -إن شاء الله- واردة وهو الأقرب، فعليك أن تنصحه، فإذا استمر فقاطعه، واحمل له البغضاء والضغينة، وإن استطعت أن تودي برأسه وبعنقه قتلاً فافعل؛ فإن هذا عدو من أكبر الأعداء الذين وجدوا على سطح الكرة الأرضية، هذا الذي يسب الله ليس بعد عدائه عداء، وعليك -إذا عجزت منه وحاولت- أن تتسبب في الإضرار به ومعاداته ومناوأته ولو بلغ حد قتله، فقتله من أحسن القربات إلى الله عز وجل.

دوران الأرض والصعود إلى الفضاء

دوران الأرض والصعود إلى الفضاء Q هل الأرض تدور أم أنها ثابتة؟ وهل نصدق قول الكفار أنهم صعدوا الفضاء؟ A هذه مسألتان: مسألة هل تدور الأرض أو لا تدور، ومسألة هل صعد الكفار إلى الفضاء. الظاهر أنهم صعدوا الفضاء ووصلوا إلى سطح القمر، وهذا معروف، لكنني قرأت للمالكية والحنابلة والشافعية والأحناف، فما قالوا بدوران الأرض، وأنا أتوقف كما توقفوا، والذي يظهر والله أعلم أنها تدور، وهذا الذي تكلم به أهل العلم، أما أن يأتي طلبة العلم فيدخلون أنفسهم في كل قضية، فكلما أتت نظرية وطرحت في الساحة، قاموا إليها ونشروها ثم تكلموا فيها، وفي بكرة النهار تأتي قضية تعاكسها أو نظرية تنكسها فنقول: عدنا كما عادوا وتبنا كما تابوا! القرآن لا يعرض هكذا للناس رداً وأخذاً وعطاءً ومضادةً، لا! ولذلك سيد قطب رحمه الله يقول قاصداً طنطاوي جوهري صاحب كتاب الجواهر في التفسير: حمل القرآن ما لم يتحمل، القرآن نزل كتاب هداية. وأبو الأعلى المودودي له كتاب كيف تقرأ القرآن، وهو كتاب فذ من أحسن ما كتب، يقول: أولاً: أزل من ذهنك كل تصور عن القرآن أنه كتاب تاريخ فليس بكتاب تاريخ، وليس بكتاب جغرافيا، وليس بكتاب هندسة ولا كتاب طب، لكن القرآن كتاب هداية. بعضهم يدعي أنه أخذ من القرآن أن المثلث زواياه ثلاث. قلنا: من أين يا بركة الزمان؟! قال: من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات:30 - 31] أين هذه من هذه؟! ذهبتْ مشرقةً وسرتَ مغرباً شتان بين مشرقٍ ومغربِ قال آخر: الخط المستقيم أقرب موصل بين نقطتين. قلنا من أين؟ قال: من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] إلى آخر تلك الأقوال فحمل القرآن ما لم يتحمل؛ لأن القرآن والسنة إذا عرضا لهذا، كانا في مهب الهواء. فأما الدوران فهو الأقرب، لكنني لا أعرف أن القرآن يدل عليه إثباتاً أو نفياً، لأن القرآن كتاب هداية، فأهل الطب يبرعون في الطب، والهندسة يبرعون في الهندسة، أي: اسق الناس الإيمان ثم اتركهم، وسوف ترى كيف تؤتي شجرة الإيمان أكلها كل حين بإذن ربها، أدخل في قلبه الإيمان ثم ترى الصحفي يكتب بإيمان، والشاعر يلقي قصيدة بإيمان، والمهندس ينفع المسلمين بالإيمان، والطبيب يخدم الإسلام بالإيمان، أما مسألة الإيمان، فقد أتى القرآن يقول: خذ الإيمان، أما هذه الوسائل فلا، بل تترك للبشر.

الاختلاف بين الجماعات الاسلامية

الاختلاف بين الجماعات الاسلامية Q إني كنت في تحفيظ القرآن، ثم انفصلت من التحفيظ لبعض الظروف العائلية، ثم التزمت مع شباب طيبين والحمد لله، ثم قالوا لي: إن أستاذ هذا التحفيظ من جماعة الإخوان المسلمين وأنا لا أدري من هم الإخوان المسلمون، فما رأيك في هذا الأمر؟ A أولاً: لا يخفى عليكم أن هذه الجماعة الخيرة الطيبة التي نفع الله بها الإسلام والمسلمين، الإخوان المسلمون من ضمن أهل الاجتهادات في مجال الدعوة والأساليب، وهي من الانتماءات الموجودة في الساحة، أنشأها الأستاذ حسن البنا رحمه الله رحمة واسعة، ونسأل الله أن يجمعنا به في دار كرامته. الإخوان المسلمون يحاسبهم الله عز وجل مع السلفيين مع أهل جماعة التبليغ فرداً فرداً، ولا يحاسبهم جماعات، فما عليهم من أخطاء فأخطاؤهم بينهم وبين الله، وما لهم من حسنات أثابهم الله بحسناتهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. هم بشر يخطئون ويصيبون، وللجميع اجتهادات قد تصيب في بعض النواحي وقد تخطئ، لكنهم جميعاً يريدون الخير، هذا يريد الإمساك على منهج السلف في المعتقد؛ فمأجور ومشكور، واعمل لكن لا تثرب على الآخرين، كفاك الله شر التثريب! وهذا يقول: أريد أن أربط الواقع والفكر بالإسلام، وأن أجمع كلمة المسلمين، وأن نرد على الكافر، وأن يكون خصمنا الكافر. نقول له: أثابك الله! أحسنت، وأنت مأجور ومشكور، لكن لا تثرب على أحد إلا من يقبل التثريب. ذاك الثالث يقول: أنا أريد أن أخرج العصاة من البارات والخمارات وأهديهم. نقول له: أحسنت وأثابك الله! وهذه مهمتك. والمجموع كلهم خيرون إن شاء الله، وأنت ليس عليك هذا، إنما عليك أن تعمل لوجه الله، وتوالي في الله، وتبغض في الله، وأن تحاسب الناس أفراداً، لا لأنه هنا فتكرهه؛ لكره ما تسمع، ولا لأنه هنا؛ فتحبه لحب ما تسمع، فإنه يوجد هنا أفراد أتقى وأزهد من بعض الأفراد أو من كثير من الأفراد هناك، وهناك يوجد أفراد أتقى وأزهد من بعض الأفراد هنا، فأنت كن على منهج القرآن في المحاسبة في الآخرة فرداً فرداً هذا هو الأمر الواقع. الأمر الذي أحب أن أقوله: إن كلامي هو في الائتلاف، وليس هناك أمور إن شاء الله توجب الفرقة، لكننا إذا أتينا بالكتاب والسنة، واشتغلنا بالعلم الشرعي، وسمحنا لأهل الأساليب في أساليبهم واقتراحاتهم التي لا تعارض الإسلام، نجحنا وأفلحنا بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن الصفاء! الصفاء! والود الود! والحب الحب! وكل مأجور مشكور، على أن في هذه الطوائف والانتماءات بعض من المتحمسين للإسلام، عقيدته عقيدة السلف يحب الخير، يشتعل حماساً لخدمة هذا الدين فجزاه الله خيراً، وفي هذه الانتماءات جميعاً عصاة مذنبون مجرمون، وحسابهم عند الله عز وجل، وفيهم من تلبس ببدعة فحسابه عند الله عز وجل، ولكن المقصد أن تعمل عمل رجل يريد الخير لهذه الأمة ونصرة لا إله إلا الله ثم من أي طريق أتيت: خذا جنب هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق

عفو الشيخ عمن اغتابه

عفو الشيخ عمن اغتابه Q إني أحبك في الله! وقد اغتبتك مرة من المرات، فأرجو أن تسامحني وألا تقول مثلما قال ابن سيرين؟ A أما أنا فأقول: عفا الله عنك ملء هذا المسجد، وعفا الله عن كل من جلس معنا وكل من غاب عنا من المسلمين؛ لأن هذا مجلس معافاة ومسامحة، أما أن نأتي نتحاسب في آخر المحاضرة بالدينار والدرهم فليس بصحيح. يقول صاحب المنطلق والعوائق جزاه الله خيراً: قال قائل لأخيه: تعال نتعاتب هذا اليوم، قال: بل تعال نتغافر. فهذا ليس مجال عتاب، نزيد الأمة نكاية وتشتيتاً وفرقة بأن أقول: والله لا أسامحك، وتقول: والله لتسامحني.

حرمة دخول الحائض إلى المسجد

حرمة دخول الحائض إلى المسجد Q هل يجوز للحائض أن تدخل الحرم دون أن تصلي؟ A الصلاة -كما هو معروف- محرمة عليها، والحائض لا تدخل الحرم ولا أي مسجد، إلا عابرة سبيل كما قال الله تعالى في الجنب: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43] وفي سنن أبي داود بسند جيد عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب} وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج لي رأسه فأرجله وأنا حائض من خارج المسجد} فلو كان يجوز لدخلت معه. وهناك مسألة نذكرها للتنبيه والفائدة تعرض لها ابن تيمية والأحناف، وهي مسألة الحائض إذا حاضت قبل أن تطوف طواف الإفاضة؛ فماذا تفعل؟ هناك حديث: {أحابستنا} وهو حديث صفية فإنها لو كانت طاهرة لكانت طافت، وإذا كانت حائضاً فإنها كانت تحبسه صلى الله عليه وسلم. ابن تيمية والأحناف قالوا: إذا كان بلدها بعيداً ويخشى عليها ويخاف عليها من الرفقة، فلها أن تطوف بالبيت بلا صلاة. وهذه المسألة للفائدة، يقولون من باب الضرورة: {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتبوه} لكن -للعلم- الحائض لا تدخل المسجد جالسة أو عابدة أو معتكفة، وإنما لها أن تمر مروراً عابراً كما قال تعالى: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43].

أهل الذمة المحاربون

أهل الذمة المحاربون Q حدثت مشاجرة بين المسلمين والنصارى في إحدى البلاد، واعتدى نصراني على مسلم، فأحدث به عاهة مستديمة، ونظراً لأنه لا تقام الحدود في تلك البلدة، هل يجوز للمسلم أن يتحين الفرصة للقصاص من هذا النصراني؟ وهل يجوز قتل النصراني لأنه محارب ومجاهر بنصرانيته؟ A أقول: عليك أن تعتدي بمثل ما اعتدى عليك، وأن تقتص بيمينك؛ سلم الله يمينك، فإن أتلف يدك فأتلف يده، وإن استطعت فالاثنتين، وعينه فعينه، وأذنه فأذنه، فهذا منهج، لكن العدل أولى وأقرب. وأما قضية أن نحارب النصارى لأنهم كفار فلا! فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جعل الناس ثلاثة: صاحب عهد إلى مدته، ومحارب نحاربه، وصاحب ذمة؛ فأما أهل الذمة فإنا نقرهم بشروط، إذا كنا منتصرين أقررناهم ببنود أو شروط لا نقرهم على كفر، لكن على الاستيطان، أو على المعايشة السلمية بشرط أن يدفع لنا الجزية عن يد وهو صاغر، لكننا الآن نحن نخاف أن ندفع لهم الجزية! ومحارب: فهذا أضربه وما عليك، سيفك بسيفه، ورمحك برمحه. وأما صاحب عهد: عاهدته شهراً أو سنة أو سنتين فأتم له عهده إلى مدته. وأحسن من تكلم عن هذا في كتاب الجهاد أبو الأعلى وقد نقلها عن ابن القيم وذكرها سيد قطب في الظلال في سورة الأنفال عن ابن القيم، وأحسن من فصلها ابن القيم في كلامه عن الجهاد.

القصيدة البازية

القصيدة البازية Q هل يتفضل الشيخ بإعطائنا القصيدة البازية؟ A القصيدة قد ذكرت أكثر من مرة، ولكن سأعيدها كي تثبت وترسخ؛ لأنه إذا لم تكرر فسوف تُنسى. الشيخ عبد العزيز بن باز نحبه لا لشيء إلا لأنه يحب الله، وكل من أحب الله وعمل لله فواجب علينا أن نحبه وليس بنافلة، هذا الرجل وضع الله له القبول في الأرض، نسأل الله أن يثبتنا وإياه وأن يحسن لنا وله الخاتمة، يقول عنه المجذوب في قصيدة مقطوعة مليحة: روى عنك أهل الفضل كل فضيلة فقلنا حديث الحب ضرب من الوهمِ فلما تلاقينا وجدناك فوق ما سمعنا به في العلم والأدب الجمِّ فلا غرو أن تسبي المكارم كابراً فتأسرها بالمكرمات وبالعلمِ فلم أر بازاً قط من قبل شيخنا يصيد فلا يؤذي المصيد ولا يدمي وتقي الدين الهلالي وهو محدث مغربي وقد توفي يقول: خليلي عوجا بي لنغتنم الأجرا على آل بازٍ إنهم بالثنا أحرى وزهدك في الدنيا لو ان ابن أدهم رآه رأى فيه المشقة والعسرا والبازية فيها: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً لك الله قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل الصافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي أغراهم المال والدنيا تجاذبهم ما بين منتعل منهم ومن حافي مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعاني ولم تولع بإرجاف بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطل في إشراقه الضافي تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصدافِ يكفي محياك أن القلب يعمره من حبكم والدي أضعاف أضعافي يفديك من جعل الدنيا رسالته من كل أشكاله تفدى بآلاف أراك كالضوء تجري في محاجرنا فلا تراك عيون الأغلف الجافي كالشدو تملك أشواقي وتأسرها بنغمة الوحي من طه ومن قافِ ما أنصفتك القوافي وهي عاجزة وعذرها أنها في عصر أنصافِ

الشيعة الإثنى عشرية

الشيعة الإثنى عشرية Q هل فرقة الشيعة الإثني عشرية تنطبق عليهم هذه الأخوة، وهل نبدؤهم بالسلام والدعوة والمزاح والمخالطة؟ A فرقة الشيعة الإثني عشرية لا تنطبق عليهم هذه الأحاديث، وهم في واد، وهذه الأحاديث في واد آخر، وهم مستدبرو القبلة، ونحن مستقبلو القبلة، فهؤلاء لا ينطبق عليهم الحديث لا من قريب ولا بعيد لأن هذا فيه بعد، ومن قرأ منهاج السنة لـ ابن تيمية عرف البعد الشاسع، ومن قرأ كتاب الوشيعة ذاك الكتاب الفذ لـ موسى الجار الله عرف أموراً عجيبة، فلا يمكن! فنحن في أماكننا ونحن هنا حتى يأتي من أراد أن يأتي لنعرفه ولينضم إلى الكتاب والسنة، أما أنا فأتكلم عن أناس تحت مظلة لا إله إلا الله محمد رسول الله، عن أناس يعتقدون في الجملة ما نعتقد، وأصولنا وأصولهم واحدة، إن اختلفنا معهم فإنما هو في فرعيات، خلاف تنوع لا خلاف تضاد، أما الخلاف مع الذي ذكر الأخ فهو خلاف تضاد، وليس بخلاف تنوع. أساليب الدعوة هي من خلاف التنوع؛ أما العقائد والأصول فمن اختلاف التضاد فليعلم ذلك. وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

نشرة الأخبار

نشرة الأخبار يتناول هذا الدرس بعض الأحداث العظيمة التي تهم الإسلام بشكل عام وتهم الصحوة بشكل خاص, ومن هذه الأخبار: صحوة في كل مكان. توبة المغنين. انهيار الشيوعية وانتصار الإسلام. ثم ختم الأخبار بلقاءات مع فضيلة الشيخ: ابن باز , والشيخ: الألباني, والشيخ: ابن عثيمين , ولم تخل هذه اللقاءات من الدروس والعبر المفيدة لطلاب العلم خصوصاً وللمسلمين عموماً.

سبب طرح موضوع نشرة الأخبار

سبب طرح موضوع نشرة الأخبار الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثراً. أمَّا بَعْد: عنوان هذا اللقاء (نشرة الأخبار) وهو عنوان عصري، والسلف لهم عناوين أخرى، وهي أنه كان من منهج القرآن أن يُسأل القادم عن خبره، وكان عليه الصلاة والسلام إذا نزل به نازل سأله عن اسمه ونسبه وعن قبيلته، فآثرت هذا العنوان، وسوف أذكر الموجز، ثم التفصيل إن شاء الله، ولعله أن يكون هناك فائدة، ولعل من قوالب الحق التي يعرض فيها ما ينفع، كلما تعددت الأساليب. دخلت الملائكة على إبراهيم عليه السلام، وكان من أكرم الناس، وله روغتان في القرآن: روغة كرم، وروغة شجاعة {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} [الصافات:93] هذا في الأصنام {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26] وراغ هنا، أي: ذهب بخفية، مثلما يذهب الكريم، فإنه إذا دخل الضيف بيت الكريم، يقوم الكريم فيروغ بخفية ويأخذ السكين بخفية، ويذبح الخروف بخفية. وأما البخيل: فيتحنحن ويتمنمن، ويلقي محاضرات، ويستعيذ بالله من الشيطان، ويَسنُّ شفرته أمام الضيف، ويصلي ركعتي الاستخارة، ويسأل الضيف هل أنت مقيم فنجعله عشاء، أو أنت مسافر فنجعله غداء، وما تأتي هذه الوجبة حتى يمل الضيف المجلس، ويسأل الله عز وجل أن يفرج عليه هذه الكربة. إبراهيم لما دخلت عليه الملائكة قام سريعاً -وانظر إلى الكرم- وذهب عليه السلام إلى عجل -ولم يقل خروفاً- كان العجل سميناً وهذا لا يفعله إلا كرماء الناس، وأيضاً مع أن الضيوف كانوا ملكين أو ثلاثة ومع ذلك يذبح عجلاً سميناً، قال أهل العلم: إذا وجد من يأكل الطعام فلا عليك ولو كثرت. ولفظ القرآن، قال: (سمين) وليس بهزيل، وفي سورة هود: (حنيذ) وقد جمع بينهما أهل العلم، قالوا: عجل سمين وحنذه؛ لأن الحنيذ يأكل منه الضيف أكثر ومن جرب عرف، والتجربة أكبر برهان {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} [الذاريات:27] ومن حكمة الله عز وجل وقدرته أن خلق الملائكة من نور لا يأكلون الطعام، فلما قدمه إليهم, قال ابن القيم: فيه أدب، فمن الأدب أن تقدم الطعام إلى الضيف، لا تقدم الضيف إلى الطعام، ولذلك نحن ابتعدنا عن الأدب الإسلامي الأصيل، يوم جعلنا الضيف يقوم إلى السفرة، وما نجعل السفرة تقدم إلى الضيف، هذا هو الأقرب لكن لا غضاضة، والمسألة فيها سعة. (فقربه) ولم يقل: قربهم إليه، وإنما قرب الطعام إليهم, وفي ذلك راحة للضيف لأنه جالس والطعام يأتي إليه، وقد كان الأولون يفعلون ذلك، حتى أتت المدنية فجعلوا سفرة الطعام في مكان، والمجلس في مكان, والغسالة في مكان، والنشافة في مكان، فلما قربه إليهم نظر إليهم، قال: {أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:27] وهذا من الأدب، فإنه لم يقل ما لكم لم تأكلوا! نحن تعبنا وسلخنا وذبحنا، وإنما قال: {أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:27] فقالوا: نحن لا نأكل، قال: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} [الحجر:57] سألهم: ما هو الخبر؟ وهذا هدي الإسلام, وهو أدب عربي قح، والعربي كان إذا نزل به الضيف سأله عن أحواله وأخباره. وعند الترمذي بسند فيه ضعف: {إذا عرف أحدكم أخاه فليسأله عن اسمه وعن نسبه، فإنه واصل المودة} وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13] فالأصل أن تسأل الضيف الذي نزل عندك، ممن أنت؟ ومن أي قبيلة؟ -وليس هذا من العنصرية- هل جاءكم مطر؟ كيف أهلكم؟ لأنك إذا سكرت شفتيك خاف منك الضيف، والبخيل لا يتحدث مع الضيف، وإنما يسارقه النظر، ويعد لقمات الضيف، وينظر هل كبر أم صغر، ويكاد يبتلعه، حتى ينطوي الضيف وينقبض. قال العربي الأزدي والأزد جدكم: أحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب وما الخصب للأضياف أن يُكْثَر القِرى ولكنما وجه الكريم خصيب فقبلما يضع السرج من على الحمار، أو القتم من على الجمل، فيبدأ صاحب البيت بالترحيب بالضيف وهو لا يزال في الحوش والجرين وهذا من الكرم، قال عليه الصلاة والسلام -كما في صحيح مسلم - لوفد عبد القيس لما سألهم: {من القوم؟ قالوا: من ربيعة، قال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا نداما}. فالسنة إذا قدم إنسان بعد أيام أو أسابيع أن يتحدث لإخوانه وأحبابه بأخباره، وأنا لا أعلم أحباباً أحب إلينا منكم -يشهد الله تعالى- في الله عز وجل؛ لأنا نعلم أنكم صفوة المجتمع، وأنتم جلستم في بيت الله وتركتم أعمالكم وأتيتم تسمعون ذكر الله، فحفت بكم الملائكة، وتنزلت عليكم الرحمة، وغشيتكم السكينة، وذكركم الله فيمن عنده، والله يقول لكم في آخر المجلس: {انصرفوا مغفوراً لكم؛ فقد أرضيتموني ورضيت عنكم -فنسأل الله الكريم من فضله- فتقول الملائكة: يا رب! عبدك فلان فيهم ما جلس إلا هكذا -أي: ليس له غرض في الجلوس- قال: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم}. ولذلك كان علماء السلف لا يدعون مجالس الذكر مع أنهم كانوا أعلم من المتكلم وأفقه، ومع ذلك يريدون دعوة مستجابة، أو مغفرة من الحي القيوم.

موجز عناوين الأخبار

موجز عناوين الأخبار نشرة الأخبار هذه فيها مسائل: الخبر الأول: صحوة في كل مكان: ففي هذين الأسبوعين -في الربيع- أتيت بأخبار. الصحوة في كل مكان. الجزء الثاني: توبة المغنيين في بلادنا، بل جمعٌ من المغنيين, سوف أخبركم بأسمائهم تابوا في أشهر معدودة من الغناء والفن، وكسروا الأعواد، وأقبلوا يتوضئون ويسجدون ويبكون في المساجد. الخبر الثالث: انهيار الشيوعية وانتصار الإسلام. الخبر الرابع: سلام على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وشيء من سيرته؛ لأني لقيته في مكة في هذا الربيع. الخبر الخامس: لقاء حار بفضيلة المحدث الكبير محمد ناصر الدين الألباني، فقد جلست معه مع بعض طلبة العلم ما يقارب ثلاث ساعات في أسئلة سوف أعرضها لكم وأعرض جوابه. الخبر السادس: جلسة مع الشيخ الفاضل العلامة محمد الصالح بن عثيمين، وسوف أقص عليكم من خبره: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف:111]. ثم ننتهي ببعض الأمور، والله الذي يفتح ويهدي سواء السبيل، وعسى الله أن يجعل أعمالنا وأعمالكم خالصة لوجهه الكريم. كان هذا هو الموجز وإليكم تفاصيل الأنباء.

تفاصيل الأخبار

تفاصيل الأخبار

صحوة في كل مكان

صحوة في كل مكان الخبر الأول: أما صحوة في كل مكان فحدث ولا حرج: (في كل أرض بنو سعد) والله يريد لهذه الأمة أن تتجه إليه، ويريد أن يكون المستقبل لها {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد:17] محاضرات في مكة وفي جدة وفي الباحة وبـ الجرشي والمخواة، لكن تمتلئ المساجد والأرصفة والطرقات من الشباب والنساء والكبار، يريدون ما عند الله، شباب أعلنوا توجههم إلى الله. والله إن الإنسان يقف أحياناً فتدمع عيناه مما يرى من هذا الإقبال العظيم، سبحانك يا رب! قبل سنوات امتلأت المقاهي، وأعرض الناس عن المساجد، واليوم لا يجد كثيرٌ من الناس أماكن للجلوس لحضور المحاضرات أو لرؤية المحاضر، أو لسماع المحاضرة، زحام رهيب، وإقبال على الطاعة، وصحوة في كل مكان، لقيت طلبة بعضهم جاء من فلسطين وقد جاءوا من سنغافورة، وقالوا: هناك صحوة، وبعضهم في البرازيل، وأتت رسالة من أستراليا قالوا: الأشرطة التي تلقى هنا تصل إلينا بعض ثلاثة أشهر. اتجهت الدنيا إلى الواحد الأحد؛ لأن الله يريد أن يسعد الدنيا؛ ولأنه لطيف بالخليقة، ومن لطفه أن يرد الخليقة للإسلام، ولذلك يقول سيد قطب قبل ثلاثين أو أربعين سنة: المستقبل لهذا الدين، ونقول له: يا أستاذ رحمك الله! لو رأيت الصحوة والعودة، لعلمت أن المستقبل لهذا الدين، ولي عودة على هذه القضية.

توبة المغنين

توبة المغنين أما توبة المغنيين في بلادنا، فقبل أسبوع كانت محاضرة وهي موجودة في تسجيلات أبها بعنوان: "رسالة إلى المغنيين والمغنيات" وقد حضرها جمع هائل من المسلمين، وحضرها أيضاً اثنان من المغنين الذين تابوا، وأتيت بقصاصات من جريدة الجزيرة وعكاظ، وبعض الصحف التي تحدثت عن سبعة تابوا إلى الله وعادوا في أشهر معدودة. حضر المحاضرة المغني الشهير، والذي أصبح عابداً داعية (مسفر القثامي) و (يحيى أبو الكرم) صاحب الصوت الجميل، وسوف تسمعون صوته في آخر الشريط الثاني من المحاضرة. ثم قام بعد المحاضرة ليتكلم عن مرحلتين ويومين وليلتين في حياته، مرحلة ما قبل الهداية، ومرحلة ما بعد الهداية، مرحلة يوم كان يأخذ العود، ويعزف على الموسيقى، وكان عنده فرقة، وكان عنده ناي وطبل ودف، ووتر وسهر، وضياع وكأس وسيجارة، وجمهور ولغو ولهو: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأنعام:70]. ومرحلة يوم هداه الله، قام ووجهه قد أشرق بالنور, وعليه لحية جميلة من لحى أهل السنة والجماعة، وثيابه من ثياب أهل السنة، وعنده سواك، وقام أمام الألوف من الناس، يقول: أنا أبو الكرم، قد كنت مغنياً وأصبحت عابداً لله، ثم اندفع يبكي، وتحدث عن روعة الإيمان ونوره، وعن إشراق القرآن، وسوف تسمعون كلامه، فسأله الناس أن يقرأ بصوته الجميل الذي كان يغني به {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] فقام واندفع واختار بصوته الجميل سورة (ق) {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] ما كأني سمعت في حياتي صوتاً أجمل من صوته، فماذا فعل الجمهور؟ انفجر الناس يبكون، حتى تراد المسجد بالبكاء، ولعلكم تسمعونه في الشريط، حتى صوروا لنا يوم القيامة، وكان هو يؤدي القرآن تأدية بالغة مؤثرة، وتنسكب دموعه مع القرآن؛ لأنه عاش القرآن. وفي المحاضرة تاب سبعة منهم: (محمد البيتي) غفر الله ذنبه، وحمد سعيه، أعلن أنه كسر العود، وعاد وترك الربابة والموسيقى، وأصبح من حَمَامات المسجد، وأنه لا يريد أن ينشأ ابنه على الغناء ولا على الوتر، ولا على الموسيقى، وقال: تفكرت في الغناء فإذا هو شهرة، ثم ماذا؟ {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]. و (مشاري) شرى نفسه من الله، كان مغنياً ثم عاد إلى الواحد الأحد، وهو مشهور، وله أكثر من خمسين أغنية، قد نفضت العالم العربي، وعاد وتركها وطلب من القائمين على الإعلام أن يمسحوها وأن يدمروها؛ لأنه أسس بنيانه على تقوى من الله {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] عاد إلى الله، اسمه مشاري اشترى نفسه من الله {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111]. ومن العائدين -أيضاً- عودة العودة عاد إلى الله، وليس بغريب {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] كان له جمهور، ولكنه طلب أن تمحى أشرطته المرئية والمسموعة، وقال: تبت إلى الله، وحياتي لا يمكن أن تكون حياة غناء، حياتي أغلى وأرفع, وسوف أكون من اليوم عبداً للواحد الأحد. و (بالخياط) تاب، وغيرهم كثير ولعلكم تسمعون بأسمائهم، والعجيب أننا سمعنا أن (مايكل جاكسون) قد تاب أيضاً وسواء تاب أو لم يتب المهم أن قوافل وأفواجاً أعلنوا توبتهم, وسوف تسمعون الإعلانات قريباً في الصحف عن الذين تركوا الغناء وأقبلوا إلى المساجد واهتدوا بهدى الله. لأن الغناء يحطم الإرادات، ويمحق العزائم، ويطفئ نور الإيمان، ويطارد القرآن، ويحارب الفضيلة، وينشر الرذيلة، ويبني للفحشاء صروحاً، ونقل في نفس الشريط الذي لعلكم سوف تسمعونه فتوى لما يقارب عشرة من أهل العلم، من المتقدمين والمتأخرين كـ ابن تيمية وابن القيم وابن باز والألباني، وهي مقروءة وسوف تسمعون فقرة عن بعض الأغاني التي أخذتها من بعض القصاصات والصحف، والتي بعضها كفر، وبعضها فسق, وبعضها معصية. فبعضها يعارض القضاء والقدر، وبعضها يستهزئ بالإسلام، وبعضها يقسم بغير الله، وبعضها يدعو إلى الفاحشة ونبذ الرذيلة، وإدخال الرذيلة -والعياذ بالله- على كل حال هذا من الأخبار وهم أبناؤكم، وأقاربكم، وإخوانكم، دفعنا إلى إخراج ذاك الشريط النصح ثم البيان ثم الرحمة بهم، وقاد عادوا إلى الله. شباب الحق للإسلام عودوا فأنتم فجره وبكم يسود وأنتم سر نهضته قديماً وأنتم فجره الباهي الجديد الخطوط السعودية تشهد صحوة، جلسنا معهم في كل مطار، فإذا هم يهتدون، وإذا الوجوه التي تراها قبل أسبوع تغيرت وأصبح النور يتلألأ فيها: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35] {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. ودخلنا الجيش فرأينا على مستوى القيادات والضباط والجنود عودة صادقة، وأصبحوا يسألون عن مسائل وجزئيات في سنة محمد عليه الصلاة والسلام، والأمن العام، والدوريات، والمرور، والتجار، والفلاحين فلله الحمد أولاً وأخيراً, اللهم لا تخذل محمداً في أمته. بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم تجلس مع رجل مصري فتسأله فيخبرك أن عندهم صحوة وعودة ورجوع، واليمني يخبرك ماذا يفعل الدعاة؟ وماذا يفعل الشباب؟ وكيف ينتشر الإسلام، وهكذا الإماراتي والكويتي والسوداني والعراقي وكل شعب يعلن أن المستقبل لهذا الدين, فلله الحمد والشكر.

انهيار الشيوعية وانتصار الإسلام

انهيار الشيوعية وانتصار الإسلام الخبر الثالث: انهيار الشيوعية في العالم وانتصار الإسلام، اقرءوا الصحف، أول ما يفاجئك في الصباح أن ولاية انقسمت من روسيا وأعلنت التمرد، وخرجت بمظاهرات عارمة تحطم دبابات الملاعين الملاحدة، أليس في ذلك انتصار للإسلام، ومن هذه الدول: رومانيا وتشيكوسلوفاكيا وأذربيجان وأوزباكستان وبخارى، أراضينا تعود إلينا، تعلن الإسلام، بخارى قطعة منا، عشنا معها وعاشت معنا، كتبنا بدمائنا في بخارى، وفتحناها بلا إله إلا الله، وخطبنا على منابرها، ثم تركنا فيها شهداءنا ودماءنا، ودموعنا وأشلاءنا ثم عدنا. البخاري صاحب الصحيح من هناك، وقبره هناك، فلماذا تصبح بخارى شيوعية لا بد أن تعود إلى الإسلام، فها هي الآن تعود إلى الإسلام K موسكو وهي العاصمة افتتح فيها مركز إسلامي والمؤذنون يؤذنون كل يوم خمس مرات في وسطها، كلما حان الوقت سمعت المكرفون كما قال الثقة: يدوي وسط العاصمة الملحدة، عاصمة الأنذال الأرذال الملاحدة، يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. بلادي كل أرض ضج فيها دعاء الحق يدعوها حنينا وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني أيضاً (سمرقند) تعود إلى الله، ومنها السمرقندي، و (طشقند) منها الطاشقندي، و (ترمذ) التي منها الترمذي، وهي أرض سيبويه تعود إلى الإسلام، وأرض الكسائي وأرض النسائي، وأرض المؤرخين ابن قتيبة، وأرض الأئمة وأرض الزعماء تعود إلى الواحد الأحد، وليس بعجيب فهي بشرى. وأما الشيوعية فقد كتبت عليها اللعنة كل يوم تنسحق دولة ويتحطم كيان. لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب هنا تضعضع العالم الغربي, واهتز وشعر بالخطر فعلاً، وبدأت التحليلات الغربية تختلف، فطائفة من الغربيين أبدوا الارتياح الكامل لهذه الخطوات الديمقراطية وتفاءلوا بمستقبل زاهٍ للإنسانية، كما نسمع الآن ويردد كثيراً، وأن الإنسانية والعالم الإنساني مقبل على مرحلة انفراج، وأن النظم الشمولية ستنتهي، وأن الديكتاتوريات ستسقط، وأن وأن وغير ذلك. وقالوا: إن هذا هو نتيجة ثورة الإنسانية، وتفاعل الحرية في قلوب العالم أجمع، هذه كانت تحليلات، وتحليلات أخرى تقول: لا. الاتحاد السوفييتي دائماً يلدغ، الشيوعية لم يتنازل عنها، وإنما هذه حركة التفاف، وهي عملية مخادعة، واختلفت التحليلات، والذي يتتبع العملية يقول: لا يمكن أن تكون هذه إلا عملية مقصودة، كيف السقوط بهذه الدقة، ثم لماذا يبرز في كل دولة يسقط فيها الشيوعيون، يبرز في محله الشيوعيون الناقمون، (الشيوعيون الإصلاحيون) كما يسمون؟! فكأن تروتسكي الذي قتله استالين عام (1940م) كأنه أعيد من جديد، أو غيره الدولية الثانية والدولية الثالثة والدولية الرابعة مجموعات الأحزاب الشيوعية خارج الاتحاد السوفييتي، يرون -أيضاً- الارتياح الذي تُقابل به الأحزاب الشيوعية في بلادها هذا الحدث فيقول: لا بد أن هذا أمرٌ مدبر بليل، ووراءه ما وراءه من خطر على أوروبا. على كل حال وصلت بعض التحليلات إلى القول: إن جرباتشوف دسيسة أمريكية، أي رُبي على عين أمريكا، ووضع ليهدم الشيوعية، وليأتي في مؤتمر مالطا ويقول لـ بوش: نحن لن نتقاسم العالم معكم، والبعض الآخر يقول: بالعكس, إن جرباتشوف هو الذي سيحتوي العالم ويريد أن يحتوي العالم عن طريق هذا الخداع. هذه تحليلات مختلفة، لكن أقول: نحن نقتصر على الأمور الظاهرة، ثم لنا الحق جميعاً أن نستنتج منها ما يمكن أن نستنتجه.

لقاء مع فضيلة الشيخ: ابن باز

لقاء مع فضيلة الشيخ: ابن باز لقاءات مع أهل العلم: السلام على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز: ربما قال بعضكم: الخبر ليس بجديد؛ لأننا كلنا نعرف الشيخ عبد العزيز بن باز، وماذا سوف تخبرنا بالعَلَم؟ والعَلَم لا يُعَرَّف. بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر قال تعرفن الفتى قلن نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر الشيخ عبد العزيز مشهور، لكن في سيرته جزئيات لا يعرفها الناس. - ترجمة ذاتية للشيخ عبد العزيز بن باز: المقابل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أيها الإخوة! نحن الآن في حضرة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، في لقاء نستطيع أن نسميه: لقاء السيرة الذاتية للشيخ عبد العزيز بن باز مع عرض بعض الأسئلة حول قضية العلم والعلماء والدعوة والدعاء. وفي البداية: نرحب بسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، ونشكر له هذا الوقت الذي اقتطعه من وقته الثمين، فمرحباً بك شيخنا عبد العزيز. الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم. المقابل: نحن -شيخنا الفاضل- سنبدأ هذه الأسئلة بما يشبه الترجمة عن حياة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، فنرجو من الشيخ أن يقدم نفسه للأخ المستمع. الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أمَّا بَعْد: فقد كتبت في هذا شيئاً ليعرف القراء حقيقة ترجمتي مُوَصَّلَةً, وهي موجودة عند كثير من الإخوان، وهي أيضاً موجودة في مجلدي الأول من الفتاوى والمقالات التي تم جمعها وطبعها أخيراً، وقد صدر الجزء الأول منها والحمد لله، ومن ذلك أولاً: أني ولدت في الثاني عشر من ذي الحجة عام 1330هـ، ونشأت والحمد لله يتيماً في حضانة والدتي رحمة الله عليها، وكان والدي قد توفي في ذي القعدة من عام 33هـ، وأنا في آواخر السنة الثالثة من عمري، ودرست القرآن وحفظته قبل البلوغ، وكانت دراستي على الشيخ الكريم رحمة الله عليه عبد الله بن فريد، وكانت له مدرسة في شمال مسجد الشيخ عبد الله رحمه الله، المسمى أخيراً مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه في بلد الرياض. ثم شغلت بطلب العلم على المشايخ في الرياض، وأول من قرأت عليه شيخنا العلامة قاضي الرياض الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين بن محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليهم جميعاً، وكان ذلك في حدود السنة الرابعة والأربعين والخامسة والأربعين إلى أن تعينت قاضياً في الخرج في عام 1357هـ. والشيخ وضع له القبول في الأرض، والقبول ليس بيد أحد من الناس بل هو بيد الواحد الأحد، فإنه إذا أحب عبداً جعل الناس يحبونه، وإذا أبغض عبداً جعل القلوب تبغضه، فالحب هذا لا يصطنع، ولا يأتي بالحديد والسكاكين ولا بالهراوات، بل الحب موهبة وعطية من الله عز وجل. وفي الصحيح يقول البخاري: باب المقة من الله، أي: الحب من الله، {إن الله إذا أحب عبداً قال لجبريل: إني أحب فلاناً فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض, وإذا أبغض الله عبداً قال لجبريل: إني أبغض فلاناً فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه فيبغضه أهل السماء، ثم يوضع له البغض في الأرض} وفي بعض الروايات: {حتى يشربون للمحبوب مع الماء البارد حبه، ويشربون للمبغوض مع الماء البارد بغضه}. ولذلك تجد بعض الناس بغضتهم القلوب بأعمالهم في الخفاء، وبعض الناس أحبتهم القلوب ولو أنهم لم يقدموا للناس شيئاً، ولكن بأعمالهم في الخفاء. الشيخ عبد العزيز جمع الله له أموراً منها: التقوى، رجل أول ما فيه أنه طلب العلم لوجه الله، هذا ما نحسبه والله حسيبه، ثم فقد البصر، ولكن لم يفقد البصيرة، عمي وعمره تسع عشرة سنة. ثم يقول: وقرأت على الشيخ صالح ما جرت العادة أن يقرأه الطالب في ذاك الزمان من كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه: كـ الثلاثة الأصول، وكتاب التوحيد وكشف الشبهات، وقرأت عليه أيضاً في عمدة الحديث للشيخ عبد الغني المقدسي، ولا أذكر الآن هل قرأت عليه العقيدة الواسطية أم لا. ثم قرأت على فضيلة شيخنا العلامة الكبير الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه، ولازمته كثيراً نحواً من عشر سنين أو أكثر، وقرأت عليه جميع العلوم الدينية التي يقرأها الطلبة في زماني في ذلك الوقت في الفقه والحديث والنحو, وسمعت عليه كتباً كثيرة من الكتب الستة ومن غيرها رحمة الله عليه، وكانت مجالسه في المسجد وفي بيته عامرة بالعلم -رحمه الله- وكان يجلس بعد صلاة الفجر في المسجد إلى طلوع الشمس يقرأ عليه الإخوان في بلوغ المرام، وفي النحو، وفي زاد المستقنع مختصر المقنع وفي كتاب التوحيد بعض الأحيان، ثم يذهب رحمة الله عليه ويجلس في بيته إلى قرب الضحى، فيقرأ عليه في المختصرات والمطولات، إلى أن يشتد الضحى، ثم يجلس بعد الظهر فُيقرأ عليه في المختصرات والمطولات وأنا من جملة من يحضر ويقرأ ويشارك في استماع الدروس، وهكذا من بعد العصر إلى قرب الغروب، وكان يجلس بعد المغرب ويقرأ عليه الطلبة في الرحبية في علم الفرائض، وكنت ممن درس عليه الرحبية مرات رحمه الله، وأخذت عنه علم المواريث أنا وجملة من المشايخ الذين تولوا القضاء وغيرهم رحمة الله عليهم، وبارك الله في الأحياء منهم. وكانت مجالسه عامرة بالعلم، والتوجيه إلى الخير، والنصح لله ولعباده، والإجابة عن أسئلة الطلبة، مع العناية بالدليل والترجيح، فجزاه الله عنا وعن العلم وأهله وعن جميع المسلمين أفضل الجزاء، وبارك في ذريته وجعلهم صالحين موفقين. وقرأت عليه أيضاً في أصول الفقه، وفي مصطلح الحديث، وقرأت عليه جملة من كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من كتاب التوحيد وثلاثة الأصول والعقيدة الواسطية وكشف الشبهات وأصول الإيمان وفضل الإسلام، رحمه الله، وسمعت عليه كثيراً، ومن مؤلفات الشيخ أيضاً رحمه الله مثل مختصر السيرة النبوية، وسمعت عليه أيضاً الكتب الستة بقراءات كثير من الطلبة، وسمعت عليه جملة من مدارج السالكين للعلامة ابن القيم رحمه الله. العجيب أنهم يقولون: إن الشيخ لا يعرف يكتب اسمه، مع هذا العلم الهائل من القرآن وكتب الحديث وكتب العلم التي في رأسه، كلها مناولة، {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19]. بعض الناس عيونه كالكشافات ولكن قلبه مظلم لا يبصر شيئاً، له عيون يرى ويبصر لكن يبصر الفاحشة والمعصية والجريمة، وأما النور فلا يبصره، وبعض الناس لا يملك بصراً ولكن يملك بصيرة. فالشيخ عبد العزيز يملك بصيرة وقلباً {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]. ابن أم مكتوم أعمى، والله يسميه أعمى في القرآن، يقول: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس:1 - 2] فيقول سيد قطب: لماذا يعبس في وجهه؟ لعل هذا الأعمى أن يكون منارة من منارات الأرض تستقبل نور السماء -الوحي- وبالفعل كان ابن أم مكتوم الفقير المسكين أعمى، ولكن استقبل نور السماء. يأتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول: {يا رسول الله! أنا نائي الدار (بعيد الدار) وليس قائدٌ يلائمني، فهل تجد لي رخصة في الصلاة في البيت؟ فرخص له، فلما ولى دعاه -والحديث صحيح- قال: أتسمع (حي على الصلاة) (حي على الفلاح) قال: نعم. قال: فأجب، فإني لا أجد لك رخصة} فكان يأتي الأعمى إلى المسجد في البرد أو في السيل أو في الحر أو في الظلام بلا قائد -يتلمس في الظلمات ليجعل الله له نوراً يوم ينقطع النور من المجرمين- حتى يصل إلى المسجد. فقل لي بالله: أين الشباب الذين فقدوا المساجد مع أن بيته بجوار المسجد ولا يعرف طريق المسجد، ولا يهتدي إليه؟! منحه الله قوة، وشباباً، ومالاً، وصحة، وسيارة، وكل ما تمنى، ثم يعرض عن منهج الله. من خان حي على الفلاح خان حي على الكفاح فهذا ابن أم مكتوم الأعمى لما سمع الجهاد. قال: [[لبسوني السلاح، قالوا: أعذرك الله أنت أعمى، قال: والله لا أقعد, والله يقول: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41]]] فنفر وركز الراية في القادسية وهو أعمى فقتل مكانه فأصبح شهيداً، أليس هذا نور؟ أليس هو منارة تتلقى نور السماء. الشيخ عبد العزيز عمي مبكراً، لكن بدأ يلتمس النور من الواحد الأحد، ابن عباس عمي في السبعين من عمره، عالم الأمة هذا العجيب الفطحل الذي يمور علمه مثل البحر بل أكثر, فالبحر الذي إذا طم وعم أقل من علم ابن عباس , كانت العلوم تتفجر منه، يجلس بعد الفجر وهو أعمى في آخر عمره، فيسأله أهل القرآن إلى ارتفاع الشمس، ثم يأتي أهل الحديث فيسألونه حتى يقرب الضحى، ثم يأتي أهل التفسير فيسألون إلى منتصف الضحى، ثم يأتي أهل اللغة، ثم يأتي أهل الشعر، يتفجر كالبحر، عمي فقال بيتين جميلين، يقول: إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور قلبي ذكي وعقلي غير ذي عوجٍ وفي فمي صارم كالسيف مشهور القلب حي، والعقل حي، ومعه نور المسجد ونور القرآن، وإذا ذهبت العيون فعلى العيون السلام، يقول الله عز وجل في صحيح البخاري وهو حديث قدسي: {إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة} والحبيبتان: العينان، لكن بعض الناس عنده حبيبتان ولكن ليس عنده نور: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. الشيخ عبد العزيز بن باز متواضع، تأخذه الطفلة فيقف معها، وهذه هي أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم، يوقفه الرجل في الشمس على متاعب الشيخ وعمره الآن ثمانون عاماً, ويقف وهو في باب السيارة رجل في السيارة ورجل في الأرض ويمسكه الرجل ويقص عليه قصته، والشيخ يصغي، وهو مرهق جداًَ من الأعمال والأشغال، أمور الأمة الإسلامية تدار عليه، فيصغي حتى يكون الرجل هو الذي يترك الشيخ فيركب الشيخ. بعض الشباب يقصون على الشيخ قصصاً فما يرد الشيخ إلا بالدموع، يتأثر بأحوال العالم، يخبرونه عن أخبار أفغانستان والفلبين فيبكي. وقته معمور بذكر الله عز وجل، في الصباح يتنفل ثم يلقي دروساً في الغالب، ثم يذهب إلى عمله فيعود في الثانية ظهراً، وهو مضياف، هو حاتمي العصر، ولن تجد بيته يخلو من الضيوف، وهذه شهادة أقولها للتاريخ، فهو من أكرم الناس، فإفطاره وغداؤه وعشاؤه مضيف وعلمه وماله وجاهه مبذول، وشفاعته للمسلمين فهو كما قال الأول: هو البحر من أي النواحي أتيته فدرته المعروف والجود ساحله ومما يميز الشيخ عبد العزيز بن باز: الصبر، فإنه مثل الجمل وقد رأيته كثيراً في المحاضرة، لا يتحرك في الدرس أبداً، يبقى كأنه صخرة في مكانه، فإذا رد بشته أو تنحنح عرف الطلاب أنه قد انتهى الدرس. ويجلس متأدباً لا يقاطع المتكلم مهما تكلم، فإذا انتهى المتكلم ولو من س

لقاء حار بفضيلة المحدث الكبير محمد ناصر الدين الألباني

لقاء حار بفضيلة المحدث الكبير محمد ناصر الدين الألباني الخبر الخامس: وصل إلى مكة وجدة قبل ثلاثة أسابيع أو أربعة العلامة الألباني وكانت من فرص الحياة أن أرى ذاك الرجل، كنت أتمنى من الله الواحد الأحد أن أراه، وهو رجلٌ عجيب أفنى عمره في العلم, وهو الآن يقارب التسعين من عمره، ما يقارب ستين سنة منها في خدمة الحديث النبوي، حتى كأنه ما مر بحديث إلا خرجه أو تكلم فيه. أتدرون ما هي بداية حياته؟ من أراد منكم أن يعرف ذلك فليعد إلى علماء ومفكرون عرفتهم والشيخ ليس له شيخ، ولم يتعلم في مدرسة، ولم يدخلها بل تعلم من أبيه بعض الفقه الحنفي، ثم جلس يصلح الساعات في دمشق في الشارع العام، وإذا كان عندك ساعة معطلة فإنك تعطيها الألباني ليصلحها، وكان دقيقاً في علم الساعات، يركب الساعات الخراشة البيتية والساعات الصغيرة، ولا زال إلى الآن يجيد تصليحها إذا خربت. فأكسبته هذه الدقة والصبر, حتى مر به بعض الناس بكتاب إحياء علوم الدين للغزالي، فرأى تخريج العراقي له في الحاشية، فأعجبه التخريج، فأخذ هذا التخريج فكتبه في أوراق أخرى، ثم قال في نفسه -حكمة بالغة من الله-: لماذا لا أخرج مثل هذا التخريج، فأخذ يخرج من الكتب، ثم فتح الله عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فجمع الصحيحين ثم السنن، ثم المسانيد، ثم المعاجم، ثم كتب الرجال، ثم كتب الأطراف، ثم دخل مكتبة الظاهرية، ففتح الله عليه فتحاً عظيماً، والرجل من أجلد الناس وأصبرهم يجلس في المكتبة عشر ساعات، يقولون: لا يرفع رأسه، ويقولون: عنده سلم في مكتبة الظاهرية يصعد في السلم ليبحث عن حديث، فيبقى على رأس السلم ما يقارب الساعتين أو الثلاث وهو واقف، يبحث عن المخطوطة ويردها، ويناقش الحديث. أما بالنسبة لمصدر دخله وكسبه أثناء ما كان يشتغل بالحديث، فإنه كان عنده (تاكسي) يشتغل فيه يومين لأهله، ثم يعود بقية الأيام يبحث في الحديث، كان فيما قيل: يوضع له الإفطار في الصباح فلا يدري أن الإفطار وضع له حتى يؤذن للظهر فيتنبه، فإذا الإفطار قد برد وقد رزقه الله جلداً وحباً في قراءة كتب الحديث, والله إذا أراد بعبد خيراً حببه إلى هذا المسلك، فأخرج كتباً لم يسمع الناس بمثلها، وفيها تخريجات عجيبة. رأيته وهو طويل البنية، إذا رأيته تعرف أن هذا بخاري، ليس في رأسه ولا في لحيته شعرة سوداء، بل قلنسوته بيضاء، ووجه أبيض مشوبٌ بحمرة، ولحيته بيضاء، وثوبه أبيض {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35]. والشيخ مصاب -شافاه الله- وذات مرة قال للطلاب في جدة في اجتماع ما: ادعوا لي بالشفاء علِّي أن أكمل كتب الحديث؛ فانهار المسجد بالبكاء ودعوا له بالشفاء، أسأل الله أن يشافيه، فإنه مريض في أرجله، ومع ذلك يقود السيارة هو بنفسه، وقد أتى بالبر ولم يأت بالطائرة من الأردن، وبعض الشباب يمزح يقول: إن الشيخ يتجاوز السرعة وقد أساء إلى المرور فإنه أسرع مائة وستين الله أعلم، لكن على كل حال هو يقود السيارة حتى في جدة ومكة ومعه الشباب، ومرضه في أقدامه كان يُدَلَّك وهو جالس. ظفرنا به في مكة: أيا ليلة من أنسها وعطائها على أنها في ساعة الوجد حلت ليلة مع الألباني، كانت ما يقارب ثلاث ساعات، وكانت الأسئلة كما يلي: أولاً: رحبت به بقصيدة وسوف تنشر -إن شاء الله- لكن ليست بطويلة ما أمكنني الوقت، قلت في بعض الأبيات: هاكم سلام الله يا إخواني قولوا رعاك الله يا ألباني يا حافظاً سنن الرسول بعصرنا كـ الترمذي أو أحمد الشيباني يا دارقطني الشريعة إنني أشكو إليك وحبكم أشجاني إلى آخر ما قيل، ثم سئل الشيخ في تلك الجلسة ما يقارب عشرين سؤالاً، وهي مسجلة في أشرطة وقد سألته خمسة أسئلة للفائدة. السؤال الأول: أيها المحدث الكبير! سمعنا أنك أفتيت، وقد كتبت في آداب الزفاف بهذا، بأن الذهب المحلق لا تلبسه النساء؟ -هذا فتوى الشيخ وهي مشهورة، حيث إنه حرم الذهب المحلق للنساء، وقد رد عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رداً عجيباً وهو قول مخالف للإجماع- فما رأيكم خاصة أنه كتب بعض الفضلاء كتاباً يرد على فضيلتكم وفي شريف علمكم أن الأدلة واردة في ذلك، وهو كتاب (المأنق في إباحة الذهب المحلق وغير المحلق للنساء) للأستاذ مصطفى العدوي جزاه الله خيراً. فأجاب الشيخ بإجابة طويلة في الشريط ولم يرجع عن رأيه, والرأي الصحيح هو خلاف ما رأى الشيخ، لأن الله يريد أن يتفرد بالكمال، لأنه لو كان العالم لا يخطئ في مسألة لتصور الناس فيه بعض التصور، لكن مهما أتيت من عالم فلا بد أن يخطئ، قال مالك: كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب ذاك القبر، أي: محمد صلى الله عليه وسلم, بأبي هو وأمي، فالعالم له خطأ، ولكنه إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد. ثم سألت الشيخ عن رواية أبي الزبير في صحيح مسلم فأجاب إجابة يعرفها المتخصصون في الحديث، وذكر أن هناك اصطلاحات لـ مسلم يعرف الروايات التي يرويها أبو الزبير عن جابر؛ لأن أبا الزبير يعنعن وهو مدلس، ثم سألته عن رواية المبتدع، وعن بعض الأحاديث الضعيفة التي نسبت إلى مسلم، وعن بعض المسائل، ثم سأله بعض المحبين. إنما الطريف في الجلسة تواضع الشيخ الجم، حتى تشعر أنك أمام رجل عادي بسيط، وهو عالم يتسابق الطلبة عند حذائه، إذا أراد أن يخرج حاولوا أن يركبوا حذاءه في رجله فيرفض؛ لأنه ليس بالسهل، رجل عالم، أفنى ستين سنة من عمره في كتابة الحديث، وتقديم الحديث للمسلمين، والعجيب الذي أعجبني فيه صبره، لا إله إلا الله ما أصبره! يجلس الجلسة الواحدة أربع ساعات يتحدث لا يمل، حتى تقول أنت: قف. سألته عن الحديث الضعيف هل يستدل به في فضائل الأعمال أم لا؟ فبقي يجيب ويجيب ويجيب! حتى قلت له: يا فضيلة الشيخ! لا نريد أن تلقي محاضرات بل نريد أن تجيب على الأسئلة حتى نستفيد منك أكثر وأكثر، فيقف، لكنه في هذا الفن مثل البحر. يقول الألباني: هنا نصل إلى نتيجة أن كون حديث ما ضعيفاً لسبب أن إسناده ضعيفٌ أو حسن أو صحيح عند البعض بسبب أنه تتبع طرقه، هذه قضية نسبية، ولذلك فلا ينبغي لطالب العلم أن يشكل عليه أمر اختلاف المحدثين القدامى فضلاً عن المشتغلين بالحديث اليوم، أن هذا يحسن وهذا يضعف؛ لأن هذه قضية لها أسباب توجب الاختلاف أكثر من الأسباب التي توجب اختلاف الفقهاء في الأحكام الشرعية؛ لأن الحكم الواحد قد يكون مرجعه إلى نص واحد من الكتاب أو السنة، ومع ذلك تختلف الآراء وتختلف الاجتهادات. أما الاختلاف في تصحيح حديث أو تضعيفه فهو أشكل بكثير من ذاك الاختلاف الفقهي؛ لأن مرجعه إلى ما ذكرته آنفاً، إلى أن بعضهم وقف في نقده للحديث على الإسناد الواحد؛ فضعف الحديث، والآخر وقف لهذا الحديث على أسانيد أخرى فحكم بمجموعها على تحسين الحديث، وقد قلت لكم فيما أظن في الأمس القريب: إن علماء الحديث قد نصوا في المصطلح أن طالب العلم إذا رأى حديثاً بإسناد ضعيف فلا يصح له أن يقول: هذا حديث ضعيف، وإنما يعبر عن واقعه بأن يقول: إسناده ضعيف، وهذا من دقتهم في نقدهم، وفي اصطلاحهم؛ لأن ثمة فرقاً واضحاً جداً بين أن يقول القائل: هذا حديث ضعيف؛ لأنه يعطي حكمه حول الحديث، وبين أن يقول: إسناده ضعيف؛ لأنه يقتصر في حكمه على الإسناد. هذا الحكم لا ينافي قول من قد يقول: حديث إسناده حسنٌ، أو إسناده صحيحٌ؛ لأنه لا يعني الإسناد الذي ضعفه الأول، وبالأولى والأحرى إذا قال: حديث حسنٌ أو حديث صحيح، فلا ينافي قول من قال: إسناده ضعيف؛ لأنه: يعني أنه حسن أو صحيح بمجموع طرقه. إذا عرف هذا التفصيل، حين ذاك يجب على طالب العلم أن يتذكر الحقيقة التالية، وهي: إنه ليس من نشأ في هذا العلم يجب أن يعتمد على بحثه؛ لأنه يكفي أنه ناشئ وسائر في هذا الدرب من أوله، فما ينبغي أن تتشوش أفكار الطلاب لمجرد أن ظهر إنسان له بحث ما في حديث ما، فيقول: بعض الباحثين ضعف هذا الحديث؛ لأن الأمر أقل ما يقال فيه: لماذا ضعفه؟ ولما أتت وجبة العشاء، قال لنا الشيخ: أستأذنكم، أنا لا أريد العشاء، أنا لا أتعشى، يقولون: تمر به أيام لا يأخذ إلا كأس ليمون، ومع ذلك هو من أجلد الناس، يبقى ينحت في الكتب من الصباح إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى المغرب، ومن المغرب إلى العشاء، ومن العشاء حتى ينام. فقولوا لي يا طلبة العلم: ماذا نريد أن نحصل عليه من العلم إذا كان أحدنا إذا أتى الصيف قال: حرٌ، إذا أتى إن شاء الله البرد، فإذا أتى الشتاء, قال: إذا أتى الصيف، رحلة الشتاء والصيف، وإذا مسح الدكتور بعض المقررات قالوا: غفر الله لك، ورفع الله ميزانك يا شيخ! أحسنت فينا، فأصبحت المواد محذوفة من أولها إلى آخرها. وبادره وخذ بالجد فيه فإن أعطاكه الله انتفعتا وإن أوتيت فيه طويل باع وقال الناس إنك قد رأستا فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملتا الشيخ الألباني كان يطيل في الإجابة علينا, قلنا: لا تطيل، قال: تطيلون في الأسئلة، وتقولون: لا أطيل في الإجابة، مثلي ومثلكم كما قال الأول: غيري جنى وأنا المعاقب فيكم فكأنني سبَّابة المتندم هو يحفظ من الشعر العربي الجميل، سبابة المتندم يعضها وليس لها ذنب. على كل حال ودعناه وذهب في حفظ الله، وسمعت من بعض الأحبة أنه سوف يذهب إلى الدمام ثم الطائف ثم أبها؛ لأنه سوف يبقى فترة هنا، فإذا جاء فسوف تسعدون بالجلوس معه ورؤيته أطال الله عمره على طاعته، حتى يخرج من هذه الكنوز والدرر للأئمة الإسلامية, وأنا مقصودي من هذه اللقاءات هو استطرادات في حال هؤلاء الأعلام لأنها تربية لنا ولكم ولشبابنا.

لقاء وجلست طيبة مع الشيخ العلامة محمد الصالح بن عثيمين

لقاء وجلست طيبة مع الشيخ العلامة محمد الصالح بن عثيمين الخبر السادس: وهذا الشيخ لا يخفى على أحد من المسلمين وهو علم ومنارة، أهل عنيزة وغير أهل عنيزة، وهذا الرجل يميزه أمور: زهده في الدنيا، وشيخه من أذكى الناس، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تتلمذ على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وبقي عليها فترة من الفترات حتى أخرج كنوزاً من العلوم. الشيخ محمد الصالح بن عثيمين يميزه دقته وذكاؤه العجيب، استدلاله بالنصوص، وإخراجه الدرر والكنوز، ويميزه: أنه مربٍ، ليس واعظاً فحسب، بل يربي وعنده ما يقارب ثلاثمائة شاب من طلاب العلم وأنا رأيتهم في القصيم في عنيزة يربيهم، وعنده صبر مع الطلاب، وله درس في الصباح وبعد العصر وبعد المغرب في أغلب الأيام، فيجتمع الشباب عليه، ولذلك يرفض السفر فقد دعوناه إلى أبها، ودعاه أهل تبوك، وغيرها من المناطق لكنه يرفض أن يرتحل من أجل طلابه لأنه يربيهم، فهو مربٍ، وفقيه، ثم صابر محتسب. وشروحه من أعجب ما يكون، ويميز الشيخ اعتصامه كذلك بالدليل، فهو علامة في معرفة استنباط أخذ الحكم من الدليل، وهو علامة في أصول الفقه، وفي النحو. - ترجمة ذاتية للشيخ ابن عثيمين: يقول ابن عثيمين: ولدت في رمضان عام (1347هـ) ونشأت في عنيزة، وتلقيت العلم على عدة علماء، وانتقلت إلى الرياض للدراسة في المعاهد العلمية أول ما أنشئت، ثم في كلية الشريعة، ثم عدت إلى عنيزة بعد مضي سنتين من الدراسة في الرياض، ثم أكملت الدراسة في الكلية منتسباً، وصرت مدرساً في معهد عنيزة، ثم انتقلت إلى الجامعة. القابل: شيخ محمد! بالنسبة لطريقة الدراسة، أنت درست في السابق وترى الآن أساليب الدراسة في الحاضر، هل هناك من فرق؟ وهل ترى أن الأساليب القديمة أفضل من الحديثة؟ الشيخ: في السنوات الأخيرة أصبح الناس يجمعون بين الأساليب الحديثة والأساليب القديمة، وهي حضور الدروس في المساجد، فقد انتشر ولله الحمد في السنوات الأخيرة الدرس في المسجد انتشاراً كثيراً، وصار الناس يستفيدون منه استفادة كبيرة، ولا ريب أن دروس المساجد فيها خير كثير وبركة، ويجد الإنسان فيها لذة في تحصيل العلم والاستفادة منه، ويجد ثباتاً واستقراراً فيما تعلمه أكثر من المدارس النظامية. المقابل: شيخ محمد! بالنسبة لدروسك التي تقدمها في المسجد، ماذا تدرس فيها من العلوم؟ الشيخ: أدرس فيها علوماً شتى: التفسير، والحديث، والفقه، والتوحيد، والعقيدة، والنحو، والمصطلح. المقابل: الملاحظ بشكل عام، وإن كنت ذكرت أنت يا شيخ/ محمد! أنك تدرس التفسير، لكن يرى كثير من الشباب أن هناك تقصيراً في الاهتمام بالتفسير من كثير من العلماء، فما رأيكم في هذا القول؟ الظاهر بأن الأمر كذلك، وأن كثيراً من الشباب أصبحوا يهتمون بالسنة أكثر مما يهتمون في تفسير القرآن، وهذا لا شك أنه نقص؛ لأن الاهتمام بالقرآن أولى من الاهتمام بالسنة، فإن القرآن قال الله تعالى فيه أنه تبيان لكل شيء، وهو الحجة التي لا يمكن لأحد أن يجادل فيها، وأما السنة فتأتي في الدرجة الثانية وفي المرحلة الثانية بعد القرآن، ولا شك أن الاهتمام بها من الاهتمام بالقرآن أيضاً؛ لأن السنة تفصل القرآن، وتبينه، وتدل عليه, وتعبر عنه، لكن الشيء الذي فيه نقص هو الاعتناء الكامل، وصرف الهمة كلها إلى السنة دون الاعتناء بالقرآن وما يشتمل عليه من المعاني العظيمة. فالذي أرى أن يبدأ الطالب أولاً بتفسير القرآن قبل كل شيء، ثم بالسنة، ثم بما كتبه أهل العلم من مسائل العقيدة وغيرها. والشيخ خفيف الظل، أي: دعوب، لطيف المزاج، ولذلك يقرب منه الطلاب؛ لأن الطلاب لا يريدون الإنسان المكشر المنفر، الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: {يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا} والرسول صلى الله عليه وسلم سهل الخلق، وكان يمزح، وقرأت في صحيح الجامع للألباني حديثاً صح عند أحمد وغيره، قالت عائشة: ذهبت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فقال للصحابة: تقدموا تقدموا، قالت: فتقدموا، فقال لـ عائشة: سابقيني سبحان الله! تصوروا هذا الخلق العظيم من محمد صلى الله عليه وسلم! نحن لما نتحدث عن هؤلاء العلماء الأفاضل والمشايخ فإننا نعظمهم, لكن إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كان كالشمس إذا ظهرت غاب كل كوكب ونجم, وإذا جاء سيل الله بطل سيل معقل. المصلحون أصابع جُمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا قال: تقدموا، فتقدموا، قال: سابقيني فسابقته رضي الله عنها فسبقته؛ لأنها خفيفة كانت شابة فتية، وهو صلى الله عليه وسلم قائد يتحمل ويتعب، ومفتٍ وخطيب، وواعظ وموجه، وإداري وسياسي، وزعيم واقتصادي، وعلَّامة ويتلقى الوحي، ويربي وينهى -سبحان الله- فسبقته، فأخذها صلى الله عليه وسلم أي: حفظها لـ عائشة. قالت: وبعد سنوات أتى الصحابة في غزوة، فقال لهم: تقدموا، فتقدموا، فقال: سابقيني، قالت: فكثر علي الشحم، وثقل بدني، فسبقني، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: {هذه بتلك} سبحان الله! بعض الناس يقول: هذا فضول، أي: هل وجد في حياته صلى الله عليه وسلم من الفراغ أن يسابق أهله؟ نقول: نعم. لأنه مربٍ، حتى مع الأطفال فإنه يداعبهم. تجد بعض الناس إذا قيل له: لماذا لا تمازح أطفالك؟ قال: أنا مشغول، اشتغلنا عنهم بهذه الدنيا، يا أيها الذي أنهى عمره، وفتن نفسه! هذا معلم الخير أكثر شغلاً منك، ومعلم الخير وقته مزحوم بقضايا وأحداث الأمة، بل جاء في الصحيحين {أنه صلى الله عليه وسلم أخذ أمامة وصلى بها العصر، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها}. يا أيها الرجل! محمدٌ صلى الله عليه وسلم صعد على ظهره الحسن في صلاة العصر أو الظهر، وهو يصلي بالناس -والحديث صحيح- فمكث في السجود حتى نزل هذا الطفل، ثم قال: {إن ابني ارتحلني وخشيت أن أقوم فأوذيه} سبحان الله! شريعة وإسلام، لكن عيبنا نحن أنا لا نطالع السيرة، ولا نطالع الأحاديث، وقليل من الناس من يطالع كيف كان تعامله وتربيته لأصحابه فلذلك علينا أن نهتم بذلك. والشاهد: يوم تعرضنا للشيخ العلامة محمد الصالح بن عثيمين -أثابه الله- وتواضعه مع الطلاب، وأنه أخذ ذلك من رسول الله عليه الصلاة والسلام واستفاده منه. والشيخ يميزه بعد نظره في أمور الدعوة فهو رجل يعطيك درراً إذا تكلم، ورجل ذو خبرة طويلة فهو في الرابعة والستين من عمره أو ما يقاربها، يخبرك كيف يكون فن الدعوة؛ لأن بعض الشباب الآن يريد الدعوة، لكن يتخذ من الأساليب ما يؤدي إلى نتائج عكسية للدعوة, فإذا أراد أن ينكر أغلظ في الإنكار، وإن أراد أن ينهى أغلظ في النهي، فلا يقبل الناس منه شيئاً {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. ولذلك تجد بعض الشباب يأتي متحمساً، يقول للعالم: لماذا لا تفعل كذا وكذا؟ لماذا لا تقول: كذا وكذا؟ وكأنه أعلم من العالم، لا. العالم يعرف المصالح وهو ذكي، وأنت يا أيها الطالب! إذا عرفت جزئية أو حديثاً لا يعلمه العالم لكنك عرفت أنت مسألة وهو يعرف مليون مسألة، يعرف المصالح والمفاسد، بعيد النظر، ويعرف الواقع، ومجريات الأمور، فلذلك يجب أن تستفيد من هؤلاء القمم من العلماء، ولا بد أن تقلدهم في الخير وتقتدي بهم، وتنظر كيف يتعاملون في الواقع. جرح المشاعر في الدعوة ليس بصحيح، فمن الأخطاء أن يأتي شاب يجرح مشاعري ثم يقول: أدعوك إلى سبيل الله! أحد الناس مر بجزار وبيده ساطورة يقطع اللحم، فقال للجزار: صلّ يا حمار! -والحمار لا يصلي- فقال الجزار: انتظر يا عدو الله، وأتى عليه بالساطورة يريد أن يقسمه نصفين، فولى هارباً وعلم أنه أخطأ؛ فهذا اللفظ ليس له داعٍ. بعض الناس إذا أنكر، أنكر بفضاضة فيقول: حسبنا الله عليك سلط الله عليك الله يدمرك، ونقول لهذا: لماذا يدمره الله؟ أنت ما بلغت حق البلاغ، الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67] أنت ما بلَّغت حق البلاغ؛ لأن حق البلاغ أن تقدم الإسلام طرياً ناضجاً مقبولاً، أما أن تأتيني بالعصا، وتكسر ظهري، وتنفرني، وتجرح مشاعري، وكياني، ثم تقول: أدعوك! لا أقبل أبداًَ. للإنسان كرامة: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] أنا أستطرد متعمداً؛ لأنه ينبغي علينا أن نعرف كيف نوصل الكلمة إلى أهلها، وكيف نكون حكماء مع الناس، عل الله أن يهدي بأيدينا؛ لأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. ذكرت في محاضرة ماضية اسمها (ففروا إلى الله) في مسجد الرحمة في جدة، قصة رجل صالح عنده من العلم أشبه شيء بالعوام، لكن عنده حكمه {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:269] وكان في هذه المنطقة يوجد رجل مروج للمخدرات شاب مشهور بهذا، وترك المسجد والصلاة، وعق والديه، وقاطع أرحامه، وأخذ يطارده رجال الأمن، وهو يطاردهم، هم بالرشاش وهو بالرشاش، حتى يئس منه أبوه وأمه، وبكوا عليه ودعوا عليه، فأتى هذا الرجل الصالح وقال: لماذا لا أجرب أن أهديه إلى طريق الله المستقيم، ليكون في ميزان حسناتي يوم القيامة {لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} لكن ماذا فعل؟ قال: أول ما أفعل أن أدعو الله أن يصلحه فإن الصلاح والهداية من عند الواحد الأحد {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56] قال: فكنت أقوم في آخر الليل فأصلي ركعتين في السحر - ولعلنا نقتدي به- وأبكي، وأقول: يا رب! افتح على نفس ذاك الشاب وقلبه وأن تعيده إلى الدين، قال: واستمريت على هذا أياماً، قال: ثم أخذت هدية، والهدية طيبة، و (اللُّهى تفتح اللَّهى) يقول ابن تيمية: إذا حرم الله حراماً، جعل من الحلال ما يكافئه. أنت لا بد أن يكون لك أسلوب جميل في الدعوة: بسمة، أو زيارة، أو عزومة، وإذا رأيت أن العاصي هذا يمكن أن تصلحه كبسة فاذبح له كبشاً واطبخه، وأكرمه حتى يهتدي؛ لأنك قد تدخل الجنة بكبسة، وإذا رأيت أنه يعجبه هدية ما فاهدها له لعله يهتدي، قال: فأخذت هدية ووصلت إليه، وقلت: أرى عليك آثار الخير فاستنار قلبه وهذا من الكلام الطيب, فإنه لا توجد آثار الخير على مروج مخدرات، لكن هذا الأسلوب من باب: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} [طه:44] ولو قال له: أرى عليك آثار المعصية والفجور، فإنه لن يهتدي أبداً. قال: فأعطيته الهدية، فقبلها، فقلت في نفسي: الحمد لله، لن أكلمه بكلمة مادام قد قبل الهدية، قال: ثم عدت إلى بيتي، قلت: هذه ثاني خطوة، الخطوة الأولى: الدعاء في السحر، والخطوة الثانية: الهدية، ثم تركه أياماً ثم ذهب إليه، وقال: أريد أن تأتي؛ لأنك أكرمتني بقبول الهدية، وسبق بيني وبينك زيارة، أن تزورني لوجبة خفيفة، قال: نعم سوف أزورك، الناس على الفطرة: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30]. الآن المجرم الفاسق في الشارع، الذي لا يصلي إذا قلت له: يا كافر! وهو كافر في الشرع لأنه ترك الصلاة، إذا قلت له: يا كافر! فإنه يخرج السكين ويؤذيك، وا

نصائح وتوجيهات

نصائح وتوجيهات بقي لدي بعض المسائل، وهي وصايا سهلة، ومكررة، لكن لا بد من التكرار، فأهل الإعلانات الآن يجعلون إعلاناً على الشارع عند إشارة المرور -مثلاً- وهو يعمل على الكمبيوتر، يؤشر وينطفئ ويعيد نفس العبارة، قالوا: إذا لم تجدها في اليوم مائة مرة، فلن تشتري هذا الغرض. ولذلك أهل الصحف دائماً في عكاظ -مثلاً- تجد إعلاناً عن الأطياب، مع أنك أنت تعرف أنها قارورة كذا، وأنها فرنسية، وأنها موجودة في السوق، لكن لكثرة رؤيتك لها وكثرة تعاودها على ذهنك تجعلك تذهب تشتريها، فوجب على أهل الحق أن يستغلوا هذه الأساليب؛ وأهل الحق الآن ينقصهم الأساليب المتنوعة، فأهل الباطل غلبونا في الأساليب، فعندهم الشاشة، وعندهم أقمار صناعية، وصحف، وإعلام، وكلماتهم رنانة. بينما أهل الخير إذا أعلنوا فإنهم يعلنون بإعلانات ميته، وإذا تكلموا أتوا في الغالب بأساليب ميتة، فوجب على الداعية أن يكرر العبارة، لا يقول: كررت، بعض الإخوة كتب لي رسائل هنا أنه نجد بعض الأحاديث والقصص في الأشرطة مكررة، أقول: لسنا مغنيين ولا فنانين حتى نأتي كل يوم بأغنية جديدة، بل نحن نتعامل مع الكتاب والسنة، فقصة موسى أعيدت في القرآن ما يقارب ثلاثاً وعشرين مرة، تأتيك قصة موسى في البقرة، ثم في الأعراف، ثم في يونس، ثم في طه، ثم في الشعراء، ثم في القصص، وهكذا كتابنا يتجدد لكن بأساليب، إذا أتيت بالقصة فاعرضها بأسلوب، ثم ردها بأسلوب آخر، ثم اقلبها في أسلوب ثالث حتى يتقبلها الناس، فالتكرار منقبة، وليس مثلبة. قالوا تكرر قلت أحلى علماً من الأرواح أغلى فإذا ذكرت محمداً قال الملا أهلا وسهلا كرر العلم يا كريم المحيا وتدبره فالمكررة أحلى فأنت لا تيأس من المكرر، أقول: من المكررات في الوصايا: أوصيكم بطلب العلم وتحصيله، سواء كنا كباراً وصغاراً، لا يوجد عندنا في الإسلام سن لطلب العلم، وسن للحفظ، وسن للفهم، لا. هذا عند ديكارت وكانت، أما محمد عليه الصلاة والسلام، فالعلم حتى تدخل في القبر، من المهد إلى اللحد. يقول البخاري: (وتعلم أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام كباراً) فأنت تحرص على العلم في الستين والسبعين والثمانين، والعلم مبذول الآن وله وسائل عجيبة، منها الحلقات في المسجد، ومنها الكتب، والشريط الإسلامي، والكتيبات، ومنها سؤال أهل العلم بالهاتف، وغيرها وغيرها كثير، فطلب العلم أوصيكم به، لن يضل طالب العلم؛ لأنه يكون على بصيرة، ويسلمه الله من الشهوات والشبهات، ويكون مسدداً في أقواله وأعماله، يزداد إيماناً كل يوم، وطالب العلم ينفي الله عنه النفاق، وله من الفضائل كما صح في الحديث: {تستغفر له حيتان البحر، وطيور السماء، وحتى النملة في جحرها}. فطلب العلم احرصوا عليه يا إخوتي! أي تخصص سواءً كنت في الكهرباء، أو في شركة، أو كنت تدرس في الطب أو الهندسة، أو المعهد الصناعي، أو التكنولوجيا، في أي مكان، سواء كنت تاجراً أو فلاحاً عليك أن تطلب العلم, والعلم سهل ميسر، فولاة العلم في بلادنا يشجعون، مساجد واسعة، وكتب محققة، والعلماء متواجدون، والوسائل سهلة، ما عليك إلا أن تطلب العلم. والآن أبشركم أن أكثر مدن المملكة سوف يفتح فيها دروس، وقد اطلعت على خطاب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز موجهاً لسماحة الشيخ إبراهيم بن راشد الحذيفي، رئيس محاكم عسير يشجعه فيه على إقامة الدروس وعلى الإشراف على الدروس التي في المنطقة، وأطلعني سماحة الشيخ الحذيفي على هذا الخطاب فشكرته له. وأبشركم أن الدروس سوف يكون لها مستقبل, فوصيتي بالحضور، وأن يجتهد العبد في تحصيل ما ينفعه، في أبها دروس كثيرة ومحاضرات، وكل صباح في هذا المسجد بعد كل فجر درس في مسند أحمد، غداً نأخذ الحلقة الثالثة والثلاثين والله الموفق، والذي نرجوه من الواحد الأحد أن يجعلها في ميزان الحسنات، ولا نسأل من الله إلا أن يكفر بها السيئات، فإنا نفتقر إلى عفوه ورحمته، ولا يؤاخذنا بذنوبنا، ونحتاج إلى دعاء منكم أنتم، وأنتم تحتاجون إلى دعاء منا، فهو مبذول ومطلوب، مبذول منا أن ندعو لكم، ومطلوب منكم أن تدعوا لنا بظهر الغيب, ولعلنا أن نسدد نحن وإياكم ونجتمع بكم في الجنة مثلما اجتمعنا هنا، حتى نتذاكر إن شاء الله، نقول: كنا في أبها نجتمع في ذاك المسجد {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:27 - 28]. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

قاصمة الظهر

قاصمة الظهر تحدث الشيخ - حفظه الله تعالى- عن قواصم تقصم ظهر دين الإنسان في دنياه وآخرته، ومن هذه القواصم النفاق بنوعيه الاعتقادي والعملي، ومنها المعاصي وخاصة الكبائر. وذكر أنها سبب كل بلية يبتلى بها الإنسان، والنجاة منها يكمن في الرجوع إلى الله عَزَّ وَجَلّ وإلى دينه، وإلى إخلاص القول والعمل.

أنواع قواصم الظهر

أنواع قواصم الظهر إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71] أمَّا بَعْد: إن السلام وإن أهداه مرسله وزاده رونقاً منه وتحسينا لم يبلغ العشر من قول يبلغه أذن الأحبة أفواه المحبينا آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، سلام الله عليكم يا أهل القلوب الحية التي ملئت بحب لا إله إلا الله، محمد رسول الله! وسلام الله عليكم يا أصحاب الطلعات المجيدة، والوجوه المشرقة، الذين حضروا لإعلان تفوق الإسلام، وعظمته، وعمقه، وأصالته! إنه نصر للإسلام أن يحضر شباب الإسلام، وأن يجلس الصف بالصف، وأن نقول للجاهلية وللوثنية وللصهيونية: ها نحن عدنا من جديد، لننقذ البشرية من براثن الوثنية. فحيا الله كل من أحب الله، وأحب رسوله صلى الله عليه وسلم. (قاصمة الظهر) هو عنوان لقائنا هذا، وقاصمة الظهر لا أعني بها القصم الحسي، ولكن القصم المعنوي؛ قصم التاريخ والخُلق، والدين والمستقبل التي هي مصيبة ليس بعدها مصيبة. وهي تدور على نواح ثلاث: الكفر أعظم قاصمة، ومعه النفاق ابن عمه، ثم المعاصي الكبار، ثم المعاصي الصغار. ولكنني لا أتكلم عن صغائر المعاصي والذنوب لأنه لا يسلم منها أحد، وباب التوبة لها وللكبائر مفتوح، ولكنني أتكلم عن النفاق فالكفر فالكبائر، أعاذنا الله وإياكم من القاصمة. القاصمة هي: القاطعة للشيء، وقاصمة الظهر هي التي تقطعه وتبته نصفين، يقول أحد الأعراب يوم منع زكاته لـ أبي بكر الصديق، ورفض أن يؤديها للخليفة الراشد بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام: رضينا رسول الله إذ كان بيننا فما بالنا نرضى بحكم أبي بكر أيملكها بكر إذا مات بعده فتلك لعمر الله قاصمة الظهر والعواصم من القواصم لـ ابن العربي المالكي والعواصم والقواصم لـ ابن الوزير اليمني كلهم يذكر قواصم وردت في التاريخ، لكن قاصمتي هذه الليلة التي أتحدث عنها لم يتحدثوا عنها، إنها أعظم مصيبة مُنيَ بها الإنسان يوم أنكر الله، وسوف أخصص قطاعاً كبيراً لـ (مرض قاصمة النفاق) يوم ينافق المصلي وهو لا يدري، يوم يحج المصلي وهو منافق ولا يدري، يوم ينافق المعتمر والداعية وهو لا يدري. ولذلك كان أهل السنة والجماعة يخافون النفاق، قال الحسن البصري كما في صحيح البخاري تعليقاً: [[ما خافه إلا مؤمن، وما أمنه إلا منافق]] ما خاف النفاق إلا مؤمن يخاف على إيمانه، وما أمن النفاق إلا منافق. تجد المؤمن فيه حاسة وقشعريرة وخوف وحرج، أما المنافق فيمشي مسرعاً متردياً على رأسه لا يخاف النفاق، كلكم يعرف عمر بن الخطاب، ومن يُعرّف عمر للمسلمين؟! رضي الله عن عمر، وسقى الله تلك العظام شآبيب الرحمة والبركة. أتى إلى حذيفة رضي الله عنه وأرضاه والحديث للبخاري، في كتاب الصلاة، باب الصلاة كفارة، وانظر إلى إشراق البخاري يوم أتى، وانتزع هذا الحديث وهو في التكلم عن النفاق، ورسمه في كتاب الصلاة، ولا يكون اللموع والإبداع والإشراق إلا هكذا: ألا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا قال عمر رضي الله عنه وأرضاه لـ حذيفة: يا حذيفة! لماذا اختص حذيفة بالسؤال؟ لأنه رضي الله عنه وأرضاه أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسماء المنافقين، والصحابة أهل تخصص. فهذا مهمته: إقراء القرآن وتعليمه، وهذا مهمته: الفرائض كـ زيد بن ثابت، وهذا مهمته: القضاء كـ علي بن أبي طالب، وذاك مهمته: الإدارة والسياسة كـ أبي بكر وعمر، وخالد مهمته أن يفصل الرءوس عن الأجساد لمن حادَّ الله، وحسان مهمته: أن يطلق الأبيات المؤمنة يوم يدخل الإيمان في الأدب والشعر، فيناصر بها الدعوة، وحذيفة مهمته: أن يحفظ الأسرار التي يحملها صلى الله عليه وسلم في أسماء المنافقين، فإن أبا بكر لا يعلم أسماء المنافقين، ولا عمر إلا في النادر، فـ عمر يتواضع ويجلس منكسراً بعد جهاده وزهده وعبادته وعدله وعبقريته وبذله للإسلام، فقد أعطى الإسلام دمه وعرقه ووقته وجهده رضي الله عنه وأرضاه. يقول لـ حذيفة: [[يا حذيفة! أسألك بالله أسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ -لا إله إلا الله! إذا كان عمر من المنافقين فمن هو الذي من المؤمنين؟ - قال حذيفة وعيناه تدمع: لا والله ما سماك الرسول صلى الله عليه وسلم من المنافقين، ولا أزكي أحداً بعدك]]. وفي كتاب الصلاة: باب الصلاة كفارة يقول عمر للناس وحذيفة معهم: {أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال حذيفة: أنا، قال: أتحفظ الحديث؟ قال: نعم، قال: إنك عليها لجريء} كيف تستطيع أن تتكلم في هذه الموضوعات الخطيرة؟! وهذا لأن حذيفة كان يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشر والناس كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير: عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه ولذلك لا يكفي إسلام الدروشة أو أن يعرف الإنسان طريق المسجد وهو لا يعرف أن في المجتمع ضلالات وجهالات، وطامات وفواحش وكبريات من الذنوب والخطيئات، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى للرسول عليه الصلاة والسلام: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55] نخبرك بالجاهلية وبـ الوثنية وبالضلال حتى تكون على بصيرة. ولذلك يا دعاة الإسلام! يا أساتذة الإسلام! يا أبناء الإسلام! جدير أن نعرف المخططات التي تحاك لنا صباح مساء، حتى نرد عليها بقوة، قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[إنما تنقض عرى الإسلام عروةً عروة من أناس عاشوا في الإسلام لا يعرفون الجاهلية. ] قال حذيفة: {أنا أعرف، قال: ماذا قال في الفتنة؟ قال حذيفة رضي الله عنه وأرضاه: سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي -وهذه سهلة- قال عمر: لست عن هذه أسألك} ففتنة الشجار مع الأهل ليست بقاصمة، واختلافك مع زميلك ليس بقاصمة، فهذا ذنب صغير تتوب منه وليس بقاصمة، شرود في عقلك وفي فهمك وقت الخشوع ليس بقاصمة، قال عمر: ما أسألك عن هذه ما دام لها علاج وكفارة: {قال عمر: وإنما أسألك عن التي تموج موج البحر -فتنة تموج موج البحر، تقصف قصفاً، تأخذ الأخضر واليابس- قال حذيفة: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين! -يقول: لا تخف وأبشر- إن دونك ودونها باباً} والباب هو: عمر، ولذلك لما قتل عمر انهد حصن الإسلام، وبكى علماء الإسلام موت عمر، وقالوا: كفنت سعادة الإسلام في أكفانه: قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها كلما وقعت قذيفة على الإسلام تلقاها عمر وردها على قاذفيها، ولما قتل بدأ السيف يمزق الأمة، وبدأت الفرقة، وبدأت القواصم تلو القواصم، يقول علي: [[لقد كفنت سعادة الإسلام في أكفانك يا عمر!]] ويقول: [[والذي نفسي بيده! ما أريد أن ألقى الله بعمل رجل، إلا بعمل رجل كعملك]] وعمر مطعون مكفن قد فارق الحياة. قال حذيفة: {إن دونك ودونها باباً، قال عمر: -وكان ذكياً لماعاً عبقرياً-أيكسر أم يفتح؟ -وأكثر الجالسين لا يعرفون من الباب، ولا معنى الكسر أو الفتح- فقال حذيفة: بل يكسر، فعرف عمر أنه الباب، وأنه سوف يقتل -فقال عمر ذلك أولى وأحرى ألا يغلق أبداً} وبدأت القواصم تلو القواصم بعد موت عمر رضي الله عنه وأرضاه. ومن أعظمها، بل قد عاشها صلى الله عليه وسلم: قاصمة النفاق، قاصمة النفاق يوم تنتشر في الأمة يصلي المصلي ولكن إذا خلا نسي الله، يجلس مع الأخيار خيِّراً، فإذا خلا إلى شياطينه وإخوانه هتك عرض الأخيار، يجلس مع أهل العبادة عابداً، فإذا خلا مع قرنائه في الظلام أتت لسانه تشحذ وتشن وتذبح في أعراض الذين يرفعون لا إله إلا الله محمد رسول الله.

أقسام النفاق

أقسام النفاق والله عز وجل ذكر النفاق، والنفاق على قسمين: اعتقادي وعملي.

النفاق الاعتقادي

النفاق الاعتقادي أما الاعتقادي فهو: الكفر الباطن، كثير من الناس يكفر بالرسالة الخالدة، ويجحد رسالته عليه الصلاة والسلام، يعتقد أن القيامة كذب، وأن الحشر والبعث والنشور كذب، وأن ما يُلقى في القرآن خداع ودجل، فهذا منافق (100%) نفاقاً أكبر، وقاصمته من القواصم الكبرى والمصائب العظمى، فهذا جزاؤه الدرك الأسفل من النار، يحجز مقعداً هناك، وله امتياز في الحجز من أول لحظة يصل فيها إلى النار، نعوذ بالله من النار والعار والضلال والعمى. فهذا أعمى، وليس الأعمى أعمى العينين، ولكن الأعمى أعمى القلب: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد:19]. ابن أم مكتوم أعمى العينين، ولكن قلبه ليس بأعمى، أبو جهل عيناه تبصران وترى في الظلام كما ترى القطة في الظلام الإبرة، ولكن قلبه أعمى، وابن أم مكتوم قلبه يبصر ويرى، ولكن عينيه عمياوان. ولذلك حضر الرسول صلى الله عليه وسلم واستجاب له، فأنزل الله يوم جفاه قليلاً على الرسول عليه الصلاة والسلام قوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس:1 - 3] يا محمد! ما يدريك أن هذا الأعمى سوف يتزكى ويصبح منارة من منارات الأرض تستقبل نور السماء، وبالفعل أصبح مؤذناً وداعية ومجاهداً، أين مات؟ قتل في القادسية -كما قال أهل التاريخ- قتلاً، عذره الله عن الجهاد، لكنه قال: [[لا. كيف أسمع النداء للجهاد وأبقى والله يقول: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41] والله لأنفرن]] فأخذ الراية وهو أعمى، وبقي يقاتل وهو أعمى حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه، أما أبو جهل فمات وقتل كما تقتل البهيمة لا مصير ولا مستقبل ولا أصالة ولا عمق.

النفاق العملي

النفاق العملي والنفاق العملي: نفاق الكلام والحديث والمعاصي، ذكره صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {علامة المنافق ثلاث -أو كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمرو، وحديث أبي هريرة - ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان -وهناك- وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر}.

علامات المنافقين

علامات المنافقين النفاق الاعتقادي والعملي لأصحابه علامات، ما هي علامات هؤلاء الدجاجلة؟

قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم

قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم أكبر علاماتهم: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:11] يتكلمون بحرارة عن الإسلام وهم يحبون للإسلام الهدم والفشل والانهزامية، يشكون أمامك واقع المرأة المسلمة في المجتمع المسلم، وكيف تسفر! وكيف تتبرج! وهم -والله العظيم- يريدون أن تسفر وتتبرج وتنتشر الفاحشة: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19] {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * 6000014>يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:8 - 9] يضحكون على التاريخ، وعلى الإسلام، وعلى المبادئ الأصيلة التي أعلنت عمقها وأصالتها خمسة عشر قرناً! وسوف تستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومن الناس من يقول: آمنا بالله أمام الناس، فتجدهم يصلون ويصومون، ويحجون ويعتمرون، لكنهم يخربون بألسنتهم وأقلامهم ومخططاتهم ومكرهم وخداعهم، وهذا أعدى العدو، فالعدو الظاهر تحذر منه، فإسرائيل تعرف أنها إسرائيل، وروسيا تعرف أنها عدوة للإسلام، لكن هذا الذي دب في الصف لا ندري من هو، يكتب فإذا هو ليس الإنسان الذي معنا في المسجد، يقول أبو سريح العدوي، وقيل السحيم بن أُثيل الرياحي: فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتها ولقلت بِيْنِي كذلك أجتوي من يجتويني من علامات المنافق الذي لبس قاصمة الظهر: أنه جسد بلا روح، يهتم بالمظهر، لا يريد أن يمرض ولا يريد أن يتعكر صفوه في الشخصية، لباسه من أرقى اللباس، طعامه من أحسن الطعام، سكنه من أحسن السكنى، ولا يعني ذلك أن يتدروش المؤمن ليرفع الله درجته، لا. قد تجد الفاجر فقيراً لا يجد كسرة خبز، ينام على الرصيف، وتجد المؤمن يسكن في أحسن القصور، لكن المنافق بالعكس ليس له اهتمام بالدين ولا بالإسلام، ولا بالفرائض ولا بالنوافل، تفوته صلاة الفجر فلا يحزن ولا يتأثر، ولكنه لو ثلم شيء من عرضه أو ماله لأقام الدنيا وأقعدها.

اهتمامهم بأجسادهم دون قلوبهم

اهتمامهم بأجسادهم دون قلوبهم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] يقول حسان: لا بأس بالقوم من طول ومن قصر جسم البغال وأحلام العصافير يهتمون بالجسم أكثر من القلب، ولذلك كيف لا ينافق من لا يصلي في الجماعة في الفجر دائماً وأبداً؟! كيف يمكن أن يخدم الإسلام؟! كيف يرفع لا إله إلا الله؟! إذا كتب في الصحافة عادى الإسلام، إذا أتى إلى المسرح جعل المسرح عداءً للإسلام، إذا شارك في كلمة ظهر أثره وبغضه للإسلام، لأنه من تهاون بحي على الفلاح تهاون بحي على الكفاح: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] فهذا من علاماتهم، حتى ذكر عن ابن مسعود أنه قال: [[ترى المنافق بديناً سميناً وترى المؤمن نحيفاً هزيلاً]] ولذلك يقول أبو الفتح البستي وهو ينكر على هذا الإنسان الدابة الذي يعيش عيشة البهيمة: يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان فيا من بهَّى جسمه ودلله أما علمت أنك تطرح في حفرة بلا عمل؟! أما علمت أن الدود يعتور على وجهك بلا مانع؟! أما علمت أن الظلمة سوف تصاحبك؟! فما هو عملك؟

الخوف من الأحداث

الخوف من الأحداث ومن علامات المنافقين: أنهم يخافون الأحداث، يخافُون الوقائع في الدنيا ويظنون أنها على رءوسهم، أما المؤمن فهو لا يخاف، فهي إحدى الحسنين: إما الحياة، فحياة السعداء الأبرار، الأتقياء الشرفاء، وإما الموت؛ فموت الشهداء الخيرة الأتقياء. أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا قال أحد السلاطين لـ بن تيمية! يزعم الناس يا ابن تيمية! أنك تريد ملكنا وملك آبائنا وأجدادنا، فضحك ابن تيمية وقال: ملكك، وملك آبائك وأجدادك؟ قال: يقولون ذلك! فأخذ شقصاً من الأرض ونفلها في وجهه وقال: والله ما ملكك وملك آبائك وأجدادك يساوي عندي هذه؛ لأن الذي يطلب رضا الله لا يطلب رضا الناس. والعجيب أنك تجد بعض الناس يسعى للشهرة أو للمكانة على حساب الدين، لا بأس أن يفجر، وأن يطعن في الإسلام! لكن على حساب الدين. فمن علامات المنافق وهي قاصمة الظهر: أنه يخاف: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:4] إذا سمع بالحدث قال: أنا المتهم؛ لأنه (كاد المريب أن يقول خذوني): سُرقت دجاجة، فذهبت صاحبة الدجاجة إلى السلطان، فقالت: سرقت دجاجتي، قال: ابحثوا عن دجاجتها، والعجوز هذه تظن أن الحدث والكون كله في هذه الدجاجة، وبعض الناس إذا عاش في شيء أو في مستوى قاس الأحداث والوقائع على هذا الشيء. يقول ابن كثير: أحد الناس الحمقى ذهب إلى خليفة من بني العباس، فذبح له دجاجة وطبخها وقدمها له ليأكلها، فأخذها هدية وأكلها، فكان هذا الأحمق يظن أنه فعل فعلاً في التاريخ لم يفعله أحد، كان كلما أتى الخليفة يسأل عن حدث أو معركة قال: هذه المعركة وقعت قبل أن أهدي لك الدجاجة بشهر، وسفركم بعد أن أهديت لك الدجاجة بأسبوع، فأصبحت هذه الدجاجة من المسارات الكبرى في التاريخ. ذهبت هذه العجوز إلى السلطان فقالت له: دجاجتي، فعجز السلطان عن إمساك السارق فقام على المنبر فقال: يا صاحب الدجاجة! يا من سرق الدجاجة! عرفناك، فلا تمسح رأسك، فمسح سارقها رأسه: (كاد المريب أن يقول خذوني) ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:4] إذا ذَكَرْتَ -في خطبة جمعة عامة- الناس الذين يشوهون الإسلام خرج هو يسب الخطيب، لأنه (لا تحتك إلا الجرباء) أما الصحيحة فلا تحتك.

تضجرهم من انتشار الخير

تضجرهم من انتشار الخير إذا رأى انتشار الخير، والدعوة والوعي، والدروس والمحاضرات، والنشاط الإسلامي تضجر، وقال: هذا تطرف، سبحان الله! أما الخمارون والسكارى، والمغنون والمغنيات، والماجنون والماجنات، فليس عندهم تطرف، ونحن عندنا تطرف. هل التطرف أن يحافظ على الصلوات الخمس؟! أو أن يقرأ في المصحف، وأن يشرح صحيح البخاري وصحيح مسلم، وأن يأتي جيل صادق من أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؛ يعلنون أن التفوق والنصر للإسلام؟ -وسوف أعرض لكم نموذجاً من الفن الراقي الذي يورد في الساحة، فن لكن ما عرف الفن، وصاحبه فنان على مصطلح العرب لا على مصطلحهم هم، فالعرب تقول للحمار الوحشي المخطط: فنان، فهو فنان على هذا المصطلح. لكنه كما قال أحد علماء الإسلام: والله ما عرفوا الحب والفن والجمال، لأنهم يعتقدون بأن الحب أن تحب معشوقة فتكون عاشقاً ولهاناً. رجل خلقه الله ليعبده: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فأتى هذا الرجل يقول لمحبوبته: يا من هواه أعزه وأذلني كيف الوصول إلى سبيلك دلني الوصول من طريق النار، خذ يسارك على النار وتصل، قال غلاة الصوفية: قد وصلنا إلى مرتبة أنا لا نصلي ولا نصوم، قلنا لهم: لماذا؟ قالوا: لأن الله يقول: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] فنحن أتانا اليقين فانتهينا، يعني: إذا أتاك اليقين فلا تصلِّ ولا تعبد ربك، وهذا خلاف تفسير أهل السنة، فإنهم قالوا: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] يعني: الموت، قلنا: لماذا لا تصلون؟ قالوا: وصلنا إلى درجة اليقين. قيل لـ أبي علي الروذباري: يقول غلاة الصوفية: إنهم وصلوا، قال: صدقوا، وصلوا ولكن إلى سقر. أما الطريق فوصلوا ولكن أخطئوا المكان، أخذوا على اليسرى. فهذا يتكلم في حياته ومستقبله ولا يُعدم آلافَ الجماهير أن يصفقوا له، وأن يشيدوا باسمه، ويقول: يا من هواه أعزه وأذلني والله لقد أذلك في الدنيا والآخرة، لأنك لو عرفت الله، ومن يستحق الحب وهو الله، وعرفت الطريق إلى الله، وحملت لا إله إلا الله ما استذلك هذا المعشوق الذي سفه عقلك وأخذ قلبك وحكم روحك. وسوف أورد نماذجاً ثم آتي إلى الحب ومعناه الفن والجمال؛ لأن قاصمة الظهر أتت من هنا، تقول إحداهن، وهي كوكب الشرق، هذه التي خدعت الجماهير في الشرق الأوسط وطائرات الميراج الإسرائيلية تحجب الشمس عن الأرض، يقول البردوني وهو أعمى القلب والبصر لكنه أخذته الحمية القومية فقال: فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطبُ يقول: الخطب تسقط الطائرات: شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا فتقول هذه: هل رأى الحب سكارى مثلنا لا. لم ير العالم سكارى مثلكم، ولا ضالين ولا فاسقين مثلكم؛ لأن الذي لا يهتدي يفعل هذا الفعل، ويقصم إيمانه ودينه وعرضه. بشارة الخوري اللبناني دخل دمشق، فحمل من المطار على الأكتاف، لماذا؟ هل هو صلاح الدين؟!! لا. والله ما يساوي الغبار الذي على حذاء صلاح الدين! هل أتى بمفتاح بيت المقدس؟! أهو عمر؟! والله ما يساوي البصاق الذي أرسله عمر على الصحراء، فلما أتى ونزل حمل على الأكتاف، فكان أول قصيدة يقولها وشباب الإسلام أمامه: بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم هبوا لي دينا يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم سبحان الله! برهم المجرم الهندوكي، السفاك الخبيث، ويقول هذا: تعالوا بأي دين في الدنيا نتألف جميعاً عليه، واتركوا الإسلام: هبوا لي دينا يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم وكان يقاطع بالتصفيق، لأن الأمة ما عرفت قاصمة الظهر، مثل هذا يوم تُرك له الميكرفون والقلم والصحيفة تكلم بما أراد، لأنه هدم الإسلام من أساسه. إيليا أبو ماضي، يتكلم في الشبيبة ويرسل دواوينه في الشرق الأوسط، فيقول في أول قصيدته طلاسم: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت !! يقول: لا أدري من أين أتيت أتيتَ من حظيرة البقر. ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!! كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري!! ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!! أنت لا تدري، خلقت لا تدري، وعشت لا تدري، ومت لا تدري، لكنك سوف تدري يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور؛ لأن الذي لا يدخل الإيمان في قلبه لن يفلح، ولا ينجح في الدنيا ولا في الآخرة، فهذه قاصمة الظهر. أحد الناس الذي قصم إيمانه ويقينه دخل على سلطان من سلاطين الدنيا، فنسي الله ونسي موعوده ولقاءه، نسي الله عز وجل الذي كل شيء بحكمته وقدرته: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] نسي هذا المجرم أن الله الذي يملك الضر والنفع، والموت والحياة والنشور، فقدم على السلطان وقال له: ما شئتَ لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار من هو الواحد القهار؟ هو الله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95] فنسي هذا وقال: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار فعلمه الله أنه الواحد القهار، أخذه فأجلسه بمرض مزمن مقعد، فأخذ ينبح كما ينبح الكلب على فراشه، مرض عضال، اجتمع عليه الأطباء فما نفعوه، قدمت له العلاجات فما أفادت، فأخذ يبكي على فراشه، ويقول وهو يعاتب نفسه ويندم في ساعة لات مندم: أبعين مفتقر إليك نظرت لي فأهنتني وقذفتني من حالقِ لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق الذي لا يَعرفُ الله، ولا يعرف الواحد الأحد يعرفه في وقت الأزمات، من لا يعرف الله في الرخاء عرفه الله بنفسه وقت الشدة، وهذه معان قد ذُكرت في مناسبات لكن لا بأس بإيرادها وترسيخها في الأذهان، فإن فرعون في الظاهر أنكر الصانع، ولكنه في الباطن يعلم، يقول له موسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] ففرعون يعلم، لكن وقف على المنبر وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] ويقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] فأجرى الله الأنهار من فوق رأسه، فلما غرق، وأصبح في الطين كضفدعة مسيلمة: نقنقي ما تنقنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] ما أحسن هذا الموحد الخبيث! هذا موحد من نوع التوحيد المعكوس، وهو يسمى شيخ الضلالة والإلحاد في العالم. وفرعون هو الذي أخذ المرتبة الثانية بعد إبليس، والثالث: أبو جهل، ثم يأتي بعدهم أسراب وأسراب، كل من أراد النار وجد الطريق: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3] {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] {يَا أَيُّهَا الْإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] مالك!! يوم خلقك الله وصورك، وأنبتك وهداك تتنكر لله عَزَّ وَجَلّ! أتخجل أن تكون مسلماًَ؟!! وجد في المجتمعات من يخجل أن يتقلد السنة، من يخجل أن يربي لحيته ويقصر ثوبه، لكنه لم يخجل يوم يقلد لينين واستالين وماركس، مالك لا تخجل من هؤلاء وتخجل من اتباع محمد؟!! هو الله الذي لا إله إلا هو، والله! الذي رفع السماء بلا عمد، وبسط الأرض بأحسن مدد، وخلق الإنسان في كبد! ما طرق العالم كمحمد صلى الله عليه وسلم، من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدى غير هدى الله الذي أرسل به محمداً عليه صلى الله عليه وسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم. بعض الناس تجده في مكان، فإذا أتيته واعظاً قال: إذا أردت أن تعظ وتحاضر فيكون هذا في المسجد، أما هنا فلدينا عمل غير الوعظ سبحان الله!! أأنت مسلم؟! أأنت في رَكْبِ محمد عليه الصلاة والسلام؟!!

مراءاة الناس

مراءاة الناس من علامات النفاق: مراءاة الناس، فعملهم رياء، امدح الرجل وأَبْشِرْ بخير، إذا مدحته وجدت رجلاً كريماً أمامك يقدم ويسعى ويبذل، لكن إذا لم يرك وإذا لم تمدحه أخفق كلما إخفاق. أما نحن أهل الإيمان فنسأل الله أن يكون عملنا خالصاً لوجهه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23]. القصائد بلا إيمان تأتي يوم القيامة وهي لعنات على أصحابها، الكتب بلا إيمان تأتي يوم القيامة وهي غضب ماحق على رءوس أصحابها، الصحف بلا إيمان تأتي يوم القيامة قذائف ملتهبة في وجوه أصحابها، أمة بلا إيمان ما هي إلا قطيع غنم وضأن وإبل وبقر، عين بلا إيمان مقلة عمياء، قلب بلا إيمان قطعة لحم، كتاب بلا إيمان ورق مصفف، قصيدة بلا إيمان كلام ملفف، دنيا لم تشرق عليها شمس الإيمان دنيا ملعونة، وقلب لم يع أمر الله قلب مغضوب عليه. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في المنافقين: {يُرَاؤُونَ النَّاسَ} [النساء:142] إن صلوا أمام الناس أحسنوا الصلاة، وإن خلوا تركوا الصلاة أو لعبوا بها، إذا جلسوا مع أولياء الله تكلموا في القضايا الإسلامية بحرارة، وإذا خلوا إلى شياطينهم هتكوا عرض الإسلام ومجده وعظمته: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ} [البقرة:13] مالكم لا تستقيمون كما استقام شباب الصحوة؟ قالوا: هؤلاء حمقى متزمتون متطرفون!! {قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13] فهم ما علموا، والذي لا يعلم أحمق. {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14 - 15] الرياء مرض من أخطر الأمراض، وهو قاصمة الظهر، وهو يدخل نسبياً في قاصمة الظهر الكبرى (النفاق) الرسول عليه الصلاة والسلام يخبرنا بأول من تسعر بهم النار يوم القيامة وهم ثلاثة: عالم، وجواد كريم، وشجاع، يؤتى بهم فيقول الله عز وجل للعالم: {أما علمتك العلم؟ قال: بلى يا رب! قال: فما عملت} والله يعلم، وهو لا يسأل عن جهل، فهو العليم البصير سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فانظر إلى الوقاحة، أخطأ في الدنيا ويجيب بخطأ في الآخرة. قال: {علمت الجاهل، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: إنما تعلمت ليقال عالم خذوه إلى النار، فيسحب على وجهه حتى يدهده في النار} ثم يؤتى بالجواد فيفعل به كذا، وبالشجاع فيفعل به هكذا، هؤلاء أول من تسعر بهم النار، نعوذ بالله من النار. هذا هو الرياء. وأسباب الرياء: 1/ نسيان ثواب الله وأجره. 2/ تعظيم الناس أكثر من الله. 3/ طول الأمل ونسيان الموت. 4/ الخوف والقلق والاضطراب النفسي، فأشجع الناس الصادق، وأجبن الناس المرائي الكاذب.

لمز المطوعين

لمز المطوعين من علامات النفاق: أنهم {يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} [التوبة:79] المطوعين الباذلين أنفسهم في سبيل الله، المتصدقين بأموالهم لرفع لا إله إلا الله، فالمنافق ليس همه إلا أن يلمز، وهذا مرض اجتماعي سرى وهو خطير، وقد بثته هيئة الإذاعة البريطانية في أخبارها دائماً وأبداً، يوم تقول: "التطرف المتطرفون" والتي نكتته وأوحته الصهيونية العالمية، فلذلك يلمزون المطوعين. الرسول صلى الله عليه وسلم كان جالساً في المسجد فقال للناس: تصدقوا في سبيل الله، وهذا كان لغزوة تبوك، لتجهيز غزوة العسرة، فأتى عبد الرحمن بن عوف بمال كثير، فوضعه ذهباً وفضة في المسجد، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: {آجرك الله فيما أعطيت، وبارك الله لك فيما أبقيت} فتغامز المنافقون في المسجد عندما صلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: والله ما أراد بهذا إلا رياء وسمعة. ثم أتى فقير من الصحابة ما وجد شيئاً، فأخذ حفنة تمر في كفه ودخل بها، وقال: يا رسول الله! والله ما في بيتي من مال، ولا عرض، ولا درهم، ولا دينار، وإنما هذه الحفنة من التمر فخذها، قال عليه الصلاة والسلام: {آجرك الله فيما أعطيت، وبارك الله لك فيما أبقيت} فتضاحك المنافقون، قالوا: جيش كامل ماذا تغني عنهم حفنة فلان؟! سبحان الله!! ذاك ما سلم منكم، وهذا لم يسلم، فمن هو المصيب إذن؟! لكن تولى الله عز وجل الجواب عليهم فقال: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة:79] إي والله! والله إذا سخر أكبت العبد وأذله وأخزاه: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79] {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون:6] فلن يغفر الله لهم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51].

الاستهزاء بالقيم والمبادئ الإسلامية

الاستهزاء بالقيم والمبادئ الإسلامية من علامات المنافقين: الاستهزاء بالقيم، وأولها مبادئ الإسلام وهي قاصمة الظهر، فهم لا يستهزئون بأهل المعاصي، هل رأيتم منافقاً يستهزئ بامرأة خرجت كاشفة الوجه؟ لا. أو يستهزئ بامرأة لبست ثياباً شفافة؟ أو يستهزئ بمغن أذهب العقول والقلوب، وضحك على الناس والعباد والشعب؟ لا. إنما يستهزئ بالأخيار الأبرار، ولكن الله يتولى الدفاع: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:38] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66].

الكسل في أداء الطاعة

الكسل في أداء الطاعة المنافق كسلان؛ إذا قام إلى الصلاة فهو من أكسل الناس، لكن تعال به في حفلة أو عرض موسيقي، أو ترف أو في شيء فيه تبذل وتبجح فإنك تجده من أقوى الناس، قوة جسم لكن خوار قلب، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142]. قال بعض أهل العلم: عجباً، إنهم يصلون! ولكن الله ذمهم بالكسل، لأن الذي يؤدي الإسلام وقلبه بارد، فيصلي مع الناس وقلبه بارد، ويسمع الأذان فيتحرى حتى تقرب الإقامة، فإذا دنت الإقامة قام فتوضأ كأن اللعنة معقودة على رأسه، ثم يخرج من الوضوء فيمسح يديه ورجليه وعينيه وأذنيه، ثم يذهب إلى المسجد كأنه يقاد بسوار من نار، ثم يدخل المسجد فيأتي في الصف الأخير، ويركع ويسجد، لا يدري من الإمام وماذا قرأ، وما هي الصلاة، ثم يسلم ويخرج أول الناس، فهو آخر الناس دخولاً وأولهم خروجاً، بارد القلب، جذوته لا جذوة، وتوقده لا توقد، فالله المستعان! (وإذا قاموا إلى الصلاة) لم يقل لم يصلوا؛ لأنهم إذا لم يصلوا كانوا كفاراً، لكن: {إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] والرسول صلى الله عليه وسلم أثبت أن من المنافقين من يصلي، ولذلك لامهم، قال: {بيننا وبينهم صلاة العشاء وصلاة الفجر لا يستطيعونها} فهم يصلون الظهر والعصر والمغرب، لكن صلاة الفجر والعشاء لا يستطيعون، فهذه دونها خرط القتاد، فهذه التي تبين المستويات؛ لأنها في وقت شدة: {وإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] مفهوم المخالفة: أن المؤمن يقوم بقوة وحرارة: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12] لأن هذا الدين دين حياة وقوة وصمود. فـ عمر رضي الله عنه وأرضاه سيد النساك، وهو عابد من أكبر العباد، عيناه تذرفان الدموع صباح مساء، وهو الذي يعرف النسك، وعلى ذكر عمر نذكر عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقد رأت شبيبة من الناس، والشباب في وقت الحدة يأتون بأشياء قد تخرج عن السنة، ففي فترة الهداية يزيدون حتى يخرج بعضهم عن السنة، فأتوا يتكاوسون برءوسهم كأنهم ضأن أصيبت بمطر في ليل شات، يتساوقون جوعاً وضموراً، وأنزلوا رءوسهم على صدورهم، قالت عائشة: [[من هؤلاء؟ قالوا: نساك -يعني عباد- قالت: ما لهم يمشون هكذا؟ قالوا: من النسك -من كثرة العبادة كسروا رءوسهم- قالت: والله لقد كان عمر أخشى لله منهم، وكان إذا مشى أسرع، وإذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع]] لأنه دين أصالة وعمق. عن الأسود بن يزيد في صحيح مسلم {قال: قلت لـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها: يا أم المؤمنين! كيف كان صلى الله عليه وسلم يقوم من صلاة الليل؟} متى يقوم لصلاة الليل، لم يسأل عن صلاة الفجر، ونحن الآن والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه نتمادح بمن يحضر صلاة الفجر منا، حتى من الدعاة، وإذا حضر صلاة الفجر في جماعة فكأنه من العشرة المبشرين بالجنة، أو ممن بايع رسوله تحت الشجرة، وهذا لضعف مستوى الإيمان، أما أولئك فما كانوا يسألون عن صلاة الفجر، فهي من المسلمات، حتى المنافق في عهدهم يعاب عليه عدم حضور الفجر، لكنهم يسألون عن قيام الليل. طاوس بن كيسان اليمني أحد العلماء الجهابذة المحدثين، طرق على صديقه الباب وقت السحر، فخرج صاحبه من البيت فقال: مالك؟ أحدث شيء؟ قال: أتيت أزورك!! قال: قبل الفجر، أنا كنت نائماً، قال: أتنام في هذه الساعة؟! والله! ما ظننت أن مسلماً ينام في ساعة السحر، لأنه صح في الحديث: {أن الله ينزل في الثلث الأخير إلى الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟} فـ الأسود بن يزيد يقول لـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها: {متى يقوم عليه الصلاة والسلام لقيام الليل؟ قالت: كان إذا سمع الصارخ وثب، قال الأسود: وعلمت ما معنى وثب} لم تقل: ولا جلس، ولا عرك عينيه، وإنما وثب كالأسد، لأن هذا معناه إعلان التحدي على النفس، والقوة على الشهوات، والأخذ لأمر الله عز وجل. تقول عائشة عنه صلى الله عليه وسلم، وأحلى ذكريات عائشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حياتها، قوامتها، أشرق الذكريات في عمرها مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم -على سبيل الاستطراد- رجل كمال، في البيت والمجتمع، والفتيا وعلى المنبر، وفي المعركة وفي الإدارة، والأدب والسياسة، فكل شيء أخذ له وقتاً، وأعطى لها وقتاً من حياته صلى الله عليه وسلم. فتقول: {كان يقطع معنا اللحم، ويكون في مهنتنا، فإذا سمع الأذان قام كأننا لا نعرفه، ولا يعرفنا} وهذا هو علامة الإيمان والصدق، فليس عندنا أمور معنوية نتخيل بها الناس، يقول الإنسان: الله أعلم بقلبي أنني أحب الله ورسوله، لكن أعماله وأظفاره ومخالبه في الإسلام. الضب والحية: دخل الضب للحية في جحرها، فلسعته بسمها فبقي مريضاً عند باب جحرها، فقامت تزوره، وتقول: يا أبا ثعالة! من جرحك؟ قال: أنت أعرف بمن جرحني. فتجد بعض الناس يقول: الله يعلم أنني أحبه وأحب رسوله، وهو لا يشهد الصلاة مع الناس، ولا يتحمس لقضايا الإسلام، ولا ينكر المنكر، ولا يكثر من الدعاء، ولا يقدم خيراً لدين الله عز وجل، فأين الإسلام؟ أإسلام بالقلب؟! إن هذا لا ينفع: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] إذا رآك المؤمنون صالحاً فأنت صالح: {أنتم شهداء الله في أرضه} {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143]. {مُرَّ على الرسول صلى الله عليه وسلم بجنازتين، فأثنوا على الأولى خيراً -مدحوه بالقيام، والصيام، والصلاة، والصدق، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والوفاء -قال: وجبت، وجبت، وجبت- فهذا ختم منه عليه الصلاة والسلام يطبع به على أوراق الناس يقول: وجبت له الجنة -وأثنوا على الآخر شراً- فاجر، قاطع للصلوات، عربيد، لا يعرف الله، لاه، قرءانه الغناء، وكتابه وصحيحه المجلة الخليعة، وغيبته وعرضه وفاكهته أعراض المؤمنين -قال عليه الصلاة والسلام: وجبت، وجبت، وجبت- وهذا خاتم يطبع على أوراقه إلى النار، قالوا: يا رسول الله! ما وجبت؟ وما وجبت؟ قال: الأولى أثنيتم على صاحبها خيراً، فقلت: وجبت له الجنة، والثانية: أثنيتم على صاحبها شراً، فقلت: وجبت له النار، أنتم شهداء الله في أرضه}. وعند الترمذي بسند فيه نظر: {من رأيتموه يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان} فنحن شهداء الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على عباده، والله عز وجل إذا رأى العبد منيباً مخلصاً نشر له القبول، وإذا رآه غير ذلك نشر له السمعة والغضب واللعنة في الناس، فهذه قواصم الظهر.

المنافقون مرجفون

المنافقون مرجفون المنافق مرجف، أي: يخذل عباد الله، إذا ذكرت له انتصار الإسلام في قضايا انتشار العلم والدروس والمحاضرات والندوات هون من شأنها، يقول: لا طائل من ورائها، إلهاء للشباب، وأظنها تفرق بينهم، وتأخذ من أوقاتهم، وأما الأغاني والذهاب والإياب فلا تأخذ أوقات الشباب!! إذا ذكرت له الجهاد هون من شأنه، إذا ذكرت له قضية الحجاب، قال: لا، الحجاب ليس هو القضية، القضية ليست قضية حجاب، فإذا أتيت في قيام الليل قال: والقضية ليست قيام ليل، وإذا أتيت في المكاييل والموازين، قال: القضية ليست مكاييل وموازين حتى يذهب الإسلام كله، فإذاً القضية ليست قضية إسلام. فهو مرجف: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة:47] هذه أيها الإخوة! من علامات المنافقين، وهي قاصمة الظهر الكبري، وهي تجتمع في قاصمة.

قلة ذكرهم لله

قلة ذكرهم لله ومن علاماتهم: أنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً، لم يقل الله: لا يذكرون الله، لكن يذكرون الله قليلاً، والإنسان علامة حبه للشيء حبه ذكره له: إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس إذا أردت أن تعرف إيمان المؤمن، فانظر إلى ذكره لله، وإذا أردت أن تعرف إخلاصه وصدقه؛ فانظر إلى تبتله ودعائه للواحد الأحد: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191] {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152]. فمن علامة المنافق أنه لا يذكر الله، تجده سبهللاً في الليل والنهار، يتكلم في معاشه وبيته، وفي وظيفته وأصدقائه، لكن إذا مر ذكر الله انقبض في المجلس، فهو لا يريد شيئاً من الذكر لا من القرآن ولا من الحديث، يصف هذه المجالس بالتأخر، والرجعية، والتخلف، وهو المتخلف الرجعي الوثني المتقهقر، فهذا من علامتهم حتى تنجلي. وهذه أيها الإخوة! معلومات موجودة وجاهزة، لكنها تحتاج إلى تذكير وتأصيل حتى تعرف عند الجميع؛ لأن من الناس من يقع في النفاق ولا يدري أنه منافق.

المنافقون ذوو ألسنة فصيحة وقلوب جاهلة

المنافقون ذوو ألسنة فصيحة وقلوب جاهلة من علامات المنافق أنه عليم اللسان، إذا تكلم أصبح خطيباً فصيحاً، لكن قلبه جاهل: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] قد تجد المؤمن لا يحسن أن يركب كلمتين، ولذلك في حديث كعب بن مالك عند الترمذي: {البذاء والبيان شعبتان من النفاق، والعي والحياء شعبتان من الإيمان} فالمؤمن تجده خجولاً منكسراً في الغالب، والمنافق تجده بذيئاً غسل وجهه من الحياء، فهو صاحب بيان داهية في الكلام، يتكلم بمحاضرات في ميزان السيئات، إذا تكلم عن قضايا الفجور، عن سفره إلى أوروبا، عن رؤية البنات والكأس وعما رأى من التطور والعمران؛ لأن في منظوره أن التطور والعمران هي ناطحات السحاب، لكنه لا يتكلم عن نهضة المسلمين، وعودة الشباب إلى الله، وتدارس القرآن، ومجالس الذكر والحديث؛ لأن قلبه مشغول بـ واشنطن وباريس، فهو لا يتكلم إلا عنها: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] لكنه أعمى القلب والبصر.

كبائر المعاصي قاصمة للظهر

كبائر المعاصي قاصمة للظهر ومن قواصم الظهر التي تضم مع قاصمة الظهر الكبرى: كبائر المعاصي، والله عز وجل ندد بالعصاة، والذي يأتيك بأحاديث الرجاء دون أن يذكرك بالخوف، معناه أنه يريد أن يتسامح، وأن يعفيك من عهدته، وأن يقول لك: لا بأس أن تخطئ وتعصي الله، يقول الله عن بني إسرائيل لما عصوا: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} [المائدة:13] هذه أربع مصائب بسبب المعصية، ومن يفعل ذلك، ويداوم ويصر على المعصية، يبتليه الله بهذه الأربع: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} [المائدة:13] عهدك مع الله، وصلتك به صلاتك صيامك حجك ولاؤك وبراؤك لله؛ لأن كثيراً من الناس يصلون، ولكن ولاءهم وبراءهم لغير الله. قد تجد إنساناً مستقيماً يصلي الصلوات الخمس، يقرأ صحيح البخاري، يبكي إذا قرأ مدارج السالكين، ولكن ولاءه لنادٍ رياضي من النوادي، يبكي إذا هزم، ويفرح ويسهر الليل إذا انتصر، يعادي كل من يعادي هذا النادي، ولو كان من الصحابة والتابعين، لماذا؟ لأنه جعل ولاءه وحبه لغير الله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55]. ووجد كذلك -ليس في هذا المكان العامر الطاهر الذي ما أتاه إلا دعاة وأساتذة وأبطال الإسلام- من يشجع بعض المغنيين، فيؤيده وينشر محاسنه في الناس، ومناقبه وتاريخه في المجالس، وفي الحقيقة لا مناقب ولا محاسن ولا تاريخ، وينوه بأغانيه وهو ينشر الفاحشة والمعصية في المجالس والمنتديات، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [المائدة:13] نعوذ بالله من اللعنة، هذه من علامة الاستمرار والجمود على المعاصي وعدم التوبة {لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13] القلوب القاسية أكثر ما يقسيها قواصم الظهر وهي المعاصي، يوم يقترف الإنسان من المعاصي العشرات في اليوم، ثم لا يستغفر ولا يتوضأ ولا يتوب، ولا يبكي ولا يندم، تجتمع عليه المعاصي فيطبع الله على قلبه فيصير ميتاً، فإذا صار ميتاً يرتكب كبائر الذنوب ولا يحس بها، يقول المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام الإنسان إذا مات وأتيت بخنجر تطعنه هل يحس؟! لا. لأنه ميت. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[المؤمن يرى كأن ذنوبه جبل يريد أن يسقط عليه، والمنافق يرى كأن ذنوبه ذباب وقع على أنفه فقال به هكذا]] تجده يشرب الخمر ويزني ويفجر ويكذب، فإذا قلت له: اتق الله، قال: إن الله عفور رحيم، ما حفظ من القرآن إلا هذا المقطع، فإذا قلت له: اتق الله، قال: رحمة الله وسعت كل شيء، ونسي: {إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2] فهذا وأمثاله يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيهم: {لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13] والله لام بني إسرائيل، وقال للمؤمنين: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] ولكن أملنا الله في فضله، ورجانا في خيره وبره، فقال: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد:17] بالأمطار، فيا من يحيى الأرض بالأمطار، فتنبت أنواع الأزهار والأشجار! نسألك يا واحد يا قهار يا غفار! أن تحيي قلوبنا بالإيمان، وأن تجعلنا من سكان تلك الدار. هؤلاء هم المؤمنون، ولكنهم يخافون المعاصي. {لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13] وقد وقع في هذه الأمة هذه الجزاءات، وقعت في أمة الرسول صلى الله عليه وسلم ووجد من لعنه الله، عالم لم يعمل بعلمه فاجر كبني إسرائيل، ووجد جاهل أعمى يعبد الله بالجهل فهذا قاسي القلب، ووجد من أهل البدع من يحرف الكلم عن مواضعه، يحرف الألفاظ والمعاني كما ذكر ابن تيمية. {وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] نسيان العلم، ونسيان الفهم دليل على كثرة المعاصي، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي أكبر ما يحبطك بعد النفاق، ويحبط مسعاك، ويعطل مستقبلك قاصمة الظهر المعاصي، وخاصة الكبائر. لنعش مع الأنبياء ونسمع موقفهم من الذنوب، لنقول لذلك المترسل في الخطيئة، الذي انهمل في الذنب تلو الذنب، وذكرنا بالرجاء لكنه ما فتح لنا باب الخوف، لنقل: اسمع إلى إبراهيم عليه السلام، الذي أسس التوحيد، وبنى جداره، ونشر الحنيفية في الأرض، يقول عليه الصلاة والسلام في آخر دعائه {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82] طمعاً، لم يقل: والذي يغفر لي خطيئتي يوم الدين، قال: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82] وإنه والله رجاء، وإنها والله لوعة، وإنه أسى يوم يقول عليه السلام وقد جاهد وبنى البيت، ورفع علم لا إله إلا الله، ومد هذه الشريعة، وعمق هذا المبدأ، ثم يقول في الأخير، ويرفع كفيه وهو على شفير القبر، وفي سكرات الموت: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82]. يونس بن متى عليه السلام، خرج مغاضباً، وألقي في البحر، فأصبح في ظلمات ثلاث: ظلمة اليم، وظلمة الحوت، وظلمة الليل، فمن يذكر؟ لا زوجة ولا ولد ولا أهل، لا مال ولا منصب: فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] كلمة والله ما كأنه يوجد أروع منها في الإسلام! يقول عليه الصلاة والسلام: {ما من مهموم أو مغموم أو مكروب يقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، إلا فرج الله همه، وأزال غمه وكربه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فاستجاب الله له؛ لأنه اعترف بذنبه، ففي هذه السكرات أعلن التوحيد، والله يقرن بين التوحيد والاستغفار، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] فقال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] أنا مذنب، فنجاه الله، قال سبحانه: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144]. لماذا لم ينج الله فرعون وقد قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90] وهي: نفس الكلمة أو قريبة منها؟! لأنه أنكر الله في الرخاء. وأما يونس عليه السَّلام فقد عرف الله في الرخاء، لأن له سجل حسنات وذكريات وأياماً محفوظة، وفرعون له أيام وصحائف سود، داس التاريخ تحت قدميه فلم ينفعه ذلك. كثير من الناس وبالخصوص أهل الشباب والقوة والغنى لا يعرفون الله إلا إذا أصبحوا على الأسرة البيضاء في المستشفيات، كثير من الناس لا يعرفون الله إلا إذا أصبحوا شيوخاً كباراً، فيأتي الواحد منهم يراجع حسابه وهذا جيد، لكن أين قوتك وصحتك؟ وأين شبابك وفتوتك؟ هل استثمرتها في طاعة الله؟! سليمان عليه السلام شكا المعاصي والخطايا فقال: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35]. نوح عليه السلام ذكر قومه فقال: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10 - 12].

الذنوب والخطايا المنتشرة اليوم

الذنوب والخطايا المنتشرة اليوم الخطايا التي تواردت في الساحة على الناس لا تعد ولا تحصى، ولكن أذكر ثلاثاً من الخطايا، أو ثلاثة مشارب تنضم تحت مظلة قاصمة الظهر:

الأغنية الماجنة

الأغنية الماجنة وللمتسائل أن يتساءل: كيف جعلت هذا الحدث البسيط حدثاً كبيراً وهو ليس بالكبير! لكنه وجد أن هذه الأغنية الماجنة ركب عليها من المعاصي ما لا يعلمه إلا الله، سفور المرأة، التهاون بالحجاب، الخلطة، الاتصالات الهاتفية الغير مسئولة، جريمة الزنا، اختلاط الأنساب، موت الأعراض والضمائر، كله من أسباب الغناء. قال ابن تيمية وابن القيم: "الغناء بريد الزنا" وهذان المُنَظِّران الكبيران العبقريان قد حذرا من هذه المغبة، وأمة جعلت قرآنها غناءها ووترها وموسيقاها، سوف تصل إلى الهاوية، لأنه يسبب العشق والوله، ويسبب التمرد على شرع الله، فالغناء يبغضك الطاعة والقرآن، ولذلك كان لبعض الناس كغلاة الصوفية غناء آخر، يأكلون قصع العصيد فإذا شبعوا قاموا يتراقصون على غنائهم، ثم يتكاوسون ويتساقطون، قالوا: مالكم؟ قالوا: سكرنا بحب الإله!! وقالوا سكرنا بحب الإله وما أسكر القوم إلا القصع فهذا هو غناؤهم، ولذلك من استعاض بالقرآن الغناء وقع في هذه وفي غيرها، ويصاب بمرض التهاون بالعبادات، فلا يأتي الصلاة إلا دباراً، يقول ابن القيم: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان والرسول عليه الصلاة والسلام أخبر وقال: {سيأتي أناس من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} واستحلالها لا يكون إلا بعد التحريم، وأمة لا تعرف إلا الغناء أمة ساقطة من المجد، متدهورة في عالم الحضارة، سبحان الله! كم خدر الشرق بل الشرق الإسلامي بالغناء الماجن، من المغنيين والمغنيات، وأما أعداؤنا من إسرائيل وأمثال إسرائيل فما عرف جيشها الغناء، في بحوث منشورة أن الغناء والموسيقى لا يدخلان الجيش الإسرائيلي، فما للمسلمين يدخلون الغناء ويسمعونه إلا من رحم ربك، وهذه المسألة خطيرة جد خطيرة.

الصورة الخليعة

الصورة الخليعة من قواصم الظهر التي انتشرت وأفسدت كثيراً من القلوب والأعراض والبيوت: انتشار الصور الخليعة الماجنة، والصور السخيفة المتبذلة، وهي تتمثل إما في منشورات أو في مجلات، وهذه ليست بالأمر السهل، فهي تحتاج إلى كلام طويل، لكنني أردت أن تكون تحت مظلة القاصمة الكبرى من القواصم وهي قاصمة المعاصي لانتشارها، وأخذها وعدم التهيب من الله عز وجل في تداول هذه المجلة بين الناس والنظر إليها، وهي من الفواحش الكبار، ومرض هواية القلب للصور مرض عجيب فتاك. ذكر ابن القيم في مدارج السالكين هذا المرض، وهو الوله بالصور والعشق لها، وذكر من الخطورات ما لا يعلمه إلا الله حتى تصل بصاحبها إلى درجة النفاق. من المسائل التي أريد التنبيه عليها أيضاً في آخر هذه المحاضرة شيئاً أشرت إليه في مقدمة الكلام، وهي مسألة الولاء والبراء. ولاؤك أيها المصلي وبراؤك لمن يكون؟! الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] فمن تتولى؟ وممن تتبرأ؟ يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله فقد استكمل الإيمان} لا يكمل الإيمان حتى يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليك مما سواهما، وهو حديث أنس كما في الصحيحين: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول: {يا رسول الله! والله إني لأحبك أكثر من أهلي ومن ولدي ومن مالي إلا من نفسي، قال صلى الله عليه وسلم: لا يا عمر! -أي ما استكملت الإيمان، ليس هذا هو المطلوب، ليس هذا هو الإيمان - حتى أكون أحب إليك حتى من نفسك، قال: فوالله -لا يعرف المجاملة- الذي لا إله إلا هو إنك أحب إلي حتى من نفسي} رضي الله عنه وأرضاه، وصدق والله. وفي الترمذي عنه يقول: {ودعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعتمر، فقال وهو يودعني: لا تنسنا يا أخي من صالح دعائك، قال كلمة لا أريد أن لي الدنيا وما فيها} وهذا غاية الحب. فالولاء والبراء لا يكونان إلا لله، ولا بد أن يفهم هذا حتى عند طلبة العلم والدعاة، وانظر إلى من ضل عن الصراط في الولاء والبراء، وقد سبق أن أشرت إلى أن بعض الناس يجعل ولاءه لبعض الذوات أو الأشخاص أو الهيئات أكثر من ولائه لله، كالأندية وبعض المغنيين وبعض المجلات، فهو يجعل ولاءه لهذه الأمور أكثر من ولائه للواحد الأحد، أحد المجرمين الفسقة الفجار وهو نصيري يقول: آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يتولاه ويحاسبه بالعدل، ويخزيه وأمثاله ممن لم يعرفوا الولاء لمن يكون، والبراء لمن يكون، كل من أحب الله واقترب من الله وجب عليك أن تواليه، فإذا كان تحت مظلة الإسلام مصلياً للخمس، فلا تنظر إلى أي أسلوب ينتهجه في الدعوة، ولا لأي مشرب؛ لأن بعض الناس يجعل اعتباراته اتجاهات وأساليب الدعوة فيوالي قوماً، ويتبرأ من آخرين على حسابها، فهذا أواليه لأنه وافقني في أسلوب الدعوة، وهذا أعاديه لأنه خالفني ولو كان هذا المخالف أتقى وأزهد وأعبد من ذاك، اتق الله في نفسك، أهذا دين يضيع؟ أهذه أوراق تحرق؟ أهذه ألعوبات؟ هذا دين الله عز وجل. فيا أيها المسلمون! هذه اثنتان من قواصم الظهر. والكفر أمره بيِّن لكثرته وانتشاره في القرآن، ولم أشر إليه في العناصر إلا إشارة، أما النفاق والمعاصي فهي أكبر قاصمة من قواصم الظهر، بل هي قاصمة الظهر والدين، والأخلاق والشرف، يصاب الإنسان بمصيبة في ماله فيعدها القاصمة، يموت ولده فيعدها الرزية، لكن بعضهم يصاب بقواصم في اليوم الواحد في دينه وهو كالبهيمة لا يدري أنه أصيب. أيها الفضلاء! أيها النبلاء! أشكركم شكراً جزيلاً، ثم أشكر مركز الدعوة هنا بـ الدمام على أن تفضل ودعا وأحسن وأجاد وبذل وأعطى، نسأل الله تعالى أن يجزل المثوبة لكل من قدم شيئاً للإسلام، أو من رفع راية الإسلام، أو من أعطى في سبيل الله لرفع دين الإسلام. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

الطريق الموصلة إلى العلم

الطريق الموصلة إلى العلم Q إني أحبك في الله يا شيخ وأريد أن أكون شيخاً، وأنا عمري أربعة عشر عاماً فما العمل لأكون شيخاً؟ A الحمد لله، أحبك الله الذي أحببتنا فيه، أما قولك كيف تكون شيخاً فللشيخ معنيان اثنان: المعنى الأول: الشيخ الكبير في السن: زعمتني شيخاً ولست بشيخ إنما الشيخ من يدب دبيبا فإن كنت تريد أن تكون شيخاً كبير السن فتعرض للشمس كثيراً، وحاول أن تتعب، وحاول أن تقلل من الأكل حتى تشيب وتقترب من القبر فتسمى شيخاً، ونسأل الله لنا ولك حسن الخاتمة، والشيب مذمة عند النساء، لكنه مفخرة عند الرجال: عيرتني بالشيب وهو وقار ليتها عيرت بما هو عار وهو وقار في الإسلام، وأنت إذا شبت في الإسلام شيبة جعلها الله لك نوراً كما جاء في الأثر، وهذا النور والوقار والعقل سمة المؤمن. أما مقصودك وهو أنك تريد أن تكون شيخاً في العلم فعليك أن تأتي العلم من بابه، وذلك بأمور: الأول: أن تتقي الله عز وجل في نفسك: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] فإذا اتقيت الله فتح لك السبل. الثاني: أن تكثر من الاستغفار والتوبة، فإن الاستغفار يفتح الله به مغاليق القلوب، ويفتح به عليك ما لا يدور بالخيال، ولا يخطر بالبال. الثالث: أن تنتهج التحصيل العلمي بوسائله الحديثة والقديمة، إن في مسجد في مسجد، أوفي كلية في كلية، أو ثانوية أو معهد، فتجمع بين هذا وذاك. الرابع: أن تحفظ وقتك في التحصيل، فإنه لا يكفيك أن تأخذ من رءوس الشجر، كالشاردة من الإبل لا تأكل إلا من رأس الشجرة، بل ينبغي عليك أن يكون وقتك جميعاً للعلم، للتحصيل وللمذاكرة، جلاسك طلبة العلم، زيارتك مع طلبة العلم، تثير المسائل ذاهباً وآيباً، مسافراً وحاضراً. الخامس: عليك بمنهجين، إما الحفظ أو الفهم، فإن كنت من أهل الحفظ وعندك دربة فابدأ ولا تُقدِّم على القرآن شيئاً، فابدأ بحفظه أو حفظ ما تيسر منه، ثم احفظ ما تيسر من الكتب كـ بلوغ المرام ورياض الصالحين وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأمثالها من المختصرات، وأما الفهم فاقرأ، وأكثر من الاستغفار فسوف يفتح الله عليك، خاصة في كتب الحديث الستة، ومسند أحمد وتفسير ابن كثير، وكتب ابن تيمية، وابن القيم: إذا أعجبتك خصال امرئ فكن مثله يك ما يعجبك فليس عن المجد والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك سوف تلقى العون والتسديد.

الكتب التي أخذ منها الدرس

الكتب التي أخذ منها الدرس Q هذا أخ يسأل عن الكتب التي تتحدث عن موضوع المحاضرة؟ A المحاضرة هذه جمعت من كتب، ومن قضايا موجودة، ومن استقراءات وتجارب، فهي ليست حفظاً من كتاب، ولكنها تدور في فلك الرقائق والتخويف من الذنوب، وأكثر من يتحدث عن هذا الجانب هو كتاب مدارج السالكين لـ ابن القيم، والفتاوى المجلد العاشر والحادي عشر لـ ابن تيمية، وكتاب جامع العلوم والحكم لـ ابن رجب، وتفسير ابن كثير فيه لمحات عن هذه القضايا خاصة في قضايا النفاق، هذه وأمثالها. أما القضايا العصرية فهي موجودة لكتَّاب الإسلام كـ سيد وأبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي، وما يشابه هذه الكتب.

حد الرياء وضابطه

حد الرياء وضابطه Q هل من الرياء إذا كان الأخ المسلم مع إخوانه زادت جذوة إيمانه، وإذا خلا مع إيمانه وجد في نفسه شيئاً من الضعف؟ A هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل: إن كان هذا الشاب وحده ليس له أصل يعود إليه ولا يفعل شيئاً ولو حداً أدنى، ثم إذا وجد مع الشباب فعل شيئاً فهو بنيته، والظاهر أن من يفعل هذا بدون أن يكون له رصيد من العمل أن فيه رياء، فليحذر وليتق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فإن الأعمال بالنيات، والله أعلم بنيتك، فبعض الناس من عادته أنه لا يصلي الضحى، لكن إذا رافق الشباب في مركز أو مخيم أو رحلة قام يصلي الضحى لأنهم يصلون أو ليروه يصلي فهذا رياء وهو يدخل في باب الشرك كما تعرفون. لكن القسم الآخر الذي يحتاج إلى تفصيل؛ مما عرف أن الناس يتعاونون على الخير وهذا ليس من الرياء، اجتماعك مع الناس في مجالس الذكر فتذكر الله أكثر، ذهابك مع بعض الشباب فتقوم الليل معهم لأنهم ساعدوك وعاونوك وعاملوك؛ خالصاً لوجه الله، هذا من علامات القوة والنشاط والإيمان، لا من علامات الرياء والسمعة. ولكن هنا ضابط لا بد أن أذكره للإخلاص وهو أن تفعل مع الناس ما تفعله وحدك، إن كان من عادتك ومن هديك أنك تصلي الضحى فلا تتركها لأحد من الناس كائناً من كان، فإن العمل من أجل الناس شرك، وترك العمل من أجلهم رياء، والسلامة أن يعافيك الله منهما، إن كان من عادتك أن تصلي الليل فذهبت مع قوم فلا تخف أن يقولوا: إنك مراءٍ، فلا تصلي الليل، لا. بل صل الليل، لكن إن كان من عادتك ألا تصلي الضحى وذهبت معهم وأردت مدحهم فتصلي الضحى لأجلهم فهذا هو الرياء والعياذ بالله.

هل هو منافق من لم يثب وثبا للصلاة؟

هل هو منافق من لم يثب وثباً للصلاة؟ Q بعض الناس نومه ثقيل، وإذا جاء أحد يوقظه لصلاة الفجر لم يثب وثباً كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل هذا منافق؟ A الوثب مضى معه صلى الله عليه وسلم ومع القرن الأول، ونحن لا نقوم إلا سحباً، فالمقصود أنه جيد إذا قام الفجر ولو سحباً بأرجله إلى آخر الدرج ولا بأس، فإذا حضر الجماعة فلا يسأله الله عز وجل أقمت وثباً أو سحباً، فإنما ذكرت هذا لأنه في صحيح مسلم: {قال: إذا سمع الصارخ وثب} والرسول صلى الله عليه وسلم أدرى بمدلولات الكلمات وهذه الحركات، لكن في الأخير لا نقول هل قمت وثباً، أو قمت سحباً، أو قمت على جنب، أو على الأيدي أو الأرجل، إنما المقصود أن يصلي صلاة الفجر، وإذا صلى صلاة الفجر وداوم عليها فهو من أهل الخير والاستقامة والصلاح.

كيف يعرف الإنسان إيمانه؟

كيف يعرف الإنسان إيمانه؟ Q كيف يكتشف الإنسان أنه منافق أو مؤمن؟ A المؤمن يخاف من النفاق ويحذر منه، كلما عمل شيئاً راقب نيته وشك، وأتى فيه تذمر وتلوّم وعتاب لنفسه، وتمرير وشعور بالخطأ، فهذا هو الذي يشعر بالذنب، أما المنافق فلا يشعر بهذا أبداً، يأخذ الكبائر من الذنوب ويسحقها تحته، ويقول: أنا مخلص، تقول: أنت منافق؟ ويقول: لا. أنا مخلص، تقول: أنت -يا أيها البعيد! - كاذب، ويقول: بل من الصادقين إن شاء الله، تقول: أنت تريد السوء للإسلام!! ويقول: بل أريد الخير: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:11 - 12]. هذا ومن علاماته أيضاً: أن المؤمن يعرض نفسه على الكتاب والسنة، فيحذر من النفاق العملي؛ لأن النفاق الاعتقادي صاحبه والعياذ بالله، في الدرك الأسفل من النار، فلا يكذب إذا تكلم، ولا يخلف إذا وعد، ولا يغدر إذا عاهد، ولا يفجر إذا خاصم، ومثل هذا ونحوه.

شروط جواز لعب كرة القدم

شروط جواز لعب كرة القدم Q أنا شاب ملتزم والحمد لله، ولكنني أحب نادياً معيناً، وأتمنى دائماً أن يفوز، وبعض الأحيان أشاهد مبارياته عن طريق التلفزيون، فما رأيكم في ذلك جزاكم الله خيراً؟ A الأخ الذي ذكر هذا لا لوم عليه في هذا، لكن لا بد أن أفصل له الكلام، النوادي كنواد هي لا تحرم لأمكنتها، فأمكنتها مثل أمكنة مجالس الناس وبيوتهم، تراب وشجر وماء وحجارة، لكنها تأخذ الصفات لما يحدث فيها، وغالب النوادي إلا ما رحم ربك يخاف عليها من ثلاث قضايا كبرى: أولها: مسألة الولاء والبراء، فهم في المعتقد يوالون ويعادون لغير الله، ويرضون ويغضبون لغير الله، ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها لغير الله عز وجل، وهذا ليس بصحيح، فهو خرم في المعتقد والتوحيد الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام. ثانيها: ويخشى عليهم من قضية كبرى ثانية وهي قاصمة من قواصم الظهر وهي: ترك الصلاة، أو تأخيرها عن وقتها، فإذا أخرت عن وقتها حتى خرج لا يقبلها الله أبداً من أهل الملعب جميعاً، وهذا معروف، من ترك الصلاة بغير عذر حتى يخرج وقتها فقد انتهى، فصلاته انتهت فلا صلاة له، وهناك خلاف بين أهل العلم هل يقضي أو لا يقضي؟ ورجح كثير منهم ألا يقضي لأنه في تلك الفترة تركها متعمداً فهو كافر، لكن عليه أن يتوب ويعود إلى الإسلام. ثالثها: قضية كشف العورة والتبذل في اللعب، والإسلام يأمر بالستر. وهذه القضايا أكثر ما يدار في النوادي، فإذا خلت من هذه الأمور فهي كغيرها، بشرط أن تكون في وقت محدد، لا تطغى على وقت الجد، ولا تعارض الصلاة، ولا تدخل في المعتقد فيكون الولاء والبراء من أجلها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وتكون بلباس ساتر فلا بأس، ولا بأس أنك تحضر وتلقي كلمة، وتؤثر في الشباب؛ لأن بعض الناس يتوخى، أو إذا نظر إلى النادي من بعيد وقال: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) وهذا ليس بصحيح، الذي في المسجد لم يأت إلا ليصلي، ونحن لا نتكلم إلا في أهل المسجد، يصلون المغرب فنقوم بعد صلاة المغرب، فنقول: صلوا يا عباد الله! اتقوا الله لا يعذبكم الله بالنار، وهم أتوا يصلون قبل أن يسمعوا الكلام. لكن أهل المقاهي أهل الملاهي أهل النوادي من يدعوهم؟ الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى سوق عكاظ وخطب، وسوق مجنة وذي المجاز، وعرض نفسه على العرب، فكان يأتي إلى السكارين المكارين الذين يعاقرون الخمر والكأس بأيديهم ويتكلم معهم صلى الله عليه وسلم، يدخل على المنافقين واليهود والنصارى ليعرض دينه وإسلامه، فالناس لا يأتونك وأنت في المسجد، ولا في زاوية المسجد ويسألونك: هل روى قتادة عن الأعمش أو الأعمش عن قتادة؟!! فهم ينتظرون من يأتي ليوصل لهم هذا الدين، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يأب يوماً من الأيام وسيلة مباحة في خدمة الإسلام والدين. أتاه ركانة وهو مصارع جهبذ كبير، فقال: لا أسلم حتى أصارعك!! وهو أقوى رجل في العرب، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم -ما دام أن فيها خدمة لرفع لا إله إلا الله وانتصار الإسلام فلا بأس- فصارعه، فصرعه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحمله ثانية صلى الله عليه وسلم وطرحه أرضاً، وثالثة: فأنزله أرضاً، فشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله، وأن محمداً رسول الله. فبعض الناس لا يدخل الإسلام حتى تكون أرجله فوق رأسه. فالمقصود أن هذه من الوسائل المباحة، بشرط الوسائل. وأنبه أهل النوادي إلى ألا يجعلوا النوادي غايات، فليست غايتنا أن نعلم الناس الكرة، فالأوروبيون علمونا الكرة، وبنوا لنا القصور ومدوا الجسور، فلن نغلبهم في هذه المستويات أبداً، والله لم يرسلنا للناس لنبني قصوراً، ونصنع لهم ثلاجات وطائرات وبرادات، لكنه أرسلنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَىَ لنهدي الناس، ولندلهم على طريق الجنة، ولنوجههم إلى الصراط المستقيم. فقضية أن رسالتنا لعب كرة ليس بصحيح، بل رسالتنا دعوة، ومن وسائلنا الرياضة، فحبذا أن المنتخب إذا ذهب إلى أوروبا أن يحمل لا إله إلا الله محمد رسول الله، أحد علمائهم يقول: أهدينا لكم الثلاجة والبرادة والسخانة وما أهديتم لنا الإسلام. أحد دعاة الإسلام سكن في ميونيخ في ألمانيا، فيوم سكن هناك رأى لوحة مكتوب عليها: أنت لا تعرف إطارات يوكوهاما، فكتب تحتها بالألمانية: وأنت لا تعرف الإسلام، إن كنت تريد أن تعرف الإسلام اتصل بتلفون كذا وكذا وأعطاه التلفون، فكانوا يتصلون عليه، فهدى الله على يديه مائتي ألف ألماني؛ لأن الناس ليسوا بحاجة إلى أن يعرفوا إطارات يوكوهاما، لكنهم بحاجة إلى أن يعرفوا طريق الجنة، وكيف ينجون بأنفسهم، كيف يخرجون بأنفسهم من النار والعار والدمار، هذا أمر، فأما أن نعلم الناس الكرة فهم الذين علمونا.

ماهية الرياء

ماهية الرياء Q إذا وجد الإنسان بعض الصفات التي قلتها في نفسه، ولكنه لم يقصد الرياء أو النفاق أبداً؟ A لا أعرف ما تريد، تقول: وجدها في نفسه ولم يقصد، هو لم يجدها إلا لأنه فعلها: قال الجدار للوتد: لم تشقني؟ قال: اسأل من يدقني. فكيف يكذب ويقول: أنا لا أقصد الكذب؟! إنسان أتى فصفعه أخاه في الله، يحبه في الله كثيراً لكنه صفعه على وجهه فغضب أخوه وقال: مالك؟ قال: أحبك في الله، وإنما ضربتك على وجهك وأنا لا أقصد هذا. وبلورة هذه الأمور إلى نيات ومقاصد هو من فعل أهل الابتداع والمعاصي، لماذا لا تصلي في المسجد؟ قال: يعلم الله أني أحبه، والله أدرى بالمحبة، لكن ما استطعت، ولو كان محباً لأتى. تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع فأنا لم أفهم هذا السؤال، إلا أنك لو فعلت ذلك فهذه العلامات فيك، ولو أنك أنكرت بلسانك.

المؤمن قد يصاب أحيانا بالرياء والنفاق

المؤمن قد يصاب أحياناً بالرياء والنفاق Q هل يصاب المؤمن ببعض النفاق أو الرياء أحياناً؟ A نعم. يصاب المؤمن ببعض النفاق والرياء أحياناً، وهي نسب متفاوتة، فبعضهم يأخذ المركز الأول في مسألة النفاق، فلا ينافسه ولا يسابقه أحد عليه، ومنهم من يأخذ المركز الثاني والثالث والمائة وبعد المائة، فالناس نسب، ويخلص منهم قوم قليلون صادقون متقون، ولكن كفارة الرياء أن تستغفر وأن تقول: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم} وأن تعرف أن النافع الضار، الخالق البارئ، المحيي المييت هو الله عز وجل، الذي يثيبك ويجازيك.

صور الشعور بالنقص وحكمها

صور الشعور بالنقص وحكمها Q أحدهم لديه مشكلة وهي أنه يحس أحياناً بالتقصير بين زملائه، فدائماً يشعر أنه ناقص بينهم، فما هو الحل؟ A إن كان شعورك بالنقص في الدين فهذا من الخير لك، وهذا من عظمتك ومستقبلك؛ لأن المؤمن يشعر بالنقص في دينه دائماً، وهذا أمر طيب، وأبشر بخير، وعليك أن تستشعر هذا، لكنها لا تقعدك ولا تحبطك عن مسيرتك، واصل واتق الله، وزد من الأعمال الصالحة واشعر بالنقص دائماً. وإن كان نقصك وشعورك بالنقص لأمور دنيوية فليس بصحيح، تشعر أن هذا لونه أبيض وأنت لونك أحمر، أو هذا أطول وأنت أقصر، أو هذا من أسرة كذا وأنت من أسرة كذا، نحن في الإسلام ليس عندنا معامل ولا ألوان ولا دماء ولا أجناس، بل نحن نتعامل مع آية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. بلال عبد وقصره في الجنة كالسحابة البيضاء، أبو لهب قرشي هاشمي يتردى ويعذب في النار أبد الآبدين. فإن شعرت بالثاني فأنت مقصر ومخطئ وعليك أن تتوب، وإن شعرت بالأول فأنت فائز مفلح عليك أن تواصل.

من أشكال التحريف اللغوي المعاصر

من أشكال التحريف اللغوي المعاصر Q إن بعض الناس يقولون: إن كلمة (مطوع) معناها حمار، فهل هذا صحيح؟ A افترى من قال هذا الكلام، وهذا أحد رجلين: إما رجل جاهل لا يعرف اللغة العربية، أو رجل يريد أن يرد على كلمة الفنان أنه الحمار المخطط، فيريد أن يرد الكُرة في مرمانا مرة ثانية. لكن نقول: من حيث اللغة العربية والإسلام هذا ليس بصحيح، فمطوع كلمة عامية مأخوذة من الطائع لله عز وجل، وقد سماه العوام وبذلوها لكل من استقام، وأخذها أهل الاستهزاء لكل أحد من العلماء والدعاة والملتزمين والأخيار. ومفهوم المخالفة أن الناس قسمان: مطوع وعاصٍ، فأما هذا فطائع فنسميه طائعاً، وأما ذاك فنسميه عاصياً، لكنه لا يقول لأحدكم (مطوع) ثم يسكت، لا. بل قل: وأنت عاصٍ.

حكم مشاهدة المصارعة على التلفاز

حكم مشاهدة المصارعة على التلفاز Q ذكرت في محاضرتك مصارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يفهم من ذلك جواز مشاهدة المصارعة في التلفزيون؟ A سبحان الله! فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى تأتي برسول البشرية ومعلم الإنسانية وهادي الناس جميعاً ومزعزع كيان الوثنية صلى الله عليه وسلم إلى أناس ليس لهم مبادئ ولا أخلاق، ولا إيمان ولا حب، ولا طموح ولا رسائل في الحياة، يأكل أحدهم كما يأكل الحمار، ويركض كما يركض الحمار، ويتعرى كما يتعرى الحمار ويصارع!! وتجوِّز هذا بهذا لشتان!! وهذا لا يحتاج إلى كثير من التعليق، فالحقائق موجودة والواقع يشهد ولن نطيل الكلام.

حكم المغازلة

حكم المغازلة Q لي أصدقاء يقولون: إن المغازلة حلال، فلم تحرمون -يا شيوخ- الحلال، فما رأيكم جزاكم الله خيراً؟ A هذه الأسئلة بعضها يحتاج إلى تحقيق، لا أدري من أين تخرج هذه الأسئلة، أما أن المغازلة حلال، فقد افترى على الله عز وجل، وافترى على رسوله صلى الله عليه وسلم، وافترى على الإسلام، وكذب وأخطأ، وأفك وأثم، فعليه أن يتوب ويستغفر الله عز وجل: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116] وهذا الأمر من أنجس الأنجاس، ومن أشد الحرام، ومن أبعد الأمور عن الله عز وجل، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا كما يفعله الذين يفعلون الفاحشة ويقولون: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:28]. إذاً: فقد كذب هذا الذي قال إنها حلال، لا والله ما أحلها الله، ولا أحلها رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أحلها دين الله ولا كتابه ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يحلها عالم المروءة والأدب وعالم النخوة والتحفظ حتى في غير أمة الإسلام. فهذا الأخ عليه أن يتقي الله، وأن يعلم أن هذا الدين دين أصالة، ودين رسالة خالدة، ليس تفكهاً. وأنا إذا أوردت بعض الدعابات فهي من قضية الدرس أن يعرض هكذا، والدعابة واردة، لكن في حدود الدعابة، أما أن يتطاول إلى هذا الجدار الذي لا يخترقه الصوت والذي دونه السيوف وخرط القتاد، فيأتي إلى أن ينقض قضاياه فهذا كفر ونفاق، والعياذ بالله.

دعوة الكفار إلى الإسلام

دعوة الكفار إلى الإسلام Q يوجد معنا في العمل أجانب كفار أمريكان وإنجليز وفلبينيين وغيرهم، وندخل ونخرج ولا نقول لهم أي كلمة في الدعوة إلى الإسلام؟ فهل علينا ذنب إذا لم ندعهم إلى الإسلام؟ A لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، من حيث الأصل أن تدعوهم وأن تكون داعية لهم إلى الإسلام، هذا من حيث الأصل، لكن هذا الأصل يختلف باختلاف الناس وطاقاتهم وأحوالهم، إن أعطاك الله عز وجل قوة في الدعوة، وأعطاك لغة وأسلوباً فعليك أن تدعو، وكل بحسب طاقته وجهده، وأنا أدعوك أن تكون داعية لهم، ولكن بالتي هي أحسن، تبصرهم بمحاسن الإسلام، تدعوهم تدريجياً إلى دين الله عز وجل، تحبب لهم هذا الدين الخالد بهذا الأمر. أما إذا عجزت، فلم يكن عندك لغة تخاطب، ولا تستطيع هذا، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وعليك أن تتقي الله في دينك، وأن تحفظه منهم، والله معك.

حتمية تنظيم المحاضرات والدروس

حتمية تنظيم المحاضرات والدروس Q ديننا دين النظام والترتيب، ولكن في التجمعات الإسلامية مثل هذه المحاضرات والدروس يلاحظ عدم الترتيب والنظام، وذلك والله أعلم راجع لعدم فهمهم للإسلام فهماً كلياً، فهل من توجيه لهؤلاء؟ A أنا أؤيد ما قاله الأخ، وهذه حقائق موجودة في الإسلام أنه دين النظام، في البداية والنهاية لـ ابن كثير أن سعداً رضي الله عنه لما حضر بالمسلمين في معركة القادسية كانوا ثلاثين ألفاً، فقام يصلي بهم، فكلما كبر كبروا، وهذا هدي الإسلام في الصلاة مع الإمام، وكلما ركع ركعوا، وكلما رفع رفعوا، ورستم قائد الفرس ينظر إليهم من وراء جبل، فلما رآهم في هذا النظام العجيب عض على أنامله وقال: علم محمد الكلاب الأدب، وهو الكلب، بل علم صلى الله عليه وسلم الأمة الأبيض فيها والأسود الأدب والإيمان، والحب والطموح: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. وحبذا أن نكون أهل نظام، وترفع، ورقة، ومسارات صحيحة، نأخذ أدبنا من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ لأننا نعرض الإسلام على الناس، والإسلام لا يعترف بالدروشة، بعض الناس يظن أنه إذا خرب هيئته، وعكس غترته، وقلب طاقيته أن الله يرفع درجاته في الجنة!! لا. لا يدخل الإنسان الجنة إلا بالإيمان والعمل الصالح، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث حسن: {تزينوا حتى تكونوا كأنكم شامة في عيون الناس} ويقول في صحيح مسلم: {لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: يا رسول الله! إني أحب أن تكون نعلي جميلة، وثوبي جميلاً، أفمن الكبر ذلك يا رسول الله؟ قال: لا. إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس} أي: رد الحق وازدراء الناس. فأنت لا بد أن تكون مهذباً في جلوسك ومسيرتك، وخروجك ودخولك حتى تظهر أن هذا دين الإسلام والروعة والنظام.

تعريف بالشيخ عائض وبعض قصائده

تعريف بالشيخ عائض وبعض قصائده Q فضيلة الشيخ: هلاّ عرفت لنا نفسك؟ وكم قصيدة ألفت؟ وهل تكرمنا بسماع بعض الأبيات التي من إنشائك؟ A أما التعريف فأمر سهل، لكن القصائد هي على اختيار الإخوة؛ إن كان عندهم رغبة ويحددون بعض القصائد أورد ذلك إن كان في الوقت متسع: أخوكم في الله عائض بن عبد الله القرني هذا التعريف. أما مسألة المواليد فهذه تاريخ الأموات لا تاريخ الأحياء، ولم يقل متى ولد عمر بن الخطاب؟ وهم من عظماء الإسلام، ونحن من نحن معه! ولكن اهتم المسلمون كثيراً بالمواليد في التواريخ ماذا أكل وماذا شرب، وماذا تغدى، وكيف نام، وكيف ذهب، وهي تواريخ الأموات، إنما تاريخ الأحياء: ماذا عمل للإسلام؟ ماذا قدم في رفع لا إله إلا الله؟ هذا تاريخ الأبطال من أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. أما القصائد فلدي قصائد، منها قصيدة للأمة الإسلامية وعنوانها: أمريكا التي رأيت، وقصيدة البازية للشيخ عبد العزيز بن باز، وقصيدة لأهل القصيم. فأما قصيدة أمريكا التي رأيت فهي قصيدتان، جدية وهزلية، أما الهزلية فلا أذكرها، وأما الجدية فهي تخاطب الأمة الإسلامية: يا أمة ضرب الزمان بها جموح المستحيل وتوقف التاريخ في خطواتها قبل الرحيل سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل وسقت شفاه الوالهين سلافة من سلسبيل يا أمة كم علقوا بكيانها خيط الخيال وهي البريئة خدرها فيض عميم من جلال شاهت وجوه الحاقدين بكف خسف من رمال موتاً أتاتورك الدعي كموت تيتو أو جمال يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد كفرت بـ مجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلي الإنسان خابوا ما لهم إلا الرماد جثث البرايا منهم في كل رابية وواد كانت هناك زيارة لـ أمريكا، فقلت: أني ما زرتها لأجلها ولكن من أجل مقاصد أخرى: ما زرت أمريكا فليـ ست في الورى أهل المزار بل جئت أنظر كيف ند خل بالكتائب والشعار لنحرر الإنسان من رق المذلة والصغار وقرارنا فتح مجيد نحن أصحاب القرار ورأيت أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسام قد زادني مرأى الضلال هوىً إلى البيت الحرام وتطاولت تلك السنون فصار يومي مثل عام ما أرضهم أرض رأيت ولا غمامهم غمام وأما قصيدتي في الشيخ الفاضل الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز، فأنا مسبوق وقد تكررت في مناسبات، ولكن لا بأس أن تتكرر، والشيخ ممدوح بقصائد كثيرة أذكر بعض مقتطفات، يقول المجذوب في مدحه: روى عنك أهل الفضل كل فضيلة فقلنا حديث الحب ضرب من الوهم فلما تلاقينا وجدناك فوق ما سمعنا به في العلم والأدب الجم فلم أر بازاً قط من قبل شيخنا يصيد فلا يؤذي المصيد ولا يدمي وقال عالم المغرب المحدث تقي الدين الهلالي: خليلي عوجا بي لنغتنم الأجرا على آل باز إنهم بالثناء أحرى وزهدك في الدنيا لو أَنَ ابن أدهم رآه رأى فيه المشقة والعسرا وأما البازية فقلت فيها لسماحته: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً لك الله قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي أغراهم المال والدنيا تجاذبهم ما بين منتعل منهم ومن حافي مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعالي ولم تولع بإرجاف وتعرفون كلكم الصحيحين والذي لا يعرف الصحيحين كأنه لا يعرف شيئاً بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطل في إشراقه الضافي تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دُراً غير أصداف أقبلت في ثوب زهد تاركاً حللاً منسوجة لطفيلي وملحاف تعيش عيشة أهل الزهد من سلف لا تبتغي عيش أوغاد وأجلاف أراك كالضوء تجري في محاجرنا فلا تراك عيون الأغلف الجافي كالشدو تملك أشواقي وتأسرها بنغمة الوحي من طه ومن قاف ما أنصفتك القوافي وهي عاجزة وعذرها أنها في عصر أنصاف يكفي محياك أن القلب يعمره من حبكم والدي أضعاف أضعاف يفديك من جعل الدنيا رسالته من كل أشكاله تفدى بآلاف أما قصيدة أهل القصيم، فكانت زيارة لـ بريدة وعنيزة: قل للرياح إذا هبت غواديها حيي القصيم وعانق كل من فيها كان عندي مقطوعة وقلت بالمناسبة أن يكون نادي الاتفاق فما أتى الوفاق لنادي الاتفاق فما كان هناك سلام ولا عناق فجعلنا هذه القصائد حتى يتسنى لنا في اجتماع آخر لنحيي هذه الوجوه، أهل الدمام والظهران والأحساء والجبيل ومن جاورهم من الأعراب، فالمقصود: قل للرياح إذا هبت غواديها حيي القصيم وعانق كل من فيها واكتب على أرضهم بالدمع ملحمة من المحبة لا تُنسى لياليها أرض بها علم أو حاذق فطن يروي بكأس من العلياء أهليها عقيدة رضعوها في فتوتهم صحت أسانيدها والحق يرويها ما شابها رأي سقراط وشيعته وما استقر ابن سينا بواديها سقراط المجرم الذي أفسد عقائد الناس، هذا تعليق على الشعر ما شابها رأي سقراط وشيعته وما استقر ابن سينا بواديها ولـ ابن تيمية في أرضهم علم من الهداية يجري في نواحيها إذا بريدة بالأخيار قد فخرت يكفي عنيزة فخراً شيخ ناديها محمد الصالح المحمود طالعه البارع الفهم والدنيا يجافيها له التحية في شعري أرتلها بمثل ما يعزف الأشواق مهديها سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

تحريم التمييز العنصري

تحريم التمييز العنصري لقد كثر في هذه الأيام التحدث عن القومية العربية التي تعتبر دعوة عنصرية، ولكن دين الإسلام يحرم هذا التمييز العنصري، فالنبي صلى الله عليه وسلم غضب غضباً شديداً على أبي ذر عندما قال لبلال: يا بن السوداء. وقال له النبي صلى الله عليه وسلم (إنك امرؤٌ فيك جاهلية) وهذا يدل على عظمة هذا الدين وإلى عدله وسماحته.

المجاهدون الأفغان

المجاهدون الأفغان الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً ومنيراً، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وسلم ما تضوع مسك وفاح، وما غرد حمام وصاح، وما شدا طير وناح، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين الصائمين المصلين المجاهدين وسلم تسليماً كثيراً. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وحي الله من حيانا. إن السلام وإن أهداه مرسله وزاده رونقاً منه وتحسينا لم يبلغ العشر من قول يبلغه أذن الأحبة أفواه المحبينا آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا ولقد أحسنتم يوم قرأتم في صلاتكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] أنا أريد أن أتحدث عن المجاهدين الأفغان، فوافقني الإمام في قراءة هذه الآية وسبق لي البارحة أن تحدثت قبل الدرس عنهم؛ لأن العالم يقف مشدوهاً، شاخص الأبصار، وينظر إلى السجدات الإيمانية، وينظر إلى البطولات الإسلامية، ينظر إلى أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. في فتية من بني الأفغان ما تركت كراتهم للعدى صوتاً ولا صيتاً قوم إذا قابلوا كانوا ملائكة حسناً وإذا قاتلوا كانوا عفاريتا نعم إنه الإيمان، وإنه الإيمان الخالص، الذي يقول لأصحابه، قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، أتت روسيا الملحدة الكافرة الزنديقة تحارب الله من فوق سبع سموات، فخرج المتوضئون المصلون الصائمون المجاهدون يقولون: حسبنا الله ونعم الوكيل: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174] يذبحون الروس على الطريقة الإسلامية، وهذا جائز عند الناس أن يذبح الكافر على الطريقة الإسلامية، ومن قال لك: إن ذبحه حرام؟! بل يجوز بالإجماع، بإجماع المجاهدين الأفغان، وفر الروسي وهو يجر ذيل الهزيمة والخيبة واللعنة: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16] واقترب فتح كابل فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا، بل كنا قوماً ظالمين. أيها الإخوة! أيها الأبرار! أيها الصالحون! إن النصر يطلب من فوق سبع سموات: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160]. وقد جربنا مع إسرائيل أكثر من ثلاثين سنة، لكننا ما أخذنا النصر من فوق سبع سموات، طلبنا النصر من جنيف، فما أتى نصر، وطلبناه من هيئة الأمم المتحدة، فما أتى نصر، وطلبناه من مجلس الأمن، فما أتى نصر. أما المجاهدون فقال لهم الناس: تعالوا إلى مجلس الأمن، قالوا: كفرنا بـ مجلس الأمن وآمنا بالله وحده، قالوا: تعالوا إلى جنيف، قالوا: كفرنا بـ جنيف وآمنا بالله وحده، تعالوا إلى هيئة الأمم المتحدة الظالمة المشاغبة، قالوا: كفرنا بـ هيئة الأمم المتحدة، وآمنا بالله وحده، فانسحب أعداؤهم. فروا على نغم البازوك في غسق فقهقت بالكلاشنكوف نيران يسعى فيعثر في سروال خيبته في أذنه من رصاص الحق خرسان والآن تشرف طلعات الإيمان، ويشرف العلم، وتشرف طلعات خالد بن الوليد، وسعد وصلاح الدين. من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري وإذا نزل القرآن والحديث والسنة والإسلام في الساحة، لم يبق مارد ولاجبار ولا عاتية ولا طاغية أبداً، بل ينصر الله من يشاء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]. هذه مقدمة، وحديثنا الليلة.

النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث إلى النساء

النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث إلى النساء طلب مني بعض الأخوة، أن نعود بشيء من العود إلى درس البارحة؛ لأنه يهم النساء، يهم بنات حواء، ويهم حفيدات أسماء وزينب، هو حديث عن النساء، ولكنني لا أذكره كله؛ لأن المكرر مغرر، والنفس مولعة بمعاداة المعاد، وإعادة الحديث على الرجال أثقل من حمل الصخور من الجبال، لكنني أعود بشيء من الإيجاز بقالب آخر، يقول البخاري رحمه الله رحمةً واسعة: باب كفران العشير وكفر دون كفر، حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن، قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً، قالت: مارأيت منك خيراً قط} وهذه رواية ابن عباس والبخاري يقول في الباب نفسه عن أبي سعيد الخدري، أي: أنه ورد عن هذا وورد عن ذاك، وهذا الحديث يحمل الرقم السابع والعشرين، وقد سبق شرحه في مكة الليلة البارحة، لكن أعود بإيجاز، خرج صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس صلاة العيد فلما لبس لباس الجمال ووقف أمام المصلين يحيى القلوب. كما قال شوقي: أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم فلما انتهى من الرجال، قال لـ بلال: {انصرف بنا إلى النساء، لنحدث النساء} إنه رسول الرجال والنساء، إنه داعية الرجل والمرأة، إنه الذي أحيا الجيل عليه صلاة الله وسلامه، فاتكأ على كتف بلال بيده الشريفة، وكان النساء يخرجن إلى المصلى في صحيح البخاري من حديث أم عطية: {أمر صلى الله عليه وسلم النساء أن يخرجن وأن تعتزل الحيض المصلى} فالمرأة لها أن تحضر الدروس الإسلامية والمحاضرات، محتشمة متحجبةً عاقلةً حافظةً للغيب بما حفظ الله. لتسمع كلمات النور والهداية، لتسمع كلمات الإيمان، وتتأثر؛ لأن جلوس المرأة في بيتها، ثم لا تصلها دعوة ولا نور ولا إيمان ولا قال الله ولا قال رسوله صلى الله عليه وسلم، ليس بصحيح، والمرأة نصف المجتمع أو أكثر، فمن هذا الدرس نأخذ أن الرسول عليه الصلاة والسلام تحدث إلي النساء وتكلم في النساء، وخاطب النساء، أتى إليهن، فوقف عليهن صلى الله عليه وسلم، فكان أول ما تكلم به بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله أن قال وهذا في حديث أبي سعيد: {تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقامت امرأة -عاقلة رشيدة جريئة شجاعة- وقالت: ولم؟ -لم يا رسول الله نحن أكثر أهل النار؟ - قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير} ثم بين عليه الصلاة والسلام السبب.

ما يستفاد من حديثه صلى الله عليه وسلم للنساء

ما يستفاد من حديثه صلى الله عليه وسلم للنساء وفي هذه الأحاديث حديث أبي سعيد، وحديث ابن عباس دروس للنساء، ألقيها موجزةً لأدخل درس هذه الليلة، درس جدة. الدرس الأول للنساء: أن عليهن أن يتقين الله عز وجل وأن يكثرن من الصدقة، والسبب في مخاطبتهن بالصدقة؛ لأنهن كثيرات الغفلة، وكثيرات السهو وكثيرات السب والشتم، وجحدان المعروف، ونكران الجميل، فعليهن أن يكثرن من الاستغفار والصدقة، أن تبذل إحداهن من حليها من قميصها من دراهمها، من مالها من جاهها لمن يستحق ذلك والله يأجرها.

الإسلام يهتم بالمرأة

الإسلام يهتم بالمرأة الدرس الثاني: اهتمام الإسلام بالمرأة، وما افترس مجتمعنا ولا ضاعت قيمنا ولا ضاع شبابنا؛ إلا يوم ضاعت المرأة، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ما تركت بعدي أضر على الرجال من النساء} ويوم خرجت المرأة متبرجةً سافرةً، تحضر الولائم الداعرة، المغضبة لله عز وجل؛ حينها انطلقت العيون، وحينها ذهبت القلوب وشردت الأرواح.

واجب على المرأة أن تطلب العلم الشرعي

واجب على المرأة أن تطلب العلم الشرعي الدرس الثالث: أن على المرأة أن تجتهد في طلب العلم الشرعي، وأن تسأل عن أمور دينها، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سألته النساء في حياته، وقد سلف معنا نماذج من ذلك، لا أكرر هذا، بالإمكان أن يجدن الشريط أو شريط أحد الإخوة الدعاة، فإن في ذلك بياناً، فلا تستحي المرأة من الحق أن تسأل عالماً أو داعيةًَ، أو تستفسر حتى تعبد الله على بصيرة، في أمورها في طهرها في حيضها، في صلاتها في صيامها، وهذه هي المرأة المسلمة. وكذب من يقول: أن الإسلام لم يهتم بالمرأة، كذب أعداء الله، والله ما عرف حق المرأة إلا الإسلام، والله ما أقام للمرأة حقاً إلا الإسلام، ومن أعظم حقوق المرأة، أن تكون درةً وجوهرةً في بيتها، محميةً محجبةً محروسةً، ولكن دعاة الباطل يريدون الفاحشة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19]. يقول شاعرهم الماجن المتهتك الداعر: مزقيه مزقيه يعني الحجاب. ويقول الآخر: المرأة في بلادنا ما زالت متخلفة! متخلفة يا عدو الله يوم تحافظ على صلواتها الخمس؟! ومتخلفة يا عميل الشيوعية يوم سجدت لله، وطهرت قلبها وأحصنت فرجها، وحفظت بيتها وربت أبناءها؟! لقد أخطأت كل الخطأ، بل هي متقدمة حرة جوهرة مصونة، فاستحي من الله تبارك وتعالى.

الحديث الأول عن تحريم التمييز العنصري وشرحه

الحديث الأول عن تحريم التمييز العنصري وشرحه وأعود إلى هذه الأحاديث التي معنا هذه الليلة، الحديث الثامن والعشرون: عن أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه قال: {ساببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال لي صلى الله عليه وسلم: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤٌ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلفه ما لا يطيق، فإن كلفتموهم فأعينوهم} هذا الحديث في البخاري من رواية أبي ذر، وهو الذي معنا. وعنوانه تحريم التمييز العنصري، عنوان هذا الحديث تحريم التمييز العنصري، يقول أبو ذر: {ساببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال لي صلى الله عليه وسلم: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل وليبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، فإن كلفتموهم فأعينوهم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. Q من هو الرجل الذي سابه أبو ذر؟ ثم كيف يكون في أبي ذر جاهلية وهو من خواص الصحابة والمقدمين في الصحابة ومن الزهاد والمجاهدين والعباد؟ ثم نبذة عن أبي ذر وحياته، ثم مسائل عن موقف الإسلام من التمييز العنصري، والطبقات واختلا ف الدماء والألوان والصور. أولاً سياق القصة في غير البخاري: اجتمع خالد بن الوليد في مجلس عسكري رهيب، مع كبار الصحابة، يريد غزوة من الغزوات، ولما انعقد المجلس تكلم الناس -أنا لا أعرفكم بـ خالد بن الوليد أنتم كلكم تعرفون خالداً، هو قائد وهو رئيس المجلس والجلسة- فلما دار الأمر والرأي، تكلم أبو ذر بكلمة، فعارضه بلال بن رباح، داعية السماء مؤذن الإسلام، الذي أذن في أذن المدينة، فانسلخ الشرك من أخمص قدميها إلى مشاش رأسها، فاستفاقت على أذان جديد ملأ آذانها أذان بلال. قم يا بلال أعد نشيدك في الورى للعالمين وسجل الإنذارا ودع التماثيل التي صورت جذذاً ومزق عبدها الخوارا وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا بلال جاء من الحبشة يريد النور والهداية، وأبو طالب وأبو لهب لم يهتديا لكن بلالاً عرف الحق واليوم الآخر وعرف طريقه إلى الجنة، فعارض أبا ذر في رأيه، فغضب أبو ذر، وكان في أبي ذر رضي عنه حدة وسرعة غضب، وهذا فيه دليل على أن الأولياء قد يكون فيهم حدة وغضب، وقد يكون الولي بخيلاً، وقد يكون جباناً، ولكن لا يكون كذاباً. فلما عارضه، قال أبو ذر: حتى أنت يا بن السوداء؟! وهذه كلمة غير صحيحة، بل كلمة خاطئة، هذه كلمة لا تصدر في مجتمع مسلم رباه الرسول عليه الصلاة والسلام، لون بلال أدخله الجنة، لكن ليس للونه بل لعقيدته ولمبدئه دخل الجنة، وأين لون أبي طالب وأبي لهب وأبي جهل، أما دخلوا وهم بيض مصاقيع النار!، ما نفعهم لونهم عند الله. وفي صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: {إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم} أيقال في المجتمع المسلم الذي رباه صلى الله عليه وسلم (يا بن السوداء)؟! وقال بلسان الحال أنت يا أبا بكر، أنت يا أبا بكر القرشي، أخ لـ بلال الحبشي، وأنت يا عمر الكعبي أخ لـ سلمان الفارسي، أنت يا علي بن أبي طالب الهاشمي أخ لـ صهيب الرومي. هذا هو الإسلام: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103]. توقف المجلس على غضض وانسل الناس من أمكنتهم وقام بلال سريعاً إلى من يطرح القضية؟! هذه قضية الساعة لا بد أن تدرس، ذهب إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام، وشكا إليه أبا ذر وقال: قال كذا وكذا يا رسول الله، فغضب عليه الصلاة والسلام وتغير وجهه وتحير من هذه الكلمة، واستدعى أبا ذر ليحاكمه. إن هذه الكلمة تعارض رسالته صلى الله عليه وسلم، تعارض الإسلام، إنها تعارض كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ أما هذه الدعوة، فدعوة التمييز نابليون وهتلر وأتاتورك وغاندي، أعداء البشر، وأذناب العمالة، أحفاد الشيوعية.

النبي صلى الله عليه وسلم يغضب من أبي ذر

النبي صلى الله عليه وسلم يغضب من أبي ذر أما محمد عليه الصلاة والسلام، فأتى بمبدأ الولي حبيب لله ولوكان بعيداً مبعداً خادماً، وعدو الله بغيض مبعد ولو كان سيد قريشٍ، فاستدعى الرسول صلى الله عليه وسلم أبا ذر، فدخل فسلم على الرسول عليه الصلاة والسلام، في بعض الروايات قال أبو ذر: لا أدري هل رد علي أم لا من الغضب؟ بلغ الغضب به صلى الله عليه وسلم منتهاه، ثم التفت إلى أبي ذر فقال له: أعيرته بأمه؟ أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، قال: يا رسول الله! -وأتى بها ابن حجر في الفتح - أعلى كبر سني يا رسول الله؟! يقول: أنا جاهل وأنا كبير السن، أصبحت شيخاً كبيراً أبيض اللحية، أصبح جاهلاً، يظن الجهل من صغر السن قال: نعم إخوانكم خولكم؛ ثم ساق صلى الله عليه وسلم الحديث، وفي هذا قضايا:-

الجاهلية تطلق على عدة معان

الجاهلية تطلق على عدة معانٍ إطلاقه صلى الله عليه وسلم لفظ الجاهلية على أبي ذر، معناه أنت امرؤ ما زالت فيك شعبة من شعب الجاهلية الوثنية، التي كانت قبل الإسلام وقبل لا إله إلا الله، قبل أن تأتي الدعوة الخالدة، والجاهلية أطلقت في القرآن في عدة مواضع: {فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح:26] فهي الانتصار للباطل، والحمية على الباطل تسمى جاهلية. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] فالخروج على الحدود وعلى أحكام الله جاهلية. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] فمن ابتغى حكماً غير حكم الله، فهو جاهلي، والمجتمع الذي يبتغي حكماً غير حكم الله مجتمع جاهلي، وأحد الكتبة المشكورين المأجورين ألف كتاباً بعنوان (جاهلية القرن العشرين) فالمجتمع الذي يريد حكماً غير حكم الله جاهلي، والإنسان الذي فيه شيء من أوضار الجاهلية والوثنية فيه شعبة من شعب الجاهلية، والمرأة التي تتبرج وتخرج على الحجاب تعيش في فترة جاهلية، وهي جاهلية أيضاً. هذا قوله صلى الله عليه وسلم: {إنك امرؤ فيك جاهلية} لماذا قال له صلى الله عليه وسلم: إنك امرؤ فيك جاهلية؟ لأنه سبه بشيء لا ينبغي أن يسب به، ترك مكارم بلال، ترك أن بلالاً استجاب للإسلام، ونسي أنه سجد لله، وأنه مؤذن الإسلام، نسي أنه مجاهد، وأتى بأشياء ليس فيها عيب، أتعيب الإنسان بلونه؟! أأنت الذي خلق أم الله؟! لونه لا يزيد فيه ولا ينقص، نحن لا نعترف بالألوان، واختلاف الألوان، واختلاف الدماء، ودعاة القومية قاتلهم الله أنى يؤفكون، يقولون: الدم العربي، اللسان العربي، العنصر العربي، وهذه دعوة أتاتورك، يوم جعلها تركية، قاحلة قبيحة. ودعوة غاندي يوم جعلها هندية، فنحن نقول: إسلامية. دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس ساداتنا وقاداتنا بلال بن رباح وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وخباب بن الأرت مولى من الموالي، وهؤلاء نجوم الإسلام وأمثالهم وأضرابهم كثير، ولكن قبل أن أنفذ إلى شيء من التمييز العنصري وبعض مسائله، من هو أبو ذر؟ وهذا قد تكرر معنا، ولكن أذكره للفائدة؛ ولأن المعاني التربوية أكثر فائدة من كثير من المسائل الفرعية.

نبذة عن أبي ذر رضي الله عنه

نبذة عن أبي ذر رضي الله عنه أبو ذر أحد السابقين إلى الإسلام، وهو حبيب لرسولنا صلى الله عليه وسلم عرف الله وعرف الطريق إلى الله، والتمس النور. هو من قبيلة غفار، وقبيلة غفار بعيدة في الصحراء، كان بعيداً ولكن قربه الله حتى دخل إلى الحرم وإلى الرسول عليه الصلاة والسلام والله إذا أراد أن يقرب البعيد قربه، وإذا أردت أن يبعد القريب أبعده، أبو طالب عند الحجر الأسود، وأبو لهب عند زمزم، وأبو جهل عند الحطيم، لكن لم تدمغ أدمغتهم لتفهم لا إله إلا الله. وأما أبو ذر فسمع لا إله إلا الله، كان يرعى إبله في الصحراء، من غفار يقول عليه الصلاة والسلام: {غفار غفر الله لها، أسلم سالمها الله} وسبب الدعوة أبو ذر، أسلم على يديه ثلثا قبائل غفار، وكلهم في ميزان حسناته يوم يتقبل الله عنه أحسن ما عمل ويتجاوز عن سيئاته في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

قصة إسلام أبي ذر

قصة إسلام أبي ذر سمع أن الرسول عليه الصلاة والسلام أطل في طلعته البهية في مكة، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] واستقبلت الدنيا دعوته وسمعت المعمورة رسالته، فقال لأخيه أنيس: اذهب إلى هذا الرجل إلى مكة وأعطني خبره، تعال بخبره، فذهب أخوه، ولكن استعجل في ذهابه، ركب ناقته ووصل إلى الحرم، فأخذ الأنباء ما تثبت لقي مثل أبي لهب وأبي جهل وأمثالهم، عصابات الإفساد والإجرام، فسألهم من هذا الذي يدعي النبوة؟ قالوا: ساحر شاعر كاهن، وهكذا عدوك إذا وصل الخبر إليه، فحذار حذار، سوف ينزل عليك من الشائعات ما الله به عليم، فعاد إلى أخيه، فقال: وصلت مكة فسألت الناس، فقالوا: شاعر ساحر كاهن، قال: من سألت؟ قال: سألت أهل مكة، قال: ما شفيتني، المثل العام يقول: ما قضى لي حاجة مثل نفسي، أنا آتيك بالخبر، وأنا أصل إلى الخبر إن شاء الله في مستقره، قال: عليك بالغنم والأهل احفظهما. ركب جمله قال: وأخذت قربة -أي إداوة صغيرة- فعبأتها ماءً ثم جلست على بعيري حتى قدمت الحرم، وأول من صادف علي بن أبي طالب، من ترعرع على لا إله إلا الله، غرس في قلبه لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:25] فقال لـ علي: من هذا الرجل وما عرف أنه ابن عم الذي بعث. قال: هو نبي حقاً، من أين أنت؟ قال: من غفار، قال: أتريد أن تراه؟ قال: نعم، قال: انزل معي، فإذا رأيتني أصلح نعلي، فاعرف أنه الرجل الذي يحاذيني؛ لأن كفار قريش حول الرسول عليه الصلاة والسلام حظروا الاتصال به صلى الله عليه وسلم، وكانوا على أنقاب مكة وعلى مداخل مكة، إذا رأوا العربي حذروه، وقالوا له: احذر أن يضلك هذا الساحر، أو الشاعر، أو الكاهن. في صحيح مسلم أن الطفيل بن عمرو الدوسي الزهراني قال: قدمت مكة، لأرى وأسمع الرسول عليه الصلاة والسلام قال: فوالله ما زال بي كفار مكة حتى شككوني في نفسي وقالوا: لا تسمع منه إنه ساحر يسحر، إنه كاهن يتكهن عليك، قال: حتى أخذت القطن فوضعته في أذني سبحان الله! لكن لا إله إلا الله أقوى من القطن، ولا إله إلا الله تفجر طبقات القطن، وتدخل إلى القلوب من وراء القطن، قال: فوضعت القطن في أذني لئلا أسمع شيئاً، ولكن الله أراد أن يهديه، قال: فجلست في طرف الحرم، فرأيت الرسول صلى الله عليه وسلم بعيداً، قال: فاقتربت رويداً ثم قلت لنفسي: يا عجباً لي، أنا شاعر من شعراء العرب -وهو شاعر- وخطيب أعرف فصاحة الكلام من هزله! فكيف لا أسمع؟! فإن أعجبني وإلا تركت، وأراد الله أن يهديه، فنزع القطن، هذا أول مشروع الهداية، هذا قص الشريط إيذاناً بافتتاح لا إله إلا الله في قلبه، فاقترب منه فسلم عليه، قال: عم صباحاً يا أخا العرب، قال: أبدلني الله بتحية خير من تحيتك السلام عليكم ورحمة الله نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء لا بأس بتكرير الكلام- فجلس عنده، فقال للرسول صلى الله عليه وسلم أسمعني مما تقول: فأسمعه مقطعاً من الآيات، قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله. فأتى علي بن أبي طالب فقال لـ أبي ذر: إنني إذا نزلت الحرم فسوف أتظاهر بأنني أصلح نعلي، فإذا رأيتني أخصف النعل فتقدم إليه، فهو الرجل الذي يليني. فنزل معه واقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام ووقف علي بن أبي طالب يصلح نعله ويخصف نعله، فتقدم أبو ذر فرأى الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان منظره يميزه بين العالم، وجهه كالقمر ليلة أربعة عشر. لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر فتقدم إليه وقال: عِم صباحاً يا أخا العرب، هذه تحية الجاهلية، يقول امرؤ القيس في قصيدته الرائعة، المشرقة، ومع أنها جاهلية وثنية، لكنها جميلة السبك يقول:- ألا عِمْ صباحاً أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العُصُر الخالي وهل يعمن إلا سعيد منعم قليل الهموم لا يبيت بأوجال فقرأ عليه الصلاة والسلام، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، ثم قام فوقف على الصفاء، فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فاقترب منه الجاهليون فضربوه بالحجارة، حتى أغمي عليه، فأتى كالثوب الأحمر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: اصبر فإنك لن تستطيع أن تجهر بدعوتك الآن، فإذا سمعت أني خرجت فتعال؛ فعاد رضي الله عنه بعد أن تعلم الصلاة داعية يحمل إيماناً، وديناً، ولو كان فينا اليوم أفراد مثل أبي ذر لصلح الحال بإذن الله. وصل إلى قبيلته فجمعها كلها، جمع القبيلة أمامه في البادية، قال: دمي من دمكم حرام، هدمي من هدمكم حرام، وقال لزوجته: ابتعدي ولأبيه ولإخوانه، حتى تؤمنوا بالله وأن محمداً رسول الله، فآمن ما يقارب الثلثين من قبيلته، وسمع أن الرسول عليه الصلاة والسلام هاجر إلى المدينة، فأخذ المسلمين في قوافل غفار، واتجه إلى المدينة، ثم لما دخل إلى المدينة ظنوه جيشاً غازياً للمدينة، فخرج لاستقباله، وعانقه صلى الله عليه وسلم وقربه، فكان من أحب الناس، وأقربهم إلى أبي ذر. قال: عِم صباحاً يا أخا العرب، فقال عليه الصلاة والسلام: {أبدلني الله بتحية خير من تحيتك، قل السلام عليكم ورحمة الله، قال: السلام عليك ورحمة الله، فرد الرسول صلى الله عليه وسلم السلام عليه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ممن أنت؟ قال: من غفار، فتبسم عليه الصلاة والسلام ورفع طرفه إلى السماء} تبسم؛ لأن غفاراً كانت قبيلة تسرق الحجاج، مهمتها فقط قطع القوافل، فكيف يهتدي هذا وهو من غفار. وفي حديث له شواهد أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك، فتخلف أبو ذر براحتله، فأخذ ما عليها من متاع وترك الراحلة، فقال عليه الصلاة والسلام: {أين أبو ذر؟ قالوا: تخلف يا رسول الله! قال: إن يرد الله به خيراً يلحق بنا؟ وأراد الله به خيراً، ورآه صلى الله عليه وسلم من بعيد، فقال: كن أبا ذر، كن أبا ذر، وأشرف بطلعته البهية، فإذا هو أبو ذر، قال: {رحمك الله يا أبا ذر! تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك} وعاد مع الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه قال له صلى الله عليه وسلم: {إذا بلغ البناء سلعاً} وهذا عند الذهبي بسند جيد: {إذا بلغ البناء سلعاً -وهو جبل بـ المدينة - فاخرج من المدينة} يريد أن يبقى صافياً قوي الإيمان، حار التوحيد، ما يشوبه شيء من الدنيا، فلما بلغ البناء جبل سلع، خرج من مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الربذة، بغنمه وخيمته. لا طفوني هددتهم هددوني بالمنايا لا طفت حتى أُحَسَّا أركبوني نزلت أركب عزمي أنزلوني ركبت في الحق نفسا أطرد الموت مقدماً فيولي والمنايا أجتاحها وهي نعسى خرج إلى الصحراء.

أبو ذر يطلب الإمارة من رسول الله

أبو ذر يطلب الإمارة من رسول الله ومن ضمن مواقفه مع الرسول عليه الصلاة والسلام أنه رأى الرسول عليه الصلاة والسلام يولي الناس الإمارة، فأتى قال: وليت فلاناً وفلاناً، فولني قال: إنك امرؤ ضعيف، وفي لفظ صحيح: {والله يا أبا ذر إني أحب لك ما أحب لنفسي، إنك امرؤ ضعيف، إنها أمانة ,وإنها خزي وندامة يوم القيامة} فترك الإمارة، فالرسول عليه الصلاة والسلام عرف أنه ضعيف قالوا: شديد العجلة، وكثير الغضب، والإمارة منصب يحتاج إلى رجل واسع الصدر، وهذا لا يقلل من الأولياء؛ لأن بعض الناس يتصور أن ولي الله يشترط فيه أن يكون ذكياً من الدرجة الأولى، طبيباً مهندساً مفتياً عالماً، وقد يجهل الولي كثيراً من الأمور، وقد لا يعرف الولي أمور الدنيا، ولذلك الذهبي لما ترجم لـ ابن الريوندي هذا الملحد الزنديق الفيلسوف الشاعر، يقول كان ذكياً ولكن لم يكن مؤمناً، ما كان متقياً لله، قال: فلعن الله الذكاء بلا إيمان، وحيا الله البلادة بالتقوى، فلا يظن متصور أنه يشترط في أولياء الله أن يكونوا في درجة ممتازة من الذكاء. أما بلال بن رباح فأسلم قديماً مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وتبعه في أيامه ولياليه، وكان مؤذنه دائماً وأبداً، وكان يحبه صلى الله عليه وسلم، وكان صوته ينساب إلى القلوب بصوت الإيمان، وحرارة الإيمان في الأذان، ولذلك جعله صلى الله عليه وسلم مؤذنه الخاص، بل وفي صحيح مسلم لكن باختصار أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {دخلت الجنة البارحة، فرأيت دف نعليك في الجنة يا بلال! ماذا كنت تفعل؟ قال: يا رسول الله! والله ما توضأت في ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ، إلا صليت ركعتين} فهذه من أعماله الصالحة رضي الله عنه وأرضاه وهو من أهل الجنة إن شاء الله، تخلف بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، وطلب منه أبو بكر أن يؤذن للمسلمين فأبى، وطلب منه عمر فأبى، فلما فتح عمر رضي الله عنه بيت المقدس قال لـ بلال: سألتك بالله أن تؤذن، فقام يؤذن فبكى الناس، لما تذكروا ذاك الصوت وتلك الذكريات، وتلك الأيام الخالدة.

ما يستنبط من حديث أبي ذر

ما يستنبط من حديث أبي ذر

العبد يذنب ولو كان من أولياء الله

العبد يذنب ولو كان من أولياء الله وفي حديث أبي ذر فوائد: منها: أن العبد، قد يخطئ ويذنب وعليه بالاستغفار وقد يساب العباد ولو كان من الصحابة. قال: فعيرته بأمه، فقال عليه الصلاة والسلام: {أعيرته بأمه؟} فيه الإنكار منه صلى الله عليه وسلم والنهي عن التعيير بالآباء والأمهات، والنهي عن سب الآباء والأمهات، وفي ذلك أحاديث وزواجر، جمع السيوطي كثيراً منها في باب من لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ منها حديث: {لعن الله من لعن والديه} وحديث: {لا تسبوا أمهاتكم} إلى غيرها من الأحاديث التي صحت عنه صلى الله عليه وسلم، وفيه أن المسلم مهما بلغ في الولاية، فقد يكون فيه بعض المعصية.

الجاهلية والسفه قد تطرأان على كبير السن

الجاهلية والسفه قد تطرأان على كبير السن فقال فيه: {إن فيك جاهلية، قال: على كبر سني} فيه أن الكبر والصغر أمر نسبي، فلا يظن الكبير إذا شابت لحيته، أنه سوف يكون عاقلاً فلا يصيبه شيء من السفه ولا الجاهلية والخطأ. وما الحداثة من حلم بمانعة قد يوجد الحلم في الشبان والشيب فالحلم والسعة والإدراك والعلم والفطنة قد تأتي للصغار أو للكبار؛ ولذلك كان كثير من الصحابة يحملون الفتيا ويقودون الجيش والجهاد وعمر الواحد ما يقارب السابعة عشرة من عمره. فلا يظن ذلك؛ لأنه ورد عن بعض العلماء أنه يقول: أنه لا يتصدر الإنسان إلا في الأربعين، سبحان الله! أهل الحداثة وأهل العمالة، يتصدرون في العشرين وفي الخامسة عشرة، ويبقى أهل الدعوة وأهل الإسلام حتى يبلغوا الأربعين، إذا بلغوا الأربعين أخذوا أكفانهم يستعدون للموت، وماذا يريدون؟! فقد انتهى الأمر، لكن على الإنسان من يوم يدرك أن يبذل ما يستطيع للإسلام، وما عليه مما يوجه له أعداء الإسلام.

الجاهلية أنواع

الجاهلية أنواع وفيه أن الجاهلية أنواع وأضراب، كما ذكر البخاري، في كتابه: صحيح البخاري في الباب، فإنه يستحق كذلك عنوانه أن يقول: جاهلية دون جاهلية، الكافر جاهلي، والمنافق جاهلي، والإنسان الذي لم يتعلم يسمى جاهل، والمؤمن الذي فيه شعبة من الجهل، يقال له: فيك جاهلية؛ كما أطلقها صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن تعيير الناس بأشخاصهم أو بألوانهم أو دمائهم، فمن فعل ذلك، فقد خالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أن الإسلام لا يعترف بالدماء ولا يعترف بتعدد الألوان، ولا يعترف كذلك بالقوميات والشعوبيات؛ لأنها ما وجدت إلا يوم وجد الكفر بهذا الدين والتمرد على هذا الدين. إن كيد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمامٍ واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد

الحديث الثاني: (القاتل والمقتول في النار)

الحديث الثاني: (القاتل والمقتول في النار) الحديث الثاني: هو الحديث التاسع والعشرون، عن أبي بكرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟! قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه}

أصل حديث "القاتل والمقتول في النار"

أصل حديث "القاتل والمقتول في النار" أصل الحديث في صحيح البخاري وله قصة، وذلك أن الأحنف بن قيس ذهب لينصر علي بن أبي طالب في معركة الجمل، معركة الجمل وقيل معركة صفين، فكان للأحنف كلام مع أبي بكرة، الأحنف بن قيس، هو حليم العرب سيد بني تميم، ذهب لينصر علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه في الجمل، فلقيه أبو بكرة قال: أين تذهب؟ قال أذهب مع عائشة في الجمل، قال: عد فإني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة} فعاد، فلما أتت صفين بين علي ومعاوية، ذهب فلقيه أبو بكرة مرة ثانية قال: أين تذهب؟ قال: أنصر ابن أبي طالب ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: عد فإني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، الحديث} والأحنف بن قيس هو سيد بني تميم وحليم بني تميم، كان أشل -والأشل الذي رجله أو يده متعطلة عند العرب- وكان أحنى محدودباً، نحيفاً هزيلاً، في منظره كراهة وبشاعة، ولكنه ملئ عقلاً وإيماناً، وقلباً سديداً، وكان من أفصح الناس وأدهى الناس وأحلم الناس. ما كان يغضب، أتى سفيه من الناس قال له بعض بني تميم: ما رأيك نعطيك مالاً كثيراً وتذهب وتضرب الأحنف بن قيس على وجهه؟ هذه في الأدب، يريدون أن يمتحنوا الأحنف بن قيس، ما كان يغضب كالبحر صدره، وكنيته أبو بحر، فأعطوا هذا السفيه كثيراً من المال وذهب فاقترب من الأحنف ثم ضربه على وجهه، قال الأحنف: كم أعطاك بنو تميم مالاً؟ قال أعطوني كذا وكذا، قال: تضرب من؟ قال: يقولون: اضرب سيد بني تميم، قال وهل أنا سيد بني تميم؟ قال: يقولون ذلك، قال الأحنف بن قيس: هو ذاك، عن رجل هو جارية بن قدامة من أغلظ الناس وأشرس الناس وأفتك الناس، فذهب إليه فاقترب من جارية هذا فلطمه على وجهه، فقام جارية فضرب الرجل حتى أغمي عليه واستفاق بعد ساعة يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، هذا الأحنف بن قيس قيل له: ممن أخذت الحلم؟ أي: من علمك الحلم؟ من هو شيخك في الحلم؟ قال: علمني الحلم قيس بن عاصم المنقري، وهذا سيد بني تميم قبل الأحنف، وهو من السبعة الذين وفدوا على الرسول عليه الصلاة والسلام، وهناك حديث عنه أنه قال: يا رسول الله! أوصني، رق عظمي ودنا أجلي فأوصني، قال: {يا قيس! إن لكل حسنة ثواباً ولكل سيئة عقاباً، يا قيس! إن مع القوة ضعفاً، وإن مع المال قلة -أو مع الكثرة قلة- وإن بعد الحياة موتاً، يا قيس! إن معك رفيقاً يدفن معك وهو حي وتدفن معه وأنت ميت، هو عملك} فبكى قيس بن عاصم، وهو الذي يقول فيه الشاعر:- عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما تحية من ألبسته منك نعمةً إذا زار عن شحط بلادك سلما وما كان قيس موته موت واحد ولكنه بنيان قوم تهدما لما مات عبد الملك بن مروان، شيعه أبناؤه الأربعة الوليد وسليمان ويزيد وهشام، فلما وصلوا المقبرة دفنوه فقال هشام بن عبد الملك:- وما كان قيس موته موت واحدٍ ولكنه بنيان قوم تهدما وولي العهد الوليد غضب من هذه الكلمة، لأن معناه: مات عبد الملك وعلى الدنيا السلام، وما أصبح وراءه رجال. وما كان قيس موته موت واحد ولكنه بنيان قوم تهدما فنظر إليه الوليد فقال: كذبت لعنك الله! لأنه عرض به، وهذا من التكالب على الدنيا، وعلى حطام الدنيا.

حلم قيس بن عاصم

حلم قيس بن عاصم الشاهد أن الأحنف بن قيس، يقول: أخذت الحلم عن قيس بن عاصم. كنا جلوساً عنده، فلما كان محتبياً بحبوته -الحبوة كالكيس وكاللفافة والقماش يلفه العربي على ركبتيه- قال: فاحتبينا في مجلسه وكان سيد بني تميم معه عشرة ألف سيف، إذا قال: الله أكبر، قالوا: الله أكبر. لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا دخلت الجارية وقالت: ابنك قتله ابن أخيك، قال: غسلوه وكفنوه؛ فإذا كفنتموه فأخبروني، فقال: والله ماحل حبوته ولا تزحزح من مكانه، فغسلوا ولده وكفنوه فقام فصلى عليه، ثم قال: ادفنوه، وأرسلوا لفلانة التي قتل ابنها بمائة ناقة، فإنها امرأة غريبة. فهل بعد هذا الحلم حلمٌ؟! اكتسب الأحنف بن قيس حلمه من قيس بن عاصم المنقري رضي الله عنهم جيمعاً، فـ الأحنف مخضرم وقيس صحابي، والكل عند الله من المقبولين إن شاء الله، ذهب الأحنف يريد لقاء الجيوش، مع علي بن أبي طالب فأخذ سيفه، فلقيه أبو بكرة نفيع بن الحارث من أهل الطائف، قال أهل العلم: كُني أبو بكرة بهذه الكنية لأحد سببين، إما لأنه نزل من الطائف على بكرة -ناقة- فقال صلى الله عليه وسلم: على ماذا نزلت؟ قال: على بكرة، قال: فأنت أبو بكرة وقيل: على البكرة هذه العجلة أنزل عفشه ومتاعه فسمي بها، وكلا الرأيين ليس بينهما بون، فقد يكون حصل له هذا أو هذا، ويقول الرواة: إن أبا بكرة هذا صام حتى أصبح جلداً على عظم من العبادة، ويقولون من رآه يراه كأنه سهمٌ من كثرة عبادته واتصاله بالله تبارك وتعالى.

عقيدة أهل السنة والجماعة فيما حدث بين علي ومعاوية

عقيدة أهل السنة والجماعة فيما حدث بين علي ومعاوية لقي أبو بكرة الأحنف بن قيس قال: أين تذهب؟ قال: أذهب لأنصر هذا الرجل -وهو علي بن أبي طالب - وكان يقاتل معاوية، ومعتقد أهل السنة والجماعة في الحروب التي وقعت بين الصحابة، كالتي وقعت بين علي ومعاوية: أن نترضى عن الجميع، وأن نعتذر للجميع, وألا نخوض فيما شجر بينهم كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]. هذا معتقد أهل السنة، ونعتقد أن علي بن أبي طالب هو المصيب، وأنه اجتهد فأصاب فله أجران وأن معاوية اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، وأن فئة معاوية، فئة باغية كما سماها صلى الله عليه وسلم في الحديث: فقال لـ عمار: {تقتلك الفئة الباغية} يعني فئة معاوية ومن معه؟ رضي الله عن الجميع. قيل لـ عامر الشعبي: سبحان الله! يأتي علي بن أبي طالب بجيش كثيف، ومعاوية بجيش كثيف وهم صحابة، ثم لا يفر بعضهم من بعض!!! فماذا أجاب؟ قال: أهل الجنة التقوا فاستحا بعضهم من بعض، ونسأل الله أن يكونوا ممن قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134]. فخرج الأحنف فلقيه أبو بكرة، قال: إلى أين؟ قال: أنصر هذا الرجل، قال: ارجع فإني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار}. أولاً: ما هي فائدة التعريف هنا وتسمية السيف وهذه الصفة؟ فهل يشترط أن يكون اللقاء بالسيف، إذا التقى المسلم والمسلم بالمسدسات أو بالخناجر أو بالسكاكين أو بالرشاشات، هل يدخل عليهم التثريب، أم يشترط أن يكون اللقاء بالسيف؟ والجواب أنه لا يشترط أن يكون اللقاء بالسيف؛ لأن هذا قيد أغلبي كقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:23] ولأن هذا شيء غالب، فلو التقوا بغير السيفين لكانت المذمة واردة والإثم وارداً، ويكون الاثنان في النار نسأل الله العافية {إذا التقى المسلمان بسيفيهما} لإرادة القتال، أما إذا كان مع هذا سيف ليسلم عليه فلا نقول: هما في النار فهذه ظاهرية بحتة؛ وهناك من أقوال الظاهرية ما يضحك اللبيب، منهم من يقول: من يفعل أكثر من الذرة، فما عليه شيء؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8] وضحكوا على بعض الظاهرية، قالوا: يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الوالدين: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء:23] فمن ضرب والديه هل يشمله التأنيب؟ لأن الضرب لم يذكر في الآية وهو من قياس الأولى عند الجمهور، ولكن يلزم الظاهرية أن يقولوا: لا يلزمه شيء إذا ضرب والديه، لكن لا يقل لهما: أف. {إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار} إذا أراد مقاتلته، وإهدار دمه، فالقاتل والمقتول في النار لماذا؟ لأن دم المسلم معصوم ولقوله صلى الله عليه وسلم: {ولا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة} ففي غير هذه الثلاث يكون دم المسلم معصوماًُ، فيقول صلى الله عليه وسلم: {في النار} ما معنى كلمة النار؟ هل يدخل النار خالداً مخلداً أم لا؟ إن استحل قتل المسلم، ورأى أن الله لم يحرم قتل المسلم، ورأى أنه يحل له قتل المسلم، فهو خالد مخلد في النار. وإذا قاتله ويعرف التحريم، فهو من أهل الكبائر، ومعتقد أهل السنة والجماعة في أهل الكبائر، أنهم قد يدخلوا النار، ولكنهم لا يخلدون فيها، ولا يخرجون من الإسلام، ويسمون فسقة، لكن لا يزول عنهم اسم الإسلام، والله أعلم. وفيه كذلك أن المسلم إذا كان حريصاً على قتل صاحبه ثم قتله الآخر فهو معه في النار، وأن النية والجزم على العمل، ومزاولة الأسباب، تدخل بصاحبها مداخل أهل الأعمال الذين عملوا بهذا العمل. {إذا التقى المسلمان بسيفيها فالقاتل والمقتول في النار} يعني من الاثنين، هذا حديث أبي بكرة رضي الله عنه وأرضاه، وليس فيه قضايا طويلة ولذلك، لم يطل أهل العلم الكلام عليه.

الحديث الثالث: (الظلم هو الشرك)

الحديث الثالث: (الظلم هو الشرك) الحديث الثلاثون: حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، قال: {لما أنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] قال الصحابة: يا رسول الله! وأينا لم يظلم نفسه؟ قال: إنه ليس بذلك، أما سمعتم الله يقول: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]} لما نزل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] الأمن في الآخرة، والأمن في الدنيا، فالأمن في الدنيا من الغواية ومن الضلالة ومن الخطأ ومن الانحراف، والأمن في الآخرة من الجحيم ومن النار ومن العذاب، والله المستعان. {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]: أي سالكون طريق الهداية، ناجون بإذن الله موفقون، لكن ما معنى الظلم؟ ظن الصحابة رضوان الله عليهم، أن معنى قوله سبحانه ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أي: لم يذنبوا ولم يخطئوا ولم ينموا ولم يغتابوا الناس ولم يكذبوا، فقالوا: يا رسول الله! من يطيق هذا؟ كلنا ظلمة معنى كلامهم، في سند الإمام أحمد بسند صحيح أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لما أنزل قوله تبارك وتعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123] قال أبو بكر: يا رسول الله! هذا الحديث في أول مسند أبي بكر: {يا رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق، فكيف العمل بعد هذه الآية؟ لأن ظاهرها إذا عملنا أي سوء نحاسب به، كلما فعلنا خطيئة نحاسب بها ونجزى بها- فقال عليه الصلاة والسلام: غفر الله لك يا أبا بكر! ألست تهتم؟ ألست تغتم؟ ألست تحزن؟ ألست تمرض؟ قال: بلى، فقال: هذا من الكفارات، لا يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا حزن ولا وصب ولا مرض، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه}. فمقصود الآية: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:82] أي: بشرك: {أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام:82] فالحمد الله الذي جعل الظلم هنا شركاً، فلو جعله معصية وخطأً، كنا وقعنا كلنا في هذا الظلم، وما كان لنا مخرج، والرسول عليه الصلاة والسلام هنا فسر القرآن بالقرآن، قال: {إنه ليس كما تظنون، أما سمعتم الله يقول: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان:13]} فسمى الله الشرك ظلماً، وهذا يقصد به صلى الله عليه وسلم وصية لقمان: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:12 - 13] فقال صلى الله عليه وسلم: {ليس بذلك، إنما هو الشرك، أما سمعتم الله يقول: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]} في الحديث دروس.

ما يستنبط من حديث ابن مسعود

ما يستنبط من حديث ابن مسعود أولها: إن الله لا يغفر الشرك للمشرك: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء:48] وفي الصحيحين وفي المسانيد والسنن عن معاذ {أنه كان رديف الرسول عليه الصلاة والسلام، فسأله عن حق الله على عباده فقال: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم سأله ماحق العباد على الله؟ قال: الله ورسوله أعلم قال: حقهم عليه ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً} والمسألة الثانية: أن الظلم درجات، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:32] يرى ابن تيمية، ويرى ابن القيم أن الأصناف الثلاثة يدخلون الجنة، والجمهور يرون أن السابقين بالخيرات والمقتصدين في الجنة، والظالمين في النار، ونحن من الظالمين لأنفسنا، فنسأل الله أن يكون التفسير على ما قال ابن تيمية لندخل معهم، من هم السابقون والمقتصدون والظالمون؟ السابق بالخيرات: من أتى بالفرائض والنوافل، وترك الكبائر والصغائر والمكروهات. والمقتصد: من أتى بالفرائض ولكن ماتزود بالمستحبات، ومن ترك الكبائر، لكن ربما أتى بالصغائر. والظالم لنفسه: من يترك بعض الفرائض ويأتي ببعض الكبائر. والصحيح أن الثلاثة كلهم من المسلمين؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر:33] فأعاد الضمير على الثلاثة الأصناف، قيل لـ عائشة وسألها الأسود بن يزيد: -وأتى بذلك ابن القيم في كتاب طريق الهجرتين - من هم السابقون والمقتصدون والظالمون؟ قالت: السابقون هم الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ومن سار معهم. قال: زالمقتصدون؟ قالت: من تبعهم بإحسان، قال: والظالمون؟ قالت: أنا وأنت. هذه عائشة قائمة الليل صائمة النهار؛ فكيف بنا؟ ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب لكن نحن برحمة الواحد الأحد، قال رجل للحسن البصري: ذهب القوم من السلف على الخيول وبقينا نحن نركب الحمير، أي في العمل الصالح، في الزهد وفي العبادة، قال الحسن: والله لتلحقن بالقوم ولو كنت على حمر معقرة إذا كنت على الطريق. إذا كنت على طريق السنة لحقت بالقوم كقول الأول: يا تقياً والتقى جلبابه وذكياً حسنت آدابه قم وصاحب من هم أصحابه لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل قال أنس: يقول صلى الله عليه وسلم: {يحشر المرء مع من أحب ونحن نحب أبا بكر وعمر ولو لم نعمل بعمليهما} أو كما قال، ونحن نشهد الله أننا نحبهم فيه، فنسأل الله أن يدخلنا بالحب، أما العمل فلا عمل، قال ابن مسعود: {لما أنزل الله قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] قال الصحابة رضي الله عنهم أينا لم يظلم نفسه؟}. والقضية الثالثة في هذا الحديث: أن العصمة لا تكون إلا للأنبياء، وأن من قال: من الصوفية أن الولي يكون معصوماً، فقد كذب على الله، بل إن الولي يخطئ ويذنب، ويسيء ويعصي الله ولا يكون معصوماً، وهم قالوا: الولي كلامه كالوحي لا يخطئ، ولا يذنب ولا يسئ وهو محفوظ من بين يديه ومن خلف ظهره، وقد افتروا على الله، وخالفوا النصوص، بل الولي قد يكون مذنباً ولكن يغفر الله له، باستغفاره وتوبته وعمله الصالح. ومنها: تواضع الصحابة، فاعترفوا بالذنوب. ومنها: أن العلماء قد يخفى عليهم بعض المسائل، وأكبر الصحابة خفي عليهم هذا اللفظ، ففسره عليه الصلاة والسلام. ومنها أن القرآن يفسر بعضه ببعض، وهي طريقة أهل السنة كما فعل ابن كثير، فإنه فسر القرآن بالقرآن، والقرآن بالسنة، والقرآن بلغة العرب وبكلام التابعين وتابعيهم بإحسان. فقال: صلى الله عليه وسلم {ليس ذلكم} وفيه الأخذ بالظاهر، من النصوص مالم يرد به ظاهر، فإن الصحابة أخذوا بالظاهر فما أنكر صلى الله عليه وسلم عليهم، وإنما أرشدهم إلى المعنى الخاص للآية فقال: {ليس بذالكم، وإنما الظلم هو الشرك، أما سمعتم الله يقول: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان:13]}. وفي الحديث -بالاستنباط- أن الذنوب يغفرها الله، وقد دلت الأحاديث والآيات على ذلك، وفي الصحيح ليس في صحيح البخاري ولا مسلم لكن عند الترمذي بسند صحيح، قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بشيء شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة} ومن المكفرات التي تكفر الخطأ التوبة، والاستغفار، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، ودعوات المؤمنين، وسكرات الموت، والصعقة في القبر، وما يلقاه المسلم في العرصات يوم القيامة، وشفاعة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، ورحمة أرحم الراحمين. فمن لم تدركه واحدة من هذه العشر فليبك على نفسه، إذا كان هذا الدمع يجري صبابة على غير سلمى فهو دمع مضيع إذا لم تدرك العبد إحدى هذه العشر، فليبكِ على نفسه من الآن، فعليه أن يتشبث برحمة الله، ثم بواحدة من هذه العشر، ومن حسبها وجمعها جميعاً فهو الفائز بإذن الله تبارك وتعالى، ولا يهلك على الله إلا من شرد عن الله شرود الجمل الشارد على أهله، وقد أتى بذلك حديث صححه بعض أهل العلم، وصاحب الجامع وغيره.

نصوص الأحاديث التي تم شرحها

نصوص الأحاديث التي تم شرحها هذه الأحاديث الثلاثة أعود إلى ذكرها باختصار؛ وهي: حديث أبي ذر، حديث أبي بكرة، حديث ابن مسعود.

حديث أبي ذر

حديث أبي ذر حديث أبي ذر الحديث الثامن والعشرون قال: {ساببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال صلى الله عليه وسلم: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، فإذا كلفتموهم فأعينوهم}.

حديث أبي بكرة

حديث أبي بكرة الحديث التاسع والعشرون: حديث الأحنف بن قيس قال: ذهبت أنصر هذا الرجل علي بن أبي طالب، فلقيني أبو بكرة فقال: أين تذهب؟ قلت: أنصر هذا الرجل، قال: عد فإني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار}.

حديث ابن مسعود

حديث ابن مسعود حديث ابن مسعود {لما أنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] قال الصحابة: يا رسول الله! أينا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس ذلكم إنما هو الشرك، أما سمعتم قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]} وفي بعض الروايات الصحيحة كما قال العبد الصالح -أي: لقمان: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]. هذه الأحاديث التي معنا في هذه الليلة المباركة. شفاعة الولي الصالح العامل بالكتاب والسنة: من معتقد أهل السنة أن الأولياء الصالحين يشفعهم الله عز وجل كما أتت بذلك الأحاديث، رجل صالح كـ أبي بكر، كـ عمر، كـ عثمان، كـ علي، كالأئمة الكبار يشفعهم الله عز وجل، هذا الولي الذي يعمل بالكتاب والسنة، ويخاف من الله وهو مسدد في أعماله وأقواله، يشفع بإذن الله في المذنبين يوم القيامة بقدرة الله.

الأسئلة

الأسئلة

معنى كلمة بياك

معنى كلمة بياك Q سمعتك تقول وأنت تحيي: حياك الله وبياك، فما معنى كلمة بياك وجزاك الله خيراً؟ A حياك الله وبياك، كلمة بياك مصدر وهي تستخدم عند العرب تقول: أنزلته مبوأً، وبوأته مكاناً، وبياك أي أنزلك مكاناً مكرماً من التوسعة ومن الإحفاف والإلطاف، فحياك أي مرحباً بك بالتحايا، وبياك بوأ لك مكاناً وأنزلك في مكان واسع فسيح، هذا ما أعرفه في هذه الكلمة.

قصيدة في مدح عبد رب الرسول سياف

قصيدة في مدح عبد رب الرسول سياف Q أرجو إنشادنا القصيدة التي قلتها في الشيخ عبد رب الرسول سياف؟ A أنا أنشد بعض الأبيات منها وهي اسمها (المدوية): سياف في ناظريك النصر يبتسم وفي محياك نور الحق مرتسم وفيك ثورة إسلام مقدسة بها جراح بني الإسلام تلتئم حطمت بالدين أصناماً محجلة وصافحت كفك العلياء وهي دم ثأرت لله والدين الحنيف فلم يقم لثأرك طاغوت ولا صنم على جبينك من سعد توقده وخالد في رؤى عينيك يقتحم حلق إذا شئت فالأرواح طائرة فعن يمينك من عاهدت كلهم وصغ من المهج البيضاء ملحمة يظل يقرؤها التاريخ والأمم موتاً على صهوات البيد يعشقه أهل البسالة في عليائهم شمم إلى أن قلت:- الذاكرون ونار الحرب موقدة والسابحون ونار الهول تضطرم أكفانهم نسجوها من دمائهم على مطارفها النصر الذي رسموا كأنما أنت كررت الأولى ذهبوا هذا صلاح ومحمود ومعتصم صلاح الدين الأيوبي ومحمود بن سبكتكين والمعتصم ثم منها:- ماتوا ولكنهم أحياء في غرف من الجنان وذابوا لا فقد سلموا إلى أن قلت:- يكبرون فتهتز الربى فرقاً ويهتفون فيسعى النصر نحوهمُ يا رب أنت ولي المسلمين ومن سواك من هذه الأصنام ينتقمُ أنزل على جندك الأسمى ملائكةً وراء جبريل روح القدس ينتظم.

انحراف كثير من الشباب بعد الالتزام

انحراف كثير من الشباب بعد الالتزام Q كان لنا إخوة في الله، وكانوا ملتزمين بأمور الدين، والآن تركوا الالتزام شيئاً فشيئاً، حتى وصل بهم الأمر إلى ترك الصلاة مطلقاً؟ A نسأل الله ألا يضلنا بعد أن هدانا، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، كيف نتكلم معهم، أولاً: يا أيها الإخوة الأبرار اسئلوا الله الثبات دائماًَ، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الله، يحولها كيف يشاء، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: {يا مصرف القلوب، صرف قلوبنا إلى طاعتك، ويا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، الأمر الثاني: هؤلاء الذين فعلوا ذلك لأحد سببين: إما أن تكون دعوتهم ضعيفة، الذين دعوهم وأخذوهم من الباطل إلى الحق كانوا دعاةً، لكن فيهم ضعف، يمكن أنهم استنقذوهم من المعاصي ولكن ما ربوهم تربيةً روحيةً جادةً، بقراءة قرآنٍ، وكثرة نوافلٍ، وكثرة دعاءٍ، وخشيةٍ، وصلة بالواحد الأحد؛ لأن بعض الناس في مدارسهم التربوية إذا استنقذ الشباب، قد يضعف في هذه التربية، قد يربيه على كلام فكري، على عمومات في الإسلام، على شيء من الإنشاء، ومن الأفكار الطيبة، لكن ما أعطاه حرارة الإيمان وروح الإيمان. السبب الثاني: أن يكون هذا الداعية رجلاً ضعيف الشخصية، وهذا المدعو قوياً، فاستسلم له في مرة من المرات، ثم رجع إلى شخصيته، وساعده أهل الباطل وجلساء الشر، فجذبوه إليهم جذباً، فوصيتي للدعاة والذين يعملون في حقل الشباب، أن يهتموا بالنوافل للشباب وبعلم السلف قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يقودوا الشباب إلى كثرة النوافل وكثرة الذكر وكثرة الدعاء، ثم يلازموا الشاب ويفصلوه عن الجلسات السيئة، وعن جلساء السوء حينها يهتدي بإذن الله، وعلينا أن ندعو لضال المسلمين أن يهديه الله سواء السبيل.

الله تواب رحيم

الله تواب رحيم Q اقترفت من المعاصي ما لا يعلمه إلا الله، وأنا أحب الخير، لكن نفسي لا تطاوعني، وكنت أسمع بعض المشايخ، يقولون: هناك من الناس من يستهزئون بربهم، فمثلاً يطيعون الله في رمضان، ويعصونه في غير رمضان، وهل إذا تاب توبةً نصوحةً يقبل الله عز وجل؟ A أولاً: اعلم أن التوبة مفتوحة حتى تطلع الشمس من مغربها قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله من العطا لذي الخطا من أحسن الظن بذي العرش جنى حلو الجنى الشائك من شوك السفا لا بد أن ينصرنا كما زوى جوداً وأن يمطرنا كما ذوى فنتعلق بحبل الله أن يغفر لنا ولكم، وأن يهدينا وإياكم وأن يتوب علينا وعليكم توبة نصوحاً.

أقل الوتر ركعة واحدة

أقل الوتر ركعة واحدة Q الوتر، ما هو أقله؟ A أقله ركعة، وأكثره لا حد له، وإذا فاتك في الليل فاقضه من النهار شفعاً، ولو أن بعض أهل العلم يقول: يقضي وتراً لحديث: {من فاته الوتر، فليصله متى ذكره} حديث صحيح. ودليل من قال يصليه شفاعاً حديث عائشة عند مسلم: {كان صلى الله عليه وسلم إذا فاته الوتر من الليل، صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة} فمن كان وتره إحدى عشرة ركعة، فليصل اثنتا عشرة ركعة، تكون شفعاً في النهار؛ لأن وتر النهار صلاة المغرب، فأنت إذا كان وترك ثلاثاً، فصلِّ أربعاً، وإن كان وترك خمساً فصلِ ستاً، وهكذا؛ وبعد أذان الصبح لا تصل إلا ركعتي الفجر، وأما الوتر فتصليه بعد طلوع الشمس.

الوصية بتقوى الله

الوصية بتقوى الله Q أريد موعظة شافية وكافية؟ A ما ورد من الكلام فهو موعظة إن شاء الله، ولكن كأن الأخ يريد أن نبدأ من جديد في محاضرة، وأنا أقول: أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل.

فرق بين الدعوة وبين الفتوى

فرق بين الدعوة وبين الفتوى Q هل يستطيع الأخ الذي لم يقذف في قلبه طلب العلم، ولكنه يملك موهبة الدعوة؛ لأنه إنسان اجتماعي، فهل يستطيع: أن يدعو إلى الله وهو جاهل، وهو يقول هذا، وحجته أنه يقول: إننا لو كنا جميعاً طلبة علم، لما دعونا إلى الله؟ A أولاً: أما الدعوة فهي على القدر المستطاع؛ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، قال صلى الله عليه وسلم: {بلغوا عني ولو آية} وأما الفتيا فشيء آخر لا بد من العلم الراسخ فيها، فأنت كداعية عليك أن تدعو بما عندك ولو لم يكن عندك إلا الفاتحة. ذكروا عن أحد الصالحين وهو لغوي ونحوي كبير، مات فرئي في المنام كما يقول الخطيب البغدادي، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي، قالوا: بماذا؟ قال: أما النحو فما نفعنا بشيءٍ، ولكن علّمت عجائز في قريتي سورة الفاتحة، فنفعني الله بهذا، فهل أحد منا في المسجد يحفظ الفاتحة فيعلمها عجائز نيسابور، أو عجائز مدغشقر، ليدخل بها الجنة، على هذا المستوى لا يعذر أحد عن الدعوة.

الخلاف بين علي ومعاوية

الخلاف بين علي ومعاوية Q هل نستطيع أن نقول: إن علي بن أبي طالب ومعاوية، ينطبق عليهم الحديث الذي ذكرته وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا التقى المسلمان بسيفيهما}؟ A لا والله، هم معذورون مأجورون مشكورون، عندهم تأويل، فـ علي رضي الله عنه يرى أنه إمام مبايع، وأنه خليفة راشد ينبغي أن يطاع وهؤلاء بغاة، ويرى معاوية أن ابن عمه مقتولٌ، وعثمان قتل مظلوماً وقد قال الله: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} [الإسراء:33] فلـ علي أجران لأنه اجتهد فأصاب، ومعاوية اجتهد وأخطأ فله أجر واحد، وهؤلاء يدخلون في قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47].

من الخرافات المنتشرة

من الخرافات المنتشرة Q قضية سلفت في البارحة وهي قضية تيس من التيوس، قيد إلى الإعدام وحكم عليه أمس بالإعدام، وقد ذبح على الطريقة الإسلامية، هذا التيس كان فتنة للناس، وربما سمعتم خبره، في جدة ومكة، أُتيَ به يحلب، خنثى مشكل، ويشربون من لبنه، عرض سؤال البارحة يقول: هل هذه كرامة؟ وما هو معتقد أهل السنة والجماعة في هذا التيس؟ A معتقد أهل السنة والجماعة في هذا أن التيس هو ابن عنز، وأنه لا ينفع ولا يضر، ولا يشفي ولا يرفع ديناً ولا يكشف غماً ولا كرباً، إنما يشفي ويكفي الله الواحد الأحد، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] وأنا قلت للإخوة بالأمس لا يسمع بنا الأجانب فيضحكون علينا، خاصة ونحن جيران بيت الله العتيق، خرافات وخزعبلات، تمائم وتولة، ماكفانا التعلق وتقديس المشايخ، وعبادة المشايخ من دون الله، حتى نعبد التيوس والثيران والحمير، هذا أمر مفزع، أمة أتت بالتوحيد وبرفع لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، تأتي بكرامة التيوس. وقلت إن ابن تيمية ذكر ضابطين للكرامة: أولها: أن يكون صاحب الكرامة على الكتاب والسنة، يعمل بعلمه، أما أن يأتي فاسق زنديق ويقول: لي كرامة، فلا يقبل منه ذلك؛ فإن ابن عربي والحلاج الصوفي، أتى بأمور مذهلة وبأمور خارقة للعادة، لكن ليس ذلك بكرامة. الضابط الثاني: أن تكون هذه الكرامة لرفع راية لا إله إلا الله، ولنصرة دين الله، فهذه كرامة، أما هذه الخزعبلات فإنها شركيات؛ ويبتلي الله بها من يشاء: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2] وجزى الله هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة خير الجزاء، فقد قادت التيس آسفاً نادماً خاسئاً حقيراً، وذبحته بسكين العدالة، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

العلم الأصيل والعلم الدخيل

العلم الأصيل والعلم الدخيل إن مما انتشر بين المسلمين في هذه العصور كثرة العلوم المختلفة التي ليس منها فائدة إلا ضياع الأوقات والأعمار في البحث عنها وعن جزئياتها، حتى أصبح الناس لا يميزون بين العلم الأصيل النافع, والعلم الدخيل الضار, والناظر في الآيات والأحاديث يعرف حقيقة العلم النافع من غيره, وقد ذكر الشيخ نماذج من العلم الأصيل, ونماذج من العلم الدخيل الذي أصبح منتشراً بين المسلمين؛ فإذا أحببت أن تعرف هذه النماذج فما عليك إلا قراءة هذا الدرس.

أهمية الحديث عن العلم الأصيل والعلم الدخيل

أهمية الحديث عن العلم الأصيل والعلم الدخيل الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، هدى الله به الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية, وزعزع به كيان الوثنية، صلى الله عليه وسلم تسلمياً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، هذا الموضوع، موضوع "العلم الأصيل والعلم الدخيل" موضوع كبير وخطير، وتأتي أهميته من ثلاثة أسباب: السبب الأول: أن الله عز وجل ميز في كتابه بين العلم الأصيل والعلم الدخيل، وأن رسوله صلى الله عليه وسلم فرق بين العلمين في حديثه الشريف، وكذلك أصحابه والسلف الصالح، رضوان الله عليهم جميعاً. السبب الثاني: أن هناك عند المقصرين من أمثالي من طلبة العلم وغيرهم -من باب أولى- غبشاً وخلطاً بين العلم الأصيل والعلم الدخيل، فهم يخلطون بين هذا وهذا, ولا يميزون العلم النافع من العلم الضار، ولا المفيد من غيره، ولا الذي من ورائه ثمرة من الذي لا ثمرة من الكد والكدح فيه. والسبب الثالث: أن هناك خطورة كبيرة من عدم التمييز بين العلم الأصيل والعلم الدخيل، وكثير من الناس لعدم معرفته بفائدة العلم لا يحرص عليه، ولا يحصله، ولا يجلس في مجالسه, ولا يتعلم عند أربابه وأهله، ولا يتعب نفسه في حفظ العلم والتفقه فيه أبداً.

مثال لمن لم يفهم ثمرة العلم الأصيل

مثال لمن لم يفهم ثمرة العلم الأصيل روى الزبيدي صاحب شرح القاموس أن أعرابياً قدم إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه، فقال له عمر: [[أتحفظ شيئاً من القرآن -وهذه هي الميزة والأهلية, وهذه هي الأصالة عند الصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم- أتحفظ شيئاً من القرآن؟ قال الأعرابي: نعم. -وظن أن عمر سوف يكتفي بهذا السؤال, ولا يمتحنه بعد هذا السؤال- فقال: نعم. قال عمر: اقرأ عليّ أم القرآن -يعني: الفاتحة- قال الأعرابي: والله لا أحفظ البنات فكيف أحفظ الأم؟!! فضربه عمر بالعصا، ثم أدخله يتعلم عند الصحابة]] وكانت طريقة السلف بتعلم الحروف الهجائية, أنهم يبدءون بأبجد هوز, أي: جمع الحروف على هذا المستوى حتى تجمع وتفهم (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت) حتى ينتهوا من حروف الهجاء، فأتوا يعلمونه، فما فقه حرفاً، فلما سنحت له الفرصة فر من المدينة خائفاً يترقب، ثم قال شعراً وهو في الصحراء قال: خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري فلما فر قال: أتيت مهاجرين فعلموني ثلاثة أسطر متتابعات كتاب الله في رقٍّ صحيح وآيات القران مفصلات فخطوا لي أبا جاد وقالوا تعلم سعفصاً وقريشات وما أنا والكتابة والتهجي وما حظ البنين من البنات فلقلة علم هذا الرجل بالعلم الأصيل، ما حرص على أن يتعلم، وهذا يصح شاهداً لمن لم يفهم ثمرة العلم, ولم يحرص عليه قال ابن الجوزي: يا ضعيف العزم! لو علمت فائدة العلم؛ لسهرت الليل, وأظمأت النهار، وجعلت نوافلك في العلم. في كتاب الزهد للإمام أحمد بسند جيد عن معاذ أنه قال رضي الله عنه وأرضاه: [[تعلموا العلم، فإن مدارسته تسبيح، وتعليمه يعدل الصيام والقيام، وإن دعوة الناس إليه أفضل من الجهاد]] أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه.

مثال لمن اهتم بالعلم الدخيل وجعله كالأصيل

مثال لمن اهتم بالعلم الدخيل وجعله كالأصيل ومثل آخر لرجل ظن أن العلم الدخيل علمٌ أصيل: دخل عمر رضي الله عنه المسجد النبوي في المدينة، فإذا برجل يقص على الناس من كتاب دانيال، وهو كتاب قديم فيه خزعبلات وخرافات وكذبات، ونطحات عن الأحياء والأموات، ما فيه علم ولا أصالة, يا عجباً! حتى في حياة عمر يظن أنه سوف ينشر مثل هذه الخزعبلات، فجمع الناس في المسجد وأتى يقص عليهم من هذا الخبر الذي يوجد في مثل كتاب بدائع الزهور ووقائع الدهور، ذلك الكتاب الخرافي الخزعبلي المارد الذي ليس فيه علم، إنما فيه كذب من رأسه إلى أخمص قدميه، فقال عمر: ماذا يقول هذا؟ -وأنتم تعرفون أسلوب التفاهم مع عمر رضي الله عنه- فقالوا: يقص علينا من كتاب دانيال فرجع عمر وذهب إلى بيته وأحضر عصا معه حتى يخرج القصص من رأسه حتى لا يقص مرة ثانية، ثم تخطى الصفوف, وجعل العصا وراء ظهره رضي الله عنه حتى تقدم إلى المنبر, ثم أخذ الرجل بتلابيبه وأوقعه في الأرض، وكان عمر جسيماً عملاقاً من دهاة الناس في جسمه وعلمه وزهده، ثم أخذ يضرب في الرجل وهو يقول: يا كذاب! الله يقول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] وأنت تقص على الناس من كتاب دانيال، فهذا الرجل مثل لمن ظن أن العلم الدخيل علم أصيل، فإنه أدخل الخزعبلات في العلم الأصيل.

مثال لمن لا يميز بين الأصيل والدخيل

مثال لمن لا يميز بين الأصيل والدخيل وهناك صنف ثالث لا يحرص على التفقه في الدين، ولا يهتم بالتمييز بين الأصيل والدخيل، ولا بين النافع أو الضار، ولا المفيد من غيره، إن جاءت الكلمة عفوية حفظها يوم الجمعة، أو في درس سانح، وإن كان عنده رغبة حضر حلقة العلم، وإن كان عنده عزيمة أو مناسبة، فالله يخلف عليه بخير فإنه لن يحضر. دخل أبو دلامة على هارون الرشيد وهو رجل دعوب مزاح طريف يدخل على الخلفاء العباسيين، قال هارون الرشيد: يا أبا دلامة سمعنا أنك انقطعت عنا لتتعلم الحديث النبوي في هذه الفترة؛ فماذا تعلمت؟ قال: تعلمت علماً نافعاً يا أمير المؤمنين! قال: أخبرني ماذا حفظت، قال: حدثنا فلان عن فلان، عن عكرمة رحمه الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من حفظ خصلتين دخل الجنة} نسي عكرمة خصلة, ونسيت الثانية، ما الفائدة؟!! ربما كانت منه طرافة، وإلا ربما يكون قد حفظ واحدة على الأقل، وإما أن يكون بليداً بلغ في البلادة المنتهى، فهذا لا التفت للعلم ولا لتمييز الأصيل من الدخيل.

العلم النافع في القرآن الكريم

العلم النافع في القرآن الكريم تعالوا معنا لنستقرئ العلم الأصيل والعلم الدخيل من كتاب الله عز وجل, ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أقوال الصحابة والسلف الصالح.

العلم النافع في آية الزمر وعلاقته بالخشوع والخشية

العلم النافع في آية الزمر وعلاقته بالخشوع والخشية يقول عز من قائل عن العلم النافع: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9]. قال جهابذة التفسير: ذكر الله العلم هنا بعد قيام الليل، فكأنه يقول: العلم النافع هو الذي يقيمك تصلي في الليل, أو يجعلك قانتاً خائفاً مخبتاً, منيباً خاشعاً, ناسكاً زاهداً؛ فهذا هو العلم النافع: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّه} [الزمر:9] ثم لم يعقب الله تعالى بأنه أعد لهم جنات النعيم، ولا قال: وقوا عذاب النار -وهم يوقون النار إن شاء الله- ولكن قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] فكأنه لما ذكر النسك عقب بالعلم النافع، ونأخذ من الآية أن العلم الأصيل هو الذي يحمل العبد على خشية الله وعلى الإنابة إلى الله والزهد في الدنيا, وعلى التقرب بالنوافل إلى الله، وإلا لو لم يكن علماً أصيلاً ما ذكره الله عز وجل بعد قيام الليل, فكأن معنى الآية: لا يستوي الذي يعلم فيقوم الليل ويتهجد لله، مع الذي لا يعلم فلا يقوم الليل ولا يتهجد لله. {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] أثر أن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا قرأ هذه الآية بكى طويلاً وقال: [[ذلكم عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه]] لكن لا تختص الآية بـ عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وإنما المعنى هذا واحد من ذلك الجنس, الذي ذكر الله، يقول حسان رضي الله عنه وأرضاه: ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً وفي كتاب المروزي بسند صحيح أن عثمان رضي الله عنه وأرضاه قام ليلة كاملة من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر بركعة واحدة, قرأ فيها القرآن كاملاً: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّه} [الزمر:9] ثم قال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] إذاً الفائدة من هذه الآية: أن العلم النافع يقودك إلى الخير, والعلم الضار لا ينفعك ولا يقربك, ولا يجعلك تحذر الآخرة، ولا ترجو رحمة الله، ولو حفظ الإنسان من المتون ما حفظ، وحفظ الصحاح والمسانيد والسنن ثم لا يتقرب إلى الله ولا يخشى الله ولا يراقب حدود الله فما هو بعالم، بل هو جاهل بلا شك.

العلم النافع في آية المجادلة وعلاقته بالأدب

العلم النافع في آية المجادلة وعلاقته بالأدب واسمعوا إلى الآية الأخرى، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] لنقرأ ما قبل الآية، لنتبين ما هو العلم الذي يقصده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أهو الحفظ أو الشهادات، أم هو كثرة التبجح بالمقامات, والمنظومات، والمؤلفات، والمصنفات؟ أم ماذا؟ يقول عز من قائل قبل هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:11] قال أهل العلم: ذكر الله العلم هنا بعد الأدب، فالأدب علم، وكثير من الناس يتعلم ولا يتأدب، فلا يتأدب في صلاته ولا في زيارته لأحبابه وإخوانه, ولا في جلوسه في المجلس، ولا يتأدب في استئذانه، ولا في زيارته للمريض، وقيامه وجلوسه, قال أهل العلم: إن قوله تعالى: {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} [المجادلة:11] هذا من الأدب الذي يحض عليه الله عز وجل, ثم قال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} [المجادلة:11] وعطف عليه {وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [المجادلة:11] لأنهم يتفسحون, وينشزون, ويتأدبون، إذاً نأخذ من هذه الآية شاهدين: الأول: الأدب علم يعبد به الله عز وجل، ولذلك عقد ابن القيم في كتاب مدارج السالكين باب الأدب، وتبع في ذلك شيخ الإسلام أبا إسماعيل الأنصاري، لأنه قال: (ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الأدب) والأدب: حفظ الجوارح مع الله، وقيل أنه إذا خلوت بالله كنت أشد حياء منه، من إذا جلوت بالناس. وقيل: هي أن تحبس مرادك على مراد الله، قال معاذ رضي الله عنه وأرضاه في الأدب: [[ما بصقت عن يميني منذ أسلمت]] وقال أحدهم: ما مددت رجلي تجاه القبلة منذ عرفت يميني من شمالي، وإن كان ذلك جائزاً وقال ابن المبارك: نحن بحاجة إلى كثير من الأدب مع قليل من العلم، وقال: أن نجعل علمنا طعاماً, وأدبنا ملحاً، والواجب أن نجعل أدبنا طعاماً, وأن نجعل علمنا ملحاً. ومن الأدب ما تأدب به الصالحون، وربما نذكر بعض النماذج فيما بعد. والدليل الثاني من الآية: أن من لم يتأدب فقد نقصه علم أصيل, ودخل عليه علم دخيل.

العلم النافع والزهد في الدنيا

العلم النافع والزهد في الدنيا وقال عز من قائل: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80] وهذه في قصة قارون , ذكر الذين أوتوا العلم والإيمان؛ أما الإيمان فآمنوا بالله وبرسله، وكتبه، والسبب في أن الله وصفهم بالعلم هنا يظهر مما قبلها قال تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79] أي فهؤلاء علمهم دخيل, أحبوا الدنيا, وغبطوا قارون؛ لأن عنده مالاً، وغفلوا عن طاعة الله, وعن حفظ حدود الله، فيأتي العلم الأصيل، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80] مدح الله العلم هنا وسماه علماً؟ بسبب الزهد في الدنيا والإعراض عنها, وطلب ما عند الله؛ فهو علم أصيل، وبمفهوم المخالفة ما خالفه من علم فهو دخيل.

العلم النافع هو علم القرآن والتوحيد

العلم النافع هو علم القرآن والتوحيد وقال عز من قائل: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] وجاءت هذه الآية بعد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] فالعلم المراد هنا علم القرآن، لا يعرف التفسير إلا بالسياق والقرائن وفهم ما قبل الآية مع ما بعدها, فالعلم الأصيل هنا هو علم القرآن. {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] لو أن الآية قرئت مبتورة لظن بعض الناس أنه يدخل في ذلك علم الفلك -على ما سوف يأتي- وعلم النجوم، وعلم الأنساب, وزيادة معرفة القبائل وبطونها، وأفخاذها وأسرها وعشائرها، لكن قال عز من قائل: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] فدل على أن العلم النافع علم القرآن. وقال عز من قائل في سورة آل عمران: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] Q لماذا سماهم الله أولي العلم؟ السبب: أنهم شهدوا لله بالوحدانية واستنبط بعض أهل العلم من هذه الآية أن علم التوحيد علم أصيل، وأن من لم يوحد الله ولم يخلص العبودية لله؛ فعلمه دخيل ولو علم علوم الدنيا، لأن بعض الناس ضلوا وهم علماء، لأنهم خرافيون، قادة ضلالة، وعملاء جهالة، كما مر في تاريخ الإسلام من أمثال ابن الراوندي والحلاج، وابن عربي محيي الدين الطائي صاحب كتاب الفتوحات المكية، وفصوص الحكم وهي فصوص الظلم، وهي ظلمات بعضها فوق بعض، يقول الذهبي: إذا لم يكن كفر في الفتوحات المكية فليس في الدنيا كفر، فهؤلاء لا يسمون أهل علم؛ لأن أهل العلم هنا هم أهل الوحدانية لله. وقال عز من قائل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] وهذا هو علم التوحيد، وعلم العقيدة، فغيره دخيل وهو أصيل، وقال عز من قائل: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] ثم قال بعدها: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} [العنكبوت:44] فدل على أن التفكر والتدبر في آيات الله علم أصيل، وأن من لم يتدبر ولم يتفكر في آيات الله فعلمه دخيل، فالتفكر والتدبر في آيات الله علم أصيل. وقال عز من قائل: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49] لهذه الآية معنيان، بأيهما أخذت أصبت خذا جنب هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق فالمعنى الأول: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49] أي: بل هذا القرآن آيات واضحات، محفوظة في صدور الذين أوتوا العلم؛ فهذا فيه دليل على فضل الحفظ. والمعنى الثاني: أن هذه الآيات بينات معانيها في صدور الذين أوتوا العلم، أي: أنها مشروحة في صدورهم يعرفون معانيها، أو بيّن معناها في صدورهم لا أنهم يحفظونها، وإن حفظوها فهم يحفظون معانيها في صدورهم. وقال عز من قائل عن موسى والخضر: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف:66] إنه العلم النافع دل عليه السياق، ونكتفي بهذا من كتاب الله عز وجل دليلاً على العلم النافع الأصيل.

العلم النافع في السنة النبوية

العلم النافع في السنة النبوية أما في السنة فالرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث عن العلم الأصيل.

العلم النافع والهدى

العلم النافع والهدى يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث} جمع بين العلم والهدى؛ لأنه لابد من هاتين الكلمتين، فالهدى: هو العمل الصالح، والعلم: هو العلم النافع، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالعلم النافع والعمل الصالح؛ لأن النصارى عملوا لكن عملهم ليس بصالح، واليهود تعلموا لكن علمهم ليس بنافع، أما قال الله عز وجل في النصارى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} [الحديد:27] فأضلهم الله لأنهم عملوا بلا علم، وأما في اليهود فقال عز من قائل: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13] تعلموا العلم ولم يعملوا به، وفي اقتضاء الصراط المستقيم لـ ابن تيمية أن سفيان بن عيينة قال: وقع في هاتين الآيتين عبّاد من عبّادنا, وعلماء من علمائنا، فمن فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى. قال عليه الصلاة والسلام: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث} وعبر بالغيث ولم يقل: (المطر) لنكتة؛ قال: أهل العلم مثل المطر؟ قال أهل العلم: اختار صلى الله عليه وسلم كلمة الغيث، واختُصر له الكلام اختصاراً، وهو الذي يجيد صنع الكلمة المؤثرة. ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمة من عفاء فما قال المطر؛ لأن المطر ما استخدم في القرآن إلا في العذاب، يقول عز من قائل: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف:84] فعدل صلى الله عليه وسلم عن هذا اللفظ، وأتى بلفظ أرق وأحسن وأبدع وأروع فقال {كمثل الغيث} والغيث فيه ثلاث صفات: الأولى: صفاؤه ونقاؤه. الثانية: أن فيه معنى الغوث، يغيث القلوب والأرواح. الثالثة: أنه حديث عهد بربه. كان صلى الله عليه وسلم كما في البخاري {= 7004596>إذا أمطرت السماء يخرج فيتمطر} قال البخاري باب من تمطر في المطر -يعني: إذا نزل الغيث- ثم أتى بحديث كان إذا نزل الغيث خرج صلى الله عليه وسلم بثيابه يتمطر وقال: {إنه حديث عهد بربه}. مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث أصاب أرضاً -وهذه الأرض هي الأمة الإسلامية وغير الإسلامية- فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير, وهؤلاء أهل الفهم والحفظ، وأهل الدعوة؛ حفظوا النصوص، وأخرجوا كنوزها، وشقوا أنهارها، وغرسوا أشجارها، وأخرجوا ثمارها، وبلغوها للأمة، وهذه أمثال أهل العلم الكبار من السلف الصالح. وطائفة أخرى وهي الأجادب، أي: غدران، حبست الماء فنفع الله بها الناس, فسقوا, وزرعوا, وشربوا، وهذه طائفة حفظت, ولكنها ما تفقهت ولكنها أمسكت النصوص للأمة، كما يقول ابن حجر والقرطبي. وكان منها أخرى إنما هي قيعان، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، هؤلاء لا حفظوا ولا تفقهوا، ولا تعلموا ولا علموا ولا تبصروا -نسأل الله العافية والسلامة- فقال عليه الصلاة والسلام حاكماً على الطوائف الثلاث: {فذلك مثل من نفعه الله بما أرسلني به فَعِلم وعَلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً, ولم ينفعه ما بعثني الله به} صدق صلى الله عليه وسلم.

الفقه في الدين وفضله

الفقه في الدين وفضله استفدنا من الحديث: أن علم الحديث الأصيل هو ما أفاد ونفع في الدنيا، أما من لم يتجه إليه, أو تشاغل عن علم الكتاب والسنة، فإنه ليس بنافع علمه ولا أصيل ولا مفيد, ويقول عليه الصلاة والسلام، كما في الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه وأرضاه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين}. فدل الحديث على أن الفقه في الدين وتعلم أحكامه وأسراره هو العلم الأصيل، ولذلك يقول بعض أهل العلم: أثر عن بعض الصوفية أنه كان في بيت المقدس له زاوية, فكان هذا الصوفي جالساً مع الناس في بيت المقدس، فلما صلى العشاء قام إلى زاوية من زوايا المسجد، وقام عالم من العلماء يدرس الناس كتاب الحيض بعد صلاة العشاء، وأما ذاك الصوفي فإنه يقول: حي حي، حي حي، ولما قرب الفجر قام الصوفي على هذا العالم وقال له: وصل الواصلون إلى الله, وأنت في كتاب الحيض، قال: بماذا؟ قال: لقد قلت حي حي كذا كذا ألف، وأنت تدرس الناس كتاب الحيض، قال: نسأل عالم المسلمين أبا علي الروذباري، فذهبا يسألانه، قال: ما عندكما؟ قال الصوفي: أما أنا فجلست أتصل بالله, وأذكر الله, وأقول حي حي، وأما هذا فجلس بعد صلاة العشاء يعلم الناس الحيض، فقلت: وصل الواصلون والعارفون، وأنت ما زلت في كتاب الحيض، فقال أبو علي: نعم. وصل الواصلون من أمثالك, ولكن وصلوا إلى سقر، وذلك لأنه عطل نفسه من العلم النافع، والأمر الثاني: أنه ابتدع ذكراً ما أتى به صلى الله عليه وسلم، هل علم صلى الله عليه وسلم الناس أن يقولوا: حي حي، وهل هذا ذكر؟ وابن عربي الطائي صاحب الفتوحات، يقول: هو هو، فهو ينبح مثل الكلب، ويسمى "ذكر الضمير" حتى يقول: إذا بلغ هذه الكلمة فيكررها وهو الذكر الخالص، ويقول في قوله عز وجل: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:24] قال: إذا نسيت الله فقد ذكرت الله، وقالوا في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152] يعني: الصحابة في أحد , قال الله عز وجل فيهم، معنى الآية: أن الله مدح بعض الصحابة يعني: أن منكم من يريد الغنائم ومنكم من يريد الجنة، فصفقت الصوفية وقالوا: الله المستعان! وأين الذين يريدون الله؟ فأبطلوا الطائفتين، وخطئوا الفريقين. يقول صلى الله عليه وسلم: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} طلب الأحكام أجل عبادة، ولذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "لأن أتعلم حديثاً خير من أن أصلي"، وسأله سائل: أجلس أتعلم الحديث أو أتنفل؟ قال: "تعلم الحديث" وهذا الكلام فيه تحفظات، ومحترزات, سوف ترد مناسبته إن شاء الله.

العلم النافع ثلاثة

العلم النافع ثلاثة يقول عليه الصلاة والسلام في العلم الأصيل: {العلم ثلاثة، وما سوى ذاك فهو فضل آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة} رواه أبو داود وابن ماجة وفي سند ابن ماجة ابن لهيعة وهو رجل ضعيف، فاضل عابد, لكن دخل عليه الضعف، فضعف سنده، وأما في سند أبي داود فـ عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ضعيف، ولكن ربما تعتضد إحدى الروايتين بالأخرى فتستقيم إن شاء الله فدل كلامه صلى الله عليه وسلم على أن العلم الأصيل عند المسلمين يتركز على ثلاث نواح: كتاب عظيم أنزله الله للناس وهو القرآن، وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلم الفرائض، وسوف تأتي علوم لا نجعلها دخيلة، بل هي إن شاء الله أصيلة، وأثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يستعيذ بالله من علم لا ينفع، والذي يستعيذ منه صلى الله عليه وسلم هو العلم الدخيل المشوب بالدخن، قال زيد بن أرقم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها} رواه مسلم وزاد الأربعة: {ومن دعاء لا يسمع} وزاد الترمذي: {أعوذ بك من هذه الأربع} فتعوذ صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع. وقال عليه الصلاة والسلام كما عند ابن ماجة: {سلوا الله علماً نافعاً فإنه ربما يكون العلم غير نافع} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ذكره في المقدمة، وكان عليه الصلاة والسلام كما روى الترمذي عن أبي هريرة يقول: {اللهم انفعني بما علمتني, وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً} فالعلم النافع الذي يريده صلى الله عليه وسلم هو الكتاب والسنة، والفرائض، وسوف تأتي علوم تندرج تحت العلم الأصيل. قال البخاري في كتاب العلم، وإنما العلم بالتعلم، وتعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على الكِبَر، وقال ذلك لأن بعض غلاة المتصوفة، أو أهل الطرق، أو الذين أخذوا أعمال القلوب وجعلوها القضية الكبرى, يقولون: نحن لا نتعلم، إنما يأتينا علمنا من السماء، ينزل عليهم جبريل عليه السلام بالعلم، وقالوا: علمنا علم الخرق لا علم الورق، والخرق هي الثياب الممزقة التي يلبسها المتصوفة، وكانوا يغضبون على أهل الحديث إذا رأوهم يحملون صحفاً بيضاء في أيديهم، ولذلك ذكر ابن القيم في مدارج السالكين أن أحد هؤلاء المشعوذة والمتفلسفة والمتصوفة يقول: علمكم من عبد الرزاق، وعلمنا من الخلاق، عبد الرزاق بن همام الصنعاني صاحب المصنف أحد رواة الصحيحين من أكبر وأشهر المحدثين على الإطلاق، قال ابن القيم راداً على ذلك: والله يا ضعيف العقل! لولا عبد الرزاق وأمثال عبد الرزاق ما عرفت الخلاق، ولذلك قال البخاري: العلم بالتعلم وهو أن تحفظ وتكتب, وتقرأ وتدرس, وأن تطالع، ليس العلم أن يجلس الإنسان في زاوية ويقول: يفتح عليَّ فتوح, وينزل عليَّ, فهو العلم اللدني الذي يسمونه ويطنطنون به، ولذلك قال أبو سليمان الداراني كما ذكر عنه ابن كثير والذهبي: عملنا -يقصد أهل الطريق، زهدهم وعبادتهم- يقول: عملنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن, ولم يكتب الحديث، فلا تثقوا به. وأثر عن الجنيد أنه قال: إن النكتة تقع في قلبي من نكت القوم -أي كلمة يسمعها- فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين، وهما الكتاب والسنة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {اللهم إني أسألك إيماناً دائماً؛ فرب إيمان غير دائم, وأسألك علماً نافعاً؛ فرب علم غير نافع} ذكره أبو نعيم صاحب الحلية، وشطره الأول ذكره الطبراني في المعجم الكبير بسند جيد، ووقفه الإمام أحمد على ابن مسعود، وذكره الحاكم وابن حبان من حديث أنس وصححوه؛ فكأنه لا يصح مرفوعاً.

الأسس التي يدور عليها العلم النافع عند السلف

الأسس التي يدور عليها العلم النافع عند السلف والعلم النافع هو العلم الأصيل وأبوابه سنتحدث عنها. ذكر البخاري رحمه الله في كتاب الأدب من صحيحه أن عبد الله بن عون قال: ثلاث نحبهن لإخواننا، قالوا: ما هي؟ قال: هذا القرآن أن يتعلموه, وأن يعملوا بما فيه، والسنة أن يتفقهوا فيها، وأن يدعوا الناس إلا من خير. والعلم النافع عند الصحابة والسلف الصالح -كما يقول ابن رجب - يدور على ثلاث نواح أو على ثلاث واجهات كما سيأتي

القرآن من أسس العلم النافع

القرآن من أسس العلم النافع القرآن أول أسس العلم الأصيل، ومن لم يهتم بالقرآن فما نفعه علمه، بل هو وبال عليه، ولذلك قال شعبة بن الحجاج: يا أهل الحديث! مالكم كلما تقدمتم في الحديث تأخرتم في القرآن؟ فبعض الناس لسوء فهمه وتدبيره إذا أتى يطلب العلم، قدم كتب البشر على كتاب الله، فلا يتحفظ من القرآن شيئاً ويحفظ الأحاديث, وربما حفظ الصحيحين، أو شيئاً من السنن والمسانيد، وربما حفظ الفرائض وعرف القسمة، والضرب والتوزيع، والعول والأنصباء والرد، ولكنه لا يحفظ القرآن، فكيف يقدم قبل القرآن شيئاً آخر! إن أصالة العلم تبدأ بالقرآن، كان السلف إذا أتى طالب العلم، يقولون: أحفظت من القرآن شيئاً؟ فإن قال: نعم. حفظَّوه وعلموه وفهَّموه ودرَّسوه، وإن قال: لا. قالوا: عد فتعلم القرآن ثم تعال. فالعلم الأصيل هو علم القرآن، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام لـ أبي بن كعب كما في الصحيح: {أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] فأخذ صلى الله عليه وسلم يده ثم ضربها في صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر} فالعلم هنا هو القرآن، فدل كلامه صلى الله عليه وسلم على أن العلم الأصيل هو القرآن، ولذلك يقول عز وجل: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49] فسماه علماً نافعاً.

السنة من أسس العلم النافع

السنة من أسس العلم النافع ومن فرق بين القرآن والسنة فهو خارجي مارق، سفيه جاهل, يؤخذ على يده ويؤدب، وقد سمعت نعقات في العالم الإسلامي بعضها تقول: نكتفي بالقرآن، وأُلِّفَ في ذلك كتاب, وحمل الناس على أن يعتقدوا أن لا شريعة إلا في القرآن, وهذا ضال مارق من الإسلام سخيف سفيه، قد افترى على الله عز وجل, صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {رب رجل شبعان ريان على أريكته، يأتيه الأمر من أمري فيقول: حسبكم القرآن، ما وجدتم في القرآن من حلال فأحلوه، وما وجدتم في القرآن من حرام فحرموه، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه, وفي لفظ: ومثليه معه} فمن فرق بين القرآن والسنة، أو قال: يكفينا القرآن، فقد ضل وجهل، وهذا يأتي من طائفتين من الناس: طائفة: عندهم فكر خارجي، وقلة علم، وتشدد وغلو في الدين، يتمسكون بظاهر القرآن، وطائفة أخرى: جاهلة، يقول أحدهم: يكفينا القرآن، وإذا رأى الناس يتعلمون صحيح البخاري ومسلم يقول: تشاغلوا بالقرآن واتركوا هذه الأحاديث، وهذا خطأ بل لا بد من الوحيين (القرآن والسنة) لتبين للناس ما نزل إليهم، ولا يبين إلا الرسول صلى الله عليه وسلم. هل في القرآن أن صلاة الظهر أربع، وصلاة العصر أربع، وصلاة المغرب ثلاث، وصلاة الفجر ركعتان؟ هل في القرآن أن أنصبة الزكاة في كل أربعين شاة شاة، وفي خمس من الإبل شاة، وفي أربعين من البقر مسن أو مسنة؟ هل في القرآن الطواف وبيان من أين يبدأ وأين ينتهي، والسعي والوقوف والرمي؟

فهم السلف الصالح

فهم السلف الصالح والأساس الثالث: علم الصحابة، وميزة علم الصحابة على علمنا ثلاث: 1 - يسر علم السلف: الميزة الأولى: أن علمهم يسير، وبعض الناس بحسن قصد أو بسوء قصد صعبوا العلم على الناس، حتى تجده يقول: لن تحصل على العلم، حتى تترك المنام، وتهجر الفراش، وتقلل من الأكل، وتقرأ في اليوم كم ساعة، وفي الليلة كم ساعة، وتحفظ هذه المنظومات، وهذه المتون، فيأتي طالب العلم فيصطدم بهذه الألغاز التي نصبوها شباكاً للناس, ويعود خائباً خاسراً حسيراً على وجهه فلا يطلب العلم، يقول: ما دام أن العلم بهذه الصعوبة فلن أطلبه، حتى يقول محمد بن إبراهيم الوزير -العالم الكبير النحرير؛ اليمني، الذي يعتبر من فطاحل العلماء في القرن الثامن- يقول: لقد اشترط المتأخرون في العالم شروطاً لا تنطبق على أبي بكر ولا عمر رضي الله عنهما، نعم. اقرءوا في كتب أصول الفقه، يقولون: أن يحفظ القرآن، ويحفظ كذا ألف من الحديث، ويعرف أصول الفقه، ويلم باللغة، ويحفظ كذا من القواعد، وكذا من الضوابط، تعال طبق هذه الأمور على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. فميزة علم الصحابة اليسر، نقولها بكل شجاعة وجرأة، كان عليه الصلاة والسلام يقرأ الآيات، فيعرفون معناها، ويعطيهم الحديث فيستخرجون منه الحكم، أما يقول الله عز من قائل: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] قال مجاهد: ولقد يسرنا طلب العلم, فهل من طالب علم؟ تأتي بما أتاك الله من فهم بعد أن تستغفر كثيراً, وتتوب إلى الله، وتصحح النية وتطلب العلم لوجه الله، فسوف يفتح الله عليك، أما هذه التشديدات وهذا التزمت والتشنج الذي عرض من القرن الخامس فما بعد, وحرموا الناس من طلب العلم لأجله وردوهم إلى صعوبات، وأوثقوهم حبالاً وأنزلوهم جبالاً، فهذا ليس بوارد، فعلم الصحابة يسر، إن أبا بكر لم يرو من الحديث إلا ما يقارب مائة وخمسين حديثاً في كتب السنة، وهو أفضل وأعلم وأتقى وأورع من أبي هريرة الذي روى خمسة آلاف وسبعمائة وستة وعشرين حديثاً، وبعض الناس يعيش في هذا العصر, فيحفظ عشرة آلاف حديث، فهل هو أعلم من أبي بكر؟ لا والله، لكن في الموطأ موقوفاً: {ما سبقكم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكن بإيمان وقر في صدره}. 2 - عمق علم السلف: فعلمهم عميق ليس بسطحي، روى سعيد بن منصور في السنن أن ابن مسعود رضي الله عنة وأرضاه، قال: [[يا أيها الناس! عليكم بأصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، فإنهم أبر الأمة قلوباً, وأصدقها لهجة, وأعمقها علماً, وأقلها تكلفاً]]. العمق في العلم الدقة, ومعرفة المقاصد، وأخذ العلم النافع. 3 - علم السلف يطلب للعمل: والميزة الثالثة لعلم الصحابة: أنه علم يطلب للعمل، أما نحن -نسأل الله العافية والسلامة- واسألوا أنفسكم جميعاً، لو فكر أحدنا في اليوم والليلة أن كثيراً من المسائل يتشاغل بها وقد لا تعرض عليه في حياته الدنيا، وقد لا يستخدمها, ولا يحتاج إليها, وقد ينشغل بها عن الفائدة, أو عن العلم النافع الذي يحتاج إليه في كل ساعة ولحظة، فعلم الصحابة علم يراد للعمل, روى الدارمي في كتابه السنن بسند حسن إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه، أن صبيغ بن عسل -أحد أهل العراق - أتى فجلس في الجيش عند أبي موسى الأشعري في العراق، فجلس بين الصحابة يطرح الشبهات ويضارب بين الآيات، يقول: قال عز وجل: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:1] ويقول هناك: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} [المرسلات:1] ويقول هناك: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} [الذاريات:1]. فيقول بعض الجيش: لا ندري والله ما المراد، فيقوم من الحلقة ويجلس في الحلقة الأخرى ويقول: لماذا يقول الله عز وجل: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101] ويقول هناك: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] هنا ينفي السؤال وهنا يثبت Q فقالوا: لا ندري، فرفع أمره إلى أبي موسى , فرفع أبو موسى أمره إلى p=1000202>> عمرو بن العاص، فأتى p=1000202>> عمرو بن العاص فأخبر عمر، قال عمر: أين الرجل؟ قال: في رحالنا، يعني: تركته مع الإبل في طرف المدينة، قال: احذر, لا يفوت الرجل فتمسك مني عقوبة، ثم قال: عليّ به، فذهب عمرو رضي الله عنه يأتي بالرجل، أما عمر فقال: عليّ بعراجين النخل، يريد أن يعالجه ويجيب على أسئلته بما لا ينساه أبد الدهر، تمر به ثلاث وعشرون سنة وستة أشهر فلا ينسى، فلما أتوا بعراجين النخل خضراً, وضعها بجانبه وقال: تعال، أأنت الذي يسأل في الجيش؟ قال: نعم. قال: امسك الرجل، فأمسك رجل بيمينه وآخر بيساره، ثم أتى عمر وضربه ضرباً حتى أدماه، فلما غشي عليه، قال: رشوه بالماء، واذهبوا به إلى رحالكم وغداً تأتونني به، فذهبوا به، وفي الغد أتوا به، فضربه عمر حتى أدماه، فقال عمر: رشوه بالماء، واذهبوا به وغداً تأتونني به، فأتوا به في اليوم التالي، فقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد دوائي فقد داويتني، وإن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، فقال عمر: يا عدو نفسه! يا عدو الله! قاتلك الله، ومن كلفك أن تتعمق هذا التعمق وتسأل هذا السؤال، والذي نفسي بيده، إن عدت إلى ما كنت تفعل لأجعلنك عبرة للمعتبرين, وعظة للمتعظين وصدق رضي الله عنه ثم قال للجيش: لا يكلمه منكم أحد؛ اهجروه فكان يجلس وحده لا يكلمه أحد، ولا يسلم عليه أحد، حتى طالت به المدة، فتاب وأناب وأتى إلى أبي موسى يبكي، وقال: ردني إلى الناس، فكتب لـ عمر وأخبره، وقال: دعه يكلمه الناس ويجلسوا معه. علم عمر أن العلم الدخيل سوف يدخل على الأمة بالتشكيك في الكلام, والجدل الذي يقضي على الأعمار, ويضيع الليالي والأيام, جلسة طويلة من بعد صلاة العشاء إلى ما يقارب الساعة الثانية عشرة في جدال عن دوران الأرض، ويقوم بعض الناس فيتضارب ويتصارع مع بعض الناس في المجلس، كيف تدور الأرض؟ وبعضهم يقول: لا تدور، والله لا يسألنا يوم القيامة، هل تدور الأرض أو لا تدور؟، وبعضهم يسأل، ويقول: أطفال المشركين هل يعذبون أو لا؟ وجدل عقيم لا طائل فيه، ولو أدرك عمر بعضنا لضربهم ثلاثة أيام؛ لأنه يريد أن يشتغل الناس بالعلم الأصيل لا بالعلم الدخيل. تقدم أن علم الصحابة يتميز باليسر والعمق وأنه يطلب للعمل؛ أتى رجل إلى زيد بن ثابت فسأله مسألة، قال: [[أوقعت هذه المسألة؟ قال: لا، قال: إذا وقعت، فتعال لنتجشم لك الجواب]] وأكثر المسائل الآن يجاب عنها وما وقعت. يأتي أحد الناس يقول -مثلاً-: لو صليت خلف الصفوف، ثم ما شعرت أنهم يصلون الظهر, وهم يصلون العصر، فماذا الحكم؟ وهو ما فعل وما صلى وما حدثت له القصة. ومن ضمن الأمثلة كذلك: أهل التفسير وهم مشكورون ومأجورون على عملهم, يأتون بمسائل لا يستفاد منها صراحة، كلون الكلب الذي كان مع أهل الكهف، قال بعضهم: كان مبرقشاً، قال ذاك: أخطأت ليس مبرقشاً، بل هو مبرقع، فيرد عليه آخر قال: لا. بل هو أحمر يميل إلى الصفرة، فيقول ذاك: بل هو بنفسجي يميل إلى الحمرة، والواجب أن تتأكد من النقل، ثم يقول: والأحسن الذي نخرج به من الجدل أن يكون على عينيه نقطتان بيضاوان، وهذا ما كلفنا بطلبه ولا بعلمه، والله يقول بعدها: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً} [الكهف:22] يقول: لا ينفعك أنهم ثلاثة ورابعهم كذا، أو خمسة وسادسهم، أو سابعهم وثامنهم، قال تعالى: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ} [الكهف:22]. وبعضهم يقول: اسم المرأة التي هم بها يوسف وهمت به زليخا، قال الثاني: لا. اسمها برجا، قال الثالث: لا. اسمها يازي، وهم ليس لهم سند ولا رواية، يسودون الصحف بهذا الكلام، فهذا من العلم الدخيل على المسلمين، وقد حصل في الأمة.

العلم الأصيل يدل على أربعة أمور

العلم الأصيل يدل على أربعة أمور وقبل أن آتي إلى العلم الدخيل, وأذكر أقسامه، أذكر ما يدل عليه العلم الأصيل؛ قال أهل العلم مثل: ابن رجب والذهبي، العلم الأصيل يدل على أمور تجتمع في أربعة؛ فإذا لم يدلك العلم عليها، فاعلم من أول الطريق أنه غير نافع. أولها: على معرفة الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، فهذا أول ما يدل عليه العلم النافع. إذا ما لم يفدك العلم شيئاً فليتك ثم ليتك ما علمتا فتقوى الله رأس الأمر حقاً وليس بأن يقال لقد رأستا فالعلم النافع: هو الذي يدلك على معرفة الحي القيوم، ليس كمعرفة اليهود والنصارى، الذي يعرف الله ويسكر في الليل، فهذا عرف الله كما يعرف الكلب أن له رباً، وهذه معرفة لا تنفع، إنما العلم الخشية، وإنما يخشى الله من عباده العلماء. الأمر الثاني: المعرفة بما يحبه الله ويرضاه وهي ثلاثة أقسام: ففي العقائد: عقيدة أهل السنة والجماعة، وفي الظاهر: الحلال والحرام، وفي الباطن: اعتقاد القلب بالصفات الجميلة، والردع والتخلي عن الصفات الذميمة، هذا هو العلم النافع الذي يدل على ما يحبه الله ويرضاه، ويحصل هذا بالتفقه في الدين. والأمر الثالث: الذي يدل عليه العلم النافع، دعوة الناس إلى هذا العلم. علامة العلم النافع أن تحرص على نشره بين الناس, وتحرص على تبليغه، فلا تكتمه ولا تحجر عليه، لا تتعلم وتثقل على نفسك، فإن معنى ذلك أنك تميت العلم في نفسك. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160]. الأمر الرابع: الزهد في ما لا يقرب من الله الحي القيوم. علامة العلم النافع: الزهد في الدنيا، فازهد في غير كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

العلم الدخيل والأمثلة عليه

العلم الدخيل والأمثلة عليه تعال الآن إلى العلم الدخيل نستقرئه من كتاب الله عز وجل، يقول عز من قائل: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة:78]. هذه حكاية عن بني إسرائيل, وعن كل من شابه بني إسرائيل، ومنهم أميون: أي: لا يكتبون ولا يقرءون, لا يعلمون الكتاب إلا أماني، الأماني التلاوة, أي: لا يعرفون من كتبهم إلا التلاوة، فلا فهم ولا استنباط ولا فقه، ولا خشية ولا عمل، فهم يمرون عليه مر السحاب، قال الشاعر في عثمان بن عفان: تمنى كتاب الله أول ليله وآخره لاقى حمام المقادر كما يقول ابن جرير مستشهداً بهذا البيت، ومعناه تلا كتاب الله أول الليل، واستشهد في آخره، قال ابن عباس: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون، قال: أماني: يكذبون كذباً، وقال مجاهد والضحاك: زوراً وبهتاناً، وقال ابن جرير: الأشبه بالآية أن معناها أن منهم من لا يعرف من القرآن إلا ما يكذب به على الناس، أو يقول به زوراً وبهتاناً، والأشبه كذلك بالآية أن منهم أميين لا يعلمون الكتاب إلا أماني, أي: ليس عندهم إلا تلاوة بلا تدبر ولا فقه ولا فهم، {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة:78] أي: يتخيلون ويوسوسون. قال عز وجل: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة:102]. وهذا علم السحر ونعوذ بالله من علم السحر، فمن العلوم الدخيلة علم السحر، من علم أو تعلم، أو حرص على علم شيء منه؛ فقد أحبط الله عمله، وهو من الكبائر عند جمهور أهل العلم، وحد الساحر ضربة بالسيف كما ورد، فذكر الله العلم الدخيل, بعدما ذكر السحر، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم.

من العلم الدخيل علم بني إسرائيل

من العلم الدخيل علم بني إسرائيل وقال عز وجل في علم دخيل وعالم دخيل ما نفعه علمه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176]. "إياك أعني واسمعي يا جاره" و"مصائب قوم عند قوم فوائد". هذا الرجل عالم من علماء بني إسرائيل علمه دخيل واسمه بلعام بن باعوراء كما يقول ابن كثير وغيره من المفسرين. بلعام بن باعوراء تعلم علماً من علم التوراة، ثم أتى وعَلِمَ الله الخبث من قلبه, وعلم الخسيسة والدسيسة في نفسه، فبعد أن تعلم كفر بما أنزل الله على رسله، واستبدل بالعلم وتبليغه الدنيا، وأغري بالقصور من الكفار, وانقلب على عقبيه, وكتب لموسى بالردة عن دين الله عز وجل، فقال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: اتل على طلبة العلم، اتل على جيلك وعلى أصحابك، اتل على أمتك أن رجلاً تعلم علماً آتيناه آيات بينات في صدره. {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:175] يا لروعة التصوير: {فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:175] قال ابن كثير: جمال ما بعده جمال؛ انسلخ كالحية عندما تنسلخ من قشرها، وكالثعبان عندما ينسلخ من جلده، لم يقل انخلع أو انحط، نعوذ بالله من الانسلاخ: {فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف:175] وما قال (تبع الشيطان) وهذا فيه وجه بلاغي، أي أنه بلغ من شيطنة هذا الرجل أن الشيطان يتبعه، يقول بعض شياطين الإنس من الفجرة: وكنت امرأ من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي أصبح إبليس من جنده، ففي مرحلة من المراحل كان مقوداً للشيطان, يقول: ثم تطورت به الأمور حتى صار الشيطان من سريته. سر الجمال في الآية: {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف:175] أن الشيطان أتبعه، لقوة شيطنته. {فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف:175] ولم يقل: من المغوين؛ لأن الغاوين يغوون غيرهم، لأن العالِم إذا زل، زل بزلته عالمَ. حتى إذا رأيتم بعض الناس ممن أوتوا العلم يصلي في بيته، صلى كثير من العوام في بيوتهم، وقالوا: فلان يحفظ الترمذي بأسانيده وسنن ابن ماجة ويصلي في البيت وهو عالم، لا بد أنه قرأها في القرآن, فإذا أطال ثوبه أسبلوا أثوابهم، وقالوا: وجدها العالم فيه، وأكثر العصاة في مجتمعنا الآن يستدلون ببعض من يذنب، والعلماء غير معصومين فيخطئون كما يخطئ البشر، لكن يجعلون الهفوة الواحدة صورة مكبرة فإنه يقال: انظروا إليه كيف أخطأ، وإذا سمع الغناء يقول: الغناء ليس فيه بأس فنسمعه، فقال الله عز وجل: {فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} [الأعراف:175 - 176] يقول: لو علمنا من الرجل خيراً كنا رفعنا رأسه ومجدناه, وشرفناه وكرمناه، ولكنه أخلد إلى الأرض، أي: أحب التراب، وعشق الدنيا, وأحب المنصب والذات والمدح، نعوذ بالله من ذلك: {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الأعراف:176] وانظر إلى المثل: مثل الله بصنفين قبيحين، مثل بالحمير وبالكلاب لعلمائهم، فالكلب أخس مثل لمن تعلم، فخبثه معه سواء تعلم أو لم يتعلم، والحمير لمن عنده علم في صدره ولم ينفعه علمه: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] المجلدات والمصنفات على ظهر الحمار، لكن يذهب بها لا يدري ما هو صحيح البخاري من صحيح مسلم من مستدرك الحاكم، هذا مثل العالم الذي ما استفاد من علمه: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176] أي: إن أدخلته في الشمس أو أخرجته منها مد لسانه ولهث, وجربوا بالاستقراء تجدوا هذا. ويقول تبارك وتعالى متحدثاً عن العلم الضار المذموم الدخيل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية:23]. قال بعض أهل التأويل: وأضله الله على علم, أي: عنده علم فأضله الله, لأنه ما طلب الهداية، هذا وجه من وجوه التفسير والمهمة أو الصائبة في المسألة. وقال عز وجل في العلم الدخيل: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [غافر:83] علم دخيل ظنوا أنه علم، وهذا يشمل اليهود والنصارى الذين لم يدخلوا في هذا الدين، ويشمل كفار قريش أو كل كافر، فإن كل معاند يظن أن عنده فهماً وعلماً، فعلمه العلم دخيل؛ لأنه ما قاده وما عرفه على الحق، إذاً فالفائدة من هذه الآية: أن كل علم لا يدلك على الحق فهو علم دخيل، وكل علم لا يسددك ولا يردك إلى الصواب فهو علم دخيل.

من العلم الدخيل العلم بالدنيا مع جهل الآخرة

من العلم الدخيل العلم بالدنيا مع جهل الآخرة قال الله عز وجل: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] علم الظاهر ليس المراد علم الظاهرية كـ داود بن علي وابن حزم، هذه ناحية أخرى، لكن المقصود: هم الذين يعرفون علوم الدنيا ولكنهم في علم الآخرة تجد أدمغتهم أدمغة حمير, لا يعرفون شيئاً, يقول عز وجل: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] أي: لا علم لهم أصلاً أو بلغ حقيقته لما عاينوا الآخرة, وعلى المعنى الأول هم في الدنيا يحللون لكن ليس عندهم شيء عن الآخرة، قال عز وجل: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] والعلم الدخيل ذكر بعضه في السنة المطهرة، وبعضه في كلام السلف الصالح، وبعضه من استقراء أهل العلم.

التوسع الزائد في علم النسب علم دخيل

التوسع الزائد في علم النسب علم دخيل من العلم الدخيل علم النسب إذا زاد عن الحاجة؛ يقول عليه الصلاة والسلام، لما قيل له في حديث أنس: {يا رسول الله! ما أعلم فلاناً! قال: بماذا؟ قالوا: بعلم النسب قال: ذلك علم لا ينفع وجهالة لا تضر} ذكر هذا الحديث ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله , وذكره السمعاني في الأنساب , وقال ابن عبد البر: الأشبه أنه موقوف. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: {تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم} فرواه الترمذي والحاكم بسند صحيح، وذكره الذهبي وأقر الحاكم على تصحيحه. إذاً فالفائدة من علم النسب: معرفة ما نصل به أرحامنا، وما زاد عن ذلك فهو علم دخيل، فإن بعض الناس يفنون أعمارهم لا يتفقه في الدين ولا يتدبر القرآن، ولا يعرف الحلال والحرام، بل ولا ضروريات الدين في الحياة، وهو مشغول ليل نهار بأنساب القبائل، قبيلة عتيبة تعود إلى هوازن، وقبيلة مطير أصلها من غطفان، وقبيلة خثعم أصلها من قبائل شنوءة، وذاك أصله من بني عبد مدان، وذاك من عبد شمس، وذاك من بني عبد الدار، وعمة فلان خالة فلان، وجد فلان ابن عم لفلان، فهذا علمه لا ينفع وجهله لا يضر، لو ينسب لنا القبائل أو يرد لنا العمات مع الخالات، والجدات مع الأمهات، فما نفعنا وما قدم لنا شيئاً، سواء رضي أم غضب، إنما يستفاد من علم الأنساب ما يصل به الأرحام، تعرف أن هذه قريبة، وأن هذا خال، وأن هذا عم، فهذا المفهوم في الإسلام.

علم النجوم علم دخيل خبيث

علم النجوم علم دخيل خبيث ومن العلوم الدخيلة: علم النجوم: يقول عليه الصلاة والسلام: {من اقتبس شعبة من علم النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر} وفي لفظ: {زاد ما زاد} أي: إن زاد شعبة زاد الله له من السحر شعبة، روى هذا الحديث أبو داود وابن ماجة والطبراني بسند صحيح. ورخص أهل العلم في التعرف على بعض المنازل لمعرفة القبلة، قال قتادة بن دعامة السدوسي: للنجوم ثلاث فوائد، من زاد أو من حرف، أو من ظن أن لها منافع غيرها فقد ضل سواء السبيل: الأولى: أنها هداية للمسافر، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام:97]. الثانية: أنها زينة للسماء، قال تعالى: {وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} [الحجر:16]. الثالثة: أنها رجوم للشياطين، قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} [الملك:5]. ومن يتعمق في علم النجوم فقد ضل سعيه وخسر حظه, وكذا إن علق بها أموراً، قال أهل العلم: من تعلق وتعلم علم النجوم أصيب بأمور: أولاً: قلّت عقيدته بالله عز وجل المدبر المصرف الرازق الخالق. الثاني: أساء ظناً بالمسلمين وقال: صلاة المسلمين إلى غير القبلة، لأن سهيل اليماني على يده اليسرى، وهذا المسجد منحرف، ومسجد آل فلان يصلون إلى غير القبلة، والأصل أن يكفيك حديث: {ما بين المشرق والمغرب قبلة} يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم وسع في القبلة، ولو انحرف الناس قليلاً واجتهدوا لكانت صلاتهم صحيحه، فمن أخذ النجوم للقبلة فقد ضل، يقول الإمام أحمد: يكفي هذا الحديث عن علم النجوم فعلم النجوم، نسبة الأنواع، أو نسبة الأمور، أو المواليد أو الوقائع والأحداث، أو الزلازل والبراكين إلى النجوم وهو ضلال مبين، يقول الذهبي: خزعبلات وسفاسف لا يتشاغل بها إلا من أضل الله سعيه في الحياة الدنيا والآخرة.

التعمق وتشقيق الكلام

التعمق وتشقيق الكلام ومن العلم الدخيل: التعمق والتشقيق: التعمق هو تشقيق الكلام والتعمق فيه، والإتيان ببعض المناسبات, وبعض المقاصد التي لا تمت إلى الشريعة ولا إلى القرآن بصلة، يقول أهل العلم في تفسير الرازي: فيه كل شيء إلا التفسير، وهذه الكلمة فيها شيء. وبعض العصريين ألف تفسيراً اسمه الجواهر، أتى فيه بأمور عجيبة، فمثلاً: في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] يقول: وفيه يستفاد أن الخط المستقيم هو أقرب الخطوط بين نقطتين، ومن أين أتى إلى الآية هذا الكلام، قال: وفي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} [المرسلات:30] فيه دليل على أن المثلث ذو ثلاث زوايا منفرجة؛ هندسة, وطب, وجغرافيا, وكيمياء في القرآن، ولذلك قال صاحب الظلال: هذا المنهج لا أرتضيه، وهو إخراج وتكلف وتشقق وتعمق من غير حاجة.

كثرة الكلام

كثرة الكلام ومن العلم المذموم: تكثير الكلام: قال حماد بن زيد لـ أيوب بن أبي تميمة السختياني أحد علماء البصرة، من التابعين: يـ ابن أبي تميمة! الحمد لله كثر العلم -يعني: في القرن الثاني - قال: لا والله ما كثر العلم ولكن كثر الكلام وقل العلم, بعض الناس إذا رأى المذكرات والمجلدات مصفوفة, قال: ما شاء الله! كيف فتح الله على الناس في العلم، لكن أوقف طالب علم واسأله في مسألة، ما دليلها؟ وماذا تستنبط منها؟ يقول: ما راجعت هذه المسألة, وإن شاء الله أراجعها واسأل عن الحديث، نحن فقط نضع خطاً تحت الكلمة, وإذا أتى الامتحان, ما دام أنها تبدأ في الفترة الثانية نبدأ نذاكر من بعد صلاة الفجر, معنا خمس ساعات والحمد لله، نذاكر فيها ونحفظ المذكرة حفظاً، يقول ابن رجب: السلف أقل الناس كلاماً, لكنهم أفقه وأكثر إخلاصاً. تعال إلى تفسير أبي بكر وعمر للآيات تجدها كلمة، لكن فيها النور والهداية، وأحدنا إذا فسر آية فسرها في دفتر كبير, تجدها مائة وعشرين صفحة، ثم يأتي بكلام يجمعه فترى (وقال أهل العلم, وقال أهل الطب، وقال أهل الفلسفة) فكثرة الكلام من العلم الدخيل، أثبت ذلك الذهبي وابن رجب وابن تيمية كما في المجلد العاشر من الفتاوى.

علم الكلام

علم الكلام ومن العلم الدخيل: علم الكلام، ونعوذ بالله من علم الكلام. قيل لـ ابن الصلاح كما في بعض فتاويه، ما رأيك في علم الكلام؟ قال: علم الكلام يظلم قلب العبد إذا تعلمه، ويصده عن معرفة الشريعة، ويطمس نوره، ويقسي فؤاده، ويبلد ذهنه، ويصده عن معرفة كنوز السنة، وعلم الكلام: علم محرم أرى أن يؤدب من تعلمه. وقيل للشافعي: ما رأيك في علم الكلام؟ قال: العلم بعلم الكلام جهل، والجهل به علم، حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة, وذهب إلى علم الكلام. علم الكلام علم قديم عند المسلمين، أسسه أرسطا طاليس اليوناني، وترجم في عهد المأمون، فقال المأمون: كل من يقرأ صفحة له ثلاثة دراهم في اليوم، والذي يقرأ حديث محمد صلى الله عليه وسلم أعطاه نصف درهم، انظروا الخائن الخائب الفاسق، فاشتغل الناس بعلم الكلام الذي يتحدث عن الربوبية والألوهية، وعن الأسماء والصفات بفلسفة ومنطق، قال ابن تيمية: إن الله لا يغفل عن المأمون، سوف يسأله لماذا أدخل علم المنطق وعلم الكلام على المسلمين، ولذلك أتى الشر والبلية من هذا العلم، وقال الإمام أحمد: جهل كله، ولذا دخلت البدعة على المسلمين من علم الكلام، فعلم الكلام ليس للمسلم إليه حاجة. قال ابن تيمية، كما في الفتاوى: لا يحتاج إليه الذكي, ولا ينتفع به البليد.

تقديم العقل على النقل

تقديم العقل على النقل ومن العلم الضار الدخيل: تقديم العقل على النقل: وهذا مذهب المعتزلة، ومن لف لفهم من المعطلة والأشاعرة، فإنهم قدموا العقل على النقل وأثبت هذا الكلام في الفصل الثاني والثلاثين من كتاب أساس التقديس للرازي، ورد عليه ابن تيمية في كتاب درء تعارض العقل والنقل، بل هذا الكتاب كله رد على أساس التقديس للرازي. يقول الرازي: إذا تعارض العقل والنقل، فإما أن يقدم النقل على العقل وهذا تسفيه للعقل، وإما أن يعملا معاً, وفيه إسقاط واستحالة لأنه تناقض، والصحيح أنه يقدم العقل. وهذا ضلال ومن قدم العقل على النقل فقد ضل سواء السبيل، حملهم هذا العلم على نفي بعض الصفات، ومنهج أهل السنة إمرارها كما جاءت.

علم الباطن

علم الباطن ومن العلوم الدخيلة: علوم الباطن التي أتى بها غلاة المتصوفة، وعبدوا الله بالتشقيق والتدقيق، حتى بلغ بهم الحال إلى أن تزندقوا وخرجوا من الدين جملة وتفصيلاً، فقالوا: لا تصلوا الظهر، اجلس مكانك فإن الصلاة تزكية الباطن، وما دام أنه زكى باطنك فقد سقطت عنك الصلاة، قالوا: والصيام؟ قالوا: حفظ أسرارنا، أن نحفظ أسرارنا، فإذا حفظنا أسرارنا فقد سقط عنا الصيام, فلا نصوم رمضان، قالوا: والحج؟ قالوا: الحج زيارة مشايخنا، فإذا زرت الشيخ فقد حججت البيت، بل أفضل، هؤلاء تزندقوا وخرجوا من الملة، ويلحق بهم من تعمق في علم (دقائق القلوب وخطرات النفوس) قال الذهبي ليس منهج أهل السنة، وقال ابن رجب: " في فضل علم السلف على علم الخلف: ليس هذا منهج الصحابة التدقيق في الخطرات والواردات في النفس، وليت كتاب الرعاية للحارث المحاسبي لم يؤلف. ومما يؤخذ عليه في بعض الجوانب، كتاب مدارج السالكين، ومن أنا حتى ألوم ذاك الشيخ الذي نتقرب إلى الله بحبه، ونسأل الله أن يحشرنا في زمرته، وأن نتولاه، لكن هناك مسائل نبه عليها بعض المحدثين: أنها من التعمق الذي ما عرف في الصدر الأول، كمنزلة البرق واللمع والفناء إلى غير ذلك.

المراء والجدال والتعصب بغير دليل

المراء والجدال والتعصب بغير دليل ومن العلم الدخيل: الخوض في القضاء والقدر: روى ابن ماجة في المقدمة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج على قوم من أصحابه, يقولون في القضاء والقدر، فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان، تغير صلى الله عليه وسلم وغضب، وقال: {أبهذا أمرتم, أم بهذا بعثتم؟} ثم نهاهم صلى الله عليه وسلم. ومن العلوم الدخيلة: الجدال والمراء: قال ابن قتيبة: ما دخل المراء قلباً إلا أخرج طاعة الله منه، وقال عمر بن عبد العزيز: المراء نفاق، وقال عليه الصلاة والسلام: {الجدال في القرآن كفر} رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وأحمد في مسنده وسنده صحيح عند أهل العلم. إذا جلس طالبان في مجلس، فقال أحدهم: هذه الآية ترد على هذه الآية، قال: بل ترد عليها هذه الآية، فصنيعهم هذا كفر بالله العظيم، نعم. هذا حكمه الكفر عند أهل العلم. ومن العلوم الدخيلة: التعصب المذهبي بدون دليل, وبدون تقيد بالدليل: فمن رجح مذهباً على مذهب لا لدليل شرعي، فعلمه وبال عليه وهو علم دخيل، حتى وصلت المبالغة بالعلم الدخيل عند بعض المسلمين، أنهم يقولون: أنه لا يجوز للشافعي أن يتزوج امرأة حنفية، ولا يجوز للحنفي أن يتزوج امرأة شافعية، ونصوا في بعض كتبهم، هل يجوز للحنفي أن يصلي وراء الشافعي؟ ومن شك في هذه فليعد إلى بعض كتبهم وحواشيهم ويقرأها، بل في حاشية ابن عابدين أتى في أوله بحديث موضوع, يقول: قال صلى الله عليه وسلم: أبو حنيفة سراج أمتي، قال: وابن الجوزي يقول: هذا الحديث موضوع؛ لأن ابن الجوزي حنبلي متحامل على الأحناف، فأقول: رحم الله الجميع، لكن هذا من العلم الدخيل الذي ذكروه.

الإسراف في الفكر والاشتغال به

الإسراف في الفكر والاشتغال به ومن العلم الدخيل: الإسراف في الفكر والاشتغال به، وإشغال الناس وتضييع العمر، مرت بنا فترة شربنا فيها أفكاراً وتقيأنا أفكاراً ليس فيها آية ولا حديث، كلام فكري مصفوف, والإسلام لا يعترف بمفكرين، بل يعترف بعلماء، أما كلمة فكر، فجديدة وأجنبية ودخيلة على المسلمين، فالفكر يستفاد منه في جوانب رد الشبه، وفي جوانب وسائل تبليغ العلم, أما أن يكون علماً مستقلاً فهو علم دخيل.

جعل الوسائل مقاصد

جعل الوسائل مقاصد ومن العلوم الدخيلة -وهي آخر عنصر- جعل الوسائل مقاصد كالنحو والأدب، ولا يغضب عليَّ الأدباء ولا اللغويون، فإن أهل العلم كـ الذهبي والإمام أحمد وابن مخيمرة وابن رجب قالوا: من أسرف في هذه العلوم وجعلها مقاصد, فقد ضيع العلم المهم, وقد اشتغل بما لا ينفع ولا يفيد، وقال ابن مخيمرة لأحد النحاة: إياك وطلب أكثر من الحاجة في علم النحو, فإن أوله بغي وآخره عدوان. وأنا مستعد لمن أراد أن يطلبني بالسند أن أخرج له السند عن الإمام أحمد أنه قال لـ أبي عبيدة معمر بن المثنى اللغوي: يا أبا عبيدة! لا تتشاغل بهذا النحو, فإنه مشغلة عن المهم، قال ابن رجب: النحو المحمود منه ما علمك الكتاب والسنة، وما زاد فلا حاجة له، كرد البصريين على الكوفيين، وقال سيبويه، ورد عليه الكسائي في مسائل لا تستخدمها في الكتاب ولا في السنة، وكذلك الأدب والشعر، قال الشافعي كما في سير أعلام النبلاء المجلد العاشر، في ترجمة الشافعي: الشعر أقلل منه أو أكثر، فهو غث، وقال ابن عباس كما في عيون الأخبار لـ ابن قتيبة: احفظ من الشعر الشاهد والمثل. الشعر شريف في ثلاثة مواطن: أن تقدمه بين يدي حاجتك، أو أن تجعله وسيلة لتبليغ دعوة الله, أو تستشهد به في آية أو في معنى حديث، وما زاد على ذلك فلو حفظت دواوين الدنيا ما نفعك وإنما شغلك، وهذه من العلوم الدخيلة. وإن الموضوع طويل طويل، ولكن أكتفي بهذا، سائلاً المولى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً, وأن يفقهنا في دينه، وأن يجعل علمنا نافعاً مفيداً خالصاً لوجهه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ونعوذ به من العلم المذموم، العلم الضار الدخيل، الذي يضيع علينا أعمارنا وشبابنا: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران:193] وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

التعالي على علماء المذاهب

التعالي على علماء المذاهب Q هذه قضية من أخطر القضايا التي غرق فيها من يسمون أنفسهم طلاب علم هناك بعض طلاب العلم، لا يقيم للمذاهب الأربعة ولا للأئمة الأربعة وزناً، ويقول: نأخذ الفقه من الحديث، ولا نأخذ من أبي حنيفة وابن حنبل، فهم رجال ونحن رجال، وهؤلاء يحفظ أحدهم جزءاً من القرآن الكريم، ولا يحفظ عشرة أحاديث, وهو جاهل بعلوم الأصول, والقواعد الفقهية، وجاهل باللغة وقواعدها ولا يعرف عاماً ولا خاصاً ولا يعرف ناسخاً ولا منسوخاً، فما رأي فضيلتكم؟ A هذا السؤال وارد, وقد كتب فيها أهل العلم رسائل وكتباً ومجلدات, منهم: ابن الوزير في العواصم والقواصم، ومنهم: الشوكاني في رسالة في التقليد ومنهم: ابن القيم في جزء من إعلام الموقعين، ومنهم: الشاطبي في الموافقات وابن تيمية في المجلد العاشر، وتعرض لهذه المسألة وغيرهم من أهل العلم، قال ابن تيمية في أول كتاب الاستقامة: الناس في هذه المسألة ثلاثة أقسام: طرفان ووسط: طرف قال: نأخذ علمنا من هذه المذاهب أي: الرأي، ولا ننظر إلى الكتاب ولا إلى الدليل, وهؤلاء العلماء ما أتوا بهذا العلم إلا لأن الله عصمهم وفتح عليهم، فنأخذ علومنا منهم، وقد كفونا الاستنباط، وأراحونا من تعب التحصيل وطلب الدليل، فهم مقبولون فأخذ الدليل منهم، قال: هذه الطائفة مخطئة، ثم ضرب مثلاً لا أذكره في هذا الجانب، أنتم تعودون إليه لكيلا نمس بعض الأشخاص. وقال: وقابلتهم طائفة في الطرف الآخر وقالت: لا نلتفت لهؤلاء الأئمة الأربعة, ولا لغيرهم من العلماء -كما ورد السؤال- ونأخذ من الآيات والأحاديث، ونحن أصبحنا في درجة تخولنا إلى الاستفادة، قال: وهؤلاء مخطئون أيضاً. وتوسطت طائفة: وهم فقهاء أهل الحديث، هكذا ينص ابن تيمية في المجلد الرابع: أهل الحديث بمنزلة الصحابة، وأهل الكلام بمنزلة المنافقين في عصره صلى الله عليه وسلم، فيقول: وتوسط فقهاء أهل الحديث وقالوا: نستفيد من آراء أهل العلم هؤلاء، أبو حنيفة رحمه الله، والشافعي وأحمد رحمهم الله والليث والأوزاعي وسفيان وغيرهم, ولكن لا نجعلهم معصومين، وإنما نطلب دليل كل واحد منهم، فعلى طالب العلم أن يطلب الدليل كما نص العلماء، فنستفيد من العلماء, لكن بشرط أن يصح الدليل، فلا يكفيك أن يقول الإمام أحمد بهذه المسألة وقال الحنابلة بهذه المسألة، ثم لا تفهم الدليل، ولا إذا أتاك من الإمام أحمد مسألة ترميها عرض الحائط وتقول: أنا رجل وهو رجل، نعم، لكن هو إمام أهل السنة وفتح الله عليه، وحفظ مائة ألف حديث في الأحكام، ومائة في غيرها, ومائة في المقطعات, ومائة من الآثار. فالمقصود: أن نحترم هؤلاء العلماء، ونقبل علمهم بشرط أن نعرف الدليل أيها الإخوة، فإنك إن أخذت -مثلاً- مسألة القراءة وراء الإمام، فالأحناف يقولون: لا نقرأ لأن أبا حنيفة يقول: لا يُقرأ وهو إمام، فنقول: ما هو دليلكم؟ فيقولون: دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: {من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة} فنبحث عن هذا الحديث فإذا هو في الدارقطني بسند ضعيف، وإذا في مسلم: {لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أو بأم القرآن} أفنترك هذا لأن أبا حنيفة قال هذا؟ إذاً فجواب ما تفضل بسؤاله السائل؛ أن الحكمة كل الحكمة أن نحترم هؤلاء الأربعة، ونضعهم على رءوسنا وفي عيوننا، ولا نجعل كلامهم شريعة، فإنهم كما قال أحد العلماء الفضلاء من الأحياء الآن: (يحتاج إلى كلامهم ولا يحتج بكلامهم) فننقل كلامهم ولا نمقتهم -نعوذ بالله من ذلك- لكن لا نجعلهم مشرعين وقد تعرض ابن القيم لها وقال: إنهم ليسوا مشرعين، وإنما هم علماء مجتهدون, نقبل أقوالهم إذا وافقت الدليل, فهذا ما عندي في هذه المسألة. فملخص ما قلته: إن لطالب العلم أن يقرأ في مذهب, لكن عليه أن يتقيد بالأدلة، لا يكفيك متناً فقهياً مجرداً عن الأدلة, تأخذ حقه وباطلة وصحيحه وسقيمه، ناسخه ومنسوخه، ركيكه وجزله، ثم تقول: أنا على هذا الكتاب، لكنك تأخذ هذا المتن وتقرنه بالأدلة، وتعود إلى كلام أهل العلم، فتأخذ الصالح وترد الطالح، هذا هو المنهج السديد, وأحسن ما يعاد إليه ابن تيمية في أول كتاب الاستقامة، ورسالة الشوكاني في الاجتهاد والتقليد، وكتاب ابن رجب في كتاب فضل علم السلف على علم الخلف والذهبي في كتاب زغل العلم إلى غيرها من الرسائل، وأريد أن أختصر.

الأناشيد

الأناشيد Q هل الأناشيد التي تسمى بالأناشيد الإسلامية من العلم الأصيل أم من العلم الدخيل؟ وما هي الأناشيد التي نستطيع أن نقول إنها أناشيد إسلامية؟ هل هي تلك التي تقرب القلب من طاعة الله عز وجل، أم تلك التي تقرب القلب إلى القسوة والبعد عن طاعة الله؟ Aلو علمت أنك ستسأل عن هذا السؤال لقلت: إن هناك علماً أصيلاً وعلماً دخيلاً وعلماً بينهما، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فالعلم الأصيل وجبة غذاء, وأما مثل الأناشيد فهي مشهيات أو ملهيات، فما أستطيع أن أضمها إلى الأصيل ولا إلى الدخيل، لأني إذا ضممتها إلى الأصيل لا بد أن يكون فيها نفع ومقصد وثمرة، وإن ضممتها إلى الدخيل فإنه يكون فيها ضرر وبهت وإسراف وضياع، فالأناشيد بحسب النية، لكن لا بد من التحرز منها، أما الأناشيد الإسلامية التي تدعو إلى مكارم الأخلاق, ولا تصحب بعزف, ولا ناي, ولا طبل، ولا تأنث، فهذه جيدة. وأما الأناشيد التي تدعوا إلى الغزل, وإلى السخف, وإلى الفحش أو صاحبها آلة لهو فهذه نضمها إلى العلم الدخيل، وأما الأناشيد في جانب الشعر, فيحفظ منها الشاهد والمثل، فهناك علوم قد لا تدخل يسميها صاحب الموافقات الشاطبي من ملح العلم، لأنه قسم العلم إلى ضروري, وإلى ملح, وإلى ضار؛ فهذا من المُلح. نخرج من المسألة خروجاً من الخلاف لأنه من الملح.

التوفيق بين العلم الأصيل وعلم ما تحتاج إليه الأمة

التوفيق بين العلم الأصيل وعلم ما تحتاج إليه الأمة Q يبدو من كلام فضيلتكم أن العلم الأصيل هو الوحي وما يتصل به، وكيف نوفق بين ذلك وبين كلام العلماء الذين يقولون: إذا احتاجت الأمة إلى علم أياً كان ولم يتعلموا هذا العلم أثموا جميعاً، ويدخل فيه الطب والهندسة وغيره من العلوم؟ A أنا معك في هذا الكلام، والحقيقة أقول لكم: إن العلم الأصيل يحتاج إلى بعض النقاط، أو ما يندرج في العلم الأصيل؛ لكن: تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد الوقت ضيق والنقاط كثيرة، والمحاضرة ذات شقين: شق أصيل, وشق دخيل، فالعلم الأصيل يدخل فيه كل ما نفع المسلمين، يقول ابن تيمية: كل علم نافع فهو علم أصيل، والذي ليس بنافع فليس بأصيل وصحيح أن أهل الطب والهندسة، والتربية، ومن لف لفهم، وأهل التاريخ، والجغرافيا من كان في الساقة كان في الساقة، ومن كان في الحراسة كان في الحراسة، وربما إنسان يدرس التاريخ أو الجغرافيا أتقى وأورع وأخشى لله ممن يدرس التفسير والحديث والفقه، هذا موجود وأنفع للمسلمين، فأنا أقول: لا يشترط في العلم أن يكون تفسيراً وفقهاً وحديثاً، لكنني جعلت العلم الأصيل نافعاً مثمراً، تدخل فيه ما استطعت، وجعلت العلم الدخيل ضاراً مضيعاً للوقت مفرط صاحبه فأدخل فيه ما شئت, والأحسن أن توضع فيه قاعدتان: أصيل نافع ودخيل ضار، فأدخل كل نافع في الأصيل, وأدخل كل ضار في الدخيل.

علم الفرائض

علم الفرائض Q ذكرت أن من أقسام العلم الأصيل علم الفرائض، ولكن وللأسف كثير من طلاب العلم يتهرب من هذا العلم, وهذا خطر شديد على الإسلام والمسلمين، أرجو توضيح هذا الأمر والإرشاد إلى الصواب؟ A علم الفرائض، من صدقه صلى الله عليه وسلم الذي وقع حدسه في الأمة، أن علم الفرائض بدأ يهمل وينسى، وهو أول علم ينسى, ولذلك حث صلى الله عليه وسلم على تعلمه، وقال في بعض الآثار: هو نصف العلم؛ لأن علم الحياة المواريث، وعلم الآخرة علم القلوب, أو ما يقرب من الله عز وجل, وهذا العلم في الحقيقة قصرنا فيه كثيراً, لأسباب منها: أن هذا العلم يحتاج إلى مصاحبة دائمة ومسائلة، فإذا تركته فترة من الوقت نسيته، فلا بد لمن أراد هذا العلم أن يكون له كل يوم ولو مسألة يتشاغل بحلها وتقسيمها, حتى يبقى متذكراً لهذا العلم، ولذلك تجد أكثر الناس تذكراً له المفتون والقضاة. والسبب الثاني: أنه ليس هناك من يشجع، وأدخل على المسلمين بعض العلوم، أدخلت مجلدات كبار ككبر الأسمنت مكتوب عليها الثقافة الإسلامية، ليس فيها ما يسمن ولا يغني من جوع، كلام كله مصفوف: الإسلام دين عدالة، ودين قوة، عناصر مركزية تنطلق من أطر وتنبثق في بوتقة، وهكذا فنشغل به (576) صفحة ونقرأه ليلة الامتحان، ونلخصه في عناصر ومن أطر وتنبثق في بوتقة، وهكذا فنشغل به (576) صفحة ونقرأه ليلة الامتحان، ونلخصه في عناصر ولا نأتي بجيد، فلو كانت ثقافتنا من الكتاب والسنة أو من الكتاب الذين كتبوا في الثقافة بعمق، لكان أحسن. ولكن نجعل لعلم الفرائض حظاً، ولعلم أصول الفقه، وكل علم نأخذ منه بنصيب، ولذلك نحن بحاجة لأن نتعلم بعض العلوم، وأنا أذكر أن من أهم العلوم التي قررت علم التربية، أما رأيتم منهج التربية عند المسلمين للنحلاوي، ما أحسن إشراقه واستشهاده وعرضه، وأسلوبه وصدقه وإخلاصه في الكتاب! وكيف أثر في الكثير من الشباب! لأننا بحاجة لهذا العلم, وبماذا نقابل الناس، إذا كان عندهم تربية وعرضوا لنا في الأسواق تربية؛ أنقول لهم: حدثنا قتادة؟ وإذا قالوا: هل عندكم علم نفس؟ نقول: قال: شعبة عن الأعمش أو الأعمش عن شعبة، لا بد أن نقابل السلاح بالسلاح، وعلم الفرائض نعود إليه ونقول: هو من المهمات، وأولى ما يتعلم في المساجد، وأحسن طريقة أن يجتمع ثلاثة أو أربعة من الشباب فيخصصون له يوماً في الأسبوع، فيتدارسون هذه المادة، ويحلون فيها ويقسمون، ليبقى هذا العلم محفوظاً فإنه من أشرف العلوم.

حقيقة كتمان العلم

حقيقة كتمان العلم Q ما المقصود بكتمان العلم؟ وهل صحيح أن كتمان العلم، أن يسألك أحد فلا تجيب وأنت تعرف الإجابة، أو ترى الباطل ولا تمنع؟ A كتمان العلم: هو عدم إظهاره للناس، هذا أمر, وعدم إفتاء المفتي عند الحاجة إلى الفتوى مع تخلف المانع، بألا يخشى على نفسه ضرراً أعظم من فائدة أو مصلحة الفتوى، لأنه ما كل مسألة يلزمك أن تجيب فيها، بعض الإجابات قد تذهب برأسك، فقال أهل العلم في هذا: أجدر لك أن تعتذر، نص على ذلك الإمام أحمد في كتاب الورع، لك أن تعتذر عن مسألة, لأنك إذا أجبت فيها ذهبت برأسك، فما كل إنسان ينبغي له أن يجيب، ثم إلى الحاجة، أن ترى حاجة السائل لهذا العلم، بألا ترى أنه يريد أن يستدل ببعض الأمور, أو يتعمق معك بعض التعمق، فيريد منك أن تجيبه على حسب هواه، فهذا متنطع لا ينبغي أن تجيبه، كأن يسألك فإذا رأى عندك تشديداً ذهب إلى فلان, وقال: ما حكم هذه وهذه؟ فشدد عليه فذهب إلى فلان فإذا رخص له، أخذ فتواه وذهب إلى أهله وقال: فتح الله على الشيخ فلان، أما هو فقد آتاه الله علم الأولين والآخرين، أما أولئك فما عندهم من العلم شيء، وذلك لأنه وافق مراده فهنالك أن تمنع، وكتمان العلم -بارك الله فيكم- قسمان: القسم الأول: ألا تظهره للناس وألا تنشره، ولا تعلمه، فهذا من الكتمان، وذلك فعل بني إسرائيل، ينطوي الإنسان بعد أن يتعلم بدون خوف أو ضرر, ويقول: لا أنشر علماً ولا أتدخل بالناس، نفسي نفسي أنشغل بها ولا أنشغل بالناس. والقسم الآخر: كتمان السائل أو المستفيد حينما يعرض لك: وواجب طالب العلم: ألا يتكلم بجهل, وألا يكتم علماً، فإذا سئلت عن مسألة فلا تقل: لا أدري، فإن بعض الورع سفه وقلة حياء، كأن يسألك إنسان بدوي لا يعرف شيئاً يقول: أريد أن تتوضأ لي، فيحملك الورع, وتقول: الله ورسوله أعلم، أحمي سمعي وبصري، اذهب إلى العلماء فاسألهم، فإن الإمام مالك سئل في خمسين مسألة ما أجاب إلا في ثمان مسائل، فأنا أقول: لا أدري. هذا من السخف والسفه، فيجب عليك أن تجيبه لأنك عرفت المسألة. والأمر الثاني: أن يأتي إليك سائل طلق زوجته في مجلس وأنت لا تعرف كلام أهل العلم، واختلافات الحديث، وبعض المسائل قد تصعب عليك، فتخشى من أهل الحارة أو من القبيلة أن يقولوا: تخرج من كلية الشريعة وهو لا يعرف شيئاً فتقول: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، هذه المسألة الصحيح فيها كذا وكذا، لما رواه ابن ماجة من حديث فلان، وما روى ابن ماجة حديثاً ولا أنت تعرف الجواب، فتتعمد الجهل، فهذا يلجم بلجام من نار, وذاك يلجم بلجام من نار، إذاً فالواجب أن نفتي فيما تعلمنا ولا يحملنا الورع أن نهز رءوسنا ونقول: لا ندري، فبعض المسائل يعرفها حتى العوام, وأما بعض المسائل فنقول: لا ندري، ونحن صادقون، ومن وفقه الله سدده وثبته.

حفظ القرآن

حفظ القرآن Q ذكرت أن أفضل العلم تعلم القرآن وحفظه، فنرجو منك أن تعطينا بعض الإرشادات لتساعدنا على حفظ القرآن؟ A حفظ القرآن من أكبر القضايا في حياة المسلم، ولذلك إذا سمعت بعض الناس يقول: ليست القضية قضية حفظ قرآن؛ فاعرف أنه إبليس, أما بعضهم فقد يجلس معك المجالس الطويلة في غير مثمر فكر، مورد، إنشاء، تعبير، فإذا قلت: دعنا نحفظ آيتين، أو نتدبر آيات، قال: لا. القضية ليست قضية حفظ قرآن. إذاً قضية جهل، وقضية تضييع وقت، أما حفظ القرآن فهو من أكبر القضايا, ولحفظه وسائل نسأل الله أن يعيننا وإياكم على تنفيذها لنحفظ كتابه: أولها: تقوى الله عز وجل: فإن من اتقى الله علمه وفهمه وحفظه. ثانيها: كثرة الاستغفار: يقول ابن تيمية: إنها لتعجم عليَّ المسألة فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر فيفتحها الله عليَّ. الثالثة: التقليل من المحفوظ: قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: يا طالب العلم! قلل وداوم, فإن التقليل والمداومة أصل عظيم، وبعض الطلبة أو الإخوة، أخبروني أن أستاذاً قال لهم قبل أربع سنوات أو خمس سنوات: احفظوا كل يوم آية فتضاحكوا في الفصل، وقالوا: نحفظ آية فقط! الآية قليل، قالوا: والله لقد مرت بنا فترة حسبنا الأيام التي مرت وما حفظنا كل يوم آية، لو حفظنا كل يوم آية لختمنا القرآن جميعاً. يقول: أحفظ سورة الكهف في يوم، فيحفظ ويجهد نفسه في اليوم الأول ثم يأتي اليوم الثاني وقد انقطعت حباله، وتقطعت أوصاله, ونسي فريقه, وتكسرت أضلاعه، فما يستطيع أن يعود إلى المصحف مرة ثانية، لأنه مل وكل وفتر، وفر وهر، فالواجب التقليل والمداومة، هذا أصل عظيم يكتب بماء الذهب، قال: الجاحظ في كتاب الحيوان: قلل من المحفوظ وداوم، آية واحدة، آيتين, ثلاث آيات. الأمر الثالث: إذا قرأت الآية أو الآيتين أن تكررها حتى تكون على لسانك كاسمك الذي سماك به أبوك، قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] تكرر هذه الآية إذا أردت أن تحفظها خمسين مرة، ما تكرر أربع مرات، بعض الإخوة أخبرني أنه حفظ وكان يكرر أربع مرات، يقول ابن الجوزي: ما حفظت مقطعاً إلا كررته سبعين مرة، وقال أبو إسحاق الشيرازي صاحب المهذب: كنت إذا أردت أن أحفظ أسطراً من الدرس أكرره مائة مرة, وإذا حفظت قياساً كررته ألف مرة، وعودوا إلى كتاب المجموع ترجمة أبي إسحاق أو إلى سير أعلام النبلاء. فالتكرار أن تكرر المقطع ولو كنت حافظاً، كرره حتى تمل، ولذلك سمعت جارية سيدها يكرر مقطعاً يقول: قال أهل العلم وهي قواعد أربع، من قواعد القفال المروزي , فأخذت الجارية تقول: يا هذا! ما حفظت، أنا حفظت من أول كلمة، قال لها: بيني وبينك الأيام، وبعد شهر قال: ماذا يقول القفال، قالت: ما أدري، قال: يقول أهل العلم وهي قواعد أربع إلخ؛ لأنه كرر كثيراً وهي اكتفت بأول مرة. والسادس: أن تقرأه في الفرائض والنوافل: فتقرأه إذا صليت بالناس، فإذا قرأت به في الصلاة فاعلم أنك قد حفظت وفهمت. والأمر السادس: أن تفهم معنى الآية: قال ابن تيمية: وفهم معنى الآية مُعينٌ على حفظها وعلى تيقنها في القلب، وهذا موجود، بعض العوام يردد الآيات: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً} [الأحزاب:25] أو مثلاً قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً} [الأحزاب:9] ما يدري ما هي الريح، وما هي الجنود, وما هم الأحزاب, يظن أن الأحزاب واد في الجنة، أو نهر فيها، فإذا ضيع معنى الأحزاب ما درى، لكن الذي يفهم المعنى، يعرف الأحزاب وملابسات القصة وأولها وآخرها، ولذلك سمع أعرابي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] قرأها أحد البله (إن الله عزيز حكيم) قال الأعرابي: امرأته طالق ثلاث، ما يقولها الله، قال: لماذا؟ قال الأعرابي: ما يقول الله عزيز حكيم بعد غفران الذنب؟ قال: دعني أنظر في المصحف فوجد: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] فعرف أنه صحيح، ولذلك إذا فهم طالب العلم المعنى حفظ اللفظ، ومن ذلك أنه إذا ذكر الله آيات النهار يقول: (لعلهم يبصرون) لأن البصر في النهار أقوى، وإذا ذكر الله الليل يقول: (لعلهم يسمعون) فآلة السمع في الليل أقوى، وإذا ذكر الله الحدود وتنفيذ العقوبات والجلد والفرش والضرب، ذكر (عزيز حكيم) وإذا ذكر الرحمة واللطف، ذكر (غفور رحيم). فالمعنى يعين على ذلك (الربط والشبك) ويسمى عند الشناقطة التخييل، أن تشبك المقطع في الآخر، لا تحفظ ثلاث آيات اليوم، ثم تأتي في اليوم الثاني تفصل، لكن اشبك هذه الآية لتبقى محفوظة في ذهنك. وقال البخاري: مما يساعد على الحفظ إدامة النظر في المصحف. أيضاً: أن يكون لك مصحف واحد، لا تقرأ في العشاء في مصحف وفي المغرب في طبعة أخرى، فتأتي تجمع من هنا ومن هنا، تتصور الآية في اليمين, ومرة في الخلف, ومرة أمامك. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أسباب الانحراف

أسباب الانحراف كل مولود يولد على الفطرة، ثم تأتي عوامل الانحراف فتصرفه عن فطرته، والناس بعد ذلك إما أن يعرف طريق الحق ثم يزيغ عنه أو لا يهتدي إطلاقاً، أو أن يكون زائغاً ثم يهديه الله. ولهذا الزيغ أسباب لا بد من معرفتها، لكي نكون على بصيرة منها لنتقيها ولنحذر منها عل الله أن يثبتنا على الصراط المستقيم، فمن استقرأ أحوال الزائغين وجد أسباباً كثيرة وعديدة، وفي هذا الدرس بيان لثمانية أسباب منها.

الانحراف عن طريق الجنة

الانحراف عن طريق الجنة الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أسعد الله لياليكم بالمسرات، وأيامكم بالخيرات، وجمعنا بكم في الجنات، عنوان هذا الدرس "أسباب الانحراف". عن منهج الله، فما هي أسباب الانحراف؟ ولماذا ينحرف العبد عن طريق الهداية إلى طريق الغواية؟ ولماذا ينحرف العبد عن منهج الله؟ ولماذا يعرض عن كتاب الله؟ هذه الأسئلة وأمثالها تجيب عنها هذه المحاضرة إن شاء الله. أسباب الانحراف جمعت في ثمانية أسباب، أسردها، ثم أشرحها والله المستعان! أول أسباب الانحراف عن منهج الله، وعدم طاعة الله، والانطواء تحت ظلال الله: خبث النفس. والثاني: اتباع الهوى. والثالث: الفراغ القاتل. والرابع: الغفلة عن ذكر الله. والخامس: الصحبة السيئة. والسادس: طول الأمل ونسيان الموت. والسابع: التربية على العواطف. أما الثامن: فهي معايشة الوسائل التي تحطم مصداقية الإيمان.

خبث النفس

خبث النفس قلت: إن أول أسباب الانحراف: خبث النفس، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23] يتحدث سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن قوم انحرفوا عن منهجه وضلوا، فيتساءل المتسائل لماذا رفضوا المسجد؟ ولماذا رفضوا القرآن؟ ولماذا أعرضوا عن الهداية؟ قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23] معنى الآية: لا خير فيهم، وفي رواية عن موسى عليه السلام: {أنه كلم الله، فقال: يا رب! تدخل الجنة قوماً وتدخل النار قوماً فلم؟ قال: يا موسى! ازرع زرعاً، فزرع زرعاً، قال: احصده، فلما اكتمل حصده، قال: يا موسى! لم تركت هذا؟ -أي: القصب بقية العلف- قال: لا خير فيه، قال: وأنا أترك في النار من لا خير فيه} {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:2] أي: لا خير فيهم، ولا سداد، ولا زلفى إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وقال سبحانه: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36]. قال أهل العلم: أي من صد عن منهج الله عز وجل قيض الله له قرين سوءٍِ يأخذه إلى الضلال، فمن ترك المسجد، أين تجده؟! أتظن أنه في الجنة؟! لا. هو في المقهى! من ترك المصحف فهو مع المجلة الخليعة، ومن ترك التلاوة فهو مع الأغنية الماجنة! {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:3]. قيل للجعلان: لم نزلت إلى هذا المستوى؟ قال: همتي أنزلتني. الجعلان هذا حيوان يعيش دائماً في القذارة، إذا خرج من القذارة مات، فما يعرف إلا القذارة، مثل الخفاش فإنه أول ما يرى الشمس يموت. يقول أحد الشعراء في رجل من الناس يبتغي الغواية دائماً، يقول: إذا أدلج الأخيار للفضل في الدجى سريت لزرع الشر في كل منزل وإن غرسوا غرس الفضائل في العلا حصدت رخيصاً من قتاد وحنظل والمعنى: أنت دائماً لا تحب الخير، الناس يسهرون مع كتاب الله، وأنت تسهر في الغواية -والعياذ بالله- والناس يتقربون من الله، وأنت تتقرب من الشيطان. الناس يصونون ذممهم وأخلاقهم بأخلاق الإسلام، وأنت دائماً تنتكس في المعصية والغواية، وهما بيتان لطيفان، حبذا لطالب العلم أن يحفظهما. يقول أحد الأدباء: دخلت على فلان، وكان ماجناً ضائعاً لا يعرف الحياة، فقال: كلما دخلت عليه وجدته يغني بعود، وعنده باطية خمر -والعياذ بالله- يشرب، ويدَّعي الإسلام وأظنه مسلماً، قال: وكلما دخلت على يزيد بن هارون وجدته يقرأ القرآن ويبكي -يخرج من بيت يزيد بن هارون المحدث الكبير فيقابل بيت هذا المجرم- قال: وكلما دخلت على هذا وجدته يغني ويشرب الخمر، وأدخل على يزيد، وهو جاره، فأجده يقرأ القرآن ويبكي. يزيد بن هارون: عالم زاهد من العباد الكبار، بكى من خشية الله حتى عمي. قال له أحد تلاميذه: أين العينان الجميلتان يا يزيد بن هارون؟ قال: أذهبهما والله بكاء الأسحار، لكنها عند الحي القيوم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: {من ابتليته بحبيبتيه، فصبر عوضته عنهما الجنة} وعوض الله لا عوض مثله، وعزاء الله لا عزاء يشابهه، هذا خبث النفس، وهو السبب الأول، ولذلك لا تجد أحداً يتقرب إلى الله إلا قربه الله. من الذي أتى إلى باب الله فرده؟ من الذي سأل الله فما أعطاه؟ من الذي استهدى الله فما هداه؟ لكن العبد هو المنحرف: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5] هم الذي بدءوا في الزوغان والانحراف، فلما بدءوا ختم الله على قلوبهم، ولذلك يقول بعض الشباب: مالي لا أهتدي؟! أنت الذي عطلت أسباب الهداية، فلو أردت أن تهتدي لحافظت على الصلوات الخمس، وأتيت إلى مجالس الخير، وإلى المحاضرات الإسلامية، وإلى الدروس النافعة، ولسمعت الشريط الإسلامي، ولقرأت الكتاب الإسلامي، ولرفعت يديك إلى الحي القيوم الذي يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]. الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بيده كل شيء، أجلسكم هنا، وأجلس غيركم في خمارات الخمر وبارات الدعارة -والعياذ بالله- يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولكن يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] فأنتم بدأتم إن شاء الله خطوات، فاجتباكم، فنسأل الله أن يثبتنا وإياكم.

اتباع الهوى

اتباع الهوى إذا ركب الهوى العقل؛ ضل صاحبه، ومن أطاع هواه قتله، وما عصى العصاة ربهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى إلا لكثرة الهوى وغلبته، يرى النار محرقة، ولكن يحترق، ويرى الهول ولكن يركب الهول، ويرى المضرة ولكن يتناول المضرة، قال سبحانه: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26] ومن اتبع الهوى وحكَّمه أضله الله في الدنيا والآخرة، وكثير من الناس، يعرف من نفسه أن الإسلام خير، والصلاة في المسجد طيبة، لكن يقول: والله لا أستطيع، ورجالٌ أدمنوا في المخدرات طلب منهم التوبة فرفضوا، وقالوا: لا نستطيع. وسوف أذكر نماذج من هؤلاء.

أبو جهل واتباع الهوى

أبو جهل واتباع الهوى يقول أبو جهل للرسول عليه الصلاة والسلام: أعلم أنك صادق، وأنك لا تكذب، ولكن تقول؟ بنو عبد مناف منا نبي، فما نقول؟ وقال أبو جهل في مجلس قريش: إني أعلم أن محمداً لا يكذب، ولكن قال بنو هاشم: فينا السقاية، فقلنا: فينا الرفادة، فقالوا: فينا الحجابة، فقلنا: فينا الراية، فإذا قالوا: فينا النبوة، فماذا نقول؟! قال سبحانه: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33] يقول أحد الماجنين من الشعراء وقد نصحه العلماء أن يتوب فما تاب، يقول في بيتين يصور نفسه يوم غلبه الهوى، وقتل نفسه به، ولكن ما أناب ولا تاب، يقول: أتوب إليك يا رحمن مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب وأما من هوى ليلى وترك زيارتها فإني لا أتوب أستغفر الله! قيل له: تب، قال: ربه الهوى. ولذلك بلغ بعض الناس منزلة لا يستطيع أن يتوب، وبعضهم يبكي وهو في الذنب، فيقال له: تب، قال: والله ما أستطيع، ولقد حاولت كل محاولة وجربت نفسي فما استطعت، بل بعضهم انهزم أمام سيجارة الدخان، فما استطاع أن يتوب منها وأعلن فشله، فقال: لا أستطيع. يقول سيد قطب في كلام معناه: " يا عاصياً! حاول مائة محاولة، حاول ألف محاولة، ووراء الألف محاولة لعل الله أن ينصرك في الواحدة بعد الألف ". جلس أحد الحكماء بجانب شجرة؛ وكانت الشجرة ملساء، فرأى نملة تصعد في الشجرة، فكلما صعدت سقطت، ثم تصعد فتسقط، ثم تصعد فتسقط، ثم صعدت فأعانها الله حتى ارتقت، فقام الحكيم، فقال: " الخط الذي طوله ألف خطوة يقطع بخطوة " يعني: بالصبر. صابر ولا تضجر من مطلب فآفة الطالب أن يضجرا أما ترى الحبل بطول المدى على صليب الصخر قد أثرا ولعلَّ الله أن ينظر إليك في ساعة يعطي فيها من يشاء، ويهدي فيها من يشاء فيهديك هدايةً ما بعدها ضلالة، وتعرض لنفحات الله عز وجل في ساعات الإجابة، وأدبار الصلوات، وما يدريك لعل يوم هدايتك اليوم، أو غداً، أو بعد غدٍ، فلا تيأس من روح الله: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]. الهوى غلب بعض الناس حتى أرداهم في النار والعياذ بالله، والمبتدعة ورؤساء المبتدعة غلبهم الهوى.

الجعد بن درهم واتباع الهوى

الجعد بن درهم واتباع الهوى الجعد بن درهم هذا الفاجر بدعي، قرأ القرآن فابتدع في دين الله، الله عز وجل يقول: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] قال: ما كلمه، ويقول: ما اتخذ الله إبراهيم خليلاً، فاستتابه حكام الإسلام، كـ خالد بن عبد الله القُسَري، قال: تب، قال: لا أتوب، وقال: والله لوددت أني أمحو قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء: 164] من المصحف. ورئي في المنام أن الله مسخه قرداً، أتي به يوم عيد الأضحى، والمسلمون في المصلى، فأتى به خالد بن عبد الله القسري، فوقف خالد، فقال: تب يا جعد! قال: لا أتوب. سبحان الله! صاحب الضلالة لا ينحرف عن الضلالة، والمهتدي ينهار! الحبل برقبته، والسيف على رأسه، ويقول له الأمير أمام الناس: تب وإلا ذبحناك، قال: لا أتوب -وهو على ضلالة، غلبه الهوى- فقال خالد في آخر الخطبة: يا أيها الناس! ضحوا تقبل الله أضحياتكم، فإني مضح بـ الجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، ثم سل سيفه، فذبحه مستقبلاً القبلة {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36]. يقول ابن القيم يروي القصة في ثلاثة أبيات: ولأجل ذا ضحى بـ جعد خالد الـ ـقسري يوم ذبائح القربان إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني شكر المضحي كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان يقول: من أراد أن يتقرب إلى الله فليفعل مثله، ومن أراد أن يضحي فليضح بمثل أضحيتك، فالبدنة عن سبعة.

مخالفة الإمام أحمد للهوى

مخالفة الإمام أحمد للهوى قال رجل للإمام أحمد وهو في السجن، الإمام أحمد يجلد بسبب وقوفه نصرةً للسنة، الإمام أحمد قاد أهل الإسلام في وجه البدعة، قال له المأمون: قل القرآن مخلوق، قال: لا. فجلدوه، قال الذي جلده: والله لقد جلدت الإمام أحمد جلداً لو ضربته جملاً لمات. أُتى بخمار جلد خمسين مرة، فسجن مع الإمام أحمد. ووضع في زنزانة الإمام أحمد، ليهينوا الإمام أحمد. الإمام أحمد لما كتفوه في الليل، أتدرون ماذا بحث؟ يقول الإمام أحمد: أدخلوني، وأنا صائم، قال: ووضعوا الحديد في يدي، وأركبوني على فرس فخشيت أن أسقط من كثرة الحديد، فرموني بالحديد في بيت مظلم، ثم أدخلوا معي خماراً، فأدخلوه في الزنزانة، قال: فالتمست لعلي أجد ماءً أتوضأ، فوجدت ماءً فتوضأت. واستقبل الإمام أحمد القبلة يصلي ويبكي، ويناجي الله، ويقرأ القرآن، فثار هذا الخمار ولم يصبر، منظرٌ عجيب في السجن! يقرأ القرآن ويسبح! وهذا منهار! فقال: يا فلان! من أنت؟ قال: أنا أحمد بن حنبل، قال: لا إله إلا الله، أنت أحمد بن حنبل! قال: نعم. قال: لم سجنوك؟ قال: قلت كذا، وقالوا كذا، قال: وماذا يقولون؟ قال: يجلدونني حتى أقول، قال: يا أحمد! اصبر على الحق، ولا تجب لهم في الباطل، فوالله لقد جلدوني في الخمر خمسين مرة، وأعود كل مرة. فكان الإمام أحمد كلما صلى دعا له بالتوبة، فتاب توبةً نصوحاً: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].

عبد الغني المقدسي يخالف هواه

عبد الغني المقدسي يخالف هواه أتوا بـ عبد الغني المقدسي صاحب الكمال في أسماء الرجال كان من أعبد الناس، ومن أقوى الناس، وكان شرساً قوياً، إذا رأى المنكر لا ينتظر، ولا يتفاهم بالهدوء، وآتاه الله قوة في الجسم، يقولون: كأنه كان ساريةً من حديد، وأسرته قوية. مر بوزير من الوزراء، والوزير على فرس، ومع الوزير بغال محملةً خموراً، يريد أن يدخل بها العاصمة، فقال له: أين تذهب؟ قال: أريد أن أدخل، قال: ما هذه؟ قال: أمور، ففتش، فوجد الخمر، فقفز عبد الغني على هذا الوزير من على الفرس، فحطه في الأرض، وبرك على صدره، وأخذ يلطمه، ثم أخذ سكيناً ففجر كل القراب في الأرض. وهذه نقف معها موقف: متى يكون تغيير المنكر باليد؟ وأحيلكم على ضوابط الأمر بالمعروف، وقد سبق هذا. إنما الشاهد أن عبد الغني هذا سجن، وغضب عليه السلطان، فسجنه مع النصارى في بيت المقدس، فلما دخل السجن، رأى النصارى والصلبان على نحورهم، فقام يتوضأ، وكلما توضأ في الليل صلى ركعتين وبكى شهيقاً كأن القيامة قامت، فإذا جف وضوؤه، ذهب ليتوضأ، فما نام، فلما أصبح الصباح، أتى النصارى إلى السجان، فقالوا: أخرجنا إلى السلطان لنسلم، فأخرجهم فدخلوا على السلطان، فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، قال: مالكم؟ قالوا: رأينا عبد الغني البارحة يصلي من صلاة العشاء إلى الفجر، فذكرنا بالقيامة.

عاقبة من اتبع هواه

عاقبة من اتبع هواه ومن اتباع الهوى كما ورد عند مسلم، قال صلى الله عليه وسلم لرجل كان يأكل بشماله: {كل بيمينك قال: لا أستطيع -تكبراً- فقال له: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال له صلى الله عليه وسلم: لا استطعت -أي: جعلك ما تستطيع- فما رفعها إلى فمه} جعلها الله يابسة: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16]. وتجد المتكبر الذي ركب هواه يعارض السنن الشهيرة، ويفتي في الدين، تجده مفتياً من هيئة كبار العلماء مجتهداً مطلقاً، تعرض عليه المسائل، قال: لا. هذه من القصور، والأمر فيه سعة، وأنتم متشددون، وليس هذا بصحيح، وأمره إلى الله.

الفراغ القاتل

الفراغ القاتل والسبب الثالث من أسباب الانحراف عن منهج الله، وطاعته: الفراغ القاتل. قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] قال أحد السلف: " المؤمن إذا فرغ غفل. قال عمر: [[إنني أنظر إلى الرجل، فإذا رأيته ليس في شأن من شئون الدنيا ولا الآخرة سقط من عيني]] فبعض الناس لا هم له إلا أن يعدد السيارات، ليس عنده عمل. لا يعرف يتنفل، ولا يقرأ القرآن، ولا يسبح، وإنما يجلس في حديقة من الحدائق، أو في دويرة، أو يجلس عند الإشارة، أو على الرصيف، ويأتي من الصباح ينقل السيارة من طرف الشارع، فيوصلها، ويعود يأخذ الثانية، ويوصلها، فما يأتي في المساء إلا ورقبته تكاد تنحط في سبيل اللهو، وأجره على الشيطان. أمير المؤمنين عمر كان يشتغل، فإذا انتهى من عمل الخلافة ذهب فصلى، فإذا انتهى أصلح بين الناس، فإذا انتهى دار على البيوت، فإذا انتهى دخل يتفقد الأيتام والأرامل، فإذا انتهى أتى إلى الدواوين، فإذا فرغ قال لـ أبي موسى: [[ذكرنا بربنا يا أبا موسى!]] فلا فراغ عند المؤمن أبداً، والرسول عليه الصلاة والسلام من أحفظ الناس لوقته، أما الذي يشكو من الضيق والكدر، فهذا لا يعرف معنى الحياة، ولا يعرف سيرة محمد عليه الصلاة والسلام. وقال بعض السلف: " الراحة بطالة ". فإذا رأيت الإنسان يرتاح، أي: ينام كثيراً، فاعرف أنه بطال. سمعت أستاذاً في شريط يقول: والله لقد عرفت رجلاً نام من بعد صلاة المغرب إلى صلاة الظهر في اليوم الثاني، فقلنا: هذا يمكن أن يكون من أصحاب الكهف: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} [الكهف:18] وبعضهم في برنامجه أن ينام إلى قرب الظهر، ليس عنده عمل ولا وظيفة، ولا تسبيح ولا نوافل، ولا شغل ولا شيء، فينام إلى الساعة الحادية عشرة، ثم يقوم، فيفطر إلى الظهر، فإن أحسن وكان من المحسنين صلى الظهر، ثم عاد فتغدى، ثم نام إلى العصر، ثم ذهب بسيارته يجول ويصول إلى الغروب، ثم من المغرب إلى العشاء في جلسة لاهية، وبعد العشاء جلسة حمراء يستعيذ منها الشيطان.

حال السلف مع الوقت

حال السلف مع الوقت أتى قصاص يقص شارب معروف الكرخي وكان معروف يعتمر، فحلق رأسه، ثم قال للقصاص: خذ من شاربي، فأخذ معروف يسبح الله، قال له القصاص: أنا أقص شفتك، اسكت، قال: أنت تعمل، وأنا أعمل، قالوا: ما رئي إلا متمتماً بذكر الله، وقال بعضهم: أظنه يسبح مئات الألوف في اليوم، ويقولون: كان إذا نام عند أهله سبح سبح، فلا يستطيعون النوم. ويقال عنه: ربما مرت عليه بعض الليالي يسبح فيها حتى ينام، فإذا اضطجع على فراشه سبح حتى يؤذن الفجر. وكان سفيان الثوري في بعض الليالي لا ينام نامت الأعين إلا مقلةً تذرف الدمع وترعى مضجعك قيل لـ سفيان: لم لم تنم؟ قال: أردت أن أنام فتذكرت يوم يكون عرش الله بارزاً للناس، فما نمت. وعمر بن عبد العزيز، قيل: أنه مرت به ليلة، فما نام. وأما عمر بن الخطاب، فقد قيل لـ عاتكة: ماذا كان يفعل عمر؟ قالت: إذا أتى إلى فراشه وضع عنده ماء بارداً، فإذا نعس رش وجهه ثم ذكر الله، فإذا نعس رش وجهه، فإذا انتصف الليل قام يدعو ويبكي حتى الفجر، قالت عاتكة: يا أمير المؤمنين! لم لا تنام؟ قال: إن نمت في النهار، ضاعت رعيتي، وإن نمت في الليل، ضاعت نفسي-سلام عليك ورفع الله منزلتك-. الجنيد بن محمد أحد الصالحين، أتى في سكرات الموت، فأخذ يقرأ القرآن، فأتى الناس -قرابته وجيرانه- يحدثونه، وهو في مرض الموت، فسكت وما حدثهم، وأخذ يقرأ القرآن، قال له ابنه: يا أبتاه! أفي هذه الساعة تقرأ القرآن؟! قال: ومن أحوج الناس مني بالعمل الصالح، فأخذ يقرأ ويقرأ حتى انتهى. وابن تيمية لما وصلته الوفاة، قال لمقرئ عنده: اقرأ عليَّ القرآن، فقرأ، فلما بلغ القارئ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55] فاضت روح شيخ الإسلام. عفاء على دنيا رحلت لغيرها فليس بها للصالحين معرج كدأب علي في المواطن كلها أبي حسن والغصن من حيث يخرج سلام عليك في الخالدين، وجمعنا بك في الصالحين، وروض الله روحك في الأخيار الطيبين: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} * {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. وقال الذهبي عن عبد الله بن إدريس العالم الكبير -الله ما أكبره! وما أحسنه! - هذا العالم استدعاه هارون الرشيد ليوليه القضاء، فلما دخل عليه، قال: تولَّ القضاء، قال: لا أتولى، قال: ولم؟ قال: يرسلني أهلي إلى السوق لأقتضي مقاض، فأنسى الغرض الذي أرسلوني إليه، فتوليني أمور المسلمين، قال هارون وقد غضب: سمعت أنك مجنون، قال عبد الله بن إدريس: ما زال أهلي يسمونني مجنوناً إلى اليوم، قال: ليتني ما رأيتك، قال عبد الله بن إدريس لـ هارون: وليتني أنا ما رأيتك، ثم خرج من عنده، فلما حضرته الوفاة، جمع ابنه وبناته، وقال: يا بني! لا تعص الله في هذا البيت، والله لقد ختمت القرآن فيه أربعة آلاف مرة. ذكرها الذهبي بسند صحيح. يقول سبحانه: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان:29] قيل لـ ابن عباس: [[كيف تبكي السماوات والأرض؟! قال: المؤمن يبكي عليه مصلاه ومقعده وممشاه إلى المسجد]]. الخطيب البغدادي المحدث الكبير، كان يأخذ كتاباً إلى المسجد، ويقرأ ذاهباً وآيباً، قيل له في ذلك، قال: أحدث الكتاب، ويحدثني. وقال أحد الصالحين لتلاميذه: " إذا خرجتم من المسجد فتفرقوا لتقرءوا القرآن، وتسبحوا الله، فإنكم إذا اجتمعتم في الطريق، تكلمتم وضاعت أوقاتكم ". ما أحسن هذا الوقت! وما أثمنه! وما أعظم قدره عند الله!. قال الذهبي في ترجمة عبد الرحمن بن أبان بن عثمان حفيد لـ عثمان بن عفان، وعبد الرحمن كان غنياً، كان يجمع أهل البيت من العبيد والموالي فيكسوهم، فإذا أكساهم أعتقهم لوجه الله، فيقول له المسلمون: لماذا؟ قال: أستعين بها في غمرات الموت، وأول ليلة في القبر. فارقت موضع مرقدي يوماً ففارقني السكون القبر أول ليلة بالله قل لي ما يكون يقول هذا الأديب الشاعر: بت عند جاري، مرة فما نمت لأنه تغير المكان، فكيف بأول ليلة من ليالي القبر؟!! يقول أحد الصالحين، وقد دخل على سلطان من السلاطين فرآه مغروراً بالذهب والفضة والخيل المسومة، والأنعام، والحرث، قال له: اسمع مني كلمة، قال: ما هي؟ قال: والله لو عاش الفتى في عمره ألفاً من الأعوام مالك أمره لا يعتريه السقم طول حياته كلا ولا ترد الهموم بصدره ما كان ذلك كله في أن يفي فيها بأول ليلة في قبره أول ليلة هي ليلة عجيبة، ومن أراد أن يتهيأ بضيافة في أول ليلة فليفعل، وليقض على الفراغ، وكان السلف يحرصون على أنفاسهم في سبيل الله، وكانوا يستغلونها. قالوا عن وكيع بن الجراح: كان يصلي مائة ركعة بخشوع وخضوع من غير الفرائض. وقالوا عن أحمد: صلى ثلاثمائة ركعة. والضابط في ذاك السنة، وليس العمل بالكثير، ولكن العمل المخلص الصادق الخاشع لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. قال ابن الجوزي في كلام ما معناه في صيد الخاطر: لمحت فإذا الناس يضيعون الأوقات؛ فهذا يجلس فارغاً في السوق، وهذا يتناول المشايخ على وجه الخدمة، أي: يزورهم، وأصبحت الآن الزيارات كثيرة خاصة بين الشباب، يزوره في الله، ويسهره إلى الساعة (اثنتين) في الله، ويضربه في الله، ويغتابه في الله، أصبح كل شيء في الله، وهذه مضيعة للوقت، إذا لم تحدد الزيارة بجدول لعمل، وإلا فالضياع الحتم الذي ما بعده ضياع. المجد ابن تيمية له شيء عجيب في حفظ الوقت، كان يقول لابنه إذا دخل الخلاء، أو ذهب يغتسل في دورة المياه: اقرأ عليَّ، وارفع صوتك، لعلي أستفيد وأنا هناك، فيقرأ ويرفع صوته. أنفاسهم محسوبة، لأن هذا العمر لا يتكرر.

الغفلة عن ذكر الله

الغفلة عن ذكر الله ومن أسباب الانحراف أيها الأخيار: الغفلة. ولا يصاب العبد بشيء أعظم من الغفلة، والغفلة ركن من أركان الكفر كما قال أهل العلم. قال سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] مرض الغفلة مرض خطير، فتجده ينتبه لكل شيء إلا للدين، والذكر، والقرآن، تجد أحدهم يعتني بكل شيء: بسيارته، وبمطعمه، وبملبسه، وبمشربه، وبكل شأن من شئون الحياة، ولكن لا يعرف الدين، سبحان الله! عرف الإنسان حتى جهاز الكمبيوتر، ولا عرف الطريق إلى الله، وتجده مشغولاً عن الدين ومستعداً أن يضحي بكل وقت إلا في الاستقامة، مستعد أن يتكلم عشرات الساعات لكن بغير ذكر الله، وأن يقرأ من المجلات والصحف ما شاء، لكن في غير كتب العلم.

أسباب الغفلة

أسباب الغفلة ومن أسباب الغفلة: أن بعضهم قد يلعب، أو يغني، أو يرقص، أو يعرض أربع أو خمس ساعات، لكن إذا صلى التراويح فطول الإمام قليلاً شكا وبكى، وناح وصاح، وأتى بالأحاديث، خفف، يا أيها الإمام! من شق على أمة محمد شق الله عليه, وإن لجسمك عليك حقاً، والدين يسر، والقصد القصد، وإن منكم لفتانين، ونحو هذا. على كل حال: هذه من علامة الغفلة، ونحن لا نأمر الناس بالإطالة على الناس بالعبادة، لكن الحكم بيننا جميعاً السنة. قال عمار بن ياسر: {أرسلني صلى الله عليه وسلم إلى قوم من الأعراب في ضواحي المدينة، فأتيت، فإذا هم ليس لهم همٌّ إلا الإبل، فجمعتهم لأعلمهم كتاب الله -أي: يجمع الأعراب الذين عندهم إبل وغنم ليقرئهم الفاتحة- قال: فأتيت، فإذا قوم كالمجانين، نفروا إلى إبلهم لا يريدون، فعدت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخبرته، فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له}. ولذلك تجد بعض الناس فيه غفلة عجيبة، لا يزيد من فقهه وفهمه في الدين، ولا من سؤاله، ولا من ذكره وصلاحه، ويعيش في غفلة وسبات عميق لا يعلمه إلا الله. ولذلك فمن أسباب الغفلة: سكن البوادي، ونحن لا نقول لأهل البوادي: تعالوا، انقلوا من البوادي إلى المدن، لا. لكن نقول لهم: اعتنوا بدينكم وانتبهوا. ومنها: القرى فهي من أسباب الغفلة، قال في حديث ثوبان، وفي سنده نظر، أورده البخاري في كتاب الأدب المفرد، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {يا ثوبان! لا تسكن الكفور، فساكن الكفور كساكن القبور} أي: لا تسكن القرى. بعض القرى تمر عليها سنة لا تسمع فيها درساً ولا محاضرة، فهي من أسباب الغفلة التي ما بعدها غفلة. قال ابن تيمية: " هؤلاء يفهمون مجمل الدين، ولا يفهمون تفصيل الدين ". لأن الدين يحتاج منك كل يوم أن تفهم معلومة أو آية أو حديثاً، أما أن تعيش ستين سنة، وأنت على دينك الأول، فلا يصح، فأنت لا ترضى في الدنيا أن تعيش في بيت واحد هذه الفترة، أو ترضى بسيارة واحدة، أو بثوب واحد، كل يوم تجدد إلا الدين. قال رجل لـ أبي هريرة: [[أريد أن أطلب العلم، لكن أخاف أن أنساه، قال أبو هريرة: كفى بتركك طلب العلم إضاعة]]. يقول: الآن ضيعت العلم عندما خفت أن تنسى العلم. ومن أسباب الغفلة: عدم الحرص على طلب العلم: كان المجرمون يقولون: الإنسان إذا بلغ كذا وكذا لا يطلب العلم. أبو بكر طلب العلم وهو شيخ في الأربعين، وعمر طلب العلم وهو كبير، وعثمان طلب العلم وهو كبير، وأصبحوا من العلماء في الدنيا. قال البخاري: " وتعلم أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام في الكبر ". ولذلك يطلب من الإنسان أن يتعلم ولو كان في الثمانين ويطلب ويتفقه ويجالس أهل العلم، وطلبة العلم، عل الله أن يفتح عليه. قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43].

بعد السلف عن الغفلة

بُعْد السلف عن الغفلة وقال وهب بن منبه في قوم غافلين: ألجأني المطر فدخلت في بيت على قوم جلوس، فرأيتهم في حلقة كبيرة، فقلت: الحمد لله، وفقني الله بجلوس مع أخيار ما بعدهم أخيار، رأيت لحاهم وعمائمهم، قال وهب بن منبه العالم العابد: فلما رأيتهم سمعتهم يتحدثون، قلت: لعلهم يتحدثون في العلم فأستفيد، قال: فإذا هذا يقول: متى أتى ابنك؟ هل أتى بمال؟ ويقول هذا: هل بعت سلعتك؟ ويقول هذا: هل كسبت؟ قال وهب بن منبه: لقد ساء ظني بكم، قالوا: ماذا؟ قال: مثلي ومثلكم كمثل رجل أتى عليه مطر وليل، فرأى باباً مفتوحاً، فظن أن وراء الباب بيتاً، فدخل فهرب من هذا الباب، ثم دخل الباب، فوجد أنه مكشوف إلى السماء، فلما خرج فإذا هو فضاء، قال: فهذا كمجلسي مع مجلسكم، وهؤلاء الذين لا يقربونك من الآخرة، ولا يقصد من ذلك: أن تكون مجالسنا كلها ذكر، لكن أن تكون في المباحات التي لا غيبة فيها ولا كذب. مر الحسن البصري بفتيان يضكحون يوم العيد، قال: يا فتيان! أجزتم الصراط حتى تضحكون؟! قالوا: لا، ما جزنا، فقال: لا يضحك إلا من تجاوز الصراط. الحسن البصري لم يكن يضحك، يقولون: كان يتبسم، وقيل له: لماذا لا تضحك؟ قال: كيف أضحك؟! ولعل الله اطلع علي، فقال: اعمل، وعزتي وجلالي لا أغفر لك، أو كما قال. يقول ابن القيم في بدائع الفوائد: " عجباً لك يا من تخالف الله كل يوم! الخضر رافقه موسى فخالفه ثلاث مرات، فقال له في الثلاثة: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] أفما تأمن أيها العبد وأنت تخالف الله كل يوم أن يقول الله لك: هذا فراق بيني وبينك ". فلذلك الحسن يلوم من يضحك ويلهو كثيراً، والضحك مباح، لكن إذا أصبح عادة وبلادة، وأصبح إلفاً وعدم زيادة في الخير، أصبح صاحبه غافلاً عن طريق الهداية. يقولون: قالوا لعيسى بن مريم عليه السلام، وقد مر بهم وكان ذاهباً إلى المصلى: ألا تلعب معنا؟! -وهو طفل- قال: ما خلقني الله للعب، قال الله عنه: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} [مريم:12] وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. كان بعض السلف إذا واجهوا بعضاً قال: في كم ختمت القرآن؟ كم قرأت اليوم؟ كم سبحت؟ كم صليت؟ ليس من باب الرياء، لكن ليتشجع بعضهم ببعض.

الصحبة السيئة

الصحبة السيئة أيها المسلمون! ومن أسباب الانحراف: الصحبة السيئة. ألا إني أحذر نفسي وإياكم من قرناء السوء: الذين وقفوا في طرق الهداية يصدون شباب الإسلام، وحرفوا وبدلوا في سيرة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام.

الأصحاب ثلاثة

الأصحاب ثلاثة قال أحد العلماء: الأصحاب ثلاثة: صاحب كالهواء، وصاحب كالدواء، وصاحب كالداء، فأما الصاحب الذي كالهواء فهو الذي لا تستغني عنه، فإذا انقطع الهواء عنك مت، فهو الذي يقربك من الله، ويدلك على الله، ويحبب إليك ذكر الله، فهذا الصاحب كالهواء، لا تفارقه دائماً وأبداً ما استطعت، زره، وجالسه، واسأله، وادع له. وصاحب كالدواء، وهؤلاء أهل المنافع، لا تحتاج إليه إلا وقت الطلب، وضربوا على ذلك أمثلة، مثل: الفران أو الخباز، تحتاج إليه إذا أردت خبزاً في الصباح، أما أن تجلس دائماً مع الفران، وتقول: أحبك في الله، ولا أستغني عنك من الصباح إلى المساء، فهذا ليس بصحيح، والخياط تحتاجه عندما تحتاج ثوباً، والنجار لإصلاح الأبواب، والمهندس للسيارة، فلا يحتاج إليه إلا وقت الحاجة. وصاحب كالداء يعديك، وهذا السم الزعاف، وهذا الذي يقربك من النار، ويقودك إلى الخزي في الدنيا والآخرة -والعياذ بالله- وهذا اهرب منه، وفر منه فرارك من الأسد، واجعل ثوبك في فمك، وتوكل على الله واهرب. قال أحد الصالحين: " إذا رأيت الرجل يتهاون في تكبيرة الإحرام مع الجماعة، فاغسل يديك منه"، يعني: تب من مرافقته وقالوا: إذا رأيت الإنسان يتهاون عن فرائض الله، فلا تصاحبه قيد أنملة. وقال جعفر الصادق لابنه: " يا بني! لا تصاحب ثلاثة: لا تصاحب عاق الوالدين فقد لعنه الله، ولا تصاحب فاجراً فيعديك بفجوره، ولا تصاحب كذاباً، فإن الكذاب يقرب لك البعيد، ويبعد عنك القريب ". وهذه من أحسن الوصايا. فالصحبة الصحبة. أحذر نفسي وإخواني من جلساء السوء الذين صدوا عن منهج الله. يقول أحد الصالحين في صاحب له اسمه محمد يكسب بمنظره وبمسيرته أحسن الصفات، قال: صحبت محمداً فكسبت منه خلائق من بهاها الليل يبسم فقلت له: وايم الله إني بحبك يا أخا العلياء مغرم فقال: تهن في عيش كريم كذا من صاحب الأخيار يكرم

سبب ذكر الكلب في القرآن

سبب ذكر الكلب في القرآن قال ابن كثير رحمه الله: " صاحب الكلب أهل الكهف وهم صالحون فذكره الله في القرآن ". كلب صاحب الصالحين فتشرف بهم، وذكره الله في القرآن، وما نسيه سبحانه، والله لا ينسى، فقال: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18]. يقول سيد قطب وهو ينقل لنا الحدث والصورة على مسرحية الحياة: " تدخل الغار فتجدهم نياماً، والشمس تزاور عنهم، وتقرضهم ذات اليمين وذات الشمال، وصور لنا فتحة الغار، واتجاه الغار، وعددهم، وأين الكلب ". قال أهل العلم في هذا دروس: أولها: الكلب لم يدخل معهم من الأدب، فهو كلب محترم، ويقولون: لم يدخل معهم الغار؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة، وبقي هناك؛ ولأن هؤلاء صالحون. قال: والدرس الثاني: أنه بأدبه ما ذهب وراء الغار، فبعض الكلاب غبي تضعه عند الباب من أجل أن يحرس، فيذهب وراء البيت ينام، أو يلهو ويلعب، أو لا يميز بين الضيوف وغيرهم، وإنما ينبح لهذا وهذا، وهذا كلب غبي، والكلب الذكي: هو الذي يقف بالوصيد، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18] قالوا: وهي هيئة الكلب، فما وقف ليستغرب موقفه، وما أدبر، وإنما بسط، قال: ومن كرامة الله عز وجل لمن صاحب الأخيار أنه أماته معهم، فمكثوا ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى -اسمعوا أسلوب القرآن-: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} [الكهف:18] يقول: عيونهم مفتحة، ولحمهم على هيئته، وأجسامهم وأيديهم، ويمكث الإنسان منهم ثلاثة أيام، أو أسبوع، أو شهر، أو سنة، ثم يميل وينقلب، وبعد عشر سنوات ينقلب على الجهة الثانية، وبعد خمسين سنة يمل من جنبه الأيمن، فينقلب، قال أهل العلم: ينقلبون لئلا تأكلهم الأرض. قال ابن كثير: " انظر كيف صاحب الكلب الشرفاء، فتشرف بهم، فذكره الله، وصاحب أبو طالب النذلاء كـ أبي جهل وأمثاله، فأدخلوه النار ".

الصاحب ساحب

الصاحب ساحب أتى صلى الله عليه وسلم الخبر أن أبا طالب في سكرات الموت، والذي أخبره! هو أبو الحسن علي بن أبي طالب سيف الله، رجل المهمات، فقال: يا رسول الله! عمك الشيخ الضال في سكرات الموت. لا يقول أبي؛ لأن النسب مقطوع في هذا، نسب الولاية، أما نسب الولادة فموجود، فأتى عليه الصلاة والسلام يريد أن يدرك آخر فرصة مع هذا الرجل الذي دافع عنه، وقدم دمه وماله، وكان سيداً من السادات، يقول في قصيدة: كذبتم لعمر الله نبزي محمداً ولما نقاتل دونه ونناضل يقول: والله، لا ندفع لكم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نقطع دونه، فدخل عليه الصلاة والسلام، وأبو طالب في سكرات الموت، وإذا بـ أبي جهل وعبد الله بن أبي أمية جالسان عنده، والحديث في صحيح مسلم، فقام رجل من جانب أبي طالب من عند رأسه، فقام صلى الله عليه وسلم ليقرب منه، فقام أبو جهل حتى يحل المكان الشاغر، فقال صلى الله عليه وسلم: {يا عم! قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، يا عم! قل لا إله إلا الله فأراد أن يقولها، فقال -النجس الرجس الخبيث المخبث- أبو جهل: أتريد أن تموت على ملةٍ غير التي مات عليها عبد المطلب، فقال: لا. هو على ملة عبد المطلب، فمات عليها فدخل النار}. جليس السوء الجرار، قال أهل العلم: الصاحب ساحب، وقال عبد الله بن المبارك: [[من ذا الذي يخفى إذا نظرت إلى قرينه]].

الصحبة الحسنة وثمرتها

الصحبة الحسنة وثمرتها ويقول ابن المبارك: وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفاف وحياءٍ وكرم قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم وقال رحمه الله: إذا صاحبت قوماً أهل ودٍ فكن لهم كذي الرحم الشفيق ولا تأخذ بزلة كل قوم فتبقى في الزمان بلا رفيق وقالوا: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي جزاء من صاحب الصالحين ثلاثة أمور: أن يزيده الله علماً وفهماً وتوفيقاً. وأن تدركه دعوتهم في الدنيا. وأن ينال شفاعتهم في الآخرة. أولاً: تزداد منهم حسناً إلى حسنك، ينفعونك علماً ونسكاً وزهداً. الأمر الثاني: يدعون لك بظهر الغيب، ألا دعوةٌ مستجابة، دعوةُ قريبٍ وحبيب لحبيب. الأمر الثالث: يشفعون لك: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. قال أهل العلم: ينفع بعضهم بعضاً في الآخرة، وقال سبحانه عن المعرضين: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:100 - 101] ومفهوم مخالفة الآية: أن لو كان لهم أصدقاء بررة لنفعوهم بإذن الله لو كانوا معهم.

طول الأمل ونسيان الموت

طول الأمل ونسيان الموت أيها الأحباب! ومن أسباب الانحراف: طول الأمل: الأمل هو: أن تجعل في مخيلتك أنك ستعيش ستين أو سبعين أو ثمانين أو مائة سنة، ولذلك أكثر الشباب -ونحن منهم- لا يتصور الموت، ونظن أنه لا يموت إلا الكبار، وكأن عادة الناس أنه لا يموت الإنسان إلا إذا كبر، أو عمي، أو أصابه صمم، أما الصغار فنادراً أن يموتوا، وبالاستقراء يقولون: الموت في الشباب أكثر، وسبب طول الأمل (سوف) قالوا: من زرع شجرة سوف تنبت له نبتة لعل، فيها ثمرٌ اسمه ليت، يذوقه الإنسان وطعمه الخيبة والندامة، ولذلك فلا يردد (سوف) إلا أخيب الناس، اقرأ القرآن، قال: إن شاء الله سوف أقرأ، إن شاء الله سوف أحفظ، لماذا لا تتوب؟ قال: أنا مصمم وعندي تخطيط بإذن الله، لكن لا أريد أن يكتشفه أحد؛ لأن عندي تخطيطاً في أمور، فبعد أن أبني بيتاً، وبعد أن أتمم الأمور أتوب إلى الله توبةً نصوحا، وأحج إن شاء الله، ثم أتوب. أتحج السنة هذه؟ قال: لا. أنا إن شاء الله سوف أحدد الحج الذي أتوب فيه، ثم أتوب توبة ما بعدها توبة، ثم يموت وهو لم يتب بعد، لماذا لا تترك هذه المعصية؟ قال: أنا سوف أتركها، لكن هناك بعض الأمور والملابسات أنت لا تعرفها ولا يكتشفها إلا مثلي وأمثالي. يقول ابن عثيمين الشاعر النجدي الميت رحمه الله: نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلَّ الردى مما نرجيه أقرب ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب وفي أولها يقول: هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب هذا ينزل، وذاك يركب، وكل يوم نودع غادياً ورائحاً إلى الله.

حال الناس مع طول الأمل

حال الناس مع طول الأمل اجتمع قوم من الصالحين كما قال ابن عبد البر: فتذاكروا قصر الأمل، قال أولهم: أما أنا فبلغ بي قصر الأمل أني ما أصبحت إلا وقلت لا أمسي، قالوا: أملك طويل، وقال الثاني: وأنا والله ما رفعت رجلي، إلا ظننت أني لا أضعها في الأرض حتى يبادرني الموت، قالوا: أملك طويل، قال الثالث: أما أنا فوالله ما أخرجت نفساً، إلا ظننت أني لا أخرج النفس الآخر. صح عنه صلى الله عليه وسلم {أنه قضى حاجته، ثم أتى فتيمم، فقال الصحابة له: يا رسول الله! الماء قريب، قال: لعلي لا أبلغه} ربما أموت دون الماء، فالماء كان بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أمتار، فلما قضى صلى الله عليه وسلم حاجته تيمم ليكون على طهارة، ومشى إلى الماء، فقال الصحابة: يا رسول الله! الماء قريب، قال: لعلي لا أبلغه. ومر عليه الصلاة والسلام بـ ابن عمر، وهو يبني بيتاً من سعف النخل ويقويه، فقال: {ما هذا يا ابن عمر! قال: بيت لنا يكننا يا رسول الله! من المطر، ويظلنا من الشمس، قال: الأمر أعجل من ذلك} موتك قريب، وصح في حديث: {إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح} وهو عند البخاري من كلام ابن عمر، ولكن رفعه بعض أهل العلم من الصحابة إلى محمد عليه الصلاة والسلام. الخليفة العباسي المتوكل أعطى الإمام أحمد أموالاً لا يعلمها إلا الله، ركَّب على البغال والخيول أموالاً من الذهب والفضة، والإمام أحمد يحتاج إلى كسرة الخبز، وليس عنده من الدنيا إلا القليل، قالوا: لماذا لا تأخذ أموال المتوكل؟ قال: طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وأيام قلائل حتى نلقى الله، ولذلك مات الإمام أحمد، ومات المتوكل، فهل نفع هذا ماله، وهل ضر هذا فقره، لا. ذهبوا إلى علام الغيوب. وقال الحسن البصري: دخلت على بشر بن مروان وهو أمير، فرأيته بطيناً سميناً أبيض غضاً غشوماً ظلوماً، والحراس على رأسه بالسيوف، ووالله ما خرجت من قصره، إلا والأطباء يستدعون، فدخلت مع الأطباء، فإذا هو يبرم في الأرض كالحية، فمات، هذا بشر بن مروان أخو عبد الملك بن مروان، كان أميراً على العراق، وهو المقصود بقول الشاعر: قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق تولى الإمرة والجنود كانوا على رأسه بالسيوف، وفي لحظات أتته سكرات الموت: {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:6 - 7] {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]. انتفض وقال: عليّ بالأطباء فدخل الأطباء فما أدركوه إلا وقد مات. الخليفة المعتصم فاتح عمورية، الذي دائماً نكرر قصيدة أبي تمام فيه، هذا المعتصم خليفة عسكري كان يأخذ السيخ الحديد يكتب اسمه في الهواء، يقولون: ربط رجله اليمنى بوتد في الأرض، وربط اليسرى بوتد، ثم قفز من الأرض على ظهر الفرس، فاقتطع الوتدين والخيوط. كان من أقوى الناس، ويقولون: أنه أخذ ذراع أحد القواد، فأراد أن يلويه بإصبعين، قال: لا تكسر ذراعي، وصاح القائد، قال الذهبي، أو ابن كثير: " ما سمعنا بأقوى منه، لكن مات في الأربعين فما نفعته قوته ". يقول: أتته سكرات الموت ما مرض قبلها، لكن أتته بغتة، مثل الجلطة، فنزل، فقال: علي بالقواد، فأسرعوا، قال: علي بالعلماء، فأسرعوا، قال: علي بالأمراء، فأسرعوا، قال: أموت الآن؟ قال العلماء: تموت بالإجماع أي: أفتوا أنه يموت، ثبت الهلال، قال: كيف أموت؟ قالوا: تموت، ذق الموت، قال: لو أعلم أني أموت الآن ما فعلت ولا فعلت، أي: لو علمت ما كنت فعلت بعض الأفعال. {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62] غفر الله للمعتصم صاحب عمورية، دهده مدن الروم، أحرق هذه في قلب هذه، ونكس مئات الألوف من رءوسهم، وأشعل عليها النار، وأغلى عليها قدور اللحم، وأطعم القواد، وهو الذي يقول أبو تمام فيه: السيف أصدق إنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب رمى بك الله ركنيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم يصب يقول: الله الذي رمى بك من السماء، الله الذي نصرك، وأما غير الله فلن يصيب مرمى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17]. قيل لنوح عليه السلام في طول الأمل وفي قصره، وقد عاش ألف سنة إلا خمسين عاماً: كيف رأيت الحياة؟ قال: والله لقد رأيت الحياة كبيت ذي بابين دخلت من هذا، وخرجت من هذا. معاوية بن أبي سفيان عاش ثمانين، أو أكثر، قال: لبست كل شيء، فما وجدت كلباس التقوى، وذقت كل شيء فما وجدت كالصبر، وطعمت كل شيء فما وجدت كغلبة الرجال، أو كما قال، وما بقي من لذتي في الحياة إلا أن أجلس مع أخٍ يقربني من الله ليس معي ومعه أحد، يضع الكلفة عني، وأضع الكلفة عنه. ومن طول الأمل، قال سبحانه للخائبين النادمين الفاجرين المعرضين عن منهجه: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون:112 - 113]. مر شيخ من قبيلة غفار قد بلغ السبعين سنة وأصبحت لحيته بيضاء -وهي طويلة على صدره- بأطفال يلعبون في سكة، فلما رأوه تضاحكوا، قال: مالكم؟ قال أحدهم: يا عم! بكم اشتريت هذه القوس يعني: اللحية، قال: يا بني! باعها الدهر مني بلا ثمن، وسوف يعطيك قوساً مثلها، يقول: انتظر قليلاً. نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي الإمام أحمد التفت فجأة، فرأى الشيب في لحيته، قال: " والله ما مثلت الشباب إلا بشيء كان في يدي، ثم سقط من يدي ". بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغن البكاء ولا النحيب ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب

التربية على العواطف

التربية على العواطف والسبب السابع في الانحراف بين الناس قاطبة: تربيتهم على العواطف، لا يربون على القرآن، ولا على نوافل، ولا على علم شرعي، وإنما على عواطف. الرسول عليه الصلاة والسلام ربى الصحابة على الجهاد، ورباهم على الذكر والقرآن وعلى الصيام والنوافل.

التربية على المجاملة

التربية على المجاملة أما تربية الناس على العواطف، فمثل المجاملة، بعض الناس لا يستقيم إلا مجاملة، أو إعجاباً بأشخاص، وقد رأينا بعض الناس قد يرافق في مركز صيفي، أو مخيم، فلحبه لبعض الأشخاص يستقيم، لا لحبه الله، ولا لحبه رسول الله، يعجبونهم في دلهم وسمتهم كذا فيستقيم، ثم ينحرف؛ لأنه استقام للمجاملة، وبعضهم يستقيم للدرجات وللمنافع، كما يفعل بعض الطلبة إذا أتت أعمال السنة ربى لحيته، فأصبح كأنه من الفقهاء السبعة، وجلس في الفصل هادئاً، وسوى غترته بخشوع وخضوع، وعليه آثار السكينة حتى كأن من رآه تستقر الثعالب على رأسه من السكينة، فإذا -وهذا حاصل- وضعت الدرجة، حلق لحيته. صلى وصام لأمر كان يطلبه لما انتهى الأمر لا صلى ولا صاما {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف:175].

التربية على الأناشيد

التربية على الأناشيد ومنها من أسباب التربية التي تثبت الانحراف التربية على غير إيمان وعمل صالح وعلم نافع، بل على الأناشيد: أي إن بعض الناس وسيلتهم الوحيدة النشيد، ففي الصباح نشيد، وفي الظهر نشيد، وفي العصر نشيد، يذهبون يعتمرون نشيد، ويرجعون في الليل ينشدون، أصبحنا وأصبح النشيد لله، وأمسينا وأمسى النشيد لله، دائماً نشيد، لبيك واجعل من جماجمنا لعرشك سلماً، ولا قرآن، ولا حديث، ولا آيات، فلذلك هؤلاء يستقيمون معهم، فإذا انتهى المخيم، انتهى الأناشيد. هل يستعد الإنسان أن يكون معهم دائماً بالأناشيد، تنتهي الأناشيد، فيعود، هذا على العواطف، فلا تكفي، ولذلك ينتكس بعض الشباب كثيراً؛ لأنهم ما ربوا على إيمان.

التربية على المنافع والمصالح

التربية على المنافع والمصالح كإيمان الأعراب، الأعراب يقولون: كانوا يؤمنون، فإذا رأوا المطر، وأخصب لهم العام، ودرت لهم أغنامهم، قالوا: هذا دين خير، فإذا أتى الجدب والقحط وقلة الأمطار، قالوا: دين شر، فقال سبحانه: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:200 - 201]. الأعراب المعرضون يقولون: أعطنا ما تريد أن تقدمه لنا اليوم، حتى قيل: كانوا يحجون مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول الأعرابي: اللهم كثر غنمي، اللهم أدر ضرعها، اللهم أكثر المال. فيقول له بعض الصحابة: ادع في الآخرة، قال: لا. الأول هنا في الدنيا. وخرج أعرابي كما يقول ابن الجوزي: خرج من منى على الحرم، فأسرع سريعاً، ثم دخل من باب الحرم، ثم قفز على أستار الكعبة، قال: اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس، أي: اغفر لي قبل أن يزدحم عليك الناس، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا تزدحم عليه الحوائج، ولا تكثر عليه الطلبات، فهو الغني سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كما في الحديث القدسي: {يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر} وهذا يقول: قبل أن يدهمك الناس. ومنها ما ذكره عليه الصلاة والسلام يوم أعرض عن قوم تربوا على المنافع، تألف قلوبهم، فما جعلهم عليه الصلاة والسلام هم الطليعة، وإنما الطليعة المهاجرون والأنصار، وأهل بدر وأحد، أما الذين أسلموا بعد الفتح، فهم يأتون في المرتبة الثانية؛ لأنهم أسلموا بالإبل والبقر والغنم والمال، أعطى صلى الله عليه وسلم قوماً، وترك بعض الصالحين، ثم قام يخطب، فقال عليه الصلاة والسلام: {إني لأعطي أناساً لما جعل الله في قلوبهم من الطمع والهلع، وأدع آخرين لما جعل الله في قلوبهم من الإيمان منهم عمرو بن تغلب -أحد الصحابة-. وأعطى صلى الله عليه وسلم رؤساء العرب الأموال، وترك الأنصار، فوجد الأنصار في أنفسهم، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: أما ترضون يا معشر الأنصار! أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ قالوا: رضينا بالله قسماً ونصيباً} أي: رضينا بالله رباً، وبنبي الله رسولاً.

معايشة الوسائل التي تحطم مصداقية الإيمان

معايشة الوسائل التي تحطم مصداقية الإيمان أيها المسلمون! ومن أسباب الانحراف في صفوف الكبار والشباب والفتيات: معايشة الوسائل التي تحطم مصداقية الإيمان وهي: وسائل اللهو واللغو والغناء والمجون، ولها أضرار سبعة، فاسمع إليها:

رؤية المجتمع المتفسخ

رؤية المجتمع المتفسخ أولها: رؤية المجتمع المتفسخ على الفيديو والشاشة، وفي المجلة، فيرى الشاب نفسه ويسائلها: لماذا أعيش أنا في هذا الوضع وهؤلاء في جنة؟ حتى أن بضعهم يقول: أما الأمريكان فعجل الله لهم الجنة في الحياة الدنيا، فهم يعيشون في جنة، ويقول الشاب حين ينظر الرجل يسلم على المرأة في منظر الخزي والعار والدمار والعهر -والعياذ بالله- فيقول: وأنا لماذا أعيش هذا الحبس؟! فكأنه يشك في مصداقية الإسلام، صباح مساء دائماً، وهذا الفيلم يراه، وتتكرر هذه الصورة عليه، ألا يحدث ذلك ارتباكاً في قلبه؛ لأنه لا يسمع آيات الله، ولا أحاديث رسوله، ولا سيرة السلف، ولا الخوف من الله، فدائماً تطرق عليه هذه فيقول: عجيب، لماذا هذا الضنك؟ فيقول: أنا محبوس والناس مطلقون؟! لماذا أتقيد؟! فقد خسف بالأمريكان وهم يفعلون هذه الأفعال، فنقول له: ولا تعجبك أموالهم، ولا أولادهم، ويقول سبحانه: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128] ويقول: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16].

مسح معالم الدين من القلب

مسح معالم الدين من القلب ومنها مسح معالم الدين من القلب، فما تكرر عبد على وسائل الإفساد إلا مسحت معالم الدين، وهيبة الله من قلبه، فالذي يتحدث دائماً عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي في المجالس، ليس كالذي ينظر إلى أعداء الله من الخواجات، والمستغربين، والمستشرقين، وأذنابهم، فتصبح سيرة أبي بكر وعمر عنده لا شيء، ولذلك الآن تجد بعض الناس إذا حدثته عن أبي بكر، فليس عجيب عنده أبو بكر، فلا يعرف عن أبي بكر شيئاً، أليس أبو بكر رجل مثل الناس تولى الخلافة. وعمر، قال عمر: سمع أنه الخليفة الثاني رضي الله عنه فيه خير، وسمعنا أنه رجلٌ طيب، فمثله مثل أحد الحمقى كما يذكرون: ذكر له إبراهيم عليه السلام، قال: سمعت أنه كان كفء. الأحباش أتوا يعرضون في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم -أتدرون ما هي القصيدة التي عرضوا بها؟ - أخذوا الحراب يقولون: محمد عبد صالح، محمد عبد صالح، فهو محطم كيان الوثنية، ورافع رءوس البشرية، وهادي الإنسانية. يقولون: محمد عبد صالح، أي: فيه خير، فلذلك الذي يعيش على هذه الأمور، يمسخ معالم الدين والتاريخ من قلبه، فلا يفهم شيئاً.

إضعاف التحصيل العلمي

إضعاف التحصيل العلمي فلا يعرف له قدوة لأن قدوة المسلم في العالم، أولها محمد صلى الله عليه وسلم. وأما التحصيل العلمي: فأضعف الناس تحصيلاً علمياً من كان مصدر ثقافته هذه الأمور، ويظن ظان أن الصحف اليومية تنمي الثقافة، وهذا خطر، الصحف اليومية أخبار، وليست علماً، ومن جعل ثقافته وتحصيله وعلمه من الصحف اليومية، فهو من أقل الناس تحصيلاً، ولا بد أن تعرف الواقع، ولا بد أن تطلع على ما يدور، ولا بد أن تقرأ حتى كتب الشر إذا أمنت وتحصنت بالعقيدة، ولم تكن خائفاً على نفسك، لكن أما أن تكون أسباب علمك وحصيلتك هذه الأمور فلا. ولذلك تجد بعض الناس يقرأ الصحف ثلاث ساعات في المكتب، يقرأ الجزيرة، فإذا انتهى قرأ عكاظ، ثم الندوة، ثم المدينة، ثم الشرق الأوسط، ثم المسلمون، ثم ما شاء، ودائماً على هذا المنوال، لكن اسأله بعد شهر، كم في ذهنه من الآيات؟! كم عنده من الأحاديث؟! كم يحفظ من قصص؟! كم عنده من التأصيل العلمي؟! لا شيء؛ لأن الصحف ليس فيها علم، صفحتين إعلان عن الأسمنت، وصفحة عن أناس ضيعوا توابعهم، وإعلان عن العطور والكحول، من أراد أن يشتري، وسيارة تويوتا موديل جديد/ عبد اللطيف جميل، واستقبل وودع، أهذه أخبار قد تهمه! قد تنفع لكن في جانب، كذلك الصيدليات المناوبة، ودرجات الحرارة، وهذه ليست علماً، ولا بد للإنسان أن يقرأها، أما أن تكون ثقافته اليومية، فهذا ليس بصحيح، ثقافتك اليومية المصحف، ورياض الصالحين، لا بد من حزب من القرآن، وثلاثة أحاديث من رياض الصالحين تقرأها أنت وأهلك، تستمع الشريط الإسلامي، أما أن تقف على هذه، فليس بصحيح، فانتبه لنفسك.

داء التقليد: الاستهانة بالمناهي

داء التقليد: الاستهانة بالمناهي ومنها: داء التقليد، مما تسبب هذه الأمور، أنها تسبب التقليد عند الشخص حتى يقلد الكفرة في مشيتهم، وأكلهم وشرابهم، حتى تجد الأطفال يحاولون أن يقلدوا الكافر في لباسه وأكله وكلامه. ومنها: الاستهانة بالمناهي، وبكثرة رؤيتها: كنا قبل أن نعرف المجلات الخليعة وأمثالها عندنا من العيب الكبير أن يخالف الإنسان السنة في كثير من الأمور؛ لأنه يرى المجتمع المحافظ، ويرى المصداقية، ويرى أناساً ينهجون نهج الصحابة، لكن الآن من كثرة ما نرى أصبحت في العادة هذه الأمور سهلة، ولذلك إذا حدثته في هذه الأمور قال: هذه قشور، المسألة أعظم، أنت تقول: المسألة إيمان وقيام ليل، وهو يقول: المسألة ليست مسألة قيام ليل، المسألة أكبر. ولذلك يستهان بالمعاصي من كثرة ما ترى ويحس بها حتى رأينا المجتمع الذي لا يعتني بالحجاب في خارج هذه البلاد المباركة المسددة، أن المرأة من كثرة ما يراها الناس، حتى الشاب المستقيم أصبح يكلمها، وتقول له: لماذا تكلمها؟! قال: الأمر عادي، مع كثرة الإحساس، المساس يبطل الإحساس، أي: من كثرة ما يتداول يبطل هذا الأمر.

الإعجاب بالكافر

الإعجاب بالكافر ولذلك حديث الناس أصبح تعليقاً على ما يدور من الأنباء؛ (الله ما أقوى أمريكا!) وما أقوى روسيا! واختلف الناس هل روسيا أقوى أم أمريكا؟! وعندها من الصواريخ والطائرات ما لا يعلمها إلا الله. وما تذكروا عظمة الواحد الأحد، الذي بيده مقاليد الأمر {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. إن الله ذو القوة المتين، فسبحان الله ما أقواه! فهل يتحدث في قوة الله الذي {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]. سان فرانسيسكو أعظم مدينة في أمريكا، أصابها الزلزال في اثنتي عشرة ثانية، فحطم الكثير منها، لم يأتهم إنذار من الله، قال سبحانه وتعال: ى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:97 - 99] ما أفادهم الرادار، ولا الإنذار المبكر، وإنما: يا غارة الله جدي السير مسرعةً في أخذ هذا الفتى يا غارة الله أيها الإخوة! هذه أسباب الانحراف، ولعلها متأملة من كلام أهل العلم، والسلف الصالح، ومن الأحاديث، وما عندي إلا أن أقدمها، فإن أحسنت فمن الله، وإن أسأت فمن نفسي، وأستغفر الله.

الأسئلة

الأسئلة

الخطأ في الشعر

الخطأ في الشعر Q يقول الأخ: البيت صحته: لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلماً، وليس لعرشك سلماً، فتنبه لذلك؟ A أثابك الله، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو، اللهم إني أتوب إليك، أنا أخطأت، أصلاً يا أخي ليست قراءة حفص ولا شعبة، وليس هذا حديثاً نبوياً، بل هذا شعر، إن قالوا: لعرشك ولعزك، الأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة لا يرون سجود السهو عند هذا الخطأ.

توزيع الوقت بالحق

توزيع الوقت بالحق Q هناك بعض الدعاة يقولون: أنتم كيف تربون الناس؟ الصباح قرآن، والظهر قرآن، والعصر قرآن، والدهر قرآن، فماذا نفعل؟ A نعم صدقوا، أجل إذا أدخلتهم في مدخل ما يخرجون منه، انظر إلى تربية محمد صلى الله عليه وسلم أبر الناس، وأصدق الناس، ساعة وساعة، وقت للقرآن، ووقت للتسبيح، ووقت للنفس، إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولزوجك عليك حقاً، فأعط كل ذي حقٍ حقه، أما أن يمسك الناس حتى يكسر ظهورهم، مثلما يفعل البعض، ففي بعض المنتديات قد يأتي إنسان في حفل زواج، فيأخذ الناس أربع ساعات يحدثهم، ولماذا؟ أذنبوا لكي يكفر عنهم سيئاتهم بهذه الليلة، وحتى يتوبون فلا يعودون مرة أخرى هذا العرس، ليس بصحيح، نصف ساعة يكفي، أو ساعة ويخلطها بدعابة وبنشيد وبقصائد إسلامية، وبقصص وبسوالف ليس فيها غيبة، أما أن يشدهم ثلاث ساعات، فلا: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة:286].

الدعوة مقتصرة على الأصول لا على الفروع

الدعوة مقتصرة على الأصول لا على الفروع Q ذكرت في المحاضرة أن من أسباب الغفلة في القرى، أنها تمر عليها السنة لا يلقى فيها محاضرة، ونحن قد دعونا الدعاة مثلكم لزيارة تلك القرى، ولكن لم نجد مجيباً، علماً بأن أغلب القرى لا يوجد فيها داعية؟ A أنا أقصد الإخوان، ولا أقصد نفسي، أقصدهم بالدعوة، وأما أنت أيها السائل، فاعلم أن هنا في منطقة الجنوب ما يقارب أربعة آلاف قرية، والداعية لا يستطيع أن يذهب إلى أربعة آلاف، مثلاً: في جيزان مئات القرى، يأتي أحد الإخوة، -أنا أعرفهم هنا في المسجد- فيقول: نريد محاضرة في مسجد كذا وكذا، وهذه القرية كلهم بسياراتهم ومواشيهم سبعة عشر، بالجمال والحمير والمواشي والسيارات سبعة عشر، فهل يذهب الداعية، ويلقي محاضرة هناك، لا. بل يقصد المدن، جيزان وما حولها، صبية وما حولها، أبو عريش وما حولها، أما أن يذهب إلى كل قرية، فلو كان عمره عمر نوح ما انتهى من هذه القرى إلا وتلك قد مر عليها ثلاث سنوات، واعرف أن كل من في المسجد دعاة، فخذ أي واحد من هذا المسجد بيده بعد صلاة العشاء، ومستعد أن يعلم أهل قريتك الفاتحة، وأن يدرسهم أركان الإسلام، وأن يتكلم بكلام مفيد.

تكرار التوبة

تكرار التوبة Q أنا تبت، ثم عدت، ثم تبت، ثم عدت، ثم تبت، ثم عدت، ثم تبت، ثم رجعت، ثم تبت، ثم رجعت، ثم تبت، ثم رجعت اقلب الصفحة؟ A فتح الله عليك، نسأل الله أن يعيدك عودة إليه، وأن يثبت قلبك، وما ندري الآن أنت رجعت وإلا عدت، أوقعتنا في حيص بيص، فأنت الليلة إن شاء الله تائب إلى صلاة العشاء، وما ندري بعد الصلاة ماذا تفعل؟! أنت ترجع وإلا لا، لكن نسأل الله أن يثبتك بالقول الثابت، وأرى أنه كلما عدت رجعت، وإن كنت مستمراً أن يربطك أبوك في البيت، حتى ما تفر أبداً، وأن تدعو لك أمك، ونحن ندعو لأنفسنا ولك بدعوة مقبولة إن شاء الله أن يثبتنا الله وإياك، فلا تعود أبداً. كان خوات بن جبير من الصحابة، أسلم لأول الإسلام، ولم يتمكن الإسلام من قلبه بعد، وهذا مثل حالنا، كثير من الشباب حالهم مضطرب هكذا، وسوف يتمكن الإيمان في قلبك إن شاء الله مع كثرة الدعاء، ومع النوافل، حتى يصبح كالجبال، فأتى هذا المسلم لأول وهلة، ولم يكن الإيمان قد تمكن في قلبه، قال: {خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأيت فتيات في واد (نساء أجنبيات) قال: فلبست لباساً، وذهبت إلى الفتيات، فجلست معهن، فخرج صلى الله عليه وسلم، فمر بي، وقد خرجت من عند الفتيات، قال: يا خوات! أين كنت؟ قال: يا رسول الله! شرد علي جمل، فأنا أبحث عنه -وهو لم يشرد جمل ولا شيء- فتبسم عليه الصلاة والسلام، لكن علمه الذي علم السر وأخفى أن المسألة فيها شيء، قال: فرجعنا إلى المدينة، فلقيني في الطريق جملي بجمله، قال: يا خوات! وجدت جملك، قال: فسكت من الخجل، فإذا تقدم تأخرت، وإذا تأخر تقدمت -لا يريد أن يلقى الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: فوصلنا المدينة، فلما أردنا ندخل التفت إليَّ، قال: أوجدت جملك؟! قال: فدخلنا المسجد، قال: يا خوات أوجدت الجمل؟! -ويتبسم صلى الله عليه وسلم- فقام خوات، فوضع يده في كف المصطفى عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله! والله ما شرد جملي منذ أسلمت، فدمعت عينه صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم اغفر له وتب عليه} ومعنى ما شرد جملي: ما شرد إيماني، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل عن الإيمان، أما الجمال أمرها سهل.

التأثير في الصاحب

التأثير في الصاحب Q أحد الناس سمع شريطاً إسلامياً، فقال: آه آه رأسي، أغلق المسجلة جزاك الله خيراً، فهل يصاحب مثل هذا الشخص؟ A نعم، يصاحبه ويؤثر فيه، وأنا أقول للإخوة: أن يقتصدوا حتى في السماع، فهل تريد أن تشترط عليه أن يسمع الأشرطة من أبها إلى مكة، وكلما انتهى شريط فتحت له الآخر، الأصل: أن يسمع شريطاً، وبعدها حدثه قليلاً، واتركه يأخذ راحته، ثم أسمعه شريطاً آخر، أو نشيداً إسلامياً مباحاً، أو قصة، أما أن تشده من أول الطريق لا يسمع ولا يلتفت، ودائماً: اسمع اسمع، فهذا سوف يتوب من سماع الأشرطة، فالقصد القصد تبلغوا.

المعاناة من ضياع الوقت

المعاناة من ضياع الوقت Q أعاني من ضياع الوقت، وأشكو حالي إلى الله؟ A ونحن جميعاً نشكو حالنا إلى الله، أتى رجل من أهل خراسان، إلى الإمام مالك، فقال: أبطيت على أهلي يا أبا عبد الله! -الإمام مالك - والله ما دريت منذ خرجت ماذا وقع لأهلي، قال الإمام مالك: وأنا أهلي وراء هذا الجدار، والله ما دريت منذ خرجت عنهم، فكلنا نشكو حالنا إلى الله، ولا أدري ماذا يريد الأخ من السؤال، لكن كأنه يطرح حاله إلى الله، فأنت لا تطرح حالك على أحد إلا على الواحد الأحد، ونحن كذلك. كيف أشكو إلى طبيبي ما بي والذي قد أصابني من طبيبي

حرمان البكاء بسبب المعاصي

حرمان البكاء بسبب المعاصي Q أنا أحياناً أحرم البكاء، لا أدري ما السبب؟ A نحن وإياك حرمنا البكاء بسبب معاصينا، وقسوة قلوبنا.

عوامل الثبات والتحصيل

عوامل الثبات والتحصيل Q هل لطالب العلم عامل من عوامل الثبات والتحصيل؟ A أسباب التحصيل كثيرة، تكوين مكتبة سمعية، ومقروءة، ومجالسة طلبة العلم، والسير إلى الدعاة، والانتظام في المؤسسات العلمية، سؤال الله المغفرة، وهناك محاضرة إن شاء الله بعنوان: آداب طالب العلم، وحلية طالب العلم منذ أشهر. وأنبه الإخوة طلبة العلم، أن مساء كل جمعة في هذا المسجد من المغرب إلى العشاء، أي: من ليلة السبت مساء الجمعة درس في بلوغ المرام، علَّ الله أن ينفع به، فمن أراد أن يطلب العلم، فعليه بهذه الحلقات وأمثالها، والله هو المعلم سبحانه.

الأهل أحق بالنصيحة

الأهل أحق بالنصيحة Q إنني أشكو إلى الله عز وجل من واقع أسرتي التي تعيش فيه، أنا اهتديت، ولكن أسرتي في حالة لا يعلمها إلا الله، معرضين عن الله تماماً، فما الحل؟ A أسأل الله أن يهدي أسرتك، فعليك بالنصيحة، والصدق مع الله، والصبر، وحاول أن تنقذهم من النار، ليكونوا في ميزان حسناتك، وأثر عليهم بما استطعت، بإدخال الكتاب الإسلامي، وبتحديثهم، وبالشريط الإسلامي، ودعوتهم باللين حتى يهديهم الله، ولا تيأس من روح الله.

الاستغفار وفضله

الاستغفار وفضله Q بعض الناس لا يتورع عن محارم الله، يخرج من المسجد بعد الصلاة، وقد ينظر إلى الفتاة، وقد يجلس في المقهى على البلوت إلى آخر الليل، فما الحل؟ A حله أن يتوب، ويستغفر وهؤلاء كما قال الله: {خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} [التوبة:102].

موت قلب تارك الصلاة

موت قلب تارك الصلاة Q ما حكم من سمع أذان الفجر، ولكنه ينام، ويترك الصلاة بلا عذر؟ A قلبه قد مات، ولو صدق مع الله، أو كان في قلبه ذرة إيمان لقام إلى المسجد وصلى مع الناس، لكن قد صلى على قلبه صلاة الجنازة، وكبروا عليه أربعاً. أيها المسلمون! في ختام هذه الجلسة، نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية، وشكر الله لكم استماعكم، وجمعنا بكم في الجنة، وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وحل المشيب

وحل المشيب إن الحياة الدنيا ظل زائل يعمر فيها الإنسان، ثم تأتي عليه سنة الله في الأولين والآخرين، فيهلك ويفضي إلى ما قدم فيها من أعمال، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، وهذه هي طبيعة الدنيا، تمني الإنسان وتبعده عن طاعة الله. ولنا مع سلفنا الصالح وقفات مع زهدهم في الدنيا وذم الاغترار بها وحال الإنسان منهم إذا شاب وكبر سنه، والتحذير من التكالب على حطام الدنيا الفاني وجمعه والبخل به، وبيان فضل المال وأن الإنسان قد يدخل الجنة بماله إذا أدى حق الله فيه مثل عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان.

الحث على عدم الاغترار بالدنيا

الحث على عدم الاغترار بالدنيا الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أمَّا بَعْد: أيها الناس: يقول أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه: [[إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل]]. خذ واضح الحل ودع ما اشتبها مخافة المحذور يا من فقها وازهد بدنياك وأقصر الأمل واجعل لوجه الله أجماع العمل وزهرة الدنيا بها لا تفتتن ولا تغرنك وكن ممن فطن تالله لو علمت ما وراءكا لما ضحكت ولأكثرت البكا كبار السن في مجتمعاتنا الغالب فيهم التهالك على الدنيا، كانوا في الشباب أخف وأسعد حالاً من وضعهم اليوم، وقد صدق فيهم قول المعصوم عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {يشيب ابن آدم وتشب فيه اثنتان: الحرص على الدنيا، وطول الأمل}. إن غالب كبار السن في مجتمعاتنا الإسلامية متهتكون في الدنيا، وتسعة أعشار أوقاتهم وحديثهم وسفرياتهم في الدنيا، اهتماماتهم في الدنيا في المعارض والعقار؛ والبيع والشراء؛ والمؤسسات والبناء، وتجد بعضهم لا يعرف المهم من دينه، ومع ذلك يهتم بشئون الدنيا ويجمع ويكدس ويهتم. إذا أصبحوا أصبحوا كالأسود باتت مجوعة حاردة فتجد كل اهتماماتهم في الدنيا ونحن لا نقول: حرام، ولا نقول لهم: لا تعملوا في البناء والعمارة، والبيع والشراء، وفي طلب الرزق، وفي الكسب، ولكن نقول: يا من شاب رأسه وشابت لحيته! أما تهيأت لعمل صالح تلقى الله به؟ {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ} [فاطر:37]. قال أهل العلم: النذير هو: الشيب. والشيب أمره عجيب؛ فإذا ظهر الشيب في رأسك أو في لحيتك، فكأنه يقول لك: تهيأ للقبر، فقد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من القبر. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {أعذر الله لامرئ، بلَّغه ستين سنة} معنى ذلك: قطع الله المحجة عليه، فلا حجة له يوم القيامة عند الله إذا بلغ ستين سنة، ثم لم يهتد. وكنت مع الصبا أهدى سبيلاً فمالك بعد شيبك قد نكثتا مشيت القهقرى وخبطت عشوا لعمرك لو وصلت لما رجعتا والله لو عرفت لذة المسجد والذكر والإيمان، ولذة المحاضرات والدروس ما فعلت بنفسك ما فعلت، رأينا من عمره أكثر من الستين وهو صباح مساء بين الحديد والإسمنت، ذكره قليل، ونوافله قليلة، قد ألغى قيام الليل من حياته؛ لأنه لا ينام إلا الثانية عشرة، وإذا صلى الفجر صلاها على عجل، وأخذ عماله وسيارته وباكر عمارته، ونحن لا نقول: حرام، ولكن نقول: أيصرف العمر في هذا الأمر؟! أترضى أن تصرف ساعاتك الغالية الثمينة وأيامك الممدوحة الجيدة في هذه الأمكنة؟ كم تسكن وتعمر وتتلذذ؟ رأينا من عمر فلة فلما جهزها وفرشها مات، ورأينا من كدح وجمع واشترى مزرعة، فلما بنى فيها بيتاً وحفر بئراً مات. لكم فجع الموت من والد وكم أسكت الدهر من والدة وكم قد رأينا فتىً ماجداً تفرع من أسرة ماجدة يشمر للحرب في الدارعين ويطعم في الليلة الباردة رماه المنون بسهم الردى فأصبح في جثة هامدة ماذا ينور القبر؟ ينوره العمل الصالح. وأنا أقول: يا من شابت لحيته ورأسه! اتق الله، فإن هذا الشيب نذير. يقول أبو العتاهية: بكيت على الشباب بدمع عيني وما يغني البكاء ولا النحيب ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب تسهر ولا تتلذذ بالمطعوم والمشروب، ذهبت لذة القوة والحياة، ومع ذلك تجد بعضهم ما زال مُصراً على المعاصي والانغماس في الدنيا وعدم التهيؤ للقبر.

أقوال السلف في ذم الدنيا

أقوال السلف في ذم الدنيا قال أحمد بن حنبل وقد رأى في المرآة شعرة بيضاء في لحيته فبكى، وقال: والله ما مثلت الشباب إلا بشيء كان بيدي ثم سقط. ومر شيخ كبير بأطفال يلعبون في السكة، فقال أحد الأطفال لهذا الشيخ الذي كانت لحيته بيضاء على صدره - كان السلف يتشرفون باللحى، واللحى إذا شابت في الإسلام فكل شيبة بحسنة، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة} وصح أيضاً عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن إبراهيم عليه السلام -الخليل أستاذ العقيدة شيخ التوحيد- رأى المرآة فرأى شيبة بيضاء وهو لا يعرف الشيب، قال: يا رب! ما هذا البياض في لحيتي؟ قال: يا إبراهيم! هذا وقار، قال: اللهم زدني وقاراً}. فلما مر هذا الرجل الصالح على الأطفال، قال طفل لهذا الشيخ الكبير: يا شيخ! من الذي باعك هذا القوس الذي على صدرك -يعني اللحية الشمطاء-؟ قال: أعطانيها الدهر بلا ثمن وسوف يعطيك قوساً مثلها. ارتقب الأيام والليالي، والليالي عجيبة تلد كل عجيب.

عظم المعصية في الكبر

عظم المعصية في الكبر ويُروى أن رجلاً من بني إسرائيل نظر إلى مرآة وكان في شبابه وقد أطاع الله أربعين سنة، ثم أدركه الخذلان والحرمان والشيطان والطغيان فعصى الله أربعين سنة. بعض الناس يحسن في الشباب ويسجد ويبكي ثم يسقط، والعجيب أنك تجد بعض الكبار يسافرون إلى مواطن نستحي من ذكرها على المنابر وعنده أسرة وعشرة أبناء وبنات، ويقطع تذاكر إلى بانكوك ليعصي الله في شيخوخته. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ} وفي لفظ: {أشيمط زان}. شابت لحيته، ودنا قبره، وهو لا يزال يزني، فالله لا ينظر إليه ولا يكلمه ولا يزكيه ويدهدهه على وجهه في النار. هذا الرجل من بني إسرائيل عبد الله أربعين سنة، ثم انتكس على عقبيه، فعصى الله أربعين سنة، فصار عمره ثمانين، فنظر إلى المرآة فرأى الشيب قد ظهر في لحيته، فقال: يا رب! أطعتك أربعين، وعصيتك أربعين، فهل تقبلني إذا عدت إليك؟ فسمع هاتفاً يقول: أطعت الله فقبلك، وعصيت الله فأمهلك، وإذا عدت إلى الله تاب عليك. من الذي قرع باب الله ولم يجد رؤوفاً رحيماً؟ وإنما المقصود: أن طاغوت الدنيا الذي ران على القلوب، وجعل العقول ذاهلة يستحي الإنسان إذا نظر إلى بعض المناظر والتهتك في الحطام والجمع، ثم حرص هذا الشيخ الذي بلغ الستين سنة، بل بعضهم مصاب بأمراض في جسمه، والمرض يدبغه صباح مساء وهو يدبغ في الدنيا، ولذلك لا يتلذذ بمطعوم ولا مشروب ولا منكوح، وهو وراء الجمع تجد مجلسه في قطع الأراضي والشيكات، والبساتين والحدائق؛ والسيارات والإجارات؛ والبيع والشراء؛ والإسمنت والحديد. فيا عبد الله! ابذل واطلب الدنيا واجعل لها وقتاً، لكن كما قال الله: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص:77] أما أن تصرف هذه الأوقات والأيام والليالي للدنيا فكيف تلقى الله؟ يطرح الشيخ الكبير في القبر وليس عنده عمل. أعرف وتعرفون في بعض المناطق شيوخاً كباراً في السن لما بلغوا الستين، لزموا المسجد وانتهوا إليه.

هدي السلف في الكبر

هدي السلف في الكبر ولقد كان السلف الصالح إذا بلغ الواحد منهم ستين سنة أخذ المصحف في المسجد فيصلي العصر ويسبح إلى الغروب، ومن الغروب إلى صلاة العشاء يتنفل، ثم يعود إلى بيته وينام مبكراً ليقوم من آخر الليل؛ لأنه لم يبق له إلا القليل ما بقي إلا رأس تلع وتفيض إلى مزدلفة ثم منى وترمي الجمرات وتنتهي، وأما نهاره فصلاة الضحى والعبادة والصيام والقرآن. قال أحد المشايخ: عندنا في منطقة جهة الرياض قوم يختمون القرآن في يوم واحد يجلس من بعد صلاة الفجر إلى أن يدخل الخطيب يوم الجمعة فيختمه ختمة، وبعضهم يصوم يوماً ويفطر يوماً، وبعضهم أخذ على نفسه ألا يخالط أحداً من كثرة الغيبة والنميمة وشهادة الزور، فقارن بين صنفين اثنين هذا في دين وذاك في دنيا، هذا في حفظ وذاك في ضياع.

زهد السلف في الدنيا

زهد السلف في الدنيا اعلم أن الدنيا لا تساوي شيئاً، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالم أو متعلم} وفي حديث حسن عنه عليه الصلاة والسلام {أن رجلاً سأله، فقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، قال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس}. أوحى الله إلى عيسى: إن كنت تريد أن تكون من أوليائي فاطرح الدنيا. ويذكرون في تراجمه أنه كان من أزهد الناس، ولم يكن عنده بيت ولم يكن عنده شيء من ملاذ الدنيا أبداً، وفي ذات يوم أتى لينام تحت شجرة، فأخذ حجرة ليتكئ عليها وينام، فقال له جبريل: يا عيسى! أما طلقت الدنيا؟ قال: بلى، قال: فمالك تتكئ على هذه، ذكر هذه الغزالي وأمثاله، ويغني عن ذلك ما ثبت في الصحاح. وقد صح عن علي رضي الله عنه أنه قال: [[يا دنيا يا دنية غري غيري طلقتك ثلاثاً لا رجعة بعدها]]. هذا علي بن أبي طالب البطل الذي كسَّر رءوس المشركين، وقطع رقابهم، كان يدخل بثوب ممزق في السوق، ويقول: [[أنا أبو الحسن أهنت الدنيا أهانها الله]] كان غداؤه سويقاً ويقول: لو اشتهيت أن آكل نسيل عسل ولباب بر لكان، لكن أخشى أن أعرض على الله، فيقول الله لي يوم القيامة: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف:20]]]. والدنيا لا تساوي شيئاً، يقول عليه الصلاة والسلام: {ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {مالي وللدنيا؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كرجل قال في ظل شجرة ثم قام وتركها} وبالفعل انظروا لتراجمه وحياته صلى الله عليه وسلم، كان بيته من طين، ومركبه الحمار، وثوبه ممزق، ومات ودرعه مرهون عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير، ما شبع ثلاثة أيام متتالية من خبز الشعير عليه الصلاة والسلام. كفاك عن كل قصر شاهقٍ عمدٍ بيت من الطين أو كهف من العلم تبني الفضائل أبراجاً مشيدةً نصب الخيام التي من أروع الخيم إذا ملوك الورى صفوا موائدهم على شهي من الأكلات والأدم صففت مائدةً للروح مطعمها عذب من الذكر أو عذب من الكلم صلى الله وسلم عليه، وقد فعل أصحابه مثلما فعل. فمات أبو بكر وما خلف من الميراث إلا بغلة وثوبين، ومات عمر وفي بردته أربع عشرة رقعة، ومات علي وقد تصدق ببيت المال وبقي أهله ما وجدوا عشاء ليلة؛ لأن الله أعد لهم جنات عرضها السماوات والأرض. فيا أيها الناس! وصيتي خاصة لكبار السن، فإني أعرف أن الشباب مرضهم مرض الشهوات، وقليل من الشباب من تجده حريصاً على المال، فالشاب يتلف المال إتلافاً، لكن الشيخ يصرصر المال صرصرة ويموت عليه موتاً ويحسب له ألف حساب، وحياته وليله ونهاره دنيا إلا من غفر الله له، ومن وفقه الله لعمل صالح. ألا تزودوا من الصالحات: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20]. أترجو أن تكون وأنت شيخ كما قد كنت في عصر الشباب لقد خدعتك نفسك ليس ثوب جديد كالبلي من الثياب

من قصص عبدة الدنيا

من قصص عبدة الدنيا يذكر ابن الجوزي في صيد الخاطر قصصاً لهؤلاء الكبار عبدة الدنيا، التي عكفت الدنيا على قلوبهم، فأصبح الواحد منهم كشارب الخمر لا يعي أبداً، تحدثه فلا يسمع حديثك، ولو تليت عليه كتاب الله من أوله إلى آخره. يقول ابن الجوزي: بعضهم حضرته سكرات الموت وعنده حبات ذهب -حصيلته وميزانيته في حياته- قال: وليس عنده ولد ولا بنت ولا وارث وخاف أن يأخذ الناس ماله، قال: فأخذ يأكل حبات الذهب في بطنه وأدخلوه القبر وحبات الذهب في بطنه. قال: وشيخ كبير عبد الدنيا، فلما حضرته سكرات الموت كان عنده دنانير من الذهب، فلما أتاه اليقين، وسكرة الموت التي يذعن فيها الجبار، ويضعف فيها المتكبر، ويسلم فيها الكافر، فكَّر في ماله؛ لأنه ليس له وارث -بل ذكر في رواية أخرى أنه كان له ابن لكن بينه وبين ابنه شقاق فلا يحب أن يرث ابنه هذا المال- قال: فأخذ الدنانير وعجنها في الطين، ثم جعله لبنة عند رأسه ينام على هذا المال، فلما أتته سكرات الموت، قال: ادفنوا هذه اللبنة عند رأسي، قالوا: ماذا فيها؟ قال: أريد كذا أوصيكم بهذا، فلما غسلوه تفتت هذه اللبنة من الماء، فخرج الذهب، فعجبوا من حاله. هذه الدنيا تصل بأصحابها إلى أشد من ذلك. أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوع أكثر من يجوع اليوم هم التجار؛ لأنهم لا يجدون وقتاً للأكل، أما الفقراء فأوقاتهم كلها أوقات أكل وشرب، كأنها أيام منى يأكلون ويشربون. اللهم عمِّر قلوبنا بالتقوى، اللهم إنا نسألك من الدنيا ما يعيننا على طاعتك، اللهم لا تجعلنا عبدة للدنيا. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

بيان فضل نعمة المال

بيان فضل نعمة المال الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: أيها الناس! في أوساطنا من يسمع هذا الكلام فيظن أني أشن حملة على الدنيا وكسبها وطلبها، وأعرف أن فيكم تجاراً وأغنياء نفع الله بتجارتهم وبغناهم فبنوا المساجد، وساعدوا المجاهدين، وأطعموا الفقراء، وكسوا العراة، فأقول: أثابهم الله، فلا يفهم فاهم أننا نقف معارضين لهؤلاء ونريدها رهبنة، ولا نقول: دعوا كسب المال، وخذوا المسابح واجلسوا في المساجد، لكننا نطلب التوازن في الحياة، وإعطاء الأولويات، لأن الله لما خاف على المؤمنين أن ينصرفوا عن المال، قال: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا} [القصص:77] لكن اليوم نحن نقول لأحدهم: لا تنس نصيبك من الدين؛ لأن الوقت أصبح للدنيا، وأصبحت كل اهتمامات الإنسان وذكرياته للدنيا، فلا يعني ذلك أننا نقف من هؤلاء هذا الموقف، فالإسلام لا يعترف بالرهبنة، فقد ذمها الله، فقال: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَامَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد:27] ذم المال ليس على إطلاقه. والزهد عند أهل السنة هو ترك مالا ينفع في الآخرة. أما ترك ما ينفع في الآخرة فإنه من الجنون والحمق. إذاً نريد تجاراً وفقراء صالحين، وكباراً وشباباً صالحين.

أناس دخلوا الجنة بأموالهم

أناس دخلوا الجنة بأموالهم المال نعمة عظيمة؛ فقد دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه الجنة بماله، وذلك: أنه جهز جيش تبوك فقال له عليه الصلاة والسلام: {اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم} وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه دخل الجنة بماله، جاءته سبعمائة راحلة محملة بالتمور والحبوب والزبيب والأقمشة، فقال للتجار: كم تدفعون لي في هذا المال؟ قالوا: نعطيك في الدرهم درهماً -أي: ضعف- قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك درهمين، قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك ثلاثة دراهم، قال: وجدت من زادني، قالوا: نحن تجار المدينة وما زادك أحد، قال: لكني رأيت الله يعطي من ينفق في سبيله عشرة أضعاف، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] أشهدكم أنها في سبيل الله لفقراء المدينة فتوزعوها، وقالوا: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة. وقارون دخل النار بماله، وهذه الأصناف التي تحدثنا عنها يتبعون قارون بأموالهم، أموالهم رباً وطاغوت وطغيان، وفجور ومساعدة لأهل المعاصي، فلا تجد أحدهم يساهم في بناء مسجد ولا يساعد مجاهداً، ولا يعطي فقيراً، ولا يواسي معدماً، ولا يعاون متزوجاً، ولا يتصدق أبداً، إنما أمواله في حدائق وبساتين وقصور وسفريات وسيارات ضخمة، فهذا يحشر مع قارون ويكون مصيره إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم. وما شر الثلاثة أمَّ عمروٍ بصاحبك الذي لا تصحبينا وهناك تجار عرفوا نعمة المال والغاية منه، فسخروا أموالهم في سبيل الله، وقد سمعنا عن واحد منهم في بلادنا ماله حلال لا يعرف الربا، وأعطاه الله من الأموال الطائلة ما الله به عليم، فبنى اثني عشر مسجداً بمرافقها ولوازمها، فهنيئاً له الأجر؛ لأنه كلما صلّى مصلٍّ في مسجد من هذه المساجد، أو قرأ قارئ فله من الأجر مثل أجره، ونعرف أقواماً صرفوا الملايين للمجاهدين الأفغان حتى إن بعضهم فصّل ثياباً بالألوف المؤلفة وأرسلها إلى الأفغان، والبعض اشترى الأحذية الجلدية وأرسلها بالألوف المؤلفة إلى هناك، ليكون له مثل ما للمجاهدين من الأجر، وكثير منهم يدفع وينفق من حلالٍ فجزاهم الله عن الإسلام خيراً. إذاً فالتوازن في الحياة هو: أن نجعل رضا الله وعبادته هي مقصودنا، والله أكبر أسمى مقصود لدينا، وأن نتجه إلى الله بأموالنا ودمائنا. أما هذا الطاغوت الذي ران على كبار السن، وأفسد عليهم حياتهم، وضيَّع أوقاتهم، وجعل الواحد منهم كسولاً، حتى إنه إذا دخل المسجد مع الأذان ينظر في الساعة، ويصيح على المؤذن والإمام، فنقول لهذا: ضاقت بك نفسك في ربع ساعة وفي ثلث ساعة، وأنت كنت مع عمارتك وحديدك وإسمنتك ست ساعات، أفلا تضيق منها وتذكر الله تعالى؟! ويروى عن بعض السلف أنه قال: من علامة أهل الإيمان: أنهم إذا دخلوا مساجد الرحمن كان أحدهم كالسمكة في الماء. ومن علامة المعرض عن الله: أنه إذا دخل المسجد كان كالبلبل في القفص، وتجد كثيراً من الناس لا يأتي إلا مع الإقامة وهو أول من يخرج، لأنه مخبول العقل قد سكر بالدنيا، وخمر الدنيا يتلف الأرواح والعقول. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، واجعل الدين أكبر اهتماماتنا في الحياة. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدةً صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على حبيبك ونبيك محمد، اللهم اعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

دعاة المستقبل

دعاة المستقبل إن الاهتمام بالدعاة الناشئين والأخذ بأيديهم ومساندتهم وإعانتهم؛ يجعل منهم قادة في هذه الأمة التي فقدت الكثير من القادة والعلماء الكبار؛ كأمثال ابن باز، وابن عثيمين، والألباني وغيرهم من العلماء والدعاة الكبار. وقد ذكر في هذا الدرس ثمان كلمات لثمانية من الدعاة الذين نسأل الله لهم أن يجعلهم قادة لهذا الدين ولهذه الأمة المباركة.

نماذج من الدعاة الناشئين

نماذج من الدعاة الناشئين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عنوان هذا الدرس: (دعاة المستقبل) وأستميحكم عذراً فقد كان من المعهود أن يكون هذا الدرس لمسلمين أمريكيين وليم جنسون ورايت جنسون وقد وفدا إلى أبها قبل أسبوع، وطلبنا من فضيلة الدكتور عبد الله أبو عِشِّي وأصحاب الفضيلة الدكاترة ترجمة ما يقولون لكم، ولكن قدر الله وما شاء فعل، أحدهم اتصل به أهله، وتوفي أبوه وهو مسلم فسافر قبل هذا الموعد، ثم رأينا أن نقدم لكم شبابكم وأبناءكم وأفلاذ أكبادكم ليتحدثوا إليكم الليلة، ثم بالمناسبة أشكر الإخوة الذين يتقدمون بقصاصات وصحف ومجلات مما يخص الإسلام والدعوة والدعاة، حتى نكون على بينة، أشكرهم على جهدهم وغيرتهم. قبل هذا معي قصيدة هي بنت الساعة بعنوان (تباركت يا ذا الجلال) تباركت يا ذا الجلال وربك ذو السلطة القاهرة قلوب من الحب ينسجها محمد في بردة طاهرة ويغمسها في سناه رؤاه بها بل علاه تعيش برياه في آصره تباركت صوت الرعاة. وهمس السواني حداء الجلال لك الحمد دنيا وفي آخره تباركت ترسل دمع المحب على وجنتيه لك الحب صفواً أردت لنا يا إله جناً ما درى قاطفيه بأن لنا في جنادريتنا قصة الأذكياء عباقرة نحن ننتج ودلواً وغرباً من الجلد في معمل الكيمياء بعيراً نسيره للأنام كمركبة في الفضاء تراث من الجير والخزف النائم في غرف الأقوياء نحفِّظ أنشودة البدو سكان روما ونسأل أصحابنا في جنيف ألم تجدوا الناقة الحائرة فلا بدر لا زمزم لا أبو بكر نعرضه في القديم لأن التراث جديد ونحن نحب الجديد سوى الدلوِ والغربِِ والجرة العامرة صواريخنا أرض جو من الرقصات على ضربة الزير في الهاجرة نسينا مع العرض صوت بلال وجبة سعد ودرة فاروقنا الظافرة سنخبر كل العوالم أن لنا من المجد كبري المشاة مع قاطرة قديم هو القيروان مع بيت لحم مع الأزهر الراقد في القاهرة فلا تدخلوا في النوادي مالك والشافعي فقد حُنِّط القوم في الحافرة فضيلة الدكتور عبد الله أبو عشي! فضيلة الدكاترة الذين حضروا! أيها الجمع الكريم! سوف يكون لهؤلاء الفضلاء موعد آخر إن شاء الله ليقدموا ما عندهم ولتلتقوا بهم في ترتيب أرتبه معهم بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. ولكن رأيت من المصلحة أن أقدم دعاة المستقبل الذين سوف يكونون بإذن الله غداً هم رجال المنابر والمتحدثون للناس، وكان قصدي من هذا والله الموفق أموراً: الأول: أن تكون هناك طاقات تستغل وتوجه، وهي المناجم البكر التي تكتشف في عالم الخطابة. الثاني: التمرين والتدريب ليجرأ الواحد منهم لمقابلة الجمهور، والعجيب أن الغربيين والشرقيين سبقونا في تأسيس جامعات ومعاهد وأقسام للخطباء والخطابة، وهو فن الخطابة المؤثر، وكتبوا عن ذلك في مجلدات ومؤلفات، فحق علينا أن ننشئ أقساماً ومعاهد ودورات نعلم فيها أبناءنا مقابلة الجماهير والخطابة لأنها آصرة. الثالث: عنيت أن تكون الكلمات التي تلقى مكتوبة من الكتاب والسنة بما ينفع الناس في دنياهم وأخراهم، أنا أقدمهم لكم هذه الليلة وهم ثمانية من أبنائكم وشبابكم ومن جيلكم. لكن أبشر هذا الكون أجمعه أنا صحونا وسرنا للعلا عجبا بفتية طهر القرآن أنفسهم كالأسد تزأر في غاباتها غضبا عافوا حياة الخنا والرجس فاغتسلوا بتوبة لا ترى في صفهم جنبا

شؤم المعصية

شؤم المعصية الأخ الداعية علي بن غُرم الشهراني معه كلمة عن (شؤم المعاصي) فليتفضل: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أيها الإخوة في الله! ليس من شر وبلاء إلا وسببه المعاصي والذنوب، فبالمعصية تبدل إبليس بالإيمان كفراً، وبالقرب بعداً، وبالرحمة لعنة، وبالجنة ناراً تلظى، وعم قوم نوح الغرق، وأهلكن عاداً الريح العقيم، وأخذت ثمود الصيحة، وقلبت على اللوطية ديارهم فجعل الله عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجيل فساء مطر المنذرين، قال تعالى: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40]. إنها الحقيقة الصارخة، فكلاً أخذنا بذنبه، تلكم الذنوب وشؤمها وعواقبها وما هي من الظالمين ببعيد، ما ظهرت المعاصي في ديار إلا أهلكتها، ولا تمكنت من قلوب إلا أعمتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها. أيها المسلمون! إن للمعاصي شؤماً ولها عواقب في النفس والأهل والمجتمع، وفي البر والبحر، تضل بها الأهواء وتفسد بها الأجواء، بالمعاصي يهون العبد على ربه فيرفع مهابته من قلبه، قال تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18]. يقول الحسن البصري رحمه الله: [[هانوا على الله فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم]] أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه قال: [[لما فتحت قبرص رأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي. فقلت: يا أبا الدرداء! ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى فنعوذ بالله من سخط الله]]. عباد الله! بسبب الذنوب والآثام يكون الهم والحزن والعقد النفسية، إنها مصدر العجز والكسل، ومن ثم يكون البخل والجبن وغلبة الدين وقهر الرجال، وتسلط الأعداء، واندراس الحق وفشو الباطل، بها تزول النعم، وتحل النقم، وتتحول العافية، ويستجلب سخط الرب ويحجب القطر. إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم وحافظ عليها بشكر الإله فإن الإله سريع النقم إذا ابتلي العبد بالمعاصي استوحش قلبه، وضعفت بأهل الخير والصلاح صلته، وجفاه الصالحون من أقاربه وأهله، حتى قال بعض السلف: [[إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق امرأتي ودابتي]]. أيها الإخوة في الله! إن ملازمة المعصية ومعايشتها تورث بلادة في الحس، وموتاً في القلب، واستئناساً بها، فلا يحس العاصي بالعقوبة، ولا يشعر بالذنب لما قد أورثته في قلبه من ذل وخضوع لها؛ لأن الذنب بعد الذنب يقطع طرق الطاعات، ويصد عن سبل الخيرات، ومن ثم يقسو القلب فلا ينتفع بموعظة ولا يطمئن بذكر، يقول ابن المبارك: رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها فالحذر الحذر يا عباد الله! من مخالفة أمر الله، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] وإياكم والأمن من مكر الله، قال تعالى: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99]. فعلينا أن نأخذ أنفسنا من أوحال المعاصي وأن نفكها من أسر الذنوب، وأن نبادر بالتوبة النصوح، وأن نسارع في فعل الخيرات والأعمال الصالحات، ولا نصر على المعاصي والمخالفات، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:133 - 136]. نحن أمة أعزها الله بالإسلام وحده، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. فنسأل الله أن يطهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة؛ فإنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويحفظ دعاة الإسلام والمسلمين من كل سوء ومكروه وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الشيخ عائض: أثابكم الله. أولاً: هذا العرض الذي تسمعونه وترونه هذه الليلة من التجديد في أساليب الدعوة، فإنه قد يكون من المسُئم الممل أن تعرض المحاضرة في كل مرة بنفس أسلوب العرض الأول. ثانياً: سوف يكون مساء كل جمعة من المغرب إلى العشاء درس في الفقه، ومن أذان العشاء إلى الإقامة معالم ودروس في فن الخطابة لمن أراد أن يتعلم وسوف يحضر معنا أساتذة متخصصون في هذا إن شاء الله، ونحضر كتباً متخصصة في فن الخطابة حتى يتعود من أراد ذلك إن شاء الله.

التوبة

التوبة الكلمة الثانية للأخ علي بن حسين بن علي السحاري بعنوان (التوبة) فليتفضل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1 - 2]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18] أمَّا بَعْد: فربما يسأل الإنسان نفسه ويقول: أنا أسرفت على نفسي بالمعاصي وأكثرت من ارتكاب المحرمات، فهل يا ترى إذا تبت إلى الله فإنه سيقبل توبتي، أم أن ذنوبي وآثامي ستحول بيني وبين التوبة والعودة إلى الله؟ إننا نبشره ببشارة من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ونقول: ألم تسمع قول الله جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. فهي دعوة من الله إلى كل من أسرف على نفسه بالمعاصي، وأكثر من ارتكاب الذنوب والآثام والتعدي على حدود الله أن يعود إلى ربه ومولاه، وأن يصحح مساره بالتوبة إلى الله الذي يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم، والذي يقبل التوبة من عباده. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لو كان لابن آدم وادياً من ذهب؛ لأحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب} متفق عليه، بل إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أخبر عن الذي يستمر في غيه وفي عصيانه وتعديه على الله ولم يتب من ذلك أنه ظالم، يقول تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11] ظالم لنفسه؛ لأنه لم يجعلها طائعة لله منقادة لأوامره؛ لأنه عصاه وهو الذي أنعم عليه، وخلقه ورزقه، وجعل له البصر والسمع والفؤاد، قال تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} [الملك:23]. ونقول للذي يريد أن يتوب: أبشر بالفلاح في الدنيا والآخرة إن كانت توبتك صادقة خالصة لله تعالى يقول تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] فقرن الله الفلاح بالتوبة والإنابة إليه. واعلم -أخي المسلم- أن التوبة سبب في تكفير السيئات، بل سبب في تبديلها إلى حسنات، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68 - 70]. ونقول لمن أراد التوبة: ألم تسمع بقصة ذلك الرجل الذي انتهك حرمات الله، وأسرف على نفسه بالمعاصي، وفي يوم من الأيام أراد أن يتوب إلى الله من فعل المحرمات، ويحرص على فعل الطاعات ليفوز برضا رب الأرض والسماوات، فسأل ذلك الرجل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب فأتاه فقال له: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له توبة؟ فقال له الراهب: لا. فقتله فكمل به المائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على عالم، فقال له: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال له ذلك العالم: ومن الذي يحول بينك وبين التوبة؟ نعم. لأن باب التوبة مفتوح لا يقفل إلى يوم القيامة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه} رواه مسلم. وقال له العالم: ولكن انطلق إلى أرض كذا فإن فيها أناساً يعبدون الله فاعبده معهم ولا تعد لأرضك فإنها أرض سوء، فلما وصل إلى منتصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، وقالت ملائكة الرحمة: جاء مقبلاً إلى الله بقلبه تائباً، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه حكماً بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أقرب فهو لها، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة. أخي المسلم! بعد أن سمعت الأحاديث والآيات السابقة التي توضح لك سعة رحمة الله تعالى، ألم يأن للقلوب القاسية أن تتوب؟ أولم يأن للقلوب الضالة أن تهتدي؟ أولم يأن للقلوب البعيدة من الله أن تقترب إليه؟ ألم تسمع قول الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50]. أسأل الله العلي القدير أن يرزقنا توبة نصوحا، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. الشيخ عائض: أثابكم الله. أيها الإخوة! في آخر الكلمات سوف أقدم عرضاً لبعض الملاحظات، وبعض ما يجب على الخطيب أن يلم به، كل ذلك من كتب من ألف في الخطابة في هذا العصر ومن قبله. أيضاً نريد من أهل أصحاب الكلمات أن يحذفوا ثلث الكلمة؛ لأنها قد تطول، ونريد أن يبقى وقت لبعض الملاحظات وبعض الفوائد.

أثر الطاعة

أثر الطاعة الكلمة الثالثة للأخ محمد بن عبد الله بن مبطي الشِّهري بعنوان (أثر الطاعة) فليتفضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أمَّا بَعْد: أيها المسلمون: لقد مر على المسلمين زمن لم يكن الإسلام فيه سوى لا إله إلا الله، وقد لبث الرسول صلى الله عليه وسلم حقبة طويلة من الدهر وهو يدعو الناس إلى هذه الكلمة الطيبة، حيث مكث في مكة المكرمة ثلاث عشرة سنة يقوي في المسلمين جانب العقيدة الصحيحة التي بموجبها يصبح المؤمن طائعاً لله منفذاً لأوامره في كل شئون حياته، حيث إن هذه الكلمة غير بها الحبيب صلى الله عليه وسلم مجرى تاريخ الأمة البشرية، فاستطاع أن يغير معتقداتهم الباطلة إلى معتقدات صحيحة وغير كذلك لباسهم ومظهرهم، واقتصادهم ومعاشهم، وتعاملهم وأوقاتهم وكل شئون الحياة، حيث جعلهم مرتبطين ارتباطاً مباشراً بخالقهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى محققاً فيهم قول الحق تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:32] وقال موضحاً للأمة المحمدية أنه لا فوز ولا فلاح إلا في الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:52] لقد كانت آيات القرآن الكريم تنزل على هذه القلوب الرطبة والطيبة فتصهرها على بوتقة الإيمان، ونور الهداية المحمدية حتى أصبحوا كما وصفهم الله فقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165] فلما رأى نبيهم الحبيب صلى الله عليه وسلم الاعتراف بفضل القادر على عباده، وأنه الرازق المدبر، المسخر الموجد لكل هذه النعم حيث أعطى الإنسان كل ما سأل، فجدير بالمؤمن أن يكون طائعاً لله وحده ممتثلاً لأمره في السر والعلن، وفي الغنى والفقر، وفي الصحة والسقم، وفي الصغر والكبر، وفي حال السلم والحرب وكل الأحوال، يتحقق فيهم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عن العباس {} لأن الإسلام جاء وافياً مستوفياً لكل المعاني النبيلة والطيبة ليعيش هذا الإنسان في سعادة ونعمة حتى يلقى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. معشر الجمع المبارك! من آثار الطاعة: الإخبات لله عز وجل، والخشوع، وحسن السمت. وأيضاً: انشراح الصدر يقول الله عز وجل: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:22]. وأيضاً: قد يصبح الطائع لله ولياً من أوليائه. وأيضاً: إذا تقرب الإنسان إلى الله بالطاعات وبالنوافل كان الله سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سأل الله ليعطينه، ولئن استعاذ الله ليعيذنه. والإسلام -يا معاشر المسلمين- كما وضحه صلى الله عليه وسلم للسائل عن العمل الصالح فقال له: {قل آمنت بالله ثم استقم} وإليكم معشر الجمع المبارك! بعض النماذج الخالدة التي قال الله فيها: {ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:207] كأمثال الصديق فقد حقق الطاعة لله بكامل وأسمى معانيها، وكذلك بقية الصحابة رضوان الله عليهم. ومثال آخر كـ أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية رضي الله عنه وطاعتها لربها وحبها لله، وكيف قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم: {اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة} إن المؤمن يجد نفسه أمام بحر لا ساحل له أمام هؤلاء العمالقة، الصدر الأول، الذين اختارهم الله لشرف صحبة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، كيف لا! وهم تخرجوا من جامعة الحبيب صلى الله عليه وسلم، فالواجب علينا أن نحذو حذوهم وأن نستشعر عظمة الله جل وعلا ونلتزم بأمره، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يعلمنا ويوجه إلينا خطاباته القرآنية في مواضع كثيرة فقال سبحانه: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران:32] ويقول أيضاً: {وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة:71] ويقول جل وعلا: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:71] وقال جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]. نسأل الله جل وعلا أن يجعل ما سمعنا حجة لنا لا علينا، وأن يوفق الجميع لاتباع أوامره واجتناب نواهيه وصلى الله وبارك على نبينا محمد. الشيخ عائض: أثابكم الله. أنتم تعلمون أيها الإخوة! ويعلم المسلمون جميعاً أننا أمة معطاءة فينا الكثير والكثير، وأنا أعلم وأمامي المئات من شباب الإسلام ومن الصالحين الأخيار أن فيهم من هو أقدر مني ومن إخواني الذين يتكلمون ولكنها وللأسف طاقات معطلة لم تستخدم إلا القليل، أفلم يأن بعد أن يتحرك أصحابها بطاقاتهم وبمواهبهم التي سوف يسألهم الله عنها ليقولوا للناس: نحن أحفاد أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي، فأردنا أن نقدم نموذجاً من أبنائكم لتسمعوا ولتروا وكلٌ يرى موهبته ويرى تجربته أمام هؤلاء.

الاستقامة

الاستقامة والكلمة الرابعة الآن للأخ سعيد بن أحمد النعِّمي بعنوان (الاستقامة) فليتفضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله القائل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] والصلاة والسلام على خير الأنام وعلى آله وأصحابه الذين تمسكوا بسنته واستقاموا على دينه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها المسلمون: اتقوا الله واعلموا أن الله سبحانه أمر عباده بالاستقامة عموماً وأمر نبيه بها خصوصاً، قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود:112] فأمره ربنا أن يستقيم هو ومن تاب معه، وألا يجاوزوا ما أمر به، وأخبر أنه بصير بأعمالهم مطلع عليها، وذكر القشيري وغيره عن بعضهم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: {يا رسول الله! قلت: شيبتني هود وأخواتها} فما شيبك منها؟ قال: قوله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود:112]. والاستقامة هي: سلوك الصراط المستقيم وهو الدين القيم من غير عوج يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها، والاستقامة كلمة جامعة وهي: القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء بالعهد، فهي من جوامع الكلم، ولهذا لما جاء سفيان بن عبد الله رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: {يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: قل: آمنت بالله ثم استقم} رواه مسلم، ولهذا فإن الشيطان يشم قلب العبد ويختبره، فإن رأى فيه إعراضاً عن الدين أو تكاسلاً عن الطاعة رغبه بالتساهل والتكاسل، حتى يتحلل من الدين فيترك الواجبات ويفعل المحرمات، ولا يزال يغريه حتى يقطع صلته بالدين ويتركه في متاهات الهلاك، وإن رأى من العبد حرصاً على الدين فلم يتمكن من صده عنه؛ أمره بالاجتهاد والجور على النفس ومجاوزة حد الاعتدال، قال بعض السلف: [[ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وإما إلى مجاوزة -وهي الإفراط- ولا يبالي بأيهما ظفر زيادةً أو نقصاناً]] فكل الخير في الاجتهاد المقرون بالاعتدال، والسير على منهج أهل السنة والجماعة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لن يطيقوا الاستقامة حق الاستقامة، وكما خرجه الإمام أحمد وابن ماجة من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن} وفي رواية الإمام أحمد: {سددوا وقاربوا ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن} وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {سددوا وقاربوا} فالسداد: هو حقيقة الاستقامة وهو الإصابة في جميع الأقوال، والأعمال، والمقاصد، كالذي يرمي إلى هدف فيصيبه، والمقاربة: أن يصيب ما قرب من الهدف إذا لم يصب الهدف نفسه، لكنه مصمم وقاصد إصابة الغرض، فالمطلوب من العبد الاستقامة وهي: السداد، فإن لم يقدر عليها فالمقاربة، فإن لم يحصل منه سداد ولا مقاربة فهو مفرط مضيع والعياذ بالله. فالحمد لله الذي لم يكلفنا ما لا نطيق، وشرع لنا ما يجبر تقصيرنا ويكمل نقصنا، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى:25] ويضاعف الحسنات فضلاً منه وتكرماً. عباد الله! في الختام: يجب على كل مسلم أن يستقيم في عقيدته على عقيدة أهل السنة والجماعة، ويجب عليه أن يستقيم على محبة الله ورسوله، أسأل الله الواحد الأحد أن ينفعني وإياكم بما سمعتم، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين الاستقامة على دينه حتى نلقاه وهو راض عنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. الشيخ عائض: أيها الإخوة! أنا وإخواني نلحن في كلامنا، ولو أني صححت معهم قبل أن نحضر ولكننا نلحن جميعاً، وكما قال الأول: سامح حبيبك إن فيه فهاهة بدوية ولك العراق وماؤها ولكن الذي يتكلم ويخطئ أحسن من الذي لا يتكلم وهو جالس، ولذلك يقول الصينيون: الجالس لا يسقط، والذي لا يتحرك بهذا الدين، ولا يتفاعل مع مبادئ محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يعظ ولا يبلغ رسالة الله، ولا يحمل الميثاق وينتقد! هو أقل بكثير من هذا الذي يتكلم ولو أخطأ. أيضاً أيها الإخوة! من أسباب خطئنا في اللغة العربية أننا ما لقنا، ولا حفظنا ولا عُلمنا القرآن ونحن أطفال، تصوروا أن من يدرس أطفالنا الآن القرآن في مساجدنا هم الأفغان والباكستان العجم، ولا أقولها من باب العنصرية أو القومية لكن العجم أصبحوا الآن يدرسون أبناءنا: الضاد ومخارج الضاد، أثابكم الله.

خشية الله عند السلف

خشية الله عند السلف الكلمة الخامسة للأخ الداعية خالد بن عبد الله العَسِيري فليتفضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقائد المجاهدين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: أيها الأخيار! يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عنوان هذه الكلمة (خشية الله عند السلف). نعم. سوف نعيش في هذه الدقائق لنأخذ طرفاً من أحوالهم، وشيئاً من أخبارهم تجاه هذا الموضوع المهم. أيها الأبرار! سوف نقضي بعضاً من الوقت مع ذلكم الجيل، جيل البطولة والتضحية، وقد صدق الشاعر حين قال عنهم: عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه نعم -أيها الإخوة- أين الأندلس؟ أين فلسطين؟ وأين أفغانستان؟ لقد ضيعنا تلك البلاد يوم أن ضيعنا لا إله إلا الله، والمقصود من هذه الكلمة يا عباد الله! أن نعيش بعض الوقت مع أولئك النفر؛ عل الله أن يوقظ القلوب من غفلتها، والأنفس من سباتها. يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان في وجهه خطان من البكاء، وثبت في مستدرك الحاكم أنه لما حج وضع شفتيه على الحجر الأسود ثم قبله وبدأ يبكي، وكان يصلي بالمسلمين ذات مرة صلاة العشاء فقرأ بهم سورة الطور فلما بلغ هذه الآية: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور:7] سقط مغشياً عليه وأصبح يعاد في بيته شهراً كاملاً رضي الله عنه وأرضاه، وكان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على القبر؛ بكى حتى تخضل لحيته من البكاء، وكان يقول: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه} وسمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر وإن لم ينج منه فما بعده أعظم} وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه صلى صلاة الفجر وجلس حزيناً مطرقاً، فلما طلعت الشمس قبض على لحيته وبدأ يبكي ويقول: [[لقد رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيت شيئاً يشبههم، كانوا يصبحون شعثاً غبراً بين أعينهم كأمثال ركب المعزى قد باتوا لله سجداً وقياماً، فإذا طلع الفجر ذكروا الله فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهطلت أعينهم بالدموع، والله، لكأن القوم باتوا غافلين]]. وهذا موقف آخر لصحابي جليل هو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه [[أُتى له بطعام وكان صائماً فقال: قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو خير مني، فلم نجد له ما يكفن فيه إلا بردة إن غُطي بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت بها رجلاه بدا رأسه ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، وأخشى أن تكون حسناتنا عجلت لنا]] ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام الله أكبر! قلوب عرفت الله عز وجل. وثبت في ترجمة سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: [[أضحكني ثلاثه: غافل ولا يغفل عنه، ومؤمل دنيا والموت يطلبه، وضاحك ملء فيه ولا يعلم أساخط عليه رب العالمين أم راض عنه، وثلاث أبكينني: فراق الأحبة محمداً وصحبه، وَهَولُ المطلع، والوقوف بين يدي الله عز وجل]]. وموقف من مواقف الخشية لله عز وجل مع خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز، جاء عنه أنه بكى وهو غلام صغير فجاءت إليه أمه فقالت: ما يبكيك؟ قال: [[ذكرت الموت]] فبكت أمه. وعن عبد السلام مولى مسلمة بن عبد الملك قال: بكى عمر بن عبد العزيز فبكت فاطمة فبكى أهل الدار جميعاً، فلما تجلى عنهم البكاء جاءت زوجته فاطمة وقالت له: بأبي أنت يا أمير المؤمنين! مم بكيت؟ قال: [[ذكرت يا فاطمة! منصرف القوم بين يدي الله عز وجل فريق في الجنة وفريق في السعير]]. أسأل الله أن يجمعنا وإياكم بهم في دار الكرامة مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. الشيخ عائض: أثابكم الله.

محبة الرسول صلى الله عليه وسلم

محبة الرسول صلى الله عليه وسلم والآن مع الكلمة السادسة للأخ محمد بن عمر بن محمد الزُّبيدي بعنوان (محبة الرسول عليه الصلاة والسلام) فليتفضل: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. يا حملة المبادئ! يا درة التاريخ! يا صفحة الدهر الناصعة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بشرى من الغيب ألقت في فم الغار وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرار بشرى النبوة طافت كالشذى سحراً وأعلنت في الدنا ميلاد أنوار وشقت الصمت والأنسام تحملها تحت السكينة من دار إلى دار عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين} ومعنى الكلام أي: لا يكون أحدكم مؤمناً خالصاً حتى يُؤثر طاعتي وأمري على هوى نفسه وشهوات قلبه، ولا يذوق طعم الإيمان إلا من آثره عليه الصلاة والسلام على الوالد والولد والناس أجميعن. وقد غرس عليه الصلاة السلام حبه في نفوس أصحابه حتى خالطت شغاف قلوبهم وجرت مع مجرى دمائهم، تصوروا هذا الحب في مواقف سطرها التاريخ بمداد من ذهب، فهذه صورة من صور هؤلاء الصحابة الذين أحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا خُبيب بن عدي حين أسرته قريش وصلبته يقول له أبو سفيان: أتحب أن يصاب محمد بأذىً وتكون أنت سليماً معافى في أهلك؟ فقال رضي الله عنه وأرضاه: [[]]. نعم أيها الأحباب! إنها المحبة الخالدة، كيف لا وهو الذي أخرجهم من ظلمات الكفر إلى أنوار الإيمان، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. ويصوغ الفاروق رضي الله عنه هذه المحبة في قالب آخر كما ذكر البخاري أن عمر رضي الله عنه قال: {يا رسول الله! لأنت أحب إليَّ من كل شيء من إلا نفسي، فقال له عليه الصلاة السلام: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فيقول عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليَّ من نفسي، فيقول عليه الصلاة والسلام: الآن يا عمر!}. أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا وأنت لنا التاريخ أنت المحرر كيف لا يحبونه وقد جعل منهم قادة للأمة، وحملة للواء الحق، ومجاهدين لإعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله!! أيها الأحباب! ما من طفل ولا امرأة ولا شيخ ولا فتى إلا رفرف قلبه بحبه عليه الصلاة والسلام، فعندما مات صلى الله عليه وسلم بكت عليه المدينة بأسرها، صغيرها وكبيرها، وبكى عليه الدهر، ورثاه التاريخ، وأظلمت المدينة على أهلها، قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]. لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد شهم يموت لموته بشر كثير وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: [[طبت يا رسول الله! حياً وميتاً]] ثم تفطرت كبده على فراق خليله وصاحبه، فيموت رضي الله عنه ليلحق بصاحبه بعد فترة وجيزة إلى جنة عرضها السماوات والأرض. فما لقلوب تعي مثل هذا الكلام، وما لعقول تفهم هذا الحديث لا تعيشه عليه الصلاة والسلام في سويداء قلوبها!! أيها الإخوة الأحباب! نسأل الله جل وعلا أن يجمعنا به وبصحبه في مستقر رحمته، في مقعد صدق عند مليك مقتدر إنه على ذلك قدير وصلى الله وسلم على الهادي البشير المبعوث رحمة للعالمين، والحمد لله العليم الحكيم. الشيخ عائض: أيها الإخوة الكرام! لعل من المصلحة أن نذكر بعض المساوئ للخطباء من المقصرين أمثالنا في مجتمعاتنا ولكن نرجئ الحديث حتى نكمل النصاب بشخصين فاضلين الأخ محمد بن شبلان عن (استقبال شهر رمضان) فليتفضل:

استقبال شهر رمضان

استقبال شهر رمضان بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أمَّا بَعْد: اعلموا أنه قد أظلكم شهر عظيم وموسم كريم تضاعف فيه الحسنات وتعظم فيه السيئات، إنه شهر رمضان، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] إنه شهر الصيام والقيام، شهر الصدقات والبر والإحسان، شهرٌ تفضل الله به على هذه الأمة بخمس خصال لم تعطها أمة من الأمم: الخصلة الأولى: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. الخصلة الثانية: تستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا. الخصلة الثالثة: يُزيِّن الله فيه كل يوم جنته ويقول: {يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ويصيروا إليك}. الخصلة الرابعة: تصفد فيه مردة الشياطين، فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره. الخصلة الخامسة: يغفر الله لهذه الأمة في آخر ليلة منه. شهر من صامه إيماناً بالله واحتساباً لثواب الله؛ غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيماناً واحتساباً؛ غفر الله له ما تقدم من ذنبه، شهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النيران، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان يفرح بهما: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه} يفرح عند فطره بأمرين: الأمر الأول: باستكمال صوم اليوم الذي من الله عليه بصيامه وقواه عليه. الأمر الثاني: بتناول ما أحل الله له من طعام وشراب. ويفرح عند لقاء ربه بما يجده عند ربه مدخراً له من أجل الصيام. واستكثروا في شهر رمضان من أربع خصال اثنتان ترضون بهما ربكم، واثنتان لا غنى لكم عنهما، فأما اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، والاستغفار، وأما اللتان لا غنى لكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتستعيذون به من النار، واحرصوا على الدعاء عند الإفطار فإن في الحديث: {إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد}. واعلموا أن الصيام إنما شرع ليتحلى الإنسان بالتقوى، ويمنع جوارحه من محارم الله، فيترك كل فعل من الغش والخداع والظلم ونقص المكاييل والموازين، ومنع الحقوق والنظر المحرم وسماع الأغاني المحرمة، ويترك كل قول محرم: من الكذب، والغيبة والنميمة، والسب والشتم، وإن سابه أحد أو شاتمه فيقل: إني صائم، فلا تجعل -أيها المسلم- يوم صومك ويوم فطرك سواء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه}. هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والله أعلم. الشيخ عائض: أثابكم الله.

احفظ الله يحفظك

احفظ الله يحفظك وآخر الإخوة الأخ عبد الحكيم بن سِعِيدان القحطاني بعنوان (احفظ الله يحفظك) فليتفضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله أمَّا بَعْد: أيها المسلمون: صح عنه عليه الصلاة والسلام عند الترمذي وأحمد أنه قال لابن عمه حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: {يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف} زاد الإمام أحمد في مسنده: {واعلم أن الفرج مع الكرب وأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرى} هذا حديث صحيح وهو وصية محمد صلى الله عليه وسلم للأولين والآخرين (احفظ الله يحفظك). من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفه شر من عزوا ومن هانوا من استجار بغير الله في فزع فإن ناصره عجز وخذلان فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان أفاد الحديث أموراً عديدة منها: أولاً: تحريم سؤال غير الله تعالى مما لا يقدر عليه إلا هو كالرزق والمغفرة والنصر وغيرها، أما ما جرت عليه عادة الناس أن يتعاونوا فيه مما يقدرون عليه فلا مانع من سؤالهم كالاستعارة والاستقراض والاسترشاد وغير ذلك. ثانياً: ما أثبته سُبحَانَهُ وَتَعَالى في أم الكتاب ثابت لا يتبدل ولا يتغير ولا ينسخ، وما وقع وما سيقع كله معلوم لله، ولا يقع شيء إلا بعلمه تعالى. ثالثاً: الحديث أصل عظيم في مراقبة الله تعالى، ومراعاة حقوقه، والتوكل عليه، وشهود توحيده وتفرده، وعجز الخلائق كلهم وافتقارهم إليه. رابعاً: حقيقة التوكل: إن الكرب إذا اشتد وتناهى؛ أيس العبد من جميع المخلوقين وتعلق قلبه بالله وحده. وروى البخاري في صحيحه في باب الوكالة: {أن رجلاً من بني إسرائيل ذهب إلى أخيه ليقترض منه فقال له: من يكفلك؟ فأنا لا أعرفك، قال: يكفلني الله، قال: رضيت بالله ومن رضي بالله أعطاه الله ما تمنى وسلمه، فكتب صكاً، فلما بقيت خانة الشهادة قال: من يشهد لك؟ قال: الله، قال: رضيت بالله شاهداً، فكتبوا وشهد على ذلك الحي القيوم، وأخذ الصك وأعطاه ألف دينار وأتى وقت أداء القرض، فذهب المقترض ليركب البحر وليوصل هذا الدين فلم يقدر ولم يجد سفينة ولا قارباً تحمله، فدمعت عيناه وقال: يا رب! سأل كفيلاً فقلت: أنت الكفيل فرضي بك، وطلب شاهداً فقلت: أنت الشاهد فرضي بك، اللهم ادفع له هذا المال، وأخذ خشبة فنقرها ووضع فيها ألف دينار ثم كتب رسالة إلى صاحبه ثم قال: باسم الله، ووضعها في الماء فأخذها الكفيل الذي ما بعده كفيل، والشاهد الذي ما بعده شاهد، وأخذت تتدحرج على ظهر الماء ولا تعرف. وخرج ذاك الرجل في نفس الميعاد ليستقبل صاحبه على الموعد وإذا بالبحر يرمي عليه خشبة قال: لا أفوت سفري آخذ هذه الخشبة حطباً لأهلي فكسر الخشبة فوجد الألف دينار والرسالة} فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. الشيخ عائض: أثابكم الله. انتهى الإخوة الذين شاركوا في هذه الندوة، وأسأل الله أن يثيبهم على ما قدموا، وباسمكم أشكرهم، وأتمنى لهم ولإخوانهم من شباب هذه الأمة أن يكونوا دعاة إلى منهج الله عز وجل.

مسائل في الخطابة

مسائل في الخطابة ولكني أحبذ أن أبين مسائل حفظكم الله. قلة الدربة في طلبة العلم، وقد كان عليه الصلاة السلام يرسل أصحابه خطباء ومنذرين، وكان صلى الله عليه وسلم بنفسه يقيم الواحد منهم خطيباً على المنبر كما أقام ثابت بن قيس بن شماس يخطب في وفد بني تميم، وأقام حسان شاعراً، وأرسل هذا داعية، وهذا مفتياً، فكان عليه الصلاة والسلام بنفسه يعلمهم ويربيهم كيف يقابلون الناس، وإن أعظم ما يمكن أن يتحصن به المتكلم أو المقابل للناس هي التجربة، كما يذكر ذلك مثل الشيخ محمد أبو زهرة في كتاب الخطابة، أعرف شاباً ولا بأس من ذكره تشجيعاً له حفظه الله هو الأخ محمد بن سليمان بن فايع، شاب يقابل الناس ويتكلم بجرأة وبحذاقة وبنباهة، فأسأل الله عز وجل أن يثيبه ويثبته هو وإخوانه. والإخوة لم يقصروا وإن حصل تقصير فمني، ويعلم الله أنني شكلت معهم كثيراً من الكلمات ولكن ما ضبطت لأسباب: لمقابلة الجمهور خاصة وأن معنا القضاة والعلماء، والدكاترة والأساتذة، والصالحون والأخيار، ومقابلة الجمع ليس بالأمر السهل حتى تمنى بعض الخطباء أن يقابل السيوف ولا يقابل الصفوف، وقيل لـ عبد الملك بن مروان: [[نراك شبت، قال: من صعود المنابر كل جمعة أعرض عقلي على الناس]] وكان يوصي أبناءه وكان خليفة: [[إذا صعدتم المنابر فارموا آخر الناس بأبصاركم]] لأن الموقف صعب، وتولى عثمان رضي الله عنه الخلافة فصعد المنبر فأراد أن يتحدث فاضطرب واهتز وارتجى عليه؛ لأن عثمان كان حيياً تستحي منه الملائكة، وكان أمامه بقية العشرة، وأهل بيعة الرضوان، وأهل بدر وأحد، فلم يستطع أن يتكلم، فنزل من على المنبر يرتعد، ثم قال كلمة هي من أحسن الكلمات في التاريخ: [[إنكم في حاجة إلى إمام عادل خير من خطيب فصيح]]. والموقف صعب، ولكن من مآسينا وتقصيرنا أن يوجد في مجتمعاتنا خطيب يورد على الناس الموضوعات، وخريجو الجامعات يستمعون له في كل جمعة وهو يردد عليهم حديث علقمة وحديث ثعلبة ولا أصل لها عند المسلمين، لا يروي إلا موضوعات ولا يحفظ حديثاً في صحيح البخاري ولا في صحيح مسلم، ومن المآسي أن خطيباً يظن أنا لا زلنا نعيش في عهد السلطان عبد الحميد فيدعو له في آخر الخطبة: اللهم انصر السلطان عبد الحميد وأعوانه وأجناده، وخطيب لا يعرف إلا الخطبة المخضوبة القديمة التي حفظها جماعته وقبيلته فينامون قبل أن يدخل ولا يستفيقون إلا مع الإقامة، وربما يرددون عليه مما سمعوا ومما شربوا ومما أكلوا، خطيب لا يقيم من القرآن ولو حرفاً واحداً فينكس كلام الله، ولعلكم تسمعون في بعض الحروف أنه ينطق حرف القاف في القرآن بغير الفصحى فينطقها بالعامية مشابهة لجيم المصرية هذا لأن مخارج الحروف عندنا سقيمة، أمة غُزِّيت في لغتها وعقولها وفي كرامتها وأدبها ومجدها فلم تعد أمة تستطيع أن تتكلم للناس. وخطيب يطول على الناس حتى يتضجرون منه، ويخرج بهم عن موضوعه، بل سمعت أن بعض الخطباء يقف في الناس ساعة كاملة، وهم يملون منه ولو كان خمس دقائق، ولكن كما يقول أحدهم في عهد بني العباس وقد صلى وراء خطيب ثقيل الدم فطول به كثيراً فقال: صلاة ولا عبد العزيز إمامها وحد ولا عبد العزيز إمامه أو كما قال ما ولم أضبط البيت، لكن يقول: أصلي وراء كل إمام!! إلا وراء هذا الإمام، أتوب إلى الله أن أجلس معه في خطبة! خطيب يتبهذل بالسعال والنحنحة وبالزكام على المنبر، فتأخذ هذه المسائل وهذه الوقفات والمطبات نصف الخطبة، فيسعل كثيراً ويتنحنح وليس به سعال ولا نحنحة ويحك رأسه ولحيته، ويصلح بشته وغترته حتى يمل الناس ويتضجروا، وخطيب ينوم الناس وليس بهم نعاس، لكن هو بأسلوبه يتعتع كالسيارة وهي تصعد إذا كان موديلها قديماً، فتجده ينحت الكلمة: قال: قال رسول الله رسول الله رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، فلا يخرج الكلمة حتى تخرج قلوب الناس. يا خلي البالِ قد بَلْبَلَتَ بالبَلبَالِ بَالِي بالنوى زلزلتني والعقل زالي فبعض الناس يبلبل بالك ويزلزل قلبك. قيل للشافعي: من هم غشاوة حُمَّى الرِّبْعِ؟ قال: الثُّقَلاء. وقال الأعمش المقصود بقوله تعالى: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان:12] قال: الثُّقَلاء نعوذ بالله من الثقلاء، وخطيب لا يعرف أحوال الناس، ولا موضوعاتهم فيدخل في قرية ليتكلم لهم هل الأرض كروية الشكل؟ وهل الأرض تدور حول الشمس؟ أو الشمس تدور حول الأرض؟ وقلوبهم أصلاً تدور حول الشرك، وهو لا يقيمهم على منهج التوحيد ليدورهم حول رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وخطيب يذهب إلى البادية ليتكلم لهم عن مشكلة الخدم والخادمات وهم لم يسمعوا في حياتهم بخادم ولا خدم، هذه من المآسي التي نعيشها وكثير كثير هي. خطيب في الثمانين من عمره كأنه أوتي وصاية ألا يترك المنبر لشباب محمد صلى الله عليه وسلم خريجي الشريعة وأصول الدين والكليات العلمية الذين بكت القلوب من وعظهم ولكن يأبى هذا، صمد على المنبر وأخذه وحجبه ورفض أن يتركه حتى آخر قطرة من دمه حتى يقتل، هذه بعض المعالم وسوف أتحدث عن أدب الخطابة، وأصول الخطابة في الإسلام إن شاء الله، وبعض نكات الخطباء عبر التاريخ التي ذكرها ابن الجوزي في بعض كتبه وذكرها غيره كـ السيوطي.

كتب الخطابة

كتب الخطابة أيها الإخوة الكرام! أُلف في الخطابة كتب يحتاج طالب العلم إلى أن يقرأها ويفهمها ككتاب الخطابة للشيخ محمد أبي زهرة ولا أعلم كتاباً أحسن منه في موضوعه، وهو فيما يقارب (600) أو (700) صفحة، أصولها تجارب الخطباء، ونقل عن جميع الأمم كافة آداب الخطيب وما ينبغي على الخطيب، وكيف تكون خطيباً؟ وصور الخطابة، إلى غير ذلك، وهناك كتاب عجيب والحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها أخذها، لـ دايل كارنيجي الأمريكي اسمه فن الخطابة وفيه بعض التراجم، كيف تكون مؤثراً وتتحدث للناس؟ كذلك كتاب الخطابة لـ محفوظ من علماء الأزهر، وكتاب القصاص والمذكرين لـ ابن الجوزي، وكتاب في تذكير الناس للسيوطي، هذه الكتب أصول في معرفة الخطابة وكيف تتكلم للناس؛ لأن الأصل عندنا التأثير على الناس بواسطة الكلمة، وأعظم ما يؤثر في الناس في الإسلام هي الكلمة، وأعظم ما أثر به صلى الله عليه وسلم في الناس الكلمة، حتى يقول شوقي يمدح الرسول عليه الصلاة والسلام: فإذا خطبت فللمنابر هزةٌ تعرو الندي وللقلوب بكاء

مزالق الخطباء

مزالق الخطباء ورد في التاريخ مزالق لكثير من الخطباء، ويأتي ذلك من نقص علمهم، أو من ارتجاجهم على المنبر، أو من حمقهم، أو من عدم معرفتهم لتسيير الأمور. منها: خطيب ذكره ابن الجوزي وقف على المنبر يريد أن يرتجل، والارتجال صعب حتى يتمكن العبد ويكتب ما يمكن أن يقوله ويحفظ خطبته؛ لأن بعض الشباب الآن يريد أن يرتجل قبل أن يخطب مكتوباً فارتجل فقال: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أشهر، فقال له الناس: في ستة أيام، قال: والله لقد تقاللت ستة أشهر يعني قليلة عندي أردت أن أقول ست سنوات. ومنها: خطيب ذكره ابن الجوزي في الحمقى والمغفلين وقف على المنبر وقال: كما قال الله في محكم كتابه: (اعملي أم خالد ربَّ ساعٍ لقاعدِ) فقالوا: هذا ليس من كلام الله قال: يقول الله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] إلى غير ذلك. ومن مزالقهم أيضاً: أن أحدهم وقف وقال: أيها الناس! اتقوا الله فإن الله أهلك ثمود بناقة لا تساوي مائتي درهم، فسموه مثمن ناقة صالح. ومن مزالق الخطباء التي يذكرها ابن الجوزي أيضاً: التطويل على الناس وقد ذكرت هذا، ومنها: الكُرب التي تعلو بعض الناس حتى أغمي عليه وهو على المنبر، قام يتكلم فأغمي عليه لما واجه الناس، وقد كان ابن الجوزي في شبابه خجولاً جداً حتى كان ينصب الحجارة في الصحراء ويقوم فيها خطيباً حتى تمرن وتدرب وأصبح واعظ الدنيا بلا منازعة، لا أعلم بعد الصحابة إلى الآن أخطب من ابن الجوزي، وهو واعظ الدنيا، يقف في بغداد يقول في صيد الخاطر ويجتمع له أكثر من مائة ألف سامع، يأتي خليفة المسلمين المستضي ويجلس وراء الستار في المسجد ليستمع كلامه فكأن ابن الجوزي ما يعرف أن الخليفة وراء الستار، فقال له أحد الجلاس: يا ابن الجوزي! إن أمير المؤمنين وراء الستار، قال: لا تخبر الخليفة أنك أخبرتني أنه يسمع، يريد أن يفاجئه بكلام، فبدأ في الخطبة وقال -وهذا الكلام لأمير المؤمنين-: ستنقلك المنايا من ديارك ويبدلك البلى داراً بدارك فدود القبر في عينيك يرعى وترعى عين غيرك في ديارك ثم وجه كلمة للخليفة الغائب وكأنه لا يعرف أن الخليفة هنا، وبعد أن انتهت الخطبة خرج الناس فوجدوه مغمياً عليه يرش بالماء، كان الخليفة عالماً يخطب بهم العيد ويفتي ويوجه ويربي من علماء بني العباس لكنه حضر يستمع.

أصول الخطابة

أصول الخطابة أيها الإخوة الفضلاء! أصول الخطابة عشرة أصول: الأصل الأول: الإخلاص، أن يكون العمل خالصاً لوجه الله. اليابانيون اليونانيون والصينيون يتعلمون الخطابة ويؤثرون في الناس إما لأجل الانتخاب أو لأجل الاقتصاد، أو لسحب الرأي العام، أو لاجتلاب محبة وكسب أصدقاءٍ، أما نحن فلتبيين الحق الذي بعث به عليه الصلاة والسلام، ولا يحق لي أن أجلس هنا أنا ولا غيري لنتكلم نحن عن عظمتنا، وذواتنا، ومقامنا، وذكائنا، وعبقريتنا، إنما أتينا هنا لنتكلم عن عظمة العظيم، وعن حكمة الحكيم، ونعرف به خلقه فقط، ليس لنا شيء، فهو الذي خلق اللسان والحبال الصوتية والصوت، فالمنة له، فالإخلاص: أن يكون العمل خالصاً لله {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3]. الأصل الثاني: العلم، إن من المآسي أن يتأخر طلبة الشريعة، وحملة القضاء، وأهل الميثاق عن المنابر ثم يصلون مأمومين أمام عوام يخطبون فيسيئون للشريعة وصاحب الشرع عليه الصلاة والسلام. الأصل الثالث: الإلقاء وليس مقصودي بالإخوة الثمانية أن يتكلموا بأي كلام، ولذلك قد تلاحظون مني ومنهم أن الواحد منا يريد أن يلقي أي شيء، ولذلك ابن القيم يحبذ في مدارج السالكين أن تؤثر في الناس في الإلقاء، كيف تشير؟ كيف تختار العبارة القوية؟ متى ترفع صوتك؟ متى تخفض صوتك؟ ومتى تغضب؟ متى تهدئ من الصوت؟ ومتى تستفهم؟ ومتى تقف؟ ومتى تضغط على الكلمة؟ ومن أحسن ما سمعت خطيباً في هذا العصر -لولا بعض الملاحظات-: عبد الحميد كشك، ولذلك تسمع كيف يضغط على الكلمة، وكيف يحرك الجماهير، وكيف يهدأ يهدأ حتى كأنه الليل في آخره ثم يثور يثور كأنه السيل أقبل، ثم يتصدع قلبه ثم يستفهم ثم يلقي الشعر، ويحبس أنفاسه عند آخر القصيدة، ثم ينتزع الناس حتى لا يملك الناس مشاعرهم، هذه خطبة وتأثير، حقاً ولذلك لك أن تسمع أشرطته، ولك أن تقلد الخطباء البارعين ولو ببراعة نسبية. وليس المقصود أن تقرأ على الناس قراءة فإن الناس كلهم يستطيعون أن يقرءوا، لكن كيف تستطيع أن تؤثر وتوصل المعلومة؟ يقول النعمان بن بشير: {كنت في السوق -سوق المدينة الزوراء والرسول عليه الصلاة والسلام يخطب فرفع صوته ووعظ وأنذر وحذر حتى سقطت خميصته من عليه} ويقول أنس: {وعظنا رسول الله عليه الصلاة والسلام فالتفت في المسجد إلى الصحابة وكل قد وضع رأسه بين ركبتيه ولهم حنين من البكاء} ويقول جابر: {كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب اشتد غضبه، وعلا صوته، واحمرت وجنتاه، وكأنه منذر جيشٍ، يقول: صبحكم ومساكم} هذه الكلمة، لا أن تأتيني بوعظ بارد، وتأتي لي بزجر وتجعله في سهولة ويسر، لا. نحن أمام فن خطابة. وفن الإلقاء أن تكون متفنناً في إلقائك، ولا تخف، ولا تقل: رياءً أو سمعة، أو ظهوراً أو شهرة، لا. أنت صاحب الأسلوب واقصد به وجه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. الأصل الرابع: معرفة الواقع الذي نعيش فيه، فللبادية خطبة، وللحاضرة خطبة، ولأساتذة الجامعات خطبة، ولطلبة العلم خطبة، ولكبار السن كلام، لأن من أوتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، وكان عليه الصلاة والسلام يحدث الناس على قدر عقولهم. الأصل الخامس: اجتناب الأحاديث الموضوعة، أما أن تأتي بحديث وهو موضوع وتحمل تبعة العمل به، فأنت المسئول عند الله، ويصبح البعيد كاذباً يتبوأ مقعده من النار؛ لأنه يعلم الناس الكذب على منبر الرسول صلى الله عليه وسلم. الأصل السادس: أن يكون الخطيب عاملاً بما يقول، ولذلك أُبطلت مصداقية كثير من الخطباء، في كثير من الأمكنة بسبب أنهم خالفوا ما دعو إليه، كأن يحذر الخطيب من شهادة الزور ثم يشهد على جيرانه بها، ويحذر من قطيعة الرحم ويكون أول قاطع للرحم، ويحذر من أخذ أراضي الناس ظلماً وعدواناً، ويعرف الناس في المسجد أنه أخذ أراضيهم، فلذلك يبكي على المنبر ولا يبكون، يقولون: أراضينا عندك!! الأصل السابع: ترك التجريح، فلا يستخدم المنبر ليشفي غليله ولينتقم لنفسه فإن بعضهم يأخذ هذا، فتجده إذا تكلم لقبيلته أو جماعته أو حيه أو مستمعيه لا يحترمهم، ربما لأمور في نفسه يثور عليهم وينتقم منهم ويقول: أنتم تفعلون كذا وكذا وكأنه يبرئ نفسه، وسمعت أن أحد الخطباء فيه حمق وقف يقول: يا أيها الناس! لا تركنوا إلى أنفسكم، ولا تأمنوا مكر الله، والله لا أضمن أنا، وهو أنا لا أضمن لنفسي الجنة! أو كما قال، وأحفظ من هذا الكثير، فترك التجريح مطلوب، كان صلى الله عليه وسلم يقول: {ما بال أقوامٍ يفعلون كذا وكذا} ويقول: {يا بني عبد الله! إن الله أحسن اسم أبيكم، فأحسنوا العمل والاستجابة}. الأصل الثامن: الجذب، أن تكون جذاباً بأسلوبك، فلا بأس أن تدخل الخطبة بقصة، ثم لا تخبر من هو بطل القصة، انظر هؤلاء المنحرفين كيف ملكوا أسماع الناس وأبصارهم بالتأثير العالمي، بالأساليب وبالأطروحات، تأتي بقصة ولا تذكر بطلها، وتبدأ بقصيدة ولا تذكر صاحبها، وأحياناً تبدأ مستفهماً متأثراً، أحياناً تبدأ هادئاً ثم تثور بصوتك، فالجذب فن، ولم أجعل مثل هذه الندوة ولا يجعل زملائي وإخواني مثل هذه الندوات إلا لتعليم فن الخطابة، ولا أعرف أن هناك جهة تتولى تعليم الناس الخطابة، مع أن في تركيا معهد الخطباء، قابلنا ما يقارب 400 منهم خطباء مؤثرين بلغتهم، وفي الدول الشرقية والغربية معاهد وجامعات للخطابة وأقسام ليؤثروا في الناس. الأصل التاسع: إجادة اللغة العربية، ألا تلحن، واللحن خدش في الوجه، ولا أعلم أحداً الآن إلا ويلحن لا من العلماء ولا من الخطباء، لكن قليلاً قليلاً. سامحن بالقليل من غير عذْل ربما أحسن القليل وأرضى ونحن لا نقول للخطيب: إنك تستطيع أن تكون كـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه أو كـ زياد بن أبيه، لا. لكن يقلل من اللحن خاصة في كتاب الله عز وجل، وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأحد الخطباء يقول: واتقوا يومٌ ترجعون فيه إلى الله، (يومٌ) هل يحل له أن يصرف كتاب الله عز وجل ويلعب به على المنبر، ولو لحن في الكلام المجرد لكان سهلاً، أما في كتاب الله فلا. الأصل العاشر: أن يكون مستغفراً داعياً لله منيباً إليه قبل أن يصعد إلى الناس؛ لأن الموقف صعب، وكان بعض الصالحين يمرغ وجهه في التراب قبل أن يصعد ويقول: (اللهم ثبت قلبي وسدد لساني) ورأيت في ترجمة شيخ الإسلام رحمه الله أنه قبل أن يتكلم في مجلس درسه كان يقول: (اللهم بك أصول وبك أجول وبك أقاتل) ويدعو الله ويبتهل كثيراً، وكان من عادة ابن تيمية كما ذكر ذلك ابن عبد الهادي في كتاب العقود الدرية أنه إذا أراد أن يتحدث للناس بعد العصر، ويزدحم الناس عليه، الخطباء والعلماء، والأصوليون والمفسرون، والنحاة والفقهاء، فكان إذا أراد أن يتكلم أغلق عينيه؛ لأنه كان يغرف من بحر وما كان يتلعثم ولا يتوقف، مثل البحر إذا أقبل هائجاً مائجاً، ولذلك أثر في مسار التاريخ، ولا أعلم الآن عالماً أثر في مسار التاريخ مثل ابن تيمية بسبب قوته وحجته وبيانه، وهو يقول في اقتضاء الصراط المستقيم أصول النبوغ بين الأمم جميعاً: " البيان والحفظ والفهم ". البيان: أن يكون لك لسان تؤدي رسالة الله به، والحفظ: أن تحفظ النصوص الشرعية، والفهم: أن تستنبط، فهذا من أصول الخطابة. وأذكر أن أبا معاذ الرازي الخطيب العظيم كان إذا صعد المنبر دعا الله وبكى ثم جلس قليلاً ثم بدأ كلامه، وكان لا يبدأ كلامه إلا بهذا البيت يقول: وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو عليل فيبكي الناس. أيضاً: أن يكون مستهلاً خطبه بما يسمى براعة الاستهلال، فإن أول الخطابة لها دور في استثارة الناس، أن تبدأ مع الناس ببراعة حتى تجذبهم إليك، المنذر بن سعيد البلوُّطي عالم الأندلس كان خطيباً في الزهراء، والزهراء كانت لـ الناصر بناها ومكث فيها سنوات حتى أصبحت من مشاهير مدن الدنيا، فأراد أن يعظ هذا السلطان فيوم الجمعة بعد أن انتهى من البناء وعمل حفلاً للناس أجمعين ليحضروا في المدينة، فقام المنذر فحمد الله والتفت إلى الخليفة وقال، قال الله تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء:128 - 130] فتأثر الناس، لأن هذا مطلع عظيم. أيها الإخوة الفضلاء! هذه بعض المسارات في الخطابة التي هي من النقص الذي نجده في عالم الدعاة فضلاً عن عامة الناس أو عن العاديين من الناس، لأن الكثير منهم الآن لا يمنعهم من التحدث إلى الناس إلا عدم الجرأة وعدم المعرفة بكيف يكيف نفسه مع الناس، ولا يعرف ما هي موضوعات الناس، وما هي الأطروحات التي ينبغي له أن يطرحها بين يدي الناس. أيضاً -أيها الإخوة- لا يظن أحد أن من يتكلم بفصاحة وبراعة أنه أفضل الناس، فإنه ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {البيان والبذاء شعبتان من النفاق، والعي والحياء شعبتان من الإيمان} هذا في سنن الترمذي ولا تحملوا هذا بالعكس أن يقول أحدهم: عدم استطاعة الكلام علامة الإيمان، بعضهم عفريت في الكفر والنفاق لا يستطيع أن يذكر اسمه، وبعض المؤمنين كـ أبي بكر وعلي إذا تكلم يكاد يبكي الحصى، لكن ليس الفضل فقط بفصاحة العبارة وبقوة الصوت إنما بأمور أخرى أرادها الله وهي: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. أيها الإخوة الفضلاء! أشكر الإخوة باسمكم وأطلب منكم الدعاء لهذه الأمة لدعاتها وعلمائها وطلبة العلم والصالحين حتى يحفظها الله بهم ويحفظهم بها. أيها الإخوة! أطلب منكم دعاء بظهر الغيب لإخوانكم المسلمين المستضعفين، فقد قرأت في بعض الملاحق وعلمت من بعض العلماء أن هناك مآس في العالم الإسلامي لا يعلمها إلا الله الواحد الأحد، ففي تونس ثلاثون ألفاً من المسلمين والمسلمات في السجون يعذبون تعذيباً عظيماً لا يعلمه إلا الله، وقد أخبرني أحد العلماء من تونس وفد إلى مكة يقول: يؤتى بالمرأة فتجرد من ملابسها كهيأتها يوم خلقها الله، ثم يدار بها في الزنزانة على أخيها وأبيها وتجلد أمامهم، وهذه يقين قالها كثير من العلماء حتى وصلت إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، ثلاثون ألف مسلم ومسلمة يعذبون، ويصهرون، ويضربون، ويصيحون، ويستغيثون فنحول حالهم إلى الله، ينفعهم دعاؤكم لهم في ظهر الغيب. في الجزائر ستة آلاف وأكثر نصبت لهم خيام في الصحراء تصهرهم الشمس، ولا يُسلم لهم في اليوم إلا وجبة واحدة، وكنت مساء الأربعاء مع بعض الدعاة من دعاة البلاد وقرئت على سماحة الشيخ رسالة قرأها الشيخ سلطان الخميس من الجزائر ونحن جلوس مع سماحته وصلت إليه قالوا: يا سماحة الشيخ! يا علماء الأمة! يا دعاة الأمة! إنا نسأل الله عز وجل أن يفك أسرنا، إنا نطرح مشكلتنا عليكم ثم ذكروا لنا القصص: يُؤتى بالرجل فتحلق لحيته وحاجباه، ثم يُنكل بهم تنكيلاً لا يعلمه إلا الله، ذنبهم أنهم قالوا ربنا الله وسجدوا لله، ويطلق على الطفل المسدس أمام أمه حتى تموت حزناً وهماً، والرسالة أنا لا أتخولها فبإمكان أحدكم أن يسأل سماحة الشيخ وأنا مسئول عما أقول، أنا أتكلم الآن أمام ثلاثة آلاف، كانت الرسالة مساء الأربعاء وقرئت على سماحة الشيخ فما كان منه إلا أن اهتز باكياً؛ لأنها مؤثرة، وهي دعوة للعلماء والدعاة أن يدعوا لهم، فإنهم في ضنك لا يعلمه إلا الله. ي

بر الوالدين

بر الوالدين بر الوالدين أعظم الجهاد وأيسره، ترفع فيه الدرجات، وتقبل من البار الدعوات، ولو أقسم على الله، فقسمه مبرور، لأن سعيه مشكور. وعلى النقيض من هذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عقوق الوالدين الذي يمكن في أسباب ثلاثة والتي تقابلها عدة أسس لبر الوالدين، ومع هذا فإن رحمة الله واسعة، والجزاء من جنس العمل، فمن أحسن أحسن الله إليه، ومن أساء فعليه.

الشباب والنوادي الصالحة

الشباب والنوادي الصالحة اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، أنت رب الطيبين، أنت عوذ المظلومين، أنت ناصر المهضومين، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. والصلاة والسلام على أشرف هادي ما سالت البوادي، وما هطلت الغوادي، أشرف من تكلم في النوادي، وأجل من جاء بالنور وهو خير هادي، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. سلام الله أرفعه إليكم بأشواقي وحبي والهداية وأرفع من ربى أبها سلاماً لأهل الحق في سبك العلاية سلام على نادي الزيتون، وعلى القائمين عليه، وعلى رأسهم فضيلة الأخ الأستاذ/ محمد بن سعيد بن ريش ومساعدوه وزملاؤه وطلابهم، سلاماً لا ينقطع إلا بدمع العين، إلى أن نلقى الله في مستقر الرحمة. {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين:1 - 6].

التربية على القرآن

التربية على القرآن يا أهل نادي الزيتون! نسأل الله أن تكونوا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وما أحوجنا إلى الإيمان وعمل الصالحات؛ لأنه ينقصنا نوادٍ تقيم الإيمان، ويَتَرادُّ في جوانبها القرآن، وتسبح بحمد الواحد الديان، نوادٍ تؤسس على (لا إله إلا الله) نوادٍ ينطلق منها أشبال الإسلام، من أحفاد خالد وسعد وطارق وصلاح الدين. {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] نوادٍ تخرج شباباً يعبدون الله. عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه كن كالصحابة في علم وفي ورع القوم هم ما لهم في الناس أشباه يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يُشَيِّدون لنا مجداً أضعناه نريد شباباً يخرجون إلى العالم ليقولوا: ها نحن عدنا من جديد، وليقول الواحد منهم: أنا ابن خالد بن الوليد، أنا ابن صلاح الدين. رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمرُ رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ ذاكم هو النادي الذي بدأ اسمه يلمع في سماء الحق (نادي الزيتون) ليقول للناس: لقد مللنا النوادي التي أتت بالناس لتربيهم على اللهو واللعب وضياع الوقت، لا ينقصنا ضياع وقت ولا لعب ولا لهو، ولكن ينقصنا إيمان بالله الواحد الأحد، وتوحيد وقرآن واستقبال إلى القبلة. نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا فحيا الله هذا النادي يوم أَجلسَ شبلاً من أشباله يقرأ القرآن ليسمعنا القرآن، وليشرح صدورنا به، لقد ظمئت قلوبنا -والله- لكتاب الله، يوم أن شبعت من الغناء، والغيبة والنميمة، ومن الزور إلا من رحم ربك، فأسمعنا -يا شاب الإسلام- كلام الواحد العلام، لتضيء طريقنا خلف سيد الأنام عليه الصلاة والسلام. أيا قارئ القرآن بالله قم واقرا فصوتك يجلو عن مسامعنا الوقرا أعد ذكر بدر كي تقر عيوننا فقد صرت أنت اليوم في حفلنا بدرا

بر الوالدين قصص وعبر

بر الوالدين قصص وعبر ثم إن هذه المحاضرة بعنوان: (بر الوالدين) قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:23] فلا يُعْبَد إلا الله، ولا يوحَّد إلا الله، ولا يقصد إلا الله، ولا يحب في الله إلا ما كان لله، ولا يبقى إلا وجه الله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 - 24]!

قصة الثلاثة النفر الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار

قصة الثلاثة النفر الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار وقبل أن أتحدث عن كثير من الآيات والأحاديث أسوق قصة يرويها محمد عليه الصلاة والسلام ويتكلم بها؛ لأنه كان يربي الناس إما بضرب المثل، أو بالخطابة العارمة الجياشة التي تصل إلى القلوب، أو بالقصص الصحيحة التي تحيي الأرواح. يقول عليه الصلاة والسلام: {بينما ثلاثة آواهم المبيت إلى غار في جبل}. دخل ثلاثة من بني إسرئيل في غار، وهو الكهف في الجبل، فانطبقت عليهم الصخرة، فلما أغلق الله عليهم باب الغار بهذه الصخرة، وقفوا في موقف ضيق حرج، وردوا أمرهم إلى الله، والعبد إذا ضاق فإنه لا يلتجئ إلا إلى الله الواحد الأحد، أرأيت إلى الإنسان إذا ضاقت به الحيل، فإلى مَن يلتجئ؟ قال تعالى: {وإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53]. يونس بن متى في بطن الحوت يلتجئ في الظلمات الثلاث إلى الله الواحد الأحد ويقول: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]. فتقطعت بهم الحيل، وانتهت بهم أسباب الدنيا، وتصرمت بهم حبال الناس، ولم يبق إلا حبل الله. يا واهب الآمال! يا حافظ القلوب! يا مقوي حبال الطائعين بحبلك! يا مرسل الأسباب لأوليائك! انقطعت بنا الحبال. يا واهب الآمال أنت حفظتني ومنعتني وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فنصرتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك منعتني تباكوا في الغار، فسمعهم الواحد القهار {فقال أحدهم لإخوانه: لا ينجيكم إلا عملكم الصالح فادعوا الله بأحسن أعمالكم}. وهذا درس لنا؛ فإنه لا ينجي العبد من الكربات والظلمات، ولا من الأمور المدلهمات إلا تقوى رب الأرض والسماوات. زكريا يرفع يديه يدعو الله أن يصلح زوجته، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء:90] لماذا؟ {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]. فلما قال لهم أخوهم: فادعوا الله بصالح أعمالكم. تقدم الأول، فقال: {اللهم إنك تعلم -ولا زال الله يعلم، فعلمه أبدي سرمدي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- أنه كان لي أبوان شيخان كبيران} انظر إلى التصوير العجيب في الحديث الأب والأم إذا كبرا وأتاهما الهرم أصبحا في منظر بئيس، ترحمهم القلوب من الأجانب فكيف بالقريب! قال: {وبلغ بي من البر أني لا أغبق عليهما أهلاً ولا مالاً} لا يسقي أطفاله اللبن، ولا يقدم لأهله الطعام حتى يشبع أبوه وأمه ويروَيان، قال: {ونأى بي طلب الشجر ذات يوم، فلم أرجع حتى ناما} أتى هذا الرجل، وهو يرعى الغنم بعد صلاة العشاء، ثم حلب إبله وبقره، وتقدم باللبن في الإناء، فأتى وإذا بالشيخين نائمين، فقام على رأسيهما، وأطفاله يتضاغون عند أقدامه، لا يجدون مضغة، ولا يجدون من أبيهم ما يسد عوَزَهم أو جوعهم قال: {فانتظرت حتى برق الفجر، ولم أقدم أطفالي على والديَّ} فلما طلع الفجر استيقظ الوالدان، فسلم لهما اللبن فشربا، قال: {اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء مرضاتك، ففرج عنا ما نحن فيه، فتزحزحت الصخرة شيئاً بسيطاً؛ لكن لا يستطيعون الخروج، وقال الثاني: اللهم إنك تعلم أنه كان لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني راودتها عن نفسها، فأبت، حتى أَلَمَّ بها قحط وفقر وجدب، فقدمت لها مائة دينار، فلما تمكنت منها، قالت: اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه فتركتها، اللهم إن كنتَ تعلم أني تركتُ ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، ولكن لا يستطيعون الخروج، وقال الثالث: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أجراء -أي: عُمَّال- فأعطيت كلاً أجرته إلا عاملاً واحداً، ذهب مغاضباً، ولم يأخذ من أجره شيئاً، فجمعت ما له من مال، وثمرته له، فلما أتى قلت: هذا المال جميعه لك، قال: لا تستهزئ بي. قلت: بل كل هذا لك، فأخذه ولم يبقِِ لي شيئاً، اللهم إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاء مرضاتك، ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، وخرجوا يمشون}. والدرس الوحيد الذي نريده وهو الشاهد: بر الوالدين يوم يقول الله عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] قرن الله حقه بحق الوالدين، وجعل الله رضوانه في رضا الوالدين؛ لأنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الذي يتولى حق الوالدين.

قصة الشيخ الذي شكا ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم

قصة الشيخ الذي شكا ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عليه الصلاة والسلام في مجلس مع الصحابة، فيأتي شيخ كبير مسن عجوز، وهو يبكي، فيقول عليه الصلاة والسلام: ما لك؟ قال: يا رسول الله! أشكو إليك داهية من الدواهي -أي: معضلة من المعضلات- قال: ما لك؟ قال: ابني يا رسول الله! ربيته، سهرتُ لينام، وجعتُ ليشبع، وظمئت ليروَى، وتعبت ليرتاح، فلما كبر غمط حقي وظلمني، ولوى يدي وضربني -ذكر ذلك الزمخشري وغيره- ثم أنشد شعراً في ولده يقول: غذوتُك مولوداً وعِلْتًك يافعاً تعلُّ بما أجني عليك وتنهلُ إذا ليلةٌ ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململُ كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به دوني فعيناي تَهْمِلُ فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنتُ أؤمِّلُ جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضلُ فليتك إذ لم ترعَ حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعلُ فبكى عليه الصلاة والسلام، وروي أن جبريل نزل فقال: {إن الملائكة بكت لبكاء هذا الشيخ} ثم استدعى النبي صلى الله عليه وسلم ابنه، فأخذ بتلابيب الابن وهزَّه، وقال: {أنت ومالك لأبيك} ليبين عليه الصلاة والسلام أن الابن وماله لأبيه يتصرف فيه، وأنه لا يجوز أن يخرج عن طاعته، إلا إذا أمر بمعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

أبو هريرة وبره بأمه

أبو هريرة وبره بأمه أبو هريرة يضرب به المثل في طاعته لوالدته، يقول: {هاجرت من زهران إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلما نزلت في البيت ومعي أمي أخذت تسب رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: فغضبت، وذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقلتُ: يا رسول الله! أمي تسبك، أسمعتني فيك ما أكره، فادعُ الله لها، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه، وقال: اللهم اهد أم أبي هِرٍّ، اللهم اهد أم أبي هِرٍّ قال أبو هريرة: يا رسول الله! وادعُ الله أن يحببني وإياها إلى صالح المسلمين قال: وحببهما إلى صالح عبادك} وعاد فوجدها تغتسل، وطرق عليها، وإذا بها تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وعادت مهتدية إلى الله، لما كان ابنها باراً بها.

من قصص التابعين في بر الوالدين

من قصص التابعين في بر الوالدين قيل لأحد الصالحين، وكان مشهوراً ببر الوالدين: ما بلغ برك بأمك؟ قال: ما مددت يدي إلى الطعام إلا بعد أن تمد يدها، وما نمت إلا بعد أن تنام، وما رقيت سطحاً وهي تحتي خوفاً من أن أعقها بأن أرتفع عليها. وقالوا للحسن البصري: سمعنا أنك بارٌّ بأمك، فما بلغ بك من بر أمك؟ قال: ما نظرت إلى وجهها حياءً منها فكيف بمن بلغ به العقوق إلى أن يضرب والديه، أو يلعنهما؟!! جاء في الأثر: [[من عق والده حتى بكى، فالذمة منه مقطوعة]]. وفي أثر آخر: [[من بكى منه أبوه أو أمه فقد سلخ النور عن جبينه]]. وهذه الآثار تنسب للسلف، ولا ترفع إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. قال جعفر الصادق لابنه: [[يا بني! لا تصاحب عاقَّ الوالدين؛ فإن الله قد غضب عليه من فوق سبع سماوات، فكيف تصاحبه؟!]].

أسباب عقوق الوالدين

أسباب عقوق الوالدين ولا يحدث عقوق الوالدين إلا بأسباب، أجملها في ثلاثة: أولها: سوء التربية: فإن الوالد مسئول عن تربية ابنه على الكتاب والسنة، والوالد الذي لا يربي ابنه على القرآن، وعلى حب الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى الإتيان به إلى المسجد، والمداومة على الصلوات الخمس، وعلى تقوى الله، والصدق، والوفاء، يستحق العقوق من ولده. ثانيها: الجهل: فعلى الوالد أن يعلِّم ابنه ولا يتركه جاهلاً، لا بد أن يعلِّمه العلم الشرعي وهو كتاب الله، وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام. يُروَى أن أحد العلماء جاءه رجل، فقال له: ابني ضربني، قال: تعال بابنك، فأتى به فإذا هذا الابن كبير سمين بدين كأكبر ما يكون من الرجال، فقال له: أضربتَ أباك؟ قال: نعم. ضربتُه، قال: لِمَ ضربتَه؟ قال: وهل يحرم أن يضرب الابن أباه؟ أي: هل في الشريعة أنه لا يجوز ضرب الابن لأبيه؟ قال العالم للأب: أعلَّمتَ ابنك شيئاً من القرآن؟ قال: لا والله. قال: أعلمتَه شيئاً من السنة؟ قال: لا والله. قال: أعلمتَه شيئاً من آداب السلف؟ قال: لا. قال: فماذا صنعت معه في حياته؟ قال: أطعمتُه وسقيتهُ وآويتُه حتى كَبُر، قال: تستحق أن يضربك؛ لأنه ظن أنك ثور فضربك. فالسبب الثاني: عدم تعليم الأبناء العلم الشرعي الذي ينفعهم في الدار الآخرة، ويقربهم من الله، ولا أعني علم الثقافة، وعلم القشور، والمعلومات التي تستحوذ على الذهن ليصبح سلة مهملات، هذا ليس بعلم قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. ثالثها: عق الرجل والديه؛ فالجزاء من جنس العمل، فمن بر أبويه رزقه الله عز وجل أولاداً يبرونه. أحد الناس سحبه ابنه من بيته حتى أخرجه خارج المنزل، فقال الأب لابنه: قف هنا، فوالله لقد سحبت أبي من هذا المكان حتى أوقفته في هذا المكان، وهذا الجزاء من جنس العمل.

أقسام بر الوالدين

أقسام بر الوالدين وبر الوالدين على قسمين: بر الأم، وبر الأب. الرسول عليه الصلاة والسلام يأتيه رجل -والحديث متفق عليه- فقال: {يا رسول الله! مَن أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك}. قال أهل العلم: بين عليه الصلاة والسلام أن للأم ثلاثة أرباع الحق، وللأب ربعاً من الحقوق. ولذلك اجتهد الصالحون في برهم بأمهاتهم. فقد مر ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه برجل من أهل اليمن، وقد حمل أمه على كتفيه في حرارة شمس مكة، وهو يطوف بها، وقد سال العرق على جبينه في الظهيرة، فقال: [[يا ابن عمر! أسألك بالله، أجازيتُ أمي بما قَدَّمَت لي؟ قال ابن عمر: لا والذي نفسي بيده ولا بزفرة من زفراتها]]. معنى الكلام: لَطَوافك بالبيت، وهذا الضنك والمشقة التي وجدتها لا تساوي زفرة من زفراتها، أو طلقة من طلقاتها في وقت الولادة، لا يساوي بر الابن بأمه طيلة ستين أو سبعين سنة. خرج عمر رضي الله عنه، وأسكنه فسيح الجنات، وجمعنا به وأرانا ذاك الوجه الكريم خرج في ظلام الليل بعد صلاة العشاء يتفقد الناس، ونزل إلى خيامٍ حول المدينة وفيها فقراء من بوادي العرب، فأتى إلى خيمة، فسمع امرأة تصيح وتبكي وهي في الطلق، فوقف عند باب الخيمة، وهو يرتجف كالعصفور من شدة البرد ويبكي رضي الله عنه وأرضاه، فقال له مولاه أسلم: [[ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال: إنك لا تدري يا أسلم! ماذا تجد من ألم الولادة]] ثم ذهب رضي الله عنه في قصة طويلة، وأتى بطعام لها، وصنع لها عشاءً، حتى قالت: والله إنك أحق من عمر بن الخطاب بالخلافة.

أسس بر الوالدين

أسس بر الوالدين وبر الوالدين له أسس:

من بر الوالدين: الدعاء لهما

من بر الوالدين: الدعاء لهما أولها: أن تدعو الله لهما في أدبار الصلوات: الدعاء العظيم، يوم أن ترفع يديك تدعو لوالديك في أدبار الصلوات وفي السجود، وتقول: (رب ارحمهما كما ربياني صغيراً) (اللهم اغفر لوالدي، اللهم ارحمهما، اللهم تجاوز عنهما) يوم تقف في ظلام الليل لتدعو لأفضل مخلوقين حيين قدما لك أحسن مكرمة في الحياة الدنيا، وهو وجودك، ولذلك فليس في الإسلام ولا في الشريعة أن يُقْتَصَّ للولد من الوالد، ولو قَتَل الوالد ابنه فلا يقتل به الوالد؛ لأنه سبب لوجوده فلا يكون الولد سبباً في إعدامه؛ بل لا يجوز للولد أن يشكو أباه إلا في الميراث, ومهما تكلم عليه، أو عزَّره، أو ضربه، أو أدبه؛ فلا يجوز أن يرفع في حقه شكوى، ولا أن تسمع شكواه؛ لأنه مهما فعل فلن يجاوز ذلك خير، ولا نفع، ولا معروف أبيه و {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} [الرحمن:60]. ويصف الرسول عليه الصلاة والسلام الرحم ويقول -كما في الصحيحين -: {لما خلق الله الرحم تعلقت بالعرش، وقالت: يا رب! هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلكِ! وأقطع من قطعكِ؟ قالت: بلى يا رب! قال: فذلك لكِ}. قال أبو هريرة: [[اقرأوا قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * =6004567>أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23]]]. ومن الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم من عق والديه، وقطعهما في الحياة حتى بكيا من عقوقه، فذلك نسي الله فأنساه نفسه، فيأتي يوم القيامة مبتور الحجة، مجذوم الإرادة، لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم. ومن حقوق الوالدين: أن يطاعا في أي أمر أمرا به في طاعة الله، وأما إذا أمرا بالمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة، خال رسول الله عليه الصلاة والسلام، لما أسلم وشهد أن لا إله إلا الله، قالت أمه: لا آكل ولا أشرب حتى تعود من الإسلام إلى الشرك، قال: يا أماه! كلي واشربي. قالت: قد سمعتَ، وحَلَفَتْ بلاتِها وعزَّاها ألا تأكل ولا تشرب حتى يعود، فحاورها وراودها ونازلها فرفضت، ثم قال: يا أماه! والذي نفسي بيده لو كان لك ألف نفس فخرجت نفساً نفساً على أن أعود عن دين رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين فلن أعود، فكلي أو اتركي، فأكلت. فأنزل الله عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان:14 - 15]. إذاً: فلا طاعة لهما في معصية الله. قال الحسن: [[مَن أمرته أمه أن يصلي العشاء في البيت ويترك الجماعة فليعصها وليذهب إلى المسجد]]. إذاً لا طاعة للوالد في المعصية؛ لأنه قد وجد من بعض الآباء من يجبر أبناءه على المعصية، ويرفض أن يستقيم ابنه، فإن قصر الابن ثوبه على السنة قال: هذا لا يوافق، هذا ليس من زينا، هذا من التزمت، هذا من التطرف، فيرفض ابنه ومسلك ابنه، وهذا خطأ. فطاعة الوالد في معصية الله عز وجل ليست واردة، لكن يطاع في طاعة الله عز وجل.

من بر الوالدين: الإنفاق عليهما وقت العجز

من بر الوالدين: الإنفاق عليهما وقت العجز ومن البر بهما: الانفاق عليهما وقت العجز عن النفقة: وكثير من الآباء والأمهات اليوم لا يستطيعون الإنفاق على أنفسهم، لأن شبابهما وقوتهما وصحتهما وما آتاهما الله قد ضعفت، وعندما كبر هذا الشاب جحد حقهما في النفقة، وبلغ بمستواه هذا أخلاق اليهود والنصارى، فإن الذي يبلغ به العقوق إلى أن يحرم والديه النفقة فخلقه خلق اليهود والنصارى -والعياذ بالله- بل نفقة الوالدين واجبة على الولد على رغم أنفه، ومهما حاول أن يتمرد فإنه يجبر ويحبس حتى يؤدي النفقة إليهما.

من بر الوالدين: تقديمهما على الزوج والأولاد

من بر الوالدين: تقديمهما على الزوج والأولاد ومن البر لهما أن يقدم والديه على أبنائه وبناته وعلى زوجته. فلا يقدم زوجته مهما كانت، وإن فعل فقد خان الله ورسوله، وخان دين الله وميثاقه وعهده. إن قدم زوجته وأرضاها على حساب أمه، فهذا خائن غادر لميثاق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، بل يجب أن يكون رضا الوالدة مقدماً دائماً، فإن أراد أن يحلي زوجته، أو يلبسها، أو يطعمها، فبعد أن يرضي أمه، وأن يقدمها في كل الحقوق؛ فإن تنازلت وسمحت ورضيت فلا بأس أن يزيد لزوجته؛ لأنه أرضى قبلها أمه.

من بر الوالدين: السكنى

من بر الوالدين: السكنى قال أهل العلم: يسكنون أينما أرادوا، ولو كان في العين، فإن العين مهما ضاقت فإنها لا تضيق بالوالدين. فمن حقوقهما: السكنى لا يسكن الولد إلا ووالداه معه؛ إلا إذا اختارا ورأيا أن المصلحة في عدم السكنى معه، لسلامة القلوب، والبعد عن الشجار والاختلاف، فلهما ذلك؛ لكن إذا أراد الوالد أو الوالدة بيتاً أو اختارا أمكنة من بيوته فيقدمان، ولهما الحق شريعة وعرفاً وميثاقاً وعهداً من الله.

من بر الوالدين: الزيارة

من بر الوالدين: الزيارة ومن حقهما: الزيارة، فإذا كانا في بلد بعيد فبالاتصال، وطلب الرضا والسماح، وطلب الدعاء منهما. ولكن كثيراً من الناس قد جهلوا هذه الحقوق، وتغمطوها، بل بلغ ببعضهم أن هجر أباه وأمه السنوات الطويلة في غضب، أو بلغ به العقوق أن لعن أباه أو أمه، أو ضرب أحدهما، أو خاصمهما حتى بكيا، فإذا بلغا إلى درجة الغضب الشديد الذي ينتج البكاء فقد عقهما عقوقاً كبيراً، وأصبح فعله هذا من الكبائر السبع التي ذكرها عليه الصلاة والسلام.

أهمية وفضل بر الوالدين

أهمية وفضل بر الوالدين يأتي رجل من أهل اليمن فيقول: {يا رسول الله! أريد الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله، قال: ألك والدان؟ قال: نعم. قال: فالزمهما، فإن الجنة عند قدميهما أو رجليهما} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والحديث عند مسلم. وفي رواية صحيحة: {ففيهما فجاهد}. فخدمة الوالد والوالدة أعظم من الجهاد في سبيل الله، وقد ظهر في شبابنا من يذهب إلى الجهاد -مثلاً- في أفغانستان، ولا يستأذن والديه، ويذهب على رغم أنفهما، ويغضبهما، ويريد الأجر من الله! فهذا ليس له أجر، وليس له ثواب حتى يأذن له والداه، ويسمحا له عن طيب قلب، وراحة نفس، فإذا سمحا فله الأجر والثواب عند الله. ولذلك يقول بعض أهل العلم: أهل الأعراف الذين ذكرهم الله عز وجل بقوله: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ} [الأعراف:46] هؤلاء يسكنهم الله عز وجل في مكان بين الجنة والنار، ليسوا في النار ولا في الجنة، قال بعضهم: هؤلاء الذين خرجوا في سبيل الله، ولكن بغير إذن الوالدين، فليسوا في النار ولا في الجنة؛ ولكن على الأعراف. فليعلم العبد أن بقاءه في خدمة والديه، وطاعتهما، أعظم من الجهاد وحمل السيف والبندقية، وضرب أعداء الله في سبيل الله، هذا هو الجهاد العظيم الذي يأجر الله العبد عليه يوم القيامة، ثم الجهاد في سبيل الله بعد رضا الوالدين. جاء في صحيح مسلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال وهو على المنبر: {رغِمَ أنفُ رغِمَ أنفُ رغِمُ أنفُ} وفي السنن: {رغِمَ أنفُه، قالوا: من يا رسول الله؟ قال رغِمَ أنفُه، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: رغِمُ أنفُه، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: مَن أدرك والديه أو أحدهما في الكبر، ولم يَدْخُلِ الجنة} من أدرك والديه الكبيرين أو أحدهما ولم يدخل بسببهما الجنة فأرغم الله أنفه في التراب، فهو محروم من البر والرحمة، والإحسان والحنان، والخير والتوفيق، والهداية والسداد.

أويس القرني بر أمه فبر الله قسمه

أويس القرني بر أمه فبر الله قسمه وهذا أويس القَرَني، وهو من مراد، ونحن نلتقي معه، لكن لا نفتخر بذلك؛ فـ أبو لهب عم الرسول عليه الصلاة والسلام في النار، والنسب لا يقارب ولا يباعد، يقول عليه الصلاة والسلام: {يا بني هاشم! لا تأتوني بأنسابكم يوم القيامة ويأتيني الناس بأعمالهم} وقال عليه الصلاة والسلام: {من بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه} وعبد مولى قريب من الله عز وجل هو حبيب الله وولي الله، فـ بلال الحبشي أتى من الحبشة، كان يباع ويشترى، فلما أسلم رفع الله ذكره في الخالدين، وأصبح له قصر في الجنة كالربابة البيضاء. يقول عليه الصلاة والسلام للصحابة وهو يحدثهم: {سوف يقدم عليكم من أهل اليمن رجل اسمه أويس بن عامر القرني} وضبط قبيلته: قَرَن. كما قال ابن مالك: وعدن وقرن ولا حق وشذقم وهيلة وواشق فهي قَرَن، وليست قَرْناً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: {له أم هو بار بها، لو أقسم على الله لأبره، فيه كالدرهم من آثار مرض البرص، يشفع يوم القيامة لمثل قبيلة مضر حتى يدخلوا بشفاعته الجنة}. وكان رجلاً فقيراً في اليمن، ليس له مال، ولا زوجة، ولا أبناء ولا بنات. هذا الرجل قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم عنه للصحابة: {إذا قدم عليكم فاطلبوا منه أن يستغفر الله لكم} يستغفر لـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وهم خير منه لكنها حكمة من الله! {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21]. فكان أبو بكر في خلافته كلما أقبل وفد من أهل اليمن سألهم، وقال: أفيكم أويس بن عامر القرني؟ فيقولون: لا. فتوفي أبو بكر ولم يأت أويس، وتولى عمر رضي الله عنه وأرضاه، فكان يسأل أهل اليمن حتى أتاه وفد الحجاج من أهل اليمن، فقال: أفيكم أويس بن عامر القرني؟ قالوا: نعم. يا أمير المؤمنين! عندنا رجل يَرْعى الإبل لنا في الوادي، إن كان هو الذي تقصد فهو راعي غنم، ماذا تريد من راعي الغنم؟ قال: ألَهُ والدة؟ قالوا: نعم. قال: أهو بار بها؟ قالوا: نعم. قال: أصابه برص فبقي في بطنه كالدرهم من آثار البرص، قالوا: نعم. فقال للصحابة: قوموا بنا إلى أويس بن عامر فركب حماره رضي الله عنه وأرضاه ومعه علي وجل الصحابة، وذهبوا إليه في الوادي، وهو في ضاحية من ضواحي المدينة، أتوا إليه، وقد توضأ وجعل عصاه سترة له إلى القبلة، يسجد ويركع ويدعو ويبتهل إلى الله، فانتظر عمر حتى انتهى أويس من الصلاة، فسلم عليه، وقال عمر: من أنت؟ قال: أويس بن عامر قال: ألك والدة؟ قال: نعم. قال: اكشف عن بطنك، فكشف، فرأى عمر رضي الله عنه كالدرهم من البرص في بطنه، فقبل عمر بطنه، وقال: استغفر لي، فبكى أويس بن عامر، وقال: سبحان الله! أستغفرُ لك وأنت أمير المؤمنين! قال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لنا: {يقدم عليكم من أهل اليمن رجل له والدة هو بها بار، لو أقسم على الله لأبره، يدخل بشفاعته مثل قبيلة مضر يوم القيامة في الجنة} فقال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين! فأخذ الصحابة يقولون: استغفر لنا استغفر لنا، وهو يدعو لهم. ثم قال عمر: أتريد أن تقيم معي في المدينة؟ قال: يا أمير المؤمنين! اتركني أحيا يوماً جائعاً ويوماً شبعاناً حتى ألقى الله. فعاد عمر وسأل عنه في اليوم الثاني فلم يجده، وسأل رفقته فلم يجدوه، وقالوا: اختفى وذهب إلى العراق وحيداً غريباً. غريباً من الخلان في كل بلدة إذا عظم المطلوب قل المساعد سكن الخرابات حتى لقي الله، وهو يشفع يوم القيامة لمثل القبيلة العربية العظيمة مضر، يدخلهم الجنة بسبب بره بأمه. فرضي الله عن أويس، الذي استغفر لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد ذهب إلى الله ببره بأمه. وتتكرر دائماً صور الصالحين في برهم بأمهاتهم، وصدقهم مع ربهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وأحد الصالحين من السلف قام في خدمة أمه، فطلب منه كثير من الخلفاء أن يتولى لهم أعمالاً وإمرة، فقال: لا. إمرتي في بيتي مع أمي، فقام على أمه، قالوا: كان يغسلها، ويلبسها ثيابها، ويصنع الطعام لها، ويكنس بيتها، حتى رأى في المنام قائلاً يقول: لقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر بما فعلت مع أمك. يروي هذا صاحب الحلية وأمثاله من أهل الرقائق والمواعظ. فيا عباد الله! يا أبناء من آمنوا بـ (لا إله إلا الله) وصدقوا بموعود الله: ما أحوجنا لبر الوالدين، والعبد كما يقول ابن تيمية: لا بد أن يقصر مع والديه، فإن ابن تيمية شيخ الإسلام، يتحدث عن أمه، فقد كانت في بلد حَّران، وهو في بلد آخر، فقال: قد قصرت معكم في الزيارة، وفي الحقوق، والنفقة، والله لو حملتني الطيور بأجنحتها لسرنا إليكم؛ لكن العبد لا بد أن يقصر مع والديه؛ فليستغفر الله، وليدرأ بالحسنات السيئات {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]. فمن أغضب والديه فليدع لهما بظهر الغيب، ومن أنقص حقهما فليوفه يوماً من الأيام.

أنواع البر بالوالدين

أنواع البر بالوالدين

من بر الوالدين تقديم القربات لهما

من بر الوالدين تقديم القربات لهما ومن كان عاقاً لوالديه وقد ماتا فليبرهما بعد الموت بالدعاء لهما، وبصلة قريبهما، وبالاستغفار لهما، وبقضاء دينهما، فقد جاء في بعض الآثار: أن الرجل يموت والداه وهو عاق لهما فلا يزال يدعو لوالديه، ويستغفر لهما، ويصل قرابتهما حتى يكتبه الله في الخالدين باراً بوالديه. وإني أوصي نفسي وإياكم يا من مات له أب أو أم: أن تقدموا لهما هدايا كل ليلة، فقد جاء في الأثر: [[ما دعا داعٍ ولا تصدق متصدق إلا أتت على أطباق من نور حتى تدفع للوالد أو الوالدة في القبر]]. وهذه آثار موقوفة على بعض السلف الصالح. وفي صحيح مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم قال: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أوعلم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له}. فيا من فقد أحد والديه! تقدم إلى الله بالدعاء، وتصدق عن والديك، وحج عنهما واعتمر؛ فإنها تصلهما، وتكون لهما في القبر وعند الله ويثقل بهما الميزان، وكلما سجدت لله سجدة فادعُ لهما، فمهما فعلت فوالله لن توفِّ لهما الحق أبداً، وإنا لمقصرون. ولذلك كان -عليه الصلاة والسلام- إذا سئل عن أفضل الأعمال جعل بر الوالدين هو الثاني منها. ففي الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال: {يا رسول الله! ما أحب العمل إلى الله قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله}. فبر الوالدين هو العمل الثاني الذي يلقى به العبد ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالى فيكون مأجوراً على ذلك. وكان عليه الصلاة والسلام يتفقد أصحابه في بر الوالدين، بل ورد في صحيح مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- خرج ليزور قبر أمه، قال أبو هريرة: خرجنا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد ماتت أمه وهو طفل. كفاك باليتم في الأمي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم خرج يتيماً؛ لكنه حوَّل العالم، وُلِد يتيماً مطروداً شريداً جائعاً ظامئاً على فاقة وفقر، ولكنه أصبح أجل إمام، وأعظم زعيم، وأنبل قائد، وأحسن رائد لقومه ولأمته، وأبرك من وجد على ظهر الأرض، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ماتت أمه وهو صغير، فلما كبر -عليه الصلاة والسلام- وأنزل الله عليه الوحي، قال: {أين قبر أمي؟} لهفة الإنسان لوالديه ولقرابته وصلة وقرب وحب وعطف، كما قال الله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]. تشوق عليه الصلاة والسلام لأمه حناناً بها، ولذلك كما قال الأول في قرابته لما فارقوه: بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم وما جفت مآقينا نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا قالوا: يا رسول الله، قبر أمك على طريق المدينة، فأخذ الصحابة وذهب بهم، فدخل المقبرة، فقام يبكي عند القبر حتى بكى الصحابة. ثم قال: {اللهم اغفر لأمي} فنهاه الله أن يستغفر لها؛ لأنها ماتت على غير الملة، حتى قال -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: {استأذنت ربي أن أزور أمي فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي} لأن المشرك لا يُشْفَع فيه، وقد مضوا إلى ربهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وإنما الشاهد: حنانه -صلى الله عليه وسلم- وبره بقرابته.

من بر الوالدين صلة قرابتهما

من بر الوالدين صلة قرابتهما يأتي عليه الصلاة والسلام بعدما فتح الطائف، يوزع الغنائم على الناس، وإذا بـ الشيماء بنت الحارث أخته من الرضاعة، أرضعته وإياها حليمةُ السعدية في بني سعد في جوار الطائف، وأخبر الناسُ هذه المرأة أنها أخت الرسول صلى الله عليه وسلم، فقدمت عليه، وهي عجوز كبيرة في السن، فأخذت تخترق الصفوف وعليها مظلة تظللها من الشمس، وتقول: أين رسول الله؟ فاقتربت منه صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله! أنا أختك من الرضاعة، فلما سمع كلمتها قام فعانقها وبكى وأجلسها مكانه، وقام يظللها من الشمس، وأخذ يقول: كيف حالكم؟ كيف أهلكم؟ كيف أطفالكم؟ ثم قال لها: {الحياة حياتي، والموت موتي، أتريدين الإقامة معي أم تريدين الذهاب أمتعك إلى أهلك متاعاً حسناً؟ قالت: المتاع الحسن، فأعطاها مائة ناقة، وسألها أن تزوره، وأخذ يودعها وهو يبكي حتى اختفت عن العيون} والناس يلحظون بره عليه الصلاة والسلام لأن من يخاف موعود الله عز وجل يبقى باراً بقرابته وبوالديه {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23]. لكن بر الوالدين لا يأتي إلا بالإيمان، وبالخوف من الواحد الديان، ويوم نربي بيوتنا على (لا إله إلا الله) ونحبب المساجد لأطفالنا، ويوم نقربهم من الله، حينها ينشئون نشأة إسلامية إيمانية ترضي الله الواحد الأحد. أما من ربى أولاده على الغناء، والتطبيل، وعلى ضياع الوقت، وقرناء السوء، والتمرد على آيات الله، فكيف يريد أن يكونوا بارين به؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. فندعو أنفسنا وإخواننا المسلمين إلى بر الوالدين، والعطف عليهما، والحنو بهما، والدعاء لهما بظهر الغيب، ومن أساء فليحسن، ومن أذنب فليستغفر، ومن قصر فليكمل، ومن كان عاقاً وقد مات والداه فليبرهما بعد موتهما؛ ليكتبه الله باراً في الخالدين.

من بر الوالدين تعليمهما أمور الدين

من بر الوالدين تعليمهما أمور الدين ومن أعظم البر بهما تعليمهما أمور دينهما: فإن كثيراً من الآباء والأمهات لا يعرف أحدهما الصلاة، ولا يعرف أركان الإسلام وأركان الإيمان، أو لا يعرف العلم الضروري من الشريعة، فواجبك -يا عبد الله- أن تعلم والديك، وأن ترشدهما إلى أمور الصلاة والوضوء، وأن تقربهما من الله، وأن تبعدهما مما يغضب الله؛ من شهادة الزور، والغيبة والنميمة، والاستهزاء والاستهتار، واللعن والفحش، والمعاصي ما ظهر منها وما بطن، فإنهم أعظم من تدعوهم، قال تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] و {الأقربون أولى بالمعروف} فدلهما على طريق الجنة، وخذ بأيديهما إلى صراط الله المستقيم، فإن من سعادة المؤمن يوم القيامة أنه إذا دخل الجنة جمع الله له قرابته إذا كانوا مسلمين. كيف يسعد الإنسان إذا دخل الجنة وهو، يقول: أين أمي؟ أين أبي؟ أين إخواني؟ أين أبنائي؟ قال الله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21] لكن بشرط أن يكونوا مسلمين، أما أبٌ مشرك وابنٌ مسلم فلا يجتعمان في الجنة، أو ابن ملحد زنديق معرض عن الله لا يجتمع مع أبيه المسلم. فيا من أراد أن يجتمع بأسرته وبقرابته وبوالديه وبأبنائه وبناته! اعمل صالحاً، وقدهم إلى الطريق المستقيم، وجنبهم المعاصي والمنكرات، عل الله أن يجمع بينك وبينهم في دار الكرامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر. لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزادِ لها بوجهك نور تستضيء به ومن حديثك في أعقابها حادي

حث الآباء على تربية الأبناء

حث الآباء على تربية الأبناء عباد الله: براً بالوالدين، وطاعةً لهما، ويا أيها الآباء! ويا أيتها الأمهات! تعلموا حتى تربوا أبناءكم على طاعة الله، وأقيمومهم على منهج الله، وأدخلوا ذكر الله في البيوت، لتنشئوا أطفالاً مستقيمين ملتزمين، مخلصين مخبتين، عل الله أن يهدينا وإياكم، وأن يقيمنا على الطريق المستقيم. والمآسي التي نسمعها -والعياذ بالله- مآسٍ تنبئ عن أن في بعض البيوت سوء تربية، فقد حدثنا رجل من رجال الأمن، أن أماً أتت إلى رجال الأمن وشكت ابنها، وقالت: ضربها سبع مرات، قال هذا الشرطي وكان مستقيماً: فما كان منا إلا أن داهمنا منزله، واقتحمنا عليه البيت، وأخرجناه، فضربناه ودسناه بأرجلنا، وكان يصيح: يا أماه أنقذيني! فكانت تقول: أعدمك الله، وقتلك الله، وغربلك الله كما غربلتني، ذق بعض ما ذقتُ. هذا رجل خلع رِبْقَةَ الهداية والتوفيق عنه، وقطع الحبل بينه وبين الله، تبلغ به الدرجة وقسوة القلب ويهودية الضمير -والعياذ بالله- إلى أن يضرب أمه هذا الضرب العنيف؛ فيصبح أذل من البهيمة، وأقل من الدابة، والعياذ بالله. فنسأل الله أن يثبتنا، ونعوذ به من الخذلان؛ فإن العبد إذا قطع ما بينه وبين الله، قطع الله ما بينه وبين والديه، وما بين قرابته والناس. اللهم ثبتنا وسددنا، واهدنا ووفقنا. ونكتفي بهذا القدر، ليكون ما بقي من وقت للأسئلة، عل الله أن ينفع ويهدي سواء السبيل. وأكرر شكري للقائمين على هذا النادي، ولكم أيها الحضور. ونسأل الله أن يجمعنا هناك في دار الكرامة، في مكان أحسن من هذا المكان وأوسع وأصفى وأرَقُّ. فلما جلسنا مجلساً طله الندى جيملاً وبستاناً من الروض دانيا أثار لنا طيبُ المكان وحسنُه مُنَىً فتمنينا فكنتَ الأمانيا اللهم اجعل أمانينا جنة عرضها السماوات والأرض، في جوارك يا رب العالمين! فقد سئمنا الحياة، حياة الهم والغم والحَزَن. فاعمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية تعليم الوالدين الصلاة

كيفية تعليم الوالدين الصلاة Q علَّمتُ والدي كيفية الصلاة مرات عديدة، ونصحته كثيراً؛ ولكن الاستجابة قليلة، فما هو توجيهكم جزاكم الله خيراً؟ A أثابك الله على ما فعلتَ وسددك، وهذا هو الواجب أن تعلمه، لكن كيف علَّمتَه؟ وما هي الطريقة التي تعلمه بها كيفية الصلاة أو أي مسألة؟ إنما هي طريقة اللين والحكمة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. وأحق الناس بالحكمة واللين: الوالد والوالدة، فحاذر أن تكون عنيداً في تعليمهما، فتنفُر قلوبهما، فلا يستفيدان. وعليك أن تعلِّم والدك بطريقة العمل أكثر من طريقة الكلام؛ كأن تصلي أمامه، أو تقول له: هذه الصلاة التي كان يصليها صلى الله عليه وسلم، وتصلي أمامه الصلاة الشرعية التي أتى بها صلى الله عليه وسلم وصلاها. وإن لم يقبل منك فلتأتِ برجل أو بطالب علم أو بداعية فيعلمه الصلاة وكيفيتها، أو تأتي بشريط إسلامي، أو بكُتيب، أو بأي طريقة. وإذا فشلت في المرة الأولى، فحاول في الثانية، وفي الثالثة، واصبر حتى يتعلم منك وبشكل تدريجي، ولا تعلمه دفعة واحدة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتدرج في التعليم فالمرة الأولى تعلمه الفاتحة، حتى يحفظها، وتستمر معه، والمرة الثانية تعلمه التحيات، والمرة الثالثة تعلمه كيفية السجود والركوع، والمرة الرابعة تعلمه السنن، والمرة الخامسة تعلمه كيفية الجلوس، وهيئة الخشوع في الصلاة. وحينها تنجح معه بإذن الله، وثوابك، وأجرك على الحي القيوم.

حكم الحلف برءوس الأولاد

حكم الحلف برءوس الأولاد Q ما حكم من حلف على رءوس أولاده؟ وهذا كثيراً ما يحدث من النساء، أرجو التوجيه في هذا؟ A إن كان القصد أنه حلف على رءوس أبنائه مثل المباهلة التي فعلها صلى الله عليه وسلم مع النصارى، أن جمع علياً وفاطمة والحسن والحسين، وهذه تحدث كثيراً في الخصومات، كأن يأتي رجل يخالف رجلاً في مسألة، فيقول: تعال أباهلك على أهلي وأهلك، والعرب تفعلها، وهذا هو آخر الأيمان، ولعل السائل لا يقصد هذا، لكن للبيان: هذا كان يفعله العرب، كان الواحد منهم يأخذ أطفاله فيحلف عليهم، ويباهل الرجل الآخر، ويقول: إن كنتُ صادقاً فأبقى الله لي أبنائي وسلمهم، وإن كنتُ كاذباً فحصدهم وحشرهم وأخذهم. وهذه من يفجر فيها عقوبته كما هي سنن الله عز وجل أن يموت في الحال، وإذا خرج بدوابه ثم حلف عليها ماتت، أو على مزارعه أعدمها الله عز وجل، وهذا لم يرد فيه نص فيما أعلم، إلا في المباهلة لأعداء الله عز وجل. وإن كان قَصْد السائل أن الرجل أو المرأة يجمع أبناءه، ثم يحلف ويقول: على رءوس أبنائي، فهذا ليس بوارد، ولا يزيد في اليمين ولا ينقصها، وإذا حلف فبر بيمينه فأحسن، وإذا حنث، فعليه كفارة. أما اليمين الغموس، وهي التي يقتطع بها حق امرئ مسلم، فسواء حلف على رءوس أطفاله وأولاده أو لم يحلف فهذا يحاسبه الله، ولا يكلمه، ويكون عليه غضبان يوم القيامة، ولو كان على قضيب من أراك؛ لأن بعض الناس يقول: أحلف على أموال الناس وأكفِّر بإطعام عشرة مساكين، وهذا خطأ وافتراء على الله، فاليمين قسمان: يمين غموس، ويمين مكفرة. فإن حَنثَ أحدٌ في اليمين الثانية، كأن يحلف ألا يذهب إلى رجل، أو لا يأكل عنده، أو لا يركب سيارته، ثم فعل فليكفر كفارة يمين: إطعام عشرة مساكين. أما إن حلف على أموال الناس، كأن يحلف على سيارة لأحد الناس، أو على قطعة أرض، أو مزرعة، أو بيت، أو ميراث، كاذباً فاجراً، فهذا لا ينظر الله إليه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم، ويُطَوَّق بهذا الملك من سبع أرضين، يأتي بها يوم القيامة مطوقة في عنقه حتى يُفْصَل بين الناس.

حكم التفضيل بين الأولاد

حكم التفضيل بين الأولاد Q فضيلة الشيخ! بعض الآباء يثني على أحد الأولاد ويقدمه على الآخر، فما حكم ذلك؟ A هذا من سوء التربية، وقد حذر منه أهل العلم، أن يأتي الرجل فيمدح أحد أبنائه على مرأى ومسمع من الآخرين، خاصة إذا أزري بالثاني، وقال: أنت يا فلان نجيب وجيد، وذكي وفطن وعاقل، وأنت يا فلان سفيه ومعرض ومتمرد، وفيك كَيْتَ وكَيْتَ، فهذا من سوء التربية، وتؤدي إلى نتائج لا يعلمها إلا الله؛ ولذلك قال أهل العلم: يقول يعقوب لابنه في القرآن الكريم: {قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف:5] فسبب الكيد: أولاً: أن يوسف أخبر إخوته بالرؤيا. ثانياً: أن إخوة يوسف احتجوا أن {قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يوسف:8] انظر كيف تشاور أحد عشر ابناً في ظهر الغيب، وقالوا عن أبيهم، وهو نبي من الأنبياء عليه الصلاة والسلام، قالوا: أخطأ خطأًَ بيناً، كيف يقدم يوسف علينا؟ قال بعض العلماء: كان عليه السلام معصوماً، لكنه كان ينظر إلى يوسف أكثر في المجلس، ما قدمه بكسوة، ولا بطعام ولا شراب، وإنما كان ينظر إلى يوسف؛ لأنه يحبه أكثر منهم، وكان يوسف قد أوتي شطر الحُسْن في العالم، فالحسن قسمان: قسمٌ ليوسف، وقسمٌ وزَّعه اللهُ على الناس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. كان يوسف كالقمر ليلة البدر، فكان ينظر إليه يعقوب معجباً به، فقالوا في القرآن الكريم: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يوسف:8]. فكانت النتيجة أن قالوا في القرآن الكريم: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} [يوسف:9]. قال الحسن: [[رحمهم الله أجمعوا على العمل، وأجمعوا على التوبة قبل أن يعصوا الله عز وجل فغفر الله للجميع]]. والمقصود: أن هذا الفعل من سوء التربية، ونحذر من هذا الفعل؛ لكن لك أن تذم الابن، وتعزره بكلام ليرتدع، إن كان في ذلك من التربية، كأن يكون مخلاً بالصلاة، أو ليس مثابراً على الدراسة والعلم، فلا بأس أن تسبه أمام أهله؛ لكن بشرط ألا تمدح ذاك أمامه، أو تقول: لستَ كأخيك، أو تقدمه بجائزة. فقد ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام أتاه والد النعمان بن بشير وقال: {يا رسول الله! نحلتُ ابني هذا مزرعة، فقال عليه الصلاة والسلام: أكل ولدك أعطيته كذلك؟ قال: لا، قال: استشهد على هذا غيري، فإني لا أشهد على زور} فمنع صلى الله عليه وسلم تقديم بعض الأبناء على بعض، فلا يجوز أن تقدم بعض الأبناء على بعض في جائزة، أو هدية، أو عطية، أو ملبوس، حتى تساويهم جميعاً، إلا إذا رضي أحدهم وسامح فلا بأس بذلك.

العلم النافع سبب لرضوان الله

العلم النافع سبب لرضوان الله Q فضيلة الشيخ! عندي أخت تدرس المرحلة الثانوية، ولكنها لم تستفد من علمها، لا في المحافظة على الصلاة في وقتها، ولا في تعاملها مع والدتها، إذ تعاملها معاملة لا يصح نسبتها إليها، أرجو التوجيه حول ذلك؛ لأنني -إن شاء الله- سوف أسمعها المحاضرة عن طريق الشريط، وجزاكم الله خيراً؟ A نعوذ بالله من علم لا ينفع، والعلم الذي لا ينفع هو الذي يُحْفَظ ثم يُعْرِض صاحبه عن ذكر الله عز وجل، وعن إقامة الفرائض، وأوامر الله، وينسى حدوده. وهذه الفتاة ندعوها إلى الهداية؛ أن تعود إلى سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن تتقي الله في والدتها، وتتقي الله في نفسها أولاً، وأن تطيع ربها، فإن دراستها لا تنفعها بل تبعدها وتغضب الله عليها، فأول ما فعلت أنها تهاونت بالصلاة، وتركت كثيراً من فرائض الله عز وجل عليها، فهذا علامة الخذلان، وهي بهذا العمل تشهد على نفسها بالفجور -والعياذ بالله- وما سبب ذلك إلا الخذلان، يوم أعرضت عن منهج الله، أو أن هناك وسائل تربت عليها من فيديو مُهَدِّم، أو مسلسلات مخربة، أو أغنية ماجنة، أو مجلات خليعة، أو اتخذت أخداناً -والعياذ بالله- بظهر الغيب، فهذا كله من الخذلان، والإعراض عن منهج الله. فيا أيتها الشابة المسلمة! ويا كل مسلمة! إن العلم النافع هو الذي يقودك إلى رضوان الله، قال الله: {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34]. يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا أطاعت المرأة ربها، وأطاعت زوجها، وصلت خمسها، وصامت شهرها، دخلت جنة ربها}. فالعلم المطلوب للمرأة هو العلم الذي يوصلها إلى رضوان الله، فتكون طائعة لوالديها، متحجبة، تحفظ سمعها وبصرها وفرجها، لا تتخذ أخداناً، ولا تستمع غناءً، ولا تطالع مجلات خليعة، ولا تكون مضيعة لحقوق الله، حينها يرضى الله عنها، أما إذا عاشت الفتاة على هذا الحال فنعوذ بالله من مصير سوف تنقلب إليه، ومن حياة سوف تشرف عليها، ومن تعاسة سوف تنتظرها، فإن من تعثر في طريق الهداية عثر الله حياته حتى يلقى الله وهو مخذول، ومن أعرض عن الهداية سلب الله إرادتَه ورشده، حتى يعيش وكأنه مجنون والعياذ بالله {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109].

حرمة لبس السراويل القصيرة أو النظر إلى من يلبسها

حرمة لبس السراويل القصيرة أو النظر إلى من يلبسها Q فضيلة الشيخ! ما حكم اللعب بالكرة مع لبس السراويل القصيرة التي لا تستر العورة؟ وما حكم النظر إلى من يلعبون بتلك السراويل؟ A صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث جُرْهَد أنه قال: {غَطِّ فخذك فإن الفخذ عورة} وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، فلا يجوز له كشفها، واللباس الذي لا يصل إلى الركبة فليس بلباس شرعي، ولو أن فيها فتيا ضعيفة من بعض الناس، لكن الصحيح أن الفخذ عورة، وعلى شباب المسلمين إذا لعبوا الكرة أن يغطوا أفخاذهم من السرة إلى الركبة بساتر، ولا يجوز النظر إلى من لم يفعل ذلك، أو مشاركته في اللعب، أو النظر إليهم أبداً، فقد عصوا الله بهذا الفعل، وقد بُيِّنَ هذا في أكثر من فُتيا وأكثر من مناسبة. ومن مآسي بعض الأندية: أنهم يجعلون وقت اللعب وقت الصلاة، وهذه سيئة كبرى -والعياذ بالله- ومن مآسيهم أيضاً: أنهم يوالون عليها ويعادون؛ فيصرفون الحب والبغض لأجل الأندية، فيحبون على حساب هذا النادي ويبغضون، حتى بلغ ببعض الناس ممن سمعنا من الثقات أنه طلق زوجته؛ لأنها تشجع فريقاً، وهو يشجع فريقاً آخر، وهذا صحيح، بعد أن انتصر فريقها ومنتخبها الذي تحبه أكثر من الله ورسوله، قالت: ذُقْ يا فلان! انهزم فريقك. قال: ذوقي أنتِِ يا عدوة الله! فأخذت ترد عليه ويرد عليها، حتى طلقها بالثلاث، وهذه نتيجة خواء القلوب من الإيمان، وعدم استقبالهم وطاعتهم للواحد الديان، وشرورهم عن منهج الله الذي أنزله للناس، وإلا فحياة تبنى على هذا، إنما هي كحياة البهائم {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].

حكم مصافحة النساء

حكم مصافحة النساء Q عندي مشكلة وهي مصافحة النساء ولا سيما الكبار في السن، فإذا امتنعت قالوا: هذا متشدد، ويقولون: القلوب نظيفة، والإيمان في القلب، فما حكم الشرع في ذلك؟ A مصافحة النساء الأجنبيات ليس بجائز ولا بوارد، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يصافح في حياته امَرْأة لم تحل له، بل لم يمس يدها، وكان صلى الله عليه وسلم -كما في السِّيَر بأسانيد جيدة- يبايع النساء، فمدت هند يدها، لتصافح بها الرسول عليه الصلاة والسلام، فرفض صلى الله عليه وسلم وامتنع وقال: {ما هذه اليد التي كأنها يد سبع} لأنها ما كانت تختضب، ولا تأخذ من أظفارها، وهذه لها مناسبة أخرى. إنما المقصود: قالت عائشة: {ما مست يد الرسول صلى الله عليه وسلم يد امرأة لا تحل له}. فمصافحةُ الأجنببات منكر، وهذه عادة سيئة جاهلية، ما أنزلها الله في كتابه، ولا رسوله عليه الصلاة والسلام. أما قول الأخ السائل: قلوبهم نظيفة، فلا والله! لو كانت نظيفة لاتبعت الكتاب والسنة، لكنها سيئة ومظلمة، ومتأخرة، ومعارضة لكتاب الله ولسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. وبقي هؤلاء على قلوبهم النظيفة إلى أن أتت فاحشة الزنى -والعياذ بالله- والفاحشة الكبرى، والله يقول: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] يقال لبعض الناس: حجبوا نساءكم، لا يجوز للضيف الأجنبي أن يجلس مع المرأة الأجنبية، فيقولون: قلوبنا نظيفة، قلنا: بل مظلمة {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] كيف يكون شيءٌ يخالف منهج الله ويكون نظيفاً؟! بل هو سيئ ووسخ والعياذ بالله. إذا علم هذا؛ فالحذار الحذار من اختلاط الأجانب بالأجنبيات، وقد وجد أن بعض الناس يخرجون في رحلات جماعية، فيجلس الرجال والنساء سوياً في مقعد واحد وتحت شجرة، ويتحدثون ويتمازحون، وينظر هذا لزوجة هذا وهذا لزوجة ذاك، وهذا مُنْكَر، وليس من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وهو محاربة لشريعة الله، وفي بعض البيوت ينظر الأخ لزوجة أخيه، ويأخذ الشاي منها، ويجلس معها، ويتحدث معها، ويأكل معها، ويذهب أخوه ويسافر، ويدعهما في المنزل ليس معها أحد، وربما سافر معها في السيارة، أو أوصلها إلى المستشفى، وقد أتت منها -والعياذ بالله- نتائج وخيمة، من فاحشة كبرى، وأمور تغضب الله عز وجل، فحكم الله لا بد أن يمتثل، ولا تقدم العادات والتقاليد بحجة أنهم نِظَاف القلوب، فلم تأتِ الجاهلية والمنكرات -والعياذ بالله- إلا من هذه الأفاعيل. ومنهج الله عز وجل هو المقدم.

بر الوالدين متعلق برضاهما

بر الوالدين متعلق برضاهما Q ما رأي فضيلتكم في الذي ينام أو يسكن في الدور العلوي وأمه في الدور الأرضي؟ A إذا كانت أمه راضية، وطلب منها واستسمحها، وكانت رغبتها في الدور الأرضي فنعم؛ لأن بعض الأمهات تكون كبيرة ولا تستطيع الصعود إلى الدور العلوي، فتكون -مثلاً- في الستين أو المائة من عمرها، أو لا ترى ولا تبصر، فالأحسن لها أن تكون في الدور الأرضي دائماً، فإذا طلبت ذلك وسامحت ورضيت فله ذلك. وبعض الناس يتصور أن بر الوالدة أن تكون ساكنة معه، وهذا ليس بصحيح، بل قد تكون معه في الغرفة التي ينام فيها، وهو عاق لها، وقد تكون في مدينة وهو في مدينة وهو بارٌّ بها، لأن البر هو إرضاؤها، فلا يتصور إنسان أنه إذا سكنت أمه معه في بيته فإنه قد أبرها، بل قد يضربها في الصباح والمساء فيعقها، وقد تكون بعيدة عنه وهو بار بها، وهي راضية؛ فالرضا هو المطلوب. وإذا سامحت وجوزت فلا بأس بذلك، حتى ولو قدم زوجته في بعض الأمور إذا سامحت أمه، كأن يسافر بزوجته أو يزيدها من الحلي، أو الملابس، أو السكنى، فإن قالت: عفا الله عنك ورضيتُ وسامحتُ، فهو مأجور ومشكور، وقد فعل الخير والأصوب.

واجب الأبناء تجاه خصومة الأبوين

واجب الأبناء تجاه خصومة الأبوين Q كثيراً ما تحصل مشاجرة بين والديَّ على أتفه الأسباب، وكثيراً ما أحار في الإصلاح بينهما، فبم تنصحني جزاك الله خيراً؟ A أنصحك أن تلزم الحياد، وألا تتدخل، وأن تبقى بعيداً، وإذا ارتفعت شرارة الوقود والحرب فقف ليناً وداعياً إلى الهدوء والسكينة، وتهدئ الأمر؛ لأنك إذا وقفت بصف الأم عققت الوالد، وإذا وقفت بصف الوالد عققت الأم، إلا إذا بلغت الأمور مبالغها، كأن ترى الوالد يضرب الأم فلك أن تأخذ بيده من باب الإصلاح، لا من باب القيام في جانب الأم؛ لأن هذا يُحدث عند الأب والعياذ بالله عقوقاً، وربما يأخذ عليك، ويتصور منك العداء له، فعليك أن تلزم الحياد، وأن تكون بجانب الإصلاح دائماً وأبداً، وأن تهدئ من الوضع، وألا تتدخل في الشئون الخاصة، وليس كلما سمعتهم في مسألة تتدخل ما نتيجة المسألة؟ ما سببها؟ لماذا؟ هذا ليس مطلوباً منك، ولكن الإصلاح هو المطلوب، والحياد أن تكون من دول عدم الانحياز.

حكم أداء الحج والعمرة عن الأبوين وهما أحياء

حكم أداء الحج والعمرة عن الأبوين وهما أحياء Q فضيلة الشيخ! هل يجوز لي أن أعتمر لوالدتي وهي لا تزال حية؟ A إذا كانت الوالدة لا تستطيع، وأصبحت عجوزاً كبيرة مسنة، أو مريضة؛ فلك أن تعتمر عنها، ولو كانت على قيد الحياة؛ لأن الخثعمية كما في الصحيحين قالت: {يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير لا يثبت على الراحلة، أفأحج عن أبي؟ قال: نعم. حجي عن أبيك واعتمري} وهو حي. والجهنية سألت عن أمها، فأجازها صلى الله عليه وسلم. فتحج بشرط ألا تستطيع، أما أن تكون قوية ومستطيعة وقادرة فلا؛ بل تذهب معك.

جواز طلب الإمامة لا سيما إذا كان فيها إرضاء للوالدين

جواز طلب الإمامة لا سيما إذا كان فيها إرضاء للوالدين Q شيخنا! إن والديَّ يريدان أن أكون إماماً بأحد المساجد كي يستفيدا من راتبي، فهل أطيعهما في ذلك؟ A أطعهما في ذلك بشرط أن تكون نيتك لوجه الله عز وجل، وألا تكون الإمامة من أجل هذا الراتب، ويكون مقصدك من أجل أن تنفع المسلمين، وأن تكون إماماً؛ لأن الإمامة في الإسلام مطلوبة، قال الله عز وجل: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] وقال عثمان بن أبي العاص فيما صح عنه: {يا رسول الله! اجعلني إمام قومي، قال: أنت إمامهم}. فاطلب الإمامة، واقصد بها وجه الله، وخذ هذا الراتب الذي يصرف من الأوقاف؛ بشرط أن تداوم على الفرائض في المسجد، وأعطه والديك، فتكون باراً من جهتين: أنك أحسنت لنفسك فكنت إماماً، وكنت متبوعاً ومقتدىً بك في الخير، وبررت والديك لأنهما قد يحتاجان للمال، وليس عندك وظيفة، ولا عندهم دخل، فأحسن إليهما بهذا الفعل، والله يأجرك.

لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

لا يسأل بوجه الله إلا الجنة Q كثيراً ما يسأل والدي بوجه الله، فما حكم ذلك؟ A يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يُسْأل بوجه الله إلا الجنة} فحذار حذار من التبذل بهذه الكلمة، وجه الله عظيم، وعزيز، وكبير، وكريم، ومن يفعل هذا فقد أخطأ وأساء وارتكب ذنباً، وعليه أن يستغفر، وهذه العادة منتشرة بين الناس؛ أنهم يدعون بوجه الله عند العزومة والدعوات والأمور التافهة، وهذا من قلة الورع، وقلة التقوى والعياذ بالله! وهو من عدم احترام حدود الله وحرماته وشعائره. فوجه الله عظيم، لا يُسْأل به إلا الجنة {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54].

حال أهل الأعراف

حال أهل الأعراف Q لقد ذكرت في محاضرتك أن رجالاً يسكنون بين الجنة والنار، فهل هم منعمون بخيرات الجنة؟ A ذكر أهل التفسير في هؤلاء الرجال أقوالاً منها: أنهم أناس تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فأنزلهم الله في الأعراف، لكن لا بد لهم من دخول الجنة فيما بعد؛ لأنهم من الموحدين، ومنتهى الموحد ولو دَخَل النار أن يُدْخَل الجنة. وقال بعضهم: هم الشهداء الذين لم يستأذنوا والدِيهم قيل: وأهل الأعراف مُنَعَّمُون، لكن قيل: إنهم في جبال تشبه جبال الدنيا، وشجر الدنيا، ومثل ماء الدنيا، ودور الدنيا، وهذه ليست كالجنة، فإن موضع السوط الواحد فيها يعادل الدنيا وما فيها. وأقل أهل الجنة منزلة يملك عشرة أمثال ملك في الدنيا، قصره في الجنة كالربابة البيضاء، أي: كالسحابة، يركب هو وأهله في القصر، فيمشي بهم في سماء الجنة، من قصر إلى قصر، وكل هذه الأراضي التي يجتازها ملك له، وهو من أقلهم منزلة. الخيمة الواحدة طولها في السماء ستون ميلاً، يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها. والشجرة الواحدة في الجنة لا يقطعها الراكب على الفرس المُجِدِّ إلا في مائة عام. وهم فيها لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يمتخطون ولا ينامون، ولا يهتمون ولا يحزنون ولا يغتمون، قلوبهم على قلب رجل واحد، خلا من الحقد والحسد، نزع الله الحقد والحسد يوم دخلوا الجنة، وجوههم كالقمر ليلة أربعة عشر. ولباسهم الإستبرق والحرير، وأساورهم الذهب والفضة كما وصف الله، ومهما وصف الواصفون فلن يبلغوا حقيقتها، نسأل الله رحمته وأن يدخلنا جنته.

يجب طاعة الأم مهما كانت الأسباب

يجب طاعة الأم مهما كانت الأسباب Q فضيلة الشيخ! أنا شاب متزوج، ومقر عملي بعيد عن القرية التي أسكنها بحوالي (500) كيلومتر، وبعد مضي ستة أشهر من زواجي أردتُ أن أذهب بزوجتي إلى المدينة التي فيها عملي، فرَفَضَت والدتي، وأصْرَرْتُ على السفر بزوجتي، فبكت أمي وأخذت تسبني، فماذا أفعل بأمي، حيث أنها غضبانة، وقد ذهبت بزوجتي؟ A لقد أخطأت بهذا العمل، وعصيت الله عز وجل عندما أبكيت أمك، وجرحت شعورها، وكسرت قلبها، فأنت بالخيار: إما أن توافقك أمك بالذهاب معك ومع زوجتك؛ لتقوم ببرها وخدمتها، فلك ذلك، وإما أن تُبقِي زوجتك مع أمك، وهذا هو المفروض عليك. ولا تفعل ما فعلتَ من الخطأ، واستغفر الله وتب إليه، وخير أمك بأحد الأمرين: الذهاب معك، أو أن تبقى زوجتك معها في القرية أو المكان الذي تسكن فيه.

حكم قول الأشعار التي فيها ذكر الحروب بين القبائل

حكم قول الأشعار التي فيها ذكر الحروب بين القبائل Q فضيلة الشيخ! والدي وبعض كبار السن كثيراً ما نسمع منهم بعض الأخبار عن الحروب التي حدثت في الماضي القريب، ونراهم يمجدون فلاناً؛ لأنه قتل فلاناً من الناس، ويكيلون المدح له، نرجو أن توضح في هذا الأمر توضيحاً كاملاً؟ A ذكر الحروب التي جرت من قبل عشرات السنوات فيما يسمى بالجاهلية عند الآباء والأجداد، هذه عصبية جاهلية، وهم ما فتحوا بها بدراً، ولا أحد ولا حنيناً ولا حضروا القادسية، ولا اليرموك، كلها قتل للشيطان ومن أجل الشيطان والجاهلية، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا بليتم فاستتروا} فليس ذاك بمدح أيتمدح على الناس بقتل المسلمين؟! فليستتر ويسأل الله عفوه ورضوانه كيف يمدح قبيلته على أنها هاجمت القبيلة الأخرى المسلمة؟! هذه والله وصمة عار، وهذا عيب لا يُعْرض في المجالس، بل يُتابُ ويُسْتَغْفَر منه. أما أن فلاناً ذبح الناس فما ذبح اليهود ولا النصارى ولا الشيوعيين، بل ذبح إخوانه المسلمين، وهذه كبيرة عظيمة. وبعض الآباء يذكرون السرقة أو الزنا -والعياذ بالله- أو القتل، وهذا ليس من منهج الإسلام تجاه العصاة، بل هم من المجاهرين. فعلى العبد إذا أذنب أن يستغفر، ويتوب، ويستتر، ولا يخبر الناس بما فعل؛ عَلَّ الله أن يتوب عليه؛ فإن الله يغفر لكل الناس إلا المجاهرين، أما أن يذكر قبيلة ذبحت قبيلة أخرى؛ فهذا ليس بمجد ولا فخر، وإنني أُنَدِّد مِن هذا المكان بالشعراء النَّبَطِيِّين، هؤلاء القَبَليون الجاهليون الذين يمدحون القبيلة أنها صبَّحت القبيلة الفلانية، وذبحت منهم وأخذت هؤلاء جهلة سفهاء، والواجب أن يؤخذ على أيديهم، وإذا حوكموا إلى القضاة يُعَزَّرون تعزيراً بالغاًَ، ويجلدون، ويوقفون عند حدودهم، ويحبسون؛ لأنهم حاربوا شرع الله وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. كان الجدير بالشاعر من هؤلاء الشعراء أن يمدح الإسلام، أو يذكر الجنة والنار، أو يتحدث عن الآداب والأخلاق الإسلامية، ويسب الكفار، أَمَّا أن يواشي بين القبائل ويعادي بينها، فهذا عدو لله، وقد عصى الله بفعله هذا. فعلى العبد أن يتوب ويستغفر، لكن لا بأس أن تتحدث عن أخبار الجاهلية، مثل: الجوع والفقر الذي مر بالناس؛ لأن هذا من ذكر نعمة الله الموجودة، ومن ذكر ما كان عليه الناس؛ لينشط الشباب لذلك، ويحمدوا الله عز وجل على هذه النعم.

حرمة المسجد

حرمة المسجد Q من عادات الناس في بلدتنا أن يتقدم المتزوج أو قريبه يوم الجمعة في المسجد بعد أن يسلم الإمام ويقول: عندنا زواج يوم كذا، ويدعو الناس، فهل يجوز دعوة الزواج في المسجد؟ A ليس للإنسان أن يتحدث بزواج في المسجد، قياساً على حديث إنشاد الضالة، والرسول عليه الصلاة والسلام صح عنه أنه قال: {من سمعتموه في المسجد ينشد ضالة، فقولوا: لا ردها الله عليك} وورد حديثٌ عند الحاكم بسند صحيح: {ومن سمعتموه يبتاع ويشتري في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك} ولا تقام الحدود في المسجد، وهذا مثل أن يحول المسجد إلى عزائم، فكل ذلك لا يجوز. لكن للإنسان أن يقول في المسجد: يا جماعة، أو يا إخوان! نريدكم في كلمة، ثم لا يتكلم حتى يخرجوا خارج المسجد، أو يخرج هو وينتظرهم ويجمعهم خارج المسجد فيكلمهم. ثم هناك ظاهرة لا تجوز: وهي أن يقوم إنسان فيشكو من رجل، أو يقول: يا جماعة الخير! إني سادعو على فلانٍ الذي ظلمني فأمنوا، هذا من فعل الجاهلية، ولا يجوز أن يُدعى معه، ولا يؤمن على دعائه؛ لأنه أتى بفعل بدعي ما أنزل الله به من سلطان، وهو يدعو على المسلمين بفعله هذا، فهو ولو جَارَ عليه أخوه المسلم فهو مسلم؛ لكن لا يوافَق، بل يؤخذ على يديه، أو يشكو إلى بعض الناس، أو يقول: سيارتي سرقت، أو بيتي سرق، فلا يجوز التشكي إليهم إلا إذا خرجوا خارج المسجد.

لا يبنى المسجد إلا على أرض طاهرة

لا يبنى المسجد إلا على أرض طاهرة Q مجموعة من البيوت لا يوجد حولها مكان لإقامة مسجد، وعند أحد هؤلاء مكان تقف فيه السيارات تحته بيارة، هل يجوز بناء المسجد على هذا المكان؟ A لا يجوز بناء المسجد على البيارة مباشرة؛ لأنها أكيد ومُتَيَقَّنٌ أنها نجسة، فعليه أن يبحث عن مكان آخر، أو ينضح ما بهذا المكان ويطهره وينظفه إذا اضطر إليه، أو يحول ماء هذه البيارة إلى مكان آخر، فإن أصبح المكان طاهراً وطيباً فلا بأس. أنا أقول: هذا هو الرأي الراجح والصحيح، ولو أن بعض أهل العلم قالوا: إذا بُنِيَ على هذا المكان فقد أصبح مرتفعاً دوراً ثانياً فلا بأس؛ لأن الحسن البصري يقول في صحيح البخاري: [[لا بأس أن يُصَلَّى على القناطر التي يَمُر من تحتها ماءٌ نجس]] فقاسوا على ذلك البيارات؛ لكن أقول: الأحوط والأحسن والأقرب ألا يفعل ذلك، وليبحث عن مكان آخر أطهر؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أسئلة يجيب عليها رسول الله

أسئلة يجيب عليها رسول الله عرض الشيخ مجموعة من الأسئلة التي أجاب عليها النبي صلى الله عليه وسلم, وهي أسئلة متنوعة في أبواب متفرقة, وقد كانت إجابات النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه مرة على قدر السؤال، ومرة زيادة عن قدر السؤال، ومرة مخالفة للسؤال وذلك للتنبيه على ما هو الأفضل، والأولى أن يسأل عنه.

تخريج بعض الأحاديث النبوية

تخريج بعض الأحاديث النبوية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين, وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. عنوان هذا الدرس: أسئلة يجيب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحسبك به فصاحةً ونبلاً وفهماً وتقوى، ولكن قبل ذلك أقول: حضرنا مجلساً عذباً طرياً بذكر الله يزهو بالأحبة فذكَّرنا بصحب رسول ربي فقلنا حيِّه ربي وصحبه هنا أحاديث عرضت يطلب الإجابة عليها.

حديث: (قل الحق ولو كان مرا)

حديث: (قل الحق ولو كان مراً) Q حديث: {قل الحق ولو كان مراً} من رواه؟ ومن خرجه؟ وما درجته؟ A رواه من الصحابة أبو ذر، وخرَّجه ابن حبان، وهو صحيح.

حديث: (أول الوقت رضوان الله)

حديث: (أول الوقت رضوان الله) Q حديث: {أول الوقت رضوان الله, وأوسطه رحمة الله, وآخره عفو الله} من خرَّجه؟ وهل هو صحيح أم لا؟ A هذا الحديث رواه الدارقطني بسند ضعيف, بل واهٍ جداً عن أبي محذورة , وفي سنده يعقوب بن الوليد المدني، قال عنه الإمام أحمد: من الكذابين الكبار، أي: وزنه كبير في الكذب. وقال أبو حاتم: جبل في الكذب.

حديث: (لا يؤمن أعرابي مهاجرا)

حديث: (لا يُؤمَّن أعرابي مهاجراً) Q حديث: {لا يَؤمَّن أعرابي مهاجراً, ولا فاجر مؤمناً, ولا امرأة رجلاً} من رواه، وما مدى صحته؟ A رواه ابن ماجة بسند ضعيف فيه عبد الله بن محمد العدوي ضعيف، وفيه غيره من الضعفاء.

حديث: (أحلت لنا ميتتان)

حديث: (أحلت لنا ميتتان) Q حديث: {أحلت لنا ميتتان ودمان: أما الميتتان فالطحال والكبد، وأما الدمان: فالحوت والجراد} من رواه؟ A هذا الحديث رواه ابن ماجة بسند فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف. فالحديث ضعيف. لكنه مرفوع حكماً، وهو من كلام ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه.

حديث: (إتقان العمل)

حديث: (إتقان العمل) Q حديث: {إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه} ما صحة سنده؟ A رواه البيهقي في الشعب بسند حسن عن عائشة، وله رواية أخرى حسنة. والآن نترك الحديث إلى صاحب الحديث, والكلام إلى صاحب الكلام, والنطق إلى صاحب النطق. إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا فعليه الصلاة والسلام ما صدح البلبل على الشجر, وما هتف الغرنوق على المدر, وما هطل المطر، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أقسام الأجوبة عند العرب

أقسام الأجوبة عند العرب الأسئلة عرضت في القرآن وأجاب الله عنها والعرب تقول: الأجوبة ثلاثة أقسام: جواب الحكيم، وجواب المطابق، وجواب المستهتر. الإجابات ثلاثة أقسام: حكيم يجيبك بحكمة، وحكيم يجيبك بمطابقة، ومستهتر. فأما جواب الحكيم فهو: أن تسأل عن شيء فيترك سؤالك ويأتي بجواب لسؤال آخر. وأما المطابق فهو: أن يعطيك على قدر ما سألت. وأما المستهتر فهو: أن يترك سؤالك, ويهزأ بك ويسخر. وسوف آتي بأمثلة على ذلك: أما جواب الحكيم، فكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة:189] السؤال من الكفار سؤال سخيف تافه، ومعناه: يسألونك كيف يبدو الهلال صغيراً ثم يكبر ثم يصغر؟ وهل الرسول عليه الصلاة والسلام مشغول بالأهلة. لماذا يكبر الهلال ثم يصغر؟! هذا سؤال سخيف. فترك الله الإجابة على هذا السؤال وأجابهم على سؤال آخر، إذ كان من الأولى أن يكون Q ما فائدة الأهلة؟ فقال الله: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189] فأخبرهم بجواب لسؤال ما سألوه، ولسان الحال يقول: لماذا ما سألتم هذا السؤال المفيد, وتركتم هذا السؤال الخائب خيبة وجوهكم السود سواد مبادئكم؟! هذا جواب الحكيم. أما جواب المطابق؛ فكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً} [البقرة:222] يسألونك عن المحيض أهو طاهر أم نجس؟ فأجابهم بالمطابقة. أما جواب المستهتر: فهو كثير في كلام العرب، وقد ذكر الذهبي أمثلة على ذلك مثل الأعمش -المحدث الكبير راوية البخاري ومسلم فقد كان يمزح كثيراً، سأله رجل عن الصلاة وراء الحائك هل تجوز أم لا؟ قال: نعم. تجوز بلا وضوء! قال: وهل تقبل شهادته؟ قال: نعم تقبل مع شاهدي عدل! ودخل رجل من بني هاشم على أحد الخلفاء فقال له الخليفة -يريد أن يستهزئ بالهاشمي-: أين عمك أبو لهب؟ قال: على يسارك إذا دخلت النار. يقول: إذا دخلت النار خذ يسارك تجد غرفةً هناك جاهزة للاستقبال مكتوب عليها غرفة أبي لهب ممنوع الدخول. وقالت امرأة للمأمون: ثبتَّك الله! قال: وإياكِ فثبت! فلما خرجت قال المأمون: أتدرون ماذا قالت هذه المرأة؟ قالوا: لا. قال: أنا قتلت ولدها وهي تقول: ثبتك الله، أي على خشبةٍ مصلوباً، فأنا أقول: وإياها فثبت الله على خشبةٍ مصلوبة. وقال رجل للمعتضد: ثبتك الله! قال: على صدرك! وأمثلة هذه الأجوبة كثير في الأدب العربي، ولكن تعال إلى أجوبته عليه الصلاة والسلام.

من أجوبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأسئلة أصحابه

من أجوبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأسئلة أصحابه وأجوبته صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام: إما أن يجيب بأكثر من السؤال, مثل: الحديث الصحيح: سأله رجل عن ماء البحر يقول: {يا رسول الله! إنا نركب البحر وليس معنا إلا الماء القليل, فإن توضأنا به عطشنا؛ أنتوضأ بماء البحر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هو الطهور ماؤه الحل ميتته} رواه الخمسة وغيرهم. فزاده جواباً على سؤال ما سأله، وهذا من أحسن الأجوبة أن تزيد السائل؛ لأنه خفي على السائل الماء، فمن بابٍ أولى أن يخفي عليه الطعام. وكان له عليه الصلاة والسلام أسلوب آخر, كأن يسأل أو يجيب عن سؤال ما وقع من باب سؤال الحكيم. يقول له سائل -في الصحيحين -: يا رسول الله! ما يلبس المحرم؟ -أي: الرجل إذا أراد أن يحرم ما يلبس؟ - فأتى صلى الله عليه وسلم فترك سؤاله، وأتى بأمور يحصرها؛ لأن ما يلبس المحرم لا ينحصر, فقال: {لا يلبس المحرم القميص, ولا العمامة, ولا البرنس, ولا ثوباً مسه ورس أو زعفران، ولا يلبس الخفين إلا ألاَّ يجد نعلين فيلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين}. وكان عليه الصلاة والسلام يسأل أحياناً فيقول: (نعم). فقط، أو يقول: (لا) فقط, وربما سُئِلَ صلى الله عليه وسلم فلا يجيب، بل يسكت، فيعيد السائل فيسكت، فيعيد فيسكت عليه الصلاة والسلام لمصلحة. وقد عرض عليه أكثر من خمسمائة سؤال في حياته عليه الصلاة والسلام في العقيدة والقدر والطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج والرضاع والنكاح والبيع والحدود والجنايات, والأدب, وغيرها من شئون الحياة. وسأله الملوك, وأبناء الملوك, والأعراب, والأطفال, والنساء، والفقراء، والأغنياء, فأجاب على كل سؤال على حدة. وسألته النساء عن الحيض, والطهارة والجماع والجنابة والغسل، فأفتى. هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله وكان فصيحاً عليه الصلاة والسلام، ما تلعثم في كلمة، وما شك في حرف، بل كان يأتي بالكلام فصيحاً؛ فهو أفصح من نطق بالضاد.

إجابته عن رؤية المؤمنين لربهم عز وجل

إجابته عن رؤية المؤمنين لربهم عز وجل سُئِلَ عن رؤية المؤمنين لربهم تبارك وتعالى يوم العرض الأكبر؟ فقال: {هل تضامون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا. قال: هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا. قال: أما إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته} متفق عليه، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

إجابته عن القدر

إجابته عن القَدَر سُئِلَ عليه الصلاة والسلام عن القدر، يقول أحد الصحابة: يا رسول الله! أنعمل في شيء انتهى وقضي أم نعمل في شيء مستأنف؟ معنى Q يا رسول الله! هل مكتوب علينا ما نعمل أم لم يكتب علينا شيء؟ فقال عليه الصلاة والسلام: {بل في شيء قد قضي وانتهى, قالوا: ففيم العمل يا رسول الله؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له} حديث صحيح.

الله جل وعلا قبل خلق السماوات والأرض

الله جل وعلا قبل خلق السماوات والأرض سُئِلَ صلى الله عليه وسلم -كما في مسند أحمد - جاءه أعرابي -بدوي من الصحراء- قال: يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ فتبسم عليه الصلاة والسلام وما زجر السائل وما انتهره وما رده، فقال صلى الله عليه وسلم: {كان ربنا في عماء، ما فوقه هواء، وما دونه هواء} سُبحَانَهُ وَتَعَالَى!

قصة فيها علم من أعلام النبوة

قصة فيها علم من أعلام النبوة جاء أعرابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام وكان قد عقل ناقته في وادٍ من الوديان, فقال: يا رسول الله! أين ناقتي؟ فسكت وقد ظهر عليه الغضب واحمر وجهه؛ لأنه مستهتر، وهل بعثه الله ليخبر العرب والبدو عن نياقهم وغنمهم؟! فسكت. فقام عمر ثم جلس كالأسد أمام الرسول عليه الصلاة والسلام لما رآه مغضباً، وقال: رضينا بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد نبيا. ثم التفت صلى الله عليه وسلم إلى الأعرابي، وقال: {يا أعرابي, ناقتك تعلق خطامها بشجرة كذا وكذا, في وادي كذا وكذا، وأنت عقلتها. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله}.

إجابته عن فتنة الدجال

إجابته عن فتنة الدجال جاءه أعرابي آخر، فقال: {يا رسول الله! كيف يبعث الدجال؟ قال: يبعث معه ثريد من خبز ولحم, فمن أكل من ثريده استغواه. قال الأعرابي: والله الذي لا إله إلا هو لآكلن من ثريده حتى إذا شبعت قلت: آمنت بالله وكفرت بك؛ فتبسم صلى الله عليه وسلم وسكت}.

تفسيره للحساب والعرض

تفسيره للحساب والعرض وسئل صلى الله عليه وسلم: ما معنى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:8] قال: {إنما ذلك العرض} رواه مسلم. تقول عائشة: يا رسول الله! ما معنى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:8] قال: {إنما ذلكِ العرض}. وأول ما ابتدأ الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر الحساب قال: {من نوقش الحساب عذب فقالت: يا رسول الله! كيف والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:8]؟ قال: إنما ذلك العرض}. والعرض معناه: أن يعرض الناس على الله عز وجل, فيقرر الله العبد بذنوبه، يقول: يا عبدي! فعلت كذا وكذا؟ قال: نعم يا رب! قال: فعلت كذا وكذا؟ قال: نعم يا رب. قال: أما إنني سترتها عليك في الدنيا, وغفرتها لك اليوم؛ ادخل الجنة, نسأل الله من فضله! أما الحساب العسير فهو المناقشة، وهو يخزي به الله المنافقين والمجاهرين بالذنوب الذين يعلنون ذنوبهم ويخبرون الناس بها.

إجابته عن مكان الناس (يوم تبدل الأرض غير الأرض)

إجابته عن مكان الناس (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) سئل عليه الصلاة والسلام: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض؟ اسمع ما أحسن سؤال السائل! يقول: يا رسول الله: أين نحن يوم تبدل الأرض؟ والله يقول: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48]. وأهل العلم منهم ممن يقول: يبدل الله الأرض فيصل أرض المساجد ببعض ثم يمدها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ومنهم من قال: بل يأتي الله بأرض غير هذه الأرض، أرض لا دنيا عليها, ولا سرق, ولا سفك دم فيطرها الله كما تطر الخبزة من النقي، فيحاسب الناس عليها. فيقول السائل: أين نكون يا رسول الله يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ قال صلى الله عليه وسلم: {في قنطرة بين طرفي الصراط، يجمع الله الأولين والآخرين على الصراط، وتبدل الأرض ثم يحاسبهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى}.

إجابته عن أسئلة عبد الله بن سلام

إجابته عن أسئلة عبد الله بن سلام سأله عبد الله بن سلام ثلاثة أسئلة، وكان عبد الله بن سلام يهودياً فأسلم، وهو من أهل الجنة. رأى في المنام أنه متعلق بعروة, فسأل الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: {هذه العروة الوثقى -لا إله إلا الله محمد رسول الله- وأنت من أهل الجنة}. قال قبل أن يسلم: أسألك ثلاثة أسئلة لا يعلمها إلا نبي. قال: سل. قال: ما هو أول ما يأكله أهل الجنة؟ الثاني: كيف يشبه الولد أباه, أوكيف يشبه أمه؟ الثالث: ما أول علامات الساعة؟ قال عليه الصلاة والسلام: {أول ما يأكل أهل الجنة في الجنة زيادة كبد الحوت. قال: صدقت! -لأنه يجدها في التوراة- قال: وأما كيف يشبه أباه أو يشبه أمه فماء الرجل غليظ أبيض, وماء المرأة رقيق أصفر، فإذا غلب هذا هذا أشبه أباه أو أمه. قال: صدقت، قال: وأما أول علامات الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. قال: صدقت، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. }. وجاءه أعرابي -والحديث فيه كلام طويل عند أهل العلم- ومعه ضب، فقال له صلى الله عليه وسلم: {أتشهد أني رسول الله؟ قال: أنت؟! قال: نعم قال: والله لا أومن بك حتى يؤمن هذا الضب، قال: يا ضب! أتشهد أني رسول الله؟ قال الضب: أشهد أنك رسول الله؛ فولول الأعرابي وقال: أشهد أنك رسول الله}.

إجابته عن رؤيته لربه ليلة الإسراء

إجابته عن رؤيته لربه ليلة الإسراء وسئل عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم هل رأيت ربك؟ -في تلك الليلة العامرة يوم سافرت إلى الملأ الأعلى- يقول شوقي: أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم كنت الإمام لهم والجمع محتفل أعظم بمثلك من هادٍ ومؤتمم لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم حتى بلغت سماءً لا يطار لها على جناح ولا يسعى على قدم وقيل كل نبي عند رتبته ويا محمد هذا العرش فاستلم رفع هناك عليه الصلاة والسلام, ورأى من آيات ربه الكبرى، قالوا له: ماذا رأيت؟ قال: {رأيت سدرة المنتهى عليها ألوان لا أستطيع أن أصفها} ورأى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وجرى بينه وبين موسى حوار أخوي حار، وتكلم مع إبراهيم، ورأى بني الخالة، ورأى الملائكة، والجنة، والنار، ثم عاد فقال له أبو ذر: {يا رسول الله! هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه} والمعنى: ما رأيته، أي: كيف أرى النور؟ وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

إجابته عن كيفية نزول الوحي

إجابته عن كيفية نزول الوحي سُئِلَ عليه الصلاة والسلام - كما في الصحيحين سأله p=1000641>> الحارث بن هشام البطل المسلم وكان أخاً لـ أبي جهل , سبحان من يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي. أبو جهل مجرم في نار جهنم (فرعون هذه الأمة) والحارث بن هشام اهتدى, وسمع لا إله إلا الله، مع العلم أن الحارث بن هشام كان مع المشركين يوم معركة بدر قائداً حربياً معه سيف ورمح ودرقة، ولما نزلت الملائكة تقاتل, ورأى المهاجرين, وشباب الأنصار يقتحمون الموت, ويشربون الدم مثلما يشربون الماء فر على بغلته، رأى أمراً لا يطاق؛ فهجاه حسان وقال: إن كانت كاذبة التي حدثتني فنجوت منجى الحارث بن هشام ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ونجى بفضل طمرة ولجام فكانت كالخنجر في قلبه؛ فأتى فأسلم، وقال: والله لا يطهرني إلا أن أموت في سبيل الله، فخرج إلى اليرموك وقتل هناك. بـ قندهار ومن تكتب منيته بـ قندهار يرجم دونه الخبر قال الحارث بن هشام: {يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟ قال: يأتيني أحياناً مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي}. إذا أتى عليه الوحي من مثل هذا النوع؛ جلس عليه الصلاة والسلام إن كان واقفاً، وإن كان جالساً اتكأ واضطجع، وإن كان مضطجعاً اتكأ. قال زيد بن ثابت: {نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجله على فخذي، فكادت رجله أن ترض فخذي}. وكان إذا نزل عليه الوحي وهو على الناقة أخذت الناقة تصيح بين النوق وترغي, ثم تناخ في الأرض وتمد جرانها فينزل من عليها. وربما اضطجع وكشفوا عليه أو جعلوا عليه صلى الله عليه وسلم الغطاء فيسمع له صلى الله عليه وسلم غطيطاً، قال تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل:5 - 6] فهذا أشد شيء عليه. وأحياناً يأتيه الملك في صورة رجل فيكلمه، وهذا أسهل شيء. وقد أتاه جبريل مراراً وتكراراً في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وكانت له صورة جميلة. ورآه مرتين -كما في الصحيح- في صورته التي خلقه الله عليها، له ستمائة جناح، كل جناح قد سد ما بين المشرق والمغرب. قال أحد السلف: "إذا كان للطائر جناحان كيف تركب الجناح الثالث؟! فما بالك بملك له ستمائة جناح!! ". وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {رأيت جعفر الطيار يطير في الجنة من شجرة إلى شجرة، ورأيته يطير مع الملائكة} رضي الله عنه وأرضاه، أبدله الله جناحين باليدين الجميلتين التي قطعت في سبيل الله. حضر المعركة فقدم يده فقطعوها، فقدم الثانية فقطعوها، وفي الأخير أخذ الراية بحضنه -وكان من أشجع الناس- فضربوه حتى قتلوه؛ فأبدله الله جناحين يطير بهما في الجنة, فهو يطير مع جبريل وإسرافيل وميكائيل في كل منزل من منازل الجنة.

إجابته عن كيفية حشر الكافر على وجهه

إجابته عن كيفية حشر الكافر على وجهه سُئِلَ عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيح- كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال: {إن الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه} فإن الكفرة يحشرهم الله عز وجل على وجوههم؛ لأن من استطاع أن يمشيه على أقدامه يستطيع سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يمشيه على وجهه.

المرء مع من أحب

المرء مع من أحب دخل أعرابي والرسول عليه الصلاة والسلام يحدث الناس، فقاطعه فلم يلتفت إليه عليه الصلاة والسلام، كان الأعرابي يصيح عليه من آخر المسجد ويقول: متى الساعة يا محمد؟ متى الساعة يا محمد؟ والرسول -عليه الصلاة والسلام- يتكلم. فسكت وما التفت إليه. فلما انتهى قال: {أين السائل عن الساعة؟ قال: أنا. قال: ماذا أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثير صلاة, ولا صيام, ولا صدقة, ولكني أحب الله ورسوله. قال: المرء مع من أحب}.

إجابته عن أعظم ذنب عصي الله به

إجابته عن أعظم ذنب عصي الله به وفي الصحيح من حديث ابن مسعود، سأله رجل قال: {يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك}. أعظم مجرم في الأرض من أشرك بالله، وهذا كمن يهوي من السماء فتخطفه الطير, أو تهوي به الريح في مكان سحيق، وقد حرَّم الله على المشرك الجنة، لا يشم نسيمها ريحها. ولا يدخلها أبداً، وفي كتاب الزهد بسند جيد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {يقول الله تبارك وتعالى: عجباً لك يا بن آدم! خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي، خيري إليك نازل، وشرك إليَّ صاعد} أو كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. قال: {أعظم الذنب أن تجعل لله نداً وهو خلقك. قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك. قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك} متفق عليه.

إجابته عن أحب الأعمال إلى الله تعالى

إجابته عن أحب الأعمال إلى الله تعالى سئل صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: {أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها, قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين, قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله} وفي رواية الترمذي: {الصلاة في وقتها}. ومن ترك الصلاة في أول وقتها فاته أجر عظيم، ومن تركها بعذر حتى خرج وقتها فقد برئت منه الذمة وهو مجرم, وعند بعض العلماء أنه مرتد، ولا تقبل منه الصلاة ولو قضاها إذا تركها حتى يخرج وقتها بلا عذر.

إجابته عن معنى الإسلام, والإيمان, والإحسان

إجابته عن معنى الإسلام, والإيمان, والإحسان سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان؟ فقال: {الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت. والإيمان: أن تؤمن بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, وتؤمن بالقدر خيره وشره. والإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك} حديث صحيح. بالله لفظك هذا فاض من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلَ والعجيب أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يتوقف في الأسئلة إلا نادراً، أحياناً يتوقف ليطلب الوحي، وأحياناً يتوقف، ويقول: لا أدري، وهذه قالها ثلاث مرات في حياته, كما روى الحاكم يقول: قال عليه الصلاة والسلام: {لا أدري أتبع نبي أو رجل صالح؟ ولا أدري هل الحدود كفارات أو لا؟ ولا أدري أذو القرنين نبي أو لا؟}. وجاءه رجل فقال: {يا رسول الله، قبلت امرأةً أجنبية فهل لي من كفارة -والرجل وجل وخائف- قال: لا أدري, ثم توقف فأنزل الله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] قال: هل هي لي خاصة؟ قال: بل لك ولكل من عمل بعملك من أمتي إلى يوم القيامة}. وجاء أعرابي إلى عمر فقال: يا عمر! الطواف قبل السعي أم السعي قبل الطواف؟ قال: [[إن سعيت قبل أن تطوف فلا حرج عليك، وإن طفت قبل أن تسعى فلا حرج. قال: صدقت، سألت محمداً قبل قليل فقال كما قلت. فالتفت عمر ودحرج بعينيه، وقال: سقطت من يديك. تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تسألني؟!]]. وروي أن عمر رضي الله عنه وأرضاه جاءه رجل من المنافقين ومعه رجل من اليهود يتخاصمان، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن حكم بينه وبين صاحبه فأفتاه، ثم ذهب إلى أبي بكر فأفتاه. ثم ذهب الخصمان إلى عمر فسألوه. قال: [[أسألتم أحداً قبلي؟ قالوا: سألنا الرسول صلى الله عليه وسلم. قال: فماذا أجابكم؟ قالوا: بكذا وكذا. وسألنا أبا بكر فأجابنا بكذا وكذا. قال عمر: انتظراني لأجيبكم إن شاء الله. ثم ذهب فدخل بيته فأخرج سيفه، وأتى إلى الرجلين فأتى عليهما فقطع رأسيهما]]. وهذا لا يتعارض مع القرآن, فإنه لا يؤمن من كان في قلبه حرج من حكم الله وحكم رسول الله عليه الصلاة والسلام.

تفسيره لقوله تعالى: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون)

تفسيره لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60] ما معناها؟ تقول عائشة رضي الله عنها: {أهم الذين يسرقون ويزنون ويخافون يا رسول الله؟ قال: لا يـ ابنة الصديق، هم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون, ويخافون ألا يقبل منهم}. وقال ابن عمر لما قرأ قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] قال: [[والله الذي لا إله إلا هو لوددت أن يتقبل الله مني ولو مثقال ذرة؛ لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]]]. قال الحسن البصري: [[المؤمن يحسن ويخاف, والمنافق يسيء ويأمن]]. وكان الصالحون يتصدقون ويصلون ويصومون وهم خائفون من الذنوب، والمنافقون يغدرون ويفجرون وهم آمنون. وفي الصحيح أن ابن مسعود قال: [[المؤمن يرى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه، والمنافق أو الفاجر يرى ذنوبه كذباب طار على أنفه فقال به هكذا (وأومأ بيده)]].

تفسيره لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم)

تفسيره لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) سُئِلَ عليه الصلاة والسلام عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105]. فقال -بإسناد يقبل التحسين-: {بل ائتمروا بالمعروف, وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتم شحاً مطاعاً, وهوىً متبعاً, ودنيا مؤثرة, وإعجاب كل ذي رأي برأيه, فعليكم بخاصة أنفسكم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

إخباره أن الأدوية والعلاج من قدر الله

إخباره أن الأدوية والعلاج من قدر الله سُئِلَ عليه الصلاة والسلام عن الأدوية والرقى, هل ترد من القدر شيئاً؟ قال: {هي من قدر الله} حديث صحيح. أتى رجل فقال: يا رسول الله! هل الأدوية والعلاج ترد من قدر الله؟ أي: ما دام أن الله كتب علي المرض فهل العلاج يرد ما كتب؟ قال: {هي من قدر الله}. وقال عليه الصلاة والسلام: {يا أيها الناس! تداووا ولا تتداووا بمحرم، ما أنزل الله من داء إلا أن أنزل الله له شفاء}. قال بعض السلف: "من عطل السبب فقد قدح في عقله". فصير مجنوناً معتوهاً. بعضهم لا يذاكر ويقول: أنا سوف أنجح. وبعضهم يأتي على أرض صخرية ما زرعها ويقول: اللهم أنبت فيها رماناً وبرتقالاً. هذا مجنون, لأن من قدح في السبب فهو أحمق، ومن قدح في الشرع فهو مشرك، ومن أخذ بهما فهو مؤمن. قال صلى الله عليه وسلم: {اعقلها وتوكل} حديث رواه ابن حبان وهو صحيح.

إجابته عن حال أطفال المشركين في الآخرة

إجابته عن حال أطفال المشركين في الآخرة سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين؟ قال: {الله أعلم بما كانوا عاملين}. ولذلك ينبغي ألا تتكلم في أطفال المشركين، ولا أو في مسألة أكبر من حجمك، أو تضيع وقتك في مسائل لا يترتب عليها جزاء أو عقاب في الآخرة, أو حتى مجرد نفع في دنياك.

تفسيره لقوله تعالى: (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة)

تفسيره لقوله تعالى: (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) وسُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن معنى قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس:64] ما هي البشرى في الدنيا؟ صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له} فمن رأى رؤيا صالحة, أو رئيت له رؤيا صالحة, فهي أول عاجل بشرى المؤمن، كأن ترى محمداً عليه الصلاة والسلام, أو ترى الجنة, أو ترى أنك من السعداء, أو أنك مع الصالحين، هذه البشرى الأولى. والبشرى الثانية: الثناء الحسن. ذهبوا يرون الذكر مجداً خالداً ومضوا يعدون الثناء خلودا نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا قال أحد السلف: "يا عجباً لكم! ألا تشترون الثناء تريدون به وجه الله, وقد قال إبراهيم عليه السلام: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء:84]؟! ". أتى أعرابي إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين! لي حاجة، فهل أقولها لك؟ قال علي: احفظ عليك ماء وجهك، اكتبها في الأرض. يقول: أنا فقير وعندي حاجة أريد أن أطلبك، هل أتكلم بها؟ قال علي: لا، أنا أريد أن أحفظ ماء وجهك, ولا أريد أن أخجلك اكتبها في الأرض. فكتب: أريد كذا دراهم وأريد حباً وأريد حلة، فأعطاه علي من بيت المال، فكتب في الأرض: كسوتني حلة تبلى محاسنها لأكسونك من حسن الثناء حللا يقول: أنت أعطيتني حلة تذهب, ولكن والله لأعطينك حلة لا تذهب وهو حسن الثناء {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء:84]. وإنما المرء لسان بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى وقد كان أحسن الذكر لمحمد عليه الصلاة والسلام، قال الله عز وجل: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4]. قال أهل العلم: لا أذُكر إلا ذكرت معي. ولذلك مؤذننا في المغرب وفي العشاء, سوف يتلو على الأسماع، ومؤذنو مليار مسلم سوف يقولون: أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً رسول الله. يقول حسان في قصيدة له -وكان صلى الله عليه وسلم يتبسم وهو يسمع الكلام-: وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى شق له هذا الاسم الطيب الطاهر فهو من رفعة الذكر.

إجابته عن أفضل الجهاد

إجابته عن أفضل الجهاد سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن أفضل الجهاد؟ وقال: {أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر} أي: أن تقول الحق في مواطن الهلكة السيف مسلول, والرمح موجود, وتقول الحق لا تخاف في الله لومة لائم، مثلما فعل النابلسي، وقد ذكرت قصته في محاضرة بعنوان "من أخبار علمائنا". يقولون: إن النابلسي من أعظم الشهداء في الإسلام، كان محدثاً، أتى إلى الزنادقة الفاطميين الحكام، فأفتى الناس في المسجد قال: من كان عنده عشرة أسهم فليرم الروم بسهم واحد وليرم الحكام الفاطميين في مصر بتسعة أسهم. فوصل الخبر إلى الخليفة الفاطمي فاستدعاه هذا المجرم اللعين عليه لعنة الله, قال: سمعنا يا نابلسي أنك تقول: من عنده عشرة أسهم؛ فيرمينا بسهم واحد, ويرمي الروم بتسعة أسهم. قال: لا، الذي أخبرك بالفتوى أخطأ. فظن أنه سوف يتبرأ، فقال: كيف الفتوى؟ قال: لم أقل يرميكم بسهم بل يرميكم بتسعة، ويرمي الكفار بسهم واحد. قال: والله لأقتلنك قتلة ما قتل بها أحد من الناس. فسلط عليه يهودياً -لأن الفاطمي يهودي جده ابن قداح وجدته يهودية- فأخذه اليهودي فعلقه بأرجله ونكسه، ثم أخذ يجزره ويسلخ وجهه بالسكين، فظللته غمامة بإذن الله، وما وجد مساً للألم. قال الذهبي: يروى أن دمه لما نزل إلى الأرض كان يكتب الله، الله. وهذه لا نردها ولا نسلمها، وإن ثبتت فهي من كرامات الأولياء. وقد مر عليّ منشور فيه رسم الحنجرمكتوب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله. أقول: في هذا ثلاث قضايا: الأولى: نحن ما تعبدنا بهذا، وخلقك أنت أعظم من كتابة لا إله إلا الله محمد رسول الله، عينك يوم أن تتحرك وترسل شعاعها وضوءها ورؤيتها ويدك وقلبك {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] أنت أعظم في خلقك من رسم الحنجر. عجباً لنا كيف نرى الشمس صباحاً ومساءً تذهب وتأتي, ولا نتعجب فإذا جُدَّت نظرية اندهشنا؟! ولا ندري عن صحة هذه، فربما توافقت الأحرف وتوافقت القصبات؛ فانطبقت فكتب لا إله إلا الله محمد رسول الله. فهي محتملة؛ والأمر محتمل لا يبنى عليه شيء. وينتبه إلى أمر وهو: ألا نجعل ديننا تسليمات فقط، كلما أتانا رجل بمنشور سلمنا. ولو فرضنا أنه أتانا رجل بهذه فقلنا: آمنا وصدقنا، ثم أتانا غداً هذا الرجل برجل مكتوب فيه لا إله والحياة مادة. هل نقول: لا، هذا خطأ؟! يقول: أنتم آمنتم قبل قليل بهذه الكتابة فآمنوا بهذه الكتابة كذلك! نقول: لا، نحن لا نجعل ديننا تخريصاً, ولذلك يقول علماؤنا: لا نصدق النظريات كلما أتتنا نظرية قلنا: نعم، فنقول: القرآن أيدها. وبعد شهر قالوا: اكتشف العالم فلان أن النظرية خطأ. قلنا: أجل، يمكن أن يكون في القرآن نظر. أستغفر الله! وهذه فائدة عابرة: قف لنا في الطريق إن لم تزرنا إن بذل السلام نصف الزيارة

إجابته عن أفضل الصدقة

إجابته عن أفضل الصدقة سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصدقة؟ قال: {أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل والغنى، ولاتمهل حتى إذا بلغت الحقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان} أما إذا أصبح الإنسان في سكرات الموت فيتصدق في تلك الساعة لكنه لا ينفعه. بعض البخلاء -ذكرهم ابن الجوزي في صيد الخاطر وقد ذكرت لكم بعض قصصهم- يقول: بقي بهم البخل حتى دخلوا القبور! منهم بخيل عنده ذهب, فلما حضرته سكرات الموت, أخذ يبتلع الذهب. وآخر كان عنده دراهم من الذهب, فلما حضرته سكرات الموت طيّن عليها في بلكة -نوع من أنواع الحجارة- وجعلها عند رأسه، وقال: هذا من غبار الجهاد في سبيل الله؛ فادفنوه عند رأسي في القبر. فانكسرت البلكة؛ فإذا الذهب داخلها -نعوذ بالله من الخذلان- هذا من أبخل البخل.

إجابته صلى الله عليه وسلم عن أفضل الكلام

إجابته صلى الله عليه وسلم عن أفضل الكلام سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن أفضل الكلام؟ فقال: {ما اصطفى الله لعباده: سبحان الله وبحمده} هذا أفضل الكلام، وأنت عليك أن تجريه على لسانك؛ ولذلك سأل أبو ذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا السؤال، قال: {ما أفضل الكلام؟ قال: سبحان الله وبحمده} والله يقول: {أنا جليس من ذكرني} وفي الترمذي بسند فيه كلام: {أن محمداً عليه الصلاة والسلام مرَّ بإبراهيم فسلم عليه فلما انتهى قال أبونا إبراهيم عليه السلام: بلغ أمتك مني السلام -وعليك السلام ورحمة الله وبركاته- وأخبرهم أن الجنة قيعان, وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر}. وجاءه عليه الصلاة والسلام رجل يمشي -قيل: وابصة بن معبد - وقبل أن يسأل قال عليه الصلاة والسلام: {جئت تسأل عن البر والإثم؟ قال: نعم. قال: البر ما اطمأنت إليه النفس, واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في نفسك, وكرهت أن يطلع عليه الناس, وإن أفتاك الناس وأفتوك} يفتيك عالم في مسألة ولكنها تحيك في نفسك وقلبك، فاتركها، المعنى أن فيها إثماً ولو أفتاك الناس، ما دام أن قلبك يحدثك ويوسوس لك، فاترك هذا الأمر فإن معناه أن فيه إثماً.

حكمه صلى الله عليه وسلم على الماء الكثير

حكمه صلى الله عليه وسلم على الماء الكثير سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من بئر بضاعة , وهي بئر في المدينة يُلقى فيها الحيض والعذرة. قال: {إن الماء لا ينجسه شيء} فالماء الكثير لا يتغير ريحه ولا طعمه ولا لونه. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه سُئِلَ عن الماء في الصحراء وما ينتابه من دواب وسباع، مثل: الغدران, والجداول, والخزانات, والبرك ونحوها، قال عليه الصلاة والسلام: {إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث} والقلتان: خمس قرب، إلا إذا تغير لونه أو ريحه أو طعمه.

إجابته عن الأكل في آنية أهل الكتاب

إجابته عن الأكل في آنية أهل الكتاب سُئِلَ أبو ثعلبة النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم؟ وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى أما غيرهم من الكفار فلا يجوز الأكل في آنيتهم مثل الشيوعيين. قال: {لا تأكلوا في آنيتهم, إلا ألاَّ تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها}. إذا كنت ساكن مع يهودي أو نصراني ليس لك أن تأكل في آنيته إلا بشرطين: ألا تجد غيرها، عليك أن تغسلها.

إجابته عن الحدث في الصلاة

إجابته عن الحدث في الصلاة سُئل عليه الصلاة والسلام عن الرجل يخيل إليه أنه يجد شيئاً في الصلاة، أي: خرج منه شيء في الصلاة مثل الرائحة, أو انتقض وضوءه وهذا يقع لكثير من الموسوسين؟ قال: {لا ينصرف حتى يجد ريحاً, أو يسمع صوتاً} هذان ضابطان اثنان: يجد ريحاً أو يسمع صوتاً, وأما من وسواس فلا يضره. والحديث صحيح.

إجابته عن حكم المذي والاستحاضة

إجابته عن حكم المذي والاستحاضة سأل المقداد النبي عليه الصلاة والسلام لـ علي عن المذي، لأن علياً كان رجلاً مذاءً قيل: من شجاعة الرجل، وكان علي رضي الله عنه صنديداً، كان يذبح الرجال ذبحاً في سبيل الله، قال: {فيه الوضوء} والمذي: هو السائل اللزج الذي يأتي من تذكر الجماع, أو القُبلة أو نحوها، وليس المني الذي يتدفق بشهوة وفيه الغسل، أما المذي ففيه الوضوء، والودي: هو الذي يخرج بعد البول ففيه الوضوء. وسألته فاطمة بنت حبيش فقالت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض فلا أطهر. أفأدع الصلاة؟ والاستحاضة غير الحيض، الاستحاضة: هو الدم الزائد عن العادة، ويسمى عندنا النزيف. قال: {لا، إنما ذلك عرق فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة -أيام الحيض- فإذا أدبرت فصلي} ولو كان الدم يقطر في الاستحاضة فلا يضر لأنه نزيف.

إجابته عن الوضوء من اللحم, والصلاة في مرابض الإبل والغنم

إجابته عن الوضوء من اللحم, والصلاة في مرابض الإبل والغنم سُئل صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الغنم؟ قال: {إن شئت توضأت وإن شئت فاترك} قالوا: يستحب الوضوء من لحم الغنم، ولكنه ليس بواجب. وسئل عن الوضوء من لحم الإبل، والحديث صحيح من حديث جابر بن سمرة والبراء قال: {نعم! توضأ من لحم الإبل} لماذا؟ قالوا: لأنه يسبب ارتخاءً في المفاصل. وسئل عليه الصلاة والسلام عن الصلاة في مرابض الغنم قال: {نعم، صلِّ في مرابض الغنم}. وسُئل عن الصلاة في معاطن الإبل؟ قال: {لا تصلِّ في معاطن الإبل}. والحديث صحيح. هذه الأسئلة والأجوبة أحسن من الدنيا وما فيها، هذه درر من محمد عليه الصلاة والسلام.

إجابته عن بعض الأحكام المتعلقة بالنساء

إجابته عن بعض الأحكام المتعلقة بالنساء وسألته أم سليم فقالت: {إن الله لا يستحيي من الحق} قدمت هذه المقدمة تريد أن تسأل سؤالاً لتمهد لكلامها، وكانت أم سلمة جالسة, والرسول عليه الصلاة والسلام جالس، فجاءت أم سليم من الأنصار، فقالت: {إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فالتفتت إليها أم سلمة مغضبة، وقالت: يا أم سليم! فضحت النساء، أو تحتلم المرأة؟! قال صلى الله عليه وسلم: نعم، تربت يمينك -يقول لـ أم سلمة - إذا رأت الماء} أي: إذا نزل منها الماء. وسألته زوجته أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها، فقالت: {إني امرأة أشد ظِفر رأسي -أي الجدائل تشدها شداً- أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات}. المرأة لا تنقض رأسها من غسل الجنابة, وتنقض رأسها من الحيض، وقد صح في ذلك حديثان. سبحان الله! أي رسالة هذا الرسالة؟! مع المرأة في حيضها مع الطهارة مع الاقتصاد والعسكرية، والجهاد، والقدر، والتوحيد، والإيمان، والجنة، والنار، والصراط، وكل شيء. شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سباتِ بأيمانهم نوران ذكر وسنة فما بالهم في حالك الظلمات وسألته امرأة تقول: {إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع؟ قال: تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه} حديث صحيح.

إجابته عن الفأرة إذا سقطت في السمن

إجابته عن الفأرة إذا سقطت في السمن سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن فأرة وقعت في السمن، الفأرة فويسقة؟ يقال: كانت الفأرة امرأة من بني إسرائيل فاسقة فاجرة, وقيل: زانية فمسخت، قال صلى الله عليه وسلم: {أما تراها تأخذ الفتيل وتشعل على أهل البيت بيتهم}. وإذا وقعت في سمن، فيقول عليه الصلاة والسلام: {ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم} فلا تلق السمن كله, بل ألقها هي وما حولها, سواء أكان جامداً أم سائلاً، ولم يصح في التفصيل بين الجامد والمائع شيء، بل قال البخاري: وهو وهم ويعني بذلك ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: {إذا كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فاتركوه}.

إجابته عن حكم استخدام الجلود

إجابته عن حكم استخدام الجلود سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن جلود الميتة هل لنا أن نستخدمها؟ قال: {طهورها دباغها} حديث صحيح. وذلك إذا ماتت عليك شاة وأنت لم تذكيها, أما إذا ذكيتها فليست ميتة، ومثله إذا ماتت ناقة أو بقرة, أما الحمير سواءً ماتت أو ذكيتها فلا فرق؛ لأنها نجسة أصلاً.

إجابته عن الإسباغ في الوضوء, ومدة المسح على الخفين

إجابته عن الإسباغ في الوضوء, ومدة المسح على الخفين سُئِلَ عليه الصلاة والسلام عن الوضوء، فقال لـ لقيط بن صبرة: {أسبغ الوضوء}. والإسباغ يكون بأن تروي البشرة, أو تأتي بالسنن. قال: {أسبغ الوضوء, وخلل بين الأصابع, وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً} حديث صحيح رواه أبو داود وغيره. وسئل صلى الله عليه وسلم عن مدة المسح على الخفين؟ فقال: {للمسافر ثلاثة أيام, وللمقيم يوم وليلة} حديث صحيح.

إجابته عن بعض أحكام الصلاة

إجابته عن بعض أحكام الصلاة - سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله وما يقرب من الجنة؟ فقال: {أعني على نفسك بكثرة السجود} وفي لفظ: {فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة} فمما يقربك من الجنة كثرة النوافل وكثرة السجود. - وسئل عليه الصلاة والسلام عن الصلاة الوسطى؟ قال: صلاة العصر. ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام لما قاتل في معركة الخندق بقي يقاتل هو والصحابة حتى أظلم الليل, وهو لم يصل العصر ودخل المغرب واقترب العشاء، فقال عمر: {يا رسول الله! لعن الله الكفار! شغلوني عن الصلاة, ما صليتها إلا الآن، -قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما صليتها، ملأ الله قبورهم وأجوافهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر}. ثم أذن المؤذن وصلى العصر. ولما نزلت صلاة الخوف صلوا في المعركة ولم ينتظروا. إذاً الصلاة الوسطى هي صلاة العصر فليتنبه لذلك بارك الله فيكم. - وسأله عمران بن حصين وكان به بواسير, وهو مرض في مقعدته مكث به ثلاثين سنة حتى صافحته الملائكة في السحر بأيمانها، فلما اكتوى ارتفعت الملائكة, وما عادت تصافحه، ثم ذهب إلى الله -نسأل الله أن يجمعنا به في الجنة- قال: {صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبك} حديث صحيح. - وسأله عثمان بن أبي العاص الثقفي قال: {يا رسول الله! لبَّس علي الشيطان صلاتي؟ قال: ذاك شيطان اسمه خنزب} الشياطين عندهم تخصصات، هناك شيطان متخصص في الوسوسة في الصلاة، وشيطان في الهجوم على الوحي -أقصد معتقد القلب- وشيطان في التفريق بين الرجل وزوجته، وشيطان في التحريش بين الناس همه نقل الكلام إلى غير ذلك من التخصصات. فهذا الشيطان الذي اسمه "خنزب" متخصص في الوسوسة في الصلاة. قال: {ذاك شيطان اسمه خنزب، فإذا أحسست به فانفث عن يسارك ثلاثاً, وتعوذ بالله منه} رواه مسلم. - وسأله أبو ذر عن أول مسجد وضع في الأرض؟ قال: {يا رسول الله! ما أول مسجد وضع في الأرض؟ قال: المسجد الحرام. قال: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قال: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة} متفق عليه. قال: {يا رسول الله! أي مسجد أسس على التقوى؟ فأخذ صلى الله عليه وسلم حصبة من التراب، فقال: مسجدي هذا} يعني: مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام. - وسئل عن الصلاة في السفينة -سأله جعفر الطيار بن أبي طالب - فقال: {صل فيها قائماً إلا أن تخاف الغرق} رواه الحاكم بسند صحيح. يقول: صلَّ قائماً في السفينة إلا أن تخاف الغرق، وهذا يحمل على السيارة إذا لم تجد منزلاً تنزله في الفريضة كأن يكون في الأرض طين, أو يكون المطر مستمراً، أما إذا وجدت نزولاً فلا يعذر أن تصلي إلا بالنزول، وكذلك الطائرة إذا استمرت بك الرحلة وخشيت أن يخرج الوقت فصلِّ قائماً, فإن لم تستطع فعلى كرسيك. هذا هو الصحيح. - وسُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ قال: {هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد} حديث صحيح. - وسئل صلى الله عليه وسلم عن الكلب الأسود يقطع الصلاة دون الأحمر والأصفر؟ قال أبو ذر: {ما بال الأحمر من الأصفر من الأسود يا رسول الله؟ قال: الكلب الأسود شيطان} يحب الشيطان الكلاب السود. - وسئل عليه الصلاة والسلام عن صلاة الليل؟ قال: {مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة}. متفق عليه. أي: صلَّ اثنتين وسلم، فإذا خشيت الفجر فأوتر بواحدة.

إجابته عن موت الفجأة

إجابته عن موت الفجأة وسُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن موت الفجاءة, أي: الموت بالسكتة القلبية فجأة، قال: {راحة للمؤمن، وأخذة أسف للفاجر} أما المؤمن فيرتاح من عناء الدنيا، وأما الفاجر فأخذة أسف لأنه لا يتوب. رواه أحمد بسند صحيح.

حكمه في زكاة الحلي

حكمه في زكاة الحلي وسألته أم سلمة عن زكاة الحلي، فقالت: -وفي يدي أوضاح- {أكنز هذا؟ قال: أتؤدين زكاته؟ قالت: نعم يا رسول الله. قال: فليس بكنز}. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده {أن امرأة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يديها مسكتان، فقال: أتؤدين زكاته؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار فألقتهما} -أو كما قيل- حديث صحيح. إذا علم هذا فزكاة الحلي واجبة سواء لبسته أم لم تلبسه، فعليها أن تقدر ثمنه وتخرج الزكاة من الثمن.

الزكاة عن القريب بعد موته

الزكاة عن القريب بعد موته وسأل رجل النبي عليه الصلاة والسلام: {إن أبي مات ولم يوصِّ أينفعه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم تصدق عن أبيك} فالصدقة عن الأب والأخ والقريب والمسلم أن تتبرع عنه بعد موته تصله بإذن الله.

أحكام في الصيام

أحكام في الصيام سُئِلَ عليه الصلاة والسلام عن الوصال للصوم كان يواصل عليه الصلاة والسلام ليلتين أو ثلاثاً ولا يفطر، قالوا: يا رسول الله! نراك تواصل؟ قال: {إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني} قال ابن القيم: " يطعمه ربه ويسقيه من المعارف والحكم، وإلا فلو أطعمه وسقاه من الماء والأكل ما كان صائماً ". قال الأول: لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نور تستضيء به ومن حديثك أعقاب حادِ إذا تشكت كلال السير أسعفها شوق القدوم فتحيا عند ميعاد - وسُئل عليه الصلاة والسلام عن الصوم في السفر؛ رواه مسلم عن حمزة بن عمرو وغيره؟ فقال: {إن شئت فصم وإن شئت فأفطر} وجاء في رواية البخاري: {إن شئت فأفطر فحسن، وإن شئت فصم فلا جناح عليك} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وقالت امرأة: {يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها صوم نذر, أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم يا رسول الله! قال: فدين الله أحق بالقضاء} حديث صحيح. وهذا رجل له قصة، اسمه سلمة بن صخر البياضي , روى حديثه السبعة واللفظ لـ مسلم. أتى سلمة بن صخر البياضي والرسول عليه الصلاة والسلام جالس مع أصحابه في نهار رمضان وقت الظهر، فأتى يولول ويصيح، ويقول: {يا رسول الله! هلكت! قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على أهلي في رمضان -جامع امرأته- فقال عليه الصلاة والسلام: أعتق رقبة. قال: ما أملك إلا رقبتي هذه} وكان الرجل مزاحاً، وثبت أنه مزح أربع مزحات، فتبسم منه صلى الله عليه وسلم. يقول: من أين لي برقاب أعتقها وأنا ما عندي إلا رقبة واحدة وهي رقبتي، قال: {صًم شهرين متتابعين. قال: وهل وقعت فيما وقعت فيه إلا من الصيام} ما استطعت أن أصوم إلى المغرب أفأصوم ستين يوماً؟!! فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: {أطعم ستين مسكيناً قال: على أفقر مني؟!!}. فجلس صلى الله عليه وسلم, وسكت وسكت الصحابة، فجاء رجل من الأنصار بمكتل مليء بالتمر ليتصدق به الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: {خذ هذا فتصدق به! قال: على أفقر مني؟ - يريد أن يأخذه هو، قال: كيف أتصدق به, وأنا أفقر من في المدينة -والله ما بين لابتيها أفقر مني؟ فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، وفي رواية أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: خذه فأطعمه أهلك}. أي سماحة في هذا الدين؟! وأي يسر وإشراق وروعة؟! وأي إبداع لهذا النبي الذي أحبته القلوب؟!! أسر الأرواح فهذا الموقف يكفي أن يسلم به الآف وملايين من الناس. وفي الصحيح أنه أتاه رجل فقال: {يا رسول الله! اللقطة ماذا أفعل بها؟ -أي: لقطة المال، لقطة الذهب، لقطة الفضة- قال: اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة} أي: اعرف دليلها ثم ضعها في البيت ولا تأتِ إلى الناس؛ لأن الحمقى إذا وجدوا شيئاً قالوا: من ضيع قلماً؟ الناس سيأخذونه، وكل واحد سوف يقول: هذا قلمي. ولكن أنت أخفه في جيبك وقل: من ضيع شيئاً؟ فإذا قال: قلماً. قل: ما وصفه؟ ما لونه؟ وكم طوله؟ وكم عرضه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: {اعرف وكاءها وعفاصها} العفاص: هو الوعاء التي تحفظ فيه, والوكاء: هو الحزام الذي تشد به، {ثم عرفها سنة، فإن جاء ربها فأعطه, وإلا فاستنفق بها وهي أمانة عندك إذا جاء ربها، قال: فضالة الإبل؟ فغضب عليه الصلاة والسلام -لأن الجمل يستطيع أن يصبر على الجوع والظمأ سبعة أيام، وهذا يريد إذا رأى جملاً أن يأخذه- قال: ما لك ولها؟ دعها فإن معها سقاءها وحذاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها، قال فضالة الغنم؟ قال: هي لك أو لأخيك أو للذئب} يقول: إذا ما يأت صاحبها فخذها فإنك إن لم تأخذها أكلها الذئب لأنها لا تمتنع, أما الجمل فيمتنع من الذئاب. لكن العجيب! أن الجمل يمتنع من الأسد والذئب, لكن إذا رأى النمر أصبح في ورطة لأن النمر يغلبه. سأل أحد الناس عالماً من العلماء قال: وجدت غنماً يا شيخ؟ قال: أعطها الأمير. قال: الأمير بعيد. قال: أعطها القاضي. قال: القاضي بعيد. قال: عرف بها أو أوصلها إلى البلدية. قال: لا. تأخذها. قال: إنك تريد أن تأخذ الغنم. وسُئِلَ عليه الصلاة والسلام عن صوم يوم الإثنين كما جاء في صحيح مسلم عن أبي قتادة؟ قال: {ذاك يوم ولدت فيه, وأوحي إلي فيه} وقد مات عليه الصلاة والسلام في يوم الإثنين. فصيامه حسن. لكن عيد المولد يوم الإثنين ليس بوارد، بل هو خزعبلات وخرافات، وما فعل صلى الله عليه وسلم عيد المولد, ولا أصحابه, ولا السلف ولا التابعون وليس له أصل في السنة.

الدعاء في ليلة القدر

الدعاء في ليلة القدر وسألته عائشة رضي الله عنها قالت: {إذا وافقت ليلة القدر بم أدعو يا رسول الله؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني} حديث صحيح، وهذا من أحسن الدعاء.

نذر الاعتكاف في الجاهلية

نذر الاعتكاف في الجاهلية وسأله عمر رضي الله عنه، فقال: {يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف يوماً في الجاهلية؟ قال: فأوف بنذرك} حديث صحيح.

جهاد النساء

جهاد النساء وقالت عائشة: {يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: لا، لكن جهادكن الحج} فهو جهاد الضعيف والنساء والكبير.

أحكام في الحج

أحكام في الحج وقال رجل: إن أبي مات ولم يحج أفأحج عنه؟ قال صلى الله عليه وسلم: {أفرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم. قال: فاقض فالله أحق بالقضاء}. وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً وهو في طريق الحج يقول: {لبيك عن شبرمة، لبيك عن شبرمة، لبيك عن شبرمة. قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب. قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة} حديث صحيح. وأتت امرأة من أهل اليمن بطفل بين يديها, فمشى صلى الله عليه وسلم وحوله كوكبة من الصحابة، لأنه إذا مشى كان علية القوم يمشون عن يمينه ويساره، أبو بكر , وعمر , وعثمان , وعلي , وسعد بن معاذ , وسعد بن عبادة , ومعاذ فيتحدث لهم ويتحدثون إليه. فاعترضته امرأة من أهل اليمن في مضيق وادي ضجنان فرفعت طفلها، قالت: {من أنتَ؟ قال: أنا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: من أنتِ؟ قالت: حاجَّة، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر} فأثبت له حج النافلة لا حج الفريضة، وأمه تؤجر على أنها حجت به. وسألته ضباعة بنت الزبير قالت: {يا رسول الله! إني أريد الحج وأنا شاكية -أي: مريضة- قال: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني} هذا للمريض إذا كان به داء مثل ما بـ ضباعة فله أن يشترط. إذا كنت مريضاً وأنت محرم فقل: اللهم إني نويت حجاً فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني.

من كنوز القرآن

من كنوز القرآن {سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن أعظم آية في القرآن؟ فقال: آية الكرسي} {وسئل عن أعظم سورة؟ قال: الفاتحة}. قال له رجل: إني أحب سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]. فقال: {حبك إياها أدخلك الجنة} حديث صحيح. وسُئِلَ عن أهل الله من هم؟ فقال: {أهل القرآن هم أهل الله وخاصته} رواه أحمد. وسُئِلَ عن الباقيات الصالحات، ما هي الباقيات الصالحات التي ذكرت في القرآن؟ قال: {سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر}.

إجابته عن أفضل الأموال

إجابته عن أفضل الأموال وسئل أي الكسب أطيب؟ قال: {عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور} رواه أحمد وسنده صحيح. وسُئل عن الأجرة على كتاب الله؟ قال: {إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله}. هذا إذا كان في الطب ونحوه، والتعليم فيه خلاف. وسُئِلَ عن الأموال التي تدفع للناس من أموال السلاطين، فقال صلى الله عليه وسلم: {ما أتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك}.

نهيه عن قتل الحيوانات

نهيه عن قتل الحيوانات وسُئِلَ عن قتل الوزغ؟ فأمر بقتله، حديث صحيح. وسُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع؟ فنهى عليه الصلاة والسلام عن قتله. ونهى صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع: الهدهد, والصرد, والنملة, والنحلة. وزاد ابن ماجة والضفدع.

إجابته عن حال ابن جدعان وحاتم الطائي

إجابته عن حال ابن جدعان وحاتم الطائي سألته عائشة عن ابن جدعان، وكان كريماً في الجاهلية, هل ينفعه كرمه عند الله وقد مات على الشرك؟ -كما في صحيح مسلم - قال: {لا، إنه لم يقل يوماً من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين}. وسأله عدي بن حاتم عن أبيه هل ينفعه الكرم؟ قال: {لا، إن أباك طلب شيئاً فأصابه} وهو الرياء والسمعة والعياذ بالله.

إجابات متفرقة

إجابات متفرقة وسأله عبد الله بن بسر عن أمر يتشبث به؟ قال: {لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} رواه الترمذي وأحمد بسند صحيح. وسأله سفيان بن عبد الله أن يقول له قولاً لا يسأله عنه أحداً غيره؟ قال: {قل: آمنت بالله ثم استقم}. وسأله حكيم بن حزام هل يبيع شيئاً لم يكن عنده وسوف يشتريه للمشتري؟ يأتيك رجل فيقول: أريد أن أشتري منك سيارة -وليس عندك سيارة- فتبايعه وينتهي البيع ثم تذهب إلى المعرض وتشتري؟ هذا حرام، فقال عليه الصلاة والسلام: {يا حكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك} رواه أحمد وغيره بسند صحيح. بل تشتري أولاً لك ثم تبيع بعقد آخر. وسُئِلَ عن الثوم أحرام هو؟ قال: {لا، ولكني أكرهه من أجل رائحته} رواه مسلم. وسُئِلَ عن الضب أحرام هو؟ قال: {لا، ولكني أجد نفسي تعافه، إنه ليس بأرض قومي} متفق عليه. وسألته عائشة: {إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذُكِرَ اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوا} حديث صحيح رواه البخاري. إلى آخر تلك الإجابات العجيبة التي تفوه بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.

الأسئلة

الأسئلة

قبول نصيحة الفاجر

قبول نصيحة الفاجر Q أمرني فاجر بالمعروف، فماذا أفعل؟ A تسمع وتطيع إذا أمرك بالمعروف, ولا تأخذك العزة بالإثم, ولا تحاربه, ولا تنابذه, ولا تخاصمه؛ بل تتقي الله عز وجل وتقبل، ولا تكن ممن قال الله فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:204 - 206].

إيداع الأموال في البنوك

إيداع الأموال في البنوك Q ما حكم الإيداع في البنوك بفوائد؟ A الإيداع في البنوك بفوائد أو بغير فوائد لا يجوز، لأنه ربا، فمن أودعها بغير فائدة فقد تعاون معهم على الإثم والعدوان، وأما بفائدة مشروطة فهو ربا. وهناك بديل وهو الشركة الإسلامية للاستثمار الخليجي، يجوز إيداع الأموال فيها، ولها مقر في كل مدينة، ولها مكتب معروف في أبها، وهي تستقبل أموال المسلمين وهي تتعامل بالمضاربة الإسلامية, ولا تشرط لك فائدة نسبية مقررة, وإنما تضارب لك بمالك على نظام المضاربة الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم، وهي رابحة بإذن الله وخالية من الربا، لأنه يقوم عليها رجال معتمدون ويرأس ذلك سمو الأمير محمد الفيصل ومعه نخبة من العلماء الأجلة والدعاة والمفكرين، فهذه الشركة هي عوض عن هذه البنوك الربوية، وهي تستقبل أموال الناس وتضارب بها, وهي بعيدة عن الشبهة، نسأل الله لنا ولكم مطعماً حلالاً، ورزقاً حلالاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم لـ سعد: {أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة} وذكر صلى الله عليه وسلم: {الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، فأنى يستجاب له؟}.

نصيحة بسماع أشرطة

نصيحة بسماع أشرطة Q اذكر لي ثلاثة أشرطة لك ترضاها لي؟ A عليك بشريط احفظ الله يحفظك، ورسالة إلى المغنيين والمغنيات، ورحلة إلى الدار الآخرة.

نقل دم زوج لزوجته للإسعاف

نقل دم زوج لزوجته للإسعاف Q هل يجوز للرجل أن يعطي لزوجته من دمه إسعافاً في المستشفى؟ A نعم، بالإجماع يسعفها هو من باب أولى، وليس في ذلك من حرج، وتسعفه من دمها والحمد لله.

حكم إطالة الثياب

حكم إطالة الثياب Q بعض الشباب يطيلون الثياب ويقصرون السراويل؟ A هذا خلاف السنة، لا يجوز إطالة السراويل ولا الثوب، وإنما تكون كلها من فوق الكعب، لا تطل سراويلك ولا بنطلونك, ولا بشتك تحت الكعب {ما أسفل من الكعبين فهو في النار} ولا يظن الإنسان أنها في الثياب فقط أما السراويل فلم يأتِ فيها شيء، بل الأحاديث في ذلك.

حكم سماع الأناشيد

حكم سماع الأناشيد Q أنا أستمع الأناشيد، فما حكم ذلك؟ A لك أن تستمع الأناشيد بثلاثة شروط: 1/ ألا يكون معها موسيقى أو أدوات لهو. 2/ لا يكون فيها كلام فحش. 3/ لا تكثر منها حتى تضيع وقتك.

حكم نظر الزوج إلى فرج زوجته

حكم نظر الزوج إلى فرج زوجته Q هل للرجل أن ينظر إلى فرج زوجته؟ A نعم له ذلك، وأما حديث أن عائشة لم ترَ منه صلى الله عليه وسلم ولم يره منها فلا يصح، بل هو ضعيف.

كيفية إخراج كفارة اليمين

كيفية إخراج كفارة اليمين Q كيف أخرج كفارة اليمين؟ A تخرج كفارة اليمين على الترتيب: إطعام عشرة مساكين, أو كسوتهم, أو عتق رقبة, فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام. أما إطعامهم فيكفي وجبة غداء أو عشاء أما فطور فلا، لأن الفطور سهل, ولذلك نرى البخلاء لا يعزمون إلا في الفطور، فالبخيل يجلس في المجلس وإذا انتهى الجماعة من العزومة قال: يا جماعة! أنتم من أعز الناس عندي ولا يمكن أن تذهبوا قبل أن تأتوا عندي؛ والفطور غداً عندي. فكفارة اليمين لا تكون فطورا, ً بل غداءً أو عشاءً.

النفث في الصلاة بسبب الشيطان

النفث في الصلاة بسبب الشيطان Q هل أنفث في صلاتي إذا جاءني الشيطان؟ A نعم، إذا لبَّس عليك, بشرط أنك لا تدري كم صليت, أو لا تدري ماذا قلت، أما إذا وسوس وسوسة خفيفة فلا تقل ذلك في الصلاة.

حكم الوضوء من الدم الخارج من الجرح

حكم الوضوء من الدم الخارج من الجرح Q هل أتوضأ عند خروج دم من جرح معين؟ A لا يلزمك، إنما تزيل الدم، هذا هو الصحيح, وهو رأي البخاري ورأي كثير من المحدثين.

من عصته زوجته وخرجت عن طاعته

من عصته زوجته وخرجت عن طاعته Q زوجتي تعصيني في البيت كثيراً وتخرج عن طاعتي فماذا أفعل؟ A لك أن تنصحها وبآداب القرآن، ثم تهجرها، ثم تضربها ضرباً غير مبرح، ثم تتصرف!

المسح على الجوارب إذا كانت خفيفة

المسح على الجوارب إذا كانت خفيفة Q الشُّراب الخفيف هل يمسح عليه أم يشترط أن يكون غليظاً؟ A الشراب الخفيف الذي يبدي اللحم والبشرة لا يمسح عليه, وهذا هو الصحيح.

الدخول بالمصحف إلى الحمام

الدخول بالمصحف إلى الحمام Q رجل دخل بالمصحف إلى الحمام، ماذا عليه؟ A إن كان متعمداً فهو آثم، وإن كان ناسياً فليخرج سريعاً, وليستغفر الله وليخرج كتاب الله من الحمام.

حكم اللحوم المستوردة

حكم اللحوم المستوردة Q ما حكم اللحوم والدجاج المستورد؟ A إذا كان من بلاد أهل الكتاب فالظاهر فيه أنه مباح، قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة:5] ونسمي عليه ونأكل، أما البلاد الكفرية الشيوعية: كـ روسيا والهند فهذه الدول لا يأكل من ذبائحهم لأنه حرام.

الحكمة في الدعوة

الحكمة في الدعوة Q أريد أن أدعو إلى الله عز وجل ولكن ليس عندي حكمة؟ A نسأل الله أن يلهمك الحكمة، والحكمة تأتي بالتجربة, وبقراءة سيرة محمد صلى الله عليه وسلم, فإنك إذا قرأت سيرته عرفت الطريق إلى الحكمة بإذن الله عز وجل.

من لا يحب الذكر ومجالس الذكر

من لا يحب الذكر ومجالس الذكر Q لي جليس طيب ولكن فيه أمور تغضب الله عز وجل، منها: أنه لا يحب الدروس, ولا يحب الذكر، ولكنه يصلي -والحمد لله- ويقرأ القرآن؟! A كما قال الله: {خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} [التوبة:102] وهذا فيه مرض. الذي لا يحب الذكر, ولا يحب مجالس الخير, ولا يحضر المحاضرات؛ فهذا دليل على أن فيه مرضاً, وعليك أن تأخذه بالتي هي أحسن علَّ الله أن يهدي قلبه.

حكم الخروج بالأسر للنزهة

حكم الخروج بالأسر للنزهة Q كثير من الناس يخرجون بأسرهم للنزهة فما حكم ذلك؟ A عليك أن تنصحهم, فلا يجوز اجتماع الأجانب مع الأجانب من الرجال والنساء في مجلس واحد؛ لأن هذا محرم، فلا يجلس الرجل مع زوجة أخيه في مجلس عام أبداً ولم يأتِ في هذا دليل.

سبب الوضوء من لحوم الإبل

سبب الوضوء من لحوم الإبل Q هل سبب الوضوء من لحم الإبل هو من كثرة الشحوم؟ A يقال هذا، لكني قلت: يقال لأن المفاصل تسترخي حتى لا يستطيع أن يتحكم في نفسه.

معنى (ووضعنا عنك وزرك)

معنى (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ) Q ما معنى {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} [الشرح:2]؟ A معناه: وضعنا عنك خطيئتك وذنبك.

معنى (ألم نشرح لك صدرك)

معنى (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) Q ما معنى {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1]؟ A معناه: وسعناه وأصبح مشروحاً.

التعامل مع البخيل

التعامل مع البخيل Q عندنا جار بخيل فكيف نتعامل معه؟ A أسأل الله أن يجعله كريماً وأن يرزقك الأدب مع جيرانك.

حكم تارك الصلاة

حكم تارك الصلاة Q ما حكم تارك الصلاة؟ A من ترك الصلاة فهو كافر.

حكم الودي

حكم الودي Q الودي قلت: إنه يخرج بعد الجماع, وأنا قرأت أنه يخرج بعد البول؟ A أنا لم أقل: إنه يخرج مع الجماع، لكنني قلت: إذا توضأ الإنسان بعد الجماع, أو اغتسل ثم خرج منه ودي فعليه أن يتوضأ منه ولا يغتسل.

حديث بئر بضاعة

حديث بئر بضاعة Q حديث بئر بضاعة فهل الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يرمون الجيف في البير؟ A لا، يقولون: يأتي بها السيل ويطم بها كما قال الخطابي وغيره.

ليلة البركة

ليلة البركة Q ليلة الغد توافق الخامس عشر من شهر شوال, والبعض يسمونها بليلة البركة ويصومون ذلك اليوم والذي يليه. فهل ورد في ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم شيء؟ A لا، وردت عن عجائز أبها , أما الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يرد عنه شيئاً، وعلى كل حال فلا يجوز إفراد هذه الليلة بشيء من العبادة, ولا يومها بشيء من الصوم غير الأيام؛ لأنه يدخل في البدع والعياذ بالله.

لقاء مع الشباب

لقاء مع الشباب الشباب هم الثروة الثمينة التي لا تعوض, وهم تاج وعز الأمة، بصلاحهم تنهض الأمة، لذلك كان لزاماً من تلمس حاجاتهم، والسؤال عن أحوالهم، ووضع حلول لمشاكلهم وهمومهم، وقد تعرض الشيخ لبعض القضايا التي تهمهم، كضعف الإيمان وكيفية معالجة هذا المرض, وتعرض لقضية فتور الشباب عن الدعوة إلى الله, وتكلم عن قضية مهمة أخرى وهي: تذبذب الشاب, أسبابها، وعلاجها، وألمح إلى قضية سلبية عند الشباب وهي قلة الاطلاع في الدين والواقع.

ضعف الإيمان وفساد التوبة

ضعف الإيمان وفساد التوبة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عنوان هذا الدرس: لقاء مع الشباب. حييت يا هذا الشباب لك التحية والسلام أثلجت قلبي بالحضور وزاح عن عيني المنام يا بسمة الفجر الجديد إلى الأمام إلى الأمام بشر بنا دنيا الورى نحن المشاعل في الزحام وإمامنا المعصوم أنعم خير من وطئ الرغام صلى الله عليه وسلم، اجتمعنا على حبه وعلى مبادئه وسنته. أولاً: إني أحبكم في الله -تبارك وتعالى- حباً لا يعلمه إلا هو، أسأله أن ينفعني وإياكم بهذا الحب, فما جمعنا هنا رغبة ولا رهبة إلا حب فيه تبارك وتعالى. ثانياً: أسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، كما جمعنا هنا أن يجمعنا: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55]. اللهم إن أهل الدنيا اجتمعوا لدنياهم، وقد اجتمعنا الليلة لديننا، اللهم فلنا عليك حق الضيافة وأنت أكرم الأكرمين. اللهم إن ضيافتنا مغفرة من عندك، فنسألك أن تغفر لنا ذنوبنا, وأن تستر عيوبنا, وأن تحفظنا من كل مكروه, وأن تنصرنا بالإسلام, وأن تنصر الإسلام بنا. اللهم إن من سلَّ علينا سيفاً فاقتله بسيفه, واكفنا شره, واجعل تدبيره في تدميره يا رب العالمين. أيها الفضلاء: أعدكم -إن شاء الله- أن يرتقي هذا المنبر في القريب العاجل كثير من العلماء والدعاة، كالشيخ: العمر والعودة والحوالي والطريري وابن مسفر، والقحطاني والبريك وابن زعير والجلالي وغيرهم من العلماء، أعدكم -إن شاء الله- بهذا؛ لتسمعوا منهم ويسمعوا منكم مباشرة, وما نحن إلا إخوة يسعى بذمتنا أدنانا. وأحببت هذه الليلة أن أجعل القضايا قضايا الشباب, فأنا شاب أعيش مشكلات الشباب وطموحاتهم ومعاناتهم, وكثير من القضايا استفدتها من الشباب، وكم فرحت -ويعلم الله- هذه الليلة وأنا أرى الشباب من كل حدب ينسلون, يأتون إلى المسجد حاملين في قلوبهم حب الله وحب رسوله عليه الصلاة والسلام، فأبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا. وأشكر شكراً جزيلاً أصحاب الفضيلة العلماء الذين حضروا والأساتذة والأدباء, وأشكركم يا زملائي ويا إخواني من الشباب. هذا اللقاء -كما قلت- للشباب فحسب، وسوف يكون هناك لقاء -إن شاء الله- للشابات ومشاكلهن وقاضاياهن، والقضايا كثيرة ومزدحمة, وقضايانا ومشكلاتنا ومسائلنا لا تحل إلا من المسجد ومن المحراب, من منبر محمد -عليه الصلاة والسلام- وأنا أعلم أن فيكم من هو أعلم مني وأصلح وأكرم وأتقى، ولكن كما قال الأول: لعمر الله ما نسب المعلى بذي كرم وفي الدنيا كريم ولكن البلاد إذا استعرت وصوح نبتها رعي الهشيم فأنا هذه الليلة الهشيم الذي يرعى لما ذهب النبت الأخضر، أسأل الله أن يعيده للمسلمين.

ظاهرة ضعف الإيمان

ظاهرة ضعف الإيمان أول قضايانا يا معشر الشباب: ضعف الإيمان. ونشكو أحوالنا فيه إلى الله, ولكن أبشركم أن من علم أن إيمانه ضعيف، وشكا حاله إلى الله، وانطرح بين يدي رب العزة, وبقي عند عتبات الباب؛ يوشك أن يدخل -بإذن الله- كلما أكثر الطرق وقرع الباب. إن أهل السنة يقولون: إن الإيمان يزيد وينقص، قال البخاري: باب زيادة الإيمان ونقصانه, قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:13] فتدرجوا في الهداية فأعطاهم الله الهدى, كتدرجكم في طلب العلم، وفي كثرة النوافل، وفي مصاحبة الصالحين، وفي حضور المحاضرات والدروس العلمية. واعلموا أن الله لا يذهب علمكم سدى، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وقال تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} [المدثر:31] وقال الله تبارك وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] فإذا ترك شيء من الكمال فهو نقص. يا أيها الفضلاء! إن إيماننا يضعف كثيراً, ونحن نُحارب بالشهوات والأطروحات والأفكار الهدامة صباح مساء, المتمثلة في الوسائل الإعلامية وفي الأفلام، والأندية, والجامعات, والكتبة, فمالنا حيلة إلا أن نلتجئ إلى الله, لكن في المسجد: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:36 - 37]. واعلموا -رحمكم الله- أن كثيراً من أهل العلم نص على ضرورة العمل في الإيمان، قال الحسن البصري رحمه الله: [[ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني, ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل]] رواه مالك في الموطأ، وليس من كلامه عليه الصلاة والسلام. فليس الإيمان دعاوى وكلاماً يقال: والدعاوى مالم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء الإيمان عمل, ولعلك تفاجأ بشاب من الشباب يدَّعي حب الله عز وجل وحب رسوله عليه الصلاة والسلام، ولكنه: ينام عن صلاة الفجر, ويهجر القرآن, ويعق والديه, ويسيء الجيرة مع جيرانه, ولا يقوم بحقوق المسلمين, ولا يتمعر وجهه عند المنكرات, ولا يغضب إذا انتهكت حقوق الله ومحارمه، فأين الإيمان؟! أين الإيمان؟! قال الربيع بن خثيم: [[أتدرون ما الداء, وما الدواء, وما الشفاء؟ قالوا: لا. قال: الداء: الذنوب، والدواء: الاستغفار, والشفاء: أن تتوب ثم لا تعود]] فنحن بحاجة إلى أن نتوب توبة صادقة, قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]. قال الحسن: [[القلوب تحيا وتموت، فتحيا بالفرائض والنوافل، وتموت بالمعاصي]] ونحن في زمن قل الناصح, وذهبت القدوة إلا القليل, وانطوى العلم الشرعي, ووجدت أطروحات أهل الباطل, وملكوا الوسائل, وليس لنا إلا المنبر والمحراب، ولكن معنا الله, قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].

التوبة النصوح وشروطها

التوبة النصوح وشروطها إخوتي في الله! إنَّ مما يرفع هذا النقص في الإيمان -يا شباب الإسلام- التوبة النصوح إلى الواحد الأحد من الذي يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ويعلم ما تصنعون؟! إنه الله، والله تعالى تحدَّى أعداءه, وتحدَّى محاربيه أنه لا يغفر الذنب إلا هو، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. قال ابن القيم -رحمه الله-: شرائط التوبة ثلاثة: 1 - الندم. 2 - الإقلاع. 3 - الاعتذار. قال: أما الندم فأوله تعظيم الجناية؛ أن تعلم أنك أخطأت خطأً عظيماً مع الله تبارك وتعالى، الذي أنعم عليك, وكساك ثوب الشباب, وأسدى لك الجميل, ثم قلبت ظهراً لجنب وأخطأت معه؛ ولذلك يغضب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من ثلاثة- لأنهم احتقروا الجناية, وعلموا أنهم ما أساءوا, واعتقدوا في أنفسهم أنّ ما عملوه حقير أو قليل- {ثلاثة لا ينظر الله إليهم, ولا يكلمهم, ولا يزكيهم, ولهم عذاب أليم: أشيمط زانٍ- شيخ كبير دنا من القبر ويزني- وملك كذاب- وما الداعي له أن يكذب وقد ملك الدنيا- وعائل مستكبر- وهو الفقير الذي يتكبر على عباد الله عز وجل}. واتهام التوبة بألا تثق من توبتك ,فأنا أعرف من نفسي ومن إخواني أنهم يتوبون كثيراً، ويظن الواحد منهم أنه صدق في التوبة, لكن سرعان ما يعود إلى الذنب، فعليه أن يحذر، وأن يعلم أن السقوط قريب, وأن النفس أمَّارة بالسوء فليحاذر، وعليه بالتوبة دائماً ولا يثق بنفسه، فإن بعض الشباب تاب من معصية ثم عاد لها بعد سبع سنوات، ومنهم من عاد لها بعد عشر سنوات، والقلب يحن للذنب حتى يقع فيه فلا ينجو إلا بتوبة نصوح.

علامة فساد التوبة

علامة فساد التوبة واعلموا أن من علامة فساد التوبة أمور: منها: ضعف العزيمة, فلا يعزم على فعل الخير, يتوب من المعصية لكن تراه متخلفاً عن الفرائض, ووالله لو صدق في توبته ما تخلف عن أذان الفجر، ولو تقطع جسمه من الماء البارد، والحب ليس بالدعوى, قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]. ومن علامات فساد التوبة وضعف التوبة: إلتفات القلب إلى الذنب الفينة بعد الفينة, فيحن إلى الذنب, كذنب الزنا أو النظر, أو استماع الغناء, أو ذنب تناول المخدرات، أو شرب الخمر, فتجده دائماً بعد شهر وبعد سنة يحن إلى ذاك، ويحاول أن يرتكبه، فإذا حيل بينه وبين الذنب، قال: أشهدك يا رب أني تبت، وهذه ليست بتوبة. ومنها: أن يثق بنفسه, فإن الله -عز وجل- قال: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21] فبعضهم يثق بنفسه, فإذا نهيته أن يسافر إلى الخارج وتنذره بالخطر أن يقع في فتنة من الفتن، قال: أنا واثق من نفسي، أنا قوي الإيمان، لا يمكن أن أقع في الخطأ؛ فيقع في الخطأ، فإن العزيز الحكيم هو الله، والغالب على أمره هو الله، فحذارِ حذارِ من هذا. ومن علامات ضعف التوبة: جمود العين, فلا تدمع ولا تبكي أبداً, وهذا من علامة فساد القلب. ومنها: استمرار الغفلة, فتجده مع الغافلين, وقد أنذره الله بالنذر, فرأى أحبابه, ورأى زملاءه يصرعون في حوادث السيارات, ويحملون على النعوش, ويدفنون أمامه, ويبعثرون في التراب؛ ومع ذلك لا يرتدع ولا يعود, ويسمع الإنذار من الخطباء والعلماء والدعاة ومع ذلك لا يرتدع. ومنها: أنه لا يستحدث بعد التوبة أعمالاً صالحة، فتجده بعد الخطيئة مثله قبلها لا يزيد من عمله الصالح, ولا يحاول أن يستدرك ما فرط فيه في أيامه, أو أن يجمع ما مزق، وهذا من ضعف التوبة.

علامات التوبة الصحيحة

علامات التوبة الصحيحة إخوتي في الله! للتوبة الصحيحة علامات، وهي التي ترفع ضعف الإيمان: منها: أن يكون العبد بعد التوبة خيراً منه قبل التوبة، فقد سئل شيخ الإسلام العلامة ابن تيمية -رحمه الله-: هل يكون العبد بعد التوبة مثله قبل الذنب؟ قال: قد يكون مثله أو أعلى أو دون ذلك، وهذه بحسب الأمور، وقد يكون -يا أيها الشاب- ذنب من الذنوب تلم به, سبباً لسعادتك في الدنيا والآخرة، ولا تعجبوا من هذا، قال الحسن رحمه الله: "إن المؤمن ليذنب الذنب فما يزال كئيباً باكياً حتى يدخل الجنة". وقال سعيد بن جبير: [[رب عاملٍ عمل ذنباً ما زال الذنب بين عينيه حتى دخل الجنة]] فهذا شأن بعض الصالحين؛ أنهم أذنبوا وأخطئوا, فبكوا وتقطعت قلوبهم، حتى دخلوا بتوبتهم جنة عرضها السموات والأرض. ومنها: ألا يزال الخوف من الله مصاحباً لك ليلاً ونهاراً. قرأت في ترجمة سفيان الثوري: أنه كان إذا أراد أن ينام تقلب على فراشه يبكي خائفاً وجلاً، قال: أتذكر القبر بالفراش. كلما أتى إلى فراشه ولحافه, تذكر ظلمات القبر وهول ذاك المكان الذي لا بد أن ننزله جميعاً. والقبر فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءة وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ ومن علامات التوبة الصحيحة: انخلاع القلب؛ أن يكون قلبك منخلعاً من خوف الله متقطعاً, قال الله تعالى: {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:110] قال الثوري: تقطع بالتوبة، لا يمكن أن يخرجوا من هذا الذنب إلا أن تقطع قلوبهم بالتوبة. ومن علامات التوبة: أن ينكسر قلبك تواضعاً لله, فإن أنين المذنبين عند الله خير من إجلال العابدين, وبعض الناس يتكبر بفعل الخير، وبالحسنات والأعمال الصالحة حتى تلحقه في درجة الجبروت على الله، وبعضهم ينكسر بالذنب ويبكي ويتقطع ويخشع لربه حتى يكون هذا الذنب سبب سعادته عند الله -عز وجل-, وفي الحديث الصحيح: {أن رجلاً -من بني إسرائيل- قال لأحد المذنبين: تب إلى الله. قال: اتركني وربي. قال: والله لا يغفر الله لك. قال الله عز وجل: من الذي يتألى علي، أشهدكم أني غفرت لهذا وأحبطت عمل هذا}. ومن علامات التوبة: أن تلزم ما يرضي ربك -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- من قراءة القرآن، وأن تلزم الطاعة حتى يأتيك اليقين, كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] فلم يجعل الله -عز وجل- أجلاً في العبادة إلا بمسألة واحدة حتى يأتيه الموت, فليست العبادة شهراً ولا شهرين ولا ثلاثة ولا أربعة ولا سنة ولا سنتين, إنما هو عمر مستمر حتى نلقى الله -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- بذلك.

أسباب زيادة الإيمان

أسباب زيادة الإيمان اعلم أن هناك أسباباً ترفع ضعف الإيمان، ذكرها أهل العلم، وقد وصلتني عشرات الأسئلة، ولا أبالغ إن قلت: مئات الأسئلة من الشباب، كلٌ يشكو ضعف إيمانه, وجمود عينه, وقسوة قلبه, وأنا من ذلك الصنف, نشكو حالنا إلى الله، ولعل الله -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- أن ينظر لنا في هذا الجمع المبارك بنظرة رحمة فيقول لنا: انصرفوا مغفوراً لكم فقد رضيت عنكم وأرضيتموني: إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرارِ وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار السبب الأول في زيادة الإيمان: أن تناجي ربك -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- وأن تكثر من دعائه ورجائه وتذكره كثيراً. السبب الثاني: أن تتدبر كتابه, فلا يلم شعث القلب إلا كتاب الله -عز وجل- ووجد أن كثيراً من الشباب تشاغلوا حتى بالعلم الشرعي عن قراءة القرآن, فتجد أحدهم في المسائل وفي الترجيحات والتنقيحات والتحقيقات وتخريج الأحاديث -وهو في طاعة ولكنه- تشاغل عن القرآن حتى قسا قلبه، فكيف بمن قسا قلبه بالمعاصي والمخالفات والجلوس مع البطالين؟! ومنها وهو من أعظمها: أن تحافظ على الفرائض جماعة، فإن الله ضمن لمن حافظ على الفرائض جماعة ألا يخذله ولا يذله، وأن يحفظه في الدنيا والآخرة. ومنها: أن تحافظ على السنن الرواتب, وأن تكثر منها, فإنك كلما سجدت لله سجدة رفعك بها درجة. ومنها: أن تصاحب الصالحين وأن تحبهم {المرء يحشر مع من أحب} وقال -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح: {والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل} رواه مسلم وغيره، وقال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي: {لا تصاحب إلا مؤمناً, ولا يأكل طعامك إلا تقي} وأرى لزاماً على الشباب أن يجددوا إيمانهم بحضور الندوات والمحاضرات والدروس, وألا يقولوا: الملقي أقل منا علماً, فإن الله قد يكسبك بالحضور أموراً لا تحصل عليها في غير هذا المكان، منها: أن يذكرك الله في الملأ الأعلى. ومنها: أن الملائكة تحفك بأجنحتها. ومنها: أن السكينة تتنزل عليك. ومنها: أن الرحمة تغشاك. هذه بعض الأمور التي ترفع من درجة الإيمان، وزاد النووي وغيره أموراً: منها: المراقبة؛ أن تعلم أن الله معك: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] وأنه يعلم سرك وعلانيتك، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7]. يا شباب الإسلام! يا فتية محمد عليه الصلاة والسلام! يا رواد الحق! إنه ينقصنا في عالم الإيمان مسائل. ينقصنا محاسبة النفس كما كان يفعل السلف، كانوا يحاسبون أنفسهم عند النوم محاسبة عظيمة ماذا قدمنا من الخير، وماذا فعلنا من الشر. ينقصنا أيضاً: استرشاد أهل العلم والدعاة وطلبة العلم, وطلب النصح منهم. وينقصنا أيضاًً: زيارة المقابر، حتى ألهينا وشغلنا بالحياة الدنيا. وينقصنا قراءة تراجم السلف , التراجم الحية المتمثلة في سيرة الصحابة والتابعين, والأئمة كـ أحمد , والشافعي ومالك والثوري والأوزاعي، وغيرهم كثير. أيضاً ينقصنا الدعاء والمناجاة في الثلث الأخير من الليل، والجلسات الروحية بعد الشمس إلى طلوع الفجر وقبل الغروب: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم:16 - 17].

عدم الجدية

عدم الجدية أيها الإخوة الأبرار ومن مسائل الشباب ولعلها المسألة الثانية: عدم الجدية. إن قطاعاً هائلاً من الشباب الملتزم لا يأخذ الأمر بجد. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [الأعراف:171] قال قتادة: [[قوة الجد، وقال مجاهد: [[بقوة: بعمل ما فيه]] وقال الله عز وجل: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} [مريم:12] وأجمع كثير من الفضلاء على أن القوة هي العمل وهو أن تأخذ كتاب الله عز وجل, وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام على أنهما نذير بين يدي عذاب شديد, وأنهما سر نجاتك في الحياة الدنيا فتأخذ الكتاب بقوة.

هدي السلف في الجد في العبادة

هدي السلف في الجد في العبادة كان الأسود بن يزيد يجهد نفسه في العبادة, فقد صام حتى اصفر جسمه. على أنني لا أطلب منكم أن تقتدوا بأحد إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأقول لكم: إن سيرة العلماء والدعاة والعباد والزهاد تعرض على سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن وافقت فبها ونعمت، وإن لم توافق لم نقبلها ولم نأخذ بها، وهؤلاء ليس المقصود الاقتدء بهم فإنا أضعف من ذلك، ولكن انظر إليهم في الجد، فإن بعضهم صام أربعين سنة سرداً، وبضعهم كان يصلي في اليوم ثلاثمائة ركعة، وبعضهم بكى حتى أخذت الدموع خطين أسودين في خده, فهنا درس عظيم نأخذه أنهم كانوا أهل جد. إذا علم هذا, فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {لكل عمل شرة ولكل شرة فترة, فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى} وهو حديث صحيح, والمعنى: أن العامل يعمل أولاً بجد, تأخذه حدة في العبادة ولكنه يفتر بعدها. فوصيتي للشباب: أن يلاحظوا أنفسهم، فلا يزيدوا في العبادة على السنة، فتلقي بهم إلى العطل والخمول والبطالة، لكن عليهم بالتسديد والمقاربة، وعليهم بالمداومة على منهج النبوة منهج محمد صلى الله عليه وسلم, قال ابن القيم: تخلل الفترات أمر لازم للعبد, فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد, لم تخرجه من فرض ولم تدخله في محرم رجي له أن يعود خيراً مما كان. وقال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[إن لهذه القلوب إقبالاً وإدباراً, فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإذا أدبرت فألزموها الفرائض]]. إخوتي في الله! كلٌ منا يسأل نفسه: أما يمر بك يوم وأنت نشيط في العبادة تحب صلاة الجماعة, وتحافظ على النوافل, وتقرأ في اليوم الجزءين والثلاثة, ثم يمر بك يوم وأنت خامل لا تستطيع أن تؤدي الفريضة, ولا تقرأ في اليوم إلا ربع حزب أو أقل من ذلك؟ هذه مسيرة من قديم، وشنشنة نعرفها من أخزم! ومن يشابه أبه فما ظلم!! لكن أوصي نفسي وإياكم أنّ من تشجعت نفسه وطابت عزيمته؛ أن يكثر من النوافل، ومن خمدت نفسه أن يلزم نفسه الفرائض، فلا يترك فريضة ولا يرتكب محرماً، ففي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه}.

الجدية في العقيدة

الجدية في العقيدة إن من صور الجدية التي يجب على الشباب أن يعيشوها: الجدية في العقيدة. فالمؤمن يحمل رسالة ومبادئ، والمؤمن يعلم أنه بحمل عقيدته هذه مطالب أمام الله ماذا قدم لها؟ فيا إخوتي في الله! معنى أخذ عقيدة التوحيد بجدية أن تعيش لها, وأن تكون عندك أغلى من أمك وأبيك وزوجتك وولدك, وأن تعلم أن جمجمتك التي فوق كتفيك ثمن للعقيدة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111] فتحيا بالعقيدة, وتموت للعقيدة, وترضى من أجلها, وتغضب من أجلها ثم لا تساوم على عقيدتك بثمن من الأثمان, ولا تبعها بشيء من الأشياء إني أعلم أن قطاعاً من الشباب لضعف عقيدته قد يتخلى عن شيء من مبادئه بسبب خوف, أو رغبة في شيء من الدنيا, أو مجاملة أو أمر آخر، ومعنى ذلك أنه ناقص الإيمان. يا عجباً! يسجن الكافر ويعذب من أجل عقيدته! يقال له: عد عن عقيدتك وكفرك, فيقول: لا. والمؤمن -أحياناً- قد يتخلى عن بعض عقيدته أو شيء من صلب عقيدته خوفاً من البشر, أو رغبة فيما عند البشر, وهذا خطأ كبير. انظر إلى حبيب بن زيد رضي الله عنه ذاكم الشاب الطموح، الذي يقدَّم إلى مسيلمة الكذاب، فيطلب منه مسيلمة أن يعود عن دينه فيأبى, فيقطع منه قطعة من لحمه وتسقط على الأرض، فيأبى، فيقطع قطعة ثانية، فيأبى، وثالثة، فيأبى، حتى يقطع جسمه كله. ودخل عبد الله بن حذافة السهمي على ملك فارس وقيل ملك الروم؛ فرأى أجسام المؤمنين وهي تغلي في القدور, فقال: تعود عن دينك وأعطيك نصف ملكي. قال: والذي لا إله إلا هو, لو أعطيتني ملكك وملك آبائك وأجدادك على أن أعود عن ديني طرفة عين ما فعلت ذلك. وغيرهم كثير، بل بعض المؤمنين حرق بالنار وبقي على لا إله إلا الله حتى مات. رفع خبيب بن عدي على المشنقة وأخذ ينشد ويقول: ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلوٍ ممزع حتى مات ولم يعد عن دينه. يقول له أبو سفيان وهو على المشنقة: أتريد يا خُبيب أن محمداً مكانك؟ قال: والذي نفسي بيده, ما أريد أني في أهلي وفي مالي وأن محمداً يصاب بشوكة. لله درك! وبارك الله في أشلائك, وجمعنا بك في دار الكرامة.

الجدية في الشخصية

الجدية في الشخصية من الجدية أيضاً: جدية الشخصية. أن تكون علماً في قولك, واثقاً من نفسك, متحرراً من الرق إلا لله -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عند مسلم: {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف} وأن تمثل شخصية عمر بن الخطاب في نفسك وطموحاتك وكلامك وفي مشيك، وألَّا تأخذ الإسلام بتهازل. [[رأت عائشة رضي الله عنها وأرضاها شباباً يمشون -وهم نساك عباد- مشية هينة سهلة لينة تنبي عن الضعف والخور، قالت: ما لهؤلاء؟ قالوا: هؤلاء عُبَّاد نساك زهاد. قالت: والذي نفسي بيده, أن عمر كان أعبد منهم, وأخشى لله منهم, وكان إذا ضرب أوجع, وإذا قال أسمع، وإذا مشى أسرع]] فخذ الكتاب بقوة، قوة الشخصية في الكلام، وفي الحركة، وفي المشي.

جدية الهيئة

جدية الهيئة أيضاً من الجدية: جدية الهيئة أن تلبس جميلاً طيباً مباركاً؛ حتى تظهر أمام الناس بمظهر الدين، قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم: {إن الله جميل يحب الجمال} وقال عليه الصلاة والسلام للصحابة: {تجملوا حتى تكونوا كأنكم شامة في عيون الناس} فأطالب نفسي وإخواني من الشباب أن يتطيبوا, وأن يظهروا باللباس الجميل؛ الذي ينبي عن نظام, وعن دين عظيم؛ حتى يقبل منهم الناس دعواتهم, ولا يصدقوا أهل الخرق من الصوفية المتهالكة الذين شوهوا سمعة الدين ووجهه.

علو الهمة

علو الهمة ومنها: علو الهمة. فلا ترضى من الصلاة إلا بأحسنها وأخشعها, ولا ترضى من العلم إلا أن تأتي على أطرافه وتجيد فيه، ولا ترضى في تخصصاتك إلا وأنت المبرز الأول: من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول وكما قال أبو فراس، وهمته في الدنيا لكن همتنا نحن في الدين، قال: ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر فخذ الصدر دائماً وإنني أطالب إخوتي في كلية الشريعة، أن يكونوا أئمة, وأن يجعلوا في أذهانهم أن يكونوا هم مفتو المستقبل, وأئمة مجتهدين في القريب العاجل, يقودون الأمة بالفتوى, وقال الله, وقال الرسول صلى الله عليه وسلم. وأطالب أخي في كلية الطب أن يكون طبيباً ماهراً متفوقاً على الطبيب الكافر؛ حتى نستغني بأطبائنا البررة المصلين الساجدين عن الأطباء الكفرة الملاحدة الزنادقة شكراً للأطباء الذين حملوا سنة محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك المهندس نراه مصلياً، ولكنه بارع في علمه مقبول عند الله عز وجل ومأجور على ما فعل وكذلك التاجر الأمين عند الله من أوليائه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وقد مدح صلى الله عليه وسلم التجار الأمناء وكذلك الفلاح الذي يُؤدي مهمته بإتقان وعمل، فعند البيهقي بسند حسن، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه}. وهناك صنف من الشباب يعيش بطالة تركوا العمل, وتركوا الوظيفة, والدراسة هربوا من الحياة بحجة أن الدنيا فانية، وأنها تؤثر على القلب, وأنها تهدم الدين، وقد افتروا فيما قالوا -سامحهم الله وردهم إلى الصواب- فإن الدين عمل، ولمن تتركون الحياة والله استخلفكم واستعملكم فيها؟ الدين إنتاج الدين أن تكون عاملاً في الورشة, أو طبيباً في العيادة، أو مهندساً منتجاً متحضراً ومقدماً حضارة للإنسان. دخل عمر -رضي الله عنه وأرضاه- المسجد، فوجد شباباً في الزوايا يصلون ويتعبدون فقال: [[من أنتم؟ قالوا: عباد. قال: من يطعمكم؟ قالوا: الله. وهل شك عمر أن المطعم هو الله؟ قال عمر: أنا أعلم أن الله يطعمكم, لكن السماء لا تنزل ذهباً ولا فضةً من يطعمكم؟ قالوا: جيران لنا. قال: جيرانكم خير منكم, انتظروني قليلاً. فأغلق عليهم الباب وذهب وأتى بدرته التي تخرج الشياطين من الرءوس، وضربهم ضرباً مبرحاً حتى سالت دماؤهم، وقال: اخرجوا اعملوا، إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة]]. فيا إخوتي! لا بد من الجدية وترك الخمول والنوم الطويل والتكاسل؛ بحجة أن الحياة للكفرة وأن لنا الآخرة, فلا يصل العبد إلى الجنة إلا من طريق الدنيا، وعمر كان كاسباً يبيع ويشتري، وكان من أغنى الناس أبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، ولا بد أن نراجع السيرة مراجعةً تامةً قويةً.

الجدية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الجدية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً أطالب إخواني بالجدية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد يصل الشاب إلى درجة أن يموت قلبه, وعلامة ذلك ألا يأمر ولا ينهى؛ لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر, وقد حذَّر شيخ الإسلام من ذلك، وقال: لا بد للعبد أن يأمر وينهى ومن لم يفعل ذلك فلن يصبح في قلبه من الإيمان حبة خردل؛ فليشكُ حاله إلى الله, وليطرح نفسه على عتبات العبودية، وليعلم أنه أخطأ كثيراً.

الجدية في طلب العلم

الجدية في طلب العلم ومن الجدية أيضاً: الجدية في طلب العلم -كما قلت- فيحافظ على الدروس العلمية التي تقام في المساجد، وليأت إليها ولو لم يكن الحضور إلا هو لكفاه أجراً وفخراً وشرفاً أنه حضر واجتمع وطلب العلم. إن الشاب يندفع أولاً اندفاعاً هائلاً ثم يتلاشى ويتلاشى فأنا أعرف دروساً قامت على خمسين أو ستين شاباًً ثم تلاشت إلى ثلاثة أو أربعة, والخطأ من الشباب أنهم ما واصلوا المسيرة، وما علموا أن هذه فرصة سانحة, فتح الله لك درساً فاحضره. كذلك بعضهم لا يجدُّ في بحثه، فإذا كُلِّف ببحث مسألة توانى عنها وتكاسل حتى تذهب عليه الأيام، ثم يأتي ببحث ميت أو بحث لا جدوى فيه ولا تحقيق، وكذلك التواني عن حضور المحاضرات العامة، وأنا أعتبر أن من يحضر هنا يشد من أزر المؤمنين, وأنه ينصر عباد الله الموحدين، وأنه يرغم الشيطان. قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: الدين مبني على المراغمة؛ ولا يرى الشيطان أحقر منه في مثل هذه الليالي؛ أن يرى العباد بالمئات بل بالألوف يجتمعون على محاضرة، يريدون (قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام) فالشيطان وأولياؤه من المرتدين والمنافقين يندحرون ويذوقونها غصصاً إذا رأوا هذا التجمع الإيماني المبارك العاطر. يا رب أحي ضميره وليذوقها غصصاً وتتلف نفسه الآلام هذه بعض الصور التي تفوتنا كثيراً في عالم الجدية، ومنها أيضاً: عدم أخذ الجدية في أخذ سنن محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تفاجأ بمن يحمل العلم الشرعي وهو لا يطبق سنة محمد عليه الصلاة والسلام في لحيته أو في تقصير ثوبه، أو تراه يلبس الذهب، أو الحرير، أو يستمع الغناء، أو يفوت صلاة الجماعة, فتظن أنه لا يصدق ما يحمل, أو تتهمه في دينه, وهذا أمر واضح، فإن الله جعل على الإيمان دلائل وعلامات، قال سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]. فالحذر الحذر من عدم الجدية في تطبيق السنن, والذين يهونون من شأن السنن؛ كاللحية والثوب والسواك, وخصال الفطرة؛ لا يعقلون ولا يفقهون في دين الله إن محمداً عليه الصلاة والسلام أتى بلا إله إلا الله وأتى بإعفاء اللحية، وأتى بلا إله إلا الله وبقص الشارب، وأتى بلا إله إلا الله وبتقصير الثوب، وأتى بلا إله إلا الله وبتحريم الغناء.

(وإذا قلتم فاعدلوا)

(وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) المسألة الثالثة: عدم العدل في القول عند كثير من الشباب. وأقصد من الملتزمين, فكلامي مع الغير سوف يكون في حلقات مقبلة إن شاء الله. مما يعاب على الشباب التعامل بالعاطفة المحضة, والتي قد تجنح بصاحبها فتخرجه عن جادة الصواب، ومن ذلك: أن تمنعه من العدل في القول، فإذا أحب شخصاً نسي معايبه، وإذا أحب فئة نسي معايبها، وأثنى عليها بالمديح، وأعطاها أكثر من حقها, وإذا أبغض شخصاً نسي محاسنه، وإذا أبغض فئةً نسي محاسنها وأعمالها الصالحة, وظلمها وجحدها وأخذ ينكث عليها بالنكث في كل مجلس.

الأمر بالعدل في القرآن الكريم

الأمر بالعدل في القرآن الكريم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام:152] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58] وقال سبحانه: {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء:135] ويقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام: {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى:15] فهو عادل عليه الصلاة والسلام، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل:90].

العدل في الحب والاتباع

العدل في الحب والاتباع فالحذر الحذر يا شباب الإسلام من أن تغلب علينا أهواؤنا، فإذا أحببنا الشيء مِلْنَا بالكلية إليه, وقد جاء في الأدب المفرد للبخاري، والألباني يجعله من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام, وأظن كما قال كثير من العلماء أنه من كلام علي رضي الله عنه: [[أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما]]. إن حب الناس بالعاطفة لا يجدي, والانسياق وراء العاطفة ليس بصحيح، وبعض الشباب إذا أحب شخصاً -ولو كان عالماً أو داعية أو فاضلاً- كساه من المحاسن كأنه معصوم أو كأنه نبي مرسل، فيقول: لا يخطئ، ولا يمكن أن تأتي منه نادرة, ومثله يقول الحق ولا يقول الخطأ, فيتقمص شخصية ذاك ولا يراجعه ولا ينقده, أو لا يعرض كلامه على الكتاب والسنة، قال مالك رحمه الله: [[ما من امرئ إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب ذاك القبر عليه الصلاة والسلام]]. فالرسول عليه الصلاة والسلام هو وحده المعصوم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما من أحد إلا يحتاج لأن يحتج لقوله، إلا الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه يحتج بقوله. وقد سبق معنا في دروس أنه لا بد للعبد من معصوم -وهو الرسول عليه الصلاة والسلام- يأخذ بأقواله, ولا بد أن يعرض أقوال غيره على أقواله صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال الله ورسوله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر]] هذا وهو أبو بكر وعمر، فما بالك بغيرهما رضي الله عنهما؟! من الشباب أيضاً: من إذا رأى خصلة واحدة مذمومة في شاب؛ سابّه وهجره وقطعه، وأخذ منه موقفاً حاداً، ولا ينظر لبقية المحاسن فيه، والولاء والبراء، والحب والبغض عندنا نسبي, وقد يجتمع في الشخص الواحد حب وبغض تحبه لطاعة؛ لأنه يحافظ على الصلوات الخمس، وتبغضه لأنه يشرب الدخان تحبه لأنه يبر والديه، وتبغضه لأنه يستمع الغناء، فعلى العبد أن يكون عادلاً وأن يكون ميزاناً، ولا يميل بالكلية إلى جهة من الجهات. كذلك بعض الفئات وبعض الجماعات فيها خير وفيها نقص؛ فعليك أن تحبها للخير الذي فيها، وتنصحها وتنبهها على النقص الذي يكمن فيها؛ لأن أفرادها ليسوا معصومين وليسوا بأنبياء، لكن التنبيه والنصيحة لابد منها؛ حتى لا يقع الناس في هذه الأخطاء المتكررة.

النبي صلى الله عليه وسلم وميزان العدل

النبي صلى الله عليه وسلم وميزان العدل انظر إليه عليه الصلاة والسلام، {يؤتى بشارب الخمر قد شربها عدة مرات، فيقول بعض الصحابة: أخزاه الله، ما أكثر ما يؤتى به من شرب الخمر، قال عليه الصلاة والسلام: لا تقولوا ذلك، والله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله} فانظر كيف علم أنه يحب الله ورسوله، وأثنى عليه بتلك الخصلة, مع العلم أنه شرب الخمر مرات كثيرة. ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه أتي بـ حاطب بن أبي بلتعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد أخبر الكفار بمسير الرسول عليه الصلاة والسلام إليهم, فأتي به، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه: {يا رسول الله, دعني أضرب عنقه فقد نافق. فقال: يا عمر , أما تعلم أنه من أهل بدر , وأن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم}. فعلينا أن نكون موازين في أحكامنا وأقوالنا, ولا نتبع العواطف، وإني أعلم كثيراً من أمثالي من الشباب تسوقهم العاطفة والميل الكلي؛ حتى يضخموا المحاسن فيجعلونها كالجبال وهي صغيرة، ويجعلون المساويء لا شيء، وبالعكس؛ يجعلون المساوئ كالجبال -وهي لا شيء- وينسون المحاسن، فعلى العبد أن يكون متأملاً لما يقول, وينظر بعينية؛ فإن المحب إذا أحب نسي العيوب، والمبغض إذا أبغض نسي الحسنات: فعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا

ضياع الأوقات عند الشباب

ضياع الأوقات عند الشباب من قضايا الشباب: صرف الوقت فيما لا ينفع ولا يفيد. وهذه مأساة لا زلنا نعيشها، حتى في صفوف الدعاة، فالوقت رخيص عند المسلمين، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3] وكم تكرر على الأسماع قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. وبادر شبابك أن يهرما وصحة جسمك أن يسقما وأيام عيشك قبل الممات فما دهر من عاش أن يسلما ووقت فراغك بادر به ليالي شغلك في بعض ما وقدم فكل امرئ قادم على بعض ما كان قد قدما وسوف يعلم الشباب إذا لقوا الله عز وجل غداً, أي أوقات أذهبوها, وأي أوقات أضاعوها, ويا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله, وهي الأيام والدقائق والساعات الغالية، وإنني أعلم أنّ من الشباب من يقف مع زميله خارج المسجد يتكلم معه ساعة كاملة, فإذا طلبته أن تدرس معه مسألة, اعتذر بقوة.

قضايا في الدعوة إلى الله

قضايا في الدعوة إلى الله

احذروا العجلة

احذروا العجلة قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114]. وكان النبي عليه الصلاة والسلام ينبه أصحابه إلى عدم العجلة، فإن دين الله عز وجل لا يقبل العجلة، والله عز وجل جعل العبد حكيماً: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14] استعجل بعض الصحابة النتائج، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده, ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون} وحدث ما قاله عليه الصلاة والسلام، فأتم الله الدين، ونصره نصراً مؤزراً لكن بعد ثلاثٍ وعشرين سنة, ولا بد -كما قال ابن الجوزي في صيد الخاطر - لا بد من عقبات، ولا بد من عراقيل وعوائق، ولا بد من أن تسقط تارة وتقوم تارة، وأن تكسب تارة, وتخسر تارة, ولا بد أن يواجهك بعض الناس بسب وشتم، وبعضهم لا يستجيب لك، وبعضهم يكسحك أمام الناس، وبعضهم يستهزئ بك، ولكن تلقى من الصنف الآخر من يحييك ويرحب بك ويهش ويبش, فالحذر كل الحذر من استعجال النتائج. ووصيتي للشاب خاصة من يدعو أهله: أن يمكث معهم طويلاً, وألا يستعجل بهم النتيجة, وأن يأخذ مسائل العقيدة مسألة مسألة, ويبدأ بكبار المسائل بيت لا يصلي أهله، ما هي حيلة الشاب المهتدي في البيت؟ أتذهب إليهم وتقول لهم: اتركوا سماع الغناء وتقف معهم ليل نهار في سماع الغناء؟ إن ترك الصلاة أعظم, إن ترك الصلاة كفر, وأنا أطالبك بقضية الصلاة فقط, لا تتحدث عن الغناء, ولا تتحدث عن إسبال الثوب، ولا تتحدث عن مسألة شرب الدخان، ولا تتحدث عن الغيبة، ابق معه ليل نهار في مسألة الصلاة, فتأتي لهم بفتاوى أهل العلم, والأشرطة وماذا قال الدعاة في الصلاة, كل هذا بالتي هي أحسن؛ فإذا صلوا فابدأ بالمسألة التالية، فلا بد من التدرج حتى تصل معهم إلى قضايا محددة, ولا تبدأ بصغار المسائل. إن الرسول عليه الصلاة والسلام أتى إلى العرب ومنهم من يسمع الغناء, ومنهم من يزني, ومنهم من يأكل الربا, ومنهم من يشرب الخمر, فأتى بلا إله إلا الله محمد رسول الله، فلما استجابوا أمرهم بالصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، ثم ذكر المحرمات حتى وقف في عرفة في آخر أيامه فأنزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فلا نريد العجلة، وإن العجول يخطئ دائماً. قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل

الغلظة والعنف في الدعوة

الغلظة والعنف في الدعوة أيضاً من قضايا الشباب: الغلظة والعنف في الدعوة. وهذا ليس عند الشباب جميعاً, ولكنه عند بعضهم، فتجده إذا تكلم أغلظ في الكلام, وجرح المشاعر, وقد يأخذ كلاماً نابياً تنبو عنه السهام، وعلى العبد أن يكون رقيقاً في تعامله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. يقول أحد السلف: كن باش الوجه لين الكلمة؛ تكن عند الناس أحب ممن يعطيهم الذهب والفضة. وفي الحديث: {إنكم لا تسعو الناس بأموالكم ولكن تسعوهم بأخلاقكم} وقد قسَّم الله الأخلاق بين الناس كما قسم الأرزاق. فأنت تريد مني أن أستجيب لك وقد جرحت مشاعري, وقد نصحتني وفضحتني أمام الناس, وأمام الجماهير، كيف أستجيب لك؟! قال الشافعي: تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت قولي فلا تجزع إذا لم تعط طاعة لا نريد غلظة في الخطاب: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] إن الكلمات النابية ليست في سنته عليه الصلاة والسلام. أسألكم بالله -يا شباب الإسلام- هل سمعتم في الكتب الستة والمسند والمعاجم، وكتب سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ودواوين الإسلام كلمات نابية قالها الرسول صلى الله عليه وسلم للمدعوين؟ هل أغلظ في القول؟ لا والله, إنما كان يأتي بالخطاب المحبب العجيب اللين السهل؛ حتى يصل إلى القلوب بالبسمة وباللين. فالحذر الحذر فإن بعض الناس يأمر بمعروف وينهى عن منكر، فيفوت من المعروف ما هو أعظم بسبب أمره, ويأتي من المنكر بأعظم بسبب نهيه، قال ابن تيمية رحمه الله: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف, ونهيك عن المنكر بلا منكر.

التذبذب

التذبذب من قضايا الشباب أيضاً: التذبذب. وهذا مرض، مرة يكون طائعاً ومرة يكون عاصياً، مرة محافظاً على الصلوات الخمس, ومرة تاركاً لها، مرة مع أولياء الله، ومع أحباب الله, مقبلاً على الله, ومرة مع الأشقياء البعداء في الملاهي والمنتديات وأماكن اللغو هذا تذبذب وسببه أن هؤلاء تربوا على العواطف، ولم يربوا على علم راسخ, أو على إيمانيات, أو على ترسيخ شأن العقيدة في قلوبهم أو على القضايا الكبرى من قضايا الإسلام, فالوصية لهؤلاء أن يثبتوا, وأن يديموا طاعة الله عز وجل, وأن يعلموا أن الأمر جد, وأنه لا يتحمل هذا التذبذب والتلاعب على الحبال.

جلساء السوء هم السبب في التذبذب

جلساء السوء هم السبب في التذبذب إن سبب التذبذب هم جلساء السوء؛ فتجد الشاب لا يترك جلساءه الأولين, يأتي مع الطائعين فإذا خرج من عندهم ذهب إلى أولئك، والله عز وجل يقول: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] فاحذر من جليس السوء. عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

التذبذب في الأمور الخاصة

التذبذب في الأمور الخاصة ومنها أيضاً: تذبذب الشاب في أموره الخاصة, كتذبذبه في الدراسة، وقد عرض لي شيء من هذا, وقد أضر هذا بكثير من الطلاب، تقول العرب: من ثبت نبت. إذا دخلت قسماً واستخرت الله -عز وجل- ورضيت به فاثبت فيه حتى تواصل وتنتهي, لكن بعضهم يدخل سنة في الطب, وسنة في الشريعة, وسنة في أصول الدين, وسنة في علم النفس, وسنة في الإدارة, ثم يخرج في الأخير بسنة واحدة, مكسبه في خمس سنوات سنة واحدة, بسبب تذبذبه. ومشتت العزمات ينفق عمره خفقان لا ظفر ولا إخفاق لا يدري، حيران، لا ظفر ولا إخفاق.

التذبذب في طلب العلم

التذبذب في طلب العلم ومثل هذا: التذبذب في طلب العلم، فليس عنده منهجية -وسوف يأتي الكلام عن ذلك- مرة يقرأ في كتاب أدب, ومرة في التاريخ, ومرة يقرأ في السير، ومرة في الحديث, ومرة في التفسير, فيصبح عنده ثقافة عامة، ولو عرف لرتب نفسه وبدأ بخطى رتيبة في طلب العلم يأخذ المتون -أولاً- المقربة المسهلة المبسطة، فيحفظها أو يقرأها قراءة متأنية حتى يستظهرها, ثم يقرأ شروحها, ثم يراجع المسائل، وأنا أنصح الشباب أن يأتوا إلى الدروس العلمية عند المشايخ، حتى يبدءوا حياتهم لبنة لبنة.

التذبذب في الأمور العامة

التذبذب في الأمور العامة التذبذب -أيضاً- في الأمور العامة للشخص، مثلاً: الزيارت، فتجده -أحياناً- يزور باستمرار، فيكثف من الزيارات في شهر حتى يثقل على الناس، ثم يقطع الزيارة في مرحلة من المراحل حتى لا يراه الناس, وهذا ليس بصحيح، بل هو خطأ؛ فإنّ على المسلم أن يكون صاحب جدول, وصاحب خطة مرسومة, كما يفعل أهل الدنيا، فإن لهم في مشاريعهم خططاً ثلاثية ورباعية وخماسية وسداسية يبنون عليها حياتهم.

التذرع بالذنوب لترك الدعوة إلى الله

التذرع بالذنوب لترك الدعوة إلى الله من قضايا الشباب: التذرع بالذنوب وترك الدعوة بسبب أنهم يحملون ذنوباً, وأن الواحد منهم عاصٍ فتطالبه أن يدعو إلى الله عز وجل، وأن يشارك في الخطابة, أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, أو في التعليم, أو في إسداء الكلمة البارة, وفي نصيحة إخوانه، فيقول: أنا رجل مذنب ومثلي لا يدعو الناس، وهذا خطأ نبه عليه أهل العلم, وقد قال الله عز وجل في محكم كتابه: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} [النور:21]. من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط وأنا أسأل هؤلاء الشباب: هل ينتظرون إلى درجة أن يصبح الإنسان منهم معصوماً لا يخطئ؟ لا يكون هذا أبداً، والمعصوم هو محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قال {كل ابن آدم خطاء, وخير الخطائين التوابون} وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {والذي نفسي بيده, لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم}. يقول رجل للإمام أحمد: يا أبا عبد الله , هل يبقى الرجل حتى يكمل ثم يدعو الناس؟ قال الإمام أحمد: ومن يكمل؟ من يبقى حتى يكمل، فادعُ الناس؛ لأن عندك حد أدنى من الطاعة، فأنت تؤدي الفرائض وتجتنب الكبائر, لكنك تقع أحياناً في خدوش وفي زلات وسيئات وخطايا, فاستغفر وتب، لكن لا تسكت عن الدعوة، لا تسكت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أنك مذنب. قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس: وقد لبس إبليس على بعض المتعبدين فيرى منكراً فلا يغيره, ويقول: إنما يأمر وينهى من قد صلح، وأنا لست بصالح فكيف آمر غيري. وهذا غلط؛ لأنه يجب عليه أن يأمر وينهى ولو كانت تلك المعصية عنده، وقد سبق معنا قول شيخ الإسلام وأكرره، يقول: وكل بشر على وجه الأرض فلا بد له من أمر ونهي ولا بد أن يؤمر هو وينهى. وقد ذكر شيخ الإسلام في المجلد العاشر من الفتاوى في وصيته لـ أبي القاسم المغربي: أن العبد لا بد له أن يذنب, وأن الذنب حتم على العبد, لكن عليه أن يستغفر. فوصيتي للشباب ألا يعتذر أحدهم بالذنب، وأنا أعرف شباباً تركوا خطبة الجمعة بسبب أنهم يقولون: نحن أهل معاصي، تطلب من الواحد منهم أن يلقي كلمة وأن يعظ الناس، فيقول: أنا عاصي. ولو كان يشترط في الواعظ والداعية والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر العصمة ما كان دعا ولا وعظ أحد بعد محمد صلى الله عليه وسلم. فيا إخوتي! نسدد ونقارب، ونأمر وننهى, فلعل الله أن يكفر بسبب دعوتك خطاياك ومعاصيك التي وقعت فيها.

الانعزال عن المجتمع

الانعزال عن المجتمع من قضايا الشباب التي يعيشها: الانعزال عن المجتمع. وهذا ليس بكثير في قطاع الشباب، لكنه في فئة وفي شريحة من الشباب, أن الواحد منهم إذا استقام فرَّ من المجتمع وهرب إلى بيته واختفى بحجة أن البلد أصبح بلد معاصٍ, وأن الناس مذنبون، وأن الخطايا كثرت, ويقول: فر بدينك فرارك من الأسد. ويقول أحدهم ويستدل بالحديث: {عليك بخاصة نفسك} وأحدهم يستدل أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: {يوشك أن يكون خير مال المرء المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن} فتجده من بيته إلى المسجد، يترك المجتمع والمسجد والدراسة والكلية والفصل والسوق، وهذا مخطئ.

المخالطة مع الصبر أفضل

المخالطة مع الصبر أفضل قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم} رواه أبو داود وغيره بسند صحيح، وهذا أمر واقع, فإن من يخالط الناس يرى منهم النكال والاستهزاء والتشهير، ويرى منهم الغصص, لكنه يصبر ويحتسب، وهذا شأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن الأنبياء لم يبعثوا في الكهوف, والذي يريد أن يعتزل بدينه قد يسيء للإسلام إلا في بعض المراحل والأحوال والأشخاص, لكن أن تكون هذه ظاهرة ويكون هذا منهجاً مدروساً فلا نوافق عليه, وليس بصحيح. فيا إخوتي في الله! على العبد أن يتقي ربه، وألا يعتزل إخوانه المؤمنين, وأبشركم أن الحال بخير والحمد لله، وأن الناس مقبلون على الطاعة, وأنهم يقدرون كلماتك, ويرحبون بك إذا أمرت ونهيت, ولم يأتِ زمن لا يقال في الأرض: لا إله إلا الله أو الله الله. بل ما زال هناك مصلون وصائمون وصادقون وعباد وأبرار, فخالطهم، وأمر وانه.

العزلة مطلوبة أحيانا

العزلة مطلوبة أحياناً قال ابن تيمية -رحمه الله-: لا بد للعبد من أوقات يعتزل فيها بنفسه، لذكره ودعائه ومحاسبة نفسه. ولكن يجب عليه المخالطة في مثل صلاة الجماعة والجمعة, والأعياد، ثم يستحب أن يخالطهم في الدروس العلمية والمحاضرات العامة. مثلاً: الشاب الذي حضر مثل هذا الدرس أو غيره من الدروس، وشاب غيره يقرأ في بيته القرآن، فرأيي أن من حضر هنا أفضل ممن بقي هناك؛ لأنه حضر ليكسب أربعة أمور ذكرتها، وكثّر سواد المؤمنين، وأرغم الشيطان, وأظهر التضامن مع إخوانه, وقوّى من جانب الدعوة؛ لأن حضوركم تقوية للعلماء والدعاة وطلبة العلم، وانتصار للا إله إلا الله، وإرغام للشيطان وأوليائه.

الفتاة الداعية

الفتاة الداعية أيضاً من القضايا -وهذه للشابات وسوف يأتي حديث للشابات مستفيض إن شاء الله-. فالشابات ابتعدن عن الدعوة والقيام بها؛ بحجة أن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للرجال, والله -عز وجل- يقول في محكم كتابه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] فالمرأة لا بد أن تكون آمرة ناهية داعية إلى منهج الله عز وجل, عليها من التكليف بين بنات جنسها ما على الرجل، فمن يدعو النساء إلا المرأة, ومن يعلم ويربي وينصح النساء إلا المرأة؟! وهذه أمانة محمد عليه الصلاة والسلام على عواتق النساء.

من داعيات الإسلام

من داعيات الإسلام وقد أخرج الإسلام داعيات وآمرات وناهيات، كـ عائشة رضي الله عنها، وحفصة بنت عمر رضي الله عنها، وكذلك حفصة بنت سيرين وعمرة وفاطمة بنت سعيد بن المسيب وغيرهن كثير، بل على مر التاريخ وجد آلاف النساء من العالمات المحدثات والمفسرات والفقيهات, يعلمن ويدرسن. إني أرى من النقص الكبير في مجتمعنا ألا توجد دروس للنساء، وهذه رسالة أبعثها إلى مركز الدعوة في هذه المنطقة؛ أن يوجدوا دروساً خاصة للنساء، يدرسن النساء ويعلمنهن، وكم أحمد الله عز وجل أن رأيت في كثير من المدن دروساً خاصة للنساء في التفسير والفقه والحديث؛ لأن المرأة تقبل من المرأة، وتستطيع أن تدخل معها في مسائلها الخاصة، وتحدثها وتبادلها الكلام فهذا أمر مطلوب.

مجالات الدعوة عند المرأة

مجالات الدعوة عند المرأة وتتمثل دعوة المرأة في بيت أهلها وزوجها، وبيوت جيرانها، وشكرًا لتلك المرأة التي هدت زوجها إلى صراط الله المستقيم, وقد ذكرت في كثير من القصص، وهناك عشرات النساء سبب البركة في البيت والهداية فيه أنها دخلت بيت زوجها، فقلبت البيت رأساً على عقب إلى صراط الله المستقيم، ولما دخلت البيت دخلت معها السكينة والرحمة والنور والبركة, وأصبحت تأمر وتنهى وتعلم السنن؛ بسبب استقامتها على منهج الله عز وجل. المرأة داعية في مجالسها عند جاراتها, وفي فصل دراستها وتدريسها, وفي لقائها مع أخواتها, تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فلا ترتع مع النساء في الغيبة -وفواكه النساء الغيبة والنميمة إلا من عصم الله- ولا تذكر معهن الفحش, بل تتدارس معهن كتاب الله عز وجل، وكتب أهل العلم وفتاوى العلماء, وتستغفر معهن وتسبح، وتدعوهن إلى ما ينفعهن في الدنيا والآخرة. إنها مهمة عظيمة, وإن مما يؤسفنا أن يكون المكان ضيقاً على النساء في هذا المسجد أو في غيره, ولكن ماذا نفعل؟ ونحن نعتذر كثيراً في كل لقاء, لكن عسى الله عز وجل أن يأجر من أتى, ولعل في الشريط وفي سماعه عوضاً لمن لم تحضر في هذا اللقاء المبارك، ومن نوى وجه الله عز وجل وقصد الخير كتب له الأجر, ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته، ورب من مات على فراشه وهو شهيد، وقال صلى الله عليه وسلم: {من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء, وإن مات على فراشه} رواه مسلم، وهي النية الصادقة التي يفعلها كثير من المؤمنين ثم لا يدركون الأعمال؛ فيكتب الله لهم بنياتهم. وكما في الخبر: {نية المؤمن خير من عمله}.

قلة الاطلاع عند الشباب

قلة الاطلاع عند الشباب من قضايا الشباب: ضحالة المعرفة وقلة الاطلاع. لم يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزود من شيء إلا من العلم النافع، قال له الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] والعلم إنما يزيد -يا أيها الشباب- بكثرة الاطلاع, وبمنافسة أهل العلم, والمناقشة, والاستفادة, والمساءلة, يعجب طالب العلم إذا سأل إخوانه في جلسة من الجلسات: هل عندكم أسئلة في أي مجال؟ فيقولون: لا. وذلك ينبي أنهم لا يقرءون. قيل لـ ابن عباس رضي الله عنهما: [[بم نلت هذا العلم؟ قال: بقلب عقول ولسان سئول]]. وسل الفقيه تكن فقيهاً مثله من يمضِ في علم بحق يمهر فعليك أن تسأل كثيراً, وأن تكون ملحاحاً في الأسئلة.

السؤال ممقوت إلا في حالتين

السؤال ممقوت إلا في حالتين والسؤال كله ممقوت إلا في بابين: الأول: سؤال الواحد الأحد، فإنه يرضى كلما سألته، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186]. الثاني: سؤال أهل العلم, فإنهم يفرحون, وتزيد أنت من معلوماتك ومن ثقتك وفقهك. أيها الإخوة! إن كثيراً من كتب أهل العلم التي ألفوها -وهي كنوز في مكتباتنا- لا يعرفها الكثير, ولم يقرءوا فيها, ولم يفتحوها, وهذا خطأ كبير إن أوقات الفراغ عندنا جعلتنا ننفصل عن تراثنا الخالد وتقل معلوماتنا ومعرفتنا, لماذا لا يكون عندنا كتب جيب؟ كل واحد لا يخرج من بيته إلا وهو يحمل كتاب الجيب مع المصحف. إن بعض الناس ختم كتباً بسبب هذه الأوقات الضائعة؛ الانتظار في مكان الرحلة في الطائرة, الانتظار في المطار, ركوب السيارة ونحو ذلك؛ هذه تختم فيها كتباً، أما تضييع الأوقات في غير طائل، أو الانتظار حتى تتهيأ أمورك ويجتمع شملك، فإن الدنيا لا تجمع شمل أحد. فوصيتي لإخواني: أن يكثروا من القراءة والمطالعة الجادة, وأن يكون لأحدنا مكتبة هائلة فيها من كتب أهل العلم, ولا يشترط أن تكون كثيرة الكتب؛ فإن القليل المبارك نفعه عظيم، تكون هناك قائمة مباركة, والعبرة ليست بالكتب, بل العبرة بالقراءة، العبرة أن تكرر وتقرأ وتبحث وتسأل.

اطلع على واقعك

اطلع على واقعك أيضاً: يا أيها الإخوة! ينقص كثيراً من الشباب الاطلاع على واقع المسلمين, وما يعيشه المسلم في واقعهم, فتجده ينعزل حتى ولو كان مع علم السلف، العلم المبارك، لكن لا يعفيه هذا أن يطلع على الأطروحات التي في الساحة, وعلى الكتب المؤلفة في هذه المرحلة، والمجلات الإسلامية, والصحف وما يكتب فيها؛ حتى يكون على بصيرة بواقعه وببيئته يعرف كيف يتكلم, وكيف يدعو، ويعرف ماذا يخطط لدينه، أما أن يقف في عزلة عن عالمه وعن واقعه فليس بصحيح, وقد قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55] فعلى الأقل لا بد أن تقرأ ولو صحيفة في اليوم، ومجلة إسلامية في الأسبوع, وأن تعرف أن هناك خططاً, ووسائل, وأسراراً, وهناك ما يحاك ضد هذا الإسلام, فتكون على بصيرة حتى تعلم أين تضع قدمك. هذا مما يطلب من شباب الإسلام, ومن أهل الحق الذين يحملونه, ويطلب منهم أن يبلغوه للناس. إخوتي في الله! بقيت قضايا كثيرة كثيرة لا تنتهي, ولكني أسأل الله عز وجل أن يعين على إتمامها، وكما وعدتكم سوف يستقبل هذا المنبر دعاة وعلماء يتحدثون لكم في هذه المسائل مسألة مسألة، ويوم تحضرون ويحضر أصحاب الفضيلة العلماء؛ يكون هناك مجلس مبارك، واجتماع على الحق، والله عز وجل قد نهى عن التفرق: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. وهذه المحاضرة مبنية على محاضرة سابقة بعنوان: "فن الدعوة"، وهاتان المحاضرتان متلازمتان تماماً، تفهم هذه بتلك, وتلك كالمقدمة والديباجة لهذه المحاضرة. وشكراً لمن حضر، وكم فرحت، وقد كدت أن أبكي قبل صلاة المغرب, وأنا أرى الشباب في زحمة الليل وزحمة السيارات, وفي وهج البرودة, وفي قطرات الرذاذ, وهي تتقاطر من السماء, وهم يزدحمون يأتون إلى المسجد، تركوا دراستهم وأشغالهم وأهلهم وارتباطهم وضيوفهم ليحضروا في هذا المكان. فيا رب يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد, حضرنا لوجهك ولمرضاتك، أسألك ألا تعيدنا من هذا المكان إلا مقبولين, مغفورة ذنوبنا, مستورة عيوبنا, قد رضيت عنا ورضينا عنك، وقد أسعدتنا بتوبة تجلو عنا الذنوب والهموم والغموم، أسألك أن تحفظنا بالإسلام وأن تحفظ الإسلام بنا، وأسألك أن تجمعنا بحبيبنا في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأسألك أن تنصر هذا الدين، وأن تعلي كلمة المسلمين، وأسألك أن تحفظ العلماء والدعاة، وأن ترفع كلمتهم وأن تؤيدهم بالحق، وتؤيد الحق بهم، وأسألك أن ترد شباب الإسلام إليك رداً جميلاً يا عظيم، وأن تأتي بإخواننا وفلذات أكبادنا من الشباب الذين جلسوا على الأرصفة وفي المقاهي وفي أماكن اللغو أن تأتي بهم لنراهم، فإننا -والله- نحبهم حب الإسلام، ولا نريد يا رب أن تعذبهم بالنار, ونريد يا رب أن تخرجهم من الظلمات إلى النور، هذه مسألتنا ولهذا اجتمعنا. وأما كلامي فأسأل الله أن ينفع به، فإن أصبت فمن الواحد الأحد، فهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى منزل الصواب على عباده، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله بريئان، أسأل الله عز وجل أن يجمعني بكم مرات كثيرة في مناسبات كثيرة، وأنا أعتبر أن من يدعو لهذا الدرس ولغيره، ويدعو إخوانه وجيرانه والمسلمين؛ أنه داعية إلى منهج الله, وأنه أمين على دعوة الله, وأنه رجل صالح يدعو إلى خير. شكراً لكم، ومرضاةً وقبولاً زائداً من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

حتى لا نتخلف عن الركب

حتى لا نتخلف عن الركب التخلف عن ركب محمد صلى الله عليه وسلم خسارة كبيرة جداً، فعلى كل من تخلف عن ركبه صلى الله عليه وسلم أن يتوب ويستغفر وينيب إلى الله عز وجل، وينضم إلى ذلك الركب الجليل، ولا يتخلف عنهم فيصبح من المنافقين، أو يلتفت إلى المغريات فيتأخر عن اللحاق بهم.

غزوة تبوك

غزوة تبوك اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن. من أطاعك أحببته، ومن تذلل إليك قرِّبته، ومن حاربك أدَّبته، ومن ناوأك خذلته. لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. أشهد أنك الملك الحق وأن ما سواك باطل، وأشهد أنك الباقي وأن ما سواك فان، وأشهد أنك قوي وما سواك ضعيف، وأشهد أنك الغني وما سواك فقير، وأشهد أنك الدائم وما سواك زائل. أشهد أن محمداً خاتم، وصادق، وناصح، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أشكر لأهل الفضل فضلهم، وعلى رأسهم القائمون على هذه القاعدة، أسأل الله أن يثبتهم على الحق، وأن يرزقهم القبول، وأن يسددهم إلى طريق الطاعة. عنوان المحاضرة: حتى لا نتخلف عن الركب. ركب من؟! ركب محمد عليه الصلاة والسلام. ومسيرة من؟! مسيرة محمد صلى الله عليه وسلم. طريق من؟! طريق محمد صلى الله عليه وسلم. لكن قبل ذلك من واجبي التحية إلى أحباب أحببتهم في الله، وهم أحبوني فيه، فأشهد الله في هذه الليلة -وهو يسمع ويرى- أني أحبكم فيه، وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجمعني بكم في دار الكرامة: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55] يوم يجمع الأشقياء الخونة العملاء في دار الضلال والشقاء، جهنم وبئس المصير: سلامٌ على الأحباب ما بارقٌ سرى أرصعه مسكاً وأرويه عنبرا لمن سكن الدمام من كل ماجدٍ بنفسي تلك الدار ما أحسن القرى أتيتك من أرض الجنوب مسلماً على ملة التوحيد لا نهج قيصرا إذا نحن سرنا فالرسول إمامنا دم الجيل من أجل المبادئ قد جرى رضينا بك اللهم رباً وخالقاًَ وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا أيها الأخيار: يا حملة المبادئ! يا من باعوا أنفسهم من الله! حتى لا نتخلف عن الركب أرويها قصة وأربطها بواقعنا، ونعيشها كلمة نسأل عنها عند الله يوم القيامة.

تجهيز جيش تبوك

تجهيز جيش تبوك تخلف بعض الناس عن ركبه عليه الصلاة والسلام في غزوة تبوك، فلامهم عليه الصلاة والسلام، وعاتبهم كثيراً، وما كان لهم أن يتخلفوا أبداً، بل قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة:120] وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ولا مسلمٍ ولا مسلمة أبداً أن يتخلف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا في الصلاة ولا في الزكاة، ولا في الصيام، ولا في السنة ولا في اتباع الظاهر والباطن؛ فإن فعل ذلك فقد خان الرسالة. وقف عليه الصلاة والسلام بعاصمته المقدسة المدينة المنورة يعلن الحرب على الروم، ويخبر أنه سوف يرتحل إلى تبوك فمن شاء فليذهب معه، ليقطع هذه الجزيرة التي تصهرها الشمس في سبيل الله، والتعب في سبيله راحة، والظمأ في سبيله رواء، والجوع في سبيله شبع: جزى الله الطريق إليك خيراً وإن كنا تعبنا في الطريق فكم بالجهد بتنا قد نراعي نجوم الليل من أجل الصديق وقف على المنبر فقال: من يجهز جيش تبوك وله الجنة؟ وهو الذي يضمن وغيره لا يضمن، وهو الصادق وغيره قد لا يصدق في هذه المواقف، وهو المتكلم عن الله بشرعه، على المنبر؟ فقال عثمان: أنا يا رسول الله! -الجيش بجماله وبأحلاسه وبدراهمه وبدنانيره- فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام، الدموع الصادقة الحارة التي لا تعرف الكذب وقال: ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راضٍ، ثم نزل من المنبر عليه الصلاة والسلام، ومشى الجيش.

تخاذل المنافقين

تخاذل المنافقين وأتى المنافقون الخونة -ثمانون منافقاً أو أكثر- الذين تعطلهم شهواتهم وأراضيهم وبطونهم وقدورهم عن الجهاد في سبيل الله، والتضحية لمنهج الله، وعن الحضور لصلاة الفجر، والتخلف عن صلاة الجماعة، والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى عنهم: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} [الفتح:11]. جاءوا يستأذنون، يقول أحدهم: يا رسول الله! زوجتي مريضة. قال: معذور! وهذه أعذار تافهة، لكن عذرهم صلى الله عليه وسلم على الظاهر. وقال الثاني: طفلي مريض! قال: معذور. وقال الثالث: رأسي يؤلمني! قال: معذور. وقال الرابع: أنا لا أستطيع الحرب، قال: معذور. قال الخامس: أنا رجل إذا رأيت بنات الروم أفتتن، قال: معذور. قال الله عز وجل من فوق سبع سموات: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة:43] أما تعلم أنهم خونة؟ أما تعلم أنهم ما صدقوا في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]؟ أما تعلم أنهم ما صدقوا في لا إله إلا الله؟ الآن يزعم أن عدد العالم الإسلامي مليار، لكن أين المليار أمام إسرائيل؟! عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبت وجدهم أصفارا من كل مفتونٍ على قيثارةٍ كلٌ رأيت بفنه بيطارا أو كاذبٍ خدع الشعوب بدجله عاش السنين بعمره ثرثارا أو عالم لو مالقوه بدرهمٍ رد النصوص وكذَّب الأخبارا أذن لهم صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة: منهم كعب بن مالك؛ يروي معاناته، وأنا أرويها لكم هذه الليلة، وهي رواية أبكت أهل العلم، وأبكت الفضلاء على مر التاريخ. إنها حسرة، وإنها دمعة أن يتخلف الإنسان عن الصلاة، أو عن الجهاد، أو عن فعل الخير. تخلف رضي الله عنه ولم يكن له عذر، فقد ارتحل صلى الله عليه وسلم، وقال كعب بن مالك الشاعر -وهو من الأنصار الصادقين لكن أراد الله أن يتخلف لحكمة أرادها- والله ما كان لي من عذر، وقد قلت: سوف أرتحل غداً وألحق بالرسول عليه الصلاة والسلام، وقد ارتحل عليه الصلاة والسلام حين طابت الثمار في المدينة، وحين أصبح البلح يتدلى من نخل المدينة، وكان حر الجزيرة يلتهب، فالصحراء تخرج قذائف كالبراكين، والشمس تصهر الناس، ولكن يقول الله عزوجل لهؤلاء الخونة، المارقين المنافقين: {وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} [التوبة:81] يقول بعضهم لبعض: انتظروا لا تخرجوا في الحر، الحر مؤذي، قال الله عزوجل: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة:81] بالله يا مسلمون! يا أخيار! يا أحفاد محمد عليه الصلاة والسلام! أي حر أشد الجزيرة العربية في الظهيرة أم حر جهنم: تفر من الهجير وتتقيه فهلاَّ من جهنم قد فررت وتشفق للمصِّر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمت مشيت القهقرى وخبطت عشوى لعمرك لو وصلت لما رجعت

حر الجزيرة أثناء غزوة تبوك

حر الجزيرة أثناء غزوة تبوك خرج عليه الصلاة والسلام، والحر يلتهب، والشمس المضنية تسحق ذرات الرمل، ومع ذلك أراد الله والدار الآخرة، وذكر الله أنهم لا يطئون موطئاً يغيظ الكفار، ولا يصعدون جبلاً، ولا يهبطون وادياً، أو يجوعون أو يظمئون إلا كان في سجل حسناتهم. مشى صلى الله عليه وسلم بجيش عداده عشرة آلاف يخترق وسط الجزيرة العربية إلى شمالها في اتجاه تبوك، ليطرد المستعمرين والمحتلين والخونة عن حدود الجزيرة؛ لأنه يريد أن يطهرها لتبقى جزيرة لا إله إلا الله، جزيرة (إياك نعبد وإياك نستعين) جزيرة محمد رسول الله: أنا الجزيرة في عيني عباقرة المجد والفجر والتاريخ والشرف أنا الجزيرة بيت الله قبلتها وفي ربى عرفات دهرنا يقف ومشى عليه الصلاة والسلام ولما اقترب من تبوك تخلف أبو ذر الغفاري، فقال: أين أبو ذر؟ قالوا: تخلف يا رسول الله! قال: إن يرد الله به خيراً يلحقه معنا، وإن لم يرد الله به خيراً لا يلحقه بنا. كان أبو ذر له جملاً، فضربه وأراده أن يرتحل ولكن الجمل ما فعل، فأخذ متاعه على ظهره وترك الجمل، وأتى يقتلع خطاه في الصحراء، ليلحق بالرسول عليه الصلاة والسلام، فلما اقترب قال صلى الله عليه وسلم: {كن أبا ذر} فكان أبا ذر. وكان صلى الله عليه وسلم ودموعه تهراق من عينيه يقول: {رحمك الله يا أبا ذر! تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك} يقول: أحد الفضلاء المعاصرين: " تعيش وحدك؛ لأن مبادئك وحسناتك لا تترك لك من يزاحكمك، وتموت وحدك؛ لأن ميثاقك واحد، وتبعث وحدك؛ لأنك صادق أمة واحدة ". ونزل صلى الله عليه وسلم في تبوك، وتمر به صلى الله عليه وسلم قصص هائلة يجدها من يتدبر السيرة.

دور المنافقين في غزوة تبوك

دور المنافقين في غزوة تبوك يأتي المنافقون وهم في كل زمان موجودون، إن سكنت قرية فمعك الأعداء، وإن سكنت مدينة جعل الله لك أعداء: ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس الجبل والله يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] وهو الصراع العالمي: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251]. في النادي مصارعة بين الحق والباطل، وفي الملعب حرب بين الحق والباطل، وفي الحارة، والحديقة، والشاطئ، والساحة، والجامعة، والمدرسة، وحول المسجد، وفي كل مكان صراع بين الحق والباطل، فقد أراد الله أن يتصارع الحق والباطل، وأراد الله معتركاً عالمياً بين (لا إله إلا الله) (ولا إله والحياة مادة) مثل عراك النور والظلمة، والحلو والحامض، والحار والبارد. جلس المنافقون يتشفون في محمد صلى الله عليه وسلم، يسبون ويسخرون مثل من يسخر الآن بالأخيار؛ يصفونهم بالتطرف وبالفضوليين وبالأصوليين وبالمتزمتين، وغيرها من التهم التي لا توجه إلا لليهود والنصارى. فقالوا: ما رأينا كقرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء؛ يقصدون الصحابة أنهم جبناء ويأكلون كثيراً. وكان المنافقون مندسين في الصف، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وإنما يعلمه الله الذي يعلم السر وأخفى. نزل جبريل عليه السلام يقول: في الصف دخلاء وعملاء وخونة، استدعهم الآن واسألهم ماذا قالوا البارحة، فاستدعاهم صلى الله عليه وسلم فكانوا يتعلقون بناقته، ويقولون: يا رسول الله! إنما كنا نمزح البارحة، ونخوض ونلعب، ونقطع الطريق، ما أردنا الإساءة: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أبلله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] فالمسألة ليست مسألة استهزاء باللحى والثياب القصيرة والخطب والوعاظ والعلماء، المسألة مسألة هجوم ساحق على الإسلام وعلى الدين، وعلى شباب الصحوة. إذاً: الحرب شعواء منذ القدم، فالذي يحاربني ويحاربك الآن قد حارب محمداً عليه الصلاة والسلام، فوالله لقد نجح محمد عليه الصلاة والسلام في حرب الإغراء والابتلاء؛ والوسائل التي يجربها دائماً أهل الباطل هي نفسها، جربوا معه الدراهم والدنانير فأبى عليهم، قالوا له: نزوجك أجمل فتاة؟ قال: لا. قالوا: نملكك على العرب؟ قال: لا. قالوا: نجمع لك مالاً حتى تكون أغنى الناس؟ قال: لا. قالوا: أتترك مبادئك وعقيدتك؟ قال: {والذي نفسي بيده! لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه} فلله درك، هكذا فلتكن التضحيات والشجاعة، وجربوا معه الإيذاء. سجد عند الكعبة فأتوا بسلى الناقة فوضعوه على رأسه، فقام يبعد الدم عنه، ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}. أخذوا بناته يضربونهن في وجوههن أمامه، فقال: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}. أخرجوه من مكة وحاصروه، فقال: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}. طردوه إلى الطائف فطرده أهل الطائف وأدموا قدميه، فقال: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}. يقول له ملك الجبال، أتريد أن أطبق عليهم الأخشبين؟ -جبلي مكة -فيقول: {إني أسأل من الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً} هذا الذي نجح فيه صلى الله عليه وسلم. هؤلاء استهزءوا فكفرهم الله: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66].

كعب بن مالك وتخلفه عن الركب

كعب بن مالك وتخلفه عن الركب وانتهت الغزوة في مواصفات كثيرة، وفي أحداث مبكية مضنية، ورجع عليه الصلاة والسلام. أما كعب بن مالك فهو في المدينة يعيش أياماً سوداء في حياته، قال: [[كنت أخرج بعد ذهاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وبعد ذهاب الصحابة فلا أرى إلا شيخاً كبيراً في السن، أو عجوزاً، أو امرأة، أو رجلاً مغموساً عليه في النفاق، فلما اقترب عليه الصلاة والسلام من المدينة قال: حضرني بثي وحزني]] وكان كعب بن مالك شاعراً بليغاً، يجهز المعاذير لكنها سوف تتساقط، ويأتي بحجج يتحفظها في صدره لكنها سوف تهوي. واقترب صلى الله عليه وسلم من المدينة، وكان إذا اقترب من المدينة يدخلها وقت الضحى فيستقبله أهل المدينة كأعظم ما يستقبل الأخيار إمامهم وعظيمهم وفاتحهم. والصحيح عند أهل السير أن الأطفال خرجوا يحيونه بـ (طلع البدر علينا) يوم أتى من تبوك، خرج الأطفال من المدينة والجواري -البنات الصغار- خرجن على أسقفة المنازل يحيون أعظم قائد عرفه تاريخ الإنسان، فقد أخرج الناس من عبودية الإنسان للإنسان لعبودية الإنسان لرب الإنسان، وأخذوا يهتفون: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع

استقبال كعب بن مالك للنبي صلى الله عليه وسلم

استقبال كعب بن مالك للنبي صلى الله عليه وسلم أخذ صلى الله عليه وسلم يوزع البسمات على هؤلاء، ويحمل أحياناً الأطفال ويقبلهم وينزلهم من على راحلته، ومرة يردف أحدهم ومرة يجعله وراءه؛ لأنه أبو الأطفال، واليتامى، والمساكين، ومحرر المرأة، ورافع حق الإنسان، وموجد حق الحوار. فوصل صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد فصلى ركعتين، فأما المنافقون فاعتذروا فعذرهم صلى الله عليه وسلم وخرج، وأما كعب بن مالك فجلس أمام الرسول صلى الله عليه وسلم والحسرة تملأ قلبه. وانظر إلى عِظَم الحسرة! وهي أن يتخلف تلميذٌ عن شيخه في إحدى مقامات التضحية، لم يكن هناك تحضير للأسماء، لكن الله يعلم الغيب وأخفى، سجل عشرة آلاف الله يعلمهم واحداً واحداً، وأخبر رسوله أن ثلاثة تخلفوا، لكن هؤلاء الثلاثة لهم مكانة في الإسلام. أتى كعب بن مالك فجلس أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: [[يا رسول الله! والله لو جلست أمام أحدٍ من أهل الدنيا غيرك لظننت أني سوف أخرج بحجة، فإن الله آتاني بياناً وجدلاً، ولكن يا رسول الله! والله إن اعتذرت لك اليوم بعذر كاذب وترضى عني، فإني أخشى أن يسخطك الله عليَّ ويسخط الله عليَّ، وإن اعتذرت لك بعذر صادق وتغضب عليَّ أسأل الله أن يرضيك ويرضى عني، أما أنا فلا عذر لي. قال: قم ويقضي الله في شأنك ما شاء، فقام فتلقته قبيلة بني سلمة، قالوا: ما رأيناك فعلت فعلاً أقبح من فعلك إلا عذرك، عد إليه واعتذر ولو كنت كاذباً. قال: فأردت أن أعود فأكذب نفسي، فذكروا لي رجلين من أهل بدر تخلفا معي واعتذرا بمثل عذري. فقلت: لا ولم ألتفت إليهم]].

إعلان المقاطعة على كعب بن مالك

إعلان المقاطعة على كعب بن مالك عاد كعب إلى بيته وأعلن عليه الصلاة والسلام في الناس مقاطعة هؤلاء الثلاثة، لا يزارون ولا يكلمون ولا يسلم عليهم ولا ينكحون، ولا يُباع منهم ولا يُشترى، ولا يلقون أبداً ولا يحيون. وسمع كعب بن مالك فضاقت عليه الدنيا بما رحبت، لا إله إلا الله! وهذا تأديب من الله لهم. لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجسام بالعلل وهذا تأديب يفعله الزعماء الأخيار، والفاتحون العظماء -الذين هم على بصيرة من الله عز وجل- لكي يكون دواءً. وهكذا يفعل بأهل المعاصي، فمن وعظته ونصحته ولنت له وبينت له الحق ثم لم يستجب لك فاهجره، حتى يرى أنك على دين الله عز وجل. أما أن تُآكل أهل المعاصي، وتشاربهم، وتستقبلهم في بيتك، فهذا معناه: أنك تتضامن وتتكاتف معهم، ومعناها: أنك تتوحد معهم ضد الله عز وجل: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22]. يقول عليه الصلاة والسلام فيما يروى عنه: {إنما أهلك بني إسرائيل أنهم كان أحدهم يلقى أخاه على المنكر فيقول له: اتق الله لا تفعل، ثم لا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه من آخر النهار} أي: تمييع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتضييعه، يسمونه الآن جرح للمشاعر، ويسمونه التدخل في شئون الغير، ويسمونه بتسميات حتى يصفونه بأنه فتنة وهو الحق الصُرَاح. مقاطعة أعداء الله عزوجل أو من فيه معصية أو انحراف لا بد أن يكون لكي يكون هناك بيان واضح للناس. وبقي كعب لا يكلمه أحد، فاسمع الآن لمعاناته، يقول: أنزل إلى السوق فأسلم على الناس فلا يردون عليَّ السلام. وفيه درس امتثال المسلمين لرسولهم عليه الصلاة والسلام، وإلا ليس هناك مراقبة لهم بتجسس، أو بطريقة بوليسية تخبر الرسول صلى الله عليه وسلم من الذي يرد على كعب أو يسلم عليه، السوق لا تنقل أخباره إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. بل يقول صلى الله عليه وسلم: لا تكلموهم، فينزل كعب فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، فلا يرد عليه أحد من أهل السوق؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلن مقاطعته، وحضر السلام عليه واستقباله ومبايعته ومشاراته. يأتي بسمن يريد أن يبيعه في السوق، فيقولون: لا نشتري منك. قال: أريد سمناً، قالوا: لا نبيعك. فقال: أريد ثوباً؟ قالوا: لا نبيعك أبداً، منع الرسول عليه الصلاة والسلام.

صور من معاناة كعب بن مالك

صور من معاناة كعب بن مالك يعود إلى بيته فيسلم على أهله، فلا يردون عليه السلام. يطرق الباب على جيرانه فيقول: السلام عليكم فلا يردون. قال: فلما ضاقت عليَّ الأرض بما رحبت تسورت -أي: تسلقت- حائط ابن عمي أبي قتادة. وهو أحد الأبطال، وفارس الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو جار كعب وابن عمه ومن أحب الناس إليه، وقد تسور عليه كعب؛ لأنه لا يفتح له الباب أبداً، فصعد عليه من الجدار وسقط في حوش بيته، فخرج أبو قتادة، وقال كعب: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فما رد أبو قتادة عليه السلام، قال يا أبا قتادة: أنشدك الله عزوجل هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فسكت أبو قتادة، فأعاد عليه ثانية، فسكت، فأعاد عليه ثالثة، فقال كلمة في منتهى البرودة والجفاء -ولو أنه قريبه ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري إلا أن يخبره الله- قال: الله ورسوله أعلم، ففاضت دموع كعب وبكى. فهذا موقف مؤثر، لكن إن دل على شيء فإنما يدل على مدى النفس الإيمانية التي عاشها السلف، ومدى اتباعهم للرسول عليه الصلاة والسلام وصدقهم معه. فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول للناس: اجلسوا؛ فيجلس ابن رواحة خارج المسجد في الشمس. قالوا: لماذا تجلس في الشمس؟ قال: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: اجلسوا. ويستمر بـ كعب وبقية الثلاثة الحال وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت كما ذكر الله في محكم التنزيل. فتغيرت الأرض، فما هي بالأرض التي يعرفونها، وتغير لون الشجر، وهذا كما قال ابن القيم: "المعصية تغير البصائر والأبصار"، والله تعالى يقول: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون} [الأنعام:110] وفيه دليل عند الفضلاء المتأخرين من أهل التفسير: أن الشيوعية سوف تسقط، قالوا هذا: قبل خمس وعشرين سنة، وسقط قبل أيام الحزب الشيوعي، وخرجوا عراة الأجساد أمام الدبابات يطرحونها، فهم يريدون أن تعود لهم حرية التنفس والرأي، ويقولون: الموت والخزي والعار للشيوعية. والله يقول: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30] فهم خالفوا الفطرة، فقال سبحانه: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110].

رسالة ملك غسان إلى كعب بن مالك

رسالة ملك غسان إلى كعب بن مالك اسمع إلى حدث وقع: خرج كعب بن مالك إلى السوق يريد أن ينظر إلى الناس فقط، وبينما هو في السوق إذا برجل من النصارى العرب. فقومية العرب بلا إسلام، فالذين حاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر وفي أحد وفي الأحزاب وأهل صبرا وشاتيلا، وأيلول الأسود، واحتلال الكويت، هم بلا إله إلا الله محمد رسول الله. فأتى الرجل برسالة من ملك الغساسنة لـ كعب بن مالك، قال: فأخذت الرسالة فإذا هو يقول: من ملك الغساسنة إلى كعب بن مالك أمَّا بَعْد: فسمعنا أن صاحبك قد جفاك -أي: الرسول صلى الله عليه وسلم، وانظر إلى تلهف أهل الباطل- ولم يجعلك الله بدار هوان، فالحق بنا نواسك. فتعال نكرمك، ونحترمك، وننزلك منزلتك، لا إله إلا الله، والله لو كان كعب بن مالك من أهل الدنيا، والذين يبحثون عن المناصب، والذين ضيعوا حياتهم في الوظائف والسيارات الفخمة والقصور بلا مبادئ لركب راحلته وذهب إلى ملك الغساسنة، ولقال: ماذا أفعل بالرسول صلى الله عليه وسلم؟ فقد قاطعني في المدينة، وحجبني عن أهلي وأصحابي وزملائي؛ ولذلك نرى بعض الناس ينضم إلى معسكرات الكفر بمجرد كلمة، وهذا من ضعف الولاء والبراء، وضعف الانقياد لله عزوجل، فماذا فعل ابن مالك؟ كان بإمكانه أن يشقق الرسالة، لكن أراد أن يصهرها بالنار ليعلم الله أنه صادق. قال: [[فتيممت بها التنور فسجرته بها]] إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم. وهذه مبادئ أهل الباطل دائماً تحرق، وأعلامهم دائماً تمزق: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18].

تعزيز المقاطعة باعتزال النساء

تعزيز المقاطعة باعتزال النساء وعاد كعب بن مالك وأتى الإعلان الثاني، قال صلى الله عليه وسلم: اذهبوا إلى الثلاثة الذين تخلفوا وقولوا لهم: اعتزلوا نساءكم. الله أكبر! فذهبوا إلى الثلاثة فأخبروهم، فقال: كعب بن مالك: ماذا نفعل: أنخرجهنَّ من بيوتنا؟ قال: لا. بل لا تقربوهن، فهي تبقى عندك في البيت ولكن لا تقربها أبداً؛ جزاءً ونكالاً حتى يتحرر هذا الإنسان ويكون عبداً لله عز وجل؛ لئلا يكون للشيطان فيه حظ وللرحمن حظ، لأننا نجد كثيراً من الناس أن للمجلة الخليعة وللمصحف منه حظ، وللمقهى وللمسجد منه حظ، وللموسيقى وللتلاوة منه حظ، ولأولياء الله وللشيطان والشريرين في العالم منه حظ، لا. بل لا تكون عبداً لله حتى لا يكون لأحدٍ سوى الله منك حظ. كان عمر يسجد، ويقول: [[اللهم اجعلني عبداً لك وحدك]] لله درك فما أحسن هذا الكلام. فإنك ترى من الناس من هو عبد للسيارة، وعبد للوظيفة، وللمنصب، وللأغنية، وللكرة، وللمجلة، وللفيديو، وللمسلسل، وللهواية: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية:23] ويقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {تعس عبد الدينار -بعض الناس يعبد المال، وهو أحب إليه من الله- تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش} وبعضهم يعبد العمارة والتخطيط والصبة والخلطة والحديد ولبن البناء. وبعضهم يعبد السيارة، فتجد اعتناءه بشخصيته وسيارته أكثر من اعتنائه بصلاته، وهؤلاء يسمون الهامشيون في الحياة، أو الذين هم خارج الخارطة. يقول كعب بن مالك عن المعاناة: [[فنزلت إلى المسجد، فكنت أسارق الرسول صلى الله عليه وسلم النظر، فإذا أتيت إليه، قلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فألتفت إليه هل يحرك شفتيه بالسلام عليَّ فلا أسمعه يقول شيئاً، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل عليَّ، وإذا سلمت انحرف عني]] تصور معلم البشر عليه الصلاة والسلام أفضل من خلق الله، وأصدقهم وأخلصهم يعامل هذه المعاملة. يأتي يسلم عليه فلا يرد، فيقبل كعب بن مالك على صلاته فينظر إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فينظر في قامته وفي وجهه ويتأمل فيه صلى الله عليه وسلم، وذاك يشعر في الصلاة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، فإذا نظر إليه كعب رجع صلى الله عليه وسلم ونكس ببصره الشريف إلى الأرض. واستمرت الليالي تلو الليالي، واستمرت المعاناة: أيها المحرقون في كفى دار فالدموع التي تركت غزار كلها ومضة إلى المصطفى الهادي وفي كفنا العظيم انتصار

الفرج بعد الكرب ينزل على كعب بن مالك

الفرج بعد الكرب ينزل على كعب بن مالك أتى الفرج من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى والفرج دائماً يأتي من عنده، ولذلك يقول تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] والذي في السماء هو الله. يعرفها الأعرابي البسيط الذي علمه محمد صلى الله عليه وسلم، أعرابي يصلي مع الناقة لكنه مثقف ثقافة إيمانية أوصلته إلى أن يعرف الله عز وجل، فيصلي ركعتين في الصحراء للواحد الأحد. قال له أحد الوثنيين الملحدين: "لمن تصلي؟ قال: لله. قال: هل رأيته حتى تصلي له. قال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وليل داج، ونجوم تزهر، وبحر يزخر، ألا يدل على السميع البصير" بلى، هذه عقيدة التوحيد التي أخرجها صلى الله عليه وسلم إلى الناس. إنها ثقافة الإنسان يحملها الأعرابي في الصحراء. أعرابي بدوي صلى مع عمر بن الخطاب في آخر الصفوف، ومعه سيف بتار، فخطب عمر، وعلى عادته يفتح مجال الشورى، وسماع الحوار، والنصيحة، والرأي الآخر. قال عمر: [[أيها الناس! كيف أنتم لو رأيتموني ملت عن الطريق هكذا -يشير بيده على المنبر- يعني: ما رأيكم لو اعوججت عن الطريق، أي: ملت، أو خنت، أو تركت شرع الله، أو حكمت بغير ما أنزل الله. فسكت الصحابة، وقام الأعرابي من آخر المسجد -أقلهم ثقافة، أو يعرف بمستوى عصرنا الإسلام، لا من أعرفهم- وسل سيفه، وأشاح به في آخر المسجد، وقال: والله يا أمير المؤمنين! لو رأيناك ملت عن الطريق هكذا، لقلنا بالسيوف هكذا، فتبسم عمر، وقال: الحمد لله الذي جعل في رعيتي من لو ملت عن الطريق هكذا لقال بالسيف هكذا]] لم يقل: خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه، اغمطوه، ورشوه، واسحقوه، هذه مسيرة ميشيل عفلق "أمة واحدة ذات رسالة خالدة" حتى يقول فيهم الشاعر: وحدويون: هم هذا العرب بدون إسلام. وحدويون والبلاد شظايا كل جزء من لحمها أجزاء ماركسيون والجماهير جوعى فلماذا لا يشبع الفقراء لو قرأنا التاريخ ما ضاعت القدس وضاعت من قبلها الحمراء ماركسيون في عدن يقولون: أتينا نحرر الإنسان، أتى رجل عدني مسلم يحج ويعتمر فقال له أحد العلماء في المسجد الحرام: "كيف حالكم مع الماركسية والشيوعية؟ قال: القائم سدحوه، والقادح قدحوه". هذه هي شيوعية الغاز، وشيوعية السكر، وشيوعية الخطوط المزفلتة، يقف الواحد عندهم طابوراً بالبطاقة يأخذ كيلو سكر في ساعتين؛ ولذلك خرجوا ثائرين في موسكو ضد هذه الخيانة والظلم والتعسف وكسروا الحديد. يقول أحد العلماء: سافرت إلى موسكو في عهد برجنيف في مهمة في جمع مخطوطات ومعلومات، قال: "مررت بالحدائق ذات الأسلاك، وقد وضع فيها الناس كالحيوانات، عندهم ماء وخبز وصناديق تظللهم من الشمس؛ لأنهم خرجوا على الحزب الشيوعي "مثل معاملة الحمير، كأنها حظيرة حمير. فالرسول صلى الله عليه وسلم أوقفهم أمام الأمر الواقع حتى يأتي العفو من الله، لأنه إذا عفا عنك البشر ولم يعفُ عنك الله فلن ينفعك، والله يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران:135] ثم قال: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:135]. هل سمعتم أن أحداً من الناس يملك أن يغفر ذنبك إلا الله؟ هل سمعت أن باستطاعة أي إنسان أن يمحو خطيئتك إلا الله؟ لا. {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:135]. ثم ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى أنه يجيب المضطر، وهذه من الأمور التي تقصم ظهور الشيوعية، أنه لا يجيب المضطر إلا الله، وفي حالة من اضطرار الإنسان يعرف أن هناك إلهاً واحداً مدبراً رازقاً خالقاً متصرفاً في الكون. يركب الوثني العربي سفينته في البحر الأحمر، فإذا هزته الريح -وهذا قبل مبعث الرسول عليه الصلاة والسلام- يقول: يا الله! يا الله! يا الله! فالله يذكرهم، يقول: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65]. ولذلك مجموعة الأمريكان الذين ألفوا كتاب: الله يتجلَّى في عصر العلم، إنما أسلموا بسبب رسو سفينة في المحيط الأطلنطي وأخرجهم الله؛ لأنهم نادوا الله. لأن الإنسان على الفطرة، إذا ضاقت به الحيل التفت إلى الله ودعا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62].

بعد خمسين ليلة

بعد خمسين ليلة وقف كعب بن مالك في هذه المرارة بعد أن مرت به خمسون ليلة، وهو في كل ليلة لا ينام، تزوره كل ليلة، حملة هائلة من الهموم: وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور إلا في الظلام بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظام أبنت الدهر عندي كل بنتٍ فكيف نجوتِ أنت من الزحام وبعد ذلك أتى الفرج من الله، ونزل جبريل على الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله تعال: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة:118] وعاد برحمته ليعودوا، وهداهم إلى التوبة ليهتدوا إلى صراط الله المستقيم. أيها الفضلاء: يا أبناء الأمة! يا أمة التوحيد: من أراد الله وجده، يعرف ذلك من جرب الدعاء في الضوائق والشدائد أن الله قريب، وأنه يكشف الكرب، وأنه أقوى قوة تنصر الإنسان حين يلتجئ إليه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] والله يقول: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52] والله يقول: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:36] ويقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64] أي: يكفيك الله، ومن ركن إلى الله فلا يخاف.

نزول التوبة من السماء

نزول التوبة من السماء نزلت توبة الثلاثة من السماء قبل صلاة الفجر، ولماذا نزلت قبل صلاة الفجر ولم تنزل قبل صلاة العشاء، أو بعد المغرب، أو قبل العصر أو بعده، أو في الظهر؟ قال بعض الفضلاء: نزلت قبل صلاة الفجر؛ لأن هذا الوقت وقت نزول الرحمات، ولأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في كل ليلة -كما هو معتقد أهل السنة والجماعة - يتنزل إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داعٍ فأجيبه؟ وأنا أقول: إن على الإنسان أن يعرض نفسه أمام هذا الفيض الإلهي، وأمام الرحمة المباركة التي لا تنقطع، وأن يعرض نفسه على ربه، وإن وقع في زنا أو مخدرات أو ترك الصلاة، أو ارتكاب فواحش ومنكرات، أو تخلف عن الصلوات، أو قطيعة لميثاق الله، أو غير ذلك، ليقول: أخطأت وعدت. فالله عزوجل في الثلث الأخير من الليل -يوم لا يقوم إلا الخواص من أوليائه- يبارك في تلك الدقائق وفي تلك الساعات. نزلت توبتهم على الرسول عليه الصلاة والسلام، فتسابق الناس من يخبرهم أولاً؛ فأتاه فارس على فرس، ورجل يسعى وآخر يمشي. صلى كعب بن مالك الفجر ثم جلس على سقف بيته -وبيته وبين الرسول صلى الله عليه وسلم جبل سلع - يسبح الله عز وجل في حالة من الضنك والأسى واللوعة والهم والغم كما وصفه الله، وإذا برجل على جبل سلع، يقول: يا كعب بن مالك! أبشر بتوبة الله عليك، فيسجد على التراب سجدة الشكر لله: وحسان الكون لما أن بدت أقبلت نحوي وقالت لي إلي فتعاميت كأن لم أرها حينما أبصرت مقصودي لديّ وإذا الحسن همى فاسجد له فسجود الشكر فرض يا أخي سجد لله عزوجل، ثم رفع رأسه ودعا الله وانهلت ودموع الفرح تنهل من عينيه: طفح السرور عليَّ حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني وهي دموع باردة ليست دموعاً حارة كدموع الأسى واللوعة والحزن، لكن دموع باردة هي دموع الفرح، ودموع التائبين، ودموع تحصل على أعظم جائزة يطمح إليها البشر وهي جائزة رضوان الله، لا جائزة نوبل ولا غيره، جائزة رضوان الواحد الأحد أن يرضى عنك. يقول أحد الناس: ليتني كنت مع الصحابة تحت الشجرة؛ لأعيش مشاعرهم يوم بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الموت، ثم أنزل الله جبريل من السماء، يقول: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18] حتى تدري أنت باسمك واسم أبيك أنك من الذين بايعوا تحت الشجرة وأن الله رضي عنك، لا إله إلا الله. قال: وأتى الفارس على الفرس لكن صاحب الصوت الذي في الجبل سبقه، قال: فأردت أن أكرمه -هذا المبشر الذي يبشرك بشيء لا بد أن تكرمه، وأعظم ما يبشرك أن الله تاب عليك- فخلعت ثوبي له وبقيت في إزار وأعطيته، لم يكونوا يملكون من الدنيا شيئاً، حكموا ثلاثة أرباع الكرة الأرضية بالرماح الممشوقة، والسيوف المثلمة، ودخلوا يصلون ويكبرون في قرطبة، وخطبوا في الحمراء، وسجدوا لله في أسبانيا وسيبيريا والأندلس والسند والهند وطاشقند وغيرها. هذه الجمهوريات الروسية التي تنفصل عن الاتحاد السوفيتي فتحها أجدادنا بالرمح والسيف والبغال، جمهوريات كازخستان جمهورية البخاري، وجمهورية أزبيكان جمهورية الترمذي وسيبويه والكسائي وعلماء الإسلام، نعم! قال: وذهبت إلى ابن جاري فاستعرت ثوباً لأقابل الرسول عليه الصلاة والسلام، لم يجد ثوباً آخر ليحمله أو ليرتديه، فأخذ ثوباً آخر من ابن جاره.

لقاء الأحبة بعد فرقة

لقاء الأحبة بعد فرقة مشى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر، وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر جلس للصحابة يؤول الرؤيا التي تعرض عليه، ويسمع ما وقع في الأمة من وقائع، ويجيب صلى الله عليه وسلم. قال فدخلت المسجد، فقام لي طلحة بن عبيد الله، والله ما قام لي إلا هو ولا أنساها لـ طلحة؛ يعني: من التبجيل أنه قام له وعانقه. أحد العلماء يمشي وأحد الأدباء جالس، فقام الأديب فقال العالم لا تقم، قال: قيامي والإله إليك حقٌ وترك الحق ما لا يستقيمُ وهل رجلٌ له لبٌ وعقلٌ يراك تجي إليه ولا يقوم عانقه طلحة، فأما الرسول صلى الله عليه وسلم فهش وبش، عاش السرور كله عليه الصلاة والسلام كأن الفيض له وحده، وكأن الفرح له وحده، قال: فتهلل وجهه عليه الصلاة والسلام حتى استنار، والذي نفسي بيده إني أرى أباريق وأسارير وجهه عليه الصلاة والسلام، وكان إذا استنار وجهه أصبح كالقمر ليلة أربعة عشر، فرحاً بأن أحد محبيه تاب الله عليه، والله يقول له: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128].

باب التوبة مفتوح

باب التوبة مفتوح والله لو تركت الرحمات للبشر ما رحم أحدٌ أحداً، الآن بعض الناس يحجر على الناس طريق التوبة، وتجد بعض الناس يريد أن يغلق باب التوبة على الناس. رجل من بني إسرائيل قال لأحد الفسقة: {تب إلى الله، قال: اتركني وربي -يقول الفاسق للعابد: اتركني وربي، أنا أصطلح مع الله- قال: والله لا يغفر الله لك -أصدر حكماً من الأرض، والذي في السماء يرفض هذا الحكم- فأوحى الله عز وجل إلى موسى: من الذي يتألى عليَّ -من الذي يحلف علي: {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:41] ويقول: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21]- أشهدكم يا ملائكتي أني قد أحبطت عمل هذا العابد، وغفرت لهذا الفاسق، فليستأنف العمل}. صلى عليه الصلاة والسلام إحدى الصلوات -إما الظهر أو العصر- فصلى معه أعرابي أتى من البادية وكان يتحملهم صلى الله عليه وسلم كثيراً وقبل أن يسلم الأعرابي من التحيات قال: " اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً " انظر العبارة ما أحسنها. ضاقت عليه الأدعية إلا هذا الدعاء، فسلم عليه الصلاة والسلام- ولم يكن ينادي بالأسماء -قال: من القائل، وهو يعرف أنه هذا؛ لأن أبا بكر لا يقول هذا، ولا عمر، ولا أُبي، قال من القائل آنفاً: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فسكتوا، وقال الأعرابي: أنا يا رسول الله! قال: {لقد تحجرت واسعاً} والله رحمت الله وسعت كل شيء، يقول: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156]. تهلل وجهه صلى الله عليه وسلم وارتاح عند رؤية كعب، وهذا واجب إيماني أن ترتاح إذا تاب الله على أخيك، أو عاد ضالٌ من ضلاله، أو رجع علماني، أو تاب حداثي، أو كان هناك متخلفاً عن المسجد ثم صلى وسلك الهدى، أو كان هناك من يتناول المخدرات فتاب الله عليه، أما أن تكون مصدر إزعاج وتشهير عليه، وتقول: أنت الذي كنت تفعل وتفعل، هذا خطأ ولا يقره الإسلام، بل تفرح وتحمد الله على هذا الفضل، وتشاركه السرور.

من ثمار التوبة

من ثمار التوبة قال صلى الله عليه وسلم: {يا كعب بن مالك! -هذا بيانه صلى الله عليه وسلم بالتوبة- أبشر بخير يومٍ مر عليك منذ ولدتك أمك} خير يوم منذ ولدته أمه هو ذاك اليوم، قال شيخ الإسلام: "وفيه أن يوم التوبة هو أفضل يوم يمر على الإنسان، وفيه أن العبد يكون بعد التوبة أرفع منه قبل التوبة"؛ فإن كعب بن مالك قبل هذا الذنب لم يكن كدرجته بعد الذنب والعودة إلى الله عزوجل، بل كان أرفع وأرفع كثيراً. وفيه: أن الخطايا يكفرها الله لمن تاب. وفيه: أن الله لا يتعاظمه ذنب. وفيه: أن العبد عليه أن يصلح حاله بعد الذنب ليدرأ بالحسنة السيئة إلى غير ذلك من القضايا. قال كعب: [[يا رسول الله! أمن عندك أم من عند الله؟]] يريد أن يتأكد من الخبر، يقول: التوبة من عندك يا رسول الله! أو من عند الله عز وجل؟ قال: {بل من عند الله} لأنه هو الذي يتوب على من تاب، وهو الرحمن الرحيم. قال: يا رسول الله! فإن من توبتي أن أنسلخ من مالي. يقول: مالي أدفعه يا رسول الله! مزارعه وأملاكه وماله ودراهمه ودنانيره، يدفعه للرسول عليه الصلاة والسلام في سبيل الله، لا إله إلا الله! أي قدرات تلك القدرات، أي تضحيات أن يبلغ بالإنسان أن يتخلى في لحظة واحدة عن كل ما يملك، تصور وأنت جالس تتوب أمام الله، وتقول: لا أعود بشيء وأتوب إلى الله وأنسلخ من مالي. قال صلى الله عليه وسلم: {أمسك عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك} وهذه حكمته عليه الصلاة والسلام ألا يتخلى الإنسان ويضيع أمواله، أو ينفقها مرة واحدة ويبقى متكففاً للناس، لأن الحياة تحتاج والأسرة والأطفال محتاجون إليه، ولا بد أن يبقى معه شيء من قوام عيش ومن عصب حياة.

ما يستفاد من قصة كعب بن مالك

ما يستفاد من قصة كعب بن مالك تلكم هي قصة كعب وتوبته وإنابته، وعودته إلى الله. فما هي الدروس المستفادة إذن، من الدروس أيها المسلمون:

التخلف عن مجال الخير خسارة

التخلف عن مجال الخير خسارة لا ينبغي للعبد أن يتخلف عن مجال الخير، ولا يثبطه الشيطان فإن الله يقول: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة:46] فقد تسمع النداء فتتخلف وتقول: أنتظر دقائق حتى تقرب الإقامة، بل قم إلى المسجد، واذهب إليه من أول الوقت؛ لأن الشيطان يثبطك حتى يضيعك من الصلاة. إذا سمعت عن المحاضرة والدرس واللقاء العلمي والفائدة وكل عمل فيه خير فلا تتوقف بل بادر فإن الشيطان سوف يثبطك، وهذا درس من هذه القصة لأن الله لام من تخلف.

البذل في سبيل الله والصبر من أجل الله

البذل في سبيل الله والصبر من أجل الله وفيه أيضاً من الدروس: أجر من بذل في سبيل الله عز وجل، وأن ما يأكله العبد، أو يلبسه، أو يبنيه؛ إنما هو في قسم الضياع، أما من ادخره عند الله عزوجل فلن يضيع: يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزان ومن الدروس أيضاً: أن على المسلم أن يجاهد بنفسه، وأنه مهما تعرض له من ألم أو أذى أو مشقة أو تشهير أو تبكيت أو تعنيف في جانب الله وفي سبيل الله فهو سهلٌ ميسر، وعذب وزلال. حتى يقول ابن القيم: "يا ضعيف العزم! ناح في هذا الطريق نوح، وذبح فيه يحيى، وقتل زكرياء وضرج عمر بدمه في المحراب، وذبح عثمان، وقطع رأس علي -لماذا؟ لأنهم حملة المبادئ- وسجن الأئمة، وجلدت ظهور العلماء، وأودعوا السجون؛ لماذا؟ لقوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3] لا يظن مسلم ولا مسلمة، ولا يظن صالح أو داعية، أو من يحمل هموم هذا الدين أن الطريق سوف تفرش له بالياسمين والورد بل هي بالشوك مفروشة؛ لأن الله أراد أن يمحص أولياءه الذين يريدون طريق الجنة: قد حفت الجنة بالمكاره والنار بالذي النفوس تشتهي مع كون كل منهما أدنى إلينا من الشراك في نعلينا

فضل أبي ذر

فضل أبي ذر ومن الدروس أيضاً: فضل أبي ذر؛ والشيوعية تعتقد أن أبا ذر في صفها، وقد ألف في موسكو كتاباً اسمه أبو ذر قائد الثورات ومدبر الانقلابات، رسموه على الغلاف مع لينين، ومعه عكاز ولحية طويلة وعليه قبعة. وكذبوا لعمر الله؛ لأنه كان دخل في مسألة في الدين يقول: ممنوع الاكتناز؛ لأنه فهم الآية على غير ما فهمها الصحابة، يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:34] وقد أخطأ الكاتب الأستاذ: خالد محمد خالد في كتابه رجال حول الرسول في ترجمة أبي ذر، وهو يقول أنه مدبر الثورات، وعدو الثروات، فهذا ليس بصحيح، بل أبو ذر أخطأ في هذه المسألة، ولكن رعى الله أبا ذر وحماه، لم يكن في المعسكر الشيوعي أبداً بل كان مسلماً حنيفاً صادقاً ولم يكن من المشركين.

لا يسكت على المستهزئين بالدين

لا يسكت على المستهزئين بالدين ومن الدروس أيضاً: أنه لا يجوز للإنسان بحال أن يحضر أو يسكت في مجلس تهان فيه القيم، ويلعب بالمبادئ، ويشهر بأهل العلم والدعاة وطلبة العلم والعلماء والدين، فلا يجوز له بحال أن يسكت، فإن هذا من الخطأ الكبير، فالحذر كل الحذر. وسمعت والعياذ بالله أن بعض الناس يقلد أصوات العلماء ويستهزئ بفتاويهم، ويقلد نغمات صوتهم، وهيكلهم بالمشي وبالجلوس، ويستهزئ ببعض أصوات المؤذنين والأئمة وخطباء المساجد؛ فحسيبه الله ونسأل الله أن يهديه، لكن الإنسان لا يمكن بحال أن يجلس في مجلس يطعن فيه بالدين، وقد نسمع ويأتينا من الأخبار العجيبة التي يندى لها الجبين، ويتمعض لها القلب، ويقذف الإنسان دم، ومع ذلك يصبر والله تعالى يقول: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران:186]. ولكن المطلوب منا أن نرد، فمن حمى عرض أخيه المسلم حمى الله عرضه في مكانٍ ينتهك فيه الأعراض، ومن أسلم عرض أخيه المسلم أسلم الله عرضه للطامعين والحاقدين: {ومن تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في عقر داره}. يؤخذ ذلك من قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمَْ} [التوبة:65 - 66] حتى إن بعض الفضلاء من أهل العلم يرون أنه من استهزأ بمجرد اللحية لأنها سنة؛ فقد كفر وخرج من الملة؛ لأنها لحية وسنة؛ ولأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو من أتى بها ولم يأتِ بها موشي ديان ولا هتلر، وإنما أتى بها محمد عليه الصلاة والسلام، والله يقول للأمة ويقول لكل تابع على وجه الأرض: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65].

إنتظار الفرج وهجر العصاة

إنتظار الفرج وهجر العصاة ومن الدروس أيضاً: أن على العبد أن ينتظر الفرج، وفي الترمذي: {خير العبادة انتظار الفرج} ولا ييأس العبد من روح الله، فإنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون، يعني جرب التوبة وربما تسقط أول مرة لكن جرب مرة وأخرى وعاشرة ومائة وألف وسوف يجتبيك الله، وسوف يوفقك لطريق التوبة. ومن الدروس أيضاً: أن العبد لا يطمع إلا في رحمة الله عزوجل، كما قال إبراهيم عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82] فيطمع في فضل الله تعالى وفي رحمته. ومن الدروس أيضاً: أن على الأمة أن تهجر العصاة الذين بلغتهم الدعوة واستمروا على فجورهم ومعصيتهم لتأدبهم، وهذا مثل العزل الصحي حتى لا يختلطوا بالمجتمع فيؤثروا فيه؛ لأن الجرباء تعدي الصحيحة، والصحيحة لا تعدي الجرباء، هكذا قال أهل فن الطب.

امتثال أمر الله والفرح بتوبته

امتثال أمر الله والفرح بتوبته ومنها أيضاً: أن على الناس أن يمتثلوا أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] بل عليهم أن يذعنوا ويسلموا ويؤمنوا ويتبعوا نهج الله الذي أرسل به رسوله عليه الصلاة والسلام. ومنها أيضاً: تبشير التائبين بتوبة الله عليهم، وتبشير أهل الالتزام أنهم على خير، وتشد من عضدهم، وتَحْبوهم، وتقف بجانبهم، وتدلهم على الخير: {من دل على خير فله مثل أجر فاعله}. ومنها أيضاً: أن على العبد أن يفرح برحمة الله ويستبشر: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] فأنت ترى حملة المبادئ يفرحون بنصر الدين، ولا يفرحون بشيء آخر، وإنا نعلم من الصادقين لله عزوجل أنهم إذا سمعوا انتشار الإسلام في بقعة من بقاع الأرض والله يتهلل وجه أحدهم مثل ما يتهلل وجه أحدكم إذا سمع أنه زاد راتبه، أو نجح ابنه، أو حصل على أرض، أو على سيارة، أو على قصر، يقول القاضي الزبيري: خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا قرأت في أحد الجرائد قصيدة لرجل نبطي موحد مؤمن داعية، يتحدى الأشرار في أنه سوف يعلن مبادئه مهما كان الثمن، هذه الشجاعة الإيمانية، يقول: أنا يا كرى مثلك أحب العلا شجعان يراهن براسه ما يخاف الشماليه أنا بعت راسي من محمد ولد عدنان قبضت الثمن والله يشهد على النيه هذا بطل، فهذه تصلح في عقيدة الطحاوية معتقد أهل السنة والجماعة تكتب في الأخير، وتدرس في الجامعات. يقول: أنا يا كرى؛ أي: يا صاحب الباطل، يا أيها اليهودي، أو النصراني، أو البعثي، أو الوثني، أو العلماني، أنا أشجع منك، أنت تموت تحت الدبابة من أجل مبادئ ميشيل عفلق، وأنا من أجل مبادئ محمد صلى الله عليه وسلم، فلماذا لا أضحي؟ أنا يا كرى مثلك أحب العلا شجعان، يراهن برأسه -هذا ما عند الإنسان إلا رأس واحد- ما يخاف الشمالية أي: دار أبى سفيان. أنا بعت رأسي من محمد ولد عدنان قبضت الثمن والله يشهد على النيه قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ} [التوبة:111] والله تعالى يقول: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] ويقول تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140]. حدثنا الشيخ عبد الله عزام رحمه الله قبل أن يستشهد بقليل: "أن امرأة فرنسية كانت في جبال أفغانستان تبشر بالدين النصراني وهي بملابسها وبمتاعها في الجبال والثلوج، وتهبط وتنام على البعوض وفي المستنقعات من أجل أن تبشر بالدين المسيحي المحرف" ثم إذا جئت تقارن بين أهل الإسلام وأهل الدعوة حتى شباب الصحوة، أين البذل، وأين التضحيات؟ وأين تقديم الدين للناس؟ وأين التأثير في البشر؟ وأين كسر الحواجز؟ حتى نصل إلى الناس في نواديهم، وفي ملاعبهم، وفي مقاهيهم، وعلى الشواطئ، ونبلغ دين الله عزوجل، أين التضحيات؟! بل إنك تجد من الفجرة والخونة على مر التاريخ من يضحى لمبادئه الفاجرة أكثر من تضحية أهل الإيمان لمبادئهم، فنشكو الحال إلى الله.

من قضايا الساعة

من قضايا الساعة وفي ختام هذه المحاضرة هناك قضايا وهي من قضايا الساعة:

الإخاء والاعتصام

الإخاء والاعتصام أولاً: على المسلم أن يسعى إلى الإخاء الذي أنزله الله عز وجل لرسوله مع إخوانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} [آل عمران:103] ولا يكون مصدر إزعاج لإخوانه، أو تشتيت لصفوفهم، بل يتألف من تألف معهم على سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو منهج أهل السنة والجماعة؛ المنهج الجميل البديع، المنهج الصافي الواضح، فمنهج أهل السنة والجماعة هو المستقرأ والذي ينظره مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، فلا يكون مصدر إزعاج، ولا اختلاف، بل يكون مصدر إسعاد ونَصَيحة فإن المؤمنين نصحة والمنافقين غششة. ثانياً: أن على الإنسان أن لا يتشاغل بعيوب إخوانه المسلمين، يقول شيخ الإسلام: "بعض الناس مثل الذبابة لا يقع إلا على الجرح" وهذا مثل بعض الناس يشهر بالذنوب والخطايا، وينسى الحسنات ولم يراجع نفسه، ولم يشتغل بعيوبه، فيجازيه الله أن يشغل الناس بعيوبه فيتحدثون فيه: ومن دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل

الدعوة إلى الله عز وجل والصبر عليها

الدعوة إلى الله عز وجل والصبر عليها ثالثاً: أننا في مرحلة تستوجب منا المشاركة، والمفاعلة، وبذل الدعوة بأي وسيلة، فنقرأ مواهبنا واستعداداتنا التي جعلها الله فينا، فما هي موهبتك؟ هل أنت خطيب، أو مفتي، أو متحدث، أو منظر، أو إداري، أو موظف، أو تاجر، أو فلاح، أو مهندس، أو غير ذلك، أو جندي؟ فابذل دعوتك من طريقك، كلكم على ثغور الإسلام فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلك، الله الله لا يهدم دين محمد صلى الله عليه وسلم وأنت حاضر، الله الله لا يتلاعب بالدين وأنت موجود، فاحمِ مبدأ محمد صلى الله عليه وسلم، بل انصر الدين، وحاول أن تكون صابراً متجلداً. رابعاً: أن تصبر أمام العواصف، مثل السخرية والاستهزاء والسب والشتم، واعلم أنها في درجات حسناتك، وأنها من ذخيرتك عند الله وتكفير سيئاتك. خامساً: على المرأة المسلمة أن تعيش دورها الذي جعلها الإسلام فيه، وهي مسئوليتها أمام الله وأمام رسوله عليه الصلاة والسلام وأمام المسلمين، فعلى المرأة أن تكون داعية في بنات جنسها، داعية إلى منهج الله، وإلى جنة عرضها السموات والأرض، ملتزمة بشرعه، عاملة بالكتاب والسنة، مؤثرة تحمل هموم الدعوة؛ لأننا قصرنا كثيراً في جانب تعليم النساء، وتثقيفهن وتفقيههن ومدارسة العلم معهنَّ، هذا تقصيرٌ حاصل، وهو كثير ومستقرأ ومستفيض. فأنا أوصي المرأة الآن أن تقوم بدورها في الحياة فهي مستهدفة، ويريد أهل الباطل أن يدخلوا من طريقها لهدم هذا الدين الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم.

التثبت من الأخبار

التثبت من الأخبار سادساً: أن على المسلمين عامة في وقت الفتن أن يثبتوا، وأن يتأكدوا من مصادر الأخبار، وأن لا يتعجلوا، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] وليحذر الخطيب والواعظ والداعية والمتحدث أن يقدم على شيء قبل أن يستقرأ خبره، ويتأكد منه؛ قلت هذا بمناسبة قتل المجاهد الشيخ جميل الرحمن رحمه الله وأسكنه الله في فردوس رحمته، وجمعنا به في دار الكرامة، والحقيقة أنه سعى لشيء وقد أدركه. ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما فقدم على ما قدم، ولقي الذي يطمح إليه، فنسأل الله أن يجمعنا بالصالحين في دار الكرامة. فعلى الإخوة ألا يتحدثوا في مثل هذه المسائل حتى تتضح ويصدر فيها شيء من أهل العلم بعد التبين، وبعد أخذ الحيطة، وبعد معرفة الأخبار، ومصدر الأخبار: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] لأني سمعت أن بعض الناس تعجل في بعض كلماته، واتهم بعض الناس، ونحن نبرأ إلى الله عزوجل من اتهام المسلمين أنهم يريدون دماء المسلمين؛ لأن دم المسلم ليس بالرخيص، في حديث صحيح قدسي، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وعزتي وجلالي لو اجتمع أهل السموات والأرض على قتل امرئٍ مسلمٍ لكببتهم على وجوههم في النار} ويقول عليه الصلاة والسلام: {ولزوال الدنيا بأسرها أهون عند الله من قتل امرئٍ مسلم}. يقال ابن تيمية استقبل القبلة قبل أن يموت وقال: "تبت عن كل من كفرت من أهل القبلة" مع ذلك يُنسب أن فلاناً سفك دم فلان. ثم أقول لكم إن الفتنة وقعت بين طائفتين من المسلمين في عهد علي ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين، والله تعالى يقول: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:9] فأثبت أنهم يقتتلون، وقال: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] فسماهم إخوان ولم يخرجهم من الإسلام، وقد اقتتل الصحابة في الجمل وصفين فلم يكفروا بالقتال، وما خرجوا من الملة، وما خرجوا من الدين. ثم إني أطالب من الإخوة ألا يسافروا في هذه الفترة إلى أفغانستان، وقد رأى كثير من أهل العلم وأهل الفضل أن السفر في هذه الأيام ليس بسديد، وينتظر العبد حتى تصفوا الأمور وتظهر، وأرى أن يسددوا من جهود إخوانهم، وأن يدعوا للمجاهدين بأن يجمع الله شملهم وينصرهم على الباطل، ثم لا يشهرون بأحد، ثم لا يكونون مصدر إزعاج، ثم لا يكونون دخيلاً ومعيناً للمنافقين والحاسدين والحاقدين في ضرب الجهاد. هذه مسائل أحببت أن أعرضها على إخواني فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هو الحسيب، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يغفر لنا ولكم الخطأ والزلل، وأن يجمعنا بكم في دار الكرامة، وأن يرحمنا وإياكم رحمة عامة وخاصة ظاهرة وباطنة، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يوفق كل من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، وأن يهدم كل من في هدمه صلاح للإسلام والمسلمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. ولا يفوتني أن أشكر باسمكم جميعاً المقدم سعيد الدخيل وإخوانه وزملاءه والحضور أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

تمكين المشركين

تمكين المشركين Q نحن نعلم ما للمشركين فيه من تمكينٍ في الأرض، فهل مُكنوا لأنهم مشركون لكي يضلوا من في الأرض، أم لأنهم أخذوا بأسباب التمكين، فإذا كانت الثانية فما هي نصائحك للمسلمين لكي يمكنوا في الأرض؛ لأن في ذلك قوة للإسلام والمسلمين؟ A الأمر الأول: مُكن المشركون في الأرض، وأنا لا أسميه تمكين، بل هو شيءٌ من البقاء الوقتي الطارئ الذي سوف يزول، أما التمكين فلأولياء الله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور:55] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [الحج:41] فالتمكين للمؤمنين. لكن نقول: لماذا الكفار مكنوا؟ تقول: مكنوا أولاً: هذا ابتلاء، فهي سنة المدافعة، أن يدفع بها الله عزوجل أولياءه، ويدفع أولياءه بالكافر، فهم أخذوا وملكوا من الأسباب ما جعلتهم يبقون ردحاً من الدهر، أو يحكمون قطعة من الأرض. الأمر الثاني: تَخَلى المسلمون عن أسباب التمكين، فحوصروا في أنحاء الدنيا وفي أنحاء الكرة الأرضية، وأخذت عليهم حتى بلادهم التي فتحوها بالإسلام.

حتى لا يفوتنا الركب

حتى لا يفوتنا الركب Q ماذا نصنع حتى لا يفوتنا الركب؟ وما الذي تنصح الشباب باتباعه والعمل به في هذا المجال؟ A اسمع كلمات حتى لا يفوتك الركب، هي تلخيص المحاضرة، ولو أنها وردت فيها: أولاً: أن تتوب وتعلن توبتك من الليلة، وتركب في ركب محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الإمام مالك: "السنة كسفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تركها هلك"، وليس هناك سفينة إلا سفينة محمد صلى الله عليه وسلم: إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا فإما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا

جماعة الدعوة والتبليغ

جماعة الدعوة والتبليغ Q إني شاب ملتزم ولله الحمد، وإن هناك جماعة تأتي إلي وهم جماعة الدعوة والخروج، يريدونني أن أخرج معهم إلى الدعوة في بعض الدول، وهناك بعض الناس يقولون: إنهم جماعة أصحاب بدع، فما ردك على هؤلاء؟ A جماعة الدعوة والتبليغ؛ جماعة في مجموعها تعمل وتريد الخير، ولها جهود تشكر عليها مثل: الصبر، والتحمل في الدعوة، والحلم، وأنهم جابوا الأقاليم ووصلوا إلى كثير من الأمكنة، وأن الله هدى بهم كثيراً من العصاة نعرفهم، حتى إني رأيت كثيراً منهم في بلاد خارجية ورأيت كثيراً منهم هدى به الله ملأ من الناس، عندهم روحانيات، وعندهم أذكار، وعمل صالح، لكن لا بد أن نناصحهم في مسائل: المسألة الأولى: أن يهتموا بالعلم الشرعي؛ علم محمد صلى الله عليه وسلم، علم الكتاب والسنة. المسألة الثانية: لا يغتروا بكثير من مذكرات المؤسسين مثل: محمد بن إياس الذي أسس الجماعة، أو غيره من الذين ليسوا في هذه البلد، لأني ما أعرف جماعة الدعوة في هذه البلاد هنا إلا على منهج السلف، لكن هناك قد يوجد شركيات وبدع وخرافات رأيناها وقرأنها فلينتبه لها. المسألة الثالثة: لا يصح أن الواحد منهم إذا قام أمام الناس أن يذكر ماضيه الأسود، يكفي أنه تاب إلى الله، أما أنه يقول: كنت أفعل وأفعل وأعصي وأترك الصلاة، فليس هذا من منهج الدين، بل المنهج أن تستر نفسك. أما أن تخرج معهم فإن كنت طالب علم، أو عندك حصيلة من العلم، وبإمكانك أن تعرف البدعة من غيرها، وأن تؤثر فأرى أن تخرج معهم. لأنك ينفع الله بك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وتكون داعية، هذا رأيي، وإن كنت لم تبلغ هذا المستوى فأرى أن تقترب من طلبة العلم، ومن المحاضرات، ومن الدعاة الصادقين. أما إذا أنست بعقيدة أحدهم وبعلمه وبفعله وعرفت أنه يحمل عقيدة أهل السنة والجماعة، فلا بأس أن ترافقه. هذا ما عندي في المسألة باختصار.

الغناء والطرب

الغناء والطرب Q هناك أناس يحلون الغناء والطرب عن طريق هذا الحدث الذي هو: استقبال المصطفى صلى الله عليه وسلم بطلع البدر علينا، وهو غناء أهل المدينة عند قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم، فما هو ردك على هؤلاء؟ A لم يكن معهم طبول فيما أعلم ولم ينقل حتى في كتب الحديث، إنما هم شباب وأطفال خرجوا ينشدون، والنشيد جائز لمثل هذا المستوى، والرجز جائز، لكن لا يصاحبه دف ولا طبل للرجال، ولا مزمار ولا زير؛ لأن هذه قد حرمت على الرجال. أما النساء فلا بأس بالدف لهن في الزواجات، فلا دليل في هذا على ما استدل به هذا الشخص، والذي يستدل بهذا على أنه يجوز استصحاب المعازف وآلات اللهو، كمن يستدل بأن الحبشة لعبوا في مسجده صلى الله عليه وسلم بالحراب فيأتي بعد كل صلاة يلعب بالحربة، فبعد الظهر يلعب وبعد العصر يلعب وبعد المغرب وبعد العشاء وبعد الفجر، فإذا سألته قال: الحبشة لعبوا، وهم ما لعبوا إلا مرة في الحياة ثم هم مؤلفة قلوبهم والرسول صلى الله عليه وسلم رأى من الحكمة أن يمكن لهم قليلاً حتى يعو الدين، ولم يكن معهم دف ولا طبل ولا مزمار، وهذا مثل هذا.

المولد النبوي

المولد النبوي Q ما حكم إقامة الموالد احتفاءً بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ حبذا لو كان جواباً موجزاً غير مخلٍ حفظكم الله ورعاكم. A إقامة الموالد للرسول صلى الله عليه وسلم بدعة: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} ولم يفعله أحد من السلف الصالح، وإحياءه صلى الله عليه وسلم إنما هو بإحياء ذكراه بالعمل، باتباع السنة، وبنشر مبادئه في الناس، وبتعليم سنته في العالمين، وبالمحافظة على سنته، وليس بالموالد الخرافية.

بعض من يعتدي على الجيل الأول

بعض من يعتدي على الجيل الأول Q حول بعض الأدباء، حيث إنهم من العلمانيين، ولهم بعض الكتابات في السيرة وفي التاريخ, وقد يشوبها بعض التجني على العصر الأول، نريد توضيح ذلك حيث إنني قرأت لهم وملت إلى هذه القراءات فما رأيكم؟ A الحق معلوم، وأرى أنه إذا اشتبه في رجل منهم أن تسأل أهل العلم والدعاة عنه بذاته، وإن كان لك بصيرة أنت وأصبحت في مستوى من العلم يمكنك أن تعرف الحق من الباطل، فلا بأس أن تقرأ. لكن والحمد لله هناك عند أهل الإيمان من البدائل ومن الدعاة والأدباء ومن الشعراء ما يكفيك عن هؤلاء، فإن أولياء الله وأنصاره كثير، في قسم الأدب والعقيدة والفقه والتفسير والفكر والكتابات وكل أطروحة. فأدلك على أدباء وكتاب الإسلام في الفكر: أبو الأعلى المودودي، أبو الحسن الندوي، سيد قطب، محمد قطب، وأمثال هؤلاء الأخيار، ومن علمائنا الكبار كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وفضيلة الشيخ محمد بن الصالح بن عثيمين، والشيخ حمود التويجري، ومن كتب من أمثالهم، وقبلها كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبنائه، وقبلها كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، والحمد لله الخير كثير. ومن الشعراء مثل شعر: إقبال على بعض المآخذ فيه من أنه جعل الإسلام في قسم الفلسفة، أو أنه كان عنده شيء من التصوف لكن أفكاره في الجملة كانت مسددة، وكان نابغةً في الأدب والشعر. ومن الشعراء العصريين الآن: الدكتور عبد الرحمن العشماوي، والدكتور أحمد بهكلي، والدكتور صالح عون، وكثير من شباب الصحوة وشباب الدعوة. ومن الكتاب: أحمد التويجري وأمثاله من الأخيار الفضلاء الذين يستفاد بهم. وأدلكم على الدعاة الفضلاء الذين لهم تواجد في ساحة الإسلام، وأنا ذكرت العلماء وهم علماء أيضاً: كالدكتور ناصر العمر، والدكتور سعيد آل زعير، والشيخ سلمان العودة، والشيخ سفر الحوالي، والشيخ عبد الوهاب الطريري، والدكتور محمد بن سعيد القحطاني، والدكتور عبد الله التويجري، والشيخ عوض القرني، والشيخ سعيد بن ناصر الغامدي، هؤلاء الفضلاء والأخيار أرى أن تسمعوا لهم كثيراً فإني أعرفهم، وأعرف ثقافتهم، وأعرف درايتهم، ومكانتهم ولهم قدم صدق، وقد نفع الله بهم الأمة، فأرى الاطلاع على كتاباتهم والسماع لهم كثيراً. وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.

المخرج السينمائي أنيس عبد المعطي

المخرج السينمائي أنيس عبد المعطي Q ذكرت في المحاضرة توبة كعب بن مالك رضي الله عنه، وذكرت بعض التائبين إلى الله في بعض أشرطتك، كتوبة المخرج السينمائي أنيس عبد المعطي، ولأنك والشيخ سفر الحوالي ستشرفون على كتابه محاكمة أهل الفن، فنرجو منكم نبذة مختصرة عن هذا الكتاب، وإذا كنت التقيت بهذا التائب فنرجو منك تعريفه للشباب؟ A هذا الأخ الأستاذ أنيس عبد المعطي قد رأيته في مكة وقابلته، ورأيت فيه الخير ولنا الظاهر من الناس وقد اهتدى، وهو صاحب تجربة مع أهل الفن، وقد ألف كتاباً سوف يكون له أثر ودوي وهو محاكمة أهل الفن من واقع تجربته، وهو مزود بالوثائق والحقائق عن عالمهم، وعما يدور وراء كواليسهم، ووراء حجبهم، وما يدور في حياتهم وفي دنياهم، وسوف يخرج هذا. وقد قدم له الشيخ سفر الحوالي وختمتُ له الكتاب، وعسى الله أن ينفع به، هذا بإيجاز.

قصيدة عاصفة الصحراء

قصيدة عاصفة الصحراء Q نطلب من فضيلة الشيخ أن يختم هذا اللقاء بقصيدته عاصفة الصحراء؟ A أعتذر من عاصفة الصحراء؛ لأنها انتهت عندكم وانتهت عندي، ولكني -إن شاء الله- أعوضكم مكانها قصيدة: (محمد في فؤاد الغار يرتجف) لخللٍ فني، فلا أريد لكم عاصفة الصحراء لكني أريد لكم آخر قصيدة وهي (محمد في فؤاد الغار يرتجف) أحفظ منها أبياتاً، فهي ما يقارب الخمسين بيتاً، وهي في حبيبنا وعظيمنا محمد صلى الله عليه وسلم: محمد في فؤاد الغار يرتجف في كفه الدهر والتاريخ والصحف مزملٌ في رداء الوحي قد صعدت أنفاسه في ربوع الكون تأتلف من الصفا من سماء البيت جلله نور من الله لا صوف ولا خصف والكفر يا ويحه غضبان من أسفٍ لم يبقه الحقد في الدنيا ولا الأسف ولا حمته سيوف كلها كذبُ في صولة الحق والإيمان تنقصف أتى الرسول إلينا والربا جثثٌ مطمورةٌ وعليه يضحك القرف والمارد الفاجر المعتوه محترمٌ جماجم الجيل في أسيافه لطف نجوع نأكل موتانا وسهرتنا أكل الضياع وليل أحمرٌ دنف ومنها: سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا اقرأ فأنت أبو التعليم رائده من بحر علمك كل الناس يرتشف إن لم تصغ منك أقلام معارفها فالزور ديدنها والظلم والصلفُ في كفك الشهم من حبر الهدى طرف على الصراط وفي أرواحنا طرفُ وفي الختام! أشكركم شكراً جزيلاً، وأشكر لكم تعبكم وصبركم وعرقكم، وأسأل الله أن يبدلكم رضواناً في الجنة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

المثل المائي والمثل الناري

المثل المائي والمثل الناري المنافقون أكثر الله من ذكرهم في القرآن، وتوعدهم بأليم عقابه، فقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء:145] وما ذاك إلا لخبثهم ودسيستهم ودجلهم، وقد مثل الله أعمالهم بأمثلة كان من أهمها مثلهم الناري والمائي.

أمثلة المنافقين في الكتاب

أمثلة المنافقين في الكتاب الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراًَ، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. مع كتاب الله عز وجل عوداً على بدء، وجلسة محمودة، جلسة من رياض الجنة، نسأل الله تعالى أن يرزقنا فيها المثوبة والإخلاص والفتح من عنده، وأن يفقهنا في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" "بسم الله الرحمن الرحيم": (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [البقرة:17 - 18]. لا يزال الحديث عن المنافقين، وقد مَّر بنا هذا المثل لكننا ذكرناه بإيجاز، أما هذه الليلة فسوف نذكره بتوسع ونذكر كلام أهل العلم وما قالوه في هذين المثلين اللذين ذكرهما الله عز وجل للمنافقين. لقد وصف الله عز وجل المؤمنين في أول سورة البقرة بخمس آيات، ثم ثنىَّ بآيتين في وصف الكافرين، ثم ثلَّث في وصف المنافقين بثلاث عشرة آية، فلعظم خبثهم ونفاقهم ودسيستهم ودجلهم أكثر القرآن من ذكرهم. قال ابن القيم في كلام ما معناه: لا إله إلا الله كم من حصن للإسلام هدموه! ولا إله إلا الله كم من علم للإسلام نكسوه! ولا إله إلا الله كم من ركن للإسلام دمروه! وهؤلاء المنافقون ذكرهم الله عز وجل في القرآن في مواطن كثيرة، وسوف نتعرض لها بإذن الواحد الأحد.

معنى قوله تعالى: (مثلهم)

معنى قوله تعالى: (مَثَلُهُمْ) يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} [البقرة:17]. ما هو الشيء الذي ضربه الله من أحوال المنافقين؟ قال ابن الجوزي: المثل الذي ضربه الله في أحوال المنافقين مختلف فيه بين أهل العلم على أقوال: القول الأول: مثل كلمة الإسلام التي يحملونها وهي: لا إله إلا الله محمد رسول الله، كمثل نار أوقدت لهم، لكنهم لم يقوموا بلا إله إلا الله، ولم يحكموها، ولم يسجدوا لربها، فأطفأت عليهم أنوارها. القول الثاني: مثل إقبالهم على المؤمنين وسماعهم الهدى من المصطفى عليه الصلاة والسلام كمثل الذي استوقد ناراً. يجلسون مع المؤمنين ويصلون مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فجلوسهم وصلاتهم مع الرسول عليه الصلاة والسلام وسماعهم للقرآن كمثل نارٍ أوقدت لهم، لكنها لم تنفعهم فاطفئت عليهم. القول الثالث: مثل إقبالهم على الخير والهدى وتشوفهم لذلك، وإظهار النسك في الظاهر، وهم في الباطن حيات وعقارب كالذي أوقدت له نار، ثم انطفأت عليه. وإنني أسأل الله أن يخلص نفسي ونفوسكم من النفاق، فإنه مرض عضال. قال الحسن البصري كما في صحيح البخاري: [[ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق]] فإذا رأيت الشخص يخاف النفاق ويخشاه، ويسأل الله أن يدرأه منه فاعلم أنه مؤمن، وإذا رأيت الإنسان يبرئ نفسه من النفاق، فاعلم أن فيه وصمة منه. قال عمر بن الخطاب وهو الصادق الزاهد لـ حذيفة بن اليمان: {أسألك بالله يا حذيفة! أسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ -سبحان الله! أعمر يكون من المنافقين، فمن يكون إذن من المؤمنين؟!! قال: لا، والله ما سماك من المنافقين، ولا أزكي أحداً بعدك} فهكذا خوفهم رضوان الله عليهم من النفاق.

المثل في القرآن

المثل في القرآن المثل في القرآن إذا أطلق على قسمين: القسم الأول: المثل بمعنى الصفة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الرعد:35] مثل الجنة، أي: صفة الجنة. القسم الثاني: المثل بمعنى الشبه، {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ} [البقرة:17] أي: شبههم كشبه من يفعل كيت وكيت.

أنواع الظلمات

أنواع الظلمات قال تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ) [البقرة:17] الدنيا مظلمة ما لم تشرق عليها شمس الرسالة، والقلوب التي لا تشرق عليها شمس الرسالة قلوب ملعونة، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول في هؤلاء المنافقين: إن مثلهم لما سمعوا الهدى ونطقوا بلا إله إلا الله كرجل سار في ليل داجٍ مظلم، فاستوقد ناراً فأضاءت النار ما حوله، فلما أبصر ورأى قام يمشي فانطفأت عليه النار، فلا هو بالذي حرم النار من أول وهلة، ولا هو بالذي بقيت معه النار، فأبصر بها ومشى في ضوئها، ولكن أخذه الله أخذ عزيز مقتدر. قال: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ} [البقرة:17] ما هي الظلمات؟ لأهل العلم أربعة أقوال فيها: 1 - قيل: العذاب. 2 - وقيل: ظلمة النفاق. 3 - وقيل: ظلمة البعد عن المؤمنين. 4 - وقيل: ظلمة القبر وما يأتيهم في الآخرة. فالله المستعان على من لم يُطهر قلبه من النفاق والشك والريبة.

أنواع النفاق

أنواع النفاق والنفاق مرض يستشري في المجتمعات، وهو على قسمين: 1 - نفاق عملي. 2 - نفاق اعتقادي. فأما الاعتقادي فصاحبه خارج من الملة، ملعون مدحور، لا حجة له عند الله، كالذي يكفر بالقرآن وظاهره أنه يصدق به، وكالذي يستهزئ بالرسول عليه الصلاة والسلام ويكذبه، وظاهره أنه مسلم. كما يفعل بعض الناس في الساحة لهم كتب أحدهم يقول في خطاب أمام الناس والجماهير: محمد -يقصد الرسول عليه الصلاة والسلام- رجل أعرابي أتى من البادية، فأتى بشعوذة وكهانة على الناس. ألا لعنة الله على الكافرين، أعرابي؟! وهو {لا ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى} [النجم:3 - 4] أعرابي يخرج مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟! أعرابي يخرج الدنيا من الظلمات إلى النور؟! أعرابي يأتي بقرآن يتحدى به فصحاء الناس، ويأتي بسنة ويقيم بها مجتمعاً؟! ويقول أحدهم: انتهى الدين ولابد الآن من أن تنزل القوانين في الساحة. ويقول طه حسين -الذي سموه عميد الأدب العربي وهو من المنافقين- في كتابه حديث الأربعاء وغيره من الكتب: إن معركة بدر وأحد والأحزاب كلها معارك قبلية حاقدة وقعت بين أناس قبليين بدائيين. أهذه قبلية حاقدة يا عدو الله؟! بل هي والله بين التوحيد والإلحاد، وبين الإسلام والكفر، وبين النور والظلام، لكن (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ) [البقرة:17]. القسم الثاني: أهل النفاق العملي وهم من {إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر}.

سبب ضرب المثل بالنار

سبب ضرب المثل بالنار قال أهل العلم: إنما ضرب الله لهم المثل بالنار لثلاثة أسباب: أولاً: أن النار لا توقد إلا بوقود وبحطب، فحطبها الإيمان، وهو العقيدة والأعمال الصالحة، وهذا ليس عنده وقود، فالمنافق يتكلم بلسانه غير الذي يضمره في قلبه لأنه لا وقود عنده، ولا يوجد في قلبه شيء يسقي به هذا الإيمان والأعمال الصالحة، فانطفأت عليه جذوة الإيمان. ثانياً: قالوا: إنما جعل الله لهم النار مثلاً؛ لأن الذي ليس عنده نار ولا ضياء أهون ممن كان عنده نور ثم ذهب عنه، فلو كنت في الصحراء في ظلام من صلاة المغرب إلى الفجر لكان أسهل عليك من أن توقد لك النار برهة من الليل ثم تنطفئ؛ لأنك تجد من لوعة فراقه أشد مما تجد لو كان معدوماً. ثالثاً: قيل: جعل الله لهم النار مثلاً؛ لأن فيها احتراقاً، فهي إما أن تضيء وإما أن تحرق، فذهب الله بالنور فبقي احتراقهم في قلوبهم لعنة يلقونها إلى يوم القيامة. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} [البقرة:17] انظر! كيف قال: (استوقد) قال أهل العلم: السين هنا هي سين الطلب؛ وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} [فاطر:37] أي: في النار، وكلمة يصطرخون أصلها: يصرخون -نعوذ بالله من النار- لكن انظر إلى الجمال وإلى الإبداع والروعة، فقد أراد الله عز وجل أن يذكر صياحهم فقال: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ} [فاطر:37] ولم يقل: (يصرخون) بل قال: (يصطرخون) فزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. فمعنى (استوقد) طلب الإيقاد، والسين سين الطلب، وقيل: السين زائدة -وليس بصحيح- واستدلوا على ذلك بقول الشاعر: وداعٍ دعا يا من يجيب إلى الردى فلم يستجبه عند ذاك مجيب ولكن ليس في القرآن زائد؛ حاشا وكلا، ولو حرفاً واحداً. والصحيح كما قال بعض المفسرين: إذا سمعت مفسراً يقول: "لا" زائدة، فليس هذا بصحيح؛ لأن القرآن ليس فيه شيء زائد مثل: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) [القيامة:1] قالوا: لا زائدة، وهذا خطأ؛ بل هي: للنفي، والمعنى: لا نرد على كلامهم الأول، بل أقسم بيوم القيامة.

السر في قوله: (بنورهم)

السر في قوله: (بِنُورِهِمْ) قال تعالى: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17] لماذا لم يقل: ذهب الله بإضاءتهم؟ لأن أصل الفعل: فلما أضاءت، والمصدر: إضاءة؛ فالأصل أن تكون (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بإضاءتهم) لكن في القرآن قال: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17] ما هو السر؟ السر قالوا: لو قال الله (ذهب الله بإضاءتهم) لاحتمل أنه بقي لهم شيء من النور، ولكن أصل النار بقيت، فقال الله: (بنورهم) لكي يدلل أنه لم يبق لهم شيء. وأما الوصف فقد قالوا: ذهب الله بإيمانهم الذي في قلوبهم، ولكن الله قال: عندهم من حيطة وإيمان ورشد، ولم تبق دماؤهم معصومةً بكلمة التوحيد.

الحواس وحفظها في صغر السن

الحواس وحفظها في صغر السن دخل أحد كبار السن على معاوية بن أبي سفيان وهو كبير في الثمانين من عمره، فسأله معاوية فلم يسمع، فرفع معاوية صوته وقال له: لماذا لا تسمع؟ قال: إن الثمانين وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان إذا مرت الستون أو السبعون على أحدنا وبعدها الثمانون فنسأل الله العافية، تذهب قوة البصر والسمع والإدراك، ويذهب سواد الشعر ويأتي البياض في البصر والبياض في الشعر، ثم يذهب الإنسان رويداً رويداً. دخل أحد الشيوخ الكوفة وكانت له لحية بيضاء على صدره، فرآه الأطفال وهم يلعبون في السكك، فقال أحدهم: من أعطاك هذا القوس الأبيض الذي على صدرك؟ وكانت لحيته كالقوس؟! فقال الشيخ: أعطانيه الدهر بلا ثمن، وسوف يعطيك قوساً مثله. ولذلك قيل للإمام أحمد بن حنبل: ما وصف الشباب الذي كنت تحمله؟ قال: والله ما وصفت الشباب الذي كنت أحمله -أي: الفتوة والقوة- إلا كشيء حملته تحت إبطي، ثم سقط مني. وبكت العرب الشباب، ولكن هيهات! لا شباب إلا لمن أحسن الله شبابه في الآخرة، ولا شباب إلا لمن أسعد الله شبابه بالعمل الصالح، ولا شباب إلا من أحيا أوقاته بالذكر والصلاة والصلاح. يقول أبو العتاهية: بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغن البكاء ولا النحيبُ ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيبُ هذا أبو الطيب الطبري وهو عالم شافعي كان في المائة من عمره، يقولون: كان سمعه قوياً، وكذا بصره، وبنيته قوية، وثب من سفينة على الشاطئ، فإذا هو على الساحل، وأتى الشباب بعده من تلاميذه يريدون الوثوب فما استطاعوا، قالوا: سبحان الله! نحن في العشرين وقد بلغت المائة وتستطيع الوثوب ولا نستطيع، قال: هذه أعضاء حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر. ومما يذكر في كتب الرقاق: أن رجلاً من بني إسرائيل أطاع الله في شبابه أربعين سنة، ثم عصى الله أربعين سنة، فنظر إلى المرآة فلما رأى الشيب قال: يا رب! أطعتك أربعين سنة وعصيتك أربعين سنة، فهل تقبلني إذا عدت إليك؟ فسمع هاتفاً يقول: أطعتنا فأكرمناك وقربناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإن عدت إلينا قبلناك. ومصداق ذلك حديث عند الترمذي، وهو حديث قدسي صحيح، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال الله تبارك وتعالى: يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غرفت لك ولا أبالي. يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة}. فالله الله في حسن استغلال الشباب وقوته، فلا قوة إلا مع من أحسن شبابه مع الله، وليس الشباب بالقوة فقط ولا بالتمتع بالشهوات، ولا بالرقص ولا بالغناء، ولكن الشباب بمن حصن عينه وسمعه وبصره وفرجه وبطنه ويده. علي بن الحسين زين العابدين هو مثال وقدوة ونموذج لشباب الإسلام وهو ابن الحسين بن علي بن أبي طالب. قال الذهبي والعهدة عليه: كان علي بن الحسين يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، فكان إذا ضمه الليل بدأ في بكاء ونحيب، وإذا أتى الصباح فإذا وجهه يتلألأ نوراً من الخير والصلاح. ذكر أبو نعيم في الحلية في ترجمة مسلم بن يسار -أحد المحدثين الزهاد العباد- أنه كان جميلاً جد جميل، فسافر من المدينة إلى مكة، فلما نزل في البادية، رأته امرأة جميلة نظرت إليه فأحبته وتولهت به، فعرضت نفسها عليه فاستعصم بالله {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف:24] فأخذ يبكي فأتاه رفيقه قال: مالك تبكي؟ قال: لأمر حدث في صدري. قال: والله لتخبرني؟ قال: ابتليت ببلية، أتتني امرأة تراودني عن نفسها، فبكيت من هذا المنكر، ثم ذهب. قالوا: فطاف في العمرة الطواف الأول وجلس عند المقام، فأتته سنة من النوم فنام، فرأى يوسف عليه السلام يطوف في البيت، قال مسلم بن يسار: أأنت يوسف؟ قال: نعم، أنا يوسف الذي هممت، وأنت مسلم بن يسار الذي لم تهم، وهذا من الذين حفظوا شبابهم مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]. وبعض الناس يسمع وهو لا يسمع! فهو يسمع الكلام، ولكنه لا يستفيد منه، فقد طرح سمعه جانباً وهو شاهد حاضر في المجلس، فبعض الناس يكون جالساً ويسمع المواعظ والأذكار والمحاضرات والدروس، لكن ليس له وعي بسمعه فلا يستفيد.

بيان معنى الأصم والأبكم والأعمى

بيان معنى الأصم والأبكم والأعمى قال تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة:18] والأبكم: الأخرس. وقيل: من أصابه ثلم ومرض في لسانه، وهذا يشبه الأول. وقيل: الذي تباكم قلبه، فلا يفهم شيئاً، وكل الأقوال تندرج تحت قول واحد. والأبكم: هو الذي لا يعرف أن يتكلم، وقد يصاب بعض الناس بالخرس في لسانه والصمم في سمعه -نسأل الله العافية- فيكون هذا من المكفرات، ولكن ذكرهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى هنا لا لأنه ورد فيهم حسياً وإنما معنوياً، فأما عيونهم فتبصر، لكن لا يعون، وقلوبهم تعي، لكن لا يفقهون، وأسماعهم تسمع، لكن لا يعون أبداً كالحيوانات. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: (عمي) والأعمى: من ذهب بصره، والأعمه: الذي ولد وهو أعمى، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَهُمْ يَعْمَهُونَ} [النمل:4] {وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ} [آل عمران:49] الأكمه قيل: من ولد وهو أعمى، وكذلك الأعمه.

ذكر بعض من ولد أعمى

ذكر بعض من ولد أعمى ومن الناس من ولدوا وهم عمي كـ بشار بن برد، وهو شاعر من شعراء المولدين، عباسي أعمى القلب والبصر -نسأل الله العافية- حتى قال عن نفسه: أنه لم يرَ شيئاً منذ ولادته وكان يقول الشعر. قال له بعض الناس: كيف تعشق وتتغزل وأنت لا ترى؟! قال: يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا هو من أشعر الناس، وليته سخر شعره في رفع لا إله إلا الله، وفي نصرة الإسلام، يقول: يا ليتني كنت تفاحاً مفلجةً أو كنت من ثمر الريحان ريحانا يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا كلام جميل، لكنه لا يحمل رسالة. سمع رجل بيتاً من شعره يقول فيه: إن في بردي جسماً ناحلاً لو توكأت عليه لانهدمَ وكان من مكة فقال: والله لأذهبن وأرى هذا الرجل الذي صار ناحلاً، فلما وصل إليه ورآه فإذا هو كالدب الأسود، يقولون: وضع فراشاً له وجلس عليه يتململ كالدب الأسود، فدخل عليه، وقال: أنت بشار؟! قال: نعم، قال: كيف تقول: إن في بردي جسماً ناحلاً لو توكأت عليه لانهدمَ وأنت بهذا السمن؟! قال: أما سمعت الله يقول: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) [الشعراء:224 - 227]. مات هذا في سفينة، قيل: مات أعمى القلب والبصر، وقد كان شعوبياً يدعو إلى الإقليمية والقومية، وينقد العرب وكثيراً من مبادئ الإسلام، وإنما أذكر هؤلاء كنماذج لمن قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيهم: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة:18]. وممن ولد أعمى أبو العلاء المعري أحمد بن سليمان وهو شؤم على الإسلام وقد ذهب إلى الله، كان ذكياً بدرجة عظيمة، وبالغوا في ذكائه. وأنا أذكر هذه المبالغة التي لا تقبل، ولكن ذكرها الذهبي وابن خلكان وصاحب البداية والنهاية. فقالوا: نام على السرير -وكان عنده سرير مرتفع- ووضع تحت السرير درهماً، ثم قال: نزلت الليلة السماء بقدر درهم، أو ارتفعت الأرض بقدر درهم، فكشفوا فوجدوا درهماً فراشه، والعهدة على هؤلاء المؤرخين. ولكنه من ظلمه وعماه وصممه عارض الشريعة. يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) [المائدة:38] فجاء هذا يقول: كم دية اليد؟ قالوا: ديتها خمسمائة دينار من الذهب. قال: في كم تقطع؟ قالوا: إذا سرقت ربع دينار قطعت. قال: يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار وهو بكلامه هذا يعارض الله وكتابه، ولكن أخذه الله ثم لم يفلته أبداً، قال: يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار تناقضٌ ما لنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار بعد ماذا تستعيذ بمولاك؟! بعد أن هاجمت الشريعة واستهزأت بالقرآن؟! وقد رد عليه عبد الوهاب المالكي -بيض الله وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه- فقال: قل للمعري عارٌ أيما عارِ جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري يقول: اخجل من نفسك؛ فأنت عارٍ من التقى والأدب والمروءة؛ لأنك هاجمت الشريعة. قل للمعري عارٌ أيما عارِ جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري لا تقدحن بنود الشرع عن شبهٍ شعائر الدين لم تقدح بأشعار وقد توفي وذهب إلى الله، وذكروا عنه في تراجمه: أنه كُشف قبره بعد حين، فوجدوا حية باركة على صدره {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16] {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] هؤلاء صم بكم عمي فهم لا يرجعون. وهذا الكلندي الفيلسوف المشكك في الإسلام يستهزئ بالقرآن، يقول: أحاكي القرآن فأخذ قلماً ودواةً وصحيفةً ليكتب آيات عنده فيبست يده وشل نصف جسمه، والله المستعان.

بيان معنى قوله تعالى: (فهم لا يرجعون)

بيان معنى قوله تعالى: (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18] لها ثلاثة معانٍ: 1 - قيل: لا يرجعون إلى الهدى من ضلالهم. 2 - وقيل: لا يرجعون رجوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن يفارقوه، فهم يخرجون بقلوب ولا يرجعون بتلك القلوب. 3 - وقيل: لا يرجعون إلى الإسلام، لا يرجعون عن الصم والبكم والعمي، فأحوالهم لا تتغير أبداً.

مثل المنافق المائي

مَثَل المنافق المائي قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة:19] والصيب: المطر، واعلموا أن الغيث إذا نزل من السماء ارتاحت القلوب. والله قارن بين غيث البلدان وغيث الأرواح والجنان بمقارنة، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16] ثم قال بعدها: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد:17] فيا من يحيي الأرض بعد موتها بالمطر نسألك أن تحيي قلوبنا بالإيمان والقرآن والسنة. قوله تعالى: (أَوْ كَصَيِّبٍ): (أو) قيل: هي للتخيير. قالت العرب: جالس الحسن أو ابن سيرين، للتخيير. وقيل: هي للتقسيم، تقول العرب: (خذ هذا القلم أو هذا القلم أو هذا القلم) فهذا تقسيم وليس بتخيير. وقيل: هي للتنويع وهو أقرب إلى التقسيم. وقيل: هي عاطفة ليست بمعنى التخيير ولا التشريك. يقول مجنون ليلى: وقد زعمت ليلى بأني فاجرٌ لنفسي تقاها أو عليها فجورها

العاصم من التوله بالأجنبيات

العاصم من التوله بالأجنبيات ومجنون ليلى ترجم له الذهبي وهو من الذين تولهوا وضيعوا قلوبهم وإيمانهم على امرأة، وهو من الذين يسمون عباد المرأة، كما يفعل بعض الناس الآن إذ يجعلون من المرأة إلهاً يعبد من دون الله بصوتها وبنغمتها وبنشر صورها على المجلات الخليعة بالهيام بها بكلمات يستحي الإنسان أن يذكرها في هذا المكان، ولذلك من يفعل هذا الأمر يصيبه مثلما أصاب مجنون ليلى فقد جن وذهب عقله من أجل امرأة. والعاصم من التولع بالنساء وعشق الأجنبيات ثلاثة أمور: أولاها: الاعتصام بالكتاب والسنة، قراءةً وتدبراً. ثانيها: المحافظة على الفرائض الخمس والتزود بالنوافل. ثالثها: كثرة الدعاء والذكر والابتهال إلى الواحد الأحد. والإنسان قد يصاب بهذا، وبعضهم إذا أصيب بهذا وصبر عليه يؤجر، فيعف سمعه وبصره وفرجه، فربما كتم حبه حتى توفي، فيكون من المأجورين عند الله، أما حديث: {من عشق فأحب فكتم فمات مات شهيداً} فحديث موضوع باطل كذب على المصطفى عليه الصلاة والسلام. ومن أصيب بالعشق فكتمه واستغفر الله وتاب وقرأ القرآن، ثم مات وهو على هذا الشيء فهو مأجور عند الله، وقد حدث هذا لأناس كثيرين، حتى من الصالحين كـ محمد بن داود الظاهري فقد أصيب بهذا، فغض طرفه، وقرأ القرآن وصبر، وتوفي قبل الأربعين من عمره، فهو من المأجورين إن شاء الله، والإنسان لا يستدعي هذه الأسباب؛ لأنه إذا استدعاها وقع فيها، فيكون من هؤلاء -نسأل الله العافية- فمن رخص لسمعه أن يسمع الأغنية، ومن نظر إلى المجلة الفاتنة، ومن أطلق بصره في أسواق المسلمين وأعراض المسلمين ونال أعراضهم فإنه سوف يصاب. يقول المتنبي: وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل وأنت متى أرسلت طرفك رائداً إلى كل عين أتعبتك المناظر أصبت الذي لا كله أنت قادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صابر

بيان معنى قوله تعالى: (أو كصيب)

بيان معنى قوله تعالى: (أَوْ كَصَيِّبٍ) قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ كَصَيِّبٍ} [البقرة:19] والصيب: المطر؛ ولأهل العلم في الصيب قولان: 1 - القول الأول: هو المطر، وهو الصحيح. 2 - القول الثاني: هو كل ما ينزل من السماء من رذاذ وطش وسحاب وما يشابهه، قاله ابن قتيبة، ولكن الرأي الأول هو الأحسن، فالصيب الذي يصوب. وللمطر أسماء منها: (الوكل- الغادي- الوسمي- الولي- الطش- الرش- المطر- الغيث- إلخ) والعجيب أن الغالب في القرآن إذا ذكر الله المطر فهو للعذاب: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) [الشعراء:173]. وإذا ذكر الله الغيث فهو للرحمة، وهذا في الغالب؛ ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث} ولم يقل: المطر. وقسم ابن الجوزي في المدهش أقسام المطر، فقال: الرش والطش والغادي والولي والوسمي وغيرها من الأسماء التي تبلغ العشرات. فأما الرش فهو: الذي ينزل رذاذاً قطرة قطرة. وأما الطش فهو: الأكثر منه. وأما الغادي: فغالباً يأتي في أول النهار. وأما الولي فهو: الذي يسبقه مطر كثيف، ثم يأتي مباشرة. وأما الوسمي فهو: يأتي على ميقات من الزمن. وأما الديمة فهو: الذي يستمر دائماً. وسبحان الذي جعل في المطر آيات، وله حكمة بالغة تبارك وتعالى. وذكر بعض أهل العلم كـ ابن الجوزي: أن من أسباب إجابة الدعاء: نزول الغيث، ولذلك ترتاح القلوب إذا سمعت الطش والرش، وأنت تسأل الله أن ينزل على قلبك رحمةً كما أنزل على الأرض رحمةً سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

حقيقة الرعد

حقيقة الرعد قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) [البقرة:19] هنا أمور: والمفسرون لهم في الرعد ثلاثة أقوال: القول الأول هو: صوت الملك يزجر السحاب، وهذا فيه حديث عند أحمد وهو حديث صحيح نص عليه الترمذي والنسائي. القول الثاني: هو ريح تختنق بين السماء والأرض. القول الثالث: اصطكاك أجرام السحاب. أما القول الأخير، فهو لبعض المفسرين المتقدمين، وهو قول لعلماء الهيئة وأهل التكنولوجيا الحديثة والعلم الحديث، وأما الأقوال السابقة فقد نسب القول الأول إلى المعصوم الذي وقفت عليه أنه صحيح عنه صلى الله عليه وسلم، وإذا صح الكلام عنه صلى الله عليه وسلم فلا نعدل إلى كلام غيره مهما كان كائنٌ من الناس، ونجعل كلامه على العين وعلى الرأس، وكلام الذي يعارضه -مهما كان- ويعارض. إذن فنجعل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المقبول، وقد يجتمع مع كلام غيره وليس هناك مانع أن نجمع بينه وبين القول الثالث أنها اصطكاك السحاب، فقد يكون الملك يقول هذا القول ويحدث الاصطكاك في نفس الوقت والله أعلم. وما قاله صلى الله عليه وسلم، يجب أن نقول فيه: سمعاً وطاعةً (وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل).

ماهية البرق

ماهية البرق أما قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) [البقرة:19] فلأهل العلم في البرق ثلاثة أقوال: القول الأول: هو مخاريق يسوق بها الملك السحاب، وهذا الحديث عند أحمد والترمذي والنسائي، وهو صحيح. القول الثاني: تتلالؤ الماء، في السحب، وهو قول لبعض السلف. القول الثالث: هو نار تنقدح من اصطكاك السحاب، وهذا القول الثالث لبعض علماء الهيئة من المحدثين، والقول الأول نقدمه ولا بأس أن نجمع بينه وبين الثالث في أنه قد يحدث الصوت مع الاصطكاك، أو قد يحدث الصوت مع هذا اللون والنور، فيكون في وقت واحد. وهنا Q ما هو وجه وصف الله عز وجل للمنافقين بالظلمات، قال: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ} [البقرة:19]؟ قال أهل العلم: الظلمات هذه -وقد سبق أن عرجت عليها- هي: ظلمة الكفر، وظلمة النفاق، وظلمة ما يجدونه في قبورهم. وقيل: ظلمة بعدهم عن الهداية.

وصف الرعد بحال المنافق

وصف الرعد بحال المنافق قال تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ} [البقرة:19] ما هو وجه وصف الرعد بما عليه حال المنافقين؟! قالوا: لأن صوت الحق كصوت الرعد، فهم يسمعون الإنذارات والتهديد والزجر من القرآن فيقع عليهم كالرعد، ولذلك السارق أو الزاني أو الجاني أو القاتل يخاف دائماً من الإعلانات، فإذا سرق أحدهم وسمع خطيراً إعلاناً مهماً، أو سمع الناس يقولون: السلطان يبحث عن أناس من المجرمين، خاف وارتعد حتى كاد يفضح نفسه؛ ولذلك يقول المثل: (كاد المريب أن يقول: خذوني). والقرآن فيه تصديق لهذا، وأن المنافقين يخافون من الأصوات، يقول الله تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ} [المنافقون:4] إذا سمعوا بصائح، أو بإنذار، أو بتوعد، قالوا: أخذنا هذا اليوم وقيدنا هذا اليوم، لأنهم مريبون مشككون، ولذلك الصادق لا يخاف. قال الإمام أحمد: الصدق كالدواء ما وضع على جرح إلا برئ. وقيل له: بماذا نجاك الله في فتنة القول بخلق القرآن؟ قال: والله ما نجاني الله إلا بالصدق، والصدق لا يخاف صاحبه أبداً. مر عمر رضي الله عنه وأرضاه بأطفال أهل المدينة، ففر الجميع في كل وجهة إلا ابن الزبير ثبت مكانه، فأراد عمر أن يمتحن ذكاءه فقال: لِمَ لَمْ تفر معهم؟. قال: لست بجانٍ فأخاف، وليست الطريق ضيقة فأوسع لك. فدعا له عمر ومسح على رأسه، وذكر أنه سوف يكون له شأن، وبالفعل كان له شأن، فقد تولى أمر الأمة الإسلامية ست سنوات، وهو الفارس المصلوب، لم يكن له قبر في الأرض فصلب على الخشب من عظمته. فالشاهد: أن الله وصفهم بالرعد، لأن ما يسمعون من قوارع كأنه رصاص على رءوسهم أو رعد، ولذلك الآن لو حضر المنافق خطبة الجمعة وسمع المواعظ والتهديد فهو خائف، يقول: الخطيب قصدنا هذا اليوم، حسبنا الله عليه تكلم عنا هذا اليوم وشن الغارة علينا ونقدنا، وهذا ليس بأسلوب دعوة، وهؤلاء ليس عندهم إلا تجريح أعراض الناس، ولو كان هذا الرجل سليماً لم يكن ليشك، ولذلك إذا تحدث عن النظر في الحرام، والنظر في الأسواق، قال: حسبه الله، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستخدم أسلوب اللين والرحمة مع الناس، أما هو فلا يعرف إلا التجريح، رغم أنه لا يقصده ولا يدري أنه نظر إلى الحرام. وإذا تكلم عن الغناء والربا والزنا والمخدرات والخمر شك وظن أنه هو المقصود: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:4]. ولذلك يقولون: إن رجلاً من الحكماء أتته امرأة، فقالت: رجل سرق دجاجتي ولا أدري من هو هذا الرجل، ميزانيتها ورأس مالها هذه الدجاجة؛ لأن بعض الناس من فقره ليس عنده إلا شيء من هذه الصغار. فجمع هذا الحكيم الناس، وقال لهم: لقد علمنا بسارق الدجاجة، وعلامته: أن على رأسه ريشة من ريش الدجاجة، فذهب السارق يمسح على رأسه ليزيل الريشة، فكشفه الحكيم، والمثل يقول: (كاد المريب أن يقول: خذوني). ذكر ابن كثير أن أحد الخلفاء جاءه أحمق فطبخ له دجاجة وهو من المقربين إليه، لكنه متخلف، وقدمها هدية له فقال الخليفة: جزاك الله خيراً! جدت بالميسور فهي أعظم عندنا، وهذا مقدار طاقتك، فأعطاه الخليفة جائزة، فكان يتقرب دائماً من الخليفة، فيقول: كلما سئل ودارت مسألة، حدث هذا قبل أن أهدي للخليفة الدجاجة بسنة، وهذا بعد أن أهديت له بشهر، وهذا الحادث وقع مع إهدائي الدجاجة له، فقبحه وقبح دجاجته وطرده من مجلسه. ولذلك يحسبون كل صيحة عليهم، بعض الناس إذا ركب معك، وربما سمع شيئاً من القرآن، قال: أرجوك أن تطفئ هذا الشريط أزعجتنا دعنا نعيش ونأكل ونشرب، دائماً قرآن قرآن خوفتنا يا أخي، دعنا نضحك ونبتسم، لأنه يقع على أدواء قلبه، ويرصد شيئاً فيه، ولذلك يقول سيد قطب: إن القرآن يأخذ على منافذ القلوب، فلا يترك منفذاً من نفس إلا ويدخل من هذا المنفذ يريد علاجه. ووصف القرآن بالرعد؛ لأن زواجر القرآن على قلب المنافق كالرعد الذي ينصب على آذان الناس.

وصف البرق بحال المنافق

وصف البرق بحال المنافق (وبرق): الشبه بين البرق وبين أحوال المنافقين أن البرق الذي يلوح لهم عارضاً، والبرق إنما يكون بقدر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وقضائه، لا يمشيك في الطريق بضوئه المنقطع حتى تصل إلى بيتك، ولا يتركك في مكانك، ولكنه يلمع تارة ويخبو تارة فتمشي خطوات فينطفئ كلما لمع. فالمنافق يرى اللمع ويسمع القرآن، والخطب على المنابر، والدروس والمحاضرات، لكنه لا يدخل إلى قلبه من هذا شيء؛ لأن قلبه مغلق عليه فلا تدخل إليه الهداية. قالوا: فوصف البرق مثله كمثل ما يرى من نور الإسلام الذي يراه المنافق من بعيد، ولكنه يلمع لمعاناً فلم يهتد به.

بيان معنى الصاعقة وذكر بعض من أحرق بها

بيان معنى الصاعقة وذكر بعض من أحرق بها قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ} [البقرة:19] لأنهم خائفون من زواجر القرآن والسنة {مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة:19]. الصاعقة: هي صوت شديد يصحبه احتراق، وهي تتنزل من السماء بإذن الواحد الأحد، وقد أحرق الله بها أقواماً منهم من ذكر الله عز وجل كـ أربد بن قيس وهذا أخو لبيد بن ربيعة. فقد ذهب أربد هذا وعامر بن الطفيل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من سادات العرب بعد أن حلف بآلهته وأصنامه ليقتلن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال لـ أربد بن قيس -كان صديقاً له-: نذهب إليه في المدينة، فإذا كلمت الرسول (عليه الصلاة والسلام) وشغلته بكلامي فاضرب أنت رأسه، لكن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة:67] لا تنالك يد. إحدى عشرة محاولة اغتيال ينجو منها صلى الله عليه وسلم بسلام؛ لأن الله يريد له أن يوصل البشرية إلى بر الأمان، وأن يدخلهم جنة عرضها السماوات والأرض. أتى أربد وعامر إلى المدينة، فاقترب عامر من الرسول عليه الصلاة والسلام فأخذ يحدثه يريد فقط أن يشغله، أخذوه من بيته وأخرجوه من بين أهله ليجدوا فرصة للفتك به، فخرج معهم صلى الله عليه وسلم بلا سلاح ولا درع ولا سيف، لكن كما يقول البوصيري: ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم عناية الله أغنت عن مضاعفةٍ من الدروع وعن عالٍ من الأطم خرج معهم بثيابه صلى الله عليه وسلم وهو القائد الشهير، والزعيم الذي لم يطرق أسماع العالم أفصح ولا أنبل ولا أكرم منه، فلما أصبح هو وإياهم في الصحراء، قالوا: نريدك في أمر، قال: ما هو؟ وقد أتى أربد بسيف مسنون يقطر دماً وموتاً أحمر، فوقف خلف الرسول صلى الله عليه وسلم وأتى عامر يتحدث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. قال: خذ المدر وأعطنا الوبر، يقول له: نقتسم الدنيا أنا وإياك. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {الأرض لله يورثها من يشاء} وعامر يشير أثناء كلامه لـ أربد بعينيه أن يضرب (اضرب الرجل) ولكن أين يذهب من الله عز وجل؟ فتوقف طويلاً وأعاد الكلام عليه مراراً فلم يتحرك، ثم أعاد الكلام، وفي الأخير ودع الرسول صلى الله عليه وسلم وذهب، فقال: لا أصحبك بعد اليوم، لقد كنت عندي من أشجع العرب وأنت الآن من أجبنهم، لماذا لم تضرب الرجل؟ فحلف بآلهته، وقال: ما رفعت سيفي لأضربه إلا رأيتك بيني وبينه فكيف أضربك بالسيف؟! وعرف النبي أنها مكيدة، فقال: {اللهم اكفنيهم بما شئت} فأما عامر بن الطفيل فقد كان سيداً من سادات العرب، لكنه سيد في الجهل والكفر، وعنده ألف مقاتل من الشباب، فلما ذهب دخل عند عجوز سلولية فشرب عندها لبناً فإذا بغدته تنتفخ كغدة البعير، فقام من الخيمة يقول: غدة كغدة البعير في بيت امرأة من بني سلول، وأنا سيد عامر بن صعصعة، أركبوني على الفرس، فأركبوه ليموت على الفرس عنجهية وغطرسة، فأركبوه على الفرس فأخذت الغدة تكبر وتكبر، ثم انخدشت فمات. وأما أربد بن قيس فذهب بجمله إلى السوق، فأرسل الله عليه من جنوده صاعقة {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) [المدثر:31] فاحترق هو وجمله وبضاعته وقماشه مرة واحدة. دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس يا غارة الله جدي السير مسرعةً في أخذ هذا الفتى يا غارة الله فهذه من الصواعق التي وقعت ويستعاذ بالله منها، فإنها تقع في بعض الديار ابتلاءً من الله، تقع على الشجر والبيوت والمزارع فتحرقها، فعلى المسلم إذا سمع صوت الرعد أن يقول: {اللهم لا تهلكنا بعذابك، ولا تقتلنا بغضبك، وعافنا قبل ذلك} أو كما ذكر عنه صلى الله عليه وسلم. وورد في بعض الآثار، ولكن في صحته نظر: {سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته} وإذا وقع في الإنسان فليحتسبه عند الله، فإنها مصيبة يؤجر إن صبر عليها، كأن يأخذ البرق ابنه، أو ماشيته، أو يأخذ شيئاً من مزارعه فهي مصيبة إن صبر أجر عليها.

بيان معنى الإحاطة

بيان معنى الإحاطة قال تعالى: (يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ) [البقرة:19] قالوا: (محيط بالكافرين) أي: مهلكهم، كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} [الكهف:42] أي: أهلك ثمره. (محيط بالكافرين) فيها ثلاثة أقوال: 1) القول الأول: لا يفوته منهم أحد؛ لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) [الطلاق:12]. 2) القول الثاني: يهلكهم؛ لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} [الكهف:42]. 3) القول الثالث: لا يخفى عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما يفعلون، فهو محيط بحركاتهم وسكناتهم.

إحاطة الله تعصم نبيه صلى الله عليه وسلم

إحاطة الله تعصم نبيه صلى الله عليه وسلم عمير بن وهب وصفوان بن أمية -وهما مشركان، وقد أسلما فيما بعد، وأبو صفوان اسمه أمية بن خلف قتل في بدر مع صناديد قريش. قال صفوان: يا عمير بن وهب، تذهب تقتل محمداً بـ المدينة وأنا عليَّ بأطفالك ومالك وأكون رشيداً ووالياً عليهم. قال: يتشاورون عند ميزاب الكعبة، والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة. فقال عمير بن وهب: أذهب. فقال له صفوان: لا يأتي بعد عشر إلا وقد ظهر الخبر بمقتله، قال: لا عليك. فسم سيفه حتى صار أزرق، ثم ذهب، فلما وصل إلى المدينة رآه عمر قد أقبل، فما تمالك عمر نفسه، وكان رجلاً قوي البأس شديداً. ومن اللطائف التي ذكرها بعض المشايخ والعهدة عليهم: أن عمر رضي الله عنه وأرضاه كان يحلقه حلاق أيام منى، فعطس عمر فأغمي على الحلاق، كان قوياً جداً، قويَ جسمٍ وقوي فكر، وهو عملاق عبقري، وقوي في كل شيء. قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها فلما وصل أخذه عمر بتلابيب ثيابه وسيفه، وأخذ يجره جراً حتى سلمه للرسول صلى الله عليه وسلم {قال صلى الله عليه وسلم: ما لك يا عمير، ما قدم بك؟ قال: قدمت للأسرى هؤلاء أفتديهم بمال. فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال له: بل جلست أنت وصفوان عند الكعبة، وقال لك كذا وكذا، وقلت له كذا وكذا، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله} فإحاطة الله هي التي نقلت الخبر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [المجادلة:7] فسبحان من وسع علمه كل شيء! قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:1] قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: {سبحان من وسع علمه كل شيء وسمعه كل شيء، والله الذي لا إله إلا هو إن امرأة أوس بن الصامت دخلت على الرسول عليه الصلاة والسلام -وبيت الرسول عليه الصلاة والسلام وعائشة صغير- وإنها لتناجيه في طرف البيت وما سمعت ماذا تقول حتى أنزل الله عز وجل {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1]} البيت ثلاثة أمتار فيما قدره بعض أهل العلم، ومع ذلك تنصت عائشة لتسمع كلمة، لكنها لم تسمع، ولكن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1] أي: ما قلت أنت وما قالت هي.

معنى قوله تعالى: (يكاد البرق يخطف أبصارهم)

معنى قوله تعالى: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} [البقرة:20]. يقول: هذا لمعان الدين وما يرون من قوة الإسلام يكاد يخطف ما عندهم من يقين، لأن المنافق يغيظه اجتماع الإسلام وأهله، ولذلك أمرنا يوم الجمعة أن نجتمع في مصلى واحد. وأمرنا أن نقلل من المساجد في المدينة الواحدة ليكثر الجمع، وأمرنا أن نلبس الملابس الجميلة لنغيظ المنافقين. وأمرنا في الأعياد أن نجتمع لنكون قوة نبدي التضامن والتكاتف والقوة، فإذا رآنا المنافق، فكأنما أصابه برق في عينيه فينغمس ويغتاظ، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {ما رئي الشيطان أدحض ولا أبعد ولا أخسأ من يوم عرفة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} [البقرة:20] قال أهل العلم: كلما قالوا: لا إله إلا الله حقنوا دماءهم بها. وقيل: كلما حضروا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أتاهم شيء من الهدى، ولكنه ينتهي. وقيل: يأتيهم نوبات من سماع الإسلام، ثم تنتهي هذه النوبات، فتأتيهم الظلمة ويعود لهم الكفر والنفاق {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة:20] توقفوا حائرين. ثم انطفا نور المنافقينا فوقفوا إذْ ذاك حائرينا لأنهم بالكفر ما استضاءوا فكذبوا فذا لهم جزاء وفي الحديث: {إن المنافق يأتي يوم القيامة فيبدي الله له نوراً، ويضاء له، فإذا أصبح على الصراط انطفأ النور، فيتوقف، ثم يضرب على وجهه في النار} له نور، فلما توسط الصراط انتهى النور، فهذا حاله في الدنيا والآخرة. (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ) [البقرة:20] قالوا: أفقدهم إياها، وهذا هو الصحيح. (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:20] هذا عموم لا خصوص له، فكل ما يقبل قدرته سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فهو قدير سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليه، وأظن أن القول: مما يقبل القدرة للمعتزلة ليست لـ أهل السنة، فأنا أقول {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:20] فهو على كل شيء قدير كما ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى بعمومها وإطلاقها ومدلولها ومقصودها، لأن ابن تيمية ناقش المعتزلة في هذا الكلام. يقولون: إن الله على كل شيء قدير مما يقبل القدرة، لأن الله قدير، ولكنه لا يخلق مثل نفسه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ليس إلا إلهاً واحداً وقد جعل الألوهية له سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهذه المسائل مغاصات ومغارات أتى بها أهل الكلام، لكن أوقفهم ابن تيمية عند حدهم، والصحيح أنه على كل شيء قدير، أما كلام المعتزلة أنه قدير على ما يقبل القدرة، فهذا الكلام لا يوافقون عليه.

معنى قوله تعالى: (يا أيها الناس)

معنى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة:21] من هم الناس؟ قال ابن الجوزي في زاد المسير هم واحد من أربعة: إما الكفار، أو اليهود، أو المنافقون، أو عامة المخلوقين. (يا أيها الناس) إما الكفار من مشركي العرب من أهل قريش وغيرهم، وإما اليهود، وإما المنافقون، وإما كل الناس، والصحيح كل الناس، والله نادى بـ (أيها الناس) و (يا أيها الذين آمنوا) (ويا أيها النبي) و (يا أيها الرسول) فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:1]. وقال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67]. وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) [الحج:1]. وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء:1]. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. وقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53].

المخاطبون في القرآن بـ (يا أيها …)

المخاطبون في القرآن بـ (يَا أَيُّهَا …) يا أيها الناس! يخاطب به في الجمل العقدية والبعث والنشور التي ينكرها الكفار، ويدخل فيها المؤمن. ويا أيها الذين آمنوا! في الأحكام والعبادات وحتى في النهي عن كثير من المعاصي. ويا أيها النبي! فيه أمر للرسول صلى الله عليه وسلم، وأمته تخاطب بما يخاطب به صلى الله عليه وسلم. ويا أيها الرسول! في تبليغ الرسالة عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. (يا أيها الناس) وأصلها من (ناس ينوس إذا تحرك) وسموا ناساً لأنهم يتحركون في الأرض. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة الفرقان: (وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً) [الفرقان:49] أناسي: أناس كثير، لكن هل تسمى الأنثى إنسانة؟ A كأن هذا اشتقاق ليس بصحيح في العربية، إنما لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إنما ذكر الناس وذكر الإنسان ولكنه لم يذكر لفظ إنسانة، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر إنسانة، وهذا مثل بعض الاشتقاقات التي ليس لها مدلول في العربية. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:21] اعبدوا: قيل معناه: أخلصوا التوحيد. وقيل: ادخلوا في دين الله، وهو بمعنى الأول. وقيل معناه: تعبدوا وتزودا من النوافل بعد الفرائض. فإن كان معناه: النوافل بعد الفرائض فهو للمؤمنين، وإن كان معناه: أخلصوا الدين فهو للمنافقين، وإن كان معناه: ادخلوا من الكفر إلى الإسلام فهو للكافرين، والصحيح أن (اعبدوا الله) يدخل فيها الجميع. والعبادة أشرف مرتبة، وشرفك في الحياة أن تكون عبداً لله. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي ومن أحسن من تكلم في العبودية شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو إذا تكلم في موضوع شفى عليلك، وأروى غليلك، فأنبه الإخوة للرجوع إلى كتابه العبودية، وهو لا يكلف وقتاً، يقع في مائتي صفحة أو ما يقاربها، وهو كتابٌ مجيدٌ على عادة ابن تيمية، رحم الله روحه، وسقى الله عظامه شآبيب الرضوان.

القرآن يقرر توحيد الألوهية

القرآن يقرر توحيد الألوهية قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:21] الخلق لله، والرزق له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والله ذكر الربوبية هنا ثم ذكر الخلق، فإن الكافر يشهد أن الرب والخالق والرازق هو الله، فهل يعصمه ذلك من النار؟ وهل يمنعه من عذاب الواحد القهار؟ لا. فـ أبو جهل يعرف أن خالق الشجر ورافع السماء هو الله {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87]. لكن هذا ليس بتوحيد الألوهية، هذا توحيد الربوبية، وهذا مقرر وقد اعترف به حتى فرعون باطناً، قال موسى عليه السلام لفرعون: (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] ولكن التوحيد الذي أتى به صلى الله عليه وسلم وهو توحيد الألوهية، فـ أبو جهل يعلم أن الله خلق السماوات والأرض ولكنه جعل معه آلهة أخرى، فالرسول صلى الله عليه وسلم أتى يقول: لا إله إلا الله (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) [مريم:65] لا خالق، ولا رازق ولا معبود بحق ولا يستحق العبادة إلا الله. إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي خلقكم ولا ينكر أحد هذا إلا ما فعل فرعون فإنه أنكر الصانع، والملاحدة كـ استالين ولينين وماركس عليهم لعنة الله وغضبه، يقولون: (لا إله والحياة مادة) وذكروا أن الطبيعة هي التي خلقت وأوجدت وصورت واستدلوا بأمور منها: الجراثيم والبكتيريا وغيرها وهذه {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور:40] وهم يبثون أفكارهم وسمومهم في الشعر الحداثي في قالب الحداثة وفي الرموز المتهتكة اللعينة الرخيصة، في كتابات في مركب الاقتصاد، وفي كتبهم التي تغزو أسواق المسلمين، لكن {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [الصف:8].

معنى التقوى

معنى التقوى قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] قال أهل العلم: تتقون فتعرفون لا إله إلا الله. وقال بعضهم: تتقون فتعرفون أنه لا يستحق العبادة إلا الله. وقال بعضهم: تتقون الله وتتقون غضبه وعذابه. وكل الأقوال تدور في كلمة، ومن أحسن المنازل تقوى الله، وأنت أوص نفسك بها صباح ومساء. ينسب لـ علي بن أبي طالب أنه قال لما قيل له: ما هي التقوى؟ فقال: [[التقوى: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل، والرضا بالقليل]]. وقال عبد الله بن مسعود: [[تقوى الله: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر]]. وقال طلق بن حبيب [[التقوى: هي عمل الحسنة بنور من الله ترجو رحمة الله، والكف عن المعصية على نور من الله تخاف عذاب الله]]. وقال ابن كثير: التقوى: هي أداء ما أمرت بأدائه، واجتناب ما نهيت عن اجتنابه. وقال ابن تيمية: التقوى: هي إتيان المأمورات واجتناب المنهيات وتصديق الأخبار. وقال بعض أهل العلم من أهل السنة: التقوى هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية. والوقاية عند العرب تسمى: الستر الواقي، والحجاب وقاية، ويسمى ما يتخمر به وقاية، قال لبيد بن ربيعة: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد يعني: جعلت بيننا وبينها وقاية بيدها، وقد أورد هذا الشاهد ابن جرير وغيره من المفسرين. قال سبحانه: من هو الله؟ تعريف الله عند خلقه يكون بنعمه؟ ولذلك أكبر ما يُعرف سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بنعمه، فإن آثاره في الكون من النعم هي التي تدل عليه، فقد عرف عباده بالسماء، وعرفهم بالأرض وبالأمطار والرزق والثمرات -وهذا سوف يأتي- وعرفهم بنعمة الليل والنهار، ونعمة النوم واليقظة، وقد ذكر ابن كثير عند هذه الآية فصلاً طويلاً وأنا لا أذكره هنا، لأني كررته كثيراً ودليل القدرة ذكره عن مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، وقد كررته فيعاد إلى الدروس السابقة في التفسير وقد أوردت هذا الكلام من تفسير ابن كثير، فلا أكرره. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد

معنى قوله تعالى: (الذي جعل لكم الأرض فراشا)

معنى قوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً) قال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً} [البقرة:22] سمى الله الأرض: فراشاً وذلولاً وقراراً ومهاداً وهذه هي أسماء الأرض. (فقراراً) مستقرة لأرزاقكم وخلقكم. و (مهاداً) أي: مستوية لا تتعبكم. و (ذلولاً) أي: تركبونها وتمشون في جنباتها وتطلبون رزق الله، فهي قرار بالجبال، وهي تدور كما قال بعض أهل العلم -وهو الصحيح- وهذا لا يتعارض مع معتقداتنا، كما يقول بعض الناس: الأرض لا تدور وألفوا في ذلك رسائل. بل هذا يزيدنا إيماناً بقدرة الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن جعل الأرض تدور حول الشمس، وليس هناك آية تثبت أن الأرض لا تدور قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً) [غافر:64] فإنها قد تكون قراراً، وهي مع ذلك تدور، ولا ندخل في هذه المتاهات، إنما إذا ثبت في العلم التجريبي أن الأرض تدور فما المانع من قدرة الواحد الأحد أن جعلها تدور وتتحرك، وأن الناس على ظهرها، فسبحان الباري تبارك وتعالى! أما من قال: إن هذا شك في المعتقد، فلا. فهذا كلام بعيد، بل لها أن تدور أو لا تدور. بعض الناس تكلم وعنده خير، وإنما أراد أن يرد رداً منطقياً والردود هذه لا تكون إلا بدارسة، فتراه يقول: سبحان الله! كيف تدور وأنا في قريتي منذ خلقني الله، ولم تدر القرية من مكانها. فهو يظن أن قريته تذهب مثلاً: من أبها إلى القصيم، أو تذهب إلى الطائف، لا. هي ثابتة كالكرة تدور والنقاط التي على سطح الكرة باقية، المقصود أن هذه ليست بردود، وقد جاء العلم بهذا وهو لا يعارض سياق القرآن والحمد لله. لكن على كل حال المسألة فيها سعة كما يقول الأستاذ علي الطنطاوي في كتاب المسلمون وعلم الفلك، والكتاب للصواف يقول في المقدمة: أثبت الصواف أنها تدور، ورد عليه العالم الفاضل الفلاني بأنها لا تدور، وأنا تدخلت للإصلاح بينهما فـ للصواف أجران لأنه اجتهد وأصاب، وللشيخ الثاني أجر لأنه اجتهد وأخطأ ولي أجر لأني تدخلت. فالمقصود: أن هذه لا تضر والحمد لله، والأمر أسهل من ذلك، لكن يحدث الناس بقدر ما عندهم من استعداد، فلا يذهب إنسان إلى بادية فيحدثهم عن الدوران فيقولون: من أين أتى بهذا الكلام؟ فلا يحدث الشخص قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كانت عليهم فتنة.

نفي التعارض بين جعل الأرض فراشا ووجود الجبال

نفي التعارض بين جعل الأرض فراشاً ووجود الجبال قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [البقرة:22] لا تعارض بين وجود الجبال في الأرض أن تكون فراشاً ومهاداً، فإن الجبال أقل رقعة من كثير من السهول، بل الجبال جعلها الله عز وجل سهلة المرتقى في الغالب إلا في النادر منها، ولحكمة جعلها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أوتاداً في الأرض. ولذلك ذكر بعض أهل العلم التجريبي: أن الأرض متوازنة فلها في كل مكان كتلة من الجبال تحفظ التوازن في الكرة الأرضية، فالدرع العربي مثلاً: في الجزيرة العربية يمر إلى العقبة وإلى الساحل، وجبال الهملايا في الهند وجبل طارق مثلاً في المغرب، قالوا: فوجد أنها موزعة بالتوازن وأنه لو نقصت كتلة من هذه الجبال لأخذت الأرض تتأرجح بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وذكر أهل العلم التجريبي أن هناك أدنى الأرض وأعلاها، والروم كانوا يسكنون في الأردن، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) [الروم:1 - 3] ونحن لا نقر هذا ولكن نستأنس ونذكره للناس، وإلا فالأدنى عند المفسرين: الأقرب، فلان يدنو من فلان، أي: يقرب منه، وسميت الدنيا كذلك لقربها، فقوله: (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) [الروم:3] أي: قريباً من بحيرة طبرية، أو في نهر الأردن ووجد أن هذه المنطقة هي أدنى منطقة في الأرض، أي: أسفل منطقة، ولله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى القدرة التامة، فإن آيات القرآن ومعجزاته ما زالت تستنبط. آياته كلما طال المدى جددٌ يزينهن جلال العتق والقدم

بيان قوله تعالى: (والسماء بناء)

بيان قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [البقرة:22] وقد سماها الله عز وجل سقفاً محفوظاً، وقد بناها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولكن يقول: (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) [الرعد:2] فهل للسموات عمد أم لا؟ لأهل العلم في الآية هذه معنيان فينتبه له: المعنى الأول: يقال بغير عمد ترونها: أي أنكم ترون السماء مرفوعة فليس لها عمد. المعنى الثاني: وقالوا بغير عمد ترونها: لها أعمدة، لكن لا ترون هذه الأعمدة. والصحيح: المعنى الأول فسبحان من رفع هذا الجرم الذي سمكه كما بين السماء والأرض بمسافة خمسمائة عام، وذكر في بعض الآثار: أنها سماء من نحاس وسماء من حديد إلى غير تلك الأنواع، فالله أعلم! لكن جرمها وسمكها خمسمائة عام، وقد اخترقها النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل في لحظات حتى وصل إلى (سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) [النجم:14 - 17] وقال: {سَقْفاً مَحْفُوظاً} [الأنبياء:32] قالوا: محفوظة بالملائكة من الشياطين لئلا يسترقوا السمع. يقول ابن عباس: كان الشيطان يأتي على ظهر أخيه، ثم يأتي الثالث على ظهره، ثم الرابع والخامس، ثم السادس حتى يقربا من السماء، فكانوا يلتقطون الكلمات قبل أن يبعث صلى الله عليه وسلم فيبثونها للسحرة والكهنة والمشعوذين، فيأخذها الساحر فيزيد عليه مائة كذبة. فلما بعث عليه الصلاة والسلام أصبحت الأجرام السماوية والأرض في حالة استنفار وتأهب وطوارئ، أخذت الشهب تلقى عليهم تلاحقهم وتحرقهم في كل مكان، فلما جاء زعيم نصيبين من اليمن يتفقد بعض أفراده، فقالوا: احترقوا، ونظر وإذا الشهب ترمى في كل مكان. فقال: ابحثوا في الأرض والتمسوا فقد وقع في الأرض أمر منعنا من التماس خبر السماء، فذهبوا وتفرقوا في الدنيا، فذهبت فرقة تجاه الحجاز، وصادفت أن الرسول عليه الصلاة والسلام عند وادي نخلة في الطائف وسط الليل لما رده أهل الطائف وكذبوا به، فجلس يقرأ القرآن، فاستمعوا له، وتداعوا من كل أقطار الأرض، وكانوا يسرعون في لمح البصر، فأخذوا يزفونه حتى امتلأ الوادي بهم وأصبحوا صفاً على صف حتى يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) [الجن:19] ونقل الله المشهد بالصورة والصوت، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً) [الجن:1]. قال سيد قطب: عجيب! هذا القرآن حتى الجن يتذوقونه ويعرفون أنه عجب، قالوا: (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً) [الجن:1 - 2] إلى أن قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً) [الجن:9] ثم قال الله لرسوله في آخر سورة الأحقاف (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الأحقاف:30 - 32] فهذا من حفظ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للسماء.

فوائد النجوم

فوائد النجوم قال قتادة بن دعامة السدوسي: [[خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به]]. إذاً فوائد النجوم هي: الأولى: زينة للسماء قال الله تعالى: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [فصلت:12] قالوا: السماء هذه هي السماء الدنيا التي تليكم، والدنيا: القريبة. وقال بعض أهل العلم: ومفهوم المخالفة أن تلك السموات ليس فيها مصابيح. الثانية: يهتدي بها المسافر، قال تعالى: (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) [النحل:16] فإن المسافر إذا أصبح في البحر ولجة الليل وضل به الركبان، ومل الحادي، وحار الدليل نظر إلى النجم، فاهتدى بإذن الله. يقول الشهرزوري وهو قاضٍ من قضاة الشام: لمعت نارهم وقد عسعس الليل ومال الحادي وحار الدليل فتأملته وفكري من البين عليل وطرف عيني كليل فاهتدى، ولذلك يعرف العرب هذا، فهم يعرفون أن سهيلاً في جهة اليمن، والثريا في وسط السماء، وغيرها من النجوم التي ذكرها أهل العلم، فهي هداية. الثالثة: رجوماً للشياطين: فهي ترجمهم، فإذا رأيت في آخر الليل -وكلكم رأى- أنه في أول الليل، أو وسطه، أو ينهد النجم بسرعة، ثم ينطفئ، قالوا: ينطفئ بعد أن يحرق الفاسق الفاجر الذي يريد أن يتعلق ليسمع من السماء شيئاً؛ لأن للسماء حركة (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن:29] كتبة ومحصون وساجدون وعباد، وما يأتي من رزق وما يأتي من خلق وتصريف، فهم يأخذون أخبار السموات، ولكنهم يحترقون قبل أن يصلوا بها، وبعضهم يسمع كلمة قبل أن يحترق، وبعضهم يسمع كلمة ويفر بها فيعطيها الكاهن، فيزيد عليها مائة كذبة، ولذلك قد تذهب إلى بعض الكهنة، فيقول: اسمك محمد بن علي وسيارتك مواصفاتها كذا وكذا، وأنت تسكن في قرية كذا، فهذه المعلومات أخبره الجان به، وقيل: هذه في أخبار الدنيا، وأما أخبار السماء، فقالوا: إنك تموت في يوم كذا وكذا، أو يأتي لك ابن كذا وكذا، والله أعلم.

معنى قوله تعالى: (وأنزل من السماء ماء)

معنى قوله تعالى: (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:22] أما الماء فهو أرخص موجود وأغلى مفقود، إذا فقد الماء، دفعت حياتك وملكك وما معك من شيء في شربةٍ واحدةٍ، وأما إذا وجد فهو أرخص موجود. دخل ابن السماك على هارون الرشيد، فقال هارون الرشيد: يـ ابن السماك -وهو واعظ عابد عالم- أما تريد أن تخالطنا في هذا الملك، فتصيب معنا ويرزقك الله منه؟ قال: والله ليس لي بملكك طرفة عين من عبادة ربي تبارك وتعالى. ثم أتى هارون الرشيد في أثناء الجلسة، فقال: علي بشربة من ماء، فأتوا: بالماء، قال ابن السماك: أسألك بالله ألاَّ تشرب حتى أكلمك. قال: ما هو؟ قال: أسألك بالله لو منعت هذه الشربة بنصف ملكك، أتدفع نصف الملك فيها؟ قال: إي والله. فلما شربها، قال: أسألك بالله لو منعت إخراج هذه الشربة من جسمك بنصف الملك أتدفع؟ قال: نعم. قال: ملك لا يساوي شربةً ليس بملك. لذلك لما حضرت هارون الوفاة في طرطوس وهو هذا الذي تحدى السحاب وهو في قصره في بغداد، وقال للسحابة: أمطري حيث شئت فإن خراجكِ سوف يأتيني، قال: أخرجوا الجنود لي، فأخرجوهم فنظر إلى الجيش، وقال: يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكه {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) [مريم:93 - 95] بدون شيء إنما يأتي فرداً وعبداً. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22] أما الثمرات فهي بين أيديكم، وكل ثمرة تحدثكم عن قدرة الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالى الوردة والنرجس والياسمين والرمان والرياحين، فيا سبحان الباري! والآن اكتشف مع هذا العلم نباتات في كتب منشورة في الأسواق لم تكتشف من قبل! فسبحان من عدد الأنواع من كل زوج بهيج! لون أصفر وأخضر وأحمر وأسود ومشكل وشيء عجيب تتيه فيه العقول وتدهش، فمن جعل ذلك التعدد؟ إنه الواحد الأحد، يسقى بماء واحد، ولكن الطعم مختلف، ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة:22] ليشمل الحبوب المحصودة، وما لم تحصد، وليشمل الفواكه والخضروات. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22] أنداداً أي: شركاء، وشبهاء، والمعنى: لا تشركوا بالله، ولأهل العلم فيها ستة أقوال: القول الأول: تعلمون أنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى خالق السماء والأرض. القول الثاني: تعلمون أنه لا إله إلا الله حتى في التوراة والإنجيل وهذا لليهود. القول الثالث: تعلمون أنه لا ند له تبارك وتعالى. القول الرابع: تعلمون بمعنى تعقلون إن كان عندكم عقول. القول الخامس: لا يقدر على هذا الذي ذكر في الآية أحد سوى الله تبارك وتعالى. القول السادس: تعلمون أن الأصنام حجارة وأنها لا تنفع ولا تضر، ولا تخلق ولا ترزق، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً) [الفرقان:3]. في ختام هذا اللقاء أسأل الله أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال، ونسأل الله لنا ولكم القبول والإخلاص والصدق معه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

مواقف من حياته عليه الصلاة والسلام

مواقف من حياته عليه الصلاة والسلام الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يحيي القلوب بنور الحكمة، وذكر معجزاته يزيد الإيمان رسوخاً، والكلام عن شمائله يزيد من حبه، وتذاكر سيرته يزيد المرء ثباتاً على الدين، وفي هذا الدرس شيء من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومواقفه العظيمة.

من البراهين والمعجزات

من البراهين والمعجزات الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. سلام لا ينقطع إلا بالدموع، وسلام لا ينتهي إلا بالحب يخلفه، وسلام نلتقي عليه هذا اليوم ويوم يجمع الله الناس ليوم لا ريب فيه، فنسأله كما جمعنا على الحب فيه أن يجمعنا في رضوانه وفي دار كرامته في مقعد صدق عند مليك مقتدر، رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ. لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلقٌ أسهرنا طول المنام أيها المسلمون: معنا هذه الليلة حبيبنا عليه الصلاة والسلام، معنا رسولنا، معنا قدوتنا، معنا صفوة الخلق صلى الله عليه وسلم بحديثه وبسيرته وبقصصه الطيب. وداعٍ دعا إذ نحن بـ الخيف من منى فهيج أشواق الفؤاد وما يدري دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أهاج بليلى طائراً كان في صدري قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]

انشقاق القمر

انشقاق القمر عنوان هذه المحاضرة" مواقف من حياته عليه الصلاة والسلام". ومن مواقفه صلى الله عليه وسلم التي نعيش أنوارها وأسرارها وأخبارها: موقف البراهين التي أثبت الله بها نبوته عليه الصلاة والسلام، جاء إلى أهل مكة رجل عرفوه فقد تربى معهم، وسار في جبالهم، وتظلل بسمائهم، ومشى على أرضهم، فلما قال: أرسلني الله، قالوا له: كذبت -وهو الصادق- فكان عليه أن يأتي بآيات بينات، فأتى بها من عند حكيم خبير {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] خرج على أهل الحرم وقد أطل القمر ليلة أربعة عشر على الناس، وهم في الحرم كما قال الله: {سَامِراً تَهْجُرُونَ} [المؤمنون:67] أي تسمرون بقول فيه فحش وهجر وبذاء، وقلوب ما عرفت الله، قلوب عاقرت الخمر والفاحشة والزنا، وهم في الخمر يطل عليهم عليه الصلاة السلام كالبدر، وهم في ظلام الليل، كما قال الأول: صبحته عند المساء فقال لي ماذا الصباحُ وظن ذاك مزاحا فأجبته إشراق وجهك غرني حتى توهمت المساء صباحا فقال لهم: {قولوا لا إله إلا الله تفلحوا} فقال أبو جهل: آذيتنا وسببت آلهتنا، وسفهت أحلامنا، ثم حلف باللات والعزى لا يقول: لا إله إلا الله حتى يشق له القمر إنها آية عظيمة، إنه امتحان صعب، إنه تحدٍ صارخ، إنها مجازفة سافرة، حلف بلاته وعزاه لا يؤمن ولا يذوق هذا الدين حتى يشق له رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذن الله القمر، وكان تحدياً أمام الجماهير، فوقف عليه الصلاة والسلام موقف الشجاعة والبسالة، وموقف القيادة للعالم، كما يقول المتنبي في ممدوحه: وقفت وما في الموت شكٌ لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً ووجهك وضاحٌ وثغرك باسم فالتفت إلى القبلة ودعا الله، وقال لكفار قريش: إن شق الله لي القمر أتسلمون؟ قالوا: نعم - والحديث صحيح من حديث أنس وغيره- فأشار إلى القمر ودعا الله، فشق الله له القمر فلقتين، أما إحداهما فذهبت إلى جبل أبي قبيس، وذهبت الأخرى قيل: إلى عرفات وقيل: إلى مكان آخر، قال: انظروا فنظروا ورأوا القمر قد انشق، ورأوا آية الله وبرهان الله وحجة الله ودليل الله على إرسال رسول الله {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] ماذا فعلوا؟ قاموا من المجالس كالحمر ينفضون ثيابهم، ويقولون: سحرنا محمد، سحرنا محمد، ثم تسابقوا وخرجوا من أبواب الحرم. أليس دليلاً على رسالته وعلى مواقفه الخالدة أن يثبت الله رسالته من السماء بآيات؟! فسبحان ربك! {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15].

نزول المطر

نزول المطر ويأتي عليه الصلاة والسلام والحديث عند البخاري ومسلم من حديث أنس وغيره، فيقف على المنبر يوم الجمعة يخطب الناس، لكن بكلام يحيي به الله القلوب. ما بنى جملةً من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمةً من عفاء فهو أصدق الناس، وأخشى الناس وأعلمهم وأخلصهم، يتكلم في خطبة الجمعة، وكان ذاك الجو صائفاً شديد الحر؛ السماء ترسل أشعتها كالنار، ليس في السماء سحاب ولا غيم، والناس في قحط لا يعلمه إلا الله، وبينما هو في أثناء الخطبة- بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام -إذا بأعرابي يدخل من باب نحو دار القضاء-باب من أبواب المسجد- فيقطع هذا الأعرابي خطبة الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول: {يا رسول الله! ضاع المال، وجاع العيال، وقحطنا، فادع الله أن يغيثنا، فقطع صلى الله عليه وسلم الخطبة مباشرة ورفع يديه، وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا قال أنس راوي الحديث: والله ما في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع شيء، فثارت من وراء سلع سحابة صغيرة كالترس- والترس مجن يحمله المقاتل يحميه من ضربات السيوف -فانتشرت كالجبال على سماء المسجد وسماء المدينة، ثم أبرقت وأرعدت وأمطرت بإذن الواحد الأحد، فوقع الغيث على المسجد، فخر الماء على الخطيب صلى الله عليه وسلم، وأخذ الماء يتحدر على لحيته، وهو يتبسم ويقول: أشهد أني رسول الله}. ونقول له: نشهد أنك رسول الله، وأنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، وأنك أخرجت القلوب من ربقة التقليد والتبعية والخرافة والوثنية، وأحييت أمة، ورفعت للعدل منبراً، وأنك سللت للإسلام سيفاً، فصلى الله عليك وسلم تسليماً كثيراً. ويستمر الغيث أسبوعاً كاملاً، وتسيل الأودية، ويأتي ذاك الأعرابي أو غيره في الجمعة الأخرى، والرسول عليه الصلاة والسلام يخطب في الناس والغيث ينزل والمطر يواصل، فيقطع خطبته مرةً ثانيةً، ويقول: يا رسول الله! جاع العيال- أي: جاعوا من كثرة الأمطار، قبل أسبوع جاعوا من القحط والجدب والجوع، واليوم جاعوا من الحصار الذي أحدثه المطر بإذن الله فأصبحوا في البيوت -قال: وتقطعت السبل، وضاع المال، فادع الله أن يرفع عنا الغيث، فتبسم عليه الصلاة والسلام. قال بعض أهل العلم: تبسم إما للموافقة لأن هذا الأعرابي يقطعه مرتين في موقفين، وقيل: تبسم من قلة صبر الناس، ما صبروا على الجوع والظمأ، وما صبروا على استمرار المطر والغيث، فيرفع عليه الصلاة والسلام كفيه الشريفتين، فهل يقول: يا رب! ارفع عنا الغيث؟ لا، هل النبي يدعو برفع الغيث؟ لا، الرحمة لا يطلب أن ترفع مهما نزلت، فهي بركة وخير ونور، فقال: {اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام، وبطون الأودية ومنابت الشجر} قال أنس: والله ما أشار صلى الله عليه وسلم إلى مكان إلا أخذ المطر والغيث ينحاز إلى ذاك المكان، وخرج الصحابة والمدينة في مثل الجوبة كأن عليها ثوباً مفصلاً، أما المدينة فشمس وهواء طلق ونسيم عليل، وأما حولها فأمطار غزيرة وسيول جارفة {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15]. إنه برهان على رسالته الخالدة، وهذا القصص يغرس الإيمان في القلوب حتى يصبح كالجبال، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] وأحسن القصص سيرته عليه الصلاة والسلام وما صح عنه.

بركة الطعام القليل يوم الخندق

بركة الطعام القليل يوم الخندق وإليكم أيها الأحباب الأخيار قصة ثالثة نُنهي بها هذا الموقف لنصل إلى موقف آخر من مواقفه عليه الصلاة والسلام: في صحيح مسلم أن جابر رضي الله عنه وأرضاه، قال: والذي أخذ بصري بعد أن أعطانيه كان جابر بن عبد الله أعمى البصر، وأما قلبه فمبصر، قلبه يرى، قلبه على بصيرة من الله، وأما بصره فأخذ الله نوره ليعوضه جنة عرضها السماوات والأرض {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد:19] بعضهم عيونه كبيرة ولكن قلبه صغير، بعضهم يرى كل شيء ولكن لا يرى طريق الهداية، يبصر كل معالم الوثنية والفتنة والخرافة، يرى الشاشة والمجلة الخليعة، ويرى الفتاة الداعرة، ويرى الكأس، ويرى الساعات الحمراء، ويرى الإجرام، ولكن لا يرى طريق الهداية والاستقامة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] ولسان حال جابر يقول: إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور قلبي ذكيٌ وعقلي غير ذي عوجٍ وفي فمي صارم كالسيف مشهور الشاهد: يقسم جابر بمن أخذ بصره بعد أن أعطاه، وهو الله، ولا يقسم إلا بالله، لقد سافر مع الرسول عليه الصلاة والسلام -والحديث كما أسلفت في الصحيح- قال: لما خرجت معه في الغزوة أخذني عليه الصلاة والسلام بيدي، فخرجت معه إلى الصحراء، وانفرد الرسول صلى الله عليه وسلم بـ جابر، ثم قال له صلى الله عليه وسلم: {يا جابر! أترى تلك الشجرة؟ قلت: نعم، يا رسول الله قال: اذهب إليها، وقل لها: أيتها الشجرة! إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لك: تعالي فذهب فقال: يا أيتها الشجرة! إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: تعالي قال جابر: فوالذي نفسي بيده لقد أقبلت تشق الأرض شقاً حتى وقفت بجانبه -وسند هذا الحديث في مسلم كنجوم السماء- قال: اذهب إلى الشجرة الأخرى، وقل لها: يقول لك الرسول صلى الله عليه وسلم تعالي، فيذهب فيقول لها، قال جابر: فوالذي نفسي بيده لقد أقبلت تشق الأرض شقاً حتى وقفت بجانبه. وفي لفظ آخر لـ مسلم: تخد الأرض خداً، من باب الأخدود {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} [البروج:4] أي: الشقوق في الأرض، فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من حاجته أخذ بغصنين غصن من شجرة وغصن من شجرة، وقال: يا جابر قل لهما تعودان إلى مكانيهما، فقال لهما، قال جابر: والذي نفسي يبده لقد عادتا تشقان الأرض شقاً حتى وقفتا مكانيهما} {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] بل هو الحق والبرهان الناصع على أنه رسول من الله. وقد يقول قائل: سمعنا بهذا وأدركناه فما فائدة عرضه؟ فأقول: ثلاث فوائد نص عليها أهل العلم: أولاً: تضويع المسجد بذكره عليه الصلاة والسلام. إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس فذكره في المجالس من أحلى ساعات العمر، ومن أغلى حياة المؤمن في الدنيا. الأمر الثاني: تعميق الإيمان وتأصيله. الأمر الثالث: الاستغناء بالقصص الصحيح عن القصص الخرافي الباطل الذي لصقه الخرافيون المبتدعون الذين لا يعلمون شيئاً. أتدري ماذا يقول الخرافيون؟ يقولون: سافر أعرابيٌ إلى المدينة، فوصل إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فوقف في القبر، وقال: يا رسول الله! إن الله يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} [النساء:64] وإني يا رسول الله أذنبت وجئت أستغفر الله فاستغفر لي عند الله، قالوا: فانشق القبر فسلم عليه الرسول عليه الصلاة والسلام!! وهذه خزعبلات {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] ويورد مثل هذه الخزعبلات الغزالي القديم والحديث، ولذلك يقولون: الأعرابي هذا لما صافح الرسول عليه الصلاة والسلام أنشد بيتين، وقال: يا خير من دُفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم ويأتي النبهاني، وما أدراك ما النبهاني؟! صاحب الصلاة على سيد الكونين، الخرافي الكبير، والقبوري المبتدع، الذي يقول عنه الألوسي -بيض الله وجه الألوسي - يقول: إن كتب النبهاني وابن حجر الهيتمي وكتب السبكي -ولو أن فيها مجازفة- لا تصلح إلا مخالي يوضع فيها الشعير للحمير، لأنهم يقولون: كتب ابن تيمية لا تصلح للنشر، فقال: سبحان الله! كُتُب ابن تيمية العسل المصفى، والإبريز الخالص، والنور الوهاج ما تصلح لأن تنشر، والله إنها حياة لأمة ونور لقلوب، وإن فيها الأصالة والعمق، والذي لا يفهم كتب ابن تيمية كأنه لا يفهم العمق والأصالة، قال: أما كتبكم فتصلح مخالي يوضع فيها الشعير للحمير، تعلق برءوس الحمير، وتصلح كراتين للعلاجات في الصيدليات، وتصلح كذلك تطييق لأحذية زنوبة وأمثالها. وهذا من الرد على أهل البدع. يقول النبهاني: أتى الشيخ/ أحمد الرفاعي - وهو من مشايخ الطرق- قال: فوصل إلى الحرم المدني، فتقدم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: في حالة البعد روحي كنت أرسلها تقبل الأرض عنكم وهي نائبتي ما عندهم إلا قصائد؛ كأنهم في سوق عكاظ، أو كأنهم في أمسية شعرية وهذه دولة الأشباح قد حضرت فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي قال: فمد الرسول عليه الصلاة والسلام يده، فقبلها الرفاعي ثم عادت إلى القبر. يقولون في المثل العامي: إذا كذبت فكبر، أي: إذا تعبت في الكذبة فاجعلها كبيرة، لأنك تعبت في أصل الطريق، فلماذا تتعب نفسك ثم تأتي بشيء يسير؟ قالوا: تمخض الجمل فولد فأراً، فمن الحكمة أن إذا تعب - الكاذب في الكذبة أن يجعلها كبيرة ظلماء صلعاء شوهاء حتى تدخل أو لا تدخل أو تقبل أو لا تقبل، فهذه هي الكذبات، وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم غنية عن هذا القصص الباطل. وهذا البرعي شاعر يمني قبوري من الغلاة، أتى إلى قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما فأقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما يقول: يا سيدي! أذنبت فاغفر ذنوبي. هل سمعتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يغفر الذنوب؟ هل سمعتم أنه يشافي أو يعافي؟ متى كان طبيباً في قبره عنده صيدلية؟ {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] إنما هو مبلغ، ولو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير عليه الصلاة والسلام. هذه مواقف ومعجزات، ونثني بموقف لـ جابر لنخلص إلى موقف آخر: كان الصحابة يحفرون الخندق، وكانوا يضعون الحجر على بطونهم من الجوع، وهذا دليل على أن من تفَّرخ في الدنيا، أو كبر بطنه في مآكل الدنيا، أو ثقل جنباه، أو كثرت سياراته أو أمواله، أن ذلك ليس بدليل على منزلته عند الله، يقول الشافعي: تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب قال جابر: فحفرنا الخندق فعرضت لنا كدية (صخرة) فنزل عليه الصلاة والسلام بالمعول، فأخذه فضرب فشظ له شظية من نار، أو من نور، أو من بارق، فقال: لقد أريت قصور كسرى يفتحها الله علي، فتغامز المنافقون أحدهم دق صاحبه وغمزه، وقال: اسمع يفتح الله عليه قصور كسرى، ونحن أحدنا لا يستطيع أن يبول من الخوف، ثم يضرب صلى الله عليه وسلم الضربة الثانية فيلمع نور وهاج، فيقول: لقد أريت قصور الحيرة، وقيل: المناذرة، وقيل: القياصرة يفتحها الله علي، وأُريت الكنزين الأبيض والأحمر، وسوف يفتحها الله على أمتي، فيتغامزون، ويذكر الله هذا القصص عنهم وهم يقولون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً، لكن بعد سنوات يفتح الله عليه قصور كسرى وقيصر، وتدخل جيوشه مهللة مكبرة، فاتحة منتصرة، وتعطى أمته الذهب والفضة. فلما حفروا رأى جابر الجوع بالمصطفى عليه الصلاة والسلام، وعلى بطنه حجران، فعاد جابر فتذكر هل في بيته طعام، فتذكر عناقاً صغيرةً وشيئاً من شعير، فذهب إلى زوجته، فقال: هل من طعام؟ قالت: هذه العناق -والعناق: ولد الماعز- فرآه جابر فقال لامرأته: اصنعي هذا الشعير طعاماً، وذبح العناق ووضعها في القدر، وعاد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله! معي طعام يكفي اثنين أو ثلاثة. يقول ذلك في أذني الرسول عليه الصلاة والسلام، تكلم معه بالسر؛ لأن المسألة لا تتحمل أكثر من أربعة، طعام قليل وأهل الخندق لو سمعوا وانتشر الخبر، لأنت الداهية، سبعمائة أو أكثر من أهل الخندق، وهم في جوع لا يعلمه إلا الله، الواحد منهم يمكنه أن يأكل العناق والشعير ويدعه قاعاً صفصفاً لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً. قال: يا رسول الله! أريد معك اثنين أو ثلاثة، عندي طعام قليل، فقال عليه الصلاة والسلام: يا أهل الخندق - ورفع صوته- إن جابر بن عبد الله قد صنع لكم طعاماً فحيهلاً بكم، فوضعوا المساحي وقاموا يمشون إلى بيت جابر، وأما جابر فأسقط في يده، وذهب يفكر، مرةً يقول: يمكن أن الرسول عليه الصلاة والسلام ظن أني أريد الناس، ومرةً لا يدري، فوصل إلى امرأته يبشرها بهذا الجيش العرمرم، قالت: الله ورسوله أعلم، فتقدم عليه الصلاة والسلام أمام الناس - والحديث عند البخاري ومسلم - وهو يتبسم صلى الله عليه وسلم من الواقع والحدث الذي في البيت، ومما في نفس جابر ونفس امرأته، وقال: يا جابر لا تضع البرمة على النار ولا القدر -القدر فيه الطعام، والبرمة فيها اللحم- فتقدم صلى الله عليه وسلم إلى اللحم ونفث فيه من ريقه الطيب الطاهر ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هنداً عشيةً تمشت وجرت في جوانبه بردا نفث في الطعام عليه الصلاة والسلام، وأمر بإنزاله، ودعا الله بالبركة، وقال: أدخلهم عشرة عشرة، فدخلوا وأنتم تعرفون الحساب، وكل سبعين فيها سبع عشرات، والسبعمائة سبعون عشرة، فقال: أدخلهم عشرة عشرة، فدخلوا فأكلوا وقاموا، ثم أتى الآخرون فأكلوا وقاموا، حتى انتهى الجميع والطعام بحاله ما نقص لقمة، فأتى صلى الله عليه وسلم وقال لـ جابر: تعال، وأخذ يأكل، وهو يقول: أشهد أني رسول الله. ونقول: نشهد أنك رسول الله {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15].

ضوابط محبة النبي صلى الله عليه وسلم

ضوابط محبة النبي صلى الله عليه وسلم الحب فيض من الله ينزله في القلوب، والحب شجرة، وعلى الحب تبنى البيوت، وعلى الحب تصلح الزوجات والأولاد، وبالحب يسمع الطالب من المعلم، وبالحب تنقاد الرعية للراعي، وبالحب تسير الحياة. الرسول عليه الصلاة والسلام كان يغرس الحب في القلوب، ففي الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال: أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر ليفتح خيبر، فذهب أبو بكر وأخذ الراية يحملها رضي الله عنه وأرضاه، فحاول أن يفتح خيبر فما فتحت له، لسر أراده الله، وإلا فـ أبو بكر أفضل الصحابة بلا شك، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية في اليوم الثاني عمر بن الخطاب، وقال: اذهب لعل الله أن يفتح عليك خيبر، فذهب وحاصر وحاول أن يفتح حصون خيبر فما استطاع، فاغتم الصحابة، وحزنوا رضوان الله عليهم، الحصار امتد وطالت المشقة والجوع والكلفة، فباتوا في ليلة طويلة بطيئة النجوم. وليلٍ أراح الليل عازب همه تضاعف فيه الحزن من كل جانب فقال عليه الصلاة والسلام وسط الليل: {لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله} من الجانبين؛ حب لله ولرسوله، وحبُّ من الله ومن رسول الله، وهنا وقفة -يا أبرار- عند الحب ما هي ضوابطه؟ كان هناك محاضرة ألقيت في المدينة وألقيت في الطائف، لكن أعيد عناصرها على عجالة. ضوابط حبه صلى الله عليه وسلم:

المتابعة

المتابعة الضابط الأول: المتابعة فمن رأيته يتمدح بلسانه وليس عنده براهين وأدلة على حب الرسول صلى الله عليه وسلم فكذبه {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] دليل الحب المتابعة في الظاهر والباطن، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] إن كان لا يصلي في المسجد، فإذا سألته لماذا لا تصلي مع الجماعة؟ قال: أنا أحب الله ورسوله قل: كذاب يا لعين، أين حبك؟ الدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء سنة اللحية، ونحن لا نجعلها مثل بعض الناس الذين يهاجمون شباب الصحوة، ويقولون: هؤلاء متطرفون لا يعرفون إلا اللحية وتقصير الثياب، نقول: اللحية سنة، وليست من أركان الإسلام ولا نضيعها، ولا نفوتها، ومن خالف رسوله صلى الله عليه وسلم في اللحية ففي إيمانه شيء وفي متابعته شيء، ولو أنه لا يهتم بالسنة لما حلق لحيته، وبالمناسبة تذكرت قصيدة أوردها ولا بأس بالنبطي، ويجوز الشعر النبطي في المساجد، ولم يخالف في ذلك أحد، وحيا الله وبيا الله من نصر الإسلام بالشعر النبطي وبالخطب وبالكلمات، ولا حيا الله ولا بيا الله من هاجم الإسلام بالشعر العربي الفصيح وبغيره. هذا داعية من الدعاة، حربي من قبيلة (حرب) وقبيلة (حرب) حرب لأعداء الله، هو شاب، لكنه شاعر بالنبطي، كان في مجتمع من الناس فوجدهم يحلقون لحاهم، فقال بالنبطي أبياتاً جميلة استحسنها حتى العلماء، يقول: يا ربعنا يا اللي حلقتم لحاكم وايش علمكم ترمونها في القمامه ذي سنةٍ ما سنها مصطفاكم علامةٍ يا شينها من علامه ترى اللحى زيناتكم هي حلاكم لها مع الخير وقار وشهامه شابهتم الكفار شغلة عداكم من شابه الكافر عليه الملامه ترى اللحى يوصي بها مصطفاكم صفوة قريش اللي رفيع مقامه عفوا لعل الله يغفر خَطَاكم وتفوزوا يوم اللقا في القيامه هذي نصيحة إن كان ربي هداكم أقولها يا الربع ومع السلامه ونحن نقول لكم: السنة ومع السلامة، وسلم الله من اتبع سنة محمد عليه الصلاة والسلام، وضابط المتابعة قليل.

نشر السنة

نشر السنة الضابط الثاني: بعضهم يعترض، فأحد الفجرة من أذناب الحداثة -عليهم لعنة الله- فقد استوجبوا السيف، وتقريب دمائهم إلى الله من أعظم القربات، ذكر لنا أحد الدعاة والمشايخ: أنه ثبت على أحد الأشخاص من أفراخ الحداثة وعملاء العلمانية والماسونية والشيوعية أنه يستهزئ بالرسالة والرسول عليه الصلاة والسلام أكل نعم الله، وترك الصلاة، واستهزأ بالقرآن، ثم جلس في مجلس معه شباب، ثم قال: تريدون من أحاديث أبي هريرة؟ يقول: تريدون أن أسمر معكم مع أبي هريرة؟ قالوا: أعطنا من حديثه. قال: حدثتني عمتي، قالت: حدثتها خالتها، أن جدتها حدثتها عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة: أتدرون ما البيبسي؟ قال الصحابة: الله ورسوله أعلم، قال: قوموا عني ما تعرفون البيبسي. إن كان صح عنه ما يقول فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً وله عذاب أليم، وقد أعلن كفره وأمثاله، وأباح دمه واستبيح عرضه، وعليه من الله ما يستحقه {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] فهذه كلمة تخرجه من الملة، وتبيح دمه، تدخله النار خالداً مخلداً، لايقبل الله منه صرفاً ولا كلاماً ولا شفاعة، لأنه كَفَرَ وألحد وتزندق والعياذ بالله. فمن أسرار الحب: نشر السنة في الناس، أن تنطلق بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، أن تكون داعية، لا تقل: أنا غير موظف في الهيئة، ولي وظيفة خاصة، فإن وظيفتك الدعوة، وفي عنقك بيعة أن تنشر دعوة الله في الأرض {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159]. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {نضَّر الله امرأً سمع مني مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع} وصح عنه صلى الله عليه وسلم عند ابن حبان أنه قال: {رحم الله امرأً سمع مني مقالة فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أفقه من سامع} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ومن أسرار الحب: كثرة الصلاة والسلام عليه؛ فإنها من أشرف الأعمال، يقول عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود بسند صحيح من حديث أوس بن أوس: {أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ - أي: بليت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء} وسجد عليه الصلاة والسلام في الأرض ورفع رأسه، وقال للصحابة: {إن جبريل بشرني أن الله قال: من صلىَّ عليك صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم عليه ما تضوع مسك وفاح، وما ترنم حمام وناح، وما شدا بلبل وصاح. اللهم صلِّ وسلم عليه ما ذكره الذاكرون وغفل عنه الغافلون، عدد الأشجار والأحجار والأمطار وقطرات الأنهار وهديل الأطيار، يا واحد يا غفار. ليس حبه عليه الصلاة والسلام خرافات تمسيح، وصرف للألوهية من الله إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وغلواً وشركاً ووثنية، ليس هذا بحب، بل هو معاداة صريحة له عليه الصلاة والسلام.

دروس من حديث سهل بن سعد

دروس من حديث سهل بن سعد نعود إلى حديث سهل في الصحيحين، قال عليه الصلاة والسلام: {لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فأمسى الناس يدوكون ليلتهم كلهم يرجو أن يعطى الراية -ليس حباً في الإمارة، لكن في البشرى- قال عمر: ما أحببت الإمرة مثل ليلة أمس -أي: ما أحب الإمرة إلا تلك الليلة وفي الصباح الباكر بعد أن صلى عليه الصلاة والسلام الفجر، قال: أين علي بن أبي طالب؟ -هذه مواصفات علي سيف الله المنتضى، الإمام المرتضى أبو الحسن، نتقرب إلى الله بحبه وننزله المنزلة الرابعة بين الخلفاء الراشدين، ونتولاه حباً في الله خالصاً إلى أن نلقى الله - قال: أين علي بن أبي طالب؟ قال الصحابة: يا رسول الله! هو في خيمته به رمد لا يرى شيئاً - في عينه مرض الرمد لا يرى شيئاً- قال صلى الله عليه وسلم: عليَّ به، فذهب الصحابة إليه وأتوا يقودونه لا يرى مد يده، فأخذوه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: اذهب وخذ الراية، قال: يا رسول الله! والله ما أرى مد يدي. فنفث عليه الصلاة والسلام في عينيه، فأبصر بنور الله، ثم أعطاه الراية، وقال: اذهب فوالذي نفسي بيده لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. وفي هذا دروس: أولها: أن أعظم مواصفات العبد حب الله وحب الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك جاء في السيرة في معركة أحد قبل المعركة، قام صلى الله عليه وسلم، فقال للناس: أتريدون القتال داخل المدينة أو عند أحد؟ فقالوا: في المدينة. فقام شاب، فقال: اخرج بنا يا رسول الله إلى جبل أحد، لا تمنعني دخول الجنة، فوالذي نفسي بيده لأدخلن الجنة، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: بم تدخل الجنة؟ قال: بخصلتين: بأني أحب الله ورسوله، ولا أفر يوم الزحف. أتدري ما علامة الحب؟ أتظن أن علامة الحب أن يجلس الإنسان في المجلس ويتمدح بحب الله وبحب رسوله، ثم يترك الصلوات في المسجد ويصلي في البيت؟! أتظن أن حب الرسول عليه الصلاة والسلام دعاوى فارغةٍ، وبالوناتٍ منتفخةٍ، وبيته يوسوس فيه الشيطان باللهو وبالغناء الماجن، وبالمسلسلات الخليعة وبالمسرحيات العابثة، وهو معرض عن الله؟! أتظن أن حب الله وحب الرسول كلمة تقال باللسان، وهذا العبد عبد لشهواته ومعاصيه ونزواته وإعراضه عن الله، فأين حب الله وحب رسوله؟! اسمع إلى نماذج الحب، يقول سعد بن أبي وقاص: حضرنا في معركة أحد مع الصحابة قبل المعركة ومعنا عبد الله بن جحش أحد الشباب في الثلاثين من عمره، قال: فدعوت أنا وإياه قبل المعركة فأما أنا فدعوت بالنصر للمسلمين، وأما عبد الله بن جحش فقال: اللهم لاق بيني وبين عدوٍ لك -أي: من الكفار- شديد حرده، قوي بأسه، فيقتلني، فيبقر بطني -أي: يشق بطني- ويجدع أنفي، ويفقأ عيني، ويقطع أذني، فإذا لقيتك يا رب يوم القيامة في هذه الصورة، تقول: يا عبد الله! لم فعل بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب. إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرحٍ إذا أرضاكم ألم وحضرت المعركة وانتهت، قال سعد: وبحثت في القتلى فوجدت عبد الله بن جحش مقتولاً، قد جدع أنفه، وبقر بطنه، وفقئت عيناه، وقطعت أذناه، فسألت الله أن يلبي له سؤله. أليس هذا هو الحب؟ بل أصدق الحب وأعلى الحب. يا ضعيف العزم! إن بخلت بركعتين في مسجد، أو بصدقة على مسكين، أو بذكر في الغدوات والعشيات، أو بقراءة القرآن لتنقد نفسك من النار، فإن جعفر الطيار قطعت يمينه، فأخذ الراية باليسرى فقطعت، فاحتضن الراية، فكسروا الرماح والسيوف في صدره، فوقع على الأرض وهو يقول: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم رومٌ قد دنا عذابها كافرةٌ بعيدةٌ أنسابها عليَّ إن لاقيتها ضرابها هذا موقف الحب معه عليه الصلاة والسلام، وعلي بن أبي طالب لا نغلو فيه غلو بعض الناس حتى وصلوا به إلى درجة الألوهية، ولا نجفو فيه جفاء بعض الناس حتى كفروه -والعياذ بالله- لكننا نشهد أنه إمام مرتضى، وأنه أمير المؤمنين، وأنه حبيبنا، وأنه من أصدق الناس، وأخشى الناس، وأتقى الناس لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. خلَّفه عليه الصلاة والسلام في المدينة لما خرج إلى تبوك أميراً على أهل بيته، لأنه كان قوياً أميناً فيه شبه من موسى عليه السلام، فخرج عليه الصلاة والسلام، فجاء المنافقون أهل الخرافات، وقالوا: يا علي! تثاقل منك الرسول صلى الله عليه وسلم فأخرك مع النساء والأطفال تثاقلاً منه، فخرج علي ولحق بالرسول عليه الصلاة والسلام على مشارف المدينة، وهو يبكي ويقول: يا رسول الله! يقول الناس: إنك تثاقلت مني فخلفتني مع النساء والأطفال، فقال عليه الصلاة والسلام: {يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي} كان من أحب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست مواصفات علي تؤتى بالخزعبلات التي يوردها الناس الذين يغالون في حبه، يقولون: سبب حبه أنه أخذ رمحاً فضرب به صخرة فخرج الماء مع الصخرة، وأخذ حجراً فرمى به فوقع في جبال الألب، لذلك يقول ابن تيمية في هذه الطائفة: هم من أجهل الناس في المنقولات، ومن أضلهم في المعقولات. قال حمار الحكيم توما لو أنصف الدهر كنت أركب فإنني جاهلٌ بسيطٌ وصاحبي جاهلٌ مركب ومواقف علي مع الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي مواقف الولاء والحب، ومواقف الاتباع له عليه الصلاة والسلام، وما نبل أحد من المسلمين إلا باتباعه عليه الصلاة والسلام.

غنائم حنين وموقف الأنصار منها

غنائم حنين وموقف الأنصار منها بقي هناك موقف أختم به هذه الجلسة، ثم نستمع إلى الأسئلة. عاش صلى الله عليه وسلم مربياً ومعلماً، كان في كل كلمة يربي جيلاً، وفي كل تصرف يحيي أمة عليه الصلاة والسلام، هاجر إلى الأنصار طريداً وحيداً فريداً فنصروه وآووه وحموه وقطعوا بين يديه، فجزاهم الله عن الإسلام خير الجزاء، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من حديث أنس: {آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار، الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق}. هاجر إليهم صلى الله عليه وسلم فنصروه، وخرج في غزوة حنين، فغنم صلى الله عليه وسلم من الإبل ألوفاً مؤلفةً ومن الغنم والمال، فترك الأنصار وأعطى رؤساء العرب من صناديد بني تميم، لأنه يريد أن يتألفهم إلى الإسلام؛ لأنهم لا يريدون إلا مالاً، فهم مسلمون بالترغيب، مثل بعض الناس استقامته للعواطف، يرى المخيم والمركز الإسلامي شاب، فلا يأتي إلا عاطفة، لا يقصد الاستقامة، أو المحافظة على الصلاة، أو قراءة القرآن، لكن يأتي لأن المركز هذا فيه نشيد (لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما) في الصباح نشيد قبل الصلاة، وبعد الصلاة، وفي الحافلة، وتحت الحافلة، وفوق الحافلة، ونحن لا نقول: حرام، ولكن حنانيك، قصد وقصد، وهو مباح، فبعضهم يهتدي للعواطف، فإذا انتهى المخيم والمركز عاد على عقبيه وانتكس وأعرض عن المسجد، لأنه أقبل ترغيباً فقط، أو رغبةً في هذه العواطف، ثم ترك هذا الدين، وبعضهم يقول: أنا لا أحب الشباب إلا لأنني وجدتهم يذهبون في الرحلات والنزهات، ووجدت عندهم تمارين رياضية ونشيداً، فأنا أحببتهم لذلك، ثم ينتكس. وكثير من الناس دخل في عهده عليه الصلاة والسلام للمال، فأعطى هذا مائة ناقة وهذا خمسين وهذا مائة، وترك الأنصار أيعطي سعد بن عبادة وإيمانه كالجبال؟! أيعطي معاذ بن جبل وقد أسلم لجنة عرضها السماوات والأرض؟! أيعطي أبي بن كعب؟! لقد تركهم لإيمانهم، لكن الأنصار رضوان الله عليهم تأثروا لأنهم ما عرفوا السبب. سبحان الله! قاتلوا العرب، وذبحوا المشركين، وأخذوا غنائمهم، فأخذ صلى الله عليه وسلم الغنائم وأعطاها بعض الناس الذين أسلموا! فقالوا في مجالسهم: غفر الله لرسول الله، أعطى الناس وتركنا، وسيوفنا تقطر من دماء الناس فذهبت المقولة وانتشرت الشائعة، فوصل الخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال لـ سعد بن عبادة: {اجمع لي جميع الأنصار، ولا يدخل معكم إلا أنصاري، ولا يدخل معكم غيركم، فإذا اجتمعوا فأخبرني، فجمعهم جميعاً كباراً وصغاراً وشيوخاً وعلماءً وأبطالاً، فجلسوا، وأتى عليه الصلاة والسلام بحوار مفتوح ساخن، فسلَّم عليهم صلى الله عليه وسلم، وقال: يا معشر الأنصار! جزاكم الله خير الجزاء، أما أتيتكم متفرقين فجمعكم الله بي؟، قالوا: المنة لله ولرسوله، قال: أما أتيتكم متحاربين فألف الله بين قلوبكم بي؟ أما أتيتكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وهم ينكسون رءوسهم حياءً}. أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا إذا اشتبكت دموع في خدودٍ تبين من بكى ممن تباكى فرفع صوته، وقال: {يا معشر الأنصار! والذي نفسي بيده لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم: أتيتنا طريداً فآويناك، وأتيتنا فقيراً فأغنيناك، وأتيتنا مخذولاً فنصرناك، قالوا: المنة لله ولرسوله، ثم قال: يا معشر الأنصار! ما مقالة بلغتني عنكم؟ قالوا: هو ما سمعت يا رسول الله، قال: يا معشر الأنصار أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم، فوالذي نفسي بيده أن ما تذهبون به أعظم مما يذهب به بالناس يا معشر الأنصار! والذي نفسي بيده لو سلك الناس شعباً ووادياً لسلكت شعب الأنصار ووادي الأنصار، الأنصار شعار والناس دثار، غفر الله للأنصار ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار، يا معشر الأنصار! إنكم ستجدون بعدي أثرةً فاصبروا حتى تلقوني على الحوض} فقابلوه بالدموع، بكوا حتى سالت دموعهم من على لحاهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا أصدق الحب -والله- وهذا أخلص الولاء، وهذه معاتبة الأصحاب وفي الحديث أمور أربعة:

صدق النبي وصراحته

صدق النبي وصراحته أولها: صراحته عليه الصلاة والسلام؛ فإنه أصدق الناس، وما في قلبه يخرج على لسانه، وما كان له خائنة أعين، ما خان، ولا غدر، ولا كذب، ولا خالف، ولا فجر، بل هو أصدق من خلق الله، وأحشى من خلق الله، فعليه سلام الله وصلاته.

وفاء الأنصار

وفاء الأنصار الأمر الثاني: وفاء الأنصار، فلم يكونوا منافقين رضي الله عنهم وأرضاهم، بل صدقوا في كلامهم، ثم إنهم جعلوا المنة لله - وقد صدقوا- ثم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صدقوا، ليس لك على الله منة، ولكن المنة من الله عليك. أتى بعض الأعراب لا قاتلوا ولا حضروا بدراً ولا أحداً ولا حنيناً ولا اليرموك ولا القادسية ولا عين جالوت ولا حطين وقالوا: يا رسول الله! الناس أسلموا بالمقاتلة قاتلتهم وأسلموا، ونحن أسلمنا هكذا، وما حاربناك، فأنزل الله قوله: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] فالمنة لله عز وجل. ولذلك تجد بعض الناس يتبجح باستقامته، ويقول: والله ما يحافظ على المسجد إلا أنا! ينام أهل الحارة ولا يؤذن إلا أنا! من الذي يدافع عن القضايا الإسلامية إلا أنا! ومن الذي يقف المواقف إلا أنا! ومن الذي فتح المشاريع وأجرى وصنع إلا أنا! نقول له: أتمنُ على الله أن قدمت لنفسك؟! بل المنة لله عز وجل أن هداك لهذا الفعل.

ليس العطاء على قدر الإيمان

ليس العطاء على قدر الإيمان وفي الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعطي الناس لا لإيمانهم؛ بل لمقاصد كأن يتألفهم، فليس من أعطي في الدنيا حظاً أو منصباً أو جاهاًَ أن الله رضي عنه الله، بل قد يكون أعدى أعداء الله، ويكون مسخوطاً عليه من الله، أو مغضوباً عليه من الواحد الأحد، فليس له وقار ولا منزلة عند الله، وتجد بعض الناس لا يجد كسرة الخبز، فقيراً مشرداً ذي طمرين، أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، وهو من أقرب الناس إلى الله. وفي الحديث -أيضاً- أن على المسلم أن يدرأ التهمة عن نفسه، وأن يدافع عن عرضه، وأن يبين للناس ملابسات القضايا كما فعل عليه الصلاة والسلام. هذه مواقف من حياته صلى الله عليه وسلم يعيشها الإنسان كلما تأمل السيرة والسنة، وكلما تبحر في الحديث النبوي، والذي أوصي به نفسي وإياكم يا معاشر الأحباب الأخيار، ويا حملة الرسالة الخالدة: أن يكون لكم وردٌ من القرآن الكريم، وحزب في سيرته وسنته صلى الله عليه وسلم، خاصةً في الصحيحين: صحيح البخاري وصحيح مسلم الأسانيد الطرية الغضة، الأحاديث الشائقة الرائعة الرائقة، طلب العلم منها والاستشفاء بها، طلب الهداية والنور منها، حينها نعرف حياته عليه الصلاة والسلام، حينها ندرك أسراره، حينها نعيش تلك الأيام الغالية، حينها نجعله إماماً لنا نعيش حياة قريبة من حياة أصحابه رضوان الله عليهم. أسأل الله الذي جمعنا في هذا المكان أن يجمعنا في دار الكرامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر، يوم يتقبل الله منا أحسن ما عملنا ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين وإن كان من شكر بعد شكري لله، فأشكر أهل الفضل وأشكركم، ثم أشكر القائمين على التوعية الإسلامية من المشايخ والدعاة وطلبة العلم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

سؤال عن درس البخاري

سؤال عن درس البخاري Q لماذا انقطعت عن درسك في كتاب البخاري؟ A إن شاء الله يتصل ما انقطع ونعود إن شاء الله لنستفيد منكم ونتضوع برؤيتكم ونستأنس بأنوار وجوهكم. بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم وما جفت مآقينا نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا حالت لفقدكم أيامنا فغدت سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا

الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم

الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم Q أورد ابن كثير قصة الذي استغاث بالرسول صلى الله عليه وسلم وطلب الاستغفار A نعم، أوردها ابن كثير، لكن ما أورد المصافحة، وهي على ما أوردها ابن كثير في كتاب التفسير سندها لا يصح، وليس كل ما في تفسير ابن كثير صحيح، وابن كثير لم يورد المصافحة كما ذكرت أنا، إنما ذكرها علماء بعض الغلاة من المبتدعة بأسانيدهم كـ النبهاني وغيره، أما ابن كثير فأوردها بدون مصافحة، ومع إيرادها فهي لا تصح.

هداية المبتدع (نصيحة)

هداية المبتدع (نصيحة) Q أرجو تقديم نصيحة لأناس تعلموا السنة في المدارس والجامعات، ومع ذلك لا يغيرون عقائدهم البدعية، ولا عباداتهم الخاطئة، وذلك مجاراة لآبائهم وأقوامهم؟ A اعلموا -يا أيها الإخوة- أن من أصعب الأمور تغيير المبتدع من بدعته إلى الطريق الصواب (السنة) ولذلك يقول بعض السلف كـ سفيان بن عيينة: المبتدع لا يتوب، ومعناه في الغالب، وإلا فقد تاب الله على كثير من المبتدعة وردهم إليه رداً جميلاً، واستقاموا واستفادوا، ولكن كما قال الله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:8] وإنني أطلب من نفسي وإخواني ممن علم الحق ألاَّ يختار على الحق شيئاً، وأن يقدم الكتاب والسنة، ولا يقدم أهواءه، ولا أغراضه، ولا تقاليد أهله، فإن فعل ذلك فقد خسر وضل ضلالاً مبيناً، وما معي إلا أن يأتي إلى البرهان {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل:64] وليطرح المقالات والخرافات، وليتبع الأسانيد الصحيحة الثابتة عنه عليه الصلاة والسلام.

قصة أثر بول النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفة

قصة أثر بول النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفة Q هل صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام من معجزاته أنه ليس لبوله أثرٌ في الأرض عند قضاء حاجته؟ A هذه القصة أوردها البيهقي صاحب دلائل النبوة، وصاحب الشمائل، وسندها ليس بذاك، فعلى ذلك لا أعتمدها، ولا أذكر منها استنتاجاً، وأحذر من هذه القصص، وما صح من المعجزات فيه خير وبركة، بل ذكر ابن تيمية وغيره أن للرسول عليه الصلاة والسلام فيما قيل ما يقارب ألف معجزة، فنحن في غنية عن هذا وأمثاله، إنما أعرف في ساعتي هذه أن سندها لا يصح وفيه نظر. على كل حال؛ من خصوصياته عليه الصلاة والسلام التي ذكرت: أنه لا يتثاءب كما نتثاءب، لأن التثاؤب من الشيطان، وقد سلمه الله من الشيطان، بل عند مسلم في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {ما منكم من أحد إلا معه قرين -يعني: الشيطان- قالوا: حتى أنت يا رسول الله، قال: حتى أنا، ولكن الله أعانني عليه فأسلم} أي أنه: أسلم، وبعضهم يقول: أي: أسلمُ منه، والأول الصحيح. ومن خصوصياته عليه الصلاة والسلام أنه لا يحتلم في المنام، لأن الاحتلام من الشيطان إلى غير ذلك من الخصوصيات.

قراءة الفاتحة بعد الدعاء للنبي أو الأموات

قراءة الفاتحة بعد الدعاء للنبي أو الأموات Q هل يجوز أن نقول لإنسان بعد ذكر الأدعية: اقرأ الفاتحة لحضرة النبي عليه الصلاة والسلام، أو عند الأموات اقرءوا الفاتحة على ذكر موتاكم؟ A لا يصح ذلك، وهو بدعة، ولم تؤثر عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولا عن السلف الصالح، ومن فعل ذلك فقد ابتدع، قال عليه الصلاة والسلام: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} وفي لفظ: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} ولم تثبت هذه فهي بدعة.

الصلاة على النبي تفريج للهموم

الصلاة على النبي تفريج للهموم Q هل الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام هي باب لسعة الرزق وتفريج الهموم؟ A نعم، وقد ذكر ابن القيم في كتاب: جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خيرة الأنام -صلى الله عليه وسلم- أن فيها فوائد ومنافع، منها هذه الفوائد، فإن الله يوسع على الذاكر رزقه، لأنه عابد، ويزيل همومه وغمومه ويشرح صدره.

دعاء الفاتح وحكمه

دعاء الفاتح وحكمه Q هل هذه الصفة صحيحة" اللهم صل على محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق"؟ A هذا اللفظ لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، ولا عن التابعين، والأولى للمؤمن أن يتقيد بالألفاظ الشرعية التي وردت عنه صلى الله عليه وسلم، والحقيقة أن لفظ" الفاتح لما أغلق" موهم، وفيه ريبة ولا ندري بنية أصحابه، فإنه يحتمل وجوهاً، وقد يؤدي إلى أمور لا يفتحها إلا الله، فإن الذي يفتح لما أغلق هو الله عز وجل وليس الرسول عليه الصلاة والسلام، وبعضهم إذا وقع، قال: يا محمد، أو يا علي، أو يا فاطمة. وبعض العوام إذا وقع في عينه شيء من التراب يقول: يا فاطمة بنت النبي، إن كان دقٌ فاتفريه، وإن كان شديد فابسقيه، أو كما يقال باللغات الدارجة عندنا، وبعضهم يأخذ ضرسه إذا سقطت ويلقيها إلى الشمس، ويقول: يا فاطمة بنت النبي، هذا ضرس حمار أعطيني سن غزال! وهو ضرسه أكان حماراً هو؟! إلى غير ذلك من الخزعبلات، وأمور يشيب لها الولدان، فمن فعل ذلك فقد أساء وصرف كثيراً من العبودية لغير الله عز وجل، وهذا اللفظ لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم وليس بصحيح، والأولى اجتنابه.

تعلم العقيدة فرض عين

تعلم العقيدة فرض عين Q هل تعلم التوحيد فرض عين أم فرض كفاية، لأن هناك من أهل العلم من يقول: تعلمه فرض كفاية، وإذا قام به البعض سقط عن الآخرين؟ A تعلم التوحيد فرض عين، ولا بد لكل مسلم ومسلمة أن يعرف التوحيد الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يميز بين أنواع التوحيد الثلاثة: الأول: توحيد الربوبية. الثاني: توحيد الألوهية. الثالث: توحيد الأسماء والصفات. فإن قوماً عرفوا توحيد الربوبية، فقالوا: هذا هو مقصود الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وقد كذبوا، مثل: أحمد زكي المحرر لـ مجلة العربي، وقد توفي وقد ألف كتاباً سماه: آيات الله في السماء، وأثبت فيه توحيد الربوبية، وقال: هذا هو التوحيد الذي دعا إليه الأنبياء والرسل، فنقول: كذبت يا عدو الله، هذا التوحيد يعرفه أبو جهل، هذا التوحيد يعرفه أبو لهب، عجائز مكة الوثنيين يعرفون هذا التوحيد، فرعون يعرف هذا، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87] فتوحيد الربوبية شيء وتوحيد الألوهية شيء آخر، توحيد الربوبية أقر به المشركون حتى فرعون، يقول موسى عليه السلام لفرعون: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] فبكَّته وبيَّن أنه يعلم ذلك، أما توحيد الألوهية فهو توحيد العبادة والقصد، وإفراد الله عز وجل بالدعاء والخشية والإنابة والعبادة وأقسامها الكثيرة، وتوحيد الأسماء والصفات، فلا بد لك أن تعرف هذه الأقسام معرفة لا تعفيك من جهلها، أما المعرفة التفصيلية فهي لأهل العلم، المعرفة التفصيلية في الجزئيات التي هي من مباحث أهل العلم، فهي لأهل العلم، وأما تعلم التوحيد الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم فهو فرض عين لا يعفى أحد منه.

الحداثة

الحداثة Q ما حكم الحداثة في الإسلام؟ A الحداثة: مذهب متزندق إلحادي كفري، نشأ في السنوات الأخيرة، ومفاده وفحواه: الثورة على كل قديم وإلغاؤه وتشطيبه بما فيها الرسالة والرسول والقرآن، ولهم مذهب أدبي رمزي يرمزون لمقصوداتهم برموز، يقولون: لا يفهمها إلا هم، وهي ظلمات بعضها فوق بعض، وهؤلاء كفروا بالله في مقاصدهم التي منها الاستهزاء بالله، أو برسوله، أو بالإسلام، أو بسنة محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء دماؤهم مهدرة، ويستحقون القتل، يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا، ولا يصلى عليهم، ولا يغسلون، ولا يكفنون، ولا يدفنون في مقابر المسلمين، وهم على كل حال ملاحدة بما قالوا وبما كتبوا وبما شهد الله به عليهم.

السنة عند أهل الفقه والحديث

السنة عند أهل الفقه والحديث Q ما معنى السنة، وهل يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها؟ A السنة عند الفقهاء هي: ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، لكن السنة في مفهوم السلف هي طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام، ويدخل فيها الفريضة والواجب والمندوب، وما عرف السلف الصالح إلا هذا، وهو التعريف الصحيح لمصطلح السنة، أما هذا فهو عند الفقهاء ليس إلا لأنهم يريدون به ما يقابل الواجب، فالواجب عندهم: ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، فأرادوا أن يميزوا بين السنة والواجب، فقالوا: والسنة ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، أما إطلاق السنة عند الصحابة والسلف، فهو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقته.

سؤال عن اللحية

سؤال عن اللحية Q ما حكم اللحية؟ A أقول: إنها سنة بمعنى أنها من سنته عليه الصلاة والسلام، لا أن معناها يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، بل يعاقب، لأن تربيتها واجب، وحلقها حرام كما نص عليه أهل العلم.

أسباب الانتكاس

أسباب الانتكاس Q ما هو السبب الأساسي في رجوع الشباب بعد الالتزام، البعض منهم يعمل في الدعوة إلى الله، والبعض يجاهد في سبيل الله، والبعض يطلب العلم، ومع ذلك كله تركوا الالتزام، فما هو السبب؟ A إن كان قصد السائل أنهم رجعوا يجاهدون ويدعون ويطلبون العلم، فما رجعوا بل زادوا بصيرة والحمد لله، وإن كان قصده: كانوا يدعون وكانوا يجاهدون وكانوا ملتزمين، ثم رجعوا فالقلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء، وللرجوع أسباب أجملها في ثلاثة أسباب: أولاً: ضعف التربية الروحية، ضعف الرصيد من النوافل والعبادة، يؤخذ الشاب لكن يربى على النشيد والرحلة، وعلى تمارين رياضية؛ على صعود الجبال وشد الحبل، وأكل البيضة، على لعبة التفاحة، الإسلام ينطلق من أطر وينبثق في بوتقة استراتيجية، والدعوة على الكلام المنفوش فأدنى موقف يمر به ينهار؛ لأنه ليس لديه علم شرعي، ولا نوافل، ولا عبادة، هذه مسألة. ثانياً: أن في نفسه -والعياذ بالله- خبثاً من قبل، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23] ولذلك يقولون: من أعلن إسلامه في مرحلة، ثم ارتد فإن ذلك دليل على خبث في نفسه. ثالثاً: أنه أمهل نفسه في المعاصي، والمعاصي تبدأ بالنظرة، ثم تتطور إلى الفاحشة، ثم تتطور-والعياذ بالله- إلى التخلي عن الواجبات، ولذلك قال الله في بني إسرائيل: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13].

حجة واهية في عودة الشمس

حجة واهية في عودة الشمس Q هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله عز وجل أن يرجع الشمس من الغروب لكي يصلي بعض الصحابة العصر؟ A هذه القصة ذكرها الحاكم والطحاوي والبغوي وبعض أهل السير، قالوا: إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه نام في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام حتى غربت الشمس وما صلى العصر، فما استيقظ إلا وقد غربت الشمس، فقال: يا رسول الله ما صليت العصر، وقد غربت الشمس، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم الله، فأعاد الشمس له حتى صلى العصر، وفي لفظ لهم: بل سأل علي رضي الله عنه وأرضاه ربه فأعاد له الشمس، وهذه القصة كذب، ولا يجوز إيرادها والاستدلال لها، وقد ردها ابن تيمية وابن كثير، وهذه القصة من الخرافات التي لام أهل العلم الحاكم صاحب المستدرك والطحاوي وأمثالهما على إيرادها. وعلى كل حال؛ أبو تمام الشاعر ذكرها في قصائده ويثبتها ويقويها، لكن حججه كالزجاج إذا تكسر، لأنه شاعر، يقول: فردت إلينا الشمس والليل راغمٌ بشمسٍ بدت من جانب الخدر تلمع فوالله ما أدري علي بدا لنا فردت له أم كان في القوم يوشع والصحيح: أن الله رد الشمس على يوشع، وهو كما قيل: غلام موسى الذي سافر معه، قال لغلامه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، فهذا الغلام كان نبياً رد الله له الشمس حتى قاتل والحديث صحيح، أما علي فلم يرد الله له الشمس، والقصة ليست بصحيحة ولا ثابتة عنه عليه الصلاة والسلام، ولذلك ذكرها ابن كثير في" البداية والنهاية " فقال: وقال شيخنا -يعني: ابن تيمية - إمام الأئمة هذه عادة الطحاوي أي: أن الطحاوي عادة لا يزيف القصص الزائفة، ثم نال ابن تيمية من الطحاوي قليلاً ولو أن الطحاوي حنفي محدث، وكذلك يفعل البغوي أحياناً، لكنهم تساهلوا، وقد لام الأئمة القاضي عياض رحمه الله على بعض القصص التي حشا بها كتاب" الشفا " حتى مرض" الشفا " وأصبح فيه حمى بسبب هذه القصص، ولو أنه من أحسن الكتب، حتى الذهبي لما ترجم للقاضي عياض، قال: وفي كتابه" الشفا " شيء، فعليك بـ دلائل النبوة للبيهقي؛ فإنه هدى ونور وشفاء لما في الصدور.

شفاء القرآن

شفاء القرآن Q ما معنى الآية: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [الإسراء:82] فهل الشفاء للأبدان أم للأرواح أم يعم جميع الأمراض؟ A الصحيح أن القرآن صحة للأرواح وللأبدان، وأما ما ذكر في بعض السور فهو بحسب السياق، مرةً يذكر الله الكفر والشك والريبة، فيذكر القرآن فمعناه شفاء لما في الصدور-أي للأرواح- ومرةً يذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الأمراض، فيذكر الشفاء فيعلم أنه القرآن، والصحيح: أن القرآن يتداوى به من الأمراض العضوية، وأمراض الصرع والجن. وبالمناسبة من أنكر تلبس الجان بالإنسي فقد أخطأ وضل ولا يكفر بهذا، لأن المسألة ظنية، لكن من أنكر الجن مثل ما فعل بعض المفسرين، وقد علم بآياتهم، فقد كفر بهذا، لأن القرآن ذكر الجن، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن:1] أما تلبس الجان بالإنسي فلا ينكر، ومن أنكره فقد أخطأ وأسرف على نفسه، لكن لا نكفره بهذا، لأن المسألة ظنية، والدليل على تلبسهم قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275] ودل على ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم دعا لمصروع فشافاه الله، وقال: {اخسأ عدو الله، اخرج أنا رسول الله} حتى أخرج الجني منه، والواقع يشهد لذلك، وما ينكر هذا إلا رجل مكابر، والأمراض العضوية كذلك يدعى، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ينفث على جسمه عليه الصلاة والسلام، ويرقي جسمه بالقرآن؛ لأن فيه شفاء، فلا بأس بهذا بل هو سنة ثابتة، وأما أمراض الأرواح فدواؤها وبلسمها وشفاؤها القرآن.

موقف الإسلام من أبوي النبي عليه الصلاة والسلام

موقف الإسلام من أبوي النبي عليه الصلاة والسلام Q ما موقف الإسلام من أبوي رسول الله عليه الصلاة والسلام، هل أسلما أم لا؟ A أقول: ولو أن هذه مسألة فضولية: لم يسلم أبوه ولم تسلم أمه، وعند مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي} وعند مسلم في الصحيح: {أن رجلاً أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فولى، ثم دعاه، قال: أبي وأبوك في النار} والسند صحيح، وهذا منهج أهل السنة والجماعة، وخالف أهل البدع، فقالوا: أحيا الله أبا الرسول وأمه حتى كلمهم بالدعوة فأسلموا، فنقول لهم: هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل:64]. والدعاوى ما لم يقيموا عليها بيناتٍ أصحابها أدعياء

الاستهزاء باللحية

الاستهزاء باللحية Q ما حكم الاستهزاء باللحية، حيث أن بعض أصحاب والدي يقولون: إنها تخفف العقل، فما الرد على هؤلاء الجهلة؟ A أولاً: أنا لا أقول: إن من حلق لحيته كفر، أو خرج من الملة، قد يكون محباً لله ومحافظاً على الصلوات الخمس، وباراً بوالديه، ووفياً، ولكن نقول له: حنانيك أكمل أمرك ما دام أنك كملت أمورك فما بقي عليك إلا بعض التشطيبات السهلة التي تكمل بها في السنة وتكون من أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، وهذه الثلمة إذا بقيت فيك فقد بقي في قلبك ثلمة في حبه عليه الصلاة والسلام: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] أما من استهزأ باللحية، وقال: تخفف العقل، فعقله هو الخفيف، ولو أن عقله كثير لربى لحيته كما فعل محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه، وبعض الناس من المفكرين الإسلاميين الذين أدركهم زيغ - والعياذ بالله- أو خفة عقل دائماً يلاحق الشباب المستقيم فيقول: كنت في الإمارات فجاءني شاب كث اللحية، فسألني عن الكالونيا، ونقول: ما علاقة الكالونيا، والسؤال بكث اللحية؟ قال: وكنت في الجزائر فقام لي شاب وهو كث اللحية يسألني عن الحجاب، قلنا: ما علاقة الجزائر والحجاب وكث اللحية؟ قال: وكنت في بلد فقام شاب كث اللحية فسألني سؤالاً عن تقصير الثياب، قلنا: أخطأت نصيبك وأنت تريد أن تتهجم على شباب الإسلام، هذا المفكر نفسه أتى إلى شنودة و p=1001693>> شنودة صنم في مصر قائد الأقباط الوثنيين، وهو رجل فاجر أتى إليه فقال: الأخ العزيز شنودة، فقيل له: لماذا تقول: الأخ العزيز شنوده؟ قال: إنسانية الإسلام وحب الإسلام وتآخي الإسلام، والله يقول في كتابه واسمع ما أحسن الاستدلال: - {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] قلنا له: لماذا لا تقول: لشباب الصحوة وللتائبين ولرواد الرسالة الخالدة ولـ أهل السنة: الإخوان الأعزاء، وإنما تتهجم عليهم بكل مناسبة وبلا مناسبة، بالمكشوف وبغير المكشوف فهذا خطأ منك، فمن يفعل هذا الفعل فقد أساء، وبعض الناس ما عنده إلا أن يستهزئ بالصالحين، يقول: ثيابهم هكذا، وإذا قاموا يصلون يقولون كذا، صحيح أنا معه أن بعض الصور حصلت من بعض الشباب؛ يجعل يديه هنا، وإذا جاء يسجد تفلطح وتبلطح، أي: ما يجافي مجافاة إنما يموت، وإذا جاء يراصك صاقعك مصاقعة، يعني: ضربك بأرجله حتى تتوب أن تصلي بجانبه، والسنة وسط، هذه تأتي صور، لكن في المليون يأتي واحد، فيعممونه على الشباب دائماً، ولكن نقول لهؤلاء: من المسئول عن المخدرات؟ هم المنحرفون، هم المسئولون عن المخدرات، دور الدعارة، المجلات الخليعة، الأغاني الماجنة، إرهاب الأمن في البلاد، زعزعة كيان الأمة، هم المسئولون عنها، أما شباب الصحوة فهم أهل المساجد، وأهل القرآن، وأهل الجهاد، وأهل حسن الخلق، وأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن شاء الله ببركتهم يحفظ الله علينا كياننا وقداستنا ورسالتنا. ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني يقول: ليت من يهاجمني بطل من بني هاشم خئولته بنو عبد المدان كنت استرحت، ولكن هذا القزم الحقير يهاجمني وأنا كيت وكيت، فهذا مثل أهل السنة مع المنحرفين، والله المستعان.

طلب الدعاء من الحي وأسباب نسيان القرآن

طلب الدعاء من الحي وأسباب نسيان القرآن Q حفظت نصف القرآن ولكني نسيته لكثرة الهموم، ولذلك أطلب منك ومن الإخوان أن تدعو؟ A أولاً: طلب الدعاء من الرجل الصالح الحي الموجود مطلوب، وليس فيه إن شاء الله خلاف، يقول عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي وسنده حسن: {لا تنسني من دعائك يا أخي} وبعضهم يخالف في هذا، لكن بشرط أن يكون حياً موجوداً صالحاً، لا تأتي إلى ميت في قبر وتقول: (لا تنسني من دعائك يا أخي) فإنه لا يدري ولا يسمع ولا يعي ولا يعقل، إما في روضة من رياض الجنة، أو في حفرة من حفر النار، أو تأتي إلى فاجر من أفجر الفجرة، عربيد سكار خمار عدو لله، وتقول: لا تنسي من دعائك يا أخي، لو دعا لك هذا لنزلت عليك صاعقة من السماء، لو دعا لك لانهدم عليك البيت، أو صدمتك سيارة وكذلك أن يكون موجوداً، ولا تأت في المسجد وتصلي وتقول: يا أخي في القاهرة، أو في الفلبين، لا تنسانا من دعائك، لا هذه سفر الأرواح، وهي عند غلاة المبتدعة وليست عند أهل السنة والجماعة، أحدهم يجلس فيغمض عينيه، قالوا: ما لك؟ قال: سافرت روحي إلى الخرطوم -لا أعادها الله عليك- وحدثنا بعض العلماء، قال: سافرت إلى المغرب، فدخلت هناك في مسجد فيه قبر لأحد زعماء هؤلاء المبتدعة، فدخلت فأردت أن أدروش مثلما تدروشوا، قالوا: ألق رداءك، فألقى غترته، قال: فألقوا أرديتهم، قال: فسكتنا، فقلت: ماذا؟ قالوا: فلان قام من قبره يناجي الرسول عليه الصلاة والسلام تحت الرداء، قلت: أسألكم بالله أنا بشوق لا يعلمه إلا الله لأرى الرسول ولو مرة، أرجوكم أن تسمحوا لي لأكشف الرداء لعلي أرى الرسول صلى الله عليه وسلم، قالوا: قم يا وهابي يا متشدد يا غالي، حتى أخرجوه من المسجد على كل حال؛ ندعو لك بالخير والثبات، وأما نسيانك للقرآن فعارضان اثنان: الأول: إما عارض كسبي من الذنوب والخطايا، فأنت تلام على ذلك، نحن كما يقول ابن تيمية: نلام على المعايب، ولا نلام على المصائب، نحتج بالقضاء والقدر في المصائب، ولا نحتج به في المعايب، إنسان يسرق، لماذا سرقت؟ قال: قدر الله وما شاء فعل، صحيح في نفس الأمر، لكن هذا احتجاج يؤدي -والعياذ بالله- إلى استحلال المعاصي، يأتي زاني يزني، قلنا: لماذا تزني؟ قال: قدَّر الله عليَّ أن أزني. سرق سارق في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، فقال: لم سرقت؟ قال: قدر الله علي أن أسرق، قال: علي بيدك، فأخذ السكين فقطع يده، فقال: لم قطعت يدي وقد قدر الله عليَّ أن أسرق؟! قال: وأنا قدر الله عليَّ أن أقطع يدك. وأما في المصائب فنحتج بالقضاء والقدر، رجل رسب ابنه بعدما رسب، يقول: قدر الله وما شاء فعل، أتاه حادث سيارة قدر الله وما شاء فعل، فالكسبي الذي نسيت به القرآن هذا تلام عليه أنت، وهذا -حفظكم الله- مثل: أن تكون أكثرت من الذنوب والخطايا، أو وقعت في فواحش، أو غفلت عن مراجعة القرآن، فتلام عليه، ونسيان العلم من أسبابه المعاصي، قال الله عز وجل: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] قال الشافعي: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نورٌ ونور الله لا يهدى لعاصي الثاني: وأما الجبلي، فقد يكون أتاك شيء كمرض، فنسيت فتعذر عليه، بعض الناس صالح من الصالحين، لكن لا يعرف شيئاً إلا نسي اسمه، بعض الناس يقولون: إنه أرسله أبوه بريال، قال: تأخذ بريال تميز وبريال فول، فذهب إلى الفران، فنسي أين هو ريال الفول من ريال التميز، هو لا يسجد له سجود السهو لا عند المالكية ولا الحنابلة ولا الشافعية ولا الأحناف، فعاد إلى والده وقال: يا والدي الشيطان لبس علي حتى ما أدري أين هو ريال التميز من ريال الفول، قال: يا ليتني ما رأيتك حتى أشتري التميز أنا وأشتري الفول. على كل حال الحمق وارد، وليس هذا بحمق، ولكن قد يحدث مرض ينسى به العبد، فإذا نسي فيؤجر، وهذه من المصائب التي يؤجر عليها العبد، وقد يأتيه مرض فينسى جميع المعلومات فعليه أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله أن يغفر لنا ولمن حضر هذا المجلس، وأن يتغمدنا وإياكم برضوانه.

كشف الحجاب للمرأة

كشف الحجاب للمرأة Q كشف الرجل على أخت زوجته وعلى الأجنبيات وعلى بنات العم وبنات الخال، وقال: هذه عادة منتشرة في القبائل، ولا يفهمون السنة، وهم متكبرون إذا دعوا، ويعتقدون أن هذه العادات السيئة تقدم على الكتاب والسنة، فما الحكم؟ A هذا موجود في بعض القبائل من الجهل، كما قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] وهذه الأجنبيات الذي ذكر الأخ يحرم الكشف عليهن، والحجاب واجب شرعي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، ومن أنكره فقد أخطأ وعارض شرع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد أنتج ترك الحجاب والاختلاط في بعض القرى وبعض الأماكن والمدن والخروج الجماعي بهذه الصور إلى وجود الكثير من الفواحش -والعياذ بالله- والوقوع في الزنا، وهذه جريمة نسأل الله أن يكف بأسها، وأن يغفر لنا ولكم، وأن يبصرنا وإياكم بعلم الكتاب والسنة، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

المساجد ودورها في الإسلام

المساجد ودورها في الإسلام المسجد أول مشروع للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وبه بدأ بتكوين وبناء المجتمع المسلم والعلمانيون حصروا عمل المسجد في الصلاة والقرآن فقط. ولكن الناظر إلى المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن المسجد في عهده كان شعلة وهاجة تنير الأرض من حولها، وفي هذا الدرس بيان لدور المسجد في حياة المجتمع المسلم.

المشروع الأول للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة

المشروع الأول للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً. بنى المسجد، وعلَّم الناس في المسجد، وخرَّج الأجيال من المسجد. صلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. يا رواد المساجد! ويا جيل المساجد! ويا ضيوف المساجد!! إن كان لي من شكر في أول هذه المحاضرة، فإني أشكر الله تبارك وتعالى على أن أجلسني في هذا المكان، ثم أشكر أهل الفضل على فضلهم، وعلى رأسهم: رئيس النادي الأدبي بـ أبها: الأستاذ الأديب محمد بن عبد الله الحُمَيِّد، ثم الأديب البارع الشيخ محمد بن إبراهيم النعمي، وأشكر كذلك صاحب الفضل وسعادة مدير أوقاف ومساجد منطقة الجنوب. ثم إنني سعيدٌ جِدُّ سعيد بأن أتكلم عن هذا الموضوع، موضوع المساجد، وما أدراك ما المساجد؟ المساجد التي كانت من أعظم اهتماماته صلى الله عليه وسلم. المساجد التي أثنى الله على عامريها، وبُناتِها، وروَّادها. المساجد المَعْلَم الحضاري الكبير الذي تركه صلى الله عليه وسلم للتاريخ، ولِقُرَّاء التاريخ. نسمع هذه الليلة حديثاً عن المساجد. وأنا أشارك إقبال، شاعر الـ باكستان، يوم يعاتب الأمة الإسلامية على أنها أهملت رسالة المسجد، وجعلته زاوية للصلاة فقط، فقد عاتب الأمة الإسلامية في مقطوعة شعرية يقول فيها: أرى التفكير أدركه خمولٌ ولم تَبْقَ العزائم في اشتعالِ وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقالِ وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي؟ منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خالِ وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلالِ يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18]. إنما يعمر مساجد الله: إما عمارة بالبناء والرفع والتعمير، أو عمارة بالذكر والصلاة والدعاء والإخبات، هكذا قال أهل العلم. فالمنافقون والفجرة وأعداء الإسلام لا يعمرون المساجد؛ إنما يعمر المساجد الذي يريد الله ووجهه ولقاءه. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن الرجال وهو يعرِّفهم بسيماهم وصفاتهم، يقول: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [النور:36]. مَنْ؟ {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور:37]. فسلام الله على رواد المساجد، وسلام الله على ضيوف المساجد. والمساجد سوف أتحدث فيها عن أمور أربعة: أولها: كيف كان المسجد منتدى، وكيف كان مجلس شورى، وكيف كان محكمة قضائية. ثانيها: كيف جعل صلى الله عليه وسلم من المسجد ثكنة عسكرية، تنطلق منها الرايات، وتُعْقَدُ منها الألوية، وتصَنَّف منها الجيوش، وتُخَرَّج منها الكتائب. ثالثها: المسجد روضة من رياض الجنة، عبادة وفكر واتصال بالواحد الأحد. ورابعها: المسجد استقبال للوفود، وإرسال للاهتمامات في الأمة الإسلامية، وبناء للجيل. ولكن أعود فأنثر ما بنيت؛ ليكون في مسائل منثورة، تُقَدَّم هكذا، بدون تنصيص أو تحديد؛ ليبقى الموضوع متكامل البنية، ولا يبقى سرداً؛ ليكون أخف على الأرواح وأطيب للنفوس. قَدِم صلى الله عليه وسلم المدينة، فما هو مشروعه الأول؟ لقد قدم صلى الله عليه وسلم ولم يحمل دنانير ولا دراهم، ولكن حمل عقيدة ومبدأً وأصالة، فكان أول ما بدأ به صلى الله عليه وسلم أن وضع حجر الأساس لبناء المسجد الإسلامي الكبير: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة:108]. مسجد بناه على (لا إله إلا الله). مسجد أسسه لتنطلق منه الكتائب مكبرة في سبيل الله. مسجد عقده ليكون نادِياً أدبياً يُعْلَن وتُطرَح فيه القصائد الرنانة في خدمة الإسلام. يوم يأتي صلى الله عليه وسلم إلى حسان، شاعر الإسلام، وسيف الأدب الإسلامي، ووزارة الإعلام المتنقلة لخدمة مبادئ الإسلام، فيقدم له المنبر، ويقول له: {اهجُهُم وروح القُدُس معك}. ويستقبل صلى الله عليه وسلم الوفود العربية من بني تميم، والأَزْد، وغَطَفان، وأسد، وفَزارة، فيُهَنِّيْهِم ويُهَنُّوْنَه، ويعانقهم ويعانقونه في المسجد. فبدأ صلى الله عليه وسلم هناك، فأتى إلى المسجد فوضع حجر الأساس، ثم تلاه أستاذ الخلافة، ورجل الساعة، والصدِّيق الأكبر أبو بكر الصديق، فنزع حجراً آخر ووضعه بجانب حجره، ثم قام عمر الفاروق. قد كنتَ أعدى أعاديها فصرتَ لها بفضل ربك حصناً من أعاديها فأخذ حجراً ثالثاً ووضعه بجانب حجر الصدِّيق، وكأن الثلاثة يقولون للبشرية: هذه نهاية الوثنية، وهذه بداية معالم الإنسانية، وهنا تُخْنَق الوثنية، ويُذْبَح الشرك بإذن الله. وسُقِّف المسجد؛ لكنه ما كان راقياً في بنائه، بل كان راقياً في مضمونه وعظَمته، وكان مشرقاً في روحانيته، وكان هادٍ في مسيرته. طينٌ وسَعَفُ نخل وشيءٌ من خشب؛ لكن: كفاك عن كل قصر شاهق عمد بيتٌ من الطين أو كهف من العلمِ تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيمِ ودخله صلى الله عليه وسلم وقال: الله أكبر، ومن يوم قال فيه: الله أكبر؛ انتهت الوثنية، ودُمِّر الإلحاد والزندقة، ودُمِّر كل مبدأ ضال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ووقف عليه الصلاة والسلام خطيباً يوم الجمعة، يذرف بالكلمات الصادقة من على المنبر؛ ليقول للناس: مسجدنا هنا

تعاليم الإسلام تعرض على المنبر

تعاليم الإسلام تعرض على المنبر وَايْمُ الله لقد أعجبتني واستأسَرَتْني كلمة للأديب البارع الأستاذ علي الطنطاوي في كتابه قصص من التاريخ، وهو يتحدث عن المساجد في لمحة، تحت عنوان: (نحن المسلمون). يقول في كلمته: سلوا كل سماء في السماء عنا، وسلوا كل أرض في الأرض عنا، سلوا الجزيرة وفيافيها، سلوا دجلة ورياضها وحقولها، سلوا الفرات وواديه، سلوا الشام وأنهارها، سلوا كل إنسان عنا. ثم قال: مبادئنا تُعلَن كل يوم جمعة من على المنبر، نحن ليس عندنا أسرار ولا ألغاز، لسنا في حقائب فيها ألغام، أسرارنا وألغازنا ننثرها يوم الجمعة على الناس، ونعلن مبادئنا من على المنارة (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر) وهذه كلمة لا بد أن تُنْشَر للناس. فمبادئنا وإعلاننا ورسمياتنا وسرائرنا تُعْلَن كل جمعة من على المنبر. وفَعَلَ صلى الله عليه وسلم، فقد أُخِذ المسجدُ للخطابة؛ فكان يخطب يوم الجمعة، وكان من أبرع من خلق الله في الخطابة. يقول شوقي: وإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو الندي وللقلوب بكاءُ إي والله، لا تسمع للمسجد إلا حنيناً ودَوِيَّاً من البكاء؛ لأنه صادق، وتعاليمه صادقة كالفجر، أرأيتَ الفجر؟ أليس الفجرُ واضحاً؟ فتعاليمه صلى الله عليه وسلم كالفجر، فهو يعلنها يوم الجمعة من على المنبر عليه الصلاة والسلام. يقول جُوْلْد زيهر، هذا المجري الخبيث: أنا لا أعجب من محمد أن يبعثه الله بعد الأربعين نبياً، فقد بعث الله قبله أنبياء وأنبياء؛ لكن أعجب أنه ما تعلم ولا درس ولا كتب ولا قرأ، ثم يقول الله له: سر في الناس واخطب في الناس، فإذا هو أفصح فصيح وأخطب خطيب! شهد الأنام بصدقه حتى العدا والحق ما شهدت به الأعداءُ إيْ والله، الضاد على لسانه أجرى من الماء الزلال، يسبي القلوب بعباراته: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:4 - 6].

مكانة الأدب في المسجد

مكانة الأدب في المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم جعل من المسجد منتدىً أدبياًَ: بِ حَسَّان وجَدَ له صلى الله عليه وسلم في دعوته تخصصاً، فنحن أمة التخصص وأمة الشمول، وأمة الأصالة والعمق، لا نقول للأديب: ليس لك مجال عندنا، نحن مصلون صائمون معتكفون، أما الأدب فلا نحسنه! لا، من يُحسن الأدب إلا نحن، نحن أمة الإيمان والحب والطموح، كما قال إقبال. ويقول أبو الحسن الندوي: ونحن أمة الفن والحب والجمال. لكن فننا وحبنا وجمالنا من المسجد، حيث يطلقه صلى الله عليه وسلم. في المسجد يقول لـ حسان: {اهجُهم وروح القُدُس معك} ويقرب المنبر بيديه الشريفتين صلى الله عليه وسلم، فيضع المنبر لـ حسان، ويدلف حسان ويتكلم بقصائده الرنانة التي تقع كالسهام، أو كنضح السهام على وجوه المشركين.

قصة وفد بني تميم

قصة وفد بني تميم وفي السير لـ ابن إسحاق وابن هشام، بسَنَدَين جيِّدَين، قالا: أتى وفد بني تميم -بنو تميم قبيلة عملاقة من قبائل العرب الشهيرة- إلى المدينة لتُسْلِم، وقد أتى وفدها في العام العاشر أو التاسع ليُسْلِم، فقدم الوفد وكانوا ثمانية، اختيروا اختياراً في مجالات التخصص، فأخذوا معهم حليم العرب قيس بن عاصم، والأديب الخطيب عطاء بن حاجب بن زرارة وعمرو بن الأهتم المدره، والشاعر الزِّبرقان بن بدر، إلى مجموعة أخرى، وقدموا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقالوا -وهم الذين نادوا من وراء الحجرات -: يا محمد! نحن لا نسلم حتى تبارينا في مسجدك، ونفاخرك وتفاخرنا، ويسمى هذا -كما ذكره ابن قتيبة -: المناثرة، والمناثرة عند العرب: أن يأتي وفد لوفد، فيذكرون مآثرهم وتاريخهم في الجاهلية، فمن غلب أسند له القياد، وسُلِّمَت له الحكومة، فقالوا: نباريك، قال: بماذا؟ قالوا: معنا خطيب وشاعر، ونريد خطيبك وشاعرك. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يتأخر، فعنده الإمكانيات، وعنده القدرات، وفي المسجد عليه الصلاة والسلام دعا ابن رواحة، فقال ابن رواحة: أنا شاعر المُهْلَة، أي: لا أستطيع في البداهة أن أنْظِم قصيدة، فدعا حساناً وأتى وفد بني تميم، واجتمع الناس، وارتقى الزِّبرقان بن بدر على المنبر ليقول: نحن الكرام فلا حي يعادلنا منا الملوك وفينا تُنْصَبُ البِيَعُ إلى قصيدة تقارب الخمسين. والرسول عليه الصلاة والسلام يستمع إليه والصحابة، ويريدون أن تعتلي قصيدة حسان قصيدة ذاك المشرك الذي يريد الإسلام. وقام حسان؛ ودعا له الرسول عليه الصلاة والسلام أن يؤيَّد بروح القُدُس الذي هو جبريل، فقام في الحال، وألقى قصيدته الفذة البارعة النادرة في تاريخ الأدب، حيث قال: إن الذوائب مِن فِهْرٍ وإخوانهم قد بينوا سنناً للناس تُتَّبَعُ يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا فلما انتهى قال بنو تميم: غلب شاعرُك شاعرَنا. وقام خطيبهم وألقى خطبة، فقال عليه الصلاة والسلام: {أين ثابت بن قيس بن شماس؟} فهو يعطى القوس باريها، وأهل التخصصات تدفع إليهم التخصصات. فقام ثابت، فألقى خطبة، فغلب خطيبهم، فأسلموا، وأعلنوا إسلامهم. بهذا العمل يتبين أن المسجد أكبر مما يتصوره كثير من الناس، فهو يصلح أن يكون منتدىً أدبياً، تُلْقَى فيه الأمسيات، وتعقد فيه الندوات.

حكم إنشاد الشعر في المسجد

حكم إنشاد الشعر في المسجد وفي صحيح البخاري: باب إنشاد الشعر في المسجد. هل يُنشَد أم لا؟ يتساءل الإمام الفذ العبقري البخاري: هل يُنشَد الشعر في المسجد؟ قال: [[مرَّ عمر رضي الله عنه وأرضاه وحسان ينشد في المسجد فانتهره، فقال حسان لـ عمر: قد كنتُ أنشد وفيه من هو خير منك -يعني بهذا: رسول الله صلى الله عليه وسلم- فالتفتَ عمر إلى أبي هريرة كالمستشْهِد، فقال أبو هريرة: نعم]].

فضل بناء المساحد وبعض أحكامها

فضل بناء المساحد وبعض أحكامها والرسول صلى الله عليه وسلم فضَّل بناء المساجد: فقد أعلن أن من بنى مسجداً لله بنى له الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بيتاً في الجنة، ولو كان هذا المسجد في الدنيا، مثل مفحص قطاة، والقطاة: طائر معروف، ولذلك يقول الأول: أسرب القطا هل من يعير جناحه لعلي إلى من قد هويت أطيرُ فيقول عليه الصلاة والسلام: {من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قَطاة، بنى له الله بيتاً في الجنة} وفي رواية: {قصراً في الجنة} {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة:18] والمشرك، والرِّعْدِيد، والفاجر، لا يعمرون المساجد: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة:17] ما لهم وللمساجد، فالمساجد لا يعمرها إلا كل مخلص بالذكر والعبادة والإيمان والحب والطموح.

حكم اتخاذ القبور مساجد

حكم اتخاذ القبور مساجد والرسول عليه الصلاة والسلام نهى أن توضع المساجد على المقابر، أو المقابر في المساجد: لماذا؟ لأن المساجد أُقيمت للتوحيد، وللتأصيل، والتوحيد نقي من الخرافة والتخلف والرجعية. والخرافيون يجمعون بين القبر والمسجد، والمسجد والقبر. وهو في سكرات الموت يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}. فالمسجد ليس بقبر، بل هو حياة وإشراق، والقبر موت ومحاسبة، إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. لذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور, والجلوس عليها.

دور المسجد في المجتمع

دور المسجد في المجتمع وأنا أذكر هذا سرداً، وإلاَّ فأصول المحاضرة تنص على قضايا تَرِدُ إن شاء الله. والرسول عليه الصلاة والسلام أمر بالاعتناء بالمساجد: ففي مسند الإمام أحمد -إمام أهل السنة والجماعة -: عن عائشة رضي الله عنها قالت: {أمر صلى الله عليه وسلم أن تُبْنَى المساجد في الدور، وأن تُنَظَّف، وأن تُطَيَّب} هذا الحديث حسن. والدور: هي الحارات وملتقى الناس ومجامعهم. فأمر صلى الله عليه وسلم بالمساجد أن تبنى هناك، وأن تنظف وتطيب. وتنظيفها: إخراج ما يشوب أصالتها وعمقها وجمالها وجلالها. وتنظيفها: إخراج كل ما يكدِّر على المصلين صلاتهم، من غيبة ونميمة وصوت وضجة، فهذه من المقاصد المعنوية للمساجد. وتطييبها: إدخال الروائح؛ ليجتمع كل من الجلال، والجمال، والكمال، والعظمة، والحب، والإيمان، والطموح.

المسجد منطلق الكتائب

المسجد منطلق الكتائب الرسول عليه الصلاة والسلام جعل المسجد ثكنة عسكرية: يقول أحد الرواة من الصحابة: {دخلتُ المسجد والرسول عليه الصلاة والسلام يخطب يوم الجمعة، فلما انتهى من الصلاة قام بأبي هو وأمي على المنبر، فأخذ الراية بيده، وهي راية سوداء اسمها: (راية العُقاب) -أو (راية العِقاب) عند ابن إسحاق - فناولها بلالاً، وناولها بلالُ عمرو بن العاص؛ ليذهب إلى غزوة ذات السلاسل}. من المسجد تنطلق الكتائب، ومن المسجد تَدْلُف الجيوش الإسلامية، ومن المسجد ينطلق الجندي مؤمناً مفادياً عن عقيدته ومبدئه وأصالته، وفي المسجد جعل صلى الله عليه وسلم إعلان الحروب على من أنشأها، ومن أراد تدمير الأمة. وقف يوم الجمعة فندد بمشركين من مكة، وأعلن الحرب على أبي سفيان في الخطبة. فالمسجد إذاً: تُدار فيه شئون المسلمين، وأمورهم الحربية والعسكرية؛ لأنه ثكنة عسكرية. وقف صلى الله عليه وسلم في خطبة على المنبر يوم أحد، واستشارهم في الخروج أو المكوث في المدينة، فقام كبار الصحابة، وقالوا: نرى أن نبقى في مدينتنا، فنقاتل العدو داخل السكك، وفي زقاق المدينة. ووقف نعيم بن مالك بن ثعلبة -شاب في الثلاثين من عمره- فقال: يا رسول الله! لا تحرمني دخول الجنة، فوالله الذي لا إله إلا هو، لأدخلن الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: بم؟ قال: بخصلتين -هذه المؤهَّلات، مؤهَّلات أهل الإيمان والحب والطموح- بأني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: صدقت. وبدأ صلى الله عليه وسلم بانطلاقه، لكن من المسجد، من المنبر، وذهب وعقد الراية، ووقعت المعركة. يقول إقبال: ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى أم مَن رَمَى نار المجوس فأُطْفِئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا إنهم ذلك الجيل، جيل المسجد، الذين رضَعُوا أَلْبان الفهم من المسجد وفي المسجد دون غيره. فهذه قضية. من المسجد أطْلَق صلى الله عليه وسلم صوت الجهاد: جلس للناس بعد صلاة العصر، ودار الحديث في المسجد بينه وبين الصحابة في مسائل، وإذا برجل يأتي بناقة ومعه عصا، اسمه: عمرو بن سالم، والظاهر: أنه خزاعي -كما قال ابن هشام - فنزل من على راحلته، وأخذ يخترق الصفوف وهو يقول: يا رب إني ناشدٌ محمدا حِلْف أبينا وأبيه الأتلدا فانصر هداك الله نصراً أيدا وادعُ عباد الله يأتوا مددا فيهم رسول الله قد تجردا أبيض مثل البدر يسمو مصعدا إن قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا فهذا رجل يستنصر بالله، ثم بالرسول عليه الصلاة والسلام، فقد دخل هذا الرجل في حِلْف مع الرسول عليه الصلاة والسلام، أنه إذا اعتُدِي عليه من قريش، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام بدولته الإسلامية يتكاتف معه، ويسحق الباطل، فاعتُدِي عليه، فأتى يناشده بالميثاق الأول، وبالحلف الذي نُصَّ عليه في مكة. فقام عليه الصلاة والسلام وقال من على المنبر: {نصرت يا عمرو بن سالم}.

دور المسجد في التعليم والفتيا

دور المسجد في التعليم والفتيا من المسجد تُدار الأحاديث العَقَدية، ويُعَلَّم التوحيد: فقد ثبت ذلك في الأحاديث، وفي الصحيحين: من حديث أنس، قال: كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أظهرنا على التراب -بنفسي محمد عليه الصلاة والسلام- وهو يجلس على التراب؛ لكنه يقود الأرواح إلى الواحد الوهاب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ويجلس على التراب؛ لكنه يسافر بالأرواح ويخرجها من وثنيتها، ومن رجسها وكفرها. وبينما هو جالس إذْ قَدِم رجل اسمه: ضِمام بن ثعلبة، أخو بني سعد بن بكر، فقال: أين محمد؟. يسأل عن الرسول عليه الصلاة والسلام، قالوا: هو ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق، فقدم واخترق الصفوف إليه، وقال: يا بن عبد المطلب، لماذا لا يقول: يا رسول الله؟ لأنه أعرابي من بني سعد، وبنو سعد قبيلة أعرابية من أهل الطائف، والأعراب أهل الجفاء، في الجملة، والله يقول: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63]. فَقَدِمَ وقال: يا بن عبد المطلب، قال: {نعم، قال: إني سائلك، فمُشَدِّدٌ عليك في المسألة، قال: سَل ما بدا لك وكان الرسول صلى الله عليه وسلم متكئاً في المسجد، قال: من رفع السماء؟ قال: الله. قال: من بسط الأرض؟ قال: الله. قال: من نصب الجبال؟ قال: الله. قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آللهُ أرسلك إلينا رسولاً؟ وكان متكئاً عليه الصلاة والسلام، فتربع واحمر وجهه من عِظَم السؤال، أعظم أطروحة في تاريخ الإنسان وقعت في الدنيا هذا السؤال. شرحه ابن تيمية في مجلدات، كلما مرَّ به شرحه وأعلن وضوح هذا الحديث -قال: اللهم نعم ثم أخذ يسأله عن أركان الإسلام حتى انتهى، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعتُ ولا أنقص، أنا ضِمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، ثم ولَّى، فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا}. والرسول عليه الصلاة والسلام جعل المسجد للفُتيا وللدروس العامة:- فقد كان يعقد الحلقات في المسجد، صباح مساء، وهو - صلى الله عليه وسلم - يدري أن الدروس في المسجد بركة ونور، بل هي إيمان وحب وطموح. وعلم المسجد يختلف عن أي مكان آخر، إنه أبرك وأنور وأوضح من الجامعة والكلية والمعهد، لا نقول ذلك من باب التفاضل بين المسجد وغيره، فهو أفضل بلا شك؛ ولا ننكر كذلك مسايرة العصر والتطور الحضاري الذي شهدته الدنيا، لتبقى الكليات كليات، والجامعات جامعات، ولكن لنقول للأمة المجاهدة، أمة الرسالة الخالدة، ليبقى المسجد مسجداً وجامعة وثكنة عسكرية ومجلس شورى ومحكمة قضائية ومنتدى، هذا الذي نريد أن نقوله هذه الليلة.

تمريض المصابين في المسجد

تمريض المصابين في المسجد والرسول عليه الصلاة والسلام جعل المسجد مستشفى: ففي صحيح البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم نصب خيمة لـ سعد بن معاذ، ليعوده من قريب. وسعد بن معاذ هذا: أنصاري، أَوْسِي، مكث وعاش في الإسلام سبع سنوات، هي خير من سبعة قرون. فسعد بن معاذ هذا: تاريخه مشرق، رجل فذ، قدم عليه الصلاة والسلام المدينة فأسلم على يديه، وكان سيد قومه، أصِيب بسهم في معركة الخندق، فحُمِل إلى المسجد ليداويه عليه الصلاة والسلام في المسجد. ولذلك يتساءل الإمام البخاري مرة ثانية: باب: هل يوضع الجريح في المسجد؟ ثم أتى بهذا الحديث. وسعد بن معاذ: لا يحتاج إلى تعريف -إيْ والله- بعض الأعلام إذا عُرِّفوا نُكِّروا. يقول عمرو بن ربيعة المخزومي: بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغرْ قلن تعرفنَ الفتى قلنَ نعمْ قد عرفناه، وهل يخفى القمرْ؟ مرض رضي الله عنه وأرضاه، فلما أتته سكرات الموت، قال وهو في المسجد: [[اللهم إن كنتَ أبقيت حرباً لرسولك صلى الله عليه وسلم مع اليهود فأبقني لها، وإن كنت أنهيت الحرب مع اليهود، فخذني إليك]]. هذا هو الحب، وهذه أمة الحب، لا حب المجون والعشق والوَلَه. فنحن أمة الحب، لكن حب الله -عز وجل- وحب رسوله. فالحياة الحب، والحب الحياة؛ لكن لمن يستحق الحب، وهو الله تبارك وتعالى. والحديث لا بد أن يستطرد ليكون أشهى وأقرب للنفوس. وهذا عبد الله بن عمرو الأنصاري: في معركة أحد، حضر المعركة وقُتِل، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام لأهله: {ابك أو لا تبك، والله ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه} وقال: {وقد كلمه الله كفاحاً بلا ترجمان فقال: تَمَنَّ يا عبدي! قال: أن تعيدني إلى الدنيا فأُقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمنَّ، قال: أتمنى أن ترضى عني، فإني قد رضيتُ عنك، فأحل الله عليه الرضوان، وجعل روحه في حواصل طير تسرح في الجنة، تشرب من أنهارها، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، حتى يرث الله الأرض ومن عليها}. ومات سعد في المسجد. قالت عائشة {نظرتُ إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من صائر الباب -أي: من شق الباب- هو وأبو بكر وعمر، وقد مات سعد والله إني لأعرف بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم من بكاء أبي بكر من بكاء عمر}. ولذلك يقول أبو بكر لما مات سعد -كما في سير أعلام النبلاء للذهبي -: [[واكسر ظهراه عليك يا سعد! واكسر ظهراه عليك يا سعد! واكسر ظهراه عليك يا سعد]]. وبعض الناس إذا توفي ماتت بموته أمم، وبعض الناس إذا مات نقص من العدد واحد: لعمرك ما الرزية فقد مالٍ ولا شاة تموت ولا بعيرُ ولكن الرزية فقد شهم يموت بموته بشر كثيرُ قال عليه الصلاة والسلام وهو يشهد مراسيم موت سعد بالمسجد: {لقد نزل سبعون ألف ملك لحضور جنازته}. شُيِّعَتْ جنازتُه، وبكى عليها صلى الله عليه وسلم طويلاً طويلاً؛ لأنه من أخلص الصحابة، ومن أقربهم لخدمة المبادئ الأصيلة، ومن أحبهم إلى الله، ومضى عليه الصلاة والسلام في جنازته وقال بسند جيد: {لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ} قال الذهبي: سنده حسن. قد اهتز عرش الرحمن لموت سعد رضي الله عنه وأرضاه. قال حسان يفتخر باهتزاز عرش الرحمن: وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لـ سعد أبي عمرو انظر إلى الإنسان كيف يشرف وينبل بالعقيدة والمبادئ الأصيلة، فيهتز له عرش الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

بعض منهيات المساجد

بعض منهيات المساجد والرسول عليه الصلاة والسلام أمر ألا يُرْفَع في المسجد الصوت: ونحن أمة النظام، وإذا لم نكن نحن أمة النظام فمن تكن أمة النظام، لا غوغائية في الإسلام، ولا فوضى في الإسلام.

حكم البيع والشراء في المسجد

حكم البيع والشراء في المسجد إن بعض المساجد شهدت الخصام والنزاع على أمور الدنيا. إن بعض المساجد حُوِّلت إلى مكاتب عقار للبيع والشراء وللمقاولات وللمؤسسات. إن بعض المساجد أصبحت كأنها شقق يعرض فيها المشاكل والغيبة والنميمة. وهذه مخالفة لمنهج الإسلام في المسجد. فالمسجد وقار وسكينة، والمسجد قرب من الله عز وجل. ولذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن رفع الصوت في المسجد. ويظن أعداء الإسلام أن الإسلام لا يعرف النظام. رستم قائد يزدجرد في معركة القادسية قال: أريد أن أرى المسلمين هذا اليوم، وذلك قبل المعركة بثلاثة أيام، وكان قائد المسلمين سعد بن أبي وقاص أحد العشرة، فأشرف رستم على المسلمين فوجدهم يصلون في مُصَلَّىً، وهم ثلاثون ألفاً، يكبر سعد فيكبرون، ويرفع فيرفعون، ويقرأ فينصتون، فأخذ رستم يعض أصابعه ويقول: علم محمد الكلابَ الأدب، بل علم محمد الأسود الأدب، وأما ذاك فهو الكلب الرِّعْدِيد، الذي أزالته سيوف التوحيد بعد ثلاثة أيام. فنحن أمة النظام. ولذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن التشويش في المسجد، ففي (الصحيح): أنه نهى صلى الله عليه وسلم عن البيع والشراء في المسجد، وقال: {من رأيتموه يبيع ويشتري في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا} أهذا سوق؟! أهذا حراج؟! أهذا مكتب عقار؟! بل هذا مسجد، ومصلى، وهذا منبع للأرواح، وانطلاق للكلمة، ورفع للمسئولية.

حكم إنشاد الضالة في المسجد

حكم إنشاد الضالة في المسجد وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا سمعتم الرجل ينشد الضالة في المسجد فقولوا: لا ردها الله عليك} فهل المسجد للإعلانات؟! كلما ضيع أحدٌ حماراً أو ناقة أو دجاجة قام بعد الصلاة يلقي محاضرة على المسلمين أنه ضيعها، فمن وجدها بأوصافها وألوانها فليردها؟! هذا معناه الفوضى، وإدخال الفوضى في الإسلام، والإسلام بريء من الفوضى والتشويش على المصلين. فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا، وقطع هذا.

حكم إقامة الحدود في المسجد

حكم إقامة الحدود في المسجد وصح عنه صلى الله عليه وسلم عند الحاكم وغيره: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: {لا تقام الحدود في المسجد، ولا يُسْتَقادُ فيها}. فالجلد، والرجم، وقطع يد السارق، لا تقام في المسجد؛ لأن المسجد له مهمات أخرى غير هذه المهمات. وصحيحٌ أن الأحكام والحدود تُعْلَن من على المنبر، ففي الصحيحين: من حديث عائشة: أن المخزومية لما سرقت أتوا يشفعون فيها، فغضب عليه الصلاة والسلام فقام في المسجد على المنبر وقال: {يا أيها الناس! إنما أهلك الذين كانوا من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، واَيْمُ الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها}. قال الزهري: حاشا أن تسرق، ونحن نقول: حاشا أن تسرق بنت الرسول عليه الصلاة والسلام. فأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه نفذه خارج المسجد. والمسجد - كما قلتُ - روضة من رياض الجنة: يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا}.

أقسام الصحابة بالنسبة للمسجد

أقسام الصحابة بالنسبة للمسجد والصحابة كانوا في المسجد على أقسام: منهم: مصلٍّ خارج أوقات الصلاة. ومنهم: قارئٌ. ومنهم مُتَبَتِّل. ومنهم: عاكف. ومنهم: مناجٍ لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراهُ وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياهُ في الصحيح: أنه صلى الله عليه وسلم مرَّ في الليل الدامس بمسجده، ومسجده كان قريباً من بيته - عليه الصلاة والسلام - فسمع قارئاً يقرأ في الليل، لكن صوته كان عجيباً. فقد أوتي أبو موسى مزماراً من مزامير آل داوُد، فصوته يسرى للقلوب، والصوت الجميل من المسجد ومن بيت الله له أثر، ولذلك ينبغي على الأئمة أن يحسنوا من أصواتهم، ليبعثوا هذا القرآن غضاً طرياً يدخل إلى القلوب فسمع صلى الله عليه وسلم قراءة أبي موسى فأخذ يبكي معه ويلاحقه في الآيات، ويعيش معه عمق وأصالة القرآن وأثر القرآن. وفي الصباح: قال: {يا أبا موسى! لو رأيْتَنِي وأنا أستمع إلى قراءتك البارحة، لقد أُوتِيْتَ مزماراً من مزامير آل داوُد، قال: يا رسول الله! أئنَّك كنتَ تستمع لي البارحة؟ قال: إيْ والذي نفسي بيده! قال: -والذي نفسي بيده- لو علمتُ أنك تستمع لي لَحَبَّرْتُه لك تحبيراً} أي: زينتُه وحسنتُه ليكون أبلغ وأوصل وأكثر تأثيراً وإبداعاً. وهذا فيه دلالة على أن المسجد لا ينقطع دائماً، وأن من أراد أن يتنفل ويقرأ فليأت إلى المسجد.

دور المسجد في تخريج الأجيال

دور المسجد في تخريج الأجيال والرسول عليه الصلاة والسلام جعل المسجد جامعة كبرى، يُخَرِّج منها الأجيال: أسمعتم أعلم من ابن عباس في التفسير، ما هي شهادتُه التي نالها؟ لا شيء، فلا ورق، فالأوراق تنتهي ويبقى العلم النافع، وقد نال رضي الله عنه وأرضاه شهادة تبقى أبد الآبدين، وهي دعوته عليه الصلاة والسلام، يقول له: {اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل} وهذا حديثٌ في الصحيحين. فـ ابن عباس تخرَّج من المسجد، تعلم علماً جماً، حتى إن ابن تيمية يقول: أما ابن عباس فعلمه علم جم: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21]. كان يَدْلِفُ بالعلم كالبحر، أرأيتَ البحرَ إذا دَلَفَ؟ أرأيت الأمواج إذا تكسر بعضها على بعض؟ فهذا مثل علم ابن عباس. يقول مجاهد وأبو وائل، تلميذاه: [[وقف ابن عباس يوم عرفة بعد صلاة الظهر، فأخذ يشرح ويفسر سورة البقرة، آية آية، حتى غربت الشمس، والله ما تلعثم، ولا توقف، ولا تنحنح، ولا سعل، والله لو سمعه اليهود والنصارى لأسلموا عن بكرة أبيهم]]. بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا أمَّا المعاني اللواتي قد أتيت بها أرى بها الدر والياقوت متصلا فهي جامعة المسجد التي أنشأها صلى الله عليه وسلم، وابن عباس يدخل إلى هذا المسجد ليتعلم علماًَ نافعاً. يقول أحد تلاميذه: [[رأيتُ ابن عباس من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، يردد آية واحدة، ويبكي حتى الصباح، وهي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123]]]. دخل عثمان إلى المسجد ليجدد إيمانه في المسجد. قال المَرْوَزي بسند جيد، وقال ابن حجر في الفتح، في كتاب الوتر: سنده صحيح: ثبت أن عثمان دخل المسجد، فقرأ القرآن في ركعة واحدة من أوله إلى آخره، من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر. فهؤلاء جيل محمد عليه الصلاة والسلام: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]. فمن المسجد تخرج ابن عباس، وتخرج عثمان. من هو أقضى القضاة؟ هو علي بن أبي طالب. ورَدَ في حديث يقبل التحسين عند الذهبي: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {أقضاكم علي} علي بن أبي طالب، صاحب الكلمة الحية، والأدب الراقي. يقول الأستاذ محمد أبو زهرة: لم يوجد بعد الرسول عليه الصلاة والسلام أبلغ من علي بن أبي طالب. علي بن أبي طالب رجل الكلمة، حتى إن ابن كثير يقول: باب في كلماته الحاصلة، التي هي إلى القلوب واصلة. سئل علي بن أبي طالب: [[كم بين العرش والأرض؟ قال: دعوة مستجابة]]. قالوا: [[كم بين الشرق والغرب؟ قال: مسيرة الشمس يوماً]]. كلامه يصل إلى القلوب، وأنا لستُ في معرض كلامه؛ لكن ربما كانت فوائد هذا الاستطراد أعظم من التأصيل العلمي في المحاضرة. في صحيح البخاري يقول علي: [[يا أيها الناس! إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل]]. يقول علي وهو يمسك بلحيته ويبكي: [[يا دنيا يا دنية! طلقتك ثلاثاً، عمرك قصير، وزادك حقير، وسفرك طويل، آهٍ من وحشة الزاد وبعد السفر ولقاء الموت]]. تخرج علي بن أبي طالب من المسجد، وما درس في جامعة، ولا استقل بمدرسة، وليس له شيخ إلا محمد عليه الصلاة والسلام؛ ولكن سنده إلى محمد صلى الله عليه وسلم إلى جبريل، إلى رب العالمين. يقول أبو تمام: سندٌ كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا أيْ والله، هذا هو العلم النافع. ومن المسجد أتى زيد بن ثابت الفَرَضِي، الذي قال عليه الصلاة والسلام: {أفرضكم زيد} فهو أعلم الناس بالفرائض. ومن عجب إهداء تمر لـ خيبر وتعليم زيد بعض علم الفرائضِ فمن المسجد تعلم. ومن المسجد تخرج حسان، الأديب الشاعر المُفَلق، الذي علمه صلى الله عليه وسلم كيف يهجو المشركين، ودعا له بالتأييد من الله رب العالمين، وقرب له المنبر، وقال له: {اهجهم وروح القُدُس معك}. حسانُ ظَنَّ مَرَّةً أن الإسلام يعارض الشعر لَمَّا أنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى قوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:224 - 226] فأتى هو وكعب بن مالك وابن رواحة وتباكوا عند الرسول عليه الصلاة والسلام، فأنزل الله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227] فاستثنى المؤمنين الذين يعملون الصالحات، ويذكرون الله كثيراً، وينتصرون من الظالمين. لا بد للمسلمين من شاعر، تنطلق ثقافته من المسجد، ولا بد لهم من قصصي، وصحفي، ومن ناثر ومن أديب، من خطيب؛ لكن ثقافته من المسجد. فنحن أمة أهل التخصصات، ولا نعلن عجزنا في الساحة، ونقول: نحن للفتيا فقط، ونحن لمسائل الحلال والحرام، لا، مع ذلك نعلن أن في ديننا التكامل، وأننا نستطيع أن نغطي كل واجهة، ونسد كل ثغرة. فمن المسجد أخرج صلى الله عليه وسلم الخطباء والأدباء، كـ حسان وابن رواحة وكعب بن مالك، وثابت بن قيس بن شماس.

ضرورة تنزيه المسجد عن الأدناس

ضرورة تنزيه المسجد عن الأدناس والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالمسجد في الإسلام أن يُنَزَّه من الأدناس: يقول كما في سنن أبي داوُد بسند جيد: {إني لا أحل المسجد لحائض، ولا جُنُب} فمساجدنا عظيمة ومقدسة، ومساجدنا قريبة من الله. فلا يدخلها الجنب: إلا عابر سبيل، كما قال - سُبحَانَهُ وَتَعَالى - فللجنب أن يعبر من المسجد من الباب الأيمن إلى الأيسر، من أوله إلى آخره عابراً لحاجة، ومنتقلاً لغرض بدون أن يتوقف، فله ذلك: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43] أما أن يجلس فلا؛ لأنه على جنابة, فهذه بيوت الله. والحائض لا تدخل المسجد: {إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب} وفي الصحيح من حديث عائشة قالت: {كان صلى الله عليه وسلم يخرج لي رأسه من المسجد فأُرجله وأنا حائض} وهو معتكف عليه الصلاة والسلام، فلم تدخل إليه صلى الله عليه وسلم؛ لأنها حائض، ولم يخرج إليها؛ لأنه معتكف، فأخرج إليها رأسه الشريف صلى الله عليه وسلم.

دور المسجد في تقوية رابطة الأخوة

دور المسجد في تقوية رابطة الأخوة روح الإخاء يبثه المسجد:- الدين هو الذي يجمع الإخاء! فنحن أمة لا يجمعنا الدم، كما قال القوميون!! وأمة لا يجمعنا اللسان، ولو أن اللسان من ضمن الروابط الطيبة؛ لكن أعظم رابطة؛ الدين. وأمة لا تجتمع على الجنس، فليس عندنا تمييز عنصري، لا أبيض ولا أسود ولا أحمر ولا بنفسجي. فنحن أمة ندين بالولاء لـ (لا إله إلا الله). بلالٌ العبد الحبشي أخونا وحبيبنا، وأبو لهب السيد الأَصْيَد القرشي عدونا وبغيضنا. يقول أبو تمام، الشاعر المُفَلق في الإخاء بين المسلمين: إن كِيْد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالدِ أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدَّر من غمام واحدِ أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالدِ لا فُضَّ فُوك، إي والله: أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالدِِ فمن المسجد نتآخى، ومن المسجد نتعارف، وفي المسجد نتعاون. نعرف أن فلاناً تخلف؛ فنسأل عنه، إن غائباً حفظناه في أهله، وإن مريضاً عدناه، وإن كان عليه مصيبة واسيناه. من المسجد نعرف أهل الريادة والأصالة الذين يُصَلُّون. أصالتنا ديننا، وعمقنا أدبنا، وحسبنا تقوانا. ولذلك يقول الحسن: [[لا يُعدَمُ مرتادُ المسجد خمساً: آيةً يفهما، أو حديثاً يتدبره، أو أخاً يستفيده، أو ذنباً يغفر له، أو حسنةً تكتب له]]. إي والله، وإذا لم تكن المساجد هي مزرعة الصالحات، فأي مكان تكون؟

فضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد وأهميتها

فضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد وأهميتها قال ابن حجر، وهو يشرح حديث: {تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة} قال: إنما تفضل بالدرجات لكثرة من مشى ومن سار بتعظيم الحسنات في المسجد. مشيك إلى المسجد حسنة، ودخولك المسجد وذكرك حسنة، وتحية المسجد حسنة، ووقوفك في الصف لتعلن تضامن المسلمين حسنة، وسماعك الإمام حسنة، تسليمك على الملائكة في الميمنة والميسرة حسنة، ومصافحتك لأخيك حسنة، وسؤالك عن أخيك حسنة، وقهر الكفار، وترغيم أنوفهم برؤية اجتماع المسلمين حسنة إلى سبع وعشرين حسنة. والذي يصلي في بيته بلا عذر، يعلن الانهزامية، والفشل. ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] أي: في المسجد. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور:36]. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:18]. وفي سنن الترمذي بسند فيه نظر: يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد، فاشهدوا له بالإيمان}. لكن هذا الحديث في سنده درَّاج أبو السمح، روايته عن أبي الهيثم ضعيفة، لكن معناه صحيح. {إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد، فاشهدوا له بالإيمان} فنحن شهداء الله في أرضه. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143]. من رأيناه يعتاد المسجد، ويحب الصلاة، ويداوم على الخمس الصلوات في المسجد، قلنا: نشهد لك أمام الله يوم العرض الأكبر أنك من المؤمنين. ومن رأيناه يتخلف، أو يقصر، أو يتأخر علمنا أن في قلبه شبهة وشك ونفاق. في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: [[إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن لكم سنن الهدى، وإن الصلوات الخمس من سنن الهدى، والذي نفسي بيده! لا يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يُهادَى به بين الصفين حتى يقام في الصف]]. أتعرف ما هي الميتة الحسنة؟ الميتة الحسنة: أن يتوفاك الله وأنت ساجد. قال ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير -كما ذكر ذلك الذهبي عنه بسند حسن-: [[اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، قال له أبناؤه: ما هي الميتة الحسنة؟، قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد]]. فأتته سكرات الموت، وأذان المغرب يرتفع حَيَّاً على الهواء، على هواء التوحيد إلى آذان الموحدين، فقال: [[احملوني إلى المسجد قالوا: وأنت في سكرات الموت، أنت معذور قال: أسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح وأموت في بيتي؟! لا والله]] إنها القلوب، إنه الشوق، إنها حرارة الإيمان. فحملوه على الأكتفاف، فلما وضعوه، صلى وهو جالس، فلما أصبح في السجدة الأخيرة قبض الله روحه، هذه هي الميتة الحسنة. أبو ريحانة، التابعي الكبير، مات وهو ساجد لله رب العالمين، إماماً بالناس. علي بن الفضيل بن عياض، ابن العلامة الكبير والزاهد النحرير الفضيل بن عياض: قرأ أبوه في سورة الصافات: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:24 - 25] فركع علي وقام ثم سجد وقبض الله روحه وهو في السجود. ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية. إنها القلوب التي تأبى أن تتأخر يوم تسمع نداء حي على الصلاة، حي على الفلاح. يقول محمد إقبال -واسمحوا لي إذا أكثرت من كلام محمد إقبال، فهو شاعر الإيمان والحب والطموح- في وصف المسلمين، يوم يسمعون (الله أكبر) في المعركة، فيتركون السيوف، ويستقبلون الحجاز -أي: الكعبة-: نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا يوم تأتي المعركة، ويدعو داعٍ: (الله أكبر، الله أكبر) توضع السيوف، وتبدأ الصفوف، وتأتي صلاة الفرض، فلا يعذر إلا من عذره الله عن التخلف. أتى أعمى ذهب بصره، وقال للرسول عليه الصلاة والسلام: {الوادي بيني وبين المسجد مسيل، والليل مدلهم، والأرض مخيفة ذات سباع، فهل لي من عذر؟ فعذره، ثم عاد فقال: هل تسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، قال: نعم. قال: فأجب، فإني لا أجد لك رخصة}. وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنتَ حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به تَرْقَ أبواب الجنان الثمانيا من المسجد نتعارف، وفي المسجد نتعارف، ومن المسجد يبدأ التعاون والتكاتف والتضامن. لا نعرف المريض أنه مرض إلا من المسجد فنزوره. ولا نعرف من فارقنا، ومن سافر من ديارنا إلا من المسجد. ولا نعرف من أصابه أمر يحزن إلا من المسجد فنواسيه. ولا نعرف من أتت له بشارة إلا من المسجد فنعيش البشارة معه؛ لأن المؤمن يفرح لفرح أخيه، ويحزن لحزن أخيه. ثم قضايا لا تغيب عن البال في المسجد، منها: الاعتكاف في المسجد: الحنابلة يقولون: لا حد لأقل الاعتكاف، ومنهم من يقول: ولو ساعة، فالدقائق المعدودة التي تجلسها: اعتكاف، فاليوم: اعتكاف، واليومان: اعتكاف، واليوم والليلة عند المحدثين: هو أقل حد للاعتكاف. والصحيح: أنه لا حد لأقل الاعتكاف؛ فأنت في جلوسك وأنت تنتظر الصلاة، في المسجد اعتكاف. صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا تزال الملائكة تصلي على أحدكم، مادام في مصلاه الذي صلى فيه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فهنيئاً لرواد المساجد، وهنيئاً لضيوف الله، يوم يأتون في المساجد فيذكرون الله، ويسبحون الله، ويقرءون القرآن. قال عمر وهو يرسل أبا موسى الأشعري، إلى الكوفة: [[يا أبا موسى! إياك أن تأتي إلى قوم في المساجد يقرءون القرآن، لهم دوي كدوي النحل بالقرآن، فتشغلهم بمسائلك]]. إذاً: فالمسجد من مهماته الاعتكاف، أن تبقى فيه كلما وجدت ساعة أو فراغاً أن تتوضأ في أي وقت وتذهب إلى المسجد لتعتكف فيه. يقول ابن الوزير، علامة اليمن في القرن الثامن: فساعة في مجلس واحد أفضل من ملك ملوك الملوكِ إيْ والله، تعفير الوجه لله، والبكاء من خشية الله، وذكر الله، وتلاوة كتاب الله، أفضل -والله- من ذهب الدنيا، وفضة الدنيا، وقصورها وجاهها. ولذلك ذكر أهل التراجم عن شيخ الإسلام ابن تيمية الجهبذ العَلَم، ذاك الرجل الذي يُعتبر رجل ألف سنة، ليس مائة سنة، بل ألف سنة، يقول ذاك المجري الذي هاجم السنة: وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض، فجَّر بعضها محمد بن عبد الوهاب، وبقي بعضها لم يفَجَّر حتى الآن. ابن تيمية يقول عنه الذهبي: كان جده قمراً، وأبوه نجماً، وابن تيمية شمساً، فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة. كان يذهب إلى المسجد، فيعفر وجهه في المسجد، ويقول: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني.

من أحكام المسجد

من أحكام المسجد

حكم النوم في المسجد

حكم النوم في المسجد المسجد من أحكامه: أنه لا بأس من النوم فيه. لأن هذه لا بد أن نعرفها؛ لكن لا يتخذ المسجد مقهىً ولا فندقاً ولا سكناً للنوم. لكن يجوز للحاجة: كأن إذا أتى غريب، ولم يجد ما يمكنه من النوم خارج المسجد. فنقول: إن من أعوزه المبيت فله أن ينام في المسجد بشرط ألا يجد مكاناً آخر. ولذلك يتساءل البخاري في صحيحه: هل يُنام في المسجد؟ قال: نعم. ثم أتى بالحديث: قال ابن عمر: {>كنتُ رجلاً أعزب أنام في المسجد}. ولذلك يقول ابن عمر في صحيح البخاري: {تمنيت أن أرى رؤيا}. لأن الصحابة كانوا يرون رؤيا فيلقونها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يفتيهم في الصباح، قال: {تمنيت أن أرى رؤيا، وأنا كنت أعزب أنام في المسجد، فرأيتُ في المنام كأن رجلان أتياني فأخذا بيدي، أحدهما باليمنى، والآخر باليُسرى، فذهبا بي إلى بئر مطوية، فأشرفت عليها ولها قرنان -أي: رعلتان أو خشبتان- فوجدتُ أناساً فيها يتضاغَون -كأنها العذاب، وهي النار نعوذ بالله من النار- فقال لي الملكان: لَمْ تُرَعْ، لَمْ تُرَعْ، ثم ذهبا بي، فرأيت جزيرة خضراء فأعطياني قطعة من إستبرق، لا أشير بها إلى مكان، إلا طارت بي إلى ذاك المكان، فلما أصبحتُ في الصباح أخبرتُ أختي حفصة، فعَرَضَتْها على الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: نِعْم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل}.

حكم الكلام في المسجد

حكم الكلام في المسجد كَثُر تداول هذه المسألة بين المسلمين، عن التحدث في المسجد، هل هو جائز أو ممنوع. وهذه القضية فيها تفصيل. أما الحديث الذي يقول: {الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب} فلا يصح عنه صلى الله عليه وسلم، وهو باطل. والرسول عليه الصلاة والسلام ثبت أنه تكلم في المسجد في الأمور المباحة. وفي حديث جابر بن سَمُرة، كما في الحديث الحسن، قال: {كنا نتحدث بعد صلاة الفجر في المسجد بأخبار الجاهلية، والرسول صلى الله عليه وسلم معنا، فنضحك ويتبسم}. فلا بأس بالحديث العام في المسجد؛ لكن بشروط: 1 - ألا يكون فيه ذنب كأن يكون فيه غيبة، فيحرم في المسجد، والمجلس، والشارع، وفي كل مكان، فالغيبة تحرم في كل مكان، وبالخصوص في المسجد، أو يكون نميمة أو زوراً أو تجريحاً للناس في أعراضهم، وهذا يدخل في الغيبة. 2 - وكذلك يحرم الكلام إذا شوش على المصلي: فإنه يوجد من الظواهر عند بعض الناس أنه يجعل المسجد -كما أسلفتُ- بيعاً وشراءً، وخصومة، ومشاكل، وعرض معيشته، وما جرى لأطفاله وزوجته وأولاده وأخواله، وهذا غير ما بُنِيَت له المساجد، فلا بأس بالحديث المباح في المسجد للحاجة؛ كأن تسأل الرجل عن صحته، وعن ولده، وسفره، وقدومه وممتلكاته، فلا بأس بهذا، وقد فعله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولذلك أورد بعض أهل العلم أبواباً منها: الأكل والشرب في المسجد، وهو جائز كذلك؛ لكن بشرط ألا يدنس المسجد، أو لا يكون عرضاً لإهانة المسجد، أو لإدخال الأذى في المسجد.

حكم تحية المسجد

حكم تحية المسجد من القضايا التي أريد التنبيه عليها: تحية المسجد: السنة في الإسلام أن إذا دخلت المسجد أن تصلي ركعتين، ففي الحديث الذي اتفق عليه البخاري ومسلم عن أبي قتادة قال: قال عليه الصلاة والسلام: {من دخل منكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} وهذا على العموم، ولا يخصصه شيء، بل هذا إن شاء الله هو الحديث الخاص الذي يخصص عموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: {لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس} فمن دخل في أي وقت فله أن يصلي ركعتين، حتى بعد العصر، وحتى بعد الفجر؛ لأن هذه من ذوات الأسباب، وهي فتيا فقهاء المحدثين، حتى كبار علمائنا في هذه البلاد من أهل الحديث قد أفتوا بذلك. فمن دخل ولو في وقت نهي، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، ولو كان الخطيب واقفاً على المنبر، ففي صحيح مسلم من حديث جابر قال: {قدم سُلَيك الغطفاني والرسول عليه الصلاة والسلام يخطب الناس فجلس، فقال: أصليتَ ركعتين؟ قال: لا. قال: فقم وصلِّ ركعتين وأوجز}. إذاً: فتحية المسجد لا بد منها لمن دخل في المسجد.

حكم زخرفة المساجد

حكم زخرفة المساجد مما يُنَبَّه عليه في قضايا المسجد: تجميل المساجد، وتجميلها الجمال الذي يخرج بها عن حد العادة، فلا بأس بتنظيفها، فهي معلم حضاري، ولا بأس بتشييدها، ولا بأس برفع بنائها، أما وضع الخطوط التي تشغل المصلين، وكثرة التزيين، والتشطيب، وغيرها من الأمور التي تشغل الناس، فإن هذا منهي عنها. وقد صح عن أنس من حديثه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما أُمِِرْتُ بتشييد المساجد}. وقال أهل العلم: التشييد: الزخرفة التي تفتن المصلين. فأما بناؤها وإظهار عظمة المساجد وتوسيعها ورفعها، وكمالها في البناء، فهذا مطلوب في الإسلام، وأما إدخال كثير من الشخوص والشطوب والألوان التي تبهر العين وتأخذ النظر، فإنها تشغل المصلي، وهو أمر منهي عنه، فلْيُتَنَبَّه لذلك.

واجبنا نحو المساجد

واجبنا نحو المساجد في هذا الأسبوع الذي عقد للمساجد حق علينا أن نعيش مع المساجد في غير هذا الأسبوع، وفيه بالذات. وواجب المساجد علينا كمسلمين:

المحافظة على الصلوات فيها

المحافظة على الصلوات فيها من حقوق المسجد علينا: المحافظة على الصلوات فيه، وهو أعظم واجب، فإنه هو الذي يطالبنا به الإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام، وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صححه الإشبيلي وابن تيمية: {من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر} وأما حديث: {لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد} فهو حديث ضعيف، وموقوف على علي رضي الله عنه. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والذي نفسي بيده! لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم بالنار}. فهذا واجبنا، وهو المحافظة على الصلاة في المسجد، لنظهر قوة وعظمة وأصالة الإسلام.

حفظ القرآن والسنة فيها

حفظ القرآن والسنة فيها ومن حقوق المساجد علينا: ألا تقتصر على هذه المهمة فقط، وهي الصلاة، بل نجعله مكاناً للدروس ومدارس لتحفيظ وتعليم القرآن وتفقيه أبناءنا في القرآن، وكذلك عقد الدروس والحلقات. ولقد أحسنت إدارة الأوقاف يوم شجعت على إقامة الدروس والمحاضرات واللقاءات في المساجد، وهي انطلاقاً من أهدافنا الأصيلة في ديننا الإسلامي الخالد، الذي ينبني على أن يكون المسجد جامعة كبرى، وتعليماً للناس وتفقيهاً لأمور دينها؛ لأنه إذا بقي المسجد لآداء الصلاة دخل الناس عواماً وخرجوا عواماً، فلا يوجد في المسجد مُفَقِّه، ولا معلم، ولا مُوَعٍّ، ولذلك تقع الأمة في الأخطاء؛ يوم لا ينتصب طلبة العلم والدعاة في المساجد لتوعية الناس بالإسلام وإدخال الفهم في قلوب وأذهان عباد الله.

عمارتها بالذكر

عمارتها بالذكر ومن حقوق المساجد علينا: أن نجتهد في عمارتها بالذكر، وتلاوة القرآن، والمحافظة -كما قلتُ- على النوافل فيها، والاعتكاف الطويل.

بذل الجهد في عمارتها بالمال

بذل الجهد في عمارتها بالمال ومن حقوق المسجد علينا: أن نجتهد في عمارتها بالبناء وبذل الجهد ودفع المال؛ ولو أن القائمين وولاة الأمور لم يقصروا في هذا الجانب، نسأل الله أن يزيدهم بصيرة، وعوناً وتسديداً بزيادة المساجد ولتوسعتها وعمارتها؛ لتكون مَعْلَماً حضارياً لهذه الأمة الرائدة، أمة (لا إله إلا الله).

تنظيف المساجد وترتيبها

تنظيف المساجد وترتيبها من حقوق المسجد علينا: تنظيفه، وترتيبه، ولا يبقى في موقف يزري بنا؛ لأن المسجد هو اللوحة العريضة التي تظهر جمالنا وجلالنا، فيكون منظماً منسقاً مرتباً، فنخرج منه الأذى. ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم عند البخاري أنه قال: {النخاعة -وفي لفظ: النخامة- في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها} فلا بصاق، ولا أمور أو مخلفات أو فضلات، ولا قصاصات أوراق؛ لأن هذا يعارض رسالة المسجد وواجب المسجد على المسلمين. وتنظيف المسجد لا يتوقف على فئة، ولو أن المعنيين قائمون بهذا؛ لكن على كل مسلم أن يدفع مهر الحور العين؛ لأنه ورد في كثير من الآثار: أن مهر الحور العين هو إزالة القِمامة من المسجد وتنظيف المساجد. وفي ختام هذه الكلمة: أسأل الله عز وجل أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال، وأن يوفقنا وإياكم إلى سلوك الطريق المستقيم، وأن يهدينا وإياكم سبل السلام، وأن يوفقنا لبناء المساجد، وتعميرها، وإقامة رسالتها لنكون مخلصين قائمين بالمهمة. ثم أعود فأشكر أهل الفضل على فضلهم، وأشكر النادي الأدبي مرة ثانية، الذي عرف أن من رسالته الدعوة إلى الله والقيام بحقوق المساجد.

الأسئلة

الأسئلة

حكم المصافحة بعد الصلوات

حكم المصافحة بعد الصلوات Q ورد في كلامك: أن مصافحة المسلم لأخيه صدقة، فهل تقصد بها المصافحة يميناً وشمالاً أم أنها بدعة، كما ورد في بعض الكتب؟ فإذا كان ذلك كذلك، فأرجو التنبيه، وجزاكم الله خيراً. A المصافحة التي ذكر السائل، ذكر ابن تيمية: أن المصافحة بدعة، وأظن أن السائل يريد هذا. فأقول: إن المصافحة إذا أتى ليصلي ثم رأى أخاه قادماً من سفر، أو غريباً أو له فترة في غيابه؛ فله أن يصافحه، وفي الحديث: {} أمَّا بَعْد الصلاة كما يفعله كثير من الجاليات من غير هذه البلاد، فهذا بدعة، ولا ينبغي أن يكون بعد كل صلاة يتصافحون، وما فعل السلف ذلك. أما قبل الصلاة لغريب أو قادم، أو بعد الصلاة للمسافر، فلا بأس به، بل هو من الخير، ويدخل في عموم الأحاديث التي سنت ذلك إن شاء الله.

حكم البحث عن صاحب الضالة في المسجد

حكم البحث عن صاحب الضالة في المسجد Q فضيلة الشيخ عائض، إذا وُجِدَت ضالة، فهل يجوز السؤال عن صاحبها في المسجد؟ أي: تأخذ حكم السؤال عن هذه الضالة في المسجد؟ A البحث عن من ينشد الضالة يأخذ حكم من ينشد الضالة؛ لأن المقصود: هو النهي عن التشويش في المسجد، وقد حصل بإنشاد صاحب الضالة، وقد اتفقت في العلة، هذه وهذه، فيُنهى عنه؛ لكن استثنى بعض أهل العلم إذا كان الناس يتجمعون خارج المسجد فله إذا خرج الناس من المسجد أن ينبههم على هذه الضالة، أو يبحث عن صاحب الضالة إن استطاع، أما داخل المسجد، فلا يجوز البحث عن الضالة ولا صاحب الضالة.

حكم تحية المسجد عند كثرة الدخول والخروج

حكم تحية المسجد عند كثرة الدخول والخروج Q إذا تكرر الدخول في المسجد، فهل تلزم ركعتا تحية المسجد؟ A يفصل أهل العلم في هذا، فيقولون: إذا خرج الداخل وانفصل انفصالاًَ عرفياً وطال الفصل، فعليه أن يجدد ركعتي الدخول وتحية المسجد، كأن يدخل ثم يخرج لعمل، أو يذهب إلى أمر طويل المدة، فعليه بركعتين. أما الخروج الذي ليس فيه فصل، وليس فيه في العرف فصل، فتكفيه تحية المسجد الأولى, كأن يدخل فيصلي ركعتين ثم يخرج، ثم يدخل مباشرة فتكفيه الركعتين الأُول.

حكم المصلى الذي لا تصلى فيه الصلوات الخمس

حكم المصلى الذي لا تصلى فيه الصلوات الخمس Q إذا كان المسجد لا تقام فيه الصلوات الخمس، كأن يكون مسجداً في دائرة حكومية أو مدرسة، فهل يأخذ حكم المسجد أو المصلى، وتلزم فيه ركعتا تحية المسجد؟ A المصلى الذي في الدائرة الحكومية -مثلاً - أو في المدرسة إذا تُعُورِف عليه أنه مصلىً لهؤلاء الشباب، ولهذه الدائرة، وأصبح هو مصلاهم في الصلاة دائماً وأبداً، فإن له حكم المسجد، لكن قال بعض أهل العلم: في الصلوات الخمس، والذي أعرفه من المصليات هنا أنها ليست للصلوات الخمس، بل للظهر أحياناً وللعصر، فإذا كان والحالة هذه فلا يأخذ حكم المسجد، مثل اجتناب الحائض والجنب، وتحية المسجد، فلا يأخذ حكم المسجد، وإنما يسمى مصلى. فالمسجد أو المصلى الذي يأخذ حكم المسجد هو ما عرف صلاة فيه خمس مرات في اليوم والليلة، وأصبح علماً على الصلاة فيه.

حكم التشويش على المصلين بالقرآن

حكم التشويش على المصلين بالقرآن Q ما حكم من يقرأ القرآن في المسجد والناس يصلون بصوت مرتفع ويزعج المصلين؟ A رفع الصوت بقراءة القرآن، قد ورد فيه حديث ضعيف: {لا يُشَوِّش قارئكم على مصليكم، ولا مصليكم على قارئكم} لكن هذا الحديث فيه ضعف، ويغني عنه حديثٌ: {اقرءوا ولا تختلفوا في القرآن} قال بعض أهل العلم: لا تخلتفوا برفع أصواتكم، والمعهود والمقصود من مقاصد الدين هو الخشوع في المسجد، فمن أظهر عليهم التشويش برفع صوته، فإنه يُمْنَع من ذلك، قال الإمام مالك فيما روى عنه ابن القاسم: من رفع صوته وشوش على الناس، أرى أن يُضْرَب بالنعال، ويُخْرَج من المسجد. فهذه فتوى الإمام مالك، فحق على المسلم ألا يشوش على إخوانه في الصلاة. لكن استثنى أهل العلم مسألة، قالوا: إذا كان في المسجد رجل يصلي، ورجل يقرأ، وبجانبه أناس لا يقرءون ويريدون الاستماع -كالعوام- فله أن يرفع صوته ليسمعوا ويستفيدوا من كلام الله عز وجل.

حكم صبغ اللحية

حكم صبغ اللحية Q صَبْغ اللحية بقصد تغيير الشيب، هل يجوز له أم هو حرام؟ A التغيير على أقسام، فمن حيث أصله: هو جائز، ففي صحيح البخاري من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال في والد أبي بكر لما أتى ورأسه كالثُّغامة البيضاء، والثغامة زهر ربيعي أبيض يأتي في الصحراء، قال: {غيروا هذا، وجنبوه السواد} فكلمة جنبوه السواد: بعض العلماء يقول: إجادة مدرجة، ولكنها صحيحة. وهناك رسالة لـ ابن الجوزي اسمه الاقتضاب في حكم الخضاب أعلن فيه أن السواد فيه إدراج؛ ولكن صح في رسالة أخرى للشيخ العلامة مقبل الوادعي، ومقالة للعلامة الألباني ولغيرهم، أنهم صححوا هذه المقالة، وهي فُتيا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وكثير من المحدثين، أنه يجتنب السواد لصحة هذا الزيادة: {وجنبوه السواد}. وإذا عُلِم هذا: فإنهم قالوا: السواد لذي سلطان لا بأس به، وذكروا عن الحسن والحسين بن علي في مسند أحمد أنهما كانا يسبغان بالسواد ليرهبوا الأعداء، أما غير ذي سلطان فلا يصبغ بالسواد، ولكن عليه بالوَرْس والحناء أو الكَتم، أو غيرها من الألوان، أما السواد فالذي أعرفه، وتحققت به الفتيا والمسائل والكتب أنه لا يجوز.

مصارع العشاق (1)

مصارع العشاق (1) في هذا الدرس المبارك: جمع الشيخ حفظه الله من التاريخ والسير فوائد وعبراً، وصاغها بكلامه، فخرجت كالدرر. تكلم فيه عن أحوال عشاق الحق والباطل. فانظر أيها القارئ الكريم في أوضاعك، وتأمل في أحوالك؛ لتعرف في أي الطريقين أنت.

مقدمة في دعاء الله والثناء عليه

مقدمة في دعاء الله والثناء عليه إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته هذا اليوم التاسع عشر من شهر ذي الحجة عام (1412) من هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهذه المحاضرة هي الحلقة الأولى من درس بعنوان: (مصارع العشاق) وهذه بنيات فكر ضمرت مرائرها، وسرحت ضفائرها، سموها ما شئتم، مقامات أدبية، أو صولات خطابية، إلياذة أو ملحمة، المهم أنني آمنت بأفكارها، وتبطنت أسرارها، فإن كنتم ممن يدخل في هذا العنوان: (مصارع العشاق) فحسن؛ وإلا فقد حصل الاتفاق، فالسماع يكفي، والحضور يشفي، ولعل من هو أورع مني يلومني ولم يدر عني، حيث أني أركبت الكلام مركب المجاز، والظاهر عندي الجواز، ولكن -أيها الإخوة الكرام- أستأذنكم في هذا الهتاف: وقفنا ببابك يا ذا الملك وزرنا رحابك والملك لك وجئناك نطوي قفار السهاد وما خاب يا رب من أملك اللهم فأجزل العطيه، واغفر الخطيئة، وأصلح النية، وأحينا الحياة الرضية. اللهم إن سلاطين الأرض أغلقوا الأبواب، ووضعوا الحجاب، وسدوا حاجات الطلاب، وبابك مفتوح، ونوالك ممنوح، وخيرك يغدو ويروح. اللهم فأصلح القلوب، واغفر الذنوب، واستر العيوب. يا رب أول شيء قاله خلدي أني دعوتك في الآصال والسحر فوالذي قد هدى قلبي لطاعته لحب دينك في سمعي وفي بصري يا كريماً! الكرماء بخلاء عند جودك. يا قوياً! الأقوياء مهازيم في قيودك. يا قاهراً! النواصي في قبضات جنودك. اللهم فارحم الفجيعة، وصل القطيعة، واغفر الذنوب الفضيعة، واحمنا بالأستار المنيعة، وأدخلنا الرحمة الوسيعة. اللهم خذ الكفار والمنافقين، واسحق الفجار والمارقين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً. اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والدعاة والعلماء والصالحين بسوء فأبطل بأسه، ونكس رأسه، واجعل النار لباسه، وشرد بالخوف نعاسه. اللهم من دبر لأوليائك المكائد، ولعبادك الشدائد، فقطِّع مفاصله، وأصب مقاتله، واحبك سلاسله، وانسف معاقله. اللهم يا من أنجى من النار الخليل، وأيد اليتيم بجبريل، ودمر أبرهة والفيل، ومزق الغزاة بطير أبابيل، نسألك أن تكف كف المعتدي، وأنت تلوي ساعد الردي، وأن تمنع الأخيار من كل يد. وكنت إذا الطغيان أظهر بأسه وسل علينا سيفه وخناجره دعوتك فاستنهضت بالفضل نصرتي فزلزل بالعزم الأكيد محاجره اللهم إن ألسنتنا سبحت في علاك، ورءوسنا ما سجدت لسواك، يا من ترانا ولانراك، لا نعبد إلا إياك، نسألك أشرف المنازل في القصور، وسكن الجنة بالحبور، ومصاحبة النعيم والحور، والنظرة والسرور. شجون في رضاك سرت حنينا وذاب القلب مما قد لقينا وظل الدمع يخلف في المآقي شذا نفحاته من ياسمينا ويهتف كل قلب فيك حباً كأن نداءه من طور سينا اللهم إن الملاحدة ما صلوا وصلينا، وما قاموا وقمنا، هجروا السجود وسجدنا، وحاربوا بالباطل من عبدنا، اللهم كما وعدتهم الوعيد، وزلزلت قلوبهم بالتهديد، اللهم فأصلح بالنا، وحسّن حالنا، وقوِّ حبالنا، وأكرم مآلنا. اللهم يا من على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، يا مرسل المعصوم فلا ينطق عن الهوى، وما ضل وما غوى، اللهم فاهدنا إذا دجت الظلمات، وأنقذنا إذا احلولكت الشبهات، وأكرمنا في أرفع الدرجات، وأجزل لنا الأعطيات. لعمرك كم يجوب الهم صدري وطرف محاجري بالوجد يسري أداوي أضلعي بالكي أرجو سلامتها فتصليني بجمري اللهم يا من لا تعجزه الحاجات، ولا تضطرب لديه الأصوات، ولا تختلف عليه اللهجات، ولا تنقص جوده الهبات، اللهم فنفحة من نفحاتك، ورحمة من رحماتك، ونور من قبساتك، اللهم فاشف العلة، وسد الخلة، وانصر الملة، وارحم الذلة، اللهم أطلق المسلمين من المعتقلات، وسرح المأسورين من الزنزانات، واغفر للآباء والأمهات، وارحم الأحياء والأموات. أنا عند الباب من أهل الحرم ودموعي كلها في الملتزم أنا ذاك العبد من أخطاؤه في سجل خطه ذاك القلم إن يكن يا رب عتبٌ ظاهرٌ فاعف عن أخطائنا يا ذا الكرم

حال الأمة اليوم

حال الأمة اليوم نحن أمة تسأل عن دم البعوضة، وتهريق دم الحسين، لبست قميص المثنى بن حارثة، وفي يدها حربة بابك الخرمي. حج محمد عليه الصلاة والسلام ليقول للحجاج: أنا كأفقركم، ففهمها الفطناء؛ لكن أبا جهل ما حضر الموقف، نحن عرب بلا عمر، وأكراد بلا صلاح الدين، وأتراك بلا فاتح، وهنود بلا إقبال، وأفارقة بلا بلال. وزرنا البيت أيتاماً كباراً حملنا المزعجات بلا بكاء جسم الأمة كله جراح يوم عرفة، جؤار البوسنة والهرسك أخجل أهل الموقف، وخلاف الأفغان أزعج المحرمين، وضياع بيت المقدس نكس رءوسنا عند الصخرات، من لم تنفعه عينه لم تنفعه أذنه، ونحن كذبنا ما سمعناه بآذاننا وقد رأيناه بعيوننا. لقد نصحتك عينك في نهار من التبيان حتى سال ماها حج عمر فأنفق عشرين درهماً، وقد ختم بالرق على عنق كسرى وقيصر، وقد حججنا ندوس الحرير، ونستخشن الديباج، ونحن نسبح للرق في أدبار الصلوات. أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى رجال الحي غير رجالهم صحن طعامنا مكسور؛ لأنه ما صنع في المدينة، وخيمتنا ممزقة؛ لأن أطنابها مستوردة، ونسينا: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:65]. نحن ثلاثة حجاج ضاع رابعنا، حاج في عرفة وماله في البنك الربوي، وحاج في مزدلفة ولكنه بات مع نغمة ووتر، وحاج رمى الجمَرات وأشعل في قلوبنا الجمْرات، والرابع أشعث أغبر رُفعت دموعه إلى العرش. لا تسل عن خلدي قد ضاع مني عدَّني في زحمة أو عَدِّ عني

مقارنة بين عشاق الحق وعشاق الباطل

مقارنة بين عشاق الحق وعشاق الباطل عشق بلال الجنة فأمهرها ركعتين مع كل وضوء، فسمع صاحب العقد دفَّ نعليه عند الباب المخطوبة، فعرف أن ليلة العرس قد حانت. ألم تر أني كلما زرت زينباً وجدت بها طيباً وإن لم تطيب وقصر بلال تلوح عليه أحرف: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] وعشق أبو جهل النار فصعبت عليه لا إله إلا الله؛ لأن نافخ الكير تزكمه نفحة المسك. قيل لـ أبي جهل: قد أقام بلال الصلاة فصل وراء الإمام؟ فقال: لست على وضوء، فمات قبل أن يصلي. قيل لـ أبي جهل: لماذا تدخل النار؟ قال: لأني عاشق. لا تلمني في هواها والجوى فأنا من لومكم في صمم صاح في وجه أبي جهل لسان القدر: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [فصلت:19].

عشق أبي مسلم للرياسة

عشق أبي مسلم للرياسة أبو مسلم الخراساني عشق الإمارة حتى الثمالة، فعاش من أجلها وهاش، وسكر في حبها وطاش، بقر بطون المساكين بالخنجر فبقر بطنه أبو جعفر. كل بطَّاح من الناس له يوم بطوح تعلق بغير الله فعلقه أقرب الناس إليه بقدميه: {وكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129]. أبعين مفتقر إليك نظرت لي فأهنتني وقذفتني من حالقِ لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق جعل الرياسة تميمة في عنقه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من تعلق تميمة فلا أتم الله له}. عشق أبو مسلم الخراساني المنصب فما تراجع عنه، والتراجع حرام عند العاشقين.

مقارنة بين عشق أهل البدعة وعشق أهل السنة

مقارنة بين عشق أهل البدعة وعشق أهل السنة أيها الناس! أيها البررة: مات الجعد بن درهم في حب البدعة فما أحس للذبح في هوى المحبوب ألماً، فلماذا يألم أهل السنة من الذبح لحب السنة والله يقول: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104]. سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا خرج خالد القسري على الجعد بن درهم بالسكين فما تاب المسكين؛ لأنه عاشق! والعاشق يقول: والله لو قطعوا رأسي لأهجرها لسار حول حماها في الهوى رأسي الجعد بن درهم ممن زُيِّن له سوء عمله فرآه حسناً، صاح النذير لأبطال السنة بلسان: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140] فما أحسوا للمس حساً. تحدى أحمد بن حنبل الدنيا في حب مبدئه الحق؛ فتكسرت السياط على البساط، وأبو عبد الله يضحك في وجوه المنايا، والوحي يهتف: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] ليعلم أحمد أن المتوكل سوف يتولى وأن المعتصم يموت. في قاموس أحمد بن حنبل حديث قدسي: {وعزتي وجلالي ما اعتصم بي أحد فكادت له السماوات والأرض إلا جعلت له من بينها فرجاً ومخرجاً}. أراد أهل البدعة أن يصرفوا عن الحق أحمد فما انصرف؛ لأنه أحمد ممنوع من الصرف. عجباً كيف شربت الموت شربا وجعلت السيف للعلياء دربا عجباً كيف تحديت الملا وسقيت الرمح حتى صب صبا كنا أطفالاً نسمع بـ أحمد بن حنبل فحسبناه مفتياً في الزوايا، فلما كبرنا علمنا أنه معلم جيل وعالم أمة، وشيخ حياة. الحجاج: من العاشقين. عشق الدماء كما عشقت امرأة العزيز يوسف، فجرد السيف على عشاق الملة فشقي بـ سعيد، وكسر بـ ابن جبير منارة الدين، الرجل محنط، فما سمع من سكاره: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93]. أحد الفنانين رقص على نغمة: أخبروها إذا أتيتم حماها أنني ذبت في الغرام فداها وتراقصت أطراف جعفر الطيار على زمجرة يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها طارت روح جعفر إلى الجنة فأعطاه مولاه جناحين يطير بهما حيث يشاء، والذي يطير أعظم ممن يسير، يقول الشاعر: نطير إليك من شوق الحشايا وبعض الناس نحوكم يسير حمل أبو بكر الصديق الصدق فسار في قافلة: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33] سمي بـ الصديق فلا يعرفه العالم إلا بـ الصديق، وصار خليفة الصادق المصدوق، وحمل مسيلمة الكذاب رداء الكذب، فهو في زنزانة ألا لعنة الله على الكاذبين، فلا يعرف مسيلمة إلا بالكذاب. أراد خالد بن الوليد أن يداوي مسيلمة الكذاب من الكذب فما نجح العلاج فقطع رأسه ليزول الألم بالكلية. عشاق الصدق يموتون من أجله، وعشاق الكذب أكثر يقتلون تحت نعله.

مقارنة بين عشق الطغاة وعشق الأولياء

مقارنة بين عشق الطغاة وعشق الأولياء جمال وسيد: سجن جمال سيداً ليقول له: يا سيدي! فقال له: لا. السيد هو الله. فذبحه؛ فأحيا الله بقتله فكره، ورفع بذبحه ذكره، ومات جمال بقتله ميتة البغال، فتعوذ الناس من ذكره في المحافل لأن سيداً من فصيلة: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ} [المجادلة:22] وذاك من فصيلة: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ} [المجادلة:19]. قضوا وألسنة الأجيال تلعنهم وأتبعوا في اللحود السود تبكيتا أسماؤهم في رؤى التاريخ مظلمة كم مجرم كان في الإفساد خريتا أصبع محمد عليه الصلاة والسلام: جرحت أصبع رسولنا صلى الله عليه وسلم فسال الدم الطاهر فقال: إن أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت لأن من قرب روحه للرحمن لا ييأس على أصبعه، ومن انتظر أن يسيل دم ظهره لا يبكي على دم ظفره. حرام بن ملحان: روى البخاري أن حرام بن ملحان طعن بالرمح من قفاه -وهو أحد الصحابة- فأخذ دم صدره ورش القاتل وهو يقول: فزت ورب الكعبة. شهد له دمه أنه محب وأقام دليل المحبة، فسلوا رمح القاتل! فالبينة على المدعي واليمين على من أنكر. يأتي حرام بن ملحان يوم القيامة وكلمه يُدمى، الريح ريح المسك واللون لون الدم. تفوح أرواح نجد من ثيابهم عند القدوم لقرب العهد بالدار الشيح والكاذي والريحان قد عبقت يا موقد النار أطفئ شعلة النار المهدي: دخل المهدي خليفة بني العباس المسجد والعلماء جلوس، فلما رأوه قاموا وقعد ابن أبي ذئب المحدث؛ لأن الذئاب لا تقوم للثعالب، فقال له: لِمَ لَمْ تقم لي؟ فقال: كدت أفعل فذكرت يوم أن يقوم الناس لرب العالمين فتركت القيام لذلك اليوم. قال الخليفة: اجلس فقد أقمت شعر رأسي، فقامت الدنيا لـ ابن أبي ذئب لأنه ما قام، والقيام مع القدرة، ولا قدرة لمن يدخر قيامه لمولاه. سعيد الحلبي: مد سعيد الحلبي: رجله في المسجد فدخل السلطان عليه فما رد رجله، فأعطاه مالاً، فقال سعيد: إن الذي يمد رجله لا يمد يده، ولو مد سعيد يده لقطع السلطان رأسه. أنا لا أرغب تقبيل يد قطعها أحسن من تلك القبل إن جزتني عن صنيعي في رقها أولى فيكفيني الخجل الكافر يولد مرة ويموت مرتين، والمؤمن يولد مرتين ويموت مرة. الكافر جثماني بليد، والمؤمن روحاني مجيد. الهدهد وفرعون: الهدهد أذكى من فرعون؛ لأن الهدهد أنكر على بلقيس سجودها للشمس، وفرعون قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38]. رزق الهدهد يخبئه في الأرض، فلما عرّف الهدهد ربه، قال: {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النمل:25]. أحب الهدهد رب العالمين فأتى سليمان من سبأ بنبأ يقين، وفرعون مهين دس أنفه في الطين، وكفر برب العالمين. الهدهد آمن في الرخاء فنفعه إيمانه في الشدة، وفرعون كفر في الرخاء فما نفعه إيمانه في الشدة، بل قيل له: يا فتان آلآن؟ فات الأوان. قد مضى الركب وخلفت لوحدك فابك ما شئت ولا تأنس برشدك عبد الدينار يرد النار، كلما كثرت دراهمه دار همه. إمامه قارون، خرج في زينته فدفن في طينته، صاح متكبراً! إنما أوتيته على علم عندي، قيل له: عندك أو عندنا؟ هيا إلى الدور الأرضي وخذ دارك معك: {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ} [القصص:81]. دراهم أبي بكر الصديق ختمت بـ: {يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:18] ودراهم أمية بن خلف عليها: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1]. أعطي أبو بكر حلة: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل:17] وألبس أمية قميص: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36]. لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتم فهم الفتى الأزدي إتلاف ماله وهم الفتى القيسي جمع الدراهم فلا يحسب التمتام أني هجوته ولكنني فضلت أهل المكارم

من تضحية المؤمنين وتخاذل المنافقين

من تضحية المؤمنين وتخاذل المنافقين يا أحفاد حنظلة! يا أبناء حنظلة: اسمعوا قصة حنظلة: سمع حنظلة مؤذن الجهاد في أحد وعليه جنابة، فطار إلى سيفه، وصب دمه مع دماء الأبرار، وقدم لحمه مع لحوم الأخيار، وهذه الكتائب: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37]. يا حنظلة! ثمر شجرك ما حنظل، وحب زرعك قد سنبل، قبل أن تدخل الجنة تغسل. أملاك ربي بماء المزن قد غسلوا جثمان حنظلة والروح تختطف وكلَّم الله من أوس شهيدهم من غير ترجمة زيحت له السجف تلاميذ عبد الله بن أبي يحفظون: {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} [المنافقون:7] وينسون: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [المنافقون:7] فيسرقون لقمة العيش من على الشفاة، ومداوي الداء بالداء عله وما شفاه. عبد الله بن أبيَّ فاكهته لحوم الصحابه، ومصحفه الربابه وسهامه طائشه؛ لأن الصيد عائشة. أتدري من رميت وكيف تدري فما أعماك عن شمس وبدر رميت البدر بالبهتان كيداً ونور الحق محفوف بفجر درسنا قصة طه والطبلة، فألهانا طه عن: طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:2] والذي حفظ قصة الطبلة خرج أبله، وقيَّم المدرسة أرقم ألغى منهج دار الأرقم بن أبي الأرقم.

أنس بن النضر وعشقه للجنة

أنس بن النضر وعشقه للجنة صاح أنس بن النضر: [[إني لأجد ريح الجنة من دون أحد] فقتل على مبدأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]. بحثت عنه أخته فما عرفته قتيلاً إلا ببنانه؛ لأن عشاق الجنة يحتاجون إلى شهود، وقد كتبوا شهادتهم بخطوطهم على جسم أنس، فكل جرح يقول: {مَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} [يوسف:81]. قالوا لأحد المنافقين: جاهد لتؤجر، قال: أخاف بنات بني الأصفر. قيل له: تضحك على من؟ ونزلت: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة:49] فضحهم الوحي فلما انقطع الوحي فضحهم حملته، وقال أحدهم: أنا لا أخشى بنات بني الأصفر ولكن: {لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} [التوبة:81] فما أصبح الأمر سراً: {جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً} [التوبة:81]. تفر من الهجير وتتقيه فهلا من جهنم قد فررتا وتشفق للمصر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمتا عاشق الشهادة تأتيه على الفراش، قال صلى الله عليه وسلم: {من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه}؛ لأن الحب يفتت الأكباد: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. نسيت في حبك الدنيا وما حملت وبعت من أجلك الأنفاس والنفسا

عبد الفتاح إسماعيل وعشقه للشيوعية

عبد الفتاح إسماعيل وعشقه للشيوعية عبد الفتاح إسماعيل: قيل لـ عبد الفتاح إسماعيل: في عدن: من ربك؟ قال: لينين. قيل: من نبيك؟ قال: استالين. قيل له: حشرك الله مع الملاعين. قال: آمين. يا ضعيف العزم! وأنت من أهل السنة بقي عبد الفتاح هذا يدعو إلى الشيوعية أربعين سنة في عدن الإسلامية، فهل دعوت أنت في أربعين ليلة إلى العقيدة الإسلامية في الجزيرة العربية. يا كسلان! عبد الفتاح هذا قُتل على غير الجادة فردد مع آخر الأنفاس: لا إله والحياة مادة، يدرِّس الإلحاد مع الظمأ والمجاعة وأنت مع الترف ما تدرس منهج أهل السنة والجماعة. يا شباب الصحوة: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} [التوبة:38] وشباب عبد الفتاح انتشروا في الطول والعرض. أتباع كارل ماركس يدرسون مذكرته في الكادحين، ونحن لم ندرس طلابنا رياض الصالحين. وصاحب باطل جلد صبور تسيل دماؤه من طول صبره وذو حق ضعيف الرأي فدم يسيل لعابه من رأس ظفره الفاروق: دعا الفاروق أبو حفص فقال: [[اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة]] لأن الفاجر أحال العراق إلى بعث، وحلب إلى نصيرية وأرض الكنانة إلى ناصرية إلا من رحم ربك، وأما الثقة فاعتذر بأشغاله عن تدريس الحموية والواسطية. بقي ميشيل عفلق يستغوي الجيل ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً يحفظهم في الابتدائية: آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ماله ثاني ويحفظهم في المتوسط: لا تسل عن عنصري أو نسبي أنا بعثي اشتراكي عربي فلما سمع ذلك حكمتيار طار، وأنشد في الجيش الجرار: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا قيل لـ حكمتيار: ادخل كابل؟ قال: لا. حتى يخرج منها أولاد الهرة بالمرة. الحق أبلج والسيوف عوار فحذار من صولات حكمتيار وحذار من جيش خميس بعده يصلي العدو بغيمة من قار حكمتيار لا شرقي ولا غربي؛ لأن شيخ حكمت علمه الكتاب والحكمة، تاجه حنيفاً مسلماً، ومن كان منهجه أبيض نسي البيت الأبيض. درس الطلاب التدمرية لـ ابن تيمية، فنجح (20%) لأنها: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25]. كان ابن تيمية يعلم الشباب، فسجنه الحجاب: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13]. هل سمعت نشيدة شيخ الإسلام؟ ولكنها من الشعر المنثور، لأن العبيد لا يفهمون إلا الشعر الحر. يقول: أنا جنتي وبستاني في صدري، أنَّى سرت فهي معي، قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة. كتب القصيمي عن ابن تيمية: (في الصراع بين الإسلام والوثنية) لكن ابن تيمية أصيل والكاتب عميل؛ لأن الكاتب وارد بتروماكس، ومن فصيلة كارل ماركس: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف:175]. واحسرتاه على السبورة والطبشورة والملعب والكورة. أأشقى به غرساً وأجنيه ذلة إذاً فاتباع الجهل قد كان أحزما ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما قال الحجاج لعجوز: والله لأقتلن ابنك؟ قالت العجوز: لو لم تقتله مات، وهذا من ذكاء العجوز، ولكن الطغاة لا يفهمون الرموز: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:8]. أرسلنا شاعرنا إلى المربد ليغرد فعربد، ظننا أنه بالدين سوف يصول ويجول فذهب قليل الحياء يسب الرسول. نبهناه فما أدرك؛ لأن الرجل مجمرك: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. شعراء مدحوا صداماً قبل الغزو وذموه بعده، قلنا: كشفناكم يا أوباش الولد للفراش. هؤلاء لا ينفع معهم الوعظ؛ لأن المنافقين بعضهم من بعض. موشي ديان: قاتلوا موشي ديان في حزيران، فهربوا كالفئران؛ لأنه لم يحضر المعركة سيف الله أبو سليمان. وأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب وقاتلت دوننا الأبواق صامتة أما الرجال فماتوا ثمّ أو هربوا أشار شامير، قالوا: ماذا تريد؟ قال: مدريد. فركبوا بالبريد فسحقاً للبليد. قيل للرستمي: ألا تحج البيت العتيق؟ فأنشد بنغمة العاشق؛ لأنه عاشق: حجي إلى الباب الجديد وكعبتي الباب العتيق وبالمصلى الموقف والله لو عرف الحجيج مكاننا من زندروس وجسره ما عرفوا أو شاهدوا زمن الربيع طوافنا بالخندقين عشية ما طوفوا زار الحجيج منى وزار ذوو الهوى جسر الحسين وشعبه واستشرفوا ورأوا ظباء الخيف في جنباته فرموا هنالك بالجمار وخيفوا أرض حصاها جوهر وترابها مسك وماء المد فيها قرطفوا قلت: أما سمع هذا بقوله سبحانه في تلك الدار: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:71] وعند ابن ماجة قال صلى الله عليه وسلم: {ألا مشمر للجنة؛ فإن الجنة -والذي نفسي بيده- نور يتلألأ، وقصر منيف، وشجرة تهتز}. الخُطَّاب كثير؛ ولكن المهر غالي. من صفات الخاطب: أن يترنم بالقرآن في السحر، وكثير من الخطاب ينام عن صلاة الفجر. ومن صفاته: أنه يقدم مهجته حلية للمخطوبة وبعضهم يبخل بدرهمه: ثمن المجد دم جدنا به فاسألوا كيف دفعنا الثمن واسألوا ماذا فعلنا في الوغى يوم هال الهول فيها ودنا الذبح للعاشق في سبيل معشوقه برد وسلام. الرسول صلى الله عليه وسلم والإبل: ذكر المجد في المنتقى أن رسولنا صلى الله عليه وسلم لما أراد أن ينحر الإبل في منى تسابقت إليه أيها ينحر أولاً، فمن أخبر البعير أن صاحب الحربة هو البشير النذير والسراج المنير، ما فرت الإبل وهو ينحر وما استقرت بل أقبلت ودنت؛ لأن التولي يوم الزحف حرام. ويقبح من سواك الفعل عندي وتفعله فيحسن منك ذاكا على عمد من التوفيق قدماً أحبك من أحبك واصطفاكا خطب صاحب المنهج العظيم صلى الله عليه وسلم في جنوده يوم بدر فأخبرهم أن بينهم وبين الجنة القتل، من يقتل يدخل، ومن يُذبح يفلح، فقام عمير بن الحمام ورمى التمرات، ولسان حاله يقول: خذوا تمركم فالغداء هناك، وإجابة الدعوة واجبة، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، وكيف يجيب الأمر من ألهاه التمر؟ لله درك والردى متكالب والمشرفية تسحق الأبطالا ووقفت تخطب والرءوس تطايرت أسقيت سيف العز حتى سالا محمد بن حميد الطوسي: حضر محمد بن حميد الطوسي المسلم القائد الشهير القتال مع الروم، فوقف يقطع رءوسهم من الفجر إلى الظهر، وما أحسن الذبح على الطريقة الإسلامية! فرَّ أصحابه فخجل أن يفر؛ لأن صاحب الشريعة لا يقر، فتكسر سيفه ومال رأسه فكفنه أبو تمام بقصيدته الخالدة: لقد مات بين الضرب والطعن ميتة تقوم مقام النصر إن فاته النصر تردَّى ثياب الموت حمراً فما أتى لها الليل إلا وهي من سندس خضر ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر

عشق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه للموت وزهدهم في الدنيا

عشق النبي صلى الله عليه وسلم وأًصحابه للموت وزهدهم في الدنيا وقف قائدنا عليه الصلاة والسلام أمام الكتيبة فسل السيف، وقال: {من يأخذ هذا السيف مني؟} فكلهم رفع يده وظنوا أن السيف جائزة فقال: {من يأخذه بحقه؟} فعلموا أن في المسألة سراً، فتوقفوا وألح أبو دجانة في الطلب وسأل القائد: ماحق السيف؟ فقال: {أن تضرب به في الأعداء حتى ينحني} فأخذه أبو دجانة يعدل به رءوس الضلال مرة في اليمين ومرة في الشمال، ينشب السيف في الجماجم فيهزه هزاً، لأن في الجماجم مسامير اللات والعزى، أخرج عصابته الحمراء من الجلباب، فقال الناس: خطر ممنوع الاقتراب. ومن تكن الأسد الضواري جدوده يكن زاده رفداً ومطعمه غصبا فحب الجبان النفس أورده البقا وحب الشجاع الحرب أورده الحربا

مواقف وعبر من التاريخ

مواقف وعبر من التاريخ عندنا نحن أعظم ميراث عرفه التاريخ، وأكبر ثروة رأتها الدنيا، عندنا متون من الوحي، ما اختلطت بالطين؛ لأنها من رب العالمين، لكن الطلاب كسالى، المرعى أخضر لكن العنز مريضة، وثيقتنا نحن المسلمين كُتبت من أربعة عشر قرناً، خُطب بها على منابر المعمورة، وصُلي بها في محاريب القارات، وأُذِّن بها على منائر الكون. والوحي مدرستي الكبرى وغار حرا ميلاد عمري وتوحيدي وإيماني وثيقتي كتبت في اللوح وانهمرت آياتها فاقرءوا يا قوم قرآني معجزتنا نحن أن معلمنا أميّ أعجز البلغاء، لا يكتب وقد أفحم الكتبة، ولا يقرأ ولكنه بذَّ القرّاء: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48]. وقف في عرفة صلى الله عليه وسلم محرماً أشعث أغبر ليخاطب الدنيا، فقال له مولاه في الموقف: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] فعلم أن النعمة ليست في ناقته القصواء ولا في حصيره الممزق الذي أثر في جنبه، ولا في درعه المرهون عند اليهود، ولا في الحجرين المربوطين على بطنه، إنما نعمته دعوته، وحبوره نوره، وسروره سيرته: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]. صلى الله عليه وسلم، ما سكن قصراً والذين من بعده يغنون في القصور، وما بنى داراً والأدعياء يلمِّعون بالذهب الدورْ. عقدة الوليد بن المغيرة في كفره بصاحب السيرة أنه ليس له صلى الله عليه وسلم كنز، وليس له جنة يأكل منها، وما علم أن صاحب الكنز والبنز والجنز لا يرشح للعز. تركت الثرى خلفي لمن قل ماله وأوردت قلبي في عظيم الموارد أعيناي كفا عن فؤادي فإنه من الظلم سعي اثنين في قتل واحد فعل دستم مع حكمتيار كما فعل رستم مع عمار: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:53] دستم من رستم من طينة هليا مريام، الله كم دنستم، غرتكم الأماني حتى جاءكم الحق وتربصتم. الله أكبر يا سني! تبخل بأضحية يوم النحر والنصيري ضحى بثلاثين ألفاً من أهل السنة في حماة. النصيريون يجودون بالنفوس، وأهل الملة يبخلون بالتيوس. أوما شهدت الخيل تعثر بالقنا حتى السبايا جردت بالمشهد والمارد الجبار يخطر سيفه في رأس كل مكبر وموحد تمزقت الأمة في هذا العصر، فالبعض ذبح والبعض في الأسر، ومن نجا نسي {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال:72]. ماذا التقاطع في الإسلام بينكم وأنتمُ يا عباد الله إخوان

المعتصم في عمورية

المعتصم في عمورية الآن مع المعتصم: طار صوت المفجوعة من عمورية يعبر المحيطات، ينادي: وامعتصماه! فوصل الصوت قبل الصورة؛ فصاح المعتصم: قربوا أفراسي، وهاتوا أتراسي. الجنسية مسلم، والنسل عباسي، أحرق المدن المعتصم؛ لأن ليلة النصر تحتاج إلى بخور، وهو ممن يرجون تجارة لن تبور، فغردت كتائبه وتراقصت ركائبه على إلياذة: أجبت صوتاً زبطرياً هرقت له كأس الكرى ورضاب الخرَّد العرب أبقيت جد بني الإسلام في صعد والمشركين ودار الشرك في صبب المعتصم أبوه الرشيد، وجده ابن عباس فما أذعن لـ يوحنا ولا توماس: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:11]. زياد بن أبيه أمه سمية يريد بني أمية، أنجب عبيد الله السمين ليقتل الحسين، جنود عبيد الله كالعجول يكبرون لمقتل ابن البتول: ويكبرون بأن قتلت وإنما قتلوا بك التكبير والتهليلا

علي بن أبي طالب في خيبر

علي بن أبي طالب في خيبر خيبر: خربت خيبر لماذا؟ لأنها بنيت على شفا جرف هار، حجر الزاوية كعب بن الأشرف، وسدة الباب بنجريون، والطباخة: جولدا مائير، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: يا علي! قال: مرحباً. قال: اقتل مرحباً. فخرج مرحباً يقول: أنا الذي سمتني أمي مرحباً قال لسان الحال: أمك سامرية عبدت العجل، وأم علي هاشمية لا تحب الدجل. أنا الذي سمتني أمي حيدره فتحدر سيف مرحب على سيف حيدر. يا أبا السبطين أحسنت فزد فعلكم يا شيخنا فعل الأسد رمد تفعل هذا بالعدى كيف لو عوفيت من ذاك الرمد اسمع: بطاقة علي في الزحام مكتوب عليها: {يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله} وبطاقة مرحب: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [المائدة:13]. يا شباب الصحوة: من لا يدعو منكم ويؤثر فلا ينمنم ويثرثر: {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده}. إذا لم تصاحبنا فنرجوك لا تضاربنا، الذي بيته من زجاج لا يرمي بيوت الناس، والذي يضرب العود لا يحمل الفاس. اللهم إنك نثرت على أهل الدنيا الدنانير فشروا الذمم بالدينار، اللهم فأعطنا تاج النجاة ننجو به من النار، أحرقونا فقلنا: أح، قال الصبر: هذا ما يصح. لا تقل للنار أح إن قلت أحا فرح الباغي وسح الجرح سحا

بنو إسرائيل والبقرة

بنو إسرائيل والبقرة بنو إسرائيل والبقرة: أمر الله بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة، فأخذوا الأمر مستهترين، ورأى رسولنا صلى الله عليه وسلم بقراً تنحر في المنام في أحد فنُحر من أصحابه في المعركة سبعون، سوّد الله وجوه اليهود، قيل: اذبحوا بقرة، قالوا: ما بقرة؟ قيل: لا فارض ولا بكر، قالوا: لا بد من معرفة اللون، قيل: صفراء، قالوا: ما سنها؟ قيل: عوان بين ذلك، فتلكئوا وما كادوا يفعلون. ومحمد عليه الصلاة والسلام طلب من الأنصار الحماية، قالوا: بالأرواح، والنصرة، قالوا: السلاح السلاح. قال لهم بلال العزم: حي على الصلاة، قالوا: حي على الفلاح. يقول خطيب الأنصار: {يا رسول الله! أعط من شئت، وامنع من شئت، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، عسى الله أن يريك منا ما تقر به عينك} فقتل هذا الخطيب فاهتز له عرش الرحمن؛ لأن كلماته هزت القلوب، فكيف لا يهتز عرش علام الغيوب؟! أحدهم ذهب يتعلم في جنيف كيف يصيد الشريعة؟ وصيد غير المعلم حرام؛ لأن الله يقول: {مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة:4]. عرفناك يوم الجزع تحدو ركابنا فلما ذهبنا عنك أشعلتها حربا الحسن بن علي هاشمي ولكن ليس رفسنجاني، أعطاهم الملك بالمجان، أراد الخلافة فتذكر قول جده صلى الله عليه وسلم: {إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين}. تنازل في مؤتمر القمة ليحقن دماء الأمة {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]. أرسلناك تسابق على الخيل المضمرة من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق، فذهبت تتزلج على الثلوج وتصاحب العلوج، أما سمعت: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] فهل أنت منا أم منهم؟ انتصر عبد الحميد بن باديس؛ لأنه لا يحب باريس. وفضح الأمة أحمد بن بلا؛ لأن زنبيله صنع في مانيلا. أنت تمازح الخواجات بالرطانة، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً} [آل عمران:118] أشياخه صفر الجباه بـ دنفر هنري كسنجر خير مروياته من رقعة المحجوب يروي متنه وسعاد ذات الخال من خالاته زار أبو سفيان -وهو مشرك- ابنته رملة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فلما دخل البيت رفعت فراش المعصوم خوفاً عليه من غبار الوثنية، لأن في الحديث: {لا يورد ممرض على مصح} والفراش الأَجَل لا يصلح لمن سجد لهبل. وأدونيس شاعر الخبث والحداثة والإلحاد، أدونيس أبياته من الشيطان، وروح القدس يؤيد بالقوافي حسان، ولذلك استطاع شاعر الرسول أن يقول: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد وتقيأ أدونيس بعد أن بال الشيطان في أذنه، فقال: خرافية تلك أسطورة هي الملة النحلة البائدة حسان على وزن رضوان، وأدونيس على وزن إبليس: {ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب}. حسان أزدي زكي من الأزد، وطاغور مزدكي: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7]. تركيا نور نُسي بموت النورسي. أتاتورك في النار في آخر درك، أتاتورك نجس البحيرة، وأوقع الأمة في حيرة، كسر ظهر الخلافة، ومزق عمامة المفتي، وهدم أعواد المنبر: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45]. ألقيت أنت على الناس محاضرة فتبجحت بها في البادية والحاضرة، وعبد الله بن عمرو الأنصاري وجد مقتولاً به ثمانون طعنة فما أخبر أحداً؛ لأن صدقة السر تطفئ غضب الرب، والمحبون يستترون بالليل لزيارة المحبوب. كم زورة لك في الأعراب داهية أدهى وقد رقدوا من زورة الذيب أزورهم وظلام الليل يشفع لي وأنثني وبياض الصبح يغري بي تصدقت أنت على البوسنة والهرسك بخمسين ريالاً، وتمنيت بها على الله الأماني، وخالد بن الوليد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، ثم أتبعها خيله، ثم أتبعها نفسه. جهز عثمان جيش العسرة من جيبه، فسمع الثمن نقداً على المنبر: {اللهم اغفر لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر}. يقول المترفون: أنتم متطرفون! قلنا: أنتم تهرفون بما لا تعرفون، هذه فرية والدليل: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} [الإسراء:16]. حاول صبيغ بن عسل -هذا ملخبط في الشريعة- أن يلخبط بين الآيات ويشوش في المنهج، فضربه عمر بعصاً حتى أغمي عليه فاستفاق ولسان حاله يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، والحداثيون لخبطوا في الدين لخبطة ويحتاجون دواء كدواء صبيغ؛ لكن الطبيب مات. تشفي بسيفك داء الناكثين له وتجعل الرمح تاج الفارس البطل يقول فرعون لموسى: وفعلت فعلتك، قلنا: وأنت يا مجرم! ما فعلت شيئاً يا أبا الفعايل. قلنا: أنت يا فرعون! يا أبا الفعايل! ما فعلت شيئاً، أبصرت القذى في إناء موسى ولم ترَ الجذع في إنائك. إذا محاسني اللاتي أدل بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر

الحجاج في عرفات

الحجاج في عرفات وقفوا في عرفات ما يقارب الثلاثة ملايين يسألون رباً غنياً قديراً رحيماً حليماً، عطاؤه كلام وفعله كلام بقوله كن فيكون. أتيناك بالفقر ياذا الغنى وأنت الذي لم تزل محسنا وعودتنا كل فضل عسى يدوم الذي منك عودتنا فما في الغنى أحد مثلكم وفي الفقر لا أحد مثلنا وقصت ناقة محرماً بـ عرفة فقتلته، وصاحب المنهج عليه الصلاة والسلام موجود، فقال: {كفنوه في ثوبيه وجنبوه الطيب، ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً}. هل تأملت الصورة؟ هل رأيت المشهد؟ إذا أهل هذا الميت من قبره ملبياً وميقاته قبره، ومن تجاوز الميقات يريد الحج بلا إحرام فعليه دم، وهذا يريد الجنة لأنه مطلوب هناك، و A لبيك اللهم لبيك. أتيناكم نخب السير خبا ونحمل في حشايا القلب حبا نهيم بينكم شوقاً ونسقي بدمع العين في العرصات صبا فهيا سامحونا قد أسأنا وهيا فاغفروا يا رب ذنبا تقرب غيرنا لسواك جهلاً ونحن لقربكم نزداد قربا {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:194]. بجانب هيئة الإذاعة البريطانية شاعر عربي قام في الصباح ينشد: أنت القوي فقد حملت عقيدة أما سواك فحاملو أسفار يتعلقون بهذه الدنيا وقد طبعت على الإيراد والإصدار دنيا وباعوا دونها العليا فيا بؤساً لبيع المشتري والشار يا أيها الذين آمنوا! مالكم لا تنفقون من كنوز الرسالة دنانير الحكم، وصاحب الغلة يقول: {بلغوا عني ولو آية} كل منكم بحسبه، من لم يجد سيفاً فعصا، وافعلوا فعل علي بن عمار هجم عليه الأسد وسيفه معلق في بيته، ولو انتظر وصول السيف لوصل رأسه إلى الأرض على الكيف!! فأخذ هراوة غليظة وفلق بها هام الأسد حتى يأتي المدد، فحياه أبو الطيب المتنبي فقال: أمعفر ليث الهزبر بصوته لمن ادخرت الصارم المسلولا إذا لم تلق محاضرة فاحضرها، وإذا لم تدبج خطبة فكلمة: أنفق رجل من بره من تمره من درهمه من ديناره من علمه من شعره من فكره، الذي لا يركب في سفينة الصحوة رضي بأن يكون مع الخوالف، فليس لهم في الغنيمة قسم، ولا في الخيالة اسم، ولا في الديوانية رسم. بعضهم يحفظ المتون ويجمع الفنون، كتب الحواشي وهو ماشي، قلنا: علِّم، قال: حتى أتعلم، قلنا: أجل درس، قال: حتى أؤسس، فقلنا: هل سمعت: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161]؟ قم خاطب الدنيا بنبرتك التي عزفت قلوب الأهل والأصحاب فمنابر التوحيد من خُطَّابها ومحافل العلياء للخطاب شبيب الخارجي من الخوارج، بطل لكنه مبتدع؛ شبيب الخارجي في ستين من أصحابه هزم ثلاثة آلاف، وكان في المعركة ينعس على البغلة من ثباتة الجأش وشجاعة القلب، قلنا: دعونا من نعاس الخوارج فأين نعاس أهل السنة: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال:11]؟ فنعاس طلحة بن عبيد الله في أحد خير من نعاس شبيب؛ لأن طلحة متبع وشبيب مبتدع، وطلحة من نكاح وشبيب من سفاح. قوم أبوهم سنان حين تندبهم طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا لو كان يُقعد فوق الشمس من كرم قوم بآبائهم أو مجدهم قعدوا غفار من المغفرة، وأسلم من المسالمة، وعصية من المعصية، ثلاث قبائل وافقت أسماؤها مسمياتها، فقال المعلم العظيم صلى الله عليه وسلم: {غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعصية عصت الله ورسوله} وأقول: وماركس أركسه الله.

دروس وفوائد من الحاضر والماضي

دروس وفوائد من الحاضر والماضي العرب في حزيران: حارب في حزيران نصراني ونصيري وناصري، فضاع منهم النصر لأن الأنصار غابوا عن المعركة فغاب شعار: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد:7] وشعار: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160]. ناصريون والجيوش سبايا وكبار الضباط فيهم إماء وحدويون والبلاد شظايا كل جزء من لحمها أجزاء ماركسيون والجماهير جوعى فلماذا لا يشبع الفقراء صاحب المنهج يدرس الطلاب في الفصل وفي الفصل منافقون لم يعرفهم، فأنزل الله: {لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة:101] فلاحظ التصرفات والتلونات: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:30] فلما انكشفوا سمع {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4]. الأعمش المحدث الكبير الزاهد: أراد السلطان أن يشتري الأعمش المحدث الكبير برسالة فيها فتوى لتكون حبة الطائر، فإذا وقع في الشباك قيل له: نصيبك ما أخطاك، عرف الأعمش العلة؛ لأنه عالم بعلل الأسانيد وتدريس الرجال، فأعطى الرسالة شاة عنده فأكلت الرسالة، وحملها الخطأ؛ لأنها تأكل الرسائل. فلا كتْب إلا المشرفيات عنده ولا خط إلا بالقنا والقنابل {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} [الأحزاب:39]. العقيدة الإسلامية لا شرقية ولا غربية، يكاد زيت أصالتها يضيء ولو لم تمسسه نار الشوق، فكيف إذا اجتمع نور الفطرة ونور الاتباع؟!: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35]. قال اليهود لموسى عليه السلام: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24] وقال الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام: {لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد} فتقطعوا أمامه، فكل بيت فيه قتيل. سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا في كفك الشهم من حبل الهدى طرف على الصراط وفي أرواحنا طرف فكن شهيداً على ما في القلوب فما تحوي الضمائر منا فوق ما نصف {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:148].

صورة من تحايل اليهود على الدين

صورة من تحايل اليهود على الدين يقول رسولنا عليه الصلاة والسلام: {لعن الله اليهود؛ إن الله لما حرم عليهم شحوم الميتة جملوه فباعوه فأكلوا ثمنه} وذلك يسمع الغناء ويقول: غناء إسلامي، والبعيد يتناول المسكر ويقول: شراب الروح. وعلام الغيوب لا يُلعب عليه كما يلعب على الصبيان، ولا يخادع كما يخادع الولدان: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]. الحسن البصري: قال الحسن البصري: يا بن آدم! خالف موسى الخضر ثلاث مرات، فقال: هذا فراق بيني وبينك، وأنت تخالف الله في اليوم مرات ألا تخشى أن يقول هذا فراق بيني وبينك؟! اغفر اللهم رب ذنبنا ثم زدنا من عطاياك الجسام لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلق أسهرنا جنح الظلام العالم ينتظر من يدعوه إلى الإسلام، والملة تحتاج إلى حملة التمر مقفزي لكن البخل مروزي: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187]. رفع خبيب بن عدي الصحابي الشهيد، رفعوه على خشبة الموت فأنشد طرباً، وامتلأ عجباً، وقال قصيدة الحب كل الحب، فسمع المحبون لكن عبدة الأصنام في سكرة يعمهون: ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي ما يحلو الشعر إلا في المعمعة: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد:4 - 6] قال خبيب للكفار: انظروني لحظة! قالوا: تكتب الوصية؟ قال لسان الحال: لا ميراث، لكن أصلي ركعتين، أراد أن يطيلهما فخاف أن يوصم بالجبن وهو أبو الشجاعة، رفعوه على المشنقة فدعا دعاء القنوت على الكفار، وقال: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحداً، آمين.

من مواقف السلف في الثبات على الدين

من مواقف السلف في الثبات على الدين قبيلة خزاعة: استحت خزاعة من ربها أن ترد الحوض بلا بطل، فأنجبت أحمد بن نصر الخزاعي حامل لواء السنة، محدث بغداد، رأى المداد يلطخ ثياب طلاب السنة، فعزم أن يلطخ بدمه ثياب المبتدعة، قال له الخليفة الواثق: وافق، قال: لا يا منافق، فنحره بالخنجر فوقع ميتاً لتحيا السنة: دم أزكى من المسك المصفى وروح في ذكاء الأقحوان وتاريخ من الإقدام فعم كأن بريقه نصل يماني {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة:154] الصدق حبيب الله، وصل الطعن في الأمة الرقبة، أمة دمها رخيص، ودماء الناس غالية، يتيمها في المحافل يبكي، وشيخها على القديم ينوح، تربية اللحى، وركعة الضحى ثابتة شرعاً، لكن نقض الميثاق وخلط الأوراق من أركان النفاق. إذا لم تتهجد فاحضر الجماعة في المسجد، الذي يكشف صادقنا من كاذبنا صلاة الفجر والعشاء. أتى ابن المبارك المحدث الكبير أمير المؤمنين في الحديث إلى زمزم ليشرب فذكر حديثاً من مروياته نصه: {ماء زمزم لما شرب له} فقال: اللهم إني أشربه لضمأ ذاك اليوم، فدمعت العيون. ابن المبارك يعلم أن زمزم الوحي يشرب منه ليستشفى به من العلل، لكن من يقنع من يطلب العلاج في بروكسل بقناعة ابن المبارك: من زمزم قد سقينا الناس قاطبة وجيلنا اليوم من أعدائنا شربا وقال زميلي سلمان وأحسن أيما إحسان: زمزم في بلدي لكن فمن يقنع الناس بجدوى زمزم سمع ابن المبارك صياح المجاهدين، وهو يتقلب في الساجدين، ففك لجام البغلة وهتف: بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمناً إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا ذهب إلى الشمال، يقطع رءوس الضلال، فلامه الفضيل على ترك الحرم، ولسان الحال يقول: ترك الجهاد حرام، فكتب ابن المبارك إلى الفضيل إلياذة: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب فتمنى المصلون عند الركن اليماني أنهم يقاتلون الكفار بالسيف اليماني: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران:195]. شرب الخمر شارب في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فأدبه صلى الله عليه وسلم، وقام العذال فسبوا الشارب، فقال المعصوم عليه الصلاة والسلام: {ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله}. وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع الحديد والخشب: الحديد يتمدد بالحرارة وينكمش بالبرودة -هذه الفائدة تكتب بماء الخشب- والخشب يتمدد بالبرودة وينكمش بالحرارة، وبعض الناس لا يتمدد ولا ينكمش: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي أحد الرؤساء سجن العلماء، ثم خطب في الدهماء، وقال: أنا إمام عادل كـ عمر بن الخطاب، فقال أحد العلماء: نعم. عمر إمام عادل، وأنت عادل إمام. تقايس بين طلحة وابن ساوي رعاك الله ما هذا التساوي فـ طلحة مشرق الطلعات بدر وذاك الجلف في الحانات عاوي أظلمت الدنيا، صدام إمام، وطارق عزيز يؤذن، وعزت إبراهيم يخطب، ومن صلى وراءهم فليعد صلاته، لأن الكيماوي المزدوج في جيب صدام، والصليب على صدر يوحنا وعزت إبراهيم يطلق الأسكود، وطه ياسين رمضان يصفق لأبطال أم الهزائم. كلما انخفضت الأسهم ارتفع ضغط الدم؛ لأن الشيك مكتوب عليه: {وإذا شيك فلا انتقش} كل شيك من ربا معه شوكة من لظى: {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} [الطور:16]. علمناك الفاتحة تصلي بها التراويح في الليالي، فتركتها وذهبت تغني البارحة: ما نمت مما جرى لي! الكلاب تحب الجيف، والأسود تأكل مما تقتل، ومن رضي بأفكار البشر عن وحي رب البشر، فبشره بسقر، لا تبقي ولا تذر. زياد بري: براءة من الله ورسوله إلى زياد بري، شنق علماء المالكية والشنق عند مالك حرام. مالك لا يرى الشنق، وهو حرام عنده: جزى الله عنا المالكية ما جزى عن الدين أصحاب الإمام المبجل هم وردوا حوض المنايا أعزة وقد أنفوا أن يصحبوا كل مبطل روى البخاري في كتاب الرقاق أن علياً قال: [[إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن الدنيا عمل ولا حساب، والآخرة حساب ولا عمل]] وفي ترجمته رضي الله عنه يقول: [[يا دنيا يا دنية! غري غيري، زادك حقير، وعمرك قصير، وسفرك طويل، آه! من قلة الزاد وبعد السفر، ولقاء الموت. يا دنيا! طلقتك ثلاثاً لا رجعة بعدها]] وعلي لا يرى نكاح المحلل؛ لأنه راوي حديث أبي داود: {لعن الله المحلِّل والمحلَّل له}. عمر: لما شمر عمر ثوبة في اليقظة جره في المنام، والقميص في النوم هو الدين واليقين، وأبو حفص أحد الأساطين. نام عمر بلا حراسة تحت الشجرة؛ لأنه خوف الفجرة، عدل في الرعية، فنام في البرية، كان في التاريخ دُرة، لأن له دِرة فلله دَرُّه. الكعبة، وحبة القلب، وإنسان العين، كلها سود، فلا عاش الحسود: يروق لي منظر البيت العتيق إذا بدا لطرفي في الإصباح والطفل كأن حلته السوداء قد نسجت من حبة القلب أو من أسود المقل أسامة بن زيد رضي الله عنه أسود، وأبو لهب أبيض، ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه، يبيض الأول ويسود الثاني؛ لأن بياض أبي لهب بهرجاني: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] في الليل إشفاق وفي النهار إنفاق، النوم لذيذ ولكن الخوف أطاره، وبعض العباد كان يتمنى أن يطول الليل: طاول بها الليل ضن الجفن أو سمحا وما طل النجم مال النجم أو جنحا فإن تشكت فعللها المجرة من ذوي الصباح وعدها بالقدوم ضحى أسرار القرآن تبوح في الليل، والخوف والرجاء يتسابقان في الدجى. في صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها أنها سُئِلت: متى يقوم الرسول عليه الصلاة والسلام؟ قالت: {كان إذا سمع الصارخ وثب} تقول: وثب ولم تقل: قام، وأنت عربي تعرف معنى: وثب، والصارخ: هو الديك: يُصوت ديك الحي من حر ما بنا ويرثي لنا القمري ويبكي لنا الحجل إذا ما بكتك الطير فاعلم بأنه تقارب منك العمر بل زارك الأجل يقول عليه الصلاة والسلام: {نعم عبد الله لو كان يصلي من الليل} فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً. إذا لم تصبر للسهر فركعتان عند السحر {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:25] نحن نتحدث عن الربح وقد وقع النقص في رأس المال، لأن من لا يحضر الفجر جماعة لا يرشح لطاعة، طالب الأمة بالفرائض قبل النوافل، أما قيام الليل فلذلك الرعيل، والخيل المضمرة تسبق الخيل التي لم تضمَّر: دعنا من التشبيه فـ السلف الأولى قاموا الدجى وتقطعوا في المعترك هم درجات عند ربك في العلا فلا تقارن حب عمار بحبك يقول شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي: عرضت على السيف خمس مرات لا يقال لي: اترك مذهبك، بل يقال: لا تتعرض للمذاهب، فقلت: لا. قلنا: أما أنت فما سمعنا بمثلك وما عندنا إلا هروي واحد، وما سميت شيخ الإسلام إلا بعد تعب، قالوا لتلميذ الأنصاري هذا قبل أن يقتل: قل لا إله إلا الله؟ فقال: إن شيخي قال لي: إن الدابة لا تسمن في أسفل العقبة، وصدق الأنصاري. تريد أن تتعامل بالربا فإذا حشرجت النفس تبت، تسمع الغناء فإذا حضر اليقين كسرت العود، تتهاون في الصلاة فإذا حانت الوفاة أذنت: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] أترجو أن تكون وأنت شيخ كما قد كنت في عصر الشباب لقد كذبتك نفسك ليس ثوب جديد كالخليق من الثياب

فتوى النابلسي في الفاطميين

فتوى النابلسي في الفاطميين أفتى النابلسي محدث مصر العظيم، فقال: من عنده عشرة أسهم فليرم النصارى بسهم، والفاطميين بتسعة أسهم، فغلط الجاسوس، فرفع الخبر للسلطان وفيه: فليرم النصارى بتسعة والفاطميين بسهم، فاستدعى السلطان النابلسي وقرأ عليه الخبر، فقال: هذا غلط، حرفتم الفتيا، قلت: يرميكم بتسعة والنصارى بسهم، فصاح السلطان: علي بالجزار والسكين، فصاح النابلسي: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:72 - 73] فأخذه يهودي يسلخ جلده سلخاً بالسكين كما تسلخ الشاة، علقوه بقدميه فأخذ يسبح بأصابعه؛ لأنه من رواة حديث: {من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر}. ألم أقل لكم: لن تجدوا أشجع من أهل السنة وقت التضحيات! السني وقت التضحية يزري بالبعثي والناصري والقومي، لأن السني من سلالة أبطال بدر وأحد، وأولئك من سلالة أبطال حزيران وأيلول الأسود: بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم ولو كان سيفي في يمينك لانتحى عليك ولكن فات يوم التلاوم مطعم العلماء، ومكرم الفقراء: أطعم ابن بقية الوزير المساكين والفقراء وأكرم العلماء، فغار منه السلطان، واحتال عليه حتى قتله وصلبه، فلما ارتفع على الخشبة مصلوباً وقفت الأمة كلها بوقوفه، فطافت به قلوب المحبين، ونامت بغداد على أصوات البكاء، فترجل أبو الحسن الأنباري عن فرسه إلى خشبة الصلب، وسلم على الجثمان ودشنه بتلك القصيدة التي من لم يحفظها ففي تذوقه للشعر نظر: علو في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات كأنك قائم فيهم خطيباً وهم وقفوا قياماً للصلاة مددت يديك نحوهم احتفاءً كمدهما إليهم بالهبات ولما ضاق بطن الأرض عن أن يواروا فيه تلك المكرمات أصاروا الجو قبرك واستعاضوا عن الأكفان ثوب السافيات لعظمك في النفوس تبيت ترعى بحراس وحفاظ ثقات وتوقد حولك النيران ليلاً كذلك كنت أيام الحياة وما لك تربة فأقول تسقى لأنك نصب هطل الهاطلات أصبحت خشبة ابن بقية مسرحاً تلقى عليه قصائد المادحين، وخطب المثنين، وأصبح من قتله في صغار كأنه طلي بالقار. الذي يعشق الليالي الحمراء لا يستعيد قرطبة والزهراء، ومن يستورد أفكارهم من لندن ويسهر على دندن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]. خرج سعد بن أبي وقاص -بطل القادسية - على الرسول عليه الصلاة والسلام ومعه الصحابة، فلما رأوا سعداً قال عليه الصلاة والسلام: {هذا خالي فليرني كل خاله} فلم يخرج أحد خالاً كخاله، المتحدي قوي والمتحدى به أبي. فلما حضرت القادسية والجموع الفارسية، حضر الخال يقود الأبطال، فحصل النصر قبل العصر؛ لأن الناصر هو القهار، والقائد خال المختار: وقفت لك الأبطال تصغي في الوغى ووقفت تخطب بالقنا الخطار والخيل تسمع والكتائب صفقت وترى الجماجم أحرقت بالنار أرسل القائد العظيم صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس ليقتل خالد بن سفيان الهذلي، عدو الدين فقتله واحتز رأسه ليعطي المعصوم البينة على قتله، فسلم الرأس وضمن له صلى الله عليه وسلم الجنة، وشهد العقد الحضور، وأعطاه صلى الله عليه وسلم عصا؛ ليتوكأ بها في الجنة زيادة في التبجيل: يتوكئون على العصا من هيبة أهل الرزانة في حضور المحفل قرع العصا عند الخطابة دأبهم لا يتركون الخطب حتى ينجلي أدخل ابن أنيس رأسه في الجنة لما أدخل رأس خالد الهذلي النار، رأس برأس والجروح قصاص. أم سليم أنصارية، لا تملك ذهباً ولا فضة، أرادت أن تهدي لمعلم البشرية هدية، فما وجدت أغلى من ابنها أنس، فدفعته خادماً للإمام، فقال لسان الحال: يا بشرى هذا غلام، فكان ثواب الهدية: {اللهم أطل عمره، وكثِّر ماله وولده، واغفر ذنبه} فسعد الخادم بخدمة المخدوم سعادة لا شقاء بعدها. أم سليم مهرها من أبي طلحة؛ لا إله إلا الله، فأخجلت بمهرها كل فتاة تغالي في المهر، يقول عليه الصلاة والسلام: {دخلت الجنة البارحة، فرأيت الرميصاء في الجنة} والرميصاء أم سليم لأن مهرها أدخلها من الباب، فأذن لها الحجاب، عرفت المفتاح فسكنت الدار: لك الله من مخطوبة عز مهرها تعالت بثوب المجد عن كل خاطب أبوها من الأعياص زينب أمها وزينب بنت الفضل لا كالزيانب

جابر والجمل

جابر والجمل جابر الأنصاري والجمل. جاء جابر بالجمل فاشتراه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما قبض جابر الثمن رد عليه الجمل، وقال له: خذ الثمن والجمل، بارك الله لك فيه، قال بعضهم: ليذكره بأن الله هدى أباه عبد الله بن عمرو ثم وفقه للشهادة ثم رد عليه روحه، ثم أدخله الجنة ثم كلمه: تلك المكارم لا قصور قضاعة الذل في جنبات تلك يصفق نار تضيء على الثنية في الدجى سرب الجموع على القرى يتدفق جابر بن عبد الله يقرأ المدح في أبيه كل صباح: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169] ما أجل الذبح! وما أحسن المدح! ما كان لأهل الصحوة ومن حولهم من المحبين أن يتخلفوا عن قافلة محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك بأنه لا يصيبهم ضمأ المشقة والبذل، ولا يطئون موطأً يغيض كل كافر ونذل، إلا كتب لهم في الصحائف كما وعُد بذلك في المصاحف. أراد المعتصم أن يغزو الروم، قال المنجمون: البرج في الذنب، فلا تخرج للغزو وقت الذنب والعقرب في البروج، قال: ما أعرف الذنب من العقرب، هذا الذنب ومد سيفه، وهذا العقرب ومد رمحه، وأفتاه أبو تمام بجواز الخروج، وقال له في الفتوى: والعلم في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب بهارج وأحاديث ملفقة ليست بنبع إذا عدت ولا غرب الأنصاري وقل هو الله أحد: صلى إمام الأنصار بهم، فكان يقرأ في كل ركعة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] مع سورة، فقيل له: إما أن تكتفي بها وإما أن تقرأ غيرها، قال: إما أن أصلي بكم وأقرأها وإما أن أعتزل الإمامة، فسأله المعصوم عليه الصلاة والسلام: {لماذا تقرأها في كل ركعة؟ قال: لأن فيها صفة الرحمن فأنا أحبها -فتوجه بتاج- حبك إياها أدخلك الجنة}: وداعٍ دعا إذ نحن بـ الخيف من منى فهيج أشواق الفؤاد وما يدري دعى باسم ليلى غيرها فكأنما أطار بليلى طائراً كان في صدري أولئك القوم يحبهم ويحبونه، فخلف من بعدهم خلف لا يحبهم ولا يحبونه، والعياذ بالله. ابن رواحة الأنصاري بايع الرسول عليه الصلاة والسلام في العقبة، وبعد العقد قال: {ربح البيع والله لا نقيل ولا نستقيل} وتفرقا من المجلس، وفي الصحيحين: {البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا فقد وجب البيع} فجاء ابن رواحة بالثمن فدفعه في مؤتة: فما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمر موقف: هل سألت الشمس عنا والقمر يوم حررنا من الرق البشر ولوينا رأس كسرى في الوغى ونصبنا العدل في دار عمر

حال الأمة في العصر الحاضر

حال الأمة في العصر الحاضر أصبحت الأمة مثل قبيلة باهلة، كلما فاخرتها العرب قالت: منا قتيبة بن مسلم لكن مات يرحمه الله، كلما قالت لنا الأمم: انظروا لإبداعنا واختراعنا وإنتاجنا ونتاجنا، قلنا: منا عمر وصلاح الدين والمثنى، فإلى متى هذا الخداع؟ {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134] إذا فخرت بأقوام لهم شرف نعم صدقت ولكن بئسما ولدوا أهل السنة ذهب أحمر لا تزيده النار إلا لمعاناً، وأهل البدعة خبث الحديد، يحترق الخبث ويذوب الحديد: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]. أحمد بن حنبل شيعه مليون، وأحمدهم ابن أبي دؤاد شيعه ثلاثة لكن بالأجرة. ذرفت إحدى عيني سعيد بن المسيب رحمه الله من البكاء في السحر، وبقي على عين واحدة، يحضر بها صلاة العتمة، والمرثية تقول: بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا فليست عشيات اللوى برواجع عليك ولكن خل عينيك تدمعا {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [المائدة:83] سعيد بن المسيب سجل للمكرمات، وديوان للصالحات، خمسون سنة ما فاتته تكبيرة الإحرام، دائماً في الصف الأول، لأن الرباني يأنف من الصف الثاني. الوليد بن عبد الملك وسعيد بن المسيب: خطب الوليد ابنة سعيد، قال: لا أزوج البليد، فجلدوه مائة بالجريد، كان يجلد في حر المدينة وقتادة بن دعامة السدوسي يستمري الحديد في القرطاس والضرب على الرأس، لماذا لم يزوج سعيد الوليد وهو ولي العهد، لأن العقد لم يتم لمن ينقض العهد: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. ابن هبيرة الحنبلي: عطس ابن هبيرة فشمته أهل بغداد كلهم؛ لأنه سني، وأهل السنة يرون مشروعية تشميت العاطس، فانظروا ما أعظم الحب والقبول. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96]. ابن هبيرة وزير، ولكن لا يعرف الطبلة ولا الزير، استسقى في منى للحجاج فنزل المطر كالأمواج، كنيته أبو المظفر، يقول فيه الخليفة المستنجد: ولم نرَ من ينوي لك السوء يا أبا المظفر إلا كنت أنت المظفر وزهدك والدنيا إليك فقيرة وجودك والمعروف في الناس ينكر سهل بن عبد الله التستري: دخل سهل بن عبد الله التستري على أبي داود صاحب السنن، فسألة بالله أن يلبي مسألته، قال: ما هي مسألتك؟ قال: أن تخرج لي لسانك لأقبلها لأنها روت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ففعل، اللسان السني وصاحبه إمام سنة: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79]: ألم تر أن الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا محدثان سنيان: حماد بن سلمة بن دينار وحماد بن زيد بن درهم والدينار عشرة دراهم، وفارق الصرف يخبر بأحسن الرجلين، فهل فهمت الحساب؟ والدراهم كلها سنية، أما درهم المبتدعة فلا يساوي فلساً. كثرت مجالس اللغو، هذا يتحدث عن دنياه، وهذا عن ديناره، وذاك عن داره، وذاك عن قصره، عندها قال معاذ رضي الله عنه لأخيه: [[اجلس بنا نؤمن ساعة]] وهذه الساعة لله وفي الله عز وجل، حديث في أسمائه وصفاته وآياته وأفعاله: يطيب حديثنا فيكم ويحلو ويغلو عند ذكركم الكلام وأما غيركم فالقلب يأبى حرام مدح غيركم حرام {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] فكيف يطمئن قلب من أصعب الأشياء عليه أن تحدثه عن الله عز وجل؟: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:45].

من مظاهر الإسلام في الخلافة الراشدة

من مظاهر الإسلام في الخلافة الراشدة أرسل عمر أميراً على بيسان ليقيم هناك السنة والقرآن، فسمر الأمير وغنى في الليل: إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم فدعاه عمر، وقال: [[والله لقد ساءني]] فاستدعاه عمر بعد الخبر، وغضب وبسر؛ لأن الخلافة الراشدة لا تتحمل تبعات الأبيات، واستدعى الوالي فعزله؛ لأن الأمة كانت تعزل والقرآن ينزل، فمات عمر ليبقى صدام في الخلافة خمسين عاماً كلها ذبح للشيوخ والأيتام، وعليكم السلام. ابن الراوندي يهودي لعله نزعه عرق، ألف كتاب الدامغ يدمغ به القرآن، دمغ الله رأسه في النار، ترجم له ابن خلكان فملس عليه وتسامح معه، كأن الكلب لم يأكل له عجيناً، فأين الغضب للدين والملة؟ ولماذا هذا الإنهزام والذلة؟! والذهبي من ذهب السنة معدنه، لما ترجم لـ ابن الراوندي قال: هو الكلب المعثر، لأن الذهبي يكتب بقلم الولاء والبراء، وابن خلكان يسجل بقلم العجائز كان يا ماكان. أهل السنة ينقدون الرجال، فليس عندهم للتدريس مجال: أنت يا أستاذ موفور الأدب لا تزك كل من هب ودب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء:135]. أيها الإخوة: تمت الحلقة الأولى من محاضرة: مصارع العشاق، والحلقة الثانية -إن شاء الله- في الأسبوع المقبل، وسوف تعاد هذه الحلقة -إن شاء الله- في مدينة عنيزة بـ القصيم مساء الإثنين، فأسأل الله العظيم لي ولكم التوفيق والهداية. اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. أشكركم على الحضور، ولي تحية لمن حضر من المصطافين، وأخص الشباب من الإمارات العربية المتحدة، وأرحب بإخوتي الطلاب الذين هم في أيام الامتحان ومع ذلك آثروا الحضور، وسامحوا بأوقاتهم، وطلبوا مرضاة الله عز وجل، واحتسبوا الأجر، وسعد بهم هذا الجامع، وارتفعت أنفاسهم إلى الذي يصعد إليه الكلم الطيب، وحفتهم الملائكة، وتنزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده، أسأل الله أن ينجحهم في الامتحان، وأن يثبتنا وإياهم في الدنيا والآخرة، وأن يتولانا في الدارين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وإلى مصارع العشاق في الأسبوع القادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأسد في براثنه

الأسد في براثنه للإسلام رجال بذكرهم توقظ الهمم وتحيا القلوب، وفي قصصهم عبرة، وفي هذا الدرس قصة لأسد من أسود الإسلام، وزاهد من زهاده، ورجل من كبار رجاله، ألا وهو سعد بن أبي وقاص.

من هو الأسد في براثنه

من هو الأسد في براثنه إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها المسلمون: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، في هذا الأسبوع الأخير من شهر محرم مساء يوم السبت لعام 1413هـ أحييكم بتحية الإسلام الخالدة، وعنوان هذا الدرس: "الأسد في براثنه".

عرض عام لأهم مواقف الأسد (سعد بن أبي وقاص)

عرض عام لأهم مواقف الأسد (سعد بن أبي وقاص) من هو الأسد في براثنه؟ ومن هو الذي استحق هذا اللقب حتى أصبح يعرف به، فإذا أطلق الأسد في براثنه انصب اللقب عليه، فأصبح تاجاً على رأسه؟ إنه الرجل الذي أثبت للتاريخ أن قوة الإيمان أعظم من صولة الطغيان، وأن تكبيرات المؤمنين أدهى من مدافع الملحدين. إنه الرجل الذي افتتح خطبته في القادسية أمام الجيش بقوله: [[بسم الله الرحمن الرحيم {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105]]] إنه الرجل الذي قال لجيشه: [[اعبروا النهر بإذن الله]] فلما أرادوا أن يعبروا النهر تلكئوا، ووقفوا قال: [[يا خيل الله اركبي]] فركب النهر فجمد النهر حتى أصبح يابساً كالتراب. إنه الذي دخل إيوان كسرى يهتف منتصراً: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} [الدخان:25 - 28]. إنه الرجل الذي أطفأ نار المجوس التي كانت تعبد من دون الله، وحول العراق إلى أمة تعبد الله وحده، وتقول: لا إله إلا الله وتتجه إلى الله فالنار خامدة الأنفاس من أسف والنور يهتف في الأسواق من طرب يا هازم الفرس هذا يومك انبلجت أنواره بصليل الهول والقضب من هو؟ إنه الرجل الذي رآه عليه الصلاة السلام بين الناس، فقال: {هذا خالي فليرني كلٌّ خاله} والمعنى: من كان عنده خال كهذا الخال فليخرجه لنا، وهو تحدٍ معناه: من كان عنده من الخئولة كهذا الرجل فليرنا خاله، هذا الرجل هو أول من رمى بسهم في سبيل الله على أعداء الله، فمن هو هذا الرجل؟ هذا الرجل هو الذي كان الرسول عليه الصلاة السلام يحمل له الأسهم في أحد ويقول حين يسلم له السهم ليرمي: {ارم سعد؛ فداك أبي وأمي}.

الأسد هو سعد بن أبي وقاص

الأسد هو سعد بن أبي وقاص إذن هو أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص، أحد العشرة، أحد الذين رشحوا للخلافة، فترك الخلافة والملك وخرج بضأنه إلى الصحراء يرعاها، ويقول: إني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يحب العبد الغني التقي الخفي}. السلام على سعد بن أبي وقاص، سلام الله عليه يوم أسلم، وسلام الله عليه يوم يموت، وسلام الله عليه يوم يبعث حياً، اللهم اجمعنا بـ سعد بن أبي وقاص في جنات النعيم، واجعلنا ممن يتبع نهجه.

آثاره وقصصه وما يستفاد منها

آثاره وقصصه وما يستفاد منها أيها الإخوة الفضلاء: أحاديثه عطرة، وسيرته مجيدة، وسوف تكون هذه المحاضرة على شقين: الشق الأول: ما ورد فيه من آثار وقصص، وسوف أسردها سرداً مع بعض التعليق، وأعتني بتخريج أحاديثها إن شاء الله، وبعزوها إلى مصادرها في كتب الأحاديث والسير والتراجم. الشق الثاني: ماذا نستفيد من القصص العجيبة لهذا الرجل، الذي هو من رجال الأمة الخالدة المجيدة، وتلميذ من تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم، وبطل من الأبطال، فتح العراق ودكدك فارس، وقاد المؤمنين في معركة من أعظم معارك الإسلام، قادهم في القادسية، إنها قادسية (لا إله إلا الله) وليست قادسية الرافضة والبعث؛ حاشا وكلا!! لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتم

مقتطفات من سيرة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

مقتطفات من سيرة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه روى الإمام أحمد والحاكم وابن جرير والبزار وابن مردويه أن سعداً رضي الله عنه مر على عثمان بن عفان فسلم عليه، فلم يرد عليه عثمان السلام، وهذه في خلافة عمر، فذهب سعد إلى عمر وكانوا يعيشون على الصراحة وعدم المجاملة والنفاق، وعلى البعد عن المراءاة، والتزكية والتلميع والتطبيل والدجل. ذهب إلى عمر وهو أمير المؤمنين فاشتكاه وقال: يا أمير المؤمنين! سلمت على عثمان فلم يرد السلام، فاستدعاه عمر، وقال: سلم عليك أخوك فما رددت عليه السلام؟ قال: والله ما رأيته ولا سمعته، قال: يا سعد! ما هذا؟ قال: والله لقد سلمت عليه ومررت به فما رد عليَّ السلام. فقال: ما هذا يا عثمان؟ قال: يا أمير المؤمنين! أنا واله، غشي بصري وقلبي أمرٌ الله أعلم به، حتى إني أذهل كثيراً فلا أعلم من يسلم علي ومن يمر بي، قال: وماذا أذهلك؟ قال: كلمة سمعتها من الرسول صلى الله عليه وسلم ما حفظتها، من قالها أدخله الله الجنة وأنجاه من النار. قال عمر: ما هذه الكلمة؟ قال سعد رضي الله عنه: أنا يا أمير المؤمنين! أعرف هذه الكلمة، قال: ما هي؟ قال: {بينما الرسول صلى الله عليه وسلم ذاهب إلى بيته وإذا أعرابي وراءه يسعى يقول: يا رسول الله! أخبرني بكلمة تدخلني الجنة وتباعدني عن النار، قال: هي دعوة أخي ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فهذا موقف، وهو علم تلقاه عثمان من سعد رضي الله عنهم وعاد الصفاء.

أول من رمى سهما في سبيل الله

أول من رمى سهماً في سبيل الله قال علي بن أبي طالب: [[ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحداً من الناس بأبويه إلا سعد بن أبي وقاص]] لم يقل عليه الصلاة والسلام لأحد من الناس (فداك أبي وأمي) لا لـ أبي بكر ولا لـ عمر ولا لـ عثمان ولا لـ علي إنما قالها لـ سعد، وتصوروا أن يأتي عليه الصلاة والسلام وهو أشرف البشرية ويقول: (فداك أبي وأمي) إنها هبة كبرى، إنها قضية جليلة، إنه عطاء لا يماثله عطاء، روى هذا الحديث البخاري والترمذي وأحمد ومسلم وابن ماجة. وعند المسعودي في التاريخ قال: أول من رمى بسهم في سبيل الله سعد بن أبي وقاص، ولله دره كان رامياً حاذقاً، ترتيبه الأول في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في الرمي، كان صلى الله عليه وسلم يقول لـ سعد: {اللهم أجب دعوته وسدد رميته} فكان إذا دعا أتت الإجابة من السماء كفلق الصبح، وكان إذا رمى لا تخطئ رميته، حتى يقول بعض الناس: إني لأظن سعداً لو رمى في المشرق يريد المغرب لأوقعها الله في المغرب، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ولكم أن تعودوا إليه: من العجائب أن سعداً رمى بسهم ثلاث مرات يقتل بكل سهم ويعود السهم إليه ويرمي به. أي: كان يأخذ سهماً فيرمي به في المشركين فيقتل رجلاً، فيأخذ المشركون السهم فيعيدونه لـ سعد فيرمي به فيقتل به مرة ثانية، فيعيدون له السهم فيقتل ثالثة. كان الرسول صلى الله عليه وسلم في معمعة المعركة والسيوف تندر بالرءوس، والرماح تعبث في الأكتاف، والرسول صلى الله عليه وسلم يضحك حتى بدت نواجذه، لماذا يضحك؟ كان رجل من المشركين يرمي المسلمين ويترس على وجهه لئلا يأتيه رمي، فأخذ سعد سهماً فكشف الرجل عن جبهته فرماه سعد فوقعت الرمية في جبهته فقتله، قال صلى الله عليه وسلم: {فداك أبي وأمي}. هو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وسوف تأتي أبياته وهو يتمدح بهذا التوفيق من الله عز وجل على أن سدد سهامه في سبيله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، بل قال أهل التاريخ: ما أخطأ سعد بسهم. أي سهم يطلقه لا يقع إلا بلحم لكافر بإذن الله.

النبي يفتخر بخاله سعد

النبي يفتخر بخاله سعد وعند الحاكم والترمذي وحسنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {هذا خالي فليرني كل خاله} وسعد زهري وآمنة أم الرسول صلى الله عليه وسلم زهرية، فهي بنت وهب، وهي بنت عم أبي وقاص أبو سعد رضي الله عنه، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {هذا خالي} هذا الزهري هو من خئولتي ولكن ليس لكم أخوال كخالي، أما أنا فشرفت عليكم بأن خالي سعد، ولذلك يقول له عمر بن الخطاب وهو يذهب إلى القادسية بجيش قوامه ثلاثون ألفاً يعبدون الله يقول: [[يا سعد بن مالك! لا يغرنك أنك خال الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب]] يقول: لا تغتر، فالله يوم القيامة لا يعفو عنك إذا أخطأت بغير اجتهاد، ولا يقال لك يوم العرض الأكبر: إنك خال الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه الخؤولة تصلح في الدنيا أما في الآخرة فما يصلح إلا العمل الصالح. كان عليه الصلاة والسلام يؤكد على هذا الجانب، فيقول: {يابني هاشم! لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم يوم القيامة، من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه} أين الأسر والأنساب؟ أين القبيلة التي يدعيها بعض الناس؟ لا. هي تصلح في الدنيا فلقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم شرف ورفعة: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23]. وذكر مسلم في الصحيح والطبراني في المعجم قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ارم سعد، فداك أبي وأمي} قال فنزعت سهماً ليس فيه نصل، والسهم لا يصيب إلا بنصل، وإلا فهو كالرصاصة التي ليس فيها بارود، لكن أراد الله أن يسدد رميته كما قال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] قال: فأصبته وانكشفت عورته فضحك عليه الصلاة والسلام. يقول أهل العلم لا يدرى هل ضحك صلى الله عليه وسلم لأن السهم ليس فيه نصل فأصاب، أو لأن الرجل هذا وقع على ظهره فشفى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بقتله صدور المسلمين. يقول سعد كما عند ابن هشام في السيرة والحاكم في الإصابة وعند ابن سعد في الطبقات: ألا هل أتى رسول الله أني حميت صحابتي بصدور نبلي فما يعتد رامِ من معدٍ برميٍ يا رسول الله قبلي أي: معد، وهي من قبائل العرب ليس فيها أرمى مني يا رسول الله! إذا وجدت في العرب من هو أرمى مني فأخبرني به، قال هذه القصيدة حين أرسله صلى الله عليه وسلم إلى رابغ وأرسل معه جيشاً، فلما وصلوا إلى هناك تبددت بهم الشمس والجوع والظمأ، فعاد الجيش إلى المدينة، قال صلى الله عليه وسلم: من أذن لكم ومن أميركم؟ قالوا: سعد بن أبي وقاص، قال: أذن لكم بالرجوع؟ قالوا: لا. قال: عودوا إليه، فعادوا إليه، فهجم عليهم جيش من جهينة فخرج سعد رضي الله عنه في الصحراء ومعه جعبة مليئة بالأسهم فأخذ يقتل جيش أولئك ثم قال: ألا هل قد أتى رسول الله أني حميت صحابتي بصدور نبلي فما يعتد رامٍ من معدٍ برميٍ يا رسول الله قبلي وعاد رضي الله عنه. وعند البخاري ومسلم والترمذي والحاكم، كان الرسول صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان قريباً من خيبر، وقال بعض أهل العلم: كان بـ المدينة قبل أن تنزل {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] وكان عليه الصلاة والسلام يريد حراسة؛ لأن الحاقدين عليه كثير، والذين يطمعون في دمه صلى الله عليه وسلم أكثر، قال: {ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني هذه الليلة، قالت عائشة: فما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه إلا وقرقرة السلاح عند الباب، قال صلى الله عليه وسلم: من؟ قال: سعد بن أبي وقاص، قال: بارك الله فيك، فحرسه حتى الفجر} فأنزل الله بعد الفجر {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] بلِّغ الرسالة وأدِّ الأمانة ولن تقتل، بلغ الرسالة وأوضح المنهج واشرح الكتاب ودرس الطلاب وأخرج التلاميذ ولك علينا عهد وميثاق ألا يصل إليك أحد، ولن تغتال ولا يقتلك أحد فلا تمش في حراسة نصرت بالرعب شهراً قبل موقعةٍ كأن خصمك قبل القتل في حلمِ إذا رأوا طَفَلاً في الجو أذهلهم ظنوك بين بنود الجيش والحشم وإن أتوك ضيوفاً يطلبون قرى رأوك بحراً يعم البيد بالديم أنسيتهم حاتم الطائي ومحتده وحدثوا كلهم بالبخل عن هرم بلِّغ الرسالة ولا تخش أحداً، تعرض عليه الصلاة والسلام لإحدى عشرة محاولة اغتيال باءت بالفشل، والسبب: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] يصل إليه الحاقد بالسيف فيلمع بارق من السماء فيقع سيف الحاقد في الأرض، يأتي أبو جهل بصخرة، فإذا هو يخيل إليه أن بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم جملاً يريد أن يهيج عليه، فيلقي الصخرة ويفر. يقول صلى الله عليه وسلم: {اللهم اكفني فلاناً بما شئت} فتنزل عليه صاعقة تحرقه وتحرق جمله، يأتي ابن أبي لهب فيقول: {اللهم سلط عليه كلباً من كلابك} فيأكله الأسد، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67].

سعد يعتزل الفتنة

سعد يعتزل الفتنة اختصم بعض الصحابة على بعض الأمور التي لا يسلم منها المسلمون، فخرج سعد إلى الصحراء في مسألة علي ومعاوية رضي الله عنهما، فلحقه ابنه عمر بن سعد بن أبي وقاص، هذا ابنه عمر شارك في قتل الحسين بن علي، الله المستعان! لحق أباه فلما رآه سعد أقبل على جملٍ قال: [[اللهم إني أعوذ بك من شر هذا الراكب]] فأتاه في الصحراء، وسعد في الصحراء يرعى غنمه، هذا الرجل الذي فتح القادسية، ودمر إمبراطورية كسرى دولة فارس فحطمها في الأرض، هذا الرجل الذي هو مهيأ للخلافة صراحة، وقال: [[والذي نفسي بيده، إني أولى بالخلافة مني بهذه الجبة]] وصدق، فيأتي ابنه ويقف أمامه ويقول: [[يا أبتاه! ترعى الضأن والناس يختصمون على الملك؟ قال: اغرب عني، فإني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يحب العبد الغني الخفي التقي}]] وهذا الحديث رواه مسلم وأحمد. قام رجل في المسجد في الكوفة يسب علي بن أبي طالب وعلي قد مات، رجل من المهرجين الدجاجلة الذين يلغون في أعراض الصالحين فقل للعيون الرمد للشمس أعين تراها بحق في مغيب ومطلعِ وسامح عيوناً أطفأ الله نورها بأبصارها لا تستفيق ولا تعي قام رجل يسب علي بن أبي طالب - علي (والذي لا إله إلا هو) أننا نفتخر أن نذكره في المجالس، علي بن أبي طالب الذي هو تاج على رءوس الأمة- فقال سعد وهو في المسجد: لا تسب أخي. قال: والله لأسبنه. فقام سعد في طرف المسجد وصلى ركعتين وقال: اللهم اكفنيه بما شئت. فأرسل الله جملاً من الكوفة -أمام الناس- فأتى الجمل فاعترض الرجل عند بلاط المسجد، فضرب الرجل برجله فأسقطه على الأرض، وإذا نخاعه على البلاط ميتاً]] أليست هذه إجابة للدعوة؟ رواه أحمد وابن ماجة وأبو داود وأبو نعيم في الحلية وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء.

من البشارات لسعد

من البشارات لسعد

البشارة بالشهادة

البشارة بالشهادة خرج عليه الصلاة والسلام إلى جبل أحد، الجبل الذي يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحبه الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يقول صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: {أحد جبل يحبنا ونحبه، وهو من جبال الجنة، وعير وثور من جبال النار} ففي الجبال جبال تحب المؤمنين ويحبها المؤمنون، ومن الجبال جبال تكره المؤمنين ويكرهها المؤمنون، وهذا في الشجر وفي الحيوانات والعجماوات فضلاً عن الناس. صعد صلى الله عليه وسلم على جبل أحد، فاهتز الجبل بإذن الواحد الأحد، وروى هذا أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم والطبراني في المعجم الكبير، فاهتز الجبل من أوله إلى آخره، قال صلى الله عليه وسلم: {اثبت أحد، فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد} وكان سعد بن أبي وقاص معه مع بعض الصحابة، يقول: لماذا تهتز فإن فوقك نبي أو صديق أو شهيد؟ فكان النبي هو محمد صلى الله عليه وسلم، والصديق أبو بكر والشهيد عمر وعثمان وعلي وسعد، ولذلك غالب الصحابة مات شهيداً مذبوحاً في سبيل الله، وما مات منهم حتف أنفه إلا القليل؛ لأنهم يأنفون أن يموت الواحد منهم هكذا، حرمت عليهم الميتة. يقول سعد عند أحمد والبخاري ومسلم: {رأيت رجلين عن يمين الرسول صلى الله عليه وسلم وعن يساره يوم أحد عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد قتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد} رجلان عليهما ثياب بيض وعمائم بيض من الملائكة نزلا يقاتلان عن يمين الرسول صلى الله عليه وسلم وعن يساره، قال أهل العلم: في هذا كرامة لـ سعد رضي الله عنه، فإن الذي يرى الملائكة أو تصافحه، أو تسلم عليه، أو يسمع كلام الملائكة يكون هذا دليل على صدق إيمانه، وقل لي بربك إذا لم يكن سعد بن أبي وقاص صادق الإيمان فمن من الناس يكون صادق الإيمان؟ من من البشر يرقى إلى هذه المنزلة العظيمة؟

البشارة لسعد بالجنة

البشارة لسعد بالجنة وعند الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي أن الرسول عليه الصلاة السلام كان مع الصحابة في المسجد وهم جلوس، قال: {يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة فدخل سعد بن أبي وقاص} وكثير من شراح الحديث يقولون: هو المقصود بالحديث المشهور أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يدخل عليكم رجل من هذا الباب} فدخل سعد في الثلاثة الأيام، فذهب بعض الصحابة إليه فرأى صلاته كصلاة الناس، وصيامه كصيام الناس، وذكره كذكر الناس، فسأله فقال: [[ما بت ليلة من الليالي وفي قلبي حسد على أحد أو حقد على أحد]] كان سليم الصدر لا يحقد على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يحمل غشاً لهذه الأمة، إنما هو ناصح محب يريد الله والدار الآخرة.

ما نزل في سعد من الآيات

ما نزل في سعد من الآيات قال سعد رضي الله عنه: [[نزل فيَّ وفي ابن مسعود وفي ستة معنا قول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام:52]]] روى هذا الحديث مسلم وابن ماجة وأحمد والنسائي وابن جرير وابن حبان والحاكم والبيهقي وابن المنذر وابن مردويه، وهؤلاء الثمانية أو السبعة كانوا فقراء مساكين منهم سعد {فأتى المشركون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: لا نجلس معك حتى تطرد هؤلاء الفقراء والضعفاء من مجلسك، وتهيئ لنا مجلساً آخر، فَهَمَّ عليه الصلاة والسلام أن يطردهم، فأنزل الله: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام:52]}. وفي هذا درس: أن الفقراء وأهل المسكنة والحفاة العراة من البشر هم أهل النصر والتوفيق، والواجب على المسلم أن يزورهم، وأن يحبهم، وأن يأنس بهم، وأن يطلب الدعاء منهم، قال عليه الصلاة والسلام كما في السنن بسند صحيح: {ابغوني ضعفاءكم فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم} فعلى المسلم ألا يزدري كبار السن ولا الفقراء ولا المساكين ولا الذين ينامون في الصحاري، ولا الذين يلتحفون السماء، ولا الذين يجوعون ويبكون ويعرون ويضمئون، عليه أن يعتني بهم كثيراً فإن دعاءهم أرجى عند الله من دعاء الأغنياء والمترفين والمصدرين والوجهاء، فإنهم أهل الله وخاصته، وأقرب الناس إليه. هذا درس عظيم من دروس أهل السنة قال الله عز وجل: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] لا تطع هؤلاء الذين لا يحضرون الدروس ولا يعتنون بالكتاب والسنة، ولا يحبون رسالتك وأولياءك، ولا يستمعون لدعاتك وعلمائك، ولا تلتفت إليهم، ولا تعرهم سمعاً ولا تنصت لهم، هؤلاء أمرهم في تبار، وسعيهم في نكال، وأمرهم إلى بوار، وهؤلاء أمرهم مدبر، هؤلاء مهما فعلوا ومهما صنعوا ومهما دبجوا فهم منتهون تماماً، هذا درس من الدروس نعيشه مع الأسد في براثنه. [[قال أبو إسحاق سعد رضي الله عنه -وهو الأسد في براثنه- نزلت فيَّ هذه الآية: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان:15]]] رواه مسلم وأحمد والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، ما هو السبب في الآية؟ كانت أم سعد مشركة، وأسلم ابنها كما يهتدي الابن وتضل أمه أو أبوه، فقالت: ما هذا الدين الذي اعتنقته؟ قال: دين الحق يأمرني بالصلاة والصدق والشكر والعفاف والطهر. فأقسمت وحلفت لا تأكل الطعام حتى يعود عن دينه، فأضربت عن الطعام -والإضراب عن الطعام قديم بقدم أم سعد - فتركها فأمست ليلة لم تتعش ولا أفطرت ولا تغدت ومرت بها ليلة أخرى حتى أصبحت ترى الواحد اثنين والثلاثة أربعة، وظنت أنها بهذا الإضراب تضغط على إنسان أصبح يحمل هموم الدنيا، وأصبح منتظَراً منه أن يفتح دولة في شمال الجزيرة العربية، ويدهده رءوس المشركين في القادسية، أي: تهدده بالإضراب عن الطعام، أو بمنع النفقة كما قالوا: {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون:7] الضغط بالتشويه المتعمد الحقير، الضغط بمحاصرة الفكر والرأي، وقفت منه هذا الموقف، وجلس أمامها وهو شاب في التاسعة عشرة من عمره، وقال: [[يا أماه! والذي لا إله إلا هو لو أن لك مائة نفس -هكذا في صحيح مسلم - فخرجت واحدة بعد واحدة ما عدت عن ديني أو تموتين]] فالمسألة ليست جبر خواطر ومجاملة، أدخل في الإسلام وأعود في الشرك بعد أن طهرني الله ورفع رأسي وأكرمني، والله لو كان عندك مائة نفس، تتقافز الأنفس أمامي كالشرر أو كحباب الماء ما عدت؛ فكلي أو اتركي، فأكلت؛ لأن المسألة جد فأنزل الله {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان:15] ولكن {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] جزى الله سعداً خير الجزاء، وهذا درس إلى الذين يعيشون العناء مع والديهم أو إخوانهم الكبار أو أسرهم أو قبائلهم، فيعيشون معاناة لأنهم اهتدوا، ويوصمون بالتزمت والتطرف والأصولية وعدم الوعي والمشاغبة، هذا درس لهم. ليعش ديني ومعبودي لي فكلي إن شئت أو لا تأكلي

مرضه في مكة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالشفاء وحديث الوصية

مرضه في مكة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالشفاء وحديث الوصية يقول سعد أبو إسحاق -الأسد في براثنه-: اشتكيت في مكة فزارني عليه الصلاة والسلام -وشرف له أن يتحدث بها في مذكراته وهو في آخر عمره، وهذه المذكرات يسجلها للناس، بعد أن فتح وبعد أن جاهد وضحى، وأصبح في آخر عمره، ومات الرسول صلى الله عليه وسلم وأصبح يقص على الناس قصصه- قال: {زارني صلى الله عليه وسلم حين مرضت في مكة، فلما أتاني وضع يده على صدري، فوالذي لا إله إلا هو إنه ليخيل إلي الآن أني أجد برد يده على كبدي} -وذلك بعد أربعين سنة- يقول: والذي لا إله إلا هو إنه ليخيل إلي الآن أنني أجد برد يده على كبدي. ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هند عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا الحديث رواه البخاري وأحمد ومسلم والنسائي، قال له صلى الله عليه وسلم: {اللهم اشف سعداً} فشفاه الله. وفي الزيارة تلك أو غيرها أسف سعد وقال: يا رسول الله! إني صاحب مال ولا يرثني إلا ابنة، فماذا أفعل بمالي؟ وكان في مكة بعد أن هاجر إلى المدينة، فعاد إلى مكة حاجاً أو فاتحاً فمرض، قال: {يا رسول الله! أتصدق بكل مالي؟ قال: لا. قال: فالشطر؟ قال: لا. قال: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير} قال ابن عباس: [[وددت أن الناس في الوصية خفضوا من الثلث إلى الربع؛ لأن الرسول عليه الصلاة السلام قال: الثلث كثير]] ثم قال عليه الصلاة والسلام: {إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس} لا تذهب المال، لا تنثره نثراً، لا تفرقه في الناس ويبقى أبناؤك وبناتك بعدك فقراء يقفون على بيوت الأغنياء، كن عزيزاً واجعلهم أغنياء، اجمع المال من الحلال، أما التصوف الهندوسي الذي أدخلوه علينا فلا نعترف به، هذا ليس من كيس محمد صلى الله عليه وسلم، بل جاء من مزدك، وجاء من طاغور وليس من محمد صلى الله عليه وسلم، عندنا في الإسلام اجمع المال حلالاً واترك ورثتك أغنياء شرفاء رفعاء لا يمدون أيديهم للأغنياء، هذه مسألة. وفي الحديث: {قال سعد: يا رسول الله! أخلف بعد أصحابي؟ -أي: يقول: أموت في مكة وأنا هاجرت إلى المدينة؟ - قال: لا. لعله أن يطول بك عمر فينتفع بك قوم ويضرُّ بك آخرون، اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم؛ لكن بئس سعد بن خولة} يرثى له صلى الله عليه وسلم إن مات في مكة، حديث متفق عليه. والمعنى: لن تموت في مرضك هذا، بل سوف يطول بك عمر -إن شاء الله- وينتفع بك قوم، قال أهل العلم: والله لقد انتفع به الملايين، فنحن الآن منتفعون بـ سعد، فإنه فتح لنا جبهة في الشمال ودمر دولة عاتية كادت تأخذ الجزيرة العربية ضحى، وسحق جماجم الطغاة والبغاة، ونشر العلم هناك رضي الله عنه قال: {ويضرُّ بك آخرون} والله قد تضررت به فارس وتضرر به الدجاجلة عباد النار حين أوقعهم في النهر بالعشرات، ثم سحقهم سحقاً، فهذا من التضرر.

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بإجابة دعوة سعد

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بإجابة دعوة سعد روى الحاكم في المستدرك والترمذي وابن حبان والبزار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {اللهم استجب لـ سعد إذا دعاك} فكان إذا دعا استجاب دعاءه، حتى أعداؤه كانوا يخافون منه إذا رفع يديه، ويقولون: اتق الله فينا ولا تدع علينا، وسوف يأتي معنا سبب هذا الدعاء وإجابة الدعاء، وأن السبب العظيم فيه طيب المطعم، وفي بعض الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: {يا سعد! أطب مطعمك تستجب دعوتك} فكان دخل سعد ومطعمه وملبسه ومشربه حلالاً، فاستجاب الله دعاءه. روى ابن سعد في الطبقات والحاكم في المستدرك وصححه قال سعد رضي الله عنه: حضرت أنا وعبد الله بن جحش في أحد -وهو أول من أطلق عليه اسم أمير، حيث أرسله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة ليقاتل تجاه ساحل البحر الأحمر وقال: {والذي نفسي بيده لأرسلن معكم رجلاً صبوراً على الجوع والعطش} فأرسل عبد الله بن جحش وسماه أميراً- قال: [[حضرت أنا وعبد الله بن جحش فقال لي عبد الله: تعال ندعو الله يا سعد قبل المعركة، قال: فأما أنا فقلت: اللهم إني أسألك هذا اليوم أن تلاقي بيني وبين عدو لك كافر شديد حرده، قويٌ بأسه فأقتله وآخذ سلبه، قال: فقام عبد الله بن جحش بعدي وقال: اللهم إني أسألك هذا اليوم أن تلاقي بيني وبين عدو لك شديد حرده، قوي بأسه، فيقتلني، فيبقر بطني، ويجدع أنفي، ويفقأ عيني، ويقطع أذني، فإذا أتيتك يوم القيامة قلت لي: يا عبد الله! لماذا صنع فيك هذا؟ فأقول: فيك يا رب، قال سعد: فوالله ما انتهينا من المعركة إلا وقد قتلت كافراً وأخذت سلبه، وأتيت وإذا عبد الله بن جحش قد قتل وبقر بطنه وجدع أنفه وفقئت عيناه ورأيت أذناه معلقة بخيط]] قال سعيد بن المسيب معلقاً: اللهم أتمم له ما سأل، أي: يوم القيامة.

سعد والمواقف الخارجية

سعد والمواقف الخارجية

سعد وأهل الكوفة

سعد وأهل الكوفة قال جابر بن سمرة: شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر فقالوا: لا يحسن أن يصلي، ما وجدوا أن يقولوا: أخذ أموالنا، وهو يسكن في بيت من الطين في غرفة على خصف النخل، أم يقولون: ضربنا وهو ما ضرب إلا في سبيل الله، أم يقولون: أخذ كرامتنا أو سفه أحلامنا، ما يجدون من ذلك شيئاً، فقال عمر: يا أبا إسحاق! لقد شكوك حتى في الصلاة، فهل تحسن تصلي؟ ويتبسم عمر ويعرف أن الذي يعلم الأمة هو سعد وأمثاله: قال سعد: سبحان الله! أصبحت بنو أسد تعيرني بالصلاة، والله الذي لا إله إلا هو لقد أدخلتهم في الإسلام بسيفي هذا -يقول: أنا الذي أدخلتهم في الإسلام، أنا الذي علمهم الصلاة- قال: ماذا تفعل في الصلاة؟ قال: أركد في الأوليين، وأحذف في الأخريين، قال عمر: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق]]. أنت عندنا العدل الثقة، والذي يتكلم فيك هو آثم دجال، وإنما يتكلم في الإسلام وفي الرسالة وفي المنهج الرباني، روى هذا البخاري ومسلم وأحمد والطيالسي وأبو داود والنسائي. شكوه فأراد عمر أن يتبين وأرسل محمد بن مسلمة يمر في المساجد والجوامع يصلي بالمسجد وسعد بجانبه ويقول: يا أهل المسجد! إنكم شكوتم سعد بن أبي وقاص فماذا تنقمون عليه؟ فكلهم يثني عليه، فقام شيخ في المسجد من بني عبس فقال: أما إنك إن سألتنا فإن سعداً لا يمشي في السرية -يقول: يتخلف عن الجيش، ويرسل أبناءنا وهو في بيته- ولا يحكم بالسوية -أي: لا يعدل- ولا يعدل في القضية فقام سعد يدعو -تخصصه الدعاء- فقال: [[اللهم إن كان كذب وقام رياء وسمعة فأطل عمره وفقره وعرّضه للفتن]] فأطال الله عمره حتى زاد على المائة، وأطال الله فقره حتى ما وجد حفنة من شعير يأكلها، وسقط حاجباه على عينيه فكان يتعرض للبنات في سكك الكوفة ويغمزهن ويقول: شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد. والحديث في البخاري وهذه علامة الصدق، فالكاذب كاذب يلبسه الله رداء الكذب، ويجعله مدحوراً بكذبه حتى يلقى الله، ولعذاب الآخرة أبقى وهم لا ينصرون.

سعد ومعركة القادسية

سعد ومعركة القادسية حضرت القادسية فاحتار عمر بن الخطاب فيمن يقود الجيش إلى القادسية، وهي معركة مشهورة ذكرت في التاريخ الفرنسي والتاريخ الألماني والإنجليزي، فارس أجمعوا أمرهم على أن يجتاحوا الجزيرة العربية ويدخلوا حتى المدينة، وسهر عمر ليالي كثيرة، يقول ابن حجر في الفتح: كان عمر يقول: [[وإني لأجهز الجيش وأنا في الصلاة]] حديث صحيح، ومعنى ذلك أنه إذا لم يجهز الجيش ويهتم بالأمر فإن الأمة سوف تذهب سدى، وسوف تذهب هباء منثوراً، بل ذكر ابن أبي شيبة في المصنف: أن عمر صلى بهم المغرب فقرأ بهم سراً لم يجهر في الركعتين ثم سلم، قالوا: [[يا أمير المؤمنين! سررت بنا قال: ما جهرت؟ قالوا: لا. قال: والذي نفسي بيده إني أجهز الجيش وأنا في الصلاة]] قال ابن حجر في الفتح: تعارض عند عمر واجبان، فأدخل واجباً في واجب فرفع الله درجته ومنزلته، أو كلام يشبه هذا. ثم يأتي آخر له عمارة يعمرها أو خلطة أو سيارة أو بقالة ويقول: والذي نفسي بيده إني لأبني العمارة وأنا في الصلاة، قلنا: قبح الله عمارتك، ولا أتم الله خلطتك، ولا أصلح سيارتك، تجهزها في الصلاة وتحتج بحديث عمر عمر يجهز جيشاً في الصلاة ليحمل رسالة ومنهجاً ربانياً، وأنت تحتج بهذا الحديث. عمر أصبح في حالة ذهول حتى صار مشدود الأعصاب؛ لأنه هو المسئول الأول عن هذه الأمة، فهو يخشى أن يدخل جيش فارس كم جيش فارس؟ مائة وثمانون ألفاً يريدون دخول الجزيرة العربية، ويواجههم ثلاثون ألفاً، فأتى يقول: أيها الناس! إن الفرس قد تهيئوا لدخول الجزيرة وإني أرى أن أكون قائد الجيش، يقول: أنا أخرج لهم هناك، فصوتوا بالأغلبية يريدون هذا الأمر، فخرج رضي الله عنه، ولبس لأمته وأخذ سيفه ورمحه، وخلف وراءه علي بن أبي طالب وهو الخليفة، يقول: أنا أقود الجيش بنفسي، فلحقه علي رضي الله عنه قد خرج بالضاحية، قال: يا أمير المؤمنين! لا تفعل، أنت درع المؤمنين، أنت فئة المؤمنين، أرى أن تبقى في المدينة، فإن نصر الله المسلمين كنت في مدينتك، وإن كانت الأخرى بقيت لنا، قال: صدقت، ثم قبل رأسه وقال: لا معضلة إلا أبو الحسن لها، يقول: أنت رجل المعضلات، أشيروا علي أيها الناس من هو القائد؟ فدخلوا في خيامهم يفكرون ويتأملون ويتدبرون، فأتى عبد الرحمن بن عوف يولول من خيمته -وهو زهري من قبيلة سعد - وقال: يا أمير المؤمنين! وجدته (الأسد في براثنه) قال: من؟ قال: سعد بن أبي وقاص، قال: صدقت، فأتى عمر فخلع درعه، وأعطى سعداً رمحه وسيفه ومال به عن الطريق ووقفا يتباكيان، هذا يبكي وذاك يبكي، كذا يقول أهل التاريخ، قال: [[لا يغرنك قول الناس: إنك خال الرسول صلى الله عليه وسلم]] ثم أوصاه بوصايا طويلة مجيدة تجدونها في البداية والنهاية وفي التاريخ. ولما وصل سعد إلى القادسية أصابه مرض، بعد أن قاد المعركة أياماً؛ لكن في الأيام الأخيرة أصابته قروح وجروح في بطنه رضي الله عنه، فكانت توضع له الوسائد، وكان يشرف من على حصن ويدير المعركة، فقال أحد الشعراء: ألم تر أن الله أنزل نصره وسعد بباب القادسية معصم فأبنا وقد آمت نساء كثيرة ونسوة سعد ليس فيهن أيم يقول: ألم تر أن الله أنزل علينا النصر ونحن نقاتل، وسعد في رأس الحصن ما قاتل معنا، وأن الله أيتم أطفالنا، أما أطفال سعد ما يتموا، فقام سعد وقال: [[اللهم كف عني لسانه ويده، فأرسل الله على هذا الشاعر سهماً فوقع في لسانه فقطعه، ثم ضرب برمح فقطعت يمينه]] رواه الطبراني وأهل التواريخ وهو في مجمع الزوائد في الجزء التاسع صفحة (154) لأن سعداً صادق مع الله، لكنه مريض معذور. [[قام علي في الكوفة حين اختلف الحكمان فقال: كنت نهيتكم عن هذه الفتنة، فقام رجل آدم (أي أسمر) فقال: والله ما نهيتنا، ولكنك لما أدخلتنا في الفتنة برأت نفسك وألحقتنا ذنبك وأنت الذي أوصلنا إليها، قال: مه! ويحك قاتلك الله، مالك ولهذا الكلام؟! والله لقد كانت الجماعة فكنتَ خاملاً، وكانت الفتنة فنجمت فيها نجوم قرن الماعز ثم قال: إلى الله أشكو عجري وبجري -العجر والبجر هي سرائر النفس ودخائلها وأسرارها- إلى الله أشكو عجري وبجري، لله منزل نزله عبد الله بن عمر وسعد بن مالك يعني: سعد بن أبي وقاص إن كان إثم فإنه لقليل، وإن كان أجر فإنه لكبير]] روى هذا الطبراني كما في مجمع الزوائد. والسبب أن سعداً اعتزل الفتنة رضي الله عنه؛ فلم يكن مع علي ولا مع معاوية، وذهب إلى الصحراء ولو أن الحق عند أهل السنة مع علي [[وكان ابن عمر يندم ويقول: يا ليتني قاتلت مع علي فهو أولى بالإمامة والحق كان معه]] رضي الله عنهما جميعاً.

الرؤيا الصالحة تبشر سعدا حين اعتزل الفتنة

الرؤيا الصالحة تبشر سعداً حين اعتزل الفتنة قال حسين بن خارجة الأشجعي: [[لما قتل عثمان رضي الله عنه رأيت في النوم الدنيا والآخرة بينهما حائط، فصعدت الحائط فإذا أنا بصعدات ودرجات، فصعدت فيها في المنام فرأيت الرسول صلى الله عليه وسلم وإبراهيم عليه السلام، فإذا الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: يا إبراهيم! استغفر لأمتي، قال إبراهيم عليه السلام: إنهم أحدثوا بعدك، ألا فعلوا مثل خليلي سعد بن أبي وقاص، قال الرجل: فأتيت سعد بن أبي وقاص في النهار فأخبرته بالرؤيا، قال: فلم يعرها اهتماماً -أي: ما اهتم بها اهتماماً كبيراً- ثم قال: خاب من لم يكن إبراهيم خليله، قلت: ماذا تشير علي؟ قال: أعندك غنم؟ قلت: نعم. قال: الحق بها ودع هذه الفتنة، قال: فلحقت بغنمي]] هذا رأي سعد، وهي رؤيا ذكرها الحاكم في المستدرك وابن حجر في الإصابة، وهي في سير أعلام النبلاء الجزء الأول صفحة (120). [[دخل سعد على معاوية يسلم عليه وقد تولى معاوية الخلافة، فلم يسلم عليه بالإمرة، فقال معاوية: والله لو شئت لقلت غيرها، قال: كأنك معجب بما حصلت عليه من إمرة، والله ما أريد أنني فيما أنت فيه، وأنني قدمت محجماً من دم]] يقول: هناك دماء وتبعات، روى هذا الذهبي في السير. قال مصعب بن سعد: لما توفي أبي كان رأسه في حجري وهو يقضي، فبكيت فقال: [[يا بني! لا تبك علي، فوالذي نفسي بيده إني من أهل الجنة]] رواه ابن سعد في الطبقات، قال الذهبي: صدق والله! فهنيئاً له. وفي رواية أخرى: [[لا تبك علي فوالله لا يعذبني الله أبداً]] وهو حديث صحيح إلى سعد رضي الله عنه، وفيه حسن الثقة بالله والرجاء وتصديق موعود الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام بشر أن سعداً في الجنة وهذا مما تلقته الأمة بالقبول. قال الزهري رحمه الله: [[لما احتضر سعد دعا بجبة عنده فقال: كفنوني بها، فإني لقيت المشركين فيها في يوم بدر]] رواه الحاكم والطبراني في المعجم الكبير، وفيه أن العبد يدفن في ثياب الطاعة كالثياب التي يصلي فيها والتي جاهد فيها، أو الثياب التي طلب فيها العلم، أو حج واعتمر فيها، وسوف يأتي تفصيل ذلك وكلام أهل العلم بإذن الله.

الدروس والعبر من سيرة سعد رضي الله عنه

الدروس والعبر من سيرة سعد رضي الله عنه هذه بعض قصص (الأسد في براثنه) رضي الله عنه، والآن أخرج معكم لبعض الدروس والعبر والفوائد من هذه السيرة:

العبرة بالعمل لا بالنسب

العبرة بالعمل لا بالنسب أولاً: العبرة بالأعمال لا بالأنساب، وهو درس لمن يفتخر بنسبه ويتطاول على الناس بهذا السبب الضعيف، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي ولا يفخر أحد على أحد} رواه مسلم، فعلى العبد أن يعتني بعمله الصالح ولا يهمه أن يكون مولى أو عبداً، أو أن يكون رقيقاً أو أن يكون مهما يكون، إنما يكون مخلصاً صالحاً صادقاً مع الله، عسى الله أن يرزقنا وإياكم التقوى، وأن يجعلنا صالحين مقبولين.

جواز ذكر المرء ما وقع له في سبيل الله

جواز ذكر المرء ما وقع له في سبيل الله الثاني: ذكر ما وقع للمسلم من مشقة في ذات الله عز وجل جائز، فللإنسان أن يذكر بعض المواقف التي حصلت له، من باب الاقتداء به في الصبر والإقدام وفي التضحية كما يقول سعد: [[لقد رأيتني وأنا ثالث ثلاثة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، أو سادس ستة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والله ما لأحدنا طعام إلا ورق الشجر، حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة]] فذكر هذا لأنه واثق بنفسه لا يريد المباهاة ولا المراءاة، فالعبد مثلاً: له أن يذكر بعض أيامه في التضحية وطلب العلم وفي الدعوة بشرط أن يكون قصده أن يقتدى به، وأن يصبر الناس وأن يعطيهم دروساً من القدوة، أما إذا كان قصده التطاول والتفاخر والمراءاة فهذا محرم.

تميز سعد بإجابة دعوته لصدقه وتحريه المال

تميز سعد بإجابة دعوته لصدقه وتحريه المال الثالث: تميز سعد بالصدق مع الله والمطعم الحلال، وأن من أراد أن يستجيب الله دعوته فليطب مطعمه وليأكل حلالاً، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام: {ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يقول: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له} والله طيب لا يقبل إلا طيباً، وهو درس لمن يأكل الربا أو يضل الناس ويأخذ أموالهم، أو يغش في بيعه وشرائه، أو يحلف يميناً غموساً، أو يحلف يميناً فاجرة فيأكل بها أموال الناس بالباطل؛ فإن الله لا يقبل دعوته، ولا يستجيب له مسألته، ولا تفتح له أبواب السماء.

الله يحب الغني التقي الخفي

الله يحب الغني التقي الخفي الرابع: محبة الله عز وجل للعبد الغني الخفي التقي، فأما الغني فهو الغني بغنى الإيمان وغنى النفس لا غنى المال، وأن يكون غنياً بما أعطاه الله عز وجل من يقينٍ ومن حب لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، ومن ذكره لله تعالى فيكون صدره منشرحاً بهذا. أما الخفي فهو الذي لا يحب الشهرة ولا الظهور ولا يطلبها مقصداً، وقد تكون عارضة أو تكون لازمة، لأن أشهر الناس محمد صلى الله عليه وسلم لكنه ما أراده وما طلبه، وكذلك أبو بكر عمر وعثمان وعلي، ولكنهم ما طلبوها ولا أرادوها فحصلت لهم، فلا يكون من مقصد العبد الشهرة والظهور، بل يكون خفياً، فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يحب الأخفياء من عباده الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا حضروا لم يعلم بهم، فيكونون في خفاء وفي سكينة وفي وقار، ومعاملتهم مع الله عز وجل. أما التقي: فهو الذي يؤدي الواجبات ويجتنب المحرمات، والتقي هو الذي يجعل بينه وبين عذاب الله وقاية.

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق المسألة الخامسة: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق جلت قدرته، يؤخذ هذا من عصيان سعد لأمه، وهو درس للشبيبة أن يتقوا الله في والديهم، وأن يطيعوهم في طاعة الله، وأن يحسنوا لهم، ولكن لا يطيعون الوالد ولا الوالدة في معصية، ولا في ترك السنة، ولا في ارتكاب المحرم مهما كان جبروت هذا الوالد والوالدة وغيرهم ممن كان لهم أمر، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن ولو كان الوالد مشركاً والوالدة فإنهما يصاحبان بالمعروف والكلمة اللينة في الحياة الدنيا.

الصحابة أعلم بالسنة وأفقه من غيرهم

الصحابة أعلم بالسنة وأفقه من غيرهم السادس: أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام أعلم بالسنة من غيرهم، كما في شكوى أهل الكوفة لـ سعد أنه لا يحسن أن يصلي، فليس أحد من الأمة أحسن من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا أكثر علماً، ولا أفقه في دين الله، ولا أخلص في عبادة الله عز وجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أراد أن يتنطع عليهم أو أن يزيد في الدين أو أن ينقص منه فإنما هو آثم مفترٍ متهتك في دين الواحد الأحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

الأسلم البعد عن المناصب ما لم تتعين

الأسلم البعد عن المناصب ما لم تتعين السابع: الأسلم للعبد الابتعاد عن المنصب إلا إذا تعين عليه ذلك، ووجد من نفسه القدرة، وكان أصلح من غيره، فإن طلب المنصب ليس مقصداً شرعياً، والذي يتهافت على المنصب ويتنازل عن شيء من دينه لأجله، ويكون منافقاً دجالاً مجاملاً ليحصل على منصب إنما هو آثمٌ عند الله عز وجل، محاسب بفعل هذا نصب المنصب أوهى جلدي وعنائي من مداراة السفل أنا لا أرغب تقبيل يدٍ قطعها أحسن من تلك القبل إن جزتني عن صنيعي كنت في رقها أو لا فيكفيني الخجل أو كما يقول شيخ الإسلام: إلا إذا تعين عليه ذلك وأنه لا يكون أصلح منه. بل نص شيخ الإسلام على: أن القاضي يجب عليه أن يطلب القضاء، إذا علم من نفسه القوة والثقة ولم يوجد في المسلمين من يقوم بالقضاء إلا هو، كما قال يوسف عليه السلام: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55] والإنسان إذا تعين عليه منصب ورأى من نفسه القدرة فإن عليه وجوباً أن يطلب ذلك ويقصد بذلك ما عند الله، أما أن يطلبه للدنيا وللشهرة وللمنصب وليتأكل به فهذا محرم، يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: {يا عبد الرحمن بن سمرة! لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها بمسألة وكلت إليها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

جواز الإشادة بأهل الفضل ما لم يكن رياء

جواز الإشادة بأهل الفضل ما لم يكن رياء الثامن: جواز الإشادة بأهل الفضل من الأقارب وغيرهم والتمدح بهم كما قال صلى الله عليه وسلم: {هذا خالي فليرني كل خاله} فلك أن تتمدح برجل من أسرتك صاحب دعوة وعلم وله أثر، كأن تقول: هذا فلان من قرابتي لتثني عليه لا قصدك الرياء والسمعة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: {هذا خالي}.

اعتزال الفتن إن كان ذلك أصلح

اعتزال الفتن إن كان ذلك أصلح التاسع: اعتزال الفتن والفرار عند اشتباه الأمور، والخروج إلى منأى كما فعل سعد في زمن الاختلاف، فإذا وقعت فتنة ولم يستطع الإنسان أن يقوم بدينه على أكمل وجه، وما استطاع أن يؤدي دين الله عز وجل ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، فإن عليه أن يذهب في مكان ناءٍ عن الفتن لا يسمع أحداً ولا يرى أحداً، ويبتعد في قرية أو في بادية أو في جبل، وهذا مطلب شرعي. لكن إذا كان العبد له تأثير ووثق من نفسه، وكان عنده علم ونفع، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في السنن: {الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم}.

جواز الوصية

جواز الوصية العاشر: استبقاء المال وجمعه للاستغناء عن الناس وإغناء الورثة عن تكفف الناس، وأن مسألة التجرد عن تحصيل المال ليس مطلباً شرعياً، وقد يكون مضراً بالإنسان، وقد يسيل ماء وجهه إذا لم يكن له مصدر من الرزق أو لم يبق منه لورثته، فإن هذا أمر خطير فليتدبر، والصحابة أعرف منا بالحياة وبشئونها، ونحن لا نأخذ ديننا ولا زهدنا ولا عبادتنا من المتأخرين، مهما كان زهد أحدهم، حتى أنه يمر بك في التراجم أحياناً زهد إبراهيم بن أدهم أو زهد أبي سليمان الداراني ونحوه، فإننا نقول للأمة والجيل: خذوا دينكم من الرسول عليه الصلاة والسلام ومن أصحابه؛ فإنهم أزهد الناس، وفيهم نزل الوحي وعرفوا تنزيله وتأويله رضوان الله عليهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يأمر سعداً أن يستبقي مالاً، وألا ينفق منه في الصدقة والوصية إلا الثلث والثلث كثير.

خير الناس من طال عمره وحسن عمله

خير الناس من طال عمره وحسن عمله الحادي عشر: طول العمر في طاعة الله خير كثير، كما تحققت معجزته صلى الله عليه وسلم في طول عمر سعد، فطول العمر وحسن العمل من سعادة المؤمن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {خيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله} فإن طول عمر المؤمن لا يزيده إلا خيراً، فيتوب من الزلات والخطايا، ويتزود من الصالحات والحسنات، ويكون أكثر عقلاً وفقهاً وأكثر إدراكاً، ولا تزيد الأيام المؤمن الصالح إلا خيراً بإذن الله عز وجل، وهي مكسب كلما زاد يوم، ورأيت في مسند أحمد {أن أخوين أسلما على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فمات أحدهما وتخلف أخوه بعده أربعون ليلة، ثم مات، فرآهما طلحة في المنام بينهما أربعون درجة -الأخير منهم مرتفع على أخيه أربعين درجة- فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم قال: كم من صلاة في الأربعين يوماً؟} فإن في الأربعين يوماً صلوات كثيرة، في كل يوم خمس صلوات في أربعين؛ بمائتي صلاة.

ألمعية سعد في القيادة

أَلْمعَيِة سعد في القيادة الثاني عشر: موهبة سعد رضي الله عنه في القيادة وقدرته على الإمرة في قول عبد الرحمن بن عوف: [[هو الأسد في براثنه]] وهذه مواهب من الله يعطيها من يشاء، وقد ظهرت قدرته في قيادته للقادسية رضي الله عنه أعظم قيادة، وفي فتحه ذلك الفتح العظيم الذي عاد على الإسلام والمسلمين بالخير.

يسر الصحابة في العلم والعبادة

يُسْر الصحابة في العلم والعبادة الثالث عشر: يسر الصحابة في العلم والعبادة: فلم يكونوا متعمقين ولا متنطعين ولا متشددين، بل كانوا في زهد وتقلل من الدنيا، لكنهم لم يمزقوا ثيابهم الصوفية، ولم يلبسوا المرقعات التي يلبسها الصوفية، ولم يزروا بأنفسهم، بل كانوا متقللين متطيبين إن تيسر شيء من الدنيا وسعوا على أنفسهم، وإن شح شيء اقتصدوا وزهدوا فيها، فهم على كلمة سواء، وعلى طريقة مقبولة على منهج الكتاب والسنة.

استحباب الدفن بثياب العمل الصالح

استحباب الدفن بثياب العمل الصالح الرابع عشر: الدفن في ثياب الطاعة، كما فعل سعد، فإنه قال: ادفنوني في جبتي فإني لقيت فيها المشركين يوم بدر، وأثر عن ابن المبارك أنه أمر أصحابه أن يدفنوه في ثوبين له كان يصلي بهما، فمن كان عنده ثوب يتهجد فيه بالليل فلو دفن فيه كان حسناً عند أهل السنة، ومن كان عنده ثياب جاهد فيها في سبيل الله أو كان يصلي بها باستمرار فله أن يدفن فيها، لأن آثار الطاعة مطلوبة، ويذكر بعض العلماء فيقول: إن ثياب أهل الطاعة معروفة، وثياب أهل المعاصي معروفة، فنسأل الله أن يجعلنا من الطائعين له. هذا هو صحابي من صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام عشنا معه في هذه الليلة، وإنما المقصد من مثل هذه المواعظ والدروس وهذا الطرح: أن نكون على قرب من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لنرى أي جيل كان ذاك الجيل، ولنرى كيف كانوا وكم رفعهم الله عز وجل، وكم أعطاهم الله عز وجل من الإيمان والعمل الصالح؛ علنا أن نقتدي بهم، وأن نحبهم فإن المرء يحشر مع من أحب. أسأل الله عز وجل أن يجمعنا بهذا الرجل المبارك المرضي عنه في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

الأسئلة

الأسئلة

استغلال المصطاف عطلته في الدعوة

استغلال المصطاف عطلته في الدعوة Q نطلب كلمة للإخوة المصطافين. A أطلب منهم ومن نفسي الدعوة إلى الله بما تيسر، في المساجد بعد صلاة الجماعات، وفي المنتزهات، وفي مجامع الناس، الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، كل يبلغ ولو آية، وألا يأتي أحد الإخوة من بعيد فيعد نفسه ضيفاً، وأنه لا يستطيع أن يتكلم، أو أنه غريب عن المنطقة، لا. الرب واحد والمنهج واحد، وكل ينتظر كلمة الحق من أي أحد.

أبناء سعد بن أبي وقاص

أبناء سعد بن أبي وقاص Q قلت في الدرس أن سعداً ليس له إلا بنتاً واحدة، ثم ذكرت أن عمر بن سعد ابنه شارك في قتل الحسين فكيف هذا؟ A نعم. أنا نسيت أن أنبه تنبيهاً وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أتى سعداً بـ مكة لم يكن لـ سعد إلا ابنة واحدة، ثم قال له صلى الله عليه وسلم: {لعله أن يطول بك عمر} فرزقه الله أبناء كثيرين وبنات كثيرات منهم: مصعب وعامر وعمر بن سعد بن أبي وقاص وإسحاق وعائشة بنت سعد وغيرهم؛ فليتنبه لهذا.

أخو سعد بن أبي وقاص

أخو سعد بن أبي وقاص Q هل لـ سعد بن أبي وقاص أخ أو إخوة شرفوا بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ A نعم. له عمير حضر بدراً وكان شاباًًً قصيراً صغيراً ألبسه سعد بن أبي وقاص سيفاً فكان السيف يخط في الأرض، وقيل: إنه استشهد في المعركة.

العزيمة الصادقة تفتت التردد

العزيمة الصادقة تفتت التردد Q أنا مبتلى بشرب الشيشة فأرجو نصيحتي. A ما سألت عنها إلا لأنك تعلم أنها محرمة، ولا ينقص الأمة مسألة الفتيا، فهي تعرف فتيا الأحكام، بل ينقص الناس الإيمان، فإنهم إذا آمنوا بالله سمعوا الفتيا. والفتيا عند هؤلاء تلقٍ نظري، وكثير منهم يعلم أن الدخان حرام ويشربه، وأن الشيشة محرمة ويتناولها، وغيرها من المسائل، فنصيحتي لك: أن تتقي الله وأن تجتنب هذه؛ فإنها من الخبائث، والله سبحانه وتعالى أحل الطيبات وحرم الخبائث.

عصمة الله لنبيه حتى يبلغ رسالته

عصمة الله لنبيه حتى يبلغ رسالته Q قوله {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] مع ذلك ذكر بعض المحدثين وعلماء الأمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم مات بأثر السم الذي دس له في لحم الشاة؟ A بعض أهل العلم جمع بينهما فقال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] حتى تبلغ رسالته، ففي الكلام تقديم وتأخير ومحذوف، والله يعصمك من الناس حتى تبلغ رسالته، فلما بلغ رسالته ووقف في عرفة وأنزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] مات. فبلغت الرسالة والحمد لله، هذا من الجمع. وبعضهم يقول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] أي: من القتل، فلا تقتل ولا تغتال؛ أما السم فأمر آخر. أسأل الله سبحانه لي ولكم التوفيق والهداية، والرشد والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وصف الجنة من الكتاب والسنة

وصف الجنة من الكتاب والسنة الجنة هي الهدف الأسمى لكل مؤمن، فإليها اشتاقت نفوس الأوائل، وإليها يكون النظر، والشيخ -حفظه الله- ذكر في هذا الدرس أوصافاً لأهل الجنة، ولثمارها، وأنهارها، وحدائقها، ولنسائها، كما أنه ذكر قصة عبد الله بن عمرو الأنصاري، الذي كلم الله كفاحاً.

النبي يدخل الجنة

النبي يدخل الجنة الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. أما عنوان هذا اللقاء فهو: وصف الجنة من الكتاب والسنة، نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم من رواد الجنة؛ في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، هي دار الصالحين. الجنة ذهبت المهج من أجلها، وهي سوق الله عز وجل وداره التي بناها تبارك وتعالى: فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهبٌ والمسك طينتها والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها في صحيح البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {دخلت البارحة الجنة فسمعتُ دف نعليك يا بلال! فماذا كنت تفعل؟ قال: يا رسول الله! ما توضأت في ساعةٍ من ليلٍ أو نهار، إلا صليتُ بعد هذا الوضوء ركعتين} فهنيئاً لـ بلال بن رباح العبد المولى، ولكنه سيدٌ من السادات بالإيمان، هو صاحب (أحدٌ أحد) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {رأيتُ قصراً أبيض في الجنة، فقلتُ: لمن هذا القصر؟ قالوا: لفتىً من قريش -أي: لـ عمر بن الخطاب - قلتُ: من؟ قالوا: عمر، فأردت أن أدخله، فتذكرتُ غيرتك يا عمر، فدمعت عينا عمر. وقال: أمنك أغار يا رسول الله؟!} هؤلاء رواد الجنة، وعشرة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وغيرهم شهد لهم صلى الله عليه وسلم بالجنة. قال ابن تيمية: لأهل العلم من أهل السنة قولان اثنان فيمن يشهد له بالجنة، القول الأول: من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة نشهد له. والقول الثاني: من استفاضت عدالته وإمامته وصدقه وعبادته وإخلاصه نشهد له بالجنة، لما ورد حديث في الصحيحين: {إنه مُرَّ على الرسول عليه الصلاة والسلام بجنازتين، فأثني على الأولى بالخير، قال: وجبت، وأثني على الثانية بالشر، قال: وجبت، قالوا: ما وجبت في الأولى يا رسول الله وما وجبت في الثانية؟ قال: الأولى أثنيتم عليها خيراً، فقلت: وجبت لها الجنة، والثانية أثنيتم عليها شراً، فقلتُ: وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه} وهذا القول يؤيده ابن تيمية، وبعض السلف: كـ أحمد بن حنبل ومالك، وأبي حنيفة والشافعي وأمثالهم، اشتهرت عدالتهم رضي الله عنهم وأرضاهم. أرسل عليه الصلاة والسلام زيد بن حارثة وجعفر الطيار وابن رواحة إلى مؤتة يقاتلون الروم، وحضرت المعركة فقتل الثلاثة، وقام عليه الصلاة والسلام خطيباً في الصحابة، وأخبرهم أن الثلاثة دخلوا الجنة، وفي سرير ابن رواحة ازورار رضي الله عنه وأرضاه. أتت معركة أحد، فتقدم أنس بن النضر فقاتل، فقال له سعد بن معاذ: [[دونك يا أنس! قال: إليك يا سعد! والذي نفسي بيده، إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]]. وللجنة ريح، وسوف أستعرضه هذه الليلة مع نعيم أهل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة، وألا يجعل أكبر مقصودنا وأكبر اهتمامنا هذه الدنيا، وألا يجعل حظنا من النعيم هذه القصور، وهذه الفلل، فوالله لقد مللناها لما سمعنا أخبار الجنة. يقول جعفر الطيار وهو في مؤتة: يا حبذا الجنة واقترابها طيبةٌ وباردٌ شرابها والروم رومٌ قد دنا عذابها كافرةٌ بعيدةٌ أنسابها عليّ إن لاقيتها ضِرابها

وصف حدائق الجنة وعيونها وأنهارها

وصف حدائق الجنة وعيونها وأنهارها أيها الإخوة الأفاضل: حديثي هذه الليلة عن مسائل الجنة: أنهارها أهلها سلامة صدورهم مجالسهم لبسهم ريح الجنة أبوابها أول من يدخلها صفة دخول أهلها أدنى أهلها منزلة درجاتها خيامها شجرها طعام أهلها نساؤها سوقها نظرهم إلى ربهم تبارك وتعالى مناديل أهل الجنة آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وهنا بحثٌ طريف لـ ابن تيمية: هل يدخل الجن الجنة؟ وجود الجنة الآن وعدم فنائها أيها الإخوة الأخيار: إنما نعرض لهذه المسائل علَّ القلوب أن تهاجر إلى الله، وتشتاق إلى رضوانه، وعلَّ النفوس أن تصحو، فوالله ما لبثنا في هذه الدنيا ولا قرارنا إلا قليلاً، وإن الخاسر من شرى الدنيا بالجنة، وباع حظه من الله عز وجل.

حدائق وعيون في الجنة

حدائق وعيون في الجنة قال ابن القيم في كلامٍ ما معناه: أنزل الله عهداً من السماء أملاه بنفسه، وأتى به جبريل، ونص المبايعة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111]. قال: فتقدم أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، فقدموا أرواحهم ثمناً للجنة، والسلعة هي الجنة، فتبايعوا في مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم قاموا من مجلس العقد، فقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: {ماذا تريد منا؟ قال: أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأطفالكم وأموالكم، قالوا: فما لنا إن فعلنا ذلك؟ قال: لكم الجنة، قالوا: ربح البيع! والله لا نقيل ولا نستقيل}. ثم قاموا من مجلس العقد، قال ابن القيم: والبيعان بالخيار مالم يتفرقا، فإذا تفرقا فقد وجب البيع. أما الجنة فهي حدائق وعيون، وأنا أحرص أن تكون الدلائل من الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الحجر:45] قال أهل العلم: جناتٌ: جمع جنة، وهي الحديقة، ويجوز أن تطلق على حدائق الدنيا، فتسمي حدائق الدنيا الجنة، ولله المثل الأعلى، ولجنته مثلٌ أعلى بالنسبة لخلق الدنيا. قال ابن عباس فيما صح عنه: [[ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء]] أي: أن هناك رماناً وريحاناً وثمراً، وهنا رمان وريحان وثمر، لكن لا سواء، فليس إلا الاسم. وأما العيون فقيل: عيونٌ ثابتة صافية الماء راكدة. وقيل: -نسأل الله من فضله- أنهارٌ تجري، وهي تسيح، ولها أصوات، وفيها ما الله به عليم. وحوضه عليه الصلاة والسلام: {طوله كما بين صنعاء وأيلة -طوله شهر، وعرضه شهر- أشدُّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وعدد آنيته عدد نجوم السماء }.

أنهار الجنة

أنهار الجنة قال سبحانه: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة:25] ولأهل العلم معانٍ في هذه الآية، قال بعضهم: تجري من تحت الغرف، (غرفٌ مبنية تجري من تحتها الأنهار) وقالوا: تجري من على وجه الأرض، لكن لارتفاعهم على وجه الأرض، كأنها من تحتهم، والله أعلم، وقد يكون المعنيان صحيحين، كأن يقال: هناك أنهار من تحت القصور والغرف، وأنهارٌ تسح على وجه الأرض، ويظن الذي يسكن الدنيا ويَرَى حدائقها وأنهارها أنه لا يوجد نعيم كهذا النعيم، وهؤلاء الذين رضوا بالحياة الدنيا: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35] وقال سبحانه: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة:25]. وهذا يؤيد المعنى الأول: أنها من تحت الغرف ومن تحت القصور، لكن بالإمكان الشرب منها، والجلوس حولها، وهي تسح على وجه الجنة على المعنى الآخر سحاً. ما هي هذه الأنهار؟ لقد ذكرها الله عز وجل في سورة محمد عليه الصلاة والسلام، قال سبحانه: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] وهذا لكل مؤمن، لأنه لم يعد الله بالجنة إلا المؤمنين، وهذه قاعدة ابن تيمية، لأن المسلم قد يكون مرتكباً للكبائر، وصاحب الكبائر لم يوعد بالجنة، ومعتقد أهل السنة أن صاحب الكبيرة يخاف عليه، وهو لا يخلد في النار، وقد يعذب، وقد تدركه رحمة الله، وهو فاسقٌ بكبيرته، ناقص الإيمان، لا يخرج من الإسلام -كما أخرجته الخوارج - إلا أن يستحل الكبيرة، هذا معتقد أهل السنة والجماعة. قال سبحانه: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد:15]. والآسن: المتغير؛ فماء الجنة لا يتغير -نسأل الله من فضله- مهما بقي في مكانه فهو عذبٌ صافٍ طيبٌ تشتهيه الأنفس!! وقال {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد:15] أي: لم يدخله حموضة عند بعض المفسرين، ولا يدخله عفن، ولا رائحةٌ منتنة، بل هو عذبٌ طيبٌ سائغ الشراب. وقال: {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ}. أي: لا تتعطل عقولهم، ولا تذهب كخمر الدنيا. وهذا الفرق بين هذه الخمر وهذه، وخمر الدنيا؛ لأن فخمر الدنيا: {من شربها ولم يتب منها كان على الله عهداً أن يسقيه من ردغة الخبال، قالوا: وما ردغة الخبال يا رسول الله؟ قال: عصارة أهل النار} قيل: قيحهم وصديدهم ودماؤهم والعياذ بالله.

تحية أهل الجنة وسلامة صدورهم ولباسهم

تحية أهل الجنة وسلامة صدورهم ولباسهم وهي التي شرفنا بها سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الدنيا: بشرى لنا معشر الإسلام أن لنا من العناية ركناً غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأممِ

التحية في الجنة هي السلام

التحية في الجنة هي السلام فتحية أهل الجنة السلام: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [إبراهيم:23] {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:23 - 24] وعند البخاري عن أبي هريرة: {أن الله لما خلق آدم، طوله ستون ذراعاً في السماء، قال: اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فسلم عليهم، فذهب فسلم، فقال: السلام عليكم، فقالوا: عليك السلام ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، قال الله له: هذه تحيتك وتحية ذريتك من المؤمنين} أو كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فالتحية في الجنة سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته. ألا تريد أن يجمعك الله بأطفالك وبناتك وأهلك في الجنة؟ ألا تريد أن تسلم عليهم ويسلمون عليك؟ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21]. بعنا النفوس فلا خيار ببيعنا أعظم بقومٍ بايعوا المختارا فأعاضنا ثمناً ألذ من المنى جنات عدنٍ تتحف الأبرارا وطلب الجنة من مقاصد أهل السنة والجماعة خلافاً للصوفية وغلاتهم، الذين قالوا: نحن نعبد الله ولا نريد الجنة ولا نخاف من النار، إنما خدمة له، والله يقول في كتابه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] وقال عن الصحابة: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الفتح:29] وقال عليه الصلاة والسلام كما عند ابن ماجة بسندٍ حسن: {هل من مشمرٍ إلى الجنة إلخ} فالجنة من المقاصد. وقد ورد أن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحم الله تلك العظام- دخل على أحد السلاطين، اسمه ابن قطلوبك سلجوقي، فقال له السلطان: يـ ابن تيمية! يقولُ الناس: إنك تريد ملكنا وملك آبائنا وأجدادنا، قال: ملكك؟! قال: نعم. قال: والله ما ملكك وملك آبائك وأجدادك يساوي عندي فلساً، إني أريد جنةً عرضها السماوات والأرض. فمن أراد رضوان الله لا يتلمح للدنيا أبداً. قال سعد بن أبي وقاص: [[لما حضرنا معركة أحد، قام عبد الله بن جحش وهو من شباب الصحابة، فقال: يا رب! اللهم إنك تعلم أني أحبك، اللهم فإذا حضرنا المعركة فلاق بيني وبين عدوٍ لك شديد حرده، قوي بأسه، فيقتلني فيك، فيبقر بطني، ويجدع أنفي، ويقطع أذني، ويفقع عيني، فإذا لقيتك يا رب يوم القيامة في هذه الصورة، وقلت لي: يا عبد الله! لمَ فعل بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب!! قال: فانتهت المعركة، قال سعد: فوالذي نفسي بيده، لقد رأيته قد قتل وبقر بطنه، وجدع أنفه، وفقئت عيناه، وقطعت أذناه]].

من النعيم في الجنة سلامة الصدور

من النعيم في الجنة سلامة الصدور وقال سبحانه: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر:46] ولو لم يكن بسلام لكانوا خائفين، ولو لم يكونوا آمنين ما تهنوا بالعيش، ولذلك العيش لا يسعد إلا بثلاثة أمور: إيمانٌ وأمنٌ وصحة، فمن جمع الله له الإيمان والصحة في البدن، والأمان في الأوطان، فقد أعطاه الله غاية ما تمنى، فلذلك قال سبحانه: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر:46] ولذلك إنما سمي السلام سلاماً، لأنك تقول للمسلم: سوف تسلم مني، وفي الحديث الصحيح: {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده} أما سلامة صدورهم فهي من أعظم خصال أهل الجنة، ولا نعيم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بسلامة الصدور، والقلب إذا اشتعل بالحقد والحسد والبغضاء، والضغينة، فلا عيش له ولا هدوء. ويقولون: لله الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله. وإن الحسد والضغينة تقتل صاحبها في الدنيا، ولذلك جعل الله من نعيم أهل الجنة إذا دخلوا الجنة أن ينزع الغل من قلوبهم، والحسد قد يكون بين المؤمنين والمسلمين قال سبحانه: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] وفيها نعيم. أولاً: قال: ونزعنا، ولم يقل: نُزع، للاحتفاء بهم. وقال: ما في صدورهم من غلٍ ليذهب كل حقدٍ وغيظ. وقال: إخواناً، لأنه قد ينزع، ولا يكون بينهم معرفة، فزادهم أن تعارفوا في الجنة. وقال: على سُررٍ، وهذا من النعيم، ولم يقل: على بسط، أي: رفعهم سبحانه، وقال: متقابلين، أي: لا يولي بعضهم بعضاً ظهره؛ لأن من النعيم أن تقابل أصحابك في جلسةٍ ندية، قال أحد شعراء العرب في نعيم المجالس: ولما جلسنا مجلساً طله الندى جميلاً وبستاناً من الروض ناديا أثار لنا طيب المكان وحسنه منىً فتمنينا فكنت الأمانيا

الصحابة من أسلم الناس صدورا

الصحابة من أسلم الناس صدوراً فأسعد الجلسات التي تقابل الأصحاب: قيل لـ معاوية، وهو في السبعين -وقيل: في الثمانين-: [[كيف رأيت الحياة؟ قال: لبست كل لباسٍ، فما وجدت كلباس التقوى، وشربت كل شراب، فما رأيت أمر من غلبة الرجال، وأكلت كل أكل فما رأيت ألذ من الصبر على المصائب، وعاشرت الإخوان والخلان، فما رأيت كصاحبٍ يخاف الله، أجلس معه يقابلني وأقابله في مجلسٍ ليس معنا إلا الله]] أو كما قال، يذكر هذا ابن قتيبة وابن عبد البر، قال ابن المبارك في جلسة الأصحاب: وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفافٍ وحياءٍ وكرم قوله للشيء: لا إن قلت: لا وإذا قُلتَ: نعم قال: نعم قال سبحانه في سلامة صدورهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]. وقد ذكر أهل التاريخ أن علي بن أبي طالب وطلحة رضي الله عنهم وأرضاهم، في معركة الجمل، التي قامت بين عائشة وطلحة والزبير من جانب، وبين قومٍ من جنود علي، فقتل طلحة في المعركة -أحد العشرة- فنزل علي وترجل إلى طلحة، بعد أن رآه مقتولاً، فمسح التراب عن وجهه، ومسح الغبار عن لحيته وقبله، وبكى علي، وقال: [[يعز عليّ يا أبا محمد أن أراك مجندلاً على التراب، ولكن أسأل الله أن أكون أنا وإياك ممن قال فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]]]. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه جلس مع الصحابة في المسجد، فقال: {يدخل عليكم من هذا الباب رجلٌ من أهل الجنة} فدخل رجل متوضئ تتقاطر من لحيته آثار الوضوء، حذاؤه في يسراه، فصلى ركعتين وجلس، وفي اليوم الثاني، قال عليه الصلاة والسلام ذلك، وفي اليوم الثالث كذلك، فذهب ابن عمرو وراء هذا الرجل، وبات معه ليلتين، وقيل: ثلاثاً، فرآه عادياً في صلاته، ليس هناك ما يلفت النظر، لا يتميز عن الناس في صيامه، وفي أذكاره، فقال: {يا فلان! والله ما بي إلا أن سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام أخبرنا ثلاث مرات أنك من أهل الجنة فماذا تفعل؟ رأيت صلاتك ليست بكثيرة -أي من النوافل- وكذلك صيامك، وذكرك، قال: أما وقد سألتني فوالله الذي لا إله إلا هو، ما أنام ليلةً من الليالي وفي قلبي غلٌ أو غشٌ أو ضغينةٌ أو حقدٌ أو حسدٌ لأحدٍ من المسلمين، قال: فبذلك غلبتنا} أو كما قال. إذاً من أعظم النعيم سلامة صدور المؤمنين، وهذه لا تكون إلا في الجنة، أما في الدنيا فتجد الأحقاد والحسد، أحد الناس كبير في السن يدعو على أحد الأموات من المسلمين، قلنا له: لماذا تدعو عليه؟ قال: سرق علي قتب البعير، أسأل الله أن يقذفه بهذا القتب في نار جهنم! مسلم يصلي ويصوم وأخوه في الله، ويمكن أن يكون أخطأ في سرقة قتب، لا يساوي خمسة عشر ريالاً، فيدعو عليه أن يقذف الله به في نار جهنم!! ما هذا الشح؟! وما هذا البخل؟! شبر من الأرض قد يتقاتل عليه الناس، يخرج أحدهم المسدس فيقتل صاحبه!! وقد مررنا بقرية فيها بيتان متجاوران لأخوين شقيقين، يقول لنا أحد الدعاة: والله! إن صاحب هذا البيت لا يسلم على صاحب هذا البيت من عشر سنوات أو أكثر بسبب قطعة هذه الأرض، فأين الإيمان؟! سبحان الله! وصف الله مُلْك الجنة، فقال: {وَمُلْكاً كَبِيراً} [الإنسان:20] ووصف أهل الجنة، فقال: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]. وكان لـ معاوية بن أبي سفيان مزرعة في المدينة في جانب مزرعة عبد الله بن الزبير ابن حواري الرسول صلى الله عليه وسلم، فدخل عمال معاوية في مزرعة عبد الله بن الزبير، فغضب ابن الزبير، وبينه وبين معاوية إحن، فكتب لـ معاوية: [[إلى معاوية بن هند آكلة الأكباد، أمَّا بَعْد: فإن عمالك قد دخلوا مزرعتي، فأمرهم بالخروج، وإلا فوالله الذي لا إله إلا هو ليكوننَّ لي ولك شأن]] وذاك خليفة وهذا من الرعية، فالمكتوب إليه خليفة عنده السيف والجيش، فأتت الرسالة إلى معاوية، وكان من أحلم الناس، وذكر حلمه ابن كثير وابن تيمية وغيرهم من العلماء، فقرأ الرسالة، فعرضها على ابنه يزيد الذي لا نحبه ولا نسبه كما قال الإمام أحمد قال: ما رأيك في ابن الزبير كتب يتهددني؟ قال: أرسل إليه جيشاً، أوله في المدينة وآخره عندك يأتون برأسه! قال: بل خيرٌ من ذلك زكاةً وأقرب رحماً، فأرسل له رسالة: [[من معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن الزبير ابن أسماء ذات النطاقين أمَّا بَعْد: فوالله الذي لا إله إلا هو، لو كانت الدنيا بيني وبينك، لسلمتها إليك، ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لسلمتها إليك، فإذا أتتك رسالتي فخذ مزرعتي إلى مزرعتك وعمالي إلى عمالك، فإن جنة الله عرضها السماوات والأرض]] فلما وصلته الرسالة بكى حتى بلها بالدموع، ثم ذهب إلى معاوية في دمشق وسلم على رأسه، وقال: [[لا أعدمك الله حلماً أحلك في قريش هذا المحل]]. أما مجالس أهل الجنة، فقال سبحانه: {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الصافات:44] وتقدم هذا، وقال سبحانه: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن:54] قالوا: هو اللين من الحرير، وسوف يأتي تفسير ذلك، وبعضهم يقول: بطائنها من إستبرق، أي: ما غلظ من الحرير، وبعضهم يقول: ما رق من الحرير، والمقصود أن الله ذكر الحرير مرتين: الغليظ منه والرقيق، فالرقيق أعلى الطنافس، والغليظ من تحت، ولا إله إلا الله! من نعيم ورغد ما أحسنه! لا هم ولا غم ولا حزن ولا فرقة ولا فوت ولا خوف! نسأل الله من فضله. وقال سبحانه: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة:34] يعني مرفوعة عن التراب، وكلما ارتفع الفراش كان أحسن وأحسن، وقد ورد في بعض الآثار أن الإنسان يغوص في فراشه، وقال سبحانه: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين:23] والأرائك أقل من الفرش، فهناك أصناف من المجالس منابر من نور، وكثبان من مسك، وفرش ممهدة، وفرش عالية، وأرائك، يغير الإنسان ما استطاع في كل يومٍ جلسات متعددة، فأين نعيم الدنيا؟! وأين لذتها؟! أحد سلاطين الدنيا كان يملك قصوراً هائلة، وهو معروف في التاريخ ومشهور، فلما ملك وأكل وشرب، أتاه مرض أقعده، فأخذ يعوي ويبكي الليل والنهار، حتى تمنى الموت. والوليد بن عبد الملك هذا الخليفة الأموي، ذكر عنه الذهبي: أنه لما حضرته الوفاة انبطح على التراب يبكي ويضرب وجهه، ويقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29]. فأين النعيم؟! إنما النعيم في الإيمان وفي طاعة الواحد الديان، وفي أن تتعرف على الله، أما القصور مع الفسق، والسيارات مع ترك الصلاة والإعراض عن الله فهو والله خسارة وندامة. وقال سبحانه: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن:76] والأخضر لونه جميل، والعجيب أني رأيتُ بحثاً لأحد الأطباء يقول: اللون الأخضر من أحسن ما يكون! ولذلك وصف الله الجنة بالخضرة ووصف كذلك لباسهم في الأحاديث الصحيحة بالخضرة، والطيور التي تأوي إليها أرواح الشهداء وصفت بالخضرة، وقال سبحانه: {عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} [الرحمن:76] حتى ورد أمر في بعض المقاطعات في بريطانيا أن على الأطباء أن يرتدوا اللباس الأخضر عند إجراء العمليات، ولا يلبس الأحمر، وهذا ليس خزعبلات، بل هو علم، وما ذكر الله الأخضر هنا إلا لسر يعلمه الله، وربما تنشرح له النفس قال: فألزم الأطباء أن يلبسوا الأخضر حتى يستبشر المريض، والفأل الحسن يحبه الله والرسول عليه الصلاة والسلام، وذكروا من البحوث أن اللون الأسود يطوي النفس ويقبضها، ولذلك لم يحببه الله ولا رسوله، قال سبحانه: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106]. وليس المعنى أن من كان أسود البشرة، فهو ليس محبوباً، بل قد يكون محبوباً عند الله وأرفع وأحسن إذا آمن واستقام، فإنه يكون عند ذلك من الأولياء، وأبو جهل كان أبيض، وبلال أسود، فـ بلالٌ في الجنة، وأبو جهلٍ في النار، فما أغنى ذاك أسرته ولا ماله، وما بعد هذا أسرته ولا فقره. ولا أريد أن أستطرد، لأن ذلك يأخذ علينا من الوقت ولعل بعضكم سمع هذا البحث، فمن أتانا بعلمٍ يصدقه الكتاب والسنة قبلناه، والحكمة ضالة المؤمن، وما خالف كتابنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم رمينا به عرض الحائط. ثم قال سبحانه: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} [الواقعة:15 - 16]. وهذه الآيات يصدق بعضها بعضاً، وهي من باب العطف، أو من باب البيان، أو من باب الترادف، أو من باب التعجب.

لباس أهل الجنة

لباس أهل الجنة ما هو لباس أهل الجنة؟ أولاً: يا أيها الإخوة! تذكروا يوم العرض الأكبر أننا سوف نأتي عراة حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وأول من يكسى إبراهيم عليه السلام، والناس يحشرون حفاةً عراةً غرلاً بهماً، كما ولدتهم أمهاتهم، حتى تقول عائشة وهي تتعجب: {يا رسول الله! عراة!! ألا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: الأمر أعظم من ذلك يا عائشة} {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37]. هل يتفكر الإنسان أو ينظر؟!! لا والله. الأمر أدهى وأعظم وأكبر من أن يتفكر الإنسان أو يوسوس في مثل هذه الأمور، فيكسى إبراهيم وليس بأفضلهم، بل أفضلهم محمد ثم إبراهيم، ثم يكسوهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الجنة، أما أهل النار فتقطع لهم ثيابٌ من نار، يصبُ من فوق رءوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود، وفي بعض الروايات، يلبسون القطران ويلبسون الحديد المصفح الحامي، أما أهل الجنة فاسمع إلى لباسهم! قال سبحانه: {يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ} [الدخان:53] قالوا: والسندس: ما غلظ من الديباج أو الحرير، وصح عند مسلم من حديث أنس {أن الرسول عليه الصلاة والسلام، أُهدي له جلبابٌ من سندس، فأخذ الصحابة يمسحون وينظرون، فيقول صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من ذلك؟! والذي نفسي بيده، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا}. من هو سعد بن معاذ؟ شهيد أصيب في الخندق بسهم، ومات بعدها بقليل، اهتز عرش الله -كما صح بذلك الحديث- لموته!! فقد مات شهيداً فاهتز له عرش الله، وشيعه سبعون ألف ملك. قال حسان بن ثابت: وما اهتز عرش الله من موت هالكٍ سمعنا به إلا لـ سعدٍ أبي عمرو ويخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مناديله- والمناديل إنما تعد للعرق ونحوه- أحسن من هذه الجبب التي هي من الحرير في الدنيا، فكيف بغيرها؟!! وقال سبحانه في لباسهم: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان:21]. قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {من يدخل الجنة، ينعم ولا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه} وصح في أحاديث أن ثياب أهل الجنة تخرج من ثمرات الأشجار، أي: أن كم الشجرة -وهو غصنها- يثمر فيأتي بأكمام، فتتفتق بثيابٍ مفصلة عليهم بكل لونٍ أرادوه، فينزعون الثياب ويلبسون!! إنه نعيم لا يتصوره الإنسان، والذي لا يكتسي بلباس التقوى، فوالله لو لبس ثياب الدنيا كلها ما ستره الله.

ريح الجنة

ريح الجنة أما ريح الجنة ففيها قال عليه الصلاة والسلام -وهذا عند البخاري في الصحيح-: {من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً} أي: من عاهد معاهداً من أهل الكتاب وأعطاه ذمة الله وعهده، ثم قتله، فحرامٌ عليه أن يرح رائحة الجنة، ورائحتها توجد من مسافة أربعين عاماً. قال ابن القيم: ورد في النصوص ألفاظ، منها أربعين عاماً، وخمسمائة عام، وغيرها من الأعوام فإما أن يكون ذلك على قدر العمل، أي: أن من أتى بعملٍ عظيمٍ شنيع أبعده الله أبعد من أربعين عاماً، ومن أتى بعملٍ أخف فأربعين عاماً، وقيل: على طرف الجنة وعلى وسطها، فمن طرفها يمكن أن يكون أربعين، ومن وسطها خمسمائة أو مائة عام أو مائتان في الأحاديث، وهذا جمع جيد لا شلت يده وصحت، وجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء. {من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً} كان أنس بن النضر يستنشق يوم أحد، قالوا: مالك؟ قال: أجد ريح الجنة من دون أحد وقتل، ضرب ثمانين ضربة فلم تعرفه إلا أخته ببنانه، لكن ما أحسن هذا الضرب! وما أحسن هذا القتل! والذي لا يموت صادقاً مع الله يموت كما تموت الدواب والبهائم. وصح أن عبد الله بن عمرو الأنصاري سأل الله رضوانه، ولبس أكفانه قبل المعركة واغتسل وتحنط وتطيب، ثم أتى المعركة فأخذ غمد السيف وكسره على ركبته فقتل، فأتى ابنه جابر يبكي فيقول صلى الله عليه وسلم: {ابك أو لا تبكِ، والذي نفسي بيده ما زالت الملائكة تظل أباك بأجنحتها حتى رفعتموه، والذي نفسي بيده لقد كلَّم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، فقال: تمن، قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبتُ على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمن، قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً} فجعل الله روحه وروح إخوانه في حواصل طير خضر ترد الجنة، فتأكل من أثمارها، وتشرب من أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، حتى يرث الله الأرض ومن عليها. {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:169 - 170].

أبواب الجنة

أبواب الجنة قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه عند البخاري ومسلم، عن عبادة: {من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، والجنة حقٌ، والنار حقٌ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل} وفي اللفظ الآخر: {من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء} متفق عليه، وعند البخاري في كتاب الجهاد، قال عليه الصلاة والسلام: {إن للجنة أبواباً ثمانية، فمن كان من أهل الصلاة، دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، قال أبو بكر: هل يدعى أحدٌ من تلك الأبواب الثمانية يا رسول الله؟ فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: نعم، وأرجو أن تكون منهم ما سألت إلا وفي قلبك شيء} (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88] ضعيف نحيف لكن كما قال عنه ابن القيم: من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول يقول: أنت دائماً في الأول، أنت أول الذاكرين وأول المجاهدين، وأول الصادقين، وأول الدعاة، أعطيت الإسلام دمك ودموعك وعرقك ومالك ووقتك، فلماذا لا تأتي الأول؟

المسافة بين مصراعين من مصاريع الجنة

المسافة بين مصراعين من مصاريع الجنة لكن -يا إخوتي في الله- كم بين المصراعين؟ كيلو أو ميل أو ثلاثة ميل، أو عشرة أميال؟ لا. صح عنه صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم، من حديث عتبة بن غزوان، أنه قال: {ما بين المصراعين من مصاريع الجنة، مسيرة أربعين سنة -لا إله إلا الله! أي: أن بين طرف الباب والباب مسيرة أربعين سنة- ثم يتبسم عتبة بن غزوان، ويقول: وإنه ليأتي عليه يومٌ وهو كظيظ من الزحام}. فنسأل الله أن نكون ممن يزاحم في ذاك الباب! {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] ما بين المصراع والمصراع أربعون سنة، والأبواب أربعون سنة، والأبواب ثمانية ويأتي على كل باب منها يوم وهو كظيظ من الزحام، والله إنا نطمع في فضل الله، ورجاؤنا في الله أن يجعلنا من الداخلين المزاحمين، وإلا فليس عندنا عمل، ما سفكنا دماؤنا ولا بذلنا أموالنا، ولا أذهبنا أعمارنا في طاعة الله، إنما نحن مقصرون، وكما قال الأول: ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجربِ ونحن من ذاك [[قال رجلٌ لـ الحسن البصري: سبقنا القوم على خيل دهم ونحن على حمر معقرة. فقال: إن كنت على طريقهم فما أسرع اللحاق بهم]] يا تقياً والتقى جلبابه وذكياً حسنت آدابه قم وصاحب من هم أصحابه لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل

الوضوء سبب في افتتاح الأبواب الثمانية

الوضوء سبب في افتتاح الأبواب الثمانية صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية}. فقل لـ بلال العزم إن كنتَ صادقاً أرحنا بها إن كنت حقاً مصلياً توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا قال عقبة بن عامر: {روحتُ إبلي -كان يرعى إبلاً، وهكذا كان الصحابة يرعون الإبل، لكن قلوبهم تهفو إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض- قال: فروحتُ إبلي، فتأخرت فيها وأتيتُ والرسول عليه الصلاة والسلام يحدث الناس، وقد مضى في الحديث، قال: فسمعته يقول: من قال: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ نبياً، كان حقاً على الله أن يرضيه. قلتُ -وعمر بجانبي-: ما أحسن هذا! قال عمر وقد التفت إليَّ: التي قبلها أحسن منها!! قال: فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من الحديث التفت إلي عمر وقال: أما كنت معنا منذُ اليوم؟ قلتُ: لا. أدركتكم في آخر الكلام، قال: فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية} وهذا اللفظ عند البخاري، وجاء عند الترمذي بسندٍ حسن بزيادة قوله: {اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين}.

أول من يدخل الجنة

أول من يدخل الجنة من هو أول من يدخل الجنة؟ آدم، أو إبراهيم أو نوح، أو أبو بكر، أو عمر، أو طارق، أو صلاح الدين؟ إنه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أبو القاسم، في المركز الأول، درجته في الجنة الوسيلة ولذلك اختلف أهل العلم ما هي الوسيلة؟ قال صلى الله عليه وسلم: {درجةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ وأرجو أن أكون أنا هو} أي أن أعلى منزلة في الجنة مقعد واحد، لا اثنين، وليس هو إلا للرسول عليه الصلاة والسلام، ودخوله إلى الجنة طريفٌ وعجيب، ولنا أن نفرح بهذا؛ لأنه رسولنا عليه الصلاة والسلام، تغلق أبواب الجنة، والناس في الحشر في عرصات القيامة وهي مغلقة، فيأتي عليه الصلاة والسلام، فيطرق باب الجنة، فيقول خازن الجنة رضوان: من؟ قال: أنا محمد بن عبد الله رسول الله، فيقول الملك: بكَ أُمرت ألا أفتح لأحدٍ قبلك، فيفتح الباب!! قال عليه الصلاة والسلام والحديث عند مسلم في الصحيح: {أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة} وعند مسلم في الصحيح: {آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح فيقال لي: من؟ فأقول: محمد فيقول: بك أمرتُ ألا أفتح لأحدٍ قبلك} وعند ابن ماجة، أن أول من يدخل من الأمة: أبو بكر لكن في الحديث كلام، ذكره ابن القيم وتكلم في الحديث. على كل حال أول من يدخل الجنة من الناس محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الأصناف الفقراء يدخلون قبل الأغنياء بخمسمائة عام!!

صفة دخول أهل الجنة الجنة وأدناهم منزلة

صفة دخول أهل الجنة الجنة وأدناهم منزلة كيف يدخلون؟ أيدخلون طوابير أم صفوفاً؟! أم يدعون واحداً واحداً أم ماذا؟! اسمع إلى الحديث المتفق عليه، عن سهل بن سعد، في صحيح البخاري وصحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: {ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً -أو سبعمائة ألف كما في رواية في الصحيحين - متماسكون آخذٌ بعضهم ببعض، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر} متفقٌ عليه. إذاً فالدخول جماعي، في صفوف كأنهم زحف مقدس {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185] يدخلون على منازل أولهم على صورة القمر ليلة أربع عشر، ثم على صورة الكواكب الدرية، ثم بعدها في البياض، هكذا تدريجياًَ.

أدنى أهل الجنة منزلة

أدنى أهل الجنة منزلة من هو أدنى أهل الجنة منزلة؟ أي أقلهم منزلة، أو أقلهم حظاً في الجنة. في صحيح مسلم أن موسى سأل ربه عن أدنى أهل الجنة منزلة، والأسئلة العقدية دائماً مع موسى، ولذلك يقول ابن تيمية: هو من أجرأ الأنبياء، لما كلمه الله، قال: ربِّ أرني أنظر إليك، ولذلك صلح لبني إسرائيل، ولما غاب عنهم استضعفوا هارون عليه السلام فعبدوا العجل، فلما أتى أراهم النجوم في رابعة النهار، ولذلك يخافون منه لأنه قويٌ شجاع من أشجع الناس، أزال بيده الصخرة التي لا يزيلها المجموعة: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26] فهو قوي أمين يخاف الله وقوي ولذلك يقولون: لما أرسله الله عز وجل -عند بعض أهل السير وأهل التواريخ- إلى فرعون أتى بعصا -فقد كان يرعى الغنم بعصاه- فأتى إلى باب فرعون وعلى باب فرعون ستة وثلاثون ألف حارس، فأخذ يضرب الباب. بعض الناس يمر بأبواب فرعون ويكظم أنفاسه، ولا يعطس، ولا يتثاءب حتى يمر، وهذا يضرب الباب، قالوا: من؟ قال: موسى، قالوا: من موسى؟ قال: ابن عمران، قالوا: ماذا تريد؟ قال: أدعو فرعون إلى الله، ولذلك قالوا: مجنون، ثم دعاه في قصةٍ طويلة. فعلى كل حال ورد عنه أسئلة طويلة منها في الصحيحين، أنه التقى بآدم عليه السلام، لا ندري أين التقيا لكن الظاهر والصحيح الذي يؤيده ابن الجوزي وبعض المحدثين أنهما التقيا في السماء، وبعض العلماء قال: يلتقون يوم القيامة، بينما يقول صلى الله عليه وسلم: {تحاج آدم وموسى} أي: التقيا ووقعت المحاجة والمناظرة: {احتج موسى وآدم، قال موسى عليه السلام لآدم: أنت آدم الذي خلقك الله بيده؟ ونفخ فيك من روحه؟ وأسجد لك ملائكته؟ خيبتنا، وأخرجتنا من الجنة -هذا نصٌ في الصحيحين يقول: دخلنا الجنة ولو بقيت في الجنة ما كنا خرجنا إلى الدنيا نعصي الله، ويسفك بعضنا دماء بعض، وتأتي منا المخالفات، لماذا لم تجلس مكانك؟ خيبتنا، وأخرجتنا من الجنة! - فقال آدم: أنت موسى الذي كتب الله لك التوراة بيده، وكلمك تكليماً؟ قال: نعم. قال: فكم وجدت أن الله كتب عليَّ ذلك قبل أن يخلقني؟ قال موسى: بأربعين عاماًً، قال: أفتلومني على شيءٍ قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين عاماً، فقال محمد صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى} أي: غلبه. وهذه لها شرحٌ عندي لـ ابن تيمية من أحسن ما يكون، كالعسل المصفى في المحاجة، أما أهل البدعة: فقد جعلوا آدم جبرياً وموسى كأنه قدري عليهم غضب الله، يحتجون بكلامهم، وهذا ليس مقام بسط، وهناك محاضرة في شريط بعنوان (أهل السنة بين الجبرية والقدرية) من بحث عليه وجد فيه شرح هذا الحديث. يقول صلى الله عليه وسلم: {قال موسى عليه السلام: يا رب! ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: يا موسى! أدنى أهل الجنة منزلة -والحديث عند مسلم في الصحيح من حديث المغيرة بن شعبة - قال: يا موسى! أدنى أهل الجنة منزلة، رجلٌ يدخل الجنة بعد ما يدخل الناس ويأخذون أعطياتهم ويأخذون مقاعدهم، فيسأل الله أن يعطيه، فيقول له الله: أما ترضى أن يكون لك مثل مُلك ملك من ملوك الدنيا؟ قال: يا رب! أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟! -فيضحك عليه الصلاة والسلام، وهذه رواية مسلم - قال: لا أستهزئ بك، فيقول الله: إن لك مثل ذلك ومثله؛ قال: رضيت يا رب، قال: فإن لك ذلك وعشرة أمثاله} هذا أدناه فكيف بأعلاه!! ولذلك في الحديث: {أولئك الذين أردت، غرستُ كرامتهم بيدي، فلم ترعين ولم تسمع أذن وما خطر على قلب بشر} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

درجات الجنة

درجات الجنة يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه، عند البخاري ومسلم: {إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق والمغرب، لتفاضل ما بينهم} متفقٌ عليه، والغرف: عند بعض أهل العلم، أنها تجري في السماء، الآن يقول: اكتشف -وهي معروفة لديكم من عشر سنوات- فنادق تدور في الأربع والعشرين ساعة على الساحل، وفنادق تسير على البحر؛ أما القصور في الجنة فهي تمر مر السحاب، قصور كالقرى الكاملة أو كالمدن تمر في سماء الجنة لأن للإنسان كملك أقلهم كعشرة أمثال الدنيا، فقصوره تمر في السماء وهو ساكنٌ فيها، فأهل الغرف ينظر إليهم الذين في ربض الجنة كما يتراءون الكوكب الدري الغابر -البعيد في السماء- لتفاضل ما بينهم، في الجنة مائة منزلة -مائة درجة- كما في حديث أبي سعيد في البخاري {بين الدرجة والأخرى كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله} ولذلك أهل الجنة ثلاثة: سابقٌ بالخيرات، ومقتصد، وقد يدخل المسلم الظالم لنفسه برحمة الله لحديث: {أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان} فيبقى في ربض الجنة. لكن هل ترضى همتك أن تكون في ربض الجنة؟ أتعد من يصلي الخمس فقط بمن يصلي الخمس ويقوم الليل ويتنفل، ويتدبر القرآن، ويجاهد نفسه على طاعة الله ويبذل ماله ويصدق مع الله؟ لا سواء؛ كما قال تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [آل عمران:163].

خيام أهل الجنة

خيام أهل الجنة في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي موسى قال: قال عليه الصلاة والسلام: {إن للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدةٍ مجوفة، طولها في السماء ستون ميلاً، له في كل ناحيةٍ أهلون وأبناء لا يرى بعضهم بعضاً} هذا الحديث متفقٌ عليه، ولم يروه البخاري فحسب، بل رواه مسلم معه عن أبي موسى، وهذه الخيام غير القصور والغرف والمنازل، ففي الجنة جوائز لا يعلم كنهها ولا سرها إلا الواحد الأحد، فنسأل الله الذي اجتمعنا في محبته أن يدخلنا هذه الخيام.

شجر الجنة

شجر الجنة قال عليه الصلاة والسلام -والحديث في البخاري -: {إن في الجنة شجرةً يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها} شجرة واحدة يقطعها في مائة سنة! وفي لفظٍ صحيح: {الراكب المجد على فرس يسعى بالفرس مائة عام لا يقطع ظلها} فلا إله إلا الله من عيش ما أرغده وما أحسنه! نسأل الله أن يجلسنا تلك المجالس.

طعام أهل الجنة

طعام أهل الجنة ذكر عليه الصلاة والسلام، في حديثٍ رواه مسلم: {أن أهل الجنة لا يبولون، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، ولا يهتمون ولا يحزنون، قال الصحابة: يا رسول الله! فما بال الطعام؟ قال عليه الصلاة والسلام: جشاءٌ ورشحٌ كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس} ما أحسن الكلام! رشحٌ كالمسك، فتخرج فضلات الطعام كالمسك؛ فإذا هو أذفر وأحسن وأشذى وأذكى وأزكى من المسك.

نساء أهل الجنة

نساء أهل الجنة صح عنه صلى الله عليه وسلم: {أن لكل مؤمن في الجنة زوجة جميلة حسناء، يرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة من حسنها وصفائها} وهذا نعيمٍ آخر لا يعلمه إلا الله، والمسلمة في الدينا تتزوج بزوجها، وهذا من أقوال أهل السنة، ومن لم ترضَ زوجها أو لم يرضها، أبدلها الله بزوجٍ خيرٍ منه في الجنة وأبدله زوجةً خيراً منها في الجنة، ومن كان له عدة زوجات إذا رضينه تزوجنه جميعاًَ، وهذا من النعيم الخالد: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21].

سوق أهل الجنة

سوق أهل الجنة فعند مسلم عن أنس: {إن في الجنة سوقاً يدخله المؤمنون فتهب عليهم ريح الشمال، فتنثر في وجوههم المسك، فيزدادون حسناً وجمالاً إلى حسنهم وجمالهم، فيعودون إلى أهلهم ونسائهم، فيقلنَ: والله لقد ازددتم حسناً وجمالاً إلى جمالكم وحسنكم، فيقولون لهم: وأنتم أيضاً، والله لقد أزددتم حسناً وجمالاً إلى حسنكم وجمالكم} رواه مسلم عن أنس وقد ذكره ابن القيم في أبياتٍ لطيفة يذكر فيها غناء أهل الجنة، يقول: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدانِ يقول: يا آذاناً تريد رحمة الله لا تتعوضي بالموسيقى والغناء المحرم الذي يفسد القلب ويضيعه ويبعده عن الله. ومن أعظم الكرامات: نظر أهل الجنة إلى ربهم، وهذا من عقيدة أهل السنة قال سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] ويقول سبحانه: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] قال الشافعي رحمه الله: لما حجب أهل المعصية دل على أن أهل الطاعة يرونه، واتفق الشيخان من حديث أبي هريرة أنه قال: {قال الصحابة: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضامون -أو تضارون- في رؤية القمر ليلة البدر؟! قالوا: لا. قال: هل تضامون -أو تضارون- في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم سترون ربكم يوم القيامة!!} وفي حديث آخر: {كما ترون القمر ليلة البدر} فنسأل الله أن يرينا وجهه! وهي الزيادة، قال ابن تيمية: إذا ذكر الله الزيادة في القرآن فهي النظر إلى وجهه الكريم. وفي حديث صهيب عند مسلم: {أن الله يقول لأهل الجنة: أتريدون نعيماً؟ قالوا: يا رب! وماذا نريد وقد بيضت وجوهنا وأرضيتنا؟! قال: فإن لكم عندي موعداً لا تخلفونه، قال: فيكشف الحجاب عن وجهه فينظرون إليه فما يرون لذةً أعظم من ذلك}. وفي الصحيحين في قصة الجبة التي أهديت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ولمسها الصحابة، قال: {أتعجبون من هذه؟! لمناديل سعد في الجنة خيرٌ من هذا}.

آخر أهل الجنة دخولا إليها

آخر أهل الجنة دخولاً إليها أما آخر أهل الجنة دخولاً في الجنة، ففي الصحيحين {رجلٌ يمكث في النار من الموحدين فيخرجه الله، يقول: يا رب! أخرجني من النار؛ قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها، فيقول الله: أتسأل شيئاً يا بن آدم بعدها؟ قال: لا والله يا رب، فيعطي ربه المواثيق فيخرجه، فينظر إلى أبواب الجنة، قال: يا رب! قربني من أبواب الجنة، قال: أتسأل غيرها؟ قال: لا. والله يا رب، فيعطيه ربه المواثيق فيقربه، فينظر إلى نعيم الجنة، قال: يا رب! أدخلني الجنة!! فيتبسم عليه الصلاة والسلام، فيقول الله: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك أما أعطيتني العهود والمواثيق بأن لا تسألني شيئاً، فيقول: يا رب! لا تجعلني أشقى خلقك فيدخله الله الجنة، فيقول الله له: تمن، فما يزال يتمنى والله يذكره حتى تنقطع به الأماني، فيعطيه الله عز وجل خمسة أمثال ما تمنى} وفي حديث أبي هريرة: {عشرة أمثاله} لأن الحديث رواه أبو هريرة وأبو سعيد وهو في الصحيحين.

مسألة دخول الجن الجنة

مسألة دخول الجن الجنة وهناك بحثٌ طريفٌ مستطرد: سئل ابن تيمية: هل يدخل الجنُّ الجنة؟ بحثٌ طريف، يقال له: هل يدخل الجن الجنة؟ ماذا يجيب ابن تيمية؟ ليس هناك نصٌ صريحٌ بالمنع أو بالإيجاب، فقال: لم يرد هناك نص، ولكن الذي يظهر من النصوص أنهم يدخلون الجنة، لأن الله عز وجل قال في سورة الرحمن: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:74] ولا يكون النفي إلا على أمر متحصل أو كما قال. وجود الجنة الآن من معتقد أهل السنة والجماعة. أيها الأبرار: إن الجنة موجودةٌ الآن، والشهداء في عهده صلى الله عليه وسلم دخلوا الجنة، ونعموا فيها، وأن الإنسان قد يرى الجنة إذا مات، ويفتح له بابٌ أو نافذةٌ إلى الجنة، فمن معتقدنا أنها موجودةٌ الآن، ومن معتقد أهل السنة وهو الصحيح أن الجنة لا تفنى، فهم خالدون مخلدون لا تفنى، قال الشيخ حافظ بن أحمد حكمي: والنار والجنة حق وهما موجودتان لا فناء لهما والفلاسفة والمنطقيون، قالوا: يخلقها الله فيما بعد، وقد كذبوا على الله، قال: وهما موجودتان لا فناء لهما؛ لأن بعض الفلاسفة قالوا: إن الجنة والنار تفنيان، فإن صح عنهم ما قالوا، فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وقال أبو الهذيل العلاف المعتزلي: يفني الله حركات أهل الجنة وأهل النار، هذا قول مبتدع يضرب به وجه صاحبه فالجنة حقٌ والنار حق، وهما موجودتان الآن لا فناء لهما، بل خلودٌ أبدي سرمدي. أيها الإخوة: قبل أن أنتهي، الدرس المقبل -إن شاء الله- بجامع الملك فهد بـ أبها، عنوانه (ما ورد في وصف النار من الآثار) فأعاذنا الله وإياكم من النار، وباعد بيننا وبين النار كما باعد بين المشرق والمغرب، نسأله أن يحرم النار علينا وعليكم وعلى جميع المسلمين، ونسأله الجنة وما قرب إليها من قولٌ وعمل، ونعوذ به من النار وما قرب إليها من قولٍ وعملٍ.

الأسئلة

الأسئلة

التخلص من الرياء

التخلص من الرياء Q كيف أتخلص من الرياء؟ A الرياء مرضٌ خطير، وهو شركٌ أصغر، وتتخلص منه بالإخلاص، وأن تقصد الله بالعمل، وأن تعرف أنه النافع الضار، وعليك بالدعاء الذي في الحديث الحسن: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم} وقال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف:29] وقال صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالنيات} والرياء شرك.

ما هو الزهد؟

ما هو الزهد؟ Q هل الزهد ترك الكسب وجمع المال؟ A يقول ابن القيم: من أحسن من عرف الزهد ابن تيمية، قال في تعريف الزهد: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، أما ما ينفعك في الدنيا من تجارة وكسبٍ وطلب مال فمطلوب، أما زهد المتصوفة فليس من الإسلام. يقول الخطابي في كتاب العزلة: أخذ أحد المتصوفة لعينه لاصقاً فألصقه على إحدى عينيه، قالوا: مالك؟ قال: إسرافٌ أن أنظر إلى الدنيا بعينين، والله يمتن على العبد: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] أفأنت أبصر من الله الذي خلق لك عينين؟! وهل من الإسراف أن تنظر بعينين؟! يقولون: هذا من عدم طلبه للعلم. فهذا التصوف الهندوكي ليس في الإسلام. كما يذكر ابن الجوزي في كتاب صفة الصفوة الذي فيه طلاسم ينبغي أن يبحث عنها، قال أحد العباد: أين أنتم عني؟! ما أكلت الرطب من أربعين سنة! وهل يحمد على ذلك ويشكر؟! والرسول صلى الله عليه وسلم أكل اللحم والعسل والرطب؟! والله أمر الصالحين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المؤمنون:51] فلم يقل: كلوا من الحصى والتراب، بل لا يأكل إلا رطباً ولحماً وعسلاً، خلقها الله، لكن بشرط أن تعمل بها صالحاً في الحياة الدنيا، فالانزواء والانقباض عن الحياة وعدم استعمارها ليس من الإسلام وكذلك التهالك وعبادة الدرهم والدينار وعبادة التراب ليس من الإسلام، أنت تجعل المال بيدك وتستعين به على طاعة الله ويكون أكبر اهتمامك رضا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

أمور مخالفة للسنة

أمور مخالفة للسنة Q اذكر بعض المخالفات للسنة؟ A أولاً: يا أيها الإخوة! أحذركم ونفسي من البدع، فالبدع خطيرة، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} وصح عنه أنه قال: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}. فمن المخالفات قول القارئ بعد الانتهاء من قراءته: صدق الله العظيم، والله يقول في سورة آل عمران: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران:95] وهذا صحيح، وهو معقولٌ عقلاً ونقلاً، لكن وضع هذه الكلمة بعد القراءة بدعة لم تثبت عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته. وقول القائل في الصلاة: ربنا ولك الحمد والشكر، فزيادة الشكر بعد سمع الله لمن حمده ليست واردة فتحذف، فليس في الصلاة زيادات فلا يأت الإنسان بزيادات، والشكر لله مطلوب، لكن في هذا الموطن لا تقال؛ لأنها لم تثبت عن المعصوم عليه الصلاة والسلام. قول المصلي بعد الإمام إذا قال الإمام: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] استعنا بالله، ليست بصحيحة، ومن تعمد قولها بطلت صلاته، والجاهل والناسي يعلم، وبعض الناس يتابع الإمام حتى إذا قال الإمام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال: لك الحمد يا رب!! {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال: اللهم ارحمنا برحمتك!! {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: استعنا بالله!! {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] قال: اللهم اهدنا الصراط!! فهذا ليس من سنته عليه الصلاة والسلام. الإشارة بالإصبعين في التشهد؛ صار تحريك الإصبع في التشهد باليمنى واليسرى، حتى إن بعضهم كأنه يعمل على مكينة أو على آلة، يحرك أصابعه كلها، وإنما المقصود إصبع واحدة علامة التوحيد، ففي سنن الترمذي عن سعد بن أبي وقاص، قال: {رآني صلى الله عليه وسلم وأنا أشير بإصبعين، أي بالسبابة اليمنى واليسرى، قال: يا سعد! أحد أحد} يعني: وحد الواحد، وهو الله عز وجل. المسألة الخامسة: قول بعض الناس وبعض الطوائف: نويت أن أصلي الظهر أربعاً أو العصر أربعاً، فهذه بدعة، فما كان يقول ذلك صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح، ويكفي أن الله يعلم أنك توضأت وأتيت من البيت لتصلي {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} [الحجرات:16] حتى تحدد له العصر، ما بقي إلا أن تقول: نويت أن أصلي العصر أربع ركعات في مسجد الخميس. ومما وضعه بعض الناس يقولون: حج حاج به خبل، فأخذ يطوف وقال: اللهم إني فلان بن فلان، يا رب! كنت أعمل عند بامحفوظ، واليوم أعمل عند الراجحي في السجائر، اللهم إني حجيت، فلا تقل يا رب يوم القيامة: لم َلمْ تحج يا فلان؟ نسأل الله العافية، إن كان ثبت عنه فهو معتوه، وإن كان وضعوها عليه فهي من الإسرائيليات، فهذا مثله مثل الذي يأتي إلى المسجد ويقول -وهم عشرات كل يوم- اللهم إني نويت أن أصلي العصر أربع ركعات، فهذا من الهذ: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} [الحجرات:16].

القنوت في صلاة الفجر

القنوت في صلاة الفجر Q رجلٌ غير سعودي -ما هي مصلحة هذا: سعودي أو غير سعودي؟!! الأصل أنه ليس هناك اختصاص في الكتاب ولا في السنة للسعودي ولا غير السعودي، ولم يذكر الله في القرآن مصرياً ولا سودانياً ولا عراقياً ولا سعودياً، وإنما قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]-قال: عندما يصلي الفجر وبعد الركوع في الركعة الثانية من صلاة الفجر يرفع يديه، ويدعو كما يدعو في قنوت الوتر، فماذا ترون؟ A أولاً: هذا الدعاء ثابتٌ في النوازل، فإذا نزل بالمسلمين نازلة، أو داهمهم عدو، أو أتاهم أمرٌ مجحف، فلهم أن يقنتوا كما قنت عليه الصلاة والسلام، في حديث أنس وحديث أبي هريرة في الصحيحين على رعلٍ وذكوان وعُصية التي عصت الله ورسوله، فدعا عليهم؛ لأنهم أخذوا الراعي وحاربوا الله ورسوله، لكن أن تبقى دائماً في النوازل وغير النوازل فليس ذلك بصحيح، وهو أقرب إلى البدع، وينهى عنه هذا الشخص، ولو أن للشافعية رواية في ذلك، ولذلك تجد أن مساجد الشافعية يداومون على هذا، وقد خالفوا الدليل، والناس بين اثنين: رجلٌ سمع الدليل فخالف فقد ابتدع، ورجلٌ ضل والدليل معه، لكن لم يبيَّن له الحق، فهو متأول مخطئ قد يؤجر، لكن على كل حال الصحيح ألا تفعل إلا في النوازل، أما في الوتر فإنها تفعل دائماً، ومن تركها فلا بأس. إحدى النساء قال لها زوجها: سوف أتزوج زوجةً ثانية، قالت: حرام لا يجوز ذلك قال: بل هو جائز لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3] قالت: هذه الآية لم تنزل نزلت فينا، إنما هم أهل بلد لا أذكره، قد تكون بريدة.

تفسير أول آيات في سورة الغاشية

تفسير أول آيات في سورة الغاشية Q ما تفسير قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:1 - 3]. A أولاً: عند ابن أبي حاتم في التفسير بسندٍ جيد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر في الليل، فسمع عجوزاً من الأنصار تقرأ وتبكي وتقول: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] فوضع رأسه على صائر الباب يبكي ويقول: نعم أتاني، نعم أتاني، كانت تقول: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] لا تدري أن المخاطب وراء الباب، فكلما قالت: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] قال: نعم أتاني، عليه الصلاة والسلام الغاشية: هي يوم القيامة، تغشى بهولها الأبصار كما قال المفسرون؛ والقارعة، والزلزلة، والواقعة، والحاقة، والطامة، والصاخة، فنسأل الله أن ييسر ذلك اليوم علينا. {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] الاستفهام هنا للتقرير، أي: سوف يأتيك، وبعض المفسرين قالوا: للإنكار، أي ما أتاك وسوف يأتيك، واسمع خبراً مدلهماً، قالوا: إذا بدأ الله بالسؤال فسوف تأتي عجائب، وإذا قال الله للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [القارعة:10]. إذا قال: ما أدراك، فسوف يخبره!! وإذا قال: {وَمَا يُدْرِيكَ} [الأحزاب:63] فلن يخبره، قالوا: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:10 - 11] وقال: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63] فما أخبره!! هذه قاعدة للمفسرين، ما أدراه يخبره، وما لا يدريه لا يخبره، و {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} [الغاشية:2] الخاشعة: التي علاها الخوف والرهق والمذلة والإرهاق. خاشعة أي: خاشعة من الخوف، {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:3] أي: عملت في الدنيا وتعبت ولكنها في غير طاعة، قال بعضهم: هم أهل البدعة عملوا على غير طاعة، عبدوا الله عز وجل، لكن خالفوا فدخلوا النار، وقال بعضهم: هم النصارى، عبدوا الله على ضلالة، كما قال سبحانه: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} [الحديد:27] والصحيح أنهم قومٌ تعبوا في غير طاعة الله، وما أخلصوا العمل لله، فضيع الله سعيهم في الدنيا والآخرة، فكانوا أهل خزي في دنياهم وأخراهم.

أطلب نصيحة لوالدي

أطلب نصيحة لوالدي Q والدي مريضٌ منذ أربعين سنة تقريباً، وقد تعالج في بداية مرضه بالأدوية الشعبية والكي، وهو الآن صابرٌ، فما نصيحتكم له؟ A نسأل الله أن يأجره، وأن يرفع منزلته، وأن يلهمه السلوان، وأن يجعل جزاءه على ذلك جنةً عرضها السماوات والأرض، فإن مرضه أربعين سنة، يكفر السيئات والخطايا عنه، وقد ذكر ابن حجر في الإصابة أن عمران بن حصين أحد الصحابة مرض أربعين سنة، حتى كانت الملائكة تصافحه بأيمانها في السحر؛ لأنه صبر واحتسب، وقطعت رجل عروة فصبر واحتسب، ومرض الصالحون قديماً فصبروا واحتسبوا، فوصيتي لأبيك أن يصبر وأن يحتسب، وأن يعلم أن له بصبره على مرضه أجراً عظيماً. والأمر الثاني: أن يحمد الله أن لم تكن المصيبة في دينه، لأن بعض الناس سمينٌ بطين يأكل ويشرب ومصيبته في دينه، ولذلك يقولون دائماً: يحمدون الله ويوجهون إلى النِعمة لا إلى النَعمة، فإن أعظم النعم نعمة الدين، فليست النعمة هي هذه الأشياء الظاهرة فقط، وليحمد الله أنها لم تكن في دينه، وإنما كانت في جسده وأن يعلم أن ثوابه عند الله عظيم. وأوصيه بكثرة قول لا حول ولا قوة إلا بالله وأن يحمد الله، ففي حديثٍ يروى عن أبي الدرداء: {أول ما يحاسب الله الناس، يقول: أين الحامدون الذين يحمدون الله في السراء والضراء؟ وهم قومٌ ابتلاهم الله في الدنيا حتى تحاتت سيئاتهم، فيقول الله: ادخلوا الجنة بلا حساب، فيقولون: يا رب حاسبت الناس وتركتنا، قال: قد حاسبتكم في الدنيا! فيود قومٌ أنهم قرضوا بالمقاريض في الدنيا} أي: يودوا أنهم مرضوا واصابهم البؤس، وصح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أنس أنه قال: {يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيغمس غمسة في النار ثم يخرج، فيقول الله له: هل رأيت نعيماً قط؟ فيقول: لا يا رب! ويؤتى بأبأس أهل الدنيا وهو من أهل الجنة، فيغمس غمسة في الجنة، فيقول الله: هل رأيت بؤساً قط، فيقول: لا يا رب!}. وفي الختام إلى لقاءٍ -إن شاء الله- في الدرس المقبل الذي سيكون بعنوان: ما ورد في وصف النار من الآثار في جامع الملك بـ أبها. وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

الحب إكسير الحياة

الحب إكسير الحياة صحيح البخاري من أعظم دواوين السنة، ولأنه أصحها فقد أقبل عليه العلماء بالشرح والاعتناء، والشيخ هنا يدلي بشرح بعض الأحاديث التي تذكر أهمية التمسك بالسنة، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليم لأمره، وأهمية محبته.

الإيمان حياة الروح

الإيمان حياة الروح إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، والصلاة والسلام على رسول الهدى وإمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. أجلس في هذا المكان معتذراً من جلوسي مكان الشيخ الأستاذ الداعية سعيد بن مسفر، وأنا أدري أن هذا المكان والفراغ لا يحل فيه إلا هو، ولسان حالي يقول: لعمر أبيك ما نسب المعلى إلى كرم وفي الدنيا كريم ولكن البلاد إذا اقشعرت وصوح نبتها رُعيَ الهشيم وليس في ذلك لشيء؛ فطلبة العلم بعضهم ينوب عن بعض، وكذلك الدعاة، ولكن هذا الشيخ سبقنا في الدعوة بسنوات، والهذلي يقول: ولو قبل مبكاها بكيت صبابةً لكنت شفيت النفس قبل التندم ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا بكاها فقلت الفضل للمتقدم فلا بد أن نعرف كل صاحب فضل بتقدمه وسابقيته في الإسلام وفي الهجرة وفي الدعوة وفي الجهاد، وهذا لنعرف للأشخاص وزناً وقيمة.

ميزة صحيح البخاري

ميزة صحيح البخاري ثم إن هذا الدرس على غرار شرح صحيح البخاري، وهذا الكتاب -كما قلت في مناسبات- كما يقول العلامة الكبير أبو الحسن الندوي، يكسب القارئ إيماناً وحباً وطموحاً، وأمة بلا إيمان قطيع من البهائم، وبيت بلا إيمان ثكنة متهدمة، وقلب بلا إيمان قطعة لحم ميتة، وكتاب بلا إيمان أوراق مصففة، وقصيدة بلا إيمان أبيات مقفاة، وروضة بلا إيمان غابة تعشش فيها الطيور لا ينتفع منها إلى آخر ذلك. والطموح هو الهمة التي كتبها محمد صلى الله عليه وسلم بميراثه، وما فعل أحد في الأرض كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يأتي بالإنسان كتلة من لحم ومن دم ميت، فيغرس في قلبه لا إله إلا الله، فينتفض حياً بلا إله إلا الله، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] لا والله. والطموح يوم فقدناه متنا، ماتت دروسنا ومحاضراتنا، وكلماتنا، وشبابنا إلا عند من رحم الله، الطموح همة عالية، يقول الحسن البصري في الهمة: [[هي ألا ترضى لنفسك ثمناً إلا الجنة]] لأن بعض الناس رخيص يعرض بضاعته بأي سوق، ويبيع نفسه بأي ثمن، ولكن الغالي لا يبيع نفسه إلا بشيء غالٍ، إنها سلعة الله الغالية، وهي الجنة التي أعدها الله عز وجل للمتقين ولا يدخلونها إلا بأحد أمور ثلاثة: إما بشهادة تسفك الروح والدم، وإما بعلم ينهض بالناس من الجهل والخرافة والتقليد والتبعية، إلى النور والبصيرة والأصالة والعمق، وإما بعبادة وزهد يجردك عن الدنيا وتجعلك كماء الغمام أو كحمام الحرم، والحب سوف يكون درسنا هذه الليلة عن الحب والإيمان والطموح. الحب هو الشيء الذي سكبه محمد صلى الله عليه وسلم في القلوب، وجعله إكسيراً لهذه الحياة، ومعنى أمة بغير ذلك هي الخراب والدمار والعار والشنار، والتعامل بلا حب هو الجفاء، والزيارة بلا حب قطعية، والصلة بلا حب جفاء.

الانضباط بالشرع أثناء الكلام

الانضباط بالشرع أثناء الكلام البخاري رحمه الله تعالى يتحدث في الكلمات التي كان عليه الصلاة والسلام يستخدمها، نحن أمة لا تتكلم إلا بأمر من الله أو من رسوله صلى الله عليه وسلم، ونعلم ما ورد في صفته وحكمه وكيف كان يضحك. وربما يتسائل متسائل: أنتحرج ونقف حتى تأتينا فتيا في الضحك أو البكاء؟ يقول ابن عباس كما علقه البخاري: [[هو أضحك وأبكى]] مادام الله هو المضحك المبكي، كيف نضحك ونبكي؟ لأننا أمة كل حركة وكل سكنة فيها مسيرة بأمر الله الواحد الأحد. قال البخاري رحمه الله: (باب ما جاء في قول الرجل: ويلك) لأنه يتحفظ من كلمات وعرة موحشة تجرح المشاعر وتخدش القلوب، ولكن يلتزم من ذلك بكلمات استخدمها ألطف الناس وأرحمهم وأجلهم، الذي يقول الله فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] فما دام أنه قالها من باب أولى أن نقولها نحن، والذي يتورع عن شيء فعله صلى الله عليه وسلم يقول ابن تيمية: فورعه بارد، هذا إن كان يتورع عن شيء فعله صلى الله عليه وسلم وهو أتقى الناس لله، وأعلم الناس بالله، وأخشى الناس لله صلى الله عليه وسلم. ثم قال عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة، فقال: اركبها، قال: إنها بدنة، قال: اركبها، قال: إنها بدنة، قال: اركبها ويلك} في هذا الحديث قضايا.

ترجمة رجال السند

ترجمة رجال السند أولها: من هو قتادة وأنس، وما مقصودنا أن نترجم ترجمة كما هو المعهود في الوفيات، وماذا أكل العالم وشرب؟ وماذا أفطر وتغدى؟ كم عنده من الأولاد والبنات؟ يقول محمد إقبال كما في روائع إقبال للندوي:- إن هذه التراجم تميت القلوب، وفيها فوائد لكن إذا بقيت المسارات على هذه المسارات أن تسجل بهذه الأمور المحددة، فليس في الأمة انبعاث ولا روح. قتادة بن دعامة السدوسي مولى من الموالي من حفاظ الكوفة الكبار، جلس عند سعيد بن المسيب شهراً كاملاً، فقال لـ ابن المسيب: أسمعني ماذا تحفظ من القرآن؟ قال: خذ مصحفك، قال ابن المسيب: فوالله لقد تلا علي سورة البقرة ما أسقط حرفاً واحداً وما رددته في كلمة، فقال ابن المسيب: حفظك يا قتادة كالسحر. ولكن من طرفة الذهبي في سير أعلام النبلاء يقول: أقام قتادة عند سعيد بن المسيب ثلاثة أيام، وكان سعيد رجلاً فقيراً، قال: يا أعمى! اخرج أفقرتني. وهذا وارد لأن دخل سعيد بن المسيب كان سهلاً بسيطاً، عشرين درهماً في الشهر من زيت يتمول به، وهو سيد التابعين، وكلمته تهتز لها الخلافة في دمشق، ولكنه ما رضي أن يتمندل به وأن يباع في سوق المزاد، فرضي بالزيت وكسر الخبر كما قال الزبيري: خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا يقول الذهبي في ترجمة قتادة: كان فيه شيء من البدع، أي: التشيع اليسير، قال: ولكنها منغمرة في بحار حسناته، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث. بعض الناس له سيئات بسيطة لكنها منغمرة في بحار حسناته، فلا ننسى هذه البحار ونأتي إلى السيئات فنبينها للناس. أين الحسنات أين قدم الصدق، أين البذل والعطاء، إن الناس يقومون بميزان الله قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه فالمقصود أن هذا الرجل كان قدرياً، لكن لا يضره بحمد لله، روى عنه البخاري ومسلم، وكان حافظاً جهبذاً متقياً لله عز وجل من أكابر المفسرين. مولى لكن ما اعترف محمد عليه الصلاة والسلام بالتفرقة العنصرية في دستوره كما قالها نابليون وهتلر أعداء الإنسان وقتلة الإنسان. الموالي علماء وقادات الأمة، وبلال قصره في الجنة كالربابة البيضاء، وأما أبو لهب ففي نار ذات لهب، لأن هذا تلعق بالنسب فانقطع من حبل الله، وذاك أتى من الحبشة بمفتاح (لا إله إلا الله) ففتحت له الجنة، قال عمر: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]] ولو طلب من عمر أن يقول هذه الكلمة في الجاهلية ما قالها ولو قطع رأسه، ما كان ينظر إلى بلال، لكن لما دخل القرآن قلبه قال هذه الكلمة. عن أنس خادم الرسول صلى الله عليه وسلم، وله هذا الشرف العظيم، وأيامه ثلاثة، يقول: يوم لا أنساه في حياتي، وهو يوم: قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة، فو الله الذي لا إله إلا هو ما كنت أظن أن أحداً يبكي من شدة الفرح، حتى رأيت الأنصار يبكون من شدة الفرح بقدوم الرسول عليه الصلاة والسلام. طفح السرور علي حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني واليوم الثاني: يوم أتت به أمه هدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه أم سليم لها قصر في الجنة كالربابة البيضاء، يقول صلى الله عليه وسلم: {دخلت الجنة البارحة فرأيت الرميصاء} والرميصاء هي أم سليم، زوجة أبي طلحة، تزوجها على الإسلام، فإنها اشترطت عليه أن يُسلم فأسلم، فكان مهرها أعظم مهر في تاريخ البشرية، ولما أتى صلى الله عليه وسلم أتت بـ أنس فغسلته وألبسته ثيابه وعطَّرته، وقدَّمته إلى سيد البشر صلى الله عليه وسلم، قالت: يخدمك يا رسول الله ادع الله له، قال: اللهم أطل عمره، وكثَّر ماله وولده، واغفر ذنبه، فأما عمره فطال حتى نيف على المائة، لكنه عمر مبارك، لا كأعمار بعض الناس يقضيها مائة لكنها في لهو وهذر ومذر لا تجدي في ميزان الحق، إن لم ترفع به في ميزان الباطل. وأما ماله فكثر، وكانت مزرعته في البصرة تنبت في السنة مرتين، والنخلة لا تطلع إلا مرة واحدة، كان شذى ريح المسك يهب على البصرة، فقحطت هذه المزرعة فجلس بجانبها يستغفر، قالوا: مالك؟ قال: يقول الله عز وجل على لسان نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} [نوح:10 - 11] فنزل الغيث مدراراً على مزرعته، وما أصابت قطرة خارج المزرعة. وأما غفران الذنب؛ فهي دعوته صلى الله عليه وسلم عند الله، خدم المصطفى صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، قال: والله ما قال لي في شيء فعلته: لم فعلته؟ ولا في شيء لم أفعله: لمَ لم تفعله؟ وأي خلق هذا الخلق؟! وأما يومه الثالث: فيوم فارق المصطفى صلى الله عليه وسلم وودعه، وقال: {صلينا الظهر يوم الخميس، فرفع رسول صلى الله عليه وسلم ستار غرفته، فرأينا وجهه كأنه ورقة مصحف، فما رأيت وجهه بعد تلك المرة إلى الآن} ولكن سوف يراه يوم القيامة إن شاء الله: بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا

حكم استخدام كلمة الويل ونحوها

حكم استخدام كلمة الويل ونحوها رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يسوق بدنة -وهي الناقة- وتطلق تَّجوزاً على الجمل، والرسول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح رآه في طريق الحج يسوق البدنة، فقال: اركبها، وهل عند الناس أو عند العرب أن يركب الرجل ناقته أو جمله، ليس بحرام وهم مجمعون على ذلك في جاهليتهم وإسلامهم، لكن هنا كلام مقدر معناه: بدنه أهداها للحج، والناس أول الإسلام تحرجوا من أن يهدي أحدهم للحج أو لله عز وجل ثم يستخدم هذا الشيء، كالناقة والجمل، كيف يركبها وقد أهداها؟! فقال عليه الصلاة والسلام: (اركبها) فتحرج الرجل، أي ورع هذا يتورع والرسول صلى الله عليه وسلم أفتاه؟! في السيرة أن أعرابياً أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: سعيت قبل أن أطوف، لأن الأصل الطواف قبل السعي، وعند أبي داود بسند جيد عن أسامة بن شريك: قال رجل: يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف، قال: افعل ولا حرج. فذهب يتأكد من عمر رضي الله عنه، فسأله، قال: افعل ولا حرج، قال: صدقت، قال: ولم؟ قال سألت الرسول عليه الصلاة والسلام فأخبرني كما أخبرتني. قال: خررت من يديك، تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تسألني؟! إن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قال وأفتى وإذا سن فمن يتأمل وراء السنة فقد جاوز السنة، ولذلك ما أتى إنسان يتأمل عند السنة ويتعمق إلا خرج من السنة، فبعض الناس يخرجون في الطول، وبعضهم يخرجون في العرض، إما رجل كسلان متبذل، مل من لباس السنة فخلع التاج فلا يستطيع، وأخذ يستهزئ، وإما إنسان تَّربى بها وظن أنه لا سني في الأرض إلا هو، فزاد وعمقه الشيطان فخرج منها، وأحسنهم من اعتدل واقتصد وسار على منهجه صلى الله عليه وسلم.

أصل كلمة (ويلك)

أصل كلمة (ويلك) قال: اركبها قال: إنها بدنة، قال: اركبها قال: إنها بدنة، قال: اركبها ويلك! قالها صلى الله عليه وسلم تذمراً. (وويلك) أصلها: وي، أي تعجباً من هذا الفعل، قال سيبويه: فلما نطق بالكلمة أراد العرب أن يقفوا على ساكن، فقالوا: ويلك، فزادوا اللام والكاف. ونحن لا نختلف الليلة مع البصريين ولا مع الكوفين وإنما قالها صلى الله عليه وسلم، فيجوز لنا أن نقولها عند التذمر والتحسر، وعند عدم الارتياح للشيء، لأن ألفاظنا لا بد أن تقيد، هل قالها صلى الله عليه وسلم؟ هل وردت فنقولها أم لا نقولها؟ نحن أمة توقيفية تشريعية، تأتي بنص وتتكلم بنص، وتقوم بنص وتجلس بنص، فإذا تجاوزت عن ذلك فهو البدعة. فمعنى ذلك: أنه لا بأس أن نقولها، لأن بعض الألفاظ نهى عنها صلى الله عليه وسلم، ثم قال: وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً ثم ساق الحديث وهو كالحديث الأول. خذا جنب هرشى أوقفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق لماذا يكرر البخاري الحديث؟ قال الندوي: ربما تفتح له جبهات، أو إلهامات وإشراقات وإبداعات؛ فيكرر الأبواب تكريراً، وهذا عجب من العجاب، فهو له سر يعرفه المتخصصون في هذا الباب.

كلمة (ويحك)

كلمة (ويحك) عن أنس رضي الله عنه وأرضاه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان معه غلام أسود يقال له: أنجشة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ويحك يا أنجشة، رويدك بالقوارير}. الحداء: هو التجلية بالصوت الجميل لتتنشط الإبل عليه، قال ابن عباس: أول من حدا من العرب غلام لـ عبد المطلب جد الرسول عليه الصلاة والسلام، ضربه عبد المطلب فأخذ يبكي، فأخذت الإبل تسرع في مشيها، فاكتشفوا أن الحداء ينشط الإبل على المشي. وفي مناقب ابن الجوزي بسند جيد إلى عمر قال: [[عليكم بالشعر في السفر، فإنه زاد الراكب]]. وكان عمر رضي الله عنه إذا أظلم به الليل، جعل يقرأ القرآن ويبكي حتى السحر، وذلك عند ابن الجوزي وهذا يدلنا على أن الحديث الذي روي عند الطبراني: {من أنشد بيتاً بعد صلاة العشاء لم تقبل له صلاة تلك الليلة} حديث باطل لا يصح كما نبه عليه أهل العلم، وهو يناقض أصول الإسلام وقواعد هذا الدين، قبل أن يكون ضعيفاً في السند. الرسول عليه الصلاة والسلام كان في غزوة خيبر، فقال: ألا ينزل عامر بن الأكوع يحدو بنا، يريد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يروح على أصحابه، شريعة متكاملة، فيها كل ما يريده الإنسان، لكن في حدود المباح والحلال لا تتعدى إلى الحرام.

التخصص في الإسلام

التخصص في الإسلام وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقبل أهل التخصصات في تخصصاتهم، الشاعر له مكانه، والفقيه له مكانه، والأصولي له مكانه، والمجاهد كذلك، ولكنه صلى الله عليه وسلم وظف هذه المواهب والعقليات بأمكنتها، فما أعطى هذا حق هذا. فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60]. أتى خالد بن الوليد، فما هو تخصصه؟ هل تخصص خالد صاحب البنية والشجاعة والبسالة والإرادة والقوة العسكرية أن يجلس يقسم الفرائض بين الجدة والعمة؟ لا. أنت يا خالد! سيف من سيوف الله، سلك الله على المشركين، مهمتك أن تفصل الرءوس من أكتافها. زيد بن ثابت: عقلية عينية منظمة {أفرضكم زيد}. علي بن أبي طالب: صاحب قضاء وبراعة أصولية في عقله، قال: {أقضاكم علي بن أبي طالب. } أبي بن كعب: سيد القراء، الذي قرأ عليه صلى الله عليه وسلم بأمر الله من فوق سبع سموات كما في صحيح مسلم، نزل جبريل فقال: {يا رسول الله إن الله! أمرني أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:1] فذهب صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه، فذهب صلى الله عليه وسلم كما يذهب الفاضل إلى المفضول فقرأ عليه، فقال: يا رسول الله! أمرك ربك بهذا؟ قال: نعم، قال: وسماني بالملأ الأعلى، قال: والذي نفسي بيده لقد سماك} ثم أخذ يبكي، أي: عظمة أن هؤلاء البدو يسمون عند الله مع الملائكة في الملأ الأعلى، يطلع الله على جنود السموات ويقول الله: أبي بن كعب، يقرأ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا اليوم. أيَّ أمة هذه الأمة التي خرجت من بين التراب ومن الصحراء لا تعرف شيئاً ولا تفهم ولا تعي، إلى أن يصبح يتحدث بها فوق النجوم، سبحان الله! فلذلك كان عليه الصلاة والسلام يعطي أهل التخصصات تخصصاتهم. يأتي حسان رجل قافية، شاعر نجيب، وزارة أعلام متنقلة! فخصصه صلى الله عليه وسلم في الشعر، وقرَّب له المنبر، وقال: {اهجهم وروح القدس معك}. وأبو بكر ما هو تخصصه؟ أما أبو بكر فهو شيخ مجاهد، أبو بكر هذا متكامل عظيم، ترجم له ابن القيم، ثم وقف، وقال: من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول أما جسمه فنحيل، وأما بنيته فضئيلة؛ لكنه أول الذاكرين، وأول الزاهدين، وأول الصائمين، وأول المتصدقين، نزلت عليه أبواب الخير، ويدعى يوم القيامة من أبواب الجنة الثمانية جميعاً.

حديث أنجشة

حديث أنجشة كان له عليه الصلاة والسلام غلام أسود يحدو يقال له: أنجشة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويحك!) هذا شاهد البخاري، استخدم كلمة (ويحك) إذا غضبت على ابنك أو من تمن عليه، فتقول: ويحك! لكن لها نسبيات، ولها ظروف واحتياطات. لا تقول لكل أحد من الناس: ويحك! ولا تُستخدم لنقول: إنها سنة، وتطبيق السنة في بعض هذه المواضع تأتي من الجهل بالأحاديث، أن تأتي إلى عالم شهير أو كبير في السن أو سلطان، وتقول وأنت تخاطبه: ويحك! فإذا قال: مالك؟ قال روى البخاري بسند صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـ أنجشة: ويحك! لا تقبل الأسانيد الصحيحة في هذا المكان، يصبح هذا من الاستنباط المهجور الذي لا ينبغي أن يحكم في هذه القضايا، قال: (ويحك يا أنجشة). أنجشة صوته جميل، ترنم وأرسل نغمته على هيئتها، فأخذت الإبل تهرول. شأن هذه الإبل عجيب! وقد تكلم عنها الجاحظ في كتاب الحيوان وأتي بخصوصيات الإبل، ولذلك رد الله أفكارهم وأنظارهم للإبل، فقال لهم: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] أما هناك فيلة؟ أما هناك طواويس ووز وبط؟ نعم. لكن الجمل شأنه غريب؛ فإنه أخذ خمسين صفة من خمسين مخلوقاً، من الجرادة، ومن الإنسان، والظبي، والذئب، والفرس، ومن كل مخلوقات الله؛ فهو عجيب الخلقة. ومن خصوصياته: أنه حقود، تقول العرب: أحقد من الجمل. فإذا حقد عليك الجمل لا ينسى حقده سنوات، وبعض الناس يبقى بحقده، فيظلم حقده بالحسنات، تحسن إليه كل الدهر ثم تسيء إليه في ساعة، فيخلع هذه الحسنات ويغمرها في بحر السيئات، ويحقد عليك كما يحقد الجمل. ومن ميزته: الصبر، وهذا شيء شريف ينبغي للإنسان أن يأخذه من الجمل، فإنه يسير الأيام والليالي الطوال ويصبر على الجوع والعطش، والمؤمن أولى بذلك، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يمدح بالصبر على الجوع والعطش، أرسل شببة كلهم مترفون، فذهبوا إلى ساحل البحر في جهينة، فلما مستهم الشمس تركوا القتال، وأتوا بحفظ الله ورعايته إلى المدينة، فقال عليه الصلاة والسلام: هل قاتلتم؟ -وأصل الحديث في مسلم - قالوا: لا يا رسول الله، قال: مالكم؟ قالوا: جعنا وظمئنا، قال عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده لأرسلن معكم رجل أصبر على الجوع والظمأ} فمن أرسل؟ أرسل عبد الله بن جحش القرشي الشاب الذي قتل في أحد، وهو أول من قاد سرية في الإسلام. قال سعد بن أبي وقاص -وهذا الحديث أورده الغزالي في الإحياء بسند منقطع، لكن وصله الأئمة في كتبهم -لما حضرنا أحداً قام عبد الله بن جحش فرفع يديه، وقال: اللهم إنك تعلم أني أحبك-. وهذا من التوسل بأفضل العمل؛ يقول عمر [[يا سعد، سعد بن أبي وقاص، إياك لا يغرنك قول الناس: إنك خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، وأقربهم إليه أطوعهم له]]. قال: [[اللهم إنك تعلم أني أحبك، اللهم لاق بيني وبين عدوٍ هذا اليوم شديد حرده، فيقلتني فيك، فيبقر بطني، ويجدع أنفي، ويفقأ عيني، ويقطع أذني، فإذا لقيتك يا رب قلت: مالك؟ لماذا فعل بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب، يقول سعد: فوالله الذي لا إله إلا هو ما انتهت المعركة إلا وقد رأيته مبقور البطن، مجدوع الأنف، مفقوء العينين، مقطوع الأذنين، فسألت الله أن يُلِّبي له ما سأله]].

التعريض والكناية

التعريض والكناية فلما أخذ أنجشة يحدو أخذت الإبل تسرع بالنساء (والقوارير) كنى بها عن النساء صلى الله عليه وسلم تلطفاً، وهذا من حكمة الرجل الأريب، ألا يظهر الأسماء دائماً في المجالس، أنت يا فلان كيف حال ابنتك فاطمة؟ وحال ابنتك زينب؟ وأختك أروى؟! لأن هذه إظهارها، هي وجدت في السيرة والسنة لاننكر هذا وقد اشتهرت عالمات صحابيات لكن للظروف والاحتياطات وضع الحكمة في مكانها. أحد العقلاء وأظنه ابن هرثمة القائد دخل على الخليفة المهدي، وكانت امرأته اسمها الخيزران وهي جارية، وكان بيد هذا القائد العظيم خيزران، والخيزران هذا شجر يؤخذ منه الرماح كما يقول زهير: وهل ينبت الخطي إلا وشيجه ويغرس إلا في مغارسه النخل فدخل وبيده خيزران، فقال له الخليفة: ماذا؟ قال: هذا شجر يؤخذ منه الرماح، هو يعرف أنها خيزران، لكن كنى، فأعطاه جائزة وشكره على هذا، ومن الأدب أن يقال: كريمة فلان، قريبة فلان، وإلا إذا ورد للحاجة فلا بأس بإظهار الاسم.

فوائد من حديث أنجشة

فوائد من حديث أنجشة قال عليه الصلاة والسلام: {رويدك بالقوارير} أي: رفقاً بها لا تنشد كثيراً، فتهرول الجمال، فتسقط القوارير من على الجمال، قال أهل العلم في هذا الحديث، مناح ثلاث:

الغناء فتنة وفجور

الغناء فتنة وفجور أما معنى الحديث هو ألا تفتن قلوب النساء بالغناء، فإنهن من أفتن خلق الله إذا سمعن الغناء، ولذلك فإن فسق وفجور فاحشة المرأة إذا سمعت الأغنية، ومعناها: أنها تخلت من الحدود والستر إلا إذا عصمها الله وتابت. والأغنية تبني في قلب المرأة صروحاً وقصوراً من الفسق والظلم والفجور والعياذ بالله. والأغنية تترك المرأة متبرجة سافرة سافلة رخيصة حقيرة. فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: رويدك! أي: احذر، أما تعلم أن أمامك نساء يفتتن بالنغمة، المرأة قد تفتتن بصوت الخطيب والمتكلم، فما بالك إذا كان هناك وتر وناي، ودف، وطبل، ونغمة ساحرة؟! معناها: الفتنة العظيمة. وهل أفسد مجتمعاتنا إلا الغناء؟! وهل حبب الزنا إلا الغناء؟! وهل شيب البيوت وهدمها إلا الغناء؟! وهل أرسل النظرات وفتك بالقلوب إلا الغناء؟! وهل أخرج القرآن من البيوت وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا الغناء؟! هذا أمر وارد لذلك لا نلوم شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الاستقامة إذا سال قلمه في مسألة الغناء.

معنى: رويدك بالقوارير

معنى: رويدك بالقوارير والمنحى الثاني: معنى {رويدك بالقوارير} أي: لا تسقطهن من على الجمال كما ذكرت، وقيل: رويدك بالقوارير، أي: احذر أن تقترب منهن فإنهن فتنة. السباعي الداعية السوري، ذهب إلى مكان من الأمكنة في البلاد الإسلامية، فقام يتكلم، فقامت امرأة من آخر الحفل -وبينه وبينهن حجاب، وأظنه عرف أنها سمينة بدينة- فقالت: مالك يا أيها المحاضر أنت لا ترفق بنا والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {رفقاً بالقوارير}. فقال وكان لماعاً ذكياً: نعم الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لـ أنجشة رويداً بالقوارير، لكن لو رآكن قال: رويداً بالبراميل، وهذا معروف! فقامت مرة ثانية وقالت: كيف يقول صلى الله عليه وسلم: إنهن ناقصات عقل ودين، ومنا المسئولات والوزيرات والمرشدات. فقال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: في عهده وفي فترته: إنهن ناقصات عقل ودين، وأما أنتم فلا عقل ولا دين، لكن ما زال للخير بقية إن شاء الله، وفي المجتمعات من يحمل هذا العبء، ذكوراً وإناثاً بحوله وقوته.

الثناء والتشجيع

الثناء والتشجيع وعن أبي بكرة رضي الله عنه، قال: أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم: فقال {ويلك! قطعت عنق أخيك ثلاثاً، من كان منكم مادحاً لا محالة، فليقل: أحسب فلاناً والله حسيبه} هذا فيه قضية المدح، ما حدها وصفتها؟ وما المطلوب منها والمذموم؟ أما المدح: فهو الإطراء بخصال الخير في الرجل أو في الأجناس والأشخاص، ومدح الله عباده في القرآن لأنه أمر تربوي لا بد منه. والرجل الذي يعيش في بيته دون أن يرسل بعض الكلمات التشجيعية والمدح والإطراء لأبنائه، معناه: أنه يثبط الفضيلة ويطفئ النور في قلوبهم، لا يسمع الطفل والابن دائماً إلا التبكيت والتعنيف، لا يسمع كلمة: يا ذكي، يا أيها المصلي، يا أيها الخيِّر، يا أيها البارع، يا أيها المطيع البار حفظك الله ورعاك! كم فيك من خصال الخير! إن هذه الكلمات كفيلة بأن تؤثر أكثر من الدراسة والتأنيب والصوت، وهذا أمر جعله الله في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. يقول: الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ويقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. وقد مدح الله الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.

شروط المدح

شروط المدح أما شروط المدح فثلاثة:- الشرط الأول ألا يكون فيه كذب: وأكذب الناس من مدح الناس بالكذب من أجل الدنيا، وأكثر ما يضطر الإنسان للمدح من أجل الدنيا، أما الدين فلا يحتاج الناس أن يمدحوا. هل تمدح رجلاً وتكذب عليه ليصلي الليل أو ليقرأ القران؟! إنما يكذب في المدح من أجل الدنيا، فالكذب إذا وجد في المدح فهو محرم. الشرط الثاني: عدم الغلو فيه أن ترفع الممدوح أكبر من منزلته، قال تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3] فتطري الرجل بما فيه من الخير؛ ولكن احذر أن تسكب عليه إطراءات لا تليق به، تأتي وتقول: يا فاتح الدنيا، يا عين الزمان، يا قبة الفلك، يا من جعله الله من العشرة المبشرين بالجنة، يا من بايع رسوله تحت الشجرة، فيغرق وينسى نفسه، والمدح هذا سُكار مثل الخمر، إذا أصاب العقل أسكره. الشرط الثالث: ألا يكون في الوجه: فإن المدح في الوجه هو الذم، لكن استثنى أهل العلم من ذلك أمور: منها أنه إذا عرف من زهد الرجل وإيمانه ويقينه أنه لا يتضرر، وأنه أصبح فيه رسوخ وثقل فلا بأس أن تذكر فيه فضائل، لأننا إذا غمطنا فضائل الناس، وجحدنا فضائل المرموقين والعلماء والأخيار والدعاة والشهداء والمجاهدين، فمعناه: أننا ساوينا بين الناس جميعاً! لا والله. كان الرسول عليه الصلاة والسلام ينزل الناس منازلهم، ونحن أمة نقول للمحسن: أحسنت، وللمسيء أسأت: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36] خطأ لا يجعل هذا كهذا، لكن ننزلهم منزلتهم.

مدح النبي لبعض أصحابه

مدح النبي لبعض أصحابه الرسول عليهم الصلاة والسلام مدح أناساً في وجوههم؛ أتاه أشج بن عبد القيس مع وفد الأحساء الذين قدموا من البحرين، قال صلى الله عليه وسلم وقد رآه حليماً وقوراً: {إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة، قال: أشيء جبلني الله عليه أم تخلقت به؟ قال: بل جبلك الله عليه، قال: الحمد لله الذي جبلني على خلق يحبه الله ورسوله} والحديث في صحيح مسلم. فالرسول صلى الله عليه وسلم مدحه بما فيه، والرسول صلى الله عليه وسلم أثنى على كثير من الصحابة، وهذا أمر تربوي. يبقى أبو بكر في حياته يكدح ويكدح لوجه الله، لكن لا يلقى ولو بسمة، لا يلقى ولو ثناء، لا يلقى ولو وساماً من الإطراء أمام الناس، يقول عليه الصلاة والسلام وهو على المنبر: {لو كنت متخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن صاحبكم خليل الرحمن} ويقول: {ما واساني أحد بنفسه وماله كما فعل أبو بكر} يقول: {سدوا كل خوخة -وهي الباب المشرف أو النافذة- إلا خوخة أبي بكر} وأثنى عليه، يقول: {أما أنتم بتاركي لي صاحبي} تكلم في عرض أبي بكر في مجلس، فرفع الأمر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فأنكره. وقال في عمر: كما في صحيح البخاري {عرض عليَّ الناس وعليهم قمص منها ما يبلغ الثديين ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب، وعليه قميص يجره، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال الدين} وقال في البخاري: {أريت في المنام كأني أشرب من لبن حتى رأيت الري يدخل في أظفاري، فأعطيت فضلتي عمر بن الخطاب فشربها، قالوا: ما أولت ذلك يارسول الله؟ قال: العلم} فهو يثني عليه لأنه لا بد من هذه الأمور في المجتمع، ولا بد أن يعرف للمحق حقه، ولا بد أن يبكت الفاجر بفجوره لينتهي. أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {ويلك! قطعت عنق صاحبك} ومعنى قطع عنقه: أي أنه فتنه فلا يفلح بعدها، واغتر وأعجب بنفسه، وقيل معناها: قطع عنقه، أنه قطعه من مواصلة هذا الشيء، لأن بعض الناس يحبط بالمدح إذا أكثر عليه، وبعض الناس إذا قبَّل رأسه ظن أنه بلغ منزلة الولاية ووصل المطلوب. ألا بلغ الله الحمى من يريده وبلغ أكناف الحمى من يريدها فالناس لهم مطالب ومقاصد، وأعظمهم مطلوباً هو من يرضي الله عز وجل. ابن تيمية الجهبذ، العلامة مجدد ألف سنة، دخل على ابن قطلوبغا السلطان، فقال له: يـ ابن تيمية! يزعم الناس أنك تريد ملكنا، فضحك ابن تيمية، وقال: ملكك؟! قال: يقولون ذلك، قال: والله ما ملكك وملك آبائك وأجدادك يساوي عندي فلساً. ابن تيمية يريد جنة عرضها السموات والأرض، يريد رضا الله، ولما وضع في القلعة وأغلق الباب عليه، تبسم وتلا: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13].

تقسيم الغنائم واعتراض الخارجي

تقسيم الغنائم واعتراض الخارجي عن أبي سلمة والضحاك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، قال: {بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم ذات يوم قسماً، قال: فقال: ذو الخويصرة -أي: التميمي - يا رسول الله! اعدل}. سبحان الله! يقول لمعلم الخير وأعدل الناس وأتقى الناس: (اعدل) إنها كلمة تنهد منها الجبال، وتتقصم بها الظهور، ويندى منها كل جبين يؤمن بالله واليوم الآخر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {ويلك! من يعدل إذا لم أعدل} صدق عليه الصلاة والسلام، أين توجد العدالة إذا لم توجد عنده؟! وأين توجد التقوى والخشية والوضوح والإنصاف إذا لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم؟! ما بعد شريعته إلا الظلم والفشل والانهزامية والتقهقر. قال خالد: ائذن لي فأضرب عنقه، قال: {إنا لا نقتل من يصلي، ثم قال: يخرج من ضئضئ هذا رجال يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر قذذه فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم، يخرجون على حين فرقة من الناس، آيتهم رجل إحدى يديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، قال: أبو سعيد أشهد إني لسمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهد أني كنت مع علي حين قاتلهم فالتمس في القتلى، فأتي به على النعت الذي نعت النبي صلى الله عليه وسلم}. خلاصة القصة أو بسطها في غير هذا النص من الحديث بجمع الزيادات. كان الرسول عليه الصلاة والسلام بعد غزوة حنين يقسم الغنائم بين الناس، وكان يعطي وجوه القبائل لأمور يعلمها الله عز وجل، منها التألف ليدخلوا في الدين، فدخولهم في الدين مصلحة عظيمة للإسلام؛ لأن بعض الناس إذا دخل في الدين دخل معه ألوف، ويترك الرسول عليه الصلاة والسلام بعض الناس لما جعل الله في قلبه من الإيمان واليقين والسكينة. قام عليه الصلاة والسلام خطيباً في الناس فقال: {يا أيها الناس! والذي نفسي بيده إني لأعطي بعض الناس لما جعل الله في قلبه من الهلع والجزع، وأدع بعض الناس لما جعل الله في قلبه من الخير منهم عمرو بن تغلب، قال عمرو: كلمة والله ما أريد لي بها الدنيا وما فيها}. فأتي صلى الله عليه وسلم يفعل بالغنائم على هذا المنوال فيترك الصحابة ووجوه أهل الهجرتين، والبيعتين، والعقبتين، وأعطى أناساً ما تمكن الإسلام في قلوبهم، أعطى هذا مائة ناقة وهذا مائة، وفي الأخير تذمر الناس من هذا، فهم بشر يصيبهم الضعف، فاجتمع الأنصار، لكن اجتماعهم كان عقلاً وتؤدة وسكينة وحكمة، لا كالخارجي المقطوع من حبل الله، فاجتمعوا في مكان بعد أن أمرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك، بعد أن سمع أنهم يقولون: غفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي أولئك وسيوفنا تقطر من الدماء ويدعنا، وقال عليه الصلاة والسلام لسيدهم سعد بن عبادة: يا سعد! أين أنت من هذا الكلام؟ قال: أنا من قومي -أي: أنا أقول مثل ما قالوا- قال اجمع لي قومك، فاجتمع الأنصار جميعاً، ثم أتى أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، وأشرف عليهم بوجهه الطاهر المنور، فخطبهم خطبة ما سمع الدهر بمثلها، فقال: يا معشر الأنصار ما مقالة سمعتها منكم؟ قالوا: هو كما سمعت يا رسول الله حق -هذا مجلس مناصفة ومحاقة وحوار صريح- قال: يا معشر الأنصار! أما أتيتكم ضلالاً فهداكم الله بي، قالوا: المنة لله ولرسوله. قال: أما أتيتكم متفرقين فجمعكم الله بي؟ ثم لما انتهى قال: يا معشر الأنصار! والذي نفسي بيده، ولو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم: أتيتنا طريداً فآويناك، وفقيراً فأغيناك، وشريداً فناصرناك، أو كما قال، قالوا: المنة لله ولرسوله، فرفع صوته صلى الله عليه وسلم وقال: {يامعشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتعودون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم، والله لما تعودون به خير مما يعود به الناس، والله لو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعب الأنصار، الأنصار شعار والناس دثار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار} فبكى الأنصار. وخرج عليه الصلاة والسلام ورجع إلى الغنائم؛ لأنه قد حل هذه المشكلة، لأنه يتكلم مع فقهاء، وعلماء، وعقلاء.

الكلام في عرض النبي وأتباعه من الدعاة

الكلام في عرض النبي وأتباعه من الدعاة ولما قسم صلى الله عليه وسلم وهو جالس أتى ابن مسعود فناجاه في أذنه عليه الصلاة والسلام، فتغير وجهه صلى الله عليه وسلم حتى أصبح كالصفر، قيل كالنحاس إذا تغير، ثم قال عليه الصلاة والسلام: {رحم الله موسى أوذي بأكثر من هذا فصبر} تكلم في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، قالوا: لا يعدل في الغنائم. وقضية أن يعيش الإنسان المسلم الموجه للخير، العابد الزاهد المستقيم بدون خدش لعرضه مستحيل، فقد طلب موسى عليه السلام -كما في الآثار الإسرائيلية بأسانيد لا بأس بها- من الله عز وجل يوم كلمه ألا يتكلم الناس في عرضه، فقال الله عز وجل: يا موسى! ما اتخذت ذلك لنفسي، إني أرزقهم وأعافيهم، وإنهم يسبونني ويشتمونني. وفي صحيح البخاري، عن أبي هريرة: {يقول الله عز وجل: يشتمني ابن آدم ولا يحق له ذلك، ويسبني ابن آدم ولا يحق له ذلك، أما شتمه إياي فيقول: إني اتخذت صاحبة وولداً، وأنا الله لا إله إلا أنا ما اتخذت صاحبةً ولا ولداً، وأما سبه إياي فيسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار كيف أشاء}. فما دام أن الله ما سلم من ألسنة البشر، فكيف يسلم الإنسان من ألسنتهم؟! قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69] كلما تكلم في عرضك رفعك الله، وهذا ابتلاء يحصل لكثير من الناس، فالرسول صلى الله عليه وسلم تكلم في عرضه، فسكت وقال: {رحم الله موسى أوذي بأكثر من هذا فصبر، قال ابن مسعود: لا جرم، والله لا أرفع كلمة بعدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم}. وفي حديث سنده حسن يقول صلى الله عليه وسلم: {لا تحدثوني عما يقول أصحابي، فإني أريد أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر} إن إسكات الكلمات، وإنهاء المشاكل، وعدم النميمة هي حل وصفاء للقلوب بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فقام عليه الصلاة والسلام يقسم وهو أعدل الناس بحكم الله عز وجل وتوفيق الله من فوق سبع سموات، فأتى هذا الخارجي الذي ما فقه في الدين شيئاً ليقول له: اعدل.

علامات الخوارج

علامات الخوارج يمتاز الخوارج كما يقول ابن تيمية وغيره من أهل العلم بأمور خمسة: العلامة الأولى التكفير بالذنوب: يكفرون عباد الله بالكبيرة، فيخرجون الزاني عن الإسلام، وكذا شارب الخمر، ومنهج أهل السنة والجماعة ألا نشهد لأحد بجنة ولا بنار إلا لمن شهد له الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا من المسلمين أما الكفار ففي النار، ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، فمن شهد أن لا إله إلا الله، وأتى بالذنوب فنخاف عليه العقاب لكنه لا يكفر، فمنهجهم التكفير، وهذا أول ما تخصصوا به من بين الفرق والطوائف، وهو ضلال عجيب. العلامة الثانية: لا يأخذون من السنة إلا ما وافق ظاهر القرآن: إذا وافق ظاهر القرآن أخذوا به كما يقول ابن تيمية وإذا خالف فلا يأخذون به، فهم أبطلوا كثيراً من نصوص السنة، ولذلك الرجم ما وجدوه في كتاب الله فتركوا الرجم، فلا رجم عند الخوارج. والخوارج لما رأوا هذه المسألة ليست في القرآن تركوها، والآية التي تدل على هذه المسألة هي مما نسخ المسألة مما نسخت تلاوة وبقي حكماً، وقس على أمثالها. حاكمهم عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد، المجدد في القرن الأول، فقال: مالكم لا تأخذون بنصوص السنة؟ قالوا: القرآن متواتر، وأما السنة فأحاديث آحاد ويدخلها الكذب والوضع، قال: ائتوني بعدد ركعات الظهر من القرآن، فسكتوا، قال: ائتوني بأنصبة الزكاة من القرآن فسكتوا، قال ائتوني بالمفطرات للصائم من القرآن؟ فسكتوا، ورجع منهم فئام كثير. العلامة الثالثة: التشديد في العبادة على حساب الفهم: هذا الدين هو دين عبادة، ودين اتصال بالله ونوافل، لكن لا يكون ذلك على حساب الفهم، وفي سنن ابن ماجة بسند جيد موقوفاً عن ابن عباس رضي الله عنهما: [[فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد]]. الإسلام هو العلم، قال الله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] وإذا سمعت أحداً من الناس يهون من شأن العلم فإنما يثلم الإسلام، ويهدم بمعوله الإسلام، ويهون من شأن رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام. والمذموم في النصارى: أنهم عبدوا الله بالجهل، وهذا ما وقعت فيه بعض طوائف الأمة كغلاة الصوفية، قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} [الحديد:27]. والمذموم في اليهود: أنهم علموا ولكن ما عملوا بعلمهم، قال الله عنهم: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13]. العلامة الرابعة: أنهم يقاتلون أهل الإسلام، ويتركون أهل الأوثان، قتلوا عبد الله بن خباب على نهر دجلة، وتركوا نصرانياً، ذلك أنه مر من الطريق فأخذ أحد الخوارج من بضاعته تمرة ثم سأل علماء الخوارج الذين هم جهلة، قال: أنا أخذت تمرة نصراني فهل يحق لي ذلك؟ قال: استغفر الله، ويلك من الله، تب إلى الله، وعد واستسمح منه لأنه من أهل الذمة، ثم أتوا عبد الله بن خباب أحد الصحابة، فقالوا: أتوافق علي بن أبي طالب؟ قال: نعم، فذبحوه على نهر دجلة، وهذا من سوء الفهم. العلامة الخامسة: الخروج بالسيف على الأئمة بلا مكفر، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما في صحيح مسلم: {إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان}.

الخوارج ومقتل علي رضي الله عنه

الخوارج ومقتل علي رضي الله عنه ونعود إلى ذلك الخارجي مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: اعدل، قال: {ويلك!! ومن يعدل إذا لم أعدل} قال خالد: ائذن لي فلأ ضرب عنقه. خالد رضي الله عنه جاهز لضرب الأعناق، وهو لا يتوقف أبداً ولو أمره صلى الله عليه وسلم أن يضرب العشرات لضربهم بأسهل ما يمكن وهو يقول ويفعل رضي الله عنه وأرضاه، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بعيد النظر، وإن هذا الرجل لو قتل لارتد أناس من البشر ومن القبائل وما اهتدوا إلى الله عز وجل، وقال: لا إن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم. عبد الرحمن بن ملجم وكان خارجياً، وهو الذي قتل علياً، صلى في الليل حتى أصبحت جبهته كركبة العنز، ولا يفهم من هذا أننا نهون من شأن الصلاة، إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة لكن على الكتاب وعلى السنة، عبادة على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم، أصبحت جبهته كركبة العنز من كثرة العبادة، وختم حياته بالمأساة الكبرى قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وأتي به إلى علي، قال علي: ويلك أقتلتني؟ -وعلي ما زال في سكرات الموت- قال: نعم! أردت أن أتقدم بأفضل عمل، وقد نذرت ذلك لله عز وجل، وقد سممت هذا السيف شهراً كاملاً حتى أصبح أزرق، وحلفت لأقتلن به شر الناس، قال علي بن أبي طالب: فوالله إنك شر الناس، ولا تقتل إلا بسيفك هذا، فأول ما فعل أن قتل به، وقصته طويلة، ولكن المقصود أنهم كانوا مع كثرة عبادتهم لا يفهمون الإسلام، ولا يتفقهون في دين الله عز وجل، قتلهم علي رضي الله عنه، وهذا من حسناته ومواقفه الكبرى، وهو مؤيد منصور بإجماع أهل العلم سلفاً وخلفاً.

حديث الأعرابي في السؤال عن الساعة ومكانة الحب

حديث الأعرابي في السؤال عن الساعة ومكانة الحب ثم قال البخاري رحمه الله تعالى: عن قتادة، عن أنس أن رجلاً من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: ويلك! وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام إلا أني أحب الله ورسوله، قال: المرء مع من أحب} فقال أنس: ففرحنا يومئذٍ فرحاً شديداً. هذا الحديث يدور حول الحب، والحب حياة وطموح وجمال وقوة واستبسال، والحب تفَّوق وإقدام وبسالة، والحب عظمة وشموخ وعبقرية. الحب يقع على الماء فيصبح زلالاً، وفي الهواء فيصبح عبيراً، وفي الروض فيصبح ناطقاً، وعبادة بلا حب طقوس لا تنفع، وتلاوة بلا حب تمتمة، ودعوة بلا حب كلام وهدر، حب لمن؟ لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم. كان صلى الله عليه وسلم يتكلم للناس على المنبر، وكان أمامه علماء الإسلام ونجومه وأخياره، فأتى هذا الأعرابي الذي لا يعرف من الأجر شيئاً و {من بدا جفا} -كما في الحديث الذي تُكِّلم فيه؛ لكنه يقبل التحسين- فقال: يارسول الله! متى الساعة؟ والرسول لا يعطي حقوق الكثرة للقلة، أمامك جمع من الناس، وفئام تحدثهم، ألف رجل من الأخيار الأبرار تعبوا وحضروا، وتقطعهم من أجل طارئ، أتى يأخذ مسألته ويطير! فاستمر عليه الصلاة والسلام في كلامه، فقال بعض الناس: سمع ما قال فكرهه؟ وقال بعض الناس: بل لم يسمع؟ فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: أنا يا رسول الله، فالرسول عليه الصلاة والسلام أنكر عليه السؤال، ولكنه أراد أن يسأل عما أعد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وما أعددت لها؟ أما سؤالك فليس بوارد، لا يعلم قيام الساعة إلا الله، لكن ماذا أعددت لها؟ فقال الرجل وكان فصيحاً: والله ما أعددت لها من كثير صيام ولا صلاة ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: {المرء يحشر مع من أحب} قال أنس في البخاري، فنحن نحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، ولم نعمل بعملهم، ونسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم، ونحن كذلك ما جاهدنا، ولا سفكت دماؤنا، ولا داومنا على قيام الليل، ولا بذلنا أموالنا، ولكن معنا بعد الإيمان أننا نحب الله ورسوله وأصحابه الأخيار، عليه الصلاة والسلام. كتب الإمام الشافعي للإمام أحمد رسالة توَّجها بأبيات، يقول: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة تربية دعوية يقول: تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تُعطَّ طاعة فوصلت الإمام أحمد فردها وقال: تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم قد تناولنا الشفاعة الشافعي قرشي من أسرة الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: أنا من ميزتي ومن حسناتي أني أحب الصالحين، وبعض الناس فيه تقصير، لكنه يحب الصالحين، وبعض الناس فيه خير، لكنه يبغض الصالحين، ويحب الفسقة فهو مع الفسقة، لأن المبادئ والولاء والبراء عقائد، والعقائد أكبر من الأمور التعبدية، العقائد كالجبال إذا رست في القلب أصبحت الحركات على هذه العقائد من زيارات ومن صلات وحب، يقول أبو عبيدة كما في كتاب الزهد للإمام أحمد: [[والله الذي لا إله إلا هو ما رأيت متقياً لله حراً أو عبداً أبيض أو أسود إلا وددت أني في مسلاخه]] هل أجمل في الدنيا من التقى؟ وأنت جرب نفسك وإيمانك، إذا رأيت التقي بهيئته، بلبسه، بحركاته، بمنصبه، وهو تقي لله وأحببته، فهذا لارتفاع حب الله عز وجل في قلبك، أما إذا أحببت الناس على موازين أرضية وأشياء دنيوية، فهو من النفاق والخور الذي في القلب، نسأل الله العافية. يقول الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه: [[تزودوا من الإخوان، فإنهم ذخر في الدنيا وفي الآخرة، قيل: يا أمير المؤمنين! أما في الدنيا فصدقت. لكن في الآخرة بماذا؟ قال: أما يقول الله عز وجل: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] أما يقول الله عز وجل في الكفار لما عُتِبوا قالوا: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:100 - 101]]] لو كان هناك صديق لكان نفع في هذا الموقف الحرج، قال ابن عمر رضي الله عنه في أثر صح عنه: [[والله لوقمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله، ثم وجدت الله لا أحب أهل الطاعة، ولا أبغض أهل المعصية، لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار]]. وبعض الناس يحب الفسقة والفجرة، ويرضى بصنيعهم، ويزورهم ويزرونه على الرحب والسعة، وكأنه ما فعل شيئاً، وهذا لب درسنا هذه الليلة. أما كان صلى الله عليه وسلم يقيم مبادئ الولاء والبراء على هذه الأسس (الحب في الله عز وجل).

حب النبي صلى الله عليه وسلم

حب النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ابن كثير في ترجمة أحد السلاطين أنه كان يحب الله ورسوله، يقول: كان مسرفاً في الخطايا على نفسه، لكن إذا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم دمعت عيناه. بعض الناس يبلغ بهم درجة الحب أنه إذا ذكر الله في مجالسهم دمعت عيونهم، وهذا هو الحب الصادق. ابن تيمية يترجم لبعض العلماء يذكرهم في الفتاوى، يقول: الإمام مالك كان إذا ذكر صلى الله عليه وسلم في مجلسه تغير وجه، وكان زين العابدين علي بن الحسين يصفر وجه إذا ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ لأنه يتذكر أمامه رجل قاد العالم، وأخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأنقذ نفسك عليه الصلاة والسلام، فقال: لما مات هذا السلطان، رئي في المنام، قيل: فما فعل الله بك يا فلان؟ قال: غفر لي مغفرة أخذت ما قرب وما قدم من ذنبي، وأدخلني الجنة، فأنا أطير من شجرة إلى شجرة، قالوا: أما كنت تفعل كذا وكذا؟ -يذكرون أموراً وذنوباً لا يسلم منها الناس- قال: أليس في الحديث الصحيح: {المرء يحشر مع من أحب} قالوا: بلى. وذكر ابن كثير في ترجمة نور الدين محمود زنكي، هذا السلطان العالم العابد، ورحم الله تلك العظام، سادس رجل في العدل، فهو من أعدل الناس بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز، كان إذا انتصف الليل ضربت له الأسوار حتى يقوم هو وحاشيته وأهله يصلون إلى الفجر، هو الذي قتل المغاربة الذين أرادوا أخذ جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم وأتوا من عكا. نور الدين محمود كان يحب الله ورسوله حباً جماً، يقول لأحد الناس وقد حضر مجلس أحد المحدثين: أيذكر عندك الرسول صلى الله عليه وسلم وأنت تتكلم؟! وسمع ضوضاء فغضب وصاح، قال: إذا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يتكلم أحد، وكان يسل سيفه ويقول: أنا خادم للرسول عليه الصلاة والسلام. نور الدين هذا عمل مهرجاناً في دمشق حضره ألوف من الناس، فلما اكتمل الحفل والمهرجان، قام أحد العباد العلماء اسمه الواسطي، فدخل عليه بجبة قديمة زهيدة، وبعصاه، ووقف أمامه، وقال: يا سلطان محمود! يا نور الدين! اسمع! قال: ماذا تقول؟ قال: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إن قيل نور الدين جاء مُسلماً فاحذر بأن تأتي ومالك نور حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور قال: فبكى حتى سقط من على الكرسي إلى الأرض، حتى رش بالماء. ولذلك ليس حب الله ورسوله حجر على أحد من الناس، لا يظن أهل الحديث الذين يقرءون الحديث أنهم فقط هم مظنة الحب، لكن المحبة منثورة في رياض أصحاب الرسول وأتباعه صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال: {المرء يحشر مع من أحب}.

الهجرة

الهجرة أورد البخاري حديثاً فيه كلمة (ويحك) قال أبو سعيد رضي الله عنه وأرضاه: {أتى أعرابياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أخبرني عن الهجرة، قال: ويحك! إن شأن الهجرة شديد، فهل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فهل تؤدي صدقتها؟ قال: نعم، قال: فاعمل من وراء البحار، فإن الله لن يترك من عملك شيئاً}. فالقضية الكبرى في هذا الحديث ليست كلمة (ويحك) فهي مرت وتكررت، لكنها قضية الهجرة والهجرة على ثلاثة أضرب:

أنواع الهجرة

أنواع الهجرة هجرة الكفر، وهجرة المعاصي، وهجرة الواردات والشواغل. فأما هجرة الكفر: فهي إذا ضيق عليك في مكان لا تستطيع ممارسة إسلامك فيه فاخرج من هذا البلد، وهذه واجبه. وأما هجرة المعاصي: فهي هجرة واجبة على كل مخلوق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ومن لم يهاجر بهذه الهجرة، فسوف يبقى في الخطايا والذنوب من أخمص قدميه إلى مشاش رأسه، وهذه الذي نحن بحاجة إليها، ونشكو حالنا إلى الله فيها. وأما هجرة الواردات والشواغل والقواطع: فهذه للأولياء الصديقين السابقين بالخيرات، وهم الذين يقطعون كل قاطع يقطعهم عن الله عز وجل، وهؤلاء قاربوا درجة أبي بكر الصديق، وما بلغوا درجة أبي بكر؛ لكن أصبحوا من الولاية بمنزلة عظيمة. والواردات والشواغل هي كل ما يشغلك عن الله عز وجل، فهم تركوها لوجه الله، وهؤلاء من مثل حنظلة الغسيل، سمع داعي الله عز وجل والهجرة إلى الله من الواردات والشواغل إلى جنة عرضها السموات والأرض وهو في ليلة عرسه، مع زوجته في اليوم الأول، فثار من على فراشه، واخترط سيفه وعليه الجنابة، وهب ليلقى الله عز وجل وقاتل حتى قتل، فأتى صلى الله عليه وسلم بعد قتله بلحظات، يشيح بوجهه صلى الله عليه وسلم، قالوا: مالك يا رسول الله؟ قال: والذي نفسي بيده! لقد رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض بصحاف من ذهب بماء المزن. فهل أرفع من هذه هجرة يوم ترك الدواعي والشواغل؟! إن بعض الناس باستطاعته أن يضحي بصلاة العشاء والفجر أو أي فريضة من فرائض الله، ليدهده ابنته الصغيرة لئلا تبكي على أمها، لأن القلب إذا مات حبسه كل شيء حتى خيط العنكبوت يربطه بسارية من السواري في البيت، أما أولئك فكان لا يحبسهم شيء؛ حتى الحديد يكسرونه، وينفذون إلى جنة عرضها السموات والأرض.

أمثلة على الهجرة

أمثلة على الهجرة من الهجرة: هجرة عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، سمع داعي الله فاخترط سيفه في أحد، وكسر غمده على ركبته، وقال: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى، فقتل وكلَّمه الله كفاحاً، وقال: تمنَّ يا عبدي، قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمنَّ، قال: ترضى عني، قال: فإني قد أحللت عليك رضواني فلا أسخط عليك أبداً -لأنه هاجر- قال: ثم جعل الله روحه وأرواح إخوانه في حواصل طير ترد الجنة فتشرب من مائها، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش. كذلك هجرة عبد الله بن حذافة، دخل على ملك الروم، فقال له ملك الروم: ارجع عن دينك وأعطيك نصف ملكي؟ فضحك ضحكة المعتز الشجاع، المتمكن من دينه، المتيقن بحفظ الله، قال: والله لو أعطيتني ملكك وملك آبائك وأجدادك على أن أعود عن الإسلام طرفة عين ما فعلت. قال: اذهبوا به إلى النار، فأخذوه فوجد إخوانه من الشهداء الأسرى قد ألقوا في قدور تغلي بالماء وقد تفصلت لحومهم عن عظامهم، فبكى عبد الله بن حذافة، فعادوا به إلى الملك. فقال: أتبت من جريمتك؟ جريمة أن يقول: ربي الله، وديني الإسلام. قال: لا والله ولكن أبكي أنه ليس لي إلا نفس واحدة، وأريد أن لي بعدد شعر رأسي أنفساً تعذب في سبيل الله. فقال: والله لا أطلقك حتى تقبل رأسي، فَقَّبل رأسه، وتفل على رأسه، فأطلق له الأسارى فقال عمر: [[حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة]] هذه هجرة الشواغل والدواعي التي تقطع العبد عن الله عز وجل. وأعظم ما يهاجر فيه العبد اليوم إذا سمع داعي الله في الصلوات الخمس، الآن عبادتنا الكبرى الصلوات الخمس؛ لأن هناك جبهات موجودة لكن من لا ينفع هنا لا ينفع هناك، بعض الناس لا يداوم على الصلوات الخمس، ويتحسر في مجلس وقد ملأ بطنه بما لذ وطاب من الطعام، ويقول: يا ليتني في أفغانستان أجاهد في سبيل الله. وأنت لا تصلي في المسجد؟! والله لو كنت في أفغانستان، لكنت أول من يفر وآخر من يأتي من المجاهدين، لأن من لم ينتصر في عالم قلبه لا ينتصر في عالم الأرض، والذي لا يعلي لا إله إلا الله في المجلس، لا يعليها في الميدان ولا في المعركة. أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا رواداً لذا كانوا في الصف الأول، أما أصحاب الصفوف المتأخرة، فلا يأتون إلا متأخرين دائماً: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:37].

الأسئلة

الأسئلة

رواية البخاري عن الخوارج

رواية البخاري عن الخوارج Q كيف يكون حال رجال الخوارج هكذا ويروي لهم البخاري في صحيحه؟ A نعم البخاري روى عن بعض الخوارج، روى عن عمران بن حطان الشاعر الذي مدح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي وقال: يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره يوماً فأحسبه من خير خلق عباد الله ميزانا أو كما قال، وقال عالم أهل السنة يرد عليه: يا ضربة من شقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانا إني لأذكره يوماً فألعنه وألعن عمران بن حطانا أما عمران بن حطان وأمثاله الذين روى عنهم البخاري، فيجاب للبخاري بثلاثة أعذار، ذكر بعضها الذهبي وأبو داود علق على ذلك، الأول: أنه روى عنهم بعد التوبة، ولكن ما أقاموا على هذا القول دليلاً. الأمر الثاني: روى عنهم في أمور لا تتعلق ببدعتهم. والأمر الثالث: وهو الصحيح أن الخوارج من أصدق الناس فهم لا يكذبون أبداً، قرر ابن تيمية في الصفحة الخامسة في مقدمة منهاج السنة: إن من أصدق الناس الخوارج، ومن أكذب الناس الروافض. حتى يقول الشعبي: قاتل الله الروافض، لو كانوا من الطيور كانوا رخماً، ولو كانوا من الحيوانات كانوا حمراً، ثم ذكر صدق الخوارج فهم صادقون لا يكذبون، فيروى عنهم.

تقبيل يد الوالد ونحوه

تقبيل يد الوالد ونحوه Q ما حكم تقبيل يد الأقارب كالوالدين والأعمام والإخوان؟ A هذا إذا كان للاحترام فلا بأس به، ففي الصحيح أن ابن عمر قبَّل يد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن هناك أمور تذكر تحفظاً وهي: أن بعض الناس يفتح هذا الباب على نفسه، وتصبح هناك قداسات، وتصبح أخلاق عبيد وموالي، كأن يأخذ المشايخ والأساتذة يده، ويقول: يا سيدي، يا مولانا، يا بركة الوقت، يا فتح الزمان، هذا لا يقبله الإسلام، هذه جاهلية وخرافة وتقليد لا يقبل. فالمقصود أن الوالد لاحترامه لا بأس أن يقبل يده، والعالم كذلك؛ لكن أجدى أن يبقى التعظيم لله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحمي جناب هذا الباب، ويقول: {لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم} لأنه إذا فتح باب التقبيل والتبعية والإطراء، عظم الأشخاص حتى صاروا أعظم من الله عز وجل، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد ذكر بعض الناس بالتبجيل والإطراء والتعظيم في الأمة أكثر مما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام، وابن السبكي يترجم لأبيه في كما في طبقات الشافعية، فيقول: الإمام الأصولي المحقق، هدية الزمان، بركة الوقت، قبة الفلك، ما بقي عليه إلا أن يقول روح القدس. أما إلى الوالد فلا بأس، أما العالم فلا يفتح هذا الباب ولا لغيره، ويكتفى بالاقتصاد فيه، لتبقى العقيدة سليمة من الثلم.

ما يكتب للإنسان من صلاته

ما يكتب للإنسان من صلاته Q هل صحيح أنه ليس للإنسان من صلاته إلا ما وعاها؟ A نعم. عند الترمذي والنسائي عن عمار رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن من أحدكم من يخرج من صلاته ما له منها إلا عشرها، إلا تسعها، إلا ثمنها} هذه رواية العدد التنازلي. وورد في روايات أخرى: {إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها} هكذا، والأول أصح؛ فالإنسان ليس له من صلاته إلا ما وعى، وحد الوعي هو أن يدري ما يقول في الصلاة، إذا سألته وقلت له: ماذا قرأت بعد الفاتحة؟ قال: إذا جاء نصر الله والفتح، فقد وعى، أما من لا يدري ماذا قرأ الإمام، وما قرأ هو، فهذا ما وعى صلاته وقد ذهب عليه إلا ما وعى منها، فليعلم هذا.

ابن سيناء

ابن سيناء Q ورد عن بعض العلماء في هذه المنطقة أن ابن سيناء كافر ضال، وهناك شيوخ يترحمون عليه؟ A ابن تيمية يقول: ابن سيناء وأمثاله من أفراخ الصابئة، ومن أذناب المجوس، ويقول: إن كان صح عنه ما يقول فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وذكر عنه في كتاب المنطق في المجلد التاسع أنه كان يقول: بعبادة الكواكب وهذا أمر خطير، والذين يترحمون عليه أناس عندهم علم لكنه علم دنيوي، وأهل تكولنوجيا مثل بعض أساتذة الجامعات والمؤسسات، عندهم خير لكن لا يعرفون منهجهم في الدين، فهم يكتبون الأقسام بـ ابن سيناء، والسكن والجامعات، افتخاراً بهذه العقلية، وهو محسوب على الإسلام، ونبرأ إلى الله من كل ضال، وما ندري هل تاب أم لا؟!

كتاب رجال حول الرسول

كتاب رجال حول الرسول Q كتاب رجال حول الرسول لـ خالد محمد خالد؟ A هذا يقوم بالحسنات والسيئات، هذا الكتاب من أحسن الكتب لأمور: أولاً: جودة الأسلوب، فالنصوص والتراجم قدمت في قوالب طيبة، يشكر صاحبها عليها. الأمر الثاني: أنه اختار المواقف الرائعة من حياة الصحابة ولأنها بشيء من الأدب فكانت مؤثرة. الأمر الثالث: أن الرجل يظهر فيه حب لله ولرسوله، لأنك تعرف من قلم الرجل ومن كلام الرجل أنه يحب الله ورسوله، ليس كرجل حاقد على الإسلام يتكلم على الإسلام، حاشا وكلا، أما المآخذ عليه فتؤخذ عليه ثلاثة مآخذ: أولها: أنه تكلم في ترجمة أبي ذر بكلمة ينبغي أن يستغفر الله منها، وثقافته كانت اشتراكية قبل أن يتوب وقد أعلن توبته كما أعلنت ذلك مجلة المجتمع قبل سنوات، فأتى بالكادحين ومسألة العمال، وهذه ما أتت من الشرق، وإنما أتت من ماركس، وموسكو لا من المدينة المنورة، فيحسب عليه ذلك. المسألة الثانية: أنه لم يوثق بعض القصص والأحاديث بل تركها بلا زمام ولا خطام. أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل فعليه أن يقيدها إن أراد أن يكون محققاً. المسألة الثالثة: أنه أضفى بعض التهويل على بعض الأمور، وينبغي أن يكون الإنسان متعقلاً مع الأصالة، فلا يجنح به الخيال إلى أن تكون نصوصه فلسفية. محمد إقبال أخذوا عليه أنه جعل نصوص الدين فلسفة يعرضها في قوالب فلسفية، ونحن عباد ندين الله بأننا مذنبون، والصحابة أخيار وأبرار وفضلاء ونبلاء لكن عندهم ذنوب، وليسوا بدرجة العصمة كالرسول عليه الصلاة والسلام، فقضية أن يأتي بمثل بلال، وأن يجعله كأسطورة لا يذنب ولا يخطئ، ولا يسهو ولا ينسى؛ فهذه درجة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأما الكمال المطلق فهو لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. تكلم الأخ أن بعض العلماء في هذه المنطقة صححوا حديث: {من قرض بيتاً بعد صلاة العشاء فلا تقبل له صلاة ذلك اليوم} نقول هذا العالم يحترم رأيه في هذا، ووصل اجتهاده إلى هذا، وأمر التصحيح والتحسين والتضعيف أمر اجتهادي ومسائل تختلف، وحديث صلاة التسابيح كتب فيه ناصر الدين الدمشقي رسالة التنقيح في صلاة التسابيح، قال: صححه بعض العلماء وحسنه بعضهم، وضعفه بعضهم، ووضعه بعضهم، فليس بغريب أن يختلف في حديث؛ فهو أمر اجتهادي، وأنا كطويلب علم توصلت من دراسة الأسانيد وكلام أهل العلم بأن هذا الحديث لا يصح؛ لأنه ثلم في قواعد الدين وأصول الإسلام. سبحان الله! رجل صائم مصل عابد يقوم الليل، قال بيتاً من الشعر بعد صلاة العشاء فحبط صلاته وصيامه وعبادته، ولا تقبل له صلاة ذاك اليوم. عمر رضي الله عنه كان ينظم الشعر ويقوله بعد صلاة العشاء في السفر. الصحابة كانوا يحدون به بعد صلاة العشاء، والأمر الغريب إذا أتى إلى قواعد مشهورة ليثلمها رددنا هذا الأمر الغريب، فهذا حديث شاذ يقدح في أصول أصبحت كالجبال فلا يقبل. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

كتب في الساحة الإسلامية

كتب في الساحة الإسلامية الكتاب هو مثل الصحاب، يحتاج إلى اختيار. والشيخ قد ذكر في كل فن من فنون العلم أشهر الكتب، وذكر مميزاتها والمآخذ عليها، وحذر من بعض الكتب فاقرأ هذه المادة حتى لا تفوتك هذه الفوائد الجمة.

فوائد مصاحبة الكتاب

فوائد مصاحبة الكتاب إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لله، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته أيها الإخوة الأبرار! طلبة العلم الأخيار! إنه مما يسعدني في هذه الجلسة أن أدخل معكم في المكتبة الإسلامية، وإنَّ أشرف ما يمكن أن نعيش به في الحياة بعد الإيمان والعمل الصالح هو تحصيل العلم وقراءة كتب العلم: يا تقياً والتقى جلبابه وذكياً حسنت آدابه قم وصاحب من هم أصحابه لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل والمكتبة الإسلامية سوف ندخلها هذه الليلة -إن شاء الله- لنقف مع الكتب المشهورة في المكتبة الإسلامية، ونتحدث عن الفنون: الحديث بعد القرآن، والتفسير، والفقه، والمصطلح، وأصول الفقه، والأدب، والتاريخ، والرجال، والسير. ونتحدث -إن شاء الله- عن الشروح والمختصرات؛ كل ذلك على نطاق الاستقراء، وعرض بعض الأمثلة وبعض النقود التي لا تسلم منها كتب البشر. الكتاب الإسلامي النافع المفيد هو أنيسك في الوحدة كما قال الجاحظ، والكتاب يا طالب العلم هو رفيقك في درب الحياة، والكتاب صاحبك الذي لا يخونك ولا ينم عليك ولا يملّك ولا يسئمك ولا يغدرك، والكتاب خير جليس، قال: أبو الطيب المتنبي: أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب فإذا كان جليسك في الحياة الكتاب فأبشر ثم أبشر خاصة إذا كان الكتاب الإسلامي النافع المفيد، وأعظم كتاب طَرَقَ المعمورة، ووجد في الأرض هو كتاب الله عز وجل، وفضائله ومآثره تحتاج إلى دروس ودروس ليست جلسة واحدة، وكفى هذا الكتاب أنه معجز وأنه مؤثر وأنه {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] وقوله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] وقوله عز من قائل: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] وقوله جلت قدرته: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:1 - 4]. إنني أستسمحكم عذراً معلناً عجزي عن عرض فضائل هذا القرآن في مثل هذه الجلسة؛ لأنها لكتب ولمؤلفات البشر، ثم أحيلكم على كتاب الإمام النووي المسمى التبيان في آداب حملة القرآن ذاك الكتاب الضخم، وإلى غيره من كتب أهل العلم، لكن لندخل الآن إلى فوائد الكتاب الإسلامي الذي يرزقك علماً وإيماناً، وحباً وطموحاً. من فوائد الكتاب:

التأثير على الناس

التأثير على الناس إن من استصحب الكتاب كان له تأثير في الناس. قال السلف الصالح كما في السير: من خدم المحابر خدمته المنابر، أي: أعلن دعوته وعلمه وأفاد الناس.

الأنس

الأنس قال بعض الفضلاء: صحبت الناس فملوني ومللتهم، وصحبت الكتاب فما مللته ولا ملني.

السلامة من قرين السوء

السلامة من قرين السوء فإنك إن لم تصاحب الكتاب جلست مستوحشاً إن لم تكن في ذكر لله أو جلست مع جليس سوء يغتاب وينم ويفحش في الكلام، ويعرضك لمجريات الحياة، ويضيع عليك الأوقات النافعة والمفيدة، قالوا لـ ابن المبارك رضي الله عنه وأرضاه: أين تذهب يوم تدخل بيتك؟ قال: أجلس مع الصحابة، قالوا: أين الصحابة وقد ماتوا؟ قال: أجلس مع كتبهم، أما أنتم فتغتابون الناس.

شحذ الهمم

شحذ الهمم وخاصة لمن قرأ سير العظماء والعلماء والرواد من الأخيار والشهداء فإنها تزيدك بصيرة وطموحاً وهمة، وجرب نفسك يوم تستعرض سيرة الإمام أحمد أو مالك أو الثوري أو ابن تيمية أو ابن القيم أو غيرهم كيف تزداد عزيمة وصرامة؟! لأن الذي لا يتذكر التراجم يعيش على هامش الأحداث، لا يرى في المجتمع قدوةً، ولا أسوةً، لا يرى مبرزاً في العلم والعمل؛ فيبقى هكذا.

حفظ الوقت

حفظ الوقت فإن من فاته الذكر والعبادة لا يحفظ وقته إلا مع الكتاب الإسلامي النافع المفيد.

كتب التفسير

كتب التفسير والآن لندخل إلى التفسير وقد أعلنَّا العجز على أن نتحدث عن فضائل القرآن الكريم، وقلنا: إن هذه العجالة لا يمكن أن تأتي على حصر فوائد القرآن، ويوم تكون طالب علم تطالب أول ما تطالب أن يكون القرآن في مكتبك، وتحفظ منه ما تيسر وتتدبره، ويكون هو وردك دائماً ومعلمك وأنيسك وربيع قلبك، جعله الله لنا وإياكم قائداً إلى الجنة. أما فن التفسير فهو فن أغدق فيه المسلمون، وأغزروا الفوائد، وخدموه خدمة بارعة، وهو على قسمين: التفسير بالرواية، والتفسير بالدراية. فالرواية: هي النقل. والدارية: هو الرأي. وأنا أذكر الكتب التي لا يمكن أن تستغني عنها في مكتبتك أو أن تعود إليها وكيف تكون عارفاً بها أو محيطاً ببعض جمل فوائدها.

تفسير الطبري

تفسير الطبري أعظم تفسير عند المسلمين جمع فأوعى تفسير ابن جرير الطبري، ومن فوائده ومناقبه وميزاته وخصائصه ثلاث خصائص: 1/ أنه اعتنى بالتفسير المأثور المنقول عن الرسول عليه الصلاة والسلام وعن أصحابه. 2/ أنه أثبت ما نقل بالسند، فأحالك على سند ولم يأتِ بالكلام بلا خطام ولا زمام، ومن يرد الكلام بلا خطام ولا زمام يثرب عليه: أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل 3/ أنه أتى بلب اللغة العربية، واستشهد بالأبيات التي هي شواهد من شعر الجاهليين وغيرهم، وأقرها أهل اللغة. لكن مما يلاحظه الإنسان لأن كل كتاب إلا ما أسلفت يلاحظ عليه شيء {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. في تفسير ابن جرير طول مطيل، فقد أطال فيه ومد الكلام، وبسط الحديث بشيء يمل، والذي أطاله الأسانيد؛ فإنه يأتي بالسند الطويل الطويل، ثم يأتي في رأسه بكلمة، وهذا قد يأخذ وقتاً كبيراً على طالب العلم. ومنها: أنه قد يورد روايتين أو ثلاثاً ثم لا يرجح، ولا بد لطالب العلم أن يحقق المسألة ويرجحها، ويعتمد قولاً واحداً ليكون عليه مدار العلم. الأمر الثالث: أنه مر على كثير من الأحاديث الضعيفة، ولم ينبه على ضعفها ولا على درجتها ولا على صحتها، وحق على طالب العلم على ألا يمر بحديث إلا وينبه عليه لتبرأ ذمته وعهدته، خاصة من مثل الإمام ابن جرير الطبري ذاك العالم الفذ.

تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير والتفسير الثاني تفسير ابن كثير ذكر عن الشوكاني كما في البدر الطالع أنه قال: ما أعلم تفسيراً أحسن منه فكيف مثله؟! وذكر عن السيوطي أنه قال: ما على وجه الأرض أحسن من تفسير ابن كثير وفيه ثلاث ميز: 1/ أنه يفسر القرآن بالقرآن، فيورد الآية ثم الآيات التي تدور حول المعنى وتفسر المعنى في الجملة، وهذه منقبة عظيمة وهو تفسير القرآن بالقرآن. 2/ أنه يأتي بالأحاديث النبوية من النقل ويسندها إلى الكتب المعتمدة واعتمد على مسند الإمام أحمد كثيراً حتى كان تفسيره كله فيه قال أحمد: حدثنا فلان، ثم ينسب الحديث للستة وإلى غيرهم. 3/ أورد كلام التابعين ومن بعدهم بأسمائهم ونبه على ذلك. ولكن نقاط الضعف فيه في أمور، منها: أنه حذَّر من الإسرائيليات في أول الكتاب ثم نسي وأتى بالإسرائيليات وهو أنقى الكتب من الإسرائيليات، لكن وجد مع ذلك إسرائيليات. ومنها: أنه في بعض الأحاديث لا يستوعب ما نقل في الآية من كلام أهل اللغة ليبسطها بسطاً واضحاً، فإنَّ بعض الآيات إذا راجعتها لا تجد إلا كلاماً قليلاً فيها تحتاج إلى غزارة وتبسيط وإلى إيراد وشرح حتى تقرب من فهم السامع ومن فهم القارئ ومن فهم طالب العلم، لكن شكر الله له جهده وأثابه، ولو أن بعض الأحاديث تحتاج إلى تخريج، وقد بدأ بذلك بعض طلبة العلم، وقد رأيت مجلداً لتحقيق هذا الكتاب الفذ، واختصره العلماء منهم نسيب الرفاعي في مختصر جيد وليته أبقى على روح الكتاب وعلى ضميمة كلام السلف ونقولاتهم لكان أفضل. ومنهم أيضاً الصابوني، وقد أحسن في كثير من اختصاره لو أنه ترك التدخل في بعض المسائل، ولو أنه أبقى الكلام على اعتقاد السلف في هذا الكتاب أفضل.

تفسير القرطبي

تفسير القرطبي التفسير الثالث: تفسير القرطبي وهو يحتل المكانة الثالثة، ولا بد من مكتبتك أن تحفل بـ تفسير القرطبي قال الذهبي: ألف القرطبي تفسيراً فأتى فيه بكل عجيب، فميزته أنه يجمع آيات الأحكام، وأحاديث الأحكام، وأقوال أهل العلم في مسائل الأحكام، ثم يستخلص الراجح عنده، فهو كتاب أحكام وفقه قبل أن يكون تفسيراً، ومن ميزته: أنه حشد حشدًا هائلاً من الأدلة والإيرادات، فأتى كما قال الذهبي: بكل عجيب. ومن ميزته أيضاً: أنه لم ينس جانب اللغة والأدب والشعر، وأتى بشواهد اللغة كما فعل ابن جرير. لكن عليه ملاحظتان. 1/ أتى بأحاديث موضوعة يعرفها كل من يبدأ يقرأ في سورة الفاتحة، فعند (بسم الله) أتى بأحاديث موضوعة ومكذوبة، والواجب أن ينبه عليها خاصة وهو محدث ولا تبرأ ذمته بإيراد الحديث إلا بالتنبيه. 2/ أنه قد يؤول في بعض الصفات، وهذا خلاف منهج أهل السنة، كما فعل في بعض المواطن في سورة الأعراف أو الأنعام فليتنبه لذلك؛ لأن منهج أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات إمرارها كما جاءت مع الإيمان بمعناها من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل.

تفسير الزمخشري

تفسير الزمخشري أما التفسير الرابع فهو تفسير الزمخشري المسمى بـ الكشاف والزمخشري عالم لغوي فذ من أكبر العلماء، وهو حجة في اللغة لكنه معتزلي الرأي، معتزلي الفكر، معتزلي المعتقد، وقد شنع على أهل السنة والجماعة وكتب قصيدة في أهل السنة والجماعة يقول: لجماعة سموا هواهم سنة لجماعة حمر لعمري موكفة فنزلوا عليه وردوا عليه مقابل ست قصائد سحقت قصيدته، ومن لطائف الحديث عن الزمخشري أنه كان في طفولته يربط طائراً في بيته - وهذا استطراد ولطائف حتى تدبج الجلسة- فأتى هذا الطائر فاقتطع الحبل فنشبت رجله فانقطعت مع الحبل وذهب الطائر برجل واحدة. قالت أم الزمخشري له: قطع الله رجلك كما قطعت رجل هذا الطائر، فذهب فوقع في ثلج في طريقه إلى مكة فتجمدت رجله فبترت من فخذه، فأصبح على رجل واحدة وجاور بيت الله في مكة ولذلك قال الراثي له: وأرض مكة تذري الدمع مقلتها حزناً لمرحل جار الله محمود أو كما قال، والرجل هذا فيه خبايا ودسائس وقد ناصر عقائد الاعتزال وأظهرها في كتابه، وشحن بها الكشاف، وميزة الكشاف: أنه كتاب لغة وأنه حجة في اللغة، وأن له إيرادات ونكت عجيبة ومسامير إذا دخلت في التاج أحكمت الصنعة، لكن في اللغة واللطائف، وهو صاحب إشراقات في باب البديع والبيان. ومثالبه: 1/ الرجل ليس بحجة في الحديث النبوي، فبضاعته في الحديث مزجاة {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف:88]. 2/ الرجل على عقيدة الاعتزال. 3/ لم يُوفِ بعض الآيات حقها من البسط والبيان كما فعل غيره كـ القرطبي، ولكن حسنته في البديع والبيان والنحو.

كتاب الرازي

كتاب الرازي وهذا كتاب الرازي قالوا عنه: فيه كل شيء إلا التفسير، وهذه الكلمة لا تقبل، بل فيه تفسير كثير. لكن منها: أنه جمع علم: الكيمياء، والفيزياء، والأحياء، والجغرافيا، والتاريخ، وأتى بكلام المنطق وعلم الكلام، حتى جعل الفاتحة في مجلد كامل. الأمر الثاني: أن الرجل ليس بحجة كصاحبه في الحديث النبوي، يأتي يقول: القمر والشمس يكوران كالثورين، ويوضعان في جهنم؛ وهذا حديث لا يساوي فلساً واحداً وليس بصحيح. ومنها: أن الرجل معجب بعلم الكلام، ويعقد معاني ودلالات القرآن تعقيداً وهو عالم كلام، رد عليه ابن تيمية في كتاب درء تعارض العقل والنقل، وفيه فوائد لا يخلو منها أي كتاب، ولكنه ابتعد عن روح القرآن، ولم يأتِ بنقل، ولم يشحن الآيات في المعنى الواحد كما فعل ابن كثير، ضعف في النقل وترك كلام التابعين والصحابة ولم يورده إلا نادراً وقد مات قبل أن يكمل كتابه فأكمله أحد تلاميذه مثل ما فعل هو.

فتح القدير للشوكاني

فتح القدير للشوكاني الشوكاني من علماء أهل السنة والجماعة، ومعتقده في الجملة معتقد السلف، وهو عالم ضخم متبحر في العلوم، ومن أراد أن يعلم تبحره، فليقرأ رساله له بعنوان: أدب الطلب ومنتهى الأرب. حتى يقول: إنني في بداية شباببي أو كما قال: قرأت بيتين للشريف الرضي - الشريف الرضي شاعر من سلالة الحسين بن علي وهو في القرن الثالث، له بيتان في علو الهمة، فزاد الشوكاني في طلب العلم يقول الشريف الرضي: أقسمت أن أوردها حرة وقاحة تحت غلام وقاح إما فتى نال المنى فاشتفى أو فارس زار الردى فاستراح وهو يطلب ملك الدنيا وإمارة الدنيا، الشوكاني قال: العلم أفضل: إذا سألت الله في كل ما أملته نلت المنى والنجاح بهمة تخرج ماء الصفا وعزمة ما شابها قول آح فبدأ يطلب العلم، وأجل كتابين له: نيل الأوطار وفتح القدير. كتابنا هنا فتح القدير ميزته الآتي: 1/ أنه فسَّر بالدراية والرواية. 2/ أنه استوعب كلام النحاة حتى كأنك تقرأ في كتاب لـ سيبويه أو للزجاج أو لـ ابن خروف أو ابن عصفور. 3/ أنه لم ينسَ الصرف واللغة، لكنه شحن الكتاب حتى أصبح فيه ملل، حتى الآية كأنها نحو وكأنها تصريف وحال وتمييز ومبتدأ وخبر، وهذا يؤخذ بقدر الحاجة. 4/ أنه أتى بعلم مأثور بعد ما ينتهي من الآيات قال: وأخرج فلان، وأخرج فلان. وهناك أمور تنقصه: 1/ أنه كذلك لم يسند الآيات بعضها لبعض كما فعل ابن كثير لتفسر بعضها بعضاً. 2/ أنه لم يعتمد على الصحاح ويذكر الحديث الصحيح من الحديث الضعيف. 3/ أنه أورد الأحاديث بلا خطام ولا زمام من ابن مردوية ومن الطبراني ومن ابن أبي الشيخ وهؤلاء مظنة الضعف في الكتب، ثم جعلها في كتابه ولم ينبه، والواجب أنه ينبه رحمه الله، وله بعض المواطن له كلمة يقول: ربما الأمثلة في القرآن ما وقعت لكن من باب المثل، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً} [النحل:112] أو قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} [الزمر:13] يقول: يمكن أنه ما هناك قرية، نقل عنه في سورة الرعد وأظنها -إن شاء الله- لا تثبت عنه لكنها زلة قلم.

أضواء البيان

أضواء البيان أضواء البيان للعالم الأريب الكبير -رحمه الله رحمة واسعة- محمد الأمين الشنقيطي وقد توفي قبل عشرات السنوات قريباً. هذا الكتاب فذ من كتب التفسير، ومن المتوقدة والاستنباط اللطيف، وتحقيق المسائل خاصة في سورة الحج في مجلد الحج فقد أبدع وأروى، والرجل نظار من الدرجة الأولى، وعالم بحر فهامة، وحافظ للغة، والكتاب ينقصه أمور منها: 1/ أن فيه أجزاء أو آيات أو عشرات الآيات والمقاطع لم يفسرها. 2/ أنه أكثر من أصول الفقه والتعقيدات الأصولية كأنك في كتاب أصول فقه. 3/ أن بعض المسائل في اللغة تحتاج إلى بسط لا يعرفها من أمثالنا مثل: مسائل النحو والتصريف، فهي شائكة تحتاج إلى بسط لطلبة العلم، لكن حسناته أكثر بكثير من مثالبه، رحمه الله وجزاه الله خيراً.

في ظلال القرآن

في ظلال القرآن لـ سيد قطب: هذا ليس تفسيراً كما قال صاحبه، هو كتاب أنداء وأطلال ونسمات وإشراقات وإبداعات وميزته: 1/ أنه يربط علم الواقع بالقرآن. 2/ أنه يتحدث عن الوقائع العصرية التي وجدت في هذا العصر. 3/ أنه كتب بيد رجل أديب يسيل قلمه أدباً وروعة ورشاقة، فهو يبدع مثل في سورة الغاشية، قوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:17 - 18] يقول في كلام ما معناه: أفلا ينظر أهل الصحراء إلى السماء، والسماء في الصحراء لها طعم ومذاق، فكأنه لا سماء إلا في الصحراء، السماء بأصيلها الفاتن بحديثها الساحر إلى آخر ما قال. 4/ ومن ميزته: أنه كتبه رجل عرف الكفر عن كثب، ودخل أمريكا ورأى أوروبا، ورأى المجتمعات الجاهلية، وقرأ كتبهم ثم أتى يكتب من مركز قوة. أما الأمور التي تنقصه: 1/ فمنها: أنه تلعثم في بعض الصفات، وهو لا تؤخذ من مثله العقيدة، ولو أنه من أهل السنة ومن السلف الصالح الذي ندعو لهم بكل خير ورحمة ونجاة عند الله. 2/ أنه قد اقتضب في بعض الآيات التي تحتاج إلى بسط، ويسهب في بعض الآيات التي تحتاج إلى اقتضاب، وهذا وجهة نظر لا أحكم نفسي في هذه المسألة؛ لأنها تقبل وجهات النظر، وحبذا أنه خرج الأحاديث التي يوردها، ولكنه يعتمد كثيراً على زاد المعاد لـ ابن القيم، وعلى تفسير ابن كثير فجزاه الله خيراً.

كتب الحديث

كتب الحديث أما الحديث النبوي فهو الفن العظيم الذي أبدع فيه المسلمون وجعلوه رائعاً جداً، وجعلوا فيه فوائد وأسساً وقيماً لم توجد في أي علم غيره، وهو العلم الذي نتشرف فيه ونفتخر به عند أعداء الإسلام بعد القرآن ندخل إلى مكتبة الحديث لا بد في مكتبة الحديث أن تكون في مكتبتك يا طالب العلم! أول الكتب التي تطالعنا وهي كالتالي:

صحيح البخاري

صحيح البخاري صحيح البخاري تجرد لكتابة الصحيح فحسب بمشورة الإمام شيخ البخاري الشيخ إسحاق بن راهويه وميزة صحيح البخاري ثلاث ميز وهي كالتالي: 1/ الصحة المتناهية، والشرط القوي في إيراد الحديث: إذا كان الحديث في البخاري فهو حجة. 2/ كثرة الفوائد: ففيه من التعليقات وكلام الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وبعض الاستنباطات. 3/ جودة التبويب والترتيب، فإنه دبجة ووسحه بتبويب وترتيب عجيب عجيب!! أما الملاحظات فلا يعفى منها إلا كتاب الله عز وجل، وأما الكتب غيره فإنه قد تدخلها الملاحظات، ومن نحن أن نلاحظ، لكن قد يأتي المفضول ويلاحظ على الفاضل. هناك بعض التعليقات تحتاج إلى خدمة وخدمها ابن حجر، وهناك كثير من التكرار حتى أنه كرر حديثاً واحداً ما يقارب سبعة وثلاثين مرة وهو يريد التكرار للفائدة، لكن طالب العلم يوم يأتي يتكرر معه الحديث دائماً قد لا يرتضي هذه الطريقة ويحبذ طريقة مسلم: أن يورد الحديث في مكان واحد. ومنها أن الكتاب ينقصه جودة التبويب، فإنك تبحث عن الحديث في النكاح فلا تجده إلا في الغزوات، وتبحث عن حديث في الغزوات فتجده في التفسير، وعن حديث في التفسير فتجده في التوحيد، فالبحث عن الحديث في كتاب البخاري متعب وشاق. أما اختصارات البخاري فاختصره الزبيدي في كتاب التجريد الصريح وهو مجلد لطيف، حبذا أن يكون معك، وأن تكرره ثلاث مرات أو خمس مرات، فإذا كررت هذا الكتاب يقع فيما يقارب ثلاثمائة صفحة فكأنك قرأت البخاري كله، وسوف تعرف هل الحديث في البخاري أم لا في قراءة هذا الكتاب الذي لا يأخذ منك أسبوعاً كاملاً. واختصره الألباني في مختصر، لكن ما أتمه، وقد أجاد الاختصار، أما طريقة الزبيدي في التجريد الصريح فإنه حذف الأسانيد والمكررات والأبواب، وأبقى اسم الصحابي، وأتى بمتن الحديث، وإذا كان فيه زيادة أشار إليها، فقد أحسن إحساناً كثيراً، والألباني يشير إلى الأبواب والمواطن وأتى بالحديث فكبر حجم المختصر. أما شروح البخاري، فشرح بما يقارب ثمانين شرحاً، وعند المسلمين الآن أعظم الشروح البارزة ثلاثة: 1/ فتح الباري للإمام ابن حجر العسقلاني. 2/ وإرشاد الساري للعلامة القسطلاني. 3/ وعمدة القارئ للشيخ العيني. فأما فتح الباري فقد قال الناس للشوكاني: ألا تشرح لنا صحيح البخاري؟ قال: لا هجرة بعد الفتح، أي بعد فتح الباري، وحديث: {لا هجرة بعد الفتح- أي: فتح مكة - ولكن جهاد ونية} حديث متفق عليه عنه صلى الله عليه وسلم. وفتح الباري من أحسن الكتب! فقد أجاد كل الإجادة ولو كان عند المسلمين معجزة من التأليف لكان فتح الباري وفتح الباري بديع جد بديع في إيراداته، وفي قوته العلمية، وفي فنونه، وفي رشاقته، وفي قوته العلمية، وثقة مصادره، ولكن الرجل في العقيدة تقلب على ثلاثة أحوال: 1/ مرة سكت على معتقد السلف. 2/ ومرة أوَّل. 3/ ومرة أقر مذهب السلف. ولكنه من أهل الخير والصلاح والعلم والنبل الذي نفع الله بهم الإسلام والمسلمين كثيراً. أما العيني فـ فتح الباري أحسن من عمدة القارئ لكن يمتاز باللغويات والأدبيات وكثرة الشواهد النحوية، لكن لا يرقى في الحديث لدرجة ابن حجر العسقلاني. وأما القسطلاني فهو أشبه بالرموز لكن فيه هبة صوفية قليلاً، وروحانية من ذاك النفس، فيتنبه من هذا الباب، لكنه لا يستحق البسط كثيراً، هذه كتب الحديث وصحيح البخاري. وهناك شرح لو خرج لكان هو الشرح الصحيح، وهو الشرح الراجح شرح ابن رجب، وقد رأيت منها ما يقارب ثلاثمائة صفحة مصورة من مخطوطة وهو من أجود ما كتب، جاء فيه بكل عجيب، وإذا أردت أن ترى سمو ابن رجب في شرح الأحاديث فانظر إلى جامع العلوم والحكم، كيف أبدع فيه إبداعاً عجيباً؟! أما مكانة صحيح البخاري فهو في المرتبة الأولى بعد كتاب الله عز وجل كما قاله ابن تيمية في المجلد الأول، أما تبويبه فبديع على ثلاثة أصناف: مرة يأتي بالباب من الحديث، ومرة يأتي بالباب استنباطاً من عنده، ومرة يأتي بالباب استنباطاً مظنوناً ليس أصلاً في الحديث، ولكن لا تدري أنت حتى يتوقف كثير من الشراح ما مناسبة الباب؟ وما مناسبة الترجمة للحديث والباب للمتن؟ أما فوائده فهي كالتالي: 1/ أنه يكرر الحديث فيكثر مخرجوه من المشايخ والأسانيد. 2/ أنه يأتي بالمعلقات كثيراً فيشحن الحديث بعلم. 3/ أنه يبوب ويستنبط لك، فهو فقيه التبويب، وفقهه في أبوابه رحمه الله.

صحيح مسلم

صحيح مسلم صحيح مسلم: الراجح عند الجمهور أن صحيح البخاري يقدم على صحيح مسلم إلا عند المغاربة وعند أبي علي النيسابوري، فقدموا صحيح مسلم على البخاري، والصحيح أن البخاري يقدم، وليس في صحيح البخاري حديثاً ضعيفاً، ولو أن ابن حزم يقول: حديث الغناء عند البخاري حديث ضعيف؛ لأنه منقطع بين البخاري وهشام بن عمار فرد عليه محدثون، وقالوا: بل موصول وقد روى البخاري عن هشام بن عمار حديث الغناء: {ليكونن أقوام من أمتي يستلحون الحديث} وقد انتقد صحيح البخاري الإمام الدارقطني وقد رد عليه العلماء، والدارقطني يريد الخير، ويريد البيان لبعض العلل، وليس فيه ضغينة بحمد الله، بل هو من علماء الإسلام، وقد انتقد صحيح البخاري من مثل أبي رية العميل للمستشرقين، وبعض المستشرقين، كـ جولد زيهر، ورد عليه العلماء مثل كتاب الأنوار الكاشفة لظلمات أبي رية >1002755 ودفاع عن أبي هريرة لـ عبد المنعم صالح العلي العزي العراقي الذي هو صاحب المنطلق والعوائق والرقائق، وكتاب عبد الرزاق حمزة ذاك الكتاب الفذ. اختصر صحيح مسلم العلامة المنذري في مختصر صحيح مسلم وهو مطبوع وهو أحسن ما اختصر لكنه حذف بعض الأحاديث وبعض الزوائد المهمة. شروحه: شرح صحيح مسلم وأحسن من شرحه النووي ولو أنه اقتضب العبادة لكنه لا يرتقي إلى درجة فتح الباري، وفيه تأويل في بعض الصفات على منهج الأشاعرة أهل التنزيه من أهل النقل فينتبه له، والأبي له شرح على صحيح مسلم، وهو مطبوع، لكنه ليس مشهوراً عند طلبة العلم. مميزات صحيح مسلم وما قيل فيه: صحيح مسلم له مميزات ثلاث وهي كالتالي: 1/ أنه يجمع الأحاديث في الباب الواحد، فيغنيك من مغبة التكرار، ويسهل عليك الرجوع إلى الحديث والبحث عنه. 2/ أنه يجمع الزوائد بألفاظها. 3/ أنه يأتي بأحاديث شواهد واعتبارات مساندة للحديث، وهذه من مميزاته، وليس شرطه في الزوائد ولا في المتابعات كشرطة في الأصول والمتون. ما انتقد به صحيح مسلم: انتقد بعض العلماء من النقاد صحيح مسلم ومنهم: أبو الحسن الدارقطني، وضعف فيه ما يقارب ثمانين حديثاً، وهو بحمد الله ليس في هذا الثمانين فهي مصححة إلا ثلاثة أحاديث ذكرها ابن تيمية في المجلد الثامن عشر من فتاويه، منها: حديث ساعة الجمعة حين يجلس الإمام من حديث أبي موسى من يوم يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، وهذا منقطع كما ذكره الدارقطني وابن حجر وشيخ الإسلام، والصحيح الآن أن ساعة الاستجابة هي آخر ساعة من يوم الجمعة كما في الصحيح. والحديث الثاني: خلق الله التربة يوم السبت، فعدت الأيام فصارت سبعة أيام، والله ذكر أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، فقالوا: هذا وهم أخذه أبو هريرة من كعب الأحبار. والحديث الثالث: في الدباغ لـ ابن عباس ذكره ابن تيمية في المجلد الثامن عشر، وابن حزم الظاهري ادعى أن في صحيح مسلم حديثاً موضوعاً وهو حديث أبي سفيان أنه قال لرسول عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله! أريد منك ثلاثاً: وأن تعطيني إمرة، وأن تجعل معاوية كاتباً لك، وأن أزوجك رملة، والإشكال في هذا أن رملة تزوجها صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر أبو سفيان، فحمل هذا إلا أنه ليس موضوعاً وإنما فيه وهم من الرواة، أو يحمل على دلالة اللفظ وعلى التخريج، وأن يقال: الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم جدد له هذا، تجديد العقد وهو لا بأس فيه وهو وارد، وجعل معاوية كاتباً، أو إعطاء معاوية إمرة، لكن الثلاثة الأولى هي التي عليها الكلام.

سنن الترمذي

سنن الترمذي الترمذي يقع في المرتبة الرابعة، وبعضهم يجعله في المرتبة الخامسة لكني بدأت به لكثرة فوائده؛ لأنه قالوا فيه فوائد، ألفه صاحبه وقدمه، حتى قال أبو إسماعيل الأنصاري محمد بن عبد الله شيخ الإسلام الهروي صاحب منازل السائرين: الترمذي أفيد من البخاري ومسلم؛ لأن طالب العلم يقع على الفائدة عند الترمذي قبل أن يقع عليها عند البخاري أو مسلم والذهبي قال في ترجمة الترمذي كما في سير أعلام النبلاء: أنه ضعيف النفس في التضعيف. ميز الترمذي: 1/ يعقب على الحديث بالتصحيح والتضعيف، فيقول: حديث حسن صحيح، حديث حسن غريب، حديث غريب. 2/ يذكر للصحابة الذين رووا الحديث، يقول: وفي الباب عن أُبيّ بن كعب، وأبي أيوب وحذيفة وأسماء وابن عباس وعمر مثلاً، وهذه فائدة تخبرنا من خرج الحديث ورواه من الصحابة. 3/ قد يسمي من لا يسمى في السند أو من يكنى، فيقول: أبو فلان اسمه كذا وكذا، واسم هذا أبو فلان، وقد ينسبه فيقول: هو البجلي أو الغطفاني أو الفزاري. 4/ أنه يذكر أقوال أهل العلم فيقول: وهو قول مالك، وأحمد وابن المبارك وإسحاق. 5/ ومنها أنه يقول: وقال أهل العلم، ورأى أهل العلم، فيذكر أقوال أهل العلم في المسألة إن كان إجماعاً أو غير ذلك. 6/ ومن ميزه أنه ربما ذكر الضعف فيقول: لا نعرفه إلا من حديث فلان، فإذا قال: من حديث فلان فانتبه للحديث سمه وعيبه ومرضه من هذا الرجل الذي ذكره الترمذي. المآخذ على سنن الترمذي: 1/ قالوا: إنه تساهل كثيراً في بعض الأحاديث، حتى ذكر له ابن الجوزي أحاديث موضوعة في الموضوعات مثل حديث: {من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل مما أعطي السائلين} قالوا: حديث موضوع. يقول ابن الجوزي: ولو أنه لا يوافق عليه، لكنه حديث ضعيف، وتساهل كثيراً في بعض الأحاديث، مثل: صلاة التسابيح بعضهم جعلها موضوعة وضعيفة، ولو أن كثيراً من أهل العلم صححها، وهي عند الترمذي إلى غير ذلك من الأحاديث، فأخذ عليه تساهله رحمه الله في هذا الجانب. 2/ أنهم قالوا: إنه يقول: حسن صحيح، ويكتشف الحديث وإذا هو ضعيف، حتى قال النووي: لا بد أن يتابع الترمذي على تصحيحه وتحسينه. 3/ أنه ربما يأخذ من الحديث جملة ويترك الحديث، والأولى أن يورد الحديث كله؛ ليكون أبرك وأنفع وأحسن، ولكن حسناته أكثر وأكثر -رحمه الله رحمة واسعة- وهو من العباد الكبار الذين بكوا حتى عموا من خشية الله.

سنن أبي داود

سنن أبي داود أما مختصر أبو داود فاختصره المنذري وهو موجود ومتداول، وللألباني صحيح أبي داود وهناك ضعيف أبي داود. أما مكانته: فربما يحتل المكانة الرابعة بعد النسائي. ميزته: قال أهل العلم: أصبح كتاب أبي داود حكماً بين أهل الإسلام، وفيصلاً لمواطن الخصام، إليه يتحاكم المتحاكمون، وبحكمه يرضى المنصفون، ميزته أنه جمع أحاديث الأحكام. قال عبد المؤمن بن علي الحاكم المغربي يقول: أصولنا ثلاثة: 1/ القرآن. 2/ وسنن أبي داود. 3/ والسيف. هذا عبد المؤمن الذي يقول فيه الشاعر: ما هز عطفيه بين البيض والأسل مثل المؤيد عبد المؤمن بن علي ما هز عطفيه بين البيض، أي: السيوف، والأسل؛ أي: الرماح، مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي. ومن ميز أبي داود: أنه جمع أحاديث الأحكام، وهو جمع عجيب، وهو كتاب الأحكام حتى قال الغزالي: هو كتاب المجتهد، فمن أراد أن يجتهد فعليه أن يستعرض سنن أبي داود. وقالوا: ألين الحديث لـ أبي داود، كما أُلين الحديد لداود عليه السلام. قال سهل بن عبد الله التستري: يا أبا داود! أخرج لي لسانك؟ فأخرجها فقبلها، قال: لسان روت الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم حقٌ أن تقبل، وكان أبو داود من العباد الكبار والزهاد، وهو أشبه الناس بالإمام أحمد وهو من تلاميذه، وقد روى عنه الإمام أحمد حديث العقيقة حديثاً واحداً فتشرف بذلك وجهه. ربما يؤخذ على سنن أبي داود بعض الأحاديث الضعيفة التي أوردها -رحمه الله- وهذا لا يسلم منه بشر، ولكن بالجملة هو من أحسن الكتب خاصة في الأحكام. ومن المآخذ كذلك: أنه لم يورد أحاديث كتاب الرقاق والجهاد، ولو أوردها كان حسناً -رحمه الله رحمة واسعة- لكنه اقتصر على الأحكام وعلى بعض الأبواب الأخرى فقط.

سنن النسائي

سنن النسائي سنن النسائي قسمان: السنن الكبرى. السنن الصغرى. المجتبى هي الصغرى، والكبرى تحقق في جامعة الإمام من قبل طلبة العلم. والصغرى هي التي بين أيدينا، وهي أصح من سنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة، وهي تقع بعد صحيح البخاري وصحيح مسلم مباشرة، وشرطه قوي، حتى قال بعضهم وبالغ: هو أصح شرطاً من شرط البخاري.

سنن ابن ماجة

سنن ابن ماجة شروحه هو من أفقر الكتب شروحاً، وله تعليق من السيوطي لكنه يحتاج إلى شرح. سنن ابن ماجة أضعف الكتب الستة ولكن له مكانة لا تجهل، وتبين سننه مكانته عند أهل السنة رحمهم الله، لكن أتى بأحاديث بلغت حد الوضع مثل حديث: {فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد} وهذا لـ ابن عباس لا يرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل حديث: {إن من الناس من هو مفاتيح للخير مغاليق للشر} لا يرفع وإنما هو من كلام أنس، مثل حديث قزوين وفضل قزوين إلى غير ذلك من الأحاديث، حتى إن بعض أهل العلم لم يجعله من الكتب الستة، وأخذ الموطأ وجعله السادس كـ ابن الأثير، وبعضهم ترك ابن ماجة وأخذ الدارمي وجعله السادس.

مسند الإمام أحمد

مسند الإمام أحمد مسند الإمام أحمد: حدث عن البحر ولا حرج: هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله غالباً لا يفوته شيء من الكتب الستة إلا نادراً، وهذا الكتاب يقول أحمد شاكر: لا يعلم أحد حفظه إلا ما يكون من ابن تيمية، أو ابن القيم، أو ابن كثير، وأنا أرشدكم إلى جعل هذا الكتاب في بيوتكم، وإلى قراءته والصبر على قراءته من أوله إلى آخره لتتصور عظمة الإسلام وعظة الإسلام ومكانته وسيرة نبي الإسلام، عليه الصلاة والسلام. ومسند الإمام أحمد فيه الصحيح وهو أكثره، وفيه الحسن، وفيه الضعيف لكن بحمد الله كما قال ابن تيمية في المجلد الثامن عشر: ليس فيه موضوع، نعم. فيه روايات ابن لهيعة وقيس بن الربيع ورشدين بن سعد، لكن ليس فيه بحمد الله حديث موضوع، لكن ربما يكون فيه حديث وهم صاحبه فيه، وقد ذب ابن حجر بـ القول المسدد في الذب عن مسند أحمد عما اتهم به المسند وهي اثنان وثلاثون أو ثلاثا وثلاثون حديثاً.

موطأ مالك

موطأ مالك الموطأ للإمام مالك: 1/ أول ما ألف في الصحيح، وقد قال الإمام الشافعي: ما تحت أديم السماء أحسن من موطأ مالك، وهو بديع خاصة في قوته وفي شرطه القوي، وفي إيراده آثار الصحابة، وفيه كلام الإمام مالك لكن الحديث فيه قليل، يقارب الحديث الذي يرفع عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث. وكذلك يحتاج إلى تخريج إلى الآثار التي فيه، وقد خدمه ابن عبد البر في التمهيد فأتى بالعجب العجاب -رحمه الله- فوصل المقطوعات، وذكر الموقوفات والمرفوعات فجزاه الله خيراً، وجزى الله مالكاً خير الجزاء.

سنن البيهقي

سنن البيهقي من أعظم ما ألف في الأحكام سنن البيهقي، قال الذهبي في ترجمة ابن حزم: من كان عنده في بيته أربعة كتب ثم أمعن وأدمن النظر فيها فهو العالم حقاً، وقد سلف هذا: المحلى لـ ابن حزم، المغني لابن قدامة، التمهيد لـ ابن عبد البر، سنن البيهقي. وسنن البيهقي فيها الحديث الضعيف الكثير، فتتبع في التصحيح والتضعيف، وقد حاول الذهبي أن يستخرجها فكتب فيها مجلدين ثم لم يكمل ذلك.

جامع الأصول

جامع الأصول جامع الأصول أرشدكم إليه بعد المصحف، وهو كتابك يا طالب العلم، وهو من أحسن وألطف ما ألف، قال ياقوت الحموي: أقطع قطعاً أنه لم يؤلف مثله، أتى ابن الأثير من علماء القرن السادس إلى البخاري ومسلم وإلى أبي داود والترمذي والنسائي وموطأ مالك، واستثنى ابن ماجة، فلم يأتِ به فحذف الأسانيد والمكررات وأخذ الأحاديث ومن خرجها، وأتى بالغريب وشرحه وخدم الكتاب وخرج كما فعل الأرنؤوط جزاه الله خيراً، وهو الكتاب في أحد عشر مجلداً وهو على الحروف. المآخذ عليه، منها: أنه رحمه الله ألفه على الحروف وهذا أمر شاق، لأن التأليف على الأبواب والمسانيد أقرب لكن الأبواب أحسن، على الطهارة ثم الصلاة، فهذا كان أحسن، لكن بدأ بالألف فالباء فالتاء وهذا فيه صعوبة. ومنها: أنه ذكر الروايات ولكن أهمل بعضها. أما كتاب ابن خزيمة فإنه لم يخرج منه إلا الربع، وخدمه حبيب الأعظمي وفيه أحاديث ضعيفة لم يوفِ بشرطه -رحمه الله- هذا في كتب الحديث التي هي المتون والشروح حتى يكون الإنسان على بصيرة حين يقرأ فيها.

كتب الرجال

كتب الرجال أما كتب الرجال: فإن أعظم كتاب عند المسلمين في كتب الرجال، هو:

الكمال في أسماء الرجال

الكمال في أسماء الرجال الكمال في أسماء الرجال لـ عبد الغني بن سعيد المقدسي، وهو البحر بجواهره ودرره، لكن أتاه فيه إغفال وإخلال، فأتى المزي من علماء القرن السابع من زملاء ابن تيمية، فأتى بـ تهذيب الكمال فزاد على الكمال الأصلي، ونقَّحه وهذَّبه وسواه وبسطه ودبَّجه فأحسن إيما إحسان، فبيَّض الله وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، ثم أتى ابن حجر فهذب التهذيب في تهذيب التهذيب فأبدع أيما إبداع -رحمه الله- ثم أتى ابن حجر إلى تهذيب التهذيب فأتى بـ تقريب التهذيب.

تذكرة الحفاظ

تذكرة الحفاظ من كتب الرجال: تذكرة الحفاظ وهي للذهبي تعنى بمن حفظ، وكان حجة، وله القول في التضعيف والتصحيح والجرح والتعديل، فلا يأتي إلا بالجهابذة.

سير أعلام النبلاء

سير أعلام النبلاء أما سير أعلام النبلاء فخرج في ثلاثٍ وعشرين مجلداً، وهو من أحسن الكتب وهو الآن محقق، وهو لا يتقيد بأي صنف من الناس أو طائفة، يورد العلماء والزهاد والعباد والملوك والوزراء والشعراء والأدباء والأطباء والفلاسفة وأهل علم الكلام وأهل التفسير والحديث والفقهاء والحمقى والمغفلين والزنادقة والملاحدة، مسح ما يقارب ستمائة سنة في الزمان، ومسح في المكان من حدود الهند إلى أسبانيا، ودخل المغرب وخراسان وما وراء النهر فهو كتاب بديع. وميزته: أنه يُفصِّل الترجمة على المترجم تفصيلاً لا يعطيه أكثر من حقه، ولا ينقصه أقل من حقه، يقول في الإمام أحمد: شيخ الإسلام وإمام السنة. ويأتي إلى الفيلسوف: الزنديق الكلب المعفر الزنديق فلان بن فلان. ويأتي إلى الشاعر: شاعر زمانه، وأديب عصره، ثم يذكر حياته. ميزته: أنه يعلق على الأحاديث، فلا يمر حديث في الغالب إلا ويذكر هل هو صحيح أو ضعيف. وميزته أيضاً: أنه يذكر الرواة والعصور والتاريخ، فهو جم الفوائد، وله تعليق ما أحسن من تعليقه إذا علق! من ضمن تعليقاته أورد لكم هذا التعليق، أتى برواية زائدة، أتى بها رجل اسمه عفان من الرواة، والزيادة ليست بصحيحة في الحديث، قال الذهبي: قلت: هذه من زيادة عفان والسلام. أتى إلى رجل كذب في الحديث قال: هكذا فليكن الكذب. أتى إلى رجل اسمه إسماعيل قالوا: ما دخل بغداد بعد الإمام أحمد أحفظ من إسماعيل، قال: هذا قول من لا يعلم، إلى غير ذلك من التعليقات. نُسب إليه أنه علق على جد ابن تيمية وأبي ابن تيمية وابن تيمية نفسه، قال: كان جده قمراً، وكان أبوه في العلم نجماً، وكان ابن تيمية شمسًا: فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة، وذكر عن ابن تيمية: أنه سئل عن حديث: صلاة التسابيح، قال: سنده: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:40]. وذكر بعض الصوفية الغلاة يقولون: إنه ترك هذا الصوفي، ترك الطعام ثلاثة أيام، قال: فرأيت أشباحاً أمامي لما تركت الطعام، يظن هذا الصوفي أنها ملائكة نزلت عليه، قال الذهبي: والله ما نزل عليك شيء ولا رأيت شيئاً، لكن عقلك طاش من الجوع. والكتاب متعة، ويربي ملكة الذكاء والفهم والاستنباط ومعرفة الرجال ومعرفة موقعك من العالم. أما كتب الضعفاء والثقات فألف فيها كثيراً، وأنا لا أقول: إني أحصي كتب الرجال في هذه الجلسة إنما أذكر المشهورات.

الثقات والضعفاء

الثقات والضعفاء منها الثقات والضعفاء لـ ابن حبان، وهي من أحسن ما كتب.

كتب غريب الحديث

كتب غريب الحديث إذا صعبت عليك كلمة في الحديث أين تبحث عنها؟ أتتك كلمة وعرة لا تهتدي إلى معناها وهي في وسط الحديث كالآجرة في وسط الجدار ماذا تفعل؟! تذهب إلى كتب الغريب، فمن كتب الغريب: غريب الحديث لـ ابن قتيبة وقد أخذ ثلث الغريب أو ما يقارب ذلك، وأبو عبيدة معمر بن المثنى له كتاب، وابن قتيبة بعده، وأبو عبيد القاسم بن سلام له غريب الحديث وهو أحسن ما كتب، كتبه في أربعين سنة وهو مطبوع. وكتاب غريب الحديث لـ إبراهيم الحربي موجود وعجيب وغريب، وكتاب الخطابي غريب الحديث موجود وعجيب وغريب، وحاول أن يجمع الكل، النهاية لـ ابن الأثير فكأنه يغنيك إن شاء الله. والزمخشري أيضاً له كتاب الفائق في الغريب، فإذا صعبت عليك الكلمة فابحث عنها في هذه الكتب، وأحسنها عندي النهاية لـ ابن الأثير.

كتب المصطلح

كتب المصطلح علم المصطلح وسيلة وليس هو مقصد ولا غاية، طريق إلى معرفة الحديث؛ فما هي الكتب التي ترشح في هذا الفن؟ كيف تقرؤها؟ ما هي ميزتها؟

مقدمة ابن الصلاح

مقدمة ابن الصلاح ومن أحسن ما كتب في فن المصطلح وهي الأصل في هذا الباب للشراح والمختصرين والمعلقين والنقلة في هذا الفن مقدمة ابن الصلاح، ورزق قبولاً تاماً. ولـ ابن حجر كتاب اسمه النكت على ابن الصلاح وتعليقات طيبة، وله شرح كذلك.

الباعث الحثيث

الباعث الحثيث ومنها الباعث الحثيث لـ ابن كثير وهو كتاب من أحسن الكتب، ويرشح للقراءة، ومن أراد من غير أهل التخصص أن يقرأ في مصطلح الحديث فعليه بـ الباعث الحثيث لـ ابن كثير.

نخبة الفكر ونزهة النظر

نخبة الفكر ونزهة النظر نزهة النظر كتاب لكنه مقتضب، وهو أول ما تقرؤه في الفن إذا أردت الفن.

ألفية العراقي

ألفية العراقي ألفية العراقي للمنتهي في العلم والمتبحر في هذا الفن، وعليها فتح المغيث للسخاوي، وهو من أحسن ما كتب في ثلاثة مجلدات، فهذا منتهى المصطلح، وللسيوطي ألفية لكن ألفية العراقي أحسن وأجود.

كتب الأحاديث المشهورة والموضوعة

كتب الأحاديث المشهورة والموضوعة الأحاديث المشتهرة والموضوعات، مررت بحديث ظننته موضوعاً أين تبحث عنه؟!

الموضوعات لابن الجوزي

الموضوعات لابن الجوزي هناك كتاب الموضوعات لـ ابن الجوزي في مجلدين أربعة أجزاء، واستوعب كثيراً من الأحاديث الموضوعة، ولكن أخذ عليه أنه جازف، فأخذ بعض الأحاديث الحسنة جعلها موضوعة، وبعض الأحاديث الضعيفة التي لا تبلغ درجة الوضع جعلها موضوعة، أما كثير من الأحاديث التي وضعها فيشهد القلب أنها موضوعة باطلة، وحبذا لو مررت عليه فإنك تجد الأحاديث الموضوعة بحق، ويكون لك دربة في هذا الفن وهو الأصل في هذا الباب، وهو عمدة الكثير حتى كان يعتمد عليه ابن تيمية ويوم تكلم ابن تيمية عن ابن الجوزي قال: هو صاحب فنون والحديث كائن من أحسن فنونه، فبراعة ابن الجوزي أكثر وأكثر في الحديث النبوي.

اللآلئ المصنوعة

اللآلئ المصنوعة اللآلئ المصنوعة: للسيوطي، أورد فيها فوائد جمة، إذا أعجزك الحديث أن تجده في الموضوعات عد إلى هذا الكتاب اللآلئ المصنوعة.

الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة

الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني وقد استوعب وأجاد كل الإجادة رحمه الله.

كشف الخفاء

كشف الخفاء كشف الخفاء للعلجوني فيما اشتهر على ألسنة الناس، سمعت حديثاً مختاراً ولو كان صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً فعد إلى كشف الخفاء تجده -إن شاء الله- في الغالب. هناك تمييز الطيب من الخبيث، وهناك كتاب للسخاوي، فهذه لابد أن تكون في مكتبتك حتى تعود إليها في وقت الحاجة.

كتب الفقه

كتب الفقه الفقه وما أدراك ما الفقه: وهو عصارة الأحاديث النبوية والآيات القرآنية، أنا أتكلم عن واقعنا وعن مجتمعنا، والكتب المشهورة عندنا من أحسن المختصرات التي رأيتها.

زاد المستقنع

زاد المستقنع اهتم أهل العلم في هذه الفترة بـ زاد المستقنع وهو كتاب فذ، وفيه قضايا ومسائل نادرة الوقوع، وهذا من نقصه، ومسائل مرجوحة ليست راجحة، ويمكن أن يكون (20%) من مسائل زاد المستقنع ضعيفة عند أهل العلم من المحدثين. أما ميزه: 1 - أنه اقتضب العبارة ولم يبسطها بسطاً. 2 - ومن ميزته: أنه أكثر من إيراد المسائل حتى أتت ألوفاً من المسائل، فأحسن كل الإحسان، علق عليه البليهي شيخي وما زال حياً -جزاه الله خيراً- شيخ كبير: فأتى بكل شيء عجيب، ولو لم يكن له بعد الإسلام حسنة إلا هذا الكتاب لكفاه فخراً، وعليه حاشية ابن قاسم وهي حاشية عجيبة، وخاصة في أخذ كلام ابن تيمية وابن القيم.

الروض المربع

الروض المربع الروض المربع كتاب جيد، ولكن فاته تصحيح الحديث وتضعيفه حتى أتى بأحاديث موضوعة وباطلة مثل حديث {أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم} في أوله فلا يعتمد في الحديث، ولا بد أن يبين الحديث الصحيح من الضعيف وهذه مثلبة عند كثير من الفقهاء رحمهم الله.

العدة في شرح العمدة

العدة في شرح العمدة العدة في شرح العمدة: وهو أحسن ما كتب، وميزته: أنه بين التطويل وبين الإيجاز، ولكنه كذلك يحتاج إلى ذكر الأحاديث في المسألة، وإلى تخريج الأحاديث وتصحيح الحديث.

المغني لابن قدامة

المغني لابن قدامة المغني وهو الكتاب المنتهى لمن أراد أن يتفقه خاصة في فقه الحنابلة بل في الفقه مطلقاً، وقال بعضهم: لا نعلم في كتب الفقه مثل المغني، وصدق! المغني هو المغني، إذا كان في بيتك فاعتمد عليه بعد الله في الفتيا وفي المسائل، وفيه ثلاث ميز: 1/ نقل كلام العلماء في المسألة قديماً وحديثاً إلى عصره -رحمه الله- وخاصة المشهورين من الأئمة الأربعة والتابعين لهم بإحسان والصحابة. 2/ يذكر الأحاديث المشهورة في المسألة. 3/ يستخدم أصول الفقه استخدام من يعرف الفن ويدري الفن ويجيده، فيمزج هذا بهذا فيصبح عسلاً مصفى. أما المآخذ على المغني، فأعظم مأخذ هو عدم المرور بتصحيح الحديث أو تضعيفه كما يفعل أهل العلم من النقاد، وهذا من شيمة المحدثين، لكن حبذا لو زادت حسناته حسنات. ومنها: أنه قد يرجح المرجوح، فيقول: ولنا -أي: للحنابلة- فلا تتبعه في هذا واتبع الحق وعليك بالمعصوم -عليه الصلاة والسلام- كل واحد يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب ذاك القبر عليه الصلاة والسلام.

المجموع للنووي

المجموع للنووي المجموع للنووي من أعظم كتب الفقه، وقال ابن كثير في ترجمة النووي: لا أعلم كتاباً أعظم منه لكن يحتاج إلى أشياء. وميزه: 1/ أنه يتكلم عن الحديث كلام المحدثين والجهابذة. 2/ أنه يستوعب القول في المسألة. 3/ أنه يأتي باللغويات وأقوال الشعراء في اللفظة إذا كانت في الفقه. المآخذ عليه: 1/ أنه لم يتمه وإنما وصل إلى باب الربا ثم توفي رحمه الله. وهذا ليس مأخذاً. 2/ أنه أورد أقوال بعض العلماء من صغار الشافعية، وهي أقوال في مسائل نظرية تحتمل فرعيات جزئية مدققة كرأي البغداديين والخراسانيين، وهذه تثقل طالب العلم، يكفيه الآن مثل الأربعة وكبار العلماء. 3/ إن بعض المسائل اقتضبها وهي تحتاج إلى كثير من الاستطراد، وما أحسن شرحه لحديث القلتين في المجلد الأول! لمن أراد أن يقرأه يجد العجب العجاب، فليت قوة النووي في الحديث جعلها لصاحب المغني، وليت بسط المغني وأصوله وتنظيره جعلها لصاحب المجموع لكن أبى الله إلا أن يكون الكمال لكتابه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82].

المحلى لابن حزم

المحلى لابن حزم المحلى: مر معنا المحلى وقد تكلمنا عليه، لكن نعود للفائدة، المحلى من ميزه الآتي: 1 - كتاب رجل محدث من الدرجة الأولى (100%) وهو رجل ممتاز متفوق في علم الحديث، وهو مجرح ومعدل، وهو من الجهابذة. 2 - أنه يورد أقوال التابعين ويعتمد على مصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة. 3 - أنه يورد كلام الأئمة. المآخذ عليه: الرجل مؤول في الصفات فلا تأخذ منه العقيدة في المجلد الأول، قال ابن تيمية: أبو الحسن الأشعري أحسن حالاً من ابن حزم الظاهري. 1 - أنه تساهل في الغناء وأباحه، والقول الصحيح على غير ما ذهب إليه، والحديث في البخاري صحيح والحمد لله. 2 - نفى القياس وتمسكه بالظاهر فضاق عطنه. 3 - أنه طعن في بعض العلماء، رحم الله ابن حزم ورحمهم الله وأسكنه الله فسيح جناته، فليته تأدب معهم حتى قال بعض العلماء: سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقان، لكن لا بد أن يكون في مكتبتك.

الفتاوى لابن تيمية

الفتاوى لابن تيمية فتاوى ابن تيمية: حدث عن هذا الجهبذ بما استطعت، العبقرية الفياضة، العلم الجهبذ -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- ماذا أقول في ابن تيمية وفي فتاويه؟ ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل: إن السيف أمضى من العصا ابن تيمية هو ابن تيمية القمر هو القمر: يينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر قال تعرفن الفتى قلن نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر مدحي لـ ابن تيمية ينقص من قيمته أو من فتاويه، لكن الفقه والتحقيق العلمي والإبداع على مر العصور تجده في فتاوى ابن تيمية، القوة العلمية المتناهية، الصدق والإخلاص، اليقظة الفكرية، الحماس للإسلام، الفهم الصادق، المناعة التي لا يخترقها الصوت في كتب ابن تيمية، كل الصيد في جوف الفرا: فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزالِ يكفي أن ابن تيمية هو ابن تيمية وفتاوى ابن تيمية هي فتاوى ابن تيمية ولا بد لك أن تمر على فتاوى ابن تيمية، وأن يضع الإنسان الكسل والخمول، وألا يقول: تجهضني، إن لنفسك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً، ولزوجتك عليك حقاً، هذا حديث الرخص نذكره لكن في أوقاته، والآن نحن لم نبلغ من الإرهاق والإجهاد إلى هذا المستوى الذي نستشهد به، وأنا أعرف على أن هناك من يحرص على ذلك.

زاد المعاد

زاد المعاد زاد المعاد: يصح أن نلحقه بالفقه في الاستنباط أو نلحقه بالسيرة فهو بين بين، تلحقه هنا فهو من أحسن ما كتب! يقول أبو الحسن الندوي فيما نقل عنه: لا أعلم كتاباً بعد كتاب الله دبج مثل زاد المعاد، فعليك به خاصة بتحقيق الأرنؤوط، في خمس مجلدات واجعله في بيتك أو عند وسادتك، ومر به لترى الإشراق والإبداع: من تلظي لموعه كاد يعمى كاد من صورة اسمه لا يسمى

سبل السلام

سبل السلام سبل السلام في شرح بلوغ المرام: ينقصه تحقيق المسائل تحقيقاً أكثر وأكثر، وبسطاً في الحديث؛ لأنه بعض الأوقات يأتي بسطرين أو ثلاثة في الحديث الواحد وقوة نسبة الأقوال لأنها ربما تختلف الأقوال، ينسب أقوالاً ليست لأصحابها.

نيل الأوطار

نيل الأوطار نيل الأوطار: أحسن ما كتب في فقه الحديث إلى الآن، وحبذا أن يجعله طالب العلم مرجعاً له، وقد أجاد كل الإجادة، ومن ميزه: 1/ التكلم على الحديث تصحيحاً وتضعيفاً وشرحاً وتعديلاً. 2/ إيراد أصول الفقه، وقواعد أصول الفقه، وقواعد الاستنباط، ودلالات الألفاظ. 3/ الترجيح وأخذ الراجح. 4/ إيراد كلام العلماء في المسألة -رحمه الله رحمة واسعة- فهو كتاب هذا الذي هو يعلق باسمه شرفاً له وإلحاقاً به.

أصول الفقه

أصول الفقه فن أصول الفقه من أعظم الفنون عند المسلم، وهو ميزان العلم كميزان الذهب. فن أصول الفقه، له أصل عند الصحابة الأخيار لكنه ما بُدِأَ التأليف به إلا متأخراً، وأول من ألف فيما نعلم الإمام الشافعي -رحمه الله- ألف الرسالة، وطالب العلم لا يستغني في فن أصول الفقه عن ثلاثة كتب في مكتبته: الرسالة للإمام الشافعي، والموافقات للشاطبي، وأعلام الموقعين لـ ابن القيم وهي من أحسن ما كتب. أما للمتخصصين فهناك لكن ليس الآن مجال بسطها؛ لأن الوقت لا يسمح بذلك، إنما أشير إلى هذه الكتب الثلاثة: الرسالة والموافقات وأعلام الموقعين فهي أحسن ما كتب، وهنا كتاب عصري في أصول الفقه جيد، وهو أصول الفقه لـ عبد الوهاب خلاف، وهو مبسط ومقرب لطالب العلم لو ركز عليه وتمكن فيه لكان -إن شاء الله- جيداً ومفيداً في باب أصول الفقه، ولا يذهب المسلم وقته في أصول الفقه، وهو وسيلة مثل: علم المصطلح ومثل: علم علوم القرآن فلا يذهب جهده وطاقته وذكاءه في الوسائل، لكن المقاصد هي المتون الكتاب والسنة.

كتب في العقيدة

كتب في العقيدة أما جانب العقيدة وكتب العقيدة فثلاثة كتب لا بد أن تكون في مكتبة طالب العلم وهي كالتالي:

كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب

كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب كتاب التوحيد للشيخ/ محمد بن عبد الوهاب وشروحه ومن أحسن شروحه: فتح المجيد، وكتب أئمة الدعوة.

معارج القبول للحكمي

معارج القبول للحكمي معارج القبول للشيخ/ حافظ بن أحمد الحكمي، فقد أورد مذهب السلف، والأحاديث بإفاضة تامة وبسعة وبغزارة.

الطحاوية

الطحاوية الطحاوية ومعتقد السلف في الجملة موجود فيها، ولو أن بعض المسائل ينبه عليها، حبذا وقد نقصه تخريج الأحاديث، وقد خرجت -والحمد الله- وليته ترك علم الكلام في أول الطحاوية لكان أحسن وأحسن لكن أورده فرحمه الله رحمة واسعة. من كتب العقيدة التي تعتمد: كتابات ابن تيمية وابن القيم في الجملة وابن كثير، وإذا أردت أن تأخذ التنظير العقدي للعقيدة الإسلامية، فاطلبه عند ابن تيمية في كتبه؛ تجد البسط والسعة والشرح في العقيدة الإسلامية.

كتب في التاريخ

كتب في التاريخ التاريخ فن لا يستغني عنه طالب العلم فهو مادة الراحة قبل النوم في القيلولة، وقت الإرهاق الفكري والجسمي، تتمتع مع كتب التاريخ، حين تمل وتكل، تجلس مع كتب التاريخ لأنه متعة ثم لا يكلفك شططاً وهو يمنحك تجربةً واستقراءً وواقعية ومعرفة بما مر واستفادة من التجارب: مصائب قوم عند قوم فوائد وكتب التاريخ المشهورة عند الناس الآن كثيرة منها: تاريخ ابن جرير وتاريخ ابن الأثير وتاريخ ابن كثير وتاريخ المسعودي وتاريخ اليعقوبي وتاريخ ابن خلدون، وأحسن الكتب هذه ثلاثة تواريخ: 1/ تاريخ ابن جرير. 2/ والبداية والنهاية لـ ابن كثير. 3/ الكامل في التاريخ لـ ابن الأثير. وأحسن الثلاثة البداية والنهاية لـ ابن كثير، فليكن في مكتبتك يا طالب العلم، فهو أحسن ما كتب إلى الفترة التي توقف عندها في التاريخ، لكن تضيف أنت بعد كتب ابن كثير في التاريخ التي أتت بعده، وهو علم شائق لكن لا يؤخذ الوقت في البداية دائماً وفي التاريخ دائماً، فإنك إن شئت أن تجعلها حديث عجائز جعلته، عجائز نيسابور، وعجائز مدغشقر، وإن شئت أن تجعله تعليقاً فكرياً وأصالة ورسالة جعلته بحسب المقاصد، وإن شئت أن تجعله مسليات جعلته، وإن شئت أن تجعله استنباطاً وتجربة جعلته.

كتب السير

كتب السير أما كتب السيرة؛ سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام فأحسن السير وأوسع السير إلى الآن سيرة ابن هشام، وبعدها الروض الأنف للسهيلي وهي من أوسع السير، وسيرة ابن كثير وهي جيدة حبذا لو أخلاها من الأسانيد ولو أنها ميزة لكنها ثقيلة وطويلة لا تناسب بعض الناس إلا المتخصصين. ومن أبدع ما كتب: دلائل النبوة للبيهقي وقد طبع في سبعة مجلدات، وحقق تحقيقاً عجيباً، فعليك به كما قال الذهبي: فإن فيه نور وشفاء لما في الصدور. أما السيرة الحلبية فهي موجودة في ثلاثة مجلدات، لكن فات صاحبها الآتي: 1/ أنه أوغل في الصوفية، وأتى بكلام البوصيري ونظمه وسكت عنه، وأتى بكلام بعض الصوفية الأغيار والأنوار وهذه المقامات والأقطاب والأغواث. 2/ أنه ترك تصحيح الأحاديث والتعقيب عليها. 3/ أنه أورد بعض القصص التي ليست بصحيحة في السيرة النبوية. ويصح أن يكون زاد المعاد كتاب سيرة فلينتبه له. من السيرة العصرية فقه السيرة للبوطي، كتاب لكن يلاحظ عليه بعض المواطن، البوطي: محمد سعيد رمضان البوطي، والسباعي دروس وعبر لكنه كتاب فكري أقرب من أن يكون نقلي أثري. ومن كتب السيرة أيضاً: الرحيق المختوم في سيرة النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام للمباركفوري وهو جيد.

كتب في الوعظ وفي الرقائق

كتب في الوعظ وفي الرقائق أما علم الرقائق وعلم الوعظ، وعلم التحذير والإنذار، وعلم التخويف ففيه كتب في الساحة، أما كتاب بستان العارفين: فملأه وكدسه من يمينه إلى شماله أحاديث موضوعة، فانتبه إلى الرجل، اغسل يديك من الكتاب، نعم! يوجد فيه فوائد لكن انتبه إلى الأحاديث.

إحياء علوم الدين

إحياء علوم الدين وأما إحياء علوم الدين للغزالي: ففيه ثلاث مناقب وثلاث مثالب فاستمع إلى مناقبه: 1/ أن الرجل تربوي، وظهر عليه الزهد والصدق -إن شاء الله- كما ذكر ابن تيمية ذلك لما سُئِلَ عن الكتاب، ففيه خير كثير. 2/ ومنها: أن الرجل نقل كثيراً من أقوال السلف في علم التربية والسلوك. 3/ أنه أوجد قدماً للثائرين والكتبة في هذا الفن من المسلمين. أما مثالبه فيه كالتالي: 1/ الرجل أشعري نظار فيلسوف في التمشعر، فأشعريته من باب تقديم العقل على النقل لا من باب أشعرية أهل الحديث، قصدهم التنزيه، فالعقيدة لا تؤخذ منه. 2/ أتى بالأحاديث بلا خطام ولا زمام وأوردها وحشرها حشراً حتى كدسها بالضعاف والموضوعات فلينتبه له، وتعقبه العراقي. 3/ الرجل معجب بـ الصوفية ويدين لهم بالولاء خاصة الغلاة منهم، ويسكت على قصص معهم لا تصدقها عجائز البربر فلينتبه له، اختصره ابن الجوزي في مختصر طيب لطيف اسمه منهاج القاصدين، واختصره ابن قدامة في كتابه مختصر منهاج القاصدين. ولكن أحسن منه:

رياض الصالحين

رياض الصالحين رياض الصالحين حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ذاك الكتاب الفذ الذي أعلن قوته ومناعته وصموده أمام الإعصارات والنقودات من كثير من الناس، والكتاب هو كتاب إمام المسجد والخطيب والداعية والمفلح والمربي، والكتاب رزق قبولاً بثروته ونية صاحبه، وصدقه مع الله عز وجل.

الترغيب والترهيب

الترغيب والترهيب الترغيب والترهيب وهو أوسع وأوسع، وفيه أحاديث واهية وأحاديث ضعيفة، ولكنه أكثر فوائد وأكثر ترغيباً وترهيباً من رياض الصالحين.

طريق الهجرتين

طريق الهجرتين كتاب طريق الهجرتين من أحسن ما كتب لـ ابن القيم، وهو الشهد المصفى، والماء الزلال، والنسيم الطيب، لكن كذلك الرجل أعجب ببعض الكلمات للصوفية مثل ما فعل في مدارج السالكين. والرجل تؤخذ منه العقيدة، سلفي المعتقد من أئمة أهل السنة والجماعة لكن في مدارج السالكين، سكت عن بعض قصص الصوفية، وجمح بالنفس في الخيال، وسافر بها في البعد عن الواقع، والإنسان بشر يخطئ ويذنب ويقصر وما مثل منهج القرآن والسنة، حتى يقول محمد حامد الفقي، قال: ليته ما ألف ابن القيم هذا الكتاب، لكن نقول: رحمه الله، فيه من الفوائد والمنافع، وفيه من الاشراقات، وفيه من الخير الكثير ما يضفي الكثير الكثير على النقص والمثالب التي فيه.

كتب ابن تيمية

كتب ابن تيمية كتب ابن تيمية في الرقائق وفي السلوك تؤخذ جملة وتفصيلاً، ولا يسأل عليه، فمثل ابن تيمية يسأل عن غيره، وغيره لا يسأل عن ابن تيمية، ولو أنه بشر يخطئ ويصيب لكنه أجاد خاصة المجلد العاشر والحادي عشر في الفتاوى.

كتب في الأدب

كتب في الأدب الأدب: ما أحسن طالب العلم أن يقدم علمه ودعوته في قوالب من الأدب، وطالب العلم والعالم يوم يكون ناقص الأداة في الأدب يكون كالرجل الذي يتوكأ على عصا مكسورة، إن تكلم لا يجيد أن يتكلم، إن باحث لا يجيد أن يباحث، إن ناقش لا يجيد المناقشة، أسلوبك وطريقتك ولباسك وعصاك هي الأدب، والأدب معناه: نثراً وشعراً أن تكون أداتك في تبليغ هذا العلم، فمن كتب الأدب المرشحة في الساحة الآتي: روضة العقلاء لـ ابن حبان أبي حاتم البستي. وأدب الدنيا والدين للماوردي. وأنس المجالس لـ ابن عبد البر. هذه أدب أهل السنة والجماعة، فيها حياء وعفاف وستر.

كتب يحذر عند قراءتها

كتب يحذر عند قراءتها أما كتب أخرى فينبه عليها وكأنه يقال لك: خطر ممنوع الاقتراب منها:

المستطرف في كل فن مستظرف

المستطرف في كل فن مستظرف المستطرف في كل فن مستظرف، وهذا -نسأل الله العافية- أتى فيه بحيات وعقارب وبذاء وفحش حتى نزل بنفسه في الحضيض، يأتي بآية وحديث ثم ينسى نفسه ويهرول فكأنه لا يحبسه شيء. رحمه الله ونسأل الله أن يتجاوز عنا وعنه.

كتاب العقد الفريد

كتاب العقد الفريد كتاب العقد الفريد لـ ابن عبد ربه من أحسن الكتب فوائد، لكن عليه ثلاث ملاحظات: 1/ أنه يأتي بأحاديث موضوعة وباطلة وكأنه يأخذها بدون مقابل وهو يأخذها مجاناً يوردها ويحشرها حشراً ثم لا يعلق. 2/ الرجل شيعي يتكلم في بني أمية ويزري بهم، خاصة في الصدر منهم كـ معاوية وابنه ويتشفى فيهما. 3/ يفحش في باب النساء وفي الحمقاء والمتماجنين، وهذا لا يليق بالمسلم الأديب الذي يريد الله والدار الآخرة.

كتاب عيون الأخبار

كتاب عيون الأخبار كتاب عيون الأخبار من أحسن ما كتب فهو قد أجاد كل الإجادة في النقولات، وهو أوثق من العقد الفريد لكنه أفحش كذلك في بعض المواضع.

الأغاني لأبي فرج الأصبهاني

الأغاني لأبي فرج الأصبهاني الأغاني لـ أبي الفرج الأصبهاني: هذا أكبر كتاب في الأدب وهو يبلغ اثنين وثلاثين مجلداً ومن ميزه: 1/ كثرت اللغويات والأشعار الجميلة والمقطوعات الأدبية الرائقة الرائعة لكثير من الشعراء ما يقارب من ثلاثين شاعراً. 2/ أنه يصدق كلام المتكلم والأديب والخطيب والعالم. 3/ أنه حوى كثيراً من الدرر الأدبية التي لا تنكر. لكن الرجل أخفق إخفاقات عجيبة منها: 1/ أنه أتى بالكذب، نعوذ بالله من الكذب. 2/ أنه نزل على الخلفاء خاصة هارون الرشيد، وعلى خلفاء بني أمية؛ لأن الرجل شيعي عجيب، يقولون: إنه من سلالة بني أمية لكنه تشيع. يوم يمانٍ إذا لا قيت ذا يمن وإن لقيت معدياً فعدناني ثم الرجل في باب الديانة أمره إلى الله عز وجل، ولا تؤخذ منه قصص، وإنما تؤخذ للاعتبار فهذا يلاحظ عليه؛ لأنه كذلك تماجن كثيراً في كتابه ولا يقرؤه الإنسان إلا بعقيدة، وبعد أن يستغفر الله كثيراً ويكون متحصناً من نفسه.

كتب في الشعر

كتب في الشعر أما الشعر فمن أحسن كتب الشعر التي وردت عند المسلمين وهي: مختارات البارودي وهو في أربعة مجلدات، جمع شعراً من أروع الشعر، ثلاثون شاعراً في الإسلام من صدر الإسلام إلى عصر المولودين بعد: بشار بن برد، وأبو الطيب المتنبي، وأبو تمام، والبحتري، وأبو العلاء المعري، وعمارة اليمني، والأبيوردي، وابن الخياط، وأبو العتاهية، وابن الرومي جمع لهم أحسن ما قالوا، فحبذا أن يكون في مكتبتك مختارات البارودي. ديوان المتنبي لا تغفل عنه، فهو شاعر العربية بلا منازع، وما أحسن شعره! ويستشهد به ابن تيمية وابن القيم كثيرا، وما أحسن لطائفه وإيراداته، وإشراقاته، وليته استخدم شعره في الإسلام وفي خدمة لا إله إلا الله ونصرة لا إله إلا الله، لكنه ذهب وشرَّق وغرَّب، يريد الإمارة وما حصل عليها، يذهب إلى هذا أنت بدر الزمان، وأنت مجدد هذا القرن، وأنت درة هذا العصر، ثم إذا تغاضب معه سفك ما بينه وبينه من حياء، وذهب إلى كافور وقال: قطعت المرورى والشناخيب دونه وجبت هديراً يترك الماء صاديا ويقول فيه: ومن مثل كافور إذا الخيل أحجمت وكان قليلاً من يقول لها اقدمي ويقول له، حيث كان كافور اسمه أبو المسك: أبا كل طيب لا أبا المسك وحده وكل غمامٍ لا أخص الغواديا الرجل شاعر من الدرجة الأولى لكن انظر لما غضب عليه: عيد بأية حال عدت يا عيد لما مضى أم لأمر فيك تجديدُ إني نزلت بكذابين ضيفهم عن القرى وعن الترحال محدودُ جود الرجال من الأيدي وجودهم من اللسان فلا كانوا ولا الجودُ لا يأخذ الموت نفساً من نفوسهم إلا وفي يده من نتنها عودُ لا تشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيدُ إلى أن يقول: من علم الأسود المخصي مكرمة أقومه البيض أم آباؤه الصيدُ أم أذنه في يد النخاس دامية أم قدره وهو بالفلسين مردودُ حتى يقول: أنا ما أتيت أطلب منك إمارة يوم ذهب من عنده، أنا أتيت أنظر إليك، حتى يقول: ومثلك يؤتى من بلاد بعيدة ليضحك ربات الخدور البواكيا ثم ذهب إلى عضد الدولة، وقال لـ عضد الدولة أعظم مديحة: فداً لك من يقصر عن فداكا فما ملك إذاً إلا فداكا أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا إلى أن يقول: إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى لكن الرجل شعره في القمة، وأنا أوصي طلبة العلم أن يستشهدوا من شعره وأن يقفوا معه. ومن الشعراء أبو تمام: وديوانه من أحسن ما قيل، وهو أحسن حالاً من المتنبي ولكن ذاك أشعر وله شعر لطيف في الإخاء وهو يناسب جلستكم: إن كيد مطرف الإخاء فإننا نعدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد وله أم المراثي، رثى بها محمد بن حميد الطوسي يقول: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر توفيت الآمال بعد محمد وأصبح في شغل عن السفر السفر إلى أن يقول وهذا الذي رثاه شجاع مقدام مجاهد من قواد المسلمين: تردى ثياب الموت حمراً فما دجا لها الليل إلا وهي من سندس خضر وما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمر عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر من الشعراء المعاصرين: أحمد شوقي فلا بأس من استصحاب شعره؛ فهو شاعر في القمة، ويسمى أمير الشعراء -سموه هكذا- وهذه الكلمة ليست فتوى. ومنهم محمد إقبال: وهو شاعر إسلامي مجيد، وله قصائد مترجمة، مثل قصيدة: شكوى وجواب شكوى، ترجمة عبد الوهاب عزام. أما مؤلفات العصر فأدلكم على مؤلفات عبد الرحمن بن ناصر السعدي علامة القصيم -رحمه الله- فهو من أحسن ما كتب في هذا العصر، وكتب سيد قطب، وكتب محمد قطب، وكتب أبي الأعلى المودودي الأستاذ الكبير، وكتب أبي الحسن الندوي والمنطلق والرقائق والعوائق لـ محمد أحمد الراشد. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

حاجة الصحوة إلى العلم الشرعي

حاجة الصحوة إلى العلم الشرعي إن الدين الإسلامي دين حضارة وعلم، وقد امتدح الله العلم والعلماء، ورفع شأنهم في كتابه الكريم؛ وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وما أحوج الأمة في هذا الزمان وهي تعيش زمن الصحوة المباركة الإسلامية إلى العلم الشرعي، ما أحوجها أن ترجع إلى سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين والعلماء الكبار لتعرف أهمية العلم وفضله، وأسباب زيادته، وبركته، وفوائده، ومسائله العويصة، لكي تبلغه للناس وتقيم به الأسر والمجتمعات.

فضل العلم والعلماء في القرآن

فضل العلم والعلماء في القرآن إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده رسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصبحه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ياأهل الصحوة، وسلام الله عليكم يا أهل الإقبال على الله، وسلام الله عليكم يا من في أرضهم نبتت بذرة تجديد التوحيد. يا رياض الخير قد جئت وفي جعبتي أبها بلقياك تسامى حلفت لا تشرب الماء ولا تأكل الزاد ولا تلقى مناما أو ترى الأحباب في نجد فإن لم تجدهم صار ممساها حراماً فسلام الله أهديه لكم يا رجال الفضل في نجد الخزامى أنا قد أحببتكم في الله ما كان قلبي في سواه مستهاما

موضوع الدرس وعناصره

موضوع الدرس وعناصره أما موضوع هذه المحاضرة وهو: (الصحوة الإسلامية وحاجتها إلى العلم الشرعي) وحاجتنا نحن إلى سماع الموضوع، وحاجتنا إلى القبول من الله عز وجل، فإنه الذي يقبل، والأجر منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو يثيب وما سوى إثابته سبحانه من عروض أو ثناء أو تسهيلات فإنما هي عرض زائل قد توفر للبر والفاجر. هذا الموضوع: (الصحوة الإسلامية وحاجتها إلى العلم الشرعي) يدور على أربعة عناصر:- العنصر الأول: كيف أثنى الله على العلم وعلى أهله في كتابه العظيم، أو كيف تحدث القرآن عن العلم، وما هي المساحة التي أخذها العلم في القرآن. العنصر الثاني: كيف تحدث رسول الهدى صلى الله عليه وسلم عن العلم، وكيف بين فضله، وكيف تعامل السلف معه، خشية لله وطلباً فيما عنده، وخوفاً من عذابه، ورجاء في ثوابه، كيف أصبحوا نسخاً من القرآن الكريم تمشي على الأرض، وتدرج في الوهاد، وتسير على الجبال. العنصر الثالث: ما هو موقفنا نحن أهل الصحوة إن كنا صادقين. العنصر الرابع: أن أهل صحوة هم أهل هذا الميراث الذي ورثه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فما هو نصيبنا من هذا الميراث، وما هو موقفنا من هذا العلم المسلسل المروي عن الثقات حتى يوصلونه إلى رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، ومن رسول الهدى إلى جبريل، ومن جبريل إلى رب العالمين.

استشهاد أهل العلم على الوحدانية

استشهاد أهل العلم على الوحدانية فأما القرآن فاسمعوا إليه وهو يتحدث عن أهل العلم، وما أعظم قيمة أهل العلم في القرآن، وما أجلها وما أنبلها، يريد الله أن يستشهد على وحدانيته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وعلى ألوهيته، فبمن يستشهد؟ يقول جل ذكره: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] فانظر كيف استشهدهم على أعظم شهادة، وترك غيرهم فلم يستشهدهم مع من شهد له بالوحدانية، فهل هناك أعظم من أن يستشهد الله نفسه على وحدانيته، ويشهد الملائكة أن لا إله إلا هو، ويشهد العلماء أن لا إله إلا هو، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى شهدت له الكائنات بالوحدانية، السماء تشهد أن لا إله إلا الله، والأرض تشهد أن لا إله إلا الله، اللمعة من الضوء، القطعة من السناء، اللفحة من الهواء، ورقة الشجر، خرير الماء، هديل الحمام، كل شيء يشهد أن لا إله إلا الله. وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد فياعجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد إلا هذا الإنسان يوم يتكبر ويتنبر على كرسي الطغيان، فإنه يجحد الله ظاهراً لا باطناً، فرعون ملك نفراً من الناس، وقطعة من الأرض، ذرة من ذرة، وبقعة من بقعة، فقال لقومه: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] وقال: {وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] فأجراها الله من فوق رأسه؛ عندها علم من هو الذي يجري الأنهار، ويملك الديار، ومن هو الواحد الجبار، ومن له عقبى الدار، ومن بيده نواصي كل المخلوقين حتى يرث الأرض ومن عليها {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] يقول له موسى، أستاذ التوحيد وشيخ العقيدة: يا فاجر يا خبيث: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] قرارتك ونفسك وخلدك يقول لا إله إلا الله، ولكن لسانك يكذب.

تفضيل أهل العلم على غيرهم والأمر بالتزود منه

تفضيل أهل العلم على غيرهم والأمر بالتزود منه اسمعوا إلى أهل العلم يوم يريد الله عز وجل أن يفاضل بينهم وبين غيرهم، فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] ثم ترك الجواب عند أهل البيان للعلم به، فإنه ليس هناك مفاضلة بين أهل العلم وبين غيرهم من الناس، ولذلك لا تفاضل بين العظيم الشريف النبيل وبين الحقير الخسيس. ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا فلم يقل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أهل العلم أفضل، وإنما سكت للعلم به: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] ويوم يرفع الله أهل العلم درجات، أخبر بتلك الدرجات، وكل درجة الله أعلم بها، وإنها لدرجة عظيمة: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. الذين آمنوا وأوتوا العلم، ولم يقل أوتوا العلم واكتفى؛ لأن العلم قد يكون إلحاداً، وقد يكون زندقة، وقد يكون فسوقاً وفجوراً. أما أتت العلمانية اليوم تقول: لا إله إلا العلمانية؟ أما أتى أتاتورك فدوخ الدنيا وتركيا أولاً ليقول لها لا إله والعلمانية هي الدين؟ فالله يقول: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] ويقول الله لرسوله وهو يأمره أن يتزود من الزاد، فأي زاد يتزود منه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؟ هل يتزود من الذهب والفضة؟ أو من القصور، أو من الدور؟ وهو عاش في بيت واحد لا يساوي طوله ثلاثة أمتار؟! لأنه يربي الأرواح، والذي يربي القلوب مشغول عن بناء الدور، وعن توسيع الجيوب، والذي يربي القلوب لا يشغله توسيع الجيوب أو ملئ الجيوب. كفاك عن كل قصر شاهق عمدٍ بيت من الطين أو كهف من العلم تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم يقول الله له: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] يا محمد -عليك أفضل الصلاة والسلام- تابع هذا الدعاء صباح مساء مع كل صلاة: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] فإن الطرق تتفتح أمامك، والشهوات تنجلي أمام عينيك، والشبهات تكون أنت على بصيرة منها، والظلمات تتجلى لك: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114].

الأنبياء يتحدثون عن أنفسهم بالعلم

الأنبياء يتحدثون عن أنفسهم بالعلم ويتحدث الأنبياء عن أنفسهم عليهم الصلاة والسلام، فاسمعوا إلى إبراهيم يقول لأبيه الشيخ الضال العفريت الملحد: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} [مريم:43] يقول: استحي على وجهك أيها الشيخ الضال، يا من يريد أن يؤسس الإلحاد والزندقة في الدنيا، خف من الله، فإنه قد أتاني من العلم مالم يأتك، عندي سند ليس لقوة جسمي، ولا لمنصبي، ولا لأسرتي، ولا لجاهي، ولكن يا أبت إني قد جاءني من العلم الشرعي الذي أتى من فوق سبع سماوات إلى الدنيا. ويقول سليمان هو يتحدث إلى الجيوش والجماهير في عرض عسكري باهر، يوم جمع له إلانس والجن والطيور والزواحف والحشرات قال للجماهير: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} [النمل:16] قال بعض المفسرين: لو حق للإنسان أن يفتخر بشيء يفتخر به لكفى بالعلم، يا أيها الناس حمداً لله علمنا منطق الطير، حتى الهدهد وهو طائر صغير يقول ابن القيم في بدائع الفوائد: "عجباً للهدهد يفتخر بالعلم بين يدي الرسول الكريم سليمان عليه السلام - وسليمان هو الذي أتي بالتوحيد وشق طريق الدعوة وبنى مدرسة العقيدة في الدنيا في فترته - أتى الهدهد من اليمن يوم تخلف فأراد أن يعاقبه سيده على تخلفه، قال: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} [النمل:22] ثم أخذ يتحدث له عن التوحيد، وعن الشرك في أرض اليمن، وما ينبغي للمرأة أن تقوم به من دور في الحياة، وقد أفاض في الحديث حتى قال بعض العصريين: لقد ألقى الهدهد محاضرة على سليمان، يقول: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} [النمل:23] عجيب المرأة تملكهم في دين من؟ إلا في دين الأوروبيين الذين لا يعرفون إلا ظاهر الحياة الدنيا، أما في علم الناس ومفهوم العقلاء، فلا يصح للمرأة أن تملك الرجال: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل:23] مما يقبل التملك: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل:23]. كأنه يقول له: إياك أعني واسمعي يا جاره، عرشك ينبغي أن يثبت، فلا تثبت هذه الملحدة هنا، والواجب أن يكون عرشك أعظم من عرشها لتبقى راية التوحيد أعظم من راية الشرك: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل:23]. لكن الداهية الدهياء، والفاحشة الفحشاء، والمصيبة الشنعاء أنهم يعبدون الشمس: {يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل:24] عجباً لك أيها الهدهد يوم تفتخر بالعلم، صح عن علي بن أبي طالب أنه قال: [[قيمة كل إنسان ما يحسنه]] وهذه الكلمة لو كتبت بماء الذهب ما أنصفاها ماء الذهب، حتى يقول ابن عبد البر: "ما عرف بعد كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أحسن من هذه الكلمة، قيمة كل إنسان ما يحسن " وورد عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [[كفى بالعلم فخراً أن يدعيه من ليس من أهله]] تجد الجاهل الرعديد البليد يقول: عندي من العلم ما يكفيني، فكفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس من أهله.

العلم قرين الإيمان والفهم والتعقل

العلم قرين الإيمان والفهم والتعقل والله عز وجل ذكر أهل العلم في القرآن، فقرنهم بالإيمان، فقال: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:56] فقرن الله الإيمان بالعلم، وأتى الله عز وجل بالعلم في مقام الشهوات لما ذكر قارون عندما خرج على قومه في زينته، قال أهل الدنيا، أهل الجهل، أهل المادة: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79] فماذا قال أهل العلم، قال: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ} [القصص:80] خافوا من الله، استحيوا من عذاب الله، {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80] فانظر كيف وقفوا هناك في موقف الشبهات، ووقفوا هنا في موقف الشهوات. والله عز وجل ذكر أهل العلم في القرآن بالفهم والتعقل والتثبت والتؤدة فقال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] ما يفهم العبر ولا يفهم النصائح إلا أهل العلم، وذكرهم الله بالحفظ في كتابه فمدحهم فقال: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49]. في صدروهم كأنها مسطَّرة ومكتوبة، لأنهم وعوها، فانظر إلى هذا الشرف العظيم، والله عز وجل دائماً يذكر العلم في معرض إرسال الرسل، حتى لما ذكر الله الكلاب، ميز الكلب المعلم عن الكلب الجاهل، قال: {مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة:4] فجعل الكلب المعلم إذا صاد فصيده حلال بشروط، وأما الكلب الجاهل فصيده لا يجوز، لأنه ما درس، وما تخرج في مدرسة، وما عنده شهادة. وميز الله حتى في البهائم ما منـ ها يعلم عن باغ ومغتشم ولذلك احتاج الإنسان إلى أن يورد هذه النصوص بما تردد في الساحة وسوف نأتي إليه في العنصر الرابع من تقليل شأن العلم، ومن تهوين شأن العلماء في بعض الأوساط، ومن الدعوة إلى الانطلاق، وترك البيوت والمكتبات والحلق، وأن الأمة غارقة في حمأة آسنة، وأن الإنقاذ لا يتأتى لها من الركود وإنما يتأتى لها من الانطلاق، فكان لزاماً علينا أن نورد هذه الآيات، والله يقول لرسول الدعوة عليه الصلاة والسلام: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. قال الإمام البخاري في الصحيح في كتاب العلم: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، حياك الله أيها الإمام البخاري، ولا فض فوك، وما أحسن ما دبجت ووشحت ونسقت! وصدق حين بدأ بالعلم قبل القول والعمل، فرسالة بلا علم جهل، وتعليم للناس بلا فهم ضلال، ودعوة بلا قال الله قال رسوله عليه الصلاة والسلام خسارة وتباب، فوجب على الدعاة، وأهل الصحوة، والمقبلين على الله أن يتعلموا، ثم ينطلقوا، وأن ينطلقوا يتعلموا حتى يلقوا الله عز وجل، واسمع إلى رسول الهدى عليه الصلاة والسلام الذي فجر الكلمة الصادقة في الأمة، والذي جاء إلى أمة الصحراء، الأمة المسكينة، التي ما تعرف حتى بناء البيوت، ولا تسقيف المنازل، ولا الخياطة والنساجة، الأمة الجاهلة، الأمة الأمية التي أحياها الله برسالة رسوله صلى الله عليه وسلم. إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها وأمدها مدداً وأعلى شانها وأزال شانئها وأصلح بالها والله يمتن على الأمة الأمية الجاهلة التي ما سجدت في عمرها لله، وما عرفت الوضوء بالماء، وما عرفت أن تقول لا إله إلا الله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] إي والله، ضلال لا يعلمه إلا الله، ضلال الخرافات، ضلال الشركيات، ضلال الجهل والتخلف، ضلال التبعية والتقليد، ضلال الذلة والصغار لأمم الأرض، فلما أتى صلى الله عليه وسلم ماذا فعل: هل قال للناس إنكم بحاجة إلى مصانع أو صوامع للغلال أو الحبوب، أومنتجات، أو مشروبات، أو مأكولات؟ نعم. كلهم بحاجة إلى هذه الأمور، لكنها ذرة في مسألة، وفي رسالته التي جاء من أجلها صلى الله عليه وسلم، أعرض عن هذه تماماً وتركهم في بيوت الطين، يركبون الحمير والجمال، ويأخذون الماء على ظهورهم في القرب، ويأكلون خبز الشعير، لكنه عقد الندوات والحلقات، وأرسل العلم في الدنيا، ليحرر الإنسان من جهل الخرافة، لأنه إذا تعلم فسوف يفجر الدنيا، وسوف يوجه البشرية إلى بر الأمان والسلام.

رسول الله يتحدث عن فضل العلم

رسول الله يتحدث عن فضل العلم يقول عليه الصلاة والسلام وهو يتحدث عن رسالته -وهذا العنصر الثاني- كما روى البخاري ومسلم عن أبي موسى قال: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث - انظر إلى اختيار الغيث ودون المطر_ أصاب أرضاً فكان منها طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب حبست الماء -وفي رواية أمسكت الماء- فسقوا وزرعوا، وكان منها أرض إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك كمثل من نفعه الله بما أرسلني به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به} يقول عليه الصلاة والسلام يا أهل الصحوة! يا أيتها الأمة الخالدة! يا أمة لا إله إلا الله! يا من حمل مشاعر الخير للبشرية! مثل ما بعثني الله به إليكم كمثل الغيث ولم يقل المطر. بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا فلماذا لم يقل المطر؟ قال بعض أهل العلم: لأن المطر غالباً استخدم في القرآن في مواطن العذاب، قال تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [الشعراء:173] {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:24] فعدل عن المطر وأتي بالغيث. ثم هناك خاصية أخرى: لأن الغيث فيه غوث للأرض، وكذلك العلم فيه غوث للقلوب. وهناك خاصية ثالثة ذكرها القرطبي وغيره: "أن العلم صاف من السماء ما شابته الفلسفة والمنطق، كالغيث الذي نزل رحباً من السماء ما داخله الكدر ولا الطين" وهذا معنى بديع، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: رسالتي والعلم الذي جئت به قال الله وقال رسوله، هذا العلم أتى كالغيث أصاب أرضاً.

أقسام الناس في العلم

أقسام الناس في العلم توزع العلم في الناس إلى ثلاثة أقسام، ونحن نقسم كل الأمة إلى ثلاثة أقسام:- قسم ارتفع رأسه بهذا العلم، فجد في طلبه وظمأ له وجاع لتناوله واحتاج إليه، فحصَّل وجد واجتهد وأتعب نفسه، فتعلم وعلم الناس، فهو كالأرض الطيبة الخصبة، قبلت الماء فأنبتت من كل زهر الأرض ومن كل نبت الأرض: {وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5]. وقسم آخر لم يكن فيه من التقبل ما في القسم الأول لكنه حبس وأمسك الماء، فهؤلاء الذين تلقوا النصوص فحفظوها للأمة، فأتى أهل الفقه فأخذوا هذه النصوص والمتون والأدلة ففجروها للناس، ولذلك ضرب ابن القيم في الوابل الصيب أمثلة لهذين الصنفين من الصحابة والتابعين إلى قريب من عصره فيقول: من أمثلة الطائفة الأولى ابن عباس، فإنه فجر أرضه، أخرج كنوزها وأنهارها وأشجارها وأثمارها، فهو فقيه مستنبط علامة، ومثل الأرض الثانية كـ أبي هريرة والحفاظ، فأين حفظ أبي هريرة من حفظ ابن عباس؟ فحفظ أبي هريرة أعظم وأجل، وأين فهم ابن عباس من فهم أبي هريرة؟ ففهم ابن عباس أجل وأعظم، ثم أتت الأمة على هذه المستويات، وكلا الطائفتين مأجورتان مشكورتان، مرفوعة رءوسهما يوم القيامة. أما الطائفة الثالثة فلا حياها ولا بياها، طائفة أحبت الحياة للبطون والفروج والدور والقصور، فما تعلمت ولا علمت وما استفادت من العلم، وأظنها غير المسلمين إن شاء الله، لأن أقل درجة المسلم أنه قبل ولو آية أو حديثاً.

الحث على التعلم

الحث على التعلم الرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما في الصحيحين من حديث معاوية خال المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} إي والله، فمن يريد الله أن يرفع رأسه وأن ينير بصيرته وأن يعظم شأنه يفقهه في الدين. ومفهوم المخالفة في الحديث: أن من لا يريد الله به خيراً لا يفقهه في الدين، وهل يحسد على شيء في الدنيا؟ إن كان يحسد على شيء في الدنيا فليحسد على العلم، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين برواتين مختلفتين عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم: {لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار} وفي رواية أخرى {رجل آتاه الله الحكمة فهو يتعلمها ويعلمها الناس}. والرسول عليه الصلاة والسلام يقف للأمة ويقول: {من سلك طريقاً يتلمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة} فقم يا طالب العلم، وقم يا أيها الشاب، وقم أيها المتجه في ركب الصحوة واجلس في حلق الذكر، وزاحم العلماء بالركب، فإن الملائكة تظلك بأجنحتها، وتضع لك الأجنحة رضاً بما تصنع، وطريقك ميسور مسهل إلى الجنة. وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصلياً توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا ويقول عليه الصلاة والسلام: {بلغو عني ولو آية} رواه مسلم وغيره، يقول: (بلغوا عني) والبلاغ لا يأتي إلا بالعلم، فالله الله ولو آية، الله الله ولو حديث، ليكون لك موقف يوم القيامة، لتشرب من الحوض المورود الذي طوله شهر وعرضه شهر، وعدد آنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، وأول ما يشرب منه من بلغ الرسالة إلى الناس. والرسول عليه الصلاة والسلام يتحدث عن العلم فيثني عليه كثيراً فيقول: {الدنيا معلونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه أو عالم أو متعلم} رواه الترمذي وابن ماجة بسندين حسنين، ويقول عليه الصلاة والسلام: {إن معلم الناس الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر، وحتى النملة في جحرها} هذا الحديث رواه الترمذي وغيره وسنده حسن. إلى أحاديث أخرى يستفيض فيها صلى الله عليه وسلم في ذكر العلماء وطلبة العلم، وهو يقول في حديث أبي الدرداء عند الترمذي: {من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة} ثم يقول عليه الصلاة والسلام: {وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يخلفوا درهماً ولا ديناراً، وإنما خلفوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر} رواه الترمذي وغيره بأسانيد حسنة. ويدعو صلى الله عليه وسلم إلى التعليم، فيقول: في حديث علي رضى الله عنه المتفق عليه: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} فهداية الرجل الواحد إنما هو بالعلم. ولذلك ذكر ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين أن الجود منزلة الكرم، ثم قال: وأعظم الجود الجود بالعلم، فالجود بالعلم هو أعظم من الجود بالوقت وبالجاه وبالمال، وإنما يجود من تعلم وعلم الناس، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما بعث معلماً، وهذا الحديث في سنده نظر، ولكن رسالته تشهد بذلك عليه الصلاة والسلام، وأنه إنما بعث ليعلم الناس، وأن مهمته التعليم عليه أفضل الصلاة والسلام: {فمن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} ومن يرد الله به خيراً يوجهه إلى الكتاب والسنة، ومن يرد الله به خيراً يقوده إلى العلم الشرعي، ليعيش هذه الصحوة المباركة.

صور من حياة السلف مع العلم

صور من حياة السلف مع العلم أما العنصر الثالث: كيف عاش علماء السلف العلم الشرعي، وكيف تفانوا في طلبه، وكيف أفنوا الأعمار في تحصيله، معاذ سيد العلماء الذي ورد عنه صلى الله عليه وسلم بأسانيد حسنة أنه قال: {قائد العلماء إلى الجنة معاذ بن جبل، يأتي أمام العلماء يوم القيامة برتوة} والرتوة: رمية بحجر، هذا العالم الكبير، والمجتهد المطلق أبو عبد الرحمن يقول وقد حضرته سكرات الموت، واقترب الوعد وأتاه اليقين، يقول وهو يلتفت إلى سقف منزله وهو يناجي رب العزة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: [[اللهم إنك تعلم أني لم أحب الحياة لغرس الأشجار ولا لجري الأنهار، ولا لرفع القصور، ولا لعمارة الدور، إنما كنت أحب الحياة لثلاث]] حياك الله يا أبا عبد الرحمن فما هذه الثلاث؟ ما هذه الهمم العالية؟ ما هذه الروح المتوقدة؟ ألا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا قال: [[لمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر، وتعفير وجهي في التراب -ساجداً لله- وصيام الهواجر]] رفع الله منزلتك في الجنة، فما أعظم رسالتك للناس يوم تركت هذه الكلمات! يقول: يارب إنك تعلم أني لم أكن أحب الحياة، لغرس الأشجار ولا لجري الأنهار ولا رفع القصور ولا عمارة الدور. خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا وهل الثروة إلا التحصيل؟! وهل الثروة إلا العلم النافع؟! وهل الثروة إلا النور والمعرفة التي تقودك إلى الله عز وجل، لا شيء من الدنيا ولذائذها، يقول بعض أهل العلم: ذقنا اللذائذ وتمرسنا في الشهوات فما رأينا ألذ ولا أشهى من العلم، حتى يقول الألبيري الأندلسي: فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت ولا شربتا جعلت المال فوق العلم جهلاً لعمرك في القضية ما عدلتا وبينهما بنص الوحي بون ستعلمه إذا طه قرأتا يأتي سعيد بن المسيب رضي الله عنه وأرضاه وهو يتوجه لطلب العلم فيقول: [[الحمد لله، سافرت ثلاثة أيام لطلب حديث واحد من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام]] سافر ثلاثة أيام بلياليهن حتى وصل إلى ذاك الحديث، ونحن في حارتنا وفي منازلنا، تطرح علينا آلاف الأحاديث من طلبة العلم ومن العلماء، ونقول: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، نريد أن نعيش الصحوة، ولا يمكننا أن نتعلم الحديث، بل يوجد في بيوت الكثير منا آلاف الأحاديث في المجلدات، حتى يقول الشوكاني في أدب الطلب ومنتهى الإرب: إن الاجتهاد تسهل في هذا العصر ما لم يتسهل في عصر سبق. وهذا صحيح عقلاً وحساً وحالاً وشهوداً وحضوراً، فإن الاجتهاد تسهل لوجود هذه الكتب ووجود العلماء وطلبة العلم، وتلاقح الأفكار، وتسهيل المواصلات، وطبع الكتب، واستخراجها من المخطوطات وغيرها، فكيف يتوانى الشاب في طلب العلم بعد هذا الجهد، وروى البخاري تعليقاً عن جابر رضي الله عنه وأرضاه: أنه سافر شهراً كاملاً في حديث واحد، رحم الله تلك العظام، شهراً كاملاً في طلب حديث واحد إلى عبد الله بن أنيس في العريش في مصر، ركب من المدينة، وجدَّ في السير، وأجاع بطنه، وأظمأ كبده، وأخذ كلال السفر ومشقة الغربة عن أهله، ووحشة الفراق، حتى وصل إلى عبد الله بن أنيس أحد الصحابة، فطرق عليه الباب في الظهيرة، فخرج الصحابي، فرأى الصحابي الكبير فعانقه وحياه، فقال: ادخل قال: ما أنا بداخل، قال: من أين أتيت؟ قال من مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: تريد ماذا؟ قال: أريد حديثاً سمعته من فلان حدثني أنك حدثته، قال: ادخل الآن أنت جئت من سفر، قال: ما أريد أن يكون خروجي وهجرتي إلا لله، فأعطاه الحديث ثم عاد إلى المدينة في شهر كامل. حتى يقول الشعبي لأحد رواته، وهو رجل من خراسان: خذ هذه الثلاث، وأخبره بثلاث خصال في حديث أبي موسى في البخاري، قال: خذ هذه الثلاث فوالله الذي لا إله إلا هو! لقد كان يرحل في أقل منها إلى نواحي الأقطار أو الأمصار. الإمام أحمد رحل آلالف الفراسخ، حتى قال بعض العلماء: لو حسبت المدة التي رحلها الإمام أحمد وكانت بالمساحة لطوقت الدنيا، رحل إلى اليمن إلى عبد الرزاق بن همام الصنعاني، الراوية الكبير الشهير من رجال البخاري ومسلم، فلما أراد أن يرحل إلى اليمن قال لـ إسحاق بن راهوية، فقال إسحاق بن راهوية: نعم أنا صاحبك، فلما وصل إلى الحرم وطاف بالبيت، وأراد العمرة، وإذا هم بالعلم النجم عبد الرزاق وهو يطوف، فقال إسحاق: يا أبا عبد الله، هذا عبد الرزاق مكننا الله منه، وأراحنا من السفر إليه، قال الإمام أحمد: لا آخذ منه هاهنا حديثاً واحداً، لأنني خرجت لوجه الله، وهجرتي لله، فأريد أن آخذ منه الحديث في صنعاء اليمن، لا بد من صنعاء ولو طال السفر. وعاد عبد الرزاق وما تلقى منه الإمام أحمد حديثاً واحداً، فلما وصل عبد الرزاق بحفظ الله ورعايته إلى مستقره في صنعاء، خرج الإمام أحمد إمام أهل السنة، صاحب الأسمال البالية، والجسم النحيل، بالزهد والإقبال على الله، شيخ كبير لكنه يقود الدنيا لـ أهل السنة، ويوجه مسار التاريخ ليكون التاريخ لله، وتكون الأرض لله، وتكون السماء والتراب لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فذهب بمحبرته حتى قال له بعض المتنطعين الذين إذا تعلموا سنة أو سنتين: كفانا من العلم فقد شبعنا وروينا، يقول له: يا أبا عبد الله، أنت في الستين والمحبرة معك، فقال: نعم. من المحبرة إلى المقبرة، وما أحسنها من كلمة لو كتبت على الجباه وسطرت، وهل العلم إلا حمل المحابر والدفاتر والأقلام، وهل التحصيل إلا ليل ونهار كما فعل الإمام أحمد. فوصل إلى صنعاء اليمن والتقى بـ عبد الرزاق، وأخذ منه علماً كثيراً طيباً، وعاد فسجله في المسند، فجزى الله الإمام أحمد خير الجزاء، وجزى الله عبد الرزاق خير الجزاء، وجزى كل من اتجه إلى الرزاق خير الجزاء. ولذلك أتى غلاة الصوفية -كما يقول ابن القيم - فقالوا: نحن نطلب علمنا من الرزاق لا من عبد الرزاق. غلاة الصوفية يقولون: نطلب علمنا من الرزاق مباشرة، نطلبها من الرزاق لا من عبد الرزاق. فنزل عليهم ابن القيم فأباد حججهم، حتى تركها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، يقول من ضمن كلامه: والله والذي لا إله إلا هو! لولا عبد الرزاق وأمثال عبد الرزاق ما عرفتم الرزاق، من أين يعرف الله عز وجل إلا عن طريق الرسل المبلغين، وطرق الرسل عليه الصلاة والسلام، من طريق ابن المديني ويحي بن معين وعبد الرزاق وأبي حاتم وأبي زرعة والبخاري وأبي داود وأولئك الملأ العظام. دخل سهل بن عبد الله التستري -كما ذكر ذلك الذهبي - على أبي داود صاحب السنن، وحيا الله أبا داود، ولقد أحسن كل الإحسان بسننه حين قربها للناس، فهل من قارئ لـ سنن أبي داود، وهل من متدبر لها، التي يقول عنها ابن القيم: أصبحت سنن أبي داود حكماً بين أهل الإسلام، وموطناً من الحجج في مواطن الخصام، إليها يتحاكم المتحاكمون، وبحكمه يرضى المنصفون. دخل سهل أحد القلوب الحية على أبي داود فقال: يا أبا داود! إني أريدك في طلب تلبيه لي، قال ماهو طلبك؟ قال: أن تخرج لي لسانك، قال لماذا؟ قال أقبلها، لأنها طالما قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فامتنع أبو داود ولكن سامح ولبى الإصرار من سهل، فقبل لسانه لأنها ترددت بالأحاديث.

الاعتزاز بالعلم

الاعتزاز بالعلم ذكر الذهبي في التذكرة عن أبي زرعة، أنه لما توفي رؤي في المنام، ونحن لا نعلق بالمنامات أحكاماً ولا شعائر، ولا ننساها ونتركها، لكننا نقف منها موقف الأثر، نقول: هي مبشرات، يقول: رؤي في المنام فقيل: ما فعل الله بك؟ قال: رفعني في عليين، قالوا بماذا؟ قال: لأنني كتبت ألف ألف مرة صلى الله عليه وسلم، مليون حديث وهو يكتب عند كل حديث "صلى الله عليه وسلم" فالعلماء والسلف الصالح دأبوا في طلب العلم. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[والله الذي لا إله إلا هو! لقد كنت أخرج في طلب العلم في القائلة فألتمس العلم عند الأنصار فأجدهم قائلين، فأطرح نفسي عند باب أحدهم في الشمس والريح تسفي عليّ من التراب، حتى يخرج عليّ الأنصاري فأسأله الحديث، فينفعني الله عز وجل، فيقول الأنصاري: يابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم! ألا أيقظتني لآتيك، قلت: لا. إني أتيت في ساعة لايوقظ فيها الناس]] ولذلك لما جلس ابن عباس للتعليم، قال: [[ذللت طالباً فعززت مطلوباً]] يقول: لما أذللت نفسي لطلب العلم، عززت فيما بعد يوم أتى الناس يطلبون العلم مني. وأتى زيد بن ثابت ذلك الرجل الفرضي الكبير، الذي جعله صلى الله وعليه وسلم في تخصص الفرائض وفي قسم الفرائض ليجيد التخصص، لأن الصحابة كانوا واجهات، كل أقام نفسه في منفذ من المنافذ، أو في باب من الأبواب، فـ خالد: مهمته ضرب أعناق الملاحدة والزاندقة وأعداء الله، مهمته أن يفصل الرءوس عن الأكتاف، كل من لا يؤمن بالله يقطع رأسه، وزيد بن ثابت: مهمته إذا قطعت الرءوس أن يقسم الأنصبة على الورثة، وأما ابن عباس: فمهمته أن يستنبط من الآيات، فيسكب من رحيقها ما يقدمه للأمة، أما أبو بكر فهو رجل الإدارة، ورجل موقف الساعة، وعمر رضي الله عنه: يترك حصناً حصيناً لكل ضائقة تضيق بالإسلام. قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها وأما عثمان فيبقى للبذل والسخاء ولإعطاء الأموال في سبيل الله، وأما علي فهو أستاذ الكلمة الحارة الصادقة التي يربي بها الأجيال، ولذلك يقول ابن كثير عنه: "باب في كلماته الحاصلة، التي هي إلى القلوب واصلة". وأما حسان: فإن شئت فسمِّه وزارة الإعلام المتنقلة، يدخل الجنة بالقافية والأدب، لأنه نصر الإسلام من هنا، فمن كان منكم كاتباً فليتق الله في كتاباته، وليدخل بها الجنة ولا يدخل بها النار، ومن كان منكم أديباً فليتق الله في أدبه، فلا يكبه الله بأدبه في نار جهنم، ومن كان منكم شاعراً فليحاول أن يدخل الجنة بشعره، فإن للجنة أبواباً ثمانية، وحسان يقود موكباً من الشعراء يوم القيامة، ومن كان خطيباً فليأخذ باب الخطابة وليتق الله ليدخل به الجنة: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً} [الرعد:17]. إذا علم ذلك فقد كان الصحابة يجهدون أنفسهم في طلب العلم، والشاهد زيد بن ثابت: أتى ليركب راحلته، فاقترب ابن عباس ليمسك بدابته، فقال زيد بن ثابت: دع هذا يابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام! فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فقال زيد: أعطني يدك، فأخذها فقبلها، فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بقرابة رسولنا عليه الصلاة والسلام. هؤلاء الجيل أنفقوا ذخائر أنفسهم في طلب العلم، يذهب أحدهم الليالي الطويلة ليحصل العلم، فماذا كان تحصيلهم؟ قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: لما دخل أبو زرعة بغداد وقف أبي معه يسائله، فترك أبي النوافل ليأخذ ما عند أبي زرعة من أحاديث، لأن الأحاديث التي عند أبي زرعة تفوت، وأما النوافل فإنها لا تفوت فلها وقت آخر. وتواقف ابن المبارك وعالم آخر من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر يطلبون العلم ويتسائلون حتى أًذن للفجر، وقال عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه وأرضاه: [[العلم والذكر: هي كيف تصلي، كيف تصوم، كيف تزكي، كيف تحج، كيف تطلق]] أو شبيهاً بهذا الكلام، هذه مجالس الذكر. يقول ابن تيمية في المجلد العاشر من فتاويه: "واعلم أن طلب العلم وتحصيل العلم من أفضل الذكر، بل هو الذكر" وطلب العلم هو الذكر، وهو النفع وهو الحياة، فكان علم الصحابة وعلم السلف علماً موصولاً بالله عز وجل، تعرف أنه طالب حديث وطالب علم بالسمات التي عليه، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {نضَّر الله امرأً سمع مقالة فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع}. وفي رواية ابن حبان: {رحم الله امرأ سمع مني مقالتي} الحديث، والنضرة موجودة على وجوه طلبة العلم كلما زادوا من التحصيل، وكلما أكثروا من حفظ الأحاديث، وكلما زاولوا هذا الفن رزقهم الله بهاءً ونوراً على وجوههم، لأنهم أخذوا ميراث الرسول عليه الصلاة والسلام.

علم السلف وعلاقته بالخشية والعمل

علم السلف وعلاقته بالخشية والعمل إذا علم ذلك فقد كانت حياة الصحابة علماً موصولاً بتقوى الله عز وجل؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] فالذي لا يخشى الله ليس بعالم، ولو تعلم مهما تعلم، والله تعالى أنَّبَ كثيراً من العلماء الذين ما نفعهم علمهم في القرآن، فقال لـ بلعام بن باعوراء اليهودي الإسرائيلي أخو القرد والخنزير، لما أخذ الآيات فما نفعته في الحياة: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176]. وقال لبني إسرائيل وهو يصفهم بأردى الأوصاف يوم حملوا الكتب في صدورهم وحفظوها: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] وقل لي بالله ماذا يستفيد الحمار إذا حملت على ظهره فتح الباري ورياض الصالحين وبلوغ المرام والمغني؟! هذا كبني إسرائيل وأمثالهم من هذه الأمة، نعوذ بالله أن نكون من ذاك الصنف، لأن ابن تيمية يقول في اقتضاء الصراط المستقيم لما ذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {لتتبعن سُنَنَ من كان قبلكم حذو القذة بالقذة} الحديث، قال: وسوف يقع في هذه الأمة ما وقع في الأمم قبلها؛ فإنه وُجد في هذه الأمة عباد -أو كما قال- يعبدون الله بالجهل، ففيهم مثل من النصارى الذين قال الله فيهم: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] ووجد في طلبة العلم اليوم من فعل مثل ما فعل اليهود، تعلموا العلم فلم يعملوا به فقال الله فيهم: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13] قال سفيان بن عيينة: [[من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى]] ونعوذ بالله من كلا الصنفين، نعوذ بالله من عالم فاسق، ونعوذ بالله من عابد جاهل، لأن العابد الجاهل سريع الدخول في البدع والخرافات، والعالم الفاسق سريع الدخول في الشهوات والنزوات، فالخوف على هذا من الشهوات، والخوف على ذاك من الشبهات. إذا علم هذا فكان واجبنا التعلم كما فعل سلفننا الصالح، والعلم إنما هو من الله عز وجل، يقول جل ذكره: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] فالذي يعلم هو الله، والذي يفهم هو الله، وكلما اتقاه العبد كلما علمه وفهمه، انظر لـ ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة وهو يمرغ وجهه بالتراب -كما في ترجمته- ويقول وهو شاب في العاشرة من عمره يا أبناء العشرين ويا أبناء الثلاثين والأربعين، يمرغ وجهه في التراب ويقول: " يا معلم إبراهيم علمني ويا مفهم سليمان فهمني " {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء:79] وإبراهيم يقول: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ} [مريم:43] فيقول ابن تيمية: " يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني" فعلمه معلم إبراهيم، وفهمه مفهم سليمان، علماً وفهماً صادقين خالصين استخدمهما في نصرة لا إله إلا الله، ولذلك فجر طاقة في المعمورة، حتى نكس التاريخ وقاده وراءه حتى أصبح التاريخ لـ ابن تيمية، يقول أحد المستشرقين فيما اطلعت عليه: وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض -يعني: دنميت- فجر بعضها ابن عبد الوهاب، وبقي بعضها لم يفجر إلى الآن، حتى يقول المزي: "ما وجد قبله بخمسمائة سنة مثله" وكأنه يقال: وحتى الآن ما وجد مثله، ولا نغلو فيه فنقول: ليس بمعصوم، ولكنه رجل صالح، وعلامة جهبذ، وإنسان أراد أن يقود الأمة، وصحوة في عصره على قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. أيوب بن أبي تميمة السختياني أحد رجال الكتب الستة، يخرج من بيته -وهو من العلماء العاملين- إلى أهل السوق، فيرون في وجهه لمعان النضرة والنور والبهاء والإقبال على وجهه، فيذكرون الله: لا إله إلا الله، ذكرَّهم المنظر بذكر الله عز وجل، وهو ممن إذا رؤوا ذكر الله عز وجل. أيوب هذا كانت تصيبه الرقة والبكاء من خشية الله، فإذا بكى مثَّ أنفه كأن به زكام، ومابه من زكام ولكنه البكاء، يقول عنه ابن الجوزي وهو يتحدث عنه في صيد الخاطر: أفدي ظباء فلاة ما عرفن به مضغ الكلام ولا نسج الحواجيب يقول: تعيش أيها المصلح يومَ ماعرفت النقاق والرياء إذا بكيت من خشية الله مثت أنفك كأنك مزكوماً، وأنت لست مزكوماً، وإنما زكامك خشية، ورقة وإقبال على الله عز وجل. أيوب بن أبي تميمة السختياني ورد عن مالك، أنه قال: "ما كنت أظن أن في أهل العراق خيراً حتى رأيت أيوب بن أبي تميمة السختياني سلم على الرسول عليه الصلاة والسلام في قبره، ثم بكى حتى كادت أضلاعه تختلف". لأن الإمام مالك يقول في الرواية عن أهل العراق أنزلوهم منزل أهل الكتاب لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وورد عنه أنه قال: يخرج الحديث عندنا من المدينة شبراً، ويعود من عندهم ذراعاً، لكن لما رأى هذا الصنف والطراز الممتاز رجع عن كلامه، حتى الإمام الذهبي في السير يقول للإمام مالك: "رحمك الله! بل في أهل العراق العلماء والجهابذة والصادقون" أو كما قال، كـ سفيان الثوري وقتادة بن دعامة السدوسي وعلقمة وإبراهيم النخعي وإبراهيم التيمي. الشاهد أن هؤلاء العلماء كانوا نوراً يسري على الأرض، فتعلموا العلم ووجهوه للناس، عبد الغني المقدسي رحمه الله كان يدرس الحديث فإذا بدأ في الحديث لا يسمع كلامه من كثرة بكائه، وكان يقول: "وهل العلم إلا الخشية من الله". ويذكر الخطيب البغدادي صاحب كتاب اقتضاء العلم العمل: أن أحد العلماء توفي، فرؤي في المنام فقالوا ما فعل الله بك، قال: " ذهبت تلك الشطحات وذهبت تلك العلوم - علوم عرضية ليست علوم شريعة - وبقيت لنا سورة الفاتحة كنا نعلمها العجائز في قريتنا". ولذلك يقول ابن تيمية وهو يتحدث عن المأمون: "إن الله لا يغفل عنه، فسوف يسأله الله عز وجل عن العلم المنطقي والفلسفي الذي أدخله على المسلمين". هل نحن بحاجة إلى علم المنطق والكلام والفلسفة؟ لا. بل نحن بحاجة إلى علم أتى كالغيث من السماء، أتى من فوق سبع سماوات إلى قلوبنا، نروي به الظمأ، ونحيي به القلوب، ولذلك كان من هدي السلف الصالح العمل. ابن المبارك رحمه الله يقول وهو يقرأ في كتاب الزهد الذي ألفه -المطبوع المحقق- وما أصبحنا ننظر إلا من رحم الله إلا إلى الغلاف، وجودة الطبع والتحقيق، ومن خرج الحاشية والفهرسة، كان يفتحه أمام الناس، فيخور كما يخور الثور من البكاء، هذا عبد الله بن المبارك رضي الله عنه وأرضاه الذي يقول لطلبة العلم. لا ينفع العلم قبل الموت صاحبه قوم به سألوا الرجعى فما رجعوا يقول: اليوم ينفعك العلم، ولا ينفعك غداً، متى تعمل بعلمك إذا ما عملت به اليوم. تلميذ أبو إسماعيل الهروي صاحب منازل السائرين قدموه إلى السلطان، وكان السلطان فيه شبه في العقيدة، فقالوا هذا قام بحرب السلطان الخراساني، فأتوا بهذا التلميذ فقال له السلطان: قل لا إله إلا الله. قال: يا أيها السلطان أتعلمني أنت لا إله إلا الله، أما أنا فقد تعلمتها من الفطرة، وقد رضعتها من الصغر، ولا إله إلا الله أموت من أجلها الآن. قال: لماذا لا تتجهز بعمل صالح قبل أن أقتلك الآن. قال: إن سيدي - يقصد شيخه أبا إسماعيل الهروي - قال لي:" إن الدابة لا تعلف الشعير إذا أردت أن تصعد بها العقبة" تريد أن تصعد بالدابة العقبة من الصباح فتعلفها لتسمن، ومتى يمكنها أن تسمن؟ يقول: إذا لم أدخر من العمل الصالح قبل هذا الموقف فلا ينفعني، يوم يكون السيف على رأسي والموت أمامي، وقد نمت في جفن الردى، فأنا كالدابة تترك حتى إذا أراد صاحبها أن يصعد بها في العقبة أعطيت الشعير لتسمن، ولن تسمن في ساعة ونصف. ولذلك إذا لم نأخذ هذا العلم تطبيقاً من الآن فإننا لن نسمن به، ونخاف -نعوذ بالله- أن نعذب به عذاباً أليماً، حتى ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه كما في كتاب الزهد للإمام أحمد أنه قال: [[ويل لمن يعلم ولا يعمل سبع مرات، وويل لمن عمل ولم يعلم مرة واحدة]] أو كما قال.

البركة في العلم وثماره

البركة في العلم وثماره فإذا عرف ذلك، فإن من تعلم العلم فإن عليه مسئولية عظيمة الله أعلم بها، وإنما شاهدنا كيف عاش السلف، يوم يأتي الإمام أحمد رحمه الله فيكفي أن يمر بالسوق ليلقي دروساً فيها من الاقتداء والخشية والانصياع لأمر الله عز وجل، ومن توجيه الناس إلى الله تعالى الشيء الكثير. يأتي ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة فيؤسس مدرسة التقوى ويبث العقيدة بسلوكه وتطبيقه، ويقول ويكرر: إن من عمل بعلمه أورثه الله علم مالم يعلم، وهذا بعض أهل العلم يرفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فسبحان الله! ما أجلَّ فائدة من عمل بعلمه، وسبحان الله! ما أعظم خسارة من لم يعمل بعلمه، إذا علم ذلك فإن واجبنا نحو هذا العلم أن نعمل به، فالعلم لا يبارك فيه إلا بثلاثة أمور:- الأول: الإخلاص. الثاني: العمل. الثالث: التبليغ. فالأمر الأول: أن نخلص في طلبه وفي تحصيله، والأمر الثاني: أن نعمل به، والأمر الثالث: أن نعلمه الناس، فإذا حصل هذا فهي الأمور الثلاثة التي تمكن العلم.

فوائد العلم

فوائد العلم للعم فوائد ولو أن ابن القيم يوصلها إلى ما يقارب مائتي فائدة، لكن مجمل الخمس المسارات، أو الخطوط العريضة للعلم تكمن في خمسة أمور، ولو أنها بالتفريع والتقسيم والتجزئة تصل إلى مائتي فائدة.

كشف الشبهات

كشف الشبهات الفائدة الأولى: كشف الشبهات: فلا يكشف الشبه إلا العلم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد:19] من هو الأعمى؟ الجاهل الذي لم ينصاع لرسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، والعالم تنكشف له. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد:19] وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [[فقيه واحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابد]] وابن ماجة يرفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، والصحيح أنه موقوف على ابن عباس، فأول فائدة للعلم كشف الشبهات، فلا تأتيك شبهة زندقة ولا إلحاد ولا شك ولا ظلمة بسبب العلم، قال ابن دقيق العيد: "أصبت في مبدأ حياتي بالوسواس" وسواس في المعتقد والإلهيات، والأصول، والإيمان، قال: "فشكوت على العلماء حالي قالوا: عليك بطلب العلم، فطلبت العلم، فأزال الله الوسواس" فداء الوسواس والشبهات والزندقة والخرافة والتقليد والإلحاد هو العلم.

كبت الشهوات

كبت الشهوات الفائدة الثانية: كبت الشهوات: فلا تكبت الشهوات إلا بالعلم، يقول الله عز وجل هو يتحدث عن أهل العلم: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ} [القصص:80] فانظر كيف كبتوا شهواتهم بطلب العلم. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام:122] النور هو العلم، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] قال بعض أهل العلم: البصيرة العلم.

تجلية الظلمات

تجلية الظلمات الفائدة الثالثة: أنه تجلية للظلمات، فالفتن لا يجليها إلا العلم، فالحوادث والكوارث التي تقع بين الناس لا يجليها إلا العلم، ولذلك لما وقعت فتنة صاحب النفس الزكية في عهد الخلافة العباسية وقع فيها كثير من غوغاء الناس، ونجا منها كثير من العلماء، حتى إن سفيان الثوري توقف فيها، فقالوا لماذا تتوقف وهي مقبلة ما تدري؟ قال: [[العالم يعرف بالفتنة وقت إقبالها، وإذا أدبرت يعرفها الجاهل والعالم]] فـ سفيان عرف بعلمه وذكائه الفتنة يوم أقبلت، فالظلمات والحجب لا يعلمها إلا الله عز وجل، حتى يقول أبو بكر الأندلسي حين يوصي ابنه ويمدح العلم فيقول له:- هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مضارب من أردتا وكنز لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا إلى أن يقول:- ويجلو ما بعينك من عماها ويهديك السبيل إذا ضللتا فجلاء الظلمات إنما هو العلم، والفهم في الكتاب والسنة.

إحياء الأموات

إحياء الأموات الفائدة الرابعة: إحياء الأموات: ومن هم الأموات؟ هل من قرأ صحيح البخاري يحي الله له المقابر؟ لا. رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إحياء للأرواح، ولذلك يقول شوقي أمير الشعراء يمدح الرسول عليه الصلاة والسلام:- أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم أي: إن كان عيسى عليه السلام أحيا الميت بإذن الله، فأنت أحييت القلوب بالعلم، فالعلم إحياء للأموات، والأمة إذا لم تكن عالمة فهي ميتة، والإنسان إذا لم يتعلم العلم الشرعي الذي يقيم به عبادته، صلاته، صيامه، حجه، زكاته، أمور دينه فهو ميت، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام:122] فالعلم حياة للأموات.

رحمة بالكائنات

رحمة بالكائنات الفائدة الخامسة: العلم رحمة بالكائنات: فإن أرحم الناس بالناس العلماء، وسيدهم ورسولهم صلى الله عليه وسلم هو الذي أتى بالعلم ولذلك قال الله له: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] ولم يقل رحمة للمؤمنين ليخرج الكفار، وإنما قال للعالمين، فهو رحمة للكافر وللمسلم وللحيوانات والعجماوات والطيور والزواحف. أما رحمته للكافر: فإن الكافر لم يعذب والرسول صلى الله عليه وسلم حي، قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] فكنت رحمة لهم وهم كفار. وأما رحمته للمؤمنين: فإن الله رحم به المؤمنين، وكان أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم. وأما رحمته بالحيوانات: فمما علم من أحاديث كثيرة، منها حديث الجمل الذي شكى إليه صلى الله عليه وسلم أن سيده يجيعه ويريد أن يذبحه، فأنقذه بإذن الله رسول الله من الذبح، ورحمة الطائر في حديث ابن مسعود عند أبي داود، يوم أخذ الأنصاري فراخها من العش، فجاءت ترفرف على رأسه كأنها تشكو إليه، حتى يقول بعض الشعراء:- جاءت إليك حمامة مشتاقة تشكو إليك بقلب صب واجف من أخبر الورقاء أن مكانكم حرمٌ وأنك ملجأ للخائف فلما رفرفرت على رأسه فهم صلى الله وعليه وسلم فحوى الخطاب فقال: {من فجع هذه بأفراخها؟ قال رجل: أنا يا رسول الله! فقال: رد عليها أفراخها} فكان رحمة لها، ورحمة للنمل فإنه أبى صلى الله عليه وسلم أن تحرق بالنار، وقال: {لا يعذب بالنار إلا رب النار} فهو رحمة للعالمين. إذاً: فالعلم كشف للشبهات، وكبت للشهوات، وإحياء للأموات، وتجلية للظلمات، ورحمة للكائنات، وهذا مجمع عليه بين علماء الإسلام، إلا من شذ ممن لا يفهم.

واجبنا نحو العلم

واجبنا نحو العلم أما العنصر الرابع: من عناصر هذه الجلسة وعناصر هذه الكلمة، فهو واجبنا كشباب نعيش الصحوة، وكجيل نتجه ونقبل إلى الله، وقبل أن أتحدث في هذا العنصر أيها الأبرار الأخيار، أحب أن أفهم وأن يفهم معي من أراد أربع مسائل. المسألة الأولى: العلم قبل القول والعمل قال الله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] ومن أراد أن يعمل أو يقول قبل أن يتعلم قد أخطأ سبيل الخير فعليه أن يتعلم ويعمل. المسألة الثانية: الدعوة لا تنفع إلا بعلم، فمن أراد أن يتصدر للناس بالدعوة وليس عنده علم فسوف يخطئ ويضل، وسوف يغوي الناس. المسألة الثالثة: الحماس نبتة ضئيلة، زهرة ربيع تذبل، والعلم بالدليل شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، الحماس، الهيجان، الخطب النارية، المقالات الفكرية إذا بولغ فيها فهي نبتة ضئيلة، كزهرة الربيع تذبل في ثلاثة أشهر، أما العلم بالدليل فإنه: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:24 - 25]. المسألة الرابعة: العلم هو الدليل، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111].

العلم والدعوة والعمل

العلم والدعوة والعمل إذاً: فما واجبنا نحو هذه المسائل؟ واجبنا يا شباب الإسلام أن نتعلم وندعو الناس، لا نقول نتأخر حتى نحفظ الصحيحين والمتون ثم ننزل إلى الساحة، لا. أقول: نتعلم علماً أو حداً ثم ننزل إلى الساحة، فنتلقى العلم ونحن نعلم الناس، فلا ننقطع عن الدعوة فنصبح مركونين في بيوتنا، وفي ظلمات الزوايا، ولا ننزل إلى الناس ونترك العلم، فينتهي علمنا في سبعة أيام أو في ستة أيام، ثم يلتف الناس حولنا فلا يجدون علماً، فنسقيهم بدل قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام كلاماً حماسياً، يطيش ويفيش كالهواء، فهذا ليس بعلم، الكلام كلام والعلم علم، ولذلك قال حماد بن زيد زميل الإمام مالك، العلامة الجهبذ النحرير الكبير من رجال الصحيحين، قال لـ أيوب السختياني: يا أيوب كثر العلم إن شاء الله، قال:" بل والله قل العلم وكثر الكلام "، كلام القرن الثاني أكثر من كلام القرن الأول، وكلام القرن الثالث أكثر من القرن الثاني، فما بالك بالقرن الخامس عشر، إن من يستفتي الآن في مسألة يلقى عليه محاضرة كاملة، وبينما القرن الأول كان إذا استفتي في مسألة قال: نعم أو لا، أو قال الرسول أو قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فكان كلامهم قليل ولكن علمهم مبارك. فالعلم -أيها الإخوة الأبرار- ليس بكثرة الكلام، العلم هو الدليل، وهو التأصيل العلمي، وهو تحقيق المسائل، وليس معنى ذلك أن من أكثروا الكلام في نصرة دين الله عز وجل -كالمفكرين- فقد أخطأوا بل جزاهم الله خيراً فيما سدوا من ثغرة، فإنهم قابلوا السلاح بمثله، لكن لا يعني ذلك أن يظن كثير من الشباب أو بعض الشباب أن هذا الفكر علم يحصل ويؤصل وأنه هو المطلوب، الفكر شيء غير العلم، وهو يدخل في مسمى العلم، لكنه ليس العلم كل العلم، فالعلم هو الدليل وهو الكتاب والسنة وما دار حول الكتاب والسنة.

التهوين من شأن العلم

التهوين من شأن العلم وجد في بعض الأوساط من هون من شأن العلم، فتردد بين شباب العلم أو طلاب العلم مما سمعنا أو سمع غيرنا أنهم إذا سمعوا بشاب حفظ متناً من المتون كـ صحيح البخاري أو رياض الصالحين، أو بلوغ المرام، قالوا زاد نسخة في البلد، ومعنى ذلك أن ما هناك فائدة، وإنما زاد نسخة لـ رياض الصالحين، مع رياض الصالحين وللبخاري مع البخاري، وهذا جهل بالفائدة، لا والله ما زاد نسخة في البلد، بل زاد عالم جهبذ علامة، يوجه الأجيال بإذن الله، والله امتدح الحفاظ فقال عن الملائكة: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ} [الانفطار:10 - 11] فمدحهم بالحفظ، وقال عن الحفظ: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49] فإن من حفظ كتاباً، فإن هذا الكتاب إن شاء الله سوف يهديه إلى الدعوة، وليس معنى ذلك أن نقول له: زدت نسخة في البلد، لا، فنحن لا ننطلق إلا من علم، ولا ندعو إلا إلى علم، ولا نصلح الدعوة إلا بعلم.

من كان شيخه كتابه

من كان شيخه كتابه ما موقعنا من كلمة: "من شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه" وهي موجودة بين طلبة العلم وهذه الكلمة تحتاج إلى تفصيل، فإن بعض الناس يقبلونها على مطلقها، فعنده فتح الباري مطبوع محقق منقح مصفح مسطر، فلا يقرأ فيه، فإذا قلت له: لماذا لا تقرأ فيه؟ قال أخاف أن أقرأه وحدي فأضل سواء السبيل، حتى يأتيني شيخ فيجلس معي بعمامته، فأتربع بين يديه، فأجعل ركبتي إلى ركبتيه وأضع يدي على فخذيه، ثم أتعلم منه، لسبب "من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه". وشاب آخر كفر بهذه الكلمة، يقول: هذه الكلمة لا مصداقية لها، فأخذ من بداية الطريق يأخذ الأحاديث مباشرة، ويفتي الناس بها، ويضرب رأس هذا الحديث برأس هذا الحديث، ويوجه مسار الفتيا وتوجيه التشريع والتأصيل والتحقيق، ويقول: لا حاجة لعلوم النحو، واللغة وأصول الفقه. والواجب أن يفصل في هذه الكلمة، وقد سمعت من بعض أهل العلم تفصيلاً لها، فلا يوسوس فيها ولا تترك: فأما من كان عنده مبادئ علمية يستطيع أن يفهم بها الكتب، أو درس في مدارس فيستطيع أن يعرف العبارة فلا يقرأ في عبارة لا يجوز أنها يجوز فيضل، لكن عنده فهم وعنده حسن تلقٍ وتدبر، فإنا نقول له: باسم الله ابدأ واقرأ فتح الباري من أوله إلى آخره ودعها فإن معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وترعى الشجر. أما أن نقول لك: اصبر حتى يأتيك شيخ، فلا يأتيك شيخٌ وقد لا ترى شيخاً في حياتك، فهل تحرم نفسك وعندك المبادئ والأسس والأساليب من هذه الكتب المقابلة على النسخ، المحققة المطبوعة المنقحة، من الذي عنده مبادئ ولا يفهم تفسير ابن كثير أو رياض الصالحين أو بلوغ المرام أو غيرها من الكتب؟ فنقول لمن عنده فهم وتيقظ وقدر لا بأس به أو حد أدنى من العلم: ابدأ واقرأ بنفسك. أما آخر ليس عنده مبادئ ويخلط الغث بالسمين، والحابل بالنابل، ويركب الصعب والذلول، فنقول: رويدك، لا بد من أساس علمي ومنهجي، ولا بد من التلقي قبل أن تبدأ، فليعلم ذلك، وأظن أن هذا التفصيل علم، "من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه". والذي نلاحظه في الأوساط -وهي أصبحت كالظاهرة ونسأل الله أن يعافينا منها- ظاهرة الدعوة بلا علم، وظاهرة دعوة الناس إلى الصحوة بلا علم، والتقليل من شأن الحلقات العلمية والتلقي عن العلماء والتأصيل العلمي، وتخريج الأحاديث وتحقيق المسائل، وهذه ظاهرة خطيرة، والجهل سوف يودي بهذه الصحوة إلى ما لا يحمد عقباه، لأن صحوة لا ترتسم على قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام ليست بصحوة، ولذلك قد يوجد في أهل الصحوة من ترى عليه ملامح الاستقامة ولكنه ليس فيه توقد، وليس فيه روح، وليس فيه مدد وغذاء للصحوة الذي هو العلم النافع والعمل الصالح، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة:33] الهدى: العلم النافع، ودين الحق: العمل الصالح، فهذا هو الذي أرسل به صلى الله عليه وسلم.

الإفتاء بغير علم

الإفتاء بغير علم ظاهرة الفتيا بلا علم ظاهرة خطيرة، فإن الدعوة شيء والفتوى شيء آخر، يحق لك أن تكون واعظاً، متحدثاً، خطيباً، داعية، لكن لا يحق لك أن تكون مفتياً إلا إذا انطبقت عليك شروط الإفتاء، فالإفتاء شيء والوعظ شيء آخر، والوعظ لا يحجره أحد عليك، وسوف ترحب بك القلوب وتدعوا لك الألسنة، ويتقبل الله منك إذا أخلصت، وأما الفتيا فكأنك أوقفت نفسك تحت ضرب السيف، أو كأن السيف مسلول على رأسك، تخاف لأنك توقع عن رب العالمين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:116] فمن يفتي فهو كمن يوقع عن رب العالمين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فهذه الفتيا شأنها صعب وعويص، وطالب العلم في الفتيا بين خطرين، بين خطر أن يكتم شيئاً علمه الله إياه، وبين أن يتحدث بشيء لا يعرفه، والوسط هو المطلوب: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] فكتمان العلم أن تفهم المسألة وتعرفها كما ترى الشمس لا تعلمها، يقول لك أحد العوام: كيف كان يتوضأ عليه الصلاة والسلام؟ فيحملك الورع أن تقول: الله ورسوله أعلم، أو لا أدري، هذا ورع مظلم، لأن جملة طلبة العلم يعرفون الوضوء. يسألك أحد الناس: كم أركان الإسلام؟ فتقول: الله أعلم، الفتيا صعبة كالسيف، وهل في هذا فتيا، هذا كتمان للعلم: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187]. ويقابله فريق آخر يقول: لوقلت لا أدري في المجلس انكسر جاهي، وقال الناس: هذا لا يعرف، وتناقلوا عني في المجالس أني لا أعرف، وسقطت قيمتي في الناس، وما يعلم أن رفع قيمته قوله لا أدري في هذا الموقف، حتى يقول علي رضي الله عنه وأرضاه: [[ما أبردها على قلبي إذا سئلت عن ما لا أدري فقلت: لا أدري]]. ولذلك قال الله لرسوله في مواطن: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} [الأعراف:187] قل علمها عند ربي أما أنا فلا أعلم، ولذلك ورد عنه صلى الله عليه وسلم في حديث حسن أنه قال: {تُبَّع ما أدري هل هو رسول أو ملك} حتى قال بعض الحفاظ، حفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا أدري في ثلاثة أحاديث أو أربعة في علم الله. فلا أدري ترفعك إذا كنت لا تدري؛ فهي نصف العلم، ونصف الجهل، فبعض الناس -ونعوذ بالله أن نكون منهم- إذا سئل في مسألة والناس مزدحمون خاف أن يقول: لا أدري حتى ولو كانت من المسائل العويصة، ومن المسائل التي تساقطت فيها عمائم الأبطال، وتكسرت فيها النصال على النصال، وركضت فيها الخيول، وكبت فيها السيول يقول: حكمها كذا وكذا، لأن لا أدري صعبة، وبعضهم يقول: فيها أقوال لأهل العلم، لأنه يجيب بمجموعة أجوبة ويقول: نسأل الله من فضله أن يصيب بعض الأجوبة، يعني تخميناً والله ذم الظن في القرآن فقال: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية:32] {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [يونس:36] وقال حذيفة: [[ابدءوا بالعلم، فإنه اليقين قبل أن يأتي الظانون]] إذا علم هذا فإن الفتيا صعبة، ولكن الدعوة شيء آخر غير الفتيا.

الدعوة إلى الله وطلب العلم

الدعوة إلى الله وطلب العلم مسألة التثبيط عن الدعوة أو التثبيط عن الجلوس لطلبة العلم، أو عن التدريس موجودة في الأوساط، وهذه سطرها وأملى صحفها الشيطان، يأتي إلى طالب العلم وقد أخذ حداً لا بأس به من العلم وفهم، وفتح الله عليه، فيريد أن يجلس لإخوانه وزملائه، وطلبة العلم في حيه، ليعلمهم الكتاب والسنة، فيأتيه الشيطان ويقول له: استح من الله، كيف تجلس؟ أأنت ابن باز أو ابن عثيمين تتصدر للناس، أما تستحي، من أنت حتى تجلس وتعلم الناس؟! فيقوم طالب العلم ويقول: أستغفر الله وأتوب إليه، اللهم إنك تعلم أني كنت أريد أن أحدث الناس، فقد تبت إلى الله من تحديث الناس، فيبقى الناس جهلة، وهذه خطط الماسونية، لأن الشيطان ماسوني، وهو مؤسس الماسونية، بل كل مبدأ هو الذي ألف الكتب له , وعنده -كما يقول بعض الدعاة- رسالة دكتوراه في علم النفس، فإذا رآك متجهاً في جانب أرصد لك منه، إن رآك تريد العبادة وأنت مجد في طلبها، قال: حياك الله وأهلاً وسهلاً بهذا العابد، الذي ما وجد في الجزيرة أعبد منه، وقال: لا تكتفي أنت بالنوافل، وما دام أن الله نصبك للعبادة فأكثر يقول ابن القيم: يحمل الشيطان بعض الناس على أن يتوضأ ويغترف أربع غرف -للعضو أربع مرات- فلايكفيه ثلاث مرات لأنه من طراز وصنف آخر. ويأتي إلى الداعية الذي يريد الدعوة، ويريد التكلم لينفع الله به في مستواه ويقول: حياك الله، أنت المفتي الأعظم، ومن يؤخرك عن الفتيا وهي سهلة وميسورة، ومن صعب عليك أمر الإفتاء، افت وتوكل على الله، والذي عقد رأس الحبال يحله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فيقحمه في الفتيا. ويأتي إلى الخامل المنكسر في بيته الذي حمله علمه فجلس به في بيته لا يبلغه للناس، قال: ما أورعك وما أزهدك! ما أشد تواضعك ما أحسنك! عليك أن تزيد خمولاً، وأن تنتقل من هذه القرية إلى البادية، لأنها تورث لك شهرة، وإن كان في المدينة أمره أن يخرج إلى القرية؛ لأن العلماء وطلبة العلم والدعاة خناجر مسمومة في نحر إبليس، وما ضرب إبليس بسيوف أشد من ضرب العلماء له، وعالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، لأن العابد يصلي الضحى، فإذا انتهى تنفل للظهر، فإذا انتهى من الصيام أتى في قيام الليل، أما العالم فإنه يحي الأرواح، ويدمر الإلحاد والوثنية في الدنيا، ويقيم منائر الحق، فأنا أدعو نفسي وإياكم أن نجلس لإخواننا جلسات، وهذا أمر ميسور، حتى يقول أحد الأساتذة: نحن المسلمون ليس عندنا أسرار، مبادؤنا تعلن من على المنبر، نعلم الناس لا إله إلا الله والمسح على الخفين والتيمم والوضوء والحيض، وهل في هذا شيء، فهذه رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. وفي سنن أبي داود أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه جمع أهل الكوفة، فلما اجتمعوا عليه قال لهم: يا أيها الناس! انظروا إليَّ، فنظروا فقام وتوضأ، فلما انتهى قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. أبو الحسن علي بن أبي طالب يتوضأ ويقول للناس: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فهل عز علينا -يا طلبة العلم- أن ندعو الناس في القرى والضواحي، وأن نجلس بين أيديهم، ونتوضأ كما توضأ الرسول عليه الصلاة والسلام، ونقول: هكذا توضأ الرسول عليه الصلاة والسلام، أليس بعلم , والله ربما يكون وضوءك مرة واحدة أمام هجرة من الهجر، أو قرية من القرى، خير من رسائل الدكتوراه التي أخذت أعمارنا في مقابلة نسخة دار الشروق بنسخة بولاق وتحقيق الحاشية، ثم خرجت الأمة إلى أحشى الحواشي، وبعد سنوات ينقل الإنسان برسالته الماجستير والدكتوراه إلى القبر، والأمة تعيش في الظلام الدامس، وأنا أعرف وأنتم تعرفون أن من هؤلاء العلماء، ومن أهل هذه رسائل من نفع الله به الإسلام، ورفع به قيمة الدين في كثير من الأماكن. ولا يعني هذا التهوين من شأنها لكن لا تكون مقصداً ولا تكون هي المبدأ ولا الحل، ولكن الظاهرة التي سمعنا ورأينا من بعض الناس، وعلمنا من هو أعلم منا التخاذل عن التعليم وتبليغ الدعوة، وعن الدعوة إلى الله عز وجل حتى تكدست المدن بطلبة العلم أهل التخصص، في الحديث ثلة من الثلل، وفي التفسير ثلة، وفي الفقه ثلة، في كل المستويات والتخصصات، ثم لا تدريس ولا تعليم، فكيف تحيا الأمة. هل الأمة تحيا بفكر؟ يأتي شاب عمره ست عشرة سنة أو سبع عشرة سنة، فينظِّر للأمة والشباب تنظِّيراً فكرياً تعبيرياً ويقول: هذه الصحوة وهذا العلم، وليس هذا بالعلم ولا بالصحوة، ولذلك استغل الساحة اليوم أهل الحداثة ممن أخذوا الأقلام وسخروها في هذا المنحنى، غروا الشباب بهذا الموكب، انظر كيف يبذلون لمبادئهم ولأغراضهم ولرموزهم ما لا يبذله الواحد من طلبة العلم، أو عشر معشار مايبذله، يسهر الليل يفكر ما هي الوسيلة التي يكتب بها في أدب الحداثة ويبلغه للناس، وعنده مركب وفي صدره شيء، والله أعلم بنواياه، أما ظاهره من قبله الرحمة، يريد تثقيف الناس وتعليم الناس، وباطنه من قبله العذاب. المقصود أن نعرف كيف يبذل هؤلاء مهجهم وأقلامهم، ويسيلون مداد أقلامهم في خدمة مبادئهم، ونحن إن لم نفعل لذلك نقول ذلك: يا أهل الحديث، ويا أهل التفسير، ويا أهل الفقه، ألا يكون لنا مجال في الساحة؟ ألا يكون لنا قلم يكتب؟ ألا يكون لنا متحدث يتحدث والأبواب والحمد لله ميسرة، والأمور مسهلة؟ بقي أن نجلس وأن نقول لطلبة العلم: قد جلسنا فتعالوا، ما عندنا أعطيناه لكم، وما ليس عندنا فلا نتكلفه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86] إن علمنا بشيء قلنا: نعلم هذا، وإن جهلناه قلنا: الله أعلم. هذا ما في هذه العجالة وهذا ما أريد أن أقوله لكم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته سلاماً كثيراً مباركاً. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إن نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

مفهوم الجاهلية وكتابات محمد قطب وسيد قطب

مفهوم الجاهلية وكتابات محمد قطب وسيد قطب Qما مفهوم الجاهلية؟ وهل من قال: إن بعض المجتمعات جاهلية، هل معنى ذلك أنه يكفر بعض أفراد المجتمع، وما رأيكم فضيلة الشيخ في كتب سيد قطب ومحمد قطب؟ A الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: فالجاهلية مفهوم أطلق في القرآن ثلاث مرات، وأطلقه رسوله صلى الله عليه وسلم ويقصد به المجتمع الكافر، فلنا أن نقول مثلاً: المجتمع الإمريكي مجتمع جاهلي، المجتمع الأوروبي مجتمع جاهلي، فتطلق الجاهلية على المجتمع الكافر، وتطلق على المجتمع الذي ماتعلم العلم أو ما فهم الرسالة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، أو قل فهمه فنقول: مجتمع فيه جاهلية ولا نقول مجتمع جاهلي، ويطلق على الشخص الواحد الذي فيه شعبة من شعب الجاهلية نقول: فيك جاهلية، كما أطلقه صلى الله عليه وسلم في الصحيح على أبي ذر لما سب أحد الصحابة، فقال: {يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية}. فالجاهلية تطلق على هذه الأمور: على المجتمع الكافر إطلاقاً عاماً لا تقيد فيه، فكل مجتمع جاهلي بلا شك ولو بلغ في العلم المادي النجوم، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] ويطلق على المجتمع الذي مارسخ في العلم وما تفقه كثيراً، ونقول: فيه جاهلية، وفيه جهل، ويطلق كذلك على الفرد الذي ما تنورت بصيرته بالعلم، أو فيه شعبة من شعب الجاهلية. وهذه المصطلحات استخدمها كثير من الكتاب الفضلاء، من ذلك الأستاذ محمد قطب في جاهلية القرن العشرين، وله فيها كلام. أما كتب سيد قطب، وكتب محمد قطب فنسأل الله أن يثيبهما بما كتبا، ويظهر الصدق فيهما، فإنهما أرادا الخير إن شاء الله، وأرادا ما عند الله، وقد سدا جانب الفكر، أو ثغرة من ثغور الفكر التي ما تسد إلا بهذا السلاح، لأن الله يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] لأن هناك قوة الأدب، وقوة الفكر، وقوة العلم بالدليل، فهؤلاء ردوا على أهل التربية، أهل علم النفس، أهل الفكر الغربي. وأما أن بعض المسائل تكلم عنها بعض طلبة العلم فينبه إليها، وليس هذا مجال تفصيلها ولا بسطها، كبعض المسائل في الظلال فالقارئ للظلال لا يأخذ منه دليل ولا تأصيل علمي وإنما يأخذ مقصد صاحبه، لأن صاحبه يقصد أن يقرب القرآن من الواقع أو ظلال أو نسمات أو خطرات خطرت له وعنّت أثناء قراءته للقرآن، فهو يتحدث عن ربط الواقع بالقرآن، وأما من أراد معاني القرآن أو تفسير القرآن، فمجالها كـ تفسير ابن كثير وغيره من أهل العلم ولا يطول في هذا لأن لها مجيبون وهي مفهومة إن شاء الله.

حكم إعطاء المرأة الزكاة لزوجها

حكم إعطاء المرأة الزكاة لزوجها Q هل يجوز للمرأة أن تعطي كل زكاتها لزوجها إن كان مستحقاً لذلك ومديوناً، أم تعطيه جزءاً منها؟ A الذي أريد أن أؤكده في هذه الجلسة أني ما جلست مفتياً، ويعلم الله أن ليس في قلبي أن أفتي في المسائل، وقد أخبرت الأخ أن للفتيا رجالها وعلماءها المتخصوصون فيها؛ لأن هناك من هو أعلم وأفهم وأفقه في الدين فهم أهل فتيا، ولكن جلست أعظ وأتكلم فالوعظ شيء، والدعوة شيء، والفتيا شيء آخر، لكن هذا السؤال كأني أعرفه والله أعلم، هذا قال عنه أهل العلم: يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها لزوجها إن كان محتاجاً وهذا الرأي الصحيح، ولو أن في المسألة خلافاً؛ لكن الرأي الصحيح وهو الذي عليه كثير من العلماء ومنهم الأحناف واستدلوا على ذلك بحديث ابن مسعود الصحيح: أن زوجته زينب أرادت أن تزكي شيئاً من حليها، فقال ابن مسعود لها: أنا وولدك خير من تصدقتي عليه، فقالت: لا أفعل حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهبي فاسأليه، فذهبت بنفسها فطرقت عليه الباب وكان يحجبه بلال فقالت استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى الرسول فاستأذن، قال: زينب تسألك يا رسول الله قال: {أي الزيانب؟} -لأن الزيانب سبع أوثمان- قال: امرأة ابن مسعود، فأدخلها -وفي رواية أنه أفتى بلالاً وبلال أخبرها- فعرضت عليه Q فقال: نعم صدق ابن مسعود، صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليه، وقال بعض أهل العلم أو بعض طلبة العلم: يخرج من هذا الحديث خمسين فائدة، منها أن الفتيا تنقل بالتنواب في هذه المسألة، وأن هذا يشمل الصدقة والزكاة فتدفع إلى الزوج المحتاج.

واجب المرأة الداعية

واجب المرأة الداعية Q ما الواجب على المرأة إذا كانت تريد أن تدعو الناس إلى الإسلام؟ A يجب على المرأة إذا كانت تريد أن تدعو إلى الإسلام أمور. أولاً: أن تخلص قصدها لوجه الله. ثانياً: أن تتعلم العلم الشرعي. ثالثاً: أن تعرف مجال تخصصها الذي تدعو إليه، لا تخطب الجمعة، لا تحاضر بالمساجد، ولا تتصل بالرجال بالتلفون وتخبرهم بالدعوة وضرورة الصلاة جماعة، بل تخبر بني جنسها: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [الأعراف:160] فمشربها بني جنسها، وبنات عمها وخالها وقريباتها من الذين يفهمون كلامها، فعليها أن تجيد هذا التخصص ولا تتعداه إلى غيره، ولا تقول في ذهنها: أنا سوف أدعو الرجال، لا. إنما تدعو النساء وأحسن الله مثوبتها إذا أحسنت بدعوة النساء.

حكم تطبيق النظريات العلمية على القرآن الكريم

حكم تطبيق النظريات العلمية على القرآن الكريم Q ما حكم تطبيق النظريات العلمية على القرآن الكريم، أي بمعنى: كلما اكتشفت نظرية بحث عنها في القرآن من أجل التأكد من ذلك؟ A مسألة البحث في القرآن عن النظريات العلمية جيد من حيث هو، وهو من ضمن ما طلب الله من التفقه في كتابه والاستنباط، لكن قضية أن يخضع القرآن لكل نظرية جدت في الساحة، هذا طريق موصل إلى تخطئة القرآن الكريم، فإنها قد تستنبط نظرية، فيقال انظروا كيف قال القرآن لقد وافق النظرية على هذه، وبعد خمسين سنة أو مائة سنة يظهر للباحثين أن هذه النظرية خطأ، فيعود باللوم إلى القرآن. القرآن أصل ثابت، وصدق وحق لا ريبة فيه، وقبل أن أستطرد في ذكر هذا الحديث، أريد أن أذكر لكم أصلاً وهو: أن القرآن كتاب نزل للهداية، يقول: سيد قطب: القرآن كتاب هداية. لأن بعض المفسرين ظن أن القرآن كتاب تاريخ، يقول أبو الأعلى المودودي: قبل أن تقرأ القرآن ينبغي عليك أن تنزع من ذهنك كل تصور سابق عن القرآن، فالقرآن ليس بكتاب تاريخ ما حدثك متى ولد فرعون ومتى توفي، ومتى وقعت المبارزة بينه وبين موسى والعصا، ومتى أغرقه الله في البحر، لأنها أمور تاريخية، والقرآن ليس كتاب جغرافيا يتحدث عن الجبال والتضاريس والمدن وأهم المنتجات والصادرات والواردات، وليس بكتاب هندسة، والعجيب أن بعض الكاتبين له تفسير في هذا -وليس كل من أراد الخير وفق له- إلى أن أخذ نظريات هندسة من القرآن، قال: ويستفاد من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] أن أقرب خط بين نقطتين الخط المستقيم، ما شاء الله تبارك الله، وقال في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} [المرسلات:30] فيه دليل على أن المثلث زواياه منفرجة، حتى يُظهر للناس أن القرآن حوى العلوم، وأنه أتى بالطب والهندسة والفلك، والقرآن ما أتى إلا كتاب هداية يقود الناس إلى الله رب العالمين، فإذا علم هذا فالخطورة أن يخضع القرآن دائماً لكل نظرية، وأنه إذا سمع بشيء قالوا في القرآن. حتى يقولون: محمد عبده الأستاذ المصري -صاحب التفسير- حين ركب في سفينة إلى باريس يريد فرنسا، فلما ركب في السفينة معه خواجة مستشرق يقرأ القرآن، قال المستشرق يا محمد عبده يقول الله في كتابكم: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] فأين ذكر هذه السفينة في كتابكم؟ واسم السفينة كوك، قال: يقول سبحانه: {وَتَرَكُوكَ قَائِماً} [الجمعة:11] فهذا تكليف للنص، ولا يريد محمد عبده أنه يضحك عليه، لأنه ليس المقصود من: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] أن يؤتى بالحشرات والحيوانات والبهائم في القرآن ولذلك بعض الناس إذا ما أردت أن تخبره بحكم الدخان، قال ائتني بحكم الدخان من القرآن، ما ذكر الله في القرآن الدخان أو الشيشة أو القات أو هذه الأمور، فهو يريد أن يأتي القرآن بكل اسم، بالميراندا والبيبسي والشاي والقهوة والموز والتفاح، وغير هذه الأمور، لكن القرآن قواعد كلية، كل آية قاعدة كلية تندرج تحتها ملايين القضايا، يقول الله عز وجل: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] فدخل في الطيبات مليون طيبة، ودخل في الخبائث مليون خبيثة، فهذه وجهة نظري في هذا السؤال.

قراءة كتب المتأخرين وترك كتب السلف

قراءة كتب المتأخرين وترك كتب السلف Q نرى كثيراً من الشباب في هذا الزمان ينشغلون بقراءة كتب المتأخرين، ويتركون قراءة كتب السلف، فهل هم في فعلهم هذا مصيبون أم لا؟ A قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] والأحسن الجمع بين القديم والحديث، بين السلف والخلف، هم يقولون في كتب التوحيد: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم، فقال: الأول من العلماء بل طريقة السلف أعلم وأسلم وأحكم، وطريقة الخلف أظلم وأجهل وأغشم، أوردت هذا للفائدة، لكن السؤال يقول: إنهم يتخصصون في الكتب الفكرية. أقول: ليس هذا بعلم، الذي يبقى على الكتب الفكرية هي كتب واقع تتحدث عن مجريات الحياة، أو ما تلابسه في المجتمع، أو ماتراه في الشارع، الكتاب الكامل يتحدث عن المرأة، وكيف فعلت وكيف صنعت، وأنت تراها صباح مساء، وهذا ليس بعلم، والعلم قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم، وما يدور حولها، وبعض الناس قد يأتي به الحال إلى أن يغلق على نفسه معرفة الواقع، فلا يقرأ كتاباً، ولا جريدة ولا صحيفة، ولا مجلة، ولا يدري أين يعيش الناس، وهو يعيش في القرن الثاني، وللقرن الثاني أحداث ووقائع غير الأحداث التي هنا، وأبو بكر عندما تولى الخلافة، عاش أحداثاً غير التي عاشها الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن خطب يوم الجمعة ما كانت نفس الخطب التي تكلم بها صلى الله عليه وسلم، فأعلن الحرب على أهل الردة وندد بهم وشجب فعلهم، وأتى بالأمور التي أحوجتهم إلى الارتداد عن الإسلام، وحل القضية، وعمر بن الخطاب لما خطب تكلم عن الفتوح يوم الجمعة وعن القضايا التي في عصره، وعثمان وعلي كذلك، فالمسألة أن نأخذ علم السلف ونكثر منه، وأن نعرف الواقع الذي نعيش فيه. ونقلت لي كلمة ما رأيتها وما قرأتها لكن نقلها لي ثقة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنه قال في بعض كتبه: "أما الخير فلا بد أن تحويه، وأما الشر فيكفيك أن تعرف منه شيئاًَ بسيطاً"، وهذا هو الصحيح، فالله يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55] فيقول: نخبرك بالواقع حتى تكون على تثبت، لو أن الرسول عليه الصلاة والسلام عاش في الأربعين سنة في غير الجاهلية لأتى إلى مجتمع لا يعرفه، ولا يعيشه ولا يلابسه، ولكن أحياه الله في هذا المجتمع فعرف الواقع، فأنا أدعو إلى علم السلف بكثافة، وإلى معرفة الواقع بالكتب والوسائل العلمية.

حكم تعدد الزوجات

حكم تعدد الزوجات Q سمعت أن الأصل في الزواج هو تعدد الزوجات، إن كان هذا صحيحاً فهل لي من أجر إذا سعيت إلى تزويج زوجي، وما قدر هذا الأجر هل هو عظيم؟ A أنا أخاف أن تدعو عليّ هذه المرأة الصالحة إذا قلت: أن الأصل التعدد، وربما يكون حيلة منها حتى تستدرجني، وأنا لست بمستدرج إن شاء الله، سمعت بعض أهل العلم يقول: الأصل التعدد، ولكن الذي يميل إليه قلبي من أجل هذا السؤال أن الأصل الواحدة، لأن الله بدأ بها، وأظن أن (80%) من الأمة المحمدية على واحدة، والتعدد يأتي لضرورات، ويأتي لنسبيات. فالذي يظهر لاينبغي علينا أن نقف للناس واعظين نقول: عددوا وتزوجوا وأكثروا، لأن لكل إنسان ظروف وملابسات واحتياطات، تقول لإنسان يصدقك وعنده علم بسيط، عليك بالتعدد، فيتزوج أربعاً لا ماله ولا جسمه ولا بيته يكفيه، ثم يضيع ويضيع الأربع، لكن أترك هذه المسألة كما تركها الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه عدد، وما أتى يوم الجمعة فقال: يا أيها الناس عليكم بالتعداد، هذا متروك لأن ظروف الإنسان تحكمه. أما السائلة: فإن علمتي في زوجك الحاجة ,وأنه يريد ذلك فأسأل الله أن يأجرك بنيتك في إراحته بهذا الأمر وتسهيل السبيل، لأن بعض النساء إذا عدد زوجها عليها قامت حربها العالمية الثالثة، ولا تبقى في بيت زوجها وتدعو عليه في السجود وفي الركوع وفي التراويح، ولو قدرت لقتلته، وهذا خطأ فاحش وجهل، بل الله عز وجل ذكر ذلك، وهذا من السنة التي أوردها في الدنيا، وهي لفوائد عظيمة قد يكون من الحسن لك أن يتعدد عليك، هذا ما عندي والله أعلم.

دليل المسح على الوجه في الدعاء في غير الصلاة

دليل المسح على الوجه في الدعاء في غير الصلاة Q قد ذكرتم في أحد دروسكم أو محاضراتكم أن أحد أسباب الاستجابة للدعاء المسح على الوجه في غير الصلاة، فما دليلكم؟ A الله يحيك وأهلا وسهلاً، هذا السؤال بارك الله فيك تكلم فيه بعض أهل العلم، ومسح الوجه في غير الصلاة أتت به أحاديث ضعيفة، خلاصة القول قبل أن أدلل أذكر كلمة لـ ابن تيمية فيقول: أما داخل الصلاة فلا يمسح، وأما خارج الصلاة فيسمح تارة ويترك تارة، وابن حجر يرى الحديث بمجموع طرقه حسن، ولحديث عمر رضي الله عنه في الترمذي {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما دعا إلا مسح على وجهه بيديه} هذا ضعيف من هذه الطرق، لكن اجتمعت له طرق وظهر بها أن مسح الوجه في خارج الصلاة كأن له أصلاً. والذي يظهر والله أعلم بعد أن رأيت طرق الحديث أن الحديث حسن، وأن للمسلم أن يمسح تارة خارج الصلاة لوجود هذا الحديث، وتارة يترك لأنه ما ثبت الحديث ثبوتاً عاماً، وإلا فالحديث له أصل وأتى من طرق، وبعض أهل العلم استنبط من مسح الوجه التفاؤل بأن الله أنزل الرحمة في كف العبد فمسح بها وجهه. وعند الترمذي من حديث سلمان بسند حسن: {إن الله يستحي من أحدكم إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً} فالمسح خارج الصلاة إذا دعوت لا بأس به تارة وأن تتركه تارة أحسن، لأنك إذا داومت عليه لكان سنة، وإن فعلته مرة فهذا دليل الجواز لذاك الحديث.

حكم الأشاعرة

حكم الأشاعرة Q هل يعد الأشاعرة من أهل السنة والجماعة مع أن من بينهم علماء مشهورين كـ ابن حجر والنووي رحمهم الله؟ A هذا الحديث مستفيض ويحتاج إلى تدليل وتجزئة وبسط كثير، وهناك رسالة للشيخ سفر الحوالي جيدة من أحسن ما كتب، والذي يظهر والله أعلم أن الأشاعرة قسمان: أشاعرة علم الكلام والمنطق، وهؤلاء قدموا العقل على النقل، وأتى ابن تيمية بيوتهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم في كتاب درء تعارض العقل والنقل، فهو قنبلة ذرية حتى يقول: ابن القيم ماطرق العالم مثل هذا الكتاب، فأساس هذا الكتاب الرد على الرازي لما قال: "إذا تعارض الدليل العقلي والنقلي: فإما أن نقدم النقلي، وإما أن نقدم العقلي، وإما أن نجمع بينهما، وإما أن نسقطهما" فأخذه ابن تيمية بتلابيب ثوبه، وأقره في عشرة مجلدات، فهؤلاء الأشاعرة من أهل المنطق قدموا العقل على النقل وأخطأوا خطأ بيناً، وضلوا ضلالاً معروفاً. وأشاعرة المحدثين أو الذين على الأثر مقصودهم التنزيه وهم أحسن حالاً، وتجد لمحات في بعض كتبهم، كـ فتح الباري وكـ شرح النووي على صحيح مسلم، وهؤلاء لا يخرجون من أهل السنة، لكن يكون موقف أهل السنة والجماعة من الصفات غير موقف هؤلاء، لأن فيهم بدعة. أما عموم أهل السنة فإنهم يدخلون في أنهم يريدون الخير، ولأن لهم أصولاً يجتمعون مع أهل السنة فيها، فالذي يظهر أنه إذا سمي منهج السنة في الصفات لا يدخل فيها الأشاعرة، وإذا سمي مطلق أهل السنة فإنهم يدخلون فيها، هذا ما توصلت إليه، وما أراه في هذه المسألة وأشده خطراً هم أهل المنطق من الأشاعرة، مثل الرازي وقريب منه صاحب الإحياء حجة الإسلام الغزالي وغيره، حتى ولو أن في بعضهم خيراً. لكن أخف الطوائف على الإسلام الأشاعرة، وأثقلهم الجهمية والرافضة، وكان ابن تيمية يخالف الأشاعرة تماماً، والسبب في سجن ابن تيمية في مصر والإسكندرية الأشاعرة، هم الذين سجنوه لأنه خالفهم في هذه المسائل، ولكنه أثنى عليهم في بعض المواطن في المجلد الرابع، ذكر أن بعضهم خير من ابن حزم الظاهري في المحلى صاحب الصفات، هذا الذي عندي، وأنا أحيلكم إلى هذا الكتاب، وإلى غيره مثل المجلد الرابع لـ ابن تيمية، وكل كتب ابن تيمية التي تتحدث عن هذه المسألة.

إطلاق مسمى الصحوة على الوقت الحاضر

إطلاق مسمى الصحوة على الوقت الحاضر Q مارأيك في إطلاق مسمى الصحوة الآن في وقتنا الحاضر مع العلم أن مسمى الصحوة أو مفهومها بأن يكون الإسلام مطبقاً في جميع المجالات؟ A الصحوة سميت مصطلح بين الناس، ولا مشاحة في المصطلحات فإن لكل عصر مصطلحاً، وله أن يؤخذ إذا كان فيه خير ولم يتعارض مع مصطلحات الكتاب والسنة، فمثلاً: لفظ "العقيدة" ما ورد عند السلف الصالح ولا في الكتاب ولا السنة أن العقيدة بمعنى التوحيد، وإنما ورد: {بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة:89] لكن العقيدة اصطلح عليها فأخذ، مثل اطلاق الحال على حال الإنسان، والمقام على مقامه في علم القلوب، فلا مشاحة في المصطلح، فتسمية الصحوة لا بأس بها. أما ما يعني الأخ أن لا نسميها صحوة حتى يستيقظ الناس جميعاً ويكون الناس متجهين إلى الله مطلقاً، ولا يكون فيهم متخلف فهذا ليس بحاصل حتى في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] فالقليل دائماً هو الخير، ولذلك ذكر عن عمر أنه نزل إلى السوق فسمع أعرابياً يقول: اللهم اجعلني من عبادك القليل، قال ثكلتك أمك ما هذا الدعاء، قال: دعاء دعوت به، يقول الله عز وجل: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] فقلت: اجعلني من عبادك القليل، قال عمر: كل الناس أفقه منك يا عمر، فعلم أن القلة دائماً هي الموجهة، فأما أن نتحرى حتى ينطبق جميع الناس على الهداية فلا يتحصل، المنافقون وجدوا في عصره صلى الله عليه وسلم، واليهودية والنصرانية والمشركون حتى تجد سورة البقرة كلها نسف وإبادة لبني إسرائيل، إذا سمعت سورة البقرة في التراويح: يا بني إسرائيل! يا بني إسرائيل! لأنها تصفيهم لأنهم وجدوا في عصره صلى الله عليه وسلم، ثم تجد المنافقين، ثم المشركين، ثم اليهود، ثم النصارى أهل الكتاب، فلا بأس أن يطلق صحوة لأنه وجد أناس يقومون بالصحوة.

الخوف من الناس في نشر الدعوة

الخوف من الناس في نشر الدعوة Q شاب هداه الله ولكن يخاف الناس ولا يدعو إلى الله إلا في نطاق محدود، ما رأيكم؟ A لا يطلب من الناس أن يكونوا كلهم خطباء ولا كلهم متكلمون لأنها واجهات، والإنسان يعرف تخصصه، الصحابة رضوان الله عليهم نصروا الإسلام بتخصصاتهم أبي بن كعب، أبو المنذر الذي قال له عليه الصلاة والسلام: {أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال الله ورسوله أعلم، قال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله لا إله إلا الله الحي القيوم، فضرب في صدره صلى الله عليه وسلم وقال ليهنك العلم أبا المنذر} ما هي الواجهة التي شغلها هذا وسدها ونفع فيها؟ القراءة، ولذلك قال النبي: {أقرأكم أبي} فـ أبي من هذا الجانب، ومن جانب الجهاد خالد بن الوليد، ومن جانب الأدب والشعر حسان، ومن جانب الفرائض زيد بن ثابت، ومن الفتيا معاذ بن جبل، والإدارة أبو بكر وعمر، والزهد أبو ذر وأبو الدرداء، فأنت تعرف تخصصك، قد لا يكون خلقك الله خطيباً، وإنما خلقك كاتباً، صحفياً، فاكتب في الصحافة بما ينفع الإسلام، خلقك الله سبحانه شاعراً مجيداً فأرسل القوافي الحارة على رءوس المشركين وكسر رءوسهم والأجر على الله، خلقك مفتياً فعليك أن تتعلم الفتوى وتفتي الناس، خلقك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى زاهداً عابداً، فكن زاهداً عابداً {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ} [البقرة:60].

رفض الكتب العصرية

رفض الكتب العصرية Q ما رأيك يا شيخ في كتابات العصريين والكتب العصرية عموماً إذ البعض ينبذها تماماً ويبرر رفضه بأنها عالة على كتب السلف؟ A الكتب العصرية فيها الثوم والبصل والقثاء، وفيها الميتة والدم ولحم الخنزير، والمتردية النطيحة، فلا يوجد حكم عام فيها، ففيها من أراد بعلمه وجه الله عز وجل فهذه تقرأ، ومن أحسن ما يقرأ من كتب هذا العصر الكتب التي نهجت المنهج السليم في العلم وأظن حصرها شاق وفيه صعوبة، لكن من أحسن ما كتب أبو الأعلى المودودي، أبو الحسن الندوي، سيد قطب، محمد قطب، مع كتب علمائنا في هذا العصر مثل الشيخ حمود التويجري، الشيخ الفوزان، الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ ابن عثيمين، لأن هؤلاء ينهجون منهج الدليل، وهؤلاء يؤصلون مسائل الفكر أو الواقع، هذا من أحسن ما كتب، أما بعض الكتب لا حياها الله ولا بياها، لا تسوى الحبر الذي كتبت به، وإنما كتبت أظن للدنيا، ولا نفع الله بها، مكتوب عليها حقوق الطبع محفوظة، فلا حفظت ولا استفيد منها، فهي مشغلة ومضيعة للوقت، ولو تركتها ما عليك منها شيء لا تزيد ولا تنقص. ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستشهدون وهم شهود

الأولى بالوقت الدعوة أو العلم

الأولى بالوقت الدعوة أو العلم Q ما رأي فضيلتكم: هل الأولى أن يقدم الإنسان طلب العلم أو الدعوة إلى الله، وإن كان لا بد من الاثنين معاً فأيهما الأولى في إعطاء الوقت الأكثر من حياة الشاب العامة؟ A أولاً: يبدأ بالعلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] قال البخاري فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، فإذا أصبح عنده حد أدنى يستطيع أن يتفاهم مع الناس فيه، لا نقول يكون كـ ابن حجر في الحديث، ولا كـ السبكي في أصول الفقه ولا ابن قدامة في الفقه، لكن يكون عنده حد أدنى يتفاهم به مع الناس، ثم يتزود وليكن كثير الوقت لطلب العلم فإنه جهاد، وليكن له وقت في تبليغ هذا العلم للناس، فقضية أن يدعو الناس بلا علم فلا يصح هذا، لأنهم سيثقون به وبعد فترة سينقطع، يبحثون عنه فيجدون أنه ليس عنده علم فيتفرقون، وإن جلس للعلم وترك الدعوة فسوف يحاسبه الله على هذا الكنز الذي تحمله.

أرجوزة أمريكا التي رأيت

أرجوزة أمريكا التي رأيت Q هناك سؤال شخصي لفضيلة الشيخ: نريد من الشيخ الكريم أرجوزته التي قالها في أمريكا؟ A ما أدري هل يناسب المسجد أم لا، إن كان يناسب المسجد ألقينا أرجوزة وهي هزلية فيها شيء من المزح! والسكوت علامة الرضا. هذه أرجوزة في أمريكا في مؤتمر للشباب العربي المسلم العاشر في أكلاهوما في الشمال هناك، نسأل الله أن ينفع من دعا لوجه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن يثبتنا وإياكم وأن يوصل الإسلام إلى تلك البلاد. وهناك قصيدة: (أمريكا التي رأيت) جدية، وقضيدة هزلية اسمها: نشرة الأخبار، أما أمريكا التي رأيت، فلا بأس أن آخذ بعض الأبيات، لأنها أقصد بالدال وهي الأولى أن يُسأل عنها، لأن فيها بعض الأمور التي ينبغي للمسلم أن يتفطن إليها، وهي تخاطب الأمة الإسلامية. يا أمة ضرب الزمان بها جموح المستحيل وتوقف التاريخ في خطواتها قبل الرحيل سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل وسقت شفاه الوالهين سلافة من سلسبيل يا أمة ضرب الزمان بها جموح الكبرياء رأس الدعي على التراب ورأس عزمك في السماء لو كان مهرك يا مليحة من براكين الدماء لهفا إليك اللامعون وفر منك الأدعياء يا أمة كم علقوا بكيانها خيط الخيال وهي البريئة خدرها فيض عميم من جلال شاهت وجوه الحاقدين بكف خسف من رمال موتاً أتاتورك الدعي كموت تيتو أو جمال يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلي الإنسان خابوا ما لهم إلا الرماد جثث البرايا منهم في كل رابية وواد ما زرت أمريكا فليست في الورى أهل المزار بل جئت أنظر كيف ند خل بالكتائب والشعار لنحرر الإنسان من رق المذلة والصغار وقرارنا فتح مجيد نحن أصحاب القرار ورأيت أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسام قد زادني مرأى الضلال هوىً إلى البيت الحرام وتطاولت تلك السنون فصار يومي مثل عام ما أرضهم أرض رأيت ولا غمامهم غمام وهي قصيدة فيها بعض الأبيات نسيتها، أما أرجوزة "نشرة الأخبار" فهي فيها دعابة، ولا بأس أن تذكر تمليحاً في المجلس، لأنه ذكر العراقي في منظومته، قال: واستحسنوا الإنشاد في الأواخر يعني أنه في أواخر المجلس استحسن أهل العلم أنه تنشد الأشعار، وقال ابن عباس كما ثبت عنه: حمضوا لنا، أي: أعطونا في آخر المجلس فكاهات ودعابات، أما نشرة الأخبار فهي يقول عائض هو القرني أحمد ربي وهو لي ولي مصليا على رسول الله مذكراً بالله كل لاهي قد جئت من أبها صباحاً باكر امشاركاً لحفلكم وشاكراً وحملتنا في السما طيارة تطفح تارة وتهوي تارة قائدها أظنه أمريكي تراه في هيئته كالديك يا سائل الأخبار عن أمريكا اسمع رعاك الله من يفتيكا وهذه أخبار هذى النشرة مسافة السير ثلاثة عشرة من الرياض عفشنا ربطنا وفي نيويورك ضحى هبطنا أنزلنا في سرعة وحطنا وقد قصدنا بعدها واشنطنا ثم ركبنا بعدها سيارة مستقبلين جهة السفارة منزلنا في القصر أعني ريديسون يا كم لقينا من قبيح وحسن ومعنا في صحبنا العجلان أكرم به مع العلا جذلان وصالح المنصور من بريدة يشبه سعداً وأبا عبيدة وقد صحبت شيخنا السدحانا أصبحت في صحبته فرحانا وقد صحبت فالح الصغير في الدين والأخلاق ما تغير ومعنا عبد العزيز الغامدي ابن عزيز صاحب المحامد إلى أن أقول: وصالح الخزيم والوقور وسعيه في بذله مشكور والشهم عبد القادر بن طاشي ذو القلم السيال في انتعاش فهو أبونا في مقام الترجمة لأننا صرنا صخوراً معجمة في بلد أفكاره منكوسة تثقله بصائر مطموسة يقدسون الكلب والخنزيرا ويبصرون غيرهم حقيرا ما عرفوا الله بطرف ساعة وما أعدوا لقيام الساعة فهم هناك كشويهات الغنم جد وهزل وضياع ونغم فواحش قد أظلمت منها السما والأرض منها أوشكت أن تقصما من دمر العمال في بولندا ومن أتى بالرق من يوغندا من دمر البيوت في نزاكي من ضرب اليونان بالأتراك من الذي ناصر إسرائيلا حتى تصب عنفها الوبيلا استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا منهم أخذنا العود والسجارة وما عرفنا ننتج السيارة إلى أن أقول: وهل أتاك إذ حضرنا الرابطة كم ضم من ساقطة ولاقطة من عالم وفاهم وشاعر وأحمق ونابه وقاصر به كرام ومفكرونا والباذلون الخير مشكورونا وكل من يعمل للإسلام أخٌ ولا عبرة بالأسامي جيل إذا لم يعبد الله الصمد ولم يردد قل هو الله أحد لا عرف النصر ولا لن يعرفه اضحك له وغطه بالمنشفة

الحداثة وضررها على الإسلام والمسلمين

الحداثة وضررها على الإسلام والمسلمين Q كثر الكلام حول شعر الحداثة، وخاصة في الأسبوعين الماضين بخاصة في المهرجان الشعبي الذي عقد في الرياض، وكثير من الإخوة يسأل عن مفهوم الحداثة؟ وما ضررها على المسلمين وعلى الإسلام؟ A أنا ما أدري ماهو المفهوم الذي يريد أن يصل إليه أهل الحداثة، يقولون: يريد الشعر الحديث الذي لا يتقيد بالوزن ولا بالقافية، ولا بالروي، لكن هذا ظاهر كلامهم والباطن كأنهم يريدون أن يهدموا كل ما سبق من الرسالة الخالدة والإسلام ومحمد عليه الصلاة والسلام، أو بعضهم يريد ذلك، ولذلك يقول بعض الأدباء: أهل الحداثة ثلاثة أقسام -ولكن ما أسكر كثيره فقليله حرام- منهم قسم ما درى ما الحداثة وإنما ركب الموجة، رأى الناس يسيرون هكذا فأخذ حقيبته وتوجه، وذهب به السيل أيما مذهب فهو لا يدري وهو على نيته. وقسم آخر يرى أنها أدب لا تتعلق بها مضرة للدين، فهو مقتنع بهذا، فهو يكتب باقتناع ويريد أن يأتي بهذا المبدأ وهو عدم التقيد بالبحر والروي والقافية فهو يكتب من هذا الجانب. وقسم آخر ضال له نوايا نسأل الله أن يكشف نواياه وأن يجازيه بما فعل، فإن ماركس ولينين واستالين ركبوا موجة الاقتصاد قبل فترة ليورثوا الناس الإلحاد، فلما خبت هذه النار ركبوا الحداثة، فتجد أساتذتهم وكبارهم في العالم -وهذه موجودة بوثائق، ولعلّ بعضكم رأى أو سمع هذه الوثائق وهو ليس كلاماً هراء- ركبوا هذه الموجة ليضروا الإسلام، وأهل الإسلام وأهل الدعوة وأهل العلم، فهذا قسم ثالث: وما شر الثلاثة أمَّ عمروٍ بصاحبك الذي لا تصحبينا هذا ما شئت فأنزل مفهوم الحداثة على الأقسام الثلاثة، وأنت ستعرف إذا أنزلت هذا المفهوم.

حكم الدعوة بالأناشيد والتمثيليات

حكم الدعوة بالأناشيد والتمثيليات Q ما حكم الدعوة بالأناشيد والتمثيليات الإسلامية، حيث نحن في هذا الموضوع تائهون ولا نعرف موقع المسلم منها من حيث جوازها أو عدم جوازها؟ A الأمر الأول: النشيد الإسلامي أصبح وسيلة من وسائل الدعوة، لكن لا بأس به بثلاثة شروط إن شاء الله:- الأول: أن لا يكون الشعر المنشود به غزلاً ولا مجوناً أو فحشاً، بل يكون شعراً مستقيماً، شعر دعوة، يدعو الناس إلى طاعة الله، وإلى التقوى والزهد. الثاني: أن لا يصاحبه آلة لهو: لا طبل، ولا دف، ولا مزمار، ولا موسيقى، فإنه لا يجوز أن يصاحبه آلة من آلة الموسيقى فإنها محرمة. الثالث: أن لا يبالغ فيه حتى يصبح هو المقصود، فإن بعض الناس إذا ذهب إلى العمرة أنشد قبل أن يذهب وبعد أن يذهب، وإذا جلس وإذا وقف، وينشدون في الحافلة، وهذا ليس بمفهوم أن يأخذ أوقات الأدب والعلم والحوار العلمي. فلا بأس به بهذه الشروط الثلاثة، أما التمثيليات، فلا تجوز لأن فيها الكذب، وأكثر ما رؤي من التمثيليات ومن وسائلها الكذب، وهذا حرام حتى في التمثيليات، والأمر المحرم تمثيل شخصيات الصحابة رضوان الله عليهم، أو تمثيل أشياء من الدين فإن هذا حرام، بعض الناس يقوم يمثل في المسرح فيصلي بغير وضوء إلى غير القبلة، ويستهزيء بركوعه وسجوده، فهذا حرام: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] فلا يجوز أن يستهزأ كذلك بالمقرئين، فبعضهم يأخذ المصحف وهو ليس متوضئاً ويقرأ في المسرح، ويرفع صوته، ثم يكسر القرآن، ويغلط ليضحك الناس، فهذا حرام. الأمر الثاني: الشعائر التعبدية يحرم، أما غيرها إذا خلى من الكذب فله ذلك، مثل أن يجتمع شباب ويقولون: تفرق الشباب، وذهبوا وضيعوا أوقاتهم وأهملوا في واجباتهم، فيمثلون هذا الذي يفيد المجتمع بدون استهزاء لا بالشعائر ولا بـ السلف الصالح، وبدون الكذب، هذا ما يحضرني فيه.

حكم نظر المرأة إلى الرجل في التلفاز

حكم نظر المرأة إلى الرجل في التلفاز Q ما حكم رؤية المرأة للرجل ومشاهدته في التلفاز؟ A رؤية المرأة للرجل مباح من الأصل، لكنها تحرم لأمور: كأن يكون هناك شهوة أوشبهة، أو تهمة أو ريبة فإنه يحرم نظر المرأة إلى الرجل، أما في الأصل فهو مباح لأدلة حسية ولدليلين نقليين: - الدليل الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال لـ فاطمة بنت قيس: {اذهبي إلى ابن أم مكتوم -وهو حديث صحيح- وهو رجل أعمى تضعين عنده ثيابك لأنه لا يراك وأنت ترينه} فالمرأة في الأصل تنظر إليه، هذا دليل. الدليل الثاني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام ترك عائشة تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بالحراب في مسجده صلى الله عليه وسلم، فلو كان نظرها لا يجوز لما تركها تنظر إليهم، وهي تقول في الرواية: {وأنا أنظر إليهم}. أما حديث: {أعمياوان أنتما} فهو حديث ضعيف كما حقق ذلك أهل العلم. والدليل الحسي: لو كان لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل لأمر الرجل أن يغطي وجهه ولاحتجبنا جميعاً عن النساء، فالأصل جواز نظر المرأة إلى الرجل، لكن إذا وجد تهمة فلا، قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31] للتهمة والريبة، ولأنهم أجانب، لكن لو نظرت فلا بأس من غير ريبة وتهمة. أما في التلفاز فأمر آخر إن كان ليس هناك ريبة، وكان الذي ينظر إليه فاضلاً كأن يكون عالماً أو خيراً، فإن نظرها على التلفاز كنظرها في غير التلفاز، وإن كان نظر ريبة فهو أمنع، وهنا أشد منعاً وأشد تحريماً، هذا ما يحضرني في هذا.

نصيحة لمن يذهبون إلى الخارج للدارسة

نصيحة لمن يذهبون إلى الخارج للدارسة Q ما توجيهك للشباب الذين يذهبون للدراسة إلى الخارج وليس لديهم القاعدة العلمية الشرعية المواجهة للشبهات، خصوصاً وأن أعداء الإسلام حريصون على إبعادهم عن هذا الدين؟ A الأمر الأول: حورب الإسلام بحربين، حرب المعسكر الشرقي بالشبهات، وحرب المعسكر الغربي بالشهوات، فحرب أولئك أن نرد عليهم بالعلم النافع، أولئك باليقين وهؤلاء بالصبر، وأما من يسافر للخارج فكأنه والله أعلم لا يسافر إلا لضرورة إما لعلاج ما وجده في بلاد المسلمين، فعليه أن يتعالج هناك لأنها ضرورة. الأمر الثاني: كأن يذهب لدراسة ضرورية ليست من التخصصات في بلاد المسلمين ويريد النفع إن شاء الله على أن يضمن دينه، فله أن يذهب. الأمر الثالث: للدعوة إذا رأى من نفسه قدرة وأن ينفع الله به المسلمين، أو أن أهل البلاد سوف يتأثرون به فليذهب، لكن يذهب بشروط، وهذه الشروط اصطلاحية اجتهادية ليست موجودة في كتب الفقه ولا الحديث: الأول: أن يكون صاحب عقيدة ومبدأ، صاحب دين يخاف الله. الثاني: أن يكون متزوجاً ولو بأربع من الزوجات، فمن خطورة الموقف له أن يتزوج بأربع يذهب بهن إلى هناك، فإنه سوف يقع في كارثة إن لم يعصمه الله عز وجل، لأن أول مرة سوف يغض البصر، والمرة الثانية يفتح نصف العين، واليوم الثالث يطلق النظر، واليوم الرابع يقع في حيص بيص إن لم يعصمه الله عز وجل، فلا بد أن يذهب بزواج، بعض الناس ذهب هناك فكان يغض بصره، وبعد أسبوع ما غض فالمقصود: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30] فالله الله في هذه الأمور.

حكم طلب العلم لغير الله

حكم طلب العلم لغير الله Q ما رأي فضيلتكم من طلب العلم لا لوجه الله، ويأمل أن يكون لوجه الله في المستقبل؟ A هذا فيه كلام {من طلب علماً ليماري به السفهاء أو ليجاري به العلماء، لم يرح رائحة الجنة، أو لم يجد عرف الجنة} هذا حديث حسنه بعض أهل العلم وهو في السنن. لكن طلب العلم لغير الله لأهل العلم كلام في هذه المسألة: الذهبي ذكر عن بعض العلماء أنهم قالوا: "طلبنا العلم لغير الله، فأبى إلا أن يكون لله" ذكر ذلك عن الشافعي وعن الثوري، المقصود أننا لا نقول: لا تطلب العلم، مادام أنك تخاف أن يكون رياءً فكفى بك رياء أن تترك العلم، لأن ترك العمل من أجل الناس شرك وعمله من أجل الناس رياء، والسلامة أن يعافيك الله من هذين، فالمقصود اطلب العلم، وصحح النية، فإن كثيراً من الناس ما صحت نياتهم إلا بعد أن مضوا في طلب العلم، والعلم هو الذي يدلك على الإخلاص بعد فترة إن شاء الله، فأنا أقول: لا تتوقف ولا تترك العلم، ولو وجدت رياءً أو تطلبه للشهادة أو للمنصب أو للوظيفة، بل استمر واطلب فسوف يحسن الله من حالك، وسوف يهديك الله بثلاثة أمور:- أولاً: تجاهد نفسك بالدعاء. ثانياً: بصدق اللجوء إلى الله تعالى. ثالثاً: بالاطلاع المكثف على سير السلف الصالح فإن في سيرهم الصدق والإخلاص، والله الموفق.

القصيدة البازية

القصيدة البازية Q الأسئلة كثيرة من الإخوة يطلبون من الشيخ أن يذكر قصيدته التي قالها في الشيخ عبد العزيز بن باز؟ A بعض الإخوة قد سمعها ست أو سبع مرات، حتى خجلت أنا من كثرة ما أوردتها. الشيخ عبد العزيز بن باز عالم، نتقرب إلى الله بحبه، وبحب الصالحين، ونسأل الله أن يثبتنا وإياه، وأن يجعل عملنا وعمله خالصاً لوجهه الكريم، وهذا الرجل موهوب، ونشر الله له القبول في الأرض، ولست بأول مادح له، سبقني بعض الشعراء فمدحوا فضيلته وأثنوا عليه والثناء في أهل العلم بر ومثوبة، يقول تقي الدين الهلالي المحدث المغربي: خليلي عوجا بي لنغتم الأجر على آل باز إنهم بالثناء أحرى وزهدك بالدنيا لو أن ابن أدهم رآه رأى فيه المشقة والعسرى وهي قصيدة ماتقارب ستين بيتاً، ومحمد المجذوب صاحب همسات قلب يقول:- روى عنك أهل الفضل كل فضيلة فقلنا حديث الحب ضرب من الوهم فلما تلاقينا وجدناك فوق ما سمعنا به في العلم والأدب الجم فلا غرو أن تشري المكارم كابراً فتأسرها بالمكرمات وبالحلم فلم أر بازاً قط من قبل شيخنا يصيد فلا يؤذي المصيد ولا يدمي أما قصيدتي فهي البازية: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً لك الله قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي أغراهم المال والدنيا تجاذبهم ما بين منتعل منهم ومن حافي مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعالي ولم تولع بإرجاف بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطل في إشراقه الضافي تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصداف يكفي محياك أن القلب يعمره من حبكم والدي أضعاف أضعاف أقبلت في ثوب زهد تاركاً حُللاً منسوجة لطفيلي وملحاف تعيش عيشة أهل الزهد من سلف لا ترتضي عيش أوغاد وأجلاف فأنت فينا غريب الدار مرتحل من بعد ما جئت للدنيا بتطواف أراك كالضوء تجري في محاجرنا فلا تراك عيون الأغلف الجافي كالشدو تملك أشواقي وتأسرها بنغمة الوحي من طه ومن قاف إلى أن أقول: يفديك من جعل الدنيا رسالته من كل أشكاله تفدى بآلاف ما أنصفتك القوافي وهي عاجزة وعذرها أنها في عصر أنصاف وبالمناسبة لما ذكر الأخ سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أنا أتقرب إلى الله بالثناء للعلماء وأرى من واجب الأدباء الثناء على العلماء ليرى الشباب وأهل الصحوة وأهل الجيل أننا نحب العلماء، قبل عشرة أيام كان لي الشرف في زيارة فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين في عنيزة، وقد زارنا أمس وقبل أمس في أبها، فألقيت بين يديه أبيات على وزن قصيدة تنسب إلى علي رضي الله عنه، على هذا البحر الذي سوف أورده، أبو الحسن أمير المؤمنين يقول:- دنياك تزهو ولا تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها المال عارية ردت لصاحبها وأكنف البيت قد عادت لبانيها والأينق العشر قد هضت أجنتها وثلة الورق قد ضجت بواكيها فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيش نابت فيها قصيدته لا دار للمرء، قلت على هذه القصيدة، وفي آخرها ثناء على الشيخ ابن عثيمين:- دنياك تزهو ولا تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها المال عارية ردت لصاحبها وأكنف البيت قد عادت لبانيها والأينق العشر قد هضت أجنتها وثلة الورق قد ضجت بواكيها يا رب نفسي كبت مما ألم بها فزكها يا كريم أنت هاديها هامت إليك فلما أجهدت تعباً رنت إليك فحنت قبل حاديها إذا تشكت كلال السير أسعفها شوق القدوم فتدنو في تدانيها حتى إذا ما بكت خوفاً لخالقها ترقرق الدمع حزناً من مآقيها لا العذر يجدي ولا التأجيل ينفعها وكيف تبدي اعتذاراً عند واليها فإن عفوت فظني فيك يا أملي وإن سطوت فقد حلت بجانيها إن لم تجرني برشد منك في سفري فسوف أبقى ضليلاً في الفلا تيها إلى أن قلت: قل للرياح إذا هبت غواديها حي القصيم وعانق كل من فيها واكتب على أرضهم بالدمع ملحمة من المحبة لا تنسى لياليها أرض بها علم أو حاذق فطن يروي بكأس من العلياء أهليها عقيدة رضعوها في فتوتهم صحت أسانيدها والحق يرويها ما شابها رأي سقراط وشيعته وما استقل ابن سينا بواديها ولـ ابن تيمية في أرضهم علم من الهداية يجري في روابيها إذا بريدة بالأخيار قد فخرت يكفي عنيزة فخراً شيخ ناديها محمد الصالح المحمود طائره البارع الفهم والدنيا يجافيها له التحية في شعري أرتلها بمثل ما يرفع الأشواق مهديها

الحث على مساعدة المجاهدين

الحث على مساعدة المجاهدين Q فضيلة الشيخ: كما تعلم ويعلم الإخوة ما يعانيه المجاهدون الأفغان في الوقت الحاضر خاصة بعد اتفاق أعداء الإسلام على إغلاق القضية الأفغانية، فأرجو أن تحث الإخوة على التبرع للإخوة الأفغان؟ A هذا كلام سليم، وهو من أحسن ما قيل، وأنا أحث نفسي وإياكم بكثرة الدعاء لهؤلاء المجاهدين، وبذل الأموال، لأنهم في حاجة ماسة، والرسول صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه قال: {جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم} فالذي لا يستطيع أن يجاهد بنفسه، فليجاهد بماله، ليقتل بديناره ودرهمه ملحداً وعدواً من أعداء المسلمين، فأنتم مدعوون للتبرع، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

الحياء في الدعوة

الحياء في الدعوة Q أنا شاب كثير الحياء، وإذا جلست في مجلس وأردت أن أذكرهم بالله تحول شدة الحياء بيني وبين ذلك، ما الحل يا فضيلة الشيخ؟ A الحياء فيه خير بل كله خير إذا كان في الخير، لكن إذا كان يصدك عن الخير فليس من الخير، يقول صلى الله عليه وسلم: {الحياء خير كله} يعني ما كان في الخير، لكن إذا صدك عن طلب العلم وعن الدعوة فليس فيه خير، يقول مجاهد كما في صحيح البخاري: [[لا يطلب العلم مستكبر ولا مستحي]] فأنا أرى أن تنهي عقدة الحياء من الإخوان أو من الذي يمنعك من الخير وأن تمارس حل هذه العقدة بالتدرج، فتجلس مع أخوين وثلاثة وتتحدث وتطلق لسانك، وتغشى الأندية، وتحاول أن يصلح الله من حالك لإنهاء هذا الأمر والله معك، وإذا علم الله عز وجل أن الحياء أصله الخير تستحي من المعاصي، فأنت مأجور، لكن لا يوصلك كثرة هذا الحياء إلى أن يوقفك عن كثير من الخير، أو من الدعوة إلى الله عز وجل، فهذا ليس بمحمود فأكثر الناس حياء، وأشد الناس حياء، هو كما قال عنه أبو سعيد في الصحيحين: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها} ومع ذلك كان من أشجع الناس في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوعظ وصعود المنابر، والتحدث إلى الأمم والشعوب وتفهيم الأجيال، فلا يمنعك الحياء من الخير. نسأل الله أن يوفقنا وإياكم وكل مسلم إلى ما يحب ويرضى.

من أخبار السلف

من أخبار السلف هذا الدرس يمثل رحلة شيقة إلى تلك الأيام الرائعة وإلى القرون الأولى الفاضلة، وإلى ذلك المجتمع المثالي، مجتمع الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح. على أن هذه المواقف التي تجلت فيها عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم لم تنقص من قدر أصحابه الذين وقع النقد عليهم كأسامة وأبي ذر وأبي محذورة بل جلت هذه المواقف فيهم شخصية الفرد المسلم المطيع البناء.

فوائد الحديث عن سيرة السلف الصالح

فوائد الحديث عن سيرة السلف الصالح الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: - فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته كان عنوان الدرس الماضي: (أخطاء شائعة يقع فيها كثير من الناس) وعنوان هذا الدرس: (من أخبار السلف) وأخبار السلف الصالح شائقة رائقة، هي منجم بكر، وبستان يدخله العابدون، وحديقة يرتادها الموحدون، وسوف أعرض من أخبارهم لمسائل مع حبيبنا وقدوتنا ورائدنا وقائدنا محمد عليه الصلاة والسلام. وعناصر هذا الموضوع كما يلي:- - الرسول صلى الله عليه وسلم، يرسل عمر لجمع الصدقات. - الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ أسامة: {كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة} وقصة ذلك. - الصحابة يبحثون عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد فقدوه من المسجد. - استقبال حافل لوفد عبد القيس، وحوار مع الرسول عليه الصلاة والسلام. - أبو هريرة يكلم الشيطان مباشرة. - حوار بين أبي بكر وعمر في قتال المتمردين. - الرسول صلى الله عليه وسلم يعاتب أبا ذر، وقضايا في ذلك. - أبي بن كعب في موقفين عظيمين يشهدان له عند الله تبارك وتعالى. - أبو محذورة المؤذن في يوم ميلاده. أيها المسلمون: ننتقل بكم إلى محمد عليه الصلاة والسلام، إلى طيبة الطيبة، إلى المدينة، سلفنا الصالح، والقدوة المثلى، والجيل الذي لا يتكرر في التاريخ أبداً، إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لماذا؟ الأمر الأول: لنعيش القدوة التي طمس عليها لما كثرت الفتن والمغريات والشهوات، والحرب الشعواء التي سلطها الغرب على أجيالنا، وفصلوا بين كثير من أجيالنا وبين السلف الصالح. ولذلك لا يذكر في المجالس أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا أُبي ولا حسان ولا خالد إلا قليلاً، لماذا؟ لأن الوقت -إلا عند من رحم ربك- صرف إلى المسلسلات والأغنيات، والمجلات والندوات، والشهوات، فكان لزاماً على من تكلم أن يعيد الجيل إلى أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام. الأمر الثاني: أننا بذكرهم في هذا المجلس نعيش معهم، وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]. أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع ملكنا بأقطاب السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع الأمر الثالث: نفهم من سيرتهم كيف عاش هذا الإسلام الخالد؟ وكيف تعاملوا معه؟ وكيف كانت مجالسهم؟ ولذلك أسأل الله أن تتصل هذه السلسلة وأن تتعمق، وأن تترسخ، وأن تتكرر كثيراً مع دروس مقبلة بحول الباري.

الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل عمر لجمع الصدقات

الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل عمر لجمع الصدقات أما الموقف الأول من (من أخبار السلف) فمع الرسول عليه الصلاة والسلام. أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم -والحديث عند البخاري - عمر يجمع الصدقات، وهو في تلك الفترة وبعد تلك الفترة تلميذ لمحمد عليه الصلاة والسلام. قال عباس محمود العقاد في كلمة استحسنها، ولو أنا نلومه كثيراً على بعض التقريرات، لما قيل له ما الفرق بين أبي بكر وبين عمر؟ قال: الفرق بين أبي بكر وعمر أن أبا بكر عرف محمداً النبي، أما عمر فعرف النبي محمداً، وهذا صحيح، ومعنى ذلك: أن أبا بكر عرف الرسول صلى الله عليه وسلم وهو محمد بلا نبوة قبل الإسلام، وقبل الرسالة في الجاهلية، صاحبه كالعينين، وأما عمر فعرف النبي محمداً بعد النبوة هذا الفرق. أرسل عليه الصلاة والسلام عمر وقال له: اذهب اجمع الصدقات -والصدقات هي الزكاة، يجمعها من المسلمين- فأخذ عمر رضي الله عنه وأرضاه جهازه، وامتثل الأمر، وطاف على المسلمين ليجمع الصدقات من أصحاب القصور والدور ليوزعها للفقراء وللمساكين وللمحتاجين.

وضع الرجل المناسب في المكان المناسب

وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وعمر صارم، يصلح لمثل هذه المهمات، والرسول عليه الصلاة والسلام يصنف الناس، يعرف أين يضع الرجال، أبي بن كعب سيد القراء، وشيخ المسلمين في القراءة -وسوف يأتي معنا- ومعاذ قاضٍ إمام، وأبو بكر أستاذ في الإدارة، وحسان للقوافي وللمجالس الأدبية التي ينافح بها عن الإسلام، وزيد بن ثابت للفرائض، وخالد بن الوليد يفصل الرءوس عن الأكتاف في سبيل الله، وعلي بن أبي طالب قاضٍ وذكي وللمهمات، والزبير الحواري، وعثمان للإنفاق، وابن عوف للبذل. وكلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الدِّيم بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم

استجابة الناس لرسول الرسول دليل على محبتهم له

استجابة الناس لرسول الرسول دليل على محبتهم له ذهب عمر يطرق على الأبواب ادفعوا الزكاة من أرسلك؟ محمد عليه الصلاة والسلام. فإذا سمعوا محمداً صلى الله عليه وسلم دفعوا الصدقة؛ لأن عمر مهما أوتي من قوة، لا يملك القلوب كما يملكها صلى الله عليه وسلم، حتى يقول فيه أحد الشعراء: محاسنه هيولى كل حسن ومغناطيس أفئدة الرجال حتى العذارى في الخدر أحببنه صلى الله عليه وسلم، أرسل جليبيب إلى بيت من بيوت الأنصار، وجليبيب فقير مسكين هزيل ضعيف محتاج لا نسب له، ولا جاه ولا مال، نسبه التقوى، وجاهه اليقين، وماله التوكل على الله، قال: اذهب إلى آل فلان يزوجونك ابنتهم، فطرق عليهم الباب، قال الأنصاري: من؟ قال: جليبيب، قال: ما تريد؟ قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجونني بنتكم. قال الرجل: جليبيب لا نسب ولا أهل ولا مال ولا جاه، فأخبر زوجته -التي تملك حق الفيتو- فقالت: لا أهل ولا نسب، ولا مال، ولا جاه فسمعت الحوار العذراء المؤمنة المصلية، فقالت: أرسل محمد صلى الله عليه وسلم وتردون خبره، بل أتزوجه طاعة لله ولرسوله، وفي ليلة الزفاف نادى منادي الجهاد: يا خيل الله اركبي! فتركها وخرج استجابة لأمر الله ورسوله، فقتل في تلك المعركة، فكانت الأموال تأتيها من حيث لا تدري.

دفاع الرسول عن عمه العباس لما منع الصدقة

دفاع الرسول عن عمه العباس لما منع الصدقة طرق عمر رضي الله عنه الأبواب ومر بالناس جميعاً حتى وصل إلى العباس عم الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: ادفع الصدقة. قال: من أرسلك؟ قال: الرسول عليه الصلاة والسلام. قال: لن أدفع. ثم ذهب إلى خالد سيف الله المسلول أبي سليمان، صاحب المائة غارة، وقال له: ادفع الصدقة. قال: من أرسلك؟ قال: الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: لا أدفع. ثم ذهب إلى ابن جميل وقال له: ادفع الصدقة. قال: من أرسلك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم قال: لا أدفع. رجع عمر بالأموال، وقال: {يارسول! دفع الناس جميعاً إلا ثلاثة، قال: من هم؟ قال: عمك العباس وخالد بن الوليد وابن جميل -فأتى صلى الله عليه وسلم يفصل- قال: يا عمر! أما تعلم أن العباس عمي، وأن عم الرجل صنو أبيه؟ -أي: هو كأبي- هي علي ومثلها لعامين} يقول: صدقته علي ومثلها، أنا اقترضت منه صدقة عامين في غزوة من الغزوات، لكن العباس استحيا أن يقول لـ عمر: إن الرسول صلى الله عليه وسلم اقترض مني زكاة عامين، وعلم أنه إذا رد عمر سوف يتذكر الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: يا عمر! كيف تتكلم وتشكو عمي أما تدري أن عمَّ الرجل مثل أبيه. وفي الموقف هذا لطافة من العباس فإنه لم يقل: دفعت صدقتي لكم أو أقرضتكم، فإن المنة لله ولرسوله، وفيه موقف حازم لـ عمر؛ فإنه لم يقل: مادام أنه عم الإمام الأعظم صلى الله عليه وسلم فلا نذكره في القائمة، لا، بل قال: عمك ما دفع الصدقة، انظر إلى الصرامة، حتى في تلك المواقف، لأن بعض الناس إذا رأى قريباً لصاحب الجاه، قال: لا نسقطه، قرابة ومحاباة ومجاملة، لكنّهُ موقف حازم. وفيه موقف ثالث: اعتذار الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: أتشكو عليّ عمي؟ ثم بيان الحق: هي عليّ ومثلها.

دفاع الرسول عن خالد بن الوليد

دفاع الرسول عن خالد بن الوليد قال صلى الله عليه وسلم: {وأما خالد فإنكم تظلمون خالداًً} يقول: يا عمر! أنتم تظلمون خالداً، دائماً خالد سيف الله مظلوم: {إنه قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله} عنده مائة سيف، ومائة رمح، ومائة فرس، قال: هي رهن محبوسة في سبيل الله، وهل في الوقف صدقة؟ وهل فيه زكاة؟ لا، لماذا يا عمر! تطلب من خالد أن يزكي وهي وقف؟ يقولون معن لا زكاة لماله وكيف يزكي المال من هو باذله ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتقِ الله سائله خالد إذا حضر المعركة، دعا مائة فارس وأعطاهم مائة سيف، ومائة رمح، ومائة فرس، فهي لله، ولذلك لا يرثها أبناء خالد. خالد مات ولم يملك إلا ثوبه، خاض مائة معركة، ومات وما في جسمه موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، فماذا فعلنا أنا وأنت للإسلام مع خالد؟ خالد قدم دموعه ودمه ووقته. تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها وما أتى بلدة إلا سمعت بها الله أكبر تدوي في نواحيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها خالد يوم اعتزل الجيش وهو كبير السن، أخذ مصحفاً يقرأ من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر، ويبكي، ويقول: [[شغلني الجهاد عن القرآن]] ونحن نقول: يا أبا سليمان! إن كنت أنت شغلك الجهاد فنحن عندنا شباب شغلهم البلوت عن القرآن، والمجلة الخليعة والأغنية الماجنة عن القرآن، يا أبا سليمان! لقد شغلك الجهاد عن القرآن، إن جهادك أعظم من قراءة القرآن؛ لأنك رفعت لا إله إلا الله بجهادك. أتته سكرات الموت فقال: [[لقد خضت مائة معركة وهأنا أموت على الفراش كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء]] يقول: اليوم يفرح الجبناء أني مت. يقول ابن كثير: قاتل خالد يوم مؤتة فكسَّر تسعة أسياف في يده وما ثبتت إلا صفيحة يمانية، تكسرت السيوف، يأخذ السيف فيضرب به، فيتكسر، وتشع شظاياه على رءوس الناس، وكان جسيماً بديناً كالحصن. ولما تولى أبو بكر الخلافة أراد عمر أن يصدر أول مرسوماً بعزل خالد، فقام أبو بكر غاضباً على المنبر، وقال: [[والله لا أغمد سيفاً سله الله على المشركين، لقد سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {خالد سيف الله المسلول، سله الله على المشركين}. ]] فلما تولى عمر كان أول ما أصدر: عزل خالد، فقال خالد: [[والله ما قاتلت بالأمس لـ p=1000018> أبي بكر، وما قاتلت اليوم لـ عمر وإنما قاتلت لله، وأنا أقاتل لله قائداً أو مقوداً، فأيما شئتم فسيروني]] {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود:41] سلام عليك وعلى أمثالك. عذره الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: {إنكم تظلمون خالداً} ولذلك ظلم في التاريخ، ظلمه العقاد يوم جعله مع نابليون. يا عقاد! يا أستاذ محمود! أتجعله في صف نابليون؟! نابليون مجرم فرنسي سحق العالم، نابليون قتل الأطفال، نابليون قتل النساء، وخالد أتى لرفع لا إله إلا الله محمد رسول الله. ونقول لـ عباس محمود العقاد وأمثاله: ظلمتم خالداً؛ لأن الرسول قال: {إنكم تظلمون خالداً}.

تعليق النبي صلى الله عليه وسلم على منع ابن جميل للصدقة

تعليق النبي صلى الله عليه وسلم على منع ابن جميل للصدقة قال عليه الصلاة السلام: {وأما ابن جميل فما ينقم إلا أن كان فقيراً فأغناه الله} كأنه يعلق عليه، فإن ابن جميل لا عذر له، فقد كان فقيراً مسكيناً، فدعا الله فأغناه، ثم منع الصدقة، لماذا؟ قال الله في ابن جميل وأمثاله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة:75 - 77]. لا عذر لـ ابن جميل، أما العباس وخالد فهما معذوران هذه وقفات.

موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع أسامة بن زيد

موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع أسامة بن زيد الموقف الثاني: يقول صلى الله عليه وسلم لـ أسامة: {كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا أتت يوم القيامة؟} والقصة في صحيح مسلم. أرسل صلى الله عليه وسلم جيشاً وقائده أسامة بن زيد، وعُمره آنذاك قيل: من الثالثة عشرة إلى الخامسة عشرة، أرسله إلى الحرقات من جهينة على البحر الأحمر. انظر إلى القائد! أتدرون من في قيادة أسامة؟ ومن هم الجيش؟ عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب، والزبير بن العوام وأمثالهم، والقائد أسامة، عبد مولى، وكلنا عبيد لله، ثلاث عشرة سنة، وبعضهم اليوم عمره ثلاثة عشرة ولا يعرف شيئاً، سبهلل أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل مثل أحد الحمقى عمره أربع عشرة سنة، أرسله أبوه، وقال: خذ بهذا الريال فولاً، وخذ بهذا الريال خبزاً، فذهب في الطريق فأصابه حيص بيص، فعاد إلى أبيه وقال: يا أبتاه! شككت في أمري وأردت أن أتيقن منك، هذا الريال للفول أم هذا؟ فتح الله عليه! {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4] لأن من يتربَّى على جمع الطوابع والمراسلة، يأتي بعقلية مثل هذه العقلية. أما أسامة فتربى على كلمة (لا إله إلا الله) وعلى الصلوات الخمس، وقيام الليل، وتدبر القرآن، ذهب أسامة وقاد الجيوش، فوصل إلى هناك، فخرجت جهينة تقاتل الصحابة، وكان فيهم رجل لا يقصد إلى مسلم إلا قتله، يذبح في المسلمين ذبحاً، فانطلق عليه أسامة فهرب الرجل واختفى وراء الشجرة، فلما أدركه ورفع السيف ليقتله، قال الرجل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فكان لسان حال أسامة: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:91 - 92] فضربه فقتله. لمن ترفع هذه القضية؟ قضية شائكة، إنسان يقاتلك ثم تذهب إليه وتطارده، فيقول: لا إله إلا الله، فتقتله رفعت إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام أتى الصحابة فأخبروا الرسول عليه الصلاة والسلام، فتغير وجهه، واحمر، ورعد أمره عليه الصلاة والسلام، فأشرف أسامة، فقال صلى الله عليه وسلم قبل أن يُسَلِّم أسامة: {يا أسامة! أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله! إنما قالها مستجيراً بعد أن قتل في المسلمين. قال: يا أسامة! ماذا تصنع بلا إله إلا الله إذا أتت يوم القيامة؟ قال: يارسول الله! إنما قالها مستجيراً، قال: يا أسامة! ماذا تصنع بلا إله إلا الله إذا أتت يوم القيامة؟ قال: يا رسول الله! قاتلنا وقتلنا. قال: يا أسامة! ماذا تصنع بلا إله إلا الله إذا أتت يوم القيامة؟} موقف تشيب له الولدان، فألقى أسامة الرمح من يده، وقال: {ياليتني ما أسلمت إلا هذه الساعة} أجاهد وأقتل مسلماً ياليتني ما أسلمت إلا الآن، ياليتني ما ذهبت إلى المعركة، ماذا تصنع بلا إله إلا الله؟ تأتي لا إله إلا الله في بطاقة، فتنزل فتدافع عن صاحبها!! (لا إله إلا الله) من أجلها أقيمت الأرض، وهي مفتاح الجنة، حنانيك يا أسامة! غفر الله ذنبك يا أسامة! عطف الله عليك القلوب، وقد فعل. أما الرسول فتوقف وما أفتاه، إنما قال: ماذا تصنع بلا إله إلا الله؟ يعني: احتكم أنت وإياها يوم العرض الأكبر. وفيه دليل على أن (لا إله إلا الله محمد رسول الله) مفتاح الجنة، وعلى أنها تنقذ العبد من القتل في الدنيا، إذا لم يترك الصلاة، وعلى أنها من أحسن الكلمات، وعلى أنها عظيمة، دُمِّرت الأرض من أجل لا إله إلا الله خمس مرات.

بحث الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم

بحث الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم الموقف الثالث: يقول أبو هريرة في صحيح مسلم: جلس الصحابة في مجلس، وكانوا دائماً يمرون حلقات مع الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك من أدبهم أنهم يقولون: تسحرنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام أفطرنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام كنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام خرجنا مع الرسول جئنا مع الرسول قمنا مع الرسول من الأدب، لا يقولون: قام معنا أو خرج معنا أو جلس معنا الرسول! لا. التلاميذ مع الشيخ، كالنجوم مع البدر، الجند مع العلم. حتى بلغت مكاناً لا يطار له على جناح ولا يسعى على قدم لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم قال أبو هريرة: {بحثنا عن الرسول عليه الصلاة والسلام فلم نجده} كان الصحابة الكرام يجلسون معه، فبحثوا عنه فلم يجدوه، فانطلقوا يبحثون، قالوا: يا أباهريرة! أنت عليك بمزرعة فلان، وعمر هنا، وأبو بكر هناك، وكلٌ في مكان. أبو هريرة وفق في البحث، وهو الذي وجد المصطفى عليه الصلاة والسلام في مزرعة رجل من الأنصار، أتى إلى الباب، فسأل! قالوا: الرسول صلى الله عليه وسلم داخل المزرعة. تخيل أنت في نفسك أنك تذهب إلى مزرعة، وتفاجأ بمحمد عليه الصلاة والسلام، ليس زعيماً بل سيد الزعماء، وليس عالماً بل سيد العلماء، فدخل فقال أبو هريرة وهو رجل دعوب خفيف الدم، دوسي زهراني، من أهل الجبال، وكانت هناك ساقية للماء وتسمى قائداً وتسمى قيداً، وسمه ما شئت أنت، لكن هي مدخل الماء، قال: {فتحفزت وجمعت ثيابي ثم دخلت]] وفي بعض الروايات: {كما يتحفز الثعلب} فدخل فإذا الرسول صلى الله عليه وسلم أمامه يقول: {من أين أتيت يا أبا هر؟!} مداعبة لطيفة. راوية الإسلام يقول له صلى الله عليه وسلم أبا هر! كان له هرة يلعب بها، فسماه أهله أبا هريرة، فدخل فقال: {يا رسول الله! فقدناك فأتينا نلتمسك، قال: يا أبا هريرة عد إلى الناس وأخبرهم أن من شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة، وهذا حذائي تصدق ما تقول} أي: هذا علامة الصدق، خرج أبو هريرة فرحاً مسروراً بهذا الخبر العجيب، سوف يكون مبشراً للناس أجمعين. {ثم تحفز والحذاء معه فخرج، وفي الطريق لقيه عمر الله أكبر! عمر واقف أمامه، قال له: من أين أتيت يا أبا هريرة؟ قال: وجدت الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المزرعة، وقد قال لي: أخبر من لقيته من الناس أن من شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله مخلصاً من قلبه فقد دخل الجنة، وهذه حذاؤه علامة ذلك. قال أبو هريرة: فأخذ عمر يديه فضربني في صدري فخررت على قفاي، أي: على مؤخرته، وفي لفظ عند مسلم قال: فضربني على صدري فخررت على قفاي أبكي، وقال: عد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، إني أخشى أن يتكل الناس، فتحفَّز أبو هريرة بالحذاء ودخل على الرسول عليه الصلاة والسلام}. ومن ورائه حصن الإسلام عمر، ولو كان غير عمر لما عاد، لكن عمر الذي أخرج عفاريت الجن والشياطين من رءوس بعض الناس، في الصحيح: {ما سلكت فجاً يا عمر! إلا سلك الشيطان فجاً غير فجك} هكذا. ألا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا فعاد أبو هريرة يبكي عند الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {مالك؟ قال: ضربني عمر يا رسول الله!} ضربة على الكيف، أي: ليست حي الله بالاثنتين، قال: {ماله؟ قال: أمرني ألَّا أخبر الناس} وما هي إلا لحظات وقد وقف عمر عند الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: {مالك؟ قال: يا رسول الله! أخشى أن يخبر الناس فيتكلوا، دعهم يعملون يا رسول الله! فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: دعهم يعملون} أقره على ذلك؛ لأنه ذكي، وإن لم تكن العبقرية هكذا فلا كانت. ولذلك يأخذ المركز الثالث والخمسين في عظماء العالم على رأي الأمريكان، لكننا نقول: يا خسيسوس، بل هو من الأوئل على مستوى العالم، وفي الموقف أمور: أولاً: مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في قلوب الصحابة. ثانياً: حرص أبي هريرة على الحديث. ثالثاً: موقف عمر القوي. رابعاً: أن للصادق ما ليس لغيره، وقد تعرض لها ابن تيمية، لكن يسمح للصادق ما لا يسمح لغيره. وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع ولذلك يقول ابن تيمية: موسى لما أخذ الألواح فيها كلام الله، والله كتبها بيده، وأتى إلى بني إسرائيل غضب على أخيه، وألقى الألواح كما في سورة الأعراف، وجرجر أخاه وهو نبي مثله، ومع ذلك سامحه الله، بينما المنافق لا يسمح له ولو بنقطة، لأنه مسيء. ولذلك إذا علمت الطالب مجداً مثابراً متوقد الذكاء وأخطأ مرة، فقل: عفا الله عنك، أما طالب إن حضر الفصل فهو نائم مثل كيس الفحم، وإن غاب فشارد، لا واجب معه، ولا مذاكرة، ولا التزام، هذا إذا أمكنت لك الفرصة فاقصم ظهره، والحساب على الله.

استقبال حافل لوفد عبد القيس

استقبال حافل لوفد عبد القيس الموقف الرابع: استقبال حافل لوفد عبد القيس. وفد عبد القيس هؤلاء من الأحساء من البحرين، أتوا إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام، وكانت الوفود إذا أتت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تشعر في أذهانها أنها سوف تتكلم مع رسول الله ونبي الله، وصفوة الله من خلقه، فتهيئ ثمانية، والعجيب أنهم اختلفوا في عددهم، قالوا: أربعة عشر، أو ثمانية، أو أربعون، أورد ذلك ابن حجر. لبسوا وتهيئوا ومشوا من الأحساء حتى وصلوا إلى المدينة، نزلوا حول المدينة، فقال لهم أشج عبد القيس: انتظروا والبسوا وتطيبوا واغتسلوا ثم ادخلوا على الرسول عليه الصلاة والسلام. قالوا: لا، ندخل عليه الآن، فأتى بقية الوفد، ومكث أشج عبد القيس وحده، أما الوفد فدخلوا بغبار وشعثاء السفر، وأما أشج عبد القيس فخرج إلى نخل هناك فاغتسل، ثم لبس ثيابه، وتعمم، وتطيب، ثم أخذ عصاه بيده -ذكي متأنٍ متأمل- ثم أتى ودخل المسجد والرسول عليه الصلاة والسلام جالس مع الناس، والوفد قد سبقوه، فأخذ يلمحه صلى الله عليه وسلم خطوة خطوة، فتقدم الأشج فجلس، فالتفت إليهم صلى الله عليه وسلم وقال: {من الوفد؟} الوفود كثيرة، والمدينة أصبحت في حالة استنفار للوفود، فهو عام الوفود، وفد يستقبل ووفد يودع ووفد يأتي، ووفد يذهب، قال: {من الوفد؟ قالوا: نحن من قبائل ربيعة} وفي ذلك دروس:- أولاً: أن يسأل الضيف من هو، يأتيك ضيف يمكث عندك ثلاثة أيام لاتعرف اسمه، تقول له فقط: يا أخي! يا فلان! لا. بل تسأله. ثانياً: محادثة الضيف، فإنه أُنس له، وتطييب لقلبه، ولذلك إذا انقبض الإنسان عند ضيفه مات الضيف، وانكسرت عواطفه. ثالثا: أن يُخبر الإنسان عن نسبه، فإذا قيل له: من فلان؟ قال: مؤمن من المؤمنين، نحن ندري، لكن من أي قبيلة؟ قالوا: من ربيعة، قال: {مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامَى}. ثم التفت إلى الأشج وقال: {إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة} وتبين فيه صلى الله عليه وسلم أنه أتى بهدوء لابساً متجملاً، ثم جلس، ثم سأل سؤال العاقل قال: {إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة، قال: يارسول الله! هل جبلني الله عليهما أم خُلق تخلقت بهما؟ قال: بل جبلك الله عليهما، قال: الحمد لله الذي جبلني على خلق يحبه الله ورسوله}. ثم قال صلى الله عليه وسلم: {آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن تقيموا الصلاة، وتؤدوا خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن الدُباء والنقير} وفي لفظ: {النقير والمزفت} ثم قال: {احفظوها وأخبروا بها من وراءكم} قال: أحدهم من كبارهم: ما أدراك ما النُقَيِر؟ وفي لفظ النَقِير الذي يُنقر من جذع الشجرة ويوضع فيه التمر والشعير فيصبح خمراً، والمزفت: الجرار الخضر، تطلى بالقطران، ويوضع فيها الشعير والتمر ثم تصبح خمراً، قالوا: {وما أدراك بها يا رسول الله؟! قال: بل تنقرون جذوع النخل أو جذوع الشجر، وتضعون فيه التمر والماء، ثم يشرب أحدكم، فربما عدا على ابن أخيه بالسيف فضربه، قال: وفينا رجل عدا عليه ابن أخيه بالسيف فضربه في رأسه، فأخذ هذا الرجل يخفي الضربة في رأسه بالعمامة} هذا وفد عبد القيس واستقبالهم في المدينة وكانوا من أحسن الوفود. وعلى موجز الوفود أذكر بعض الوفود: وفد بني حنيفة، وهم جماعة مسيلمة، وقد انقسموا إلى قسمين: قسم جلس مع مسيلمة ولم يأت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: {أما إن شركم الذي جلس} يعني مسيلمة، فأتى إليه صلى الله عليه وسلم، فقال: {والذي نفسي بيده لو سألتني بهذا السوط لما أعطيتك، ولئن خرجت ليفضحنك الله، أو لينتقمن الله منك} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ووفد الجنوب، ورد في رواية ضعيفة، لكن نقويه، لأنه جنوبيٌ، هم وفدوا سبعة أو ثمانية بخمسة عشر خصلة، فكانوا من أحسن الوفود، والقصة طويلة. ووفد غامد، أتوا بعياب، أهل تجارة، فأنزلوا عيبتهم فسرقها رجل، فسألهم صلى الله عليه وسلم لما أتوا: {من تركتم عند عيبتكم؟ قالوا: تركنا فلاناً، قال: أما إنها سرقت عليكم} أخبره الذي يعلم السر وأخفى، فعادوا فوجدوها سرقت، فرجعوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فشهدوا أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بحثوا فوجدوها حيث دلهم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، والوفود كثيرة، لكن على كل حال هذا وفد عبد القيس من أحسن الوفود.

أبو هريرة يتحاور مع الشيطان مباشرة

أبو هريرة يتحاور مع الشيطان مباشرة الحديث مشهور لكن فيه أخطاء، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجمع الحب والتمر والرطب الذي يأتي من الصدقة، في حوش -جرين- ويجعل عليه حارساً، فجعل أبا هريرة يحرس هذا المال، قال أبو هريرة: {فأتيت أول ليلة، أحرس في ضوء القمر، فأتى شيخ كبير} والشيطان عليه لعنة الله يتقلد ويتمثل بصورة شيخ كبير وهزيل، أقبل على عصا ومعه كيس، فتكلم مع أبي هريرة وقال: {أريد من مال الله، أنا ذو عيال، وأنا شيخ} وفي لفظ للبخاري: {أنه حثا هو} أتى أبو هريرة وهو يحثو من التمر ويضعه في الكيس، فقبضه أبو هريرة وقال: {والله لأرفعنك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: اتركني، وشكا العيال والحاجة} -لا أغناه الله- فأطلقه، وفي الليلة الثانية أتى -كذاب- فأخذ يحثو من التمر، فقبضه ثم تركه، وفي الليلة الثالثة: قال أبو هريرة: {والله لأرفعنك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: يا أبا هريرة! أخبرك بشيء إذا قلته في ليلة لا يقربك شيطان، قال: ما هي؟ قال: آية الكرسي: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]} سبحان الله! فأخذها أبو هريرة وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: {يا رسول الله! أتاني رجل كيت وكيت، فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: أتدري من تكلم منذ ثلاث يا أبا هريرة؟ قال: لا، قال: ذاك الشيطان} وفي الليلة الأولى قال: {أما إنه كذبك وسوف يعود} وفي الليلة الثالثة قال: {أما إنه صدقك وهو كذوب} صدقك مرة ولكن كل مرة كذوب إلا هذه المرة.

من فوائد القصة

من فوائد القصة وفي الحديث قضايا: - أولها: أن المسلم لا يأنف من الفائدة، والحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنَّى وجدها، يأخذها من كافر أو روسي، أو شيوعي، إذا كانت مفيدة، لأن الشيطان علَّم أبا هريرة آية الكرسي، فما قال: لا آخذها لأنها من الشيطان. ثانيها: أن الشيطان يتمثل بما يمثله الله فيه. ثالثها: في القصة فضل آية الكرسي، وأنها تقال عند النوم، وأن من قالها لا يقربه شيطان بإذن الله، هذا في قصة أبي هريرة وهو يكلم الشيطان، وقد سبق في درس ماض: (حوار ساخن بين الشيطان وأبي هريرة). رابعها: كان أبو هريرة رضي الله عنه يتولى كثيراً من المهمات، وكان فيه دعابة، كان يأتي إلى أطفال المدينة، كما ذكر صاحب: (دفاع عن أبي هريرة) وهم يلعبون في الليل، فينطرح بينهم، فإذا اقتربوا منه تحرك فخافوا، تولى الإمرة فأخذ حزمة من حطب فنزل السوق ليتواضع، وقال: [[افتحوا للأمير طريقاً]]. كان يقدم لضيفه مرقة من مرق البر، وليس مرق لحم، ثم يقول: اترك اللحم لي، وليس هناك لحم، ولذلك دعابته حببته إلى القلوب، وما نفرت عنه الأنفس، رضي الله عنه وأرضاه، ومع ذلك فهو من أحفظ الناس على مر التاريخ.

حوار بين أبي بكر وعمر في قتال المرتدين

حوار بين أبي بكر وعمر في قتال المرتدين مات عليه الصلاة والسلام فانقسم الناس إلى مؤمنين صادقين، وإلى منكرين للزكاة، وإلى مرتدين عن الإسلام. المرتدون بالإجماع يقتلون، أما مانع الزكاة فاختلف الصحابة، وقف أبو بكر على المنبر، فحلف وأقسم ليقاتلن مانع الزكاة، فقام عمر في المسجد، وقال: يا أبا بكر! كيف تقاتل الناس وقد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم} كيف يكون؟ الآن حوار في صلاة الجمعة، وقيل: بعد الصلاة بين الشيخين العظيمين الجليلين، الصديق والفاروق في مناظرة والناس ساكتون، وفي الناس علماء، وشهداء، وصادقون وبررة، ولكن سكتوا لأن هذه المسألة مدلهمة ومعضلة، أبو بكر يقول: نقاتلهم، وعمر يحتج عليه بالحديث ويقول: لا تقاتلهم، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وقد منعوا الزكاة، والرسول صلى الله عليه وسلم ما ذكر الزكاة، لكن سوف يأتي الخبر، فرفع أبو بكر صوته وقال: [[والله الذي لا إله إلا هو لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والذي نفسي بيده، لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه بالسيف]] فأجمع الصحابة مع أبي بكر، قال عمر: [[فلما رأيت الله شرح صدر أبي بكر لقتالهم سكتُّ]] أبو بكر مسدد، أبو بكر رجل يلهمه الله، أبو بكر أفضل من جميع الجالسين في المسجد، هو في كفة وهم في كفة، قال ابن حجر: لماذا لم يستدل أبو بكر على عمر بحديث في الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله} أليس هذا صريحاً في إثبات كلامه؟ وهو دليل في الصحيحين، لكن أبو بكر ترك هذا وذهب إلى القياس. ولماذا عمر لم يتذكر هذا الحديث، لا أبو بكر تذكره ولا عمر تذكره، وإنما أتى هذا الحديث في الصحيحين؟ و A نسي أبو بكر الحديث ونسي عمر، ولا يلزم من المجتهد أن يحفظ كل دليل في المسألة. والجواب الثاني: قالوا: ما نسيا، لكن ما سمعا بالحديث أصلاً وهو من رواية ابن عمر، فلم يسمع به أبو بكر ولا عمر، وإنما سمع به ابن عمر، فالسؤال الثاني: لماذا لم يتكلم ابن عمر وهو حاضر في المسجد؟ لماذا ما فض هذا النزاع والجدال؟ A قيل: ربما كان يتذكر لكنه استحى، تلاطم بحران في المسجد وابن عمر شاب، أبو بكر صدِّيق الإسلام، وعمر فاروق الإسلام، وهل يتدخل بينهم ومشايخ الصحابة سكوت؟ هذا جواب. وقيل: ربما نسي، ثم رواه فيما بعد الله أعلم، إنما وقعت هذه المسألة، وكان الحق مع أبي بكر، وهو مصداق لهذا الحديث، فقاتل المتمردين وفي الحديث مسائل: أولها: جلالة أبي بكر الصديق. الأمر الثاني: المجتهد قد يخفى عليه بعض الأمور ولا يلزم العالم أن يحفظ كل جزئية. الأمر الثالث: الحكم شورى، ومن كان بين الناس وعنده كلمة فليتحدث بها، يقول عمر على المنبر: [[يا أيها الناس! أرأيتم لو رأيتموني -وهو خليفة- ملت عن الطريق هكذا، فما أنتم صانعون]] فاستحيا الصحابة، ماذا يقولون؟ عمر يقول: أرأيتم لو ملت عن الطريق هكذا، اعوججت، أو أخربت في السياسة، أو في الطريق ماذا تصنعون؟ فقام أعرابي عند السارية، فسل سيفة أمام الناس، وقال: [[يا أمير المؤمنين! والذي لا إله إلا هو لو رأيناك ملت عن الطريق هكذا لقلنا بالسيوف هكذا، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في رعيتي من لو ملت عن الطريق هكذا لقال بالسيف هكذا]]. وصح في السير أن سلمان كان جالساً مع المسلمين وعمر يخطب، فقال: عمر بعد أن حمد الله وأثنى عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى: [[يا أيها الناس: اسمعوا وعوا. قال سلمان، وقد قام: والله لا نسمع ولا نعي]] مع من يتكلم؟ يتكلم مع عمر، كان عمر يقول في أول الخطبة وهو يبكي: اللهم إني بخيل فسخني لأوليائك، اللهم إني قوي فاعطف بي على أوليائك، ولو كان من أهل الدنيا أو من أهل الباطل لقصم عمر ظهره، لكن في حق [[قال سلمان: والله لا نسمع ولا نعي، قال عمر: لِمَ يا سلمان؟]] سلمان الفارسي {سلمان منا آل البيت} الذي إذا افتخر بنسبه قال: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم [[لِمَ يا سلمان؟ لِمَ لاتسمع لي؟ ألست خليفة؟ قال: تكتسي ثوبين وتكسونا من ثوب ثوب وقف عمر على المنبر وعليه ثوبان، أتت الثياب من اليمن فأعطى كل مسلم ثوباً، قال عمر: لا يجيبك إلا ابني عبد الله، فقام عبد الله بن عمر وقال: إن أبي رجل طويل -طويل الجسم- وإنه أعطاني ثوباً مع المسلمين وأخذ ثوباً فأعطيته ثوبي إلى ثوبه، قال سلمان: الآن قل نسمع وَأْمُر نطع]] فاندفع عمر يتحدث هذا أمر المسائلة والمناقشة التي على رءوس الأشهاد. 1/ وفيه: أن القياس يؤخذ به إذا خفي النص، وقد أخذ به أبو بكر. 2/ وفيه: أن الله شرح صدر أبي بكر لقتال المرتدين. 3/ وفيه: أن من ترك الزكاة أو منعها قوتل. 4/ وفيه: أن من ترك بعض الفرائض وجحدها كفر، فليعلم هذا.

الرسول يعاتب أبا ذر الغفاري

الرسول يعاتب أبا ذر الغفاري اجتمع الصحابة في غزوة من الغزوات، ولم يكن معهم الرسول عليه الصلاة والسلام، فجلس خالد بن الوليد، وجلس ابن عوف وبلال وأبو ذر، وكان أبو ذر فيه حدة، لا يصبر ويندفع بسرعة، فتكلم أبو ذر بكلمة اقتراح، يقول: أنا أقترح في الجيش أن يفعل به كذا وكذا، فقال بلال: لا. خطأ هذا الاقتراح؟ فقال: حتى أنت يا ابن السوداء تخطئني -لا إله إلا الله- أين أنت في مجتمع غفار؟ أليس مجتمع القرآن والسنة هذا؟ قام بلال مدهوشاً مرعوباً غضباناً أسفاً وقال: والله لأرفعنك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أكبر هيئة، ومن هو بلال؟ روح الإسلام، ومنادي السماء. فاستفاقت على أذان جديد ملء آذانها أذان بلال بلال الصوت الحبيب إلى القلوب بلال الذي سُحب على الرمل، وهو يقول: أحد أحد. وصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! أما سمعت أبا ذر ما يقول فيّ؟ يقول فيّ: كيت وكيت! فتغيظ عليه الصلاة والسلام، وأتى أبو ذر فسمع بالخبر، فاندفع مسرعاً إلى المسجد، فقال: يا رسول الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فغضب عليه الصلاة والسلام حتى قيل: ما ندري هل رد أم لا؟ وقال: {يا أبا ذر! أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية} هذه كأنها صاعقة على أبي ذر، فبكى أبو ذر وأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم جلس، وقال: يارسول الله! استغفر لي، سل الله لي المغفرة، وفي الأخير أتى عليه الصلاة والسلام فجلس واستدعى بلالاً وطلب منه أن يسامح أبا ذر، أما أبو ذر فخرج من المسجد باكياً. إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم ذهب فطرح رأسه في طريق بلال، وأقبل بلال العبد، ماكانت تقيم الجاهليةُ له قيمةً، التمييز العنصري الذي سحقه الإسلام، بلال سيدنا، يقول عمر: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]] أتى أبو ذر فطرح خده على التراب مباشرة، وقال: [[والله يا بلال! لا أرفعه حتى تطأه برجلك، وأنت الكريم وأنا المهان]]. رفع الله منزلتك يا أبا ذر! إلى هذا الحد تأديب الإسلام. وحياة القرآن! {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. أتى بلال فأخذ يبكي من هذا الموقف! من الذي يستطيع أن يقف هذا الموقف ولا ينصدع قلبه؟! إن بعضنا يسيئ إلى البعض عشرات المرات، ولا يقول: عفواً يا أخي أو سامحني. إن بعضنا يجرح بعضاً جرحاً عظيماً في عقيدته ومبادئه وأغلى شيء في حياته، ولا يقول: سامحني إن البعض قد يتعدى بيده على زميله وأخيه ولا يقول: عفواً يا أخي. لكنه قال: والله لا أرفع خدي حتى تطأه بقدمك، فبكى بلال واقترب فقبل خده ذاك الخد ما يصلح للقدم يصلح للقُبلة، ذاك الخد أكرم عند الله من أن يوضع عليه القدم، ثم قاما وتعانقا وتباكيا. إذا اقتتلت يوماً وفاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها هذه حياتهم يوم تعاملوا مع الإسلام: {أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية} ليس عندنا معامل ألوان، ولا أبيض ولا أحمر ولا أسود، أو من آل فلان، أو من آل فلان، عندنا تقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. ولذلك إذا رأيت الإنسان يتمدح بآبائه وأجداده وهو صفر، فاعرف أنه لا قيمة له عند الله. إذا فخرت بآباء لهم شرف نعم صدقت ولكن بئس ما ولدوا طرق طارق على عمر، فقال: [[من الطارق؟ قال: أنا الكريم بن الكريم بن الكريم أتدرون من هو هذا الرجل؟ إنه عيينة بن حصن بن بدر]] وقد صدق، فإن بني بدر أسرة من أكبر الأسر في العرب، حتى حاتم الطائي على كرمه يمدحهم، ويقول: هم أكرم مني، تخاصم حاتم وامرأته فقال: إن كنت كارهة معيشتنا هاتي فحلي في بني بدر الضاربون بكل معترك والطاعنون وخيلهم تجري فأسرة بني بدر من أعظم الأسر، فأتى هذا لكنه ارتد وعاد إلى الإسلام فحسن إسلامه. قال عمر: [[بل أنت الأخس بن الأخس بن الأخس، الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -ودخل الرجل وليته سكت- فلما جلس قال: هيه يا عمر! ماتحكم فينا بالعدل، ولا تعطينا الجزل، فقفز عمر إلى الدرة، يريد أن يؤدبه، وأن يضربه ضرباً مبرحاً، حتى ما يدري أين القبلة، فقام الحر بن قيس وهو فتى من جماعة عيينة يحفظ القرآن، وقال: يا أمير المؤمنين! إن الله يقول: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] وهذا جاهل فاتركه، وكان عمر وقافاً عند حدود الله، فقال: والله ما تعداها ولا تجاوزها، فأسقط العصا وجلس]] وهكذا كان تعاملهم مع القرآن. وفيها دروس:- الاعتذار من الأخ إذا أسأت إليه الهدية، والبسمة الحانية، والمعانقة، وألا تحمل ضغينة على أخيك، نحن وإياكم نشجب كل هذا العداء والمريرة بين الأحبة، والتفلت على أوامر الله، والضغينة من أجل أمور نسبية يختلف فيها الناس، وقد تختلف فيها وجهات النظر ألا إن من يفعل ذلك أو يحمل على أخيه المسلم فقد أساء وظلم.

موقفين عظيمين لأبي بن كعب

موقفين عظيمين لأبي بن كعب أبي بن كعب في موقفين عظيمين كان أُبي أبيض الجسم، واللحية، والنبراس، والقلب، والمصحف: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35] أصابته الحمى ثلاثين سنة، فقال: يا رسول الله! أيخفف عنا بما نصاب به؟ قال عليه الصلاة والسلام: {إي والذي نفسي بيده، يا أبا المنذر! لا تصاب بمرض أو همٍّ أو غمٍّ إلا كانت كفارة، أو حط الله بها من سيئاتك} فراح إلى بيته وسأل الله حمى لا تعطله عن صلاة ولا جهاد ولا عمرة، ولا غزوة، فأصابته الحمى حتى يقولون: لا يقترب منه إنسان إلا وجد منه حرارة، رضي الله عنك يا سيد القراء. قال الذهبي في السير: أكسبته الحمى شرارة، لذلك ما كان يوقف عمر إذا تكلم إلا أبي، كل الصحابة يحجمون إلا أبي.

سماع أبي لسورة البينة بأمر الله

سماع أُبي لسورة البينة بأمر الله الموقف الأول: سورة البينة، أتى بها جبريل من عند الله عز وجل: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة:1] فتلاها فأنهاها، فقال جبريل: يا رسول الله! إن الله يأمرك أن تقرأ هذه السورة على أبي بن كعب، فقام عليه الصلاة والسلام وطرق على أبي بابه وحلَّ عليه ضيفاً، وهو أعظم ضيف في التاريخ، وقال: {إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة. فقال: وسماني في الملأ الأعلى -أي: سماني عند الملائكة باسمي أبي بن كعب - قال: نعم سماك، فبكى أبي} فجلس عليه الصلاة والسلام عند أبي. يقرأ عليه البينة حتى ختمها. ولذلك يسأل أهل الحديث بطرافة يقولون: من هو شيخ الرسول عليه الصلاة والسلام في القراءة في بعض السور؟! قالوا: أبي بن كعب. حياك الله يا أبي! ورفع الله منزلتك، وأكرمك الله يا سيد القراء. الرسول صلى الله عليه وسلم تجاوز آية في الصلاة، فما رد عليه الناس، فلما سلم قال أحد الصحابة: يا رسول الله! إنك تجاوزت آية في الصلاة، أنسيتها أم نسخت؟ فترك صلى الله عليه وسلم الناس جميعاً، وقال: {يا أبا المنذر! أكما يقول الناس؟ قال: نعم} أعطى القوس باريها {أقرؤكم أبي}.

معرفة أبي لأعظم آية في كتاب الله

معرفة أبي لأعظم آية في كتاب الله والموقف الثاني: يأتي عليه الصلاة والسلام، فيقول: {يا أبا المنذر! أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] فأخذ صلى الله عليه وسلم كفه وضرب في صدر أبي وقال: ليهنك العلم أبا المنذر}. علم خالص، ليهنك الذكاء والفطنة في كتاب الله، هو سيد القراء، ونحبه كثيراً، يقول أحد أهل العراق: وفدت المدينة، فإذا عمر جالس في مجمع من الناس من الصحابة وحوله شيخ أبيض اللحية والرأس والثياب والجسم، وكان عمر إذا تكلم نظر إليه وهابه، فقلت يا أمير المؤمنين! من هذا الرجل؟ قال: ثكلتك أمك أما عرفته؟! هذا سيد المسلمين أبي بن كعب. رفع الله منزلته، وجمعنا به في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

أبو محذورة المؤذن في يوم ميلاده

أبو محذورة المؤذن في يوم ميلاده يقول مجنون ليلى: أما ورب الكعبة المعمورة والنغمات من أبي محذورة وما تلا محمد من سورة لأفعلن فعلة مشكورة ما أحسن الأبيات! كان أبو محذورة من أحسن الناس صوتاً، خرج من مكة والرسول صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة يريد الغزو، وأبو محذورة عنده غنم وهو شاب مشرك، ومعه صبية من المشركين، وأطفال من كفار قريش، فنزل صلى الله عليه وسلم في واد ونزل أبو محذورة وزملاؤه، في واد ثان، فأتت صلاة الظهر فقام بلال يؤذن لصلاة الظهر، فقام أبو محذورة يستهزئ بأذان بلال وراء الجبل، يؤذن بلال ويقول: الله أكبر، فيقول أبو محذورة: الله أكبر، وهو مشرك يؤذن في الغنم، بلال يؤذن في المسلمين وذاك يؤذن في غنمه، ما اهتدى للإسلام. والرسول صلى الله عليه وسلم عنده اثنان للطوارئ دائماً، وللأمور المستعجلة، علي والزبير، دائماً على فرسين، السيف يقطر دماً في خدمة لا إله إلا الله قال: {يا علي! يا زبير! علي بهما، فانطلقا من وراء الجبل وطوقوهم، وقالا: إلى الرسول عليه الصلاة والسلام}. ولذلك أكثر من ست قضايا وعلي والزبير ينتدبان لها، فذهبوا فوقفوا أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: {من أذَّن منكم آنفاً؟ فخجلوا، فأذنوا بالدور، فأذن الأول وإذا صوته ليس الصوت الجميل ذاك، وأذن الثاني والثالث فإذا هو أبو محذورة، فقال له: أنت من أذَّن آنفاً؟ قال: نعم، فأتى صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة فخلع عمامة أبي محذورة ثم قال: اللهم بارك فيه واهده إلى الإسلام، فقال أبو محذورة أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: اذهب مؤذناً في أهل مكة} فذهب يؤذن، قال أبو محذورة من حب الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه مرر يده على رأسه: [[والله لا أحلق هذا الشعر حتى أموت]] شعر مسه ذاك الكف، والله لا أحلقه حتى أموت، فوصل شعره إلى نصف جسمه، ولذلك كان يرده جذائل. وأصل قصة أبي محذورة عند أحمد وغيره من أهل العلم. ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا عليك السلام يا رسول الله! ورضي الله عنك يا أبا محذورة! عاد مؤذناً، وهي وظيفة شرعية بقيت في ذريته إلى ما يقارب ثلاثمائة سنة. ولذلك من أبنائه رجل أظنه حفيده، وقد ذكرها أهل العلم كـ التونسي لما ترجم للإمام مالك؛ أذن في مكة فسمع رجلاً ينشد في البيت حوله -وهو على المأذنة- بيتاً لـ مجنون ليلى يوم يقول: صغيران نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم فأراد أن يقول: حي على الفلاح، فقال: حي على البهم. أبو محذورة في حياته دروس: أولاً: الهداية من الله. الأمر الثاني: جمال الصوت. الأمر الثالث: بركة الرسول عليه الصلاة والسلام وبركة تلك الكف. الأمر الرابع: يُتبرك بآثاره عليه الصلاة والسلام، وليس ذلك لأحد غيره. هذه حفظكم الله محاضرة بعنوان: (من أخبار السلف) عشناها مع ذاكم الجيل، ونسأل الله أن يعيننا على المواصلة في مثل هذه الأخبار، لنواصل الاستنباط من تلكم الأخبار.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الجمعيات بين الموظفين

حكم الجمعيات بين الموظفين Q ما حكم أن يتفق عدد من الموظفين ويعملون في الغالب في جهة واحدة، مدرسة أو دائرة أو غير ذلك، على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً من المال مساوياً في العدد لما يدفعه الآخرون، وذلك عند نهاية كل شهر، ثم يُدفع المبلغ كله لواحد منهم، وفي الشهر الثاني يدفع لآخر، وهكذا حتى يتسلم كل واحد منهم مثلما تسلمه من قبله سواء بسواء دون زيادة أو نقص، قال: ولم يظهر المجلس بالأكثرية ما يمنع هذا النوع من التعديل، ولأن المنفعة التي تحصل للمقرض لا تنقص المقترض شيئاً من ماله وإنما يحصل المقترض على منفعة مساوية لها، ولأن فيه مصلحة لهم جميعاً من غير ضرر على أي أحد منهم، أو زيادة نفع الآخرين، والشرع المطهر لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها على أحد بل ورد بمشروعيتها وبالله التوفيق. A يجوز ذلك، هذا آخر ما يقال، إن شاء الله ما تسمعوا مرة ثانية غيره، جواز الجمعيات التعاونية التي سمعتم نصها في هذا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

نصف ساعة مع رسول الله

نصف ساعة مع رسول الله إن القلم ليتعثر، وإن الصوت لينقطع، إذا أراد الإنسان أن يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الدرس استعراض لجانب واحد من حياته صلى الله عليه وسلم، وهو تواضعه صلى الله عليه وسلم، والأنحية الفياضة التي كان يعيشها مع الطفل والشاب والمرأة والشيخ والعجوز، ومع الجواري والغلمان، وكراهيته صلى الله عليه وسلم للغلو في المدح والإطراء، ولقد جسد بذلك العظمة الحقيقية التي يصغر أمامها جميع العظماء، وقد شهد بذلك الأعداء قبل الأصدقاء.

تواضعه صلى الله عليه وسلم

تواضعه صلى الله عليه وسلم الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير. الحمد لله الذي رفع السماء بلا عمد، وبسط الأرض في أحسن مدد، وخلق الإنسان في كبد، والصلاة والسلام على خير الأولياء، وسيد الأصفياء، وإمام الصالحين والشهداء. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها الناس: إنني أريد أن أتحدث عن جانب من عظمته صلى الله عليه وسلم، ووالله إن القلم ليتعثر، وإن الصوت لينقطع، وإن الكلام لينتهي في عظمته صلى الله عليه وسلم. إنني لا أتحدث عن عظيم، بل أعظم عظيم، ولا عن مصلح فحسب، بل عن أعظم مصلح في الأرض، ولا عن مُرَبٍّ فقط، بل عن أجَلِّ مُرَبٍّ في المعمورة الذي قال الله فيه: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:1 - 6]. يا أيها الجيل! يا طلبة العلم! يا أيها المسلمون! إن عظيمنا وقائدنا هو ذاك الرسول المدفون في طيبة، وكأني بـ محمد إقبال يوم قال في مقطوعته المترجمة إلى العربية التي ترجمها أبو الحسن الندوي، يقول: يا رسول الله!! ملأتُ أنفي بتراب مدينتكَ فأخرجتُ من قلبي حبَّ الحضارة الغربية فخرجت من نارها كما خرج الخليل إبراهيم من نار النمرود تعال يا من حاله في وبال ونفسه محبوسة في عقال يا راقداً لم يستفق عندما أذن في صبح المعالي بلال يا مشتري الحصباء من جهله بالدر هذا في المعالي محال روض النبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال ميراثه فينا جميل الحلى وأنتم أبناؤه يا رجال

جانب التواضع في حياته صلى الله عليه وسلم

جانب التواضع في حياته صلى الله عليه وسلم من أين نبدأ؟ وإلى أين ننتهي في ذكر سيرته؟ يعجز الأدباء، ويسكت الشعراء، ويتحير المؤرخون، ويتلعثم المصنفون في عظمته صلى الله عليه وسلم؛ لكن في جانب واحد، وفي زهرة من روضته، نتحدث في هذا اليوم في جانب التواضع من حياته صلى الله عليه وسلم. أليس هو قرآن يمشي على الأرض؟ أما قال الله له: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215]؟ أما امتدحه الله من فوق سبع سماوات، فقال له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]؟ أما أثنى عليه، وقال له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. سهر العيون لغير دينك باطل ورضا النفوس بغير شرعك ضائع والرسول - عليه الصلاة والسلام - أكبر من تواضع لله؛ لأنه عرف عظمة الله. جاءه ملِك من ملوك العرب - وقد صح هذا الحديث - فأتى الملك، ودلف إلى مكة؛ ليرى هذا الإنسان الذي غيّر العالم، فلما رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم أخذ هذا الملك ترتعد فرائصه، ويهتز، ويتزلزل في مكانه؛ لأنه رأى هالة العظمة، رأى سيماء التوفيق، وشارة المجد تلوح على محياه صلى الله عليه وسلم فيهدئ من روعه صلى الله عليه وسلم، ويهدئ من خوفه، ويقول له: {هون عليك، إني ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة} والقديد: هو اللحم المشوي إذا مُلِحَ وعُلِّقَ. نعم، إنك ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة؛ لكنك حولت العالم. إنك ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة؛ لكنك أعظم من طرق باب الإنسانية. إنك ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة؛ لكنك قدت العالم إلى بر النجاة، وإلى شاطئ السلامة. إنك ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة؛ ولكنك أخرجت الإنسان وشرفته وطهرته وعظمته. إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها

الأريحية الفياضة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم

الأريحية الفياضة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول عليه الصلاة والسلام: {لو دُعيت إلى كراع لأجبتُ، ولو أهدي إلي ذراع لقبلتُ}. صلى الله عليك وسلم ما أعظمك! وما أجلك! كلما تواضعت شرُفت ونبُلت وعظُمت في العيون. نعم، لا يستنكف عليه الصلاة والسلام أن يجيب الدعوة، يذهب مع أصحابه، يسمع بالأعرابي يمرض فيزوره، وبالعجوز تصيبها الحمى فيزورها، وبالطفل يدهدهه فيمازحه، وبالأعرابي يوقفه فيقف معه، وبالمرأة تسأله فيحيي ويسهل ويَحْلَم عليه الصلاة والسلام. تأخذه الجارية بيدها من منزله، وكأنه ليس مشغولاً بالعالم، وأحداث الأرض ومشاغل الدنيا تدار على كفه، فيخرج مع الجارية، ويذهب معها، وتريه صلى الله عليه وسلم حدثاً بسيطاً. يزور طفلاً في المدينة، مات طائر له فيريد عليه الصلاة والسلام من هذه الزيارة أن يربي للعالم معالم الحضارة التربوية بجانب الطفل. ويذهب إلى الطفل، ويقول: {يا أبا عمير، ما فعل النغير؟}. أي عظمة هذه؟ مرت به عجوز، وظنت أنها سوف ترى إنساناً في هالة، يحوطه الحرس، ويحميه الجنود، وتصفُّ المواكب بين يديه وخلفه، فرأت الإنسان الوقور الهادئ الحليم الكريم يجلس على التراب. تجلس على التراب وأنت من قدت القلوب إلى الواحد الوهاب؟! تجلس على التراب وأنت من سافرت بالأرواح إلى الفتاح العلام؟! تجلس على التراب وأنت دكدكت دولة البغي، دولة كسرى وقيصر، وأعلنت حقوق الإنسان, ورفعت علم (لا إله إلا الله) في سمرقند وطشقند، وفي أسبانيا، وعلى مشارف نهر اللوار؟! تجلس على التراب وأنت قدمت للعالم ألف عظيم وعظيم، وألف شاعر وشاعر، وألف عالم وعالم، وألف مؤرخ ومؤرخ؟! تجلس على التراب وأنت بنيت صروح العدالة، وبنيت مساجد الإسلام في كل البقاع، وذُبِح أصحابُك على مشارف دجلة والفرات والنيل؛ لتبقى (لا إله إلا الله)؟! فلما رأته هذه العجوز، قالت: {انظروا إليه يجلس كما يجلس العبد، ويأكل كما يأكل العبد، فيقول: نعم! وهل هناك أعبد مني؟}. انظر إلى الرد الجميل، وإلى الأريحية الفياضة، وإلى الخلق الفذ، إنها عظمة والله، كلما بحثت عن جوانبها دهشت إن كنت مسلماً، دخل حبه في قلبك وأثارت في نفسك معانٍ جياشة، وخواطر حارة، لا تحدثها أي ملحمة وملحمة. عجيب!! إنه عظيم في كل النواحي، وإن الذي لا يطرق قلبه حب هذا الرجل العظيم عليه الصلاة والسلام سوف يبقى ميتاً. يقول: {وهل هناك أعبد مني؟} عبدٌ؟! {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1] {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1] {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19]. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيَّرت أحمد لي نبيا

النهي عن الغلو في المدح والإطراء

النهي عن الغلو في المدح والإطراء يأتيه وفد بني عامر بن صعصعة من العراق، فكلهم يهيئ في نفسه مقالة مدح وإطراء، فيقفون أمامه، ويقول قائلهم يخاطب المصطفى صلى الله عليه وسلم: {أنت سيدنا وابن سيدنا، وعظمينا وابن عظيمنا، أفضلنا فضلاً، وأطولنا طولاً} وظنوا أن هذه البضاعة تباع في سوقه صلى الله عليه وسلم، هذه البضاعة لا تذهب عنده، هذه دراهم بُهْرُجٍ مزيفة، لا تنفع إلا عند الدجالين والأقزام، أما من أسَّس مجده على (لا إله إلا الله) وبنى حضارته على (الله أكبر) وأرسل ثقافته على (الحمد لله) فهذه البضاعة لا تذهب عنده، فقال: {مَهْ؟! -أي: ما هذا الكلام؟ ما هذا الدجل؟ ما هذا السَّفَه- مَهْ؟! يا أيها الناس قولوا بقولكم، أو ببعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله}. نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكمُ حضرته سكرات الموت، فيتواضع حتى في سكرات الموت، يقول: {لا إله إلا الله، اللهم هون عليّ سكرات الموت، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعْبَد، اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعْبَد، اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعْبَد}. وسيماء التواضع ظهرت عليه، إنسانٌ يغير العالم، ويحدث حدثاً باهراً في المعمورة، لا يشبع ثلاثة أيام متوالية من خبز الشعير، يلبس المرقع، وأمته تجبي كنوز كسرى وقيصر، يجلس على التراب، وقواده يسكنون في القصور، ووُرَّاثه يفتحون المدائن والدور، والحبور والسرور. يجلس مع الجارية، ويحمل البنت على كتفه في الصلاة، ويأخذ الطفل من أمه ويضعه في حجره، ويمسح على رءوس الأيتام وهو يبكي، وصح في أحاديث أنه يحلب الشاة، ويخسف النعل، ويرقع الثوب، ويكنس البيت، ويقطع اللحم مع أهله.

العظمة الحقيقية

العظمة الحقيقية هذه هي العظمة، العظمة من قوة، من مركزية هائلة، ليست العظمة التي يبحث عنها وهو على التراب، إنسانٌ فقير معدم مسكين ويتواضع، هذا شيء طيب؛ ولكن إنسانٌ من أعظم الناس، ومن أشجع الناس، ومن أجل الناس ويتواضع، هذا عظيم وأيُّ عظيم نعم، سيّر الحب في القلوب فأحيا به الأرواح. ووالله الذي لا إله إلا هو إن من أعظم الظلم أن يوضع في بيوتنا وفصولنا وجامعاتنا ومدارسنا عظماء وهم حقراء. هل هتلر عظيم؟ وهو قاتل الإنسان، شارب دم الإنسان! هل نابليون عظيم؟ وهو متهتك الحرمات، الفاجر في المحرمات، ماركس الكلب اللعين! يُدَرَّسون، وتُوَرَّد حضارتهم للأنسان، وأين أعظم عظيم؟ يقول محمد إقبال في مقطوعته (فاتح مكة): يا رسول الله، انصب خيامك في الصحراء وخذ أطنابك من قلوبنا وابْنِ مجدَك على جماجمنا ويقول: يا رسول الله، معذرةً! أنا هندي تعاطفتُ مع دعوتكَ لأن العرب خانوا دعوتكَ {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89]. كَفَر بها أبو جهل، وألفُ ألفٍ من أمثال أبي جهل، فأتى سلمانُ يقول: آمنتُ بالله. وكفر بها أبو لهب، فأتى بلالٌ يقول: آمنتُ بالله. وكفر أمية بن خلف، فأتى صهيبٌ من بلاد الروم يقول: آمنتُ بالله. نعم. وخذ أطنابك من قلوبنا وابْنِ مجدَك على جماجمنا أي عظمة؟ وأي تواضع؟ وأي سيما؟ إن من يتحدث عنه صلى الله عليه وسلم ليَعْجَز؛ ولكن أُطالب نفسي وإياكم أن تقرءوا ترجمته وسيرته، خالصة ممزوجة بالحب، ليست ترجمة الوفيات، ولا التنقل والغزوات، ولكن ترجمة الحياة، والرَّوح، والياسمين، واليقظة، والإملاء العقلي والروحي الذي يصل إلى القلوب في القرآن، والسنة، والسيرة. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

شهادة الأعداء بعظمة الرسول صلى الله عليه وسلم

شهادة الأعداء بعظمة الرسول صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراًَ، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراًَ، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين. {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. إن بعض الناس ولو شعروا بالعظمة فيهم مركب نقص، يحتاجون إلى مدح وإطراء وتصفيق يكمل به الناقص، أما الرسول - عليه الصلاة والسلام - فقد اكتملت عظمته، والمادح فيه والساكت سيان. ومدحنا وإطراؤنا اليوم وذكرنا لا يرفع من قدره، لأنه قد بلغ منزلة أقرّ بها المؤمن والكافر، والمسلم والمعاند، والعارف والمنكر، أقر بعظمته الأعدء قبل الأصدقاء. أُلِّف كتاب في أمريكا، واجتمع له مفكرو الدنيا من يابانيين وصينيين وفرنسيين وإنجليز، فأخذوا مائة عظيم على تاريخ البشرية، من يوم خُلِقَ آدم إلى الآن، فكان العظيم الأول محمد عليه الصلاة والسلام، ولم يتدخل في هذا الاجتماع مسلم واحد؛ لكنها العظمةٌ التي بهرت الدنيا، وتكلمت على لسان التاريخ، وكُتِبَت على جبين الزمن، وأقر بذلك كل واحد إلا رجل واهن، أو رجل مفتر على الله، أو جاهل، عقله ودماغه كعقل ودماغ الحمار.

صور من تواضعه صلى الله عليه وسلم

صور من تواضعه صلى الله عليه وسلم والرسول عليه الصلاة والسلام في جانب العظمة له أسرار عجيبة، وفي جانب التواضع له أساليب غريبة. أرأيتم البسمة ما أرخصها! كيف تشرى بها القلوب؟ استخدمها في دعوته صلى الله عليه وسلم، ولقد وجدنا في زمن كانت البسمة من أغلى ما يباع في الأسواق، أصبحت غالية. أما هو صلى الله عليه وسلم فالبسمة عملة له، فسبى بها الأرواح، وقاد بها النفوس إلى الحي القيوم. يأتيه أعدى الأعداء، فيتبسم صلى الله عليه وسلم في وجهه، فيهتدي بإذن الله. يقول جرير بن عبد الله: {والله الذي لا إله إلا هو ما رآني صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي}. ويأتيه أرطبون العرب عمرو بن العاص مسلماً لأول وهلة، فيتبسم في وجهه، فيظن أنه أحب الناس إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم. وفي الصحيحين من حديث أنس: أنّ أعرابياً جاء من البادية أعرابي وبدوي: جهل مركب فلما أتى نسي هذا الأعرابي في ذهنه أنه سوف يتكلم مع معلم الإنسانية وهادي البشرية، ومزعزع كيان الوثنية، أتى يطلب هذا الأعرابي شيئاً من الزبيب والتمر والحب، مطالب أهل التراب، ومقاصد أهل الأرض، ولا يدري أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - يُطْلَب من خزانته مفاتيح جنة عرضها السماوات والأرض، ومفاتيح روضة غناء في جوار الواحد الأحد يوم القيامة. ألا بَلَّغ اللهُ الحمى مَن يريدهُ وبَلَّغ أكناف الحمى مَن يريدها فأتى، فليته تأدب، لكن لم يترك الصلافة والجفا وقلة الأدب، هرع مهرولاًَ إلى معلم الخير، فجذبه ببردته، وهو بُرْدٌ غليظ نجراني، وحاشيته غليظة، فجذبه أمام الصحابة وأمام الناس، موقف محرج ومخجل ومثير للعواطف وجارح للشعور، ولو كان غيره صلى الله عليه وسلم لَمزَّق هذا الأعرابي تمزيقاً، وقطعه إرباً إرباً، وما تملحت عيناه برؤية الحياة مرة ثانية. سحبه أمام الناس حتى أثَّر البُرْد في عنقه واحمر عنقه الشريف، عنق المكرمات، عنق المجد، والصلاح والنجاة والتجديد، فالتفت صلى الله عليه وسلم إليه وهو يضحك، لم تغادره البسمة حتى في الساعات الحرجة. يضحك، فيقول أنس: [[ليته يوم أساء الفعل أحسن القول]] لكن (حَشَفاً وسوء كيلة) قال: يا محمد، والله يقول: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63] يا محمد هكذا؟ كلمة رخيصة؟ ليس عادياً، أمامك رسول، أمامك نبي، أمامك أعظم مصلح في الأرض. يا محمد، أعطني من مال الله الذي عندك، لا من مال أبيك، ولا من مال أمك، فيقوم الصحابة -انتهى الصبر- وفي أولهم: عمر - رضي الله عنه وأرضاه - ليخرج وساوس الشيطان من رأس هذا الأعرابي، والرسول - عليه الصلاة والسلام - يهدئ من روعهم ويجلسهم، ويقول: {اجلسوا رحمكم الله} أو كما قال، فيأخذ الأعرابي بهدوء وسكينة ولطافة ويشبك أصابعه بأصابعه، ويدخل معه في غرفة من غرفه، فيعطيه زبيباً وحباً وثياباً ومالاً، قال: {هل أحسنتُ إليك؟} قال: نعم، أحسنت - جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً - فيقول له صلى الله عليه وسلم: {اخرج إلى أصحابي، وقل لهم هذا القول، ليذهب ما في نفوسهم عليك} فيخرج إليهم، فيقول صلى الله عليه وسلم: {هل أحسنتُ إليك؟} قال: نعم، - جزاك الله من أهل وعشيرة خير الجزاء - ويذهب الأعرابي داعياً إلى قبيلته للإسلام فيدخلوا عن بكرة أبيهم في الإسلام. فيقول - عليه الصلاة والسلام - وهو يترجم هذه الحركات لأصحابه: {أتدرون ما مثلي ومثلكم ومثل هذا الأعرابي؟ قالوا: لا. قال: مثلنا كمثل رجل كانت له دابة فرت منه، فأخذ الناس يلاحقونها، فما زادت إلا فراراً، فقال: يا أيها الناس! اتركوا لي دابتي، أنا أبْصُر بها، فأخذ شيئاً من خضار الأرض وخشاش الأرض فأشار به إلى الدابة فأتت، فربطها واستسلمت وقيدها فلو تركتكم مع هذا الأعرابي لضربتموه أو قتلتموه ودخل النار، وما أسلم قومه، ولكن لاطفت به حتى أنقذه الله بي من النار، وأسلم قومه}. أي عظمة هذه العظمة؟ وأي تربية هذه التربية؟ وأي إدراك هذا الإدراك؟ معذور من أسكن قلبه حبك أيها العظيم، ومعذور من يتمنى أن يفديك بأهله وماله وولده ونفسه. نسأل الله - عز وجل - أن يعرفنا على ذاك الوجه الأجَل، وأن يجاور بيننا وبينه في الجنة، وأن يسقينا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبداً. عباد الله! وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد. اللهم أرنا وجهه العظيم في دار الكرامة والنعيم. اللهم املأ قلوبنا بحبه، وسلوكنا بسيرته، وأنفسنا بالاقتداء به، اللهم اجعله لنا معلماً وقائداً ومربياً وهادياً إلى الجنة يا رب العالمين. وارض اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور. اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك، في برك وبحرك يا رب العالمين. ربنا إننا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

مصارع العشاق (2)

مصارع العشاق (2) ينتقل الشيخ عائض حفظه الله في هذه الدرس المبارك في حديقة غناء، ليقتطف لنا أزهاراً من علامات وعقائد أهل السنة والجماعة، ذاكراً قصصاً رائعة لسلف هذه الأمة، فيها المواعظ والعبر والفوائد، وقد تناول هذا الدرس بأسلوب أخاذ، استرق به قلوب السامعين.

من علامات وعقائد أهل السنة

من علامات وعقائد أهل السنة الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أيها الإخوة الكرام: هذه الحلقة الثانية من محاضرة: مصارع العشاق. وهذا مساء السبت السادس والعشرين من شهر ذي الحجة لعام ألف وأربعمائة واثني عشرة هجرية. اللهم يا أرحم الراحمين، ويا أكرم المعطين، ويا كنف المستضعفين، ويا مؤمَّن الخائفين، نسألك رحمة منك لا تبقي بؤساً، وغنىً منك لا يبقي فقراً، ونصرة منك لا تبقي ذلة، وقوة منك لا تبقي ضعفاً. اللهم تب علينا توبة نصوحاً، وافتح علينا من فتوحاتك فتوحاً، اللهم جنبنا الزلل فلا نسقط، وألزمنا السداد فلا نغلط، اللهم سلمنا من النكبات، واحفظنا من العثرات. اللهم ثبت أقدامنا، وارفع أعلامنا، وسدد سهامنا. اللهم إنَّا نسألك الروح والريحان، والأمن والإيمان، والرضا والرضوان. اللهم من كادنا وكاد المسلمين فأرنا فيه العجائب، وزلزله بالمصائب، وامحقه بالنوائب. اللهم إنا نسألك لين الكلمة، وحسن الفعال، وصدق المقال. اللهم أذهب عنا الأهواء والأدواء، واللأواء والبأساء والضراء. اللهم ألبسنا حلالاً، وأطعمنا طيباً، واجعل عملنا صالحاً متقبلاً. اللهم ألف بين قلوبنا، ووحد بين شعوبنا، وأزل أسباب الفتن ووقود المحن. اللهم اجعل راية الحق عالية، وراية الباطل واهية، يا أرحم الراحمين. مواصلة لمصارع العشاق: انتماء أهل السنة إلى حزب الله، والعبد وما ملك لسيده، إذا قلت ما اسم أهل السنة، فقل: هم الذين ليس لهم اسم إلا أهل السنة، شيخ أهل السنة محمد عليه الصلاة والسلام، وبيوتهم المساجد، وكتبهم القرآن ودواوين السنة ماذا يريدون؟ يريدون وجهه سُبحَانَهُ وَتَعَالى مواعيد الدروس عند أهل السنة بالغدو والآصال. لهم علامات منها: حب الصحابة، فلا يلعنون الصحابة، ويلعنون من يلعن الصحابة، ولا يبغضون الصحابة، ويبغضون من يبغض الصحابة، ويترضون عنهم جميعاً، رضي الله عن الصحابة، {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]. ومن عقائدهم: عدم تكفير أهل الكبائر ما لم يستحلوها، وزيادة الإيمان ونقصانه، فالإيمان يزيد عندهم بالطاعة وينقص بالمعصية، والقدر عندهم خيره وشره من الله، والأعمال عندهم من الإيمان، والعبد له مشيئة تحت مشيئة الواحد الأحد: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30]. أهل السنة هم رواد الجنة: هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا ولا يستطيع الفاعلون فعالهم ولو حاولوا في النازلات وأجملوا

مقتل عمر

مقتل عمر طعن عمر فما قال: آه! خنجر أبي لؤلؤة مصنوع في الخارج، والمؤامرة محبوكة سقط في المحراب، وكفن بالثياب، وكسر الباب عمر عظيم لا يموت حتف أنفه، لا يموت إلا مذكى، حرمت عليكم الميتة: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:12]. يقول مالك بن الحداد المالكي: دفنت سعادة الإسلام في أكفان عمر. وصدق! فإن الإسلام لا زال جريحاً بعد جرح عمر، فالله المستعان!

حصانة حاطب في حضور بدر

حصانة حاطب في حضور بدر حاطب بن أبي بلتعة عنده حصانة في حضور بدر، أراد عمر أن يؤدبه بقطع الرأس، فقال لسان الحال: على أي أساس؟ قال أبو حفص: لقد خان الله ورسوله. فقال صاحب الشرع عليه الصلاة والسلام: {وما يدريك يا عمر! لعل الله نظر إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} فسالت دموع عمر، واكتشف الخبر، فمهما حدث، إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث. وفي دفتر الوحي: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16].

الحداثة والعلمانية

الحداثة والعلمانية قيل: أيهما أقرب إلى الإسلام الحداثة أم العلمانية؟ قيل: كان للعبادي حماران، فقيل: أيهما أقبح وأخس؟ قال: هذا ثم هذا. {تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة:80] لما تولى ستالين لعن لينين، فلما تولى خرتشوف لعن ستالين، فلما جاء جرباتشوف قطع الرباط وانتهى، كلما دخلت أمة لعنت أختها.

الاستغناء عن البشر برب البشر

الاستغناء عن البشر برب البشر جوائز الملوك مكتوب عليها: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ} [النحل:96]. وجوائز الله مكتوب عليها: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] قل لعباد الدنيا: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. وفي الأثر: دخل سالم بن عبد الله بن عمر المسجد الحرام وطاف مع الطائفين، حذاؤه بيده، لحيته تقطر ماء، عليه لباس وعمامة لا تساوي ثلاثة عشر درهماً، لكنه من أكبر أولياء الله، والولاية ليست باللباس أو الحذاء ولا بضخامة القصر أو بكثرة الكنبات والسيارات، طاف بين الحجاج كأي مسكين، فرآه الخليفة هشام بن عبد الملك، ومع الخليفة حرسه وضباطه وقواده وجيوشه، فالتفت إلى سالم، فلما رآه دنا وقبل رأسه وقال: ألك إلي حاجة؟ فاحمر وجه سالم غضباً، وقال: أفي بيت الله الواحد الأحد تقول هذا الكلام؟! أما تستحي؟! فتركه هشام، فلما انتهى تصدى له الخليفة خارج الحرم وقال: ألك حاجة؟ قال: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ قال: لا. من حوائج الدنيا. قال: والله ما سألت حوائج الدنيا ممن يملكها فكيف أسألها منك!! فاختلع يده من يده. فقدَّم سالم الجواب، وفحوى الخطاب، لأن جده عمر بن الخطاب. يا بن الذين سما كسرى لجمعهم فجللوا وجهه قاراً بذي قار يا دوحة الصدق والفاروق رائدها تلك السلالة لا أوباش ديار

الربح في بيعة الرضوان

الربح في بيعة الرضوان جلسوا تحت الشجرة، وتظللوا بالسمرة، وبايعوا على قتال الفجرة، فما قاموا حتى سمعوا: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18] فقل لي بربك: أي فرح فرحوه وأي ربح ربحوه؟ أسألك بالله تصور وتأمل وتدبر، لو كنت أنت من الجمع الذين جلسوا تحت الشجرة، وبايعت وقبل أن تقوم تسمع: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18]. رضاك رضاك يا مولاي عني فهل يرضيك أن قدمت نفسي ذبحت الروح فيك وكل ذبح لغير هداك مقرون بنحس أهل بيعة الرضوان ضيوف الرحمن، لكن الكافر ما علم بسر: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى} [التوبة:111] {ومن صلى الفجر فهو في حماية الله وذمته، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار}.

من علامات المنافقين وصفاتهم

من علامات المنافقين وصفاتهم

تأخير صلاة الفجر من علامات النفاق

تأخير صلاة الفجر من علامات النفاق من علامات المنافق: حذف صلاة الفجر من جدوله، قرأت مقابلة في صحيفة لأحد الناس، قالوا: متى تصلي الفجر؟ قال: أصليها الساعة الثامنة، وهو يزكي نفسه في المقابلة، ويظهر أنه متحمس ويحب الدين والصلاة، ويريد أن يقرأ الناس الصحيفة ليعلموا أنه يصلي الفجر لكن الساعة الثامنة، فهل يقبل الله صلاته في الثامنة؟! وهل يستحق هذا أن ينظر إليه؟! وهل يعلق عليه أمل؟! أردنا منك صلاة الليل فتركت الصبح، حرصك على النوم الطويل أوقعك في الخطأ الوبيل! فما أطال النوم عمراً وما قصر في الأعمار طول السهر وما أحب الله من قلبه رهن بأيام الهوى والوتر من لم ينر بالذكر ليل الدجى تجيش بالظلمة تلك الحفر {بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة} وهذا من كلامه صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه. [[قيل للحسن البصري: لماذا صفت وجوه المتهجدين بالنور؟ قال: خلوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره سبحانه]]. صلى أسيد بن حضير أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فدنا الحرس، وتحرك الفرس دنا الحرس من السماء -الملائكة- وتحرك فرسه، فأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: {تلك الملائكة تنزلت للقرآن، ولو بقيت تقرأ لأصبح يراها الناس لا تتوارى منهم} وقال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر:7]. نحن ندعي أننا أمة الخلافة، ولا يحضر لصلاة الفجر إلا صف واحد، إذن فلو بدأ قتال الكفار، لما وجدنا ولا صفاً. من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح وزع عليه الصلاة والسلام الغنائم، فأعطى مسلمة الفتح وترك أبطال الفتح، فجرى همس العتاب بالأصحاب، فخلى الأنصار بالمختار عليه الصلاة والسلام، فبين لهم سر المسألة وقال: {أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتعودون بالرسول صلى الله عليه وسلم؟ فوالذي نفسي بيده لما تعودون به خير مما يعود به الناس} وصدق المعصوم عليه الصلاة والسلام، فإنه نصيب الأنصار من الغنائم، ونصيب أولئك البهائم: خذوا الشياه والجمال والبقر فقد أخذنا عنكم خير البشر يا قسمة ترفع رأس مجدنا حزنا اليواقيت وقد حازوا البعر {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:18 - 21] الأبرار يأتون إلى مسجده عليه الصلاة والسلام من بني سلمة، ويتخلف الظَلَمة عن صلاة العتمة، فقام منذراً وصاح محذراً: {والذي نفسي بيده! لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم بالنار} أشعل بيوت الناكثين بأهلها واقلب وجوه السود صوب النار يتخلفون عن الصلاة دناءة ألهاك يا سهران ضرب الطار بلال يناديك من أعلى المنارة، وأنت نائم في العمارة، لو أطعت بلالاً لدخلت في مسمى الرجال: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:37] كان المنافقون يتخلفون عن صلاة العشاء والفجر، لأنه لم يكن في المدينة كهرباء في ذاك العصر، فلما أضاءت الكهرباء ظهر الوباء. أشعل النمرود الفتيل، وسُعر النار في الأصيل ورمى فيها بالخليل، فأطفأها حسبنا الله ونعم الوكيل. الأعداء سطروا لكم، فخذوا حذركم، إن الناس قد جمعوا لكم، فحسبنا الله ونعم الوكيل. أبرمت خيوط الفتنة، ونسجت حبال المحنة، ونقض عهد الهدنة، فحسبنا الله ونعم الوكيل. اتفق المنافقون، واجتمع المارقون، وقلَّ الصادقون، فحسبنا الله ونعم الوكيل. سألتك لا تكلني للأعادي فقد أسكنت حبك في فؤادي فزودني من التوفيق زاداً عطاؤك يا إلهي خير زاد {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:36].

الاستهزاء بالدين من صفات المنافقين

الاستهزاء بالدين من صفات المنافقين هاك بعض صفات المنافقين في الجملة، فاحذر أن تكون في الحملة: كسل عن الصلوات، واستهزاء بالدين في الخلوات. انقضاض على الأعراض، وسماع الآيات في إعراض. الدين عندهم ثانوي، لأن الجد معنوي. الله! كم من صرح للإسلام هدموه، وكم من طريق للهدي ردموه. يظنون كل إشارة إليهم، ويحسبون كل صيحة عليهم. كم زلزلهم الوحي وأنذرهم، هم العدو فاحذرهم، إن يقولوا تسمع لقولهم، لكن العلامات عليهم ومن حولهم. سهامهم في نحور العلماء مسددة، كأنهم خشب مسندة. رفعت مع الباطل أعلامهم وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم. عثرت بـ عبد الله بن أبي بغلة التوفيق، فسقط في الطريق، ما طهرته صلاة الإمام، لأنه غارق في الإجرام، أراد المعصوم له مدداً فنزلت: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً} [التوبة:84]. خاف عمر على نفسه من النفاق، قيل له: سبحان الله يا شيخ! أنت الفاروق باتفاق. أصبحت منهم الدنيا كالجيفة، فتستروا لأنه مات حذيفة. أنت مني وتدعي حمل حبي كل يوم تعطي اليمين الغموسا وَلِّ عني عرفت فيك أموراً حربة في القفا ووجهاً عبوساً

سقوط وتفوق

سقوط وتَفوُّق

أسباب السقوط

أسباب السقوط سقطت الأندلس لما تولى السَّقط، ضعفت الملة وتداعى المنبر، وعزل القرآن عن الميدان، وطمست معالم الرسالة، وصار اللهو أمنية، ودوت الأغنية، وتنحى العلماء عن الدهماء، فلا آمر ولا مُنْكِر، ولا واعظ ولا مذكر، الخطيب مرتج، والسامعون يلعبون الشطرنج {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} [الكهف:59]. ابك مثل النساء مجداً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال المرأة درة مصونة، وياقوتة مكنونة أرادوا أن تنزع الجلباب وتخلع الحجاب أرادوا لها حياة فوضوية، والله يقول: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الأحزاب:33]. يريد المصلحون لها منهجاً قويماً، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً. يا فتاة الدين قومي للدعي ردي عليه حين نادى يا بنة الإسلام خدرك مزقيه يا خسيس الطبع نص كل نذل يدعيه {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59].

لماذا تفوق الصحابة

لماذا تَفوَّق الصحابة تفوق الصحابة على من بعدهم بأمور، منها أنهم يطالعون الغيب المستور، كما يرون الشاهد المنظور يروى عن علي رضي الله عنه قال: [[والذي نفسي بيده لو كشف الله لي الغطاء، فرأيت الجنة والنار، ما زاد على ما عندي من إيمان مثقال ذرة]] كان أحدهم يكلمه صلى الله عليه وسلم فكأن الواحد يمد يده ليقتطف أعناب الجنة بيده الكريمة. ومنها: أنهم بدمائهم أجود منا بدراهمنا، ويكفي أن يصب الواحد منهم دمه في المعركة إذا سمع كلمة من المعلم عليه الصلاة والسلام. ومنها: أن من عصى من أولئك يأتي إلى الموت نشيطاً ليطهر نفسه، ولو كان في ذلك ذهاب رأسه، فقل لي بربك: أي إقدام هو إقدام ماعز والمرأة التي زنت، في طلب التطهير من سيد البشرية عليه الصلاة والسلام؟ ومنها: أن علم الصحابة للعمل، وثقافتهم لما يحتاجون إليه، بينما أصبح العلم عندنا سرفاً، والفكر خيالاً، والثقافة موضة. ومنها: أن الصحابة يعيشون على الكفاية، ومن زاد منهم ماله قدمه لمآله، والمتأخرون أصبح جمع المال عندهم مهنة، والسعي وراء الحطام حرفة، فاشتغلوا بفضول العيش عن أصول العمل. ومنها: أن الصحابة قاموا بأعمال القلوب خير قيام من الخوف والرجاء والرغبة والرهبة والخشية والمحبة ونحوها، مع قيامهم بأعمال الجوارح، بينما الخلف يهتمون بالظاهر أكثر من الباطن، فلذلك وقع الخلل في الأعمال والأقوال؛ لأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. اشكر لمن شرفك بصعود المنبر سبحانه، وعرف الناس به في كلماتك ولا تعرف الناس بنفسك؛ لأنه سبحانه أعرف المعارف وأنت نكرة من النكرات، ولولا أنك تعظمه ما عظمك الناس، وما دام أنه ستر معايبك عن الحضور، فانشر مدائحه سبحانه في الجمهور الله يستحق المدح ويحبه، ولذلك مدح نفسه بأشرف المدائح، ونزه نفسه عن القبائح سبحانه! كلما بالغت في مدح المخلوق؛ قال الناس: هذا غير صدوق، وكلما أكثرت في مدح الخالق؛ قالت القلوب: حياك الله يا صادق. إذا لم تصاحب الصحابة الأخيار فاقرأ الأخبار: فاتني أن أرى الديار بطرفي فلعلي أرى الديار بسمعي قراءة سير الصحابة حسنة من الحسنات، يظهر للقارئ في أخبارهم سمو حياتهم، وجلال قدرهم، يخلو ابن المبارك الزاهد العابد بنفسه، يُغلق عليه الباب، فقال له التابعون: اجلس معنا. قال: أنتم تغتابون الناس، وأنا أجلس مع أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام. ما في الخيام أخو وجد نطارحه حديث نجد ولا خل نجاريه حضرت أبا بكر الصديق الوفاة، ليلقى بعدها ربَّاً طالما أحبه، ووحده، وتقرب إليه، وجاهد من أجله، ليلقى رباً طالما أحب فيه البعيد وأخر فيه القريب هاجر من أجله، وحارب من أجله ورضي برضاه وغضب لغضبه، رباً أعطى لوجهه النفس والنفيس والغالي والرخيص، سكب لمرضاته الدمع والدم، وأتعب لدينه الروح والبدن، رباً ملك حبه على أبي بكر كل لحظه ولفظه. كأن رقيباً منك يرعى جوارحي وآخر يرعى مسمعي وجناني رباً كان حبه في عروق أبي بكر وعرقه، من أخمصه إلى مفرقة. رباً صلى له أبو بكر، وصام، وزكى، وحج. رباً سهر له في الليالي وجاهد له في النهار. رباً كان أبو بكر يرعى حقوقه دائماً وأبداً. رباً وقف أبو بكر في الخلافة ليرضي ربه إلى آخر قطرة من دمه. فسبحان الله! والله إنه صاحب كل خير، فاضت روح أبي بكر الصديق وكانت أمنيته أن يلقى الله. ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حبا وعكسه الكاره فالله اسأل رحمته فضلاً ولا تتكل فكانت الثروة بغلة، والتركة كفناً، والبقية ثوبين كفن بهما، وهو خليفة المسلمين ثنتان وعشرون دولة. فماذا قدمنا نحن؟ وماذا فعلنا؟ ماذا بذلنا؟ ماذا حصلنا؟ أي جهد فعلناه؟ أي دمع سكبناه؟ أي دم أسلناه؟ أي مال قدمناه؟ لا شيء!! ننام عن الفجر وقد قام الصديق الدجى، ولا نبكي في الخوف والصديق يبكي في الرجاء نحن نجر المطارف يوم مطارف أبي بكر تجر بسيوف الغزاة في بدر وأحد.

الاتباع والامتثال

الاتباع والامتثال أيها المسلمون: قليل في اتباع خير من كثير في ابتداع الفرائض الخمس مع ركعتي الضحى، والوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ومداومة الذكر والكف عن الذنوب، هذا منهج الراشدين مع ما تيسر من كتاب رب العالمين. السلف كلامهم قليل لكنه كله درر، والخلف كثر كلامهم وأسهب منطقهم، ولكن سقط وخزف ولا ثواب.

الامتثال والطاعة

الامتثال والطاعة قال المعصوم عليه الصلاة والسلام للناس اجلسوا، فسمعه ابن رواحة وهو على الرصيف فجلس على الرصيف، وهذا من الأدب اللطيف والاتباع الشريف عطاياه صلى الله عليه وسلم يتألف بها الأرواح وليست دليلاً -لمن أخذها- على الصلاح. يقول صلى الله عليه وسلم: {إني لأعطي أقواماً وغيرهم أحب إلي منهم، خشية أن يكبهم الله على وجوههم في النار، وأدع آخرين لما جعل الله في قلوبهم من الخير والإيمان منهم عمرو بن تغلب، قال عمرو بن تغلب: كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما فيها}. [[قال ملك الروم لـ عبد الله بن حذافة، وقد رآه يبكي لما رأى قدور الكفرة تغلي بأسرى المسلمين، قال: أتبكي خوفاً من الموت؟ قال: لا والذي لا إله إلا هو، ولكن وددت أن لي بكل شعرة في جسمي نفساً تذوق العذاب في سبيل الله عز وجل]]. {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24] هو الإقدام في سبل المعالي وطعن بالرماح وبالعوالي فصبراً في مجال الموت حتى يكون الدين دين الله عالي ختاماً: انتهت مصارع العشاق، وكان المقصود منها طرحاً جديداً في قالب أدبي أخاذ، فنحن أمة الإبداع وقرآننا سر البلاغة والإعجاز، وقصدت من هذا الفن إراحة النفوس من الرتابة، وإقالتها من النمط الواحد، فالنفس ملولة، والأذن مجاجة، وتنويع الطرح وتصريف الكلام أدعى للقبول، وكلما تعددت أساليب الحق فُهم، وكلما تنوعت قوالب الصدق عُلم، وتبارك القائل في كتابه: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:54] شكراً لمشاعركم النبيلة، وأخلاقكم الجميلة، ومبادئكم الأصيلة. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

أقرب الصحف اليومية للقراءة

أقرب الصحف اليومية للقراءة Q وردت أسئلة كثيرة من الإخوة طلبة العلم والشباب عن أقرب الصحف اليومية التي يمكن قراءتها؟ A إذا كان ولا بد من قراءة الجرائد فأرى أن جريدة الحياة هي الأقرب.

الإذاعات التي يمكن الاستماع إليها

الإذاعات التي يمكن الاستماع إليها Q أسئلة وردت عن الإذاعات التي يستمع إليها. A إذا كان ولا بد فليسمع إلى إذاعة لندن، فهي أقل الإذاعات كذباً.

المجلات التي يمكن قراءتها

المجلات التي يمكن قراءتها Q أسئلة وردت عن المجلات التي تقرأ. A مجلة المجتمع، مجلة الدعوة، مجلة الإصلاح، مجلة الفرقان، مجلة البيان، مجلة الجهاد، مجلة البنيان المرصوص.

ماذا نقدم للمصطافين

ماذا نقدم للمصطافين Q ماذا نقدم للمصطافين؟ A على كل حال لعله -إن شاء الله- إذا كثر المصطافون يكون هناك محاضرة أو دورس مخصصة لهم فلا نتعجل. لكن أحسن السائل إذ وضع هذا السؤال ونستطيع أن نقدم لهم الكثير، منها: حسن الخلق، وكرم الاستقبال لهم، حتى نقدم صورة طيبة عنا وعن بلدنا، ومنها: الدعوة بالتي هي أحسن، ونحن -والحمد لله- لا نضايق الناس ولا نضربهم، والذي زعم أننا ضربنا أحداً، فليستغفر وليتب إلى ربه، فإنا سمعنا أن بعض الناس يقول: هؤلاء يضربون الناس، ونحن ما سمعنا بأحد فعل ذلك إلا إنسان رفع عنه القلم، فممنوع أن تضربوا أحداً، إنما البسمة والبشاشة، وسلوا من عاد من المصطافين إنما ينقلون التحيات والثناء العجيب والدعاء. ومنها: الشريط الإسلامي، فكلما رأيتم محتاجاً لشريط تعطوه إياه أو كتيباً إسلامياً. ومنها: الدعوة، أن تذهب بنفسك إلى أماكن الاصطياف وتدعو إلى سبيل الله، وتنفق من بضاعتك، كما فعل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تقل هذا بدعة، فإن هذا من السنة.

نصيحة لمن يتركون السنة الراتبة

نصيحة لمن يتركون السنة الراتبة Q لوحظ أن بعض الإخوة يتركون السنة الراتبة -عافاهم الله- فتراهم يصلون الفرض ويخرجون من المسجد. A رجائي ألا تتركوا السنة الراتبة، لأنها خط الدفاع الثاني، بل قال بعضهم: خط الدفاع الأول هو الآداب، والثاني هو الثغرات، والثالث الفرائض، قال ابن المبارك فيما يروى عنه: من ترك الآداب عاقبه الله بترك السنن، ومن ترك السنن عاقبه الله بترك الفرائض، ومن ترك الفرائض ابتلاه الله بالكفر. فرجائي من إخوتي أن يصلوا السنن الرواتب، وهي عشر عند أهل السنة والجماعة، لا تترك أبداً إلا في السفر، ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، عشر ركعات مع الوتر هذه طريق الجنة. وإذا رأيت الرجل يترك السنن الرواتب ويتهاون بها؛ فاعلم أنه قد تمر عليه فترة، يترك بعض الصلوات، نعوذ بالله من الخذلان. وبعض الأئمة من حرصه على اتباع السنة، لا يسنن في المسجد بل يذهب في بيته، فيراه العامة، أو الذين ليس عندهم فقه، فيظنون أن الله قد أنزل عليه وحياً بترك السنة الراتبة، فلا يصلون السنة الراتبة، وقد وجد أن بعضهم يترك السنة فيقال لهم: لماذا؟ قالوا: الإمام ما يسنن. فرجائي من هؤلاء أن يسننوا في المسجد للمصلحة، ولو أن السنة صلاتها في البيت، ولكن المصلحة هنا أعظم، وكان الشافعي يتنفل في المسجد، فقيل له: لماذا؟ قال: ليراني العامة. هم إذا رأونا خرجنا من المساجد ظنوا أنها ليست سنة.

كلمة حول البث المباشر

كلمة حول البث المباشر Q ماذا عن البث المباشر؟ A سيكون له حديث مستقل إن شاء الله قريباً، وذلك في محاضرة مستقلة بإذن الله تعالى وهي قريبة قريبة، وقد بدأ هذا اللاقط ينتشر، وأنا أحذركم منه، والرجاء التوقف عن شراء هذا لما يجلبه من آثار على البيت المسلم، وعلى الدين والناشئة ويكفينا ما عندنا، لكن هناك -إن شاء الله- بعض الأطروحات، وستكون هناك أشرطة في هذا كشريط البث المباشر، وكتاب البث المباشر، للدكتور ناصر العمر، ومحاضرة للدكتور محمد عبده يماني، في البث المباشر طيبة وفيها فائدة. لكن أيها الإخوة: أنقذوا أنفسكم، وبيوتكم، وجيلكم، وأطفالكم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

آخر أخبار الجهاد الأفغاني

آخر أخبار الجهاد الأفغاني Q ما آخر أخبار الجهاد الأفغاني؟ A أنتم تسمعون الآن ماذا يقع، وما أصبح الأمر خفية، وأسأل الله أن ينصر الحق، والمد السني الآن هو مع برهان الدين رباني وحكمتيار، والشيخ سياف ويونس خالص. أما ما يسمى صبغة الله مجددي، فحقيقة أنا أعرفه عن كثب، وقد جلست معه ساعتين، وقرأته وعرفته، وقرأت له بعض المقابلات، فجلست معه في واشنطن ساعتين كاملتين بعد العشاء، وطرحنا عليه بعض القضايا، وتبين لي أن الرجل على طريقة غلاة الصوفية، يعني الباطنية، وهو ليس على منهج أهل السنة، وهذه أقولها حقيقة حتى يعرف الجيل من هو، ونحن أمام فئات من الناس وألوف من المثقفين يريدون أن يعرفوا قضاياهم، والأشخاص، والأعلام، والأطروحات. وهو يلمز في الخفاء عن الوهابية، ويسمينا نحن الوهابية، وينتقدنا ويلمزنا، وله ميل إلى الرافضة، والرجل لا يرجى منه خير. وأسأل الله عز وجل أن يبدل المسلمين خيراً منه.

كلمة مع إطلالة العام الجديد

كلمة مع إطلالة العام الجديد Q هل من كلمة لأمة الإسلام مع إطلالة هذا العام الهجري الجديد؟ A نعم بقي ثلاثة أيام أو أربعة وينصرم هذا العام، فنسأل الله أن ينهيه بذنب مغفور، وبعيب مستور، وبتجارة لن تبور، وأن يقبلنا فيمن قبل وفيه مسائل: أولاً: لم تقدم الأمة للعالم الإسلامي شيئاً، لا دعوة ولا علماً فيما نرى، ولا اكتشافاً، ولا صناعة أو اختراعاً ولم تقدم لهم جديداً، فهي تستورد ولا تورد. الأمر الثاني: قدمت دماءها، في البوسنة والهرسك والجزائر وتونس وأفغانستان، وفي بورما والفلبين، فأسأل الله أن يحسب لنا وللمسلمين أجر هذه الدماء، فقد أصبحت دماء المسلمين رخيصة ودماء الكفار غالية. الثالث: علينا أن نراجع حسابنا من أخطائنا التي مرت بنا في العام المنصرم، أن نرجع إلى صحفنا في كلماتنا وأعمالنا وتصرفاتنا العامة والخاصة، في لقاءاتنا وإجراءاتنا، هل أصبنا أم أخطأنا؛ لأن الحياة تجارب، فالواجب أن نستقبل هذا العام بنشاط وتوبة نصوح عسى أن الله عز وجل أن يتوب علينا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. وأقول للطلبة الذين يمتحنون الآن: تذكروا الامتحان الأكبر بين يدي علام الغيوب، فإن هذا الامتحان بعده دور ثانٍ، ومن رسب فما قامت الدنيا وما قعدت، الأمر سهل، وله مخرج ومنفذ وله عمل وطريق، لكن من رسب هناك فنار تلظى، نعوذ بالله من النار، فليتذكر العبد وليعد للسؤال جواباً.

حكم كشف الفخذ

حكم كشف الفخذ Q في محاضرة ألقيت أمام جمع من الشباب تحدث المحاضر عن حرمة كشف الفخذ عند ممارسة الألعاب الرياضية، فما كان من أحد طلبة العلم إلا أن عقب بعد المحاضرة أن كشف الفخذ لا شيء فيه، وأن الفخذ ليست بعورة، وأنكر حديث: {عورة الرجل من السرة إلى الركبة} وقال: إنه ليس بحديث فماذا تقولون؟ A أولاً: أشكر للمحاضر الذي قدم المحاضرة، وأسأل الله أن ينفع بجهوده، وأشكر الأخ المعقب فإنه دليل على أنه طالب علم، وأنه يستطيع أن يأخذ ويعطي في المسائل، ويقدم ويتكلم، والذي يتكلم بخير مهما كان؛ أفضل ممن يتكلم بالباطل، أو ممن يسكت عن الحق. الأمر الثاني: الصحيح أن الفخذ عورة، والدليل حديث جرهد: {يا جرهد! غطِّ فخذك فإن الفخذ عورة} رواه أبو داود وأحمد بسند صحيح، وصحح هذا الحديث أئمة كـ الألباني وغيره من المتقدمين. بل ذكر البخاري في الصحيح قال: حديث أنس، أسند، وحديث جرهد أحوط. والمقصود أن حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكشفت فخذه، وهو سائر إلى خيبر، قال عنه البخاري هذا أصح، لكن حديث جرهد أحوط، وعلى المسلم على الأقل أن يحتاط، والصحيح أن حديث جرهد أحوط. الأمر الثاني: أن قول الأخ أن حديث: {عورة الرجل من السرة إلى الركبة} ليست بحديث خطأ بل هو حديث، رواه أنس، وهو في مستدرك الحاكم بسند صحيح وصححه الألباني وغيره من العلماء، ولحديث جرهد شواهد كثيرة أوصلها بعضهم إلى خمسة شواهد. الأمر الثالث: أنه إذا أتانا القول والفعل قدمنا القول، وهي قاعدة أصولية ذكرها بعض أهل العلم عند هذا الحديث وغيره، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {يا جرهد! غطِّ فخذك فإن الفخذ عورة} وانكشفت فخذه هو يوم دخل عليه عثمان فغطى فخذه، ويوم ذهب إلى خيبر، وقال الشوكاني: إذا أتى قول وفعل قدمنا القول على الفعل؛ لأن القول عام للأمة والفعل خاص به صلى الله عليه وسلم. وهذا جواب سديد. الأمر الرابع: أنه أفتى كثير من أهل العلم كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وغيره بأن الفخذ عورة، فرجائي من الأخ أن يراجع هذا، وبإمكانه أن يجلس معي أو مع أي طالب علم، فعلى الرحب والسعة.

برنامج مقترح في الأعراس

برنامج مقترح في الأعراس Q كثرت الأعراس الإسلامية -والحمد لله- في العطل الصيفية، لكن ما هو البرنامج المقترح الذي سمعنا أنه عندكم، ليكون بديلاً عن الأغاني الماجنة والغيبة والنميمة والتهتك في الأعراض؟ A سبق أن قدمت أنا وفضيلة الشيخ سعيد بن مسفر برنامجاً من عشر فقرات، يصلح أن يقدمه طلبة المتوسط أو الثانوي في أي زواج. وهو: آيات من القرآن، وأحاديث نبوية مختارة، وقصيدة شعرية، (واخترت لك) ومقطع فكاهي، وقصيدة نبطية هادفة، ولعبة رياضية، ثم مجلة النادي، وترجمة لصحابي أو لعلم، ونحو هذه الفقرات، فمن أراد هذه وجدها أو يستلمها مني الآن، والرجاء أن تكون الزواجات إسلامية، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يبارك فيها، وإذا بُني الأساس على خير بارك فيه: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109].

ضرورة التوكل

ضرورة التوكل Q أنا أحس بقلق على مستقبل تجارتي ورزقي، فما نصائحكم؟ A كثير من الناس يخاف على رزقه وعلى مستقبل تجارته، فأقول له مسائل: المسألة الأولى: أنت كنت في بطن أمك لا ترى ولا تبصر، أعمى أصم أبكم أخرس ورزقك الواحد الأحد، هيأ لك لبناً وتكفل برزقك وأنت لا تبصر، فبعد أن أبصرت وسمعت ومشيت تخاف! المسألة الثانية: ضمان من الواحد الأحد، يقول: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6] فاعلم أن الذي رزق الحوت في البحر، والذي رزق الدودة في الطين، والذي رزق العصفور في وكره، قادر على أن يرزقك يقول ابن الجوزي رأى أحدهم عصفوراً يذهب إلى رأس نخلة، فتلفت إليه فوجد حية عمياء هناك، فكان العصفور يأتيها بخبز ولحم، فإذا اقترب منها وصوص وصفر لها ففتحت فمها وأخذت رزقها. فمن الذي سخر لها العصفور؟ ذلكم هو الله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:40]. المسألة الثالثة: الإنسان لا يموت إلا بأجل، وبعض الناس يظن أنه سيموت جوعاً، وقد يكتب الله عليه أن يموت جوعاً، لكنه لا يأخذ إلا ما قدر الله له ما قضاه سبحانه، فلا يتنكد على القضاء والقدر.

دعوة لمساعدة مكتب الجاليات

دعوة لمساعدة مكتب الجاليات Q مركز دعوة الجاليات بحاجة إلى مد يد العون، من أشرطة إسلامية وكتيبات مسجلة بلغاتهم واهتمام من الدعاة، أرجو أن تنبه على ذلك؟ A على كل حال من كان منكم له قدرة من الإخوة الذين يجيدون اللغة الإنجليزية فليتفضل إلى مكتب الجاليات، أو يدعو بنفسه هذه الجاليات الذين قدموا من البلاد، ويهدي لهم الأشرطة، ويحاول أن يتمثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}.

أسئلة عبد الله بن سلام للرسول عليه الصلاة والسلام

أسئلة عبد الله بن سلام للرسول عليه الصلاة والسلام Q ما هي الأسئلة التي سألها عبد الله بن سلام الرسول عليه الصلاة والسلام؟ A سأله أسئلة منها: ما أول ما يأكل أهل الجنة؟ -أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوا الجنة- وأول علامات الساعة، ولماذا يشبه المولود أباه أو أمه؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم وقال: {أول ما يأكل أهل الجنة زيادة كبد الحوت، وأول علامات الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما لماذا يشبه المولود أباه أو أمه؟ فلأن ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فإذا علا ماء الرجل أشبه المولود أباه، وإذا علا ماء المرأة أشبه المولود أمه} فهذا كلامه صلى الله عليه وسلم، فشهد له بالصدق.

التوبة إلى الله

التوبة إلى الله Q أنا تائب إلى الله من هذه الليلة وحضرت لأول مرة فماذا تقولون؟ A نقول لك: حياك الله وبياك وأهلاً وسهلاً، وهنيئاً لك هذه التوبة، وهذا أحسن يوم مر عليك منذ ولدتك أمك، فهنئ نفسك بذلك، وأسأل الله أن يثبت قلبك، وقلوب الحاضرين والسامعين والمسلمين أجمعين، وأن ينزل عليك السكينة، وأن يهديك سواء السبيل.

عدم الخشوع في الصلاة

عدم الخشوع في الصلاة Q أعاني من عدم الخشوع في الصلاة. A مر هذا كثيراً، وهناك بعض الأشرطة تعالج هذا الموضوع، وأنا أحيلك إلى رسالة ابن رجب اسمها: الخشوع في الصلاة.

حكم العادة السرية

حكم العادة السرية Q ماذا عن العادة السرية؟ A العادة السرية محرمة عند أهل العلم، وهي مسألة سيئة وقع فيها كثير من الناس، وقد أفتى شيخ الإسلام أنها محرمة والواجب اجتنابها، وفيها من الأضرار العلمية والدينية والبدنية وإخلال بالذاكرة ما الله به عليم، فالواجب اجتنابها والتوبة منها.

ضعف حديث: (أكثروا من ذكر عمر بن الخطاب)

ضعف حديث: (أكثروا من ذكر عمر بن الخطاب) Q أكثروا من ذكر عمر بن الخطاب، فإنكم إذا ذكرتموه ذكرتم العدل. هل هذا حديث؟ A هذا ليس بحديث صحيح، ولا أعلم أنه أثر لأحد الصحابة، ولكن ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [[إذا ذكر الصالحون فحي هلاً بـ عمر رضي الله عنه وأرضاه]].

نصيحة للطلاب المتقدمين للامتحان

نصيحة للطلاب المتقدمين للامتحان Q هناك شباب تركوا الامتحان وحضروا الدرس، فهل لك أن تدعو لهم بالتوفيق؟ A نعم وزيادة، عسى الله أن يفتح عليهم، وأن يمنحهم النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وأن يثبت كلامهم، وأن يسدد أقلامهم، وأن يعصمهم من الغش، وأن يرزقهم الثبات، وأن يوفقنا وإياهم إلى كل خير؛ لأنه -أحياناً- بعض الناس رادارات تلقط يميناً ويساراً، وأهل السنة يرون تحريم لقط رادار المسلم من أخيه يوم الامتحان، وعدم الالتفات إليه، فإن هذا من أسباب بخس العلم وقلة البركة، والتقوى في ذلك أن يحاسب الإنسان نفسه، وأن يتقي الله تعالى، ولو كتب قليلاً، ورسب لكان أحسن له من أن يغش وينجح، لأن شيئاً أسس على فساد لا خير فيه. وأنا أخبر الإخوة الشباب بأمور: الأمر الأول: رجائي من الإخوة الطلاب ألا يسهروا الليل، لأني رأيت بعض الشباب يسهرون إلى الفجر ويواصلون إلى فترة الامتحان، وهذا مرهق للذهن وللبدن، ولعله يعود عليهم بالكسل في الامتحان، فالأحسن أن يناموا مبكراً ويستغلوا أوقات الجد، فإنهم لو استغلوا الأوقات الحية لنجحوا بإذن الله، مثل صلاة العصر أرى بعضهم يتمشى مع زميله، فإذا جاء بعد صلاة العشاء سهر معه. الأمر الثاني: أن بعضهم يجتمع مع بعض في المسجد، ويأخذون ثلاجة شاي وثلاجة قهوة ويتحدثون، ثلاث كلمات من خارج الدروس وكلمة من المنهج، حتى يأتي الفجر. الأمر الثالث: بعضهم -سبحان الله- عنده فطنة وذكاء، يجلس حتى وقت الأذان في المسجد ليذاكر، فإذا قرب الأذان أخذ كتبه وخرج، وكأن وراءه شيء، يا أخي! هذه هي نتيجة الدراسة، وهذه هي الثمرة والمكسب. الأمر الرابع: أن بعضهم يلح على الله عز وجل في أيام الامتحان، ويقرب منه، ويقول: أعاهدك يارب وأعطيك عهداً في الذمة، أني إذا نجحت أن أصلي الصلوات الخمس في جماعة، ولا أسمع الغناء، ولا أنظر إلى الفيديوهات، لكن أرجوك أن تنجحني هذه المرة، فإذا نجح ترك المسجد، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65]. الأمر الخامس: لا تتسخط، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان} فمثلاً: لو رسب الطالب بعد ما جد واجتهد فليقل: قدر الله وما شاء فعل، ولا يتسخط، وبعضهم يقرأ النتيجة ثم يسخط على الله، أعوذ بالله! يقول: ينجح فلان وأنا لا، وأنا صليت! ويتمنن على الله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ} [الحجرات:17] فلا تمنوا بصلاتكم، ولا بصيامكم، ولا قيامكم، فالمنة لله وحده. الأمر السادس: كثرة الاستغفار قبل الامتحان، فإذا جلست قبل الامتحان فعليك بكثرة الاستغفار، ورجائي من الأساتذة، وأن يقربوا أسلوب الأسئلة، ولا أقول: يسهلونها فهم أبصر، لكن يقربونها بأسلوب جميل، ويستفتحوا باسم الله، فإن رسول الله يقول: {إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته} فما دام أنها مسألة فليحد الشفرة، أي: حد السؤال، واطرح الطالب على جنبه الأيمن مستقبلاً القبلة وليس على جنبه الأيسر.

حكم تربية الطيور الصغيرة للزينة

حكم تربية الطيور الصغيرة للزينة Q ما حكم تربية الطيور الصغيرة والجميلة، مثل الببغاوات والعصافير، وتقديم الطعام لها من أجل الزينة ومن أجل صوتها؟ A لا أرى في ذلك بأساً، لكن إذا أشغلت الإنسان عن الذكر والصلاة والقرآن حرمت، أما إذا كانت في غير ذلك فله ذلك، فإن في صحيح البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام دخل على أبي عمير وهو أخو أنس، ومعه طائر يلعب به فمات، فقال له صلى الله عليه وسلم: {يا أبا عمير ما فعل النغير} وكان يلعب فيه كما في الحديث، فدل على أن اتخاذها بغير انشغال بها عن الصلوات والذكر لا بأس به، أما إذا اشغلت فلا. لأن بعض الناس أدنى شيء يعطله عن الصلاة، بل أحياناً يتعطل بأمر ليس فيه حاجة، وبعضهم تجده وأنت ذاهب إلى المسجد يتحدث مع زميله وتخرج من المسجد وهو لم يصل، فتقول: يا أخي! فيقول: كنت مشغولاً مع فلان، وكنت أتحدث معه، وهذا لأن القلب بارد ولأنه لم يأخذ الكتاب بقوة.

حكم لبس ثياب النوم والثياب الشفافة للصلاة

حكم لبس ثياب النوم والثياب الشفافة للصلاة Q هناك من يصلي بثياب النوم وهناك من يصلي بثياب شفافة فما الحكم؟ A نعم. نجد في صلاة الفجر من يأتينا بثياب النوم، وهو لو قابل أناساً من البشر، لقابلهم بثياب جميلة، فالبعض يتجمل للبشر أكثر مما يتجمل لرب البشر، والله يقول: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31] فرجائي من الإخوة أن يلبسوا ثيابهم وأن يتطيبوا ويستاكوا عندما يأتون لصلاة الفجر. أما أن يأتي أحدهم مكشوف الرأس ليس على رأسه عمامة ولا طاقية، ويصلي في طرف الصف، نصف الصلاة وهو نعسان ونصفها يتمطط، وهذا نقص في الصلاة -صراحة- وهذه لا تقبل من العباد. فلو دعاك أحد الناس من الوجهاء، فقابلته في ثوب نوم مكشوف الرأس، لقالوا: هذا لا يستحي. فالله أولى بالتجمل، وهو سبحانه جميل يحب الجمال، فأرجو الانتباه لذلك، فالثياب الشفافة إذا كشفت العورة يحرم الصلاة فيها، فالواجب الاستتار بما ستر الله عز وجل. وبعض الثياب -حتى ثياب الرجال- شفافة وتبدي السراويل القصيرة، فمن الأحسن أن يرتدي ثوباً ساتراً سميكاً أو يلبس سروالاً طويلاً، والسراويل الطويلة أجمل وأحسن.

حكم سب الدهر في الشعر

حكم سب الدهر في الشعر Q الكثير من الشعر وحتى شعر السلف فيه ذكر الدهر بشيء من اللوم، فما حكم ذلك؟ A الدهر لا ينفع ولا يضر، ولا يشفي ولا يميت، ولا يسب الدهر، فإن الدهر هو الله، يقلب الليل والنهار كيف يشاء، وهناك فرقة الدهرية، وهي فرقة منحرفة، تنسب كل شيء إلى الدهر، وقد لام الناس القائل الذي يقول: لحا الله هذا الدهر إني رأيته بصيراً بما ساء ابن آدم مولعا وهذا كذب، ويقول المتنبي في أبيات له: قبحاً لوجهك يا زمان . فالزمان لا يضر ولا ينفع ولا يقدم شيئاً، وهناك أبيات كثيرة يشتكون فيها من الليالي والأيام، فالمفرِّق والمغيِّر والمبدل هو الله، فسبحان الذي يبدل ولا يتبدل ويغير ولا يتغير!

نصيحة حول الخروج مع جماعة التبليغ

نصيحة حول الخروج مع جماعة التبليغ Q هل ترى أن أخرج مع جماعة التبليغ للدعوة في سبيل الله؟ A على كل حال قد تحدثت في محاضرات عن جماعة التبليغ، وقلت: فيهم خير كثير، فتحدثت عن تحملهم ولينهم وقد بلغوا أماكن ما بلغها غيرهم من الدعاة، وهدى الله على أيديهم أناساً لولا الله ثم هؤلاء ما هُدي أولئك، لكن الملاحظ أمور منها: أن بعض البدع موجودة، لكنها في بعض الناس الذين هم في المناطق النائية، وهي قلة العلم الشرعي، وقد قلت هذا جهاراً وسراً مع بعضهم، ورأيي أن طالب العلم الواثق من نفسه وعقيدته وعلمه أن يخرج معهم، ويستفيد من حلمهم ورقتهم وتواضعهم عسى الله أن ينفع بهم، ورأيي أن عليهم أن يهتموا بالعلوم الشرعية، وأن يكون لهم كتاب في الأحكام، فعندهم كتاب رياض الصالحين، وكتاب حياة الصحابة للكاندهلوي فرأيي أن يدخلوا معهم بلوغ المرام والمنتقى للمجد ابن تيمية وكتب الأحكام، إلى غير ذلك، ورأيي أن يدرسوا كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكتاب معارج القبول للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمهم الله جميعاً.

نصيحة لشاب قانط من التوبة

نصيحة لشاب قانط من التوبة Q أنا شاب ارتكبت من المعاصي الكبيرة ما لا يعلمها إلا الله، فهل لي من توبة، وأنا أظن أن ليس لي توبة؟ A أعوذ بالله وأستغفره. أولاً: أسأل الله أن يمن عليك بالتوبة، وأبشر بالتوبة ولا تقل هذا الكلام ولا تعتقده، فإنه سوء ظن بالله، وأنا أقدم لك كلام المصطفى وليس بكلامي، يقول صلى الله عليه وسلم فيما يروي عنه أحمد والترمذي: {قال الله عز وجل: يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم أتيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}. أتيناك بالفقر يا ذا الغنى وأنت الذي لم تزل محسناً لقد عاد بالخير من خيركم وفي الخير بالخير عودتنا فما أحد في الغنى مثلكم وفي الفقر لا أحد مثلنا فأسأل الله أن يتوب علينا وعليك، وأن يتولانا وإياك فيمن تولى.

كلمة حول خصال الفطرة

كلمة حول خصال الفطرة Q أرجو أن تهتم بخصال الفطرة وتخبر الناس بها من تقليم الأظافر وغير ذلك؟ A الأخ يقصد أن تقام دروس لنعرف الناس بها، ولعله أن يكون في ذلك دروس بإذن الله، وهي عشر خصال: كقص الشارب، وإعفاء اللحية، وتقليم الأظافر، والسواك، والاستنجاء، وحلق العانة والإبطين وغيرها، وسوف يكون لها كلام إن شاء الله. وعلى كل حال أشكر هذا الأخ الكريم، وخصال الفطرة تدل على قرب العبد من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهي علامة كمال الظاهر، قال ابن عباس: [[هي الخصال التي ابتلى الله بها إبراهيم عليه السلام]] ووالله إن العبد يفرح إذا رأى رجلاً عليه خصال الفطرة، فقد كان الإمام أحمد لا يقوم للخلفاء، ولا للملوك، ولا للوزراء، ولا للأغنياء، لكن عندما رأى شيخاً كبيراً مسنا ًعجوزاً صبغ لحيته، وخضبها بالحناء -لأن الصبغ بالسواد منهي عنه- فقام الإمام أحمد يعانقه، وأحبه وأكرمه وقال: إني أرى الرجل يقيم شيئاً من السنة فيحبه قلبي. ولذلك انظر الآن لبعض الشباب الذين هداهم الله عز وجل، تجد بعضهم في العشرين أو الخامسة والعشرين هداهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فتجد خصال الفطرة عليهم إعفاء اللحية قص الشارب الطيب السواك لماذا؟ بسبب اتباع المعلم صاحب المنهج والشرع، النبي الجليل المعصوم عليه الصلاة والسلام، وأبشره -إن شاء الله- أن ينجو بنجاة ذاك، ولله الحمد. وأزف لكم بشرى طالما اعتملت في صدري، وصدري منبلج وصدور إخواني المسلمين، وهي: إقبال هؤلاء الشباب على الله عز وجل ولله الحمد، قبل سبع أو ثمان سنوات كانوا يذكرون في المجالس أن في الحي الفلاني أو الحارة الفلانيه شاباً مهتدياً أطلق لحيته، والآن أجلس يوم الجمعة هنا قبل أن أقوم إلى الخطبة والمؤذن يؤذن، فأنظر إلى الصفوف وإذا كل الناس قد أطلقوا لحاهم وقصوا شواربهم، وأصبحوا من أهل السنة، فلله الحمد والمنة. وبعض الناس يقولون: إن هؤلاء يتسترون بالدين! كيف يتسترون بالدين ونحن نعلم أن أكثر ما يعذب في العالم هم المتدينون، وأكثر من ينال من أعراضهم هم المتدينون، وأكثر من يسب هم المتدينون، وأكثر من يسجن هم المتدينون، وأكثر من يقتل هم المتدينون؟! فهل أتى هؤلاء إلى مكمن الخوف ليستتروا؟! لا ومن كان ضعيف البصيرة والبصر والإيمان فهو يبتعد عن الدين حتى يحلق لحيته ويطول ثوبه، حتى قلنا لبعضهم فقال: والله إني أخاف من علامات الاستفهام. سبحان الله! علامات الاستفهام أن يقولوا إنك تتبع محمداً صلى الله عليه وسلم، أو إنك متطرف هل تعلمون إنساناً أكمل، وأجل، وأفضل، وأبجل، وأعظم، وأرحم من محمد صلى الله عليه وسلم؟ ليس هناك خير إلا باتباعه، وإن لم تتبعه فهو الخزي والعار والدمار في الدنيا والآخرة، وأنت إما أن تتبعه وإما أن تتبع الشرق والغرب فلا يا أخي! هذا شرف لك، واحمد الله على ذلك، وإذا أوذيت في سبيل الله فمحمد صلى الله عليه وسلم أوذي وعودي، إبراهيم، وموسى، وعيسى، والعلماء، والصالحون، وما زادهم إلا إيمانا ًوتسليماً وصبرا ًوجلداً، فاصبر على ذلك ولو استهزأ بك المستهزئون، فإن الله تعالى يعوضك أن تضحك في الجنة وتسخر من أولئك وهم في النار والعياذ بالله. على كل حال هذه خواطر، والدرس المقبل -إن شاء الله- سوف يكون عن موضوعات عصرية وأطروحات جديدة، عسى الله أن ينفع بها، وأسأل الله لي ولكم السداد والهداية والرشد والتوفيق.

كتاب الأسبوع

كتاب الأسبوع Q ما هو كتاب هذا الأسبوع؟ A أنا صراحة ما أعددت كتاباً في ذهني في هذا الأسبوع، لكن بالإمكان أن نشير إلى كتاب ينفع، هناك كتاب صغير أهدي لكم عنوانه، وهو كتاب: فضل علم السلف على علم الخلف، لـ ابن رجب الحنبلي. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الشباب وأدب الاختلاف

الشباب وأدب الاختلاف الاختلاف سنة من سنن الله في هذا الكون، وهذا الخلاف يختلف باختلاف الأشخاص، ولكن أي خلاف له آداب، وله أسباب، فيا ترى ما هي هذه الأسباب؟! وما هي هذه الآداب التي تفتقر إليها الجماعات والأفراد اليوم؟ وهل الأئمة الأربعة كانوا يتعصبون لأقوالهم ولآرائهم؟ للإجابة عن هذه الأسئلة ستجدها في هذا الدرس.

أسباب الاختلاف

أسباب الاختلاف الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عنوان هذا الدرس: الشباب وأدب الاختلاف:- الشباب وأدب الاختلاف هو مجال هذا البحث في هذه الليلة، وسوف يكون بإذن المولى سُبحَانَهُ وَتَعَالى دروس تخص الشباب؛ كدرس الشباب والهمة العالية، الشباب والتأثير، الشباب والعزلة، الشباب والعلماء، نتكلم عن حديث من أحاديثه عليه الصلاة والسلام، فمنها: سنة الله في الاختلاف سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ومنها أسباب الاختلاف: البغي، الحسد، الكبر، التعصب للأشخاص والمناهج، ضيق الأفق، فساد التصور وضعفه، إلزام مالا يلزم، غلبة العاطفة على العقل، حب الخلاف لذاته، عدم التثبت من الأقوال والأفعال. أما أدب الاختلاف فمنها: 1/ سماع الحجة والرأي الآخر. 2/ إيراد الدليل. 3/ الهدوء في الرد. 4/ ذكر جوانب الاتفاق قبل الاختلاف. 5/ التواضع في الرد. 6/ تحديد الخلاف. 7/ التحاكم إلى أصحاب الأهلية في الحكم. 8/ الرد إلى الله ورسوله في المسائل الشرعية. 9/ تجنب النيل من الأشخاص والتشفي بهم. 10/ ترك الإزعاج ورفع الصوت والتهويل. 11/ معرفة أنواع الاختلاف أهو تضاد أم تنوع؟ 12/ عذر المخالفين في أمور الشريعة. 13/ قصد الحق وطلبه. 14/ الإنصاف مع العدو ومع القريب. 15/ ثم بعض القضايا حول هذا المنهج والله الموقف إلى سواء السبيل. اعلموا -حفظكم الله- أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118 - 119] قال بعض العلماء: وللاختلاف خلقهم، وبعضهم ألف في ذلك كتاباً يرى أن من سر خلق الخليقة الخلاف والذي يظهر أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى خلق الخلق للعبادة -وهو الصحيح- فإن الله يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فخلقهم للعبادة لا للاختلاف، لكن من سننه سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الكون، أنه ميَّز بين الأطعمة والأمزجة والألوان والمطعومات والمشروبات والأفكار، فجعل الحلو والحامض، والظلمة والنور، والليل والنهار، وجعل الحار والبارد {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد:4] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الأيام: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] وجعل سُبحَانَهُ وَتَعَالى من آياته التي تثبت تدبيره للكون سُبحَانَهُ وَتَعَالى وبديع صنعه، اختلاف الألسنة والألوان، فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى خالف بين ألسنة الناس ونطقهم وألوانهم، فتبارك الله أحسن الخالقين، فسبحان الذي يغير ولا يتغير. إذاً فلابد أن يقع الاختلاف في الكون، ولا بد أن يقع في المجتمع الصغير، بدأ من الأسرة ثم القرية ثم المدينة ثم الشعب ثم الأمة ثم المعمورة، فلا بد أن يقف الإنسان أمام سنة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الاختلاف. ما هو موقف الشاب المسلم المقبل على الله عز وجل لأننا في مرحلة كثر فيها المتجهون إلى الله، وكثر الجيل الذي عرف طريقه إلى القبلة، وعرف اتجاهه والحمد لله. كل البرايا على أصنامها عكفت وقومنا عند باب الله قد عكفوا في كفك الشهم من حبل الهدى طرف على الصراط وفي أرواحنا طرف فقائدنا هو محمد عليه الصلاة والسلام، وبيتنا المسجد، ومطلبنا الجنة، وطريقنا الصراط المستقيم، ودستورنا وحي من السماء، وشيوخنا: أبو بكر وعمر وشاعرنا حسان، ومفتينا معاذ. ماذا تريدون؟! يريدون وجهه: {دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء، وترعى الشجر حتى يلقاها ربها} وهذه هي أمانة الجيل وهم في مرحلة يريدون فيها تنظير بعض المسائل؛ ليتجهوا إلى الله عز وجل وإلا فالعودة إلى الله فرضت نفسها على مستوى العالم، فكان لهذه القضية أهمية أوجبت على الدعاة أن يتكلموا عنها عن مسألة الاختلاف؛ لأنه يكثر التشاجر والردود والغضب والانفعالات التي إذا أعدتها إلى أصولها لا تجد لها مبرراً.

البغي سبب للخلاف

البغي سبب للخلاف ما هي أسباب الاختلاف بين الناس؟ البغي والعدوان، البغي بغير علم ولا هدى، تجد بعض الناس يُحب أن يبغي على الآخر وفي طبيعته العدوان، فهو مركب في نفسه كالسم في العقرب إذا لم تنفثه ماتت، وبعض الحيات فيها سم إن لم تلدغ في السنة مرة ماتت، فتجد بعض الناس كهذه الفصيلة يريد أن يظلم على حد قول زهير بن أبي سلمى: ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم وأوله صحيح وآخره خطأ. وقال المتنبي: ومن عرف الأيام معرفتي بها وبالناس روى رمحه غير ظالم يقول من يعرف الناس مثلي روى رمحه من دمائهم، وهذا ظلم وخطأ. ويقول الشاعر الجاهلي -أيضاً- في الظلم والطغيان بحق أو بغير حق: وأحياناً على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا يقول نهاجم الأعداء فإذا انتهى الأعداء هاجمنا جيراننا فلا بد أن نهاجم؛ فإنك تجد بعض الناس إذا لم يجد حرباً مع العدو رجع على جيرانه. وتجد بعض الناس لا يرتاح إلا أن يجلس معك في المجلس؛ فإذا سمع رأيك خالفك وإن كان يوافقك في سره لكن يحب الخلاف، يرى الأمر يجوز لكن إذا سمعك تقول: يجوز، يقول: لا يجوز، ولذلك جعلوا من آداب الصحبة ألا تخالف، وبعض الناس (مرفوس) في رأسه الخلاف، تسافر معه، فتقول له: ما رأيك، نجلس تحت هذه الشجرة؟ قال: لا؛ تحت هذه الشجرة، ما رأيك نجمع العصر مع الظهر؟ قال: لا نجمع الظهر مع العصر، ما رأيكم حفظكم الله نظل يوم الثلاثاء بالعمرة ويوم الأربعاء؟ قال: ما رأيك أنت، فتقول: يوم الثلاثاء، يقول: لا يوم الأربعاء، فيقول: ابن المبارك: وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا حياء وعفاف وكرم قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم وهذا من أبيات التربية الرائعة البديعة اسمع إليه: وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا حياء وعفاف وكرم قوله للشيء: لا إن قلت: لا وإذاً قلت نعم قال نعم وفي بيتين آخرين: إذا صاحبت قوماً أهل ود فكن لهم كذي الرحم الشفيق ولا تأخذ بزلة كل قوم فتبقى في الزمان بلا رفيق فالمخالف دائماً يكون مبغوضاً، الذي يحب الخلاف مغضوب عليه، والذي يحب أن يخالف بحق له مكانته ورأيه، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [آل عمران:19] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89] اليهود يشهدون أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول فلما جاءهم بالعمل كفروا والنصارى كذلك بغياً وعدواناً.

الحسد سبب للخلاف

الحسد سبب للخلاف ومنها: الحسد؛ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ} [البقرة:109] ما خلى جسد من حسد، والحسد يسري في أهل المهن والمتقاربون في السن والزملاء، والأقران فتجد أحدهم يخالف زميله لا لشيء إلا لأنه زميله فقط؛ يقول: الشيخ تجده يخالف الشيخ، والطالب يخالف الطالب، والمهندس يخالف المهندس، والطبيب يخالف الطبيب، والشاعر يخالف الشاعر، يقول الشاعر: ولكل شيء آفة من ضده حتى الحديد سطا عليه المبرد جعل الله لكل شيء آفة من ضده، فتجد الحديد هذا ما أقوى منه لكن عليه مبرد يقصمه. يقول أحد الحكماء: ما أقوى شيء خلقه الله؟ قال: خلق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الجبال، قالوا: ما أقوى من الجبال، قالوا: الحديد، قالوا: فما أقوى من الحديد، قال: الريح. ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:25] وأثبت العلم الحديث أن الريح أقوى قوة، قالوا: ما أقوى من الريح، قال: الصمت، الصمت أقوى من الريح ولذلك يقول البردوني يحيي الرسول صلى الله عليه وسلم ويحيي دعوته: بشرى من الغيث ألقت في فم الغارِ وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرار بشرى النبوة طافت كالشذا سحراً وأعلنت في الدنا ميلاد أنوار وشقت الصمت والأنسام تحملها تحت السكينة من دار إلى دار المقصود: أن الحسد هو الذي يحمل بعض الناس على أن يخالف بغير حق، وهذا مذهب بني إسرائيل -والعياذ بالله- لأنهم أحسد الناس فقد ذكر الله تعالى ذلك: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} [النساء:54] وهذا سارٍ في الشباب ولو استقاموا. قيل للحسن البصري أيحسد المؤمن، قال: ويلك أنسيت قصة أبناء يعقوب لما حسدوا يوسف عليه السلام، قال: إذا حسدت فلا تبغ، إذا حسدت أحداً فأخفهِ تسيء في قلبك، ولا تسيء بكلمة، لا تجرح عرضه، لا تسيء إليه بحركة غير مسئولة.

الكبر سبب للخلاف

الكبر سبب للخلاف ومن أسباب الاختلاف الكبر، قيل للرسول صلى الله عليه وسلم عن الكبر، قال: {الكبر بطر الحق وغمط الناس} بطر الحق: رده، تجد بعض الناس متكبراً تسلم عليه فلا يرد؛ لأنه من فصيلة أخرى دمه دم آخر، إذا نصحته قال: تقول لي هذا الكلام، مثلي ينصح؟! مثلي يوجه له مثل هذا الخطاب؟! ابدأ بنفسك فانصحها، هذا هو بطر الحق. وغمط الناس؛ لأن بعض الناس يتوهم أن الكبر في المظهر الجميل والرسول صلى الله عليه وسلم منع ذلك، يقول أحد الناس يا رسول الله! إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، أفمن الكبر يا رسول الله؟ قال: {لا، إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس} رده وجحده وعدم قبوله، وما حمل أبا جهل على رد الرسول عليه الصلاة والسلام إلا الكبر، وكذلك الوليد، وكذلك الطغاة كفرعون، وهامان وقارون، وإلا فـ أبو جهل يقول: إنا نعلم أن محمداً صادق، لكن إذا قال بنو هاشم عندنا النبوة فماذا نقول نحن؛ لأنهم أسرة بنى مخزوم، تعارض بني هاشم دائماً في كل مكان، فقال: إذا قالوا النبوة عندنا فماذا نقول؟ فيقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33] وقال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ} [الأعراف:146]. فالمتكبر يرد الحق ويخالفك؛ لأنه يرى أنه ليس بإمكانه أن يتنازل لك ويسمع منك الحوار والمناظرة، والعالم يعيش الآن مبدأ الحوار وسماع الرأي الآخر، أن يستمع لك بغض النظر عن مستواك، فلاح أو مهندس أو راعي غنم أو بدوي؛ لكن يريد أن يسمع منك، وقف عمر رضي الله عنه وأرضاه على المنبر يشجع الحوار فقال: [[يا أيها الناس! ما رأيكم إذا رأيتموني عدلت عن الطريق هكذا؟ -يعني طريق الاستقامة- فقام أعرابي في آخر المسجد يرعى غنماً عنده سيف طوله متران فسل سيفه وقال: والله يا أمير المؤمنين! لو رأيناك ملت عن الطريق هكذا، لقلنا بالسيوف هكذا، قال: الحمد لله الذي جعل في رعيتي من لو قلت عن الطريق هكذا لقال بالسيف هكذا]] فهذا مبدأ أن يسمع كل من الآخر، وأن يرى هل الحق معك أم معه.

التعصب لشخص أو لمنهج سبب للخلاف

التعصب لشخص أو لمنهج سبب للخلاف السبب الرابع من أسباب الاختلاف: التعصب للأشخاص والمناهج، بعض الناس إذا أحب شخصاً تولع به، مثلاً: بعض الناس يسمونه مجنون أبي حنيفة، عالم توفي قبل فترة يسمونه مجنون أبي حنيفة، كلما جئته قال أبو حنيفة وخالف أبو حنيفة فلان قال: من خالفه فقد أخطأ (قاعدة على طول الخط) وأبو حنيفة ليس معصوماً، نعم إنه عالم جليل فاضل نحبه ونتقرب إلى الله بحبه، لكن ليس معصوماً، فتجد بعض الناس يتعصب مثلاً لشيخ، فيقول: شيخي إذا قال مسألة فهو الصحيح لا يمكن أن يخطئ، وتجده يدافع عنه ويرد على من رد عليه بالحق وبالباطل، وهذا لا يصح وليس أحد معصوماً إلا محمد صلى الله عليه وسلم، والكتب كلها فيها اختلاف إلا القرآن، قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. التعصب للمنهج: يرى بعض الناس أن منهجه ووسيلته وطريقته ما أسعد منها وما أصح منها وغيرها خطأ، وأنه يجب على الناس والشباب أن يمضوا مع منهجه، وأن يسلموا بطريقته، وأن يستسلموا لما يقول، ويرى أن الحق فيما يسير عليه وأن غيره مخطئ وهذا ليس بصحيح، ولذلك يقول هؤلاء أهل المبدأ: {هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [النساء:51]. فمثلاً يقول: أبو جهل كيف يكون الحق مع بلال ومع صهيب وابن مسعود حتى يقول أحد الكفار: لو كان ما جاء به محمد هو الحق ما كان معه بلال وهؤلاء الضعفة. يقول رجل لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: يا علي! أتظن أن الحق معك والباطل مع طلحة والزبير وعائشة -يعني في الجمل- قال: [[ويلك اعرف الحق تعرف أهله، ولا تعرف الحق بالرجال]] وجوابات علي دائماً تكون مسددة، وقد ذكرت لكم أنه فاجأه رجل فقال: سبحان الله! ما للأمة اتفقت على أبي بكر وعمر واختلفت عليك، قال: [[لأن رعية أبي بكر وعمر أنا وأمثالي ورعيتي أنت وأمثالك]] نعم؛ فالتعصب للأشخاص والمنهاج مصيبة بلغ الإسفاف عند بعض الناس في الأمة أنه يحب مطرباً مغنياً فيتوله به وبحبه ويدافع عنه ويغضب، أو يحب نادياً رياضياً فيعلق إشارة النادي في سيارته وفي غرفة النوم، وفي الطريق وفي كل مكان، ويكتب على سريره هلاليون حتى الموت: ناصريون نصرهم أين ولى حين داست على الجباه اليهود وحدويون والبلاد شظايا كل قطر عن البلاد شريد ويقول نزار قباني: وحدويون والبلاد شظايا كل جزء من لحمها أجزاء ماركسيون والجماهير جوعى فلماذا لا يشبع الفقراء لو قرأنا التاريخ ما ضاعت القدس وضاعت من قبلها الحمراء فتجد تعصب بعض الناس حتى للمطرب أو للرياضي، وتجد شركات تقوم بالدعاية على هذا ويتضارب أناس، وتتكسر أيدي، وتدق أنوف، وتطلق زوجات من أجل هذا، وهذه سفاسف تمتلئ بها عقول بعض الناس.

ضيق الأفق سبب للخلاف

ضيق الأفق سبب للخلاف ومن أسباب الاختلاف ضيق الأفق: بعض الناس ضيق الأفق، لا يريد أن يحاورك ولا يتسع صدره لتأخذ وتعطي معه وتورد له رأيك فهو مغلق من أول الطريق يقول لك: خطأ، لا يصح، لا يعرف إلا هذه الكلمات، فهو مستعد بهذه الطلقات يرد بها عليك، حسناً: اسمع الحجة، واسمع ماذا أقول، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] اتركه حتى يسمع كلام الله، حتى يسمع النور، ويسمع الوحي، اجعل له فرصة حتى يظهر لك ما في صدره، أما أن تلقي عليه محاضرة في التعليق ثم لا تعطيه فرصة للتكلم فهذا ظلم! ولابد أن تسمع كلام الآخر وأجمع العقلاء أن صاحب الحجة لا بد أن يسمع لحجة غيره، اسمع للشافعي صاحب العقل المتنور وهو يقول: قولنا صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب، يقول: ويقول: والله ما ناظرت أحداً إلا وددت أن يظهر الله الحق على لسانه وكان إذا ناظر أحداً قال: اللهم سدده، اللهم ثبته، ولذلك رفع الله الشافعي وأمثاله. يقول المتعصبون: قولنا حق، وقول غيرنا خطأ، وتجد أحدهم إذا أراد أن ينتصر لنفسه شتم المقابل -في المسائل الفرعية أقصد- واستهزأ به ونال عرضه وأسرته وكل شيء فيه.

فساد التصور وضعفه سبب للخلاف

فساد التصور وضعفه سبب للخلاف ومن أسباب الاختلاف: فساد التصور وضعفه، فإن بعض الناس عندهم فساد في تصور الأمور وإدراكها مثل: أن يأتي بصغائر المعاصي فيجعلها كبائر، مثل إسبال الثياب يعدها الآن بعض العلماء من الكبائر لكنها ليست من الموبقات السبع التي عدها صلى الله عليه وسلم، ثم إن صاحبها لا يكفر بها، قد تجد بعض الناس يكبر هذه ويحجمها ويضخمها لفساد تصوره عن الإسلام وإلا فهي من المعاصي والذنوب، لكن هو لا يدرك حجم القضايا في الإسلام، وما هي الكبائر وما هي الصغائر وما هي أركان الإسلام وأركان الإيمان؟ فتجده يقول إذا مر برجل مسبل: أسأل الله أن يحاسبه بعدله، ثم يقيم الدنيا ولا يقعدها، فمسألة الإسبال عنده قضية الساعة مهما حدثته عن فساد المناهج، عن الخواء العقدي، عن التلوث الفكري، ما عنده إلا هذه المسألة وهو مأجور لكن قد جعل الله لكل شيء قدراً. ضعف التصور: فإن بعض الناس يتصور بعض الأمور على غير ما هي عليه، كما فعل الخوارج يحملون آيات الكفار على المؤمنين فكلما سمعوا آية قالوا: المقصود بها أولئك وإلا فـ أهل السنة يحملون آيات الكفار للكفار وآيات المؤمنين للمؤمنين.

إلزام مالا يلزم سبب للخلاف

إلزام مالا يلزم سبب للخلاف السبب السابع من أسباب الاختلاف: إلزام مالا يلزم، تجد بعض المخالفين يقول: قال العالم الفلاني كذا وكذا، ويقصد به كذا وكذا، إذاً هو كذا وكذا مثل ماذا؟ مثل: رجل قال: من استمع للغناء ورضي به فهو فاسد، ومن كان فاسداً ورضي بالفساد في بيته فهو ديوث، ومن كان ديوثاً لا يدخل الجنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا يدخل الجنة ديوث} إذاً فمن استمع الغناء فهو ديوث هذه قواعد مثل قواعد الهندسة، وهذا المطلوب إثباته أي: يركب الفتيا تركيباً، وهذا خطأ عند أهل العلم لأنه يلزم ما لا تلزم، أضرب مثلاً: تقول له: رحمة الله واسعة، والله غفور لذنوب العباد، فيقول: المرجئة يقولون: إن الله غفور لذنوب العباد، والمرجئة يستسهلون المعاصي إذاً أنت مرجئ، إذاً أنت مبتدع من المرجئة، فينزل عليك الحكم أول ما تأتيه، وهذا إلزام ما لا يلزم وليس بصحيح. رد بعض الناس على بعض الدعاة فقال: يقولون: إن الإسلام ليس مسائل نقض وضوء، ولا نواقض وضوء ولا حيضاً، والخميني يقول: ليس الإسلام نواقض وضوء ولا حيضاً، إذاً هم مثل: الخميني إذاً فهم رافضة إذاً هم يشتركون مع الخميني، وهذا ليس بصحيح؛ لأن أهل السنة قد يشتركون في قدر نسبي مع أهل البدعة فمعنى العالم في الإسلام إذا قال: ليس الإسلام من الحيض ولا للنفاس ولا لنواقض الوضوء يعني معنى كلامه أنه دين شامل للحياة، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] ومعنى كلام الخميني أن هذا الدين بفرعيات ليس الذي هو شغل به بالناس، إنما المقصود: الحكم، فيلزم بعض الناس البعض بما لا يلزم وليس بصحيح، فإن الخوارج يوافقوننا أحياناً في بعض الجزئيات، واليهود يوافقوننا في بعض الجزئيات، والنصارى يوافقوننا في بعض الجزئيات، فاليهود والنصارى يوافقوننا أن الله موجود، ويخالفوننا في الرسالة والألوهية، بل ما أظن أنه ليس في العالم جنس إلا يتفق مع الجنس الآخر في شيء. حتى الشيوعيون يوافقوننا أن هناك مؤثراً في الكون ونحن نقول: المؤثر هو الله، وهم يقولون: إنها الطبيعة المؤثرة.

تغلب العاطفة على العقل سبب للخلاف

تغلب العاطفة على العقل سبب للخلاف السبب الثامن: غلبة العاطفة على العقل: تجد الشباب في السن هذا المحدد بين العشرين والثلاثين، أو بين الخامسة عشرة والثلاثين، أو أقل بقليل تجده يندفع وعاطفته جياشة، ودائماً كلامه غليظ، ويستخدم من العبارات الثقيلة التي قد تضل أحياناً عن العقل، فإذا أتى يرد رد بقوة وجرأة، وبالحق والباطل، وأجلب بخيله ورجله؛ لأن العاطفة غلبت عنده، ولذلك نريد عاطفة شباب وعقول شيوخ؛ لأنها إذا أتت عاطفة شيوخ وعقول شيوخ ماتت الأمة فلا يغير أحد المنكر، وإذا أتت عاطفة شباب وعقول شباب تدمرت الأمة، لكن عقول الشيوخ وعاطفة الشباب هو المطلوب في الإسلام والمقصود. فأحياناً إذا حاورت شاباً تجده إنما يميل إلى هذا الرأي ميلاً وينتصف أكثر مما ينبغي، يخطئ بعض الناس في المحاضرات، تجد بعض الناس يقول: حسبنا الله عليه، لماذا يقول هذا الحديث صحيح وهو ضعيف وقد أخطأ، وهذا يدل على عدم معرفته بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهجره للسنة وعدم اهتمامه بهذا الأثر الشريف، وهذا حماس لا داعي له، البيان أن تبين أنه أخطأ في الحديث، وأن تبين وجهة نظرك.

حب الخلاف لذاته سبب للخلاف

حب الخلاف لذاته سبب للخلاف السبب التاسع: حب الخلاف لذاته، يقول أحد الشعراء أظنه الشريف الرضي: مشغوفة بخلافي لو أقول لها يوم الغدير لقالت ليلة الغاري فبعض الناس مشغول بالخلاف، يحب الخلاف لذاته إذا قمت قعد، وإذا قعدت قام، وإذا تبسمت غضب، وإذا غضبت تبسم، فهو يريد أن يكون دائماً مخالفاً لك في كل شيء، لا لشيء إلا لأنه يحب المعارضة وهذه تنشأ مع الأطفال، أحياناً: تجد بعض الأطفال ينفرد عن أطفال الحارة في لعبهم وجلوسهم وسيرهم فينشأ معه الخلاف حتى يكبر، يقولون: إن الأشتر النخعي كان يحب الخلاف منذ أن كان صغيراً، الناس في كفة وهو في كفة. وهذا استطراد وهو الذي قتل محمد بن طلحة في معركة الجمل. خرج إليه ومحمد بن طلحة لا يريد القتال وكان الأشتر شجاعاً مهاباً نظر إليه عمر وقال: ويل لك وويل للعرب منك- اقترب هذا الأشتر من محمد بن طلحة فقتله، فيقول: محمد بن طلحة أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، فقال: وأشعث قواماً بآيات ربه قليل الأذى فيما ترى العين مسلم شققت له بالرمح جيب قميصه فخر صريعاً لليدين وللفم على غير شيء غير أن ليس تابعاً علياً ومن لا يتبع الحق يندم يذكرني (حم) والرمح شاجر فهلا تلا (حم) قبل التقدم فالخلاف طبيعة في بعض الناس.

عدم التثبت سبب للخلاف

عدم التثبت سبب للخلاف السبب العاشر: عدم التثبت من الأقوال والأفعال: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] كثير من الناس الآن يبني أحكامه على غير معرفة الرأي الآخر، سمع أن داعية قال كذا وكذا فقام على المنبر بخطبة يرد عليه، فيظهر له بعد الخطبة أنه ما قالها، قال: أخبرني فلان عن فلان، سند إسرائيلي معضل. وبعضهم يسمع طرف الخبر، ويقوم يبني عليه ويرد ويكتب ويدرب ويعلم وليس كذلك، أهل السنة إذا بلغهم الخبر تثبتوا من صاحبه وراسلوه، ماذا تريد؟ وما مقصدك؟ أما أن تسمع الخبر وتلقيه على عواهنه. والخطورة التي يعيشها شبابنا اليوم خطورة الشائعات، تجد الآن الشائعة تخرج شبراً وتعود إليك ذراعاً أو متراً أو باعاً، تخرج كلمة ثم تنتشر وتنتشر فلا تعود إليك إلا وهي حبل كبير من المصائب فالناس يحبون الشائعات، تعطيها جارك فيزيد عليها كلمتين، والجار يسلمها جاره بثلاث كلمات وهكذا تدور في الحارة فلا تخرج من الحارة إلا وهي محاضرة. من الأحاديث يقول الإمام مالك يخرج الحديث من عندنا من المدينة شبراً ويعود من العراق ذراعاً، وهذا مثل كثير من المبتدعة، فإنهم يأخذون الحديث من صحيح البخاري ثم يزيدون عليه ثلاثة أضعاف الحديث، فالمسلم دائماً يتثبت، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء:36] فوصيتي لإخواني إذا سمعوا خبراً من رجل أو من داعية أو من طالب علم أو من مسئول، أن يتثبتوا منه شخصياً، وأن يتأكدوا حتى لا يكونوا عرضة للتهم وبالمجازفة، ولا للنبز بالعجلة والطيش.

آداب الخلاف

آداب الخلاف آداب الخلاف: إذا اختلفت مع رجل فهناك آداب لا بد أن تراعيها معه:

من آداب الخلاف سماع الحجة

من آداب الخلاف سماع الحجة الأدب الأول: أدب أن تسمع الحجة والرأي قبل أن تباهته، وقبل أن تخاصمه، واستمع منه ولا تقاطعه، لك أن تورد ما شئت ويسكت هو، فإذا سكت تبدأ أنت، وهذا هو أدب الحديث، والعجيب أنا لما تركنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ أصبح الآن بعض الناس يقول الكافر عنده احترام في الحديث، عنده فن الحديث دايل كارنيجي له كتاب اسمه فن الحديث أو أدب الحديث وهو صاحب غزة الهالك، B=4000085> دع القلق وابدأ الحياة، B=4000370>> كيف تكسب الأصدقاء؟ فن الحديث، يعلمك كيف تكون متحدثاً وهذا في الإسلام والقرآن والحديث فتسمع منه حتى ينتهي، فتقول: أستأذنك، فإذا جاء يقاطعك قل له: أنا سمعت منك حتى انتهيت والآن اسمع مني حتى أنتهي، وهذا أدب الإسلام.

من آداب الخلاف إيراد الدليل

من آداب الخلاف إيراد الدليل الأدب الثاني: إيراد الدليل، التهويل لا يصلح، ورفع الصوت لا يصلح، الذي يصلح هو: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [النمل:64]. وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل: {على مثلها فاشهد} فالمسلم يتهيأ بدليل كامل؛ وثائق أو براهين تدمغ بها خصمك تظهره له، تقول: قلت كذا وكذا يوم كذا وكذا.

من آداب الخلاف الهدوء في الرد

من آداب الخلاف الهدوء في الرد الأدب الثالث: الهدوء في الرد واعلم أن رفع الصوت لا يكون إلا في الخطب إذا كان فيها حق، فإن الخطب من آدابها رفع الصوت، لكن الهدوء في الحوار مطلوب، ورفع الصوت لا يجلب لك نصراً، قال تعالى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19] وصاحب الباطل يرفع صوته حتى يظهر للناس أن الحق له، وصاحب الحق متزن وهادئ يوصل كلمته في تمكن واطمئنان لأنه واثق من نفسه، هذه مسألة؛ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت:46].

من آداب الخلاف ذكر جوانب الاتفاق

من آداب الخلاف ذكر جوانب الاتفاق المسألة الرابعة من آداب الاختلاف: ذكر جوانب الاتفاق قبل الاختلاف، إذا أتيت إلى كافر وثني تريد أن تجادله في ألوهية الله عز وجل، ابدأ معه فيما تتفقان معاً عليه، قال الله عنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] تقول من خلق السماوات والأرض، قال: الله، تقول: أنا وأنت متفقان أن الله خلق السماوات والأرض، حسناً: فمن رزقنا ورزقك، يقول: الله، {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [يونس:31] فسوف يقول: الله، فتتدرج معه، ثم تقول: فمن يستحق العبادة بعد ذلك: ربما يجيبك بأحد جوابين إن استحقها الله -الحمد لله- وإن استحقها الوثن فقل: وثن لا يسمع ولا يرى ولا يرزق ولم يخلق فكيف يستحق العبادة؟! حينها سوف يجيبك، ثم تركز عليه بما تبدأ معه، رب قدير رحيم خبير بصير أيترك خلقه بلا رسل؟ فإن قال: لا، أصاب، وإن قال: نعم يتركهم هملاً فقد أخطأ فتبدأ معه في الحوار، فأول ما نبدأ نبدأ أولاً بما اتفقنا عليه كالنصارى الآن، قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64]. أحد الناس في جنيف وهو أبو عمار تلا الآية وأمامه وفد اليهود وبعض وفود النصرانية من الدول الغربية وهو عند المكرفون وهو يتلوها وسمعتها بأذني قال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64] ثم وقف، وقف حمار الشيخ في العقبة؛ لأن المسألة الكبرى هي التي بعد هذا الكلام وماذا بعد هذا الكلام؟ يحملها أبو عمار على أننا نصطلح، والله يقول: {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:64] فهذا ليس من هذا فبعض الناس يأخذ نصف الحجة وهي عليه لا له، ثم يترك الحجة وهذا مثل ما يقول يحيى بن سعيد القطان وقيل عبد الرحمن بن مهدي -وأظنه الصحيح- أهل السنة يكتبون مالهم وما عليهم، وأهل البدعة لا يكتبون إلا ما لهم. تجد بعض أهل الهوى لا يكتب إلا ما هو له وأما ما هو عليه من الحجج يتركها، إذا نقل شيئاً من كتاب ورأى شيئاً ضده تركه وأهمله، أما أهل السنة فيكتبون ما لهم وما عليهم وهذا منهجهم.

من آداب الخلاف التواضع في الرد

من آداب الخلاف التواضع في الرد الخامس من آداب الخلاف: التواضع في الرد، قال تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ:24] تأتي أولاً تظهر أنك لست جازماً في الحق، هذا تواضع تقول: أنا رأيي وقد يكون رأيي خطأ، ومن وجهة نظري وأظن أن وجهة نظري يمكن أن تكون خطأ، والله أعلم، وما أدري، ولكن لو سمحت حفظك الله، ولو رأيت أن أعرض عليك المسألة وما أدري هل رأيي صواب أم خطأ، لكن أريد أن أسمع رأيك، فإذا أتيت في تواضع تواضع هو معك، واعلم أن كل إنسان مهما كان فإنه يرى لنفسه مكانة، فإذا أتيت للإنسان تنزل من قدره، وتقول: رأيك خطأ ورأيي هو الصواب وأنت اسأت وأخطأت وما ينبغي لك؛ فإنه سيغضب عليك، لكن عليك أن تبدأ بالحوار كما فعل صلى الله عليه وسلم، ولذلك منهج القرآن يرشد المؤمنين إلى ذلك قال تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ:24] مع العلم أنه معروف أن أهل الإيمان على هدى وأهل الكفر في ضلال مبين، فالمقصود: أن تتواضع لقرينك وأن تذكر فضائله في أول الرد تقول: عرف عنك الخير، وأنت صالح وصادق، وعرف عنك الفضل والدعوة والبذل، ولا نسمع عنك إلا الخير؛ لكن ما رأيكم في هذه المسألة، ثم تبدي له بعض الأخطاء بتواضع كامل.

من آداب الخلاف تحديد الخلاف

من آداب الخلاف تحديد الخلاف ومن آداب الاختلاف تحديد الخلاف: بعض الناس يموج في النقاش من غير تحديد نقطة، لا يعرف نقطة الخلاف، تجده مرة يبدأ بالألف ومرة بالياء ومرة في الجيم فيضرب ضربات خاطئة، يقول أهل الأصول: لابد من تحديد نقطة الخلاف؛ حتى تناقش بوضوح للوصول إلى نتيجة مفيدة، واعلم أنك قد تجد بعض الناس يخالف ولكن لا يدري ما سبب الخلاف، ولا يدري ما هو منشأ الخلاف ولا نتيجة الخلاف، فتحديده أولى وأحسن وأحرى، وهذا منهج القرآن فإنه يحدد الخلاف (كاليوم الآخر) ثم يبدأ يحاور الكفار، أو يحدده في الألوهية أو في الشرك والأوثان ثم يبدأ من هذا المنطلق.

من آداب الخلاف التحاكم إلى أهل العلم والكتاب والسنة

من آداب الخلاف التحاكم إلى أهل العلم والكتاب والسنة الأدب السابع: التحاكم إلى صاحب أهلية في الحكم، أن إذا اجتمعت واختلفت أنت وزملاء لك أن تقول: نحكم فلاناً، العالم الداعية المفكر ليكون حكماً بيننا، وهذا هو الأحسن، وقد حدث هذا في السيرة كثيراً فاختلف ابن عباس رضي الله عنه وبعض الناس: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل وهو محرم، فقالوا: نحتكم إلى أبي أيوب الأنصاري صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم فاحتكموا إليه، فقال لهم: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يغتسل وهو محرم، فرضوا بحكمه، فقال المسور بن مخرمة لـ ابن عباس: والله لا أخالفك بعدها أبداً. اختلف ابن عمر كما في مسند أحمد وسعد بن أبي وقاص: ابن عمر يرى المسح على الخفين، وسعد يقول: لا المسح على الخفين سنة، فلما وصلوا إلى عمر شكا ابن عمر سعداً إليه، فقال عمر: لا، وقال: إذا قال لك أبو إسحاق قولاً فلا تعدل بقوله، فلك أن تختار شخصاً من الأساتذة أومن العلماء تحكمه في المسألة، ثم تسمع أنت وإياه حتى تنهون هذه المسألة. وكم من المسائل الخلافية الآن بين الشباب لا تنتهي، سنة كاملة وهم يدورون حول أنفسهم، ولو عرضواها على أعلم منهم لأنهوها في لحظة. ومن آداب الاختلاف: الرد إلى الله ورسوله في مسائل الشريعة، قال تعالى: {فإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] الرد إلى الله أي إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي إلى سنته عليه الصلاة والسلام، فإذا اختلفت أنت ورجل في قضية فقل: نحتكم إلى الكتاب والسنة وإلى أهل العلم الذين يبينون الكتاب والسنة وحينها تسمعون الحكم الصريح من الكتاب والسنة، قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] فالمقصود: لو ردوه إلى أهل العلم لعرفوا القضية، وهذه المحاكمة في العقائد، في العبادات، في الأخلاق، في السلوك، في الآداب العامة، على الاثنين إذا اختلفا ولم يرضخ أحدهما للآخر أن يعيداه إلى أهل العلم بالكتاب والسنة.

من آداب الخلاف عدم التشفي بالأشخاص

من آداب الخلاف عدم التشفي بالأشخاص السبب التاسع: تجنب نيل الشخص والتشفي به، بدل أن تحاورني في مسألة وما كان أن تعارضني في قضية تبدأ تجرحني وأجرحك؛ هذا ليس مبدأ الحوار، الشخص شيء والقضية التي تعرض شيء آخر، كان ابن قدامة صاحب المغني إذا أراد أن يناظر أحداً تبسم في وجهه فيقول أحد العلماء: هذا والله يقتل الناس بتبسمه، يقول المتنبي: وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا والمعنى: أن التبسم والأريحية والهدوء تقتل الخصم؛ لأن الخصم يريد منك أن تتفاعل وأن تحترق بداخلك، فإذا أظهرت له أنك لا تتأثر وأنك هادئ احترقت أعصابه، وهذا ما يفعله كثير من أهل العلم، فليس من نيل الأشخاص فائدة في باب النقاش فهذا يقع فيه كثير من الناس، فتجدهم ينالون الأشخاص في قضية خالفوهم فيها، مثلاً: يخالفك في قضية فيها ضم اليد اليمنى على اليسرى تحت السرة، وأنت ترى أنه على الصدر فإذا خالفك تقول: وخالفني، وسمعت أنه بخيل، وسمعت أنه جبان، وسمعت وسمعت! ما دخل الجبن والبخل وغير ذلك في ضم اليد اليمنى على اليسرى على الصدر، قضية تُداخلها في قضية أخرى هذا لا يصح وهذا هو عنوان الانهزام.

من آداب الخلاف ترك الإزعاج ورفع الصوت

من آداب الخلاف ترك الإزعاج ورفع الصوت السبب العاشر: ترك الإزعاج ورفع الصوت والتهويل، وهذا يوجد في الشباب كثيراً، تجده إذا غلب في قضية بدأ يغرد بصوته في المجلس ويصيح، والصياح ليس من أدلة أهل السنة والجماعة، الأدلة هي الكتاب والسنة والإجماع، وليس الكتاب والسنة والصياح، فالصياح يأتي عند الفشل، عندما يرى الإنسان نفسه أنه فاشل، يبدأ يرفع صوته ويقسم أيماناً مغلظة والله وبالله وأيم الله، إن الحق معي والله، إنك مخالف والله، إنك تريد الباطل بدون أيمان أعطنا حجة وبدون صياح أعطينا بياناً وبدون تغريد أعطنا برهاناً قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [النمل:64].

من آداب الخلاف تحديد التخالف تضادي أو تنوعي

من آداب الخلاف تحديد التخالف تضادي أو تنوعي السبب الحادي عشر: أن تحدد نوع الاختلاف هل هو خلاف تضاد أو تنوع؛ لأن التضاد لا يعذر صاحبه، لأن أهل السنة: إذا خالفهم غيرهم في ذلك لما يعذرونه مثل: من أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، رجل يقول: أركان الإسلام أربعة، تقول: خمسة، يقول: لا أربعة، يذكرون أن رجلاً أحمق دخل عند قاضٍ يشهد، أخذه رجل وأعطاه دراهم، قال: اشهدلي، فلما جلس عند القاضي، قال صاحب شهادة الزور: أنا أجلس وراء القاضي فإذا سألك القاضي عن أسئلة فالتفت إلي وأنا أشير لك وأنت تجيب على قدر الإشارة، فجلس هذا الأحمق أمام القاضي، قال القاضي كم أركان الإسلام: فالتفت إلى صاحبه، ثم قال: خمسين، قال: القاضي خمسين؟ قال: خمسمائة، يعني يا خمسين يا خمسمائة، والمقصود أن التضاد هو الذي لا يعذر صاحبه، وليس في الإسلام إلا خمسة أركان، ولا نقول كل مأجور، من قال أربعة أجر، ومن قال خمسة أجر، ومن قال ستة أجر، لا، خمسة فقط لا يوجد كلام آخر، خمسة فقط وأركان الإيمان ستة فقط. صلاة الظهر أربع ركعات في الحضر فقط لا تأتي تقول: الحمد لله المجتهد له أجران، والمفتي أجر واحد، هذا يأتي في اختلاف التنوع في الفرعيات، فهذا لا يعتبر مخالفاً فيه مثل العقائد وأصول الإسلام. وأما مسائل التنوع فهي مثل المسائل التي فيها سعة مثل: الجهر ببسم الله في الجهرية أو الإخفات بها، لا تقل: فيها قول واحد ومن خالفنا فقد ابتدع وخرج من الملة، لا. خالفك قوم ومعهم دليل ويمكن أن الصواب معك، لكنهم اجتهدوا فأخطئوا فلهم أجر واحد، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد} حديث صحيح، فلذلك تدعو للناس بالأجر وتلتمس لهم العذر. فلا يجوز للمخالف في مسائل الفرعيات أن يعنف على من خالفه، مثل: الآن من المسائل الخلافية: دخولك بعد صلاة العصر في المسجد؛ بعض أهل العلم يرى ألا تجلس إلا بعد أن تصلي ركعتين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} وآخر يقول: لا يجوز لك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس} هذا مأجور وهذا مأجور، ولو أن الصواب في الظاهر مع من قال يصلي ركعتين؛ لأنها تحية المسجد، لكن كيف تخطئه؟ كيف تعلق عليه؟! قل: قيل بهذا وهذا ولك دليل والذي يظهر لي أن الدليل هذا أرجح وأنا أعمل به، ولا تعمم، أما أن تستهلك قضايا الأمة وقضايا الإسلام ووقتك وعمرك في هذه الجزئيات فهذا غلط، ولذا ترى كثيراً من الشباب لا يعرف إلا أبواب العبادات، يعرف تحريك الإصبع، وصلاة الضحى والبسملة ووضع اليد اليمنى على اليسرى، ولا يعرف من المعاملات شيئاً، وهذا موجود في (90%) من الشباب، أقولها بجدارة وجرأة حتى الآن اسألوا عن بيع العينة، اسألوا عن كتاب الإجارة والمزارعة، كتاب الربا، الرضاعة، الحضانة، النفقات، العدد إلى آخر هذه المسائل، إنما هو في مسائل فقط يركز عليها ويقضي معظم وقته فيها دائماً، وبعضهم إذا حفظ رجلاً من الرجال جلس في كل مجلس: أرأيت في فلان، قرأتم عنه، يقولون: بعض الشباب لا يعرف إلا شهر بن حوشب هذا هو أحد الرواة، قال أهل العلم: صدوق يخطئ واختلف أهل العلم، فكان كلما جلس يقول: يا إخوتي ما أدري بحثت لـ شهر بن حوشب ما رأيكم فيه، فكلما جلس سأل عنه فإن قلت ثقة، قال: خطأ، وإن قلت: ضعيف، قال: خطأ، فمع ذلك عنده قضايا محددة في رأسه ما يتكلم إلا عنها. تجد بعض الوعاظ عنده قضية خاصة لنفسه في الحياة لا يزيد عليها ولا ينقص عنها، مثل: قضية الدخان هي محرمة بلا شك حرمها أهل العلم، لكنه لا يتكلم إلا عنها، هي القضية السامية عنده فلا يزال يقول: وسافرت ورأيت أناساً يشربون الدخان، وذهبت أمريكا فوجدتهم يشربون الدخان، وسمعت أناساً هنا يشربون الدخان، والناس أصبح بعضهم يشرب الخمر وبعضهم خرج من الملة، ومع ذلك قضية في كل مكان وزمان الدخان الدخان، ويجمع رسائل ويوزع أشرطة -جزاه الله خيراً- لكن يأخذ المسألة بقدرها في الإسلام. أما المخالفون في فروع الشريعة فلهم أعذار ذكر ذلك ابن تيمية في كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام، لماذا يقول أبو حنيفة قولاً يخالفه فيه أحمد ويخالفه الشافعي، بعضهم لم يبلغه الحديث فأنت بلغك الحديث وأنا ما بلغني فتقول به وأنا أقول: لا، فأنا معذور أمام الله لأني ما بلغني الحديث في الفرعيات. الأمر الثاني: قد يصح عندك الحديث وأنا لا يصح عندي، والتصحيح أمر اجتهادي، وبعض الشباب الآن إذا قلت: رواه ابن حبان وصححه، وصححه الحاكم وابن حجر، وصححه ابن تيمية نزل إليك، وقال: لا، ضعفه الألباني، حسناً وهل أنا مخطئ، أنت قلت: الألباني، وأنا أقول: ابن تيمية، وأنا أقول: ابن حجر، وأنت تقول: الألباني، وقلت: ابن حبان، تقول: الألباني، فلماذا ترضى بحكمك وتغضب علي؟ لأني قلت: هو ضعيف أو صحيح والتصحيح أمر اجتهادي. أيها الإخوة: حذار من التعصب في مبدأ التصحيح، حتى تجد بعض الطلبة لا بد أن تصحح أنت مثل ما صحح فلان وإلا خطأ الدرس ولا يفهم لك، وإذا ضعفت صحيحاً عنده خطأك وليس بصحيح، قد يصح عندي؛ لأني متساهل في الشروط مثل ابن حبان والحاكم، أو يضعف عندي؛ لأني متشدد مثل النسائي وأبي حاتم وغيره. ومن أسباب أن نعذر المخالفين في الفروع: أن يظن أن الحديث منسوخ وأنت تظن أنه ثابت محكماً، أنا أقول: منسوخ وتقول: لا هو ثابت، يعذر هذا بهذا وهذه أعذارهم وما أرادوا إلا الخير.

من آداب الخلاف قصد الحق

من آداب الخلاف قصد الحق السبب الرابع عشر: قصد الحق، أن يكون مقصدك الحق، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن شعيب: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] فلا يكون قصدك التشفي، ولا يكون قصدك مهاجمة الآخرين، ولا يكون قصدك أن تظهر الغلبة، ولا يكون قصدك أن يسمع الناس أنك غالب هؤلاء، لكن قصدك أن يكون الدين كله لله، وأن يثبت الحق، وأن يتضح البرهان.

من آداب الخلاف الإنصاف

من آداب الخلاف الإنصاف الخامس عشر: الإنصاف مع العدو ومع القريب، بعض الناس إذا خاصم فجر، وإذا خالف لا يرعى ذمة ولا عهداً، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جعل ميزاناً للمناظرة والمجادلة والاختلاف مع القريب والبعيد مع العدو، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8] فمن العدل أن تذكر كل ما فيه من شيء طيب حتى الكافر، تجد بعض الناس يغضب إذا قلت الدول الكافرة الغربية غلبتنا في مسألة تنظيم الحياة، وهذا أمر معلوم، يقول: لا تقل هكذا، استغفر، تب إلى الله، كيف يغلبنا وهو كافر يعني تعصب، تقول: غلبونا في العمران، يقول: لا الحضارات من عندنا، تقول: صنعوا الميكرفون، يقول: لا أجدادنا بدءوا في الصناعة قبلهم، الساعة، الطائرة يقول: لا، لا، لا: {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} [يوسف:65] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8]. الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن أحد ملوك فارس كان عادلاً ويقال فيه أثر وفيه ضعف: {ولدت في حكم الملك العادل} العادل هذا هو: من ملوك فارس، كان عادلاً وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أربع خصال منها: {أكثر الناس أحلاماً} تجد عندهم سعة صدر للحوار، ولو أن بعض الدول الإسلامية أفضل عند الله منهم، لكن ليس علامة المسلم أن يكون متفوقاً في كل مسألة، تجد الكافر أحياناً أحلم من المسلم، لا يعني أنه أحسن، لكن: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] تجد الكافر أحياناً أكثر تبسماً من بعض المسلمين {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8]. تجد بعض الناس إذا خاصم تعدى وظلم، قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] ويتكلم بجهل ويدمر حسنات الآخر، ومع القريب تجد بعض الناس يذب عنه ولو كان خطؤه كالشمس: وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا تذكر له رجلاً لكن لا يرتاح إليه، قال: ليس بصحيح وفي عقله شيء، وما أرتاح له أنا، تقول: علمه، يقول: فيه نظر أعرف أموراً ما تعرفها أنت، تذكر له قريبة أو صديقه، يقول: سبحان الله! إمام من الأئمة فريد العصر وهو ما يساوي شيئاً، لا إله إلا الله، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء:135] فلا القريب تحملك قرابتك له أن تحمل له منزلة فوق منزلته، ولا البعيد العدو تحملك عداوتك له أن تضعه عن منزلته، بل الحق: العدل (كونوا شهداء). ومنها: بعض الناس يطمس حسنات الناس فإذا خالف إنساناً في قضية نسي حسناته، نسي الحسنات كل الحسنات، يقول الشاعر: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع فتجد بعض الناس إذا أخطأ رجل خطأ، خطؤه خطأ كبير لا يغتفر، وبعضهم إذا أتى بخطأ كالجبل كان صغيراً، وبعض الناس ترى له حسنات تنغمر سيئاته بحسناته، يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث} بعض الناس عنده من الفضل والمكانة الشيء الكثير، فهذا تنغمر فيه السيئات ولا يضر لكن بعض الناس السيئة تظهر عليه؛ لأنه سيئ، يقول الذهبي في ترجمة الحجاج بن يوسف الثقفي الأمير السفاح، يقول: له حسنات منغمرة في بحار سيئاته، وذكر قتادة بن دعامة السدوسي الراوي قال: كان فيه تشيع يسير وكان رأساً في القراءة، رأساً في العبادة، رأساً في الزهد، رأساً في الحديث، رأساً في التفسير {وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث} ويقول بشار بن برد: ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه وقال أبو تمام: تريد مبرأ لا عيب فيه وهل عود يفوح بلا دخان هل هناك عود ولو كان من العود الممتاز يفوح بدون دخان على الجمر، لا، لا بد من دخان، ويقول النابغة الذبياني أمام النعمان بن المنذر: ولست بمستبق أخاً لا تلومه على شعثٍ أي الرجال المهذب المعنى: هل تستطيع أن توجد رجلاً ليس فيه عيب ولا تصبر على عيبه؟ أي الرجال المهذب؟ من لك بالمهذب الصافي الذي لا يجد العيب إليه مرتقى هذا ما يمكن. يا أيها الإخوة! اذكروا الناس بحسناتهم وإذا ذكر لك رجل فاذكر ما به من مكارم. كان ابن المبارك رحمه الله إذا ذكر له بعض أحبابه وأصدقائه، قال: هل يوجد مثل فلان؟ كان كريماً، ويأتي بمناقبه وينسى سلبياته، وهذا من أحسن ما يكون! لكن بعض الناس كما يقول ابن تيمية وقد نقلها الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي في كتاب المأمول، قال: بعض الناس مثل الذباب لا يقع إلا على الجرح. فهو يحب العيوب وينصب على السيئات، وبعض الناس مثل الخنزير -والعياذ بالله- يقول ابن القيم في مدارج السالكين تصف له أهل الفضل أهل الخير فيأبى، فإذا جئت في مذمة فيهم انطلق مثل السهم، فيقول ابن القيم: الآن الخنزير ما يأكل أفضل الفضلات، يأكل أقبح الفضلات؛ فضالات الناس، والعياذ بالله.

الخلاف في الفروع يقبل فيه العذر

الخلاف في الفروع يقبل فيه العذر وتجد من إساءة الأدب في الخلاف: التعميم في الأحكام، يقول: القبيلة الفلانية كلهم حمقى، والقبيلة الفلانية كلهم بخلاء، والقرية الفلانية كلهم جبناء، سبحان الله! لماذا هذا التعميم؟ التعميم عرضة للخطأ، ولا يجوز للمسلم أن يعمم إلا ما عمم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأجد في بعض الشباب يقول: الجامعة الفلانية ما تخرج إلا كسالى سبحان الله! عقليتك الجبارة حكمت على جامعة بأسرها ونحن نعرف فيها فطناء، يقال له: لماذا لم تدخل القسم الفلاني؟ يقول لك: دخلت فوجدتهم أبلد من البلداء، يا درة الزمان ويا قبة الفلك. ومنها: التعالي في الخطاب تجد الإنسان إذا جادل أو كتب أو رد ولو كان طويلباً، يقول: قلنا وكتبنا ونبهنا، ولنا رد عظيم، وهو الذي نختاره، وهذا الذي يعجبنا؛ سبحان الله! وعمره خمس عشرة سنة، تجده يستطرد أحياناً في الحلقة الصغيرة مع الشباب، ويقول: والذي تطمئن إليه نفسي -ويضرب فخذه- بعد طول بحث وتأمل أن هذه المسألة كذا، وكذا وكنت أرى قبل سنوات هذه المسألة ثم بدا لي! كم عمرك حتى ترى قبل سنوات؟! فالتعالي في الخطاب من العجب وهو مذهب علماء الكلام والمناطقة، أما أهل السنة فهم متواضعون، أتى رجل يمدح ابن تيمية، قال ابن تيمية: أنا المكدي وابن المكدي وهكذا كان أبي وجدي يقول ابن تيمية: هكذا كان أبي وجدي فقراء مساكين، وكان يقول ابن تيمية في قصيدة فقرية له: أنا الفقير إلى رب السماوات أنا المسيكين في مجموع حالاتي وإذا مدح قال بيده هكذا: لسنا بشيء، ولولا الله ما عندنا شيء، وما لنا شيء، الفضل لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، لكن تجد بعض الناس دائماً يحب تفخيم نفسه، يختم بنفسه حيث يقول: فضيلة الشيخ ويوقع، وإذا اتصل بالهاتف يقول: معكم الشيخ فلان، والناس العقلاء يستصغرونها، وتجده أحياناً يتفاخر بالمشيخة فتجد عليه عمامة وسط الناس، لكن يريد أن يبرز العمامة والنظارات وعكاز ومسبحة وبالسواك باليسرى ويتنحنح ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، ويظهر لك كأنه العز بن عبد السلام. أخي المسلم: كُنْ غبراء الناس، البس مثلما يلبس الناس، لا بأس أن تنزل منزلتك، إذا كنت عالماً جليلاً أو سلطاناً مقسطاً عادلاً، أو شيخاً موجهاً، أن تنزل منزلتك؛ لأن النزول عن المنزلة فيه شيء من الإسفاف، والتعالي على المنزلة كبر حتى تجد بعض الناس يتواضع تواضعاً بهيتاً ما هو صحيح، تجده في القرن الخامس عشر يحمل الحطب في السوق، تقول له: ما هذا، يقول لك: دعني أتواضع لله، لكن المسلم يكون وقوراً هادئاً، والحركات ليس مسئولاً عنها الإسلام.

ابن تيمية من أكثر الناس احتراما لخصومه

ابن تيمية من أكثر الناس احتراماً لخصومه الآن تجد احترام أهل العلم في الردود مثل شيخ الإسلام ابن تيمية ما رأيت أكثر احتراماً منه في الردود والمناقشة، تجده يذكر بعض المعتزلة في بعض كتبه يقول: أحسن المعتزلة، لما أدخلوا الملاحدة في الإسلام، وأساءوا لما أوقفوهم في الاعتزال، فما أدخلوهم في مذهب أهل السنة حتى المعتزلة يذكر لهم حسناتهم لأن هذا هو العدل. تجده مثلاً إذا رد على الصوفية قال: وفلان فيه خير وهو من أقربهم إلى الكتاب والسنة، وكان يدعو الناس إلى خير ولكن فيه كذا وكذا وكذا. لكن بعض الناس بالعكس إذا قلت: في فلان خير يقول لك: بالعكس فيه كذا وكذا وكذا فذكر مثالبه.

الأئمة الأربعة والصحابة لا يتعصبون

الأئمة الأربعة والصحابة لا يتعصبون وذكر عن أبي حنيفة أنه قال: إذا خالف قولي السنة فاضربوا بقولي عرض الحائط، وكان الشافعي يقول: إذا رأيتموني عرفت الدليل وقلت بخلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب، ويؤثر أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وكان الإمام أحمد يقول: دع عنك رأي سفيان ورأي الأوزاعي وهؤلاء الأئمة ورأي مالك وخذا من حيث أخذ القوم، يعني من الكتاب والسنة. كان الإمام مالك يقول: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام؛ لأنه معصوم، فكانوا يتواضعون ولا يريدون أن يصروا على أخطائهم لو تجلت لهم وإلا فقد ظهر لبعضهم الخطأ فعاد. وهكذا الصحابة، كان عمر ينبه على كثير من المسائل رضي الله عنه وأرضاه فيعود وسوف أذكر لكم أمثلة من ذلك. طرق أبو موسى على عمر رضي الله عنه وأرضاه الباب واستأذن ثلاثاً فلم يأذن له عمر، فانقلب أبو موسى راجعاً ففتح عمر الباب فرأى أبا موسى مولياً فدعاه فأجاب، قال: مالك؟ قال: يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع} فظن عمر أنه استحضر هذا الحديث -وعمر لم يسمع بهذا الحديث من قبل- قال: [[والله لتأتيني بمن يشهد لك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث أو ليكونن لي ولك شأن، فذهب أبو موسى خائفاً وجلاً إلى مجلس الأنصار وقال: أنقذوني من عمر تلوت له هذا الحديث فقال: ائتني بشاهد، قال له الأنصار: والله لا يأتي معك إلا أصغرنا قم يا أبا سعيد! إلى عمر، فقال: أشهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، فعاد عمر رضي الله عنه إلى القول بهذا الحديث]] وغيرها كثير من القضايا، ولا يلزم من المجتهد أن يكون عالماً بكل الشريعة ولا يزال طالب العلم مستفيداً والمسلم عارفاً ما أراد الحق، ويلتمس الحق ويستفيد من كل قوم، والمتكبر أجهل الناس، ولذلك تحرم منه الفائدة ويحرم منه الحق؛ لأن الله يقول: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [الأعراف:146] فالمتكبر مصروف عن الهداية. من صور التكبر: أن كثيراً من الناس لا يحضر مجالس الذكر ولا المحاضرات؛ لأن المتكلم أصغر منه سناً، وأقل علماً، وقد ولد قبله بأربعين سنة، ولد في الحرب العالمية الأولى، وهو ولد بعد الحرب العالمية الثانية، فتجده ممنوعاً من الفائدة، والذين يحضرون يستفيدون وهو لا يستفيد، وإذا سمع كلمة صد عنها وقال: ليست صحيحة، همه المعارضة؛ لأنه تكبر فهو من أجهل الناس، والعرب تسمي المتكبر احمق، وهو الخطر الداهم الذي يهدد كثيراً من الناس إن لم يتداركوا أنفسهم.

مسائل مهمة

مسائل مهمة أيها الإخوة الفضلاء: سوف يكون قريباً وقد وعدتكم أن يكون هذا الدرس محاضرة بعنوان تسهيل العقيدة. هناك أمور أريد أن أنبه عليها، أيها الإخوة الفضلاء وهي كالتالي: 1/ مسائل خروج الرجال والنساء، أبواب مخصصة للنساء، لا يجوز للرجال أن يخرجوا منها فهي خاصة بالنساء وهذا من تقوى الله عز وجل. 2/ مسائل الأحذية؛ لأن ديننا دين نظافة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تحدث عن هذا القضايا لأصحابه، هناك أماكن مخصصة للأحذية توضع فيها لكنا فوجئنا بالناس في كل درس يأتون فيضعون أحذيتهم في هذا البهو الذي يصلى فيه كل جمعة ثم يخرجون ويعلمون أنهم قد أساءوا إلى المسجد، والمسجد إنما هو لذكر الله والطاعات. 3/ منها أن كثيراًَ من الإخوة يأتي في غضون الدرس ويتخطى الصفوف حتى يقترب ويتخطى أعناق الرجال فيزاحمهم وهم أقدم منه وأفضل في المكان وأتوا من قبله هذا كذلك ليس وارد. 4/ منها أنه إذا أقمنا للصلاة تزاحم الناس على الصف الأول حتى شق بعضهم على بعض وهذا ليس بوارد لكن تفسحوا ولا يضر المسلم أخاه. 5/ منها أن كثيراً من الناس لا يعني كثيراً بهذه الدروس، وهذا للغائب وليس لكم، ويقول: ليس فيها جديد ولا أدري ماذا يريد هو من الجديد وعلى كل حال سوف يكون حقها أكثر من باطلها، وخيرها أكثر من شرها، لكن من المكاسب له أن يحضر وأن يأتي بمن يستطيع من زملائه وإخوانه حتى يستفيدوا لو لم تكن هناك فائدة إلا أن الله تعالى يقول في آخر المجلس انصرفوا مغفوراً لكم، وهذا من أعظم الفوائد وأجل المنافع.

تنبيهات حول الدروس والمسجد والآداب

تنبيهات حول الدروس والمسجد والآداب أيها الإخوة الفضلاء! سوف يكون قريباً وقد وعدتكم أن يكون محاضرة بعنوان تسهيل العقيدة. هناك أمور أريد أن أنبه عليها، أيها الإخوة الفضلاء وهي كالتالي: 1/ مسائل خروج الرجال والنساء، أبواب مخصصة للنساء، هناك لا يجوز للرجال أن يخرجوا منها فهي خاصة بالنساء وهذه من تقوى الله عز وجل. 2/ مسائل الأحذية؛ لأن ديننا دين نظافة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تحدث عن هذه القضايا لأصحابه، هناك أماكن مخصصة للأحذية توضع فيها؛ لكنا فوجئنا بالناس في كل درس يأتون فيضعون أحذيتهم في هذا البهو الذي يصلى فيه كل جمعة ثم يخرجون وقد أساءوا إلى المسجد، والمسجد إنما هو لذكر الله والطاعات. 3/ منها أن كثيراًَ من الإخوة يأتي في غضون الدرس ويتخطى الصفوف حتى يقترب، ويتخطى أعناق الرجال فيزاحمهم وهم أقدم منه وأتوا من قبله، هذا كذلك لا ينبغي. 4/ منها أنه إذا أقمنا الصلاة تزاحم الناس على الصف الأول حتى شق بعضهم على بعض، وهذا ليس بوارد، لكن تفسحوا ولا يضر المسلم أخاه. 5/ منها أن كثيراً من الناس لا يعتني كثيراً بهذه الدروس -وهذا للغائب وليس لكم- ويقول: ليس فيها جديد ولا أدري ماذا يريد هو من الجديد، وعلى كل حال سوف يكون حقها أكثر من باطلها، وخيرها أكثر من شرها، لكن من المكاسب له أن يحضر، وأن يأتي بمن يستطيع من زملائه وإخوانه حتى يستفيدوا، لو لم تكن هناك فائدة إلا أن الله تعالى يقول في آخر المجلس: انصرفوا مغفوراً لكم، وهذا من أعظم الفوائد وأجل المنافع.

الدعوة إلى الله أمانة في أعناقكم

الدعوة إلى الله أمانة في أعناقكم ومن المسائل التي أريد أن أنبهكم عليها، وأمامي فضلاء وطلبة علم ودعاة، والمناطق محتاجة والقرى والبوادي وتهامة محتاجة إلى الدعاة، وداعية وحده لا يفعل شيئاً، ويد واحدة لا تصفق، ولكن يحتاج إلى إخوة، وغالب الإخوة أساتذة وطلبة في الجامعات، فعليهم أن ينطلقوا بهذا الدين، قال تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة:122] ولو أن يحتسب المرء مرة في الخميس والجمعة في سبيل دعوة إخوانه إلى القرى فينفعهم ويفيدهم، ويتكلم في المسائل التي تصلحهم، ويعظهم دون استثارات وإثارات، أو مسائل لا داعي لها، أو مسائل ليست من خصوصياتنا، إنما نحدث الناس عن الإيمان والعمل الصالح، وعن البدع والخرافات، ولو أن يأتي مثلاً: رسالة الصلاة أو رسالة الحجاب، أو رسالة التوحيد، أو رسالة ذم الغناء، أو رسالة في اغتنام الوقت، أو رسالة في القبر. فيا أيها الإخوة: الله الله فقد تكلم من قبل سنة؛ بل من قبل سنتين في هذا الموضوع، لكن نرى أن المنطقة لا زالت بحاجة ماسة إلى الدعوة وفي عشرات القرى يسألون الداعية بالله العظيم حتى بالهاتف يسألونه بالله ويعرضونه وجه الله أن ائتي إلينا في محاضرة، ويقول كثير منهم: والله إنها تمر بنا من السنة إلى السنة ما قام داعية في المسجد إلا يوم الجمعة، وإن الخطيب يوم الجمعة يقرأ علينا من كتاب قديم ولا نستفيد منه معلومة، ولا يصحح لنا خطأ ولا ينهانا عن معصية ولا بدعة، فنسألكم بالله فأنا أطرح الأمر بين أيديكم والمهمة مشتركة عندنا جميعاً ولا تخص واحداً عن آخر، أذكر على سبيل المثال في العطلة الصيفية يأتينا أناس من الرياض، من الشرقية، من الغربية من القصيم فيلوموننا على التقصير في الدعوة، ونحن نقول لهم: ونحن زملاء ودعاة والبلاد واحدة فنطالبكم بمثل ما تطلبوننا ادعوا واذهبوا أنتم إلى القرى بأنفسكم وتكلموا، فلا بد من التأثير، غالب القرى منها أناس هنا وأريد أن أحملهم مسئولية قراهم قدر المستطاع، ويقول عليه الصلاة والسلام: {بلغوا عني ولو آية} ويقول صلى الله عليه وسلم: {نضر الله امرأ سمع مني مقالة فوعاها فأداها كما سمعها فربَّ مبلغ أوعى من سامع}. لا يصلح البلاد، ولا يستتب الأمن، ولا يرتاح الناس، ولا يجتمع شمل الأمة، إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة والعلم يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: {إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا}. يوجد في القرى كبار السن يكسرون في الفاتحة ولا يجيدون قراءتها، وتجدهم يمسكون الإمامة ويحرمون طلبة العلم الجامعيين، بل بعضهم خريج الشريعة وأصول الدين، وبعضهم داعية متفوق أو طالب علم جدير يمنعه أن يقف على المنبر، ويبقى على الناس في خطبة مكتوبة من مائة سنة لا تعالج الوضع، ولا تتكلم في قضايا الساعة، ولا تصلح شيئاً، فيميت المنبر والمصلين ويميت قلبه، ويتحمل من الله أمانة لا يحملها يوم القيامة، وقد شكا كثير من الطلبة هذا الأمر بل بعض القرى يمنعون الداعية أن يتلكم، ما نريد القديم هذا فقط، يتحدث لهم في قضايا السلطان عبد الحميد فقط ويتلكم لهم عن أشياء مر بها الدهر وأكل عليها وشرب، وإلا فمسائل الشريعة كلها جديدة؛ لكن نحن نريد من يصلح ومن يتلكم بشيء يدخل إلى القلوب، ومن يتلكم عن الحالة الراهنة ثم قضايا الساعة، هذا هو المطلوب. على الإخوة أن يتقوا الله في ذلك وعلى الأئمة من لا يحسن الإمامة أن يتركها لطلبة العلم شريطة أن يتركوا له الراتب؛ لأن مسألة الراتب (خطر ممنوع الاقتراب) ولا يمنع كثير من الشباب إلا من أجله فيكتبون له عهداً وميثاقاً ويشهدون عليه اثنين من كبار الحي بالله العظيم أن الراتب لك ولا نأخذ ريالاً، حينها تستتب الأمور. لا يجوز للمسلم أن يكون سلبياً في حيه ولا في قريته، يذهب ويأتي للتعلم ثم يسأله الله تعالى عن حيه يوم القيامة، لابد أن تكون إيجابياً مؤثراً إذا ما استطعت أن تتكلم اشتر لك مائة شريط وزعها في البيوت، شريط عن العقيدة؛ شريط عن القرآن؛ شريط عن القبر؛ شريط عن الكبائر، يهدي الله بك مائة بيت ويأتون يوم القيامة في ميزان حسناتك، وهذا الإنفاق في أبواب الخير؛ لأن أهل الباطل ينفقون أموالهم وقد قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ذلك: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36]. يخبرني أحد الشباب المغنين بعد أن هداه الله قال: صاحب استريو لما نزلت لي أغنية بعت لهذه الأغنية فقط بخمسين ألفاً في أسبوع واحد، وهذا يعني أنها أمة بحاجة إلى مغنين ومطبلين، أمة هوى وعشق وهيام، فكيف ينظر إلى من دفع أمواله بل بعضهم يتهادون هذه الأشرطة من حي إلى حي ومن بلد إلى بلد. الله الله يا أيها الإخوة! في نشر الخير، ونصرة الله عز وجل، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وعد من ينصره بأنه سوف ينصره حيث قال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51]. فأسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، وبإذن الله تكون المحاضرة التي عن تسهيل ملبية للحاجة إن وجدت القرى والأماكن النائية حاجة ماسة إلى تبسيط العقيدة، وإيصال العقيدة سهلة ميسرة بدون اختلاف علها أن تكون في الأسبوع القادم. أسأل الله لي ولكم في الأخير التوفيق والمغفرة. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

دفاع عن المرأة

دفاع عن المرأة المرأة اليوم مهضومة من المسلمين لا من الإسلام؟ نعم، لأن المسلمين لم يطبقوا أحكام الإسلام، فلم يراعوا حقوقها، بل ربما عاملوها بعكس ما هو لها، كما هو الحال في مسألة الميراث، والناظر في حال سلف الأمة يرى أن الإسلام هو الذي أعطاها حقها، ورفع مكانتها، والمرأة هي التي أنجبت خالداً وعلياً وعمر وغيرهم من الرجال الأبطال. والواجب على كل مسلم أن يعي ويعرف حقوق المرأة، سواء كانت بنتاً أوأماً أو أختاً.

أسباب الحديث عن المرأة

أسباب الحديث عن المرأة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أمَّا بَعْد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عنوان هذا الدرس: (دفاع عن المرأة) وعندي ثلاث قضايا قبل أن أبدأ في الموضوع: الأولى: أعلن لكم هذه الليلة كالليالي التي خلت حبي لكم في الله، فأشهد الله وحملة عرشه وملائكته ثم المؤمنين أني أحبكم في الله حباً صادقاً، أسأل الله أن ينفعني وإياكم بهذا الحب، وأن يجمعنا وإياكم في دار الكرامة، وفي مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر. الثانية: أرحب بأصحاب الفضيلة المشايخ الذين شرفونا بالحضور في هذه الليلة، وكنا ننتظرهم وننتظر غيرهم كثيراً، وإني أرى أن من المسائل التي تنقص المنطقة: عدم مشاركة العلماء والمشايخ والقضاة الندوات والدروس والمحاضرات، وقد رأيت عالم البلاد بل عالم الأمة الإسلامية سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وهو يحضر الندوات مع علماء الرياض، ويشيد بطلبة العلم ولو كانوا مبتدئين ويشد من أزرهم؛ لأن هذا جهاد، ومرابطة المجاهدين على الصبر مطلبٌ شرعي، ورأيت كذلك علماء القصيم، فإذا هم يحضرون الندوات والمحاضرات لا يغادرون منها شيئاً، فما حقنا إلا أن نحضر وأن نبارك جهد المقل والمقصر، وفي هذا إغاظة للمرتدين والمنافقين، وفي هذا إظهار لعظمة الإسلام والمسلمين، وإظهار للتكاتف والتعاون على البر والتقوى. أما عنوان هذا الدرس (دفاع عن المرأة) فله سبب. الثالثة: وقبل أن أبدأ اسمحوا لي أن أقرأ رسالة عاجلة، وإن شئتم سموها برقية مستعجلة. إلى أخواتي وبناتي في المدرسة التاسعة عشرة الابتدائية (بـ أبها) السلام عليكن ورحمة الله وبركاته، وحماكن الله وستركن، وحفظكن في الدنيا والآخرة. وبعد: ربما أسيء فهم ما قلته في درس (بريد المستمعين) عن المدرسة التاسعة عشرة، وربما كان من تدبير المولى جلت قدرته، أن ينشر فضائل الفضلاء والفاضلات عن طريق النقد، قال أبو تمام: وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسودِ لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العودِ وإني أعلم أن هذه المدرسة بالذات فيها ما يقارب عشرين مدرسة كافلات أيتام، وداعيات متحجبات، وكريمات حشيمات: حور حرائر ما هممن بريبة كظباء مكة صيدهن حرام وإني أعد تكلم النساء عن قضاياهن من الواجب الشرعي، وإني أدافع أنا وأمثالي عنهن بدمائنا وجماجمنا وأرواحنا، وقد حملني ما وقع في درس (بريد المستمعين) إلى أن ألقي هذا الدرس بعنوان (دفاع عن المرأة) وإنني أهدي من هذا الدرس خمسمائة شريط للابتدائية التاسعة عشرة مع السلام والتحية، فليست مشكلة المسجد عندهن فحسب، بل عند كثير من المدارس، ومن نعمة الله عز وجل أن رزقني بأربع بنات وأنا بهن سعيد، أسأل الله لهن ولجميع بنات المسلمين الصلاح والسداد والحفظ والرعاية. أما الجمعية الخيرية النسائية بـ أبها فلا أزال على تخوفي وتحفظي أنا وطلبة العلم والدعاة والمشايخ، وأخذاً بالحديث: {فر من المجذوم فرارك من الأسد}. وأشارك الشاعر -في إصراره لا في أفكاره- فأصر على ما قلت في السبت الماضي نحو الجمعية النسائية الخيرية كإصرار الشاعر لا كفكره يوم يقول: أتوب إليك يا رحمان مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب وأما عن هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوبُ أما أسباب هذا الدرس فثلاثة أسباب: الأول: لأن المرأة أصبحت طريقاً للغزو ونافذة للتأثير الحضاري، وأصبحت لعبة بيد المهرجين والمروجين ينفذون منها إلى قعر دار الإسلام. الثاني: اتهام الإسلام من قبل أعدائه بأنه حجر على المرأة حقوق المشاركة، وحجمها، وقلص دورها في الحياة الدنيا، وأنه سبب تعاستها! أتعسهم الله! الثالث: تقصير كثير من الناس في حقوق المرأة، والتهاون بشأنها الخطير، ومكانتها السامقة التي أنزلها بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.

المرأة في الكتاب والسنة

المرأة في الكتاب والسنة يقول المولى جلت قدرته وهو يذكر الناس بتقواه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. وقال جلت قدرته: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]. وقال جل وعلا: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:189]. قال بعض أهل التفسير: وخلق منها زوجها: حواء خُلقت من ضلع آدم، وقال غيره: بل كل زوجٍ من أصل الزوج الآخر ليسكن بعضهم إلى بعض، وسمى الله الأزواج سكناً ولباساً؛ لأنهن سترٌ في الدنيا والآخرة.

معاملة الرسول للنساء

معاملة الرسول للنساء حثَّ عليه الصلاة السلام على الرحمة بالمرأة ودافع عنها، وهو الذي أعلن حقوقها حتى يوم عرفة، يوم وقف أمامه مائة وأربعة عشر ألفاً، فأوصى بهن عليه الصلاة والسلام، وقد رزقه الله أربع بنات، وأحيا الله بناته حتى رآهن، وزوجهن ودفن بعضهن، وكان يبدأ بهن قبل أن يسافر، ويبدأ بهن إذا وصل من السفر، من حبه لهن عليه الصلاة والسلام. وكان يقول كما في الحديث الصحيح: {إن المرأة خلقت من ضلع} وقال ابن عباس: [[من ضلع آدم]] وقد روى أحمد والترمذي عن عائشة رضي الله عنها، ورواه البزار وأبو عوانة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنما النساء شقائق الرجال} حديث حسن، والمعنى: أن المرأة شقيقة الرجل، وأنها نصف المجتمع، وأنها المؤدية للرسالة في بنات جنسها، والمرأة عندنا أم، وزوجة، وبنتٌ، وأختٌ، ومعلمةٌ، ومربيةٌ، وداعيةٌ، قال سبحانه وهو يتفضل على عباده بالعمل الصالح: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:35]. فذكر الله أفعال الخير حتى ختم الآية، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة آل عمران حين ذكر الدعاة والمجاهدين والعاملين والمهاجرين: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71]. فهناك حزب المؤمنين والمؤمنات، وهناك حزب المنافقين والمنافقات، وهناك لواء المسلمين والمسلمات، وهناك لواء المشركين والمشركات، وقال عليه الصلاة والسلام وهو يوصي الأمة بالرحمة بهذه المرأة الضعيفة: {إنهن عوان عندكم} وفي لفظ: {الله الله في النساء؛ فإنهن عوان عندكم} قال أهل غريب اللغة: عوان: أسيرات، فالمرأة أسيرة ووجب على المسلم أن يرحمها ويقدرها ويحترمها، وصح عنه عليه الصلاة والسلام عند أبي داود وغيره أنه قال: {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} فخير الناس لأهله محمد عليه الصلاة والسلام، قالوا لـ عائشة: {كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليكن؟ قالت: كان يدخل ضحاكاً بساماً} فكان يضحك صلى الله عليه وسلم مع أن المشاكل التي تطوف بأمته والحوادث التي تستقر على رأسه لو وضعت على كثيرٍ من البشرية لما استطاعوا حملها. في صحيح البخاري في كتاب الأدب قال زيد بن ثابت: [[من السنة المزاح مع الأهل، والوقار خارج البيت]] فبعض الناس عكس الآية، مزاحاً ضحاكاً مع زملائه وأصدقائه، وقطوباً عبوساً مع أهله في بيته.

المرأة عند أهل الشعر والحكمة

المرأة عند أهل الشعر والحكمة قال بعض الشعراء المسلمين عن المرأة: سلامٌ أيها الأم الحنون ويا أم الرجال لك الشجون فأنت ولودة الأبطال يُحمى عفافك بالجماجم لا يهون معنى البيت: أننا نقدم الجماجم عن أعراضنا وعن بناتنا، وما أظن أحداً سوف يتأخر إذا رأى أن بناته وأخواته سواء في المدارس أو الجامعات، أو المستشفيات يُمس أعراضهن، ولا حيَّا الله الحياة، ولا أسعد الله الدنيا إذا لم تجر في عروقنا حمية المحافظة على البنات والأخوات، كما يقول شاعرنا: نحن وجه الشمس إسلامٌ وقوه نسبٌ حرٌ ومجدٌ وفتوه كربٌ عمي وقحطان أبي وهبوا لي المجد من تلك الأبوه نحن أسد الله في وجه الردى قد وضعنا الكفر في سبعين هوه والسيوف البيض في وجه الردى يوم ضرب الهام من دون النبوه وقال أديبٌ عصري يدافع عن المرأة أمام الحضارة الزائفة المزعومة: أخرجوها من العفاف إلى السو ق وشقوا جلبابها بالمحاجر جعلوها على المجلات رمزاً للهراء المفضوح في كف فاجر وادعوا أنهم بها حرروا الجيل وقد مزقوا الحيا بالخناجر وقد سلف أن كاتباً يسمى الغريافي قبل عشر سنوات كتب قصيدة (مزقيه): ورددت عليه بقصيدة منها: حين نادى يا بنة الإسلام خدرك مزقيه دخل أحد الحكماء على ملكٍ من الملوك، فوجد طفلة الملك جالسة عند الملك، فقال الملك: سمعت أن الناس يقولون: إن البنات يقربن البعيد ويبعدن القريب ويقطعن الأرحام، فقال الحكيم: كلا أيها الملك! والله إنهن رياحين القلوب، أتين بالرجال. أي: إن الرجال من النساء، من أين أتى خالد بن الوليد وعمر وصلاح الدين ونور الدين وعمر بن عبد العزيز؟ من النساء، فهن قد أتين بالرجال، وحملن بالأبطال، دررٌ مكنونة، ومطارف مصونة، يقمن على المريض، ويذكرن الميت، رحيمات بالأولاد، خدومات للأجداد، حجابٌ عن النار وكنزٌ في الدار. وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من عال جاريتين فرباهن وأحسن إليهن وزوجهن كن له حجاباً من النار}. فالحجاب من النار تربية البنات في البيت على تعاليم الكتاب والسنة، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9]. وكان أبو بكر الصديق يقرأ في قراءته {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9]. وأول من رفع وأد البنات: محمد عليه الصلاة والسلام، وسوف يسأل الله عز وجل من وأدهن في الجاهلية. وعندنا وأدٌ من نوعٍ آخر، فإن الجاهلين كانوا يذبحون الفتاة الطفلة ذبحاً، وينكسونها على وجهها، ونحن في مجتمعات العالم الآن الذي لا يتحاكم إلى الكتاب والسنة، يذبحون عفافها ودينها وحجابها ومكانتها وطهرها، يريدونها عارضة أزياء، ومروجة أحذية، وورقة دعاية في المؤسسات والشركات والمحلات، فحسبنا الله ونعم الوكيل! {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. قال أبو الطيب المتنبي وهو يرثي أم سيف الدولة: فلو كان النساء كمن عرفنا لفضلت النساء على الرجالِ فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخرٌ للهلالِ يقول: لو كانت النساء مثل أمك يا سيف الدولة! لفضلت النساء على الرجال، فليس بعيبٍ أن تسمى فاطمة أو عائشة أو زينب أو أسماء أو خديجة فإن الشمس مؤنث وهي أحسن من الهلال، والهلال مذكر، وفي الرجال من لا يساوي قلامة ظفرٍ من امرأة، وفي النساء من تساوي ألف رجل، والواقع والتاريخ يشهد لذلك، {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3].

وضع المرأة في المجتمعات المعاصرة

وضع المرأة في المجتمعات المعاصرة لماذا نهتم بالمرأة؟ لماذا ندافع عن المرأة؟ لأنها مظلومة، ظلمت من المجتمع الجاهلي الوثني الشركي في الجزيرة العربية، فحرموها الميراث والرأي، وجعلوها عقيماً عن حمل المبادئ، واستخفوا بها حتى عاملوها كما عاملتها الحضارة الغربية والثقافة المادية تماماً -ذكر ذلك أبو الحسن الندوي في كتابه ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين - فأي مصيبة دهماء لا يعلمها إلا الله حلّت بالمرأة في جاهليتها المعاصرة؟! وهي مظلومة من الوضع الكافر الذي نعيشه الآن، يوم أخرج المرأة بعد الحرب العالمية الثانية لتقود الدبابة، وتكون طيارة، وتأخذ السلاح، وتحمل الكلاشنكوف تصارع الأبطال والكتائب، وتقاتل في ساحة المعركة، وتكون جندية مرور، إنها والله أمور تدل على أنهم ما قدَّروا المرأة حق قدرها، وأنهم خذلوها في أعظم شيء تملكه، وهو العفاف والطهر والحياء. والمرأة مظلومة من بعض الآباء، فإن كثيراً من الآباء لا يعرفون قدر المرأة فلا يستشيرونها، ولا يعتبرون رأيها، ومنهم من كان حجر عثرة في زواج ابنته، فإذا تقدم الكفء رفضه برأيه هو لا برأيها، حتى تعيش العنوسة والأسى. وهي مظلومة أيضاً من بعض الأزواج فهو يتعامل معها كأنها دابة في البيت، لا احترام لها، ولا رحمة، ولا سماع رأي، ولا مناقشة بالتي هي أحسن، ولا إعطاء حقوق، وإنما يراها أنها من صنفٍ آخر، ويتعامل معها بفظاظة وغلظة، وسوف يأتي شيء من ذلك. الله عز وجل يدافع عن المرأة، لأن المرأة من المسلمين المؤمنين، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38]. فالذي يدافع عن المرأة أولاً؛ هو رب العزة والجلال الله رب العالمين! والرسول عليه الصلاة والسلام يدافع عن المرأة، فقد أعطاها حقوقها، وسن لها صلى الله عليه وسلم ما لها من حق في كثيرٍ من المناسبات.

جواز التكني بأسماء البنات

جواز التكني بأسماء البنات عندما جهل المجتمع الفقه في الدين -اسمع ماذا حدث حتى في مجتمعاتنا المبسطةوالتي هي قريبة من الفطرة ومن الكتاب والسنة- يقولون في المجالس إذا ذكروا المرأة: المرأة أكرمكم الله! المرأة كرامة بذاتها وهبة من الله وعطية منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للإنسانية، لكن هذا الجاهل وهذا الأحمق يظن أنه إذا ذكر المرأة فإنه قد دنس الأسماع أو المجلس، فيقول: المرأة أكرمكم الله!! وهذه كلمة خاطئة حرامٌ أن تنطق وأن تقال، وعلى من حضر المجلس وسمع هذا أن ينكر بأشد الإنكار ويقول: لا تذكروا المرأة بهذا التعريض المشين فإنها كريمة محترمة، ولا بأس أن يذكر اسمها (كما سوف يأتي). ومنها: أن بعض الناس يجد غضاضة واحتقاراً ونقصاً أن يتكنى باسم البنت أو المرأة، فيأنف أن يقال له: يا أبا فاطمة! ويا أبا خديجة! ويا أبا أسماء، وهذا خطأ! فقد تكنى الصالحون والأبطال في المعارك ببناتهم، وسمي الخلفاء والزعماء ونسبوا إلى أمهاتهم لشرف أمهاتهم، وكان كثيرٌ من السلف يكني الرسول عليه الصلاة والسلام بأبي الزهراء أي فاطمة البتول بنت الرسول عليه الصلاة والسلام التي يقول فيها محمد إقبال شاعر الباكستان: هي أم من؟ هي بنت من؟ هي زوج من؟ من ذا يساوي في الأنام علاها أما أبوها فهو أشرف مرسلٍ جبريل بالتوحيد قد رباها وعلي زوج لا تسل عنه سوى سيفٍ غدا بيمينه تياها قال شوقي: أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك غير أن لي انتسابا يخاطب الرسول عليه الصلاة والسلام.

أمثلة لمن افتخر بنسبه إلى أمه

أمثلة لمن افتخر بنسبه إلى أمه وكان صناديد العرب ينسب الواحد منهم لأمه ليزداد شرفاً وفخراً، فصفتها أنها عفيفة وشريفة وأنها محترمة وهو جرير: فما كعب بن مامة وابن سعدى بأجود منك يا عمر الجوادا تعود صالح الأخلاق إني رأيت المرء يلزم ما استعادا عليكم ذا الندى عمر بن ليلى جواداً سابقاً ورث النجادا فـ عمر بن ليلى هو عمر بن عبد العزيز، وكان يرتاح إذا قالوا له: ابن ليلى، وكان عثمان رضي الله عنه يرتاح بمجالسه إذا قالوا: يا بن أروى، ودخل النابغة الذبياني على النعمان بن المنذر فمدحه في القصر أمام الناس، وأثنى عليه وعلى حكومته في المناذرة وهم ملوك العرب وقال:- ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلولٌ من قراع الكتائبِ تخيرن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جربن كل التجاربِ يقول: من عهد جدتكم حليمة، وسيوفكم تقطر دماً من أعدائكم، فارتاح الملك واستعاد البيت وأعطاه جائزة. فلا حرج من عليك أن تتكنى بابنتك، وأن تتشرف بهذا. وكان قطري بن الفجاءة اسمه أبو نعامة باسم بنته، وقيل: باسم فرسه، والصحيح أن ابنته اسمها نعامة، فكان إذا حمي الوطيس خلع خوذته من رأسه، وقال: أنا أبو نعامة، وهو الذي يقول قصيدته الرائعة الشائقة ولو أنه كان خارجياً جلداً صلباً لكني أذكره لقصيدته يقول: أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال ويحك لن تراعي فإنك لو سألت بقاء يومٍ على الأجل الذي لك لم تطاعي فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاع

شهرة أسماء الصحابيات في مجتمعهن

شهرة أسماء الصحابيات في مجتمعهن وكان صلى الله عليه وسلم يُسمي النساء بأسمائهن، وكان الصحابة يتداولون أسماء نساء الصحابة وبناتهم وأخواتهم، لأنها مادامت أنها شريفة وعفيفة وطاهرة وجزءاً من المجتمع، فلماذا تكني وترمز لنا رموزاً وتلفف لنا الأسماء؟ وبعضهم يقول: مَكْلَفْ صانكم الله، مَكْلَفْ أكرمكم الله، وهذا لا يقوله إلا السفهاء الحقراء الذين لا يفقهون شيئاًَ. في الصحيحين: {أن زينب امرأة ابن مسعود استأذنت على الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان بلال بالباب، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من بالباب؟ قال بلال: زينب يا رسول الله! قال: أي الزيانب؟ -لأن الزيانب في المدينة كن كثيرات - قال: امرأة ابن مسعود، قال: فأذن لها}. وفي الصحيحين: {أن أم هانئ أخت علي بن أبي طالب استأذنت، فقال صلى الله عليه وسلم: من؟ قالت: أم هانئ، قال: مرحباً بـ أم هانئ} فأجارت ابن هبيرة فأجاره صلى الله عليه وسلم. ونحن نعرف قائمة من نساء الصحابة، نعرف اسم امرأة أبي بكر، وامرأة عمر وامرأة عثمان، وامرأة علي، والعشرة، وأهل بدر وشعراء الصحابة، لكن لما طال الأمد أنف بعض الناس أن يذكر الأسماء، ورأوا أنها من الحرج، وأنه إذا ذكر اسماً إنما يذكر أموراً أخرى، وهذا خطأ لا يصح، بل نذكرها شرفاً، والله قد ذكر في القرآن أسماء نساء، ولله الحمد والشكر! يقولون: كانت امرأة أبي جعفر المنصور أو المهدي اسمها الخيزران، فدخل أحدهم وبيده عصا من خيزران -التي تصنع منها الرماح- فقال الخليفة وحوله الأمراء والوزراء والعلماء: من أي الشجر صنعت هذه العصا؟ فخشي أن يقول: من الخيزران، فيعرض بامرأته قال: من عروق الرماح، قال له: الخليفة بيض الله وجهك! وهذا جميلٌ ورأي طيب في مثل هذا، وأنا أؤيد مثل هذا الجواب الصحيح لأمرٍ ما؛ لأنه لو قال صنعت العصا من الخيزران لتبسم بعض الناس وأحرج الخليفة؛ لأن الخيزران في البيت!!!

هضم حق المرأة في الاستشارة

هضم حق المرأة في الاستشارة ومن الأمور التي تعيشها المرأة في بعض المجتمعات: أنه لا يُسمع لها رأي ولا يحترم لها فكر، ويرون أن المرأة لا تأتي برأي صائب، ويقولون: إذا أشارت عليك المرأة برأي فخالفها فالصواب معك، فإذا طلبت منك أن تتجه شرقاً فاتجه غرباً، وإذا طلبت منك أن تقوم فاقعد، وإذا قالت اقعد فقم، وهؤلاء مخطئون؛ بل كثيرٌ منهن في رأيهن البركة والخير الكثير. وبعضهم يوصي بعدم استشارتها أصلاً، وبألا تطرح عليها الأفكار. والرسول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين استشار الجارية عن عائشة، وفي عفافها، فأشارت على رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فكيف بالعاقلات الكبيرات المؤمنات الداعيات المحترمات؟!

حرمانهن من الميراث

حرمانهن من الميراث ومن الأمور التي تعاني منها المرأة: حرمانها من الميراث، وهذه مأساة اجتماعية تعيشها المجتمعات القروية والبدوية والقبلية، فيرون من العيب أن تذهب المرأة لتطلب ميراثها من أهلها، وينددون بمن يفعل ذلك، وهم المخطئون، وعلى هؤلاء أن يؤدبوا تأديباً رادعاً يزجرهم وأمثالهم، وأن ترفع قضاياهم إلى القضاة الشرعيين حتى يؤخذ بصددهم الإجراء اللازم، لأنهم خالفوا منهج الله، وحكموا بغير حكم الشريعة، ورفضوا الكتاب والسنة. الميراث حق للمرأة لم يتوله نبيٌ مرسل، ولا ملك مقرب، ولا عالم من العلماء، وإنما تولاه الله بنفسه، فأعطى كل ذي حقٍ حقه، فله الحمد وله الشكر. وبعض الناس الآن حرم قريبته وخالته وبنته وأخته من الميراث، وإذا ذهبت تأخذ الميراث شنَّع عليها أهل الحي والقبيلة والقرية، وهؤلاء مخطئون، والواجب أن نصحح هذا الخطأ القبيح الذي أصبح وصمة عار في وجوه أهل الإسلام، لا بد أن تعطى مباشرة ولو رفضت تجبر، ويذهب المعصب أو القريب بنفسه ليعرض عليها حقها الذي أحقه الله سبحانه لها.

تحجيم دورها في الأعمال المضنية

تحجيم دورها في الأعمال المضنية يفهم بعض الجهلاء أن دور المرأة فقط أن تنجب وأن تضع وأن ترضع، أما غير ذلك من الحياة فليس لها مجالٌ فيه، وهذا خطأ، لها التربية ولها أن تعلم بنات جنسها، ولها أن تدعو ولها أن تشارك برأيها وبدعائها، وأن تقوم على أطفالها، وأن تخرج العلماء والزعماء والأدباء والقادة والشهداء والصالحين، إلى غير ذلك مما سوف أذكره. أما إتعابها بالعمل وتكليفها فوق الطاقة فلا يجوز، وهذا يوجد في المجتمع القروي والبدوي والقبلي، فيجعلونها تكد كداً لا يعلمه إلا الله، حتى كأنهم لا يتصورون أن لها طاقة محدودة، وأنها ضعيفة، وأنها تحمل وتضع، وأنها تعاني الأمرين، فتشارك في الحراثة والزراعة والاحتطاب ورعي الأغنام وحمل الأثقال وصنع الطعام وكنس البيت، وتعمل الساعات الطويلة من العمل المضني الذي لا يعمله إلا عمال المناجم في مناجم الفحم أو مناجم استخراج الذهب والفضة، وهذا لم يقره الإسلام. فنقول: النساء لهن طاقة محدودة، والمرأة ضعيفة، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: {الله الله في النساء} والمعنى: في ضعفهن فإنهن ضعيفات لا يستطعن حمل كثيرٍ من الأمور، لكن المجتمع الجاهلي قد يكلف المرأة عملاً من الأعمال، ويجدها مقصرة إذا لم تقم بهذا العمل، فتجد الرجل يفرض على امرأته أن تحرث وتزرع وتحمل الحبوب وترعى الأغنام وتحتطب وتذهب وتأتي وتستقي، وتعمل أعمالاً كثيرة لا يعملها أربعة عمال أو خمسة، والإسلام لم يأت بهذا أبداً، وهذا ظلم لها لا يقره دين الله.

حرمانها من التعلم

حرمانها من التعلم ومما تعاني المرأة: حرمانها من التعليم في بعض الجهات، والتعليم عندنا بمواصفات إسلامية، تحت مظلة (إياك نعبد وإياك نستعين) أن تتعلم المرأة ما يقوم بشئون دينها، ويقربها من الله، ويجعلها خائفة متقية متحجبة محتشمة، في هذا الحدود، وقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابيات. {أتت امرأة أظنها أسماء بنت يزيد فقالت: يا رسول الله! ذهب الرجال بك يجاهدون معك، ويحجون معك، ويغزون معك فاجعل لنا يوماً من نفسك} فجعل لهن صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين يعلمهن في ذاك اليوم ويفتيهن عليه الصلاة والسلام، والبخاري في صحيحه يقول في كتاب العلم: باب: هل يجعل الإمام يوماً من نفسه للنساء؟ أو كما قال، فكان صلى الله عليه وسلم كلما أتى يوم الإثنين كان فيه لقاء مع النساء يتحدث لهن، ومع عصمته كان صلى الله عليه وسلم لا يمس امرأة لا تحل له، ولا يصافح امرأة أجنبية. وفي الصحيحين: أنه خطب الرجال يوم العيد ثم قال لـ بلال: {هيا بنا إلى النساء فخطبهن ووعظهن، وقال: تصدقن ولو من حليكن} أو كما ورد في الحديث. أما أن تبقى المرأة جاهلة؛ لا تجود القرآن، ولا تحفظ كتاب الله عز وجل، ولا تعرف السنة ولا الفقه فذلك أمر مرفوض. كما أن التعليم الفاضح الذي يدعو المرأة إلى أن تشارك الرجل في البرلمان، وأن تشاركه في حقول الحياة، وأن تخرج متبذلة متكشفة سافرة نرفضه، ونعتبر أنه تعليم جاهلي لا يزيدها إلا سقوطاً ويقودها إلى النار، إنما نريد تعليماً إسلامياً موقراً مقدساً طاهراً يقودها إلى جنة عرضها السماوات والأرض. كانت عائشة رضي الله عنها عالمة وتحفظ من الشعر، قال الزهري: [[كانت عائشة تحفظ من الشعر ثمانية عشر ألف بيتٍ]] وكانت تفتي الصحابة حتى في معضلات المسائل، وهناك كتاب ألفه بعض المحدثين فيما استدركته عائشة على كبار الصحابة، وفتاويها جمعت في مجلد كبير، وهي مجتهدة مطلقاً وممن يحق لهن حق الاجتهاد في الإسلام. وكانت عمرة بنت عبد الرحمن عالمة من عالمات التابعين، ومعاذة، وكذلك بنت سعيد بن المسيب، وكريمة بنت أحمد شيخة ابن حجر روت لأكثر من ستين ألفاً من الأمة صحيح البخاري، وعالمات كثيرات؛ حملتهن كتبٌ وسيرٌ وتواريخ. أيضاً وضعها في عمل لا يليق بمكانتها كما أسلفت كرعي الأغنام والخروج للاحتطاب، وكذلك تدريبها على السلاح ودخولها في الجيش، وفي المرور، وفي مواجهة الناس كالعمل في الجوازات، وعلى المنافذ العامة، وفي المستشفيات لمباشرة الرجال، وفي النوادي الطبية، وأماكن التمريض، كل هذا لا يجوز في الإسلام، فلا بد أن يكون عملها في حقلها مع بنات جنسها، لا ترى الرجال ولا يرونها. وقد سألت صحابية رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديثٍ حسن: {ما أحسن شيء للمرأة؟ قال: ألا ترى الرجال ولا يرونها} وهي وصيته عليه الصلاة والسلام التي تبقى أبد الدهر حلاً للمرأة في دنياها وأخراها.

نسبة المشاكل إليها

نسبة المشاكل إليها ومما تعانيه المرأة أيضاً: نسبة المشاكل كلها إليها، وأنها مصدر الإزعاج، وعند بعض الناس أن كل عقدة وكل مشكلة في البيت من جانب المرأة، وتجد حتى في القضايا الشرعية عند القضاة إذا أتى الرجل يتحدث بسط لسانه في زوجته، وتكلم عن ظلمها وعن إساءتها، وهي خجولة لا تستطيع أن تبدي حجتها، فيظلمها، وقد قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18]. قالوا: هي المرأة لا تبين في الخصام، ولا تدافع عن نفسها ولا تستطيع أن تعرض حجتها، فيستغل ذلك كثيرٌ من الناس حتى في القضايا الأسرية، فإذا أتوا إلى الحكم من أهلها والحكم من أهله، أتى الرجل يتكلم بالمحاضرات؛ لأنه جريء، ويفتعل الأقاويل، وأتت هي تبكي لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، فليتق الله الناس في هذا، ولا ينسبوا المشاكل للنساء، فإنه لا يحدث في البيت أمر إلا وكان للرجل ضلع في ذلك، وربما كانت في الحالات النادرة سبباً رئيسياً، لكن ليس دائماً. ونريد أن نزيل عقدة نسبة الخطأ دائماً إلى المرأة. ومنها: عدم فتح مجالات الدعوة للمرأة، وكثيراً ما ينادي الدعاة إلى مراكز الدعوة المحترمة، وأن هناك دروساً للنساء، وتقوم امرأة تدرس بنات جنسها، أو حلقات تعليمية في القرآن وعلم الحديث والتفسير والفقه، وأن تقوم المرأة كذلك في حيها بجمع جاراتها على درسٍ أسبوعي. وقد وصلني أخٌ فاضلٌ أكرمه الله من آل يزيد باقتراح جيد عجيب رائع للمرأة، وهو ينص على أن يكون هناك مجموعات من الفتيات يتولين في كل قرية إرشاد النساء؛ لأن المرأة تعيش اكتساحاً رهيباً لا يعلمه إلا الله، فهي محاربة ومهددة في عرضها دينها من كل جهة، الجمعيات النسائية، الفيديوهات، الأطروحات، الأشرطة، المجلات، الدوريات، التلفاز، الدعايات المغرضة، ومع ذلك لا بد أن نتواصى وأن نتعاون، ونحن ذهبنا مذهباً جميلاً في مسألة المحاضرات والدروس واللقاءات والندوات للرجال، أما النساء فلا!! فأنا أضع هذا ولكلٍ منكم أن يقترح اقتراحاً يرضاه ويراه، ويشاور زوجته إن كانت من الداعيات، أو طالبات العلم، أو الصالحات.

الغزو الفكري للمرأة

الغزو الفكري للمرأة توجيه الغزو الفكري والخلقي للمرأة بواسطة المجلات والأفلام، والنشرات والأغاني، رأيت في بعض الأسواق هنا في أبها أكثر من ثماني عشرة مجلةً تحمل صورة المرأة الفاتنة على الغلاف، وهم يعرضون المرأة من باب الجمال فقط، لا يعرضونها من باب الدين، أو أنهم يشيدون بعقلها أو بمكانتها، أو بمستواها العلمي أو الثقافي، أو بذكائها وبمصداقيتها وبطهرها، إنما بجانب الجمال المتهتك، وأنا أعتقد اعتقاداً جازماً أن اللواتي صوِّرن في المجلات، قد بعن أنفسهن من قبل هذه الصور في سوق النخاسة العالمي، والتي تضيع فيها المرأة، نعوذ بالله من الفتن!

المرأة في محلات الأزياء

المرأة في محلات الأزياء محلات الأزياء تحمل دفاتر كبرى في تفصيلات الموضات الجديدة، والأشكال والطرازات الحديثة في لباس المرأة وزيها، وهي تهدد المرأة، أيضاً محلات الخياطة والتفصيل، هناك مقاسات كاشفة فاضحة عارية تعرض في البيوت، وبعض الفتيات يرسلن السائق، أو ترسل أخاها إذا كان أحمقاً، فيذهب فيأتي بالمجلات ويعرض عليهن المجلة في البيت، وغير ذلك من هذه الأمور. أيضاً تعرض في بعض المحلات ما يسمى (السوبر ماركت) صور متهتكة ودعايات، وهذه منتشرة على العلب والكراتين، وأصبحت عند العالم الكافر المتخلف علامة للدعاية والجذب ليس إلا، كذلك بعض الأفلام والدوريات حمانا الله وإياكم! أيضاً الأغاني التي أمطرت بها الأسواق، وأحرج بها الناس، وكما تعرفون الخبر الذي ورد أن أغنية لمغنٍ واحد وصلت إلى الأسواق وبيع منها في أسبوع واحد بخمسين ألف ريال. فقل لي بالله، كيف يكون البيت إذا دخل الشريط التسعون دقيقة فيه وهو يحمل خمس أغاني أو أربع أغاني؟! كيف يهتك ذاك البيت ويضيعه، ويصنع هذا أناسٍ لا يخافون الله في الجيل ولا في الأمة.

تفضيل الأولاد على البنات

تفضيل الأولاد على البنات ومن الأخطاء الشائعة: تفضيل الأولاد -عند البعض- على البنات في الحب والتقدير والإكرام، فتجد بعض الجهلة يقدم أبناءه بالاحترام ولو كانت البنت أكبر، فيعطي الفنجان الابن وهو أصغر منها، ويسلم على الابن قبل البنت، ويقدم الابن في الركوب، ويقدمه في أشياء من خلالها تشعر البنت إزاءه بالنقص وبالتقصير وبالاحتقار، وهذا لا يقره الإسلام. وقد أوجب علينا الله سبحانه أن نعدل بين أولادنا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فإذا قبَّلت واحداً منهم فقبِّل بقيتهم، وإذا قلت لهذا كلمة طيبة، فقل للجميع مثلها، وما تدري من البركة فيه. أعرف بعض كبار السن الذين ما احتضنتهم في الأخير بعد عناية الله إلا بناتهم! تمريضاً ورعاية وخدمة، أما الأبناء فلم يستفيدوا منهم شيئاً، وبعض الناس قامت ابنته بما قام به أولاده جميعاً، فتجد البنت أعطف وأرحم، وأحسن وأكثر دعاءً وطاعةً لأبيها، فما تدري مَن الخير فيه، فعليك ألا تحقر هذه البنت، وألا تقدم أولادك عليها بحجة أنهم ذكور، فإنهم كلهم عطايا من الله عز وجل، ولهم الأحقية المشتركة في حبك وبرك وعطفك وحنانك.

استخدام المرأة للدعاية

استخدام المرأة للدعاية ومن الأمور التي تعاني منها المرأة: أنها في كثير من الأماكن وسيلة للدعاية -وقد مر شيء من ذلك- ومن المآسي التي تعيشها الأمة، أن تكون المضيفات في الطائرات نساء ولو حجبن شعورهن، فإنها مأساة، ولا يستطيع أن يقول أحد إلا أنها مأساة، أن يركب مائة وخمسون أو مائتان من الركاب المسلمين المصلين الناسكين، فيفاجئون بأربع مضيفات مختارات جميلات. رأيت في جريدة الأهرام -قطعة أوصلها إلىَّ بعض الإخوان- إعلاناً أن شركة الخطوط تريد مضيفات من بلاد أجنبية، واشترطوا شروطاً أن يكون عمرها من أربعة عشر إلى تسعة عشر لا تزيد ولا تنقص، وأن تكون جميلة إلى غير ذلك، فعرفنا أن المقصد مقصدان: يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمنٍ وإن لقيت معدياً فعدناني وكذلك سكرتيرات في بعض المكاتب والسفارات، والمنتديات والنوادي، والفنادق والمستشفيات والعيادات وأماكن التمريض، وأماكن تجمع الناس، وهذا من احتقار المرأة، ومن عرضها وتشهيرها للفجرة.

عدم العدل بين الزوجات

عدم العدل بين الزوجات الكثير من الناس يدعون إلى التعدد، ولا يذكرون العدل بين الزوجات الذي هو الأهم، فإن كثيراً من المحاضرين والدعاة يدعون الناس إلى أن يعددوا وأن يكثروا من الزوجات، بينما لم يذكر في محاضرة واحدة العدل بين الزوجات، فإن هذا أهم، وإذا خلت مسألة العدل ارتاح الناس. وكانت مسألة التعدد سهلة، لكن أن يتحدث عنها بعض الناس، ويقوم بدعوة الناس للتعدد، ثم يترك المشكلة الكبرى وهي عدم العدل فهذا خطأ، ولذلك وجد من تزوج مثلاً بثانية فأهمل الأولى تماماً، وجعلها ليست مطلقة ولا متزوجة وإنما هي معلقة، وجعلها كأنها خلقت هكذا صفراً على الشمال ليس لها اعتبار في الحياة، وهذا من الخطأ، ومنهم من ظلم حتى إنه يعطي هذه ثلاث ليال، وهذه ليلة، ومنهم: من لا يعدل في النفقة، ولا السكنى ولا الإطعام، ولا غير ذلك مما يجب العدل فيه.

هضم حقوقها الزوجية والقوة عليها

هضم حقوقها الزوجية والقوة عليها من النقص الذي نعيشه: مطالبة المرأة بحقوق الرجل دون ذكر حقوق المرأة عند الرجل، تجد كثيراً من الناس يطلبون من المرأة أن تؤدي حقوق الرجل، وقد كثرت الأشرطة والمحاضرات في حق الرجل على المرأة، لكننا نحتاج إلى إيضاح حق المرأة على الرجل. ونحن مثلنا في هذا مثل الشعوب المستضعفة، فإن الشعوب الآن دائماً يقولون: عليكم بالطاعة للقادة والقائمين، وعليكم أن تتقوا الله، وعليكم بالمحافظة، لكن حقوق هؤلاء الشعوب لا تذكر، تجد الشعوب إما مهضومة أو مظلومة، أو محتقرة أو جائعة، أو ترمى على الأرصفة، أو لا مكان لها، فهي بلا رأي ولا احترام، ولا مشاركة ولا تقدير، ومع ذلك وسائل الإعلام صباح مساء تنادي: اتقوا الله وأدوا حقوق الولاة والزعماء؛ فإنكم إن لم تفعلوا خرجتم من الملة وخرجتم من الدين، فهذا مثل ذاك، والمرأة الآن مثل الدول النامية "النائمة". ومن الخطأ كذلك التعامل معها بعنفٍ وغضاضة إلى درجة الضرب لغير سبب شرعي، حتى إن بعضهم يعلق سوطاً في البيت مهمته زوجته، ويسمي السوط ستر الله، وهذا السوط ليس بستر الله لكنه يغضب الله أحياناً، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {لقد طاف بأبيات آل محمد نساء يشتكين من أزواجهن، وإن أولئك ليسوا بخياركم} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فمن يفعل ذلك ليس من خيرة الناس وصفوتهم {وأتت فاطمة بنت قيس إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تريد أن تتزوج -وهي تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أبر وأنصح وأكرم الأمة، وتعلم أنه يعرف أصحابه- فقال: من تقدم لك؟ قالت: أبو جهم ومعاوية بن أبي سفيان وأسامة بن زيد قال: أما معاوية فرجلٌ صعلوك، لا مال له -وأصبح معاوية فيما بعد خليفة المسلمين - وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه -ضراب للنساء- أنكحي أسامة بن زيد، فتزوجت أسامة فاغتبطت به} وهذه مشورته عليه الصلاة والسلام. وقالت امرأة: [[طرقت على باب عمر بن الخطاب أمير المؤمنين فقال: مه؟ قالت: أريد أن أستشيرك في رجل تقدم لي، قال: من هو؟ قالت: الزبير بن العوام]] لا إله إلا الله! الزبير أحد العشرة نحبه ونتولاه، نسأل الله أن يجمعنا به في الجنة، والعالم الإسلامي ليس فيه أحدٌ الآن مثل الزبير بن العوام من صفاقس إلى الدار البيضاء فقال عمر: [[أنعم به في دينه ولكن يدٌ بعصا ويدٌ بقرط]] فالضرب ليس بحلٍ شرعي إلا في مواطن ذكرها الله عز وجل في كتابه، قال: {وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء:34] والضرب غير المبرح: ألا يكون كثيراً مؤذياً، ولا يكون في الوجه ولا على البطن، وإنما العاقل يعرف والحر ميزان. قالوا لـ شريح القاضي وكان يحب زينب امرأته، وجلست معه أربعين سنة: أضربتها في حياتك؟ قال: والله ما مددت يدي عليها، ثم يقول: رأيت رجالاً يضربون نساءهم فشلت يميني يوم أضرب زينبا ولو أني أعلم أن بعض النساء لا ينفعهن لا الكلام ولا الضرب ولا أي شيء، لكن نسأل الله حوالينا ولا علينا، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، اللهم على بطون الأودية ومنابت الشجر.

الاشتغال عن المرأة بأمور الحياة

الاشتغال عن المرأة بأمور الحياة ومنها أيضاً: اشتغال كثيرٍ من الناس بأمور الحياة وترك المرأة بلا حقوق، تجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن لأهلك عليك حقاً} ـ كان صلى الله عليه وسلم يشتغل بأعظم أمور الأمة وأدقها ومن ذلك: أمور الجهاد والاقتصاد والإدارة والتوجيه، ومع ذلك يعطي كل امرأة من نسائه -وكن تسعاً- حقها وكلامها ومزحها ووقتها، ولكن تجد البعض عنده زوجة واحدة وقد قصر في وقتها وفي حقها، فتجد التاجر: يخرج الصباح السابعة أو الثامنة، ولا يعود إلا في الثانية عشرة، وقد أصبح ثوباً ملقىً من كثرة ما اتصل وتكلم وغش وخان إلا من رحم ربك، فإذا أتت زوجته تحدثه قال: معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي، دعوني أنام، فينام إلى الساعة السابعة ثم يقوم وهكذا، وكأن زوجته ليس لها حق. وتجد بعض الدعاة يشتغل في المحاضرات والندوات والمشاركات والسفريات، حتى يترك امرأته، فإذا سمعت امرأته الشريط وهو يتكلم عن حقوق المرأة، تقول: لا إله إلا الله! أعطنا بعض هذا الشيء. وتجد كذلك كثيراً من الشبيبة يسمرون في المقاهي -من الموظفين وأمثالهم- ينطلق الواحد منهم بعد صلاة العشاء، ويغلق على امرأته في بيته، لا هو أطعمها ولا هو تركها تأكل من خشاش الأرض، فيذهب يسمر إلى الثانية عشرة ليلاً أو الواحدة، ثم يدخل عليها في آخر الليل وهو منهك ويلقي نفسه على الفراش. من يتحدث معها ويمزح معها ويلاطفها؟ وقد أتت شكايات ورسائل كثيرة من هذا الصنف، وبعضهن تطلب الفراق، تقول: أنا مع أمي في بيتي أحسن من مصاحبة هذا، ما أراه إلا نائماً أو غريباً وغير ذلك، وبعضهم مضياف تجد بيته دائماً يستقبل الناس في كل وقت، ويترك امرأته فقط مأمورةً منهية، تصنع الشاي والقهوة والطعام وتجهز البخور وغير ذلك، أما وقته فللأضياف الذين أخذوا عمره عليه، ولا أدعو إلى البخل، لكن دين الله وسط، للضيف وقت، وللأهل وقت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن لأهلك عليك حقاً ولضيفك عليك حقاً}.

تجريح المرأة

تجريح المرأة التجريح عند البعض يكون بكلمات محرقة كاللعن والعياذ بالله آخرها امرأة في عصر هذا اليوم اتصلت تبكي، تقول: لعنها زوجها -نعوذ بالله- وهذا يدل على قلة دينه وخوفه من الله تعالى، أسأل الله أن يصلحه. وكثير منهن تتوهم أن اللعن طلاق، وأنها تنفذ وتخرج من عصمته، والصحيح: أن اللعن كبيرة من الكبائر، وعليه أن يتوب وأن يستغفر، وأنا أحذر الأزواج من استخدام اللعن والشتم، بل بعضهم والعياذ بالله إذا غضب عليها قذفها في عرضها، لو وصلت إلى المحكمة لأقيم عليه حد القاذف، وبعضهم يسبها ويسب أهلها، ويلعن والديها أو قبيلتها أو أسرتها والعياذ بالله، وهذا من الجهل ومن قلة مراقبة الله، فاتقوا الله في ذلك، قال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229]. عليك أحد الأمرين: إن أحببتها فأمسكها محترمة، وإن لم تحبها وليس لها في قلبك منزلة فخذها بكل احترام وأوصلها إلى أهلها، عارية مضمونة.

إفشاء سر المرأة أو خصوصياتها مع زوجها

إفشاء سر المرأة أو خصوصياتها مع زوجها إذا أفضى الرجل إلى زوجته وأفضت إليه بحديثٍ خاص فلا يجوز أن ينشر، تجد بعض الناس لبرودته ولقلة شهامته ولانخلاعه ولقلة غيرته يخبر زملاءه وإخوانه بما قالت له امرأته من حديث خاص، وقد حذر عليه الصلاة والسلام من هذا، ووصف أولئك بأنهم من أقل الناس مروءة، أو كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء قومٌ ماتت الغيرة عندهم تماماً، وليس عندهم يقظة من إيمان، وإلا فالمرأة سر عندك مكنون، ودرة محفوظة، عليك أن تحفظ سرها، وعليها هي كذلك أن تحفظ سرك، فإنه يوجد بالمقابل من النساء من تذهب إلى زميلاتها وصديقاتها في المجالس فتخبرها بما فعل بها فتخبرهن وبما فعلت هي معه، وبما قالت وبما قال لها من أمورٍ لا يجوز أن تخرج عن البيت، فلينتبه لهذا.

غيرتنا على محارمنا

غيرتنا على محارمنا أيها الإخوة الكرام: هذا دفاع عن المرأة وأنا أسأل الله عز وجل أن يجعلنا أكثر دفاعاً عن المرأة، ليس بالمحاضرات ولا بالكلام لكن بالدماء وبالجماجم، فإنه لم يبق معنا إلا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأعراضنا، وأعظم أعراضٍ لنا أخواتنا وبناتنا، فلا تتوهم أختٌ أو بنتٌ في مدرسة أو في كلية أو في جامعة أن الدعاة يريدون التشهير أو التجريح، لا والله. إننا لا نعتبر أولئك إلا كأخواتنا وبناتنا، ويعلم الله أني لو سمعت أن امرأة مست في كرامتها أو عفافها فإني أنزعج انزعاجاً لا يعلمه إلا الله، ولا خير في الحياة إذا لم يقاتل ويدافع عن هؤلاء الصنف الكريم من النساء. والحقيقة أن من الغيرة لله عز وجل ولرسوله الواجبة علينا جميعاً أن نلاحظ الجانب النسائي في قضية الندوات والجمعيات، وأن نقول كلمة الحق، وأن ننقذ الموقف قبل أن يصبح في مرحلة لا نستطيع إنقاذه فيها، ولا أن نقول شيئاً، فلذلك نقول للناس: اتقوا الله في بناتنا، وأخواتنا، وزوجاتنا. والله ما أحسب أي امرأة مسلمة إلا كأختي أو كابنتي، وإن الإنسان والله يغضب ويصل به درجة البكاء والانهيار إذا سمع أن امرأة وقعت في فاحشة أو نيل من كرامتها، أو أخذت بالتدريج ليوقع بها في مكانٍ لا يحمد عقباه، أو في مصيرٍ يهدد مستقبل الإسلام، كان سعد بن عبادة جالساً عند الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: {يا رسول الله! لو وجد أحدنا مع امرأته رجلاً -أجنبياً - ماذا يعمل؟ قال صلى الله عليه وسلم: يستشهد أربعة من الناس، قال: يا رسول الله! أأتركها معه وأذهب أجمع أربعة؟! والذي لا إله إلا هو لأضربنها هي وإياه بالسيف غير مصفح -أي: بحده- فقال عليه الصلاة والسلام وهو يتبسم: أتعجبون من غيرة سعد! والذي نفسي بيده! إني لأغير منه، وإن الله أغير مني}. هذا سعد بن عبادة بن دليم البطل، كان يضيف في اليوم الواحد المائة والثمانين والمائتين في صحفة واحدة، كانت صحفته يحملها أربعة، وكان هذا البطل تزوج امرأة من الأنصار أركبها على الفرس، فلما وصلت نحر الفرس، قالوا: لماذا؟ قال: [[حتى لا يركب الفرس رجلٌ مكان امرأتي]] لله درك! نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يغار} وفي لفظ: {إن الله غيور} ومن غيرته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ومن غيرته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يغار على عبده المؤمن أن يزني، وعلى أمته المؤمنة أن تزني، فلا نريد ذلك. أماتت الغيرة فينا بحجة الهدوء ومصلحة الدعوة وعدم تجريح الجهات؟!! ثم تضيع أعراضنا وبناتنا وأخواتنا! لا! {قل الحق ولو كان مراً} رواه ابن حبان، والحق قد يذهب بالرءوس، لكن إلى جنة عرضها السماوات والأرض: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140]. فالواجب على المسلم أن يحيي هذه الغيرة وأن ينبتها، وأن يذكرها في المجالس، وأن يربي الأمة عليها، فإذا نشأ الجيل على الغيرة وجدت جيلاً مسلماً صامداً، فيه من الحمية ما لا يعلمه الله. أعرابيٌ في القرن الأول رأى امرأته تنظر إلى رجل من النافذة، قال: يا عدوة الله! تنظرين إليه؟ قالت: والله ما أحببته ولا فعلت معه الفاحشة؛ بل نظرت هكذا، قال: هكذا، ثم طلقها، فقالوا له: لماذا؟ قال: إذا وقع الذباب على طعامٍ رفعت يدي ونفسي تشتهيهِ وتجتنب الأسود ورود ماءٍ إذا كن الكلاب ولغن فيهِ ومن الغيرة عند الجاهليين، وهي غيرة محبوبة أصّلها الإسلام، ولكنها غيرة أنبتتها المروءة والشهامة ما عند عنترة بن شداد، قال: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها يقول: إذا بدت الجارة غضضت طرفي حتى تدخل بيتها، وقد قال حاتم الطائي ما هو أحسن من ذلك في أبيات جميلة له! وغيره كـ المقنع الكندي، ذكرها صاحب العقد الفريد، وصاحب عيون الأخبار ابن قتيبة وغيرهم. أيها الناس! أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم، وأن يحفظنا وإياكم وأن يرعانا.

الأسئلة

الأسئلة

كتاب الأسبوع

كتاب الأسبوع Q تعودنا على الكتاب الأسبوعي فما كتاب هذا الأسبوع؟ Aكما تعرفون تعودت في كل أسبوع أن أنوه عن كتاب، ومن شروط الكتاب أن يكون تحت مظلة أهل السنة والجماعة، وأن يعايش أحوال الناس، وألا يكون فيه طولٌ مملٌ ولا قصرٌ مخل، والكتاب الذي أقترحه هذه الليلة: " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لـ ابن القيم، وسبق أن أشرت إلى كتابين؛ الكتاب الأول صيد الخاطر لـ ابن الجوزي، والكتاب الثاني جامع العلوم والحكم لـ ابن رجب، والكتاب الثالث الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي. أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية والرشد والسداد، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جنسية المسلم

جنسية المسلم ربما ظن الإنسان أن العزة والرفعة بالأنساب والأحساب، لكن هذا في ديننا غير وارد، فالعزة فيه لا تكون إلا بالتقوى والطاعة. فالإسلام رفع بلالاً الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيباً الرومي، ولم ينظر إلى أنسباهم؛ وأذل ونكس أبا جهل وعقبة بن أبي معيط وأبو لهب، ولم يعتبر بأنسابهم؛ لأنهم كفروا وتجبروا على الله. والله أعز المسلمين بالإسلام مع أنهم كانوا في ضيق العيش وفقر شديد ونحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.

قيمة العرب بالإسلام

قيمة العرب بالإسلام اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول. لك الحمد بالإيمان, ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت. في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك. أنت رب الطيبين، وأنت عضد الملتجئين، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. والصلاة والسلام على من أرسلته معلماً وهادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الخير بإذنه وسراجاً منيراً. بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، هدى الله به الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية. فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. وإنها لسانحة طيبة، وفرصة عظيمة، أن أرى هذه الوجوه الغالية، وإن كان من شكر، فإني أتوجه بالشكر الجزيل إلى الله الحي القيوم، الذي رفع رءوسنا وأنار قلوبنا بالإسلام، ثم أشكر أهل الفضل: {الذي لا يشكر الناس لا يشكر الله}. فأشكر قائد هذه القاعدة ومساعده، وأشكركم شكراً جماً على حرصكم على الخير، وعلى دعوة الإسلام، والرسالة الخالدة، ومجالس الذكر, وما أشبهكم بقول الأول يوم قال: هَيْنُون لَيْنُون أيسارٌ بني يَسَرٍِ صِيْدٌ بَهاليل حَفَّاظون للجارِِ من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري وأنتم نجوم من نجوم الإسلام، إذا كانت مظلتكم (لا إله إلا الله)، وعقيدتكم تستضيء بـ (لا إله إلا الله)، ومسيرتكم ترفرف عليها (لا إله إلا الله)؛ فهنيئاً لكم. معشر المسلمين: نحن الأمة العربية قبل الإسلام لم يكن لنا تاريخ، ولو زعم القوميون وأهل التراب والوطنيون أن لنا تاريخاً فأين تاريخنا؟ بل تاريخنا مبدؤه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. نظر الله إلى الأمة العربية فوجدها أمة ضائعة حقيرة، مسكينة متقاتلة، فرحمها من فوق سبع سماوات، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. وقد صحَّ عنه عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار أنه قال: {إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم جميعاً عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، ثم بعث محمداً عليه الصلاة والسلام}. إن البرية يوم مبعث أحمدا نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها فأمدها مدداً وأعلى شأنها وأزال شانئها وأصلح بالها مَن الذي أصلح بال هذه الأمة، ورفع قيمتها وأتى بمجدها إلا الحي القيوم. إننا أمة نتعامل بالوحي، وأمة فيها قداسة، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]. إذا فاقنا الآخَرون بالطائرات والصواريخ والصناعات والذرة، فقد فُقْناهم -والله- بـ (لا إله إلا الله). ديننا مستمد من الحي القيوم، ورسالتنا خالدة، عبرنا بها المحيطات، وسرنا بها على البحور. ولذلك أقف معكم، مع شاعر الباكستان محمد إقبال، وهو يأتي قبل أربعين سنة ليحج في مكة، وليطوف بالبيت العتيق، كان يسمع بـ الجزيرة العربية، ويظن أنه إذا دخل مكة سوف يرى أبناء الصحابة، وأحفاد التابعين، أحفاد خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وطارق بن زياد، الذين فتحوا المعمورة بـ (لا إله إلا الله)، الذين نشروا السلام في بقاع الأرض. فأتى، ففوجئ بمجتمع غير ذاك المجتمع، مجتمع همه لقمة العيش، والقصر والسيارة والوظيفة والشهرة والمنصب، فبكى طويلاً وسجل مقطوعة شعرية رائعة اسمها: (تاجِكْ مكة) أي: أنا في مكة، يقول وهو يتحدث ويناجي الله وهو يطوف ويبكي: نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى ثم يقول: بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنس إفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا ثم يعود فيقول: كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا يقول: أين تاريخنا المشرق؟ أين أسلافنا الذين أقبلوا على الله عز وجل وجاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا؟! ويتذكر محمد إقبال تاريخنا القديم، تاريخ محمود بن سبكتكين، السلطان العادل الكبير، الذي فتح ألف ولاية في المشرق، ودخل بستمائة ألف من الجيش، ولما أتى إلى الهند، رأى الأصنام من ذهب، فقال له ملك الهند: خذ هذه الأصنام واتركنا في ديارنا، قال: يا سبحان الله! يدعوني الله يوم القيامة: يا بائع الأصنام! لا. بل أريد أن أدعى يوم القيامة: يا مكسر الأصنام! والله لا أشتري بـ (لا إله إلا الله) ثمناً، ولو جمعت لي الدنيا وما فيها ذهباً وفضة. ثم أمر جيشه أن يهرعوا إلى الأصنام ليكسروها.

معالم الإقبال على الآخرة والإعراض عن الدنيا

معالم الإقبال على الآخرة والإعراض عن الدنيا

صحة الانتماء لدين الإسلام

صحة الانتماء لدين الإسلام إن المسلم في بعض اللحظات والأيام قد ينسى انتماءه إلى الحي القيوم، وينسى انتماءه إلى الإسلام، وينسى جنسيته المسلمة، ويغتر ببعض المظاهر الخلابة التي تعرضها أمم الأرض الكافرة، ويا سبحان الله! أسألكم بالله، هل لنا شرف غير الإسلام؟ وهل لنا انتماء غير الرسالة الخالدة؟ من نحن لولا الإسلام؟ والله، ما كانت الأمم تنظر إلينا بعين الرضا ولا بعين الإعظام، وإنما تنظر إلينا كما تنظر إلى البدو رعاة الأغنام والإبل.

عزة ربعي بن عامر بالإسلام

عزة ربعي بن عامر بالإسلام يدخل قائد من قوادنا، بل جندي من جنودنا في قادسية (لا إله إلا الله) القادسية التي خاضها سعد بن أبي وقاص ضد رستم وكسرى أنو شروان. فيكتب رستم لـ سعد بن أبي وقاص قبل المعركة بثلاثة أيام ويقول له: أرسل لي جندياً من جنودك أتحدث معه. ومقصود رستم أن يرى هذا الجندي ويرى انتماءه وجنسيته ويرى كلامه؛ لتكون مصداقية المعركة على هذه المفاوضات. فاختار سعد رضي الله عنه وأرضاه شاباً زاهداً عابداً ولياً من أولياء الله؛ لأن القلب إذا عمرته (لا إله إلا الله) تحركت الجوارح بمبدأ (لا إله إلا الله) والله عز وجل يقول في الحديث القدسي: {ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع بها، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها}. فاختار سعد رضي الله عنه ربعي بن عامر، وقال: اذهب، وفاوض رستم. فماذا فعل ربعي بن عامر؟ هل غير من لباسه هيئته؟ لا. إن الفخر لك أن تكون مسلماً، وأن تكون في هيئتك ولباسك وسنتك، وفي المعالم التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن بعض الناس قد يصيبه خجل وحيرة إذا سافر إلى بلاد أخرى أن ينتسب للإسلام، أو أن تظهر عليه معالم السنة، وقد يجد غضاضة، أما ربعي بن عامر فلم يغير من هيئته أبداً. أتى برمح في يده ملفوف في لفائف من قماش لأنه ما وجد غمداً له، وأتى بفرس معقور عنده، ودخل على رستم، فصف رستم قواده؛ ليرهب هذا الجندي لعله أن يختلط في الكلام، أو أن يحتار في الحديث، أو أن يضحك عليه القواد والوزراء. فجلس رستم وعليه التاج من الذهب، وحوله قواده ووزراؤه ومستشاروه، ودخل ربعي بن عامر يقود فرسه على بساط رستم، فيقول له الحارس: اربط الفرس خارج الخيمة، وكان في الصحراء، قال: والله! لأدخلن بفرسي، فإن شاء أن أدخل وإلا عدتُ، فإنه هو الذي دعاني وما طلبت مقابلته، فقال رستم: دعوه يدخل، فدخل وبيده الرمح، فلما رآه رستم ضحك وقهقه، وقال لـ ربعي بن عامر ومعهما الترجمان: جئتم تفتحون الدنيا بهذا الرمح المُثلَّم، وبهذا الفرس المعقور، وبهذه الثياب الممزقة؟ فماذا يقول له ربعي؟ اسمع للذي تربى على القرآن ودرس في مدرسة محمد رسول القرآن صلى الله عليه وسلم يقول: نعم. إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. فاحتار رستم في هذا الجواب الذي كأنه صواعق. فقال لـ ربعي بعد أن حلف بإلهه: لا تغادر خيمتي حتى تحمل من تراب الخيمة على رأسك -إهانة له- فضحك ربعي بن عامر، وقال: هذا أول النصر إن شاء الله. وهذا يشير إلى أننا سوف نملك أرضكم وقصوركم ودياركم وأرضاً لم نطأها، فحمله شيئاً من التراب على صحفة وخرج به، فالتفت إليه الوزراء، وقالوا له: أسأت، إن هذا معناه أنهم سوف يملكون أرضنا، قالوا: ردوه إلينا، فذهبوا وراءه فلم يجدوه؛ لأنه قد وصل إلى جيش الإسلام. فلما رآه سعد أقبل، قال: ماذا على رأسك؟ قال ربعي: تراب سلمنيه من أرضه. قال سعد: الله أكبر! إنا إذا دخلنا قرية قوم فساء صباح المنذرين، فكبر المسلمون. فقال رستم في رسالة إلى سعد: أنظرني يومين قبل المعركة، فأنظره سعد يومين، فلما حضرت صلاة الظهر، قال رستم: أخرجوني لأرى هؤلاء البدو كيف يصلون وكيف ينتظمون، فأخرجوه في صلاة الظهر، وكان عدد جيش رستم مائتي ألف، وجيش الإسلام اثنان وثلاثون ألفاً. انظر إلى البَون الشاسع بينهما؛ ولكن الله ذو القدرة الغالبة، ومن اعتمد على الله انتصر، فإنه الركن. فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركانُ فيأتي سعد يصلي بهم صلاة الظهر وهو القائد، فيكبر فيكبر بعده اثنان وثلاثون ألف مقاتل، ويركع فيركعون بعده، ويرفع فيرفعون بعده. فيأتي رستم يعض على أصابعه ويقول: علم محمد الكلاب الأدب. بل علم الأسود الأدب عليه الصلاة والسلام. ويأتي صباح نهار المعركة، فما يثبتون أمام (لا إله إلا الله) يزحف عليهم جيش الإسلام، فيتكسرون أمام الزحوف والكتائب. وبعد ثلاثة أيام يأخذ سعد رضي الله عنه الأرض بما فيها، كنوزاً وذهباً وفضة وجنوداً ومقاتلين وقصوراً ودوراً، ويدخل إيوان كسرى، إيوان العمالة والضلالة، فيبكي سعد ويقول: صدق الله حيث يقول: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29]. نعم. كنا ننتصر على الناس، وكانت ترتفع رءوسنا يوم كان انتسابنا حقاً إلى الله، وإلى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. ولذلك يقول الأول: ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا هل هناك شرف أعظم من أن تنتسب إلى رسالة الإسلام؟ وهل هناك جنسية يمكن أن تفرض نفسك على العالم بها غير الإسلام؟ فالإسلام الرسالة الخالدة.

دخول علماء الكفار إلى الإسلام

دخول علماء الكفار إلى الإسلام ووالله ثم والله! إن العبد يندهش حينما يجد أبناء الإسلام الذين ولدوا في أرض الإسلام، وتربوا على مبادئ الإسلام، يتخلون عن الإسلام، ويجد أهل الكفر لما بلغوا درجة تفجير الطاقة الذرية يعودون إلى الإسلام ويدخلون في دين الله زرافات ووحداناً. يقول كريسي موريسون العالم الأمريكي كما ينقل عنه سيد قطب: إنني احترت كيف أعيش؟! فعرفت الله فعشت، ويقول عنه في كتابه أمريكا التي رأيت: "إلى أين تسير البشرية إذا لم تعرف ربها؟ ". ويقول أليكسس في كتاب الإنسان ذلك المجهول الذي تُرجم إلى عشر لغات، يقول في هذا الكتاب: إن البشرية سوف تبقى حائرة حتى تتعرف على الله. وهذه هي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه جاء يعرفنا على الواحد الأحد تبارك وتعالى، وليصل نسبنا بهذا الدين الخالد الذي إذا تركناه ضعنا والله، فإننا لا نباري الأمم بطاقة، ولا بسلاح، ولا بصناعة، ولا بمنتجات، سبقونا في الصناعة، والمنتجات، والمادة، يقول عز من قائل فيهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. أما الحياة فأجادوا فيها كل الإجادة، ولكن: {بل ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66]. فهم قد انسلخوا من المبادئ والقيم وانتهوا ثم عادوا يراجعون حسابهم، وأما عقلاؤهم فهم يريدون دخول الإسلام الآن. وفي القناة الثامنة التي يبثها التلفزيون الأمريكي مع أحمد ديدات، العالم الهندي، يقول عالم من علمائهم دايل كارنيجي: الآن عرفت أني مخطئ من خمسين سنة، والآن أهتدي وأعرف طريقي، ويقول في المقابلة الثانية: الآن أولد طفلاً مع الإسلام وأتربى في حجر الإسلام. علماؤهم وأهل طاقتهم، ومفكروهم عادوا الآن ينتسبون إلى الإسلام، وأبناؤنا وشبابنا إلا من رحم الله إذا سافروا عادوا كأنهم ولدوا هناك وتربوا ورضعوا هناك إلا من رحم الله.

عزة عمر بدينه

عزة عمر بدينه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يدخل بيت المقدس، فيستعرض أمامه جيشاً قوامه أربعون ألفاً، وعلى رأسه عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان وأبو عبيدة، وهم يصفون الكتائب أمامه، فيدخل وهم ينتظرونه، ويخرج النصارى على أسطحة المنازل ينتظرون هذا الخليفة الذي دوَّخ الدنيا وهز المعمورة، وأصبح للأرض منه رجة، ينتظرونه، ينظرون ما الذي سوف يقدم عليه من موكب وكيف حرسه ولباسه وقوته وجيشه وجنوده ووزراؤه ومستشاروه، فينتظرون مذهولين؛ لأن عمر دوَّخ العالم، حتى يقول محمود غنيم: يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواهُ البردة: فيها أربع عشرة رقعة. يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاهُ يا من يرى عمر: يقول: تبصروا في عمر أين كان يسكن؟ في بيت من الطين مساحته ثلاثة أمتار في مترين، وغداؤه زيت في شعير. يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواهُ يهتز كسرى على كرسيه فَرَقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه لماذا؟ لأن الله عز وجل أخذ على نفسه أن من خاف منه تبارك وتعالى خوَّف منه كل شيء، والذي يخاف من غيره؛ خوفه الله من كل شيء؛ ولذلك بعض الناس يخافون من هذه القوى، والكتل والهيئات، فيخوفه الله منها، ولو خافوا منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لخوَّف أولئك منهم، فهذا لزام منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. يقدم عمر فيأتي إلى بيت المقدس ليفتحه على ناقة، ومعه خادمه ميسرة، يركب عمر مسافة ما يقارب الثلث ساعة، فإذا تعب خادمه نزل وأركب الخادم وقاد هو الجمل، فلما أشرف على الناس والكتائب حول المسجد الأقصى، والأمراء قد وقفوا، والنصارى أطفالاً وشيوخاً وشباباً بأعلامهم على سطوح المنازل، قد عبئوها لقدوم الخليفة الذي دوَّخ الدنيا، فيقدم هذا الرجل الذي يقود الجمل؛ لأن نوبته أتت في قيادة الجمل وقت دخول بيت المقدس، فيقول الخادم: يا أمير المؤمنين! سوف أنزل لأننا وصلنا، قال عمر: أنوبتك أم نوبتي؟ قال: لا. نوبتي، قال: لا. نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله. فانتسابنا إلى الحي القيوم منه العزة، فإنه الذي يعز ويهدي، ويوفق ويسدد. فقال النصارى: أهذا خادم أتى يبشر بقدوم أمير المؤمنين؟ فاحتار القائد عمرو بن العاص وأتى إلى عمر، وقال: فضحتنا يا أمير المؤمنين! قال عمر: ماذا؟ قال عمرو: أتيت على جمل وقد قامت الدنيا وقعدت لاستقبالك. قال عمر: يا عمرو! ثكلتك أمك، من كنا قبل الإسلام؟ أما كنا رعاة أغنام؟ قال عمرو: بلى. قال عمر: فإنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله. وبالفعل يحدث هذا، كلما حاول شخص أن يعتز بغير هذا الدين؛ مقته الله وأذله، وأخسأه وهزمه وفضحه أمام العالمين. فقدم عمر رضي الله عنه فلما قدم كبر القواد فاهتز المسجد بتكبيرهم، ثم قال عمر لـ بلال يا بـ بلال، أسألك بالله أن تسمعنا الأذان، لقد حانت صلاة الظهر. وبلال بعد أن أذن للرسول عليه الصلاة والسلام، وتوفي الرسول عليه الصلاة والسلام قام تلك الليلة ليؤذن، في أول ليلة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام فلما قال: أشهد أن محمداً رسول الله، تذكر الرسالة والرسول فبكى، وقطع الأذان، وحلف بالله لا يؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما جاء عمر وحانت صلاة الظهر قال: يا بلال! أسألك بالله أن تؤذن لنا هذا اليوم يريد أن يذكره بالصوت الحبيب الشجي، الذي تألفه الأرواح والذي يسري عذباً في الآذان. فقام بلال يردد الصوت الخالد الذي فتحنا به المعمورة، يردد صوت السماء، الذي دوخنا به الدنيا، وسرنا به على المحيطات والأبحر، يقول: الله أكبر، الله أكبر فبكى عمر، وبكى المسلمون، وبكى النصارى. وكان الفتح: فتحها عمر بجمل واحد، لكن (لا إله إلا الله) تمكنت في قلب عمر.

الإسلام هو مصدر الفخر والاعتزاز

الإسلام هو مصدر الفخر والاعتزاز يقول الله وهو يذكر الصحابة والرسول عليه الصلاة والسلام: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:44]. يقول: هذا القرآن شرف لك، وشرف لقومك ولكل جيل يأتي بعدك إلى قيام الساعة. وسوف تسألون عن الرسالة الخالدة. ولذلك لا ينبغي أن ندس رءوسنا، ولا أن نخجل أمام العالم، بل نقول: (لا إله إلا الله) بشجاعة، ونقول: (لا إله إلا الله) بقوة ونعلن انتماءنا وانتسابنا وجنسيتنا أننا عباد لله. والذي يذهب لينتسب لغير نسبة الإسلام، سوف ينقطع نسبه يوم يجمع الله الأولين والآخرين.

النسب لا ينفع يوم القيامة

النسب لا ينفع يوم القيامة صحَّ في حديث قدسي من حديث أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، دعاهم بصوت يَسْمَعُه مَن بَعُدَ كما يَسْمَعُه مَن قَرُبَ، فيقول جل ذكره: يا أيها الناس! إني رفعت لكم أنساباً في الدنيا؛ فوضعتموها ورفعتم أنسابكم، فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم}. فالله عز وجل وضع لنا نسباً نتناسب به في الحياة وهو: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] فرفضنا - إلا من رحم الله - هذا النسب، وقلنا: فلان بن فلان من أسرة آل فلان، وفلان بن فلان من أسرة آل فلان، فيوم القيامة يسقط الله هذه الأوسمة: صاحب السماحة، صاحب السعادة، صاحب الفضيلة ويَرْفَعُ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. فهذه النسبة حق على المسلم أن ينتسب بها، فإن بلالاً كان قبل الإسلام لا يُنْظَر إليه، وكان مِنْ سَقَطِ المتاع، لا يساوي عند الجاهليين الوثنيين فلساً واحداً، لا ينظرون إليه إلا كما ينظرون إلى الدابة التي تأكل وتشرب، فلما أتى الإسلام جعله صلى الله عليه وسلم مؤذن الإسلام. وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترقى أبواب الجنان الثمانيا كان عمر! إذا سمع بلالاً يؤذن بكى، وقال: {أبو بكر سيدُنا وأعتق سيدَنا}. رحمك الله يا عمر - والله - لو كنت في الجاهلية ما قلت هذه الكلمة، كنت وأنت في الجاهلية وبلال في الجاهلية، لا تنظر له ولا تعادله بفلس واحد، فلما أسلمتَ وعرفتَ الله قلتَ: بلالاً سيدُك، فرفعك الله بهذا التواضع، فإن الله يرفع المتواضعين.

مطلب كل مسلم رضا الله عنه

مطلب كل مسلم رضا الله عنه ومن معالم الإقبال على الله عز وجل: أن يكون مطلبك العظيم ومطلبي ومطلب كل مسلم رضا الله تبارك وتعالى، وهذا هو مطلب الصحابة يوم التقوا مع كل كافر في كل معركة، في بدر، وأحد، والأحزاب، ويوم حنين، وتبوك، وفي اليرموك، والقادسية، وفي عين جالوت، وحطين. كان مطلبهم رضا الله تبارك وتعالى عنهم؛ فرفع الله درجاتهم، وعظم أجورهم عنده تبارك وتعالى. يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، كما في السيرة لـ ابن هشام، وغيره: [[لما التقينا في أحد مع المشركين ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل أن تبدأ المعركة قال لي أحد الصحابة]] وهذا الشباب اسمه: عبد الله بن جحش القرشي، شاب باسل، وبطل من أبطال الإسلام، لا يعرف إلا صيام النهار وقيام الليل، تربى على القرآن: [[قال لي: يا سعد بن أبي وقاص، أتريد أن ندعو قبل المعركة؟ قلت: نعم. فداك أبي وأمي، قال: تعال ندعو الله قبل المعركة، قال: فذهبنا وراء الصخرات، فرفع يديه هو قبلي، قال: اللهم إنك تعلم أني أحبك، اللهم إنك تعلم أني ما خرجت إلا ابتغاء مرضاتك، اللهم إني أسألك مسألة واحدة: أن تنصر رسولك صلى الله عليه وسلم، وأن تلاقي بيني وبين كافر شديد حرجُه، قويٌّ بأسُه، فيقتلني فيك -ما قال: أقتله، قال: يقتلني أنا فيك- ثم يبقر بطني، ويجدع أنفي، ويفقأ عينَيَّ، ويقطع أذنَيَّ، فإذا أتيتك يوم القيامة، تقول: يا عبد الله، لم صُنِعَ بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب، قال سعد بن أبي وقاص: فوالله الذي لا إله إلا هو ما انتهت المعركة إلا وقد رأيتُه قد قُتل، وقد بُقِرت بطنُه، وجُدِع أنفُه، وفُقئت عيناه، وقُطعت أذناه، فقلت: أسأل الله أن يلبي له ما سأل]] ولذلك يقول محمد إقبال في قصيدته (شكوى وجواب) شكوى وفيها يتحدث عن الشهداء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: من غيرنا هدم التماثيل التي كانت تقدسها خرافات الورى حتى هوت صور المعابد سجداً لجلال من خلق الوجود وصورا ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] لا والله، لا أوفى ولا أصدق من الله، ولا أقوى للحق من الله تبارك وتعالى.

صور من اعتزاز الصحابة بالإسلام

صور من اعتزاز الصحابة بالإسلام ولذلك يأتي بطل آخر اسمه: أنس بن النضر قبل معركة أحد، وقد انهزم المسلمون في أول المعركة، فيقول: [[اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء -أي المشركين- وأعتذر إليك مِن فرار هؤلاء -أي المسلمين-]] ثم أخذ درعه فخلعه من على جنبيه، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يضحك للعبد إذا لقي العدو حاسراً، أي ضحكاً يليق بجلاله تبارك وتعالى، إذا لقي العبدُ العدوَّ وليس عليه درع. فيقول أحد إخوانه: يا أنس بن النضر! لا تخاطر بنفسك. قال: [[إليك عني يا سعد بن معاذ! - والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]] قال أنس بن مالك: [[فوالله لقد قُتِل، فوجدنا فيه أكثر من ثمانين ضربة، ووالله ما عرفَتْه إلا أخته ببنان أصابعه]]. فيا سبحان الله! أي أمة تلك الأمة؟! وأي جيل ذاك الجيل؟! وأي شباب أولئك الشباب؟! وأي جيش ذاك الجيش؟! إنهم تربية الله الخالدة وفطرته النيرة، والقداسة التي أنزلها الله على الناس. إنها الأمة الخالدة الموحدة التي فتحت الدنيا بـ (لا إله إلا الله) وأنقذت الإنسانية بـ (لا إله إلا الله) وعبرت على متون الماء بـ (لا إله إلا الله). ويأتي عبد الله بن عمرو الأنصاري فيصلي في الليل قبل معركة أحد، فيرى في المنام أنه قتل شهيداً، فيقول: الحمد لله، ويصلي مرة أخرى، فيرى أنه قتل شهيداً فيحمد الله، ثم يُوقِظُ ابنَه وبناتِه، ويقول: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. قالوا: وماذا حدث؟ قال: رأيت مرتين في منامي أن المعركة قد قامت وأني أول من قُتِل في المعركة. فقالوا: لا عليك. قال: هكذا أقول. فأتى في الصباح، فماذا فعل بعد صلاة الفجر؟ انظر إلى الأمنية، والهمة العالية، أتى إلى الماء فاغتسل، وتحنط، ولبس أكفانه، وخرج صادقاً مريداً لوجه الله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] خرج صادقاً، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما في صحيح مسلم، عن أبي هريرة: {من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه}. فيخرج هذا المجاهد، وتبدأ المعركة فيكون أول مقتول. ويقول عليه الصلاة والسلام لـ جابر: {يا جابر، أتدري ماذا فعل الله بأبيك؟ قال: قلتُ: لا والله يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده لقد جمعه هو وشهداء أحد، فكلمهم كفاحاً بلا ترجمان - أي: مباشرة - فقال: يا عبادي! تَمَنَّوا علَيَّ، قالوا: نتمنى أن تعيدنا في الدنيا لنُقْتَل فيك ثانيةً -لما رأوا من أجر الشهادة- قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يُرْجَعون، فتَمَنَّوا، قالوا: نتمنى أن ترضى عنا، فإنا قد رضينا عنك، قال: فإني قد أحللتُ عليكم رضواني، لا أسخط عليكم أبداً} ثم قال عليه الصلاة والسلام: {فأخذ الله أرواحهم فجعلها في حواصل طير خُضْر، تَرِدُ الجنة فتأكل من أشجارها، وتشرب من مياهها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، حتى يرث الله الأرض ومن عليها} قال ابن كثير: سند هذا الحديث حسن، وهو كلام حسن. فيا سبحان الله! أي هِمَمٍ كانت؟! وأي نفوس عاشت؟! عاشت لله، وقامت له، وانتصرت له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وليس على الله بعزيز أن يعيد من أمثال هؤلاء، فإن أمة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم كالمطر، لا يُدرَى الخير في أوله أو في آخره. وأنتم يا أبناء الإسلام! ويا أحفاد خالد، وسعد! يا أحفاد من رفعوا (لا إله إلا الله) في كل صِقْع! يا أحفاد من دخلوا أسبانيا بـ (لا إله إلا الله) فدخلت الأمم لما رأت العدل والسلام، ويا أحفاد من سار إلى نهر السند والجانج وغيرها من أنهار العالم بـ (لا إله إلا الله)! فدخل الناس في دين الله زرافات ووحداناً، تمسكوا بدينكم يعزكم وينصركم على عدوكم.

ليس بعزيز على الله أن تعاد أمجادنا

ليس بعزيز على الله أن تعاد أمجادنا ليس على الله بعزيز أن يعيد من أمثال أسلافنا أمة تعبد الله، وتوحده، وتعيش وتموت له، فوالله الذي لا إله إلا هو، إن الذي يعيش لغير الله لا يوجد أحقر منه في الناس، فهو لا يساوي فلساً واحداً، وأن حقارته قد أجمع عليها العقلاء، ففرق بين أن تعيش وأن تحيا لله، وأن تحيا لشهواتك ولهواك. يقول ابن تيمية رحمه الله: "المؤمن يولد مرتين، والكافر يموت مرتين "، فأما ميلادك الأول: فيوم ولدتك أمك، يوم سقط رأسك على هذه الأرض: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3]. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا يوم ولدتك أمك ولدتك وأنت تبكي؛ كأنك أتيت من السعة إلى الضيق، وكأنك تبكي من هذه الحياة الدنيا، فيقول القائل: فاعمل لنفسك، أنك إذا أتيت عند سكرات الموت، أن يقلب الله الحال فتضحك وأنت في السكرات ويبكي أهلك من حولك. ولذلك يقول ابن تيمية: "المؤمن يولد مرتين، والكافر يموت مرتين: فميلادك الأول: يوم أتت بك أمُّك، وميلادك الثاني: يوم ولدت في الإسلام، ويوم اهتديت بهدى القرآن "؛ لأن الشقاء كل الشقاء أن ينصرف القلب عن القرآن، أو أن ينصرف عن ذكر الله، أو أن ينصرف عن بيوت الله تبارك وتعالى، " والكافر يموت مرتين: مرةًَ يوم أمات الله قلبه، وطبع على قلبه "، فلا يهتدي، ولا يرى النور، ولا يرى طريق الهداية، " ومرةً يوم يموت؛ فيعذبه الله عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين ". ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: " من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدى غير هدى الله، الذي أرسل به محمداً صلى الله عليه وسلم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.

العالم بحاجة إلى الهداية

العالم بحاجة إلى الهداية يا أيها الإخوة الأبرار! يا أيها الأمجاد الأخيار! إن العالم يحتاج منا أن نُهدي له (لا إله إلا الله). يقول كريسي موريسون في مؤتمر العلماء، وقد حضر مؤتمراً لعلماء المسلمين، وكريسي موريسون هذا عالم جيولوجي أمريكي، من جامعة إنديانا يقول: أهدينا لكم الطائرة، والثلاجة، والصاروخ، وكل متع الحياة، وما أهديتم لنا الإيمان. إن البشرية التي تنتظر الإيمان، وتتطلب (لا إله إلا الله)؛ وقفت حائرة، فكيف نأتي الآن إليها وهي قد وقفت حائرة؟ ثم ننسلخ -إلا من رحم الله- عن ديننا ومبادئنا، وننسى سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وهم يعترفون أنفسهم أنه ما سكن العالم أعظم ولا أشرف ولا أنبل ولا أكرم منه، واللجنة العالمية التي عقدت في فرنسا، وقررت مائة عظيم في العالم، أتدرون من هو أول عظيم في هذه اللجنة؟ لقد جعلوا العظيم الأول: محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقول مفكرهم الذي كان يرأس هذه الجلسة: إنني نظرت في سير العظماء، فلم أجد إنساناً يشرب فنجان القهوة ويحل مشاكل العالم إلا محمداً صلى الله عليه وسلم، ونسي أن القهوة لم توجد في عهده صلى الله عليه وسلم. والحق ما شهدت به الأعداء. ووالله لو كان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في غير هذه الأمة لمجدوه، ولكتبوا كلماته في الشوارع، وفي مفاتح الطرق، وعلى محافل الناس، وفي الميادين، كما فعلوا بـ نابليون الذي قتل الأرواح البريئة، والذي حطم المنازل الهادئة الآمنة، والذي خَرَّب العالم، وسعى بالفساد في المعمورة، لكن محمداً عليه الصلاة والسلام أتى بالإسلام، والهدى والنور والإشراق. إذاً: إقبال الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الآخرة كان رضاً بما عند الله عز وجل، والذي لا ترضيه جنة عرضها السماوات والأرض فماذا ترضيه؟!

حقيقة الدنيا

حقيقة الدنيا إن الله عز وجل جعل نعيم المسلم في الآخرة؛ لأن الستين سنة لا تُمَكِّنه من التمتع بالنعيم، ولا تُمَكِّنه من التمتع بالهدوء، والدنيا ما نظر الله إليها منذ خلقها؛ احتقاراً لها، فكيف تجعلها أنت مصيرك وهدفك ومستقبلك؟ يقول جل ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس:7 - 8]. إن الذي يعيش لهذه الستين سنة ويجعل هدفه في الحياة منزلاً، أو زوجة أو سيارة أو شهرة أو منصباً أو أي متعة من متع الحياة؛ إنسان لا همة له ولا مستقبل ولا عزيمة ولا نور ولا إشراق في صدره؛ لأنه باع حياته بأخراه، ونعوذ بالله من الخسارة. والله أرادك للآخرة، فلماذا تريد نفسك الدنيا؟ يقول بعض الصالحين: "دنيا إذا صحَّ بدنُك فيها خفتَ من السقم، وإذا اغتنيتَ فيها خفتَ من العدم، وإذا اجتمع أبناؤك عندك خفتَ عليهم من التلف، وإذا ارتحتَ خفتَ من الهم، فأين الراحة فيها؟! ". طُبِعَتْ على كَدَرٍ وأنتَ تريدها سِلْماً من الأوباش والأكدار؟ ويقول أبو الفتح البستي في منظومته الشهيرة، وهو يعظ العالم الإسلامي: يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبتَ نفسك فيما فيه خسرانُ أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ يا ساعياً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عُمرانُ

أين من سكنوا الدنيا وعمروها

أين من سكنوا الدنيا وعمروها أين الذين ملكوا العالم؟ أين الخلفاء؟ إنك إذا قرأت مثلاً البداية والنهاية لـ ابن كثير، أو تاريخ ابن جرير الطبري أو الكامل في التاريخ لـ ابن الأثير، أو المنتظم لـ ابن الجوزي، ستقرأ في ساعة واحدة ثلاثة قرون. أي ثلاثمائة سنة. تقرأ ستة وثلاثين خليفة تولوا في العالم وماتوا. فما كأنهم جمعوا وتهنئوا، وما كأنهم قاموا بمهرجانات، وما كأنهم رفعوا الدور وبنوا القصور!! أين ذهبوا؟ إنهم مُرْتَهَنون بأعمالهم في قبورهم. ولذلك يقول ابن الجوزي: "يصيب المسلم ذهول يوم يرى بعض الفجرة نسي الله وموعوده فقتل الألوف المؤلفة من البشرية، وسعى في الأرض خراباً، ونسي لقاء الله". يقول الذهبي: إن أبا مسلم الخرساني قَتَل مليوناً. يقول ابن الجوزي: "الله أكبر! أما عَلِم هذا أنه سوف يُوضَع على عينيه القطن في القبر". بل نور الدين محمود زنكي، الشهيد الكبير، السلطان الذي جمع ووحد المسلمين على (لا إله إلا الله) وهو كُرْدِيٌّ وليس عربياً، فلا يظن إنسانٌ أن الإسلام لا يُنْصَر إلا على أيدي العرب، ولا يظن أننا لا نعترف بالأجناس، وأن هناك جنساً غير جنس، فنحن نكفر بالعنصرية العالمية، فإنها صنيعة للصهيونية، وما أتى بها إلا الصهاينة واليهود، فنحن نكفر بالتمايز العنصري الذي أتى به أنذال وقبحاء العالم، الذين انتهكوا حرمة الشعوب وقتلوا الإنسان، وهم يقولون: إنهم هم أهل حقوق الإنسان. بل هم القتلة والمجرمون حتى يلقون الله تبارك وتعالى. فـ نور الدين محمود زنكي رأى تفتت العالم الإسلامي، فهاجر بالأكراد، ودخل دمشق، وجمع الأمة على (لا إله إلا الله). في أحد الأيام عمل مهرجاناً كبيراً، حضره جيشه الذي قوامه ما يقارب: مائتي ألف، وصفَّ جنوده وحرسه وقواده وأمراءه حوله، فلما اكتمل المهرجان دخل عليه أحد علماء الإسلام اسمه: ابن الواسطي، فوقف أمام السلطان وبيده عصا، وقال: "يا أيها السلطان! اسمع مني كلمات". قال: "تفضل، قل ما شئتَ"، قال: مَثِّل لنفسك أيها المغرورُ يوم القيامة والسماء تمورُ إن قيل: نور الدين جاء مُسَلِّماً فاحذر بأن تأتي وما لك نورُ حَرَّمْتَ كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدورُ هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف الذي مرت عليه دهورُ يقول: يوم القيامة يشيب رأس الطفل من الهول، فكيف الذي عاش ستين سنة في الجرائم. فبكى السلطان حتى سقط مغشياً عليه. قال ابن كثير: "رحمة الله على تلك العظام، فإنه هو الذي فتح قلاع الإسلام، وجمع كلمة المسلمين على (لا إله إلا الله) ". فالشاهد أننا نطلب من أنفسنا ألا نرضى بالحياة ثمناً لأنفسنا، والله خلقك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لتكون عبداً له، فلا تكن عبداً لغيره. ولا يظن أحد من الناس أن الشرك معناه عبادة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى؛ فإن هناك صوراً أخرى للأصنام: هناك من يعبد الدرهم والدينار. وهناك من يعبد المنصب؛ تسترضيه الكلمة، وتغضبه الكلمة، ولاؤه وعداؤه لمنصبه. وهناك مَن يعبد الكافر، نعوذ بالله من ذلك. ذكر بعض المفكرين المسلمين أن من المسلمين من يعبد الكفار ولا يشعر. فهو يتولاهم من دون الله ورسوله والمسلمين؟ والله يقول: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55]. ويقول عليه الصلاة والسلام: {تَعِسَ عبدُ الدرهم، تَعِسَ عبدُ الخَمِيْصَة، تَعِسَ عبدُ الخَمِيْلَة، تَعِسَ وانْتَكَسَ، وإذا شِيْكَ فلا انْتَقَشَ}. فالإقبال عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وعلى الدار الآخرة، معناه: أن نتجرد، وأن يكون عملنا لوجهه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، خالصاً له، وصدقاً في سبيله، نرجو الثواب منه تبارك وتعالى.

حال الصحابة مع الدنيا

حال الصحابة مع الدنيا يقول أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وأنتم تعرفون أبا الحسن، فهو صاحب الرايات البيضاء في الإسلام، وصاحب المواقف المشهورة، والأيام الخالدة التي لا تُنْسى أبد الدهر، الزاهد الذي أعرض عن الدنيا، والذي يقول وهو يترنم في بيت مال المسلمين، وقد أنفق بيت مال المسلمين وما أبقى درهماً ولا ديناراً ولا حبة ولا ثوباً ولا زبيبة، يقول: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الموت نبنيها فاعمل لدار غداً رضوانُ خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيش نابت فيها يقول وهو يتكلم عن يقينه وعن الإيمان الذي في صدره: [[والله الذي لا إله إلا هو، لو كشف الله لي الغطاء فرأيت الجنة والنار؛ ما زاد على ما في قلبي من الإيمان مثقال ذرة]]. فهذا يقينٌ وإيمانٌ واعتقادٌ في الحي القيوم. والشاهد من قصته: أنه يقول في صحيح البخاري في كتاب الرقاق: [[ارتحلت الآخرة مقبلة، وارتحلت الدنيا مدبرة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل]]. ثم يأتي الإمام البخاري بجمال أسلوبه وبقلمه السيال بحديث عجيب في تقشف الصحابة، الذين عاشوا في بيوت الطين؛ ولكن كانوا منائر للهدى. ربَّى صلى الله عليه وسلم قواد وعلماء العالم، ومفكري وشعراء العالم، وأدباء وعباد العالم، في مسجد من طين، طوله مائة ذراع. ربَّى فيه ابن عباس وخالد بن الوليد وأبيَّ بن كعب وسعد بن أبي وقاص وأبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وحسان بن ثابت وابن رواحة، وغيرَهم وغيرهم. خرجوا من هذا المسجد إشعاعاً في العالم، ورسل خير للبشرية. هذا المسجد تربى فيه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام؛ حتى يقول أحد المفكرين والأدباء في الإسلام في مدحه صلى الله عليه وسلم: كفاك عن كل قصر شاهق عمِدٍ بيت من الطين أو كهف من العلمِ تبني الفضائل أبراجاً مشيدةً نصب الخيام التي من أروع الخيمِ إذا كرام الورى صفوا موائدهم على شهي من الأكْلات والأدم صففتَ مائدة للروح مطعمها عذْبٌ من الوحي أو عذْبٌ من الكلمِ فالرسول عليه الصلاة والسلام انطلق بالإنسان من هذا. فلذلك يأتي البخاري بقصة عن أبي هريرة. يقول البخاري - والله أكبر! كم لهذا الكتاب من أثر في قلب كل مسلم، سأل سائل ابن تيمية في المجلد العاشر من فتاويه: "أي كتاب بعد كتاب الله تدلني عليه؟ " قال شيخ الإسلام المجدد المجاهد الكبير العبقري الجهبذ: "لا أعلم بعد كتاب الله كتاباً أحسن ولا أنفع من صحيح البخاري ". يقول البخاري: " باب تقشف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا عمر بن ذر قال: حدثنا مجاهد أن أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: {آللهِ الذي لا إله إلا هو لقد كانت تمر بي الأيام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أجد ما أملأ به بطني، وقد كنت أُصْرَع بين المنبر وبيتي، فيأتي عليَّ الناس وما بي صرع وما بي جنون ولكن الجوع، آللهِ الذي لا إله إلا هو إني كنتُ آتي بالحجر فأجعله على بطني، فأربط عليه رباطاً من شدة الجوع، ومرت بي ليلة من الليالي فاشتد بي الجوع وقد صليت المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى الناس في المسجد خرجت عند باب المسجد} يتعرض للضيافة، علَّ أحد الناس يفتح الله عليه فيدعوه للعشاء، قال: {فمرَّ بي أبو بكر، فسألته عن آية من القرآن، والله ما سألته من أجل الآية؛ ولكن من أجل الطعام، فأخبرني عن الآية، ثم مضى وتركني، ثم مر بي عمر بن الخطاب فسألته عن آية، والله ما سألته عن الآية من أجل الآية؛ لكن ليطعمني، فمر وتركني، ثم رأيتُ أبا القاسم بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وسلم فلما رآني قبل أن أكلمه تبسم، وأخذ بيده الطاهرة فشبك بها في يدي، ثم أخذني إلى بيته} عرف عليه الصلاة والسلام أنه يريد الطعام. محاسنه هُيُولا كل حُسْن ومغناطيسُ أفئدة القلوب فذهب به إلى البيت، وقال: {فأجلسني، فقال لأهله: أعندكم شيء من طعام؟} وأهله وراء الستار، رسول البشرية، أكرم الخلق على الله، الذي جعله الله شفيعاً للناس يوم يجمع الله الأولين والآخِرين، ما يجد إلا شيئاً من لبن، فقال لزوجته: {أعندكم شيء من طعام؟ قالت: لا -والله- إلا شيء من لبن، أهداه لنا بنو فلان، قال: يا أبا هريرة! اذهب إلى أهل الصُّفَّة}. وأهل الصُّفَّة: قوم فقراء في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام قراء، مجاهدون متعبدون، أما ليلهم فصلاة ودعاء وبكاء حتى الصباح، وأما نهارهم فنصف منه يحتطبون ويبيعون للمعيشة، والنصف الآخر لتعلم القرآن والحديث في المسجد. قال: {فذهبت إليهم وبي من الجوع ما لا يعلمه إلا الله، وقلت في الطريق: يا سبحان الله! ذهبتُ معه إلى البيت لأتناول هذه المِذْقة من اللبن، فأرسلني إلى أهل الصُّفَّة! وأين يأتي هذا القليل من اللبن على أهل الصُّفَّة جميعاً!} ثم يقول: {ولكن ما مِن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بُدّ، فدعوتُهم، فأتوا ورائي، فاستأذنتُ فأذن لي صلى الله عليه وسلم فدخلوا، فأخذوا أماكنهم في المجلس حتى جلسوا عن بكرة أبيهم، فقال عليه الصلاة والسلام وهو يتبسَّم:}. فهو يعرف جوع أبي هريرة. قال: {يا أبا هريرة! قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! قال: خذ هذا اللبن ودُر على الناس، قال: فأخذته وأعطيه الأول فيشرب، ثم أناول الثاني فيشرب، والثالث حتى انتهيت إليه صلى الله عليه وسلم، فالتفت إليَّ قبل أن يشرب وقال: بقيتُ أنا وأنتَ يا أبا هريرة! قلتُ: صدقت يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، قال: اشرب، فشربتُ، قال: اشرب، فشربتُ، قال: اشرب، قلتُ: والله يا رسول الله! بأبي أنت وأمي ما أجد له مسلكاً}: أي: شربتُ حتى امتلأتُ. ولذلك أبو دلامة، أحد المتفكهين في تاريخ الإسلام، دخل على هارون الرشيد وهارون الرشيد كان يجمع الأدباء والسُّمَّار والشعراء في مجلسه بعد صلاة العشاء، فالفكاهي المزَّاح أبو دلامة دخل عليه، فقال له هارون الرشيد: "يا أبا دلامة! سمعنا أنك تطلب الحديث النبوي، وأنك تحفظ بعض الأحاديث. هل حفظت شيئاً؟ قال: نسيتُ كل الأحاديث، وما حفظت إلا ثلاثة أحاديث، قال: وما هي؟ قال: قولهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعجبه الحلوى والعسل، والحديث الآخر: قوله صلى الله عليه وسلم: {إذا حضر العَشاء والعِشاء فابدأوا بالعَشاء قبل العِشاء} وقول أبي هريرة في حديثه: {شربتُ اللبن حتى ما وجدتُ له مسلكاً} قال: أما تحفظ إلا أحاديث الطعام؟! أتحفظ من أحاديث الآخرة شيئاً؟ قال: أحفظ حديثاً، قال: وما هو؟ قال: حدثنا فلان بن فلان عن فلان بن فلان عن فلان بن فلان عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن حفظ خصلتين دخل الجنة، قال: وما هما الخصلتان؟ قال: نسيتُ واحدة، ونسي عكرمة الثانية! " فـ أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: {يا رسول الله! والله ما أجد للبن مسلكاً، فأخذ صلى الله عليه وسلم الكوب، فسمَّى، قال أبو هريرة: فنظرتُ إلى اللبن، فوالله ما كأنه نقص منه شيءٌ،} وذلك لبركته صلى الله عليه وسلم. والشاهد من القصة: أنه لا عبرة بالتراث، بل هو ابتلاء، وأن الذي يأكل حتى يموت حبطاً، فليس ذلك لدرجته عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]. تموت الأُسْد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلابُ ولذلك تجد بعض أعداء الله عز وجل مرفه في الدنيا لا يجوع ولا يهتم، لا يظمأ ولا يتعب، كل أموره ميسرة؛ لكن على حساب أجره عند الله، قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. فمن كان يريد الله فأكبر معالم إقباله: أن يخلص عمله لله، والذي ينبغي أن يكون من أعظم الأهداف تحقيقاً في الأربع والعشرين الساعة: الصلوات الخمس. يقول ابن تيمية وقد شكا له رجل النفاق والشبهات والشهوات في صدره: "أوصيك بعد تقوى الله بإصلاح الصلوات الخمس ظاهراً وباطناً، وأن تخشع فيها، وأن تكثر من الالتجاء والدعاء إلى الله عز وجل، فسوف يرزقك الله الصدق والقبول". وأوصي نفسي وإياكم بالصلوات الخمس: أن نصْدُق فيها؛ فإنها المدرسة الروحية العالية، والقداسة والطهر، وهي العهد والميثاق الذي أخذه الله علينا، والذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، ويوم نصْدُق مع الله في الصلوات الخمس ونجدد بيعتنا مع الله في كل صلاة يرزقنا الله القبول، ويرزقنا الله الصدق والاطمئنان، ويأخذنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بأيدينا إليه صراطاً مستقيماً.

المسلمون بين الشبهات

المسلمون بين الشبهات يا معاشر المسلمين! إننا ابتلينا بمعسكرين: المعسكر الشرقي الشيوعي: صاحب الشبهات. والمعسكر الغربي الرأسمالي: صاحب الشهوات. لينين وماركس، ومن اصطفَّ في مسارهم، واعتقد اعتقادهم من أهل الإلحاد حاربوا العالم الإسلامي بالشبهات، أوبالشك والإلحاد والريبة، حتى أغْوَوا كثيراً من شباب الإسلام وصدوهم عن منهج الله. فالنعرات التي تسمعونها بين الفَيْنة والفَيْنة على مركب الحداثة، أو الأدب الحداثي، أو تحرير المرأة أتت من لينين وماركس، وبثوها في العالم؛ فابتلينا بهذا المرض الخطير، فما هو علاجه؟ وابتلينا من المعسكر الرأسمالي الغربي الأمريكي والأوروبي بالشهوات: بالمرأة الفتانة، وبالمجلة الخليعة، وبالأغنية الماجنة، وبكأس الخمر، وبالضياع. فأولئك يحاربوننا بالشك والريبة. وهؤلاء يحاربوننا بالشهوات والأطماع. فما هو مخرجنا؟ الحل أمام الشبهات: أن نصْدُق مع الله عز وجل، وأن نكثر من الأعمال الصالحة، وأن نأتي إلى القرآن الكريم فنتدبره تماماً، ونقرأه كما يريده الله عز وجل، ونقف مع آياته طويلاً. وأيضاً: بالدعاء والتبتل، وصدق الالتجاء إلى الحي القيوم، فهو الذي ينقذنا أمام الإلحاد والزندقة، والشك والريبة والنفاق. وأما الشهوات: فحلنا وموقفنا أمامها: الزهد وتقوى الله والمراقبة والمحاسبة والصبر. ولذلك كان الأستاذ سيد قطب عندما سافر إلى أمريكا إنساناً عادياً، عنده الناس سواسية، فلما سافر إلى ولاية كلورادو في أمريكا، وعاش في مدينة دينفر وهو يطلب رسالة في العلوم، قال: "فرأيتُ المجتمع مجتمع الغابة، رأيتُ الضياع، رأيتُ الإنسان وهو يعيش كالحيوان، أجاد في طعامه وشرابه، وأجاد في مسكنه، وأجاد في تنقله؛ ولكنه أخفق في عالم الروح". فقطع بعثته الدراسية، وعاد إلى القاهرة، وأول ما تناول القرآن، فبكى طويلاً، وعاش مع القرآن خمساً وعشرين سنة. يقول في أول كتابه الظلال: "عشتُ مع القرآن، والعيش مع القرآن حياة ترفع العمر وتباركه وتزكيه". فهل لنا أن نعود إلى القرآن، وهل لنا أن نعود إلى المساجد، وقد عدنا -والحمد لله- وعاد الكثير، وهل لنا أن نصدق اللجوء مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. فيا أيتها الأمة التي صاغها الله على سمعٍ وبصرٍ! وأراد لها أن تكون منقذة للعالم، وجعل عنوان موكبها النور والسجود, وجعلها خيِّرة أينما حلًّتْ وارتحلَتْ. أدعوكم ونفسي إلى الله الحي القيوم، إلى التوبة الصادقة، والمعاملة الحسنة؛ فإنه -والله- لا يمكن أن نصدق مع مرءوسينا، ولا مع مسئولينا ورعاتنا إذا لم نصدق مع الله، ومن خان الله وضيعه فهو لما سوى الله أضيع. قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[مَن حفِظ الصلاة فهو لما سواها أحفظ، وقد حفظه الله، ومَن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وقد ضيعه الله]]. أسأل الله أن يحفظني وإياكم بحفظه، وأن يتولانا بولايته، وأن يرعانا ويهدينا ويسددنا، ويأخذ بأيدينا. وإنها لفرصة من فرص العمر أن نعيش مع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. نسينا في ودادك كل غالٍ فأنت اليوم أغلى ما لَدَينا نُلامُ على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علَينا ولم نلقاكمُ لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقَينا تسلى الناس بالدنيا وإنَّا لعَمْرُ الله بعدَك ما سلَينا فأسأله لي ولكم التوفيق والهداية والسداد. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من ذهب ليجاهد بدون إذن والديه

حكم من ذهب ليجاهد بدون إذن والديه Q ما رأيك في من يذهب للجهاد في بلاد أفغانستان تاركاً وراءه أهله وأولاده ووالدَيه، وهم غير راضين عنه، وهم أحق بالجهاد عليه؟ A الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. صاحبُ السؤال -مِمَّا عرض في سؤاله- كأنه يجيب نفسه بنفسه. والحقيقة: الجهاد الأفغاني جهاد إسلامي يفخر به كل مسلم، ونسأل الله عز وجل أن يمكنهم تحت راية لا إله إلا الله وأن ينصرهم على أعدائهم. ومسألة الذهاب إلى أرض أفغانستان مسألة طالما تُكُلِّمَ فيها في مناسبات، وتَكَلَّمَ عنها أهل العلم والمفكرون والدعاة كلاماً طويلاً لا يخفى على كثير من الناس. أما بالنسبة لمن يذهب هناك: فإن مما ظهر من كلام أهل العلم وفتاويهم: أن الجهاد في أفغانستان فرض عين، ولا بد من إذن الوالدين إذا أراد الذهاب إلى هناك، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث قال لمن سأله: {أحيٌّ والداك، أو أحدهما؟} فإن أجابه بنعم، قال: {ففيهما فجاهد} وقال لليمني لما سأله: {أحيٌّ والداك؟ قال: أمي حية، قال: فالزم رجلها، فإن الجنة عند رجلها} رواه: النسائي. فإذا عُلِمَ هذا، فإنه لا بد من إذن الوالدين، وهذا الذي دلت عليه النصوص. والعجيب: أن بعض المفسرين قالوا: أهل الأعراف الذين ذكرهم الله عز وجل في قوله: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ} [الأعراف:46] قالوا: هم قوم أسكنهم الله في جبل بين الجنة والنار كجبال الدنيا؛ وهم قوم قُتِلوا في سبيل الله، وما استأذنوا آباءهم وأمهاتهم. فهم تحت رحمة الله عز وجل. فلا بد من إذن الوالدين، ومما ظهر من فتاوى أهل العلم، أن الجهاد هناك فرض عين، ومَن عنده عائلة وأطفال وليس لهم عائل إلا هو، فلا بد من البقاء معهم؛ إلا أن يداهم البلد عدو، أو يكون هناك أمر أخطر من الحادث الذي لا يَجِدْ معه إلا هذا المجاهد، أو لا يجد نفسه إلا في مقام المضطر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {كفى بالمرء إثماً أن يضيع مَن يقوت} وفي رواية: {مَن يعول} وهو حديث صحيح. فالذي عنده أطفال وزوجة وبنات، وليس لهم عائل بعد الله إلا هو، إذا ذهب إلى الجهاد، ورزقه الله الشهادة، مَن يُرَبِّ هؤلاء الأطفال؟ ومَن يقِف مع هؤلاء البنات؟ ومَن يَحْمِ أعراضهن وأعراض بيته، ويقف معهن ويقوتهن؟ وهذا من الإسلام. قال تعالى: {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14]. وهذا ما يحضرني في هذه العُجالة عن هذا الجهاد. وأدعوكم إلى كثرة الدعاء للمجاهدين، وبذل المال فهم بحاجة إليه، وهم وقفوا في ثغرة طالما كانت مفتوحة حتى وقفوا فيها، فهم يستجدون من الله النصر صباح مساء. نسأل الله أن ينصرنا وإياهم إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

حكم صلاة الجماعة وحكم المتخلف عن صلاة الصبح

حكم صلاة الجماعة وحكم المتخلف عن صلاة الصبح Q ما رأي فضيلتكم في من يتخلفون عن صلاة الجماعة وهم يسمعون الأذان وبيوتهم قريبة من المساجد؟ وهل المتخلف دائماً عن صلاة الصبح من المنافقين؟ أفيدونا أثابكم الله. A صلاة الجماعة على الصحيح من أقوال أهل العلم؛ واجبة، وابن تيمية يشترطها شرطاً في صحة الصلاة؛ لأدلة دلت من الكتاب والسنة، كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] وقوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء:102] وقول الرسول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح من حديث أبي هريرة: {لقد هممت بالصلاة أن تقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار} , ولما سأله الأعمى: {هل تجد لي رخصة؟ قال: أتسمع حيَّ على الصلاة، حي على الفلاح؟ قال: نعم. قال: فأجب، فإني لا أجد لك رخصة} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث عند الدارقطني: {من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له إلا من عذر}. ومن تخلف عن الصلاة بلا عذر فهو منافق، لا شك في نفاقه، يقول جل ذكره عن المنافقين وهم يأتون المسجد ويصلون: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: [[لقد رأيتُنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل، يُهادَى به بين الرجلين حتى يُقام في الصف]] أي: مِن المرض، ثم ذكر الحديث. فما كان الصحابة يعرفون المتخلف إلا منافقاً. ويقول ابن عمر: [[كان الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا رأوه تخلف شَكُّوا في إيمانه]]. فصلاة الجماعة واجبة. ومن تخلف عن صلاة الفجر وأخذها عادة بلا عذر من غَلَبَة نومٍ أو من مرض، فهذا دليل على نفاقه، نسأل الله العافية. وعند الترمذي، بسند فيه نظر، يقول عليه الصلاة والسلام: {من رأيتموه يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان} فنحن شهداء الله في أرضه، والله عز وجل يقول: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] والرسول عليه الصلاة والسلام مُر عليه بجنازتين، فأثنَوا على جنازةٍِ خيراً، فقال: {وجَبَتْ لها الجنة، وأثنَوا على الأخرى شراً، فقال: وجَبَتْ لها النار، ثم قال: أنتم شهداء الله في أرضه}.

مشاهد في أمريكا

مشاهد في أمريكا Q فضيلة الشيخ! سمعنا أنك ذهبت إلى أمريكا من أجل الدعوة، فهل لك أن تعطيَنا بعض المشاهد التي رأيتها، لعله يكون لنا فيها عظة وعبرة، وشكراً لك؟ A هذا مؤتمر للدعاة المسلمين وللشباب المسلم، حضره ما يقارب أربعة آلاف شاب مسلم، فمن السعوديين ما يقارب الألف أو زيادة، وكان في أوكلاهوما في شمال أمريكا، وحضره الكثير من علماء الإسلام، ما يقارب خمسين عالماً، ووجدنا هناك نماذج تبشر بالخير من شباب الإسلام، خرجوا من هنا وهم عاديون، يظنون أن الإسلام صلاة وذهاب إلى البيت وعودة، ولكن ذهبوا إلى هناك، فرأوا المجتمع -مجتمع جهنم، مجتمع النار، مجتمع الضياع- فعادوا إلى الحي القيوم، والتجئوا إلى الله لما رأوا علماء ومفكري الأمريكان يدخلون في دين الله، فعاد الواحد منهم داعية. وأذكر أن كثيراً من الشباب الأمريكان الذين حضروا الحفل، وتكلموا فيه، وتُرْجِمَ كلامُهم يشعرون بسعادة ما بعدها سعادة، وكأنهم دخلوا الجنة، وقالوا: إننا نشعر كأننا خرجنا من النار ودخلنا إلى الجنة. والمرئيات التي يجدها المسلم عجباً من العجاب: أولها: يشعر المسلم بالمفاصلة مع الكافر: فإنني شعرت - والله الذي لا إله إلا هو - أن التراب الذي نمشي عليه ونحن نعبر ولاياتهم، ما كأنه كالتراب الذي في بلادنا، والشجر الذي نراه ما كأنه بالشجر الذي هنا، والماء الذي نشربه ما كأنه بالماء الذي هنا؛ لأن الله عز وجل يؤانس بين المسلم وبين ما يخلقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأرض الكافر يجعل بينها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وبين المسلم نفرة، حتى يقول عليه الصلاة والسلام لما رأى جبل أحد: {أحد جبل يحبنا ونحبه} قال: سيد قطب عن هذا الحديث: يا سبحان الله! حتى المؤمن يحب الجبال وتحبه الجبال. والشجر يحب المؤمن والمؤمن يحب الشجر. فلما رأينا المجتمع الضائع، وذاك التعرِّي، وذاك السُّخْف، وجدنا أُناساً يهرعون دائماً مشغولين في أفكارهم، كالآلة ذهاباً وإياباً، لا يطَّلِعون إلى عالم الغيب، ولا يعملون للآخرة، فهم مجتمع ضائع، ولذلك كانت لي منظومة قصيدة اسمها: أمريكا التي رأيتُ منها: يا أمة كتب الإله لها صحائف من خلودْ واختارها فجراً جديداً بعد ليل لا يعودْ وحمى عفاف حيائها من كل كفار عنودْ هو صاغها من فطرة عنوان موكبها السجودْ ... ما زرت أمريكا فليـ ست في الورى أهل المزار بل جئت أنظر كيف ند خل بالكتائب والشعار لنحرر الإنسان من رق المذلة والصغارْ وقرارنا فتح مجيد نحن أصحاب القرارْ ... ورأيت أمريكا التي صاغوا لها أعلى وسامْ ما أرضهم أرض رأيتُ ولا غمامهمُ غمامْ ورأيتُ وقتي في ديا رهمُ كألفي ألف عامْ إلى آخر هذه المنظومة. إنما هي أحاديث طويلة طويلة، فبشرى للمؤمن يوم يجد شباب الإسلام، وشباب هذه البلاد التي هي مهبط الوحي من السماء، وأرض القبلة، والتي تنزل فيها القرآن، يوم يرفعون لا إله إلا الله هناك، في الجامعات، والبعثات العسكرية، من أهل التخصصات الخاصة، والدعاة والمفكرين، يوم يجدهم يرفعون الرأس، ويوم يسمع الأذان وهو يتردد في الولايات، وفي الأماكن والمدن، يرتفع رأسه؛ ولكنه يستاء يوم يجد هؤلاء الذين ما عرفوا الله، فقد عرفوا كل شيء إلا الله، فقد أُعْمِيَتْ قلوبُهم، وطُبِعَ عليها، وللحديث مجالات ومجالات.

حكم حلق اللحى وإسبال الثياب وسماع الغناء

حكم حلق اللحى وإسبال الثياب وسماع الغناء Q أشهد الله أنني أحبك في الله، وأسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يثبتك ويزيدك علماً أولاً: بين لنا حكم حلق اللحية. ثانياً: حكم إسبال الثياب. ثالثاً: حكم سماع الغناء؟ A أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه. أما هذه المسائل التي عرضتَ لها: وهي اللحية، والغناء، وإسبال الثياب، فما أظنك تجهل، ولا الإخوة الذين حضروا يجهلون هذه الأحكام. ونحن لا ينقصنا الإفتاء، فالفتوى موجودة، ونور على الدرب نسمعه صباح مساء، بل بعض الناس يسمع في الكلمة الواحدة أو في المسألة الواحدة عشرين عالماً، لكن القناعة القلبية والإيمان واليقين ينبغي أن يتمكن في القلب لنسمع، فـ {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ} [فاطر:22] {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23]. فسماع القلب غير سماع الأذُن. ولا ينقصنا علم ولا فهم، لسنا نعبد العلم، فإن العلم عُبِد من دون الله. فـ العلمانية أتى بها أتاتورك في تركيا فعُبِدت من دون الله. اللحية: حلقها حرام. وفي عشرة أحاديث أو أكثر للنبي صلى الله عليه وسلم فيها نَهْيٌ وتحريمٌ لحلقها. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {خالفوا المجوس، وفِّروا اللحى، وجزُّوا الشوارب} {أرخوا اللحى} {أعفوا اللحى، وقصوا الشوارب} وفي غيرها من الألفاظ الكثيرة. والغناء: محرم، كتاباً وسنةً. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً} [لقمان:6] قال ابن مسعود: [[أقسم بالله قسماً إنه الغناء]]. وقال ابن مسعود، وقد رفع هذا الكلام بعضُ المحدِّثين إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قال: [[الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت البقل من المطر]]. وفي صحيح البخاري عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف} واستحلال المعازف إنما هو بعد التحريم. قال أهل العلم: يدخل في المعازف: الناي والطبل والدف والمزمار والموسيقى بأنواعها، فهي محرمة، ومن استمع إليها في الدنيا حرمه الله سماع غناء الجنة، ففي مسند أحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة جوارٍ ينشدن للمؤمنين ويقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا} قال ابن القيم وهو يتحدث عن هذا، وغناء أهل الجنة في منظومته: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصانِ فتثير أصواتاً تَلَذُّ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزانِ يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدانِ ومن استمع إلى الغناء صُبَّ في أذنيه الآنُك، وهو الرصاص المذاب يوم القيامة، نعوذ بالله من ذلك. قال ابن القيم: "الغناء بريد الزنا ". وهذا كلام من عالم بالنفس محقَّق؛ فإن أهل التجربة وأهل علم النفس قالوا: للصوت تأثير في حركات العبد ومزاولاته. وما ارتُكِبَتِ الجريمة والفاحشة إلا بعد سماع أصوات العشقِ والوَلَهِ، والمحبةِ والغرامِ، وحبيبي وحبيبتي فترددت، ثم وقع الناس في الزنا والعياذ بالله. وأتينا إلى الناس بعد ذلك لنخرجهم من السجون بعد أن فُتح لهم مجال الغناء والعُهْر وسماع هذا الفُحْش؟ لا. إن العلاج يبدأ أولاً بالحمية، ثم بعد ذلك نقول للناس: هذا طريق الهداية. لا أن نستخرج الناس بعد أن يُحْبَسوا في المخدرات، والفاحشة، والمخالفات، والمعاصي، وهذا الذي نشكو حالنا فيه إلى الله.

حكم قصر الصلاة في الرحلات

حكم قصر الصلاة في الرحلات Q يخرج بعض الناس للرحلات أيام الخميس والجمعة، فهل يجوز لهم الجمع والقصر، علماً أن المسافة أكثر من ثمانين كيلو متر، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A إذا سافر العبد المسلم سواءً في رحلة أو نزهة أو في سفرِ طاعةٍ حَجَّاً كان أو عمرة أو زيارة المسجد الحرام والمسجد النبوي أو جهاداً فله أن يقصر. إذا كان هناك مسافة للقصر وهي ما تعارف عليه بأنها مسافة قصر. أما الكيلومترات والأميال فلا عبرة بها؛ لكن ما سمي في اللغة سفراً فيَقْصُر، سواءً في رحلة أو في غيرها، فإذا خرجت إلى مكانٍ نُزْهةً بأهلك فلك أن تجمع وتَقْصُر إذا كانت مسافة قصر.

حكم إضاعة الوقت في غير ذكر الله

حكم إضاعة الوقت في غير ذكر الله Q نرجو من فضيلتكم بيان حكم السمر على اللهو ولعب الورق، وترك صلاة الفجر مع الجماعة، وما حكم إضاعة الوقت في غير ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟ والسلام عليكم. A وعليكم السلام ورحمة الله، هذه -كما تعرفون - منكرات عظيمة، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى استخلف هذا العبد ليكون عبداً له، وقتُه محسوب عليه، يسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن عمره وسمعه وبصره وعن كل قوة زوده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بها، ففي صحيح مسلم قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع منها: وعن عمره فيما أبلاه}. ويقول جل ذكره: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. فلعب الورق إن لم يكن على قمار، ومال، ولا على مخاطرة؛ فمكروه إذا لم يكن في وقت صلاة، أو شَغَل عن ذكر، أو قراءة قرآن. وإن شغل عن ذكر، أو قراءة قرآن، أو صلاة فهو محرم، وإن صاحبه مخاطرة، أو مال، أو شيء من الرهان فهو محرم أشد التحريم. ومن فاتته صلاة الفجر من أجل هذه الأمور فقد ارتكب أمراً محرماً، وقد فعل فعلاً شنيعاً، وأظن أن صلاته -والله أعلم- لا تقع له قضاءً؛ لأنه أخرجها عن وقتها بلا سبب، وسهر دائماً وأخذها عادة، فأخرجها عن وقتها، فالله أعلم بحاله، ونسأل الله أن يتوب علينا وعلى مَن هذه حالُه؛ فإن من يستخدم ليله في اللهو واللعب، ونهاره في الضياع فلا ندري ما مصيره؛ ولكن الله طالبنا بأن نحسن العمل ليحسن لنا الخاتمة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. فما أطالَ الليلُ عمراً وما قصَّرَ في الأعمار طولُ السهر

حكم كشف الخادمة على من تعمل عنده

حكم كشف الخادمة على من تعمل عنده Q ما هو الرأي الشرعي فيما يتعلق بالخادمات؟ وهل يحق لمن هي عنده الكشف عليها، كأحد محارمها؟ وهل يجوز لها العمرة أو الحج برفقة مستخدمها؟ وهل يجوز له أن يسمح لها أن تخرج إلى الشوارع متكشفة لفتنة الشباب؟ A إذا استُقْدِمَتْ خادمة لأجل ضرورة أو لخدمة في البيت بشروط فلا بأس بذلك، وقال بعض أهل العلم: لا بد أن تكون مسلمة، والتعامل يكون مع المسلمين، فتكون متحجبة في مكان خاص، لا تتكشف على الرجل في البيت، فلا يراها ولا تراه، فإنها أجنبية وهو أجنبي عنها، ولا يصح له بحال أن ينظر إليها، وليست الخدمة سبباً شرعياً يوجب أن يكشف عليها أو أن تكشف عليه، بل تخدم في بيته مع زوجته وبناته، ولا تكشف على أولاده ولا يكشفون عليها، وإن أخل بهذا الشرط فالخادمات محرمات. وكذلك الخُدَّام من الرجال، حرام أن يكشفوا على نسائه وبناته، فإن أخل بهذا الشرط فقد ارتكب منكراً عظيماً وفاحشةً وجرماً. وأما الذهاب بها إلى الحج بلا مَحْرَم: فلا يجوز؛ لأنه ليس مَحْرَماً لها، بل عليها أن تحضر لها مَحْرَماً يستصحبها، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام - قال: {لا يحق لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسافة ثلاثة أيام إلا مع ذي مَحْرَم}. وفي رواية في الصحيح: {يوماً وليلة}. وهذا يشمل كل مسلمة، فلا يحق لها إلا مع ذي مَحْرَم من أهلها، أو من قَرابتها.

حكم ذهاب الخادمة للحج والعمرة مع العائلة التي تخدمها

حكم ذهاب الخادمة للحج والعمرة مع العائلة التي تخدمها Q ما رأيكم إذا كانت زوجته معه وأطفاله، وأراد أن يحج بها؟ A بعض أهل العلم استثنى في هذه المسألة وقال: إن كانت للضرورة فمع أهله وأمه -مثلاً- وأخته وزوجته، بشرط ألا تكشف عليه؛ لكني لا أرى فتح هذا الباب؛ لأنه سوف يكون في السفر أمور، وسوف يُفْتَح الباب للناس على هذا الأمر، وفيه ضرورة، بل تحضر هي ولياً لها أو قريباً لها مَحْرَماً.

حكم خروج الخادمة إلى الشارع متكشفة

حكم خروج الخادمة إلى الشارع متكشفة Q وخروجها - أطال الله عمرك - إلى الشارع متكشفة لفتنة الشباب؟ A هذا بإجماع العلماء لا يجوز، فإنه أفتى نفسه؛ لأنها تفتن الشباب؛ فمُحَرَّمٌ أن تتشكف في بيته عند أبنائه، فكيف إذا خرجت في الشارع! والخادمة ليس لها حكم خاص، فإنها تأخذ حكم المرأة، فعليها أن تستتر بستر الله، ولا تتكشف، وإن فعلت ذلك فقد ارتكبت إثماً، وارتكب مَن أتى بها إثماً، وكان داعياً إلى الإثمين: إثمها في نفسها يوم أركبها الإثم، وإثمه هو يوم فعل هذا الأمر العظيم.

حكم من عمل عملا لغير الله

حكم من عمل عملاً لغير الله Q ما رأي شيخنا الكريم في من تعلم العلم لغير الله، ولم يقصد بعلمه ولا بأكله ولا بشربه ولا بنومه إلا غير الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟ A نسأل الله العافية والسلامة، العلم شيءٌ، وما ذكر من الأكل، والشرب، والنوم شيءٌ آخر، فيه تفصيل: أما مَن تعلَّم لغير وجه الله فنسأل الله أن يتداركنا وإياه برحمته، وأن يتوب علينا وعليه؛ فإن بعض الناس أول ما يبدأ في طريق العلم يبدأ لغير وجه الله، ثم يحوِّل الله نيته إلى الخير، يقول سفيان الثوري: " تعلمنا العلم لغير الله، فأبى الله إلا أن يكون له". وذُكِر عن الشافعي أنه يقول: " تعلمنا العلم للدنيا، فأبى الله إلا أن يكون له". فبعض الناس يبدأ أولاً بطلب العلم للرياء والسمعة والظهور، والمنصب والشهادة، ثم يفيض الله عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بمنه وكرمه مع الدعاء والتعوذ من الشيطان، ومع كثرة النوافل، فيفتح الله عليه، ويتوب عليه، فيعود، ويخلص نيته لوجه الله. والتعلم لغير وجه الله عز وجل حرام: ومن تعلم لغير الله لا يجد عَرْفَ الجنة، وإن عرفها ليوجد من مسافة أربعين عاماً أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وأما الأكل والشرب والمنام فهذه من الأمور المباحة، وأنت مأجور إذا صرفتها لطاعة الله، فإذا نوَيْت بنومك أن تستعين به على طاعة الله تحولت العادة عبادة، قال معاذ رضي الله وأرضاه: [[والله إني لأحتسب نَوْمَتي كما أحتسب قومتي]]. فمن احتسب أكله كان مأجوراً؛ أما من أكل على غير نية، فليس بمأجور وليس بمأزور؛ إنما هي مباحات، إذا أكل بدون نية ما أظنه يحصل على أجر، ولكنه لا يحصل له إثم ولا ذنب ولا خطيئة إن شاء الله.

حكم التكشف على بنات العمات والأخوال والخالات

حكم التكشف على بنات العمات والأخوال والخالات Q هل لبنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات أن تكشف على صاحب الدار؟ A بنات الأعمام أو بنات العمّات أو بنات الأخوال كلهن أجنبيات، فهن لسن كأخته أو أمه أو بنته.

حكم تطويل الخطبة

حكم تطويل الخطبة Q خطيب الجمعة طوَّل في الخطبة، فقام المسلمون وشتموا الخطيب، وانصرفت هذه المجموعة محتجين بطول الخطبة، فما حكم هذا؟ A كان الأحسن لهم أن تكون المظاهرة على الخطيب بعد الصلاة؛ لأنه قد يكون خطب بهم ثلاث ساعات أو ما يقاربها، كما يفعل بعض الحمقى من الخطباء؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالاقتصاد في الموعظة والمراعاة، وقال كما في صحيح مسلم عن عمار بن ياسر: {إن قِصَر خطبة الرجل وطول صلاته مئنة من فقهه} أي: علامة لفقهه؛ ولكن لا إفراط ولا تفريط. بعض الناس قد يرتقي المنبر، فيتكلم خمس دقائق، ثم ينهي الخطبة، وماذا سمع المسلمون في الخمس الدقائق؟ والمجتمع يمر بالمشاكل: بالمخدرات، وبالزنا والعُهْر، وتكشف المرأة، والربا وتسيب الشباب، فهذه المشكلات لا بد أن يعرضها فيحررها، ويؤصِّلها، فيأتي بالأدواء والأعراض وبالعلاج، حتى يستفيد الناس، في نصف ساعة - مثلاً - وفيما يقارب، هذه الحدود ولا يطيل. أما أن يأتي على المنبر فيأتي بسيرة الأولين والآخِرين، ويتحدث عن الأسعار والأمطار والأخبار، وعن كل ما هب ودب، فهذا ليس من حقوقه؛ لأن في الناس من هو مريض وشيخ كبير وطفل صغير، وفي الناس من هو مضطر، وفي الناس من عنده ضيوف بعد الصلاة، ومن عنده مواعيد وأسفار، فلا يحق له في الإسلام أن يفعل ذلك. ولكن الأحسن للمصلين والواجب ألا يقوموا بهذا؛ لكن يقوم أحدهم فيتكلم معه ويقول: طوَّلْتَ بارك الله فيك اختصر، وانزل؛ ليذكره فهذا، هذا من حقوق المصلي أن يتكلم مع الإمام، ولا يتكلم المصلون مع بعضهم، فإن للإمام أن يكلم الناس، ولهم أن يكلموه على المنبر؛ لكن ليس للمصلين أن يتكلموا بعضهم مع بعض.

قل أعوذ برب الناس

قل أعوذ برب الناس أورد الشيخ مقطوعة من الشعر العربي لـ (كثير عزة) في مستهل كلامه، ثم انتقل إلى موضوعه الأساس: تفسير سورة الناس، وشرح كلمات هذه السورة باستفاضة، مستدلاً على مدلولات هذه الألفاظ بكلام العرب وأشعارهم، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر بعض الأمور التي نستطيع بها أن نتغلب على الشيطان، وتكلم عن أنواع شياطين الإنس، مبيناً ستة أسباب للوقاية منهم. ثم ذكر ثمانية مقاصد من قراءة القرآن الكريم.

من روائع الشعر العربي

من روائع الشعر العربي إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة الفضلاء: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. عنوان هذا الدرس: (قل أعوذ برب الناس) وهو الدرس الأول في التفسير، والخطة المتبعة في تفسير القرآن الكريم: أن يُبْدأ بقصار السور، وفي هذا الدرس نبدأ بـ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] ثم السور التي تليها صعوداً، في زحف مقدس مع كتاب الله عز وجل. والمقصود من هذا التفسير: أن يقرب كلام الله عز وجل للناس. وأسلك في ذلك مستعيناً بالله الأسلوب السهل اليسير المبسط، محتفظاً بكلام أهل السنة والجماعة، حريصاً على معتقد السلف الصالح، رابطاً القرآن بالواقع، والواقع بالقرآن، سائلاً الله أن يعينني وإياكم على أن نهتدي بنور القرآن. وقبل أن أبدأ في الدرس بـ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] أحب أن أتحفكم، وأتحف من يسمع هذا الدرس بقصيدة بديعة قالها كثير عزة أمام أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه. وأنتم تعرفون عمر بن عبد العزيز، ولا يجهله مسلم، والكل يعرف من هو الخليفة الراشد الزاهد العابد، الذي كان مجدداً في القرن الأول. والحقيقة: أن الشاعر أبدع، وأنه قال الحق، وأنه أصاب سواء السبيل، لما تلفظ بكلمات يشيد بهذا الإمام - رحمه الله رحمة واسعة -. يقول كثير عزة يمدح عمر بن عبد العزيز ويثني عليه: تكلمتَ بالحق المبين وإنما تُبَيَّنُ آياتُ الهدى بالتكلُّمِ وأظهرت نور الحق فاشتد نوره على كل لبس فارق الحق مظلمِ وعاقبت فيما قد تقدمتَ قبله وأعرضتَ عما كان قبل التقدمِ ويخاطب الخليفة ويقول: وليت فلم تَشْتُم علياً ولم تُخِفْ برياً ولم تقبل إشارة مجرمِ لأن النواصب من بني أمية كانوا يشتمون علياً على المنابر ويسبونه، فلما تولى عمر أبطل ذلك، وأعاض مكان ذلك: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل:90]. وصَدَّقتَ بالفعل المقال مع الذي أتيتَ فأمسى راضياً كل مسلمِ ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه من الأَوَد الباقي ثِقاف المقوِّمِ وقد لَبِسَتْ لبس الهَلوك ثيابها تراءى لك الدنيا بكف ومعصمِ وتومض أحياناً بعين مريضة وتَبْسُم عن مثل الجُمَان المُنَظَّمِ وتومض، أي: الدنيا. فأعرضتَ عنها مشمئزاً كأنها سَقَتْكَ مَدُوفاً من سَمَام وعلقمِ وقد كنتَ من أجبالها في مُمَنَّعٍ ومن بحرها في مزبد الموج مفعمِ وما زلتَ تواقاً إلى كل غايةٍ بلغتَ بها أعلى البناء المقدَّمِ فلما أتاك المُلْكُ عفواً ولم يكن لطالب دنيا بعده من تَكَلُّمِ تركتَ الذي يفنى وإن كان مُونقاً وآثرتَ ما يبقى برأيٍ مصَمِّمِ وأضررت بالفاني وشمرت للذي أمامك في يوم من الشر مظلمِ سما لك همٌّ في الفؤاد مؤرِّقٌ بلغت به أعلى المعالي بسُلَّمِ فما بين شرق الأرض والغرب كلها منادٍ ينادي من فصيح وأعجمِ يقول أمير المؤمنين ظلمتَني بأخذٍ لدينار ولا أخذِ درهمِِ ولا بسطِ كفٍ لامرئ غير مجرمٍ ولا السفك منه ظالماً ملء مِحْجَمِ ولو يستطيع المسلمون لقسموا لك الشطر من أعمارهم غير نُدَّمِ فأَرْبِحْ بها من صفقةِ لمبايِعٍ! وأَعْظِمْ بها أَعْظِمْ بها ثم أَعْظِمِ! ولعله إن شاء الله يكون في مقدمة كل درس رائعة من الشعر العربي الفصيح، أو بديعة ينفع الله بها؛ ولكن نأتي إلى أحسن الكلام، وأروع الألفاظ، وجوهر المقول، وهو كلام رب العالمين، الذي يقول فيه: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]. والذي يقول: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88].

شرح مفردات سورة الناس

شرح مفردات سورة الناس أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:1 - 6] هذا درس هذه الليلة، هذا كلام الله عز وجل، هذا الكلام المبين الذي أنزله على رسوله عليه الصلاة والسلام. فمن يستطيع أن ينظم مثل هذا الكلام، أو أن يقول كهذه العبارات، أو أن يصوغ كهذه الجمل؟! روى الإمام مسلم في الصحيح عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لقد أنزل الله عليَّ آيات لَمْ يُرَ مثلهن: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1]} وقرأ السورتين عليه الصلاة والسلام. وكان عليه الصلاة والسلام يعيذ الحسن بتعاويذ، فلما أنزل الله المُعَوَّذَتَين: (الناس) و (الفلق) قرأهما عليه الصلاة والسلام واكتفى بهما. ويكفي من أراد أن يستعيذ بالله أن يستعيذ بسورة (الناس) وبـ (الفلق). بسم الله الرحمن الرحيم هذه سورة هي آخر سورة في المصحف، فمن أولها إلى آخرها سينات مشتبكة، كأنها حركة الشيطان وهو يوسوس في صدر ابن آدم، أو كأنها حركة الموسوسين الذين يوسوسون من الإنس في آذان الناس. وسوف تسمعون كلام أهل العلم من العصريين، وسوف تسمعون إن شاء الله بعض الأفكار المطروحة، وبعض كلام أهل الأدب في هذه السورة.

شرح قوله تعالى: (قل أعوذ برب الناس)

شرح قوله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1]: الأمر للرسول عليه الصلاة والسلام ولكل مسلم يريد الله والدار الآخرة، فالله يأمر هذا العبد الضعيف أن يلتجئ إليه. {قُلْ} [الناس:1]: قل أيها الضعيف: أعوذ. {أَعُوْذُ} [الناس:1]: ومعنى أعوذ: ألتجئ وأعتصم وأستجير؛ لكن بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. قال ابن كثير: ومن كلام المتنبي: يا من ألوذ به فيما أؤمله وأستعيذ به مما أحاذرهُ لا يجبر الناسُ عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابرهُ يمدح مخلوقاً والله هو المستحق لذلك. قال ابن كثير: وربما دعا ابن تيمية بمضمون هذين البيتين في سجوده. وذكر ذلك ابن القيم. فالذي يُستعاذ به هو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو الذي يُلتجأ إليه في الضائقات. ومن خصائص وحدانيته وألوهيته: أنه يجيب المضطر إذا دعاه، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62].

توضيح معنى: الرب الملك الإله

توضيح معنى: الرب الملك الإله {بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ} [الناس:1 - 3]: ذكر الله في أول هذه السورة ثلاث صفات لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: الأولى: رب. الثانية: ملِك. الثالثة: إله. {بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1]: فأما (رب): فهو توحيد الربوبية الذي أقر به الناس جميعاً، وإن أنكره بعضهم في الظاهر؛ فإن فرعون أنكر الربوبية في الظاهر، فهو يقول لقومه: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] بينما بَكَّتَه موسى عليه الصلاة والسلام وكذَّبه وعنَّفه، وقال: يا عدو الله: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102]. قال شيخ الإسلام رحمه الله: لم ينكر أحد من الناس الصانع -أي: الخالق الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- إلا فرعون، فقد أنكره في الظاهر وأقر به في الباطن. وإلاَّ فالخليقة كلها كافرها ومؤمنها، ضالها ومهتديها؛ يشهدون ويقرون أن هناك رباً، ولكن ما خالف بعض أهل الكفر وأهل الزيغ والإلحاد إلا في مسألة الإله، فخالفوا في توحيد الألوهية، فأتى الرسل عليهم الصلاة والسلام يدعون إلى توحيد الألوهية، الذي ذكره الله في هذه السورة: (رب - ملِك - إله). والعبد في كل يوم لا بد أن يلتجئ إلى هذا الرب والملِك والإله. فالرب: الذي يربي عباده بالنعم، وهو المربوب، وهو المصرف المدبر الخالق الرازق سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65]. والملك: هو الذي يستحق الملك. قال القرطبي: وإنما ذكر الله عز وجل الربوبية لجميع الخلق لأمرين: الأول: لأن الناس معَظمون، فأعْلَمَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه لا معَظَّم إلا هو تبارك وتعالى. الثاني: لأنه أمر بالاستعاذة من شرهم، فأعْلَمَ بذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه هو وحده الذي يُعِيذ، ولا يعيذ غيره. وهذا في مسألة (رب). {مَلِكِ النَّاسِ} [الناس:2]: وأما (ملِك): فإنه انفرد بالملك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولو أن في الناس ملوكاً، ولكن المُلك حقيقة له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولذلك أثنى على نفسه فقال: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26]. والله عز وجل سمى نفسه يوم القيامة: ملكاً؛ لأنه: {يقبض السماوات بيمينه، والأرضين بشماله} هكذا في لفظ مسلم. وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عن هذا اللفظ، هل يطلق عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالشمال؟ فأقره سماحة الشيخ، وقال: يقره أهل السنة، وأما حديث: {كلتا يدي الله يمين} فهو من باب التكريم والتبريك، وإلاَّ فـ أهل السنة يقرون لفظ الشمال، كما في صحيح مسلم. فإذا قبض الله السماوات والأرض نادى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16]؟ {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16]؟ {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16]؟ فلا يجيبه ملَك مقرب، ولا نبي مرسل، فيجيب نفسه بنفسه ويقول: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16]. فهو ملِك الناس. {إِلَهِ النَّاسِ} [الناس:3] وأما (إله): فهو المستحق للألوهية والعبودية سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وقد أُرسل الرسل بذلك، وخاتمهم رسولنا عليه الصلاة والسلام فقد أتى بهذا التوحيد، وهو الذي أنكره المشركون، وكان عليه الصلاة والسلام يقول لهم: {قولوا: (لا إله إلا الله) تفلحوا} وكل نبي قال لقومه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59]. فالمشركون عبدوا مع الله غيره، وسألوا ودعوا مع الله غيره, فضلوا ضلالاً مبيناً. وعند أبي داود في السنن: أن حصين بن عبيد الخزاعي وفد على الرسول عليه الصلاة والسلام فقال له عليه الصلاة والسلام: {يا حصين! كم تعبد؟ قال: سبعة، قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض، وواحد في السماء، قال: فَمَنْ لِرَغَبِكَ وَلِرَهَبِكَ؟ قال: الذي في السماء، قال: فاترك التي في الأرض، واعبد الذي في السماء}. وعند أحمد في المسند وأبي داود أيضاً: عن أبي جري الهجيمي، قال: {وفدتُ على الرسول عليه الصلاة والسلام فقلت: يا رسول الله! إِلامَ تدعو؟ قال: أدعو إلى أن يُعبَد اللهُ لا إله إلا هو، ثم قال: الذي إذا أصابتك سنة فدعوتَه كشفها عنك -أي: قحط وجدب- والذي إذا ضلت ناقتك في الصحراء فدعوتَه ردَّها عليك} فانظر كيف خاطب هذا الأعرابي بمنطوقه ومفهومه، فإنه يفهم القطر في الصحراء، ويفهم الضالة إذا ضلت، فخاطبه بشيئين عليه الصلاة والسلام. فالله عز وجل هو الذي يستحق الألوهية، وإنما يَضِلُّ العبدُ يوم يدعو إلهاًَ غير الله عز وجل. وقد وقع الناس في كثير من الشركيات، كشرك المحبة، والرجاء، والخوف، وهذه ليست بظاهرة، بل أجزِمُ جزماً أكيداً أنه حتى من يحمل الشهادات العالية، وربما الشهادات الشرعية منها، يقع في شيء من هذا الشركيات. وقلتُ أكثر من مرة، وقال غيري ممن هو أفضل: إن كثيراً من الناس لا يعبدون النجم أو الحجر أو الشجر. لكن منهم من يشرك شرك الخوف. وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن من نواقض (لا إله إلا الله): شرك الخوف، وهو الذي يقع فيه الناس، ومعناه: أنك تخاف من البشر أكثر من خوفك من رب البشر. وتعتقد أنت في نفسك، ولو أنك تصلي وتصوم وتعبد أن من الناس من يمكن أن يقدم أجلك ساعة، أو ينهي حياتك، أو يقطع رزقك أو يضايقك، دون أن يقدِّر الله ذلك، أو يستطيع أن يضرك دون أن يكتب الله ذلك. وهذا شرك منك في لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً} [آل عمران:145]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} [آل عمران:175]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:36]. وصح عنه عليه الصلاة والسلام عند الترمذي وأحمد أنه قال: {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشي لم ينفعوك إلا بشي قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلام وجفت الصحف}. فهل اعتقدنا هذا؟ وهل عشناه؟ وهل خلَّصنا أنفسنا من هذه الشركيات؛ شرك الخوف، والرجاء، والمحبة؛ أن ترجو غير الله أكثر مما ترجو الله، أو تحب غير الله أكثر من حبك الله؟

شرح قوله تعالى: (من شر الوسواس)

شرح قوله تعالى: (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ) {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} [الناس:4]: قال أهل العلم: من شر الشيطان، وإنما حذف المضاف وأتى بالمضاف إليه، للدلالة على ذلك. فمن هو الوسواس؟ من هو الذي يوسوس؟ ومن هو الذي أغوى أجيال الأمة؟ ومن هو الذي أضل الألوف المؤلفة؟ ومن هو الذي جعل الشاب يتنكر لمبدئه، ويتنكر لمسجده ومصحفه؟ ومن هو الذي جعل طواغيت الأرض يحكمون بغير ما أنزل الله؟ ومن هو الذي جعل الظَّلَمة يستبدون بدماء الناس وأموالهم وأعراضهم؟ ومن هو الذي جعل المرأة تخرج سافرة كاشفة تكفر بالحجاب؟ من هو الذي جعل الأقلام المأجورة تكتب كفراً، وزندقة وحداثة، ورجساً؟ من هو الذي جعل الأديب يرتقي المنبر؛ ليكفر بالدين ويسب الرسول عليه الصلاة والسلام؟ من هو الذي جعل التاجر يخون في تجارته، ويتعامل بالربا، ويكذب، ويغش، ويخادع؟ من هو الذي جعل الشيخ في السبعين من عمره يختم عمره بشهادة الزور؟ من هو الذي جعل المغني يحمل العود، والطبلة، والكمنجة، والناي، ويُعرض عن القرآن، والدرس، والهداية، والمحاضرة؟ إنه الشيطان!! فالذي أتى بـ اليهودية العالمية: الشيطان. الذي أتى بـ النصرانية المحرفة: الشيطان. الذي أتى بـ الشيوعية الكاذبة: الشيطان. الذي أتى بـ العلمانية الخاسرة: الشيطان. إذاً: فالشيطان وراء هذه الأحزاب، والأحلاف، والأنظمة، والاتجاهات، والكفريات في الأرض كلها. إنها مدرسة الشيطان، والله هو الذي خلقه، فسأل ربه أن يُنْظِرَه، فأنظره الله، ليعيش الصراع العالمي: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [البقرة:251] ليكون هناك اتجاه وموكب فيه: نوح، وإبراهيم، وعيسى، وموسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام ويكون هناك اتجاه وموكب آخر فيه: الشيطان، وفرعون، وقارون وهامان وأبو جهل وأبو لهب، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. أولئك إلى الجنة, وأولئك إلى النار: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] فهذا هو الشيطان. ولم يذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للعلم به، قال أهل العلم: والمعنى: من قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس:4] أي: من شر ذي الوسواس. فحذف المضاف. قال هذا الفراء: و {الْوَسْوَاسِ} [الناس:4] بفتح الواو، بمعنى: الاسم، أي فاسمه: الوَسْواس، أي: الموسوس. و {الوَسْوَاسِ} [الناس:4] تُقرأ: {الْوِسْوَاسِ} [الناس:4] بكسر الواو على المصدر، فقرئت كذلك من الوَسْوَسة، وتنطق: من الوِسْوَسَة. وكذلك الزَّلزال بفتح الزاي الأولى، والزِّلزال بكسر الزاي نفسها. والوسوسة: حديث النفس، وهو ما يحدث به الإنسان نفسه. فالشيطان يأتي للإنسان ويحدثه في نفسه بأحاديث تصل به إلى الكفر، أو البدعة، أو المعصية كبرى كانت أم صغرى، كما سوف يأتي. يقال: وسوست إليه نفسُه وَسْوَسةً ووِسْوَسهً، ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلي: وِسْواس. قال ذو الرمة: فبات يُشْزِئهُ تَأْدٌ ويُسْهِرُهُ تَذَوُّبُ الريحِ والوسواسُ والهضبُ وقال الأعشى: وهي في قصيدته الطويلة التي مطلعها: ودِّعْ هريرةَ إن الركب مرتحلُ وهل تطيق وداعاً أيها الرَّجُلُ قال: تسمع للحلي وِسواساً إذا انصرفَتْ كما استعان بريحٍ عشْرقٌ زَجِلُ الحُلي، أي: حلي المرأة. وِسواساً، أي: وِسواس الحُلي. هذه هي الوَسوسة التي يحدثها الشيطان في قلوب كثير من الناس، وسماه الله عز وجل: وسواساً لهذا السبب. وسوف يأتي معنا الأثر والأحاديث في هذا الباب، ولكنه يوسوس في حديث النفس. قال قتادة: أول ما يبدأ به الشيطان: يوسوس للناس في الوضوء. وصدق فيما قال، فهو أول الأمراض التي تصيب الناس، وهذا ملحوظ في كثير ممن يسأل في مسألة الوضوء، فيتلاعب به الشيطان في مسألة الوضوء إلى أن يعيد وضوءه، فيلعب ويسرف بالماء، ثم يدخله في الشك في العقيدة حتى يخرجه من الملة، والله المستعان.

بيان معنى (الخناس)

بيان معنى (الْخَنَّاسِ) {الْخَنَّاسِ} [الناس:4]: ووُصِِفَ الشيطان بالخناس؛ لأنه كثير الاختفاء. ومنه قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} [التكوير:15] والخُنَّس: النجوم؛ لاختفائها بعد ظهورها، وهي تختفي في أبراجها. وسميت الظباء خوانس؛ لأنها تخنس في الأرض وتختفي. وسميت الشاعرة الخنساء بـ الخنساء؛ لأنها جميلة كالظبي. فكل شيء يختفي يقال فيه: خَنَسَ، أي: اختفى، والشيطان اختفى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27]. قال أحد التابعين لما قرأ هذه الآية: [[الله المستعان، كيف بعدُوٍ يراك ولا تراه؟!]] بمعنى أنه: ينتصر عليك، تصوَّر أن عدواً يريد أن يصيدك، ومعه سلاحه وعياراته، وهو يريد أن يقتلك، وأنت تريد أن تهرب منه، وهو يراك وأنت لا تره، سوف يصيدك ولو مرة. والمشكلة التي أوقعت كثيراً من الناس في حبائل الشيطان هو أنه يراهم وهم لا يرونه، وهذه فتنة من الله عز وجل يقول الشاعر: تسترتُ من دهري بظل جناحه فعيني ترى دهري وليس يراني فلو تسأل الأيام عني ما درتْ وأين مكاني؟ ما عرفن مكاني! وهذا مثل الشيطان الرجيم، فهو خناس، والعجيب: أنه يسكن في القلب، وأنه جاثم على قلب الإنسان، وهو - عند بعض أهل العلم- كـ (الضفدع) ووصفه بعضهم وقال: كـ (السلحفاة) ووصفه بعضهم بقوله: كـ (الحية الرقطاء) وما شئت من الأوصاف، إنما يجري في الإنسان مجرى الدم، كما قال عليه الصلاة والسلام. وكلٌ معه قرين -شيطان- خلق معه مصاحباً له يغالبه، فالشيطان يدعوه للفاحشة، ويَعِدُه الفقر، والمسلم بنفسه وواعظ الله في قلبه يدعوه إلى الإيمان والغنى والتصديق بوعود الله، فأيهما غلبَ فهو الغالب، والحرب سجال: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128]. ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما في: صحيح مسلم: {ما منكم من أحد إلا وُكِلَ به قرينُه من الجن فهو معه، قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا، لكن الله أعانني عليه فَأَسْلَمَ} وضُبِطَتْ كلمةُ: (فأسلم) عند بعض العلماء بمعنى: {فَأَسْلَمُ} أي: فَأَسْلَمُ منه، أي: أعانني الله عليه فغلبتُه، فأنا سالِمٌ منه، وهذا رأي ضعيف، والضبط الأول: {فَأَسْلَمَ} من الإسلام، أي: اعتنق الإسلام هو الصحيح، فلا يأمره إلا بخير. وفي الحديث: {إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا غفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس} أي: تأخر وأقْصَرَ. وقال قتادة بن دعامة السدوسي، وهذا فيه ملعقتان من القدر، وهو من رواة البخاري ومسلم؛ لكن فيه ملعقتان قدر، قال عنه الذهبي: رأس في القراءات رأس في الزهد رأس في الحديث، هذا وفيه بدعة القدر، ولا نبطله، ولا نرد علمه؛ لكن نقبله وننبه على خطئه في القدر، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث. وهذا الكلام هو الإنصاف، وهو العدل. يقول قتادة، وهو من سادات المفسرين: [[الخناس: الشيطان له خرطوم كخرطوم الكلب، في صدر الإنسان]]. فإذا غفل الإنسان وسوس له، وإذا ذكر العبدُ ربه خنس، يقال: خَنَسْتُه، فَخَنَسَ، أي: أخَّرْتُه فتَأخَّرَ، وأخْنَسْتُه أيضاً، ومنه قول العلاء الحضرمي، وقد أنشد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: وإن دحسوا بالشر فاعفُ تكرماً وإن خنسوا عند الحديث فلا تسلْ وعن أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا نسي التقم قلبه فوسوس} والحديث ضعيف، وإنما ذكرتُه؛ لأن كثيراً من المفسرين ذكروه، كـ القرطبي وغيره من أهل العلم، فذكرتُه لأبين أنه ضعيف. وقال ابن عباس: [[إذا ذكر الله العبد خنس الشيطان من قلبه فذهب، وإذا غفل التقم قلبه فحدثه ومنَّاه]]. وقال إبراهيم التيمي: [[أول ما يبدأ الوسواس من قِبَل الوضوء]]. وقيل: سمي خناساً؛ لأنه يرجع إذا غفل العبد عن ذكر الله، والخَنَس: الرجوع. هذا عرض موجز لكلام السلف، ثم أعود إلى كلام أهل العلم مفصلاً في قضايا السورة.

شرح قوله تعالى: الذي يوسوس في صدور الناس

شرح قوله تعالى: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس:5] قال المفسرون: الشيطان في الصدر يوسوس، ومكان الوسوسة: الصدر، فمنه تنبعث الخواطر والهموم والإرادات والنيات، فذكر الله الصدر لأنه معترك العبد، بين نيته وبين وسوسة الشيطان. وأراد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن تكون المعركة في الصدر؛ ليعلم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من ينشرح صدره للهداية، ومن يضيق صدره فهو ضيق حرج بالغواية. قال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:22]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:125]. وقال حاكياً عن موسى دعاءه ربه: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه:25] فسأل أعظم مطلوب في أول السؤال. وقال لرسولنا عليه الصلاة والسلام ممتناً عليه: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1]. فإذا شرح الله للعبد صدره سَلَّمه من الشيطان، وأخرج هواجس ووسوسة الشيطان. قال مقاتل في: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس5]: إن الشيطان في صورة خنزير، يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، سلطه الله على ذلك، قال تعالى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس:5]. وعن شهر بن حوشب عن أبي ثعلبة الخشني وأبو ثعلبة الخشني أحد الصالحين الكبار، وهو من الصحابة عند كثير من أهل العلم، وقد سأل الرسولَ عليه الصلاة والسلام عن الأمر والنهي عن المنكر، فقال: {مُرْ بالمعروف، وانْهَ عن المنكر، فإذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرَة، وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيه، فعليك خاصة نفسك}. فيقول أبو ثعلبة هذا: [[سألتُ الله أن يريني الشيطان، ومكانه في ابن آدم، فرأيتُه يداه في يديه، ورجلاه في رجليه، ومشاعبه في جسده، غير أن له خطماً كخطم الكلب، فإذا ذكر اللهَ العبدُ خَنَسَ الشيطان ونَكَسَ، وإذا سكتَ عن ذكر الله أخذ بقلبه]]. معنى ذلك: أنه رأى يدَي الشيطان في يدَي الإنسان، ورجلَي الشيطان في رجلَي الإنسان، ومشاعبه أي: أظافره في جسد الإنسان. فهو -على ما وصف أبو ثعلبة - متشعب في جسم الإنسان، ويصحح ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: {إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم}.

شرح قوله تعالى: من الجنة والناس

شرح قوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:6]: الجِنَّة: الجن، فأصل الشيطان ونسبه من الجن: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50]. فقبيلتُه وأسرتُه ودمُه ونسبُه ودارُه في الجن؛ ولكن له في الإنس إخوان، وأعوان، وأحزاب، وألوية، وجمعيات، ومؤسسات، وزَّعها في العالم. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران:175] قال أهل العلم: معناها: يخوف بأوليائه، ويرسل بعوثه، حتى إنه نصب عرشه على البحر، فيرسل تلاميذه في أطراف الأرض، فيأتي أحدهم، فيقول له: ماذا فعلتَ؟ فيقول له: أغويتُ العبدَ، قال: ما فعلتَ شيئاً، فيقول للثاني: ماذا فعلتَ؟ فيقول: تركتُه يؤخر الصلاة، قال: ما فعلتَ - أي: لم تفعل شيئاً - فيقول للثالث: ماذا فعلتَ؟ فيقول: ما تركته حتى فرَّقتُ بينه وبين زوجته، قال: أنتَ حبيبي. هكذا في التفسير. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام:112] فذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن للناس شياطين. وقال عليه الصلاة والسلام لـ أبي ذر: {تعوذ يا أبا ذر! من شياطين الإنس والجن، قال: قلت: يا رسول الله! هل للإنس شياطين؟ قال: نعم. لهم شياطين}. أما شياطين الإنس: فمنهم أناسٌ لا نراهم، وهم الذين يصدون عن منهج الله، ويوسوسون بالخواطر السقيمة، والهواجس الأثيمة، والأفكار المُرْدِية.

أنواع وساوس الشيطان

أنواع وساوس الشيطان والشيطان -أيها الإخوة- يوسوس بأمور: الأمر الأول: الكفر: قال أهل العلم: أول ما يوسوس الشيطان بالكفر، لا يترك العبد حتى يكفر، ويشرك بالله - عز وجل - ويلحد، ويحاول دائماً أن يدخل عليه الكفر بأي سبب من الأسباب. الأمر الثاني: البِدْعة:- فإذا لم يستطع في الكفر انتقل إلى البدعة، فلا يزال يزين له البدعة حتى يبتدع في دين الله، والله يقول: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:8] فلا يزال يُحَسِّن له البدعة، ويريه أنه مأجور في فعلها، حتى يبتدع في دين الله، فيحق عليه قوله عليه الصلاة والسلام: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} -وفي رواية-: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد}. الأمر الثالث: الكبيرة: فإن لم يستطع في البدعة -وهي أدهى من المعاصي- أتى به من طريق الكبائر: من الزنا، وشرب الخمر، والسرقة، ونحو ذلك، فلا يزال يحسن له الذنب، حتى يرتكب الكبيرة من الكبائر، ثم يقبح له التوبة حتى يعصي الله، ويموت على كبيرته. الأمر الرابع: الصغيرة: فإن لم يستطع على الكبيرة، ابتلاه بالصغائر من الذنوب، وأصابه بالترخُّص، وأفتاه بأنها صغيرة، وأنها لا تضره، حتى يجمع عليه من السيئات الصغار أمثال الجبال، حتى تعادل الكبائر. الأمر الخامس: المباح: فإن لم يستطع على الصغائر، أتاه من طريق المباحات، حتى يسرف في مباح من المباحات، مثل: الأكل، والشرب، واللباس، والسكنى، والخلْطَة حتى يُضَيِّعَ كثيراً من أوقاته. الأمر السادس: المرجوح: فإن لم يستطع بذلك أتاه من طريق المرجوح على الراجح، فيأتي بالعمل المرجوح، حتى يفوت الراجح. فمثلاً: الراجح في مثل هذه الجلسة من المغرب إلى العشاء: أن تحضر مجلس العلم، والدرس والفائدة، فيأتيك الشيطان، ويقول: أفضل لك أن تجلس في زاوية في بيتك تسبح الله، والتسبيح ليس معصية، بل هو أجر ومثوبة؛ لكن يأخذك من الراجح إلى المرجوح، حتى تترك الراجح الذي ينفعك عند الله. وقد ذكر الراجح والمرجوح ابن القيم في: مدارج السالكين. الأمر السابع: اللازم: فإن لم يستطع أتاك بالنفع اللازم عن النفع المتعدي، فيحبب إليك -مثلاً- نفعك اللازم، فإن كنتَ تاجراً غنياً، وعندك أموال قبح إليك الإنفاق، وقال: عليك بالنوافل، بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، ولذلك ما أحسن على التجار من صيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ لكن الإنفاق عليهم صعب، فيأتيه بهذا. ويأتي إلى العالم ويقول له: نخاف عليك من الشهرة، ومن حب الظهور، وأخشى عليك أن إذا تكلمتَ أن تفتتن بالناس، فعليك أن تبقى في بيتك، وتقرأ صحيح البخاري وتتنفل، وتسبح الله عز وجل فيتركه من النفع المتعدي الذي هو الجهاد في سبيل الله، وهو أعظم التضحيات، وهو طريق الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام إلى طريق أهل التصوف المنقمعين في بيوتهم، المتسترين بلباسهم، وبأستار حجبهم، الماكثين في زواياهم، والإسلام يُذْبح مساءً وصباحاً، ونهاراً وليلاً، ودعاةُ الكفر على المنابر، والدجال اقترب خروجه، والمتكلمون بالإثم ألوف مؤلفة، والأقلام التي تحارب ربها سُبحَانَهُ وَتَعَالى ملء الأرض، والخونة والعملاء ملء الديار، ومع ذلك يأتي إلى الدعاة والأساتذة والفضلاء والعلماء، ويقول: اتقوا الله! اجلسوا في بيوتكم، نخاف عليكم الشهرة، لا تشاركوا، ولا تحاضروا، فيسمعون لداعيه، فيوقعهم في أعظم الورطات. هذه من صنوف حيله ومكره.

أساليب التغلب على وساوس الشيطان

أساليب التغلب على وساوس الشيطان قال أهل العلم: تستطيع أن تتغلب على الشيطان بأمور: الأمر الأول: الاستعاذة: قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98]. وقال: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36]. فإذا أحسست بالشيطان في غضب، أو شهوة، أو كِبْر، أو غفلة، فالتجئ إلى الواحد الأحد. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:99 - 100]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون:98]. قالوا في تفسير هذه الآية: أي: مَرَدَة الجن. وقيل: الجن عموماً. وقيل: الفَسَقَة منهم. فعليك أن تلتجئ إلى الله. وعند البخاري في الصحيح عن سليمان بن صرد قال: {تسابَّ رجلان -وليس تسابَّا؛ لأن هذه الأخيرة على لغة (أكلوني البراغيث) وإنما هي تسابَّ؛ لأنها بمعنى: تعدد الفاعل- قال: تسابَّ رجلان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فسبَّ أحدُهما الآخر حتى احمر وجه الآخر، فقال صلى الله عليه وسلم: إني أعلم كلمةًَ لو قالها لأذهب الله عنه ما يجد، لو قال: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). فأُخبر الرجلُ، فقال: أمجنون أنا؟!}. أي: تكبَّر ولم يقُلْها. فأول شيء تبدأ به أن تستعيذ. الأمر الثاني: الوضوء: أن تتوضأ، وهو سلاح المؤمن، ولا يطرد الشيطانَ شيءٌ كالوضوء. الأمر الثالث: الإكثار من ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: فإن الذكر من أعظم الأسلحة، ويسمى: الحصن الحصين، وهو السلاح الفتاك الذي يُقْتَل به أعداء الله عز وجل فتكون مسبحاً مستغفراً مهللاً مكبراً. الله أكبر! كل هم ينجلي عن قلب كل مكبر ومهللِ وهو من أحسن ما يكون. قال تبارك وتعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:41]. وقال جلَّ شأنه: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191]. وفي الصحيح: {مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت}. الأمر الرابع: الإيمان: فالإيمان وترسيخه في القلب من أعظم ما يطرد الشيطان. ويكون ذلك بالتفكر في الآتي: التفكر في آيات الله الكونية: في السماء في الأرض في الذوات في المخلوقات في الكائنات في العجماوات في الجمادات في الزواحف في الحشرات كلها تدلك على رب الأرض والسماوات. التفكر في آيات الله الشرعية: وهو القرآن العظيم، بتدبر وتمهل وتأنٍ؛ ليكتب الله في قلبك الإيمان، ويؤيدك بروح منه. الأمر الخامس: صدق اللجأ: وهو الاستجارة بالله، والدعاء، وتفويض الأمر إليه. الأمر السادس: العلم الشرعي: وهو أعظم ما يُطْرَد به الشيطان، والشيطان يغضب من العلماء وطلبة العلم، ومن مجالس العلم، ولا يُرى أدحر ولا أصغر منه عند مجالس العلم، أو اجتماع أهل الخير، كاجتماعهم في عرفات، أو يوم الجمعة، أو في الدروس العلمية، أو المحاضرات النافعة، فإنه يَصْغُر ويَذِل ويُدْحَر ويَخْنَس ويَخْسأ. الأمر السابع: الجلوس مع الصالحين: ومنها أيضاً -أيها الإخوة الفضلاء- ومما يعمق ذلك: الجلوس مع الصالحين، ومحبتهم، وطلب دعواتهم وزياراتهم. هذه مما يطرد بها الشيطان الرجيم، وكذلك أمثالها من الوسائل المفيدة النافعة، التي بُيِّنت في كثير من المناسبات.

أنواع شياطين الإنس

أنواع شياطين الإنس أما شياطين الإنس الموسوسون فهم على ضروب:

دعاة الكفر

دعاة الكفر أعظم الموسوسين من الناس الآن: دعاة الكفر عليهم لعنة الله وهم محاربو الأنبياء والرسل، وهم أعداء الله عز وجل وهم خصومه يوم العرض الأكبر، فهم يورثون مللهم ونحلهم في الأرض، ويحامون عنها، ويذبون، وينظرونها في دنيا الناس.

رفقاء السوء

رفقاء السوء فرفيق السوء من شياطين الإنس ولذا قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] فهو الرفيق الذي يأتيك وأنت مهتدٍ ومتجه إلى الله عز وجل تريد الاستقامة والاهتداء، فلا يتركك حتى تترك الصلاة، وتلحد في دين الله، أو حتى ترتكب الكبائر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل}. ولذلك يُنْصَح هذا الجيل الطاهر الطيب العامر من أمثالكم أن يتقي الله عز وجل في من يجالس، أو يصاحب، أو من يسافر معه، أو يلعب معه، أو يرحل معه، أو من يزوره، أو يستزيره، أن يحذر كل الحذر من هؤلاء؛ فإن في الساحة أناساً يتجلببون بجلباب شياطين الإنس، وهم يشكلون خطراً على هذا الجيل الذي يتجه إلى الله، وإلى جنة عرضها السماوات والأرض. فنحذر هذا الجيل من هؤلاء أن يحرفوه عن منهج الله. يكمن في ذلك رفقاء السوء الآتي ذكرهم: فمن رفقاء السوء: من يقدم لك السيجارة. ومن رفقاء السوء: من يقدم لك المجلة الخليعة بديلاً عن القرآن. ومن رفقاء السوء: من يقدم لك المقهى بديلاً عن المسجد. ومن رفقاء السوء: من يقدم لك شريط الغناء بديلاً عن الشريط الإسلامي. وعجبتُ وأنا أرى بشرى تُبَثُّ في البلد، بشرى افتتاح تسجيلات غنائية، مُدَّتْ بآلاف الريالات، لتهدم الجيل والبيوت، فتذكرت قول الله في من ينفق أمواله في هذه: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36] فهذا من رفقاء السوء. ومن رفقاء السوء: من يأتيك وأنت تريد أن تحفظ وقتك، فيضيع عليك وقتك بالغيبة، والنميمة، والوقيعة في أعراض الناس، وتحبيب الفواحش لك. ومن رفقاء السوء: من يدغدغ مشاعرك الغريزية، ويذكرك بالجنس المحرم، ويقدم لك وسائل الإغراء حتى تقع في الفاحشة. ومن رفقاء السوء: من يحبب لك السفر إلى الخارج؛ لتنسى الله عز وجل وتنسى موعوده، وتترك أهلك ودعاة الإسلام وأهل العلم؛ لتبتعد هناك، ولكن لا تبتعد عن عين الله عز وجل. ومن رفقاء السوء: من يصدك عن مجالسة أهل العلم والدعوة والخير، ويحذرك من العلماء والدعاة، ويصفهم بالتزمُّت، والتطرف، والتشدد، وأنهم مصدر خطر على الأمة، وأن على الأمة أن تحذرهم، وأنهم يفهمون الدين بالمقلوب، كما قال بعض المرتزقة فيما كتب، قال: هؤلاء يفهمون الدين بالمقلوب! فكيف بفهمه هو؟! {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5]. ومن رفقاء السوء: من يحذرك من مصاحبة أهل الخير في المراكز الإسلامية، والمخيمات النافعة، والجلسات المفيدة، بحجة أنهم سوف يشددون عليك، أو يحرجونك، أو يوصلونك إلى طرق مغلقة, أو نحو ذلك.

النمامون

النمامون الثالث: النمامون: والنمام: هو الذي يفسد بين الجيران والأُسَر، وبين القبائل والعشائر، وهذا موجود في كل مجتمع، وفي كل قرية. وشياطين الإنس النمامون هؤلاء من الرجال ومن النساء، وهم كتل بشرية تمشي على الأرض، وتحرق قلوب العالمين، وتقطع الأواصر: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23]. قال عليه الصلاة والسلام: {لا يدخل الجنة نمام} وذلك لما يفسد، قال بعض العلماء: يفسد النمام في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة. وقد وجدنا أثر شياطين الإنس من النمامين في المُقَاتَلَة التي تقع بين القبائل بالسلاح، وإزهاق الأرواح، وسفك الدماء، بسبب نميمة النمام. ورأينا النمام في تقطيع أواصر الجيران، وذهابهم إلى المحاكم الشرعية، والشكايات فيما بينهم بسبب كلام النمام. ورأينا النمام يفعل بين الزملاء والقرناء، والأحبة، فيفسد بين الصاحبين، والحبيبين، والزميلين، والصديقين، فيجعل بينهم ناراً تلظى، وجَبَلاً من رماد في القطيعة والمسبة والغضب. ورأينا النمام يدخل بين الرجل وزوجته، وبين الرجل وأبنائه، وبين الأخ وأخيه، فيهدم البيت فيبقى البيت قاعاً صفصفاً لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً.

أصحاب الأقلام المغرضة

أصحاب الأقلام المغرضة الرابع: أصحاب الأقلام المغرضة: ومن شياطين الإنس -يا معشر الأحبة- أصحاب الأقلام المغرضة الذين يطالعوننا في كل صباح على صفحات الجرائد والصحف، وكأن ذنب الأمة الوحيد أنها أتبعت محمداً عليه الصلاة والسلام وكأن على هذه الأقلام حقاً أن تحارب الرسول عليه الصلاة والسلام في دعوته، فإذا الاستهزاء بالدين، وإذا التعريض بالقرآن، وإذا السخرية بمعالم وسنن محمد سيد الخلق عليه الصلاة والسلام وإذا بالنزول المغرض والطرح العشوائي في قضايا الأمة واللعب بمقدراتها، ومصادر عزتها. إن أصحاب هذه الأقلام من شياطين الإنس، الذين تركوا حرب الكافر، وتوضيح المبادئ للأمة، ونشر الفضيلة بين الناس، وأتوا بالذبذبة الفكرية، والطرح الغثائي، والهامشية في العرض، بل بعضهم وصل به الحال إلى أن تزندق وألحد، وكتب كفراً.

الشعراء الأفاكون

الشعراء الأفَّاكون ومن شياطين الإنس أيضاً: الشعراء الأفاكون الآثمون، {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:30]. فهم في خلواتهم وجلواتهم ونواديهم، يكفرون بالله ويتبجحون، ويُسَمُّون (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر): شركة صَلُّوا، وأحدهم كتب مقالة يقول في أعلاها: (جاءك الموت يا تارك الصلاة) يشنع بها على الذين يدعون إلى إغلاق المحلات، وإلى ترك التجارات في أوقات الصلاة, والله يقول: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:36 - 37]. والله يقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]. والله يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. والله يقول: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. وقد ذكرتُ لكم من هؤلاء الشياطين، من القديم: الدَّشَرَة؛ لأن الدَّشَرَة قديمة، الدَّشَرَة مع إبليس من يوم وضع في الأرض، فأتى الكفر معه، وأتى الخزي معه، وأتى العار معه، وأتت قوى الشر معه، وأتت محاربة المبادئ معه، وأتى الظلم والظلام معه. وأذكر نماذج، لَعَلِّي كررتُها؛ لكن اسمع إلى الكفر القديم الذي أتى به شياطين الإنس: يقول أحدهم، وهو يعترض على الله، ويخاطب ربه؛ لأنه من شياطين الإنس في الأدب: أيا رب تخلق أغصان رَنْدٍ وألحاظ حورٍ وكثبانَ رملِ! وتنهى عبادك أن يعشقوا أيا حكم العدل ذا حكم عدلِ؟! ويقول أبو العلاء المعري، معترضاً على الله عز وجل: أنَهَيْتَ عن قطع الرءوس تعمداً حتى بعثت لقتلها مَلَكَيْنِ وزعمت أن لها معاداً ثانياً ما كان أغناها عن الحالَينِ! المعنى: يقول: يا رب! أأنت حرمت أن يُقتل الإنسان بالسكين، وأنت ترسل ملَكَين يذبحون الإنسان، فلماذا تعيد الإنسان وتخلقه؟! كان الأفضل ألاَّ تخلقه من أول الطريق، فعليه غضب الله إن لم يكن تاب. ويقول الثالث: أتوب إليك يا رحمن مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوبُ وأما من هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوبُ وهذا من شياطين الإنس.

بائعو الشهوات

بائعو الشهوات ومن شياطين الإنس أيضاً: بائعو الشهوات، الذين يروجون المرأة كأنها سلعة، فيجعلونها عارضة أزياء أمام الأمم والشعوب، ويخرجونها من قفصها الذهبي النوراني الرباني إلى أن تكون معروضة على الرصيف لكل من يشتهيها. إذا وقع الذباب على طعامٍِ رفعتُ يدي ونفسي تشتهيهِ وتجتنب الأسودُ ورودَ ماءٍ إذا كنَّ الكلابُ ولغن فيهِ فهؤلاء الشياطين -أهل الشهوات من شياطين الإنس- يريدون أن تخرج المرأة عارية، وأن تكون جندية، وأن تكون المرأة شرطي مرور، وأن تكون بائعة، وأن تكون مباشرة في الفنادق، وعلى أبواب السكك، وفي مجتمعات الناس، وأن تكون في البرلمان. فهؤلاء من شياطين الإنس. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23].

مروجو الأفلام الخليعة

مروجو الأفلام الخليعة ومن شياطين الإنس أيضاً: مروجو الأفلام التي يهدم الفيلم منها شعباً كاملاً، ووجد في بعض النواحي مئات الأفلام في بيت واحد.

مروجو المجلات الخليعة والدعايات الساقطة

مروجو المجلات الخليعة والدعايات الساقطة ومنهم أيضاً: من يروج المجلة الخليعة، والدعاية الساقطة؛ للخروج عن دين الله عز وجل، فهؤلاء من شياطين الإنس.

رءوس القبائل المتحاكمون إلى غير الله

رءوس القبائل المتحاكمون إلى غير الله ومن شياطين الإنس: رءوس القبائل الذين يتحاكمون لغير منهج الله وشريعته، فيأتي أحدهم إلى قبيلته، فيرفض الشريعة جملة وتفصيلاً، ويُجْمع معهم على الكفر بالقرآن والسنة، ولو لم يتلفظ بذلك، لكن ربما يقول: سلوكياتنا، وعاداتنا، وأخلاقنا، وتراثنا، وتقاليدنا، وجعلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله والشيخ محمد بن إبراهيم من رءوس الطواغيت: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. فتجد في بعض القبائل رجلاً متصدراً، وهو شيطان من شياطين الإنس، إذا دعوتَه للشريعة، قال: لا. أنا وقبيلتي على هذا إلى آخر قطرة من دمائنا، فتدعوه إلى الحجاب الشرعي، يقول: لا. قلوبنا نظيفة نشَأْنا على هذا آباؤنا وأجدادنا، ويعترض على الشرع، تدعوه إلى أن يسلم الميراث للمرأة الضعيفة المسكينة الذي ذكره الله في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يقول: لا. عيب عندنا على المرأة أن تطلبت الميراث، وهذه شريعة غير شريعة الله عز وجل. وتجده يجعل مراسيم لأخذ الأموال ظلماً من الناس، والرشوة، وغير ذلك، وتجده أحياناً قد يحارب الدعاة في قبيلته، فيضطهدهم، ولا يقبل كلامهم، ويعارضهم، ولا يسمح بالندوات والمحاضرات والدروس، فهو شيطان من شياطين الإنس، وتجده أحياناً قد يعترض على فتاوى أهل العلم، كأن تقول له: الاجتماع في وقت العزاء من أمور الجاهلية، وقد حرمه أهل العلم، فيقول: ومن هم أهل العلم؟ وما يدريهم؟ لا بد من هذا! لا تصلح الأمور إلا بهذا، لنا عادات وتقاليد لا بد أن نستمر عليها فهذا طاغوت، وشيطان من شياطين الإنس.

أهل رءوس الأموال العصاة

أهل رءوس الأموال العصاة ومن شياطين الإنس أيضاً: أهل رءوس الأموال العصاة، الذين يصرفون أموالهم فيما يغضب الله عز وجل ويجعلون أموالهم رصيداً لمحاربة الله ورسوله، ودعاة وعلماء الإسلام، وقلتُ لكم: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36] وهم الذين يروجون الربا في البلاد، وهم الذين يسببون أزمة مالية، ويضطرون الناس إلى أن يتعاملوا معهم بالربا، وإلاَّ فسوف تقع الأمة في خسارة مالية.

الأساتذة الضالون المضلون

الأساتذة الضالون المضلون ومن شياطين الإنس أيضاً: الأساتذة الضالون المضلون في كثير من المدارس، الذين لا يحملون مبدأ الرسول عليه الصلاة والسلام ولا دعوته، بل يكونون سبباً في غواية هذا الجيل وهذا النشء، فيحببون إليه الفاحشة، والصد عن منهج الله، والجريمة، والمعصية، والمنكر.

القائمون على الأندية

القائمون على الأندية ومن شياطين الإنس: من يقومون على الأندية، فيعرضوا بها إعراضاً عظيماً عن منهج الله: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27] فيجعل ما سخره الله له من الطاقة محاربة لشريعة الله عز وجل. فيجعل الوقت في المعصية، واللهو، واللغو، والضياع، والمسلسلات، والتمثيليات، والأغنيات، والسخافات، والملهيات، والمشغلات، والساقطات، ثم لا يسمح للصوت الحي النوراني أن يُتَكَلَّم به، أو يقال، أو يُفْرَض، أو يُسْمَع، وهذا من شياطين الإنس.

أسباب الوقاية من شياطين الإنس

أسباب الوقاية من شياطين الإنس أما أسباب الوقاية من شياطين الإنس فأمور:

الأمر الأول: اتخاذ الصحبة الصالحة

الأمر الأول: اتخاذ الصحبة الصالحة وهو أن تتخذ لك أولياء يخافون الله عز وجل فيكونون أصحابك، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي بسند لا بأس به: {لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي} فتحبهم، وتزورهم، وتسأل دعاءهم، وتدعو لهم بظهر الغيب، وتستشيرهم، وتطلب الفائدة منهم، وتتفقد أحوالهم، حتى يحشرك الله في زمرتهم: و {المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالِل} وهذا حديث صحيح، علَّقه مسلم.

الأمر الثاني: اختيار الجليس الصالح

الأمر الثاني: اختيار الجليس الصالح الجليس الصالح يجب أن يكون فيه خصلتان: الأولى: أن يحب الله ورسوله: وذلك بأن يعمل بطاعة الله ورسوله، وينتهي عمَّا نهى الله ورسوله عنه. الثانية: أن يكون ذا مروءة: بأن تكون مروءته ظاهرة في معاملاته بعقل وحكمة. وإن شئتَ قلتَ: يجب أن يكون: 1 - تام الدين. 2 - كامل المروءة. لأن بعض الناس عنده دين؛ لكن تنقصه المروءة، بقلة عقله، فلا بد من العقل، ولا بد من الدين، حتى تصاحبه على بصيرة.

الأمر الثالث: التفقه في دين الله - عز وجل -

الأمر الثالث: التفقه في دين الله - عز وجل - وهذا أعظم ما يحصنك من شياطين الإنس -أن تكون بصيراً بالدين- وأنا أدعو الإخوة، خاصةً شباب الصحوة، أن يتفقهوا في أمور دينهم، وأنا أعتقد أن درساً من دروس الفقه في دين الله أعظم من عشرات المواعظ والخطب، ولا بد من هذا ولا بد من ذاك، ولكن حاجتنا الآن إلى الفقه حاجةٌ مُلِحَّة إلى أن نأمر على بصيرة، وننهى على بصيرة. قال بعض الفضلاء: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر بلا منكر. وفي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من يُرِدِ اللهُ به خيراً يفقهه في الدين} ومفهوم المخالفة: أن من لا يريد الله به خيراً لا يفقهه في الدين. فرجائي من الإخوة: أن يجتمع كل مجموعة من الإخوة في كل بلدة، أو قرية، أو مدينة، يجتمعوا في يوم من الأسبوع بدرس في مادة الفقه، فيتدارسوه حتى يكونون على بصيرة من دينهم.

الأمر الرابع: السماع لأهل العلم

الأمر الرابع: السماع لأهل العلم ومن وسائل الوقاية من شياطين الإنس: السماع لأهل العلم، والتعرف على الدعاة، والقرب منهم، واستشارتهم، والتعرف عليهم، وزيارتهم، والاتصال بهم، والدعاء لهم بظهر الغيب، فإن صمام الأمان في هذه الأمة: العلماء والدعاة. وإن سفينة النجاة: العلماء والدعاة، وإن نجوم الأمان: العلماء والدعاة، وإن أسباب الخير للأمة وللمسيرة: العلماء والدعاة، الذين يرثون منهج محمد عليه الصلاة والسلام ويبلغونه للناس. ولكن من النقص العجيب أن تفاجأ في الحي الذي تسكنُه، وأنت داعية أو طالب علم أن كثيراً من الشباب لا تعرفهم بأسمائهم، وأنت لا تستطيع أن تتعرف على كل شاب، ولكنه هو لم يأتِ يوماً من الأيام، ولم يعرفْكَ على نفسه، أو يسألك سؤالاً، أو يستشيرك في مشورة، أو يعرض عليك اقتراحاً، أو يقدم لك رسالة، وهذا من النقص العجيب، وهو انفصام خطير لابد أن يُتَلافَى.

الأمر الخامس: إيجاد البدائل الإيمانية

الأمر الخامس: إيجاد البدائل الإيمانية ومن وسائل الوقاية من شياطين الإنس: أن نوجد البدائل الإيمانية، فنجعل المسجد منتدىً ونادياً ومحلاً لإلقاء المحاضرات، ومحلاً لإلقاء الندوات، ولعقد المشورات، ولإبداء الآراء والاقتراحات، ولمدارسة شئون المسلمين، حتى يكون بديلاً عن الأماكن اللاغية، التي يُنْتَهَك فيها الدين، ويُذَلُّ فيها شرع رب العالمين.

الأمر السادس: التأثير في الغير بالخير

الأمر السادس: التأثير في الغير بالخير من الوسائل أيضاً -أيها الإخوة- أن نكون مؤثرين، بأن لا نكون سلبيين. عجباً للمهتدي كيف اهتدى! وعجيب كيف ضل المستضل! فالعجيب كل العجيب: أن تجد الضال ينحت في أفكار الناس، ويقدم دعوته لهم. والعجيب: أن تجد الضال يسهر إلى الثانية ليلاً يكتب مقالاً يحارب به الله ورسوله، ثم يُنشَر في الصحف والمجلات. والعجيب: أن تجد الألوف تصرف على دبلجة ومونتاج أغنية لتخرج للناس في آخر مونتاجها ودبلجتها وعرضها. والعجيب: أن تجد الألوف وهي تُصْرَف في مسلسل يهدم الأخلاق، ويحرك غرائز الأمة، ويفسد الجيل. والعجيب: أن تجد أماكن يُحارَب فيها المعروفُ، ويُقام فيها المنكرُ، وتُصْرَف فيها الأموال. ثم مع ذلك، تجد أهل الخير سلبيين إلى أبعد الحدود، أحدهم يتوجس خيفة، لا يقول الكلمة، ولا يكتب المقالة، ولا يوزع الشريط الإسلامي، ولا يؤثر بكلمة، ولا يدعو إلى الله، ولا يقدم ضريبة محمد عليه الصلاة والسلام التي عليه، هو على الحق وغيره على الباطل، وأهل الباطل أقوى منه، وأشجع منه، وأكثر تأثيراً منه، ومع ذلك تجده خائفاً متأخراً متخلفاً سلبياً لا يقدم شيئاً للإسلام. لا بد لكل واحد منا أن يسأل نفسه في المساء: ماذا قدمتُ لهذا الدين؟ عندما تَنَمْ سَلْ نفسك: ماذا قدَّمت؟ أنا أعرف أنك صليت الصلوات الخمس اليوم، وأنا أدري أنك قرأت شيئاً من القرآن, وأنا أعرف أنك سبَّحت؛ لكن أسألُك بالله! هل سألتَ نفسك هذه الأسئلة: هل كنتُ سبباً في هداية شخص؟ هل أمرتُ اليوم بمعروف؟ هل نهيتُ عن منكر؟ هل أهديتُ لصديق كتيباً نافعاً؟ هل أهديتُ شريطاً إسلامياً؟ هل وقفتُ مع من يرتكب منكراً فنبهته على منكره؟ هل تحدثتُ إلى من خالف سنة بيني وبينه بأدب ولين، ونبهتُه على مخالفته للسنة؟ هل وعظتُ أحداً؟! لا بد أن تسأل نفسك، وإن لَمْ تفعلْ فاعلم أن فيك نقصاً كبيراً، وأنك لا بد أن تركب في مركب محمد صلى الله عليه وسلم وهو مركب الدعوة، حتى تكون مؤثراً وداعية إلى سبيل الله. يقال: لماذا ينتشر الباطل أكثر من الحق، والضلال أكثر من الرشد؟ قلنا: سبحان الله! ألفُ هادمٍ وبانٍ واحد، فخطبة جمعة تلقى يوم الجمعة فقط، ودرس أحياناً في الأسبوع في مواجهة آلاف الأغنيات، والمسلسلات، والتمثيليات، والأفلام، والأشرطة، والمجلات، ألا تفْسُد بها الأمةُ، ألا تضيع بها الأمةُ، ألا تضل بها الأمةُ. أرى ألف بانٍ لم يقوموا لهادمٍ فكيف ببانٍ خلفه ألف هادمِ فهذه هي قضايا: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1].

المقصود من قراءة القرآن

المقصود من قراءة القرآن ما المقصود من قراءة هذا القرآن؟ المقصود -أيها الإخوة- من قراءة هذا القرآن أمور: أولاً: التبرك بالقرآن: فمن أعظم الأجور: تلاوة القرآن، والتبرك به. ثانياً: التدبر في القرآن: بأن تُجْعل قراءةُ القرآن طريقاً إلى التدبر والتفهم والتفقه، ليُعْرَف ماذا يريد الله عز وجل منا بهذا القرآن. ثالثاً: العمل بالقرآن: بأن يُجْعَل التدبر والفقه طريقاً إلى العمل بهذا القرآن، وتطبيقه في الحياة. رابعاً: الصلاح في القرآن: بأن يُعْلَم أن القرآن والسنة فيهما صلاح العباد ظاهراً وباطناً، في كل قضية من قضايا الحياة. خامساً: شمول القرآن: أن لا يُزَوَّى القرآنُ عن حياة الناس، وأدبهم ومشاركتهم، وعن اقتصادهم، وألاَّ يُجعَل في زاوية، أو فقط لافتتاح الحفل، وإذا مات الميت قرئ عليه، أو لصلاة الاستسقاء فقط، وللمآتم، ثم يُنَحَّى عن الحياة. فهذا ظلم ظلمنا به كتاب الله عز وجل الذي قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى في دينه وشرعه: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]. سادساً: تفهيم القرآن: وأحبذ من الإخوة أن يقربوا أبناءهم إلى القرآن, وإلى التفسير المعروض بالأشرطة أو الكتيبات؛ لأن هناك في المكتبة الإسلامية تقصيراً في جانب الطفل، في كتيبات الطفل وأشرطته، وأن يقربوا له مثل هذا الشرح، أو غيره مما يرون، فإذا حفظ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] سمع ماذا يريد الله من هذا الكلام، حتى يحفظ على بصيرة وعلم ونور. سابعاً: مرونة القرآن: وأحبذ من الإخوة أيضاً أن يربطوا واقع الناس بكتاب الله عز وجل وأن يعلموا أن هذا القرآن باقٍ لهذه الأمة حتى يُنْهِي الله هذه الأرض ويرثها سُبحَانَهُ وَتَعَالى وأنه ليس خاصاً بفترة من فترات التاريخ قد انتهت ومرت، أو كما يقول العلمانيون: أنه لا يواكب التطور، أو كما يقولون: بأنه لا يواكب الأمور العصرية، أو أنه لا يستطيع أن يواكب هذا الزخَم الهائل القادم من الغزو الفكري وأمثاله، وهم لا يُسَمُّونه غزواً فكرياً، بل رافداً فكرياً، وحواراً عالمياً، ونحن نسمية غزواً. ثامناً: تحفيظ القرآن: وعلينا أيضاً أن نحصن أبناءنا بالقرآن، وأن نحفظهم من الصغر، ولا نستجيب لدعوات بعض الناس، وقد قرأتُ مقالة في مقابلة في مجلة الدعوة قبل ثلاثة أسابيع لأحد الفضلاء، هو فاضل ولكن لكل جواد كبوة. يقترح في هذه المقابلة: ألاَّ يَحْفَظ الطلاب الصغار؛ لأنهم لو حفظوا القرآن صدَّهم حفظُه عن فهمه. قلنا: سبحان الله! تريده أن يكون مثل الفقير اليهودي، حيث لا دين ولا دنيا. الطفل أصلاً لا يعرف أن يفقه أو يفهم، فلو أتيتَ بالطفل الصغير في السابعة أو في السادسة، وحفَّظته السور، وقلتَ له: استنبط، فإنه لا يفهم؛ لكنه يحفظ، ففي سن الحفظ نحفظه، حتى يصل إلى سن الفهم لنفهمَه، ثم إنه إذا حفظ القرآن استدرج النبوة، غير أنه لا يوحى إليه، ثم إنه إذا حفظ القرآن صار رصيده عند الله عز وجل عظيماً، أن يُغرَس القرآن أو يُمْشَق في لحمه ودمه، أو يسري القرآن في عروقه وشرايينه.

اقتراح وسائل للاستفادة من الدرس

اقتراح وسائل للاستفادة من الدرس ربما أقترح أنا اقتراحاً بسيطاً: أن من كان عنده من الإخوة نشاطٌ أو قدرة على تفريغ مثل هذا الشريط وتصحيحه وعرضه عليَّ فليفعل، وأنا بدروي أدعو له بظهر الغيب، وفي حضوره، وفي غيابه، بأن يحفظه الله ويأجره ويثيبه، حتى يُقَدَّم هذا في كتيب بعد تصحيحه وعرضه على أهل العلم، يُقَدَّم كتبسيط وتفسير ميسر إلى الناس، وإلاَّ فإن السلف قد كتبوا تفاسير؛ لكنهم أقسام: - فمنهم من اعتنى بالجوانب اللغوية والنحوية. والقرآن مقصده أعظم. - ومنهم من أتى بِخُزَعْبَلات بني إسرائيل وكَذَباتهم وافتراءاتهم. والقرآن أجلُّ. - ومنهم من نحا نحو الواقع، وترك مناهج السلف الصالح، ومنهج أهل السنة والجماعة. ولا بد من عرض ذلك. - ومنهم من تساهل في الأحاديث الضعيفة. ومن أمثل ما يوجد: تفسير ابن كثير؛ لكن ينقصه ربطه بواقع الأمة، فيحتاج من يقرؤه إلى أن يربط تفسير ابن كثير بواقع الناس وحياتهم ومعايشاتهم، حتى إذا قرأ الإنسان السورة في الصلاة تذكَّر واقعَه الذي يعايشه أربعاً وعشرين ساعة، وتذكرَ ماذا يمكن أن يغير إذا خرج من المسجد، وما هي صور الجاهلية التي نعيشها صباح مساء، الجاهلية التي تجدها في السوق، والدكان، والمدرسة، والجامعة، والنادي، والطريق، والبيت. الجاهلية التي تعرض لك في كتيب، أو دعاية، أو برواز، أو لافتة، أو ورقة، أو صحيفة، أو مجلة، أو شريط، أو فيلم. الجاهلية التي تُعْرَض لك في أشخاص، تجدهم من داخلهم مُبَرْمَجِين، أي: بُرْمِجُوا وانتهتْ بَرْمَجَتُهُم (هناك) ثم قُدِّمُوا للأمة لِيُبَرْمِجُوا الأمةَ كما بُرْمِجُوا هُم ليُؤَثِّروا على الأمة كما أُثِّرَ عليهم، فمن داخلهم مُنْتَهون، مُسْتَهَلَكَةٌ في ذواتهم المبادئُ الأصيلة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم يريدون كذلك إغواء الأمة في التالي. تجد الجاهلية في أشخاص يتصورون أن الدين صلاة فقط، وإذا ما خرجتَ فلا تشارك في الحياة ولا تدخل الدين في كل شيء، وينادون بذلك في الصحف والمجلات، ويقولون: تريدون إدخال الدين في كل شيء؟ وما دخل الدين في هذا؟ ما لكم وللدين، الدين لكم، تركنا لكم المسجد اعملوا ما شئتم، أما خارج المسجد فالحذر الحذر، ليس للدين دخل! وبهذا فقد ازدادوا ديناً ما أتى به عليه الصلاة والسلام، هذا دين ما أراده أبو بكر، وعمر وعثمان، وعلي. هذا دين يخالف دين المسلمين، هذا دين أهل التصوف الهندوكي والهندوسي. وهذا دين الذين وَلَغُوا في شرع الله عز وجل بالإثم، أو أنكروا معالم الدين. فهذا الدين لا نريده. نحن نريد الدين الذي بُعِث به محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون في المسجد، والمقهى، والمنتدى، والمكان، والجامعة، والدكان، والبيت، وعلى الرصيف، حتى نعيش الإسلام قضية واحدة. هذا ما يُراد. والدرس المقبل إن شاء الله سوف يكون بعنوان: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] وبعده: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ونستمر مع هذه السور - كما قلتُ لكم - في زحف مبارك مقدس، سائلين المولى أن يعيد علينا وعليكم بركات القرآن، وأن ينفعنا وهذا الجيل به، وبأسراره وكنوزه. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة بين يدي رسالة خطيرة ومهمة وصعبة، سوف أعرضها بخط صاحبها، وهي من أحد المواطنين من أهل أبها، ولئلا أكون كتوماً للعلم، أو جحوداً للأدلة والبراهين سوف أجيب عليها هذه الليلة بشجاعة، وسوف أعرضها عليكم وأنتم رسل للدعوة في كل مكان، وأنتم حملة للمبادئ في كل زمان، وأنتم مشرفون بخدمة دعوة محمد عليه الصلاة والسلام يقول:

حكم تزويج القبلي لغير القبلي

حكم تزويج القبلي لغير القبلي بسم الله الرحمن الرحيم. ثم بدأ بمقدمة يخاطبني، وبَجَّلَ -جزاه الله خيراً- وذكَر وأثنى، ثم قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله العلي العظيم، القائل في محكم التنزيل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وقال عليه الصلاة والسلام: {لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى} وقال الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام: {إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير}. أيها الحبيب الفاضل: أنا أتقدم بسؤالي أريد أن أفهم بعض الأمور الدنيوية من خلال الإجابة، وأرجو أن تجيب ولا تكتم الحق، وأن توضح لنا البرهان، وأن تتقي الله فيما تقول، فقد وثقنا فيما تقول. Q هل الإسلام حرم الزواج من المرأة أو الرجل الغير قبلي للقبلي؟ ومقصوده: هل يحرُم أن يتزوج القبلي من غير القبلي؟ -أو العكس، أي: بمعنى أصح: الطرف من الأصل أو العكس وربما سماه بعض الناس خط مائتين وعشرين, وخط مائة وعشرة. وسمعتُ حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه: {تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس} وحديثاً آخر، يقول صلى الله عليه وسلم: {تنكح المرأة لأربع: لجمالها، ولمالها، ولنسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك} فهل يعني اختيار النسب هنا: أن نمنع زواج القبليين من غير القبليين من أهل الحرف الموجودين في مجتمعنا المسلم الذين يصلون ويصومون ويتبعون الرسول عليه الصلاة والسلام؟ وما معنى ذلك إذاً؟ أرجو أن توضح، وأن تتقي الله في التوضيح. A في هذا السؤال صراحة وشجاعة وتهديد. أولاً: قبل أن أبدأ أفصل لكم الحكم على الأحاديث التي وردت في الرسالة: حديث: {لا فضل لعربي على أعجمي} حديث حسن. حديث: {إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه} حديث صحيح، رواه: الترمذي. حديث: {تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس} لا يصح عنه عليه الصلاة والسلام وليس من كلامه. حديث: {تنكح المرأة لأربع} متفق عليه وهو في الصحيحين. ثانياً: أقول لهذا الأخ: حيَّاك الله وبيَّاك، وأبشر ثم أبشر أني سأقول الحق، الذي أعتقد أنه الصواب، وأقول باختصار، ثم أفصل: من زعم أنه لا يجوز للقبلي أن يتزوج من غير القبلي فقد أخطأ، وقد خالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والنسب هو الدين، وإن من اتقى الله، وعمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان أقرب إلى الله فهو أقربنا إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو أكرمنا وأحبنا إليه، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] وقد هدد عليه الصلاة والسلام وندد، وشجب التمييز العنصري، وحارب صلى الله عليه وسلم من أراد ذلك في الأمة، ونادى يوم عرفة: أن: {لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى} وقرب صلى الله عليه وسلم أجناس الناس بـ (لا إله إلا الله) قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] ودخل بلال وهو عبد حبشي الجنة بـ (لا إله إلا الله) وأما أبو لهب وهو سيد قرشي، وأبو جهل، وهو أصيل قرشي، فقد دخلا النار لأنهما كفرا بهذا الدين. وقد زوج صلى الله عليه وسلم بعض الموالي من أسر قريش، وتزوج بعض أسر قريش من الموالي زواجاً شرعياً صحيحاً، على ملة الله عز وجل وعلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأما الذين يدعون أن هذا مخالفة شرعية، ويستدلون ببعض الأحاديث الضعيفة، فما صدقوا في هذا، وقد أخطئوا خطأً بيناً، وهذه حرب شعواء يستغلها أعداء الله عز وجل من الكفرة والملاحدة، فيهجمون على هذا الدين، ويقولوا: انظروا لدين المساواة والعدل والفضيلة، يأتي فيميز بين القبلي وغير القبلي، ومن قال لنا: أن هناك قبلياً وغير قبلي؟! إلى من ينتهي السند؟! من هو الأب الأكبر؟! من أين أتانا القبلي وغير القبلي؟! من آدم وحواء. إذا فخرت بآباء لهم شرف نعم صدقتَ ولكن بئسما ولدوا أتى سلمان وهو فارسي، وتزوج من قريش، ويروى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {سلمان مِنَّا آل البيت}. ولما بُعِثَ محمد عليه الصلاة والسلام كانت الأسر تفخر بأسرها، والقبائل تفخر بقبائلها، وأهل المجد يفخرون بأمجادهم، الآثم منهم والجاهلي، فلما أتى صلى الله عليه وسلم أتى بشمس: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]. فالفضل فضل التقوى، والحسب حسب الدين. فيا أيتها القبائل: اتقي الله في هذه الأسطورة الجاهلية، والطاغوت الذي فعلتموه، ورضيتم به، وهو عدم التزاوج بين القبلي وغير القبلي. أنا أعرف أن الناس يستصعبون ذلك، لكنه لو قام أهل العلم والدعوة والتوجيه والرأي، وأهل الحل والعقد، فإنهم سوف ينهون هذه المسألة التي تخالف الدين الإسلامي الحنيف الذي بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا نُضْحِكَ العالَمَ علينا. العالم الغربي الآن، خاصة الرأسمالي يدعو إلى إنقاذ الإنسان، وإلى محاربة التمييز العنصري، ويحاصرون جنوب أفريقيا، ويسبونها عبر وسائل الإعلام؛ لأنها تمايز بين الجنسين الأسود والأبيض، ونحن نكرر هذه في قبائل اتبعت الرسول عليه الصلاة والسلام واعتنق أجدادها الإسلام، بل كانوا في فترة من فترات التاريخ، هم الذين نصروا دين الرسول عليه الصلاة والسلام. أنا ابن أنصارك الغر الأُلَى سحقوا جيشَ الطغاة بجيش منك جرار فما جزاؤها الآن إلا أن تعود إلى سنته عليه الصلاة والسلام. قال الإمام مالك رحمه الله: "الكفاءة في النكاح: الدين". قال أهل العلم: "وصدق الإمام مالك "، ورجح ذلك الشوكاني، وغيره من العلماء الجهابذة الأجلاء، وارتضوه، واعتبروه الصحيح. فيا أيها الإخوة: الكفاءة: الدين، ليس القبلي وغير القبلي، فأرجو أن تزال هذه، وأرجو من الدعاة أو المتكلمين أو الناطقين أو المؤثرين، ألا يجرحوا شعور الناس في المجالس بذكر هذه الجاهليات التي أتى صلى الله عليه وسلم بسحقها، وقد سحقها يوم عرفة، وأزالها، واعتبرها لاغية من سجله صلى الله عليه وسلم. فهذه المسألة أردتُ أن أعرضها، وقد عرضتُها بما أعتقد أنه الصواب، وأرجو صراحةً أن تُدْرَس دراسة وافية، فلا يكفي فيها مثل هذه الكلمة؛ لكني أطالب العلماء، والدعاة، والمشايخ، والكتبة، ومن يُسْمَع لهم، أن يبحثوها بحثاً إسلامياً شرعياً، ثم ينشرونها بين الناس؛ لئلا نوجِد هذه الطبقية الممقوتة البغيضة، التي أوجدت الحزازيات والحساسات والجراحات بين الناس بشيء لا يرضاه الله ولا رسوله عليه الصلاة والسلام.

التعاون على البر والتقوى

التعاون على البر والتقوى Q ما هي الطريقة المثلى في التعاون على البر والتقوى في الدعوة؟ A أقول لهؤلاء: عليهم أن يفعلوا كما فعل كثير من الفضلاء في بعض المدن، كمدن القصيم، وهي أن يوجد مجموعة من الدعاة الفُطَناء النابهين، المحبين لله ورسوله، العقلاء، أهل الحكمة، وأهل الرشد والصواب، فيجتمعوا في تنسيق ندوات في أماكنهم هذه، كأن يكون هناك ندوة في كل أسبوع، في مثل: تنومة والنماص، وسراة عبيدة، ومحايل، وغيرها من المناطق الآهِلَة، كـ الواديين والدرب وبيش، وغيرها الكثير، فيوجدوا محاضرة في كل أسبوع، ثم يكون همهم أن يأتوا بالدعاة من الرياض والقصيم وجدة والشرقية وأبها ومكة المكرمة، ومن كل مكان، وهذا الدرس يكون أسبوعياً في هذا البلد، فهذا من مهمة هذه المجموعة. ومن مهمة هذه المجموعة أيضاً: جمع التبرعات من الناس، أو اشتراك شهري في صندوق يسمى: (صندوق الشريط الإسلامي) سيصرفون في كل شهر، أو في كل أسبوع شريطاً ويوزعونه على أهل هذه البلدة. ومن مهمتهم أيضاً: أن يجتمعوا بالقاضي والأمير في البلدة والمسئولين، فيفهمونهم بعض الأخطاء التي يقع فيها المجتمع، ويناصحونهم، ويكتبون لهم المنكرات. ومن مهمتهم أيضاً: أن يوزعوا الكتاب الإسلامي. ومن مهمتهم أيضاً: أن يُلْقوا دروساً خفيفة، من ربع ساعة إلى ثلث ساعة في المساجد في بلدتهم، يشتغلوا بها، فيعظون الناس ويرشدونهم. ومن مهمتهم أيضاً: أن يكاتبوا العلماء عما يحصل من مشاكل في بلدتهم، ليأتوا بفتاوى ينشرونها بين الناس في المسائل التي تقع فيها الأخطاء. ومن مهمتهم أيضاً: أن يقوم منهم مجموعة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، بالحكمة، واللين، والمعروف، فتنبه الناس على أخطائهم. هذه المجموعة، أنا أرى أن لو تُشَكَّل في كل منطقة فسوف يُرَى بعد سنة الخير وقد عَمَّ هذه المنطقة، والفضل، والنور، والفقه، والفهم، أما قضية أن تقف سلبياً وحدك في منطقتك أو قريتك، ثم تجد الناس يتفاعلون في قراهم ومدنهم، وأنت لا تقدم شيئاً لبني قريتك أو مدينتك فإنك تكون سلبياً مخطئاً غير موفٍٍ في أداء رسالتك التي أوكلها الله إليك. هذا اقتراح أكرره وأعيده، عسى أن يكون هناك من يلبي، لأني رأيتُ بعضَ الناس، حتى من سنتين ومن ثلاث سنوات يأتي أحدهم من المناطق المذكورة فيطلب الداعية، فإذا اعتذر الداعية، قال: ماذا نفعل إذاً؟ أتعتذر؟ الذنب ذنبكم والتقصير تقصيركم؛ لأنكم ما جئتمونا. هكذا يقول. وأنتَ والأساتذة الذين معك بالعشرات في المدينة التي أنت فيها، وفي الضاحية، وفي القرية، أنت والقضاة الذين عندك، والمدرسون، والدعاة، والفضلاء، لماذا لا تجمع؟ ولماذا لا تنظر؟ ولماذا لا تؤثر؟ ولماذا لا تتفاعل؟ هذه هي المسئولية. أردتُ أن أعرض هذا الرأي؛ لأنه صراحةً لا يستطيع الإنسان مهما أوتي من قوة أن يصل كل ضاحية وقرية، وكل مكان ليلقي محاضرة، ثم إن المحاضرات العامة إذا أتت في السنة مرة فخير كثير؛ لأنها مثل أسبوع الشجرة، هذه المحاضرات العامة مثل أسبوع الشجرة، تُزْرَع الشجرة في السنة مرة؛ لكن مَن الذي يَسْقِي الشجرة؟ مَن الذي يقلمها؟ مَن الذي يهذبها؟ مَن الذي يمنع الآفات عنها؟ هم أهل المنطقة، وأهل القرية، والضاحية. فهذه أمانة أقدمها بين أيديكم، وليتأمل كل منكم إذا أتى من بلدة، أو من قرية، أو من ضاحية، ليتأمل: ماذا يقدم لقريته وضاحيته، وماذا سوف يجيب الله يوم القيامة، إذا سأله: ماذا فعلتَ بقريتك؟ وليحفظ قوله تبارك وتعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]. أسأل الله لي ولكم السداد، والهداية، والرشد، والتوفيق. والإخوة الذين قدموا أسئلتهم -كما يرون- ليس عندنا وقت للإجابة الآن؛ ولكن أعدهم لا كمواعيد عرقوب أن أجيب عنها في المستقبل إن شاء الله. ومواعيد عرقوب: كان لأحد الناس عليه دين، فأتى صاحب الدين، فقال: أعطني مالي. فقال: ما عندي لك مال؛ لكن هذه النخلة تثمر إن شاء الله فإذا أطلعت خذ طلعها. فأطلعت النخلة، قال: اتركها حتى تصبح بُسراً، فتركها، فلما أصبحت بُسراً، قال: أعطني. قال: حتى تصبح بلَحاً، فلما أصبحت بلَحاً (رُطَباً) قال: اتركها حتى تصبح تمراً. فلما أصبحت تمراً اخْتَرَطَها عرقوب في الليل، وترك الدَّيَّان. أعوذ بالله أن أكون مثل عرقوب. كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً وما مواعيده إلا الأباطيلُ لكنَّ مواعيدنا مواعيد محمد صلى الله عليه وسلم: {يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة:119]. فإن قُصِّرَ في شيء فالإنسان مصدر نقص؛ لكن الوقت لا يمكن أن يُزاد فيه. قد يضيق العمر إلا ساعةً وتضيق الأرض إلا موضعا فنسأل الله إذا قَصُرَ هنا اللقاء أو ضاق بنا الوقت أن يجمعنا في وقت طويل: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55] يوم يتقبل الله منا ما عملنا، ويتجاوز عن سيئاتنا: {فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً.

سفينة النجاة

سفينة النجاة النبي صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة لنا، ومن رحمته بنا أنه ترك لنا كنزاً من الوصايا، ومن أهم الوصايا التقوى، وهي رأس كل حسنة وقربة، وفي هذا الدرس تحدث الشيخ حول عدد من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم وأولها التقوى، وفيها من القصص والعبر ما يشفي الفؤاد.

مع قائد السفينة

مع قائد السفينة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة الفضلاء: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حال الناس قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم

حال الناس قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم عنوان هذا الدرس: سفينة النجاة، في الرابع من شهر ذي القعدة لعام (1412هـ) هذه السفينة -سفينة النجاة- سارت منذ أربعة عشر قرناً في بحر الحياة، وربانها معصوم لا ينطق عن الهوى ولا يضل عليه الصلاة والسلام، وقد قاربت على وصول الشاطئ {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود:41] سفينة ركب فيها الصالحون فنجوا، وتخلف عنها الهالكون فهلكوا {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود:44]. فيا أرض الشهوات! ابلعي ماءك، ويا سماء الظلمات أقلعي، فقد قطع دابر الكفر والخراب في العالم بوصول هذه السفينة، وقد انطلق الهوى مع الإنسان: {حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} [الكهف:71] فأخبره أن السفينة لمساكين يعملون في بحر الشهوات، حتى جاء رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فأخرجهم من الظلمات إلى النور؛ لأن مهمته أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، ومهمة الهوى والشيطان إخراج الناس من النور إلى الظلمات {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:39].

مدح قائد سفينة النجاة

مدح قائد سفينة النجاة قبل أن أبدأ في شرح سفينة النجاة، نظمت قصيدة، وهي من آخر القصائد لحبيب قلبي عليه الصلاة والسلام، ولأعظم إنسان أتشرف به وتتشرفون به، ولأعظم رجل جمعنا من أجل مبادئه في هذا المكان، وللمعصوم عليه الصلاة والسلام الذي أرسل بالضياء وبالنور، والذي أسجدنا لله وعبدنا لربنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، عنوان القصيدة: تاريخنا أنت، قلت فيها: من أجل عينيك يروى الشعر والزجل ناديت فيك رجال الصيد يا رجل عساك ترضى وكل الناس غاضبة فدتك هامات من شيكت له الحلل عيب لغيرك أبياتي أرصعها وخيبة إن سرت في غيرك السبل وبسمة منك تكفيني وواطربي فما أبالي أجاد الناس أم بخلوا نشيدة أنا في كف الهوى نسجت من لحن داود في الأحشاء تشتعل دم ودمع وأحلام مسهدة وأنهر من هيام في الهوى عسل ذقت الصبابة في كأس الهوى عجلاً للعاشقين فصاحت مقلتي بجل طرحت في عتبات الغار ملحمتي والغار يعرف من حلوه وارتحلوا غار الهدى وعيون الدهر رانية تغازل الفجر طاب الحب والغزل غار وفي مقلتيه كل أمنية أملودة تتهادى عندها الأسل فالليل فجر وآيات الهدى حلل والمشرفية عند الغار ترتجل واللوح يروي أحاديثاً مرتلة والبيد تسجع في أسماعها الحجل نعم أنا الغار في أرجائه ولدت عقيدتي وشبابي فيه مكتمل فيه اليتيم أبو الأيتام مرتجف والوحي يهتف والأملاك ترتجل اقرأ ولو كنت أمياً فمحبرة في راحتيك مداد النور ينهمل اقرأ ودفترك الدنيا وما حملت واكتب على هامة الصحرا: أنا الأمل اقرأ وأوراقك الأجيال قاطبة أوراق غيرك يمحوها إذا غسلوا اقرأ وأصحابك الأقلام خط بهم وثيقة النصر يروي متنها الأزل هرقت في الغار كأس النوم فاغتسلت بك الدياجي وقام الليل يرتجل وصغت صوت الهدى يسري فراعده يزلزل البغي والأصنام تقتتل والمشرفيات في غار المنى صقلت بكف خالد لم يفلل لها نفل أسقيتها من سلاف النور وانتضيت باسم الهدى وعليها الموت منسدل جردتها في هوى بدر يلاعبها عشاقها من كرام فيه قد قتلوا تراقصت أنفس الكفار من جزع يوم الكريهة والطغيان مبتذل أعداؤك الفدم شادوا الأرض من ذهب وفي صحاف من الإبريز قد أكلوا متّ ودرعك مرهون على شظف من الشعير وأبقى رهنك الأجل لأن فيك حديث اليتم أعذبه حتى دعيت أبا الأيتام يا بطل تاريخنا أنت لا نرضى به بدلاً لو أن تاريخ أمجاد الورى بدل ومنك صحوتنا الكبرى متوجة بصوتك العذب يحدى السادة النبل صلت عليك دموع الحب في لهف وعانقتك شفاه الروح والقبل وباكرتك تحيات معطرة في نفحة من عليل المسك تحتفل كأن زاكيها أنفاسك ائتلفت في الطيب من طيبك المأهول يتصل تغدو إلى طيبة الآمال سافرة يغني عن الكحل في أجفانها الكحل إلى رياضك في قبر ثويت به فيه الهداية والتاريخ والدول بكر القوافي أساحت دمعها خجلاً تشكو إلى الله هذا الجيل ما فعلوا جيل أماتوا أمانيهم فما نظرت إلى رحاب العلا الأجفان والمقل عدوهم سير الأضواء في فلك له عطارد والمريخ أو زحل بساطه الريح والأمواج تحمله فسل أبوللّو حصان تلك أم جمل ونحن من نحن إلا أنت ما فعلت يا أحمدي أمة أودى بها الخلل

التقوى سفينة النجاة

التقوى سفينة النجاة انتهت القصيدة، وأبدأ في الدرس، سفينة النجاة، إنها شرح لحديثه عليه الصلاة والسلام وهو يوصي صاحبين من أصحابه، يوصي أبا ذر ويوصي معاذ بن جبل فيما رواه الترمذي وأحمد والدارمي والحاكم والطبراني في الكبير والصغير وأبو نعيم في الحلية، والحديث حسن، ومن أهل العلم من صححه. عن أبي ذر وعن معاذ بن جبل رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} مرة روي الحديث عن أبي ذر ومرة عن معاذ، وهذا الحديث أصل من أصول الدين وقاعدة كبرى من قواعد الملة، وفيه ثلاث ركائز: تقوى الله، والدواء هو: أتبع السيئة الحسنة تمحها، ولما انتهى من حق الله على الإنسان ثلث بحق الناس على الإنسان فقال: وخالق الناس بخلق حسن.

من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم

من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة بوصايا متنوعة، فأوصى واحداً منهم -كما في الصحيح- فقال: {لا تغضب} لأن الغضب داءٌ، فأوصاه صلى الله عليه وسلم بما يناسب شخصه. قال بعض أهل العلم من المحدثين: إنما اختلفت وصاياه عليه الصلاة والسلام لاختلاف الناس وأحوالهم. وأوصى صلى الله عليه وسلم رجلاً في حديث رواه عبد الله بن بسر عند الترمذي - قال: {لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله}. وفي حديث صحيح آخر: {أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام} وراويه ابن سلام، وأوصى صلى الله عليه وسلم أبا أمامة فقال: {عليك بالصيام فإنه لا عدل له} رواه أحمد. وأوصى معاذاً لما سأله عن شيء يقربه من الجنة ويباعده عن النار فقال: {تعبد الله لا تشرك به شيئاً} رواه الترمذي. ووصاياه عليه الصلاة والسلام كثيرة، مرة في المعتقد فقال لـ أبي ذر: {لا تشرك بالله ولو سحقت وحرقت} وتارة في العبادة فقال لـ معاذ كما في أبي داود: {} ومرة في الدعاء كما قال لـ أبي بكر {أبا بكر! قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم}. ومرة في الخلق كما مر معنا في حديث أبي هريرة في نهيه صلى الله عليه وسلم عن الغضب، ومرة في التفكير في آيات الله عز وجل يوم قال لـ أبي جري الهجيمي: {أنا رسول لمن إذا أصابتك سنة فدعوته كشف الله عنك هذا القحط} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

وصية القرآن بالتقوى

وصية القرآن بالتقوى الوصاية بتقوى الله وهي وصية الله للأولين والآخرين، ولما سأل أبو القاسم المغربي ابن تيمية أتى بهذه الوصية، وهي في المجلد العاشر كما شرحت من قبل في وصية ابن تيمية، قال سبحانه: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]. فهي وصيته سبحانه: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:1] ولا يأنف أحد من أن يقال له: اتق الله. قال بعض الفطناء: إذا رأيت الرجل يأنف من قول الناس له: اتق الله، فاعلم أنه قد باع نصيبه من الله. وقال رجل لـ عمر: [[اتق الله يا أمير المؤمنين! فقال: لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فيَّ إذا لم أسمعها]]. وتقوى الله عز وجل نص عليها في الكتاب والسنة بأحاديث وبآيات سوف أشرح بعضها وأستعفيكم من كثير منها؛ لأن المجال لا يتسع والوقت أضيق من ذلك. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإثْمِ} [البقرة:206] قالوا: من يكابر إذا نصح فهو من جنس من تأخذه العزة بالإثم أعاذنا الله وإياكم من ذلك!

تعريف التقوى

تعريف التقوى اختلف أهل العلم في تعريف التقوى على أقوال كثيرة: فمنهم من نظر إلى أصلها في الكتاب والسنة، ومنهم من نظر إلى مردودها، ومنهم من عرفها بمنطق أهل السلوك وأعمال القلوب، ومن التعريفات ما قاله ابن تيمية إذ يقول: هي فعل المأمور واجتناب المحذور. وهذا كلام جيد جميل، وهو كلام علمي شرعي سني، هي فعل المأمور واجتناب المحذور، ولو قال شيخ الإسلام: وتصديق الخبر لتم التعريف. ولكن هذا يدخل -إن شاء الله- في تعريفه. وقال أهل السنة وهو تعريف مشهور لهم: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، وهي أن تعمل بما أمر الله وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام وأن تنتهي عما نهى الله ونهى رسوله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن مسعود وقد رفع هذا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يصح مرفوعاً بل هو من كلام ابن مسعود قال: [[تقوى الله: أن يذكر فلا ينسى، وأن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر]]. سبحان الله! وأي درر هذه؟! أي جواهر؟! من علم هؤلاء الأعراب الذين كانوا قبل الوحي يرعون الغنم في غدير الخضمات وفي حرقات جهينة؟ وقال علي فيما نسب إليه: [[التقوى العمل بالتنزيل -وهو الوحي من الكتاب والسنة- والرضا بالقليل، والخوف من الجليل، والاستعداد ليوم الرحيل]] وهذا الكلام يحتاج إلى محاضرة مستقلة، هذه التقوى فهي ببساطة وهي أن تعمل بالكتاب والسنة أمراً وتنتهي عنها نهياً وأن تصدق خبرها، فإذا فعلت ذلك فقد نجوت من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة، ونجوت من الخزي والشقاء. أما كلام السلف في التقوى فقد امتثل معاذ رضي الله عنه ذلك، وقد شرحه هو كما قال ابن رجب فقال: [[التقوى: هي أن تتجنب الشرك، وأن تطيع الله، وأن تخلص العبادة]]. وقال الحسن البصري في التقوى: [[هي أن تؤدي ما لله عليك وما للناس عليك من حقوق، وأن تجتنب ما نهى الله عنه]] أو كما قال. وذكرها عمر بن عبد العزيز قال: [[أما إنها ليست بقيام آخر الليل ولا بصيام الهواجر والتخليط بين ذلك -أي بالسيئات- ولكنها الانكفاف عن المعاصي]]. وقال طلق بن حبيب -وهذا اعترف بتعريفه شيخ الإسلام - قال: [[هي العمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله]]. وقد ذكر أبو الدرداء لها تعريفاً آخر وهي: [[أن تكون مراعياً ما لله عليك من حقوق]]. وكل هذه التعريفات تتداخل. وسئل أبو هريرة عن التقوى فقال للسائل: [[أمررت بواد فيه شوك؟ قال: نعم. قال: ماذا فعلت؟ قال: تحفزت وانتبهت. قال: فهذه التقوى]]. خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واصنع كماشٍ فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى

وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالتقوى

وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالتقوى أما وصيته عليه الصلاة والسلام بالتقوى فإنه أوصى بها في أكثر من ثلاثين حديثاً، فقال لـ أبي ذر: {أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله} رواه ابن حبان في صحيحه، وقال عند أحمد في المسند بسند صحيح عن أبي سعيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: {أوصيك بتقوى الله فإنها رأس كل شيء، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام}. وقد امتثل معاذ هذه الوصية منه عليه الصلاة والسلام، فقد ذهب إلى اليمن فلم يأخذ من مال المسلمين لا قليلاً ولا كثيراً، فلما عاد إلى المدينة قالت له زوجته: أما أخذت مالاً نفعتنا به. قال: إن عليَّ ضاغطاً. قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم، يقصد المراقبة والمحاسبة. كأن رقيباً منك يرعى مسامعي وآخر يرعى مسمعي وجناني ورأيت في ترجمة رجل من بني إسرائيل أنه اختفى في غابة، فأراد أن يفعل معصية، فقال: لا يراني أحد ولا يعلم بي أحد، فسمع هاتفاً يقول: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]. وأوصى بعض الصالحين ابنه قال: أريد سفراً. فقال له: اتق الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين، فهو لا تخفى عليه خافية، سبحان الله العلي العظيم! هذا محمد صلى الله عليه وسلم في بيته الطيني في المدينة تدخل عليه خولة بنت ثعلبة، فتشكو إليه زوجها والله فوق سبع سماوات يخبره بشكواها، ولم تسمع عائشة مع أنها كانت قريبة منهم؛ فيقول الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:1] فهذا هو اللطيف الخبير القريب الذي يرى ويسمع ويبصر. أحد العباد اسمه حبيب أبو محمد: كان يبيع ويشتري فكان يبيع الدرهم بالدرهمين -وهذا ربا لكنه ناسك جاهل- فمر بالصبيان فقالوا: أنت حبيب المرابي؟! قال: سبحانك يا رب! فضحتنا أمام الناس! قال: فتاب إلى الله عز وجل من الربا، وسأل أهل العلم ثم تصدق بأمواله، فعاد إلى الصبيان فقالوا: مرحباً بك يا عابد يا أبا محمد. قال: سبحانك! أنت الذي تمدح وأنت الذي تذم! وهذا كلام جيد ويوصف به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإن مدحه زين وذمه شين. أتى بنو تميم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الظهر، وطرقوا بابه قالوا: اخرج إلينا يا أبا القاسم؛ فإن مدحنا زين وذمنا شين. يقولون: نحن إذا مدحنا مدحنا واحذر ذمنا، وحاول أن تكسب مدحنا، قال عليه الصلاة والسلام: {ذلكم هو الله} الذي مدحه زين هو الله، والذي ذمه شين هو الله، فقال الله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4] وإلا فالمادح حقيقة هو الله، فإذا أثنى الله على العبد بواسطة قلوب العباد فالعبد ممدوح وإذا ذم العبد بواسطة قلوب العباد فالعبد مذموم مسبوب؛ ولذلك يقال في بعضهم آلاف القصائد وهو مذموم عند الله، ويهجى بعضهم بآلاف القصائد وهو ممدوح عند الله، فالحب من عنده والبغض من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يأتي الحب والبغض من السماء، ولا يأتيان من الأرض.

مكفرات الذنوب

مكفرات الذنوب وقوله صلى الله عليه وسلم: {وأتبع السيئة الحسنة تمحها} معنى ذلك: أنك إذا قدحت في مسمى التقوى الذي أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم فإن عليك بالعلاج. قال علي فيما ذكره الغزالي في الإحياء: عجباً لكم! عندكم الداء والدواء. قالوا: ما هو الدواء والداء؟ قال: الداء الذنوب والدواء الاستغفار، ونحن عندنا دواء لكننا ما استخدمناه، صرف من صيدلية محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يتعالج به إلا الربانيون الذين كلما عثروا ومرضوا عرضوا أنفسهم على محمد صلى الله عليه وسلم فعالجهم. إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس

الاستغفار والتوبة

الاستغفار والتوبة فعلاجه صلى الله عليه وسلم، قوله: {وأتبع السيئة الحسنة تمحها} دل على ذلك القرآن الكريم؛ قال المولى سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] انظر إلى الخطاب، لم يقل: تعالوا أو هلموا بل قال: سارعوا! يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه سئل: كيف تكون الجنة عرضها السماوات والأرض؟ أين السماوات والأرض والجنة عرضها السماوات والأرض؟ فقال: أين الليل إذا أتى النهار؟ وهذا قياس صحيح أصلي مطرد، أين الليل إذا أتى النهار؟ قال: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:133 - 134] فمن يكظم ويعفو ويحسن يدخل الجنة، لكن انظر ما قال بعد ذلك: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136] سبحان الله! يدخلون جنة عرضها السماوات والأرض وهم يرتكبون الفواحش، هذا يجعل الإنسان بلحمه ودمه يفرح ويضحك؛ لأنه يفعل الفاحشة ولكنه يدخل الجنة!! وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أذنب عبد ذنباً فقال: يا رب! أذنبت ذنباً فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فغفر الله له، ثم أذنب ذنباً فقال: يا رب اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فغفر له، فأذنب ذنباً فقال: يا رب! اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنب إلا أنت، قال الله: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا، فليفعل عبدي ما شاء}. هذا في الصحيحين بهذا اللفظ، والمعنى عند أهل العلم حتى لا يفهم فهماً خاطئاً معناه كما قال النووي: إن عبدي ما دام أنه كلما أذنب تاب واستغفر فإنه سوف ينجو، أو أنها حادثة عين لسر رآه الله عز وجل في ذلك العبد، وليس المعنى: أن العبد مهما كان يذنب الذنوب فإن الله سوف يغفر له هذا لا يكون، ومن فعل ذلك أو ظن ذلك أو اعتقد ذلك فقد تمنى على الله الأماني، والله يقول: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123]. سهر ابن عباس ليلة كاملة يقرأ من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر في الحرم ويردد قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123]. قال عطاء: والله لقد رأيت إلى جفنيه كشراك النعلين الباليين من البكاء، لأنه يفهم القرآن. ورأيت في سيرة أبي بكر {أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ عليه الآية والصحابة جلوس، فتلا قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123] فتماط أبو بكر حتى سمع لظهره أطيط، قال: ما لك يا أبا بكر غفر الله لك؟ قال: يا رسول الله! كيف العمل بعد هذه الآية؟ أي كيف النجاة؟ قال: غفر الله لك يا أبا بكر! ألست تمرض؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: فوالذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن من هم ولا وصب ولا غم ولا حزن ولا مرض حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله له بها من سيئاته}.

فضل الاستغفار

فضل الاستغفار وفي الترمذي -والسند ليس بقوي-: {ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة} ومعناه صحيح لكن سنده ليس بقوي؛ فإن العبد لو ارتكب ذنباً في يوم ثم استغفر وتاب على ألا يعود غفر الله له، ثم إن عاد فكتب عليه الذنب، ثم استغفر وتاب يغفر الله له، ثم إن عاد ثم استغفر وتاب وجزم غفر الله له وهكذا. وليس المعنى أن يضحك على الله كما يضحك على الصبيان، ويلعب على الله كما يلعب على الولدان، فإن بعضهم يقول: أذنب ثم أتوب، فإذا غفر لي أذنبت ثم تبت ثم يغفر لي وهكذا، وهذا من ذكاء بعض الجهلة. يروى في بعض المناطق أن بعض الجهلة في رمضان، كانوا صياماً، ومن جهلهم على الله عز وجل، وقلة فقههم في الدين أن نزل منهم اثنان في غدير، واشتد عليهم الحر في الظهيرة وهم صيام في رمضان، فنزل أحدهم وأدخل رأسه ثم أدخل جسمه، ثم لما نزل في أسفل الغدير شرب، وخرج وقال لزميله: الله لا يعرف حيل الرجال! وروى الطبراني وفي سنده ضعف، عن عائشة قالت: قال حبيب بن الحارث يا رسول الله! إني رجل مقراف للذنوب -أي: من طبيعتي أن أقترف الذنوب- وهذا تجده في الإنسان، والله هو الذي خلق الأنفس سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لأنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [النجم:32] فهو أعلم بنا سبحانه. قال: {يا رسول الله! إني رجل مقراف للذنوب. قال: تب إلى الله. قال: فأعود. قال: تب إلى الله. قال: فأعود. قال: تب إلى الله. قال: إلى متى يا رسول الله؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المحسور}. وأما حديث: {التائب من الذنب كمن لا ذنب له} فقد رواه ابن ماجة وحسنه حافظ الدنيا ابن حجر بشواهده، وشرح هذا الحديث ابن تيمية في مختصر الفتاوى وأيده وقبل الكلام، وكأنه -والله أعلم- يتحمس لمعناه، ومعناه صحيح، فإنه من تاب من الذنب فهو كمن لا ذنب له.

لا يعير المسلم بذنب تاب منه

لا يعير المسلم بذنب تاب منه قال بعض العلماء: من العار أن تعير من كان في العار ثم تاب إلى الواحد القهار، ولذلك من الخزي والعار على الإنسان أن يعير أناساً بذنوب كانت في الجاهلية، كرجل كان يشرب الخمر وكان مشهوراً بذلك، ثم تاب وأناب وأصبح في الصف الأول في الروضة، وأصبح تالياً لكتاب الله وداعياً إلى الله، فإذا أمر أحداً قال: اسكت أنت كنت تشرب الخمر. سبحان الله! عمر بن الخطاب كان يعبد الصنم وهو أفضل من مسلمي الكرة الأرضية في هذا الوقت كلهم من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط ومنهم من قتل مائة نفس وتاب الله عليه، ومنهم من غش وخان وغدر وتاب الله عليه، وسوف يأتي كلام في ذلك. ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {المؤمن واه راقع، فسعيد من هلك على رقعة} رواه الطبراني في الكبير وفيه ضعف لأن في سنده سعيد بن خالد الخزاعي وهو ضعيف. معنى: واه أي: يخرق دينه كالقربة، فتجد فيه ثلوماً مما لا يخلو منها أحد، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: لا يخلو المرء من الجروح، لكن الله الله لا تكن الجروح في الوجه. وإلا فإن هناك معركة بين صف الشيطان، وصف الإيمان، فدائماً هناك مقاتلة حتى يأتي الموت وقد قاتلت، فاحذر أن يأتي الجرح في الوجه، أما في الجسم فلا يخلو الجرح منه، وبعض الجروح تعالج بالمرهم، وبعض الجروح لا تعالج إلا بالبتر، فاللبيب إذا شكا من جسمه مرضين داوى الأخطر، وقال: راقع: أي أنه يرقع بالاستغفار، وبالعمل الصالح والمكفرات، قال: من مات على رقعة أي: من مات وهو راقع والحمد لله فهذا السعيد، أما من مات على وهيه وعلى خرقه فهذا في خطر. وقال عليه الصلاة والسلام فيما ذكره أهل العلم عنه: {ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون} رواه أحمد في المسند والبخاري في الأدب المفرد والخطيب في تاريخ بغداد، وسنده يقارب الحسن. أما قول: {واغفروا يغفر لكم} وهو الشاهد أنه سامحوا الناس يسامح الله لكم والجزاء من جنس العمل. وأما أقماع القول: فهم الذين يستمعون القول فكانوا كالأقماع، أو أنهم لا يستمعون ولا يدخل الكلام قلوبهم ولا يتعظون به؛ لأن المؤمنين إذا استمعوا القول اتبعوا أحسنه. وقال ابن عباس ولا يصح مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: [[لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار]] والمعنى: أن صاحب الكبيرة كلما استغفر وأناب وتاب غفر الله له، وأن صاحب الصغيرة إذا أصر عليها وداوم عليها واستمر أصبحت كالكبائر تهلك صاحبها. وورد في السنن أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف صاحب الصغائر: بقوم ذهبوا في الخلاء فجمعوا حطباً صغيراً؛ جمع هذا عوداً وهذا عوداً ثم أججوا ناراً عظيمة. فالصغار تجتمع على العبد حتى تهلكه والعياذ بالله!

الفرق بين الاستغفار والتوبة

الفرق بين الاستغفار والتوبة فرق شيخ الإسلام ابن تيمية بين الاستغفار والتوبة فجعل المكفرات عشراً: الأولى: الاستغفار والثانية: التوبة، وبعض الناس يجعل الاستغفار هو التوبة، وأنا أقول كلمة: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فإذا جمعت الاستغفار مع التوبة افترقا، يعني: أن الاستغفار شيء والتوبة شيء آخر، وإذا ذكر الاستغفار وحده في القرآن فيدخل فيه التوبة، وإذا ذكرت التوبة وحدها في القرآن فيدخل فيها الاستغفار، فلينتبه لذلك، واعلموا -رحمكم الله- أن ابن تيمية أفاد بفائدة وددت لو تحفظونها: أنه قد ينفع العبد الاستغفار بلا توبة، وهذا سر بيني وبينكم لا تخبروا به أحداً! لأنه لو أخبرتم به أحد لتهالك الناس في الذنوب بحجة أنه يغفر لهم بالاستغفار، لكن ابن تيمية أفاد أنه قد ينفع الاستغفار بلا توبة، أي أن الذي يستمر في المعصية ويقول: أستغفر الله، أستغفر الله قد ينفعه ذلك. وفي عيون الأخبار لـ ابن قتيبة: أن رجلاً حل مع بدو أعراب في الكوفة فقالوا له: لا تسكن معنا إلا بالاستغفار فإنه لا ينزل القُطار إلا بالاستغفار (والقُطار: الماء) وهذا صحيح ومصداقه قوله تعالى في سورة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} [نوح:10 - 11]. قحطت مزرعة أنس في البصرة واشتد ظمؤها، وذبل ورقها، فجلس بجانب المزرعة وهو يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله قالوا: تستغفر وقد ماتت المزرعة؟! قم صل، قال: الاستغفار معه القطار (المطر) قالوا: فما انتهى إلا وغمامة روت مزرعته حتى أمرعت، وهذا صحيح فالاستغفار ينفع.

فوائد الاستغفار

فوائد الاستغفار والاستغفار فيه فوائد منها: أن المستغفر لا يهلك، قال جعفر الصادق وهو إمام وقد وأخطأ الذي قال: إنه رأس الماسونية في العالم، بل هو إمام معتبر مزكى سماه أهل العلم الصادق، وقد قال هذا كاتب إسلامي غفر الله له ولا أذكر اسمه؛ يقول جعفر الصادق: لو نزلت صاعقة من السماء لأصابت الناس جميعاً إلا المستغفر: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33]. قال أهل العلم: ومن أراد المتاع الحسن فعليه بالاستغفار؛ قال تعالى: {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:3] هذا من الاستغفار، والاستغفار ليس كما يراه بعض الناس أن يستغفر الله باللسان ويفعل باليد الفواحش؛ كمن يسرق من السوق، ويسحب الغرض وهو يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وكمن يشرب الخمر والكأس بيده ويقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. فهذا كذاب، واستغفاره يحتاج إلى استغفار. رأى علي بن أبي طالب رجلاً يستغفر الله وقلبه في واد آخر فقال: [[استغفارك هذا يحتاج إلى استغفار]] وقال أحد الصالحين: أستغفر الله من قولي أستغفر الله، وعلى كل حال لابد من التقوى. ومن الاستغفار أن تستحضر في قلبك أنك تقول: أستغفر الله، قال بعض أهل العلم: وقد تكون أستغفر الله غيبة، فقد دخل أحد الناس الواشين النمامين على أحد السلاطين فقال السلطان لهذا الواشي: ما رأيك بفلان؟ قال: أستغفر الله؛ قصده النكاية بذاك، فهي غيبة، وعليه وزرها، وما قصده أستغفر الله من الذنوب بل قصده أن يقول: انتبه له. وقد يكون الدعاء غيبة، فيكون سيئة، كقولهم إذا ذكر أحد الناس: هدانا الله وإياه؛ فإنك اغتبته، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام في فتاويه، ولكم أن تراجعوا ذلك. ثم التوبة وأمرها آخر وسوف يأتي في ذلك تفصيل قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء:17] قال أبو العالية وهو من أئمة أهل السنة: من عصى الله فهو جاهل. ولذلك يغفر لمن عصى الله ثم تاب وأناب.

مسائل في التوبة

مسائل في التوبة

شروط التوبة

شروط التوبة أولاً: شروطها، وهي ثلاثة شروط: الأول: العزم؛ أن تعزم من هذا المكان وهذا الوقت على ألا تعود إلى ما أخطأت. الثاني: الندم على ما فات؛ دائماً تتقلب وتتأوه؛ فإن وله النادمين وتأويه الباكين أحب إلى الله عز وجل من عمل العابدين العاملين، وقال عمر: [[اقتربوا من أفواه التائبين فإنهم يلقنون الحكمة]]. وقد مر في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: {قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من الذي يتألى عليَّ؟ أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهذا وأحبطت عمل هذا فليستأنف العمل} فذاك اغتر بعمله وفخر، وذاك انكسر فغفر الله له. وروي عن عيسى عليه السلام: أنه ذهب إلى بيت المقدس، ومعه رجل من العصاة وهو من أهل الخمر والسرقة، فأراد عيسى عليه السلام أن يدخل بيت المقدس فقال السارق وشارب الخمر: مثلي لا يدخل بيت المقدس لأني أدنسه؛ فأوحى الله إلى عيسى: يا عيسى! أخبره وبشره أني قد غفرت له ما تقدم من ذنبه. ما دام انكسر وأقر واعترف. وقفنا على الباب يا ذا الفلك وجئنا ببابك والملك لك ذرفنا الدموع فسارت شموعاً وقلبي من الحب سبح لك لا يفتح لك باب إلا بابه، وليس لك حبل أقوى إلا حبله، وما معك طريق إلا طريقه. يقول زين العابدين علي بن الحسين بن علي: قمت في آخر الليل أطوف بالبيت؛ فإذا بشاب متعلق بستار الكعبة يقول: يا رب! من يقبلني إذا رددتني؟ قال: فجلس يبكي عند المقام حتى خر مغشياً، فأتيت إليه فإذا هو قد مات. هذا موجود في التاريخ والتراجم، وقالوا لـ علي بن الحسين وهو مثال لشباب الإسلام- قالوا له: قل لبيك اللهم لبيك. وهو حاج على الناقة قال: أخشى أن ألبي وفي نفقتي شيء، فيقال: لا لبيك ولا سعديك. قالوا: لبِّ؛ فلبى فغشي عليه وسقط كما قال ابن كثير، وكما يقول فيه الفرزدق: هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم في كفه خيزران ريحها عبق من كف أروع في عرنينه شمم يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم ومنها -أي من شروط التوبة- رد المظالم إلى العباد: فترد مظالم العباد التي أخذتها: الأموال، الأراضي، السيارات، الممتلكات، أما أن تأخذ أموال الناس وتسرقها، وتحلف على ديون الناس وتقول: تبت إليك يا رب! فليست بتوبة؟! حقوق الناس مبنية على المشاحة وحقوقه تعالى مبنية على المسامحة، أنت إذا أذنبت على الله من الأرض إلى السماء، ثم تبت إليه غفر لك، وإذا أذنبت مع العبد، فأخذت من حقه، بقي معك حتى يلحقك يوم القيامة. قال: {رحمة الله واسعة. قالوا: إذاً نكثر. قال: الله أكثر}. هذا الشافعي حضرته سكرات الموت، فلما ضاقت به الضوائق -وكان شاعراً لبيباً- رفع الوسادة وتلفت إلى السماء وقال: ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا منى لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي صار عفوك أعظما فلا أعظم من عفوه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

فضل التائبين

فضل التائبين قال ابن تيمية: أعظم المنازل منزلة التائبين. وتعجبت لهذه لأن ابن القيم نقلها في مدارج السالكين حتى عدت إلى تفسير قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار} [التوبة:117] الله أكبر! أفنوا أجسامهم ودماءهم وأوقاتهم ونفوسهم ودموعهم في المعركة، وهم في غزوة العسرة، وفي الشمس والجوع والظمأ، ثم ينزل الله عليهم من السماء ويقول: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ} [التوبة:117] كأنه يقول: أبشروا تبت عليكم. أنت الآن إذا جاهدت وسارت مهجتك وقتلت ثم نزل من السماء تاب الله عليك تقول: بعد هذا الجهد يتوب الله علي؟! نعم تاب الله عليك. قال ابن تيمية: وختم الله حياة الرسول عليه الصلاة والسلام بـ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} [النصر:1 - 2]. فهل قال له: استبشر بالمنزلة العالية هل قال له: ادخل الجنة؟ هل قال له: قصرك في الجنة كالربابة؟ بل قال: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:3] أي نعلم أن جهدك كبير لكن استغفر، أنت بذلت وأعطيت لكن استغفر، أنت منحت وقدمت وضحيت وفديت وتعبت وسهرت لكن استغفر؛ لأن هناك تقصيراً. قال ابن تيمية: وختم الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة بالاستغفار. نصلي ونتعب وبعد أن نسلم نقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. وختم الله الحج بالاستغفار؛ قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199] إذا أفضتم فاستغفروا. هذه أسرار في دين محمد صلى الله عليه وسلم يفهمها أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

فرح الله تعالى بالتائب

فرح الله تعالى بالتائب أما فرح الله بالتائب فيكفي فيه الحديث الذي في الصحيحين {لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم كان في فلاة، ضاعت منه ناقته وعليها طعامه وشرابه} انظر الوصف الدقيق! والرسول صلى الله عليه وسلم تربوي يعلم الناس بأمثال، ولذلك يقول أهل التربية ممن ألف في فن الخطابة: إذا أردت أن تلقن الناس معاني فشخصها بالصور. الآن لا ينسى الناس وهم يسمعون الرسول صلى الله عليه وسلم: {لله أفرح بتوبة عبده} لو قال صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة عبده وسكت، لكن قال: كرجل (تصور الرجل أمامهم) في صحراء (الصحراء في الصورة) معه ناقته (الناقة في الصورة والشكل) عليها طعامه وشرابه (ضاعت) ثم وجدها بعد الإعياء؛ لكن في الرواية الأخرى: {ضاعت منه فبحث عنها والتمسها، فلم يجدها، فنام جائعاً ظامئاً، فلما قام وجدها عند رأسه قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح} والذي يظهر أنها حادثة عين وقعت، ومع شدة فرح هذا، فالله أشد فرحاً منه بتوبة العبد إذا عاد إليه، الله لا يريد أن يعذب العباد، ومن ظن أن الله يريد أن يعذب العباد فقد أساء الظن بربه، بل إن الله رحيم يفرح بتوبة العبد، فإذا أردت أن تفرح الله -وله فرح يليق بجلاله- فتب إليه وعد، حتى قالوا: الله أفرح بتوبة العبد من شفاء الولد عند الوالد، ومن وجدان الضائعة عند الواجد، ومن حصول الماء عند الوارد.

التوبة من الصغائر والكبائر وفضول المباحات

التوبة من الصغائر والكبائر وفضول المباحات تجب التوبة من الصغائر والكبائر من الذنوب والخطايا، بل قال بعض أهل العلم: يتاب من الكبائر والصغائر وفضول المباحات. ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة} كما روي في صحيح مسلم؟ قال بعضهم: الغين: غشاء يقع على القلب؛ ليس من الذنوب، ولكن من كثرة مخالطة الناس، فلصفائه صلى الله عليه وسلم وتقواه ظهر الغين عليه، أما نحن فغانت ورانت، وطبعت وأصبحت كالجبال؛ لأن الثوب الأبيض تظهر فيه النقاط، أما الثوب الأسود فلو طليته بالقار لما ظهر عليه شيء. يا بن الذين سما كسرى لجمعهم فجللوا وجهه قاراً بذي قار والمستجير بـ عمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار قيل لـ ابن الجوزي: الأحسن عندنا الاستغفار أم التسبيح؟ قال: الثوب الوسخ لابد له من الغسل قبل الطيب. فالتسبيح مثل الطيب وأما الغسل فهو الاستغفار، فنحن نحتاج إلى غسل واستغفار ولا بأس أن نسبح. ويتاب من التقصير؛ فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يرفع رسوله صلى الله عليه وسلم دائماً منزلة بعد منزلة، فكانوا يقولون: إنه كان دائماً يستغفر من المنزلة السابقة التي كان فيها عليه الصلاة والسلام. وهناك نكتة ذكرها صاحب الوابل الصيب: في مسألة من دخل الخلاء ثم خرج وقال: غفرانك! وفي الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {غفرانك!}. فما هو السر؟ A لأهل العلم رأيان: الرأي الأول: غفرانك بسبب التقصير في تركنا التسبيح في أثناء قضاء الحاجة، انظر إلى أولياء الله حتى في أثناء قضاء الحاجة لما سكتوا استغفروا لأنهم قصروا! والرأي الثاني: قيل: غفرانك لأننا ما أدينا شكر النعمة، أطعمتنا وأخرجت الطعام ولو بقي الطعام لقتلنا. قصص التائبين كثيرة ولا أعيدها فقد تكررت في دروس ومحاضرات، ومنها: من قتل مائة نفس فغفر الله له، وكثير من الشباب يعرضون رسائلهم حول موضوع التوبة، ومنهم من يقول: أنا ليس لي توبة، أنا ما تركت خطأً إلا ارتكبته، وتأتي رسائل محترقة ملتهبة، فنقول: أأنت أكثر جرماً ممن قتل مائة نفس معصومة وتاب الله عليه؟ ولو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم تبت إلى الله غفر الله لك، ومن أحرق نفسه غفر الله له لأنه خاف لقاء الله عز وجل. وهنا كثير من الناس يسأل عن الذي يتوب ثم يعود، وقد تعرضت لها فيما سبق قبل كلمات، فأنا أرى أنه يتوب دائماً فسوف يكفر عنه الذنب إذا صدق، فإذا عاد من جديد فقد طويت الصفحة الماضية، وافتتح سجل جديد، فكأن الذي انصرم قد فات، وأمامه ذنب جديد، فيتوب منه.

مخاطر في طريق التائبين

مخاطر في طريق التائبين من الخطورات التي تواجه التائبين والعابدين والعائدين إلى الله: الأولى: تعاظم الذنب؛ فإن بعضهم يحبط نفسه ويصاب بإحباط، ويظن أن الله لا يغفر له أبداً، فيترك التوبة، حتى إن بعضهم ترك العودة إلى الله والعودة والإنابة والتوبة بسبب أنه قال: لا يمكن أن يغفر الله لي، وقد ظن بالله ظن السوء؛ فالله يغفر سبحانه، وهذا إحباط من الشيطان. الثاني: التسويف؛ فإن بعضهم يسوف فإذا قلت له: تب، قال: سوف أتوب وسوف أفعل إذا تخرجت، إذا كمل شبابي، إذا حصنت نفسي بزواج وإذا وإذا فتأتيه سكرات الموت، ويقبضه ملك الموت، فيعود إلى الله خاسراً نادماً. الثالث: تزيين الشيطان والرفقة؛ فإن الشيطان يزين لصاحب المعصية معصيته قال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:8]. ورفقة السوء يزينون؛ وعلى سبيل المثال فإن كثيراً ممن وقع في شرب الدخان إنما هو بالتزيين من الرفقة السيئة، يقول: يا أخي! لا يضرك تدخن الليلة وما هي إلا سيجارة، وتب إلى لله، وهي من المؤانسة، وأنت جرب فإذا لم تعجبك فتب إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وحتى في القرآن ما سمعنا بآية تنص على تحريم الدخان، ورأينا كثيراً من الناس يشربون الدخان، والدخان يزيل الهموم، والغموم، فيأتونه من هذه المداخل حتى يتورط في شرب الدخان، ثم يجرونه إلى المعاصي واحدة تلو الأخرى، فجلساء السوء أعدى من الجرب.

إن الحسنات يذهبن السيئات

إن الحسنات يذهبن السيئات قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في محكم التنزيل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] سبب نزول هذه الآية: أن رجلاً من الأنصار لمس امرأة وقبلها، وهذه المرأة أجنبية، والنفس البشرية تضعف أحياناً، لكنه فر إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم يخبره بالداء يقول: {هلكتُ! فقال صلى الله عليه وسلم: ماذا فعلت؟ فأخبره. قال: ما أعلم في ذلك شيئاً حتى ينزل علي -أي: لا أفتيك حتى ينزل عليَّ الوحي -فأنزل الله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] قال: ألي يا رسول الله خاصة؟ قال: بل لك ولمن عمل من أمتي بعملك إلى يوم القيامة}. والصحيح أن هذه الآية في الفرائض، والحمد لله أنها في الفرائض، وقوله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود:114] أي: صلاة الفجر وصلاة العصر {وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ} [هود:114] أي صلاة المغرب والعشاء {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] ومن أدخل فيها النوافل فقد أصاب. وعند أحمد في المسند بسند صحيح أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه قال: كان الرجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث استحلفته فإن حلف صدقته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ما من عبد يذنب ذنباً فيتوضأ ثم يصلي ركعتين ويستغفر الله من ذاك الذنب إلا غفر الله له ثم تلا: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]} وتسمى هذه ركعتي التوبة وهي ثابتة وصحيحة وأرشد بها إخواني، فمن فعل سيئة أو خطيئة صغرت أو كبرت أن يذهب إلى الماء فيتوضأ ويصلي ركعتين، ثم يستغفر الله ويستقيله من ذلك الذنب. وفي الصحيحين أن رجلاً قال: {يا رسول الله! أصبت حداً، فسكت عليه الصلاة والسلام، فلما صلى الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: أين فلان؟ قال: هأنذا يا رسول الله! قال: أصليت معنا؟ قال: نعم. قال: اذهب فقد غفر الله لك ذنبك بصلاتك} لكن ما هو شرح الحديث؟ وهذا الحديث في الصحيحين وهو ثابت وشرحه الإمام النووي، ومن المعاني: قيل: إن الرجل كان يظن أن على هذا الذنب حداً وليس عليه حد أصلاً، ولو كان عليه حد لأقامه صلى الله عليه وسلم، لكن هذا الذنب ليس عليه حد؛ وكفارته الصلاة وقد حصل. وقيل: بل كان هذا الذنب قبل أن تنزل الحدود؛ فجعل صلى الله عليه وسلم كفارته الصلاة والله أعلم، إنما هذا هو الحديث، والحديث لـ علي رضي الله عنه، ورواه أحمد في المسند وأبو داود والترمذي والنسائي. وفي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات أيبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الذنوب والخطايا} أو كما قال، فالصلاة كما قال بعض السلف: تحترقون وتحترقون ثم تصلون فيكشف ما بكم، وهنا قال: قوموا إلى ناركم التي أوقدتموها؛ فأطفئوها بالصلاة. وعند مسلم في الصحيح: {من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره} نسأل الله من فضله، وهذا في وضوء الفريضة، والحديث في الصحيح عن أهل الصغائر، أما أهل الكبائر فلابد لهم من التوبة. وعند مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: قال عليه الصلاة والسلام: {ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره} إسباغ الوضوء معناه: تعميم مواطن الوضوء بالماء، وإدخال الماء إلى البشرة، والوضوء على منهج السنة كما في الحديث الآخر: {أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً} ما معنى على المكاره؟ قيل: أن تسبغ في شدة البرودة، فإنك إن أسبغت الوضوء حتى في شدة الثلج وشدة الشتاء يكفر الله عنك به الخطايا في المكاره. ولا يصح من قال: على الجروح؛ لأن هناك رخصة: أن من به جرح لا يغسل عليه. {وكثرة الخطا إلى المساجد} كلما بعد البيت عن المسجد كان أحسن، وفي الترمذي أن رجلاً من الأنصار كان بعيد الدار عن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له أصحابه: لو اشتريت حماراً تركبه إلى المسجد في ذهابك وإيابك قال: لا. إني أرجو الله أن يكتب لي ممشاي ورجوعي إلى بيتي، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {بشروه! إن الله قد كتب له ذهابه ورجوعه إلى بيته}. وفي السنن: {بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة} قال: {وكثرة الخطا إلى المساجد} قالوا: كان ابن عمر يقارب خطاه إذا ذهب إلى المسجد حتى كأنه نملة -هذا في الحديث- لأن كل خطوة ترفع بها درجة وتحط بها سيئة وتكتب به حسنة، وهذا فقه عجيب لـ ابن عمر. {وانتظار الصلاة بعد الصلاة} أي أنك إذا صليت تنتظر الصلاة الثانية، قالوا: انتظارها في المسجد، وهذا قول، ولكن الظاهر والله أعلم أنه انتظارها بالقلب ومراعاة الوقت؛ وذكر الإمام أحمد عن عدي بن حاتم في كتاب الزهد قال: [[ولا دخلت علي صلاة إلا كنت لها بالأشواق]]. فالصالحون دائماً ينظرون إلى الوقت ويراعون الزوال وينظرون إلى ساعاتهم هل أذن، كم بقي من الأذان، متى يؤذن عندكم، قلوبهم معلقة بالمساجد، وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل قلبه معلق بالمساجد وداعٍ دعا إذ نحن بـ الخيف من منى فهيج أشواق الفؤاد وما يدري دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أطار بليلى طائراً كان في صدري

تعلق قلوب أولياء الله بالمسجد

تعلق قلوب أولياء الله بالمسجد لقيت أخاً وصاحبته كثيراً وكان يدرس معنا وهو من نيجيريا من أولياء الله عز وجل، ولو كان هنا ما قلت هذا الكلام؛ لكنه ذهب هناك داعية إلى الله، أسلم على يديه آلاف من الناس، كان يقرأ القرآن كثيراً، وإذا رأيته تذكرت بلال بن رباح، وكان فيه من الولاية ما الله به عليم، كان ينام فإذا قرب ثلث الليل -ويخبرني بهذا سراً من باب الأفعال الصالحة- قال: والله كأن هناك من يوقظني بيده، يقول: قم. ومرة من المرات سهر ليلة لأنه كان في سفر فسهر سهراً حتى قرب الفجر، فلما قرب الأذان كأنه سمع هاتفاً يقول: قم حانت الصلاة قال الله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. سمها ما شئت؛ لكن خذها كالوردة شمها ولا تعكها فتفسد عليك. وكثير من أولياء الله كذلك، فهؤلاء قلوبهم معلقة بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وسمعت رجلاً آخر يقول: أنا إذا سمعت الأذان يصبح جسمي كأنه على الجمر حتى أقوم إلى المسجد؛ لا يستطيع أن يقف. نجار من الصالحين كان يشتغل في النجارة، فكان يطرق بمطرقته فإذا سمع الله أكبر وهو رافع للمطرقة، ألقاها خلفه ولم يردها ثانية! وورد في السنن أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقطع اللحم مع عائشة -وهو هذا المعصوم قائد البشرية يقطع اللحم، إما أن يمسك لها وهي تقطع أو أنه يقطع وهي تمسك له قالت: {فإذا سمع النداء قام كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه}. وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا

بشرى للمشائين إلى المساجد

بشرى للمشائين إلى المساجد هذه هي الصلاة، فأين الروضة؟! تولى المدينة أحد الناس، وكان من أسرة علمية وأسرة عبادة وزهد، فلما تولى هذا الأمير الإمرة كأنه ترفه قليلاً، وكان بيته في العوالي، فكان يأتي في الظلمات إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فوضع سرجاً (وضع لمبات فيها زيت وأشعلها) حتى يرى الطريق، فكتب له عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد الراشد رسالة قال فيها: سبحان الله! أنسيت العشيات؟ أنسيت: {بشر المشائين بالظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة} قال: ذكرني أثابه الله فأطفأ السرج. لأن هناك نوراً يغنيه عن ذاك النور: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] فالذي نور قصره وبيته بأنوار الكهرباء، ثم ترك أنوار رب الأرض والسماء فلا نور له. ومد بالنور فالأيدي قد اختلفت على الصراط وهذا الجمع محتفل لاينفع العلم قبل الموت صاحبه قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا وهذه الأبيات من قصيدة طويلة لـ ابن المبارك رحمه الله. وهناك على الصراط قال: يقف فينطفئ نور المنافقين، والشيخ حافظ في منظومته في العقيدة يقول: ثم انطفا نور المنافقينا فوقفوا إذ ذاك حائرينا لأنهم بالوحي ما استضاءوا فكذبوا فذا لهم جزاء فما استضاءوا بالوحي والنور الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم: {نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] تركوا النور. أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه فرسول الله يحمل النور من يركب معه ير النور، ومن يتخلف عنه لا يغنيه نور الدنيا، فالآن الذين لا ينزلون إلى النور في المساجد أين يجدون النور؟ الذين لا يحضرون الدروس ولا المحاضرات ولا صلاة الفجر ولا القرآن، أين يجدون النور؟ لأن النور ليس إلا رسالته صلى الله عليه وسلم والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:35]؛ فمحمد صلى الله عليه وسل نور، والقرآن نور، والسنة نور، والإسلام نور، فهو نور على نور وقال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35]. وقف أبو تمام يحيي المعتصم في انتصاراته، والعلماء والوزراء أمامه، قال أبو تمام: ما في وقوفك ساعة من باس تقضي ذمام الأربع الأدراس واستمر يصف الخليفة حتى قال: إقدام عمروٍ في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس قال الفيلسوف أبو يوسف الكندي: ما زدت يا أبا تمام! على أن شبهت الخليفة بأجلاف العرب. يقول: تصف الخليفة بالبدو؟! عمرو بن معد يكرب من العرب أي: أنه بدوي أعرابي، وإياس وفلان وفلان؛ فتوقف أبو تمام قليلاً ليعتذر وأتى ببيتين قال فيهما: لا تنكروا ضربي له من دونه مثلاً شروداً في الندى والباس فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلاً من المشكاة والنبراس

أعمال تكفر الذنوب

أعمال تكفر الذنوب أيها الإخوة: وردت أحاديث كثيرة في الأعمال المكفرة للسيئات كما في الصحيحين: {من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقد من ذنبه} {من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه} وفي الصحيحين: {من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه} وفي مسلم: {إن الإسلام يهدم ما قبله، وإن التوبة تجب ما قبلها} وفي الصحيحين: {من قال: سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة؛ حطت ذنوبه ولو كانت كزبد البحر}.

حقوق العباد

حقوق العباد ثم قال عليه الصلاة والسلام في الركن الثالث من هذه الوصية: {وخالق الناس بخلق حسن} فلما انتهى من حقوق الله عز وجل على عباده ذكر حقوق الناس عليه قال: {وخالق الناس بخلق حسن}.

الخلق الحسن في القرآن وغيره

الخلق الحسن في القرآن وغيره والله ذكر الخلق الحسن وأصوله في القرآن في مواضع كثيرة، كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في رسوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] وقوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] وقوله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] وقوله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] وقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وقوله: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83].

أبيات في حسن الخلق

أبيات في حسن الخلق وقد نظمت أبياتاً كثيرة في هذه المعاني لكني لا أريد أن أطيل عليكم منها في مدح أحد الفضلاء: يغضي عن الفحشاء من خوف الردى ويلين للإخوان والأصحاب وبيت آخر: عليه وقار الحلم يهتز للندى أمر من الدفلى وأحلى من العسل والدفلى: نبت شديد المرارة ذكره بعض أهل الأدب، ولـ جعفر بن الزبير قصيدة على هذا، ذكر منها: وقالوا سحيرات اليمام وأرسلوا أوائلهم من آخر الليل في الثقل وردن على ماء العشيرة والهوى على ملل يلتف منهم على ملل ثم يقول فيها: له الجلالة من حسن الفعال ولا تراه إلا بشوشاً ضاحكاً فاه ومن قصيدة نظمتها قبل أربع سنوات في مدح المتواضعين وذم المتكبرين: وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أوردوا غصباً إلى النار هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أعطوك من نورهم ما يتحف الساري تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري

أحاديث في حسن الخلق

أحاديث في حسن الخلق وعند الترمذي وغيره قوله صلى الله عليه وسلم: {ألا أنبئكم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلس يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون} والأكناف هي أطراف الشيء والأجنحة، أي: يوطئونها للناس، ويألفهم الناس ويألفونهم في الزيارة والقرب والمساءلة. وما رواه أحمد وأبو داود وابن حبان: {إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم} وهذا حديث حسن، وهو صحيح المعنى، فإن بعض الناس بحسن تعامله وخلقه يدرك أكثر مما يدركه كثيرُ النوافل وكثير الصيام، ولكنه شديد الغضب وسيئ الخلق، فبعضهم يصوم النهار ويقوم الليل لكن إذا سلمت عليه غضب، وعنده حدة واستفزاز، وربما يكون عنده تيه وشدة غضب وضجر، فربما أفسد بذلك عمله الصالح. وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان: {ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق يبلغ درجة الصائم القائم}. وعند أبي داود بسند صحيح والطبراني في الكبير قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: {أنا زعيم -والزعيم: الوكيل- ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه} وكأن في الجنة أعلى وأوسط وربض (أدنى)؛ وأعلى الجنة: الفردوس سقفها عرش الرحمن، ومنها تتفجر أنهار الجنان، فمن حسن خلقه أسكنه الله أعلى الجنة في الفردوس، نسأل الله أن نكون منهم.

ما يستنبط من قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تغضب

ما يستنبط من قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تغضب أوصى صلى الله عليه وسلم رجلاً ألا يغضب فقال: {لا تغضب}. قال بعض المطالعين من المربين: أبلغ نظرية في الأخلاق نظريته صلى الله عليه وسلم وهو يقول للرجل: {لا تغضب} ولو اختصر الخلق في شيء لاختصر في كلمة لا تغضب، وإذا أردت أن توصي أحداً في حسن الخلق فقل له: لا تغضب. وحسن الخلق عرَّفه الأئمة بأنه: بسط الوجه وألا تغضب. فبسط الوجه بأن تتبسم وألا تكفهر. قال أهل الطب: العضلات إذا عبس الوجه انعقدت تسع عشرة عضلة منها، وإذا ابتسم في الوجه وانطلق لا تنعقد إلا عضلة فأنت توفر بهذا ثماني عشرة عضلة، حتى أنك تجد الدم فائراً والقلب يحترق بسبب الغضب، والعبوس ليس في الإسلام والعبوس ليس ديناً، وبعض الناس يريد أن يظهر العبادة والدين والزهد في وجهه، فتجده يظهره في وجهه وفي ثوبه، ولكن قلبه ليس بذاك، ودينه ليس بذاك. حتى أن ابن الجوزي يقول في صيد الخاطر: رأيت أناساً يتزمتون ويظهر عليهم العبوس، ويظهرون التعبد للناس، وإن القلوب لتنفر منهم، ورأيت أناساً يتبسمون ويمزحون، وإن القلوب تطوف بهم؛ لأن الحب من الواحد الأحد وليس من الناس؛ فأنت لا تتصنع للناس. أفدي ظباء فلاة ما عرفن به مضغ الكلام ولا زجَّ الحواجيب كن عفوياً، أي: أن تعامل الله عز وجل وما عليك من أحد لكن بحسن الخلق.

أفضل الفضائل

أفضل الفضائل وروى أحمد في المسند والطبراني في الكبير {أفضل الفضائل أن تصل من قطعك وأن تعطي من حرمك وأن تصفح عمن شتمك} وفيه ضعف. وهذا أفضل الفضائل، فليس من يصل رحمه التي وصلته، فهذا الكل يفعله، حتى عالم الحيوانات، وحتى عالم الكفر. {وتعطي من حرمك} كثير من الناس يعطون من أعطاهم، لكن من حرمك من شيء وأعطيته، فهذا من أخلاق النبوة، وتصفح عمن شتمك. وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان {سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما أفضل ما أعطي المسلم؟ قال صلى الله عليه وسلم: حسن الخلق} وحسن الخلق -أيها الإخوة-: بذل الندى وكف الأذى وبسط الوجه، وعلى المسلم كذلك ألا يحوج الناس لسوء الخلق، فإن بعض الناس من يضطرك إلى أن يسوء خلقك؛ إما بالإلحاح في الطلب أو بعدم معرفة الوقت المناسب، أو يكثر عليك في المسألة، أو أن يدخل عليك بجلافة وبكلام فظ، وعلى كل حال قد غضب عليه الصلاة والسلام وهو المعصوم لكن أحوج إلى ذلك صلى الله عليه وسلم. هذا ما هو في سفينة النجاة، وإنما سميتها سفينة النجاة؛ لأن من أخذ هذا الحديث وعرفه وعمل به وجعله نصب عينيه نجا في الدنيا والآخرة، فأسأل الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد أن ينجينا وإياكم من مزلات الفتن، وأن يحمينا وإياكم، وألا يجعلنا وإياكم ندامى أو خزايا. نسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لنا ولكم الحفظ والرعاية والتوفيق والهداية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

كتاب في خطب الجمعة

كتاب في خطب الجمعة Q أريد كتاباً يصلح لخطب الجمعة والوعظ تكون أحاديثه صحيحة مخرجة؟ A أنا أرشدك إلى جامع العلوم والحكم لـ ابن رجب بتحقيق شعيب الأرنؤوط.

الصدقة للمسلمين في يوغسلافيا

الصدقة للمسلمين في يوغسلافيا Q هل تدفع الصدقات والزكوات إلى المسلمين في يوغسلافيا وفي البوسنة والهرسك؟ A إذا كان الواقع كما ذكر في السؤال فلا حرج؛ لما في دفع الزكاة إليهم من المواساة وتثبيت القلوب على الإسلام وفق الله الجميع!

معنى: (إن الله لا يحب الفرحين)

معنى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) Q ما معنى قوله تعالى: {لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76] وهل هناك فرح محمود وفرح مذموم؟ A نعم. قال بعض المفسرين: (لا تَفْرَحْ) أي: لا تتبطر ولا تتكبر، وقالوا: هو فرح التجاوز والطغيان، وقال بعضهم: الفرح والفساد، وأما الفرح المحمود فهو فرح العبد بالطاعة كما قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]. وأنت ينبغي أن تفرح بالعمل الصالح، أما من يفرح بالمعاصي أو يفرح بالكبر أو يفرح بالعلو، فهذا فرح فاسد.

توبة من مرض مرضا لا يرجى برؤه

توبة من مرض مرضاً لا يرجى برؤه Q هل لمن مرض مرضاً لا يرجى برؤه مثل السرطان توبة؟ A نعم. إذا كان مريضاً بهذا المرض وأراد أن يتوب إلى الله عز وجل فليتب؛ فهذا وقت التوبة وما زال بابها مفتوحاً فليعد إلى الله عز وجل؛ فإنه لم ينته من الحياة وما زال حياً فليتب، والله يتوب عليه.

وقت ركعتي التوبة

وقت ركعتي التوبة Q هل يشترط في ركعتي التوبة أن تكون بعد وقوع الذنب مباشرة؟ A لا أظن أنه يشترط ذلك، ولو كانتا بعد أن يمر على الذنب فترة.

من مات وهو كاتم لحب

من مات وهو كاتم لحب Q هل من أحب وأخفى في نفسه فمات كان من الشهداء؟ A مقصود الأخ: أن من أحب حب الهيام، وحب الوله والغرام والجوى والعشق، هل يكون من الشهداء، أما الحديث الذي ذكره ابن خلكان قال: {من عشق فعف فكتم فمات مات شهيداً} لا يصح. قال ابن القيم: ليس عليه علامات النبوة، وليس من كلامه صلى الله عليه وسلم، قالوا: إن الحديث أتى من طريق سويد بن سعيد؛ قال يحيى بن معين: لو أن عندي فرساً وسيفاً لغزوت سويد بن سعيد من أجل هذا الحديث -أي: حاربته- لأن هذا ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم. ولكن على أي حال من أحب فكتم فأجره على الله، لكن يكتم ولا يصل إلى فاحشة، ولا يصل إلى جريمة، وإنما هي مصيبة ابتلي بها، وبعض الصالحين أصيبوا بهذا الداء وماتوا فأسأل الله أن يأجرهم، وهي من المصائب التي يصاب بها العبد، لكن أنه من الشهداء ليس من الشهداء، وذكر ذلك جرير بقوله: إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا وقال المتنبي: وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل مثل هؤلاء عليهم أن يستغفروا الله وأن يتوبوا، وأن يلجئوا إلى الله عز وجل، وألا يصروا على ما فعلوا، وألا يزاولوا آثار هذا الحب بشيء من الحرام، بل يفروا إلى الله؛ قال الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50] وابن الجوزي يقول هذا حتى يقول أحدهم: بين عينيك علالات الكرى فدع النوم لربات الحجل قد كتمت الحب حتى شفني وإذا ما كتم الداء قتل لكن العبد عنده من الإيمان ومن الذكر والعمل الصالح ما يكفيه عن هذا.

التائب من الغيبة

التائب من الغيبة Q ما موقفنا من الغيبة -وهي حقوق للناس- هل نذهب إلى من اغتابه ونطلب منه السماح؟ A هذه مسألة اختلف فيها أهل العلم، والصحيح عدم وجوب الذهاب ويكفي أن تستغفر لمن اغتبته وتندم على ما فعلت، وتذكره بمحاسنه، أما إذا ذهبت إليه فقد تكون الطامة الكبرى؛ فإنك قد تخبره فيقول: والله لا أغفر لك وأطالبك بحقي، خاصة إذا كان من المشاكسين؛ فإن بعضهم يتمنى الخصام في أي مكان، فإذا أظفرته بنفسك أخذك. وأيضاً بعض الناس يتسرع ويؤذي قلوب العباد، فتجد بعضهم يقول: نلت منك في مجلس فادع لي، أي: بدل أن تطلب عفوه يطلب أن تدعو له وتجازيه على أنه نال من عرضك في المجالس، بدل أن يدافع عن عرضك في المجالس وبدل أن يثني على ما أنت فيه، وبدل أن يدعو لك يغتابك ويجرح عرضك ثم يقول: لا تنسني من دعائك!! وصل رجل إلى محمد بن سيرين فقال: قد اغتبتك فحللني. قال: والله لا أحل لك ما حرم الله. أي: لأن الله يقول: حرام، وأنا أقول: حلال! لا. وأتى رجل إلى الحسن البصري قال: فلان اغتابك. قال: تعال؛ فأتى فقال له: خذ هذا الطبق من الرطب وقل له: أهديت لنا حسناتك ونحن أهدينا لك رطبنا. وهذا درس عملي، حتى قال بعض الصالحين: من أراد أن يغتاب فليغتب والديه حتى إذا أخذ من حسناته، فإنها لن تكون إلا لوالديه؛ لأنهم أقرب الناس إليه، ومسكين بعض الناس يوزع حسناته طيلة الليل والنهار، وبعضهم مثل الشيطان الرجيم لا يشتغل إلا بالصالحين في المجالس: أسمعتم؟ أرأيتم؟ ثم يبدأ بسكاكينه في أعراضهم، فالله حسيبه، والله الذي يكفي عباده الصالحين؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:38] فهو المدافع وحده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. مر عامر الشعبي برجل جالس وراء حائط وهو يغتاب عامراً الشعبي فأشرف عليه عامر فقال: هنيئاً مريئاً غير داء مخامر لـ عزة من أعراضنا ما استحلت عسى الله أن يغفر، وعسى الله أن يرحم، وعسى الله أن يهدي، وعسى الله أن يسدد، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الرحلة في طلب العلم

الرحلة في طلب العلم إن الله سبحانه وتعالى شرف العلم وأهله، وامتدحهم في كتابه، وذكر لنا من قصصهم ومن الآيات التي تحث على طلب العلم الكثير والكثير، ومن هذه القصص قصة موسى عليه السلام مع الخضر وسفره الطويل إليه، وفي هذا الدرس تفاصيل هذه القصة العجيبة والرحلة العظيمة، وما يستفاد منها من الدروس والعبر.

رحلة موسى عليه السلام في طلب العلم

رحلة موسى عليه السلام في طلب العلم الحمد لله، الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للسنة فانقادت لاتباعها، وارتاحت لسماعها، وأمات نفوس أهل الباطل بالجهل بعد أن تمادت في ابتداعها، وتغالت في نزاعها، والصلاة والسلام على من أوصل الله به أنوار الهداية بعد انقطاعها، ورفع به قصور الإسلام فاتسقت في اتساعها، ودك به دولة الجاهلية وهدّم به حصون قلاعها، والصلاة والسلام على أشرف من بعثه الله، حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: عباد الله! فيقص الله تبارك وتعالى علينا قصة موسى عليه السلام، وهو يرتحل في البحر ليلقى الخضر عليه السلام فيتعلم منه علماً، وكأن لسان حال القصة يقول: هكذا فاطلبوا العلم، فإذا كان موسى عليه السلام؛ على سمو قدره، وجلالة مكانته، يحرص على طلب العلم، فما بالنا نحن الضعفاء المحاويج، الجهلة، لا نطلب العلم؟! إنه حرص من موسى عليه السلام على طلب العلم، ولذلك يقول الإمام البخاري في صحيحه في كتاب العلم، (باب: السفر في البحر لطلب العلم) ثم يتوج هذا الباب بقصة موسى عليه السلام؛ الرحالة المغامر، الذي ركب البحر ليلقى الخضر، ويستفيد منه علماً جماً. عرف ذلك السلف الصالح في طلب العلم؛ فسهروا الليالي، لأن العلم بعد الهداية أشرف مطلوبٍ في الحياة: هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مضارب من أردت وكنزٌ لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنت يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددت رحل الإمام أحمد شهرين كاملين ليلاً ونهاراً من بغداد دار السلام إلى صنعاء اليمن ليأخذ عشرة أحاديث. ورحل جابر بن عبد الله الصحابي الشهير الخطير إلى مصر إلى مدينة العريش ليكتسب حديثاً واحداً من عبد الله بن أنيس. قال سعيد بن المسيب: [[والله الذي لا إله إلا هو إني كنت أرحل الأيام الطوال لحديث واحد]]. فيا أيتها الأمة المتفقهة الرائدة! هكذا ليطلب العلم، فلنستمع إلى القصة التي ساقها الله تبارك وتعالى في كتابه، تلميذٌ مع شيخه، وطالبٌ مع معلمه.

مغادرة موسى عليه السلام بني إسرائيل

مغادرة موسى عليه السلام بني إسرائيل وموسى الآن يغادر أرض بني إسرائيل من فلسطين ليركب البحر، بعد أن ألقى فيهم خطبة عظيمة، وبعد أن انتهى منها، قال له أحد بني إسرائيل: يا موسى! هل تعلم في الناس أعلم منك؟ قال: لا والله، لا أعلم في الناس أعلم مني؛ وصدق عليه السلام، فهو نبي الله ورسوله، ولكن الله عاتبه من فوق سبع سموات، وقال له: يا موسى! الخضر في مجمع البحرين أعلم منك، فارحل إليه وازدد إلى علمك علماً. قال: يا رب! وأيُّ علامة أعرف بها إذا لقيت الخضر؟ قال: يا موسى! خذ حوتاً، واجعله مملوحاً في مكتل، فإذا فقدت الحوت فقد لقيت الخضر، فأخذ حوتاً ميتاً، سمكاً مملوحاً في مكتل، وأخذ غلامه يوشع بن نون يحمل معه الغداء في السفر، فمضيا كثيراً طويلاً وشق عليهم السير، قال الله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف:60 - 61] أحيا الله الحوت الميت فتحرك في المكتل، ثم أخذ يقتحم من المكتل إلى الماء، فقال موسى لما كلََّ سيره، وتعب عليه السلام، وملَّ من طول السفر، عاد إلى فتاه يقول: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [الكهف:62] وكأن لسان حاله يقول: لمعت نارهم وقد عسعس الليل ومال الحادي وحار الدليل فتأملتها وفكري من البين عليلٌ وطرف عيني كليلُ وفؤادي ذاك الفؤاد المعنَّى وغرامي ذاك الغرام الدخيل قال لغلامه: آتنا غداءنا نتغدى، {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [الكهف:62] تعب الرحالة، فأتى غلامه إلى المكتل ففقد الحوت، فقال: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً} [الكهف:63]. عجباً! كيف يعيش الحوت، وقد مات كيف ينزل ثم يسبح في الماء؟ فكان عجباً لموسى، لكن الذي يحيى الميت هو الله، والذي يرشد الجهلة هو الله، فكأن الله يقول: كما أحيينا هذا السمك في الماء نحيي القلوب كذلك بالحكمة والعلم، قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:1] ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بعدها: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:17].

لقيا موسى عليه السلام الخضر

لقيا موسى عليه السلام الخضر نعم! فلما فقد الحوت، عاد فرأى الخضر عليه السلام فسلم عليه، يقول الله في تعريف الخضر: {فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} [الكهف:65] علمٌ بلا رحمة قسوة وجبروت، ورحمةٌ بلا علم جهلٌ وتردي، فجمع الله للخضر الاثنين، رحمةٌ وعلم، فالذي ليس عنده علم وعنده رحمة ضعيف، والذي عنده علمٌ بلا رحمة جبار، والذي ليس عنده علمٌ ولا رحمةٌ ضائعٌ ضالٌ في الحياة الدنيا وفي الآخرة. فسلم عليه موسى، فقال الخضر: من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: ماذا أتى بك؟ قال: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف:66] ما أحسن العرض! وما أحسن الأدب! ما قال: أرافقك، ولا أصاحبك، ولكن عرض نفسه هل ترى ذلك مجدياً؟ أتبعك فأكون تلميذاً وخادماً أتعلم منك، فيقول الخضر عليه السلام لموسى، وهو يعرف قوة موسى، وصراحة موسى: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} [الكهف:67 - 68]. يقول: أنت سوف يظهر لك أمور لن تصبر أمامها؟ ولن تقف أمامها صابراً؟ قال موسى عليه السلام: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً} [الكهف:69] ولا يصبر الصابر إلا بعون الله، ولا يوفق الموفق إلا بهداية الله، فلذلك استلهم رشد الله: يا حافظ الآمال أنتت حميتني ورعيتني وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني والله يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:127]. قال: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} [الكهف:69] ولكنه لم يصبر عليه السلام. وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم يتابع القصة بلهفٍ وبإصغاءٍ وبشوقٍ وفي الأخير لما قال الخضر: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] تبسم رسولنا صلى الله عليه وسلم، وقال: {رحم الله موسى، وددنا أنه صبر حتى يقص علينا من نبأهما}. قال الخضر: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} [الكهف:70]. فمشيا وركبا في السفينة، ومر عصفور فشرب من الماء، فقال الخضر لموسى متواضعاً لجلال الله ولعظمة الله ولعلم الله: يا موسى! ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما نقص هذا العصفور لما شرب من هذا البحر؛ فأي نقصان أصاب البحر لما أدخل هذا العصفور منقاره فشرب من الماء.

بداية سفر موسى عليه السلام مع الخضر

بداية سفر موسى عليه السلام مع الخضر ومشيا في السفينة، ولما رأى ربان السفينة هذا الرجل الصالح والرسول النبي ورأى الجلالة والنور والوقار رفض أن يأخذ أجراً، وأن يأخذ أعطية على الركوب، فركبا وموسى ينظر في الخضر، فأول شيء قدمه أن أخذ ينزع خشب السفينة، ويكسره، ويلعب فيها، فيقول موسى: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [الكهف:71]. يقول: ما لك تتصرف في مال الناس! أناس أركبونا بلا أجرة، ورعونا، وأحسنوا فينا، ثم تقدم على هذا العمل، أما قال في أول القصة: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:67] إن موسى رجلٌ جرئ، شجاع، يتقدم المواقف العظيمة، لقي الله في طور سيناء، فكلم رب العزة من فوق سبع سموات، فما كفاه هذا التشريف حتى قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] فهو دائماً رجل مجادلة في الحق، وشجاعة وإقدام. فقال الخضر لما اعترض عليه: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:72] يقول: أما ذكرتك أن تستمع للدرس ولا تقاطع المحاضرة حتى تنتهي، فإذا انتهيت فأورد ما عندك من إشكالات، فيقول موسى مستحياً معتذراً: {لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} [الكهف:73]. يتبسم ابن عباس المفسر العظيم، الصحابي الجليل، ويقول: [[كانت الأولى من موسى نسياناً]] نسي في الأولى، فانطلقا؛ فلما نزلا من البحر مرَّا بقرية من القرى فإذا شباب يلعبون، وفتية يلهون، فتقدم الخضر إلى غلامٍ منهم فصرعه في الأرض، ثم ذبحه بالسكين، وقيل: فصل رأسه عن أكتافه، فثار دم موسى ووقف أمامه، وقال: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} [الكهف:74] سامحناك في الأولى، وتغاضينا عنك، وصبرنا، ثم أتيت إلى نفسٍ معصومة فأزهقتها، {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} [الكهف:74] لا تطيقه القلوب أبداً، فقال الخضر له: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} [الكهف:75] وزاد (لَكَ) الجار والمجرور؛ ليذكره مرة ثانية بالعمل، {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:75] فيستحي موسى عليه السلام، ويراجع حسابه، ويقول معتذراً: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} [الكهف:76] وتقف الأمور على الضربة الثالثة. فانطلقا ودخلا قرية مع الظلام، وكانت القرية بخيلة، لا تطعم ضيفها، ولا تسقي الظمآن إذا ورد فيها، ولا ترحب بوافدها، والقرى تختلف اختلافاً عظيماً، والله هو الذي يكسب الجود لأهل الجود، ويعطي الكرم لأهل الكرم، ويكتب البخل لأهل البخل. دخل النبي موسى عليه السلام، الذي ذكره الله في كتابه، معه الخضر {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} [الكهف:77] زيادة في بخل هذه القرية طلب الإطعام، يقولان: أطعمونا فإننا مسافرون، جهدنا، جعنا، لكن قرية لا يظفر نازلها: إني نزلت بكذابين ضيفهمُ عن القرى وعن الترحال محدودُ جود الرجال من الأيدي وجودهمُ من اللسان فما كانوا ولا الجودُ فامتنعت البيوت أن تضيف النبيين الكريمين الصالحين، فنزلا في مكان في طريق، ورأى الخضر جداراً يريد أن يميل، فقال لموسى عاوني لأبني هذا الجدار، فيقول موسى: يا سبحان الله! قرية لم تطعمنا، تبني جدارها، وسفينة أركبونا بلا عطية خربتها، فقام الخضر فبنى الجدار، وقال لموسى: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:78] وقبل أن نستمع إلى شرح الخضر لموسى قبل أن يفارقه، نعيش لحظات مع موسى وهو يترك بني إسرائيل ليتعلم العلم النافع، العلم الموروث من رب العزة تبارك وتعالى. والدرس الثاني: شرف العلم قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. والدرس الثالث: ما موقفنا نحن كأمة؛ أمة رائدة، تقود معالم التوحيد، وتريد إعطاء البشرية نورها، وتريد حياتها، وتريد مجدها، الكتب طبعت لدينا، وحققت ونشرت.

اجتهاد السلف في طلب العلم وتحصيله

اجتهاد السلف في طلب العلم وتحصيله

أحمد بن حنبل وكتابه المسند

أحمد بن حنبل وكتابه المسند مسند الإمام أحمد بقي في جمعه أربعين سنة لا يهدأ له بال، ولا يرتاح له حال، دخل مصر والعراق والشام وخراسان والحجاز وصنعاء اليمن وجمع مسنده حديثاً حديثاً، وصححه وعلله، وجمع طرقه بالأسانيد، ثم جمعه لدينا، وهو في أدراجنا وفي رفوفنا، فهل عنت لنا الهمم أن نقرأ ولو قراءة؟! نقرأ تحت الظل الوارف، ومع الماء البارد، لا سافرنا، ولا تعبنا، ولا أظنينا رحالنا.

رحلة إسحاق الكوسج لطلب العلم

رحلة إسحاق الكوسج لطلب العلم أحد علماء السلف؛ إسحاق الكوسج: سافر إلى خراسان، وأتاه وهو في خراسان مطرٌ عظيم وهو في الصحراء، وكتبه معه التي جمعها في عشر سنوات، فقال: يا ربِ! هذه كتبي تعبت عليها، والمطر الآن ينزل عليها فيمحو كتابتها، يا ربِ! أتضيع جهودي في عشر سنوات؟!! فلما صحا الجو، وكف القطر أخذ يبحث عن كتبه فما وجد حرفاً منها أصابه بلل، ووجد الدنيا من حوله تسيل بالسيول، ولما توفي رآه الصالحون في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قالوا: بماذا؟ قال: بتلك الليلة التي أصابني فيها المطر.

الجدية في طلب العلم عند ابن المبارك

الجدية في طلب العلم عند ابن المبارك وعبد الله بن المبارك وقف مع شيخه من صلاة العشاء يسائله إلى صلاة الفجر حتى فصل بينهما المؤذن، فقال له تلاميذه: لو أنك أرحت نفسك؟ قال: لو وقفت شهراً كاملاً في مسألة ما أنصفتها، أولئك الذين قال الله فيهم: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة:8] يوم طلبوا العلم لوجه الله؛ فأثمروا وتركوا تراثاً خالداً، فكان لهم قدوة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، يوم قال الله له: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] فأخذ يتعلم صلى الله عليه وسلم، وأخذ يحث أصحابه على طلب العلم، وعلى الفائدة. فيا عباد الله يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} من يرد الله به خيراً وهدايةً وتوفيقاً يعلمه المسائل في الدين؛ فيعرف كيف يبصر، لأن الغشاوة تزول عنه بطلب العلم: يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان يا جامعاً لغرور المال تجمعه أقصر فإن غرور المال أحزان وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، وعلمنا الله وإياكم علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، وجعلنا من ورثة الأنبياء والمرسلين الذين يريدون الله والدار الآخرة. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

أجوبة الخضر لما حصل منه

أجوبة الخضر لما حصل منه الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس إلى ربهم أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فقبل أن يفارق موسى عليه السلام الخضر، يتوقف معه الخضر؛ ليخبره بأجوبة الاستشكالات التي مرت في الرحلة، ويجيب على الأسئلة المضنية التي حيرت موسى عليه السلام، وجعلته يحتج دائماً وينكر ويتردد في هذا العمل الذي يقوم به الخضر. قال الخضر عليه السلام: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:7] واسمع إليها مسألة مسألة: أما السفينة يوم خرقت السفينة وأعدمتها: {فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف:79] هذا سرُّ المسألة يا موسى، لما ركبنا في السفينة كانت لمساكين، وكان هؤلاء المساكين يعملون عليها، وعند الشاطئ وعلى الساحل ملكٌ ظالمٌ جبار، يقف بالمرصاد للسفن، فكل سفينة أعجبته أخذها، وسلبها، واغتصبها، فأردتُ أن أعيبها بعض العيب، حتى لا يأخذها ذاك الظالم، عيبٌ لا يعطلها، ولا ينقص قيمتها، ولا يعطل رحلتها، فهل سمعت يا موسى أن هذه حكمة؟ فقنع موسى. قال: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً} [الكهف:80 - 81]. أما الغلام الذي اعتديت عليه في الظاهر، والذي قتلته وأعدمته؛ فهذا غلامٌ ينشأ كافراً فاجراً، ينشأ عنيداً لله، كافراً بلا إله إلا الله، عاقاً لوالديه، فخشيت إذا نشأ على هذه النشأة أن يقحم أبويه في الكفر، وأن يخرج أبويه من الإسلام إلى الجاهلية، وأن يكون سبباً في إدخال أبويه النار {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل:14 - 15] فأردت أن أقتله لعلَّ الله أن يُبدل الأبوين شاباً تقياً، وفتىً ورعاً؛ يكون مؤمناً بالله، ساجداً لله، معترفاً بلا إله إلا الله، فاقتنع موسى. قال: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:82]. هذا الجدار يريد أن ينقض، وإذا انهدم الجدار؛ خرج الكنز الذي تحت الجدار فأخذه الناس، والجدار هذا ليتيمين، والكنز ليتيمين، والسر أن أباهما كان صالحاً، فانظر إلى رب العزة سُبحَانَهُ وَتَعَالى كيف حفظ هؤلاء الأبناء لصلاح والدهم. ألا لتعلم أن الأب إذا كان صالحاً أصلح الله ذريته، وأصلح الله كل من يمون عليه. ألا تعرف أن الصالح تجري بركته في الذرية، قال تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران:34]. ألم تعلم أن الفاجر يجري فجوره في ذريته، ويكون شؤماً على أولاده، وأولاد أولاده إلا أن يعصمهم الله ويتولاهم، فبنى الجدار، وهذا إرادةٌ من الله. لكن قبل أن ننتهي، انظر إلى الخضر يوم قال في السفينة: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف:79]. وقال في الغلام: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً} [الكهف:81]. وقال في الجدار: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الكهف:82]. فكيف تغيرت الإرادة؛ في السفينة أردت، وفي الغلام أردنا، وفي اليتامى فأراد ربك؟ إنه أدب مع الله: أما السفينة فظاهرها الخراب، واستحيا أن يقول لموسى: فأراد الله، أو أردنا، فقال: فأردت أنا لأنني أنا الذي خربت وليس الله، وهذا أدبٌ مع الله. وأما في الغلام ففيه مصلحة ومفسدة في الظاهر، فنسب المصلحة إلى الله والفساد إلى نفسه، فقال: فأردنا. وأما الجدار فصلاحٌ كله، فنسب الصلاح إلى الله، فقال: فأراد ربك. وهذا أدب مع الله، عرفه حتى الجن، فإنهم قالوا في سورة الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن:10] والذي يريد الشر هو الله يكتبه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ويكتب الخير لكن تأدبوا مع الله، فقالوا: أريد بهم، وقالوا في الخير: {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن:10]. وانظر إلى إبراهيم عليه السلام يوم ذكر الحياة والإطعام، والشفاء إلى الله، ولما أتى إلى المرض فاستحيا من الله، فقال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80]. فما أحسن الأدب! وفارق التلميذ شيخه، وتوادعا، وعاد موسى متعلماً رائداً في رحلة المغامرة، وفي رحلة طلب الحق والعلم والذكر، وكان محقاً البخاري رحمه الله يوم قال: (باب: السفر في البحر لطلب العلم) فإن كان هذا في البحر ففي البر أولى. فيا أيها المسلمون! أدعوكم ونفسي لطلب العلم، وحضور مجالس الذكر، والتفقه في الدين، والسؤال، فإن الله عزوجل لا يهلك أحداً حتى يعلمه ويبصره، فمن أراد الحياة أحياه، ومن أراد الهلاك أهلكه: {ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين}. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين. وارض اللهم عن أصحابه الأطهار؛ من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بكرمك ومنِّك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه يا رب العالمين. اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم كفِّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، واهدهم سبل السلام، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر المجاهدين في كل مكان؛ الذين يجاهدون لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك، ولتأييد سنة نبيك عليه الصلاة والسلام. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

اللهم اهدنا في من هديت

اللهم اهدنا في من هديت أعظم عطاء يعطيه الله للإنسان هو الهداية إلى الطريق المستقيم، وفي هذا الدرس فوائد عظيمة مستنبطة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اهدنا فيمن هديت). وتعرض الشيخ إلى ذكر أقسام الهداية وطرقها، وبيان الحكمة من طلب النبي صلى الله عليه وسلم الهداية من ربه مع أنه سيد المهتدين، إلى غير ذلك من المسائل.

وقفات مع الحسن بن علي

وقفات مع الحسن بن علي إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أحييكم بعد طول انتظار وشوقٍ إلى أنفاسكم الغالية، وإلى مجالسكم المرفوعة بذكر الله عز وجل: يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدمُ إذا ترحلت عن قومٍ وقد قدروا أن لا تفارقهم فالراحلون همُ عنوان هذه المحاضرة "اللهم اهدنا فيمن هديت" وهي من كلام القائد محمد عليه الصلاة والسلام، كلماتٌ غالية نستمع إليها بشوقٍ ولهفة، وننتظرها وكلنا -يعلم الله- قطرات من الدم على مسيرته الغالية صلى الله عليه وسلم. أما الحديث فرواه أحمد وأهل السنن: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي والحاكم، قال: {علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاءً أدعو به فقال: قل: اللهم اهدني في من هديت، وعافني في من عافيت، وتولني في من توليت، واصرف عني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يعز من عاديت، ولا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت} وزاد الحاكم: {اللهم صلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم}. وفي الحديث أربعٌ وعشرون مسألة: أولها: من هو الحسن؟ ثانيها: "اللهم" ومعناها عند أهل العلم. ثالثها: "اهدني" وكيف يطلب الهداية عليه الصلاة والسلام. وأقسام الهداية، والهداية العامة والخاصة. رابعها: كيف يطلب صلى الله عليه وسلم الهداية وقد اهتدى بهداية الله؟ خامسها: الهداية المجملة والهداية المفصلة. سادسها: طرق الهداية وكيف يصل العبد إلى الله. سابعها: لا يهتدي العبد إلا على يد الرسل عليهم الصلاة والسلام. ثامنها: قوله سبحانه: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة:13]. تاسعها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43]. عاشرها: ما معنى "وعافنا في من عافيت" وما هو العفو؟ الحادية عشرة: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:134] من هم؟ الثانية عشرة: معنى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة:43]. الثالثة عشرة: معنى: {اللهم إني أسألك العفو والعافية}. الرابعة عشرة: "وتولني في من توليت" من هم أولياء الله؟ وما هي صفاتهم؟ وما هي سماتهم؟ الخامسة عشرة: بم تنال الولاية؟ السادسة عشرة: صفات الأولياء. السابعة عشرة: قوله عليه الصلاة والسلام "وبارك لي فيما أعطيت". الثامنة عشرة: "وقني شر ما قضيت" هل ينسب الشر إلى الله عند أهل السنة؟ ومن الذي كتب الشر على الناس؟ وهل يقدر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى الشر؟ التاسعة عشرة: معنى "إنك تقضي ولا يقضى عليك" لا معقب لحكمه سبحانه. العشرون: "إنه لا يذل من واليت" ما هي الذلة؟ وما الفرق بين قوله ولا يذل وبين قوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54]؟ الحادية والعشرون: رواية النسائي والبيهقي زادت "ولا يعز من عاديت". الثانية والعشرون: "تباركت ربنا وتعاليت" ما هي البركة؟ وهل يقال للعبد: تباركت؟ وهل فيها اشتقاق أم لا؟ الثالثة والعشرون: زاد النسائي "وصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم". الرابعة والعشرون: زاد الحاكم وابن حبان: {علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود أن أقول هذا الدعاء}. أما راوي الحديث فهو الحسن بن علي بن أبي طالب، جده رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأبوه علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة الزهراء البتول، والحسن بن علي سيد الجماعة، وهو الذي دفع الفرقة عن المسلمين، والذي كف سيف القتل قبل أن يودي بحياة الألوف المؤلفة فيما بعد صفين. حسن الذي صان الجماعة بعدما كادت سيوف المؤمنين تثلمُ من جده حمل الشريعة وابتنى صرح العدالة لا يضرجه دمُ يقول أحد الناظمين: وقسموا الحديث عن جد الحسن إلى صحيحٍ وضعيفٍ وحسن فـ الحسن هذا هو الحسن بن علي، أدرك الرسول عليه الصلاة والسلام ومات عليه الصلاة والسلام وعمر الحسن خمس سنوات، منظر الرسول صلى الله عليه وسلم في دمه وعينيه وقلبه: من زار بابك لم تبرح جوانحه تروي أحاديث ما أوليت من مِننِ فالعلم عن قرة والكف عن صلةٍ والقلب عن جابرٍ والسمع عن حسنِ

النبي يمنع الحسن بن علي من أكل الصدقة

النبي يمنع الحسن بن علي من أكل الصدقة رباه صلى الله عليه وسلم على الطهر وفطرة الله، أتى يأكل تمرة -والحديث في الصحيحين - من تمر الصدقة، وتمر الصدقة لا يحل لأهل البيت؛ لأن أهل البيت أطهار أبرار لا يأكلون أوساخ الناس، فأتى يأكل التمر فقال صلى الله عليه وسلم: {كخْ كخْ} ولفظها المحدثون: كخٍ كخٍ ولفظها أهل اللغة كخٍ كخْ، يعني: اترك اترك، فالتفت الطفل إلى جده سيد البشرية، قال: {أما تعلم أن الصدقة لا تحل لنا، إنما هي أوساخ الناس}.

الحسن يصلح بين فئتين من المسلمين

الحسن يصلح بين فئتين من المسلمين كان يخطب عليه الصلاة والسلام -والحديث في صحيح البخاري من حديث أبي بكرة رضي الله عنه- كان يخطب صلى الله عليه وسلم الجمعة واندفع يتحدث في الخطبة فأتى الحسن -هذا السيد سيد الجماعة- وعمره خمس سنوات وثوبه طويل يعثر بين الصف تارة ويقوم تارة، ولا يلتفت له المصلون؛ لأنهم كلهم آذانهم للمصطفى صلى الله عليه وسلم، فنزل صلى الله عليه وسلم من على المنبر، وتخطى الصفوف، واحتضن الحسن وقبَّله ووضعه بجانبه، وقال وهو يتبسم ويلتفت إلى الجماهير: {إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين}. فصحت نبوته عليه الصلاة والسلام فنشأ سيداً مطاعاً، فلما التقى جيش العراق مائة ألف وجيش الشام ثمانون ألفاً، والسيوف مصلتة والرماح، يريد الحسن ومعاوية الخلافة، قام الحسن فتنازل بالخلافة إلى معاوية فبيض الله وجهه. هذا هو الحسن الذي صان الجماعة، وجمع الكلمة، وابتنى داراً عند الله عز وجل بتنازله، عن ملك الدنيا: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5]. كان صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث الصحيح- والحسن على ميمنته والحسين على ميسرته فيقبِّل هذا تارة ويقبِّل هذا تارة، ويقول: {اللهم إنهما ريحانتاي من الدنيا}. هذا الحسن بن علي رضي الله عنه وأرضاه يروي هذا الحديث وله أحاديث ملاح حسان؛ لأنه ما استمر به الحال فيروي كثيراً، وله حديث: {دع ما يريبك إلى ما لا يريبك} ويروي أيضاً هذا الحديث البديع الذي معنا هذه الليلة.

معنى قوله: (اللهم)

معنى قوله: (اللهم) أما قوله (اللهم) فأصلها ياألله، حذفت ياء النداء، وأضيفت الميم اختصاراً واستدراجاً في الدعاء، حتى تكون لذيذة: إني إذا ما حادث ألما أقول يا اللهم يا اللهما ولفظ الجلالة (الله) هو أعظم اسم لله، قالوا: هو الاسم الأعظم، والصفات تضاف إليه، فيقال: الله القدير، الله الرحمن، الله الرحيم، وابتدأ به سُبحَانَهُ وَتَعَالى في كتابه فقال: باسم الله، ولا تعرف العرب هذا الاسم في لغتها، وقيل مشتق وقيل جامد، ولا يهمنا إلا أنه اسم وعى المحاسن والفواضل، والصفات العظيمة. أتى إليه سيبويه في الكتاب العظيم: الكتاب فقال: الله: لفظ الجلالة علم لا يحتاج إلى تعريف، قالوا: فغفر الله له بهذا التعريف، فالله مجمع المحاسن. ومما اشتق، قيل: من ولَهَ، إذا تحير، لأن العقول تحتار في الله، فيصل العقل إلى درجة أن يحتار، فالعقول مشدوهة أمام قدرة الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وقيل: من أله إذا سكن واطمأن: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] فلا تطمئن القلوب إلا إلى الواحد الأحد، ولا تطمئن إلى غيره، لا إلى مال أو منصب أو عشيرة، ولكن تطمئن إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وقيل: إنه غير مشتق وإنه ركب هكذا وسمي به سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فهذا الاسم. (وقل: اللهم): يعني ياألله، يا ذا الجلال والإكرام، ويا ذا المحاسن. وقيل: يا من تألهه القلوب، وقيل: يا من يستحق العبادة، وكان ابن عباس يقرأ في القرآن: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف:127] وهذه هي القراءة المشهورة: وقرأ ابن عباس: {وَيَذَرَكَ وَإلاهَتَكَ} [الأعراف:127] وإله وآلهة مما يعبد، فالله عز وجل هو المستحق للعبادة ليس إلا هو، وبعث الأنبياء لإثبات العبادة لله، فتوحيد الأنبياء الذي اجتمعوا عليه، هو توحيد الألوهية؛ لأن الأمم أخفقت في توحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، والربوبية بعضهم أو جملتهم يقرون به.

أمور تتعلق بالهداية

أمور تتعلق بالهداية قوله صلى الله عليه وسلم: (اهدني).

الهداية عامة وخاصة

الهداية عامة وخاصة أولاً: الهداية عامة وخاصة. فأما الهداية العامة فهي هداية الخلق للخليقة: أن يهدي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كل مخلوق لما يريده ويحتاجه، فهدى الطفل لثدي أمه، والنملة إلى جحرها، والنحلة إلى خليتها، والطائر أن يأخذ رزقه، والثعبان أن يعيش، والسمك ألا يخرج من الماء، وهدى كل شيء، ولذلك احتج موسى ودمغ فرعون بهذه الكلمة: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:49 - 50] قال الزمخشري: لله دره من جواب. إذ لم يأت له بكلام مشترك، إذ لو قال: ربي عليم، لقال فرعون: وأنا عليم؛ لأن صفة العلم صفة مشتركة بين الخالق والمخلوق، والله أعظم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. لكن قال: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] فهذه هداية عامة للخليقة، حتى تجد الكافر، يهتدي للأكل والنوم، ويهتدي لرفع الثدي لطفله، وهذا أمر مشترك. والهداية الخاصة: هداية المؤمنين، وهي الهداية إلى الصراط المستقيم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] الذي من معالمه: أنه موصل وقريب ومتعين ومسلوك، وله إمام وهو الذي نطالب الله بلهفة وحرارة في كل ركعة أن يهدينا الصراط المستقيم.

لماذا يطلب الرسول الهداية؟

لماذا يطلب الرسول الهداية؟ والهداية يطلبها عليه الصلاة والسلام وهذا فيه إشكال عند أهل العلم، قال بعضهم: لماذا يقول عليه الصلاة والسلام: اللهم اهدني، وقد هداه الله بل هدى به: إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا بل هو مهدي عليه الصلاة والسلام وهو الذي هدى الله به القلوب، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] فلماذا يقول: اللهم اهدني؟ أما اهتديت أما وصلت المنزلة العلية؟! قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإنما يطلب عليه الصلاة والسلام الهداية؛ لأن الهداية منازل ودرجات وأعلاها وآخرها: منزلة الوسيلة، التي يطمع صلى الله عليه وسلم أن يبلغها وسوف يبلغها بإذن الله، ولذلك نقول نحن بعد الأذان: {اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد}. فآخر ما يصل إليه هو هذه الدرجة، فهو يتمناها في كل لحظة. وجواب ثان: أن العبد يزداد هداية كل يوم، فالرسول عليه الصلاة والسلام يطلب من الله أن يزيده هداية، فالهداية تتجزأ وهي درجات. وجواب ثالث: أن طرق الهداية كثيرة كعدد الأنفاس، وإذا لم يهدك الله عز وجل في كل لحظة وحركة وسكنة؛ لا تهتدي، فيطلب عليه الصلاة والسلام من ربه أن يهديه وأن يزيده هداية.

الهداية المجملة والهداية المفصلة

الهداية المجملة والهداية المفصلة وهناك هدايتان، الهداية المجملة: أن يهتدي الإنسان للإسلام وأركان الإسلام والإيمان، فهذا مهتد في الجملة، مثل الأعراب والمقصرين من المؤمنين والأميين الذين لا يعلمون إلا مجمل الإسلام. والهداية المفصلة: هداية أولياء الله؛ الفقهاء في دينه، الذين يعلمون الحكم بدليله، ويعلمون جزئيات الدين، ويكتشفون أسرار الدين، فهذه هداية مفصلة. ومثلها كرجل رأى بيتاً فعرف البيت من خارجه، أبواب البيت ونوافذه ومخارجه ومداخله، فيقولون في هذا: هذا عرف البيت معرفة مجملة، أما المعرفة المفصلة فكأن تعرف طول البيت وعرضه وسمكه وارتفاعه، ومادته ومداخله الخارجية، وأبوابه الداخلية ودواليبه، فهذه هي الهداية المفصلة، فالدين مثل ذلك.

الكتاب والسنة طريق الهداية

الكتاب والسنة طريق الهداية وأما قوله: ما هي طرق الهداية؟ فليس للعبد في طرق الهداية إلا الآيات الشرعية التي أتت على يد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، والهداية بالآيات الكونية؛ والآيات الكونية وحدها لا تكفي وقد عرف الكفار أن هناك رباً مدبراً خالقاً: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه} [لقمان:25] وهذا لا يكفيهم حتى أتت الرسل فأخبرتهم أن هناك إلهاً محاسباً قديراً حكيماً رحيماً فهدوهم. ولذلك تساءل أبو المعالي الجويني صاحب علم الكلام وهو شافعي: ما هو أول واجب على المكلف؟ قال -وهذا في فتح الباري ينقله ابن حجر الجهبذ الحافظ- قال: أول واجب على المكلف النظر والاستدلال، أن ينظر في الكون وأن يقرأ معالم الوحدانية وكتابي الفضاء أقرأ فيه صوراً ما قرأتها في كتابي وهي قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز معلقاً على كلام هذا الرجل: لا. بل أول واجب على المكلف أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهو الصحيح عند أهل السنة، لا النظر أو الاستدلال، لقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم} فأول واجب: أن تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله. السابع: لا يهتدي العبد إلا على يد الرسل عليهم الصلاة والسلام، فلا يهتدي على يد المناطقة أو علماء الكلام أو الفلاسفة أو الأطباء أو مشايخ الصوفية ولكن: يهتدي عن طريق الرسل، وخاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، وهداية لا يأتي عليها خاتم المدنية وشارة محمد صلى الله عليه وسلم وعلم أبي القاسم؛ فلا حياها الله ولا بياها، ونسبوا للأستاذ الشهرستاني، صاحب كتاب الفرق أنه تحير في آخر حياته، وقيل: هذا للبغدادي، وقيل لـ ابن الخطيب، الذي يهمنا أن أحد الثلاثة قال هذه الأبيات، لما حضرته الوفاة تحير؛ لأن علمه منطق وفلسفة، ليس فيه (قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم) فقال وهو نادم حائر: لعمري لقد طفت المعالم كلها وقلبت نفسي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم وقد رددت عليه ببيتين، والشهرستاني يسمى عند علماء الكلام الأستاذ، وكان مشهوراً، فكان إذا دخل خراسان يستقبلونه على مرحلتين، قلت: لعلك يا أستاذ زرت أحمدا رسول الهدى المبعوث من خير هاشم فوالله لو زرته الدهر مرة لما كنت نهباً للقصور القشاعم واجتمع البطائحية بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقالوا: تعال نعلمك من علومنا، قال: لا. علم لا يخرج من كيس محمد صلى الله عليه وسلم لا أريده. فالمناهج كلها ضالة إلا منهجه عليه الصلاة والسلام، والشرائع كلها منسوخة إلا شريعته عليه الصلاة والسلام: ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب فهو الحاشر وهو العاقب وهو الذي نسخ الله به الشرائع، وهو المهتدي والهادي وهو الحجة: في كفك الشهم من حبل الهدى طرف على الصراط وفي أرواحنا طرف فكن شهيداً على بيع النفوس فما تحوي الضمائر منا فوق ما نصف سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا وأما قوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة:13] فليس فيه حجة للجبرية الذين قالوا: العبد مجبور، يقولون لأحدهم: لماذا لا تهتدي؟ قال: لو شاء الله أن يهديني لاهتديت، وقال المشركون: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} [الأنعام:148] قال: فاحتجوا بحجة هي عليهم فقال الله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام:149] وقال أحد الزنادقة -عليه غضب الله- لما قالوا: إبليس لم يسجد، قال: من إبليس؟! من الذي أغوى إبليس؟! من هو شيطان إبليس؟! يقول: إذا كان غوى إبليس فمن هو شيطانه. وقال زنديق آخر: وكنت امرأً من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي يقول: كنت تلميذاً عنده فأغواني، حتى صرت أكثر منه فأصبح من جندي، وقال زنديق ثالث: نصب اللحم للبزاة على ذروتي عدن ثم لاموا صبابتي في فتون من افتتن لو أرادوا صيانتي حجبوا وجهك الحسن يقول: كيف يخلق الله وجهاً حسناً ويأمرنا ألا ننظر إليه؟! فإذا نظرنا وافتتنا؛ لامنا. فهو يعترض على الله، وقال ابن الراوندي وعنده كسرة خبز يأكلها وكان فقيراً فيلسوفاً ملحداً، ألف كتاب الدامغ على القرآن وقد وقف على النهر فمر مولى عنده خيول وجمال وبقر، قال: لمن هذه الخيول والجمال والبقر؟ قالوا: لفلان العبد، فالتفت إلى السماء، وقال: أنا فيلسوف الدنيا تعطيني كسرة خبز، والعبد هذا تعطيه هذه الخيل والبقر والغنم ثم رمى بالكسرة في النهر، فكان أهل السنة يترجمون له فيقولون: الكلب المعفر، الذي اعترض على قدرة الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وقال زنديق رابع: أيا رب تخلق أغصان رند وألحاظ حور وكثبان رمل وتنهى عبادك أن يعشقوا أيا حكم العدل ذا حكم عدل {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام:149] أما الرد على هؤلاء، فيقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة:13] فلو شاء الله أن يهتدي من في الأرض؛ لهداهم جميعاً بكلمة كن، ولكن بيَّن طريق الخير، وبيَّن طريق الشر، ولم يجبر أحداً على الضلالة وقال: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3] وقال: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] وبين طريق الجنة وطريق النار، وأنزل الكتب وأرسل الرسل، ونصب الصراط على النار، وخلق جنة وناراً، وخلق حواساً للعبد، ثم تركه لينظر ماذا يرى، وإلا ففي علمه سبحانه أنه يعلم من يضل ومن يهتدي. الثاني: نرد عليهم بمنطوق الواقع، فنقول: أنت لا تقبل من زوجتك أو غلامك إذا احتجوا عليك بالقضاء والقدر، فلو قام ابنك وضربك على وجهك كفاً، فقلت له: لمَ ضربتني؟ قال: قدر الله أن أضربك، لما قبلت قوله، ولذلك رد عمر على السارق لما سرق، قال: [[لمَ سرقت؟ قال: قدر الله علي أن أسرق، فقطع يده عمر فقال: لمَ قطعت يدي؟ قال: قدر الله علي أن أقطع يدك]]. وهذه هي الحجة البالغة: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام:149].

حقيقة الهداية في الجنة

حقيقة الهداية في الجنة وأما قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن المؤمنين لما سكنوا مساكن الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43] فقال عامة المفسرين: الحمد الذي هدانا لطريق الجنة بالعمل الصالح فاهتدينا، وقال غيرهم: الحمد لله الذي هدانا منازلنا فعرفناها في الجنة، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {للمؤمن في الجنة أدل بمنزله منه في الدنيا} فيدخل المؤمن في الجنة فيعرف منزله، تلك المنازل: فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم وحملها جهد المحب وإنه ليضعف عن حمل القميص ويألم لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتنا إن غبتم أو حضرتم قال: فالمؤمن يهتدي إلى منزله، كيف يهتدي؟ لأن الجنة واسعة عرضها السماوات والأرض، ومنزلك قد يكون في أقصاها، وأقل من يسكن الجنة له عشرة أمثال الدنيا، فيهتدي إلى منزله دون أن يعرف أو يدل، وذلك بهداية الله سبحانه، والصحيح أن: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} [الأعراف:43] أي: للعمل الذي أدخلنا الجنة، فإن الجنة تدخل برحمة الله وتنزل بالأعمال، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] فظاهر الآية أنه يدخل الجنة بالعمل، بينما قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام لما قال: {لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته} قال ابن القيم: والجواب بين الآية والحديث أن الدخول في الجنة لا يكون إلا برحمة الله، ولا يدخل أحد بعمله، وأما النزول في المنازل والدرجات فبالأعمال، وهذا هو الصحيح المعتبر.

وقفة مع معاني: العفو والعافية

وقفة مع معاني: العفو والعافية وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (وعافني في من عافيت) فإن هناك نعيماً في الدنيا ونعيماً في الآخرة، فنعيم الدنيا عافية، ونعيم الآخرة عفو، فلا يتم نعيم الآخرة إلا أن يعفو الله عن ذنوبك، ولا يتم نعيم الدنيا إلا بأن يعافيك الله في جسدك. قالوا لأحد الأطباء: ما هي السعادة؟ قال: أن تعافى، وقالوا لأحد الحكماء: ما هي السعادة؟ قال: عافية في الدنيا وعفو في الآخرة، وعند أحمد في المسند أن العباس قال: {يا رسول الله! علمني دعاءً أدعو الله به، قال: قل: اللهم إني أسألك العفو والعافية} وقال له مرة: {يا عم! سل الله العفو والعافية} فما أوتي العبد بعد العفو خيراً من العافية في الأبدان، فالمريض لا قرار له، ولا صحة ولا عافية له، ملكوا الدنانير والقصور فمرضوا فما وجدوا لها حلاوة، فالمريض لا نعيم له. كان الجاحظ الكاتب الشهير، والبلاغي النحرير، المعتزلي مريضاً وعنده الدنانير التي أعطاه الخلفاء، فيدخل عليه الزوار بأكياس الذهب والفضة، ويقولون: خذ من الخليفة، فيتقلب ويبكي ويقول: أترجو أن تكون وأنت شيخ كما قد كنت في عصر الشباب لقد كذبتك نفسك ليس ثوب جديد كالبلي من الثياب يقول: ماذا أريد بها وأنا في هذا المستوى وفي هذا المرض، وكان أحد أدباء خراسان، يطلب المال في العشرين والثلاثين والأربعين من عمره، فما وجد درهماً واحداً، وكان فقيراً، فلما بلغ الثمانين استدعاه الخليفة وولاه الكتابة وأعطاه راتباً، وجارية له، فبقي يبكي في الليل فقال له أبناؤه: مالك تبكي؟ فنظم قصيدة قال: ما كنت أرجوه إذ كنت ابن عشرينا ملكته بعد أن جاوزت سبعينا تطوف بي من بنات الترك أغزلة مثل الضباء على كثبان يبرينا يحيين بالحب ميتاً لا حراك به وهن يقتلن بالتسعين تسعينا قالوا أنينك طول الليل يزعجنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا

الفرق بين المغفرة والعفو

الفرق بين المغفرة والعفو قال صلى الله عليه وسلم: {العفو والعافية} العافية في البدن، والعفو في الآخرة. أيها الإخوة: الفرق بين المغفرة والعفو أن المغفرة أخص والعفو أعم، وذلك كقول الإنسان للطالب: غفرت لك، فمعناها: أنك سامحته من العقاب، ولكنك قد تكون عاتباً عليه، وإذا قلت: عفوت عنك، فمعناه: أنك غفرت له العقاب ولم تعتب عليه، وهذا هو الصحيح، قالوا: عفا الملك، يعني: لم يعاتب ولم يعاقب، وقالوا: غفر أي: لم يعاقب وربما عاتب.

منزلة العفو

منزلة العفو وأما قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] فهي ثلاث منازل للأولياء. المنزلة الأولى: منزلة الكظم: أن تكظم غيظك عن الناس لكنك قد تحمل في قلبك عليهم غلاً وحسداً وحقداً، وهذه منزلة لا بأس بها. المنزلة الثانية: منزلة أن تعفو عنهم، فلا تعاتبهم ولا تؤذيهم، وهذه منزلة ثانية أحسن. والمنزلة الثالثة: والله يحب المحسنين، أن تعفو عنهم ولا تؤذيهم ولا تحمل عليهم، وتنفعهم وتهدي لهم. وقف خادم على رأس هارون الرشيد ومعه إبريق يصب منه ماءً حاراً، فسقط الإبريق من الخادم على رأس هارون الرشيد، وهو ماء حار كاد أن يذهب صفحة وجهه، فالتفت مغضباً وحوله الأمراء والوزراء والجيش، فقال الخادم وكان ذكياً: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران:134] قال: قد كظمت، قال: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:134] قال: عفوت عنك، قال: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] قال: أعتقتك لوجه الله، ذكر ذلك صاحب البداية وصاحب العقد الفريد.

تفسير قوله تعالى: (عفا الله عنك)

تفسير قوله تعالى: (عفا الله عنك) وأما قوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة:43] فهو رفع العتب، فالرسول صلى الله عليه وسلم اعتذر المنافقون عنده فصدقهم عليه الصلاة والسلام وقَبِل ظاهرهم، فقال الله: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة:43] قالوا: رفع للعتب، يعني: لا نعتب عليك: إن جرى بيننا وبينك عتبٌ وتولتْ بنا عليك قصار فالدموع التي عرفت كثار والدموع التي صحبت غزار فالمعنى: عفا الله عنك لا نعاتبك، أما العقاب، فالرسول صلى الله عليه وسلم بعيد منه؛ لأن الله يقول: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:2] إنما لا نعاتبك، لأنه ورد: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس:1] وهذا عتاب، وأما في المنافقين فقال: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة:43] قال أهل التفسير: والملحة في الجملة -يعني: الطريف في الجملة- أنه قدم العفو قبل أن يتكلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أحد القراء يقرأ ويبكي فيقول: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة:43] ثم يقف، ثم يقول: {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة:43] ولو نزل جبريل فقال للرسول صلى الله عليه وسلم: {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة:43] لخاف الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قال: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة:43] فما يأتي بعدها سهل، فقال: {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة:43] هذا هو الوجه البلاغي والملحة في الجملة. وأما قوله: {اللهم إني أسألك العفو والعافية} فإنه من أفضل الدعاء، وهو من جوامع الدعاء، وهناك دعاءان اثنان أوصي نفسي وإياكم بهما، الأول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] والثاني: {اللهم إني أسألك العفو والعافية} فهما يجمعان المحاسن.

أقسام الولاية

أقسام الولاية وأما قوله: {وتولني في من توليت} فإن الولاية ولايتان: ولاية عامة، وولاية خاصة، فولايته العامة هي لعامة المؤمنين، بما فيهم الظالمين لأنفسهم: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:32]. وأما الولاية الخاصة فهي: ولاية لأحبابه وأوليائه أهل الليل والتهجد والدعوة والبذل والعطاء، وأهل الغيرة على محارم الله، ونصرة طلبة العلم ونصرة العلماء، والكتاب والسنة، فهؤلاء لهم ولاية خاصة.

الولي عند الصوفية

الولي عند الصوفية والولاية ما هي؟ صفة الولي عند الصوفية: هي من صافى فصوفي، وكافى فكوفي. وقال غيرهم: الولي من يلبس العباء ويجلس في الخفاء. وقال غيرهم: الولي من تراه بين الناس كأنه دعي، وتراه بين الأدعياء وكأنه ولي. وهذه خزعبلات لا تجدي، والتعريف الصحيح هو قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:55 - 56].

كيف تعرف ولي الله

كيف تعرف ولي الله وكيف يعرف الولي؟ قالوا: بإقامته للفرائض وتزوده من النوافل، وباجتنابه الكبائر والصغائر، والصحيح أن هذا فيه نظر، وأن الأولياء على قسمين -كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -: مقتصد، وسابق بالخيرات. فالسابق بالخيرات من يأتي بالفرائض والنوافل ويجتنب الكبائر والصغائر، وهذا في حديث البخاري الذي رواه أبو هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بأحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه} فانظر كيف قسمهم إلى قسمين؟! وأما المقتصد: فمن يأتي بالفرائض وربما ترك المستحبات، ومن يترك الكبائر وربما وقع في الصغائر، فهذان قسمان في الأولياء.

ولاية الله تنال بالعبودية لله

ولاية الله تنال بالعبودية لله وولاية الله لا تنال إلا بالعبودية، قال ابن القيم في مدارج السالكين: من أراد السعادة الأبدية فليلازم عتبة العبودية، ولا تنال الولاية إلا بطاعة الله. والأولياء ليس لهم أنساب، بل نسبهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وسببهم: آية: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وبيوتهم: المساجد، وعصيهم التي يتوكئون بها ويهشون بها على أغنامهم: لا حول ولا قوة إلا بالله، وترسهم الذي يحاربون به في المعارك: حسبنا الله ونعم الوكيل، وأحذيتهم: الصبر، وزادهم: الفقر، وإمامهم: محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا قال: الله أكبر، قالوا: الله أكبر، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، قالوا: ربنا لك الحمد، وأصحابهم وأصدقاؤهم سلمان وأبو عبيدة وعمار ومصعب، قال: {دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها}. فهؤلاء أولياء الله عز وجل، اسمهم: أهل السنة، قيل لأحد السلف: من هم أهل السنة؟ قال: الذين ليس لهم اسم إلا أهل السنة، قال مالك: السنة سفينة نوح، من ركب فيها سلم، ومن تخلف عنها غرق أو هلك.

مسائل تتعلق بقوله: وبارك لي فيما أعطيت

مسائل تتعلق بقوله: وبارك لي فيما أعطيت أما قوله صلى الله عليه وسلم: {وبارك لنا فيما أعطيت} فبارك من مادة برك، يعني: كثر، تقول: تبارك الماء يعني: كثر.

معنى تبارك الله

معنى تبارك الله ويقال لله عز وجل بدون تعدية للفعل: تبارك الله، تبارك الله رب العالمين، يعني: تنزه عن النقائص والعيوب، وقال: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1] تنزه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. والبركة تدخل في الشيء فتجعل القليل كثيراً، والبركة تدخل الجسم فتجعل الضعيف قوياً، وتجعل الذليل عزيزاً، وتجعل البعيد قريباً، والبركة مادة إكسير الحياة، وهي مثل الحب، إذا وضعت في شيء نما وزاد بإذن الله وهي بركة من الله، والبركة إذا نزعت من الشيء لا ينفع كثيره فيصبح خبيثاً، ولا ينفع قويه فيصبح ضعيفاً، ولا ينفع قريبه فيصبح بعيداً، وتتقطع به الحبال. فالبركة من الواحد الأحد، ينزل الغيث بلا بركة فيسيل ماءً لا ينتفع به، وتنزل البركة في الماء القليل فيصبح مدراراً غزيراً وينتفع به.

الهداية أعظم عطاء من الله

الهداية أعظم عطاء من الله فيقول: {وبارك لي فيما أعطيت} والعطاء من الله: عطاء معنوي، وعطاء حسي، وأعظمها عطاءً: الهداية، وعطاء الابن والزوجة، وعطاء المسكن واللباس. قال: {وبارك لي فيما أعطيت} فإذا لم يبارك الله عز وجل؛ لا ينفع مال ولا ولد ولا زوجة ولا مسكن، وإذا نزعت البركة أصبح العبد مطروداً عن باب الواحد الأحد، فعلى العبد أن يطلب من الله البركة، ولا يطلب الكثرة بلا بركة، فإنها لا تنفع ولا تجدي، فقد كان كثير من الفجرة والطغاة والخونة على مر التاريخ ولا زالوا؛ يملكون القصور، والدور والملايين والسيارات، ويلعبون بالشيكات، ومع ذلك نزع الله البركة من أموالهم، فما استفادوا منها لا في دنيا ولا آخرة، ولا رفعوا بها معلماً، ولا حاربوا بها أعداء الله، ولا نصروا بها الدين، ولا أنفقوها في سبل الخير، إنما أنفقوها في أغنية ماجنة، أو مطاردة صيد، أو لهو ولعب، أو خمر وسهر، فهذا من نزع البركة -والعياذ بالله- وربما تحمل أنت درهماً واحداً أو ريالاً واحداً، أجدى عند الله ممن يحمل الليلة مليوناً؛ لأنها نزعت منها البركة.

تقدير الله للخير والشر

تقدير الله للخير والشر وأما قوله: {وقني شر ما قضيت} فالله عز وجل هو الذي كتب الخير والشر، والمانوية قالت: إله الخير النهار، وإله الشر الليل، والمانوية فرقة شمالية شرقية، كانت تسكن فيما يقارب وراء نهر سيحون وجيحون من حدود الصين إلى قرب الاتحاد السوفيتي. وهذه الفرقة ضالة كافرة، تعبد الليل والنهار، فالنهار والنور عندهم إله الخير، والظلمة إله الشر، فرد الله عليهم في أول سورة الأنعام فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] تقول المانوية: من قاتل في الليل لا ينتصر، وتوصي ملوكها: ألا تقاتل في الليل، وسيف الدولة الحمداني كان والياً في الشمال، قاتل في الليل فغلب الروم أربع عشرة مرة في الليل، فحياه المتنبي -شاعره- وقال: فكم لظلام الليل عندك من يد يحدث أن المانوية تكذب يقول: كم أهدى لك الليل من نصر، وهذا يكذب ما تقول المانوية، فهي تقول: لا تنتصر، وأنت انتصرت أربع عشرة مرة. فرد الله عليهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى بأنه خلق الليل والنهار والظلمة والنور، والسماوات والأرض.

حكم نسبة الشر إلى الله

حكم نسبة الشر إلى الله فهل ننسب الشر إلى الله! في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: {والخير بيديك، والشرك ليس إليك} وما أحسن هذا الكلام! الخير بيديك وكلتا يديه يمين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهي ملأى سحاء في الليل والنهار لا يغيضها منذ خلق السماوات والأرض، قال صلى الله عليه وسلم: {أرأيتم ما أنفق الله منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض} وفي بعض الروايات: {إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر}. قال: {والشر ليس إليك} فالذي قدر الشر والخير هو الله، لكن لا ينسب الشر إلى الله؛ لأنه من تقديره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالنسبة إليه خير محض، فهو لا يكتب الشر، لكن قد يكون شراً بالنسبة للعبد، ولذلك انظر إلى تأدب الجن، لما أرادوا أن ينسبوا الشر قالوا: (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن:10] فما أحسن المبني للمجهول! قال أحد البلاغيين: لله دركم! حتى أنتم تدركون اللغة العربية. وقال سيد قطب في الظلال عند قوله: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} [الجن:1]: عجباً! حتى الجن يتذوقون القرآن، حتى أنتم تعيشون مع هذه الأسرار البلاغية، ولذلك قال: قالت الجن لما جلسوا في المناصب والمقاعد يستمعون وينظرون إلى الشهب وهي تحرق المردة، قالوا: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن:10] تغير الكون، كنا نستمع الكلام فاحترقنا الآن، ولا ندري ما حدث في الكون، قال ابن عباس: اجتمع الجن في نصيبين، فقال شيخهم: انتشروا في الأرض فقد وقع الليلة شيء في الأرض، ما هو الذي وقع؟ هل هو اكتشاف القنبلة الذرية؟ أو بركان أو نزول أبولو على سطح القمر؟ أو انشقاق البحر؟ لا: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} [النبأ:1 - 2] إنه رجل أمي خرج من الصفا في مكة يقود البشرية إلى جنة عرضها السماوات والأرض. فقالوا: أُريد، وهي من أجمل ما أتى! قال: {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن:10] فهنا أتى بالفاعل وهناك جعل الفعل مبنياً للمجهول وحذف الفاعل. وقال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء:78 - 79] فقال: خلقني الله، ورزقني الله، ويطعمني الله، ويهديني الله، ويسقيني الله، قال: (وإذا مرضت) فالذي يمرض هو الله، ولكن ما قال: والذي أمرضني، فاستحيا من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وقال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80] قالوا: عليك السلام أيها الخليل كيف تأدبت بأدب الخلة! كذلك يقول أيوب عليه والسلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83] ولم يقل مسستني بضر، ولم يقل: أنا مريض أو أمرضتني، بل قال: مسني الضر، ويقول: لا أدري من أين جاء هذا الضر -في ظاهر الخطاب- مع العلم أنه يدري أنه لا يمسه إلا الله عز وجل، وهذا من باب التأدب.

الحكمة من تقدير الشر

الحكمة من تقدير الشر فقال: {وقني شر ما قضيت} قال أهل العلم من أهل السنة: قد يكون القضاء في حق العبد شر بالنسبة إليه، وأما بالنسبة لقضاء الله المطلق سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولقضائه الشرعي الأمري فهو خير كله، فتبارك الله رب العالمين. حتى يتساءل بعض الزنادقة، يقول: ما الفائدة من خلق الذباب والبعوض؟ وما الفائدة من خلق الشوك والطلح الذي لا ثمر فيه؟ وما الفائدة من خلق البحار المالحة، التي مثل بحيرة طبرية؟ وأبو جعفر قال له طبيب وكان زنديقاً: إذا دخل عليك أحد العلماء، فحاول أن تبكته، وقل له: لماذا خلق الله الذباب؟ فدخل ابن السماك الواعظ -واعظ المسلمين- على الخليفة، فجلس وجلس العلماء حول أبي جعفر، فساق الله ذباباً من الكبار، فوقع على أنف أبي جعفر المنصور، فوقع على أنف الخليفة وأحرجه أمام الناس، فقال بالذباب هكذا فطار، ثم رجع إلى قواعده سالماً على أنف أبي جعفر. وأبو جعفر هذا يذبح الملوك كذبح الشياه، قد ذبح أعمامه الأربعة، وذبح أبا مسلم الخراساني، وذبح هرثمة بن أعين، وكان يتصيدهم كصيد الغزلان، داهية من دهاة الدنيا، ومن النادر أن تجد في التاريخ مثله، فهو صنديد من أبناء ابن عباس، حكم الدنيا، وهو الذي بنى مدينة السلام وكان عالماً جهبذاً، يرتجل الخطبة، ولا يفكر في الموضوع إلا إذا جلس على المنبر. فأتى الذباب وأحرجه أمام الناس، فأخذ يضرب بيده اليسرى مرة وباليمنى مرة، فقال: يا بن السماك! لماذا خلق الله الذباب؟ قال ابن السماك: ليذل به أنوف الطغاة. وهذا من أحسن ما قيل! فلله الحكمة البالغة، وقد يكون من أسرار خلق الذباب أن يذل الله به أنوف الطغاة، فإن بعضهم تجده لا يستطيع أن ينظر إلى البشر، وكأنه من طينة أخرى، لا يلتفت إلى الناس ولا يتكلم معهم، وإذا جلس في المهرجان أو العرض العسكري، أتى الذباب وجلس على أنفه، يعني ضاقت الدنيا إلا على هذه القواعد والمطارات الجاهزة.

بيان معنى قوله: (إنك تقضي ولا يقضى عليك)

بيان معنى قوله: (إنك تقضي ولا يقضى عليك) قوله: {إنك تقضي ولا يقضى عليك} يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:41] اسمع اللطافه، يقول: إذا حكم سُبحَانَهُ وَتَعَالى لا معقب لحكمه، لأن أهل الدول والنظم، يبقى التوقيع الأخير لأكبر مركز في الدولة، فإذا وقع عليه لا يجوز لأحد أن يوقع بعده، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:41] يقول: فإذا وقع على قضية وأنهاها، فلا يأتي أحد من البشر سواء من الملوك أو الجبابرة، ولا من الأكاسرة والقياصرة، يوقع عليه بعده، وإن وقع عليه فالنار مثواه: {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [الرعد:41]. ولذلك سمى ابن القيم كتابه: إعلام الموقعين، ومعناها: الموقعين عن رب العالمين، فلا يوقع عن الله في الأرض إلا العلماء: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] فهم يوقعون عن الله الفتاوى، ولذلك فتيا أهل العلم توقيع عن الله. وقوله: {إنك تقضي ولا يقضى عليك} فلا يقضي على الله أحد: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29] والناس لا يدرون! تجد الإنسان يسرح ويمرح وقضى الله عليه أن يموت بعد لحظة! تجده في سلطان وقضى الله عليه أن يُخلع بعد وقت، فلا يدري. قال ابن القيم عند قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29] يُغني فقيراً ويجبر كسيراً، ويعافي مبتلى، ويشافي مريضاً، ويرد غائباً، ويميت حياً، ويخلع ويعزل هذا، ويولي ويملك هذا، ويغني هذا ويفقر هذا: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]. فالصحف تصعد وتنزل، والملائكة تعمل، وسفراء الوحي واقفة، والسماء في أمر عجيب، والأرض في نبأ غريب، ومع ذلك لا يلهيه شأن عن شأن. أنا أمام الله فرد واحد، يدري بحياتي ومستقبلي ومعاشي من دقيقة وجليلة، وأنت وكل رجل منذ أن خلق الله آدم إلى قيام الساعة، ثم يخلقهم ويرزقهم ويعافيهم ويبتليهم ويحاسبهم، بل أعظم من ذلك: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59].

حقيقة العزة

حقيقة العزة وأما قوله: {إنه لا يذل من واليت} فيقول بعض العلماء: من انتسب إلى الله أعزه بلا عشيرة، ونصره بلا قوة، وأيده بلا تأييد أرضي، وهؤلاء يسمون: المنتسبون إلىالله، ويسمون: الربانيون، ويسمون: المحمديون، أو الأحمديون، أو المؤمنون أو أولياء الله.

السلف والعزة

السلف والعزة وقال: {إنه لا يذل من واليت} فمن والى الله لا يذل أبداً، وقد تأتيه ضربات ومصائب لكن قالوا: لا يذل، وتأتيه كوارث قالوا: لا يذل وتأتيه حوادث، قالوا: لا يذل. قال أبو إسماعيل الهروي مؤلف منازل السائرين الذي يسمى شيخ الإسلام وشيخ خراسان قال: عرض عليه من الكرب ما لا يعلمه إلا الله، وأتت عليه من المشكلات ما تدلهم به الليالي السود، يقول: كنت إذا ضاقت الضوائق أضع خدي على التراب وأقول: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:6] فيكشف عني الله الغمة، قال وهو يتحدث عن نفسه: والله! لقد عرضت على ملك خراسان خمس مرات، يعرض علي السيف ويضع السيف بين أذني فأقول: يا كافي! فيكفيني الله. وخرج ابن تيمية من سجن الإسكندرية، فقالوا: الناس يريدون قتلك وتمزيقك، فنفخ في كفه وقال: والله كأنهم الذبان عندي: رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصب تدبير معتصم بالله منتقم لله مرتقب في الله مرتغب فهذا يقول: إنه لا يذل من واليت.

أعداء الله لا يجدون العزة أبدا

أعداء الله لا يجدون العزة أبداً وقوله: {ولا يعز من عاديت}: أما من عادى الله فلا يعز أبداً، تقول لي: أناس يعادون الله مع أننا نراهم في عزة، ونراهم في صولة وصولجان وأبهة، ونراهم في مظهر عظيم، دندنة وهمهمة ومع ذلك هم أعداء لله، قال الحسن البصري مجيباً على هذا السؤال، وقد مر به ابن هبيرة أحد الأمراء وقد لبس حريراً وعنده بغال وموكب، قال: [[والله! إن ذل المعصية في قلوبهم ولو هملجت بهم البراذين، وطقطقت بهم البغال، أبى الله إلا أن يذل من عصاه]]. ف A قال أهل السنة: هؤلاء الذين يظهرون بالعزة وهم أعداء لله أو عصاة لله في قلوبهم انكسار وخوف لا يعلمه إلا الله، فقلوبهم مكسورة من داخل، فيها حقارة وشناعة مستترة: من تداجي يا بن الحسين أداجي أوجهاً تستحق ركلاً ولطما

قصة عطاء مع سليمان بن عبد الملك

قصة عطاء مع سليمان بن عبد الملك فمعنى: {لا يعز من عاديت} أنه لا يجد العزة أبداً، فالعزة محصورة لله ولرسوله وللمؤمنين، وهذه العزة يجدها العبيد والموالي في أبسط صور الحياة. عطاء بن أبي رباح مفتي مكة، كان مولى مفلفلاً مهلهلاً أعتق من امرأة، فأتى سليمان بن عبد الملك يريد أن يستفتيه قال لـ سليمان: انتظر مع الناس حتى يأتي دورك، فقال سليمان لأبنائه: تعلموا العلم واتقوا الله، فوالله! ما أذلني أحد من الناس إلا هذا العبد هذا اليوم. لماذا؟ {إنه لا يعز من عاديت} ولماذا؟ {إنه لا يذل من واليت} وهذا أمر معلوم بالفطر والأخبار والواقع والتاريخ: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62]. قال وزاد: {وصلى الله على النبي عليه الصلاة والسلام} ونحن نصلي عليه دائماً، فالدعاء لا بد أن تطعمه بالصلاة عليه، وهذه رواية يضعفها بعض العلماء ولكن: المعنى صحيح، فالصلاة تقدم في أول الدعاء وفي أوسطه وآخره، صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحاكم وابن حبان: في رواية الحسن: {علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود} والمعنى: في آخر ركعة إذا رفعت من السجود وقلت: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، حمداً طيباً مباركاً فيه، أن ترفع يديك ثم تبدأ بهذا الدعاء العطر، وإذا كان معك أناس وأنت تدعو بهم، فقل: اللهم اهدنا في من هديت، وعافنا في من عافيت، وهو من أجمل الدعاء! ولا يصوغه إلا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يستطيع لهذه الجوامع من الكلم إلا هو، فإنه غذي بهدي النبوة صلى الله عليه وسلم وشرب رحيقها، وعاش في حديقتها، وابتنى دارها، فهو يقول: {أوتيت جوامع الكلم وفواتحه وخواتمه، واختصر لي الكلام اختصاراً} أما حديث: {أنا أفصح من نطق بالضاد} فلا يصح: {بيد أني من قريش} لا يصلح، بل هو أفصح من تكلم بالضاد عليه الصلاة والسلام وأفصح الناس جميعاً. وفي هذا تتجلى أسرار البلاغة والعمق في كلامه عليه الصلاة والسلام، فإنك إذا قارنت كلامه بكلام غيره، بان لك الخلل والبون الشاسع، فانظر كيف حوى سعادة الدنيا والآخرة في هذه الكلمات! فبدأ بالهداية، ثم الولاية، ثم الرعاية، ثم الكفاية، ثم أتى صلى الله عليه وسلم بالعافية، ثم ذكر الأبدان، ثم الأموال، ثم ذكر المستقبل في الآخرة، ثم أمر الدنيا، ثم ختم عليه الصلاة والسلام بالصلاة عليه ليرتفع الدعاء.

أصناف المهتدين

أصناف المهتدين أما قوله: {اللهم اهدني في من هديت} فإن الله هدى أربعة أصناف من الناس لا خامس لهم، والذي لا يسلك مسلكهم فليس من الهداية في شيء: الأنبياء، والشهداء، والصديقون والصالحون. أما الأنبياء والرسل فهم قادة العالم، وهم الذين يسيرون سفينة الحياة، ويوصلون الخلق بالخالق، وهم الذين يعلِّمون أسرار الوحي للبشرية، وهؤلاء انتهى أمرهم وخاتمهم وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لك أن تقول: اللهم اجعلني من الأنبياء أو الرسل، فإن هذا من التعدي في الدعاء. وأما الصديقون: فهم أناس كدرجة أبي بكر الصديق، أصبحت أنفاسهم لله، ودموعهم ودماؤهم وأموالهم لله، فليلهم ونهارهم لله، فهم لله، فبه يسمعون، وبه يبصرون، وبه يبطشون فهم كلهم: حركاتهم وسكناتهم لله: يطالب بالأوراد من كان غافلاً فكيف بشهم كل أيامه ورد إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم وقال آخر: متيم بالندى لو قال قائله هب لي فديت كرى عينيك لم ينم وقال آخر في معالي الدنيا فكيف بمعالي الآخرة: أتاني المعالي وهو ضيف أحبه فأطعمته لحمي وأسقيته دمي وهذا من الأولياء كما فعل أبو بكر الصديق، فإنه أطعم الإسلام لحمه، وسقى الإسلام دمه، وكان في كل لحظة مع الإسلام فالإسلام أبو بكر وأبو بكر هو الإسلام، فأصبح صديقاً، رجف جبل أحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فقال: {اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد} فكان النبي هو صلى الله عليه وسلم، والصديق أبو بكر، والشهيد عمر وعثمان. وأما الشهداء فأناس أتوا إلى الله عز وجل بأرواحهم في أكفهم، فباعوها في سوق الربح، بأغلى الأثمان، فعوضهم الله الجنة، وجازاهم أنه يكلمهم كل جمعة في الجنة، وهم يجلسون إما على منابر من نور أو على كثبان المسك، فيخاطبهم مباشرة ويتعرض لأيامهم في الدنيا، فيذكرهم بأيامهم وأزواجهم وأبنائهم في الدنيا كل يوم جمعة، وهو يوم المزيد. وأما الصالحون فهم: المصلون، الصائمون، العاكفون على طاعة الواحد الأحد، أولياء الله الذين يحبون دينه وأولياءه وينصرونه ويغضبون له، ويغتاظون على محارمه، ويحبون أن ينتشر الإسلام، وأن ترتفع كلمة الله، أما غيرهم فخاسرون. وانقسم الناس أمام الهداية في قوله: {اهدنا فيمن هديت} إلى أربعة أقسام: الأول: قوم فعلوا المأمور وتركوا المحذور وهم أولياء الله. الثاني: قوم فعلوا المأمور والمحذور وهم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً. الثالث: قوم تركوا المأمور والمحذور وهم الصابئة والمجوس. الرابع: قوم تركوا المأمور وفعلوا المحذور وهم الزنادقة والملاحدة. هذا في مسألة: {اهدنا في من هديت}.

كيفية زيادة الهداية

كيفية زيادة الهداية وأما مسيرة اهدنا في من هديت، فهي تبدأ من نوح عليه الصلاة والسلام، بل قال أهل العلم: من آدم عليه السلام. والله عز وجل وصف نفسه أنه على صراط مستقيم، فقال: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:56] فهو الذي يهدي ومنه الهداية: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] ولتعلم أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم في أمور التشريع: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] ثم قال له: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56] قال أهل العلم: أي: تدل وترشد وتنصح، تقول الجنة من هنا والنار من هنا، الصلاة والمسجد هنا، والمصحف هنا، مع العلم أنك لا تهدي، أي: لا توجه القلوب، فالذي يوجه القلوب هو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهو الذي يرشدها ويدلها. ومن اللطائف أيضاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً يصعد في درجات الكمال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: العبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات. فأنت لا تفكر باليوم، فربما تكون الليلة ناقص الإيمان، وربما يكون إيمانك مزعزعاً، ربما تكون عندك شهوات وشبهات، ولكن انتظر يوم تسقي شجرة قلبك بماء الطاعة، كيف تأتي أكلها كل حين بإذن ربها، وانتظر مستقبلك بعد عشر سنوات أو مثلها، فـ أبو بكر لما أسلم لم يكن مثله لما مات، يوم أسلم كان يعرف مجمل الدين، فلما مات كان صديقاً من الصديقين الكبار، وهكذا يبدأ الإيمان يزرع، ويسقى بماء التوبة، وسماع الدروس وحضور المحاضرات وحب الصالحين، ويسقى بماء الغضب لله عز وجل والوقوف مع (لا إله إلا الله) بماء الانتصار لـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] بماء الغضب على العصاة والفجرة والمردة والفسقة الذين يعادون لا إله إلا الله والعلماء والصالحين والدعاة، فهذه إذا سقيتها آتت أكلها كل حين. {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الفتح:29] قالوا: زرعوا لا إله إلا الله؛ فأتت بالصلاة والزكاة والصيام والحج، فلما أخرجت شطأها واستوت: آزرت بالنوافل وحب الصالحين، وبالدعوة، وبالفقة في الدين، فلما آزرتها بالثمار، آتت بحلاوة لا إله إلا الله محمد رسول الله وهو الموت في سبيل الله، فلما أتت الحلاوة ذاقوها، قال صلى الله عليه وسلم: {ذاق طعم الإيمان: من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً}. واختلفوا بين الذوق والحلاوة، قالوا: الحلاوة تأتي بثلاث وهي في أصل الثمرة، يقول صلى الله عليه وسلم: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان} وقال عند مسلم من حديث العباس: {ذاق طعم الإيمان} فاختلف أهل السنة من الشراح هل يذوق الحلى قبل أن يذوق الوجد أم لا، والصحيح أن الحلى آخر شيء، وأن من بلغ منزلة: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان} وعسى أن يكون هناك محاضرة لشرح هذا الحديث الضخم العجيب: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواها، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار} متفق عليه من حديث أنس. فالمقصود هنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ غاية الولاية لله عز وجل، وغاية المنزلة، وفي قوله طلب الهداية وأنه سيد المهتدين، رداً على طوائف: كطائفة الصوفية الغلاة، الذين قالوا: إن الولي أعظم من النبي، وكذبوا -لعنهم الله-. وبعض الناس قالوا: الأئمة معصومون وهم أفضل من الأنبياء -عليهم غضب الله- بل الأنبياء أفضل عباد الله، فقد اصطفاهم الله واختارهم واجتباهم وجعلهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى قدوة وصفوة للناس. هذه من منازل الهداية ومن منازل: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] وتحتاج: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] إلى كلمة ومحاضرة وشرح عن هذه الكلمة المباركة وعن الصراط وعن المستقيم ومن هم سالكوه ومن هو إمامه، وهل هناك سبل أخرى؟ وما صفات هذه السبل؟ وكيف يتجنب العبد هذه السبل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153]. {اللهم اهدنا في من هديت، وعافنا في من عافيت، وتولنا في من توليت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت} وزاد بعض العلماء: {اللهم لك الحمد على ما قضيت، ولك الشكر على ما أعطيت} إلى غيره من الدعاء، ولكن وقف الحديث الحسن إلى هذا المعنى الحسن، وهي جمل باهرة في معالم التوحيد، وعلى العبد إذا أراد أن يوتر في الليل أن يستفتح وتره بهذه الكلمات بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يزيد ما شاء الله له من الكلام الطيب العجيب، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا للحسن أن يحبوه، فلم يكن صلى الله عليه وسلم يملك دنيا ولا ديناراً ولا درهماً، وليس عنده توزيع المناصب، ولكن عنده توزيع الهدايا: المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء أتته فاطمة ابنته، أمُّ هذا الرجل الصحابي الذي معنا - أم الحسن - أتته في ظلام الليل فقالت: {يا رسول الله! عندك سبي -والسبي الخدم والجواري من بعض المعارك- فأعطني خادماً يخدمني، فردها إلى البيت ثم زارها وزار علياً -والحديث في الترمذي - قال: ألا أدلكما على خير لكما من خادم؟ قالا: بلى. قال: إذا أتيتما مضجعكما -يعني في النوم- فسبحا ثلاثاً وثلاثين، وتحمدان الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبران أربعاً وثلاثين فذلكما خير لكما من خادم} فانظر كيف وجههم إلى الذكر. وجاءه العباس يسأله مالاً وعمه العباس هو جد الدولة العباسية، جد ستة وثلاثين خليفة، ملكوا ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، يريد مالاً، قال: {يا عم! ألا تريد أن أحبوك؟ قال: بلى، قال: قل: اللهم إني أسألك العفو والعافية}. وعند الترمذي أن أعرابياً أتى عنده جمل وعليه عيبة، يريد أن يملأه تمراً وزبيباً ودقيقاً، فقال: {يا رسول الله! أريد سفراً؟ فزودني} ولم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فالنبي عليه الصلاة والسلام الذي فتح الدنيا لأتباعه، وفتح القصور والذهب والفضة، مات وهو لم يشبع من كسرة خبز، وما شبع من طعام بر ثلاث ليالٍ متتابعات، تقول عائشة: {والذي أخذ رسوله عليه الصلاة والسلام، ما شبع صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متتابعة من خبز بر، وإنه كان يمر بنا الهلال والهلالان لا يوقد في بيته صلى الله عليه وسلم نار -يعني ما يجدون شيئاً يطبخونه- قالوا: فما طعامكم؟ قالت: الأسوادن: التمر والماء} ومع ذلك مات في هذه الحالة. فأتى هذا الأعرابي فقال: {أريد سفراً؟ فزودني، قال: زودك الله التقوى -فترك طلب الزاد لما سمع هذا الكلام- وقال: زدني، قال: وغفر ذنبك، قال: زدني، قال: ويسر لك الخير حيثما كنت} وهذه من أجمل ما قيل! ومن يستطيع أن يصوغ هذه العبارات، فلم يحضر لها صلى الله عليه وسلم ولا أعد، ولكن: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4 - 5]. أيها الإخوة: هذه محاضرة (اللهم اهدنا فيمن هديت) ونسأل الله عز وجل لنا ولكم الهداية والتوفيق، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

هل تتكرر هذه المخيمات؟

هل تتكرر هذه المخيمات؟ Q في العام الماضي حجزنا مع مخيمات السبعان، ووجدنا راحة عجيبة في هذه المخيمات، لما فيها من توجيه، وما فيها من ثقافة ووعي، وما فيها من علم نافع وفقه وصحبة للصالحين، فهل تتكرر هذه المخيمات في هذه السنة، والحج فيها للمنطقة الجنوبية؟ A الذي أعلمه أنها سوف تتكرر هذه المخيمات، وقد وجهت دعوة لبعض الدعاء: ووافقوا على مصاحبة هذه الرحلة، ووافق الشيخ سعيد بن مسفر، وأكون كذلك معه، وكذلك -إن شاء الله- الشيخ أحمد القطان، في هذه القافلة ولا أدري هل بدءوا الآن بالالتقاء بالناس الذين يريدون الحج، أم لا؟ وسوف تكون قافلة -إن شاء الله- تتوجه من أبها إلى مكة، وسوف يكون هناك برنامج ثقافي ودروس ووعظ، وعسى الله عز وجل أن ينفع بها، فهي مخيمات للسبعان، موجود مقرها في أبها، بجانب مسجد النمصاء، مسجد الشيخ سعيد بن مسفر.

كتاب في التربية النبوية

كتاب في التربية النبوية Q تفتقر المكتبة الإسلامية العربية اليوم إلى الاهتمام بالجانب التربوي المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما هو تعليقكم على هذا؟ وهل هناك كتب في الساحة توصي بها طلاب العلم وشباب الإيمان؟ A نعم أيها الإخوة: إن جانب التربية النبوية لم يكن عندنا فيه ما يغطي ذلك النقص الكبير الذي عاشه المسلمون، وعاشه طلاب العلم في الجامعات والمدارس، ولكن -الحمد لله- الآن ورد خير كثير، وفضل عميم، ومن أحسن ما رأيت وطالعت، بحكم أنه طلب مني أن أنظر في هذا الكتاب وأقدمه، وكذلك قدمه فضيلة الشيخ عبد الرحيم الطحان، وبعض الدعاة. كتاب: دروس تربوية نبوية، وهذا لأحد الأساتذة الدعاة من مدينة أبها، وهو الأستاذ صالح أبو عراد الشهري مدرس في الكلية المتوسطة، كلية المعلمين، وكتابه قد نزل الآن في المكتبات، وسوف تجدون فيه تربية الرسول وهديه صلى الله عليه وسلم التربية النبوية ودروس تربوية نبوية، هديه صلى الله عليه وسلم في كل دقيقة وجليلة، وأظن في الكتاب ما يقارب عشرين درساً، وهي ممتعة كل المتعة، وتغني عن كتب هؤلاء التي ليس فيها تربية، بل فيها هدم للتربية وهدم للسلوك وللعقل؛ لأنها تخالف الوحي. فالحمد لله الذي جعل منا من يكتب في هذه الموضوعات، ويستلهم رشده من الكتاب والسنة، ويسد هذا الجانب.

حقيقة إيليا أبو ماضي وقصيدة للشيخ عائض

حقيقة إيليا أبو ماضي وقصيدة للشيخ عائض Q ما رأيك في الشاعر إيليا أبو ماضي؟ A هذا شاعر نصراني من المسيحيين اللبنانيين، وله الخمائل والجداول ثلاثة دواوين، وله ترب وترب، وهذا الشاعر نصراني -كما قلت- منحرف، وله قصائد تعارض لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفيها تهكم بالشرع، وهو صاحب: جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!! ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!! كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري!! ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!! وهو صاحب البيت السائر المشهور، وهو في شعره قوة يقول: أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم لا تقبح الدنيا وفيها أنتم ومطلع القصيدة: لم تشتكي وتقول إنك معدم والأرض ملكك والسما والأنجم وله قصيدة أخرى قال: قلت ابتسم ولئن جرعت العلقما على كل حال أغنانا الله عنه وعن شعره بما آتانا من شعراء الإسلام، ومن شعراء الوحي، وبالمناسبة أنا أتلو عليكم قصيدة هنا حتى يختم وكان ابن عباس يرى أن يختم المجالس بمثل هذه الملح، وقال العراقي: واستحسنوا الإنشاد في الأواخر يعني في أواخر المجلس أن ينشد فيه شيء من الشعر، وهذه القصيدة عنوانها: (محمد في فؤاد الغار) وهو الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب الكلام هذه الليلة والمنهج الرباني: محمد في فؤاد الغار يرتجف في كفه الدهر والتاريخ والصحف مزمل في رداء الطهر قد صعدت أنفاسه في ربوع الكون تأتلف من الصفا من سماء البيت جلله نور من الله لا صوف ولا خزف والكفر يا ويحه غضبان من أسف لم يبقه الحقد في الدنيا ولا الأسف ولا حمته سيوف كلها كذب في صولة الحق والإيمان تنقصف أتى الرسول إلينا والربى جثث مطمورة وعليها يضحك القرف والظالم المارد المعتوه محترم جماجم الجيل في أسيافه نطف نجوع نأكل موتانا وسهرتنا أكل الضياع وليل أحمر دنف جباهنا قبله تحنو إلى حجر وحفنة من لفيف التمر نعتلف أعرابُ! ويحكم ماذا يقيمكم قومية ليس في آنافها أنف على موائد كسرى كسرت همم من العروبة واندكت لنا كتف فأشرقت بسمات الوحي وانقشعت تيجان من قتلوا الأحرار واعتسفوا وحررت من بلاد الحق مهجته وضل ما نسج الباغون واقترفوا وعاد أعظم قد لفت عمامته على الشريعة يحويها ويلتحف أنا الجزيرة في عيني عباقرة الفجر والفتح والرضوان والشرف أنا الجزيرة في أعماقها رقدت أشلاء أحمد تحوي نورها الغرف أنا الجزيرة بيت الله قبلتها وفي حمى عرفات دهرنا يقف جبريل يروي لنا الآيات في حلل من القداسات والأملاك قد دلفوا من السماوات تهمي كل غادية على ديار بنوها بالعلا شغف سكان دار العلا رواد كعبتها حجاب وجه الحيا والحق قد عرفوا من الحثالات طهرنا مرابعها هزت مدافعنا الباغين فانصرفوا وغسلت أدمع الأبرار تربتها الدر يبقى ويفنى الطين والخزف الساكبون دماء الحق ما ظمئت روح ومن دمنا الموار تغترف والساجدون ونجم الليل يشهد ما أضعنا فيه كمن غنوا ومن عزفوا وقاتلت معنا الأملاك في أحد تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا أكفانهم بدماء البذل قد صبغت الله أكبر كم في ساحها هتفوا أملاك ربي بماء المزن قد غسلوا جثمان حنظلة والروح تختطف وكلم الله من أوس شهيدهم من غير ترجمة زيحت له السجف العرش يهتز من هول ومن حزن لـ سعد إذ سُفراء الوحي قد وقفوا وسدرة المنتهى غريدة بسمت لأمة الضاد تهمي عندها التحف لا اللوح ينسى ولا التاريخ يغفل عن مسيرة النور تروي مجدها السقف سل المجرة هل نامت على حلم أحلى لها يوم أعلى نجمها السلف وسل سهيلاً مع الزهراء هل نظرت أبهى من الثلة الأخيار يوم صفوا كل البرايا على أصنامها عكفت وقومنا عند بيت الله قد عكفوا جبلة العدل نيطت في تمائمنا إذا تظاهر دجال ومحترف وهالة النور شعت بين أضلعنا وغيرنا عن سناء النور قد ضعفوا ثوب من الهدي والفاروق ينسجه فيه صلاح ومأمون ومنتصف هل أذن الفجر إلا في منائرنا والشرق والغرب بالطغيان ملتحف ذابت عيون وأسماع وأفئدة حباً لمن حبه في الغار مكتنف اقرأ فأنت أبو التعليم رائده من بحر علمك كل الجيل يغترف إن لم تصغ منك أقلام معارفها فالزور ديدنها والظلم والصلف تاريخنا أنت أمهرناك أنفسنا نمضي على قبسات منك أو نقف على جماجمنا خُضْ كل ملحمة أغلى الرءوس التي في الله تقتطف في كفك الشهم من حبل الهدى طرف على الصراط وفي أرواحنا طرف فكن شهيداً على بيع النفوس فما تحوي الضمائر منا فوق ما نصف اللهم صل وسلم وبارك عليه، صلاةً وسلاماً تعرضها الآن عليه في الروضة، وتبلغه سلامنا الآن وأشواقناوتحياتنا جزاء ما قدم لهذه المسيرة، ولهذه الأمة والملة، جزاء ما رفع من هذه الرءوس التي كانت مخفوضة، وشرح من هذه الصدور التي كانت ضيقة، وبصر من هذه العيون التي كانت عمياً، وأسمع من هذه الآذان التي كانت صماً. أيها الإخوة: هذا الدرس -إن شاء الله- سوف يستمر مساء كل سبتٍ -ببركة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وعونه- وهناك درس مساء كل جمعة سبق أن أعلن عنه في جامع الملك فهد، ولكن أطلب منكم هذه الجمعة التوقف، حتى ينسق مع مكتب الدعوة بـ أبها. وأما هذا الدرس فسوف يستمر -إن شاء الله- حتى يأتي إعلان آخر عن درس مساء الجمعة، وسوف يكون في مادة التفسير بإذن الواحد الأحد، ويبدأ من أول سورة الفاتحة، فنسافر نحن وإياكم مع كتاب الله عز وجل، عله أن يكون نوراً لنا في القبور، ونوراً لنا يوم الحشر والنشور، وممضياً لنا على الصراط، ودافعاً لنا إلى الجنة بحول الواحد الأحد، أشكركم شكراً لا ينتهي، وأسأل الله أن يثيبكم على هذا الحضور، وأن يكرمكم بكرامة مدخرة عنده، وأن يكافئكم لحضوركم هنا، وترككم أعمالكم وأشغالكم وارتباطاتكم، ومشاغل الدنيا، وأعمالها وهمومها، وكلامها؛ لتجلسوا هنا في روضة تحفكم الملائكة، وتغشاكم السكينة، ويباهي الله بكم ملائكته الآن في السماوات العلى: {يا ملائكتي! انظروا عبادي أتوني يريدون ذكري وتسبيحي أشهدكم أني غفرت لهم}. فأسأل الله أن يتمم لكم هذا الأجر، ويكافئكم جزاء ما أتيتم، وغيركم أتى إلى البارات، ومجالس اللهو، والأندية الحمراء والضياع، والملاعب اللاهية، وإلى الوتر والعود، فأنتم خير فريق وأزكى عملاً وأصوب رأياً، وأسدد منهجاً وأعلى سنداً: هم القوم يروون المكارم عن أب وجدٍ كريم سيد وابن سيد وهزتهم يوم الندى أريحيةٌ كأن شربوا من طعم صهباء صرخد {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران:193]. اللهم من جلس في هذا المجلس يريد رضاك، وجنتك ورحمتك ويريد أن يتفقه في الدين، وأن يستمع الموعظة، فأثبه واشرح صدره ويسر أمره، واستره في الدنيا والآخرة، وارفع منزلته، ومن جلس في هذا المجلس مستمعاً لا قاصداً وإنما رأى قوماً جلسوا فجلس فأدخله في كرامة هذا المجلس، فإنك قلت: {هم القوم لا يشقى بهم جليسهم} فلا تخرج من هذا المجلس شقياً ولا محروماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

صبر الرسول صلى الله عليه وسلم

صبر الرسول صلى الله عليه وسلم يجب على المسلم أن يجعل له شخصاً يقتدي به، وخير من يقتدى به المسلم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعل الله لنا نحن المسلمين من نقتدي به، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. وإن مما يقتدى به عليه الصلاة والسلام في جوانب حياته: جانب الصبر، فقد تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لأشياء لو حصلت لأحدنا لانهار أمامها، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم صبر لأن الله يقول له: (فاصبر صبراً جميلاً). وفي هذا الدرس تفصيل لبعض مواقف صبره عليه الصلاة والسلام.

الصبر في القرآن

الصبر في القرآن الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، الحمد لله عبوديةً واعترافاً، الحمد لله استخذاءً وذلة، والصلاة والسلام على معلم البشرية، وهادي الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، صلى الله وسلم على محمد ما اتصل مرأى بنظر، وما اتصلت أذنٌ بخبر، وما هتف وُرْقٌ على شجر، وما نزل المطر، وما تلعلع الظل على الشجر، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أشهد أن لا إله إلا الله، على رغم من تجبر وكفر، وعلى رغم من جحد واستكبر، وعلى رغم من بعُد وتنكر. أيها المسلمون! بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم مولاي صلِّ وسلم ما أردت على نزيل عرشك خير الرسل كلهم لا يزال الحديث عن جانب من جوانب عظمته صلى الله عليه وسلم؛ وعظمته تبهر العقول، وتخلب الألباب، وتحير الأفكار. إنه عظيم لأنه عظيم، وإنه صادقٌ لأنه صادق، بنى رسالة أرسى من الجبال، وأسس مبادئ أعمق من التاريخ، وبنى جداراً لا يخترقه الصوت. إنه صلى الله عليه وسلم حيثما توجهت في عظمته وجدت عظمته. فهيا بنا إلى جانب الصبر في حياته صلى الله عليه وسلم. ذكر الصبر في القرآن في أكثر من تسعين موضعاً؛ مرةً يمدح الله الصابرين، ومرةً يخبر الله بثواب الصابرين، ومرةً يذكر الله عزوجل نتائج الصابرين، يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. إذا رأيت الباطل يتحدى، وإذا رأيت الطغيان يتعدى {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. إذا قلَّ مالك، وكثر فقرك وعوزك، وتجمعت همومك وغمومك {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. إذا قتل أصحابك، وقلَّ أحبابك، وتفرق أنصارك {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. إذا كثر عليك الأعداء، وتكالب عليك البغضاء، وتجمعت عليك الجاهلية الشنعاء {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. إذا وضعوا في طريقك العقبات، وصنفوا لك المشكلات، وتهددوك بالسيئات، وأقبح الفعلات {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. إذا مات أبناؤك وبناتك، وتفرق أحباؤك وأقرباؤك: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. فكان مثالاً للصبر عليه الصلاة والسلام.

صور من صبره عليه الصلاة والسلام

صور من صبره عليه الصلاة والسلام سكن في مكة فعاداه الأقرباء والأحباء، ونبذه الأعمام والعمومة، وقاتله القريب قبل البعيد؛ فكان من أصبر الناس. افتقر، واشتكى، ووضع الحجر على بطنه من الجوع، وظمأ؛ فكان من أصبر الناس.

موت أقاربه صلى الله عليه وسلم

موت أقاربه صلى الله عليه وسلم مات ابنه بين يديه؛ وعمر ابنه سنتان، فكان ينظر إلى ابنه الحبيب القريب من القلب، ودموع المصطفى صلى الله عليه وسلم الحارة تتساقط كالجمان، أو كالدر على خد ابنه، وهو من أصبر الناس يقول: {تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون}. ماتت خديجة امرأته، وزوجته العاقلة الرشيدة، الحازمة، المرباة في بيت النبوة، التي كانت تؤيده وتنصره، ماتت وقت الأزمات، ماتت في العصر المكي، يوم تألبت عليه الجاهلية، وكانت ساعده الأيمن، يشتكي إليها من كثرة الأعداء، ومن الخوف على نفسه، فتقول: {كلا والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتعين الملهوف، وتقري الضيف، كلا والله لا يخزيك الله أبداً} فتموت في عام الحزن، فيكون من أصبر الناس؛ لأن الله يقول له: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. تجمع عليه كفار مكة؛ أقاربه وأعمامه، فرصدوا له كميناً ليقتلوه وليغتالوه، فدخل داره، وأتى خمسون من الشباب، كل شابٍ معه سيفٌ يقطر دماً، وحقداً، وحسداً، وموتاً، فلما طوقوا داره كان من أصبر الناس، خرج من الدار، وهم في نعاسٍ وسبات، فحثا على رءوسهم التراب؛ لأن الله يقول له: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5] ولما حثا التراب على رءوسهم وكانوا نياماً؛ تساقطت سيوفهم من أياديهم، والرسول عليه الصلاة والسلام يتلو عليهم: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9].

ملاحقة قريش للنبي صلى الله عليه وسلم

ملاحقة قريش للنبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى غار ثور؛ ليختفي من الأعداء، فتألب عليه الأعداء، وتجمعوا، وصعدوا على سطح الغار، ونزلوا في ميمنة الغار، وأحاطوا بميسرته، وطوقوه، وأرادوا أن يدخلوا الغار؛ فسلط الله وسخر عنكبوتاً وحماماً فعششت تلك وباضت تلك: ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحمِ عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطمِ فما دخلوا الغار، يقول أبو بكرٍ وهو في الغار مع المصطفى: {يا رسول الله، والله لو نظر أحدهم وهو فوق الغار إلى موطن قدميه لرآنا} فيتبسم عليه الصلاة والسلام -يتبسم الزعيم العالمي، والقائد الرباني، الواثق بنصر الله- ويقول: {يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما} ويقول: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] وهي دستورٌ للحياة. إذا ظمئت وجعت، فلا تحزن، إن الله معك. وإذا مات أبناؤك وبناتك، فلا تحزن، إن الله معك. وإذا أرصدت في طريقك الكوارث، والمشكلات، فلا تحزن، إن الله معك. فكان عليه الصلاة والسلام من أصبر الناس. ويخرج من الغار، ولا يدري الكفار أنه كان في الغار؛ فينسلُّ إلى المدينة، وليتهم تركوه بل يعلنون عن جائزةٍ عالميةٍ لمن وجده، جائزة الدمار، والعار، وقلة الحياء والمروءة، مائة ناقةٍ حمراء لمن يأتي به حياً، أو ميتاً؛ فيلاحقه سراقة بن مالك بالرمح والسيف؛ فيراه صلى الله عليه وسلم، والرسول يمشي على الصحراء جائعاً، ظمآناً، فارق زوجته، وفارق بناته، وفارق بيته، وفارق جيرانه وأخواله، وأعمامه وعمومته، ليس له حرس ولا جنود، لا رعاية ولا موكب، وسراقة يلحقه بالسيف، فيقول أبو بكر: [[يا رسول الله والله لقد اقترب منا]] فيتبسم عليه الصلاة والسلام مرةً ثانية؛ لأنه يعلم أن رسالته سوف تبقى ويموت الكفار، وسوف تبقى دعوته حية، ويموت المجرمون، وسوف تنتصر مبادئه وتنهزم الجاهلية، فيقول: {يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما}. ويقترب سراقة، فيدعو عليه صلى الله عليه وسلم، فتسيخ أقدام فرسه، ويسقط، وينادي في فرسه فيقوم ويركب ويقترب، فيدعو عليه فيسقط، فيقول: يا رسول الله! أعطني الأمان، ويطلب أن يحقن دمه، والسيف معه وذاك بلا سيف، فرَّ من الموت وفي الموت وقع: يا حافظ الآمال أنت حميتني ورعيتني وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني فيعطيه أماناً، يصل إلى المدينة ويشارك في معركة بدر، فيجوع حتى يجعل الصخرة والحجر على بطنه. يا أهل الموائد الشهية! يا أهل التُخم والمرطبات! والمشهيات والملابس! رسول الإنسانية وأستاذ البشرية، يجوع حتى ما يجد دقل التمر وحشف التمر: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. تموت بناته الثلاث، واحدة تلو الأخرى، تموت الأولى فيغسلها ويكفنها، ويعود من المقبرة وهو يتبسم: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. وبعد أيام تموت الثانية، فيغسلها ويكفنها، ويعود وهو يتبسم {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. تموت الثالثة؛ فيغسلها ويكفنها ويدفنها، ويعود وهو يتبسم {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. يموت ابنه إبراهيم فيغسله ويكفنه ويدفنه، ويعود وهو يتبسم. عجباً من قلبك الفذ الكبير، لأن الله يقول له: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5].

صبره في غزوة أحد

صبره في غزوة أحد يشارك في معركة أحد، فيهزم أصحابه، ويقتل من قرابته، ومن سادات أصحابه، ومن خيار مقربيه سبعون رجلاً أولهم حمزة، عمه، سيفه الذي بيمينه، أسد الله في أرضه، سيد الشهداء في الجنة. ويقف على القتلى في معركة أحد، وينظر إلى حمزة وهو مقتولٌ مقطع، وينظر إلى سعد بن الربيع وهو ممزق، وأنس بن النضر، وأولئك النفر؛ فتدمع عيناه، وتسيل دموعه الحارة على لحيته الشريفة، ولكن يتبسم {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. ويعود عليه الصلاة والسلام، فيرسل قادته إلى مؤتة في أرض الأردن ليقاتلوا الروم؛ فيُقتل الثلاثة القواد في ساعةٍِ واحدة؛ زيد بن حارثة وجعفر الطيار ابن عمه، وعبد الله بن رواحة، ويراهم وينظر إليهم من مسافة مئات الأميال، ويرى أسرّتهم تدخل الجنة من ذهب فيتبسم وهو يبكي {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5].

صبره في غزوة الأحزاب

صبره في غزوة الأحزاب يتجمع عليه المنافقون، والكفار، والمشركون، واليهود، والنصارى، ويحيطون بـ المدينة، فيحفر الخندق، فينزل إلى الخندق، ويرفع الثوب، وعلى بطنه حجران من الجوع، فيضرب الصخرة بالمعول؛ فيتفجر شظى النار في الهواء؛ فيقول: {هذه كنوز كسرى وقيصر، والله لقد رأيت قصورهما، وإن الله سوف يفتحها عليَّ} فيضحك المنافقون، ويقولون: ما يجد أحدنا حفنة من التمر، وهو يبشرنا بقصور كسرى وقيصر، فيتبسم؛ لأن الله يقول له: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. وبعد خمسٍ وعشرين سنة، تذهب جيوشه وكتائبه من المدينة فتفتح أرض كسرى وقيصر، وما وراء نهر سيحون وجيحون، وطاشقند، وكابول، وسمرقند، والسند، والهند وأسبانيا ويقف جيشه على نهر اللوار، وعلى شمال فرنسا، لماذا؟ لأن الله يقول له: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. يأتيه ابن عمه: وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهند فيدخل على الرسول عليه الصلاة والسلام على معلم الخير، على هادي البشرية؛ فيتبسم، ولا يقول كلمة، ولا يغضب، ولا يتغير وجهه: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. يأتي أبو جهل فيأخذ ابنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، طفلةٌ وديعة، أذكى من حمام الحرم، وأطهر من ماء الغمام، فيضربها على وجهها، ضربه الله، فيتبسم عليه الصلاة والسلام، ولا يقول كلمةً واحدةً: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. يأتي الأعرابي من الصحراء فيجرجره ببردته، ويسحبه أمام الناس، وهو يضحك: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. أيُّ صبرٍ هذا؟!! إنها والله دروس لو وعتها الأمم لكانت شعوباً من الخير، والعدل، والسلام، لكن أين من يقرأ سيرته؟!! أين من يتأمل معانيه؟!!

صبره وزهده في الدنيا

صبره وزهده في الدنيا تمر عليه الثلاثة الأيام والأربعة في بيته، فلا يجد ما يشبع بطنه لا يجد التمر، ولا يجد اللبن، ولا يجد خبز الشعير، وهو راضٍ برزق الله وبنعيم الله: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. ينام على الحصير، ويؤثر الحصير على جنبه، وينام على التراب في شدة البرد، ولا يجد كساءً: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. بيته من طين؛ إذا مد يده وصلت إلى السقف، وإذا اضطجع فرأسه في جدار، ٍ وأرجله في جدار، لأنها دنيا: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. فرعون على منبر الذهب، وفي إيوان الفضة، ويلبس الحرير، وكسرى في عمالة الديباج، وفي ميزانية الدرر والجواهر، ومحمد صلى الله عليه وسلم، على التراب: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. أتى جبريل بمفاتيح خزائن الدنيا، وسلمها إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقال: {أتريد أن يحول الله لك جبال الدنيا ذهباً وفضة؟ قال: لا. أشبع يوماً وأجوع يوماً حتى ألقى الله}. حضرته سكرات الموت، قالوا: تريد الحياة؟ تريد أن تبقى؟ ونعطيك ملكاً عظيماً مثل ملك سليمان أو يقاربه، قال: {لا. بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى}. أيُّ عظمةٍِ هذه العظمة!! أي إشراقٍ هذا الإشراق! أي إبداعٍ وروعةٍ هذا الإبداع والروعة!! بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

الصبر الجميل

الصبر الجميل الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة.

ما هو الصبر الجميل

ما هو الصبر الجميل يقول الله له: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} [المزمل:10] ما هو الصبر الجميل الذي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصبره؟ الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه، أن تصبر ولا تشتكي إلى أحد، فالشكوى إلى الله، ولا يرفع الضر إلا الله، ولا يجيب دعاء المضطر إلا الله، ولا يغنيك من الفقر إلا الله، ولا يشافيك من المرض إلا الله، ولا يجبر مصيبتك إلا الله، فلذلك كان عليه الصلاة والسلام لا يشكو همومه وغمومه إلا على الله.

الصبر الجميل في مرضه صلى الله عليه وسلم

الصبر الجميل في مرضه صلى الله عليه وسلم دخل عليه ابن مسعود رضي الله عنه، قال: {فوجدت الرسول صلى الله عليه وسلم مريضاً على الفراش} سيد البشر، خير من خلق الله، أصابته الحمى وصارعته على الفراش، مع مشاكل الدعوة، ومع هموم الدعوة، ومع محاربة الأعداء، والفقر، والجوع، ومع موت الأولاد والبنات تصيبه الحمى في جسمه. قال: {دخلت عليه وهو يوعك وعكاً شديداً} أي: يضطرب ويتزلزل على الفراش، من شدة الحمى، قال: {فوضعت يدي على جسمه الشريف، قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي} معناه: أفديك بأبي وأمي، وصدق، رضي الله عنهم فإنهم فدوه بالآباء والأمهات. فِداً لك من يقصر عن مداكا فما ملك إذاً إلا فداكا أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحلَّ به سواكا إذا اشتبكت دموعٌ في خدودٍ تبين من بكى ممن تباكى قلت: {يا رسول الله! فداك أبي وأمي، إنك توعك وعكاً شديداً، قال: نعم، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم -جمع الله عليه مرضين- قلت: ذلك بأن لك الأجر مرتين يا رسول الله، قال: أجل، ما من إنسان يصيبه مرضٌ، أو همٌ، أو حزنٌ؛ إلا كفَّر الله بهن الخطايا}. في صحيح البخاري، باب: هل يقول الرجل: وارأساه؟ هل يتوجع؟ يعني: هل يقول: آه من المرض؟ دخلت عائشة رضي الله عنها على الحبيب صلى الله عليه وسلم قالت: {يا رسول الله! -بها صداع- وارأساه، قال وهو في مرض الموت: وارأساه، والله لقد هممت أن أستدعي أباك وأخاك؛ لأكتب لهم كتاباً} لأنه علم أنه سوف يموت بعد أيام، تأتيه الحُمَّى فتهزه هزاً عنيفاً في مرض موته، مرض مرضاً عجيباً، سمع بلالاً يطلق التكبير على المنارة، لكن لا يسمع بلالاً إلا أهل القلوب الحية، قال: {اجعلوا لي ماءً في المخضب أغتسل لأصلي بالناس؟ قالوا: يا رسول الله! إنك مريض، قال: أسمع الأذان وأصلي في البيت!! فوضعوا له قربة فاغتسل، فلما قام ليذهب إلى المسجد أغمي عليه، فجعلوا له ماءً؛ فاغتسل؛ فأغمي عليه، وجعلوا له الماء ثالثة؛ فأغمي عليه، ورابعة وخامسة} وفي الأخير لفظ أنفاسه، وقال ودموعه تهراق على خده، لأنه يريد الصلاة {وجعلت قرة عيني في الصلاة} كان يقول: {أرحنا بالصلاة يا بلال} أرحنا بها من هموم الدنيا، وتعب الدنيا، ومشاكل الدنيا، ومخالفات الدنيا: وقل لـ بلال العزم من قلب صادقٍ أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترقَ أبواب الجنان الثمانيا قال: {مروا أبا بكر فليصل بالناس، فذهب بلال إلى أبي بكر فأمره أن يصلي بالناس، فبكى أبو بكر، وقال: الله المستعان، إنا لله وإنا إليه راجعون}. فصبر صلى الله عليه وسلم على هذه الأحداث {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. فيا أيها المسلمون! ويا أتباع الرسول! ويا تلاميذ الرسول عليه الصلاة والسلام! من أصيب منكم بمصيبة فليتعزَّ بالرسول عليه الصلاة والسلام. إن هذا دين العظماء، إنه دين العقلاء، إنه دين الشرفاء، أهل المبادئ الأصيلة، والأهداف الجليلة، والأخلاق الجميلة. يموت ابنك {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. تمرض زوجتك {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. تذهب عيناك، يصم سمعك: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. تصاب بمرض، بحادث، بكارثة، يزلزل بيتك، يدمر عقارك: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. كل مصيبة تهون إلا مصيبة الدين، كل مصيبة سهلة إلا يوم يتخلى الله عنك، فتصبح بعيداً عن الله، كل شيء سهل إلا يوم يصبح الإنسان فاجراً متنكراً للمسجد، وللمصحف، ولذكر الله، كل شيء سهل إلا هذا الدين، لا يفوتك من قلبك. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين! وارض اللهم عن صحابته الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه يا رب العالمين! اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم اهدهم إلى سبل السلام. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق؛ أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك، في برك وبحرك يا رب العالمين! ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

آداب الرسالة في الإسلام

آداب الرسالة في الإسلام الرسالة وسيلة مهمة من وسائل الدعوة، وقد استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته في الدعوة إلى الله. لكن لكتابة الرسالة أحكام وآداب، لابد من معرفتها، وفي هذه المادة تعرض لتلك الآداب والأحكام.

حديث رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى

حديث رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فنسأل الله تعالى أن يجمعنا بكم وبكل مؤمن يريد الله والدار الآخرة في دار الكرامة، فإنه لا جمع في هذه الدار، وإنما هي دار الهم والحزن والغم، وما فيها أنس إلا بمثل هذه الوجوه الصالحة النيرة، وما هناك أنس إلا بسماع قول الله وقول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أنزل نور مع هذا النور الوهاج الذي أرسله محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا. نور الهداية ونور الوحي ونور الرسالة، وكل أرض لا تشرق عليها شمس الرسالة فهي أرض ملعونة، وكل قلب لم يشرق بهذا الدين فهو قلب مغضوب ومسخوط عليه. يحدثنا الإمام البخاري فيقول: عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه رجلاً، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، فحسبت أن ابن المسيب قال: "فدعا عليهم صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق". هذا الحديث ذكره الإمام البخاري تحت (باب ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان). في هذا الحديث مسائل: أولاً: ترجمة بعض الرجال الذين روى لهم البخاري ولا نأخذ رجال السند كله، لأننا أعفينا أنفسنا وأعفيناكم من طول السند، ولكن نذكر بعضهم، وأنتم تعرفون أن المقصد من عرض تراجم السلف الصالح هو التربية، وإثارة الحمية فينا أن نقتدي بآبائنا وأجدادنا الذين سلفوا.

عبيد الله بن عتبة وطرف من أخباره

عبيد الله بن عتبة وطرف من أخباره عبيد الله هو أمة من الأمم التي أوجدها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لحفظ العلم، وهو من الفقهاء السبعة من أهل المدينة، بكى من قيام الليل حتى عمي، مر به أحد التلاميذ، قال: يا أبا عتبة أين العينان الجميلتان؟ قال: "ذهب بهما بكاء الأسحار" هو أستاذ عمر بن عبد العزيز، وكلكم يعرف عمر بن عبد العزيز، والذي لا يعرفه فالواجب أن يعرفه من الليلة، لأن اتصال سندنا بـ عمر بن عبد العزيز اتصال لا بد منه لمن أراد الله والدار الآخرة، فإن هؤلاء الأئمة جعلهم الله يهدون بأمره لما صبروا وكانوا بآياته يوقنون. فـ عمر بن عبد العزيز الذي تقلد أمر الأمة، هو حسنة من حسنات عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، فقد كان شيخه في التدريس، وكان عمر شاباً يطلب العلم في المدينة المنورة، لأن أباه عبد العزيز بن مروان الذي كان والي مصر، أرسل ابنه ليتعلم العلم في المدينة، فكان عمر بن عبد العزيز وهو في ريعان الشباب يصلي العصر بحلة -أي: بلباس- ويصلي المغرب بلباس ثانٍ، ويصلي العشاء بلباس ثالث، هكذا لأن حياته وبيئتة سمحت له بذلك، وسنتعرض لموضوع اللباس -إن شاء الله- في صحيح البخاري، ونذكر ما يحمد وما يذم منه، وإنما الأعمال بالنيات. سمع عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر بن عبد العزيز يتنقص علياً رضي الله عن علي، فاستدعاه، وأجلسه أمامه وهو يحاسبه حساباً عسيراً، فقال عبيد الله: يا عمر بن عبد العزيز! متى سمعت أن الله غضب على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟ متى سمعت أن الله غضب على أهل بيعة الرضوان بعد أن رضي عنهم؟ فبكى عمر وانكسر يبكي أمام عبيد الله، وقال: أعاهد الله ثم أعاهدك ألا أعود إلى ذلك، فلما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة كانت كلمات أستاذه مغروسة في ذهنه أبد الدهر، يقول وهو يبكي بعد صلاة العشاء في ليلة من الليالي: "والله لوددت أن لي ليلة من ليالي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بالدنيا وما فيها". والصحيح أنه تولى الخلافة وعبيد الله ما زال حياً. أدرك ستة أشهر من الخلافة، فارتاح أن يتولى تلميذه العالم الإسلامي، فقادهم إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وقد كان بنو أمية يسبون علياً رضي الله عنه على المنابر، فجعل عمر بن عبد العزيز مكان هذا {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل:90]. دخل عليه مرزوق مولى علي بن أبي طالب في عيد الفطر، فقال عمر: مولى من أنت؟ قال: فخفض صوته وقال: مولى علي حتى لا يسمع بنو أمية، فدمعت عينا عمر بن عبد العزيز وقال: ارفع صوتك وقل: مولى علي، وأنا مولى علي، لا تولى الله من لا يتولى علياً! ولا قبل منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً يوم القيامة! ثم قال: لك عندي مائتا درهم، أما مائة فلأنك مولى، وأما المائة الثانية فلأنك مولى علي. لأنه استفاده من ذلك الأستاذ العظيم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. بكى عبيد الله حتى عمي -كما قلت لكم- وكان يقول الشعر الإسلامي الذي يحرك به القلوب، توفي عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ابن الخليفة وهو شاب، فاجتمع أهل المدينة، قالوا: نريد أن نعزي عمر بن عبد العزيز، قال: أتريدون شعراً أم نثراً؟ قالوا: نريد شعراً: باسم الذي أنزلت من عنده السور الحمد لله أمَّا بَعْد يا عمر إن كنت تعلم ما تأتي وما تذر فكن على حذر قد ينفع الحذر واصبر على القدر المحتوم وارض به وإن أتاك بما لا تشتهي القدر فما صفا لامرئ عيش يسر به إلا سيتبع يوماً صفوه كدر ويقول: اتخذني خليلاً أو تخذ لك صاحباً خليلاً فإني مبتغٍ صاحباً مثلي عزيز منالي لا ينال مودتي من الناس إلا مسلم كامل العقلِ ولا يلبث الأخدان أن يتفرقوا إذا لم يؤلف روح شكل إلى شكل توفي وبقي عمله وحديثه، وبقي اسمه يضوع في مساجد المسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. أما عبد الله بن عباس فهو الحبر الإمام المعتبر، بحر الأمة وترجمان القرآن، والخاشع المبتهل لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك كان الصحابة يقولون: [[إذا حدثكم البحر فحسبكم بالبحر]] أي: ابن عباس. يقول عطاء: "رأيته في الحرم قبل العشاء، ثم مكث يصلي ويبكي حتى الفجر، فوالله لقد خشيت أن تختلف أضلاعه". وكان إذا قرأ قول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء:123] يبكي حتى يرثي له جلساؤه، وإذا تكلم قال: يوم الخميس، فيذكر موت الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الخميس فيبكي، كان يلبس مما آتاه الله، كان يلبس الحلة بألف دينار؛ ليظهر نعمة الله عز وجل، وليقدر العلم والصالحين، وليستقبل الناس، فرضي الله عنه وأرضاه وأكرم مثواه، وألحقنا به مع المؤمنين في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

عبد الله بن حذافة حامل الرسالة

عبد الله بن حذافة حامل الرسالة أخبر ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه رجلاً، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين -والبحرين هي الأحساء - فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى مزقه، فدعا عليهم صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق. وبعد وصول هذه الرسالة إلى كسرى أرسل كسرى إلى واليه في اليمن، وأمره أن يرسل رجلين يأتيان بمحمد صلى الله عليه وسلم مقيداً، فذهب الرجلان هذان حتى وصلا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: ماذا جاء بكما؟ قالا: أتينا نأخذك ونوصلك إلى كسرى. بهذه البساطة يأخذون رسول البشرية صلى الله عليه وسلم، ويشاء الله أن يسحب آل كسرى من على كراسيهم، ويداسون بخيول المسلمين بعد أقل من خمسة عشر عاماً من هذه الرسالة، فيقول صلى الله عليه وسلم: {من أمركما بحلق لحاكما؟ قالا: ربنا أمرنا بذلك، قال: فإن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي} ثم مكثا عنده، فقال صلى الله عليه وسلم: {إن ربي قتل ربكم البارحة}. فأرخوا من تلك الليلة، فوجدوا أن كسرى قتل في تلك الليلة، وقاتله هو ابنه. ومزق الله ملك الأكاسرة بدخول سعد المدائن، فدخل سعد إيوان كسرى وهو يتلو قول الله عز وجل: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِين َ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29]. وهذا الرجل الذي بعثه صلى الله عليه وسلم بالكتاب هو عبد الله بن حذافة، الرجل الدعوب المرح، القرشي المهاجري الكبير، الإمام الأمير، ولاه صلى الله عليه وسلم على بعض السرايا، وكان فيه دعابة لما ودع الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله! مرهم أن يطيعوني، فقال صلى الله عليه وسلم: أطيعوه ولا تعصوه، فأخذها فرصة رضي الله عنه، فقال لهم: اجمعوا حطباً، فجمعوه، قال: أشعلوا الحطب، فأشعلوه، قال: ادخلوا في النار! هكذا قال، فتهيبوا، قال: أما قال لكم الرسول صلى الله عليه وسلم: أطيعوني، وهو صلى الله عليه وسلم يريد الطاعة بالمعروف، لا على إطلاقها، قال: فَهَمَّ بعضهم أن يلقي بنفسه في النار، وأحجم بعضهم، فتم أمرهم بالإجماع الأخير أن يعرضوا الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن أمرهم بذلك اقتحموا النار، فلما وصلوا المدينة، قالوا: يا رسول الله! أمرنا عبد الله بن حذافة الذي أمرته، فجمعنا حطباً وأشعلنا ناراً وهممنا أن نقع في النار، ولكن قلنا: نعرض الأمر عليك فما عصيناه، فتبسم صلى الله عليه وسلم، وقال: {لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق} ثم قال: {لو دخلوها ما خرجوا منها} وذلك جزاء لهم لأنها معصية، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا يريد من الإنسان أن يهلك نفسه، لكن كان عبد الله بن حذافة يمزح. كان من مواقفه المشهودة أنه وقع أسيراً في الروم، وكان معه بعض الأسرى، فقال ملك الروم: أخرجوا لي أعقلهم وأذكاهم كي أكلمه فخرج عبد الله بن حذافة فقال له: يا عبد الله! أتريد أن أعطيك نصف ملكي وآبائي وأجدادي وتعود عن ملة محمد صلى الله عليه وسلم، قال: [[والله لو أعطيتني ملكك وملك آبائك وأجدادك على أن أعود عن دين رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت]] قال: خذوه وألقوه في قدر يغلي، فلما ذهبوا به ووجد بعض الأسارى قد تفسخت لحومهم عن عظامهم، وهي تغلي بهم، بكى رضي الله عنه. فأعاده الجنود إلى العظيم، وقالوا: إنه بكى قال: لماذا بكيت؟ قال: [[أبكي على أنه ليس لي إلا نفس واحدة تُعذب؛ فليت لي بعدد شعر رأسي أنفساً تعذب في سبيل الله]] قال: والله لا أطلقك حتى تُقبِّل رأسي، فقبل رأسه وتفل عليه، فأطلقه وأطلق الأسارى معه، فلما وصل عبد الله بن حذافة إلى المدينة، ودخل المسجد، قال عمر: [[حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة]] فاجتمع عليه المسلمون في المسجد يقبلون رأسه، فكان يفر في ميمنة المسجد فيلحقونه إلى الميمنة، فيأخذ الميسرة، فيلحقونه إلى الميسرة ليقبلوا رأسه، فيمزح يقول: تريد يا أمير المؤمنين أن تجعل رأسي من التقبيل أصلع كرأسك؛ لأن عمر رضي الله عنه ليس في رأسه شعر، رضي الله عنهم وأرضاهم، وقد مات عبد الله شهيداً ورفع الله درجته عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، نسأل الله أن يجمعنا بهم في مستقر رحمته.

آداب الرسائل

آداب الرسائل وقبل أن ندخل شرح رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، أحب أن أبين آداب الرسالة أو الكتابة في الإسلام.

البسملة

البسملة ومن أدبها البسملة، أن تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وأما الحمدلة فليست واردة في الرسائل، بل واردة في الخطب، فمن السنة أن تكتب بسم الله، فتبتدئ بها ولا تبتدئ بالحمدلة، وفي الخطب تبدأ بالحمدلة ولا تبتدئ بالبسملة، والدليل على ذلك أنه ليس في رسائله صلى الله عليه وسلم حمدلة، ولما أرسل إلى هرقل عظيم الروم، قال: {بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله}.

كتابة اسم المرسل

كتابة اسم المرسل الأمر الثاني: أن تبدأ باسمك أنت، فلو كان اسمك محمد بن علي، فتقول: من محمد بن علي إلى فلان بن فلان، ولا تقل: حضرة جناب المكرم الأخ العزيز الموقر الإمام المجتهد الصائم القائم الزاهد، فهذه الألقاب لا تذكرها حتى تأتي على اسمك أولاً في أول الرسالة، قال ابن عمر: [[إلا الابن فإني أرى أن يقدم أباه في الرسالة]] وكذلك إذا أرسلت إلى عالم كبير، فتقول مثلاً: إلى فلان بن فلان من فلان بن فلان، فأجازه ابن عمر، وذكره ابن حجر وكأنه رجَّح هذا. وابن عمر أراد أن يكتب لـ عبد الملك بن مروان، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن عمر، إلى عبد الملك بن مروان، فاجتمع أبناؤه في البيت، وقالوا: لا بد أن تبدأ باسمه هو قبله، لأننا نخاف عليك منه؛ لأنه خليفة، فما زالوا به حتى كتب إلى عبد الملك بن مروان، من عبد الله بن عمر.

الإيجاز والوضوح

الإيجاز والوضوح ومن آداب الرسائل في الإسلام الإيجاز: أرسل صلى الله عليه وسلم إلى هرقل رسالة فجعلها في أربعة أسطر، وأما الإسهاب فهو ضياع للوقت، يسأل الإنسان ويريد من أخيه أن يأتي من الرياض أو من جدة، فيكتب له كتيباً صغيراً يصلح أن يكون تأليفاً، يقرؤه في ساعة ونصف، وأخبارنا تسركم، وأمطارنا وأسعارنا، ثم يخبره بأسعار الهيل، وأسعار الموز، وأسعار البيبسي، وما حدث في المنطقة، ومن تزوج، ومن طلق، ومن مات، ومن عاش، فهذه مشغلة وضياع لوقت المسلمين. إذا أراد الإنسان أن يكتب رسالة فليكتب أربعة أسطر أو خمسة أسطر وتكفي، يدعو له ولا يدعو عليه، ويختم الرسالة. ومن آدابها -أيضاً- كما يقول أهل العلم: الوضوح، أي أن تكون واضحة المعاني والأساليب، فلا يكتب بالإنجليزي ليظهر للناس أنه يفهم الإنجليزي، لأن بعض الناس إذا تكلم معك يتكلم معك بها لتقول: هذا شاب متنورٌ متطور، ويظن أنه فهم وأنه تثقف، ويقول ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: المداومة على التحدث بلغة غير لغة العرب، والاسترواح بها من علامات النفاق -نعوذ بالله من ذلك- ولا أجمل ولا أفصح من لغة العرب أبداً.

الحذر من التصحيف

الحذر من التصحيف ومن آداب الرسائل: رفع التصحيف، والتصحيف ثلاثة أقسام: رفع التصحيف بأن توضح الخط حتى لا يتصحف، وإذا كتبت كتيباً صغيراً، أو رسالة، أو مذكرة، أو أردت أن تكتب شيئاً فعليك بتكبير الخط وبتوضيحه؛ لأن الخط الرديء يخونك يوماً ما، تقرؤه بعد فترة من الفترات فلا تفهم الخط، فلذلك يقول الأول في وصف طالب: تقول له زيداً فيسمعه عمراً ويكتبه بكراً ويقرؤه فهرا فهو يجمع تصحيف السماع وتصحيف الكتابة وتصحيف الفهم. فتملي عليه في الفصل: اكتبْ زيداً، فيسمعه عمراً، ثم يكتبه بكراً، وبعد أن يكتب يفهمه فهراً. والتصحيف كما قال أهل العلم من المحدثين على ثلاثة أقسام: تصحيف القراءة: أن تقرأ شيئاً ليس بوارد، وأورد منه ابن الجوزي والعسكري والسيوطي أمراً عجيباً، حتى إن بعضهم كان يقرأ حديثاً قدسياً، يقول: عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الله عز وجل أي: حديثاً قدسياً فيما يرويه عن ربه، فقرأه محدث من المحدثين هكذا: عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه سلم، عن الله، عن رجل، فقال العسكري: من هذا الذي جعل لله شيخاً سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أي: أنه أوصل السند إلى الله ثم رده إلى رجل، فهذا تصحيف القراءة. وأما تصحيف السماع: فهو كما قلت لكم، أن يقول الأستاذ في الفصل: حدثنا أبو هريرة، فيكتب الطالب حدثنا أبو ذر، أو تقول: كان عمر بن الخطاب، فيكتب: كان أبو بكر الصديق، وتقول: خرج إلى السوق، فيكتب دخل المسجد، فهذا تصحيف السماع. وأما تصحيف الفهم: فإنه أخطر الأمور، أن يفهم الإنسان عبارة فيصحفها ثم يلقيها على الناس، ووجدنا في كتب التفسير، أموراً عجيبة، وفي بعض التفاسير، ما أورده على سبيل التنبيه: سئل أحد أهل العلم من المصحفين، ما هو اسم أخي يوسف الذي طلبه إلى مصر؟ قال: اسمه نكتل، قالوا: ما هو الدليل؟ قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} [يوسف:63]. ونكتل: فعل مضارع، أي: نكتال من الحب، لكنه جزمه لأنه جواب الطلب، فسماه باسم أخيه، فقال: أخانا نكتل. وأفادني أحد المشايخ أن أحد الأساتذة صحف على نوح عليه السلام، فسمى ابنه عاصم، قال: والدليل على ذلك قول نوح: {قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود:43].

من فوائد رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل

من فوائد رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل من فوائد الحديث أيضاً: الأخذ بكتابة الكاتب وعمل القاضي بها، والشهود، وأخذ الوصاية منها، دل على ذلك كلام أهل العلم، قال الإمام مالك: "أقبل كتابة الصك يقرأ على الناس فيقر". وأخذ أهل العلم بذلك، وأورده صاحب المغني في باب القضاء وأدب القضاء، قال: أخذ أهل العلم على أن الكتاب يؤخذ به، والدليل على ذلك أن سليمان عليه السلام كتب إلى بلقيس عظيمة سبأ، فقال: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:30]. وفي الآية كذلك: البدء بالمرسل، فأخذت بلقيس بكتابته وعرفتها، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن ابن عمر في الصحيح: {ما حق امرئ له شيء يوصي به يبيت إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه} فكان ابن عمر دائماً يكتب وصيته عند رأسه، فمن السنة أن تكتب وصيتك وتجعلها عند رأسك، هذا إذا كان عليك دين أو شيء يحتاج، وإذا لم يحتج الأمر إلى كتابة فأخبر أهلك وتقول: الحمد لله ما علي من الدين إلا خمسون ألفاً، فيحفظونها ويعونها وينقلونها إلى الناس. ومن الفوائد آداب الكتابة. ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو الناس إلى الله بالرسائل، ويدعوهم بالكلام، ويدعوهم بالخطب، ويدعوهم بالوفود، وإذا لم تجد الرسائل والخطب والوفود، دعاهم بالسيف عليه أفضل الصلاة والسلام، ولذلك لما مزق كسرى رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذهب سعد بن أبي وقاص في ثلاثين ألفاً إلى القادسية، فمزق ملك هؤلاء تمزيقاً لا يرتقع أبد الدهر.

حديث سرية عبد الله بن جحش

حديث سرية عبد الله بن جحش يقول البخاري: واحتج بعض أهل البخاري في المناولة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث وكتب لأمير السرية، وقال: {لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا} فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. ومفاد هذه القصة: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل رجلاً من الصحابة، فقال: اذهب إلى وادي نخلة، وائتني بخبر قريش، فذهب هذا الرجل، فلما جاع في الطريق عاد بالسرية، ودخل المدينة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أرسلتك؟ قال: يا رسول الله! ذهبت فأصابني جوع وظمأ فعدت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والله لأرسلن معكم رجلاً يصبر على الجوع والظمأ، أين عبد الله بن جحش؟} القرشي الكبير الخطيب الذي قتل في أحد رضي الله عنه وأرضاه، وهو أول أمير سمي في الإسلام، فأرسله صلى الله عليه وسلم، وكتب له كتاباً، وقال: {لا تقرأ هذا الكتاب إلا بعد يومين، واقرأه على أصحابك ولا تُكره أحداً} أي: بعد أن تقرأ الكتاب لا تكره أحداً على المضي معك، فلما ذهب ليومين يريد وادي نخلة جهة مكة، قرأ الرسالة وفضها، وقرأها على الناس، فعاد رجلان ممن كانا معه، وذهب الجميع معه رضي الله عنه وأرضاه، فلما وصولوا إلى وادي نخلة، عرضت له قافلة لقريش فيها عمرو بن الحضرمي فقتلوه في رجب، وهو من الأشهر الحرم، فقالت قريش: كيف يستبيح محمد القتل في الأشهر الحرم؟ انظر ما أحسن ورعهم! يخرجون الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة، ويطردونه، ويبيعون أملاكه، ويفتون بالورع والزهد، يقولون: كيف تقتلون ابن الحضرمي في الأشهر الحرم؟ فأنزل الله عز وجل: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة:217]. أي: تخرجون الرسول صلى الله عليه وسلم، وتكفرون بالله، وتبصقون في المسجد الحرام، وتطردون أهل المسجد الحرام، وتستفتون الآن، أتى عندكم الورع؟ عجيب هذه الفتوى وهذا الذكاء، ويشبه هذا قول ابن عمر حين أتاه رجل من أهل العراق في الحج، قال: يا أبا عبد الرحمن ما حكم قتل البعوضة للمحرم؟ قال: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق، قال: [[قاتلكم الله يا أهل العراق! لطختم أصابعكم بدم الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسألون عن دم بعوضة]] يقتلون الحسين ويسألون عن البعوضة. هذا مثل من يحافظ على الإبرة ويُضِّيع الجمل، فلما قتلوه رضوان الله عليهم وأرضاهم وعادوا، كانت معركة بدر بعدها، لأن هذا القتل كان في السنة الثانية، هذا مفاد هذا الحديث، وما هناك شيء يستوجب الإطالة والوقوف عنده، ولكن ننتقل إلى قضايا أخرى تمر بنا في السند.

حديث نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم

حديث نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم قال البخاري رحمه الله: وعن قتادة عن أنس بن مالك، قال: كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً، أو أراد أن يكتب، فقيل له: إنهم لا يقرءون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضة نقشه محمد رسول الله كأني أنظر إلى بياضه في يده، فقلت: لـ قتادة، من قال: نقشه محمد رسول الله؟ قال: أنس.

الكتابة صفة كمال في غير النبي صلى الله عليه وسلم

الكتابة صفة كمال في غير النبي صلى الله عليه وسلم أولاً: في هذا الحديث قضايا: الأولى: هل كتب الرسول صلى الله عليه وسلم بيده؟ أو هل يقرأ أو يخط؟ لأهل العلم في هذا نظرات، والصحيح أنه ما كتب عليه الصلاة والسلام ولا قرأ، وأنه أمي لا يكتب ولا يقرأ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] وقال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48]. فالصحيح عند أهل العلم والجماهير، أنه ما كتب عليه الصلاة والسلام. يقول القرطبي: صفة الكتابة صفة كمال في غير الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي فيه صفة نقص، لوكان يكتب عليه الصلاة والسلام لقالوا: اكتتب هذه الصحف وأتى علينا بصحف. ولذا قالوا: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:5] كيف يكتتبها صلى الله عليه وسلم وهو لا يكتب؟! والمعجزة فيه أن يكون أمياً، ولذلك يقول جولد زيهر هذا المستشرق الكلب، يقول: ليس العجب أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فإن عيسى وموسى عليهم السلام أنبياء، لكن العجب أن يبقى أربعين سنة في مكة، وليس فيها مدرسة، ولا كلية، ولا جامعة، ولا كتاتيب، ولا عنده شيخ، ثم يظهر بعد الأربعين فإذا هو أعظم مفتٍ في الدنيا، وأعظم خطيب في المعمورة، وأعظم فصيح، وأعظم قائد، وأعظم مربٍّ، وأعظم إداري، وأعظم سائس، هذه هي العظمة، فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ويكتب لقالوا: أنت اكتتبتها. يقول الكفار بعضهم لبعض: الذي علم محمداً صلى الله عليه وسلم الصحف هو مولى آل فلان، كان قيناً يشحذ لهم السيوف (يصقلها) فيذهب صلى الله عليه وسلم يصقل بعض السيوف، قالوا: يذهب إليه يتعلم منه القرآن، عجيب! هذا المولى فارسي، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103].

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن أمة أمية)

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن أمة أمية) فالرسول صلى الله عليه وسلم على الصحيح لا يكتب ولا يقرأ، وهو أمي، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب} ولذلك علق ابن تيمية في الفتاوى بما يقارب خمسين صفحة على هذا الحديث: {نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب} وقال: نحن لا نتعامل بالحساب ولا بعلم الفلك في مسألة رؤية الهلال، أو مسألة تقدم منازل الهلال، فإذا رأى الناس الهلال أفطرنا أو صمنا. أما أن يأتي أهل الهيئة فيقولون: رأيناه في منزلة كذا، بمقياس كذا إلى كذا ليفطر الناس؛ فلا إفطار على مقياسهم، لأنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، إذا شهد الشهود أفطرنا، وإذا شهدوا صمنا، فهذا مفاده (أنَّا أمة أمية).

دليل أبي الوليد الباجي على أن النبي كان يكتب

دليل أبي الوليد الباجي على أن النبي كان يكتب أما الذي أثار أن النبي صلى الله عليه وسلم يكتب فهو أبو الوليد الباجي المالكي الأندلسي، وألف في ذلك كتاباً، وادعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب، والسبب في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في معركة الحديبية يفاوض كفار قريش، فلما أراد صلى الله عليه وسلم أن يفتح مكة، تمركز بجيشه العرمرم في الحديبية، فسمعت قريش أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يفتح مكة غصباً، فحلفوا باللات والعزى لا يفتحها، فخرجوا بسيوفهم، وقالوا: قبل أن نخرج نرسل إليه رجلاً يفاوضه، فأرسلوا مكرز بن حفص، فلما أتاه قال صلى الله عليه وسلم: {رجل فاجر} فنزل فما تم الصلح، فأتى الحليس بن علقمة، فقال صلى الله عليه وسلم: {هذا رجل من أناس يعظمون النسك أو الهدي فابعثوا الهدي أمامه} فبعثوا الغنم التي يريد صلى الله عليه وسلم أن يهديها للبيت، فلما رآها ذاك قال: ما كان لهؤلاء أن يُصدون عن البيت وعاد. فأرسلوا سهيل بن عمرو خطيب العرب، فوفد عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رآه صلى الله عليه وسلم، قال: {قد سهل لكم أمركم}. وقبل أن يأتي سهيل أرسل الرسول صلى الله عليه مفوضاً، قال لـ عمر: يا عمر! قم واذهب إلى هؤلاء النفر ففاوضهم على الصلح، فقال عمر: يا رسول الله! تعلم أني من أعدى قريش إلى قريش، أي: أكره رجل في قريش إلى قريش. ولذلك يقول أبو سفيان لما عاد إليه: وجدت محمداً صلى الله عليه وسلم قريباً، وأبا بكر وعلياً، وأما أعدى العدو فهو عمر، والله لو لم يجد إلا الذر ليقاتلكم به لقاتلكم بالذر. فقال عمر: يا رسول الله: أنا ليس عندي أسرة تحميني -هو من بني عدي بن كعب- عشيرته تأتي في المرتبة الخامسة أو السادسة بعد بني هاشم، وبني أمية بن عبد شمس، وبعد بني مخزوم، وبني سهم، لكن أرسل عثمان يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: عليَّ بـ عثمان فأرسل عثمان. فلما وصل عثمان أتاه أخوه أو قريب له، وقال: لا تذهب حتى نغديك، فأكرموه، فلما حبسوه، أتت الشائعة بين المسلمين قالوا: قتل عثمان، فانتفض صلى الله عليه وسلم وغضب، وجمع الناس، وبايعهم على الموت تحت الشجرة، فبايعوه صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18] إلا رجلاً واحداً من المنافقين خرج معهم من المدينة في ظاهره أنه مسلم، فلما أراد صلى الله عليه وسلم أن يبايعه، قال: أما أنا فوالله -يقول للمسلمين- لأن ألقى جملي الأحمر خيرٌ من أن أبايع محمداً، فقال صلى الله عليه وسلم: {كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر} واسمه الجد بن قيس، فذهبوا إليه، فقالوا: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه، وقال: ألقى جملي قبل أن يستغفر لي، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون:5]. وأتى سهيل بن عمرو فقال صلى الله عليه وسلم: {قد سهل لكم أمركم} فنزل وجلس، وأخرج صلى الله عليه وسلم الصحابة يحضرون المفاوضة، بين الرسول صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمرو، فأخذ سهيل بن عمرو بلحية رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسها ويفاوضه، فقال المغيرة وكان مدججاً بالسلاح على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم: اترك يدك فوالله لأن مددتها لا تعود إليك أبداً. فأخذ سهيل بن عمرو يتكلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سهيل بن عمرو: اكتب بيننا وبينك كتاباً على الصلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين علي بن أبي طالب؟ فأتى، فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: لا نعرف بسم الله الرحمن الرحيم، لا نعرف إلا رحمان اليمامة، اكتب باسمك اللهم، ورحمان اليمامة قيل: رئي من الجن. وقلت لـ رحمان اليمامة عالجنْ مصابي فإني بالمصاب عليل سمته العرب رحماناً، ليس مسيلمة؛ لأن مسيلمة ما أتى إلا متأخراً، فقال صلى الله عليه وسلم لـ علي: {اكتب باسمك اللهم} ثم قال صلى الله عليه وسلم لـ علي، {اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله} فكتب، قال سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك، اكتب محمد بن عبد الله، قال صلى الله عليه وسلم: {أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله} اكتب يا علي وامح، قال علي: والله لا أمحو اسمك من الصحيفة أبداً، فأخذها صلى الله عليه وسلم، فتفل على الكتابة، ومحاها صلى الله عليه وسلم؛ ثم أعاد الكتاب إلى علي، فقال أبو الوليد الباجي: ما دام أنه صلى الله عليه وسلم غيَّر اسمه، فقد عرف مكان (رسول الله) في الصحيفة، فكيف عرفه وميزه؟ وليس في الحديث أن علياً أشار له، وقال: (هذا رسول الله، وهذا باسمك اللهم) قال ابن حجر: والذهبي وابن تيمية وهو الصحيح: الرجل الأمي من كثرة الكتابة يعرف اسمه، ولذلك بعض الناس الآن يعرف أن اسمه محمد مكتوب، من كثرة ما رأى اسمه، وبعضهم يوقع اسمه وهو لا يقرأ ولا يكتب، فالرسول صلى الله عليه وسلم رأى موقعها من الكلام فمحاها. فالشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا قرأ ولا كتب، وإنما محا ما عرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرسالة.

ترجمة رجال الحديث (قتادة)

ترجمة رجال الحديث (قتادة) وقتادة وهو قتادة بن دعامة السدوسي، والعجيب في أسماء المحدثين أن أكثرها على السجع، يقولون: إنه ولد أعمى فكان أحفظ أهل الدنيا. يقول ابن المبارك: [[إذا غير الدهر حفظ أحد من الناس فما غير حفظ قتادة]]. وفد قتادة على سعيد بن المسيب العالم الكبير الزاهد الذي دخله لا يكفيه ولا يكفي أحداً، فجلس عنده ثلاثة أيام، وبعد ثلاثة أيام قال سعيد بن المسيب: متى تخرج يا أعمى من بيتي فقد أنهكت مالي؟ لأن سعيد بن المسيب ليس عنده دخل ولا راتب، عنده قطعة من الخبز، وقليل من الزيت، وقليل من العدس، فكان دائماً إذا أتى الصبوح وإذا قتادة جالس، يأتي الغداء وإذا قتادة على المائدة، وكذلك العشاء، فقال: متى تخرج يا أعمى فقد أنهكت مالي؟ قال سعيد بن المسيب: ما رأيت أحفظ منه، سمعت له سورة البقرة فوالله ما أخطأ في حرف، وكان يقول: إذا نزلت السوق وضعت أصابعي في أذني حتى لا أسمع شيئاً فأحفظه. ومن حفظه أمسكه عمران بن حطان الخارجي في السوق، وهو شاعر من الخوارج، وهو الذي يقول في مدح ابن ملجم الذي قتل علياً: يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً إني لأذكره يوماً فأحسبه بين البرية أوفى الناس ميزانا فَرُدَّ عليه: يا ضربة من شقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانا إني لأذكره يوماً فأحسبه من شر خلق عباد الله ميزاناً وكان عمران بن حطان من أشعر العرب، فأمسك قتادة في السوق، فقال: احفظ مني يا أعمى بيتين لا تنساهما أبداً، قال: قل، قال: أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجُوَّع أراها وإن كانت تسر فإنها سحابة صيف عن قريب تقشع أي: الدنيا. وللعلم فإن قتادة مدلس، إذا عنعن فانتبه له، إلا عند البخاري فإن البخاري يعرف من أين تؤكل الكتف، فلا يأتي بأحاديث مدلسة، لكن إذا قال (عن) في غير الصحيحين فانتبه للرجل فإنه يدلس، قد يكون بينه وبين هذا الرجل اثنين فيقول عنه، مثل أن ألقاك مثلاً فأروي عنك أحاديث، وبعد فترة آتي بأحاديث عن رجال عنك، وأقول: عن فلان، فيتوهمون أني رويته عنك، هذا هو التدليس.

حديث اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما

حديث اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً عن أنس بن مالك، قال: {كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً، أو أراد أن يكتب فقيل له: إنهم لا يقرءون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضة، نقشه: محمد رسول الله، كأني أنظر إلى بياضه في يده، فقلت لـ قتادة: من قال لك: نقشه محمد رسول الله؟ قال: أنس}.

محل لبس الخاتم وحكم لبسه

محل لبس الخاتم وحكم لبسه أولاً هناك مسائل: أين يلبس الخاتم؟ الصحيح عن أهل العلم من المحققين كـ ابن القيم وغيره، أن الأحاديث في لبسه باليمنى وباليسرى صحيحة، فلك أن تلبسه في يسراك ولك أن تلبسه في يمناك، وصحت أحاديث اللبس في اليمنى، وصحت أحاديث اللبس في اليسرى، وأورد ابن تيمية في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم حديثاً فيه زيادة، وصححه، هو ولا جدال في تصحيحه، وكفى به حفظاً وعلماً وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم: {نهى أن يلبس الخاتم إلا لذي سلطان} أي: السلطان له أن يلبس الخاتم، أما غيره فمنهي عنه. وحمل هذا النهي على الكراهة، والصحيح أنه قد لبسه كثير من الصحابة وليس عندهم سلطان، لبسه أنس، ولبسه البراء، ولبسه الحسن والحسين، وغيرهم من الصحابة والتابعين، فما أظن أن في ذلك حسبما قال أهل العلم إلا الكراهة إن صحت الزيادة التي أتى بها ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم. أما خاتم الذهب فحرام على الرجال، وتدخل في الحرمة دبلة الذهب؛ لحديث علي في المسند، وعند أبي داود بأسانيد صحيحة، قال: {أخذ صلى الله عليه وسلم قطعة من ذهب وقطعة من حرير ووقف على المنبر، فقال: هذان حرام على ذكور أمتي حلال لإناثهم} فالذهب والحرير حرام على رجال أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا ما خصه الدليل، وبعض أهل العلم -وهي رواية عن الشافعية- على أنه يجوز للصبيان، والصحيح أنه لا يجوز للصبيان، وتجوز منه سن الذهب، فقد اتخذ عثمان رضي الله عنه ذهباً شد به أسنانه، وكذلك عبد الرحمن بن عوف، وكثير من التابعين. وقد اتخذ ابن عرفجة أنفاً من ذهب، والتداوي بالذهب في الجسم واردٌ للضرورة ولا شيء فيه إن شاء الله، كعملية الأنف، أو عملية الرجل. أما في غيرها كالحلية والزينة فإنه حرام لا يستخدم للرجال، ولا يلبس، فإن الله حرمها في الدنيا على الرجال، وأحلها في الآخرة لهم، ومن تقلَّد دبلة من ذهب فكأنما تقلد جمرة من نار، وهي محرمة باتفاق جمهور أهل العلم وخاصة منهم المحدثين، من نصوص الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك.

لبس خاتم الحديد

لبس خاتم الحديد أما خاتم الحديد فالظاهر من كلام أهل العلم والذي دلت عليه الأحاديث أنه حرام كذلك، رأى صلى الله عليه وسلم رجلاً عليه خاتم من حديد، قال: {ما لي أرى عليك حلية أهل النار} فألقاه الرجل، وهذا الحديث في سنن أبي داود بسند مقبول، فقال أهل الظاهر: هذا لفظ يفيد بمفهومه التحريم، فيحرم أخذ دبلة، أو حلقة، أو خاتماً من حديد. لكن الذين جوزوه -وهم طائفة قليلة من أهل العلم- استدلوا بحديث سهل بن سعد في البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أتاه الرجل يخطب المرأة قال: {التمس ولو خاتماً من حديد} فقالوا: مادام أنه قال: خاتماً من حديد، فيكون مباحاً؛ لأنه لا يجعل المحرم مهراً، والصحيح أن هذا ليس بنص، ولا يفيد بمنطوقه أنه حكم في المسألة، لأنها قد تلبسه أو تبيعه، أو أنه جائز للمرأة وليس بجائز للرجل، فليس حكماً في هذا موطن النزاع، فيبقى على التحريم. وأما خاتم الفضة فجائز ووارد، ومباح، وهو الذي لبسه صلى الله عليه وسلم.

نقش الخاتم بآية أو ذكر لله

نقش الخاتم بآية أو ذكر لله ومن نقش خاتمه بآية أو كلام فيه ذكر الله عز وجل، فلا يدخل به الحمام، لحديث معاذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم {كان إذا أراد أن يدخل الحمام خلع خاتمه} رواه أبو داود، وهذا الحديث معلول، قيل سبب العلة: أن الزهري لم يلق معاذاً. وقيل: فيه راوٍ ضعيف فالحديث لا يصح، ويرى الإمام أحمد أن يجعل فص الخاتم في جهة الكف إذا كان فيه شيء مكتوب، وأن يقبض إذا دخلت الخلاء، ذكره صاحب المغني وغيره من أهل العلم، وورد فيه حديث هو أحسن سنداً من ذاك الحديث الذي فيه خلع الخاتم، فإن خلعه فلا بأس به على فرض صحة الحديث وللتأدب عند دخول الخلاء، وإن وضع الفص داخل كفه فلا بأس بذلك إن شاء الله. ونقش الرسول صلى الله عليه وسلم على خاتمه (محمد) في سطر، و (رسول) في سطر، و (الله) في سطر، وكان يختم رسائله صلى الله عليه وسلم بذلك، ويبعثها إلى الناس فيقبلونها؛ لأنها من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلك أن تنقش على خاتمك آية أو حديثاً كما فعل بعض أهل العلم، ولا شيء في ذلك، والعجيب أن عمران بن الحصين كان نقش خاتمه صورة أسد كما يقول صاحب سير أعلام النبلاء: وبعضكم يتساءل: كيف يضع صورة أسد على الخاتم؟ والصحيح أن هذا من الصور الممتهنة التي لا تضر إن شاء الله فيها. لأن عائشة تقول كما في صحيح البخاري: {كان لي نمرقة فيه صور، فهتكه صلى الله عليه وسلم فجعلناه وسادتين يتكئ عليها صلى الله عليه وسلم} فإذا كانت الصورة مما يمتهن كالخاتم أو كالوسادة أو البطانية أو ما يقاربها، فالظاهر أنه لا شيء فيها، وتعودون إلى قصة عمران فإنه فعل ذلك. والعجيب أن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث معه، فلما مات أخذه أبو بكر وجعله في يده الشريفة. فلما مات أبو بكر، أخذه عمر وتقلده، تشريفاً وتكريماً وتوقيراً، فلما مات عمر أخذه عثمان وجعله في يده، وبقي ست سنوات من حياته، فوقف عند بئر أريس فسقط منه الخاتم في البئر، فأمر بنزح بئر أريس فنزح الماء فما وجدوه أبداً، فبكى عثمان وقال: الله المستعان! فبدأت المشاكل والفتن من ذلك اليوم، حتى انتهت بقتله، وارتفع السيف في المسلمين، وتقلد كثير من الصحابة خواتيم في أيديهم للسنة، وتشريفاً لهم، ومن باب الجمال، ولا شيء فيه إن شاء الله.

شرح حديث أبي واقد الليثي وما يستفاد منه

شرح حديث أبي واقد الليثي وما يستفاد منه ثم قال البخاري: باب من قعد حيث ينتهي به المجلس، ومن رأى فرجة في الحلَقة -بفتح اللام وسكونها- جلس فيها. عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأما أحدهم فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفه، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فاوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه}. هؤلاء ثلاثة نفر دخلوا والرسول صلى الله عليه وسلم عنده حلقة في المسجد، فأما أحدهم فذهب معرضاً وهو الأخير في الترتيب، وأما الثاني فوجد فرجة في الحلقة فدخل فيها، وأما الثالث فما وجد مكاناً فاستحيا أن يذهب، واستحيا أن يزاحم فجلس خلف المجلس، ولما انتهى صلى الله عليه وسلم من حديثه وقد لمح الثلاثة، قال: {أما ذاك فاوى إلى الله فآواه الله إليه -أي: رحمه وأدخله في كنفه وفي رحمته وبره- وأما الثاني فاستحيا من الله عز وجل -ثم استحيا من الناس أن يزاحم- فجلس حيث انتهى به المجلس، وأما الثالث -فغلب عليه مزاجه المريض فأعرض، فأعرض الله عنه} هذا هو مفاد الحديث أو جملة ما في الحديث. أما سند هذا الحديث فيكفينا فيه النجم العلم مالك بن أنس الذي لا يسأل عن مثله، مالك الذي يقول صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي: {يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون أعلم من عالم المدينة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. قال عبد الرزاق: أرى أنه مالك بن أنس، رفعه الله بتقواه وبعلمه وبزهده وبورعه، وقد مر معنا في مناسبات وتحدثنا عنه. وأما الحديث ففيه قضايا:

السلام على الجالسين في درس ونحوه

السلام على الجالسين في درس ونحوه الأولى: يقول ابن حجر: لماذا لم يُسَلَّم الثلاثة؟ لماذا لم يذكر الراوي أن الثلاثة دخلوا المسجد ما سلموا؟ لأنه يقول: دخل ثلاثة والرسول صلى الله عليه وسلم جالس، وما ذكر التسليم، ويعتذر لهم بثلاثة أعذار: إما أنهم سلموا ولم ينقل، وإما أنهم استحيوا ورأوا ألا يقطعوا على الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث، فما سلموا استحياءً، وإما أنهم لم يعرفوا الحكم، أي: لم يعرفوا الحكم في أنه ينبغي ويسن أن يسلم على من في المجلس فما سلموا، وحكم هذه المسألة أنه لا بد أن يسلم على من في المجلس، فإذا أتيت وفي المجلس علم، أو في فصل، أو حلقة دراسية، أوحلقة ذكر ووعظ، فسلم عليهم بلا شك. لأن الأدلة دلت على أن السلام سنة، منها: الحديث الذي رواه أهل السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: {سألت بلالاً كيف كنتم تسلمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وكيف كان يرد عليكم؟ قال: كنا إذا سلمنا عليه بسط يده -هكذا- رداً علينا} وسند هذا صحيح، ودل عليه حديث خباب كما عند الحاكم، وأصله في صحيح مسلم، من حديث صهيب أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم عليه رد، قالوا: كان يرد إما بالسبابة هكذا، وإما بالكف هكذا في الصلاة. ولا يعترض معترض بحديث ابن مسعود الصحيح، أنه يقول: كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرد علينا، فلما قدمنا من الحبشة سلمنا عليه فمارد علينا، ثم قال: {إن في الصلاة لشغلاً} وهذا الحديث صحيح، ومعناه: أننا كنا نسلم عليه فنقول: السلام عليكم ورحمة الله، فيقول صلى الله عليه وسلم: وعليكم السلام ورحمة الله وهو في الصلاة، فنسخ هذا الحكم، وقال صلى الله عليه وسلم: {إن في الصلاة لشغلا} وبقيت الإشارة، ولذلك جاء في صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: {قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يصلون، فلما دخلت في الصف، سمعت رجلاً عطس في آخر المسجد، فقلت: يرحمك الله، فسبح الناس، فعطس ثانية، فقلت: يرحمك الله، فقالوا: سبحان الله! قلت: مالكم ويل أمي؟ فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي ما رأيت معلماً ألطف ولا أرحم ولا أحلم منه! فما كفرني، ولا كهرني -كفرني: قطب في وجهي وعبس، وكهرني: أي: انتهرني- وقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي للذكر والتسبيح وقراءة القرآن}. قال أهل العلم: فأما الكلام في الصلاة فهو على ثلاثة أظرف: من تكلم عامداً بطلت صلاته، ومن تكلم ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، كأن يأتي إنسان من البادية لا يعرف الحكم، فأتى في المسجد وتكلم، وقال: كيف حالك يا شيخ وهو يصلي معه الظهر؟! فلا شيء عليه إن كان جاهلاً أو ناسياً. وكذلك إذا تفكر في دينه، فرأى أنه عليه خمسة عشر ألفاً، فقال: الحمد لله! اللهم اقض عنا الدين وأغننا من الفقر، فلا شيء عليه، أما رد السلام فيكون بالإشارة، ومن باب أولى أن يسلم على أهل الحلقات في حلقاتهم، وأهل الدروس في دروسهم، وللمعلم أن يرد السلام، وله أن يكتفي برد الناس، لأنه يكفي -كما في الصحيح- أن يرد عليهم واحد ويسلم عليهم واحد.

تحية المسجد وأحكامها

تحية المسجد وأحكامها الأمر الثاني الذي يتساءل عنه أهل العلم في هذا الحديث: لماذا لم يذكر الراوي تحية المسجد؟ قال القاضي عياض المالكي رحمه الله: الوقت وقت كراهة فما صلوا تحية المسجد، وهذا فيه احتمال، وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال، وليس للقاضي عياض دليل قاطع على هذه المسألة فلا يقبل؛ لأنه يريد أن يستدل بهذا الحديث على المذهب المالكي؛ لأن المالكية يقولون: إذا دخل بعد العصر أو بعد الفجر في المسجد فلا يصل التحية وليجلس. والصحيح أنه يُعتذر لهم بثلاثة أعذار: الأول: أنها ربما لم تكن قد شرعت -قاله ابن حجر - فجلسوا. والأمر الثاني: أنهم يمكن أنهم صلوا ركعتين فما ذكرها الراوي لاشتهارها بين الناس. والأمر الثالث: ربما لم يكونوا على وضوء، دخلوا المسجد وليسوا على وضوء، ولك أن تدخل المسجد على غير وضوء، ولك أن تدخل -إذا أردت أن تجلس في المسجد أو تذاكر من غير أن تقرأ القرآن أو تصلي- لك أن تدخل على غير وضوء، لأن في سنن أبي داود بسند حسن، قال صلى الله عليه وسلم: {إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب}. فلما منع صلى الله عليه وسلم من دخول الحائض والجنب المسجد، دل على أن غيرهم لهم ذلك، فمن انتقض وضوءه فله أن يدخل المسجد، وكان ابن عمر -كما في الصحيح-: ينام في المسجد. ومن نام في المسجد فقد يحدث وهو نائم، وينتقض وضوءه، فهذا دليل على أنه يجوز للإنسان أن يدخل وهو منتقض وضوءه لا أن يكون عليه جنابة، فصاحب الجنابة لا يدخل المسجد إلا عابر سبيل، يدخل من هذا الباب، ويخرج من الباب الآخر، أما أن تدخل وتجلس وأنت جنب فليس لك ذلك. وقد أورد صاحب المغني رأياً وهو: أن الجنب يتوضأ وله بعد ذلك أن يجلس في المسجد، والصحيح الأول كما قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43] فيعبر ولا يجلس، وكذلك الحائض من النساء، وسوف يمر معنا باب الحيض، لندرك عظمة الإسلام في حياة المرأة، وكيف عاش الإسلام معها، وكيف لبَّى طلبات المرأة، وكيف حل مشكلات المرأة، وكيف اعتنى بها، ورفع قيمتها؟! فالحائض والنفساء من النساء لا يقربن المساجد، وإنما يعتزلن المساجد، ولهن أن يحضرن مجالس العلم إذا كانت في غير المسجد، فتجلس ولو كانت حائضاً أو جنباً، لحديث أم عطية أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر العواتق وذوات الخدور أن يحضرن صلاة العيد ودعوة المسلمين، ويعتزلن المصلى؛ للبركة وللمنفعة من حضور مجالس العلم، هذه قضية دخول المسجد بلا وضوء. والصحيح أن ركعتي تحية المسجد سنة مؤكدة، ولا بد من أدائها، لحديث أبي قتادة في الصحيحين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} وسواء كان في وقت نهي أو في غير وقت نهي؛ لأن هذا حديث خاص، وأما الحديث العام أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس} فهو عام في الأوقات، يخصصه حديث ذوات الأسباب، كأن نمت عن صلاة فتصليها متى ذكرتها، ولو بعد الفجر أو بعد العصر، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها متى ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك، ثم تلا قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14]}. فالذي يدخل المسجد لا يجلس حتى يصلي ركعتين، ولو كان الخطيب يخطب يوم الجمعة، لحديث جابر الصحيح، قال: {دخل سليك الغطفاني والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فجلس، فقال: أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين -وفي رواية-: وأوجز فيهما، أو خفف فيهما} فأقامه صلى الله عليه وسلم في الخطبة، فمن باب أولى أن يصلي القادم الداخل في أي وقت، وإن دخل والناس في فريضة فيكفيه دخول الفريضة، وإن دخل والناس يصلون على جنازة فيكفيه صلاة الجنازة. وإن دخل والوقت ضيق ولا يتسع له أن يصلي ثم يدخل مع الإمام في صلاة الجمعة، فلينتظر ويدخل معه في الصلاة، هذا ما يتعلق بذكر تحية المسجد في الحديث.

كيفية الجلوس في مجالس العلم

كيفية الجلوس في مجالس العلم القضية الثالثة: استحباب التحلق: من السنة في مجالس العلم أن تكون حلقة، أي: دائرة، لكن إذا كان هناك كلفة على الناس، أو لم يتسع المكان فلا بأس أن يجلسوا صفوفاً، لأنه ثبت أن الصحابة جلسوا مع النبي حلقاً، وثبت أنهم جلسوا صفوفاً، وثبت أنهم جلسوا وبعضهم ولى بظهره إلى القبلة. بل بعض الصحابة كان في عهد أبي بكر وعمر، يسمع الخطبة وظهره إلى جهة القبلة، فإذا قامت الصلاة استقبل القبلة فليس في الأمر شيء، فهذا إن شاء الله وارد، لكن أورده ابن حجر فأحببت أن أنبه عليه. والقضية الرابعة: يقول صلى الله عليه وسلم: {فاستحيا فاستحيا الله منه} فيه إثبات صفة الحياء لله عز وجل، وصرفها ابن حجر عن ظاهرها لأنه أشعري في الصفات كما يظهر، ولذلك تجدون سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يتعقبه في الصفات في الحاشية. يقول ابن حجر: استحيا الله منه أي: رحمه ولم يعاقبه، فأوَّل الصفة، والصحيح أننا نثبت صفة الحياء لله عز وجل كما تليق بجلاله لا نشبه ولا نمثل ولا نكيف، لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً} [البقرة:26] فلما نفى الاستحياء عن نفسه في ضرب المثل عن البعوضة، دل على أنه تعالى يستحيي من أشياء أخرى. فعلم بمفهوم المخالفة أنه يستحيي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك ورد حديث سلمان في السنن بسند حسن، قال: يقول صلى الله عليه وسلم: {إن الله يستحيي من أحدكم إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا} الله عز وجل الذي خلق السماوات والأرض وخلقنا وخلق الناس أجمعين يستحيي منك أيها العبد الضعيف أن يرد يديك صفراً بلا عطاء منه. لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من جود كفيك ما علمتني الطلبا يقول أهل العلم: في هذا الحديث فضل سد الفرجة، ووصل الصفوف، لأن هذا الأول رأى فرجة فدخل فيها، فدل على فضل من عمل هذا العمل، وهو أحسن الثلاثة عند الله عز وجل قال النبي: {أوى فآواه الله} وآوى الأولى تنطق: بالمد، وبالقصر، والأرجح أنها بالقصر لقوله تعالى: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف:16] {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون:50] فلكم المد ولكم القصر، والقصر أولى. ورد حديث في سد الفرجة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: {من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله} وهو صحيح، واعلموا أن من أتى والصفوف قد اكتملت فإنه لا يجر رجلاً من الصف، والحديث الذي فيه ذلك حديث باطل، فيه السري بن إسماعيل وهو متروك، يقول الناظم: والطبراني قد روى جر الرجل فيه السري ضعفوا ما قد نقل فهو متروك ولا يصح أن يستشهد به. فلك أحد الحلول الثلاثة: إما أن تدخل مع الإمام، وإما أن تراص الصفوف مراصة، فتدخل فيها وتصلها، وإما أن تنتظر قليلاً؛ فإذا لم يأت أحد فتصل وصلاتك صحيحة، ولا شيء فيها إن شاء الله، لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وهذا هو الموافق لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

الأسئلة

الأسئلة

الجلوس وسط الحلقة

الجلوس وسط الحلْقة سؤال يقول: من جلس في وسط الحلقة هل هو ملعون؟ A نعم، إذا تحلقت الحلقة وجلس وسطهم فهو ملعون، وقد صح الحديث عن حذيفة أن رجلاً جلس في وسط الحلقة، قال: {قم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من جلس في وسط الحلق} والحديث صحيح.

حرمة الذهب والحرير على الرجال

حرمة الذهب والحرير على الرجال Q ما حكم أقلام الذهب؟ A أقلام الذهب يحرم استعمالها؛ لأنها من باب الزينة، واستعمالها يدخل فيما نهى عنه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: {حرام على ذكور أمتي} فأطلق التحريم، ولم يقيده إلا في حديث حذيفة وأم سلمة في الشرب والأكل، فعلم أن الأقلام والأزرار والساعات وما يدخل في حكمها، إذا كانت من ذهب فهي حرام على الرجال، وتدخل في الوعيد الشديد الذي ورد في حق من استعمل الذهب، فليعلم هذا بارك الله فيكم. أما الحرير: فيجوز للحاجة، لأني قلت لكم: الذهب يجوز للحاجة، وكذلك الحرير، فمن كان فيه حكة في جسمه، وقال أهل الطب: عليه ألا يلبس إلا الحرير، فله أن يلبس حريراً. ويجوز مقدار إصبعين وثلاث إلى أربع أصابع مطلقاً، ويجوز أن يكون في حاشية اللباس القليلة من إصبعين أو أقل من الحرير. أما غير ذلك فلا يجوز فإنه محرم على الرجال حلال للنساء. والسبب في حله للنساء وحرمته على الرجال؛ أن الزوجة مطلوب منها التجمل في بيت زوجها؛ لأن من أدب الإسلام للمرأة أن تكون جميلة في بيتها، وألا تستصحب الجمال إذا خرجت من بيتها، بل عليها أن تخرج في ثياب بيتها ومنزلها التي لا تجلب النظر، وتتحجب وتحتشم، ولا تتطيب في طريقها لئلا تفتن الناس.

زينة المرأة وضوابطها

زينة المرأة وضوابطها Q هل المرأة التي تلبس الزينة ملعونة؟ وهل يجب عليها أن تتعلم العلم؟ وما مقدار ما تحتاجه من العلم؟ A هناك آثار تدل على أن من تطيبت بقصد الفتنة فإنها ملعونة -نسأل الله العافية- فعلى المسلمة أن تنتبه لهذا الأمر، إذا خرجت من بيتها، لأن الزينة إنما هي للزوج، أما للأجانب فلا، فإن فعلت فقد انتهكت حرمات الله عز وجل، وتعدت حدود الله، ولو كان أخا الزوج؛ لأن أخا الزوج اشتهر عند الناس أنه من أهل البيت، أي: أن له الحق في أن ينظر لأنه أمين، والحقيقة أنه هو الموت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الحمو الموت} لأنه قد يتسبب في مشاكل وفتن عظيمة، فالواجب عليه ألا ينظر إلى امرأة أخيه، ولا تنظر إليه أبداً. وهذه حالات تحدث في المجتمع كثيرة، وتسمعون عنها. فإذا اضطر الشاب أن يسكن مع أخيه أو مع إخوانه في بيت، وعندهم زوجات، فلتكن له غرفة واحدة، ويؤتى بأكله فيها، ولا يرى زوجة أخيه، ولا زوجات إخوانه، ولا يرونه أبداً؛ لأن هذا يحرم عليه. إن السلامة من سلمى وجارتها ألا تمر على حال بواديها ويجب على المرأة وجوباً أن تتعلم من العلم ما ينفعها، من أمر دينها بادئ ذي بدء، لأنه لا يطلب منها أن تفتي المسلمين، يطلب منها أن تتعلم الصلاة، وما يتعلق بالصلاة، وحق الزوج، وما يجب عليها تجاه بيتها وأطفالها، فإذا تعلمت ذلك واتقت الله فهي المؤمنة الصالحة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها} فهذه هي المرأة التي يرفع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ميزانها يوم القيامة، وهي التي تربي الرجال. فالأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق وللمرأة أن تحضر مجالس العلم، والذكر، وتستفيد كما كانت النساء في عهده صلى الله عليه وسلم، فقد حضرن مجالس العلم، وخصص لهن يوماً من أيامه المباركة هو يوم الإثنين، يلتقي بهن فيجدهن وهو المعصوم، وربما ما زحنه من حسن خلقه وكن عنده في يوم من الأيام وكن يرفعن أصواتهن، فأتى عمر فلما سمع النساءُ عمر، ابتدرن الحجاب، وكدن يتكسرن في الطريق من مخافة عمر، فقال عمر: يا عدوات أنفسكن الرسول صلى الله عليه وسلم معكن لا تهبنه وتهبنني، ظن عمر أنها من منزلته رضي الله عنه، فخرجت امرأة عاقلة رشيدة منهن، فقالت: {أنت أفظ وأغلظ من رسول الله والرسول صلى الله عليه وسلم رحيم رءوف بالمؤمنين} أو كما قالت. فكان صلى الله عليه وسلم يجلس معهن، فمن واجب المرأة أن تحضر وأن تحرص على ما ينفعها. وأحسن ما أرشد المرأة إليه (برنامج نور على الدرب) لأن فيه الفقه في الدين، وفيه تعليم للمرأة، وأن تحرص على العلم الذي ينفعها في حياتها، فإننا لا نطلب من المرأة أن تكون مهندسة ولا طيارة، ولا جندية، ولا تظنوا أن الإسلام ينتقص المرأة، أو يحرم المرأة حقها حين يمنعها من الاختلاط، نحن في الإسلام نكرم المرأة، ونعظم المرأة، ونشرف المرأة، فنقول: تبقين في بيتك شريفة موقرة، تربين أبناءك ولك كل الحقوق كاملة. أما أن تصارع المجتمع، وتبقى سكرتيرة على المكتب، وتستقبل وتودع، فليس في الإسلام هذا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة} أن ترأس مكتباً أو أن تكون مسئولة، فليست بمفلحة لا في الدنيا ولا في الآخرة، والذين تتولاهم المرأة هم أنقص منها حظاً ونصيباً، ولذلك ألقى السباعي محاضرة في مصر، فقال: إن الإسلام وفىَّ المرأة حقها، فقامت امرأة مصرية، فقالت: كيف وفّى الإسلام حقها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إنهن ناقصات عقل ودين}. قال السباعي وكان سريع البديهة ذكياً: نعم يقول صلى الله عليه وسلم: {إنهن ناقصات عقلٌ ودين} وهذا في نساء الصحابة، أما أنتن فلا عقل ولا دين، فقامت أخرى، وقالت: كيف لا تلطفون بنا في محاضراتكم؟ وكانت هذه المرأة لما قامت كانت سمينة، وقامت من آخر الحفل، وقالت: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {رفقاً يا أنجشه بالقوارير}؟ فقال السباعي: نعم! يقول: رفقاً بالقوارير، ولم يقل: رفقاً بالبراميل. نسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يرشدنا لما يحبه ويرضاه، وأن يتقبل أعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يأخذ بأيدينا وأيديكم لما يحب ويرضى، وأن يلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا، وأن يتولانا في الدارين، وأن يفقهنا في دين وميراث محمد صلى الله عليه وسلم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كيف نستقبل رمضان؟

كيف نستقبل رمضان؟ رمضان وما أدراك ما رمضان؟! إنه شهر تغلق فيه أبواب النيران، وتفتح فيه أبواب الجنان، وهذا الشهر له فضائل ومزايا ومكانة في قلوب المسلمين الموحدين. فيا ترى كيف يُسْتَقْبَل هذا الشهر الكريم؟! أيُسْتَقْبَل بالسهر في معصية الله؟! أيستقبل بالنوم والكسل؟! بماذا يستقبل هذا الشهر؟! وكيف كان حال النبي -صلى الله عليه وسلم- والسلف الصالح في رمضان؟ كل هذا ستعرفه في هذا الدرس إن شاء الله.

مميزات رمضان

مميزات رمضان الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، أتى بالإسلام، خير من صلى وصام، وطاف بالبيت الحرام، وبنى دولة الإسلام، وكسر دولة الأصنام. عنوان هذه المحاضرة: كيف نستقبل شهر رمضان؟ مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام قد لقيناك بحب مفعم كل حب في سوى المولى حرام فاغفر اللهم ربي ذنبنا ثم زدنا من عطاياك الجسام لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلق أسهرنا جنح الظلام ولهذه المحاضرة قطوف وشذور ولها عناصر: 1 - محاسبة النفس على عام انصرم، لا ندري ما الذي فعل به، إما حسنة سجلت في ميزان الحسنات، أو سيئة كتبت في ميزان السيئات. 2 - تذكر لقاء الله عز وجل، والإعداد لذاك اليوم العظيم الذي تتفطر له القلوب من رعبه وخوفه. 3 - اغتنام هذه النفحة الربانية، والعطية الإلهية، التي قد لا تعود على الإنسان مرة ثانية. 4 - الإكثار من الطاعات والمسارعة في الأعمال الصالحات. 5 - التخلي عن العادات الجاهلية والمخالفات الشرعية. 6 - جَدْوَل المسلم في شهر رمضان، كيف يقضي شهر رمضان؟ 7 - شذرات وقطوف مع محمد عليه الصلاة والسلام في بستانه وروضه. من زار بابك لم تبرح جوارحه تروي أحاديث ما أوليت من منن فالعين عن قرة والكف عن صلة والقلب عن جابر والسمع عن حسن أيها المسلمون! أطل عليكم شهر مبارك، وهو فرصة ثمينة لا تقدر بالأموال، بشر به رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وهتفت له قلوب الموحدين، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنان، وغلِّقت أبواب النيران، وصفدت الشياطين}. إذا جاء رمضان تهيأت جنة الرحمن للطائعين. إذا جاء رمضان أغلقت أبواب النار ليتوب العصاة. إذا جاء رمضان صفدت مردة الشياطين، فلا يغوون عباد الله. فرمضان له مميزات عند المسلمين:

نزول القرآن في رمضان

نزول القرآن في رمضان أولها: أن هذا القرآن العظيم الذي بأيدينا -وهو الوثيقة الربانية التي فضحت أدمغة البشر- نزل في رمضان، نزل مرة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في رمضان. هذا القرآن الذي وقف أساطين الدنيا وهم يتحدثون عن معجزاته، فتاهوا ومزقوا وسحقوا. الشيوعية المنهارة عمرها اثنتان وسبعون سنة، أما القرآن فعمره ما يقارب ألفاً وخمسمائة سنة، وهو يزداد نوراً ويزداد عمقاً وأصالة: سمعتك يا قرآن والليل واجم سريت تهز الكون سبحان من أسرى والقرآن أنزل في رمضان، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185].

رمضان شهر التقوى

رمضان شهر التقوى الأمر الثاني: أن رمضان شهر للتقوى، فالنفس تذوب في رمضان وتكف جماح المعصية، وتلجم العين، وتنكسر الأذن، فلا تسمع الخنا، فالأعواد والموسيقى تسكت في رمضان ليتكلم القرآن، والبيوت تؤسس على نقاء في رمضان، والأكباد تجوع وتظمأ للسلسبيل الذي يشربه الصائمون إن شاء الله. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فالسر في رمضان أنه تقوى، وأنه يثمر الخشية في قلب المسلم، وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا معشر الشباب! -وإنما وجه الخطاب للشباب؛ لأنهم أهل الثوب القشيب وأهل القلوب الحية، وأهل الطاقة الكامنة التي إن وجهتها إلى الطاعة أفادت، وإلى المعصية عربدت- يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} ووجاء: أشبه بالخصاء، لأنه يذوب معه البطن والكبد فلا تبقى نوازع الشر؛ لأن نوازع الشر في الدم، والشيطان يجري في الإنسان مجرى الدم، والدم إنما يغذى بالطعام والشراب، ولا يقلص الطعام والشراب إلا الصيام.

رمضان شهر التوبة

رمضان شهر التوبة أيها الإخوة! ومن مميزات رمضان أيضاً: أنه شهر للتوبة فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {رمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

محاسبة النفس على عام مضى

محاسبة النفس على عام مضى العنصر الأول: محاسبة النفس على عام انصرم، فقد مضت سنة كاملة لا ندري ما عملنا بها، إنما علمها عند ربي في كتاب: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [طه:52] وهذا هو الخطاب العجيب! وهو الجواب الأريب الذي سُدد له موسى عليه السلام وهو يتكلم مع فرعون، ففرعون الطاغية المجرم يقول لموسى: ما بال القرون الأولى؟ ما لهم لا يتكلمون، ولا يتحدثون، ولم يخرجوا إلينا؟ فرد عليهم بجواب -يقول الزمخشري: لله دره من جواب- قال تعالى: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [طه:51 - 52] لأن الشعور الإلحادي والمتزندق في الساحة ينظر إلى القبور فيجدها هامدة فيقول: لا بعث، فيقول: أتيتُ القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر؟! تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر لكن -والله- ليبعثرن ما في القبور، وليحصلن ما في الصدور. يقول الحسن البصري رحمه الله -والكلام إليه صحيح- لما قرأ قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة:1 - 2] قال معلقاً على النفس: "لا تجد المسلم إلا لوَّاماً لنفسه، يقول: ماذا فعلت بأكلتي؟ وماذا أردت بكلمتي؟ فهو يلوم نفسه دائماً. أما الفاجر فيعربد ولا يلوي على شيء، غره منصبه ووظيفته وقصره وسيارته: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] وقال تعالى أيضاً: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف:179] وهي حياة الإنسان يوم يبلغ مبلغ البهيمة، ويوم يسير في مسلاخ الدابة لا يرى نوراً ولا إيماناً ولا استقامة.

النفوس في القرآن ثلاث

النفوس في القرآن ثلاث والنفوس في القرآن ثلاث: 1 - نفس أمارة: وهي نفس الجاهل المعربد الفاجر. 2 - نفس لوامة: وهي نفس المؤمن الذي يخطئ ويخلط عملاً صحيحاً وآخر فاسداً. 3 - ونفس مطمئنة: وهي نفس المؤمن الذي يبلغ درجة الإحسان ويطمئن إلى درجة البر: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. وآخر آية من القرآن -على القول الصحيح من أقوال أهل العلم- هي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281] وتسمى آية المحاسبة، وآية التنقير؛ لأنها تلاحق العبد ليحاسب نفسه وينظر إلى مستقبله، وفي حديث حسن عند الترمذي عن شداد بن أوس رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الكيِّس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني} وهذه الكلمة إنما تخرج من شفاه محمد صلى الله عليه وسلم. والناس فريقان: قوم حاسبوا أنفسهم وتزينوا للعرض الأكبر فخفف عنهم الحساب، وقوم أقبلوا بالجرائم والفواحش فسوف يرون يوم العرض الأكبر، كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18].

ابن مسعود ومحاسبة النفس

ابن مسعود ومحاسبة النفس في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه -وكان من المحاسبين لنفسه كثيراً- قال: [[المؤمن يرى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه، والمنافق يرى ذنوبه كأنها ذباب وقع على أنفه فقال به: هكذا]] ابن مسعود هذا العلامة، داعية أهل العراق يروي عنه الإمام أحمد في كتاب الزهد: أن تلاميذه مشوا وراءه فالتفت وقال: [[عودوا، والله لو تعلمون ذنوبي وخطاياي لحثوتم على رأسي التراب]]. كيف به لو رآنا وذنوبنا وخطايانا؟! كيف به لو عاش في عصرنا وحالنا ووضعنا! كيف به لو دخل بيوتنا ورأى -والعياذ بالله- البعد عن منهج الله عز وجل؟! فبدل القرآن؛ المجلة الخليعة، وبدل التلاوة؛ نغمة فاجرة، وبدل السواك؛ سيجارة، وبدل الجلسة النبوية؛ جلسة مع البلوت إلا من رحم ربك. فهذه فرصة لهذه البيوت والقلوب والأجيال أن تعي مدلول رمضان. إن رمضان لا يقدر بالأثمان، إنه فرصتنا وذكرياتنا، انتصرنا في رمضان على الشيطان والطغيان وننتصر بإذن الله على النفس. فـ بدر والفتح في رمضان، وقالوا: حطين وشقحب في رمضان. فكانت غزواتنا دائماً في رمضان، ويسجل النصر بإذن الله للمسلمين، ولكن قبل أن يأتي رمضان، لا بد أن نقف وقفة جادة مع المحاسبة، وننظر ماذا فعلنا في هذه السجلات فإن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] وقد صح عن الفضيل بن عياض الذي وعظ الخلفاء فأبكاهم -عابد الحرمين- أنه قال: "والله إني أعرف من يُعَد كلامُه من الجمعة إلى الجمعة"، قال أهل العلم: "ربما يقصد نفسه"؛ لكنه كتم أنفاسه فما أخبر باسمه ورسمه وإلا فاسمه معروف في القلوب، هو الذي يعد كلماته، لأن الله يقول: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18].

عمر بن الخطاب يحاسب نفسه

عمر بن الخطاب يحاسب نفسه وفي الصحيح أن عمر لما فاوض الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديبية، وقال: -في كلام طويل-: {كيف نرضى الدنية في ديننا؟!} أخذ عمر هذا الموقف فما نسيه من نفسه؛ لأنه ما كان يليق به رضي الله عنه قال: [[فعملت لهذا الموقف أعمالاً]] أي: أعمالاً صالحة تكفر عنه تلك الخطايا التي هي بجانب حسناته إنما هي قطرات في بحر. وعند ابن كثير في حديث أنس بسند صحيح: [[أن عمر وقف وراء حائط وأخذ يحاسب نفسه ويقول: والله يا عمر! إن لم تتق الله ليعذبنك الله]].

من مواقف العلماء في المحاسبة

من مواقف العلماء في المحاسبة وذكر ابن الماجشون في ترجمة ابن المبارك عن الحسن بن عرفة من تلاميذ ابن المبارك بسند جيد قال: أتى ابن المبارك من خراسان إلى بغداد ومعه قلم استعاره من رجل في خراسان ونسي القلم على أذنه حتى دخل بغداد فرأى القلم وقال: سبحان الله! نرد القلم إلى صاحبه، ثم ركب بغلته أياماً حتى رد القلم إلى صاحبه. إن من يبلغ هذه الشفافية والمحاسبة والدقة لجدير أن ينال رضوان الله ورحمته. يقول بعضهم: "ما بال السلف يشكون الذنوب وما بال الخلف لا يشكونها". قال أحد العلماء: "مثلنا كرجل له ثوب أبيض وأسود، فإذا لبس الأسود فما عليه ما تلطخ به، فتجده ينام في المزبلة ويخرج وثوبه كما كان، ومثل السلف كمثل رجل لبس ثوباً أبيض فهو يتأثر بأي شيء، ولذلك صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في دعاء الاستفتاح: {ونقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس} لأن الثوب الأبيض لا يقبل، وهذا هو مثل السلف. جاء شيخ صوفي خرافي إلى ابن تيمية وقال: "يا بن تيمية كراماتنا تفسد عندك وتنجح عند التتار، فيعجب التتار من الكرامات التي نأتي بها وأنت إذا أتينا إليك أبطلت كراماتنا. قال ابن تيمية: مثلك كفرس أبلق، والتتار كأن أفراسهم سود ونحن أفراسنا بيض، فالأبلق إذا دخل بين السود أصبح أبيض، وإذا دخل بين البيض أصبح أسود، فأنت إذا ذهبت إليهم أصبحت أبيض بما عندك من بقية إسلام؛ لأنهم معرضون، وإذا دخلت بيننا أصبحت أسود لما عندك من بدعة"، وهذا مثلنا وحالنا وقد خلطنا، لكن يقول الله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:102]. قال ابن عباس: [[(عسى) في القرآن للتحقيق]] فأسأل الله تعالى أن يحقق لنا ولكم التوبة، فوالله! إنا معترفون بالذنب والخطيئة، وإنا نعترف بالتقصير والندم يوم نقارن أعمالنا بأعمال الصحابة، يوم نقرأ تراجم السلف، من الصحابة والتابعين لا ننظر إلى واقعنا؛ لأن الجيل والشباب المستقيم يوم نظروا إلى واقعنا، رأوا واقعاً مزرياً فعدوا أنفسهم كأنهم من الصحابة، ولو نظروا للأخيار لنقص عندهم المقدار.

تذكر لقاء الله

تذكر لقاء الله العنصر الثاني: تذكر لقاء الله عز وجل والإعداد لذاك اليوم العظيم، فلم يفطر قلوب الموحدين إلا لقاء الله، وكان عمر يقسم قسماً وقد صح عنه هذا: [[لولا القيامة لكنت غير ما ترون]] والله! ما رد كثيراً من الأقوياء من المسلمين عن بعض الأفعال إلا يوم القيامة. ويوم القيامة كان في ذاكرة السلف الصالح كالصداع، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد} [الحشر:19] المهدي الخليفة العباسي، وهو جيد بالنسبة للجرح والتعديل، فهو خير من أبيه في المعتقد، وكان مترفاً، قصور هائلة وأموال طائلة وكنوز وذهب وفضة، ولكن لما جاءه الموت ما أغنت عنه قصوره، نظم فيه أبو العتاهية قصيدة رائعة رائدة، وقد أتى الموت فافترس المهدي وسقاه كأس المنون. وأتى الوزراء يحملون جثمانه، فقد أصبح جثة هامدة لا يسمع ولا يرى، يقودونه إلى حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة، يقول أبو العتاهية وهو يشيع الجثمان: نح على نفسك يا مسكـ ـين إن كنت تنوح لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح ثم التفت إلى بنات المهدي ووجدهن يبكين -وقد كانوا في القصر- والدموع تسيل على الخدود قال: رحن في الوشي وأصبحن عليهن المسوح إلى إن قال: كل بطَّاح من الناس له يوم بطوح ستر الله بنا أن الخطايا لا تفوح كل من يبطح الرجال يبطحه الله، كان هذا الخليفة يبطح الملوك، ولكنه أتاه بطاح الملوك، الذي بيده مقاليد السموات والأرض: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]. دس ملك الملوك في أنف فرعون الطين، وقتل النمرود ببعوضة، ودكدك سد مأرب بفأرة. كان سحبان بن وائل يفتخر عند معاوية ويقول: نحن أهل اليمن ونحن كيت وكيت، فقام له رجل من المسلمين، وقال له: اسكت! دل عليكم هدهد، وهدم سدكم فأرة، ونغص عيشكم وزغة، فلماذا تفتخرون؟! {وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:73].

من صور تذكر الآخرة عند السلف

من صور تذكر الآخرة عند السلف دخل ابن السماك الواعظ على أبي جعفر المنصور، فأراد أبو جعفر المنصور أن يشكل عليه بمسألة، وكان على أبي جعفر مهابة، وهو الذي قتل أبا مسلم الخراساني، الذي قتل ألف ألف من المسلمين - (مليون) مسلم- فقتله أبو جعفر وافترسه. وقتل أبو جعفر أيضاً: عبد الله بن علي، وقتل هرثمة، والوزراء، بدَّدهم وقطَّع رءوسهم، فدخل ابن السماك والمجلس قد اكتمل، فأتى ذباب من خلق الله فوقع على أنف أبي جعفر، ضاقت به الدنيا إلا على أنف أبي جعفر فرماه بيده فطار الذباب، ثم هبط بحفظ الله ورعايته على أنف أبي جعفر مرة أخرى فطيره وهشه، فرجع على أنفه، فطيره مرة ثالثة، وتكرر ذلك، حتى أنه غضب على الذباب وأراد أن يحكم عليه بالإعدام لكنه لا يستطيع أن يصيده ولا يستطيع أن يذبحه، قال: "يا بن السماك، لماذا خلق الله الذباب؟ " قال: "ليذل به أنوف الطغاة". هذه محاضرة ابن السماك الشهيرة التي حُفِظَت له في التاريخ. وأعود إلى المهدي بن أبي جعفر. فهذا المهدي دخل مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فلما رآه الناس مقبلاً قاموا جميعاً إلا ابن أبي ذئب المحدِّث فما قام، بل جلس في مجلسه، فقال الخليفة المهدي: "قام لي الناس إلا أنت يا بن أبي ذئب "، فقال: "أرت أن أقوم لك، فتذكرت قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] " قال: "اجلس والله ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت"، فذكَّره بذلك اليوم. ومحمد بن واسع الأزدي المحدث الكبير يقولون له: "اتكئ على اليمين أو اليسار" قال: "لا، لا يتكئ إلا الآمن، وأنا ما جزت الصراط حتى أتكئ". وقالوا عن حماد بن سلمة راوية مسلم الشهير: "ما تبسم"، والتبسم سنة، ولكن هكذا، قيل له: "ما لك؟ "، قال: "كلما أردت أن أتبسم تذكرت الميزان والصراط"، أو كما قالوا عنه، وهذه موجودة في ترجمته. وعلى كل حال يجب الاستعداد للقاء الله، فوالله ما الاستعداد للقاء الله بكثرة الأموال، ولا الأولاد، ولا المناصب؛ لكنه بالعمل الصالح: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197] وفي ترجمة سلمان الفارسي - سلمان الذي أتى بـ (لبيك اللهم لبيك) سلمان عصاه: لا إله إلا الله، وقعبه: التوكل، وفراشه: الزهد، ولحافه: آمنا بالله، وأما سجيته: فحسبنا الله ونعم الوكيل، بيته: المسجد، وإمامه: محمد صلى الله عليه وسلم، ومؤذنه: بلال. وأبو جهل الطاغية أشرف نسباً من سلمان لكن إمامه: إبليس، ومؤذنه: فرعون، وبيته: الخمارة، وأستاذه: الصنم، ومصيره: إلى النار، قال لـ سلمان: من أبوك؟ قال: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم صلى سلمان إلى القبلة، فقال لسان الحال: سلمان منَّا آل البيت، وقدم روحه رخيصة في سبيل الله، دخلوا عليه في سكرات الموت فوجدوا عنده شملة وقعباً وعَصَاً، أين الدنيا -وأنت أمير العراق - قال: [[أوصانا صلى الله عليه وسلم أن يكون قوتنا من الدنيا قليلاً -أو كما قال- وأن أمامنا عقبةً كئوداً لا يجوزها إلا المخف، وقد أكثرت من الدنيا. قالوا: غفر الله لك! وهل أكثرت من الدنيا؟! قال: نعم أكثرت. ]].

أقسام المحاسبة

أقسام المحاسبة فهذه معلومات عن السلف الصالح يوم حاسبوا أنفسهم. يقول بعض أهل الرقاق: المحاسبة على ثلاثة أقسام: القسم الأول: حساب قبل العمل: وهذا مثلٌ يذكره الغزالي وهي: أن توجه نيتك إلى العمل الذي تريد أن تفعله فتستخير الله فيه، وتسأل الله فيه القبول، وتطلب من الله أن يوفقك إليه، فهذه أول محاسبة. وابن الجوزي كانوا يقولون عنه: "إذا أراد أن يعظ الناس مرَّغ وجهه في التراب وسأل الله أن يفتح له القلوب"، فمن الذي يفتح القلوب إلا الله؟ ومن الذي يفتح البصائر إلا الواحد الأحد؟ فـ ابن الجوزي كما في طبقات الحنابلة أخبروه أن الخليفة موجود في مجلس الوعظ، فمرغ وجهه في التراب، وقال: يا رب! أسألك التوفيق والفتح، ثم قال على المنبر: ستنقلك المنايا من ديارك ويبدلك البلى داراً بدارك ودود القبر في عينيك يرعى وترعى عين غيرك في ديارك يقولون: فبكى الخليفة بكاءً عظيماً. القسم الثاني: المحاسبة أثناء العمل: والمحاسبة أثناء العمل بأن توقعه على شرطين: 1 - إخلاصٌ لله. 2 - واتباعٌ لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود:7] قال الفضيل: [[أصوبه وأخلصه: أن يكون خالصاً لوجه الله وعلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام]]. القسم الثالث: المحاسبة بعد العمل: وهي أن تنظر لعملك وتستغفر الله مما شابه من رياء وسمعة، وأن تردد قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه} وقد ذكر وكيع في كتاب الزهد بسند صحيح أن ابن عمر كان يقرأ قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، وقال ابن عمر: [[يا ليت أن الله تقبل مني مثقال ذرة، فإن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]]]. فنسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح العمل، وأن يغفر لنا ولكم الخطايا والزلل.

ضرورة اغتنام هذه النفحة الربانية

ضرورة اغتنام هذه النفحة الربانية العنصر الثالث: اغتنام هذه النفحة الربانية والعطية الإلهية، في حديث صحيح عنه عليه الصلاة والسلام في المسند وغيره: {أنه قام على المنبر فقال: آمين} وكان منبره صلى الله عليه وسلم ثلاث درجات، وهو منبر الهداية ومنبر النور، وهو المنبر الذي أعتق الإنسانية من رق العبودية، وكان قبل هذا المنبر الخشبي أجدادنا عبدة طاغوت، ما كان عندهم إلا سيف عنترة، وصحفة حاتم، فهم ضائعون مردة. والقوميون والوطنيون الآن يقولون: "نحن أهل تاريخ من قبل الإسلام، ما هو تاريخكم قبل الإسلام؟! إنه وأد البنات، وعبادة الأصنام، والكفر بالله الواحد الأحد، والربا، والزنا، والغِش، والخيانة، بل يبدأ إسنادنا من منبر محمد صلى الله عليه وسلم، منذ أن وقف على الصفا وقال: {يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا} أما قبله فلا شيء: تاريخنا من رسول الله مبدؤه وما عداه فلا ذكر ولا شان وهذا المنبر حنَّ لذكره صلى الله عليه وسلم لما عزله وأخذ منبراً آخر، فأخذ الجذع يبكي من الشوق واللوعة - والحديث عند البخاري - فنزل يسكِّنه ويسكِّته. ونعود للحديث: {فارتقى عليه الصلاة والسلام المنبر، وقال: آمين، ثم قال: آمين، ثم قال: آمين} وفي رواية في غير المسند: {أنه ارتقى الدرجة الأولى فقال: آمين، ثم ارتقى الثانية وقال: آمين، ثم ارتقى الثالثة وقال: آمين} اللهم استجب. وأحد الماجنين يقول: يا رب لا تسلبني حبها أبداً ويرحم الله عبداً قال آمينا {ثم قال: أتاني جبريل فقال لي: رَغِم أنفُ امرئٍ ذُكرتَ عنده ولم يصلِّ عليك - صلى الله عليه وسلم- قل: آمين، فقلتُ: آمين، ثم قال: رَغِم أنفُ امرئٍ أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخل الجنة، قل: آمين، فقلتُ: آمين، ثم قال: رَغِم أنفُ امرئٍ أدركه رمضان ولم يُغفَر له، قل: آمين، فقلتُ: آمين}. أيها الناس! رمضان فرصة لا تتكرر، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: {كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي} وما أحسن كلمة (لي)! ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا فنسبتنا نحن إلى الله، فنحن أمة ربانية تتصل بالله مباشرة، فيأتي البراء بن مالك في المعركة ويلتفت إلى السماء ويقول: [[يا رب! أقسم عليك أن تنصرنا هذا اليوم، وأن تجعلني أول شهيد]] فيُقتل وينتصر المسلمون. فأي أمة كانت؟! إنها أمة ربانية. ومعنى ربانية أي: أنها متصلة بالله مباشرة في قضية السؤال والاستغاثة والطلب، وأما في قضية التبليغ فيبلغها رسولها عليه الصلاة والسلام. {كل عمل ابن آدم له} لأن عمل ابن آدم: الصلاة، والزكاة، والحج، وغيرها يكتشفها الناس، فأنت تتوضأ أمام الناس، وتصلي مع الجماعة، وتزكي على مرأىً ومسمع من الناس، لكن الصيام من يدري عنك إذا تسترت بالحيطان، هل يكتشفك أحد وأنت بين الجدران؟ قد تشرب ماءً أو تأكل وجبةً، ولا يدري عنك إلا الله. فالصيام سر بين العبد وربه: {كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، يدَع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي} من أجل الله الواحد الأحد: {للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه}. وفي الحديث: {ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك} سبحانك اللهم! ما أجمل هذه العبارات! خلوف فم الصائم الذي يخرج من آثار الجوع أطيب عند الله من ريح المسك! وهذا تشريف للصائمين، ولا يناله إلا الصُّوَّام. وفي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن في الجنة باباً يُدعى: الريان، يدخل منه الصائمون، فإذا دخلوا أغلق فلا يدخل أحد غيرهم} والريان للصائمين فقط يدخل منه من صام في الحياة الدنيا وجاع وظمئ لمرضاة الله تبارك وتعالى. وقد سبق معنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الصحيح: {إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وأغلقت أبواب النيران، وصفدت الشياطين -وفي رواية-: مردة الشياطين} أما الذي يصاحب العبد فهو معه، أما الشيطان المارد الغاوي فيصفد ويغل فلا يتحرك. ولذلك تجد السيئات والجرائم تقل في رمضان، وتجد كثيراً من الناس أقبلوا زرافاتٍ ووحداناً إلى المساجد يحملون المصاحف، يبكون ويندمون ويحافظون على الجماعات، وهذا طيب جميل لو أنه يستمر، لكن بعضهم يخلع جلباب الحياء يوم العيد على المسجد ويقول: إلى لقاء آخر في رمضان آخر، وهو لم يفعل شيئاً، وقد أساء كل الإساءة. فإن رب رمضان هو رب شعبان، ورب شعبان هو رب رمضان، والأيام أيام الله كلها، وهو الواحد الأحد الذي يعلم السر وأخفى. فهذه النفحة الربانية التي في رمضان قد لا تتكرر، والعمر -يا أيها الإخوة- غال عند المؤمن، ولكنه رخيص عند الفاجر. فهذا الفاجر المعرض عمر الخَيَّام شاعر الغزل والمجون، وليته غزل فحسب لكن مع إلحاد، يقول في قصيدة له تغنَّى وتنشر في أشرطة الكاسيت على أصحابها من الله ما يستحقونه: لبستُ ثوبَ العمر لم أسْتَشَر وحُرْتُ فيه بين شتى الفكر يقول: ما استشارني الله يوم خلقني، لا إله إلا الله! أيستشيرك يا حشرةً يا رِعديد؟! {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:1 - 2]. إن الإنسان لا شيء قبل أن يخلق، وإنما هو مضغة أو قطعة لحم فإذا خلق لا يعلم شيئاً، ويسقط على الأرض قطعة لحم يحركها الله بالروح الذي ينفخها في هذا الإنسان، ثم يأتي هذا الإنسان يطلب من الله أن يشاوره قبل أن يخلقه ويفاوضه ويطلب منه: هل ينزل من بطن أمه أم لا؟ ولذلك أبو العتاهية يتكلم في هذه القضايا يقول: الطفل ينزل باكياً من بطن أمه؟ لأنه جاء في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام: {ما من مولود إلا ونزغه الشيطان إلا مريم وابنها عليه السلام} فأول ما ينزل الطفل يبكي، هل سمعتم طفلاً يضحك، حتى طفل الأنبوب ما سمعنا ذلك، حتى الطفل الذي نشر في فنزويلاَّ أنه يتبسم كان خرافة، بل أول ما ينزل الطفل يبكي: ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا فهل تعلم ماذا يفعل -عليه الصلاة والسلام- بالطفل؟ أول ما يفعل به -صلى الله عليه وسلم- أنه يأتي إليه ويؤذن في أذنه، لا موسيقى أو صياح الهلوسة أو فلسفة المجانين والمعرضين عن الله، بل يقول في أذنه: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، ثم يتلو عليه كلمات التوحيد فتدخل هذه الكلمات حية إلى القلب مباشرة فتتمكن في السويداء، وهو مولود على فطرة التوحيد، ويأتي الأذان ليزيد التوحيد توحيداً: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] لكن علماء النفس المهلوسون يقولون: "إذا ترجرج الطفل فأعطِه موسيقى فإنه يهدأ" هل نسمعه موسيقى يا أعداء الله؟! سوَّد الله وجوهكم!! إنهم يريدون موسيقى في بلاد الإسلام، أما نحن فعندنا: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2] وعندنا صحيح البخاري وصحيح مسلم. ما افتُتِحت المستشفيات النفسية إلا بعد القرن السابع، في باريس وواشنطن، فلم يكن عندنا مستشفيات نفسية بل كان عندنا أوراد وأذكار وتسبيح وماء زمزم، وعندنا سجدات ودعاء، فندعو الله فيصلح -إن شاء الله- الحال؛ ولكن لما أتى ديكارت وكانت قالوا: "الموسيقى تهدئة"؛ وذلك لأنهم لا يعرفون معنى الحياة، ويتعاملون كالدواب؛ لأن الفِيَلة أصبحت في البرازيل ترقص على الموسيقى، والجِمال في السويد تلعب، فتجدها إذا سمعت العود تبدأ تراوح بين أرجلها لاعبة فأصبحوا مثلها.

أهمية حفظ الوقت في رمضان

أهمية حفظ الوقت في رمضان إن عمر الإنسان يحاسب عليه منذ عصر التكليف، وفي صحيح البخاري عنه عليه الصلاة والسلام قال: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ} لكن الغبن الآن عند الناس ليس في المال، فلو بحثت في شوارعهم ما وجدت ريالاً مرمياً، وأتحداك أن تمر الليلة لتجد ريالاً على رصيف أو عند باب بقالة أو نافذة، فالناس أحرص على المال من الدماء، لكن تعال إلى الأوقات، نتكلم في أربع ساعات من صلاة العصر إلى صلاة المغرب أو العشاء كلها شذر مذر، كلها شرب شاي وكلام فيما لا ينفع. ابن تيمية ألَّف كتاب التدمرية من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، لوى رجله وليس عنده مراجع، بل مراجعه في رأسه: {دعها فإن معها سقاءها وحذاءها ترد الماء وترعى الشجر} ثم سل قلمه. وهل تظن أنه مثل تأليف بعض الناس؟! بل تأليف وعلم، فـ التدمرية قواعد، كتبها إلى صلاة العصر، ودرسناها في كلية أصول الدين، ورسب فيها ثلثَي الطلاب، فهذا وقت السلف الصالح. وابن عقيل كان يأكل الكعك ولا يأكل الخبز، قالوا: "مالك؟ " قال: "حسبت ما بين المسافتين وجدت ما بين أكل الكعك وأكل الخبز قراءة خمسين آية، لكن بعض الناس في هذه المسافة يردد ثلاث أغانٍِ من حفظه، أطفالنا في السابعة يحفظون عشرين أغنية ويعرف المغني وأغنيته، ويعرف الدبلجة في الغناء والفن والموسيقى وهذه الأمور، ولكنا سوف نعود -إن شاء الله- يوم أن نعرف مستقبلنا مع الله، وسوف ننتهي من هذا الدجل والخرافة. فالشيوعيون الآن يعودون إلى الله، فكيف بالمسلم الذي نشأ في البلاد الإسلامية، وشرب ماء الإسلام. وأقصد بهذا أن فرصة رمضان لا تتكرر أبداً، وعند الترمذي بسند حسن قوله صلى الله عليه وسلم: {اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك} فالشباب فرصة لا تتعوض، فتجد الشاب يلهو ويلعب ويشرد عن الله، فإذا أصبح في المستشفى ذكر الله، تكسرت ظهور بعض الشباب في حوادث، ودخلت مع بعض الإخوة إليهم ووجدناهم قد عادوا إلى الله، لكن متى؟ لو عادوا وقت الصحة لكان ذلك أفضل، فقد أصبحوا يصلون وهم مكتفو الأيدي، وهم على ظهورهم، فلو صلوا وهم قيام لكان أحسن، ويبكون على تلك الساعات الغالية، التي صرفت في اللهو والعبث، فأحفاد سلمان ومعاذ وطارق وصلاح الدين أصبحوا في الملاهي. هل كان في معجم المسلمين ملاهي من صلاة العشاء إلى السحر؟ فأي أمة تقدم؟ وماذا يراد من هذه الأمة أن تفعل مع التاريخ؟ قال: {وغناك قبل فقرك} الأموال الطائلة التي تذهب في البنوك الربوية، في المعصية والفاحشة والرحلات الأجنبية التي تخزي أصحابها، فيصرف هذا المال إلى الخير. {وصحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك}. وأقول: إن رمضان فرصة لا تتكرر، فابدأ برمضان لتجعله موسماً للعبادة، علَّ الله أن يتقبل منا ومنكم.

الإكثار من الطاعات

الإكثار من الطاعات العنصر الرابع: الإكثار من الطاعات والمسارعة في الأعمال الصالحات.

تلاوة القرآن

تلاوة القرآن وأعظم طاعة -يا أيها الإخوة- بعد الفرائض هي: تلاوة القرآن، قلت وأسلفت: القرآن يحب رمضان وهو شهر القرآن. كان الإمام مالك إذا دخل رمضان أغلق على كتبه وأتى بالقرآن ففتحه. وكان السلف يجلسون في المسجد بعد الصلوات يقرءون في كتاب الله حال مرتحل، كلما انتهى من سورة الناس عاد من أول القرآن: سمعتك يا قرآن والليل واجم سريت تهز الكون سبحان من أسرى فتحنا بك الدنيا فأشرق نورها وسرنا على الأكوان نملؤها أجرا ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] وقال تعالى: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:29]. وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {كان رسول الله أجود الناس -هذا موجز والتفصيل سوف يأتي- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان} فهي أمة عربية تفهم، أمة عاشت القرآن، ومزقت بين يدي القرآن لترفع القرآن، لكننا لَمَّا بعُد بنا الحال أصبحنا نقرأ القرآن فلا نعي كثيراً منه، وكان الأعرابي يهتز من سماع القرآن. فهذا جبير بن مطعم القرشي أقسم باللات والعزى أنه لا يدخل في الإسلام، وحاول المسلمون معه ودعوه، فأقسم وصمم ألاَّ يدخل في الدين، لكن هذا القرآن أقوى من كل شيء، فهو يخترق الصوت والزجاج، يدخل القلوب التي هي أقسى من الحديد، قام عليه الصلاة والسلام يقرأ: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور:1 - 2] وجبير بن مطعم خارج المسجد فسار الصوت حتى دخل أذنه وقلبه، والقرآن لا يمانع، من يستطيع منكم وهو يعي هذا القرآن أن يقول: هذا كلام بشر؟ فسمع قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {* * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ} [الطور:36 - 38] من يقول: إنه قول بشر؟ أتى يشق الصفوف حتى أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان} فلن تجد أجود من محمد عليه الصلاة والسلام، وما كعب بن مامة وأجواد العرب عنده. خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل والله لا يبلغون عشر معشار جوده صلى الله عليه وسلم: {وكان أجود ما يكون حين يلقاه جبريل في رمضان ويدارسه القرآن} وهذه عبارة لا بد أن نتأملها وأن نتأنق في معناها، كيف يدارسه؟ يجلس جبريل هنا ومحمد هنا عليهم السلام، فيدرس هذا على هذا وهذا على هذا: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة}. وقد ذكر ابن حجر في ترجمة الشافعي أنه كان يختم القرآن في رمضان ستين مرة، وهذا سنده جيد إلى الشافعي، ولا يستغربن منكم مستغرب، يقول: يختمه في الليل مرة وفي النهار مرة، وهل هذا هو السنة؟ أنا لا أقول بذلك، لكن أورده إلى الإمام الشافعي من باب شحذ الهمم، وليست المسألة بالكثرة، بل المسألة بالتدبر والتمعن. فهذا القرآن موسمه هذا الشهر، لمن أحب أن يتزود من تلاوته، يقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} وفي ترجمة عبد الله بن عمرو الأنصاري -وهو غير عبد الله بن عمرو بن العاص - أنه لما دفنه صلى الله عليه وسلم، وقف على قبره وقال: {رحمك الله! لقد كنت تَلاَّء لكتاب الله} ووقف على ذي البجادين فذكره بذلك عليه الصلاة والسلام.

المحافظة على صلاة الجماعة

المحافظة على صلاة الجماعة ومن عبادة رمضان وهي أروع من عبادة التلاوة: المحافظة على صلاة الجماعة، وبعض الناس يركز على النوافل لكنه يهمل الفرائض، والعبادة -يا إخوتي- الصلاة جماعة، قال ابن المسيب: [[من صلى في جماعة فقد ملأ البر والبحر من البر]]. إن مصداقية المؤمن تظهر في صلاة الجماعة. فإذا أردت أن تعرف المؤمن من المنافق فانظر إليه في صلاة الجماعة.

ذكر الله

ذكر الله ومنها -يا أيها الإخوة- الذكر والتسبيح، فإن القلوب تمرض وتقسو وتصبح بعيده حتى يذوبها ذكر الله، فإذا مرضت فلا علاج لها إلا ذكر الله ولا يصرف العلاج إلا محمد صلى الله عليه وسلم. إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. فيا أهل الزجل المحبب إلى الملك! عليكم بذكر الله عز وجل، ويا أهل الكلمات النافعة الطيبة والألسنة الفصيحة! استغلوا هذا الشهر وغيره في ذكر الواحد الأحد، وفي أوراد هائلة وتسبيحات ترتفع إلى السماء: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]. كان أبو مسلم الخولاني لا يفتر لسانه من ذكر الله، قال له أحد السلف: "أمجنون أنت؟ " قال: "لماذا؟ " قال: "نراك تتمتم بلسانك بشيء ما ندري ماذا تقول"، قال: "عندي دواء المجانين"، فهو ليس مجنوناً، لكن عنده دواء المجانين، الذي يعالج به المجنون فيشفى بإذن الله. ولما تركنا تمتمة الألسن وتحريك الشفتين أصبح قطاع هائل من الناس يصابون بالصرع، حتى تجد المشايخ يبركون على الصدور ويقرءون آية الكرسي، وهذا وارد، وقد فعله صلى الله عليه وسلم. وأقصد لماذا لا نتعالج قبل أن نقع في مثل هذا؟ لماذا قبل أن يُبرك على صدر الإنسان ويلطم على وجهه ويقال له: اخرجي يا عدوة الله وتكلمي، فإذا هي تخرج عليه وهي تتكلم بالإنجليزي -فلبينية- فعلينا أن نذكر الله بالأوراد وبالسور، ونذكره بالأحاديث قبل أن نمرض، أما نتحرى إذا مرضنا ونقول: دواؤه الرُّقْيَة، فلا. عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه ويحق للمصاريع أن يركبهم الجن الفلبينيين، لأنهم أصبحوا في البيت والسيارة وفي الدكان والخياطة وفي السوق فلا تجد موضع قدم إلا وفيه فلبيني، ونحن لا نستزري بأحد من الناس، لكن متى كانت العمالة الأجنبية الكافرة هي غذاء الجيل؟! ومتى كان الكافر صاحب المسلم؟! فأصبح الطفل ينشأ ويرى السائق والخادم والسائقة والخادمة والخياط كلهم من جنس آخر، فيركبه الجن نعوذ بالله من الجن ونسأل الله أن يثبتنا. لكن أهل آية الكرسي لا تركبهم الجن، فهي تحرق الجن إحراقاً، حتى الشيطان يوصي بها، فعميد وأستاذ الشياطين أوصى أبا هريرة بذلك- والحديث في الصحيحين - عندما أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم كمية كبيرة من التمر ليحفظها، فأتى الشيطان إلى أبي هريرة في صورة شيخ، وأخذ من التمر، فأمسكه أبو هريرة وقال: {لأرفعنك، فقال: اعف عني فإن لي عيالاً، فعفا أبو هريرة عنه، وفي الليلة الثانية جاء فأخذ من التمر، فأراد أن يرفعه، فقال: اعف عني، وأتى في الثالثة، فصمم أن يرفعه، وقال: اعف عني، وإني أخبرك بشيء إذا قلتَه لا يزال عليك من الله حافظ، قال: وما هو؟ قال: آية الكرسي، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أبو هريرة بما حدث، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أتدري من تحدث يا أبا هريرة منذ ثلاث؟ قال: من؟ قال: إنه الشيطان، صدقك وهو كذوب} قال: صدقك هذه المرة، وهو كذاب في كل مرة، فما دام أنه جاء بها الشيطان، فهو أعرف بما يشينهم ويحرقهم. قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً} [آل عمران:191] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35] ويقول جل اسمه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:41 - 42] والذكر الكثير: أن تذكر الله قائماً وجالساً وعلى جنبك، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من ذكر الله بالأذكار الشرعية المأثورة فهو من الذاكرين الله كثيراً"، وقد ذكر ذلك في المجلد العاشر في وصية لـ أبي القاسم المغربي.

الإنفاق في سبيل الله

الإنفاق في سبيل الله أيها الإخوة الكرام! ومن الطاعات العظيمة في رمضان التي يفعلها أهل رءوس الأموال والتجار وهي مواسمهم، يوم يكونون تجاراً مؤمنين مسلمين؛ الإنفاق، وإطعام الجائعين، وتقديم الصدقات؛ لأنا رأينا الكفرة النصارى والشيوعيين ينفقون أكثر -أحياناً- مما ينفق المسلمون، لكن الآن موسمكم يا أهل رءوس الأموال! الآن تفطير الصائم، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من فطر صائماً فله مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء} أي: من أجر الصائم، مذقة لبن، أو شيء من تمر، أو قطعة خبز، يتوهم الذي يصف الأشكال والأنواع والحلو والحامض والبارد من الأطعمة أنه لا يوجد في الناس فقير. امرأة الملك الإنجليزي، عندنا تظاهر الإنجليز في لندن يريدون الخبز، وقد ماتوا من فقد الخبز، فأخذوا يكسرون زجاج القصر، خرجت من الشرفة وقالت: "لماذا لا يأكلون كعكاً أو بسكويتاً؟ لو وجدوا كعكاً وبسكويتاً لكان الخبز متوفراً، فالناس فقراء، ونعرف أن في الناس من لا يجد إفطاراً، وهذا أمر معلوم لمن كان متصدراً لأمور الناس أو إمام مسجد أو مؤذناً أو نحو ذلك من الأمور التي تناسب العامة أو تتداخل مع العامة. فالآن أتى موسم الصدقات والعطيات، فليفعلوا كما فعل محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان أجود بالخير من الريح المرسلة. يقولون: إن ابن المبارك كان يعرض سفرته من كل ما لذ وطاب ويفطر الناس ويباشر عليهم - ابن المبارك علاَّمة المسلمين، أمير المؤمنين في الحديث، وصاحب الكتب المؤلفة التي كأنها الديباج، المجاهد إذا طلبت الجهاد، والزاهد إذا بحثت عن الزهاد، والعابد إذا فتشت في صفوف العبَّاد- كان يفطِّر الناس ويباشر عليهم بالإفطار، لماذا؟! {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} [الإنسان:8 - 11]. ابن هبيرة الوزير الحنبلي، حج فكان يصوم في السفر، كان يطعم الناس الفالوذج رضي الله عنه وأرضاه، ولما قحط الناس في مِنَى أو عرفة واشتد الحر بالناس وانتهى الماء رفع يديه وبكى فنزل الغيث، قال: "يا ليتني أني سألت الله المغفرة! " فرحم الله الوزير العادل ابن هبيرة وابن تيمية عندما يذكره يسميه: الوزير العادل، والإمام العلامة الحنبلي، فهذا هو ابن هبيرة الحنبلي، غفر الله لنا وله.

صلاة التراويح

صلاة التراويح ومن عبادات رمضان: قيام الليل، ومن أعظمها: صلاة التراويح، ذاك التضامن العالمي الهائل، يوم نجتمع صفوفاً وراء إمام واحد، يوم نتعلم الأدب والنظام، يوم نسكت لكلام الله -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- وهو يتلى علينا في هذه الوثيقة الربانية، يوم طأطأنا رءوسنا لنسمع كلام الحق لا كلام غيره، كما تعرفون في ميدان العدل بل ميدان الظلم في موسكو يقولون: كان قبل جرباتشوف إذا قرئت وثيقة لينين نكس الزعماء الروس في الكرملن رءوسهم حتى تنتهي الوثيقة ثم يخنسون كأنهم الضفادع -عليهم لعنة الله- لكن لما جاء هذا صاحب الانفتاح سحقها بجزمته: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:38]. لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب ونحن نقف خاشعين إذا سمعنا كلام الواحد الأحد، كما يقول سيد قطب عمر الله حياته في الجنة: "نحن أعلى الناس سنداً لأن الله يقول: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] ". فسندنا يأتي من جبريل إلى رب السماوات والأرض، أما سندهم فمن استالين إلى لينين إلى الشيطان إلى النار والعياذ بالله. فنحن نقف خاشعين لنسمع التلاوة في قيام رمضان، وليس قيام رمضان معناه عادة يتخذها الناس ولا تهيئات وأشواق تبث في الهواء فقط، وليست مسارح يبري الإنسان موهبته في التلاوة أو الدعاء أو يحفظ قصصاً عجيبة في الدعاء حتى إن بعضهم يجيد في الدعاء أكثر من القرآن، لكن إذا أتى الدعاء بكوا بكاءً عظيماً لأنه يحكي ملاحم مثل خطب ابن نَباتَة كأنه من كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور، فيقفي بالراء فيقول: اللهم يا عالم ما في الصدور، ويا غافر الذنوب ويا كاسر الظهور، ويبدأ في الراء نصف ساعة، ثم يأتي بالدال ثم بالحاء، فيذهب الخشوع ولو بكت العيون. والسلف كانوا على السجية، ولم يكونوا يتكلفون -وهذا استطراد- وقد نبه عليه بعض العلماء -أثابهم الله- لنحيا مع القرآن، وقبل عامين اهتز الحرم هزة هي خير من ألف محاضرة، إمام وقف يقرأ في سورة محمد فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [محمد:19] فرفع صوته: فاهتز الحرم بالبكاء. فعِش مع القرآن خاصة إذا كان المقرئ صاحب نسك وعنده صوت جميل، فإنه التوفيق إذا حضرت القلوب الواعية. أيها الإخوة! يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه} كيف إيماناً واحتساباً؟ أي: يكون مؤمناً لا يكون منافقاً ولا يكون كافراً، واحتساباً: يطلب الأجر من الله، لا رياء ولا سمعة، فبعضهم قد يأتي مجاملة في صلاة التراويح، يجامل الجيران أو الخلان أو الإخوان، فليس له إلا الخسارة والندم يوم العرض الأكبر. وفي حديث صحيح عن أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له أجر تلك الليلة} فتبقى مع الإمام حتى ينصرف من صلاة التراويح يكتب لك أجر تلك الليلة. يا إخوتي في الله! وفي السحر ركعتان جميلتان أو أربع أو أكثر. يا إخوتي في الله! إنه وجد من الجيل من تسيب في رمضان وجعلوها لعب كرة وسوف أبين هذا في النقاط الآتية.

التخلي عن العادات الجاهلية والمخالفات الشرعية

التخلي عن العادات الجاهلية والمخالفات الشرعية فلا بد من التخلي عن العادات الجاهلية والمخالفات الشرعية، فبعض الناس تربى على عادات جاهلية حتى جعلها سنة وجعلها لوازم وكأنها فرائض، فلا يمكن أن ينتهي عنها ولا يتوب منها.

الإسراف في إعداد الطعام

الإسراف في إعداد الطعام ومن هذه العادات: الإسراف في إعداد الطعام، تعال وابحث في البيوت لترى، من صلاة الظهر يبدأ أهل البيت يصنعون الطعام، فيبدأ في المطبخ حريق، ولم يبق إلا أن يستدعى الدفاع المدني، فهذا قدر يفور، وهذا صحن يصيح، وهذا براد يولول، وأصبح البيت في همهمة! لماذا؟ قالوا: البطون جاعت، والإنسان إذا نزل في النهار ودخل السوق المركزي ظن أنه سوف يأكل ما في السوق، فعبأ الأكياس والأخراج وحمل في الأدراج ما الله به عليم، يصرف للأسرة الواحدة ما يكفي أسراً، وفي المسلمين ثلاثة عشر مليوناً مهددون بالمجاعة، ففي أفغانستان لا يجدون كسرة الخبز، وهؤلاء المجاهدون أهل الثياب المتمزقة، وأهل العزة الإيمانية الذين أرغموا وجه الكافر في التراب وردوه خاسئاً، وهم أهل الأذان في هيئة الأمم. واسمحوا لي أن أخرج قليلاً ثم أعود. كيف أذنوا في هيئة الأمم؟ حدثنا يوسف الحمدان بسند جيد "أن كثيراً من قادة المجاهدين حدثوه أن وفدهم لما ذهب إلى نيويورك مقر هيئة الأمم المتحدة، وقد دخل وفد المجاهدين أول مرة ليحضروا الهيئة العمومية لـ هيئة الأمم، فلما وفد المجاهدون المصلون المتوضئون في وفد هيئة الظلم والعمالة والخيانة، وأكل حقوق الإنسان وإرعاب الإنسان؛ وقف المجاهدون لما أتت صلاة الظهر وأوقفوا المؤتمرين وأطلق الأذان"، وقالوا: "خرج وفد إسرائيل إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، ووفد آخر لا ندري من هو، وصلى المجاهدون والقادة. أذَّن هناك ليعلن أن المكان هناك لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن الكافر دخيل وعميل، فأسمع تلك الهيئة الكافرة: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنس إفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا كنا نقدم للسيوف رءوسنا لم نخش يوماً غاشماً جبارا وكأن لسان حال هؤلاء يقول: جرباتشوف طاردناك بالكلاشنكوف في أفغانستان، وطاردناك في هيئة الأمم بالأذان. وهذه فقط رحلة على شاطئ، وأعود بكم إلى الموضوع. قال رحمه الله: ومن الناس من يسرف في إعداد الطعام إسرافاً عظيماً فتجدهم لا يرضون إلا أن يملئوا النفايات بالطعام والشراب، فأين الأُسَر الجائعة؟! وأين الاقتصاد؟! يقول أهل الطب: "مَن أكثر من الأنواع أُصيب بالأوجاع". فالذي يأكل عشرين صنفاً أكثر مرضاً ممن يأكل صنفين، والسلف لم يكن عندهم مستشفيات لكن نحن في كل حارة مستشفى، وقسم الباطنية سبع غرف، حتى لا تجد في بعض المستشفيات قسم حنجرة، ولا عظام، بل كلها باطنية، الغرفة الأولى باطنية والثانية والثالثة والرابعة، وكلها مليئة ما شاء الله! وقسم الحنجرة لا تجد فيه أحداً، دكتور الحنجرة مسكين ينتظر كأنه حارس مرمَى، بينما صاحب الباطنية عرقه يتصبب في الأرض، في كل وقت يدخلون عليه رجلاً منتفخ البطن، مات شهيداً، مالَه رحمه الله؟ قالوا: أكل عصيدة في الظهر حارة، فلما وقعت في بطنه أصيب بإغماء، فما ندري هل قتل شهيداً أم قتل على خاتمة طيبة؟ فيشقوا بطنه فيموت، تغمده الله بواسع رحمته. يا مسلمون! قسم الباطنية مزدحم من كثرة ما أكلنا وشربنا، ما تركنا جديداً ولا قديماً ولا حديثاً إلا أكلناه، وأحياناً يدعى الإنسان إلى مأدُبة وما معه إلا أربعة وإنها لتكفي ثلاثين أو أربعين، فإلى متى هذه الطاقات هدراً وإسرافاً؟! إن الله لا يحب المسرفين، قال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:27]. يقال: أحد الأَكَلة -ممن يأكل كثيراً- حضر إلى مأدبة فوجد الناس يأكلون، والطعام حار فرفع يده، فما وقفوا، فأخذ يبكي قالوا: "ما لك تبكي؟ " قال: "أكلتم عليَّ الطعام" قالوا: "كُل معنا" قال: "حار" وهذا البكاء لا يؤجر عليه لأنه ليس في عبادة.

الإسراف في النوم

الإسراف في النوم ويقع الإسراف -يا أيها الإخوة- في النوم، فبعضهم يصوم وهو في الحلم، هل تدري كيف يعمل؟ بعض الشباب سل بهم خبيراًَ: يصلي الفجر ثم ينام إلى الظهر، ثم يواصل النوم على بركة من الله إلى صلاة العصر، ثم ينام من العصر إلى الغروب، فتوقظه أمه ليفطر فما أحس جوعاً ولا ظمأ ولا عاش عبادة ولا قرآناً ولا نوافل ولا تسبيحاً، يأكل التمر متناولاً كأنه أتى من القرون التي قبل الإسلام، لا حلاوةً، ولا رقةً، ولا شعوراً، ولا خلوداً، ولا طعماً لأسرار الصيام. إن أسرار الصيام معناها: أن تشعر بالجوع؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] وأنا لا أقول: لا تنام؛ لكن لماذا يُعْكس البرنامج في النهار، فيصبح نوماً كله والليل سهراً، ونعود إلى عمر الخيام -عليه من الله ما يستحقه- حيث يقول: فما أطال النوم عمراً وما قصر في الأعمار طول السهر وهذا البيت يُنْشَد، وكثير من الشباب على الرصيف يصفقون لهذا البيت، وما يعلمون أن هذا البيت فيه كفر، وما قاله إلا زنديق، يقول: نم أو قم في الليل فإنه ليس وراءك إلا نوم في القبر لا بعث بعده -عليه من الله ما يستحقه- ولذلك يقول بعضهم الآن في بعض الصحافة: انتقل إلى مثواه الأخير، وليس المثوى الأخير هو القبر -كما يقول القنوي وهو ممن اتهم بالزندقة وبالتصوف- إنما المثوى الأخير: إما إلى جنة وإما إلى نار: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] وقال تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمْ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]. يقول الغزالي: "من عمره ستون سنة ينام منها عشرين سنة، والتفصيل في ذلك أنك تنام في الأربع والعشرين الساعة ثمان ساعات، فإذا نمت ثمان ساعات في كل أربع وعشرين ساعة فقد نمت في الستين سنة عشرين سنة، ثم صفي من غيرها للأكل وللشرب ولدورات المياه والاغتسال، فبعضهم إذا دخل دورة المياه مكث فيها ساعتين، وبعضهم إذا اغتسل يأخذ في الغسل ساعة ونصف؛ لأن الحياة معقدة، وإذا أكثر الجسم من الترفيه تعقدت الروح، تعقيد في اللباس وتعقيد في الغسل وتعقيد في الطعام؛ وهذه هي المضرة بعينها: يا كثير الرقاد أكثرت نوماً إن بعد الحياة نوماً طويلاً وبعد النوم يقظة إلى حساب ومعاد، ثم إلى جنة أو نار، وهذه هي وقت الصيحة التي يصيح بها الملك يوم يجمع الله الأولين والآخرين.

اللعب واللهو

اللعب واللهو ومن الظواهر اللهو واللعب في رمضان عند كثير من الشباب، فالآن يعلن عن دورات الرياضة المكثفة إعلاناً واستعداداً لشهر رمضان، استعداد رياضة لشهر رمضان حتى يقضى في الدورات، وأصلاً ما كان هذا إلا صدَّاً عن العبادة التي يريدها الله عز وجل وأنا أعرف من الشباب من يترك صلاة التراويح لأجل الكرة إلى السحر. وأنا أقول: الكرة ليست حراماً إذا أتت بضابطها الشرعي وأصلها الجائز في سنة محمد عليه الصلاة والسلام الموافقة للنصوص، ولكن أمة محمدية تلعب الكرة من العشاء إلى السحر، أمة تريد رضوان الله تبقى مع الكرة ومع الأهداف والمرمى والأشواط إلى السحر، شباب يراد منهم أن يكونوا حملة القرآن والرسالة والنصر لهذه الأمة ودعاة وعلماء يبقون أربع ساعات مع الغبار ومع الخسران والدمار والعار، فيأتي أحدهم يصلي الفجر وقلبه كالحجر من لعب الكرة، يقرأ الإمام والبعض منهم لا يدري في أي سورة، ملطخ بالتراب على وجهه وأذنيه ثم ينام نومة أهل الكهف إلى صلاة الظهر، فأين الإيمان؟! وهل هذه أسرار الصيام؟! وقد كان الصحابة كما قال ابن القيم: في الليل رهبان وعند لقائهم لعدوهم من أشجع الفرسان إي والله! في الليل رهبان، كانت مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام عاصمة الإسلام تتراد بصوت القرآن والتلاوة الحية، وكانت نسمات القرآن عابقة، وكان محمد عليه الصلاة والسلام يمر فيسمع دوي القرآن، واسألوا تفسير ابن أبي حاتم والعجوز تقرأ قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] فيسمعها النبي صلى الله عليه وسلم ويبكي ويقول: {نعم أتاني، نعم أتاني} اسألوا صحيح البخاري فهذا أبو موسى يقرأ في البيت أو في المسجد وقد أوتي مزماراً من مزامير آل داوُد فيعيش معه محمد عليه الصلاة والسلام. ولكن تعال اليوم واهبط إلى الأسواق واسمع ما يدار من نغمات، وموسيقى، وغناء ماجن، وتمثيليات فاسقة، يستحي الشيطان أن ينظر إليها، وكلمات بذيئة ربتها العلمنة، وفحش في القول والفعل، وخروج على مراسم الشريعة من بعض الناس، فمتى كانت المرأة المسلمة المتحجبة تجوب الأسواق؟! ومتى كانت تعرض نفسها على الخياط السيخي والزنديق؟! إن هذا حصل يوم انطفأت معالم الرسالة، وأصبحت الأمة لاعبة، فأصبحت أمة بلوت وتريد النصر، لكن النصر على من؟! فإسرائيل أربعين سنة تهاجم العالم الإسلامي، وَعددنا مليار لكن مثل الخفافيش، والأصفار على اليسار: عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبت وجدتهم أصفارا وأخبر بذلك محمد عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {قالوا: أمِنْ قلة يا رسول الله؟ قال: بل أنتم كثير، لكنكم غثاء كغثاء السيل} فالشاب عمره ثلاث عشرة سنة ويحفظ ثلاث عشرة أغنية، ولكنه يخطئ في سورة المسد، يقدمونه يصلي بالناس فيقول: لا. لا تحرجوني بدون إحراج، لكنه في الكرة وفي البلوت وفي حفظ الأغاني جيد. وأسامة عمره ثلاث عشرة سنة، ويتولى جيشاً فيه عمر وعثمان وعلي، ثم يأتي على فرسه بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ليودعه أبو بكر وأبو بكر آخذ بلجام الفرس، والفرس كأنه طائرة، وأسامة كأنه أسد على الفرس، فأراد أسامة أن يهبط ليركب الخليفة، فقال أبو بكر: [[والله لا تنزل، ووالله لا أركب، وما علي أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله؟]] فكأن أبا بكر ما اغبرَّت قدمه قبلها، والله إنها اغبرَّت قدمك منذ أسلمت، لكن نحن متى اغبرَّت أقدامنا؟ ولقد غبرنا أيادينا في الأرز والكبسات، يقول الأول: سل الرماح العوالي عن معالينا واستشهد البِيْض هل خاب الرجا فينا فقال الأخير: سل الصحون التباسي عن معالينا واستشهد البَيْض هل خاب الرجا فينا غفرانك يا رب! لكن هذه الطلعات والإشراقات، وهذه الصحوة المباركة هي من تلك السلالة العظيمة من سلالة أبي بكر ومن عرين عمر ومن مدرسة أسامة: لكن أبشر هذا الكون أجمعه أنا صحونا وسرنا للعلا عجبا بفتية طهر القرآن أنفسهم كالأُسْد تزأر في غاباتها غضبا عافوا حياة الخنى والرجس فاغتسلوا بتوبة لا ترى في صفهم جنبا فالذي يسجد هنا هو الذي انتصر على العمالة والعلمنة والحداثة، وانتصر على الإلحاد والشهوة، لأنك مهاجم من كل جهة، ولكن سجدتك هنا انتصار لك، ومن لا يسجد لله فإنه يسجد لجزمته ولطاغوته وشهوته، والله المستعان!

برنامج الصائم في رمضان

برنامج الصائم في رمضان العنصر السادس: برنامج الصائم في رمضان، وهذا البرنامج مجرد وجهة نظر واقتراح، ولكل أن يستحسن ما كان أقرب إلى الكتاب والسنة، وأن يستخير الله، لكنه مقترح، وهو خطوط عريضة أو مسارات واسعة يمكن للإنسان أن يختار منها ما يشاء. أقول أيها الإخوة: مما يعلم أن هذا البرنامج يتفق مع أوقات الصلاة؛ لأن الله يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103]. أقول: الأمر الأول: صلاة الفجر في جماعة: أول ما يبدأ به العبد: صلاة الفجر في جماعة، قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار}. ويقول عليه الصلاة والسلام: {أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر} فهم لا يستطيعونها، فصلاة الفجر محك بين المؤمن والمنافق، فأول ما يبدأ به الصائم أن يصلي الفجر في جماعة. الأمر الثاني: المكث في المسجد حتى طلوع الشمس، ثم الصلاة ركعتين: وبعض العلماء -أثابهم الله- يصححون حديث: {من صلى الفجر في جماعة، ثم جلس في مجلسه يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت كعدل حجة وعمرة تامة تامة تامة} والبعض يضعف هذا الحديث، ونرجو لمن يفعل ذلك الإثابة الوعدية، الموعودة من معلم الخير عليه الصلاة والسلام، وهو وقت يسير، وخاصة هذه الأيام، لكنه وقت نور ووقت غذاء للقلب ووقت فرح وسرور للخاطر، فتمكث في هذا الوقت العظيم الذي يزيدك من طاقات الإيمان ويغنيك عن كثير من التأليفات، وهذا الوقت أمره عجيب، ثم الصلاة ركعتين كما سلف. الأمر الثالث: صلاة الضحى: أقترح لإخوتي ما دعا إليه عليه الصلاة والسلام من ركعتي الضحى، ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت: وذَكَر: ركعتي الضحى} أو أربع أو ست أو ثمان خاصة في رمضان، فهي أحسن ما يكون، وهي صلاة الأوابين، حين ترمض الفصال، فإذا ارتفعت الشمس في أعلى الضحى قم فتوضأ فهو وقت غفلة، الناس في متاجرهم وحراجهم وأسواقهم، وأنت تسبح الله. الأمر الرابع: الراحة للنوم: ومنها: الراحة للنوم؛ لأن كثيراً من الناس يسهر في الليل فيرتاح إلى العاشرة ثم يذهب إلى عمله أو وظيفته أو مدرسته. الأمر الخامس: صلاة الظهر مع رواتبها: ثم استقبل صلاة الظهر وصلِّ قبلها أربعاًَ وبعدها أربعاً، فقد صح عن عنبسة بن أبي سفيان أن أخته رملة - أم حبيبة - حدثته أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {من صلى أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعدها حرمه الله على النار. وفي مسند أحمد: {أن عَنْبَسة هذا لما حضرته سكرات الموت كان أميراً، فبكى وتقلب على وجهه من البكاء، قالوا: ما لك؟ قال: حديث سمعته من أختي رملة ما عملت به، قالوا: ما هو؟ قال: من صلى أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعدها حرمه الله على النار} ثم صلاة الظهر، ثم صلاة أربع بعدها كما أسلفت. الأمر السادس: القيلولة: ثم القيلولة لمن استطاع أن يقيل. الأمر السابع: صلاة العصر مع راتبتيها: ثم يصلي أربعاً قبل صلاة العصر، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً}. الأمر التاسع: قراءة القرآن، والدعاء: وبعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب هذا وقت القرآن، وهذا وقت الاتصال بالمصحف العظيم، ووقت الجلوس في الأدعية والأذكار، وأرى أن يخصص الوقت الأوفر لقراءة القرآن، ويبقى وقت بين المغرب وقراءة القرآن للذكر والدعاء. الأمر العاشر: إيحاءات قبل صلاة المغرب:- فإذا حل الإفطار كانت هناك إيحاءات ومشاعر فياضة، وأشواق، فمن الإيحاءات: الأول: أن انصرام هذا اليوم يذكرك بانصرام العمر. الثاني: أنه كما ذهب منك هذا اليوم فسوف يذهب عمرك من بين يديك. الثالث: أن الناس في حياتهم وحسابهم كما هم عند إفطارهم، فمقبول منه مشكور سعيه، ومتبر سعيه باطل ما عمل. الرابع: أنك تقدم يدك للإفطار وأنت جائع ظامئ الكبد، وتقول ما روي وما ذكر في السنة من الدعاء الذي ذكر: {ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله} وهو حديث في سنده كلام، وتدعو بما تيسر، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {للصائم دعوة لا ترد} وأحسن دعوات الصائم قبل أن يأكل شيئاً وقبل أن يشرب شيئاً؛ لأنه في حالة من الانكسار والعوز والذلة والخشوع والمسكنة، فيرفع كف الضراعة في صلاح نفسه، وقلبه وأسرته وأهله ومجتمعه، ثم يأكل ما تيسر من الرطب، وقد ورد في الحديث: {فإن لم يجد فتمر فإن لم يجد فماء} سبحان الله! أي سر في هذا الدين! ولماذا التمر؟! لقد اختاره عليه الصلاة والسلام وهو طعام الحامل يوم تضع ولدها، فهو أحسن شيء، وهو ما فعله عليه الصلاة والسلام يوم حنك الأطفال، فأول ما يولدون، وقبل أن يشربوا لبناً أو يذوقوا شيئاً كان يحنكهم عليه الصلاة والسلام بالتمر فيتلمظونه. وقد أتى أنس بأخيه من أم سليم وهو طفل صغير ما رضع، فحنكه عليه الصلاة والسلام بالتمر، فأخذ يتلمظ الطفل فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: {انظروا إلى حب الأنصار للتمر} فالتمر فيه سر عجيب، يقولون: البطن الخاوي أحسن ما يصادفه الحلو، فإن لم يجد فماء. الأمر الحادي عشر: صلاة المغرب مع راتبته: ثم يصلي المغرب مع راتبته. الأمر الثاني عشر: العَشاء: ثم يعود فيأخذ ما تيسر ولا يجحف إجحافاً عظيماً، فإن بعض الناس يأكل أكلاً ذريعاً، فيأتي إلى التراويح وكأنه مصاب ببنج، حتى أن بعضهم يصلي العشاء وبعض التراويح وهو جالس؛ لأن بينه وبين أضلعه مخلاة -الله أعلم بها- قد عبئت بأنواع الأطعمة والأشربة ومن السوبر ماركت مباشرة، فلا يستطيع أن يصلي، حتى يقال: إن بعضهم يشرب من هذه الشربة حتى لو غمز بمسمار في قدمه لخرجت الشربة من أذنه. وعلى كل حال التخفيف وارد؛ ليستطيع أن يواصل الإنسان العبادة، ثم يكمل بعد العِشاء، ومن جرب عرف. الأمر الثالث عشر: صلاة العِشاء وراتبتيها، والتراويح: ثم يصلي مع المسلمين العِشاء وراتبتيها، وليحافظ على التراويح. يا أيها الإخوة! التسيب في صلاة التراويح ليس بجيد، خاصة من طلبة العلم والأخيار، بل يقفون وراء الإمام حتى يقضي الصلاة ويكثرون من الدعاء والاستغفار؛ فإن دعاءهم مع المؤمنين أعظم من دعائهم وحدهم. الأمر الرابع عشر: السمر مع الأهل وزيارة الأحبة:- ثم يعودون للسمر مع الأهل أو زيارة الأحبة ولو ساعة أوساعتين. الأمر الخامس عشر: النوم:- ثم أحبذ أن ينام المسلم ولو ساعة في الليل، فنوم الليل لا يعوضه شيء، والله قد جعل الليل لباساً والنهار معاشاً، ولذلك أثبت الطب هذه الآيات البينات بل أتى بما يوافقها، ونحن نأخذ بالآيات ولو خالفها الطب، لكن قالوا: إن الخلايا لا تنام في الضوء، ولذلك إذا أرادوا أن ينوِّموا رجلاً في المستشفى أغلقوا النوافذ والنور، فجعل الله هذا الليل هدوءاً للجسم ليرتاح ويهدأ، فسبحان الله الحكيم بعباده! وسبحان الذي جعل النهار نشوراً! الأمر السادس عشر: الصلاة والدعاء قبل الفجر:- ثم يستيقظ قبل الفجر فيصلي ما تيسر: ركعتين، أو أربعاً، ويدعو ويستغفر. الأمر السابع عشر: السحور:- ثم يتسحر فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {تسحروا فإن في السحور بركة} فالسحور بركة، و: {فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر} ثم يَكُفُّ عن السحور قبل أذان الفجر ولو بمقدار خمسين آية؛ لحديث زيد بن ثابت في صحيح البخاري في ذلك. الأمر الثامن عشر: الاستغفار والتهيؤ لصلاة الفجر:- ويبدأ يستغفر ويتهيأ لصلاة الفجر. فإذا فعل ذلك فإن حياته وصيامه مقبول بإذن الله. فهذا برنامج مقترح وهو يقبل التعديل من أصحاب الخبرات وأهل التجارب.

شذرات وقطوف

شذرات وقطوف العنصر السابع: شذرات وقطوف.

انتصار المسلمين في بدر

انتصار المسلمين في بدر ففي رمضان انتصاراتنا -كما أسلفت- فيوم بدر وقع في السابع عشر من رمضان، يوم تجلى الله للصحابة وقال: {اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} يوم قدموا دماءهم رخيصةً في سبيل الله، يوم ركزوا علم الحق الذي بقي إلى الآن وسوف يبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يوم كتبوا لا إله إلا الله في الأرض، وكان ذلك في رمضان، يقول صلى الله عليه وسلم: {يا أهل بدر! والله ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء} فيأتي عمير بن الحمام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أفطر هو وأصحابه في ذلك اليوم، فيرمي بالتمرات ويقول: [[والله! إنها لحياة طويلة إذا بقيت حتى آكل هذه التمرات]] ثم يقاتل حتى يقتل فإلى رحمة الله.

فتح مكة، وفتح القدس

فتح مكة، وفتح القدس وكان فتح مكة في رمضان، وأذان بلال يوم طلع من عند الحجر الأسود ليرتقي على الكعبة وليؤذن في الخالدين في رمضان. وبلال أذن في الفتح مرتين: المرة الأولى: في فتح مكة:- يوم انتصر صلى الله عليه وسلم وأعلن كلمة التوحيد، فقال لـ بلال: أذِّن، واختار بلالاً بالذات؛ ليبين أن هذا المولى الذي أتى من أثيوبيا رفعه الإسلام فأصبح سيداً من السادات؛ وأن أبا جهل وأبا طالب والأصنام والأوثان أهل العروبة المزعومة والتراب السحيق قد ذهبوا إلى جهنم، فبدأ يطلق الصوت في الدنيا ليسمع الدنيا الأذان: قم يا بلال أعد نشيدك في الورى للعالمين وسجل الإنذارا ودع التماثيل التي قد صورت جذذاً ومزق عبدها الخوارا فقام فأذن، فيقول صفوان بن أمية -وهو مشبوه الإسلام في تلك الفترة-: لطف الله بـ أمية مات قبل أن يسمع الغراب الأسود هذا على الحجر، وهو ليس بغراب أسود ولكنه منادي الأرض يستقبل نور السماء. المرة الثانية: في فتح القدس:- وأذن بلال مرة ثانية عندما دخل عمر بيت المقدس فاتحاً -كما يذكر بعض المؤرخين- يوم أخذ القدس السليبة، التي هي طعنة في قلب كل مسلم، والتي هي دمعة في عين كل مسلم. القدس التي ضيعناها يوم ماتت في قلوبنا لا إله إلا الله. أيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمرُ رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصراتٌ وقُصَّرُ وليمون يافا يابس في أصوله وهل شجر في قبضة الظلم يثمرُ خرج عمر رضي الله عنه وأرضاه ليأخذ مفاتيح بيت المقدس، فأخذ راحلة واحدة ومولاه، فقال: أنت تركب عقبة، وأنا أركب عقبة -أي: أنت مرة وأنا مرة- قال المولى: كيف وأنت أمير المؤمنين؟! قال: والله لتركبن وقتاً وأنا وقتاً، فإذا ركب المولى قاد عمر الجمل، وإذا نزل يقود ركب عمر، واقتربوا فقال عمرو بن العاص: خيبتنا يا أمير المؤمنين - عمرو بن العاص كان أمير إقليم - وقال له: أين الخدم؟ أين الحشم؟ أنت خليفة، والنصارى ينتظرونك؛ لأنه دوخ الدنيا، فالنصارى على أسطح المنازل. وقد كان عمر يحكم من المحيط إلى الخليج بضعاً وعشرين دولة، فلما اقترب عمر من بيت المقدس أتت نوبة المولى ليركب، قال: يا أمير المؤمنين! وصلنا، فيقول عمر للمولى: أهي عقبتك أو عقبتي؟ قال: هي عقبتي، قال: والله لتركبن. وأتى عمر يقود الجمل، والتفت النصارى وقالوا: من هذا؟ قالوا: الخليفة فبكوا. فهذا منظر يبكي وهو منظر يقوي الإيمان في القلوب، وهو منظر أعظم من آلاف المحاضرات والكتابات والرسائل، فأخذ عمر يخوض في طين عند مدخل بيت المقدس يرفع ثيابه ويقود الجمل ثم دخل فصلى ركعتين، وقال: يا بلال! أذِّن، قال: يا أمير المؤمنين! ما أذنت لأحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: عزمت عليك أن تؤذن فقام فرفع الصوت بالأذان فبكى الناس. إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى فهذا أذان بلال.

معركة شقحب

معركة شقحب والمقصود أن انتصاراتنا في رمضان: فـ شقحب التي حضرها أبو العباس ابن تيمية، وخاض غمارها بسيفه المسلول، رفع القلم والمحبرة والكتب في المدرجة، وأتى بالسيف، فرفع الكوب أمام الناس، وقال: أفطروا، فشرب الناس وخرجوا على أعداء الله التتار، فأقبلت كتائب التتار مثل الجبال، فقالوا لـ ابن تيمية: "نخاف، قال: والله لننتصرن". فهو موحد من الدرجة الأولى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174] فقالوا له: "قل: إن شاء الله" قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، وقاتل حتى رُئِيَت الدماء على ثيابه، وتكسر سيفه في المعركة، فكان مجاهداً ومفتياً وخطيباً. دخل ابن تيمية على قازان، فهزه بموعظة ما سمع الناس بمثلها، فأخذ هذا التتري الذي لا يعرف شيئاً، ولا يعرف قطرة من الإسلام، قال: "ادعُ لي يا بن تيمية إنك رجل صالح"، فقال الترجمان: "ادع له"، فالتفت ابن تيمية إلى القبلة وقال: "اللهم إن كان هذا العبد يريد صلاحاً للإسلام والمسلمين، فانصره وأيده، وإن كان يريد تدمير المسلمين فاجعل تدميره في تدبيره"، ويقول التتري: "آمين" يحسبه أنه دعاء للوالي آمين آمين حتى انتهى، ثم قام ابن تيمية. وهذه كانت في رمضان.

موقعة حطين

موقعة حطين وقالوا عن حطين: إنها في رمضان، وهذه لما فتحت بيت المقدس من قِبَل صلاح الدين، وأوقع صلاح الدين بالنصارى موقعة في رمضان، وأفطر الناس يوم الجمعة، وترك الناس في المعركة حتى أصبح الخطباء على المنابر، ثم بدأ باسم الله يقتل أعداء الله، ولما فتح البيت أتاه رجل وقال: تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن وارتفع صوت الأذان، وما بقي مسلم في بيت المقدس إلا بكى، وبيت المقدس ينتظر أذاناً ثالثاً، نسأل الله أن نصلي في بيت المقدس نحن وإياكم، يوم نعود إلى الله. أيها الإخوة هذه محاضرة: (كيف نستقبل شهر رمضان؟) والله الموفق.

الأسئلة

الأسئلة .

قيام ليلة القدر

قيام ليلة القدر Q كيف يكون قيام ليلة القدر؟ Aطلب عليه الصلاة والسلام تحري ليلة القدر في العشر الأواخر، وهي في الوتر منه، وفي ليلة سبع وعشرين آكد، وكاد صلى الله عليه وسلم أن يعلم الناس لكن اختلف رجلان، فقال: {رفعت، ولعله أن يكون خيراً فالتمسوها في السابعة والعشرين، في التاسعة والعشرين، في الخامسة والعشرين}. فأقول: تُلْتَمس في العشر الأواخر، خاصة في الأوتار منها: ليلة الواحد والعشرين، أو الثالثة والعشرين، أو الخامسة والعشرين، أو السابعة والعشرين، أو التاسعة والعشرين، فالتمسوها بالذكر والدعاء والتلاوة، عل الله أن يوفقكم بها، وورد في الأحاديث أن في فجرها في اليوم التالي تكون الشمس صافية لا شعاع لها، وكثير من المحدثين صحح هذا الحديث.

موعد إمساك الصائم

موعد إمساك الصائم Q متى يمسك الصائم؟ أفي أذان الفجر، أم بعده، أم قبله؟ A بل قبل أذان الفجر على الصحيح، فإذا أذن الفجر فمعناه: أنه علامة لطلوع الفجر، والله عز وجل قيد الأمر بطلوع الفجر فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ} [البقرة:187] فقبل أن يؤذن بقليل يقوم، أما إذا رفع شيئاً في يده ثم أذن فعليه أن يأكله، وهذا موجود عند أبي داوُد والحاكم: {إذا رفع أحدكم الإناء وأصبح في يده فلا يضعه حتى يقضي نهمته} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

حكم قضاء صلاة التراويح

حكم قضاء صلاة التراويح Q هل تقضى الركعات إذا فاتت في التراويح؟ A لك أن تتنفل مكانها، وليكن من باب قضاء النوافل.

وصية لمن يعتمر في رمضان

وصية لمن يعتمر في رمضان Q بماذا توصيني في عمرة رمضان؟ A صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {عمرة في رمضان كحجة معي} وهذا حديث صحيح، فأوصيك -يا أخي- أن تحرص على العمرة، خاصة في العشر الأواخر، إذا لم يكن عليك مضرة في أهلك أو عبادتك من زحام أو غيرها أو مشقة أو عدم خشوع أو فتنة نظر أو نحوها، فأرى أن تكثر من النوافل في الحرم، وأن تحضر صلاة التراويح والقيام في تلك البقعة الطاهرة المشرفة التي ما خلق الله أشرف منها.

حكم صلاة التراويح مع أكثر من إمام

حكم صلاة التراويح مع أكثر من إمام Q هل يجوز أن نصلي صلاة التراويح مع أكثر من إمام؟ A إن كان قصدك صلاة التراويح في الليلة الواحدة، أي: تصلي هنا ثم مع إمام آخر ثم ثالث، فلا، بل صلِّ مع إمام واحد في الليلة. وإن كان قصدك ليلة هنا وليلة هناك فلك أن تبحث عن إمام حسن الصوت تخشع معه، ولا أعلم في ذلك نهي، بل رأيت في ترجمة ميمون بن مهران أنه قال: كان السلف يحبون حسن الصوت، ويتتبعونه في المساجد؛ ولا أعلم في ذلك ما يمنع هذا. هذا -أيها الإخوة- ما تيسر لي في هذه الليلة، وأسأل الله عز وجل التوفيق والهداية والسداد والرشد. وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

خطر ممنوع الاقتراب

خطر ممنوع الاقتراب إن هذا الدين دين شامل لكل جوانب الحياة، وقد حذرنا الله من مخالفة أحكام الدين ومخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذرنا من التلاعب بالدين وأمرنا أن نوقر الدين ونأخذه بجميع أحكامه في كل أمورنا، وحذرنا من الشبه التي يبثها أعداء الدين ليفسدوا جمال الدين وأحكامه، ووعدنا بأننا إذا التزمنا الدين، وحكمناه في جميع مجالات حياتنا رزقنا الله النصر والأمان والاطمئنان.

التحذير من التلاعب بالشريعة

التحذير من التلاعب بالشريعة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره نستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد شكري للواحد الأحد الذي جمعني بكم أشكر مكتب التوعية بـ جدة، على تنظيمه لهذه المحاضرات واللقاءات والأنشطة، وقبل أن أبدأ في المحاضرة كما أعلن عن عنوانها: خطر ممنوع الاقتراب. لا يتصور متصور أني أنذركم بحرب ضروس سوف تطحن المنطقة، فأنتم أهل الحروب وأنتم أهل بدر وأحد، وأهل حطين والقادسية، وأهل اليرموك وعين جالوت، وأهل أفغانستان، ثم إني أعلم أن سندكم الله تبارك وتعالى تتوكلون عليه، وتفوضون أمركم إليه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] فإذا توكل الفاني القصير الضعيف على الحي الذي لا يموت، فلماذا يخاف؟ أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في ابتهالات من الشعر يوم كان الشعر موحداً ومؤمناً، يوم كان ينطلق من المسجد يقول: أيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت على شرجع يعلى بخضر المطارف ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فج من الأرض خائف إذا فارقوا أوطانهم فارقوا الأذى وصاروا إلى موعود ما في المصاحف ما معنى الكلام؟ يقول: يا رب! إذا حانت ساعة منيتي فأسألك ألا تقتلني على فراشي، بل ارزقني الشهادة في سبيلك، واجعلني أموت تحت صقع السيوف وضرب الرماح. فهذه كانت نفسية المسلم يوم كان يحمل لا إله إلا الله، ويحمل حسبنا الله ونعم الوكيل، ويحمل إياك نعبد وإياك نستعين. ثم يقول المسلم الأول: إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا صدود الخدود وازورار المناكب صدود الخدود والقنا متشاجر ولا تبرح الأقدام عند التضارب يقول: إذا أردنا أن نفر في المعركة صدت فقط خدودنا وبقينا ثابتين نطلب النصر من الله.

تعددت الأسباب والموت واحد

تعددت الأسباب والموت واحد ثم لا أخوفكم الموت وما يتكلم به المهرجون من تخويف البشر؛ فليس عندنا من ذلك شيء، والله يقول: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة:52] فلماذا الخوف؟ ولماذا الهلع؟ ولماذا الجبن؟ أما مات كثير من الناس حبطاً؟ أما مات كثير من الناس بجرعات من الخمر؟ أما تزلج بعضهم على الثلج فانكسر ظهره فمات؟ أما وجد أن بعضهم مات على بعض الجرائم؟ فقضية أن يموت المسلم على لا إله إلا الله ليس في ذلك من خطر، ولكن للمحاضرة معنىً آخر ومساراً آخر، وأعلم أن الذين أمامي هم أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وصلاح الدين وطارق بن زياد، وهؤلاء علَّموا الناس الموت، ولقنوا الناس دروس الهلاك، ووزعوا المنايا على النفوس التي لا تؤمن بالله، فما الخوف وما الجبن وما الرعب وما شبح الموت الذي نصب أمام الناس إلا شيء من أساطير الأولين وخرافات العاجزين الجبناء. نعم: (خطر ممنوع الاقتراب) إنه إنذار لكل من تسول له نفسه أن يقترب، إنها كلمة يعتادها رجال المرور والمشاة، ولكنها بمعنىً إسلامي خالد يعتادها المؤمنون بالله عز وجل ألا يقتربوا من حدوده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وإن لهذه الكلمة دلالة خاصة يعرفها المسلم يوم يطالع كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. إن (خطر ممنوع الاقتراب) هبطت مع الإنسان يوم هبط من بطن أمه، ونزلت معه يوم رسا على الأرض، وأتت مع النداء العلوي: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8]. أمر عليه الصلاة والسلام -كما في سنن أبي داود بسند صحيح- أن يؤذن في أذن الطفل إذا ولدته أمه لينشأ على لا إله إلا الله من أول لحظة، وقد فعلها صلى الله عليه وسلم مع الحسن بن علي فما ولدته أمه حتى أخذ أذنه وأذن في أذنه بالنداء العلوي: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لينشأ مؤمناً موحداً من أول لحظة. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا ونزلت هذه الكلمة العلوية مع قوله سبحانه تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3] وتواكب هذه الكلمة خطر ممنوع الاقتراب قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6]. يا أيها الإنسان الضعيف! اتصل بالقوي. يا أيها الإنسان الفاني! اتصل بالباقي. يا أيها الإنسان الفقير! اتصل بالغني. {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:26 - 27] من يسمع ويطالع ويقرأ يرى أن الناس جعلوا مقاليد الأمور بيد البشر، وكأنه ليس على العرش إله استوى، يتصرف في الأمور كل يوم هو في شأن، يخلع ويولي، ويفقر ويغني، ويهدي ويضل، ويحي ويميت، ويضر وينفع، فما هو أثر هذا التوحيد في كتابات الناس، وفي صحفهم وإذا عاتهم؟ ما أثر لا إله إلا الله؟ وما أثر حسبنا الله ونعم الوكيل؟ وما أثر إياك نعبد وإياك نستعين؟ في مقدرات الأمة وما تقرأ وما تسمع لتتصل بالباري: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] فالأمر من عند فاطر السماوات والأرض، فهو الذي يقرر مصائر الشعوب ويقرر الحروب، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. وهذه المحاضرة على فصلين: الفصل الأول: خطورة للتقدير والتوقير. والفصل الثاني: خطورة للإنذار والتحذير.

الفصل الأول: خطورة التقدير والتوقير

الفصل الأول: خطورة التقدير والتوقير أما خطورة التوقير والتقدير فهي خطورة أن يقترب الإنسان من انتهاك سياج الشريعة، والشريعة مكرمة معظمة لا ينتهكها إلا من باع حظه من الله عز وجل، لماذا؟ لئلا يلغو فيها البشر، فلا يحق للبشر أن يلغوا في الشريعة، ولا أن يتكلموا في المنهج الرباني بمنطق أن نجعله للحوار فنقبل ما شئنا، ونرد ما شئنا، ونرضى بما شئنا، ونغضب على من نشاء! فهذا لا يجوز، وهذا حرام حرام حرام: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85]. لماذا؟ لأنه: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]. لماذا؟ لأنه: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] ويقول سبحانه عن أناس جعلوا الشريعة مجالاً للقبول والرفض: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} [النور:50] أفي قلوبهم زيغ يوم شككوا في مصداقية رسالة رسول الهدى عليه الصلاة والسلام أنها تصلح للإنسان وتهديه، أم ارتابوا في صدقه صلى الله عليه وسلم؟ بل هم ظلمة وفسق والعياذ بالله. وقوة المنهج الرباني تأتي من أن منرِّل المنهج الرباني هو الله والمتكلم بالقرآن هو الله، وقوة القرآن لا تأتي من كلماته فحسب بل تأتي من مسألة: أن الذي تكلم به هو الذي على العرش استوى. والآن أنا أضرب لك مثلاً، ولله المثل الأعلى: جاءك خطاب وبأسلوب واحد من سلطان من السلاطين، ومثله خطاب بنصه وبأسلوبه وبلفظه من رجل عادي من الناس، أيهما أوقع في القلب؟ إنه خطاب السلطان، مع العلم أن الكلمات هي الكلمات، والعبارات هي العبارات لكن ذاك اكتسب قوة لأن السلطان كتبه وأرسله، فكيف برب العالمين مالك يوم الدين؟! وكيف بالإله الحق الذي بيده مقاليد كل شيء؟! وهو الذي أنزل هذا الوحي واكتسب هذا الوحي قوة من قوة منزله.

دعامات حماية المنهج الرباني

دعامات حماية المنهج الرباني وأنا أريد أن أمهد لمسألة: أن هذا الوحي شيء خاص، ليس للإنسان مهما بلغ أن يجترئ ليتعدى على سياج هذا الشرع، بل حينها يكفر ويرتد عن دين الله عز وجل إذا كان مستهزئاً مستهتراً لا متأولاً.

الرقابة

الرقابة أولاً: من دعامات حماية هذا المنهج الرباني؛ الرقابة، وإني أطالب الجميع برقابة الواحد الأحد، وهي الرقابة التي ما وجدت في أي دستور ولا في أي قانون لا غربي ولا شرقي إلا في كتاب الله، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْأِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام:120] هل سمعتم بقانون أرضي يقول: وذروا ظاهر الإثم وباطنه؟ من الذي يقول: باطنه إلا الله؛ لأن الذي يعلم السر وأخفى هو الله، أما البشر فيستطيعون محاربة الجريمة بالحديد والنار والسياط والحبس، ولكن لا يستطيعون باطن الناس. وما هو باطن الإثم؟ قالوا: فواحش القلب وبواطنه التي لا يعلمها إلا الله. فالتعاليم الغربية والشرقية تمنع الجرائم الظاهرة في الغالب كالمخدرات والسرقة وقطع الطريق والنهب، لكنها لا تمنع جرائم القلب كالكبر والرياء والحسد والتهتك في حدود الله؛ لأنها لا تعلم شيئاً من قلب الإنسان ولا من علم الإنسان، وما يعلم ذلك إلا فاطر السماوات والأرض. والرسول صلى الله عليه وسلم ربىَّ الناس على ذلك، والله تبارك وتعالى يقول: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7]. يجلس صفوان بن أمية مع عمير بن وهب تحت ميزاب الكعبة قبل أن يسلما، فيقول صفوان بن أمية لـ عمير بن وهب والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وهما في مكة عند الكعبة، فيقول صفوان لـ عمير: أما ترى ماذا فعل محمد بنا في بدر؟ أما قتل آباءنا، وسفَّه أحلامنا، وسب آلهتنا؟ قال عمير بن وهب: وددت أن أحداً يقوم بأهلي وأطفالي وأذهب إليه وأقتله في المدينة. يعني: القتل سهل، واغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم في ذهنه أمر عادي، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يُحرس حتى نزل قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] فحرسته عناية الله كما يقول شوقي: وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان وأما إذا لم تلاحظك عناية الله فأول من يقتلك هو حارسك، كما فعل بالمجرم شاوسسكو في رومانيا فقد جنَّد سبعين ألف جندي من الشرطة ليحرسوه، فكانوا سبباً في ذبحه كما تذبح الدجاجة في الشارع، وكان الشاه عند استافاك فما أغنى عنه سافاكه، وذهب شريداً طريداً وقتل مغضوباً عليه في الدنيا والآخرة. قال عمير بن وهب: من يضمن لي ذلك؟ قال صفوان: الدم دمي والهدم هدمي، اذهب إليه فاقتله. فذهب عمير بن وهب وتسلل بالسيف، فرآه عمر فجذبه وشده وخنقه وأتى به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {يا رسول الله! خذ هذا الشيطان، قال عليه الصلاة والسلام: ماذا أتى بك يا عمير بن وهب؟ قال: أتيت أفتدي -اسمع الكذب المدبلج- أسارى بدر بالمال، قال صلى الله عليه وسلم: كذبت بل جلست أنت وصفوان بن أمية تحت ميزاب الكعبة فقال لك: كذا، وقلت له: كذا ثم جئت لتقتلني، وما كان الله يسلطك علي. قال عمير بن وهب: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله وأسلم} الدخول إلى الدين بمعجزة. تقول عائشة رضي الله عنها: [[سبحان من وسع سمعه كل شيء، والذي نفسي بيده! إني كنت مع الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، وخولة بنت ثعلبة بجانب البيت تساره وتحاوره لا أسمع كلامها، فسمع الله كلامها من فوق سبع سماوات، فأنزل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:1]]] رقابة تستحضر عظمة الله عز وجل لئلا تتعدى على المنهج الرباني. وبائعة اللبن التي يذكرها ابن الجوزي في ترجمة عمر رضي الله عنه ويذكرها السيوطي وغيره: مر عمر رضي الله عنه وهو يجوب الليل في المدينة، فقد كان يشتغل في العسة. وكان هو الشرطي والجندي المجهول، يؤدب وينصح ويحرس ويسهر، فمر بباب فسمع امرأة تقول لابنتها: امزجي اللبن بالماء عله يكثر، فقالت البنت: إن عمر منع الناس من ذلك، أي: أن عمر أصدر مرسوماً بالمنع أن يمزج اللبن بالماء، حتى لا يُخدع الناس ويغشوا. قالت الأم: وهل يعلم بنا عمر؟ وهو يسمع من وراء الباب. قالت البنت: فإن لم يعلم بنا عمر أما يعلم بنا رب عمر؟! فبكى عمر عند الباب وأوسم الباب وخط عليه خطاً، ثم عاد في الصباح وطرق الباب وخطب البنت لابنه عاصم فتزوجها، وأنجب من تلك السلالة الطاهرة عمر بن عبد العزيز الخليفة الرائد الراشد، والشاب المجاهد الذي أعاد الأمة الإسلامية إلى الله في رأس القرن الأول، وهو المجدد والمجتهد الأول، فهو ابن بائعة اللبن التي تقول: فإن لم يعلم عمر أما يعلم رب عمر، هذه مدرسة عمر مدرسة الرقابة، ويراها عمر مع راعي الغنم، يقول: بعني شاة، فيقول راعي الغنم: الشاة لسيدي، قال: قل: أكلها الذئب، قال: الله أكبر! أين الله يا عمر فجلس عمر يبكي ويقول: إي والله أين الله؟ وجدها هذا الإمام المعتبر مع راعي الغنم وبائعة اللبن ولم توجد الآن مع كبار الناس ووجهائهم ومع أناس لهم كلمتهم؛ لأن لا إله إلا الله لم تؤثر أثرها في حياة الجيل ولم تفعل فعلها كما فعلت في جيل محمد عليه الصلاة والسلام، وكان صلى الله عليه وسلم يردد على أسماع أصحابه: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك}.

إقامة الحدود

إقامة الحدود الدعامة الثانية: دعامة الحدود: الرجم، الجلد، القطع، فأي أمة هذه الأمة المسلمة يوم خرجت مهللة مكبرة متوضئة طاهرة! يزني أحد الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم - ماعز بن مالك - فلما اعترف بالخطأ ورأى أنه أساء وأخطأ وأذنب أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام والحديث في الصحيحين، فيأتيه من أمامه -انظر إلى المشهد- فيخبره أنه زنى، فيعرض عنه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحب الستر ولا يكشف النقاب عن ذنوب الأمة، ما دامت الأمة مستترة ومتحشمة، فيأتي عن يمينه ويخبره أنه زنى فيشيح صلى الله عليه وسلم يوجهه إلى يساره، فيأتيه من الجانب الأيسر فيخبره أنه زنى فيلتفت صلى الله عليه وسلم، فيأتيه من ورائه ويخبره أن زنى. قال صلى الله عليه وسلم: أبك جنون؟ قال: لا. قال: أحصنت؟ قال: نعم. فأمر صحابته أن يستنكهوه هل به رائحة الخمر، فلعله يكون سكران. فشموا رائحته فما وجدوا رائحة الخمر، لكن وجدوا إيماناً في الداخل يريد أن يرده إلى الله، وقد كان ماعز يعلم ما هي النتيجة، إنها حجارة تنصب عليه من كل جهة حتى يموت، ولكن لماذا؟ لئلا يتعرض مرة أخرى للنكبة والسخط في يوم العرض الأكبر والغضب من الله. فقال صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فارجموه، فذهبوا به فرجموه وأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبروه، قال: {والذي نفسي بيده، لقد رأيته ينغمس في أنهار الجنة}. وتأتي امرأة وتعلم أنها زنت، وتطلب التطهير، وهي هكذا تسميه، ليس تعذيباً، وتعزيراً بل تطهيراً فالحدود مطهرات وبلسم وعلاج للأمة، ويوم تترك الأمة الحدود تنهار وتصبح أمة فاسقة بعيدة عن الله عز وجل مغضوب عليها، ويوم تترك الأمة إقامة الحد على الشريف وتقيمه على الوضيع؛ تصبح أمة مخذولة في حياتها ومنهجها، وفي ربانيتها ولا يقبلها الله. وكان عليه الصلاة والسلام يقول على المنبر كما في الصحيحين: {والذي نفسي بيده! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها} فهذا إعلان للبشر أنه لا مداجاة ولا محاباة. ويذكر في الحديث، وفي سنده نظر: {حد يقام في الأرض خير للأمة من أن تمطر أربعين صباحاً} وعند عبد الرزاق في المصنف: {إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع} فملعون من يذهب يشفع في حدود المسلمين لكيلا تقام؛ لأن معنى ذلك: خيانة (لا إله إلا الله) واعتراض على لا إله إلا الله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. فتأتي هذه المرأة وهي حامل من الزنا فتطلب التطهير، انظر إلى الإيمان! فيقول صلى الله عليه وسلم: حتى تضعي، فتذهب لأن في بطنها نفس معصومة، فتذهب وتبقى حتى تضع وهي صابرة مصلية محتسبة تريد التطهير، وتأتي بالطفل في لفائف وتطلب إقامة الحد، فيقول صلى الله عليه وسلم: أرضعيه حتى تفطميه، فتذهب وتفطمه وتأتي به وفي يده كسرة خبز، فيقول صلى الله عليه وسلم لأحد الناس: من يكفل هذا؟ -أي: الطفل- فيقول أحد الأنصار: أنا يا رسول الله! فيأخذ الطفل وترجم المرأة، ويقول خالد وقد أتاه دم منها: ما لها لو استترت؟ أو قال كلمة مؤذية عنها، قال صلى الله عليه وسلم: {مهلاً يا خالد! والذي نفسي بيده! لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم}. وفي لفظ: {والذي نفسي بيده! لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فهذه توبة التائبين، وهذه هي الحدود والدعائم التي جعلت لهذا الدين مكانة وعزة في قلوب المسلمين. ينسب لـ عمر في التاريخ ويذكره ابن الجوزي أنه أقام الحد على ابنه. أحد أبنائه أخذ نبيذاًَ في مصر متأولاً فيه، فسكر وهو عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب ويثبتها بعض المحدثين؛ فأتى عمرو بن العاص الأمير ورأى أن ابن عمر لا يمكن أن يجلد في السوق، هكذا تأول وإلا فما الفرق ابن عمر يجلد كأبناء الناس؛ لأن لا إله إلا الله لـ ابن عمر ولغير ابن عمر، فأتى به في دار السلطان وفي الديوان الداخلي وجلده، فسمع عمر فاستدعى ابنه واستدعى عمرو وأدب عمرو بن العاص وجلد ابنه - أي: ابن عمر بن الخطاب - أمام الناس، لماذا؟ ليعلم عمرو وليعلم الناس أن هذه الشريعة ربانية كونية تحوي جميع الناس وسيطرتها على كل البشر. ولـ عمرو بن العاص وابنه قصة مع عمر. فقد حصل أن تسابق محمد بن عمرو بن العاص مع رجل من أهل مصر، فسبقه المصري، فلما سبقه قال ابن عمرو بن العاص: أتسبقني وأنا ابن الأكرمين؟ فيذهب هذا المصري إلى عمر فيخبره، قال: أخبره من هو ابن الأكرمين؟ عليَّ به وبـ عمرو بن العاص؟ فأتيا من مصر فلما رآهما قال: والله لا يحول بيني وبينهما أحد من الناس، وأتى بالدرة، وقال: [[متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!]] والشاهد هنا: أن من الدعائم التي أقامها هذا الدين حفظاً لكرامته ولاستقراره في الأرض؛ الحدود.

الوعيد الأخروي

الوعيد الأخروي الدعامة الثالثة: الوعيد الأخروي. لقد ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ناراً تلظى، وتوعد القاتلين والمفسدين في الأرض والسارقين والزناة والخونة بوعيد شديد، لتعلم أن هناك ناراً، وأن هناك حساباً وعذاباً، يقول عمر: [[والذي نفسي بيده! لولا الآخرة لكان غير ما ترون]] لولا أن هناك حساباً من الله عز وجل لفتك القوي بالضعيف، ولاعتدى الظالم على المظلوم واجتاحه، لكن هناك يوم آخر، يوم يكون الناس كالفراش المبثوث. وإحياء اليوم الآخر في أذهان الناس؛ لا يكون بالتضييع، وأن تحيا الأمة على الخواء العقدي، والتلوث الفكري، وإبطال الهوية، والتخلف الحضاري، فهذا كله مما أصيبت به الأمة يوم تركت لا إله إلا الله، فلا بد من إرساء العقيدة في النفوس، وذكر الجنة والنار، حتى تعيش الأمة حياة العبودية التي أرادها الله عز وجل لها. وهنا يذكر الذهبي في المجلد الثامن من السير أن عبد الله بن وهب العالم المصري والمحدث الكبير الشهير، وهو علامة مصر في الحديث في عصره، يقول: ألف كتاب أهوال يوم القيامة، فطلب الناس منه أن يقرأ عليهم كتاب أهوال يوم القيامة، فاعتذر! فألحوا عليه، فقرأ الكتاب فأغمي عليه، وبقي مغمى عليه ثلاثة أيام ومات في اليوم الرابع، وذكر عنه أنه قبل هذه القصة أراد أن يصلي الجمعة فسمع طفلاً يقرأ في بيت وهو في طريقه إلى المسجد: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} [غافر:47] فأغمي في الشارع وحمل إلى بيته. فهذه النفس التي أحياها علم الكتاب والسنة، وأحياها تذكر لقاء الله عز وجل كانت نفساً تعيش لله عز وجل، وترجو ثواب الله، وتتذكر الوعيد الأخروي. ويذكر وكيع في كتاب الزهد أن ابن المبارك رضي الله عنه وعن أبيه قرأ: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، وقيل: قال: إني أخشى أن يبدو لي من الله ما لا أحتسب.

خطر الاستهزاء بالدين

خطر الاستهزاء بالدين و (خطر ممنوع الاقتراب) لأن مسألة الاقتراب في بعض الزوايا تصل بصاحبها إلى الكفر البواح، فإن من يقترب من هذا المنهج الرباني مستهزئاً يكفر بالإجماع عند أهل العلم. والاستهزاء في مسائل بسيطة أوصلت بعض الناس إلى درجة الكفر، وعجباً لهذه الأمة أن تأخذ من الدين ما اشتهت وتترك ما اشتهت! والعجب أنها تحكم الدين إذا كان في التيمم وصلاة الجنازة والحيض والغسل من الجنابة، لكنها لا تحكم الدين في حياتها ومستقبلها.

أنواع من الاستهزاء بالدين

أنواع من الاستهزاء بالدين في بعض الصحف رأيت شيخاً من الفضلاء سئل في عمود المرأة: عن سحَّاب المرأة هل يجوز أن يكون من أمامها -صدرها- أو من خلفها فأجاب فضيلته بما هو مأجور عليه، لكن في الصفحة الأخرى دغل على الشريعة واستهزاء بالرسالة وبشباب الصحوة. فانظر إلى هذا السؤال، يعني: هل انتهت مسائلنا وحياتنا وطموحاتنا ومعطياتنا إلى أن وصلنا إلى أن نستفتي ورعاً هل يجوز أن يكون سحَّاب المرأة من أمامها أو من خلفها. مع العلم أن لا إله إلا الله تسحب على التراب، فما هي الكارثة على المرأة لو جعلت سحابها من صدرها أو من قفاها والشريعة تسحب على الأرض! وأنا لا ألوم الشيخ، لكني أود أن يأتي الشيخ إذا أراد أن يكتب في مثل هذا بشيء من العقيدة أو بشيء من المنهج الرباني، أو من رسالة الأمة، أو في إياك نعبد وإياك نستعين. ابن تيمية لما ألف كتبه كانت ثلاث أرباعها في العقيدة، في لا إله إلا الله، في الحاكمية، في الولاء والبراء، حتى سئل -يذكرها عنه الذهبي وغيره- سئل: لماذا لا تؤلف في الفروع؟ ولذلك لم يؤلف كثيراً في الفروع، أي: لم يشرح كتاباً في الفروع شرحاً مستفيضاً. قال: الفروع أمرها سهل، والعبد إن عبد الله على مذهب مالك أصاب، أو مذهب أبي حنيفة أصاب، أو مذهب أحمد أصاب، أو مذهب الشافعي أصاب، لكن أمور الأصول مهمة لابد للأمة أن تركب على أصول من المعتقد والتوحيد والمنهجية الربانية حتى تحيا حياة خاصة أرادها الله عز وجل لها. {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة:65] فالتربية الغربية والشرقية هي التي أخرجت الإنسان في البلاد العربية كافراً بالله فهذا بدر شاكر السياب يقول في قصيدته: منطرح أمام بابك الكبي يا مفجع النساء يا ميتم الأطفال يا عالماً دبيب النمل على الرمال أتستجيب؟ أتسمعني يا مبارك؟ يخاطب الله عز وجل. اسمع الكلام! أمة تركت كتاب الله عز وجل للمآتم، وللقراءة على المصروع إذا ركبه جان، قالوا: تعالوا بالقرآن، أسمعونا آية الكرسي، لكنه ما داخلها القرآن والسنة في حياتها حتى يوصلها إلى رضوان الله عز وجل، فأنتج هذا الهشيم والركام والفحش والبذاءة والتعدي على المنهج الرباني. ويذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن هؤلاء (خطر ممنوع الاقتراب) لكم أن تضحكوا بما شئتم إلا بالشريعة، والكتاب والسنة، والأخيار والصالحين والعلماء. ليس لكم أن تمزحوا، امزحوا في مستهلكات الحياة، امزحوا في المأكولات والمشروبات، امزحوا في الماجريات ولكن في الآيات البينات، وفي شريعة رب الأرض والسماوات فخطر ممنوع الاقتراب. حدثني بعض الشباب الثقات يقول: حضرت جلسة مع ماجن معربد في الفسحة وكان يدرس في جامعة في أحد الأقسام قال: يجلس يقضي وقته ويضحك زملاءه بالتندر على الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، يقول هذا المجرم -أسأل الله أن يهديه ولعل الله هداه أو أخذه- يقول: حدثنا فلان عن أبي هريرة قال: كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال: أتدرون ما الببسي؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أتدرون ما السيكل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قوموا عني لا تعلمون الببسي ولا السيكل. وهذه كلمة كفر ومثل هذا حقيق أن يقطع رأسه قطعاً بيناً، ورأيت أحدهم ولا أسميه في هذا المقام تشريفاً للمسجد يقول: جدتي حدثتني عن خالتي أن عمته حدثتها ثم ساق سنداً كسند البخاري ومسلم. يا مغفل! سند البخاري ومسلم أحيا أمة. يا مغفل! أنت لما تركت سند البخاري ومسلم كنت عقيماً على موائد الغرب، لفيقاً صفيقاً ذليلاً على موائد الشرق والغرب، ملحقاً لا هوية لك. يا مغفل! سند البخاري ومسلم أخرج خالد بن الوليد وعقبة بن نافع الذي وقف على الأطلنطي وهو يقول: والله يا بحر! لو أعلم أن وراءك أرضاً لخضتك بفرسي هذا؛ لأرفع لا إله إلا الله. فـ البخاري في بخارى كان يقرأ الحديث هناك ويحيي أمة، والولايات الإسلامية التي أخذها المد الكافر الإلحادي يوم اشتغل الناس بالموسيقى الإيطالية الحالمة، والعزف على الناي، والمراسلة، وجمع الطوابع ولعب البلوت إلى الساعة الثانية ليلاً، والوقوف على الشواطئ متفرجين متبرجين ذكراناً وإناثاً، فضاعت مقدرات الأمة. كنا نحكم ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، وكان هارون الرشيد في بغداد يقول للسحابة: امطري حيث شئت فإن خراجك سوف يأتي إليَّ. وهذا المعتصم تضرب امرأة على وجهها وتقول: وامعتصماه، فيجهز جيشاً جراراً ويفتح عمورية ويدكدك حصونها ويفتح قلاعها. لكن الآن كم تضرب من امرأة مسلمة؟! وكم يعتدي اليهود على أعراض المسلمين ومقدراتهم؟! رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لا مست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

حكم الإسلام في المستهزئين بالشريعة

حكم الإسلام في المستهزئين بالشريعة يقول سبحانه عن هؤلاء الشرذمة الباطلة التي تتعدى على الشريعة في جلساتها: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:14 - 16]. أعرف أحد الناس دائماً يستهزئ بالشرع، جلس مع بعض المشايخ، فقال: يا شيخ! هل كل أحاديث رياض الصالحين صحيحة سليمة؟ قال: نعم. إلا أن بعضها ضعيف. قال: الحمد لله، أريد أن أعتمد عليها، يعني: من باب المناورات، من الورع يريد ألا يعمل بحديث ضعيف مع العلم أنه يطعن في الحديث الصحيح، ويطعن في الآيات، وبعضهم -إي والله- وهو لا زال حياً يرزق ونعرفه، يقول لأحد المشايخ: الآن تقولون: إن الله عز وجل يعلم ما في الأرحام، وخمسة استأثر الله بعلمها مع العلم أن الأمريكان والفرنسيين والبريطانيين علموا ما في الأرحام، فكيف أنتم دائماً تتكلمون بهذا؟ الواجب أنكم تقفون مع العلم الحادث، وهذه تكفي في كفره. والآية ليست تقصد ما قصد هو لا من بعيد ولا من قريب، لكن هكذا تفعل التربية التي لا تكون على المسجد، ولا على القرآن والسنة والطهر والعفاف، يقول سبحانه: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79] والمنافقون يقولون: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12] وقد فعلوها وكرروها دائماً مرات كثيرة، وأذكر على سبيل المثال: أن الإنسان إذا دعى إلى التبرع للمجاهدين الأفغان فيلتقي بأحد الناس يقول: هؤلاء المجاهدون الذين تطلب التبرع لهم هل يغلبون روسيا؟ أنت مجنون أو عاقل؟! أو يغلبون الاتحاد السوفيتي؟! لقد جعلوا هذه الأصنام البشرية كأنها لا تغلب أبداً، وقد كلموا بعض قادات الجهاد مباشرة، وقالوا: لا يمكن أن المجاهدين يغلبون الروس، لكن المجاهدين أروهم أن الإيمان يغلب الكفر، وأن لا إله إلا الله تدكدك مستعمرات الجاهلية وتخرب ديار الذين انحرفوا عن منهج الله، وخرج الروس البلاشفة الحمر وهو يعلنون إشارة الخزي والعار على رءوسهم: فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ والأكراد ضربوا بالكيماوي وما غضب أحد، أبناء صلاح الدين وأبناء صاحب لا إله إلا الله، وانظر ترجمة صلاح الدين، فهو مسلم موحد أشعري العقيدة، شافعي المذهب، لكن إذا قارنَّا أشعريته مع إلحاد الملحدين وزندقة المتزندقين عذرناه، لأننا أقررناه، ولكنا نحبه؛ لأنه نَصرَ لا إله إلا الله، ونعلم أن هذه الجزئيات خطأ في حياته، ولكنه مع ذلك يتمسك بحبل الله. كان يبدأ هجومه في الساعة السادسة ظهراً، فجعلها تبدأ مع صلاة الجمعة، إذا بدأ الخطباء أعلنت حالة الاستنفار وساعة الصفر. فلماذا اختار الساعة السادسة؟ قال: إذا صعد الخطباء في العالم الإسلامي رجوت دعوتهم من الله فنصرت بإذن الله، وحضر المعركة وبدأ، ولما صعد الخطباء على المنابر يدعون الله لـ صلاح الدين، لأن معركة حطين هزت العالم الإسلامي، فمعنى حطين نكون أو لا نكون. معنى حطين: إما أن تكون أمة إسلامية في الأرض أو يسحقها الصليبيون ويضربون عليها أبد الدهر. لما تولى العرب إلى الغانيات والجواري وعزف الوتر، وما يطلبه المستمعون وافتح يا سمسم؛ أتى صلاح الدين الكردي تحت مظلة: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] والشريعة ليست ملكاً لي ولا لك، متى ما نتخلى عنها يحملها الهنود أو الأتراك أو الأفغان أو الأكراد، كل من يحمل لا إله إلا الله فهو مرشح لها، لأن الجد أبو جهل الخاسئ الذي لا نعترف به أنه جد؛ كفر بلا إله إلا الله عند الحطيم والحجر الأسود، يشرب الخمر في المسعى، لماذا؟ لأنه لا يعترف بلا إله إلا الله، لكن بلال الحبشي يأتي من الحبشة وهو يقول: لبيك اللهم لبيك، وصهيب يأتي من الروم، يقول: الله أكبر، وسلمان يأتي من أرض فارس وهو يقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. وبدأ صلاح الدين وأشعل المعركة وانتصر وفتح بيت المقدس، وصلى الجمعة الثانية في الصف الأول، وكان القادة الأكراد بجانبه، يقول المترجمون: قبل المعركة قرأ قليلاً من سورة الأنفال وكان يبكي ويقول: يا حي يا قيوم! ثم قرئ عليه من موطأ مالك فهو يحب الموطأ كثيراً، وهذا موجود في ترجمته، فقرأ أحاديث الجهاد من كتاب الجهاد، ثم بدأ الهجوم، وفي الجمعة الثانية قام شمس الدين الحلبي الخطيب الشهير، وكان خطيباً ذاك اليوم وارتقى المنبر ليحيي صلاح الدين في أول جمعة بعد أن سقط بيت المقدس في يديه من بعد فتح عمر، يحييه في هذا الفتح العظيم، أتدرون بماذا يفتتح الخطبة؟ اسمع، يقول: الحمد لله مجري السحاب، منزل الكتاب، هازم الأحزاب. الحمد لله وحده، الذي نصر عبده، وهزم الأحزاب وحده وأعز جنده، ثم قال: تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن يقول: هكذا سيفك لا سيف ابن ذي يزن حاكم اليمن الوثني: تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا وهكذا يعصف التوحيد بالوثن فالأبطال إذا غضبوا لاينددون ويشجبون فقط. بل يغضبون غضباً كغضب صلاح الدين. ثم وأقام صلاح الدين الفتوى وفتح المدارس في المسجد الأقصى فرحمه الله كما يقول ابن كثير: سقى الله تلك العظام شآبيب الرضوان، وجمعنا به في دار الكرامة. والمقصود: أن المنافقين يقولون: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12] ويعيشون حالة من الرعب والرهق، أما فنلتجئ إلى الله، إذا التجأ البعثي إلى البعث وميشيل عفلق، التجأنا إلى الواحد الأحد، إذا التجئوا إلى: آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني التجأنا إلى حسبنا الله ونعم الوكيل. فهذه هي مصداقية العقيدة متى أرادها الناس. أيها الناس: إنه خطر على المتهوكين في الشريعة الخائضين فيها أن يرتدوا عن هداية الله ودينه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54].

ضرورة أخذ الدين كاملا

ضرورة أخذ الدين كاملاً من مميزات الإسلام أنه لا يقبل خلط الأمزجة، فكيف يجتمع مسجد وخمارة، وساعة للغناء وساعة للقرآن؟! امرأة سافرة ومتبرجة تحت مظلة الحرية هذا لا يصح. أخذ شيء من الشريعة وأخذ شيء من القانون الفرنسي هذا لا يصح، فلا إله إلا الله فقط، فإما الدين كله أو اترك الدين كله: يا مدعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تهويناً وتدوينا خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطين

من مواقف عمر في أخذ الدين كاملا

من مواقف عمر في أخذ الدين كاملاً أيها الإخوة: عند النسائي بسند صحيح أن عمر رضي الله عنه ذهب إلى بعض بيوت اليهود فوجد صحيفة من التوراة، فأتى بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مستبشراً. أي: أنها فرصة أنه وجد صحيفة فيها كلام أصله من الوحي والتوراة، فأراد أن ينفع بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: إنها مكسب، وهي مخطوطة جديدة والكتب والمخطوطات، والأمة أمية: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة:2] فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأعطاه الصحيفة، وقال: خذ هذه يا رسول الله فقد وجدتها، فغضب عليه الصلاة والسلام، وقال: {أمتهوكون فيها يـ ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده! لو أن موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي، أما أتيت بها بيضاء نقية كالشمس، فجلس عمر على ركبته وقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً} ومزقت الصحيفة وأحرقت، لماذا؟ سيد قطب يقول في معالم في الطريق: السبب القوي في اتجاه الصحابة أنهم خلعوا كل ثقافة من ثقافات الجاهلية ودخلوا في الإسلام من عتباته، وهذا صحيح، فلو دخلت مكتبة عمر ماذا تجد في بيته؟ تجد المصحف والسيف معلق، ليس عنده دوريات ولا مجلات ولا صحف ولا مؤلفات ولا مصنفات، لكنه هو نفسه قرآن يمشي على الأرض، وتعال إلى الشاب منا الآن فتجد مكتبته ملأت مجلسه وغرفته وأدراجه وليس عنده منها شيء، ربما لا يعرف العناوين، فالأمة شيء والثقافة شيء والعلم شيء آخر: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] وقد يكون الكافر أكثر ثقافة من المؤمن لكن العلم لا يكون إلا لمن هداه الله عز وجل. - وهذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد، عن عمر أنه قتل منافقاً وسنده فيما يظهر لي في الشواهد حسن ولو أن فيه انقطاعاً في السند الذي ذكر. فيجلس عمر رضي الله عنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول أحد اليهود لأحد المنافقين المتخاصم معه: نذهب إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإن أعطانا ما أردنا رضينا وإن لم يعطنا ذهبنا إلى غيره، فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فحكم بينهم بحكم لم يناسب المنافق: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] فلم يناسبه الحكم، ولم يرغب فيه، فهو متهتك، فذهب إلى أبي بكر عله يجد عند أبي بكر الرجل الثاني ما يصلح، فذهبوا إلى أبي بكر فأخبرهم بفتوى الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رحيماً حبيباً لا يستجلي الأخبار، وذهبوا إلى عمر فسألوه قال: أحكم بينكم أحد؟ قال المنافق: نعم! الرسول، صلى الله عليه وسلم. قال: بماذا؟ قال: بكذا وكذا. قال: ومن؟ قال: وأبو بكر، قال: انتظروني قليلاً، فظنوا أنه سيراجع مخطوطة بولاق، أو دار الشروق، فذهب إلى السيف البتار الذي صند به الملاحدة والفجرة وأتى به، فدخل عليهم فقتل الاثنين، وهذه قصة ثابتة والحمد لله، وهي من ميز عمر رضي الله عنه: رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصب تدمير معتصم بالله منتقم لله مرتقب في الله محتسب وهذه هي حرارة لا إله إلا الله، فماذا بعد هذا من كفر؟ وهل بعد الحق إلا الضلال؟! إنسان يريد أن يأخذ من الشريعة ما أراد ويترك ما أراد، في قلبه زيغ وليس له إلا السيف. - يذكر الدارمي قصة صبيغ بن عسل مع عمر في أول السنن بسند صحيح، فيأتي أحد الصحابة إلى عمر رضي الله عنه ويقول: عندنا رجل قارن بين الآيات وما استطعنا أن نجيبه، وكان صبيغ في الجيش يقول: كيف تجمعون لي بين قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوا * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً} [الذاريات:1 - 2] وبين قوله تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:1] وبين قوله: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} [المرسلات:1] وبين قوله كذا وكذا؟ فأخبر عمر قال: عليَّ به، وجهز له عمر دواءً شافياً بإذن الواحد الأحد، عصا من النخل القوي الخضراء، فأتى الرجل، وكان عمر ضليع الجسم قوي البنية هماماً: قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها فأتى بالرجل فضربه ضربة حتى أغمي على الرجل، قال: رشوه بالماء، فهذه أول عملية في غرفة الإنعاش، يطرد بها الشياطين، واستفاق الرجل بعد هذه النومة الهانئة، يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، قال: فلما قال عمر: أعقلت؟ قال: نعم. فضربه حتى أغمي عليه. فقال: رشوه بالماء، فرشوه فأصبح ورأى الفجر والنور، قال: يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد قتلي فاقتلني، وإن كنت تريد دوائي فقد داويتني دواء يبرئني إن شاء الله، فهذا علاج يخرج الشياطين من الرءوس، فاشترط عليه عمر ألا يكلم أحداً من المسلمين، ولا يكلمه أحد، ولا يجلس مع أحد، ويبقى منفرداً حتى تصح توبته. قال بعض أهل العلم: جلس سنة، وقال بعضهم: ستة أشهر، فجلس منزوياً حتى تاب وذهبت الشياطين وعرف أنه المنهج الرباني، وأن الله هو الذي أنزل: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} [الذاريات:1] وأنزل: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:1] وليس له أن يتكلف ولا يدخل بعقله في مسارات الوحي؛ لأن الوحي أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض، ليس بكلام مسيلمة. أتدرون ماذا يقول مسيلمة المجرم؟ سُئل عمرو بن العاص، ماذا كان يقول مسيلمة قال: كان يقول: والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً، والخابزات خبزاً، وكان يقول: يا ضفدع نقنقي ما تنقنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين. هذا كلامه ولذلك {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45].

خالد القسري وتضحيته بالجعد بن درهم

خالد القسري وتضحيته بالجعد بن درهم من حماية الشريعة: ما يفعله العدول يوم يرون الشريعة تنتهك! فـ الجعد بن درهم يقول: لم يكلم الله موسى تكليماً ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، قالوا: يا مجرم! اتخذه. قال: يا ليتني أمحوها من المصحف بدمي، محا الله رسمه ومحاه الله من الأرض، فهو مبتدع، قائد الفرقة المبتدعة التي كونت حلفا استعمارياً في بلاد المسلمين، فهذا المبتدع أتى به خالد القسري -وهذه حسنة من حسناته -يوم عيد الأضحى، فخطب خطبة جليلة، فلما انتهى من الخطبة قال: أيها الناس! ضحوا تقبل الله منكم أضحياتكم، وذلك بعد أن بين لهم شروط الأضحية وأنه لا يقبل منها جدعاء ولا خرقاء ولا بهقاء ولا هزيلة، قال: فضحوا تقبل الله منكم أضحياتكم فإني مضحٍ بـ الجعد بن درهم. يقول: أما أنتم فضحوا بالتيوس وأما تيسي أنا فهذا المجرم، وهو مكتوف بجانب المنبر، ومع العلم أنهم طلبوا منه أن يتوب فرفض، وهو مبتدع، فانظر إلى صلابة بعض المجرمين والخرافيين كيف يصبرون إلى آخر لحظة، مع العلم أنه سوف يطعن بالخنجر من السلطان!! قال: ضحوا تقبل الله منكم أضحياتكم فإني مضحٍ بـ الجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً، ثم نزل وجهه إلى القبلة ووضع ركبته على صدره، وقال: باسم الله فذبحه، فحياه ابن القيم في منظومته الكافية الشافية لـ أهل السنة والجماعة قال: ولذاك ضحى خالد بـ الجعد يوم ذبائح القربانِ إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الدانِ شكر الضحية كل صاحب سنةٍ لله درك من أخي قربانِ يقول: شكراً لك يا بطل! أحسنت كل الإحسان، هكذا تذبح رءوس الملاحدة والزنادقة والعلمانيين والحداثيين؛ لأنهم تهتكوا في شرع الله، وفي لا إله إلا الله، وإلا فمتى ينسل السيف؟ ومتى تشتغل الخناجر والسكاكين إلا في هذه المواقف؟ وأظن هذا الموقف من أحسن ما يذكر لـ خالد القسري على ما فيه من ظلم وفجاءة وصلافة، وسوف يذكره الله بهذا الموقف الذي جمل فيه وجوه أهل السنة يوم عيد الأضحى.

التهم التي ترمى بها الشريعة

التهم التي ترمى بها الشريعة إنه خطر على من رمى هذا المنهج العفيف الطاهر أن يأخذ الله سمعهم وأبصارهم ويختم على قلوبهم. اسمعوا إلى التهم التي يرمون بها الشريعة، وأقول لهم وأكرر: خطر ممنوع الاقتراب!

وصف الشريعة بالعقم

وصف الشريعة بالعقم قالوا: عقيمة لا توافق الزمن، سبحان الله! يقولون: الشريعة تصلح لـ أبي بكر وعمر أما عصر الذرة والضياء وعصر الطلوع على سطح القمر فلا تصلح له الشريعة. وشوقي يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سبات بأيمانهم نوران ذكر وسنةٌ فما بالهم في حالك الظلمات يقول: عندهم الكتاب والسنة، لكنهم رفضوا منهج الكتاب والسنة إلا من رحم ربك. فيقولون: عقيمة لا تواكب الزمن، وقد أساءوا؛ فإن العقم في أذهانهم؛ لأن الشرائع الأرضية التي هي موجودة الآن وضعها البشر، أما شريعة الله فوضعها الله رب البشر، الذي يعرف حاجة الإنسان، وطموحه وأقصى ما يبلغه الإنسان.

وصف الشريعة بأنها حجرت على الإنسان حريته

وصف الشريعة بأنها حجرت على الإنسان حريته ومن الاتهامات على الشريعة أنها حجرت على الإنسان حريته، ويقولون: تحرير المرأة وأنا أعارض هذه الكلمة، وتحرير المرأة كما يأخذها قاسم أمين في كتابه ورفاعة الطهطاوي ومحمد عبده ليس بصحيح. فتحرير المرأة ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم، أما تعذيب المرأة، وخزي المرأة فهو ما أتى به أعداء الله عز وجل من أذناب البشر وشراذمة البشر، يقولون: حجرت على الإنسان حريته، والله يقول: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157] فالأمة كانت مقتولة حتى رفع صلى الله عليه وسلم الأغلال عنها، وقال سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] وقال سبحانه: {طه >مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:1 - 3] وقال سبحانه: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8] وقال سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]. فيا أيها الإخوة: لماذا هذا التهتك بالشريعة، بأنها غليظة وجافية وشديدة ولا يستطيع أن يحملها الإنسان؟ إن هذا -والله- هو الظلم بعينه.

قولهم: إن الشريعة لا علاقة لها بالحياة

قولهم: إن الشريعة لا علاقة لها بالحياة ومنها: أنها خاصة بالفرد ولا تقحم في الحياة، وفي الموسوعة الميسرة للمذاهب المعاصرة يقول: ومن مبادئ العلمانية: أن الدين خاص بالفرد. يقول لك: الدين لك وحدك، صلِّ وحدك، واعبد الله عز وجل؛ لكن لا تدخل الدين في شئون الحياة، لا في الاقتصاد ولا في السياسة ولا في العسكرية ولا في الأدب ولا في الإعلام، والله يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163] فهو شرع للدنيا والآخرة، وشرع للاقتصاد والاجتماع، وشرع للأخلاق والسلوك، وهذا هو الخلاف الكبير بين أعداء الله عز وجل ممن يريد حصر الدين بأنه مسألة شخصية كما يفعل بـ المسيحية الآن، فيحضرون في الكنيسة فقط ولا تخرج إلى الحياة.

أقسام الناس أمام الشريعة الإسلامية

أقسام الناس أمام الشريعة الإسلامية وانقسم الناس أمام شرع محمد عليه الصلاة والسلام إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: كفروا به جملة وتفصيلاً، وجحدوه وأنكروه، وما استضاءوا بنوره، واستحقوا غضب الله، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [البقرة:161 - 162]. القسم الثاني: وقوم آمنوا ببعض الشريعة وكفروا ببعض، وهؤلاء يلحقون بالصنف الأول، ولا يغنيهم الإيمان الذي أخذوه ببعض الشريعة: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:85]. والقسم الثالث: أنتم وأمثالكم من المهتدين -إن شاء الله- ممن قبل شرع محمد صلى الله عليه وسلم، واستجاب لرسالته، وعاش على نوره {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24] وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ} [الشورى:52 - 53].

أسباب أهمية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم

أسباب أهمية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم والبشرية محذرة بخطر ممنوع الاقتراب: بالعقوبة على اللامبالاة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم: لماذا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؟ لماذا الشريعة وحدها؟ لثلاثة أسباب: أولاً: لأنها من عند الله، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:1 - 3] {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7]. ثانياً: لأنها كاملة، قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3]. يا أيها الإخوة: قفوا لحظة، فالله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم في عرفة، وهو يقف أمام البشرية، ويتحدث عن حقوق الإنسان، وعن حقوق المرأة، فينزل الله عليه ويموت بعدها بأيام صلى الله عليه وسلم قيل: بواحد وثمانين يوماً، وقيل: باثنين وثمانين يوماً، وقيل: باثنين وثمانين يوماً، فينزل الله عليه يوم عرفة قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] يقول الله: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يضع الحجر على بطنه من الجوع. يقول: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] وهو يسكن بيت الطين. يقول: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] وهو يلبس الثوب الممزق. يقول: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] وهو لا يجد إلا حصيراً من سعف النخل ليجلس عليه. يقول: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] وهو لم يشبع ثلاثة أيام متوالية، فما هي النعمة؟ نعمة لا إله إلا الله نعمة الرسالة والإيمان نعمة الجنة نعمة البصر والبصيرة والمنهج الرباني الخالد نعمة الاستنقاذ من السجود للوثن وللصنم وللخمر وللتهتك في حرمات الله، هذه هي النعمة حقيقة. فلما تحول الناس وظنوا أن النعمة أن تكدس البطون من الأرزاق التي قد يأكلها الثور والحمار، وأن تبنى الفلل، وأن تركب السيارات الفاخرة، وأن تسكن القصور العامرة، ثم يتولون عن نعمة لا إله إلا الله، حينها أخفقت الأمة، ملكنا الدنيا فخسرنا الدين، وقبل كان معنا الدين وكنا بالثياب الممزقة نفتح العالم. فهذا ربعي بن عامر رمحه مثلم يوم دخل على رستم وعمر بن الخطاب بردته فيها أربع عشرة رقعة ويهدد امبراطورية كسرى وقيصر ويسقطها في لحظات. ويدخل سعد بن أبي وقاص بحذاء من جلد الجمل فيرى إيوان كسرى فيقول: الله أكبر! ويقول سعد وهو يبكي: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} [الدخان:25 - 27]. محمود بن سبكتكين كان جيشه ألف ألف مسلم -مليون مسلم- هذا محمود يوم فتح الهند أرادوا أن يعطوه ذهباً رشوة، وقالوا: اترك البلاد، وهذه أصنام من ذهب خذها واترك بلادنا، فقال: لـ إياس! مولاه الخادم: يا إياس! ما رأيك، أنأخذ هذه الأصنام ونعود إلى بلادنا سالمين غانمين ولا نقتل ولا نقاتل؟ قال إياس: أستغفر الله! وهذا إياس مسلم وكلهم عجم لكن حملوا لا إله إلا الله. قال إياس: أستغفر الله، قال: لماذا؟ قال: أتريد أن يدعوك الله يوم القيامة يا مشتري الأصنام؟ فكسر الأصنام واذبحهم عليها، أما تريد أن يدعوك الله يوم القيامة يا مكسر الأصنام، يعني: هذا كلام لا يصلح، هذا محمود وإياس نصروا الإسلام في فترة من فترات التاريخ. فمحياه محمود، فهو يريد أن يختبر إياس. وقال محمود لملك الهند: لا والله! لأكسرن رأسك على هذه الأصنام حتى يدعوني الله يوم العرض الأكبر: يا مكسر الأصنام. فابتدأ الهجوم وكسر رءوس ملوك الهند على الأصنام وأحرقها، وفتح الهند بلا إله إلا الله، فحياه محمد إقبال بقوله: محمود مثل إياس قام كلاهما لك بالعبادة تائباً مستغفرا العبد والمولى على قدم التقى فارحم بوجهك عبد سوء في الثرى أي: أن محمود مثل إياس كلهم مولى. ويقول في القصيدة الأخرى التي يحيي فيها محمود؛ لأنه من جماعة محمد إقبال وقد كان p=1000553>> محمود بن سبكتكين يسجد ويبكي، ويقول: اللهم اغفر لعبدك الكلب محمود، وهي مذكورة في التاريخ، هذا من التواضع وهو يقود ألف ألف، أي: مليون مقاتل. هذا محمود يقول عنه محمد إقبال: كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً أو صاغ الحلي والدينارا والأمر الثالث: أنها نزلت على معصوم لا ينطق عن الهوى ولا يتحدث عن خواطر النفس، ولا هواجس الرأس، ولا يكون له قرار اليوم وينقضه غداً أو ينقضه بعد غد، بل يتكلم بشريعة ربانية تستمر مع الإنسان حتى يلقى الله.

الفصل الثاني: خطر ممنوع الاقتراب للإنذار والتحذير

الفصل الثاني: خطر ممنوع الاقتراب للإنذار والتحذير الفصل الثاني: وهو خطر ممنوع الاقتراب للإنذار والتحذير، وهو خطر للمتهتكين في الحرمات المتجاوزين للحدود: {تلك حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187] يقول أحد الصالحين: لا تأمن من قطع في ربع دينار يد سارق أن يعاقب من سرق أمانة ربه بأعظم من قطع اليد. يقول: لا تأمن من الله؛ فقد قطع في ربع دينار، فكيف بمن سرق دينه؟! كيف بمن سرق صلاته؟! كيف بمن سرق توجهه إلى الكعبة في اليوم خمس مرات؟! ما هي عقوبته في الآخرة؟ إذا كان ربع دينار يعاقب عليه بقطع الكف، فكيف بمن بتر دينه من أول حياته إلى أن لقي الله؟ كان من حكمة الله عز وجل أن يحمي أمة الإسلام بالحدود، وهي الضرورات الخمس: النفس، والعرض، والدين، والمال، والعقل، قلت: فالقاتل يقتل والمرتد عن دينه يعدم: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179] والزاني يرجم أو يجلد، والسارق يقطع، والشارب يجلد والمفسدون في الأرض الذين يسرقون القيم ويضيعون رسالة الله عز وجل ويهدمون شرعه عقوباتهم فضيعة، إنهم أخطر ممن يسرق شيئاً من المال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة:33]. إن سيادة لا إله إلا الله في الأرض حتمية الوقوع، ربانية المصدر، كونية الاهتمام، أرأيتم الذين رفضوا لا إله إلا الله ماذا كانت حياتهم ومستقبلهم وعزتهم؟ فرعون يغرق لهذا السبب وحده، وقارون يخسف به، وأمة تؤخذ بالصيحة وأمة بالنسف والإبادة، وأمة بالصاعقة، وأمة بالسنين والقمل والضفادع والطوفان والجراد، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} [الكهف:59] {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد:13]. إن لا إله إلا الله؛ تكون أو لا تكون الإنسانية، وهذا من المبادئ الكبرى، إما أن يكون في الناس بشر مع لا إله إلا الله أو لا بشر ولا يبقى مخلوق، وتصبح النتيجة والعاقبة على هؤلاء، تبقى أو لا يبقى أحد، يعيش أو لا يعيش أحد: {يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ألا يعذبهم} فهذا ملخص رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم في لا إله إلا الله. إن لا إله إلا الله أعظم من أن تفسر نطقاً باللسان كما يقول المرجئة، ما أثر لا إله إلا الله إذا كان صاحب لا إله إلا الله يزني ويشرب الخمر، ويعربد ويضيع صلاة الفجر، ما أثر لا إله إلا الله في حياته؟ إذا كان الإيمان هو إيمان المرجئة إذاً فلماذا أرسل الله الرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام؟ ولماذا أنزل الله الكتب، وفرض الحدود، وجعل الجنة والنار؟ إذا كانت المسألة كلمة تنطق في أي مكان وأي مجال ثم لا يكون لها تأثير في حياة الناس، فما فائدتها؟ إن لا إله إلا الله عقيدة وعبادة، أخلاق وسلوك، دنيا وآخرة، غيب وشهادة، أدب وفن، إعلام وسياسة، اقتصاد واجتماع: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] أما لا إله إلا الله فهي ملخص رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وكل رسول بعثه الله: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]. ثم على الأمة أن تعيد تفكيرها في لا إله إلا الله، وقد اكتشفت الأمة مع هذه الأحداث خواءً عقدياً هائلاً، واكتشفت أنه ليس عندها توكل، وأنها تنطق لا إله إلا الله لكنها لا تعمل بدلالتها، ولا باستشعار عظمتها، واكتشفت أنها في زحمة الأحداث كانت تعيش على الموج، فلما أتتها الأحداث وداهمتها وجدناها تحمل شبح الموت وتخاف الرعب، وتهلع وتنصرع ويود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر، وتريد الأمة ألا تلاقي عدواً ولا ترفع راية جهاد، ولا تعلن إياك نعبد وإياك نستعين من جديد، وإلا فما هي النتيجة؟ ما هي الاحتمالات التي تقع بالأمة؟ أسوأ احتمال هو الموت، أما شرع الله فلا يستولى عليه أبداً، فهذا الدين لا بد أن يبقى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. أنا أقول لمعسكرين اثنين: خطر ممنوع الاقتراب، معسكر الإلحاد والزندقة والتعدي على الشرع والمنهج الرباني، ومعسكر أهل الشهوات والمجون أهل السخف والخلاعة، اتقوا الله! خطر ممنوع الاقتراب. وإن من يقف بسيارته عند إشارة المرور تحسباً للحادث لهو أهون وأسهل نتيجةً ممن يتعدى حدود الله عز وجل وينتهك حرماته، وإن نتيجته أفظع وأعظم في الدنيا والآخرة. جعلنا الله وإياكم ممن يقف عند حدوده، وممن يحترم شرائعه وممن يوقر شرعه توقيراً، ويعزر رسوله تعزيراً، ويعلم منهجه ويتبع سنته، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من قال: إن القلب آلة تضخ الدم وليس له علاقة بالإيمان والكفر

حكم من قال: إن القلب آلة تضخ الدم وليس له علاقة بالإيمان والكفر Q بعض الأطباء يقولون عن القلب: إنه مجرد آلة لضخ الدم، ولا علاقة له بحب ولا كراهة ولا إيمان، وإنما كل هذا عن طريق الدماء، فكيف أرد؟ A لأهل العلم ثلاثة أقوال في أيها المقصود بالقلب في القرآن: أهو هذا الجسم الصنوبري مخروطي الشكل أو المقروب هذا كلقمة الإنسان أو هو الدماغ. منهم من قال: الدماغ، ومنهم من قال: القلب، ومنهم من قال: إنه شيء مشترك بين القلب والدماغ، والله عز وجل ذكر القلب بالقرآن أكثر من العقول؛ لأنه المصدر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره وأشار إلى صدره في الصحيح وقال: {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهو القلب} وهذا يدلنا على أن القول الصحيح عند أهل العلم هو من قال: إنه القلب الذي في الشق الأيسر للإنسان، وأما الطبيب فهل يعرف هل هذا هو مستودع الحب والكراهة والإيمان أم لا؟ هو يرى دماً ويرى لحماً، ولذلك هو لا يدفع عن نفسه ضراً ولا يملك لها نفعاً. فهذا الطبيب الذي يداوي الأمراض يخنق ويصرع بالموت: مات المداوي والمداوى والذي صنع الدواء وباعه ومن اشترى فهذا لا يعرف شيئاً ولا يطلع علم الغيب، وهذا شيء أكبر من عقله، وأكبر من شهادته إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جعل الإيمان والكفر، وهي مسألة يقولها أهل الترف اللفظي، يقولون: لو نقلنا قلب خواجة كافر إلى جسد مسلم فهل يصبح هذا المسلم كافراً؟ أو قالوا: لو نقلنا قلب مسلم إلى كافر فهل يصبح الكافر مسلماً؟ ونقول: هذه خزعبلات. فإن الله هو الذي أودع الإيمان، وليس هو في هذا اللحم والدم، وليس بنقله ينتقل الدين من شخص إلى شخص، والله تعالى قد حدد هدف هذا الإنسان محمد بذاته لا جورج بذاته.

موقف المؤمن من حرب الخليج

موقف المؤمن من حرب الخليج Q ما موقفنا الآن من الحرب بين العراق والكويت؟ A موقفك الآن أن تكثر من الاستغفار: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:147] وأن تكثر من التضرع: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:43] وأن تردد حسبنا الله ونعم الوكيل، فهذا وقتها ولها طعم في أوقات الأزمات: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. توكلنا على الرحمن إنا رأينا النصر للمتوكلينا وموقفك أن تجدد التوبة، وأن تؤثر في الناس وأن تطالبهم أن يكدسوا الحسنات والأجور مثلما كدسوا الأرز والسكر والأسرجة والغاز في بيوتهم، وأن يجهزوا عملاً صالحاً يقدمون به على الله عز وجل. موقفك أن تأمر الناس أن يثبتوا في أماكنهم ولا يفروا من الموت: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:8] ما قال: مطاردكم، بل أمامكم ينتظركم، والجبان يموت في اليوم ألف مرة، والشجاع لا يموت إلا مرة واحدة.

الاجتهاد في رفع الرياء

الاجتهاد في رفع الرياء Q أنا مؤذن ولكن بعض الشباب يقول: أنت إنسان تؤذن للرياء؟ A أنت أعلم بقلبك فاستفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك، ولا تأتيك هذه الهواجس والوساوس حتى تترك الأذان؛ بل اجتهد أن تخلص وتقصد به وجه الله، وما عليك من كلام الناس، فإن هذه الخطرات التي أتى بها الخرافيون، والواردات التي يناقشها مثل الغزالي في الإحياء تبطل الإنسان أحياناً من العمل، الحارث المحاسبي صاحب كتاب الرعاية دخل في الخطرات والوساوس مثل هذا الكلام وقال: من يؤمن المؤذن إذا رفع صوته أن يأتيه الرياء فيحبط الله عمله أوله وآخره؛ فترك الناس الأذان، ثم قال: من يؤمن الإنسان إذا أتى إلى المسجد فرآه الناس وقد خرج من بيته متوضئاً يريد وجه الله أن يكون يريد الدنيا بصلاته فتركوا صلاة الجماعة. فيقول ابن القيم في أول مدارج السالكين: العاقل لا يبني قصراً ويهدم مصراً مثل ما فعل المحاسبي في كتاب الرعاية فإنه لما ألفه ترك الناس المساجد، وأنا أقول: ليتك يـ ابن القيم رحمك الله تركت مدارج السالكين، ليتك صرفت هذا الجهد في كتاب أروع وأبدع منه من كتبك الرائعة البديعة الحية، وقد قالها بعض العلماء قبلي، وما أنا إلا طويلب بالنسبة لهم، فقالوا هذه الكلمة: ليته صرف هذا الجهد في كتاب آخر، إنما أقول لأنه دخل في دقائق لا يعرفها الصحابة دقائق النفس، وعذَّر لـ عبد الله بن محمد الهروي شيخ الإسلام رحمه الله مع أن ابن تيمية يقول: عمله خير من علمه، ومنازل السائرين ينتقدها ابن تيمية ويجرح فيها تجريحاً مع العلم أن ابن القيم تأتي الكلمة وهي أعدل من رجل الحمار فيمسحها رحمه الله ويقول: لا يريد الشيخ كذا، فأنا لا أجادل في الكتب، وإنما قصدي أن تترك الواردات هذه والخواطر والوساوس واجتهد في الإخلاص وصدق اللجوء إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

حكم مفارقة العاصي

حكم مفارقة العاصي Q امرأة ذات ستة عيال أطفال وابنة صغيرة، وزوجها يروج المخدرات، فهل يجوز لها أن تعيش معه؟ A لا. عليك أن تناصحيه، فإن أعلن توبته وعاهدك بالله عز وجل على التوبة وعدم الرجوع إلى ما يفعل؛ فابقي معه والحمد الله ويتوب الله على من تاب، وإن رفض خذي أطفالك واذهبي إلى أهلك وتكون القاضية حتى يتوب ويعود إلى الله؛ لأنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين.

حكم حلق اللحية

حكم حلق اللحية Q أتت فتاوى كثيرة جداً حول حلق اللحية من أجل الكمامات؟ A لا أدري من هو صاحب الفتوى الذي أفتى بحلق اللحية من أجل الكمامات، وقد يكون من المفتين في باريس أو بانكوك أما علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يفتون بهذا أبداً. وقد طالعت في بعض المجلات رجلاً تسأله امرأة في مجلة خليعة ساقطة تقول: ما حكم زيارة المرأة للمقابر؟ وهو يفتيها قبل صفحات بأن تسافر وحدها؛ لأنه يقول: المجتمع أصبح قرية حضارية، فتقول: ما حكم زيارة المقابر للمرأة؟ قال: يجوز بشرط أن يكون معها محرم، نعم. حتى لا يخرج الميت عليها. واللحية لا تؤثر في الكمامات، بل هي كمامات واقية من الكيماوي والمزدوج، وهي مجربة بإذن الله عز وجل؛ لأنها متبعة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأول من يموت في القصف الذين ليس عندهم لحى؛ لأنهم عندهم خوف كبير، بل على الحليق أن يربي لحيته حتى يموت على السنة، ولا يموت وهو حليق؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إذا أتاه الرجل يعرف أمته بالسنن، فيأتيه الرجل وهو حليق فيقول: أنا من أمتك، قال: لا. أعطني العلامة. والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء وهل عند الأمة فراغ حتى تحلق لحاها من الصباح إلى المساء، من الأذن إلى الأذن. أيها الإخوة الكرام: نسأل الله لنا ولكم حماية ورعاية، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم انصرنا، اللهم ثبت أقدامنا، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم أبق من في بقائه نصرة للإسلام، وأهلك من في هلاكه نصرة الإسلام. اللهم من دبر لنا حرباً فدبر عليه حرباً شعواء، اللهم من أراد بنا وأراد الإسلام بسوء فاجعل سوءه في نحره، وتدبيره في تدميره، وخذه أخذ عزيز مقتدر وسارع بهلاكه. اللهم أحي من كان في حياته عز للإسلام والمسلمين، وأمت من كان في حياته ذل الإسلام، اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين. اللهم اهدنا وسددنا وتقبل منا عملنا واغفر لنا خطايانا وسيئاتنا، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا والضلال والمهرجون والمروجون منا، اللهم خذنا بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم إلى الجنة وإلى دار النعيم ولا تأخذنا بسيئاتنا إلى النار. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سؤال وجواب

سؤال وجواب إن السؤال ذو أهمية عظيمة، حيث يبين الحق، وينير الطريق، ويشفي من العي. وقد عرض الشيخ في محاضرته هذه لكثير من المسائل المتنوعة الأبواب، ففي التفسير ذكر أسباب نزول بعض الآيات، وفي الفقه تتحدث عن بعض أحكام العبادات والمعاملات التي يحتاجها المسلم في حياته. وفي العقيدة تكلم عن بعض المسائل الشركية التي تخالف العقيدة السليمة، وإلى غيرها من الأحكام والمسائل والنصائح.

أهمية السؤال

أهمية السؤال الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. عنوان هذه المحاضرة: (سؤال وجواب) ورقمها: السادسة بعد الثلاث مائة، وأشكركم على حضوركم، وأشكر إمام المسجد على تقديمه، وأسأل الله أن يجمعنا بكم في دار الكرامة. قبل أن أبدأ في هذه المحاضرة وهي على شكل سؤال وجواب، أنبهكم على سنة المغرب؛ فإن من لم يصلها عليه أن يصليها في ختام المحاضرة، ومن لم يتسن له إلا بعد العشاء فليصلها بعد العشاء، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقضي السنن الرواتب، وهاتان الركعتان بعد المغرب من السنن الرواتب التي حافظ عليها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر قال: {حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر، وركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها}. أيها الإخوة الفضلاء: لقد أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام بالسؤال، فقال: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45] والسؤال نصف العلم، والجواب نصف العلم، وحسن السؤال من حسن العقل؛ وعند أبي داود: {أن رجلاً أصابته شجة -جرح في رأسه- فقال لأصحابه: هل لي رخصة في أن أتيمم؟ قالوا: لا رخصة لك، فذهب إلى الماء، فاغتسل، فدخل الماء في جرحه فمات، فلما أُخبر الرسول عليه الصلاة والسلام قال: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال} والله يقول: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43].

متى يمنع السؤال

متى يمنع السؤال السؤال محذور في موطنين: الموطن الأول: أن تسأل عما لا يعنيك، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة:101] فشيء لا يعنيك لا تسأل عنه، كمن يضيع عمره في أسئلة وهو بحاجة إلى أسئلة أحسن منها، ولكن أمضى عمره في الأسئلة، مثل الجدل البيزنطي حول دوران الشمس حول الأرض أو العكس، أو حكم أطفال أهل الفترة، أو أسئلة لا تعنينا ولا تنفعنا في الحياة. الموطن الثاني: ألا تسأل عن شيء استأثر الله بعلمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، مثل سؤال المتشابه من القرآن، وتتكلف علمه مثل: حم، آلم، طسم، إلى غير ذلك من الحروف التي استأثر الله بعلمها أو علم المتشابه، فإن أهل العلم كـ ابن هبيرة الحنبلي يقول: " إن من معتقد أهل السنة أن يكفوا عن المتشابه " والله يقول: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران:7]. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن كثرة السؤال، قال الإمام مالك: " أراها المعضلات والأغلوطات ". أي: كثرة السؤال من المعضلات، فالذي يتعجز العلماء والمفكرين والدعاة وليس قصده العلم والفائدة بل أن يعجزهم، فهذا منهي عنه، وقيل: من سأل الناس مالاً تكثراً، فإنما يسأل جمراً.

موضوع الأسئلة، وفوائد الأسئلة

موضوع الأسئلة، وفوائد الأسئلة أيها الإخوة الفضلاء: بين يدي عشرون سؤالاً، منها: أسئلة في العقيدة، وأسئلة في الفقه، وأسئلة في الحديث النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، وأسئلة في الفكر الإسلامي، ومنها: أسئلة في المؤلفات والأدب، وأسئلة اجتماعية، فعسى الله أن يسددنا ويهدينا بما نقول، وينفعنا بما نسمع، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعل هذا العلم حجة لنا لا حجة علينا، وأن يجعل مجلسنا هذا من مجالس الجنة التي يذكرنا الله بها يوم القيامة. قال عطاء بن أبي رباح: [[مجلس الذكر يكفر سبعين مجلساً من مجالس اللغو]] ودخل عليه الصلاة والسلام المسجد فوجد حلقتين اثنتين أهل حلقة يدعون الله ويسألونه ويستغفرونه، وأهل حلقة يتذاكرون العلم والمسائل ويبحثون في الفقه، فقال عليه الصلاة والسلام: {أما هؤلاء -أي: الداعون- فيسألون الله إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأما هؤلاء فيتعلمون، وإنما بعثت معلماً وجلس بينهم عليه الصلاة والسلام} فهذه من خيرة المجالس. قال الحسن بن علي: مجلس العلم لا يفوتك منه أحد من خمسة: الأول: أن تكتسب فيه صديقاً. والثاني: أن يغفر لك به ذنب. فإن الله عز وجل بعد أن يصرف الناس يسأل الملائكة وهو أعلم بهم -والحديث عند مسلم - فيقول: {كيف تركتم عبادي؟ قالوا: تركناهم يسألونك، قال: ما يسألوني؟ قالوا: الجنة -الحديث طويل في آخره يقول الله تبارك وتعالى-: أشهدكم أني غفرت لهم، قالوا: يا ربنا! معهم فلان بن فلان إنما جلس معهم هكذا، قال: وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم}. والثالث: أن تستفيد مسألة علمية، فتستفيد حلالاً تعرفه، أو حراماً تجتنبه، أو فقه آية، أو معنى حديث من ميراث محمد صلى الله عليه وسلم. الرابع: أن يزول عنك الوسواس، فإن الشيطان يفر من مجالس الذكر، ولذلك أوصى كثير من العلماء الفطناء من أصابه صرع أو مس من الجن أن يكثر من المحاضرات، والجلسات، والدروس، ومباحثات أهل العلم. الخامس: التوبة من الله عز وجل والرحمة تغشاك بإذن الله ونحن معك. من كان ملتمساً جليساً صالحاً فليأت حلقة مسعر بن كدام فيها السكينة والوقار وأهلها أهل العفاف وعِلْيَةُ الأقوام

أسئلة في التفسير وأسباب النزول

أسئلة في التفسير وأسباب النزول

سبب نزول قوله تعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن)

سبب نزول قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ) السؤال الأول: ما سبب نزول هذه الآيات: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة:75 - 77]؟ A قال أهل السنة -من العلماء- على رأسهم ابن جرير وابن كثير: سبب نزولها أن رجلاً اسمه {ابن جميل عاهد الله عز وجل، وكان فقيراً، وقال: يا رب! أعاهدك إذا رزقتني مالاً أن أجعله في طاعتك، وأنفقه في مرضاتك، فأعطاه الله ما شاء من المال، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب يجبي الصدقة، فذهب فمر على المسلمين فأعطوه الصدقات، إلا العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم وخالد بن الوليد وابن جميل، منعوا الثلاثة فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم -وأصل الحديث في البخاري ومسلم - فقال عليه الصلاة والسلام: {أما العباس فهي عليَّ ومثلها -يعني: الزكاة لأنه دفعها لسنتين، فهي دين على الرسول صلى الله عليه وسلم- وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً فقد احتبس أدرعه وأعتده في سبيل الله} أي: جعل ماله وقف فلا زكاة عليه، فلماذا تطلب منه زكاة؟ يقولون معن لا زكاة لماله وكيف يزكي المال من هو باذله خالد عنده مائة فرس جعلها وقفاً في سبيل الله، ومائة درع كذلك، والوقف لا زكاة فيه. وأما ابن جميل الداهية الدهياء، فيقول فيه عليه الصلاة والسلام: {وأما ابن جميل فما ينقم إلا أن كان فقيراً فأغناه الله} يقول لـ ابن جميل كالمستهزئ به والمتظاهر عليه، يقول: {كان فقيراً فأغناه الله} فهذا جزاء المعروف والإحسان، فأنزل الله في ابن جميل آيات بأسلوب لا يجرح ولا يشهر، وهو أسلوب الداعية الناجح فلا يسمي الأسماء ولا الكيانات ولا الهيئات والأشخاص، وقد كان يقول عليه الصلاة والسلام إذا تكلم: يا أيها الناس! إن منكم من فعل كذا وكذا ولا يسمي، أنزل الله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة:75 - 77] وهذه الآية تسري على كل من يفعل ذلك، فالمال مال الله، والمنصب لله، والصحة أعطاها الله، والرزق من الله، فليس لأحد منَّة على الله بل المنة كلها لله، وكثير من الناس تمر بهم ظروف فقر ويعاهدون الله في وقت الرخاء أن يبذلوا وأن يعطوا؛ فإذا منحهم الله؛ تولوا على أعقابهم ونكصوا ونقضوا عهد الله وميثاقه. أذكر قصة باختصار ذكرها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام وهي في الصحيحين من حديث أبي هريرة، يقول: {كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل ثلاثة: أقرع وأبرص وأعمى؛ الأقرع: الذي لا شعر في رأسه، والأبرص: الذي تغير جلده من البرص وذهب بهاؤه، والأعمى: الذي ذهب بصره، أراد الله أن يبتليهم، فأرسل لهم ملكاً من السماء، فمر على الأقرع، فقال: ماذا تشتهي وتتمنى؟ قال: أتمنى من الله أن يرد علي شعر رأسي الذي قذرني الناس به، فسأل الله أن يرد عليه شعره فرده، ثم قال: ماذا تشتهي من الأنعام؟ قال: أشتهي الإبل، فدعا الله له فرزقه الله بناقة فولدت وأنتجت حتى ملأت الوادي، ثم ذهب إلى الأبرص وقال: ماذا تطلب من الله؟ قال: جلداً حسناً يرده الله علي فقد قذرني الناس بجلدي، فسأل الله فرد عليه الجلد الحسن، قال: ماذا تشتهي من الأنعام؟ قال: البقر، فسأل الله فأعطاه بقرة فولدت وأنتجت حتى ملأت الوادي، ثم ذهب إلى الأعمى، قال: ماذا تشتهي؟ قال: أن يرد الله علي بصري}. إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور قلبي ذكي وعقلي غير ذي عوج وفي فمي صارم كالسيف مشهور وعند العمى أقول: العمى قسمان: عمى القلب وهو الذي لا طب فيه إلا أن يشاء الله، وعمى البصر وهو سهل، فعمى البصر سهل وأجر من عمي على الله، يقول سبحانه في الحديث القدسي في البخاري: {من ابتليته بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة} وأما عمى القلب فهو الذي ليس بعده عمى، يقول سبحانه: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19] وقال: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. {فأعطاه، ثم قال: وماذا تشتهي من الأنعام؟ قال: الغنم، فسأل الله له شاة فأعطاه شاة فأنتجت حتى ملأت وادياً، ثم ذهب الملك وتغير في صورة مسكين} الله الذي يصوره، فقد صور جبريل له ستمائة جناح كل جناح يسد ما بين المشرق إلى المغرب، ومرة يصوره في صورة رجل كما في الصحيحين يوم أتى يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن الإسلام، واسمع قول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر:1]. {أتى هذا الملك على صورة مسكين، فمر بالأقرع، قال: أريد منك ناقة، أنا فقير ومسكين، قال: المال مالي ولا أعطيك شيئاً، قال: كنت أقرع وكنت فقيراً فرزقك الله، قال: لا. ورثت المال كابراً عن كابر، قال: إن كنت كاذباً فردك الله على ما كنت، فرده الله أقرع فقيراً، ثم ذهب إلى الأبرص، وقال: أعطني بقرة أتقوت بها، قال: لا. المال مالي، قال: قد كنت أبرص فقيراً، قال: لا. ما كنت أبرص وما كنت فقيراً، قال: إن كنت كاذباً فردك الله على ما كنت، فرده الله كما كان، ثم ذهب إلى الأعمى فسأله قال: خذ ما شئت واترك ما شئت، والله لا أشكرك على ما تركت، كنت أعمى فرد الله عليَّ بصري، وكنت فقيراً فأعطاني الله فخذ ما أردت، قال: أما أنت فقد رضي الله عنك وغضب على صاحبيك} وهذه النعم تجري، زكاة البدن تستخدمه في طاعة الله، وزكاة العينين البكاء، وزكاة اللسان الثناء، وزكاة الجسم الحياء، وكلها مما أوجبه الله على عباده.

سبب نزول قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك)

سبب نزول قوله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) السؤال الثاني: ما سبب نزول قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] وما هو ظلال الآية في واقعنا المعاصر؟ A سبب نزول الآية كما في البخاري من حديث عبد الله بن الزبير: {أن الزبير بن العوام حواري الرسول صلى الله عليه وسلم اختصم هو ورجل من الأنصار في مزرعة، فأتى صلى الله عليه وسلم إلى صاحب المزرعة، وكان للزبير مزرعة فوق مزرعة الأنصاري، فقال صلى الله عليه وسلم للزبير: اترك الماء قليلاً حتى يعود للجدر ثم اتركه للأنصاري، قال الأنصاري للرسول صلى الله عليه وسلم: أتقضي له لأنه ابن عمتك؟ فغضب عليه الصلاة والسلام -وكان ذاك الوقت صلح، فلما وصل إلى الحكم- قال: اترك الماء} قال بعض العلماء: حتى الكعب، وقال بعضهم: حتى يصل إلى الجدر، وهذا هو الحكم ثم اتركه يمر، فأنزل الله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]. الآية لها ظلال ثلاث: الأول: يقول بعض العلماء المجيدون معنى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:65] أي: يرضوا بحكمك ويرضون بك إماماً {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] معنى يحكموك: أي في معتقداتهم وعباداتهم وأخلاقهم وسلوكهم، من رضي بإمامة الرسول صلى الله عليه وسلم فجعله إماماً له في المعتقد والأخلاق والسلوك وأكبرها لا إله إلا الله، وفي سنن منها: اللحية، والثوب فهي من السنة، وإماطة الأذى عن الطريق، والسواك، وفي كل دقيقة وجليلة يحكم فيها محمد عليه الصلاة والسلام. يا مدَّعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا والتحكيم يعني: أن تجعله إمام، الآن أتباع استالين ولينين يحكمونه في كل شيء، وكذلك يقلدونه. ولي خان باكستاني توفي قبل ما يقارب سنة أو سنتين، وقد دخل ابنه الحزب الديمقراطي في الانتخابات مع بناظير، هذا من حبه لـ لينين وقد أخذ تمثالاً لـ لينين معه في المجلس، كان إذا أراد أن ينام أخذ تمثالاً لـ لينين وينام بجانبه، ويوم حضرته الوفاة في إسلام آباد أوصى أبناءه أن يدفنوه في موسكو بجانب قبر لينين ليحشر معه في نار جهنم، ولكن رفضت روسيا أن تستقبل جثته، وانظروا الحب، وانظروا الخزي والعار، وفي الأخير طلب أن يدفن، فدفن في داخل أفغانستان، وإنما أقول هذا؛ لتعلق بعض الناس ببعض المغرضين، من أمثال: ميشيل عفلق من مؤسسي حزب البعث في العالم العربي، وله أتباع رأيناهم يأخذون صورته ويقبلونه، ويقولون: من أجل عينيك {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165] وأولياء الله والرسول عليه الصلاة والسلام أشد وأحسن وأقوى وأعظم. فعجباً لهؤلاء كيف يقلدون هؤلاء الملاعين الملاحدة الأقزام؟! فأين أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وتلاميذه وأتباعه؟! تعال يا من حاله في وبال ونفسه محبوسة في عقال يا راقداً لم يستفق عندما أذن في صبح الليالي بلال روض النبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال وأنتم أبناؤه وأتباعه على ملته. يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما أرسلت به إلا دخل النار}. والظلال الثاني: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:65] تحكيم الدستور الإسلامي (الكتاب والسنة) في حياة الأمم والشعوب {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:44 - 47]. فمن حكم بغير ما أنزل الله فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا يكلمه الله ولا يزكيه وله عذاب أليم، يقول سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد قصة مشهورة عند أهل العلم وهي: {أن رجلين: يهودي ومنافق اختصما في قضية، فذهبا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول اليهودي: نذهب إلى محمد، والمنافق يقول: لا} لأن اليهودي يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يحكم بالحق، والمنافق خائف لأن الحق عليه. فلما ذهبا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حكم بالحق، فقال المنافق: ما رأيك نعرض على أبي بكر عله أن يسهل لنا؟ قال: ذهبنا إلى أبي بكر فسألاه فحكم كحكم الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن أبا بكر سهل لين رقيق ما سألهم هل حكم قبلي أحد؟ فذهبا إلى عمر وكان في البيت، فقالا: نعرض عليك قضية، قال: ما هي؟ قالا: كيت وكيت! فقصا عليه القصة، فقال: عرضتم القضية على أحد قبلي. هذا الرجل العملاق، الداهية الذي تفر منه الشياطين، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {هيه يا عمر والله ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجك} قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها {قال: أحكم قبلي أحد؟ قالوا: نعم. قال: من؟ قالا: الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، قال: هل رضيتم؟ قالوا: أردنا أن نسمع حكمك، قال: انتظروا قليلاً لأخرج شيئاً حتى أرى الحكم، فذهب في طرف بيته وأخرج السيف مسلولاً ودخل على الاثنين فضرب رءوسهما حتى فصلهما عن الأعناق} إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم!! لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار ولا شلت يمينك يا أبا حفص. الظلال الثالث: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً} [النساء:65] بعض الناس يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه يجد حرجاً، وهذا دليل على النفاق، مثلاً: من يحمل السنة وفي قلبه خجل من الناس، وإنما يفعل مجاملة، فهذا في قلبه مرض ونفاق، مثل بعض الناس تجده يحضر صلاة الجماعة لكنه كالمجامل، ويعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث عليها لكن في قلبه حرج. وبعضهم يقول: ليت الرسول صلى الله عليه وسلم ما أتى بالحجاب، أنا أحجب بناتي والله المستعان؛ لكن ليته ما أتى به، هذا يدخل في عموم من في قبله مرض، لا يرضى بالإسلام، ولا يرضى بحكمه عليه الصلاة والسلام.

معنى قوله تعالى: (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا)

معنى قوله تعالى: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) السؤال الثالث: ما معنى قوله تعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:43]؟ A معنى لولا عند أهل العلم: أي: هلاَّ، إذ جاءهم بأسنا، والبأس قيل: النكبة في الحياة، وقيل: المصائب التي يبتلي الله بها الناس، وهي أخذ الله {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود:102] فمعنى الآية، يقول سبحانه: لماذا يوم أتاهم بأسنا وعذابنا ونكباتنا ومصائبنا ما رجعوا إلينا وتضرعوا وبكوا وندموا واستغفروا؟! هذه الآية -أيها المسلمون- نعيش ظلالها هذه الأيام، فلن ينقذنا من أخذ الله ولا من عذابه ومقته وتدميره إلا الله، لا تنقذنا أمريكا ولا بريطانيا ولا فرنسا ولا دول الأرض كلها، فإن الله إذا غضب لا يقوم لغضبه أحد، فالمفر إلى الله، يقول الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50] والذي يعتقد أن قوة الأرض وأركان الأرض هم الذين يحولون بينه وبين أخذ الله فهو جاهل، فعلينا أن نحفظ النعم بالشكر، البلد الذي رأيناه بلداً ناعماً سعيداً، بات هادئاً وما علم أنه سوف يجتاح في الصباح. يا راقد الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا سبحان الله! يحدثنا أحد تجار الرياض يقول: ذهبت إلى الخفجي؛ لأستقبل الرعايا واللاجئين الذين خرجوا من الكويت فلقيت تاجراً صديقاً لي يقول: أمواله بالملايين المملينة من أكبر تجار الخليج، قال: فلما رآني وكنت أوزع على الناس من مائة ريال يأخذون بها ماء وببسي، قال: فلما رآني هلت دموعه حتى جلس، فقال: يا فلان! والله ما تعودت آخذ وأنت تعرفني كنت أنفق الأموال والشيكات، والله إني كنت ألعب بالملايين في ليلة واحدة وفي يوم واحد، وأصبحت والله لا أملك ما أملأ به سيارتي وقوداً، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود:102] {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] فالقوى لا تحمينا، فالله إذا غضب لا يقوم لغضبه أحد، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] وقال: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً} [الطلاق:8]. انظر التعبير! عتت: تمردت على آيات الله، قرية ناعمة لكن لا يصلي أهلها في المساجد، ويخرجون على شريعة الله، ويتعدون حدود الله ويسهرون على معاصي الله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} [الطلاق:8 - 9] ولسنا من الشامتين على أبناء الكويت المسلمين، فهم إخواننا، وهم المهاجرون ونحن أنصارهم. سيصغي له من عالم الغيب ناصر ولله أوس آخرون وخزرج ولكن علنا نعتبر فإياك أعني واسمعي يا جارة! والله يقول: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى} [الأحقاف:27]. يقول: انظروا الشعوب حولكم! كيف دمرناهم، فلماذا لا تراعون أمر الله؟! هذا من ظلال الآية. ومعنى تضرعوا: عادوا إلى الله، فقد كان السلف إذا أتت حروب على الحدود يلجأون إلى المساجد بقيادة الخلفاء، ويكثرون من النوافل ومن دعاء النوازل ومن البكاء. وقعت في المدينة هزة خفيفة، يقولون: سقطت بعض الحوائط، وكان الخليفة هو عمر، فقد كان هو المسئول، فلما وقعت الهزة وقعت بعض الحوائط والجدران، فصعد المنبر ونادى في الظهيرة الصلاة الصلاة، فاجتمع الناس، فخطبهم وبكى، وقال: ما هذه الهزة؟ قالوا: من الله، قال: أنا أدري أنها من الله، ولكن ما سببها؟ قالوا: لا ندري، قال: لا تدرون {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]. والذي نفسي بيده لو تكررت هذه الهزة لا أجاوركم في المدينة بعدها، قالوا: ماذا نفعل؟ قال: توبوا إلى الله وتضرعوا؛ فإن الله يقول: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:43]. قال أهل التاريخ: هبت ريح شديدة على بغداد، وأخذت بعض الشجر، وهدمت بعض البيوت، والخليفة في ذلك الوقت هو هارون الرشيد، فنزل من قصره، ودخل المسجد، وكشف البساط، ووضع خده، وقال: والله يا رب! لا أرفع خدي حتى تهدأ الريح؛ لأنك إن قتلت أمة محمد فبسبب ذنوبي، قالوا: فما رفع رأسه حتى هدأت الريح واطمأنوا إلى رحمة الله عز وجل.

أسئلة وأجوبة عن بعض الأحاديث

أسئلة وأجوبة عن بعض الأحاديث

تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء

تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء السؤال الرابع: شرح حديث: {لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال}؟ A الحديث رواه أهل السنن وهو صحيح، وأما شرحه، فقوله صلى الله عليه وسلم: {لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء} فهو الرجل الذي يتشبه بالمرأة فيما يخص المرأة، مثل: تشبهه بكلامها، وبمشيها، وجلوسها، ولباسها، وحليتها، وأخذها، وعطائها وفي أنوثتها، ومن فعل ذلك استحق لعنة الله وغضبه. {ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال} فمن تشبهت من النساء بالرجل في كلامه ولباسه وفي أخذه وعطائه وفي خروجه، فالتشبه بالرجال من النساء يدعو إليه -الآن- العقلانيون الذين ضلوا سواء السبيل بمشاركة المرأة في البرلمان، وتوليها للمنصب، وأخذها للوزارة والوظيفة، وهذا ليس وارداً في الإسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة} والإسلام يحرم أن تتولى المرأة منصباً تأمر فيه وتنهى؛ لأنها ناقصة عقل ودين، فليعلم هذا حفظكم الله. وقد رأيت كتيبات تباع في الأسواق وفيها فصول تنادي بهذا الأمر، وبعض الناس من صغار طلبة العلم أو المغرورين بالثقافة المنحرفة والعقلانية المعاصرة، اغتروا بهذا، وناقشوا نقاشاً باطلاً ليدحضوا به الحق، ولكن أمر الله عز وجل على العين والرأس ونحن نكرر هذا الحديث، والتشبه ظهر في هذا العصر في كثير من الناس وأبناء الجيل، لكن بدأت هذه الظاهرة تخف والحمد لله، ظهر في هذا الجيل يوم كانوا يسافرون إلى أوروبا، خف التأنث، والتشبه بالبنات، والتشبة بأعداء الله عز وجل، وجعل الدين رجعية وتخلف، وازدراء سلف الأمة، وتراثها، وميثاقها، وهذه مسحة العلمنة، وسوف أعرض إليها في آخر المحاضرة إن شاء الله.

شرح حديث: (من تشبه بقوم فهو منهم)

شرح حديث: (من تشبه بقوم فهو منهم) السؤال الخامس: ما شرح وما صحة حديث: {من تشبه بقوم فهو منهم}؟ A الحديث صحيح رواه أبو داود، ومعناه: من تشبه بقوم في زيهم وفي حركاتهم التي اختصوا بها فهو منهم ويحشر معهم، نحمله على ظاهره. يقول سفيان بن عيينة: " أمِرُّوا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم على ظاهرها ". قد يأتي لك أحد الناس يناقش في الحديث يقول: معنى {من تشبه بقوم فهو منهم} أي: يشابههم، أو ربما سار في طريقهم، أو شابههم في بعض الجزئيات، لا، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {فهو منهم}. ومن التشبه: ما يفعله بعض المسلمين الآن من الانهزاميين الذين أصيبوا بالإنهزيمة: متشبهون بأعداء الله، فبعض الناس يرى الخواجة كأنه ملك نزل من السماء، لا طهر الله الخواجات فهم أنجس خلق الله، وهم أعداء الله عز وجل في كل عصر ومصر، وفي كل أرض، وهم يرصدون للإسلام المراصيد، والهزيمة النفسية التي أصابتنا نحن، لأننا نرى أننا ما قدمنا للبشرية في مائة سنة أو مائتين سنة شيئاً، نعم يقول: كم صرفتنا يداً كنا نصرفها وبات يملكنا شعب ملكناه فنحن الآن عالة على البشر، إذا ما حملنا الدين وقدمناه للناس فما قدمنا شيئاً، يقول كريسي موريسون في كتاب الإنسان لا يقوم وحده: " قدمنا لكم الثلاجة والبرادة والطائرة والسيارة وما قدمتم لنا الإسلام ". أي: ينتظر منا الغرب والروس والأمريكان أن نقدم لهم الإيمان، لا ينتظرون منا أن نصنع لهم طيارة، نحن لا نستطيع أن نصنع ولا هايلوكس، حتى الطباشير ما صنعناها فكلها مستوردة، مكتوب عليها: صنع خارجي فقط، وحتى الدبابيس والإبر، وما فعلنا شيئاً إنما وقفنا موقفاً سلبياً من توزيع هذا الدين للناس، والناس ينتظرون منا متى نصل به إليهم. أنا قرأت قصيدة لـ محمد إقبال مترجمة اسمها (بحثت عنك يا رسول الله في ألمانيا). هذا محمد إقبال شاعر الباكستان وهو شاعر عملاق، شاعر يحب الله عز وجل، كان إذا صلى الفجر أخذ القرآن فيبكي حتى طلوع الشمس، وهو سبب انفصال باكستان عن الهند وقيام الدولة، يقول: بحثت عنك يا رسول الله في ألمانيا فما وجدتك! لقد سافر ليدرس الفلسفة في بون لأن عنده دكتوراه في الفلسفة. قال: يا رسول الله! بحثت عنك في ألمانيا، والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة ليس في ألمانيا، هو مدفون في المدينة، وهو يدري لكن يقول: بحثت عن عدلك ورأفتك ورحمتك وعن منهجك فما وجدت ذلك يا رسول الله في ألمانيا أين أنت؟ فقد وجدت ناطحات السحاب، وجدت السيارات والقاطرات، لكني ما وجدت الحب، ولا وجدت الإيمان، ولا وجدت السلام، نعم! هم الآن يسعون إلى الهاوية كما يقول دايل كارنيجي: " نسعى إلى الهاوية 100% "؛ قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124]. يقول أحدهم وهو من المهلوسين: جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!! ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!! كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري!! ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!! لكن أهل الإيمان على بصيرة من الله، قال سبحانه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. فالتشبه موجود، وهو انهزامية في هؤلاء المتشبهين، التشبه موجود في الأكل، ونحن من عادتنا أهل الإسلام أن نأكل -مثلاً- على السفر، ولكن الأكل على الماسات عادة من الغرب، ولذلك اليابانيون يرفضون ذلك تمسكاً بعادات اليابان، لا لأنهم لهم دين لكن هكذا يقولون: إن رئيس اليابان بعد الاتحاد قبل ما يقارب (66سنة) زار طلابهم في الغرب، فقال: اصنعوا مأدبتين على طريقة اليابانيين والغربيين، ثم اعرضوا لي الشباب من اليابان، فعرضوا له؛ فإذا بعضهم جلسوا في الأرض على عادتهم، وأناس تأثروا بالغرب وجلسوا على الماسات يأكلون، قال: أما هؤلاء فلا يصلحون وأخذهم معتقلين، وأما هؤلاء فيبقون للدراسة، نريد من يبقى على عادات اليابان، هذا واليابان والغرب كلهم على يسارك في النار، لأنهم أمم ضالة، فأين المسلم الذي يعتز برسالته ومبادئه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا التشبه يغني فيه كتاب اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم لـ أبي العباس ابن تيمية نظر الله وجهه في الجنة.

من تعاليم الإسلام في التربية

من تعاليم الإسلام في التربية السؤال السادس: يقول عليه الصلاة والسلام: {مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع} ما مدى صحة هذا الحديث وما معناه؟ A الحديث صحيح رواه أبو داود وأحمد وغيرهما. ومعنى {مروا أبناءكم بالصلاة لسبع} يقول أهل العلم: إذا بلغ الولد سبعاً أمر بالصلاة أمراً لا ضرباً، فيقال له: صلِّ هداك الله، لماذا لا تصلي، ويلام ويعاتب، فإذا بلغ العاشرة عزر على الترك بالضرب، فالسن الذي يكلف فيها للصلاة في العاشرة، فيؤخذ إلى المسجد في العاشرة ويتأدب به، أما ما دون السابعة فلا يؤتى بهم إلى المساجد، لئلا تتحول المساجد إلى روضة أطفال وتشويش على المسلمين، وإضاعة لمقدسات المسلمين، والأصل هو تقدير واحترام بيوت لله عز وجل. أما قوله: {وفرقوا بينهم في المضاجع} فهذا عند النوم، وللعلماء تعليق على هذا الحديث، يقولون: لا بأس أن يكونوا في غرفة واحدة، لكن يفرق بين الذكر والأنثى، والذكر والذكر، والأنثى والأنثى؛ لأنه حكم الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام.

في الخرافات وما يتعلق بها من الشركيات

في الخرافات وما يتعلق بها من الشركيات

السحر والكهانة

السحر والكهانة السؤال السابع: ما حكم تعلم السحر والكهانة، وما حكم من ذهب إلى من يزاولهما؟ A السحر عند كثير من العلماء كفر، من تعلمه فقد كفر، ولو أن للشافعية رواية في أنه ليس بكافر وإنما هو صاحب كبيرة. قال عليه الصلاة والسلام: {وحد الساحر ضربة بالسيف} وقد قتلت حفصة ساحرة، وقتل جابر بن سمرة ساحراً، والكاهن: هو الذي يدعي علم الغيب. ومن ذهب إلى هؤلاء فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد} هذا من صدقه، أما من أتى إليه ولم يصدقه؛ لم تقبل له صلاة أربعين يوماً لقوله صلى الله عليه وسلم: {من أتى عرافاً أو كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} قال أهل العلم: هذا فيمن لم يصدقه، أما من صدقه فقد كفر بما أنزل على رسولنا صلى الله عليه وسلم، وهم منتشرون، وأنا ألفت انتباهكم إلى أناس يدعون إخراج الماء من بطون الأرض، وهؤلاء على قسمين: قسم جائز وقسم محرم. الجائز: من يستدل على الماء بالعلامات؛ فيذهب معك إلى الأرض التي تطلب بها الماء، فينظر إلى الشجر والعروق والجبال فيستدل بهذه العلامات، فهذا لا بأس به وهو علم موجود عند العرب من قديم، وقد أثبته في أول مباحثه أهل الجيوليجيا. أما من يبقى في بيته، ويقول: في البقعة الفلانية بئر، وإذا حفرت كذا وجدت الماء، وخذ لك عن يمينك كذا وعن يسارك كذا، فهذا ضال مضل منحرف ملعون على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم.

تعليق الحروز

تعليق الحروز السؤال الثامن: هل يجوز تعليق شيء من الحروز ولو كتب عليها آيات من القرآن؟ A الأصل في ذلك المنع، وما علمت أحداً يجيز أن يعلق شيئاً مكتوب على جسمه إلا عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إذا كان من القرآن؛ ولكن الصحيح منع ذلك، سواء من القرآن أو غير ذلك، فلا يكتب في قراطيس، ولا يعلق على الطفل أو الكبير من هذه الحروز، سواء من القرآن أو من السنة أو من غيرها سداً لهذا الباب، وقد ذكر ذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب، فلا يتجوز في هذا ولو كان من القرآن، ويكفي أن يرقى على المريض المصروع المسحور الذي أصابه مرض فيقرأ عليه الآيات البينات المؤثرة كآية الكرسي والمعوذات والإخلاص.

بعض الألفاظ الشركية المنهي عنها

بعض الألفاظ الشركية المنهي عنها السؤال التاسع: ما هي الألفاظ الشركية المنهي عنها؟ A اشتهر بين الناس ألفاظ شركية، مثل: لولا الله وفلان، وما شاء الله وشئت، والحلف بغير الله، يقول صلى الله عليه وسلم: {من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك} وانتشر بين الناس ألفاظ شركية، مثل: (وحياتي، وشرفي، وحياتك، وشرفك، والنبي) وهذه ألفاظ محرمة وشركية، ويحجب الباب فيها، وقد انتشرت حتى في أبناء التوحيد الذي يجب أن ينشئوا على التوحيد الخالص الصافي، لكن هكذا تفعل السنن واتباع الأقوام والتأثر بالآخرين!!

أسئلة فقهية

أسئلة فقهية

البيع بالتقسيط

البيع بالتقسيط السؤال العاشر: البيع بالتقسيط هل هو جائز أم لا؟ A البيع بالتقسيط على صورتين: الصورة الجائزة هي: أن تزيد في الثمن من أجل الزيادة في الأجل، يقول ابن القيم: " زيادة الثمن من أجل زيادة الأجل لا بأس فيها". مثلاً: عندك سيارة! تقول للمشتري: خذها اليوم بعشرين ألف، وبعد شهر بثلاثين ألف؛ فهذا جائز، لأنك زدت عشرة أيام من أجل زيادة عشرة آلاف من أجل زيادة الشهر، فزيادة الثمن من أجل زيادة الأجل لا بأس به، وهو بيع الناس المتعارف عليه. أما من قال لا: يصح مثل من علق على سنن أبي داود، أو علق على بلوغ المرام كبعض العلماء، فهذا ليس بصحيح، وقد خالف كلام أهل السنة والجمهور، بل يزاد في الثمن من أجل زيادة الأجل، ولا يستوي أن تبيع الآن بيت بمائتي ألف وبعد سنة بمائتي ألف، لا بد أن تزيد من السعر إذا أردت من أجل زيادة الأجل. أما بيع الجاهلية فصورته: أن تبيع -مثلاً- السيارة بثلاثين ديناً لمدة شهر فتنقضي المدة، فيقول المدين: ما عندي مال! فتقول: أتركك شهراً آخر وأزيد خمسة آلاف، ثم يأتي ويقول: ما عندي شيء، فتقول: أمهلك وأزيد عليك خمسة آلاف، فهذا محرم. ويقول أهل الجاهلية: أتقضي أم تربي؟ أي: أتقضيني الآن أم أزيد عليك، فهذا هو المحرم فانتبهوا له. وللفائدة: فقد اطلعت على بنود شركة الراجحي لبيع السيارات، وما أرى -إن شاء الله- بها بأساً؛ لأنه من أول العقد يخبرك بالزيادات على قدر السنوات، فيزيدون ثمناً من أجل زيادة الأجل، فهذا لا بأس به بإذن الله على حسب ما ظهر لي.

المسح على الخفين

المسح على الخفين السؤال الحادي عشر: بيَّن المسح على الخفين أجله ووصفه ومدته وشروطه؟ A إن من لطف الله عز وجل أن جعل المسح على الخفين رخصة للمسلمين، وما خالف في ذلك إلا الرافضة، وهو شبه إجماع بين أهل العلم؛ فقد رواه سبعون من الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. أما شروط المسح على الخفين فهي: أولاً: أن تلبس الخفين على طهارة. ثانياً: أن يكون ساتراً للمحل الممسوح، ويكون إلى فوق الكعب بقليل، ولو كان فيه ثقوب يسيرة فلا بأس، قال ابن تيمية: " لا بأس بذلك؛ فإن الصحابة كانوا يلبسون اللفائف وفيها ثقوب وكانوا في فقر ومشقة ولا يجدون ما يسترها تامة ". أي: الثقوب السهلة البسيطة. ثالثاً: أن يكون داخل المدة؛ فإذا انتهت المدة، أو خلع الخف؛ فقد انتهت مدة المسح عليه. أما كيفية المسح فهو: أن تأخذ الماء بأصابعك -رشاً- فتمسح على ظاهر الخف من أول أصابع الرجل إلى أول الساق وكذلك اليسرى. وأما شرط: أن تلبسهما والقدمان طاهرتان؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: {دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين}. هناك مسألة في المسح على الخفين وهي مسألة: ما إذا كنت طاهراً ولبست خفيك وأنت تمسح عليه، ثم خلعت الخف قبل أن تنتهي المدة هل ينتقض وضوءك؟ الصحيح عند الجمهور: أنه ينتقض؛ وأنها تنتهي المدة وعليك أن تتوضأ، وخالف في ذلك الحسن البصري وابن تيمية، وقالوا: لا. لأنه ليس من نواقض الوضوء خلع الخف، والصحيح: أنه من نواقض الوضوء؛ لأن الخف بدل المغسول، فلما انتهى بدل المغسول بقي المغسول بلا غسل، فوجب عليك أن تغسل وأن تعيد الوضوء، هذا هو الصحيح إن شاء الله.

بعض صفات المنافقين في القرآن

بعض صفات المنافقين في القرآن السؤال الثاني عشر: اذكر بعض صفات المنافقين في القرآن؟ A ذكر الله المنافقين في القرآن بأوصاف كثيرة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] أي: في الأعمال فيظهرون للناس بأعمال وهم في الباطن غير صادقين، قال تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ} [النساء:142] فهم يصلون ويأتون إلى المساجد لكن يقومون كسالى، والكسل علامة للنفاق، والتخلف عن صلاة الفجر علامة للنفاق، ومن يتأخر عن الصلاة ويأتي وهو كسلان فهذه علامة النفاق. وقال تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] الرياء شعبة من النفاق، وقلة الذكر من علامة النفاق، فإنه لم يقل: يذكرون الله، فهم يذكرون الله قليلاً، المنافق يذكر الآن سيارته ووظيفته ومنصبه وأهله وأطفاله أكثر من ذكر الله. قيل لـ علي بن أبي طالب وقد قاتل الخوارج: [[أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. قيل: أمنافقون هم؟ قال: لا. المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا، وهؤلاء يذكرون الله كثيراً، لكن مبتدعة ضالة]]. يقول ابن القيم في الوابل الصيب: "لو لم يكن من فوائد الذكر إلا أن صاحب الذكر يأمن من النفاق لكفى بها فائدة ". إذا رأيت الإنسان يتمتم بالذكر ويستغفر كثيراً ويسبح، فاعلم أنه بريء -إن شاء الله- من النفاق، فهو لا يصطنع الإيمان، لا. الإيمان لا يصطنع، قد يجامل الإنسان يوماً أو يومين لكن طول الوقت لا يستطيع، لا بد أن يظهر المؤمن من المنافق، ومن أكبر علامات أهل الإيمان أنهم يذكرون الله. ومن علامة النفاق: أن المنافقين إذا خلوا إلى شياطينهم في السهرات الماجنة، استهزءوا بأهل الدين وأهل العلم والفضل، يقول تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14 - 15] هذه من علاماتهم، وهذه من أساليب العلمانية وسوف أذكرها، وهي: الاستهزاء بالمسجد، والاستهزاء بالملتزمين، والاستهزاء بالدعاة والعلماء، ووصف الدين بأنه تأخر ورجعية وتزمت، كل ذلك من علامات النفاق العملي الذي أصابه، وربما يصل إلى نفاق اعتقادي في نفوسهم. وهناك شريط بعنوان: (ثلاثون علامة للمنافقين) يغني جواباً عن هذا السؤال.

اتباع شرع الله

اتباع شرع الله السؤال الثالث عشر: يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به} المطلوب صحة هذا الحديث وشرحه؟ A هذا الحديث مختلف في صحته، والراجح أنه حسن، يقول النووي " -وهو في الأربعين النووية -: روُّيناه، وفي لفظ: رويناه " في كتاب الحجة بسند صحيح، إذاً فهو حسن وبعضهم يضعفه. وأما معناه: يقول صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم} أي: لا يكون كامل الإيمان حتى يكون هواه ورغبته تابعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى لا يرتاح إلا في سنته عليه الصلاة والسلام، وحتى لا ينبسط خاطره وينشرح صدره إلا بما يقرِّبه من سنة رسول الهدى عليه الصلاة والسلام. وتجد بعض الناس الآن يأكل بشماله بدون عذر وهو مرتاح، لكن تعال إلى مؤمن ملتزم، وقل له: كل بشمالك، ينزعج ويضطرب، ويلومه ضميره، ويؤنبه قلبه، ويردعه إيمانه فلا يستطيع، ويظن أن الدنيا قامت عليه، وأن الرأي العام لامه، لا يستطيع؛ لأن هناك إيمان، فهواه تبع لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. لكن بعض الناس لا يبالي، فيأكل باليسار، يقول: ما الفرق بين اليمين واليسار؟ وإذا قيل له: يقول: يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله} قال: لا. الأمر عادي، فالأيدي خلقها الله سواء، هذه من المكابرة، ومن علامات النفاق وعدم اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام.

جر الثوب خيلاء

جر الثوب خيلاء السؤال الرابع عشر: حديث: {لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء}؟ A هذا الحديث رواه مسلم عن أبي ذر، ومعناه: أن الله عز وجل لا ينظر إليه عقوبة له، وعدم النظر إلى هذا العبد دليل ازدراء الله ومقته له، وهو من باب العتاب والعذاب، لكن هناك حديثان هذا الحديث وحديث: {ما أسفل من الإزار فهو في النار} قال أهل العلم: الإزار سواء الثوب أو السروال أو البشت أو الكوت أو ما يدخل فيها، إذا كان تحت الكعب فهو على قسمين اثنين: أما من جره هكذا بلا كبر فهو في النار، وأما من جره كبراً ففي النار ولا ينظر الله إليه، إذاً: هنا وهنا النهي وارد، وقالوا: إنما زاد الرسول صلى الله عليه وسلم في ذاك الحديث لزيادة الوصف (خيلاء) فلما قال: (خيلاء) دل على زيادة العذاب، قال: لا ينظر الله إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأزرة المسلم إلى نصف ساقيه وإلا ففوق الكعب وهي سنة محمد وهديه عليه الصلاة والسلام.

من غير منار الأرض

من غير منار الأرض السؤال الخامس عشر: حديث: {لعن الله من غيَّر منار الأرض}؟ A هذا الحديث صحيح من حديث علي رضي الله عنه، وهو حديث طويل منه: {لعن الله من غير منار الأرض، لعن الله من ادَّعى إلى غير والديه، لعن الله من آوى محدثاً} أما معنى {من غير منار الأرض} فهو الذي ينقل الحدود ويسمى في اللغة العامية -وهي تسمية خاطئة- (الوثن) بين المزرعة والمزرعة، والأرض والأرض، ومن نقلها ظلماً وعدواناً فعليه لعنة الله عز وجل. وهذا إن دلنا على شيء فإنما يدل على تحريم الظلم ظلم الأعراض والأموال، وفي ممتلكات الناس يقول فيه عليه الصلاة والسلام: {من اقتطع مال مسلم بغير حق لقي الله، وهو عليه غضبان، قالوا: ولو كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: ولو كان قضيباً من أراك} حديث صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: {من اغتصب قيد شبر طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين من النار} وهذا الحديث راويه سعيد بن زيد بن نفيل -أحد العشرة المبشرين بالجنة- وقد وقعت عليه مصيبة، ابتلته امرأة في عهد مروان بن الحكم في المدينة قالت: هذا سرق مزرعتي -المزرعة له والبئر له والنخل له، وهو من العشرة المبشرين بالجنة ومن دعاة الإسلام والمسلمين- أتت عجوز إلى مروان تبكي قال: ما لكِ؟ قالت: أخذ مزرعتي، قال: سعيد بن زيد يأخذ مزرعتك؟! قالت: نعم. فأتى بـ سعيد وقال: أخذت مزرعتها، قال: أنا آخذ مزرعتها، قال: نعم. ثم قال لـ سعيد بن زيد: أعندك إثبات على أنها مزرعتك؟ قال: الناس يعرفون أنها مزرعتي، قال: اثبت، قال: لا أستطيع لأني أخذتها من قديم والناس يعرفونها لكن دعها تحلف هي، فحلفت أنها مزرعتها، قال: خذي المزرعة. ثم قال سعيد بن زيد: لقد سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من اغتصب قيد شبر من أرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين} اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها، واقتلها في مزرعتها. قال الذهبي بسند صحيح: فعميت في المزرعة، ثم ذهبت بطفلة لها فوقعت على رأسها في البئر فماتت. ولعذاب الآخرة أخزى لمن لم يتب، وتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا. أما والله إن الظلم شؤم وما زال المشوم هو الظلوم إلى ديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم يقول ابن كثير: دخل أحد الصالحين على سلطان من السلاطين، وهذا السلطان جبار، كان يضرب الناس على وجوههم، وهذا الفعل يفعله فرعون ذو الأوتاد، ولا يفعله مسلم، فدخل على السلطان! فاقترب فقال للرجل: اقرب مني أكلمك عن مسألة؟ فاقترب فضربه على وجهه، فقال الرجل: اللهم إني لست بقوي فانتصر، ولست بمذنب فأعتذر، اللهم إني مغلوب فانتصر، اللهم اقطع يده، قال له: اعف عني، قال: لا أعفو عنك، فما مرت عليه جمعة إلا قطعت يده وعلقت بباب الإمارة في الكوفة، وهذا أمر الله وكلٌ قد يؤخر له إلا الظالم وهذا من ظلال حديث: {لعن الله من غير منار الأرض}.

حكم صلاة الجماعة

حكم صلاة الجماعة السؤال السادس عشر: ما حكم صلاة الجماعة وما ورد فيها؟ A الصحيح عند المحدثين: أنها واجبة، ولو قال بعض الفقهاء: أنها سنة، لا. بل ما تطمئن إليه النفس أنها واجبة، ورأيت أربعة عشر دليلاً في السلسبيل للبليهي رحمه الله على زاد المستقنع على ذلك: منها: قوله: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43]. ومنها وهذا قد يكون مظنوناً: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات:35] لكن الأدلة المحققة أربعة عشر. ومنها: حديث الأعمى لما أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {إني شاسع الدار أتجد لي رخصة؟ قال: أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ قال: نعم. قال: فأجب فإني لا أجد لك رخصة} الحديث عند مسلم والأعمى قيل: ابن أم مكتوم. ومنها: حديث: {من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر} رواه عبد الحق الإشبيلي وابن ماجة وصححه الحافظ ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة، ونص على صحته الحاكم صاحب المستدرك. أما حديث: {لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد} فهو موقوف على علي، وحديث: {إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان} ضعيف في الترمذي. إذن أيها الإخوة: من علامة النفاق ترك صلاة الجماعة في المسجد، إذا رأيت الرجل لا يتعاهد المسجد كل يوم خمس مرات بدون عذر شرعي فاحكم عليه بالنفاق {أنتم شهداء الله في أرضه} ونحن نشهد أن من أتانا خمس مرات في المسجد نشهد له بالإيمان يوم القيامة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143]. وفي صحيح مسلم رضي الله عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: [[ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يُهادى به بين الرجلين حتى يقام في الصف]] فليعلم هذا.

أسئلة حول الفكر والثقافة

أسئلة حول الفكر والثقافة

كتب مشهورة في الساحة فوائدها وما يؤخذ عليها

كتب مشهورة في الساحة فوائدها وما يؤخذ عليها السؤال السابع عشر: الكلام عن بعض الكتب المشهورة في الساحة مثل: الإحياء للغزالي؟ A الإحياء يسأل عنه بعض طلبة العلم، وأنا أرى أن الإنسان لو اكتفى بكتب أهل السنة وترك هذا الكتاب كان أحسن؛ لأن هذا الكتاب فيه غبش، فيه ثلاثة أمور وقضايا كبرى انتبهوا لها: أولاً: لا تأخذ المعتقد عنه، فالمعتقد مهم، وصفاء المعتقد -والحمد لله- لا ننتقص بلداً إسلامياً، وهنا في الجزيرة أكثر صفاء في المعتقد، تجد العامي صافي المعتقد بإذن الله، والله ما نقولها عاطفة ولا تعصباً لكن مما نرى ونشاهد؛ فإنك تجد العامي على التوحيد من غير أن يقرأ كتب ابن تيمية وابن القيم ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولو أنا نعرف أن في العالم الإسلامي أهل سنة وجماعة وسلفيون ومهتدون ومقتدون لكن الصفاء والكثرة تجدها هنا، فأنا أحذركم ألا تأخذوا المعتقد من الغزالي في الإحياء، فهو أشعري مرة وصوفي مرة أخرى ومرة يوافق أهل السنة. يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمنٍ وإن لقيت معدياً فعدناني فليس له ضابط، حتى إن ابن تيمية دائماً يتكلم عنه في بعض القضايا، وابن تيمية يُسمَّى مُنظِّر أهل السنة والجماعة في المعتقد، هو عبقري إمام أهل السنة والجماعة من فترته إلى الآن. يقول أحد المستشرقين: " وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن ". عنده متفجرات فـ ابن تيمية عملاق، فقد رد على الملاحدة والفلاسفة والمناطقة والمعتزلة والأشاعرة والمعطلة والصوفية، ورد على كل فرقة، وقاتل بالسيف، وخطب ووعظ، وأفتى وزهد وألف، فرضي الله عنه وأرضاه. هو البحر من أي النواحي أتيته فدرته المعروف والجود ساحله والأمر الثاني في الإحياء: أنه حاطب ليل في الأحاديث لا يصحح ولا يضعف، يأتي بالحديث الموضوع، ويقول: قال الرسول عليه الصلاة والسلام، تقبل أو لا تقبل، ولذلك خرجه العراقي لكن بعد تخريج العراقي أحذر من إحياء علوم الدين. الأمر الثالث: معجب بـ الصوفية، فإنه يأتي بأمور وخزعبلات ويرتاح لفعل الصوفية، يقول: تأخذ رقعة واحدة فقط، حتى أنه لا يرى ألا تلبس ثوباً واحداً لا سراويل ولا فنيلة من الزهد، ولا تأكل الرطب؛ لأن بعضهم -يمدحهم- يقول: ما أكل الرطب أربعين سنة. يعني: البلح، يقول: من زهده ما أكله أربعين سنة، والرسول عليه الصلاة والسلام أكل اللحم والعسل والدجاج {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المؤمنون:51]. ذكر أبو سليمان الخطابي في كتاب العزلة قصة رجل من الصوفية، يقول: أتى فأخذ لصقة من الشطرطون، فوضعها على عينه اليسرى وغطاها، قالوا: ما لك؟ قال: إسراف وتبذير أن أنظر إلى الدنيا بعينين، والله عز وجل يقول: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] أهذا أحكم من الله؟ الله أبصر يوم جعل عينين لكن هكذا الهلوسة. يقول الذهبي: أحدهم وقد ترك الطعام ثلاثة أيام بلا فطور ولا غداء ولا عشاء، قال: زهد، حتى رأى أشباح الجوع مثل الدخان، قال: هذه الملائكة هبطت عليَّ، قال الذهبي له: والله ما هبطت عليك الملائكة لكن عقلك هاش وفاش وطاش، يعني: دندن من الجهل. فسنة محمد صلى الله عليه وسلم تتبعها، ومن يقرأ الإحياء يصاب بهذه الهلوسة، مع العلم أني أقول: إن الأستاذ والمعلم والعالم إذا كان عنده دربة وعلم؛ فبإمكانه أن يستفيد منه، ففيه فوائد جليلة في عالم التربية؛ فإن الرجل مربِّ، والغزالي عملاق، ويُسمى حجة الإسلام، وهو بحر في العلم؛ لكن تجد هذا الدر في مثل المزبلة ما يخرجها إلا غواص أو فطن. الكتاب الثاني: المحلى لـ ابن حزم، هذا كتاب فقه وهو مشهور بين أهل العلم. وابن حزم رحمه الله كانت أسرته أسرة وزارة مع ابن جهور في الأندلس، ثم ترك الوزارة يقول: والله إني كنت أكتب في شبابي على ماسة الذهب بقلم من الذهب والدواة من ذهب، ثم تركت ذلك لوجه الله حتى ما أجد اليوم عشاء ليلة، يقولون: خرج من قصره وكان عمره (26سنة) وما تعلم العلم إلا بعد ستة وعشرين سنة، دخل المسجد يصلي على جنازة لأحد الولاة، فلما دخل المسجد بعد صلاة العصر على رأي المالكية لا تصلي فقام فسنن، فقال له ابن دحنون: اجلس هذا وقت نهي، فجلس. فأتى في اليوم الثاني في وقت الضحى وفي هذا الوقت تجوز الصلاة فجلس، فقال: قم فصل، قال: أمس تجلسني واليوم تأمرني بالصلاة، قال: لأنك لا تعرف من العلم شيئاً، قال: والله لأتعلمن علماً أرد عليك وأمثالك، فذهب فهجر بيته وقصره ووزارته وتعلم حتى أصبح من المجتهدين الحذاق في الأمة، فـ ابن حزم هذا رهيب عقلية جبارة، ويسمى منجنيق الأندلس، لأنه يرمي دائماً بالمنجنيق، لكن في كتابه رحمه الله أمور منها: أنه سريع أي: إذا رد على العلماء يرد بقوة، وبشراسة، ونسأل الله أن يغفر لنا وله، يقولون: لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان، فهو يرد على بعض العلماء في مسألة جزئية في الطهارة فيقول: هذا عبد أضله الله على علم. ويأتي يرد في موطن ثان، فيقول: أعوذ بالله من الهلوسة. وفي موطن ثالث يقول: هذا كلام المجانين. والأحناف يقولون: الدم أو قدر النجاسة منه بقدر الدرهم البغلي، فيستهزئ ويقول: الدرهم البغلي هذا من بغال الكوفة أو من بغال البصرة. الأمر الثاني: أن الرجل مؤول في صفات الله عز وجل، ونحن أهل السنة نمرها كما جاءت مع الإيمان بمعناها بدون تأويل، بينما هو لا يؤول في الفرعيات في الأحكام، يقولون: سال في موضع الجمود، وجمد في موضع السيلان، والواجب عليه أنه يترك الصفات ولا يتكلم عليها، وإذا أتى إلى الأحكام تكلم فيها، لكنه على العكس! إذا أتى إلى الأحكام جمد على الظاهر، وإذا أتت نصوص الأسماء والصفات تكلم. الأمر الثالث: أنه نفى القياس ففاته ثلث الشريعة، يقول: لا نقيس، فمثلاً الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في زكاة الفطر: {صاع من تمر، صاع من بر، صاع من شعير، صاع من أقط} وفي لفظ: {صاع من زبيب} قال: فقط من هذه الأشياء، فالربا عنده فقط في الربويات التي ذكر، ولا يجري القياس أبداً في المكيلات والموزونات أو المطعومات والمدخرات. على كل حال! رحمه الله رحمة واسعة، ورأيت كاتباً في صحيفة من الصحف المحلية يستدل برأيه في الغناء ويقول: إنه جائز لأن ابن حزم أجازه، سبحان الله! يترك بعضهم ألف عالم، ويترك علماء القرون، ويذهب يبحث يبحث حتى يجد عالماً ثم يقع على خطأ فيه ويقول للناس: انظروا ابن حزم حلل الغناء والغناء خمر يسكر العقل، أترون أن الأغنية الواحدة يبقى فيها المغني سنة إلى ستة أشهر، يجري له فيها بروفات ويبقى ليلاً ونهاراً، فإذا أخرج الأغنية، قالوا: بلغ القمة ورفع رءوسنا أمام الناس، وقدم لنا خدمات، ويقولون: نحن -والحمد لله- مكتفين اكتفاءً ذاتياً من المطربين، ونستطيع أن نوزع على الناس ونصدر على شعوب العالم. الثالث: كتب العقاد أيها الإخوة: كتب العقاد كثيرة ومنتشرة ولي عليها ملاحظات: أولاً: قلة اعتنائه بالنصوص، فلا يورد آية ولا حديثاً! وكأن الرجل يكتب من مخيلته أو من كلامه. الأمر الثاني: لا يحمد بعض تفسيره وبعض مقارناته في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو يقارن بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين نابليون في عبقرية محمد، وقد أكرم الله رسولنا ورفع قدره عن نابليون. ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا الأمر الثالث: ليس عنده حرارة إيمانية تتوقد، يقول: وقال محمد، ويذكر عن محمد، ويريد الرسول عليه الصلاة والسلام، سبحان الله! تتكلم عنه بهذه البرودة، ألست من أمته؟ ألست كاتباً من كتاب دعوته؟ فما هذا البرود؟ إنه من وصمات أهل الاستشراق، ومن أثر الغزو الفكري على كثير من الكتاب. على كل حال! من أراد أن يقرأ فيها فلا بأس لكن ننبه على هذه القضايا.

صور الغزو الفكري

صور الغزو الفكري السؤال الثامن عشر: ما هي صور الغزو الفكري؟ A من صور الغزو الفكري وهو من أساليب أهل العلمنة أمور: الغزو الفكري في الإعلام، الغزو الفكري في التعليم، الغزو الفكري في مجتمعات الناس. والغزو الفكري في الإعلام: هو أن يبقى إعلاماً سائباً لا موجهاً، إن قلت: حرام كله لا تستطيع، وإن قلت: حلال كله لا تستطيع، فهو إعلام يضيع القضية ويموه على الناس، ويوجد لهم بدل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بديلاً، فالمسلسلات ساعة، والأغنية ساعة، والحوار ساعة، وهذا من الضياع وهو من أقوى أساليب الغزو الفكري الذي فتك بالأمة. والغزو في التعليم صور: منها بعدم إعطاء الكتاب والسنة وميراث النبي صلى الله عليه وسلم مكانته، فالآن المدارس تجعل حصة القرآن هي السادسة وهي حصة في الأسبوع، فيخرج الطالب من الثانوية لا يعرف القراءة، بل قصار السور لا يحفظها، بينما لو سألته عن تاريخ فرنسا أو الجغرافيا أو عن عاصمة العواصم، أو عن المنتجات، أو عن المناخ والتضاريس يحفظه كالفاتحة!! فأي علم هذا!! من هو الذي خطط هذه المناهج؟ إنه غزو فكري، إنها حمله أهل العلمنة. ومن صور الغزو الفكري: تهوين شأن الدين، حتى تجد بعض الآباء الآن لا يريد أن يدخل ابنه كلية الشريعة، يقول: أريد الطب والهندسة، أما مجالات الشريعة وأصول الدين فلا. وأنا أعرف أن هناك فضلاء في الطب وأخيار وجهابذة نفع الله بهم، لكن لا يستزرون بالشريعة على حساب الطب؛ لأننا إذا أردنا قلنا لهم وأنتم كذلك في قسم الولادة، والأمة بحاجة إلى داعية وإلى عالم أحوج من طبيب في قسم الولادة، أي: أننا نستطيع أن نستقدم كل صنف إلا اثنين: (العالم الورع التقي الصادق، والجندي المسلم) فالمهندس تستطيع أن تستقبله، خذ لك من أي مكان من أمريكا، من بريطانيا، من الأرجنتين، خذ من أي مكان؛ فالأطباء بالعشرات، كل عشرة في حبل، أما عالم الشريعة والجندي المسلم فلا يستقدم، هذه قضايا أحببت أن أنوه عليها. ومن أساليب الغزو الفكري: الهجوم على الدين تحت ستار الغيرة، فتجد بعض الناس يقول: شوهوا الدين علينا وهو يريد أن يهاجمهم في العلانية يمدح الدين، وفي الخفاء يقتل الإسلام، ووالله إني أعلم أن بعض الآباء وقف حجر عثرة في طريق ابنه لا يهتدي ولا يتوب ولا يصلي ولا يستقيم، وإني أعرف شباباً شكوا إليَّ من آبائهم، يقول أحدهم: إن أبي رفض أن أربي لحيتي وأن أقصر ثوبي، ورفض أن أتعاهد المسجد، وأن أمشي مع الطيبين، وأن أحضر المحاضرات والدروس، وهذا غزو فتاك، قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10] وهذه صور كثيرة. ومن الغزو الفكري: الإعجاب بالكافر، وتجد كثيراً من الأطفال يعرفون سير نابليون وهتلر وأمثالهم؛ لكن إذا سألتهم عن سيرة محمد عليه الصلاة والسلام أو سيرة أبي بكر أو علي أو عمر أو عثمان سكتوا؛ لأن التعليم قدم لهم الصورة هكذا أنا رأيت مادة التاريخ في بعض المدارس وقد جعلوا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعمر وعثمان وعلي في أربع عشرة صفحة تقريباً، ثم أتوا ببقية التاريخ في أربعمائة صفحة تقريباً حتى أوصلوك إلى سليمان فرنجيه في بيروت وأين ولد؟ وكيف أكل؟ وماذا أفطر؟ ومتى وقع عليه الانقلاب؟ أهذا علم؟ أهذا تاريخ؟! وما علاقتنا بـ سليمان فرنجية أهلكه الله، وهل نحن محاسبون بكل ثورة قامت وانفصلت، وبكل حكومة وانقلاب؟! ثلاث عشرة صفحة لا تصلح أن تكون ترجمة الرسول صلى الله عليه وسلم، انظر ماذا قالوا: ولد في مكة، حتى بوش يعرف أن محمداً صلى الله عليه وسلم ولد في مكة فهذا ليس بعلم، العلم هو المحصل! أما المعروف عند الناس فليس علماً وليس مقصوداً أصلاً. وقالوا: عنده أربع بنات، يعرف الناس أن عنده أربع بنات صلى الله عليه وسلم. قالوا: وهاجر من مكة إلى المدينة، وانتهت السيرة، لا. أنا أريد أن تحدثني عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما تحدث ابن القيم في زاد المعاد، أنا أريد أن تحدثني عن الرسول صلى الله عليه وسلم العابد المجاهد الصادق الوفي الخاشع الفاتح المنتصر الصابر الثابت الكريم الحليم. أنا أريد أن تحدثني عن الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يحج؟ {خذوا عني مناسككم} وكيف يصلي؟ {صلوا كما رأيتموني أصلي} أي: نعرض تاريخه صلى الله عليه وسلم في صورة العظمة فنقدمه للناس، ولذلك يتخرج الطالب من الثانوية لا يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً من الأحكام ولا عنده عاطفة إيمانية نحوه. يقول أبو الحسن الندوي: " ما دبجت يد مسلم ككتاب زاد المعاد لـ ابن القيم رحمه الله ". أيها الإخوة: إن من أسباب الغزو الفكري الذي منينا به هو تضخيم العلم المادي الأرضي المنحرف على العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا القرآن الكتاب الخالد والدستور العظيم مر بفترة من الضربات القاسية تلقاها من أهل العلمنة، يوم وضع القرآن حصة في الأسبوع وجعلت السادسة، فيقرأه التلاميذ وهم نائمون، فيتخرجون ما يجيدون قراءته. وعرفت -والله- وقد مر بي هذا أثناء الطلب أنهم كانوا يخرجوننا في وقت القرآن للتمارين الرياضية حتى ما كنا نعرف كيف نقرأ القرآن؟ حتى أتينا إلى الشيخ عبيد الله الأفغاني، وكنا نعرف (طه والطبلة) كانت لطه طبلة يضرب عليها الخ كنا نحفظها غيباً وأناشيد بالكميات، وفي الجغرافيا نعرف عواصم ست عشرة دولة، ومنتجاتها وتضاريسها، والصادرات والواردات والعلاقات، نعرفها حفظاً، ولكن ما نفعتنا، سقطت بالتراب وبقي كتاب الله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. وإنما قلت هذا؛ لأن معي أساتذة وطلبة علم، ولعل الإخوة يبلغهم هذا الكلام، فينقذوا تعليمنا في مادة القرآن والسنة مما وصل إليه، وإلا فإن الأمة سوف تمنى بضربة قاصمة لا تتصورها في معتقدها وفي جيلها وفي رسالتها الخالدة الموروثة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم.

مصطلحات يجب معرفتها

مصطلحات يجب معرفتها السؤال التاسع عشر: ما معنى المصطلحات التالية: (الحلول، الاتحاد، العلمانية، القومية)؟ A أيها الفضلاء معرفة الشر مطلوب للمسلم؛ لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]. عرفتِ الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه وقال عمر رضي الله عنه: [[إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة من أناس نشئوا في الإسلام لا يعرفون الجاهلية، ومن لا يعرف الجاهلية لا يعرف الإسلام]]. أيها الإخوة: الحلول مذهب ضال إلحادي زنديق، حمله كثير من الناس وعلى رأسهم ابن عربي صاحب كتاب فصوص الحكم، وكتاب الفتوحات المكية، وأمره إلى الله، أما كتابه الفتوحات فقال الذهبي: "إن لم يكن فيه كفر فما في الدنيا كفر". والحلول -تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا- يقولون: إن الله حل في بعض الناس، فيأتي بعض غلاة الصوفية المنحرفة فيقول أحدهم: حل الله في كل شيء -تعالى الله- بل الله عزوجل مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، ليس في ذاته من خلقه شيء ولا في خلقه من ذاته شيء: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة:7] قال الإمام أحمد: أي: بعلمه. وقال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] ومن اعتقد ذلك فقد ضل سواء السبيل؛ بل كفر بالله العظيم، وحده السيف يقتل كما أفتى علماء الإسلام بذلك. الاتحاد مذهب ضال ملعون إلحادي، يقولون: إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى اتحد في مخلوقاته، وهي دعوة ينادي بها الآن بعض الصوفية في السودان والهند، ولهم منشورات، ورأيت بعض الصحف تشيد بهذا -عليهم غضب الله وتعالى الله عما يقولون علواً كبيرا- بل الله بائن من خلقة، مستوٍ على عرشه، لا يغيب عنه شيء: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. وأما العلمانية: فمذهب نشأ عام (1902م) نشأ في فرنسا وهو انفصال بين الكنيسة وبين العلم التجريبي وسببه: أن الكنيسة حظرت على الناس أن يكتشفوا أو يخترعوا ويبدعوا، فظنوا أن كل دين سوف يعادي الاختراع حتى الإسلام، فنادوا بفصل الدنيا عن الدين، ويسمون: اللادينيون، وأدخل في العالم العربي من قديم، وأول من أدخله في العالم العربي هو: مصطفى أتاتورك -عليه لعنة الله- ويسمونه محرر تركيا!! بل هو معذب تركيا، وهو الذي أدخل الشر والبلاء، وسقطت الخلافة على يديه، وهو أول من أتى بـ العلمانية في العالم العربي تزعمها ونادى بها: أبو رقيبة في تونس -عليه غضب الله- ونادى الناس في التلفاز مباشرة ألا يتقيدوا بتعاليم الدين وأن يشربوا في رمضان. والعلمانية تقوم على أمور: منها: أن الدين سبب تأخر الشعوب؛ فيسمونه رجعية وتخلفاً. ومنها: أن الدين أمر خاص، ولذلك لا يريد العلمانيون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنهم يرونه تدخلاً في حريات الآخرين، وجرحاً لمشاعر الآخرين، ويرون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخالف لحقوق الإنسان، فيحاربون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقولون: الدين لك شخصياً، أنت لك أن تصلي وتصوم، وأما أن تتدخل في الدنيا والقوانين، وفي التعليم والإعلام، وفي الرأي العام، وفي ثقافة الناس فلا يجوز لك ذلك، وهذه هي محاربة الله عز وجل نهاراً جهاراً بل الدين يدخل في كل شيء، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. أيها الإخوة: ومن أساليب العلمانية: أن أهل العلمنة قد يصلون بعض الصلوات؛ فيصلون العيد والاستسقاء، وقد يمدح الإسلام في خطبة عامة؛ لكن لا يعتقد نفع الإسلام ولا يعتقد أثره، ولا يحترم أهله، ولا يرى له مكانة في الأرض، ويرى أن الإسلام ليس وفياً، ولا يستطيع أن يقوم بحقوق الناس ولو ادعى بلسانه، ولذلك تجد بعض العلمانيين يصلون العيد والاستسقاء، وقد يصلي الجمعة لكن لا ينفعه ذلك عند الله، وفي قلبه زيغ ومرض وكفر دخيل والعياذ بالله. وسميت علمانية قيل: لأحد سببين: أنها تدعو إلى العلم ليكون إلهاً، فهي تنادي أن العلم كل شيء، والعلم إذا انفصل عن الإيمان كفر، فهناك إله يعبد من دون الله اسمه: (العلم) طاغوت صنم وهي العلمانية، يجعلون العلم معبوداً، والعلم يوم ينحرف عن الإيمان سوف يكون زندقة وزيغاً، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في المقارنة بين العلم والإيمان: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ} [القصص:80]. قبل أن تجتاح الكويت كان هناك جريدة في الكويت -جريدة مؤسفة ومخزية- اسمها: الهدف، نشرت في أول صفحة لها تقول في الاستفتاحية: امرأة من فنزويلا تلد كلباً، أتدري كيف جاء؟ لقحت هذه المرأة بمني كلب، العلم يوم انحرف عن الإيمان وقع في هذه النتيجة وإلا فالإيمان يقول: حرام مني الكلب أن تلقح به المرأة عند أهل العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم، فعندما لم يرتبط العلم بالإيمان يبلغ إلى هذه النتيجة وإلى بحوث أخرى كلها تخالف العقل والنقل. وقيل: العلمانية اللادينية -أي: لا دين- وينادون بمسخ الدين من الشعوب، وترك الشعوب بلا دين. هذا ياسر عرفات يقول: " إذا قامت دولة لـ فلسطين فسوف أجعلها علمانية " فعسى الله أن يقيم دولة الإسلام ولا يرينا وجه ذاك المجرم. بل لا يفتح فلسطين إلا موحدون صادقون مؤمنون، ولن تعود فلسطين أبداً على هؤلاء ولو حملوا ألف راية، وقد جربناهم أربعين سنة وهم لا يجيدوا إلا المعاريض والشجب والتنديد والاستنكار أما القتال فلا يجيدونه، ما يجيده إلا مثل صلاح الدين الذي يحمل بطاقة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وهوية لا إله إلا الله. رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ أما هؤلاء فلا. يقول المجاهدون الأفغان: إذا انتهينا -إن شاء الله- من فتح كابل نأتي إلى فلسطين، وهم: أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا وهذا معروف، روسيا أقوى من إسرائيل، والمجاهدون الأفغان أقوى من العرب؛ لأنهم يحملون لا إله إلا الله، في مساجد كابل لما فوجئوا بالهجوم الشيوعي ماذا فعلوا؟ أخذوا السلاح وخرجوا وقالوا: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا قرأت مقالة في صحيفة هناك: أن ياسر عرفات عرض لـ سياف التدخل لمصالحة بينه وبين روسيا، فكتب له سياف، وقال: أما أنت فلك خبرة في بيع الأراضي، أما في استرداد الأراضي فليس لك خبرة فنرجو ألا تتدخل. وأما القومية: مذهب أرضي ونزعة كافرة إذا انفصلت عن الدين، وهي تدعو إلى أن يكون لكل قوم شعار متحد كالعروبة، الأكراد وحدهم، والأفغان، والأتراك، شعوب الأرض يكون لها اتحاداً في ما بينها واشتراك، وأول من دعا إليها ميشيل عفلق والبيطار في سوريا ونشأ عليها حزب البعث؛ فهو قومي واشتراكي بعثي، فأركان الكفر عندهم أربعة: اشتراكي في الاقتصاد، وبعثي النزعة الفكرية، وقومي ينص على القومية، وقومية العرب ليس إلا، ولذلك فهؤلاء القوميون لا يرون صلاح الدين لأنه كردي، ولا محمد إقبال لأنه هندي، ولا صهيب لأنه رومي، ولا سلمان لأنه فارسي، والله يقول: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] إذا ترك الرسالة هؤلاء العرب أعطيناها الأكراد، فإذا تركها الأكراد أعطيناها الأتراك، وهذا التاريخ يشهد بذلك.

الصوارف عن الهداية

الصوارف عن الهداية السؤال العشرون: ما هي الصوارف عن الهداية؟ A الصوارف عن الهداية أربعة: أولها: الكبر. الثاني: الغفلة. الثالث: الخبث في النفس. الرابع: التسويف. أما الكبر: فهو أعظم صارف عن الهداية، قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف:146] فالمتكبر لا ينقاد للحق ولا يهديه الله سواء السبيل بسبب كبره، وأعظم صارف لليهود عن الدخول في الإسلام هو: الكبر والحسد، وإلا فيعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89] ونعلم من بعض الناس الذين أثرت فيهم النزعة العلمانية، وتعاليم وأساليب العلمانية أنه ما يمنعه من سلوك الهداية وطلب العلم والاستفادة إلا الكبر، وإلا فهو يعلم أنه مخطئ ومذنب، فعسى الله أن يجازيه بفعله. والثاني: الغفلة، قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] فالغفلة حجاب وهي الغفلة عن ذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والغفلة عن الآخرة؛ والغفلة عن تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ والغفلة عن منهج الله. تجد بعض الناس -أعوذ الله ممن ركب الضلالة- بارع في علوم الدنيا، ومعطياتها، ومتحدث لبق؛ لكنه لا يعرف من الإيمان ولا من الدين شيئاً، فقيه في كل شيء إلا في الإسلام، عالم في كل شيء إلا في لا إله إلا الله وما يتعلق بلا إله إلا الله، يستطيع أن يتكلم ثلاث ساعات لكن في العمار والدور والقصور والأمطار والأشعار والأشجار والخضروات والفواكه؛ لكن إذا أتيت به في أبسط أمور العبادة لا يعرف شيئاً، وهذا دليل على الخسران والخذلان، يقول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {من يرد الله به خيراً يفقه في الدين}. الثالث: الخبث في النفس: أي: أن بعض الناس مهما سمع ودعي لا يستجيب لخبث نفسه، قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23] {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5]. الأمر الرابع: التسويف: فإن كثيراً من الناس لم يستجيبوا بسبب التسويف، ولذلك لامهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقال: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3] قال بعض المفسرين: استخدم (سوف) بالعتاب واللوم عليهم؛ لأنهم كانوا يعتذرون بسوف كل يوم، وكثير من الناس المعرضين كلما خاطبته بالتوبة وبالصلاة وبالعودة إلى الله قال: سوف أتوب، وهذه هي من علامات الحرمان ومن بذر بذرة (سوف) أخرجت له شجرة (لعل) وأثمرت له ثمراً يسمى (ليت) طعمه الحسرة والندامة. أيها الفضلاء: انتهت محاضرة (سؤال وجواب) وعسى الله أن يجمعنا بكم في دار الكرامة.

الأسئلة

الأسئلة

من صلى بغير وضوء ناسيا

من صلى بغير وضوء ناسياً السؤال يقول: رجل صلى في المسجد ثم خرج وتذكر أنه على غير طهارة هل صلاته صحيحة أم يعيدها؟ A بل يعيد الصلاة وجوباً وصلاته تلك باطلة، وما دام علم أنه صلى بلا طهارة وجب عليه أن يعيد صلاته؛ لقوله عليه الصلاة والسلام عند البخاري من حديث أبي هريرة: {لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ}.

كتب تميز الحق من الباطل

كتب تميز الحق من الباطل Q نريد أن تعرفنا على كتب في الساحة تعرفنا العدو من الصديق، وبعض الدواوين لشعراء الإسلام؟ A من الكتب التي تعرفك العدو من الصديق، أولها: كتاب الله عز وجل، الفرقان، والنور، والهداية، والروح، والحياة، والرسالة الخالدة، هذا الكتاب العظيم الذي من استكفى بغيره فلا كفاه الله، ومن استشفى بغيره فلا شفاه الله، ومن اتبع سواه أضله الله، ومن طلب الهداية في غيره أعمى الله بصيرته وخذله ولعنه، فعليك بكتاب الله. أما ما يتعلق بأمور الحوادث والأفكار المستجدة: فإني أرشدك إلى كتاب طيب لعالم وداعية غفر الله ذنبه لـ سيد قطب في ظلال القرآن، فإني أطلب منك أن تقرأ كثيراً في هذا الكتاب، لأن هذا الرجل قرأ ثقافة الشرق والغرب، فقد بقي أربعين سنة يقرأ حتى عرف ماذا كتب الغرب. يحدثنا أحد الأساتذة يقول: أرسل رجل انجليزي يحضر الدكتوراه في التفسير -مستشرق في التفاسير الإسلامية- واشترطت عليه اللجنة في لندن أن يقرأ كل التفاسير إلا تفسير في ظلال القرآن لـ سيد قطب، وأحب شيء إلى الإنسان ما منع الناس، فهم مجبولون على حب الممنوع. يقول علي بن أبي طالب: [[لو منع الناس من فت البعر لفتوه]] يعني: جبلة فينا، فذاك أخذ في ذهنه! لماذا منعوني من الظلال لـ سيد قطب؟ لا بد أن ذلك لشيء، ولما وصل إلى القاهرة بحث عن الظلال، وأخذ يقرأ فيه حتى وصل إلى سورة الأنفال، ثم أعلن إسلامه، هو سيد قطب إذا أتى إلى {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:1] لا يقول: (عن وما) هذا علم النحو لا بد منه وكفى فيه السلف، لكن يتكلم عن تجربة، وعن حياة، رجل ذهب إلى موسكو وذهب إلى دنفر وعرف الحضارة وشمها وأكلها وشربها وعاشها، فهو يتكلم لك بحرارة الإيمان، ويكتب من دمه، فيرد على مفكري الغرب، ويتكلم عن قضية الإيمان ودوره في الحياة، ويدخل معك حتى في جزئيات العلوم التي مهروا فيها، أتى في آية {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] فذكر كلام كريسي موريسون في النحلة من يهديها، أعندها أريال؟ يقول الأمريكي: لماذا تذهب النحلة مسافة ألف كيلو ثم تعود إلى الخلية، من يخبرها؟ قال سيد قطب: ليس عندها أريال ولكن عندها {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68] رجل ينطلق من القرآن، وأنا أعرف له قضايا. وميزة الظلال ثلاث أمور: أولاً: الأسلوب الجميل البديع، يقول في سورة محمد عند قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:1] قال: هذا هجوم أدبي على المشركين، يقول في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:18] قال: أفلا ينظر أهل الصحراء إلى السماء؟ والسماء في الصحراء لها طعم ومذاق، فكأنه لا سماء إلا في الصحراء. الميزة الثانية: أنه رجل كما قلت عرف الواقع. الثالثة: أنه رجل يحمل روحه بين يديه أمام الطغاة، يقولون له: اكتب رسالة اعتذار لـ جمال عبد الناصر ليعفو عنك؟ قال: " إن إصبعي التي شهدت لله بالوحدانية كل يوم خمس مرات تأبى أن تكتب لطاغية، إن كنت أقتل بباطل، فأنا أكبر من أن أستخذل الباطل، وإن كنت أقتل بحق؛ فأنا أصغر من أن أعترض على الحق ". وقتل وهو يتبسم. يا شهيداً رفع الله به جبة الحق على طول المدى سوف تبقى في الحنايا علماً قائداً للجيل رمزاً للفدا ما بكينا أنت قد علمتنا بسمة المؤمن في وجه الردى لكن أقول لك يا من يقرأ الظلال! لا تظن أنك أمام كتاب عقيدة، العقيدة تجدها في الطحاوية وكتب ابن تيمية؛ لأن الرجل لا يريد أن يعطيك عقيدة يريد أن يحدثك بأشياء وخواطر وظلال وأسرار الله أعلم بها، وكذلك لا يحدثك عن الأحكام، اذهب إلى ابن كثير والقرطبي. الأمر الثالث: ربما توقف في بعض المسائل على عقيدة الأشاعرة ونحن نقول: غفر الله له {وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث} دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس جمعنا الله به في دار الكرامة، وتغمدنا وإياكم بالرضوان، وشكر الله لكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أربعة أمور مهمة

أربعة أمور مهمة تحدث الشيخ في هذه المحاضرة عن أربعة أمور: أولها: القرآن الكريم وحالنا معه، وواجبنا نحوه. ثانيها: الرسول صلى الله عليه وسلم وواجبنا تجاهه. ثالثها: الوقت واستغلاله وعدم تضييعه فيما لا ينفع. رابعها: المعاصي وخطرها، وأثرها على المجتمع، والتخلص منها بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى.

علاقتنا بكتاب الله

علاقتنا بكتاب الله اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول. لك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد صلى الله عليه وسلم. عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت. والصلاة والسلام على من أرسلته معلماً للبشرية، وهادياً للإنسانية، ومزعزعاً لكيان الوثنية. أدَّى الرسالة، وبلَّغ الأمانة، ونصح الأمة، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، سلام عليكم يوم تواضعتم واجتمعتم منصتين لتسمعون ماذا يُقال، وسلام عليكم يوم حييتم من أتاكم زائراً ومحباً. وإن كان هناك من شكر فإني أتوجه بالشكر إلى الله العلي العظيم، الذي وفقنا لأن نجتمع بهذه الوجوه المباركة الخيرة النيرة، ثم أشكر أستاذ ومدير هذه المدارس الأستاذ الكريم: محمد الزيداني، وهيئة التدريس، وأشكركم أيها الإخوة الأخيار. واعلموا -بارك الله فيكم- أن موضوعنا ليس بجديد، إنه قديم في الأخوة وقديم في العراقة في النصوص، لكنه جديد في الإلقاء، وتدور هذه الكلمة على أربعة عناصر لا خامس لها، هي مفاد كلمة هذا اليوم إليكم أيها الأخيار: العنصر الأول: علاقتنا بكتاب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. العنصر الثاني: المعاصي التي دمرت علينا مستقبلنا، وضيعت أعمارنا، وذكاءنا، وأفكارنا، وإنتاجنا، وجعلت منا تلك الثلة التي انحرفت عن منهج الله تعالى. العنصر الثالث: الوقت وحياتنا وأعمارنا في ماذا نصرفها. العنصر الرابع: موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم.

حالنا قبل الإسلام

حالنا قبل الإسلام اعلموا -بارك الله فيكم- أننا كنا قبل القرآن، وقبل محمد صلى الله عليه وسلم، أمة أعرابية بدوية، لا تعرف شيئاً، كانت تتقاتل على موارد الماء، وكانت تتنازع، كان الزنا والفحش والعهر متفشياً، حتى إن الأمم غير أمة الإسلام -كما تعرفون في التاريخ- ما كانت تعرف الإسلام، وما كانت تعرف الأمة العربية، ولو قال أهل القومية: إن تاريخنا بدأ من فجر البشرية، فما صدقوا في ذلك؛ بل كذبوا، لأن تاريخنا ما بدأ إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك أثبت التاريخ أن الأمم لم تكن تعترف بنا. دخل ربعي بن عامر على رستم قائد فارس في معركة القادسية، فلما دخل ربعي -وهو مجاهد من المجاهدين- بثياب ممزقة، وبفرس هزيل، وبرمح مثلَّم، ضحك رستم، لأن ربعياً أرسله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قائد المسلمين، أرسله يفاوض رستم، وقبل المعركة، قال رستم: لماذا جئتم؟ أجئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس الهزيل، وهذا الرمح المثلم؟ قال ربعي: [[إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]]. قال رستم: والله لا تخرج حتى تأخذ تراباً على رأسك من تراب بساطي. فحمل التراب على رأسه، ولما خرج من عنده، قال المنجمون: هذه علامة أنه سوف يسلب ملكك وملك آبائك وأجدادك. فخرج رستم ينظر إلى المسلمين وهم يصلون صلاة الظهر، فوجدهم يركعون بعد سعد رضي الله عنه ويرفعون بعده، إذا قال: الله أكبر، كبروا بعده، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، قالوا: ربنا لك الحمد. فعض رستم الكلب أنامله وقال: علَّم محمد الكلاب الأدب. كانوا يتصورون أن العرب قبل الإسلام كالكلاب، لم تكن لهم حضارة ولا معرفة ولا أدب، حتى يقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] فأتى صلى الله عليه وسلم بالقرآن.

واجبنا تجاه القرآن

واجبنا تجاه القرآن ومطالب القرآن التي تتجه إلينا ثلاثة مطالب: الأول: أن نعده أعظم ثقافة عرفتها البشرية، وأن نقرأه آناء الليل وأطراف النهار. الثاني: أن نحفظ ما تيسر منه. الثالث: أن نجعله تعاليم سلوكية أدبية اجتماعية، نعمل بها ونلقى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بها. يقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} ويقول: {اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان كغيايتين أو غمامتين أو كفرقان من طير صواف} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وكان صلى الله عليه وسلم يجلس مع تلاميذه الأخيار، الذين تأثروا بالقرآن، فيقول: {أريد أن أسمعه من غيري} يقول هذا لـ ابن مسعود، وكلكم يعرف ابن مسعود، ولستم أنتم فحسب في أبها يعرف ابن مسعود، بل يعرفه أهل الجزيرة العربية، ويعرفه أهل الدول العربية، وأهل الشرق الأوسط، ومسلمو اليابان والصين وأمريكا، كلهم يعرفون ابن مسعود؛ لأن ابن مسعود اتجه بهذا القرآن ورفع الله قدره بالقرآن، كانت قامة ابن مسعود على قدر جلوس الرجل، أي أنه يوازيك وأنت جالس برأسه، من نحافته ومن هزاله وضعفه، لكن القرآن لما دخل قلبه جعله أمة من الأمم، حتى إن الصحابة عندما صعد شجرة رضي الله عنه، ضحكوا من دقة ساقيه، كاد أن يسقط على غصن من أغصان الشجرة كأنه طائر، فقال صلى الله عليه وسلم: {أتضحكون من دقة ساقيه، والله إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد} يقول صلى الله عليه وسلم لـ ابن مسعود: {اقرأ علي القرآن. فيقول ابن مسعود: يا رسول الله! أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟! -يستحي أن يقرأ على معلم البشرية، وهادي الإنسانية، يستحي أن يقرأ القرآن على من رفع رءوسنا بعد أن كانت في التراب، وأنار قلوبنا بعد أن كانت مطموسة، وفتح عيوننا بعد أن كانت مغلقة- فقال صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن أسمعه من غيري، فاندفع ابن مسعود يقرأ، قال: فلما بلغت قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال: حسبك الآن، فنظرت فإذا عيناه تذرفان}. تأثر أيما تأثر بهذا القرآن، ولذلك ليس لنا ثقافة نقدمها، ولا تاريخ نقدمه، ولا معرفة ولا تربية، ولا علم نفس نقدمه على القرآن. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من ظن أنه سيهتدي بهدىً غير هدى القرآن، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". ويقول: "كل أرض لم تشرق عليها شمس القرآن فهي أرض ملعونة، وكل قلب لم يشرق عليه هدى هذا القرآن، فهو قلب مغضوب مسخوط عليه". فأنت أيها الأخ الكريم! إذا غربت عليك شمس يوم لم تقرأ فيه آيات أو لم تعش فيه مع المصحف، أو لم تتدبر فيه آيات، اعتبر ذلك اليوم منسياً من عمرك، وأنك خسران مغبون في هذا اليوم، لأن ثقافتنا نأخذها من القرآن. يقول سيد قطب، صاحب ظلال القرآن، هذا الكتاب الذي أرشدكم لاقتنائه وشرائه، الذي يعلمك حياة الواقع وكيفية ردها إلى القرآن الكريم، صاحب هذا الظلال عاش أربعين سنة في الضلال، أي: في الضياع كما يضيع الكثير منا الآن، يضيعون ويتيهون بلا رسالة، في الشوارع، في الذهاب والإياب، في المقاهي، مع جلساء السوء، لا يعلمون أنهم من خير أمة أخرجت للناس، لا يعلمون أن أجدادهم فتحوا الدنيا، وأنهم عمروا التاريخ، وأنهم بنوا منابر الحق، سلوا كل سماء عنا، وسلوا كل أرض في الأرض عنا، ما أوجد العدل في الدنيا إلا أجدادنا، فهذا الشاب الذي يضيع كأنه يتناسى ويكذب ما فعل أجداده. سيد قطب يقول: "عشت أربعين سنة في الضياع، فلما عدت للقرآن؛ تهولت من القرآن أن يخاطبني من فوق سبع سماوات، من أنا؟ العبد الضعيف المسكين، قال: وكنت أقرأ أن الصحابة يتأثرون ويبكون من القرآن، فما شعرت بذلك حتى سافرت مرة من المرات، يقول: سافر في سفينة من مصر إلى أوروبا، قال: وكان معي شباب من العرب يريدون أوروبا، فركب معنا جاريات، منهن جارية يوغسلافية، فرت من يوغسلافيا، قال: فلما أتت صلاة الجمعة، قمت فصليت بزملائي، وقرأت بعد الفاتحة: (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) فلما انصرفت من الصلاة، التفت فإذا هذه المرأة اليوغسلافية التي لا تعرف اللغة العربية تبكي، فقلت للترجمان حولي: ما لها تبكي؟ فقال: إنها تبكي لأنها سمعت إيقاعاً منك خاصاً، أثر في قلبها -إيقاعاً من القرآن- فهي تسألك كلام من هذا؟ قلت: أخبرها أنه كلام رب السماوات والأرض، فلما أخبرها قال: زاد بكاؤها بكاءً ونحيبها نحيباً". ثم يورد سيد قطب، قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، يقول: كان من هديه صلى الله عليه وسلم وهذا ثابت في الحديث الصحيح، كان يدور على أصحابه من آخر الليل، صلى الله عليه وسلم؛ ليسمع من يقرأ القرآن، فاستمع مرة من المرات إلى عجوز تقرأ وراء الباب، فوضع صلى الله عليه وسلم رأسه على الباب، فسمع العجوز تقرأ وتبكي وتقول: {هل أتاك حديث الغاشية، هل أتاك حديث الغاشية، وترددها فأخذ يبكي ويردد معها ويقول: نعم أتاني، نعم أتاني} لأنه يعرف عليه الصلاة والسلام فيم أنزل هذا القرآن، ومن أنزله. فالذي أدعو نفسي وإياكم يا شباب الإسلام! يا أيها الأخيار! يا أيها الأحبة! لأنكم أنتم أمل الأمة؛ أن تجعلوا وقتاً من أيامكم لهذا الكتاب الكريم، واعتبر يومك إذا لم تقرأ فيه القرآن؛ أنه يوم ضائع مغضوب عليه. يقول الحسن البصري رحمه الله: [[كل يوم تشرق فيه الشمس يقول لابن آدم: اغتنمني يا بن آدم، فوالله لا أعود إليك أبد الدهر]].

الفساد وأسبابه

الفساد وأسبابه ولذلك نعجب كيف ساءت أخلاقنا، وكيف فسدت بيوتنا، وكيف فسد شبابنا، لماذا؟ لأننا أخذنا تعاليمنا من غير القرآن، أخذناها من المجلة الخليعة، من الأغنية الماجنة، من جلساء السوء، حتى إن أحدهم يعرف المغنين والمغنيات، والفاجرين والفاجرات، الأحياء منهم والأموات، ولا يعرف حياة صحابة محمد صلى الله عليه وسلم، الذين فتحوا الدنيا، وعمروا المعمورة، ونوروا عقول البشرية، وحتى إن أحدنا لا يتحاشى أن يحفظ الأغنية، بحروفها وبلحنها وبطولها وعرضها وقصائدها، ومن لحنها ومن أنتجها، ولا يحفظ سورة من كتاب الله عز وجل. أي خيبة وصلنا إليها بعد تلك الخيبة، وأي حسرة وصلنا إليها بعد تلك الحسرة، بعد حياة كنا فيها أرقى الأمم، حتى إن الصحابي كان يقف عند الرسول صلى الله عليه وسلم، الشاب مثلكم أنتم، كان يأتي في معركة أحد فيقول: يا رسول الله! إنني ذاهب إلى الجنة، والله لا أعود، جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. يأتي عبد الله بن عمرو الأنصاري، فيستشهد ويقطع بالسيف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، فيأتي ابنه يبكي، فيعزيه النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الله كلم أباك كفاحاً -أي: بلا ترجمان- فقال له: تمن يا عبدي! قال: أتمنى أن أعاد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية. قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمنَّ. قال: أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك. قال: فإني أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً، فجعل الله روحه في حواصل طير ترد ماء الجنة فتشرب منه، وتأكل من شجر الجنة، وتأوي إلى قناديل معلقة في السماء}. ويأتي شاب آخر، ويقول: يا رسول الله! والله إني لأجد ريح الجنة من دون أحد. فيقتل ويضرب بالسيف ثمانين ضربة، حتى إنه لم تعرفه إلا أخته ببنانه. ويأتي شاب ثالث، ابن الزبير فيدخل على الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: {والرسول صلى الله عليه وسلم يحتجم، ويخرج دم الحجامة -الحجامة: إخراج الدم الفاسد من الرجل أو من المرأة- فأخرج منه صلى الله عليه وسلم، ووضع في طست، فقال: يا بن الزبير! اذهب بهذا الدم فضعه في مكان لا يراه أحد -فيذهب ابن الزبير، وعمره عشر سنوات- فلما اختفى في سكة من سكك المدينة؛ شرب دم الرسول صلى الله عليه وسلم ويعود، فيقول صلى الله عليه وسلم: أين وضعت الدم؟ قال: وضعته في مكان لا يراه أحد، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: ويل لك من الناس وويل للناس منك لا تمسك النار} هل عرف التاريخ شباباً مثل هذا الشباب؟ هل عرفوا إقداماً مثل هذا الإقدام؟ إنهم شباب محمد صلى الله عليه وسلم الذين رباهم بالقرآن. أما نحن فكثير منا تربى -إلا من رحم الله- على الأغنية الماجنة، وعلى المجلة الخليعة، وعلى جلساء السوء، فأخرجت هذا الإنتاج العجيب، المعاصي والسجون المليئة، والمخدرات، والانحراف عن منهج الله، والشرود عن آيات الله، التي نراها في مجتمعاتنا، ونسمع قضاة يتحدثون عنها صباح مساء، التي يندى لها جبين المسلم، وفي الأخير نقول: ما لنا ما فعلنا مثل الصحابة، وما لنا ننحرف، وما لنا ليس عندنا استقامة ولا عندنا منهج قويم؟! السبب أننا لم نعش مع القرآن ولم نتأثر به.

الانتهاء عن المعاصي

الانتهاء عن المعاصي سائل نفسك، واعرف أنه لا يدمر مستقبلك وينهي عمرك ووقتك إلا المعصية، إذا عصيت الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى فقد اقترفت في حقك وفي حق أمتك وأسرتك أكبر جريمة في تاريخ الإنسان، ولذلك ينادي الله عباده، وينادي كل الأمة شباباً وشيوباً وكباراً وصغاراً وذكراناً وإناثاً أن يتوبوا إلى الله، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] ويقول سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. يقول عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح: {أن رجلاً من بني إسرائيل لما حضرته الوفاة قال لأبنائه: إذا أنا مت فاجمعوا حطباً، ثم أشعلوه بالنار، ثم أحرقوني فيه، فإذا أصبحت فحماً فاسحقوني وذروني علَّ الريح أن تذهب بي؛ لئلا يجدني الله عز وجل -سبحان الله! أليس الله قادر على أن يجمعه كما جمعه أول مرة، أليس الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يستطيع أن يقول للشيء: كن فيكون- فلما توفي هذا الرجل أحرق بالنار، فلما أصبح حمماً سحق وذري في يوم ذي ريح، فلما ذري ذهبت به الريح يمنة ويسرة، فجمعه الذي بدأه أول مره، فلما أصبح أمامه رجلاً، قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: يا عبدي! ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب! خشيتك وخفت ذنوبي. قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة} قال ابن تيمية: لما شك في القدرة، غفر الله له بسبب أنه خاف من لقاء الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى".

مراقبة الله تعالى

مراقبة الله تعالى يقول أحد شعراء الإسلام: وإذا دعيت لريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني إذا أتيت لريبة في ظلمة، أي أنك وحدك لا يراك إلا الله وما معك إلا الله، ولا يشاهد حركاتك وسكناتك إلا الله، تظن أنك خلوت، وأنك انفردت، وأنك أصبحت في مكان فريداً، ووالله ما انفردت، بل معك رقيب وعتيد، ومعك الذي لا ينام، ومعك الذي لا يغفل، ومعك الذي لا ينسى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فاعلم أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين. ولذلك ورد في بعض الآثار: أن رجلاً اختفى في غابة وهمَّ بمعصية، فقال: لا يراني أحد، أنا في غابة وحدي، وقد تسنت لي المعصية، فسمع هاتفاً يهتف: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] ولذلك يقول ابن مسعود: [[الله الله في السرائر، الله الله إذا خلوت]] يقول الإمام أحمد وقد أغلق عليه البيت -وهو الإمام أحمد الزاهد الكبير، والعالم النحرير- فقال تلاميذه: فوالله إنا نسمعه يبكي من وراء البيت، وهو يقول: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب وصاحب هذا البيت أبو نواس، الذي تسمعون عنه والذي عندما توفي رئي في المنام، كما في البداية والنهاية قالوا: ما فعل الله بك يا أبا نواس؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة. قالوا: بماذا؟ قال: وصفت الزهرة. -قصيدة اسمها: القصيدة النرجسية، في ديوانه- ورددت أمرها إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقلت: إنه هو الذي أبدعها وزينها، وحلاها وجملها، فغفر الله له بذلك السبب؛ ولذلك بعض الأسباب السهلة في حياتك تستطيع أن تدخل بها الجنة. رجل من بني إسرائيل، رأى غصن شوك من شجرة في طريق الناس، فرفعه عنهم، فأدخله الله بذلك الجنة. ويقول ابن كثير في البداية والنهاية: رئي جرير بن عطية الشاعر المشهور في المنام بعد أن توفي، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة. قالوا: بماذا؟ قال: أذنت وحدي في البادية حيث لا يراني إلا الله. أذن في البادية للصلاة الأذان الذي فتحنا به الدنيا، الأذان الذي أرسلناه نغماً في آذان البشرية، الأذان الذي تهاوت به أصنام الوثنية، وأصبح شبابنا الآن يخجلون إذا ذهبوا في رحلة من الرحلات وفي سفر من الأسفار أن يؤذنوا، يقول أحدهم: أنا لو أذنت أصبحت مطوعاً وأنا لست مطوعاً، وبمفهوم المخالفة أنه عاصٍ، يقول محمد إقبال شاعر الباكستان: بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا شباب الصحابة كادوا يقتتلون في معركة القادسية على الأذان؛ لأن مؤذنهم، عبد الله بن أم مكتوم قتل في المعركة وهو أعمى، وقد عذر الله الأعمى أن يحضر المعركة، فقال: والله لا بد أن أحضر المعركة، فلما حضر المعركة قتل في سبيل الله، فكاد شباب الصحابة أن يقتتلوا على الأذان؛ لكننا الآن أصبحنا نخجل أن نتقدم وأن نؤم الناس، وأن نصلي بهم على المنابر، وأن نؤذن بالناس، ونقول: نحن لسنا مطاوعة، نحن شباب متطور أو متهور، فألغينا هذه الوظائف التي رفعت رءوسنا بين الأمم. الشاهد هو: أن المعصية دمار لمستقبل الإنسان، وأنها إنهاء وعقاب وغضب من الله. خرج موسى عليه السلام الأمين القوي، صاحب أكبر صراع في تاريخ الإنسان مع فرعون، خرج يستسقي لبني إسرائيل، فلما استسقى لهم قال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا. أوحى الله إليه: يا موسى! عد ببني إسرائيل، فبعزتي وجلالي لئن لم تعد بهم لأرمينهم بالحجارة على رءوسهم، أكلوا الربا، وفشا فيهم الزنا، وتواصوا بالفحش والعهر، فبكى موسى عليه السلام، وقال: يا بني إسرائيل! عودوا لا يلقين الله عليكم الحجارة على رءوسكم. فلما انتشرت فينا المعاصي قلَّت بركاتنا، وقل ذكاؤنا وفهمنا، حتى أصبح أهل الدنيا أكثر إنتاجاً منا، أيُّنَا أكثر؟ نحن أو أوروبا إنتاجاً وتصديراً وتوريداً؟ وأمريكا هم أكثر منا؛ لأننا تساوينا نحن وإياهم في المنهج، فغلبونا في أسباب الدنيا والله يقول فيهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7].

التوبة إلى الله

التوبة إلى الله يا أيها الأحبة! يجب أن نفهم من العنصر الثاني: أن نتوب إلى الله عز وجل، وأن نستغفره دائماً وأبداً، وأن تجعل في ذهنك دائماً مراقبة الله الحي القيوم. كان عمر بن الخطاب إذا خرج وحده في الصحراء أخذ عصا، فضرب رجليه وبكى، وقال: [[يا عمر! والله إن لم تتق الله ليعذبنك الله عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين]] وقال عبد الرحمن بن عوف: [[رأيت عمر دخل المقبرة يسلم على الأموات، فرأى قبراً محفوراً، فدخل فيه فسمعت بكاءه وأنا وراء السور، وهو يقول: ويل أمي إن لم يرحمني ربي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى]] هذا وهم مبشرون بالجنة، فكيف بنا ونحن ما بشرنا بالجنة، ونحن تحت رحمة الله عز وجل، لكن معاصينا ومخالفاتنا وأوقاتنا الضائعة، تشهد علينا أننا ما تأثرنا بالإسلام. فيا إخوتي! الله الله في ترك المعاصي والانتهاء عنها بترك المخالفات.

بعض المعاصي

بعض المعاصي والمعاصي سواءً كانت معاصي بصر وهي النظر إلى المحرمات، والنظر إلى الأفلام الخليعة الماجنة، والنظر إلى الصور العارية، والنظر إلى حرمات المسلمين هذه هي عيب البصر وذنب العينين. وعيناك إن أبدت إليك معايباً لقوم فقل يا عين للناس أعين يسألك الله يوم القيامة، بعد أن يختم على فمك، فتتكلم عينك، ولسانك، ويدك، ويتكلم جلدك، فيشهد عليك بما فعلت. ولذلك أوصي نفسي وإياكم بالتوبة وترك المعاصي ما ظهر منها وما بطن، واصرف نفسك أيها الأخ الكريم! فيما ينفعك ويقربك من الله عز وجل.

أهمية الوقت

أهمية الوقت أهمية الوقت الذي ضيعناه والعمر الذي صرفناه، يقول صلى الله عليه وسلم: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} تجد الشاب صحيحاً معافى، من أسرة غنية، عنده كل أسباب الحياة، عنده سيارة وبيت، وملابس وطعام وشراب، ومكتبة ومرفهات، فتأتيه فإذا هو أكسل الناس، خاملاً لا يصرف وقته إلا في كل لهو ولعب، يتحدث مع فلان وعلان، ويركب مع من شاء، ويجلس مع من شاء، ويستمع ما يشاء، فهذا الذي خسر عمره في الدنيا والآخرة، يقول الله عز وجل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] أتحسب أن الوقت هذا الذي تصرفه، أن الله لا يسألك عنه، ولا يوقفك يوم القيامة؟ يقول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع -وذكر منها- وعمره فيما أبلاه} عمرك والله لتسأل عنه دقيقةً دقيقة وثانيةً ثانية. دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان مجلسنا الذي جلسناه، من يوم بدأنا إلى الآن، لا يعود هذا الوقت الذي صرف فيه، ولو اجتمع أهل العالم أن يعيدوا هذا الوقت لا يعيدوه أبداً، لأنه انتهى من أعمارنا نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي ولذلك نحن نتقدم خطوة خطوة إلى الموت، وإلى الهلاك والفناء، ونحن لا نشعر. فلا إله إلا الله كم من ساعة ضيعناها، وكم من يوم صرفناه في المعصية، وفي اللهو واللغو والإعراض عن الله، وبعدها ندَّعي أننا نحن شباب الإسلام, ونحن أمل الأمة؟! أمل الأمة أن تقرأ وتحقق، وأن تواظب وتجد وتجتهد، ليس أمل أمة أن تقضي ساعاتك الطويلة في اللهو واللغو واللعب والغناء، ومع كل من هب ودب.

اغتنام الأوقات

اغتنام الأوقات فيا أيها الإخوة: أوصي نفسي وإياكم باغتنام الوقت، وصرفه فيما ينفعك عند الله، وأن يكون عندك برنامج يومي، تعرف حياتك على منواله وعلى ضوئه، وتسير حتى تلقى الله عز وجل، للقرآن وقت تقرأ القرآن فيه، لمذاكرة دروسك وقت، وقت الصلاة لا تتخلف ولو تخلفت الشمس فأتت من المغرب ولم تأت من المشرق، والزيارات والجلوس مع الإخوان لها وقت خاص، وقت مطالعتك في مكتبتك وجلوسك مع كتبك، الكتب الصفراء، الكتب المجلدة كتب العلم، كتب السلف الصالح، التي عندما تركناها ورجعنا إلى المجلات الخليعة التي تعرفونها، مثل روز اليوسف وأمثالها من المجلات؛ هبطت عقولنا، وسخفت أرواحنا، وضاعت بيوتنا، ودمرت عقولنا، وساءت أخلاقنا، لما تركنا كتب التراث المجيد، كتب السلف الصالح، لما تركنا الإنتاج الهائل الذي تركه أجدادنا لنا. من حفظ أجدادنا لنا -وتعرفون ماذا فعلوا- يقول الذهبي عن ابن عقيل أحد علماء الأمة: ألف كتاباً عدده ثمانمائة مجلد، ثمانمائة مجلد مخطوط موجود، كما يقول أهل العلم في مكتبة بون في ألمانيا، لا نستطيع نحن أن نقرأ منه مجلدات. فالإنسان منا يعيش ويموت ولا يُشعر به؛ لأنه لم يحفظ وقته، يقول ابن عقيل: إني آكل الكعك ولا آكل الخبز. قيل له: لماذا تأكل الكعك ولا تأكل الخبز؟ قال: " بين أكل الكعك والخبز قراءة خمسين آية". فهم يحسبون بالآيات.

المحافظة على الصلاة

المحافظة على الصلاة واعلموا -أيها الأحبة- أن تارك الصلاة كافر، يستتاب فإن تاب وإلا قتل نسأل الله العافية، لا يصدَّق ولا يصاحَب، ولا يؤاكل ولا يشارب، ولا يؤتمن، ولا يستشهد، بل زد على ذلك أن ابن تيمية يقول: "من ترك العشر -الركعات التي هي السنن الرواتب، التي هي قبل الصلاة وبعدها- فهو فاسق ترد شهادته" والعشر الركعات: ركعتان بعد الظهر، وركعتان قبله، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر. يقول: من داوم على ترك هذه العشر الركعات النوافل التي جعلها صلى الله عليه وسلم سنناً راتبة، فهو فاسق ترد شهادته، نسأل الله العافية. فليت ابن تيمية علم أن منا من يترك الصلاة، وأن منا من يتهاون بالصلاة، وأن منا من يدخل عليه الوقت ويخرج وهو ما اهتم بالصلاة، ولا انضبط مع أمر الله عز وجل، مسلم يسمع الله أكبر، ولا يقوم ويتحرك ويتوضأ، أي مسلم هذا؟! يقول الله في المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] فإذا أردت أن تعرف المنافق، لا تعرفه بشكله أنه أحمر أو أسود أو أصفر، ولا بلونه، ولا بعضلاته، بل تعرفه بموقفه من الصلاة، إذا أذن المؤذن، ثم تكاسل وتهاون؛ فاعلم أن فيه نفاقاً، تقول عائشة: {كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع الأذان أو النداء للصلاة، قام إلى الصلاة كأننا لا نعرفه ولا يعرفنا} يقطع أعماله وأشغاله صلى الله عليه وسلم ويقوم إلى الصلاة. حتى إن الذهبي يذكر عن عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير أحد الصالحين الأخيار، يقول: أُذن لصلاة المغرب وهو في سكرات الموت، حضره الموت، وأصبح في آخر ساعة من ساعات الدنيا قال: احملوني إلى المسجد. قالوا: إن الله عذرك وسامحك وعفا عنك، وأنت في سكرات الموت. قال: والله لا أسمع الله أكبر الله أكبر ثم أبقى على فراشي، فحملوه وهو في سكرات الموت، فصلى وهو معتمد على رجلين، ثم توفي وقبض الله روحه وهو في السجدة الأخيرة، فلما أخبروا أهله قالت زوجته: والله لقد علمت أن الله سوف يتوفاه ساجداً، لأنه كان يقول كلما أصبح: [[اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، اللهم إني أسألك الميتة الحسنة]] فرزقه الله الوفاة وهو ساجد. وذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة، أن أحد الصالحين كان يشتغل نجاراً، حين كان النجار في عهد السلف أتقى لله منا ونحن طلبة علم الآن، كان الخياط في عهد السلف الصالح أتقى لله منا ونحن طلبة علم، ونسمي أنفسنا طلبة علم وواجهة للمجتمع، كان البائع التاجر أتقى لله في عهد السلف، كانوا كلهم أخياراً إلا ما شذ منهم، حتى إن عمر عينه أبو بكر رضي الله عنه قاضياً، قال: [[فبقيت سنه في المدينة ما أتاني خصم أبداً]]. بقي سنة ما أتاه خصم؛ لأنهم عرفوا الحق. ولذلك قال ابن الجوزي: أتى أحد النجارين كان يعمل، فكان إذا رفع المطرقة يضرب بها المسمار وسمع الله أكبر لا يردها ثانية، يلقيها ويطرحها وراء ظهره ويقوم إلى الصلاة. واعرف إيمان المؤمن من قيامه للصلاة ومن استعداده لهذه الصلوات. إخواني في الله: يومنا هذا أو غيره من الأيام، يسدد فيه الإنسان بسبب حضوره لصلاة الفجر، واسأل نفسك وأنت جالس الآن، إن كنت صليت صلاة الفجر في جماعة؛ فأنت في ذمة الله وفي حفظه وفي رعايته، ففي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من صلى الفجر في جماعة؛ فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإن من طلبه أدركه، ومن أدركه كبع على وجهه في النار}. لماذا امتلأت السجون من الشباب الذين يتعاطون المخدرات؟ لماذا امتلأت السجون من الشباب الذين زاولوا الزنا والمخالفات والشذوذ الجنسي؟ لماذا هتكت المحرمات؟ بسبب تركنا للصلوات، حتى يقول العلماء: إن من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة؛ لا يصاب بكبيرة بإذن الله -لا يقترف كبيرة بإذن الله- ولا يمكن أن تتعرض له كبيرة من كبائر الذنوب. يقول أحد الناس: كنت حارساً في سجن في الشمال في القرن الرابع، فدخل عليَّ في سبع سنوات ما لا أحصي ولا أعد من المسجونين من أهل المعاصي، فكنت أسألهم بعد صلاة العشاء، وكانوا يأتون بهم بعد صلاة العشاء، قلت: أسألكم بالله! أصليتم العشاء اليوم في جماعة؟ قالوا: لا. فابتلاهم الله بالفواحش وبالمنكرات والكبائر، فضربت ظهورهم وسجنوا، وذهبت عقولهم بالمخدرات بسبب تركهم للصلوات. فالله الله -يا شباب الإسلام- في الصلوات الخمس! الصلوات الخمس التي لمَّا تركناها رأيت كثيراً من الأجيال المنحرفة عن منهج الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ورأيت البيوت المهدمة على أعقابها، ورأيت التربية السيئة، ورأيت العصيان من الولد للوالد، يقول الله عز وجل في حديث قدسي: {أبي تغترون أم عليَّ تجترئون! فبي حلفت لأنزلن فتنة تدع الحليم حيران}.

المعاصي تسبب المصائب

المعاصي تسبب المصائب إن الله تعالى لا يرحمنا إلا بسبب الطيور، بسبب الشيوخ الذين يركعون ويسجدون، بسبب الأطفال البريئين الذين لا ذنب لهم، أما نحن فنسأل الله العافية، فقد ورد في الحديث القدسي أن الله يقول: {والله، لولا شيوخ ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع؛ لخسفت بكم الأرض خسفاً}. زلزلت المدينة في عهد عمر رضي الله عنه -أصابها زلزال سهل ليس بكبير- حتى تساقطت بعض الجدران وبعض البيوت، فجمع عمر الناس في المسجد، فلما اجتمعوا رجالاً ونساءً وأطفالاً؛ بكى عمر رضي الله عنه، ثم قال: [[والذي نفسي بيده! إن وقع زلزال مرة ثانية في المدينة، ما أجاوركم في المدينة وإنه لآخر العهد بي وبكم، قالوا: فما علاقتنا -يا أمير المؤمنين- بالزلزال؟ قال: أنتم الذين أوقعوا الزلزال ولم يقع الزلزال إلا بذنوبكم، فوالله إن وقع مرة ثانية لا أجاوركم أبداً. فبكى المسجد حتى ضج بالبكاء، وقالوا: تبنا إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى]] فنحن ما وقعت بنا المصائب التي حلت بالأمة؛ إلا بذنوبنا وإعراضنا عن الله.

موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم

موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم العنصر الرابع بعد حفظ الوقت، وحفظ نفسك من المعاصي، وحفظ الله بالطاعات، هو: أن تعرف موقفك من الرسول صلى الله عليه وسلم. واعلم -يا أخي- أن الله لم يخلق أشرف ولا أكرم ولا أرحم ولا أجل من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك أغلق الله أبواب الجنة أن تدخل إلا من بابه، فمن أتى من غير باب الرسول صلى الله عليه وسلم احرمه الله من دخول الجنة، قال الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. وموقفك من الرسول صلى الله عليه وسلم يدور على ثلاث قضايا: القضية الأولى: أن تعيش معه في السيرة، أن تعرف سيرته وحياته، جليلها وحقيرها، كبيرها وصغيرها، وما أعلم كتاباً أحسن من زاد المعاد لـ ابن القيم يقول أبو الحسن الندوي: ما دبجت يد مسلم أفضل من زاد المعاد. فأوصي نفسي وإياكم باقتنائه، أو كتاباً آخر في السيرة كـ سيرة بن هشام، وأجلها زاد المعاد لـ ابن القيم تستصحبونه معكم، وتقرءونه وتتدبرون ما فيه، علَّكم أن تعرفوا سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وحياته، وعلكم أن تعرفوا هذا الإنسان العظيم، الذي زكاه الله من فوق سبع سماوات فقال فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. وقراءة السيرة ليس للتسلية ولا للسمر، لكن لنقتدي به صلى الله عليه وسلم، فإنه ورد في حديث: {والله لا يسمع بالرسول صلى الله عليه وسلم سامع، يهودي ولا نصراني ولا مجوسي، ثم لم يسلم إلا أدخله الله النار} فوالله لا يسمع بالرسول صلى الله عليه وسلم سامع، ثم لا يقتدي به ولا يسلك مسلكه إلا دخل النار. يا مدعي حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا خذها جميعاً تجد خيراً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا تأخذ كل صغيرة وجليلة وكبيرة أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم، فتحكمه في نفسك، يقول الله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] كان محمد صلى الله عليه وسلم يصلي كذا، تصلي مثلما صلى، يقول: {صلوا كما رأيتموني أصلي} كيف ندعي أننا طلبة علم ولا نعرف كيف كان يصلي صلى الله عليه وسلم؟ صحيح أننا أجدنا علم الدنيا، وعرفنا وأتقنا علم الجغرافيا والتاريخ والتربية، لكن علم السيرة، وعلم الأثر، وعلم الحديث، ما أنتجناه ولا أجدناه كما ينبغي، يقول صلى الله عليه وسلم: {صلوا كما رأيتموني أصلي} فتعرف كيف كان يصلي وكيف كان يشرب، وكيف كان يأكل. وأوصي نفسي وأوصي الأساتذة والمربين والموجهين، أن يتقوا الله في شباب المسلمين، ويتقوا الله في هذه الفلذات التي عرضت أمامهم على كراسي الدراسة، أن يمنحوها علماً، وأن يحضروا علماً نافعاً، وأن يخلصوا لله عز وجل، ولا يكن هم الأستاذ أن ينهي الخمس والأربعين دقيقة هذه، ثم يخرج من الفصل ويعتبرها وظيفة لا والله، والله ليسألنه الله يوم القيامة عن هؤلاء، ليسألنه الله ماذا فعل فيهم، ليسألنه الله في هذا المرتب، وهذا المعاش الذي قبضه، وهذه الأكباد والوجوه والقلوب ماذا فعل فيهم. ثم أوصي نفسي وهؤلاء الشباب، أن يتقوا الله في أيامهم وفي جلوسهم على مقاعد الدراسة، أن يستفيدوا علماً من أساتذتهم، وأن يحترموهم ويوقروهم؛ لأنهم يهدونهم إلى الصراط المستقيم إن شاء الله. فيا أيها الإخوة: موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم أولاً: أن نعيش سيرته. والأمر الثاني: أن نتأدب بأدبه. والأمر الثالث: أن نكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم. واعلموا أنكم لن تجدوا في العالم أزكى منه قلباً، ولا أطهر ولا أوضح منهجاً، ولا أحسن سيرة منه صلى الله عليه وسلم، يقول الله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الشورى:52 - 53].

خاتمة

خاتمة يا أيها الإخوة الكرام: هي أربع نقاط، أحببنا أن نتدارس مع هذه الوجوه الخيرة النيرة فيها، وهي: موقفنا من الكتاب العظيم، من القرآن الذين أهملناه وما حفظناه، وموقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم، وموقفنا من أوقاتنا وأيامنا الغالية. والعجيب أن أحد الأمريكان له كتاب موجود في السوق، اسمه: دع القلق وابدأ الحياة هذا الكاتب مؤلفه اسمه: دايل كارنيجي أمريكي، يقول: الأمريكان يقرءون في اليوم والليلة ست عشرة ساعة، من أربع وعشرين ساعة، أمريكان لا يعتقدون أن الله يبعث الناس يوم القيامة، ونحن الذين من سلالة أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي، ونحن الذين نقول: إننا فتحنا العالم، وكلما أتانا إنتاج قلنا: هذه بضاعتنا ردت إلينا، ونقول: نحن في مهبط الوحي، لا يقرأ الواحد منا إلا من رحم الله في اليوم ساعة أو ساعتين، وإذا قرأ ساعة ذهب يخبر جيرانه وإخوانه أنه قرأ ساعة، ويقول: سئمت ومللت وأصابني النعاس وأصابني كذا وكذا. فلذلك كيف يكون أهل الكفر والذين لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة أكثر منا قراءة، يقول موشي ديان وزير حرب العدو الميت الهالك إلى نار جهنم: العرب لا يقرءون. يقولون: نشرتم أسراركم في صحفكم، فكيف لم يقرأها العرب؟ قال: العرب لا يقرءون. وهذا موجود فينا وأكثر ما يوجد في بلادنا نحن، فالعرب أسهل أو أيسر لكن يقرءون أكثر منا، ونحن أقل الناس قراءة. فالذي أريد أن أنبهكم إليه هو أن تقبلوا على مكتباتكم، وأن تستشيروا أساتذتكم في الكتب الجيدة، فليس كل ما يعرض في السوق يشرى، بل تأخذون الكتب النافعة الطيبة، كـ الصحيحين، وكتب ابن القيم، وابن تيمية، وكتب ابن كثير، وكتب التفاسير التي تزيدكم علماً وتقوى ويقيناً، وتهديكم إلى الصراط المستقيم. ثم أدلكم على الشريط الإسلامي، أن تقتنوه في سياراتكم وفي بيوتكم بدل شريط الأغنية، مسلم ويستمع إلى الغناء؟! مسلم ويستمع العهر ويستمع الفجور؟! مسلم ويستمع ما يقال في الفحش؟! حتى يقول عمر بن عبد العزيز لأبنائه: الله الله لا تستمعوا الغناء، فوالله ما استمعه مستمع إلا حبب إليه الفاحشة. ويقول عقبة بن عامر، القائد المسلم الكبير فاتح أفريقيا لأبنائه: أسأل الله عز وجل أن يعصمكم من الغناء، فوالله إن استمعتموه لا تحفظون كتاب الله أبداً. فالغناء هو سبب تضييعنا للقرآن، وسبب ضياع أوقاتنا، وسبب إنهاء علمنا من رءوسنا. أيها الإخوة الفضلاء: لا أريد أن أطيل عليكم، وإلا فالحديث كثير، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، لكني أشكركم شكراً جماً على تواضعكم، وعلى جلوسكم، وعلى تحملكم حرارة وتوقد الشمس؛ لتستمعوا فجزاكم الله خير الجزاء، وشكراً لكم الشكر الكثير، وأسأل الله الذي بيده مفاتيح القلوب أن يفتح على قلوبنا وقلوبكم، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يجعل منا ومنكم مفاتيح للخير هداة مشاعل حق، نقود أنفسنا وبيوتنا ومجتمعاتنا إلى سواء السبيل، نعرض عمن أعرض عن الله، ونتحاكم إلى شرع الله، ونستروح إلى هدى الله، ونسير على منهج الله ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم. اللهم فافتح علينا من فتوحاتك، واهدنا سواء السبيل، وتقبل منا ما قلنا وما استمعتم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

مكة في يوم الميلاد

مكة في يوم الميلاد هذا درس يتناول فتح مكة، وقد أفتتح الشيخ درسه بذكر حديث علي في قصة حاطب في صحيح البخاري. ثم ذكر سبب فتح مكة ومسير أبي سفيان إلى المدينة ومحاولته تأكيد الهدنة، وعرض قصة العباس مع أبي سفيان عند دخول الجيش مكة، ومقتل عبد الله بن خطل، واغتسال الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وإسلام بعض الوجهاء من كفار مكة كصفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام، وما وقع من معجزات يوم الفتح.

اكتشاف الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة حاطب إلى قريش

اكتشاف الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة حاطب إلى قريش إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً. اللهم لك الحمد خيراًَ مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. ومع (مكة في يوم الميلاد) يوم أن أذَّن بلال رضي الله عنه وأرضاه يوم الفتح الذي يقول الله فيه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:1 - 2].

رسل رسول الله لاستخراج رسالة حاطب

رسل رسول الله لاستخراج رسالة حاطب يقول الإمام البخاري باب غزوة الفتح، قال: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه قال: {أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد إلى روضة خاخ، فقال لنا: انطلقوا إلى روضة خاخ، فإن فيها ظعينة لـ حاطب بن أبي بلتعة، قد كتب كتاباً إلى كفار قريش يخبرهم أنا قادمون عليهم، قال علي رضي الله عنه: فانطلقت أنا والزبير والمقداد، وكلنا فارس تعدو بنا خيولنا، حتى أتينا روضة خاخ وهي قريبة من المدينة، قال: فالتفتنا فإذا الظعينة بين الشجر، قال: فقلنا لها: أعطينا الكتاب، قالت: ما معي من كتاب، قال علي: والله لَتُسَلِّمِنَّ الكتاب أو لَنُجَرِّدَنَّكِ، فقالت: اختفوا عني لأخرجه من بين ضفائري، -كان في رأسها- فأخرجت الكتاب، فأخذه علي رضي الله عنه والزبير والمقداد، وعادوا إلى المدينة، ففتحه عليه الصلاة والسلام، وقرأه، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة، إلى أهل مكة. أمَّا بَعْد: فإن محمداً -يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم- قادم عليكم بجيش كالسيل، أقبل يتلو بعضه بعضاً كالليل، فأنقذوا أنفسكم. والسلام.

موقف النبي صلى الله عليه وسلم من حاطب

موقف النبي صلى الله عليه وسلم من حاطب استدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة، وقال: ما حمَلك على ما فعلتَ؟ -كيف خنتَ الله ورسوله- فقال حاطب: والله يا رسول الله! ما تبدلت بالكفر بعد الإيمان، ولكني رجل حليف لقريش، ولستُ من أنفس قريش، وأطفالي وأهلي ومالي عند قريش، وأصحابك كل منهم من قريش، فخفت على أهلي ومالي، فأردت أن أتخذ يداً عندهم، فهذا الذي حملني على ما صنعتُ، فقام عمر فقال: يا رسول الله! دعني لأضرب عنق هذا المنافق، فإنه خان الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: يا عمر! أما تدري لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم -وكان حاطب من أهل بدر - فبكى عمر، وقال: الله ورسوله أعلم، فأنزل الله عز وجل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة:1]} وهذا الحديث اتفق البخاري ومسلم على إخراجه، وهو يشتهر بحديث حاطب بن أبي بلتعة، وله أسباب أوردها أهل العلم. ثم أخذ الإمام البخاري يستطرد بقصة الفتح، والكتائب التي جمعها صلى الله عليه وسلم.

نقض قريش للصلح

نقض قريش للصلح وفتح مكة كان في السنة الثامنة للهجرة، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وذلك أنه عاد صلى الله عليه وسلم من صلح الحديبية، ولما اصطلحوا كان من ضمن بنود الصلح: أن تضع الحرب أوزارها عشر سنوات، ولكن كفار قريش غدروا، وأتوا إلى حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من حلفائه خزاعة، فكانت بطن نصحٍ للرسول عليه الصلاة والسلام، وبنو بكر كانوا حلفاء لقريش. فقام بنو بكر بقتل رجال من خزاعة، وهذا معناه نقضٌ للصلح الذي تم ووقع عليه كلا الطرفين، طرف الرسول عليه الصلاة والسلام، والطرف الآخر طرف المشركين ووقع عنهم سهيل بن عمرو. فلما قتلوا هذا القتيل خاف أبو سفيان وهو في مكة أن يأتي الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وإذا أتى الرسولََ صلى الله عليه وسلم الخبرُ بأن أحلاف قريش قتلوا رجالاً من حلفائه، فسوف يغضب عليه الصلاة والسلام، ويعلن الحرب على أبي سفيان وعلى القرشيين. فسبق بُدَيْل بن وَرْقاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فوصل إلى المدينة في الليل وأخبره، قال: {يا رسول الله! نقضت قريش عهدك ووعدك، وقتلوا رجالاً منا فسكت عليه الصلاة والسلام واحمر وجهه مُغْضَباً} فرجع بُدَيْل بن وَرْقاء مندوب خزاعة، فلقيه أبو سفيان، وقال له: من أين أتيت؟ -وأبو سفيان كان ذكياً من أذكياء الناس، ورجلاً داهيةً- قال: من أين أتيتَ يا بُدَيْل؟ قال: كان لي مال بالغابة ذهبت إليه، ثم مررت على خزاعة أسلم عليهم -يعني: قبيلته- فنزل أبو سفيان إلى بَعَر بَعِير جمل بُدَيْل، ففَتَّه، فوجد النوى فيه، قال: كذبتَ؛ ولكنك كنتَ في المدينة تخبر محمداً. ثم ركب أبو سفيان ناقته وذهب إلى محمد عليه الصلاة والسلام فوصل إلى المدينة، فلم يجد أحداً في البيوت، حيث كانوا في اجتماع مع الرسول عليه الصلاة والسلام في المسجد، فدخل على ابنته -وابنته كانت زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام- فلما رأته ما استقبلته ذاك الاستقبال الحافي، وما رحبت به، وما هشت وبشت في وجهه؛ لأنه كافر، وهذه علامة الموالاة والصدق مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فدخل وبيده عصا، وقد ربط ناقته، فأتى إلى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى فراشه، فسبقته إلى الفراش فلفَّتْه وسحبته عنه، فقال: لقد أصابك بعدي شر، كيف تسحبين عني فراش زوجك؟ قالت: هو طاهر وأنت مشرك نجس، فأخبرها الخبر، فقالت: ما أجد لك إلا هؤلاء النفر يشفعون عند الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: من هم؟ قالت: اذهب إلى أبي بكر ليشفع لك؛ لأنه خاف أن يهاجمه صلى الله عليه وسلم بجيش في مكة. فذهب أبو سفيان إلى أبي بكر فأخبره الخبر، قال: وتظنني يا أبا سفيان أشفع لك عند الرسول عليه الصلاة والسلام؟ قال: نعم، قال: والله ما أنا بفاعل، فذهب إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه فأخبره الخبر، وأبو سفيان عنده، قال عمر: ماذا تريد؟ قال: تشفع لي عند الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: اللهم ما كان بيننا وبينك من عهد نسأل الله أن يقطعه، وما كان بيننا وبينك من حبل نسأل الله ألا يتمه، والله لو أني لا أجد إلا الذر لحاربتكم بالذر، فقال أبو سفيان: جزاك الله من رحم شراً، ثم خرج من عنده فوصل إلى عثمان، فأخبره، قال: لا أشفع، فذهب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عن الصحابة أجمعين فوصل إلى علي فوجده في البيت، فأخبره الخبر، قال: ما أجترئ، فقام أبو سفيان إلى فاطمة بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: يا فاطمة! اشفعي لي إلى أبيكِ ألا يطأنا بالخيل بكرة النهار، قالت: ما أجرؤ، قال: فقومي بابنك الحسن، فضعيه في حِجْر جده؛ ليكون هذا الحسن سيداً أبد الدهر ليشفع بين الناس، قالت: ما بلغ السن أن يشفع، فقال: يـ ابن أبي طالب: أنت أقرب الناس مني رحماً -وهذا صحيح؛ لأنهم أبناء عم، هؤلاء من بني عبد شمس. من الأعياص أو من آل شمس أغَر كغُرَّة الفرس الجواد وهؤلاء من بني هاشم -فقال علي: وجدتُ لك حلاً، قال: وما هو؟ قال: اذهب فإذا صلى الناس العصر، فقل: أجرتكم أيها الناس -وأراد علي أن يضحك عليه أمام الناس رضي الله عن علي -فلما صلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالناس العصر، قام أبو سفيان، فوقف في المحراب، والتفت إلى الناس -وهو لم يصل معهم- وقال: قد أجرتُ ما بينكم أيها الناس، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: {أتقول ذلك يا أبا حنظلة؟} قال: نعم، ثم ولى إلى مكة. وصل إلى أهل مكة، وأهل مكة على أحر من الجمر؛ لأنهم يعلمون أن الرسول عليه الصلاة والسلام أتاه الخبر بقتل الخزاعي، وهذا معناه نقض الصلح وبداية المعركة. فوصل أبو سفيان إليهم، فقالوا: ما الخبر؟ فأخبرهم، قال: وجدتُ الناس قريبين إلا عمر فوجدته أدنى العدو، قالوا: فماذا فعلتَ؟ قال: تكلمتُ في الناس، فأجرتُ فيما بينهم، قالوا: فماذا؟ قال: محمد! يعنون: رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تبسم، وقال: {أهكذا تقول يا أبا حنظلة؟} قالوا: قد ضحك عليك ابن أبي طالب، وما أجدى موقفُك منك شيئاً، فتَرَصَّدْ. صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر في اليوم الثاني، فلما انتهى من الصلاة، وإذا رجل خزاعي اسمه: عمرو بن سالم، من القوم الذين قتل منهم القتيل، دخل بعصاه، وعقل ناقته في طرف المسجد، ورفع صوته ينشد، ويقول: يا رب إني ناشد محمدا حِلف أبينا وأبيه الأتلدا فانصر هداك الله نصراً أيدا وادع عباد الله يأتوا مددا فيهم رسول الله قد تجردا أبيض مثل البدر يسمو مصعدا إن سيم خسفاً وجهه تربدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا إن قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا وهم أذل وأقل عددا هم بيتونا بالوتير هجدا وقتلونا ركعاً وسجدا فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، وقال: {نصرت يا عمرو بن سالم!} ثم التفت عليه الصلاة والسلام فوجد السحابة قد مرَّت من أمام المسجد متجهة إلى مكة -سحابة في السماء- فقال: {هذا النصر على كفار قريش} ثم التفت عليه الصلاة والسلام ورفع يديه، ثم قال: {اللهم خذ عليهم أسماعهم وأبصارهم، فلا يعلموا بنا حتى نطأ أرضهم} فأخذ الله أسماعهم وأبصارهم. ولكن حاطب بن أبي بلتعة -وهو أحد الصحابة الأخيار من أهل بدر - تذكر أن له أطفالاً ونساءً في مكة، فأراد أن يمنعهم من كفار قريش؛ ليتخذ عند كفار قريش يداً، فكتب رسالة -الرسالة السابقة- وأتى الوحي من السماء على لسان جبريل، يخبر الرسول عليه الصلاة والسلام أن حاطب بن أبي بلتعة قد كتب رسالة يخبر كفار قريش، ومعناه: إذا أخبرهم اعدوا واستعدوا وتواجهوا في الطريق، والرسول عليه الصلاة والسلام يريد أن يفاجئهم فلا يشعرون به إلا وقد طوق مكة من كل جوانبها، فأخبره جبريل، فأرسل صلى الله عليه وسلم علياً وهو فارس الطوارئ، هو والزبير بن العوام، البطل الحواري، والمقداد رضوان الله عليهم جميعاً، فأخذوا الرسالة، وعرضوها على الرسول عليه الصلاة والسلام، فاستدعى حاطباً، فأعلن معذرته، فصدَّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن عمر لحماسه للإسلام، ولغضبه لله ولرسوله ما صدَّقه، حتى أنه قال له صلى الله عليه وسلم: {أما تدري يا عمر! لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم} فهذه من الذنوب التي غفرها الله لـ حاطب. ولذلك ضربَ حاطبٌ مولى له، فذهب هذا المولى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: {ضربني حاطب، والله إن حاطباً لمن أهل النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتَ، كذبتَ، كذبتَ، حاطب من أهل الجنة، إن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم}. وهذا ثبت، فإن الله عز وجل تجلى للناس يوم بدر، يوم التقى الجمعان، يوم كان المسلمون بالعُدوة الدنيا، وهم بالعدوة القصوى، والركب أسفل منهم، فتجلى لهم الحي القيوم، وقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم. وفتح الله لهم أبواب الجنة؛ فهم من أفضل الناس، ومن أفضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

التهيؤ لفتح مكة

التهيؤ لفتح مكة لما انتهى صلى الله عليه وسلم من التحقيق مع هذا الصحابي الجليل عذره وعفا عنه، وأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتهيئوا، فكانوا عشر كتائب: سعد بن هُذَيْم، وجُهَيْنة، وأسد، ومُزَيْنة، وأشجع، وغِفار، وأسلم، ومَن لَفَّ لفَّهُم، والأنصار في كتيبة، والمهاجرون في كتيبة. ومضوا رضوان الله عليهم وأرضاهم والرسول صلى الله عليه وسلم قائدهم، وقد أنزل عليه من ذي قبل: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:1 - 2] فقالوا: أي فتح يا رسول الله؟ فأخبرهم أنه فتح خيبر، ثم فتح مكة. وتحرك عليه الصلاة والسلام هو والجيش وكان في رمضان، فلما بلغ الكديد شق الصيام على الناس، وكانوا ما يقارب عشرة آلاف، فدعا بالإفطار، فأفطر صلى الله عليه وسلم وأعلن الإفطار في الناس، فأفطروا جميعاً إلا بعض الناس أبوا أن يفطروا، وتحرجوا وتأثموا. يا سبحان الله! أتقى الخلق لربه، وأخشاهم لمولاه، رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر في رمضان، وهم يتحرجون؟! فلما سمع صلى الله عليه وسلم أنهم لم يفطروا قال: {أولئك العصاة، أولئك العصاة، أولئك العصاة} وهذا في صحيح مسلم. فلما بلغوا مَرَّ الظهران قال أنس: {فنزلنا، فأتى صلى الله عليه وسلم في منزل، فمَرَّت أرْنَبَة، فأنفجناها -أي: طاردناها- ففرت فصدتُها، فأتيت بها أبا طلحة، الفار المشهور، فذبحها وطبخها، وأهدى وِركها لرسول البشرية صلى الله عليه وسلم فقَبِلَه وأكله}. وهذه من الأحداث التي حدثت في الطريق، يرويها ابن كثير وابن حجر، متابَعةً لوقائع انتقال الرسول عليه الصلاة والسلام من المدينة إلى مكة. ونزل صلى الله عليه وسلم قبل الظهر، فوجد الأراك وعليه ثمرٌ أحمر، فبدأ يأكل صلى الله عليه وسلم منه، فلما رآه الصحابة نزلوا يأكلون معه مشاركة له؛ لأنهم إذا رأوه في أمر شاركوه فيه من الحب ومن التوقير والاحتشام، فقال: {عليكم بالأسود من الكُباث -أي: من الثَمَر- فتبسم الصحابة، وقالوا: كأنك رعيت الغنم يا رسول الله قال: نعم رعيتها. وما من نبي إلا رعى الغنم. } لأنه لا يعرف الثمر الأسود من الأحمر من الجيد من الكُباث إلا من رعى الغنم، فأخبرهم بذلك. وصل عليه الصلاة والسلام إلى مشارف مكة، وما أتى قريشاً؛ لأنه دعا عليهم أن يأخذ الله أبصارهم وأسماعهم، فلا يأتيهم أي خبر، فما علموا أبداً أنه تحرك بجيش، وهذا خلاف ما أقره العقلاء - باستقراء من أحوال الأمم - أن الجيوش العظيمة إذا تحركت من مكان إلى مكان لا بد أن يأتي خبر، من التجار والرعاة، والمسافرين، والمتنقلين، والأعداء، ومن الجواسيس؛ لكن هؤلاء ما أتاهم أي خبر، وهم في مكة.

تقسيم الجيش

تقسيم الجيش وعندما نزل عليه الصلاة والسلام قسَّم جيشه إلى أربع كتائب: الكتيبة الأولى: يقودها سعد بن عبادة رضي الله عنه وأرضاه وهي (كتيبة الموت) كما سماها أبو سفيان -و (الموت الأحمر) كان كامناً في هذه الكتيبة كما يقول ابن حجر - وقائدها سعد بن عبادة الخزرجي رضي الله عنه وأرضاه. الكتيبة الثانية: يقودها خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه ودخل من الخندمة، وهي التي قاتلت أشد القتال يوم الفتح. الكتيبة الثالثة: يقودها أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه وأرضاه. الكتيبة الرابعة: يقودها الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه حواريِّ الرسول عليه الصلاة والسلام وقد أتت من جنوب مكة. فلما نزلوا طوَّقوا مكة من كل النواحي، وأمر الرسولُ عليه الصلاة والسلام الجيشَ أن يشعل كل واحد منهم ناراً تتوقد، فقام كل جندي وجمع حطباً وأشعل ناراً، فأخذت جبال مكة تلمع في الليل، حتى أصبح كأنه نهار، فخرج أبو سفيان، وأخبره بعض الرعاة: أنهم يرون ناراً في جبال مكة، فقال للعباس: يا أبا الفضل! اخرج معي فإني سمعتُ أن هناك نيراناً في نواحي مكة، فخرجوا ومعهم حكيم بن حزام وبُدَيْل بن وَرْقاء، فنظروا إلى الجبال، قال أبو سفيان: ما هذه النيران؟ كأنها نيران عرفة، أي: يوم الحج، فقال حكيم: أظنها نيران بني عمرو، قال: بنو عمرو أذل وأقل من ذلك، قال: أظنها نيران خزاعة، قال: خزاعة أذل وأقل من ذلك، فقال العباس لما علم أنه الرسول عليه الصلاة والسلام: يا أبا سفيان، أنقذ نفسك، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلنك بكرةً نهاراً، قال: وما الحل يا أبا الفضل! فداك أبي وأمي؟ قال: اركب معي، فهذه بغلة الرسول عليه الصلاة والسلام، وكانت بغلته شهباء، فركب في عجزها، ومر بالمخيمات والمعسكرات خيمة خيمة ومعسكراً معسكراً، لا يعرفه الأنصار، لا يعرفون أبا سفيان إلا النادر منهم، ولا تعرفه قبائل العرب. فلما مر بخيمة عمر، ثار عمر إلى خيمته فاختلع سيفه سالاًّ إياه، وأتى وراء البغلة، فلما رأى العباسُ أن عمر يطاردهم، حرك البغلة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وعمر ينادي في الناس: عليكم بـ أبي سفيان، عدو الله، أمكن الله منه، فدخل أبو سفيان وراء العباس في خيمة الرسول عليه الصلاة والسلام حيث القيادة، وحيث الحِلْم والكرم. من زار بابك لم تبرح جوانبه تروي أحاديث ما أوليتَ من مِنَنِ فالعين عن قرة والكف عن صلة والقلب عن جابر، والسمع عن حسنِ فنزل العباس، وأنزل أبا سفيان، فلما رآه صلى الله عليه وسلم تربع، وقال: {يا أبا سفيان! أما علمتَ إلى الآن أن (لا إله إلا الله)؟ أما علمتَ أنه لا أكبر من الله؟ فما لك تفر يا أبا سفيان؟ فدخل عمر ولم يَرُد أبو سفيان، فقال عمر: يا رسول الله! أمكني من عدو الله ومن عدو رسوله والمسلمين، هذا أبو سفيان أمكن الله منه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اجلس يا عمر} والسيف مسلول بيد عمر رضي الله عنه وأرضاه. قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها فنزل وجلس، فأخذ عمر يُلِحُّ، لا يريد الصلح مع أبي سفيان، يريد قَتْله، فقال العباس غضباناً: {هوِّن يا عمر! فوالله لو كان من بني عدي بن كعب ما فعلتَ ذلك -يقصد: أسرة عمر - فقال عمر: وهوِّن أنت يا عباس! فوالله لإسلامك أحب إلي من إسلام أبي الخطاب؛ لأن إسلامك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام أبي، وما يحبه صلى الله عليه وسلم أقدم مما أحبه أنا، ثم تكلم صلى الله عليه وسلم مع أبي سفيان، فقال: ألا تقل: لا إله إلا الله؟ فقال أبو سفيان: ما أحلمك! وما أكرمك! وما أوقرك! وما أجلك! -ومن هذا الكلام الذي يريد أن يستدر عطف الرسول عليه الصلاة والسلام به، فقال العباس: يا أبا سفيان، أسلم، لا يقتلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: اشهد أني رسول الله، قال: أما هذه ففي النفس منها شيءٌ، قال العباس: يا أبا سفيان! أسلم، قال: وأشهد أنك رسول الله -دفعها؛ لأنه خاف من السيف المصلت- فقال عليه الصلاة والسلام لما خرج أبو سفيان، وقد حقن دمه بالإسلام، قال لعمه العباس: يا عم! احبسه عند غدير الخُطَم} وقيل: {عند العُقُنْقُل} وقيل: {عند مجرى الوادي حتى تمر عليه الكتائب في الصباح} لأن الرسول عليه الصلاة والسلام خشي منه أن يذهب فيدبر جيشاً يصادم جيش الرسول عليه الصلاة والسلام فيريد أن يرهبه برؤية الجيش يوم يَمُر، فذهب به العباس فأنزله عند الخُطُم، فأوقفه. ولما ظهر الصباح، وأشرقت الشمس أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الجيش أن يتحرك إلى مكة، لأن الله يقول: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} [الفتح:1]. واستفاقت على صباح جديد ملء آذانها أذان بلالِ فوقف أبو سفيان ومعه العباس فمرت (كتيبة جهينة) وهم ألف مقاتل، لا يرى منهم إلا الحدق، أي: مدجَّجون بالسلاح، قال: من هذه؟ قال: جهينة، قال: وما لي ولجهينة، بمعنى: هل أنا قاتلتُ جهينة؟ ثم مرت كتيبة غِفار فقال: من هذه؟ قال: غِفار، قال: وما لي ولغِفار، حتى مرت كتيبة الموت معها سعد بن عبادة، وهم الأنصار، وهي أعظم كتيبة وجدت في الجيش، فلما مرَّ سعد بن عبادة زاحم أبا سفيان عند مضيق الوادي، حتى كاد أن يُتْلِفَه من مكان هناك، ثم قال: يا أبا سفيان! اليوم يوم الملحمة، يقصد: يوم القتل، فصفَّق أبو سفيان بيديه، وقال: أُبيدت خضراء قريش، أي: معناه القتل، وذهب أبو هريرة يسعى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو في آخر الجيش، وقال: يا رسول الله! أما سمعتَ ماذا يقول سعد بن عبادة؟ قال: ماذا يقول؟ قال: اليوم يوم الملحمة، قال: خذ الراية من سعد بن عبادة -كالمؤدِّب والمعزِّر له- واعطها ابنه قيس بن سعد، فانظر إلى الحكمة، لو أخذها منه إلى غيره لغَضِبَ سعد، ولو تركها عنده خاف أن يُفْشِي قتالاً؛ لأن الرجل جديرٌ وشجاع ومن أرهب الرجال، فأخذها منه تعزيراً له، ودفعها إلى ابنه لئلا يجد في نفسه، فأخذها قيس بن سعد، ومضى عليه الصلاة والسلام فلما مرَّ بـ أبي سفيان قريباً منه، قال أبو سفيان: من هذا؟ قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون، وكان بعيداً عنه قليلاً، فقال: من هذا الرجل الذي يتبسم إليه ويتبسم إليه أي: أن هذا يتبسم لهذا وهذا يتبسم لهذا، قال: هذا أبو بكر، قال: لقد عظم قدر ابن أبي قحافة، أي أنه كان في الجاهلية ما له ذاك الصيت كـ أبي سفيان، والآن هو من القواد الكبار مع الرسول عليه الصلاة والسلام

فتح مكة

فتح مكة ومرَّ عليه الصلاة والسلام فقال: {متى تسمعوا بأول راية تصل إلى الحرم فأخبرونا} فكان الزبير بن العوام، أبو عبد الله، الحواريّ الكبير هو أول من كان له شرف السبق، نزل بجيشه بـ (ريع الحُجُون) قريباً من الحرم، فنصب رايته، فلما رآها صلى الله عليه وسلم تلمع مع الهواء، دمعت عيناه فرحاً بنصر الله، ونكس رأسه تواضعاً لله عز وجل. قال ابن كثير: فانظر إليه في وقت النصر، كيف يتواضع ويهضم نفسه عليه الصلاة والسلام؟! ثم مضى صلى الله عليه وسلم وكان يسأل: {هل هناك من قتال في أطراف الناس؟} فيخبرونه أن لا قتال، ويلتفت عليه الصلاة والسلام إلى جهة الخندمة، وهي مدخل من كِداء، فيجد السيوف تلمع في الضحى، والغبار ينقاد من على جبال مكة، فيسأل: {من هذا؟ فيقولون: خالد بن الوليد يقاتل كفار قريش فاحمرَّ وجهه صلى الله عليه وسلم} لأنه لا يريد القتال، فأرسل أناساً من الصحابة، اسألوا: ما الخبر؟ فأتوا وأخبروه: أن عكرمة بن أبي جهل رصد كميناً لـ خالد، فتقاتلوا معه، فعاد خالد إلى الصحراء، وهذا من دهاء خالد، ولذلك فإن من عباقرة العسكريين في تاريخ العقلاء وفي تاريخ العالم: خالد بن الوليد، وكتب عنه حتى أهل الغرب الأعداء، كتباً جردوها لسياسته، فإنه لما دخل في سكك مكة بالجيش، قام نساء مكة عليه بالحجارة من على السطوح، وخرج عليه مقاتلون من السكك والشوارع، فتظاهر بالانهزام، فانهزم معه الناس، فلما خرج إلى الصحراء، كرَّ عليهم فأباد خضراءهم. ولذلك روى ابن كثير والذهبي أن رجلاً من كفار قريش أخذ سيفه يسمُّه شهراً -يسقيه السم من رأس السيف- وكان يرقص عند زوجته ويتمدح عندها ويقول: هذا سلاحٌ كاملٌ وأَلَّه وذو غِرارَين سريع السله قالت: ماذا تفعل به؟ قال: أفتك بمحمد وأصحابه، وأقودهم لك خدماً يخدمونك في بيتك. وإذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا فأتت المعركة، فأتى هذا الرجل، فدخل مع صفوان وعكرمة يوم الخندمة، فقاتل فتظاهر خالد بن الوليد بالانهزام، فخرجوا له بنسائهم وأطفالهم، فكر عليهم، فأخذ المسلمون يضربونهم بالسيوف ضرباً لا مرحمة فيه، فدخل هذا الرجل وقد تثلم سيفه ولما دخل بيته أغلق على نفسه الباب وزوجته معه، هذا صاحب التمدح القائل: هذا سلاحٌ كاملٌ وألَّه وذو غِرارَين سريع السلَّه قالت: أين أنتَ؟ ما أجدى عنكَ سيفكَ؟ قال: إنكِ لو شهدتِ يوم الخندمه إذْ فرَّ صفوان وفر عكرمة يقول: إذا كان فر صفوان وعكرمة وهم القادات فأنا من باب أولى. والمسلمون خلفنا في غمغمه يلاحقونا بالسيوف المسلمة أي: أنهم لا يتكلمون مثل الناس. لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه ودخل خالد رضي الله عنه وأرضاه، ولما وصل صلى الله عليه وسلم إلى ريع الحجون - كما يقول ابن كثير - التَفَتَ فرأى الخيالة، -خيالة خالد - وقد دخلوا من سِكَّة من جانبه، وإذا النساء القرشيات الكافرات يلَطِّمْنَ بالخُمُر على وجوه الخيول، يُرِدْن رَدَّ الخيول، فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال لـ أبي بكر -وكان أبو بكر حفاظة نسابة علامة في الأشعار والأخبار- قال: {يا أبا بكر! كيف يقول حسان؟} لأن حسان يقول قبل ستة أشهر: عَدِمْنا خيلَنا إن لم تروها تثيرُ النَّقْع موعدها كِداءُ تظل جيادنا متمطرات تُلَطِّمُهُنَّ بالخُمُر النساءُ فوقع ما قال تماماً، فإنهم دخلوا من كِِداء، ولطمت النساء الخيل بالخمر، حتى أنه يقول: تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخُمُر النساءُ يرد على أبي سفيان بن الحارث، يقول: هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه وعند الله في ذاك الجزاءُ أتهجوه ولستَ له بكفءٍ فشركما لخيركما الفداءُ فتبسم عليه الصلاة والسلام، وأشار وقال: ادخلوا من حيث يقول حسان، ثم دخل عليه الصلاة والسلام، والصحيح عند أهل العلم أنه دخل من باب بني شيبة، وقيل: من باب تجاه المروة؛ لكن لا يهمنا هذا. دخل عليه الصلاة والسلام فلما رأى البيت كبر، وهلل اللهََ عز وجل وأخذ المنادي ينادي: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن، ومن دخل الحرم فهو آمن، فأخذ كفار قريش يلقون السلاح، ويتكدسون في الحرم، ويغلقون عليهم بيوتهم ويدخلون في بيت أبي سفيان، وأخذت هند تتعلق برأس زوجها أبي سفيان، لأنها تقول: إنه هو الذي فشل الناس، أي: ما قاتل، وتقول: ماذا تغني عنك دارُك؟ لا أغناك الله، أو كما قالت.

دخول الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة

دخول الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة دخل عليه الصلاة والسلام مكة والصحيح أنه أول ما دخل لم يكن محرماً، بل كان في لباسه، وكان عليه الدرقة، وعمامة سوداء، أي: كانت عليه صلى الله عليه وسلم الخوذة العسكرية، وكانت عليه عمامة سوداء، قد أرخى ذؤابتها من وراء كتفيه، وأخذ صلى الله عليه وسلم يدعو الله، فلما رأى البيت هلل وكبر وسبح ثم بدأ يطوف. وأما الصحابة فأخذت جيوشهم تدخل من كل جهة، فدخل الزبير من جهة الحجون، فأخذ على الأبواب بجنوده، ودخل خالد بن الوليد - رضي الله عنه - وسعد بن عبادة، وابنه قيس وأبو عبيدة، فلما تكامل الناس، أمر صلى الله عليه وسلم بغلق الأبواب، ألا يمضي أحدٌ، ولا يدخل ولا يخرج، وقام عليه الصلاة والسلام فدخل في نواحي البيت، ومعه قوس. وكان - كما قيل عند بعض أهل العلم - يطوف على ناقته، فأخذ على الأصنام وكانت ثلاثمائة وستون صنماً. وانظر إلى هذه الأصنام كيف تركها عليه الصلاة والسلام ثلاث عشرة سنة في مكة، كان يدعوهم إلى (لا إله إلا الله) وأتى وهذه الأصنام في أماكنها، فما غير صنماً منها؛ لأن تغيير الباطل ليس بهذا الأسلوب، لأنه قد يكسرها من الواقع؛ لكن لا يكسرها من القلوب، وإذا كسرها وهاجمها يغضب إليها ألوف وألوف، فيقعون في إرباك ومشقة. فدخل عليه الصلاة والسلام فأخذ يسدد رمحه، وقيل: سِيْتَه، وقيل: قوساً في يده، إلى وجوه الأصنام ويقول: {جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً} فكان قبل أن يصل القوس إلى الصنم يسقط الصنم على وجهه، وربما سقط على قفاه، ودخل عليه الصلاة والسلام فأمر بغلق باب الكعبة، ودخل معه أسامة وبلال بن رباح، وانظر إليه كيف يعظم ويوقر المعظمين في الإسلام، فإنه أدخل أسامة وبلالاً وهما من الموالي، ولم يدخل أبا بكر ولا عمر، فأتى عليه الصلاة والسلام فوجد صورة إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل عليهما السلام، وهما مصوران، وبأيديهما الأزلام يستقسمان بها، على مذهب الجاهليين الوثنيين، فقام صلى الله عليه وسلم يمحو الصور ويقول يقصد كفار قريش: {قاتلهم الله! لقد علموا إن استَقْسَما بالأزلام قط} كيف يستَقْسِمُون بالأزلام، وإبراهيم أستاذ التوحيد في الدنيا، وهو الذي أتى بـ (لا إله إلا الله) وقررها في البشرية، ويظهرونه في مظهر المشرك، وهذه هي الدعايات الأثيمة، يوم يأتون ببعض الصور أو ببعض الدعايات عن الدعاة أو العلماء أنهم فعلوا كذا وكذا؛ ليغرروا بها الناس، فيقولون: هذه صورة إبراهيم، وهذه صورة إسماعيل، يسْتَقْسِمان بالأزلام. ثم أمر صلى الله عليه وسلم بإخراج الأصنام من الكعبة، فأخرجت، فقام فصلى، وهذا على الصحيح؛ لأن بعض الحفاظ عند البخاري ومسلم أنكروا الركعتين داخل الكعبة, والصحيح: أنه ركع عليه الصلاة والسلام. ففي (الصحيح) من حديث ابن عمر، قال: {دخلت بعدما خرج صلى الله عليه وسلم، فقلت لـ بلال: أين صلى صلى الله عليه وسلم؟ قال: صلى هنا، فوجدتُ أنه ترك عن يمينه عمودين, وعن يساره عموداً، ووراءه ثلاثة أعمدة، واستقبل الباب} أي: استقبل صلى الله عليه وسلم باب الكعبة -الآن من داخل الكعبة- وصلى ركعتين، ثم خرج وقد سكت الناس، وامتلأ الحرم بالناس، ما بين رجال من كفار قريش وأطفال ونساء، وأما المقاتلون فوقفوا عند الأبواب، من المهاجرين والأنصار، وقبائل العرب، فأخذ صلى الله عليه وسلم بحلق الكعبة، فسكت الناس فقال: {الحمد لله الذي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، ثم التفت إلى كفار قريش، وقال: ما ترون أني فاعل بكم؟ -معناه: أنكم آذيتموني وشتمتموني وطردتموني وقاتلتموني، فاليوم هذا جيشي، والسيف بيدي، وما بأيديكم شيء، فما الذي تتوقعون أن أفعل بكم؟ - فارتفع البكاء حتى اختلط بكاء الرجال بالنساء والأطفال، وقال كبراؤهم: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم -يقولون: اعفُ عنا، أنت أخونا، ولكنهم ما تذكروا في بدر كلمة أخ كريم وابن أخٍ كريم، ولا في أحد، ولا في الخندق، أما اليوم فتذكروا لما رأوا السيف الأملح أنه أخٌ كريم- فقال عليه الصلاة والسلام: اذهبوا فأنتم الطلقاء} فتباكوا أكثر، فقام أبو سفيان فقال: ما أرحمك! وما أوصلك! وما أبركك! فنسي عليه الصلاة والسلام كل ما ذاقه، فأنزل الله عليه قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقوله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] وقوله جل ذكره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128].

أمر الرسول بقتل ابن خطل

أمر الرسول بقتل ابن خطل ونزل عليه الصلاة والسلام من عند باب الكعبة، وتوجه إلى سارية في آخر المسجد، فجلس وألقى خوذته في الأرض، ثم خلع العمامة ليبرك تحت السارية، وقام الصحابة والسيوف حوله، فقالوا: {يا رسول الله! ابن خطل معلق بأستار الكعبة} أي: ما الحل فيه؟ ابن خطل اسمه: عبد الله بن عبد العزى، ونعوذ بالله من الخذلان، يقول ابن تيمية: قد يوجد بعض الأسماء، مثل: بأن يُسمى: تقي الدين، أو صدر الدين، أو ظهير الدين، أو نجم الدين، ومع ذلك يكون من أعدى الأعداء لأهل الدين، وتجد من الناس من يكون اسمه: عبد الله، أو عبد الرحمن، أو عبد الرحيم، أو عبد السلام ويكون من أعداء الله. فهذا اسمه: عبد الله بن خطل أسلم وارتد على عقبه، أرسله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، وأعطاه خادماً معه، قال: {هذا يخدمك} انظر إلى الإحسان وحسن الخلق منه صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يجبي بعض الزكوات أو في مهمة، وقال: {هذا خادم يخدمك، وهذان تَيْسان معك، أحدهما غداء لك اليوم، والآخر غداء لك غداً} فذهب فلما قرب من مكة، نام في الطريق، وقال للخادم: اذبح لنا هذا التيس غداءً ونام، والخادم كان كالاً ومالاً وفاتراً فنام أيضاً، فاستيقظ فإذا الخادم نائم وإذا التيس يقظان، فقام على الخادم فقتله. وارتد عن الإسلام, ولم يَكْفِه هذا بل أخذ عوداً ومغنية، وجلس عند الحجر الأسود لتغني له المغنية الشعر الذي يُهْجَى به صلى الله عليه وسلم، فلما أتى يوم الفتح، أراد أن يستنجد بأستار الكعبة، فتعلق بثياب الكعبة، وهو يقول: إنه يريد أن يعفو عنه صلى الله عليه وسلم، فأتى الخبر الرسولَ عليه الصلاة والسلام، قالوا: {ابن خطل معلق بأستار الكعبة، قال: اقتلوه فتناوله الزبير بن العوام وأبو برزة، كلٌّ بيد، حتى طرحوه عند المقام وقتلوه}.

إسلام بعض الوجهاء من كفار مكة

إسلام بعض الوجهاء من كفار مكة ولما انتهى عليه الصلاة والسلام قام وترك الناس مكانهم، ثم أخذ طريقه إلى بيت أم هانئ، وهي ابنة عمه -أخت علي بن أبي طالب - وكانت مسلمة، لكنها كانت في الحرم، فسبقها صلى الله عليه وسلم إلى البيت، ومعه ابنته فاطمة، فدخلت فاطمة وراء الرسول عليه الصلاة والسلام، وأتى عليه الصلاة والسلام ليغتسل، وهذا من نظافته واعتنائه بجسمه، حتى أن سعيد حوى يقول: مع هذه المشاغل، وهذه الدواعي، والأحداث لم يترك صلى الله عليه وسلم الاعتناء بنفسه وبجسمه. تقدم عليه الصلاة والسلام إلى البيت وأمر فاطمة أن تستره بثوب، فاغتسل عليه الصلاة والسلام، وبينما هو في المغتسل إذ دخلت أم هانئ، وقالت: السلام عليكم، فقال عليه الصلاة والسلام وهو في المغتسل، وفاطمة تستره بثوب، وهي من وراء الثوب: {من هذه؟ قالت: أم هانئ، قال: مرحباً بـ أم هانئ}. ولذلك يستدل به بعض أهل العلم في استخدام الألفاظ كمرحباً وأهلاً وسهلاً، وكلها واردة. فقالت أم هانئ: فجلستُ في البيت وخرج صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة وصلى ثمان ركعات ضحى، قالت: ما أدري هل يقرأ الفاتحة أم لا؟ من سرعة الركعات، قيل: هذه ركعات الضحى، وقيل: ركعات الفتح، فلما سلم عليه الصلاة والسلام التفت إلى أم هانئ، وقال: {ما الخبر؟ قالت: زعم ابن عمك أنه يقتل ابن هبيرة، وقد أجرتُه يا رسول الله! فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ}. وابن هبيرة هذا كافر، قريب لـ علي بن أبي طالب. ولما دخل علي رضي الله عنه ذاك اليوم رأى ابن هبيرة بين الناس، فأخذ علي يتفلت عليه بالسيف يريد قتله في الحرم، فأخذ الناس يحولون بينه وبين علي رضي الله عنه وعلي يأبى إلا أن يقتله، فأتى ابن هبيرة النساء، وهن عمات علي وخالاته ليمسكن علياً -لأن ابن هبيرة وعلياً أقارب- فيتفلت علي والسيف مسلول، ويقول: أقتله اليوم، فأتت أم هانئ تقول: أجرتُه أجرتُه، فما سمع لها علي حتى ذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: {قد أجرنا من أجرتِ}. فأتت وأخبرت علياً فسكت رضي الله عنه وأرضاه.

إسلام عبد الله بن سعد

إسلام عبد الله بن سعد ونزل عليه الصلاة والسلام فصلى بالناس الظهر، ثم جلس يسمع للناس، وأتاه من يتوب، وأتاه من يعلن الإسلام، فوصل إليه عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وكان كافراً، ملحداً بالله العظيم؛ لكن أعلن إسلامه في ذلك اليوم، وقد آذى الإسلام كثيراً، فشفع له عثمان بن عفان، أخوه من الرضاعة، فسكت صلى الله عليه وسلم وعثمان يتكلم، والرسول عليه الصلاة والسلام ساكت لا يجيب، يريد أن ينبري أحد الصحابة، ليضرب عنق هذا الفاجر؛ لكن سكتوا، فلما طال الكلام عفا عنه صلى الله عليه وسلم فأخذه عثمان بيده وولى به؛ لأنه أخوه من الرضاعة، فقال عليه الصلاة والسلام للصحابة: {لِمَ لَمْ تقتلوه؟ قالوا: يا رسول الله! انتظرنا أن تومئ لنا بعينك أو تحدث لنا، قال: ما كان لنبي أن تكون له خائنة أعين} إنما هي الصراحة والوضوح والصدق والإخلاص مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وبعض الكفار من وجهاء مكة قد فروا، منهم:

إسلام صفوان بن أمية

إسلام صفوان بن أمية صفوان بن أمية:- ركب إلى جِدَّة، وجِدَّة - والحمد لله - تُنْطق جِدَّة، وجَدَّة وجُدَّة، قالها أهل اللغة. فهو يريد الهجرة والذهاب إلى الحبشة. وقد عاد الناس من الحبشة، وهو بادئ في الهجرة؛ ولكن للشيطان, فوقف وراءه عمير بن وهب وقال: يا صفوان! لا تفجعنا بنفسك. وعمير بن وهب هذا صاحب قصة قديمة. أنه جلس مرة عمير بن وهب مع صفوان وغيره تحت ميزاب الكعبة، والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، بعد معركة بدر، فقال عمير بن وهب: يا صفوان! أما ترى ماذا فعل محمد بآبائنا وإخواننا يوم بدر قتلهم؟ قال: نعم. قال: لو وجدتُ أحداً يقوم بأهلي وأسرتي وأطفالي لذهبت إليه في المدينة فقَتَلْتُه، قال: أنا أبو أسرتك بعدك وأبو أطفالك، فاذهب إليه، فحمَّله بالمال، وأعطاه المِيْرة، وذهب إلى المدينة بسيفه، فلما اقترب من المسجد، رآه عمر، فقال: إني أرى الشر بين عينَي هذا الفاجر، فتقدم عمر إليه فأخذه بتلابيب ثيابه وبحميلة سيفه وأدخله على الرسول عليه الصلاة والسلام في المسجد، فأجلسه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ماذا أتى بك يا عمير بن وهب؟ قال: أتيتُ أفادي بعض الأُسارى من أسارى بدر عندك، قال عليه الصلاة والسلام: لا. والذي نفسي بيده، لكنك جلستَ أنت وصفوان تحت ميزاب الكعبة، وقلتَ: لو وجدتُ من يكفل أطفالي وأسرتي لذهبتُ إلى محمد أقتلُه، أما فعلتَ؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فرجع مسلماً منيباً إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فهو من الداخلين في الإسلام. فلما فَرَّ أصبح صفوان في الميناء، قال له عمير: تعال يا صفوان! إنه من أحلم الناس، وأوقر الناس، قال: وما علامة ذلك؟ قال: هذا، أعطاني صلى الله عليه وسلم أماناً قيل: من العمامة، وقيل: من الثوب. فأتى صفوان فوقف على رأس الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: أَصَدَقَ هذا أنك أمنتني؟ قال: كم تريد من الأمان؟ قال: أربعة أشهر -حتى يفكر في الإسلام، هل يدخل العقل أم لا؟ والناس قد دخلوا زرافات ووحداناً، وهو باقٍِ يستخير!! -فقال عليه الصلاة والسلام: خذ أربعة أشهر فأعطاه أربعة أشهر، فأسلم رضي الله عنه قبل الأربعة.

إسلام عكرمة بن أبي جهل

إسلام عكرمة بن أبي جهل عكرمة بن أبي جهل:- وأما عكرمة فذهب إلى أرض اليمن، فلَحِقَتْه زوجته، فأتت به -ابن الطاغية الكبير، ابن فرعون هذه الأمة: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:27]. فأتى عكرمة -فلما رآه الرسول عليه الصلاة والسلام مقبلاً مع زوجته انظر إلى الاحتفاء والعفو والسماحة، لو كان غيره من الأقزام، كان تهدد عكرمة، وقال: انظر كيف فعلنا بكم وهزمناكم وسحقناكم؛ لكن لا، بل قام عليه الصلاة والسلام يجر رداءه حتى لقيه على الفرس، قال: {مرحباً بالراكب المهاجر} -يقصد أنه راكب ومهاجر إلى الله ورسوله، لم يقل: إنك منهزم، وفار، وقال: {مرحباً بالراكب المهاجر، فقال عكرمة: لا أترك موقفاً وقفت فيه ضدك أو مع من حاربك إلا وقفت معك فيه يا رسول الله}. فَصَدَقَ موعود الله، وبايع الله، فبقيت بيعة الإسلام في عنقه حتى يوم اليرموك، يوم انهزمت ميمنة المسلمين في عهد أبي عبيدة وخالد، فقام عكرمة وذهب إلى خيمته، فاغتسل وتحنط ولبس أكفانه، وسل سيفه، وقال: من يبايعني على الموت؟ فبايعه أربعمائة بطل، فشق بهم الصفوف، وقُتِلوا وأُتِي به إلى خالد، وقد تجندل، وكان قبلها يقرأ القرآن ويقبله ويبكي ويقول: [[كلام ربي كلام ربي]] واستدل بعض أهل العلم على جواز تقبيل المصحف من فعل عكرمة. ولا بأس بالاستطراد مع عكرمة. فلما أُتي به إلى خالد، وضعه خالد في حجره، ووضع ابن عكرمة وكان شاباً صغيراً في حجره كذلك؛ لأن خالد هو القائد، وأتى بـ الحارث بن هشام رضي الله عنه وأرضاه. الحارث بن هشام: عم عكرمة، أخو أبو جهل، انظر كيف هدى الله حارثاً إلى الجنة، وأخذ أبا جهل إلى النار. والحارث بن هشام من أغنى أغنياء مكة، كان يطوف بجفنته على رأسه مكللة بالثريد كل صباح إلى الأيتام والمساكين. فلما خرج إلى الجهاد في الشام بكى أهل مكة جميعاً عليه، والحارث بن هشام، هو الذي هجاه حسان يوم بدر، لأنه فر من بدر، حين كان مع المشركين، فيقول حسان: إن كنتِ كاذبةَ الذي حدثْتِنِي فنجوتِ منجى الحارث بن هشامِ ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ونجى بفضل طمرَّةٍ ولجامِ فلما أتى يوم اليرموك صدقوا الله جميعاً فقُتِلوا، فكانوا أربعة: فقال خالد لـ عكرمة: ماذا تريدون؟ فما استطاع عكرمة أن يتكلم -لأن الموت قد داخَلَهُ، وموعود الله عز وجل قد وصله، والعهد الذي قطعه مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قد ختمه: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111]-. فظن خالد أنهم يريدون الماء، فَدُعِا بماء بارد من الخيمة، فقدمه لـ عكرمة فرفض، وأشار إلى عمه الحارث، ليشرب قبله -انظر إلى الإيثار حتى في سكرات الموت: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]. وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولها الأشجارا أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا فوصل الماء إلى الحارث، فقال: إلى عكرمة، فأعطوه عكرمة فرفض إلا أن يشرب المسلم الرابع قبله، فرفض المسلم، فعادوا إلى عكرمة، فوجدوه قد مات، ودفعوه إلى الحارث، فإذا هو قد فارق الحياة، وإلى الثالث فإذا به قد مات، وإلى الرابع فوجدوه ميتاً، فرمى خالد بالكوب، وقال: [[اسقهم في جنتك، زعم الناس أنا لا نموت، بلى والله نموت تحت قصع السيوف وضرب الرماح]].

حب الأنصار للرسول صلى الله عليه وسلم

حب الأنصار للرسول صلى الله عليه وسلم ووصل بعض الناس، وأسلموا عند الرسول عليه الصلاة والسلام يوم الفتح، فقبل إسلامهم، وعاد عليه الصلاة والسلام وإذا الأنصار قد اجتمعوا، فقال: ما لكم رحمكم الله؟ فإذا التأثر قد ظهر عليهم، وبعضهم قد دمعت عيناه، وقالوا: يا رسول الله! سمعنا أنك تقول: سوف تقيم في مكة وتتركنا في المدينة، وكان المتكلم سعد بن عبادة -كما قيل- وقال: يا رسول الله! نصرناك، وآويناك، وبعدها تقيم مع أهل مكة وتتركنا؟ قال عليه الصلاة والسلام: {الحياة حياتكم، والموت موتكم}. ولذلك أكثر من يَرِدُ الحوض والرسول عليه الصلاة والسلام واقف يسقي الناس جماعات، الأنصار، وهو يقول لهم في الدنيا: {اصبروا حتى تلقوني على الحوض} فهو العلامة الفارقة بين الأنصار والوعد، والرمز الذي جعله صلى الله عليه وسلم هو الحوض المورود، وطوله شهر، وعرضه شهر، والرسول عليه الصلاة والسلام على الصحيح يسقي الناس بيده صلى الله عليه وسلم، فهو يسقيهم بيده يوم القيامة، نسأل الله أن يسقينا بتلك اليد الشريفة، وبذاك الحوض المورود شربة لا نظمأ بعدها أبداً. {فلما أقنعهم صلى الله عليه وسلم فرحوا وارتاحوا، وأتى رجل آخر، فقال: أين تنزل غداً يا رسول الله؟ -يقصد: في مكة، هل لك أملاك تنزل فيها؟ - قال: وهل ترك لنا عقيل من رِباع؟} وعقيل بن أبي طالب، ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام، أخو علي وأبو طالب مات مشركاً كما تعرفون وقد خلَّفَ أربعة أبناء: أما اثنان فسبقا إلى الإسلام، وكانا نجمين ساطعين في تاريخ الدعوة المحمدية والرسالة الخالدة: جعفر الطيار: الذي مُزِّق وقُطِّع في مؤتة، والذي ارتفع إلى الله وله جناحان، يطير بهما في الجنة حيث يشاء. أبو الحسن علي بن أبي طالب: الزاهد العابد، صانع الكلمة الحارة. وأما الآخران فكانا غير مسلمَين: طالب: مات مشركاً. عقيل: كان همه بيع الأملاك، أملاك الرسول عليه الصلاة والسلام في مكة، وأملاك علي بن أبي طالب، يوزعها على الكفار، فباعها جميعاً. فهم جميعاً أربعة: طالب أكبر من عقيل بـ (10) سنوات. وعقيل أكبر من جعفر بـ (10) سنوات. وجعفر أكبر من علي بـ (10) سنوات. وعلي الأصغر. فبين الأكبر والأصغر (40) سنة. فلما سُئِلَ الرسول صلى الله عليه وسلم: أتنزل في دارك؟ -أي: قبل أن تهاجر- قال: {وهل ترك لنا عقيل من رباع؟} أي: ما أبقى لنا شيئاً، لا بيتاً ولا وادياً، والله المستعان. لما حانت صلاة الظهر سكت الناس جميعاً، وأمر صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يقوم فيؤذن على الكعبة. وكان يستطيع أن يؤذن على البساط أو بجانب سارية؛ لكن هكذا؛ ليكون صوت الحق عالياً، وكأنه يقول: هذا العبد الفقير الحقير الذي أخرجتموه، والذي ردَّد: أحدٌ أحد، يردد الآن صوت الحق. وكان بلالٌ قليل اللحم، فقيل: لَمَّا تسلق الكعبة كان كأنه صقر، لم يكن هناك سُلَّم، وإنما وثب وثباً حتى صعد. فلما صعد أخذ يصدح بصوته الندي الشجي الذي يأخذ بأطناب القلوب. فيقول عتاب بن أسيد، أحد سادات مكة: لقد كان من الفتح أن يموت أسيد قبل أن يسمع هذا الغراب يؤذن على هذا المكان. ويقول عمرو بن سعيد بن العاص: لقد كان سعيد موفقاً يوم أن لم ير هذا السواد على هذا البيت، وسعيد هو أبوه، وكان قد قتل في بدر. ويقول أبو سفيان: دعوه، فإن كان موفقاً أَتَمَّ، وإلا فسوف يخسف الله بهم الكعبة، بمعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم إن كان موفقاً في دعوته أَتَمَّ الله له، وإلا فسوف يخسف الله بهم الكعبة؛ لأنهم أطلعوا العبد على الكعبة، انظر إلى الورع والزهد!! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] أي: هل هؤلاء أهل صلاة وأهل عبادة؟! إنهم لا يعرفون إلا تصفيقاً وغناءً. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {سَامِراً تَهْجُرُونَ} [المؤمنون:67]. ولذلك ليسوا بأوليائه؛ إنما أولياؤه: محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه. فلما أذن ذلك اليوم، كان يوماً مشهوداً في تاريخ البشرية، وكان ميلاد مكة ذلك اليوم، وكان هو الفتح، فإنها - كما يقول أبو ريشة: فاستفاقت على صباح جديد ملء آذانها أذان بلالِ لأنه قبل هذا البيت قال: قال: ياعمِّ! لا تدعني هنا وحدي ما لي سواك من مفضالِ فتلقاه بالدموع وسارت بهما الخيل في شعاب التلالِ فاستفاقت على صباح جديد ملء آذانها أذان بلالِ فرضي الله عن بلال، وأكرم مثواه، وحشرنا معه، ومع كل صِدِّيق. وعاد عليه الصلاة والسلام بعد هذا الفتح، وأحداثه تطول؛ لكن فيها دروس وعبر، وسيرته صلى الله عليه وسلم مناطها يدور على ثلاثة أمور: الأمر الأول: العقيدة: فإن المعتقد يطلب من السيرة. الأمر الثاني: الأحكام: فإن السيرة مليئة بالأحكام. قال ابن سريج الشافعي: من أراد دقائق الأحكام فليقرأ السيرة. الأمر الثالث: الآداب والسلوك والتربية: فإنها في السيرة.

بعض المعجزات التي حدثت في فتح مكة

بعض المعجزات التي حدثت في فتح مكة

معجزة الرسول مع فضالة

معجزة الرسول مع فضالة كان الرسول عليه الصلاة والسلام يطوف بـ مكة فلما طاف يوم الفتح، أتى فضالة بخنجر معه، فقال: أريد أن أقاربه ثم أقتله، فأخذ صلى الله عليه وسلم بيد فضالة، وقال: يا فضالة! ماذا تقول؟ قال: أسبح الله وأستغفر الله، يتمتم بلسانه وهو يطوف بالبيت، قال عليه الصلاة والسلام وهو يتبسم: أستغفرُ الله! يا فضالة! ماذا تحدث به نفسك؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله؛ لأنهم لا يدرون أنه رسول حتى يتيقنوا بهذا الكلام.

معجزة الرسول مع أبي سفيان

معجزة الرسول مع أبي سفيان أورد ابن كثير قوله: ومر عليه الصلاة والسلام وإذا بـ أبي سفيان جالس عند المقام، لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعد الصلح والعفو وبعد الدخول والخطبة، جلس أبو سفيان يقول في نفسه: كيف تجتمع العرب على محمد هذا الاجتماع؟! لأغزونه بالجيش مرة ثانية -يقول في نفسه، لم يحدث أحداً- فأتى صلى الله عليه وسلم فقال: أما آن لك يا أبا سفيان؟ قال: وماذا فعلتُ يا رسول الله؟ قال: تقول لنفسك: كذا وكذا، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله.

بعض الفوائد من فتح مكة

بعض الفوائد من فتح مكة في هذه القصة -كما قلنا- دروس وفوائد:

كشف خبر حاطب

كشف خبر حاطب الفائدة الأولى: معجزةٌ لرسولنا صلى الله عليه وسلم في كشف خبر حاطب:- فإن الله أطلعه على بعض علم الغيب، والله هو الذي يطلع على علم الغيب - سُبحَانَهُ وَتَعَالَى - من يريد، ولا يطلع على علم الغيب أحداً غير الأنبياء والأولياء الصالحين. وأما غيرهم من المشعوذين والكهنة، فقد يأتيهم من الجن، ومن خدامهم، والذين يتولونهم من الشياطين؛ فإن الكاهن يأتي إليه الشيطان، ويأتي إليه وليه، فيخبره، فيكذب معها مائة كذبة، كما قال صلى الله عليه وسلم. وفي حديث في (سنن أبي داوُد): قال: {ويقرها في أذنه كما تقر الدجاجة، فيأخذها فيزيد عليها مائة كذبة}. أما الرسول عليه الصلاة والسلام فيأتيه الخبر صافياً نقياً، لا شائبة فيه، من السماء.

قبول عذر المسلم

قبول عذر المسلم الفائدة الثانية: قبول معذرة المسلم: فقد كاد حاطب رضي الله عنه وأرضاه أن يُودي بالإسلام والمسلمين في داهية، ولكن مع ذلك قَبِل صلى الله عليه وسلم معذرته. ومن حسن إسلام المرء أن يقبل اعتذار من يعتذر إليه؛ فإنه ما اعتذر إليك إلا لجلالتك في قلبه، ولمحبتك إليه، والله عز وجل سِتِّيْرٌ يحب الستر، وعذر العاذرين في الدنيا، ويسامح المسامحين، وييسر على الميسرين، والجزاء من جنس العمل. فإذا اعتذر إليك مسلم قد أخطأ، فاقبل عذره، واحمله على أتم المحامل فإن هذا من شيم الصالحين، بل إنه من شيم العرب من قبل ذلك. فـ النابغة الذبياني لما أساء مع النعمان بن المنذر، قبل النعمان معذرته، فيقول: لئن كنتَ قد بلغت عني وشايةً لمبلغك الواشي أغش وأكذبُ فقَبِل النعمان عذره، فيقول: حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبةً وليس وراء الله للمرء مذهبُ والرسول عليه الصلاة والسلام قبل أعذار الناس، حتى الذين كادوا له، والذين دبروا اغتياله، وأخرجوه من دياره. وفي حديث في سنده نظر: أن كعب بن زهير قدم على الرسول عليه الصلاة والسلام وقد أساء، وأهدر دمه، فلما وصل إلى المدينة قال للصحابة: ماذا أفعل؟ والرسول عليه الصلاة والسلام قد أهدر دمي، والله ما تهنيتُ بطعام ولا شراب، ولا اكتحلتُ بنوم؛ لأنه كان يمضي في الليل وينام في النهار، قالوا: أنت شاعر مجيد، اصنع لك أبياتاً وقدمها للرسول عليه الصلاة والسلام، فأتى في صلاة الفجر، فلما صلى صلى الله عليه وسلم ألقى عليه تلك المقطوعة الرائعة: بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ مُتَيَّمٌ إِثْرَها لَمْ يُفْدَ مكبولُ إلى أن يقول: نبئتُ أن رسول الله أوعدني والوعد عند رسول الله مأمولُ مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة الـ ـقرآن فيها مواعيظٌ وتفصيلُ لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثُرَت فيَّ الأقاويلُ فعفا عنه صلى الله عليه وسلم وسامحه، ومع ذلك حَطَّ له جُبَّتَه من عليه، فبِيْعَت بأربعين ألفاً في عهد معاوية، وبقيت يتداولها خلفاء الدولة العثمانية في الأتراك، وقيل في بعض الروايات: إنها لا تزال في المتحف في اسطنبول، والله أعلم.

غضب الصحابة لله

غضب الصحابة لله الفائدة الثالثة: غضب عمر لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم: الغضب للنفس ردى، والغضب للناس علياء، والغضب لله عز وجل علياء وأجر. ولذلك يقول بعض أهل العلم: طابع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم يغضبون لله، ويرضون لله؛ فلا يغضبون لأنفسهم. فـ عُمَر كان يُسَب أمام الصحابة من بعض الناس، ويُسَب أمام الناس، فما يغضب، فإذا سمع أن دين الله أو رسالة الله، أو شيئاً من مبادئ الدين الخالد يناله شيء، غضب وأصبح كالأسد. فهذا هو الغضب لله، والرضا له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ثم هناك حول الغضب لله مسائل: ورد من الغضب لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه طارد مجرماً كافراً مشركاً، فلما طارده وقع المجرم على ظهره، فأتى علي رضي الله عنه يطعنه بالسيف، فبَصَق هذا المشرك في وجه أبي الحسن، فكَفَّ رضي الله عنه وأرضاه عن قتل المشرك. قال الصحابة: ما لك؟ قال: أولاً كنتُ أريد قتله لوجه الله، والآن أردت أن أقتله لنفسي، فترك ما لنفسه لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فيا لتلك القلوب! كيف بلَغَت من التربية ومن الصدق؟! وهم كما قال ابن مسعود: [[أخلص الأمة إيماناً، وأعمقها علماً، وأبرها قلوباً، وأقلها تكلفاً]]. ولذلك يقول الله فيهم يوم الفتح: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحَاً قَرِيباً} [الفتح:18]. قال ابن القيم: علم ما في قلوبهم من اليقين والإيمان، ومن التقوى والبر، فهم أتقى الناس، وأبر الناس، وأصدق الناس، وأخشى الناس. فسبحان الذي اختارهم لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فضل أهل بدر

فضل أهل بدر الفائدة الرابعة: فضل أهل بدر: حيث أنهم أفضل الناس بعد العشرة المبشرين بالجنة.

الفطر في السفر

الفطر في السفر الفائدة الخامسة: الفطر في السفر، وأنه أفضل لمن شق عليه الصوم:- وذلك بدلالة هذا الحديث، الذي أفطر فيه صلى الله عليه وسلم وهو مسافر إلى مكة لَمَّا شق على الناس، ولما خالفه بعض الناس، قال: {أولئك العصاة، أولئك العصاة}. فمن شق عليه الصيام في السفر، فالأفضل في حقه أن يفطر؛ لهذا الحديث ولغيره.

إرهاب العدو بالقوة

إرهاب العدو بالقوة الفائدة السادسة: إرهاب العدو بالقوة: وفيها معلم من معالم الإسلام وهو أن الواجب على المسلمين أن يظهروا التكاتف والتعاون، وأن يظهروا المراسيم الإسلامية بقوة، حتى يرهبوا أعداء الله، خاصة في الأعياد، وفي الجمع، ومناسبات الخير. فمن إرهاب العدو:- حمل ذلك بعض الصحابة رضوان الله عليهم على لبس الحرير في المعركة؛ ليرهبوا أعداء الله: فإذا رأى المسلم أن من اللباس ما يغيظ به الكافر والمنافق فله أن يلبسه. وبعضهم مشى مشية الخيلاء: كـ أبي دجانة، الفارس المشهور؛ فإنه أخذ يتبختر يوم أحد، فقال عليه الصلاة والسلام: {إن هذه مشية يبغضها الله؛ إلا في مثل هذا الموطن} حيث أراد أن يغيظ بها الكفار. وإذا كان من القوة والاجتماع ومن الشيء أن يغيظ به أعداء الله فإن الدين -كما يقول ابن القيم - يكون على المراغمة: أي: أن تراغم أعداء الله، فما أحسن المراغمة! وأعظم ما يُراغَم الشيطان، فإنك كلما عصيتَه أرغمت أنفه في التراب. ولذلك كان عليه الصلاة والسلام متعمِّداً لهذا العدو، فإنه دخل بعشر كتائب، وزعها على أربعة جيوش، وأشعل كل جندي ناراً، حتى أخذت جبال مكة تلتهب، فأدخل الله الرعب في قلوب الكفار. نصرت بالرعب شهراً قبل موقعة كأن خصمك قبل القتل في حُلُمِ إذا رأوا طائراً في الجو أذهلهم ظنوك بين بنود الجيش والحشمِ

قراءة القرآن على الدابة

قراءة القرآن على الدابة الفائدة السابعة: قراءة القرآن على الدابة: فهذا جائز، ولا بأس به، فالرسول عليه الصلاة والسلام في قصة الفتح، قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} [الفتح:1] وأخذت تُهَوْجِلُ به الدابة، فأخذ صوتُه يتردد صلى الله عليه وسلم، قال أحد الصحابة: {والله لولا أن يجتمع عليَّ الناس لرَجَّعْتُ بكم بصوتي كما رَجَّعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوته}. فإذا ركبتَ السيارة، أو الطائرة، أو أي دابة فلك أن تقرأ كتاب الله عز وجل، فإنه نعم الأنيس؛ لأن بعض الناس يتحرج؛ لأنه راكب أو ليس مستقراً في مكان. وورد عنه عليه الصلاة والسلام: {أن داوُد عليه السلام سهل الله عليه الزبور} وفي لفظ آخر: (القرآن) لكن حَمَلَه بعض المحدثين على أنه الزبور: {فكان يقرأه قبل أن تُسْرَج له الدابة}. فهذا دليل على أنهم كانوا يقرءون في أسفارهم، فلا بأس من القراءة على الدابة، ولا بأس أن تقرأ وأنت تمشي، إذا كان هذا أصلح لقلبك وأفيد وأحفظ لوقتك. كان بعض الصالحين إذا رأى الشباب يتوجهون إلى المساجد قال: تفرقوا من طريقكم إلى المسجد وفي رجوعكم. قالوا: لماذا؟ قال: لأنكم إذا سرتم سوياً تحدثتم, وإذا تفرقتم قرأتم القرآن وذكرتم الله.

طمس الصور

طمس الصور الفائدة الثامنة: طمس الصور، وإخراجها: فالرسول عليه الصلاة والسلام لما دخل البيت، طمس صورة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وهذا واجب المسلم ألاَّ يبقي في بيته صورة، خاصة تلك التي تعلق، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة} وفي لفظ: (ولا جُنُب) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فعلى المسلم أن يكون بيته نظيفاً من هذه الصور، خاصة الخليعة منها، أو التي تُعَلَّق للذكرى وللتعظيم، فهذه محرمة. أما الضرورية التي في الحفائظ والمستندات فلا بأس بها للضرورة.

عدم موالاة المشرك ولو كان قريبا

عدم موالاة المشرك ولو كان قريباً الفائدة التاسعة: عدم موالاة المشرك ولو كان قريباً: فإن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان لما دخل عليها أبوها، سَحَبَتْ عنه فراش رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. فعلى المسلم أن ينتبه لهذه، وألاَّ يوالي مشركاً ولو كان ابناً أو أباً أو أخاً إذا كان يحاد الله عز وجل ويعارض كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل يعاديه، فإن هذا هو الإيمان.

كتمان الأمور الهامة

كتمان الأمور الهامة الفائدة العاشرة: الكتمان للأمور المهمة: فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كتم أمره. فالواجب على المسلم إذا أراد أمراً في مصلحة لنفسه في الدنيا والآخرة لا إضرار على المسلمين أن يكتب هذا الأمر. وهناك أثر يرفعه بعض أهل العلم، يقول: {استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان} وقال عمر: [[من كتم أمره كان الخيار في يده]]. فأنت إذا كتمتَ أمرك فالخيار في يدك أن تمضي هذا الأمر أو تسحبه. فواجب المسلم أن يكتم أموره إلاَّ عن صديق محب يستشيره في ذات الله عز وجل.

رعي النبي صلى الله عليه وسلم للغنم

رعي النبي صلى الله عليه وسلم للغنم الفائدة الحادية عشرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رعى الغنم: فقد كان سيد المتواضعين، وكان يعلن حالات الفقر والذكريات الأولى التي مرت به في أول حياته؛ فإن بعض الناس إذا رفعه الله في الدنيا وتولى منصباً أو تصدر في الناس أو توجه، لا يذكر ذاك الماضي، كأنه نشأ في هذا النعيم منذ نعومة أظفاره، وكأنه ما عرف البؤس ولا الجوع؛ لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول: {رعيت الغنم على قراريط لأهل مكة لـ ابن أبي مُعَيط}. وعمر بن الخطاب خطب في الناس، فلما خطب فيهم قال: [[من أنا؟ قالوا: أنت أمير المؤمنين، قال: أنا عمر بن الخطاب، كنتُ أُدْعَى في الجاهلية عميراً، كنتُ أرعى على قراريط لآل أبي مُعَيط الغنم، فلما انصرف قال ابنه عبد الله: ما حملك على ما فعلتَ؟ قال: لما رأيتُ الجموع أمامي أعجبتني نفسي، فأردتُ أن أكسرها]]. وفي فتح مكة أتت بنت قيلة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فرأت الرسول عليه الصلاة والسلام فأُرْعِدت فرائصُها، وخافت من هيبته، فقال: {هَوِّنِي عليكِ} وعند أحمد: أنه رجل، قال له: {هَوِّنْ عليكَ، فإني ابن امرأة كانت تأكل القَدِيْدَ بـ مكة} عليه الصلاة والسلام. نعم، كانت تأكل القديد بـ مكة؛ لكن أصلح الله على يديك البشرية، ورفع على يديك معالم الإنسانية، وزعزع بفضله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ثم بإرسالك معالم الوثنية. ذكروا عن الإمام أحمد: أنه خرج إلى السوق، فأراد الناس أن يحملوا الحطب عنه، وكان على ظهره، فقال: نحن قوم مساكين، لولا ستر الله لافتضحنا.

قبول الهدية ولو كانت يسيرة

قبول الهدية ولو كانت يسيرة الفائدة الثانية عشرة: قبول الهدية ولو كانت يسيرة: فإن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو قائد الجيش ومعلم البشرية أُرسِلت له فخذ أرنب طُبِخَت، فَقَبِلَها صلى الله عليه وسلم ودعا لـ أبي طلحة. فالمسلم يقبل الهدية، ويقبل ما عرض له سواء كان كثيراً أو قليلاً؛ لأنه لا قيمة للمسلم عند نفسه؛ لأن الذي يرفع ويكرم ويسدد ويوفق هو الحي القيوم، أما الناس فليس لأحد عندهم قدر إلا ما قدروه لأسباب دنيوية. قال ابن تيمية في المجلد الأول وهو يتحدث عن العقيدة: إن الناس إذا أكرموا الإنسان فإنما يكرمونه لأسباب أكثرها دنيوية. حتى أنه قيل: من استغنيتَ عنه فأنتَ نظيره، ومن احتجتَ إليه فأنتَ أسيره، ومن احتاج إليك فأنت أميره فأنت بين أمير أو أسير أو نظير.

الأمان للمشرك

الأمان للمشرك الفائدة الثالثة عشرة: الأمان للمشرك؛ حتى يسمع كلام الله عز وجل: فإن الرسول عليه الصلاة والسلام ما باهَتَ المشركين وما عاجَلَهُم حتى أسْمَعَهم داعي الله وكلامه، كما فعل بـ أبي سفيان يوم أتاه في الخيمة.

صلاة الضحى

صلاة الضحى الفائدة الرابعة عشرة: صلاة الضحى: وهي من أعظم النوافل التي يتقرب بها المتقربون إلى الله، وهي صلاة الأوابين، صلاها صلى الله عليه وسلم ثماني ركعات يوم الفتح، وقيل: صلاها ستاً، في بعض الأوقات، وقيل: صلاها أربعاً، وأكثر ما أوصى صلى الله عليه وسلم أن تصلى ركعتين اثنتين، فإنه أوصى أبا هريرة كما في (الصحيح) قال: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث، لا أدعهن حتى أموت: بركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام، وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر} وعند أحمد في (المسند) في رواية أخرى: {وبغسل يوم الجمعة}. فعلى المسلم أن يفرغ من وقته دقائق في النهار، ليصلي ركعتي الضحى؛ فإنها تعادل أجر ثلاثمائة وستين صدقة، فالتسبيحة بصدقة، والتحميدة، والتكبيرة، والتهليلة، وإصلاح بين الناس، وأمر بمعروف ونهي عن منكر صدقة، على كل مفصل وكل سُلامَى، وفي الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاًَ، فيغني عن ذلك كله ركعتان من الضحى. ووقت صلاة الضحى: بعد طلوع الشمس، من ارتفاعها إلى قريب الظهر، سبحاً طويلاً، فمن أراد أن يتقرب فليتقرب. وقل لـ بلال العزم مِن قلب صادقٍ أرِحْنا بها إن كنت حقاً مُصَليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجِنان الثمانيا

الصلاة داخل الكعبة

الصلاة داخل الكعبة الفائدة الخامسة عشرة:- الصلاة داخل الكعبة: وذلك خلافاً لما ذهب إليه بعض أهل العلم، حيث قالوا: لا يُصلَّى داخل الكعبة، والصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى داخل الكعبة، وأنه لا بأس به. وأما الأمر الممنوع: فهو الصلاة على ظهر الكعبة، فوق السطح؛ لحديث الترمذي عن ابن عمر قال: {سبع مواطن نهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها: ظهر الكعبة، ومعاطِن الإبل، والمقبرة، والمجزرة، وقارعة الطريق} إلى آخر تلك السبعة؛ لكن هذا الحديث في سنده زيد بن جبيرة الأنصاري، وهو ضعيف عند أهل العلم.

قبول إجارة المرأة

قبول إجارة المرأة الفائدة السادسة عشرة: قبول إجارة المرأة: فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل إجارة أم هانئ لـ ابن هبيرة لَمَّا أجارت ابن هبيرة من علي بن أبي طالب.

الكلام في المغتسل للحاجة

الكلام في المغتسل للحاجة الفائدة السابعة عشرة: الكلام في المُغْتَسَل للحاجة: فيجوز لك للحاجة وأنت تغتسل أن تتكلم، إلاَّ إذا كان في مكان تُقضَى فيه الحاجة فكره أهل العلم ذلك، لكن المكان الذي يُغْتَسَل فيه، فلك أن تتكلم ولا بأس؛ لأنه لم يَرِدْ مانع من ذلك. فالرسول عليه الصلاة والسلام وفاطمة تستره، قال: {من هذه؟ قالت: أم هانئ، قال: مرحباً بـ أم هانئ} فتكلم معها عليه الصلاة والسلام وهو في المغتسل.

عودة حرمة مكة

عودة حرمة مكة الفائدة الثامنة عشرة: عودة حرمة مكة كما كانت عليه: فإنه لما خطب صلى الله عليه وسلم الجموع يوم مكة، خاف أن يُتَوَهَّم أنه يجوز استحلال مكة دائماً، والدخول بالجيوش والمقاتلة، فقال: {يا أيها الناس! إنما أُحِلَّت لي مكة ساعة من نهار، ثم عادت حُرمتُها كما كانت يوم خلق الله السموات والأرض، لا يُعْضَدُ شوكُها، ولا يُخْتَلَى خلاها، ولا ينفر صيدُها، فمن فعل ذلك - في بعض الروايات - فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}. ولذلك في صحيح البخاري: عن أبي شريح قال: لما حزَّب عمرو بن سعيد الأشدق -وهو أموي، وهو أول مَن رَعَفَ على منبر الرسول عليه الصلاة والسلام حيث يقول صلى الله عليه وسلم في أثر فيه ضعف: {كأني ببني أمية يتَنازَون عن منبري كما تتَنازَى القردة، يَرْعُفُون} أي: يَرْعُفُون بالدم، فأتى عمرو بن سعيد، وكان جباراً بائساً ظلوماً غشوماً، دخل المدينة وخطب على المنبر، ثم سَعَل، ثم رَعَفَ، نزل الدم من أنفه، فعرف الصحابة أن هذا منهم. فأتى عمرو بن سعيد هذا فحزَّب الجيوش، يريد بها مهاجمة ابن الزبير في مكة، فأتى أحد الصحابة وهو أبو شريح، فقال: يا أيها الأمير! اسمع مني كلاماً، قال: ما هو؟ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة الفتح، سمعته أذناي، ورأته عيناي، ووعاه قلبي، يقول: {إن مكة أُحِلَّت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتُها كما كانت يوم خلق الله السماوات والأرض، لا يُخْتَلَى خلاها، ولا يُعْضَدُ شوكُها، ولا يُنَفَّر صيدُها، فَبَسَرَ الأميرُ في وجهه، وكََلَحَ، وقال: نعم أعلم بهذا منك، يا أبا شريح! والله ليس بأعلم ولا أدرى، لكن هكذ ثم قال: الحرم لا يُعِيْدُ فارَّاً بِخَرِبَة} هذه رواية، بمعنى أنه لا يعيد هذا. فليُعْلَم هذا.

لا يرث المسلم الكافر

لا يرث المسلم الكافر الفائدة التاسعة عشرة: لا يرث المسلم الكافر: وهذا هو الصحيح؛ إلا ما خالف معاذ رضي الله عنه وأرضاه جمهور أهل العلم في المسألة، وقال: المسلم يرث من الكافر؛ لكن الكافر لا يرث من المسلم، واستدل معاذ أبو عبد الرحمن، وهو سيد العلماء بقوله صلى الله عليه وسلم: {الإسلام يعلو ولا يُعلَى عليه} فيقول: المسلم يرث من الكافر، والكافر لا يرث من المسلم. لكن جماهير أهل العلم، وهذا هو الصحيح، يقولون: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم. فالرسول عليه الصلاة والسلام ترك أملاكَه وتَرِكَتَه لما دخل؛ لأن الكفار أخذوها، ولأن الذي ورث طالب بن أبي طالب، وميراث الرسول صلى الله عليه وسلم كان عند عمه أبي طالب، فأخذها طالب، فأصبحت ميراث مشرك.

تغيير الشيب بغير السواد

تغيير الشيب بغير السواد الفائدة العشرون: تغيير الشيب بغير السواد: وقد مرت قصة، لكني صدفت عنها، وهي: أن أبا قحافة والد أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه أبو أبكر اسمه: عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة، فـ أبو قحافة هو أبوه- كان يوم الفتح موجوداً، أتدرون أين كان؟ كان يرعى الغنم في جبل من جبال مكة، ولم يسلم حتى ذلك اليوم، وقيل: أسلم، فقال لابنته، أخت أبي بكر: ماذا ترين؟ قالت: يا أبتاه! إني أرى سواداً يَنْقاد، قال: المَحِي، هل هو ثابت أولا؟ قالت: لا. ثابتٌ بالأرض، قال: هذا الخيل. أترين شيئاً؟ قالت: أرى رجلاً يصعد وينزل أمام الخيل، قال: هذا الخيال يَرُدُّ الخيلَ ويصُفُّها أي: خيل الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما قدم الرسول عليه الصلاة والسلام من تواضعه صلى الله عليه وسلم ومن معرفته لمكان أبي بكر ولمقامه في الإسلام، قام صلى الله عليه وسلم وذهب ليزور أبا قحافة هذا، فقال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: نحن نأتي به يا رسول الله، أي: لمكانة الرسول عليه الصلاة والسلام فأتوا به وهو شيخ كبير، ولحيته كالثغامة البيضاء، أي: أنها بيضاء كلها ليست مُغَيَّرة، لا بأسود ولا بأحمر ولا أصفر، فقال صلى الله عليه وسلم: {غيروا هذا وجنبوه السواد} وجنبوه السواد: ليست ضعيفة، بل هي صحيحة، وليست مُدْرَجة بل هي متصلة في المتن. فالصحيح أن السواد لا يصبغ به، وأنه منهي عنه؛ ولكن يغير الشيب إما بأحمر أو بحناء، أو بكَتَم، أو بشيء من الأصفر. وعند أبي داود في سننه حديث فيه كلام: يقول صلى الله عليه وسلم: {ليكونن أقوام من أمتي في آخر الزمان لحاهم كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة يوم القيامة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، قيل: هؤلاء الذين يغيرون بالسواد؛ لأن فيه خديعة. واستثنى بعضُ العلماء -كما يقول ابن حجر - استثنوا ذا السلطان؛ فإن ذا السلطان يغير بالسواد؛ لكن هذا الاستثناء ينبغي أن يتوقف إلى الدليل، وقالوا: إن الحسن والحسين غيرا بالسواد. لكن الأولى للمسلم أن يجتنب هذه الأمور التي فيها مخالفة؛ لأنها ظهرت النصوص فيها.

أداء الأمانة إلى أهلها

أداء الأمانة إلى أهلها الفائدة الحادية والعشرون: أداء الأمانات إلى أهلها: فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أخذ مفاتيح الكعبة، فأتى علي بن أبي طالب فقال: {سلم لنا المفاتيح يا رسول الله! فقال: لا، اليوم وفاء وبر، ثم دعا عثمان بن طلحة، وقال: خذها تالِدَة ووالِدَة في يديك، لا ينزعها منكم إلا ظالم} أي: مفاتيح الكعبة، فأخذها، وهي ما زالت في أيديهم إلى اليوم.

لبس السواد للحاجة

لبس السواد للحاجة الفائدة الثانية والعشرون: لبس السواد للحاجة: فإن بعض أهل العلم كره السواد؛ لكن لا بأس به، فالرسول عليه الصلاة والسلام لبس ثوباً مُرَحَّلاًَ من شعر أسود، ولبس عمامة يوم الفتح سوداء. ولذلك لما أتى أبو مسلم الخراساني، الطاغية الظالم، الذي قاد حملة دولة بني العباس ودخل إلى بغداد، وهو الذي أسقط دولة بني أمية، وقتل مليوناً من المسلمين، أي: ألف ألف - كما يقول الذهبي - وهو مسلم في الظاهر، وأظنه مسلماً، لما أتى ووقف على المنبر يوم الجمعة وعليه عمامة سوداء، وقف أحد المسلمين وقال: ما لي أراك تلبس السواد؟ قال أبو مسلم الخراساني: حدثني فلان عن فلان عن أبي الزبير عن جابر {أن الرسول عليه الصلاة والسلام دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء} يا غلام! تناوله فاضرب عنقه، فضرب عنقه وسط الصف. هذا أبو مسلم. فالرسول صلى الله عليه وسلم لبس السواد صراحةً،؛ ولكن أحسن اللباس هو البياض: {البسوا البياض وكفنوا فيه موتاكم}.

لبس أدوات السلاح داخل الحرم

لبس أدوات السلاح داخل الحرم الفائدة الثالثة والعشرون: لبس أدوات السلاح داخل الحرم: فلا كراهة في ذلك، وإنما كره أهل العلم ذلك لغير الحاجة، أما للحاجة فيجوز لبس السلاح داخل الحرم؛ وهي مسألة عالجها البخاري في (صحيحه) وتطرق إليها.

عدم عودته صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى مكة

عدم عودته صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى مكة الفائدة الرابعة والعشرون: عدم عودته صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى مكة:- فإن الرسول عليه الصلاة والسلام ما عاد إلى مكة، وما لبث فيها بعد الهجرة. هذا، ونسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يفقهنا وإياكم في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي سيرته، وأن يحشرنا في زمرته، وأن يأخذ بأيدينا لكل خير. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

الدعاء هو العبادة

الدعاء هو العبادة الدعاء هو العبادة، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، وللدعاء شروط وآداب لابد من مراعاتها ليكون الدعاء أحرى بالإجابة. وفي هذه المادة تحدث الشيخ عن هذه الشروط والآداب، وعن حكم التعدي والاستبطاء فيه، وطلب الدعاء من الصالحين. وتطرق فيها إلى ذكر بعض أدعية الأنبياء والرسل كنوح وإبراهيم وموسى وغيرهم.

الحث على الدعاء

الحث على الدعاء الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. رأيت أن نتحدث هذه الليلة عن موضوع خطير وكبير ومهم، وهو موضوع الدعاء وعنوان هذا الدرس: الدعاء هو العبادة. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] ويقول تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] وصح عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: {الدعاء هو العبادة} رواه الحاكم بسند صحيح. وعند الترمذي في سننه: {الدعاء مخ العبادة} لكن فيه ضعف، فيه دراج أبو السمح يروي عن أبي الهيثم وهو ضعيف. فإذا علم هذا -أيها الأخيار- فموضوعنا هذه الليلة: الدعاء هو العبادة يندرج فيه عناصر:- أولها: الحث على الدعاء. الثاني: دعاء الأنبياء في القرآن عليهم الصلاة والسلام. ثالثاً: أعظم الأدعية في السنة. رابعاً: أدعية نبوية عامة صحت عنه صلى الله عليه وسلم. خامساً: سيد الاستغفار وشرحه. السادس: الاستعاذة من الهم والغم وما في حكمهما، أي: الأمور التي استعاذ منها صلى الله عليه وسلم. المسألة السابعة: نماذج في استجابة الله لأوليائه، يوم تنقطع بهم الحبال ويبقى حبل الله، ويوم تنقطع بهم الأسباب ويبقى سبب الله، ويوم توصد أمامهم الأبواب، فيبقى باب الله، نورد قصصاً ونماذجاً من دعاء الأخيار والأبرار والصالحين الذين التجئوا إلى الله في وقت الحرج، فأجابهم الله فكشف كربهم، وأزال همهم وغمهم، وكان معهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى، على حد قوله تبارك وتعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [النمل:62]. المسألة الثامنة: طلب الدعاء من الصالحين، هل لك أن تقول لرجل صالح: لا تنسانا من دعائك يا أخي أم ماذا؟! وتفصيل القول في ذلك، بإذن الله. التاسع: التعدي في الدعاء وكيف يكون التعدي؟ المسألة العاشرة: الملل والسأم والضجر والانقطاع عن الدعاء واستبطاء الإجابة؛ فإن كثيراً من الناس يدعون فيستبطئون الإجابة، فيتركون الدعاء ويوقِّتون الأمر لله، ويحددون إجابة دعواتهم بالزمن بشهر أو سنة، فإذا ما أتى مطلوبهم كرهوا الدعاء، وسئموا منه، وانصرفوا عن باب الواحد الأحد، فوقعوا في شر مما فروا منه. الحادية عشرة: الاستثناء في الدعاء: إن شاء الله، وما في حكمها. الثانية عشرة: الأوقات الفاضلة للاستجابة، ما هي الأوقات التي إذا دعوت الله فيها أجاب الله دعوتك؟ وما هي الأوقات التي تفضل غيرها، بالاستجابة وبالتحري؟ أما آخر المسائل وهي الثالثة عشرة: فالدعاء والقضاء، وهي مسألة تطرح عند كثير من الناس، كيف أدعو الله أن ينجحني وقد كتب علي أني راسب؟ كيف أدعو الله أن يشفي ابني وقد كتب عنده أن ابني يبقى مريضاً؟ يجاب عن هذه الأسئلة وعن غيرها -إن شاء الله- في غضون هذا البحث. - الحث على الدعاء، كما سمعتم قوله عليه الصلاة والسلام: {الدعاء هو العبادة}. وبعض الناس يجعل الدعاء باباً ثانوياً، حتى تجد بعضهم يقول: لا بأس أن تدعو، وكأن الدعاء أمر سهل إن أتى وإن ذهب، وما علموا أن الدعاء سهام الليل.

سهام الليل

سهام الليل دخل أحد الصالحين على ظالم من الظلمة، فقال السلطان الظالم: والله لأقتلنك قتلة ما قُتلها أحد من الناس، فقال الرجل الصالح: عندك الجنود -يقول للسلطان- والبنود والسيوف والرماح وأما أنا فعندي سهام الليل، قال: ما هي سهام الليل؟ قال: أوتار أمدها بخشوع وأرسلها بدموع مع السحر فيرفعها الحي القيوم، يقول لها: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين، فقال السلطان -وهو يرتعد-: مادام أنك التجأت إلى الحي القيوم فلا أمسك. من الذي التجأ إليه فلم ينصره؟! دخل البرامكة وزراء بني العباس السجن، بطروا وأكلوا وشربوا وضحكوا، وعمروا ورفعوا القصور حتى بلغ من إعجابهم بأنفسهم أن أخذوا ماء الذهب وطلوا به القصور بطراً. وأخذوا عبيد الله عبيداً وخولاً، وسفكوا الدم، وكان هناك شيخ كبير مسن ظلموه، فرفع يديه في السحر وقال: يا قاصم الجبابرة! خذ البرامكة، فأخذهم العزيز المقتدر، الذي يمهل ولا يهمل، وإذا أخذ فإن أخذه أليم شديد: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]. أليم يصل إلى القلوب، وشديد لا يطاق على الأرواح، فغضب عليهم الخليفة أقرب الأقرباء إليهم، لأنه يقال: من اعتمد على غير الله جعل خوفه من هذا المأمن، فيقطعهم من المكان الذي استأمنوا منه. ومن تعلق بحبل غير حبل الله انقطع به الحبل، ومن ركن إلى صديق وإلى صاحب ورضي به من غير الله، لا تأتيه الحية أو العقرب إلا من هذا الصاحب. فأخذهم الله، فغضب عليهم هارون الرشيد، فقتل شبابهم في صباح النهار، وأتى إلى شيوخهم فأوقعهم في السجن، ثم أخذ قصورهم. دخلوا على شيخ من البرامكة، وهو شيخ كبير سقط حاجباه على عينيه، قالوا له: كيف حالك؟ قال: لست بميت من أهل الآخرة، ولست بحي من أهل الدنيا، ما رأيت الشمس ثمان سنوات، قالوا: ما هو السبب؟ قال: دعوة من مظلوم سرت في ظلام الليل غفلنا عنها وما غفل الله عنها. ولذلك الدعاء ليس أمراً ثانوياً عند المسلم، بل هو أمر أكيد، وإنما يفعل ذلك الحمقى، يقول ابن الجوزي في كتاب الحمقى قالوا لأحمق: ندعو لك، -وقد أراد سفراً- قال: لا أحتاج إلى دعاء فالمكان قريب. سبحان الله قريب أو بعيد! فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هو الحافظ وهو الراعي وهو الرائد، وهم الذين عطلوا مشيئة الله، وأنتم تسمعون إلى الأحمق الآخر الذي قال له الناس: إلى أين تذهب؟ قال: إلى السوق، قالوا: ماذا تفعل؟ قال: أشتري حماراً، قالوا: قل: إن شاء الله، قال: لماذا أقول: إن شاء الله؟ الدراهم في الجيب والحمار في السوق، فضاعت دراهمه وعاد في المساء، فقالوا: أين الحمار؟ قال: ضاعت الدراهم إن شاء الله، قالوا: نفاها في موضعها واستخدمها في غير موضعها.

قصة الحسن مع الحجاج

قصة الحسن مع الحجاج وذلك من الذين لا يتعلقون بحبل الله، ولا يلجئون إلى حبل الله. أتى الحجاج بن يوسف فمر بـ الحسن البصري - الحسن البصري أمة من الأمم، وعالم من العلماء، وموجه من الموجهين، عرف الله- فمر به الحجاج والحسن يظن أن الحجاج ليس موجوداً -والي العراق - فمر الحسن بجمع من القراء وطلبة العلم، عند قصر الحجاج، قال: أين تذهبون؟ قالوا: نذهب إلى الحجاج لنأخذ أعطياتنا، فغضب الحسن وقام فألقى خطبة، وقال: هذا الحجاج بن يوسف، يقرأ القرآن على لخم وجذام، ويلبس لباس الفاسقين، ويعظ وعظ المعتبرين، ثم دعا على الحجاج. فدخل الحجاج القصر وقال: علي بـ الحسن البصري، قال له وزراؤه ماذا تريد منه؟ قال: أريد قتله. فذهبوا إلى الحسن في بيته، وقال الجنود للحسن: اذهب إلى الحجاج، قال: فأمهلوني قليلاً، فدخل واغتسل ولبس أكفانه من تحت الثياب وقال: يا حي يا قيوم،! يا ذا العزة التي لا تضام والركن الذي لا يرام! أسألك أن تقصم الحجاج وأن تسخره لي هذا اليوم. ثم خرج، وفي أثناء الطريق وإذا بـ الحجاج قد تغير وهو على الكرسي قبل أن يدخل عليه الحسن البصري غيره الذي يغير الليل والنهار، والذي قلوب العباد بين يديه: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]. فلما دخل أخذ يرتعد الحجاج، ثم قام إلى الحسن وأخذ قارورة من الطيب فطيب لحية الحسن، وأجلسه بجانبه، وقال: لعلنا أزعجناك يا أبا سعيد! قال: نعم أزعجتني، قال: عد سالماً مكرماً، فلما خرج قال له مقربوه: ماذا حدث بك؟ قال: والله ما أن خرج من بيته إلا وأوقع الله هيبته في قلبي، حتى ما هبت أحداً من الناس كهيبته، وإنني خفت منه يوم دخل قصري أن يبطش بي. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174].

شروط استجابة الدعاء

شروط استجابة الدعاء يقول الصحابة: {يا رسول الله! أربنا قريب فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ -يقولون: أين الله؟ هل هو قريب فنخفض الصوت ونتكلم معه، أم بعيد فنرفع أصواتنا- فأتى الجواب من الواحد الأحد فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] قال أهل العلم: اشترط الله عليهم شرطين. الأول: الاستجابة المطلقة لله ولرسوله، فمن لم يستجب لله ولرسوله، فلا يستجيب الله له أبداً، لأنه عطل طريق الإجابة، فكما تكونوا يول عليكم. الأمر الثاني: أن يكون مؤمناً عاملاً الصالحات، ومهما طال المدى فإن العبد بين نعمة الدعاء، حتى يقول أحد الصالحين: والله! إني أريد أن يتأخر قضاء حاجتي أو أن تتأخر حاجتي لأجل ما أجد من لذة الدعاء. فهو يريد أن يُفتح له باب في الدعاء، فيريد أن تتأخر حاجته؛ ليبقى داعياً مقبلاً على الله. موسى عليه السلام، يقف ويرفع يديه وعنده هارون بجانبه، فيقول داعياً ربه: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس:88] فقال هارون: آمين آمين آمين، فأنزل الله: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس:89] فجعل المؤمِّن والداعي داعين، قال أهل العلم: بعد أربعين سنة أجاب الله دعوته، وما قنط وما هاب وما مل وما سئم. يعقوب بكى أربعين سنة على يوسف، يقول بعض أهل التفاسير وأهل السير ولله الحكمة البالغة، يقولون: لما جاء إخوة يوسف في الصباح {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف:11 - 13] فأوحى الله إليه: خفت الذئب وما رجوتني، فمن الذي بيده الذئب وتصرف الذئب إلا الله، فخاف أن يأكله الذئب فأتى الخوف من غير مأمنه. يقول: ما كان في أذهان أولاد يعقوب أن يقولوا أكله الذئب، لكن فتح لهم الطريق، قالوا: يقول أبونا: أخاف أن يأكله الذئب، إذاً في المساء إذا أتينا نقول: أكله الذئب، فذهبوا به فألقوه في غيابة الجب، قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: أسقطوا يوسف عليه السلام في حبل فوقع في الماء على صخرة في الجب، فأخذ يسبح الله، يقول: تهدأ الحيتان والضفادع ولا يهدأ هو من التسبيح، حتى أوحى الله إليه: يا يوسف! لا تخف: {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [يوسف:15]. يقول: سوف ننجيك، وأنا معك. وعند الإمام أحمد في كتاب الزهد أن موسى عليه السلام لما عبر أرض مدين وكشف الصخرة وردها وسقى تولى إلى الظل، ثم بكى فرفع يديه فقال: يا رب! فقير مريض جائع غريب، فأوحى إليه: يا موسى! الجائع: من لم أكن أنا مطعمه، والغريب: من لم أكن أنا مؤنسه، والفقير: من لم أكن أنا مغنيه، والمريض من لم أكن أنا طبيبه، ذكرها الإمام أحمد. فأتى هؤلاء الأبناء -على سبيل الاستطراد- فقالوا: أكله الذئب، قال ابن عباس: خلعوا قميصه خلعاً ولم يشقوه والذئب لا يعرف خلع القميص، بل المعروف أنه إذا أكل أكل، فأتوا بالثوب سالماً معافى ولطخوه بدم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف:18]. والقميص في سورة يوسف ثلاثة: قميص كذب، وقميص براء، وقميص شفاء. أما قميص الكذب فهذا القميص، وأما قميص البراءة فهو: لما قد قميصه من دبر، وأما قميص الشفاء: فهو القميص الذي في قوله تعالى: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف:93] فإذا علم هذا، فطالبنا الله بالدعاء وقال عليه الصلاة والسلام: {الدعاء هو العبادة}. وإذا أردت أن تعرف قوة إيمان العبد فانظر إلى دعائه، فإذا رأيت العبد يبتهل في أدبار الصلوات وبعد الفجر، وإذا قام من النوم وقبل الصلوات ويوم الجمعة، فاعرف أنه مؤمن، وإذا رأيت العبد كالاً فاتراً، ما يدعو إلا بسهو أو لهو فاعرف أن إيمانه على قدر دعائه.

الإسرار بالدعاء

الإسرار بالدعاء قال عز وجل: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] وقال في الذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} [الأعراف:205] قال هناك: (وَخُفْيَةً) وقال هنا: (وَخِيفَةً) فما الفرق بينهما؟ فالذكر يدعى من الخوف فعلى الذاكر أن يكون خائفاً، وعلى الداعي أن يكون مخفياً فيخفي الداعي دعاءه لأمور:- أولاً: لا يتشوش قلبه. الأمر الثاني: لأنه أخلص للعبادة وأبعد عن الرياء والسمعة. الأمر الثالث: أنه أبعد عن عين الحاسد، فإن الحاسد ينقم على النعمة، وأفضل النعم أن تدعو الله إلى أمور أخرى. يقول أبو موسى الأشعري: {كنا في ثنية مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخذ الصحابة يرفعون أصواتهم بالذكر والتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح، فقال عليه الصلاة والسلام: أيها الناس! أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، وإنما تدعون سميعاً بصيراً أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، ثم قال -لـ أبي موسى - يا عبد الله بن قيس! قلت: نعم. يا رسول الله! قال: ألا أدلك على كنز من كنور الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله} وكان أبو موسى يقولها في نفسه، فدله عليه الصلاة والسلام على ذلك. يقول عز وجل: { A=6000192> وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:186] وهو قرب العلم، وإلا فالله مستوٍ على عرشه بائن عن خلقه استواء يليق بجلاله، ولذلك ذكر الله معية العلم، فقال: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7] فهذا بالعلم ما يكون اثنان إلا والله ثالثهم تبارك وتعالى بعلمه، وإلا فهو مستوٍ على عرشه، قريب يسمع دعاء الداعي ويرى مخ النملة في عظمها الناحل، ويرى دبيب النمل ويسمعها وهي في حندس الظلام على الصفا السوداء في بقاع الأرض أو في قعر المعمورة، يقول تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام مادحاً لهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] فوصفهم بكثرة الدعاء، وما أتى مطلوب إلا بدعاء، وسوف نمر بنماذج من دعاء الأنبياء والرسل، ولا يستهين العبد بالغرض البسيط، فبعضهم لا يدعو في الأمر السهل، لأنه يقول: ما يحتاج هذا إلى دعاء، وهذا خطأ، بل قد صح في الحديث: {ليدع أحدكم ربه، حتى في شسع نعله، فإنه إن لم ييسره لا يتيسر أبداً}.

الذنوب والمعاصي وأثرها على الدعاء

الذنوب والمعاصي وأثرها على الدعاء والعجيب أن المعاصي تقلب مقاصد العبد عليه، حتى قال بعض أهل العلم: إني لأعرف معصيتي في خلق دابتي وامرأتي وفي لباسي، حتى في لبس الحذاء، فبعض السلف يقول: إذا لم تُلبس لك الحذاء من أول وهلة، فاعلم أنه لذنب ارتكبته. وذكروا عن سهل التستري أو غيره: أنه ذهب إلى صلاة الجمعة فانقطعت حذاؤه، فقال: أتدرون لم انقطعت؟ قالوا: بقضاء وقدر، قال: لكني أظنها بسبب وهو أني تركت غسل الجمعة، ثم عاد واغتسل. وأخبروا ابن الجوزي بهذه القصة فقال: قلت ذنوبهم فعرفوا من أين أتوا، وكثرت ذنوبنا فلا ندري من أين أُتينا. تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد فالثوب الأبيض إذا نقطت فيه نقطة سوداء عرفت من كل مكان، أما الثوب الأسود فلطخ فيه ما شئت، لا يظهر عليه الأسود ولا الديزل ولا الشحم ولا الأحمر ولا البنفسجي. ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس} فالثوب الأبيض مثل المؤمن، والثوب الأسود مثل الفاجر الذي تلطخ من كل جهة، حتى إن بعض الناس إذا قلت له: لا تستمع الغناء قال: ليس معكم إلا مسألة الغناء! والحديث عن الغناء! الناس معاصيهم مثل الجبال، وأنت مع الغناء! وذلك لأن معاصيه مثل الجبال، فأصبح الغناء عنده شيئاً طبيعياً، تحدثه عن إسبال الثوب، قال: ألا تعرفون إلا الثوب؟! الحمد لله نحن أحسن من غيرنا، لو ذهبت أوروبا لرأيت المنكرات والدواهي، لأنه يقيس نفسه على بوش، وريجن، فيرى أنه أفضل منهم، فهو يشهد أن لا إله إلا الله، وهو يصلي الخمس فيرى أن له ميزة أو مزية. فإذا علم ذلك، فلا بد من الدعاء ولو بالأمر السهل، حتى الصالحون كانوا إذا خرجوا من بيوتهم يدعون الله أن يسهل لهم أمورهم، ويفتح قلوب الناس لهم ويسخر لهم مطالبهم، ويهيئها، فإنها إن لم يهيئها الله لا تتهيأ.

دعاء الأنبياء في القرآن

دعاء الأنبياء في القرآن الأمر الثاني: دعاء الأنبياء في القرآن.

من أدعية إبراهيم عليه السلام

من أدعية إبراهيم عليه السلام إبراهيم عليه السلام كان يدعو حتى وصل إلى الذنب والخطيئة فقال: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82] احترام ووجل وخوف، ما قال: والذي يغفر لي خطيئتي يوم الدين، مع أن الله غفر له لأنه نبي، لكن قال حياء من الله: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82] ثم دعا بدعوات صالحات: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [الشعراء:83] أمتني على لا إله إلا الله، وعلى الدين الخالص: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} [الشعراء:83 - 85]. ما هو لسان الصدق في الآخرين؟ الذكر الحسن، أن تموت ولك ذكر حسن في الناس: وإنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، أتاه رجل أعرابي، فقال: أريد منك حاجة يا أمير المؤمنين! -وهذه يذكرها ابن قتيبة - فقال علي: اكتب حاجتك على الأرض لئلا تصب ماء الحياء والمروءة من وجهك -يقول: لا أريد أن أحرجك وأخجلك، فلعل هذه الحاجة طلب شيء، لأن بعض الناس يستحي أن يطلب- فكتب على الأرض حاجته، فأتى علي فقضى حاجته. وقد كان أمير المؤمنين في الكوفة، فقال الأعرابي وقد أعطاه حلة ومالاً كما طلب: كسوتني حلة تبلو محاسنها لأكسونك من حسن الثنا حللا قال علي: ذلك خير، يقول: والله لأثني عليك في الناس أحسن من هذه الحلة التي أعطيتني، قال علي: ذلك خير. أتى وفد غطفان إلى عمر وفيهم أبناء هرم بن سنان، شيخ قبائل غطفان، وهو الذي أصلح بين قبيلة عبس وذبيان في معركة استمرت أربعين سنة، حتى كانت ديات القتلى آلاف الإبل، وقد قالت قبيلة عبس وذبيان: لا نصطلح حتى تودي قتلانا أنت -شيخ قبيلة غطفان- قال: قتلاكم عندي أوديهم، فذهب هرم في قبائل العرب فجمع الديات وسلمها وأصلح بينهم، حتى يقول له زهير يمدحه: تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم يميناً لنعم السيدان وجدتما على كل حال من سحيل ومبرم ثم مدحهم مدائح سارت بها الركبان، وكانت العرب تسمر عليها، فأتى أبناء هرم بعد موت زهير الشاعر وموت أبيهم، فقال عمر لأبناء هرم: ماذا أعطيتم زهيراً؟ قالوا: مدحنا فأعطيناه، قال عمر: ذهب والله ما أعطيتموه وبقي والله ما أعطاكم، وهو الذكر الحسن، والذكر الحسن لا يتأتى إلا للمؤمن، والله لو حاول الفاجر أن يجمع الدنيا ويجعل الدنيا صحفاً ويجعلها مجلات ودعايات، ويجعلها لوائح ولافتات، والله لا يقود القلوب إلا من خلق القلوب. قال البخاري في الصحيح، في كتاب الرقاق: باب: المِقة من الله، أي: الحب من الله، كل شيء يستطيع أن يتصرف فيه العبد إلا الحب هذا، ثم أتى بحديث: {إن الله عز وجل إذا أحب عبداً قال لجبريل: إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فتحبه الملائكة، ثم يضع الله له القبول في الأرض -حتى يشرب قبوله وحبه مع الماء البارد- وإذا أبغض عبداً قال لجبريل: إني أبغض فلاناً فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فتبغضه الملائكة، ثم ينزل له البغض والمقت} حتى يشرب الناس بغضه وكراهيته مع الماء البارد. فالحب من الله تبارك وتعالى وهو لسان الذكر في الخالدين، فيحرص عليه المؤمن بأن يحسن سريرته مع الله، وبالصدق مع الله تبارك وتعالى.

من أدعية نوح عليه السلام

من أدعية نوح عليه السلام وأما نوح عليه السلام، فإنه دعا بأدعية، لكن كانت أدعيته مؤثرة، فإن نوحاً عليه السلام عاش ألف سنة في الدعوة إلا خمسين عاماً، تحمل وصبر ودعا ليلاً ونهاراً، سراً وعلانية، دعا بكل وسيلة، وفي الأخير ماذا يتحرى من هؤلاء الجثث الهامدة الفجرة، ماذا يتحرى؟ {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:26 - 27]. يقول: يا رب! خذ أولادهم معهم، ما يأتي الولد إلا مثل أبيه. تلك العصا من هذه العصية لا تلد الحية إلا حية فيقول: يا رب! أخرجهم من الدنيا جميعاً، لا تترك حتى أطفالهم؛ لأنهم لا يهتدون، أنا جربتهم. حتى يقول صلى الله عليه وسلم: {أما أنت يا عمر! فمثلك كمثل نوح} لأنه استشارهم في أسارى بدر يقول: ما رأيكم؟ قال أبو بكر: احلم واعف عنهم يا رسول الله! إخواننا وأبناء عمومتنا وأقاربنا، قال: وأنت يا عمر؟ قال: يا رسول الله! ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، هذا السيف واقتلهم، واعط العباس سيفه يقتل قريبه، وأعطني سيفاً أقتل أقاربي، فكان الرأي رأي عمر والإقرار على رأي أبي بكر، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: {أما أنت يا أبا بكر! فمثلك كمثل إبراهيم عليه السلام، وكمثل عيسى، أما أنت يا عمر! فمثلك كمثل نوح ومثل موسى} فنوح قال: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:26 - 27].

من أدعية موسى عليه السلام

من أدعية موسى عليه السلام ومن أدعيتهم، وينبغي على المسلم أن يجمعها وأن يحاول أن يتحفظها من القرآن، لأن أحسن الدعاء دعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، مثل دعاء موسى، فقد كان يرعى الغنم ويهش على ضأنه بالعصا وفجأة وهو بالصحراء وإذا بالله يناديه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] فقال: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه:25 - 28] إلى دعاء أخير أتى به عليه الصلاة والسلام، لكن هذا من أحسن الدعاء، حتى يمتن الله عز وجل على رسوله عليه الصلاة والسلام فيقول: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1]. يقول سيد قطب رحمه الله معلقاً على الآية: فتش في جوانحك وابحث في خفاياك، أما شرحنا لك صدرك فكان واسعاً فسيحاً، وقد كان ضيقاً قبل أن تأتي النبوة، قال: شرحنا لك صدرك. وشرح الصدر أعظم منة يمنها الله على العبد، تجد المسلم المؤمن في الزنزانة وصدره فسيح واسع، وتجد الفاسق في القصور وفي الدور، وفي السيارات والعمارات، و: {صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125] كأن اللعنة جمعت له، لماذا؟ لأن الله أخذ على نفسه ميثاقاً وعهداً بيَّنه في سورة "طه" فقال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:123] في الدنيا ولا في الآخرة، قال ابن عباس: [[أخذ الله على نفسه، أن من اتبع هذا القرآن فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة]] {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] حتى كلمة ضَنْكاً لا تكاد تقرأ، فالضاد حرف ثقيل، ثم النون بين الضاد والكاف، فعيشته مثل نطق الكلمة: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126].

دعاء يونس بن متى

دعاء يونس بن متى ومن الدعاء العظيم الذي وصفه عليه الصلاة والسلام لأمته، دعاء يونس بن متى، يقول عليه الصلاة والسلام: {دعاء الكرب، دعاء أخي يونس ما دعاه مكروب إلا فرج الله كربته} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وهذا الدعاء هو: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] وفي هذا الدعاء ميزات ثلاث: - أوله: أنه اعتراف بالتوحيد. الأمر الثاني: أنه اعتراف بالتقصير. الأمر الثالث: أنه استغفار. فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فوجب على العبد إذا ضاقت به ضائقة وأتاه حادث، أو أتاه هم وغم، أن يكرر هذا الدعاء فإنه بإذن الله فتح عظيم، يقول الأندلسي يوصي ابنه: وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذا النون بن متى وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا ذكر أهل التفسير وأهل السير: أن يونس بن متى غاضب قومه وخرج فأوقعه في البحر الربان وأهل السفينة، لأن القرعة وقعت عليه: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات:141] ما معنى الآية؟ لما ركب في السفينة كانت تتموج، وثقلت وأصبحت على غير العادة، وكانت في العادة تمشي بحفظ وبراعية وبتؤدة وسكينة، لكنه لما ركب وهو لم يستأذن الله ترجرجت، وهذا فيه درس: أن من التعكير والشؤم وبعض الصعوبات والمشاق على المسافرين والمقيمين المعصية، فقال الربان: معنا رجل فيه معصية، لا بد أن نتساهم ونقرع قرعة فمن أتت فيه أنزلناه في البحر، فشرعوا في أول قرعة فوقعت على يونس، قال: نعيد القرعة، هذه خطأ، فاستهموا مرة ثانية فوقعت عليه، قال: الثالثة، فوقعت الثالثة عليه، فأخذوه بيديه -سبحان الله العظيم، أحبابه وأقاربه تخلوا عنه! لأنهم يهلكون لو لم يفعلوا ذلك- فأخذوه بيديه ثم رموا به في البحر، فأصبح في ظلمات ثلاث: ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة الحوت، فقد تلقفه حوت يوم وقع فابتلعه فأصبح في بطنه، انظر إلى الموقف! من يسمعه؟ حتى ولو كان هناك فرق إنذار، أو خفر سواحل أو طوارئ ما سمعوه في بطن الحوت، لكن إلى السميع المجيب، إلى الذي أقرب من حبل الوريد: { A=6000192> وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] فأتى بكلمة تنفجر من القلب من أعظم الكلمات عند أهل التوحيد، قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] يقول أهل العلم: لما قالها، عبرت بصوته إلى السموات السبع تخترقها، فسمعتها الملائكة فبكت، وقالت: صوت معروف من عبد معروف، يا رب! أين فلان؟ قال: أنا أعلم به، سمعوا الصوت لكن ما يدرون هل هو في بحر قزوين أو في البحر الأحمر، فأنقذه الله، وأخرجه ونجاه لأنه التجأ إليه، فحق على المسلم أنه إذا ضاقت به الضائقة، أن يردد: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] وعند البخاري في الصحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {دعاء الكرب: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش العظيم} فهذا دعاء الكرب الذي -بإذن الله- من دعا به استجيب له. وذكروا عن العلاء بن الحضرمي أنه لما قحط الناس قال: يا علِيُّ! يا عظيم! يا حكيم! يا عليم! فأغاثه الله, وأغاث الصحابة معه.

دعاء سليمان عليه السلام

دعاء سليمان عليه السلام ومن دعائهم دعاء سليمان عليه السلام، وقد أراد أن يدعو الله في ملك لا يكون لأحد من قبله، فعلم أن الملك ينتهي وأن الملك زائل، وأن الجنود منتهون، وأن الدور تخرب والقصور تهدم: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35] فلما أعطاه الله الملك واستعرض جيوشه، حتى كان الطير يحجب شعاع الشمس بالسماء، والبحار ممتلئة بالجن له، وأما الأرض فامتلأت بالجيوش، فسجد على الأرض وبكى: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40].

دعاء يوسف عليه السلام

دعاء يوسف عليه السلام وأما يوسف عليه السلام فقال في آخر حياته بعد ما تملك مصر: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101] ويقول: توفني مسلماً، هذه هي الأمنية العذبة والغاية المنشدودة وهوايتنا في الحياة. يا معشر المسلمين! والله الذي لا إله إلا هو إن التربية الآثمة، والتربية الأوروبية تربية الخواجات التي أخرجت من شبابنا وفتياننا وأبنائنا من لا يتذكر لقاء الله ولا حسن الخاتمة ولا الموعود الذي وعده الله، ومن يبني مستقبله على هوايات آثمة تضحك العقلاء. تجد في المجلات صور شباب في الخامسة عشرة من أعمارهم، هواية محمد بن سعيد بن طلال جمع الطوابع، وهواية علي بن محمود المراسلة، وهواية ذاك مطاردة الحمام وصيد الدجاج، أما يخجل الإنسان؟! من هم أهل هذه الصور؟ إنهم أبناء أبي بكر وعمر، وأبناء عثمان، وعلي، وأبناء خالد وسعد، الذين فتحوا الدنيا، وأذنوا في سمع المعمورة وقدموا أرواحهم رخيصة لترتفع لا إله إلا الله، محمد رسول الله. فيربى الجيل على هذه الأمور! حتى إنه في بعض الطلبات في ما يطلبه المستمعون، هناك مريض على المستشفى مكسور الظهر والرأس، قال أهدي لأخواتي وعماتي أغنية عبد الحليم، أو فريد الأطرش، سبحان الله أصبحت في الآخرة وتهدي لأقاربك أغنية! تريد فساداً في الدنيا وفساداً في الآخرة، {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16]. سمعت داعية إسلامياً وخطيباً فارهاً، يقول على المنبر: بالأمس فقدوا مغنياً، فقامت فتاة تشيع جنازة المغني، ومعها مسجل فيه شريط للمغني، فلما وصلت إلى القبر، رفعت المسجل ففتحت الأغنية، قال: فكان اتفاقاً وفتحاً من الله، فكان هو صاحب الأغنية -ميت، أصبح تحت الثرى- يقول: نار يا حبيبي نار، قال: نار من فوقك ونار من تحتك لأنك تركت الأمة في نار، فهذه كلماتهم، ولكن كما أسلفنا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] لكن من عرفه الله وبصره ثم انحرف فقد قامت الحجة عليه مرتين.

أعظم الأدعية في الإسلام

أعظم الأدعية في الإسلام وأعظم الأدعية في الإسلام، هو قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] فهل تركت من الخير شيئاً؟ هل تعلم خيراً ما ضمته هذه الآية؟ هل تعلم معروفاً في الدنيا والآخرة أو فقهاً أو رزقاً لا يدخل في هذه الآية؟ يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:200] من هم؟ إنهم أعراب حجوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فرفعوا أيدهم في عرفات وفي منى وقالوا: اللهم أدر لنا الضرع، اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثاً هذا العام، اللهم أنتج لنا إبلنا، وأحي لنا زرعنا ومواشينا. وهذا كله في الدنيا، فهم لم يقولوا: ربنا اغفر لنا، وما تذكروا أن يقولوا: رحماك يا رب! وهذا أعرابي ذكروا عنه أنه ذهب فحج، فلما رمى جمرة العقبة في اليوم الأول ذهب مسرعاً ودخل البيت، فلقيه صديق له عند باب الحرم، فقال: مالك؟ قال: أريد أن أدخل قبل أن يدهم الناسُ رب العالمين، أي: يكثروا عليه، سبحان الخالق! فتعلق بأستار الكعبة وقال: يا رب! اغفر لي قبل أن يزدحم عليك الناس. والله لا تختلط عليه الأصوات، ولا تتغير عليه اللهجات، ولا تتفاوت عليه الحاجات، ولا تتباين لديه النغمات، يعطي كل واحد مسألته مكانه: {يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته مانقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر} خزائن الجود عنده، مهما سأل الإنسان فالله أوسع وأعلم وأحلم وأكرم تبارك وتعالى. فذم الله من قال ذلك -ربنا آتنا في الدنيا حسنة. فهو من طلب الدنيا فقط. فبعضهم تجده يقول: اللهم أحي لي أبنائي اللهم اجمع لي دراهمي اللهم نجح بناتي اللهم إني أسألك أن تثمر تجارتنا لكن ما تذكر الآخرة، فذم الله ذلك الصنف ومدح من قال: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. وهناك صنف آخر يطلب الله عز وجل في الآخرة ولا يطلبه في الدنيا شيء، حتى إن بعضهم يطلب على نفسه المرض، وفي حديث صحيح: {أن رجلاً من الأنصار رفع يديه وقال: اللهم ما كنت معذبي به في اليوم الآخر فقدمه لي وعجله لي اليوم، فابتلي بالمرض حتى أصبح كالفرخ -أصبح كالفرخ من المرض- فزاره عليه الصلاة والسلام وقال: يا فلان! أقلت شيئاً؟ قال: قلت -يا رسول الله-: اللهم ما كنت معذبي به من عذاب فقدمه لي، قال: سبحان الله! وهل تطيق عذاب الله؟! بل قل: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]}. ومن أعظم الأدعية: اللهم إني أسألك العفو والعافية، يقول العباس: {يا رسول الله! علمني دعاء أدعو به، قال: قل: اللهم إني أسألك العفو والعافية -وبعضهم يزيد كما في المسند لـ أحمد - اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة} فهذا الدعاء عظيم جد عظيم، أن تدعو بالعفو والعافية، العافية في جسمك وأهلك، والعفو من الذنوب والخطايا.

الأدعية النبوية

الأدعية النبوية أما الأدعية النبوية فكثيرة فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أدعية صحيحة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: {اللهم اهدني وسددني} ففي صحيح مسلم: قال لـ علي بن أبي طالب: {يا علي! قل: اللهم اهدني وسددني، واذكر بهدايتك هدايتك الطريق، وبتسديدك تسديدك السهم}. فكان علي دائماً يقول: [[اللهم اهدني وسددني]] وهي من أحسن الدعاء وأوصيكم بها صباح مساء. ومنها -وهذا صحيح-: {اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي} فعلمه صلى الله عليه وسلم حصين بن عبيد والد عمران بن حصين، كما في السنن: {أنه وفد على الرسول عليه الصلاة والسلام فقال صلى الله عليه وسلم: يا حصين! كم تعبد؟ قال: أعبد سبعة -هذا وهو مشرك- قال: أين السبعة؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: من لرهبك ولرغبك؟ -يعني: من إذا اشتدت بك الأمور وضاقت عليك السبل وأغلقت عليك الأبواب- قال: الذي في السماء، قال: فاترك التي في الأرض واعبد الذي في السماء، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، ثم قال له صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك دعاء؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: فقل: اللهم ألهمني رشدي ,وقني شر نفسي} وهذا من أحسن ما يكون! وفي الصحيحين عن أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، قال: {قلت: يا رسول الله! علمني دعاء أدعو به في صلاتي -وهذه الأدعية لا بد أن تحفظ وأنا أوصي الإخوة الذين لا يحفظونها من مرة أن يراجعونها من كتيبات أو يستعيدوها من الشريط- قال أبو بكر: علمني -يا رسول الله- دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً -وفي روية كبيراً- ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم}. خرج عليه الصلاة والسلام على معاذ بعد الصلاة فشبك أصابعه كذا وقال: {يا معاذ! والله إني لأحبك -من هو القائل؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام- يقول لـ معاذ: والله إني لأحبك، وقال معاذ: وأنا -والله- يا رسول الله! إني أحبك، قال: لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك}. لأن الأدعية الأحسن أن تكون شرعية ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، أما بعض الأدْعِيَاء تجدهم يدعون بأدعية بدعية، حتى ذكر الغزالي يقول من الأدعية: يا دهر الدهارير، وهو يعتبره اسم من أسماء الله؟! أحد الحمقى ذكر عنه ابن الجوزي يقول: يا رب! يا أحد! يا صمد! يا رحمان! يا رحيم! يا جبرائيل! يا ميكائيل! يا أويس القرني! ذكر هذا في كتاب الحمقى، وهذه أدعية بدعية، ولذلك تجد من أدعية الناس أحياناً ما يخالف السنة؛ لأنهم ما حفظوا شيئاً، والحفظ سهل لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. في صحيح مسلم كان يقول صلى الله عليه وسلم دعاء إذا قام من الليل وهو من أعظم الدعاء: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون! اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}. يقول ابن تيمية: عند الاشتباه في الأمور، والالتباس في بعض القضايا، يكرر العبد هذا الدعاء، فإنه عظيم. ومن الأدعية وخاصة في السجود: {يا مقلب القلوب والأبصار! ثبت قلبي على دينك} اللهم ثبت قلوبنا على دينك. ومن الأدعية العظيمة وخاصة في السجود: {يا مصرف القلوب! صرف قلبي على طاعتك} أو كما قال. ومن الأدعية الصحيحة، قوله صلى الله عليه وسلم: {اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار}.

سيد الاستغفار

سيد الاستغفار وأما المسألة الخامسة: فهي سيد الاستغفار. ذكر صاحب طبقات الحنابلة أن عالماً دفن، فرئي في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي مغفرة عامة وخاصة، قالوا: ماذا توصينا فيه؟ قال: أوصيكم بسيد الاستغفار. فسيد الاستغفار أمره عجيب وإني أوصيكم جميعاً بحفظه، وتذكره صباح مساء وفي أدبار الصلوات وأن تكرره كثيراً. وهو قوله صلى الله عليه وسلم: {اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت} ففيه توحيد، واعتراف، وتسبيح، واستغفار، وفيه لجأ واعتراف بنعمته، وتبرء من الذنب.

الأمور التي يستعاذ منها

الأمور التي يستعاذ منها أما المسألة السادسة: فما هي الأمور التي ينبغي أن نستعيذ منها دائماً صباح مساء؟ استعاذ صلى الله عليه وسلم من أشياء منها: الهم والغم والحزن، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: {اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال}. وقال صلى الله عليه وسلم: {اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر} فإن الفقر قد يصل إلى درجة أن يتسخط العبد على الله. وكان صلى الله علية وسلم يستعيذ من غنى مطغٍ وفقر منسٍ، والغنى المطغي: الذي يبلغ بالعبد إلى أن يطغى على عباد الله، والفقر المنسي: الذي ينسيه رحمة الله وعفوه وجلاله. وكان يقول عليه الصلاة والسلام: {اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة}. وكان يستعيذ عليه الصلاة والسلام من عذاب القبر والنار وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال في أدبار الصلوات. وكان إذا خرج من بيته عليه الصلاة والسلام يقول: {اللهم إني أعوذ بك أن أَضِل أو أُضَل، أو أَزِل وأُزَل أو أَظلِم أو أُظلَم، أو أَجهَل أو يُجهَل عليّ} وعند ابن عساكر {أو أبغي أو يبغى علي}. وهذا مما يحفظ ويقال دائماً، إذا خرجت إلى وظيفتك أو مزرعتك أو السوق وقلت هذا الدعاء تولاك الله، يكون معك ملكان إذا خرجت وقلت: بسم الله توكلت على الله، أخذ الملكان رايتين واحد عن اليمين وواحد عن اليسار، ويقول أحدهما للآخر: من لك بعبد قد كفي ووقي؟! كفاه الله ووقاه، ويتخلى الشيطان ويقول: من لكم بعبد قد كفي ووقي؟ ما يستطاع له. وكان عليه الصلاة والسلام يقول: {اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن عين لا تدمع، ومن دعاء لا يرفع -أو لا يستجاب له-} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فنعوذ بالله من ذلك.

نماذج من استجابة الله لأوليائه

نماذج من استجابة الله لأوليائه المسألة السابعة: فهي نماذج من استجابة الله لأوليائه. إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل فصارت برداً وسلاماً. حسبنا الله ونعم الوكيل قالها النبي صلى الله عليه وسلم في أحد {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. إذا سمعت أحداً يتحرش بك، أو يكيد لك أو يتربص بك، أو يدير لك الدوائر فقل: حسبنا الله ونعم الوكيل. وإذا سمعت تحزبات أو جلسات أو تخطيطات، ووصلت إليك، فقل: حسبنا الله ونعم والوكيل. إذا كادك كائد، أو أراد أن يجتاحك ظالم، أو دبَّر لك مدبر أو وقف بك خبيث فقل: حسبنا الله ونعم الوكيل. فهذا هو الدعاء وهذا مقامه، فسوف تنقلب برشد لا يمسك سوء بإذن الله. وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم في بدر، فدعا دعاء عظيماً حتى سقطت بردته من على كتفيه، فنصره الله نصراً مؤزراً ما سمع التاريخ بمثله؛ لأنه التجأ إلى الله حتى يقول علي: {نظرت إلى الناس ما منهم إلا نائم، إلا الرسول عليه الصلاة والسلام فرأيته يدعو عند شجرة حتى الصباح}. حتى يقول أبو بكر: {يا رسول الله! بعض مناشدتك ربك} يقول: يكفي، فألح عليه الصلاة والسلام حتى نصره الله. ومن الدعاء المستجاب ما دعاه صلى الله عليه وسلم لدوس لما أتى الطفيل بن عمرو وقال: {يا رسول الله! إن دوساً عصت الله فادع عليهم، فرفع يديه صلى الله عليه وسلم فقال الناس: هلكت دوس ويل لدوس، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد دوساً وأت بهم، اللهم اهد دوساً وأت بهم، اللهم اهد دوساً وأت بهم} فهداهم الله، وأتى بهم مسلمين. ومن الدعاء المستجاب: أتى أبو هريرة إلى رسول صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! أمي دعوتها إلى الإسلام فسبتني وأسمعتني سباً فيك، فادع الله لها، قال: اللهم اهد أم أبي هر، اللهم اهد أم أبي هر، اللهم اهد أم أبي هر فقال: عدت إليها فسمعت خشخشتها وراء الباب فإذا هي تغتسل، قالت: دونك، فخرجت فلبست ثيابها، وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله}. ومن دعائه الذي استجيب عليه الصلاة والسلام: أن ابناً لـ أبي لهب أتى فآذى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقيل: بصق في وجهه، فقال: {اللهم سلط عليه كلباً من كلابك} فخرج في تجارة إلى الشام فكان كلما أتوا ينامون، أخذ أصحابه فنام وسطهم، فقالوا: مالك؟ فقال: دعا علي محمد أن يسلط علي كلباً وأخاف من ذلك. قالوا: ما عليك، قال: لا. ثم حلف باللات والعزى ما دعا دعوة إلا أتت كفلق الصبح، فذهب فلما أصبح قريباً من الشام، نام وسط أصحابه، فلما انتصف الليل جاء أسد -وهو يسمى تجوزاً كلب من كلاب الله وغضنفر وليث- فاخترق النائمين، فاستيقظوا ورأوا الأسد، قال: كان يدنو من الرجل يشمشم وجهه، ثم يتركه -أي: ليس على الوصف فهو مرسول بوصف إلى رجل محدد- قال: فيتركه ويأتي إلى الذي جواره فيزيل عنه الغطاء ويشمشمه فلا يجد تلك الرائحة التي هو مرسول إليها، حتى أتى إلى الوسط فأخذ رأس ابن أبي لهب لقمة واحدة. وأتاه رجل فسب الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {اللهم اقتله كيف شئت} فمن حقارته على الله -وحقارة هذا الرجل لأنه استهزأ بالرسول صلى الله عليه وسلم وسط الناس، وجزاء المستهزئين أن يحقروا- أنه ذهب يحلب عنزة فالتفتت إليه فرمحته فبجرت بطنه فمات عند رجلها، ما يحتاج أكثر من عنز، وما كلف إلا عنزاً. النمرود بن كنعان ملك الدنيا، يقول: أريد أن أقتل إله إبراهيم، فابتلاه الله ببعوضة فأكلت من دماغه حتى أصبحت كالعصفور، فكانت إذا فرفرت وجد طعم الموت، فيضربونه حتى يهدأ، فضربه أحد خدمه فطير رأسه فمات. وقوم سبأ كان سد مأرب في اليمن، فبطروا وأعرضوا وتجبروا على عباد الله، فأرسل عليهم فأرة فهدمت سدهم، ولذلك يقولون عنهم: هدمت سدهم فأرة، وأخبر بهم هدهد، ودل عليهم عقرب أو كما قالوا. فإذا علم هذا، فهذا من الدعاء الذي تم، وأتى عامر بن الطفيل وأربد بن قيس يريدان اغتيال الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال الطفيل لـ أربد: سوف أشغل محمداً عنك، فإذا شغلته فاقتله، فأخذ يكلمه ولا يتقدم ذاك، فكلمه وكلمه فلا يضرب، فلما انتهوا قال: مالك؟ لن أرهبك بعد اليوم، قال: كيف؟ ثم أقسم ما أردت أن أضرب إلا رأيتك أنت بيني وبينه أفأقتلك؟! فعلم عليه الصلاة والسلام أنهم أرادوا قتله فقال: {اللهم اكفنيهم بما شئت} فأما عامر بن الطفيل فأتت فيه غدة كغدة البعير حتى سالت على صدره، فأخذ يحكها فكلما حكها نزلت حتى غطت بطنه، فقال: أموت في بيت امرأة من بني سلول -وقد كان في بيت عجوز في الطريق- أركبوني على الفرس وأخذ يصيح ويقول: غدة كغدة البعير، في بيت امرأة سلولية، فقتله الله. وأما أربد بن قيس فأخذ جمله وبضاعته وأراد السوق، فلما أصبح بين بيته والسوق أرسل الله عليه صاعقة، فأخذت الرجل والجمل والخرج والبضاعة والخطام. لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار فهذا من الأدعية. وأما ما استجاب الله للصالحين فكثير وكثير، وأكثر ما استجاب لـ سعد بن أبي وقاص، يقول: {يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، قال: يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة}. وفي صحيح مسلم: {وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له!}. فقد جاء سعداً رجل وافترى عليه، فقال: لا يحكم بالسوية ولا يعدل في الرعية، ولا يخرج في السرية، فدعا عليه، فقال: إن كان كاذباً فأطل عمره وعرضه للفتن، فأطال الله عمره وعرضه للفتن، حتى سقط حاجبا هذا الشيخ على عينيه، وكان يتعرض للبنات في شوارع الكوفة يغازلهن، ويقول: شيخ مفتون، أصابتني دعوة سعد. وتكلم رجل في 1000112>طلحة والزبير عند سعد بن أبي وقاص فقال: لا تسب إخواني، فقال: والله لأسبنهم، قال: اللهم اكفنيه بما شئت، فانطلق جمل من الكوفة فتأخر الناس عنه، فأتى إلى هذا الرجل ثم ضربه بيده -الجمل ضرب الرجل بيده، والقصة عند الذهبي في السير - فقتله. وغيره كثير من دعاء سعد رضي الله عنه، وأرضاه. وأما العلاء بن الحضرمي، فإن الصحابة قحطوا وهو قائد الجيش، فقال: [[يا عليُّ! يا عظيم! يا حكيم! يا عليم! اسقنا]] فأتت سحابة فأمطروا. ودخلوا في البحر فسأل الله أن يجمد لهم البحر فجمد لهم فمشوا عليه، وما فقدوا إلا مخلاة، فأتى رجل وإذا هي معلقة في البحر، ما أصابها الماء، فأخذها. ومن كرامة الأولياء واستجابة دعائهم ما حصل لـ أم أيمن رضي الله عنها وأرضاها، فقد خرجت مهاجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وفي أثناء الطريق عطشت وظمئت، وظلت تبحث عن الماء حتى أشرفت على الموت، فدعت الله، فنزل لها دلو من السماء فشربت منه، ثم عاد الدلو فما ظمئت في حياتها كلها، وقد عاشت بعد هذه الشربة ما يقارب أربعين سنة. والبراء بن مالك قال عنه صلى الله عليه وسلم: {رب ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم: البراء بن مالك} فكان إذا أقسم على الله أبر الله قسمه، حضر تستر مع المسلمين فقالوا: يا براء! نسألك بالله أن تقسم على الله هذا اليوم أن ينصرنا، قال: انتظروني قليلاً، فذهب ولبس أكفانه وأتى بالسيف، وقال: [[اللهم إني أقسم عليك أن تجعلني أول قتيل، وأن تنصر المسلمين هذا اليوم]] فكان أول قتيل وانتصر المسلمون بإذن الله، فهذه درجة من الإحسان، من الناس من لو أقسم على الله لأبره.

حكم طلب الدعاء من الصالحين

حكم طلب الدعاء من الصالحين أما المسألة الثامنة: فطلب الدعاء من الصالحين، هل لك أن تقول لرجل صالح: لا تنسنا -يا أخي- من دعائك؟ نعم. ولكن بشرطين: - الشرط الأول: أن يكون حياً حاضراً. الشرط الثاني: أن يكون صالحاً. فأما الحي: فيخرج الميت، فلا يجوز أن تذهب إلى مقبرة ولا إلى ميت وتقول: يا فلان! ادع الله لي، فإن فعلت ذلك فإنك إذاً لمن المشركين، فإن فعلت ذلك فقد خسرت حظك من الدنيا والآخرة وليس لك من خلاق يوم القيامة، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66]. والثاني: أن يكون حاضراً، فلا تقل لغائب، كأن يكون في الرياض أو جدة فتقول: يا فلان! ادع الله لي، فهذا لا يجوز. والأمر الثاني: أن يكون الرجل هذا صالحاًَ، فلا تأتي إلى فاجر أو إلى كافر، أو إلى شيوعي ملحد، فتقول: لا تنسنا -يا أخي- من دعائك، وأي دعاء له عند الله؟! {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف:40]. فالكافر لا حظ له عند الله، ولا دعوة ولا قبول، ولا فتح، ولا رضا ولا عفو، وإنما غضب ولعنة ومحق وسخط والعياذ بالله، فلا بأس أن تقول للرجل الصالح: لا تنسنا -يا أُخي- من دعائك، فقد روى الترمذي عن عمر قال: {قلت: يا رسول الله! أريد عمرة - أي يستأذنه- قال: لا تنسنا -يا أخي- من دعائك}. وابن تيمية يقول: وعلى طالب الدعاء الذي يطلب من أخيه؛ أن يريد نفع الداعي كذلك، فعليك إرادة منفعته، لأنه إذا دعا لك فإن الله يكتب له بقدر ما دعا لك، ويقول له الملك من السماء: ولك بمثل ذلك، ولك بمثل ذلك، ولك بمثل ذلك. بل قال بعض العلماء: إن دعوة المسلم لأخيه أرجى من دعوته لنفسه، فإنها علامة الصدق والإخلاص، فإذا دعا لأخيه المسلم، قال الملك: ولك بمثل ذلك، وبالمناسبة إني أسأل الله لي ولكم المغفرة نقول: لا تنسونا من دعائكم ونحن -إن شاء الله- لا ننساكم، عسى الله أن يتغمدنا بفضله ورحمته ورضوانه. Q يقول أحد الإخوة -أنا ما أجبته إلا لضرورة ملحة وإلا فإنه سؤال أشبه بالشخصي- يقول: أنا متزوج والحمد لله، وزوجتي والحمد لله طائعة، ولكن أبوها يجبرها على أن تكشف على أولاد عمها، وأنا غير موافق ولكن إذا أوصلتها على أساس الزيارة أجبروها على ذلك، وهي الآن محتارة بين أن تطيع أباها أو أن تطيع زوجها، حتى إنها كرهت الحياة وتدعو الله بأن يقضي عليها بالموت، علماً بأننا ساكنون في قرية كثيرة الاختلاط -اختلاط الرجال والنساء- خاصة في المناسبات والأعياد وغير ذلك؟ A أولاً: ما فعلته الزوجة من أنها امتنعت عن الكشف على أبناء عمومتها فقد أصابت في ذلك، فلا يجوز لها أن تكشف عليهم لأنهم أجانب، ولا على أخي زوجها لأنه حمو، والحمو كما قال عليه الصلاة والسلام: الموت، ولا يجوز لها أن تجلس مع من لم يحل لها الجلوس معه، ولو كانوا أقارب، كأبناء الأخوال. ولو أمرها أبوها أن تجلس معهم وتكشف عليهم فقد عصى الله ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعليها أن تطيع الله ولا تطيع أباها في هذه المعصية، بل وتطيع زوجها لأن زوجها أمرها بالمعروف وأبوها أمرها بالمنكر، والذي ندعو الله أن يصلح هذا الأب، وأن يلهمه رشده، وأن يعطيه سُبحَانَهُ وَتَعَالى علماً وفهماً لكتابه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] وقوله عليه الصلاة والسلام: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} رواه أحمد بسند جيد. وقال عليه الصلاة والسلام: {لا تخلون امرأة برجل -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- إلا مع ذي محرم} فإذا علم هذا، فهذا هو الأمر والجواب، وقد أصابت وعليها أن تتقي الله وتطيع زوجها، وقد أحسنت صنعاً، وأما غضب أبيها فعليها أن تسترضيه بغير أن تطيعه في هذا الأمر، لكن تطيعه في طاعة الله، أما أن تطيعه في الكشف فلا طاعة له، ولو غضب فإن رضا الله مقدم على رضاه، وغضب الله أكبر من غضب أبيها، والله المستعان.

التعدي في الدعاء

التعدي في الدعاء المسألة التاسعة: التعدي في الدعاء: كأن يدعو بمستحيل أو بما ليس له، أو يتنطع في الدعاء، فهذا محرم، كأن يأتي ويقول: اللهم اجعلني خاتم الأنبياء، أو خيراً من أبي بكر أو خيراً من عمر، أو عثمان، أو علي، فهذا لا يجوز وهو محرم. والدعاء بما ليس له، والدعاء بالمستحيل كأن يدعو أنه حي ميت، أو موجود معدوم، أو متحرك ساكن، فإنه لا يجتمع نقيضان أو ضدان، أو يتنطع في الدعاء، كما فعل ابن مغفل قال: اللهم إني أسألك القصر الأبيض على يمين الجنة، قال: يا بني! إني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ليأتين أقوام يعتدون في الدعاء والطهور} أو كما قال. وكرهه أهل العلم. وكذلك السجع، أن يسجع الإنسان في الدعاء كثيراً، ولو أنه أتى في الحديث سجع، لكن بلا تكلف، لكن يسجع فيقول: اللهم إني أسألك سعتة في الدور، وبسطة في القصور، وقوة في الظهور ورفعاً في الدور، إلى غير ذلك، يجمع بالراء محاضرة ويأتي بالدال ويتكلف وبالعين وبالحاء، فهذا خطأ، يدعو بما تيسر.

الاستعجال واستبطاء الدعاء

الاستعجال واستبطاء الدعاء المسألة العاشرة: الملل والسأم واستبطاء ما عند الله تبارك وتعالى، يقول عليه السلام كما صح عنه: {يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل، يقول: قد دعوت قد دعوت فلم يستجب لي} فالله الله في عدم الاستعجال، فليواصل العبد الدعاء ولا يستعجل، فإن كل شيء عنده بأجل مسمى، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى له أوقات يجيب فيها بقضاء وقدر فلا تستعجل، فإن إجابة الدعاء قد تكون في الآخرة أصلح لك من الدنيا، أو يمكن أن الله صرف عنك من الشر ومن الحرمان أضعاف ما أعطاك، أو ما يعطيك في هذا الدعاء، أو أن الله ادخر لك من المثوبة، أو سوف يلبي لك لكن بعد عشر سنوات أو عشرين سنة فلا تستعجل ولكن واصل ولا تيأس فإنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون.

الأوقات الفاضلة للاستجابة

الأوقات الفاضلة للاستجابة أما المسألة الحادية عشرة: فهي الأوقات الفاضلة للاستجابة، منها: أدبار الصلوات، إذا انتهيت من فريضة فهو وقت للدعاء، فادع الله بما تيسر، خاصة آخر التحيات قبل السلام، أمَّا بَعْد السلام، أن ترفع يديك مباشرة فلم تأت به سنة، ولم يفعله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه، فتدعو قبل السلام، وأدبار الصلوات. ومنها: بين الأذانين، بين الأذان والإقامة كما عند النسائي دعوة مستجابة، إذا أذن المؤذن فالوقت الذي بين الأذان والإقامة أكثر فيه من الدعاء، واسأل الله أن يلبي لك ويعطيك ما تمنيت. ومنها: السجود، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {أقرب ما يكون العبد لله وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم} أي: حري وقريب وجدير أن يستجاب لكم، الله الله في كثرة الدعاء، إذا سجد العبد بعد أن يقول: سبحان ربي الأعلى ما شاء الله، أي: ما قدر الله له أن يقول. ومنها: الثلث الأخير من الليل: ففي الصحيحين: {ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟}. ومنها: عصر الجمعة، ففي يوم الجمعة ساعة لا يدعى الله فيها بخير أو بدفع من شر بغير قطيعة رحم، أو إثم إلا استجاب الله لصاحب الدعوة من المسلمين، وهي آخر ساعة من يوم الجمعة بعد العصر، ومنها: يوم عرفة، يوم يتجلى الله للناس بعرفة وبغير عرفة، لكن بعرفة آكد.

الدعاء والقضاء

الدعاء والقضاء أما المسألة الثانية عشرة: وهي آخر مسألة: فالدعاء والقضاء، يقول العبد: كيف أدعو والله قد كتب علي هذا الأمر؟ فنقول: الدعاء لا يتعارض مع القضاء، فأنت تدعو لأنه قد كتب الله لك أنه يصرف عنك هذا الشيء بسبب أنك تدعو، أو كتب الله عليك هذا الشيء وكتب لك أنك تدعو فيزيله الله عنك، مثل ماذا؟ مثل أنه قدر على ابنك الرسوب، وقدر أنك تدعو فينجحه، فتأتي فتقول: كيف أدعو لابني أن ينجح والله قد كتب عليه الرسوب فلا ينفع؟ نقول: ادع الله، لأن الله كتب أن تدعو ويقول عليه الصلاة والسلام: {إن الدعاء والقضاء يعتلجان بين السماء والأرض} أي: يتناطح الدعاء والقضاء، فالدعاء يريد صرف القضاء والقضاء يريد النزول على الدعاء، فيمضي الله عز وجل الدعاء أو بما كتب سُبحَانَهُ وَتَعَالى. فعليك بالدعاء وعليك دائماً بعدم اليأس من روح الله، وأكثر من الدعاء فإنه لا يعارض القضاء، بل يصرفه بقضاء وقدر آخر من الله، أو يلطفه ويخففه أو يكون أجراً ومثوبة إذا لم يحصل لك هذا الشيء، فإنك لن تدعو إلا بخير، إما يحصل لك غيره، وإما أن يدخر لك الله من الخير، وإما يصرف عنك من الشر. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربما تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. والسلام عليكم روحمة الله وبركاته.

صراع المؤمنين مع الملحدين

صراع المؤمنين مع الملحدين إن الصراع بين الحق والباطل، وبين أولياء الرحمن وأعداء الإسلام قائم من عهد أبينا آدم عليه السلام إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم وإلى عهدنا هذا، وهذه هي سنة الله تعالى الكونية، التي قضاها بين عباده في هذه الحياة، كما أن لذلك الصراع مصالح وفوائد تعود على هذا الدين وعلى أولياء الرحمن. والصراع القائم بين الحداثيين وبين شعراء الإسلام هو من الصراع بين الحق والباطل.

سنة الصراع بين الحق والباطل

سنة الصراع بين الحق والباطل الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ورفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي صاحب الغرة والتحجيل، المعلم الجليل، المؤيد بجبريل، المذكور في التوراة والإنجيل صلى الله عليه ما تضوع مسك وفاح، وما ترنم حمام وصاح، وما هدل ورْقٌ وناح وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، سلام الله عليكم يا أبناء التوحيد، ويا حملة التوحيد، ويا أبناء المجدد الموحد الكبير محمد بن عبد الوهاب، سلاماً لا ينقطع إلا بدمع العين. سلام الله أرفعه إليكم وتهديه الغدو إلى الرواح يسجله بدمع العين قلبي وأكتبه على متن الرياح لأجساد بها نهم المعاني وأرواح من التقوى صحاح إنه معترك عظيم، وصراع هائل، بين لا إله إلا الله وبين لا إله والحياة مادة، معركة عظيمة شعواء بين الإيمان والكفر بين التوحيد والشرك خاضها نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين وسلم تسليماً كثيراً، {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور:29 - 43]. {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} [الرحمن:1 - 8]. {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف:105] {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36] {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28]. إن حاجتنا وجوعنا وضمأنا الإيمان كبيرة، وما كثرت معاصينا ومخالفاتنا وفجورنا وبعدنا عن الله إلا يوم ضعف الإيمان، وابتعدنا عن الإيمان إلا ما شاء الله. محاضرتي هذه الليلة: "صراع بين الموحدين وبين الملحدين. أما عناصرها فأربعة: العنصر الأول: الرسل عليهم الصلاة والسلام في صراع عالمي مع الملاحدة: إبراهيم عليه السلام في حوار ساخن مع أحد الملحدين موسى عليه السلام في مناظرة مع كبير الزنادقة محمد صلى الله عليه وسلم واعتراض ملحد في مسألة البعث. العنصر الثاني: العلماء يغرسون شجرة الإيمان في القلوب: أبو حنيفة يضرب مثلاً لقدرة الباري تبارك وتعالى الإمام مالك يجيب على سؤال عقدي على هارون الرشيد الشافعي يتفنن في استدلاله للقدرة الإمام أحمد يقرر مسألة أهل السنة في إثبات قدرة الباري أعرابي في الصحراء على الفطرة يصلي وحده الفيلسوف الكندي يعارض القرآن، ابن الراوندي يتزندق مستهتراً. العنصر الثالث: الأدب الإسلامي الموحد المؤمن يتصدى للأدب الكافر الملحد: أبو نواس موحد في شعره أديب السودان يعلن في قصيدته الإيمان منظومة في التوحيد على نهج: (يا ظبية أشبه شيء بالمها): أبو العلاء المعري يعلن تمرده على الشريعة بشارة الخوري يكفر بالدين إيليا أبو ماضي وطلاسمه اللعينة القبيحة ابن هاني يقول على الله الكذب حداثي متستر يستهزئ بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم. العنصر الرابع: الصراع الحربي القتالي بين التوحيد والإلحاد: بدر وأحد القادسية واليرموك أفغانستان وفلسطين.

الرسل عليهم السلام في صراع عالمي مع الملاحدة

الرسل عليهم السلام في صراع عالمي مع الملاحدة يقول نوح عليه السلام وهو يثبت قدرة الباري تبارك وتعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:10 - 13] أين عقولكم وقلوبكم؟ يا أيها الذين تخلفوا عن ركب لا إله إلا الله! يا أهل التراب! يا أهل الوثنية! يا أهل الإلحاد! يا أهل العلمانية! لماذا تخلفكم عن لا إله إلا الله وقد خلقكم الله أطواراً؟

إبراهيم في حوار ساخن مع ملحد

إبراهيم في حوار ساخن مع ملحد وإبراهيم عليه السلام يدخل على زنديق فيصارعه مصارعة الإيمان مع الإلحاد، ونحن -والله- في حاجة إلى أن نبث أفكار الإيمان، وأن نغرسها أكثر من حاجتنا إلى هذا الترقيع الدعوي من مطاردة جزئيات المعاصي في الناس، وما أتت المعاصي إلا يوم ضعف الإيمان تبرج وسفور، وتناقض على الشريعة، وتخلف عن الصلاة، واستماع الغناء، واقتناء المجلة الخليعة، وصحبة الفسدة، والإعراض عن القرآن، ومحبة الكفار، والتهور في الزنا والربا كل هذا لما ماتت شجرة الإيمان، فأين داعية الإيمان؟ وأين العالم الذي يحمل الإيمان؟ أنت كنز الدر والياقوت في لجة الدنيا وإن لم يعرفوك محفل الدنيا محتاج إلى صوتك العالي وإن لم يسمعوك فالعالم يحتاج لك، لابد أن تبدأ كما بدأ الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. إبراهيم عليه السلام يدخل على زنديق في قصره، وهذا فيه دليل على أن الداعية عليه أن يتحرك ليدخل على أهل الباطل في أوكارهم، ولا يبقى بمسبحته في محرابه، فلن يأتيه أهل الباطل أبداً فيدخل إبراهيم عليه السلام، فهل يبدأ للزنديق عن تربية اللحية، أو تقصير الثوب، أو سنة الضحى، أو السواك؟ لا الأمر أكبر من ذلك، الأمر إيمان وكفر، الأمر لا إله إلا الله أو لا إله والحياة مادة. اسمع إلى القرآن وهو يصور جزءاً من المعركة، مناظرة ساخنة حارة تفجر الجدران، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة:258] يا ملحد! إن لي رباً له صفات لا توجد فيك يا ملحد! أنا لي إله قادر لا تملك من صفاته شيئاً، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:258] يا للسخف! يا للتخلف! يا للفكر العفن! يا للعنة إذا طوقت فكر صاحبها! أنت تحيي وتميت؟! جدلاً سلمنا لك: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَر} [البقرة:258] وانتصرت لا إله إلا الله، وبهت الذي كفر، ودوت لا إله إلا الله، وانهزم الذي كفر، وارتفعت لا إله إلا الله. يا غارة الله جدي السير مسرعة في سحق أعدائنا يا غارة الله {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258].

موسى في مناظرة مع كبير الزنادقة

موسى في مناظرة مع كبير الزنادقة يدخل موسى عليه السلام على الرعديد الملحد المنتن فرعون، وهو يدعي الألوهية، ويقول: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] قال ابن عباس كما روى ذلك ابن عساكر في قوله تعالى: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [النازعات:25] قال: [[نكال الكلمة الأولى والكلمة الثانية فدهدهه في البحر]] يقول فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] فكما أجراها الله من تحتك يجريها من فوق رأسك وقد فعل. لقد ذهب الحمار بأُم عمْروٍ فلا رجعت ولا رجع الحمار موسى عليه السلام يدخل عليه، فماذا سوف يكلمه؟ لن ينازله حتى يقول لا إله إلا الله، فالمسألة مسألة إيمان وكفر مسألة عقيدة تنزل في الساحة، أو كفر ينزل ويخيم في الساحة إذا لم ينزل الإيمان: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49] اسمع إلى الطائش بدأ بالسؤال، والواجب أن يبدأ موسى عليه السلام، لكنه سفيه: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49] لو قال موسى: الله، لقال فرعون: إنه هو الله. ولو قال موسى: ربي الذي فوق سبع سماوات لقال: وأنا فوق كرسي. ولو قال: الذي له مصر وغير مصر لقال: وأنا لي ملك الدنيا. فأتى بأعجوبتين في مسألتين مختصرتين دهده بها الكافر على وجهه، {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] لا إله إلا الله! أعطى النحلة خلقها وهي حشرة وحيوان لا تفقه، فهداها إلى خليتها أعطى الذباب خلقه فلا يغلبه غلاب من بني آدم {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] ولم يسكت عن (هدى) لأنه هدى كل مخلوق لخلقه، فالطفل يأتي أبكم أصم أعمى فيهديه الله إلى الطعام، والنملة تعلم أنه سوف يأتي فصل الشتاء فتدخر قوتها لهذا الفصل في الصيف.

أديب السودان يعلن في قصيدته الإيمان

أديب السودان يعلن في قصيدته الإيمان وهذه قصيدة السوداني المؤمن إبراهيم بديوي الذي أعلن فيها الإيمان أعلن فيها لا إله إلا الله، ليس من شعر السخف والمجون والضياع، ولا شعر قلة الحياء والمروءة والشهامة، لكنه يعلن لا إله إلا الله بالشعر، يقول: قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا والنحل قل للنحل يا طير البوادي من الذي بالشهد قد حلاكا وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا إنه الله العلي القدير. واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاك فالحمد لله الكريم لذاته حمداً وليس لواحدٍ إلَّاك لكن من يقرأ آيات التوحيد؟ من يتدبر ويتأمل؟ قال تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] يا أمة الصحراء! يا أمة الجمال! اقرءوا التوحيد في الإبل، واقرءوا محاضرة العقيدة في الجمال، لتروا خلق الذي خلق الجمال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:17 - 18] من رفعها وسواها وجملها؟ من جعل النجمة توصوص وحدها كأنها مهجورة؟ من جعل مجموعة النجوم كأنهن يتحدثن في مهرجان الحياة؟ من رفع البدر شامخاً يبدي بنظراته على المخلوقين؟ من أتى بالشمس فطوق بها الأحياء وجعل الأحياء تتنفس على ضوئها؟ سبحان الله! لكن من يتدبر ومن يقرأ؟ وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد

محمد صلى الله عليه وسلم واعتراض ملحد

محمد صلى الله عليه وسلم واعتراض ملحد ويأتي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فيخوض المعترك الثالث معترك (لا إله إلا الله) مع (لا إله والحياة مادة) فيجلس في مجلسه يلقي رسالة التوحيد بعمق ويؤسسها في القلوب بأصالة، ويغرسها في الأرواح بحب، يدخل عليه العاص بن وائل الوثني، ويأخذ عظماً ويحته ثم ينفخه ويقول: يا محمد! أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد أن أماته؟! قال: نعم ويدخلك النار. يحييه ولا يكفي هذا بل تدخل أنت النار، ويقول الله للملحد الزنديق: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} [يس:78] عجيب!! أتى يضرب الأمثال اليوم وقد كان أعمى أصم في عالم العدم، قال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3] عجيب!! لقد أصبحت الآن تضرب الأمثال!! أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] الجواب سهل، فالذي بدأ الطريق هو الذي ختمها، والذي أتى بالمقدمة هو الذي أتى بالخاتمة {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس:79 - 80] وهذا درس للدعاة؛ أن يضربوا الأمثال العقلية في دعوتهم، وأن يقربوا المنقول بالمعقول؛ عل الناس أن يفهموا هذه الأمثال.

العلماء يغرسون شجرة الإيمان في القلوب

العلماء يغرسون شجرة الإيمان في القلوب تعالوا إلى أئمتنا، أئمة أهل السنة والجماعة، ونعوذ بالله أن يوجد في أهل السنة والجماعة دعاة مرتزقة، بل دعاة أهل السنة والجماعة يتميزون بالأصالة، وبأنهم ربانيون، يريدون الخير للمسلمين، ويقدمون علم الكتاب والسنة للناس، وبأنهم يعلنون ولاءهم لله، وبراءتهم من أعداء الله هذه ميزة علماء أهل السنة والجماعة.

أبو حنيفة يضرب مثلا لقدرة الباري

أبو حنيفة يضرب مثلاً لقدرة الباري يمر أبو حنيفة على صف من الملحدين فيقول له الزنادقة: يا أبا حنيفة، دلل لنا على وجود الباري. سبحان الله! أفي الله شك؟! سل الزهرة من خلقها؟ وسل النحلة من أرسلها؟ وسل شعاع الشمس من بثه؟ وسل النسيم من أجراه؟ سل الحب من أسكنه القلوب؟ سل نور العين من ركبها في المقل؟ سل الإشارة ما لها تشير؟ سل الليل ما له يظلم؟ سل النهار ماله يتجلى؟ قال تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس:1 - 7] إنه الله جل في علاه. فقالوا له: يا أبا حنيفة! دلل لنا على وجود الباري. وأبو حنيفة داعية الإيمان قبل أن يخبر بميراث الجدة والعمة والخالة لقد أتى بالإيمان وأسس دعوته على الإيمان قبل أن يأتي بالسنن والفرعيات التي لا تغفل ولكن تعطى حجمها. قال لهم الإمام: أرأيتم سفينةً عبرت عباب دجلة، ونزلت بالشاطئ بحمولتها، ليس لها قائد ولا سائق ولا ربان؟ قالوا: ليس هذا بصحيح. قال: لماذا؟ قالوا: العقول تنكر هذا. قال: سبحان الله! سماء ذات أبراج، وليل داج، وأرض ذات فجاج، وبحر يزخر، ونجوم تزهر، ألا تدل على السميع البصير؟ قالوا: بلى. هذا هو الاستدلال، وهو عالم الإيمان، والصراع الدائم والخالد والباقي بين الإيمان والكفر، يقول تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] ويقول تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] إنه صراع بين (لا إله إلا الله) وبين (لا إله والحياة مادة).

الإمام مالك يجيب على سؤال عقدي

الإمام مالك يجيب على سؤال عقدي وذكر ابن كثير في التفسير في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21]: أن هارون الرشيد الخليفة العباسي، مخاطب الغمامة، الذي ناجى السحابة وتحداها لتنزل ماءها في غير أرضه، ولكنها أبت، وما استطاعت أن تتجاوز مملكته يقول لـ مالك: دلل على قدرة الباري تبارك وتعالى. قال أبو عبد الله -شيخ المحدثين وأمير المؤمنين في الحديث- سبحان الله! -أي: أمثلك يسأل مثل هذا السؤال- سبحان الله! اختلاف اللغات وتعدد اللهجات، واختلاف النغمات كلها تدل على السميع البصير. أصوات مختلفة، لا الصوت هذا يشبه هذا، ونغمات متباينة، ولهجات متعددة، ألا تدل على أن هناك صانعاً حكيماً؟ بلى.

الشافعي وأحمد يدللان على قدرة الباري

الشافعي وأحمد يدللان على قدرة الباري يأتي الشافعي ويفتح باب الحوار مع الملحدين والزنادقة، وهو داعية الإسلام عنده رصيد من الأدلة، ويبرز في الميدان وهو المنتصر بإذن الله، ولا يختبئ ولا يخاف على نفسه فالله معه. دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس قيل للشافعي: دلل لنا على القدرة. فقال: ورقة الشجرة تأكلها الدودة فتخرج إبريسماً حريراً، والغزال فتخرج مسكاً، والنحل فتخرج عسلاً ألا يدل ذلك على السميع البصير؟ بلى والله، يدل على السميع البصير. فيا سبحان الله! كيف أقفلت العقول؟! لقد أصبح من أعظم أمراض المجتمع اليوم مرض الإلحاد ومرض الشك مرض ركب الحداثة وأمثالها وأذنابها وعملائها ليبث سمومه في الساحة، في جزيرة العرب. ويأتي الإمام أحمد ودليله رابع الأربعة، وهو في بيته، يلتفت إلى بيضة الدجاجة -وقد سألوه عن دليل القدرة- فقال: هذه البيضة، أما سطحها ففضة بيضاء، وأما باطنها فذهب إبريز، تفقس فيخرج منه حيوان سميعٌ بصير ألا يدل على السميع البصير؟ بلى والله لكن من يتأمل؟ ومن يتفكر؟ ومن يتدبر؟ فما لهم لا يؤمنون! ما لهم لا يؤمنون والسماء تشهد أن لا إله إلا الله؟! ما لهم لا يؤمنون والأرض تشهد أن لا إله إلا الله؟! مالهم لا يسمعون ويستجيبون وينطقون لا إله إلا الله؟!

أعرابيان يدللان على قدرة الباري

أعرابيان يدللان على قدرة الباري لا تظنوا أن هذا الفكر الإيماني لا يحمله إلا العلماء، بل من بدونا وأعرابنا من يحمل عقيدة التوحيد وهو في الصحراء لا يعرف إلا شاته وتيسه وجمله، ولكن شاته وتيسه وجمله يدلانه على السميع البصير؟! بلى. دخل علي بن الجهم على المتوكل وعلي بن الجهم عاش فترة البداوة، فكل المعالم التي معه في البادية تيس وكلب، ويظن أن أحداث العالم تتوقف على التيس والكلب، فأتى يمدح الخليفة يوم عيد الفطر، فقال: أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب فتح الله عليك، ما هذا اللموع؟ وما هذا الإشراق؟ فقام الوزراء ليطرحوه أرضاً ويضربوه ضرباً مبرحاً لا يحفظ بعده آية، لكن الخليفة كان ذكياً فقال: دعوه، هو عاش في بيئة لا يعرف فيها إلا الكلب والتيس، أنزلوه عند الرصافة والجمال والحياة فأنزلوه عند الماء وعند الزهر والورد وأنزلوه إلى الحدائق الغناء والبساتين الفيحاء فنزل وبعد سنة أتى وبدأ قصيدته كأنها إطلالة فجر، يقول: عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري والنحلة أو البستان أو الحديقة هنا تدل كلها على الله، كما يدل التيس والجمل والشاة على الله. مروا بأعرابي يصلي، ففال له أحد الملحدين: لمن تصلي؟ قال: لله، قال: هل رأيته؟ قال: سبحان الله! البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدل على السميع البصير. ولا تظنوا كذلك أن من حمل العلم سوف يكون مؤمناً، لا فإن من الناس من يحمل علماً ومتوناً ونصوصاً ولكنه فاجر من الفجرة، منتظم في سند فرعون وفي متن إبليس، ولذلك إذا ذكر الله العلم جعله في معرض الإيمان قال: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:56] لأن العلم بلا إيمان يساوي أتاتورك الملعون، فهو الذي أتى بـ العلمانية وفصل الحياة عن الإيمان. والفيلسوف الكندي عالم ولكنه ملحد ذكي ولكنه ليس بزكي ظريف العبارة ولكنه ليس بشريف الأصالة والإشارة، أتى يعارض القرآن كفى بك خيبة يا عدو الله، وكفى بك لعنة وخسارة أن تعارض كتاب الله دخل بيته -كما ذكر المترجمون عنه- فأغلق الباب وفتح المصحف وقال لتلاميذه: انتظروني ساعة، سوف آتي بسورة أعظم من سور القرآن فدخل البيت وفتح المصحف فوقع نظره على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:1] فانبهت، {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258] فقال: عجيب!! نادى وأمر وبين واستثنى وفصل وختم في آية! فلما أراد أن يرفع يده وجد نصف جسمه قد شل، وأصبح يابساً جافاً، {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16]. وهذا ابن الراوندي يتزندق مستهتراً، وهو عميل آخر عنده علم وفلسفة، وكم حسب على الإسلام من فيلسوف، يقولون: فيلسوف الإسلام! والإسلام لا يعترف بالفلسفة، الإسلام لم يأت بالفلسفة، فهذه كلمة لا صحة لها، ونحن في غنى عن ابن سيناء والفارابي، وعن أضرابهم وأمثالهم. الإسلام يعترف بقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، بالقرآن والسنة، بقال الله وحدثنا، أما فيلسوف الإسلام فلا ابن الراوندي هذا ترجم له الذهبي فقال: الكلب المعثر، الذي ألف كتاب الدامغ على القرآن ليدمغ القرآن فدمغه الله، أخذه الله نكال الآخرة والأولى، وذهب، ولكنه ما ذهب عذابه من الله، هذا عذابه في الدنيا، وبعض الناس إذا ترجم لهؤلاء ينسى إلحادهم، وشكهم وريبتهم، كما يفعل بعض الكتاب والصحفيين، يأتي بزنديق ملحد عميل للصهيونية والشيوعية، ويمجده حتى يصبح بارزاً بين الناس، وهذا فحش وعار وشنار. ابن خلكان ترجم لـ ابن الراوندي هذا فسكت وقلس عليه، قال ابن كثير: قلس وملس عليه كأن الكلب ما أكل له عجيناً. لكن لما أتى الذهبي أوقف ابن الراوندي ولعنه وأوقفه عند حده. ونحن اليوم بحاجة إلى دعاة يغرسون الإيمان في القلوب، فقبل تصحيح المعاصي لابد من غرس شجرة الإيمان لتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون.

الأدب الإسلامي الموحد يتصدى للأدب الكافر

الأدب الإسلامي الموحد يتصدى للأدب الكافر أما العنصر الثالث: فهو الأدب الإسلامي الموحد يتصدى للأدب الكافر الملحد. تعالوا بنا إلى أدباء موحدين في الجنة، وأدباء ملحدين في النار، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7]. من العلماء والمفكرين والشعراء، والقصاص، والخطباء، والوعاظ، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] ألا تريد أن تنقذ نفسك لتكون من أصحاب الجنة؟! إن هذا هو سر وجودك يوم أوجدك الله في الحياة، هذا هو الأدب الموحد، فلنعرض لبعض الأمثلة والنماذج.

أبو نواس موحد في شعره

أبو نواس موحد في شعره بإمكان المسلم أن يدخل الجنة ببيت شعر يصدق فيه مع الله ويكون عاملاً بهذا البيت حسان بن ثابت قائد الشعراء إلى الجنة، وامرؤ القيس قائد الشعراء إلى النار؛ لأن ذاك آمن في شعره وهذا كفر في شعره، يقول ابن كثير وهو يستدل على قدرة الباري تبارك وتعالى: ولـ أبي نواس أبيات ما أحسنها في الإيمان أبو نواس يأتي إلى الزهرة -ونحن لا نطلب من الأدباء والشعراء والقصاص أن يكونوا وعاظاً، وإنما نطلب منهم أن يكونوا مؤمنين- فيصفها لكن يذكر من بدأ الزهرة وأبدعها ويصفون الليل ولكن يأتون بمن ألبس الليل جلباب السواد ويصفون الصباح ولكن يتحدثون عمن أعطى الصباح رحيقه ومسكه وجماله فـ أبو نواس يقول: تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك هذا هو عرض العقيدة في الشعر. ذكر بعض العلماء في ترجمته أنه رؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة بقصيدتي في النرجس. تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك على كثب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65] {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. أديب السودان يعلن بقصيدته الإيمان -وقد مر معنا- يوم يقول: قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا وبعض الناس يعيش بلا رسالة، يصف الغزال والحمار والثور والليل والبهائم والعجماوات لكن ما عنده رسالة الشيوعي يحمل رسالة في قصائده، والحداثي يحمل رسالة حداثية ملحدة في شعره لكن تجد بعض الناس لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، واقف في الوسط، ما دخل في الليل ولا دخل في النهار. ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستشهدون وهم شهود شاعر ما له رسالة ولا له هدف ومثل من يقول: يا ظبية أشبه شيء بالمها ترعى الخزامى بين أشجار النقى وفيها حكمة، لكن الواجب أن يحول شعره ويسكب فيه الإيمان. ويأتي شاعر بعده بقرن أو أكثر، فيأتي على البحر بقصيدة في الإيمان ويقول: لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف رنا كم فرح بعد إياس قد أتى وكم سرور قد أتى بعد الأسى سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا إلى آخر القصيدة التي يذكر في الأسماء والصفات فهذه يدخل بها إن شاء الله الجنة.

أبو العلاء المعري يعلن تمرده على الشريعة

أبو العلاء المعري يعلن تمرده على الشريعة ولا يظن الإنسان أن مركب الحداثة والزندقة الحديثة في المتأخرين فحسب، بل وجدت في المتقدمين، فهذا أبو العلاء المعري يعلن تمرده على الشريعة، وكان أعمى القلب وأعمى البصر، حشفاً وسوء كيلة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:7] كان ذكياً ولكن لم يكن زكياً، قلبه يتوقد ذكاء لكنه مظلم، أتى فقال: كم يقول فقهاء الشريعة في دية اليد؟ قالوا: خمسمائة من الذهب. قال: في كم تقطع إذا سرقت؟ قالوا: في ربع دينار. فتفنن -متحذلقاً متزندقاً ملحداً- وقال: معترضاً على الله حين قال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ} [المائدة:38]. يدٌ بخمس مئين عسجد وديتْ ما بالها قطعت في ربع دينار تناقض ما لنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار بعد ماذا تسكت يا عدو الله؟! بعد ماذا تسكت يا أيها الكلب المعثر؟! تكلمت في البيت الأول وتسكت في الثاني! خير منه الكلام بالتوبة، ثم يقول: ونستعيذ بمولانا من النار. لا والله، بل دهدهت قلبك ووجهك إلى النار، وفتحت على نفسك طريقاً إلى النار، وجعلت لله سلطاناً عليك. لكن رد عليه شعراء أهل السنة والجماعة فليس أهل السنة والجماعة فقهاء فحسب، بل منهم شعراء، ومنهم مذيعون، ومنهم خطباء، وصحفيون، ومتكلمون، ومحاضرون. فيقول عبد الوهاب المالكي بيض الله وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه: قل للمعري عار أيما عار جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري لا تقدحن بنود الشرع عن شبهٍ شرائع الدين لم تقدح بأشعار فنّكل الله المعري! وذكر كثير من أهل التاريخ أنه لما توفي وأجلس في قبره فإذا بحية تدهدهت عليه فأخذت بلسانه وبفرجه. ! هذه أول العلامات.

بشارة الخوري يكفر بالدين، وإيليا أبو ماضي وطلاسمه اللعينة

بشارة الخوري يكفر بالدين، وإيليا أبو ماضي وطلاسمه اللعينة أما شعراء وأدباء هذا العصر الذين بثوا سمومهم ووجدوا سوقاً، ووجدوا مقالاً فقالوا، ووجدوا جماهير صفقوا لهم فزادوا، فالله حسيبهم. بشارة الخوري ينزل في دمشق، فيحمل على الأكتاف من المطار إلى الحديقة، فيقول وهو على أكتاف الناس: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم برهم الهندوكي المجرم الملعون، ثم يقول: بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم ورد عليه شعراء أهل السنة -والحمد لله- فهناك ردود ولكن من ينشرها؟ ومن يقوم بها؟ ويقول إيليا أبو ماضي: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8]. {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد:8 - 11] {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] مالك يا أيها الإنسان كفرت بالله؟ مالك يا أيها الإنسان لا تسمع لا إله إلا الله؟ يقول: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت لقد أتيت من نطفة من العدم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان:1]. يقول: لقد أتى صدفة وكذب عدو الله، بل ميلاده بقضاء وقدر، وحياته بقضاء وقدر، وأكله وشربه بقضاء وقدر، وسعادته وشقاوته بقضاء وقدر، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:49 - 50] نعم لقد نزل من بطن أمه يبكي. ولدتك أمك يا بن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سروراً فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً قال: ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! طريق استالين وماركس ولينين، ولكنك تركت طريق محمد صلى الله عليه وسلم طريق ليس فيها محمد صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهي طريق ملعونة ومغضوب على أصحابها طريق مظلمة ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! والنهاية النار. وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!! ولماذا؟ لست أدري لست أدري!! لكن ستدري إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور، قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. أين هذا من إيمان أحد الأعراب يوم أسلم عند الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إني خارج إلى الغزوة، وإني أرى أن أقتل هذا اليوم -إن شاء الله- فأين ألقاك يوم القيامة؟ يا للإيمان! يا لليقين! يا للوضوح والثبات! هو يسأل فقط عن الموعد، وعن مكان ومعلم بارز في القيامة، فيتبسم عليه الصلاة والسلام ويقول: {لا أغادر ثلاثة أماكن: إما الحوض أو الميزان أو الصراط} وفي بعض الألفاظ: {أو عند تطاير الصحف} أين ألقاك؟! اللقاء لابد منه لكن أين المكان؟ وأين أجدك وسط الأمم والشعوب والملايين؟ وأين إيمان ذلك الوثني من إيمان عبد الله بن أنيس يوم قتل خالد بن سفيان الهذلي، ويأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيراه وقد قتله، فيقول له صلى الله عليه وسلم: {أفلح الوجه. قال: وجهك يا رسول الله. قال: خذ هذه المقصرة (عصا) عصى، سوف تتوكأ به في الجنة والمتوكئون بالعصى في الجنة قليل} فيأخذ العصا وينام، ويستيقظ وهي معه، ولما مات دفنوا العصا معه؛ لأنه سوف يتوكأ بها في الجنة. أين إيمان هذا من عمير بن الحمام، يوم أتى إلى بدر! فقال صلى الله عليه وسلم: {يقول الله: يا أهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، والذي نفسي بيده، ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة. قال: الجنة يا رسول الله؟! قال: الجنة إي والذي نفسي بيده} فيلقي التمرات وكان يأكلهن، ويكسر غمده على ركبته، ويتقدم إلى الموت فيقتل في سبيل الله. هذا الشاعر أعلمه الله من هو الواحد القهار، فكان عند مرض الموت يخور كما يخور الثور، وينبح كما ينبح الكلب، حتى أخذ يبكي ولسان حاله يقول -مستعتباً في وقت لا ينفع فيه العتب-: أبعين مفتقر إليك نظرت لي فأهنتني وقذفتني من حالق لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق ورجل آخر يقول لبشر مثله يأكل الطعام والشراب وينام مثله، ويسهى وينسى ويفجر، يقول فيه: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضابُ وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خرابُ إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب ترابُ كذب عدو الله بل الذي إذا صح منه الود الطيب هو الله جاء وفد بني تميم فطرقوا باب الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: اخرج لنا يا رسول الله، فإن مدحنا زين وذمنا شين. يقولون: إذا مدحنا مدحنا وإذا ذممنا ذممنا، فقال عليه الصلاة والسلام: {لا والذي نفسي بيده، الذي مدحه زين وذمه شين هو الله} هذا هو الذي ينبغي أن يلاحظ على مثل هؤلاء الفجرة الذين ينسون الله وينسون الإيمان، فإذا أتى في الشعر نسي الله، وإذا أتى في الصحافة نسي الله، وإذا أتى إلى المسرح نسى الله، وإذا أتى إلى الفيديو نسي الله، إذا أتى إلى المنتدى والنادي نسي الله فإذا ذكرته بالله قال: الله في المسجد لا والله، بل علمه في كل مكان، {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] جل الله وتبارك وتعالى. وحداثي متستر يستهزئ بالرسول صلى الله عليه وسلم، والطوام أن يأتي من أمهاتنا وفي بلادنا من يشرب ماءنا ويستنشق هواءنا ثم يستهزئ برسالتنا وبأصالتنا وعمقنا وبديننا وإيماننا وبتوحيدنا، فيقول في مقطوعة نثرية في آخرها: غطى عليها بردائه الهاشمي يقول: إن دنيانا لم تبصر النور لما أطل بردائه الهاشمي على الدنيا وعلى الجزيرة، يقول: أظلمت، كانت نيرة فلما أتى الهاشمي ووضع رداءه ما رأت النور فمن هو الهاشمي؟ ليس إلا محمداً عليه الصلاة والسلام. أيها البغيض المتكلم! والله الذي لا إلا هو، لقد رفع الله به رءوس أمتك وأخرجهم من الظلمات إلى النور هذا الهاشمي -أيها البغيض- هو الذي جعلنا نخطب على منابر الأندلس، وعلى ضفاف دجلة والفرات والجنج وطشقند وغيرها من بلاد الدنيا هذا الهاشمي -أيها المتخلف- هو الذي أخرج الله به أمة العرب من أمة متخلفة وثنية مشركة إلى أمة تقدم أرواحها للواحد الأحد. إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها فأمدها مدداً وأعلى شانها وأزال شانئها وأصلح بالها الهاشمي عليه الصلاة والسلام -يا متخلف! - هو الذي أتى بـ أبي بكر الصديق ليكون علماً للعدل والسماحة والنبل، وأتى بـ عمر إنساناً أخرجه الله عز وجل وجعله بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى رجل عدالة، ورجل ريادة وزهد وعبادة يضرب بعدله المثل، وأتى بـ علي وبـ عثمان وبـ الزبير وبـ طلحة وبـ زيد وبـ أُبي {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]. أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع لكنها قلوب مظلمة، وعقول متخلفة! وإذا نزع الإيمان فلا تسل عن صاحبه.

الصراع الحربي بين التوحيد والإلحاد

الصراع الحربي بين التوحيد والإلحاد العنصر الرابع: الصراع الحربي القتالي بين التوحيد والإلحاد. إن الصراع والقتال بين الإيمان والإلحاد جزء من الصراعات التي ذكرتُ، فإن بدراً وأحداً هي بين الإيمان وبين الإلحاد والطغيان. وكذب طه حسين وافترى على الحي القيوم يوم أتى يتكلم عن بدر -واسمع إلى المتخلف العفن- يقول: بدر وقعت بين قبائل قريش وقبائل الأوس والخزرج لحزازات في الجاهلية حزازات! لا والله بل جبريل في المعركة، يقول حسان: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد لا إله إلا الله نزلت في المعركة الله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله شاركت في المعركة الملائكة متعممون مسومون يضربون بالسيوف وشاركوا في المعركة أهي حرب قبلية؟! هذه المعلومات أخذتها يا طه حسين من باريس، ولو رجعت إلى المدينة وإلى السنن والمسانيد لرأيت العلم الصحيح، لكنك أخذتها من ديجون وفلريدسكل دستن، وغيرهم وأذنابهم وأشياعهم من أعداء الإسلام. أحد وبدر واليرموك والقادسية بين لا إله إلا الله وبين الكفر، بين الإيمان والشرك، وأفغانستان اليوم وفلسطين -إن شاء الله- كذلك وما انتصر المجاهدون في أفغانستان إلا يوم أن نزلت لا إله إلا الله في الساحة. في جحفل من بني الأفغان ما تركت كراتهم للعدا صوتاً ولا صيتا قوم إذا قابلوا كانوا ملائكة حسناً وإن قاتلوا كانوا عفاريتا رفعوا لا إله إلا الله، وسجدوا وقالوا: لا إله إلا الله، وإذا نزلت لا إله إلا الله إلى الساحة فلتأت روسيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126] واليوم يُشرف على فتح كابل، واقترب فتحها {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:97] قال المجاهدون الأفغان: لا إله إلا الله، آمنا بالله وكفرنا بهيئة الأمم المتحدة. قال لهم الناس: جنيف قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـ جنيف، قالوا: مجلس الأمن قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بمجلس الأمن. يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلو الإنسان خابوا مالهم إلا الرماد جثث البرايا منهمو في كل رابية وواد فأخذوا الكلاشنكوف، وتوضئوا وبدءوا في الغارات يذبحون الشيوعيين على الطريقة الإسلامية، ويجوز ذبح الشيوعي إذا كان على الطريقة الإسلامية، فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير. وفي الأخير أتى الدب الأحمر في موسكو وقال: ننسحب للأخوة الإنسانية عرفتك لا إله إلا الله والكلاشنكوف الأخوة الإنسانية، لكن فلسطين ثلاثين سنة ما اعترف شامير ولا سمع شامير بلا إله إلا الله، والآن نسأل الله أن تنزل لا إله إلا الله في ساحة فلسطين ليعود البيت الأقصى للمسلمين بلا إله إلا الله فلسطين لن تعود حتى نعود إلى الله عز وجل {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126] النصر يأتي من فوق سبع سماوات النصر يأتي من هناك، ولا يأتي من عند أحد، لا من واشنطن ولا من موسكو، وإذا أتى النصر من عند الله وصدقنا مع الله نصرنا الله كما تشاهدون وتسمعون من المجاهدين الذين سفَّهوا الشيوعيين، والله لقد سفكوا حتى ماء وجوههم على الأرض، وخرجوا وهم في خجل ورعب. فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ يسعى فيعثر في سروال خيبته في أذنه من رصاص الحق خرصان فيا أبناء التوحيد! ويا أبناء الذين رفعوا لا إله إلا الله ووزعوها على البشرية أنا أتكلم في قوم ليسوا بغرباء، هم من نسل خالد بن الوليد وطارق وصلاح الدين، ومن يشابه أبه فما ظلم أعطي خالد السم في اليرموك، وقال له الروم: إنك تزعم أنك متوكل على الله فاشرب السم. قال: باسم الله توكلت على الله، فشربه، فما أصابه شيء. وقيل للرسول عليه الصلاة والسلام: الجيش جرار مقبل عليك، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:174]. وقيل لإبراهيم: النار محرقة، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فنجى. وقيل لموسى: الماء مغرق. قال: حسبنا الله ونعم الوكيل فنجى. وقيل لـ خالد: جيش الروم في اليرموك مائتان وثمانون ألفاً وجيشك ثلاثون ألفاً، يقول أحد المسلمين بجانب خالد: أما اليوم فالملتجى إلى جبال سلمى وأجا في حائل. فقال خالد: بل إلى الله الملتجى، فنصره الله، وأتى سعد إلى أهل فارس فرأى الجموع كالجبال فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل. وأتى المجاهدون الأفغان يوم أتت روسيا بدباباتها وطائراتها وقضها وقضيضها وقواتها وقنابلها، فخرجوا بالسلاح البدائي وبالقماش المرقع وبقطع الخبز وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:174]. وأنا أقول من هذا المكان: يا كل فلسطيني على وجه الأرض! لن ينصرك الله حتى تعود إلى الله وتقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، فحسبنا الله أولاً وآخراً. نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا وقلوبكم، وأن يزرع شجرة اليقين في أرواحنا، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين. اللهم إنا نسألك أن تجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وإن كان لي من شكر فإني أشكر الله تبارك وتعالى، ثم أشكركم، ولا أنسى أن أشكر فضيلة الشيخ: عبد الوهاب الناصر إمام هذا الجامع، وأستغفر الله مما ذكرني به فأنا أعلم بنفسي. إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

آثار الصحوة الإسلامية وبعض الملاحظات

آثار الصحوة الإسلامية وبعض الملاحظات Q الصحوة الإسلامية تثلج صدور المسلمين، فحبذا لو ذكرت ما ظهر من آثارها على الساحة الإسلامية، وهل من ملاحظات عليها؟ A نعم. هذه الصحوة والعودة والرجوع إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مما يثلج صدر المؤمن، فلله الحمد أولاً وآخراً، فإن الفضل فيها يعود إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فهو الذي هدى ووفق، ثم للدعاة المخلصين ومما يفرح المؤمن ثلاثة أمور في هذه الصحوة: أولها: الإقبال من الشباب على العلم الشرعي، وهذا مطلب عظيم، ومقصد نبيل فإن الدعوة بلا علم خسارة، والتوجه بلا علم ضلال، والسير بلا علم ظلام. وثانيها: ظهور سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام على شباب الإسلام، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فهي وجوه راضية برضى الإيمان ساجدة لله، وقلوب تخفق بذكر الله، وألسنة تلهج بذكر لا إله إلا الله، وسنن تلوح على الجبين. وثالثها: دعاة بدءوا في الساحة يدعون إلى الله على بصيرة ويوعّون الناس فهذه ثلاثة أمور أشكر المولى تبارك وتعالى عليها وعلى غيرها من النعم، وأطرحها بين أيديكم. أما الملاحظات، فإن المخلوق ناقص مهما كمل، ولا كمال عند المخلوق في عمله لأنه من نقص، وعندي ثلاث ملاحظات: أولها: بعض شباب الصحوة لا يهتم بالعلم، بل قد يزجي بعض الكلمات الغير مسئولة في التقليل من شأن العلم، وأننا لسنا بحاجة إلى العلم؛ لتصبح الأمة تعيش على الفكر، أمة إنشائية لا أمة مؤصلة بقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. الملاحظة الثانية: قلة النوافل عند بعض الناس فإنه ولو اهتدى وظهرت عليه السنة إلا أنه يحتاج إلى مدد وذكر وعبادة ونوافل وتلاوة. وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى وأخلص ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا فالنوافل تقل عند بعض الناس، ونحن بحاجة إلى مدد وغذاء للروح وهي النوافل. الملاحظة الثالثة: وجود بعض الضغائن والأحقاد عند البعض، وهم في هذا الإقبال والصحوة إلى الله؛ وذلك بسبب اختلاف بعض المشارب أو بعض الاتجاهات والاجتهادات، وهذا ملحظ خطير، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105].

أبو حامد الغزالي وابن حزم في الميزان

أبو حامد الغزالي وابن حزم في الميزان Q هل من كلمة حول هاتين الشخصيتين: أبو حامد الغزالي وابن حزم الظاهري؟ A أبو حامد الغزالي صاحب كتاب إحياء علوم الدين، واسمه محمد بن محمد الطوسي الغزالي، هذا من أكثر العلماء الذين اختلفت فيهم عبارات أهل العلم، والذي أقوله في هذا الرجل كما قال الذهبي وغيره: أنه رجل مشكور ومأجور عند الله عز وجل، ولكن عليه مآخذ: أولها: الرجل عاش أدواراً وأطواراً فقد عاش الفلسفة، ثم عاد إلى التصوف، وأتى في آخر عمره إلى أهل الحديث، فمات قبل أن يتم في هذا العمر فالعقيدة لا تؤخذ من كتبه ولا منه، فهو أشعري منطقي فيلسوف، يأتي بالتأويل ويثبته ويرى أنه الصحيح، كما في المجلد الأول من الإحياء. الأمر الثاني: الرجل في الحديث حاطب ليل. أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل فيأتي بالموضوعات كأنه ينقلها من صحيح البخاري ومسلم. الأمر الثالث: الرجل معجب بـ الصوفية، يمجدهم ويسترضيهم، ويمدحهم مدحاً عجيباً فهذه مقاتله الثلاثة. أما نبله: فيأتي من زهده، وسعة علمه، وغيرته على الإسلام، ونسأل الله أن يكون ممن قال فيهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. وأما أبو محمد علي بن حزم الظاهري؛ فهذا منجنيق الأندلس -كما قال ابن القيم - وهو شمس ولكنها طلعت من الغرب، ذكي لامع، يقول الشوكاني في البدر الطالع: ما بين ابن تيمية وابن حزم بأقوى من الرجلين. لكن البشر فيهم نقص، قال أهل العلم: عليه عدة مآخذ: أولها: أنه ترك القياس ونفاه وأنكره، فضاق عقله في الشريعة، وضاقت دائرته، وأصبح يدور حول نفسه. الأمر الثاني: أنه شديد على العلماء، فأخذ في أعراضهم -والله يسامحه ويغفر له- ونسي أنه يتخاطب مع مالك وأبي حنيفة والشافعي، لكن اعتذر له، فهم كرماء والله أكرم، وعسى الله أن يتجاوز عنه. الأمر الثالث: الرجل مؤول في الصفات، فهو سال في موضع الجمود وجمد في موضع السيلان فإن الفروع تحتاج إلى عقلية وقياس، فرد القياس، وأتى إلى الصفات فأتى بالقياس. يوم يمانٍ إذا لاقيت ذا يمن وإن لقيت معدياً فعدناني فقد أساء في المعتقد في الصفات، حتى قال عنه ابن تيمية: "إن أبا الحسن الأشعري خير منه في الأسماء الصفات". المسألة الرابعة: أنه أباح الغناء، لأنه ضعف حديثاً في البخاري تجاوز الله عن الجميع. وعلى كل حال فمناقبه كثيرة فهو محدث وعالم وداعية، دمغ الكفر والنصاري واليهود والرافضة، وحسناته تربو على سيئاته. أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا

انتقاد بعض أحاديث الصحيحين

انتقاد بعض أحاديث الصحيحين Q انتقُدت أحاديث على الصحيحين من قبل بعض الحفاظ وبعض المغرضين، فما هي الأمثلة وما سبيل الرد؟ A الصحيحان تعرضا إلى هجوم وانتقاد، فأما الانتقاد فمن الجهابذة من علماء السنة، كـ الدارقطني وأبي مسعود الدمشقي وابن تيمية شيخ الإسلام وغيرهم. وأما الهجوم فمن العملاء وأذناب الكفر والمستشرقين، من أمثال أبي رية وجولد زهير المجري، لكنهم كنافخ الشمس، ما أثبتوا دليلاً، يقول تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8] سكتوا إلى أبد الدهر، ونطق الصحيحان على كل منبر وكل جلسة وفي كل إذاعة وفي كل درس. وأما نقد أهل العلم فقصدهم حسن وسليم -أثابهم الله على ذلك- والكتب ليست معصومة من الخطأ، إلا كتاب الله عز وجل، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. صحيح البخاري: انتقد فيه بعض الأحاديث كما ذكر ابن تيمية في المجلد الثامن عشر، كحديث: {إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين} قيل: فيه انقطاع بين الحسن وأبي بكرة. والصحيح أنه موصول وبعض الزيادات في صحيح البخاري تكلم فيها وقالوا: إنها وهم من بعض الحفاظ، مثل: {احتجم صلى الله عليه وسلم وهو محرم صائم} ويحيى بن سعيد القطان يقول: ما احتجم صلى الله عليه وسلم وهو محرم إلى غير ذلك من الألفاظ التي ليس هذا مجال بسطها. أما صحيح مسلم فتعرض إلى بعض الانتقادات، منها ثلاثة أحاديث أقولها للبيان: ذكر ابن تيمية ثلاثة أحاديث في مسلم تبعاً للدار قطني منها: حديث في الجمعة ساعة مستجابة من حين يصعد الخطيب إلى أن تقضى الصلاة وهذا الحديث عن أبي موسى، وهو حديث منقطع، وقد ذكر ابن حجر في بلوغ المرام انقطاعه، وذكر هذا ابن تيمية والدارقطني قبلهم ومنها: حديث: {خلق الله التربة يوم السبت} ثم عد سبعة أيام وذكر الله أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، قال أهل العلم: هذا من كلام كعب الأحبار وليس من كلامه صلى الله عليه وسلم ومنها: حديث تعرض له ابن حزم، وهو حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان، أن أبا سفيان قال: {يا رسول الله! أريد منك ثلاثاً} ثم ذكرها حتى يقول ابن حزم: هذا حديث موضوع وقد تجاوز وجازف في هذه المسألة، بل فيه كلام، وقد رأى بعض أهل العلم صحته ومنها: حديث أتى به ابن الجوزي في الموضوعات، وهو في مسلم: {صنفان من أمتي لم أرهما: صنف معهم سياط كأذناب البقر} وهذا خطأ منه ووهم. ولكن نقول: كل ما في البخاري ومسلم -إن شاء الله- مقبول، وإنما تعرض إليها بالنقد، وهؤلاء الذين نقدوا الصحيحين أناس مجتهدون عندهم خير وحسن نية يريدون الخير فجزاهم الله خيراً، وأناس مغرضون أذناب عملاء جزاهم الله شراً، ومأواهم جهنم وبئس المصير.

سؤال عن حال ثلاثة أحاديث

سؤال عن حال ثلاثة أحاديث Q سؤال عن ثلاثة أحاديث ما هي درجتها من الصحة: {ماء زمزم لما شرب له} {عالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد} {استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان}؟ A أما حديث: {ماء زمزم لما شرب له} فقد رواه أحمد وابن حبان وسنده حسن، ولو أن بعض أهل العلم ضعفه، لكن هذا ليس بصحيح، بل له شواهد يرقى بها إلى الحسن، ومن أهل العلم من صححه. وأما حديث: {فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد} فقد رواه ابن ماجة عن ابن عباس، ورفعه ابن ماجة فأخطأ، بل هو من كلام ابن عباس، ولا يصح مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم. وأما حديث: {استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان} فقد رواه العقيلي في الضعفاء وابن عدي والبيهقي موقوفاً على عمر وهو الصحيح، ولو أن بعض المحدثين المعاصرين رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الأصح -كما قال السيوطي في الجامع الصغير وغيره أنه موقوف على عمر إذاً: هذه الثلاثة الأحاديث، اثنان ضعيفان وواحد حسن.

نصيحة لطالب العلم المبتدئ

نصيحة لطالب العلم المبتدئ Q بماذا تنصح طالب العلم المبتدئ؟ A أنصح طالب العلم المبتدئ بأمور: أولها: تقوى الواحد الأحد، فلن ينال العلم إلا بالتقوى، قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] وبكثرة الاستغفار، واللجوء إلى الواحد الأحد، وكثرة الدعاء بأن يفتح الله عليه. الأمر الثاني: الجد والمصابرة في طلب العلم. الأمر الثالث: -وقد يكون سابقاً على الثاني-: الإخلاص لله تبارك وتعالى: {إنما الأعمال بالنيات}. الأمر الرابع: أن يبتدئ بالأوليات والمهمات في العلم، فيأتي إلى المختصرات فيحاول أن يحفظ في كل فن مختصراً، وإن وجد عالماً فالأحسن أن يقرأ عليه، وإلا ففي الكليات الموجودة النافعة، ويحاول أن يكون له وقت لحفظ القرآن ويبدأ به قبل المتون، فإنه لا يصح أن يحفظ المتون ويترك كتاب الله عز وجل فهو أعظم المتون فيبدأ بالقرآن ثم ببعض المتون في كل فن فيكررها حتى يستظهرها مثل: رياض الصالحين للواعظ والخطيب والمتكلم، وبلوغ المرام للمفتي، وزاد المستقنع في الفقه، ومنظومات في النحو، كـ منظومة ابن مالك، أو ملحة الإعراب، أو الإعراب في النحو وغيرها وبعدها يرجع إلى الشروح، وبعد أن يقرأها مرة واحدة، يبدأ بتلخيص المسائل وتحقيقها وتحريرها والله معه، وسوف يجد الفائدة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

قوله تعالى: (الله يستهزئ بهم)

قوله تعالى: (الله يستهزئ بهم) Q ليس من شك أن منهج أهل السنة إثبات صفات الله وعدم تأويلها، فما هو القول في قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:15]؟ A يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:15] والقول الصحيح في هذه الآية إن شاء الله: أننا نثبت الصفة ما دام أنها وردت، فتثبت لله عز وجل أنه يستهزئ بمن استهزأ به، ونقول: إنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يستهزئ بمن يستهزئ به، كقوله تعالى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79] فنثبت أن الله يسخر بمن يسخر به سخرية تليق بجلاله، واستهزاءً يليق بجلاله وقوله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30] نثبت أن الله يمكر بمن يمكر به، ولا نؤول الصفة، ولذلك أتى بها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى -كما قال ابن كثير - على باب المشاكلة والمجانسة، ولكن لما أتى بصفةٍ لا تليق به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كالخيانة قال: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ} [الأنفال:71] ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة صفة نقص، بل قال: {فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال:71] فالصفات تلك نثبتها كما وردت وكما يليق بجلاله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. أما مثل كلام ابن حجر في حديث: {لا يمل الله حتى تملوا} قال: هذا لا ينسب وإنما هو من باب المقابلة فهو تأويل، وما فعل الأشاعرة إلا تأويل، والمعتزلة مؤولة إذاً: فالقول الصحيح: نثبتها بأنه يفعلها بمن يفعل به على سبيل المقابلة والمشاكلة والمجانسة، ولا ننفيها عن الله تبارك وتعالى.

سؤال أدبي

سؤال أدبي Q نستأذن في سؤال أدبي: من القائل؟ وما المناسبة؟ وما بقية القصيدة؟ يا أمة النصر والأرواح أثمان في شدة الرعب ما هانوا وما لانوا A قائل هذه القصيدة هو عائض القرني غفر الله له، والمناسبة في المجاهدين الأفغان، وهذه بعض أبياتها: مروا بقلبي فقد أصغى له البان لي في حمى الحب أصحاب وجيران نعم لك الله ما قد تبت من وله أما لكم صاحبي صبر وسلوان أنا يراعتك اللاتي كتبت بها رسالة الحب ما في ذاك نكران دع ذا وهات قوافٍ منك صادقة لأمة مجدها بالأمس فينان يا أمة النصر والأرواح أثمان في شدة الرعب ما هانوا وما لانوا هم الرعود ولكن لا خفوت لها خسف ونسف وتدمير وبركان كم ملحدٍ ماجنٍ ظن الحقوق له زفوا له الموت مراً وهو مجان وبلشفي أتى كالعير منتخياً رأى المنايا فأضحى وهو جعلان ردوه كالقرد لو بيعت سلامته بِشَعْبِهِ لشراها وهو جذلان فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ يسعى فيعثر في سروال خيبته في أذنه من رصاص الحق خرصان وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

أثر الصلاة في حياة الفرد

أثر الصلاة في حياة الفرد الصلاة ركن من أركان الإسلام، والتهاون بها من أعظم المنكرات، بل من المدمرات للدين وللأمة، وفي هذا الدرس تقرأ كلاماً مفصلاً عن الصلاة وما حل بالمسلمين بعد أن تهاونوا بها.

نعمة الإسلام

نعمة الإسلام اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، ولك الحمد مثلما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد رسول الهدى صلى الله عليه وسلم عز جاهك، وجل شانك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، بصّر به من العمى، وأرشد به من الجهالة، وأخرج به من الظلمات إلى النور، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلامُ الله عليكم ورحمته وبركاته، وإن كان من شكر، فإني أشكر الله العظيم جلَّت قدرته على أن جمعني بهؤلاء الأبطال الأخيار، أولئك النفر الذين قدموا أحسن الخدمات لأمتهم الإسلامية ولشعبهم ولبلادهم، وكلمتي معكم هذا اليوم هي عن مبدأ أصيل من مبادئ هذا الدين. ماذا نحن إذا تركنا رسالتنا وتعاليمنا وديننا؟ أي أمة نحن إذا تخلينا عن مبادئنا ومنهجنا ورسالتنا الخالدة التي بعث الله بها محمداً رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؟ كنا قبل أن يأتي محمد صلى الله عليه وسلم أمة ليس لها حضارة، ولا أدب ولا رسالة، ولا خلق ولا سلوك ولا منهج كنا قبل الإسلام أمة ضائعة: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها أتى عليه الصلاة والسلام وكان من أعظم أهدافه في العالم أن ينقذ الإنسان. والإنسان بلا إيمان ضائع في الحياة!! والإنسان بلا رسالة متفلت!! والإنسان بلا مبادئ في مستوى البهيمة والدابة!! والله تعالى يقول: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. وأنت -يا أخي- إنما أنت جندي تمثل هذا الإسلام، وإنما أنت من مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام، وإن ما تقدمه لأبناء أمتك الإسلامية هو في سجل حسناتك يوم أن تصلح ما بينك وبين الله وإذا انقطع الحبل الذي بينك وبين الله فلن يصلح ما بينك وبين الناس، يقول معاوية بن أبي سفيان لـ عائشة رضي الله عنهما جميعاًً: [[اكتبي لي وصية وأوجزي، فقالت: بسم الله الرحمن الرحيم سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من أرضى الله بسخط الناس رضي عنه وأرضى عنه الناس، ومن أسخط الله برضى الناس، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس}]]. وهذا مبدأ معروف؛ أن من قطع ما بينه وبين الله قطع الله ما بينه وما بين الناس.

المحافظة على الصلاة

المحافظة على الصلاة ما هي أمانتك التي حملك الله إياها؟ وما هي أعظم هذه الأمانة؟ وما هي الوديعة التي أمرت بتأديتها؟! إنها الصلاة. والذي يخون الصلاة أول ما يخون مرءوسيه، وأمته، وشعبه، وبلاده، والذي لا يتشرف بالسجود للواحد الأحد على الأرض، سوف يسجد لوظيفته ومنصبه، وحذائه وسيارته وشهوته، يقول عليه الصلاة والسلام: {تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش}. سماه عبد؛ لأنه عبد غير الله، ولذلك يقول شاعر ال باكستان الشاعر محمد إقبال وهو يخاطب مبادئ الإسلام: ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً

أهمية الحفاظ على الصلاة

أهمية الحفاظ على الصلاة إن إرادتنا وقوتنا وعزيمتنا في أداء الصلاة جماعة كل يوم خمس مرات، والذي يتعاهد المسجد كل يوم خمس مرات سوف يكون أميناً مؤتمنًا، خالصاً صادقاً منيباً بحول الله وقوته، قال الله: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45] فصاحب الصلوات الخمس لا يمكن أن يخون أمته وشعبه. ولا يمكن أن يخون رسالته وأمانته. ولا يرتكب الفحشاء والمنكر. ولا يتعاطى المخدرات ولا يكذب ولا يخون. ولا يضيع وقته ولا أسرته، ولا يضيع منهجه في الحياة. ولذلك يخبرنا عليه الصلاة والسلام بأول برنامجنا الصباحي يوم أن نستقبل الحياة. وما هي الحياة بلا صلاة؟! ما هي الحياة بلا إسلام؟! إنها حياة البهائم، والخواجة الذي يعيش كالبهيمة، يجيد صنع الطائرة والصاروخ والثلاجة والبرادة ولكنه ما صنع روحه، قال الله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66 - 67].

من آثار ترك الصلاة

من آثار ترك الصلاة صح عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره أنه قال: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه من ذمته بشيء كبه على وجهه في النار} ويوم أن تُترك صلاة الفجر جماعة توقَّع لصاحب هذا الترك كل شيء!! ولا تستبعد عليه كل جريمة!! فمن الذي قاد الشباب إلى السجون في المخدرات؟! ومن الذي قاد فتيان هذه البلاد وغيرها في السرقات والزنا والمخالفات والسيئات؟! إن السبب هو: يوم تركوا الصلوات، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36] والذي لا يعرف المسجد يعرفه الله السجن والذي لا يخاف من الله يخوفه الله من كل شيء والذي لا يرجو لقاء الله يسلط عليه من لا يرجو لقاءه. وقد استقرأت المطالعات المطروحة في الساحة عن أخبار الجيوش العربية التي دخلت فلسطين؛ فوجدت أن بعض الجيوش التي دخلت لتحرير فلسطين لم يكونوا يصلون، قيل لأحد قادات الجيوش العربية: لماذا لا تصلي؟! فقال: (إذا رجعنا وفتحنا فلسطين نصلي إن شاء الله) أما الآن فلا يصلي؛ فعلمه الله أنه ما دام لا يحفظه فلن يحفظه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى! فترك هذا القائد حذاءه وفر إلى بلده وسلَّم الأرض. وأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطبُ شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا

الصلوات تمحو الخطايا

الصلوات تمحو الخطايا إخوتي في الله: الرسول عليه الصلاة والسلام يصف لنا الصلوات -ونحن نذنب ونخطئ ونغتاب، وتفلت منا الفلتات من اللسان والعين ومن كل عضو- يقول عليه الصلاة والسلام: {مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جارٍ بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟! قالوا: لا يا رسول الله} وفي لفظ لـ مسلم من حديث جابر: {أرأيتم لو أن على باب أحدكم نهراً يغتسل منه كل يوم خمس مرات، أيبقى من درنه شئ؟! قالوا: لا يا رسول الله، قال: ذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا} إن نار الدنيا تطفأ بالماء، وتطفأ بأمور ومفاعلات أخرى، لكن الآخرة نارها لا تطفأ لا تطفأ إلا لمن أنجاه الله، والفوز عندنا في الإسلام مبني على النجاة من النار، وعلى مبدأ: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] والخزي عندنا نحن أهل الإسلام هو دخول النار، وليس الخزي ألا تزاول عملاً في الحياة، ولا أن تعيش فقيراً أو مسكيناً أو مريضاً، لا!! الخزي هو دخول النار، قال الله: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران:192].

السعادة والصلاة

السعادة والصلاة إخوتي في الله: وجد في الساحة بعض الأمور التي طرحت، وضل بها الناس -عسكريون ومندوبون- وهي حرب شعواء وجهت لمن ترك الصلاة، وما بقي معنا من حبال الإسلام إلا الصلاة، ولذلك لما طعن عمر رضي الله عنه وأرضاه وهو في سكرات الموت، قال: [[الله الله في الصلاة، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة]]. والرسول عليه الصلاة والسلام وهو في سكرات موته نادى بالصلاة، وحث عليها، وتوعد من تركها، فإذا علم ذلك؛ فما وجد في الساحة من أمور تجرك إلى الفاحشة والجريمة، إنما هي من تخطيط المستعمر، وهي حرب استشراقية المجلة الخليعة والأغنية الماجنة والفيديو المهدم كل ذلك يقود الأمة إلى العار والدمار، وأذكياء الغرب وأساطين الغرب بدءوا الآن يعلمون أنه لا حل لهم إلا الإسلام، ومن ينظر إلى كتاب الأمريكي دايل كرنجي؛ يعلم أنه عرف الطريق لكنه ما عرف السعادة، يقول: (لا سعادة إلا أن تتعرف على الله) ومن أراد فليقرأ الكتاب، فهو موجود في أسواقنا ومكتباتنا لكن لما رخصت قيمة المسلم في نفسه بترك الصلاة بدأ يزاول هذه المعاصي المجلة الخليعة التي تحمل الصورة الداعرة؛ فتحبب الفاحشة والجريمة، والأغنية التي تشغل القلب وتلهيه عن محبوبه ومطلوبه وهو الله الواحد الأحد. قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان الصور التي تعرض في الساحة كلها لإضلال القلوب ولصدها عن باريها تبارك وتعالى، لكن ما هو سر الخطر؟ إنه يوم أن ترك بعضنا الصلاة، وتهاون بعضنا بالصلاة أحد الأدباء العالميين المسلمين الكبار أتى إلى الجزيرة؛ فرأى المساجد ترتفع منائرها في السماء، ورآها مزخرفة وجميلة، لكنه لم ير مصلين؛ فبكى وقال: أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خال والعجب كل العجب أن الله يؤتي العبد ما تمنى، فمن كانت إرادته حفظ الله حفظه الله، ومن كان مقصده الزيغ أزاغ الله قلبه وهذا في القرآن، يقول الله لمن أراد وجهه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للزائغين: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5]. أحد الصالحين اسمه عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير كان إذا صلى الصبح رفع يديه وقال: [[اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، قالوا: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فأتته سكرات الموت وأذن لصلاة المغرب فقال: احملوني إلى المسجد، قالوا: أنت في الموت كيف نحملك إلى المسجد؟ قال: سبحان الله!! أسمع حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح وأموت هنا، لا والله! فحملوه على الأكتاف ووضعوه في المسجد فصلى جالساً، فلما كان في السجدة الأخيرة قبض الله روحه]] ولذلك يقول محمد إقبال شاعر الإسلام: نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا هذا محمد إقبال عاش أربع لغات، وأربعة شعوب، وأربعة مبادئ، عاش في الهند وبريطانيا وألمانيا، ثم عاش في الإسلام فكان خاتمته الإسلام كان يدرس الاستشراق والفلسفة والمنطق، فرجع فقرأ سيرة الصحابة فكان يمطر الكتب بالدموع يقول في قصيدة منثورة أتى بها أبو الحسن الندوي في كتاب روائع إقبال، يقول: (يا رسول الله! أنا ملأت أنفي من تراب مدينتك فأخرجت حب الحضارة الغربية من قلبي. يا رسول الله! خذ من أعصابنا طنباً لخيمتك، ومن جماجمنا ابن عليها قصرك) ويقول لما زار لندن في محفل يتكلم عن الإسلام وعن شهداء أحد يقول: من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا بمعابد الإفرنج كان آذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا ويقول في صلاة الصحابة في الخوف، والسيوف تضرب، والرماح تتكسر على رءوسهم: نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا

لا دين بلا صلاة

لا دين بلا صلاة ودين بلا صلاة معناه الضياع فلا منهج ولا أخلاق ولا سلوك كيف تطلب من الفرد -مدنياً كان أو عسكرياً- أن يكون صادقاً وهو لا يصلي؟! كيف تطلب منه أن يكون أميناً وهو لا يصلي؟! أم كيف تطلب منه أن يكون وفياً وهو لا يصلي؟! إن من هدم ما بينه وبين الله يهدم الله ما بينه وبين الناس. إن إرادتنا وقوتنا وأصالتنا وعمقنا في الصلوات الخمس، وحين نتركها نضيع -والله- هباءً منثوراً. إن مبدأ الصدق هو حفظ الله في ظهر الغيب، ولذلك يقول لقمان لابنه وهو يعظه: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16] ما مناسبة الإتيان بحبة الخردل؟ يقول: لو كانت الخردلة في صخرة صماء لا يظهر منها شيء، لأتى بها السميع البصير. لماذا؟! ليقول له: يا بني، لو تسترت بالجدران فإن الله معك ولو اختفيت وراء الحيطان فالله معك، ولذلك وجد في الناس من قلَّت رقابته للواحد الأحد؛ فضيع مسئوليته وأمانته وضيع عمله، فإن كان المسئول على رأسه بالسوط والتهديد، فهو أمامك عامل مخلص مجيب، ولكن إذا اختفيت عنه ضيع، لأنه في منظوره اختفى عن نظر الله، ومبدؤنا: {اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يرك}. يقول الأندلسي وهو يوصي ابنه: وإذا خلوت بريبة في ظلمةٍ والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني قيل للإمام أحمد: ما دليل قدرة الله؟ قال: يا عجباً! بيضة الدجاجة ظاهرها فضة بيضاء، وباطنها ذهب إٍبريز، فتفقس فيخرج منها حيوان سميع بصير، ألا يدل على السميع البصير؟! وهذا أعرابي بدوي صلى في الصحراء ركعتين، فقال له رجل من الملحدين: لمن تصلي؟ قال لله. قال: هل رأيته، قال: عجباً لك! الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وليل داج، ونجوم تزهر، وبحر يزخر، ألا يدل على السميع البصير؟! قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا إنه الله قل للمريض نجا وعوفي بعد ما عجزت فنون الطب من عافاكا إنه الله فيوم تركت الرقابة وقعنا فيما وقعنا فيه، والرقابة تبدأ بالصدق مع الواحد الأحد. قام عليه الصلاة والسلام على المنبر قبل معركة أحد بيوم، فأعلن الحرب على أبي سفيان، وندد بإجراءاته وظلمه وتعسفه حول المدينة، وقال: {نقاتلهم في المدينة، ولا نقاتلهم في أحد فقام شاب في الخامسة والعشرين من عمره -يوم كنا نحمل المبادئ- قال: يا رسول الله! لا تحرمني دخول الجنة، فوالله الذي لا إله إلا هو لأدخلنها، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: بماذا تدخل الجنة؟! قال: بخصلتين، أولها: أني أحب الله ورسوله، وثانيها: أني لا أفر يوم الزحف، قال عليه الصلاة والسلام: إن تصدق الله يصدقك، فبدأت المعركة وحضر هذا الشاب، وضاهى بنفسه يريد جنة عرضها السماوات والأرض لا يقاتل من أجل ناقة أو شاة أو بعير، لا بل من أجل رضى الواحد الأحد، فقتل، فمر به صلى الله عليه وسلم ومسح التراب عن وجهه، وقال: صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله} وليس بغريب أن يأتي من أمثالكم من الأبرار الأماجد فيعيدون سيرة السلف الصالح. من جدكم؟ خالد بن الوليد، الذي تحدى الموت، قيل له: يا خالد، إن كنت متوكلاً على الله كما تزعم فهذه القارورة مملوءة سماً فاشربها، فقال خالد: [[بسم الله توكلت على الله، وشرب القارورة كلها، ثم قال: الحمد لله، فما أصابه شيء]] لأنه توكل على الواحد الأحد.

النصر بالطاعة والصلوات

النصر بالطاعة والصلوات وجيوش لا تصلي كيف تنتصر؟ جيوش لا تعرف الله كيف تتوجه إلى الله؟! كيف ينزل النصر والفتح والرزق إلا من عند الواحد الأحد؟! النصر من هناك وليس من الأرض، أتينا إلى الدنيا وما عندنا إلا خيول قليلة، وثياب ممزقة، ورماح مكسرة، ففتحنا الدنيا، سعد بن أبي وقاص حضر القادسية بثلاثين ألفاً، وجيش فارس مائتان وثمانون ألفاً، فقام سعد يصلي الظهر بالمسلمين، فقال: الله أكبر، فكبر معه ثلاثون ألفاً، ركع فركعوا معه في لحظة واحدة، فسجد فسجدوا جميعاً؛ فقام رستم قائد فارس وهو ينظر من بعيد إلى الجيش بانتظام، فعظ أنامله وقال: (علم محمد الكلاب الأدب) بل علم صلى الله عليه وسلم الأسود الأدب وقبل المعركة قال رستم قائد فارس لـ سعد: أريد أن ترسل لي جندياً من جنودك لأكلمه فهو يريد أن يعرف ماذا أصاب العرب، أمة جاهلة بدوية تريد أن تفتح الدنيا، ماذا أتاهم؟! هل أتاهم مس من الشيطان أو صرع من الجان؟! لا. بل أتاهم وحي من الرحمن. فأرسل سعد الصحابي ربعي بن عامر في الثلاثين من عمره وقال: [[لا تغير من هيئتك شيئاً فإنا لم نفتح الدنيا إلا بطاعة الله]] يقول: لا تأخذ شيئاً، لا تلبس تاجاً ولا ذهباً ولا حريراً، كن على هيئتك؛ لأن مبادئنا في قلوبنا، وإرادتنا تحطم الحديد فذهب ربعي بفرسه ورمحه وثيابه، ودخل بلاط رستم فلما رآه هو ووزراؤه وقواد الجيوش ضحكوا، قال رستم: جئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور والرمح المثلم، والثياب الممزقة! قال ربعي: [[إي والله، إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]]. وبدأت المعركة، وفي ثلاثة أيام صفى سعد حساب المجرم وسحقهم في الساحة: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45] ودخل إيوان كسرى فكبر فانصدع الإيوان، ودمعت عينا سعد وقال: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29]. حاصر قتيبة بن مسلم مدينة كابل ليفتحها، وقبل الحصار قال: [[التمسوا لي محمد بن واسع، العابد الزاهد أحد العباد الكبار فذهبوا فوجدوه قد صلى ركعتي الضحى واتكأ على رمحه ورفع سبابته إلى الواحد الأحد]] من أين يأتي النصر والفتح إلا من الله. ومن أين يأتي الرزق إلا من الله. يا حافظ الآمال أنتت حميتني ورعيتني وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني دخلت بعض الجيوش العربية إسرائيل ومكتوب على بعض الأعلام: آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثان وضربت الدبابات في الصباح، وإذا بالجيوش قد دخلت بلادها مهزومة، وإذا الثكالى يندبن وينتفن رءوسهن، وإذا موشي ديان يتكلم على الشاشة ويضحك ويقول: العرب لا يعرفون القتال، ابن القرد والخنزير يتكلم على أناس تركوا الصلوات الخمس، وكفر بعضهم بالواحد الأحد فأخذهم؛ لأنه واجه في الساحة شكلاً آخر غير الشكل الذي واجه الصحابة به اليهود، ليسوا من أحفاد خالد وسعد وطارق وصلاح الدين ورجل آخر يقول في مجمع وهم يصفقون له: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم يقول: أعطوا لي ديناً يجمع العرب غير الإسلام: بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم فكان جزاؤه ما علمتم من تنكيس في خلقه وفي خلقه، نسأل الله العافية. قال قتيبة بن مسلم: [[التمسوا لي محمد بن واسع، فوجدوه يمد إصبعه ويدعو الله بالنصر، فعادوا إلى قتيبة فأخبروه، فقال: الحمد لله، والذي نفسي بيده لأصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير]] فإذا علم ذلك فلا نطلب التوفيق إلا من الواحد الأحد، والتوفيق إنما يأتي بأن نصلح ما بيننا وبين الله، ليصلح ما بيننا وبين الناس. يقول أحد الصالحين: والله إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وفي خلق خادمي. من يعص الله يصعب عليه كل أمر، مسئوله لا يرضى عنه، وأمته لا ترضى عنه، وولاة الأمور لا يرضون عنه، ومن تردى برداء ألبسه الله ذلك الرداء. فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب

آثار الذنوب والمعاصي

آثار الذنوب والمعاصي ثم إني أوصيكم -وهذا العنصر الثاني:- باجتناب المعاصي ما ظهر منها وما بطن، فإن آثار والمعاصي مقت وغضب ولعنة من الله الواحد الأحد. يقول الله عن بني إسرائيل: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى فيهم: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ الله} [الجمعة:5] والله عز وجل يقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُون} [الحديد:16].

مقارنة بين حادثتين لصالح وطالح

مقارنة بين حادثتين لصالح وطالح اعلم أن من ضيع الله في الطاعات بالمعاصي، وأن من ثبته الله على الطاعات يثبته حتى الموت، قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] حدثني بعض الإخوة أن في الجزائر شاباً عابداً ولياً من الأولياء، وقع عليه حادث انقلاب في سيارة، فأغمي عليه ثلاثة أيام، أتدرون ماذا كان يقول في الثلاثة الأيام؟ كان يقرأ الفاتحة على لسانة وهو مغمى عليه لا يدرك شيئاً، كان يرددها صباح مساء حتى أتاه الموت. شاب آخر بهذه البلاد أتاه حادث انقلاب سيارة، فوجد تحت العجلة وهو في حالة شنيعة، وهو يردد في إغماء: هل رأى الحب سكارى مثلنا {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. ذلك الشاب يوم نشأ على الفاتحة مات على الفاتحة، وهذا يوم نشأ على (هل رأى الحب سكارى مثلنا) هو وأمثاله؛ ما رأى أفشل منهم في الحياة، فمات على ذلك؛ لأن معتقده ومبدؤه ومنهجه، والله يثبت من يشاء ويضل من يشاء، لكن بأسباب وإرادات ومزاولة من العبد، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم إذا علم هذا فإن واجب العبد أن يكف عن المعاصي، وأن يتق الله ليثبته الله عز وجل ويأخذ بيده، ونحن نقر بنعم الله علينا ظاهرة وباطنة، لكن وجد من بيننا من بدلوا نعمة الله كفراً، كما قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28]. والذي يطالع الأحداث التي وقعت في الساحة قبل أيام؛ يرى أن هناك أناساً يعيشون بلا إدراك، وأنه ينقصهم الوعي، وأنه لابد على الداعية والأستاذ والأب في البيت أن يوجهوا ذلك الجيل جيل ترك المسجد! فلما ترك المسجد أتى ليشغل فراغه بكل شيء، جيل يتابع أحداث ما كان لها أن تتابع فهدد الأمن، وأزعج الناس، وضيع وقته ومستقبله، أرى الكافر منا أن هذه أمتنا، وأن هذه رسالتنا في الحياة زمجرة ورقص، وتصفيق وشهيق ونهيق وزفير والإسلام بريء من هذا، بل هو دين ومبادئ خالدة، ورسالة في الحياة: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:18 - 19] فالإسلام رسالة.

الكف عن المعاصي وآثاره

الكف عن المعاصي وآثاره يقول الشافعي وقد شكا لشيخه النسيان وترك الحفظ فقال له محذراً من المعاصي: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي أحد الناس نظر نظرة لا تجوز له، فقال له أحد العلماء: تنظر إلى الحرام! والله لتجدن غبها ولو بعد حين، قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة. وآثار الذنوب كثيرة: منها: قسوة القلب، وقسوة القلب ضرب به بنو إسرائيل ضربة قاصمة؛ لأنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم. ومن آثارها: اللعنة، لأن العبد إذا استمر بالذنوب وطبع على قلبه لعن والعياذ بالله. ومن آثارها: قلة البركة في الرزق. ومنها: الضنك في المعيشة، فقد رأيناهم ورأيتموهم يسكنون في القصور الشاهقة، بالسيارات الفارهة، والملابس والمشارب والمطاعم لكنهم ما وجدوا الأمن والسكينة، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. إبراهيم بن أدهم -أحد الصالحين- يعيش على الرصيف، لا يجد إلا كسرة خبز، ولكنه بذكره وتلاوته وعبادته يعيش في رغد من العيش وفي جنة، قال له الناس: [[أأنت سعيد؟ فقال: والله الذي لا إله إلا هو إنا في سعادة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف]]. وشيخ الإسلام ابن تيمية ما كان يملك من الدنيا إلا ثوباً وعمامة، لكنه يقول وقد سجنه أهل البدع والمعاصي لما أنكر عليهم، قال: ماذا يفعل بي أعدائي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أنى سرت فهي معي أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة. وردوا عليه باب السجن فقال: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13]. يقول له أحد الفجرة من السلاجقة: يا ابن تيمية، يزعم الناس أنك تريد أن تأخذ ملكنا. قال: ملكك؟! قال: نعم. قال: والله ما ملكك يساوي عندي فلساً واحداً لأنه يريد السعادة، والسعادة لا تحصل إلا بذكر الله، ومن يقرأ مثلاً كتاب دع القلق وابدأ الحياة لـ دايل كرنجي والإنسان لا يقوم وحده لـ كريس مرسون؛ يرى أنهم ما وجدوا السعادة، يقولون: بحثنا عن السعادة فأخفقنا وهذا الذي ألف الكتاب أخذ السكين ونحر نفسه فمات؛ لأنه ما وجد السعادة. فما هي السعادة؟! السعادة هي أن تتوضأ كل يوم خمس مرات وتصلي كل يوم خمس مرات، وأن تتزود بالنوافل السعادة أن تطالع القرآن المجيد وتتدبر آياته وأن تكون ذاكر بقلبك للواحد الأحد وأن تجدد التوبة لله دائماً وأبداً السعادة أن تربي بيتك على القرآن وعلى الشريط الإسلامي، على الكتاب الإسلامي، على الصلوات الخمس، وأن تخرج المنكرات والفواحش والمعاصي من بيتك؛ وأن تكون رجلاً حازماً، مربياً معلماً، موجهاً في مجتمعك وأمتك، وتقودهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. بعض الناس كبر في السن وقد جاوز الأربعين، حُدثنا عنه أنه لما أتت المباراة كان ينظر إلى الشاشة، فلما أتت الصلاة أراد ألا تفوته المباراة؛ فأخذ غترته وبسطها في الأرض، ثم نقر أربع ركعات وسلم ونظر أهذه صلاة؟! أهذه رسالة؟! أهذا قلب أؤتي نوراً؟! {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40].

الحرص على الدنيا وإهمال الدين

الحرص على الدنيا وإهمال الدين وجد من بعض الناس أنه يتحمس للقضايا الدنيوية فلو ضيع ابنه عشرة ريالات لأقام الدنيا وأقعدها على تضييعها ولكن ابنه لا يصلي ويدخن ويستمع الغناء الماجن صباح مساء، ولا يقرأ القرآن، وهو مع العصابات المنحرفة في المقاهي والمنتديات ومع ذلك لا يغضب! فأي قلب هذا؟! من يهن يسهل الهوان عليه مالجرح بميت إيلام يا أيها الإخوة الأخيار! ويا أيها الأبطال! يا أبناء من رفعوا لا إله إلا الله، ووزعوها على البشرية! إنني أسألكم بالله العظيم، أن نعرف مسئوليتنا ومهمتنا وقصدنا في الحياة الدنيا؛ وإذا عرفنا ذلك نفعنا أمتنا وبلادنا وقدمنا أنفسنا، وإلا لو كانت المسألة مسألة تقدم مادي وحضاري دنيوي لغلبنا الكافر فإننا لم نصنع سيارة ولا طيارة ولا صاروخاً ولا برادة ولا ثلاجة، لكننا أتينا لنصنع القلوب، ولنقدم للناس إسلاماً وديناً يقول كريس مرسون: أعطيناكم الطائرة والصاروخ والثلاجة والبرادة وأنتم لم تعطونا الإسلام. فهم يريدون الإسلام لقد أخفق كل دين في الساحة إلا دين الإسلام فقد جربت العلمانية فإذا هي لعنة! وجربت النصرانية المحرفة فإذا هي لعنة! وجربت اليهودية المحرفة فإذا هي لعنة! وجربت الشيوعية فإذا هي لعنة! وأتى الناس يدخلون في دين الله، ولكن كثيراً من شبابنا الآن بدا معجباً، وبدا -عياذاً بالله- يحاول أن يخرج، وإذا كان شباب هذه الجزيرة يفكرون في بعض الأمور، فمن يحفظ هذا الدين؟! الجزيرة هذه هي التي خرج منها الإسلام، وقدرها الإسلام فهي مهبط الوحي -بلا تعصب- أبناؤها حملة نور التاريخ الذين تكلموا على منبر الدهر، وأسمعوا أذن الدنيا. فيا إخوتي في الله: هذه معلومات ليست بغريبة عليكم ولا جديدة، ولكن من باب الذكرى والاتعاظ؛ علّ الله أن يرحمنا لأن المعاصي قد كثرت، وسببها ترك الصلوات الخمس، ولذلك كتب عمر إلى سعد في القادسية: [[الصلاة الصلاة! فإن عدوكم لن يغلبكم إلا بمعاصيكم]]. إخوتي في الله: أسأل الله أن يغفر لي ولكم الذنوب والخطايا، وأن يجعلنا صالحين مصلحين، مصلين صائمين، ذاكرين عابدين: يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله

نداء

نداء يا من يحافظ على أمن الناس: يا أيها الأفراد الأخيار الذين يقدمون النفع للأمة يا من يطفئ النار في الدنيا! أطفئوا عنكم نار جهنم إنكم تطفئون النار عن البشر، وتكونون حائلاً عن الأخطار -بإذن الله- عن الناس، فحيلوا بينكم وبين أنفسكم عن الخطر المدلهم خطر الآخرة، فلا نار إلا تلك النار، ولا عار إلا ذاك العار، ولا شنار إلا ذاك الشنار، ولا دمار إلا ما يحصل يوم الدمار فأنقذوا أنفسكم وبيوتكم من النار، فإن نار الدنيا تطفأ، وعار الدنيا ينتهي، وإن السيل الجارف في الدنيا يتلاشى، ولكن النتيجة الحتمية والمصير المحتوم هو الذي ينبغي أن نعد له ألف حساب، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. أسأل الله لي ولكم تسديداً وعوناً، وتوفيقاً وفتحاً، وهداية ورشداً، وأكرر مرة ثانية وثالثة ومرات شكري لكم على إنصاتكم، وجميل استقبالكم وحفاوتكم، وليس هذا بغريب عليكم، فأنتم من الإسلام، والإسلام بني على أكتافكم. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

تعليق الصور في البيوت ونحوها

تعليق الصور في البيوت ونحوها Q ما حكم تعليق الصور في المنازل ومكاتب العمل، من صور أرواح أو مجسمات؟ A أما غير الأرواح كالمباني والجبال والأشجار، فلا بأس بتعليقها في المنازل والمكاتب، أما الصور ذات الأرواح فتعليقها لغير حاجة لا يجوز؛ لأنه من باب التعظيم، والتعظيم هو سر التوحيد، وتعظيم غير الله سر الشرك، وإنما دخل الشرك بين الأمم لأنهم عظموا غير الله بالصور وأمثالها، فتعليقها لا يجوز، وإنما يجوز من الصور المهمة والضرورية التي لا بد منها للإنسان في الحياة، كصورة الحفيظة وأشباهها، لأنه من باب التنظيم وأما غيرها فليس بجائز.

درجة التزام المجاهدين الأفغان

درجة التزام المجاهدين الأفغان Q ذكرت أننا تركنا وضيعنا أفغانستان لما أضعنا الصلاة، فهل يعني هذا تقصير من المجاهدين الأفغان في الوقت الحاضر؟ A لا يا أخي! بل المجاهدون الأفغان من المصلين الصلوات الخمس، وقد أثبتوا للمستعمر الشيوعي أن هناك إسلاماً، وأننا عدنا من جديد، وأن الكفر لن ينتصر أبداً المجاهدون الأفغان ثلة من البشر خرجوا بلا إله إلا الله، وبالصلوات الخمس، بسلاح بدائي مع دولة كبيرة من كبريات دول الأرض، فأرغموها وأذلوها أمام العالم، حتى شهد الكفر بعضه على بعض أنه ذُلَّ وخسر في الساحة. يا أمة النصر والأرواح أثمان في شدة الرعب ما هانوا وما لانوا هم الرعود ولكن لا خفوت لهم خسفٌ ونسفٌ وتدمير وبركان كم ملحد ماجن ظن الحقوق له زفوا له الموت مراً وهو مجان فروا على نغم البازوك في غسقٍ فقهقهت بالكلاشنكوف نيران حدثنا أحد دعاة وكبار المجاهدين من القادات: أن امرأة متحجبة من نساء المجاهدين نزلت ومعها بندقية تريد الماء من واد، فعرضت لها قافلة، فرفعت البندقية؛ فسلمت القافلة الروسية -ومعهم سلاح- فسلموا جميعاً. لأن عندهم مسألة: هي أن الأفغان لا يهزمون أبداً، ولذلك بدءوا في المصالحة والانسحاب، وما ذلك إلا لمن حافظ على الصلوات الخمس، لكن الذي ضيع الصلوات الخمس في فلسطين قبل خمس وعشرين سنة ما نفعته طائراته ولا دباباته ولا صواريخه.

حكم الأغاني

حكم الأغاني Q ما حكم الأغاني؟ Aالأغاني -أيها الإخوة- عرفتم من فتاوى أهل العلم أنها محرمة، وربما سمع بعضكم بعض فتاوى المترخصين، لكن ليس عندهم دليل: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل:64] فالصحيح أنها محرمة لأدلة منها: ما في البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: {يستحلون الخمر والمعازف} واستحلالها يكون بعد التحريم، ومنها قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} [لقمان:6] قال ابن مسعود: [[أقسم بالله أنه الغناء]] وفي آثر موقوف على ابن مسعود: [[الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت البقل من المطر]]. ولـ ابن تيمية كلام مجيد في الغناء في كتاب الاستقامة بين أنه من أعظم الفواحش، وأنه الذي يقود إلى الزنا، وقال ابن القيم الغناء بريد الزنا. وأول عقوبات من يستمع الغناء: أن يصاب بقسوة القلب، وأن يكره الذكر والقرآن، وأن يبتعد عن المساجد، وأن يحبب له العشق والوله والغرام بالمحرمات، ومن نتائجه: أن يحرم الغناء في الجنة، وهو من نعيم أهل الجنة، الذي يقول فيه ابن القيم: فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان

البوصلة

البوصلة Q البوصلة تستخدم في بعض البلاد خارج المملكة، فهل تعين اتجاه الكعبة؟ وهل يمكن أن يعتمد عليها؟ A إذا علم أن هذه البوصلة صحيحة المعلومات فلا بأس بها؛ لأن أمر القبلة أمر اجتهادي، غالب ظن، فلا بأس إذا استصحبت معك بوصلة ودلتك بإشارتها على اتجاه القبلة أن تصلي عليها، وهذا من العلامات التي وجدت، ولكن تستخدم بشروط؛ لأنها قد تعمم إلى علم الفلك، وهذا فيه خطورة، حتى إنك تجد بعض البلدان تفطر وتصوم على الفلك في رمضان، وقد ناقش ابن تيمية هذه المسألة، ورأى أن المسلمين يفطرون على الرؤية المجردة، ويصومون على الرؤية بشهادة الشهود لا بعلم الفلك، فنحن لسنا متعبدين إلا بالرؤية إذا شهد عندنا شاهد لأننا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، وأما البوصلة فإذا وجدت للضرورة فلا بأس باستصحابها.

قول (إن الله مع الصابرين) عند دخول المسجد

قول (إن الله مع الصابرين) عند دخول المسجد Q بعض الناس عندما يدخل المسجد والإمام في أثناء الركوع يردد كلمة (إن الله مع الصابرين)؟ A هذه الكلمة لم ترد، واشتهارها بين الناس بدعة، لم يرد فيها أثر ولا حديث صحيح، ولا ينبغي للإمام أن يتأخر، وقد سئل الإمام أحمد: هل ينبغي للإمام أن يتأخر؟ قال: لا أدري! لا أعلم فيه شيئاً، فما دام أن الإمام أحمد لا يعلم فيه أثراً، فنحن لا نعلم فيه أثراً. فالإمام عليه أن يراعي حال الناس مسجد فيه ألف مصلٍ، وهذا تخلف في البيت يشرب الشاي ثم أتى متأخراً، ويقول: (إن الله مع الصابرين) أيهدر حق ألف مصل من أجل رجل دخل متأخراً؟ لا. بل يؤدي صلاته مثلما كانت، وهذا لا ينبغي له أن يسرع وأن يتنحنح للإمام، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيح: {إذا أتيتم إلى الصلاة فأتوا وعليكم السكينة، ولا تأتوها وأنتم تسعون، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموه} ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة والحمد لله.

زخرفة المساجد

زخرفة المساجد Q بعض المساجد تكثر الزخرفة فيها فتلهي المصلين، فما حكم ذلك؟ A صح عنه صلى الله عليه وسلم في المسند وغيره أنه قال: {ما أمرت بزخرفة المساجد} وإنما تبنى بناء طيباً جميلاً لا بأس به، ولكن الزخرفة وكثرة الخطوط والملهيات ليست من مقاصد المساجد في الإسلام، فينبه على هذا الأمر حتى ينتشر، وذلك لتبقى المساجد بيوتاً للعبادة والاتصال بالواحد الأحد، والذكر والدعاء للاشتغال بشيء.

حكم اختلاط القرابة من غير المحارم

حكم اختلاط القرابة من غير المحارم Q هل يجوز للأخ أن يكشف على زوجة أخيه؟ A الحمو! ليس له ذلك، فهو أجنبي، ولا يجوز له أن يكشف على زوجة أخيه، فقد جاء في صحيح البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام سئل عن الحمو؛ فقال: {الحمو الموت} لأنه مأمون الجانب فيه، ومطمأن إليه، ويأتي الخوف بل الموت من جانبه، لذلك لا يجوز له أن يكشف على زوجة أخيه.

حكم الشراء بالتقسيط

حكم الشراء بالتقسيط Q ما حكم شراء سيارة بالأقساط؟ A هذا ظاهره الجواز، وأنا أعرف أن الأخ يسأل عن زيادة الثمن من أجل الأجل، وله صور كثيرة، وسأتكلم عن بعض الصور، فأقول: زيادة الثمن من أجل الأجل لا بأس بها، وهي حلال إن شاء الله، كأن يقال لك: هذه السيارة بثلاثين ألفاً إذا سلمت الثمن الآن، وبأربعين ألفاً بالتقسيط، فهذا لا بأس به؛ لأن زيادة الثمن من أجل الأجل، أما بعض الصور التي تحدث في المعارض: أن يبيعك ما ليس عنده، وتتبايع أنت وإياه ثم يشتري السيارة هو فلا يجوز، لقوله عليه الصلاة والسلام: {لا تبع ما ليس عندك}.

الموت من أجل إنقاذ الغير

الموت من أجل إنقاذ الغير Q ما منزلة من يموت بحريق أو غرق أو هدم عند إنقاذه لأُناس مسلمين؟ A نسأل الله له الشهادة، وهو من الشهداء الذين عدّهم عليه الصلاة والسلام، بل من أعظم الشهداء، فمن مات بهدم أو حريق أو غرق فهو شهيد من حيث هو، فلو تلف في البحر، أو مات تحت جدار انهد عليه، أو احترق بالنار فهو شهيد فكيف بإنسان يأتي لينقذ الأرواح، وينقذ كثيراً من المسلمين؟! فحسناته مركبة فهو شهيد من حيث الأصل ومأجور؛ لأنه في مقصد نبيل.

العلاقة بين الرئيس والمرءوس

العلاقة بين الرئيس والمرءوس Q ما العلاقة بين الرئيس والمرءوس في الإسلام؟ أرجو إلقاء بعض الضوء على ذلك؟ A الرئيس والمرءوس في الإسلام يجمعهم أولاً: التفاضل بتقوى الله عز وجل. الأمر الثاني: لا يطاع أحد من الناس مهما كان في معصية الخالق: {لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق} الأمر الثالث: الرئيس يطاع في طاعة الله عز وجل، ويحترم ويقدر وتنفذ أوامره ما لم تتعارض مع الشريعة وإذا أخذنا الضوابط الثلاثة هذه أفلحنا ونجحنا؛ أن يكون هناك التقوى، وأن يكون هناك التحاب بين الرئيس والمرءوس ليس بالرتب والمناصب، وإنما بتقوى الله عز وجل، ثم لا نطيع أحداً من الناس في معصيته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم نطيع مرءوسينا ونقدرهم ونحترمهم في طاعة الله الواحد الأحد ما لم يأمروا بمعصية، وهم إن شاء الله لا يأمرون بمعصية، فإن حدث هذا فلا يطاع أحد.

تأخير الصلاة لعذر

تأخير الصلاة لعذر Q بعض الإخوة يتأخر عن الصلاة لانشغاله بحادث حريق، وإذا استمر حادث الحريق فمتى يصلي الظهر -مثلاً- أو العصر أو غيره؟ A أولاً: لا تؤخر الصلاة عن ميقاتها، فما دام الوقت معك فلك إذا كان هناك أمر مهم أن تقوم بالعمل، لكن إذا خشيت أن يفوتك الوقت فعليك أن تصلي الصلاة على أي حال، فلا يعذر من أخرها حتى يذهب وقتها أبداً، وإذا خشيت وأنت في مطافئ حريق أو أي مكان؛ فلك أن تصلي بالهيئة التي أنت عليها، ولا تترك أبداً ولو كنت في حريق مدلهم وحادث مرعب وأنت لا تستطيع أن تؤدي الصلاة إلا بكيفية صلاة الخوف فصلها صلاة الخوف هذا كما فعل كثير من الصحابة، وسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أن تؤخرها إلى أن يذهب الوقت فهذا نكران وفجور وخذلان والعياذ بالله، وما أجاز أحد من أهل العلم التأخير حتى يفوت الوقت. إخوتي في الله: أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، والعون والرشاد والسداد، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حوار بين روح القدس ومعلم البشرية

حوار بين روح القدس ومعلم البشرية حديث جبريل الطويل فيه من القواعد والأصول والآداب الشيء الكثير، وقد تعرض الشيخ لهذا الحديث شرحاً واستنباطاً وأحكاماً هامة لا يستغني عنها طالب العلم خصوصاً والمسلم عموماً.

جبريل ومحمد عليه الصلاة والسلام يتحاوران

جبريل ومحمد عليه الصلاة والسلام يتحاوران الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وسلم ما تعاقب الليل والنهار، وما هطلت الأمطار، وما فاحت الأزهار، وما ترعرعت الأشجار، وعلى آله والتابعين لهم بإحسان. أشكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى على أن جمعني بهذه الوجوه التي سجدت له، وبهذه القلوب التي أحبته، ثم أشكر مركز الدعوة بـ الدمام، وعلى رأسه فضيلة الشيخ حمد الزيد على تبنيه لهذه اللقاءات القيمة، وأما أنتم يا أيها الحضور فأقول: فَتْحُ نظمي ومقالي حمد رب العالمينا وصلاة الله تالي تبلغ الهادي الأمينا ما بدا نور الوصال في وجوه الساجدينا وعلى الدمام حالي والحضور المكرمينا أيها الإخوة: ماذا يقول المسلم يوم يرى هذه الجموع وقد توجهت إلى الله؟ يقول: المستقبل لهذا الدين. يقول: العظمة لـ خالد وطارق وصلاح الدين، ولسان الحال: نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا لسنا وإن كرمت أوائلنا يوماً على الأحساب نتكل أما عنوان المحاضرة فهو عبارة عن (حوار بين روح القدس ومعلم البشرية صلى الله عليه وسلم) وروح القدس ليس به خفاء، يقول حسان: وجبريل أمين الله فينا وروح القدس ليس به كفاء يسمى: جبريل، ويسمى: روح القدس، وسمي روح القدس تسمية من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ومن رسوله عليه الصلاة والسلام، وكان صلى الله عليه وسلم يحرك داعيته حسان لينثر الأبيات اللاذعة على رءوس المشركين، فيقرب له المنبر، ويقول: {اهجهم وروح القدس يؤيدك} وأجمل بيت قاله حسان في مدح جبريل ومحمد عليه الصلاة والسلام، يوم اشتركت القيادة في بدر، قيادة الملائكة مع قيادة الصحابة تحت علم محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد من يقول مثل هذا البيت؟ من ينحت مثل هذا الكلام؟ وهذا الحوار سؤال عظيم، أعظم سؤال فيما أعلم، ولعلكم تعلمون ذلك في السنة المطهرة قاطبة، وسوف يرويه لنا إمام معتبر، إن طلبته في الزهد وجدته، وإن استقرأته في الأدب والإشراق والعدل قرأته أبو حفص عمر بن الخطاب، وأنا أستحي منكم أن أعرف عمر! أأقول للبدر يا بدر ما أجملك؟!! مر أعرابي -بدوي- في الليل بناقة، ولمَّا أتعبه الظلام مرة يسقط ومرة يقوم، وإذا بالبدر قد بدا، والقمر قد طلع، فأصبح يرى مواقع الإبرة في الأرض. فقال: يا قمر! إن قلت: رفعك الله فقد رفعك الله، وإن قلت: جملك الله فقد جملك الله، وإن قلت: حسنك الله فقد حسنك الله. وأنا أتقاصر وأستحي أن أقف أمام هذه النهاية من النور عمر بن الخطاب. أقول: رفعه الله وقد فعل، وجمله الله وقد كان، وحسَّنه الله وقد حصل. يروي الحديث وأنا أسرده مع الشرح، ثم فيه دروس وقضايا ننتهي بها والله المستعان، وهو الذي يفتح سُبحَانَهُ وَتَعَالى، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

الجلوس آدابه وأنواعه

الجلوس آدابه وأنواعه يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: {كنا جلوساً عند رسول الله عليه الصلاة والسلام} انظروا الأدب! لم يقل: كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالساً معنا، العظيم دائماً يضاف إليه، ولا يضاف العظيم لغيره. كنا جلوساً مع الرسول عليه الصلاة والسلام، ومجالسه صلى الله عليه وسلم كانت مجالس إيمان ويقين ونور، ساعة واحدة يجلسها الأعرابي مع محمد عليه الصلاة والسلام يتحول إلى داعية وقائد وزعيم. شباب جلسوا معه ساعات ثم أخذوا سيوفهم يحملون (لا إله إلا الله) ويقتلون على ضفاف الفرات ودجلة وتستر! وعلماء الصحابة يخرجون من مسجده علماء في ساعات.

آداب الجلوس

آداب الجلوس قال: {كنا جلوساً مع الرسول عليه الصلاة والسلام}. ومن الطرافة ما الفرق بين اقعد واجلس؟ تقول العرب للنائم إذا أرادت أن تجلسه: اقعد، وتقول للواقف: اجلس. قالوا: (بعد مشي جلسنا، وبعد نوم قعدنا). قال: {كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم} وهي إضافة ما أحسن منها! يقول أبو هريرة: خرجنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم. ويقول زيد بن ثابت في الصحيحين: {تسحَّرنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام}. وليس من الأدب أن تأتي بفاضل أو نبيل أو عالم جليل، وتأتي وتقول: أتى معي، وركب معي، ودخل معي، وخرج معي لا، جلسنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وإذا كان إمام المجلس محمد صلى الله عليه وسلم فحسبك به! يقول مجنون ليلى: إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا يقول: يكفي أن نذكرك للنوق وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا

أنواع المجالس

أنواع المجالس والمجالس مجلسان: مجلس لله، ومجلس للشيطان. فأما مجلس الله فمجلس أوليائه، وأولياء الله مجالسهم معروفة. قيل لـ ابن المبارك الزاهد الشهير: مع من نجلس؟ دلنا على جليس؟ فأنشد أبياتاً كأنه كتبها بدمه، قال: من كان ملتمساً جليساً صالحاً فليأتِ حلقة مسعر بن كدام فيها السكينة والوقار وأهلها أهل العفاف وعلية الأقوام مجلسكم هذا من أعظم المجالس لا لحضوري أنا، لكن لحضوركم أنتم ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا لأنفاسكم، ولجلوسكم، ولتسبيحاتكم خمس فوائد في مجلسكم هذا: 1/ لعل الله أن يغشانا بالسكينة. 2/ ويحفنا بالرحمة. 3/ وتتنزل علينا الملائكة. 4/ ويذكرنا الله فيمن عنده. وخامسة أحلى من العسل: يقول الله لنا في آخر المجلس: انصرفوا مغفوراً لكم. فتقول الملائكة: يا رب! عبدك فلان جلس معهم هكذا -أي: ما أراد الجلوس وإنما رأى الجماهير فجمهر- قال: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من جلس مجلساً لا يذكر الله فيه، إلا كانت عليه ترة يوم القيامة} أي: حسرة وندامة. ومجالس أهل الخير إذا جلسوا فيها عمروها بالتقوى لما حضرت سكرات الموت عمر بن الخطاب وطعن، قال: [[ما آسى على الحياة إلا على ثلاث، ومنها: ومجالس قوم ينتقون لي أطايب الكلام كما ينتقى أطايب التمر]]. مجالس أقوام هي لذائذ في الحقيقة، وبعض الناس لم يجد هذه المجالس؛ إما لوحشته في دهره؛ أو لأنه ما وجد صالحين فأخذ يبكي على مجالس الصالحين. أما المتنبي فيقول: أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب ونحن نقول: يا أبا الطيب! لو عرفت جلساءنا لما مدحت الكتاب، بل خير جليس في الزمان رجل صالح، يتحدث إليك بقلبه المؤمن، وبسجداته وبتطلعاته الإيمانية، وبإقباله على الله.

صفات سائل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإسلام

صفات سائل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإسلام في الحديث -كما يقول أهل البلاغة- لف ونشر، فـ أبو حفص يلف لنا الحديث في موجز ثم ينشر، واللف معناه: جمع الحديث ونشره، ويسمى في لغة المتأخرين: الموجز والتفصيل، لكن هذه لغة عصرية. قال: {جلسنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم -وفي رواية البخاري - بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم} وساق مسلم الرواية كلها عن عمر، وساقها البخاري عن أبي هريرة قال: {بينما نحن جلوس عند الرسول عليه الصلاة والسلام}. (بينما) تستخدم للفجاءة. إذ طلع: كل شيء بقضاء وقدر، لا يقال: رأيته فجأة، إلا في العربية، ولكن كل شيء بقضاء وقدر لا صدفة. قال: {إذ طلع علينا رجل}. من هو الرجل؟ إنه جبريل. لماذا سماه عمر رجلاً وهو ملك؟ قالوا: لأنه اعتقد أنه رجل فسماه رجلاً، وما كذب عمر وما زاغ وما طغى في كلامه.

معنى: شديد بياض الثياب

معنى: شديد بياض الثياب {إذ طلع علينا رجل -اسمع الأوصاف- شديد بياض الثياب} وهذا أمر طيب، وهو شعار المسلم، والمسلم يحب البياض، ويلبس البياض، ويرتاح للبياض إلا للحاجة، وعند الإمام مالك في الموطأ قال عمر بسند صحيح: [[يعجبني أن يكون لباس القارئ أبيضاً]] حتى أبو مسلم الخراساني الذي قتل ألف ألف من المسلمين وذبحهم، يقول الذهبي: وقف أبو مسلم الخراساني، وعمامته سوداء، ولباس الثوب أسود، وكل قطعة فيه سوداء؛ لأن شعار دولة بني العباس السواد، وقف على المنبر فاعترض عليه أحد الرعية وسط الخطبة وقاطعه، وأبو مسلم هذا يقطر دماً ويتكلم بالدم، وسيفه يقطر دماً، قتل ألف ألف، فقال له هذا المسلم: يا أبا مسلم! ما لك تلبس السواد والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {البسوا البياض وكفنوا فيه موتاكم}؟ وأقول للسائل: ليتك ما أوردت هذا السؤال! رجل يقتل الرقاب، ويأخذ الحرمات، ويأكل الأموال، وتعترض عليه في لباسه! مثل أحد السلاطين الطغاة، كان عنده حرس يسبلون ثيابهم، وهذا الطاغية يقتل الأنفس ويمزق الأعراض، فقال له الواعظ: عندي لك كلام. قال: ما هو الكلام؟ قال: بيني وبينك أيها السلطان. قال: قل. قال: يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: {أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر} وجنودك يسبلون ثيابهم غفر الله لك! وهل المسألة مسألة إسبال؟ يقول الرجل: يا أبا مسلم تلبس السواد لقد خالفت السنة؟ فقال: حدثني فلان عن أبي الزبير عن جابر -وهذا الحديث في مسلم ولا أدري كيف أدركه أبو مسلم وهو ليس من أهل الحديث- حدثني فلان عن أبي الزبير عن جابر: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء} يا غلام! اضرب رأسه؛ فقطع رأسه!! الشاهد هنا: أن الأبيض مطلوب، وفي الصحيحين كان عليه الصلاة والسلام يقول: {ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس}. لماذا الأبيض؟ لأن شريعتنا بيضاء، يقول عليه الصلاة والسلام: {أتيت بها بيضاء} دينه أبيض، وشريعته بيضاء، ولبسه أبيض، ومنهجه أبيض، {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35]. وفي سنن النسائي بسند صحيح: أن عمر رضي الله عنه وأرضاه أتى بنسخة من التوراة -وجد أوراقاً، أمة أمية تفرح بالمراسم والأقلام والألوان إذا وجدتها، عمر لا يقرأ، فلما وجد قراطيس عند أهل خيبر، وقيل: في مدراس عند أهل خيبر قال: آتي بها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام- قال: يا رسول الله! خذ هذه من التوراة -أي: استفد منها- فغضب عليه الصلاة والسلام، وقال: {أمتهوكون فيها يـ بن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي} والشاهد هنا قوله: لقد أتيتكم بها بيضاء. فشريعته بيضاء. أبي بن كعب سيد القراء، قالوا في ترجمته: كان ثوبه أبيضاً، ولحيته بيضاء، ورأسه أبيضاً، وقلبه أبيضاً {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35]. قال: {إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب} لماذا استنكر عمر شدة البياض؟ قالوا: لأنه لو كان مسافراً لكان مدنس الثوب، وهذا لا يعرفونه؛ لكنه نزل فجأة شديد بياض الثياب.

معنى: شديد السواد

معنى: شديد السواد قال: {شديد سواد الشعر}. شعر جبريل عليه السلام في صورته الخلقية التي حوله الله إليها عجيب! كان يصوره الله في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وكان هذا الرجل جميلاً، فكان يقول الصحابة: رأينا دحية مر من هنا وعليه ثياب بيض، ويدخلون فيجدون دحية فيقولون: يا دحية، رأيناك خرجت. قال: أنا دحية، قالوا: بل رأيناك خرجت. قال: أنا موجود هنا؛ فيخبرهم صلى الله عليه وسلم أنه غير ذلك. أحد المفكرين -لا زال حياً- كان في الحرم يصلي ركعتين عند المقام، فأتاه أحد الشباب، وقال: يا شيخ! يقول الناس: إنك مت. قال: لا أنا لم أمت. قال: والله لقد أخبرني ثقات. قال: أنا موجود أمامك. قال: لا. الذي قال لي ثقة ولا يكذب. قال: إن كنت صدقته فأجل أنا مت، لكنني عند المقام الآن! مثل ما قاله عيسى عليه السلام فيما أورده الغزالي: مرَّ بسارق يسرق، فقال عيسى: لا تسرق. قال: يا روح الله! والله ما سرقت. قال: صدقتك وكذبت بصري. يكذب فيك كل الناس قلبي وتسمع فيك كل الناس أذني وهذا ليس هو الشاهد، بل الشاهد أن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- وصفه أنه رجل، وأنه شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، والسؤال الذي طرحه أهل السنة: كيف يتصور في هذه الصورة عليه السلام؟ و A { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر:1] كان جبريل عليه السلام له ستمائة جناح، كل جناح يسد ما بين المشرق والمغرب. جلس سفيان بن عيينة مع معتزلي ضال مبتدع، قال: دعنا من خزعبلاتك! أتعرف كيف ينص الجناحان؟ قال: نعم. قال: أعطني جناحاً ثالثاً ونصه؟ قال: لا أدري. قال: فكيف خلق له ستمائة جناح؟ قال: لا يكون هذا. قال: جبريل عليه السلام له ستمائة جناح. فبهت المبتدع والله لا يهدي القوم الظالمين، كان كل جناح يسد ما بين المشرق والمغرب، ولما أرسله الله إلى المؤتفكات -قرى قوم لوط التي عصت الله- اجتاحهم بجناح واحد، ورفعهم وهي أربع قرى فيها ستمائة ألف، فلما اقتربوا وسمعت الملائكة صياح الديكة ونباح الكلاب، رمى بهم في الأرض، فبعداً للقوم الظالمين.

مزايا جبريل عليه السلام

مزايا جبريل عليه السلام وجبريل له مزايا، منها: أنه صاحب صاحبنا عليه الصلاة والسلام، جبريل صديق للرسول عليه الصلاة والسلام، دائماً في الأحاديث: أتاني جبريل، قال لي جبريل، رأيت جبريل، ذهبت مع جبريل عليه السلام، واليهود غضبوا على جبريل عليهم غضب الله. يقول ابن سلام للنبي صلى الله عليه وسلم: من صاحبك من الملائكة؟ قال: جبريل. قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:98] قال ابن حجر: لماذا عادى اليهود جبريل؟ لماذا لا يعادون ميكائيل وإسرافيل؟ قال أهل العلم: لأنه كشف أسرارهم للرسول عليه الصلاة والسلام، وفضحهم في سورة البقرة، وأخبر بما فعلوه يوم السبت، والرسول صلى الله عليه وسلم أمي، أخبر بما فعلوا وبما كذبوا وبما غشوا وبما زنوا، فقالوا: فضحنا جبريل. وقالوا: لأنه دمرهم كثيراً. وقالوا: لأنه جاء بالرسالة إليهم؛ فحول الرسالة إلى العرب وإلى محمد صلى الله عليه وسلم.

معنى: لا يرى عليه أثر السفر

معنى: لا يُرى عليه أثر السفر قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: {إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد}. من يحكي مثل هذه الكلمات؟! أرأيتم أجمل من هذه الكلمات؟! {لا يُرى عليه أثر السفر}. السفر يا إخوان سفران: سفر له أوبة وهو السفر القصير، وهو سفرك من مكان إلى مكان، من الدمام إلى الرياض، فهو سفر مؤقت، وسفر لا أوبة بعده، وهو السفر إلى الدار الآخرة. كان الحسن البصري يبكي إذا ودع أصحابه، ويقول: وخفف وجدي أن فرقة واحد فراق حياة لا فراق ممات يقول: أنا أبكي عليكم لكن السهل أنكم سوف تعودون. قل لي بالله! من تفارقه من أصحابك وأحبابك وأبنائك كيف يكون شعورك بعده؟ لا لقاء إلا أن تكون صالحاً ويكون صالحاً، فيجمع الله بينكما في الجنة {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21]. التهامي رجل مفلق، التهامي من أكبر شعراء العرب، كان يحب ولده كما يحب الإنسان ولده، فلما مات ابنه؛ دفنه في حوش البيت من شدة حبه له، ودفنه قريباً من المجلس، لكن وهل ينفع ذلك؟ سواء دفنه وراء ألف ميل أو عند المجلس سيان، لكن انظر إلى شغف الوالد بولده! يريد أن يستأنس بقبر ابنه، فلما دفنه قريباً منه كان يبكي عليه في الليل والنهار، وكان يقول: جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري d يقول: جاورته في البيت، لكن ما رضي جواري بل جاور الله. قال ابن كثير: رؤي التهامي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قالوا: بماذا؟ قال: ببيتي المشهور: جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري امرأة الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فقدت زوجها، فبكت عليه سنة، ونصبت خيمة حول قبره، وهذه أفعال لم يقرها الإسلام، وبعد أن انتظرت سنة هل يخرج لها الحبيب من القبر؟ لم يخرج، ولم يكلمها ولو ليلة، سكوت أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر فيا سائلي عن أناس مضوا أما لك فيما مضى معتبر مكثت سنة تنتظر أن يكلمها بكلمة فما كلمها. يقول المتنبي: مال أهل القبور لا يتحدثون؟ ما لهم لا ينطقون؟ أقول: يا متنبي! يقول الله: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54]. يقول المتنبي: خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق لكن لا يتكلمون نصبت خيمتها سنة، ثم اقتلعت الخيمة؛ فسمعت هاتفاً يهتف -والعهدة على أبي الفداء ابن كثير - قال هاتف لأخيه: هل وجدوا ما فقدوا؟ قال: لا. بل يئسوا فانقلبوا. قال: {لا يرى عليه أثر السفر} والإنسان في سفر، يقول سيد قطب -متعه الله بالجنة- عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] يقول كلاماً ما معناه: يا أيها الإنسان! يا من حمل غمومه وهمومه! يا من حمل مقاصده! يا من حمل تبعاته! يا من حمل تصرفاته! إنك كادح إما في الخير أو في الشر كدحاً فملاقيه. أرى كلنا يبغي الحياة بحبه حريصاً عليها مستهاماً بها حباً وحب الجبان النفس أورده البقا وحب الشجاع الحق أورده الحربا كلنا كادح، الذي في البارة والخمارة كادح، صاحب المخدرات كادح، صحاب السيجارة كادح، الذي يرقص على الأغنية الماجنة كادح، الذي يسهر أربع ساعات على البلوت كادح، والمصلي كادح، والذي يبكي في آخر الليل كادح، والذي يجلس مع هذه الطلعات الإيمانية الرائدة كادح، والذي يقرأ ويعلم الناس كادح، ولكن اللقاء عند الله الواحد الأحد. وفي صحيح مسلم: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر الرجل يطيل السفر-قالوا: سفر الآخرة أو سفر الدنيا، في جمع الأموال أو في العبادة- أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له؟!}.

معنى: ولا يعرفه منا أحد

معنى: ولا يعرفه منا أحد قال: {ولا يعرفه منا أحد}. والسؤال الذي أورده الشراح: لماذا يقول عمر: لا يعرفه منا أحد؟ هل جزم أن الناس لا يعرفونه؟ قالوا: على حسب ما ظهر لـ عمر، رأى الوجوه -وبإمكانك أن تستقرئ- أنه لم يعرفه أحد. فأتى فجلس، ما أحسن الأدب! أدب طالب العلم! الشيخ محمد عليه الصلاة والسلام، والتلميذ: جبريل عليه السلام، و Q لماذا أتى جبريل في هذه الفترة؟ قال أنس: [[منعنا من السؤال]]. منع الصحابة من السؤال لأن الله نهاهم عن كثرة الأسئلة؛ لأن الدعوة لو فتحت لاضطرت الأمة إلى تضييقات وإحراجات شديدة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة:101] وقيل: السبب أن العرب كانوا يسألون أسئلة تافهة مثل وجوههم، يأتي الأعرابي ويربط ناقته في واد، ويقول: يا محمد! أين ناقتي؟ وهل يدري الرسول عنك وعن ناقتك؟! وهل أتى ليخبرك عن ناقتك؟! أعرابي آخر قال: بماذا يبعث الدجال يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: {يبعث معه ثريد (أي: لحم وخبز) فيغوي الناس بثريده، فمن أطاعه، وأكل من ثريده غوى. قال الأعرابي البدوي: والله الذي لا إله إلا هو لآكلن من ثريده حتى أتضلع، ثم أقول: آمنت بالله وكفرت بك}. هؤلاء الأعراب تضيع الصحون معهم، لو يترك لهم صلى الله عليه وسلم المجال لسألوه في كل باب، وضيعوه عليه الصلاة والسلام، وضيعوا دعوته، فأتى الأمر (لا تَسْأَلوا) قفوا حتى يأتي الأمر من الله. يقول أنس كما في الصحيحين: [[فكان يعجبنا الرجل العاقل الذي يأتي يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم]] ومن ثم أتى ضمام بن ثعلبة الذي مرت أحاديثه في جلسات، فسأل الرسول عليه الصلاة والسلام.

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه مع أصحابه

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه مع أصحابه دنا جبريل وأسند ركبتيه إلى ركبتي الحبيب عليه الصلاة والسلام، ما أحسن الصاحبين في رحلة ربانها محمد! كفرت بـ لينين وأذناب نهجه وآمنت بالرحمن والفوز مطلب أنا قصة من بدر أرسلها الهدى محمد يرويها وجبريل يكتب قال: {جلس وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه}. على فخدي من؟ على فخذي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا من الأنس، وهذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام؛ لأن من الناس من تستطيع أن تضع يديك عليه. كان صلى الله عليه وسلم ربما شبك أصابعه بأصابع أصحابه، وربما داعبهم، يأخذ بكتف الصحابي ويضمه، يأتي إلى زاهر في السوق، وزاهر بدوي، يبيع سمناً وعسلاً، فيقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: {زاهر باديتنا ونحن حاضروه}. فأتى إلى زاهر وهو مشغول بالسمن والعسل، فأتى معلم الإنسانية وهادي البشرية من ورائه، فضمه إلى صدره وهو يقول عليه الصلاة والسلام: {من يشتري العبد، من يشتري العبد}. وهو في السوق يحرج به، فأخذ زاهر يتفلت من يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ويلتفت، فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ يتحنك بكتفيه لا يريد أن يتركه، ويقول: يا رسول الله! كأني كاسد؟ أي: كأني مفلس، فقال: {لكنك لست عند الله بكاسد}. إنها تربية، والمداعبة في السوق تحتاج إلى محاضرات، لماذا داعبه؟ ولماذا حرج عليه؟ ولماذا مزح عليه؟ أعنده وقت فراغ عليه الصلاة والسلام؟ بعض الناس الآن من متصوفة القرن الثالث، يقولون: لماذا لا تمشط لحيتك؟ قال: مشغول بالعبادة. عجيب! حتى في مشط اللحية مشغول؟! ومحمد صلى الله عليه وسلم رجَّل رأسه، ومشط لحيته، ومازح الأعراب، وحمل الأطفال، وصلى بـ أمامة، وصعد الحسن والحسين على ظهره صلى الله عليه وسلم، وداعب وضحك وسابق عائشة! إنها حياة تكامل، روعة وجمال، أما أن تقصر في جانب وتظهر في جانب فهذا ليس بصحيح، بل هذا نقص. أتى الرسول صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله، فضرب على صدره، ورجل آخر نفث صلى الله عليه وسلم وقرأ، كلها سكينة ولطف، وتجد بعض الناس من غلظته وفظاظته لا تستطيع أن تقربه، بينك وبينه ثلاثة أمتار، ولا تستطيع أن تنظر إليه، وإذا نظرت إليه تقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق! كأن سيف الحجاج بيده! {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم!! {فوضع يديه على فخذيه، ثم قال: يا محمد!} لأنه لو قال: يا رسول الله! لكشف نفسه، فكأنه لا يدري بالرسالة ولا يدري بالرسول صلى الله عليه وسلم.

الإسلام علم وعمل

الإسلام علم وعمل قال: يا محمد! ما الإسلام؟ فأخبره عليه الصلاة والسلام بخبر علمي وعملي، وهذا تعريف الإسلام تعريف سهل بسيط، الإسلام لا يقتضي تعريفه محاضرات! الإسلام سهل بسيط، الإسلام تقبله العقول، الإسلام يوم ضبط بالكتاب والسنة أخذ يسري مثل الشمس، تنهار أمامه الشيوعية، يصبح الإسلام في مكان ويمسي في مكان آخر، يصبح في أذربيجان ويمسي في أوزبيكان، لماذا؟ لأنه الإسلام، لأنه الصدق والوضوح؛ لأنه يصل إلى النفس. قال: ما الإسلام؟ قال عليه الصلاة والسلام في الجواب- ويستدل به البخاري على أن الدين عمل، ويأتي بهذا الحديث، قال: فأخبرهم عن دينهم، لأن المرجئة يقولون: إن الإيمان قول واعتقاد فقط، لا. بل هو عمل يقولون: صلِّ أو لا تصلي، أنت مؤمن مثل المصلي، أنت وأنا مثل أبي بكر الصديق عند المرجئة! ويقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص كلنا سواء! عجيب! أنا وأنت على ما قدمنا للإسلام يوم نصلي صلاة الجماعة! لا جاهدنا، ولا قاتلنا، ولا عذبنا، ولا دفعنا أموالنا مثل أبي بكر! لا والله ولا يكون هذا. {قال: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً}. جواب ما أحسن منه! {قال: صدقت. قال عمر: فعجبنا له يسأله ويصدقه!} لماذا عجب عمر؟ لأن الجاهل ليس عنده سابق علم، فلماذا يصدق أو يكذب؟ الطالب الآن إذا سأل الأستاذ وقال: يا أستاذ! ما حكم هذه المسألة؟ ثم قال: صدقت، أدبه الأستاذ، وسيقول له: تعلَّم الأدب، تصدقني أنت! أنت تدري أني صدقت أو كذبت، أصبت أو أخطأت في المسألة! قال عمر: عجبنا لهذا السائل أتى ليسأل، ويقول: صدقت! كيف يصدِّق الرسول عليه الصلاة والسلام؟!

مسائل في لا إله إلا الله

مسائل في لا إله إلا الله قوله: {الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله} أولاً: شهادة أن لا إله إلا الله الدنيا أقيمت عليها، والأرض دمرت خمس مرات من أجل (لا إله إلا الله) رسالته عليه الصلاة والسلام تبدأ بلا إله إلا الله {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. يقول أبو هريرة كما في البخاري: {يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه}. الله أكبر كل هم ينجلي عن قلب كل مكبر ومهلل

حقيقة لا إله إلا الله

حقيقة لا إله إلا الله يقولون: لا إله إلا الله نطقها سلمان فركب في سفينة النجاة، فأصبح لسان الحال يقول بين العواصف: {سلمان منا آل البيت}. ولا إله إلا الله كفر بها أبو طالب فأصبح في ضحضاح من النار، في أخمصه جمرة يغلي منها دماغه. (لا إله إلا الله) تحول العبد من رعديد في مسلاخ الحمار إلى ولي من أولياء الله، والذي لا يحمل (لا إله إلا الله) أحقر وأذل من الحمار، يرقص ويشجع ويطرب ويغني ويزمر، لكن ما عليه نور أبداً؛ لأن شجرة (لا إله إلا الله) ما غُرست في قلبه وأعطوني من الإيمان ديناً شباباً مخلصاً حراً أمينا أمد يدي فأقتلع الرواسي وأبني المجد مؤتلفاً مكينا الرواسي تدكدك بلا إله إلا الله. يدخل جنود محمد صلى الله عليه وسلم إيوان كسرى، فيهللون؛ فيقع الإيوان في الأرض. يدخل محمد صلى الله عليه وسلم الحرم المكي وفيه ثلاثمائة وستون صنماً؛ فيقول: لا إله إلا الله {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81] فتتنكس الأصنام على وجوهها يا غارة الله جدي السير مسرعة في سحق أعدائنا يا غارة الله الآن من الناس من يقول (لا إله إلا الله) وهو لا يصلي! ويقول (لا إله إلا الله) وهو لا يزكي! ويقول: (لا إله إلا الله) وهو لا يحمل الإيمان، بل يهاجم أهل الإيمان ويستهزئ بهم، فهي كلمة فحسب. يوم أصبحت (لا إله إلا الله) كلمة في البراويز؛ أصبحنا كالعجائز من المعاجيز. ويوم أصبحت كلمة (لا إله إلا الله) معلقة في الدكاكين؛ تأخرنا في رحاب الضالين. ولكن (لا إله إلا الله) تنبعث من جديد؛ لتشهدها هذه الصحوة المباركة، رائدها محمد عليه الصلاة والسلام، ومصدرها الكتاب والسنة، وأنتم أساتذتها، ولك الحمد يا رب.

اشتقاقات لا إله إلا الله

اشتقاقات لا إله إلا الله يقول أهل العلم: من (لا إله إلا الله) اشتقاقات: الحسب، والتوكل، والمحبة، والقصد، والإرادة. فأما الحسب: فنطق بها إبراهيم فأصبحت النار هباءً منثوراً، وأصبحت باردة. كيف الحسب؟ قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، والحسب نطق بها موسى ففجر الله له البحر، اضطرب موسى ووراءه فرعون بستمائة ألف، وقيل: بأكثر، وأمامه البحر، فالتفت؛ فقال هارون: نغرق اليوم! قال: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] بسم الله، حسبنا الله ونعم الوكيل؛ فانفجر البحر. سبحان الله! الماء يغرق ولكن بحسبنا الله ونعم الوكيل لا يغرق. والنار تحرق ولكن إذا أتت (حسبنا الله ونعم الوكيل) لا تحرق، فإبراهيم ما أحرقته النار؛ لأنه التجأ إلى الواحد الغفار، وموسى ما غرق في البحر؛ لأنه التجأ إلى البر الرحيم. يدخل أحد الخوارج على أحد الصالحين بالسيف، وأراد هذا الصالح أن يضحك على هذا الخارجي، فـ الخوارج يكفرون الناس، مسلم يصلي ويعبد الله ويقرأ القرآن في البيت؛ فدخل الخارجي عليه بالسيف، يقول للصالح الذي يبكي من القرآن وهو فاتح للمصحف من ربك؟ قال: ربي البر؟ أي: الله، البر الرحيم، لكن الخارجي يتصور أنه يعني الصحراء! قال: ومن نبيك؟ قال: أميٌّ، أي الأميٌّ صلى الله عليه وسلم {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً منهم} [الجمعة:2] فقال: حق دمك. قال: أسألك بالله أن تنتظرني حتى أتشهد، ثم دعا الناس وقال: اشهدوا عليه، أجبته بجواب ما فهمه، هل يستحل دماء المسلمين بهذا الجواب؟ حسيبك الله يا خارجي، لا تفقه من الدين شيئاً وإنما هذا استطراد. قال: شهادة أن لا إله إلا الله، ومنها الحسب (حسبنا الله ونعم الوكيل) وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: [[حسبنا الله ونعم الوكيل! قالها إبراهيم لما أُلقي في النار؛ فجعلها الله عز وجل برداً وسلاماً]]. كيف قالها؟ وضع في المنجنيق؛ فلما ركب في المنجنيق وأصبح في الهواء -تصور إبراهيم عليه السلام إمام العقيدة وأستاذ التوحيد، وشيخ الإسلام في الهواء بين الأرض والمنجنيق والنار- أتاه جبريل في الجو في موقفٍ حرج ليس أحرج منه موقف وقال: يا إبراهيم! ألك إلي حاجة؟ قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم. مد الجسور إلى الرحمن معتمداً واشدد يديك فإن الرب برهان والزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان يقولون للإمام أحمد إمام أهل السنة، وهو يجلد بالعصا على رأسه ويمزع جسمه: كيف التوكل؟ قال: مثل إبراهيم: يأتيه الجنود والحرس والوزراء، يقول ابن خاقان: يا أحمد ويعرض عليه خدماته. قال: لا أريد الخدمات. أتريد شيئاً؟ قال: أريد الله. صدق الإمام أحمد، ولذلك دكدك الإمام أحمد جيوش المعتصم ومن معه وانتصر، وهو وحيد وما هاب؛ لأن الله ثبته وكان معه. فألقي إبراهيم في النار فكانت برداً وسلاماً. أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في أحد، وقد أنهك أصحابه وأصبحوا جرحى، وقالوا: يا رسول الله! إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، قال الله: {فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. يذكر عن علي بن أبي طالب وكان في الكوفة يقضي بين اثنين، تحت جدار، والجدار يريد أن ينقض -ويريد أن ينقض ليس من المجاز بل هو من الحقيقة، وهذا وصف الله بأنه يريد أن ينقض- قالوا لـ علي: يا أمير المؤمنين! الجدار يريد أن ينقض عليك. قال: [[حسبنا الله ونعم الوكيل]]. وهي كلمة تقال للتوكل لا للتواكل، لا تأتِ وترم بنفسك من على عمارة مرتفعة، وتقول: حسبنا الله ونعم الوكيل! نعم، ولكن رأسك سوف يكون مع الكفرة في الأرض، ولا تأت وتنام في الطريق، وتقول: حسبنا الله ونعم الوكيل! هذا ليس من هذا. فقام علي من المكان، فلما ذهب سقط الجدار مكانه، وسَلِمَ علي، وهذه كرامة من كرامات الأولياء إن صحت عنه. وفي (لا إله إلا الله) محبة ذاقها الصحابة، فقد قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله عز وجل. وفي (لا إله إلا الله) إرادة، فتعلق إرادة العبد بالله عز وجل حتى ما يراد إلا هو. وفي (لا إله إلا الله) اعتماد، دخلوا على أبي بكر الصديق في مرض الموت، قالوا له: ماذا تشتكي؟ قال: ذنوبي. لا إله إلا الله! أبو بكر يشتكي ذنوبه! فكيف بنا نحن المذنبين المقصرين؟ أبو بكر الذي ما وجد وقتاً ليذنب، من يوم أن أسلم وهو في قوة وفي جلاد، وسهاد، وجهاد، وعبادة وزهد، قدَّم دمه ودموعه ووقته رضي الله عنه وأرضاه، قالوا: ماذا تشتكي يا خليفة رسول الله؟ قال: أشتكي ذنوبي. قالوا: ماذا تريد؟ قال: أريد المغفرة. قالوا: ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب قد رآني. قالوا: ماذا قال؟ قال: يقول: إني فعال لما أريد. أتته ابنته عائشة وهو في سكرات الموت، فقالت: يا أبتاه -وهو يلفظ الأنفاس الأخيرة إلى جنة عرضها السماوات والأرض- يا أبتاه! صدق الأول (تعني حاتم الطائي): لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فالتفت إليها مغضباً، وقال: يا بنية! لا تقولي ذلك، ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:19 - 22]. عفاء على دنيا رحلت لغيرها فليس بها للصالحين مُعَرَّجُ كدأب علي في المواطن كلها أبي حسن والغصن من حيث يخرج جمعنا الله بهم في دار الكرامة! هذا الاعتماد على الله عز وجل، والتفويض إلى الله، والافتقار إليه، ولذلك جاء في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: أقرب الناس إلى الله أشدهم افتقاراً إليه. وله قصيدة اسمها (الفقرية) يقول في مطلعها: أنا الفقير إلى رب السماوات أنا المسيكين في مجموع حالاتي الفقر لي وصف ذات لازم أبداً كما الغنى أبداً وصف له ذاتي انظر إلى شعر ابن تيمية! شعر علماء، ليس كمثل شعر الشعراء، شعر عالم. يقول: ابن دقيق العيد في بيت له: واختلف الأصحاب في وجدنا فرجحوا نجواك وهو الصحيح كأنه من متون الفقه! فـ ابن تيمية كان يجيد هذا، وشاهدنا لـ ابن تيمية أنه افتقر واعتمد على الله فنصره الله. دخل الإسكندرية، فقالوا له: إن الناس قد جمعوا لك يريدون قتلك وذبحك، فنفخ في يديه -وكان شجاعاً صنديداً يركب الأهوال مثل الجبال، كان يدوس الرجال وهو فرد كأنه وهو فرد من جلالته في موكب يوم تلقاه وفي حشم فنفخ في يديه، وقال: والله كأنهم الذباب. دخل على الناصر قلاوون، فأصابت السلطان قلاوون حمى من ابن تيمية، رأى النجوم في النهار، علمه درساً في العقيدة لا ينساه، أراد أن يفترس ابن تيمية فافترسه ابن تيمية، كان قلبه قوياً، لماذا؟ كان ابن تيمية إذا صلى الصبح يبقى إلى الضحى يردد الفاتحة، ويستجلي أخبار ودرر وكنوز الفاتحة، كانت مصادرهم الكتاب والسنة، فقوي اعتمادهم وحسبهم وإيمانهم، وأصبح مصادر تلقينا أو بعضنا ما يلقى في الساحة من عفونات وأفكار البشر، فأصبحت ثقافتنا جامدة هامدة، ولا تجد هناك إلا قلة أعلنت توجهها وهم شباب الصحوة. لكن أبشر هذا الكون أجمعه أنَّا صحونا وسرنا للعلا عجبا بفتية طهر القرآن أنفسهم كالأسد تزأر في غاباتها غضبا عافوا حياة الخنا والرجس فاغتسلوا بتوبة لا ترى في صفهم جنبا أعرابي يصلي في الصحراء، قالوا: لمن تصلي؟ قال: لله. قالوا: هل رأيته؟ قال: البعرة تدل على البعير، وأثر القدم يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وليل داج، أفلا تدل على السميع البصير؟! هذا توحيد غرسه محمد صلى الله عليه وسلم، وأهل الدكتوراة كثير منهم شهاداتهم معلقة عندهم في البيوت عليها عشعش العنكبوت وما نفعتهم في الإيمان ولا في الحسب، ولا التوجه، ولا في المحبة، والإرادة.

إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة

إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة قال: {وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة} Q لماذا لم يقل: تصلي، إنما قال: تقيم الصلاة؟ أي: تصلي صلاة تمنعك من الفواحش، تصلي صلاة تصلك بالله؛ لأن قطاعاً هائلاً من الناس اليوم يصلون لكن انظر إلى صلاتهم، يعلقونها بعد الصلاة في الأبواب، يقول: مكانك تحمدي أو تستريحي حتى صلاة العصر! ويقول: إن الله غفور رحيم، ولكن تدخل البيت فإذا الربا أمامك كالجثمان، والغناء والفتون والفجور والإعراض والفاحشة! الصلاة يقول الله عنها: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45] وما وقع من وقع في خزعبلات وتراهات ومعاصٍ وفواحش إلا يوم أخل بالصلاة، نسأل الله السلامة والعافية. الصلاة قرة عين المصطفى عليه الصلاة والسلام.

بلال من مكة إلى بيت المقدس

بلال من مكة إلى بيت المقدس وفي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم في مرض الموت سمع نداء الحبيب بلال، أذن بلال بندائه الشجي، بلال يؤذن في الفتوحات والانتصارات، ففي فتح مكة المؤذن بلال، دخل صلى الله عليه وسلم مكة وسقطت مكة بيده، فقال: يا بلال! قم فأذن. لماذا اختار بلالاً؟ ليسمع صفوان بن أمية وأبناء أمية بن خلف، ورعاديد أبي جهل، هذا الذي كانوا يسحبونه على الرمال ويعذبونه وهو يقول: أحد أحد، أحد أحد، أحد أحد وهم يذيقونه العذاب. قم أذن؛ فارتقى الكعبة، فيقول أحد الجاهليين لأخيه: ما كنت أظن العيش يطول بي حتى أرى هذا الغراب الأسود يؤذن من على الكعبة! ويقول الآخر: إن من الفوز للوليد أنه مات قبل أن يرى هذا الأسود يؤذن ويصيح من على الكعبة. لا والله إنه صوت الحق، وأذن بلال فبكى المسلمون، ومرة ثانية أذن بلال في بيت المقدس يوم شهدها وقادها عمر هناك. خرج عمر ليأخذ مفاتيح بيت المقدس، فما خرج بحرس ولا بجنود، حارسه الله، كان قلبه معه يحمل التوحيد، قال لمولاه: [[أنا وإياك على الناقة. فقال عمر للمولى -ودائماً عمر عادل حتى في السفر والركوب والمشي: أنت تركب برهة وأنا برهة. قال: يا أمير المؤمنين! أنا مولى. قال: والله لتركبن برهة وأنا برهة، والذي ينزل منا يقود الجمل]] فقال: سمعاً وطاعة. فكان عمر يركب قليلاً؛ فإذا تعب المولى نزل عمر وقاد الجمل وركب مولاه! يريد عمر أن يستلم مفاتيح بيت المقدس، وهذا حدث عالمي أعظم من حوادث هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن على التاريخ. والجيوش أمامه، بقيادة عمرو بن العاص وأبي عبيدة، وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان، كل واحد بجيش مثل الجبل. لكن عمر لم يأخذ جيشاً، وانتظر الصحابة قدوم عمر وواجهوه في الطريق، فأشرف عليهم وإذا هو بثيابه القديمة المرقعة، والعصا في يده، وهو يقود الجمل، قال عمرو بن العاص: [[فضحتنا يا أمير المؤمنين]]. يقول: النصارى ينتظرونك تأخذ المفاتيح في أبهة وفي حرس ووزراء ومستشارين وفي كبار الصحابة، وتأتينا بجمل وزيادة على ذلك أنك أنت الذي تقوده!! فقال كلمة لو سمعها الدهر ووعاها، ولو وعتها القلوب وحفظتها، يقول: [[نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]]. والله لما أصبحنا أمة لموع وسطوع وألوان؛ اندحرنا والله، [[نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]]. فأتى الصحابة وقالوا: نمشي معك يا أمير المؤمنين! قال: لا. انصرفوا. وذهب عمر، فخرج النصارى ليروا ويسمعوا عمر، هذا الإمام المعتبر، عمر الذي دوخ الدنيا، عمر الذي تخاف منه العجوز في حجر دارها وهي في بيت المقدس. خرجوا على السطوح فاقترب عمر، وأتت النوبة للمولى ليركب، واقتربوا من دخول بيت المقدس، فقال مولاه: النوبة لي يا أمير المؤمنين وهي لك؛ لأننا اقتربنا من الناس. قال: والله لا تنزل ولا أركب. واقترب عمر يقود الجمل، فرفع ثيابه من الطين عند مدخل بيت المقدس، فتباكى الناس على أسطح المنازل. إنه والله موقف مؤثر، بكوا من هذا الإمام العظيم، يرفع ثيابه من الطين، يالك من عظيم!! رعاك الله! ثم تقدم إلى بيت المقدس؛ فقال: يا بلال! عزمت عليك أن تؤذن هذا اليوم؛ لأن بلالاً اعتزل الأذان بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، قدم استقالته لـ أبي بكر وقال: والله لا أؤذن لأحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: كفر عن يمينك يا بلال، وأسألك بالله أن تؤذن. فأتى بلال! فرفع صوته بأذان الفتح. لا إله إلا الله! فبكى الصحابة والجيش جميعاً، فقد ذكرهم بالحبيب: وداعٍ دعا إذ نحن بـ الخيف من منى فهيج أشواق الفؤاد وما يدري دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أطار بليلى طائراً كان في صدري فتوحات وتوكل على الله، والشاهد: الصلاة. أتى صلى الله عليه وسلم وهو في مرض الموت، فسمع بلالاً يقول: الله أكبر الله أكبر! فقام فتعثر صلى الله عليه وسلم فسقط، فغسل بالماء فأغمي عليه خمس مرات، وفي الأخير قال: مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس. وسارت هذه الكلمة فبكى الصحابة في المسجد، أشرف رجل من طرف المسجد؛ فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. أين الإمام؟ تعطل الإمام، أين الحبيب؟ جلس الحبيب بأبي أنت وأمي! فداً لك من يقصر عن فداكا فلا ملك إذاً إلا فداكا أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا قال: مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس، قال: صلِّ يا عمر بالناس؟ قال: أنت أولى؛ فتقدم أبو بكر، فلم يعرف الناس ماذا قال في الصلاة من كثرة البكاء على فقد إمام يقود الأمة إلى قيام الساعة، إلى الجنة، من تخلف عن ركبه والله لا يذوق سعادة، ولو جمع أموال الدنيا. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفسي بيده! لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار} والله جلت قدرته يقول: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65].

حقيقة الزكاة

حقيقة الزكاة : {وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة}. والزكاة لها أمور: زكاة القلب تقوى الله، وزكاة العين غضها والنظر بها في آيات الله، وزكاة الأذن استماع الحق وكفها عن الباطل، وزكاة اليد نفع الناس وعدم البطش، وزكاة اللسان إنفاق ما أعطاك الله من العلم والدعوة والأمر بالمعروف، وحبسه عن الغيبة والنميمة والزور. وبالمناسبة أيها الإخوة! يا مباركين! يا أخيار! يا أبرار! نحن في هذا المجلس في تكييف عجيب، وفي راحة وفي هدوء واطمئنان، الثريا على رءوسنا، والهدوء ينتابنا، والارتياح معنا، والسكينة حلت علينا، لكن إخواننا رفعوا السلاح في الجبهات في أفغانستان، الموت ينتظرهم صباح مساء، يريدون أن يرغموا الكافر، لكنهم يريدون مساعدتهم مادياً، وبعد صلاة العشاء نرجو أن تقدموا لهم ما يحتاجونه من أموال لتلك العمائم التي ارتفعت بها (لا إله إلا الله) لتلك العمائم التي أرغمت أنف جرباتشوف وبريجنيف في الطين في التراب، لتلك العمائم التي رسمت (لا إله إلا الله) في هيئة الأمم. وهنا أبشركم بخبرين سارين: الخبر الأول وهو آخر خبر: أن مدينة هرات قد سقطت في أيدي المجاهدين، والعهدة على الأستاذ يوسف الحمدان، حدثنا بسندٍ رجاله ثقاة، سقطت هرات قبل يومين، ودخلها المجاهدون بالسلاح وبالكلاشنكوف بعد أن صلوا الفجر، فقد أرسل حكمتيار كتيبة إلى هناك وهم يقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا الخبر الثاني من نيويورك: أول مرة في عمر هيئة الأمم يصلَّى فيها صلاة الظهر أثناء انعقاد الجلسة الأخيرة، عندما صلاها وفد المجاهدين الأفغان هناك، حيث قام رئيس الوفد بحضور رئيس هيئة الأمم، فأخذ الميكرفون وحوله ورفع الأذان في هيئة الأمم؛ فخرج وفد إسرائيل، ووفد تشيكسلوفاكيا ودولة أخرى، وبقي الناس مشدوهين مثل الماعز. أما تعرفون هؤلاء المؤذنين؟! هؤلاء أبناء خالد، وسعد، وطارق، وصلاح الدين، أتوا يؤذنون في هيئة الأمم المتحدة، وهيئة الأمم المتحدة هي لهم وليست لكم يا كفار، وانزلوا من على الكراسي، واخرجوا من هذه الدنيا، فالأرض أرض الله، وهي للمجاهد المسلم. قام رئيس وفد المجاهدين يؤذن بصوته الجميل وعليه عمامته؛ ليخبر جرباتشوف أن الصحوة في كل مكانـ وأن الدين الإسلامي هو المهيمن على كل الملل والنحل، يقول الناس: إن الخبر هذا نقل على بعض الشاشات فأخذ المسلمون يبكون في مشارق الأرض ومغاربها. هيئة الأمم النجسة المنتنة التي ما رفع الأذان فيها مرة قط، حتى قام المجاهد الأفغاني هذا بثيابه التي لا تعادل عشرة من الريالات، يوم أتى الظهر أوقف رئيس هيئة الأمم المتحدة، ماذا تريد؟ حول المكرفون إليه، ثم دوى في المجلس: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، حتى ظن الأمريكان أنه رفع القلم عن المجاهدين، وهو ما رفع القلم إلا عن أذناب العملاء الخونة، أما أولئك فالله يكتبهم في الخالدين. إلى جنة الرضوان سرنا كتائباً نسجل في التاريخ أقدامنا دما تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياةً مثل أن أتقدما فليست على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما فهم يريدون المساعدة، والمعاونة، والإغاثة لكم بالمرصاد عند الأبواب، بكراتينها، الكرتون يأخذ أربعمائة ألف أو خمسمائة ألف وهو يفضل أن تكون العملة من ورق الخمسمائة، فإن لم يكن فمن المائة، فإن لمن يكن فمن الخمسين، ومن تصدق بعشرة جاز، ومن تصدق بريال نفع، ولا يغيب على الله شيء، من تصدق بصدقة؛ فإن الله يقبلها ويربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه، حتى تصبح كـ جبل أحد، أنتم أهل البسالات، خاصة المنطقة الشرقية، يقول أحد المجاهدين: أكثر نسبة من الشهداء في الدول الإسلامية من المنطقة الشرقية، أكثر الشهداء من هنا، واسألوا الصحف واسألوا الأنباء، فمثلما قدمتم أرواحكم، قدموا أموالكم يثيبكم الله، صح فيكم قول الشاعر: هم القوم يروون المكارم عن أبٍ وجدٍ كريمٍ سيدٍ وابن سيدِ وهزتهم يوم الندى أريحية كأن شربوا من طعم صرخد ويطربهم صوت الصوارم في الوغى بيوم الوغى لا ما ترى أم معبدِ وغيرهم يهتز للغناء والمجون، وهم يهتزون لـ (لا إله إلا الله) والإسلام، فرفع الله منزلتنا ومنزلتكم في الدنيا والآخرة.

إجابة الرسول عن بقية أسئلة جبريل

إجابة الرسول عن بقية أسئلة جبريل والسؤال طويل في هذا الحوار الشائق مع محمد عليه الصلاة والسلام وجبريل عليه السلام، ولكن ماذا أفعل؟ بياني يقصر، وكلماتي تتلعثم، وهذا الحديث وحده هو منهاج، وهو دستور، وهو حياة، ماذا أقول؟ ماذا أتحدث؟ كيف أتصرف مع الألفاظ؟ إنه يحتاج إلى كلام طويل، ثم يقول في آخر الجواب من السؤال الأول في الفقرة الأولى: {وأن تحج بيت الله إن استطعت إليه سبيلا}. ثم سأله: ما الإيمان؟ فأجابه. ثم سأله: ما الإحسان؟ فأجابه. ثم سأله: ما الساعة وما علاماتها؟ فأجابه. فشكر الله للسائل وللمسئول، وجمعنا الله عز وجل بمحمد عليه الصلاة والسلام.

فوائد من حديث جبريل

فوائد من حديث جبريل هذا الحديث وحده جعله العلماء قاعدة من قواعد الدين، وهو أصل أصيل، وفيه فوائد: الأولى: أدب السؤال، وهذا أمر افتقرنا إليه يوم افتقدنا مصدر التلقي من الكتاب والسنة، وكيف تسأل؟ وكيف تكون سائلاً؟ الثانية: حرص المسلم على طلب السؤال، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]. الثالثة: الجواب الذي يجيبه عليه الصلاة والسلام، وأجوبته صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام: 1/المطابقة. 2/ الجواب الحكيم. 3/ الجواب بأكثر من السؤال. المطابقة: كأن يفتي السائل، فيقول: نعم أو لا. وجواب الحكيم: أن يترك السؤال ويفتي بجواب لسؤال آخر، مثل قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189] وأما الجواب بأكثر من السؤال فمثل حديث: {إنا نركب البحر ثم قال السائل: فهل نتوضأ بماء البحر؟ قال: نعم، هو الطهور ماؤه، الحل ميتته}. والرسول عليه الصلاة والسلام استخدم (لا أدري) ثلاث مرات في حياته، فقد روى الحاكم بسند صحيح، قال عليه الصلاة والسلام: {لا أدري! أذو القرنين نبي أم لا؟ ولا أدري أتبعٌ لعين أم لا؟ ولا أدري هل الحدود كفارات لأصحابها أم لا؟}. وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجيب نظر إلى حال السائل فأعطاه جواباً يناسب حاله، فقد ثبت في حديث صحيح أن غيلان الثقفي أتاه وهو قوي البنية، وقال: {يا رسول الله! دلني على أفضل عمل. قال: عليك بالجهاد} أعطى القوس باريها، وأتاه الشيخ الكبير ابن بُسر وقال: {دلني على عمل. قال: عليك بذكر الله} وأتاه أبو أمامة فقال: {دلني على عمل؟ فقال: عليك بالصيام} لكن من يستطيع على هذه الأجوبة إلا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.

نداء إلى الأم المسلمة

نداء إلى الأم المسلمة أيها الإخوة: أوجه كلمة إلى النساء: أولاً: أسأل الله لي ولكم وللنساء مغفرة عامة وخاصة، وإني لأحمد الله على ما هناك من صحوة في جانب النساء وعودة إلى الواحد الأحد، ولكن الأم المسلمة أطلب منها قضية واحدة: أن تدخل حديث جبريل بيتها، لكن لا تدخله في ورقة معلقة، ولا في برواز ملصق بحائط، ولا في شريط فحسب، تدخله بقلبها ولحمها ودمها في قلب طفلها، تنقش هذا الحديث في قلب الطفل، تربيه على طاعة الله، وعلى (لا إله إلا الله) من يوم يولد الطفل في الإسلام وهو ينقش في قلبه (لا إله إلا الله). فيا أمة الله! الطفل اليوم مسئوليتك، أنتِ الرائدة في البيت، اكتبي في قلب الطفل (لا إله إلا الله). أما أن يرسل الطفل فقط ثم يعود من كل مكان بأشعار وبأخبار، وأسعار وأمطار، ولا يحمل عقيدة ولا مبادئ، ما ينشد إلا اللعنات والسباب والشتائم؛ فهذا مسئولية الأم، وهي التي تحاسب عند الله. الطفل الذي ينشأ على الموسيقى ينشأ راقصاً، حتى تجد بعض الأطفال إذا انتظر عند الدكان ليأخذ غرضاً يرقص في وقت الفراغ، لا يريد أن يضيع شيئاً من حياته! وبعض الأطفال يهز رأسه في الفصل، متعلم ومتدرب على الغناء، وبعضهم يذهب بدون وعي فينشد أغاني، وإذا قلت له: اقرأ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] قال: لا أحفظ هذه السورة. هذا من القرآن؟ قلنا: نعم من القرآن. قال: متى نزلت؟ قلنا: نزلت قبل أن تدخل الموسيقى بيتك، وقبل أن تحفظ الأغنيات الماجنات، وقبل أن تتربى في هذا الجو المعتم، الجو الضائع، والطفل ولد مؤمناً لكن حسبنا الله، يريد بعض الناس أن يجعلوه ملحداً ومنحرفاً، لا! الطفل مؤمن، أتى بقرطاس من بطن أمه مكتوب على جبينه (لا إله إلا الله) {كل مولود يولد على الإسلام؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه} أتى حنيفاً مسلماً، لكن يبدأ التحركات، يرى أباه لا يصلي فيقلده، ويراه يكذب ويخون فينشأ خائناً كذاباً، ووالله إنه ولد أميناً صادقاً خائفاً من الله {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30]. يا أم! يا أخت! يا مسلمة! أنت مسئولة أمام الله في أطفالك، أدخلي القرآن في قلوب أطفالك، أدخلي ذكر جبريل وذكر محمد صلى الله عليه وسلم في البيت، ضوِّئي البيت بالحديث النبوي علَّه أن يحيا حياة سعيدة طيبة. اللهم ثبتنا يا رب العالمين! واقبلنا فيمن قبلت، واغفر لنا خطايانا وذنوبنا. يقولون في الدمام صحب وإخوة وأسكنتهم لحمي وأسقيتهم دمي فإن رضوا فلا اللحم يسقي ولا الدم يكفي، ولكن الحب في الله وكفى. أسأل الله أن يجمعني بهم في دار الكرامة، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة لرجل كبير السن مازال عاصيا لله

نصيحة لرجل كبير السن مازال عاصياً لله Q نريد منك بعض النصائح المختصرة حول رجل كبير في السن وما زال مصراً على بعض المعاصي؟ A أشكر السائل على شعوره الطيب، وأثابه الله وأكرم مثواه وإياكم، وأما عن حال هذا الرجل الكبير في السن فأمر عجيب ونبأ غريب! الإنسان إذا شاب رأسه وشابت لحيته أتاه النذير. الإنسان إذا احدودب ظهره وكلَّ بصره وسمعه وقلبه أتاه النذير. الإنسان إذا فقد الشهية ظمأ إلى لقاء الله عز وجل. الكبير إذا جاوز الستين كان عليه حقاً أن يشتري كفناً أو يتهيأ، فقد أصبح بينه وبين القبر قاب قوسين أو أدنى. أحد الفضلاء من الأدباء كان فقيراً يجمع الأموال، يجمع ويجمع، فلما أصبح في الثمانين رزقه الله بمال كثير! فقال: ما كنت أرجوه إذ كنت ابن عشرينا رزقته بعدما بلغت سبعينا قالوا أنينك طول الليل يسهرنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا يقول أطفاله: ما تتركنا ننام، تتأوه علينا في المنام، اتركنا ننام، من ماذا تشتكي؟ أظلمك أحد؟ قال: الثمانين. أهجرك أحد؟ قال: الثمانين. آذاك أحد؟ قال: الثمانين قالوا أنينك طول الليل يسهرنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أنه قال: {أعذر الله امراً بلَّغه ستين سنة} أي: انتهى العذر، يأتي يوم القيامة يقول الله عز وجل له: لماذا فعلت؟ قال: ما أمهلتني حتى أتوب! ما أمهلك وقد أصبحت بعمر ثلاثة حمير؟! الحمار يعيش عشرين سنة، وأنت عشت عمر ثلاثة حمير وما تبت؟! قال: والله لو أمهلتني سنة لكنت ترى ماذا أصنع! سبحان الله! ستين سنة تجعل السفيه عاقلاً، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان} شايب ويزني! ليته شاب؛ ولا يعذر الشاب؛ بل الزنا فاحشة! بل هو وصمة عار! بل هو ذنب! بل هو كبيرة من الكبائر! لكن وكنت مع الصبا أهدى سبيلاً فما لك بعد شيبك قد نكثتا مشيت القهقرى وخبطت عشوا لعمرك لو وصلت لما رجعتا والله لو أطعت الرحمن لما رجعت، عمره ستون ويزني! ستون ومخرف! ويرقص على الأغنية! ويسهر مع الشيشة والدخان والبلوت في المقهى! هذا مجرم، ما كأنه يريد الخير، ولكني لا أقصده لذاته وإنما أقصد من يفعل ذلك؛ لكي يتوب. يذكر هذه القصة مثل صاحب الحلية وغيره، يقولون: كان رجل من بني إسرائيل عمَّره الله ثمانين سنة، أما الأربعين فصلح فيها أيما صلاح، أطاع الله، ثم أدركه الخذلان فعصى الله أربعين سنة، وأصبح شيبة، فالتفت إلى المرآة ورأى صورته وإذا به قد شاب رأين الغواني الشيب لاح بعارضي فأعرضن عني بالخدود النواضر الشيب عجيب! الشيب نذير يقودك إلى القبر! قال: يا رب! أطعتك أربعين سنة، ثم عصيتك أربعين سنة، أتقبلني؟ فسمع قائلاً يقول: أطعت الله فأحبك الله، وعصيت الله فأمهلك الله، وإذا عدت إلى الله قبلك الله. ومع ذلك؛ فباب التوبة لا يزال مفتوحاً، فبعضهم تاب في التسعين، أصبح قاب قوسين منحني على عصاه، وكان في انحنائه على عصاه مجرماً ثم تاب، تداركه الله بتوبة قبل أن يموت بشهر أو بشهرين فتاب الله عليه، فالله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. وأنا أوصيك مع كبير السن بأمور: أولاً: أن تنزله منزلته، فبعض الشباب إذا تكلم مع الشيخ الكبير كأنه يتكلم مع طفل، أما تدري أن هذا الشايب الكبير يظن أنه الإسكندر المقدوني أو فاتح الدنيا؟ فلابد أن تنزله منزلته، وتقول له: أنت أكبر تجربة، وأكبر عقلاً، وأكبر عمراً، ولكن ما رأيك حفظك الله في كذا؟ ثانياً: ألاَّ تجرحه وتنصحه أمام الناس، تدعو ضيوفاً وإذا اجتمعوا في المجلس تقوم وتقول: وأنت حفظك الله فعلت كذا يوم كذا وكذا هذا يزيده غلولاً وحقداً وغشاً ولا يقبل منك. ثالثاً: أن تحاول أن تسلط عليه بعض الدعاة المقبولين، إما بداعية أو بكتاب أو بمصحف أو بشريط، أو بدعوة في ظهر الغيب، ثم اجعل الأمور لله ولا تيأس من روح الله.

افتقار الصحوة إلى بعض الأمور

افتقار الصحوة إلى بعض الأمور Q شباب عادوا إلى الله وصحوا من غفلتهم، فما نصيحتكم لمثل هؤلاء في بداية صحوتهم؟ A الصحوة ليست فقط عندنا، ليست في الرياض ولا في الدمام ولا في جدة ولا في أبها، هذه الصحوة مرت على الأخضر واليابس، هناك صحوة في أوزبيكان وأذربيحان وتشيكوسلوفاكيا، والله في استراليا أتت رسالة قبل مدة -والحسيب الله- من رجل لا أدري هل هو فلسطيني أو سوري، كتب يقول: الأشرطة التي تلقى بعد أسابيع تصلنا في استراليا، وإن الصحوة تجتاح الشباب المسلم هناك، والناس يدخلون في دين الله أفواجاً في استراليا سبحانك يا رب! حتى استراليا تعيش في صحوة! نعم؛ لأنها أرض الله، وبلد من بلاد الله، فهذه الصحوة أصبحت في كل قطاع، كل الناس يريد أن يركب في موكب النور الذي أتى به صلى الله عليه وسلم، ذاقوا العمالات والسخافات، جربوا لينين فوجدوه ملعوناً، جربوا هتلر فوجدوه ملعوناً، جربوا كانت وديكرت أحمقين ملعونين؛ فأتوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام فوجدوه نوراً وإماماً معصوماً صلى الله عليه وسلم! خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل لكن هذه الصحوة تحتاج إلى أمور: أولاً: تحتاج إلى علماء ومشايخ وقضاة ودعاة ينزلون للساحة، هذه الصحوة مثل الجمل الهائج، جمل ترسله بلا خطام، هذا الجمل يكسر الحيطان، ويدخل الحدائق، ويقتحم البيوت والمنازل، جمل شجاع لكن ما عنده خطام! هذه الصحوة مثل السيل تحتاج إلى نظام حبس وصرف، ونظام الحبس والصرف هم العلماء، والقضاة، وكتاب العدل، والدعاة، لينزلوا للشباب في حلقات ولو مصغرة، ولو لم يحضر الحلقة إلا واحد أو اثنان أو ثلاثة؛ فإن الله سبحانه وتعالى سوف يبارك فيهم، فقضية نزول العلماء أمر عظيم وأمر مطلوب، وهم مدعوون في كل مكان إلى أن يقيدوا هذا الصحوة ويرتبوها. ثانياً: أن يحرص الشباب على التحصيل العلمي الشرعي، فصحوة بلا علم لا تساوي شيئاً، تثير حماساً وهيجاناً، فالصحوة تكون بعلم وبتأصيل، ومصدر التلقي هو الكتاب والسنة. ثالثاً: لا اختلاف! دعونا من الخلافيات، دعونا من النزاع، دعونا من الضغينة، أكلنا لحوم بعضنا في المجالس فلان من طائفة آل فلان وفلان، لا نقبل طريقته، وفلان ذهب مع فلان، وفلان نبرأ منه لماذا هذا الكلام؟ تزيدون الأمة جرحاً! نزيد الطعن في جرح الأمة! أقول وأنا طويلب علم: أنا مستعد أن أعمل مع كل مسلم فيما أصاب وأتجنب -إن شاء الله- إساءته، لا يمنعك أن تعمل مع أخيك ولو كان في مشرب آخر فيما أصاب {لا يكن أحدكم إمعة! إذا أحسن الناس أحسن، وإذا أساءوا أساء، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسنوا فأحسنوا، وإن أساءوا فتجنبوا إساءتهم} والحديث في الترمذي. لماذا لا تعمل مع إخوانك؟ يذكر ابن تيمية قاعدة مهمة، وقد ذكرتها مراراً ينقلها الشيخ عبد الرحمن ناصر السعدي علامة القصيم، يقول ابن تيمية: بعض الناس كالذباب لا يقع إلا على الجرح!! يترك محاسن الناس والأفراد والطوائف ويأتي بعيوبهم في المجالس سامحهم الله فيهم كذا وكذا. لماذا لا تذكر محاسنهم؟ لماذا لا تتعامل معهم؟ لماذا لا تنصحهم في بيوتهم؟ النصيحة ورادة وليست الفضيحة. فالتي تعطل مسيرة الصحوة هي الخلافيات والمداخلات، والشيطان له وسوسة، كما قال صلى الله عليه وسلم: {إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم}. وأنا أرى أن يأتي أناس أهل الحل والعقد لا صغار الأسنان ولا أحداث، يأتون إلى هذه المشكلة فيحللوها، ويجلسون في مجالس وينظرون من المخطئ؟ وما هي المسائل التي ينبغي أن تدارس بضابط الكتاب والسنة لا برأي أحد من الناس مهما بلغ؟ وتعظيم هؤلاء الناس والزعماء المفكرين أنا أحبه، لكن أن يجعلوهم في مكانة محمد صلى الله عليه وسلم فلا والله. تأتي بمفكر أو شهيد أو إمام، وتقول: قال، وكان يفعل، وكان يأكل، وكان يشرب أنا أحبه أكثر منك، لكنه رجل. يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: [[يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال الله وقال رسوله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!]] أنا أعرف بعض الشباب عنده في جيبه معلومات كلها كلام رجل! يحفظها سرداً مثل الفاتحة! قال: وكان يقول كذا، وكان يقول كذا. أقول: محمد هو الرسول عليه الصلاة والسلام وليس غيره، لا تغلوا في دينكم، ولا قداسات للأشخاص. انتبهوا يا إخوتي! المسألة مسألة عقيدة، والله ليس في قلبي ضغينة لأحد، وأنا أحبهم وأتولاهم، لكن لماذا هذا الأمر؟ نتقي الله في إيماننا ومعتقدنا وتوحيدنا هذا ما يحضرني في هذا الباب.

لا تتردد في الانضمام إلى شباب الصحوة

لا تتردد في الانضمام إلى شباب الصحوة Q هذا شاب متردد بين الانضمام إلى الشباب الطيب وبين البقاء مع بيئة الغفلة، فما نصيحتك؟ A والله يا أخي! ما مثلك يتوقف في مثل هذه المسألة، وأنا أجلك عن مثل لا أقصدك به، يقولون: حمار وقف يشاور نفسه بين ماء وعلف، الحمار جائع أصلاً؛ لكن رأى الماء فخاف أن يذهب إلى العلف يأكل فيموت قبل أن يأتي إلى الماء، فيذهب خطوتين إلى الماء، ثم يتذكر العلف فيذهب إلى العلف، فإذا اقترب من العلف تذكر الماء، فيقولون: مات بين الماء والعلف. والحمار -للفائدة- من أذكى الحيوانات وأنتم تعلمون ذلك! هذه قصة من كتاب كليلة ودمنة يقولون: ألقى الأسد فكاهة؛ فضحكت الحيوانات في الحال إلا الحمار، ضحك بعد ثلاثة أيام، قالوا: لماذا تضحك يا أبا حصن؟ قال: تذكرت الفكاهة. أما أنت يا أخي! فلا تتوقف عن القرب من الشباب، إذا رأيت المصلحة في القرب منهم، لكني أقول هذا نسبياً لبعض الأفراد، وليس هذا الجواب عاماً، بعض الأفراد لا يصلح إلا مع إخوانه في مخيم، في مدرسة، في مركز، وبعضهم قد ينمي نفسه بمطالعة خاصة أو باتصاله ببعض الأفراد، أو بإمامة مسجد، أو بخطابة، فهذا أحسن له {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60].

إليك يا من تستهزئ بالمؤمنين

إليك يا من تستهزئ بالمؤمنين Q هناك بعض الإخوة يستهزئ بالإخوان الملتزمين، أرجو منك أن تنبهم على خطر الاستهزاء ولك جزيل الشكر؟ A يقول ابن القيم: أهل البدعة يهاجمون أهل السنة، ومثلنا ومثلهم كمثل قول القائل: ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهانَ عليَّ ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني هل تدري من يهاجم شباب الصحوة؟ رجل باع حياته بسيجارة، أو رجل ضائع ضال مارد لا يعرف من القرآن حرفاً، ولا يعرف من السنة شيئاً، أو مروج مخدرات، أي: محكوم عليه بالإعدام غيابياًً. مروج مخدرات ويهاجم شباب الإسلام! أو رجل انسلخ من العقيدة فقلبه مريض، أو رجل جاهل وجد موقفاً من بعض الشباب فأجرى القياس على كل الشباب، فإن بعض الناس قد يأتي بموقف ليس بصحيح؛ فيجني على الشباب جميعاً. فأقول: ماذا أقول له؟ أقول له: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] وأقول له: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3] وأقول له: قدمت لنا حسناتك، وما أظن أن لك حسنات، وأخذت من سيئاتنا في أطباق وعندنا سيئات يقيناً.

الإيمان يزيد في مجالس الذكر

الإيمان يزيد في مجالس الذكر Q عند المحاضرات ومجالس الذكر يزيد الإيمان، وينشرح الصدر، وبعد أيام يضعف الإيمان ويقل الذكر، فأرجو النصيحة في هذا؟ A هذا السؤال مثل قول الأندلسي، شاعر من الأندلس ما كان شاعراً لكنه يقول: الليل ليل والنهار نهار والأرض فيها الماء والأشجار وصدق هذا السائل في قوله، فقد أتى بتحصيل حاصل: يزيد الإيمان في الذكر وينقص إذا فارق الذكر، وقد شكا الصحابة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من هذا، فأخبرهم بالواقع وبالجبلة، فقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {والذي نفسي بيده! لو كنتم كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة، ولكن ساعة وساعة} أرجوك إذا أدبرت روحك، فألزمها الفرائض، وإذا أقبلت فأكثر من النوافل، إذا كلَّت روحك فأكثر من الذكر والتعلق والدعاء والابتهال خاصة بينك وبين الله، وأوصيك بعمل الصالحات في أوقات الرخاء علَّ الله أن يحفظك في أوقات الشدة {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144].

زيادة أجورنا على أجور الصحابة

زيادة أجورنا على أجور الصحابة Q سمعت حديثاً ما معناه: أن أبناء هذه الأمة أو الأمم التي أتت بعد الرسول صلى الله عليه وسلم عمل أحدهم يعدل بعمل بخمسين رجل من الصحابة، أرجو إفادتي في ذلك؟ A هذا الحديث صحيح من حديث أبي ثعلبة الخشني، لما زار صلى الله عليه وسلم المقبرة قال: {وددنا لو أنا رأينا إخواننا، قالوا: ألسنا بإخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، ولكن إخواني قوم يأتون بعدي -ثم ذكر الحديث صلى الله عليه وسلم- وقال: للعامل منهم أجر خمسين، قالوا: منا يا رسول الله؟ قال: منكم} لكن أهل العلم يتكلمون على هذا الحديث، فيقولون: أما فضل الصحبة فلا يصل إليها أحد، ولكن مضاعفة الأجور بأجور الصحابة قد يصلها الإنسان منا خمسين ضعفاً من عمل الصحابي، ولكن إذا وصلنا إلى الصحبة تفَّوق علينا الصحابة بصحبتهم للرسول عليه الصلاة والسلام. ونعود للحديث في الصحيحين، قول النبي صلى الله عليه وسلم: {جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه}. ولماذا يضاعف لنا الأجر؟ لأن الصحابي يوم كان يصلي كان إمامه محمد صلى الله عليه وسلم، كان عن يمينه أبو بكر، وكان عن يساره عمر، ووراءه أبو هريرة وابن مسعود، وكان المقرئ أُبي، لم يكن عندهم مجلة خليعة، ولا شاشة مهدمة، ولا فتاة متعرية متكشفة سافرة، ولا خمر، ولا مخدرات، وكان الطائعون أكثر من العصاة، وكانت الهيمنة للإسلام فوجدوا أعواناً. أما نحن فحذاريك حذاريك من كل جانب تنهش! فكان أجرك كأجر خمسين من الصحابة.

نصيحة بمناسبة قدوم شهر رمضان

نصيحة بمناسبة قدوم شهر رمضان Q أرجو أن تقدم لنا نصيحة بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك؟ A رمضان كفارة وفرصة لا تتعوض، وهو موسم ذهبي لمن استغله في طاعة الله، ووصيتي -أيها الإخوة- عن أمور هي من التخلية ثم آتي بأمور من التحلية: التخلية ظواهر لا تستحسن في رمضان: الإسراف؛ الإسراف في النوم، في الليل والنهار، حتى أن بعضهم ينام النهار كله، ثم يستيقظ على الإفطار، وكأنه ليس بصائم، صام في الحلم! لم يجد طعم الجوع، ولا طعم حرارة الظمأ ولا لذة قراءة القرآن والذكر، ومعايشة الصيام؛ لأن المقصد من الصيام أن تحس بالصوم. والإسراف في السهر؛ بعضهم أسرف في سهره إلى السحر، وأعرض عن التلاوة وعن ركعتي السحر، وعن النوافل، في لعب كرة، أسرف فيه حتى قسا قلبه وأصبح كالحجر. والإسراف في الأطعمة؛ يصفون الموائد بألوان وبأشكال ولا يأكلون منها إلا قليلاً، ثم يرمونها للكلاب والقطط؛ والمجاهدون المسلمون ينتظرون خبز العيش، وهناك ثلاثة عشر مليون مسلم فقير مهدد بالمجاعة! وإسراف في ضياع الأوقات؛ في لعب البلوت، والسهرات اللاغية، والنزهات التي لا تنفع، وإسراف في المعاصي غفر الله لنا ولكم. أما التحلية في رمضان فالقرآن، هذا المصحف اجعله كتابك، الإمام مالك، لما أتى رمضان يقولون: أغلق على كتبه وعطل مجالس التدريس والفتوى، وأخذ القرآن، وقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] كان السلف إذا دخل رمضان أخذوا المصحف وجلسوا في المسجد، يكررون ويعيدون ويختمون ويتدبرون ويستغفرون. الأمر الثاني: صلاة الجماعة في رمضان وفي غير رمضان، وفي رمضان آكد. الأمر الثالث: أدعوكم يا إخوتي لصلاة التراويح! من يدري لعلك تصلي صلاة التراويح فيغفر الله لك، من يدري لعل باكٍ دعا في الصفوف وبكى، فاستجاب الله دعوته، فغفر لك بمغفرته له. ومنها: الدروس لطلبة العلم أرى ألا تتوقف في رمضان. الإمام مالك أوقف الدروس لأن مالكاً كان في أمة علمية تزخر بالعلوم، لكن نحن بحاجة إلى نشاط من الدعاة في رمضان، والانطلاق إلى المؤسسات، إلى المراكز الحكومية، إلى الدوائر، إلى المدارس، إلى المساجد، التكلم، الخطب، الوعظ، أما أن يأتيك الشيطان ويقول: تحب الظهور! فقل له: اخسأ يا عدو الله والله لن تعدو قدرك. ظهور أو لا ظهور، يقولون: هذا السوق سوق مناهبة، إما أن تنهب أنت أو ينهب أهل الضلالة من شباب الإسلام، إما نهبت أنت في جعبتك وإلا نهب الشيطان في جعبته، والله أعلم.

توبة عازف عود

توبة عازف عود Q لقد كنت عازف عود واستمعت لمحاضرتك، وهداني الله وتبت إلى الله، فأرجو منك أن تدعو لي وتستغفر لي؟ A أولاً: طوبى لك، وقرة عين لك، وأحسن الله إليك إحساناً وقد فعل، كنت عازف عود ولكن تتحول -إن شاء الله- إلى عازف قلوب، وعزف القلوب أحسن من عزف الأعواد، إذا عزفوا خشبة أو طنجة أو ناياً أو وتراً؛ فمحمد صلى الله عليه وسلم عزف قلوب العالم فاستجابت لذكر الله، إذا غنوا بالترّهات والسخافات فنحن نردد الآيات البينات. إذا طربوا للعود في ساعة الخنا طربت لذكر الله فهو المحبب إذا ظمئ اللاهون للخمر والخنا فزمزم للأخيار ورد ومشرب وكعبتي الغراء بيتي وقبلتي وبستاني المعمور بالحب يثرب فشكر الله لك. ثانياً: دم على هذا الطريق، فالله سبحانه وتعالى أراد لك خيراً أن تتوب، وليس بعجيب أن تتوب، فالفنانون كثير منهم أعلنوا التوبة، جربوا الحياة فوجدوها مرارة وزهقاً وطفشاً، فعادوا فأعلنوا التوبة، واستسلموا لله ودخلوا المساجد؛ فرحبت بهم المساجد، وما استقبلوا من إخوانهم إلا بالضم، وبالعناق الحار، وبالبشاشة وبالاستقبال، وزادوا في صفوفنا. أنا أفخر بك الليلة أنك جلست معنا؛ لأنك انتصرت على نفسك، يقول الهنود: من انتصر على نفسه فهو أعظم ممن فتح مدينة. انتصرت أنت على نفسك، كان لك جمهور، أو كان زملاء أو جلساء وأصحاب فتركتهم وأتيت إلى جلساء أهل الخير، إلى الأولياء والصالحين، فطوبى لك، وأقر الله عينك بإيمانك، وزادك يقيناً وإيماناً، وثبتنا الله وإياك والحمد لله رب العالمين.

أدب الدعوة في حياته صلى الله عليه وسلم

أدب الدعوة في حياته صلى الله عليه وسلم لقد بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وأمره الله أن يدعو الناس إلى الإسلام، فدعا الناس إلى دين الله بقوله وفعله وسلوكه، بالحكمة والموعظة الحسنة. فلما رأى الناسُ أدبَه صلى الله عليه وسلم وسلوكَه وأخلاقَه دخلوا في دين الله أفواجاً، وحتى ينجح الداعية في دعوته لا بد أن يلتزم بالآداب التي تحلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مسائل في حديث: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)

مسائل في حديث: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. هذه الحلقة بعنوان: (أدب الدعوة في حياته عليه الصلاة والسلام). وهذا الأدب نحتاج إليه صباح مساء، ونحن ملزمون إن كنا نريد اتباع محمد عليه الصلاة والسلام أن نتفقه في هذا الباب، وسوف أجعل لهذا الدرس حديثاً من المصطفى عليه الصلاة والسلام، تكون مسائل هذا الباب تدور في فلكه. هذا الحديث -كما تعرفون- رواه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وعن أبيه، عن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} متفق عليه. ومسائل هذا الباب تتحدث عن مكانة العلم في دعوته عليه الصلاة والسلام: - التدرج في رسالته. - الصبر. - اللين. - اطِّراح التكلف. - أدب الفُتيا في منهجه صلى الله عليه وسلم. - كيف ندعو إلى الله؟ راوي هذا الحديث هو: خال المؤمنين، معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه، ونشهد أنه مِن كَتَبَة الوحي، وأنه ما تلبس بنفاق، وهذا من كلام أهل السنة فيه، وأنه لو كان فيه مغمز لما جعله عليه الصلاة والسلام كاتباً، وهو خال المؤمنين، وهو أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان، زوجة محمد عليه الصلاة والسلام، وله مناقب كثيرة نسأل الله أن يجمعنا به وبأمثاله في الجنة. أما قوله عليه الصلاة والسلام: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} ففيه مسائل: المسألة الأولى: إثبات الإرادة لله بقسمَيها. المسألة الثانية: ما معنى: {يفقهه في الدين}؟ ولِمَ لَمْ يقل: يحفظه الدين؟ المسألة الثالثة: ما هو الفقه في الدين بضوابطه الشرعية؟ المسألة الرابعة: ما هو مفهوم المخالفة في الحديث؟

العلم

العلم أول ما بدأ به عليه الصلاة والسلام: العلم. ولذلك قال سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] فبدأ بالعلم قبل القول والعمل. فمن لوازم الدعوة: أولاًَ: أن تعلم ما تدعو إليه: ومن دعا إلى أمر يجهله، فقد لبس على الناس، فإن طلب العلم لما تدعو إليه من المسائل، هو الأمر المقرر في منهجه الدعوي عليه الصلاة والسلام، قال الله لنبيه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] وقال له: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] وتجدون جماهير المفسرين يقولون في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125] يقولون: الحكمة: هي العلم. ويقول ابن تيمية، فيما يُذكر عنه في كتاب الجهاد، يقول: "ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر بلا منكر"، بل حمل علماء الصحابة قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] قالوا: البصيرة: هي العلم، وهي العلم الشرعي، الذي تدرك به أسرار الدعوة التي تدعو إليها.

خطر الجهل

خطر الجهل من دعا الناس وهو جاهل؛ كان ما يفسد أكثر مِمَّا يصلح، وقد منع عمر رضي الله عنه وأرضاه من تصدر للناس وهو جاهل، فقد ورد عنه في سيرته، أنه دخل المسجد، فوجد رجلاً يقص على الناس، على كرسي في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، فسمعه يقص عليهم قصة دانيال فأخذه، مثل مَن يأتي اليوم في المسجد، فيقص على الناس قصة داحس والغبراء، أو قصة أبي زيد الهلالي، أو قصة الجارية تودد، أو قصة كسرى أنو شروان، وأمثالهم وأضرابهم، فـ عمر استمع إليه، فأخذ عمر الدِّرة، وتقدم رضي الله عنه وأرضاه، فخفق رأسه خفقاً، وقال: لا تحدثنا في مسجدنا قاتلك الله، يقول الله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] قالوا: منعه عمر؛ لأنه يتكلم بجهل، حتى القصة، لا بد إذا أُوْرِدَتْ أن تكون بضوابط شرعية، أما أن يتحدث الإنسان بكل ما يسمع، وقد تخالف هذه القصة قواعد الشرع، فهذا خطأ.

قصص مكذوبة

قصص مكذوبة وهناك قصص موجودة، يذكرها بعض الوعاظ، جُمِعَت في شريط اسمه: قصص مكذوبة، فهي تُذْكَر يوم الجمعة على المنبر، والعلماء يصلُّون مع مثل هؤلاء الخطباء، مثل: قصة توبة مالك بن دينار، هذه قصة باطلة، لا أساس لها، أنه كان له ابنة، ثم ماتت البنت، ثم كان يشرب الخمر، وكان جندياً، ثم رآها في المنام، وقد فرَّ من ثعبان، فأنقذته بإذن الله، ثم تاب، ثم توضأ، ثم صلى وراء الإمام الشافعي، فهي قصة مكذوبة من نَواحٍ: - أولاً: سندها باطل. - ثانياً الإمام الشافعي لم يكن حياً آنذاك، فلقد وُلِدَ الإمام الشافعي بعد مالك بن دينار بما يقارب سبعين سنة، فكيف يصلي وراءه الفجر؟ أتظن أن الشافعي وُلِدَ في ليلة وكبر، ثم صلى إماماً بالناس؟! مالك بن دينار في عهد الحسن والشافعي بعده، قبل أحمد بسنوات، هذا أمر. - ثالثاً: مالك بن دينار لم يتزوج. - رابعاً: مالك بن دينار كان صالحاً من الصغر. أيضاً: مثل قصة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم التي ينقلونها عن معاذ وهي موجودة في شريط في الأسواق، وأنه في اليمن، لما أتاه الخبر، حثا بالتراب على رأسه، وهذا خطأ، ما كان لـ معاذ أن يفعل ذلك، ثم قالوا: وكان معاذ يأتي يطرق الباب على أبي بكر، ويقول: أخبرني بوفاة الحبيب، فيلقي عليه أبو بكر محاضرة من وراء الباب، قال: مَن بالباب؟ مَن فَجع الأصحابْ؟ مَن وَلَّهَ الأحبابْ؟ ثم يلقي قصيدة، والقصيدة من قصائد مجنون ليلى ومجنون ليلى وُلِدَ بعد أبي بكر بمائة وخمسين سنة. أيضاً من القصص المشهورة: ما يُنْسَب إلى عمر، أنه سأل المَلَكَين في القبر، فقال: من ربكما؟ ما دينكما؟ من نبيكما؟ ومثل: قولهم: إن أبا بكر رضي الله عنه سلم الله عليه وقال على لسان جبريل: بلِّغ أبا بكر السلام، وقل: إني رضيت عنه، فهل هو راضٍ عني؟ فقال أبو بكر: نعم، ولكن والله لا آمَنُ مكرَ الله ولو كانت إحدى رجليَّ في الجنة والأخرى خارج الجنة؛ فهذا ليس بصحيح، وليس بثابت، ولن يقوله. من القصص أيضاً: قصة علقمة وأمه، أنه كان لـ علقمة أمٌّ، وكان يقدم زوجتَه عليها، فلما حضرته الوفاة عُسِّرَت عليه الشهادة، فما استطاع أن ينطق الشهادة، فقال صلى الله عليه وسلم: اجمعو لي حطباً، لأحرق علقمة، فجمعوا حطباً، فعَفَتْ أمه، فنطق الشهادة، فهذا ليس بصحيح. أيضاً: قصة ثعلبة، يوردها ابن كثير وابن الأثير: أنه امتنع عن الزكاة، فلم يقبلها أبو بكر، ولا عمر بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومات على ذلك. هذه تخالف أصول الإسلام، قال الله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] إلى آخر تلك القصص التي توجد في هذه المحاضرة والله أعلم. قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين، في باب العلم: {مثل ما بَعَثَنِي الله به من الهدى والعلم} انظر إلى الألفاظ المنتقاة، من يستطع أن يصوغ مثل هذه الكلمات؟! ما بنى جملةً مِن اللفظ إلا وابتَنى اللفظُ أمَّةً مِن عفاء {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث} هذا السطر الواحد نقف معه وفقات. يقول: {مثل ما بعثني} ولم يقل: أرسلني، يقول بعضهم: إنما قال: {بعثني} في باب التوحيد؛ لأنه بُعث في قوم أموات، والرسالة تأتي في باب الإخبار، لكن لما أتى إلى قوم أموات، قال: {بعثني} فكأنه يوم بُعِثَ في الأمَّة الأمية، كأنه بُعث حياً في أموات فأحياهم الله عز وجل بدعوته. {: مثل ما بعثني} ولذلك في باب التوحيد يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} [النحل:36] وفي باب الإنذار والإخبار: قال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} [هود:25] {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} [نوح:1] وهذه من البلاغة التي كان يستعملها عليه الصلاة والسلام في ألفاظه. قال: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم} أليس العلمُ هُدَىً؟ بلى، أليس الهُدَى علماًَ؟ بلى، لماذا لم يكتفِ ويقُل: مثل ما بعثني الله به من الهدى كمثل الغيث، لأن في الهدى علماً؟ ولماذا لم يقل: مثل ما بعثني الله به من العلم كمثل الغيث؟ وإنما قال: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم} والعطف يقتضي المغايرة: فالهدى شيءٌ، والعلم شيءٌ، قال ابن تيمية: "الهدى: العمل الصالح، والعلم: العلم النافع". فالرسول عليه الصلاة والسلام مبعوث بالعلم النافع والعمل الصالح، فمن عنده علم وليس عنده عمل صالح؛ فهو أشبه باليهود، وهو مغضوب عليه في الدنيا والآخرة، ومن عنده عبادة وليس عنده علم، ولا يعبد الله على بصيرة؛ فهو أشبه الناس بالنصارى، وهو ضال، قال الله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7]. فالعالِم الذي لا يعمل؛ سَمِّهِ مغضوباً عليه، والعابد الذي لا يعلم سَمِّهِ ضالاً، فالنصارى يعبدون الله في الكنائس والمغارات بلا علم، قال سبحانه: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] وقال في اليهود: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13] وقال في عالِم اليهود: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف:176] وقال فيهم: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] فوصفهم بالعلم لكن بلا عمل، وغضب الله عليهم، ولعنهم في مواطن كثيرة، وقال: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة:61]. وأما النصارى: فحذر الله من اتباع منهجهم، فقال: {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة:77] فهم ضالُّون؛ لأنهم عبدوا الله بلا علم، قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: "وقد وقع في أصناف الأمة بمشابهتهم لتلك الأمتين ما وقع، فوُجِدَ طلبةُ علمٍ لا يعملون، فهم مغضوب عليهم، ووُجِدَ مِن العُبَّاد من لا يفهمون ولا يسألون، فهم ضالون" هذه مسألة مقررة، ومن استقرأ الواقع وجد هذين الصنفين. هذه مسألة العلم. قوله: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث} لماذا لم يقل: كمثل المطر؟ تَرَكَ المطر، وأتى بالغيث. - يقول بعضهم: الغالب في المطر إذا ذُكِر أن يكون بمعنى: العذاب، كما قال الله: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [الشعراء:173] هذا في الغالب، ليس على العموم، فترك صلى الله عليه وسلم المطر، وأتى بلفظ الغيث. - ثم إن في الغيث غوثاً للقلوب. - ثم إنه صافٍ، الغيث ما زال صافياً، لم يُشَبْ بشائبة، ورسالته عليه الصلاة والسلام لم تُشَبْ بشائبة، بل هي صافية نقية.

طلب الأجر من الله

طلب الأجر من الله من معالم دعوته عليه الصلاة والسلام، وهي دعوة الأنبياء: أنهم يطلبون الأجر من الله. قال تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ:47] وقال سبحانه: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} [الأنعام:90] فطلب الأجر لا يكون إلا من الله، والداعية إذا طلب أجراً من الناس، أو مثوبة على دعوته؛ سقط من أعينهم سقطة ما بعدها سقطة، فلا يقبلون له كلاماً، فهم لا يحترمونه في الباطن وإن احترموه في الظاهر، ولا يقبلون كلامه، ولا يجلسون على مائدته، وتراهم من أشنع الناس عليه في غيابه، والحديث المشهور: {ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} وهذا الحديث مما اضطربت فيه الأقوال، فبعضهم يضعفه، وبعضهم يصححه، لكن يقول ابن حجر: حديثٌ حسن رواه ابن ماجة، وغيره بسند حسن. إذا عُلِمَ هذا؛ فإن من زهد فيما في أيدي الناس؛ قَبِل الناس منه، والداعية لا يطلب الأجر من الناس، ولا يتقاضى مرتباً على دعوته، بل يطلب الأجر من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، قال تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ:47] ولذلك ردَّ الله على كفار مكة، فقال: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} [الطور:40] كأنك تطلب منهم شيئاً، فهم مثقلون من الطلب الذي تطلبه، وقد غرموا عليك غرامة، بل أنت ما أخذتَ منهم شيئاً، ولذلك ما مدَّ يده. وإذا مدَّ الداعيةُ يدَه إلى الناس؛ باءت دعوتُه بالفشل، قال ابن الجوزي عن بعض الوعَّاظ، ذكرهم في القصاص، قال: كان يقف على المنبر، فيُبكي الناس، فإذا انتهى قال: " والله لا أنزل من على هذا المنبر حتى تملئوا هذا الخرج ذهباً "، وهذا مثل أحمد الغزالي، وهو أخو محمد الغزالي صاحبِ الإحياء، كان هذا يأخذ التبرعات بالقوة، ولذلك يقولون: ما قبل الناس منه فيما بعد، قدمت له امرأة سواراً من ذهب، تتبرع، قال: "قدمي السوار الآخر الذي في يدك اليسرى قطعها الله " فقدمته، وهؤلاء ذهبوا إلى الله عز وجل. وبعضهم يطلب أجراً معنوياً، لا يطلب دراهم؛ لكن يحب أن يُصَدَّر في صَدْر المجلس، ويحب أن يُدعَى بسماحة الشيخ، وفضيلة الشيخ، وأن يُقَبَّل على رأسه، هذا إذا بُلِيَ به واستغفر الله منه أُجِرَ على ذلك، أما إذا طلب هذا الأمر وهو الأجر المعنوي والأجر الحسي فيكون الخلاص منه مدخولاً والرياء حاصلاً؛ بتواجد هذا الأجر المعنوي أو الحسي، ولذلك من يطلب هذه الأمور لا تأتي إليه، كتب أبو بكر لـ خالد: [[فِرّ مِن الشرف يتبعك الشرف]] أي: فِرّ من هذه الأمور، تتبعك هي، لكنك إذا تبعتها فرَّت منك. والله المستعان! وإنما تشوَّه علمُ مَن تشوَّه؛ لأنهم طلبوا الدنيا، وجعلوا علمهم شبكة للدنيا ومصيدة لها، فجمعوا وأخذوا، فطمس الله نور العلم منهم. يقول عبد القادر الجرجاني، في قصيدة مليحة له، وكان منقبضاً عن الدنيا، وعن الناس، كان يعلِّم الناس، ولا يأخذ على ذلك شيئاً، فقالوا: ما هذا الانقباض؟! فردَّ بقصيدة من أجمل القصائد: يقولونَ لي فيك انقباضٌ وإنما رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما أأشقى به غَرساً وأجنيه ذلَّةً إذاً فاتباع الجهل قد كان أحزما يقول: أنا أشقى، وأذاكر في الامتحان وأتعب، ثم أكون محروماً من لذته ونوره، إذاً فاتباع الجهل قد كان أحزما. ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهما

التدرج في الدعوة

التدرج في الدعوة ومن أدب الدعوة: التدرج في الدعوة. وهذا أدب نبوي، أن نبدأ بالأولويات مع الناس، ألا نقدم صغار المسائل قبل كبار المسائل، أن نعرف كيف ندعو الناس، ما هي كبريات المسائل التي ينبغي أن ندعو الناس إليها، وهذا فعله عليه الصلاة والسلام، أتى إلى الأصنام في الحرم، والخمر يُشرَب, والزنى يرتكب، فما أتى إلا يقول: قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: معك غير هذا؟ قال: لا. قولوا لا إله إلا الله، قال لـ أبي جهل: كلمة واحدة، قلها لي، قال: وأبيك وألفاً، ما هي الكلمة؟ قال: لا إله إلا الله، قال: أما هذه فلا. كان يقول: لا إله إلا الله، وما تعداها ثلاث عشرة سنة، فلما ضمنتها القلوب؛ أتى عليه الصلاة والسلام بالفرائض، فلما قامت القلوب بالفرائض، دعا إلى السنن. ليس بصحيح أن ندعو الناس إلى السنن وهم لا يقيمون الفرائض، إنسانٌ لا يصلي وتدعوه أن يربي لحيته، ولو كانت لحيته إلى الأرض، إنسانٌ يزني ويشرب الخمر، وتأتي إليه وتقاومه وتهجره من أجل أنه لا يأكل باليمين، وما ينفع ألا يأكل باليمين وهو ما أقام أعظم من ذلك، بل فَسَقَ وفَجَرَ في الإسلام. فالبداية بكُبْرَيات المسائل قبل صُغرياتها، ثم نعطي كل مسألة حقها. والناس في هذه المسائل ثلاثة: طرفان ووسط. - منهم من يأتي فيقيم الدنيا ويقعدها على جزئية، ويتبرأ من الناس، حتى تجده لا يصف الناس إلا بهذه الأوصاف، ما رأيكَ في فلان؟ فلا يَذْكُرُ علمَه، ولا حِلمَه، ولا صبرَه، ولا زهدَه، ولا صدقَه، ولا أمانتَه، ولكن يقول: عنده لحية. ما شاء الله، تبارك الله، أي: لو رأيته بلحيته وبقِصَر ثيابه لذكَّرك بأهل بدر، ولكن هل هذه هي الضوابط الصحيحة؟ وبعضهم ربما كان صادقاً، مؤتَمَناً، باراً بوالديه، مصلياً، لكن أساء وأخطأ في حلق لحيته، فتسأله عنه، قال: فاجر من الفجرة، حلق لحيتَه من الأذُن إلى الأذُن. وأنا أقول: من فعل ذلك ففيه فجور، لكن أما أنك تلغي حسناته بسبب هذا الذنب فليس بصحيح. - وبعضهم يقابل في الطرف الآخر، فأرخى الحبل حتى انسحب، قال: هذه قشور، المسألة ليست مسألة لِحَى، قلنا: ما هي المسألة؟ قال: إيمان، والمسألة ليست مسألة ثياب، المسألة ليست أكل باليمنى ولا أكل باليسار، المسألة أعظم من ذلك. حتى شذَّر الدين، وقطَّع الدين، ما بقي عليه إلا أن يقول عن الصلاة: المسألة ليست مسألة صلاة. ما هو هذا الإيمان الذي فهمتَه أنتَ وما فهمَه الصحابة؟! - وتوسط قومٌ، فأعطوا كل مسألة حقها، قال الله: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3] فأعطَوا الصلاة حقها، واللحية مقدارَها، والثوب مقداره: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثيراً} [البقّرة:269].

اللين والرحمة

اللين والرحمة من معالم دعوته عليه الصلاة والسلام ومنهجه التربوي في الدعوة: اللين والرحمة بالمدعو. وهذا أمرٌ لو أدركناه؛ لقاد الله لنا القلوب؛ لأن الناس مفطورون على فطرة الله، مفطورون على الخير، أترى لبائع أشرطة الجنس؟ أترى للمغني؟ أترى للسكير؟ كلهم إذا أثرت فيهم لا إله إلا الله، وهم مسلمون، ثارث في قلوبهم، لكن من يثير لا إله إلا الله؟ إن إثارة لا إله إلا الله بالتجريح موتٌ لهذه الفطرة، تميتها أنت في قلبه، لكنك لو أتيت إلى نوازع الخير في قلبه، وذكرته وأخذته، وحاولت أن تدعوَه استنار بإذن الله عز وجل، وقام واستيقظ ووُفِّق، قال الله تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:158 - 159]. واللين هنا: أن تُكسِب الإنسانَ مكانتَه، لا يصح أن تهز عليه مكانته، وأن تجرح مشاعره، ثم تقول: أدعوك إلى الله، بعد ماذا؟ لا يصح أن تهينه أمام الجماهير، ثم تدعوه إلى الله، لا يصح أن تشهِّر به على المنابر، ثم تدعوه إلى الله، هذا ليس بصحيح.

وسائل اللين

وسائل اللين وسائل اللين أمور: - منها: البسمة الحانية. - ومنها: الزيارة. - ومنها: الهدية. - ومنها: الخدمة التي توجهها له، كأن يكون مريضاًَ فتزوره. أحد المغنين زاره كثير من الشباب أثابهم الله من أهل الاستقامة، فكرروا عليه الزيارة في المستشفى، فلما خرج وجد أن الأخيار إخوانه؛ لأن الفسقة ما زاروه، أهل الطنبور والعود هجروه في المستشفى، وأتى الأخيار فزاروه، وقدموا له الخدمات، حتى أخجلوه، وفي الأخير عاد إلى الله وتاب؛ لأن هذه معناها ما يقول المتنبي: وما قَتَل الأحرارَ كالعفو عنهم ومَن لك بالحر الذي يحفظ اليدا يقول: إذا أردت أن تقتل الحرَّ، فجُد عليه، وتفضل عليه، هذه المنن هي من اللين، ولذلك قدَّم عليه الصلاة والسلام الكافر، أعطى بعض الكفرة، وهم في التوجه إلى الإسلام مائة ناقة فأسلموا، عفا عن كثير منهم، تبسَّم، وزار، وأهدى عليه الصلاة والسلام.

الغلظة والشدة وضررها

الغلظة والشدة وضررها أما الانقباض، والفظاظة، والغلظة، فهي أول خسارة في معالم هذا الدين، لذلك بعضهم يأتي إلى صاحب مكان -وهذا ورد في كثير من الأمكنة- فيقول له: يا فاسق، أغلق محلك. لماذا تأتي بفاسق؟ ما موقع (يا فاسق) من الإعراب؟ هل هي مبتدأ أو خبر؟ هل هي فعل ماضٍ أو مضارع؟ لماذا أتيتَ بـ (فاسق)؟ أليس عندك في المعجم غيرها؟ ألا تحفظ غير هذه الكلمة؟ وأنتم تعرفون القصة المشهورة لأحد الوعاظ، الذي مرَّ بجزار فقال: "صلِّ يا حمار"، قال: "الحمار لا يصلي، لكن يا عدو الله أقْصِمُك بهذه الصامولة اليوم". ثم أخذ يطارده؛ ليعلمه أدب الدعوة، الجزار يريد أن يلقنه درساً في الدعوة لا ينساه؛ لأن الحمار لم تكتب عليه الصلاة! فلو استبدل هذه الكلمة بلفظة أخرى لكان أحسن. وبعضهم يجعل من الجزئية طريقاً حائلاً في طريق دعوته. نُقل إلى بعض العلماء أن طالباً بادئاً دخل في مجلس، والمجلس ليس له، إنما لأحد الناس، دعاه يتغدى مع قوم ضيوف، فدخل المجلس، أتدرون ماذا فعل؟! وجَدَ على المخَدَّة مكتوباً عليها: (الله أكبر) فقام هذا الشاب، فأخرج مفتاح سيارته، ونقضَ المخدة من (الله أكبر) نقضاً، ثم قطع ما هو مكتوب عليها، فوَجَمَ صاحب البيت، وتكدرت الضيافة، وتحول البيت إلى صمت مُطْبِق، وإلى رعب مخيف، وإلى غضب لا يعلمه إلا الله، لماذا؟ أولاً: هل تكلمتَ بينَك وبين صاحب البيت؟ ثانياً: هل البيت لك؟ ثالثاً: هل استأذنته؟ رابعاً: أما في البيت من هو أكبر منك سناً، فتخبره؟ وفي الأخير أصبحوا ينقلون هذه الكلمة عن الدعاة جميعاً، وعن طلبة العلم، وشباب الصحوة، لأن أهل الخطأ أو أهل الانحراف، إذا وجدوا صورة واحدة عمَّموها. قالوا: يفعلون ويفعلون، ومُتَزَمِّتون، وفيهم من الغلظة، وهي لم تقع إلا من شاب واحد، فجعلوها قاعدة مطَّردة، تسري على جميع الشباب.

العمل بما يدعو إليه

العمل بما يدعو إليه من معالم دعوته عليه الصلاة والسلام: أنه كان يعمل بما يدعو إليه. قال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]. إن من يدعو بكلام جميل وفعله فعل قبيح إنما يُكَذِّب دعوته، ولذلك لا يثق الناس في الواعظ الذي خالط الناس، ثم ماحَلَهُم في الدنيا وخاصمهم، فلا تجدهم يَقْبَلون منه، فإذا قام يعظهم يوم الجمعة، ينامون ولا يستفيدون، ويدعون عليه بعد الصلاة، فيقال: أما قال كلاماً جميلاً؟ أما أتى بقرآن وسنة؟ قالوا: بلى، أتى بقرآن وسنة، لكنكم لا تعرفون أخباره، نحن نعرف سيرته، ونعرف ترجمته، كلامه كذب، لأنه يكذبه بفعله، لا نقبل منه أبداً. ولذلك لا يتأثرون، تجد بعض الخطباء خمسين سنة في قرية، ما استفادوا منه مسألة واحدة، بسبب أن عمله وقف عائقاً في طريق القبول منه والاستفادة، يريدون أن يستفيدوا ويسمعوا، لكن يتذكرون أفاعيله. أحد الوعاظ بكى على المنبر، فيقول أحد الجماعة بعدما خرج: "لا تصدقوه في البكاء، والله ما بكى إلا على الأراضي التي أُخِذَت منه"، ويقرءون حياته، ويرون كلامه بعمله.

أدب الفتيا في منهجه صلى الله عليه وسلم

أدب الفُتيا في منهجه صلى الله عليه وسلم من أدب الدعوة: أدبُه وهديُه عليه الصلاة والسلام في الفُتيا. كيف كان يفتي الناس عليه الصلاة والسلام؟ كان له عليه الصلاة والسلام في الفتيا آداب:

عدم التكلف

عدم التكلف روى الحاكم بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا أدري ذو القرنين نبيٌّ أم لا، ولا أدري تُبَّع نبيٌّ أم لا، ولا أدري هل الحدود كفارات لأصحابها أم لا} والله عز وجل أخبر رسوله بهذا الأدب، فقال له: (وما يدريك) (وما أدراك) قال بعض الفضلاء -من باب الفائدة-: "إذا قال الله: (وما أدراك)؛ فسيخبره بالجواب بعد هذا الاستفهام، وإذا قال: (وما يدريك)؛ فلن يخبره بالجواب"، قال الله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63] فلن يخبره عن الساعة، وقال تعالى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ} [القارعة:1 - 4] فأخبره. فإذا جاء في القرآن: (وما أدراك) فانتظر الجواب، فإنه سوف يأتيك، وإذا قال: (وما يدريك): فلا تنتظر الجواب. سئل علي بن أبي طالب عن مسألة، فقال: [[لا أدري، وما أبردها على قلبي]] وقال: ابن سيرين: [[إذا فات العالم كلمة: (لا أدري) فقد أُصِيبَت مَقاتِلُه]]. والناس في هذه المسألة أيضاً طرفان ووسط: - منهم: طلبة علم يقولون في كل شيء: لا أدري، من باب الورع البارد. يقال له: كم أركان الإسلام؟ قال: لا أدري. يسأله العامِّي: كم أتمضمض في الوضوء؟ قال: لا أدري، الله ورسوله أعلم! قلنا: ورَعُك باردٌ سامِجٌ ميِّتٌ، أنتَ كتمت العلم بهذا الورع المُهَلْوِس الموسْوِس. - وبعضهم: قابلهم، فأفتى في كل مسألة، اسأله في كل مسألة، لن يقول: لا أدري، بل يدخل في كل مسألة، ويجيب على كل معضلة، مسائل لو عُرِضت على عمر رضي الله عنه وأرضاه لجمع لها أهل بدر، ومع ذلك يفتي بطلاقة، ويتحدث بقوة، ويشرح ولا عليه! لأنه يقول: إذا قلتُ: لا أدري انكسر جاهي مع الجماعة، والذي عقد رءوس الحبال يحلها، نفتي الآن، وإن شاء الله نبحث عن المسألة، وتجده أحياناً يقول: للعلماء فيها أقوال: قول يقول كذا، بلا أدلة؛ لأنه يدري أنه لا يخرج من الأقوال، لكن إذا قلتَ له: ميز الضعيف من القوي؛ فلن يجيب. - ومنهم قوم توسطوا -أثابهم الله- فأفتوا فيما يعرفون، وسكتوا عما لا يعرفون؛ وهم أهل الجادَّة، وأهل الخوف من الله. ثانيها: أما المسائل التي عرضت عليه عليه الصلاة والسلام فكان موقفه منها ثلاثة مواقف، جوابه على ثلاثة أضرب: - جواب الحكيم. - وجواب المطابقة. - وجواب الزيادة. فجواب الحكيم: أن يُسأل عن مسألة، فيترك المسألة ويأتي بجواب آخر لسؤال آخر، وهذا يسمى عند أهل البلاغة: جواب الحكيم، قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة:189] فما مكان الجواب؟ ما هو شرح السؤال؟ Q يقول كفار مكة لمحمد عليه الصلاة والسلام: "كيف الهلال يبدو صغيراً، ثم يكبر يكبر، ثم يعود صغيراً؟ هذه أسئلة أطفال الروضة، أتى كفار مكة يقولون: يا محمد! ما للهلال يبدو صغيراً صغيراً، ويكبر ويكبر، ثم يصغر يصغر حتى ينتهي؟ وهل الرسول صلى الله عليه وسلم مكلف أن يجيبهم عن هذا السؤال؟ لماذا لم يسألوا عن فائدة الهلال؟ وعن المصلحة من الهلال؟ فأورد الله السؤال، ولكن لم يورد الجواب على السؤال، قال: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة:189] وهو معروف سؤاله، ثم أجاب بجواب لسؤال آخر، فقال: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189]. فائدة الهلال: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189]. وكان عليه الصلاة والسلام ربما أجاب بالمطابقة، يسأله السائل، فيقول: نعم، يسأله السائل فيقول: لا. وربما زاد على سؤال السائل، يقول السائل والحديث عند الخمسة بسند صحيح: {يا رسول الله! إنا نركب البحر، وليس معنا إلا الماء القليل، فإذا توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ -اسمع الجواب- قال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته} هذه أرقى أنواع البلاغة، التي لا يصل إليها الإنسان، هو الطهور ماؤه الحل ميتته. فسأله عن الماء، فأفتاه بالماء وأفتاه بحل الميتة؛ لأن مَن جَهِل الماء، فمن باب أولى أن يجهل حكم الميتة، وقوله: {هو الطهور ماؤه} ظرَّفها بمعرفتين، والتظريف بمعرفتين يقتضي الحصر، كقوله تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} [المنافقون:4] {هو الطهور ماؤه الحل ميتته} أربع كلمات أوخمس أو ست، جَمَعَت معاني البلاغة، ولذلك شرحها بعض العلماء في عشرات الصفحات، وعجزوا عن شرحها. هذه مسألة.

كيف نكون أمام الخلاف؟

كيف نكون أمام الخلاف؟ اعلموا -يا أيها الإخوة- أن الخلاف أنواع، منه: - خلافٌ يُفَسَّقُ صاحبُه ويُضَلَّل. وهو ما خالف في مسائل أجمع عليها أهل السنة، وهي مسائل الأصول، فهذا لا يؤجَر ولا يشكَر. - ومن خالف في المسائل الفرعية، مجتهداً وأصاب؛ فله أجران، ومن أخطأ؛ فله أجر واحد.

أدب الخلاف

أدب الخلاف والأدب في هذا: أن تعذر أهل العلم، وأن تعرف أنهم لا يتعمدون الخطأ، وأنهم يريدون الله والدار الآخرة، ولكن لهم أعذار: - منهم من بلغه الدليل، ومنهم من لم يبلغه، فهذا أفتى بالدليل، وذاك برأيه. - ومنهم من صحَّ عنده الحديث، ولم يصح عند الآخر. - ومنهم من كان الحديث عنده ناسخاً، وعند الآخر منسوخاً. - ومنهم من فهم من الحديث ما لم يفهمه الآخر. فهؤلاء معذورون، وعليك أن تترحم عليهم، ولا تُشَنِّع على خلافهم لجميع الناس، ولا تُظْهِر عَوَرَهم، ولا تتبجح بأنك أصبت، فإنهم أخطئوا في جزئية، وأصابوا في آلاف الجزئيات.

اطراح التكلف

اطِّراح التكلف ومن معالم دعوته عليه الصلاة والسلام: اطِّراح التكلف. يقولون: إذا زاد البياض أصبح برصاً. التكلف في الصوت ضياع لمعالم الصوت، تجد المقرئ قارئاً من أجمل الناس صوتاً، فلا يرضى بقسم الله له في الصوت الحسن، ولا يرضى بهذه الموهبة، حتى يتكلف ويشحب بصوته، ويرفع بنَفَسِه حتى تضيع هذه الموهبة بسبب التكلف، قال عمر في كتاب الأدب من صحيح البخاري: {نُهِينا عن التكلف} تجد الخطيب بارعاً ومفيداً، لكن يتكلف، ويريد أن يقلد غيره فيضيع، يقولون: الغراب قلد مشية الطاوس، فضيع مشيته ومشية الطاوس، أراد أن يعود لمشيته الأولى فضيَّع. والتقليد هذا ظاهر عند بعض الناس من بعض البادئين؛ أنهم يريدون أن يكونوا صُوَراً طبق الأصل لبعض الناس، حتى يقلد العالِِم في سَعْلَتِه، وفي تَنَحْنُحِه، وصوته، خلق الله له صوتاً ولك صوتاً، وله سَعلةً ولك سَعلة، وله كحَّة ولك كحَّة، وله عُطاس ولك عُطاس، فأما أن تقلده بهذا التقمص فهذا يسمى إذابة للشخصية، ويسمى موت لمعالم الإنسانية في النفس، تسحق شخصيتك سحقاً. ولكن قلده في العلم، وفي المعنويات، والكرم، والصبر، وفي الحلم. التكلف هذا عندما دخل على المسلمين ضيَّع معالم سيرتهم، حتى التكلف في الأسئلة، يسألون عن أسئلة ما أنزل الله بها من سلطان ما وقعت، ولكن سَلُوا فيما وقع، وقد أتى بعضهم يسأل عن مسائل كثيرة، منها: ما رأيكم في أطفال أهل الفطرة؟ وتجد هذا عامياً لا يعرف سجود السهو، هل هو قبل السلام؟ أو بعد السلام؟ وماذا تقولون في تُبَّع؟ هل هو نبي أو لا؟ فأنا محتار، من البارحة وأنا أفكر في هذا الموضوع. ومسائل أخرى وأخرى. إذاً: فلا بد من طرح التكلف. هذه معالم من تربيته عليه الصلاة والسلام، ومن نهجه في الدعوة، ولعلَّ في الحلقة المقبلة إن شاء الله معالم أخرى في حياته، ولكن هذه إنما هي دروس أو إيحاءات من سيرته صلى الله عليه وسلم، في باب الدعوة، كيف دعا إلى الله؟ وكيف علَّم؟ وكيف أفتى؟ وقبل أن ننتهي أستمع إلى سؤالين أو ثلاثة. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة .

حكم تعلم العلوم الدنيوية

حكم تعلم العلوم الدنيوية Q ما المقصود بذكر العلم والعلماء في القرآن الكريم؟ فإن كان المقصود بذلك: العلم الشرعي، فما مصيرنا نحن الذين ندرس الهندسة والطب؟ فهل لنا مثل أجرهم؟ مع العلم أننا نحرص على تعلم العلم، وحضور المحاضرات، وسماع الأشرطة الإسلامية، وقراءة الكتب الدينية المفيدة. A أولاً: أشكرك على هذا السؤال، وهذا يُنْبِي عن فهم، وقد نُبِّه عليه في كثير من الدروس والمحاضرات، ولكنك أثرت مسألة، وددتُ أنني تطرقت لها في أثناء الكلام. اعلم أن العلم إذا أطلق في الكتاب؛ فمعناه علم الكتاب والسنة. ثانياً: لا تظن أنك إذا تعلمتَ الهندسة، أنك لستَ مأجوراً بتعلمك لها، بل العجيب كل العجيب والغريب كل الغريب؛ أني وجدتُ أناساً في الهندسة والطب أكثر تقوىً وصلاحاً من كثير ممن يدرسون الشريعة وأصول الدين. هذا على الكرسي من الصباح إلى صلاة الظهر، ست محاضرات، في فتح الباري، وفي رياض الصالحين , ومع ابن حجر، ومع ابن تيمية، ومع الشوكاني، ومع الصنعاني، ومع ذلك تجده فاسقاً من الفسقة والعياذ بالله! وهذا من الصباح، في التجريح والتشخيص والتحليل، وتجده ولياً من أولياء الله. فاعلم أن هذه المسألة واردة، وأحمد الله عز وجل على أن وُجِدَت الصحوة في كثير من هذه القطاعات، حتى تدخل في بعض المستشفيات، فترى الأطباء يذكرون بـ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، من سيرتهم وأخلاقهم وتعاملهم. فإذا سُبِقْتَ إلى العلم والفُتيا، فلا تُسْبَق على التقوى، لا يسبِقُك أحدٌ على التقوى والانضباط، فإنه قد سبق كثيرٌ من الناس كثيراً من أهل الشريعة في هذا الجانب، وصدقوا مع الله، فأعطاهم الله ما تمنَّوا، ورفع منزلتهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ثالثاً: اعلم أن الإسلام تخصصات، وأن من أراد أن ينصر الدين من باب الشريعة فله ذلك، وهو مأجور، ومن أراد أن ينصره من باب الطب أو الهندسة أو أي تخصص، فهو مأجور ومشكور. والأمةُ فرضٌ عليها فرض كفاية؛ أن تقوم بهذه التخصصات. ويوم تركنا الطب والهندسة لغيرنا؛ غُزينا في عقر دارنا، وأنا سمعتُ من بعض الفضلاء أن النصارى اجتمعوا في الكنيسة، فقال لهم رئيسهم أو كبيرهم الذي علمهم السحر: "تعلموا الطب، واغزوا بلاد المسلمين "، لماذا؟ "… لابتزاز أموالهم، ولكشف عورات نسائهم، ولقطع نسلهم". فيوم وجد الطبيب المجرم، وأتى الورع البارد في فتراتٍ من الفترات، وتركوا تعلم الطب، أتت هذه النوعية، كشفوا عورات النساء في المستشفيات، وقطعوا النسل، وأخذوا الأموال من أيدي الناس. فيا أيها الإخوة! يا أطباء الإسلام! ويا مهندسو الإسلام! اعلموا أنكم على ثغرة من الثغرات، من كان في الحراسة كان في الحراسة، ومن كان في الساقة كان في الساقة، ومن كان في الطب كان في الطب، ومن كان في الهندسة كان في الهندسة. وما يدريك؟ لعل أكبر أمل لك بعد الفرائض أن تدخل الجنة بالهندسة وبالطب. حسان بن ثابت دخل الجنة بعد الفرائض بالقافية والشعر؛ لأنه نصر الإسلام به. وامرؤ القيس يوم أجرم شعره؛ كان قائد الشعراء إلى النار. وخالد بن الوليد دخل الجنة؛ لأنه كان يجيد عمليات قطع الرءوس عن الأكتاف، كان يَفصل الجماجم رضي الله عنه، له طريق خاصة في الذبح، على الطريقة الإسلامية، يستقبل بالأبطال القبلة، ثم يُذَبِّحُهم كما تُذَبَّح الدجاج، فدخل الجنة بهذه الطريقة الممتازة. وأُبَي بالقراءة. وزيد بن ثابت بالفرائض. وابن عباس بالتفسير. فأنت ما عليك وزر ولا حرج، غفر الله لنا ولكم.

حكم التبول قائما

حكم التبول قائماً Q يسأل الأخ العزيز عن حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: {استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه} ويقول: إن جميع دورات المياه في سكننا نحن الطلاب، هي من التصميم الغربي، فهل يجوز التبول قائماً؟ فإن كان لا، فما هي الطريقة الصحيحة والمذكورة في هذا الحديث؟ A أنا أرى أن الأحوط لك أن تبول جالساً، فإن لم تستطع، وكان عليك ضرر من عَود الرذاذ، أو عَود البول، وأصبحت المضرة أعظم من المصلحة، فَبُل قائماً، فقد صحَّ عنه عليه الصلاة والسلام، عند البخاري ومسلم، من حديث حذيفة: {أنه أتى سُباطةَ قومٍ، فبال قائماً عليه الصلاة والسلام} والسُّباطة هي: المزبلة، وجاء عن بعض العلماء من علماء السلف؛ أنه خاف صلى الله عليه وسلم أن يتلوث من هذه السباطة فبال قائماً، فإذا تأكدت أنك إن لم تفعل ذلك وقَعْتَ فيما وقَعْتَ فيه فلك ذلك: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16].

خاتمة عن فضل حلق الذكر ومجالس العلم

خاتمة عن فضل حِلَقِ الذِّكْر ومجالس العلم وفي الختام: أشكركم وأسأل الله لي ولكم التوفيق. وقبل أن أنتهي، هنا مسائل أنبه عليها باختصار: مثل هذا المجلس، ولو لم يكسب السامع فيه فائدة، فليعلم أنه خرج بفوائد إذا أحْسَنَ النية: - أن الملائكة حفت به. - وأن الرحمة تنزَّلت عليه. - وأن السكينة غشيته. - وأن الله ذكره في ملأ خير من هذا، وهم الملائكة. - وأننا نطمع في أمر خامس، وهو من أحسنها؛ أن يقال لنا في آخر المجلس: انصرفوا مغفوراً لكم، فتقول الملائكة: {يا رب! عبدك فلان إنما جلس لحاجة، قال: وله غفرتُ، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم} ويُروى في حديث مُخْتَلَفٍ في صحته: {مَن جلَس بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، فهي كحجة وعمرة تامة تامة تامة} ولعله إن شاء الله حديث حسن. وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً. والحمد لله رب العالمين.

يوسف عليه السلام في بيت العزيز

يوسف عليه السلام في بيت العزيز تضمنت قصة نبي الله يوسف عليه السلام كثيراً من العظات والعبر، والشيخ في هذه الخطبة إذ يقتبس جزءاً هاماً من هذه القصة -وهو ما يتعلق بفتنة يوسف في بيت العزيز- إنما يقدم نموذجاً رائعاً وقدوة صالحة للشباب في كل زمان، وستبقى عبارة يوسف وصرخته: (معاذ الله!) ملاذاً للشباب المسلم في كل زمان. وقد تحدث الشيخ في مطلع حديثه عن سيرة يوسف حتى وصوله إلى بيت العزيز، وأورد أقوال المفسرين في معنى: (برهان ربي) ومواضيع أخرى هامة ومفيدة تضمنتها هذه المادة.

فتنة يوسف والبئر

فتنة يوسف والبئر اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد صلى الله عليه وسلم، عز جاهك، وجلَّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت. في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآياتك. من استنصرك نصرته، ومن حاربك خذلته، ومن عصاك أدبته، ومن تقرب إليك بالطاعات أحببته وقربته، أنت رب الطيبين، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. والصلاة والسلام على من أرسلته شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وجاهد في الله حق الجهاد، هدى الله به الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا ً. أمَّا بَعْد: أيها الناس: فلنستمع إلى القرآن وهو يواصل معنا عرض قصة يوسف في إبداع عجيب وفي تصوير مشرق رائع، بعد أن تركناه في الجب غريباً وحيداً ولكن معه الله يؤنسه، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالى قال عن نفسه: {أنا جليس من ذكرني} فمن ذكره فهو معه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولذلك يقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] هل تذكرونا مثل ذكرانا لكم رُبَّ ذكرى قربت من نزحا بك أستجير ومن يجير سواكا فأجر غريباً يحتمي بحماكا إني ضعيف أستعين على قوى جهلي ومعصيتي ببعض قواكا يقول الله تبارك وتعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ * وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:19 - 24]. ترك في البئر وحيداً، وعاد إخوته يبكون بكاء كاذباً، ويعرضون دماً كذباً على قميصه، تركوه وحيداً ولكن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالىمعه، ولذلك قال أهل العلم: لما أنزل يوسف عليه السلام في الجب أخذ يذكر الله، ويكبر ويهلل، قال الله: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ} [يوسف:19] هو في صحراء منقطع، في بيداء ليس معه أنيس إلا الذئب، وحيداً في الفلاة لكن الله أتى بهذه القافلة، وبهذا الموكب العظيم لينقذ يوسف عليه السلام من الجب أتت القافلة من الشام تريد فلسطين فضلت طريقها، وسوف تعترض على طريقها مصر فذهبت إلى تلكم الصحراء لحكمة أرادها الله، وعناية الله تتابع من يريد الله، ورعاية الله تذهب مع عباده أنّى حلوا وأنّى ارتحلوا، يقول ابن الجوزي في صفة الصفوة: وهو يتحدث عن رعاية الله وعنايته، يقول أحد الصالحين: رأيت عصفوراً كل يوم يأخذ من المزبلة لحماً وخبزاً ويذهب به ويضعه في نخلة، وعهدي بالعصفور أنه لا يعشعش في النخل فصعدت؛ لأرى ماذا هناك، فرأيت حية عمياء كلما أتى العصفور بهذا اللحم فتحت فاها وأكلت. إن الذي سخر العصفور للحية العمياء هو الذي سخر تلكم القافلة ليوسف عليه السلام لتأخذه من البئر، وأدلى واردهم دلوه في البئر، والقرآن عجيب في العرض، رائع في الأداء، بديع في التصوير، لم يقل: أدلى دلوه، ثم تعلق يوسف بالدلو، ثم سحب الوارد الدلو، فقال له: من أنت؟ ثم ذهب به إلى أصحابه، بل جاء بالفاء التعقيبية؛ لأن عنصر المفاجأة في الآية يقتضي ذلك {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ} [يوسف:19] أدلى دلوه فتعلق يوسف عليه السلام بالدلو، وسحب الدلو فرأى غلاماً صبيحاً أوتي شطر الحسن، فقال لأصحابه: (يا بشرى)! وقرأ أهل الشام: (يا بشرايا هذا غلام) -أي: خادم وعبد أبيعه لي- ثم يقول عز من قائل: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} [يوسف:19] وقيل: أخفوه عن الناس لأنهم ما أخبروا الناس به خوفاً أن يجدوا أباه أو إخوانه، وما علموا أن إخوانه هم الذين تركوه، وهم الذين طرحوه وهجروه وأبعدوه {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [يوسف:19].

فتنة شراء العزيز له

فتنة شراء العزيز له فالله يتابع سيرة وقصة هذا الرسول الكريم، قال تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف:20] وشرى هنا بمعنى باع، بثمن بخس، وهو: الدنيا وما فيها لو دفعت في مثل يوسف لكانت بخساً وغبناً، وخسارة {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف:20] لم يقل: موزونة بل قال: معدودة؛ لأن المعدود دائماً أقل من الموزون، فلو قال: موزونة لكانت كثيرة. {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف:20] أي: لا يرغبون فيه. ومن اشتراه؟ ومن ابتاعه؟ إنه ملك مصر العزيز {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ} [يوسف:22] ولم يذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى العزيز باسمه لأمرين اثنين: 1/ لأن بطل القصة يوسف عليه السلام فما كان لعنصر ثانٍ أن يتدخل في القصة. 2/ ولأن كلمة العزيز لا يستحقها العزيز لأن العزيز من أعزه الله بطاعته، والشريف من دخل في عبودية الله: ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا فقال لامرأته: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف:22] أي: أحسني طعامه وشرابه، ومكساه ومنامه، عسى أن ينفعنا في أغراضنا ويقرب لنا بعض حوائجنا، أو نتخذه ولداً {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} [يوسف:22] كان العزيز حصوراً لا يأتي النساء، وكانت امرأته عقيمة، فأرادا أن يتخذا هذا الغلام ولداً يترعرع في بيتهم، يهدءون ويرتاحون إليه، وهم لا يشعرون أنه لن يكون لهم ولداً وسوف يكون نبياً من الأنبياء، ورسولاً يحمل رسالة السماء إلى الأرض، وداعية إصلاح، يحرر الشعوب، ويقود الأجيال إلى الله، فكيف يباع الحر في مصر؟ وكيف يسود العبد هناك؟! أيباع الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم؟! عجبت لـ مصر تهضم الليث حقه وتفخر بالسنور ويحك يا مصر سلام على الدنيا سلام على الورى إذا ارتفع العصفور وانخفض النسر

فتنة يوسف مع امرأة العزيز وأقوال المفسرين فيها

فتنة يوسف مع امرأة العزيز وأقوال المفسرين فيها بيع عليه السلام ومكث في قصر العزيز تقياً عابداً متعلقاً بالحي القيوم، وتمر الأيام ويزداد حسناً إلى حسنه، وجمالاً إلى جماله، فتراوده امرأة العزيز، فيا للفتنة العظيمة! وياللمحنة اللئيمة! شاب أعزب غريب، شاب فيه هيجان الشهوة، ليس له أهل يعود إليهم، وغريبٌ لا يخشى على نفسه من السمعة القبيحة كما يخشى صاحب الوطن {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف:23] تعرضت له كثيرا ًوتجملت له دائماً، وهي ذات منصب وذات جمال، ملكة في قصر ملك، ولكن الله معه يحفظه ويسدده، وفي يوم من الأيام غلقت الأبواب وكانت سبعة، وقال: غلقت، ولم يقل: أغلقت، زيادة في المبنى والمعنى، وغلقت للتكثير والتأبيد، غلقت الأبواب وخَلَت هي وإياه، ولكن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يراهما {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219] الذي يسمع ويرى، تجملت وتزينت وخطرت وهمت به وهم بها، خليا بالمعصية لكن ما خليا عن عين الله: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يران يا من سترت مثالبي ومعايبي وحلمت عن سقطي وعن طغياني والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام علي من يلقاني وقف عليه السلام وحيداً وهم بها، أصابه شيء من النقص البشري، وألمت به الفاحشة ولما يفعل، هاجت الشهوة في قلبه عليه السلام، {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24] فما هو برهان ربه يا ترى؟ اسمعوا إلى أقوال المفسرين أعرضها عليكم ثم نخرج بالصحيح الراجح إن شاء الله، قال: ابن عباس رضي الله عنهما: [[لما هَمَّ يوسف بها سمع هاتفاً يهتف يقول: يا يوسف! إنني كتبتك في ديوان الأنبياء فلا تفعل فعل السفهاء]] وقال السدي: سمع هاتفاً يهتف ويقول: يا يوسف! اتق الله إنك كالطائر الذي يزينه ريشه فإذا فعلت الفاحشة نتفت ريشك. وقال بعض المفسرين كما أورد ذلك ابن جرير الطبري: رأى لوحة في القصر مكتوب عليها {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] وقال غيرهم: رأى كفاً مكتوباً عليه (إن عليكم لحافظين) إننا نحفظ تصرفاتكم وحركاتكم وسكناتكم، إننا نراكم، وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنه قال: [[لما هم يوسف عليه السلام رأى أباه يعقوب في طرف الدار قد عض على أصبعه ويقول: يا يوسف اتق الله]] وهذه الروايات أوردها ابن جرير وابن كثير. وقال بعض أهل العلم من المفسرين أيضاً: فلما همَّت به وهمَّ بها قالت: انتظر! قال: ماذا؟ فقامت إلى صنم في طرف البيت فسترته بجلباب على وجهه، صنم لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر ولا يأكل ولا يشرب، قال: مالك، قالت: هذا إلهي أستحي أن يراني، فدمعت عينا يوسف، قال: أتستحين من صنم لا يسمع ولا يبصر ولا يملك ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، وأنا لا أستحي من الله الذي بيده مقاليد الأمور! ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم أن برهان ربه الذي رآه واعظ الله في قلب كل مؤمن، والحياء من الله والخجل من الله، فارتد عن المعصية، وعاد منيباً إلى الله: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41] تذكر الوقوف بين يدي الله يوم يحشرهم حفاة عراة غرلاً بهما، فبرهان ربه: واعظ الله في قلبه، يعظه بالتوحيد، ويناديه بالتقوى. فهل آن لشباب الإسلام أن يتحرك واعظ الله في قلوبهم؟! وهل آن للمسلمين أن يجعلوا من يوسف عليه السلام قدوة لهم؟ فيا من يتطلع على عورات المسلمين! أليس لك في يوسف عليه السلام قدوة؟! ويا من يعامل ربه بالمعاصي ويرتكب الجرائم ويحرص على الزنا! أما رأيت يوسف عليه السلام قد خلا بامرأة جميلة ذات منصب فتذكر واعظ الله في قلبه؟! ويا من يدعو إلى تبرج المرأة وإلى الاختلاط! أرأيت ما تفعل الخلطة والتبرج؟! يوسف نبي معصوم كاد أن يزل وأن يهلك!! وأنت تنادي المرأة بأن تتبرج وتسفر عن وجهها!! فأين الواعظ، وأين التقوى، وأين مراقبة الله؟! يقول عليه الصلاة والسلام: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} والنظرة سهم مسموم من سهام إبليس، يقول عليه الصلاة والسلام {لا تتبعوا النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية}. فيا شباب الإسلام! أما رأيتم ماذا فعل يوسف؟ ثم قال الله له: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24] لنعمر مستقبله باليقين، لنجعله من ورثة جنة رب العالمين، مع المؤمنين الخالدين، {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24] فإذا أخلص العبد لله، حماه الله من المحن وجنبه الشرور. يقول سعيد بن المسيب رحمه الله: [[إن الناس تحت كنف الله وظله إذا أراد أن يفضح بعضهم رفع ستره تعالى عنهم]]. فيا شباب الإسلام! ويا معاشر المسلمين! انظروا إلى هذا التقي النقي الورع، انظروا إلى من راقب الله فأسعده الله، ونجاه الله وحفظه. يا واهب الآمال أنت منعتني وحفظتني وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

فتنة اتهام امرأة العزيز ليوسف

فتنة اتهام امرأة العزيز ليوسف الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدون إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رسول رب العالمين، وقدوة الناس أجمعين، وهداية السالكين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: ثم ماذا كان بعد هذا؟ قال الله عز وجل: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} [يوسف:25]-يريد أن يهرب وهي تلاحقه- {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ} [يوسف:25] شقت قميصه وهي تلاحقه وتدعوه إلى نفسها وهو يلتجئ إلى الله ويصيح بأعلى صوته، وصوته يدوي في القصر، {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:23] قال جمع غفير من المفسرين إن معنى قوله: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:23] أي: إن زوجك وسيدي أحسن استقبالي وضيافتي فكيف يكون جزاء معروفه ورد جميله أن أخونه في أهله؟ وقال السدي: إنه ربي أحسن مثواي: إنه إلهي الحي القيوم اجتباني ورباني وعلمني وحفظني، فكيف أخون الله في أرضه؟ وكيف أعصي الله؟ وكيف أنتهك حرماته؟ فيا من أراد أن يتجاوز المحرمات ويتعدى على الحرمات! تذكر معروف الله عليك، وقل: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:23] قل: لا أعصي الله؛ لأنه رباني وكفاني ورزقي وآواني. {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف:25] إنها قصة كلها مفاجئات، وإذا بسيده -وزوجها- لدى الباب وانظر إلى كيد النساء، تسبق يوسف بالكلام، وتلطم وتبكي وتشتكي، تقول: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف:25] غلق علي الأبواب، ودعاني لنفسه، فما هو جزاؤه عندك إلا السجن أو عذاب أليم؟ قال ابن عباس: [[يضرب بالسياط]]. وقال يوسف بلسان الصادق الناصح الأمين التقي الورع الزاهد: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف:26] فمن هو الشاهد يا ترى؟ قيل: رجل من أبناء عمومتها شهد عليها، وقيل: ابن خالها، وقيل: رجل من الخدام، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه طفل صغير كان في الغرفة لا يتكلم فأنطقه الله الذي أنطق كل شيء، أتوا إلى الطفل في المهد فقال: صدق يوسف وكذبت المرأة، هي التي همت به، وهي التي راودته ودعته إلى نفسها. ولذلك في مسند أحمد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {أربعة تكلموا في المهد: ماشطة امرأة فرعون، والغلام الذي مع جريج، وعيسى عليه السلام، والغلام الذي شهد ليوسف عليه السلام} وهذا سند جيد، وهذا الشاهد، وقبل أن يفضح المرأة عرض قصة ليستدل بها على أن يوسف هو الصادق قال: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [يوسف:26] فبدأ بتصديقها، لأنها ملكة ولأنها صاحبة منصب، ولأن التهمة بعيدة عنها {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف:27] فأتى الحكام والشهود وحضر الناس فاطلعوا فرأوا قميص النقي التقي قُدّ من دبره، فصدقوه وأعلنوا براءته، واستخلصوه ووفوه حقه من التبجيل والإكرام، إلا بعض الأمور التي سوف تأتي. ثم قال الله عز وجل على لسان العزيز: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف:29] أي: لا تتكلم ولا تتحدث به في المجالس لا توزعه في الأندية، وكثير من الناس يتبجح في المجالس بالمعصية. وقال بعض المفسرين: إن العزيز قال ليوسف: أعرض عن هذا، ولا تتحدث به إلى الشعب المصري فيبثها ويوزعها. ثم قال: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف:29] انتصار على النفس الأمارة بالسوء ما بعده انتصار، وهل النصر العجيب إلا أن ينصرك الله على نفسك، وأن يعلي حظك، وألا يخيب ظنك، وأن يحفظك من الفتن، ومن المحن ومن المعاصي {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. يا من حفظ يوسف عليه السلام احفظنا بحفظك، ويا من رعاه ارعنا برعايتك يا أرحم الراحمين، ويا من حرسته احرسنا بعينك التي لا تنام إنك على كل شيء قدير. عباد الله صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وأرض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين. عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً. وارذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن الدين الإسلامي قام على أسس وقواعد تحفظ للمجتمع الأمن والاطمئنان والسعادة، ومن هذه الأسس: الأمر بالمعروف والنهي علن المنكر، والشرع قد جعل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضوابط وآداباً، واشترط لأهله مواصفات، وجعل لهم في نبيهم قدوة يقتدون به.

صور من حياة السلف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

صور من حياة السلف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً، والصلاة السلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سلام الله عليكم ورحمة وبركاته، وأسعدنا الله بكم وبكل مؤمن، وأسعدنا جميعاً في دار كرامته في مقعد صدق عند مليك مقتدر، يوم يتقبل الله منا أحسن ما عملنا ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. معنا هذه الليلة محاضرة بعنوان: (ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ما هي الضوابط التي يقوم عليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وما هي آداب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر؟ تلكم القضايا نسمعها في هذا الدرس مستضيئين بنور الكتاب والسنة، متوكلين على الله الواحد الأحد، جاعلين محمداً صلى الله عليه وسلم إمامنا وقدوتنا. إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا فصلى الله على محمد ما ذكره الذاكرون، وغفل عنه الغافلون. وقبل أن أبدأ بشيء من التفصيل في هذه المحاضرة أحب أن أستعرض معكم أهم القضايا التي نتدارسها في هذا الدرس: أولاً: فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثانياً: الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثالثاً: الأسس التي يقوم عليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. رابعاً: هديه صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي. خامساً: أهل الحسبة في الإسلام من هم؟ وما هي مواصفاتهم وأهليتهم؟ سادساً: سير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأمر والنهي. اعلموا -بارك الله فيكم- أن بعض علماء أهل السنة عدوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الركن السادس من أركان الإسلام، وأوجبوه وجوباً قطعياً. وتحدث شيخ الإسلام في المجلد الثامن والعشرين من فتاويه عن هذا، وقال: من ميزات الأمة المحمدية أن فضَّلها الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأمم التي سبقت ما أمرت كلها بالمعروف في كل معروف، ولا نهت كلها عن المنكر في كل منكر، بل كان بعضها يأمر ببعض المعروف، وبعضها ينهى عن بعض المنكر، فلما أتى الله بالأمة المحمدية الرائدة الخالدة أمة الكتاب والسنة، الأمة التي نصبت جبهتها للشمس لترفع لا إله إلا الله، قال لها الله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] قرأ أبو حفص الفاروق قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] فقال: [[والذي نفسي بيده لا يتم أول الآية حتى يتم آخرها]] لا نكون خير أمة حتى نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله، نأمر بالمعروف ولو كان السيف على الرأس، وننهى عن المنكر ولو كان الموت يتحشرج في الحناجر.

طاوس بن كيسان

طاوس بن كيسان وسوف أذكر قصتين لعالمين زاهدين عابدين من علماء الإسلام، أولهم طاوس بن كيسان، عابد ومولى من الموالي، ليس له أسرة عريقة من أسر العرب، ولكن رفعه الله بالتقوى والعلم، كان زاهداً من علماء اليمن من تلاميذ ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما، وطاوس بن كيسان راوية ثبت ثقة إمام، بل زاد بعضهم في صفته: ثبت ثبت، إمام حجة، لا يسأل عن مثله. ذهب إلى اليمن فكان يقول الحق ولو كان مراً، دخل على محمد بن يوسف -أخي الحجاج بن يوسف الثقفي وكان ظالماً غاشماً مارداً سفاكاً للدماء- فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، فأعطاه مرة كساءً فأخذه من على رأسه، ووضعه تحت أرجله في الأرض، فقال: مالك؟ قال: ما أتيتك لتكسوني، وإنما أتيتك لآمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر. قال له: وهل عندي منكر؟ قال: الظلم فاشٍ، أي: منتشر. ذهب إلى بغداد - دار السلام - ليقابل أبا جعفر المنصور وأبو جعفر لا يسأل عن مثله، أدهى دهاة ملوك الأرض، حتى قال الإمام أحمد: من مثل ابن أبي ذئب كلَّم أبا جعفر، وأبو جعفر هو أبو جعفر؟ بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر قال تعرفن الفتى قلن نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر دخل طاوس عليه، وكان على أنفه ذباب فأقلقه، ترك المواضع كلها، ترك السكر، والحلوى، ولا يقع الذباب بحفظ الله ورعايته إلا على أنف هذا السفاك، الذي يذبح الملوك مثل ما يذبح الدجاج، فيترك الذباب الأمراء والوزراء والعلماء ويأتي يقع على أنفه، فأخذ أبو جعفر يذب الذباب، فيطير ويقع على أنفه، قال: يا طاوس! عندي سؤال؟ قال: ما هو سؤالك؟ قال: لماذا خلق الله الذباب؟ قال طاوس: يا أمير المؤمنين! خلق الله الذباب ليذل به أنوف الطغاة! وهذا أحسن جواب سمع في التاريخ {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:73] قال أهل العلم: لو أخذ الذباب شيئاً من الطعام ما استطاع أهل الأرض أن يتخلصوه منه.

الأوزاعي

الأوزاعي الأوزاعي الإمام العظيم لما سئل عنه بعض أهل العلم قال: لا يسأل عن مثله، ريحانة أهل الشام. قيل: رئي في المنام أن نجماً هوى من السماء، فقيل لبعض العلماء: ما تأويل ذلك؟ قال: إن صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعي. وسألوا أحد تابعي التابعين، قال: رأيت ريحانة قطعت من الأرض وارتفعت إلى السماء، قال: الأوزاعي يموت. كان الأوزاعي يسكن في الأوزاع في حارة من حارات بيروت عاصمة لبنان وهي ما زالت إلى الآن تسمى بالأوزاعي. أتى عبد الله بن علي عم السفاح وعم أبي جعفر ففتح دمشق وقتل من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر اثنين وثلاثين ألف مسلم يشهدون أن لا إله إلا الله ويصلون الصلوات الخمس، سفك دماءهم حتى جرت السكك بالدماء، وأدخل بغاله وخيوله مسجد بني أمية ثم جلس في المسجد، وقال: من يعارضني؟ قال له وزراؤه لا يعارضك أحد، قال: هل تعلمون أحداً يمكن أن يقول لي: لا؟ قالوا: إن كان أحد يقول لك لا فـ الأوزاعي قال: عليَّ بـ الأوزاعي. فلما ذهبوا إلى الأوزاعي قام عبد الله بن علي فدخل قصره، وقال لجنوده: صفوا صفين، واحملوا السيوف معكم حتى نرهب الأوزاعي المحدث العالم، علَّه أن يتخاذل في كلامه معنا. ذهبوا إلى الأوزاعي فقالوا: يريدك عبد الله بن علي عم السفاح قال: الله المستعان! انتظروني قليلاً، فذهب فاغتسل، ولبس أكفانه من تحت الثياب، ما معنى لبس الأكفان؟ خطر ممنوع الاقتراب، معناه: أنه سيقول كل ما في رأسه، فليغضب من يغضب، وليرض من يرضى، لبس أكفانه وثيابه، وأتى معه عصا يتوكأ عليها وهو في الستين، بينه وبين القبر قاب قوسين أو أدنى! ماذا يريد بعد الستين؟ يقول سفيان الثوري: [[من بلغ منكم الستين فليأخذ كفناً له وليبع الدنيا بلا شيء]]. قال: فدخلت عليه وفي يد عبد الله بن علي خيزران، وقد غضب وعلى جبينه عرق من الغضب، قال: من أنت؟ قال: أنا الأوزاعي. قال: ما رأيك في الدماء التي سفكناها؟ قال: لا يجوز لك ولا يحل لك، حدثني فلان -حتى السند يحفظه- عن فلان عن فلان. عن جدك ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة}. فنكت بالخيزران في الأرض وحوله الوزراء، فرأيتهم يتقبضون ثيابهم خوفاً من دمي لا يرش ثيابهم، والأوزاعي أخذ يرفع عمامته يتهيأ لضربة السيف كي لا يتلكأ السيف في العمامة. قال: فرفع طرفه، وقال: والأموال التي أكلناها. قال: قلت له: إن كان حلالاً فحساب، وإن كانت حراماً فعقاب. قال: خذ من أموالنا ما شئت. قلت: لا أريد أموالك. قال: فسلم لي بدرة -البدرة كالكيس فيه مال- قال: فوزعتها على الجنود وهو يراني، حتى بقي كيس النقود فرميت به عند أرجله، قال: فغضب غضباً ما غضب مثله أبداً، وانتظرت متى يضرب السيف. ثم قال لي: اخرج، فخرج والناس عند الباب، فقالوا: كيف نجاك الله يا أوزاعي؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو لما دخلت عليه تصورته على كرسيه كالذباب، والله ما تذكرت إلا الله بارزاً على كرسيه يوم العرض الأكبر. سبحان الله! لأن من يقدر الله يهون عليه كل شيء. دخل ابن تيمية الإسكندرية فاجتمع غلاة الصوفية والمبتدعة يريدون قتله، قال الناس: يـ ابن تيمية يريد هؤلاء أن يقتلوك؟ قال: كأنهم والله الذباب عندي. ابن أبي ذئب المحدث الكبير، جلس يدرس في مسجد الرسول عليه الصلاة السلام، فدخل المهدي بن أبي جعفر المنصور وقد كان خليفة، فقام أهل المسجد جميعاً إلا ابن أبي ذئب لم يقم، قال: لماذا لا تقوم يـ ابن أبي ذئب؟ قال: والله لقد كدت أقوم لك لكني تذكرت قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فتركت القيام لذاك اليوم، قال: اجلس، والله ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت. والشاهد من هذا: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة، ولكن ليس من يسمع الفريضة أن يبدأ بها كما قال الأول: أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل إنما له ضوابط وحدود وآداب، فلنستمع إلى ذلك.

فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] وقوله: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] فلا خير في كلام الناس إلا من أمر منهم بالمعروف أو نهى عن المنكر أو أصلح بين الناس أو أمر بصدقة. قرية من قرى بني إسرائيل قص الله قصتها في القرآن، وأسلوب القرآن لا يحدثنا عن أسماء القرى لا يقول: اسمها أيلة أو يافا أو حيفا أو النقب لأن هذا ليس فيه مصلحة، يقول الله: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف:163] لم يسم لنا البحر أيضاً؛ لأنه ليس في ذلك مصلحة لنا أن يكون البحر الأبيض المتوسط أو البحر الأحمر أو المحيط الأطلنطي أو المحيط الهندي، إنما الشاهد: أنها قرية على ساحل البحر، أتت هذه القرية فحرم الله عليهم صيد السمك والحوت يوم السبت، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:163]. فأتى يوم السبت فحرم الله عليهم أن يصطادوا، فكانت السمك والحيتان تأتي على ساحل البحر حتى تكاد تقفز على الناس، فإذا انتهى يوم السبت وأتوا يصطادون يوم الأحد لا يجدون سمكة واحدة، ابتلاء من الله. فقالوا: عجيب! يحرم الله علينا الصيد يوم السبت وفيه يأتي السمك، وبقية الأيام لا يأتي السمك لابد أن نحتال بحيلة، ندخل السمك يوم السبت في خنادق وأنهار ونغلقها، فإذا أتى يوم الأحد اصطدناها. انظر إلى الخيانة وقلة الأمانة! {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] حرَّم الله عليهم الشحوم فأذابوها وجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها، فخندقوا الخنادق، وفتحوا الأنهار، وأتت الحيتان ودخلت، فإذا دخلت أغلقوا عليها، فإذا أردت أن تعود إلى البحر لا تستطيع أن تعود، وفي يوم الأحد يصيدون. انقسم أهل القرية إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: قسم فعلوا هذه الفعلة النكراء، الغشيمة الصلعاء، والداهية الدهياء، وعصوا رب الأرض والسماء. والقسم الثاني: سكتوا كالشيطان الأخرس لم يتكلموا بشيء، كل يقول: نفسي نفسي! والقسم ثالث: قالوا: هذا منكر؛ فخافوا الله، واتقوا الله، وقالوا لهؤلاء الفاسقين: لا نساكنكم في أرضكم، أنتم في جهة من القرية ونحن في جهة، وبنوا بينهم سوراً عظيماً وقالوا: لا تدخلون إلينا ولا نخرج إليكم، أنتم عصاة وأعداء لله، قد تعديتم حدود الله؛ والله لا نأتيكم ولا تأتونا أبداً، تركوا بينهم نوافذ فقط للتهوية أو للنظر بعضهم ينظر لبعض، وأتى عذاب الله. وابن عباس رضي الله عنه وأرضاه متوقف يقول: ما أدري ما فعل بالثالثة التي سكتت وعكرمة يقول: أظن أن الله أنجاها وفي الصباح أتى أمر الله الذي لا يرد عن القوم الخاسرين، فقال الله لهم: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] كلمة كن {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] أمسوا رجالاً ونساء آدميين وناموا ولهم أعضاء وعيون، يتكلمون ويبصرون، وأصبحوا وهم قردة، وفي الصباح قام هؤلاء فلم يسمعوا صوتاً لأولئك ولا حركة، فنظروا إليهم من النوافذ فوجدوهم قردة. فيقولون: أين فلان منكم؟ فيرفع القرد يده يقول: أنا، ينادون أين فلانة بنت فلان فترفع يدها. سبحان الله! هؤلاء هم الممسوخون، وبقي هؤلاء نجاهم الله، أما الطائفة الثالثة فنتوقف فيها لا ندري ما فعل الله بها لكنها طائفة في الحقيقة لم تقدم خيراً لدينها وما غضبت لله. وفي بعض الآثار أن عابداً من بني إسرائيل اعتزل في قرية، وكان يصلي ويصوم ويعبد الله، لكن المنكرات حوله، الزنا، الربا، شهادة الزور، التقاتل، التناحر، فأنزل الله جبريل، وجبريل عليه السلام متخصص في الإبادة والنسف والإحراق، ولذلك كان بنو إسرائيل لا يحبون جبريل. يقولون كما في صحيح البخاري للرسول عليه الصلاة السلام من الذي يأتيك؟ قال: جبريل! قالوا: لو سميت لنا غير جبريل لكنا أسلمنا وأطعناك، قالوا: إن جبريل هو الذي كشف أسرارنا، وهتك أستارنا، فأنزل الله عز وجل: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:98] ويكفي أن الله عدو لهم لأنهم عادوا هذا، فنزل عليه السلام أراد القرية فوجد العابد وعاد إلى الله والله أعلم قال: يارب! عبد في القرية يعبدك كيف ندمره معهم؟ قال: به فابدأ، لأنه لم يتمعر وجهه من أجلي. فعلم من ذلك أن خطورة السكوت تعم، وأن الإنسان الذي يعيش سلبياً في المجتمع ليس بمسلم كامل الإسلام، نعم قد ينجو في الآخرة، لكنه أساء لدينه ولمستقبله ولأمته ولبلاده.

الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال عليه الصلاة السلام كما في صحيح مسلم عن أبي سعيد: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} ولعلماء أهل السنة شرحان اثنان ومنهجان في هذا الحديث. المنهج الأول: ينزل معنى الحديث على أصناف الناس، من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، هذا لأهل السلطة التنفيذية، للقضاة والأمراء، لمن في يدهم سوط وسيف، فهذا القسم لهم {فليغيره بيده}. {فإن لم يستطع فبلسانه} هذا للدعاة وللعلماء وطلبة العلم. {فمن لم يستطع فبقلبه} هذا للذي لا يملكون حجة وبياناً ولا سيفاً ولا سناناً، فهم: ليسوا من العلماء والدعاة، ولا من الأمراء والقضاة، فعلى هؤلاء أن ينكروا بقلوبهم. المنهج الثاني: وهو منهج تدريجي تطويري على جميع المسلمين، على المسلم أن ينهى أولاً بيده إن استطاع؛ كما ستأتي الشروط، فلا يجلب مفسدة أعظم، يقول لأحد الناس: لا تسبل إزارك ثم يضربه على وجهه مع الصباح كفاً حاراً، فيأتي هذا، فيقسم بالله لا يصلي في المسجد، كما فعل من فعل من بعض الناس وأخذته العزة بالإثم، فأصبح فاجراً مركباً بعد أن كان فاجراً بسيطاً. {فإن لم يستطع فبلسانه} يتكلم، لكن إذا خشي الضرر فعليه أن ينكر بقلبه، وهذه درجات، وهما منهجان لا ثالث لهما في شرح الحديث. وقف أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه -كما عند الترمذي وأحمد - على المنبر، فقال: {يا أيها الناس! إنكم تقرءون هذا الآية وتحملونها على غير محملها، وهي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة:105] وإني سمعت الرسول عليه الصلاة السلام يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشكوا أن يعمهم الله بعقاب من عنده}. أي: أن كثيراً منكم لا يفهم معنى الآية، ويظهر لبعض الناس أن معنى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة:105] أي: أقيموا أمر الله في نفوسكم، والتزموا أوامر الله ولا عليكم من الآخرين، وهذا خطأ، فإن معنى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة:105] أي: إذا أمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر، فلا يأتيكم ضرر إذا وقع العذاب {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] أي: بعد أن تأمروا وتنهوا. واعلموا أن الرسول عليه الصلاة السلام قال في أكثر من مناسبة: {والذي نفسي بيده! لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه قصراً، أو ليخالفن الله بين قلوبكم، ثم يلعنكم كما لعن الذين من قبلكم} نعوذ بالله من لعنة الله، والحديث عند أبي داود وغيره. والله يقول: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. وربما يتساءل متسائل فيقول: ما هي المنكرات التي يمكن أن نحولها؟ فنقول له: أما رأيت إلى المنكرات، وإلى رءوس الشياطين، وإلى الفتن صباحَ مساءَ، وإلى ما قذفتنا بها الثقافة والحضارة المادية من رجس ومعاصٍ والعياذ بالله، تدخل عند الخياط فتجد عشرات المنكرات، وكذلك عند المصور، والحلاق، والبائع، وغالب الناس، كل مكان لا يخلو من منكر يحب عليك إذا رأيته أن تغيره بحسب المستطاع. لكن أما ترى عشرات الناس ومئات الناس من أهل الدعوة والاستقامة يمرون صباحَ مساءَ ولا يتكلمون بكلمة، هذا من الأمر السلبي الذي تعيشه الأمة الإسلامية في هذا الزمن، وله تفصيل سوف يأتي.

أسس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أسس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما أسس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهي ستة، ومن لم يقم بها فقد نقص عليه شيء من مواصفات ومؤهلات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أسردها ثم أفصلها: الأول: العلم بالمعروف والعلم بالمنكر، ولا يعلم المعروف والمنكر إلا بالكتاب والسنة. الثاني: الحكمة في الأمر والحكمة في النهي. الثالث: تحصيل المصلحة من الأمر والمصلحة من النهي، ولا تكون المصلحة أقل بل تكون أعظم. الرابع: التدرج في المأمورات والمنهيات، كما فعل بعض الناس، رأى رجلاً أجنبياً يدخن، فأتى يتكلم معه في تحريم الدخان، سبحان الله! نصراني لا يعرف الله ولا اليوم الآخر ولا يعرف الجنة ولا النار، هو لم يسلم ولم يتوجه إلى الله عز وجل، ولن ينفعه إذا ترك الدخان وحرم الدخان، أو رأى زنديقاً أو بوذياً يسبل ثيابه أو يأكل باليسار، فيقول: لا تأكل باليسار لأنه ثبت في صحيح مسلم عن ابن عمر بسند رجاله ثقات أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله} هو لا يعرف البخاري ولا مسلماً ولا أبا هريرة ولا محمداً ولا الله ولا اليوم الآخر، فهذا لا يجدي فيه. الخامس: الحلم والصفح والصبر. السادس: عمل الآمر بالمأمور واجتنابه للمنهي، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44].

العلم بالمعروف والمنكر

العلم بالمعروف والمنكر فلا يكون المعروف معروفاً إلا إذا دل عليه الكتاب والسنة، أنت لا تقول للناس: هذا معروف وهو ليس بمعروف، كيف نعرف أن هذا الأمر صحيح إلا بالكتاب والسنة، بقول الله وبقول الرسول عليه الصلاة السلام، أن نأتي إلى أشياء ونقول: هي المعروف وهي ليست بمعروف فليس بصحيح. مثل: أن نتحكم في جلسات لم يأتِ بها الكتاب والسنةِ، ونقول للناس: اجلسوا هكذا، كلوا هكذا، تكلموا هكذا؛ فإن هذا ليس بصحيح. ولا يعرف المنكر أنه منكر إلا إذا عرف من الكتاب والسنة أنه منكر، ولو قال بعض العلماء: إنه منكر ولكن ليس في كتاب الله أو في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه منكر فليس بمنكر، فهذا قاعدة عظيمة، وأحسن من شرحها فيما علمت الشاطبي في كتاب الاعتصام.

الحكمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الحكمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد من الحكمة في تغيير المنكر فيكون الآمر والناهي حكيماً، فليس كل إنسان يستطيع أن يأمر وينهى، فالجاهل والسفيه يفسد أكثر مما يصلح، مثل من يريد تغيير منكر فيجر على الأمة سفك الدماء، واختلاف الكلمة، وتشتيت الأطفال، وتشريد النساء، فهذا أساء وليس بحكيم، بل إبقاء المنكر كما هو أحسن من استحداث فتنة أعظم، لأنه المقصود من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة:193] فمن قاتل لتكون فتنة لم يحسن بل أساء.

تحصيل المصلحة من الأمر والنهي

تحصيل المصلحة من الأمر والنهي ذا علمت أن هؤلاء يعودون من الضلالة إلى الهدى، ويصلح حالهم فلك أن تأمرهم، أما إنسان يأمر بعض الناس، ويعلم أنه سوف يزداد شراً وخبثاً فالمصلحة ألا تأمر ولا تنهى، كأن تأتي إلى بعض الناس وهو جالس في مكانه فتدعوه إلى الله وتعلم أنه سوف يسب الله لو دعوته، فالمصلحة ألا تدعوه وألا تنهاه قال تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] وقد وجد من بعض الناس أنه دعا بعض الناس إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فسب هذا المعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم.

التدرج في المأمورات والمنهيات

التدرج في المأمورات والمنهيات فمثلاً عند أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر تبدأ أولاً بالعقيدة، وبالفرائض، لا يصح أن نأتي إلى مجتمع لا يقيم الصلوات، فندعوه إلى تربية اللحى، لا ينفعنا أن يربي الناس لحاهم وليس لديهم إيمان، لا ينفعنا الشعر إذا لم يكن هناك شعور. الرسول صلى الله عليه وسلم أتى والخمر يُشرب داخل الكعبة وداخل الحرم، فهل قال لهم: إن الخمر حرام، اتركوا الخمر؟ وهم أليسوا ملحدين، زنادقة، يسجدون للأصنام والأوثان، تركهم والخمر وقالوا: ماذا تريد؟ قال: قولوا كلمة تدين لكم بها العرب والعجم قال أبو جهل: وأبيك وعشراً، نعطيك ولو طلبت مئات الكلمات ما هي الكلمة؟ قال: قولوا: لا إله إلا الله، قال: أما هذه فلا، هذه تغير الدنيا، هذه معناها: الدخول في الدين أو النار. فلذلك بدأ صلى الله عليه وسلم بالعقيدة عندما أرسل معاذاً إلى اليمن فقال: {ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة} ثم تدرج إلى الزكاة، والصوم، والحج، لكن أن يأتي الإنسان إلى قريب له لا يصلي، معرض فاجر فيبدأ معه في جزئيات، وهذا ليس بصحيح، قد يجاملك ويفعل ذلك لكنك لم تفعل شيئاً في الدعوة.

الصبر والحلم والصفح

الصبر والحلم والصفح وهذه الثلاث من ضرورات الداعية المسلم. يقول لقمان عليه السلام لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] قال أهل العلم: إنما قال {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] لأنه سوف يبتلى ويؤذى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2] ضربوا الرسول عليه الصلاة السلام، شجوه حتى سال الدم من وجهه، أتوا إلى بعض الأنبياء فكانوا يضربون النبي حتى يغمى عليه ثم يفيق ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، أتوا بالسيوف فنشروا بعض الأنبياء من بني إسرائيل بالمنشار حتى قسموه نصفين، طاردوا زكريا ففر، وأخذ يحيى فذبحوه، ثم قتلوا زكريا، وكلهم يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، ولذلك سوف نستمع إلى نماذج من حياته صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

التطبيق قبل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

التطبيق قبل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما عمل الآمر بالمعروف واجتنابه عن المنكر فهذا ضرورة، ولا يجعل الله تأثيراً ولا قبولاً لمن يخالف قوله فعله، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن شعيب: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] قال: لا أريد أن أنهاكم عن شيء وأفعله أو آمركم بشيء ولا آتيه. لكن ليعلم أن هذا يحتاج إلى شيء من التفصيل: وهي قضية أنه لا يلزمك أن تفعل النوافل التي تقولها، ويلزمك أن تفعل الفرائض التي تقولها للناس، فلا يلزم الداعية النوافل التي يقولها للناس أن يفعلها جميعاً لأنه قد لا يستطيع، مثل ماذا؟ مثل أن تأمر الناس بالصدقة قد لا يكون عندك عشاء ليلة، فمن أين تتصدق، حتى تتوقف إذاً عن دعوتهم إلى الصدقة، لا مرهم بالصدقة، قد تدعوهم إلى قيام الليل لكنك لا تستطيع في بعض الفترات أن تقوم الليل، فعليك أن تدعو وتواصل فالنوافل أمرها في سعة، أما الفرائض فلا، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44].

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما ميزات هديه صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكما يلي:

الأسلوب الأول: الدعوة إلى العقيدة أولا

الأسلوب الأول: الدعوة إلى العقيدة أولاً عندما أتى صلى الله عليه وسلم دعا إلى العقيدة، وقف على الصفا فجمع الناس وقال: يا أيها الناس! يا بني عبد مناف! يا بني هاشم يا بني كعب بن لؤي! يا بني تيم! فاجتمعوا جميعاً حتى ملئوا ما بين الصفا والمروة فقال: {يا أيها الناس لو أخبرتكم أن خيلاً ببطن هذا الوادي تريد أن تصبحكم أمصدقي أنتم؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، يا فاطمة بنت محمد! أنقذي نفسك، لا أملك لك من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب! أنقذ نفسك، يا بني هاشم!} فلما انتهى قام أبو لهب (والأقارب عقارب). وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند ليتها جاءت من البعيد! قام وقال: أدعوتنا؟ لهذا قال: نعم. قال: تباً لك سائر اليوم، فتولى الله الرد عليه من فوق سبع سماوات، فقال: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] فما زال يدعو ثلاث عشرة سنة إلى لا إله إلا الله.

الأسلوب الثاني: البدء بالأقارب

الأسلوب الثاني: البدء بالأقارب فأول ما ينطلق المسلم من بيته ومن أولاده ومن أطفاله، حتى يجعل بيته ثكنة إسلامية تشع بالأنوار والخير والهداية. هل يليق أن يذهب إنسان فيروي الظمأى ويشبع الجوعى وأهله يموتون جوعاً وظمأ؟ ليس هذا بلائق، الأقربون أولى بالمعروف {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] فعلها صلى الله عليه وسلم، فعلى المسلم أن يبدأ ببيته ثم الجيران ثم القرابة وهكذا، فكان هديه صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بالقرابة قبل الناس.

الأسلوب الثالث: اللطف واللين

الأسلوب الثالث: اللطف واللين فلا يوجد ألطف من محمد عليه الصلاة السلام، ولذلك قال عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وقال له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. يجلس في المسجد عليه الصلاة السلام ومعه أصحابه، ويأتي أعرابي وهو ذو الخويصرة اليماني فيبول في طرف المسجد، ويقوم الصحابة يريدون أن يبطحوه. كل بطاح من الناس له يومٌ بطوح البطح أسلوب من التعزير، هو أن يوضع الرجل على بطنه فيضرب حتى لا يدري أين القبلة! هل هي هنا أم هناك؟ فإذا استفاق استفاق وهو يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، فقام الصحابة فقال عليه الصلاة السلام: {لا تُزرِمُوه} وفي رواية: {لا تقطعوا عليه بوله} أو كما قال صلى الله عليه وسلم فتركوه، فلما انتهى استدعاه صلى الله عليه وسلم ووضع يده على كتف الرجل، وهذه يد الأنس واللطافة والتحبيب وقال: {إن هذه المساجد لا تصلح لأذى ولا لقذر، وإنما هي للصلاة والذكر والتسبيح، عليَّ بذنوب من ماء} المسألة سهلة حلها محمد عليه الصلاة السلام. يقول برناردشو لو كان محمد صلى الله عليه وسلم فينا لحَلَّ مشاكل العالم وهو يشرب فنجان القهوة. والشاهد ليس في شرب القهوة؛ لكن في هدوئه صلى الله عليه وسلم، المشكلة سهلة لكن لو قام الصحابة وتركهم صلى الله عليه وسلم ضربوه وضربهم وهرب من المسجد وكفر بالله ثم تكونت شائعة مغرضة ضد الإسلام، ونفر الناس عن الرسول عليه الصلاة السلام، لا يزال يأتي ويقول: فروا وانجوا بأنفسكم، أتيت إلى رسول يضرب الناس ليس عنده إلا بطح على الأرض، الذي يريد البطح والفرش والضرب يأتي إلى المدينة فلا يسلم الناس، فاستدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم وبين له. وقام الرجل فتوضأ وأتى يصلي، وقال في التشهد الأخير: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فالتفت الرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة، فقال: من الذي دعا آنفاً؟ هو يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الأعرابي هل يقولها أبو بكر أو عمر أو عثمان أو علي؟ لا. هؤلاء علماء وسادة ونجوم يعرفون، والواحد يوجه ملايين من الناس، قال: من قالها؟ -وأسلوب التورية سوف يأتي معنا هو العنصر الرابع في أسلوبه صلى الله عليه وسلم- قال الأعرابي: أنا وما أردت إلا الخير، قال: {لقد حجرت واسعاً} أي: ضيقت رحمة الله التي وسعت كل شيء {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] فعاد إلى قومه فأخبرهم بأخلاق الرسول عليه الصلاة السلام فدخلوا في دين الله أفواجاً. أعرابي آخر وأصل الحديث في الصحيحين يمشي الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة متوجهاً إلى المسجد والأعرابي يأتي من ورائه صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فيسحبه سحباً عنيفاً، فيلتفت صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم، وفي رواية مسلم يضحك، وقد كان بإمكانه أن يلتفت بدون تبسم أو ضحك، فهو يأسر القلوب، وفي كل بسمة أسر، وفي كل حركة هداية، وفي كل إشعاعة نور. نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا ولما نلقكم لكن شوقاًَ يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا التفت وهو يضحك، قال: ما تريد؟ قال: أعطني من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا من مال أمك. كلمات ليس لها داعي، لكن العقول الفاسدة الجافة لا تعرف الأدب، نسأل الله أن نكون ممن منَّ عليه بالإسلام. فأتى الصحابة ليؤدبوه فقال: دعوه، فأخذه وذهب به فأعطاه شيئاً من المال، فنزل إلى الصحابة، فقال: يا أعرابي هل أحسنت إليك؟ قال: لا، ما أحسنت إلي، فأخذه صلى الله عليه وسلم مرة ثانية فزاده، قال: هل أحسنت إليك؟ قال: نعم! جزاك الله من أهل وعشيرة خير الجزاء. قال: عد إلى أصحابي، فإذا سألتك أمامهم، فقل هذا الكلام ليذهب ما يجدون في صدورهم، عاد فسأله، قال: نعم جزاك الله من أهلٍ وعشيرة خير الجزاء، ثم أسلم الرجل. هذا في رواية أنس أنه أسلم، وأنا أستغفر الله إن كنت وقفت منه موقف المعارضة. ثم قال صلى الله عليه وسلم: {إنما مثلي ومثلكم ومثل الأعرابي كرجل كان له دابة فرت منه فذهب يطاردها، فأتى الناس يلاحقونها، فما زادت إلا فراراً، قال الرجل للناس: أيها الناس! دعوني ودابتي أنا أعلم بدابتي} هذه الرواية سندها جيد وليست إلا عند مسلم، لكني أقول: سياقها بهذا بالزيادة، {فأخذ -هذا الرجل- خشاشاً من خشاش الأرض وخضرة الأرض وأشار للدابة فأتت فأمسكها وقيدها، قال: ولو تركتكم والأعرابي لضربتموه ثم كفر ثم دخل النار} أو كما قال عليه الصلاة السلام، حلم وأناة ولطف ولين.

لين موسى وهارون مع فرعون

لين موسى وهارون مع فرعون أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون، فقال لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] يقول ابن كثير قال ابن عباس: أي: منياه بالملك والشباب والصحة، قل يا موسى لفرعون إذا أسلمت متعك الله بشبابك وبملكك وبصحتك. بالله نحن ونحن بسطاء، والواحد منا ليس له ذاك الأثر في المجتمع، لو أتانا رجل ولو كان أعلم أهل الدنيا وقال: يا فلان قاتلك الله لِمَ لا تستقيم على أمر الله؟! دمر الله مستقبلك لِمَ لا تتوب إلى الله؟! والله ليغضبن أحدنا وليخرجن إليه مقاتلاً. لكن ما رأيك بملك من الناس أو زعيم من الزعماء يرى أن الدنيا يجب أن تصغي له وأن تسير في مساره، وأن تسجد له من دون الله، فأتى إليه موسى وقال قولاً ليناً. قال أبو أيوب الأنصاري معنى قوله تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] أي: نادياه بالكنية قولاً يا أبا مرة وكان اسمه أبو مرة مرر الله وجهه في النار، فكان يقول له والمترجم بينهما هارون: يا أبا مرة إذا أسلمت أبقى الله لك ملكك، يا أبا مرة يا أبا مرة والكنية فيها لطافة. أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه فالسوءة اللقب كذاك أدبت حتى صار من خلقي إني وجدت ملاك الشيمة الأدب ولذلك قد يتهم بعض الناس بعض الدعاة بسبب التنازل في بعض الكلمات ولها مقاصد، وقدوتهم في ذلك موسى ومحمد على الأنبياء جميعاً صلاة الله وسلامه، والقلوب لا تنقاد إلا بالحب. دخل رجل من الوَّعاظ على هارون الرشيد قال: يا هارون! قال: نعم، قال: استمع لي لأقولن لك اليوم كلاماً شديداً، قال: والله لا أسمع، قال: ولم؟ قال: أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني فقال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] كيف يدخل إلى القلوب بكلمة قاسية؟ هذا لا يكون، كان أسلوبه صلى الله عليه وسلم الدخول إلى قلوب الناس باللين، نحن نتحدى وغيرنا يتحدى أن يوجد في كتب السنة أو كتب السيرة كلمة بذيئة قالها الرسول صلى الله عليه وسلم. هل سمعتم أنه قال لكافر: يا حمار أو يا منتن أو يا قبيح أو كذا؟ لا، كان عفيفاً قريباً من القلوب حتى أسر الناس. وفي السيرة لابن هشام بسند جيد أن أبا سفيان لما عفا عنهم صلى الله عليه وسلم في الحرم بكى أبو سفيان، وقال: لا إله إلا الله ما أرحمك، ولا إله إلا الله ما أبرك، ولا إله إلا الله ما أوصلك، ولا إله إلا الله ما أكرمك، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفه ورد كما رد يوسف: {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:92] عفا عنهم ولذلك كسب قبائل العرب. يقول الأستاذ علي الطنطاوي: نحن العرب مثل قرون الثوم إذا كشفت قرناً خرجت ثلاثة قرون!! وإذا كشفت القرن الثاني خرج ثلاثة، كلهم زعماء وكلهم أهل سيوف ما جمعهم قبل الإسلام ملك ولا زعيم ولا دولة ولا حضارة ولا ثقافة ولا فنون ولا هيئة، اليهود والنصارى واليونان والصين والرومان وفارس مجتمعون إلا العرب. الواحد منهم أخوه من أبيه وأمه يذبحه عند مربط الشاة على عود من الحطب، الواحد منهم يجزر أخته بالسيف كما يجزر الدجاجة. أمة همجية لولا أن الإسلام نظمها وقادها إلى الله، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] يوم كانت هذه الأمة تعلن ولاءها واقفة لله عز وجل نصرها وجمع كلمتها، لكنها لما أعرضت عن منهج الله؛ هزمت وتقهقرت. كما يقول أحدهم متحدثاً عن العرب: دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العرب أبلت سياط حزيران ظهورهم فقبلوها وباسوا كف من ضربا وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا متى البنادق كانت تسكن الكتبا إلى أن يقول: لكن أُبشِّر هذا الكون أجمعه بصحوة لم تدع في صفنا جربا بفتية طهر القرآن أنفسهم كالأسد تزأر في غاباتها غضبا إلى أن يقول فيها: لا بائع الرخص في سوق النخاسة أو من همه في الورى أن يكسب اللعبا إنما هذه وقفة، وللحديث كلام آخر، وإنما أتكلم في موقفه صلى الله عليه وسلم يوم قاد هذه الأمة باللين والحكمة.

الأسلوب الرابع: التورية في الخطاب

الأسلوب الرابع: التورية في الخطاب الفضيحة ليست بنصيحة، الفضيحة علامة فشل، والداعية لا يفضح الناس ولا يصرح بالأسماء على رءوس الأشهاد، والرسول صلى الله عليه وسلم استخدم أسلوب التورية والإمام الشافعي يكتب لـ أحمد رسالة يقول فيها: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة تعمدني بنصحك: تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة أتريد أن تفضحني على رءوس الأشهاد لكي تقودني إلى الجنة؟ قلبي لا يرضى أبداً، هذه طبيعة وضعها الله في الناس، ولذلك كان يقف صلى الله عليه وسلم فيقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا فيعرف صاحب الخطأ خطأه ولا يدري الناس أن صاحب الخطأ أخطأ. صاحبنا نحن أزد شنوءة من قبائلنا نحن أهل الجنوب، ابن اللتَبِيَة أو اللتْبِيَة كما ضبط عند ابن حجر وغيره، أسلم فوضعه صلى الله عليه وسلم على الصدقات، قال تذهب تجمع الزكوات من الناس والأغنام والمواشي وتأتي بها قال: أبشر حباً وكرامة يا رسول الله. فيذهب إلى أهل الغنم فيؤدون له هدية، والهدية للعمال غلول لا تجوز، ولولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم عينه ما أهدوا له هدية، أتى في المدينة يسوق الغنم، وإذا بسربين من الأغنام في الميمنة وفي الميسرة، قال صلى الله عليه وسلم ما هذه؟ قال: هذه لكم، وهذه أهديت إلي، الرسول صلى الله عليه وسلم غضب. وقال صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، دائماً الأخبار الخطيرة يبثها صلى الله عليه وسلم من على المنبر، لكن هل يقول على المنبر: ابن اللُّتْبِيَة؟ لا، قال: {ما بال أقوام أرسلهم لجمع الصدقات فيأتي أحدهم فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه، والذي نفسي بيده لا يأخذون كثيراً ولا قليلاً إلا أدوه يوم القيامة} أو كما قال عليه الصلاة السلام. فقام رجل أسمر من الأنصار من الأمراء فقال: خذ عملك يا رسول الله! قال: ولم؟ قال: سمعتك تقول ما قلت الآن وقام رجل آخر بخيطين اثنين من صوف قال: هذا أخذته من غنيمة كذا وكذا، ومن غزوة كذا وكذا، قال صلى الله عليه وسلم: {كيتان من النار}. إذاً: الشاهد التورية فلم يكن صلى الله عليه وسلم يظهر الأسماء، ولا يفضح على رءوس الأشهاد، ومخاطبة الناس فن، ولذلك ينصح -وهذه من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم- من يأتي إلى قبيلة أو مجتمع ألا يجرح شعورهم بل يمدحهم بما فيهم من الخير الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لبني عبد الله من بني شيبان: {يا بني عبد الله! إن الله قد أحسن اسمكم واسم أبيكم فاستقيموا أو أسلموا} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ليس الصحيح أن يأتي الإنسان إلى مجتمع فيسبه ويقدح فيه ثم يطلبهم إلى الهداية، القلب لا يتحمل، والشعور ينجرح، وماء الوجه يسكب، فحنانيك ترفق إنها القلوب.

أهل الحسبة في الإسلام

أهل الحسبة في الإسلام أهل الحسبة اختفوا إلا قليلاً في هذا العصر، تعريفهم كما قال أهل العلم: هم طائفة من المؤمنين جندوا أنفسهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير طلباً للأجر من الله تعالى وإصلاح العباد والبلاد. هذه مواصفاتهم، ليس عندهم ألغاز ولا أحاجي ولا دنميت، عندهم إصلاح الناس، يأخذون الإنسان من الخمارة ومن البارة إلى طريق الجنة، يأخذون الإنسان التائه الضال العربيد المغني الراقص بدلاً من أن يضل المسلمين ويطيل ويرقص ويدقدق، يقولون: هذه طريق الجنة، وصلِّ الخمس، بدل أن يجلس على الشاطئ يغازل بنات المسلمين يقودونه إلى جنة عرضها السماوات والأرض، هؤلاء هم أهل الحسبة، ولا يلزم أن يكونوا موظفين وعندهم بطاقات، بل يلزم أن يكون عندهم شيء من الفهم والعقل والخوف من الله والإخلاص، هؤلاء هم أهل الحسبة. وأعظم من اشتغل في الحسبة أصحاب الرسول عليه الصلاة السلام، ومن التابعين سعيد بن المسيب: كان ينزل إلى أسواق المدينة وعروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة إلى أن وصل الحال إلى شيخ الإسلام فأعلن الحسبة بطائفة معه من الناس، فكان ينزل إلى سوق دمشق ويأمر ويقيم الحدود؛ لأنه وجد في عهده من لا يقيم الحدود، فقام بنفسه وأقام الحدود، فكان خطيباً على المنبر وداعيةً وواعظاً ومفتياً ومجاهداً وزاهداً وعابداً. هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله ينزل إلى السوق مع مقصه إذا رأى طويل الشوارب تصدق وتبرع عليه وقصها، قال: هذا خلاف السنة، مر في السوق، فوجد نصرانياً يتكلم في الرسول صلى الله عليه وسلم فتقاتل هو وإياه وارتفعت القضية إلى السلطان فجلد ابن تيمية، لكنه جلد في سبيل الله. إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم دخل التتار وهو في غرفته قرب سوق دمشق فخرج وشرب في اليوم السابع عشر من رمضان كأساً من الماء، وقال لأهل دمشق: اشربوا الماء، وأفطروا، فالعدو أقبل، يجب عليكم وجوباً أن تخرجوا للجهاد، خرج وأخذ السيف وسله وقاتل، حتى يقول بعض الناس: سمعت شظايا كسار سيف شيخ الإسلام في معركة شقحب من على رءوس الناس، أي عالم هذا العالم؟! أي إنسان هذا الإنسان؟! الحقيقة بالغنا فيه، لكن حبك الشيء يعمي ويصم. يقولون لـ ابن الجوزي: أنت تحب أحمد أكثر من اللازم، يعنون أحمد بن حنبل فقال على المنبر: أتوب إليك يا رحمان مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب وأما عن هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب .

مواطن تواجد أهل الحسبة

مواطن تواجد أهل الحسبة ما هي المواطن التي يتواجد فيها أهل الحسبة؟ أهل الحسبة يجوبون النوادي وتجمعات الناس والأسواق، ودكاكين الباعة وأهل الخياطة، والمجالس العامة والحوانيت وأهل الصياغة، فيأمرون وينهون بالحكمة والموعظة الحسنة. إذاً: أهل الحسبة ليس لهم حد، وقضية تحجيم الدعوة في المساجد ليس بصحيح، الداعية يدخل إلى نوادي الرياضة يأمر وينهى؛ لأن محمداً صلى الله عليه وسلم دخل سوق عكاظ، الذي كان فيه خمر وزناً ورباً فأتى بجمله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى لا إله إلا الله. الداعية يدخل إلى المقاهي ينصحهم؛ لأن الذين أتكلم فيهم الآن في المسجد كلهم أولياء لله، سواء كان أحدهم ظالماً لنفسه أو مقتصداً أو سابقاً بالخيرات، لكن في المجمل هم أولياء لله، ولم يأتِ أحدهم إلا ليصلي، لكن قل لي: عشرات الناس الذين في المقاهي، والأندية، والشواطئ، من الذي يدعوهم إلى الله؟! كل الذين أمامي أعرف أن باستطاعتهم أن يكونوا دعاة إلى الله، وأعرف أن منهم علماء ومشايخ أفضل من المتكلم وأعلم وأحرص على الدعوة. في تجمع من التجمعات، عند عالم من العلماء، في إحدى المدن تجمع ستة آلاف شاب لحضور هذه المحاضرة، تكاثرهم الناس ورأوا أن العدد كثير -وهو كثير- فلما خرجوا من المحاضرة رأوا نادياً رياضياً، فوجدوا فيه ما يقارب ستين ألف شاب، اجتمعوا للتشجيع، ستة آلاف هنا وستون ألفاً هناك! لأن أهل الخير يوم يجتمعون في مكان يتكاثرون أنفسهم، لكن من يدعو هؤلاء الستين ويدخلهم المسجد، صحيح أن دعوة الناس الجاهزين سهلة، وأن الذين تهيئوا للهداية سهلة، ولكن من الذي يخرج الناس من الضلالة إلى الهدى إلا أولياء الله عز وجل، وهي مهمة الأنبياء والرسل، ولذلك الرجل كل الرجل من يأتي برجل من المقهى لا يعرف الله فيعرفه بالله، يأتي به إلى المسجد، أما من يتكلم في من هو متهيئ سني عابد فهذا أمره سهل، ولو أنه مأجور على كل حال.

وسائل أهل الحسبة

وسائل أهل الحسبة نحن نعيش في العصر الذي نعيش فيه، ولكن منهجنا يبقى الكتاب والسنة، لأن البعض كتب في بعض هذه الرسائل -وقد قرأت بعضها- يقول: لا تسرفوا في استخدام الوسائل وتخرجوا عن المنهج، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى الله على حمار فنصره الله! هل نترك السيارة الأمريكية، نسافر إلى الطائف نلقي المحاضرات على حمير؟! ونقول: يحرم التكلم في مكبرات الصوت لأن الفرنسيين صنعوها، ونترك المراوح واللمبات والنظارات، والأقلام، ونقول: صنعها الكفار، فهذا ليس بصحيح، هذه الوسائل وجدت فنستخدمها؛ لأننا إن لم نستخدمها استخدمها أهل الباطل ودمرونا بها والله يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] أليس من القوة أن نأخذ هذه الوسائل؟ بلى. وسائل السلف كانت الخطابة، وما زالت هي الوسيلة المستخدمة إلى الآن، ولابد من سياط الوعظ في القلوب. ولا يمكن استغناء الأمة عن الوعاظ ولا عن الفقهاء، الفقهاء مهمتهم أن يفتوا الناس عن الماء إذا خالطه الكافور، وعن بيع العينة، وعن أقسام المياه الثلاثة، ولابد من هذا الواعظ الذي يذكر باليوم الآخر، أما أن نتكلم دائماً عن الماء المشمس والماء إذا خالطه كافور، وعدة المطلقة فسوف تقسوا القلوب ولو أنها فقهت شيئاً من أمور الدين، ولا نبقى دائماً نقول للناس: تموتون وتبعثون وتحاسبون، فأين العلم؟ لابد من مدرسة الوعظ، ومدرسة العلم، وكذلك كان درس النبي صلى الله عليه وسلم، بل القرآن وعظ ترغيبي ترهيبي وعلم تنصيصي فقهي، كما قاله كثير من العلماء، فلا بد من المسارين الاثنين. فشكر الله جهود العلماء الذي يفقهون ويفتون الناس، وشكر الله جهود الوعاظ الذين يعظون الناس، كلنا بحاجة إلى مدرسة الوعظ ومدرسة الفقه، أما الكلمة العابرة فطيبة. وأخبركم بقصة رجل حدثت له عندما ذهب مع بعض الشباب إلى مكة لأداء العمرة في رمضان، وفي أثناء الطريق كان هناك محل غناء، فذهبوا فوجدوه يغني ويطبل فنسقوا له خطة لإدخاله في مصيدة الهداية، وليدلوه على الجنة فقط، فهم يريدون منه شيئاً قادياً، أرسلوا أحدهم قالوا: أنت تتكلم قبلنا كأنك لا تدري بنا ولا ندري بك، فذهب هذا الرجل فألقى عليه موعظة، وبعد أن عاد الأول ذهب الثاني، وكأنه لا يشعر بالأول، فألقى عليه موعظة، رجع الثاني وذهب الثالث فصب عليه موعظة. الرجل انذهل قال: الناس حدث لهم شيء، كلهم يأتونني في وقت محدد، فأخرج لهم بنفسه كتيباً صغيراً عن تحريم الغناء، وأعطاهم موثقاً من الله أن يتوب وأن ينقل تسجيلاته إلى تسجيلات إسلامية. تصوروا لو أن حلاقاً يحلق ذقون المؤمنين، يتبرع بحلق اللحى من الأذن إلى الأذن كل صباح، لو أنه يمر به عشرات الناس؛ في طريقك وأنت تأخذ خبزاً للأهل وتقول له: اتق الله، أنت على خطأ، وأخوك يمر به وابن عمك وجارك حتى يتوالى عليه عشرة أو عشرين في اليوم، ما هو شعور هذا الحلاق؟ هل يقر له قرار، ويبقى عنده فكر؟! وهؤلاء الخياطون أصبحوا ثكنات الإفساد في الأرض، بعضهم أصبح يدمر ما لا تدمره مدارس الاستشراق، هندوك وبوذيون وسيخ، يحملون الفاحشة الكبرى، وتعرضوا لعباد الله، ولإماء الله بالفساد المفرق، فهؤلاء لو تعرضوا للكلمات، نحن لا نقول: قاتلوا الناس لكن كلمة اتقوا الله خافوا الله، كبائع المجلات الخليعة وصاحب الاستريو الغنائي وكثير من الباعة الغشاشين، فأين الكلمات العابرة التي كان يطلقها السلف، كانوا يطلقون الكلمات العابرة، ويرشدهم محمد صلى الله عليه وسلم، كان يمر على الأسواق ويتكلم مع الباعة، وأين تأليف القلوب بشيء من الدنيا؟ أحد الصالحين من الدعاة يعتمد على الدعوة الفردية ولا يذهب إلا إلى المجرمين وإلى رءوس الشياطين، الإنسان الملتحي لا يدعوه لأنه متوجه، لكن يبحث عن مجرم، وعن أحد رءوس الشياطين، فيذهب فينصبّ عليه، ويدعوه، وبعد شهر أو شهرين يأتي به يصيده صيداً، كما يقول أحد الدعاة: السوق مناهبة؛ الشيطان ينهب، وأنت تنهب فانهب مع الشيطان، فسئل عند طريقته في الدعوة فقال: أولاً: أدعو الشخص إلى زيارتي في البيت، فإذا قدم إلى بيتي قدمت له وجبة دسمة، ولا أتكلم له عن شيء، يتغدى ويشرب الشاي، ثم أرافقه إلى الباب، ولا ألقي عليه محاضرة. والمرة الثانية: أهدي له هدية. والمرة الثالثة: أقوم في الثلث الأخير فأدعو الواحد الأحد أن يهدي قلبه. والله لقد سمعت هذا الكلام من رجل في الستين من عمره، وهذا الرجل مجرب لا يأتي إلا برءوس الشياطين يدخلهم في دين الله. قال: فوسيلتي، هذه الوسائل، هدية، ووليمة، ودعاء في الثلث الأخير، والمرة الرابعة أذهب فأدعوه، وفي الأخير يستجيب، قال: وجربت عشرات الناس بل بلغوا المئات الآن، واستجابوا وأصبحوا من أولياء الله، وقد رأيت بعضهم يبكون إذا سمعوا الذكر، هذا هو الداعية، أما الذي يأتي إلى أناس جاهزين فيتكلم فيهم فهو محسن على كل حال، لكن ذاك نوع آخر. وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال وقال آخر: لا يدرك المجد إلا سيد فطن لما يشق على السادات فعال لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال هذا أسلوب من أساليب أهل الحسبة في الإسلام، وأولياء الله موجودون، فهم في القرى وفي المدن، قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:31]. أما الأساليب التي جَدَّت وبإمكان الدعاة استخدامها الآن، فمنها: إهداء الكتاب أو الكتيب أو الشريط الإسلامي، وقد أثر الشريط الإسلامي في الناس تأثيراً بالغاً، فيهدي لهم ليسمعوه في البيوت أو في السيارات. ومنها: المنشور والرسالة: أن تكتب رسالة لحبيبك وصديقك. ومنها: الاتصال بالهاتف. ومنها: الكتابة في الصحف، وغيرها من الوسائل التي ينبغي على الدعاة المشاركة فيها. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

منهج محمد الغزالي

منهج محمد الغزالي Q ما قولكم في إباحة محمد الغزالي المعاصر للغناء، وتضعيف الحديث الذي في صحيح البخاري الذي يحرم الغناء؟ A أولاً: الشيخ محمد الغزالي المفكر الإسلامي المعروف، والذي يدرس الآن في جامعة الجزائر رجل مشكور على كل حال وله حسنات، وهو من الدعاة الذين نحسبهم والله حسيبهم عنده صدق وإخلاص لهذا الدين، ولا نضعه في مواضع بعض المفكرين المغرضين الذين يحملون عداءً لهذا الدين، فهو صادق ويعرف منه هذا الأمر ويحارب الإلحاد والزندقة، لكن ظهر له في الأخير كتاب أثار بعض الريبة والاتهامات والنقد له، وهذا الكتاب اسمه السنة بين أهل الحديث وأهل الفقه، ورأيت هذا الكتاب وقد رد عليه كثير من أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ وطلبة العلم، ومن أحسن ما علمت أنه رد عليه الشيخ سلمان العودة من القصيم وكتابه موجود بعنوان حوار هادئ مع الغزالي، وتنشر المسلمون حلقات منه، وله أشرطة في السوق، ورد عليه الشيخ محمود الطحان وغيره لكن ردهم بسيط سهل. وخلاصة الكلام: أن الغزالي يؤخذ عليه مآخذ وأمره إلى الله ونزنه بميزان سورة الأحقاف: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. عرف بالاستقراء لكتبه أنه يقدم العقل كثيراً على النقل، وهذا المنهج منهج معتزلي، وهو منهج المناطقة والمتكلمين من الأشاعرة، وقد رد ابن تيمية على هؤلاء بكتاب درء تعارض العقل والنقل وضحَّى بـ الرازي فيه فذبحه إلى الطريقة الإسلامية على القبلة، فيؤخذ ويراجع كتاب ابن تيمية ليتحقق المسألة في هذا الأمر، وأنه لا تعارض بين العقل والنقل، لكن الغزالي ينتبه له، حتى أن له منهجاً في الحديث، وقد نقله في كتبه مثل فن الدعاء للرسول عليه الصلاة والسلام وغيره من الكتب فهو يرى أن الحديث إذا كان معناه صحيحاً بالعقل قبلناه ولو كان ضعيف السند، وإذا كان معناه لا يقبله العقل رددناه ولو كان صحيح السند. مثل ماذا يا غزالي؟ قال: مثل الحديث الذي في صحيح البخاري، يقول: إن موسى عليه السلام لما أتاه ملك الموت ضرب عينه ففقأها فذهب إلى الله فرد عليه عينه، قال: هذا لا يوافقه العقل فهو مردود، وهذه قاعدة يردها بالإجماع علماء السنة وأهل الحديث وأهل المصطلح ولا يقبلونها، وهي خطيرة كل الخطورة، وقد تعرض لها الألباني بالرد لكنه لم يسم المردود عليه، ولو أنه ناله في بعض الكتب ورد عليه. المنهج الثاني: أن الشيخ الغزالي تساهل في حجاب المرأة المسلمة، وبيَّن أن الحجاب لا يشمل الوجه والكفين، وذكر أن هذا أتى من الحجاز ومن ناحية نجد، وأن أول من أتى بها أهل نجد ولم تكن معروفة في العالم الإسلامي، وقد أخطأ خطأين: أولاً: أساء الفهم، ثانياً: أساء إلى التاريخ. فأما إساءته للفهم فإن أدلة الكتاب والسنة تدل على أن الوجه والكفين لابد من تحجيبهما، ولا بد من إدخال الحجاب في ذلك. وأما التاريخ فلم يأتِ أولاً من نجد، فـ نجد من بلاد الله عز وجل ومن بلاد المسلمين يشملها ما يشمل غيرها والرسول صلى الله عليه وسلم بعث للناس كافة بشيراً ونذيراً للعالمين. المنهج الثالث: مزلق الغناء، وقد تبع في ذلك ابن حزم وابن الطاهر المقدسي، فأباحه وقال: لا شيء فيه، بل يردد هو وبعض المفكرين أسماء ليس لها داعي من المغنيات وعفا الله عنهم. والصحيح أنه محرم لحديث أبي مالك الأشعري في البخاري والذي اعترض عليه الغزالي: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} هذا الحديث تعرض له الدارقطني وابن حزم وقالوا: البخاري لم يدرك هشام بن عمار، لأنه قال: وقال هشام بن عمار: حدثنا فلان ثم ساق الحديث، والصحيح أن البخاري أدرك هشام بن عمار وروى عنه يقيناً. المنهج الرابع: الغزالي يقول: للمرأة أن تتولى الأمر والحكم في الإسلام، ولها أن تشارك في البرلمان، وأن تدلي بصوتها، وأن تتولى الوزارة، وهذا رأي خاطئ لقوله عليه الصلاة السلام: {لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة} فالمرأة في الإسلام لها شئونها لكنها لا تشارك في البرلمان ولا تتولى، ولا يزال قوم تتولاهم النساء أمرهم في سفال وذلة وصغار، وليس عندنا في الإسلام هذا المبدأ، فليتنبه الغزالي ومن وراء الغزالي. المنهج الخامس: غفر الله له وسامحه الله أنه تناقض في الصفات، فهو مرة أشعري ومرة ينتقد الأشاعرة، ومرة يأخذ في الصفات بمذهب أهل السنة فلا يُدرى حاله، والسبب في ذلك: أن منهجه وعظي عاطفي وليس بعلمي فقهي، إنما يعتمد العاطفة، مرة يمدح الأشاعرة ويقول: هم الذين نزهوا الله، فقد أخطأ في هذا كثيراً سامحه الله، بل منهج أهل السنة هو المنهج الصحيح، والأشاعرة أخطئوا في ذلك، ولم يكن منهجهم صائباً. يأتي مرة ويقول: أنا لا أعرف رباً له قدم، سبحان الله! إذا أثبت رسول الله قدماً نثبتها لله بلا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. سادساً: الغزالي في كتاب ظلام من الغرب يقول في كلام فيما معناه: إننا يمكن أن نتضامن مع نصارى العرب ونكون جبهة واحدة، نحن العرب مسلمين ونصارى ضد من ناوأنا، سبحان الله! النصراني يكون أخاً لنا ضد عدونا متى كان هذا؟! هذا معناه غبش في الولاء والبراء. ويقول: إن العربي يحمل حب محمد عليه الصلاة السلام، كيف يكون العربي النصراني يحمل حب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم؟! فليتنبه لهذا الرجل ولا تغمط حسناته، فإنه قد أجاد في كثير من كتبه، ويستفاد منها مثل كتاب جدد حياتك وعلل وأدواء وهموم داعية فله حسنات على كل حال، لكن يتنبه لهذا الأمر، ويوقف عند حده في هذه المسائل. وكما قال مالك: كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة السلام. وإنني أعتب على بعض الإخوة من طلبة العلم على إهدار حسنات الناس، فإنك تجد لبعض الناس حسنات، فيهدرونها بخطأ واحد، ويضيعون جهده ويدعون عليه، وينسفون ما بناه من صروح في خدمة هذا الدين وجهد، فيمزقونها تماماً، وهذا إجحاف، وبعضهم ينسى هذه الزلات والخطايا ويضفي أثواب المدح على صاحب الخير، والله يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143].

تنبيهات هامة

تنبيهات هامة ينبه على الإخوة المصطافين بأمور نريد أن نذكرها لأننا سمعناها من بعض المشايخ وبعض أهل الفضل والقائمين على الدعوة: الأمر الأول: أنا أعرف أن أمامي أهل استقامة ورشد وخير والتزام بالحجاب حتى في أماكن الاصطياف وعدم الاختلاط، لأنه تسوهل في بعض المخيمات أن يأتي قرابة من مناطق متعددة، فيجلس الرجال والنساء سوياً، وهذا يخالف منهج الله عز وجل وكتاب الله، وهذه جلسة جاهلية: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. الأمر الثاني: وجد ضياع الوقت في المنتزهات، فلا يوجد عندهم في جلساتهم قراءة قرآن ولا تدارس حديث، ولا استماع شريط إسلامي، ولا ذكر لله، ولا زيادة نوافل، وهذا خطأ، لأن المسلم ليس من مقصده ضياع الوقت، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. الأمر الثالث: وجد أن بعضهم يؤذي جيرانه برفع أصوات الغناء والمسجلات التي فيها أصوات تغضب الله عز وجل، وهذا خطأ، وقد شكي كثيراً من هذه الظاهرة، وهذه لا تبشر بالخير. الأمر الرابع: الإسراف في الوجبات وتناول المطعومات والمشروبات، وهذه حلال لكن الإسراف فيها هو المحرم، قال تعالى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} [الإسراء:26]. هذا ما حصل في هذه الليلة، وأعود مرة رابعة، وأقول للإخوة الذين ينزلون تهامة للدعوة في القرى كما أخبرتكم: إن أحد المحسنين تقدم بسيارة تبرع جزاه الله خيراً، وهي على وشك أن تشترى بما يقارب خمسين ألفاً، وجهزها للدعاة الذين ينزلون إلى ضواحي تهامة لتعليم الناس الإسلام الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم، وجهة البادية، والقرى المجاورة لـ أبها ودائماً كل يوم جمعة في العصر يجتمع الإخوة هنا وينطلقون إلى هذا الضواحي يعلمون الناس الدين بشيء مبسط ميسر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} يعلمونهم الفاتحة والوضوء والصلاة، وينهونهم عن الكبائر والمحرمات؛ لينقذوهم من النار ويدلوهم على الجنة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]. وأدعوكم كما ذكرني بعض الإخوة في رسائلهم أن أنبه على الإخوة لشراء الأشرطة وإهدائها للناس لتكون أسلوباً للدعوة، لأنه ليس كل أحد يستطيع الكلام مع الناس، فإهداء الشريط الإسلامي مطلوب، وأنا أدعو أهل التسجيلات الإسلامية أن يعنونوا في آخر كل شريط بطلب إهداء الشريط إلى الإخوان المسلمين وإلى الأخوات المسلمات وإلى إدخاله البيوت علَّ الله أن يصلح به وأن يهدي به وينفع. شكر الله لكم استماعكم، وجمعني بكم في دار الكرامة، وثبتنا وإياكم على الاستقامة، وألهمنا كلمة الخير والعدل والسلامة، وأحلنا بها الجنة، وثبتنا وإياكم حتى نلقاه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وأعتذر عن بعض الأسئلة لأنها إما سؤال شخصي أو سؤال لا يناسب عرضه على الناس، وبالإمكان الاتصال بي أو بأحد الإخوة من طلبة العلم للإجابة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

المسد والنصر والكافرون

المسد والنصر والكافرون هذا الدرس تفسير لثلاث من قصار السور وهي: سورة المسد، والنصر والكافرون. وفي تفسير سورة المسد دروس، منها: أن النسب لا ينفع لدخول الجنة، وأن عداوة القرابة ليس فوقها عداوة. وفي تفسير سورة النصر دروس، منها: أن أعظم نصر للعبد أن ينتصر على نفسه، وأن النصر الأكيد هو نصر الله لأوليائه على أعدائه، وأن التوبة فتح من الله. وفي تفسير سورة الكافرون دروس، منها: أن على المسلم أن يتميز بمعتقده، ويتبرء من الكفر وأهله، ويعلن أنه لا التقاء أبداً مع أهل الباطل.

تفسير سورة المسد

تفسير سورة المسد إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نحن وجه الشمس إيمانٌ وقوة نسبٌ حُرُّ ومجدٌ وفتوه كرب عمي، وقحطان أبي وهبوا لي المجد من تلك الأبوه والسيوف البيض في وجه الردى يوم ضرب الهام من دون النبوه نحن من أحمد صغنا مجدنا رصع الحق أكاليل علوَّه ثمن المجد دمٌ جدنا به يوم حطمنا من الباغي عتوَّه في مساء السبت حيينا بكم مسجد الصديق يزهو بالأخوه أيها الأخيار! يا أحفاد من نصروا الإسلام واجتاحوا عَدُوه وأناروا العقل في ليل الهوى يوم كان الكفر في سبعين هُوَّه إنني أحييكم في هذا اللقاء تحية خالدة مباركة. وأسأل الله كما جمعنا في هذا المكان الطيِّب بطيبكم والمبارك بوجودكم أن يجمعنا في دار الكرامة. والحقيقة: أن هذا الدرس يصل عمره إلى الخمس سنوات، وفي كل مساء سبت أسعد كثيراً، وأجد - يعلم الله - من النشاط يوم السبت والفرحة والبهجة ما لا يعلمه إلا الله؛ لأنني ألتقي بصفوة المنطقة، في العلم، والصلاح، والفكر والأدب والخير، فهم الصفوة الطيبة المباركة، الذين تركوا أعمالهم، وأشغالهم وارتباطاتهم، وحضروا هنا لأربعة أمور: الأمر الأول: ليباهي بهم الله عز وجل في ملائكته. الأمر الثاني: لتحفهم الملائكة. الأمر الثالث: للتتنزل عليهم السكينة. الأمر الرابع: لتغشاهم الرحمة. ولعلكم في مساء كل سبت تنصرفون مفغوراً لكم بإذن الله، كما صح في الأحاديث. وإن السعادة كل السعادة تغمر الإنسان بقصوره وبما عنده من عجز، وبما عنده من تطفل على العلم، وعلى موائد العلماء، أن يجد مثل هذه الطاقات المباركة من الشيوخ الكبار في السن، الصالحين الذين بلغوا الستين والسبعين، ويأتون من أطراف المنطقة، ومن القرى؛ ليحضروا بشيخوختهم وبكبر سنهم هذه الدروس، فيشاركون الشباب توجههم مع محمد عليه الصلاة والسلام. وأجد كذلك الآباء وهم يجلسون أمام أبنائهم وهم يحدثونهم عن محمد عليه الصلاة والسلام وعن ميراثه. وأفرح وأنا أجد زملائي من طلبة الجامعات والثانويات والمعاهد والمتوسطات والابتدائيات، وهم يحفون كل مساء سبت فيحضرون فأسعد بهم، وأتمنى من الله عز وجل أن يحشرني معهم، تحت لواء محمد عليه الصلاة والسلام. أهلاً وسهلاً والسلام عليكمُ وتحية منا تُزَف إليكمُ أحبابنا! ما أجمل الدنيا بكم لا تقبح الدنيا وفيها أنتمُ مرَّت ثلاثة دروس في التفسير: الدرس الأول: (قل أعوذ برب الناس). والدرس الثاني: (قل أعوذ برب الفلق). والدرس الثالث: (قل هو الله أحد) وكان في محاضرة. والدرس الرابع هذه الليلة: ثلاث سور: (المسد، والنصر، والكافرون). والسبب في إقحام ثلاث سور في درس واحد؛ لما أتاني من بعض الرسائل والاتصالات الهاتفية من كثير من الأحبة، وبعض المشايخ أثابهم الله، منهم من أبدى ارتياحه كثيراً، ودعا، وأشكره على حسن ظنه، ومنهم من لاحظ ووجه، والملاحظ والموجه أحب إلي من المثني والمادح، فرأوا أنه يمكن أن يكون هناك طول إذا أخذت السورة القصيرة من المغرب إلى العشاء، فحببوا لو يختصر في الشرح، ويربط واقع الناس بالقرآن، وتؤخذ سورتان أو ثلاث أو على حسب الحاجة في الدرس الواحد. فاستجبت لرأيهم شاكراً، فالدرس الرابع هذه الليلة سوف يكون في هذه السور الثلاث. ونبدأ مع كلام من يحسن كلامه، ومن ترتاح الأسماع لكلامه، وكلامنا مع كلامه بينه بَون، كالبَون الذي بينه وبين خلقه، كلامنا نسبته إلى كلامه كالخزف والفخار إلى الجوهر الغالي الثمين، فكلامه سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت:42] أما كلامنا فإنه عرضة للباطل أن يأتيه أحياناً، وعرضة للوهم وللسهو وللغلط، أما كلامه، فإنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى شرفه أن يعترضه غلط أو وهم أو سهو. أولاً: سورة المسد. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1 - 5]

خبث أبي لهب

خبث أبي لهب سمعتم جميعاً هذا الكلام وتسمعونه في كل يوم، وهو مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور. من هو أبو لهب؟ أبو لهب: هو عم محمد عليه الصلاة والسلام، عمه في نسب الدم والطين، لا في العقيدة ولا في الدين، عمه من أسرته (بني هاشم) الأسرة الماجدة عبر الكرة الأرضية طولاً وعرضاً ومع ذلك بدأ به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى باسمه فمرغه في التراب، فلا عمومة إلا عمومة الدين، ولا خئولة، إلا خئولة الدين، ولا نسب إلا نسب الدين، ولا محبة إلا محبة الدين. من هو أبو لهب؟ أولاً: أبو لهب: أستاذ للجهالة وللإعراض وللعناد وللقوى الشريرة في العالم حتى يرث الله الأرض ومن عليها. ثانياً: أبو لهب: رجل تكبر بجاهه وأسرته، ورفض الحق ورفض (لا إله إلا الله، محمداً رسول الله). ثالثاً: أبو لهب: رجل كتب الله عليه ألا يسلم، ولا يؤمن ولا يعرف الحق، ولا يسجد لمن أنزل (لا إله إلا الله). رابعاً: أبو لهب: عنده بيت، هيأه بأبنائه وبزوجته وبماله وبإرادته لحرب محمد عليه الصلاة والسلام. خامساً: أبو لهب: يقف في الصف المعارض والمعسكر المحايد لمحمد عليه الصلاة والسلام. زوجته (حمالة الحطب) هي أم جميل، تحمل الحطب في طريق محمد عليه الصلاة والسلام تحاربه صباح مساء. أحد أبنائه اعترض على الرسول صلى الله عليه وسلم وبصق في وجه محمد أشرف الناس، فقال عليه الصلاة والسلام: {اللهم سلط عليه كلباً من كلابك} لم ينتصف عليه الصلاة والسلام منه ولم يمد يده، ولم يطلب الثأر لنفسه، بل قال: {اللهم سلط عليه كلباً من كلابك} فخرج هذا في سفر إلى الشام، ونام في وسط القافلة، فقال له أصحابه: ما لك تتخفى وتختبئ وسطنا؟! قال: أخشى أن يُرسل عليَّ كلبُ محمد في الليل، ولكن هل يحميه من الله حامٍ؟ {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21] فجعله رفقته وأصحابه وسطهم، وفي وسط الليل الدامس أرسل الله عليه أسداً وهو من كلاب الله، فقام الأسد يتشمشم الناس ليتعرف على ذاك الجسم الخبيث الذي بصق في وجه محمد عليه الصلاة والسلام، فاستيقظ الناس وهم مضطجعون على ظهورهم ونظروا وإذا الأسد ملك الحيوانات يبحث عن فريسة، فكان الرجل يُخْلَع مكانه، وكان عرقه يتصبب، فيشمه الأسد، وينظر إلى خياشيمه فيتركه؛ لأنه ليس الفريسة، إنما أرسله الله على رجل باسمه وبعينه، حتى أتى إلى هذا الابن الضال المجرم للأب الضال المجرم، فالتَقَمَ رأسه لقمة واحدة.

سبب نزول قوله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتب)

سبب نزول قوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) ما سبب السورة؟ ولماذا نزلت؟ لماذا هذا الهجوم الصاعق فيها، حتى قوافيها صواعق تلتهب كالقذائف، لهب وأبو لهب، ونار ومسد، وحبل وحمالة حطب، كلها وقود ونار وقذائف وألغام وديناميت، لماذا؟ قام عليه الصلاة والسلام على الصفا بعد الأربعين من عمره لما أنزل الله عليه: (اقْرَأْ) وأنزل عليه (لا إله إلا الله، محمداً رسول الله) فجمع كفار قريش جميعاً وجمع بني عبد مناف، وجمع بطون قريش في الحرم، حتى اكتظ بهم الحرم من أوله إلى آخره، رجالاً ونساءً وأطفالاً ليقرأ عليهم منشوراً إلهياً خطيراً لم يسمع الناس بمثله. يقول أحد المفكرين العصريين: إن أعظم مفاجأة طرقت العالم مفاجأة الرسول عليه الصلاة والسلام، والله يقول: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} [النبأ:1 - 2] أي نبأ أعظم من نبأ إرساله عليه الصلاة والسلام؟ هل سمعت خبراً أعظم من إرسال هذا الأمي؛ لينقذ الدنيا ويقودها إلى الله؟ لا. فلما اجتمعوا جميعاً قال عليه الصلاة والسلام: {يا معشر قريش! أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً في بطن الوادي تريد أن تُصَبِّحكم، أمُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً…}. يقول: لو أخبرتكم أن جيشاً يريد اجتياحكم، وغزاة يريدون تحطيمكم، أتصدقوني؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً. قال: {…إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قولوا: (لا إله إلا الله) تفلحوا}. فمن الذي يرد؟ أبو لهب، العم أخو الوالد. وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهندِ تستطيع أن تتحمل كل إساءة من البعيد، إلا القريب هذا أخو الوالد، في سن الرسول عليه الصلاة والسلام، شيخ شابت لحيته، لكن: ويقبح بالفتى فعل التصابي وأقبح منه شيخ قد تفتى ... هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها ما بال أشيب يستهويه شيطان قام وراء الرسول عليه الصلاة والسلام وجرجره بثيابه وقال: تباً لك سائر اليوم، ألهذا دعوتنا؟ يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: تباً لك وخسارة لك، ضيعتنا من أشغالنا وأعمالنا، وقطعت علينا راحتنا، لتدعونا إلى هذا الأمر البسيط السهل، فسكت عليه الصلاة والسلام، فتولى الله من فوق سبع سماوات الرد عليه.

بيان قوله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتب)

بيان قوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) قال: اتركه، سوف يعلم من المتبوب والخاسر والهالك، فقال سبحانه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1]. قال أهل العلم: كرر في البدء التباب توكيداً وحثاً على أنه سوف تتب يده لا محالة، (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ). ماتبت يدك يا محمد: لكن تبت يدا أبي لهب؛ لأنها يدٌ خائنة عميلة، مرتزقة، عدوة لله ورسوله، أما يدك يا محمد! فهي نظيفة بيضاء نقية طاهرة، كماء الغمام. والله لا تخسر، ولا تهلك مبادؤك، ووالله لتنتصرن، أما هو فـ (تَبَّتْ). قالوا: ذكر يده كناية عن سعيه، وكسبه، ومنهجه، ومبادئه. والحقيقة: أن كل من سلك طريق أبي لهب من الناس سواءً كان صاحب منصب، أو صاحب فكر، أو قلم، أو علم، أو أدب، أو موهبة يفعل فعله سوف ينال جزاءه لا محالة من الله. كنيتُه: أبو لهب، وهي في الحقيقة: كنية استحقت أن يذكره الله عز وجل باللهب في الآخرة، وسوف يصلى اللهب ويذوقه. قال ابن كثير: فيها معجزة ظاهرة، فإن الله أخبر أنه لا يتوب ولا يسلم، فما تاب ولا أسلم بل مات على كفره. (وَتَبَّ): التباب هو الخسار والهلاك والدمار والانسحاق والضياع، ولك أن تختار من هذه الكلمات الخمس ما شئت، لكنها لا ترقى إلى مسألة (تبَّ).

بيان قوله تعالى: (ما أغنى عنه ماله وما كسب)

بيان قوله تعالى: (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) كان أبو لهب صاحب مال، وكان من تجار قريش، وكان يلبس الذهب؛ لكنه بعيد عن الله عز وجل ولا ينفعه ذلك، قال: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد:2] قالوا: سمى ماله وما يكسبه في المستقبل لن ينفعه أبداً، فليس له رصيد عند الله، ولذلك ترى بعض الناس يتعزز برصيده أحياناً، وتجده يكون لنفسه مكانة اجتماعية، إما بمنصبه، وإما بماله، أو بولده، أو بأسرته، أو بجاهه، وهو عدو لله، فنقول له: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد:2] وما أغنى عنه ولده وما كسب، وما أغنى عنه جاهه ومنصبه وما كسب.

بيان قوله تعالى: (سيصلى نارا ذات لهب)

بيان قوله تعالى: (سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ) هذا قسمٌ من الله عز وجل أن يصليه النار جزاءاً لهذه المواقف المخزية منه، كان عليه الصلاة والسلام يشكو إلى الله عز وجل، ما يصيبه، يقول: {إلى من تكلني؟ إلى قريب ملكته أمري؟ أم إلى بعيد يتجهمني؟}. يقول: يا رب! امنعني واحمني، البعيد يتجهمني، والقريب تملكه أمري، مثل أبي لهب، يسومني سوء العذاب. كان يقف صلى الله عليه وسلم في الأسواق يعلن دعوته، يقف في سوق عكاظ يقول: {يا أيها الناس! قولوا (لا إله إلا الله) تفلحوا} ويأتي أبو لهب وراءه، ويقول: لا تصدقوه، هذا مجنون من بني هاشم، هذا ابن أخي قد جُنَّ، هذا ساحر، هذا كاهن، وكان يأخذ التراب ويحثوه على وجه الرسول عليه الصلاة والسلام، ويسكت عليه الصلاة والسلام. يدخل صلى الله عليه وسلم الخيام على الحجاج يعلن دعوته، وتوحيده، يقود القلوب إلى الله، وهذا يدخل وراءه في الخيام يكذبه، لا إله إلا الله! أي صبر يتحمله الإنسان! حتى أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] أي أنه قد ضاقت قلوب الناس إلا قلبك. فتأمل هذا، فلا يعاقبه صلى الله عليه وسلم ويوكله إلى الله. {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:3]. وتهدأ مشاعره عليه الصلاة والسلام وتخمد ثائرته؛ لأن الإنسان مهما أوتي من الصبر والحلم، إلا أنه قد يبلغ في درجة أن يغلي دمه على البغي والعدوان والطاغوت؛ لكن الله عز وجل يسليه. قال: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:4]

بيان قوله تعالى: (وامرأته حمالة الحطب)

بيان قوله تعالى: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) حتى امرأته المجرمة سوف تذوق ما ذاق، هي مخزومية، وكانت تدخل الحرم وتقول: أين مُذَمَّم، تعني الرسول صلى الله عليه وسلم، دخلت وفي يديها، في يدها اليمنى حجر، وفي يدها اليسرى حجر، تريد أن تضر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقتربت واقتربت، وأبو بكر جالس بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم، فجعل الله من بين يديها سداً ومن خلفها سداً فأغشاها فلم تبصر، فتقول لـ أبي بكر: أين صاحبك؟ قال: التمسيه، وهذا جواب سديد، بمعنى: ابحثي عنه، قال: ولَمَ؟ قالت: يسبني، وهو لم يسبها ولكنه بعد هذه السورة سبها الله، الله الذي تولى سبها وهددها، قالت: لقد علمت قريش أني ابنة سيدها، وماذا يغني عنك أيتها الفتاة! أنك ابنة السيد؟! ماذا يغني عنك وأنت كفرت بـ (لا إله إلا الله) وكفرت بتعاليم محمد صلى الله عليه وسلم وكفرت بالحجاب، وبالبيت الإسلامي، وبالكتاب والسنة، ثم كانت تنشد وتقول: مُذَمَّمَاً أبَيْنا ودينَه قلينا وأمره عصينا وهي تقصد محمداً، يقول صلى الله عليه وسلم: {انظروا كيف يخرس الله ألسِنة قريش عن اسمي فيسموني مذمماً، وأنا محمد}. ثم تعود إلى البيت. يخرج صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام في الليل في صلاة العشاء وصلاة الفجر، فتأخذ هي الشوك في حزم الحطب وتنثره في طريقه، فيصيبه الشوك، وتدمى عقباه، ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}. فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: حبلها هذا الذي تحمل به الحطب، وحطبها هذا سوف نوقد عليه وعلى رأسها وشحمها ودمها في نار جهنم. وأعظم العقوبات أن تعذب العاصي بآلته، وأن تدمره بسلاحه. وبعض أهل العلم من أهل التفسير يرون أن حمالة الحطب: هي التي تمشي بالنميمة بين الناس، وهي بالفعل كذلك، كانت تفعل هذا وهذا، كانت تذهب إلى البيوت تستثير الناس ضد الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان زوجها يستثير الرجال ضد محمد صلى الله عليه وسلم. وامرأة أبي لهب هذه موجودة، توجد في الأندية، وفي المسارح، وفي الأقسام العلمية، وفي المستشفيات، وفي أقسام الإعلام، وهي تمثل تلك المرأة القديمة التي تعارض منهج الرسول عليه الصلاة والسلام، فهي تمشي بالنميمة في سب أهل العلم والفضل، وأهل الدعوة، والصلاح، وهي تمشي بالخزي والعار في عداء هذا الدين, وهي تمشي بالهدم والتدمير في معارضة كلما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم. امرأة أبي لهب موجودة. فمن تحارب الحجاب: فهي امرأة أبي لهب. ومن تحارب الدعوة: فهي امرأة أبي لهب. ومن تدعو إلى الاختلاط والسفور: هي من جنس امرأة أبي لهب. ومن تستهزئ بأهل الفضل والعلم والدعوة: هي من جنس امرأة أبي لهب. وسوف تصلى ناراً ذات لهب. (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ): قال الشافعي -وهذا من استنباطه-: يقر المشركون إذا أسلموا، يقصد: على عقد النكاح فإذا أسلم الرجل المشرك مع امرأته أقروا يقرون على العقد الأول ولا يُنقض نكاحهم، فإن الله أقر أن امرأة أبي لهب امرأة له، فسماها وقال: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:4] وهذا من فقه الشافعي؛ لأن الله سماها امرأة. وكان عليه الصلاة والسلام يقر من أسلم على العقد الأول، ولم يكن ينقضه. وقول آخر لأهل العلم: إن من كان كافراً وأسلم فإنه يجدد العقد، أو من ارتد فترك الصلاة مثلاً ثم عاد فيجدد العقد، والقول الأول هو الأسلم وهو قول الشافعي وغيره. (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ): قالوا: لم يسمها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى استهجاناً لذكرها، وقيل: لأنه اكتفى بتسمية زوجها، فألحقها به، واسمها: أم جميل. وقالوا: إن العقد سوف يستمر إلى النار، أي: سوف يبقى عقد الزوجية هذا ونعوذ بالله إلى النار. قالوا: وما سمعنا أن زوجين قرن بينهما إلى المطاف الأخير في مقعدين في النار إلا هذه وذاك، وتجد بعض المجرمين مقروناً بإجرامه هو وزوجته حتى يلقوا الله في نار جهنم. وبعض الأحيان يفترق الزوجان هذا عن هذا، كنوح وزوجته، هذا من معسكر (لا إله إلا الله) وهذه من معسكر الضلالة والخزي، ولوط وزوجته، وفرعون وزوجته، فرعون في النار، وزوجته في الجنة, {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] قال ابن القيم: سألتِ الجار قبل الدار، قالت: عندك، فبنى الله لها قصراً في الجنة عنده.

بيان قوله تعالى: (في جيدها حبل من مسد)

بيان قوله تعالى: (فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) في جيدها: في عنقها، وذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الجيد، قالوا: لأنه موطن الجَماَل، والعرب إذا أنشدت شعراً في الجمَاَل ذكرت الجيد، فذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن هذا الجيد الذي كانت تتجمل به هذه المرأة، وكان يسمونها أم جميل سوف يلطخ بالنار، وسوف يجعل فيه حبل من مسد، قيل: من ليف، وقيل: من حديد والعياذ بالله فتجرجر به في نار جهنم، حبلها الذي تربط به حزمة الحطب هذه، يربط بعنقها وتجرجر على وجهها وظهرها في نار جهنم {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. وقال بعض المفسرين: في رجلها، وفي يدها. وأقول في جيدها، الأحسن في عنقها.

الدروس المستفادة من سورة المسد

الدروس المستفادة من سورة المسد في السورة دروس: الدرس الأول: معجزة له عليه الصلاة والسلام، كما سلف معنا: أن الله عز وجل ذكر أن هذا لن يهتدي وسوف يعذب وبالفعل مات هو وزوجته وهما كافران. الدرس الثاني: أن هذا أسلوب أدبي مطلوب، وهو الإغلاظ على أهل الكفر والنفاق، قال تعالى: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73] فلا يعترض معترض، كما يكتب بعض الكتبة -الآن- ويقولون: إن بعض العلماء وبعض الدعاة تناولوا بعض الفجرة والمنافقين والكافرين والمرتدين بشيء من التجريح، وهذا لا ينبغي، فيرد عليهم أن أسلوب القرآن أحياناً قد يغلظ على الفاجر والمنافق وعلى الكافر تأديباً وترغيماً وتقويماً وتعنيفاً له. الدرس الثالث: أن على العبد أن ينجو بأسرته من نار جهنم، وليعلم أن النسب لا يكفي، فإن أقرب الناس من الرسول صلى الله عليه وسلم هو أبو لهب، ولكن لم تنفعه هذه القرابة، قال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56] بينما بلال مؤذن أهل الحبشة، وداعي السماء أتى من الحبشة فأسلم على (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) وله قصر في الجنة كالربابة البيضاء. فـ بلال نحبه، ويحبه مسلمو اليونان، ومسلمو اليابان، ومسلمو الصين، ومسلمو المغرب، ومسلمو الجزيرة، وكل مسلم يحب بلالاً، وكل مسلم يكره أبا لهب، فهذا قريب أصيل قرشي، وهذا بعيد في النسب لكنه عبد حبشي، فرفعه الله بـ (لا إله إلا الله) وأخزى الله هذا؛ لأنه كفر بـ (لا إله إلا الله). الدرس الرابع: أن عداوة القرابة ليس فوقها عداوة، ولذلك ابتلى الله رسوله؛ ليرفع درجته بعداوة القرابة، وعداوة البعيد، وعداوة المرأة، وعداوة الرجل، وعداوة الغني، وعداوة الفقير، ثم نصره الله نصراً مؤزراً. الدرس الخامس: أن من المؤسسات المحاربة للإسلام، مؤسسات المرأة، وهي التي تنشأ على غير تقوى من الله ورضوان، وتصد عن منهج الله، وهي خلايا أقامتها الصهيونية العالمية وأذنابها الذين تأثروا بالاستعمار وبالكفر، لحرب الدين بواسطة المرأة بما تكتب، وما تنشر وما تقرر وما تربي فلينتبه لهذا. وهي مدارس توجد في المستشفيات، وفي الأندية، وفي المدارس، وفي المحافل، وفي الجمعيات، وعدد بلا حرج، وهي مدرسة أم جميل. ومدرسة الضلال لأولئك هي مدرسة أبي لهب. ومدرسة محمد صلى الله عليه وسلم هي مدرستكم أنتم. نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا وذكر الأستاذ سيد قطب رحمه الله في الظلال وهو ينقل مشاهد يوم القيامة، وجمال السورة، قال في جمالها: أنها متناسقة العبارات، وصدق! بل هي بديعة كل الإبداع، ورائعة كل الروعة، وفيها من أسلوب الهجوم المؤدى الذي ينتهي بوصم القذائف، فإن فيها قلقلة، {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1 - 5].

تفسير سورة النصر

تفسير سورة النصر بسم الله الرحمن الرحيم {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3]. ثلاث آيات، فيها قضايا:

خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها

خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها يقول ابن عمر رضي الله عنه فيما رواه البزار والبيهقي: {نزلت سورة إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق، فعرف صلى الله عليه وسلم أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرُحِّلَت، ثم قام فخطب الناس، فذكر خطبته المشهورة، وودعهم عليه الصلاة والسلام، وبكى وأبكى، وقال: يا أيها الناس! إنكم مسئولون عني غداً، وأنا مسئول عنكم، فما أنتم قائلون؟ وكانوا مائة وأربعة عشر ألفاً -وقفوا وعيونهم وأبصارهم وأسماعهم وقلوبهم ودماؤهم تجري بحبه عليه الصلاة والسلام، مائة وأربعة عشر ألفاً، من أنحاء الجزيرة العربية، وقفوا ينظرون إليه وهو يتكلم إلى التاريخ، ويتكلم إلى الدهر، أعلن التوحيد وندد بالشرك، وأقام حقوق الإنسان، وألغى التمييز العنصري، وألغى الربا، وقام بخطبة عظيمة، ثم في الأخير استثارهم وأبكاهم، وجعلهم في موقفٍ صعب، وفعل كذلك في يوم عرفة على صعيدٍ واحد، وهم في الأردية البيض، أردية الكفن- وأخذ يقول ويرفع سبابته: إنكم مسئولون عني غداً وأنا مسئول عنكم، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، فقال: اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، اللهم فاشهد} فبكى أبو بكر الصديق وبكى بعض الصحابة، وقالوا: أجله عليه الصلاة والسلام نُعِي إليه. {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3]. المعنى: أنت يا رسول الله! قدمتَ الرسالة، وأنهيتَ مهمتك، وأديت دورك في الحياة، والآن نقبض روحك، لنوفيك أجرك غير منقوص، {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى:4]. الآن انتهيتَ بعد ثلاثة وعشرين، كفيت وعلَّمت، قدمت كتاباً وسنة، قدمت منهجاً للعالم، أخبرت الأمة بالشريعة الربانية، والآن نقبض روحك. وبكى الناس، وأنزل الله بعدها: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]. دخل العرب في دين الله أفواجاً العام التاسع من الهجرة، وهي عام الوفود؛ لأن قبائل العرب عقدت اتفاقاً فيما بينها، فقالوا: ننتظر حتى إذا انتصر على قبيلته قريش دخلنا معه، وإذا انتصرت قريش عليه، كنا مع قريش، يظنون أن المسألة لعب كرة، منتخب ومنتخب، وفريق وفريق، ولا يعلمون أن الله عز وجل مع رسوله، لا يعلمون أن الله عز وجل أرسل رسوله بجيش جرار، يوم فتح مكة، وقال له: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً} [الفتح:1 - 3]. فلما انتصر صلى الله عليه وسلم ورأوا انتصاره على قريش دخلوا في دين الله، فكانت القبيلة تسلم في يوم واحد، وهذه مسلمة الفتح؛ لأن إسلامهم سهل، والذي يسلم سهلاً يخرج سهلاً. أما إسلام أبي بكر فهو إسلام من جنس آخر، وإسلام العشرة المبشرين بالجنة جاء في وقت التعذيب والمحنة، في وقت الفقر والجوع، فجعلهم الله من المبشرين بالجنة. وترى بعض الناس وقت الرخاء، إن أعجبه الوضع وكان مرتاحاً دخل وصلى وخشع في الصلاة وقرأ القرآن، لكن إذا أتته هزات أرضية أو عواصف رملية {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11]. وبعضهم إذا مرضت ابنته يتسخط على الله! ذكر لنا بعض المشايخ، وهو ثقة: أن عامياً من بعض الناس، يقول: كان لجاري سبع بنات وعندي بنت واحدة اسمها هيلة، فمرضت هذه، فكان يدعو الله أن يرزقه بنتاً، أو يرزقه ابناً، فرزقه الله هذه البنت، وصاحب الوديعة له أن يرتد الوديعة متى شاء، فهو المعطي، وهو الذي يأخذ، وهو الذي يجعل هذا عقيماً، وهذا ولوداً، ويرزق هذا بنات، وهذا بنيناً، وهذا بنيناً وبنات، فمرضت هذه البنت، وليس لديه غيرها، فأخذ يبكي ويقول: يا رب! فلان عنده سبع بنات، وتأخذ بنتي، ثم ذكر: أنه خرج من الباب، فأخذ ينظر في السماء، ويقول: يا رب! ما وجدتَ غير هيلة لتأخذها؟! سبحان الله! ومن الذي خلقها؟! ومن الذي صور وأعطى غير الله الواحد الأحد؟! فبعض قبائل العرب دخلوا جملة في الدين، ولذلك لم يكن صلى الله عليه وسلم يعد لهم حساباً كثيراً، فمشايخ القبائل في عهده صلى الله عليه وسلم دخلوا في آخر المطاف الإسلام، كان يعطي الواحد منهم مائة ناقة، أعطى الأقرع شيخ تميم: مائة، وصفوان: مائة، وأبا سفيان مائة، فأسلموا بشيء مادي، ولذلك لما أتت الدائرة في حنين فروا أول الناس، وهربوا وتركوا رسول صلى الله عليه وسلم في المعمعة، وكانوا سبباً في الهزيمة في أول المعركة، وإلاَّ فقد انتصر صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم عندما رآهم الناس هربوا هربوا معهم، حتى أن بعض الأنصار هربوا، وهربت الجمال والخيول، وأخذ أبو سفيان يقول: الآن بطل السحر يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساحراً، حتى ذاك اليوم، وأخذ صفوان بن أمية يقول: لا يرد الناس اليوم إلا البحر، يقصد البحر الأحمر، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبق معه إلا ستة، وهم الستة الذين أسلموا لأول مرة، أي أن الإسلام القوي الممتاز كان في الذين أعلنوا في وقت القوة ووقت العنف والشدة فوقفوا معه، فأخذ السيف وجرده، وقال: {أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب} والحقيقة: عند المؤرخين أنه صلى الله عليه وسلم هزم ألف مقاتل وحده، كان قبله ألف، من قبائل هوازن، وقائدهم مالك بن عوف النصري نزل مسربلاً بالحديد، يقول: فقلت له: فقلت لهم ظنوا بألف مدججٍ سراتهم في الفارسي المسردِ كان معه ألف مقاتل في القلب، لأن هوازن معها ميمنة وميسرة وقلب، فنزل صلى الله عليه وسلم فضرب القلب فهزمه، وهزم الجيش كله {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} [النساء:84]. أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أدبت في هول الردى أبطالها

فقه ابن عباس في سورة النصر

فقه ابن عباس في سورة النصر جمع عمر رضي الله عنه وأرضاه الصحابة، وسبب جمعهم: أن ابن عباس كان يدخل عليهم وعمره أنذاك [13] سنة، وكان ذكياً فطناً، دعا له صلى الله عليه وسلم في الليل الدامس أن يفقهه الله في الدين، وأن يعلمه التأويل، فكان إذا نزلت السورة كُتِبَ معناها في قلب ابن عباس، وكان عمر رضي الله عنه وأرضاه خليفة، وأعضاء مجلس الشورى عنده من كبار الصحابة يشترط فيهم أن يكونوا من أهل بدر، ومن العشرة المبشرين بالجنة، أما بقية الناس فلا يدخلون، فيدخل كبار الناس والعلماء، ويدخل معهم ابن عباس، فيُجْلِس ابن عباس على يمينه، وفي الأخير تكلم العشرة وتكلم بقية الصحابة، وقالوا: [[عندنا أبناء مثل ابن عباس، وأكبر منه، فلماذا يدخل عمرُ ابن عباس ويترك أبناءنا؟]] ومجلس الندوة لا يدخله مثل ابن عباس؛ لأن السن القانونية عند عمر لا يسمح له، وأن يكون عنده مواهب في الإسلام، فلا يشترط عمر أن يكون أبيض، أو أحمر، أو أسود، ولا يكون من أسرة آل فلان، ولا يكون سبق أن تولى كذا وكذا، بل يشترط فيه شروطاً هي: أولاً: أن يكون من المتقدمين في الإسلام. ثانياً: أن يكون صادقاً مع الله، يدفع دمه في أي لحظة، لخدمة (لا إله إلا الله). ثالثاً: ألا يكون منافقاً، أو عميلاً، ولا زنديقاً، أو فاجراً. رابعاً: أن يستولي حبُّ الله ورسوله على لحمه ودمه. فكان يدخل هؤلاء، فجلس الصحابة، وكان عندهم صراحة، فقالوا لـ عمر: [[لِمَ تدخل ابن عباس وتترك أبناءنا؟]]-فقال ابن عباس: [[فأدخلني مرة، وعلمت أنه ما أدخلني إلا ليريهم علمي وفطنتي]] أو كما قال- فقال عمر في أول المجلس قبل أن يفتتح جدول العمل: [[ما ترون وما تقولون في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1]؟]] قال بعض الصحابة: [[معنى ذلك: إذا أسلم الناس ودخلوا في دين الله، أمر الله رسوله أن يسبح وأن يستغفر]] قال: [[وأنتَ يا فلان؟]] قال: [[ما أرى إلا هذا]] قال: [[وأنتَ يا ابن عباس؟]] قال: [[أجل الرسول عليه الصلاة والسلام نُعِي إليه]] أجَلُه قَرُبَ، قال: [[صدقت! ما أعلم منها إلا كما تقول]] فلما علموا ذلك، سكتوا، وأيقنوا أن عمر كان مصيباً في إدخاله لـ ابن عباس.

بيان قوله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح)

بيان قوله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) الفتح هو: مكة و (نَصْرُ اللَّهِ): لم نسمع في التاريخ برجل انتصر كما انتصر محمد صلى الله عليه وسلم. وفي الحقيقة أن نصره لم يكن رخيصاً، فبعض الناس ربما ينتصر في ساعات، أو في جولات في أول المعركة، لكنْ هو ما انتصر حتى شاب رأسه، وشابت رءوس أعدائه، خاض غزوات هائلة، وسرايا واقتحامات، ودفع أغلى ما يملك، وقُتِل من أصحابه المئات، وقُتِل أحبابُه وأقاربُه، وشُجَّ رأسُه، وانكسرت ثنيتُه، وفُلِّل سيفه، واقْتُحِمَت عليه خيمته مرات، دارت عليه إحدى عشرة محاولة اغتيال، ولكنه في الأخير ينتصر. أتى بنصر، لكن بثمن باهظ. ثمن المجد دم جدنا به فاسألوا كيف دفعنا الثمنا فلما انتصر عليه الصلاة والسلام انتصر انتصاراً لم يسمع الناس بمثله، دخل مكة بعشرة آلاف مقاتل، في عشر كتائب. الكتيبة الأولى: ألف مقاتل، لا يُرى منها إلا العيون، وكانت مدججة بالسلاح والحديد. الكتبية الثانية: ألف من قبيلة أسلم. الكتبية الثالثة: ألف من قبيلة مزينة. الكتبية الرابعة: ألف من قبيلة أشج. الكتبية الخامسة: ألف من قبيلة جهينة. الكتبية السادسة: ألف من قبيلة أسد. وهكذا ألفٌ فألف. ثم دخل هو بالأنصار، وكان وسطهم، فلما رآى أعلامهم ترفرف على ريع الحجون قريباً من الحرم المكي، وهي ترتفع، يرفعها الزبير؛ دمعت عيناه من الانتصار، وهذه الدموع دموع النصر، دمعت عيناه وسالت على خده، قال ابن القيم: ونكس رأسه حتى أصابت لحيتُه قَتَبَ الفرس، أو قَتَبَ الناقة تواضعاً لله. طفح السرور علي حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني وأخذ صلى الله عليه وسلم ينحدر بالجيش من ريع الحجون تجاه الحرم، وأخذن النساء يخرجن بالخمار، كل امرأة تخرج بالخمار، وتأتي على فرس أحد المقاتلين معه صلى الله عليه وسلم فتضرب وجه الفرس بخمارها، أما المقاتلون من الكفار، ففروا إلى رءوس الجبال، فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: أين أبو بكر؟ قالوا: هنا يا رسول الله! قال: تعال، فقَرُبَ منه، قال: كيف يقول حسان؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحفظ الشعر، كما قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69] ولأن حساناً قال قبل المعركة بستة أشهر: عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها (كَداءُ) تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخُمُر النساءُ فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاءُ وإلا فاصبروا لجلاد يوم يعز الله فيه من يشاءُ وهي قصيدة رائعة بديعة، شكره عليه الصلاة والسلام عليها ودعا له، وقال: {إن الله يا حسان! شكر لك بيتك} الله من السماء شكر له هذه القصيدة. فلما أتت المناسبة كأن حساناً كان يعيش لحظات المعركة، فقد خرجت النساء يضربن الخيول على وجوهها، فقال صلى الله عليه وسلم: كيف يقول حسان يا أبا بكر! قال: يقول: تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخُمُر النساءُ قليلاً قليلاً وإذا السيوف تلمع عند الخندمة، فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قالوا: خالد لقي قتالاً؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزع العشرة آلاف أربع فرق، تُسْقِط مكة أمامه يوم الفتح، العاصمة المقدسة تكون لمحمد صلى الله عليه وسلم، ليست لـ أبي جهل ولا لـ أبي لهب، ليست لأعداء الله، وإنما الأرض لله يورثها من يشاء، فهذه الأقدام المستعمرة الخائنة الخاسئة لا يحق لها أن تعيش على الأرض، فسقطت مكة إلا خالد بن الوليد فإنه دخل فلقيه كفار قريش يقاتلونه في الخندمة، أحدهم كان يسل السيف كل صباح، ويسقيه سماً حتى أصبح السيف أزرقاً فقالت له زوجته: ماذا تفعل به؟ قال: أقتل به محمداً، وقال: هذا سلاح كامل وأَلَّه وصاحبي بالله ما من عله يقول: ليس عندي من علة في جسمي، والسيف كامل, وسوف أقتل محمداً، فخرج يلتقي خالداً، فأظهر خالد الهزيمة، واستدرجهم من بين البيوت، والسكك، فخرجوا وراءه فلما أصبحوا في الصحراء كَرَّ عليهم أبو سليمان، فأخذ يُعمل فيهم السيوف إلى صلاة الظهر، فدخل صاحب السيف هذا، وأغلق عليه بابه مع امرأته، فقالت: أينك قاتلك الله؟ أين سيفك؟ أين السم الذي حشوته شهراً؟، قال: إنك لو شهدت يوم الخندمة إذ فر صفوان وفر عكرمة يقول: إن القادة الذين هم أحسن مني ومنك وأبطل وأشجع قد فروا، فكيف أنا! إنك لو شهدت يوم الخندمة إذ فر صفوان وفر عكرمة والمسملون خلفنا في غمغمه يلاحقونا بالسيوف المسلمة المسلمون يصيحون ويكبرون، هذا جيل محمد صلى الله عليه وسلم، وطلابه. والمسلمون خلفنا في غمغمة يلاحقونا بالسيوف المسلمة لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة وهذا عذر وجيه. دخل صلى الله عليه وسلم وفُتِح له الحرم، ومشى ومشى، ثم أتى إلى البيت، فأزال الأصنام، وكان بيده قضيب، فكان يشير إلى الصنم إشارة، فيسقط الصنم على ظهره، ويشير إلى قفاه، فيسقط على وجهه، فلا يسقط إلا ويصبح -وبعضها من الحجارة- حباً منثوراً في الأرض. فكان صلى الله عليه وسلم يقول: {{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81]} ثم يُخْرِج صلى الله عليه وسلم حِلَق باب الكعبة، والعشرة الآلاف طوقوا أبواب الحرم، لا يدخل داخل ولا يخرج خارج، وكفار قريش كلهم في الحرم، هؤلاء القادات الكافرة الذين قاتلوه في بدر وأحد، كل هؤلاء أمامه، فقال: {ما ترون أني فاعل بكم؟} أي: أن السيف في يدي وليس عندكم سيوف، والسلاح عندي وليس عندكم سلاح، والله نصرني والهزيمة عليكم, ماذا تتوقعون من الجزاء المر؟ فأخذوا يتباكون، ويقولون: أخٌ كريم، وابن أخ كريم، الآن جاءت الأخوة، فقال: {اذهبوا فأنتم الطلقاء، عفا الله عنكم}.

بيان قوله تعالى: (ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا)

بيان قوله تعالى: (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً) أي أنه: إذ رأيت الناس يدخلون بالعشرات والمئات والقبائل في دين الله، فماذا تفعل؟ قال: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:3] فأكثر من الاستغفار؛ فإنا نريدك، وأكثر من التوبة، فإنا نريد أن نقربك إلينا، وأكثر من الذكر، فإن مهمتك قد انتهت. كان عليه الصلاة والسلام بعد أن نزلت هذه السورة، يقول في ركوعه وسجوده: {سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي} يتأول القرآن، وقالت عائشة: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قوله: سبحان الله وبحمده، أستفغر الله وأتوب إليه}. وقال صلى الله عليه وسلم: {إن ربي أخبرني أني سأرى علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان تواباً، فقد رأيتها: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1]}.

الدروس المستفاده من سورة النصر

الدروس المستفاده من سورة النصر في سورة النصر دروس: الدرس الأول: أن أعظم نصر للعبد: أن ينتصر على نفسه، وقد انتصر المسلمون على أنفسهم، فنصرهم الله على أعدائهم. الدرس الثاني: أن النصر الأكيد: هو نصر الله لأوليائه على أعدائه، لا انتصار المسلم على المسلم، والحروب المفتعلة التي تجريها الشعوب والدول الإسلامية فيما بينها، أو القبائل الإسلامية العصبية الجاهلية، ليست من الانتصارات. الدرس الثالث: أن الفتح العظيم: أن يفتح الله عليك بالتوبة، فإذا فتح عليك بتوبة، فقد فتح عليك فتحاً مبيناً. والفتح هنا: فتح مكة، ومنه بدأت الرسالة تشع في أنحاء العالم، وبدأت الشعوب تدخل في دين الله، وبدأت جيوشه عليه الصلاة والسلام تذهب إلى المدن والقرى تحررها من ران الطاغوت. الدرس الرابع: أنه لا يستوي من أسلم من قبل الفتح وقاتل، ومن أسلم من بعد الفتح وقاتل، ولا يستوي من أحب الدين؛ لأن الدين محبوب، ومن أتى مجاملة، أو حضر ليستمع هكذا، أو تفرجة لا يستوي مع الأول، ولا يستوي كذلك من قدم تضحيات من جهده ووقته للدعوة، ومن ماله، ومن عرق جبينه، ومن جلس متفرجاً سلبياً، يصلي الصلوات مع الناس، وقد يزكي، وقد يحج ويعتمر؛ لكنه لا يضحي ولا يعطي ولا ينفق، أفهولاء الآخرون مثل الذين أسلموا من قبل الفتح؟! أمثل عرق أبي بكر الصديق، وجهد عمر، ودم علي، وجمجمة عثمان، هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بكل غالٍ ورخيص، حتى انتصرت (لا إله إلا الله)؟! أما الذين أسلموا بعد الفتح، فهم كالمفترج، فإن انتصر الإسلام فهم معه، وإن كان الدين عالياً فهم معه، وإن كان الدعاة في خير فهم معهم، وإن كانت الأمور ميسرة وليس فيها منغصات فالأمور سائرة، أما إن كان هناك خوف أو تنغيص أو ملاحظة أو شدة، فلا، قال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] ويقولون: اتركونا نصلي، ونزكي ونصوم، ويظن أحدهم أنه إذا صلى وزكى وصام فقد أدى رسالته لهذا الدين، ولكنه ينسى أن الكافر يضحي لمبادئه أكثر من تضحيته هو لها، فهذا السلبي لا ينفع الدين ولا ينفع الإسلام، وقد ينجو في الآخرة، لكنه لا يرتفع عند الله درجات. الخامس: أن الإنسان لا يزهو بعمله، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أزكى الناس عملاً، وأخلصهم نهجاً، وأصدقهم لهجة، ومع ذلك قال له الله: (وَاسْتَغْفِرْهُ). يقولون: إن من الدروس في هذه السورة: أن الله عز وجل ذكره بأنه مهما قدم للدين، ومهما دفع من تضحيات، فإنه مقصر عليه الصلاة والسلام، هكذا قال أهل العلم، فبالنسبة للكمال الذي يريده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من العبد فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قيل له: حتى أنت يا رسول الله! وذلك لما قال: {لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا. إلا أن يتغمدني الله برحمته} {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} [النور:21]. الدرس السادس: أن الأعمال الصالحة تُخْتَم بالاستغفار، فمن السنة بعد الصلاة أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199] هذا بعد الحج، وقِسْ على ذلك باقي الأعمال. الدرس السابع: أن على العبد إذا دنا أجله، وقرب رحيله، أن يكثر من التوبة والاستغفار، وهذا لا يعني أن الشباب ليس عليهم توبة واستغفار، لا. ولكن من قَرُبَتْ راحلتُه وأشرفت على منى ورأى المصلى، وجنب الغضا أن عليه أن يكثر من الاستغفار، وأن يطلب الرضا من الواحد الأحد الذي يعلم السر وأخفى. ثم ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه تواب يقبل التوبة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنه لطيف بعباده، وأنه كريم، وأنه ما طرق بابه أحدٌ فرُدَّ، هل سمعتم بأحدٍ قرع باب الله في توبة، ورُدَّ؟ فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يغفر الذنب و {يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى:25].

تفسير سورة الكافرون

تفسير سورة الكافرون ثالثاً: سورة الكافرون بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1 - 6] ثبت في صحيح مسلم عن جابر: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهذه السورة وبـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] في ركعتي الطواف، وكان يقرأ بهما صلى الله عليه وسلم في الركعتين اللتين بعد صلاة المغرب في الراتبة} وكان صلى الله عليه وسلم يحب هاتين السورتين؛ لأنها جردت الإخلاص والتوحيد لله تعالى. وفي صحيح مسلم: من حديث أبي هريرة: {أن رسول الله قرأ بهما في ركعتي الفجر} وقد تقدم في الحديث أنها تعدل ربع القرآن. وروى الطبراني: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه قرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] حتى يختمها} وعن الحارث بن حلبة قال: قلتُ: يا رسول الله، علمني شيئاً أقوله عند منامي، قال: {إذا أخذت مضجعك من الليل، فاقرأ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ؛ فإنها براءة من الشرك}. سورة عظيمة، وتجريدٌ للتوحيد خالصٌ، وتكريرٌ للمبادئ في تناسق عجيب. هذه السورة براءة من كل من اعتنق الكفر، أو كل من مال إلى الكافرين، أو كل من أحبهم، أو كل من رغب في مبادئهم، أو كل من أشرك مع الله، أو كل من نافق. (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) إن المأمور بهذا محمد صلى الله عليه وسلم، وكل من يتبعه إلى يوم القيامة.

سبب نزول سورة الكافرون

سبب نزول سورة الكافرون سبب نزول السورة: أن كفار قريش أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد! نعبد إلهك سنة، وتعبد إلهنا سنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حتى أراجع ربي، أي: حتى أرى. ورسول الله صلى الله عليه وسلم لن يعبد الأصنام سنة، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يسجد لصنم قط، حتى قبل إنزال النبوة عليه، وقبل إرساله بالرسالة. فيقولون: أنت تعبد اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى سنة، فإذا انتهت السنة بدأنا نعبد إلهك. سبحان الله! أهذه لعبة قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يريدون أن تدهن معهم فيدهنون معك، لكن الدين لا مداهنة فيه، ولا خشخشة، فالدين أبلج، حق, واضح، صراط مستقيم. فكأنه يقول: أذهبُ إليهم وأُخْبِرُهم بهذا الرد من الله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أنه لن يوافقهم؛ لكن يريد أن يأتي الرد أقوى من الواحد الأحد، أن يقول: قال لي ربي، أنا متكلم عن الله عز وجل، أنا مرسل من عند الله، وكان بالإمكان أن يقول: لا. لا أعبد إلهكم سنة أبداً، وعليكم أن تؤمنوا، لكن أراد أن يكون الكلام والرد من الواحد الأحد، فقال الله: يا محمد! {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] أي: اجمعهم، فَجَمَعَهُم قالوا: وماذا رد عليك ربك؟ قال رد علي بما يأتي، قالوا: وما هو؟ قال: أعوذ بالله من الشطيان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1 - 6]

سبب تكرار قوله تعالى: (ولا أنتم عابدون ما أعبد)

سبب تكرار قوله تعالى: (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) وهنا مسألة: يقولون: لماذا كرر: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون:5،3] مرتين؟ وفي الإجابة آراء: الأول: كُرِّرت الآية للتأكيد، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أراد أن يؤكد لرسوله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام، ويؤكده كذلك للكفار. هذا الرأي الأول. الثاني: ما حكاه البخاري، وغيره من المفسرين أن المراد بـ (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ): في الماضي (وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) في المستقبل. ٍ الثالث: أن ذلك تأكيد محض كما قلتُ. الرابع: وقد نصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بعض كتبه، وهو أن المراد بقوله: (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) نفي الفعل؛ لأنها جملة فعلية. (لا أَعْبُدُ) لن أفعل فعلكم. وقوله: (وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) نفي قبوله لذلك بالكلية، والجملة الاسمية أكثر نفياً. ومعنى الكلام: لا يكون هذا شرعاً، ولا فعلاً، ولا أقبله نهجاً، ولا عقيدة، ولا أخلاقاً، ولا سلوكاً أبداً.

مسائل سورة الكافرون

مسائل سورة الكافرون في سورة الكافرون مسائل: من المسائل في السورة أيها الناس الآتي: المسألة الأولى: أن على المسلم أن يتميز بمعتقده، ومن ذلك: 1 - أن يكون لك تَمَيُّز، لا تشابه الكفار في الحركات، ولا السكنات، ولا في الأخلاق، ولا في السلوك. من الهزيمة التي دخلت علينا، والغزو الفكري، والأخلاقي والسلوكي: أن كثيراً ممن يصلي ويصوم من أبناء المسلمين يشابهون الكفار في كثير من جوانب الحياة. 2 - أحياناً: الرطانة في الكلام تعتبر شعبة من شعب النفاق لغير حاجة، فإذا كانت لغير حاجة فهي شعبة من شعب النفاق، ذكر ذلك ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم. 3 - أن بعضهم يشابه الكفار في جلوسه، وهيئته، ويعجب بهم، ويثني عليهم، ويمدحهم، ويصفهم بالأوصاف الجميلة، وينتقص المسلمين فحذارِ من هذا. المسألة الثانية: أن على الإنسان ألا يحاول أن يلتقي مع أهل الباطل في منتصف الطريق. وأذكر أن أحد الناس، فيه هوس في فكره والعياذ بالله، وفيه ظلمة في معتقده، ولو أنه يصلي، قال له بعض العلماء: نرى أنك تتميز في كلامك، وفيما تكتب، وتتميز حتى تكون على بصيرة، قال: لا أحسن شيء أن تمسك العصا من وسطها. وماذا يعني: أن تمسك العصا من وسطها؟ إن هذا منهج النفاق {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء:62] الله ذكر المنافقين في سورة النساء، فيقول: بأنهم يريدون إصلاح الأمور، {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء:62]. فإذا قلتَ: في الساحة بعض الحداثيين الملاحدة الذين يتكلمون بالكفر، قال واحد: لا، أستغفر الله! احملوهم على أحسن محمل. وإذا قلتَ: إنه يسب الله، قال: ربما يكون له محمل آخر، ربما له توجيه، وإذا قلتَ: إنه يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: لا تدري أنت بنيته، أتحكم عليه؟ فإذا قلتَ: يستهزئ بالحجاب، قال: وَلَوْ وَلَوْ، وإذا قلتَ: يستهزئ بالعلماء، قال: وَلَوْ وَلَوْ. وَلَوْ وَلَوْ؟! هذا من جنس الذي يقول: الالتقاء في منتصف الطريق، بمعنى: أن يُمايِزج بين الأفكار، ويقول: كل شبابنا فيهم خير، وأبناء الجزيرة ليس عليهم بأس، ولا تكفرون الناس، واحملوهم على أحسن المحامل. {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16] {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5] {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [النساء:51 - 52] قيل: المقصود بـ {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [النساء:52] الذين قالوا هذه الكلمة. إن بعض الناس لسوء معتقده، وسوء بصيرته بالدين، يغلب الفجرة على المؤمنين من طلبة العلم والعلماء والدعاة، ويصفهم بالاتزان، وببعد النظر، وباتساع المعرفة والآفاق، وانشراح الصدر، وأدب الحوار، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء:51 - 52]. قضية أنك تلتقي مع الفاجر على أنصاف الطريق، مثل الحلول، كأن تقول له: اكتب أنت، ولا بأس أن تكتب، ولا بأس أن نكتب، ونتحاور أنا وإياك، مثلاًَ: دعنا نتكلم في قضية القضاء والقدر، ربما تكون ثابتة، وربما غير ثابتة، ثم تقام في ذلك ندوة. سبحان الله! أمثل هذه القضايا تُطْرح؟! أنا رأيت محرر صحيفة كتب رسالة إلى بعض الدعاة، ورأيتُ جزءً منها يقول فيها: نريد أن نفتح حواراً عن القضايا، حتى القضايا الكلية في الإسلام، سبحان الله! أتحاورني أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان رسولاً أو لم يكن، أنا أمزق حوارك في وجهك، أنا لا أقبل، محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - أصبح حبه يسيل في دمي، وفي سمعي وبصري، تجلس معي في القرن الخامس عشر، وأسيادك تنهار بهم الشيوعية واللعنة الغارقة في موسكو، وتجالسني الآن لأثبت لك نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ والسيوف البيض في وجه الردى يوم ضرب الهام من دون النبوة منذ ألف وخمسمائة سنة، وأبناؤنا تسيل دماؤهم في الجبهات من أجل مبادئ محمد صلى الله عليه وسلم، والألوف المؤلفة تقتل في سبيل الله في الهند والسند وطاشقند وأسبانيا، وفي كل مكان، ثم تأتيني لأجلس معك في ندوة في نادٍ أدبي ونقرر القضاء والقدر؟ ونقرر الخلافة الراشدة؟ وأتكلم لك: هل هذه الأمور الغيبية صحيحة أم لا؟ وأتكلم لك: هل الرسالة هي للناس كلهم أم أنها فقط للدول العربية والإسلامية؟ ليس هنا حوار، فهناك أمور تقبل الحوار، وهناك أمور لا تقبل الحوار، وليس فيها إلا قطع الرءوس، (دون خَرْط القَتاد) صحيح: أنني أقبل الحوار في بعض الأمور الفرعية التي تقبل الحوار، فتحاورني فيها، مثلما تحاور مالك والشافعي، ما معنى: نريد الحوار المفتوح، ونريد أن نسمع الرأي الآخر؟! أتريد أن تسمعني رأي شامير في المسجد؟ ورأي استالين ولينين؟ ورأي الشيطان؟ وأقول لك هذا حوار؟ فإذا غضبتُ عليك، قلتَ: لا تتشنج علينا، ليس عندك أدب، أنا ليس عندي أدب؟ بل أنت ليس عندك أدب، أنت قليل أدب، هذا من ضمن {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1]. الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول للفجرة: قل لهم: لا. لا التقاء، هذا الذي هو النفاق والكفر والنفاق في النار.

بيان قوله تعالى: (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون)

بيان قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون:1 - 2] أبداً. لا أنتهج نهجكم، ولا ألتقي معكم، ولا أجلس معكم، ولا أحاوركم، أنا حجتي بيضاء: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) أنا عندي الكتاب والسنة، أنا عندي مبادئ وليس عندكم مبادئ، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:11] {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257]. يقول بعضهم: لماذا لا نطرح الآن حواراً عالمياً بين الأديان، فنأتي بالإسلام، ونأتي بعقيدة البعث ميشيل عفلق وزمرته الفاشلة، ونأتي بـ الشيوعية الماركسية، ونأتي بالرأسمالية، وبـ اليهودية، ونأتي بالإسلام، فيمثل الإسلام بعض المشايخ، ويمثل هؤلاء لجنة، وأولئك لجنة، ثم نعقد بينهم مقابلة وحواراً، فتبث وسائل الإعلام هذا الحوار على الهواء مباشرة، ونسمع أيهما الأحق، سبحان الله! {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم:10] وجزاء من يفعل هذا الفعل أن ينبأ بهذا الكلام، وكذلك الذي يريد أن يطرحها للناس؟ حتى بعض المسائل الظاهرة في الدين يريدون عرضها الآن للحوار، وهي مسائل بت فيها الإسلام، وانتهى حكم الإسلام فيها. مثل: - دور المرأة في الحياة، يريدون المعالجة فيها. - نصوص أجمع عليها أهل العلم، يريدون أن تعالج، وأن تعاد دراستها الآن. هذا هو مرض القلوب.

بيان قوله تعالى: (ولا أنتم عابدون ما أعبد)

بيان قوله تعالى: (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ): حتى أنتم لا تعبدون ما أعبد، وهذا صحيح، فإن الكافر والفاجر والمنافق لا يعبد الذي أنت تعبد، ولا يعتقد ما تعتقد، ولو صلى معك أحياناً. قرأتُ في نشرة، أحدهم ذهب إلى جنيف، ليحضر المؤتمر الذي عقد قبل فترة فيها، وقد كان من المقرر أن يعقد في نيويورك، ولكنه مُنِع هو من دخول نيويورك، فحول إلى جنيف، فخطب خطبة، فلما وصل إلى قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64] توقف، وقد قيل: (وقف حمار الشيخ بالعقبة)؛ لأنه لو أكمل الآية لانتهى ما عنده؛ لأنه هو فاشل، والله يقول: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64] ولكن ماذا بعدها؟ {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]. فنزل اليهود ليصلوا صلاتهم في الطقوس، والنصارى في الكنيسة، وقال هو: أن أصلي الصلاة العربية للقومية العربية؛ لأن محمداً قومي، والقوميون العرب الفشلة الآن يفتخرون بمحمد فقط، لأنه قومي منهم؛ لذلك يمدحونه بالقصائد؛ لكن يقولون: أما رسالته ففيها نظر، وأما قوميته فنعم. {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:3 - 5] لكم منهجكم ولي منهجي.

الدروس المستفادة من سورة الكافرون

الدروس المستفادة من سورة الكافرون دروس من سورة الكافرون: في سورة الكافرون دروس: الدرس الأول: أن على الإنسان أن يكون صريحاً في مبادئه: فلا يكون مُلَبَّساً عليه، يعلن مبادءه نقية واضحة، ولا يتدسس ببعض الأمور، وفي الأصل ليس عند العلماء والدعاة شيءٌ خافٍ، فعندهم مبادئ تعلن كل جمعة من على المنبر، وعندهم كذلك مبادئ يؤذَّن بها كل يوم خمس مرات. الدرس الثاني: لا تستعد أبداً، ولا تحاول في وقت من الأوقات أن تطرح بعض المسائل التي فصل الدين فيها للحوار، فإن بعض المسائل إذا كنت مستعداً أن تحاور فيها مع أناس في قلوبهم مرض، فقد أخطأتَ. الدرس الثالث: ألا تترك شيئاً من دينك من أجل أن ترضي بعض الناس، أو تجبر خاطرهم، فهذا هو النفاق الصريح. الدرس الرابع: أن المسلم مستقل في مبادئه، وفي أخلاقه، وسلوكه؛ لأن دينه كامل. الدرس الخامس: ألا تطمع في الكافر الذي أعلن إعراضه وهجومه على الدين، وتأمل في أن تمشي أنت وإياه في خط واحد، مثل تلك الندوة التي عقدت قبل سنوات، والتي قالوا عنها: بأنها لتقريب وجهات النظر بين المسلمين والنصارى،، يأتي بابا شنودة مع بعض العلماء، ويقولون: هذا لتقريب وجهات النظر بين المسلمين والنصرانية. هل كانت بيننا وبينهم خطوط مشتركة؟ قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [المائدة:78] {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة:113] أما أن تأتي لتقرب لي النصرانية الآن وهي دين باطل بعد إرسال الرسول عليه الصلاة والسلام فلا يصح هذا. وغيرها الكثير، وقس عليها من المسائل ما الله به عليم. انتهت السور الثلاث. ومعنا إن شاء الله في درس مقبل سورة الكوثر، والماعون، وقريش. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة ففي الدرس الماضي رتبت الأسئلة على نواحٍ: - منها أسئلة تربوية: وسوف يُجاب عنها في درس مقبل مع الأسئلة التي سوف ترد ولن تهمَل بإذن الله. - ومنها أسئلة عن الفقه، ومسائل تهم المسلم في عبادته. - ومنها أسئلة متفرقة عن بعض المشكلات، وبعض الخواطر. - وهنا أسئلة خاصة أشكر من كتبها، ومن أرسلها ناصحاً وموجهاً، وسوف تكون محل العناية والنظر. والله يتولانا وإياكم.

قراءة سورتي الإخلاص والكافرون في راتبة المغرب

قراءة سورتي الإخلاص والكافرون في راتبة المغرب Q ما هي الحكمة من قراءة سورتي الكافرون، والإخلاص، في راتبة الفجر، وراتبة المغرب؟ A لأن هاتين السورتين أخلصتا التوحيد لله عز وجل، فسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] أخلصت الأسماء والصفات، وسورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] فيها براءة من الشرك والمشركين.

نصيحة للتائبين

نصيحة للتائبين Q قبل عرض السؤال هناك كلام حول هذا السؤال؟ صاحب السؤال يبدو أنه لأول مرة يحضر المسجد، وأنا أرحب به، وحياه الله، وأدعو الله له بالتوفيق ولإخوانه وأمثاله، فإنه شرف لنا ولكم أن يزيد أحد التائبين والصالحين في دخول هذا المسجد، وأنا بدوري أضعها أمانة في أعناقكم، أن من استطاع منكم أن يُحْضِر أخاً له في أي درس، أو محاضرة، أو أي ندوة فهو مشكور مأجور، ولو تبنينا مشروعاً قاله بعض العلماء بأن يأتينا كل أخ في الدرس المقبل بأخ له، أو بصديق، وليحرص على أناس لا يحضرون الدروس، أو ليس لهم ميل إلى المحاضرات، أو ميل إلى الدعوة، أن يحضرهم حتى يهديهم الله على يديه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. وأنا أتوقع أن الأخ إذا حضر ولو كان غير ملتزم، وأخذتَه - مثلاً - من الحديقة والملعب والكرة، وجئت به وأجلسته بين هذا العدد الهائل والحشد المبارك، ثم رأى الصالحين، ورأى جلوسهم، ورأى أذكارهم، وغشيته السكينة، وحفته الملائكة، وتنزلت عليه الرحمة، فإنها تكون ليلة مباركة في عمره. يا ليلة الجزع! هلا عدت ثانيةً إن زمانَك هطالٌ من الديمِ ولعلك أن تكون أنت المفتاح لقلبه، {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} ألا تريدون أن نجرب في الأسبوع المقبل بأن يُحْضِر كلٌّ منا واحداً، وهذا الأمر أتركه بين يديكم، وقد فعل فضيلة الشيخ المبارك أبو بكر الجزائري في جدة قبل ما يقارب سنة، في ندوة قال فيها: أريدكم غداً أن يُحْضِرَ كلُّ واحد منكم واحداً، فأتت الندوة، فإذا هي الضعف من الضعف من الندوة التي قبلها، والناس على الفطرة، وهم قريبون. أنا أرى أن بعض الناس يجعل بينه وبين الإخوة حواجز، فالذين يجلسون الآن على الأرصفة من الشباب، ضيعوا أوقاتهم، وما وجدوا من يأخذهم إلى الدروس والمحاضرات والندوات، عندهم طيبة، وهم على الفطرة {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30]. وأنا أجزم جزماً أن ذلك الشاب الذي يلعب الكرة الآن ونحن مجتمعون هنا، أنه لو مر به أحد الكفرة وسب عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقاتله ويسكب دمه كالماء البارد من أجل محمد صلى الله عليه وسلم، فلماذا لا نأخذ هؤلاء ونحضرهم ونقربهم من جنة عرضها السماوات والأرض؟ ألا نشفق عليهم؟ لا نريد لهم الضرر، لا في أجسامهم، ولا في دنياهم، فإذا كنا نعتقد ذلك، فإن أعظم الضرر أن نتركهم هكذا، بعيدين عن التوجيه، وبعيدين عن المحاضرات، وعن (قال الله، وقال رسوله) تنتهبهم شياطين الإنس والجن، في سهرة لاهية، ودخان، وضياع، وبلوت، وأغنية ماجنة، ومجلة هابطة. ألا إني أرشح ترشيحاً ثانياً، واقتراحاً ثانياً: أن نذهب إلى هؤلاء ونزورهم في أماكن لعبهم، وندعوهم بالتي هي أحسن، ونبصرهم، وحبذا لو أهدينا لكل واحد منهم شريطاً مؤثراً؛ علَّ الله أن يهدي قلبه؛ فإن هذا من أعظم ما يكون، وبهذه الأعمال تُصْلَح القلوب، وتُمْطَر البلاد، ويُقِيْمُ اللهُ الأمن، ويعم الرخاء. صاحب السؤال يقول: أنا حضرت وأنا ممنون ومسرور بهذا اللقاء، وأتمنى أن أقدم شيئاً للإسلام وللدعوة، وأتمنى أن يُقَطَّع جسمي في سبيل الله، وأنا أول ليلة أحضر، ماذا اقدم لهذا الدين؟ فبماذا تنصحوني؟ A أسر الله قلبك، وأضحك سنك، هذه بداية الالتزام. فاسأل الله أن يربط على قلبك، وأن يثبتك، وأن يزيد في أمة الرسول صلى الله عليه وسلم من أمثالك من التائبين. شكراً لك ولجسمك الذي يريد أن يمزق من أجل محمد صلى الله عليه وسلم. شكراً لك وللحمك ولدمك ولشحمك الذي يريد أن يذهب في سبيل الله. أسأل الله أن يجعلني وإياك والحضور من الشهداء، الذين ينور الله لهم قبورهم، ومصائرهم ودرجاتهم. والحقيقة: أن مثل هذه الأفكار، وهذه الكلمات تنبع عن معدن أصيل، وفطرة جيدة، أرادها الله - عز وجل - لهذه الأمة. فالحمد لله الذي جعل الناس يَفِدُون بالعشرات، وكم يمر من تائبين من هذا الجيل المبارك، وكم يفرح الإنسان وهو يلقى شاباًً يقول: أنا لأول مرة أحضر، وتبتُ من شهر أو من شهرين واهتديت، إنها الفرحة الغامرة، حتى يعلم الله أن الإنسان أحياناً يفرح أعظم من أن يبشر بمولود إذا علم أن هذا ولد من جديد في الإسلام. يقول شيخ الإسلام: للإنسان ميلادان اثنان: 1 - ميلاد: يوم ولدته أمه، يوم سقط رأسه على الأرض. 2 - وميلاد يوم اهتدى في ركاب محمد صلى الله عليه وسلم. ثم يقول في مختصر الفتاوى: ولكل إنسان مسلم أبوان اثنان: 1 - أبوه الجثماني. 2 - وأبوه الروحاني. فأما أبوه الجثماني: فهو أبوه الذي ولده. وأما أبوه الروحاني: فهو محمد عليه الصلاة والسلام. Q ما حكم الاحتفال بالمولد؟ A الاحتفال بالمولد بدعة، وسبق التنبيه على ذلك، وسيأتي تفصيل لهذا الكلام إن شاء الله.

التحذير من الخوض في أحداث أفغانستان

التحذير من الخوض في أحداث أفغانستان Q حذر الشيخ ابن باز وحذر من الخوض في أحداث أفغانستان الأخيرة، فأريد من الإخوة طلبة العلم ألا يخوضوا، فماذا ترى؟ A وأنا معك في ذلك، وعلى المسلم أن يحفظ لسانه، ويحمي سمعه وبصره، وما دام أن سماحة الشيخ وهو القمة العلمية، وهو عالِم العالَم الإسلامي الآن قد قال هذا الكلام، فكلامه على العين وعلى الرأس، وعلينا أن نقبله، وعلينا أن نطيع هذا الوالد والإمام العظيم، وهذا الشيخ الفاضل، أثابه الله ورفع منزلته. وصدق فيما قال، فإن الخوض لا يأتي بخير، وبعضهم يتكلم بغير علم.

كيف نستمر في الدروس

كيف نستمر في الدروس Q أحياناً أريد الحضور لمثل هذه الدروس واللقاءات ولكني بعيد عن المكان، وقد لا أجد سيارة، وأبنائي لا يستطيعون الحضور، أو لا يوافقوني في الحضور، فماذا أصنع؟ A شكر الله لك، ويظهر أن هذا شيخ كبير، وأنه يريد الحضور، فالرجاء منه أن يستمر على هذا الخير، حتى يختم الله له بخير، وباستطاعته إذا صدق مع الله أن يهيئ له أسباب الحضور، أو أن يحاول في أحد أبنائه أن يحضر معه، عسى الله أن ييسر لنا ولكم أسباب الخير.

حكم أخذ الهدية مع وجود شبهة فيها

حكم أخذ الهدية مع وجود شبهة فيها Q لقد ذهب أحد أصدقائي الذي أرجو الله لنا وله الهداية إلى أحد محلات الغناء، واشترى خمسة أشرطة غناء، وكان مكافأته على ذلك أن أُهديت له ساعة يد من ذلك المحل، وكان ممن لا يلبس الساعات، فأهدى لي هذه الساعة، وسألتُه كيف جاءته، فأخبرني بالقصة السابقة، فهل ألبس هذه الساعة؟ أم ماذا أفعل؟ A أولاً: أرى أن تنصحه، وأن تعلم أن الذي أعطاه الأشرطة الغنائية إنما هذا من باب الإفساد في الأرض، والغناء محرم بإجماع أهل العلم، وقد أفسد البيوت، وعليك أن تناصحه دائماً. ثانياً: عليك أن تذهب فتهدي له خمسة أشرطة من الأشرطة العلمية المؤثرة إن كنت تريد الخير. ثالثاً: أما الساعة فدخولها لك دخول شرعي، بواسطة الهدية، وقد يكون أنفع لقلبه أن تقبلها، فالرسول صلى الله عليه وسلم قبل من بعض الناس جبراً لقلبه، واستمالةً له، وأرى أن تحاول إحضاره للدروس والمحاضرات، علَّ الله أن يهديك وإياه.

كيف نعمل لهذا الدين

كيف نعمل لهذا الدين Q أريد أن أعمل لهذا الدين، فكيف أعمل؟ A الصحيح: أن هذه مشكلة، وأعرف أن الجمع الهائل هذا يريد العمل للدين، ويريد أن يخدم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن بعضهم محتار، لا يدري كيف يتقدم ولا كيف يتأخر. والحقيقة: أنه قد طرحت حلول، وطرحت اقتراحات، والشيخ الدكتور ناصر العمر له شريط بعنوان: مشروع مقترح، حبذا سماع هذا، وغيره من الندوات، وشراء الشريط الإسلامي، الكتيب، إلقاء الكلمات، التأثير، أخذ الإخوة -إذا كنت لا تستطيع على ذلك- أن تأخذهم وتحضرهم للدرس والمحاضرة، هذا من أسباب الخير.

كيف تزيل قسوة قلبك

كيف تزيل قسوة قلبك Q كنت أحس بلذة عظيمة مع القرآن والإيمان، ولكن أظلم قلبي، وبقلبي قسوة لا يعملها إلا الله، فماذا أفعل؟ A أسأل الله عز وجل أن يلين قلوبنا جميعاً بطاعته وبذكره، وأن يهدينا وإياك سواء السبيل، وعليك بكثرة الذكر والقرآن، وأنا أوصيك بمجالسة الصالحين، والكف عن المعاصي والتوبة منها، ثم حضور مجالس أهل الخير والعلم والفضل؛ فإنها تلين القلوب بإذن الله.

دور المرأة في المجتمع

دور المرأة في المجتمع Q المرأة ما دورها في الحياة؟ A المرأة لها دور وأعظم دور، وهو الدور الذي قدمه محمد صلى الله عليه وسلم للمرأة، وعلمها كيف تكون داعية ومعلمة ومربية، وهذا لا يخفى على أحد، وسوف أخصص بإذن الله جزءً هائلاً من الأسئلة في الدروس المقبلة إن شاء الله، لاهتمامات النساء، حتى يكون لهن دور. ثم إن الكلام الموجه في الدروس والمحاضرات من تفسير وحديث وعقيدة هو للرجل والمرأة، وليس للرجال فحسب؛ لأنه أحياناً نستخدم أسلوب المذكر، فتظن النساء أن ليس لهن في الكلام دخل. مع العلم أن أم جميل ذكرناها الليلة، بذكرٍ الله أعلم به. وهن لسن من طراز أم جميل، بل هن من طراز عائشة وزينب. لنا الفواطم ربات العلا ولنا كل الزيانب هن أهل وعمات على كل حال: أكتفي بهذا القدر؛ لئلا أطيل، وأنا أشكر الإخوة، وقد وصلتني رسالة من بعض الإخوة يقول فيها: إنني أكيف البرنامج يوم السبت، حتى العزائم والدعوات أجعلها بعد صلاة العشاء، وأحضر بمن يأتيني من الزوار في هذا الدرس، فأنا أشكره على رسالته، وأشكر هذا الجهد المبارك منه، وهذا التنسيق. وأسأل الله أن يحفظه ويحفظكم جميعاً، وأن يثيبكم على الحضور، وأن يتولانا وإياكم. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

يا حبذا الجنة واقترابها!

يا حبذا الجنة واقترابها! الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وقد حث الله سبحانه وتعالى ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الأمر العظيم، فتسابق رجال الإسلام إليه من الصحابة والتابعين وأتباعهم. وفي هذه المادة ذكر لبعض مواقف هؤلاء الأبطال.

الدين الإسلامي يقوم على الجهاد

الدين الإسلامي يقوم على الجهاد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته من حكمة الله عز وجل أن جعل من أسباب ثبات هذا الدين أن يقوم علم الجهاد، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد:25] فالرسل تأتي بالبينات، وهذه البينات لا تثبت إلا بحديد وقوة وجهاد، فديننا مصحف وسيف، وكان رسولنا عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس ويقاتل أمامهم؛ يقوم في الليل قارئاً وتالياً وعابداً وناسكاً، ويحمل السيف في النهار مقاتلاً ومجاهداً ومتقدماً، وكان من لوازم هذه الفترة التي لا تنسى أن نتكلم عن الجهاد الذي عاشه أسلافنا والناس جميعاً لا يعترفون إلا بالقوي، ولا يحترمون إلا القوي إذا لم يكن هناك دين وورع ومخافة من الله. والعرب في الجاهلية كان بعضهم يزري على بعض بضعفه وذلته وعدم قتاله، يقول أحد شعرائهم وقد سُرقت إبله، فذهب إلى قبيلته يستنجدهم فما أنجدوه وما نصروه، فقال في مقطوعة له: لو كنت من مازنٍ لم تستبح إبلي بنو اللقطية من ذهل بن شيبانا يقول: أنا لو كنت من آل فلان، ما أخذ إبلي آل فلان، لكني منكم وأنتم جبناء: قومٌ إذا الشر أبدى ناجذيه لهم هبوا إليه زرافات ووحدانا لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهاناً فلامهم على ضعفهم وجبنهم وذلهم. وهذا عمر رضي الله عنه وأرضاه يأتيه أناس يشكون أن أحد الشعراء يسب قبيلتهم، قالوا: يا أمير المؤمنين! سبنا وشتمنا وجدعنا، قال: ماذا يقول فيكم؟ قالوا: يقول لنا: قُبيِّلَةٌ لا يغدرون بذمةٍ ولا يظلمون الناس حبة خردلِ فهل هذا سب أو مدح؟ هو مدح عند أهل الإسلام لكنه عند أهل الجاهلية سب، قبيِّلة يعني: صغيرة ذليلة. قال عمر: يا ليتني منهم، وهو لا يدري أنه سب، قالوا: يا أمير المؤمنين! يعني أننا جبناء. ولا يردون الماء إلا عشيةً إذا صدر الوارد عن كل منهلِ قال: هذا أحسن للزحام، يقول: ما يأتون بالإبل إلا إذا صدر الناس عن الماء من الخوف والخور، قالوا: يا أمير المؤمنين يسبنا ويجدعنا، فعرف عمر رضي الله عنه وأرضاه فأدب الشاعر، يقول زهير: ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلمِ فأمر الله عز وجل بالجهاد، وحمل لا إله إلا الله والسيف للقتال، ومبارزة العدو، وقد فعلها خلفاء الإسلام فهذا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لما رأى أن الأمر سوف يخرج من يده في حروب الردة، وقد قال عمر: أرى أن نفاوضهم، وكأنها مسائل فنية فنعرض الأمر مثلاً على مجلس الأمن، فإن قرر بالأغلبية قاتلناهم، لكن تحول أبو بكر إلى أسد وصعد المنبر، وقال: [[والذي نفسي بيده لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام لقاتلتهم عليه]] قال الصحابة: لا نرى قتالاً، قال: [[والذي نفسي بيده لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة]] ثم استدعى خالداً، وأعطاه الراية من على المنبر، ثم أدب المارقين تأديباً عظيماً، فعادوا ودخلوا في دين الله، فهذا هو منطق القوة. عمر بن الخطاب أتاه الهرمزان يفاوضه على الصلح، يقول: نعطيكم بعض الأراضي، واتركوا لنا بعض الأراضي، كان يظن المسألة مسألة الضفة الشرقية والضفة الغربية لكن المسألة ليست مسألة أراضي أو رمال، بل المسألة أن تهيمن لا إله إلا الله في الأرض، فـ عمر لا يكتفي بـ إيران، أو تركيا أو أفغانستان يقول: هذه الأرض لا بد أن تفتح كلها بلا إله إلا الله، إما أن يجيبوا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، لماذا المفاوضة على الأرض؟ فهو لا يسمع مفاوضة على الأرض، فأرسل سعد بن أبي وقاص بجيش عرمرم عداده اثنان وثلاثون ألفاً كل واحد منهم في قلبه لا إله إلا الله، يحمل الموت ويصدق اللقاء، وفتحت الأرض حتى يقول الشاعر: يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدمٌ له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه وهذا معاوية يختلف مع علي رضي الله عنه وأرضاه وكلٌ مجتهد والحق مع علي، فيكتب ملك الروم لـ معاوية كتاباً يقول فيه: يا معاوية أجتمع أنا وإياك على علي لتستتب لك الخلافة، فهذا الكلب عدو الله وجدها فرصة أن علياً متشاجر مع معاوية، فيدخل في صراع ضد علي بن أبي طالب، فلو كان غير معاوية، لقال: حيهلاً وسهلاً، فكتب له معاوية: [[من معاوية بن أبي سفيان إلى كلب الروم. أمَّا بَعْد فوالذي نفسي بيده إن تقدمت بكثيب -يقصد الأرض- أو عبرت بسفينة البحر، لأجتمعن أنا وابن عمي علي بن أبي طالب عليك، فالحذر الحذر!]] يقول: أنا وعلي تحت مظلة لا إله إلا الله، فابن عمي يحمل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وأنا أحمل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ابن عمي يصلي كما أصلي، ويصوم كما أصوم، أما أنت فمجرم، فلا تقترب أبداً، ولو اقتربت، اجتمعت معه ضدك.

المعتصم وفتح عمورية

المعتصم وفتح عمورية وتستمر الحال، ويحاول الروم -أهل الصليب- أن يجربوها تجربة خاطئة مع المسلمين، وقد حدث في سوقهم في عمورية في شمال تركيا أن أتت امرأة ضعيفة مسلمة، فلما عرضت ما معها في السوق وكانت وحيدة، ليس في السوق مسلم إلا هي وأعرابي عنده بضاعة في السوق، فقام روميٌ، فلطمها على وجهها، فصاحت: وامعتصماه! من هو المعتصم؟ إنه الخليفة في بغداد، أمير المؤمنين، المعتصم أخو المأمون وابن هارون الرشيد والمعتصم هو الخليفة العسكري الذي كان يأخذ السيخ ويكتب به اسمه في الهواء، كان يربط رجليه في وتدين، ثم يقفز فيكسر الوتدين، ويقطع الحبال، ويعتلي على ظهر البغلة، يقول أهل التاريخ: لم يكن أقوى منه جسماً، قالت المرأة: وامعتصماه! فتضاحك الروم، وقالوا: انتظري للمعتصم حتى يأتي على فرسه الأبلق لينصرك في هذا المكان، بيننا وبين المعتصم ما يقارب ألف ميل، فذهب هذا الأعرابي من السوق إلى بغداد ودخل، قال: أريد الإذن من أمير المؤمنين، قال الحرس: ماذا تريد؟ قال: أمرٌ خطيرٌ، فأدخلوه، ومثل أمامه، قال: يا أمير المؤمنين! كنت يوم كذا وكذا في سوق عمورية، فضُربت امرأة مسلمة بين الكفار، فصرخت باسمك من عمورية تقول: وا معتصماه! فتضاحكوا، وقالوا: انتظريه على فرسه الأبلق لينصرك، فوثب من على الكرسي، وثبة معناها أن يقف له التاريخ، قال: والذي لا إله إلا هو لا يصل رأسي ماءٌ من جنابة حتى أنصرها بإذن الله، القتال القتال، أعلنوا في الأقاليم من يستطيع حمل السلاح ويتخلف فإن عقوبته الإعدام، وجهز جيشاً عرمرماً عداده تسعون ألفاً، وجعل إمامه في الصلاة أبا يوسف القاضي الحنفي العالم، وبدأ الاستغفار والتوبة والعودة إلى الله، ثم مضى بالجيش، ولما وصل حدود الروم بدأ يحرقها مدينة مدينة، أول مدينة وصل إليها بدأت النيران تشتعل في الروم، ثم قال: أين عمورية؟ قالوا: يا أمير المؤمنين! في الشمال، قال: يأتيها حسابها. لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجربِ يقول أبو تمام: كل مدينة تغار من الأخرى، يقول: فالخراب يسعى فيها أعدى من الجرب في الغنم، ووصل إليها هناك، قال: هذه عمورية؟ قالوا: نعم، قال: الله أكبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، قالوا: نفاوضك على الصلح، قال: حتى أرى حريقاً في المدينة، لا صلح حتى أرى الحصون تحترق، وبدأت الحصون تحترق، وأتى فارس الروم، فقال: من يبارز؟ قال المعتصم: أنا أبارزك، فنزل المعتصم، فلما برز، قام المعتصم -من الشجاعة- فخلع الدرع من على صدره وقد كان من أشجع الناس، فالتقى بالرومي، فضربه الرومي، فنشب سيف الرومي في درع المعتصم فأخذ المعتصم سيفه، فضرب الرومي، فقسمه نصفين، ثم بدأت المعركة، فسحقهم سحقاً عظيماً، فلما دخلها قال: لن أخرج من المدينة حتى يأتي الرجل الذي ضرب المرأة، فاجتمعوا وقالوا: هذا هو المجرم، فأتوا به، قال: أين المرأة؟ فأتوا بالمرأة، قال: يا أمة الله! أنا المعتصم، وهذا هو الرجل الذي لطمك، فهو عبدٌ لك إن شئت أعتقتيه لوجه الله يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، وإن شئت فهو مولى لك، قالت: قد أعتقته يا أمير المؤمنين!

أحوال المسلمين اليوم مع الجهاد

أحوال المسلمين اليوم مع الجهاد وأما اليوم فـ: ربَّ وا معتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتمِ لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصمِ أمتي هل لكِ بين الأممِ منبرٌ للسيف أو للقلمِ أتلقاك وطرفي حاسرٌ خجلاً من أمسك المنصرمِ ألإسرائيل تعلو رايةٌ في حمى المهد وظل الحرمِ أوما كنت إذا الموت اعتدى موجةً من لهبٍ أو من دمِ كم من امرأة اليوم تقول: وا معتصماه! واإسلاماه! في أفغانستان وفلسطين والفلبين ولا يجيبها مجيب، كم من طفل يقتل! كم من مسجد يهدم! كم من شعيرة لله عز وجل تسحق! ثم لا مجيب يجيب! بلغت الأمة من الذلة والمهانة يوم تركت الجهاد وتخلت عن الدين مبلغاً لا يعلمه إلا الله، يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم} وبيع العينة منتشر وهي أن تباع السلعة من الرجل ديناً، ثم يشتريها بثمن أقل قسطاً قسطاً ومقدماً وهذا موجود وفاشٍ {وأخذتم أذناب البقر} تتحول الأمة من أمة جهاد إلى أمة مزارعة، والزراعة ليست حراماً، لكن أبطال الإسلام وشباب لا إله إلا الله وحملة التوحيد يتحولون إلى باعة بطاطس، وخيار وباذنجان وجرجير وخس في الأسواق، ويصبح حمل السلاح لا يطيقه إلا القليل، ويصبح الآلاف من الشباب لا يستطيع أحدهم شحن المسدس والرمي به، ولا يحمل الرشاش، بل أجزم جزماً لو اعتدي على كثير من البيوت الآن لما استطاع الشباب المدافعة عن بيوتهم، بعضهم لا يملك سلاحاً، عندهم سكاكين للبصل في المطبخ، والسلاح أصبح كيماوي ومزدوج، وبعضهم عنده سلاح لكنه لا يستطيع أن يرمي، ولا يصيب الهدف، وما لديه تدريب قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] والرسول عليه الصلاة والسلام ربى شبابه على القوة العسكرية وعلى حمل السلاح والأنفة، اسمع إلى أبي تمام يصور معركة المعتصم في عمورية، لما انتهى المعتصم، وعاد إلى بغداد، عاد وعلم النصر فوق رأسه والعلماء يبكون لنصر الله ويفرحون، واستقبلته الأمة ونساء الأمة وأطفال الأمة، لأنهم أثبت عدة للا إله إلا الله، وقف أبو تمام يحيي هذا البطل ويقول: السيف أصدق إنباءً من الكتبِ في حده الحد بين الجد واللعبِ فتح الفتوح تعالى أن يحيط به نظمٌ من الشعر أو نثرٌ من الخطبِ يا يوم وقعة عمورية انصرفت عنك المنى حفلاً معسولة الحلبِ ثم قال: تدبير معتصمٍ بالله منتقم لله مرتقب في الله مرتغب ثم يروي أبو تمام قصة المنجمين الذين أتوا قبل المعركة إلى المعتصم وقالوا: لا تحاربوهم هذا الشهر، قال: ولمَ؟ قالوا: لأن برج الثور حل علينا، وبرج الثور إذا حل، لا ينتصر المقاتل، قال: آمنت بالله وكفرت بكم، قال: أبو تمام: أين الرواية أم أين الدراية كم صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذبِ طلاسم وأحاديثٌ منمقةٌ ليست بنفع إذا عدت ولا غربِ فالنصر في شهب الأرماح لامعةً بين الخميسين لا في السبعة الشهبِ فالنصر في السيوف وليس في النجوم، إلى أن يقول في آخرها: لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجربِ إلى أن يقول للخليفة: أنت لست الذي انتصر، بل الله الذي رمى بك: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17]: رمى بك الله جنبيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم يصبِ إنه تدبير الله وقوته {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] إن يخذلكم بأعمالكم وتصرفاتكم وأكلكم الربا وسكوتكم على المنكرات؛ تبرج النساء، وانتشار المخدرات، وضياع الشباب: {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] من يقدم لكم النصر؟ فهذه أمور عاشها السلف.

موقف هارون مع نقفور

موقف هارون مع نقفور هارون الرشيد كانت تسلم له الجزية من كل الأقاليم، وكان يحكم اثنين وعشرين دولة من دول العالم الآن، وهو في بغداد، وقد صعد مرة على قصره في بغداد، وكان مكتوباً على سيفه الحاج الغازي هارون الرشيد، يغزو سنة ويحج سنة، وكان يتنفل في النهار مائة ركعة، صعد على القصر وكان يستبشر بالمطر، فالناس في قحط، فمرت سحابة، قال: اللهم اسقنا الغيث، اللهم اسقنا الغيث، فمرت السحابة، فتبسم وقال: أمطري أنى شئت، فإن خراجك سوف يأتيني إن شاء الله، يقول: اذهبي حيثما شئت، إن تريدين الذهاب إلى إفريقيا، فـ إفريقيا في حكمي، وإن تريدين آسيا إلى السند، فـ السند لنا، وإن تريدين الشمال إلى طاشقند فـ طاشقند لنا. ماتت امرأة كانت تحكم الروم، فتولى نقفور بعدها، فكتب لـ هارون الرشيد كتاباً، وهو لا يعرف هارون الرشيد يقول: أمَّا بَعْد: فإن المرأة التي كانت قبلي كانت ضعيفة العقل، وكانت تدفع لك الجزية، وأما أنا الآن فلن أدفع لك درهماً ولا ديناراً، فوصل الكتاب وقرأه هارون الرشيد، ومن الاستهتار به أنه لم يكتب في ورقة أخرى، بل أخرج القلم وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم. أمَّا بَعْد فالجواب ما تراه لا ما تسمعه. ثم قال لقائده: جهز جيشاً، فجهز جيشاً وما أمسى إلا وقد طوق الروم وأخذوا قائدهم وكتفوه، وقالوا له: هل تدفع الجزية؟ قال: أدفع الجزية، قالوا: مضاعفة، قال: مضاعفة، فقد كانوا يدفعون على الواحد عشرة دراهم، فجعل هارون على الواحد عشرين درهماً. ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلمِ أما نصف البيت فنؤمن به، وأما نصفه الآخر فنكفر به، ولكن نقول: تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقى مربض المستأسد الضاري فالأمة تعيش في سؤدد وقوة وعظمة حتى يتخلى الناس عن الجهاد، ويتولى جيلها وشبابها عن حمل السلاح، وحتى يكون الكافر المستعمر يدرب قوته، ويجرب سلاحه.

تخاذل العلمانيين عن الجهاد

تخاذل العلمانيين عن الجهاد في الحرب العالمية الثانية أدخلت أمريكا الفتيات في الجيش، ونحن نقول: لا، هذا حرام وخطأ، والعلمانيون يدخلون شبابهم في الجيوش، ويحولون الثانويات إلى جيش، لكن اهتمامات شبابنا إلا من رحم ربك، سطحية افتح يا سمسم جمع الطوابع المراسلة هواية صيد الحمام وصيد الدجاج السفر إلى بانكوك وباريس التصفيق المنتخب، إننا نحتاج إلى حمل سلاح، وإلى جهاد في سبيل الله، ونسأل الله أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يوفق ولاة الأمر لما يحبه ويرضاه، وأن ينصر بهم الدين، وأن يحمي بهم مقدساته، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41] هذه الآية يستشهد بها صدام في الإذاعة، في بيانه الرسمي يقول: انفروا خفافاً وثقالاً، لحماية المقدسات. قلنا: أنت يا صدام آخر من تنفر، فأنت تنفر لكن على الأطفال والنساء، وعلى أعراض المسلمين، وأنت تنفر لكن على الجيران وهدم البيوت وتمزيق المصاحف، وأنت تنفر لكن لهدم المساجد ولقتل الدعاة والعلماء، فأنت آخر من يتكلم عن المقدسات، أما من ينفرون خفافاً وثقالاً، فهم أبناء التوحيد وأتباع محمد عليه الصلاة والسلام، وأنصار لا إله إلا الله، ليسوا بأتباع ميشيل عفلق والبيطار، أنت لا يحق لك أن تتكلم، لأنك نجس، ولا يجوز أبداً أن تدخل البيت إلا بعد أن تسلم، إذا قلت: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ودخلت في الإسلام، وسجدت لله، وحكمت الشرع في شعبك، وكففت عن سفك الدماء، فعندما تنادي بحماية المقدسات، أما الآن فلا يجوز لك أن تطوف أو تسعى أو تتكلم عن المقدسات، غيرك الذي يحمي المقدسات: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:41] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف:10]. فالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة لمن ترك هذه التجارة، فكأن السائل يقول: ما هي التجارة؟ قال تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصف:11 - 12] فلما علم الله من أوليائه أنه يحبهم وأنهم يحبونه، قال: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا} [الصف:13] فما علموا ما هي الآخرى حتى بينها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإذا هي خصلةٌ من الجهاد {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف:13] ولكن النصر والفتح القريب من الله ينزله على أوليائه متى شاء، فتقدم أهل السلاح يحملون أرواحهم على أكفهم وفتح الله لهم السوق، فأتوا من الصباح، فعرضوا السلعة، وقالوا: من يشتري؟ قال الله: أنا أشتري، والشاهد محمد صلى الله عليه وسلم وأما الثمن فالجنة، وأما السلعة فأرواحكم، قال: تبيعون؟ قالوا: نبيع، فتبايعوا في السوق، ثم قام الأولياء عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: هل تريدون أن تردوا البيعة؟ قالوا: لا، ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، وتمت البيعة، والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإذا تفرقا فقد وجب البيع. ومن الذي باع الحياة رخيصةً ورأى رضاك أعز شيءٍ فاشترى أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيراً ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا

موقف للبراء بن مالك في جهاد الكفار

موقف للبراء بن مالك في جهاد الكفار حضر المسلمون معركة تستر بين المسلمين والكفار، وكان قائدها أبا موسى الأشعري فالتقوا، فإذا جيش الكفار أكثر من المسلمين، قال: يا براء بن مالك! تعال. والبراء بن مالك ثيابه مقطعة، ليس عنده دراهم، ولا قصر أو سيارة ولا رصيد أو شيكات، ولا شيء عنده إلا لا إله إلا الله، قالوا: نسألك بالله أن تقسم على الله اليوم أن ينصرنا، قال: سبحان الله! قالوا: الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنك إذا أقسمت على الله أبر قسمك، ففي صحيح البخاري: {أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخت البراء يريد القصاص منها، لأنها كسرت ثنية امرأة أخرى، فقال صلى الله عليه وسلم للمرأة هذه أن تأخذ دية، وهي تقول: لا بد أن تكسر ثنية الربيِّع أخت البراء، فقال صلى الله عليه وسلم: لا بد من القصاص، حكم الله، قال البراء بن مالك: يا رسول الله! تكسر ثنية الربيِّع؟ قال: نعم قال: والله لا تكسر ثنيتها -سبحان الله! يحلف على أمر عظيم- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهبوا إلى تلك هل ترضى بالأرش، بعد ما حاور، فذهبوا، فرضيت، قال عليه الصلاة والسلام: ربًّ أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك} ودخل عليه أخوه أنس وإذا هو رافع رجلاً على رجل، وهو منقعر على ظهره، ويرفع النشيد الإسلامي داخل البيت، قال أنس: تنشد وأنت من الصحابة؟! لكن كان نشيده إسلامياً قوياً، كان نشيده يصل إلى القلب، كان نشيده من النشيد الخالد مثل: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينةً علينا وثبت الأقدام إن لاقينا كان نشيده مثل نشيد علي رضي الله عنه: أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره أكيلكم بالسيف كيل السندره ونشيد جعفر: يا حبذا الجنة واقترابها طيبةٌ وباردٌ شرابها والروم رومٌ قد دنا عذابها كافرةٌ بعيدةٌ أنسابها عليَّ إن لاقيتها ضرابها ليس نشيداً ميتاً، كنشيد الطعام والشراب، أو نشيداً من الذي يميت القلوب، فهذا لم يكن عندهم، قال: تنشد وأنت من الصحابة؟! فقال: اسكت عني، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد قتلت مبارزة مائة فارس، ولن أموت إلا شهيداً، فحضروا تستر، قالوا: تقدم، قال: انتظروني قليلاً، فانتظروه، فذهب واغتسل ولبس أكفانه وتحنط وتطيب، قال: [[اللهم إني أقسم عليك هذا اليوم أن تنصرنا وأن تجعلني أول قتيل]] وبدأت المعركة وقتل أول الناس وانتصر المسلمون: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

ألا إن سلعة الله الجنة

ألا إن سلعة الله الجنة قال ابن القيم: إن سلعة هذا شأنها لقد هيئت ليوم عظيم وخطب جسيم. قد هيئوك لأمرٍ لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ فثمن الجنة هو بذل النفس والمال لمالكهما الذي اشتراهما من المؤمنين، تالله ما هزلت فيستامها المفلسون، ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون، لقد أقيمت للعرض في سوق (من يزيد) فلم يرض ربها لها بثمن دون بذل النفوس، فتأخر البطالون: أهل الأغنيات الماجنات، والمجلات الخليعات، وترك الصلوات، وأهل الكيرم والبلوت، وتقدم لها أهل لا إله إلا الله، وأهل إياك نعبد وإياك نستعين من أمثال خالد وسعد وعلي وبلال. إن دندن الطبل في الخراب دندنا آيات حق علي وبلال دندنها وقام المحبون ينتظرون من أيهم يصلح أن تكون نفسه الثمن، فدارت السلعة بينهم، فتقدم الصحابة: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54] فأتى أبو بكر بجسمه النحيف، فباعه إلى الله، فكان صدِّيقاً، وأتى عمر، فقاتل في الغزوات، فاغتيل في المحراب، وأتى عثمان فضرج بالدماء على المصحف، وأتى علي، فاغتيل في الكوفة مع صلاة الفجر، لأن نفوسهم قد بيعت بعقد ثابت، والله رضي العقد وشهده جبريل والملائكة، فأما أرواحهم فهي في حواصل طير خضر ترد الجنة وتشرب من مائها، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش حتى يرث الله الأرض ومن عليها. قال: لما كثر المدعون للمحبة، طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، ولو أعطي الناس بدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي، فتقدموا بالشهود، قيل: ما شهودكم؟ قالوا: شاهدان عدلان، والبينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، قالوا: ما هي؟ قالوا: قال الله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] فاتبعوه عليه الصلاة والسلام، فأوصلهم إلى رضوان الله، فتأخر الخلق كلهم، وثبت أتباع الرسل، وجلس البطالون، وتقدم المؤمنون، فهذه سلعة الله عز وجل عرضت في سوق الجائزة، فكسبها أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وفازوا بها، وطمأنهم الله عز وجل على ذلك، فقال: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]. حضر جابر بن عبد الله وكان أبوه على الجمل في أحد فقال أبوه: يا جابر، انتظرني قليلاً، فذهب جابر في طلب مخيم الجيش، لأنه صغير في تلك الفترة لا يستطيع أن يقاتل مثل أبيه، وما بقي إلا ساعة وأتى، وإذا الجمل واقف، والرسول صلى الله عليه وسلم جالس عليه الكآبة والحزن والصحابة جلوس، قال: يا رسول الله! أين أبي؟ قال: أبوك هذا، فإذا هو قد ضرب ثمانين ضربة، وإذا هو مغطى بثوب بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: فكشفت عن وجه أبي، فإذا هو قد قتل، قلت: يا رسول الله! هذا أبي؟ قال: هذا أبوك، قال: فأخذت أبكي وأخذ الناس ينهونني، ورسول الله عليه الصلاة والسلام لا ينهاني، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: {يا جابر! ابك أو لا تبك، فوالذي نفسي بيده ما زالت الملائكة تظل أباك بأجنحتها حتى رفعته، والذي نفسي بيده يا جابر! لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان} يكلمه الله مباشرة، من فوق سبع سماوات، ويكلمه بلا ترجمان، يقول الله له: تمن، قال: أتمنى أن أعود إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمن، قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً، فأنزل الله قوله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:169 - 170]. فحيهلاً إن كنت ذا همةٍ فقد حداك حداة الشوق فاطو المراحلا وقل للمنادي حبهم ورضاهمُ إذا ما دعا لبيك ألفاً كواملا ولا تنظر الأطلال من دونهم فإن نظرت إلى الأطلال عدن حوائلا وقف ابن القيم يحيي أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول: أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم وحملها قلب المحب وإنه ليضعف عن حمل القميص ويألمُ لأنتم على قرب الديار وبعدها أحبتنا إن غبتم أو حضرتمُ اللهم اجمعنا بهم في الجنة، اللهم أدخلنا في زمرتهم، اللهم اسقنا من حوض نبيك عليه الصلاة والسلام.

من مواقف السلف في الجهاد

من مواقف السلف في الجهاد ثم يقول عليه الصلاة والسلام: {انتدب الله -أي: هيأ الله- لمَن خرج في سبيلي لا يخرجه إلا إيمان بي} لا لشعار باطل، أو من أجل التراب، والقومية، ولكن من أجل لا إله إلا الله: {وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو أدخله الجنة، ولولا أن أشق على أمتي، ما قعدت خلف السرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل} قال ابن كثير: وقد رزقه الله الشهادة عليه الصلاة والسلام، فإنه مات مسموماً شهيداً، وقال عليه الصلاة والسلام: {مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم} صائم النهار قائم الليل القانت بآيات الله، لا يفتر عن صيام ولا صلاة حتى يرجع، وتكفل الله للمجاهد في سبيله بأن يدخله الجنة، أو يرجعه سالماً مع أجرٍ أو غنيمة.

ابن المبارك ورسالة إلى الفضيل

ابن المبارك ورسالة إلى الفضيل أحد الخلفاء المسلمين لما دعا بالجهاد في حدود الروم، كان ابن المبارك المحدث الزاهد العابد يفتي في الحرم، فسمع داعي الجهاد، فخرج من الحرم، وأخذ بغلته وركبها، ولبس السيف والدرع، قال له أهل مكة: ابق معنا يا بن المبارك قال: والله لا أبقى بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا وذهب يقاتل، يقول عنه تلاميذه: كان من أشجع الناس، قتل في اليوم الأول سبعة فرسان، وأتته في أثناء المعركة رسالة من الفضيل بن عياض من الحرم، يقول فيها: يا بن المبارك تركت الحرم والعلم والفتيا، فكتب ابن المبارك رسالة إليه يقول: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطلٍ فخيولنا يوم الصبيحة تتعب ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب فلما أتت الرسالة للفضيل بكى وبلها بالدموع رضي الله عنهم وأرضاهم. يقول أحدهم: أيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت على شرجع يعلى بخضر المطارف ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فج من الأرض خائف إذا فارقوا أوطانهم فارقوا الأذى وصاروا إلى موعود ما في المصاحف ووافت أحدهم ميتته قتيلاً وشهيداً في سبيل الله في قندهار، فلما حضرته سكرات الموت، قال: بلغوا بناتي السلام وأنا في قندهار، ثم قال: بـ قندهار ومن تكتب منيته بـ قندهار يرجم دونه الخبر يقول: أين أنا وأين هم؟ هو في قندهار، لكن في سبيل الله. خرج سعيد بن عثمان بن عفان غازياً في سبيل الله، وكان مالك بن الريب قاطع طريق في حدود خراسان يسرق القوافل، لا تمر قافلة إلا سرقها، وكان سفاكاً للدماء، فمر به سعيد بن عثمان رضي الله عنه وأرضاه وناداه، فقال: من أنت؟ قال: مالك بن الريب فقال: وما عملك؟ قال: الله أدرى بعملي، قال: ألا تتوب؟ قال: كيف؟ قال: خرجنا نحن في سبيل الله، قال: ماذا تريدون؟ قال: نبيع أنفسنا إلى الله، قال: سبحان الله! أنا آكل أموال الناس سرقة، وأنتم تبيعون أنفسكم إلى الله، اللهم إني أشهدك أني تبت إليك، فتاب وأناب، وذهب معهم، وقاتل معهم الكفار، وبعد المعركة وهو راجع لدغته حية، فأتوا به وهو في سكرات الموت، فقال قصيدة من أعجب ما قيل في القصائد العربية يرثي نفسه، يقول فيها: وأشقر خنذيذ يجر لجامه إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا يقولون لا تبعد وهم يدفنونني وأين مكان البعد إلا مكانيا فلله دري يوم أترك طائعاً بني بأعلى الرقمتين وداريا ألم ترني بعت الضلالة بالهدى وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا إلى آخر ما قال، وهي أبيات تقطع القلب تقارب الثلاثين بيتاً.

عبد الله بن رواحة في غزوة مؤتة

عبد الله بن رواحة في غزوة مؤتة يقول عليه الصلاة والسلام: {لغدوة في سبيل الله أو روحة خيرٌ من الدنيا وما فيها} وسبب الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام ودع الصحابة صباح الجمعة للغزو في سبيل الله في مؤتة بعد صلاة الفجر، ثم قام وخطب الناس، وقال: يا أهل مؤتة! قائدكم زيد بن حارثة، فإن قتل فـ جعفر بن أبي طالب، فإن قتل فـ عبد الله بن رواحة، ثم أرسلهم على بركة الله، فودعوه ومشوا، فلما مشوا تخلف ابن رواحة ليصلي الجمعة مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وظن الرسول صلى الله عليه وسلم أن ابن رواحة قد مضى، فصلى صلى الله عليه وسلم الجمعة، وإذا ابن رواحة يودعه بعد الصلاة ويعانقه، قال: {أما ذهبت مع أصحابك؟} قال: وددت يا رسول الله! أن أراك آخر ما أراك على المنبر، فقال صلى الله عليه وسلم: {لقد فاتتك غدوة في سبيل الله، لغدوة أو روحة في سبيل الله، خيرٌ من الدنيا وما فيها} فقال الصحابة: يا بن رواحة تعودون بالسلامة إن شاء الله، قال: لكنني أسأل الرحمن مغفرةً وطعنةً ذات فرغ تقذف الزبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غازٍ وقد رشدا فرزقه الله الشهادة، يوم ورد المدينة ينظر إلى الناس ويبكي ويقول: خلف السلام على امرئ ودعته في النخل خير مودعٍ وخليل يعني: الرسول عليه الصلاة والسلام، فنسي أهله وأطفاله وزوجته وإخوانه، وتذكر الحبيب عليه الصلاة والسلام، وأتى إلى المعركة، وكان يصوم -كما في البخاري - في السفر، وحضر المعركة مع صلاة المغرب وكان صائماً، فأتته النوبة، فقد قتل زيد بن حارثة أول النهار، وتقدم جعفر فقطعت يداه، واحتضن الراية، فقتل، فلما أتى الغروب، قال المسلمون: يا بن رواحة! يا بن رواحة، وإذا هو يأكل مع الغروب، لأنه يريد أن يتقوى، كان يأخذ من عرق بيده من اللحم، فلما سمع جلبة الصفوف ينادونه، ما عاد للطعم مذاق، وانتهى طعم الأكل، انتهى الطعام والشراب، أقبل على الجنة، فرمى ما في يده وأخرج اللقمة وقال: أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أقبل الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة هل أنت إلا نطفة في شنة فقاتل وقتل، وقام عليه الصلاة والسلام في المدينة وقد أراه الله المعركة من وراء ما يقارب ألف ميل، وعلم ما جرى في نفس اللحظة فقام وأخبر الصحابة، وقال: {ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: تقدم زيد بن حارثة ثم بكى عليه الصلاة والسلام، لأنه رأى أسامة، قالوا: ما لك يا رسول الله؟ قال: شوق الحبيب إلى حبيبه، قال: فقتل، وتقدم جعفر الطيار، فقتل، وقد أبدله الله بيديه جناحين في الجنة يطير بهما في الجنة حيث يشاء، ثم تقدم ابن رواحة فقتل، والذي نفسي بيده لقد رأيتهم على أسرة ثلاثة من ذهب قد دخلوا الجنة} ثم يقول صلى الله عليه وسلم في آخر كلامه: {وتقدم خالد بن الوليد وهو سيفٌ من سيوف الله سله الله على المشركين، فأخذ الراية من غير إمرة، وفتح الله عليه} فهذه بعض المواقف للمجاهدين المسلمين. ويقول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: {أيما عبدٍ من عبادي خرج مجاهداً في سبيلي ابتغاء مرضاتي، ضمنت له -إن أرجعته- أن أرجعه بما صاب من أجرٍ أو غنيمة، وإن قبضته أن أغفر له وأرحمه وأدخله الجنة} أخرجه النسائي. يقول أنس بن مالك: لما التقى المسلمون في اليمامة مع مسيلمة الكذابة، قال ثابت بن قيس بن شماس: يا أيها الأنصار! انتظروني، فانتظروه، فذهب فاغتسل وتحنط، ثم أخذ سيفه، وقال: بئسما عودتم أقرانكم، وبئس ما فعلتم، يقصد: مسيلمة، ثم قاتل رضي الله عنه وأرضاه، وقال بعض المؤرخين: حفر لقدميه في الأرض، ثم غرس قدميه، ثم ثبت في المعركه يقاتل حتى قتل في سبيل الله.

من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحث على الجهاد

من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحث على الجهاد وقال صلى الله عليه وسلم: {جاهدوا في سبيل الله، فإن الجهاد في سبيل الله بابٌ من أبواب الجنة ينجي الله به من الهم والغم} رواه أحمد وهو صحيح، المجاهد لا يجد هماً ولا غماً، وهذا مجرب، وسلوا من ذهب إلى أفغانستان، فإن عندهم الخبر اليقين، وقال عليه الصلاة والسلام: {أنا زعيم -والزعيم هو الذي يقوم بالضمان- لمن آمن بي وأسلم وهاجر ببيت بربض الجنة -في أسفل الجنة- وببيت في وسط الجنة، وأنا زعيمٌ لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة وببيت في وسط الجنة وببيت في أعلى غرف الجنة، من فعل ذلك، لم يدع للخير مطلباً، ولا من الشر مهرباً، يموت حيث شاء أن يموت} رواه النسائي، وابن حبان، والحاكم وهو صحيح صححه ابن حبان، والحاكم ووافقه الذهبي، وقال صلى الله عليه وسلم: {من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فواق ناقة -مقدار ما تحلب الناقة- وجبت له الجنة} حديث صحيح رواه أبو داود والدارمي والنسائي، وصححه ابن حبان ورواه أحمد وغيرهم. كان أبو بكر يودع أسامة رضي الله عنه وأرضاه، وأسامة يذهب لتنفيذ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فقال أسامة: [[يا خليفة رسول الله! إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال: والله لا تنزل، ووالله لا أركب، وما عليَّ أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله]] وكأن أبا بكر ما غبر قدمه في سبيل الله، وهو الذي منذ أسلم وقدمه مغبرة في سبيل الله، وكأنه لم يقاتل في تلك الجبهات، وفي تلك الأيام المشهودة، وكأنه لم يقدم روحه في أكثر من غزوة يريد ما عند الله، فرزقه الله الصديقية العليا التي هي بعد النبوة مباشرة، يقول عليه الصلاة والسلام: {إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة} رواه البخاري في التوحيد (باب وكان عرشه على الماء) وأحمد من حديث أبي هريرة، يقول صلى الله عليه وسلم: {فإذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة} وقال عليه الصلاة والسلام لـ أبي سعيد: {من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، وجبت له الجنة} فعجب أبو سعيد، فقال: أعدها عليَّ يا رسول الله، فأعادها، ثم قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: {وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: الجهاد في سبيل الله} رواه مسلم والنسائي، وقال: {من أنفق زوجين في سبيل الله، دعاه خزنة الجنة، كل خزنة باب: أي فُلُ -ترخيم يا فلان- أي فل هلَّم؛ فمن كان من أهل الجهاد، دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة، دعي من باب الصدقة، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على من يدعى من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم. وأرجو أن تكون منهم} رواه البخاري ومسلم والنسائي. أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه يدعى يوم القيامة من أبواب الجنة الثمانية، لأنه صادق مصل صائم مجاهد ذاكر، كل شيء فيه، يضرب في كل غنيمة بسهم، فهو الذي اكتملت فيه أعمال الخير، وقد صح عند مسلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للصحابة: {هل زار أحد منكم مريضاً اليوم؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله! قال: هل شيع أحد منكم جنازة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: هل تصدق أحدٌ منكم بصدقة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: هل أصبح أحدٌ منكم اليوم صائماً؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة} كان يجمعها كلها مع أنه كان هزيل الجسم ضعيف البنية، لكن -سبحان الله! - قلبه فيه همة تمر مر السحاب: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88] وقال عليه الصلاة والسلام: {من أنفق نفقةً فاضلةً في سبيل الله فسبعمائة} هذه سبعمائة تتكرر كثيراً، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261]. جاء أعرابي والرسول عليه الصلاة والسلام يدعو إلى البذل في سبيل الله، وليس عند الأعرابي شيء، قال: {يا رسول الله! والذي نفسي بيده ما عندي من الدنيا قليل ولا كثير، ولكن عندي هذه الناقة، فخذها في سبيل الله، قال عليه الصلاة والسلام -وكانت الناقة مخطومة بليف- فإن لك بها عند الله يوم القيامة سبعمائة ناقة في الجنة} حديث صحيح، فهذا جزاؤه عند الله عز وجل، لأنه قدم ما عنده، {ومن أنفق على نفسه وأهله، أو عاد مريضاً، أو أماط الأذى عن طريق؛ فله الحسنة بعشرة أمثالها، والصوم جنة، ومن ابتلاه الله بجسده، فهو له حطة} أي: كفارة. رواه أحمد في المسند من حديث أبي عبيدة وفي سنده عياض بن غطيف ويقال: غطيف بن الحارث ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، فلم يذكر فيه جرحاً، ولا تعديلاً، وباقي رجاله ثقات وفي الباب عند أحمد والترمذي والنسائي من حديث خريم بن ثابت مرفوعاً: {من أنفق نفقة في سبيل الله، كتبت له سبعمائة ضعف} وسنده صحيح وقد صححه الحاكم.

ضرورة تحديث النفس بالغزو في سبيل الله

ضرورة تحديث النفس بالغزو في سبيل الله يبقى هناك أمر عظيم وهو أن تحدث نفسك بالغزو في سبيل الله: {من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {جاهدوا المشركين بأموالكم وألسنتكم} وفي رواية: (وأنفسكم) وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من سأل الله الشهادة بصدقٍ، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه} إذا سأل الإنسان الشهادة بصدق، أعطاه الله الشهادة ولو مات على فراشه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وقد ذكر ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل أبياتاً لأحد الشعراء، وقد ارتاح لها ابن تيمية، يقول فيها: وحقك لو أدخلتني النار قلت للذين بها قد كنت ممن أحبه يقول: يا ربي والله لو أدخلتني النار، لأقولن لأهل النار: أنا والله كنت أحب الله. وأفنيت جسمي في أمورٍ كثيرةٍ وما منيتي إلا رضاه وقربه أما قلتمُ من كان فيها مجاهداً سيكرم مثواه ويحسن شربه وذلك لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. {أتى أعرابي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فبايعه، فلما بايعه على الإسلام أعطاه مالاً، قال: يا رسول الله! ما على هذا بايعتك، بايعتك على أن يأتيني سهمٌ يقع هنا ويخرج من هنا -أي: في حلقه ويخرج من قفاه- قال عليه الصلاة والسلام: إن تصدق الله يصدقك} فأتت المعركة، فأتاه سهمٌ وقع في لبته وخرج من قفاه، فقال عليه الصلاة والسلام والرجل قد أصبح قتيلاً: {صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله} {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21]. فتحديث النفس بالغزو والجهاد وإعداد الجيل وإعداد الأمة، وإخراج جيل يجاهدون ويقاتلون ويحملون لا إله إلا الله، هو الأمر المطلوب وهو المفروض علينا جميعاً، وقال عليه الصلاة والسلام كما رواه أحمد والحاكم وهو حديث صحيح بمجموع طرقه: {من أعان مجاهداً في سبيل الله، أو غارماً في غرمه، أو مكاتباً في رقبته، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله} فليس هناك ظل آخر، أرض المحشر كلها شمس تدنو من الرءوس إلا من أظله الله. فنسأل الله أن يظلنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ويقول عليه الصلاة والسلام والحديث عند البخاري والترمذي وأحمد: {من اغبرت قدماه في سبيل الله حرّمه الله على النار} > ابن المبارك لما ذهب إلى الجهاد مرَّ في الليل، فرأى قصر عبد الله بن طاهر أمير خراسان، قال: يا فلان، والله لليلتي هذه خيرٌ لي من قصر ابن طاهر، يا فلان ضيعنا حياتنا في المسائل وقال فلان وقال فلان، ما الحياة إلا الجهاد في سبيل الله؛ فرضي الله عنه وأرضاه، ويقول عليه الصلاة والسلام: {لا يجتمع شحٌ وإيمانٌ في قلب رجل واحد، ولا يجتمع غبارٌ في سبيل الله ودخان جهنم في أنف واحد} يقول ابن المبارك في قصيدته: ولقد أتانا من كلام نبينا قولٌ صحيحٌ صادقٌ لا يكذبُ لا يجمعان غبار خيل الله في أنف امرئٍ ودخان نارٍ تلهبُ ابن المبارك من أكبر الشعراء، وهو عالم محدث، لكنه من أكبر الشعراء، وشعره من أجمل الشعر وهو صاحب: يا عابد الحرمين، وهو صاحب: وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفافٍ وحياءٍ وكرم قوله للشيء لا إذاقلت لا وإذا قلت نعم قال نعم وهو الذي يقول: إذا صاحبت قوماً أهل ودٍ فكن لهمُ كابن رحمٍ رفيقِ ولا تأخذ بزلة كل قومٍ فتبقى في الزمان بلا رفيق وهو صاحب: عجبت لدجال، يقصد: الجهم بن صفوان عجبت لدجال دعا الناس جهرةً إلى النار واشتق اسمه من جهنمِ إلى آخر تلك الأبيات الجميلة، غفر الله له وأكرم مثواه، وقد ذكر الإمام أحمد قوله عليه الصلاة والسلام: {من اغبرت قدماه في سبيل الله ساعةً من نهار، فهما حرامٌ على النار} وذكر عليه الصلاة والسلام قوله: {لا يجمع الله في جوف رجل غباراً في سبيل الله ودخان جهنم، ومن اغبرت قدماه في سبيل الله، حرم الله سائر جسده على النار، ومن صام يوماً في سبيل الله، باعد الله بينه وبين النار مسيرة ألف سنة} اللهم باعد وجوهنا عن النار، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تحرمنا على النار.

مواقف لبعض الصحابة في اليرموك

مواقف لبعض الصحابة في اليرموك قصة في الجرحى في سبيل الله من أعجب القصص، لما حضر المسلمون مع خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه معركة اليرموك، كان معهم الحارث بن هشام، أخو أبو لهب، كان من سادات مكة، كان يكسو الكعبة سنة وكفار قريش يكسون الكعبة سنة، قاتل الرسول عليه الصلاة والسلام في الغزوات الكثيرة حتى هجاه حسان بقصيدة يقول فيها: إن كنتِ كاذبة الذي حدثتني فنجوت منجى الحارث بن هشامِ ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ونجى بفضل طمرة ولجامِ فلما أسلم الحارث بن هشام، أخبره بالقصيدة فبكى، وقال: والله لأجلون العار عن نفسي، يقول حسان: لمحبوبته: إن كنت كاذبة، فالله ينجيك مثل ما نجا الحارث بن هشام عنا يوم بدر يوم فر وترك أصحابه سبعين مقتلين، وهو من أفرس الفرسان، لكن غلبه حسان في الشعر، فبكى وقال: والله لأطهرن العار عن نفسي، فلما أتت معركة اليرموك، خرج من مكة، وكان يربي سبعين يتيماً في البيت، وكان من أغنى الأغنياء، وكان لا يشبع حتى يشبع كل من عنده في الدار، فلما خرج بكى اليتامى وتعلقت به الأرامل والمساكين قالوا: أين تذهب يا أبانا، قال: أذهب لأجلّي عني العار لأني أقسمت، فخرج إلى اليرموك، فلما أتى وقت الضائقة ووقت الشدة، لبس أكفانه، وقال للمسلمين: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، ثم خرج، فقاتل قتالاً عظيماً ما سمع الناس بمثله، فقتل، فأتوا به، فحمله خالد بن الوليد وهو والحارث من أسرة واحدة، فاحتضنه، وقال: يا عماه! قتلت؟ قال: نعم قتلت جلوت العار عني إن كنتِ كاذبة الذي حدثتني فنجوت منجى الحارث بن هشامِ ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ونجا بفضل طمرَّة ولجامِ يا خالد! هل رأيتني تركت الأحبة؟ فبكى خالد، وقال: لا والله ما تركت الأحبة، وإذا عكرمة بن أبي جهل الذي أبوه فرعون هذه الأمة يقول: من يبايعني على الموت؟ لأن الدائرة دارت على المسلمين في تلك الفترة، ولما رأى خالد جيش الروم، أقبل، قال: لا إله إلا الله يا خيل الله اركبي، وتقدم أحد الروم إلى فرس خالد الأشقر فطعنه، فوقع الفرس على وجهه، فإذا خالد على الأرض واقفاً، واعتزى خالد وصاح، فسمع صديقه عكرمة، فقال: من يبايعني على الموت؟ يظن عكرمة أن خالداً قتل، فتقدم عكرمة، فشقوه بالرماح، فحملوه شهيداً في آخر رمق إلى الحارث ووضعه خالد بجانبه، وبعد قليل إذا ابن عكرمة يهادى، وإذا رجل من المسلمين يؤتى به كذلك، قال خالد: ماذا تريدون؟ فالتفت إلى عكرمة وكان في الرمق الأخير وهو يشير إلى الماء يريد ماءً، فأخذ خالد ماءً بارداً من الخيمة وسلمه لـ عكرمة، فرفض عكرمة حتى يشرب الحارث عمه، فسلموها إلى الحارث، فرأى الشاب الصغير، فرفض حتى يشرب الشاب: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] فأعطى الشاب، فرفض حتى يشرب المسلم، فأعطى المسلم، فامتنع، فأعطاه إلى الحارث، فوجده قد مات، فأعاده إلى عكرمة، فوجده قد مات، وإلى الشاب وقد تاقت روحه وخرجت ومات، وإلى المسلم، وقد انتهى، فانسكب الكوب من يد خالد وبكى وقال: [[زعم الناس أنا لا نموت من ضرب السيوف لا ورب البيت بل قصعاً تحت الرماح]] اللهم فاسقهم من جنتك، قال تعالى: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:19] وذكر ابن ماجة رحمه الله أنه عليه الصلاة والسلام قال: {من راح روحة في سبيل الله، كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسكاً يوم القيامة} وهذا الحديث إسناده حسن، فيجعل الله مثل وزن هذا الغبار مسكاً.

السلطان نور الدين وجهاده لأعداء الله

السلطان نور الدين وجهاده لأعداء الله نور الدين محمود زنكي هذا كردي من الأكراد الذين قتلهم شر حكام العراق، وهو ابن عم صلاح الدين الأيوبي الذي فتح بيت المقدس وصاحب حطين. ونور الدين زنكي أمره عجيب، يقولون: عدول العالم الإسلامي ستة: الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز ونور الدين زنكي، كان إذا بقي من الليل ثلث، قام الحراس على قصره، فأيقظوا أهل مدينة دمشق وأيقظوا العسكر يصلون كلهم في الليل حتى يأتي الفجر، كان يقاتل في سبيل الله في الغزوات، فجمع الغبار الذي اجتمع له من الغزوات وصنعت منه لبنة له، وجعلت عند رأسه في القبر، هذا الغبار الذي كسبه في المعارك من ثيابه، ومن خوذه، وملابسه على فرسه؛ جمعوا منه لبنة توسدها رضي الله عنه وأرضاه. نور الدين محمود له قصة عجيبة، وهي قصة القبر وهي أن بعض الناس من النصارى أرادوا الاعتداء على قبر الرسول عليه الصلاة والسلام وأخذ جثمانه الشريف عليه الصلاة والسلام، وكان نور الدين محمود في دمشق، فرأى في المنام أن الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: أنقذني يا محمود! فقام، فسأل العلماء، فقالوا: قبره يؤذى عليه الصلاة والسلام، فجهز جيشاً عرمرماً، ودخل المدينة وطوقوها بالجيش، ودعا الناس إلى وجبة الغداء، وقال: من تخلف فاقتلوه، فأتى الناس جميعاً إلا مغربيين في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم تظاهرا بالعبادة، وهم نصارى، لكن تظاهروا بلباس المسلمين، قال: هل بقي أحد؟ قالوا: ما بقي إلا مغربيان، قال: عليَّ بهما، فلما أُتي بهما، فإذا هما كما رآهما في المنام بجانب الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو يقول: أنقذني ويشير إلى الاثنين، فسألهما، فلم يخبرا، قالوا: عباد وزهاد، فأمر الجنود أن يجلداهما بالسياط، فجلدوهم فاعترفوا، فذهب فوجدهم قد حفروا تحت البساط إلى قبره عليه الصلاة والسلام، فصب ما حول القبر قيل: بالرصاص وقيل: بالفضة، فهو هناك إلى الآن. نور الدين محمود كان عنده مهرجان، وقد جمع الجيوش بعد فتح بعض المدن، فقام أحد الحكماء، وقال: مثَّل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمورُ إن قيل نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي وما لك نور حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدورُ فبكى حتى سقط من على كرسيه على وجهه ورشوه بالماء، كان من أخشع الناس لله والشاهد هذا الغبار، وأتى ابن عمه صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه وأرضاه، ففتح فتحاً ما سمع الناس بمثله، فرفع الله منازلهم وجمعنا بهم في عليين، يقول بعض المؤرخين: نور الدين لما مات، رؤي في المنام وهو يطير من شجرة على شجرة، قيل: أأنت نور الدين محمود؟ قال: أنا نور الدين محمود، قالوا: أين أنت؟ قال: أما كان في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: {المرء يحشر مع من أحب} وهذا ذكره ابن كثير، لكن ما ذكره في ترجمة نور الدين محمود، بل ذكره في ترجمة رجل من الأكراد في أول المجلد الرابع عشر، أو آخر الثالث عشر، والصحيح أنها في نور الدين محمود، وقصة القبر ذكرها السهيلي، قصة القبر، وأنا ذكرتها بمن رواها في شريط: (قتل المجرمين عدالة) ومن خرجها، فمن أراد أن يراجع هذه القصة فليراجعها في شريط: (قتل المجرمين عدالة) وقال عليه الصلاة والسلام: {ما خالط قلب امرئ رهج في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار} رواه أحمد في المسند، يقول هنا: ما في بطن الإنسان من خوف أو جزع، وليس الرهج هنا الغبار، لكن الرهج في غير هذا الحديث الغبار، (رهجُ السنابك) هو الغبار، ولكن حين أتى مع القلب يصرفه إلى الخوف والجزع، فهو من أسماء المعاني لا من أسماء الذوات التي هي الغبار، وعرف بالسياق، فليعلم هذا أيها الإخوة الأجلاء.

الأسئلة

الأسئلة

التدرب على السلاح

التدرب على السلاح Q أرجو أن تنبه على هؤلاء الإخوة بأنه قد فتح هذا اليوم مكتب تدريب المتطوعين وذلك في خميس مشيط سلاح المهندسين؟ A أنا أنبه الآن أن هذا مشروع موفق، وأن هذا يهاب به ويشاد ويشكر من قام به ومن أمر، نسأل الله لهم الرشد والسداد والصلاح ظاهراً وباطناً، فمن لوازم المسلم أن يذهب وأن يتعلم حمل السلاح، ويتدرب، فإنها فرصة، لأن السلاح أصبح متطوراً ومعقداً، ولو مدة شهر كل يوم ساعتين من الرابعة إلى السادسة عصراً، وسوف يكون هناك إن شاء الله حضور من بعض الدعاة وطلبة العلم، وتوجيه بعض الكلمات في التوحيد والتوكل على الله وفي التوبة والعقيدة، ومع ذلك توجيه إلى آداب الجهاد وسنته عليه الصلاة والسلام وآدابه في ذلك، وهي أيام مشهودة وفاضلة، فمن ذهب فلينو نية صالحة وصادقة، ويريد بهذا أن يحدث نفسه بالغزو، وأن يتهيأ للشهادة في سبيل الله، وأن يتهيأ للقتال تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ضرورة التوكل على الله

ضرورة التوكل على الله Q أرجو أن تنبه الناس على الاعتماد على الله عز وجل لا على الاعتماد على غيره؟ A أنا تكلمت في أول الحديث عن الاعتماد على الله، وهو الركن الذي لا يغلب: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] فالناصر هو الله وأقول: لا بد للناس أن يقفوا مع التوكل كثيراً، وأن يعودوا بأنفسهم إلى مسألة التوحيد، وهذا ينبه على الدعاة وعلى طلبة العلم أن يكرروها في دروسهم ومحاضراتهم وندواتهم كثيراً، ويلزموا الناس بها، ويشدوا من الأزر في هذه مثلاً، لأنه وجد خور في بعض الجوانب عند الناس، بعض الناس خاف من الموت، وبعضهم هلع، وبعضهم يقول: نحن مغلوبون، وهذا خطأ، وهذا قاله بعض المنافقين: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12] وأما الأتقياء فقالوا كما قال أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام: {قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب:22].

توقع نتائج حرب الخليج

توقع نتائج حرب الخليج Q بعضهم يتساءل ما هي النتائج التي تتوقعونها في الخليج؟ A الله أعلم ولا يعلم الغيب إلا الله: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65]. لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانعُ تقضون والفلك المسير ساخرٌ وتقدرون وتضحك الأقدار والأمم والشعوب والدول والحكومات كالذر، فالله عز وجل بكلمة كن فيكون يغير الأمور، أبرهة الأشرم أتى لمهاجمة الحرم فأتى الخبر عبد المطلب جد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأبرهة الأشرم كانت عنده قوة، فالفيل في تلك الأيام لا يطاق مثل: الكيماوي، فالعرب لا تدري ما هو هذا الفيل، فلما دخل وادي محسر وقف الجيش، فأتى الخبر لـ عبد المطلب، قال: لا نستطيع لـ أبرهة، والحكمة أن نخرج بأطفالنا ونسائنا إلى رءوس الجبال، لكن قبل أن نخرج اتركوني ألقي أبياتاً وقد كان مشركاً، لكن أراد أن يوصي بها، فذهب إلى الكعبة، فأخذ بحلقة الكعبة وقال: يا رب إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك وقد كان عبد المطلب مشركاً ولكن فيه نخوة وشجاعة وشهامة، وكان من سادات العرب: يا رب إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبداً محالك فنحن لا نستطيع القتال، وأما هو فذهب إلى أبرهة، وسمع أبرهة أنه قادم، وقال حراس أبرهة وهو جالس في طرف وادي محسر وقد نزل في خيام وهيلمان وألوف من الجنود، قالوا: عبد المطلب أقبل، قال: من؟ قالوا: شيخ مكة، فظن أبرهة أنه جاءه يفاوضه مفاوضة سلمية في ترك بعض الأراضي والوقوف حتى يأتي ويصلح بينهم، فوصل عبد المطلب، فلما وصل قام أبرهة وأجلسه على السرير، ثم نزل معه، رآه جليلاً وشيخاً وفيه وقار، وكان سيداً من السادات، حتى يقول صلى الله عليه وسلم: {أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب} قال: ماذا تريد؟ قال: أريد إبلي عندي مائة ناقة أخذها جنودك، قال أبرهة: ظننت أنك عاقل أتيت أهدم بيتك وبيت آبائك وأجدادك، وأتيت تكلمني في الناقات، أعطوه الإبل، فأعطوه الإبل، قال: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه، ثم تولى، فتقدم أبرهة، فوجهوا الفيل إلى البيت، فرد الله رأسه إلى اليمن، ضربوه فرفض، فتقدم أبرهة والجيش وتركوا الفيل، فأرسل الله عليهم الطير الأبابيل، يقول بعض المفكرين العصريين: الأفواج الاستطلاعية، والمفسرون من السلف على قسمين: قسم يقول: خلقها الله من البحر، وقسم يقول: خلقها الله تلك اللحظة: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] وفي الصباح يقف عبد المطلب يتباكى هو والنساء والأطفال في رءوس الجبال، وإذا بجبال مكة تمتلئ من هذه الطيور، ويأتي كل طير معه حجر كالحمصة بين أرجله مكتوب عليها اسم الجندي، فلان بن فلان صاحب الحفيظة كذا ورقم الهاتف كذا، يعني: حجر أبرهة يهوي عليه لا على غيره، وعلى الجندي الذي في الطابور الخامس فلا تأتي إلى الطابور السادس، فسحقهم الله، ثم يقول الله للرسول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1] أما سمعت؟ أما حدثك أشياخ مكة ماذا فعلنا بعدوهم؟ لأن أبا جهل يقول: يا محمد لو اتبعناك تخطفتنا العرب {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا} [القصص:57] يقول: أوما سمعت ماذا فعلنا؟ أما قرأت الأخبار؟ أما أتى في التاريخ؟ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1] سماهم أصحاب الفيل تهويلاً لهم، ولم يقل أصحاب أبرهة، مثل: الناس معهم حمار يقال لهم تصغيراً أصحاب الحمار: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:1 - 5] بعض أهل العلم يقول: كانت هذه إذا رمت عادت فأخذت حجارة من جديد أي: أنها تعود إلى قواعدها وتتحمل مرة ثانية، وهذه هي التي ما شوهدت في التاريخ، وما صنعت في المصانع، وما عرفت إلا الغارات الموفقة، وما أخطأت واحدة منها، وهي عناية الله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17]. ونستودعكم الله على أمل اللقاء بكم، وشكر الله لكم تعاونكم وحضوركم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من الشهداء في سبيله، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الباحثون عن الحقيقة

الباحثون عن الحقيقة إن أكبر قضية في حياة الإنسان هي قضية البحث عن الهداية ومعرفة الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبودية والتوحيد، والذي يريد الهداية عليه أن يحرص عليها ويلتمسها في مظانها، ويدعو الله أن يثبته عليها، فإن من طلب الشيء وجده، ولنا أسوة حسنة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحث عن الهداية، أمثال سلمان والطفيل بن عمرو الدوسي وغيرهما، فيجب علينا أن نتأسى بهم، وأن نبحث عن الهداية وأسبابها ونتجنب موانعها.

البحث عن الهداية

البحث عن الهداية الحمد لله رب العالمين، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. والصلاة والسلام على رسول الله خير من تكلم بالقرآن وفهمه وبلغه، هدى الله به الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها الناس: إن أكبر قضية في حياة الإنسان، هي قضية البحث عن الهداية، وقضية معرفة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فإنه لا أكبر من الله، فلا إله إلا الله، ولا إله غير الله. الله ربي لا أريد سواه هل في الوجود حقيقة إلا هو قد ضل من يرجو سواه وأفلست من كل خير في العلا يمناه يقول عز من قائل: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنعام:19] ولذلك كانت هذه القضية هي القضية الكبرى التي ينبغي للمسلم أن يبحث عنها، فأين الباحثون عن الحقيقة الكبرى؟ وأين الملتمسون للهداية؟ وأين المتطلعون إلى معرفة الله؟

بحث سلمان عن الهداية

بحث سلمان عن الهداية لنقف اليوم مع بعض أولئك النفر الصالحين، مع المتلمسين للهداية، والباحثين عن الحقيقة. وفي مقدمتهم، وفي أولهم سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه، سلمان ابن الإسلام الذي لما اجتمع مع نفر من العرب فسألوه عن نسبه، حيث يقول هذا: أنا قرشي، وذاك يقول: أنا قيسي، وذاك يقول: أنا تميمي، فقال: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم هو لا يعرف إلا الإسلام، فأبوه الإسلام، وأمه التقوى. نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا أتى من أرض فارس، يتلمس الهداية، ويطلب النور ويريد لا إله إلا الله، وأبو جهل وأبو لهب وأبو طالب، عند الركن اليماني والحجر الأسود يبغضون لا إله إلا الله ويحاربونها، فعجباً كيف يقود قدر الله وهدايته واصطفاؤه هذا الرجل من وراء بلاد فارس، ليكون من حماة الإسلام؟ وكيف تطرد قدرة الله وعنايته هذه الشرذمة وهم عند الحجر الأسود والركن اليماني، فيموتون ويكون مصيرهم إلى نار جهنم. كان سلمان يعبد النار من دون الله الواحد القهار. وأصبح عابدو الأصنام حماة البيت والركن اليماني يقول عن نفسه: كنت مع أبي وكان من سدنة النار التي يسجد لها المجوس من دون الله فانشغل ذات يوم من الأيام في شغل له في مال؛ فأرسلني لأوقد النار مكانه، قال: فذهبت فأوقدت النار، فمررت في طريقي؛ فوجدت قوماً من النصارى يعبدون الله على دين المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، قال: فأعجبتني عبادتهم، وتلهيت معهم ساعة، وعدت إلى أبي في المساء، فقال لي: أين كنت؟ فأخبرته الخبر، قال: فحبسني ووضع الحديد في رجلي -لأنه خرج عن دينه، وخاف أن يرتد عن دين المجوسية، وهكذا حماس أهل الباطل لباطلهم، فأين حماس أهل الحق لحقهم؟ قال: فسألت الناس هل هناك من دين مثل هذا الدين في غير هذه الأرض؟ قالوا: نعم في الشام في سوريا، قال: فمر بي ركبٌ فوضعت الحديد من رجلي وركبت معهم وتركت أبي وأهلي لألتمس الدين الحق، قال: فأركبوني معهم حتى نزلت بـ الشام، فأنزلوني عند راهب في صومعة، فجلست عنده، فوجدته رجل سوء شريراً يأمر الناس بالصدقة ويأكل أمولهم، ويأمرهم بطاعة الله ويعصي الله في الخفاء. قال: فلما مات حملوا جنازته، وحفروا له قبراً، قلت: لا تسرعوا إن هذا رجل سوء، عنده سبع قلال من المال من الذهب والفضة، وأريتهم إياها، فرجموه بالحجارة، ولعنوه وصلبوه، قال: ثم سألت الناس، فدلوني على راهب في العراق، فذهبت إلى ذاك الراهب في صومعته؛ فوجدته من أعبد الناس لله ومن أصدقهم لمولاه، ما رأيت رجلاً غير المصلين أفضل منه -يستثني المسلمين- قال: فكنت معه بأحسن حال، فلما دنت منه الوفاة، قلت: إني صاحبتك وإن للصحبة حقاً، فدلني على رجل صالح، قال: فدلني على رجل صالح آخر فذهبت إليه، فوجدته كصاحبه في الصلاح والعبادة، فلما دنت منه الوفاة -وللفائدة فإن سلمان عاش ثلاثمائة سنة في الجاهلية، والمجوسية والنصرانية، وفي الإسلام، فهو مجرب كل التجارب، وهو مخضرم أكل عليه الدهر وشرب، واستقرأ الحوادث والوقائع والأيام، وخرج بنتيجة أنه لا دين إلا دين الله الذي رضيه للناس- قال: فلما دنت منه الوفاة، قلت: بحق الصحبة معك، دلني على رجل صالح في الأرض، قال: لا أعلم راهباً بقي في هذه الأرض، ولكن هذا زمان مبعث رسول يرسل من العرب، قد أظلك زمانه، وهو يخرج في هذه الأيام، وسوف يهاجر من بلاده إلى أرض ذات نخل بين حرتين، أرض شديدة الحرارة، فإذا سمعت به فاذهب إليه. قال: فاشتغلت ببعض الكسب فحصل لي بعض الأموال من البقر والغنم، فتعرضت على ساحل البحر، فوجدت أناساً من العرب من التجار؛ فأعطيتهم الإبل والبقر والغنم أجرة على أن يحملوني إلى الجزيرة، قال: وكانوا ظلمة، وادعوا أني عبد لهم -وما أصابته عبودية ولا رق إلا لله تبارك وتعالى- قال: فلما نزلنا ظلموني وباعوني من رجل من أهل وادي القرى قريباً من المدينة -وانظر إلى عناية الله كيف يقربه تبارك وتعالى من المدينة - قال: فأتى رجلٌ من اليهود في تلك الليلة من أهل المدينة، فاشتراني من هذا الرجل في وادي القرى؛ فذهبت معه، فكنت أجذ له النخل، وأسقي له على الناضح، وأشتغل له في الزراعة، وأتلمس الأخبار، وأتسمع الأنباء عن مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وبينما أنا في النخلة، وإذا بيهودي آخر أتى يستهزئ ويستهتر على اليهودي الثاني صاحب المزرعة، ويقول: أتى جد بني قيلة -وبنو قيلة: هم الأنصار، وجدهم أي: حظهم، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال له: أقدم اليوم؟ قال: نعم قدم، قال سلمان: فو الله ما إن سمعت كلامه وقع في أذني، حتى أصابتني رعدةٌ في جسمي فكدت أسقط من أعلى النخلة. من الفرح لما وقع الخبر في أذنيه. طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ فزعت منه بآمالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي قال: فوقفت بجانب سيدي، وقلت: ما الخبر؟ فلطمني على وجهي لطمة أجلستني، وقال: عد إلى شغلك، ما شأنك وهذا الشأن؟ قال: فعدت، وكان آخر الرهبان الثلاثة أخبرني بعلامات الرسول صلى الله عليه وسلم وهي ثلاث علامات: أولها: أنه لا يأكل الصدقة. وثانيها: أنه صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية. وثالثها: أن بين كتفيه خاتم النبوة. قال: فلما أظلم الليل أخذت مكتلاً معي من تمر، وأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قباء حيث بنو سلمة في أعالي المدينة، فسلمت عليه؛ فرأيت وجهه ليس بوجه كذاب كأنه البدر. لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر فوضعت المكتل بين يديه، وقلت: سمعت أنكم غرباء قدمتم؛ فخذوا هذا التمر صدقة، قال: فأمسك صلى الله عليه وسلم ولم يأكل، وقال لأصحابه: كلوا بسم الله، قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة، قال: ثم عدت إلى النخل فلما أتت الليلة المقبلة، حملت مكتلاً آخر، وأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فوضعته بين يديه، وقلت: هذه هدية، فقال: بسم الله وأكل، فقلت: هذه الثانية. قال: ومشيت وراءه فأخذ يلمحني بعينيه صلى الله عليه وسلم، وعلم أنني أريد أن أرى خاتم النبوة بين كتفيه؛ فرفع رداءه صلى الله عليه وسلم فرأيت خاتم النبوة بين كتفيه، فانحنيت عليه أبكي وأقبله، قال: فهداني الله وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فأعتقني صلى الله عليه وسلم. وسار سلمان في طريق الهداية، وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتاج: {سلمان منا آل البيت} فهو من أهل البيت نسباً في التقوى، وسلالة عريقة في النجابة والنبل والجهاد، وهو من أهل البيت في العبادة والطهارة والنزاهة، ولذلك كان من أصدق الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيجب علينا أن نتأسى به في طلب الهداية، والذي يحرص على الهداية ويلتمسها ويدعو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يبلغه سبل الهداية يجدها، ويوفقه الله لها، ويعطيه الله عز وجل ما تمنى، والذي يعرض عن الهداية، ولا يحرص عليها، ولا يريدها، يطبع الله على قلبه، ويسيء ذكره، ويجعل الشيطان يستحوذ عليه، قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5] ويقول عز من قائل: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23]. فيا من يريد الهداية التمسها تجدها، فإن الهداية لا تتعلق بنسب ولا بمنصب ولا بولد ولا بمال ولا بجاه، ولكن الله ينظر إلى قلوب العباد، فإذا رأى قلباً يستحق الهداية أعطاه وأولاه واجتباه واصطفاه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

الطفيل بن عمرو الدوسي وقصة إسلامه

الطفيل بن عمرو الدوسي وقصة إسلامه ورجل آخر، ورائد ثان من رواد الحقيقة ومن الباحثين عن النور، الطفيل بن عمرو الدوسي، كان يعيش في جبال السراة، لا يعلم أن هناك رسولاً، ولا كتاباً، ولا إلهاً، فلما أراد الله أن يهديه ويهدي قومه به، قدم مكة من السراة من جبال زهران في دوس قدم في التجارة؛ فرآه كفار قريش، فعلموا أنه سيد شريف لبيب، فخافوا عليه من الإسلام، فأتوا إليه وتجمعوا عليه، وقالوا: يا طفيل! أنت سيد في قومك، ومعنا هنا رجل كاهن ساحر، إذا سمعت كلامه فرق بينك وبين زوجتك، وبينك وبين أولادك، قال: فو الله ما زالوا يخوفونني به حتى جعلت القطن في أذني لئلا أسمع شيئاً. قال: فكنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينزل يصلي في الحرم، وأرى علامات الصدق في وجهه، قال: فاقتربت منه -انظر إلى هداية الله كيف تقرب البعيد, وانظر إلى الشقاء كيف يبعد القريب- قال: فما زلت أتقرب منه، وقلت لنفسي: عجباً لي! أنا رجلٌ لبيبٌ وشاعر لا يخفى علي حسن الكلام من قبيحه، قال: فما زالت نفسي تحدثني حتى وضعت القطن من أذني، فاستمعت إليه وهو يقرأ القرآن، فوقع القرآن في قلبي، قال: فسلمت عليه؛ فرد عليه السلام، فأخبرته الخبر، وقلت: ما الذي تدعو إليه؟ فأخبرني صلى الله عليه وسلم بالإسلام، فوقع حب الإسلام في قلبي، وهذه عناية الله واصطفاؤه، فقلت: يا رسول الله! أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال: {ممن الرجل؟ قلت: من دوس، فتبسم صلى الله عليه وسلم} لأن دوساً تبعد الكيلو مترات عن مكة فيهدي الله منهم هذا الرجل وأهل البيت كفرة بالله العظيم، يعبدون الحجارة من دون الله، فقلت: يا رسو الله! ادع الله أن يجعل لي آية وعلامة وكرامة أدعو قومي بها، فقال صلى الله عليه وسلم: {اللهم اجعل له آية} قال: فذهبت فلما انحدرت على قومي -في بلاد زهران - وإذا بالنور في وجهي أصبح مد البصر، فقلت: اللهم اجعله في غير وجهي، فإني أخاف أن يقول قومي: هذه مثلة أو مرض، فجعله الله في عصاي؛ فكان كالقنديل، فلما وصلت إليهم، أقبل أبي ودنا مني، فقلت: أنت مني حرام، وأنا منك حرام حتى تؤمن بديني، قال: وما هو دينك؟ فأخبرته، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، قال: ودنت مني صاحبتي، فقلت لها مثل ما قلت لأبي، فشهدت أن لا إله إلا الله، ثم خرجت على قومي؛ فأخبرتهم الخبر فكفروا وأعرضوا، وعدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! غلب الزنا على دوس، فادع الله عليهم، قال: فرفع يديه واستقبل القبلة، فقلت في نفسي: هلكت دوس، فقال صلى الله عليه وسلم: {اللهم اهد دوساً وأت بهم، اللهم اهد دوساً وأت بهم، اللهم اهد دوساً وأت بهم} {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]. قال: فعدت إليهم، فآمنوا كلهم عن بكرة أبيهم، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقدمت بهم إلى رسول الله. وبقي الباحث عن الحقيقة الطفيل بن عمرو الذي هداه الله إلى لا إله إلا الله وافياً مجاهداً عابداً، ناصراً لكلمة الحق، حتى أتت معركة اليمامة مع مسيلمة الكذاب الدجال، وقبل أن تصبح صباح المعركة نام الطفيل بن عمرو؛ فرأى في نومه كأن رأسه حُلق، وكأن طائراً خرج من فمه، وكأن امرأة أدخلته في فرجها، وكأن ولده يجري وراءه فلم يدركه -رؤيا في المنام- فأولها في الصباح، فقال: أما الطائر فروحي تخرج من فمي، وأما حلق رأسي فيقطع رأسي في سبيل الله، وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تبتلعني فيها، وأما ابني الذي يجري بعدي فهو يطلب الشهادة ولا يوفق بها في هذه المعركة. وابتدأت المعركة، وقتل الطفيل بن عمرو في سبيل الله، ومن أجل لا إله إلا الله، فكان ممن قال الله فيهم: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:169 - 170] والبحث عن الحقيقة قائم لمن يريدها إلى قيام الساعة، وأتى الله بأجيال يحبهم ويحبونه، فمن أراد الله وفقه الله إليه، ومن أعرض عن الله استغنى الله عنه وطبع على قلبه وجعله من الأشقياء: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35] ويهدي الله لفضله، ويمنح الله عطاءه من يريد عطاءه. فيا أيها الجيل! ويا أيتها الأمة المباركة! ويا أيها الناس المحمودون بتقواهم وبعبادتهم! هلموا إلى الهداية، واطلبوا النور من الله الواحد الأحد، والتمسوها في كل حين وآن، في سجودكم، وأدبار صلاتكم، وصيامكم، وابتهالاتكم، علَّ الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

أسباب الهداية

أسباب الهداية الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها الناس! إن الهداية من أعظم ما يمن الله به على العبد، وإن لها أسباباً، فمن أسبابها: أولاً: تلاوة كتاب الله عز وجل وتدبره، والعمل به، ومن لم يتله فليعمل به، فإن أعظم تلاوة له العمل به قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] فمن لم يهتد بالقرآن فلا هداه الله، ومن لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله، فإنه النور والنجاة. ثانياً: سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، والاهتداء بهديه، والاستنارة بنوره عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. ثالثاً: كثرة الدعاء والابتهال للحي القيوم في كل وقت وآن، أن يثبتك الله ويهديك، ويريك رشدك ويصلح بنيك وبناتك وأهل بيتك، فإن هذا أعظم المثوبة والفخر في الدنيا والآخرة. رابعاً: التقرب إلى الله تبارك وتعالى بالنوافل، من صلاة وصيام وصدقة وبر وجهاد، فإن الله عز وجل يقول في الحديث القدسي: {ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه}.

موانع الهداية

موانع الهداية وأما موانع الهداية التي تحول بين العبد وبينها فكثيرة: أولها: خبث النفس، فتجد بعض الناس معرضاً عن الله، لا يريد الله ولا الدار الآخرة، ولا يريد ذكر الله ولا كتابه ولا رسوله، وإذا ذكر الله في مجلس أو ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم اشمأز واحمر وجهه، وتكدَّر خاطره، وساء حاله، فنعوذ بالله من هذا الخبث. يقول عز من قائل في من هذا شأنه وحاله: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23] وما صرف الله من صرف عن الهداية إلا لأنهم لا يريدونها. ثانيها: مرض الشبهه، وهو مرض الشك والإلحاد الذي ابتلي به كثيرٌ من الشباب إلا من رحم الله، شكٌ في القدرة والإيمان، وشكٌ في الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك حوربنا في هذه الفترة بحرب شعواء، أعظم من حرب الطائرات والصواريخ، إنها حرب الإلحاد، والرأي العفن المتخلف، رأي لينين واستالين وماركس الذي نشروه في المعمورة، واجتاحوا به البلاد الإسلامية، وأورثوا الشبه والشكوك في المجلات، والجرائد، والمؤلفات، واتخذوا في نشرها الوسائل المغرية، حتى ألحد كثير من الناس بالله العظيم، وصرفوا الناس عن باب المسجد، وعن تلاوة القرآن، ودلوهم على جهنم وبئس المصير. ثالثها: مرض الشهوة، والتهالك على الحطام والشهوات، ولا نعني بذلك أن المال حرام، فجمع المال مطلوب، والصحابة جمعوا المال، ولكن لا يعبده الإنسان من دون الله، وكثيرٌ من شباب الإسلام ابتلوا بالشهوات، إلا من عصم ورحم الله وابتلوا بالزنا، والخمر، والفحش، والإعراض عنه تبارك وتعالى؛ فتركوا الطاعات، وهجروا المساجد، وقاطعوا كتاب الله عز وجل، وامتلأت بهم السجون، فما نفعت فيهم الحدود، لأنه لا يقومهم إلا لا إله إلا الله، ولا يهديهم إلا فتح من الله، في أن يعودوا إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فإنه هو الذي يهدي، وهو الذي يوفق: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران:193] {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين! والحمد لله رب العالمين.

سددوا وقاربوا

سددوا وقاربوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا). والله عز وجل لم يكلفنا في هذا الدين بأشياء لا نستطيع القيام بها، وإنما أمرنا بأشياء يسيرة يستطيع أن يعملها من يسرها الله عليه، والذين يكلفون أنفسهم بأشياء لا يستطيعون القيام بها؛ فإنهم يخالفون أمر النبي صلى الله عليه وسلم. وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.

يسر الدين

يسر الدين الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فمعنا في هذه الليلة حديث عظيم، من الأحاديث التي دبَّج بها الإمام البخاري رحمه الله تعالى صحيحه يقول: وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة}. هذا الحديث أول قضية فيه؛ هي قضية (إن الدين يسر) والرسول صلى الله عليه وسلم ما جاء إلا لسعادة الإنسان وليحمل هذا اليسر، يقول تبارك وتعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157] والدين الإسلامي يسير على من يسَّره الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليه، ليس على كل الناس ميسر، بل هو من أصعب الأمور على المنافقين، نسأل الله العافية والسلامة، قال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22] ويقول تبارك وتعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125]. أي: كأنما يعرج بنفسه في السماء فيختنق من قلة التنفس، فوصفه سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالصاعد في السماء، كلما ارتفع كلما ضاق نفسه. يقول أبو هريرة قال صلى الله عليه وسلم: {إن الدين يسر} ودائماً يمر معنا أبو هريرة رضي الله عنه، وكم من مرة مر معنا وأراد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يرفع اسمه، وأن يضوع اسمه في المنتديات، وفي مجالس المسلمين، فهذا الرجل عناية الله عز وجل أتت به من بلاده، وهو في قرية بعيدة من قرى جبال السراة، ويأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل في هذا الدين، وأكسبه الله تعالى من هذا النور، ومن هذا العلم، فرفع الله اسمه، وأبى كثير من أهل الحرم الذين كانوا يطوفون بالبيت، وكانوا بجانب الحطيم وزمزم أن يسلموا، فأخفض الله ذكرهم، وأدخلهم ناراً تلظى؛ لأنهم ما استضاءوا بهذا الدين. يقول صلى الله عليه وسلم: {إن الدين يسر} لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8].

اليسر في التفكير

اليسر في التفكير يقول سيد قطب رحمه الله: نحن لم نطلب ولا يطلب منا في الدين أن نفكر في مسألة تشق على أذهاننا. ولذلك يقول عمر رضي الله عنه، كما علق عنه البخاري: [[نهينا عن التكلف]] مسألة لا تستطيع أن تهضمها أو لا يستطيع ذهنك أن يفهمها لا يجوز لك أن تتدخل فيها، أو تعمل ذهنك فيها، بل كل مسائل هذا الدين مُسلَّمات وبديهيات، ومفهومات لدى جمهور المسلمين، أما المسائل العويصة والصعبة فيقول عمر: [[نهينا عن التكلف]] فهذا اليسر في التفكير.

اليسر في العمل والعبادة

اليسر في العمل والعبادة واليسر في العمل والعبادة، فكل عبادة أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم تناسب جمهور الناس، فلم يكلفنا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى شططاً، ولذلك مر صلى الله عليه وسلم برجل من الصحابة، وهو يركع ويصلي ويخفض رأسه ويكثر من الركعات، فالتفت بعض الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكره أحمد في المسند، وقالوا: {هنيئاً له يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، خير دينكم أيسره} وفي مسند الإمام أحمد: {أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة} أي: السهلة الواضحة، التي يستطيع الإنسان أن يتمشَّى معها طول العمر، فهذا هو السهل المحبوب الطيب عند الله عز وجل. ولذلك التكثير من العبادة ليس مطلوباً قصداً في الدين، لأن الله عز وجل يقول: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] ولم يقل: أيكم أكثر عملاً، وإنما دخل التكثير والكثرة بلا جودة من الصوفية، يصلي أحدهم في اليوم خمسمائة ركعة، أو ثلاثمائة ركعة، ويظن أن هذا هو الدين، ولكن الدين الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم سهل ميسر على من يسَّره الله عليه، حينها لما رأى الناس تيسيره صلى الله عليه وسلم دخلوا في هذا الدين زرافات ووحداناً.

اليسر في القرآن

اليسر في القرآن فهو سهل ميسر، واليسر والسهولة في هذا الرجل العظيم الذي أتى ليقود البشرية صلى الله عليه وسلم يرونه فإذا هو رجل سهل، يتعامل مع الناس بوضوح ويسر وتواضع، يمازح الأطفال ويلاعبهم، ويجلس مع أصحابه صلى الله عليه وسلم، ويزورهم في أماكنهم، ويقضي مع العجوز الساعات الطويلة، فإذا هو سهل ميسر صلى الله عليه وسلم. يقول تبارك وتعالى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:1 - 3] ويقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] ويقول سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ويقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7]. حينها يقول صلى الله عليه وسلم: {إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه} وسوف يأتي بعد حديثين حديث آخر يعاضد هذا الحديث، لكن لا يتوهم متوهم أن معنى اليسر هو التفلت، أن يصلي الصلاة متى يريد وفي أي وقت، وأن يصوم متى يريد، وأن يتفلت على تعاليم القرآن ويقول: الدين يسر، فهذه العبارة يستخدمها بعض الناس على أهوائهم. ولذلك يقول ابن الجوزي في أحد كتبه: إن الأعراب فهموا من أن الدين يسر، أنه التفلت على شريعة الله، حتى إن أحد الأعراب سافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقصر الصلاة الرباعية ركعتين، والظهر ركعتين والعصر والعشاء، فلما عاد سأله إخوانه من الأعراب البدو، قالوا: ماذا وجدت في سفرك هذا؟ قال: أحسن ما وجدنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذف عنا ركعتين، وسوف يحذف إن شاء الله في السفر الثاني ما بقي من الركعات، يريد أن تبقى المسألة يسراً على الطبيعة، فلا صلاة ولا صيام. وذكر ابن الجوزي أن أعرابياً آخر بشروه بالهلال أنه أهل عليهم، قالوا: نبشرك بهلال رمضان، قال: والله لأشتتن شمله في الأسفار، أي: لا يستقر حتى آخر الشهر، يقول ابن الجوزي: وهذا منع فهمه كثير من الخلف، يظنون أن اليسر هو التفلت من الفرائض. لا. هناك حد وسط لا بد أن يسير معه الإنسان، ولكن لا ينقص عنه، وسوف يأتي حديث النوافل.

الغلبة للدين

الغلبة للدين {إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه} لفظ الحديث: {ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه} ويجوز على رواية: {ولن يشاد الدين أحداً إلا غلبه} على أن: (أحداً) مفعول به أو فاعل، فمعنى هذا اللفظ، أي: أن الإنسان أو المسلم إذا شاد الدين غلبه الدين، لأن كثرة طرق هذا الدين لا يستطيع أن يقوم بها الإنسان، وفكر في نفسك وأنت مسلم تحب الله والدار الآخرة: هل تستطيع أن تقوم بالجهاد، وبر الوالدين على أكمل وجه؟ وصلاة الليل، والنوافل، والعبادات، والإنفاق في سبيل الله، وتعليم الناس، والخشوع في الصلاة بحيث لا تفكر في أمر آخر؟ إلى آخر تلك الأمور لا يستطيع أحد أبداً. ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه} لأن الدين دائماً يغلب، حتى القرآن غالب لن يغلب، مهما حفظ الإنسان كتاب الله عز وجل، واستجراه في صدره، ثم قال: سأصلي بالناس، يجد أنه سوف يخطئ وينسى بعض الآيات أو الحروف، لأن هذا الدين قوي ومتين، كما قال صلى الله عليه وسلم في لفظ آخر: {فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا ظهراً أبقى، ولا أرضاً قطع} المنبت: هو الذي يسابق بالخيل أو بالجمال، فيسبق المتسابقين في أول الطريق، ويجهد دابته ثم ينقطع في وسط الطريق، فلا أبقى ظهر دابته، ولا قطع الطريق. ولذلك يقول أبو سليمان الخطابي: رأيت بعض الصوفية يصلون الضحى إلى مائة ركعة، فإذا أتت صلاة الظهر ناموا وتركوا صلاة الظهر إلى قرب العصر، وهذا من قلة الفقه في الدين، وبعضهم يقوم الليل من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، فإذا قربت صلاة الفجر نام عنها، وصلاها مع طلوع الشمس، ما هذا الفقه الأعوج!! فالشريعة التي أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم هي سهلة ميسرة على من فقهها وفهمها، لا على فهم الصوفية والخوارج، ولذلك قابلت الخوارج طائفة أهل السنة بالتشدد في الدين، حتى أنه صلى الله عليه وسلم يقول: {يحقر أحدكم صلاته إلا صلاتهم، وقراءته إلى قراءتهم، وصيامه إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية} يكثرون من نوافل العبادات، ولكن ما دخل الإيمان في صدورهم، وما وقر في قلوبهم، حتى من قلة فقههم مر بهم خنزير وهم قرب دجلة، فقالوا: مر بسلام، فقالوا للراشد منهم: كيف تقول هذا الكلام قال: لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83]. أهذا الخنزير من الناس!! ثم مر بهم نصراني، فقال: إن أحدكم عدى على نخلتي فجذ منها؟ قالوا: خذ ثمن نخلتك، يعني: عوضوه ومر بهم عبد الله بن خبيب رضي الله عنه فذبحوه -وهو من الصحابة- كما تذبح الشاة، وأخذوا امرأته وهي حبلى فبقروا بطنها وأخرجوا الجنين وذبحوه. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد} وقتلهم أمير المؤمنين أبو الحسن رضي الله عنه وأرضاه، وهي من حسناته عند الله تبارك وتعالى، صفى حسابهم في غداة واحدة أربعة آلاف، ثم سجد لله شكراً أن قتلهم، لأن في قتلهم قربى إلى الله تبارك وتعالى، ولما قتلهم خرج عبد الرحمن بن ملجم وكان في جبهته كركبة العنز من كثرة السجود، ومن كثرة ما يصلي في الليل، فشحذ سيفه بالسم الأزرق شهراً، ثم عدا على أمير المؤمنين سيف الله المرتضى أبي الحسن رضي الله عنه فقتله، فلما طعنه وحمل عليه رضي الله عنه دعي بهذا المجرم الخبيث عبد الرحمن بن ملجم، وقال علي: ما حملك على ما فعلت، قال: هذا السيف شحذته بالسم شهراً، وحلفت بالله العظيم أني أقتل به شر الناس، قال علي: فأنت شر الناس، والله لا يقتل بهذا السيف إلا أنت، فقتل بسيفه الذي قتل به أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، حتى أنه لما أتوا ليقطعوا لسانه قبل أن يقتل، قال: كيف تقطعوا لساني، وأتعطل عن ذكر الله!!! وهذا من قلة الفقه في دين الله عز وجل. بل الفقه ليس هو التخلع والتجافي كما فهمه الأعراب، ولا الانحراف عن هذا الدين، ولا هو الغلو والإفراط كما فهمه الخوارج، لكن دين الله هو الوسط.

السداد والمقاربة

السداد والمقاربة يقول صلى الله عليه وسلم: {سددوا} معنى: سددوا أي: اطلبوا السداد من العمل الأصلح الأقوى: {وقاربوا} أي: إذا لم تستطيعوا السداد فقاربوا، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم لـ علي رضي الله عنه وأرضاه كما رواه مسلم: {قل: اللهم اهدني وسددني} وفي لفظ: {قل: اللهم إني أسألك الهداية والسداد واذكر بهدايتك هدايتك الطريق، وبسدادك سداد السهم} فالسداد هو طلب القصد والصواب في العمل؛ ثم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {فإن لم تستطيعوا أن تسددوا فقاربوا} أي: إذا لم تستطع أن تأتي على الهدف فحول الهدف، لا أن يكون الهدف في المشرق وتضرب في المغرب، لا. يكون حوله، إذا أخطأت فيكون قريباً منه، أي: قريباً من الصواب. وأبشروا: يقول صلى الله عليه وسلم: أبشروا، ما دام أنكم تسددون وتقاربون فمن التسديد والمقاربة أنا إذا أخطأنا تبنا إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وإذا أسأنا استغفرنا لأننا من الخطائين، وأبونا آدم عليه السلام هو أول من سن لنا الخطيئة، ومن يشابه أبه فما ظلم، وهذه شنشنة نعرفها من أخزم، فأما أن نقلده في الخطيئة ولا نقلده في التوبة فهذا ظلم وجور، لا يستشهد في الأذهان ولا في الأعيان.

البشرى لمن سدد وقارب

البشرى لمن سدد وقارب يقول صلى الله عليه وسلم: {أبشروا} أي: ما دمتم على ذلك فأبشروا {واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة}. عند قول الرسول صلى الله عليه وسلم: أبشروا، كلام، فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعيشون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، يأتون إليه فيسمعون كلامه صلى الله عليه وسلم، فينقلهم كأنهم في رحاب الجنة، وكأنهم في عرصات القيامة، ينسون الأهل والزوجات والأموال والمساكن، وإذا رجعوا إلى دورهم غفلوا بعض الغفلة، ونسوا بعض النسيان مما ذكره صلى الله عليه وسلم، فأتى حنظلة بن الربيع الكاتب: {أتى إلى أبي بكر رضي الله عنه، وقال: يا أبا بكر! نافق حنظلة! قال: غفر الله لك، وما ذاك؟ قال: نكون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فيحدثنا في الآخرة حتى كأننا نراها رأي العين، ثم نعود فنلاعب أطفالنا وننسى كثيراً، فيقول: أبو بكر وأنا والله كذلك، اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبروه، فقال صلى الله عليه وسلم: والله لو تكونوا كما تكونون عندي في حلق الذكر أو في الذكر، لصافحتكم الملائكة في السكك، ولكن ساعة وساعة يا حنظلة} لأن هناك ساعة للترويح، وساعة قد يخلو بها الإنسان المسلم في المباحات التي ليست بحرام، وهناك ساعات الجد والعمل والعبادة، هذا هو المفهوم، ولا يستطيع الإنسان أن يمضي في هذه الحياة إلا أن يروح على نفسه، ويأخذ بعض المباحات التي لا حرام فيها.

الاستعانة بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة

الاستعانة بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ثم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة} الغدوة: هي أول النهار بعد صلاة الفجر إلى الضحى، وهي معروفة عند العرب، وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: {إذا غدا المسلم إلى المسجد أو راح أعدَّ الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح} ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الأعراف:205]. في كتابه بالغدو: أول النهار، والآصال: هي ما بعد صلاة الظهر إلى الغروب، يقول النابغة الذبياني: زعم البوارح أن رحلتنا غداً وبذاك خبرنا الغراب الأسود أي: في غدو النهار، فيقول صلى الله عليه وسلم: {استعينوا بالغدوة} أي: ما بعد صلاة الفجر، وأغلى وقت في حياة المسلم هو ما بعد صلاة الفجر، إذا أراد مهمة أو عبادة أو ذكراً فعليه بذاك الوقت، وإذا أراد أن يطلع في كتاب أو يفهم فعليه بما بعد صلاة الفجر، وإذا أراد عملاً ما، أو سفراً، أو تجارة فعليه بما بعد صلاة الفجر، ولذلك روى الإمام أحمد في مسنده، عن أبي صخر الغامدي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {بارك الله لأمتي في بكورها} ومن أراد كذلك أن يخصص وقتاً لقراءة القرآن وتدبره فبعد صلاة الفجر، قال تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير:17 - 18] قالوا: تنفس وكأنه كان في الليل مكبوتاً حزيناً، فتنفس مع الإصباح، وتنفست معه الطيور، ووزعت الأرزاق في الصباح، والمواهب والأعطيات، ونزل خير الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ورحمته، فيقول صلى الله عليه وسلم استغلوا هذه الساعة، أي: بعد صلاة الفجر وهذه بالغدوة والروحة، قال أهل العلم: الروحة بعد صلاة العصر، ومن لم يستطع بعد صلاة العصر فقبل الغروب قال تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم:17 - 18] فبعد صلاة الفجر وقبل صلاة المغرب هما أفضل وقت، وأصفى وقت للمسلم ليحاسب نفسه، ويراجع معاملته مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى من ذكر وعبادة. ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وشيء من الدلجة} أي: من الليل، خذوا قليلاً بعد صلاة الفجر، وقليلاً بعد صلاة المغرب، وخذوا قليلاً من الدلجة، وكأنه يقول في السحر؛ لأنها أعظم ساعة تتصل فيها بالحي القيوم تبارك وتعالى، ولم يقل صلى الله عليه وسلم: واستعينوا بالدلجة؛ لأنه نهى عن قيام كل الليل، إنما يقام شيء من الليل قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17] وحملها بعض أهل التفسير على أنهم يصلون قليلاً من الليل، فليكن للمسلم ساعة من أي جزء من أجزاء الليل، وإن لم يستطع ذلك فليوتر قبل أن ينام، ثم ليذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ لتسبح روحه في الملأ الأعلى، وليكون من الذاكرين الله وهو نائم على فراشه، وهذا هو نوم العباد الصالحين المتصلين بالحي القيوم، هذه هي قضايا هذا الحديث، يريد صلى الله عليه وسلم أن يقرب إلى الأفهام أن هذا الدين ليس بالمغالبة، وإنما هو باليسر وبالسهولة، وبأخذه بالتي هي أحسن؛ لأن الله تعالى يسره للناس.

حديث تحويل القبلة

حديث تحويل القبلة الحديث الثاني: عن البراء رضي الله عنه وهو البراء بن عازب، وسوف نسرد الحديث وقضاياه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر إلى مكة وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت} وكان اليهود وأهل الكتاب قد أعجبهم، إذ كان يصلي قبل بيت المقدس، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم.

نزول النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة

نزول النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة هذا الحديث يتكلم عن القبلة، وعن البيت العتيق وعن بيت المقدس، الرسول صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فنزل على أجداده، وأجداده هم بني عدي بن النجار، وليسوا أجداده كما في هذا الحديث ولا أخواله، ولكن في هذا الحديث تجوز، أي: مسامحة في اللفظ، وإنما هم أخوال جده عبد المطلب، نزل عندهم النبي صلى الله عليه وسلم ليكرمهم، وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد أن ينزل في أي مكان، أول ما قدم المدينة، وأطل بطلعته البهية على الناس، قام الأنصار بما يقارب خمسمائة رجل بالسيوف، فاستقبلوه بـ الحرة، وحيوه بأجمل التحية، يقول أنس: {ما كنت أظن أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت الأنصار يبكون مما رأوا من النبي صلى الله عليه وسلم} ولذلك يقول الأول: طفح السرور علي حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني فكانوا يقولون: إلينا يا رسول الله؛ لأنهم ستة منازل، وست قرى، كل قرية تقول: انزل عندنا يا رسول الله! يقول عمرو بن عوف: انزل عندنا يا رسول الله، عندنا السيف والجد والمنعة، فيقول صلى الله عليه وسلم: {دعوها فإنها مأمورة} حتى الناقة مأمورة من السماء، تمضي بأمر الله، وتنيخ بأمر الله؛ لأنه قضاء الله ورسالة الله، فكان صلى الله عليه وسلم يترك الناقة وكان الناس حول الناقة يمشون، كل يريد أن يأخذ بزمامها، فيبتسم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس، ويسلم عليهم، فأخذت الناقة تسير وكان يريد في نفسه صلى الله عليه وسلم أن تنزل عند أجداده أو أخواله بني النجار ليكرمهم صلى الله عليه وسلم بذلك، ولكنه استحيا صلى الله عليه وسلم أن يقول: أريد آل فلان من تلك القبائل، فتركها فأراد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوافق رسوله في هذا النزول، فأتت الناقة فلما أصبحت في منازل بني النجار الذي هو مكان مسجده صلى الله عليه وسلم اليوم، أناخت هناك، فقالوا: انزل يا رسول الله! قال: لا. ثم قامت مرة ثانية، ثم استعرضت ثم رجعت مكانها، فأخذ أبو أيوب رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل صلى الله عليه وسلم معه.

تحويل القبلة

تحويل القبلة لما نزل صلى الله عليه وسلم المدينة ظل يصلي ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، على خلاف بين أهل العلم، منهم من يحسب الكسر في الأيام فيجعلها سبعة عشر شهراً، ومنهم من يلغي بعض الأيام فيجعلها ستة عشر شهراً، كان يصلي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ولكن كان يحز في نفسه فلا يريد أن يوافق اليهود؛ لأن اليهود يأخذون هذا حجة عليه صلى الله عليه وسلم، ويقولون: انظروا إليه، حتى القبلة يستقبل قبلتنا في فلسطين وهي بيت المقدس، ما عنده قبلة يستقبلها، فكان صلى الله عليه وسلم يدعو الله كثيراً، ويقلب وجهه في السماء، ويدعو أن يحول الله قبلته إلى البيت العتيق، فيقول تبارك وتعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة:144] فولاه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى شطر البيت العتيق، فلما انحرف صلى الله عليه وسلم إلى البيت العتيق، قال اليهود: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة:142] فأتى الرد من الله عز وجل: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} [البقرة:142] سفهاء لا أحلام لهم ولا عقول: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة:142] وهل لكم بيت المقدس أو مكة؟ وهل هي من دخلكم أو من صنيعكم؟ يقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة:142] لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى المشرق والمغرب، له ما كان يولي إليه في بيت المقدس وفلسطين، وله الكعبة ومكة ولا دخل لكم أنتم، قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:142] فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستقبل البيت العتيق، ويترك بيت المقدس، فوَّلى البيت العتيق، فأتى صلى الله عليه وسلم فلما ولَّى شطر البيت العتيق، أرسل رجلاً ممن كان معه صلى الله عليه وسلم، وقال: اذهب إلى بني سلمة في قباء، وأخبرهم أن القبلة قد حولت فليتحولوا، فأرسل عباد بن بشر رضي الله عنه، وهو من الشباب الذين رباهم صلى الله عليه وسلم على سمع وبصر، وتركوا كل لذة في الدنيا وكل راحة، وجعلوا أوقاتهم وأيامهم ولياليهم شهادة في سبيل الله تعالى، أرسله صلى الله عليه وسلم في مهمات، فكان يأتي في كل مهمة وهو ناجح ظافر فالح، ويدعو له صلى الله عليه وسلم بالجنة. أرسله صلى الله عليه وسلم مع رجال معه من الأنصار ليغتال سيد خيبر من كفار اليهود؛ لأنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا عباد! اذهب إلى ذاك} ذهب عباد ونادى ذلك اليهودي في ظلام الليل، فخرج ذلك اليهودي، فقتله بالسيف، ثم عاد عباد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى وجه عباد ذاك الشاب المستنير بالإيمان: {أفلح وجهك يا عباد قال: ووجهك يا رسول الله! قال: ماذا فعلت به؟ قال: صرخت له فلم يعلم بصوتي وأقبل طالعاً من رأس جدر فعدت له فقال من المنادي فقلت: أخوك عباد بن بشرِ فأقبل نحونا يهوي سريعاً فقطعه أبو عبس بن جبر وكان الله سادسنا فعدنا بأعظم نعمة وأجل نصر فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: {اللهم اغفر لهم وأدخلهم الجنة} وبقي عباد رضي الله عنه على العهد، يقوم الليل دائماً، وكان يبكي بصوته إذا قام الليل حتى يقول صلى الله عليه وسلم: {رحم الله عباداً! لقد أذكرني البارحة آية كنت أنسيتها من القرآن} فهو صلى الله عليه وسلم ينسى فترة، ولكن يعود له القرآن لأنه منزل في قلبه لا ينسى منه شيئاً، لكنه ينسَّى ولا ينسى، إلا ما شاء الله. وحضر عباد معركة اليمامة ضد مسيلمة الدجال الكذاب، وضرب على وجهه بالسيف أكثر من عشر ضربات بعد أن قتل ما يقارب خمسمائة مقاتل حتى ما عرفوه وقتل رضي الله عنه، ولكنه لم يقتل أبداً، قال الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:170]. أرسله صلى الله عليه وسلم فأتى إلى بني سلمة الذين هم في قباء -الآن المسجد المعروف- وهم يصلون العصر فقال: إن القبلة قد تحولت فتحولوا، فدار الإمام وهو في الصلاة، ولم تبطل صلاتهم؛ لأن الحركة إذا كانت في صالح الصلاة لا تبطل الصلاة، وفيه من الحكم والفوائد: أن خبر الواحد يقبل، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرسل هذا، فقبلوا خبره وامتثلوا خبره، وتحولوا عن القبلة رضي الله عليهم. هذا الحديث وهذا ما ورد فيه، ولم نعرج على بعض الخلاف للألفاظ التي لا طائل من ورائها.

الإسلام يهدم ما قبله

الإسلام يهدم ما قبله وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها، وكان بعد ذلك القصاص: الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها، إلا أن يتجاوز الله عنه}. هذا الحديث من المبشرات، وهو من أعظم ما يهدى للأمة الإسلامية، وراوي الحديث أبو سعيد من جلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، عالم من علمائهم، وشاب من شبابهم، مات أبوه في معركة أحد قتيلاً، ولذلك هو من الأنصار، وقتل (80%) في سبيل الله من الأنصار رضوان الله عليهم، ولم يمت منهم موتاً إلا ما يقارب (20%) لكلام أهل العلم في ذلك، فدعا له أبوه وهو شهيد بأن يبارك الله فيه، فبارك الله في هذا الولد الصالح، فكان مع الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً وأبداً، سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا أسلم العبد فحسن إسلامه، يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها} الإسلام يهدم ما قبله من أفعال الجاهلية، مهما فعل الإنسان قبل أن يدخل هذا الدين، أشرك أو قتل أو زنى أو شرب الخمر أو سرق، ثم دخل في هذا الدين فكأنه ما زال داخلاً في هذا الدين، ولا يكتب عليه شيء من أعمال الجاهلية إذا أحسن الإسلام.

شرح الحديث وذكر حديث يؤيد معناه

شرح الحديث وذكر حديث يؤيد معناه حضرت الوفاة كما روى الإمام مسلم حضرت عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، فبكى بكاء طويلاً، حتى أشفق عليه الناس، ثم حول وجهه إلى الحائط، وكان عمرو بن العاص فاتح مصر في عهد عمر رضي الله عنه، وداهية العرب، يقول عمر: [[رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب]] لدهائه وسياسته، فلما حضرته الوفاة بكى بكاء عظيماً، فقال له ابنه عبد الله: ما لك تبكي يا أبتاه؟ قال: [[إني كنت على طباق ثلاث؛ كنت في الجاهلية لا أعرف الإسلام، فلو مت على تلك الحالة لخشيت أن أكون من جثا جهنم، وكان أبغض الناس إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أسلمت، فقدمت عليه في المدينة، فلما رآني هش وبش في وجهي صلى الله عليه وسلم، وقام وحياني وأجلسني بجانبه، فمددت يدي وقلت: يا رسول الله! مد يدك لأبايعك، فبسط يده فقبضت يدي، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أشترط يا رسول، قال تشترط ماذا؟ قلت أن يغفر ذنبي، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: يا عمرو! أما تعرف أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن التوبة تجب ما قبلها، قال عمرو فأسلمت، فوالله ما كان أحد من الناس أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما ملأت عيني إجلالاً منه، والله لو سألتموني الآن أن أصفه لما استطعت أن أصفه، فلو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم لعبت بي الدنيا ظهراً لبطن فلا أدري!! هل يؤمر بي إلى الجنة؟ أم يؤمر بي إلى النار؟ ولكن معي كلمة سوف أحاج بها عند الله، ثم قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم]] ثم قبض يده وغسل ويده مقبوضة، وأدخل إلى أكفانه وقبره ويده لا تزال مقبوضة، ويقول وهو في سياق الموت: [[حلوا أزراري، فسأله ابنه: كيف تجد الموت، صف لنا الموت؟ قال: كأن جبال الدنيا على صدري، وكأنني أتنفس من ثقب إبرة، ثم قال: حلوا أزراري فإني محاسب في قبري علي أن أدافع عن نفسي]] رضي الله عنه وأرضاه. والشاهد: أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن التوبة تجب ما قبلها، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا أسلم العبد وحسن إسلامه} قال ابن حجر: حسن إسلامه، أي حسن بالإخلاص، فلم ينافق في الدين، ولم يراء، ولم يطلب بعمله السمعة والنفاق، حسن إسلامه؛ فلم يصر على الصغائر والكبائر، ولا يشترط في المسلم أنه لا يذنب أبداً، لأنه ليس ملكاً من الملائكة؛ لأنها ما خلقت للتكليف، ولا تبتلى بالذنوب، وأما الإنسان المسلم أو غيره فإنه يدخل في الذنب، ويغفر الله له بالتوبة.

الدواوين عند الله ثلاثة

الدواوين عند الله ثلاثة {إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها} أي: قدمها رويت أَزْلَفها، وهي بمعنى قدمها، فإذا غفر الله له كل سيئة في الجاهلية كان قدمها، كان بعد ذلك القصاص، أي كلما عمل من حسنة وسيئة وهو مسلم كان القصاص عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49] ميزان للحسنات وميزان للسيئات، والدواوين عند الله ثلاثة: الأول: ديوان يغفره الله عز وجل: وهو ما كان بين العبد وبين الله عز وجل وتاب منه. الثاني: ديوان لا يغفره الله أبداً: وهو الشرك بالله عز وجل، هذا لا يغفره سُبحَانَهُ وَتَعَالى أبداً، بل يدخل صاحبه النار، ولا يأبه بعمله، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23]. الثالث: ديوان يتعلق بمشيئة العبد: وهي ذنوب العباد بين بعضهم البعض، الغيبة وظن السوء واغتصاب الأموال، وسفك الدماء، هذه تحت مشيئة العباد، إن عفوا عفا الله، وإن سامحوا سامح الله، وإن أبوا فإن الله يقتص من بعضهم البعض، فهذه الدواوين عند الله عز وجل. وكان بعد ذلك القصاص الحسنة بعشر أمثالها، فضلاً من الله، وجوداً وكرماً إلى سبعمائة ضعف، وفي رواية ابن عباس الصحيحة: إلى أضعاف كثيرة؛ لأن الله عز وجل يقول: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] إلى أضعاف كثيرة قد يضاعفها الله إلى أكثر من سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها جوداً وكرماً من الله. فالذنوب التي نحدث بها أنفسنا ولم نعملها يكتبها الله حسنة كاملة، وإذا عملناها كتبها الله سيئة واحدة، وانظر إلى لفظ كاملة وواحدة، واللفظ واحد، لكن هذه بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجذب للأرواح واستقطاب للقلوب إلى الله عز وجل، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله تبارك وتعالى. فيا لسعادة من يدخل هذا الدين؛ ويعتنق هذه الشريعة السمحة؛ ويواصل السير إلى الله ولن يهلك على الله إلا هالك، وليتدبر المسلم منا الآن، يجد أن يومه حافل بالسعادة إذا داوم على الصلوات الخمس في جماعة، وداوم على الوضوء وقراءة القرآن والذكر والاتصال بالله؛ سوف يجد أنه لن يهلك على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى إلا هالك. هذا الحديث الذي زفه النبي صلى الله عليه وسلم بشرى للأمة، وأخبرنا أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى صاحب المن والعطايا وهو صاحب الجود والإحسان تبارك وتعالى.

تكلفة النفس بما تطيق

تكلفة النفس بما تطيق ثم أورد البخاري رحمه الله رحمة واسعة القضية التي كان أسلفها قبل حديثين وهي قضية يسر الدين وسهولته؛ قالت عائشة رضي الله عنها: {أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة، فقال: من هذه؟ قالت: فلانة تذكر من صلاتها، قال: مه! عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا -أو تملوْا- وكان أحب الدين إلى الله أو إليه ما داوم عليه صاحبه}.

معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء

معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء عن عائشة الصديقة بنت الصديق، المطهرة المبرأة من فوق سبع سماوات، زوج نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وأم المؤمنين، أم عبد الله، ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم بكراً سواها، ولذلك فقد كانت تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، تستفتيه في مسألة وتداعبه، تقول: {يا رسول الله! أرأيت لو نزلت في عجوة -أي في مكان وفي واد لم يرع- ونزلت بغنمك ونزلت في واد قد رعي، أيهم أحسن؟ فيتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: الوادي الذي لا يرعى}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {إنني أعرف رضاك من غضبك} وهذا من تعامله صلى الله عليه وسلم مع أهله، ومع المرأة، لا كما يفهمها أعداء الإسلام، وهذا هو القدوة لكل إنسان أن يتعامل الإنسان مع أهله كما يتعامل صلى الله عليه وسلم مع أهله، يقول: {إني أعرف رضاك من غضبك! قالت: بماذا يا رسول الله؟ قال: إذا رضيت قلت لا ورب محمد -تقسم بالله ثم تذكر اسمه- وإذا غضبت قلت: لا ورب إبراهيم، فتقول هي رضي الله عنها: والله ما أهجر إلا الاسم} يعني فقط الاسم، أما المسمى فلا تهجره. دخل النبي صلى الله عليه وسلم عليها وعندها امرأة فقال: من هذه؟ -هذه المرأة اسمها الحولاء بنت تويت القرشية وكانت كثيرة العبادة؛ والصيام، وكثيرة الصلاة، دخل صلى الله عليه وسلم وهي جالسة عند عائشة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل لأنه يريد أن يتصل بالناس جميعاً، يتصل بالعجوز وبالمرأة وبالجارية وبالطفل، لأنه مكلف أن يبلغ الرسالة إلى جميع الناس، حتى تقول عائشة: {ما غرت من امرأة من جاراتي ومن ضرائري ما غرت من خديجة وقد ماتت قبل أن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم} لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل عن صديقات خديجة، فيرسل لهن الهدايا، حتى كان يقطع اللحم من الشاة فيقول: اجعلوا هذه لصديقة خديجة فلانة، وهذه لعمة خديجة، ويقول: {حسن العهد من الإيمان}. حتى دخلت عجوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطع حديثه مع الناس، وقال: {كيف أنتم يا فلانة، هل أتاكم من أمطار، كيف أنتم بعدنا} لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سكن معهم في البادية ردحاً من الزمان، وتأثر الناس بهذه المواقف منه صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: عليكم من الأعمال ما تطيقون

شرح حديث: عليكم من الأعمال ما تطيقون يقول: من هذه؟ فتقول: هذه فلانة، ثم تذكر عائشة من صلاتها، يعني أنها تقوم الليل وتكثر من النوافل والعبادة وكأنها ذكرت هذا والمرأة جالسة تسمع، فالرسول صلى الله عليه وسلم أنكر، فيقول صلى الله عليه وسلم: مه، هذه كلمة عربية أصلها ما هذا؟ فاختصرتها العرب فقالت: مه، يقول صلى الله عليه وسلم: مه، يعني لماذا تقولين هذا الكلام، أو كيف تقولين هذا الكلام وهي جالسة، فكأنه أنكر عليها أن تمدحها في وجهها، لأن المدح هو الذبح، ويقول صلى الله عليه وسلم لأحد الناس يمدح صاحبه: {ويلك قطعت عنق صاحبك}. وكأن الصحيح والراجح أن قوله صلى الله عليه وسلم مه، أي كيف تعجبين من كثرة عبادة هذه، ثم يذكر صلى الله عليه وسلم السبب، فيقول: {عليكم من الأعمال بما تطيقون، فو الله لا يمل الله حتى تملوا، وكان أحب الدين إلى الله، وفي -لفظ إليه- ما داوم عليه صاحبه} ينكر صلى الله عليه وسلم على عائشة أن تعجب بكثرة إجهاد هذه المرأة نفسها، ويقول: لا. دين الله عز وجل سهل وميسر، فعليكم بما تطيقون، فإن الذي يكثر على نفسه ينقطع ويمل، فيقطع الله عنه الثواب، ولذلك يقول: خذ من العمل ما تستطيع أن تواصل عليه، وأن تستمر عليه، والإنسان فقيه نفسه، وأعرف بنفسه. ولذلك لا تقلد أحداً في العبادة، ترى بعض الناس آتاه الله بسطة في الجسم وصحة وقوة، فيواصل الصيام والقيام، فتقلده في ذلك فتنقطع حتى ما تستطيع أن تصلي الظهر مع الناس، وهذا ليس مطلوباً؛ لأن الإنسان أعرف بنفسه، والناس طاقات، قال تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60]. يقول أحد العلماء في صحيح البخاري في شرحه: وقد جربنا وجرب الناس قبلنا أن من تنطع في العبادة، وغلا فيها، أنه يفضي به ذلك إلى الانقطاع، وإلى ترك المعهود والانصراف عنه، بل الذي يقتصد في العمل ويداوم أفضل عند الله عز وجل، لأن القليل المداوم خير من الكثير المنقطع. يقول حافظ الحكمي: عليك بالقصد بقول وعمل ودم عليه واجتهد ولا تمل ولذلك يقول ابن الجوزي في شرح هذا الحديث: إنما كره صلى الله عليه وسلم الغلو والإفراط في العبادة لأنه يؤدي بصاحبه إلى الانقطاع، والمداومة على القليل خير من التكثير لسببين: الأول أن من داوم على قرع الباب دائماً يوشك أن يفتح له، تجد بعض الناس ينشط يوماً من الأيام على صلاة الضحى فيقوم فيصلي ثلاثين ركعة، لكن يأتي اليوم الثاني ويتفكر في تعبده، وأن ظهره كاد أن ينكسر أمس، فيقول: يكفي هذا، فلا يصلي أبداً، ولو أنه صلى ركعتين وداوم عليها لكان خيراً عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وأدوم وأحسن. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يكلف الناس ويتكلم إلى الناس دائماً باليسر والسهولة، يقول لـ عبد الله بن عمرو: اختم القرآن في شهر، لكن يأتي الآن متحمس وهذا كثير في الشباب، فيقول: كيف أختم القرآن في شهر، بل أختمه في ثلاثة أيام إن شاء الله، بعد ذلك يختمه في سبعة شهور، ولذلك لو داوم عليه شهراً لما كره هذا الوقت، لكنه كره إلى نفسه العبادة فمل منها، ومل من الترداد فهجره أكثر من شهر. ويقول أبو هريرة: {أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث وصايا لا أدعهن حتى أموت: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام} وهذه سهلة ميسرة، يفعلها الإنسان ويداوم، لأن من يداوم على ركعتي الضحى في كل يوم يصلي في السنة سبعمائة ركعة، لكن لو قلت له: جزاك الله خيراً صل في اليوم سبعمائة ركعة من أجل أن ترتاح في السنة، لما استطاع ذلك، ولأفضى به ذلك إلى ما يفعله الصوفية، لأنهم يحسبون هذه ويجعلونها في اليوم، حتى يقول ابن القيم: بعضهم كان يصلي خمسمائة ركعة، وكان ينام وهو يصلي، أهم شيء فقط عندهم العدد؛ من قلة فقههم في دين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

معنى قوله: لا يمل الله حتى تملوا

معنى قوله: لا يمل الله حتى تملوا فيقول صلى الله عليه وسلم: {فوالله لا يمل الله حتى تملوا} وهنا قضية كيف يقول صلى الله عليه وسلم لا يمل الله، وهل يمل الله تبارك وتعالى؟ وهذه فيها بسط، فالله عز وجل يوصف بصفات الكمال، أما صفات النقص فلا يوصف بها سُبحَانَهُ وَتَعَالى، لا يجوز أن يقول الإنسان: كل صفة يوصف بها العبد يوصف بها الله، لأن العبد يجوع ويمل وينام ولكن الله عز وجل مبرأ عن صفات النقص، فهو لا يمل تبارك وتعالى، لكن معنى الحديث، لا يقطع ثواباً، وهذا من أفعال المقابلة، كأنه يقول: فلان لا ينقطع عن خصمه حتى ينقطع، وجزاء سيئة بمثلها، والله عز وجل يقول جزاء السيئة التي يفعلها سيئة مثلها، يعني أنا نعذبه يوم القيامة مثلما فعل بالسيئة، وليس معناه أن عذاب الله سيئة، لكن من باب المقابلة، فقابل صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وقال: {لا يمل الله} على المقابلة ليس على المعنى، لأن في الكلام مجازاً ومعناه لا يقطع الله ثوابه. {وكان أحب الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه} وورد في لفظ في الصحيح: {أحب الدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم} وكلا المعنيين صحيح، فإن المحبوب عند الله عز وجل محبوب عند رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله تبارك وتعالى. قال ابن العربي: ولا يجوز أن نسند المحبة إلى الله عز وجل، بل بمعنى الإرادة، وقال أهل السنة: الإرادة شيء والمحبة شيء، لله إرادة تليق بجلاله، وله محبة تليق بجلاله عز وجل، لا تدخل هذه في هذه، و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11].

فضل لا إله إلا الله

فضل لا إله إلا الله عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير} هذا الحديث أيضاً من المبشرات، لكن لا بد من بعض البيان وبعض الوقفات معها. أولاً: عن أنس، مر معنا أنس كثيراً، وهو خادم الرسول صلى الله عليه وسلم. وروى النعمان عن ماء السماء كيف يروي مالك عن أنس دعا له صلى الله عليه وسلم كما تعلمون بطول العمر، فأطال الله عمره حتى بلغ المائة، وأكثر الله ماله، وبارك فيه، وهو من السعداء إن شاء الله في الدنيا والآخرة، كان يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً وأبداً، فأورثه الله بفضل الخدمة بركة في الدنيا والآخرة.

(لا إله إلا الله) تحتاج إلى الإخلاص للتخلص من النار

(لا إله إلا الله) تحتاج إلى الإخلاص للتخلص من النار قال صلى الله عليه وسلم: {يخرج من النار} وفي لفظ في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يقول الله عز وجل: أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله} وفي مثل هذا الحديث ومثل: {من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة} أو {من قال: لا إله إلا الله لا يخلد في النار} يقول بعض الناس: إذا قلت لا إله إلا الله دخلت الجنة، وهذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكنه قد يقول: لا إله إلا الله ويكفر بلا إله إلا الله، فلا ينفعه قولها؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {خالصاً من قلبه} ثم إنه قد يقول: لا إله إلا الله ويدخل النار، ولا يخلد في النار، ثم يدخل الجنة، فمن للإنسان إذا دخل ألف سنة أو خمسمائة سنة أو مائة سنة ثم جلس في النار، ثم يخرج من النار، هذا نسأل الله السلامة عذاب لا يطيقه إلا من كتب الله عليه الشقاء، نسأل الله العافية. لكنه خير من غيره، يعني خدماته قليلة هذا الذي يدخل النار مائة سنة أقل من الذي يدخل دائماً بلا خروج، يعني إقامة أبدية، نسأل الله السلامة والعافية. فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا أدخل الله أهل النار النار، وأهل الجنة الجنة} وهم الذين ما تعرضوا للنار من أهل الجنة من الموحدين الذين قاموا بالفرائض، وتابوا إلى الله، {قال الله عز وجل: أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله} بعد أن يدخلوا، ثم يخرج من في قلبه مثقال وزن شعيرة من خير، فيخرجون وقد اسودوا من طول ما لبثوا، وقد أصبحوا حمماً، فيغمسون كما مر معنا في نهر الحياة، وهو نهر قريب من الجنة، ثم يخرجون وعليهم أسماء: هؤلاء الجهنميون، يعرفهم أهل الجنة، فيدخلون الجنة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: {كما تنبت الحبة في حميل السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية} فيدخلون الجنة ويعرفهم الناس، ثم يمحو الله عز وجل عنهم هذا الاسم الذي على جباههم ووصمة العار، فيكونون من أهل الجنة، لكن من يريد أن يعلق رجاءه وآماله بهذه الأحاديث التي فيها إشارة إلى عذاب بعض الموحدين؛ لأن بعض الناس يدخل النار -نسأل الله السلامة- وقد صلى وصام، فيقول الله عز وجل: خذيهم يا نار، إلا جباههم فإنهم طالما سجدوا بها لي أو كما ورد في بعض الآثار، لأنهم ارتكبوا أعمالاً أوجبت دخولهم النار، وهم من الموحدين، لكنهم لا يخلدون في النار.

شرح ألفاظ حديث الإخراج من النار

شرح ألفاظ حديث الإخراج من النار ووزن شعيرة يقول ابن حجر: كأن الشعيرة في بعض البلاد أكبر من البرة؛ لأنها قدمت هنا، وهذه مقاييس هي عند الله عز وجل، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقربها للأذهان، ولذلكم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] ليقربها إلى أذهان الناس. ويقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7] فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا البيان، تقريباً للأذهان. قال صلى الله عليه وسلم: {ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير} والبرة قالوا: أقل من الشعيرة، وهذا فيه دليل على أن الأعمال تتفاضل، بتفاضل ما في القلوب وبعض الناس يقف بالصف بجانب صاحبه يصليان، وراء إمام واحد، في مكان واحد، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، كما قال أهل العلم. هذا في قلبه إيمان وإخلاص ومحبة وشوق، والبعيد في قلبه نفاق ورياء وسمعة، فيفاوت الله عز وجل بين الصلاتين، كما بين السماء والأرض، ويحاسب الله العباد على ما في القلوب من الأعمال، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:10] ويقول ابن مسعود: [[الله الله في السرائر اللاتي هن خَوَافٍ على الناس، وهن باديات على الله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]]]. فالمقصود أن المسلم يهتم بالقلب أكثر مما يهتم بعمل الجوارح، ولذلك طلب أهل السنة كـ ابن رجب وغيرهم من أهل العلم: أن يجتهد المؤمن في تصحيح قلبه، أكثر مما يجتهد في الأعمال الظاهرة، يقول {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:89]. {ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن ذرة من خير} يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[إذا وضعت يدك في التراب، ثم نفضتها فخرج منها شيء فهو الذر]] وقال ابن حجر: الذر هو الشيء الذي لا يرى بالعين المجردة، ولكن يرى في ضوء الشمس؛ وقال غيره: الذرة هي هذه الحشرة الصغيرة التي ترى وتمشي وتسمى عند الناس (ذرة) لكن سواء كان بهذا المفهوم أو هذا، أو أقل مقدار يعرفه الناس، يحاسب الله العبد به يوم القيامة. أتى أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله، هل في الحمر زكاة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنزل علي إلا هذه الآية الفاذة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8]} فكل ذرة يعملها المسلم يلقاها عند الله عز وجل، فبكى الأعرابي وولول وهو يقول: أنحاسب على الذرة.

مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته

مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته قال الإمام البخاري رحمه الله رحمة واسعة: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: {أن رجلاً من اليهود، قال: يا أمير المؤمنين! آية في كتابكم تقرءونها لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية هي؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فقال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بـ عرفة يوم جمعة}.

المعنى الإجمالي للحديث

المعنى الإجمالي للحديث معنى الحديث على الإجمال: أتى رجل من اليهود اسمه كعب الأحبار، فقال: يا أمير المؤمنين! يخاطب عمر في خلافة عمر، عندكم آية في القرآن لو كانت هذه الآية نزلت علينا لعظمها لاتخذنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيداً، قال عمر: ما هي الآية؟ قال: قوله تبارك وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً} فقال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قائم بـ عرفة في يوم جمعة. ويجد لفظ آخر أورده ابن حجر، أن عمر قال: [[الحمد لله، نزلت في يوم هو لنا عيد، يوم الجمعة، ويوم عرفة عيد لنا كذلك]].

حجة الوداع في يوم الجمعة

حجة الوداع في يوم الجمعة والرسول صلى الله عليه وسلم حج وكان حجه في يوم جمعة، لأن الكفار الجاهليون من كفار قريش خالفوا بين الأشهر، عندهم أربعة أشهر لا يقتلون فيها أحداً، فإذا أرادوا الانتقام من عدو قدموا بعض الأشهر وأخروا بعضها حتى يستحلوا الدماء، فجعلوا صفر مكان محرم، وشوال مكان ذي القعدة، وخالطوا بين الأشهر، وقدموا وأخروا، فقال الله عز وجل: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [التوبة:37]. فلما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحج، أتى وإذا الأشهر مخلوطة ليست منسقة ولا مرتبة، فترك صلى الله عليه وسلم الحج، وكان يرسل أمراء من قبله صلى الله عليه وسلم يقودون الحجيج، حتى إن آخر حجة حجها أبو بكر قبل حجته صلى الله عليه وسلم كانت في شهر ذي القعدة، ما أتت في ذي الحجة؛ لأن الأشهر ما ترتبت لهم. فالرسول صلى الله عليه وسلم لما لم تترتب له الأشهر ما حج أبداً، فأرسل أبا بكر الصديق فحج بالناس، وكان حجه في ذي القعدة، ولما رتب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الأشهر وأعادها، كما يقول صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: {إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض} فأدار الله له ذي الحجة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم حاجاً، فوافق الجمعة اليوم التاسع، وهو واقف بعرفة، فكان حجه موافق لسنة الله عز وجل في الأيام، فنزلت عليه الآية وهو على ناقته بـ عرفة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فوقف صلى الله عليه وسلم يقرأ على الناس، فبكى أبو بكر!! فقال الناس: كيف يبكي هذا الشيخ؟! يخبرنا صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول: أكملت لكم الدين، وأتممت عليكم النعمة، فيبكي هذا الرجل، فسألوا أبا بكر: ما لك تبكي؟ فقال: أجل الرسول صلى الله عليه وسلم قد دنا. قال أبو سعيد: فكان أفقهنا وأعلمنا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، وعاد صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية ومكث ثمانين ليلة، وقيل ثلاثاً وثمانين أو أربعاً وثمانين، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم بعدها، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً} [المائدة:3].

مرض الرسول صلى الله عليه وسلم

مرض الرسول صلى الله عليه وسلم قال أنس: [[مرض صلى الله عليه وسلم يوم الخميس]] ويقول ابن عباس وهو في الحرم، وهو يقلب الحصباء بيديه: يوم الخميس، وما يوم الخميس!! ثم يبكي حتى يرثي له جلساؤه، ثم يعود فيرفع رأسه، ويقول: يوم الخميس وما يوم الخميس!! ثم يبكي حتى يرثي له جلساؤه، قال: يوم الخميس بدأ بالرسول صلى الله عليه وسلم مرضه، فلما مرض صلى الله عليه وسلم في يوم الخميس، أراد أن يقوم لصلاة الظهر فثقل صلى الله عليه وسلم، فقام من على فراشه لأنه سمع الأذان فسقط بأبي هو وأمي على الفراش، فقام مرة ثانية فسقط، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. فأتى بلال فقال: الصلاة يا رسول الله؟ فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فأخذ بلال يبكي، ويقول: الله المستعان! أول يوم من الأيام يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأول يوم يتوقف ذاك النبع الفياض، وذاك النور الذي يرى دائماً في المحراب يؤم الناس، مسئول البشرية وهادي الإنسانية يقف أمام الصفوف وهو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة ويتعطل عن العطاء وعن الأخذ، وعن البذل، وعن التعليم والتوجيه، إن في الأمر شيئاً، كأنه يراد أن يقبض إلى الله تعالى. فتقول عائشة وهي تبكي وتجعل الخمار على وجهها رضي الله عنها وأرضاها: يا رسول الله! إن أبا بكر رجل أسيف -يعني كثير الحزن ما يستطيع أن يقرأ بالناس، كان يقرأ الفاتحة فيقطعها بالبكاء، لا يستطيع أن يتمها - فمر غيره يا رسول الله! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: {إنكن صويحبات يوسف -وفي لفظ- صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس!!} فخرج بلال ينادي أبا بكر رضي الله عنه، وقال: يا أبا بكر قم صل بالناس، يأمرك صلى الله عليه وسلم أن تصلي بالناس، فدمعت عينا أبي بكر رضي الله عنه، لأنه علم أن في الأمر شيئاً، وقال: الله المستعان! فقام يصلي بالناس، قال أنس: {فلما دخلنا في الصلاة كشف صلى الله عليه وسلم الحجاب، وهو قطعة من قماش على باب غرفته صلى الله عليه وسلم، وغرفته في الروضة، تشرف مباشرة على المحراب الذي كان يصلي فيه صلى الله عليه وسلم، قال: فالتفتنا بأبصارنا إليه صلى الله عليه وسلم فرأينا وجهه، كأنه ورقة مصحف، وهو يتبسم إلينا صلى الله عليه وسلم، فظننت أنه لما تبسم يريد أن يخرج، قال: فكدنا نفتتن في الصلاة -كادوا يقطعونها من الفرحة- فأشار النبي صلى الله عليه وسلم أي مكانكم، ثم أرخى الحجاب} وتبسمه صلى الله عليه وسلم كأنه فرح وسر بهذا المنظر العجيب، منظر هؤلاء الذين كانوا وثنيين لا يعرفون الله، وكانوا يسجدون للحجارة، ويعبدون التمر، وكانوا كالأنعام والبهائم، ثم أخذهم صلى الله عليه وسلم بفضل من الله ورحمة؛ فزكاهم ورباهم ووجههم وعلمهم، ثم قاموا صفوفاً، كل إنسان منهم أمة من الأمم، فيتبسم صلى الله عليه وسلم لهذا الموقف.

الوداع وموت الرسول

الوداع وموت الرسول أسدل صلى الله عليه وسلم الستار، وبقي ما يقارب ثلاثة أيام، ثم خرج إلى الناس في خطبة أخيرة ليودع الناس ويودعونه، خرج وأخذ بجانبه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وأرضاه، وفي الجانب الآخر علياً، وأخذت أقدامه تخط في الأرض من شدة المرض، وكان عليه عمامة دسمة أي: متينة، بدينة على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: في يده قضيب. فجلس على المنبر، ثم أخبر الناس، ثم قال: {أيها الناس؛ اللهم من سببته أو شتمته أو لعنته -يعني: من المسلمين- فاجعلها له قربة ورحمة عندك، ثم قال: أيها الناس! من آذيته بسب أو شتم أو أخذت شيئاً من ماله فاقتصوا مني اليوم، قبل ألا يكون درهم ولا دينار} فبكى الناس جميعاً، وقام أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله، ثم أخذ صلى الله عليه وسلم يخبر الناس، ويعظهم، ويقول: {تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي}. فودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وودعهم، ثم عاد صلى الله عليه وسلم واستمر به المرض، وفي اليوم الأخير من أيامه صلى الله عليه وسلم أتاه اليقين، وأخذ يقول: {لا إله إلا الله، اللهم أعني على سكرات الموت، لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} ثم قبضت روحه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {اللهم الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى} فتقول عائشة: {خيرت -بأبي أنت وأمي- فاخترت يا رسول الله}. وأتم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى النعمة، وأكمل الدين، قال أبو ذر رضي الله عنه: ما ترك صلى الله عليه وسلم أمراً، ولا طائراً يطير بجناحيه إلا وأعطانا منه خبراً، فأكمل الله به هذا الدين، فمن قال: إن في الدين نقصاً، أو يحتاج إلى تكميل فهو ضال مضل، أزاغ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قلبه وسمعه وبصره، بل الدين كامل، والشريعة كاملة، فله الحمد وله الشكر على هذا الدين، وله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى منا الرضى، نسأل الله أن يرضى عنا وعنكم.

الأسئلة

الأسئلة

إقبال النفس وإدبارها

إقبال النفس وإدبارها Q يقولون النفس تقبل وتدبر، وقد شبهت بالطفل الصغير، فمثلاً يقول: ينشط المسلم في يوم فيجد نفسه يريد أن يصلي كثيراً فيصلي ويكثر، أربع ركعات أو أكثر، ثم يتكاسل في يوم من الأيام فلا يصلي إلا ركعتين، فهل يحاسب العبد على هذا؟ A إن في النفس إقبالاً وإدباراً، لكن ليكن عند الإنسان شيء من العمل ميسور يستطيع أن يداوم عليه حضراً وسفراً، لكن إن زاد عليه فلا حرج إن شاء الله، كأن يختم القرآن في شهر، يقرأ في كل يوم جزءاً، فالجزء هذا يقرؤه في اليوم، لكن إذا نشطت فزدت عليه فبها ونعمت، ولا تقل عن هذا الجزء إلا أن تكون مسافراً أو مريضاً؛ لأن المسافر إذا سافر أو مرض كتب الله له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً؛ فضل من الله عز وجل، وكأن تصلي الضحى ركعتين فتداوم على الركعتين، لكن تتنشط في يوم من الأيام، فلك أن تصلي كما كان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر في بعض الأحاديث، ثمان ركعات، أو ست ركعات، أو أربع ركعات، أو تزيد ما شاء الله، فهذا لا يمنع ذلك، وليس هناك تعارض بين هذا الحديث وبين ما أسلفنا، فإن الممنوع هو أن يتنطع الإنسان ويشدد على نفسه في العبادة حتى يمل الدين ويكره العبادة، ويفضي به إلى الانقطاع نسأل الله العافية.

حكم تارك الصلاة

حكم تارك الصلاة Q هل تارك الصلاة يخلد في النار؟ A أهل العلم لهم في المسألة رأيان: رأي يقول: تارك الصلاة ليس بكافر، ويعذب بفسقه، لكنه لا يخلد. والرأي الثاني وهو الصحيح: أنه كافر، من ترك الصلاة عمداً فقد كفر، لقوله صلى الله عليه وسلم: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} ويقول صلى الله عليه وسلم: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} فإذا تركها فقد كفر، وماذا يبقى معه بعد أن يترك الصلاة من الإسلام، يبقى معه أن يقول: لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، اللهم حبب إلي هذا الدين وزينه في قلبي، ما يبقى شيء أبداً، وهذا الذي عليه أهل العلم من المحققين.

حكم لبس السراويل الكاشفة للعورة تحت الثوب

حكم لبس السراويل الكاشفة للعورة تحت الثوب Q ما حكم الصلاة في السراويل القصيرة تحت الثوب الخفيف؟ A إن كانت العورة تبدو منه فلا تصح الصلاة فيه، وتعاد عند كثير من أهل العلم، وأفتى ابن تيمية رحمه الله في المسبل وهي صورة توافق هذا أنه يعيد وضوءه ثم يصلي، وإن كان هناك شفاف ولا يبدي شيئاً من العورة فلا بأس عليه إن شاء الله لكنه يكره الصلاة به. قضية أخرى: قضية الإسبال في الصلاة، فإن كثيراً من أهل العلم يذهبون إلى أن المسبل يعيد الصلاة، وهذا هو الصحيح؛ لأنه ورد حديث في أبي داود، أن النبي صلى الله عليه وسلم: {رأى رجلاً مسبلاً ثوبه فقال: أعد وضوءك} وبذلك أفتى ابن تيمية رحمه الله تعالى.

حكم رفع الصوت بقراءة القرآن بين الأذان والإقامة

حكم رفع الصوت بقراءة القرآن بين الأذان والإقامة Q ما حكم رفع الصوت بالقرآن بين الأذان والإقامة؟ A رفع الصوت لغير حاجة لا يجوز، والحاجة في أن يكون بجانبك رجل يريد أن يستمع، وهو لا يستطيع أن يقرأ القرآن، بشرط ألاَّ يتضرر الآخرون فلك أن ترفع بقدر الحاجة، أو يكون ليس في المسجد أحد، أو أناس لا يتضررون فلك أن ترفع، أما أن ترفع صوتك، وتشوش على الناس، فالفتوى فيما قال الإمام مالك بن أنس عندما سئل عمن يفعل ذلك فقال: أرى أن يضرب بالأحذية ويخرج من المسجد.

حكم السلام على حلقة علم أو قرآن

حكم السلام على حلقة علم أو قرآن Q ما حكم السلام على حلقة العلم، أو على من يقرأ القرآن؟ A الظاهر والمعروف من النصوص أنه يسلم عليهم، وإن قال بعض أهل العلم: لا، فلا دليل لهم؛ لأنه كان يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، وكان يرد الرسول صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلي، فما دام يسلم وهو في صلاة، فمن باب أولى أن يسلم على حلقة العلم والذكر، وعلى حلقة القرآن، وفي الفصل الدراسي يسلم ولا شيء في ذلك. وهناك حديث عن أبي واقد الليثي في البخاري: لما دخل رجل سلم، ودخل الثلاثة وفي حديث عمران بن حصين في السنن: {أن الرجل دخل والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الناس، فقال: السلام عليكم، قال: عشر، فقال الثاني: السلام عليكم ورحمة الله، فقال: عشرون، فقال الثالث: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: ثلاثون} فأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك الأمر.

حديث (لا صمت إلا في ثلاث)

حديث (لا صمت إلا في ثلاث) Q ما صحة هذا الحديث: {لا صمت إلا في ثلاث: عند قراءة القرآن، وعند الزحف، وعند اتباع الجنائز}؟ A هذا الحديث لا يصح، وليس بحديث، ولا يرفع للرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما في معناه شيء من القبول يبينه ببعض التفسير، عند قراءة القرآن مطلوب أن يسمع؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204]. فلا يجوز رفع الصوت، ومن رفع صوته عند قراءة القرآن فقد شابه المشركين، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:26] وعند الزحف ورد عن معاذ كما في البداية والنهاية عن أبي عبيدة رضي الله عنه، أنهم قالوا لأناس وهم يقاتلون أهل الروم في اليرموك: اصمتوا أيها الناس! ولا تتكلموا، ولا ترفعوا أصواتكم فإن رفع الصوت في المعركة فشل، لكنه يذكر الله سبحانه ويحمده، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً} [الأنفال:45] قيل لـ ابن تيمية: كيف أمرنا الله عز وجل أن نذكر الله عز وجل عند ملاقاة الكفار وقت المعركة، وهو وقت شغل -وقت مجابهة الأعداء، ووقت مقاتلة-؟ قال: لأن علامة المحب أن يذكر المحبوب وقت الأزمات، قاله ابن تيمية، أما سمعت أن عنترة يقول في محبوته: ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي

الفرق بين الفاسق والعاصي

الفرق بين الفاسق والعاصي Q هل يجوز أن نطلق على المسبل إزاره فاسق؟ وما هو الفرق بين الفاسق والعاصي؟ A الفاسق اسم إضافة، يختلف باختلاف الإطلاقات، وأهل السنة يطلقونه على من ترك شيئاً من الفرائض، ليس الصلاة، لأن الصلاة لها حكم خاص وهو الكفر، لكن من ترك شيئاً، أو تعاطى شيئاً، كالسرقة فهو فاسق، بشرط ألا يستحل هذا العمل، فإن استحله فهو كافر. وبعض الناس يطلقه على من يترك بعض الآداب، وأما هذا ففاعله عاص لله تعالى، وكأنه يتحفظ بهذه الإطلاقات، والفاسق هو من ارتكب الكبائر، والكافر هو من استحلها أو كفر بالله العظيم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فكأن العاصي من أتى الذنوب من الصغائر، وخالف بعض المندوبات، ولو أنه يشمل الجميع، وكأن الفاسق من أخذ الكبائر، ولكنه لم يكفر ولم يستحلها، والكافر من أنكرها واستحلها وكفر بالله العظيم.

حكم الصلاة وراء الإمام المسبل أو الحالق لحيته

حكم الصلاة وراء الإمام المسبل أو الحالق لحيته Q ما صحة الصلاة وراء الإمام المسبل، أو الحالق لحيته؟ A أما المسبل؛ فإن صُلي وراءه وكان إماماً راتباً فلتصل وراءه، وصلاته صحيحة لا شك، يقول بعض السلف: السؤال عن الإمام الراتب بدعة لا تعرف عند السلف، لك أن تصلي وراءه سواء كان حليقاً أو مسبلاً إذا كان إماماً راتباً في المسجد؛ لأن الصحابة صلوا وراء الفسقة، أمثال الحجاج وغيرهم ولم يسألوه، لأنهم مأمومين. وأما إن كان إماماً متبرعاً لفعل الخير للمسلمين، فيؤخر ويصلي مكانه آخر، وإن حضرت وصلى الناس وصليت ورأيت بعد الصلاة أنه مسبل، فصلاتك في نفسك صحيحة، ولا عليك إن شاء الله، وما أعلم أن هناك دليلاً لمن قال أنها تبطل الصلاة أو تعاد.

حكم حفظ مقاطع من القرآن لمدة وترك بقيته

حكم حفظ مقاطع من القرآن لمدة وترك بقيته Q ختم القرآن في ثلاثين يوماً أو أربعين يوماً، فهل يعني حفظ مقاطع من القرآن مدة، وترك بقية القرآن يعتبر هجراً للقرآن؟ A الصحيح أنه من انشغل بحفظ القرآن فهو مأجور مشكور، ولا عليه من بقية القرآن إذا أراد أن يحفظ القرآن كله، كأن يأخذ جزءاً من القرآن يحفظه في شهر، والبقية ما قرأه في هذا الشهر فما عليه حرج إن شاء الله؛ لأنه متشاغل بالقرآن، وابن عمر ثبت عنه أنه حفظ سورة البقرة في ثمان سنوات، ثم نحر بدنة ناقة للناس وضيفهم عليها، ولذلك يقول ابن مسعود: [[إنكم في زمان تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه، وسوف يأتي زمان تحفظ حروفه وتضيع حدوده]] تجد الشاب الصغير يحفظ عشرين جزءاً والناس يصلون وهو لا يصلي، وتسأله ولا يخطئ أبداً في القرآن، لأن حفظ القرآن أصبح مهنة عند الناس، ويحفظ فقط للجوائز وللأقلام وللحقائب الدبلوماسية، وللمدح من الوالد، وليعلق شهادته في البيت، فهذا الزمان الذي حذر منه ابن مسعود رضي الله عنه.

حكم الهجر فوق ثلاثة أيام للمصلحة

حكم الهجر فوق ثلاثة أيام للمصلحة Q هل يجوز الهجر فوق ثلاثة أيام للمصلحة؟ A نعم يجوز، لكن ما بين المسلم والمسلم لأسباب دنيوية ثلاثة أيام فقط، كأن يطأ على رجله وهم يصلون صلاة الظهر، فله أن يهجره ثلاثة أيام لكن لا يزيد عليها، وأما في الأمور الدينية فيهجر، قال الإمام البخاري في الصحيح في باب الأدب: باب الهجر إلى خمسين يوماً، ثم أتى بحديث كعب بن مالك: {أن النبي صلى الله عليه وسلم هجره خمسين يوماً} فلك أن تهجر خمسة وأربعين يوماً، وخمسين يوماً، لمصلحة دينية إذا كان لوجه الله عز وجل، أما لأنه أخطأ عليك، أو لأمر ما، أو ضرب ابنه ولدك، أو تقول أنا هجرته لوجه الله أن يكتب لي الله عظيم الأجر، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم وهو أدرى.

التوفيق بين الحقوق الخاصة والعامة

التوفيق بين الحقوق الخاصة والعامة Q لله حقوق وللرسول وللوالدين وللأقارب وللمسلمين حقوق أيضاً فكيف نوفق بينهما؟ A توفق بينهما بدون اختلاف، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى علمنا بحقوقه في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحقوق الوالدين والأقارب والمسلمين هي من الميسورة والمسهلة، لكن قاعدة: {لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق} [[إذا أمرتك أمك -كما قال الحسن في صحيح البخاري معلقاً- أن تصلي العشاء في البيت فصل العشاء في المسجد]] أمرتك ألا تقرأ القرآن فاعصها واقرأ القرآن، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. هذا ونسأل الله عز وجل التسديد والهداية، والتوفيق لما يحبه ويرضاه، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يثيبنا وإياكم، وأن يجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا يجعل فينا ولا منا ولا بيننا شقياً ولا محروماً، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يفقهنا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

ساعة الصفر

ساعة الصفر غزوة الأحزاب من أعظم غزوات المسلمين، فيها تجمع أحزاب الكفر لاستئصال شوكة المسلمين والقضاء على دينهم، ولقد بلغ حال الصحابة فيها مبلغاً حرجاً حتى زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وفي هذه الغزوة مواقف عظيمة، وأحداث جسيمة أظهرت ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فتصفح هذه المادة لترى هذه الأحداث عن قرب، وتأخذ منها الدروس والعبر.

من أحداث غزوة الأحزاب

من أحداث غزوة الأحزاب إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. ومع حادثٍ آخر، وموقف آخر من مواقف الرسالة الخالدة؛ التي أتى بها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، ومع الإمام البخاري وهو يتحدث لنا عن غزوة الأحزاب، تلك الغزوة كما قال بعض العلماء العصريين: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو والصحابة في هذه الغزوة درجة الصفر، أي: أن فيها انتهت الآمال، وانقطعت الحبال، إلا حبل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ حتى يقول الله تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب:10 - 11].

ضيافة جابر للمصطفى عليه الصلاة والسلام وما فيها من المعجزة

ضيافة جابر للمصطفى عليه الصلاة والسلام وما فيها من المعجزة قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في غزوة الأحزاب وهو يسوق بسنده إلى جابر رضي الله عنه وأرضاه، قال جابر: {بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحزاب إذ عرضت لنا كدية -أي صخرة وهم يحفرون الخندق- قال: فشكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل عليه الصلاة والسلام إلى الخندق بمعولٍ بيده، وعلى بطنه حجرٌ مربوطٌ من الجوع عليه الصلاة والسلام، قال: فلما رأيت آثار الجوع في بطنه عليه الصلاة والسلام، ذهبت إلى أهلي، وقلت: هل عندكم من شيء؟ قالت: عناق وشيءٌ من شعير، فَذبحتُ العناق وطحنت هي الشعير وعجنته، ثم ذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخبرته الخبر وقلت: يا رسول الله! تعال أنت واثنين معك، قال: فلما انتهيت من كلامي لرسول الله صلى الله عليه وسلم -وكان قد ساره الخبر لئلا يشعر الناس- نادى عليه الصلاة والسلام في أهل الخندق، وقال: يا أيها الناس! إن جابراً صنع لكم طعاماً فحيهلاً بكم -وكانوا مئات من الصحابة من المهاجرين والأنصار، وبلغوا من المجاعة مبلغاً عظيماً الله أعلم به- فلما سمعوا الخبر ألقوا المساحي من أيديهم والمكاتل وهرعوا إلى الصوت زرافات ووحداناً. وانطلق أمامهم مربي البشرية، ومعلم الإنسانية صلى الله عليه وسلم- قال جابر: فأتاني من الحياء ما الله به عليم. فدخل عليه الصلاة والسلام وقال: يا جابر! أين اللحم؟ قلت: يا رسول الله! في البرمة قال: وأين العجين؟ قلت: هذا هو يا رسول الله، فبصق عليه الصلاة والسلام فيه -بصقاً مباركاً طيباً ألذ من العسل المصفى، وأحلى من الشهد، ودعا الله عز وجل وسمى- ثم قال: يا جابر! أدخل الناس عليَّ عشرة عشرة} فأخذ الصحابة يدخلون عشرة عشرة والرسول عليه الصلاة والسلام صاحب الضيافة في هذا اليوم يدخلهم ويدنيهم صلى الله عليه وسلم، فكلما أكل عشرة قاموا وأتى عشرة، ثم يقوم العشرة فيأتي عشرة، فدخل هذا العدد الكثير، وهو عدد جيشٍ ضخم يريد أن يرد كيد المعتدين عن المدينة المنورة، فلما انتهوا نظر عليه الصلاة والسلام إلى اللحم كما هو لم ينقص شيئاً، وإذا بالشعير بحاله لم ينقص شيئاً. لو لم تكن فيه آياتٌ مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر ثم قال: {يا جابر! تعال كل، قال: فدنوت فالتفت إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم وقال: أشهد أني رسول الله، فيقول جابر: أشهد أنك رسول الله، فيقول: يا جابر! كل أنت وأهلك واقسم لجيرانك -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- قال جابر: فقسمنا على جيراننا، فوالذي نفسي بيده لقد باتوا على خبزٍ ولحمٍ في تلك الليلة} وقد ذكر الله عز وجل هذه الغزوة وعلق عليها، وندد في كتابه بالمعتدين، وأخبر أنه قطع دابرهم، وفل شوكتهم، وأنه كفى المؤمنين القتال. قال جل ذكره وهو يتحدث في سورة الأحزاب عن ساعة الصفر التي بلغها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب:9 - 11] ثم يتحدث الله عز وجل عن المنافقين: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12].

تجمع الأحزاب لاستئصال المسلمين في السنة الخامسة للهجرة

تجمع الأحزاب لاستئصال المسلمين في السنة الخامسة للهجرة وغزوة الأحزاب وقعت حدثاً تاريخياً في واقع المسلمين في السنة الرابعة وقيل في الخامسة، والأصوب أنها في الخامسة، فمن قال في الرابعة ألغى الكسر، ومن قال في الخامسة جبر الكسر، وهذه الغزوة من أشد الغزوات في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكادت هذه الغزوة أن تودي بالرسالة وبصاحبها وأن تجتاح الصحابة والمهاجرين والأنصار، وأن تقطع حبل هذه الرسالة، ذلك أن العرب اجتمعوا في حزبٍ ائتلافي، وكونوا جيشاً يريدون به خوض المعركة ضد المصطفى صلى الله عليه وسلم. وهذا الحزب الائتلافي المشرك يتكون من قريش التي بغت على رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، ويقودها آنذاك أبو سفيان ومن غطفان التي يقودها عيينة بن حصن ومن بني قريظة اليهود الذين نقضوا عهد الله وكفروا برسل الله. اجتمعوا عشرة آلاف وتوجهوا إلى المدينة وتعاهدوا وتواعدوا على أن يقاتلوا رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى ينتهي الدين تماماً، وتنتهي لا إله إلا الله من الأرض، وتنتهي الرسالة، فلا يكون هنالك رسولٌ ولا رسالة، ولا مصل ولا صائم، ولا معتمرٍ ولا حاج: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32] يقول أحد المفكرين المسلمين: إن المشرك أو الملحد الذي يريد أن يطفئ نور رسالة الإسلام كالطفل الذي ينفخ في الشمس، وهل يطفئ الطفل نور الشمس؟! فهذه رسالته عليه الصلاة والسلام. نزل الأحزاب هناك وتمركزوا حول المدينة، وجعلوا النخل وراء ظهورهم، وطوقوا المدينة والرسول عليه الصلاة والسلام داخل المدينة، وتصوروا هذا الحدث العظيم، تصور أنك في قرية من القرى مثل المدينة المنورة أنت وجماعة معك، وينزل بك عشرة آلاف مقاتل من أشجع شجعان العرب على الإطلاق؛ كل مقاتل يغلي دمه حقداً وحسداً وبغياً وعدواناً على من في المدينة، يقطعون عنهم الإمدادات، المواصلات، وكل ما استطاعوا أن يقطعوه قطعوه، نزلوا هناك، وحق للقرآن أن يتحدث ويقول {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب:10] فالقلب في موضعه لكنه من الخوف يرتفع حتى يبلغ الحنجرة، ضاقت الأمور وزلزلوا زلزالاً شديداً حتى يقول الله: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب:10] حتى أن بعض من أسلم ظن أن الرسالة سوف تنتهي، ولن يعود هناك توحيد في الأرض ولا إسلام، فلما نزلوا هناك اعتد عليه الصلاة والسلام بقوة الله عز وجل، وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل؛ واجتمع بالصحابة الأخيار الذين قاتلوا في بدر وأحد؛ أصحاب السيوف البيضاء، وأهل الأيادي الطولى في دين الله عز وجل، واستشارهم ماذا يفعلون؛ فالموقف مربك، أيتركهم يدخلون، ثم يقاتلهم في الزقاق وفي السكك وعلى أفواه الطرق، أم يستسلم ويقدم خطةً استسلامية لينتهي الدين، أم يقدم غرامة مالية وهو لا يملك هو والصحابة ما يملئون بطونهم من الخبز، حتى يربط على بطنه صلى الله عليه وسلم الحجارة، أم ماذا يفعل؟ لكن الله في السماء. فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان فتوجه إلى الحي القيوم الذي إذا نصر نصر، وإذا هدى هدى. واستشار أصحابه عليه الصلاة والسلام، فتقدم الرجل الذكي المدره الداهية سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه الباحث عن الحقيقة، الذي أتى يقطع آلاف الأميال ليملأ قلبه بلا إله إلا الله، وبعض الناس يسكنون في بعض الأحياء القريبة من المساجد ويسمعون: لا إله إلا الله تتردد فلا يأتون ولا يستمعون.

حفر الخندق وما فيه من بشارات

حفر الخندق وما فيه من بشارات فأشار سلمان بأن يُحفر حول المدينة خندقٌ لا تخترقه خيول المشركين، فاستجاب صلى الله عليه وسلم لهذا الرأي، وقام الصحابة يحفرون الخندق، وشاركهم المصطفى عليه الصلاة والسلام بحفر الخندق بيده، وقامت المعاول والمساحي تشتغل ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم معهم، كل اثنين من الناس معاً، فأحدهم يحمل المكتل على ظهره، والآخر يعبئ المكتل (الزنبيل). والرسول صلى الله عليه وسلم جعل له رفيقاً من هذا الجيش، وهو جعيل، وهو رجلٌ ضعيفٌ، فكان رفيقاً للرسول صلى الله عليه وسلم، فكان عليه الصلاة والسلام ربما يعبئ له الزنبيل، فيحمله هذا المسكين حتى يوصله إلى المكان الآخر، وربما يحمل صلى الله عليه وسلم الزنبيل، وكان يقول له صلى الله عليه وسلم: يا جعيل! أنت عمرو، فيقول الصحابه: سماه من بعدِ جعيل عَمْراً وكان للبائس يوماً ظهراً وأخذوا ينشدون هذا النشيد الحبيب ليحركوا النخوة القتالية في نفوس المقاتلين؛ الذين ما أصبح في بطونهم شيءٌ من الطعام، وأوشكوا أن يسقطوا على وجوههم من الجوع، فأخذ ينشد معهم صلى الله عليه وسلم كما قالوا: سماه من بعدِ جعيل عَمْراً وكان للبائس يوماً ظهراً يقول: عمرا، ويقول ظهراً. وأتى عليه الصلاة والسلام في كوكبةٍ من الصحابة وهم يحفرون، فأخذ يردد معهم ويقول: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فثبت الأقدام إن لاقينا إنا إذا كيد بنا أبينا وهذه الأطروحة والأنشودة الغالية أرسلها عبد الله بن رواحة المقاتل العظيم نشيداً للمسلمين، فكان ينشد بها صلى الله عليه وسلم. وبينما هو يحفر عليه الصلاة والسلام إذ هو بـ زيد بن ثابت قد أخذ سلاحه عليه ونام في الخندق وهو شاب، فأتى عليه الصلاة والسلام يمازحه فحمله بيده، وكان عليه الصلاة والسلام قوي البنية، قوي العاطفة، زعيماً إدارياً يقود الدنيا إلى الله عز وجل، فحمله بيده وقال له: {قم يا أبا رقاد} فتبسم الصحابة رضوان الله عليهم. وبينما هم يحفرون، عرضت لهم في الخندق صخرة كبيرة، فتوقفوا عن الحفر؛ لأنها لا تعمل فيها المعاول، ولا تشتغل فيها المساحي، فدُعي الرسول صلى الله عليه وسلم، فأتى والحجر على بطنه الشريف؛ فأين الذين يرمون الموائد في الزبالات والقمائم. والمسلمون يموتون جوعاً وعرياً وهلاكاً في أفغانستان وفلسطين وإفريقيا وفي كل صقع؟ وهم يموتون في المستشفيات تخماً وحبطاً وتبجحاً بنعمة الله عز وجل. فينزل عليه الصلاة والسلام فيطلب فأساً، فيناول فأساً عليه الصلاة والسلام فيضرب الصخرة؛ فتلمع لمعاناً رهيباً في الجو، فيقول: {والذي نفسي بيده لقد أضاءت لي قصور كسرى، وإن الله سوف يفتحها عليَّ، ثم يضرب الضربة الثانية فتلمع الصخرة لمعاناً رهيباً في الجو، ويقول: والذي نفسي بيده لقد أضاءت لي قصور قيصر الروم، ثم يضرب ضربة ثالثة ويلمع البرق العجيب في الجو ويقول: والذي نفسي بيده لقد أضاءت لي قصور صنعاء} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فيتغامز المنافقون ويقولون: لا نجد كسرة الخبز وهو تلمع له قصور كسرى وقيصر! فلذلك صور الله هذه الصورة ونقلها لنا وهو يبكتهم ويخزيهم -انظر إلى الرسالة الخالدة كيف انتشرت في الأرض- قال سبحانه: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12] يقولون: لا قصور كسرى ولا قصور قيصر ولا صنعاء وإنما هذا غرور وكذب، ولكن بعد خمسٍ وعشرين سنة يسقط إيوان كسرى الطاغية الظالم على وجهه في الأرض، وينصدع بتكبيرات كتائب الإسلام التي دخلت، فهل هذا غرور؟! وهل هذا كذب؟! وهل هذا دجل؟! من الذي سجد في صحراء سيبيريا؟! ومن الذي أعلن لا إله إلا الله في الأندلس؟ ومن الذي خاض بحر الجنج إلا أتباع من ضرب تلك الصخرة. أرواحنا يا ربِّ فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا وبينما هو يحفر عليه الصلاة والسلام، وقد بلغ به الجوع مبلغه، واحمر وجهه من الجوع مع الصحابة، أتاه جابر، فوجد هذا الجائع العظيم وهو يكد ويكدح لصالح: لا إله إلا الله، فذهب إلى امرأته وعرض عليها الخبر، وكانت امرأة صالحة قوامة صوامة، فقالت: عندنا عناق، والعناق عند العرب لا تكفي إلا اثنين أو ثلاثة، فما بالُك إذا كانوا جائعين، وبعض الناس يستطيع أن يأكل عناقين إذا جاع لكبر جسمه أو لتعبه. وقالت: وشيءٌ من شعير فذبح جابر العناق، وسلخها وأنزلها في القدر، وأتى بالشعير فطحنته زوجته وعجنته، وذهب ونادى الرسول صلى الله عليه وسلم بصوتٍ خافت؛ لئلا تنفضح المسألة ولا تصبح شائعة فيأتي الناس، فيتكدسون في الشوارع على عناق وعلى شيءٍ من شعير. لكن الرسول صلى الله عليه وسلم رفع صوته ونادى الناس، فظن جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما فهم الدعوة، فقال في نفسه: حسبنا الله ونعم الوكيل، وذهب ووصل الناس مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقدم الطعام، ولكن بركة الهادي صلى الله عليه وسلم، والمعجزة الحقة من رب السماوات والأرض تنزل على هذا الطعام، فيأكلون عشرة عشرة، فينتهون كما سلف في الحديث.

مبارزة علي رضي الله عنه لعمرو بن ود

مبارزة علي رضي الله عنه لعمرو بن ود ويعود عليه الصلاة والسلام إلى الخندق، فيأمر بالنساء والأطفال فيلجئهم في الحصون وراء ظهره عليه الصلاة والسلام، ويدعو الأبطال لينزلوا في أرض المعركة، فينزل ابن أبي طالب ذاك الفارس الذي سجَّل أسطورة الفداء في ذاك اليوم، ويتم والحمد لله حفر الخندق حول المدينة، ويأتي أبو سفيان فيتمركز قريباً من الخندق وتأتي غطفان وتنزل بجانبه، وتأتي قريظة من اليهود، فلما اجتمعوا قال أبو سفيان: إن هذا شيء لا تعرفه العرب، وإنما هو من عند فارس. ويحاول أبو سفيان أن يخترق الخندق ثلاث مرات ولا يستطيع، وفي المرة الرابعة يخترق أحد فرسان المشركين، واسمه: عمرو بن ود وهو من أشجع العرب على الإطلاق، يسمى بيضة البلد، فيخترق الخندق بفرسه يثب به وثباً ويقفز به قفزاً -وسلاحه عليه- فيدعو: من يبارز؟ من يبارز؟ فيبرز له علي بن أبي طالب. وعلي في السابعة والعشرين من عمره، وذاك فوق الخمسين، وذاك كأنه اسطوانة، وإن شئت فقل: عمود، فإن عمرو بن ود يصفه المؤرخون: بأنه عظيم جسيمٌ مدره فياض. فينزل ويقول: من يبارز؟ فيبرز له علي، هو في السابعة والعشرين من عمره لكنه يتوقد حماساً وغيرة لدين الله عز وجل، فقال له عمرو بن ود: من أنت؟ قال: أنا ابن أبي طالب فقال له: أنت ابن شيخ الأباطح؟ لأنهم يعرفون أبا طالب، قال: نعم، قال: إنك شابٌ وإني لا أحب أن أهريق دمك، أي: لا أحب أن أذبحك أو أن أسيل دمك، يظن الرجل أنه استعد مائة في المائة للذبح، فقال علي: ولكني والله أحب أن أهريق دمك، فنزل من على فرسه ونزل علي، وكان على علي درع قصيرٌ رضي الله عنه، ولكن: عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم وتجاولا، وسد الغبار الأفق، وأصبح المسلمون يكبرون من هذه الناحية، والمشركون يقولون: اعلُ هبل، اعلُ هبل، اعلُ هبل، وأصبحت الرؤية منسدة أمام الأعين، والرسول عليه الصلاة والسلام يلتجئ إلى الله أن ينصر هذا الفارس المجاهد؛ فارس الإسلام والمسلمين الذي خرج غيرةً لدين الله، وما أخرجته إلا (لا إله إلا الله) وما وقف في هذا الموقف إلا لينصر شرع الله عز وجل، والله عز وجل يغار، والله يغضب لأوليائه، والنصر للمؤمنين مهما بلغ كيد المعتدين، ومهما ضرب المسلم وأهين، فإن الدائرة على أعداء الله، وينكشف الغبار وإذا بـ أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه -ورحم الله تلك العظام- على صدر الكافر وقد ذبحه كما تذبح الشاة، فيكبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعود علي مرتجزاً ومنشداً أغنية المعركة وهو يقول: أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره أكيلهم بالسيف كيل السندره ويلتجئ صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل أن يفك هذا الحصار الذي طوق هذه المدينة، ونحن واجبنا أن نلتجئ إلى الله أن يفك كل حصار على الإسلام، فإنه قد حصر الإسلام في كل مكان، ففي أفغانستان يخنق الإسلام ويموت الأطفال في الشوارع، وعلى مطارح الطريق، وتهدم المنازل على رءوس الشيوخ، وفي فلسطين يأتي أعداء الله من إخوان القردة والخنازير بالهراوات، وما كان لهم أن يعتدوا على أعراض المسلمين لكن: رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم أمتي هل لك بين الأمم منبرٌ للسيف أو للقلم أو ما كنتِ إذا البغي اعتدى موجةً من لهبٍ أو من دم ألإسرائيل تعلو راية في حمى المهد وظل الحرم أين لا إله إلا الله التي تلبي دعوة المسلم من قطرٍ إلى قطر؟ لكن أملنا في الله عز وجل.

انهزام المشركين بجنود الله والاستكشاف عن أخبارهم

انهزام المشركين بجنود الله والاستكشاف عن أخبارهم ويظلم الليل وتهب رياحٌ شديدة وراء الخندق، فتقتلع الأشجار وتأخذ الخيام فتلقيها على الأرض، أما ما دون الخندق -والمسافة بضعة أمتار- فنسيمٌ عليل بارد على القلب، فسبحان الله! يوم يُذكِّر المؤمنين يقول: انظروا كيف أرسلنا الرياح فهي هوجاء عاصفة تلقي بالشجر في هذه الناحية، وفي هذه الناحية نسيم، فيقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب:9] ريحاً عاصفاً وجنوداً من السماء، وفي تلك الليلة الظلماء الدامسة أراد عليه الصلاة والسلام أن يعلم أخبار المعتدين وراء الخندق، قال حذيفة: كدنا من الظلام إذا مد أحدنا يده لم يرها، فيقول عليه الصلاة والسلام: من يذهب إلى الأعداء ويأتينا بخبرهم؟ فيسكت الناس جميعاً؛ لأن المسألة مسألة موت، لأنهم في جوع، وخوف، ومتلفة، وتعب وإعياء لا يعلمه إلا الله، فيقول صلى الله عليه وسلم: {من يذهب وهو رفيقي في الجنة} انظر إلى الجائزة، ليس هناك دراهم ولا دنانير، ولا مناصب ولا كراسي، ولا سيارات أو وظائف، أو قصور. يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها فيسكت المقاتلون، فيقول: {من يذهب وهو رفيقي في الجنة؟ فيسكتون، فيقول: قم يا حذيفة!} وهذا أمر لا يحتاج فتوى، فهذا أمر ولا بد أن ينفذ هذا الأمر إن كنت تؤمن بالله، قال حذيفة: {فلما سمعت اسمي ما كان لي من أمر الله، ولا من أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بد، فقمت وبي من الجوع ما لا يعلمه إلا الله، وبي من الخوف ما لا يعلمه إلا الله -في ظلام لا يعلمه إلا الله- قال: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله} انظر ما أحسن الدعاء! وهو الآن أصبح في حراسة وحفظ الله. يا واهب الآمال أنت حفظتني ورعيتني وعدا الظلوم عليَّ كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني فذهب، قال: فوالله ما وجدت للخوف مكاناً في قلبي، وقال: مرةً أحبوا على يدي؛ لأنه في ظلام بين النخل لا يرى يده، ومرة أمشي حتى نزلت الخندق وذهبت ودخلت في جيش المشركين، فوجدتهم حلقاً حلقاً وأبو سفيان يتدفأعلى نارٍ عنده قد أوقدها، وهذا هو القائد العسكري للحملة كلها، وهو رئيس الحزب الائتلافي غطفان وقريش واليهود، قال حذيفة: فلما جلست رأيت الريح ما أبقت لهم خيمةً إلا أخذتها، وأخذت تكفأ القدور من على النار، فتجعله على وجهه: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45] قال أبو سفيان وكان من أذكياء العرب: يا أيها الناس! إن الرياح لم تبق لنا قدراً ولا خيمةً إلا أخذتها، فالتمسوا فإني لا آمن أن يرسل محمد في هذا الليل من يأتيه بخبرنا، قال حذيفة: فقال أبو سفيان: كلٌ منكم يسأل من بجانبه، قال حذيفة: فخفت أن يسألني من بجانبي فسبقت وقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان، ونزلت إلى هذا وقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان، لأنه لو سكت وقالوا: من أنت؟ وأتى باسمٍ غريب أو كذب لكُشف فسبقهم. قال حذيفة: فرأيت أبا سفيان قام على بعيره وقال: أيها الناس! إني مرتحل، كما قال تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً} [الأحزاب:25] ردهم والغيظ والنار في صدورهم، لم ينالوا خيراً من الإسلام والمسلمين: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} [الأحزاب:25]. ثم التفت الله إلى أبناء القردة والخنازير وقال: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} [الأحزاب:26 - 27] فخرج أبو سفيان، وانفل هذا الحزب الظالم، الذي ائتلف لسحق الحق.

إصابة سعد بن معاذ وحكمه في بني قريظة ووفاته رضي الله عنه

إصابة سعد بن معاذ وحكمه في بني قريظة ووفاته رضي الله عنه أما سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه فله الموقف المشهور يوم الخندق، وإن ننس كل موقف فلن ننسى موقفه. فالشاب الذي بلغ من العمر سبعة وثلاثين عاماً، أما ثلاثون فكانت في الجاهلية، وأما سبعٌ ففي الإسلام، لكنها سبع سنوات تعادل سبعة قرون، لأنه لا يجوز لك بعد أن تهتدي إلا أن تجعل كل دقيقة لله عز وجل، فبعد سبع سنوات جعله الله شهيداً يهتز له عرش الرحمن، حتى يقول بعض المفكرين: بعض الناس يعيش في الإسلام سنة لكنها خيرٌ عند الله من ألف سنة. عاش فلما أصبح في هذا السن نزل ليشارك في الخندق وينزل بدرعٍ عليه، فلما تصاول الفريقان أرسل ابن عرقة أحد المشركين سهماً، فوقع في ذارع سعد بن معاذ صاحب الخطب والمواقف المشهودة التي لا تنسى أبد الدهر، أسكن الله تلك العظام الجنة، وسقاه من الحوض المورود، وحشرنا معه وإياكم أجمعين. فوقع سهم في ذراعه فقال ذاك الكافر: خذها وأنا ابن عرقة، فقال سعد بن معاذ: عرق الله وجهك في النار، وعاد رضي الله عنه وأرضاه وذراعه يسيل بالدم وتقبل منه صلى الله عليه وسلم هذه الهدية التي رفعها إلى الله وهي نفسه، لأنه وقع السهم في الأكحل، والأكحل عند العرب من أصعب المناطق التي إذا ضربها السهم فإن معناه الموت والقتل، وكان يرتجز لما ضرب بالسهم ويقول: لبث قليلاً يشهد الهيجا حمل ما أجمل الموت إذا الموت نزل فيأتي ويسيل دمه قطرة قطرة وجاماً بعد جام، ودفعة بعد دفعة، لكنه يسيل مسكاً أذفر، يلقى الله عز وجل الريح ريح المسك واللون لون الدم. فيضرب له صلى الله عليه وسلم خيمةً في المسجد وينزله فيها ليمرضه من قريب، ويأتيه ويزوره في تلك الليالي ودمه يسيل، وسعد يلتفت إلى القبلة ويرفع يده ويقول: اللهم إن كنت أبقيت حرباً لقريش مع رسولك عليه الصلاة والسلام فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب فتوفني في هذه الساعة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة. ثم يستمر الحال به، ويزوره عليه الصلاة والسلام، وبينما يفتح صلى الله عليه وسلم قريظة قال: من ترضون أن يكون حكماً بيني وبينكم؟ فقالوا: نرضى بـ سعد بن معاذ؛ لأنه كان حليفهم في الجاهلية، وظنوا أنه سوف يداهنهم ويحابيهم، وظنوا أن الصداقة مكانها، ولكن ما دروا أن الأحداث تغيرت، وأن القلوب غير تلك القلوب. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهبوا إلى سعد وأتوا به، فذهبوا إليه فأركبوه على حمار، وكان رجلاً طويلاً، وجهه كالبدر ليلة أربعة عشر، وعليه مطارف -كلما لبس لباساً أثقله وأغرقه من دم ذراعه، فأخذوا يركبونه وحوله صف من الأنصار، وعن يمينه صف وعن يساره صف، ويقودون الحمار ويقولون: يا أبا عمرو! تلطف بحلفائك، أي: حاول أن تشفع لهم، أو مثل هذا الكلام الطائش، فيقول: والله لا تأخذني بالله لومة لائم، فلما وصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أيرضى بحكمي من هنا؟ احترام للرسول صلى الله عليه وسلم، قال: نعم. وقال: أترضون بحكمي؟ -يقول: لأبناء القردة والخنازير- قالوا: نعم. فيلتفت ويقول: أحكم فيهم -يا رسول الله- بأن تقتل مقاتلتهم -كل من حمل السلاح يعدم إعداماً- وأن تسبى ذراريهم، وأن تؤخذ أموالهم، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: {فوالذي نفسي بيده لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سموات!}. هذا هو حكم الله في أعداء الله، وقتلة الأنبياء والرسل. أخذوا صحيفة الرسول صلى الله عليه وسلم -المعاهدة- يوم دخل المدينة ووقعها فوقعوها: أنه إذا اعتُدي على المدينة أو على أي حيٍ من أحياء المدينة أن يكونوا يداً واحدة، أو على أي حيٍ من أحياء اليهود أن يقوموا يداً واحداً، فأتوا إلى هذه الصحيفة فشقوها، وتفلوا فيها، وداسها بعضهم بأرجله، وقالوا: تنفع محمداً صحيفته، ودخلوا مع أعدائه في حلفٍ وحزبٍ ائتلافي ليهاجموا المدينة فما جزاؤهم إلا هذا. وعاد سعد وقام السيف يجزر في أعداء الله حتى ارتفع النهار، وقتل سبعمائة ملك من ملوكهم في الخندق، وسُبيتْ ذراريهم وأُخذتْ أموالهم، وعاد سعد فيسيل جرحه، ويعود صلى الله عليه وسلم سعداً وهو في آخر رمق، وهو يتلفت إلى الحياة وهي زهيدة في عينه، ذهبها لا ينفع، وفضتها لا تجدي، لا مناصب، ولا دور ولا قصور، وإنما الدور والراحة العميمة في الجنة، ويودعه صلى الله عليه وسلم وهو في الرمق الأخير، قالت عائشة: {فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد كنت أنظر من صائر الباب، فأعرف بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من بكاء عمر من بكاء أبي بكر}. وأخذ أبو بكر -كما في سير النبلاء للذهبي - يقول: [[واكسر ظهراه عليك يا سعد! واكسر ظهراه عليك يا سعد]] لأنه هو القائد الشهير في الأنصار، فلما ارتفعت روحه قال في الألفاظ الأخيرة: جزاك الله يا رسول الله، عن الإسلام خير الجزاء، لقد لقينا ما وعدنا ربنا حقاً. ثم توفي فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له. لعمرك ما الرزية فقدُ مالٍ ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد شهمٍ يموت بموته بشرٌ كثير ويقول صلى الله عليه وسلم: أتدرون ماذا حدث لموت سعد؟ قالوا: لا والله، قال: {والذي نفسي بيده لقد اهتز عرش الله لموت سعد} وفي بعض الروايات لما توفي سعد اهتز عرش الله لموته، فأخذت الملائكة بأقطاب العرش يقولون: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]. وأخذ حسان يترنم بمرثية عظيمة وهو من شعراء الأنصار يقول: وما اهتز عرش الله من موت هالكٍ سمعنا به إلا لـ سعد أبي عمر ويحضر صلى الله عليه وسلم مراسيم تشييع الجنازة والدفن، ويكفكف ثيابه، فيقولون: ما لك يا رسول الله؟! قال: {والله ما أرى شبراً في الأرض إلا وفيه ملك، والله لقد شيع سعداً سبعون ألف ملك من ملائكة السماء} ويستحق هذا الفارس البطل الشاب الذي بذل مهجته في سبيل الله، فهنيئاً لأولئك النفر: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171]. ويعود أبو سفيان، وتعود غطفان وقريش، ويُسحق بنو قريظة سحقاً تاماً، وتنتصر: لا إله إلا الله، وترتفع كما كانت دائماً وأبداً. إن هذا الدين لن يموت، إنه يمرض ولكنه لا يموت، وإنَّ أصحابه يمرضون ولكن لا يموتون، وسوف ينتصر -بإذن الله- مهما طالت الأزمان.

غزوة بني قريظة

غزوة بني قريظة وينتهي صلى الله عليه وسلم من المعركة ويعود من الخندق، والغبار قد عبأ ثيابه صلى الله عليه وسلم وقد أشعث رأسه، فيدخل إلى المغتسل، ويخلع درعه وثيابه ويغتسل بالماء صلى الله عليه وسلم، فيأتيه جبريل ويقول: يا رسول الله! تضع الدرع من عليك والسلاح! والله ما وضعت الملائكة الدروع من عليها والسلاح، وإنها تريد بني قريظة؛ لأنهم خانوا العهد، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: {أيها الناس! لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة} وهم قريب من المدينة، فيخرجون في كتائب، ويخرج جبريل في أول الكتائب عليه السلام، والغبار ينقاد من على رأسه، قال أحد الصحابة: مر بنا رجلٌ كأنه دحية الكلبي، والغبار على رأسه وعليه عمامة بيضاء، فقال عليه الصلاة والسلام: هل رأيتم أحداً مر من هذا المكان، قلنا: نعم يا رسول الله! رأينا دحية الكلبي، فتبسم وقال: ليس ذاك بـ دحية الكلبي ولكنه جبريل، ذهب بالملائكة إلى بني قريظة، فوصل عليه الصلاة والسلام، فلما اقترب من بني قريظة، قال: يا إخوان القردة والخنازير! انزلوا عليكم لعنة الله، قالوا: يا أبا القاسم! ما كنت فحاشاً، اسمع التلطف ما أحسنه، وهم قبل ليلة كانوا يزعزعون المدينة ويزلزلونها، ويشعلون النار، فأخذ عليه الصلاة والسلام يحرق أشجارهم، وأخذ يضيق الحصار عليهم.

قصة أبي لبابة

قصة أبي لبابة وفي الأخير قالوا: أرسل لنا رجلاً، فقال: من يخرج إليهم؟ قال أبو لبابة: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: اصعد لهم في الحصون، فصعد إليهم وكان حليفاً لهم، فلما رأوه بكوا بكاءً شديداً وتنابحوا في وجهه كالكلاب، وأخذوا يقدمون الأطفال والجواري في وجهه، ويقولون: أترضى بأن يذبح هؤلاء؟ بماذا تنصحنا؟ أتنصحنا أن ننزل لمحمد أم تنصحنا أن نبقى في حصوننا؟ فقال: كذا، (يشير بيده إلى رقبته) يقول: إذا نزلتم فسوف يذبحكم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الإشارة تكفي عن الكلام. فينزل رضي الله عنه وأرضاه وقد أساء وعلم أنه قد أساء، فيذهب ولا يمر بالرسول عليه صلى الله عليه وسلم ولا بالصحابة، ولكن يذهب إلى المسجد فيأتي إلى سارية من سواري مسجده عليه الصلاة والسلام، فيربط نفسه بالسارية ويبكي ويقول: والله الذي لا إله إلا هو لا أفك نفسي ولا أحل الحبل حتى يحله الرسول صلى الله عليه وسلم، لقد خنت الله ورسوله، وبالفعل هذه خيانة، فيسمع عليه الصلاة والسلام ويقول: أين أبو لبابة؟ ما عاد إلينا، قالوا: حدث من أمره كذا وكذا، فيقول عليه الصلاة والسلام: وأنا والذي نفسي بيده لا أحله حتى يتوب الله عليه. لأنه هو الذي أساء، فلما أنزلهم صلى الله عليه وسلم وذبحهم توجه إلى المدينة ونزل فيها وأخذ الصحابة يمرون على أبي لبابة وهو يبكي بكاءً مراً، وكلما اقترب منه رجل ليحل الحبل أبى قال: لا. حتى يحله الرسول صلى الله عليه وسلم، فينزل الله توبته من فوق سبع سماوات، ويغفر له ذنبه، ويقوم عليه الصلاة والسلام فيفك الحبل بيده، فيقوم وقد فرح بتوبة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بتوبته. هذه أحداث الأحزاب والخندق، وإن شئت فألحق معها بني قريظة وما حدث فيها، وفي هذه القصة مسائل:

المسائل المهمة في غزوة الأحزاب

المسائل المهمة في غزوة الأحزاب

حضور جابر للمعجزات

حضور جابر للمعجزات جابر بن عبد الله رجل الموقف المشهود ومعجزته في أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا في طعامه بالبركة، وبارك الله في طعامه، وجابر من أكثر الصحابة روايةً للمعجزات، ودائماً يعيش المعجزات مع الرسول عليه الصلاة والسلام. فمن ضمن المعجزات التي يرويها جابر، يقول: {استلفت من يهودي مالاً فأتى يستقضيني أو يطلب مني القضاء، فما وجدت له شيئاً إلا من تمر، فضيق عليَّ؛ فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: اجمع لي ما عندك من التمر، قلت: يا رسول الله! لا يكفي! قال: اجمعه لي، قال: فجمعته على حصير، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا فيه بالبركة، قال: فقضيت اليهودي، وقضيت كل من له دينٌ عليَّ وبقي التمر كما هو، كأنه والله لم ينقص تمرةً واحدة، فقال لي عليه الصلاة والسلام: يا جابر! أخبر عمر بن الخطاب بهذا، قال جابر: فذهبت إلى عمر فأخبرته، فتبسم وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنه رسول الله، والله لقد علمت أنه ما خرج إلى تمرك إلا وسوف يبارك الله في التمر}. ومرة ثانية في صحيح مسلم، يقول جابر: {خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في البرية في إحدى الغزوات، يقول: فانطلقت معه ليقضي حاجته صلى الله عليه وسلم، فقال: يا جابر! اذهب إلى تلك الشجرة فقل: يقول لكِ رسول الله: تعالي، فذهب إليها وقال لها: يقول لكِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعالي} وهذا الحديث في صحيح مسلم؛ الذي سنده كنجوم السماء. من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري قال: {فقلت لها: تعالي، قال جابر وقد عمي في آخر حياته: والذي أخذ بصري لقد رأيتها تخد الأرض خداً، أي: تشق الأرض شقاً، فأتت ووقفت عنده!! ثم ذهب إلى الشجرة الأخرى، فقال لها: يقول لكِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعالي، فأتت تشق الأرض حتى وقفت بجانب أختها!! فلما انتهى صلى الله عليه وسلم قال: يا جابر! قل لهما تعودان فعادتا إلى مكانيهما، ثم قال جابر: أشهد أن لا إله إلا لله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله}.

لمن تكون الدنيا؟

لمن تكون الدنيا؟ ومما يستنبط من هذه الغزوة أن هذه الدنيا يعطيها الله البر والفاجر، وأن أولياءه قد يجوعون ويتعبون ويضربون ويسجنون، ولكن الخاتمة لهم والعاقبة للمتقين: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3].

حذيفة بن اليمان وقصة الفداء

حذيفة بن اليمان وقصة الفداء حذيفة بن اليمان صاحب قصة الفداء، والذي قدم نفسه رخيصة فحفظه الله في تلك الليلة، وأعطاه الله الجنة، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدفع الثمن للصحابة سلعةً ليست برخيصة، وهي السلعة الغالية الجنة، لم يكن يمنيهم بالدنيا أبداً، ولذلك ينبغي على المسلم والمربي أن يجعل أماني أبنائه وتلاميذه وطلابه الجنة؛ فلا يقل لأبنائه: من يحفظ منكم جزءاً من القرآن؛ أعطيه سيارة، فإذا حفظ الجزء؛ أعطاه سيارة، فأخذ يفحط بها ويدور وينسى الجزء، وفي الأخير ينسى الصلاة فلا يصلي مع الناس في المسجد، ولا يجعل أمانيهم دائماً في الأكل والشراب والأموال، ليتعلق دائماً وهو يدعو في السجود، ويقول: اللهم نجحني لآخذ الأموال. ولذلك لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر سوف تكون الخليفة بعدي، ولا قال لـ خالد سوف تقود الجيش، ولا قال لـ علي سوف يكون ترتيبك الرابع في الخلافة، فإن الدنيا سهلة وهينة. ولذلك لما انتصروا، وقدمت لهم الدنيا؛ ما رضوا بها؛ لأنها لا تكافئ تعبهم، ولا توفي ما قدموه للإسلام، فإنسان يجهد ستين سنة ويتعب ويجوع ويضرب ظهره، ويمزق جلده في سبيل الله وبعدها يحصل على إمارة!! إن الإمارة لا تكافئ هذا التعب، يقول: أنا لا أريد إلا الجنة، ولا أريد إلا رضا الله، حتى يدعى سعد بن أبي وقاص إلى الخلافة، فيقول: لا والله أنا لا أريد الخلافة، قالوا: لم؟ قال: أنا لا أسعى إلى الخلافة، فخلافة الدنيا لا تساوي تعب سعد بن أبي وقاص ساعة واحدة من نهار، حتى يقول: والله إني أولى بعد موت علي بالخلافة، وإني أولى بها من بردي هذا. ولما حضرته الوفاة أخذت ابنته تبكي، فقال: [[ابكي أو لا تبكي، فوالله إني من أهل الجنة]] قال الذهبي: صدقت هنيئاً لك ومريئاً، والله إنه من أهل الجنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة. فمن الدروس التربوية هنا: أن على الأستاذ والمربي وصاحب البيت أن يربي ابنه على هذا، فيقول: إذا حفظت جزءاً أو شيئاً من القرآن؛ دعاك الله يوم القيامة على رءوس الأشهاد، وألبسك حللاً من حلل الجنة، والحافظ منكم يدعوه الله كما صح في الحديث ويقول: {اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك أو درجتك عند آخر آية تقرؤها} وهذه الأماني والتربية التي أحدثها صلى الله عليه وسلم في الكون، ولذلك بقيت تربيته خمسة عشر قرناً.

إنشاده صلى الله عليه وسلم وجواز الحداء

إنشاده صلى الله عليه وسلم وجواز الحداء النشيد في المعركة هو أغاني المعركة التي تستحبه العرب دائماً، فهم ينشدون، فالرسول صلى الله عليه وسلم أنشد واستمع له، وردد الصحابة معه صلى الله عليه وسلم، فلك أن تنشد وأنت مسافر، وذكر ابن الجوزي في كتاب مناقب عمر: أن عمر قال: [[أنشدوا لنا في السفر، فهو زاد الراكب]]. فما أحسن النشيد الذي يحثك على طاعة الله! ويحبب لك القدوم بين يدي الله عز وجل ويرفع من معنوياتك! وهذا يسمى الحداء عند العرب، وسبب الحداء -كما مر معنا في مناسبة- أن رجلاً من العرب ضرب غلامه، فبكى الغلام، فأخذت الرواحل تهز رءوسها وتمشي بقوة، فاكتشف هذا الاكتشاف العجيب، أن الإبل تسرع على الحداء، فكانوا ينشدون. وفي صحيح البخاري أن أنجشة صاحب الصوت الجميل أخذ ينشد فأخذت الجمال تلعب بالنساء على ظهورها وتكاد أن تسقطهن، ويقول عليه الصلاة والسلام: {يا أنجشة! رويداً بالقوارير} -يعني بالنساء لا تسقطهن من على الجمال.

جواز المزاح بضوابط

جواز المزاح بضوابط وفيه مداعبته صلى الله عليه وسلم لـ زيد بن ثابت، وجواز المزاح إذا لم يخل بالشرف، ولم يكن فاحشاً ولا مكثراً صاحبه، قيل لـ سفيان الثوري: المزاح هجنة، أي يهجن الإنسان، ويقلله ويصغر من قدره، قال: بل سنة، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألطف الناس، وكان قريباً إلى القلوب، لأنه يأسر الأرواح إلى الله عز وجل، ولم يكن يقبض وجهه في وجوه الناس؛ لأنه يريد أن يقود الناس إلى جنة عرضها السماوات والأرض، لذلك يقول فيه سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].

علي بن أبي طالب يذبح طاغية المشركين

علي بن أبي طالب يذبح طاغية المشركين وعلي دائماً فارسٌ في القتال، وهو صاحب أسطورة التضحية والبذل في سبيل الله، فرضي الله عنه وأرضاه، أقبلت إليه الدنيا وقد تولى الخلافة فأدبر عنها، وأخذ يقول للشباب وللأجيال وللمدارس وللمؤسسات العلمية وهذه المقولة مكتوبة في صحيح البخاري يقول: [[يا أيها الناس! إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عملٌ ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل]] رضي الله عن عبده المرتضى علي بن أبي طالب، وسيفه المنتضى، وحشرنا معه في جنةٍ عرضها السماوات والأرض.

تأخير صلاة العصر ودعاؤه صلى الله عليه وسلم على المشركين

تأخير صلاة العصر ودعاؤه صلى الله عليه وسلم على المشركين وقد صح في أحاديث أن الصلوات التي فاتته يوم الخندق وهو محاصر: صلاة الظهر وصلاة العصر، وصلاة المغرب ثم دخل في صلاة العشاء، هذا في روايات، وبعض أهل العلم يصحح صلاة الظهر، وبعضهم يضعفها، لكن الذي في الصحيحين أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {شغلونا عن الصلاة الوسطى -صلاة العصر- ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً} وفي رواية: {شغلونا عن الصلاة الوسطى -صلاة العصر- ملأ الله صدورهم وقبورهم ناراً} يعني المشركين. وسبب ذلك أن عمر أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! والله ما صليت العصر! قال صلى الله عليه وسلم: وأنا والله الذي لا إله إلا هو ما صليت العصر إلى الآن -وقد غربت الشمس- فأتى عليه الصلاة والسلام بعدما غربت الشمس، فأذن بلال وأقام فصلى الظهر؛ وهذا في رواية ذكرها ابن كثير ثم صلى العصر ثم صلى المغرب، ثم صلى العشاء} ثم بيَّن صلى الله عليه وسلم في هذا أموراً، وأول شيءٍ نستفيده أن الصلاة الوسطى صلاة العصر: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] فالقول الراجح أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. الأمر الثاني: ما هي العلة في أن يؤخر صلى الله عليه وسلم الصلوات هنا، والله عز وجل قد شرع صلاة الخوف وقت المعركة؟ فالسؤال المطروح: لماذا لم يصل صلى الله عليه وسلم صلاة العصر وقد فرض الله صلاة الخوف؟ يجاب عن هذا بجوابين لا ثالث لهما عند أهل العلم: الجواب الأول: أن صلاة الخوف لم تنزل إلا متأخرة، ولم تفرض صلاة الخوف آنذاك، ولو فرضت لصلاها عليه الصلاة والسلام صلاة الخوف، وهذا جواب للإمام الشافعي، ورد عليه أن صلاة الخوف نزلت قبل الخندق، فلا دليل له إذاً في النسخ. وقيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم نسي الصلوات، وهذا جوابٌ بعيد ولا أعده من الجوابين، لكن أورده ابن كثير وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم نسي هو والصحابة الصلوات، فما صلوها إلا بعد المغرب. وقيل: يستبعد أن ينسوا؛ لأنهم أكثر الناس اهتماماً بالصلاة، ولأنهم جمعٌ غفير فكيف ينسون كلهم ويجمعون على النسيان؟ لا يكون هذا. والجواب الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم شغل حتى ما استطاع أن يصلي صلاة الخوف، فأخرها صلى الله عليه وسلم فبدأ يصليها مرتبةً صلى الله عليه وسلم. القضية الأخرى الكبرى: من فاتته صلواته فهل له أن يقضيها مرتبة، أو له أن يقدم أو يؤخر فيها. وهذه تشمل صورتين: مثلاً نمت عن صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصلاة الظهر، وصلاة العصر، واستيقظت بعد صلاة العصر، فماذا تفعل؟ السنة أن تقضيها مرتبة، فتبدأ بالعشاء ثم الفجر، ثم الظهر، ثم العصر هكذا، ولا تقدم بعضها على بعض. واستدل الشافعية بترتيب الفوائت بهذا الحديث، لكن هنا صورة يوردها ابن تيمية، مثلاً: نمت أنت عن صلاة الظهر، وأتيت المسجد، فوجدت الناس يصلون العصر، فهل لك أن تدخل معهم لتصلي العصر، ثم تصلي الظهر بعدها، أم تنفصل وتصلي الظهر ثم تدخل معهم؟ أم تصلي الظهر معهم وهم يصلون العصر فتشاركهم في صلاة العصر، وأنت تصلي الظهر؟ لك حلان في هذه المسألة: أولاً: لك أن تدخل معهم بنية أنك تصلي الظهر وهم يصلون العصر، فتصلي الظهر ثم تصلي العصر بعد. ثانياً: أن تدخل معهم فتصلي العصر، فإذا صليت العصر فصل بعدها الظهر، وهذه الصورة التي يقع فيها كثير من الناس وحلها كما ذكرت، والحل الأخير هو الأصوب والراجح إن شاء الله فيما يظهر، فتدخل معهم في صلاة العصر، فإذا صليت العصر فصل بعد العصر الظهر.

سعد بن معاذ وجرحه في الخندق

سعد بن معاذ وجرحه في الخندق إن الشهيد الذي يقتل في غير معركة يغسل؛ لأنه أثر أنه غسل؛ لأنه ما مات في المعركة مباشرةً، وإنما مرَّض فترة من الزمن، ثم مات بعدها من هذه الجراح، فغسِّل وكفن وصلي عليه، فالشهيد الذي لا يقتل مباشرة في المعركة، وإنما يبقى فترة أشهر يغسل ويصلى عليه، هذا هو الراجح في هذه المسألة.

نعيم بن مسعود الداهية الأريب والدبلوماسي الناجح

نعيم بن مسعود الداهية الأريب والدبلوماسي الناجح فهذه من كلمات بعض أهل العلم في هذا العصر؛ يتحدثون عن أحد الناس الذين شتتوا كلمة المشركين، فـ نعيم بن مسعود مسلم من غطفان، أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أسلمت، وإن لي رأياً ومكيدةً في الحرب، فهل تأذن لي أن أشتت كلمة المشركين، وأن أقول في غيابك ما أقول؟ قال صلى الله عليه وسلم: خذل عنا ما استطعت، أي خذل في صفوف المشركين في صالح الإسلام ما استطعت. فذهب هذا الإسلامي الأريب الداهية إلى المشركين، فأتى كل قبيلة على حدة، ظاهره النصيحة، وباطنه يريد أن يفت في عضدهم ويشتت شملهم، فذهب إلى كفار قريش فقال: أما ترون أني أخوكم وأني ناصحٌ لكم؟ قالوا: لا نتهمك، قال: أرى أن اليهود سوف يقولون لكم إذا نزلتم في المدينة، لا نقاتل معكم حتى تعطونا أسرى من أشرافكم، وقصدهم أنهم يذبحونهم أو يقدمونهم لمحمد لأنهم اتفقوا مع محمد وقد لاموا أنفسهم على حربه وقالوا: إذا أتانا المشركون فسوف نأخذ من أعيانهم أناساً ونعطيك إياهم فداءً فاقتلهم وارض عنا، قالوا: أصبت ونصحت وأجدت، وهذا العهد بك. ثم ذهب إلى غطفان وقال: يا غطفان! أنا أخوكم وصديقكم ولا تتهموني، قالوا: لا نتهمك أنت الناصح، قال: إن اليهود سوف يأخذون من أشرافكم أناساً ويطلبونكم أسرى؛ فلا تعطوهم أسارى فإنهم سوف يعطونهم محمداً يقتلهم لأنهم ندموا، قالوا: أجدت وذلك العهد بك. ثم ذهب إلى اليهود وقال: يا بني قريظة! أنا صاحبكم وأخوكم، قالوا: صدقت لا نتهمك، قال: فإن قريشاً وغطفان سوف يقاتلون محمداً ثم يذهبون، ويتركون الدائرة عليكم فيقتلكم ويسبي ذراريكم، فأرى أن تأخذوا من أعيانهم أسارى، وتأخذوا من وجوههم أناساً، ليكونوا أسارى عندكم حتى يقاتلوا معكم إلى آخر المعركة، قالوا: ذاك الرأي ولا نتهمك. فالتقوا جميعاً فبدأت اليهود تقول: أعطونا من أعيانكم، فقالت قريش: صدق نعيم بن مسعود يا أعداءنا! أو كما قالوا، وقامت غطفان وقالوا: نصحنا نعيم بن مسعود، فأخذوا يتحاثون بالتراب ويتسابون ففت الله في عضدهم. ولذلك المكيدة جائزة ضد أعداء الله عز وجل، والحرب خدعة، ولك أن تخدع أعداء الله عز وجل، أو كل كافرٍ ومنافق بما للإسلام صلاح، وأن هذا ليس من النفاق، ولا يعد من الذنوب وإنما يعد في الصالح العام.

إدخال الناس عشرة عشرة على الطعام

إدخال الناس عشرة عشرة على الطعام ويمكن أن يؤخذ منه سنة أن من يجلس على المائدة -هذا الأولى والأحسن اقتداءً بفعله صلى الله عليه وسلم- أن يكون عشرة عشرة، فإذا قدمت الناس في وليمة أو في مناسبة فاجعلهم عشرة عشرة لتصيب السنة كما فعل عليه الصلاة والسلام، وليتنا نطبق في أمورنا وشئوننا في الحياة كما نفعل في الطعام، فأحاديث الطعام والحمد لله محفوظة، لكن أحاديث القيام بأمر الله عز وجل وبالاستقامة على أمره تنسى كثيراً. فإن من قدم إحدى عشر على مائدة سوف يبقى من أهل السنة والجماعة إن شاء الله، ولكن لو قدم عشرة لا بأس، وإذا نقص ضيوفك وما كانوا إلا ثمانية فلا تؤخرهم؛ حتى تبحث عن اثنين وتحضرهم، فيجوز أن تقدمهم ثمانية بالإجماع.

ابتلاء المؤمنين

ابتلاء المؤمنين ومنها امتحان المؤمنين بالخوف والفزع، فبعض المرات حين تأتيك الأزمات اعلم أنها تربية من الله عز وجل وتهذيب لروحك، تخاف من امتحان أو رسوب، تأتيك زلزلة، أو مرض، أو محن، أو حادث يصاب به قريبك، فاعلم أنها تربية روحية لقلبك لتتصل بالله عز وجل، وأنت لا تدري هل التربية في الأمن أم في الخوف، أو في الجوع أو في الشبع، فاعتبر أن كل منزلة ينزلك الله عز وجل فيها أنك إنما تتعبد الله فيها، حتى يقول ابن تيمية: إن كل لحظة يمر بها المؤمن هي تربية له فتدبر ذلك. وابن الوزير العلامة اليمني صاحب العواصم والقواصم يقول في كتابه إيثار الحق على الخلق: إن الله عز وجل قد يبتلي بعض الناس بالمصائب والأحزان والخوف يبتليهم ليردهم إليه، وليدخلهم باب التوحيد، فالتوحيد لا يحصل بمحاضرات ولا قراءة كتب، لكنك كلما زلزلت وامتحنت كلما زاد توحيدك واعتصامك بالله عز وجل، قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3].

فوائد عن صلاة العصر في بني قريظة

فوائد عن صلاة العصر في بني قريظة ومنها صلاة العصر في بني قريظة, وهذا فيه لأهل العلم كلام، يقول عليه الصلاة والسلام: {لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة} فكان فهم الصحابة لهذا الخبر على قسمين: قسم يظنون أنه يريد صلى الله عليه وسلم العجلة، ولكن ليس على ظاهر الخطاب، فصلوا العصر في أماكنهم أو في الطريق، وذهبوا إلى بني قريظة، وقسم أخروا صلاة العصر حتى صلوها في بني قريظة؛ لأنهم فهموا أن المراد الظاهر. ونستفيد منه فوائد: أولاً: أن الخلاف وارد في هذه الأمة، وأن الخلاف في الفروع جائز، وأنه رحمة واسعة، كما يقول ابن تيمية: الإجماع حجة قاطعة، والخلاف رحمةً واسعة، وأن الخلاف يجري حتى بين الصحابة، ولا يشنع أحدٌ على أحد، ولا تتقاتل الأمة إذا اختلفت في وضع اليدين على الصدر، أو وضعها تحت السرة، فلا يقوم أحدٌ فيدعو أدبار الصلوات أن الله يجعل كيدهم في نحرهم ويدمرهم، ويجعلهم غنيمة للمسلمين؛ من أجل أنهم وضعوا أياديهم تحت السرة، لا يكون هذا، وأن أحدهم إذا قام فرأى أنه يجهر بالبسملة لا يخرج من الملة والدين، بل يبقى من المسلمين إن شاء الله. فهذه مسائل فرعية يُختلف فيها دائماً وأبداً، وأنت لا تنازع كثيراً، إذا رأيت إنساناً اقتنع بهذا الفكر في الفرعيات، فاتركه وادع الله له، والمسألة في سعة والحمد لله. أما أن يحمل بعضنا على بعض الضغائن في هذه الجزئيات، فهذا من قلة الفقه في الدين، وقلة العلم، وهذا الوارد والمعروف إن شاء الله. ولذلك قد تشغل المجالس ويرتفع الصوت، ويتهاجر الأحباب؛ على مسألة من يبدأ به في المجلس بالفنجان، هل من وسط المجلس أو من آخره؟ وقد يأتي بعض طلبة العلم -إذا سميناهم طلبة علم- فيختلفون، فبعضهم يقول: تدور الأرض حول الشمس، وبعضهم يقول: الأرض ثابتة، فيقومون يقتتلون، وبعضهم يعض بعضاً ويتقرب بدمه إلى الله، يقول الشيخ/ علي الطنطاوي: الله لا يسألنا يوم القيامة ولا يسألنا منكر أو نكير، هل الشمس تدور أم الأرض تدور، فهذه من ترف المسائل، فنحن لسنا من علماء الهيئة، فالله يعلم بها، نشهد بأن الله الذي خلقها، وأنه الذي خلق الشمس ولا تزيدنا هذه المسائل إلا إيماناً، سواء تدور ثلاثين مرة أو واحداً وثلاثين مرة فالحمد لله والشكر، ولا ندخل أنفسنا في هذه المسائل. ولذلك ذكر أن بعض الناس نزل في بادية عند عوام وعندهم عرس في خيمة -أخبرنا بهذا ثقات، والثقات كثروا في هذا العصر- فأخبرنا فقال: حضرنا هذه الوليمة، وقلنا لبعض هؤلاء تكلم في الحاضرين، قال: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، سمعتم المقالة الآثمة التي صدرها الكفار أنهم يقولون: إن الأرض تدور، ووالله الذي لا إله إلا هو إنها لا تدور، ثم أخذ يورد الحجج، من ضمن الحجج القوية التي أوردها يقول: منذ أن خلقني الله في قرية بني فلان ما دارت القرية، فانظر إلى هذا الرد العلمي الوجيه القوي، كيف يرد هذا الرد. المسألة تطول، لكن الشاهد من القصة أن الخلاف وارد. والفائدة الثانية: من الصلاة عند بني قريظة أن من أخر الصلاة لعذرٍ وجيه، من نوم أو لأنه ظن أن الوقت معه فبان خلاف ذلك، فإن شاء الله ليس ملاماً، أما من أخرها بدون عذر وخرج وقتها فإنه قد أبطل وقتها وأبطل أداءها، حتى قال بعض أهل العلم: إذا أخرها متعمداً حتى خرج وقتها، فلا يقضيها؛ فإنه ذاك الوقت بلغ درجة الكفر، فالمسألة مسألة وقت، لكن الصحابة تأولوا في هذه المسألة رضي الله عنهم وأرضاهم.

كرامات الأولياء وخرافات الدجالين

كرامات الأولياء وخرافات الدجالين ومنها أن الملائكة شاركت في المعركة وهذا عضد للرسول صلى الله عليه وسلم وأنها كرامات لأولياء الله لا تنقطع أبد الدهر، سواءً في عهد الصحابة أو في عهدنا، فإذا سمعتم بالكرامات فلا تكذبوها. ولكن كذلك لا نشرك في سماع الكرامات، وذلك كأن تأتينا كل يوم عجوز تحدثنا: أنها رأت ملائكة تنزل من السماء، وأنها صلت على سطح بيتها، أو كذا فنقول: ما شاء الله صدقتي، لأن الملائكة شاركت في بني قريظة! فنحن نؤمن بالكرامة، لكن إذا ثبتت بأسانيد، وكانت لا تخالف القواعد الشرعية. وهنا خطبٌ عجيب وكذبٌ صراح: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] يقول الكاتب: إخواني المسلمين، أخواتي المسلمات فرصة: فتاة عمرها ثلاث عشرة سنة مرضت مرضاً شديداً وعجز الأطباء في علاجها، وفي ذات ليله اشتد عليها المرض وبكت المسكينة حتى غالبها النوم، ورأت في منامها: بأن السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها وضعت في فمها قطرات، وبعد أن استيقظت من النوم وجدت نفسها أنها قد شفيت من مرضها تماماً، وطلبت منها السيدة زينب رضي الله عنها: أن تكتب هذا الرواية مرةً واحدة، لا أدري في أبها أو في خارج أبها على المسلمين والمسلمات لينظروا في قدرة الله تبارك وتعالى، وعند توزيع النسخة وجدت الآتي: النسخة الأولى: وصلت إلى يد فقير، كتبها ووزعها على الناس وبعد مضي ثلاثة عشر يوماً أغناه الله عز وجل، بعد ما كتبها ووزعها، ووصلت إلى يد عامل أهمل في كتابتها ثلاثة عشر يوماً ففقد عمله، أي فصل من العمل بقرار رجعي. النسخة الثالثة: وصلت إلى يد غنيٍ رفض كتابتها وتوزيعها وبعد ثلاثة عشر يوماً افتقر، فنرجو إبلاغ الإخوة بها ونشرها بين الناس. وأنا ما قرأتها، إلا لفائدة أن تعرفوا أنها كذب، لكن لتأتي بأخبار غيرها، فهذه المنشورات كثرت في الناس، ووجد قبل أسابيع وهي قبل أشهر ووزعت قبل سنوات الكتابة من خادم المسجد النبوي أحمد، أو الحرمين، أو الحرم المكي، وقال فيها كلاماً طويلاً، وهذا كذب صراح ولم يحدث هناك شيء وليس للمسجد خادمٌ كما قال بعض أهل العلم اسمه أحمد، وإنما دجلٌ وتضليل على أمة الله، وقصدهم إشغالهم عن العلم، وهؤلاء إما مخرفون، وإما أناس مستهزئون بالدين، وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم. فإياكم وإياهم! لا يغرونكم عن دينكم، والغرائب هذه كثرت في هذا الزمن، كل إنسان يحدث بغريبة ويجلعها كرامة، والذي يلاحظ أن الغرائب والعجائب أمور، منها ما هو قدح في الدين، وهذا أتى على يد المشعوذين والمسمعين والكهنة والعرافين -قاتلهم الله أنى يأفكون- نصبوا أنفسهم دجاجلة في كل قرية، الواحد منهم يدعي علم الغيب، حتى سمعنا في قرية قريبة أن فيها امرأة دجالة أفاكةٌ أثيمة، أنها تقول: تعلم الغيب وتعلم البلاد التي فيها ماء، والآبار التي فيها، فيأتيها الناس ويقولون: نحن من الأرض الفلانية، فتقول: فيها ماء وفيها كذا، واحفر ثلاثة عشر متراً أو خمسة عشر متراً وسوف تجد الماء. وهذه المرأة يعينها الجن في الخبر، وغيرها من الدجالين يعينونها، فيعطونها كلمة فتزيد عليها مائة كذبة، وهؤلاء من أتاهم وصدقهم بما قالوا؛ فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أتاهم فلم يصدقهم، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة. وأما غيرهم من الذين يستدلون بعلامات، كرؤية الصخور والعروق في الأرض والشجر، فهذا لا بأس إن شاء الله؛ لأن لهم مقداراً من الرؤية، ولهم أحاسيس في التربة أعطاهم إياها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا بأس باستخدامهم وبالاستعانة بهم في البحث عن الماء، أما الذين يدعون ولا يأتون ولا يحضرون فهؤلاء كذبة ودجلة على شرع الله، فينتبه لذاك المنشور وينتبه لهذا. وقد أكثروا الكذب في دين الله، وانتشر بين الناس أن زينباً رضي الله عنها وأرضاها لها كرامات حتى بعد موتها، والإنسان إذا مات لا يصبح له أثر، والرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته لا يحل ولا يحرم، ومن رآه في المنام فكأنما رآه عليه الصلاة والسلام، لأن الشيطان لا يتمثل بصورته الحقيقية، فهو عليه الصلاة والسلام إذا رُئي فهي بشرى للرائي أو تحذير له، فإن بعض الناس قد يراها فيكون بشرى له، وبعضهم يراه قد يكون تحذيراً له، يقول: انتبه، إنك مجرم، وإنك مسرف على نفسك، تب إلى الله عز وجل. وانتشر بين الناس حتى سمعنا أن بعضهم إذا عرك عينه أو دخل في عينه شيء قال: يا فاطمة بنت النبي، إن كان دقيقاً فدقدقيه، وإن كان شديداً فأخرجيه أو كما قال وهذا كذب! فإنه استعان بها وهي ميتة لا تنفع ولا تضر رضي الله عنها وأرضاها، حتى نسبوا من الأباطيل على علي بن أبي طالب ما سمعت بأذني من أحدهم أنه قال: أتينا من البلد الفلاني وفيه نهر جارٍ يجري، قلت: سبحان الله! قال: مر علي بن أبي طالب على هذا النهر، فرأى تلك الصخور، ورأى أهل الأراضي ما عندهم ماء، فضرب برمحه في الصخرة فخرج النهر، فرددت عليه وقلت: هذا كذب، قال: لا، نعوذ بالله، قاله العلماء والناس، وأنا أشهد أنه صحيح. فالمقصود أن بعض الأساطير والخرافات ترسخ في قلوب الناس، وما علاجها إلا العلم الشرعي، وإني أدعو إخواني جميعاً إلى التفقه في الدين، وإلى نشر العلم في القرى، وفي البوادي، وفي الصحاري، فإننا والحمد لله نعيش الصحوة، لكن الصحوة التي لا تكون على قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى المصحف وصحيح البخاري وصحيح مسلم، صحوة مشكوكٌ فيها.

واجب الدعاة

واجب الدعاة إن الصحوة الحقيقية تبنى على العلم النافع، وعلى الفقه في الدين، أما أن يبقى الناس في البوادي على خرافة وفي المدن على تعاسة، فهذه صحوة مشكوكٌ فيها، فليعلم إن شاء الله أن الأمة بخير، وأن واجبنا أن نجلس للناس، وأن نعلم الناس، ولا يستصغر أحدنا نفسه، بعض الناس يأتيه توجيه من الله وتوفيق ويقول: سوف أجلس للناس وأدرسهم هذا الكتاب، في بادية في قرية في حارة، في مدينة، فيأتي الشيطان اللعين، ولذلك يقول بعض المفكرين من الدعاة: الشيطان ثبت لدينا أن عنده شهادة دكتوراه في علم النفس، إذا أتيت من اليمين أتى بك من اليسار، فإذا صممت أن تجلس للناس جاءك، وقال لك بتلطف: من أنت حتى تجلس؟ أأنت الشيخ ابن باز؟! أأنت ابن عثيمين؟! يا فلان رحم الله امرأً عرف قدر نفسه، اجلس في بيتك وتفقه في الدين حتى تبلغ أربعين سنة، وإن تخرجت من الثانوية فادخل الجامعة حتى تأخذ الشهادة، وإذا تخرجت من الجامعة فخذ الماجستير، وإذا أخذت الماجستير فخذ الدكتوراه وتصبح أستاذ مشارك حتى يسمع الناس كلامك، وهذه خطة ماسونية، يبقى الإنسان يحضر في بيته، ويكتب مذكرات، ويقابل بين نسخة بولاق ونسخة دار الشروق، والأمة ضائعة وكل إنسان يأتي ويتخرج وعنده العلم حتى والله الذي عنده الكفاءة يستطيع أن يدرس في البوادي عندنا، وليست المسألة بالطنطنة، ضاعت الأمة ونحن نراجع حساباتنا وشهاداتنا ونعلقها براويز في البيوت، والكتب ما شاء الله امتلأ المجلس وملأنا المكتبة من المجلدات والمؤلفات والقصص، وبعد الأربعين يموت الإنسان، وينقل إلى القبر، وما سمع الناس منه شيئاً، ويضيع الناس، ولذلك الأمة ليست بحاجة لكثرة الترف العلمي. يروي الخطيب البغدادي أن الخليل بن أحمد النحوي الذكي الذي بلغ من ذكائه أنه أتى بخمسة عشر بحراً للعروض، رُئي في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: ذهبت بحور العروض والله ما نفعتني شيئاً، وذهب النحو ما نفعني شيئاً، قالوا: ماذا نفعك؟ قال: نفعتني سورة الفاتحة كنت أعلمها لعجائز عندنا في القرية. إن تعليم الفاتحة لبادية من البوادي، أو لعجائز، أو لشيخين كبيرين؛ ضمينٌ أن يرفعك الله عز وجل به حتى تصير كالكوكب الدري في الجنة. ولذلك يأتي يوم القيامة كثير من الناس يحملون شهادة الدكتوراه، فيقول الله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:24 - 25] فليست المسألة مسألة مظاهر؛ فالشكوى إلى الله عز وجل من حالنا، وما وصلنا إليه، حتى وجدت شركيات في بعض النواحي، وعندنا صور ومستندات وزعت حتى عند كثير من الوجهاء والدعاة والعلماء في هذه المنطقة، صور أناس علقوا شاة بشجرة وهم يتقربون بهذه الشاة إلى هذه الشجرة، وصور أناس علقوا تمائم على القبر، وصور أناس يطوفون بقبر، وهذا موجود في هذه النواحي، فهل بقي أن نجلس في بيوتنا ونقول ما بقي عندنا علم، أصغر واحد، حضر في هذا المجلس يستطيع أن يغطي البوادي والقبائل والقرى، وأن يعلمهم الأمور المهمة في الدين، لأن البوادي والقبائل والناس لا يسألونك عن ابن لهيعة هل هو قوي الرواية أم لا؟ ولا يسألونك عن مستدرك الحاكم، ولا يسألونك عن مدريد وأين تقع، ولا يسألونك عن استراتيجية الدعوة وديكتاتورية المبدأ، وهذه الكلمات الرنانة، إنما يسألونك عن الفاتحة، وعن التحيات، وعن (قل هو الله أحد) وكيف نتوضأ، وكيف نتيمم. شيخ كبير كتب يقول: أنا قدمت من البادية وعندي بعض الناس، قال: وأنا لا أدري إلا اليوم أن الإنسان إذا جامع امرأته يغتسل للجنابة، فكنت أصلي ولا أدري أن عليَّ غسلاً للجنابة، سبحان الله! أربعين أو خمسين سنة يعيشها، ولا يدري أن المجامع يغتسل من الجنابة، ذنب من هذا؟! فالله الله في الدعوة إلى الله، والجلوس للناس وتعليمهم. نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتغمدنا وإياكم برحمته، وأن يرزقنا وإياكم الصدق والإخلاص إنه سميع قريب مجيب الدعاء، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الطامة الكبرى

الطامة الكبرى إن الله تعالى خلق الخلق في هذه الدنيا ليبتليهم، وليرى أعمالهم، فهذه الدنيا دار ابتلاء واختبار وامتحان. ثم جعل الله بعد ذلك يوماً يحاسب فيه كل نفس بما عملت وبما صنعت، وذلك هو يوم القيامة. وفي ذلك اليوم يجد كل إنسان ما قدم من عمل. فلا ينفع مال ولا منصب ولا جاه ولا نسب، ولكن من تزود في هذه الدنيا فهو الفائز.

إنكار المشركين ليوم المعاد

إنكار المشركين ليوم المعاد الحمد لله رب العالمين، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم من معلم أنار الله به أفكار البشرية، ونَّور به أفئدة الإنسانية، وزعزع به كيان الوثنية، وعلى آله وصحبه والتابعين له بإحسان. أمَّا بَعْد: أيها الناس لم يكن لنا تاريخ قبل الإسلام ولم يكن لنا نور ولم تكن لنا معرفة ولا ثقافة، كنا نعيش لكن بلا هداية وبلا حبل يصلنا بالله عز وجل، حتى بعث الله فينا هذا الرسول صلى الله عليه وسلم {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] فعلمنا وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وفهمنا وأدبنا ورقى بنا عليه الصلاة والسلام. إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها عنوان هذا الدرس: الطامة الكبرى. الطامة الكبرى في القرآن والسنة: هي يوم القيامة، يوم العرض الأكبر على الله، وهي القضايا الكبرى التي عالجها عليه الصلاة والسلام للوثنيين من العرب، الذين فهموا كل شيء إلا الطامة الكبرى، وعرفوا كل شيء إلا الطامة الكبرى، وما استعدوا أن يتنازلوا أبداً ليفهموا اليوم الآخر الذي أتى به عليه الصلاة والسلام. فهموا كل الجزئيات إلا قضيتين اثنتين: قضية الألوهية: توحيد الباري تبارك وتعالى في العبادة والتوجه، وقضية اليوم الآخر فقد أنكروها تماماً {وقَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [المؤمنون:82] وهذا استنكار منهم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى وهو يعالج هذه القضية ويدمغ أدمغتهم بهذه الأساسية الكبرى في الإسلام: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7].

طرق تناول القرآن لليوم الآخر

طرق تناول القرآن لليوم الآخر يقول بعض العلماء: إن القرآن يتناول قضية اليوم الآخر على ثلاثة أضرب: إما بضرب الأمثلة، وإما بالابتداء الجازم، وإما بالقصص. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان في مجلس مع قوم من الناس، فقدم العاص بن وائل بعظم يحته في يديه ثم نفخه، وقال: {يا محمد! أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد أن يميته؟ فقال عليه الصلاة والسلام: نعم ويدخلك الله النار، ثم أنزل الله قوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79]}. وضرب الأمثلة: هو أن يضرب الله عز وجل من حياة الناس ومن استقرائهم وسبرهم ما يرونه عياناً بياناً أمامهم يدلهم على اليوم الآخر، وكثير من الناس يؤمن لكن إيمان الظن أن الله سوف يبعث من في القبور، لكن هذه القضية لو آمنا بها حق الإيمان ما كذبنا ولا غششنا ولا احتلنا ولا خادعنا ولا تأخرنا عن الصلوات ولا أكلنا الربا ولا فشا فينا الزنا، ولا جعلنا مجالسنا مسارح للغيبة، ولا هتك بعضنا عرض بعض، ولا أساء جار إلى جاره ولا أُخِذَت حقوق الناس، ولا سُلِبت أموالهم لأن هناك يوم آخر. قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[والذي نفسي بيده لولا اليوم الآخر لكان غير ما ترون]]. أي: لتغيرت الموازين ولسطا القوي على الضعيف ولهتك الظالم عرض المظلوم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو يقرر قضية الطامة الكبرى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:9 - 11] ثم يقول الله بعد ذلك: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج:6] وهذه من قضية الاستقراء وضرب المثل. وأما التقرير بالقصص في البعث والنشور، فيا لقصص القرآن من قصص! يقول بعض أهل السير: دخل عمر رضي الله عنه وأرضاه المسجد في خلافته وبيده درة -قطعة عصا يخرج بها شياطين الجن من بعض الرءوس- وإذا برجل كبير في سنه يحدث الصحابة على كرسي من خشب في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: من هذا؟ قالوا: قاص. قال: بماذا يقص؟ قالوا: يقص على الناس من كتب دانيال -وهو رجل عاش في قدم التاريخ وهذه القصص من أساطير الأولين وفيها خرافات- فأخذ عمر درته وتقدم إلى الرجل يضربه على رأسه ويقول: ويلك يقول الله عز وجل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] وأنت تقص قصصك على الناس؟!

من قصص القرآن في البعث والنشور

من قصص القرآن في البعث والنشور اسمع إلى أحسن القصص في قضية البعث والنشور، قضية الطامة الكبرى {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة:259] هذا رجل من بني إسرائيل قيل: إنه رجل صالح، وقيل: إنه نبي على اختلاف بين المفسرين، والمقصود أنه مر بحماره على قرية بين بيت لحم وبيت المقدس، وكان عهده بالقرية أنها حية، أطيارها وحيواناتها وبشرها وحدائقها وبساتينها، ولكن الله عز وجل أهلك من فيها، فنظر إليها وقلب طرفه في السماء وضرب يمناه بيسراه وقال: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة:259] فأراد الله أن يجري قضية الإماتة والإحياء عليه، قال بعض العصريين: أدخله الله بحماره المختبر. {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة:259] ميتة لا حركة فيها ولا حياة {قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البقرة:259] قال بعض المفسرين: أماته الله ضحى، وبعثه بعد مائة سنة في وقت العصر، فلما انتبه عصراً؛ ظن أنه ما نام إلا من الصباح إلى العصر، فقيل له: كم لبثت؟ قال: لبثت يوماً -ثم استدرك- فقال: أو بعض يوم. فقال الله له: {قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة:259] وكان عنده في خرجه على حماره طعام -الله أعلم به- ومكث الطعام عنده مائة سنة ولم يتغير، فسبحان الذي ما غير الطعام ومن طبيعته أن يتغير! وسبحان من أمات هذا في لحظة وأحياه بعد مائة سنة وقد بلي! ثم أحياه الله قال: {كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِك >) [البقرة:259] كان حماره ميتاً فلما قام بحث عن حماره فوجد الجلد أصبح بالياً متقطعاً على التراب، فقال: أين الحمار؟! فأراه الله أنه قد أصبح في عالم آخر وأصبح رفاتاً ليريه الله عز وجل كيفية الإحياء، فركبه الله بكلمة "كن" {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] ركب العظام أمامه، ثم قال للحم: كن لحماً فكسا العظام لحماً، ثم ركب الجلد على الحمار، ثم نفخ الروح في الحمار فهز رأسه ومشى، ثم قال: {أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259] أي انتبه لا يخالجك شيء من شك أو ظن أو أوهام أو حدس: {أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259] وأن الله سوف يبعث من في القبور وأن هذه القضية الكبرى هي التي أتت بها الأنبياء والرسل بعد التوحيد. القرآن يقرن كثيراً بين التوحيد والإيمان باليوم الآخر؛ لأنها القضية التي إذا ما رسخت في القلوب والعقول صلحت الأمة بإذن الله. خرج إبراهيم عليه السلام إلى ضفاف نهر -قيل: دجلة، وقيل: غيره- فرأى بقرة منحورة على شاطئ الماء وقد أتت النسور والغربان والذئاب والكلاب تأكل من هذه الفريسة، قال: يا رب! أنت تعيد الخلق يوم القيامة، وكذلك الحيوانات، فكيف تعيد هذه البقرة؟! فقد أصبح لحمها في بطون السباع والكواسر من الطيور، فلما قال ذلك؛ ذكر الله قصته، فقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة:260] هو لم يشك لكن يقول كما قال عليه الصلاة والسلام: {ليس الخبر كالمعاينة} وعند البخاري في كتاب الأنبياء يقول عليه الصلاة والسلام: {نحن أحق بالشك من إبراهيم عليه السلام} والمعنى عند المحدثين على طريقتين: قيل: لو كان يشك فمن باب أولى أن نشك نحن؛ لأننا أقل إيماناً منه وهذا على وجه التواضع، فهو لم يشك إذاً. وقيل: ما دام أنه خاطر قلبه هذا الوارد، فنحن لا نأمن على قلوبنا أن يأتينا مثله. والمعنى الأول هو الصحيح {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى -يعني آمنت- وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260] قال الله: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:260] قيل: ضمهن وقال بعضهم: قطع رءوسهم، فقطع الطيور ولا يهمنا أن تكون كما قال صاحب الخازن وغيره: وزاً أو بطاً أو حماماً أو دجاجاً خذا جنب هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق المقصود أنها طيور حية قطع رءوسها وأخذ الرءوس في يده ونثر لحومها وريشها وأجنحتها ودماءها على الجبال ثم نزل في السهول، وقال: تعالي بإذن الله؛ فأتى العظام والريش والأجنحة وتركب كل جزء من أجزاء الطائر ثم طارت قال الله: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260].

القرآن يتحدث عن اليوم الآخر

القرآن يتحدث عن اليوم الآخر تعال إلى القرآن وهو يتحدث عن اليوم الآخر الذي ينبغي أن نعيشه في حياتنا، يقول ابن كثير في كتابه البداية: مر عمر رضي الله عنه وأرضاه فسمع أبي بن كعب يقرأ بالناس قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:24 - 25] فوضع الدرة من يده ووقع على الأرض وحمل إلى بيته ومرض شهراً كاملاً يعودونه لا يدرون مرضه! هذا أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه. وقال الذهبي في المجلد التاسع من سير أعلام النبلاء: عن ابن وهب وقد ألف كتاب أهوال يوم القيامة، فأتى يقرؤه على الناس فسقط مغشياً عليه ثلاثة أيام ثم مات في اليوم الرابع! فهذا عبد الله بن وهب عالم مصر، وهو من رواة الصحيحين، محدث شهير جهبذ كبير، يروي مائة ألف حديث، قال عنه الإمام أحمد: ما رأينا أعبد منه. هذا الرجل سقط مغشياً عليه بعد أن ألف كتابه أهوال يوم القيامة فنسأل الله عز وجل أن يسهل علينا وعليكم أهوال يوم القيامة. إذا قيل أنتم قد علمتم فما الذي عملتم وكل في الكتاب مرتب وماذا كسبتم في شباب وصحة وفي عُمُرٍ أنفاسكم فيه تكتب فيا ليت شعري ما نقول وما الذي نجيب به إذ ذاك والأمر أصعب إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندب يقول تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:281] وتنكير اليوم تعظيم له، ولم يضفه ولم يعرفه بأل {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281]. من ميزة هذا اليوم أنه اليوم الذي يعود الخلق فيه إلى الله، وهذا أسلوب القرآن كلما أراد أن يذكر اليوم الآخر ذكر الرجعة؛ لأننا بدأنا من هناك وسنعود إلى هناك {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] والله يقول: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} [الأنعام:94]. يقول بعض المفسرين: سبب نزول هذه الآية أن أبا جهل عليه غضب الله يقول: يزعم محمد أن لربه تسعة عشر من الملائكة أنا أكفيكم بعشرة وأنتم اكفوني بتسعة! فقال الله عز وجل: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} [الأنعام:94] وقيل هذه القصة سبب لقوله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:30] ثم قال: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً} [المدثر:31]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى راداً على من قال: يأتي بحشمه وجنوده وأبنائه {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95]. مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور هذه القصيدة قالها الواسطي لـ نور الدين محمود زنكي سلطان الشام، وكان قد عمل مهرجاناً جمع فيه الجيوش في دمشق فلما اجتمع الناس وظهرت الزينة واستعرض الجيش، خرج عليه الزاهد الواسطي فألقى عليه هذه القصيدة قالوا: فأغمي عليه من البكاء وسقط مغشياً عليه حتى رش بالماء! يقول فيها: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إن قيل نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي وما لك نور حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور

الطامة الكبرى وتباين الناس فيها

الطامة الكبرى وتباين الناس فيها أيها المسلمون: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] هذه هي الطامة الكبرى، وليوم القيامة أسماء منها: الغاشية والزلزلة والقارعة والطامة الكبرى والصآخة والحآقة، وغيرها من الأسماء {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] قال سيد قطب: نعرض مجردين مكشوفي السرائر والضمائر، الجسم مكشوف، والتاريخ مكشوف، والسجل مكشوف لله رب العالمين؛ فنسأل الله أن يسترنا وإياكم يوم الفضائح، وأن يغفر لنا ولكم الزلات، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل.

حال الصحابة مع الطامة الكبرى

حال الصحابة مع الطامة الكبرى {أتى أعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم -وهذا الحديث سنده جيد- فقال: يا رسول الله! أين ألقاك يوم الزحام؟ (أي يوم العرض الأكبر)؟ فقال عليه الصلاة والسلام: في إحدى ثلاث مواطن لا أغادرها: إما عند الصراط، أو عند تطاير الصحف، أو عند الميزان}. علم الصحابة كان علم اليقين وأما علمنا فهو ظن، والفارق بيننا وبينهم أنا نسمع عن اليوم الآخر ونعرف أن هناك يوم آخر ولكن هم يعملون ويكدحون ويتهيئون له، فأما نحن فقاعدون غافلون، هذا هو الفارق العظيم. من الذي جعل جعفر الطيار رضي الله عنه يأتي إلى مؤتة فتقطع يمينه ويساره ويحتضن الراية بعضديه ويقول: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها من الذي جعل أنس بن النضر يقول لـ سعد بن معاذ: [[إليك عني، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]]. قال أهل التاريخ -وأصل الحديث عند البخاري في كتاب الجنائز: باب البكاء على الميت-: لما حضرت معركة أحد أتى عبد الله بن حرام الأنصاري والد جابر رضي الله عنه وأرضاه، فتمنى على الله الشهادة ورأى في المنام أنه أول قتيل في المعركة، وحضر معركة أحد بعد أن لبس أكفانه وسأل الله قبل المعركة بقوله: اللهم خذ هذا اليوم من دمي حتى ترضى. وقتل رضي الله عنه. قال جابر: فأتيت الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي مسجىً في ثوب، وأنا أبكي والناس ينهونني عن البكاء والرسول صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، فقال جابر -وقيل عمة جابر أخت عبد الله كما قال الشوكاني - قالت: يا رسول الله أأخي في الجنة فأصبح محتسبة أم هو غير ذلك؟ قال: {إنها لجنان كثيرة وإن أخاك في الفردوس الأعلى}. ثم قال عليه الصلاة والسلام: {يا جابر! أتدري ماذا فعل الله بأبيك؟ قال: لا. يا رسول الله. قال: والذي نفسي بيده! لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان فقال: تمن يا عبدي. قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية. قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون؛ فتمن. قال: أتمنى أن ترضى عني؛ فإني قد رضيت عنك. قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً}. وقال سبحانه: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان:27] قيل: يا ليتني اتخذت الرسول صلى الله عليه وسلم سبيلاً وطريقاً اهتدي به، وأل في الرسول هنا للعهد وهو محمد صلى الله عليه وسلم، أي: يا ليتني اتخذته إماماً وقدوة، وقد أغلق الله أبواب الجنة بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام فلا تفتح إلا من بابه.

حال المعرضين عن الطامة الكبرى

حال المعرضين عن الطامة الكبرى يتعرض شيخ الإسلام ابن تيمية لـ ابن الريوندي الملعون، أحد الزنادقة والفلاسفة الكبار، وهو محسوب على المسلمين وله بعض الكتب ويقولون عنه: فيلسوف الإسلام وهو عدو الإسلام، هذا الفيلسوف وقف على نهر دجلة ومعه كسرة خبز، فمر أحد العبيد بخيول وإبل، فقال: يا رب! ترزق هذا العبد الخيول والإبل وأنا فيلسوف الدنيا ما أجد كسرة!! هذه قسمة ضيزى، ثم رمى بالخبز في النهر. هذا الملعون لما عرض له ابن تيمية قال: من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدى غير هدى الله الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم. ويقول في مختصر الفتاوى: كل أرض لا تشرق عليها شمس الرسالة فهي أرض مغضوب عليها، وكل قلب لا يرى شمس هذا الدين فهو قلب ملعون - (أو كما قال) - وهذا هو الحق {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] وعند مسلم في الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار -وفي لفظ آخر- ولا يؤمن بما أرسلت به إلا دخل النار} هذه دعوته. يا مدَّعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ لبس الشياطين {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:27 - 28] وهم جلساء السوء وأدعياء الضلالة وعصابات الإجرام الذين وقفوا في طريق الأنبياء والرسل فصدوا عن سبيل الله، بالدسائس وبالأغراض وبالأذى، وبكل ما يصد عن منهج الله عز وجل: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:29]. وهذه سنة الله عز وجل: أن يبقى الصراع أبدياً بين أهل الخير وأهل الشر {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] أي: هادياً يهدي القلوب ونصيراً ينصر أولياءه. ويقول سبحانه عن الطامة الكبرى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً} [طه:102 - 104] وهذا مشهد من مشاهد يوم القيامة يأتي أهل الدنيا والأعمار الطويلة والساعات الفارغة التي صرفوها في الغناء الماجن وفي الغيبة والنميمة وفي شهادة الزور ومتابعة السهرة الحمراء والمجلة الخليعة والصد عن منهج الله. يقول الله لهم: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:112 - 116] أي نزه الله نفسه عما يعتقده البعض أن الله خلق الناس عبثاً.

حال الملوك عند الموت

حال الملوك عند الموت دفن الخليفة العباسي المهدي وقد كانت ميزانيته كما يقول الذهبي: ثلاثمائة ألف ألف دينار في خزائنه، ثم سلب في صباح يوم باكر قال بعض المؤرخين: إنه شرب ماء بارداً فشرغ بالماء وغص به، وعنده الأطباء مثل ابن بختيشوع وأطباء الدنيا، ولكن: مات المداوى والمداوى والذي صنع الدواء وباعه ومن اشترى فمات على فراشه والوزراء على رأسه والعلماء والأطباء والأمراء، يقولون: إنه كان يقول وهو يشرغ: أأموت الآن؟ قالوا: نعم تموت. فحملوه إلى المقبرة قال أبو العتاهية: نح على نفسك يا مسكيـ ـن إن كنت تنوح يقول: الذي يبطح الرجال له يوم يبطحه الله على رءوس الرجال، فهذا البطاح الذي كان يبطح الملوك في الأرض بطحه الله كل بطاح من الناس له يوم بطوح ستر الله بنا أن الخطايا لا تفوح وأتى ابنه هارون الرشيد فبنى قصراً عظيماً في الرقة، وستره بالستور وجعل فيه الحدائق والزهور وأجرى فيه الماء، وأخذ فيه الحيوانات والطيور، ثم قال للشعراء: ادخلوا وامدحوا القصر؛ فدخل أبو العتاهية بين الشعراء فقال لـ هارون الرشيد: عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصور قال: هيه (زد). قال: يجري عليك بما أردت مع الغدو مع البكور يقول: بما تريد من الدنيا من المطعومات والملبوسات والمفروشات أنت في راحة. قال: هيه. قال: فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور قالوا: فخلع الستور، ونزل من القصر، وسكن بغداد. يقول الوليد بن عبد الملك وهو في سكرات الموت ويلطم وجهه ويقول: يا ليت أمي لم تلدني {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:27 - 29] لكن أهل التقوى وأهل البصيرة وأهل الولاية لا يقولون ذلك.

حال الصالحين عند الموت

حال الصالحين عند الموت في ترجمة سعيد بن المسيب، عالم التابعين وزاهد الأمة لما حضرته الوفاة بكت ابنته فقال: [[لا تبكي علي، والله ما أذن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في مسجد محمد عليه الصلاة والسلام]]. هنيئاً لك: تلك المكارم لا قعبان من لبن شيباً بماء فعادا بعد أبوالا هذه مؤهلات المخلصين: صلاة في المسجد جماعة وذكر وتلاوة وخشوع وزهد. أما الأعمش سليمان بن مهران فإنه: لما حضرته الوفاة قال لابنته: "لا تبكي علي، فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام في الجماعة ستين سنة"! هذه هي المؤهلات التي تنجي أصحابها. أما الخليفة عبد الملك بن مروان الخليفة لما حضرته الوفاة بكى وقال: يا ليتني كنت غسالاً، يا ليتني ما توليت الملك ولا عرفت الخلافة. قال سعيد بن المسيب: " [[الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا وقت الموت ولا نفر إليهم]]. هذه القضية الكبرى علمها قوم علم الظن وعلمها قوم علم اليقين، فأما الذين علموا هذه القضية علم اليقين فحافظوا على الصلوات الخمس، وبروا مع الله، ووصلوا الأرحام، وأحسنوا إلى الجيران، وصدقوا، وأكثروا من ذكر الله، واجتنبوا الحرام، وأما أهل الظن فإنهم يصلون -ربما- مع الناس، ويصومون -ربما- مع الناس، ولكن سهرات مائعة وليال حمراء، وفجور ومراوغة لحدود الله وانتهاك لحرمات الله. في صحيح البخاري: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام تناول ذراع الشاة فنهش منه نهشة فقال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة. أتدرون مما ذاك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إذا جمع الله الأولين والآخرين يقوم الناس إلى آدم فيقولون: يا آدم! اشفع لنا عند ربك أما ترى ما نحن فيه -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- فيقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى نوح فيقول: اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إلى إبراهيم فيعتذر ويقول: نفسي نفسي، فيأتون موسى فيعتذر، فعيسى فيعتذر، فيأتون الرسول عليه الصلاة والسلام فيقول: أنا لها، أنا لها}. قال حافظ الحكمي رحمه الله: واستشفع الناس بأهل العزم في إراحة العباد من ذي الموقف وليس فيهم من رسول نالها حتى يقول المصطفى أنا لها وهذا هو المقام المحمود الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون صلى الله عليه وسلم، والذي ندعو له به في أدبار كل أذان: {اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته}. هذه هي الدعوة التي ندعو بها لرسولنا عليه الصلاة والسلام، وهذا هو المقام العظيم في الطامة الكبرى. في الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عباس: {إذا جمع الله عز وجل الناس، يقول الله يوم القيامة: يا بن آدم جعت فلم تطعمني، قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان جاع فما أطعمته، أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا بن آدم مرضت فلم تعدني، قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده، أما إنك لو عدته وجدت ذلك عندي الحديث} وفي الحديث دروس منها: أن من فعل خيراً وجده {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8] ومنها: أن أقرب الناس من رب الناس أنفعهم للناس وهناك حديث يحسنه بعضهم مثل السخاوي: {الخلق عيال لله عز وجل، فأحبهم إليه أنفعهم لعياله} وكثير من أهل العلم من المحدثين يضعفون هذا الحديث عنه عليه الصلاة والسلام، ولكن معناه صحيح.

مواقف من استعداد السلف للطامة الكبرى

مواقف من استعداد السلف للطامة الكبرى الطامة الكبرى كانت قضية متحركة في أذهان الصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم وفي أذهان السلف، يقولون عن سفيان الثوري رحمه الله: مكث يردد إذا زلزلت الأرض زلزالها من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، وهذا في سيرته رحمه الله، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى} [النازعات:34 - 35] والطامة هي التي لا أكبر منها ولا أعظم وهي التي تطم من هولها على الناس، وهي مأخوذة من الطم: وهو تراكم الشيء بعضه على بعض والله أعلم بمراده. ويقول سبحانه: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ} [عبس:33] من الصوت الصاخ؛ وهي التي تصخ الآذان بصوتها {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36] والزاد هناك تقوى الله عز وجل. دخل سعيد بن جبير على الحجاج والحجاج قد حكم على سعيد بن جبير بالإعدام غيابياً، وظل مطارداً منه ما يقارب اثنتي عشر سنة، ذكر المباركفوري في تحفة الأحوذي المجلد الأول قصة رائعة بديعة في مقابلة هذا الإمام مع ذاك الطاغية، فقال: "دخل سعيد بن جبير على الحجاج، فقال الحجاج له: من أنت؟ -والحجاج يعرف أنه سعيد بن جبير علامة التابعين، وزاهد الدنيا، والعابد الكبير- قال: أنا سعيد بن جبير. قال: أنت شقي بن كسير. فقال: أمي أعلم إذ سمتني. فقال: شقيت أنت وشقيت أمك. فقال سعيد: ليس هذا إليك. قال الحجاج: والله لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى. فقال سعيد: لو أعلم أن ذلك عندك لاتخذتك إلهاً. فأحضر الحجاج له المال من الذهب والفضة ونثره أمامه ليرى ما هو تعليق سعيد بن جبير، فلما رأى الذهب والفضة قال: يا حجاج! إن كنت اتخذت هذا المال لتكف به عذاب الله عنك؛ فنعم ما فعلت، وإن كنت أخذته رياءً وسمعة؛ فاعلم أنه لا يغني عنك من الله شيئاً. فقال الحجاج: علي بالعود؛ فأتوا بجارية تغني وتضرب العود فبكى سعيد. فقال الحجاج: بكيت من الطرب؟ قال: لا والله، لكن بكيت يوم رأيت عوداً قطع في معصية وجارية سخرت في غير طاعة. فقال الحجاج: اقتلوه. فلما قاموا لقتله، قال: ولوه لغير القبلة. فقال سعيد: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] قال: اطرحوه أرضاً. فقال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه:55] قال: اذبحوه. قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، خذها يا حجاج حتى ألقاك بها عند الله غداً: اللهم لا تسلطه على أحد بعدي؛ فلما ذبحه ثارت ثائرة كالبثرة أو الدرهم -في كف الحجاج ومرض- فأخذ يخور كما يخور الثور وظل على هذه الحالة شهراً كاملاً لا يهنأ بنوم ولا بطعام ولا شراب، ويرى في المنام أنه يسبح في الدم حتى أخذه العزيز المقتدر". أما والله إن الظلم شؤم وما زال المشوم هو الظلوم إلى ديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم

شهادة فيلسوف على يوم المعاد

شهادة فيلسوف على يوم المعاد يقول الفيلسوف الألماني عالم النفس " كانت " في مذكرة مترجمة له: "في النظر إلى الوجود دليل على أن هناك حياة أخرى غير هذه الحياة". هو لا يعرف القرآن ولا يعرف السنة بل يعيش كالحيوان {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] لكن نظر بالاستقراء والسبر، فقال: في النظر إلى الوجود دليل على حياة أخرى، قيل له: كيف؟ قال: لأن مسرحية الحياة لم تنته. أي: أنه رأى كم من الظلمة ظلموا الناس ثم لا ينتصف منهم، وغالب ومغلوب ثم لا يحكم على الغالب، وتنتهي الحياة، لابد من حياة أخرى وهي حياة يوم الدين.

وقفة مع سورة القارعة

وقفة مع سورة القارعة يقول سبحانه: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1 - 2] وسميت القارعة؛ لأنها كما قال ابن كثير وغيره من المفسرين: تقرع القلوب بهولها، وتقرع أبواب السلاطين والأغنياء والكبراء {مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:2 - 3]. يقول أهل العلم: إذا قال الله للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَدْرَاكَ} [القارعة:3] فسوف يخبره، وإذا قال: (وَمَا يُدْرِيكَ) فلن يخبره، فلما قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:3] أخبره، وهناك يقول: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63] ولم يخبره، أما هنا فقد أخبره بقوله: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة:4 - 5] هذه صورة ذكرها الله للناس ليتأملوها، ووالله الذي لا إله إلا هو إنها سوف تمر بنا رأي العين وسوف نراها جهاراً نهاراً لا لبس فيها. ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيء فنسأل الله أن يثبتنا وإياكم في الحياة وعند الموت وفي اليوم الآخر يقول تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27].

ساعات الاحتضار ثبات وخذلان

ساعات الاحتضار ثبات وخذلان يتحدث ابن القيم في الجواب الكافي عن سوء الخاتمة للمجرمين الذين يخزيهم الله بأعمالهم، فذكر أن رجلاً حضرته سكرات الموت، فقيل له: قل لا إله إلا الله. قال: أين الطريق إلى حمام منجاب قالوا: قل لا إله إلا الله. قال: أين الطريق إلى حمام منجاب فبحثوا عنه فوجدوه، كان مطبلاً مغنياً مطرباً لاهياً لاغياً لا يعرف كتاب الله ولا فرائضه. ويقول ابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين: حضروا رجلاً من التجار انهمك في الدنيا فقالوا: قل لا إله إلا الله. قال: 5×6 كم تساوي؟ قالوا: قل لا إله إلا الله. قال: 5×6 كم تساوي؟ نسأل الله أن يحسن خاتمتنا. يقول الذهبي في كتاب التذكرة في ترجمة أبي زرعة المحدث الكبير الذي كتب ألف ألف حديث -أي: مليون- بالآثار والمراسيل والمقطوعات والموقوفات فقال: حضرت أبا زرعة الوفاة فأغمي عليه ولم يقل: لا إله إلا الله، فخاف أبناؤه وتلاميذه وبكوا عليه قالوا: سبحان الله! يغمى عليه وهو المحدث ولا يقول لا إله إلا الله! فاستفاق فقالوا: دعونا نذكره بحديث معاذ: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة}. وأبو زرعة يروي هذا الحديث من عشر طرق، فأرادوا أن يذكروه فضيعوا السند من خوف موت الإمام يقول الأول: حدثنا الربيع بن سليمان وقال الثاني: حدثنا غندر، وكلاهما خطأ، فأتى هو فجلس فقال: حدثنا هشيم عن فلان عن فلان عن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة} ثم مات. ! وهذه من كرامات الأولياء وهي من التثبيت لعباد الله الصالحين، فنسأل الله أن يثبتنا وإياكم يوم يضل الله أعداءه.

مواقف من جحود المشركين

مواقف من جحود المشركين خرج عليه الصلاة والسلام -والحديث صحيح- وإذا بكفار قريش جلوس في المسجد الحرام، ومنهم: أبو جهل، فقال عليه الصلاة والسلام: قولوا لا إله إلا الله. فقال أبو جهل: أقسم باللات والعزى لا أؤمن لك حتى تشق لي هذا القمر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أفئن شققته بإذن الله تؤمنون؟ قالوا: نعم. فدعا الله أن يشق له القمر، فشق الله له القمر فلقتين، فقال لهم: آمنوا. فنفضوا ثيابهم وقاموا يقولون: سحرنا محمد سحرنا محمد. ولذلك من أسلوب السخرية بهم يوم العرض الأكبر يعرض الله لهم النار ويقول: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] أهذا سحر مثل القمر أو غير ذلك؟ {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:16]. فيقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى معلقاً على هذا الموقف: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:1 - 3]. يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1 - 2] وفي الآية قضايا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ولم يقل يا أيها الذين آمنوا؛ لأن الخطاب عام يدخل فيه كل من كان إنساناً، فهو للمؤمنين ولغيرهم. {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج:2] والمرضعة هي التي ترضع في التو والحال ابنها وطفلها وتضعه على ثديها ثم تقوم الساعة؛ فلا تدري من الهول فيقع الطفل في الأرض ولا تدري أنه وقع على الأرض! {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} [الحج:2] قالوا: سكارى من الخوف الشديد ومن هول الأمر وليس من الخمر، أي لم يسكروا من الخمر وإنما من هول ما رأوا، فنسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو يتحدث عن أصناف من المشركين الذين أعرضوا عن اليوم الآخر وكذبوا به وتولوا عنه واستهزءوا بالبعث بعد الموت وهم ثلاثة: الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأبو جهل. أما الوليد بن المغيرة فرزقه الله عشرة أبناء منهم خالد بن الوليد سيف الله المسلول: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [الروم:19] فالميت هو الوليد والحي هو خالد، حي بالإيمان، وكان خالد قبل الإسلام ميتاً، كان ميتاً يوم ما عرف لا إله إلا الله، ولم ير النور حتى هداه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] فلما رأى النور وأبصر الضياء وعرف لا إله إلا الله أصبح حسنة من حسنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاض في الجاهلية وفي الإسلام مائة معركة ما هزم في معركة واحدة!! تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها وأبوه كفر بالله، وأعرض عن لا إله إلا الله، وكان ليله غناء وزنا وشرب خمر وربا وتخلفاً عن فرائض الله، ونهاره سفكاً وسلباً وتكذيباً، قال الله حاكياً عنه:: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} [المدثر:11 - 17] قال أهل العلم: "صعودا" جبل في النار -نعوذ بالله منه- يصعد فيه المعذب مائة عام فإذا قارب أن ينهي رأس الجبل سقط على أم رأسه في وسط جهنم ثم عاد من جديد. أما العاص بن وائل فقد كان له سيوف يصقلها عند خباب بن الأرت وخباب عبد ومولى وكلنا عبيد لله، ولكن خباب أصبح منارة من منارات الإسلام. بلال وخباب وسلمان من أهل الجنة، وأبو جهل والعاص وأبو لهب من جثث جهنم، فهذه الأنساب ألغاها محمد صلى الله عليه وسلم إذا كانت تمييزاً عنصرياً، وإذا كانت استعراضاً للأسر. فذهب خباب بن الأرت إلى العاص بن وائل فقال: أعطني أجرة السيوف التي صقلتها. قال: أتؤمن باليوم الآخر؟ - يستهزئ به- قال: نعم أؤمن. فذاك يؤمن باليوم الآخر وهذا لا يؤمن، قال: فإذاً دعني، فإذا بعثني الله وإياك في اليوم الآخر سوف أقضيك هناك فعندي أموال وأولاد؛ فأنزل الله رداً عليه: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} [مريم:77 - 80] فهذه قضية العاص بن وائل المجرم، الذي كفر باليوم الآخر، وهو صاحب العظم الذي حته أمام الرسول صلى الله عليه وسلم. ويقول أبو جهل: يا معشر قريش لا يهمكم -محمد عليه الصلاة والسلام- يتوعدكم بالزقوم يوم القيامة، أتدرون ما الزقوم؟ قالوا: ما ندري! قال: الزقوم: التمر والسمن. فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:43 - 49] يقول -سخرية به- ذق هذا الزقوم سواء كان تمراً أو سمناً، وفسره أنت كما تريد وكما تتصور فوالذي لا إله إلا هو لتذوقنه؛ لأنك كنت عزيزاً بجاهليتك وكفرك في قومك.

التزود من الصالحات هو النجاة يوم الطامة الكبرى

التزود من الصالحات هو النجاة يوم الطامة الكبرى تزود للذي لابد منه فإن الموت ميقات العباد أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد والزاد: العمل الصالح، وأجمع الصالحون على أنه لا أعظم من تقوى الله عز وجل {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197] قال الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور: أجمل بيت قالته العرب الخير أبقى وإن طال الزمان به والشر أخبث ما أوعيت من زاد وسوف يرى الناس بماذا تهيئوا وماذا حصلوا وماذا جمعوا يوم يجمعهم الله عز وجل، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان -وهذا الكلام هو كلام يليق بجلاله سُبحَانَهُ وَتَعَالى- فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار فاتقوا النار ولو بشق تمرة}. وذكر عليه الصلاة والسلام أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة، وهذا يوم الطامة الكبرى: عالم وجواد وشجاع. يقول الله للعالم: أما علمك الله العلم؟ قال: بلى. قال: فماذا فعلت فيه؟ -والله أعلم- قال: علمت الجاهل وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر. فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقال: إنما تعلمت ليقال عالم وقد قيل؛ خذوه إلى النار. ثم يقال للجواد كذلك وللشجاع كذلك. وهذا مصداق قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] فأول الزاد الإخلاص: أن تقصد الله بالعمل، وأن تحذر من الرياء والسمعة كما قال تعالى: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف:29] وقال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3]. وعند مسلم عن جابر قوله عليه الصلاة والسلام: {يقول الله عز وجل: من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه} لأن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان له خالصاً كما قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] قيل: أي: أصوبه وأخلصه، ومعنى أخلصه: أن يكون خالصاً لوجه الله، وأصوبه: أن يكون متابعاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. فأول شرط: الإخلاص لوجه الله. والشرط الثاني: أن يكون إمامك في العمل محمداً صلى الله عليه وسلم، فلا تتبع غيره ولا تقتدي بسواه، ولا تبتدع من عندك شيئاً فإن المحدثات لا يقبلها الله عز وجل ولا رسوله عليه الصلاة والسلام قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيّ} [الكهف:110] {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:1 - 4] ويقول عليه الصلاة والسلام: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}. إذاً فعليك أن تتعلم العلم الشرعي وهو الشرط الثاني من شروط القبول لتنجو من الخسارة والخذلان والعياذ بالله. ومنها: أن تكثر من السجود، روى مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: {كنت أبيت مع رسول صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: سل. فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: أو غير ذاك؟ قال: هو ذاك يا رسول الله. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود} وعند مسلم عن ثوبان: {فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة}.

مواقف السلف في التزود للآخرة

مواقف السلف في التزود للآخرة أتدرون كم كان الإمام أحمد يصلي من غير الفرائض؟ يقول الذهبي وابن كثير وصاحب الحلية وهو شبه إجماع بين أهل السير: كان يصلي من غير الفرائض ثلاثمائة ركعة، وهو إمام أهل السنة والجماعة {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] قال ابنه عبد الله: فلما جلد أبي كان يصلي مائة وخمسين ركعة. رحم الله الإمام أحمد وجمعنا به في دار كرامته فهو إمام أهل السنة والجماعة، ذاك الرجل الذي وقف في وجه الباطل حتى نصره الله نصراً مؤزراً ما سمع التاريخ بمثله! سئل ابن تيمية في المجلد العاشر من الفتاوي: ما هو أفضل عمل بعد الفرائض؟ -سأله أبو القاسم المغربي - فأجاب بجواب عظيم وقال: أما أفضل الأعمال بعد الفرائض فما أعلم أفضل من ذكر الله عز وجل. وهو شبه إجماع بين أهل العلم، وهذا الذكر هو أسهل الأعمال وأيسرها وأنفعها للعبد {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] ودل عليه القرآن والسنة والأثر قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:41]. ويقول عليه الصلاة والسلام عند أحمد وأهل السنن: {ألا أنبئكم بأفضل أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ذكر الله} فهو أفضل الأعمال. فناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متا وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا والذكر يكون بالتهليل والتسبيح والتحميد والاستغفار والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعظم الذكر تلاوة القرآن. وأما بالنسبة للذكر الكثير المذكور في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:41] فقد قال ابن الصلاح: ذكر الله دائماً هو الذكر الكثير، وقال ابن تيمية: من ذكر الله بالأذكار الشرعية التي علمها معلم الخير عليه الصلاة والسلام فقد ذكر الله كثيراً، وقال ابن عباس: أن تذكر الله في السراء والضراء، والحل والترحال - (أو كما قال) -. وأولى الأقوال كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ ابن بسر لما قال له: {يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي؛ فدلني على شيء أتشبث به قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} فالله الله في كثرة الذكر، والله الله في التزود بالصالحات للقاء الله عز وجل. ومما يجعلك تعيش هذه القضية الكبرى (الطامة الكبرى): قصر الأمل، بأن تكون قصير الأمل، وأن تستعد للموت كما مثله الحديث: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} وقال ابن عمر -وبعض المحدثين يرفعونه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم-: [[إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح]]. يذكرون عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: [[والله ما نقلت قدمي من الأرض إلا خشيت ألا أضعها من فجاءة الموت]]-أو كما قال-. وقالوا عن الربيع بن خثيم أنه قال: [[أنا أتحرى الموت مع الأنفاس]]. ولما بلغ سفيان الثوري الستين اشترى كفناً وقال: "حق على المسلم إذا بلغ ستين سنة أن يشتري له كفناً" {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] قالوا: النذير هو الشيب، وقيل محمد، وقيل القرآن، وقيل النذير الموت، ولكن الشيب هو نذير للموت إذا الرجال ولدت أولادها وأخذت أسقامها تعتادها وكثرت من مرض عوادها فهي زروع قد دنا حصادها يقول الإمام أحمد: والله ما وصفت الشباب وفواته إلا بشيء كان في يدي ثم سقط بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغن البكاء ولا النحيب ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب اللهم تولنا فيمن توليت، واجعل خاتمتنا في مرضاتك وعلى سنة رسولك عليه الصلاة والسلام.

أسباب معينة على التزود للآخرة

أسباب معينة على التزود للآخرة

تجديد التوبة

تجديد التوبة ومما يعين على التزود لليوم الآخر: تجديد التوبة دائماً وأبداً؛ فإن العبد خطاء، ومن مذهب السلف أنهم يصبحون تائبين ويمسون تائبين {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] وعند ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها قالت: {جاء رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله إني رجل مقراف للذنوب -أي كثير الذنوب والخطايا- قال: تب إلى الله. قال: فأعود. قال: تب إلى الله. قال: فأعود. قال: تب إلى الله. قال: إلى متى يا رسول الله؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المدحور} {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] فحق على العبد إذا أصبح أن يجدد توبته دائماً وأبداً. وعند أبي يعلى بسند فيه نظر يقول عليه الصلاة والسلام: {يقول الشيطان: أهلكت بني آدم بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله وبالاستغفار} ولذلك طالما يقرن الله عز وجل بين التوحيد والاستغفار فيقول: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] فإنه لا يصلح الحال إلا بإخلاص الموحد المعبود وباستغفار من التقصير الموجود، ويقول سبحانه عن ذي النون: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] فالاستغفار دائماً يكون مقروناً بالتوحيد وأيضاً يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن}.

رد المظالم إلى أهلها

رد المظالم إلى أهلها ومن أسباب التزود للآخرة: رد المظالم على الناس، وهي المظالم التي أخذت من الأعراض والأموال والحقوق وذلك بأن ترد على أصحابها قبل ألا يكون درهم ولا دينار ولكن حسنات وسيئات، يؤخذ من سيئات الناس وتوضع عليك ويؤخذ من حسناتك وتدفع إلى الناس وهذه هي المقاصة عند الله يوم القيامة فلا درهم ولا دينار. صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق؛ لقي الله وهو عليه غضبان قالوا: ولو كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: ولو كان قضيباً من أراك} وهذا الحديث من رواية سعيد بن زيد بن نفيل، وله قصة فقد كانت له مزرعة في العقيق والعقيق ضاحية من ضواحي المدينة فأتت امرأة عجوز فشكته إلى مروان بن الحكم، وقالت: هذا اغتصب أرضي ومزرعتي، والمزرعة له، فدعاه مروان والي المدينة وقال: أتأخذ حقها؟ قال: ما كان لي أن آخذ من حقها شيئاً بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان} ولكن ليس له بينة وكان عليها أن تحلف أو تقسم. فأقسمت العجوز أن الأرض لها فأخذت الأرض. فقال سعيد بن زيد: [[اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها في مزرعتها]] فعمي بصرها وذهبت تأخذ ماءً فوقعت في البئر ميتة. وهذه من كرامات الأولياء، والمقصود من هذا أن على العبد أن يرد مظالم الناس التي أخذها من عقار ودار ومال وأعراض بسب أو شتم وأن يستغفر لهم ويتوب من ذلك وأن يستسمحهم قبل العرض الأكبر وقبل الطامة الكبرى. هذه جولة عن هذه القضية التي يجب على الإنسان أن يعيشها صباح مساء، وأن يتأملها وأن يعلمها علم اليقين {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:1 - 8] اللهم هون علينا السؤال يوم العرض الأكبر، ويسر علينا الوقوف يوم الحشر، وتولنا فيمن توليت. وأسأل الله أن يصلح أحوالنا الظاهرة والباطنة، ونسأله -كذلك- سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يصلح ولاة الأمر وأن يهديهم سواء السبيل، وأن يصلح علماءنا وأمراءنا وقضاتنا وموظفينا، ويصلح أمتنا وبيوتنا وشبابنا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

زكاة الحلي

زكاة الحلي Q هل في الحلي زكاة؟ A قبل أن أجيب على هذا السؤال أحب أن أبين للإخوة أن الأحكام والمسائل الفرعية يختلف فيها أهل العلم والاختلاف وارد. يذكر ابن تيمية في مختصر الفتاوى كلمة يقول فيها: الإجماع حجة قاطعة والاختلاف رحمة واسعة، ويذكر في رفع الملام عن الأئمة الأعلام أسباباً لاختلاف أهل العلم، في هذه المسائل؟ والحمد لله أن الأمة لم تختلف في أصول دينها، ولا في معتقدها، والصحابة والتابعون وسلف الأمة أجمعوا على أصول الدين والمعتقد، أما المسائل الخفيفة فاختلفوا فيها توسيعاً للأمة ورفعاً للحرج، ومن تلك الأسباب: أن الحديث أو الدليل قد يبلغ عالماً ولا يبلغ الآخر. ومنها: أن الحديث قد يصح عند عالم وهو ضعيف عند عالم آخر. ومنها: أن هذا الحديث قد يكون ثابتاً عند هذا العالم منسوخاً عند العالم الآخر. ومنها: أن يفهم العالم من الدليل غير ما يفهمه العالم الآخر؛ فلا مشاحة، ولا منازعة. ولا يقول القائل: لماذا يختلف العلماء؟ وما هذا الاختلاف؟ وما هذا التموج؟ وما هذا التشويش؟ لا، الحمد لله كل على بصيرة، وكما صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد} فكلهم مجتهد وكلهم يطلب الحق، لكن بعضهم يوفق للصواب وبعضهم يخفى عليه. والذي يظهر والله أعلم من أقوال أهل العلم ومن النصوص أن في الحلي زكاة لأدلة منها: أن بعض العلماء أخذوا من عموم القرآن قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:34] وهذا عموم، ودلالة العموم على أفراده وارد، ومن أفراده زكاة الحلي. الأمر الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {أيما صاحب ذهب وفضة لا يؤدي زكاته إلا صفحت له صفائح يكوى بها جنبه وظهره وجبهته يوم القيامة -أو كما قال عليه الصلاة والسلام-} وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام عند الحاكم وأبي داود بسند صحيح: {أن امرأة دخلت على الرسول صلى الله عليه وسلم بسوارين في يديها فقال صلى الله عليه وسلم: أتؤدين زكاتها؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار!} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وعند أبي داود بسند حسن أن أم سلمة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: {أكنز هذا يا رسول الله؟ قال: أتؤدين زكاته؟ قالت: نعم. قال: فليس بكنز}. وأيضاً حديث فاطمة بنت قيس وحديث عائشة عند البيهقي وغيرها من الأحاديث التي تدل على وجوب زكاة الحلي، ثم الاعتبار أن هذا مال وأنه من النقدين العالميين وأنه من الأحوط على العبد أن يزكي عليه، فهذا هو الرأي الصحيح إن شاء الله، فعلى المسلم أن ينبه أهله على الأمر بزكاة الحلي -سواء لبس أم لم يلبس- على رأس الحول فعليه أن يثمنه بثمن ويخرج من النقود في الألف ريال خمسة وعشرون ريالاً وفي المائة ريال اثنين ونصف ريال.

مسافة قصر الصلاة

مسافة قصر الصلاة Q ما هي المسافة التي يقصر فيها المسافر؟ A هذه المسألة مثل سابقتها فيها كلام طويل، وأحسن من تكلم فيها ابن تيمية فيما يقارب مجلداً كاملاً، والصحيح -كما قال- أن الله لم يحد ولا رسوله عليه الصلاة والسلام مسافة القصر لا بالأميال ولا بالكيلومترات وإنما الذي يسمى سفر عند الناس فهو سفر، وما تعارف عليه الناس أنه سفر فهو سفر، يقصر فيه، ويفطر فيه الصائم؛ لأن الله أطلق السفر في القرآن ولم يحده بمسافة فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] فما تعارف عليه الناس أنه سفر فهو سفر، كأن يقول القائل منا مثلاً: أريد السفر من هذه المنطقة إلى منطقة أخرى فهذا سفر، لكن أن يأتي إلى منطقة قريبة ويقول: أريد السفر إلى المنطقة هذه فلا يسمى سفراً. والأصل في ذلك أن ما يسمى سفراً في اللغة وفي عرف الناس فهو سفر والله أعلم.

أحكام المسح على الخفين

أحكام المسح على الخفين Q ما هي كيفية المسح على الخفين؟ A للخفين شروط أربعة عند المحدثين منها: أن تلبس على طهارة، ومنها: أن تكون مما يسمى خفاً في الشريعة، ومنها: ألا تتجاوز المدة، ومنها: ألا تخلع في أثناء مدة المسح. هذه هي الشروط الأربعة، أما الشروط التي وضعها بعض الناس رحمهم الله وأنها تسعة شروط أو ثمانية، وقال: أن يكون قائماً بنفسه، جلداً، ساتراً، لا ينفذ الماء. يقول ابن تيمية: هذه من الآصار والأغلال التي جاء محمد صلى الله عليه وسلم لرفعها عن الأمة، فالصحابة كان لهم خفاف مشققة ويمشون عليها وربما لا يستطيعون المشي عليها ويمسحون عليها. فما ستر محل الفرض من قماش ونحوه فيمسح عليه بشرط أن يلبس على طهارة لحديث المغيرة: {دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين} وألا يخلعهما في أثناء المدة وألا تتجاوز المدة. وهذا هو القول الراجح، وللمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها لحديث صفوان بن عسال وعلي: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم وقت للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام} رواه مسلم. أما كيفية المسح: فبعد أن يلبس الخفين على طهارة، فإذا أحدث وأراد أن يتوضأ، فعليه أن يرش يده بالماء ثم يمسح برأس أصابعه من رأس أصابع الرجل إلى ظهر القدم وكذلك اليسرى، وذكر بعض العلماء في بعض حواشي الفقه أن: اليد اليمنى لليمنى واليسرى لليسرى وهذا جائز لكن الأفضل أن يمسح اليمنى ثم اليسرى بعدها تيامناً.

كفارة اليمين

كفارة اليمين Q ما هي كفارة اليمين؟ A كفارة اليمين ذكرها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بقوله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة:89] فالأول على التخيير والثاني على الترتيب -بعد فمن لم يجد- إما إطعام عشرة مساكين، وجبة كاملة تكفيهم غداءً أو عشاء أما الفطور فهو رخيص ولا يدخل فيه لكن الغداء والعشاء مما يكفيهم وهذا في عرف الناس {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ -كسوة كاملة- أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة:89] وفي قراءة ابن مسعود (متتابعات) وهو رأي الجمهور أن تكون متتابعة وهو الصحيح وهذه الكفارة تكون إذا حلف العبد على شيء ولم يفعله أو حلف ألا يفعل شيئاً وفعله.

كيفية الغسل من الجنابة

كيفية الغسل من الجنابة Q ما هي كيفية الغسل من الجنابة؟ A الغسل الكامل من الجنابة كما ورد في حديث عائشة وميمونة أن يتوضأ صاحب الجنابة الوضوء الكامل وضوءه للصلاة، فإذا انتهى من الوضوء؛ بدأ فغرف ثلاثة غرف على رأسه وأوصل الماء إلى أصول الشعر وأروى البشرة، ثم أفاض على رأسه ثلاث مرات، ثم غسل الميامن قبل المياسر وما على من جسمه قبل ما سفل، وهذا هو الغسل الكامل. أما الغسل المجزئ فهو أن يعمم جسمه بالماء ولا يتوضأ قبل، وإذا نوى الوضوء دخل فيه وهو الصحيح إلا إذا مس فرجه فإنه يعود للوضوء. وأورد الشوكاني عن حذيفة يقول: من لم يطهره الغسل فلا طهره الله؛ لأن بعض الناس يقول: لابد من الوضوء مع الغسل، لكن إذا نوى دخول الوضوء في الغسل فإنه يكفي.

أضرار العصبية

أضرار العصبية Q هل لك أن تحدثنا عن أضرار العصبية؟ A السائل يقصد العصبية القبلية الجاهلية التي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمها ولقطعها وإزالتها قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103] وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]. وقال صلى الله عليه وسلم: {المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ولا يسلمه، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه}. العصبية الجاهلية طاغوت وصنم موجود في بعض الأماكن والمجتمعات القبلية التي يكثر فيها القبائل، والتحزبات القبلية، وذكر مناقب القبيلة على حساب القبيلة الأخرى، وتربية الأطفال عليها فيرضعونهم مع اللبن العصبية الجاهلية والتمييز العنصري، يقول: أنا ابن فلان وهذه من دستور أبي جهل وفرعون وهامان وقارون، أما محمد صلى الله عليه وسلم فإنه منها بريء، ولا إله إلا الله كم شتت من القلوب! وكم فرقت من الأرواح! وكم سفك في سبيلها من الدماء! وكم انتهكت في طريقها من المحارم، وهي من العادات الجاهلية التي لا تنتشر إلا في المجتمعات المتخلفة التي ما رأت نور الوحي، ولا سمعت بدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام أو سمعت سماعاً في الجملة. وعلى كل حال: فالله الله في التآخي وأخذ مقياس الإسلام، ففي حديث -فيه نظر- عن أسماء بنت يزيد: {أن الله إذا جمع الأولين والآخرين يوم القيامة يقول: يا أيها الناس إني وضعت أنساباً ووضعتم أنساباً، فوضعتم نسبي ورفعتم أنسابكم (أي في الدنيا) اليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم} قلت: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وقلتم: أكرمنا فلان بن فلان وبالفعل قالها أبو جهل يقول: إنه سيد العير والنفير، وبلال مولى يباع، لكن أتى الإسلام فقال: لا بلال سيد وأنت حقير زنديق رعديد لأنك كفرت بلا إله إلا الله. وهذا سلمان الفارسي رضي الله عنه جلس مع نفر من العرب، يريدون أن يكبتوا سلمان وهو في العراق فقال رجل: ممن أنت؟ قال: من بني تميم، والثاني من غطفان، والثالث من فزارة، ولما أتى الكلام إلى سلمان قال: أبي الإسلام لا أب له سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم يذكر ابن القيم في طريق الهجرتين كلاماً معناه: قالوا لـ أبي جهل: من أبوك؟ قال: العير والنفير، من أنت؟ قال: سيد أهل الوادي، ماذا تريد؟ قال: أريد الرئاسة أو ما يشبه ذلك. وقالوا لـ سلمان: ما زادك؟ قال: التوكل على الله. قالوا: وما عصاك؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. قالوا: من إمامك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قالوا: ماذا يريدون؟ قال: يريدون وجهه. قالوا: أين مسكنهم؟ قال: المسجد. قال: {دعها فإن معها سقاءها وحذاءها ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها}.

حكم بيع التقسيط

حكم بيع التقسيط Q زيادة الثمن من أجل زيادة الأجل. هل فيه شيء؟ A لا أعلم فيه بأساً، زيادة الثمن من أجل زيادة الأجل لا بأس فيه، وصورته أن تبيع سيارتك إلى أجل أو إلى ستة أشهر أو سنة ديناً فترفع القيمة من أجل الدين؛ لأنه لا يستوي البيع نقداً وديناً، فالدين مثلاً تقول هذه السيارة ديناً بمائة ألف ونقداً بخمسين ألف، فالمائة ألف كانت بسبب زيادة الأجل، وابن القيم يرى أن حديث أبي داود الذي فيه {نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة} ليس معناه هذه الصورة، ولو أن بعض الفقهاء مثل محمد حامد الفقي من العصريين ذكروا هذه الصورة لكن يقول ابن القيم: البيعتان في بيعة هي بيع العينة، أما زيادة الثمن من أجل زيادة الأجل فوارد. لكن هناك صورة محرمة لابد أن ينتبه إليها، يعرفها كثير من الناس، وهي ما إذا أتى الرجل يطلب منك ثمن سلعته فتقول: لا أجد. فيقول: أزيد من الثمن وأزيد عليك الأجل، وهذا من فعل الجاهلية الذي تقول فيه عائشة: تقضي أو تربي. هل تقضيني الآن أو أمهلك وأزيد عليك في الثمن، فهذا محرم ولا يجوز. أما بيعتان في بيعة فهي بيع العينة التي هي محرمة، وصورتها أن يشتري رجل من رجل سلعة ديناً وبعد فترة يشتريها الأول نقداً بأقل من الثمن؛ فهذا أمر محرم، ويفعله بعض الناس، نسأل الله أن يتوب علينا وعليهم.

حكم الإيداع في البنوك

حكم الإيداع في البنوك Q ما حكم الإيداع في البنوك؟ A هذا يتكرر كثيراً، الإيداع في البنوك الربوية محرم، وقد أفتى كثير من علمائنا كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وقال: هذا من التعاون على الإثم والعدوان، ولا يجوز الإيداع في هذه البنوك التي تتعامل بالربا، فلا الإستقراض منها ولا الإيداع فيها ولا التعامل معها يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء} حديث صحيح رواه مسلم عن جابر. وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الدعاة والورقة الرابحة

الدعاة والورقة الرابحة أهل السنة والجماعة هم وسط بين الفرق، ومن أئمة السنة الشيخ عبد العزيز بن باز، وقد وجه الشيخ لأهل السنة توجيهاً خطابياً فيه من الإرشاد الكثير، واستغله بعض الناس في الكلام على طلاب العلم من أهل السنة، وفي هذا الدرس يوضح الشيخ ما غمض فيها، ويبين أهم معالم أهل السنة والجماعة.

خطاب ابن باز للدعاة

خطاب ابن باز للدعاة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. إخوة الإيمان! حملة التوحيد! رواد العقيدة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نعم! عنوان هذه المحاضرة: (الدعاة والورقة الرابحة) وقبل أن أبدأ؛ أشكر المولى على أن جمعني بهذا الجمع المبارك الكريم، وأسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يتمم هذا الاجتماع بكم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأشكر الزميلين الفاضلين: فضيلة الدكتور/ إبراهيم الهويمل، وفضيلة الشيخ/ أحمد الباتلي، وأتوجه إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى من هذا المنبر الكريم أن يحفظ إمام السنة، وعالم الأمة في هذا العصر؛ سماحة الوالد الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وله مناسبة ولسماحته مقام في هذه المحاضرة؛ إذ خطابه الذي وجهه إلى الأمة هو الورقة الرابحة للدعاة إلى الله على بصيرة. ائذنوا لي قبل أن أبدأ بالمحاضرة أن ألقي على مسامعكم مقطوعة بعنوان: (أسماحة الشيخ). أسماحة الشيخ الجليل تحية تهدى إليك وأنت فيض خطابي براقة كجلال وجهك يا أبي محفوفة بالأهل والأصحاب أنا إن مدحتك صرت أمدح مهجتي فرضيت تلويحاً عن الإعراب يا بن الثمانين التي أفنيتها في العلم والأخلاق والآداب يا بن الثمانين التي أهديتها لله بين هداية وصواب يا بن الثمانين التي أمهرتها للمجد لا لملذة وكعاب أنت الصدوق إذا تلعثم كاذب برقاعة الأسمال والأثواب أنت الوفي إذا تعثر خائن وأتاك بالأحفاد والنواب لله درك لم تزل متوقداً كالفجر في إقدامه الوثاب حلفت قلوب الناس إنك صادق نسب المحبة أعظم الأنساب يا عالم الإسلام كل معلم تلميذكم في هذه الأحقاب بالله يا محبوب أي فضيلة خلفتها للصيد والأحباب أسرج فديتك خير جيل محمد من طنجة الفيحا إلى البنجاب عرضي لعرضك من سفيه فدية سود العيون تصان بالأهداب ودمي على مسعاك سال منادياً شاهت وجوه الزمرة الأذناب أهل الحداثة والتفرنج والخنا هم زعزعوا الإسلام بالأطناب مردوا على الكفر العظيم وظاهروا أسيادهم بالفكر والأسباب ورووا خطابك يا كريم فحرفوا ألفاظه أشباه أهل كتاب حملوه من مرض النفوس محاملاً مغلوطة في الحضر والأعراب وتقصدوا أعراضنا بخناجر مسمومة من صنع ذاك الغاب ورموا حمانا بالتطرف ويلهم من زمرة الأوثان والأنصاب يا رب فاقبلنا حماة عقيدة نرجوك في الأخرى عظيم ثواب أيها الكرام البررة! يا تلاميذ المدرسة الربانية؛ مدرسة أهل السنة والجماعة، المدرسة الخالدة التي تستمر وتعطي وتنتج، رضيها الله عز وجل، طائفة منصورة إذا اجتمعت معصومة من الخطأ والزلل، يمثل هذه المدرسة إمامها محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تلاميذها: أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشيخ: محمد بن عبد الوهاب، والشيخ: عبد العزيز بن باز، وهذه المسيرة الرائدة. وإنني من هذا المكان أدل الجيل على كتب جيدة علمها من علم! وطرحها من طرح؛ لفضيلة الشيخ الدكتور/ ناصر العقل، فلله دره! كيف أجاد في عرض مذهب ومنهج أهل السنة والجماعة بعرض عصري مع احتفاظه بروح النص، وجلالة المأخذ من الكتاب والسنة، وأنا أدعوه من هذا المكان إلى المزيد من الكتابات والأطروحات في هذا المنهج الخالد وتوضيحه؛ وإنني لألتمس إليه باسمكم -جميعاً- أن يضع كتاباً في مسائل الدعوة والعمل، والخلاف والافتراق، وما للدعاة من مكانة، وماذا يجب عليهم تحت مظلة أهل السنة والجماعة؟! أيها الإخوة الكرام! سبق وأن ألقيت محاضرة بعنوان: (كيف يذبح الإسلام؟) وهي طريق إلى هذه المحاضرة التي هي بعنوان (الدعاة والورقة الرابحة) وسوف ألخصها في دقائق، عرض هناك كيف ذبح ديننا بسكاكين إسلامية، أي: أن الإسلام ذبح على الطريقة الإسلامية! ونحن نقول هذا مضطرين دفاعاً عن دين الله عز وجل. ذكر الإمام الذهبي أن أحد المحدثين أتته سكرات الموت، وهذا المحدِّث طوال حياته يسمع حدثنا، حدثنا ويعيش معها، ويحبها، ويعشقها، ويتلذذ بها، فلمَّا سمع (حدثنا) وهو في سكرات الموت استفاق وجلس. قالوا: تجلس وأنت في سكرات الموت! قال: سقوني وقالوا لا تغنِّ ولو سقوا جبال سليمى ما سقيت لغنَّتِ والبيت لـ مجنون ليلى، ومعناه: أنه سقي الخمر - مجنون ليلى - فلما سكر غنى، قالوا: لا تغنِّ، الغناء حرام، قال: تسقوني الخمر ولا أغني؟! فالدعاة مضطرون إلى أن ينفاحوا ويكافحوا، وأنتم كذلك -جزاكم الله خيراً- يوم كثرتم السواد وحضرتم، منكم من هو أفضل من المتكلم وأعلم وأتقى وأنبل وأجل، ولكن حضر ليكثر السواد، وليراغم أهل الردة والنفاق، وليحضر بكيانه ليقف في جبهة التوحيد، ولينصر مسيرة أهل السنة والجماعة؛ فحضر أولئك ليكثروا السواد، ومنكم من هو على أبواب الامتحان، لكن أتى ليرابط على الثغر في مسجد فاضل، يسمع قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام.

من مظاهر محاربة الدين

من مظاهر محاربة الدين ذكرت في تلك المحاضرة (كيف ذبح الإسلام) في قرآنه الخالد، الأطروحة الحضارية التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لينقذ البشر؛ أصبح يقرأ في الحفلات وعلى الموتى، وإذا صرع مصروع يقرأ عليه من مس، وهذا فحسب، ولو أن هذا من السنة، ووارد؛ لكن مهمة القرآن فوق ذلك. وانظروا الأعجوبة! إننا أبناء العرب أنا وأنت، وليست العروبة التي نتفاخر بها لكن اللغة العربية الخالدة، أنا وأنت أبناء قحطان وتغلب ومضر وربيعة ومذحج والأزد؛ أصبحنا ندرس في المساجد بأساتذة من العجم، فأصبح أساتذتنا -والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه- من باكستان وأفغانستان، وليس هذا تهويناً بهم ولا ازدراء، فإن الله يقول: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89]. وذبح الإسلام في السنة، فطعن في رواتها، وفي أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي مصداقيتها، وآخر من طعن حاكم ليبيا الخسيس الحقير معمر القذافي، وهو يعرض في مذكراته وخطبه أن السنة ليست مصدر تشريع، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام صلح لفترة بدوية قديمة ولا يصلح الآن، وكأنه المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام في السنن: {رُبَّ شبعان ريان متكئ على أريكة يأتيه الأمر من أمري، فيقول: حسبكم ما في القرآن، ما وجدتم من حلال فأحلوه، وما وجدتم من حرام فحرموه، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه} والله أعلم. وممن طعن في السنة من الكتبة المعاصرين أبو ريه -لا أرواه الله من الحوض المورود- وقد صلمه محمد أحمد الراشد في كتاب دفاع عن أبي هريرة، ولو كان هناك كتاب يرشح لهذا القرن كان هذا الكتاب المجيد، فأثابه الله. وذبح الإسلام بالطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم؛ في شخصه الكريم، في عصمته، في عرضه، وآخر من فعل ذلك المجرم اللعين/ سليمان رشدي. ثم انظر إلى أهل البدعة ماذا فعلوا؟ تحركوا في خطب الجمعة باستنفار عجيب، وألقت إذاعاتهم وصحفهم، وحكموا على هذا المجرم بالإعدام غيابياً ولم يتحرك من أهل السنة أحد، والعجيب أنهم كما قال عليه الصلاة والسلام: {كل له بواك إلا حمزة فلا بواكي له}. وطُعِن الإسلام في العلماء والدعاة لتسقط عدالتهم، وجاء سماحة الشيخ الوالد/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز يدافع عن الدعاة، ويصفهم أنهم من أهل السنة والجماعة، وأنا أدعو الذين لم يفهموا الخطاب أن يفهموه وأن يعيدوا قراءته، وأن يتمعنوه وأن يردوه إلى أهل العلم وأهل الاستنباط. وطعن الإسلام في أن حول العامة إلى المعيشة فحسب، لا نصرة للإسلام؛ فيشتغل الواحد منهم بمكسبه ومطعمه من الصباح إلى المساء. وطعن الإسلام في أن وجه الناشئة إلى المسائل الخلافية والجدل العقيم، والغرور والعجب، وعدم الوثوق بالعلماء.

حديث معاذ وموقف الدعاة أمامه

حديث معاذ وموقف الدعاة أمامه وقبل أن أدخل إلى هذه المسائل معي لكم هدية كأنها وقفة أو استراحه في غضون المحاضرة، أروي هذا الحديث من مسند أحمد ولو أن أصل الحديث في الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه وأرضاه، قال: {كنت رديف الرسول صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له: يعفور} سمى الحمار ومعنى ردفه: أي ركب وراءه مباشرة، ومعلم البشر وخير من خلق الله، ومخرج الناس من الظلمات إلى النور، يركب على حمار عليه الصلاة والسلام! فلما ردفه قال: {سار بنا الحمار فعثر فسقطت أنا والرسول عليه الصلاة والسلام} لك أن تتأمل المشهد ولك أن تتصور. ركب الرسول صلى الله عليه وسلم الحمار ورديفه معاذ، وانطلق بهم الحمار، فعثر فسقط الرسول صلى الله عليه وسلم من على الحمار، وسقط معاذ، قال: {فذكرت من نفسي أسفاً} يقول معاذ: تأسفت على سيد البشر صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ليس زعيماً ولا مفكراً ولا أديباً ولا عالماً، وإنما سيد البشر، وخير من خلق الله! قال: {فذكرت من نفسي أسفاً، وقام صلى الله عليه وسلم يضحك -هكذا رواية أحمد - ثم ركب ثانية فعثر الحمار فسقط! فقام صلى الله عليه وسلم يضحك -وعند أحمد الثالثة- ثم سار الحمار فقال صلى الله عليه وسلم: يا معاذ! قال: لبيك وسعديك يا رسول الله! قال: أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم سار، وقال: وهل تدري ما حق العباد على الله إن هم فعلوا ذلك؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: ألا يعذبهم} وهي بشرى تحرَّج معاذ أن يخبر بها الناس، ولكن أخبر بها الناس عند موته تأثماً؛ لأن سيد العلماء خاف أن يتكل الناس على هذا الحديث ويتركوا العمل. ولذلك توج الإمام الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (هذا الحديث في كتاب التوحيد بباب التوحيد وما يكفر من الذنوب). ثم أتى بهذا الحديث، فهي بشرى أزفها بين يديكم من محمد عليه الصلاة والسلام. أيها الإخوة الكرام! في غضون هذا الحديث، هناك مطالبات يطالب بها الداعية إخوانه وطلابه وأحبابه في هذه الفترة الحرجة من فترات التاريخ؛ التي كثرت فيها الردود والأهواء؛ وتشعبت فيها الأفكار، وتفرقت فيها الكلمة، ما هي العصمة يا عباد الله؟ كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، والالتجاء بعد الله إلى العلماء، إلى أهل الفقه في الدين، إلى علماء أهل السنة والجماعة، ومنهم: كبار العلماء في بلادنا، فإن لهم من الحسنات ما الله به عليم، وإن أخطئوا في بعض المسائل فهم مجتهدون، وكما قال الأول: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع فلهم من العقيدة الصافية، ولهم من كثرة الاطلاع، ومن الفقه في الدين، ومن حب الله ورسوله ما يشفع لهم أخطاءهم التي لا يسلم منها البشر، فالرجاء الاحترام لهم، والالتفاف حولهم، وزيارتهم ومعرفة قدرهم، فإنها من الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله تعالى.

مميزات أهل السنة والجماعة

مميزات أهل السنة والجماعة

حب العلماء

حب العلماء من ميزة أهل السنة أنهم يحبون العلماء، وأهل البدعة يمقتون ويبغضون وينفرون من العلماء. أيضاً عدم الاستقلالية بالفكر والفتوى والرأي، فإنه قد ينشأ الناشئ ويحصل على شيء قليل من العلم فيظن بنفسه الظنون، ويذهب بنفسه كل مذهب ويظن أنه بلغ رتبة الاجهاد، وحنانيك لا تطر حتى تريش، إذا أصبح للعبد ريش فليطر، ولا يستقل برأيه؛ فإن علياً -كما في البخاري - قال: [[رأي الاثنين أحب من رأي الواحد]]. وقال أهل العلم: ورأي الثلاثة أحب من رأي الاثنين. وكان عمر رضي الله عنه إذا وقعت به معضلة جمع أهل بدر يسألهم ويستفتيهم، وفي بعض الآثار: {أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار} فالواجب على طالب العلم ألاَّ يستقل برأيه، وأن يشاور أهل العلم والفضل، وأن يعود إلى العلماء والدعاة ولا تعجبه نفسه؛ فإن العجب مهلكة، وهو من كبائر الذنوب، حتى تجد شيخ الإسلام ابن تيمية كما في المجلد العاشر والحادي عشر من الفتاوى ينبه على الكبائر التي في القلوب وتناساها الناس، نحن نتحدث الآن عن الكبائر الظاهرة، مثل: شرب الخمر والزنا والسرقة؛ ولكن هناك كبائر قد تكون أعظم من هذه الكبائر؛ كالعجب والحسد والكبر والغرور والعياذ بالله، وقد توصل العبد إلى درجة من الطاغوتية والنمرودية والتجبر على عباد الله، وعلى غمط الحق ودحره ما لا يعلمه إلا الله، حتى إنك تجد الناسك يقوم الليل ويصوم الإثنين والخميس، ويقرأ القرآن وهو يرد الحق، ويعجب برأيه، ويتفلت على أهل العلم، وينكر ويدحض الحجج.

عدم التعالم والتطاول على العلماء

عدم التعالم والتطاول على العلماء ومنها: عدم التعالم والتطاول على الإخوة والزملاء؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كما ورد في صحيح مسلم: {إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد} {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. وكان بعض السلف يرافقون ابن مسعود فالتفت إليهم، وقال: [[عودوا إلى بيوتكم، والله لو علمتم من أنا، لحثيتم التراب على رأسي]]. وكان إبراهيم النخعي إذا جلس على سارية جلس إليه اثنان، فإذا زادوا قام وتركهم، وكانوا يندسون خوف الشهرة والظهور، فنسأل الله أن يخرجنا منها مخرجاً حسناً، وأن يرزقنا وإياكم الصدق والإخلاص والتوفيق. وإن من المطلوب في مثل هذه الفتن أن نلتم حول علمائنا وأن نستفيد منهم، وإذا كان هناك ما يوجب التنبيه نبهنا، فإنه قد يستفيد الفاضل من المفضول، فهذا هو واجب أهل السنة في وقت الفتن وتشعب الآراء والأهواء.

معالم مدرسة أهل السنة

معالم مدرسة أهل السنة أيضاً أيها الإخوة الكرام! أبين لكم معالم أهل السنة والجماعة التي يذب وينافح عنها سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز؛ لأنه صاحب فكرة، وصاحب أطروحة وعرض حضاري يلائم العصر قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، فعلمك الوحي لا من علمه علم الرجال، ويقول في موطن آخر: تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصداف فهو يوجه هذه المسيرة، وينافح ويكافح عنها ويرد عن دعاتها رد الله عن وجهه النار يوم القيامة.

تتبع الدليل

تتبع الدليل من معالم هذه المدرسة: أنها مدرسة تتبع الدليل؛ فهي لا تتعرف إلا بالوحي، والعصمة لكتاب الله عز وجل ولرسوله عليه الصلاة والسلام. قرأت أن بعض المستشرقين أراد أن يسلم وقد تعلم العربية وكان سبب إسلامه أن عرض عليه المصحف فابتدأ بسورة البقرة (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:1 - 2] قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. قال له أحد الناس: ولم؟ قال: كل كاتب إذا كتب كتابه، بدأ في المقدمة يعتذر من النقص والتقصير إلا الله، فإنه بدأ متحدياً أن يوجد في كتابه نقص أو تقصير!! انظر إلى الكتبة! انظر إلى رسائل الماجستير والدكتوراه وكل كاتب في أي علم يقول: معذرة، وإن أتى سهو أو خطأ فمن نفسي، والشيطان، ومن وجد عيباً فليصلحه أو يتصل بي، لكن الله عز وجل يقول: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:1 - 2] يقول: ليس فيه شك ولا نقص ولا تقصير ولا تردد ولا ريبة، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن كتابه: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جمال العتق والقدم أتى على سفر التوراة فانهدمت فلم يفدها زمان السبق والقدم ولم تقم منه للإنجيل قائمة كأنه الطيف زار الجفن في الحلم لا إله إلا الله! سبحان من أنزله وأحكمه! فـ أهل السنة يؤمنون بهذا الدليل أنه وحي {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4] ورسوله عليه الصلاة والسلام هو الذي قال: {ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه} قال تعالى فيه: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4 - 5]. فمدرستنا مدرسة أهل السنة والجماعة ليس فيها معصوم غير الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى تجد بعض الناس يبالغ في حب بعض المنظرين، أو الدعاة المشهورين أو العلماء، حتى يصير كلامهم صحيحاً لا يقبل الخطأ، وكلام غيرهم خطأ لا يقبل التصحيح، وهذا خطأ. وأنتم تعرفون فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية حين سئل عمن قال: إنه يجب أن يتبع إمام من الأئمة ولا يخالف قوله؟ قال: يستتاب من قال هذا القول؛ فإن تاب وإلا قتل. وكان الإمام أحمد -كما روي عنه في السير- يقول: خذ من حيث أخذ مالك والثوري وابن المبارك ومقصوده: من بلغ درجة الاجتهاد وأصبح لديه الملكة والآلة وقال ابن عبد البر: "أجمع أهل العلم على أن المقلد ليس من أهل العلم". ومقصودي أيها الإخوة الكرام! أن ميزة مدرسة أهل السنة والجماعة أنها تتبع الدليل؛ وهو قول الله وقول رسوله الله صلى الله عليه وسلم. ويقول أحد الفضلاء في بعض كتبه: على طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل من المعصوم عليه الصلاة والسلام، فالعلم إنما هو مسألة محققة بدليلها، والدليل مطلوب حتى نبه الله عليه في القرآن، فقال: {هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] فالعلم: هو الدليل. وقال سبحانه: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111] وجاء في حديث رواه ابن خيثمة ولكن في سنده نظر كما ذكره ابن حجر: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نظر إلى الشمس، فقال للرجل: أترى هذه؟ قال: نعم. قال: على مثلها فاشهد} دل على ذلك قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (َ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86]. وهو أن تعتصم في كل مسألة بدليل من المعصوم عليه الصلاة والسلام ينقذك بإذن الله ويحميك، وهو البصيرة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] قال مجاهد -: البصيرة: العلم. وصدق، فإن أصحابه عليه الصلاة والسلام لا يتعاملون بأهواء ولا عواطف ولا كلام فكري، سمعت بعض الناس في شريط أو شريطين ما يقارب ثلاث ساعات يتكلم في الدعوة ولم يأتِ بآية ولا حديث، فكلها مركزية الدعوة والمنهجية والأُطر، وهذا مجرد كلام، وإلا فالعلم آية وحديث، فهذا مَعْلَم بارز من معالم مدرسة أهل السنة والجماعة.

البعد عن التكلف

البعد عن التكلف الثاني: مدرسة أهل السنة والجماعة التي ينادي بها سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز مدرسة ميسرة سهلة بعيدة عن التكلف والتعقيد، إنما دخل التعقيد يوم أتى الفلاسفة لا حيا الله مطلعهم. يقول ابن تيمية: إن الله لا يغفل عن المأمون؛ لأنه ترجم كتب الفلاسفة. ومن يوم بزغ علينا فجر المأمون وجد علم الكلام في العقيدة الصحيحة السلفية؛ عقيدة أهل السنة والجماعة. أُتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ كما في السنن من حديث معاوية بن الحكم السلمي بجارية، فقال لها: {أين الله؟ فأشارت إلى السماء، فقال: أعتقها؛ فإنها مؤمنة}. ما أحسن العقيدة! ما أسهل العرض! أتاه ضمام بن ثعلبة؛ كما في الصحيحين فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الآيات البينات؛ فأخبره صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، أنا ضمام بن ثعلبة ثم ولى، أليس هذا تيسير؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: {من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا}. وفي مسند أحمد بسند جيد أن أبا جُريَّ الهجيمي وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم من البادية، وانظر إليه صلى الله عليه وسلم يتكلم له بحالة البادية، وببيئة البادية، وبوضعه الاجتماعي، يقول البدوي: {من أنت؟ قال صلى الله عليه وسلم: أنا رسول الله! قال: من أرسلك؟ قال: الله. قال: من هو الله؟}. أسئلة جادة حارة ساخنة! والرسول صلى الله عليه وسلم لم يأتِ بتعريف الفلاسفة، المعقد؛ يقول ابن سينا: العقل الفعال. وغيره يقول: المؤثر، عرف الله عز وجل نفسه لموسى حين كلمه كفاحاً، فقال له: يا موسى! {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:14] وأعظم تعريف لله عند أهل السنة والجماعة أنه: لا إله إلا الله، وفي سورة محمد قال للرسول عليه الصلاة والسلام: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] أي: قبل أن تدعو، وقبل أن تعمل أو توجه أو تربي، وقبل أن ترشد: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] قال: أنت رسول من؟ قال: رسول الله. قال: من هو الله؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم يجيبه، لكن اسمع الإجابة الحارة المؤمنة الصادقة، قال: {أنا رسول من إذا أصابك قحط وأنت في الصحراء فدعوته كشف عنك، وأنا رسول من إذا ضلت عليك راحلتك وأنت في البادية فدعوته ردها عليك} فأسلم الأعرابي. هذه عقيدة ميسرة يدعو إليها أهل السنة والجماعة، فهم يقدمون ميثاق التوحيد، ويدعون الناس إليه بصدق وإخلاص حتى يقوم الناس على منهج رباني. فمن معالم هذه المدرسة: أنها ميسرة، قال تعالى: (طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2] ما فيها تقعر ولا تنطع ولا تعمق، تلقي العلم بسيطاً سهلاً حتى يفهمه الناس. ومنهجه عليه الصلاة والسلام: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7] {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157] بعث عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين.

محاربة أهل البدع والأهواء

محاربة أهل البدع والأهواء الثالث: من معالم هذه المدرسة التي ينادي بها سماحته: أنها تحارب البدع في الدين والأهواء، مدرسة صافية كالثوب الأبيض، لأنها ليست شركة تجمع، ولا مؤسسة لها أعضاء ووكلاء؛ إنما هي مدرسة ربانية لا تدخل فيها إلا بشروط وهي: أن تكون سنياً سلفياً صرفاً موحداً، لك منهج رباني تتعبد الله به، أما التلفيق والترقيع فهذا لا يصلح أبداً، حتى يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: عامي موحد يغلب ألف مشرك مخلط. أو كما قال، وهذا صحيح، فإن علماء المبتدعة بحور في العلوم لكنهم مخلطون، وقد يكون عالم أهل السنة أقل في العلم، لكنه صافي المنبع كالنطفة من الماء، أو كالساقية الصغيرة أمام البحر المالح. يقول عليه الصلاة والسلام: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} وأول خطبة للصديق على المنبر: إنما أنا متبع ولست بمبتدع. فهو يخبر الناس، فيقول: أنا تلميذ، الشيخ مات، وأنا خليفته في المدرسة، فأنا متبع ولست مبتدعاً، لا أقنن لكم ولا أخترع، ولا أصنف، إنما أنا متبع للرسول عليه الصلاة والسلام. وقد كتب عمر بن عبد العزيز كتاباً كما في سنن أبي داود في السنة أنصح بقراءته وتأمله فهو من أحسن الكتب، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية وذكره كثير من أهل العلم، وذهب عمر بن عبد العزيز إلى أبعد من ذلك، فقال: وما بعد السنة إلا التعمق والتنطع أو كما قال.

علماؤنا مجتهدون لا مقلدون

علماؤنا مجتهدون لا مقلدون أيها الفضلاء! علماء مدرسة أهل السنة والجماعة التي يذب عنها سماحته مجتهدون لا مقلدون، فإذا بلغوا رتبة الاجتهاد لا يجعلون كلام غير الرسول صلى الله عليه وسلم ككلام المعصوم، ولا يأخذون كلام الناس كأنه نصوص قاطعة، إنما يأخذون المتون ويدرسونها الطلاب، فيها الصحيح وفيها الخطأ، مثل: زاد المستقنع وأنا ضد من يتهجم على مثل هذه الكتب كـ الروض المربع وزاد المستقنع، وهي ليست ككلام الرسول صلى الله عليه وسلم، في صحيح البخاري أو في صحيح مسلم، إنما هي كلام فقيه أعلم منا، لكن فيه مسائل مرجوحة نبه عليها أهل العلم، وأعظم من نبه على مثل هذه الأخطاء شيخ الإسلام ابن تيمية، أول مسألة في زاد المستقنع يقول: والمياه ثلاثة. قال ابن تيمية: بل هي قسمان. ثم ذهب بعد ثلاثة أسطر وقال: وإذا اختلطت ثياب طاهرة بنجسة صلى في كل ثوب صلاة وزاد صلاة. وهذا من الآصار والأغلال، بل يتحرى ويصلي صلاة واحدة. وما مقصودي أن أنقد الكتاب هنا، لكن مقصودي هو ألا نجعل هذه المتون كأنها من كلام المعصوم عليه الصلاة والسلام، ثم لا نهاجمها، بل نتأدب مع العلماء، وأحسن من عرض لهذه الفكر هو ابن تيمية في أول كتاب الاستقامة بعرض جيد، فأنا أنصح طلبة العلم بقراءته.

الوسطية

الوسطية أيها الأخوة! هذه المدرسة وسط بين الطوائف، فالأمة الإسلامية وسط بين الأمم، وأهل السنة وسط بين الطوائف قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] انظر إلى اختيار الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لهذه الطائفة المنصورة؛ أن جعلها وسطاً بين المرجئة والخوارج، فـ المرجئة يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، ويرون أن أصل الإيمان واحد، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن إيمان أبي بكر مثل إيماني وإيمانك! أبو بكر الذي دفع دمه وعرقه ووقته وماله في خدمة ونصرة لا إله إلا الله مثلي ومثلك الذي لا يحضر الواحد منا إلا بكل إلحاح لصلاة الفجر!! هؤلاء المرجئة. وخالفهم الخوارج فوقفوا في الطرف المقابل، وقالوا: صاحب الكبيرة كافر خارج عن الملة، وهذا خطأ. وتوسط أهل السنة فقالوا: الإيمان يزيد وينقص، وصاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ما لم يستحلها؛ فإن استحلها كفر، وإلا فهو مسلم، لكنه ناقص الإيمان كما ذكروا ذلك، وهذا هو الوسط. وسط بين الرافضة والنواصب، الرافضة غالوا في آل البيت حتى ألهوا علياً رضي الله عنه وأرضاه، أتى ابن سبأ بفكرة لعينة إلحادية في عهد علي وقال: هو الإله. فلما سمع علي رضي الله عنه ذاك؛ ضاق ذرعه وقام وأوقد النار في أخاديد، وأخذ مولاه قنبر وهو نشيط قوي وقال له: عليَّ بهم. فكان يجرهم قنبر ويضعهم في النار ويحرقهم ويقول علي: لما رأيت الأمر أمراً منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا يقول: لما رأيت أن هؤلاء خرجوا عن الملة أحرقتهم. فهذا موقف علي من الرافضة السبئية وهو موقف حازم يشكر عليه، أثابه الله عن الإسلام والمسلمين. أيضاً النواصب وقفوا في المقابل فسبوا أهل البيت، ووقف أهل السنة وسطاً، فعرفوا حقوق أهل البيت، بمقابل الرسول عليه الصلاة والسلام: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23].

الواقعية

الواقعية من معالم مدرسة أهل السنة والجماعة أنها واقعية لا تجمح في الخيال!! فهي تخاطب الناس بالواقع، وتحل مشكلات الناس التي يعيشونها، وأنا أنصح إخواني طلبة العلم ألا يتكلفوا في المسائل التي لم تقع، قال ابن عباس لمولاه عكرمة وكان يفتي الناس: [[لا تفت الناس إلا في مسائل وقعت، فإنك إذا فعلت ذلك وضعت عنك نصف الكلفة]]. وأنت تجد كثيراً من الناس يفترضون افتراضات في أسئلتهم، وبعضهم يدخل في استشكالات واستفسارات لا تخصه، كبعض الناس يسمع أن رجلاً في الحارة طلق زوجته؛ فيذهب هو ويتبرع إلى العلماء، ويقول: رجل طلق زوجته وهو مغضب، ما حكم ذلك؟ فقيل له: أنت طلقت زوجتك؟ قال: لا. فقيل: من؟ قال: رجل في الحارة. وما دخلك برجل في الحارة؟! وكثير من الناس يتحمل أسئلة الناس وهمومهم! أيضاً: من المسائل الافتراضية التي كثر فيها الرد ما يُكتب في الصحف كثيراً، وأنا رأيت اثنين ممن يعدون أنفسهم في القمة الفكرية، ويسمون النخبة المثقفة، يتكاتبون في مسألة جدة، هل هي جِدة أو جَدة أو جُدة؟! يا أخي جِدة وإلا جَدة فهذا سواء، ولا يسألنا الله يوم القيامة عن الفتح والكسر والضم في جدة. وجازان أو جيزان وسوق عكاظ كم يبعد عن مجنة ثلاثة كيلو أو أربعة كيلو؟ وهل سوق عكاظ ثابت في الجزيرة؟ فألفوا مجلداً أن سوق عكاظ ثابت في الجزيرة العربية أثابهم الله؛ لأنهم لو لم يفعلوا ذلك ظن الناس أن سوق عكاظ في الأرجنتين أو في البرازيل. وأخبرونا أيضاً أن أبرهة الأشرم قدم من جبال السروات ومر؛ لكن اختلفوا هل أتى من تهامة أو أتى من السراة. ولا يزالون يؤلفون ويكتبون وسوف يرسمون لنا خطاً للفيل! يا هذا! أهلك الله الفيل وأهلك أبرهة والعبرة: أن الكفر اندحر والتوحيد انتصر، لا تشغل الأمة ولا تشغلنا، الكفرة يصنعون صاروخ أرض جو، وجو أرض، وأرض أرض، وجو جو، وأنت تخبرنا عن الفيل من أين أتى! أيضاً مما وقع فيه كثير من الغثائيين وأنا أحترم المفسرين؛ لكن وجد في بعض كتب التفسير: أتوا إلى كلب أهل الكهف، ذكر الله في القرآن أنه كلب {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18] ولو كان هناك فائدة من ذكر لونه لذكره الله، قالوا: مبرقش على عينيه نقطتان حمراوان لله درهم! وقال آخر: لا، بل هو أسود، وقال الثالث: خطأ بل هو أبيض. أبيض أو أسود المهم أنه كلب. وفي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:260] أربعة من الطير، العبرة أنه يقتل طيراً ويحييه الله تعالى وهو على كل شيء قدير. قالوا: معناه: خذ بطاً وإوزاً -هذا في زاد المسير عودوا إليه وفي غيره من الكتب- وحماماً ودجاجاً، قال الآخر: لا. الدجاج لم يذكر وإنما هو غيره، لم يذكر الله هذه ولسنا في حديقة حيوانات، فلا نشغل الأمة بهذه المسائل. أيضاً يوجد كتيبات عن أدنى الأرض هل غور الأردن أو جزيرة العرب؟ يا أخي! عندنا مسائل عظمى من توجيه الجيل وتربية النشء وطرد الشرك والسحر والوثنية، وإقامة الأمة على ملة سمحاء، وتحرير الإنسان من رق العبودية لغير الله. بعثنا هداة مبشرين، ننقذ الإنسان ونخرجه من الظلمات إلى النور، هذا هو المطلوب في هذه المدرسة، فهي لا تجمح إلى الخيال. عمر رضي الله عنه سائل: قال عمر: هل وقعت المسألة؟ قال: لا. قال: دعها حتى تقع، فإذا وقعت تجشمنا جوابها. وذكر الدارمي بسنده: أن صبيغ بن عسل تعلم سوراً من القرآن ثم ذهب إلى الصحابة في المجالس، وفي الجيش يقول: كيف يقول الله عز وجل: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} [المرسلات:1] ويقول: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} [الذاريات:1] ويقول: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:1] اجمعوا لي بين هذا الكلام، وكأن الرجل يريد أن يشكك، قالوا: لا نستطيع؟ الذي يجمع لك هذا هو عمر بن الخطاب، وهو الذي سيجمع أضلاعه لا يجمع له الأقوال، فأتوا به إلى عمر، فقال عمر: عليَّ بجريد النخل؛ لأن هذا دواء لا يخرج إلا من صيدلية الفاروق، فأتوا بجريد النخل الأخضر فرشَّه بالماء، ثم أمر به، فلما رآه، قال: والله لا يحول بيني وبينه أحد فبطحه. كل بطاح من الناس له شهم بطوح فضربه حتى فقد وعيه! فاستفاق الرجل، وقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد شفائي فقد برئت -والحمد لله- وإن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً. الآن برئ وعرف السنة، وعرف المنهج الرباني، تخرج من مدرسة أهل السنة والجماعة بتقدير ممتاز!! وبعض الناس يحتاج إلى مثل هذا التأديب؛ لأن الحجة -أصلاً- لا تنفعه، حجة الله بالغة لكن لا تنفعه؛ لأن في قلبه هوى.

الدعوة إلى الجماعة ونبذ الفرقة

الدعوة إلى الجماعة ونبذ الفرقة مدرسة أهل السنة والجماعة تجمع وتوحَّد ولا تفرَّق، لا تحب الشتات، قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103]. سبحان الله! العالم الآن يسعى إلى وفاق الدول وإخاء الإنسان، وتصبح أوروبا في دولة واحدة، وتتجمع الدول إلا هذا العالم الإسلامي كل يوم تنقسم الدولة إلى دولتين وإلى ثلاث!! مما يزهدني في أرض أندلس أسماء معتضد فيها ومعتمد ألقاب مملكة في غير موطنها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد فالتبديد والتشتيت ليس من منهج الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الذي أنزله على رسوله، بل الجمع وتوحيد الكلمة؛ لكن على المنهج الرباني منهج أهل السنة والجماعة. أما أن تتآخى معي وأتآخى معك، وتغض عن خطئي في العقيدة وأغض عن خطئك، وهذا لي وهذا لك فلا، ولابد من هذا المنهج؛ فمن وافقنا فهو أخونا وحبيبنا وفي مسيرتنا. فمدرسة أهل السنة والجماعة تنهى عن الشتات، ولا يشتت ولا يفرق إلا أهل البدع، وهم خطباء فتنة، حتى تجد الآن بعض الناس من الكتبة لا يتكلم في اللين، أو في الرخاء، أو في السعة، أو في حاجات الأمة، أو ما يحتاج إليه الناس من علم الدين والدنيا، إنما يبقى في مباته الشتوي، فإذا سمع ثائرة فتنة قام يتكلم! كما فُعِلَ بخطاب سماحة الشيخ. بعض الناس أظنه لا يحضر صلاة الفجر مع الناس! ويوم تكلم الشيخ أتوا يُعنونون، تقول إحدى الصحف: سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز يُحذِّر الدعاة من التكفير والتبديع والتفسيق. وهل الشيخ يتهم طلابه وتلاميذه أنهم يكفرون الناس وهي مدرسته؟! أنا ممن سماحته أنالت وممن دربت تلك الأيادي وما سافرت في الآفاق إلا ومن جدواه راحلتي وزادي ويأتي هذا الذي لا يعرف ولا يفهم نواقض الوضوء، يخبرنا أن الشيخ يُحذِّر، وبعضهم كتب في صحيفة الندوة يقول: وأنا كنت منذ زمن أعترض على هؤلاء وأحذر منهم حتى وافقني سماحة الشيخ. ومن أنت حتى يوافقك سماحة الشيخ؟! أنت يوافقك سماحة الشيخ؟! [[رأى عمر رضي الله عنه وأرضاه بعض الناس أقبلوا وراء سارق، قطعت يده، لأن بعض الناس أوباش، فضوليون، فوضويون، لا يجتمعون إلا في الحوادث؛ حوادث المرور والحريق، تجدهم ليس عندهم أشغال فيجتمعون بسرعة في دقيقة واحدة، فاجتمعوا وراء السارق يمشون وراءه، فأخذ عمر رضي الله عنه حفنة من التراب ونضحها على وجوههم، وقال: شاهت هذه الوجوه التي لا ترى إلا في الشر]] فتجد بعض الكتبة لا يكتب إلا في الشر والإثارات والفتن، والنيل من الدعاة والعلماء، وسماحته قام بسيف على العلمانيين والحداثيين والمرتزقة يذب عن مدرسته -مدرسة أهل السنة والجماعة - وهؤلاء الدعاة من روادها أثابهم الله.

ربانية المصدر

ربانية المصدر أيضاً: هذه المدرسة مدرسة متميزة ربانية، لا تستورد أفكارها من غير الوحي؛ لأنه ليس عندنا مواد نستقبلها من نابليون أو حمورابي أو هتلر أو من المادة الثانية عشرة أو التاسعة عشرة، عندنا: قال الله وقال رسوله، وهي مدرسة ربانية نزلت من فوق سبع سماوات، هم سندهم إذا رووه -كما تعرفون- عن صدام وميشيل عفلق وأحمد حسن البكري وهذا إبليس وفرعون إلى النار، وسندنا نحن يبدأ من البخاري ثم ينطلق إلى المديني إلى أحمد إلى الثوري إلى إبراهيم إلى علقمة إلى ابن مسعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هذا هو السند ذهبوا يرون المدح ذكراً ثانياً ومضوا يعدون الثناء خلودا نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا فهذه ربانية المدرسة، ولذلك لا نحتاج إلى أفكار أخرى ترد علينا، قال الشاعر: وما استعرت تعاليماً ملفقة من صرح واشنطن أو رأس شيطان وما مددت يدي إلا لخالقها وما نصبت لغير الحق ميزاني

وضوح المبدأ والصدق في التعامل

وضوح المبدأ والصدق في التعامل أيضاً المنتسبون إلى هذه المدرسة لا يكذبون بخلاف أهل الأهواء والساسة؛ فهم يحتاجون إلى الكذب كثيراً؛ لأن عدوك اليوم صديقك غداً، وصديقك اليوم عدوك غداً. أما أهل السنة والجماعة فمنهجهم واحد، تلقاه اليوم وبعد سنة؛ لأنه يحمل قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود:88] لا يسعى إلى مطمع دنيوي إنما يسعى إلى إقامة شريعة الله، وإلى تصحيح عقائد الناس، وإلى توضيح المنهج الرباني، وإلى النهي عن الشرك والخرافات والخزعبلات، وإلى رد الناس إلى الصراط المستقيم هذا هو الملخص؛ فلذلك لا يكذبون، ولا يحتاجون إلى الكذب، وأعرف أن بعض الناس يسأل، وقد سأل بعضهم يقول: أخي يتخلف عن صلاة الجماعة فاختلقت عليه قصة عله أن يصلي في المسجد، فقلت له: رأيت في المنام أنك تعذب فسألتك لماذا تعذب؟ فقلت لي: إني لا أصلي في المسجد، فهل يجوز أن أقول مثل هذا أو أختلق أحلاماً وهي لم تقع حتى أخيف أهلي وحتى يعودوا إلى الله؟ و A لا، لا يدعى إلى الله بحرام، وسبل الله وإقامة الحجة أوضح بكثير من هذه الطرق الملتوية، والغاية لا تبرر الوسيلة، فحجة الله بالغة، أقم عليه الحجة، حذره وأنذره، أما أن تكذب لتدعوه إلى صلاح فلا يجوز لك هذا، وفي كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم غنية عن الكذب، فهم لا يكذبون، بخلاف أهل الأهواء فهم أكذب الناس، يختلقون الأفاعيل، وبعضهم يقسم حتى على المصحف ولا عليه؛ لأن الإيمان انتزع من قلبه انتزاعاً.

عدم التثريب على المجتهد إذا أخطأ

عدم التثريب على المجتهد إذا أخطأ وهذه المدرسة من مميزاتها أنها تعذر المجتهد المخطئ فيما يُخطئ فيه، مما يسوغ فيه الاجتهاد، وأقول لكم -وأنا واحد منكم ومن طلبة مدرسة سماحة الشيخ-: إن الخلاف في الفرعيات وارد منذ حياة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فلا يأتي العامة وينالون من أهل العلم إذا رأوهم اختلفوا في مسألة فرعية يسع فيها الخلاف، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام أعذار أهل العلم حين يختلفون. يقول ابن القيم في أعلام الموقعين: والصحابة -بحمد الله- لم يختلفوا في مسألة عقدية أبداً. فالعلماء لهم أعذار إذا اختلفوا في الفرعيات منها: أن يبلغك الحديث ولا يبلغني، ويكون عندك صحيحاً وعندي ضعيفاً، أو عندي ثابت وعندك منسوخ، أو أفهم فيه غير ما تفهم أنت هذه أعذار فلا نشنع على أهل العلم أنهم اختلفوا فيما يسع فيه الخلاف، ولذلك تجد بعض العامة يتشدق على العلماء يقول: هذا يحرم التصوير الفوتوغرافي وهذا يحلله؛ هذه فوضى. لا، هم اجتهدوا وأرادوا الخير والرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

الشمولية وقول الحق

الشمولية وقول الحق ومن مميزات هذه المدرسة: أنها تؤمن بالشمولية في حياة العبد؛ الروح والفكر، ذهب الفلاسفة إلى الفكر -فقط- فقست قلوبهم، وذهب الصوفي إلى الروح -فقط- فجهلت عقولهم، وذهب أهل السنة والجماعة إلى الفكر وإلى الروح فاكتمل عندهم: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:213]. وقد ذكر الله الفكر والذكر في آية واحدة، والفكر تفرد به الفلاسفة ففكروا في غير النصوص، والذكر تفرد به الصوفية فذكروا الله بغير الذكر الشرعي، فأخبر الله في القرآن بالفكر الشرعي لـ أهل السنة والجماعة وبالذكر الشرعي لـ أهل السنة والجماعة فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]. ومن معالم هذه المدرسة: أنها تقول الحق لا تخشى في الله لومة لائم، قال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب:39] فهي تبلغ بقوة؛ لأنها تحمل الميثاق ولا ترهب إلا من الله، ولا يجمع أهل السنة والجماعة على السكوت على منكر أو باطل فقد عصمهم الله، كما سوف يأتي ذكر ذلك؛ لكن المقصد أنهم يحملون ميثاقاً ويبلغونه الناس {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] فـ أهل السنة والجماعة يبينون، وانظر إلى أعظم البيان فيما فعله الإمام أحمد في فتنة القول بخلق القرآن، قامت الدولة والجيش والسلطة والعامة في كفة وقام أحمد بن حنبل في كفة وحده: كأنه وهو فرد من جلالته في موكب حين تلقاه وفي حشم واستمر يدافع ويبين الحجة حتى نصره الله. وهذا ابن تيمية قامت المحسوبية والكيان الموجود في عصره في كفة؛ فقام وحده يعارض في كفة أخرى، وتعرض للحبس والجلد، وتعرض لأنواع الإساءة والإدانة ومع ذلك ثبت منهجه، وكلكم يسمع بـ ابن تيمية ويعرف كتبه، ولكن الذين عذبوا ابن تيمية وسجنوه وآذوه، لا نعرف أسماءهم وليس لهم عندنا مكانة، قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17].

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه المدرسة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وهو الواجب الشرعي الإيماني؛ الذي أحمله كل فرد منا جميعاً، أن نكون باذلين مضحين، وعلى الأقل انظر إلى أهل المبادئ المنتنة من النصرانية والشيوعية واليهودية، هذه التضحيات وهذه الأعطيات وهذا التحمس والتمزق والتهالك على مبادئ فاسدة ممسوخة. في مؤتمر مدريد يسافر شامير إلى القدس حتى يحضر اليوم المقدس عندهم يوم السبت، وكثير من الوفود لا يصلون صلاة الجمعة، ويقولون: أتينا نمثل المسلمين!! انظر إلى هؤلاء النصارى كيف يذهبون إلى المؤسسات والمستشفيات والشركات ليبثوا سمومهم للناس؛ حتى يحرفونهم عن الدين الصحيح إلى الدين المنحرف؛ أفلا يكون للمؤمن غيرة؟ ألا يكون له حماس؟ ألا يكون له توقد إيماني؟ ألا يكون له إبداع في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ على قواعد أهل السنة والجماعة وأدبهم وحكمتهم وضوابطهم؟

نبذ التعصب

نبذ التعصب وهذه المدرسة لا ترضى بالتعصب المذهبي ولا الحزبية المغلقة، فهي تعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال، التعصب المذهبي كان وصمة في جبين الأمة الإسلامية على مر التاريخ، ولك أن تضحك ما شئت إذا قرأت المنتظم لـ ابن الجوزي أو البداية والنهاية أو أمثالها من الكتب، يذكر لك أن في سنة كذا وكذا تضارب الأحناف والحنابلة بالأحذية عند المسجد، كان عندهم خلاف في مسألة فرعية فتصارعوا عند المسجد بالأحذية، والروم يغزون شمال البلاد الإسلامية ويأخذون الممالك، ويدمرون المدن، ويستولون على بلاد المسلمين، وهؤلاء يتضاربون على سنة من السنن! ثم يذكر لك صورة أخرى أن واعظ الشافعية قام ليعظ الناس فقام عليه الحنابلة فبطحوه أرضاً وضربوه، أهذه صورة تقدم؟! لأنه حنفي وأنا مالكي وهو شافعي وأنا حنبلي!! لابد أن نعرف أن هؤلاء المجتهدين يريدون الحق -أقصد أهل المذاهب- لكن أن نجعل بين الأمة قواسم مذهبية فهذا خطأ خطير، والواجب على أهل السنة والجماعة -الآن- أن يسعوا إلى إنزال هذه اللّافتات والشعارات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإلى توحيد الكلمة وجمع الصف. برمجة العبد في مسار ضيق وفي دائرة محدودة حتى يحب ويوالي من هذه النظرة الصغيرة الضيقة فلا يفهم إلا بهذا المنظار، ولا يقرأ إلا بهذا المنظار، ولا يسمع إلا في هذا المنظار، ولا يحب إلا من وافقه في هذا المسار ويكره من خالفه ولو كان فاضلاً!! هذه ليست من الإسلام، وليس في القرآن إلا حزبان: حزب الله عز وجل وحزب الشيطان، فاجعل نفسك مع حزب الله عز وجل؛ فكل من والى في الله وقام بفرائض الله، وانتهى عن المحرمات التي حرم الله فهو أخوك، أما تمزيق الأمة إلى حزبيات ضيقة مغلقة متخلفة فهذه لا يريدها الإسلام وهي مدانة بحكم الشرع. يقول ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه وهو يسأل عن مسألة فأفتى فيها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: لكن أبا بكر وعمر قالا: كذا وكذا. قال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول: قال الله وقال رسوله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!! وهما هذان الشيخان الجليلان العظيمان، فكيف بغيرهم من الناس؟. وهذه المدرسة تدعو إلى جمع الكلمة ونبذ الفرقة كما ذكرت سالفاً، وإلى مناصحة من ولاَّه الله الأمر بالحكمة والكلمة اللينة، فإن هذه فريضة على الرعية للراعي، والدعاء له بالصلاح في ظهر الغيب. وهي مدرسة ليس عندها معصوم إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، بعض الناس عندهم اثنا عشر معصوماً، أما نحن فليس عندنا إلا معصوم واحد، حتى لا يؤخذ كلام العلماء على أنه مسلم، بل يحتاج إلى عرض على الكتاب والسنة؛ ولذلك يقول بعض العلماء: كل يحتج لقوله إلا الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يحتج بقوله. فـ مالك وأحمد والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم يحتاج قوله أن يحتج له بقول المعصوم عليه الصلاة والسلام أو بقول الله تبارك وتعالى.

لا تجتمع الأمة على ضلالة

لا تجتمع الأمة على ضلالة هذه المدرسة لا تجتمع على ضلالة، وهذه بشرى أزفها لكم، فإذا رأيتم أهل السنة والجماعة اجتمعوا على أمر فاعرفوا أنه حق، وأنه هو الأمر الذي أراده الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وإذا اختلفوا ففيه نظر، لكن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عصمهم أن يجمعوا على ضلالة، وحديث {لا تجتمع أمتي على ضلالة} ضعيف، لكن من مجموع النصوص ودلالات البراهين يدل على أنه صحيح المعنى. أما كلمة ابن تيمية في مختصر الفتاوي: الإجماع حجة قاطعة والاختلاف رحمة واسعة. فيقصد في الفرعيات، وبعض العلماء له ملاحظة على هذه الكلمة، وعموماً نجري على ابن تيمية القاعدة الأولى أنه ليس معصوماً، وأن علينا أن نحتج لقوله ولا نحتج بقوله، فيحتاج إلى حجة إلا إذا وافق الدليل.

خير الأمة علماؤها

خير الأمة علماؤها ومن معالم هذه المدرسة: أن أخيارها علماؤها، وهم عدول مزكَّون بخلاف أهل الكتاب من بني إسرائيل، فإن أشرارهم علماؤهم. فأشرار بني إسرائيل علماؤهم، هم أهل المصائب والفتن والكوارث والمحن، وخيار الأمة الإسلامية علماؤها ودعاتها، ورد كما عند الخطيب البغدادي وابن عدي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ويرى ابن عبد البر أن من حمل العلم فهو عدل، العدل عندنا من حمل العلم، ولذلك لا يقبل فيه الجرح إلا مفسراً، فحمل طالب العلم للعلم يزكيه، ويعدله ويعتبر مقبولاً عند أهل السنة والجماعة، وهذا رأي لـ ابن عبد البر ووافقه بعض أهل العلم وخالفه آخرون. وذكر الله علماء بني إسرائيل، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:34] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في موطن آخر: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63] فهناك من العلماء أشرار ومردة وخونة، والعلماء هنا بررة مخلصون صادقون، أقل وأضعف عالم عندنا أنه يحب الله ورسوله، وأنه -إن شاء الله- لا يمكن أن يرضى في دماء الأمة المعصومة ولا في أعراضها، ولا في سمعتها أو منهجها، ولكنهم ليسوا بمعصومين.

الجهاد خلف كل بر وفاجر

الجهاد خلف كل بر وفاجر ومدرسة أهل السنة والجماعة ترى الجهاد وراء كل بر وفاجر ما لم نرَ كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، فالصلاة وراء أئمة الجور والجهاد معهم وارد حتى نرى منهم كفراً بواحاً، فإذا رئي هذا فلا طاعة، هذا منهج رباني ذكره رسول الهدى عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم. ونرى الدعوة لهم وجمع الشمل ومناصحتهم، ولا نعتبر أن مناصحة ولاة الأمر فتنة، ولا نرى أنه من سوء نية، لكنه من حسن نية، ومما أعطى الله أهل العلم من الميثاق، ورزقهم من البصيرة، أن يناصحوا بالحكمة، والتي هي أحسن، واللين حتى يصلح حال الأمة.

مميزات عقدية

مميزات عقدية .

مبدأ الولاء والبراء

مبدأ الولاء والبراء الولاء والبراء عند أهل السنة والجماعة التي ينادي بها سماحة الشيخ عقيدة، يرون أن الولاء والبراء، والحب والبغض عقيدة، لا يسيرون الحب والبغض بلا ضابط، بل كما ورد عند أبي داود: {من أحب في الله، وأبغض في الله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان} والله تبارك وتعالى يقول في الولاء: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:55 - 56] ويقول سبحانه: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22]. والملاحظ في بعض الملتزمين من المقصرين من أمثالنا: أن الواحد منهم إذا التزم، لا يزال يستمر في صحبة كثير من الأشرار والمنحرفين عن السنة، ممن يستمعون الغناء -مثلاً- أو يتخلف عن الصلوات، أو يتمرد على السنة، تجده أكيله وشريبه دون أن يدعوه، فإذا قلت له: لماذا لا تنفصل؟ أو لماذا لا يكون لك انفصال عنه وهجر حتى يعود؟ قال: أنا أرتاح له، فدل على أنه لا يحمل الولاء والبراء. أيضاً: وجد ثلم في الولاء والبراء في بعض الشركات والمؤسسات، أن يستقدم النصراني واليهودي والبوذي والسيخ، فتجدهم يؤاكلون ويشاربون ويلاطفون، ويزارون ويحترمون وهذا نقض للولاء والبراء. كتب أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه وأرضاه- كتاباً إلى عمر يستشيره في كاتب عنده هل يستكتبه، فقال عمر: [[لا. فقال: إنه فطن يا أمير المؤمنين! قال عمر: قاتلك الله! تُقربهم بعد أن أبعدهم الله، وتُحبهم بعد أن أبغضهم الله، وترفعهم بعد أن أنزلهم الله!! أو كما قال رضي الله عنه، فطرده أبو موسى]] فنصيحتي لأهل رءوس الأموال والتجار والمؤسسات والشركات أن يتقوا الله في هذا المنهج الرباني، ولا يستقدموا عمالاً غير مسلمين، أو خبراء أو مستشارين أو غير ذلك من أي عمل؛ لأن هذا محرم في الإسلام.

الاتباع ظاهرا وباطنا والكف عما شجر بين الصحابة

الاتباع ظاهراً وباطناً والكف عما شجر بين الصحابة من معالم مدرسة أهل السنة والجماعة: أنها توجب الاتباع الظاهر والباطن في أعمال الجوارح والقلوب، لا تكتفي بالباطن فقط، تجد بعض الناس يرى أن عمل الظاهر أو الجوارح قشور، لا تتكلم عنده في الثوب واللحية ولا في نحو هذه المسائل، ويرون أنها قشور وهم القشور بأنفسهم!! بل هي لباب، وكل ما أتى به صلَّى الله عليه وسلم فهو لباب. فهذه المدرسة تعنى بالظاهر أن يكون سلوكك ومظهرك وشخصيتك على السنة، وتعنى بالباطن فتجرد الروح من الذنوب والخطايا؛ من الكبر والحقد، والحسد والغل، والعجب والغرور ونحو ذلك، هذه هي المدرسة الربانية الرائدة التي تعتني بالظاهر والباطن، وبعض المناهج يعتنون بالباطن أكثر من الظاهر وبعضهم بالعكس، فيخالفون السنة في هذا وهذا والكمال جمع الأمرين. والمدرسة هذه توقر الصحابة وتحترمهم وتكف عما شجر بينهم، ورد بين الصحابة خلاف، وسئل عامر الشعبي عن أهل صفين، فقال: ما لهم؟ تقاتلوا ولم يفر بعضهم من بعض؛ لأن علياً رضي الله عنه لقي معاوية رضي الله عنه بمائة ألف ومعاوية لقيه بمائة ألف فاقتتلوا في صفين. قال عامر الشعبي لما سئل عن جيش علي ومعاوية قال: أهل الجنة التقوا فاستحى بعضهم أن يفر من بعض. وقال عمر بن عبد العزيز وقد سئل عن تلك الفتن والدماء قال: دماء سلم الله منها سيوفنا فلماذا لا نسلم منها ألسنتنا؟ وهذا هو الواجب على المؤمن، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]. وإذا رأيت الإنسان يبحث عن ذنوب الصحابة، ويضخم خطاياهم، ويبحث عن الإشكالات والفتن التي حدثت، فاتهمه على الإسلام، واعرف أن في قلبه مرضاً أو هوى -والعياذ بالله- فهم يكفون ويقولون: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134] ونعلم أنهم أفضل منا، وأن عندهم أعمالاً صالحة كالجبال، وكما قال صلى الله عليه وسلم: {ولو أنفق أحدكم مثل أحد ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه}.

لا يكفرون بالكبائر

لا يكفرون بالكبائر وهذه المدرسة لا تكفر أهل الكبائر ما لم يستحلوها؛ خلافاً لمن زعم أن الدعاة يكفرون الناس ويبدعونهم {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16] الدعاة من برز منهم وأصبح إمام مسجد أو أصبح يسمع له أو يستطيع الفتيا ولو في صغائر المسائل لا أعلم أحداً منهم يكفر مسلماً، ولا يكفر صاحب كبيرة ما لم يستحلها، وتجد من يتنكت على هؤلاء الدعاة ويعلق عليهم ويستهزئ بهم، لم يدرس الشريعة سنة واحدة، بينما أقل واحد من هؤلاء الدعاة درس الشريعة ست عشرة سنة، فانظر إلى الحيف! وانظر كيف تعطي القضية إلى غير أهلها، حتى إنك تجد بعض الكتبة يكتب عن التطرف، ويحلل التطرف وهو لا يحسن الشريعة ولا يجيد أن يتكلم عن الشرع، حتى أن بعض المنافقين يقول: هؤلاء الدعاء يفهمون الدين بالمقلوب! سبحان الله!! أتباع دين محمد يفهمون الدين بالمقلوب! الذين قرأوا المنهج الرباني، وتبحروا في علم الكتاب والسنة يفهمون الدين بالمقلوب! فمن إذاً يفهم الدين فهماً صحيحاً راشداً؟! من هو إذاً الذي يقود الأمة ويوجهها؟ ويخرجها من الظلمات إلى النور؟ من يرفع علم التوحيد إلا علماء الأمة ودعاتها، ولكنَّ مقصدهم من ذلك -وهم يعرفون أنهم جهلة بهذا الشرع- أن يبطلوا ثقة الناس بالعلم والدعاة والعلماء. أيها الإخوة! هذه نصيحة أقولها سراً ولا تخبروا بها أحداً!! والمجالس بالأمانات وليكن كلامنا بيننا أثابكم الله: على طالب العلم والداعية أن يكسب ثقة الناس؛ فإذا كسب ثقة الناس فقد كسب الحب والرشد والقبول، ويُكسب ذلك بالعمل وبالعلم، وباتباع مدرسة أهل السنة والجماعة، واحترام أهل العلم، وجمع الكلمة؛ فإذا حصل هذا فليقل ما شاء. ويستطيع ذلك حين لا يكون فظاً غليظاً، فإنه إذا كان فظاً غليظاً لا يرافقه أحد، قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] قال ابن المبارك: وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفاف وحياء وكرم قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم الموافقة في الخير، واللين، وهي مدرسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، هل رأيت ألطف منه عبارة؟! هل سمعت أحسن منه إشارة؟! هل سمعت أنه قدح أو نال أو جرح؟ لا هو على الباطل سيف مصلت، لكن مع إخوانه وطلابه، ومع الدعاة هو المدرسة الربانية، والتوجيه والرشد، واللطافة والحكمة والهدوء؛ تتمثل في هذه المدرسة التي هو إمامها، أثابه الله وحفظه ذخراً للإسلام والمسلمين.

الإيمان يزيد وينقص، والنفع المتعدي أفضل من اللازم

الإيمان يزيد وينقص، والنفع المتعدي أفضل من اللازم أيضاً أهل السنة عندهم الإيمان يزيد وينقص، وأهل السنة يرون أن النفع المتعدي أفضل من النفع اللازم، فهم يضحون بأوقاتهم في الدعوة، وقد غلب على البعض من الدعاة فتوى لا أدري من أفتاهم بها، أصابهم ورع بارد، فتجد أن الواحد منهم في النفع اللازم فقط من نوافل وصلاة وصيام، وهي جيدة، وطيبة وتنفعه عند الله، لكن أعظم منها رد الأرواح إلى الله، وهداية القلوب، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} وهذا كما قال عليه الصلاة والسلام في السنن: {الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم} وهو الكفاح العظيم والجهاد الكريم الذي بعث به صلى الله عليه وسلم؛ أن تدل وتدعو، وأن توجه وتنصح وترشد، وأن تكون فاعلاً، ونفعك متعدياً يصل إلى الناس {لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} فالدعوة أفضل من النفع اللازم الذي خيَّله بعض الناس لبعض الناس فرضوا به وركنوا إليه.

أسباب بطء الغيث وانقطاع الرحمة

أسباب بطء الغيث وانقطاع الرحمة قبل أن أنهي محاضرتي هذا هناك تساؤلات تكثر حول بطء نزول الغيث؟

منع الزكاة

منع الزكاة A قال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] ولا نيأس من روح الله، لكن هناك أسباب منعت القطر من السماء، من أعظمها: منع الزكاة، أو عدم صرفها صرفاً شرعياً؛ كما أمر به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ورسوله عليه الصلاة والسلام؛ فكثير من الناس قد لا يدفع الزكاة ويتهاون بذلك، فما منعت الزكاة إلا جف القطر. ومنهم من يصرفها لكن في غير مصارفها الصحيحة الشرعية، فقد تجده يصرفها في مصارف قد تصل إلى بعض الكفرة بأنواعهم كالنصارى والبوذيين، أو في مشاريع ليست من مصارف الزكاة الثمانية، إلى غير ذلك من الوجوه. فالواجب أن تصرف في مصرفها الشرعي الذي أمر به صلى الله عليه وسلم، ودل عليه القرآن.

التعامل بالربا

التعامل بالربا أيضاً: التعامل بالربا وكثرته وانتشاره، وهو مما يؤسف ويندى له جبين المسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه} وتجد أن هؤلاء يتورعون في دقائق المسائل، ويأخذ أحدهم الجبال من الربا ولا يبالي، ويأتي مع المصلين في صلاة الاستسقاء يقول: يا رب! يا رب! وقد ذكره صلى الله عليه وسلم، فقال: {أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام؛ فأنى يستجاب له؟} أي: لا يستجاب له، فهذه المعاملات الربوية سد منيع دون نزول الغيث، وروى أبو يعلى بسند فيه كلام أن الله عز وجل، يقول: {وعزتي وجلالي! لولا شيوخ ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع لمنعت عنكم قطر السماء}.

ظلم العمال والأجراء

ظلم العمال والأجراء من الممارسات الخاطئة أيضاً في مجتمعاتنا: ظلم العمال؛ فإن عندنا قطاعاً هائلاً من المسلمين الوافدين يعملون هنا؛ أخرجتهم الحاجة والجوع والفقر من بلادهم، أتوا إلى إخوانهم -والبلاد الإسلامية من طولها إلى عرضها بلد واحد- ليروا العطف والرحمة، ففوجئوا بمعاملات قسرية قاسية من كثير من قساة القلوب، وكم شكا هؤلاء وكم بكوا! تصوروا أن بعض العمال يتقاضى راتباً لا يبلغ الثلاثمائة ريال، وتصوروا أن العشرة إلى أكثر يجمعون في غرفة واحدة ويعاملونهم كالحيوانات! تصوروا أن الواحد منهم يأخذ عرق هذا وجوعه، وكده وتعبه مالاً في دخله، ويأكل من دخل هذا العامل الضعيف؛ الذي يكدح على عشرة أطفال في بلاده. وتصوروا أن بعضهم يؤخر الراتب عن هذا العامل أشهراً طويلة حتى يشكوه، ثم يقيم هذا الحجة عليه، ويتكلم عليه، ويدمغه بالبرهان، وبذاك من ضعف الغربة، وضعف اللهجة مابه، حتى يأخذ حقه عليه! ثم نقول بعد هذا كله: لِمَ لَمْ ينزل القطر من السماء؟! إنها ذنوب تراكمت فتأخر عنا الغيث، ولكننا لا نزال نطمع في رحمة الله عز وجل.

التمييز العنصري

التمييز العنصري أيضاً من الممارسات الخاطئة: التمييز العنصري بين المسلمين، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] هذه لافتة الإخاء الإيماني، وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] وقال صلى الله عليه وسلم: {كلكم لآدم وآدم من تراب} لكن بعض الناس لا يعبأ! فيمايز هذا لبلده أو لجنسه أو لدمه أو للونه أو لحيثيات أخرى، والحقيقة أن هذا محرم في شرع الله، والواجب علينا أن نتحد ونتآخى تحت منهج الله، وألا نميز بين الشعوب ولا بين الأجناس أو المواطن؛ لأننا نتعبد الله بكتاب وسنة. هذه أفكار أردت أن أطرحها هذه الليلة بين أيديكم، وأسأل الله أن يحفظنا وإياكم بحفظه، وأن يتولانا وإياكم في الدارين.

قصيدة الوحي مدرستي الكبرى

قصيدة الوحي مدرستي الكبرى وهذه قصيدة ألقيت في محاضرة (خطاب عالم الأمة) ولكني أعيدها؛ لطلب الأخوة، عنوانها: (الوحي مدرستي الكبرى) وهي مشاعر عن مدرسة أهل السنة والجماعة بثت في أبيات، وقد قيلت مقدمة القصيدة في بعض المناسبات لكني أكلتها حتى قاربت الأربعين بيتاً: أنا الحجاز أنا نجد أنا يمن أنا الجنوب بها دمعي وأشجاني بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني وفي ربى مكة تاريخ ملحمة على ثراها بنينا العالم الفاني دفنت في طيبة روحي ويا ولهي في روضة المصطفى عمري ورضواني النيل مائي ومن عمَّان تذكرتي وفي الجزائر آمالي وتطوان دمي تصبب في كابول منسكباً ودمعتي سفحت في سفح لبنان فأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني والوحي مدرستي الكبرى وغار حرا ميلاد فجري وتوحيدي وإيماني وثيقتي كتبت في اللوح وانهمرت آياتها فاسألوا يا قوم قرآني جبريل يغدو على قومي بأجنحة من دوحة الطهر في نجواه عرفاني بدر أنا وسيوف الله راعفة كم حطمت من عنيد مارد جاني كتبت تاريخ أيامي مرتلةً في القادسية لا تاريخ شروان وما استعرت تعاليماً ملفقةً من صرح واشنطن أو رأس شيطان وما سجدت لغير الله في دعة وما دعوت مع معبودنا ثاني وما مددت يدي إلا لخالقها وما نصبت لغير الحق ميزاني فقبلتي الكعبة الغراء يعشقها روحي وأنوارها في عمق أجفاني وليس لي مطلب غير الذي سجدت لوجهه كائنات الإنس والجان لا أجمع المال مالي كل أمنية طموحة تصطلي بركان وجداني وكل فدم جبان لا يصاحبني على الشجاعة هذا الدين رباني ليت المنايا تناجيني لأخبرها أن المنايا أنا لا لونها القاني ليرم بي كل هول في مخالبه ما ضرني وعيون الله ترعاني ممزق الثوب كاسي العرض ملتهباً أنعى المخاطر في الدنيا وتنعاني مريض جسم صحيح الروح في خلدي حب لأحمد من نجواه عرفاني بلال صوتي هتاف كله حسن أذانه في المعالي رجع آذاني وعزم عمار في دنيا فتوته أسقي شبابي به من نهره الداني عصا الكليم بكفي كي أهش بها على تلاميذ فرعون وهامان ونار نمرود أطفئها بغادية من الخليل فلا النيران تصلاني في حسن يوسف تاريخي وملحمتي من صنع خالد لا من صنع ريجان داود ينسج درعي والوغى حمم لا يخلع الدرع إلا كف أكفاني دعني ألقن قوماً ما لهم همم إلا على العزف من دان ومن دان قوم مخازنهم نهب ومطعمهم سلب وموكبهم من صف فئران هم في الرؤى نقطة سوداء إن لمعوا يا للرجال وهذا العالم الداني يا جيل يا كل شهم يا أخا ثقة يا بن العقيدة من سعد وسلمان يا طارق يا صلاح الدين يابن جلا يا عين جالوت يا يرموك فرقان يا بائع الأنفس الشماء في شهب من الرماح على دنيا سجستان يا من بنوا المجد من أغلى جماجمهم في شقحب النصر أو في أرض أفغان يا من سقوا دوحة الإسلام من دمهم من كل أروع يوم الروع ظمآن يا صوت عكرمة المبحوح يقطعه قصف العوالي من سمر ومران هيا إلى الله بيعوا كل ثانية فصوت رضوان ناداكم وناداني سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

يوم من أيام الله

يوم من أيام الله تحدث الشيخ -حفظه الله- عن غزوة من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وهي غزوة حنين, وذكر أسباب هذه الغزوة وما عاناه المسلمون من بداية الهزيمة، بسبب افتخارهم بقوتهم, فأدبهم الله بهذا الأدب ليعلموا أن القوة لله جميعاً وأن النصر من عنده وحده. وأوضح الشيخ مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم وثباته وشجاعته في الحروب وأدبه مع الأسرى, وإكرامه وتأليفه لوجهاء القبائل الذين يرجى منهم الإسلام، ثم ختم حديثه بدروس مستفادة من هذه الغزوة.

غزوة حنين

غزوة حنين إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. ومع يوم من أيام الله الخالدة التي جعلها لرسوله عليه الصلاة والسلام، ومع الإمام محمد بن إسماعيل البخاري وهو ينتقل بنا في صحيحه إلى غزوة من غزوات المصطفى صلى الله عليه وسلم, ينتقل بنا من المدينة المنورة إلى وادي حنين في تهامة بين الطائف ومكة , لينقل لنا مشهداً تاريخياً من المعركة العالمية التي خاضها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه, وشارك فيها أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار, والتي ذكرها الله في كتابه في سورة التوبة فقال: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:25 - 27].

الرسول يواسي الأنصار بعد غزوة حنين

الرسول يواسي الأنصار بعد غزوة حنين قال الإمام البخاري رحمه الله: (باب غزوة حنين) حدثنا محمد بن عبد الله -أي المسندي - حدثنا هشام حدثنا معمر عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، قال: {أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض العرب الذين شهدوا حنيناً , كلاً منهم مائة ناقة، وترك الأنصار. فاجتمع الأنصار وقالوا: غفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً وسيوفنا تقطر من دمائهم أفلا يعطينا؟! فسمع عليه الصلاة والسلام ذلك, فجمعهم في حظيرة -وفي رواية الزهري في قبة من أدم- ثم أشرف عليهم وقال: يا معشر الأنصار, ما قالة بلغتني عنكم؟ قالوا: هو ما سمعت يا رسول الله، أما رؤساؤنا وفقهاؤنا فلم يقولوا شيئاً, وأما شبابنا فقالوا: غفر الله لرسول الله, يعطي قريشاً من المال ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقام عليه الصلاة والسلام خطيباً. فقال: يا أيها الناس, صدقتموني وقد كذبني الناس، وآويتموني وقد طردني الناس، ونصرتموني وقد خذلني الناس. فقالوا: لله المنة ولرسوله، فرفع صوته. فقال: ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ قالوا: بلى. قال: وأتيتكم فقراء فأغناكم الله بي؟ قالوا: بلى. قال: وأتيتكم متخاذلين فألف الله بين قلوبكم بي؟ قالوا: بلى، والمنة لله ولرسوله. فرفع صوته وقال: يا معشر الأنصار, أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير, وتعودون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ فوالله لما تذهبون به إلى رحالكم خير مما يعود به الناس، يا معشر الأنصار, أنتم الشعار والناس الدثار, والله لو سلك الناس شعباً ووادياً لسلكت شعب الأنصار وواديهم، غفر الله للأنصار، ورحم الله الأنصار، ورحم الله أبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار, فارتفع بكاؤهم وقالوا: رضينا بالله رباً وبمحمد نبياً}. هذه الرواية جمعها البخاري وبددها وصنفها في كتابه على حسب ما رأى من إخراجه الفني في الصحيح رحمه الله رحمة واسعة. وهذا الحديث حدث عالمي هائل، وهو من أرق الأحاديث في السيرة النبوية, وهذا الحديث من أعظم خطبه عليه الصلاة والسلام، رواه الجمع عن الجمع وتناقله الأنصار عن الأنصار, وهو أعظم حديث للأنصار رضوان الله عليهم وأرضاهم، وكانت هذه القصة في معركة حنين الخالدة التي تناقلها أهل التاريخ والسير باستفاضة, وهي معركة مذهلة ذكرها الله عز وجل في كتابه, وجعل قسماً من سورة التوبة في حدث هذه الغزوة.

أسباب غزوة حنين

أسباب غزوة حنين أما سببها: فإن الرسول عليه الصلاة والسلام حين فتح الله عليه مكة وانتهى منها في السنة الثامنة, سمع أن أهل الطائف اجتمعوا على مالك بن عوف النصري وهو شاب ذكي أريب شجاع, عمره يقارب الأربعين سنة، وهو من شباب العرب الشجعان، جمع قبائل هوازن التي هي قبائل الطائف ومنها: عتيبة الآن, وقبائل ثقيف وشيء من قبائل غطفان ونجد ومعهم بعض بني تميم, فجمعهم جميعاً ثم قال: أيها الناس يظن محمد أنه إذا فتح مكة -يعني رسول الهدى صلى الله عليه وسلم- أنه سوف يأتينا في الطائف , ثم حلف باللات والعزى لنقاتلنه قتالاً ما سمعت العرب بمثل هذا القتال، ثم قال: نخرج إليه ونلاقيه واخرجوا معكم بالإبل وبالبقر وبالغنم وبالنساء والأطفال, وأما النساء والأطفال فاجعلوهم صفين خلفكم, واجعلوا الإبل صفاً, والبقر صفاً, والغنم صفاً, حتى يخرج الرجل وهو يعلم أن وراءه أهله وماله فيقاتل عن أهله وماله. فخرج بهم, وسمع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أن هذا الرجل الشجاع العربي قد جمع قبائل العرب، وتوجه يريد ملاقاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قوام جيشه اثنى عشر ألفاً كلهم من أشجع العرب, وهم أرمى العرب على الإطلاق, لا يرمي راميهم بالسهام إلا أصاب, وتوجه بهم في كتائب تتدفق كالسيول.

الإعداد النبوي للغزوة

الإعداد النبوي للغزوة علم بذلك صلى الله عليه وسلم فقام خطيباً في الناس وأعلن الحرب على مالك بن عوف النصري , وعد كتائبه فكانت اثني عشر ألفاً من المقاتلين، فجعلهم عشر كتائب عليها عشرة قواد، ثم ذهب عليه الصلاة والسلام وتمركز في وادي حنين لأن المثل عند العرب: ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا " والرسول صلى الله عليه وسلم يخاف أن يتقدموا إلى مكة أو إلى المدينة فيصعب عليهم مقاتلتهم, فباغتهم عليه الصلاة والسلام فلاقاهم في وادي تهامة في أرض يقال لها حنين. وبات عليه الصلاة والسلام في تلك الليلة ومعه اثنا عشر ألفاً, فيهم المؤمن الصادق الإيمان من أمثال أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي؛ الذي يقول أحدهم -من كثرة يقينه وإيمانه-: [[والذي لا إله إلا هو لو كشف الله لي الحجاب ورأيت الجنة والنار ما زاد إيماني ويقيني مثقال ذرة]] وفيهم مسلمو الفتح الذين أسلموا ترغيباً وترهيباً, وأسلموا رجاء الغنائم, ولما يدخل الإيمان في قلوبهم. ثم توقف عليه الصلاة والسلام فقال: من يحرسنا الليلة وله الجنة، فتبرع أصحابه وقاموا أمامه, وقال ابن أبي حدرد: أنا أحرسكم يا رسول الله على الشرط -أي على شرط الجنة- فصعد الجبل ومشى عليه الصلاة والسلام. فلما اقترب الفجر قال الرسول صلى الله عليه وسلم لحارسه ابن أبي حدرد: انتبه للقوم فإنا نخاف منهم أن يباغتونا في غسق من الليل -وكان عليه الصلاة والسلام يعرف هذه الأمور والقوم من رماة العرب- وإنا نخاف إذا رمونا أن تفر منا الخيل والإبل فلا يثبت أحد. فقال ابن أبي حدرد: لبيك وسعديك يا رسول الله، فقام في رأس الجبل, وكان مالك بن عوف النصري وقبائل العرب المقاتلة في جهة الوادي, والرسول عليه الصلاة والسلام في الجهة الأخرى, وابن أبي حدرد في رأس الجبل. نام عليه الصلاة والسلام ونام أصحابه، فلما لمع الفجر وأذن المؤذن، قام صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلى ركعتي الفجر, وإذا بذاك الحارس سهر من أول الليل حتى أقبل الفجر ثم نام، وكان ذلك أمر الله: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} [الأحزاب:38] فقام صلى الله عليه وسلم لما سمع المؤذن يؤذن في الناس للصلاة, ولما صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم, وإذا الجبل كأن أعلاه أقبل على أسفله. قال ابن أبي حدرد: استيقظت فإذا مالك بن عوف النصري في أول كتيبة كأنها السيل الجرار شاكون في السلاح, قوامها ألف وقد وصل إلى جانبي, ووالله لا يمكنني إلا أن أرفع صوتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال مالك بن عوف النصري: احبسوهم بالنبل, وكانوا من رماة العرب, فأخذوا يرمون من رءوس الجبال بالنبل, فصارت كالغمام على رءوس الناس، فطوقت معسكره عليه الصلاة والسلام, وأحدثت ذهولاً عاماً في الناس, وأخذت الخيول والإبل تفر في كل جهة. فقام عليه الصلاة والسلام ودعا الناس إلى المعركة وإلى أن يستقبلوا مالك بن عوف النصري؛ أما الجبل فأقبل بعضه على بعض، ونزل الاثنا عشر ألفاً من الجبل جميعاً, ووراءهم الإبل ثم البقر ثم الغنم, وبين الإبل والمقاتلة النساء والأطفال. وقد قال دريد بن الصمة لـ مالك قبل المعركة وكان حكيماً من حكماء هوازن، وقد كان رجلاً أعشى لا يبصر كثيراً, وهو شاعر مشهور قال: يا مالك! إنني أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير وثغاء الشاة, فلماذا جمعت الناس وجمعت هذا الجيش؟ قال: إني أخاف أن يفروا إذا علموا أن أهلهم في ديارهم وأموالهم. قال: والله ما هذا بالرأي -ويحلف باللات- لا يرد المنهزم شيء. فأراد الناس أن ينخذلوا عن مالك بن عوف النصري , فسل سيفه وهو في الجبل, ثم قال: يا معشر العرب, إما وافقتموني هذا اليوم، وإلا اتكأت على سيفي حتى يخرج من ظهري، فقالوا: وافقناك، فكان لسان حال دريد بن الصمة: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغدِ وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد فنزلوا ووافقوا مالك بن عوف.

الرسول صلى الله عليه وسلم ينادي أصحابه

الرسول صلى الله عليه وسلم ينادي أصحابه وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فنادى في الناس إلى الجبل, فأقبلت الكتائب, ولكن خانتهم الإبل والخيول ففرت، وفر كثير من الناس, بل الصحيح كما في السيرة لـ ابن إسحاق وغيره أنه لم يثبت إلا ثمانون, ثم فر الثمانون وثبت ستة, فأخذ صلى الله عليه وسلم ينادي في الناس ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله، فلما رأى أنهم فروا من بين يديه وأن الرجل يركب جمله ليأتي يؤم القوم ويأتي للقتال، فيطرد عنه الجمل، فيترك الجمل، ويهوي على أرجله في الأرض، ويأخذ سيفه وقوسه، ويأتي صاحب الفرس على فرسه، فيأبى الفرس أن يعود لأنه جفل, فينادي عليه الصلاة والسلام في الناس فلا يسمعون في الأخير لما رأى أن الدائرة خاف أن تدور على الإسلام وأهله، ومعنى ذلك أن هوازن تصفي حساب هذه الرسالة الخالدة, وسوف ينتهي الإسلام ويقطع دابره من الأرض, فترجل صلى الله عليه وسلم وكان على بغلته, وقال: {أنا ابن العواتك} فلما وصلت أرجله إلى الأرض سل سيفه وقال: {أنا النبي لا كذب, أنا ابن عبد المطلب}. فانتسب إلى جده عليه الصلاة والسلام, والعرب أمة ذكية إذا رأت المعركة ورأت الجيوش تهدَّرت بالشعر. قال أهل السير: الرسول عليه الصلاة والسلام لما رأى الموقف ورأى السيوف والرماح جاد خاطره بهذا البيت ليشجع نفسه, ويقول: {أنا النبي لا كذب, أنا ابن عبد المطلب} وحرام عليه أن يفر؛ لأن الله قال: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} [النساء:84]. ثم قال: يا عباس! يا عم رسول الله؛ إذ كان في الناس وكان معه بجانب بغلته وفي الجانب الآخر أبو سفيان بن الحارث ابن عمه من مسلمة الفتح الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وكان العباس بن عبد المطلب جهوري الصوت, وكان كما يقول ابن حجر ينادي غلمانه من على سطح بيته وهم في الغابة فيسمعونه, قال: نادِ في الناس، فقال: يا معشر المهاجرين! يا معشر الأنصار! هلموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستجب أحد, لأن الخيول والإبل أخذتهم, ومسلمة الفتح أتى عليهم هذا الأمر سهلاً وطيباً؛ لأن بعضهم كان يضمر العداء للرسول عليه الصلاة والسلام, وكان منهم أبو سفيان بن حرب؛ لأنه أسلم يوم الفتح في مكة وفي نفسه ما فيها على الإسلام. فقال لما رأى كتائب الرسول عليه الصلاة والسلام تفر: ما يردهم اليوم إلا البحر. يعني: البحر الأحمر. ويقول صفوان بن أمية: اليوم بطل السحر. يظن أن الرسالة سحر أبطل اليوم, والرسول صلى الله عليه وسلم نادى في الأنصار؛ لأنهم بايعوه يوم العقبة على أن يحموه مما يحموا منه أولادهم وأطفالهم ونساؤهم وأموالهم, فهو يذكرهم ذاك الميثاق والعهد الذي بينه وبينهم عليه الصلاة والسلام, وهو يذكرهم ذاك العقد الذي وقعوه والذي أتى به -كما يقول ابن القيم - أتى به جبريل, وأملاه رب السماوات والأرض, والمشتري الله عز وجل, والسلعة الجنة, والثمن أرواحهم: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111]. ناد يا أهل الشجر. قال: يا من بايع رسول الله تحت الشجرة, يا من تنزلت فيهم سورة البقرة, فلم يجب أحد، قال: ناد بني الخزرج وهم القبيلة الثانية من قبائل الأنصار, لأن الأنصار قبيلتان: الأوس والخزرج، فنادى في الخزرج فلم يجب أحد.

الرسول صلى الله عليه وسلم وقد حمي الوطيس

الرسول صلى الله عليه وسلم وقد حمي الوطيس قال: ناد في بني الحارث، وكانوا عشيرة واحدة, ولحمة واحدة قوامها ثمانون رجلاً من أشجع العرب على الإطلاق, كانوا يشربون الموت كما يشربون الماء، ومدحهم شعراء العرب وقالوا: كانوا إذا حضروا المعركة تحمر أحداقهم حباً للموت، فلما سمعوا: يا بني الحارث تشجعوا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خصهم أمام الناس بهذا الاسم, فتواثبوا من خيولهم وإبلهم, ثم أخذوا أغماد سيوفهم وكسروها على ركبهم، ثم أتوا بالسلاح وهبوا لنجدة الرسول صلى الله عليه وسلم, وقد كان يقاتل من بعد الفجر إلى الضحى وما تأخر خطوة واحدة, بل وقف عليه الصلاة والسلام أمام الجيش , وأوقفهم في منتصف الجبل, فما تقدم منهم جندي واحد. ثم أخذ حفنة من التراب ورمى بها وقال: {شاهت الوجوه} قال العباس: والله ما بقيت عين أحد منهم إلا وقعت فيه ذرة, فأخذت تدمع عيونهم. فلما رأى بني الحارث أقبلوا على أقدامهم معهم السيوف فتح لهم صلى الله عليه وسلم طريقاً, فتقدموا بينه وبين الكتيبة الوسطى, كتيبة مالك بن عوف النصري، فاقتتلوا معه حتى سُمع شظايا السيوف -أي: كسار السيوف- من على رءوس الناس, فقال عليه الصلاة والسلام: {الآن حمي الوطيس}. قال أهل العلم: هو أول من قالها من العرب, وهو مَثَلْ, وحمي أي: اشتد، والوطيس: هو التنور الذي يخبز فيه, ومعناه أن الأمر ضاق, وأنه لا يفرجه إلا رب السماوات والأرض. فأخذ بنو حارث يقاتلون حتى تكسرت كثيراً من سيوفهم, فأخذوا يعوضون من المسلمين سيوفاً، وتوارد الناس، والتحمت الكتائب بعده صلى الله عليه وسلم, وأخذ يرد هؤلاء على أعقابهم في أعلى الجبل, فأخذوا يتأخرون، فما أُذن لصلاة الظهر إلا وقد سُلسلوا في السلاسل وقيدوا في الأسلاب. وأخذ عليه الصلاة والسلام يقول لـ ابن أبي حدرد: {خذ إليك السبي} أي: النساء والأطفال, أنت يا فلان عليك بالإبل, وأنت يا فلان عليك بالغنم، وأنت يا فلان عليك بالبقر. قال ابن كثير: فجمع صلى الله عليه وسلم من الغنائم ألوفاً مؤلفة لا يعلمها إلا الله. وقدر ابن إسحاق الغنم بأربعة وعشرين ألف رأس، والإبل بسبعة آلاف؛ لأنهم أهل بادية وهم أكثر العرب مواشي. وتقدم عليه الصلاة والسلام إلى كتيبة مالك بن عوف النصري وهم ألف، وردهم على أعقابهم، فأعلنوا الهزيمة, ثم فروا وتركوا نساءهم وأطفالهم وإبلهم وبقرهم وغنمهم. فأخذ عليه الصلاة والسلام يلحق بهم هو والجيش.

شيبة بن عثمان في غزوة حنين

شيبة بن عثمان في غزوة حنين وبينما هو يطاردهم بالجبل عليه الصلاة والسلام، وإذا برجل من المسلمين اسمه شيبة بن عثمان، وهو صاحب مفتاح الكعبة, والمفتاح في ذريته وفي نسله إلى اليوم, وقد أسلم يوم الفتح, وكان في قلبه شيء على الرسول عليه الصلاة والسلام. قال: فخرجت معه إلى حنين والله ما كان من قصدي أن أنصره أو أقاتل معه, ولكن قصدي إذا سنحت لي فرصة أن أقتله, ومعي خنجر كخافية النسر جعلتها تحت إبطي سممتها بالسم شهراً. ثم أخذ يلاحظ الرسول عليه الصلاة والسلام حتى يقترب منه فيغتاله. قال: فاقتربت منه فوجدت عن يمينه العباس بن عبد المطلب فخفت الرجل، قلت: عمه لن يسلمه إليّ, وسوف يقتلني في الحال، فأتيت عن يساره فوجدت ابن عمه أبا سفيان بن الحارث، فقلت: ابن عمه وسوف يقتلني في الحال، فتأخرت وراءه فأمكنتني الفرصة فتقدمت، وإذا شواظ من نار نزل من السماء, رجف له قلبي، فلم أرَ أمام بصري, فرجعت خلفي خطوتين, والله لقد كان يلتمع بصري حتى وضعت يدي على وجهي. فالتفت إليّ صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم وقال: يا شيبة، قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قلت: يا رسول الله, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال: اللهم اغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ثم أخذه صلى الله عليه وسلم بيده، وما ذكرها لي بقية حياته عليه الصلاة والسلام. ثم فرَّ مالك بن عوف النصري إلى حصون الطائف، فانطلق عليه الصلاة والسلام وراءه وقال للناس: عليكم بالسبي من النساء والأطفال أكرموهم، وعليكم بالإبل والبقر والغنم احصروها، وذهب عليه الصلاة والسلام بما معه من المقاتلين ولحقهم في حصون الطائف.

نهاية غزوة حنين

نهاية غزوة حنين حاصر النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه مالكاً في الحصون, فمكثوا في حصونهم وأرسل له مالك بن عوف النصري -وكان رجلاً شهماً ذكياً- قال: يا رسول الله! إن العرب سوف تعيبنا أبد الدهر إذا نزلنا لك بالقوة، لكن اذهب فإذا أصبحت في الجعرانة فإنا سوف نأتيك مسلمين, وكأنا أتيناك نطلب الصلح. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام لبيباً حليماً آتاه الله حسن الخلق: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] فعاد صلى الله عليه وسلم وأمر الناس أن يعودوا.

النبي صلى الله عليه وسلم يقسم الغنائم

النبي صلى الله عليه وسلم يقسم الغنائم وصل عليه الصلاة والسلام الجعرانة وتأخر بالناس, وأعلن أنه يريد أن يؤدي عمرة, لئلا يتعجل الناس بالذهاب، فتأخر مالك بن عوف النصري قائد القبائل, لأنه سوف يأتي مسلماً فقام صلى الله عليه وسلم يوزع الغنائم, وانظر إلى المتأخرين وقت المغارم ووقت القتال يتقدمون. فيأتي حكيم بن حزام وهو سيد من سادات قريش من مسلمة الفتح وهو ليس في الإسلام كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وكان يكسو الكعبة سنة, وقريش جميعها تكسو الكعبة سنة. فقال: تقدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله! أعطني من مال الله، قال: يا حكيم: أتنظر الغنم التي بين الجبلين من غنم هوازن، قال: نعم، قال: هي لك، فأخذها، وأتى في النهار الثاني، وقال: أعطني يا رسول الله، قال: خذ مائة ناقة، وكان ذلك ليتألفه في الإسلام؛ لأنه إذا أسلم أسلم معه ألوف. فأتى في اليوم الثالث وهو يظن أن الدعوة مفتوحة, كل يوم مائة ناقة، فقال: يا رسول الله أعطني فأعطاه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا حكيم إن هذا المال حِلوٌ خضرٌ، وإن الله مستخلفكم فيه -شارك مسلم البخاري في هذه الرواية-فينظر ماذا تعملون فيه, فإياكم والدنيا، يا حكيم اليد العليا خير من اليد السفلى، اليد العليا هي التي تعطي واليد السفلى هي التي تأخذ، فقال حكيم: والله يا رسول الله, ما أسأل بعدك أحداً ولا أرزأ بعدك أحداً. فكان حكيم بن حزام متعففاً من أموال الناس, يسقط سوطه وهو على الفرس، فلا يسأل أحداً من الناس أن يرفعه له, بل ينزل يأخذ السوط، حتى أتى أبو بكر فأعطاه من بيت المال فرفض، وأعطاه عمر فرفض، وقال عمر يوم الجمعة: [[يا معشر المسلمين, أشهدكم على حكيم بن حزام أنني أعطيته عطاءه فأبى، فلا يكون خصمي يوم القيامة]] قال حكيم: إنني قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهدته، والله لا أرزأ أحداً بعده من الناس, فلن آخذ من أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً.

توزيع النبي صلى الله عليه وسلم للغنائم

توزيع النبي صلى الله عليه وسلم للغنائم وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب الذي كان قائداً رهيباً عسكرياً من قواد قريش, أعطاه مائة ناقة ليتألفه للإسلام، وأعطى عيينة بن حصن الفزاري الغطفاني مائة ناقة، وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة, وأعطى كثيراً من صناديد نجد من مائة ناقة ليتألفهم على الإسلام. فلما أعطاهم العطاء, أعطى العباس بن مرداس سيد بني سليم خمسين ناقة ولم يعطه مائة, وكان العباس رجلاً شاعراً، فصنف قصيدة ورفعها للرسول صلى الله عليه وسلم، يقول فيها: كيف تعطيني خمسين ناقة وتعطي أبا سفيان مائة وتعطي الأقرع مائة, وعيينة مائة؟ يقول: أتجعل نهبي ونهب العُبيد بين عيينة والأقرع وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع وما كنت دون امرئ منهما ومن تضع اليوم لا يرفع يقول: آباؤهم ما كانوا يفوقون أبي, فكيف تفوقهم اليوم علي؟ -في قصيدة طويلة- فوصلت القصيدة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو في خيمته, فقال أبو بكر -وكان حفاظة داهية نسابة يحفظ الأشعار والأخبار- قال: يا رسول الله! أتدري ماذا يقول عباس بن مرداس السلمي، قال: لا، قال: إنه يقول: أتجعل نهبي ونهب العُبيد بين عيينة والأقرع وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في المجمع فتبسم عليه الصلاة والسلام وأخذ يقلب شيئاً في يده, والله يقول من فوق سبع سماوات: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69] وكان إذا سمع قصيدة كسر أبياتها؛ لأنه لو كان ألقاها لقال القرشيون أو أهل الوثنية: إن هذا القرآن شعر, وبالفعل قد قالوا: إنه شعر: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:5] فيقول صلى الله عليه وسلم وهو ينشد الأبيات: أتجعل نهبي ونهب العُبيد بين الأقرع وعيينة فكسر البيت، فتبسم أبو بكر وقال: صدق الله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69].

النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنصار

النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنصار فخرج عليه الصلاة والسلام إلى الناس، وإذا برجل من الأنصار أمام الخيمة, فقال: ما وراءك؟ قال: يا رسول الله الأنصار اجتمعوا وتقاولوا كلاماً وقالوا: غفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً وصناديد نجد ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال عليه الصلاة والسلام: كيف أقوال ساداتكم وفقهائكم؟ قال: ما قالوا فيك شيئاً يا رسول الله. هذا قول سفهائنا, وقيل: شبابنا وفتياننا. فقال عليه الصلاة والسلام: اذهب إلى سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي (الإمام الكبير الشهيد الذي قال عنه الذهبي: الجواد الفارة) يجمع لي الأنصار. فذهب إليه وأخبر سعد بن عبادة وجمع الأنصار في حظيرة, ثم أتى صلى الله عليه وسلم ودلف عليهم وعليه بردة, فخطبهم تلك الخطبة التي مرت, ولما انتهى صلى الله عليه وسلم وأقنع الأنصار أن الدنيا زائلة: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] وقال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35]. ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في حنين: {يا أيها الناس -وهم يطاردونه يطلبون الغنائم حتى ألجئوه إلى شجرة فنشب رداؤه في الشجرة وقال: فكوا علي ردائي- والله لو كان لي كجبال تهامة إبلاً وبقراً وغنماً لأنفقتها فيكم, ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذابًا، ثم قال: والله إني لأعطي أناساً منكم لما جعل الله في قلوبهم من الطمع والهلع، وأدع قوماً منكم لما جعل الله في قلوبهم من الإيمان والسكينة منهم عمرو بن تغلب قال عمرو بن تغلب -وهو يروي هذا الحديث وكان في حياته كلما رواه بكى-: كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما فيها}. ولما صلّى صلى الله عليه وسلم صلاة العصر وقد قسم الغنائم وأخذ أبو سفيان مائة والأقرع مائة وعيينة مائة وأخذوا يستاقونها, وإذا مالك بن عوف النصري ومعه وفد قوامه ثمانية أنفار على خيولهم الشقر, وهم يخوضون في الصحراء حتى وصلوا إليه بعد الصلاة، فوقفوا على رأسه فأنزلهم صلى الله عليه وسلم، فقام مالك بن عوف النصري سيد هوازن وكان شاعراً لبيباً خطيباً وفصيحاً، فقال: [[يا رسول الله! أشهد أن لا إله إلا الله, وأنك رسول الله, ائذن لي أن أقول أبياتاً قال: ما إن رأيت وما سمعت بمثله في الناس كلهم كمثل محمد أعطى وأجزل للنوال إذا اجتدى ومتى تشأ يخبرك عما في غدِ وإذا الكتيبة عردت أنيابها بالسمهري وضرب كل مهندِ فكأنه ليث على أشباله وسط الهباءة خادر في مرصد ]] فاستحسنها صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا تريد يا مالك؟ لأن قصيدته هذه مقدمة يريد منها شيئاً, يريد السبي والإبل والبقر والغنم أن تعود. ولذلك يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[نعم الرجل يقدم أبياتاً بين يدي حاجته]] لأن هذه الأبيات فيتامين (واو) تسهل للشخص أمره, فمن تعسر عليه أمر من بعض الناس فعليه أن يدعو, وإذا لم يصادف شيئاً فعليه أن يسجل له أربعة أبيات, فسوف يلبي دعاءه إن شاء الله. فـ مالك بن عوف يعرف العرب أن سوف يستجيبون, فأتى بأربعة أبيات, فعرف صلى الله عليه وسلم أنه يريد شيئاً "إياك أعني واسمعي يا جارة" قال: يا مالك! إن أحب القول إلي أصدقه فماذا تريد؟ قال: يا رسول الله! أريد السبي وأريد المال، يقول: أريد النساء والأطفال وأريد المال, قال عليه الصلاة والسلام: اختر بين اثنتين إما السبي وإما المال. كأنه يقول له: بعدما هزمناك وألحقنا بكم الدائرة نرد لك السبي والمال سالمة مسلمة، في شرع من هذا؟! فسكت وقال: ما أعدل بالنساء شيئاً -يقول: كيف تخيرني بين الإبل وبين النساء؟ علي بالأطفال والنساء، فقال عليه الصلاة والسلام: ردوا عليه نساءه وأطفاله، فقال بعض العرب: والله لا نرد عليه نساءه وأطفاله -لأن بعض النساء أصبحوا سبايا- فقال صلى الله عليه وسلم: {لا ندري من طيب منكم ممن لم يطيب ولكن ارفعوا ذلك إلى عرفائكم} فبعضهم وافق وبعضهم أبى. فقام عليه الصلاة والسلام خطيباً فيهم وذكرهم بالله وبالسماحة وبالعفو وقال: ردوا عليهم السبي والذي لا يرده منكم إلا بشيء فأنا أعوضه في أول ما يغنمنا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, فردوا له السبي من النساء ومن الأطفال. فقاموا يأخذونها. وأما الإبل والبقر فراحت في رحمة الله, ورجع مالك بن عوف النصري مسلماً مؤمناً ونزل عليه الصلاة والسلام معتمراً. وبقيت أحداث من هذه القصة لأن البخاري روى أول الحديث ثم هالته قصة الحديث, فما استطاع أن يكمل الحديث, لأنه يريد الموعظة والعبرة فسكت وقال: الحديث.

دروس من غزوة حنين

دروس من غزوة حنين وفي هذا الحديث أمور وقضايا ودروس وعبر والسيرة مفسرة للقرآن، يقول سيد قطب: "أعظم ما يفسر القرآن سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام, فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يذكر الأحزاب, فالمسلم الذي يعرف معركة الأحزاب يعرف معاني السورة, ويذكر بدراً، فالذي يعرف معالم بدر يعرف ما هو المقصود بـ بدر في القرآن, وكذلك حنين , فالسيرة أعظم ما يفسر كتاب الله عز وجل، والسيرة درس عقدي ودرس عملي وفقه وأحكام وأدب وسلوك ورقائق لمن تدبرها وعقلها:

الدرس الأول: أن القوة لله جميعا

الدرس الأول: أن القوة لله جميعاً لا عبرة بالكثرة فالنصر من عند الله عز وجل، أكبر جيش جمعه الرسول صلى الله عليه وسلم جيش حنين كانوا اثني عشر ألفاً، فلما رآهم أبو بكر الكتيبة تتدفق بعد الكتيبة، قال: [[لا نهزم اليوم من قلة]] والمسلمون بشر أتاهم ضعف واتكلوا على قوتهم المادية, فأراد الله أن يلقنهم درس عقيدة لا ينسونه, وهو أن القوة من عند الله, وأن النصر من عند الواحد الأحد, فيقول الله عز وجل: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} [التوبة:25] يقول: اذكروا كم نصركم الله في مواطن كثيرة: إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في الموطن الخشن {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التوبة:25] قال أهل التفسير: قال أبو بكر: [[لن نغلب اليوم من قلة]] فأخبره الله عز وجل بالانهزام في أول المعركة, وأن النصر من عند الله فانهزموا، فدرس للإنسان ألا يغتر بقوته وألا يعتمد على حوله وذكائه وفطنته. قال ابن القيم في كلام معناه: فوض الأمر إلى الله عز وجل, وأعلن عجزك, فإن أقرب العباد من الله الذين يعلنون الانكسار بين يديه. فأقرب العباد إلى الله أشدهم انكساراً إليه، وأقربهم إلى النصر أشدهم تواضعاً لله, وكلما ذل العبد وتواضع لله رفعه الله, وكلما تكبر، قال الله: اخسأ فلن تعدو قدرك, وعزتي وجلالي لا أرفعك أبداً. فكان هذا الدرس في العقيدة: أن القوة من عنده تبارك وتعالى, وأنه هو الذي يهدي وينصر, ويسدد فلا قوة تأتي من غيره مهما أجلبوا بخيل ورجل وقوى واتصلوا بأمور فإنها كبيت العنكبوت: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:41].

الدرس الثاني: إرسال العين لطلب أخبار العدو

الدرس الثاني: إرسال العين لطلب أخبار العدو فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل ابن أبي حدرد وقال: اجلس بينهم وخذ أخبارهم وائتني بأعلامهم -هذا قبل المعركة- فجلس بينهم في الليل، فسمع مالك بن عوف النصري يقول: إذا أتينا غداً فصبحوهم واضربوهم ضربة رجل واحد، فأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فإرسال العين لصالح المسلمين لا بالإضرار بالمسلمين, لكن لتقصي الحقائق ولنصرة الإسلام, ولتأييد كتاب الله ولرفعة لا إله إلا الله لا بأس به.

الدرس الثالث: أخذ السلاح من المشرك

الدرس الثالث: أخذ السلاح من المشرك والرسول عليه الصلاة السلام لما أراد حنيناً قال لـ صفوان بن أمية وقد كان طلب مهلة أربعة أشهر حتى يفكر في دخول الإسلام- قال: {يا أبا وهب: أتعيرنا مائة درع وسلاحها؟ قال: غصباً يا محمد، قال: بل عارية مضمونة} فأخذها صلى الله عليه وسلم عارية مضمونة، فلا بأس باستعارة السلاح من المشرك, فلو قاتل المسلمين كافر فلا بأس أن يأخذوا من كافر آخر سلاحاً آخر يقاتلون به هذا الكافر, فإن الرسول عليه الصلاة والسلام فعله سواء بشراء, أو عارية, أو على مصالح مشتركة يتبادلها الفريقان فلا بأس بذلك.

الدرس الرابع: ضمان العارية إذا تلفت

الدرس الرابع: ضمان العارية إذا تلفت فإن صفوان {يقول: غصباً يا محمد؟ قال: بل عارية مضمونة} يقول: إذا تلفت هذه الدروع والسلاح نضمنها لك, فلما تلفت بعض السيوف وتكسرت في أيدي الأنصار كما يقول الأول: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب يقول: كلهم ما شاء الله أخلاقاً وسماحاً وجوداً وشجاعةً لكن فيهم عيب واحد وهو يمدحهم قالوا: ما هو؟ قال: سيوفهم مثلمة من كثرة ما قاتلوا الأعداء. فالصحابة تثلمت سيوفهم وثلموا سيوف صفوان بن أمية , فأتى يقلب السيوف وهي مثلمة فيقول: للرسول صلى الله عليه وسلم: أهذا سلاحي؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: نضمنها لك، قال: لا لقد أسلمت والإسلام خير لي لا آخذ منها شيئاً، فرزقه الله الإسلام, وهو خير من الدروع والسيوف، وقبل المعركة كان صفوان وراء الزبير بن العوام. ويقول أحد عيون الرسول صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم ليكونوا بين مالك بن عوف النصري وقبائل الطائف , يقولون: وقفنا معهم فلما مرت كتائب الرسول عليه الصلاة والسلام، سمعنا مالك بن عوف النصري يقول: أي كتيبة هذه؟ وقد مدوا سيوفهم على آذان خيولهم- قالوا: هؤلاء بنو سليم لا يقتلون أحداً ولا يقتلون، يعني: أنهم عند العرب ليسوا بشجعان. قال: والكتيبة الثانية -أناس مروا على الخيل سيوفهم معروضة على أكتافهم- قالوا: هذا الموت الأحمر الأوس والخزرج، قال: ومن مر، قالوا: مر خيال واحد -ذكر هذا ابن كثير - على رأسه عصابة حمراء كأنه صقر على فرسه نحيف، قال: هذا الزبير بن العوام واللات والعزى لا يفارقنكم حتى يخالطكم بسيفه. قالوا: فلما اقترب الزبير وراء الكتيبة ووراء الشجر أقدم إليهم ثم خالطهم بسيفه, حتى عمل فيهم معركة. وكان صفوان يقول: لما رأيت الزبير دخل في الكتيبة فررت. لأنه من أهل المداخل: أما صفوان فلا يورط نفسه في هذه الورطات، بل ينتظر حتى تأتي مائة ناقة؛ رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}.

الدرس الخامس: مشابهة هذه الأمة الأمم السابقة

الدرس الخامس: مشابهة هذه الأمة الأمم السابقة هذا الحديث علق عليه ابن تيمية في الرسائل والمسائل يقول: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين نزل الناس في الظهيرة ومعهم سيوفهم وسلاحهم -وهذا الحديث عند أبي داود من حديث أبي واقد الليثي - قالوا: يا رسول الله! إن للمشركين ذات أنواط -أي: ذات معاليق يعلقون فيها سلاحهم- فاجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؛ فقال عليه الصلاة والسلام: {الله أكبر! إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة}. فيقول ابن تيمية: "سوف يقع في هذه الأمة ما وقع في اليهود والنصارى؛ فإن علماءنا إذا فسدوا كان فيهم شبه من اليهود -نعوذ بالله من ذلك- فإن اليهود تعلموا العلم ولم يعملوا به؛ فختم الله على قلوبهم ولعنهم وغضب عليهم، قال جل ذكره: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13] ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى؛ فإنهم يعبدون الله بلا علم, لا يتفقهون في الدين؛ فلهم صلاة وصيام وذكر لكن على ضلالة: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27]. يقول ابن تيمية: وسوف يقع في هذه الأمة ما وقع بين اليهود والنصارى لهذا الحديث؛ ولقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة:113] قال ابن تيمية: "سوف تأتي طوائف وأحزاب في هذه الأمة تقول: ليست الطائفة الأخرى على شيء ونحن على الحق، وتقول الأخرى: لستم على شيء ونحن على الحق فهي السنن".

الدرس السادس: النهي عن مشابهة المشركين

الدرس السادس: النهي عن مشابهة المشركين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من تشبه بقوم فهو منهم} حتى في الأزياء، قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: "أمرنا أن نتبع السنة، ونهينا عن مشابهة أجناس المشركين والأعاجم إذا خالفوا السنة والحيوانات والبهائم" ثم ذكر أمثلة على ذلك. فمشابهة أهل الكتاب من أعظم ما جرنا إلى الخطر وإلى مخالفة السنة، فهي حرام بالإجماع إذا لم يكن في سنتنا مستند. مثلاً: يقول بعض الناس: نرى بعض الخواجات يربون لحاهم، وإذا ربينا لحانا ألا يكون ذلك مشابهة لهم؟ يقول أحد العلماء: كذلك إذ دخلوا في الإسلام ألا نخرج نحن حتى نخالفهم؟! نسأل الله العافية والسلامة؛ فمعنى المخالفة أن نقف نحن على الحق الذي معنا الذي أتى به صلى الله عليه وسلم ونخالفهم فيما خالفوا فيه الإسلام, أما ما وافقوا فيه الإسلام فلا نتزحزح نحن إذا دخلوا في الإسلام أو وافقوا بعض السنن التي عندنا.

الدرس السابع: التكبير عند التعجب والاستغراب

الدرس السابع: التكبير عند التعجب والاستغراب فالرسول صلى الله عليه وسلم لما قالوا: اجعل لنا ذات أنواط قال: الله أكبر! وهذه من أحسن الكلمات التي تقال في النوادي والمحافل, فنحن لا نعرف التصفيق وليس في ديننا تصفيق، ولا يصفق إلا اللاهون اللاغون إذا أعجبوا بمقولة أو كلمة. فعلى المسلمين أن يكبروا, فإن التصفيق والمكاء والتصدية من علامات الجاهلية ومن شعائر الوثنية , والله ذكر المشركين وطوافهم بالبيت فقال: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] أي: صفيراً وتصفيقاً, فذم التصفيق سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقال ابن مسعود: [[كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أعجبهم شيء كبروا]] وربما كبر عليه الصلاة والسلام فكبروا خلفه, ولذلك يقول: {أترضون أن تكونوا ثلث الجنة؟ قالوا: بلى، قال: ألا ترضون أن تكونوا نصف الجنة؟ قالوا: بلى، قال: فإنكم ثلثا أهل الجنة، فكبروا جميعاً}. صفوفها عشرون بعد المائة أما ثمانون فمن ذي الأمة فثلثا الجنة، وفي رواية: {نصف الجنة} من أهل السنة والجماعة، فالتكبير مطلوب عند التعجب والاستغراب، أو من حدث أو كلمة حماسية، أو من بيت أو قصة, فسنتنا أن نكبر وألا نتشبه بأهل الكتاب الذين أضلهم الله على علم وطبع على قلوبهم.

الدرس الثامن: الحراسة في الغزو

الدرس الثامن: الحراسة في الغزو إن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا كان في الأسفار أو الغزو جعل حارساً يحرس الناس، وما كان يعطيه راتباً عليه الصلاة والسلام، بل كان يعدهم بالجنة, جنة عرضها السماوات والأرض, فكانوا يتسارعون إلى هذا، كما فعل حذيفة في الليلة الظلماء عند أهل الأحزاب، وضمن له صلى الله عليه وسلم الجنة. وكما حرس بلال بن رباح المسلمين في غزوة من الغزوات فقال له صلى الله عليه وسلم: يا بلال! ارمق لنا فجر هذه الليلة، فقام بلال فرمق من أول الليل, فلما قرب الفجر صلى الليل ما شاء الله، ثم جلس برمحه عند الناقة، فاعتمد عليها فنام، فلما نام جاء الفجر, ثم طلعت الشمس حتى أصاب الناس حر الشمس, فاستيقظ عمر رضي الله عنه أول الناس، فاستحيا عمر أن يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: قم صل، ومن عمر حتى يوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وله ذلك فإنها من المصالح والفوائد لكنه استحيا. فأتى بجانب أذن الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: الله أكبر، الله أكبر، فاستيقظ عليه الصلاة والسلام وقد استيقظ أكثر الناس وأصابهم من الخوف ما الله به عليم, تذكروا أنهم ما صلوا, وأن الشمس قد طلعت وارتفعت, فقال صلى الله عليه وسلم: لا عليكم، ثم أمرهم أن يقوموا، وقال يا بلال: أين رمقك الفجر هذه الليلة، فقال بلال: أخذ بنفسي يا رسول الله ما أخذ بأنفسكم، فتبسم عليه الصلاة والسلام. يقول: أنتم وقعتم فيما وقعت أنا فيه, فلماذا تعاتبونني على هذا؟ فصلّى عليه الصلاة والسلام فصلوا، والشاهد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجعل حارساً من الصحابة في الغزو وفي الأسفار لفوائد: 1 - أن يوقظ المصلي والموتر في الليل. 2 - أن يخبر الناس بهجوم طارئ على جيشهم وعلى متاعهم وعلى أهلهم. 3 - تدريب الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه على هذا العمل الجهادي الشاق. 4 - أن يجعل أجوراً لأهل هذه الأعمال ليتباروا في عمل الآخرة وليتقدموا عند الله. قال عمار بن ياسر: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما أمسينا ذات ليلة، قال: من يحرسنا هذه الليلة؟ فسكتنا، فقال: ليقم رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، قال: فقمت، وقام عباد بن بشر رضي الله عنه وعن عمار , الشاب الصادق الذي قتل يوم صفين ضرب على وجهه حتى سقط لحم وجهه من كثرة السيوف, ولما رآه الصحابة قالوا: نشهد أنك عند الله من الشهداء. فبدأ عباد بالحراسة ثم قام يصلي, فبدأ يقرأ في سورة الكهف، فأخذ الأعداء ينظرون إليه وهو حارس يقرأ في الليل, وهم لا يعرفون الصلاة ولا القراءة فأخذوا يرمونه بالسهام, وما أراد أن يقطع القراءة، فأخذ كلما انغمس السهم في جسمه يخرجه وينزله في الأرض, ويستمر في القراءة، وكلما أتى السهم الآخر أخرجه ودماؤه تنصب من جسمه, وأتى السهم الآخر ويخرجه, فلما غلبته الدماء خفف في الصلاة, وقام وزحف إلى عمار، وقال: والله الذي لا إله إلا هو لولا أن أقتل فتفتح ثغرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين ما ختمت هذه الصلاة حتى أتم سورة الكهف، فقال عمار: رحمك الله، ألا كنت أيقظتني؟! فأخبره، فقام عمار رضي الله عنه وأدركوا هذا, فأيقظوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا يوضح لنا كيفية حراسة الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام وللمسلمين. وكان حارسه عليه الصلاة والسلام ربما حرسه عند باب بيته قبل أن ينزل الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] يقول أنس: رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر فلما اقتربنا من المدينة دخل صلى الله عليه وسلم بيتاً له -أي خيمة- قال: فسمعته بالليل يقول: {ليت رجلاً صالحاً يحرسنا هذه الليلة} قال: فأتى سعد بن أبي وقاص فسمع من بعض الناس أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ليت رجلاً صالحاً يحرسنا هذه الليلة} فتوضأ سعد بن أبي وقاص ولبس سلاحه وأخذ سيفه ووقف عند باب الخيمة من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، فلما عَلِم صلى الله عليه وسلم بـ سعد قال: {اللهم اغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر} فكان من الحراس الصادقين. أفضل أيام أبي عبيدة: قيل لـ أبي عبيدة -وقد مر معنا هذا- أي يوم من أيامك أنت عند الله؟ وأي ليالٍ من لياليك أحسن عند الله؟ قال: ليلة واحدة من ليالي اليرموك، قالوا ما هي؟ قال: كنت أمير الجيش فقمت وسط الليل وقد نام الناس جميعاً، وكان ذاك اليوم مطيراً، والناس في نومة ما أحسن للمقاتل والمسافر منها، فأيقظت امرأتي وقلت: أتريدين ليلة من ليالي الجنة؟ قالت: بلى، قلت: قومي معي نحرس الناس، فقام يدور هو وامرأته في المخيم كلما رأوا إنساناً قد خرج لحافه من عليه ردوا اللحاف وألحفوه حتى أصبح الصباح، فهي من الليالي الخالدة التي يتقدم بها أبو عبيدة وكأنه ما عنده من الليالي إلا هذه الليلة، وكل لياليه لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

الدرس التاسع: الالتفات في الصلاة للحاجة

الدرس التاسع: الالتفات في الصلاة للحاجة وقد مر في القصة لكننا أسلفنا هذا الحدث وتركناه, فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أرسل ابن أبي حدرد وقيل أنيس بن أبي مرثد أخذ صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر وهو يلتفت هكذا في الشعب لينظر هل يأتيه الخبر أو لا ويخفف الصلاة. قال أهل العلم: للمسلم إذا كانت حاجة أن يلتفت ولكن لا يجعلها عادة, فالرسول عليه الصلاة والسلام فتح الباب وهو في الصلاة، وحمل أمامة بنت زينب في الصلاة، وتناول بعض الأمور وهو في الصلاة، والتفت هنا إلى طليعة القوم للحاجة, وهذا الحديث في سنن أبي داود بسند حسن عن سهل بن الحنظلية، قال: أرسل صلى الله عليه وسلم يوم حنين طليعة القوم، فأخذ يلتفت إليه في الصلاة وينظر إليه بين شقق الشعب أو كما قال.

الدرس العاشر: الفوز بالجنة للحارس في سبيل الله

الدرس العاشر: الفوز بالجنة للحارس في سبيل الله أتى الذي حرس المسلمين تلك الليلة قال له صلى الله عليه وسلم: {متى نمت؟ قال: في صلاة الفجر، قال: اذهب فقد أوجبت، ما عليك ما عملت بعدها} رواه النسائي ويقول ابن كثير: ورواه أبو داود. وهذا ليس معناه فتح باب الرجاء له ليعمل بالمعاصي؛ لأنه يعلم صلى الله عليه وسلم أن هذا العبد أتقى لله أن يغتر بهذا الكلام, بل جعل له ضماناً وبشارة أن يدخله الله الجنة، قال: {اذهب فقد أوجبت ما عليك ما عملت بعدها} وهذا من باب قوله صلى الله عليه وسلم: {إن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم}.

الدرس الحادي عشر: رفع الصوت للحاجة

الدرس الحادي عشر: رفع الصوت للحاجة الرسول عليه الصلاة والسلام ذم رفع الصوت لغير الحاجة؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19] فأما رفع الصوت للحاجة فلا بأس به. قال البخاري في كتاب العلم: باب من رفع صوته بالعلم، ثم أتى بحديث ابن عمرو: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام رفع صوته وقال: ويل للأعقاب من النار} فهنا رفع صلى الله عليه وسلم صوته ينادي في الناس، وقال للعباس: ارفع صوتك وناد في الناس، فأخذ يقول: (يا أهل سورة البقرة, يا من بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة) حتى يأتون.

الدرس الثاني عشر: فضل أبي سفيان بن الحارث رضي الله عنه

الدرس الثاني عشر: فضل أبي سفيان بن الحارث رضي الله عنه وهو أبو سفيان بن الحارث ليس أبا سفيان بن حرب , فـ أبو سفيان بن الحارث ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام كان له أعمام عشرة منهم الحارث ابنه أبو سفيان هذا، وما أسلم إلا قبل الفتح بأيام, سمع أن الرسول عليه الصلاة والسلام سوف يقدم فاتحاً لـ مكة , وعلم أنه أساء مع الرسول عليه الصلاة والسلام في المقاتلة وأساء في المهاجاة؛ لأن أبا سفيان كان شاعراً يرسل القصائد يهجو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فلما علم أن الرسول عليه الصلاة والسلام سوف يقدم مكة فاتحاً أخذ أطفاله، وكانوا صغاراً كأنهم فراخ الطير من البنات ومن الأبناء, وخرج بهم من مكة ولقيهم علي بن أبي طالب دون مكة بين عسفان ومكة في طريق رحب في شعب من الشعاب. فقال علي ابن عمه: إلى أين يا أبا سفيان؟ قال: يا علي قاتلنا محمداً وآذيناه وشتمناه وطردناه وأخرجناه؛ سوف أخرج بأطفالي هؤلاء وأموت جوعاً وعرياً وعطشاً في الصحراء, والله لئن قدر علي ليقطعني بالسيف إرباً إرباً. فقال علي بن أبي طالب: أخطأت يا أبا سفيان! إنك لا تعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أحلم الناس وأكرمهم وأرحمهم، فعد إليه وسلم عليه بالنبوة، وقل له كما قال إخوة يوسف ليوسف: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91] لأنهم إخوان وأبناء عم، فأتى أبو سفيان بأطفاله يقودهم بأيديهم, فلما وقف عند خيمة أم سلمة وكان الرسول صلى الله عليه وسلم داخل الخيمة، قال: ائذنوا لي أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من في الباب؟ قالوا: يا رسول الله أبو سفيان بن الحارث، قال: لا يدخل علي، لأنه أساء كل الإساءة ما ترك أمراً إلا وكاد به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت أم سلمة تبكي وتقول: يا رسول الله! لا يكون ابن عمك وقريبك أشقى الناس بك، وأخذت تناشده الله عز وجل، قال: أدخلوه علي، فدخل. فقال: السلام عليك يا رسول الله، أمَّا بَعْد: {لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91] قاتلناك يا رسول الله وآذيناك وأخرجناك والله لا أدع موقفاً قاتلتك فيه إلا قاتلت فيه معك، ولا نفقة أنفقتها في حربك إلا أنفقتها معك، ثم أخذ يعدد، فرفع صلى الله عليه وسلم طرفه وعيناه تنزل الدموع، قال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:92] فقال: يا رسول الله! اسمع مني، قال: قل، قال: لعمرك إني يوم أحمل راية لتغلب خيل اللات خيل محمد لك المدلج الحيران أظلم ليله فهذا أواني يوم أهدى وأهتدي هداني إلى الرحمن ربي وقادني إلى الله من طردت كل مطردِ فقام عليه الصلاة والسلام فعانقه وضرب على صدره وقال: أنت طردتني كل مطرد، فأخذ يخدم محمداً صلى الله عليه وسلم، لا يرتحل مرتحلاً إلا قام وحزم له متاعه وشد له رحله، وأخذ ببغلته يقودها, فهو قائد البغلة يوم حنين اليوم الأكبر من أيام الله, يوم ثبت رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ونزل يقارع الأبطال وهو يقول: {أنا النبي لا كذب, أنا ابن عبد المطلب}.

الدرس الثالث عشر: تفاوت الناس في الإيمان

الدرس الثالث عشر: تفاوت الناس في الإيمان وفي هذا رد على أهل الإرجاء، فإنه لا يستوي من أسلم من قبل الفتح وقاتل وأنفق مع الذين أسلموا من بعد وقاتلوا، لأن الإسلام درجات, فنسأل الله من الإيمان أسعده, ومن العيش أرغده, ومن اليقين أعلاه, ومن الإيمان منتهاه, ولا يزال العبد بين الليلة والليلة يزيد إيمانه بالذكر وبالعمل الصالح وبالطاعة حتى يلقى الله وهو بالدرجات العلية من الإيمان, ولا يزال الإيمان ينقص بالمعاصي وبالمخالفات وبكثرة الهروب عن الله عز وجل حتى يتردى, نسأل الله العافية والسلامة.

الدرس الرابع عشر: تنفيل السلب للقاتل

الدرس الرابع عشر: تنفيل السلب للقاتل وهذا حديث كذلك قد مر في القصة، يقول أبو قتادة أحد الأنصار: يوم التقينا يوم حنين رأيت رجلاً من المسلمين يتصارع مع رجل من المشركين وقد التزمه، قال: فرفعت سيفي فضربت المشرك، فترك ذاك وأتى إلي واحتضنني حتى وجدت منه برد الموت ثم ألقاني ومات، فقال عليه الصلاة والسلام: لك سلبه. وفي هذا الحديث -أيضاً- جواز مقاتلة النساء عند أمر الفتنة مع الرجال في صف المسلمين, وقد أورد ابن كثير بأسانيد صحيحة: أن أم سليم قاتلت مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حنين. وأم سليم هي أم أنس بن مالك التي أهدت ابنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: أنس يخدمك يا رسول الله فادع الله له، فدعا له. وأم سليم هي التي يقول عنها صلى الله عليه وسلم: {دخلت الجنة البارحة فرأيت الرميصاء في الجنة}. حضرت المعركة وكانت عندها خنجر في وسطها, فأخذ زوجها أبو طلحة يداعبها ويمازحها ويقول: ماذا تفعلين بهذا الخنجر؟ قالت: إذا تقدم مني كافر بعجت بطنه بهذا الخنجر، فسمع صلى الله عليه وسلم مقالتها فتبسم ثم دعا لها. فأقر صلى الله عليه وسلم المرأة على أن تشارك في الحرب عند الحاجة, أما إذا كان هناك فتنة أو مغبة اختلاط، فلا ينبغي أن تشارك المرأة إلا إذا احتيج إليها، وشأن المرأة في القتال مداواة الجرحى والقيام على الأسرى وتقريب الماء والخدمات للمقاتلين. وفي هذا الحديث: {ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين} يقول أحد المسلمين: لما التقينا يوم حنين رأيت كافراً من هوازن يفتك بالمسلمين فتكاً ويقتل فيهم قتلاً، قلت: لله علي نذر إن أمكنني الله منه أن أقتله، قال: فلما انهزموا وأصبحوا في ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدموا يبايعونه على الإسلام, فتقدمت لأسبق هذا الرجل قبل أن يبايع الرسول عليه الصلاة والسلام لأقتله, فسبقني حتى وقف أمام الرسول عليه الصلاة والسلام, وعلم صلى الله عليه وسلم أني نذرت, فأراد أن يترك لي الفرصة حتى أقتله. قال: فانتظر فما فعلت، قال: فأسلم الرجل فولى. قلت: يا رسول الله أريد قتله فإني نذرت، قال: أما رأيتني تأخرت عن قبول إسلامه؟ فلماذا لم تومئ لي يا رسول الله بعينك، قال: {ما كان لنبي أن تكون له خائنة أعين} لأن خائنة الأعين أو الغمض من شيم أهل الخيانة والخداع والمكر والنفاق, أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه صادق واضح مخلص لا يريد التواءً في عقيدته ولا في سيرته ولا في معاملته للناس عليه الصلاة والسلام.

الدرس الخامس عشر: ذكر الرجل نفسه عند اللقاء ببعض مناقبه

الدرس الخامس عشر: ذكر الرجل نفسه عند اللقاء ببعض مناقبه عندما يذكر الرجل نفسه ببعض مناقبه عند اللقاء فإن هذا لا ينقص من أجره ولا من مثوبته شيئاً, فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما رأى الكتائب تتدفق عليه مثل الجبال, قال: {أنا ابن العواتك} وقال: {أنا النبي لا كذب, أنا ابن عبد المطلب}. وانتسب لجده لشهرته في العرب, فهذا لا يثلم في الأجر ولا ينقص في المثوبة، ولذلك يقول أحد الصحابة: التقينا مع الكفار فخرج غلام من الأنصار فرمى كافراً وقال: خذها وأنا الغلام الأنصاري, فأخبروا الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: وما عليه أن يؤجر ويحمد أي: فهو مأجور ومحمود، ولذلك كان كبار الصحابة إذا بارزوا الأبطال أنشدوا فخراً ورفعاً للمعنوية وحماساً وإبداءً للشجاعة. قال أهل السير ومنهم ابن كثير وابن هشام، التقى مرحب مع علي فنزل مرحب يقول: قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فنزل له علي وقال: أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره أكيلكم بالسيف كيل السندره وخرج سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه وهو لابس سلاحه في غزوة من الغزوات من يقول: لبث قليلاً يشهد الهيجا جمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل وهكذا ابن رواحة أنشد في المعركة رضوان الله عليهم جميعاً، فكان شعارهم أن يتقدموا بهذا، وهي سنة عند العرب، يقول الأحنف بن قيس وقد كان يقاتل في سجستان وهو الذي فتح الطريق إلى كابل قبل الجراح بن عبد الله الحكمي، يقول: عهد أبي حفص الذي تبقى أن يخضب الصعدة أو تندقا

الدرس السادس عشر: شجاعته النادرة صلى الله عليه وسلم

الدرس السادس عشر: شجاعته النادرة صلى الله عليه وسلم فأشجع الناس وأكرمهم وأحلمهم الرسول صلى الله عليه وسلم, انظروا إلى شجاعة أبي الحسن علي بن أبي طالب يقول: كنا إذا حمي الوطيس واشتد الهول اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون أقربنا إلى القوم. يتقون وهم الشجعان بالرسول صلى الله عليه وسلم من ضرب السيوف ووقع السهام وطعن الرماح, فيكون هو أقربهم إلى القوم، وما فر في المعركة ولا خطوة واحدة.

الدرس السابع عشر: مناداة الناس بمناقبهم شرف لهم

الدرس السابع عشر: مناداة الناس بمناقبهم شرف لهم يقول أهل السير: إذا خطبت قوماً فاذكر مناقبهم ومحامدهم، وذكرهم بأيام الله, فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {يا بني عبد الله -قبيلة من قبائل العرب- إن الله أحسن اسم أبيكم فأحسنوا سيرتكم} فالرسول عليه الصلاة والسلام أمر العباس أن يقول: يا معشر الأنصار، ثم قال: يا أصحاب الشجرة، يناديهم بذاك اليوم المشهود، يا من أنزلت عليهم سورة البقرة, يناديهم بهذه المنقبة, فللمسلم أن يتحف إخوانه والقوم الذين يدعوهم بمناقبهم ومآثرهم ليكون أشد إقبالاً لهم, وهذا من ذكر المناقب في مجال الدعوة إلى الله عز وجل.

الدرس الثامن عشر: ضرب الأمثال

الدرس الثامن عشر: ضرب الأمثال كان الرسول عليه الصلاة والسلام يضرب الأمثال للناس ومثاله قوله صلى الله عليه وسلم: {الآن حمي الوطيس} وهو أول من تمثل به كما قال أهل السير، وكان عليه الصلاة والسلام يضرب الأمثال للناس كما ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أمثالاً في القرآن يضربها في العقيدة والعبادة والسلوك. {جاء رجل أعرابي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: أعطني من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا من مال أمك، فقام الصحابة عليه، فأسكتهم صلى الله عليه وسلم ثم أعطاه، فلما انتهى من إعطائه، قال: هل أحسنت إليك؟ قال: نعم أحسنت وأجملت جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فذهب أمام الصحابة، فقال: هل أحسنت إليك؟ قال: لا، فأرادوا أن يهموا به فعاد صلى الله عليه وسلم فزاده فدعا له الأعرابي، فقال: أخبر أصحابي بهذا ليزول ما في نفوسهم، فقال هذا أمامهم. فقال عليه الصلاة والسلام: أتدرون ما مثلي ومثلكم ومثل هذا الإعرابي؟ قالوا: لا، قال: مثلنا كرجل كانت عنده دابة فرت منه فأخذ الناس يلاحقونها فما زادوها إلا فراراً. فقال: يا أيها الناس دعوني ودابتي, فأخذ شيئاً من خشاش الأرض -أي: من خضرة الأرض- فلوح لها به فأقبلت إليه حتى قادها، فلو تركتكم وهذا الإعرابي لفر ثم ارتد ثم دخل النار}.

الدرس التاسع عشر: الإلحاح في الدعاء وقت الأزمات

الدرس التاسع عشر: الإلحاح في الدعاء وقت الأزمات يقول جل ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45] قال ابن القيم: "سُئل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله لماذا ذكر الله الدعاء والذكر وقت الأزمات ووقت التحام الصفوف؟ قال ابن تيمية: من عادات العرب والناس ذكر محبوبيهم وقت الأزمات؛ فأراد الله أن يخبرهم أن أحب محبوب عندهم هو الله, فليذكروه في تلك الأزمة أو الضائقة، ثم قال ابن تيمية أما سمعت قول عنترة: ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي فذكرها في تلك اللحظة، فالمؤمنون ذكَّرهم الله أن يذكروه وقت الأزمات, وأحسن الدعاء ما سر صاحبه إليه, وهو وقت الضائقة التي تحل به لأنه يخلص في الدعاء ويلتجئ إلى الحي القيوم، فالرسول عليه الصلاة والسلام لما رأى الكتائب قال: {اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك الذي وعدتني} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

الدرس العشرون: معجزته صلى الله عليه وسلم في حصبه وجوه الكفار بالتراب

الدرس العشرون: معجزته صلى الله عليه وسلم في حصبه وجوه الكفار بالتراب ومعجزاته كثيرة، منها هذا الأمر قال تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] حفنة من التراب قليلة تغطي اثني عشر ألفاً من المقاتلين، فما يبقى أحد وهم صفوف وراء صفوف وكتائب وراء كتاب إلا تدخل في عينه؛ إنها معجزة من المعجزات التي حفظها التاريخ لرسولنا صلى الله عليه وسلم. ومن المعجزات أيضاً: حماية الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من القتل؛ لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] يقول بلغ الرسالة ولا تخف من الاغتيال فإنك لن تغتال أبداً، قد تعرض عليه الصلاة والسلام لإحدى عشرة مرة محاولة اغتيال ولكنه ينجو منها بإذن الله, وعلم بأن الله يحميه، ولا يستطيع له أحد من الناس فقد عصمه الله. ومنها: عدم فراره صلى الله عليه وسلم: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} [النساء:84]. ومنها: عفوه وصفحه عليه الصلاة والسلام عن شيبة بن عثمان الذي أراد اغتياله, وعن أبي سفيان , وعن مالك بن عوف النصري , فإنه عفا وصفح، ومن أعظم صفاته صلى الله عليه وسلم العفو والصفح, ولذلك ذكره الله بهذه الصفات وأثنى عليه ومدحه بهذه المنقبات والمكرمات.

الدرس الحادي والعشرون: آداب في الحروب

الدرس الحادي والعشرون: آداب في الحروب ومنها: النهي عن قتل المرأة والوليد والخادم؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام نادى الأبطال والقواد في كتائبه ومن ضمنهم خالد وقال لهم: {لا تقتلوا امرأة ولا وليداً ولا عسيفاً} والعسيف: الخادم. ومنها: قتل دريد بن الصمة الشاعر الذي سلف في أول القصة، وكان كبيراً في السن شيخاً وقال لـ مالك النصري: عد بإبلك وبقرك وغنمك، وأمر قومه أن ينزلوا بالسلاح فقط, فعصوه فانهزموا فقال: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد ولما فر مع الناس لحقه رجل سلمي اسمه ربيعة بن رفيع قال: فأدركته فظننته امرأة، فأنزلته من على فرسه فرأيت شيخاً يفهق من كبر السن، فضربته بالسيف. قال: ويل لك، ما ولدتك أمك مقاتلاً، خذ هذا السيف ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فإني كنت كذلك أضرب الأبطال. قال: فأخذت سيفه فلما أردت قتله، قال: إذا ذهبت فمن أنت؟ قلت: أنا ربيعة بن رفيع السلمي. قال: أخبر أمك باسمي, أنا دريد بن الصمة فكم أعتقت لك من أم، قال: فذبحته فلما أتيت إلى أمي. قالت: فضيحة لك بقية اليوم، أعتقني وأعتق عماتك الثلاث, وأطعمنا من جوع فقتلته. قال: يذوق نار جهنم لأنه مشرك. ومنها: اشتشهاد أبي عامر الأشعري في أوطاس فإنه حضر المعركة رضي الله عنه وأرضاه وضربه مشرك في ركبته بعد أن قتل تسعة من أبطال المشركين, ووقف له العاشر فضربه في ركبته فخرج منها الماء فمات، فقال لابن أخيه أبي موسى: اذهب إلى رسول صلى الله عليه وسلم وبلغه مني السلام وقل له: يدعو لي. قال أبو موسى: فأتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته في غرفة ضيقة قد أثر الحصير في جنبه، فقلت: يا رسول الله! قتل عمي أبو عامر الأشعري وهو يبلغك السلام ويقول: ادع له. فقام عليه الصلاة والسلام إلى ماء فتوضأ ثم استقبل القبلة، فقال: اللهم اغفر لعبدك أبي عامر ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم اجعله من ساكني الجنة, وارفعه على كثير ممن خلقت وفضله عليهم تفضيلاً، قال أبو موسى: فلما سمعت هذا الدعاء وقفت بجانبه صلى الله عليه وسلم فقلت: وأنا يا رسول الله، لأنها فرصة لا تتعوض. فقال صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم رافعاً يديه إلى القبلة: واغفر لـ أبي موسى وأكرم نزله ووسع مدخله. فكان الرسول والمرسل ظافرين بدعاء الرسول عليه الصلاة والسلام. ومنها: تأليف الناس بالمال: فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ألف هؤلاء لا لحب فيهم ولا لإيمانهم ولا لجهادهم، لكن ليدخلوا في دين الله أفواجاً, فإنهم ما دخلوا إلا بالنوق الحمر وبالمال, فللمسلم أن يتألف بعض الناس بشيء من الهدية إذا دعاه, أو بالمال أو بالوليمة، فإن من عباد الله من لا يدخل الجنة إلا بالولائم.

الدرس الثاني والعشرون: مع الأنصار

الدرس الثاني والعشرون: مع الأنصار ومنها: مكانة الأنصار وفضلهم وأنهم من أفضل عباد الله, وأن من علامة الإيمان حب الأنصار, ومن علامة النفاق بغض الأنصار، فحبهم عروة وثقى عند الله، وبغضهم نفاق وريبة وشك نعوذ بالله من بغضهم، ونشهد الله على حبهم, ونسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم، وفي ذلك يقول لهم صلى الله عليه وسلم في آخر خطبته: {يا معشر الأنصار إنكم سوف تلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض} معنى الكلام: أن الناس سوف يستأثرون عليكم بالدنيا، فاصبروا على الفقر والخصاصة وعلى الأثرة حتى تلقوني على الحوض المورود, والذي طوله شهر وعرضه شهر وعدد آنيته كنجوم السماء, من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً. قال أنس وهو يبكي وهو يقص الحديث: [[قال لنا نصبر فوالله ما صبرنا]]. وقام معاوية بن أبي سفيان يتكلم في الأنصار رضي الله عنه وأرضاه في الشام فاعترضوا عليه فسكت عنهم فما أجابهم. فقال أحدهم: -أظنه أبا سعيد أو عبادة بن الصامت - إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: إنا نلقى بعده أثرة, قال: فما قال لكم رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال: قال لنا: اصبروا, قال معاوية: فاصبروا إذاً، قالوا: نصبر ونستعين بالله أو كما قالوا.

الدرس الثالث والعشرون: الحذر من الاغترار بالدنيا

الدرس الثالث والعشرون: الحذر من الاغترار بالدنيا إن الدنيا حلوة خضرة, والمال لا يعطى لفضل الإنسان، وإذا أغدق الله على إنسان مالاً فليس ذلك لعظم منزلته في الإسلام, لكن يبتلي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالغنى والفقر, فكم من تقي لا يملك عشاء ليلة، وكم من فاجر يتمتع بقصور من الذهب والفضة، قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:32]. انتهى هذا الحدث التاريخي الذي رواه لنا الإمام البخاري فشكر الله له سعيه، وأجزل مثوبته، وتغمده الله برحمته، وجمعنا الله وإياكم كما اجتمعنا في هذا المكان في مستقر رحمته عند مليك مقتدر: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم:8]. أسأل الله أن ينضر وجوهنا ووجوهكم بسماع حديثه صلى الله عليه وسلم, وأن يتحف قلوبنا بالحكمة, وأن يفقهنا في الدين, وأن يزيدنا علماً وتوفيقاً وفقهاً ورشداً وهداية.

التوحيد

التوحيد بدأ المؤلف بطرح طرق إثبات التوحيد عند أهل السنة والجماعة، ثم ذكر أسباب عدم إدراك التوحيد الخالص، وعرض بعض خرافات الصوفية الذين أشركوا مع الله تبارك وتعالى. وبين أن القرآن بقصصه وأحكامه وأمثاله توحيد لله عز وجل، وقد تحدى الله جميع البشر بأن يخلقوا كخلقه. واستعرض أساليب القرآن في تعليم التوحيد للناس، وطريقة القرآن في عرض الآيات، وبين أثر المسلمين في الساحة، وأن ضعفهم وقوتهم أمام عدوهم بحسب توحيدهم لله تعالى، وأن قوة الكفر ليست أمام الموحدين إلا كما قال الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) [العنكبوت:41].

أهمية التوحيد

أهمية التوحيد الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: فعنوان هذه المحاضرة "التوحيد"، ونحن بحاجة إلى أن نتكلم عن التوحيد دائماً، ونسمع الحديث دائماً, وقد تطور الشرك في هذا العصر؛ فجدير بالمؤمن أن يطور أساليب عرض التوحيد للناس, فيتكلم لهم دائماً عن هذه القضايا كما تكلم القرآن.

طرق إثبات التوحيد عند أهل السنة والجماعة

طرق إثبات التوحيد عند أهل السنة والجماعة ويثبت التوحيد عند أهل السنة بثلاث طرق: الفطرة, وآيات الله الكونية, وآيات الله الشرعية. أما الفطرة: فالله فطر الناس على التوحيد, فكل مولود يولد على الإسلام, وكل مولود يقع رأسه على الأرض من بطن أمه إنما يقع على لا إله إلا الله, قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم:30] فالإنسان أخذ الله عليه الميثاق؛ أن يكون موحداً مسلماً مؤمناً؛ فيسقط من بطن أمه على هذا التوحيد. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه, فيبدأ الشرك بعد الميلاد, وتبدأ الدراسات الشركية والتأثير الوثني على الإنسان وهو في الأصل موحد بعد أن تأتي به أمه. وسوف أستعرض -إن شاء الله- معكم آيات القرآن عن التوحيد، بخلاف التبويب الذي يسلكه بعض المؤلفين، لنرى كيف عرض القرآن التوحيد. الطريق الثاني من عرض التوحيد: طريق الآيات الكونية. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد السموات الأرض الجبال الوهاد الماء الهواء الضياء كلها تدل على الله, وتشهد أن لا إله إلا الله, وتلقنك درساً من دروس العقيدة التي لا تنساها، قال تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] ما لهم لا ينظرون؟! وما لهم لا يؤمنون؟! وما لهم لا يتدبرون؟! كل الكائنات تدل على الله, والله جعلها دليلاً أصلياً في القرآن، وسوف أستعرضها معكم. الطريق الثالث: طريق الآيات الشرعية في القرآن الكريم، فيعرض سُبحَانَهُ وَتَعَالَى التوحيد في القرآن، بل القرآن كله توحيد, حتى القصص والأمثال والأحكام تختم بالتوحيد أو تبدأ بالتوحيد. وإنما طرقت هذا الموضوع وقد يقول قائل: أتتحدث عن التوحيد وليس أمامك إلا موحد؟! فأقول: إن غبش التصورات في العالم الإسلامي أوجب على الداعية والمتكلم وطالب العلم أن يكرر هذا الموضوع وأن يوضحه للناس.

أسباب عدم إدراك التوحيد الخالص

أسباب عدم إدراك التوحيد الخالص والمسلمون اليوم مليار، لكن قليل منهم من يعرف التوحيد, فهم يصلون ويصومون ويزكون ويحجون ويعتمرون, ولكن في تصوراتهم غبش, ولا يعرفون التوحيد الخالص, فإن الناس أحد ثلاثة أشخاص: 1 - إما مسلم معه هوية، ولكنه مغزو في فطرته وعقله من الغرب والشرق, فهو ممسوخ, قد يصلي لكن لا يتصور هذا التوحيد التوكل الخوف الرجاء الرغبة الرهبة فهو غربي من داخله، وفي ظاهره مسلم يتكلم بلا إله إلا الله لكنها في قلبه ميتة، ما تصور أثرها، ولا عرف مقدارها، وما أدرك منزلتها. 2 - أو رجل جاهل في البادية يصلي ويصوم، لكن أدنى ذرة تقدح في توحيده, يذهب إلى الكاهن أو الساحر أو المشعوذ، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد} أي: خرج من الملة, وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أتى كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً}. وأنا أعرف -وقد رأيت- أن هذا الشرك في القرى والبوادي متأصل منتشر، ومع ذلك يدعون أنهم موحدون ويصلون ويصومون، فما ينفعهم ذلك. 3 - أو شيخ من مشايخ الصوفية الطرقية، الذين وقفوا للناس في الزوايا بالمرصاد, فهم أعداء التوحيد, معهم عمائم مكورة، ومسابح طويلة، ورقع مرقعة, ويقولون: أنتم تتعلمون من عبد الرزاق، وتقولون حدثنا عبد الرزاق، ونحن نأخذ علمنا مباشرة من الرزاق: حدثني قلبي عن ربي وذلك كذب! {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5]. وهم أشبه بأحبار ورهبان بني إسرائيل، صدوا عن منهج الله, لا يعرفون التوحيد؛ يجعل أحدهم يده مثل الحجر الأسود، فيمد يده للجماهير يقبلونه ويقدسونه ويتمسحون به، ويأخذون ماءً من آثار وضوئه, ويقولون: شافِ مرضانا، ويعبدونهم ليقربوهم من الله زلفى, مثل اللات والعزى وهبل ومناة الثالثة الأخرى تماماً، فيصدون الجماهير عن منهج الله. وأنا أعرف أن في المسجد من ينقل هذا الكلام, وأنا في هذا اليوم وأنا صائم أحمله أمانة أن ينقل هذا الكلام إلى مشايخ الطرقية وإلى الصوفية ليخبرهم أنهم على ضلال, إن لم يخلصوا توحيد الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

من أدلة التوحيد في القرآن

من أدلة التوحيد في القرآن لكن اسمحوا لي أن أستعرض أدلة القرآن، وفيها ما يقرب من مائة آية صحيحة في هذا المبدأ, ولو أن بعض العلماء يقول: ثلاثة أرباع القرآن توحيد, وبعضهم يقول: كل القرآن توحيد, وهذا صحيح. قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]. يا محمد! قل للناس يا محمد! قل للبشرية: الله أحد, كيف تدرك العقول أن الله أحد ولا تعبد أحداً غيره؟ لأن الجاهلية القديمة تعبد الأصنام والأوثان، والمانوية تعبد الليل والنهار, وبعضهم الضياء والظلمة, وبعضهم النار والنور, فأتى صلى الله عليه وسلم يقول: الله أحد, فمبدؤه: الله أحد. وعلَّمها أصحابه، ولقنها صلى الله عليه وسلم بلالاً في قلبه، فيسحبونه في الرمضاء، فيقول: أحد أحد, ويضربونه فيقول: أحد أحد. فمتى نعرف نحن هذه الجملة؟ إنها هي التي إذا ملكناها دمرت كل شيء بإذن ربها، فنكون على عقيدة خالصة. {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فليس له شريك, والجاهلية العصرية العلمانية الآن تتخذ إلهاً من دون الله، فهم لا يعبدون الأصنام والأوثان, لكن لهم أصناماً وأوثاناً أخرى, ولهم أسياد يعبدونهم, ولهم أوثان من البشر, ولهم شركيات أعظم من شركيات الجاهلية, فالعلم عند العلمانية طاغوت مثل الصنم، يعبد من دون الله, لأنهم فصلوا العلم عن الإيمان. والرسول عليه الصلاة والسلام أتى بالعلم والإيمان كما في الصحيحين: {مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث} والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:56]. {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:1 - 2] الذي تصمد إليه الكائنات: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:2 - 4] فهذه السورة ردت على ثلاث طوائف, على اليهود والنصارى والمشركين, وهذه السورة تعدل ثلث القرآن، وهي حبيبة إلى قلوب الموحدين يحبونها ويفهمونها. وبعض الناس من المسلمين مشرك، تجده يقرأ قل هو الله أحد ولا يفهمها, فغلاة الصوفية، وأهل البدع المنحرفين الضالين يقرءونها ولا يفهمون معناها. وأحد الصحابة كان -كما في الصحيح- يقرؤها في كل ركعة, فشكوه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قال: سلوه: ما له يقرؤها؟ قال: لأن فيها صفة الرحمن وأنا أحب الرحمن, قال عليه الصلاة والسلام: {حبك إياها أدخلك الجنة} وهذه السورة حبيبة عند المؤمنين، قال سبحانه عن الكفار وعن مفترياتهم وأطروحاتهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص:5]. وفي سنن أبي داود أن حصين بن عبيد وفد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم -والحديث صحيح- فقال: {كم تعبد يا حصين؟ قال: أعبد سبعة, قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: من لرغبك ولرهبك؟ قال: الذي في السماء, قال: فاترك التي في الأرض واعبد الذي في السماء} سبحانه!! هو الذي ينفع ويضر, ولا يكشف السوء والبلوى إلا هو, يعرفها الإنسان حتى المشرك إذا أتته الأزمات, قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس:22]. الذين يذهبون إلى قبر أحمد البدوي وزينب، وإلى قبر عبد القادر الجيلاني، وإلى ضريح إقبال محمد علي جنة وأمثالهم في العالم الإسلامي ويتوسلون، هؤلاء مشركون, قالوا: ما نعبدهم إلا حباً، وقبر الحسين، الذي يطوفون به هذا من الشرك الذي لا يختلف فيه, ولا نقول ذلك من أنفسنا لكن من مفهوم الكتاب والسنة أنه شرك, فالجاهل يعرف أن الصنم لا ينفعه ولا يضره، قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى. والكفار يقولون لما قال عليه الصلاة والسلام: {قولوا لا إله إلا الله تفلحوا} قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص:5]. ويقول سبحانه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء:22] ولو كان في الدنيا وفي المعمورة إله آخر مع الله لفسدت, لأن هذا يأمر بشيء وهذا يخالفه, وهذا ينهى عن شيء وهذا يخالفه, فالفطر تقول: لا يستوي إلهان اثنان في العالم, بل لا بد من انفراد إله واحد وهو الله، وهو السر الذي تكلم عنه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كلٌ يقول: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه} [الأعراف:59]. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:31] قال عدي بن حاتم والحديث صحيح: {يا رسول الله! ما نعبدهم -يقول: لا نسجد لهم ولا نصلي- قال: أليس يحلون الحرام فتحلونه ويحرمون الحلال فتحرمونه؟ قال: بلى. قال: فتلك عبادتهم}. إذا اتخذ الإنسان شيخاً، يدله على التحريم والتحليل بدون دليل، ويتقرب إليه، ويقبل يديه من باب التقديس على أنه ينفع ويضر ويشافي ويعافي, بل بعضهم أجلس معه في الحرم هنا وأسألهم عن مشايخهم, وكيف نفعهم وتأثيرهم في العالم؟ بعضهم يقول: أسباب نصر المجاهدين بركة الشيخ, والشيخ في زاوية بينه وبين الجهاد ألفي كيلو متر, وبعضهم يقول: إذا دعا الشيخ أو إذا مسحنا يد الشيخ نزل المطر, وكانت ابنتي مريضة فمسها الشيخ فتشافت بلا علاج, وهذا أكبر شرك في العالم, وهذا يُضحك منه الخواجات الحمر ويقولوا: انظروا إلى الإسلام!! وهناك فيلم في أمريكا يعرض الخرافات الصوفية ويقول: انظر إلى الإسلام, فنقول: الإسلام بريء من هذا، وهذا ليس من الإسلام. أهذا الإسلام؟! أهذا الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم؟! نبرأ إلى الله اللهم إنا نبرأ إليك من هذه الطرق والشركيات والخرافات التي شتتت العالم الإسلامي. ويقول سبحانه في دليل الإلزام في القرآن في سورة الطور: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] وهذا إلزام لأنه ما ترك لك منفذاً فألزمك بهذا المنفذ. فالاحتمالات: أم خلقوا من غير شيء؟ لا. أم هم الخالقون؟ لا. بقي احتمال ثالث أن الله خلقهم, وهذا الإلزام عجيب، وهي طريقة منطقية يسلكونها, يقولون: أنت لست قائماً ولا ماشياً، فما هو الاحتمال الثالث؟ هو أنك جالس. {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] فلا خلقوا أنفسهم، ولا خلقوا من غير شيء, فيبقى احتمال ثالث عند العقلاء، وهو أن الله هو الذي خلقهم سبحانه. ويقول الله عن سر من أسرار التوحيد اتصف به وهو خاصية له سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] سبحانه! كل ما سواه يموت إلا هو, وقال: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:93] وقال: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:26] لكنه اختص بأنه الحي الذي لا يموت, وبعض أهل العلم يقول: الاسم الأعظم هو الحي القيوم, فهو لا يشترك معه أحد فيه, لأن حياته دائمة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقدرته مستمرة: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] وعرف بمفهوم المخالفة من الآية أن من اتخذ من دون الله إلهاً آخر، فإنما اتخذ ميتاً يفنى.

طريقة القرآن في عرض آيات التوحيد

طريقة القرآن في عرض آيات التوحيد وأنا قلت لكم في بداية المحاضرة: لا أعتمد على التقسيم المنطقي أو تقسيم بعض المؤلفين في كتبهم، بل أعرض التوحيد عرضاً على طريقة القرآن, فالقرآن مرة يُحدثك عن آيات الله في الكون وهو يتكلم لك في التوحيد, ومرة في الحدائق، ومرة في البساتين، ومرة في خلق الناس، ومرة في الحيوانات, وهو يريد أن يحدثك عن التوحيد. ويقول الله سبحانه: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:11] وهذا يسمى عند المفكرين العصريين: تحدٍ سافر. {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:11] اخرج وانظر في الناس، والفواكه، والخضروات، والأحياء، والمخلوقات. {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:11] أروني خلق الأصنام وأروني خلق الأوثان وأروني خلق الطرقية وأروني خلق العلمانية والشيوعية الكافرة, أروني ماذا خلقوا في الكون ولو ذبابة أو بعوضة, فعلم من ذلك أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى انفرد بالخلق. وقال سبحانه: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} [النمل:60] فمن تطوير أساليب تعليم التوحيد أن تأخذ طلبتك من الفصل، وتدخل بهم الحديقة والبستان، وتكلمهم عن التوحيد وأنت في البستان, ولا يكفي فقط أن تشير بالطباشير على السبورة، وهذه قد تكون نافعة في جانب، لكن اخرج بهم, وحدثهم عن الزهور والطل والندى والماء والشجر والحجر. قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا والنحل قل للنحل يا طير البوا دي ما الذي بالشهد قد حلاكا وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا فالحمد لله الكريم لذاته حمداً وليس لواحد إلاكا طريقة القرآن عرض الآيات للناس، وهذه نسيها التعليم والإعلام, فالتعليم الإسلامي نسي هذه الطريقة, وهو أن يؤتى بالشباب والناشئة فيربطون بالكون على أنه آية من خلق الله، ويردهم إلى معرفة الله, فينشأ الشاب متفكراً في آيات الله عز وجل. يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66] يقول الرازي في هذه الآية: الخطاب موجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, فالله يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65] كيف وهو الذي أتى بالتوحيد؟! كيف وهو الذي علَّم العقيدة الصحيحة؟! كيف وهو الذي أجرى دمه ودموعه وحمل السيف ليرفع لا إله إلا الله؟! ونشرت دين الله يا علم الهدى ورفعته حتى استقام هناكا قال من باب "إياك أعني واسمعي يا جارة" فما دام أنك إذا فعلت ذلك عُذبت وكنت من الخاسرين, فكيف بالأمة؟ {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66]. يا أيها الإخوة! العقيدة في كل البلاد الإسلامية قد تفهم وتحفظ, لكننا نحفظها ونفهمها كما يحفظ الإنسان المسألة الحسابية أو المعادلة الرياضية, نحفظ قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ونحفظ كتب العقيدة وفيها: يضحك ربنا ضحكاً يليق بجلاله. وفيها: الله يطلع على الكائنات وخائنة الأعين وما تخفي الصدور. وفيها: الله يعلم الغيب وأخفى، والسر وأخفى, لكن انظر إلى توحيد هذا الحافظ في حياته، ينظر إلى المرأة، ويشرب الكأس، ويتعامل بالربا، ويزني، ويعق والديه، ويقطع رحمه, فأين أثر التوحيد؟! أمن أجل أنه يحفظ كذا ويقول: هذا توحيد أهل السنة والجماعة يعتبر موحداً؟! إن التوحيد اعتقاد، وعمل، ونطق, فإذا نقص أحد هذه الأركان الثلاثة نقص بحسبه, ولما لم يتربَّ الناس على التوحيد والإيمان بقوة أتت هذه المخالفات حتى من رجل قد يحفظ القرآن كله والسنة كلها. ويقول سبحانه وهو يتكلم عن التخلية والتحلية, التخلية من الشرك والتحلية بالتوحيد, وأسلوب القرآن التخلية أولاً، فهو ينسف الساحة من الأوثان، ويدمرها تماماً، ثم يأتي بتقرير التوحيد، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]. وهذه تنطبق على من اتخذ من دون الله إلهاً آخر ولو كان صنماً أو شيخاً أو جهة أو لعبة أو حكومة أو كياناً أو مسئولية أو دائرة. فهذه من لمسات التوحيد على القلوب التي يشهدها الإنسان، والتي عرضها القرآن عرضاً كثيراً في غضون آياته، قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} [الأنعام:17] يجدها المريض، والمبتلى والذي أصيب بكارثة، حتى إن الإنسان يجد قوة التوحيد في بعض الأزمات التي تمر به, وقد رأينا من بعض الشباب أنه ما عرف التوحيد الخالص إلا يوم أصبح على السرير الأبيض في المستشفى, أو أصابه حادث انقلاب بسيارة, أو أصابته كارثة, أو أصابه مرض عضال فالتجأ إلى الله. وقد عرضتُ قبل ثلاث محاضرات قول الشاعر المجرم لأحد السلاطين وهو يمدحه: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار فعلمه الله من هو الواحد القهار, ومن هو الذي ينفع ويضر، فأصابه مرض مؤلم فأخذ يعوي على فراشه كالكلب، ويقول: أبعين مفتقر إليك نظرتني وأهنتني وقذفتني من حالقِ لستَ الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق لا إله إلا الله! سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا يُعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ} [الأنعام:17] هذه الأحداث التي تمر بالإنسان إن لم تزده توحيداً فما صلح, وأنتم تعرفون قصة أهل " الله يتجلى في عصر العلم " لما أبحروا، وكانوا أمريكان، ورسبت بهم السفينة، وانقطعت الاتصالات؛ فالتجئوا إلى الله, كل الفطر تعرف الله, وأنقذهم الله فأسلموا, ويقول سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62] هكذا العرض القوي الصادق, وهذه هي الأساليب القوية المؤثرة في الناس: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] المضطر الذي يبلغ بحاجته إلى من يعينه، وفي حاجة من الضرورة الماسة ما بعدها ضرورة, فمن الذي يجيب المضطر؟ إنه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ويتخلى المشركون عن الأوثان والآلهة التي اتخذها الناس وقت الحاجة، ويلتجئ القلب إلى الله ويتخلص من غير الله، فالله يقول: من الذي يجيب المضطر إذا دعاه؟ من الذي يكشف السوء؟ من الذي يجعلكم خلفاء في الأرض؟ أإله مع الله؟ قليلاً ما تذكرون. إذاً: أنتم ما عندكم ذكر ولا فكر. ويقول سبحانه وهو يعرض آيات التوحيد في الكون: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:9 - 11]. {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً} [ق:9]. انظر إلى نزول الماء يعلمك ويلقنك دروساً من التوحيد. {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق:9 - 10] لله دره من أسلوب! قال: باسقات، ولم يقل: طويلات, لها طلع ولم يقل: ثمر، قال: نضيد ولم يقل جيد أو طيب، باسقات طلع نضيد، وهي أساليب منتقاة؛ لأن القرآن لا يأخذ الأساليب المبتذلة في السوق. قال الله: فمن ينزل ذلك؟ إنه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى, والنخل فيها مدرسة، والنحل كذلك وكل الكائنات. والعجيب أن الحيوانات تعرف أن الباري هو الله، إلا الإنسان إذا ارتكست فطرته, الهدهد يلقي محاضرة عن التوحيد على سليمان, قال: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل:22 - 24] لماذا يسجدون للشمس من دون الله؟ قالوا: عرف الهدهد الله، فألقى محاضرة على من عرَّف بالله، وهو سليمان عليه السلام. ويقول سبحانه: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس:106] والظالم هو الذي يضع الشيء في غير موضعه, فالله أمر كل مسلم ألا يدعو إلا الله, وألا يستجير إلا بالله, وألا يستغيث إلا به, وفي الحديث الصحيح عند الترمذي وأحمد: {وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك, رفعت الأقلام وجفت الصحف}. أمة مسلمة عددها مليار، تقول: لا إله إلا الله، لكن تعال في الطواف تر تمائم معلقة، وحروزاً ومسبحة طولها متران، يقول: هذه فيها ذكر وهو ذكر غير شرعي, من صلاة التراويح إلى صلاة القيام وهو يقول: حي حي حي!! كأنه يطرد غنماً, أو: هو هو هو!! وهذا نباح كلاب, أو: يا لطيف يا لطيف يا لطيف, ودعاء الاسم المجرد لا يكفي، مثلاً: يطرق عليك طارق: يا محمد يا محمد, من علمهم هذا؟ إنهم أولئك الذين جهلوا رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام.

التوحيد وأثر المسلمين في الساحة

التوحيد وأثر المسلمين في الساحة فلذلك انظر إلى أثر المسلمين في الساحة، ينهزمون أمام الأعداء, وما كان للموحدين لو كان هناك موحدون أن ينهزموا أمام إسرائيل. فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب إذا تبدت لنا الميراج تقصفنا سعت لتسقطها الصيحات والخطب شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا خالد بن الوليد مع ثلاثين ألفاً أو ما يقارب ذلك, والروم مائتان وثمانون ألفاً فسحقهم؛ لأن خالداً يعرف لا إله إلا الله, ويعرف التوحيد الخالص، ويتصل بالله مباشرة, أن يكون: هذا علماني، وهذا فيه ملعقتان من الشيوعية، وهذا مسلوخ من أصله كأنه فرنسي, وهذا لا يعرف من التوحيد شيئاً, وهذا جاهل لا يعرف شيئاً, وهذا طرقي صوفي لا يعرف التوحيد الخالص، والنسبة التي تعرف التوحيد قليلة جداً. أقولها والوثائق موجودة والأدلة والبراهين. وهذا إبراهيم عليه السلام شيخ التوحيد, أستاذ المدرسة الخالدة في فن التوحيد, لا يعرف التوحيد مثله ومثل رسولنا عليه الصلاة والسلام, وهو أشبه الناس به حتى في الصورة الظاهرة يقول: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء:78] وهو يتحدى الأصنام, تحداها بالقول والفعل, تحداها بالقول ثم أخذ الفأس فكسرها: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:78 - 80] ولا يفعل هذه الأمور إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى, والناس يقولون هذا, تقول: من خلق السموات؟ قال: الله. وتقول: من خلق الأرض؟ قال: الله, لكن إذا مرض ابنه إذا به يذهب به إلى المشعوذ والكاهن والساحر وقال: ابني، أو يا شيخ امسح عليه مسحة، أو انظر إليه نظرة. ذهب بعض المبتدعة إلى بعض البلاد الإسلامية فأخذوا يتبركون بالشيخ، ويمسحون بشدة, فلما كثر الزحام أخذوا من بعيد يقولون: الله أكبر ويمسحون ويسلمون! أهذا هو التوحيد؟ أهؤلاء محسوبون على المسلمين؟ إن هؤلاء لم يصلهم التوحيد, عندهم أحكام الحيض والغسل من الجنابة وصلاة الجمعة, لكن التوحيد الخالص لم يصل, وما عرفوه تماماً، وهي مسئوليتكم أنتم يا سفراء المسلمين ويا دعاة المسلمين! ويقول سبحانه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} [الإسراء:56] فلا يملك كشف الضر إلا الله، فيتحداهم الله سبحانه، يقول: ادعوا الهيئات، وادعوا المشايخ، وأهل الزوايا، والاتجاهات والأطروحات في الساحة, ادعوا أذناب استالين ولينين وماركس أن يكشفوا عنكم الضر, لا يستطيعون. ويقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف:194] فهم أمثالكم تماماً, فادعوهم إن كنتم صادقين في الأزمات ليكشفوا عنكم الضر, وهذه علامة فارقة بين الله عز وجل القادر وبين ما دونه. وقال سبحانه: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45] يقول بعض المفسرين، وصحح ذلك ابن كثير: إن الرسول عليه الصلاة والسلام صلَّى بالأنبياء يوم أسرى الله به. أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم كنت الإمام لهم والجمع محتفل أعظم بمثلك من هاد ومؤتمم فصلّى بهم عليه الصلاة والسلام والتفت؛ لأن الله قال له: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف:45] يقول بعض المفسرين وليس كل المفسرين: إذا اجتمعت بهم فاسألهم هل جعل الله من دونه آلهة تعبد؟ فلما سلّم عليه الصلاة والسلام ورأى وجوه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام رأى ضياء التوحيد والإيمان يشع, فاستحيا أن يسألهم؛ لأن الأمر ظاهر, ومعلوم بالضرورة، فسكت عليه الصلاة والسلام, فهذا قول بعض المفسرين. وقال سبحانه: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [الشعراء:213] وقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]. سمعت أستاذاً في العقيدة بيض الله وجهه -لا يزال حياً- يقول في شريط له وهو يتكلم عن الشيوعيين والحداثيين في الساحة: يا حداثيون يا شيوعيون أنتم ما تخافون من آلهتكم لأنهم أصبحوا رماداً، أصبح الواحد منهم حماراً منتناً كـ استالين ولينين وماركس وانتهوا, لكن نحن إذا حللنا أو رحلنا خفنا من الله الحي: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] عبدوا الذوات والأشخاص والأصنام وفنت، وبقي الله حي لا يموت سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وقال سبحانه: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ} [الأعراف:158] وهذه من صفاته سُبحَانَهُ وَتَعَالى, فالأمور المشتركة قليلاً ما يتحدث عنها في القرآن, مثل: العليم يأتي صفة، لكن الإنسان له علم يليق به ولله علم, فلو كان موسى عليه السلام يوم قال له فرعون: من ربكما يا موسى؟ قال: ربي عليم, قال: وأنا عليم, لذلك ما أتى بها موسى, لأن الأمور المشتركة ما يجادل بها, وإذا قال: من ربكما؟ قال: حكيم, قال: وأنا حكيم, وإذا قال: من ربكما؟ قال: الحي, قال: وأنا حي, لكان نازعه بالحجة, ولكان أمسكه بتلابيب ثيابه، ولكان الناس سلموا لفرعون, لكن قال موسى -حتى يقول الزمخشري: لله دره من جواب! -: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] وقد مرَّ شرح هذا فيما سبق في (سورة العصر منهج حياة). ويقول سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم:40] الله هو الذي خلقكم، وهذا انفراد لله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم:40] وأنا أعرف أن الكثير من الناس يقولون: هذا أمر معلوم, لكنني أقول: إن هذا لن يكون معلوماً على الحقيقة حتى يعمل به، ويدخل في كياننا وحياتنا ومعاملاتنا وليلنا ونهارنا, وقال سبحانه: {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الروم:40] هل تجدون أحداً يفعل ذلك؟ هل تذكرون لنا اسماً واحداً يفعل مثل هذه الأمور؟ لا لا. وانظر إلى عرض القرآن للتوحيد فإنه عرض جميل, وعرض التوحيد بالعصا لا يصلح, الشباب الناشئة في الابتدائية، إذا عرض لهم التوحيد بالعصا والهراوة لا يفهمون. صحيح أنه يلقنها ويحفظها حرفياً، وتبقى معلوماته عن التوحيد بذهنه، لكنه لا يعيشها في واقعه, ولا يتأثر بها, ولا ينشأ مؤمناً؛ ولذلك وجد من شبابنا من يحفظ القرآن ولا يصلي, ومن يحفظ القرآن ويتناول المخدرات, لأن الإيمان لم يصل إلى قلبه, والتوحيد ليس مجرد تلقين, لكن طريقة القرآن إحياء التوحيد بعرض جميل، يقول سبحانه: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} [النبأ:6 - 14] ما أجمل هذه الصور! كل كلمة تحتاج إلى محاضرة, إنها صور يشاهدها الإنسان في الكون, إن الفلاح في المزرعة وداخل البستان, والناظر إلى الحدائق الغنَّاء يشاهد آثار الله وآثار التوحيد في الكون. يقول سبحانه: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65]. بعض الناس اليوم يدَّعي علم الغيب عليه لعنة الله, ويستخدم الجن، فيضل الناس بهذه الفرية الكبيرة الكاذبة, فيذهبون إليه لأنه بزعمهم يعلم الغيب, والله يقول: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65] فلا يعلم الغيب إلا الله, ومن ادعى أنه يعلم الغيب فهو كاذب, والله يطلع بعض رسله على بعض الغيب منه سُبحَانَهُ وَتَعَالى, أما من ادَّعى علم الغيب فقد كذب واستخدم الجن لذلك، وهو منحرف عن شريعة التوحيد وملة لا إله إلا الله.

التوحيد والإعلام

التوحيد والإعلام يقول سبحانه عن الآلهة والذوات والشخصيات والكيانات: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:41] هذه التصورات والكيانات، الكتلة الشرقية والكتلة الغربية، والمعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، والقوتان العُظميان التي يزخرف إعلام المسلمين قوتها ويضلل بقوتها, وهو مسئول وحده عن تضخيمها في أذهان الناس، حتى عند بعض العامة أن أمريكا أو روسيا قوة لا تُغلب، قال تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:112] ثم يقول سبحانه: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ} [الأنعام:113]. فهذه الزخرفة الإعلامية هي نقض للتوحيد صراحة, يصفون الكافر أنه لا يتقهقر، وأنه اكتشف كل شيء، وأن بيده كل شيء, فينشأ الناشئة يرون أن هذه القوة ما بعدها قوة، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت:41] فهم مساكين!! هذه القوة يمكن أن يهلكها الله في لحظة سان فرانسيسكو التي زلزلت قبل ما يقرب من سنة في ثوان معدودة سجل جهاز رختر خمس درجات أو أربع درجات، وخسف بجزء من المدينة, عندهم إنذار مبكر، كمبيوتر، قوى نووية، أجهزة متطورة، ولكن كما قال الله: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف:98] فما علموا! يقولون: هذه سوء في القشرة الأرضية, نعم في القشرة الأرضية، لكن من الذي كسرها؟ من الذي أجراها؟ من الذي سلَّط عليها هذا الحدث؟ ما أضعفهم! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن الريح: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:25] أرسلها على الكفار، فزلزلتهم من أماكنهم يوم حاربوا هوداً عليه الصلاة والسلام, فالقوة بيد الله.

التوحيد الخالص

التوحيد الخالص ويقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن التوحيد: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] ويقول: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف:29] ويقول عليه الصلاة والسلام: {يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: من عمل علملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه} ولا يقبل الله عز وجل إلا أن يكون الدين له خالصاً, والرياء من الشرك, وفي الصحيحين: {من راءى راءى الله به، ومن سمع سمع الله به}. وفي الصحيح: أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة: عالم -أو قارئ- وجواد وشجاع, كلهم فعلوا ليقال: عالم, وليقال: جواد, وليقال: شجاع, فيقول الله: خذوهم إلى النار فتسعر بهم النار، والعياذ بالله. ويقول سبحانه: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [الفرقان:43] ويقول: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. يعجبني كاتب مسلم عصري كتب في هذه الآية: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان:43] قال: من أحب لعبة الكرة حتى سيطرت على حبه وقعت عليه هذه الآية, إي والله! بعضهم يعيش مع الكرة ليلاً ونهاراً, يراها في المنام، وهو لا يعطي الدين عشر ما يعطي هذه اللعبة, تشجيعاً وحباً وميلاً، ويوالي عليها ويعادي ويحب ويبغض ويعطي ويمنع، حتى يجعل لون سيارته لون الفريق الذي يشجع وبدلته وبطاقته والميدالية التي يحمل, فأي ولاء هذا؟!! أيعني هذا خالص التوحيد؟! والله عز وجل يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] أي: ليلي ونهاري حبي وبغضي عطائي ومنعي, لكن يأتي مشجع كرة ثم يستميت هذه الاستماتة في تشجيع كرته، ونقول: موحد خالص!! وكل وقته للكرة!! سمعت من بعض الدعاة أن رجلاً كان هلالياً وامرأته نصراوية, فغلب فريقه فريقها فتشاكس معها فطلقها, أهؤلاء موحدون خالصون؟!! أهؤلاء تأثروا بدعوته عليه الصلاة والسلام في حياتهم؟ بل بعضهم يقاتل على فريقه ويغضب له ويرضى ويحب ويبغض, فلا إله إلا الله ما أبعد هؤلاء عن خالص التوحيد!! {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان:43] لعبة من اللعب، أو كيان من الكيانات، أو عشق من العشق، كلها تناقض التوحيد. ويقول سبحانه عن لقمان وهو يوصي ابنه أول وصية -ووصيته عجيبة توحيد وعبادات وسلوك-: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]. {لما أنزل الله عز وجل قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] شكى الصحابة، وقالوا: يا رسول الله! أينا لم يظلم نفسه؟! قال: إنه ليس ما تعنون -أي: ليست الذنوب- ولكن أما سمعتم قول الله عز وجل: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم}) [لقمان:13]} فأعظم ظلم في الدنيا الشرك, وهو أن تصرف شيئاً لغير الله عز وجل من عبادتك وذكرك واتجاهك وحبك ورغبتك ورهبتك. وقال سبحانه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72]. ركب صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين - ورديفه معاذ - فقال: {يا معاذ! هل تدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم, فلما مشى قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً, ثم قال: يا معاذ! هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قال: الله ورسوله أعلم, قال: حقهم ألا يعذبهم} أي: لا يدخلهم النار, إذا أخلصوا التوحيد وقاموا بمقتضيات التوحيد وشروط التوحيد، فهذه نجاة لهم من النار, أما المشرك فلن يدخل الجنة, قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] وأما من يشرك فلا غفران له. لكن عصاة من أولي التوحيد قد يدخلونها بلا تخليد فأهل الذنوب عند أهل السنة قد يدخلون النار. إن الذي يذهب لينهى الناس عن المعاصي -عن معصية الربا أو الزنا أو الغناء وأمثالها- ثم لا يأتي بالإيمان والتوحيد يخفق تماماً، ولا يصلح له الحال, ولا يكون له نتيجة. وغفر الله لمن كتب لي رسالة بالأمس، وأشار إلى هذه القضية الكبرى وقد أصاب, تقبل الله منا ومنه، يقول: الحديث في القضايا الجزئية كثير، لكن مسألة التوحيد التي نراها والتي انقصمت لها ظهورنا في الحرم, حيث إن هناك شركيات نراها ونسمعها، وهي مسئوليتكم أنتم يا دعاة الإسلام ويا حماة العقيدة!! ومن القضايا أيضاً أن عرض القرآن للتوحيد غير العرض الذي يعرض في بعض المؤلفات العصرية, فهو عرض معه حياة وجمال وروعة, فهو يتكلم عن خرير الماء وهو معك في التوحيد, عن الزهر وشذاه, وعن تغريد الطيور, وعن البساتين والحدائق, وهو يتحدث لك عن التوحيد. {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]. اللهم إنه ليس معنا أعمال صالحة وإننا مقصرون وما معنا إلا (لا إله إلا الله محمد رسول الله) اللهم فأنقذ بها أجسامنا ولحومنا من النار, اللهم أسعدنا بها في الدنيا, اللهم رد المسلمين إلى التوحيد الخالص يا رب العالمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

العقيدة الإسلامية

العقيدة الإسلامية هناك أمر من الأمور الهامة، وقضية من القضايا الكبرى التي عاشها الإنسان وسوف يعيشها، ولابد للإنسان منها ومن المستحيل عند العقلاء في جميع الأمم أن يعيش الإنسان بدونها، وهي قضية العبادة وطرق معرفة الإله الحق المعبود، وفي هذه المادة يتعرض الشيخ بشيءًٍ من التفصيل إلى طرق معرفة الله.

طرق معرفة الله

طرق معرفة الله إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. وبعد شكري لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن هيأ لنا هذا المجلس الطيب العامر الطاهر، أشكر القائمين على هذه الندوة، والذين بذلوا الكلمات الطيبة والجهد الطيب في سبيل نشر دين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ومعي في هذه الندوة سؤال يُطرح، وهو من أعظم الأسئلة التي وضعت في الدنيا منذ أنشأها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، هذا السؤال ما استطاع أن يجيب عليه أحد حتى جاءت رسل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فأجابت على هذا السؤال. ومعي في هذه الندوة قضية كبرى، من أكبر القضايا التي عاشها الإنسان ويعيشها، هذه هي قضية العقيدة. ومن المستحيلات عند عقلاء الأمم أن يعيش الإنسان بلا عقيدة، فلا بد للإنسان أن يعيش على عقيدة يعتقدها، والذين قالوا: لا إله والحياة مادة -وهم الملاحدة من الشيوعيين ومن سار على نهجهم- كذبوا العقل والنقل، وعادوا فناقضوا أنفسهم في اتخاذ عقيدة أو اتخاذ إله، فجعلوا الطبيعة هي الإله، وهذا ما نقل عنهم كـ لينين وماركس ومن سار في مسارهم في هذا الجانب. إذاً لا بد للإنسان أن يتجه إلى معبود واحد، فرد صمد يصمد إليه، يكون هذا المعبود كاملاً حياً قيوماً فيه صفات الكمال، فمن هو هذا المعبود إذاً؟ هذا ما سوف نجيب عليه في هذا المجلس إن شاء الله. هذا المعبود الذي نعبده وندعو الناس إلى عبادته هو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وطرق معرفته عز وجل خمس طرق أجملها ثم أفصلها: الطريقة الأولى: الآيات الكونية المعروضة للبصر التي تدل على عظمته سُبحَانَهُ وَتَعَالى. الطريقة الثانية: الآيات الشرعية القرآنية، آيات كتاب الله عز وجل، فإنها كلها تخلص التوحيد لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وتدعو الناس إلى عبادته وتوحيده وإفراده بالعبودية. الطريقة الثالثة: الأحاديث النبوية، وهي أحاديث المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي أتى بأخبار الغيب وما كنا ندري ما الغيب وما نعرف إلا ما نرى، فأخبرنا أن هناك إلهاً حكيماً قديراً حياً قيوماً سُبحَانَهُ وَتَعَالى تقوم به الكائنات ويقوم بذاته عز وجل. الطريقة الرابعة: الفطرة {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] فطرهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى جميعاً موحدين مؤمنين به سُبحَانَهُ وَتَعَالى، عندما خلقهم، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه} إذاً فالإنسان حينما ولد كان مفطوراً على الإيمان بالله عز وجل. الطريقة الخامسة: الضرورة، والضرورة معناها أن القلب عند العقلاء لا يأله ولا يسكن ولا يطمئن إلا إلى إله معبود، ولابد من هذا سواءً كان هذا الإله حقاً أم باطلاً، وقد أسلفت أنه لا بد للإنسان من عقيدة، وهذا ما أجمع عليه العقلاء، فهذه هي الطرق الموصلة إلى معرفة الله عز وجل. والآن أتكلم على هذه الطرق الخمس إن شاء الله بالتفصيل.

معرفة الله عن طريق الآيات الكونية

معرفة الله عن طريق الآيات الكونية فأما الآيات الكونية فقد عرضها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لنا في مخلوقاته ودعانا إلى التأمل والتفكر فيها، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس:101] أي نظرة اعتبار وتدبر لتدلكم على الخالق، فإن المصنوع يدل على الصانع، والأثر يدل على السائر، وأثر الرجل في الأرض يدل على أنه سائر في هذه الأرض، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت:53] لماذا؟ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53] سنريهم آياتنا التي تدل على الوحدانية حتى يتبين لهم أن هذا الدين حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والرسالة الخالدة حق، ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يلوم البشرية كيف لا يتدبرون هذه الآيات ويتأملونها: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف:105] يقول: كم من آية يراها الإنسان ويعيشها ثم يمر عنها وهو معرض! ولذلك كان التأمل والتفكر والتدبر من أكبر الطرق الموصلة إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأول كلمة نزلت في القرآن كلمة اقرأ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب لكن أين يقرأ؟ قال أهل العلم: يقرأ في كتاب الله المفتوح؛ في الكون والجبال السامقة والتلال الشاهقة والأنهار والأشجار وفي السماء بنجومها وبشمسها وبقمرها وفي الأرض ففي هذا يقرأ صلى الله عليه وسلم، ويقرأ كل متأمل. ولذلك كثير ممن ادعى الكفر أبت قلوبهم إلا أن تعترف أن هناك مدبراً. يقول كريسي موريسون عالم أمريكي في كتاب الإنسان لا يقوم وحده: عجيب هذه النحلة كيف تقطع آلاف الأميال ثم تعود إلى خليتها، لا بد أن هناك وازعاً يزعها حتى تعود إلى خليتها، ولكن كتابنا يجيب عليه فيقول: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68] فهو تدبير وتصريف وقدرة إلهية، فالآيات الكونية أكبر دليل على عظمة الله وألوهيته وعلى أن هناك مصرفاً ومدبراً. وفي كل شيءٌ له آية تدل على أنه الواحد أجمعت الأمم سواء نطقاً أو اعتقاداً على وجود الله عز وجل، حتى الملاحدة الذين نفوا وجود الله بألسنتهم فقد أثبتوه بمعتقداتهم في قلوبهم، ورأس الملاحدة الذين أنكروا وجود الله هو فرعون طاغية مصر، وقد أثبت موسى أنه يقر بوجود الله كما قال الله: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] فيقول له: أنت تعلم في قرارة نفسك أن هناك إلهاً؛ لأن فرعون أنكر وجود الإله وادعى الربوبية، وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] ملك قطعة من الأرض صغيرة، وادعى أنه إله وأنه معبود من دون الله، فرده موسى إلى نفسه وقال: أنت تدري في قرارة نفسك ولو لم تنطق بلسانك أن هناك إلهاً. ولذلك كان المشركون في عهده صلى الله عليه وسلم لا ينكرون وجود الصانع ولا وجود الرب ولم يختلفوا في ذلك، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر:38] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65] أي: إذا اشتدت بهم الأزمات اعترفوا بالإله الحق، فهذا لا خلاف فيه، وهم معترفون من قبل أن يأتي الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك. ولذلك كان المشركون في مكة يطوفون بالبيت العتيق ويلبون ويحجون ويدعون الله بدعاء يشركون فيه مع الله تعالى فيقولون: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك؛ فهم يعترفون بوجود الله، ولكن يجعلون مع الله نداً وشريكاً، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم ليأمرهم بإفراد الله في العبودية وليدعوهم إلى توحيد الألوهية أن لا إله مستحق للعبودية إلا الله. فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وجد الناس اتخذوا آلهة مع الله عز وجل، فمنهم من اتخذ حجراً يعبده، والحجر لا ينفع ولا يضر ولا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت، لكن لضرورة قلوبهم لإله معبود اتخذوا هذا، وهذه هي الضرورة التي أشرنا إليها سابقاً فاتخذوا الحجر، وبعضهم كان يجمع تمراً فيعبده ويسجد له مع علمهم أن هناك إله، فإذا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَ تعبدون هذه؟ قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] أي يتوسطون لنا في طلباتنا ونتوسل بهم إلى الله في رفع حوائجنا إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأن الأمم -ولو لم تعبد الله عز وجل- لا بد أن تتخذ إلهاً. فالهندوس في الهند يعبدون البقر، لماذا؟ لأن عندهم فراغاً روحياً، فلما لم يجدوا الإيمان بالله عز وجل الذي يكمن في هذه الروح فغطوا جانب هذا الفراغ بعبادة البقر، والمانوية فرقة ضالة تعبد الليل والنهار، إذا جاء النهار عبدته وإذا جاء الليل عبدته. والعرب في جاهليتهم أخذوا الحجارة والأوثان والأخشاب والصخور فعبدوها، يذبحون لها ويتقربون إليها بزعمهم أنها توصلهم إلى الله، فلما جاء صلى الله عليه وسلم قال: هذا خطأ؛ لأن الله عز وجل هو الذي خلقكم ورزقكم ويميتكم ويحييكم ويبعثكم إليه، وهو لا يريد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتوسط إليه في العبادة أحد، وإن كان في تبليغ الدين منه إلينا لا بد من واسطة وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، أما في العبادة فلا واسطة بل لك أن تصلي له في أي مكان، وتدعوه في أي زمان وتتوجه إليه وراء البحار والمحيطات، فهو يراك ويسمعك ويقبل دعاءك. مكث صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يقرر عقيدة التوحيد التي تنص على إفراد الله عز وجل بالألوهية، أي بالعبادة له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى والدعاء، أما الربوبية فإن المشركين معترفون بأن هناك رباً خلقهم ورزقهم ورباهم ويحييهم ويميتهم، لكنهم اختلفوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام في توحيد الألوهية، فقالوا: كيف نعبد إلهاً واحداً؟! {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] عجيب أن يكون هناك إله واحد يقوم بشأن الكون كله، فالرسول صلى الله عليه وسلم مكث ثلاثة عشر سنة يدعوهم إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله، فلا يُصرف شيء من العبادة لغيره عز وجل.

معرفة الله عن طريق الآيات القرآنية

معرفة الله عن طريق الآيات القرآنية إن أعظم قضية نتدارسها في هذه الندوة هي قضية توحيد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالألوهية، أي بالعبودية التي هي صرف العبادة إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا التوحيد الذي دعا إليه الرسول عليه الصلاة والسلام فكان بينه وبين المشركين الحروب الطاحنة حتى نصره الله عليهم؛ لأنه ما انقاد وأذعن له صلى الله عليه وسلم بعد أن أوضح لهم بالبراهين إلا القليل منهم، وأما غيرهم فكذب، فكان بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم الحروب التي كان في نهايتها النصر له صلى الله عليه وسلم وبالتالي نصرة لا إله إلا الله وبقاؤها حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وأعظم ذنب في الدنيا هو الشرك بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإن أعظم جريمة يتلبس بها الإنسان أن يشرك بالله عز وجل ويجعل معه إلهاً آخر، فيصرف له شيئاً من العبودية والدعاء والتوجه، هذا أعظم ذنب وأكبر جريمة، ولذلك يغفر الله ما دون ذلك من الزنا والسرقة وشرب الخمر والذنوب التي لا يسلم منها البشر لمن يشاء، أما الشرك بالله فلا يغفره الله أبداً إلا بالتوبة، وصاحبه خالد مخلد في نار جهنم، لا يفتر عنه العذاب، ولا يخرج من النار، ولا يقبل الله منه عملاً مهما عمل ما لم يتب، ولا يشفع فيه الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ولا يخرج من النار أبداً ولا بد أن تفهم هذه القضية. فمن أجل قضية التوحيد، وإفراد الله تعالى بالعبودية أرسل الله الرسل عليهم الصلاة والسلام وكل رسول منهم يقول: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59] ولم يقل: ما لكم من رب غيره؛ لأن قومه معترفون أن الرب هو الله، لكنهم لم يجردوا العبودية له. ومن أجل هذه العقيدة -عقيدة لا إله إلا الله- دمرت الأرض خمس مرات، دمرها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حينما غضب على أهلها من أجل لا إله إلا الله، مرة بالطوفان، عندما اجتاح الماء الديار والبلاد والجبال والأودية في عهد نوح عليه والسلام؛ لأن قومه كذبوه وما انقادوا للا إله إلا الله، ومرة بالريح الصرصر، ومرة بالصيحة، ومرة بالخسف والمسخ، ومرة بالهلاك بالأوبئة والأمراض؛ لأن أكبر ما يغضبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يشرك معه في العبودية والألوهية، ولكن بقيت بقايا من تلك الأمم آمنوا بالله عز وجل، فأنقذهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من ذلك الغضب.

معرفة الله عن طريق الأحاديث النبوية

معرفة الله عن طريق الأحاديث النبوية الذي أريد أن أطرحه بين أيديكم وأقرره هو أن هذه العقيدة سهلة بسيطة ميسرة لا ألغاز فيها ولا تعقيد، وسوف أضرب على ذلك أمثلة إن شاء الله. إن إثبات هذا التوحيد لا يحتاج إلى جهد عقلي ولا إرهاق فكري، إنما هو بسيط وسهل وميسر، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعرض الدين والعقيدة في دقائق معدودة، يأتيه رجل مشرك من الصحراء. وهو جالس بين الناس، كان يعرف أن هناك رباً لكن لا يعرف من هو الذي يستحق العبودية، فأتى ووقف في مسجده صلى الله عليه وسلم وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: يا بن عبد المطلب -ناداه بجده- قال صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، قال الرجل: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد عليَّ، عنده سؤال لكن لا يدري صلى الله عليه وسلم ما هو هذا السؤال، وهذا السؤال الذي سوف يعرضه هذا الأعرابي البسيط أكبر سؤال في تاريخ الإنسان وأعظم سؤال عرفته الدنيا وسمعت به الأرض. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل ما بدا لك، وتبسم عليه الصلاة والسلام، فقال الرجل: من رفع السماء؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: الله، قال الرجل: من بسط الأرض؟ قال صلى الله عليه وسلم: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال صلى الله عليه وسلم: الله. قال الأعرابي -والناس جلوس- للرسول صلى الله عليه وسلم: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ إنه سؤال عظيم يطرح ويسمع به الناس، وهو السؤال الذي أتى صلى الله عليه وسلم ليجيب عليه، قال: اللهم نعم. فأخذ يسأله بهذه الكيفية وهذه الصيغة (أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة) فأخذ صلى الله عليه وسلم يجيب حتى انتهى هذا الرجل من أركان الإسلام، وفي الأخير أعلن إسلامه في المسجد في دقائق معدودة، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، وأن ما جئت به حق؛ والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص؛ هذه هي العقيدة المبسطة تعرض في دقائق معدودة. ولذلك يعرض الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لنا في القرآن عقيدة التوحيد في يسر وسهولة وبساطة، لا تحتاج إلى كثرة تفكير ولا تؤدي إلى إرهاق، وإنما يفهمها المسلم بالبداهة سواء قرأ أو لم يقرأ، يعرض الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى آية التوحيد ويقول للناس {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20]. وإنما أتى بالإبل هنا لأنه حيوان يعيش في الجزيرة والعرب هم المنادون أول مرة، فقد بعث منهم محمد صلى الله عليه وسلم فردهم الله إلى هذه المخلوقات، ثم لفت الله أنظارهم إلى السماء من رفعها وسواها؟ من زينها وأبدعها وجعل فيها هذه النجوم الجميلة المتلألئة وهذه الشمس النيرة، وهذا القمر الباهر؟ إن العقل سوف يقول: إنه الله، ويؤيده النقل. ثم يقول: {وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} [الغاشية:19] من نصبها ومن أرساها؟ أجاءت من نفسها بالصدفة؟! أمَّن أتى بها؟ ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:20] من سواها وجعلها مستوية قراراً يعيش عليها الإنسان والحيوان؟ إنه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فالله عز وجل يلفت أنظارنا إلى التوحيد وإلى عرض صور التوحيد في القرآن {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21].

معرفة الله عن طريق الفطرة

معرفة الله عن طريق الفطرة يقول العالم والمفكر ألكسيس كارل: إذا شككت في قدرة الله ووجود الله تفكرت في نفسي، وإنما أعرض هذه الأمثلة لأن الحق ما شهدت به الأعداء، والله يقول: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] يقول: مالكم لا تنظرون في أنفسكم وفي هذا الجهاز المعقد، وفي خلقكم البديع؟ في هاتين العينين والأذنين وهذا اللسان وهذه الأعضاء، من صوركم؟ ومن جعلكم تتكلمون وتذهبون وتأتون وتنامون وتستيقظون؟ إن جهازاً معقداً كالإنسان يدل دلالة كاملة على وجود الله عز وجل وتوحيده عز وجل وأنه مستحق للعبادة. ولقد أخفقت الديانات المحرفة في عرض صورة حية للتوحيد لأنها تخالف الفطرة. فـ النصرانية تعرض التوحيد عرضاً مشوهاً تقول: الثلاثة واحد، الله والابن وروح القدس، جلَّ الله عما يقولون، جعلوا عيسى عليه السلام -الذي هو عبد من عباد الله خلقه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- جعلوه شريكاً لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الألوهية، وما اتخذ الله من ولد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، بل خلق عيسى بكلمته تبارك وتعالى وهو عبد لله، فجعلوه ابناً لله ثم شريكاً له في الألوهية هذه هي النصرانية المحرفة. وعرضت اليهودية التوحيد فشوهته وقالت: عزير ابن الله -وهو نبي من أنبيائه- قالت: هو ابن لله، وجل الله أن يتخذ صاحبة أو ولداً، وسوف أخبركم كيف عرض صلى الله عليه وسلم التوحيد وأخبرنا عن صفات الله عز وجل وعن أسمائه لنعرف من هو الله عز وجل، وقد عرفنا بنفسه في كتابه وفي آياته الكونية. وصف الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى نفسه في كتابه، وأخبرنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، ثم وصف صلى الله عليه وسلم ربه تبارك وتعالى فأخبرنا بصفاته، وصفات الله صفات كمال. أخبرنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن نفسه أنه حي لا يموت فقال: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:56 - 58] فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا يموت، والناس يموتون. ووصف نفسه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بأنه لا تأخذه سنة ولا نوم، لا ينام لأنه يحفظ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كل نفس بما كسبت، وهو الذي قامت بقيوميته وقدرته السماوات والأرض ومن فيهن، فلا ينام ولا تأخذه سنة، وهي أخف النوم، ثم وصف نفسه بأنه رحيم يرحم العبد، وإذا أذنب ثم تاب رحمه الله وغفر له فهو رحيم غفور. وأنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى شديد العقاب؛ من أذنب وأجرم ثم لم يتب وتمرد على الله وأصر على المعصية عاقبه الله، وأخبرنا أنه غني وأن ما سواه فقير، وأنه لا يحتاج إلى أحد، بل الناس كلهم محتاجون إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ولذلك يسمى صمداً، والصمد هو: الذي تصمد إليه الكائنات؛ أي: تتجه إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وتطلب منه المدد، فهو الغني. وأخبرنا أنه قوي متين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لا يضعف، وغيره ضعفاء مقهورون مربوبون. وأخبرنا عن نفسه -وهي القضية الأولى- أنه واحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولم يتخذ صاحبة أي: ليس عنده زوجة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولا ولداً؛ لأنه لا يحتاج إلى ذلك. وأخبرنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه على كل شيء قدير، فكل ما يريده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فإنه يقع لا محالة، فأمره في كلمة كن، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] في كلمة واحدة ينفذ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويجري ما أراد، فهو الحي الذي لا يموت ولا ينام ولا يفتقر ولا يضعف سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذه صفات الكمال نثبتها لله عز وجل، لكنه لا يشابه المخلوقين تبارك وتعالى، فله صفات تخصه، وللمخلوق صفات تخصه. من أعظم صفاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى صفة العلم، فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم السر وأخفى، يعلم السر وما يضمره الإنسان في قلبه مما هو أخفى من السر. وما هو الذي أخفى من السر؟ هو الأمر الذي يريد أن يفكر به الإنسان ولكنه لم يفكر فيه إلى الآن، أي حتى الإنسان لا يعلم ذلك، لكن الله يعلم أن هذا الإنسان سوف يفكر في هذا الأمر بعد قليل. وينفعنا هذا العلم بأن نراقب الله عز وجل فهو معنا حيثما كنا قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] فالمراقبة مفادها أن هناك رباً سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليماً وأنه يعلم السر وأخفى، وأنه معنا لا نغيب عنه ولا نتستر بشيء، يرانا في الليل والنهار، ويراقب حركاتنا وسكناتنا، ثم يسجل لنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الحسنات والسيئات، حتى يوقفنا في اليوم الآخر عنده، فيحاسبنا على ما فعلنا، يقول: في يوم كذا وكذا فعلت كذا وكذا. ولذلك تفيدنا صفة العلم في مراقبة الله عز وجل، وهي من أعظم الصفات التي يجب أن نستحضرها لمراقبة الله في السر والعلن، والليل والنهار، في كل زمان ومكان، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم موصياً أحد أصحابه: {اتق الله حيثما كنت} أي: في أي مكان كنت {وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن}. وفي ختام هذه الكلمة! أسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يثبتنا وإياكم حتى نلقاه، والذي نريده منكم أنتم أيها الداخلون في الإسلام أن تعودوا إلى أهليكم وذويكم وإلى بلادكم دعاة إلى الله عز وجل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} فيسألكم الله يوم القيامة عن أهلكم، يسأل الإنسان عن زوجته وأطفاله وجيرانه وأهله، هل بلغهم هذا الدين، وهي أعظم المبشرات لكم أن يهديكم الله عز وجل، ويضل غيركم، ويقدمكم ويؤخر غيركم، وهو توفيق منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه يعطي هذا الدين وهذا الإسلام من يحب، وأما الدنيا فيعطيها من يحب ومن لا يحب، والذي لا ينتهج نهج هذا الدين ولا يدخل في هذا الدين ميت قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] فأنتم كنتم قبل أن تسلموا أمواتاً، ولو أنكم تعيشون وتتكلمون وتزاولون أعمالكم، لكن هذه ليست حياة، لأن الحياة هي اتصال القلوب بباريها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ومعرفة الغيب والشهادة ومعرفة الحاضر والمستقبل، ومعرفة الدنيا والآخرة، أن تجعل بين الفناء والبقاء صلة وبين الضعف والقوة علاقة، فالله هو القوي وأنت الضعيف، والله هو الغني وأنت الفقير، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:122] أي بالإسلام {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام:122] أي بالدعوة والبصيرة {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام:122] أي في الشرك والخرافة والجهل والضياع عن الله عز وجل، هل هذا مثل هذا؟ لا مساواة فبشرى لكم؛ أسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية. والحمد لله رب العالمين.

هدي الرسول وأصحابه في رمضان

هدي الرسول وأصحابه في رمضان يقول تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) فأمرنا بالاقتداء به وباتباع هديه صلى الله عليه وسلم. وفي هذه المادة عرض لهديه عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان؛ هديه في مدارسته للقرآن، في قيامه لليل، في صدقته وسخائه، في اعتكافه، في الإكثار من العبادات والطاعات إلى غيرها من أحواله وعيشه في رمضان.

النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان

النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، رفع الله به رءوسنا وكانت مخفوضة، وشرح به صدورنا وكانت ضيقة، وأسمع به آذاننا وكانت صماً، وبصَّر به عيوننا وكانت عمياً، فعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. واعلموا أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام هو المعصوم الذي على قوله تصحح الأقوال، وعلى فعله توزن الأفعال، وعلى حاله تقاس الأحوال، فإن الله أصلحه ظاهراً وباطناً، وسراً وجهراً، ورضيه قدوة للناس {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. فهو عليه الصلاة والسلام معصوم لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4] وهو بأبي هو وأمي، نفسه طيبة، وقوله طيب، وفعله طيب، فهو مبارك أينما حل وارتحل، زكَّاه الله ظاهراً وباطناً، وامتدح أخلاقه وأعماله وأفعاله وأقواله، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقال له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]. فإذا علم ذلك، كان على المؤمن إذا أراد أن ينصح نفسه أن يتبع هذا الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يقتدي بكل ما أتى عنه وصح وثبت، فإنه عليه الصلاة والسلام قائد كل موحد وكل مؤمن إلى الجنة، ومن اعتقد أنه سوف يهتدي بغير الهدي الذي أتى به، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، ولا ينظر إليه يوم القيامة ولا يكلمه، ولا يزكيه وله عذاب أليم. فلا إله إلا الله ما أعظم ربح من اتبع أقواله، واقتدى بأفعاله، وسار على منواله، ولا إله إلا الله ما أشد خسارة من تنكَّر لشريعته، وجحد سنته، وخالف فعله عليه الصلاة والسلام. إذا علم ذلك فإننا نريد أن نعيش معه صلى الله عليه وسلم في رمضان وفي غير رمضان، وإن كان للعمر مواهب، وللحياة بقية، وللأيام لذة فإنما هي في العيش معه صلى الله عليه وسلم. نسينا في ودادك كل غالٍ فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلَّى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا وقد أطل علينا ضيف كريم، ووافد عظيم، وهو شهر رمضان الذي كتبه الله عز وجل على من قبلنا، كتبه للتقوى، ولترتفع الأرواح من موبقاتها، ولتتوب النفوس من شهواتها، وليراجع الناس أنفسهم مع ربهم تبارك وتعالى، فمرحباً بشهر رمضان. مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام قد لقيناك بحب مفعم كل حب في سوى المولى حرام فاغفر اللهم ربي ذنبنا ثم زدنا من عطاياك الجسام لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلق أسهرنا جنح الظلام فلننظر إلى هديه عليه الصلاة والسلام، وإلى هدي أصحابه الأبرار، وسلف الأمة الأخيار، كيف استقبلوا هذا الشهر. كيف صاموه وقاموه؟ وكيف قضوا أوقاته؟ وكيف عاشوا ساعاته؟ لنكون على بصيرة، فإنه بمثلهم يقتدى، وعلى منوالهم يحتذى. فعن طلحة بن عبيد الله: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا رأى الهلال -وعند الترمذي هلال رمضان- قال: اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هلال خير ورشد} قال الترمذي: حديث حسن. هذا الحديث عجيب، فهو يقول للهلال: ربي وربك الله، فأنت مخلوق كما أنا مخلوق؛ لأن الأهلة والشمس والقمر كانت تعبد من دون الله، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس ويخبر الأجيال أن الكائنات كلها مخلوقة لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. فيقول: ربي وربك الله أي: فلا يحق لأحد أن يعبدك من دون الله، فالذي أهلَّك وأبداك وجملك وأبدعك هو الله! فكما أنني مخلوق لله، فأنت مخلوق لله، فأخطأ من عبدك أو توجه إليك من دون الله، وأخطأ من توجه لمخلوق من دون الله. وفي الحديث لمسات التوحيد التي أتى بها عليه الصلاة والسلام.

جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان

جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان يقول ابن عباس -رضي الله عنهما، ترجمان القرآن، وحبر الأمة، الذي عاش الآيات، وعاش الأحاديث، وعاش الإسلام كله، واستضاء بنور هذا الدين-: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس -وانظر ما أحسن التحفظ- وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن} {وما قال لا إلا مرة} كما في المسند من حديث جابر ثم قال بعدها: {وأستغفر الله} أي: أستغفر الله من كلمة لا، لأنها ثقيلة؛ عليه فاستغفر منها صلى الله عليه وسلم. ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم فكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه أستاذه وشيخه جبريل فيدارسه كتاب الله، ومواعظه في آياته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة} والريح المرسلة هي الصبا التي تهب من نجد، فإنها معطاءة باردة، وإذا وصف الشاعر العربي الرجل الكريم، قال: هو أجود من الصبا، أو أجود من الريح المرسلة. فأكبر المعالم في سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم في رمضان الجود والعطاء والإنفاق والبذل والهبة والسخاء، فهو أكبر معلم نراه في سيرته صلى الله عليه وسلم، لا يمسك شيئاً، حتى الثياب الأسمال التي عليه، إذا سُئل أعطاها، ففي الحديث الصحيح عن سهل بن سعد قال: {نسجت امرأة للرسول صلى الله عليه وسلم ثوباً، فلبسه محتاجاً إليه، فعرض له رجلٌ، فقال: يا رسول الله! أعطني هذا الثوب، فقال الصحابة لهذا الرجل: صنع الله بك وصنع، لبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليه، فجئت فسألته وهو لا يرد أحداً، فقال الرجل: أرجو أن يكون هذا الثوب كفناً لي} فأعطاه الله ما تمنى، وسأل، فكان كفناً له كُفن فيه. فالرسول عليه الصلاة والسلام يوم يأتي رمضان يستقبله بنفس معطاءة؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فلما كان العبد سخياً كريماً، جازاه الله بمثل فعله من السخاء والكرم.

مدارسته صلى الله عليه وسلم للقرآن في رمضان

مدارسته صلى الله عليه وسلم للقرآن في رمضان ومن المعالم الأخرى في حياته صلى الله عليه وسلم والتي تؤخذ من هذا الحديث: مصاحبته صلى الله عليه وسلم للقرآن، وعيشه معه وتدارسه لآياته مع جبريل عليه السلام، فهذا الشهر شهر القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] فكان إذا دخل عليه الشهر صلى الله عليه وسلم يهيئ نفسه، ويخفف من ارتباطاته ومشاغله، ليعيش تدبر القرآن وقراءته. والقرآن أخذ الحظ الأوفر والدقائق الغالية، والساعات الثمينة من حياته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كتابه الوحيد ومعجزته الكبرى، أرسله الله في الدنيا معجزة لا يضاهيها أي معجزة؛ لأن المعجزات تنصرم وتنتهي إذا مات أنبياؤها، كالعصا في عهد موسى فإنها انتهت بانتهائه عليه السلام، وكإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى في عهد عيسى فإنها انتهت بانتهائه عليه السلام، ولكن القرآن أخذ يشق طريقه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأخذ يثبت جدارته، ويعلن قوته، ويبدي دعوته في قوة وخلود ويخاطب الأجيال. فالرسول عليه الصلاة والسلام جعل أكبر وقت للقرآن هو وقت رمضان، ولذلك سئلت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم، كيف كان خلقه عليه الصلاة والسلام؟ فقالت: {كان خلقه القرآن} فهو يعيش مع القرآن أينما حل وارتحل، وإذا وجد وقت راحة وإقبال قلب، وسفر روح إلى الله شغل هذا الوقت بالقرآن. في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد طلابه وتلامذته: {اقرأ علي القرآن، قلت: يا رسول الله كيف أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟! -ما أحسن هذا الأدب! وما أجل هذا الحياء! - قال: اقرأ علي القرآن فإني أحب أن أسمعه من غيري} أحب أن أتلقاه غضاً طرياً من غيري إذا قرئ علي. فانطلق ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه يقرأ، والرسول عليه الصلاة والسلام يُنصت، فلما بلغ قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال: {حسبك الآن قال: فنظرت فإذا عيناه تذرفان عليه أفضل الصلاة والسلام} تأثر الحبيب بكلام حبيبه، وتذكر صاحبُ هذا الكلام سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الذي أنزله، والذي تكلم به من فوق سبع سماوات، فعندها بكى صلى الله عليه وسلم.

رقة قلبه صلى الله عليه وسلم مع القرآن

رقة قلبه صلى الله عليه وسلم مع القرآن روى ابن أبي حاتم في تفسيره: أن الرسول عليه الصلاة والسلام ربما خرج في بعض الليالي ليستمع القرآن في بيوت الأنصار، يوم كانت بيوت الصحابة تشغل بالقرآن، ويوم كانوا يعيشون ساعات الليل في تدبر آيات الله الواحد الديان، ولا يشغلهم القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة الوقت في الترهات والأغنيات والسخافات عن ذلك، يوم كانوا رهباناً في الليل شجعاناً في النهار، فرساناً لرفع لا إله إلا الله يوم يحمى الوطيس. خرج عليه الصلاة والسلام فسمع امرأة عجوزاً تقرأ سورة الغاشية، فوقف عند بابها وجعل رأسه على الباب، وهو يستمع إليها وهي تقرأ وتردد وتبكي -عجوزاً فأين شباب الإسلام؟! عجوز فأين فتية الحق؟! عجوز فأين شباب الصحوة؟ - {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] من هو المخاطب؟ هو الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول الله له: يا محمد! هل أتاك حديث الغاشية، أي: أما أتاك أن يوم القيامة حديث عجيب، ونبأ غريب، وحدث جلل. فأخذ يبكي ويقول: {نعم أتاني} كلما قالت: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] قال: نعم أتاني، إلى هذا الحد يتأثر عليه الصلاة والسلام بالقرآن، فهو كتابه الوحيد الذي تركه للأمة مع السنة المطهرة. وفي الصحيح أيضاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذهب إلى أبي المنذر أبيّ بن كعب سيد القراء رضي الله عنه وأرضاه، الذي جعل وقته لتعليم القرآن، فهو أقرأ الأمة بلا شك، فقال له صلى الله عليه وسلم: {إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} [البينة:1] فيقول أبيّ بن كعب في ذهول: أو سماني لك؟! -أي: سماني الله من فوق سبع سماوات لك، كأن لسان حاله يقول: من أنا حتى أُسمى في السماوات السبع، من أنا حتى يسميني الله عز وجل- قال: نعم} فذرفت عينا أبي وأخذ يبكي تأثراً بهذا.

عيشه عليه الصلاة والسلام مع القرآن

عيشه عليه الصلاة والسلام مع القرآن الرسول عليه الصلاة والسلام يوم عاش مع القرآن، عاش مع القرآن عملاً وتدبراً واستنباطاً، يقول لـ أبيّ: {يا أبا المنذر! أي آية في كتاب الله أعظم؟ فقال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة:255] فضرب عليه الصلاة والسلام بيده اليمنى في صدر أبيّ، وقال: ليهنك العلم أبا المنذر} أي: والله ليهنك العلم الصافي، والنمير العذب، فإن هذا هو العلم يا أبا المنذر. وعيشه صلى الله عليه وسلم مع القرآن، عيش تذكر وتدبر، يقول مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه، كما في سنن أبي داود: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء} والمرجل هو: القدر إذا استجمع غلياناً، فصدره يتخضخض من البكاء، وله صوت أزيز تأثراً بكلام الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وفي حديث أبي ذر: {أنه صلى الله عليه وسلم قام ليلة من الليالي يقرأ، فافتتح قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: بسم الله الرحمن الرحيم، فأخذ يبكي، ثم أعادها بسم الله الرحمن الرحيم، فأخذ يبكي، ثم أخذ يتأوه في النافلة ويقول: خاب من لم تدركه رحمة الله، خاب من لم تدركه رحمة الله}. نعم، هذه حياته صلى الله عليه وسلم مع القرآن؛ لأن القرآن أكبر مقاصده أنه كتاب هداية، وليس بكتاب طب، ولا تاريخ، ولا جغرافيا، ولا هندسة، ولكنه كتاب هداية يقود القلوب إلى الله الواحد الأحد، فهذا مقصد القرآن وقد علم ذلك صلى الله عليه وسلم. وعند ابن مردويه وأورده كثيرٌ من المفسرين في تفاسيرهم بأسانيد أن بلالاً رضي الله عنه وأرضاه، مر في السحر ببيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر، فسمعه يقرأ قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191] فقال لـ بلال وهو يبكي: {نزلت علي آيات ويلٌ لمن قرأها ولم يتدبر} فأعظم معالم حياته صلى الله عليه وسلم في رمضان هذا القرآن. ولذلك رأى بعض السلف الصالح أن شهر رمضان يخصص لتدبر القرآن، ولا يشتغل بغيره مهما كان العلم فاضلاً. وورد عن الإمام مالك أبي عبد الله إمام دار الهجرة، أنه كان إذا دخل عليه رمضان ترك الفتيا والتدريس، وتحديث الحديث، وأخذ يقرأ كتاب الله ويقول: هذا شهر القرآن، هذا شهر القرآن. وذكر ابن حجر في ترجمة الإمام البخاري، أنه ختم القرآن في رمضان ستين ختمة، ختمة في الليل وختمة في النهار، وأُوردها لهدف واحد؛ لأنها تدل على شدة اعتنائهم بالقرآن في رمضان. ولكن هل هذا هو السنة؟ هذا فيه كلام، فإن سنته صلى الله عليه وسلم الاعتدال والتدبر في قراءته، وورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاثة أيام} وقال لـ ابن عمرو في الصحيحين وفي غيرهما {اقرأه في ثلاث} فكأن السنة إلى ثلاثة أيام، وإنما أذكر هذا لأبين شدة اعتناء السلف الصالح بالقرآن، وكيف عاشوه، وتلذذوا بقراءته، وتعلموا منه وتدبروه؟! فإذا لم يكن شهر رمضان شهرك الذي تختم فيه القرآن، تدبراً وتوجيهاً واستفادة فمتى يكون إذاً؟! والله عز وجل إنما جعل هذا الشهر شهر عبادة، وقبول، وتوبة، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصدفت الشياطين} وإن شئت فقل فُتِّحت، فإن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، وضبطها بعض المحدثين بالتشديد للمبالغة وغُلِّقت أبواب النار، وفي لفظ: {النيران} وصفدت الشياطين، فهي لا تؤذي في ذاك الشهر؛ لأن الله عز وجل، أكثر من التوبة على عباده، وجعله موسماً للخيرات، ولقبول الأعمال، وللتوبة ورفع الدرجات وتقديم الحسنات، فطوبى لمن أدركه رمضان وأحسن فيه، وطوبى لمن أرضى الرحمن في شهر رمضان، ويا سبحان الله! كم هي فرحته وفوزه يوم يختم الشهر فيعتقه الله فيمن عتق. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقنا من النار

عظم منزلة الصوم

عظم منزلة الصوم في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه -وفي رواية وشهوته- من أجلي، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصيامه، ولخلوف فم الصائم -بضم الخاء المعجمة- أطيب عند الله من ريح المسك، فإذا كان أحدكم صائماً فإن سابه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني صائم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وفي لفظ في الصحيحين قال: {كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي} وهو سر بين العبد وربه، وإلا فمن يراك إذا اختفيت بين الجدران وتسترت بالحيطان وغبت عن العيان إلا الله الواحد الديان! بإمكانك أن تأكل في عقر بيتك وفي قعر منزلك ولا تراك عيون الناس، ولا تنظر إليك أبصارهم، لكن الذي خلقك يراك في الظلام. وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني فهو سرٌ بينك وبين الله، لا يطلع عليك فيه إلا هو، الصلاة تصليها بمشهد، والزكاة تزكيها بمشهد، والحج تحجه بمشهد، ولكن الصيام سر، قد يختفي العبد فيأكل ويشرب، ويعود متظاهراً بالصيام، لكن من الذي علم أنه صام إلا الله. والخلوف كريح المسك عند الله، ولذلك رأى بعض الشافعية ألا يتسوك الصائم؛ لأنه يغير الخلوف، ولكن الخلوف من المعدة وليس من الفم، والسواك لا يزيدك إلا طيباً، ولكن لعظيم أجرك عند الله جعل مخلفات جوعك أطيب عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من ريح المسك، فدم الشهيد وخلوف فم الصائم سيان يفوح منهما يوم القيامة رائحة المسك، فما أحسن هذا الجزاء! وما أطيب أفواه الصائمين! وكان عليه الصلاة والسلام في رمضان يقوم الليل كغيره من الليالي، ولكن يجتهد في رمضان؛ فإنه شهر القيام والصيام، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال: {من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه} فقوله: إيماناً أخرج به من لم يصمه إيماناً، ولم يقر بصيامه، وإنما صامه هكذا عادة، واحتساباً: أخرج به من صامه رياءً وسمعة، فمن صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

قيام النبي صلى الله عليه وسلم ليالي رمضان

قيام النبي صلى الله عليه وسلم ليالي رمضان كان صلى الله عليه وسلم إذا أجنه الليل في ليالي رمضان قام متبتلاً لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وما أعظم قيام الليل! وخاصة في رمضان، وما أحسن السجدات! وبالخصوص في رمضان، وما أحسن الوضوء والتبتل والدعاء والبكاء! وبالخصوص في ليالي رمضان. قلت لليل هل بجوفك سرٌ عامرٌ بالحديث والأسرار قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار وقيام الليل لما تركته الأمة الإسلامية -إلا من رحم الله- ذبل في صدورها غصن الإيمان، وضعف اليقين، وعاش الجيل، لكنه لم يعش بمثل ذاك الجيل الذي عاش مع الرسول صلى الله عليه وسلم، جيلٌ فيه برود، وتهاون وتكاسل إلا من رحم ربك {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] فلما علم ذلك كان يمضي صلى الله عليه وسلم ليالي رمضان متهجداً لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79]. فكما قمت في الليل فسوف تقوم يوم القيامة، وموقفك وقيامك في الليل أشبه شيء بموقفك عند الله يوم تقوم شافعاً مشفعاً بإذن الله، يوم يتخلى الأنبياء عن الشفاعة، وتأتي أنت تشفع: واستشفع الناس بأهل العزم في إراحة العباد من ذي الموقف وليس فيهم من رسول نالها حتى يقول المصطفى أنا لها فمقامك يوم قمت في الدنيا بالقرآن، أن تقوم يوم القيامة على ملأ بين يدي الرحمن سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79]. وعجيب الليل وخاصة في رمضان، والذي ينبغي للمسلم الذي يريد أن ينصح نفسه أن يكثر من تلاوة القرآن ويكثر من صلاة الليل، فإن هذا الشهر شهر تجديد للروح، وفرصة ثمينة لا تتعوض أبد الدهر، وشهر توبة وعتق من النار، وخيبة وندامة وهلاك وبوار لمن أدركه رمضان ولم يتب من المعاصي والخسران، ولم يعتقه الله من النيران. وكان عليه الصلاة والسلام كما جاء عند مسلم عن عائشة {لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة} ولكن الركعة الواحدة تساوي آلاف الركعات من ركعات كثير من الناس، يقف في الركعة الواحدة أمداً طويلاً، فيناجي ربه، ويتدبر كلام مولاه، ويحيي روحه بتدبر القرآن، يبكي ويتباكى ويناجي ويسجد ويركع طويلاً، فتصبح الركعة حسنة جداً ما أحسن منها، والله يقول: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] ولم يقل أكثر عملاً. لذلك كان التجويد في التراويح والقيام أحسن من التكثير بلا جودة، وكان الكيف أحسن من الكمِّ حتى بالتلاوة، فلا يهذرم القرآن، ولا يهذُّ هذَّا، ولا يحدر حدراً شديداً فتضيع معانيه وحروفه على حساب الختم، فإن المقصود هو التدبر والمعايشة للمعاني، فإن من الناس من يختم القرآن في رمضان مرة، ولكن يا لها من ختمة ما أحسنها وأجودها! وما أجلها وأعظمها! شافا أمراض نفسه بكلام الله، وداوى جراحات قلبه بكلام مولاه، فكان للقرآن أثر في قراءته. وأناس يقرءون فيختمون كثيراً، لكن مقصودهم الأجر فهم مأجورون، لكن غذاء الروح، ومدد اليقين وماء الإيمان لا يحصل إلا بالتدبر ومعايشة القرآن.

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصوم

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصوم كان له صلى الله عليه وسلم سنن كثيرة في صيامه ولكن نذكر أهم معالمها:

تعجيل الفطر وتأخير السحور

تعجيل الفطر وتأخير السحور كان عليه الصلاة والسلام في رمضان يعجل الإفطار، ويقول: {أحب العباد إلى الله أعجلهم فطراً} والفطر هنا إذا غربت الشمس، كما في حديث عمر الصحيح {إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، فقد أفطر الصائم} لأن اليهود كانوا يؤخرون الفطر، فعجل صلى الله عليه وسلم الإفطار، بشرط أن تغرب الشمس وأن يذهب النهار، وأن يأتي الليل، وكان يفطر صلى الله عليه وسلم على رطب، كما في حديث أنس عند أبي داود والترمذي بسند حسن، قال: {كان صلى الله عليه وسلم يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تميرات، فإن لم يجد حسى حسوات من ماء} عليه الصلاة والسلام. وعند أبي داود والترمذي من حديث سلمان بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ليفطر أحدكم على تمر، فإن لم يجد فليشرب ماءً فإنه طهور} والعجيب أن في الرطب والتمر سرٌ عجيب للصائم، أورد ذلك ابن القيم، فإن البطن إذا جاع كان أحلى شيء يوافق المعدة التمر، فهو حلو يوافق الجوع، فسبحان الله من علمه وهداه -صلى الله عليه وسلم- سواء السبيل، فكان طبيباً للأبدان، وطبيباً للقلوب يقودها إلى الله تبارك وتعالى. وكان عليه الصلاة والسلام يؤخر السحور، بشرط ألا يصبح عليه الصباح، فيقول عليه الصلاة والسلام: {تسحروا فإن في السحور بركة} وبركة السحور تأتي بأمور ثلاثة: أولاً: أنه إحياء لهذه السنة العامرة من الرسول عليه الصلاة والسلام، فبركة السنة لا يعادلها شيء، وكثيرٌ من الناس قد يترك طعام السحور، وقد خالف في ذلك السنة ولو أن صومه صحيح، فالسنة أن تقوم فتتسحر بما يسر الله، ليبارك الله في قيامك وصيامك. ثانياً: أنها ساعة ينزل الله فيها إلى سماء الدنيا فيقول: {هل من سائل فأستجيب له، هل من داع فأجيبه، هل من مستغفر فأغفر له} فإذا رآك الله وأنت متسحر ذاكرٌ له، مستغفر منيب تائب، غفر لك سبحانه، وقبل دعاءك وأجاب سؤالك، وتاب عليك فيمن تاب، وأعتق رقبتك من النار، فهنيئاً لك بتلك الجلسة الإيمانية، فمقصودها وسرها الثاني أن تكون مستغفراً في السحر، فما أحسن السحر! وما أطيب السحر! قام طاوس بن كيسان العلامة الكبير الزاهد العابد يزور أخاً له وقت السحر، فطرق عليه الباب، فقال له صديقه: أتأتيني في هذا الوقت، أيزار في هذا الوقت؟ فقال طاوس: والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت أن أحداً ينام في السحر، أي: من المسلمين. فانظر إليه من كثرة عبادته واتصاله بالله يستغرب أن ينام أحدٌ من الناس في السحر. ثالثاً: أنه يعينك بإذن الله على الصيام في النهار، ويسكن حالك وأنت تتلذذ بنعمة الله، وتتناول طعام سحورك، كأنك تقول: يا رب هذا الطعام الذي خلقته ورزقته أتقوى به على طاعتك، وهو من أنواع الشكر على النعمة، وما أحسن الطعام إذا نوى به العبد التقوي على عبادة الواحد الأحد.

الإكثار من الذكر

الإكثار من الذكر كان من هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان: أن يكثر من الذكر والتبتل والاستغفار والمناجاة والدعاء، فإنها حياة القلوب. كان يواصل الصيام وينهى الصحابة عن الوصال، فيواصلون ويقولون: يا رسول الله إنك تواصل، أي: مواصلة الليل بالنهار، قال: {إني لست كهيئتكم} وفي رواية: {لست بمثلكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين} وفي رواية: {إن ربي يطعمني ويسقين}. أورد هذه الروايات ابن القيم في زاد المعاد بألفاظها، قال: واختلف أهل العلم على قسمين: قوم يقولون: إنه طعام حسي وماء معروف يسقى به عليه الصلاة والسلام ويأكل، وليس هذا بصحيح؛ لأنه لو كان كذلك لما كان صائماً عليه الصلاة والسلام، ولو كان كذلك لما قال: {إني لست كهيئتكم} ولو كان كذلك لما كان له ميزة عليه الصلاة والسلام عليهم في الوصال. والصحيح أنه يطعم ويسقى بالمعارف التي تفاض على قلبه من الواحد الأحد، من لذة المناجاة، وحسن الذكر، وعذوبة دعائه لمولاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وبما يغدق على روحه، ويسدل على قلبه من ذكر ودعاء وتبتل يشبع ويروي، ولذلك ترى بعض الناس إذا سروا بأمر تركوا الطعام والشراب، وإذا سروا بأمر نزلت دموع الفرحة من خدودهم. طفح السرور علي حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني فبعض الناس لولهه ولكثرة سروره وفرحه يستعيض به عن الطعام، حتى قال الأول وهو يتحدث عن لذة قلبه بقدوم قادم، أو بكلام حبيب، أو بمناجاة صاحب: لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نورٌ يستضاء به ومن حديثك في أعقابها حاد إذا تشكت كلال السير أسعفها شوق القدوم فتحيا عند ميعادي فكأنه عليه الصلاة والسلام لفرحه بعبودية ربه كان من أسر الناس قلباً، ومن أشرحهم صدراً، يستعيض عن كثرة الطعام والشراب بهذا، ولذلك يقول الأندلسي أبو إسحاق الألبيري لابنه في قصيدته الرائعة المبكية الحارة التي توجه إلى كل شاب، وهي من أحسن القصائد والوصايا، يقول: فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت ولا شربتا يقول: قوت القلب، وغذاء الروح هي جواهر المعاني من الآيات والأحاديث، وليس بأن تأكل وتشرب؛ لأن هذا للجسم، يقول: تفت فؤادك الأيام فتا وتنحت جسمك الساعات نحتا وتدعوك المنون دعاء صدق ألا يا صاح أنت أريد أنتا إلى أن يقول: فواظبه وخذ بالجد عنه فإن أعطاكه الله انتفعتا فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت ولا شربتا فكان عليه الصلاة والسلام يتغذى بالذكر والتهليل والتكبير والتسبيح والاستغفار، وبكثرة المناجاة، والدعاء، فأدعوكم -أيها الأخيار والأبرار- إلى استغلال هذا الشهر في كثرة الذكر. وننبه على الظاهرة التي نسأل الله أن يجعل مكانها خيراً ومبرةً ورحمة، ظاهرة استغلال النهار في النوم؛ فإنها وجدت عند الصالحين بكثرة، فتجد الصالح من الصائمين يقضي ساعات يومه في النوم، فما كأنه وجد للجوع حرارة، ولا للظمأ مشقة، ولا وجد لمعاناة العبادة كلفة. فأي حياة هذه الحياة في رمضان، إذا نام من الصباح إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى الغروب، فما هو مفهوم الصيام إذاً في حقه، ثم أمضى الليل في السهر، وظاهرة تغيير برنامج المسلم في رمضان ليست بمحمودة، بل على المسلم أن يكون على وتيرته، وما هو الداعي إلى أن يغير وقته لهذا الوقت، فيجعل وقت المناجاة والذكر وحرارة الجوع، ومشقة الظمأ رقاداً ونعاساً ونوماً، فأين معنى الصيام؟! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فأعظم مقاصد الصيام التقوى، والتقوى تحصل بأن تعيش ساعات ودقائق الصيام لتتعامل معه، فما الفرق بين المفطر الذي ينام النهار كله، وبين الصائم الذي ينام النهار كله.

فوائد الصيام

فوائد الصيام فوائد الصيام كثيرة، ويمكن أن نجمل بعضها، ولكن أعظمها تقوى الله عز وجل، فإنه ختم الآية فقال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ولم يقل: (لعلكم تعقلون) أو (لعلكم تذكرون) وإنما (تتقون) فالصيام سبب للتقوى لأنه: أولاً: يكسر قلبك عن المعاصي، ويرد جماح روحك عن الذنوب، ويأخذ بزمام نفسك عن الخطايا والمخالفات. ولذلك لما دعا صلى الله عليه وسلم الشباب إلى الزواج كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: {يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} فجعل صلى الله عليه وسلم الصوم يقوم مقام الزواج في أنه يكسر النفس ويردها. ثانياً: أنه يفرغ الأوقات للعبادة، فإن الوجبات قد تأخذ كثيراً من أوقات العباد، وهل أخذ أوقاتنا وضيع ساعاتنا إلا كثرة الأكل والشرب، إننا نجلس في شرب الشاي والمرطبات ساعات طويلة تكفي مثل ابن تيمية وابن القيم إلى أن يؤلف رسائل في خدمة الإسلام، وكتباً في رفع راية هذا الدين. ولذلك يقولون: إن ابن تيمية ألف كتاب التدمرية من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، وقررت في الكليات سنة كاملة، وما فهمها كثير من الطلاب، بل رسبوا في التدمرية؛ لأنها تدمر كل شيء بأمر ربها، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم. فهذا الوقت يمكن أن يستغل في مرضاة الله عز وجل، وفي تلاوة كتابه والاستغفار وقد ذكر ذلك الغزالي في الإحياء وغيره من أهل العلم. ومن فوائد الصيام: أن فيه حياة للقلب، فإن القلب قد يموت بكثرة المباحات من مأكولات ومشروبات ومسكونات وملبوسات، فكلما أكثرت على القلب من هذه الأمور قتلته وأماتته، وبعض الناس يظن أن حياة القلب أن تكثر من الأكل والشرب، وهذا ليس بصحيح، فالروح إنما هي نفخة من الله، فكلما أقللت من علائقها من الأرض والتراب، كلما هاجرت إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ومن فوائد الصيام: أنه يذكرك بالأكباد الظمأى وبالبطون الجائعة من الفقراء والمساكين، فيجعلك تعيش آلامهم وآمالهم، وتعيش ما يعيشونه، وتذوق ما يذوقونه، وتحيا ما يحيونه، فتعيش تلك الساعات المريرة التي يعيشونها، ولم يفرض شهر رمضان ليظن أهل اللحم الذين يأكلون اللحم دائماً، ويشربون البارد دائماً، أن الناس ليسوا في مشقة، ولا يحتاجون إلى مساعدة، ولا إلى مد يد العون فعلمهم الله أنهم كما يصومون ويجوعون ويظمأون، أن هناك من يصوم الدهر كل الدهر جائعاً، ومن يصوم الدهر كل الدهر ظامئا، ومن يجد المشقة ليلاً ونهاراً.

الاعتكاف

الاعتكاف كان من هديه عليه الصلاة والسلام الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان. والاعتكاف: لزوم مسجدٍ لطاعة الله عز وجل، فيحيي قلبه بالذكر والتلاوة، ويقطع مشاغله وارتباطاته بالناس، ويحيا مع الله عز وجل، فيفرغ القلب لمولاه، ويكثر من دعاء ربه تبارك وتعالى، ويحيي قلبه بالآيات البينات. والاعتكاف سنة من أحسن السنن وقد عطل إلا من بعض الأشخاص، وهو أحسن ما يمكن أن يربى به القلب، يوم تتفرغ من الناس، ومن كلامهم، والاتصال بهم، لتتصل برب الناس وملكهم وإلههم، وهل ثَم أحسن من هذا؟ وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان أن يبشر به الأمة الإسلامية الخالدة، أمة لا إله إلا الله، وفي بعض الآثار: {أن الله عز وجل يعتق في كل ليلة من ليالي رمضان مائة ألف، وأما في آخر ليلة فيعتق بقدر ما أعتق في كل ليلة مرت}. فهل بعد هذا من بشرى للأمة؟ إنها مبشرات وليست بشرى واحدة، وإنها مكرمات وليست مكرمة واحدة، وإنها أعطيات وليست أعطية واحدة، وكان عليه الصلاة والسلام في رمضان يقوم الليل -كم أسلفت- وربما قام الناس معه جماعة، وربما ترك عليه الصلاة والسلام الجماعة وصلى وحده، ولذلك أتى عمر فجمع الناس في صلاة التراويح.

الصحابة في رمضان

الصحابة في رمضان والعجيب أن الصيام من أعظم ما يربي العبد على الصبر، ومن أعظم ما يقود روحه إلى مولاه تبارك وتعالى، وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً} وما معنى في سبيل الله كما قال أهل العلم أي: الغزو في سبيل الله، ومقاتلة الأعداء، بأن تصوم وأنت مقاتل، فقولوا لي بالله -يا أيها الجيل، يا أيها الأخيار- من منا أكثر من الصيام وهو ليس في سبيل الله، بل تحت الظل، ومع الماء البارد، وتحت المشهيات، ومع كل ما لذ وطاب؟! صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم يصومون والقنا على رءوسهم، والسيوف تتحاك على آذانهم، والرماح تتشاجر بين وجوههم، ومع ذلك يصومون. روى ابن كثير وغيره عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وأرضاه، أنه لما حضر معركة مؤتة كان صائماً، وكان هو القائد الثالث، فلما قتل القائدان الاثنان زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب، دعي إلى أخذ الراية رضي الله عنه وأرضاه، وقد سبق له قبل سنوات أن بايع في صك، أتى من رب العالمين، كما يقول ابن القيم - أملاه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ووقع عليه رسوله صلى الله عليه وسلم، على أن السلعة الجنة، وعلى أن الثمن أرواح المؤمنين، فكان ابن رواحة من المبايعين. يوم قال للرسول عليه الصلاة والسلام يوم بيعة العقبة: {يا رسول الله ماذا تريد منا؟ قال: أن تحموني مما تحموا منه نساءكم وأطفالكم وأموالكم، فقال: ما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: لكم الجنة، قال: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل} والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا فقد وجب البيع، فلم يكن لـ ابن رواحة الحق أن يقيل أو يستقيل. حضر في مؤتة وهو صائم، ودعي والشمس تميل إلى الغروب، وتأذن بالأفول، وهو جائع، وهو في شدة الحر والسيوف أمامه، والقتلى حوله، فقال: اتوني بعرق لعلي أشد به جوعتي، فأتوا له بقطعة من اللحم وهو صائم على فرسه، فنظر إلى الشمس، حتى في هذه الساعة الحرجة، والأرواح تتطاير، والنفوس تسافر، واللحوم تتمزق، والرءوس تضرب في الأرض يتحرى غروب الشمس. قال: أغربت؟ قالوا: نعم غربت، فأخذ لقمة وقال: باسم الله، اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، فأتى يأكلها، وقد دعي ليقود المعركة، وليدف دفة المعركة، وليدير كئوس الموت على رءوس الأعداء، فأكل مضغة فما وجد لها مذاقاً، فقد ذهب طعم الطعام، وذهبت لذة الشراب، وذهبت بقية الحياة، ما أصبح للطعام لذة، وما أصبح للشراب معنى، وكيف يكون له معنى وقد قتل زيد وجعفر والأحباب والأخيار وأصبحت الخيول تدوسهم بالسنابك، فلفظها من فمه، وأخذ جفنة السيف فكسرها على ركبته، وقال وهو ينشد نشيد المعركة، وأغنية الفداء، وأنشودة التضحية: أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أقبل الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة هل أنت إلا نطفة في شنة ثم خاض غمار المعركة، وما تم الغروب إلا وهو في روضة من رياض الجنة {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] رضي الله عنكم يا من رفعتم راية الإسلام على الجوع، ورضي الله عنكم يا من بذلتم الجهد والمشقة وأنتم جوعى في سبيل الله. من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمـ ـك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا وفي الصحيح من حديث أبي الدرداء قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كنا في أشد الحر، فكان الواحد منا يتقي حر الشمس بكفه، وما منا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن رواحة، فانظر إليه في السفر وفي القتال كيف يصوم، كيف يتربى؟ وحياة -والله- ليس فيها صيام ولا تدبر للقرآن ليست بحياة الآدميين، بل حياة البهائم. ولذلك ذكروا في ترجمة روح بن زنباع -وهو أمير أموي- أنه مر بالصحراء معتمراً، وكانت له سفرة كبيرة فيها لحوم وفواكه وخضراوات ومشروبات، فمر بأعرابي وهو يرعى غنمه، فقال له روح بن زنباع: تعال أيها الأعرابي كل معي من الغداء. فقال الأعرابي: لقد دعاني من هو أكرم منك إلى مأدبته. قال: ومن هذا؟ قال: الله رب العالمين، قال: بماذا؟ قال: أنا صمت وسوف أفطر له. قال روح: أفطر اليوم وصم غداً. فقال الأعرابي: وهل تضمن لي أيامي يا أيها الأمير؟ فبكى الأمير، وقال: حفظت أيامك وضيعنا أيامنا. فإن العبادة كل العبادة أن تكون في سبيل الله عز وجل، وأن تكون لوجهه، وأن تجد المشقة في سبيله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، حينها لا تجد للتعب في نفسك كلفة، ولا تجد للجوع ولا للظمأ مشقة. إن كان سَرَّكم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم عاش الصحابة وعاش السلف الصالح دقائق رمضان توجهاً وجهاداً وخدمة في سبيل الله، ولذلك كانت أعظم معارك الإسلام وأعظم انتصارات المسلمين في رمضان، فإن بدراً وفتح مكة وحطين وعين جالوت كلها كانت في رمضان. فلقد كانت الانتصارات الرائعة في هذا الشهر الذي نزل القرآن فيه ليحيي به الأمة الميتة التي ما عرفت إلا التقاتل على موارد الشياه والإبل والبقر، الأمة التي ما عرفت الحضارة ولا الثقافة، وبقيت في الجهل آلاف السنوات، نزل القرآن ليقول لها: استفيقي وانظري إلى السماء، أنقذي البشرية بلا إله إلا الله، وهذه الأمة لا يردها إلى الله إلا القرآن ورمضان، ولا تُقبل على الله إلا برمضان والقرآن. فيا أيها الأخيار! ويا من شابت لحيته في الإسلام! هذا شهرك -وكأنه الأخير- فاجعله خاتمة مطافك مع الله، ويا أيها الشاب الذي أقبل تائباً إلى الله! هذا شهرك شهر التوبة والإقبال فاغتنمه في التقرب إلى الله، ويا أيها المسيء الذي أكثر من العصيان! اليوم فرصتك الذهبية، ويومك الثمين، وعيد ميلادك يوم أن تلد في التوبة ميلاداً ثانياً؛ لأن الكافر يموت مرتين، والمؤمن يحيا مرتين. أما الكافر فيموت أول مرة يوم أن تموت روحه عن لا إله إلا الله، وتموت نفسه عن مبادئ لا إله إلا الله، ويموت ضميره عن ضوء لا إله إلا الله، ويموت مرة أخرى يوم تخرج روحه. والمؤمن يولد مرتين، ويحيا حياتين: الحياة الأولى: يوم أن تأتي بك أمك فتقع على الأرض وأنت على الفطرة، والحياة الثانية: يوم أن تحيا بالإسلام، ويوم أن يتوب الله عليك، فإن كثيراً من الناس أحياء وليسوا بأحياء، يأكلون ويشربون ولكنهم ليسوا بأحياء، لأن الحياة أن يسافر قلبك إلى الله، وتعيش مع الله، وتقضي عمرك في عبادة الله {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سروراً فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً أقول ما تسمعون، وأسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتجاوز عنا وعنكم سيئها، وأن يجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم، وأن يجعلنا ممن مَنَّ عليهم بالتوبة، وممن جعلهم من ورَّاث الجنة، وممن تاب عنهم في هذا الشهر، وممن ختم لهم بالحسنى، وممن صامه وقامه إيماناً واحتساباً. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

نصائح للنساء

نصائح للنساء Q ما تنصح به النساء بمناسبة قدوم هذا الشهر الكريم، نظراً لوجود نساء في هذه المحاضرة؟ A صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي أمامة أنه قال: {إن المرأة إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، دخلت جنة ربها} فإذا عرفت المرأة المسلمة هذه المبادئ وهذه الأمور في هذا الحديث فصلت الخمس الصلوات وأحسنتها ظاهراً وباطناً، وصامت هذا الشهر الفضيل وأطاعت زوجها، جعلها الله عز وجل من وراث الجنة، وانظر ما أحسن الكلام يوم قال لها ثلاث وصايا؛ لأنها كثيرة الحمل والولادة، والحيض، والمشاغل، وتربية الأبناء، والمزاولة في البيت، فلم يذكر لها نوافل، وإنما جعل نوافلها تلك الأعمال، واقتصر على هذه الفرائض. فالذي أنصح به المرأة المسلمة: أولاً: بتقوى الله عز وجل، وهي نصيحة لنا جميعاً. ثانياً: أن تحتسب صيام هذا الشهر على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن تتقرب إليه بما استطاعت من ذكر وعمل صالح وصدقة، وأن تطيع زوجها في رمضان وفي غير رمضان، ليرضى الله سبحانه وتعالى عنها. ثالثاً: أن تسأل عن أمور دينها وتتفقه فيه، فإن لها مسائل خاصة كالحيض والولادة والحمل، لا بد أن تعرفها، فإن الحامل إذا شق عليها الحمل وخافت على نفسها أفطرت وقضت، وإذا خافت على ولدها أفطرت وقضت، ومع القضاء تطعم عن كل يوم مسكيناً. والحائض لا يجوز لها أن تصوم، والصلاة عليها محرمة، ولكنها تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة، والنفساء كذلك تأخذ حكم الحائض، إذا علمت ذلك، فلتعلم ولتتفقه ولتسأل عن كل ما يخصها، فقد سهل الله العلم والعلماء والتفقه في الدين، ولها إن رأت ذلك هو الأصلح لقلبها والأخشى والأخشع أن تحضر صلاة التراويح مع الناس، إذا كانت هناك دروس علمية ومحاضرات، وكان يرق قلبها وتعلم من نفسها أنه أتقى لمولاها، فلتحضر وتصلي مع الناس متسترة لا تتطيب، ولا تلبس ثياب الزينة، ولا تأخذ البخور، وهذه الأعواد والروائح الجميلة بل تتركها؛ لأنها لزوجها في البيت. أما في مسيرها من بيتها، فلتتق الله، ولتأخذ ثياباً مبتذلة ولتصلِّ فيها، فإن علمت أن الأخشى والأخشع لها هو بيتها فلتتق الله، ولتصلِّ في بيتها، لئلا تفتن المسلمين، ولئلا تتعرض لغضب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

نصيحة لمن لا يستطيع أن يقرأ القرآن من الأميين

نصيحة لمن لا يستطيع أن يقرأ القرآن من الأميين Q بماذا تنصح كبار السن المستمعين إليك والذين لا يعرفون القراءة في رمضان، حيث إنهم يقضون أغلب رمضان في النوم وضياع الوقت لعدم قدرتهم على قراءة القرآن في رمضان؟ A سبحان من جعل أبواب الجنة ثمانية، ليدخل القارئ من باب، والصائم من باب، والمجاهد من باب، والمتصدق من باب إلى آخر تلك الأبواب، فالكبار في السن، والذين شابوا في الإسلام هنيئاً لهم، فإن الله يستحي أن يعذب من شاب شيبة في الإسلام، والشيب لهم وقار، فعليهم أن يوقروا الله عز وجل في رمضان وفي غير رمضان، ونصيحتي لمن لم يستطع قراءة القرآن بكثرة التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد. ولذلك ورد عند الترمذي بسند حسن عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه وأرضاه، أنه أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو شيخ كبير، فقال: {يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فماذا تنصحني به؟ قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} فأنصح هؤلاء الذين فنيت أجسامهم في الطاعة، وشابت رءوسهم واحدودبوا من الكبر، وما استطاعوا قراءة القرآن والصلاة بكثرة الذكر. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلى مما طلعت عليه الشمس} وعند مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {سيروا هذا جمدان -جبل بين المدينة ومكة - سبق المفرّدون، قالوا: وما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات}. فأنصحك أيها الشيخ الكبير أن تكثر من التسبيح والتهليل والاستغفار، والصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكثرة الدعاء، وإن استطعت فالصلاة تنفل؛ لأنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة.

ضياع الأوقات عند التلفاز

ضياع الأوقات عند التلفاز Q يكثر مشاهدة برامج التلفاز في رمضان وغيره، فنستفتيك حفظك الله أن تبين لنا ما هو الحلال وما هو الحرام في التلفاز؟ وهل الأفلام المتحركة لها أثر على الأطفال؟ مع أن فيها تسلية لهم، أفتونا جزاكم الله خيرا؟ A المسلم مطالب بحفظ وقته وقلبه ونظره وكل جارحة فيه، والله عز وجل لا يزيل قدمي عبد يوم القيامة حتى يسأله عن أربع، عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه، هذه الساعات الثمينة وهذا الليل والنهار الذي امتن الله به في القرآن، فقال: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:61 - 62] أتظن أن كل هذا يذهب سدىً؟! أتظن أن هذا الليل والنهار ليس بنعمة عليك، بل هو من أفضل النعم، ولا تستثمر الصالحات ولا ترفع الدرجات إلا في الأوقات، والله يقول: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] وعند البخاري من حديث ابن عباس في الرقاق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ} تجد العبد صحيح الجسم قوي البنية متكامل الأعضاء، وهو عاطل باطل كسول، ليس عنده تحرك ولا همة ولا نشاط، فيخسر وقته وعمره، إذا علم ذلك فأعظم ما نخسره الأوقات إذا ذهبت في غير طاعة الله. أشاب الصغير وأفنى الكبير كر الغداة ومر العشي إذا ليلة هَرَّمت يومها أتى بعد ذلك يوم فتي نروح ونغدوا لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي وقال آخر: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوانِ ومما يحفظ أيضاً: البصر، فإنه يحفظ من المطالعة في أي محرم، سواء كان في هذه الآلة المذكورة أو في غيرها، وسوف يسأل الله العبد عن بصره وسمعه ويده ورجله وفرجه، وكل عضو فيه يوم القيامة؛ لأنها نعمة فهل صرفها في الطاعة أم في المعصية، أما القضايا التفصيلية والجزئية، فكل ما كان خبيثاً لا يجوز، وكل ما كان طيباً فهو المطلوب، لكن أي خبيث هذا وأي طيب ذاك، إنها مسائل جزئية تفصيلية، ليس هذا مجال بسطها، لكن مجال بسطها رسائل أهل العلم، وقد تكلموا فيها بما يشفي ويكفي، وهي رسائل موجودة بين أوساط الشباب.

انقطاع دم الولادة قبل الأربعين

انقطاع دم الولادة قبل الأربعين Q المرأة التي وضعت الحمل، وانقطع الدم قبل الأربعين، فهل تصوم وتصلي أم تنتظر حتى تنتهي الأربعين يوماً؟ A ورد في حديث لـ أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها، قالت: {كانت النفساء تمكث على عهده صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً} هذا حديث في السنن، لكن سنده ليس بذاك وهو ضعيف عند أهل العلم، إذا علم ذلك فالصحيح عند المحققين من أهل العلم، أن المرأة النفساء إذا ولدت وانقطع دمها ولو في يوم فتغتسل وتصوم وتصلي. وقال بعض الحنابلة: ولا يأتيها زوجها، بل يأتيها زوجها؛ لأن ابن عباس قال الصلاة أعظم، فما دام أنها إذا اغتسلت وانقطع الدم، تصلي وتصوم فيجوز لزوجها أن يأتيها، فلا عبرة بتحديد أربعين يوماً، بل الصحيح ألا يحدد زمن للولادة فقد ينقطع الدم في يوم أو يومين أو ثلاثة أو غير ذلك، فإذا انقطع الدم فعليها أن تغتسل وتصوم وتصلي ولا تنتظر الأربعين يوماً.

نصيحة لمن لا يعبد الله إلا في رمضان

نصيحة لمن لا يعبد الله إلا في رمضان Q هناك كثير من الناس لا يعرف الصلاة والأعمال الصالحة إلا في شهر رمضان، وكأنهم يرون أن العبادة في شهر رمضان فقط، فما هي نصيحتك لهم جزاك الله خيراً؟ A وجد في أوساط الناس لجهلهم وعدم فقههم وقلة خبرتهم بالكتاب والسنة من يعمل أعمالاً كأنهم يخادعون الله بها، يتركون الصلوات بقية الأسبوع فإذا جاء يوم الجمعة تطيب واغتسل، وتسوك بالسواك وأتى في الصف الأول يقرأ سورة الكهف، ظاناً أن هذا اليوم يكفر له سائر الأيام؛ لأن هناك حديث يقول: {والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهما} لكن في الحديث {إذا اجتنبت الكبائر}. ومن أعظم الكبائر ترك الصلاة في جماعة، أو ترك الصلاة بالكلية، فأي فقه هذا؟! ومن الناس من يسيء في السنة كلها، فإذا أتى رمضان أتى عبداً صالحاً، ودخل في رمضان بنسك وعبادة، وتحرى صلاة التراويح مع الناس، حتى إن بعضهم لا يصلي صلاة الجماعة مع المسلمين في المساجد، ويحرص على صلاة التراويح، والتراويح نافلة، وصلاة الجماعة يقول ابن تيمية فيها: شرط في صحة الصلاة، كما نقل ذلك عنه صاحب السلسبيل وقال غيره: واجب من الواجبات التي لا يعذر الإنسان بتركها إلا بعذر شرعي. فانظر لقلة الفقه، يأتي من مسافات بعيدة لصلاة التراويح، ويترك الصلاة الفريضة، وصلاة فريضة واحدة في جماعة أعظم أجراً من صلاة التراويح ثلاثين ليلة، فأي فقه هذا، فأنا أوصي من كان هذا حاله أن يستغفر الله ويتوب إليه، فإن رب رمضان هو رب الأشهر جميعاً سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو يطلع على السر وأخفى. وما أعجب العبد إذا خرج منه رمضان، ثم انسلخ من العبودية، وخلع جلباب الوقار، وترك الإقبال على الله عز وجل، وصار في حالته الأولى، فأي فائدة للصيام؟ وأي مصلحة في القيام؟! وما هي آثار رمضان عليه؟!

حكم من صام في بلد وسافر إلى بلد آخر

حكم من صام في بلد وسافر إلى بلد آخر Q ما حكم من ثبت في بلده دخول شهر رمضان، فصام ثم سافر إلى إحدى البلدان الغربية فوجدهم لم يصوموا بعد؛ لأنهم لم يثبت عندهم دخول شهر رمضان، فهل يعمل بصيامهم أم بصيام البلد الذي وصل إليه، وإذا أتم الشهر هناك، فهل يعيد معهم؟ وإذا لم يصم إلا ثمان وعشرين يوماً فهل يقضي يوماً؟ A هذا السؤال فيه مسائل، وهي تبنى على أمور، منها: هل للناس رؤية واحدة ومطلع واحد، أم يصومون ويفطرون باختلاف المطالع، والصحيح أن لهم أن يصوموا باختلاف المطالع وباختلاف الرؤيا، لحديث مسلم عن كريب، أنه صام في الشام عند معاوية فرأوا الهلال يوم الجمعة، فقدم على ابن عباس، فقال ابن عباس: متى رأيتم الهلال؟ قال: رأيناه ليلة الجمعة، قال: فنحن لا نصوم حتى نراه أو نكمل عدة رمضان، فإنا ما رأيناه إلا يوم السبت. فمن صام في بلد وسافر إلى آخر، فعليه أن يصوم بصيام ذاك البلد ويفطر مع أهل ذاك البلد؛ لأنه ورد في حديث صححه الترمذي، وضعفه بعض أهل العلم: {الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس} فالمسلم إذا وجد في بلد لا يتعجل الفطر، بل يبقى حتى يفطر مع الناس في ذلك البلد. أما أن يكون ثمان وعشرين، فصورتها أن يتقدم الشهر في البلد الذي يسافر إليه، ويتأخر في بلده، فنقص عليه يوم، ثم سافر إلى ذاك البلد، فأتى عليه ثمان وعشرين. والذي أعرفه أن الشهر لا بد أن يكون تسعة وعشرين أو ثلاثين يوماً. يقول صلى لله عليه وسلم: {إنا أُمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا} أي: تسعة وعشرون يوماً، ثلاثون يوماً، أما ثمانية وعشرون فلم يكن الشهر ثمانية وعشرين، وقد ثبت أن الناس صاموا رمضان في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، لكنهم قضوا يوماً عنه، فالشهر لا بد أن يكون تسعة وعشرين، فعلى من صام ثمانية وعشرين يوماً أن يصوم يوماً، لكن لم أدر كيف الكيفية، هل له أن يفطر مع أهل أولئك البلد، ثم يقضي يوماً مكان ذاك اليوم، أو عليه أن يؤخر الفطر، ثم يكمل تسعة وعشرين يوماً ثم يفطر، هذه تحتاج إلى تحقيق، وهي تقبل الاجتهاد؛ لأني لا أعرف فيها نصاً، هذا ما يحضرني في هذه المسألة.

صوم يوم العيد

صوم يوم العيد Q هل يجوز صوم يوم العيد؟ A أما صوم العيد من حيث هو فقد حرم صلى الله عليه وسلم صوم عيد الفطر وعيد الأضحى.

الزينة الظاهرة

الزينة الظاهرة Q ما هي الزينة الظاهرة؟ وما حكم خروج طرف الثوب من تحت العباءة الطويلة، ومن غير قصد لإخراجه؟ A الزينة الظاهرة هي كما قال تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[ما ظهر من الثياب]] لكن كل ما يسمى زينة في اللغة، فهو زينة، وربما عذرت المرأة بإخراجها، لكن المقصود عند أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم هو زينة الحلي وزينة اللباس التي لا تلبسها المرأة إلا في البيت؛ لأنها من باب التزين لغير الزوج، وقد نهي عن التزين لغير الزوج أو الخروج بالزينة، أو خروج المرأة متطيبة متعطرة من بيتها فليعلم ذلك. وأما خروج الثوب من العباءة فلا بأس به إن شاء الله، إذا كانت المرأة حجبت وجهها ويديها، لكن المقصود في المسألة ألا يكون هناك زينة جميلة، تغري بالنظر، وتثير القلوب، وتأتي بالفتنة، وهي زينة الثياب الجميلة التي لا تلبس إلا للزوج، وأنا قلت في أول الكلمة: عليها أن تلبس ثياباً متبذلة، تخرج بها إلى المصلى ولا تتطيب حتى تعود من المسجد.

الزكاة

الزكاة Q هل في ثلث الميت الذي أوصى به زكاة؟ A الميراث إذا حال عليه الحول فيه زكاة، والوصية التي أوصى بها إذا بقيت مع الورثة بأيديهم فإنها تزكى، لكن تصرف إلى الموصى به، فإذا لم تصرف الوصية حتى حال عليها الحول، فيزكيها من هي بيده الذي يسمى الوكيل أو الأمين أو الضمين، وأما إذا صرفت إلى مستحقها فيبدأ حوله منذ أن استلم هذا المال وهذه الوصية، ويبني على أول وصول الوصية إليه، ثم يزكيها على تمام الحول.

إعانة المجاهدين

إعانة المجاهدين Q أنا شخص ذهبت إلى أفغانستان في الجبهة العربية، ووجدتهم بحاجة للتذكير والتعليم فما رأيك بالزيارة لهم؟ A أحسنت بارك الله فيك، ونذكر الإخوان أن المجاهدين الأفغان والمجاهدين المسلمين في فلسطين بحاجة إلى عون، والعون هذا من أعظمه أن تدعو لهم في السر والعلن، وفي أدبار الصلوات بالنصر والتثبيت، ومنه المال، ومن استطاع أن ينفع بعلمه أو بدعوته فليذهب، وأما اقتراحك فمقبول، وإذا كتب الله ويسر فهذا وارد إن شاء الله.

حال حديث أن عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا

حال حديث أن عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً Q كتاب صور من حياة الصحابة يدرس في المرحلة المتوسطة وفيه حديث يقول: إن أبا عبيدة عامر بن الجراح يدخل الجنة وهو يحبو، فهل هذا صحيح؟ A ربما الوهم منك أو من الأستاذ صاحب صور من حياة الصحابة، فالذي ورد أنه يدخلها حبواً هو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه، وليس أبا عبيدة عامر بن الجراح، وهذه القصة خطأ موضوعة وكذب، فـ عبد الرحمن بن عوف من العشرة المبشرين بالجنة، وقضية أنه يدخل الجنة حبواً لا تثبت، وقد ردها ابن تيمية وأنكرها، فالقصة نقلت عن عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة، وليست عن أبي عبيدة ولا تصح كما قلت.

التقليل من النوم في رمضان

التقليل من النوم في رمضان Q أنا شاب أريد أن استفيد من شهر رمضان، فما هو البرنامج الذي تنصحونني به؟ وأيهما أفضل النوم في الليل أم السهر حتى وقت السحور؟ A أنت أعرف بقلبك وبما يقربك من الله عز وجل، لكن الذي أنصحك به أن تقلل من النوم، ولا بد من شيء من النوم في رمضان في النهار، كقيلولة أو قبل الظهر، لكن تقلل من النوم، ولا تفعل كما يفعل كثير من الناس الذين ينامون كثيراً من النهار وبعضهم ينام كل النهار ولا يقوم إلا للصلوات، فهذا ما كأنه صام، ولو أن صومه صحيح، لكن أسرار الصوم، ومقاصد الصيام ما وصلت إلى قلبه إلى الآن. فأرى أنك إذا صليت مع المسلمين التراويح أن تذهب إلى بيتك فتنام، ثم تقوم وقت السحر، وتأخر السحور حتى ما يكون بينه وبين الفجر إلا شيء قليل، فتقوم فتذكر الله، وتصلي ما كتب الله لك وتتسحر، ثم تصلي مع الجماعة في المسجد، ثم تعود، فتذكر الله عز وجل حتى طلوع الشمس في بيتك أو في المسجد، ثم يكون لك ورد من القرآن ومن الضحى وتكثر منه وإذا لم يكن هناك دراسة منهجية، وإن كان هناك دراسة فتذهب إليها، فإذا عدت فلا بأس بالراحة، إما قبل الظهر وإما بعد الظهر. فإذا استيقظت من صلاة العصر فصلها ثم خذ هذا الوقت من العصر إلى الغروب، وقسمه بين تلاوة القرآن بتدبر، وبين ذكر، ودعاء، ومناجاة لله؛ لأنها فرصة لا تتكرر، وللصائم دعوة لا ترد، وهذا قبل إفطاره، فاغتنم الدعاء في مثل هذا الوقت، فإذا أفطرت وصليت المغرب، بقيت مع أهلك في إفطارك، وأنت تحمد الله عز وجل على هذه النعم، ثم تعود إلى برنامجك الأول. والمقصود أن تمضي أكثر الساعات في العبادة والذكر وتلاوة القرآن، وأن تجعل للنوم أوقاتاً محددة، وحبذا أن يكون غالبها في الليل لا في النهار. وأما قولك: هل تسهر من صلاة التراويح إلى السحر، فإن كان فيه منفعة كأن تصلي أو تقرأ القرآن أو ما أتى لك وقت في النهار، فلا بأس في ذلك، وإلا فالأفيد لك والأنفع أن تنام، وأن تأخذ مكانه من وقت النهار.

حكم من جامع في نهار رمضان

حكم من جامع في نهار رمضان Q اثنان أحدهما جامع في نهار رمضان جاهلاً بالحكم فماذا عليه؟ والآخر جامع عالماً بالحكم فماذا عليه؟ A روى الجماعة منهم البخاري ومسلم، من حديث سلمة بن صخرة البياضي أنه جامع في نهار رمضان، فأتى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: {يا رسول الله هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: جامعت أهلي في نهار رمضان، فقال له صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا أجد، قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: وهل أوقعني ما أوقعني إلا الصيام؟ قال: هل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: على أفقر مني يا رسول الله، فو الله ما بين لابتيها -أي: حرتي المدينة - أفقر مني، فأُتي صلى الله عليه وسلم بمكتل، فدفعه إليه} فتبسم صلى الله عليه وسلم من فعله يوم أتى يسأل، وعاد بهذا المال، فهذا كفارة من جامع في نهار رمضان عمداً. أما الجاهل فالذي يظهر من نصوص الشريعة أنه ليس عليه كفارة؛ لأن الجاهل لا يؤاخذ حتى يأتيه الحكم، ورجح كثير من أهل العلم من المحققين أن الناسي يدخل في حكم الجاهل، وأن من نسي فجامع فليس عليه كفارة، فالجاهل والناسي في هذا الحكم. {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة:286]. ويقضي هذا اليوم الذي أفطر فيه بدون كفارة. ونسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

صفات أولياء الله

صفات أولياء الله عباراتٌ رائعة، سردها الشيح متناسبة مع روعة العنوان -صفات أولياء الله- ذكر من صفاتهم عشر صفات، أوردها إجمالاً في مستهل حديثه، ثم تكلم عنها بالتفصيل، ذاكراً في ثنايا كلامه ضوابط مهمة في الأولياء، وفي معرفتهم وآراء أهل السنة والجماعة في مختلف القضايا.

معرفة أولياء الله

معرفة أولياء الله يا محفل الخير حَيَوا لي محياه نداء حق من الفصحى سمعناه قد أطرب الأذن فانصاعت لنغمته وأطرقت برهة تسعى لفحواه يقول للجيل والإيمان رافده عودوا إلى الله قد ناداكم الله عُبَّاد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابدٍ دمعه في الخد أجراه وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يُشيدون لنا مجداً أضعناه سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، سلام الله عليكم يا أولياء الله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ * وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:101 - 105] هم أولياء الله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63،62] {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُون * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32]. عنوان هذا الدرس: صفات أولياء الله. جعلنا الله من أوليائه، وحشرنا الله في زمرة أوليائه، وأظلنا الله في ظله مع أوليائه. من هم أولياء الله؟ أمن لبس العباء وتمشلح بالقباء ونام في العراء؟ من هم أولياء الله؟ أمن أتى بالمراسيم، وقُبِّل كفه حتى أنزل منزلة العظيم، وانحني على صدره حتى كأنه ملك كريم؟ من هم أولياء الله؟ أمن لبس العمائم أو الغتر الحمراء، أو الثياب البيضاء، أو المناصب العالية، أو المراكب الوطية، أو الفلل البهية؟ من هم أولياء الله؟ أأهل الحشود والجنود والبنود؟ أأهل الأعلام الفئام؟! من هم أولياء الله؟ العلماء أم طلبة العلم؟ العوام أم الجنود؟ التجار أم الفلاحون؟ من هم أولياء الله؟ ذلكم ما سوف نجيب عليه إن شاء الله. أولياء الله لهم عشر مواصفات جمعتها عموماً ومجملاً، وإلا فتفصيلها يدخل في مئات الجزئيات، فمن وجد ذلك في نفسه فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه إذا كان هذا الدمع يجري صبابة على غير سعدى فهو دمع مضيع

صفات أولياء الله مجملة

صفات أولياء الله مجملة أول صفاتهم: إخلاصهم للواحد الأحد. ثانيها: أنهم يرضون بالرسول صلى الله عليه وسلم إماماً وقدوة وأسوةً ومعلماً، ولا يرضون بغيره ولا يحكمون بعد كلام الله إلا كلامه، فهو معصوم. والصفة الثالثة: يحبون في الله، ويبغضون في الله، ويوالون في الله، ويعادون في الله، ويعطون في الله، ويمنعون في الله، لا على مشرب ولا هيئة ولا انتماء ولا تحزب قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55]. الصفة الرابعة: سلامة صدورهم للمسلمين، فصدورهم للمؤمنين بيضاء وألسنتهم سليمة عفيفة من أعراض المسلمين. والصفة الخامسة: حرصهم على إتمام الفرائض وأداء النوافل، فيتقربون إلى الله بالسجود وبالعبادة والخشوع، وبالتلاوة والصدقة وصيام النوافل، وسوف يأتي لها تفصيل. الصفة السادسة: سلفيتهم في المعتقد وسنيتهم في السلوك، فلا يصانعون مبتدعاً ولا يداجون مارداً. اعتقادهم اعتقاد السلف، فلا يتجمعون تحت مظلة بدعية، ولا يرضون بمبتدع أن يكون أخاً لهم أو حبيباً أو قريباً، ولا يتنازلون في المعتقد؛ بل معتقدهم معتقد السلف الصالح: معتقد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي حنيفة وأحمد والشافعي ومالك والأوزاعي والثوري وأضرابهم وأمثالهم من أهل السنة والجماعة، فلا منازلة ولا اختيار ولا مداجاة، ولا لبس ولا غبش، فعقيدتهم سلفية صرفة مأخوذة من الكتاب والسنة. أما الصفة السابعة: يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقولون الحق ويقبلونه ممن قاله، ويستضيئون بالحق، ويصبحون على الحق ويمسون على الحق. الصفة الثامنة: أنهم يحبون الجماعة -جماعة المسلمين- الذين يستقبلون القبلة خمس مرات في كل يوم وليلة، هؤلاء هم جماعة المسلمين الذين يجتمعون على الكتاب والسنة؛ تجار وعوام وعلماء وجنود وفلاحون، يحبون جماعة المسلمين ويكرهون الفرقة، ويسعون إلى جمع الشمل ونبذ الاختلاف، فمن سعى في تفريق الكلمة فقد نقص في الولاية بنقصه من هذه الجزئية. والصفة التاسعة من صفاتهم: أنهم يعودون إلى الكتاب والسنة عند التنازع، فيتحاكمون إلى الكتاب والسنة إذا اختلفوا، ولا يرضون منهما بديلاً، ولا يعودون إلى الآراء والأهواء. أما الصفة العاشرة: فيقولون بالحق وبه يعملون وإليه يدعون، ثم إن لهم منهج تنظير مؤسس وهو الكتاب والسنة.

من أولياء الله أبو بكر الصديق

من أولياء الله أبو بكر الصديق يا إخوتي في الله: لم ترفع أبا بكر الصديق تجارته، فقد كان تاجراً ولكن أنفقها في سبيل الله، ولا منصبه فقد كان خليفة لكن -والله- ما رفعه ذلك عند الله. الذي رفعه أنه ولي من أولياء الله. يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: {إن للجنة أبواباً ثمانية فمن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الريان، دعي من باب الصيام، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد} إلى آخر تلك الأبوب، فينبري أبو بكر ويقول: {يا رسول الله! أيدعى أحد من أبواب الجنة الثمانية؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: نعم. وأرجو أن تكون منهم} يقول ابن القيم: من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: {من زار منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: من شيع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال صلى الله عليه وسلم: من تصدق منكم اليوم بصدقة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: لا تجتمع في رجل في يوم واحد إلا دخل الجنة} قال تعالى: {* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:1 - 11] هذه مواصفات أولياء الله تبارك وتعالى.

من صفات الأولياء الإخلاص

من صفات الأولياء الإخلاص من مواصفات أولياء الله إخلاص العمل لوجه الله، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66] تباً لمن عمل لغير الله، ونعوذ بالله من الرياء والسمعة، ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من راءى راءى الله به، ومن سمع سمع الله به}. فصفة أولياء الله أنهم يريدون بعملهم وجه الله، يقولون لأحد الصالحين وهو ابن سيرين: صل بنا. قال: لا والله، أخشى أن أتقدم لأصلي بكم فينصرف الناس يقولون: صلى بنا ابن سيرين. فترك الصلاة خوف الشهرة! وقالوا عن إبراهيم النخعي: كان إذا جلس عنده أربعة قام وتركهم وقال: أخاف أن يجتمع علي الناس. إنهم أخلص منا، ولكن كما قال الأول يوم خالط مثلنا: لعمر أبيك ما نسب المعلى إلى كرم وفي الدنيا كريم ولكن البلاد إذا اقشعرت وصوح نبتها رعي الهشيم إنهم كانوا يلاحظون الله في خطراتهم وسكناتهم. وفي الحديث: {أول من تسعر بهم النار ثلاثة: قارئ قرأ القرآن، يقول الله: أقرأتك القرآن وعلمتك العلم، فماذا فعلت به؟ قال: قمت به آناء الليل وأطراف النهار، فيقول الله له: كذبت وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل تعلمت العلم ليقال عالم وقد قيل، خذوه إلى النار؛ فيدهده على وجهه في النار} وكذلك صاحب المال والمقاتل في المعركة. إذاً أول ميزة لعباد الله: إخلاص العمل، قال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. فأول ما ندعو أنفسنا وإياكم إلى إخلاص العمل لوجه الله. أبو إسحاق الشيرازي عالم الشافعية في القرن الخامس يقولون: ما كان يتكلم بكلمة، ولا يلقي درساً إلا بعد أن يصلي ركعتين، ويدعو الله أن يتقبل منه. ابن الجوزي واعظ الدنيا، كان إذا أراد أن يخطب في الناس ويعظهم مرغ وجهه في التراب وبكى وقال: يا رب استرني وتقبل مني (أو كما قال). فلذلك ميز أهل السنة عن غيرهم إخلاصهم العمل لوجه الله، وفي الصحيح يقول الله عز وجل للمرائين يوم القيامة: {اذهبوا إلى من أشركتم معي فيه فخذوا أجوركم منهم} أو كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الحديث.

حقيقة الإخلاص

حقيقة الإخلاص يا إخوتي في الله أما في حقيقة الإخلاص: فهو كما قال القشيري في رسالته. الإخلاص أن تعمل عملاً لا ترجو ثوابك فيه إلا من الله. وقال غيره: ألا يحول بينك وبين الله خلق. وقال غيره: أن يكون عملك أمام الناس وفي الخلوة سواء، تصلي وحدك كأنك أمام الناس، وتصلي أمام الناس كأنك وحدك. ابن تيمية -وأنا أذكره كثيراً وبعض الناس يلومون عليَّ ذلك، وقد كان ابن الجوزي كما يذكر عنه ابن رجب في طبقات الحنابلة أنه قيل له: فيك خير إلا إنك تكثر من ذكر الإمام أحمد. فقال: سبحان الله! تلومونني من ذكر الإمام أحمد كثيراً! ثم أنشد على المنبر: أتوب إليك يا رحمن مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوبُ وأما عن هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب يقول: لا أتوب من ذكر الإمام أحمد، بل دونه قطع الرءوس. فـ ابن تيمية كان مخلصاً لله، حتى ذكر ابن عبد الهادي أنه لما دخل الإسكندرية اجتمع له الناس، فيقول أحد تلاميذه: يا شيخ الإسلام! هؤلاء يريدون قتلك؛ فنفخ في كفه وقال: والله كأنهم ذباب. لماذا؟ لأنه عرف الله فـ {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:1 - 3].

اعتقاد أن القدرة لله سبب للإخلاص

اعتقاد أن القدرة لله سبب للإخلاص ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء أن علي بن أبي طالب سيف الله المنتضى والإمام المرتضى جلس تحت حائط يريد أن ينقض، يقضي بين رجلين فقال أحد المسلمين لـ علي: الحائط يريد أن ينقض عليك. قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فلما قضى بين الرجلين وقام من مجلسه؛ انقض الحائط مكانه! قال علي رضي الله عنه في بيتين: أي يومي من الموت أفر يوم لا يقدر أو يوم قدر يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا يغني الحذر فالذي بيده الضر والنفع هو الله، والمغني هو الله والمفقر هو الله والمحيي والمميت هو الله. ولذلك كان من أسباب الإخلاص عند أهل السنة والجماعة وأولياء الله أنهم جعلوا القدرة لله والنفاذ والحكم والتصريف والخلق والإماتة والرزق والتدبير لله: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14]. إذاً -يا إخوتي في الله- علينا أن نطالب أنفسنا بالإخلاص؟ وأخص خصائص أولياء الله الإخلاص، دعوتهم لوجه الله، صلاتهم لله، طلبهم العلم لله، وذكروا عن أيوب بن أبي تميمة السختياني أنه كان يبكي إذا ذكرت عنده أحاديث الرقائق (إذا ذكر الموت بكى) فيشوص أنفه ويقول: ما أشد الزكام! كأنه مزكوم وهو يبكي، يقول ابن الجوزي: أفدي ظباء فلاة ما عرفن به مضغ الكلام ولا مزج الحواجيب يا للصدق! يا للوضوح! بعض الناس يريد أن يدري الناس أنه زاهد، فيأخذ ثوباً ممزقاً مقطعاً، وقد سكنت الدنيا في قلبه بعماراتها وسياراتها ومعارضها وأسواقها! يشتري ثوباً بخمسة عشر ريالاً وقلبه يريد ثوباً بألفي ريال! الزهد ليس في الثياب الممزقة، ولا في الرقع المخرقة، ولكن الزهد في صدق القلوب، ومجافاة الحرام، والتقلل من الدنيا بشيء لا يزري بك عند الله ثم عند الناس.

من صفات أولياء الله الرضا برسول الله صلى الله عليه وسلم إماما وقدوة

من صفات أولياء الله الرضا برسول الله صلى الله عليه وسلم إماماً وقدوة أما الصفة الثانية من صفات أولياء الله تعالى: فهي أنهم يرضون برسول الله صلى الله عليه وسلم إماماً ويحكمونه ويقتدون به، ويكون أحب إليهم من أسماعهم وأبصارهم، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين} وقال تعالى: { A=6000557>> فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].

تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم

تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم الإمام مالك كان يدرس الموطأ في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي أثناء قراءته الكتاب، أتته عقرب فلدغته ثلاث عشرة لدغة، فما تغير إلا وجهه، وبعدما انتهى رأى اللدغات في ساقه فمسحها بترياق. قيل له: لِمَ لم تقطع الحديث؟ قال: سبحان الله!! أقطع حديث الحبيب من أجل لدغ عقرب!! أي حب هذا وأي اشتياق؟! سعيد بن المسيب سئل عن حديث وهو في مرض الموت، فقال: أجلسوني، لا ينبغي أن يذكر صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع. ولذلك كان كثير من الصالحين إذا رأوا آثار معالم الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وما حولها بكوا، فكيف لو رأوه؟! أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا وفي الصحيح يلتفت محمد عليه الصلاة والسلام إلى جبل أحد ويقول: {أحد جبل يحبنا ونحبه} سبحان الله حتى الجبال تحبك! نعم لأن لك بإذن الله منة على الأرض بمنة الله تبارك وتعالى. يقف في أول خطبة يخطبها صلى الله عليه وسلم على المنبر الجديد ويترك جذع النخلة الذي كان يخطب عليه منذ زمن، فيحن الجذع كحنين النوق العشار (الإبل) ويسمع له كبكاء الأطفال! خشبٌ يبكي! إنه لحق مثلما أنكم تنطقون -هذا في صحيح البخاري عن جابر - فينزل الرسول صلى الله عليه وسلم فيضع يده على الجذع، ويسكته حتى يسكت. يقول الحسن البصري معلقاً: عجباً لكم! جذع يحن للرسول عليه الصلاة والسلام وأنتم لا تحنون!

حب النبي وتقديمه على كل أحد

حب النبي وتقديمه على كل أحد إذاً من صفات أولياء الله: حبهم العظيم للرسول عليه الصلاة والسلام فلا يرضون إماماً غيره. وأنا أحذر نفسي وإياكم، خاصة طلبة العلم والدعاة، أن يغالوا في بعض الأشخاص من المنظرين وممن لهم زعامات أن يجعلوا في مكانة الرسول عليه الصلاة والسلام وفي صدارته فذلك خطأ وغلو والله تعالى يقول: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء:171]. يا إخوتي في الله محمد عليه الصلاة والسلام معصوم، وما رضي الله إلا هو ليكون لنا قدوة، بعض الناس يذكر بعض الأشخاص أكثر من ذكر المصطفى عليه الصلاة والسلام. إذاً من صفات الأولياء أنهم يقتدون بالرسول عليه الصلاة والسلام، خالف ذلك أهل البدعة فاقتدوا بأئمتهم كـ الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وأذنابهم وأمثالهم من الفجرة. وخالف في ذلك غلاة الصوفية فاعتقدوا بمشايخهم وجعلوهم أئمة. وخالف في ذلك متعصبة المتفقهة من أهل المذاهب الغالية فقدم بعضهم أقوال الأئمة، كأقوال أبي حنيفة أحياناً، وأقوال مالك أو الشافعي أو أحمد أحياناً أخرى على قول الرسول صلى الله عليه وسلم!! وتوسط أهل السنة فجعلوا إمامهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. إذاً فليحفظ هذا المبدأ: إن القدوة لـ أهل السنة وأولياء الله محمد عليه الصلاة والسلام في كل شيء، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فإنني أطالب نفسي وإياكم بالاقتداء به، في المعتقد والحال، والفعال والأقوال، ولا نجعل بيننا وبين الله في التبليغ واسطة إلا محمداً، وأما في الدعاء والاستغاثة والخوف والرجاء، فلا نجعل بيننا وبين الله واسطة أبداً.

الحب والبغض في الله

الحب والبغض في الله من صفات أولياء الله وهي الصفة الثالثة: حبهم وبغضهم في الله، يحبون الأشخاص لقربهم من الله ويبغضون الأشخاص لبعدهم عن الله، قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55] يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بسند صحيح: {من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان} إذاً فلا يحبون أحداً لنسب إضافية، أو لمواصفات أو ملابسات أو لأنه وافقهم في مشرب، أو اتجه معهم في اتجاه، أو ذهب معهم تحت مظلة، فإنهم إذا أحبوا هذا الشخص لهذه المواصفات فقد أخطئوا خطأً بيناً، ولا نعفيهم من أنهم صرفوا شيئاً من العبادة لغير الله. إذاً أهل السنة يحبون الأولياء، ولا بأس أن نقف مع الوليين العظيمين: الشافعي وأحمد اللذين هما من أولياء الله الكبار، ولذلك رفعهم الله، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] وانظر كم تردد ذكرهما في المحافل والندوات والمحاضرات والمنابر. زار الشافعي أحمد في ليلة من الليالي -كما في السير- فقدم الإمام أحمد عشاءً للشافعي من عشائه، لا طازجاً ولا مثلجاً، خبزة من شعير وزيت، ذلك هو عشاء إمام أهل السنة والجماعة p=1000023>> أحمد بن حنبل الذي يحفظ ألف ألف حديث فأكل الشافعي ماشاء الله وزاد عن عادته، فلما أراد أن ينام وضع له الإمام أحمد مطهرة يتوضأ فيها ليصلي الليل، فنام الشافعي فما قام حتى الفجر، فأتى الإمام أحمد فأيقظه، فلما صليا الفجر قال الإمام أحمد: عجبت منك بخصلتين. قال: ما هما؟ قال: قدمت لك عشاء فأكثرت الأكل على غير عادة أهل العلم، وقدمت لك طهوراً تتوضأ به فما توضأت وقمت تصلي، فكأنك ما صليت الليل. قال: أما عشاؤك فلي ثلاثة أيام ما أكلت طعاماً، فأردت أن آكل من طعامك، وعلمت أنه من حلال فأكثرت منه، وأما أنني ما قمت الليل فوالله ما نمت من صلاة العشاء إلى الفجر أتفكر في آيات الله! هذا الإمام الشافعي الذي كان يدعو له الإمام أحمد انظر الصفاء! أما الآن فأكثر التشريح والتجريح والخناجر المسمومة في المجالس بين بعض طلبة العلم! الإمام أحمد في السحر قبل صلاة الفجر يقول: اللهم اغفر للشافعي، اللهم ارحم الشافعي، اللهم ارض عن الشافعي؛ فيقول ابنه صالح: يا أبتاه أراك تدعو للشافعي كثيراً! قال: يا بني! أتدري ما مثل الشافعي؟ قال: لا. قال: مثل الشافعي كالشمس للأرض وكالعافية للأبدان فهل منهما بديل؟ يأتي الشافعي وهو أكبر من الإمام أحمد سناً، فيزوره دائماً ويجلس معه! فيقول تلاميذ الشافعي للشافعي: كيف تزور أحمد وهو أصغر منك؟! فرد عليهم في بيتين: قالوا يزورك أحمد وتزوره قلت الفضائل لا تغادر منزله إن زارني فلفضله أو زرته فلفضله فالفضل في الحالين له خرج الشافعي من بغداد وهو يعانق أحمد وهو يبكي، فيقول الشافعي: خرجت من بغداد وما خلفت أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم ولا أخشى من الإمام أحمد. إمام أهل السنة والجماعة. فمن صفات الأولياء أنهم يتحابون في الله: الشافعي يكتب لـ أحمد قصيدة ويقول: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواء في البضاعة {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] وجد من بعض الملتزمين المستقيمين من يصلي الخمس ويصوم رمضان ويحج البيت، ولكن يحب العصاة! جلساته مع العصاة، سمراته وسهراته مع أعداء الله، معهم في الليالي الحمراء، في الشاطئ الأثيم المتهم، في جلسة تغضب المولى سُبحَانَهُ وَتَعَالى! حب الله وحب أعدائه لا يلتقيان في القلب، إن من أحب الله أحب أولياء الله وكره أعداء الله. يا إخوتي في الله: تمييز الولاء والبراء لمن؟ وممن يكون البراء ولمن يصرف الحب؟ حب الإنسان لسنته، الإمام أحمد يقول: أرى الشيخ الكبير يخضب لحيته (بالحناء أو ما شابهه) فأفرح به وأحبه، لأنه أحيا شيئاً من السنة. فهنيئاً لك يا أبا عبد الله تحب إنساناً فقط لأنه أحيا سنة الخضاب من المسلمين! فكيف بمن يصلي الخمس ويصوم الشهر ويدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويحب سنته!

سلامة الصدر للمسلمين

سلامة الصدر للمسلمين ومن صفاتهم سلامة صدورهم للمسلمين.

ترك الغل والحقد والحسد

ترك الغل والحقد والحسد ومن سلامة الصدور للمسلمين أنهم لا يجدون غلاً ولا حقداً ولا حسداً ولا غشاً لعباد الله عز وجل، ويوجد من يحقد حقداً ذريعاً على إخوانه وذلك لأنهم خالفوه في جزئيات أو فرعيات، فهو يريد لهم الموت الأحمر. الرسول صلى الله عليه وسلم يجلس في المسجد، فيطلع رجل متوضئ تنطف لحيته ماء، قد أمسك نعله في يده الشمال وقبل أن يدخل يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: {يطلع عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة، فيطلع هذا الرجل وفي اليوم الثاني يقول مثل ذلك: فيدخل ذاك الرجل، وفي اليوم الثالث يقول مثل ذلك، فيذهب معه عبد الله بن عمرو ليرى عبادته فلا يجد هناك عبادة كثيرة، فيقول: إني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {يطلع عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة، ثلاث مرات فطلعت أنت الثلاث مرات، ولم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال عبد الله: فانصرفت عنه، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي على أحد من المسلمين غشاً ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه} منزلة رفيعة! قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]. من ميزات أولياء الله: سلامةُ صدورهم، قال تعالى: {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] صفاءٌ أطهر من حمام الحرم، وأنقى من ماء المزن، لا يجدون على المسلمين. جاء عند أحمد في المسند بسند جيد: {ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم -من الغل والحقد والغشش والهيجان-: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط بمن وراءهم} فلابد من صفاء السريرة.

حفظ أعراض المؤمنين

حفظ أعراض المؤمنين والجزئية الثانية في سلامة صدورهم: حفظ أعراض المؤمنين، فهم يحفظون أعراض المؤمنين في مجالسهم. لسانك لا تذكر به عورةَ امرئ فكلك عورات وللناس ألسن وعينك إن أبدت إليك معايباً فصنها وقل: يا عين للناس أعين قال تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] هذه هي صفات الأولياء، ليس هناك ألغاز وأحاجي في الأولياء، ليس لهم طول ولا قصر ولا ألوان ولا عمائم، ولا يلبسون القباء أو العباء بل مميزاتهم في صفاتهم. غلاة الصوفية يقولون: من صفا واكتفى حتى بلغ الكفى إلخ هذه الخرابيط ظلمات بعضها فوق بعض، وقد تجد بعضهم لا يعرف كيف يصلي؛ أو تجده مرابياً أو دجالاً أو مشركاً أو صاداً للناس عن عبادة الله، ويجعلونه ولياً من أولياء الله، وهو عدو من أعداء الله! الولي لا يشترط فيه أن يكون أستاذاً أو مدرساً أو داعية أو تاجراً أو جندياً أو فلاحاً، وقد يوجد الأولياء من هؤلاء جميعاً، فلعلك تجد ولياً فلاحاً، فالذي يقيم الصلوات الخمس وينقي سريرته ومعتقده على السنة؛ فهو من أولياء الله تعالى. فسلامة أعراض المسلمين من ألسنة المؤمنين من علامات أولياء الله المتقين، بلغنا الله وإياكم منزلة الولاية، ويا شوقنا لتلك المنزلة! يا إخوتي في الله: ليس الظفر بالرسائل غاية، والله إنها بلا إيمان هباء منثور، وإن رسائل الدكتوراه ولاية حقيرة هزيلة، وإنها غضب ولعنة على أصحابها إن لم يتقربوا بها إلى الله. في المناصب، فرعون تولى أعظم منصب لكنه ملعون. أما الأغنياء؛ فقارون تولى أعظم ثروة لكنه ملعون. الأولاد: الوليد بن المغيرة عنده عشرة أولاد لكنه ملعون. بلال عبد حبشي، لا يساوي عند الجاهليين فلسين، أسلم وتقلد بالولاية. يقول عمر: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]]. أبلال فاسلم يا إمام معاشر ولأنت أعظم في الجباه السجد وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال بلال داعية السماء إلى أهل الأرض، في صحيح البخاري يقول صلى الله عليه وسلم: {دخلت الجنة البارحة، فسمعت دف نعليك يا بلال! فماذا كنت تصنع؟ ألأسرته؟ لا أسرة له. ألمنصبه؟ لا منصب. ألولده؟ لا ولد. ألجاهه؟ لا جاه. قال: يا رسول الله! إني ما توضأت في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت ركعتين، قال: فبذاك دخلت الجنة. }

جليبيب ولي من أولياء الله

جليبيب وليٌّ من أولياء الله في صحيح مسلم أن رجلاً اسمه جليبيب وهو مولى ضعيف ممزق الثياب، ليس عنده دار ولا شيكات ولا بنوك، ولا سيارات ولا فلل، يأتي بثياب ممزقه فيتبسم صلى الله عليه وسلم من حالته، حالة أهل الإيمان الذي يقول الله فيهم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] يقول صلى الله عليه وسلم لـ جليبيب: {ألا تتزوج؟ قال: يا رسول الله! ومن يزوجني؟! لا أهل ولا جاه ولا مال} لكن عنده أعظم من الجاه الإيمان، وعنده أعظم من المال الإيمان، وعنده أعظم من الولد الإيمان. هبوا لي معشراً قوماً صحاحاً أدك بها حصون الكافرينا ودكوا لي بالإيمان صرحاً متيناً من صروح الفاجرينا خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا ماذا وجد من فقد الله وماذا فقد من وجد الله؟ قال في المرة الثانية: يا جليبيب ألا تتزوج؟ قال: من يزوجني يا رسول الله؟ لا أهل ولا جاه ولا مال. وفي الثالثة قال له: ألا تتزوج؟ قال: من يزوجني يا رسول الله؟! لا أهل ولا مال ولا جاه. قال: اذهب إلى أهل فلان من الأنصار واطرق بابهم وقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني ابنتكم. فذهب وطرق الباب، فخرج أبو البنت: ماذا تريد يا جليبيب؟ قال: أريد الزواج من ابنتكم. قال: الله المستعان جليبيب! قال: الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرني. فعاد يشاور امرأته (حق الفيتو عند المرأة) لا يصرم حبلاً ولا يبني جداراً إلا بعد أن يشاور المرأة؛ فشاورها وعرض عليها الأمر، فهزت رأسها، فهي تعرف جليبيباً، قالت: جليبيب! الله المستعان! قال: أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم. فتلكأ الرجل وتلكأت امرأته، فسمعت البنت المؤمنة الصادقة الناصحة؛ التي نريد من فتياتنا المسلمات المؤمنات أن يكن مثلها، تحب الإيمان وتحب أن تتزوج من أهل الإيمان، ولا تفضل على أهل الإيمان أهل درهم ولا دينار ولا منصب ولا مال. قالت البنت: أتريدون أن تردوا أمر الرسول عليه الصلاة والسلام؟ لا والله لأتزوجنه، فذهب ليأتي بالمهر فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مالاً يشتري به الصداق، فسمع بالجهاد فاشترى به عدة للحرب وترك الزواج وحضر المعركة فقاتل حتى قتل، بحث عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين افتقد كلٌ قريبه وصاحبه فيقول صلى الله عليه وسلم: {من افتقدتم؟ قالوا: فلاناً وفلاناً وفلاناً. قال: أتذكرون أحداً؟ قالوا: لا نذكر أحداًَ. قال: لكني افتقدت جليبيباً، ثم ذهب يبحث عنه فوجده قد قتل سبعة ثم قتلوه، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم}. إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى وقال عليه الصلاة والسلام: {قتلت سبعة ثم قتلوك! أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك} أتى سلمان يبحث عن الإيمان، ترك أباه وأمه وزوجته وأهله، فلما تدرع بالإيمان، وهو لا يملك قصراً ولا داراً ولا منصباً، قال العرب: من أبوك يا سلمان؟ قال: أبي الإسلام لا أب له سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم فأولياء الله عز وجل من مواصفاتهم حفظ أعراض المسلمين وحمايتها بظهر الغيب.

صفاتهم في العمل والمعتقد

صفاتهم في العمل والمعتقد

التزود بالنوافل بعد إتمام الفرائض

التزود بالنوافل بعد إتمام الفرائض أما الخصلة الخامسة من صفات أولياء الله: فهي حرصهم على إتمام الفرائض والتزود بالنوافل، الإسلام هو الفرائض والنوافل، فإذا رأيت الرجل يحافظ على الفرائض ويؤديها على أكمل وجه ويتزود بالنوافل، ويجتنب المحرمات فهو ولي من أولياء الله، هذه صفته قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63]. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: {ما تقرب إلي عبدي بأحب ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به}. وعلم من ذلك أن من مواصفات أولياء الله أنهم على قسمين: مقتصد وسابق بالخيرات، فالمقتصد من يحافظ على الفرائض ويجتنب الكبائر، والسابق بالخيرات من يحافظ على الفرائض ويتزود بالنوافل، ويجتنب الكبائر والمحرمات والمكروهات هؤلاء هم أولياء الله، وهذه صفتهم. شباب يأتون للرسول عليه الصلاة والسلام فيقول شاب: {يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة. قال: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود} وفي لفظ: {فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة}. وهناك حديث ضعيف أورده ابن الجوزي وغيره في صفة الصفوة أن معاوية بن معاوية الليثي توفي والرسول صلى الله عليه وسلم في معركة تبوك فأتى جبريل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {قم فصل على معاوية بن معاوية الليثي فقد حضر جنازته سبعون ألف ملك. قال: ولم؟ قال: كان يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4] قائماً وقاعداً وعلى جنبه}. من صفات أولياء الله عز وجل التزود بالنوافل، وذكر الله وبذكر الله تطمئن القلوب، وقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وقال تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45] وقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]. ومن صفاتهم أنهم يصومون النوافل، ذكر في ترجمة ابن العماد الحنبلي المقدسي أنه كان يصوم في شدة الحر، الناس يتوقون الحر بالمظلات ويسقط بعضهم على الأرض، وهو صائم في شدة الحر، فإذا ظن الناس أنه صائم؛ أخذ الكوب ووضعه على فمه -كما قال ابن رجب في الطبقات - حتى يظن الناس أنه يشرب وهو لا يشرب. أي صدق مع الله؟! كان الواحد من السلف إذا أراد أن يتنفل أرخى الستار على نفسه. ذكر ابن كثير أن الأوزاعي إذا جلس أمام الناس كان لا يبكي، فإذا خلا بنفسه بكى وبكى حتى يسمع جيرانه بكاءه من داخل البيت! وكان ابن سيرين يضحك في النهار ويتمايل، فإذا أتى الليل بكى حتى يرثي له أهله من حالته، فهو بسام النهار بكاء الليل. أولياء الله لا ينسون تلاوة القرآن، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29] هؤلاء أولياء الله، أولياء الله أهل صلاة الضحى وهي صلاة الأوابين حين ترمض الفصال.

سلفية المعتقد

سلفية المعتقد أما الصفة السادسة: فسلفيون في المعتقد ولا فخر. لا يكفي أن يكون الإنسان عابداً ويكون بدعياً، تجد من المبتدعة من يصلي في اليوم خمسمائة ركعة، لكنه مبتدع ضال منحرف. إذاً لابد من الاعتقاد السليم وهو اعتقاد أهل السنة والجماعة الذي أتى به رسول الله عليه الصلاة والسلام في التوحيد بأنواعه: في الأسماء والصفات، وفي العبودية، وفي اليوم الآخر، وفي كل ما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم من أمور المعتقد. هذه من مواصفات أولياء الله عز وجل؛ ولذلك أشرت أنه قد يكون من المبتدعة أو من غلاة أهل التصوف من يكون عابداً لكنه منحرف سلوكاً وعبادةً. يذكر الخطابي في كتاب العزلة: أن رجلاً من الصوفية مخرف جاهل، يعبد الله كثيراً، يصلي الليل والنهار، لكن ليس على معتقد سليم، وليس على سنة، أخذ لصقة ووضعها على عينه اليسرى، قالوا: ما لك؟ قال: إسراف أن أنظر إلى الدنيا بعينين. سبحان الله! خلق الله له عينين وهو يبخل بالعين الثانية! يقول الله: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد:8 - 9] وهو يقول: إسراف أن أنظر بعينين إلى الدنيا! أتى واحد من أوائل الصوفية إلى الحسن البصري قال: كل معي فالوذجاً قال: لا أؤدي شكره. قال: ثكلتك أمك وهل تؤدي شكر الماء البارد؟! انظر إلى الفقه الأعوج! ولذلك تجدونهم عباداً لكن لا يفقهون. أحدهم يقول: ما أكلت الرطب أربعين سنة. يقول ابن الجوزي في تلبيس إبليس: رأيت عابداً جاهلاً يصلي وهو ينعس في صلاة الظهر وهو واقف قلت: ما لك؟ قال: ما نمت البارحة من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر أقوم الليل. فهو يقوم بالنافلة ويخل بالفريضة! فأي فقه هذا؟!

الدعوة إلى الخير

الدعوة إلى الخير ومن صفات أولياء الله أنهم يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولا يبخلون بالعلم فعلماؤهم رجال عامة، وشبابهم أهل تحصيل، وعوامهم يحرصون على الفائدة. قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] وقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79] وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3].

علماء أهل السنة رجال عامة

علماء أهل السنة رجال عامة علماؤهم رجال عامة، ليس في الإسلام عالم يغلق على نفسه في البيت، فلا يرى الشمس إلا مرة في السنة، وهذا ليس من علماء أهل السنة. علماء أهل السنة في المسجد وفي السكة والشارع، وفي الرصيف وفي الأندية، وفي مجامع الناس والكليات والجامعات، يفيد الناس، وينفق مما أتاه، قال الشاعر عن العلم: يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هم علماء بني إسرائيل، فهم يكتمون العلم، تأتي عند العالم فتحلف ألف يمين فيقطر عليك بالقطارة، كأنه يعطيك من دمع عبده، ثم تسأله وتقبل جبينه وعينه اليمنى واليسرى وعلى كفيه وأرجله أن تفيدنا بحديث فيعطيك نصف حديث!! كأنه ينفق من لحمه ودمه، تتوسله وتداجي عليه وتخادعه، حتى يجلس جلسة نصف ساعة ثم يمتن بها ويقول: تكفيكم سَنَة. الإمام أحمد نشر علمه في المسجد والشارع والسوق، وفي كل مكان. أما بعض الناس -وهو منهج بدعي- فيرى أن الانتشار مع العامة وتحديثهم وإفادتهم ليس منهجاً دعوياً وهذا خطأ؛ ولذلك لا تثمر هذه الدعوة ولا ينجح هذا التنقيط؛ لأن الدعوة تدعو الناس إلى لا إله إلا الله، إلى الصلاة والصيام، والحج والزكاة، وغيرها من أمور الإسلام ندعو الناس إلى علم ظاهر، ليس عندنا أسرار ولا ألغاز ولا أحاجي. صح عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: [[إذا رأيت الناس يتناجون في دينهم فاعلم أنهم على دسيسة]] يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: {إنما الأعمال بالنيات} فارفع صوتك بها وليس في هذا حياء، هو علم فانشره في الناس، واجعله كالمطر. علماء السنة يفيدون العامة، ينزلون إلى الناس، يقودون الشباب، يفرحون إذا طرق شاب على باب أحدهم فيخرج له ينظر ماذا يريد؛ هذا ثوبي فافترشه، وخذ الفائدة. كان الزهري يدور على الناس يعلمهم الحديث، وصح عن عروة بن الزبير أنه كان يعطي الذهب والفضة والدراهم ويقول: تعالوا اسمعوا مني الحديث، فكيف بالإنسان الآن يقدم على العالم ويحتال عليه، ويكتب له عريضة كأنه يراجع في مشروع، ثم تخفق العريضة ولا يفتح بابه، والعصا جاهزة عند الباب! هذا ليس بصحيح! وليس بمنهج أبداً.

شباب أهل السنة أهل تحصيل للعلم الشرعي

شباب أهل السنة أهل تحصيل للعلم الشرعي من علامة أولياء الله أن فتيانهم أهل تحصيل علم شرعي، ليس عندهم كثرة كلام ولا يكون جل حديثهم عن أحداث تقع ووقائع تنتهي، وإن كان علم الواقع لا بأس به. لكن أين علم قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (علم السند ومدارسة الحديث). أتى رجل إلى الإمام أحمد فقال: يا إمام! رجل يقول: أهل الحديث لا يفقهون شيئاً؟ قال الإمام أحمد: زنديق زنديق. واليوم بعض الناس إذا رأى طالب العلم يحفظ صحيح البخاري أو بلوغ المرام أو رياض الصالحين قال: زاد نسخة في البلد ويقول: العلم ليس بحفظ المتون. وأنا لا أدري ما هو العلم يا حضرة الشيخ؟! فهل العلم كلام مصفف، رعيد وإربادات وإرعادات وإرهاصات ومرطبات ومشهيات وبالونات تنفجر في الهواء؟ لا. العلم رواه أبو داود بسند جيد، العلم رواه ابن حبان والحاكم هذا هو العلم، أما الكلام المنفوش فليس بعلم. فمن هدي طلبة العلم أولياء الله أنهم أهل تحصيل، إذا رأيت الإنسان يحمل صحيح البخاري وصحيح مسلم فاعرف أنه يسلك طريق الجنة، وإذا رأيته مشغولاً بالمجلات الخليعة والهيصات والجلسات والسمرات والوقائع، وكثرة الكلام، فاعرف أنه رجل مشبوه يحتاج إلى تأديب بستة أسواط أو سبعة، ويدعى له في أدبار الصلوات أن يرد الله عقله عليه؛ لأن بعض العقول تذهب وتأتي.

عوام أهل السنة يحرصون على الفوائد

عوام أهل السنة يحرصون على الفوائد عوام أهل السنة يحرصون على الفائدة، يحضرون المحاضرات والدروس والأمسيات، ويستفيدون ويسألون أهل العلم. وبخلاف ذلك من انحرف عن الطريق، فعلماء المبتدعة من أبخل الناس بالعلم، وعلمهم في الظلام، فهم لا ينشرون علمهم، وشبابهم يحرصون على الكلام (ورأيت وأرى) وهيجان ليس له حقيقة، وعوامهم لا يحرصون فهم جهلة، فنسأل الله لنا ولكم التوفيق.

محبة الجماعة وكراهة الفرقة

محبة الجماعة وكراهة الفرقة أما الصفة الثامنة: يحبون الجماعة ويكرهون الفرقة، ويسعون إلى جمع الشمل ونبذ الاختلاف. تكوين دوائر ضيقة لتشتيت الأمة ليس من دين الله عز وجل، وكفى بالأمة تمزيقاً. والله الذي لا إله إلا هو ما في المسجد هذا من رجل أراه أمامي إلا أحبه في الله، وأتمنى من الله عز وجل أن يجمعني وإياه في دار الكرامة، وإنني أعتقد اعتقاداً جازماً مهما خالفني في جزئية أو له مشرب -بشرط أن يكون ولياً من أولياء الله- أن من واجبي أن أحبه في الله، ولا أجد في نفسي عليه شيئاً ولو خالف مهما خالف، ولكن إدخال الأمة في دوائر ضيقة وتمزيق الأمة وتشتيتها لا يصح. كل من في المسجد جماعة المسلمين، كلهم جماعة واحدة، يدخل فيهم الأغنياء والفقراء، والرؤساء والمرءوسون، وطلبة العلم والعلماء والكبار والصغار بشرط الولاية هذه هي جماعة المسلمين، ليس لهم مواصفات، وليس لهم أسس تنظيرية تجمعية، بل مواصفاتهم الكتاب من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، والسنة الكتب الستة ومسند أحمد وإن زدت المعاجم فلا بأس. هذا التنظير لجماعة المسلمين، هذا التنظير أتى به محمد صلى الله عليه وسلم، وأراحنا من كل تنظير وتأسيس وتأصيل، كفى، كفى، كفى أيها الإخوة: أهل السنة يحرصون على الجماعة. ولذلك يقولون: من علامة أهل البدعة: أنهم يطعنون في ولاة الأمر، وهذه أقولها صراحة وقد قالها أبو عثمان الصابوني وابن بطة الحنبلي. فمن علامات أهل البدع أنهم يكرهون تجمع المسلمين، ويقولون: الجماعة غير هذا التجمع، ويقولون: العوام لا يدخلون في جماعة المسلمين خطأ، سبحان الله! قد يكونون أفضل، والكل جماعة المسلمين.

العودة إلى الكتاب والسنة

العودة إلى الكتاب والسنة ومن مواصفاتهم وهي الصفة التاسعة: أنهم يعودون إلى الكتاب والسنة عند التنازع، ليس عندهم لصقات ولا منشورات وتنظيرات معلقة في حوائطهم من أقوال البشر بل عندهم الكتاب والسنة. إذا اختلفوا في شيء عادوا إلى الكتاب والسنة، يقول الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] والرد إلى كتاب الله رد إلى الله، والرد إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم دائماً يدعون: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم} هؤلاء هم أولياء الله، يردون إلى الكتاب والسنة، ولا نحتاج مع الكتاب والسنة إلى أي تنظير أو تأصيل أو بناء، وكفى بما أتى في الكتاب والسنة.

القول بالحق

القول بالحق أما صفتهم العاشرة والأخيرة: فيقولون بالحق، لا يحملهم الهوى على القول بالباطل، والرسول عليه الصلاة والسلام في حديث النسائي الصحيح كان يقول في الدعاء: {اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، وأسألك القصد في الغنى والفقر} والشاهد: وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، وبعض الناس الآن إذا غضب على أخيه وزميله وحبيبه، غضب عليه وحمله الهوى على أن يقول فيه ما لا يقال؛ وإذا رضي على أخيه ولو كان فيه أخطاء سكت عن أخطائه وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا فنسأل الله أن نكون عدولاً كما أمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء:135] شهداء يقومون بالقسط ويقولون بالقسط والحق لا يجورون ولا يظلمون، وفي أثر يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه يقول: {وأن أقول الحق في الرضا والغضب}. فمن صفاتهم أنهم يقولون بالحق، ويحكمون بالحق، ويقبلون الحق ممن قاله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقَاً وَعَدْلاً} [هود:119] أي صدقاً في الأقوال وعدلاً في الأحكام. {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] يقول: لا يحملكم بغض الناس على أن تحكموا عليهم بالمفتريات والزور، وتحيفون عليهم بالحكم الجائر لأنكم تبغضونهم، بل كونوا عدولاً، فـ أهل السنة وأولياء الله يقولون بالحق، ولو خالفك في جزئية فيجب أن تحترمه، لا زالت له حسناته ومقامه وقيمته. هذه عشر مواصفات لأولياء الله جمعت من كتيبات لـ أهل السنة، هي صفات أهل السنة وهي مجملة، ويندرج في كل صفة جزئيات كثيرة، ولكن من عرف هذه ودرسها وفهمها، وحاول أن يعمل بها، كان ولياً بإذن الواحد الأحد، واستفاد مشرباً وسلامة وقصداً؛ ولذلك علم رسول الله صلى الله عليه وسلم حصين بن عبيد الخزاعي والد عمران وقال له: قل: {اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي} وقال لـ علي بن أبي طالب كما في صحيح مسلم: {قل: اللهم اهدني وسددني} وفي صحيح مسلم عن عائشة أنه: {كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}. والصراط المستقيم هو صراط محمد صلى الله عليه وسلم، الكتاب والسنة، وهذه مواصفات أولياء الله عز وجل من أهل السنة والجماعة، الذين لا يحتاجون إلى منظر غير محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يحتاجون إلى تأسيس غير الكتاب والسنة قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] فهؤلاء أهل السنة أولياء الله. جعلنا الله من أولياء الله، سلام على أولياء الله، وحشرنا الله في زمرة أوليائه وأحبابه، وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وممن يقتدى به في سلوكه وأفعاله، وممن يكون على منهج الصالحين الذين مضوا من القرون المفضلة {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]. أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع سلام الله عليكم، وجمعنا بكم في دار الكرامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر، يوم يتقبل الله عنا أحسن ما عملنا، ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا إن السلام وإن أهداه مرسله وزاده رونقاً منه وتحسينا لم يبلغ العشر من قول يبلغه أذن الأحبة أفواه المحبينا سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

كيف نغرس في أنفسنا صفات أولياء الله

كيف نغرس في أنفسنا صفات أولياء الله Q كيف نغرس ونقوي في أنفسنا صفات أولياء الله تعالى في واقع حياتنا المعاصرة؟ وما هي أسباب الوصول إليها والمحافظة عليها؛ خاصة وأن الإيمان في القلوب يضعف، ويزيد وينقص، فهل من لفتة حول ذلك، وجزاكم الله خير الجزاء؟ A ما قاله هو تحصيل حاصل وتقرير أمر معلوم، ولكن أنبه على أمور: أن من صدق مع الله صدقه الله، وأن من أراد الله والدار الآخرة وفقه الله ويسره لليسرى، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] فأوصيك بأمور: أولها: صدق النية واللجوء، والعزيمة على التوبة، والإقبال على الله عز وجل. الأمر الثاني: عليك بالنور الذي يضيء لك هذا الطريق، وهو الكتاب والسنة. إمامك في هذا الطريق هو محمد صلى الله عليه وسلم. فسوف ترى -يا أخي- إذا أقبلت إلى الله، كيف يشرح الله صدرك، وكيف يزيدك تقوى وهدى وغنى، وسوف يسددك، لكن أقبل أقبل، وتعال تعال، فإنه من مشى إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ذراعاً أقبل إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى باعاً، ومن أتاه يمشي أتى إليه هرولة، كما في الحديث القدسي الصحيح، فما عليك إلا أن تقبل، فعطاء الله ممنوح، وبابه مفتوح، وخيره يغدو ويروح. فسبحان الله كم يقبل الله من المقبولين عنده! وكم يتوب على التائبين وكم يغفر ذنوب المستغفرين! فأوصيك أن تقبل على الله، وعليك بتدبر الكتاب والسنة، ولكني أوصيك بأمر آخر وهو مهم: أن تقاطع كل ما يشغلك عن السير إلى الله، من المعاصي وجلساء السوء، ومن الأغنيات الماجنة والمجلات الخليعة، والسهرات التي تغضب المولى؛ ليبقى قلبك صافياً مع الله عز وجل، وحينها يتقبل نور القرآن السنة هذا في المجمل. وأما قولك أن الإيمان ينقص ويزيد فصحيح هذا ومقرر، ولكن لا يكون إيمانك ناقصاً دائماً، صحيح أنه سوف يعتريك أحياناً نقص لكن لا يكون هذا حالاً دائماً ولا مستمراً معك، بل تكون في زيادة، ويومك أحسن من أمسك، وغدك أحسن من يومك: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

المرأة تكون وليا لله

المرأة تكون ولياً لله Q هل تكون المرأة ولياً من أولياء الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟ وهل ما يقال عن الرجال ينطبق على النساء بالنسبة لولاية الله؟ وإن كان هناك فرق أو تفصيل فأرجو إيضاحه؟ A سبحان الله! كل الكلام الذي قيل يشمل الرجال والنساء إلا في جزئيات بسيطة يعرفها اللبيب، وإلا فما لنا كما قال الشاعر: وإذا تكون كريهة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب أي: أن المرأة للرضاعة والحمل والكرب والمشكلات في البيت وأما الولاية فللرجال قال تعالى يرد على ذلك: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195] وقال: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:35] سبحان الله من أتى بالأولاد العظماء إلا النساء! ومن أتى بالشهداء والعلماء والأدباء والزعماء إلا النساء. من هي أم أبي بكر إلا امرأة، وخالد وسعد وحسان ومعاذ بن جبل وأضرابهم وأشباههم الأم مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت جيلاً طيب الأعراق الأم نبت إن تعاهده الحيا بالري أورق أيما إيراقِ سلام على أمهات الأجيال، المسلمات المؤمنات القانتات، إي والله إنهن يدخلن دخولاً أولياً أصلياً في هذه الصفات، ومنهن الولية والعابدة والزاهدة، والحافظة للغيب بما حفظ الله، ولو اتسع الوقت لسقت نماذج من سير الصحابيات، ولكن أكتفي بإشارات فقد تمر مجملة على الأسئلة، وأقول للأخت: اعلمي أن ما قيل في هذه المحاضرة وفي غيرها، أنه ينص عليك نصاً أولياً وتدخلين فيه دخولاً أصلياً فأنت إن شاء الله من أولياء الله المقربين.

معاصي الأولياء

معاصي الأولياء Q شخص من الصالحين ومن المحافظين على الصلاة، ويقوم الليل أحياناً ويحرص على أفعال الخير، والدعوة إلى الله في حياته، ولكن يحدث منه تقصير في التأخر عن الصلاة أحياناً، وربما الغيبة في بعض المجالس، وبعض التقصير والتفريط في بعض الصغائر من الذنوب، فهل مثل هذا يكون ولياً من أولياء الله؟ وما علاج مثل هذه الظواهر وأظنها كثيرة، نسأل الله أن يصلح أحوالنا جميعاً. A أولاً: ليس الأولياء معصومين، فالولي يخطئ ويصيب، وقد يجهل بعض الحق، وقد يخطئ في الفرعيات، وقد يلتبس عليه بعض الأمور، وقد يكون عامياً، وقد ينقصه بعض الأدلة، وقد تشتبه عليه بعض الأمور، وقد يقع في بعض الكبائر أحياناً ويتوب، وقد تأتي منه الصغائر. فالولي ليس معصوماً فليعلم ذلك، وهذا أصل مقرر عند أهل السنة والجماعة. الأمر الثاني: أن الأولياء قسمان: مقتصدون، وسابقون بالخيرات، والذي يدخل الجنة في بعض الروايات التي رجحها شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم أنه يدخل الظالم في الجنة بعد أن يصفى، لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:32] والجمهور يقولون: يدخل الجنة المقتصد والسابق، والمقتصد هو الذي لا له ولا عليه، يأتي بالفرائض ويجتنب الكبائر، ولكن لا يتجنب المكروهات ولا يأتي بالنوافل، فهذا مقتصد لا يحب الفائدة وليس عليه دين. وأما السابق بالخيرات فهذا رجل شق الغبار، وأصبح كالنجم المغوار، وكالسيل المدرار، فهو في المرتبة الأولى، إن كان في المصلين فهو في الصف الأول، أو الصائمين فهو أولهم، أو الذاكرين فلسانه لا يفتر، وفي المتصدقين يده مهملة في الصدقة وهذا مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، أما نحن لا تعرضن ذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد لكن نحبهم في الله عز وجل، عسى الله أن يحشرنا في زمرتهم هذا أمر. وأما ما ذكرت أنك تأتي بهذه الأمور ولكنك تتأخر عن الصلاة، فهذه معصية وتنقص من ولايتك، ولكن لا تخرجك من دائرة ولاية الله عز وجل، لا زلت ولياً لكن بنسبة، فكل ولي له نسبة {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] والولي قد يغتاب ويتوب، لكن أصفى الأولياء من لا يتأخر عن الصلاة ولا يغتاب فأنت بقدرك: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] وعلمك وعلم غيرك من الناس عند الله.

الاستمرار على الطاعة

الاستمرار على الطاعة Q ما إن ودعنا رمضان وودعناه، حتى ولت نفوسنا المريضة هاربة مولية، كأنها حمر مستنفرة فرت من قسورة، ونظير اجتهادنا في الطاعة في رمضان استبقنا نتفانى في معصية الله، وندنس صفحاتنا؛ نسأل الله أن تكون قد بيضت، فصرنا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، فإلى الله نشكو حال أنفسنا. فما هي الخطوات العملية التي يراها فضيلتكم للمواصلة على طريق الطاعة على شكل خطوات مختصرة وجزاكم الله خيراً؟ A أولاً: أشكر السائل على رقته واستشهاده وروعة أسلوبه، فسؤاله يرمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر. وأما ما ذكره فواقع، فإنه لما ولى رمضان انسحب كثير من الناس وأعلنوا -والعياذ بالله- تمردهم على المسجد، والله لقد رأينا من الناس من يفتح المصحف، وكأنه لا رب إلا في رمضان، ولا إله إلا في رمضان، ولا إيمان إلا في رمضان، فلما ولى رمضان أقفلوا المصاحف، وخرجوا من المساجد، وتخلفوا عن الصلوات، ورفعوا الأغنيات، وأكثروا من السيئات، وأغضبوا رب الأرض والسماوات! أي عقول هذه؟! أما علموا أن رب رمضان هو رب شوال وشعبان وكل الأشهر والأيام؟ أما علموا أن الرقابة معهم في الليل والنهار فما لهم يفرون؟! وإلى أي جهة يسيرون؟! وإلى من يلتجئون؟! فالمسألة الأولى: أن يعلموا أن الله معهم دائماً وأبداً في رمضان وفي غير رمضان. والأمر الثاني: كيف ينقضون جداراً بنوه، وحصناً رفعوه، وحائطاً شيدوه؟ إنسان أحسن كل الإحسان وبكى في رمضان، حتى إنك تجد كثيراً من الناس بكى في التراويح والقيام، وأكثر الشكاية والدعاء والتبتل، ثم ضيع كسبه! أرأيت إلى السفيه إذا بنى جداراً ثم هدمه؟! أرأيت إلى المرأة التي شدت غزلها ثم نقضته من بعد قوة ومن بعد ما شدته؟! أرأيت إلى الإنسان يبني بيتاً ثم يسحقه؟ ألا يكون سفيهاً؟ وأسفه منه من عمل صالحات وأتى بدرجات وحسنات ثم ضيعها وضاع. ثم الأمر الثالث: ليعلم أخي في الله أنه على سفر، وأن من الناس من يحبط عمله، يصلح ويصلح ثم يحبط عمله، وإحباط العمل أمر يفعله كثير من الناس، يحسنون ثم يسيئون إساءة ما بعدها إساءة، فأنا أدعوهم إلى ملازمة السير الأول، ولا يأتي ذلك إلا بعزيمة، وبالابتعاد عن جلساء السوء، وبالتقليل من المشغلات والملهيات، والمغريات الحياتية والفتنة التي نعيشها، ولا يأتي ذلك إلا بحفظ العهد مع الله تبارك وتعالى، فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم فلا تجزعن من سيرةٍ أنت سرتها فأول راض سيرة من يسيرها أنت الذي جنى على نفسه، وأنت الذي ابتعد عن الله، وأنت الذي تنكر لبيوت الله، وأنت الذي هجر كتاب الله فمالك؟! إن هذا من السفه والعياذ بالله، وأرجو كل الرجاء العودة إلى الله، وأسأل الله لي ولهم التوفيق إلى الله ثانية وثالثة حتى يتوفانا الله على الإسلام: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27].

كرامات الأولياء

كرامات الأولياء Q لا شك أن لأولياء الله كرامات تحدث، هل يمكن أن تظهر اليوم بعض الكرامات لبعض أولياء الله من الصالحين؟ وكيف نعرف أن هذه كرامة، أرجو توضيح ذلك؟ A نعم. كرامات الأولياء أصل مقرر عند أهل السنة والجماعة، دل عليه الكتاب والسنة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة آل عمران: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37] هذه كرامة. ووقع لـ أبي بكر تضعيف الطعام كما في صحيح البخاري وحصلت أيضاً للعلاء بن الحضرمي ولـ خالد بن الوليد ولـ سعد بن أبي وقاص ولـ عباد بن بشر وغيرهم كثير من أولياء الله. فالكرامة تقع، ولكن بعض الصوفية غلا في الكرامة حتى أتى بالأمور العادية المشغبات والمشوشات فجعلها كرامة، ذكر الذهبي عن أحد الصوفية أنه ترك الطعام ثلاثة أيام فطال عليه الجوع حتى خاش عقله وطاش وفاش، فرأى صوراً في الجو فقال: رأيت ملائكة، رأيت جبريل نزل ومعه ملك آخر. قال الذهبي: والله ما رأيت جبريل ولا رأيت ملائكة ولكن عقلك طاش وخاش وفاش. إنسان يبقى بلا أكل ولا شرب ويقول: كرامة! عجب عجاب. وبعض الناس يجعل الأمور العادية كرامة، سمعت من بعض المولعين بذكر الكرامات يقول: سافرنا مرة فركبنا الحافلة، فضاع أحدنا في الحافلة فنزلنا فصلينا عند إطارات الحافلة ركعتين، فأخرجه الله لنا من الحافلة! الرجل موجود في الحافلة وما ضاع، وقال: هذه كرامة من كرامات الله عز وجل! فما بقي إلا أن يصلي ركعتين عند الإشارة الحمراء حتى تولع الخضراء ثم يقول كرامة! هذه أمور عادية، والكرامة خرق للسنن التي جعلها الله عز وجل موجودة، ولكن المغالاة في الكرامات حتى إنه لا يحدث شيءٌ إلا قالوا: كرامة، مجانبة الصواب. ونفي الكرامات ليس من منهج أهل السنة كذلك لكن إثباتها للصالحين، وشيخ الإسلام يشترط في الكرامة شرطين، وقد ذكر ذلك في المجلد الحادي عشر من فتاويه: الشرط الأول: أن يكون صاحب الكرامة ولياً من أولياء الله على الكتاب والسنة، لا يأتي زنديق فيجعل البيض أكواباً أو يجعل الأكواب بيضاً، أو يأتي بالميكرفون ويجعله وردة وبالوردة ميكرفوناً، نقول: هذا زنديق لأن عمله مخالف للكتاب والسنة، ولذلك قال الشافعي: لا تغتر بالرجل ترى عليه الكرامة ولو طار في الهواء وسار على الماء حتى تعرض قوله وفعله على الكتاب والسنة. فالشرط الأول أن يكون على الكتاب والسنة، وإلا صار السحرة من أهل الكرامات، يأتيك أحدهم فيقول: اسم ابنتك فاطمة؟ - فتقول: نعم. - رقم سيارتك: كيت وكيت؟ - تقول: نعم. - أنت ساكن في حارة كيت وكيت؟ - تقول: نعم. فتقول: هذا ولي من أولياء الله مثل الشافعي! وهو زنديق يخبره الجن. الشرط الثاني: أن يستغل هذه الكرامة في نصرة دين الله، لا يأتي بكرامة في تضليل عباد الله وأخذ أموال الناس بالباطل، وفي ضياع أوقات الناس ويقول: كرامة. مثل هؤلاء البهلوانيين والمشعوذين والسحرة لا. فهذان الشرطان لابد من توفرهما. ولذلك أردت أن أقول: أعظم كرامة لزوم الاستقامة، يقولون: العامل لنفسه يسعى للكرامة وولي الله يسعى للاستقامة، فإذا رزقك الله الاستقامة فهذه أعظم كرامة.

الأعراس في الإجازات

الأعراس في الإجازات Q نعلم أن الإجازة اقتربت وميزة هذه الإجازة كثرة الزواج، فماذا تنصحون أولياء الأمور وبماذا تنصحون الزوج والزوجة؟ ما رأيك لو استغلت هذه الأفراح بإلقاء من المشايخ كما يحدث في بعض الأفراح ونحو ذلك؟ A أولاً: في هذا السؤال أمور: الأمر الأول: ذكاء صاحبه، فإنه علمه الله الذي أنطق كل شيء أن الإجازة قربت و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4]. والأمر الثاني: يظهر من سؤاله أنه يريد الزواج قريباً، وكأن الأيام تمر عليه، اليوم مثل الشهر والليلة مثل السنة، فنسأل الله أن يبلغه ما تمنى وأن يرزقه الحلال. والأمر الثالث: اقترح اقتراحاً أن يكون هناك في الأعراس وفي الحفلات محاضرات، وهذا اقتراح جيد لا فُضَّ فوه؛ لأنه أحسن كل الإحسان، على كل حال فما قاله صحيح، ووجد في بعض الأماكن وأظن حتى في الرياض أنه يستدعى لبعض الأعراس والحفلات دعاة وطلبة علم وعلماء فيحيونها بذكر الله وقال الله وقال رسوله، أما هذا الفجور والخنى والغناء ويا ليل ويا عين وهذه الأمور السافلة الحقيرة فلا يفعلها إلا السفلة وأراذل الناس، تطبيل للرجال وتزهيق وغناء وموسيقى، وضياع للقيم وضياع للقرآن، وضياع للأصالة هذا ليس بصحيح، والدف للنساء خاصة بدون اختلاط، دف بالأيدي، أما أن يستورد مغن أو مغنية أو ماجن أو ماجنة أو فاجر أو فاجرة فهذا والعياذ بالله سحق للدين وعداء للإسلام، ولا يفعله إلا من قل عقله ودينه. فأنا أشيد بهذا الأخ وأبارك له هذا السؤال، وأسأل الله أن يوفقنا وإياه. ثم إني أدعو الطلبة وكلٌّ منهم مرشح لأن يكون داعية، أن يخترقوا هذه الحفلات، وأن يتكلموا بما يرضي الله، وليكن قوياً كالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، يتكلم أولو الأيدي والأبصار، ولا ينتظر حتى يستدعيه الناس، بل يقتحم ويتكلم بلين وحب عل الله أن ينفع به.

مخالطة غير المسلمين ومعاملتهم

مخالطة غير المسلمين ومعاملتهم Q نختلط في العمل بغير المسلمين، ويوادوننا ويحترموننا، فهل علي إثم بمعاملتهم بما يعاملوننا به، علماً أنني أقصد أحياناً إعطاءهم صورة طيبة عني كمسلم تمهيداً لدعوتهم للإسلام، أثابكم الله؟ A إذا ذكر البراء فليس معناه ضرب الكفرة صباح مساء بالأكف على الوجوه! لا. الله يقول لبني إسرائيل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] والناس كلمة عامة تشمل الكافر، وفرق بين حسن المعاملة والولاء، حسن المعاملة: أن تبتسم له لتحبب إليه الإسلام؛ لأنه إذا رآك قد كشرت في وجهه وعبست وبسرت فلن يسمع أذاناً ولا ديناً ولا استقامة ولا شهادة ولا يدخل في الدين، يقول: إذا كان هذا الدين ينتج كهذا الرجل فعلي أن أتوب من أن أفكر في دخول هذا الدين ويكفيني هذا الشاهد الملموس المحسوس هذا خطأ. ولكن عليك أن تصافيه وتداجيه، وأن تدعوه وتزوره، وأن لا ترضى بفعله. فمقصدي أن مداراته لإدخاله في الإسلام مطلوبة، وأما موادته للدنيا ولإقراره على عمله بدون دعوته فمذموم، ومن جعل الله له فرقاناً بين له ذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال:29].

حاجتنا للفكر

حاجتنا للفكر Q يتضح من كلامك يا فضيلة الشيخ! أن لك وجهة نظر في الكتب الفكرية مع أن هذا الزمان زمان فكر، والإسلام يواجه حرباً فكرية، فلا مجال في هذا الزمان للعاطفة ولابد من الفكر فما رأيكم؟ A أولاً يا أخي: إن شاء الله أني ما دعوت للعاطفة، بل أنا أدعو إلى الكتاب والسنة، ولو قصرت أنا في اتباع الكتاب والسنة أو في الإلمام بالكتاب والسنة فأدعو إلى الكتاب والسنة، والعاطفة شيء غير الكتاب والسنة، ومن يدعو إلى الكتاب والسنة لا يدعو إلى العاطفة. أما الفكر فلابد من ضبط هذه الكلمة، فلا يجعل الفكر علماً كعلم الكتاب والسنة ونتشاغل به ونحسنه تحسيناً لا، هو أمر ثانوي ولابد منه، والله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم يوم علمه علم الواقع: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55] أي نوضح لك الواقع الذي تعيش فيه، ونحن ندعو إلى دعاة يعرفون الواقع ولا يعيشون في عزلة عن الواقع، بل يعرفون ما يدور، والمذاهب والملل والفرق والمشارب والأحداث والوقائع التي تدور بهم وتكتنفهم ولابد من ذلك، لكن أن يجعل الفكر علماً يجتمع عليه الشباب، ويأخذ ليلهم ونهارهم فليس بصحيح، بعد ثلاثين أو أربعين سنة يخرج هؤلاء الشباب علماء ثم يبحثون عن رءوسهم، فلا يجدون إلا كلاماً ولا يجدون قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنا معك ولا أخالفك أنه لابد من معرفة شيء من الفكر لنرد على أعداء الله، وقد فعل كثير من الدعاة ذلك، فردوا بالفكر وعرفوا كلام الأعداء فردوا عليهم بمثل أقوالهم، أما أن نحجب أبصارنا فليس بصحيح، لكن التحذير لأنه وجد مغالاة حتى وجد من بعض الشباب من جنح عن كتب السلف، وأعرض عنها واتخذها ظهرياً، وأتى إلى كتيبات بيض أمامه فجعل منها صحيح البخاري وصحيح مسلم، ويفتي منها ويحاضر ويدعو، وهي مجرد كلام وكتب مفيدة، لكن الأصل المعين والصراط المستقيم كتب السلف التي عليها العمدة وهذه زيادة خير هذا رأيي، والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

دروس من سورة طه

دروس من سورة طه تناول الشيخ قصة موسى عليه السلام من سورة (طه) ذاكراً بعضاً من صفات موسى عليه السلام. وعرض قصة النداء لموسى في الطور وما وقع فيها من معجزة العصا واليد وإرساله إلى فرعون تأييد الله له بهارون، وتذكيره سبحانه لموسى بما أنعم الله عليه من قبل. وتحدث عما وقع بين موسى وفرعون، مبيناً حفظ الله لموسى عليه السلام وتسديده في جوابه لفرعون.

وقفات مع موسى عليه السلام

وقفات مع موسى عليه السلام الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، كسر الله به ظهور الأكاسرة، وقصر بدعوته آمال القياصرة، الذين طغوا وبغوا حتى أرداهم ظلمهم في الحافرة، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. إلهي لا تعذبني فإني مقرٌ بالذي قد كان مني وما لي حيلةٌ إلا رجائي وعفوك إن عفوت وحسن ظني فكم من زلة لي في البرايا وأنت علي ذو فضلٍِ ومنِّ يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني أيها الكرام: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حديثنا عن موسى عليه السلام، وعن دعوته الهائلة التي طرقت العالم، وعن قصصه العجيبة، وموسى عليه السلام له قطاع كبير في القرآن حتى قال بعض العلماء من السلف الصالح: كاد القرآن أن يكون لموسى، ما تكاد تقرأ سورةً إلا وتسمع قول الله يقرع أذنيك، ويصادف قلبك: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى} [هود:96] وموسى عليه السلام كانت دعوته على المستويات جدلية علمية، وعملية ميدانية، وحربية عسكرية، وموسى عليه السلام ذكر -كما أسلفت- في القرآن كثيراً، وذكر في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم طويلاً. صح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه لما قرأ سورة الكهف مع قصة موسى والخضر، وانتهت القصة بقول الخضر: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] قال صلى الله عليه وسلم: {رحم الله موسى! لوددنا أنه انتظر حتى يقص علينا من خبرهما}.

شدة حيائه عليه السلام

شدة حيائه عليه السلام وصح عنه- صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري من حديث ابن مسعود، عندما سمع رجلاً يقول عن قسمة النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله قال: فأخبرت الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك، فتغير وجهه حتى كان كالصفر، ثم قال: {رحم الله موسى! أوذي بأكثر من هذا فصبر} {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69]. وفي صحيح البخاري وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كان موسى رجلاً حيياً، فكان لا يغتسل أمام الناس، فقال بنو إسرائيل: ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر -أي: به مرض في شيء من أعضائه التي يستحيا من ذكرها- فاغتسل خلف حجر ووضع ثوبه على الحجر ففر الحجر بثوبه، فرآه بنو إسرائيل، فعلموا أن ليس به مرض، قال: فأخذ يضرب الحجر الذي فر بثوبه، ويقول: ثوبي يا حجر، ثوبي يا حجر}.

موسى وآدم يتحاجان

موسى وآدم يتحاجَّان وصح عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرهما أنه قال: {تحاجَّ آدم وموسى، فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته أخرجتنا من الجنة بمعصيتك؟} يلومه ويعتب عليه في هذه المعصية، لا على القضاء والقدر. ولذلك يقول ابن تيمية: ويل للجبرية، ظنوا أن موسى عليه السلام قدرياً، وما كان قدرياً، فقال آدم عليه السلام: {أنت موسى الذي كلمك الله، وكتب لك التوراة بيده، وأنجاك الله أتلومني على شيء قد كتبه الله علي، بكم وجدت الله قد كتب علي هذا قبل أن يخلقني؟، قال: بأربعين عاماً، قال: فلم تلومني على شيء قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني، فقال عليه الصلاة والسلام: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى} أي: غلبه بالحجة. ونعيش مع موسى عليه السلام في سورة طه، في أول لقاء بين الله عز وجل وبينه، لقاء الكلام مباشرة، ولم يكلم الله- عز وجل- أحداً من الناس مباشرة بلا ترجمان إلا موسى {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه:9]. الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، فبعد أن افتتح الله السورة وأتى بكلام عجيب عن التوحيد والعقيدة، قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه:9] لا، والله ما أتاه، ومن أين يأتيه وما قرأ، وما كتب، ولا تعلم، ولا درس إذ هو أُميِّ! قال: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً} [طه:9 - 10]. لم يذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة طه قصة موسى -وقصته طويلة وهي منثورة في كتاب الله- كما ذكرها في سورة القصص يوم خرج إلى أهل مدين بعد أن قتل نفساً، هارباً إلى الله، وضاقت به الدنيا بما رحبت، وخوفه البشر بسوطهم وبسيفهم، ولكن: فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان يا واهب الآمال أنت حفظتني ورعيتني وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فنصرتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك منعتني فإذا خفت من شيء، فاعتصم بالله، وإذا دهتك من الدواهي أمور، فاعتصم بالله، وإذا ضاقت بك الحيل، فالتجئ إلى الله، وإذا كثرت عليك المشكلات والصعوبات، فرد أمرك إلى الواحد الأحد، فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50]. وفي كتاب الزهد للإمام أحمد بسند حسن، قال: لما لقي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عبده موسى بعد أن سقى للجاريتين وتولى إلى الظل، قال: يا رب، فقير غريب مريض جائع -يشكو حاله- قال الله عز وجل: يا موسى، الفقير من لم أكن أنا مغنيه، والغريب من لم أكن أنا مؤنسه، والجائع من لم أكن أنا مطعمه، والمريض من لم أكن أنا طبيبه ثم شرفه الله بالدعوة.

بداية نبوته عليه السلام

بداية نبوته عليه السلام قال تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه:9] هل أتاك يا محمد هذا الحديث المذهل العجيب الذي سمعت به الدنيا، وأنصت له الدهر، وتناقلته الركبان، وروته الأجيال جيلاً بعد جيل؟ {إِذْ رَأى نَاراً} [طه:10] أتى بأهله بعد أن رعى الغنم عشر سنوات، وكانت امرأته في المخاض، فأظلم عليه الليل، ومعه قطيع من الغنم، والأنبياء كلهم عليهم السلام رعوا الغنم؛ لأن من يرعى الغنم يجد دربة وحلماً وتجربة لرعي الأمم -ولذلك رعى رسولنا صلى الله عليه وسلم عن الغنم- فأظلم على موسى الليل، وكان في تلك الليلة - كما ذكر ابن كثير - سحاب ومطر وبرق ورعد، وأراد أن يشعل ناراً يستدفئ بها هو وأهله، ويوقد بها طعامه، لكن لم توقد النار، أتى بالحجارة يقرع حجراً بحجرٍ، فما قدحت ناراً لحكمة أرادها الله. راعي غنم ليس في مخيلته أن يكون نبياً من الأنبياء، ورسولاً من الرسل، ومن أولي العزم الخمسة، فلما أظلم عليه الليل رأى ناراً تلمع في طرف وادٍ بعيدٍ، فاستبشر، وقال: هذه النار إما أن أجد منها قبساً آتي به إليكم لتستدفئوا، ونتعشى على النار، وإما أن أجد خبراً من الأخبار لعل صاحب هذه النار يهديني الطريق، لكن وجد من يهديه إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ووجد من يهديه إلى لا إله إلا الله، إلى الطريق المستقيم الذي إذا لم يهتد إليه العبد فوالله لن يهتدي أبداً، والذي إذا لم يسترشد به العبد فوالله لن يرشد أبداً، والذي إذا لم يستكف به العبد، فوالله لا يكفى أبداً، والذي إذا لم يحتم به العبد، فلن يحتمي أبداًَ، فذهب وإذا بالنار غير النار، فلما اقترب منها، سمع هاتفاً يهتف. {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} [طه:9 - 11] سبحان الله! من يعرف موسى في الصحراء؟! ومن هو موسى حتى يعرف عند القبائل الصحراوية والبادية؟! ومن هذا الذي يعرفه، وهو ليس له قرابة ولا رحم ولا أخوال ولا أبناء عم في الصحراء؟ {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} [طه:11 - 12] سبحان الله! الله يعرِّف موسى به، ما أعظم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى! وموسى يعرف الله بآياته وأسمائه وصفاته وصنعه في الخلق، سبحان الله! وفي كل شيء له آيةٌ تدل على أنه الواحد فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} [طه:12] لماذا يخلع نعليه؟ وما هو السر في خلع النعلين؟ قال أبو ذر وأبو أيوب وعلي بن أبي طالب ثلاثتهم قالوا: [[كانت الحذاء من جلد حمار، والوادي مقدس لتكليم الله عز وجل]] سبحان من يشرف بقعةً على بقعة، وإنساناً على إنسان، وبلداً على بلد، وزمناً على زمن، مكة الحرم قطعة أرض بين جبال سود، لا حدائق غناء، ولا بساتين وارفة الظلال، ولا أنهاراً، ومع ذلك شرفها الله على بقاع العالمين، ومحمد عبد من العباد من لحم ودم وعصب وعظم شرفه الله على الناس، ويوم عرفة ساعات ودقائق ولحظات وأمنيات جعلها الله أعظم الأيام من أيام السنة، ويوم الجمعة كذلك يوم من أيام الله جعل الله له ميزة. {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} [طه:12] اليوم تقدس الأودية، الليلة حدث عظيم في حياتك يا موسى، هذه الأوقات سوف تعيشها مع الله، وسوف تجد من الله- عز وجل- كلاماً عجيباً {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه:12 - 13]. أنت اليوم يا راعي الغنم مختار لتكون رسولاً، أنت اليوم يا راعي الضأن، سوف تبعث إلى الطاغوت الأكبر إلى شيخ الضلالة فرعون تدعوه إلى لا إله إلا الله، أنت يا من يهش على غنمه بعصاه سوف يكون لك ذكر في القرآن والتوراة والإنجيل، وسوف تكون نبياً من الأنبياء، أنا اخترتك ما زكاك أحد لدي، وأنا عرفتك وما توسط لك أحد من الناس، ولا شفع لك أحد من البشر، من الذي يعلم المزكى من غيره إلا الله! {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32] الصور صور، والبشر بشر، والناس ناس، لكن القلوب يعلمها الله. جاء عند ابن كثير: أن الله قال له: أتدري يا موسى لماذا اخترتك؟ قال: لا أدري يا رب، قال: نظرت في قلوب العباد، فوجدت قلبك أكثر قلوب العباد تواضعاً لي، سبحان الله! موسى كان أعظم الناس تواضعاً لله، أثر عنه أنه ما جلس مع أحد من الناس إلا ظن أن جليسه أعظم منه وأعلى وأحسن، لكن أين حالنا من هذا الصنف؟ ربما يظن أحدنا أنه خير من في المسجد -نعوذ بالله من الغرور، والعجب، ونعوذ بالله من التيه والانقطاع من حبل الله- لأن من يركب رأسه في الضلالة والفجور والمعصية، ثم يظن أنه من خير الناس، هذا رجل مخذول محروم، أصابه خذلان وحرمان من طاعة الله عز وجل.

وصايا الله لموسى

وصايا الله لموسى قال الله تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه:13] هذا سر من أسرار الله، معنا كلام عجيب، ورسالة خالدة، رسالة نستوصيك بها، فاستمع ولا تتحرك وسوف تلقى علماً جماً، ونفعاً عظيماً، وسوف تلقى كنزاً ثميناً {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه:13].

التوحيد أولا

التوحيد أولاً ماذا يبدأ الله عز وجل به مع موسى؟ هل يذكر له فرعون أولاً؟ لا، لم يأت ذكر فرعون هل يتحدث له عن الرسالة؟ لا. هل يتحدث له عن إجرام الناس في الدنيا؟ لا. أولاً: يعرِّف الله نفسه إلى موسى، وهذا التعريف أكبر تعريف عند أهل السنة والجماعة لله الواحد الأحد، يقول الله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:14]. ولذلك في سنن الترمذي بسند فيه نظر، يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا عرف أحدكم أخاه، فليسأله عن اسمه ونسبه، فإنه واصل المودة} لكن هذا الحديث في سنده رجل مجهول، ولو صح لكان سنداً لما حفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسأل الناس عن أسمائهم، وهذا في الصحيحين عن ابن عباس: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لوفد عبد القيس: {من الوفد؟}. قال تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:14]. أولاً: ملأ الله قلب موسى بالتوحيد، وأنت إذا أردت الله فاملأ قلبك بالتوحيد، فوالله لا ينفعك عمل، من صلاة، أو صيام، أو حج، أو عمرة، أو تلاوة، أو صدقة حتى توحد الله رب العالمين، فاملأ قلبك بلا إله إلا الله. الله أكبر كل همٍ ينجلي عن قلب كل مكبرٍ ومهلل لا إله إلا الله كلمة من أتى بها وصدق فيها وأخلص في فحواها فتحت له أبواب الجنة الثمانية، لا إله إلا الله كلمةٌ من صدق في العمل بها ومقتضاها أنقذه الله، لا إله إلا الله كلمة من ثبته الله عليها، فلا خوف عليه ولا حزن. {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم:24] لا إله إلا الله يغرسها الله في قلب من يشاء، فتنبت الصلاة والزكاة والصيام وحسن الخلق وبر الوالدين وصلة الرحم. {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:14] {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65]. قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا والنحل قل للنحل يا طير البوادي ما الذي بالشهد قد حلاكا وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا فالحمد لله العظيم لذاته حمداً وليس لواحدٍ إلاكا {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:14] أقرب طريق إلى الله عبادته، ولذلك لـ ابن تيمية كلام معناه: أقرب الطرق إلى الله العبادة. وفي التاريخ: أن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- قال لـ سعد بن أبي وقاص لما أرسله في القادسية أميراً وقائداً للجيش ليدكدك دولة الأصنام، دولة الأكاسرة الظلمة الفجرة، قال له: [[يا سعد بن وهيب! لا يغرنك قول الناس إنك خال رسول الله، فإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، أقربهم إليه أطوعهم له]] ولذلك ذكر الله الأنبياء بالعبادة، فقال: {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:73] {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]. سبحان الله! يذكر رسوله بالتشريف فيذكره بالعبادة وأنه عبد مذلل، ولذلك كلما زدت لله عبودية رفعك الله، وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم قال: {إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة} كلما وضعت رأسك في التراب، رفعك الله إليه، وكلما حاول المتكبر أن يرتفع حقره الله وأذله وأخسأه وخذله وحرمه في الدنيا والآخرة. وفي صحيح مسلم عن ربيعة بن مالك الأسلمي قال: {قلت: يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة، قال: أعني على نفسك بكثرة السجود} فلا طريق إلى الله إلا العبادة. فأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى وأكثر قرعه دأباً عساه سيفتح بابه لك إن قرعتا

الصلاة ثانيا

الصلاة ثانياً يقول الله عز وجل: {فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] فيا دعاة الإسلام! ويا أخيار حملة لا إله إلا الله في الإسلام! يا أهل البيوت الذين يريدون تربيتها على الإسلام! يا من حمل في قلبه حب الإسلام! أقم الصلاة لذكري إن أول زاد المسلمين الصلاة. لذكري قيل: إذا ذكرتني في أي وقت فأقم الصلاة، وقال بعض أهل العلم: أقم الصلاة لذكري، إذا نمت عن الصلاة، ثم قمت وذكرتها، فأدها، لحديث أبي قتادة في الصحيحين مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم: {من نام عن صلاة، أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك} وقيل: أقم الصلاة لذكري، أي: لإقامة ذكري، أي: أن تقيم الصلاة لتذكرني في الصلاة، لا تذكر غيري، لا مالاً، ولا ولداً، ولا منصباً، ولا تراثاً، وإنما لذكر الله عز وجل. {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45] قال ابن تيمية: هذه الآية أخطأ فيها طائفة من أهل العلم، ومعناها الصحيح: أن للصلاة منفعتين: الأولى: منفعة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر. والثانية: أن فيها يقام ذكر الله. وإقامة ذكر الله في الصلاة أعظم من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر. فعلم الله موسى التوحيد، ثم دله على العبادة، ثم أوصاه بالصلاة، والآن يتحدث له عن اليوم الآخر {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:15]. يا موسى! إن هناك يوماً يجمع الله فيه الأولين والآخرين يا موسى! إن هناك حساباً يا موسى! إن هناك يوماً يجعل الولدان شيباً يا موسى! إن هناك يوماً يعض الظالم فيه على يديه يا موسى! إن هناك يوماً تنسف فيه الجبال نفساً {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15] قيل: أكاد أظهرها من باب التضاد، وقيل: أكاد أخفيها على ظاهرها {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:15] لا إله إلا الله ما أعظمه من يوم! ولا إله إلا الله ما أخطره من لقاء! يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضرٍ يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمنٍ وفي دعةٍ فما سقطنا لأن الحافظ الله {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه:15 - 16] يا موسى! لا يصدنك عن لقاء الله جلساء السوء، فإن في المجتمع من يصدك عن موعود الله، وفي الناس من يأخذك عن الطريق المستقيم، جلساء السوء يحببون لك الأغنية الماجنة، والمجلة الخليعة، والنظرة الآثمة، وأكل الربا، والزنا، والفجور، وشهادة الزور، والغيبة والنميمة؛ فاحذرهم. {فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه:16]. بعض الناس اتبع هواه، ركب رأسه كالثور، له قلب لكن لا يعقل، له سمع لكن لا يسمع، له بصر لكن لا يبصر به، فسبحان من يهدي ويضل!

مؤانسة الله لموسى وتأييده بالمعجزات

مؤانسة الله لموسى وتأييده بالمعجزات واسمع الآن إلى المؤانسة، موسى الذي يظهر من القصة أنه خاف، سبحان الله! ترك امرأته وأطفاله مع غنم، في صحراء قاحلة مدوية ما فيها إلا الذئب. عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصَوِّت إنسان فكدت أطير فهو كأنه خائف فأراد الله أن يؤانسه فبماذا يؤانسه؟ يحدثه عن أموره، ولذلك يقول الأسدي، وهو يمدح نفسه: أؤانس ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب وما الخصب للأضياف أن يكثر القِرى ولكنما وجه الكريم خصيب يقول: من كرمي أني أحادث ضيفي وهو على راحلته قبل أن ينزل حتى لا يخاف، فلا أكشِّر في وجهه، لا أسكت فيخاف مني الضيف، بل أهش وأبش وأتبسم، وأسأله عن أحواله وأهله وأسرته، كما قال زهير في مدح الأول: تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله فالله أراد أن يؤانس موسى، وفي الصحيح: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ربما ربَّت على أكتاف بعض أصحابه، وفي سنن أبي داود بسند صحيح: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ يد معاذ رضي الله عنه وأرضاه فشبك يده بيده} وصح كذلك أنه ضرب في صدر أبي بن كعب، وفي صدر جرير بن عبد الله البجلي ليؤانسهم، فالله أراد مؤانسة موسى، والله يعلم ما في يمين موسى لأنه هو الذي خلق العصا، وهو الذي صنعها سُبحَانَهُ وَتَعَالى. قال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17]. سبحان الله! الله لا يعرف العصا! جل الله! بل يعرف العصا، ومن حمل العصا، والشجرة التي أنبتت العصا، والكافر الذي سوف يذهب إليه موسى بالعصا {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17]. وموسى تلطف، قال: ما دام ربي حليماً كريماً يسأل حتى عن العصا، فهو قريب إليَّ سُبحَانَهُ وَتَعَالى، كان الجواب في العربية أن يقول: عصا. لكن يقولون: موسى وجد راحةً في الجواب، وفي كتب التفسير كـ ابن كثير وابن جرير وغيرهما: أن موسى إذا كلم الله وجد على وجهه النور أربعين يوماً يسطع على وجهه مِن نوره سُبحَانَهُ وَتَعَالى، قال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17] كان يكفي أن يقول: عصا، لكنه ارتاح للجواب ففصل الخطاب {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:18] كان يكفي أن يقول: عصا، لكنه ارتاح، وانطلق في المقال، وأعجبه الحال، قال: هي عصاي يا رب، أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى، وتكلف بعض المفسرين أن يقولوا: إنها كانت تضيء له في الليل، لكن ما أتى بهذا أثر إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم، إنما هذه إسرائيليات، ويكفي أن نقف مع القرآن.

معجزة العصا

معجزة العصا قال الله عز وجل: {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى} [طه:19] سوف تكون لها قصة، الدعوة سوف تقام على رأس العصا، هذه العصا سوف يكون لها تاريخ، وسوف يكون لها سجل حافل، وسوف يكون لها أحداث، فألقاها باسم الله، وهو يعرفها، ودائماً هي معه يضرب بها على ضأنه، ويرعى ويتوكأ بها {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه:20] سبحان الله! من حول العصا إلى ثعبان؟ يقول أهل التفسير، وهو مما ينسب إلى مجاهد وغيره، قالوا: تحولت وإذا هي حية عظيمة لها نيبان تثغر -هذا في تفسير ابن كثير - ونحن نذكره من باب {وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج} قالوا: وكان لها عينان، فأقبلت في الوادي ترقص أمام موسى، ففر عليه السلام لأنه يبصر العصا وهي حية، فماذا ينتظر منها إلا الموت، فأوحى الله إليه من فوق سبع سماوات، فقال: {وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} [القصص:31] أي: لك منا عهد وشرط ألا تأكلك الحية. لا تخف فإنك سوف تبعث إلى فرعون الذي كان حرسه على القصر ستة وثلاثين ألفاً. ثبت أن حرس فرعون على قصره وعلى الشرفات والنوافذ ستة وثلاثون ألف جندي، كل جندي يظن أن فرعون إله يعبد من دون الله، فلماذا تخاف من عصا انقلبت حية؟ فلا تخف إنك من الآمنين، فثبت مكانه، ثم قال له: خذها احملها بيدك سبحان الله! من الذي يأخذ الحية؟ من الذي يحمل الثعبان بيده؟ إلا من أوتي عزماً وصرامةً وشجاعةً {قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [طه:21] سوف تعود عصا، فأخذ موعود الله، وعهد الله، فتقدم إليها، فقبضها بلسانها، ثم هزها، فإذا هي عصا. سبحان الله! الثعبان انقلب في دقائق إلى عصا، والعصا في دقائق إلى ثعبان، قدرة ظاهرة؛ ليثبت عند موسى أن الله على كل شيء قدير، وأننا معك يا موسى، وأننا نستطيع أن نفعل ما يؤيد دعوتك، إن عصاك سوف يكون لها خبر، وسوف تنتصر في المعركة مع الدجال الآثم الخبيث فرعون.

معجزة اليد

معجزة اليد قال تعالى:: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} [طه:22]. وكانت يد موسى عليه السلام سمراء؛ لأنه كان أسمر، كما صحت في ذلك الأحاديث، ففي صحيح البخاري وصحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: {كأنه من أزدشنوءة} وهم قبائلكم يا أهل الجنوب، فبيننا وبين موسى عليه السلام شبه في الخلقة، فنسأل الله أن يكون بيننا وبينه شبه بالعمل، ونسأل الله أن يحشرنا في موكبه، وموكب محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى} [طه:22]. فأدخلها تحت العضد في الإبط، فأخرجها، فكأنها فلقة قمر سبحان الله! تلمع لمعاناً كأنها قطعة البدر، أو كقطع القمر ليلة أربع عشرة، أو كأنها الشمس، قال: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [طه:22]. من غير سوء، لماذا؟ قال: لئلا يظن موسى عليه السلام أنه برص، أو بهق، أو مرض، فقال: {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى} [طه:22] هذه مع العصا {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} [طه:23] وقد آتى الله موسى تسع آيات، كل آية لو أنزلت على الناس وكان لهم قلوب لكانت كفيلة بأن يهتدوا بإذن الله، وكل آية لو خوطب بها الشيوعيون الملاحدة والماركسيون وأتباع لينين، وكان لهم قلوب وعقول لاهتدوا، وهي الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والعصا، واليد، وضرب الصخر، وضرب البحر. قال تعالى: {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} [طه:23] ما هي فائدة هذه التربية وهذه المعجزة؟ اسمع إلى الخطاب: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24]. سبحان الله! هذا الرجل يفر من أكثر من عشر سنوات من ذاك الطاغية، واليوم يطلب منه أن يدخل عليه في القصر، فر من الموت، وفي الموت وقع، قتل نفساً من أسرة آل فرعون، أو من الأقباط، ثم فر منهم خائفاً، وفي الأخير يقول الله له: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24]. سبحان الله! إنه خبر عجيب، وإنه سر غريب أن يدخل على فرعون، وليس الدخول على فرعون بهذه السهولة، فإن لدى فرعون جنوداً وحرساً وقوة!

تأييد موسى بأخيه هارون

تأييد موسى بأخيه هارون اسمع إلى التسديد من الله، واسمع إلى الكلام العجيب {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه:25] كأن الخبر وقع عليه، فكاد أن يضيق بالخبر، فقال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه:25] وإذا شرح الله لك صدرك، فلن تخاف من شيء {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:125]. وإذا شرح الله صدرك، فاعلم أن لذائذ الدنيا لا تساوي -والله- مع شرح الصدر شيئاً، وإذا ضاق صدرك، فاعلم أن نعم الدنيا لا تساوي شيئاً. وشرح الصدر يأتي بأمور أعظمها التوحيد، ثم العبادة، وكثرة الذكر، والالتجاء إلى الله عز وجل، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. من أعرض عن ذكر الله فله معيشة ضنك، مع أنه قد يسكن في القصور، ويركب السيارات الفاخرة، ويلبس أنعم لباس ويأكل أطيب طعام، لكن اللعنة معقودة على وجهه، لماذا؟ لأنه أعرض عن منهج الله، وأعرض عن القرآن والمساجد، وأعرض عن عبادة الله والذكر، فله معيشة ضنك {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] لا يعرف شيئاً، يدهده كالصخرة حتى يلقى في النار؛ لأنه كان في الدنيا أعمى، يسمع الأذان ولا يجيب، يرى القرآن ولا يقرأ، يرى طريق الهداية وطريق الشر، فيسلك طريق الشر، سبحان الله! أي قلب هذا؟! {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه:25] ولذلك يمتن سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على رسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن فيقول: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] أما فسحنا لك في قلبك؟ أما وسعنا لك صدرك؟ أما طردنا الهموم والغموم من جوانحك؟ فكان حليماً بالقرآن ومنشرح الصدر بالإيمان. قال موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [طه:25 - 26] كأنه يقول: يا رب إن المسئولية خطيرة، والرسالة عظيمة، يسر لي أمري، ولا ييسر الأمر إلا الله {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طه:27] وقد كان في لسانه عقدة يأكل الكلام، والسبب -كما قال أهل السير والتاريخ- أنه كان في صباه، وهو في بيت فرعون يوم استنقذته بإذن الله آسية امرأة فرعون عليها السلام، ولا عليه. سلام الله يا مطر عليها وليس عليك يا مطر السلام فاستنقذته فعاش في حجر فرعون، وانظر للهادي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، تجد الابن في بعض البيوت كل المعصية في بيته الإجرام والفسق والعصيان، وينشأ هادياً مهدياً عابداً من العباد؛ لأنها هداية الله، وتجد الابن في بعض البيوت وأهله يقربون له أسباب الهداية، ويسألون الله له التوفيق، وينشأ شقياً جباراً عاصياً مارداً على الله، ولذلك فإن الرجل الذي سوف يشير الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إليه في سورة طه وهو السامري فإن اسمه موسى تربى في حجر جبريل، وموسى النبي عليه السلام تربى في حجر فرعون، فأسلم هذا وكفر ذاك، قال الشاعر: فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرعون مؤمن فلما نشأ وأصبح صبياً، أخذ كفه مرةً من المرات ولطم فرعون على وجهه، فغضب فرعون، وقال: لأقتلنه، لأنه كان يذبح أبناء بني إسرائيل، فقالت العاقلة الرشيدة امرأة فرعون المؤمنة: هذا لا يعلم شيئاً، وأحضرت له جمرة وتمرة، وقالت لفرعون: إن أخذ التمرة فاقتله؛ لأنه يعرف، وإن أخذ الجمرة، فهو لا يعرف رشده، فلماذا تقتله؟ قال: حكمت فأنصفت. فأراد موسى أن يأخذ التمرة، فصرف الله يده على الجمرة، فأخذها فوضعها على طرف لسانه، فأحرقت لسانه. لذا لما قال له الله عز وجل: اذهب إلى فرعون؛ تذكر أنه لا يستطيع أن يتكلم؛ لأنه يريد أن يلقي خطبة على فرعون ومحاضرة يبين له فيها التوحيد، لكن بأي لسان {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طه:25 - 27] قال الحسن البصري: [[رحم الله موسى! ما سأل الله إلا أن يحل عقدة واحدة بقدر الحاجة]] وما قال: اجعلني أفصح أهل مصر بأن يكون خطيباً مصقعاً، أو محاضراً مطبقاً، بل قال: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه:27 - 28]. أي: علم أن يفقهوا بعض الكلام، ومع ذلك قال في سورة القصص: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} [القصص:34] يقول: اجعل معي أخي هارون يتكلم؛ لأن هارون فصيح وأنا لست فصيحاً، وكان هارون أكبر من موسى، قال أهل العلم: ما سمعنا بشفاعة في الدنيا أعظم من شفاعة موسى لهارون، فإنه شفع له عند الله حتى أصبح نبياً من الأنبياء، وهي أعظم شفاعة، وانظر إلى حكمة الله، رأى أن هذا الصغير ربما يتحمل أعباء الرسالة أعظم من هذا، فجعله نبياً رسولاً، ثم شفع هذا الصغير في أخيه الكبير فكان معه نبياً. ولذلك لما وصل إلى بساط فرعون وعلى بلاطه، أخذ فرعون يضحك مع وزرائه وحاشيته، ويقول: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52]. يقول: أنا يا أهل مصر أحسن وأفضل أم هذا الذي يأكل الكلام ولا يفصح؟! سبحان الله! فهل المسألة بالفصاحة؟ لا، المسألة بالتقوى أهي بكثرة الطنطنة والدندنة في الكلام؟ لا، بل هي بالتقوى أهي بالذكاء الخارق والعبقرية؟ لا. بل بالتقوى. ثم قال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي) [طه:29 - 30] ثم عاد إلى الله عز وجل فقال: يا رب إن المسألة صعبة وضخمة {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:29 - 32] قوِّ به جناحي، واجعله رفيقاً لي عل فرعون أن يخافنا، أو يرهبنا قليلاً؛ لأن الاثنين أرهب من الواحد {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:31 - 32]. لماذا؟ قال: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً} [طه:33] أي: حتى يذكِّرني وأذكِّره التسبيح في الطريق، يذكرني طاعتك، وأذكره طاعتك، ولذلك الاثنان يسبحان أكثر من الواحد، وحبذا الصديق الصادق الذي يعينك على طاعة الله {وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً} [طه:34] والذكر زاد الدعاة، {إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً} [طه:35]. قال الله عز وجل: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه:36] وكل ما مضى من السؤالات كأنها سؤال واحد أمام كرم الله عز وجل وعطائه وسعته ورحمته.

تذكيره بنعم الله عليه

تذكيره بنعم الله عليه ثم أخذ الله عز وجل يعيده لتاريخه، ولسجله الأول، ولأيامه الأولى، فقال: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى} [طه:37] يا موسى! لا تنس نعم الله ومننه عليك. {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:38 - 39]. فيها مسائل: وهي قصة طويلة، لما ولد موسى ولد في العام الذي يقتل فيه فرعون أطفال بني إسرائيل، وكان موسى إسرائيلياً من بني إسرائيل، فخافت أمه أن يقتله فرعون، فجعلته في ألواح من خشب -تابوت- وربطت هذه الألواح، وأنزلت التابوت في اليّم، قيل: في نهر النيل، وربطت الخيط في بيتها، فإذا ذهب حرس فرعون، سحبت التابوت وأرضعته، فإذا اقتربوا أنزلته، وربطت الحبل في بيتها. ومرة من المرات ذهب جنود فرعون -الذين يبحثون أطفال- فسحبت الحبل، فانقطع الحبل من التابوت فأتى الحبل بلا تابوت فخرجت وقلبها يكاد يطير، وأصبح فارغاً كاد يخرج من بين جنبيها، ونظرت في اليمّ فلم تجده، وساقه اليم -بإذن الله- حتى أدخله في مزرعة وبستان فرعون في القصر، تفر به أمه من أن يلاحق، فيقع في قبضة المجرم، وأتت جواري فرعون، فرأين التابوت، ففتح فوجدوه غلاماً من بني إسرائيل، فأرادوا ذبحه، فتدخلت آسية عليها السلام {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه:39] قال أهل الأثر: ما رآك أحد إلا أحبك، سبحان الله! {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39]. {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ} [طه:40] لما وضع عند فرعون، أرادوا إرضاعه ليتبناه فرعون، فأرادوا أن يربوه، فعرضوه على كل ثدي، فأبى أن يرتضع، قالت أخته -وكانت قريبة من قصر فرعون-: أتريدون أن أدلكم على أهل بيت يرضعونه لكم؟ قالوا: نعم، فذهبت إلى أمه وقالت: وجدت امرأة ترضعه، فلما وضعوه على ثديها رضع بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فأصبح فرعون يدفع الأجرة لأم موسى على إرضاعه زيادةً على ذلك! {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} [طه:40]. ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لا تنس يا موسى، لا تظن أنا نسينا {وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} [طه:40] حميناك، ورعيناك، وكفلناك، وآويناك، وأشبعناك، وسقيناك، فتذكر نعمة الله عز وجل {وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} [طه:40] عشر سنوات؛ لأنه قال: ثمان سنوات، أو عشر، قال ابن عباس: [[قضى أجملهما وأحسنهما وأكملهما]] {فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [طه:40] أي: جئت بقضاء من الله وقدر، {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:41] ربيتك لتكون رسولاً لي تبلغ دعوتي.

أمر الله لموسى وأخيه بالدعوة

أمر الله لموسى وأخيه بالدعوة ثم قال تعالى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ} [طه:42] الآن يقول: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ} [طه:42] وفي أول السورة يقول: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] ولكنه قال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي} [طه:29] ولذلك قال هنا: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ} [طه:42] أصبح أخوه نبياً من الأنبياء.

توصية الله لهما بذكره

توصية الله لهما بذكره {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه:42] ما معنى: ولا تنيا في ذكري؟ قيل: لا تضعفا في ذكري، سبحا كثيراً، وهللا كثيراً، واحمدا كثيراً، واستغفرا كثيراً، وهذا زاد المسلم، وإذا رأيت المسلم يكثر من ذكر الله، فاعلم أنه قريب من الله، وإذا رأيته غافلاً، فاعلم أن بينه وبين الله بعداً، ولذلك في سنن الترمذي بسند حسن عن عبد الله بن بسر، قال:: {يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله}. وقيل: ولا تضعفا في الدعوة إلي، مرا بالمعروف، وانهيا عن المنكر، فأنتما في أمر واجب ونحن -يا عباد الله- أصبحنا في زمن وفي وقتٍ كل منا وجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطاقته، وإلى متى ننتظر؟ إلى متى نسكت؟ إلى متى لا ننكر المنكر؟ لكن كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] ولذلك يقول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان:17] ثم قال: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17]. سوف تؤذى، وسوف تشتم، لكن اصبر على ما أصابك، والله يقول في قوم تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم بنو إسرائيل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في مدح أمتنا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] قال: {وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه:42].

توصيته لهما باللين

توصيته لهما باللين ثم قال تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] ما أحسن هذا التوجيه! وما أحسن هذه التربية للدعاة والخطباء ولطلبة العلم والعلماء من تربية! {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] ما هو القول اللين؟ كأن معنى الخطاب: لا تجرحا شعور فرعون، احذرا أن تشددا عليه أو تشتماه، فتأخذه العزة بالإثم فلا يسلم، ولا يؤمن، لا تؤذيانه، خذاه بالتي هي أحسن، بقول لين هين سهل قريب، قال سفيان الثوري: [[أتدرون ما هو القول اللين؟ قالوا: لا، قال: كنِّه]] أي: ادعه بالكنية، وكنية فرعون كما يقول ابن كثير: أبو مرة -مرغه الله على وجهه في النار- فلما أتى موسى يتكلم معه، قال: يا أبا مرة، هكذا قال أهل التفسير، ولذلك قال الشاعر اليمني: أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقب كذاك أدبت حتى صار من أدبي أني وجدت ملاك الشيمة الأدب يقول: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} [طه:44] وورد أن القول اللين أن يقولا له: سوف يمتعك الله بالشباب والصحة والملك إذا آمنت وأسلمت. وسبحان الله! ما أحسن القول اللين! فهو الذي يقود القلوب، وأحسن من فعل هذا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فهو الذي امتثل أمر الله في دعوته، فكان قوله ليناً، وكلامه ليناً، وفعله ليناً، حتى يقول الله عز وجل له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. والقول اللين لا يأتي إلا بخير، وفي الصحيح مرفوعاً: {ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه} والصلف والبذاءة لا تأتي بخير، والسب والشتم والتجريح لا يأتي بخير، ونحن في غنى عن هذا الكلام، وإن لم يجر لك ضرراً لم يأت لك بمنفعة، لكن عليك أن تبين سبل الهداية كما بينها صلى الله عليه وسلم. لا يزال في نفسه مخافة؛ لأنه ما زال قلبه يرجف من فرعون، يعرف أنه ساكن في مصر في العاصمة، ومعه جيش جرار، ومعه جلادون وقتلة، ودولة كاملة، وهيلمان وسلطان وصولجان {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45]. وما كان مقصوده تعريف الله عز وجل فهو يعرف، لكن يريدان الاستنصار بالله على فرعون، وأصبحا يتكلمان الآن سوياً، فالضمير للمثنى الآن {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] يقولان: إن فرعون مجرم وفاسد، ودكتاتوري يذبحنا كما تذبح الشياة {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا} [طه:45] أن يستعجل في العقوبة، نخاف من هذا المجرم ألا نستطيع أن نتكلم بين يديه حتى يتبع السيف إلى رءوسنا فيبترها {أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] يتجاوز في العقوبة {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] قال الله عز وجل: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] سبحان الله! أنا قريب، أنا معكم، ناصية فرعون وملكه وجنده بقبضتي، أقصمه متى شئت. فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان سبحان الله! قوته تغلب كل قوة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] ولا يتحرك فرعون إلا بإذني، ولا يتصرف إلا بقدري وقضائي، فلن تمسكم منه ذرة من الأذى إذا حفظتكم أنا، ولذلك في سنن الترمذي والمسند بسندين حسنين قوله صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس في الحديث الطويل: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف، {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46].

إرشادهم لأسلوب الخطاب

إرشادهم لأسلوب الخطاب قال تعالى: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى * فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه:48 - 47] فعلمهما أسلوب الخطاب، وعلمهما كيف يوجهان الكلام، قال لهما: أولاً: أخبراه أنكما رسولان من عند الله. ثانياً: خذا بني إسرائيل من مصر، واذهبوا إلى فلسطين. ثالثاً: سلما على من اتبع الهدى، وهذا من أسلوب الدعوة، ولم يقل: سلما عليه - لا سلمه الله- فإنه ضال، ولم يقل: اتركا السلام، ولكن سلما علَّ في المجلس مؤمناً، وبشراه أن من أسلم لله أدركه السلام. ولذلك في صحيح البخاري من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كتب لـ هرقل، فقال: {بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتبع الهدى، أمَّا بَعْد: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين} الحديث. السلام على من اتبع الهدى: هذا الشاهد، قال: {فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) [طه:47] {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49] الآن دخلا عليه وأصبحا في القصر، ولكن هنا كلام محذوف تقديره: فأتيا وقرعا الباب، والعجيب أن ابن كثير أورد قولاً -نرويه- يقول: بقي موسى عليه السلام وأخوه يترادان ويطلبان الإذن بدخول القصر سنتين من الصباح والمساء، وهذا من الإسرائيليات. وموقفنا من الإسرائيليات ثلاثة مواقف: أما ما كانت في كتابنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم فهذا تحصيل حاصل لسنا بحاجة إليها، ونحن في غنية بما عندنا. وأما ما عارض الكتاب والسنة، فنردها ونرمي بها عرض الحائط. وأما ما لم يعارض ما في كتابنا، ولا كان له أي ضرر، فنرويها، كما قال عليه الصلاة والسلام: {وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج}. فأتى موسى وهارون عليهما السلام يستأذنان، وقيل: إن موسى عليه السلام كان يضرب باب القصر الخارجي ودونه باب، ودون الباب باب، ودون السرادق سرادق، فأخذ يضرب الباب بالعصا يستأذن عليه السلام، ما أقوى موسى! وما أشجعه وما أجرأه! فخرج الجنود: ما لك؟ قال: أريد فرعون، لماذا؟ قال: أدعوه إلى الله، قالوا: هو الله، لأن فرعون يقول لهم: ما علمت لكم من إله غيري، ويقول: أنا ربكم الأعلى، ويقول: وهذه الأنهار تجري من تحتي؛ فأجراها الله من فوق رأسه، فأخذ موسى يطرق، فخرج الجنود، قالوا: ما لك مجنون!، قال: ما أنا مجنون! -لكن عندي طب المجانين، عندي علاج للمجانين، أكبر مجنون عندكم هنا في القصر أريد علاجه، مجنون لا يعرف الله، لا يعرف طريق الله، ولا يعرف الجنة ولا النار، أخبروا فرعون، قالوا: في الباب مجنون يضرب الباب بعصاه يريد أن ندخله عليك. قال: أدخلوه وهو يريد أن يضحك عليه، فجمع وزراءه، فلما دخل، كان الواجب أن ينتظر فرعون حتى يتكلم موسى، أنت إذا أتاك ضيف أتقول: أخبارنا وأمطارنا وأشعارنا أم تنتظر الضيف يتحدث؟! فلما دخل أراد أن يضحك على موسى، لكن موسى ضحك عليه، وعلى قومه، فموسى عليه السلام معه العصا يتوكأ بها، وبجانبه هارون يترجم له، موسى يعرف بعض الكلمات يقول بعض الكلمات، لكن إذا كثرت الكلمات تولى الترجمة هارون عليه السلام. أتى فرعون يتكلم وقال: فمن ربكما يا موسى؟ الآن السؤال محرج، إن قال موسى عليه السلام: ربي الله فربما وافق ذلك ما في نفس فرعون لأنه يدعي أنه إله، وإن قال له: يا قليل الحياء، يا قليل المروءة، يا قليل الدين هذا سؤال خاطئ! جرح شعوره، والله يقول له: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] وإن قال له: الله الذي خلقك، ربما يزري به أمام الجلوس ويجرح شعوره، لكنه قال: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50]. قال بعض المفسرين: لله دره من جواب! ما أحسنه! {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] إن كنت أنت الذي أعطيت كل شيء خلقه ثم هديت فأنت إله، وإن كنت لا تخلق ولا تصنع، فلا ندري. هذا هو الجواب، يقول: إن الذي خلق كل شيء، وأعطى كل شيء خلقه وهداه ويسره وجعله سميعاً بصيراً هو ربنا، ولذلك أفحم فرعون بهذا الجواب، وهذا يسمى الجدل في القرآن، ومن ميزات الجدل في القرآن أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يستمرون في نقطة واحدة إذا جحدها المجرم، أو أنكرها فتركه، كيف أعطى الله كل شيء خلقه ثم هدى؟ كيف هدى الإنسان، وهدى الحيوانات والعجماوات والطيور والزواحف؟ هدى النحلة إلى خليتها وهي تقطع مئات الأميال، هدى كل شيء، هدى بعض الحيوانات وهي عمياء. نقل ابن الجوزي حول هذه الآية: أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هدى كل مخلوق لكل ما ينفعه في الحياة إلا الكافر، فإنه لم يهتد بهدى الله عز وجل إذا ضل. يقول ابن الجوزي: رأى بعض الصالحين في نخلة حية عمياء وسط نخلة من النخيل، قال: فرأيتها تلتمس الغذاء، فلم تجده وهي في نخلة مرتفعة وعمياء، قال: فرأيت عصفوراً يأتي وينقل لحماً وطعاماً، فإذا اقترب منها، صفر العصفور فرفع منقاره، فوضع اللحم في فيها، أليس هذا من الخلق والهداية؟! وذكر أحد علماء الغرب في كتاب له العلم يدعو إلى الإيمان أو الإنسان لا يقوم وحده " وهو يسمى كريسي موريسون يقول: هناك حيات وثعابين -وهو صحيح- تأتي إذا أرادت أن تبيض في الأنهار وفي البحار التي تتجمد وتصبح ثلجاً، فتهاجر إلى المشرق لتبيض هناك، فإذا فقست بيضها، هاجرت أبناؤها إلى المحيطات تلك، فمن هداها؟ وهناك طيور إذا أدركها موسم الشتاء هاجرت إلى أفريقيا، فإذا انتهى الشتاء في بلادها، قطعت آلاف الأميال وعادت. وهناك الجراد إذا أدركته المجاعة، زحف إلى المزارع التي فيها زرع وأكل وشرب، فمن هداه إلا الله! سبحان الله! {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50]. الآن بهت فرعون وانهزم، ومال إلى سؤال آخر: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه:51] يا موسى، أين أجدادنا وأجداد أجدادنا والقرون التي سلفت إن كنت صادقاً؟ ما لهم أحوسبوا؟ أعذبوا؟ ماذا كانوا يعبدون؟ ولو كان الجواب من غير موسى، فسوف يقال له: وما دخلك أيها الأحمق؟ وما دخلك أيها الوقح في هذه القضايا؟ لكن لأن الله قال لموسى وهارون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} [طه:44] فقال بأسلوب بلاغي عجيب: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52] أنا وإياك لا ندري، لكنها والله في دواوين محفوظة، وفي سجلات مرسومة، وفي دفاتر مكتوبة، لا يضل ربنا مكانها، ولا ينسى علمها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وللحديث بقية لنستفيد من هذه الدروس والعبر.

الأسئلة

الأسئلة وقبل أن ننتهي هنا بعض الأسئلة أحب الإجابة على بعضها.

يهود إسرائيل الآن هم من بني إسرائيل قديما

يهود إسرائيل الآن هم من بني إسرائيل قديماً Q هل بنو إسرائيل هم يهود إسرائيل الآن المحتلون لمسجدنا الأقصى؟ وكيف يكون تعاملنا معهم وقد رأينا تعاملهم مع الأنبياء؟ A نعم، اليهود الآن هم من نسل أولئك اليهود من بني إسرائيل، ولكن جعل الله عز وجل منهم مؤمناً وكافراً، وقد يأتي المؤمن من الكافر، ويأتي الكافر من المؤمن {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:27] واليهود الآن محتلون، وليس لهم حق في الأرض من جانبين: أولاً: من باب النسل والأثر وميراث الله عز وجل الأرض؛ فليس لهم حق في فلسطين، لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء:105 - 106] فليس لهم حق في ميراث الله عز وجل، فهم دخلاء يجب أن يجاهدوا حتى يخرجوا من الأرض وتطهر منهم، فهم أرجاس أنجاس محتلون ظلمة مغتصبون. ثانياً: تاريخياً: أن العرب نزلوا قبلهم في فلسطين، وأنهم هم أهل الديار، وأهل الدار، وأهل القصور، وأهل المساكن، وهؤلاء محتلون لا حق لهم في الديار بشهادة كبار المؤرخين. أما كيفية التعامل معهم، فإن لم يؤمنوا ويدخلوا في دين الله، وإلا فالحديد والنار، وهذا هو الجهاد الذي ندبنا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إليه.

نصائح للداعية المسلم

نصائح للداعية المسلم Q حبذا لو أوجزت لنا بعض النقاط التي يستعين بها الداعية في التعامل مع مجتمع فيه كثير من الخير، ولكن ليس لديهم ولا بينهم قدوة أو مربي؟ A أولاً: القدوة إن شاء الله أو المربون موجودون على قلة، والتعامل مع هؤلاء يكون بالإخلاص لوجه الله في الدعوة، فإن دعوة لا تبنى على إخلاص لا يبارك الله فيها، والتزود بالعلم النافع من الكتاب والسنة، فإن من يدعو الناس بلا علم، فإنه لا يزيدهم إلا ضلالاً وحيرةً، يثقون في كلامه، وهو مبني على غير دليل، والعلم لا بد أن يبنى على الكتاب والسنة. وأن يكون صاحب حلم، وصاحب سعة وصبر، وصاحب خير، وصاحب لين ومعروف ليقبل الناس عليه، ويتقبلون من كلامه، وهو الخلق الحسن , وهو درسنا هذه الليلة، كما قال تعالى لموسى وهارون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. وأن يكون عاملاًً بما يدعو الناس إليه، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] وألا يكون كذاباً في فعله على قوله، يكذب فعله قوله، فنعوذ بالله من ذلك. ومنها: أن يدعو الناس بتدرج وحكمة، لا أن يتحولوا في يوم أو يومين، إنما يدعوهم بتؤدة، يلقنهم العقيدة، ثم العبادات، ثم المعاملات، ثم الآداب والسلوك، وهذا مصداق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين لـ معاذ لما أرسله إلى اليمن {وليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة الحديث} فأمره صلى الله عليه وسلم بالتدرج في الدعوة.

هل الذي استضاف موسى هو شعيب

هل الذي استضاف موسى هو شعيب Q هل الرجل الذي استضاف موسى هو شعيب أم لا؛ لأن بعض الناس يقولون: إنه شعيب، والقرآن لم يذكر ذلك، ولم يذكر اسم شعيب؟ A كما ذكرت أن القرآن لم يذكر ذلك، ولم يرد حديث صحيح أو حسن ينص على أنه شعيب عليه السلام، لكن بعض المفسرين والنقلة قالوا: هو شعيب؛ وهذا لا يتوقف عليه كثير علم، ولا كثير فائدة، ولو كان فيه مصلحة لذكره القرآن، ولكن فيما يعلم أنه لم يصح فيه حديث، ولا أثر صحيح أو مرفوع إلى المعصوم عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى، فنتوقف نحن، ونقول: هو رجل صالح كما ذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا ندري باسمه، وأما الآثار هذه فنرويها، لكن لا نجزم بصحتها، وهذه الأمور التي يقام عليها خلاف، وليس عليها أثارة من علم، ولا تنسب إلى دليل من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليس فيها فائدة، والقرآن إذا لم يشر إلى شيء، فلماذا نتعب أنفسنا؟ مثل: كلب أهل الكهف، لم يخبرنا الله عز وجل بلونه، إنما قال: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18]. أتى بعض الناس، وقالوا: لونه مبرقع يميل إلى الصفرة، وبعضهم قالوا: مبرقش يميل إلى البياض، وقال آخرون: أحمر فيه سواد. وماذا ينفعنا أن يكون أحمراً، أو مبرقشاً، أو أصفراً، أو موديل أربعة وثمانين أو خمسة وثمانين؟! هذا لا ينفعنا شيئاً، ولذلك أدبنا الله عز وجل فقال عن الجدل العقيم الذي لا يستفاد منه: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً} [الكهف:22]. يقول: لا تخض في شيء لا يبنى عليه فائدة، مثل ما يدار في بعض المجالس، فهو من أوله إلى آخره إشغال للناس، وإرباك لهم، وأخذ أوقات الناس هل الأرض تدور حول الشمس، أو الشمس تدور حول الأرض؟ وهل يسألنا الله يوم القيامة هل الأرض تدور حول الشمس أو الأرض تدور حول الشمس؟ وهل يسألنا منكر ونكير؟ وهل في صحيح البخاري وصحيح مسلم هذا؟ هذا من ترف المسائل. وتجد بعض الناس لا يعرف الوضوء، ولا الغسل من الجنابة، ويسأل عن أطفال المشركين هل هم في الجنة أو في النار؟ ويسأل عن عدد الأنبياء والرسل هل هم أربعمائة ألف، أو ألف وثلاثة عشر، أو ألف وثلاثمائة، أنا محتار، وما أزال أفكر، وما أتاني النوم من صلاة الفجر بسبب البحث عن عدد الأنبياء! وهذا لا ينبني عليه كبير علم، ولا كبير فائدة.

طلب العلم في بلاد الكفار

طلب العلم في بلاد الكفار Q ما حكم السفر إلى بلاد الكفار لطلب العلم؟ A الذي يظهر من أقوال أهل العلم أن ذلك بحسب الأحوال، ولو أن هناك نصوصاً تخوف من مجاورة الكفار، فلا يسافر إلا لضرورة من طلب علم دنيوي يحتاج المسلمون إليه، كعلم الطب ولا يمكن التعلم إلا إذا سافر الدارس إلى تلك البلاد، فعليه أن يتقي الله، ويسافر لطلب الطب لفائدة المسلمين، أما طلب العلم الشرعي، فلا يطلب من عندهم. من بلادي يطلب العلم ولا يطلب العلم من الغرب الغبي وبها مهبط وحي الله بل أرسل الله بها خير نبي فكيف يطلب الحديث والفقه والتفسير من عندهم؟! سبحان الله! أيطلب الشبع من جائع؟! ويطلب الدواء من مريض؟! والأمر الثاني قالوا: لقصد الدعوة، فإذا وجد الإنسان في نفسه قوة وتأثيراً، وعلم أنه سوف ينفع، فلا بأس أن يذهب يدعو إلى الله عز وجل إذا كانت عنده لغة، وعنده حصانة إيمانية، وعفاف وستر. والأمر الثالث: للعلاج إذا أعيا الأطباء علاجه في هذه البلاد، وقرروا أنه لا علاج له إلا هناك، فليذهب، أما للسياحة فنعوذ بالله من ذلك، أما للنزهة فمعصية، أما للتفرج وللتبجح فمعصية ظاهرة، ولا يؤمن على من ذهب هناك من أمور: منها: أن يرق دينه، فيصبح دينه خفيفاً إن لم يخلع دينه تماماً. ومنها: أن الكبائر تصبح عنده صغائر، بدل أنه كان يتكلم هنا ويرى أن إسبال الثوب كبيرة يصبح هناك لا يتكلم في هذه القضايا، ويقول: هذه قضايا صغيرة. ومنها: أنه ربما يستهين بالإسلام -نعوذ بالله من ذلك- وهذا مرض الشبهات، فقد وجد أن بعض من سافر هناك، ورأى ثقافتهم الأرضية وحضارتهم المادية وقصورهم ودورهم ومصانعهم ومنتجاتهم أنه يستهين بالإسلام، وهذا كفر وخروج من الملة. ومنها: أنه يعجبه الكفار فيأتي يمدحهم في بلاد المسلمين، ولذلك رأينا وسمعنا وأبصرنا ممن ذهب إلى هناك، ثم جاءنا يتقعر في مجالسنا ويتصدر أنديتنا ويمدح لنا بلاد الغرب، ويقول: ما هذه البلاد التي نحن فيها؟! إن البلاد التي أنعم الله عليها هناك والمتفتحون هناك، والمخلصون الصادقون الأذكياء وعباقرة الدنيا، أما التخلف وفساد المزاج والرجعية، فهنا! وهذا ردة إن لم يتب إلى الله عز وجل من كلامه، ولسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رسالة في هذا مفيدة جد مفيدة في السفر إلى الخارج؛ فلتقرأ ولتفهم.

معنى سؤال الله لموسى عن العصا

معنى سؤال الله لموسى عن العصا Q هل السؤال عن شأن عصا موسى عليه السلام من أي شجرة تكون؟ A لا، وبارك الله فيك، الله يدري أنها من شجرة خلقها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن قال أهل العلم: إيناساً لموسى، أو كأنها خطاب يا موسى انتبه لهذه العصا، فسوف يكون لها شأن، واحذر أن تفوت منك، أو تضيعها، فإنه سوف يكون لها شأن، وبالفعل قامت قصة الدعوة على العصا.

الأحوط ترك كلمة (مولانا)

الأحوط ترك كلمة (مولانا) Q يوجد لدينا في بعض الأماكن والمساجد خطباء يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم: مولانا، هل يجوز لنا أن نقول للرسول صلى الله عليه وسلم (مولانا)؟ A في الجواب تفصيل، والله عز وجل يقول: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55]. فإن كان قصده ولاية الدين وولاية الانتساب للسنة، فلا بأس بذلك، وإن كان قصده بها أنه ينفع في الدنيا أو أنه يرفع الحوائج إلى الله كما يفعل غلاة المتصوفة والبدعيون والقبوريون، فقد أخطأ خطأً بيناً، فالرسول عليه الصلاة والسلام في قبره لا يسمع عليه الصلاة والسلام، ولا يرفع الحوائج إلى الله، بل هو في قبره يحيا حياة برزخية الله أعلم بها، ولا يستشفع به بعد موته، ولو استشفع به صلى الله عليه وسلم لاستشفع به عمر وقت القحط، وإنما قال للعباس: [[يا عباس ادع الله أن يسقينا، ثم قال: اللهم إنا كنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم إليك فتسقينا، فإنا نستسقي بـ العباس عم الرسول عليه الصلاة والسلام]] أو كما قال. فهذا فيه تفصيل، لكن الأسلم والأولى ألا يذكرها الخطباء في خطبهم؛ لأنها ليست معروفة عند السلف، وليست مشهورة في كتب الحديث، ولم يتعارف عليها، ولم تكن مطردة بين الناس، والأولى أن نتقيد بالألفاظ الشرعية التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تفسير: (فاخلع نعليك)

تفسير: (فاخلع نعليك) Q أرجو تفسير الآية: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} [طه:12]؟ A أنا قلت إن علياً رضي الله عنه وأرضاه وأبا أيوب وأبا ذر ورد عنهم أنهم قالوا: كانت الحذاء من جلد حمار، وقال بعض المفسرين: اخلع نعليك؛ لأنك في مكان كالمصلى، وفي مكان طاهر، وكأن في النعل نجاسة، أو كان هذا في شريعتهم، فقال: اخلع نعليك، ونحن في الإسلام يجوز لنا أن نصلي بالنعال إذا أمنت مضرة الصلاة فيها. ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه وأرضاه عندما قيل له: {أكان صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: نعم}. وفي السنن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه بسند جيد، قال: قال صلى الله عليه وسلم: {خالفوا اليهود صلوا في نعالكم}. لكن أحياناً يكون هناك مضرة مثل: هذه المساجد المفروشة بالفرش الجيد، فإنها تتأذى من الداخلين بأحذيتهم، لكن إذا كان في الصحراء، أو في مكان ليس فيه مضرة، فلك أن تصلي أحياناً بحذائك إذا نظرت إليها، كما في حديث أبي سعيد وأبي هريرة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ينظر إلى حذائه، فإذا وجد فيها أذى حكها في الأرض وصلى فيها. فالخلاصة: أن معنى: (اخلع نعليك) ربما يكون في شريعة من قبلنا أنهم لا يصلون في نعالهم، أو تكون من جلد حمار، أو فيها نجاسة، أو لأمر اختص الله بعلمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

التواضع لله

التواضع لله Q قلت: إن الله عز وجل لما قال: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه:13] أن الله ما اختاره إلا لأنه تواضع لله، فكيف يتواضع لله؟ A سبحان الله! تواضع لله، أي: حمل في قلبه عظمة الله، وحب الله، وجلال الله، وكان في نفسه حقيراً، ولذلك في الأثر: [[اللهم اجعلني في نفسي صغيراً، وعند الناس عظيماً]] والتواضع ألا تحمل في نفسك كبراً، وأن ترى أنك عبد من عباد الله، وأنك حقير وفقير وصغير وما عندك شيء، وأنك ذليل، ولو لم يهدك الله لما اهتديت، ولذلك كان الكبر من أعظم الذنوب، وهو ركن الكفر، وصاحبه موعود بالمقت من الله والغضب والهلاك، وفي صحيح مسلم: {إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، من نازعني فيهما عذبته}. وفي الحديث الصحيح: {يحشر المتكبرون على صورة الذر، يطؤهم الناس بأقدامهم} فالتواضع لله أن تكون متواضعاً في كلامك، فلا تستخدم "أنا" دائماً، أنا غني، أو أنا سليم المعتقد؛ إلا لإظهار صحة التوحيد إذا طلب منك أو سئلت، ولا تقل: أنا كثير العلم، أنا طيب السريرة، أنا أنا، قال ابن القيم رحمه الله: احذر كلمة (أنا) وكلمة (لي) وكلمة (عندي) فإن كلمة (أنا) أخذها إبليس، فقال: أنا خير منه، وكلمة (عندي) أخذها قارون، فقال: إنما أوتيته على علم عندي، وكلمة (لي) أخذها فرعون، فقال: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي. ولكن تصح كلمة أنا، إذا قلت: أنا الفقير، أنا المسكين، أنا الضعيف، أنا الهزيل. أنا الفقير إلى رب البريات أنا المسيكين في مجموع حالاتي هذه تصح، وهذا معنى التواضع، والكلام فيه يطول.

خطاب الله لموسى وهارون

خطاب الله لموسى وهارون Q إنك قلت: إن الله عز وجل كلم موسى وحده، ثم في الأخير كلمهما معاً، فكيف ذلك؟ A في أول القصة حين لقي الله موسى عليه السلام في الوادي المقدس وكلمه لم يكن إلا وحده، فلما سأل أن يكون معه هارون، وصل موسى بيته في مصر، كما قال أهل التفسير منهم ابن كثير: أن موسى دخل وأول من استضافه أخوه وأمه في البيت، فلما سأل الله أن يكون نبياً معه أخبره أن الله اختارك واصطفاك، فكان الله يوحي إليهما.

أسباب التخلص من قسوة القلب

أسباب التخلص من قسوة القلب Q ما هو السبيل للتخلص من قسوة القلب؟ A السبيل للتخلص من قسوة القلب أمور: 1 - تقوى الله عز وجل والتوبة إليه وكثرة الاستغفار. 2 - قراءة القرآن بتدبر. 3 - قراءة كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم. 4 - مجالس الخير كهذا المجلس نسأل الله ألا يحرمنا أجره. 5 - تذكر الموت والقدوم على الله- عز وجل-. 6 - الجلوس مع الصالحين، وتجنب مجالس الأشرار. 7 - ترك المعاصي؛ لأنها سبب في قسوة القلب. 8 - التقليل من المباحات، يقول ابن القيم: أكثر ما يأتي بقسوة القلب كثرة المباحات، كثرة الضحك، والمزاح، وكثرة الكلام بغير ذكر الله، وكثرة النوم، نسأل الله أن يلين قلوبنا جميعاً. هذا؛ وفي الختام أشكر الله عز وجل على أن وفقنا لهذا المجلس، ثم أشكر القائمين على مركز الدعوة في الجنوب على جهودهم الطيبة، ولا أنسى أن أشكر إمام هذا المسجد فضيلة الشيخ/ أحمد الحواش، وأشكركم على حضوركم، وعلى حسن إصغائكم، وأسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى القبول لنا والإخلاص والصدق؛ إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سهام في عين العاصفة

سهام في عين العاصفة إن كل من يحاول أن يشوه هذا الدين لا بد أن يفضح ويخزى في الدنيا قبل الآخرة، فطريق أهل الصلاح مستقيم بحمية رب العالمين، ويقوده رسولنا الأمين، ودستوره الكتاب والسنة فأنى تكون له الخسارة والبوار؟!

منهج أهل السنة في تلقي الأخبار

منهج أهل السنة في تلقي الأخبار الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها الناس: من صفات أهل السنة أنهم يتثبتون من الشائعات على حد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] فإذا تبين لهم الخطأ وعرفوا من صاحبه ومن وراءه، فهو على أحد قسمين: إما رجل استتر بخطئه فمنهج أهل السنة أن يردوا عليه في خفية ولا يشهرون به، ولا يفضحونه على رءوس الأشهاد. أو رجل أشهر خطأه، وأعلن تمرده، وأظهر سوءه، فكان لزاماً عليهم أن يظهروا ردهم، وأن يشهروا على الناس جوابهم، وكان لزاماً على أهل السنة ألا يكتموا الردود والدفاع عن منهج الله لقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] فكان لزاماً على علماء الإسلام ودعاته أن يبينوا الحق ولا يخشون في الله لومة لائم، وأن يقولوا كلمة الحق فصيحة هادئة ناصعة. ومن المعلوم أن علماء ودعاة الصحوة حكماء، قد ضبطوا أعصابهم يوم لم يستطع الدعي أن يضبط أعصابه، وتحكموا في عقولهم يوم لم يستطع العميل أن يتحكم في عقله، وثبتوا في أماكنهم يوم لم يستطع المتلبس بالنفاق أن يتحكم في موقعه.

مواقف العلمانيين تجاه الدين وعلمائه

مواقف العلمانيين تجاه الدين وعلمائه إن البغاة من العلمانيين أظهروا اليوم حرباً سافرةً على أولياء الله وشهروا سيوفهم، ورددوا سخرياتهم في الصحف والمجلات ووسائل الإعلام، وليس لنا وسيلة إلا منبر محمد عليه الصلاة والسلام، فنقف أمام الرأي العام لنحاكمهم تحت مظلة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].

هجوم كاتب علماني على الدعاة

هجوم كاتب علماني على الدعاة ولا زال أحد كتابهم المرموقين، وشعرائهم اللامعين، الذي اكتسب سطوعاً ولمعاناً وما كان له أن يسطع ولا أن يلمع، لأن من لم يتجه إلى الله فلا سطوع له، ومن لم يحكم لا إله إلا الله فلا لمعان له، لكن أبى إلا أن يسطع ويلمع، وليته سطع ولمع على حساب دنياه وشهرته، ولكن ما كفاه ذلك حتى أخذ الملتزمين والصالحين جسوراً إلى أهدافه وعوابر إلى مخططاته. وهذا الكاتب طالعنا له في جريدة الشرق الأوسط يوم الجمعة الماضي في العدد (4371) وهو يتحدث عن التغيرات التي يطمح لها، وهي تغيرات كيان الدين الإسلامي والمبادئ الخالدة والمنهج الرباني الذي شرفنا الله به، ولكنه بذكاءٍِ عجيبٍ يأخذ إشارات وعموميات من الإسلام لينفث سمه وحقده وحسده وضغينته. يقول في هذا العدد وهو يطالب بتغيير هنا في بنية ومسيرة المجتمع والتزامه (ولم يكن من الطبيعي ولا من المعقول أن تتم هذه التحولات الحضارية الخارقة دون أن تتبعها تغيرات نفسية وفكرية واجتماعية). أنحن أغبياء لهذه الدرجة، ولا نعرف اللغة العربية، ولا نعرف مقاصد الكلام، ولا نعرف ماذا يريد أن يقول؟ فهو يريد أن يأخذ الإسلام لبنة لبنة، وأن يهدم صرح الفضيلة، وأن يعتدي في وقت نعيش فيه أزمة، وهذا الكاتب والشاعر المشهور قرأت في مجلة الدعوة قبل ثمان سنوات مقابلة له ترجمت في أمريكا وظن أنها لا تصل إلينا، لكن أوصلها الله إلينا. سئل عن حالنا -وهو من أبناء الجزيرة -:كيف حالكم في الجزيرة؟ قال: ما رأينا النور منذ ثلاثة آلاف سنة إلى الآن. ونقول: أما أنت فصدقت، فلم تر النور إلى الآن! ولكن نحن -والله- رأينا بل وعشنا وأبصرنا ومشينا في النور وسرينا فيه يقول تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] وقال تعالى: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35]. أما نحن -أيها الكاتب- فقد أتى محمد عليه الصلاة والسلام فأخرجنا من الظلمات إلى النور: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257]. أين من يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه قد سرينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. وقد عرضت مقولته هذه على سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز، فقال: إن اعتقد ما يقول، فقد ارتد عن الإسلام، وعليه أن يجدد إسلامه ويدخل في الدين من جديد. ويقول هذا الكاتب في ذلك العدد: والحوار الذي يدور حول القضايا المفتوحة يجب أن يتم في جوٍ هادئٍ بعيد عن التشنج. واسمع الحكمة والعلم والمنطق: بعيداً عن التشنج والانفعال، بعيداً عن استعداء السلطة على الرأي الآخر، وعن الاتهامات التي تلقى جزافاً وبلا مبالاة، فما هو الحوار المقصود؟ هو أن يجعل الشريعة مستعدة إلى أن يُتفاوض عليها وأن يؤخذ منها ما يراد، ويترك منها ما يراد: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85] ثم يكون هو حكيماً وأستاذاً ومنظراً وعالماً، ومن أين له العلم؟! وعجبت له كل العجب، لما رأيت مقالة له كتبت رداً ولم تنشر، وأتاني والله عشرات من الشباب مجروحةً مشاعرهم، باكيةً عيونهم متأثرةً أرواحهم لأنه يلدغهم من حيث لا يشعرون، ثم يأتي بخنجره ويجزرهم علانية أمام العالمين بحجة الحكمة والحوار والهدوء. ولو كان خصمي ظاهراً لاتقيته ولكنه يا قوم يبري ويلسع فهو لم يشهر ولكن برى ولسع، فهو يأتيك بمدح العقيدة ثم يدس السم، ويأتيك بالإشادة بالإسلام ثم يقصم الإسلام، ويأتيك بالاستفاضة في المناهج الربانية ثم يدوس المناهج الربانية.

حوار مع علماني

حوار مع علماني أيها الكاتب! أيها الأديب! أسألك بالذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ركبك، أن تحكم عقلك إن كان لا دين لك، من الذين يستحقون هذه الردود وسط العاصفة؟ فهو يكتب في عين العاصفة، وهو الذي يدير علينا العاصفة، أعدوٌ من الخارج وعدوٌ من الداخل؟! أيلدغنا في وقت حرج فنحن نقابل الدبابات المعتدية الغاشمة الباغية على حدودنا، ونقابل الجيوش الجرارة تريد مقدساتنا، فيتركنا وفي الوقت الحرج يغير علينا. وأسألك -يا أيها الكاتب- بالذي جعل لك عينين، ولساناً وشفتين، وهداك النجدين، أن تقف وتفكر من الذين أسسوا العدل في العالم، وخاطبوا العقل بالنور، وأوصلوا الفتوح إلى الدور، وعمروا القصور بعدل في القصور؟ من الذين طهروا الشعوب، وقضوا على الفجور والخمور والعهر إلا أبناء لا إله إلا الله؟! ويستمر الكاتب ولا ينتهي، ويقول في العدد (4373) في جريدة الشرق الأوسط مقالاً بعنوان" أيها الأصوليون الصدَّاميون اسمعوا وعوا. أتدرون من هم الأصوليون؟ إن الأصوليين في دوائر المخابرات الغربية هم أبناء الجزيرة العربية، هم أبناء لا إله إلا الله، هم أنتم أيها الساجدون المصلون المتوضئون الطاهرون، هم أنتم يا حملة لا إله إلا الله، يا من قدموا أكتافهم للسيوف عبر التاريخ. وكأن ظل السيف ظل حديقةٍ خضراء تنبت حولنا الأزهارا لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا ثم سرد كلمة (الأصوليون) على كل من انتهج نهج الاستقامة والالتزام من شباب الصحوة في العالم الإسلامي، وأكثر من يحارب الأصوليين إسرائيل عليها غضب الله، والغرب عليهم لعنة الله.

تعريف الأصوليين

تعريف الأصوليين وكلمة (الأصوليين) مشتقة من الأصل، والأصل هو الكتاب والسنة، وسموا بذلك لأنهم ركبوا منهجهم على الكتاب والسنة، وأصَّلوه من قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام. ويقف الأصوليون على حدود الجزيرة أمام دبابات وطائرات وجيوش صدام، ويأتي هذا من الداخل فيلدغهم بحجة أنهم مع صدام، ونحن -والله- قبل الحادث وبعد الحادث نعرف من هو هذا الرجل، ونعرف عقيدته ومنهجه وولاءه وبراءه وسيرته وسلوكه، وما أحببناه يوماً ولا واليناه، وإنما أعلنا حربه وعداءه. يقول: أيها الأصوليون من أتباع عبد الله المؤمن مؤخراً -يعني صدام حسين - هل تعرفون الهدف الذي يسعى قائدكم إلى تحقيقه؟ إن قائدنا هو محمد عليه الصلاة والسلام، وليس صدام حسين ونبرأ إلى الله منه، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فمن هم الأصوليون؟ أيها الكاتب! أيها الأديب! أسألك بالله أن تراجع حسابك وتتأمل وتتفكر لتعرف من هم الأصوليون؟ إنهم الذين حفظوا مبادئهم يوم ضيعها غيرهم في شوارع الغرب! إنهم الذين لبسوا زيهم الإسلامي يوم تردى غيرهم بالزي الكافر! إنهم الذين توضئوا بالماء النمير يوم توضأ غيرهم بماء الخمر في ليالي العهر! إنهم الذين بكوا من آيات الله البينات يوم دندن غيرهم على الأغاني الماجنات! الأصوليون: هم الذين يحمون المقدسات، ولا يصل غازٍ ولا مستعمرٍ ولا علماني إلى المقدسات إلا على جماجمهم. والأصوليون يقدمون جماجمهم تشدخها الدبابات لتبقى لا إله إلا الله، ويقدمون أعناقهم تفضخها المجنزرات لترتفع لا إله إلا الله. إذا محاسني اللآتي أدل بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر كيف نعتذر أمام الرأي العالمي؟ يا أيها الكاتب! أما تعرف أن العالم الإسلامي الآن مئات الألوف من الأصوليين بل ملايين من شباب الصحوة كلهم يود أن يقدم روحه فداءً للا إله إلا الله والمقدسات في الجزيرة العربية ثم تأتي بشخطة قلم تلغي جهودهم وسطوعهم ولموعهم، وتحاربهم من الخلف في وقت شُغل فيه ولاة الأمر والناس وشباب الصحوة بالعدو الخارجي. هذه -والله- لا يقرها عقل ولا نقل. فمن هم الذين يتبعون صدام؟ إنهم الذين يؤمنون بأفكار صدام العلمانية الكافرة. إنهم الذين لا يحتكمون إلى لا إله إلا الله.

أوصاف العلمانيين في كتاب الله

أوصاف العلمانيين في كتاب الله يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [النساء:60] يزعمون ولا يعتقدون. فهم يتبجحون بالإسلام في المجالس والإسلام بعيد عنهم، ويتظاهرون بحب الإسلام وهم يذبحون الإسلام صباح مساء: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء:60] ولطالما سمعنا هذا الكاتب وقرأنا له، وعندي له قصاصات وملفات ووثائق. ماذا يريد؟ وكيف ينفث؟ وإلى أي حد سوف يصل إذا ترك له الميدان؟ إنه خطير على الإسلام والمسلمين، وخطير على القبلة: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:60] لأن الشيطان يتولاهم صباح مساء. يقول أحد العلمانيين القدامى: وكنت امرءاً من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي! يقول: كنت جندياً مع الشيطان، فتطورت في المراتب حتى صرت أدير الشيطان وأذنابه. {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ} [النساء:61] تعالوا إلى القبلة والقرآن، وإلى صحيح البخاري وصحيح مسلم، وإلى المبادئ {رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} [النساء:61] عجباً!! {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} [النور:50] فهناك احتمالات ثلاثة: 1 - إما مرض دخيل اكتسبوه من تراثهم الذي تعلموه، ومن مائهم الذي شربوه، ومن جلبابهم الذي لبسوه، مرض وحقد على الإسلام وعداء لأولياء الله. 2 - أم ارتابوا: أم شكوا في مصداقية الرسالة ومصداقية الرسول عليه الصلاة والسلام. 3 - أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله: أم يظنون أن الله لا يريد بهم خيراً يوم أنزل لهم شريعة، ولا يريد بهم نصراً يوم أعطاهم مبادئاً، ولا يريد بهم فلاحاً ولا تطوراً يوم سن لهم دستوره، ويرون أن الدستور الإسلامي رمز التخلف والرجعية والواجب الانقضاض عليه، لكن بذكاء كالذئب. ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع قال الله: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [النساء:62] كيف إذا أُخذت رءوسهم بسيف ولي الأمر الذي يحمي رسالة التوحيد، فصلبهم بعد صلاة الجمعة وقطف رءوسهم؛ لأنهم يفسدون في الأرض ويسعون فيها خراباً، ويدمرون معالمها، ومن أعظم ما ينتظرون سيف العدل المشهور الذي أخذ رءوس قطاع الطرق والمدبرين للفتن والمروجين للجرائم، وهم أعظم من يروج للجرائم ويدبر للفتن فجدير بالسيف أن يأخذ رءوسهم. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء:62] كيف إذا ابتلوا بمصيبة؟ كيف إذا أظهر الله عليهم الصف الإسلامي، ثم جاءوا يقولون: إنما أردنا بالكلام والقصائد والمنشورات إحساناً وتوفيقاً بين الأمزجة، ووالله ما أردنا إساءة، ولكن أردنا أن نتحبب للرأي العام، وأن نوافق بين المشارب والشرائح الاجتماعية. فهل بين الإسلام والكفر إحسان وتوفيق؟ وهل بين لا إله إلا الله، ولا إله والحياة مادة، إحسان وتوفيق؟ وهل بين المسجد والخمارة إحسان وتوفيق؟ وهل بين محمد صلى الله عليه وسلم وماركس إحسان وتوفيق؟ وهل بين أبي بكر وهتلر إحسان وتوفيق؟ وهل بين عمر وصدام إحسان وتوفيق؟ أتضحكون على حال المسلمين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} [النساء:63] حاول أن تؤثر عليهم وتردعهم قبل أن يلقوا الأمة في الهاوية، ويضربوها على أكتافها ضربة مهلكة. يقول سيد قطب في الظلال وهو يعلق على أولئك: إنها حال مخزية حين يعودون شاعرين بما فعلوا غير قادرين على مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم بحقيقة دوافعهم، وفي الوقت ذاته يحلفون كاذبين أنهم ما أرادوا بالتحاكم إلى الطاغوت إلا رغبة في الإحسان والتوفيق، وهي دائماً دعوى كل من يحيدون عن الاحتكام إلى منهج الله وإلى شريعة الله. ثم يقول: إنهم يريدون اتقاء الإشكالات والردود الاجتماعية وكلام العلماء وفتاوى الدعاة، فيتسترون بالثياب وهم ذئاب، ويلبسون العكاز وهم رأس المصائب. إنهم يريدون اتقاء الإشكالات والمتاعب والمصاعب التي تنشأ من الاحتكام إلى غير شريعة الله، ويريدون التوفيق بين العناصر المختلفة والاتجاهات المختلفة والعقائد المختلفة فليس عندهم تمييز، ولا لهم باعٌ في الشريعة، عندهم ذكاء وبيان لكن هذا لا يكفي. {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4] نفخت شموسنا غضباً علينا في هذا الوقت الحرج، أنحن أعداؤك؟! أنحن الآن الذين يقفون ضدك؟! أما تكلمت؟! أما نظمت الأشعار؟! أما لمعت؟! أما سطعت؟! أما صبرنا؟! أما سكتنا؟! أما رأينا أشعارك تنفث سماً وفجوراً وعداءً للإسلام وقلنا: من منطق الحكمة أن يناصح، ولكن: أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدى أنتركهم يغصبون الجزيرة أرض الأبوة والسؤددا فجرد حسامك من غمده فليس له اليوم أن يغمدا نفخت شموسنا غضباً علينا وقد نسجت ثيابكم يدانا وسيفك في بني الإسلام ماضٍ وجذعك بيننا أضحى متينا تغنينا وتسخر إن عثرنا كأنك ما دريت ولا درينا كأنا لا نعرف المخططات، ولا الكلمات، وإننا مستعدون بلسان طلبة العلم والعلماء الحكماء الذين يعرفون التصرف وضبط النفس أن نحاورك حواراً علنياً أمام الرأي العام؛ ليثبت الصادق من الكاذب، والجاد من الهازل، والراشد من الضال. تغنينا وتسخر إن عثرنا كأنك ما دريت وما درينا تسرُّ إذا أصبنا بالرزايا مخادعةً وتضحك إن بكينا توكلنا على الرحمن إنا رأينا النصر للمتوكلينا وهل يخذل الله جنده؟! وهل يضرب حزبه؟! وهل يتقهقر أولياؤه؟! وهل يعثر أنصاره؟! بل هم الطليعة دائماً والكوكبة النيرة، لأنهم يحملون فكراً سليماً. إننا نطالب هذا الكاتب ورموز العلمنة جميعاً أن يتوبوا إلى الله، وأن يقدروا ولاة الأمر وأن يعرفوا أن من حق ولي الأمر ألا يخالف فيما يطاع الله فيه ورسوله، وألا يعتدي على قداسة الدين، وحرمة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ولا يسخر بأولياء الله، ولا يستهزأ بالقيم: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]. ولعلنا نسمع منتقداً يقول: هذا ليس من الحكمة. فما هي الحكمة بالله؟! وكيف نفسرها؟! وأروني الحكمة إذاً! وأخرجوا لي الحكمة! إذا كان هذا يتكلم أمام الملايين ويهاجم الإسلام بطريقة ملففة، ثم يقال: اسكت لا تتكلم، إن الحكمة تقتضي أن تسكت. فهذا ليس بصحيح، وما علمنا علماؤنا ولا الكتاب ولا السنة ولا أسلافنا ولا الصحابة ولا التابعون إلا منهج الحق؛ أن نقول الحق ولا نخشى في الله لومة لائم. أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن يحفظنا ويحفظ علينا ديننا وبلادنا ومقدساتنا إنه نعم الحافظ وهو المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

خصائص أهل الحق

خصائص أهل الحق الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أيها الناس: نحن أهل لا إله إلا الله لنا مصادر عزة، ولنا انتماءات خالدة، ولنا خصائص ربانية لا يشاركنا فيها أحد، هذه نقف بها أمام أهل العلمنة، ونحن فخورون جداً أن نكون من أولياء الله -إن شاء الله- وواثقين من مبادئنا، فمن خصائصنا: أولاً: أنا أمة وحي. أي: أن دستورنا وعقيدتنا وشريعتنا وسلوكنا وأخلاقنا من الوحي، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:1 - 4] وغيرنا إنما يأخذون قوانينهم من التراب والطين ومن أحذية المستعمرين، ونحن نأخذ عقيدتنا وشريعتنا من رب العالمين، يقول تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] أنتم الأعلون عقيدة ومنهجاً، وعبادة، وأخلاقاً، وسياسة، واقتصاداً، وإعلاماً يوم تتحاكمون لشرع الله، فنحن أمة وحي. ثانياً: ولينا الله، الله مولانا ولا مولى لهم: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:11] فمن مثلنا من الناس؟ تولينا الله والله تولانا، وأحببنا الله والله أحبنا -إن شاء الله- فنحن إذا ضاقت بنا السبل، مددنا أكفنا بين يدي علام الغيوب، فاتصلنا به مباشرة، يقول تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]. إذاً نحن أمة ربانية، أمة خرجت من الصحراء، لكنها اتصلت برب الأرض والسماء، فأجلسها على الجوزاء. ثالثاً: قدوتنا محمد عليه الصلاة والسلام، فهل سمعت بقوم مثلنا قدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم. إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا كفى بالمطايا طِيب ذكراك حاديا فإما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموتٌ لا يسر الأعاديا رضينا بك اللهم رباً وخالقاً وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا فهل سمعت بقوم قدوتهم محمد عليه الصلاة والسلام يضلون، أو يخذلون، أو يتراجعون؟ لا. رابعاً: أننا أمة وسطية، ولسنا متطرفين، لا نغلو ولا نجفو، نعرف كيف نتعامل مع الشريعة، ونعيش روحها ونؤسسها في الناس، لا نغلو فنصبح مثل الذين غلو في دينهم فغضب الله عليهم، ولا نجفو فنكون مثل الذين تمردوا على معالم الدين، فنحن ننطلق من منطلقات الإسلام الصحيح، ومن شاء فليحاور شباب وعلماء ودعاة الصحوة. خامساً: هذه الأمة معطاءة "إن بني عمك فيهم رماح" يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {أمتي كالسيل لا يدرى الخير في أوله، أو في آخره} فلم تعقم أرحام النساء، ولم تتبلد المنجبات من الأمهات، فلا زلن يلدن فينا الزعماء الأبرار، والعلماء الأخيار، والأدباء، والشهداء، والصديقين، والدعاة والصالحين، فنحن دائماً سوف نقدم: ثمن المجد دمٌ جدنا به فاسألوا كيف دفعنا الثمنا سادساً: هذه الأمة أمة الخلافة، جعلها الله تتولى الخلافة في الأرض وتقود العالم، وتوجه البشرية من وسط الدنيا من أم القرى من مكة من الجزيرة ومن حولها العالم الإسلامي، فالخليفة هي هذه الأمة التي تحمل لا إله إلا الله. سابعاً: هذه الأمة وارثة، أي أنها سوف ترث العالم -إن شاء الله- وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أنها سوف تتبوأ منزلتها، وتحكم بعقيدتها وشريعتها، ويطوق الأرض عدلها، ويحكم الكون برها وسلامها وخيرها وفضلها، فأبشروا فالغد لكم والفجر المنتظر لكم. يا أمة المجد قومي مزقي الحجبا وأعلني في ليالي جهلك الشهبا أتذكرين صلاح الدين سفسطةً من غير بذلٍ صلاح الدين قد ذهبا قبر العظيم إذا ما زاره ذنبٌ رغا وأزبد لا حييت يا ذنبا لو أخبروا عمر الفاروق نسبتهم وأسمعوه الرزايا أنكر النسبا أبواب أجدادنا منحوتةٌ ذهباً وذي هياكلنا قد أصبحت خشبا من زمزم قد سقينا الناس قاطبةً وجيلنا اليوم من أعدائنا شربا لكن أُبشّر هذا الكون أجمعه أنا صحونا وسرنا للعلا عجبا بفتيةٍ طهر القرآن أنفسهم كالأسد تزأر في غاباتها غضبا عافوا حياة الخنى والرجس فاغتسلوا بتوبةٍ لا ترى في صفهم جنبا عباد الله: صلوا على معلمنا صلى الله عليه وسلم، وأكثروا عليه من الصلاة والسلام في هذا اليوم؛ فإن صلاتكم معروضة عليه، فصلى الله عليه وسلم تسليماً أبداً ما دام الليل والنهار، جزاء ما قدم وأنتج وأعطى للأمة. وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه يا رب العالمين! اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم اهدنا سبل السلام، اللهم ثبت أقدامنا على الحق. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك ولرفع رايتك، اللهم رد شباب المسلمين إليك رداً جميلاً، اللهم احفظ علينا عقيدتنا وإسلامنا وشريعتنا ومقدساتنا وبلاد المسلمين كافةً يا رب العالمين! اللهم من أراد بنا وبالإسلام سوءاً فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واقطع أثره ودمر مستقبله واحرمه السعادة يا رب العالمين! اللهم من أسهرنا بنقده وسخريته، فأسهر عينيه بالبلاء، وشتت جهده بالشقاء، واجعله في دار الحوباء. اللهم اهتك أسراره، وافضح عواره، وأظهر أخباره وجندل شعاره، يا رب العالمين! اللهم احفظنا واحفظ علينا كرامتنا وديننا يا رب العالمين! ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أحكام المولود

أحكام المولود الإسلام دين كامل شامل، لجميع جوانب الحياة، وقد اعتنى بالإنسان منذ ولادته إلى آخر حياته، فبين الأحكام الخاصة بالولادة، وماذا يفعل عند الولادة، وماذا يجتنب، وقد ذكر الشيخ في هذا الدرس أحكام المولود، من ذبح العقيقة وحكمها، ومتى تذبح، وكم يذبح، وتسميته ومتى يسمى الولد، ومتى يحلق رأسه، وكذلك الأذان في أذن المولود، وغيرها من المسائل.

مقدمة عن الالتزام بالكتاب والسنة

مقدمة عن الالتزام بالكتاب والسنة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. وإنها لبشرى سارة، ولفتة عجيبة؛ أن يتجه شباب الإسلام، أو معظمهم اتجاهاً علمياً إلى علم الكتاب والسنة، ويحرصون على ميراث محمد صلى الله عليه وسلم، ويبدءون تحصيلهم العلمي، مصرين على العودة إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهي بشرى تفرح المؤمن، لأنه لا رسالة إلا بعلم، ولا علم إلا قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. فالحمد لله الذي جعل من هؤلاء الشباب شباباً يحرصون على العلم النافع علم الكتاب والسنة، وعلى تخريج الأحاديث، ومراجعة أصول الإسلام، وتحقيق المسائل؛ لأن زمان الهيجان والحماس والنثر البارد الذي لا يستفاد منه قد أصبح يولي، وهذه بشرى ونسأل الله أن يزيد الخير خيراً. وإذا كان ضابط المسلم الكتاب والسنة، فهو ضابط محدد معروف متجه؛ حينها لا يزيغ الشاب والمسلم في عبادته أو في عقيدته، ولا في أدبه أو سلوكه، ولا في ولائه أو برائه. فالسنة سفينة نوح -كما قال الإمام مالك - فمن ركب معك في سفينة نوح نجا، ومن ترك وتخلف غرق. فلا يخاف على صاحب الكتاب والسنة ولو شرق الناس وغربوا، ما دام أنه على الكتاب والسنة. وهذه لفتة لا بد أن تذكر في أول الدرس.

أحكام العقيقة

أحكام العقيقة نحن الليلة مع صاحبنا الأول القديم، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- وهو في كتاب (العقيقة) يورد علينا الليلة حديثاً صحيحاً، وكل حديث في البخاري صحيح. إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام يقول: عن سليمان بن عامر الضبي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مع الغلام عقيقة؛ فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى} رواه مع البخاري الجماعة إلا مسلم. وفي العقيقة مسائل سوف نوردها هذه الليلة: أولاً: تعريف العقيقة. ثانياً: حكمها. ثالثاً: ما معنى: إماطة الأذى. رابعاً: ما معنى: (كل غلام مرتهن بعقيقته). خامساً: ما معنى: (يذبح عنه يوم سابعه). سادساً: ما معنى: (ويسمى فيه). سابعاً: ما معنى: (مكافئتان). ثامناً: قوله صلى الله عليه وسلم لما ذكرت العقيقة: {لا أحب العقوق} بينما قال: {كل غلام مرتهن بعقيقته} فكيف نجمع بين اللفظين؟ تاسعاً: ما معنى قوله: {ويلطخ بزعفران}؟ عاشراً: عق صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين. فكم عق عنهما؟ وكم يعق عن الذكر وعن الأنثى؟ الحادي عشر: التصدق بالفضة لصحة الروايات، وليس فيها ذكر الذهب. الثاني عشر: الأذان في أذن المولود يوم تلده أمه، وهل الإقامة سنة أم لا؟ وتحقيق الكلام في ذلك. الثالث عشر: استحباب تحنيك المولود، وأن يكون المحنك صالحاً، وبماذا يحنك به المولود؟ وما هو التحنيك؟ الرابع عشر: الأسماء المختارة المبجلة المشرفة في الإسلام، والأسماء الصادقة، والأسماء المنهي عنها. الخامس عشر: هل يجزئ غير الغنم في العقيقة؟ هل تجزئ الإبل والبقر وغيرها؟ وهل يشترك في البدنة والبقرة؟ السادس عشر: هل يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية، من ألا تكون جدعاء، ولا هتماء، ولا هزيلة. أم لا؟ السابع عشر: متى يبدأ وقت ذبح العقيقة؟ هل يبدأ بعد الفجر من اليوم السابع، أو في الضحى؟ وهل يجوز في الليل؟ وهل يجوز أن تذبح قبل السابع؟ وهل يجوز أن تذبح بعد السابع؟ وتحقيق الكلام في ذلك. الثامن عشر: تنزع جدولاً، أي: أعضاءً، ولا تكسر. وما الحكمة في ذلك؟ وما الدليل على ذلك؟ هذه المسائل كلها نتدارسها الليلة بعون الله وتوفيقه وفتحه بعنوان: "العقيقة وأحكامها".

تعريف العقيقة

تعريف العقيقة العقيقة مشتقة من العق، وهو: القطع والشق. يقال: عققت اللحمة أي: قطعتها، وعققت الثوب أي: شققته. وعققت الحبل: أي قطعته. وعق الثوب: شقه. فهي الشق والقطع. وهي: الذبيحة التي تذبح للمولود، ولا يصح أن تسمى تميمة كما يسميها بعض الناس بل هي عقيقة في اليوم السابع. نفلق هاماً من رجال أعزةٍ علينا وهم كانوا أعق وأظلما يقول: نقطع رءوساً عزيزة علينا وأقارب، لكنهم ظلمونا وجاروا علينا. وقد استشهد بهذا البيت -كما في السير - يزيد بن معاوية لما قتل الحسين بن علي، فقد قتل في خلافة يزيد، وقد قتله عبيد الله بن زياد بن أبيه، وقد أرسل له أحد أولاد سعد بن أبي وقاص في كتيبة فقتله. وكانت مقتلة الحسين مصيبة كما يقول ابن تيمية: ينبغي علينا إذا تذكرنا مقتل الحسين أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157]. وذكر ابن كثير -ولا بأس بهذا الاستطراد لأنه حقيقة علمية عقدية- أن ابن عباس -رضي الله عنه وأرضاه- نام في مكة، في الوقت الذي قتل فيه الحسين في طريق العراق، فاستفاق ابن عباس وهو يبكي، فقالوا: ما لك؟ قال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يلقط دم الحسين من الأرض ويقول: هكذا يا بن عباس! فعلت أمتي بابني هذا الفعل. ولما أتى قتلة الحسين إلى عبيد الله بن زياد في العراق قالوا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر أي كأنهم انتصروا. فيقول شاعر الإسلام: جاءوا برأسك يا بن بنت محمد متزملاً بدمائه تزميلا ويكبرون بأن قتلت وإنما قتلوا بك التكبير والتهليلا من الذي أتى بالتكبير والتهليل إلا أنت وجدك! ولما أدخل رأس الحسين على عبيد الله بن زياد، أخذ ذلك المتبجح يمد صوته وعصاه على أنف الحسين ويقول: هذا خرج علينا وظلمنا، فقال له زيد بن أرقم: يا عبيد الله! ارفع عصاك، فوالله لطالما رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يقبِّل هذا الموضع ويقول: {الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا} ولكن أنصف الله من عبيد الله بن زياد -وهي جراحات في وجه التاريخ- فقد قُطع رأسه بعد سنة، قطعه المختار بن أبي عبيد الثقفي، ووضعه في نفس المكان، ولكن لم يضع المختار عصاه كما فعل عبيد الله، بل أتى ثعبان صغير -حية- فكان يدخل في أنف عبيد الله بدل العصا، ثم يخرج -وهذا في البخاري - ثم يعود، فيقول: جاءت جاءت -أي: الحية- فيدخل في أنفه ويعود: {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:26]. إذاً: قال يزيد لما رأى رأس الحسين: نفلق هاماً من رجال أعزةٍ علينا وهم كانوا أعق وأظلما والله ما كان فيهم إلا السماحة والخير والبر واليسر. هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا

حكم العقيقة

حكم العقيقة أما حكم العقيقة ففيها ثلاثة أقوال: ذهب أبو حنيفة -رحمه الله- إلى أنها من أعمال الجاهلية، وليست بسنة ولا واجب ولا يفعلها إلا جاهلي. فغضب ابن قدامة في المغني غضباً شديداً وما كان له أن يغضب، فهو رقيق ظريف، يتعامل مع العلماء برقة، لكنه غضب هذه المرة، وخرج عن شعوره، وقال: إن دل هذا على شيء، فإنما يدل على قلة علم أبي حنيفة بالآثار وجهله بالسنة. وهذه العبارة من كيس ابن حزم وليست من عبارات ابن قدامة، لكنه خرج عن شعوره. فالقول الذي قاله أبو حنيفة خطأ، وكل يؤخذ من كلامه ويرد، إلا صاحب ذاك القبر عليه الصلاة والسلام. وذهبت الظاهرية وعلى رأسهم ابن حزم وداود وهو قول الليث والحسن البصري، إلى أنها واجبة، واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {كل غلام مرتهن بعقيقته} فقالوا: ما دام أنه مرتهن فهي واجبة. وتوسط الجمهور -وفق الله الجمهور إذ اتبعوا الدليل- فقالوا: إنها سنة وليست بواجبة. لسنا مع أبي حنيفة في إنكارها، ولسنا مع ابن حزم في إيجابها، لكن نقول: إنها سنة. قلنا: ما دليلكم؟ قالوا: قوله صلى الله عليه وسلم في السنن بسند حسن: {من شاء أن ينسك عن ولده فليفعل، ومن شاء فليترك} ولأنه أمر ما ركب عليه واجب، ولأنه يجهله بعض الناس من الأمة، والواجب لا يجهل. هذا من ردود الجمهور وهو الصحيح إن شاء الله. أما ابن تيمية، وابن القيم فقالوا: إنها مشروعة ويحتمل أن تكون واجبة، وأن تكون سنة. فالأقرب أنها سنة. والأحسن للعبد أن يعق عن ابنه، فإنه أنفع وأفيد وأقرب وأحسن؛ فإن لم يفعل فالله المستعان، لا يُلزم، ولا يُحبس، ولا يُطاف به في العشائر والقبائل ويضرب بالجريد والنعال، ويقال: هذا جزاء من ترك العقيقة عن ابنه. لا. فالأمر أيسر من ذلك.

معنى: إماطة الأذى في الحديث

معنى: إماطة الأذى في الحديث ما معنى إماطة الأذى؟ يقول صلى الله عليه وسلم: {مع الغلام عقيقة؛ فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى} فالأذى: هو الشعر. قال ابن سيرين في سنن أبي داود: إن لم يكن الأذى الشعر، فلا أدري ما هو! فمن السنة إذا ولد لك مولود -والإطلاق وارد والعموم في الذكر والأنثى- أن تحلق شعر رأسه، وهو إماطة الأذى؛ لأن ابن سيرين يقول: إذا لم يكن إماطة الأذى حلق الشعر، فلا أدري ما هو! ولكن الشوكاني يعمم فيقول: الأذى يشمل الشعر وغير الشعر. فمسمى الأذى فيه عموم؛ أن ينظف ويحلق شعره، وهذه سنة الإسلام. في سنن أبي داود عن قيس بن عاصم المنقري: أنه لما أسلم، أمره صلى الله عليه وسلم أن يختتن، وأن يلقي عنه شعر الكفر -كأن من الحكمة: أن يدخل بشعر جديد في الإسلام- فحلق شعره واختتن واغتسل. ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {كل غلام مرتهن بعقيقته} محبوس أم مقيد أم ماذا؟ لأهل العلم في ذلك رأيان: قال الإمام أحمد رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته: معنى: (مرتهن بعقيقته) أي: إذا مات وهو طفل لا يشفع لوالديه حتى يُعق عنه. فهو مرتهن، أي: ممنوع من الشفاعة لك؛ لأن الطفل إذا مات صغيراً شفع لوالديه، ولذلك ندعو لوالديَّ الطفل في صلاة الجنازة، أن يكون شفيعاً وفرطاً لوالديه. والفرط: هو سابق القوم عند الماء، فهو يسبقك عند الحوض. وقد وورد في أحاديث: {أن الولدان يخرجون من الجنة يتلقون آباءهم فيأخذون بهم إلى الجنة} فحبذا من عنده أولاد قدموا قبله يوم القيامة، وحبذا من عنده بنات وقفن له عند الحوض يوم العرض على الله، فإنه موقف صعب؛ حتى يقول أحد الأنصار الذي يرى الموقف كأنه رأي العين: {يا رسول الله! أين ألقاك في ذاك اليوم؟ -زحام، وهولٌ، والصحف تتطاير، والنفوس تخاف وتهلع- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلقاني عند واحد من ثلاثة مواطن لا أغادرها: عند الصراط، أو عند الميزان، أو عند الحوض}. هذا هو رأي الإمام أحمد في معنى: (مرتهن بعقيقته). وقال بعض العلماء: لا يسمى ولا يُحلق إلا بعد ذبح العقيقة. أي: إن التسمية والحلق رهينة بالذبيحة. وهذا القول قريب إن شاء الله. والكل ليس عندهم دليل تأصيلي تفصيلي، لكن نقول: لا بأس أن يجمع بين قول الإمام أحمد وقول من قال بهذا القول.

متى تذبح العقيقة

متى تذبح العقيقة السنة أن يذبح عنه في اليوم السابع. فقد ورد عند أبي داود، والترمذي، والبيهقي، وجمع غفير، وهو حديث صحيح؛ أن العقيقة تذبح في اليوم السابع. قال الترمذي: وهو قول أهل العلم، أن تذبح عنه في اليوم السابع، فإن فات ففي الرابع عشر، فإن فات ففي الحادي والعشرين. وتوقف الشوكاني وسأل الترمذي وقال: من أين لك هذا؟ فمن أتى بقول قلنا له: ما هو دليلك؟ {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]. والصحيح ما قاله الترمذي لكن بتحفظ، أما أنه قول أهل العلم جميعاً فلا. وهناك رواية عن مالك، أنه ليس في الرابع عشر ولا في الواحد والعشرين. ولكن روى البيهقي بسند يقبل التحسين: أنه إن فات في اليوم السابع، ففي اليوم الرابع عشر، فإن فات في اليوم الرابع عشر ففي اليوم الواحد والعشرين. إذاً يذبح عنه في اليوم السابع من يوم ولادته. وسوف نفصل الكلام في عددها وسننها وأحكامها وكيف تذبح. فإن فاتك اليوم السابع كأن يكون لك غرض أو عذر، ففي اليوم الرابع عشر، ولا تجعلها في العاشر أو في الخامس عشر، فإن فاتك؛ ففي الواحد والعشرين، فإن فاتك؛ فلا بأس أن تقضيها ولو كبر الابن، فقد جاء عند البيهقي: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه} ولكن الحديث ضعيف. وأهل العلم يتساءلون: هل ولد صلى الله عليه وسلم مختوناً أم أنه ختن؟ والصحيح أنه ولد مختوناً عليه الصلاة والسلام. خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلدِ النساء فرسول الله صلى الله عليه وسلم ولد مبرأ من كل عيب، لا يتثاءب ولا يحتلم ولا يلعب عليه الشيطان أنفاسه طيبة عرقه طيب وكله طيب. وأما حديث: {عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه} فهو حديث ضعيف؛ لأنه يحتاج إلى مقو، وليس له مقو تقطعت بالحديث الحبال. وسوف نعرج عليه. ثم نأتي إلى البيهقي وهو ينقل عن عبد الله بن بريدة قال: [[من فاته اليوم السابع ففي الرابع عشر، ومن فاته الرابع عشر ففي اليوم الواحد والعشرين]] وهذا أمر مطلوب ومقبول، والسند يقبل التحسين.

حكم العقيقة من غير الوالد

حكم العقيقة من غير الوالد قوله عليه الصلاة والسلام: {يذبح عنه في اليوم السابع} فيه مسائل: منها: أنه يجوز أن يتبرع بالذبح غير الوالد، فإذا تبرع الجار وقال: أذبح عن ابنك وأعق عنه. قلنا: جزاك الله خيراً، ومثلك يفعل هذا. وإذا أتى رجل محسن وقال: عندي هذه العقيقة. قلنا: أحسنت وأجزلت زادك الله تبرعاً وخيراً. فلا يشترط أن يكون الوالد هو الذي يعق؛ لأنه قد يكون فقيراً. ومنها: أنه يجوز أن يُعق غيرُ المولود. ومنها: أن وقتها لا بد أن يكون في اليوم السابع، أما قبل السابع فلم يرد في ذلك شيء، وقد أجازه بعض الفقهاء، وقالوا: يجوز في السادس والخامس، لكن هذا فيه تخوف، وهو أن يموت الولد قبل السابع، فتخسر وتذبح وتغدي الناس ثم يموت بعد الغداء، فلا كفاك مصيبة الولد، ولا مصيبة الذبائح والولائم. وقد مر معنا كلام ابن الجوزي عن هذه المسألة. قال صلى الله عليه وسلم: {ويسمى فيه} أي: يسمى في اليوم السابع، فلا يسمى الابن قبل اليوم السابع، لا في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث وإنما في السابع. ولكن جاء عند أبي داود: (ويدمى) بدل (يسمى) فقالوا: وَهمَ هَمَّام في هذه الرواية فقال: يدمى بدل يسمى وقيل: كان راوٍ من الرواة ألتق -يأكل الكلام- فأتى ليقول: يسمى. فقال: يُدمى. والحديث يلقط مثل المغناطيس، حفظه جهابذة، كل واحد كحية الوادي، إذا سمع الكلمة لقطها. ولكن بقي قتادة بن دعامة السدوسي على هذا القول، فقال: يدمى الابن. قلنا له: كيف يدمى؟ قال: إذا ذبحت الذبيحة، يؤخذ من دمها بصوفة ويُجعل على بطنه ثم يدمى رأسه. وقد قال بهذا القول ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وقتادة بن دعامة السدوسي. لكن الصحيح أن هذا خطأ ووهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم عند ابن ماجة، من حديث يزيد بن عبد الله المزني: {يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم} وهذا نص. لكن قالوا لنا: الحديث مرسل، وصدقوا. قال الناظم: ومرسلٌ منه الصحابي سقط وقل غريبٌ ما روى راوٍ فقط فـ يزيد بن عبد الله المزني تابعي، وأبوه عبد الله المزني صحابي، وهو لم يروِ عن أبيه، فانقطع السند. لكن الأقرب -أيها الأبرار- أنه لا يدمى، والتدمية من يفعلها فقد أخطأ، وهي من أفعال الجاهلية؛ فقد ورد في السنن أن أهل الجاهلية كانوا يفعلون ذلك، ولكن لما أتى الإسلام منعهم من ذلك، وقال عليه الصلاة والسلام كما في السنن بسند حسن: {واجعلوا مكان الدم خلوقاً} وفي رواية حسنة: {زعفراناً} أو ما يقوم مقامه كالمر ونحوه من الطيب. وقد جاء عند ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها قوله صلى الله عليه وسلم: {كانوا في الجاهلية إذا عقوا يضعون على الرأس دماً، فضعوا مكان الدم زعفراناً أو خلوقاً} والحديث صحيح. وما معنى التسمية؟ قال: ابن أبي شيبة كما في المصنف يسمى في اليوم السابع على معنيين: الأول: أن يسمى باسمه، كأن يقال: هذا اسمه محمد بن عبد الله بن سعيد، وهذا هو الصحيح. الثاني: قيل: المعنى أن يسمى على الذبيحة ويقول: باسم الله وهذا ليس بصحيح، بل الصحيح أنه يسمى هو في اليوم السابع، ولا يسمى قبل ذلك.

المقصود بقوله: مكافئتان

المقصود بقوله: مكافئتان ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم في السنن بسند صحيح: {عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة} بفتح الفاء أو بكسرها. ما معنى هذا؟ قيل: معناها متقاربتان في السن، فلا تكون هذه كبيرة من القرن السادس، ولا تكون هذه صغيرة بعد الحرب العالمية الثانية. بل تكون متقاربة في السن بعضها من بعض، فلا يأخذ جذعة ومعها كبيرة قد سقطت أسنانها واتقو الله ما استطعتم. وقيل: التكافؤ: أن تكون مستويتان في النوع، فلا تكون هذه ماعز وهذه ضأن، وهذه ضأن عراقية وهذه نجدية، بل تكون من أسرة واحدة، وتكون رضعت في سنٍ واحدة ولكن هذا بُعدٌ وتكلف، إنما أن تكون متقاربتين في السن، ولا بأس أن يكون تيساً وكبشاً أي: من الضأن. ولا بأس أن تكون أنثيين، ولكن الذكران أحسن؛ لأن عطارد بن حاجب يقول لـ سجاح التي ادعت النبوة: أضحت نبيتنا أنثى يطاف بها وأصبحت أنبياء الله ذكرانا والله عزوجل يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران:36] {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11] فالأحسن أن تكون كباشاً؛ لأنها تستسمن ولأنها عبادة، ولأنها من المناسبات الإسلامية، ولو كانت ولائم لاستسمنها الإنسان، وبعض الناس يفعل ذلك إذا كان في زواج، ويدعو الوجهاء فلا يأخذ إلا أغلى شيء، لكن إذا كانت عقيقة، أخذ قحمة شوهاء هلتاء مرتاء، قد أكل عليها الدهر وشرب، ثم ذبحها وقال: اللهم اكتب لي بها ولذريتي ولإخواني وأعمامي الجنة فهذه أولى من مناسبات الدنيا، فهي مناسبات دينية. يقول مالك بن أنس رحمه الله: تذبح شاة عن الذكر وشاة عن الأنثى. قلنا له: يا أيها الإمام المعتبر! أتت السنة بشاتين عن الذكر وشاة عن الأنثى، والسنة تقدَّم على رأي كل واحد من الناس؛ لأنها سنة محمد عليه الصلاة والسلام. واستدل بحديث بريدة الأسلمي: {كنا نذبح شاة شاة عن الذكر والأنثى} قلنا: الحديث فيه كلام، ولكن ما هو دليلك الآخر؟ قال: وعن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال -كما في السنن -: {عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين شاة شاة} قلنا: لا. بل ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة} وهذا حديث حسن. فكيف نجمع بين هذه الروايات؟ الجمع أن يقال: أولاً: زيادة الشاة زيادة ثقة، وزيادة الثقة مقبولة. ثانياً: نقول: الرسول صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين شاة شاة، وهذا فعل، ولكنه قال للناس: عن الغلام شاتان. والقول عند أهل الأصول يقدم على الفعل. إذاً: فالراجح الذي عليه الجمهور: أنه عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة واحدة، فهذا هو الصحيح، وهذا هو تحقيق المسألة، والجمع يكون من وجهين كما تقدم، ويرد على من ذهب إلى ذلك المذهب الضعيف.

المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا أحب العقوق)

المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا أحب العقوق) يقول عليه الصلاة والسلام في حديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي وسنده صحيح، لما قيل له: {يا رسول الله! كيف العقيقة؟ قال: لا أحب العقوق} نعوذ بالله من عقوق الوالدين والرحم والأصدقاء. قال الراوي: كأنه كره الاسم صلى الله عليه وسلم {فقالوا: يا رسول الله! الرجل منا يولد له ولد فماذا يفعل؟ فأخبرهم صلى الله عليه وسلم} أليس في هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كره العقوق؟ لكنه صلى الله عليه وسلم قال -كما تقدم في صحيح البخاري: {مع الغلام عقيقة} هذا لفظ البخاري. ولفظ الخمسة: {كل غلام مرتهن بعقيقته} فكيف نجمع بين كراهيته صلى الله عليه وسلم للفظ العقيقة، وبين هذين الحديثين؟ الجمع أن يقال: الرسول صلى الله عليه وسلم كره الاسم، وكراهته للاسم؛ لأنه لا يحب أن يتوصل بهذا الاسم إلى أخذ الأسماء المكروهة، وجعلها لغة بين الناس. ولكن لماذا قال: {مع الغلام عقيقة} و {كل غلام مرتهن بعقيقته}؟ قلنا: الدليل الجواز، والجواز لا يمنع من الكراهة، وهذه قاعدة أصولية. وقد يكون الأمر مكروهاً، لكنه جائز أحياناً. فليتنبه لهذا. إذاً: قول: عقيقة جائز، لكن الأفضل ألا نقول: عقيقة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: {مع الغلام عقيقة} خاطبهم بلغتهم، فهم يفهمون العقيقة، ولما قال هناك: {إني أكره العقوق} أراد أن يترفع عن هذه الألفاظ. فقد كره صلى الله عليه وسلم في السنة لفظ يثرب؛ لأنه من التثريب، والتثريب يعني: التوبيخ والمعاتبة. وقد قال إخوة يوسف ليوسف: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:91 - 92] فالتثريب: معاتبة وتوبيخ. والله عزوجل قد ذكر المدينة في القرآن، فسماها في مواضع: المدينة، وسماها: يثرب قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة:120] الآية. وقال عن المنافقين: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب:13] فلما ذكر الإيمان والجهاد ذكر المدينة، ولما ذكر النفاق والمنافقين أتى بلفظ يثرب؛ فالتثريب عليهم، والمدينة المنورة مدينة المؤمنين، تنور بصائرهم وأفئدتهم. فقد يستخدم اللفظ هنا بغير ما يستخدم هناك، وعليك أن تجمع بين ما أتى في السنة بما جمع به أهل العلم.

المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: ويلطخ بزعفران

المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: ويلطخ بزعفران الزعفران نبت معروف، يسحق مع مخلوط، ويوضع على الرأس. والزعفران مطلوب لفوائد طبية ذكرها أهل الطب، واختارها محمد عليه الصلاة والسلام. قال أهل العلم: فيه دليل على استحباب تلطيخ رأس الصبي بالزعفران أو غيره من الخلوق الذي يشابهه، كالمر والحناء والكتم، أو ما يشابه ذلك. والمسألة فيها سعة، أما الدم فلا يوضع أبداً. جاء في الحديث الذي مر معنا: {عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين} فيه دليل على أنه يجوز أن يعق غير الأب من الأقارب، كالعم والخال، والأخ الكبير، فلا يشترط الأب؛ للحديث السابق. وجاء عند أحمد بسند ضعيف فيه ابن عقيل {أن فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، أخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم بـ الحسن، فقال: لا تعقي عنه} لأنه عق عنه صلى الله عليه وسلم، فهو الذي تصرف. وفيه: إذا مات الوالد عنه فعلى الذين يقومون بالنفقة أن يعقوا عنه. قال الشافعي في رواية عنه: من تلزمه النفقة على المولود عليه أن يعق. أي: من الذي يورثه أو يرث منه من الأقارب والإخوان والعصبة فهؤلاء يعقون عنه؛ لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك. وروى البيهقي عن أنس: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه} ولكن الحديث منكر فيه عبد الله بن محرر وهو منكر الحديث، قال الحافظ ابن حجر: عبد الله بن محرر ضعيف جداً في الرواية، وهو الذي روى عنه البيهقي حديث: {عق صلى الله عليه وسلم عن نفسه} فلينتبه لهذا. وفيه دليل على أن الإنسان يعق عن نفسه، لكن أن ينتظر المولود حتى يكبر ويعق عن نفسه؛ فهذا غير صحيح.

بعض أحكام المولود

بعض أحكام المولود

حكم التصدق بالذهب والفضة

حكم التصدق بالذهب والفضة هل ورد التصدق بالفضة؟ وهل يجوز التصدق بالذهب؟ ورد أن يتصدق بوزنه وَرِقاً عند أحمد، والوَرِق هي الفضة، قال تعالى عن أصحاب الكهف: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ} [الكهف:19]. قال صلى الله عليه وسلم: {ويتصدق بوزنه}. ووزنه أن يقدر، أما أن يضع الشعر في الميزان فلم يرد ذلك. وهل يضع الذهب مكانه؟ قال أهل العلم: يجوز ذلك. قلنا: أين دليلكم؟ قالوا: ما رواه الطبراني في الأوسط بسند فيه رواد بن الجراح وهو ضعيف -وسوف يحقق الكلام في رواد بعض طلبة العلم- ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بست منها: {أن يتصدق عن المولود بذهب} ولكن الرواية ضعيفة، فيتصدق بالفضة، ولكن إذا تصدقت بذهب أو بشيء من الدراهم الموجودة الآن فالأمر سهل. وعليك أن تقدر تقديراً، كأن تتصدق بعشرة ريال، أما إن وزنت شعره فيمكن أن يأتي شعره بقرشين، فتدفع في سبيل الله، لرفع راية الجهاد في أفغانستان قرشين وتقول: هذه عن المولود فهذه لا تنفع. لكنك تقدر، والذي في جانب الله لا يضيعه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فهذه مسألة التصدق مكان الشعر المحلوق بالفضة أو الذهب.

حكم الأذان في أذن المولود

حكم الأذان في أذن المولود المسألة الثانية عشرة: الأذان في أذن المولود. ورد عنه صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود {أنه أذَّن في أذن الحسن} لماذا؟ لينشأ على لا إله إلا الله، وليرتضع لا إله إلا الله وهو صغير، ليكون أول ما يطرق أذنه لا إله إلا الله والله أكبر، ويتربى على الفطرة: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] {كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه} هكذا يُنَشأُ المولود على لا إله إلا الله: ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا فلا يولد على الغناء، ولا يكبر إلا وعنده اثنان وعشرون أغنية للمغنين والمغنيات، الماجنين والماجنات، الأحياء منهم والأموات فسوف ينشأ ضالاً ضائعاً، لا يساوي شيئاً والذي يحفظ الغناء لن يحفظ سورة البقرة، ولن يعرف المسجد إلا أن يتوب الله عليه، فهو يظن أن الحياة كلها غناء: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات في الأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان فحرام أن يستمع الغناء، أو ينشأ عليه، وتحبب له المرأة والجنس وهو صغير، ويظن أن مهماته في الحياة أن يكون عبداً للدينار والدرهم، أو يكون عبداً للمرأة، أو عبداً للكأس، أو عبداً لصورة خليعة فهذا حرام. فيؤذن في أذنه، ولكن يؤذن بعقل، فلا يفجر طبلة أذنه، أو حتى يسمع أهل الحارة، بل يؤذن أذاناً هادئاً، لأنك إذا أذنت ورفعت صوتك سوف يموت، والله يقول: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156]. وهل يقام في أذنه الأخرى؟ ورد عن عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد، أن كان يقيم في الأذن الآخرى، لكنه موقوف عليه، ولم يرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فنقول: ما دام أنه موقوف فلا يقال: إنه سنة، فلا تأتي البضاعة إلا مِنَ الذي في المدينة عليه الصلاة والسلام، وعليها خاتمه بالصحة، فهي البضاعة المطلوبة، أما غيره فنأخذ، ونرد عليه إذا قابل السنة. فالإقامة لم ترد إلا من فعل عمر بن عبد العزيز، فأنت تؤذن فقط، أما الإقامة فلا.

استحباب تحنيك المولود

استحباب تحنيك المولود من السنة إذا ولد لك مولود، إن كنت صالحاً -ونسأل الله لنا ولك الخير- أن تأخذ شيئاً من التمر، فإن أعوزك فعسل، فإن أعوزك فشيئاً من سكر، أو شيئاً حلواً وتحنطه به، وهذا فيه حكم ولطائف، حتى يقول ابن القيم: هو أحسن ما يباشر بطن المرأة النفساء؛ ولذلك الصائم أول ما يفطر على التمر؛ لأن الحلو فيه قوة تدافع الجائع، والمولود لم يأكل من الحياة شيئاً، فأول ما يقدم له التمر الحالي -لا يقدم له (فصفص) ولا غيره إنما يقدم له تمر- ويمضغ حتى يصير سائغاً للشاربين، ثم يوضع في فمه. جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم {أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بـ عبد الله بن أبي طلحة وهو صغير - ابن أم سليم وأبي طلحة أتى به أخوه من أمه أنس - قال: فأتيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فوجدته يطلي إبلاً من إبل الصدقة -محمد عليه الصلاة والسلام، معلم البشر، الذي رفع الرءوس إلى النظر، الذي نزل وحيه كالمطر، الذي علم الإنسان وفقه الإنسان، ومع ذلك يطلي إبل الصدقة- قال: فأتيته بابن أبي طلحة وهو لا زال صغيراً، أي: أنه ولد الآن، ما دخله لا لبن ولا ماء ولا شيء، يريدون بركة ريقه صلى الله عليه وسلم: نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم فأخذ الطفل، وأخذ تمرة عليه الصلاة والسلام، فمضغها -انظر إلى المربي الأجل، والمتواضع يراعي الناس في أطفالهم، يقف مع المولود ومع المرأة فيعيش مشكلتها يطلي الإبل والجهاد يدار على كفه وتربية الأمة، وشئون المرأة، وشئون الاقتصاد والإدارة والفتيا والتعليم والدروس كلها على يديه - ثم وضعها، فأخذ الطفل يتلمظ التمر، فقال عليه الصلاة والسلام وهو يتبسم: انظروا حب الأنصار للتمر}. لأن الأنصار أهل تمر وهذا الابن أنصاري، فهو يحب التمر. وقد ذكر عليه الصلاة والسلام الجنة، فوصفها ووصف نخيلها؛ فقال أعرابي: يا رسول الله! أفي الجنة نخل وزروع؟ قال: إي والذي نفسي بيده. قال: إذاً الجنة تعجب الأنصار بل تعجب كل مسلم، ونسأل الله أن يجعلنا من وراث الجنة، وألا يحرمنا الجنة، فوالله إذا كان سعينا وعملنا ودروسنا ومحاضراتنا وبيوتنا وسيارتنا للدنيا، فيا خيبتاه!! فوالله إنها دنيا مريضة وحزينة، ودنيا الهم والغم، وما ارتحنا فيها أبداً، إن ارتحت اليوم اغتممت غداً، وإن سلم ابنك ماتت ابنتك، وإن نجحت البنت رسب الولد، وإن تشافى الرأس مرضت اليد؛ فهي دنيا مكدرة لا تصلح أبداً. قال رجل للحسن البصري: ماذا أفعل ببطني؟ إن جعت أتتني رعشة -أي: ارتعدت- وإن شبعت كظني بطني. قال: التمس لك يا بن أخي داراً غير هذه الدار، فهذه لا تلائمك ولا تناسبك. لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من ورثة تلك الدار. ولا بد أن يكون المحنِّك صالحاً، فلا تذهب به إلى فاجر وتقول: يا بركة الزمان! يا درة المعمورة! نتبرك بك لهذا الابن. لا. وأنا أتحفظ عند كلمة "يتبرك" وقد أطلقها الشوكاني وغيره، لكن المراد أن يدعي له، أما أن يتبرك بآثاره فأتحفظ عنها، وأستغفر الله منها؛ لأنها طريق إلى الخزعبلات والخرافات. أمة تبني مجدها ودينها وعلمها على خرافات؛ أمة لا تصلح، والآن أصبح السحر والكهانة منتشراً حتى في المدن. أمة عاقلة، وأمة أصبحت تسير أمورها على الكمبيوتر، لكنها مخرفة تعلق التمائم، وتأخذ بعض الحجارة، وتفعل هذه الخرافة أين العقول؟! فهذا حرام. والتبرك مدخل إلى الخرافة، ولكن يذهب به إلى رجل صالح ويقال: نريد أن تدعو له، ودعاء الصالحين مطلوب، أما أن يتبرك بثوبه، أو بغترته، أو بشرابه فلا يكون التبرك إلا بآثار محمد صلى الله عليه وسلم فقط، أما هؤلاء الذين ينصبون أنفسهم للدجل والخرافة، وليس عندهم قال الله ولا قال رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليأكلوا أموال الناس بالباطل؛ فهؤلاء كفرة؛ فإن الساحر كافر، وحده ضربة بالسيف. ومن أتى كاهناً أو عرافاً أو ساحراً فصدقه؛ فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أتاه ولم يصدقه فلن تقبل له صلاة أربعين يوماً، ومن ذهب إليه مصدقاً فلا قبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا رضي عنه، ولا تقبل منه. وهؤلاء الكهنة متخلفون، وهم أعداء الرسل عليهم الصلاة والسلام. وليس هذا مجال هذا الكلام؛ لكنه استطراد لا بد منه؛ لأنها مسألة وقعت وأصبحت ظاهرة في المجتمع؛ فإن السحر موجود، وقد أخبرنا رئيس الدعوة هنا الشيخ مداوي، أنه قد اطلع على عشرات القضايا من هذه المسألة بنفسه في المدن وفي القرى، وأصبح الناس يذهبون إلى السحرة طوابير، حتى من بعض خريجي الشريعة وأصول الدين؛ نسي أنه قرأ فتح المجيد وفتح الباري وقرأ فتاوى ابن تيمية، ونسي عقله وعلمه ودينه يوم ذهب، فعلق دينه في بيته وذهب نعوذ بالله من الخذلان.

ضرورة اختيار الاسم الطيب

ضرورة اختيار الاسم الطيب من السنة أن تسمي المولود في اليوم يوم السابع، باسم إسلامي لطيف، اسم محمدي أحمدي، وليس من أسماء الخواجات، أو أعداء الرسل والكتب والرسالات. ومن الأسماء التي تسمى، وهي أحب الأسماء إلى الله عزوجل: عبد الله وعبد الرحمن، كما صح فيها الحديث، أما حديث: {أحب الأسماء ما عُبِّد وما حُمِّد} فهذا حديث لا يصح، بل هو موضوع. فتسمي عبد الله، عبد الرحمن، عبد السلام، وكل اسم فيه تعبيد، إذا ثبت الاسم أو الصفة لله في الكتاب أو السنة. أما أن تأتي بأسماء وتركبها وتقول: عبد اليقظان، أو عبد الموجود، أو عبد الساهر الذي لا ينام؛ فهذا ليس بصحيح، ولم يرد به الدليل. فتأتي بالأسماء الشرعية معبدة لله تعالى، ونعوذ بالله من التعبيد لغير الله، فهو حرام، مثل: عبد الكعبة، عبد المطلب، عبد النبي، عبد المسجد، عبد الخبز، عبد التميز فلا بد أن يكون عبداً لله عزوجل، بالأسماء الحسنى التي وردت له. وورد في الصحيح: {أصدق الأسماء حارثٌ وهمام} فلك أن تسمي بحارث وهمام، لأنها أصدق الأسماء؛ لأنها تعني: أن الإنسان يزاول بيديه ويهم بقلبه. وفي سنن أبي داود: {أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اسم يسار ورباح ونجيح وأفلح} لأنها يُتشاءم بها؛ فإذا قلت لأهلك: أيسار في البيت؟ قالوا: ليس فيه يسار. فأصبح البيت ليس فيه يسر. وإذا قلت: أفلح في البيت. قالوا: ليس في البيت أفلح وكذلك نجيح ورباح فهذه لا تسمى. ومنها البنات مثل: فتنة، وعاصية، وغاوية، ومتخلفة، وبليدة، وغبية، فهذه لا تصلح. وكذلك الأسماء التي ليس لها معاني: النوف، ورقى، وعزوه. هذه أسماء ليست بفرنسية ولا إنكليزية ولا أردو ولا بشتو، بل هي أسماء الجن والعفاريت. وكذلك الأسماء للأبناء التي فيها أنوثة، لا تنبغي، مثل أن تسمي الابن: دلال، ودعد، ودعد لا أدري أهي ذكر أم أنثى. فلابد أن تسميه اسماً قوياً صلباً: عبد الله، محمد، حمزة؛ لأنه اسم الأسد، وطلحة من الأسماء الماجدة. والعرب كانت تحب الأسماء التي لها وقع، وعندما ولد لـ علي ولده الحسن سماه حرباً، فسماه صلى الله عليه وسلم حسناً ولما ولد الحسين سماه حرباً، فسماه صلى الله عليه وسلم حسيناً، ولما ولد محسن سماه حرباً، فسماه صلى الله عليه وسلم محسناً. فـ علي يريد القوة؛ لأنه شجاع، مهمته فصل الرءوس عن الأكتاف، فيريد أبناءه أن يكونوا مثله. تلك العصا من هذه العصية لا تلد الحية إلا حية والإنسان له اشتقاق من اسمه، حتى إن بعض الناس له حسن من اسمه وصفته ولقبه، فعلى الإنسان أن يحرص على اسم إسلامي قوي، ولا يجعل اسماً يتشاءم به؛ فقد جاء في سنن أبي داود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لرجل: {قم احلب الناقة، ما اسمك؟ قال: حرب. قال: اجلس. فقام الثاني فقال: ما اسمك؟ قال: مرة. قال: اجلس. فقام الثالث فقال: ما اسمك؟ قال: صخر. قال: اجلس. فقام الرابع فقال: ما اسمك؟ قال: يعيش. قال: احلب الناقة فحلبها}. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل؛ فقد نزل مرة في دار رجل من الأنصار فقال: {رأيت البارحة كأنَّا في بيت عقبة بن رافع، ونحن نأكل رطب ابن طاب -ابن طاب من أنواع رطب المدينة - قالوا: ما أولتها يا رسول الله؟ قال: أولتها الرفعة لنا في الدنيا والآخرة} إي والله، فقد أصبحت له الرفعة في الدنيا، فأصبح دينه يعلو على الشمس، قال: {والعاقبة لنا، والرطب، فديننا قد رطب وطاب} وكلها أسماء مطلوبة. وقد ورد أثر لكن في سنده نظر، والعجيب أنه عند أبي داود، وقد أتى به ابن الديبع الشيباني في كتاب الأسماء في تيسير الوصول إلى جامع الأصول: [[قال عمر لرجل: من أنت؟ قال: اسمي جمرة. قال: ابن من؟ قال: ابن شظية. قال: من أين أنت؟ قال: أنا من غدير الحرة أو غدير النار. قال: اذهب إلى أهلك فقد احترقوا، فذهب فوجد بيته محترقاً]] وهذا الحديث في سنده نظر، وإن كان عند أبو داود، وسوف تعودون إلى السند لتراجعوه هناك إن شاء الله.

حكم ذبح البقر والإبل في العقيقة

حكم ذبح البقر والإبل في العقيقة هل يجزئ غير الغنم كالإبل والبقرة؟ اختلف العلماء في ذلك: فالجمهور على إجزاء البقر والإبل؛ فقد روى الطبراني عن أنس قال: [[يعق عنه من الإبل والبقر والغنم]] وقال الإمام أحمد: من عق عن ابنه بدنة -أي: ناقة- فليجعلها كاملة، أي: لا يشترك فيها هو وغيره كالأضحية، وذكر الرافعي اشتراك السبعة، وذكر بعضهم اشتراك العشرة. والصحيح: أنه يجوز أن يعق بالإبل والبقر عن المولود، والشاتان أحسن من البدنة، لكن إذا لم أجد أو لك نظر أو كثر الناس فخذ بدنة، ولكن السنة شاتان، ولا يشترك فيها سبعة ولا عشرة؛ لأن ذلك في الأضحية وهذه عقيقة.

هل يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية؟

هل يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية؟ وبعض العلماء قالوا: يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية: أي: لا تكون عوراء، ولا هتماء، ولا عرجاء، ولا شرقاء، ولا بخقاء إلى غير تلك الأوصاف التي وردت في حديث علي. والصحيح: أنه لا يشترط؛ لأن العقيقة لها مسمى غير الأضحية، والأضحية خصص الرسول صلى الله عليه وسلم القول فيها. وأما من قال: كل وليمة سنية يشترط فيها ما يشترط في الأضحية؛ فهناك ولائم مثل وليمة الزواج -على القول بإيجابها- ولا يشترط فيها ما يشترط في الأضحية. إذاً -فالحمد لله- كل شاة تسمى شاةً، أو ذكراً من الغنم فاذبحه، ولو كان فيه بعض العيوب، ككسر القرن، أو أن تكون عوراء، أو هتماء، أو عرجاء بشرط أن تكون سمينة. فلا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية.

مبدأ وقت ذبح العقيقة

مبدأ وقت ذبح العقيقة متى يبدأ وقت ذبح العقيقة؟ لأهل العلم آراء: قيل: من بعد الفجر. وقيل: من طلوع الشمس، أو من وقت الضحى. وقيل غير ذلك. وقيل: تجزئ من الليل. وقيل: لا تجزئ من الليل. والصحيح أنه ليس لها وقت محدد -أعني: في الأوقات الجزئية بهذه الساعات- أما وقتها المحدد ففي السابع -كما تعرفون وأسلفنا- لكن لك أن تذبح العقيقة في الصباح أو الليل، عشاء أو فطوراً، أو غداء للناس، أو بعد صلاة التراويح، أو في الضحى، أو بعد الظهر، أو بعد العصر، فأنت مخير، ولم يرد في هذا تحديد. والتحديد بلا دليل تكلف، وإيراد بلا علم، فما دام أنه لا يوجد دليل، فالأمر مفتوح في أي وقت، والحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، ولا نتقيد إلا بالكتاب والسنة.

المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: (تنزع جدولا)

المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: (تنزع جدولاً) الجدول: أن تقسم الأعضاء من المفاصل، ولا يكسر العظم، تفاؤلاً ألا يكسر عظم هذا المولود، فقد ورد في مراسيل أبي داود، عن جعفر بن محمد عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين: {ولا تكسروا منها عظماً} وهذا في المراسيل، والمراسيل ضعيفة، وقد أورد هذا الحديث ابن القيم وسكت عنه، فهو يستأنس به من قبيل الحسن من رأي الرجال، وتفاؤلاً أن الله لا يكسر عظم المولود، فلا يكسر العظم، بل تحز من المفاصل، فتقسم اليد من المفصل، والرجل والكتف، وهكذا.

الأولى والأفضل في العقيقة

الأولى والأفضل في العقيقة هذه المسألة لا يقال فيها: الأفضل أن توزع، ولا يقال: الأفضل أن تطبخ، وإنما بحسب حاجة الناس والأحسن لهم. فإن كنت ترى أن جيرانك فقراء ومحتاجون، وأن إرسال اللحم إليهم في البيت أنفع؛ لأن عندهم أطفال وهم في حاجة؛ ولأنك إذا دعوت لا يأتي إلا الأب، وكثير من الناس يقول: تعال أنت وحدك ولا يأت معك أحد. فهو إذا أتى وحده لا يستأنس مثل من يأتي بأطفاله وعماته وخالاته، فإن كنت ترى المصلحة في ذلك فأعطهم، وبعض الناس لا يجيبك حتى تقول: تعال بابنك محمد وعلي وعبد الوهاب وعبد السلام وإخوانهم جميعاً، فيستأنس ويأتي. وإن كانت المصلحة في أنهم يستأنسون بلقياك، وبالجلوس في مجلسك، وكان يدار من الحديث ما هو أشهى من العسل المصفى، وهناك فائدة نفعية كأن تعقد جلسة روحية، وتتكلم في آية، أو عندك دعاء في المجلس، وتريد أن تؤثر على جيرانك في الخير بالدعوة فادعهم إلى بيتك؛ لأن هذا أنفع، حتى يقول ابن القيم: لأن كلفة مئونة الطبخ أحسن من أن تعطيه شيئاً من الذبيحة؛ فيأتي فيأخذ لها بصلاً وملحاً -ويعدد من هذه الأمور- حتى يصير أكثر من اللحم. فإن كانت مئونة الطبخ أنفع وأيسر عندك في البيت، فعليك أن تفعل. وهذا ليس فيه ضابط بل أنت مخير، لك أن تتصدق بها، ولك أن تدعو الناس إليها وأنت أبصر، لكن إن دعوت الناس لكان أحسن وأوفق. ومما يدار من الحديث أن يدعى للمولود، ويتكلم في قضايا العقيقة إذا حضر الناس، ويكون هناك للمسلمين جدول عمل يتكلمون فيه عن العقيقة وعن أحكامها، وعن الإسلام وعن أحكامه وقضاياه. والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

وقت الأذان في أذن المولود

وقت الأذان في أذن المولود Q هل وقت الأذان بعد الأربعين يوماً؟ A الأربعين يوماً ليست واردة، إنما إذا ولد الطفل، فمنذ وقت ولادته تؤذن في أذنه بالتي هي أحسن، ولا تنتظر الأربعين، فإنها ليس عليها دليل.

حكم التسمية على العقيقة

حكم التسمية على العقيقة Q ما حكم التسمية على العقيقة؟ A لا بد من التسمية على كل ذبيحة، وتسمية المولود تكون في اليوم السابع.

السنة في عدد الشياه

السنة في عدد الشياه Q هل ذبح شاة أو شاتين يعد من البخل؟ A التقيد بالسنة أحسن: شاتان عن الولد وشاة عن الأنثى، وأنت لست ببخيل، فلا يلزمك أن تدعو الناس جميعاً وتذبح عشر ذبائح؛ لأن هذا خلاف السنة ولو أنه يُفعل، وهذا من تقصيرنا، لكن السنة أحسن، فتدعو بحسب هذا، وتعتذر للإخوة وتقول: هذه عقيقة وسنة ونريد أن نتقيد بها، والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن الله سيبسط على الناس فلم يأمرهم بأكثر من هذا، فليس هذا بخلاً.

حكم أكل شاة والتصدق بأخرى

حكم أكل شاة والتصدق بأخرى Q هل يجوز أن تطبخ شاة ويتصدق بشاة؟ A إذا تصدق بشاة وطبخ شاة في البيت فله ذلك، لكن لابد أن ينوي في الذبح للعقيقة، أما أن يذبح لعدة مناسبات فلا يصح، بل لا بد أن تكون نيته للعقيقة.

حكم تسمية الولد من أول يوم

حكم تسمية الولد من أول يوم Q هل يجوز تسمية الولد من اليوم الأول للضرورة؟ A إذا كنت ترى أنك تضطر إلى تسمية من اليوم الأول؛ لشئون الميلاد والمستشفيات، فلك أن تسميه لأنها ضرورة، فتسميه من اليوم الأول، ولا تعق عنه إلا في اليوم السابع.

العقيقة عن التوأم

العقيقة عن التوأم Q كم يذبح عن التوأم؟ A التوأم إذا كانا ذكرين فتذبح أربع شياه، وإذا كن سبع بنات فتذبح سبع غنم.

سبب تسمية العقيقة بهذا الاسم

سبب تسمية العقيقة بهذا الاسم Q ما هو سبب تسمية العقيقة بهذا الاسم؟ A العقيقة تسمى بهذا الاسم لأنه اصطلح على هذا الاسم، والرسول صلى الله عليه وسلم كره الاسم لكنه سماها عقيقة، وهذا سؤال وجيه، ولكن كل من كتب فيها كصاحب المغني والمجموع ونيل الأوطار وسبل السلام والمحدثون والفقهاء، كلهم يقولون: عقيقة، فنحن نقول مثلما قالوا.

حكم الختان

حكم الختان Q ما حكم الختان؟ A الختان له أحكام، وهو باب من أبواب خصال الفطرة كالاستحداد، وتقليم الأظافر، وقد أسلفنا في كتاب الطهارة ذكر خصال الفطرة، وهو درس كامل في شريط.

حكم عق الإنسان عن نفسه

حكم عق الإنسان عن نفسه Q هل يجوز أن يعق الإنسان عن نفسه إذا كبر؟ A من كبر وأراد أن يعق، فقد أفتى كثير من علماء الأمة بأنه يعق عن نفسه، إذا علم أنه لم يعق عنه.

وقت الذبح

وقت الذبح Q متى يذبح إذا كان المولود في المستشفى؟ A إذا كان له مولود وأدخل في المستشفى فيذبح في اليوم السابع، أو يؤخره لليوم الرابع عشر، أو الواحد والعشرين، أما إذا كان قبل اليوم السابع فلا؛ لأنه قد يموت قبل السابع ولكن يتريث به إذا أدخل مستشفى حتى يخرج، ولأن وجوده في البيت أنسب.

كيفية تسمية المولود

كيفية تسمية المولود Q كيف تكون التسمية؟ A التسمية أن يختار ويشاور أهله في الاسم، حتى لا يأتي شقاق في البيت، فيقول: ما رأيكم في هذا الاسم؟ ويختار اسماً طيباً.

حكم تسمية العقيقة بالحفاد

حكم تسمية العقيقة بالحفاد Q هل تسمى العقيقة بالحفاد؟ A هذا اسم عامي من الشعر النبطي، والاسم الموجود في الكتب هو العقيقة.

حكم الذبح قبل السابع

حكم الذبح قبل السابع Q هل يعق عن الولد قبل السابع؟ A قبل السابع لا يعق عنه، تكفيك حرقة المصاب!! وقد سئل أحدهم عن هذه المسألة فقال: قد يموت وتمحق الغنم. وذكر ابن الجوزي -ولا بأس بذكرها في هذا المكان- أن أحد الحمقى كان له حمار فمرض حماره، فنذر لله إن شفى الله حماره أن يصوم سبعة أيام. فشفى الله الحمار فصام سبعاً، ولما انتهت السبعة مات الحمار، فحلف بالله أن يحتسبها من رمضان، فلما أتى رمضان صام ثلاثة وعشرين يوماً وحذف سبعة أيام.

حكم التسمية على الرؤيا

حكم التسمية على الرؤيا Q إذا رأيت في المنام أني أُسمي ولدي اسماً فهل أسميه به؟ A الرؤيا هذه من حديث عجائز النساء فلا تصلح، ولا يقوم عليها أحكام، وإذا رأيت أنك تسمي ولدك في المنام ريجن أو شامير -أعوذ بالله- فهذا من الشيطان، وإذا رأيت عبد الله وعبد الرحمن، فهو مطلوب لكن لا تتقيد ولا تبن على المنامات شيئاً.

حكم تكرار العقيقة

حكم تكرار العقيقة Q ما الحكم إذا تكررت العقيقة من غير الأب؟ A زيادة خير، لكن بشرط ألا يدري هذا عن هذا، فإنه يكفي أن يذبح أحدهم، ولا يتكرر مرتين.

حكم التحنيك بعد إطعام الولد شيئا

حكم التحنيك بعد إطعام الولد شيئاً Q هل يجوز التحنيك وقد أكل الولد شيئاً؟ A نعم يجوز إذا أدخل في جوفه شيء فلك أن تحنكه بعد، ولا يشترط أن يكون أول شيء هو التحنيك.

حكم الذبح في غير بلد المولود

حكم الذبح في غير بلد المولود Q هل يعق عن المولود في غير بلده الذي ولد فيه؟ A من لم يستطع في بلده الذي ولد فيه المولود، وكان أهله أو قرابته موسرين فيعقون عنه هناك.

حكم تقسيم العقيقة أثلاثا

حكم تقسيم العقيقة أثلاثاً Q هل تقسم العقيقة أثلاثاً؟ A لا. لا تقسم أثلاثاً، ولم يرد فيها نص، إنما تقسم قطعاً وجداولاً؛ ليستفيد منها أكبر عدد ممكن من الناس.

حكم استعمال المر بدل الزعفران

حكم استعمال المر بدل الزعفران Q هل يجوز وضع المر مكان الزعفران؟ A لا بأس بالمر، فهو يلحق بالنباتات والخلوق التي ذكرها عليه الصلاة والسلام.

حكم الذبح إذا ماتت الأم

حكم الذبح إذا ماتت الأم Q إذا ماتت الأم فهل يُعق عن الابن؟ A إذا ماتت الأم فتعق عن الابن لأن العقيقة للابن وليست للأم.

حكم الاشتراك في البدنة

حكم الاشتراك في البدنة Q هل يجوز أن يشارك في البدنة؟ A لا يشترك مع جاره أو مع أحد من الناس، وبعضهم يأتي له سبعة من الأطفال فيشتركون في بدنة، فلابد أن تكون كاملة كما نص الإمام أحمد على ذلك.

إجزاء البدنة عن اثنين

إجزاء البدنة عن اثنين Q هل تكفي البدنة للاثنين؟ A الأحسن أن يكون لكل واحد بدنة، لكن فيها تكليف على الناس، ولم يرد فيها نص، لكن لو ذبح بدنة كفت الاثنين إن شاء الله.

حكم حلق شعر الغلام

حكم حلق شعر الغلام Q ما حكم حلق شعر الغلام؟ A السنة حلقه، فمن فعل فهو مأجور مشكور، ومن لم يفعل فلا شيء عليه، وقد خالف السنة.

شفاعة الغلام لأبيه

شفاعة الغلام لأبيه Q هل الشفاعة معلقة بالعقيقة؟ A يشفع لوالديه -إن شاء الله- ولو بدون عقيقة، وما ذكره الإمام أحمد ليس عليه دليل.

حكم العقيقة إذا مات الغلام بعد السابع

حكم العقيقة إذا مات الغلام بعد السابع Q إذا مات بعد السابع فهل يعق عنه؟ A يعق؛ لأنه مكث إلى السابع.

حكم القرعة في الاسم

حكم القرعة في الاسم Q هل يجوز فعل القرعة عند الاختلاف في الاسم؟ A لا بأس بذلك؛ فإذا اختلف أهل البيت وأرادوا أن يفعلوا قرعة فلهم ذلك. وقد ذكر الله تعالى المساهمة فقال: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات:141] وفي الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: {لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا} فلا بأس بالاستهام؛ أن تكتب أسماء ويُقرع بينها.

حكم حلق بعض الرأس

حكم حلق بعض الرأس Q هل يجوز حلق بعض الرأس؟ A يحلق الرأس كله ولا يترك بعضه؛ لأن هذا قزع منهي عنه.

حكم قراءة القرآن في أذن المولود

حكم قراءة القرآن في أذن المولود Q ما حكم قراءة القرآن في أذن المولود؟ A قراءة القرآن في الأذن لم يأت بها نص، ونحن نتعبد بالنصوص، قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يقرأ، لكن يدعو وينفث عليه، ويقرأ المعوذات ويسمي ويبرك، أما أن يقرأ في أذنه القرآن فليس هناك نص.

حكم حلق رأس المولود بغير رضا أمه

حكم حلق رأس المولود بغير رضا أمه Q إذا لم ترضَ الأم بحلق الرأس فهل يُحلق؟ A لهم ذلك ما دام أن الأم ما ترى هذا، لأنهم إن فعلوا فهم مأجورون ومشكورون، وإن لم يفعلوا فقد تركوا السنة وليس عليهم إثم، وهو خلاف الأولى، فإذا فعلوا فيتصدقوا بوزنه فضة.

وقت الحلق

وقت الحلق Q متى يُحلق الشعر؟ A يحلق الشعر في اليوم السابع.

وقت التحنيك

وقت التحنيك Q متى يكون التحنيك؟ A التحنيك يكون في يوم ولادة المولود، قبل أن يأكل أو يشرب شيئاً.

الحكمة من العقيقة

الحكمة من العقيقة Q ما الحكمة من العقيقة؟ A أولاً: الاستبشار بولود هذا المولود، وتصدقاً عنه، وعسى الله أن يزحزح عنه السوء؛ لأن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وكلما تُصُدِّق عن العبد أو دُفع عنه؛ دفع الله عنه الضراء والبأساء، والذي يقيك من مصارع السوء هي الأعمال الصالحة قال الله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] وخديجة رضي الله عنها تقول للرسول عليه الصلاة والسلام لما خاف: {كلا والله لا يخزيك الله أبداً -لماذا؟ - فإنك تقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتصل الرحم} فانظر كيف استدلت بالأفعال الجميلة. فإن المحسن، وقائم الليل، والكريم، ومقري الضيفان، والودود بالجيران، والبار بوالديه، وواصل الرحم لا يخزيه الله أبداً، حتى موته يأتي موتاً طبيعياً حبيباً.

حكم المولود الذي لم يتبين حاله

حكم المولود الذي لم يتبين حاله Q إذا لم يتبين المولود أنه ذكر أو أنثى، فما الحكم؟ A يبقى حتى تقوم البينة، ويشهد عدلان من المسلمين أنه ذكر أو أنثى.

حكم المولود الذي ليس له شعر

حكم المولود الذي ليس له شعر Q إذا كان المولود ليس له شعر فهل يمر الموس على رأسه؟ A إذا ولد وليس له شعر -فالله المستعان- لا يمر الموس على رأسه، فإن هذا تمويه وحلم!

حكم أكل الأهل من العقيقة

حكم أكل الأهل من العقيقة Q هل يجوز للأهل أن يأكلوا من العقيقة؟ A نعم. بل لهم العقيقة، يطبخونها ويأكلون ما شاءوا، وإذا أرادوا دعوا الجيران، وإن لم يستطيعوا فالله المستعان.

حكم التسمي بهدى وإيمان

حكم التسمي بهدى وإيمان Q هل يكره اسم هدى وإيمان؟ A من كره اسم هدى وإيمان فليس له دليل، بل هو طيب -إن شاء الله- وفيه تفاؤل؛ فلا يكره إلا بدليل.

الحكمة من حلق الشعر

الحكمة من حلق الشعر Q ما الحكمة من حلق شعر المولود؟ A لحكمة أرادها الله عزوجل. ونحن أننا نصلي الظهر أربعاً والمغرب ثلاثاً والفجر ركعتين، وما ندري ما الحكمة لكن سبحان الخالق!

ذبح الأنثى أو الذكر من الشياه

ذبح الأنثى أو الذكر من الشياه Q هل تكون الشاة ذكراً؟ A الشاة قد تطلق مجازاً على الذكر، لكن نص أهل العلم على أنها تكون ذكراً، وهذا قيد أغلبي، فغالباً تسمى شاة، مثل أن يقال: العمرين، أي: أبو بكر وعمر، والقمرين: الشمس والقمر.

الأسماء المنهي عنها

الأسماء المنهي عنها Q هل الأسماء المنهية هي الواردة في الحديث فقط؟ A لا أدري، لكن الحديث نص على هذه الأسماء، فإذا زدنا على هذه الأسماء مثل: سعيد وغيره، فسوف تصبح عندنا مشكلة، لكن الأسماء مقيدة. لكن أقول: الوارد عنه صلى الله عليه وسلم أنها أربعة أسماء، أما غيرها فلا. وغالب الأسماء الآن في المجتمع طيبة، وليس كل اسم طيب، فالمنهي عنه اسم يسار، لأن يسار اسم جنس عام في يسر الناس، وأفلح فلاح، ونجيح ورباح، أما غيرها فلا بأس.

حكم التسمي بضيف الله

حكم التسمي بضيف الله Q ما حكم التسمي بضيف الله وما شابهها؟ A ضيف الله وجار الله وزبن الله وغيره هذه أسماء ما عرفنا معانيها، فأنا لا أفتي في شيء لا أعرفه حتى نتبين منه، وأما ضيف الله فلا بأس به؛ تفاؤلاً أنه من ضيوف الله عزوجل، وجار الله كذلك، وقد سمي كثير من السلف جار الله، والعائذ بالله عزوجل فهذا لا بأس به.

حكم حديث: (احترسوا من الناس بسوء الظن)

حكم حديث: (احترسوا من الناس بسوء الظن) Q ما صحة هذا الحديث: {احترسوا من الناس بسوء الظن}؟ A لا يصح هذا الحديث مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما روي موقوفاً من كلام عمر بن الخطاب.

حكم حديث: (يا بن آدم جعلت لك قرارا)

حكم حديث: (يا بن آدم جعلت لك قراراً) Q حديث قدسي: {يا بن آدم، جعلت لك قراراً في بطن أمك، وغشيت وجهك بغشاء لئلا تنفل من رائحة رحم أمك، وجعلت وجهك إلى ظهر أمك لئلا تؤذيك رائحة الطعام، وجعلت لك متكئاً عن يمينك ومتكئاً عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فالكبد وأما الذي عن شمالك فالطحال، وعلمتك القيام} ما حال هذا الحديث؟ A هذا حديث لا يصح عنه صلى الله عليه وسلم، فكلامه ركيك، ولم يرفع إليه صلى الله عليه وسلم، ولم يصح بسند صحيح. وكلامه صلى الله عليه وسلم أغلى من الدر، وعليه نور، والكلام الموضوع عليه ظلمة، وكلامه صلى الله عليه وسلم: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35] فلا يصح هذا الحديث، وما يعلقون على المساجد إلا الموضوعة أما الصحيحة فلا يعلقونها، وبعض الناس يحفظ الأحاديث الموضوعة ولا يحفظ الصحيحة. وقد سئل بعض الناس: ماذا تحفظ من الأحاديث؟ فقال: أحفظ حديث: {تأخر الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: ماذا أخرك يا رسول الله؟ قال: أصنع لكل حق طبق}. حتى اللفظ ركيك، ما يصح. ولماذا لا يحفظ حديثاً من البخاري؟!

حكم القرعة

حكم القرعة Q هل القرعة سنة؟ A القرعة ليست بسنة، إنما من باب الجواز فحسب، أما أنه ورد أنها سنة فلم يرد.

حكم من لم يعق عن ولده

حكم من لم يعق عن ولده Q هل يأثم من لم يعق عن ولده؟ A ليس عليه شيء أبداً، ولا يخرج من دائرة أهل السنة والجماعة. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

المخرج من الفتنة

المخرج من الفتنة هذه المادة ترتكز على الإجابة على سؤالين: السؤال الأول: ما هي أسباب الفتن؟ السؤال الثاني: ما المخرج من الفتن؟ وكان السائل والمجيب هو الشيخ، فأسباب الفتن خمسة عشر سبباً، وأسباب الخروج من الفتن أربعة عشر سبباً كل هذا ذكر في هذه المادة بشيء من التفصيل.

الابتلاء بالفتن سنة الله

الابتلاء بالفتن سنة الله الحمد لله، الحمد لله ولي الصالحين، رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على رسول رب العالمين، وحجة الله على الناس أجمعين، وخاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. أشكركم شكراً جزيلاً على هذا الاجتماع، وأشكر إمام هذا المسجد الشيخ: يحيى بن موسى حامل القرآن على تفضله بهذا التقديم، وأسأل الله أن يجمعنا وإياكم في دار الكرامة. عنوان هذا اللقاء " المخرج من الفتنة " وهي الثامنة بعد الثلاثمائة، وأسأل الله عز وجل أن يخرجنا وإياكم من الفتن سالمين، وأن يردنا بالإيمان غانمين، وإذا أراد بقومٍ فتنة أن يقبضنا إليه مؤمنين مسلمين ثابتين على الحق. أنذرنا سُبحَانَهُ وَتَعَالى الفتن، وأخبرنا أنها أنواع، وبيَّن سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن من سننه أنه يبتلي بالفتن {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35]. وأخبرنا سُبحَانَهُ وَتَعَالى أنه لا بد من الفتن للمؤمنين ليمحصهم ويقبلهم فيمن قَبِلَ تبارك وتعالى. وللفتن أسباب ونحن نعيش فتناً، لأننا متأخرون عن الرسالة الخالدة، وعن صاحبها صلى الله عليه وسلم، ليس بيننا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، كان نوراً يمشي في الأرض، نوراً يمشي بين أصحابه، كان يكلمهم ويكلمونه، ويحدثهم ويحدثونه، وهذا أمر افتقدناه نحن. إذاً: من الفتن التي نعيشها: عدم وجود القدوة الذي فاتنا منذ زمن إلا من رحم ربك، والقدوة هو محمد عليه الصلاة والسلام. الأمر الثاني: كثرة منافذ الشر علينا، فنحن اليوم أصبحنا كقرية بين هذا العالم المترامي الأطراف، قرية ليس إلا، من كثرة ما يعج ويضج به العالم من الفتن والمغريات، والغزو والأحدوثات والأطروحات، أصبحنا في فتنة لا يعلمها إلا الله عز وجل. والسؤالان المطروحان هما: س1) ما هي أسباب الفتن؟ س2) ما المخرج من الفتن؟ وهذا اللقاء يدور على هذين السؤالين، أسأل الله أن يسدد في الإجابة عليهما إنه ولي التوفيق والقادر عليه.

أولا: أسباب الفتن

أولاً: أسباب الفتن .

الإعراض عن آيات الله

الإعراض عن آيات الله السبب الأول: الإعراض عن آيات الله عز وجل. أكبر فتنة أن يعرض الإنسان عن آيات الله، وعن بيته، وعن رسوله، وعن منهجه، فإذا أصيب بالإعراض رماه الله عز وجل بالخزي والعذاب في الآخرة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] وأهل العلم يقولون: من أراد الهداية وجدها، ويقول ابن القيم: من أصلح في شبابه تغمده الله في شيخوخته بالرضوان، ويقول المثل الصيني: الخط الذي طوله ألف ميل يبدأ بخطوة، أي: تمشي أنت فيه بخطوة. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] والله عز وجل يقول: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23] كيف يهتدي من لا يأتي إلى المسجد؟! كيف يهتدي من يسمع آيات الله ويعرض عنها؟! إذاً: أخبر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن من أسباب الفتن ومن أعظمها: الإعراض عن منهجه وعن آياته، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في قرية آمنة مطمئنة: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ:15 - 16] ونحن أشبه ما نكون بتلك القرية، نحن في نعيم لا يقدره إلا من كتبه وأنزله، نحن في رخاء وفي أمن وأمان، فكيف نحفظ هذا الأمن والرخاء؟ نحفظه في طاعة الله، بشكر الله وبعدم الإعراض عن منهجه، يأتيك أحياناً معرض أصابه قلق ويأسٌ ويشكو إليك يأسه وقلقه، فتقول: هل تصلي الفجر في جماعة؟ يقول: لا. فتقول له: قرأت القرآن؟ يقول: لا. فتقول: هل لك اطلاع على السنة؟ فيقول: لا. فكيف يهتدي؟! أليس هو المعرض؟!

نقض العهد

نقض العهد السبب الثاني: نقض العهد مع الله. كيف؟ الأمة التي عاهدت الله أن تنصر دينه، ثم نقضت عهدها بأن تولت إلى حطام الدنيا وإلى الشهوات والمغريات والنزوات، ولم تشكر الله، ولم تقم بميثاقه، هذا نقض. من نقض ميثاق الله: استبدال شريعة الله بشريعة أخرى. من نقض ميثاق الله: موالاة أعداء الله. من نقض ميثاق الله: الركون إلى أهل المعصية وتقديمهم على أهل الطاعة، قال سبحانه: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13]. يقول الحسن البصري: [[يا من دائماً ينقض الميثاق مع ربه: أما تخشى أن يقول لك في يوم من الأيام: هذا فراق بيني وبينك]]. موسى رافق الخضر عليهما السلام، فاعترض عليه ثلاث مرات، قال له أولاً لما خرق السفينة: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} [الكهف:71 - 73] فعذره، ثم مشى معه، فلما قتل النفس، قال: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} [الكهف:74 - 76]. لأنه قال له هنا: ألم أقل لك؟ وقبل قال: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ} [الكهف:72] فزاد الجار والمجرور تأكيداً له وتبييناً -لام العهد- أما قلت لك قبل قليل ونسيت {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} [الكهف:73] قال بعدها: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} [الكهف:76] فلما بنى الجدار الذي يريد أن ينقض، اعترض عليه؛ فقال: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78]. وقف عليه الصلاة والسلام عند هذه، وكان يتابع القصة بشغف وبعاطفة، ويتابعها بحياة، قال: {رحم الله موسى استعجل ليته صبر حتى يقص علينا من خبرهما}. كان عليه الصلاة والسلام مشتاقاً وشغوفاً ومتولهاً لأن يسمع كثيراً من القصة، لكن موسى عليه السلام استعجل ولم يصبر، قال صلى الله عليه وسلم: {ليته صبر حتى يقص علينا من خبرهما}. الشاهد: قال الخضر: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] فيقول الحسن: [[الخضر لم يتحمل ثلاث مرات، فأنت يا من ينقض عهده مع الله في كل يوم مرات أما تأمن من الله أن يقول: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78]]] وهذا للناقضين عهد الله. يقول الله عن بني إسرائيل: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} [المائدة:13]. هنا عقوبات، ولكن كيف نقضوا؟ قال أهل العلم: أولاً: أول نقض مخالفة نبيهم موسى عليه السلام. ثانياً: عاهدوا الله في ترك الربا، ثم أكلوا الربا جهاراً نهاراً. ثالثاً: فشا فيهم الزنا، وما أنكر منهم منكر. رابعاً: توعدهم الله في عدم الصيد يوم السبت، فصادوا يوم السبت وأخذوا السمك يوم الأحد، وقالوا: لا صيد. خامساً: حرم الله عليهم شحم الميتة، فجملوه وباعوه وأكلوا ثمنه. إلى غير ذلك من نقض العهود. قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [المائدة:13] فهم ملعونون على كل لسان نبيٍ مرسلٍ، وكل ملكٍ مقربٍ، وكل وليٍ صالحٍ. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13] يقول أهل العلم: اليهود المخالفون لو تناطحت جبال الدنيا أمام أعينهم ما اتعظوا!! ولذلك تجد من يقع في المعاصي، ومن يتهتك في الحرمات، والله لو أنذرته بالكتاب والسنة ليلاً نهاراً ما ارتدع. ويقبح بالفتى فعل التصابي وأقبح منه شيخٌ قد تفتى إذا ما لم يزدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا وإن ألقاك فهمك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا مشيت القهقرى وخبطت عشوا لعمرك لو وصلت لما رجعتا

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السبب الثالث: ترك الاحتساب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: من أسباب الفتن: أن تصدف الأمة وتترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظهرياً، ويعتذر جمهور الناس بأن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هيئة مسئولة تقوم بذلك، ويقول أحدهم: نفسي نفسي، ولا دخل لي في أمر الناس، والله يقول: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. أخبر عليه الصلاة والسلام {أن الرجل من بني إسرائيل يلقى الرجل في أول النهار، فيقول: اتق الله لا تفعل هذه -يعني: المعصية- قال: ثم لا يمنعه أن يكون أكيله وشريبه من آخر النهار} وهذا كفعل بعض الناس: يرى أحدهم الآخر على المعصية والانحراف ولا يمنعه أن يكون صديقه وجليسه، وسميره وحبيبه وقريبه. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] لماذا؟ {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[والله لا يتم أول الآية حتى يتم آخرها]] يعني: لا نكون خير أمة حتى نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله. يقول عليه الصلاة والسلام لـ أبي ثعلبة الخشني: {مر بالمعروف، وانه عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرةً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك خاصة نفسك ودع أمر العوام}. والمقصود من هذا: أن على المسلم أن يأمر بالمعروف بجهده وطاقته، لكن بالحكمة {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] لماذا يموت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! لماذا يُرى أهل المعاصي على الأرصفة وفي السكك والشوارع؟! المساجد تشكو إلى الله عز وجل من كثرة قطيعة المصلين، الحي الواحد يكتظ فيه مئات السكان ولا يصلي فيه إلا الأفراد، خاصةً في صلاة الفجر. بعض البيوت فيها ثمانية أو أكثر أو أقل، ولا يصلي إلا الواحد والاثنان، أليس هذا منكراً؟ أما يعلم الجار بجاره أنه لم يصل في المسجد؟! أما يعلم الجار أن جاره أكل الربا، واستمع الغناء، وخالف منهج الله؟! فما أمره ولا نهاه. من أعظم الفتن التي نعيشها نحن الآن: موت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان أجدادنا -كما تعلمون- على قلة علمهم، وقلة الوسائل التي توعيهم، يأمرون وينهون، ولكن أتينا في فترةٍ لا أمر ولا نهي فيها، وانحصر الأمر والنهي حتى فشت المعصية. قبل سنوات، ما يقارب العشرين سنة فيما أخبرنا به، أو أكثر كان شارب الدخان إذا مر بإحدى المدن يوصم بوصمة من الناس ويوقف ويحاسب على فعله هذا، لأنه خالف منهج الله، والآن أصبح أمراً سهلاً عادياً يتناوله الناس في المجالس والسيارات وفي المكاتب وفي بعض الفصول، وأصبح من ينهى عن الدخان كأنه معتوه. كان قديماً حلق اللحية يعتبر كأنه من الكبائر، لكن استَمرت الأمة على هذا وأصبحت ذنوب الأمة أعظم من حلق اللحية، الربا والزنا، موالاة أعداء الله عز وجل والتشبه بأعداء الله، الإعراض عن منهج الله، ترك الصلوات كل هذا أصبحت بجانبه هذه الأمور من الصغار، حتى إن الدعاة الذين يتكلمون -مثلاً- في تطويل الثياب، وفي حلق اللحى يقال لهم: لا يعرفون إلا هذه المسائل، ويقال لهم: ليس عندهم فقهٌ ولا بصيرةٌ؛ بسبب موت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد وصف عليه الصلاة والسلام أن الأمة يوم لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر كمثل من ركب سفينة، وقام بعضهم بخرق السفينة، فإن تركوهم هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن نهوهم، نجوا ونجوا جميعاً.

الغفلة من أسباب الفتن

الغفلة من أسباب الفتن السبب الرابع: الغفلة عن آياته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أي: عدم تدبر آياته في الكون، والآيات قسمان: كونية وهي: آيات الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الكون. وشرعية وهي: آيات القرآن. يقع زلزال في الكون أو بركان أو ريح شديدة أو مرض في الناس ويؤلونه إلى الطبيعة. تقضون والفلك المقدر ساخرٌ وتقدرون فتضحك الأقدار دمرت بعض المدن مما انتشر فيها من الفساد بزلزال وهلكوا في ثوانٍ، ولما نظروا إلى الرأي العام قالوا -حتى بعض المسلمين-: انكسار في القشرة الأرضية، فمن كسرها؟ ومن قدرها؟ ومن أرسلها؟ ومن أنشأها؟ ومن بدأها؟ {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]. هذه الآيات من آياته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جعلها ردعاً للناس، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] إنه السبب، وتأتي الغفلة عن آيات الله في الكون يوم يصدق هؤلاء الملاحدة الذين بنوا قواعدهم على هذا الأمر حتى فصلوا -مثلاً- مادة الجغرافيا عن الإيمان، وفصلوا التربية عن الإيمان، وفصلوا علم النفس عن الإيمان، وجعلوا كل ما يحدث للعبد من الطبيعة وفعل الحوادث والأيام، ونسوا الله عز وجل عن ذلك. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] والغفلة مرض نسأل الله أن يعافينا وإياكم منه وهو من أعظم علامات النفاق، فإن المنافق قد يسمع الحديث والموعظة والآية، لكن لا يستفيد، ولا يفهم، ولا يعقل. كان بعض المنافقين يصلي مع الرسول عليه الصلاة والسلام ومات على الكفر، كان عبد الله بن أبي يصلي في الصف الأول يوم الجمعة، لكن ختم الله على قلبه ومات كافراً، ولم تنفع فيه شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، إنه غفل عن طريق الهداية، وأصبح غير مستعد لأن يفهم الإسلام والإيمان وهو فعل بعض الناس، فكيف يهتدي من لا يستعد للفهم، ولا يستعد للتوجه؟! إن بعض الناس بصير بأمور الدنيا وعلومها وحضارتها، لكن لا يعرف في الدين شيئاً. يقول الرسول عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيحين: - {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} والذي لا يريد الله به خيراً لا يفقهه في دينه، ولا يهديه كتابه، ولا يعلمه سنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

الترف والبذخ من أسباب الفتن

الترف والبذخ من أسباب الفتن السبب الخامس: الترف والبذخ المنسي، فالأمة اليوم تعيش بذخاً وترفاً، الترف المتجاوز للحدود، ترف مالي وفكري ومادي، وترف حتى في الفراغ، فنحن نعيش حياة الترف، ومن يقارن بين حالتنا هذه وبين حالة آبائنا وأجدادنا يجد البون الشاسع، الترف في المساكن، والترف في المطاعم والمشارب، حتى أصبحت من مقاصد الأمة، وأصبح كثير من الناس يعمل لهذا الترف، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16]. أين الذين يملكون الملايين المملينة؟ هل صحيح أن جميعهم اتبع منهج الله في أمواله؟ هل صحيح أن كثيراً منهم اتقى الله في هذا المال الذي يكسبه؟ هل صحيح أن كثيراً منهم أرشد الإنفاق في الأموال هذه وأنفقها في سبيل الله؟ والله لو فعلوا ذلك لم يبق فقير ولا مسكين ولا أرملة، لكن انظر إلى الفقر، تجد هنا أناساً يعيشون الثراء، الثراء إلى النجوم، وأناس يعيشون الجوع، الجوع إلى التراب، ومن يدخل قرى مثل: قرى تهامة -وقد رأيتها بعيني- يجد هذا، يجد بعضهم لا يجد السكر الذي أصبح الآن من الكماليات، وبعض البيوت لا يغادره اللحم في الوجبات جميعاً، ولا يمكن أن ينفصل بيت بعضهم من اللحم، ولكن وجدنا في بعض القرى التي دخلناها أنا وثلة أكثر من ستين داعية وطالب علم من بعض المؤسسات التعليمية، وجدنا بعضهم لا يرى هذا السكر الذي معنا ونعتبره نحن سهلاً ميسراً. فأين الملايين؟ وأين البذخ؟ وأين الترف؟ تجد هذا الترف والبذخ الذي انحرف عن منهج الله أصبح شيكات سياحية إلى بانكوك وباريس ليُعصى الله عز وجل، أصبح رباً، سيارات من الربا، وفللاً من الربا، وبيوتاً من الربا، وملابس من الربا، أصبح هذا محاربة لله عز وجل في مثل ماذا؟ في مثل بيوت للغناء الماجن، وبيوت للفيديوهات المنحرفة، أصبح هذا المال يوم ما أرشد بتقوى الله عز وجل والخوف منه مالاً يتبع سنة قارون، وإلا فالمال والغنى إذا أرشد ووجه كان خيراً. دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه الجنة بماله، لأنه أنفقه في سبيل الله، وكان ابن عوف يملك الألوف المؤلفة، لكن أرضى ربه بماله، وأنقذ الأكباد الظامئة والبطون الجائعة. الترف هذا إن لم يوجه كان انتكاساً للشخصية، وكثير من الشباب بالاستقراء من أحوالهم وجد أن سبب إعراضهم عن طاعة الله عز وجل هو الترف، حتى ترك بعضهم مزاولة الأعمال الدنيوية مثل: العمل، والوظيفة بسبب أنه مترف. إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة فتصور شاباً ليس عنده إيمان، ولا يعرف المسجد ولا المصحف، ولا يتقي ربه، وعنده مال في جيبه، وعنده سيارة فاخرة، وعنده أموال مكدسة، وفلة بهية، كيف يكون ضائعاً!! حتى أننا عجزنا أن نقدم من أمتنا ومن بلادنا عمالاً لنا، وأصبح العمل عند بعض الناس عاراً، الدخول إلى المنجرة، إلى الخشابة، إلى تقديم الخدمات للناس أصبح كأنه عار عند بعض الناس من البذخ والترف، وإلا فزكريا عليه السلام كان نجاراً، وداود عليه السلام كان حداداً، وما من نبي إلا رعى الغنم، ولكن هكذا يضيع الترف الجيل، ويجعلهم متهرولين كسولين خاملين في الدنيا والآخرة. فمن أسباب الفتنة بل من أعظمها: الترف إذا لم يوجه لطاعة الله عز وجل ولرضوانه.

عدم أخذ العبر

عدم أخذ العبر السبب السادس: عدم أخذ العبر من المثلات؛ فنحن نعيش ونحن شباب الآن، لكن نجد المثلات والعبر في من حولنا، في الشعوب، انظر الآن إلى الخارطة! وانظر إلى الشعوب حتى في الشرق الأوسط والأدنى! كم من المثلات، وكم من الحروب والنزلات؟ كم من الغارات! وكم من المشاكل! أمة بينما هي نائمة سليمة وفي الصباح تُجتاح بجيش جرار، دولة من الدول ينقسم أفرادها وطوائفها إلى جيوش مجيشة تُرمى منازلها وتنسف وتحرق، ويقتل أطفالها، غارات، ريح شديدة يسلطها الله عز وجل فتقتلع المدن، أليست هذه مثلات؟ {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأحقاف:27] ويقول سبحانه: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} [إبراهيم:45] ومن يعرف تاريخ الأمم والشعوب، يعرف كيف نكبهم الله نكبات، وأنزل بهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مثلات، لأنهم غيروا منهجه، وما استفادوا من آياته البينات، لكن المشكلة في من لم يعتبر، وكثير من الناس الآن يعيش في الفتنة ولا يعتبر، وليس مستعداً لأن يعود إلى الله، ولا أن يغير ولو قلامة الظفر من حياته، هكذا رسخ على مبدئه الضال المنحرف.

لبس الحق بالباطل

لبس الحق بالباطل السبب السابع: تلبس الحق بالباطل {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام:9] بعض الناس يعيش في غبش، مرة يصلي ومرة يترك الصلاة، مرة مع أولياء الله ومرة مع أعداء الله، مرة يتلو كتاب الله باكياً خاشعاً ومرة يستمع الأغنية الماجنة معربداً، مرة بالسواك مع أولياء الله ومرة بالسيجارة مع المنحرفين، هذا من اللبس، فليس عنده منهج، ولا طريق، وهذه يشكوها كثير من البادئين في الهداية، تجده أحياناً في المسجد في المحاضرات والدروس، واليوم الآخر مع الشلل في المقاهي في الفراغ والضياع، مع البلوت والكيرم، مع الأغنية الماجنة والمجلة الساقطة، ما سبب هذا؟ إن سببه عدم اهتدائه وسلوكه وعدم جديته في الاهتداء، فإنه لو صدق مع الله؛ صدق الله معه {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] ويُتحدى أن يوجد هناك مهتد يريد الله ويخيبه الله أبداً، ولكن الزيغ يأتي من القلوب {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5]. هذا اللبس يعيشه كثير من الناس، حتى تجد أحياناً الكثير منهم، ولو كان أحدهم مستقيماً، لكنه ينال من الصالحين، وربما يستهزئ ببعض السنن، لأن في عقله لبساً، وفي قلبه مرضاً والناس ثلاثة أصناف: 1/ كافر، ومعه المنافق. 2/ مؤمن سديد. 3/ والوسط رجل في قلبه مرض. يعني: لم يشفَ قلبه، ليس عنده تصور سليم للهداية، وأنت تحتار فيه، وهذا ملبس فيه، وهو في فتنة الله أعلم بها! لا يُدرى هل هو إلى اليمين أم إلى اليسار.

العجب بحضارة الكافر

العجب بحضارة الكافر السبب الثامن: العجب بحضارة الكافر: نحن الآن في هذا القرن لم نقدم للبشرية شيئاً، لا قدمنا الإيمان للناس، ولا قدمنا لهم من التكنولوجيا شيئاً. أما الإيمان فانحسرنا نحن في أنفسنا، وعجزنا أن نستقيم على منهج الله، فكيف نقدم الإيمان للناس، أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام قدموا دين الله للناس ولم يكونوا يملكون وسائل، من الذي نشر الإسلام في أسبانيا؟ ومن الذي أوصل الإسلام إلى الهند؟ ومن الذي بلَّغ دين الله عز وجل إلى السند؟ من الذي أدخل لا إله إلا الله إلى كابل؟ ومن الذي نشر التوحيد في أفريقيا؟ إنهم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، لم يكونوا يملكون طائرات، ولا سيارات، ولا هواتف، ولا أجهزة اتصال، ولا تسهيلات، ومع ذلك بلغوا دين الله عز وجل، ونحن نملك القدرات، ولكن عجزنا في أنفسنا أن نستقيم على منهج الله فضلاً على أن ندعو الأمم لمنهج الله، الأمم ينادوننا صباح مساء أن نعرض عليهم بضاعتنا من الإيمان، لكننا لم نفعل، وأما في عالم المادة فلم نقدم شيئاً، كل شيء عندنا مستورد حتى الطباشير ومساحة السبورة والفوانيس!! نحن نعرف نأكل ونشرب ونرقد، ونغني ونرقص، أما أن نقدم للبشرية شيئاً فلا، فماذا قدمنا للبشرية؟ هم قدموا في عالم المادة وينتظرون منا عالم الروح، ولكن لم نفعل شيئاً، يقول الله عز وجل: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] ويقول سبحانه: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] فالعجب بحضارة الكافر هو من أسباب الفتن، حتى وجد من هزيمتنا الروحية أننا نرى الخواجة فنعده كأنه ملك نزل من السماء إلا من رحم ربك. الآن الاحترام المتبادل لأعداء الله كأنك إذا رأيته رأيت الحضارة والسمو والثقافة، وقد ركبت مع أحد الناس من أبناء هذه البلاد، وكان قد سافر إلى الخارج، وفي قلبه مرض وعقدة نفسية من البلاد، ويقول: إننا لا نزال متخلفين رجعيين، أنا رأيت الخارج ورأيت الحضارة، لكن نحن مظاهرنا غير حضارية، مثل ماذا عنده؟ مثل: لِبْسَتنَا هذه، يرى الزي هذا أنه مظهر غير حضاري، يرى أن نخلع هذه الغترة والطاقية ونمشي هكذا في الأسواق، لأنه يقول: العالم كله توحد على هذا الأمر وهو من المظاهر الحضارية، وهو في قلبه مرض، أن يجلس الرجل بجانب المرأة، يقول: أيأكلها إن جلس بجانبها! وأين الشريعة؟ لكنه نسي أنهم لما أتوا بالمظاهر الحضارية التي يزعم وقد رأيناهم نسوا منهج الله، أصبح الزنا عندهم بشكل رهيب، تعدٍ على حدود الله، أكل للربا، اختلاط للأنساب، الانفصام بالعلاقات الاجتماعية، والله إنك ترى السيارات بالمئات، ولا ترى ثلاثة في سيارة، وسألناهم ما السبب؟ قالوا: لأنه لا يوجد هناك علاقة بين الأسر، بينهم طلاق وانفصام وابتعاد، لأنهم لم يجدوا روح الإيمان. أمن المناظر الحضارية أن تقوم المرأة في الصباح إلى الكلب وتغسله بالصابون وتجلسه بجانبها في السيارة؟! أمن المناظر الحضارية أنك ترى الفتى يقبل الفتاة على الرصيف ولا يستنكر الناس؟! أمن المناظر الحضارية أن تمر بعشرات الناس في الحدائق العامة يبولون وقوفاً؟! أمن المناظر الحضارية أن ترى الواحد منهم لا يتطهر ولا يتطيب ولا يستنجي ولا يستجمر ولا يأخذ خصال الفطرة؟! أمن المناظر الحضارية أن تراه يأكل كالكلب بيساره ويجلس الكلب معه على المائدة؟! أمن المناظر الحضارية أن يمر عليه الشهران والثلاثة لا يغتسل من الجنابة؟! لكن هذا الذي يعجب بحضارة المادة وينسى حضارة الروح، وقد سبق في بعض اللقاءات أني ذكرت قصيدة لـ محمد إقبال اسمها: " بحثت عنك يا رسول الله! في ألمانيا " محمد إقبال شاعر الهند وباكستان هو لم يبحث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه شاعر متخيل مؤمن، ذهب يدرس الفلسفة وكان عنده دكتوراه في الفلسفة في بون، قال: بحثت عنك يا رسول الله! في ألمانيا فلم أجدك، وجدت السيارات والقاطرات والطائرات والبنات، ولكن ما وجدت الرحمة والعدل، أين أنت يا رسول الله؟ يقول: حضارة موجودة: سيارات وقاطرات وطائرات، لكن، ليس عندهم عدل، ولا رحمة، ولا حنان، ولا حب، ولا سلام انتحار وإزهاق للدماء، وزنا وربا، وبعد ذلك يعجب بهم بعض المفتونين من أبنائنا ويقلدونهم ويتشبهون بهم، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من تشبه بقومٍ فهو منهم}.

عدم إخلاص الولاء والبراء

عدم إخلاص الولاء والبراء السبب التاسع: عدم إخلاص الولاء والبراء: من هو ولينا؟ هو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هو الذي كرمنا بهذه الرسالة ورفع رءوسنا بين الناس {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:11] هذا نسب {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] والولاء لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. والله يخبرنا من هم أولياؤه؟ وما هي مواصفاتهم؟ وما هي شهاداتهم؟ وما هي ألوانهم؟ يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63] مؤمن متقٍ، ثم اسكن في خيمة، أو في قصر، أو في بيت من طين، أو في عش، لكن كن ولياً لله، كن مصلياً صائماً صادقاً متجهاً إلى الله، فأنت ولي الله والله وليك، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:55 - 56] وتفاجأ أحياناً يوم تجد بعض الناس يرافق رجلاً كافراً لا يصلي ولا يصوم، لماذا ترافقه؟ قال: صديقي. قلت: أترافقه وتحبه وتأكل معه وتنام معه وهو كافر!؟ قال: زميلي في العمل وأنا إذا انفصلت عنه جرحت مشاعره! سبحان الله! عدو لله وأنت تتولاه! بغيض إلى الله وأنت تحبه! متهتك في حدود الله وأنت تتقرب منه! يعني: ليس عندنا ولاء ولا براء. كان السلف الصالح إذا ترك الرجل المسجد هجروه {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} {بين المسلم والكافر ترك الصلاة}. إلى عهد قريب كان في بعض المدن والقرى إذا ترك الرجل منهم الصلاة في المسجد حاسبوه، حتى يذكر أنه في ناحية من النواحي كان إمام المسجد يحضر الجماعة بعد صلاة الفجر، فلان حاضر، فلان حاضر، فأتى رجل فترك الفجر يوم جمعة فلم يصل معهم، فلقيه الإمام بعد الجمعة، قال: لم تصل معنا الفجر يا فلان اليوم، قال: والله أخبرني الجماعة أنكم لا تُحضِّرون يوم الجمعة، يعني: كأنه لم يحضر إلا للتحضير. وفيها قصص طويلة، وكان فيها تعزير وتأديب، ولكن تفصمت المسألة حتى أن الإنسان يمر ببيت جاره ويراه ويصلي ويعود وهو في بيته ولا يقول: أف، بسبب موت القلوب، هذه هي الفتن. التاسع -كما قلت- عدم إخلاص الولاء والبراء، حتى تجد الناس لا ينزلون بحسب إيمانهم، ولي الله عز وجل ولو كانت وظيفته قليلة فالواجب أن يحترم ويقدر، لكن الناس الآن ينزلون بحسب مراتبهم في الدنيا، ولو كانوا أعداء الله عز وجل يقدر لمنزلته لا لدينه، يعظم ويحترم ويصدر في المجلس بينما ولي الله عز وجل يجلسونه آخر الناس، لأنه ليس لولائه ولا لحبه ولا لقدره قدر. دخل مجموعة من الشباب على عمر بن عبد العزيز -والقصة مكررة، لكن أعرضها الآن لمعرفة الولاء وقيمة الناس- دخل عليه مجموعة من الشباب وعمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد مجدد القرن الأول كان يحكم اثنتين وعشرين دولة إسلامية بلا إله إلا الله، كان في بيت من طين، كان عمر بن عبد العزيز ليس عنده إلا ثوب يغسله يوم الجمعة ويبقى في فراشه حتى يجف الثوب، ثم يقوم ويخطب في الناس، كان ينادي: من عنده مظلمة؟ من الذي ظلم؟ يقول أحد ولاته: والله إني بحثت في الصدقة -يعني: الزكاة- في بيوت لعلي أجد فقيراً، والله لم أجد فقيراً، لقد أغنى الناس، كان يقول: أين المقعدون؟ أين الفقراء؟ ينادى كل جمعة أين طلبة العلم؟ ومع ذلك رزقه الله رزقاً حلالاً واسعاً في ميزانية الدولة الإسلامية في عهده حتى قالوا: إن الفضة والذهب تصبر صبراً في المسجد {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ} [الأعراف:96] وهذه بركات الله عز وجل. المقصود: دخل عليه مجموعة من الشباب، قال لأحدهم: من أنت؟ قال: أنا ابن الأمير في عهد عبد الملك بن مروان -عهد الخليفة السابق- فسكت، سواء ابن أمير أو غيره، والثاني قال: أنا ابن قائد الجيش في عهد الوليد بن عبد الملك، فسكت، قال للثالث: وأنت؟ قال: أنا ابن قتادة بن النعمان الصحابي في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام الذي ضربت عينه بالسيف فسالت عليه إلى خده، فردها عليه الصلاة والسلام بيده، ثم قال الشاب: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد فبكى عمر بن عبد العزيز والتفت إلى الشاب، قال: حياك الله. تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ شيبا بماءٍ فعادا بعد أبوالا يقول: هذه المكارم، وهذه المواصفات والمؤهلات التي يفتخر بها الإنسان.

استصغار الذنوب

استصغار الذنوب السبب العاشر: استصغار الذنوب، إن استصغار الذنوب من علامة الفتنة والعياذ بالله! ذنوب كالجبال وتُستصغر، ولذلك تجد بعض الناس إذا حدثته عن ذنب، قال: هذا سهل وبسيط تحدثني عن هذا، وهل هذه قضيتنا؟ الأمر أسهل مما تتصور، والله غفور رحيم، وتجد أهل المعصية آمن الناس من الله، وأهل الطاعة أخوف الناس من الله. يقول الحسن البصري عن النفاق: [[ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق]] كيف هذا؟ أي: لا يخاف من المعاصي والنفاق إلا المؤمنون، وأما الفجرة فهم يأمنون من النفاق حتى يزكي أحدهم نفسه. الآن تارك الصلاة -مثلاً- تعال وقل له -والعياذ بالله-: فاسق، مع العلم أنه كافر، لأن من يترك الصلاة ليس فاسقاً فحسب عند أهل السنة والجماعة بل هو كافر خارج من الملة، وأفتى أهل العلم أنه لا يصلى عليه إذا مات، ولا يكفن، ولا يغسل، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وأن زوجته تخرج من عصمته ولو لم يطلقها، ولا يجوز لها أن تبقى معه ما دام يترك الصلاة. هو كافر ومع ذلك إذا قلت له: يا فاسق، ذابحك وقاتلك، ثم إذا ذكرت له تقصيره، قال: لا. أنا والحمد لله لست مقصراً، ونحن في بلاد إسلامية، وأنت لو خرجت إلى بلاد الكفر، رأيت العجب العجاب نحن بخير، يعني: ما بقي إلا نحن لم نخلع الثياب، وهذا استصغار الذنوب والخطايا، حتى يوجد في بعض البلدان أنه ليس لك أن تتكلم -وهو صحيح هذا- يعني -مثلاً-: إذا ذهبت إلى بعض البلدان التي لا يصلون فيها هل لك أن تتكلم في حلق اللحى، أو في تقصير الثياب؟ هذه مسائلهم أصبحت وعمت وطمت، حتى المسائل التي تتحدث عنها عن الإيمان، بعض الشعوب العربية دخلت فيها الماركسية الكفر والإلحاد والاستهزاء بدين الله، بعض الجيوش العربية كانت تأخذ المصاحف وتمزقها بالأحذية وهو كتاب الله عز وجل، وقرأت في بعض المذكرات أن أحد المجرمين الكبار الملاحدة وهو عربي يقول لأحد الدعاة: اذهبوا به إلى الزنزانة، قال هذا الداعية: يا رب إني مغلوب فانتصر، قال: ربك لو نزل حبسته معك في الزنزانة، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4] هذا استصغار الذنوب ومجاهرة الله عز وجل بالخطايا.

نكوص العلماء عن قول الحق

نكوص العلماء عن قول الحق السبب الحادي عشر: نكوص العلماء عن قول الحق: يعني: أن يسكت العلماء، وأن يخرس الدعاة، وألاَّ يتكلم أحد، يعني: قل الحق بسلامة، قل الحق بأسلوب، قل الحق بحكمة، لا أن تسكت {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63] فهذا سكوت أهل العلم أن يخرسوا ويسكتوا وألاَّ يتكلموا وألاَّ يبينوا للناس، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] الآن من يحفظ حديثاً، أو آية، يجب عليه أن يبلغها بالحكمة كما سمعها، يقول عليه الصلاة والسلام: {بلغوا عني ولو آية} ويقول: {نضر الله امرءاً سمع مني مقالة فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع} إن مسألة نفسي نفسي ليست في الدنيا هي في الآخرة يقولها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما في الدنيا فلا تقل نفسي نفسي، أنت والناس، أنت مسئول عن حيك، وعن جارك، وعن بيتك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] أما أن يسكت الناس بحجة أنهم لا دخل لهم بذنوب الناس، فهذا ليس بصحيح، يقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} والساكت عن الحق شيطان أخرس، ويوم سكت عن المعاصي استمرأها أهلها وتجرءوا عليها وأصبحوا يجاهرون بها مجاهرةً. حدثنا بعض العلماء في الرياض: أن رجلاً كان يحمل مسجلاً جعل فيه شريط أغنية وخرج، وكان مفتي الديار الشيخ: محمد بن إبراهيم -رحمه الله- موجوداً في الرياض، فأتى هذا يجاهر في السوق بهذه الأغنية نصحه الناس فما انتصح، فأخذه رجل من الهيئة وذهب به إلى الشيخ: محمد بن إبراهيم وأقيمت الدنيا وأقعدت وأخذ مسجله وأحرقه أمام الناس وكتب فيه تشهيراً، وقرئ بعد صلاة الجمعة، وعزر تعزيراً بالغاً. الآن أصبح هذا الفعل نضحك منه، تمر بالشارع والأغاني من كل جهة وبالمحلات وبالسيارات، وأنت لا تستطيع أن تقول اترك الأغنية، لأنه تدخل في الحريات، الآن العلمانيون يقولون: ما لله لله وما لقيصر لقيصر، ويقولون: الدين مسألة شخصية لك أنت وحدك لا تتدخل في حريات الآخرين، ولا تجرح شعور الآخرين، والله يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].

طول الأمد في المعصية

طول الأمد في المعصية السبب الثاني عشر: طول الأمد في المعصية: بعض الناس له سنوات في المعصية، ولا يريد أن يتوب، وبعضهم عنده خطط خمسية في المعاصي تقول له: تب إلى الله، قال: إذا تزوجت إن شاء الله، فيتزوج، تقول: ما لك لم تتب؟ قال: أحج وأتوب، فمن يوم إلى يوم حتى يلقى الله وهو عاصٍِ متهتك لحدود الله {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] لا يعود ولا يتوب، ولا يدري متى يؤخذ، ولكن هكذا يستمر، وهذا موجود في الناس، فإن بعضهم يخطط للتوبة ويسوف فيها حتى يلقى الله وهو نادم خاسر والعياذ بالله! طول الأمد يجعل على القلب راناً عليه من كثرة الذنوب والخطايا، ولذلك الشاب الذي في العشرين الهداية أسهل له من الشيخ العاصي الذي في الستين. الرسول عليه الصلاة والسلام استجاب له الشباب؛ لأنهم كانوا قريبين من الحق، لكن الكبار كـ أبي جهل والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف الذين ران عليهم الكفر والجاهلية، واشتعل في قلوبهم النفاق والإلحاد، رفضوا أن يستجيبوا له عليه الصلاة والسلام. فألله الله في المبادرة في الشباب وصرفه في مرضاة الله عز وجل، وتمثل مدحه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الفتية: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:13]. شباب الحق للإسلام عودوا فأنتم فجره وبكم يسود وأنتم سر نهضته قديماً وأنتم فجره الباهي الجديد

التذبذب في المواقف

التذبذب في المواقف السبب الثالث عشر: التذبذب في المواقف، كيف يكون التذبذب في المواقف؟ إنه عدم معرفة المنهجية، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} [النساء:143] مرة مستقيماً ومرة منحرفاً، فلا يدرى من أين هو، وهذا من علامة النفاق، وتجده لا يحمل منهج الله عز وجل في قلبه، يرضي الناس بسخط الله، وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: {من أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخط الناس برضا الله، رضي الله عنه وأرضى عليه الناس} مثل ماذا؟ مثل: أنك تمزح وتستهزئ بالآيات، أو بالرسول، أو بالإسلام حتى تضحك جلساءك، هذا سخط لله وإرضاء للناس، فيسخط الله ويسخطهم عليك -ونعوذ بالله من الخذلان- قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14 - 15] والاستهزاء وإرضاء الناس بسخط الله عز وجل ظاهرة منتشرة بين أهل النفاق. كان مع الرسول عليه الصلاة والسلام منافقون في تبوك، فجلسوا يسمرون في الليل، فيقول أحدهم: ما وجدنا كقرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أجبن عند اللقاء -يقصد الصحابة- يقول: كثرة أكل وجبن في اللقاء، فالله- عز وجل- أخبر رسوله بهذا فدعاهم صلى الله عليه وسلم وأخبرهم أنهم خرجوا من الملة وكفروا بالدين وعارضوا الله، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79] وللآية قصة: جاء رجل من المؤمنين بصدقة كثيرة عند الرسول عليه الصلاة والسلام ألوف من المال فوضعها أمامه، فتغامز المنافقون في المسجد -انظر في المسجد يصلون، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142]- فتغامزوا في المسجد، قالوا: صاحب هذا المال ما أراد إلا رياء وسمعة، وجاء رجل من المؤمنين بحفنة من التمر صدقة فوضعها في المسجد، فقالوا: ماذا تغني هذه الحفنة عن جيش كامل يجهزه الرسول صلى الله عليه وسلم؟! فالله عز وجل قال: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79]. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14 - 15]. العرب كانت تحب الصراحة، وتكره المجاملة والنفاق ولو في الجاهلية، يقول أحدهم: فإما أن تكون أخي بصدقٍ فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني فإني لو تخالفني شمالي ببغضٍ ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني

نسيان ذكر الله عز وجل

نسيان ذكر الله عز وجل السبب الرابع عشر: نسيان ذكر الله عز وجل: يقول سبحانه عن بني إسرائيل وعن أمثالهم: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً} [الأنعام:91] يعني: الشريعة تجعلونها قراطيس، فالمصحف أصبح عندنا أو عند الكثير مثل القراطيس، مظاهر فقط. القرآن -يا أيها الإخوة الكرام- ما أنزل إلا ليعمل به، ما أنزل إلا ليحكم به {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] القرآن ليس رقى فقط للمصاريع إذا صرع علينا مصروع فيه جان نقرأ عليه فقط، أو يقرأ في حفلات الزواج مثلما يفعل بعض الناس، أو على الأموات. القرآن للحياة، والعجب أن يترك على الرف وأن يهجر، وأن يستبدل به غيره، هذا من الخزي والعار والشنار والله المستعان. يقول سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:44 - 45]. نسيان الذكر عقوبة يعاقب بها الله عز وجل من شاء من عباده لانحرافهم عن منهجه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

تقديم الدنيا على الآخرة

تقديم الدنيا على الآخرة السبب الخامس عشر: تقديم الدنيا على الآخرة: يقول عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتتنافسوا فيها، فتهلككم كما أهلكت الذين من قبلكم} ووالله لقد وقع هذا، هل سمعت بالجدال والشجار بين الأرحام إلا يوم فتحت الدنيا؟ هل كان الرحم يجلس مع رحمه والصهر مع صهره والجار مع جاره بين يدي القاضي في مشكلة قبل أن تفتح الدنيا؟ هل كان الناس يتجادلون على الأراضي وعلى الأموال، وعلى خصومات السيارات، وعلى المعارض، وعلى الدنيا إلا يوم فتحت الدنيا؟ نعرف ونحن شباب أن الناس قبل عشرات السنوات كانوا أصفياء أحباء يجتمعون في بيت واحد ويجتمعون على سمر، وعلى حب ويتزاورون، فلما فتح الله عليهم الدنيا تهالكوا، لم يكن عندهم أراض، كان الإنسان عنده بيت وعنده دابة -حمار- وبقرة وثور، ويذهب في الصباح يحرث في مزرعته، ويأتي في المساء ويجلس مع جيرانه سمر وحب وصفاء ومزاح ووداد وزيارات وإخاء، فلما فتح الله عليهم بقطع الأراضي والأموال، تذابحوا وتناحروا، وسجن الكثير منهم، وتقاطعوا في الأرحام، وجلسوا في المشكلات. مررنا بقرية من قرى الجنوب، وقال لنا أحد الناس في القرية: والله إن صاحب هذا البيت وهذا ما بينهم إلا خط مزفلت لا يسلم على أخيه شقيقه من عشرين سنة، بسبب قطعة أرض. أين الإيمان؟ أين معنى الصلاة؟ أين معنى الخوف من الله؟ بعضهم -أقولها صراحة- يقول: والله لقد هممت أن أذبح فلاناً، لماذا؟ قال: لمزارع أخذها علي حسيبه الله، تجد المزارع ليست له ولا لذاك، لكن يخطط أن يغتاله في سبيل الله!! أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر لذلك الفقر لا يُخاف منه، إنما يُخاف من الغنى. والتشاحن لم يأت إلا من انفتاح الدنيا، حتى كلام الناس أصبح في الدنيا إذا دخلت المجالس الآن، أصبح التكلم عن الأسعار، حتى أصبح الناس الآن مع أسعار البترول، يعني: الأزمة الآن رفعت سعر البرميل، فأصبح حتى الذي لا يعرف أن يقرأ الفاتحة يلاحق سعر البرميل بسبب تعلق الناس بالدنيا وعدم تعلقهم بما يقربهم من الله , وإلا فلن يموت أحد جوعاً ما دام رزق الله وافراً، ولكننا نخاف -والله- من الدنيا أن تشتت فيما بيننا كما حدث، ونعوذ بالله من الخذلان والنكوص على الأعقاب. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} [النحل:107] أحبوا الدنيا على الآخرة، تجد الشيخ في السبعين من عمره لا زال يبني ويراقب البنائين ويقف بنفسه على حسن العمارة وحسن الصياغة كأنه يعيش بعد السبعين سبعين أخرى، فماذا قدم للآخرة؟ أنا رأيت في صحيفة مقابلة مع شيخ عمره (125سنة) من قرية من القرى ربما رأيتموها ماذا قدم هذا لعمره؟ سألوه: تزوج أكثر من ثلاثين امرأة، ما الفائدة؟ وعنده أبناء كثير، لكن لم يسألوه عن الدين، كم تصلي من النوافل؟ كم تذكر الله عز وجل؟ ما هو عملك اليومي؟ هل استفدت شيئاً من تجاربك في طول الحياة؟ ما هو الفرق بين الصُّفَّة التي عشتها فيها وهذه الصُّفَّة؟ الشكر لنعم الله عز وجل؟ كيف حالة الفقر الذي عشته وهذه الحالة؟ كيف الناس الذين عاهدتهم وهؤلاء الناس؟ هذه هي الأسئلة، أما أن تسأله ماذا يفطر في الصباح؟ يفطر بخبزه في الصباح فيها ثلاثة كيلو بر ويقول: لا يأكل من هذه المعلبات شيئاً لا من الصلصلة ولا شيء، ولذلك يقول: عظمي كالحجر ولا زال يصعد الجبل، هذا طيب، لكن ما هي الدروس والعبر من (125سنة). ابن تيمية عمره 63سنة قدم للأمة أكثر من 300 مجلد، قدم للأمة دمه، قدم للأمة علمه، وكثير من الناس ما هو ذكره؟ عبادته؟ صلاته؟ صلاحه؟ أثره في المجتمع؟ إصلاحه بين الناس؟ هذا هو الصحيح. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً} [الإنسان:27] واليوم الثقيل هو: الآخرة. فنحن أحببنا -صراحة لا يسلم من هذا أحد- الدنيا ورسخت في أذاهننا واستولت بحديثها على مجالسنا، وأصبحنا نخاف. لما جاءت فتنة الخليج هذه هرع الناس إلى الأسواق، إلى الرز والسكر وكدسوها في المخازن كأنهم لا يموتون، ونحن - الحمد لله- من أكثر الشعوب منافذ على البحر من كل جهة. والأمر الثاني -كما قيل-: لن تأكل أنت وجارك جائع، إذا قامت المشكلة أصبح الناس سواسية. والأمر الثالث: أين الثقة بموعود الله- عز وجل-؟ والواجب أنا نكدس للآخرة من العمل الصالح كما كدسنا للدنيا.

ثانيا: المخرج من الفتن

ثانياً: المخرج من الفتن أيها الفضلاء: ما هي أسباب الخروج من الفتنة بعدما سمعنا أسباب الفتن؟

السبب الأول: التضرع إلى الله عز وجل وصدق الدعاء

السبب الأول: التضرع إلى الله عز وجل وصدق الدعاء {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50] والفرار لا يكون إلا إليه بالتوبة النصوح وبالاستغفار دائماً وأبداً. حدثنا بعض كبار السن من الجنوب يقول: أتتنا سنة قحط حتى ما بقي لا سمينة، ولا خضراء، ولا زهر، ولا شيء، قال: فخرجنا يوماً من الأيام بالدواب نتضرع إلى الله عز وجل، قال: والله الذي لا إله إلا هو لم نعد من المصلى إلا والسيل يطم الأودية، بسبب أنهم تضرعوا وصدقوا مع الله، لكن نحن الآن صلينا صلاة الاستسقاء، ولا نيئس من روح الله، صلينا مرات كثيرة، لكنا خرجنا مقصرين مذنبين وخرجنا نلبس اللباس الجميل، والرسول صلى الله عليه وسلم خرج متبذلاً متضرعاً متمسكناً، خرجنا بالسيارات الفاخرة كأننا في يوم عيد، وخرجنا نتضاحك في المصلى، والرسول صلى الله عليه وسلم خرج مستغفراً داعياً متبتلاً إلى الله، وخرجنا وكثير منا أمواله في البنوك الربوية، وكثير كان يستمع الأغاني الماجنة، والكثير ربما ما صلى الفجر في المسجد تلك اللحظة، والكثير عق والديه وهجر والدته، أو أساء، فما كان لصلاة الاستسقاء أثر فكان الحال هو هو لم يتغير، ونحن نرجو من الله أن يغير الحال إلى الأحسن، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، ولا نيئس من روحه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:43] ويقول عز من قائل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]. أنا أذكر لكم فكاهة وقعت في بعض الأماكن: أناس يعرفون من صلاة الاستسقاء -حدثنا بعض الدعاة بهذا من حديث هذه القبيلة- يعرفون من صلاة الاستسقاء أنهم إذا استسقوا الله عز وجل أنه ينزل الغيث بإذن الله، لكنهم ليس فيهم إمام، وليس فيهم طالب علم لا يعرف أحد كيف يصلي بهم، فخرجوا بعد القحط فجلسوا في الصحراء في وادٍ من الأودية، وقالوا: يا ربنا نسألك أن تسقينا ظمئنا يا رب وانقطعت المياه ومواشينا، يعني: عرضوا الشكوى على الله عز وجل، وقالوا: والله الذي لا إله إلا هو لو كنت مكاننا وكنا مكانك لم نرض لك هذا الحال، ثم أخرجوا غترهم، قال: فأخذوا غترهم من على رءوسهم، قالوا: هذا بين يديك يا رب، أن تسقينا، قالوا: والله لقد نزل الغيث ذاك اليوم، وهذا برحمة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فأخذهم الله بنياتهم تبارك وتعالى لأنهم صدقوا مع الله {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62] ويقول تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].

السبب الثاني: الاهتداء بنور الوحي

السبب الثاني: الاهتداء بنور الوحي أي نور أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وفجَّره في الدنيا!! أي نور بثه للقلوب! أي نور سار في الدنيا من نوره ومشكاته صلى الله عليه وسلم! أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أين إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدونا خطاه {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] أين النور؟ نور الله الذي أتى به صلى الله عليه وسلم {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35] هذا النور وليس نور الكهرباء، ولا نور الشمس، ولا الضياء، إنما هو نور الرسالة، أن تهتدي بالإيمان، وأن تسلك سبيل القرآن، وأن تكون ولياً للواحد الديان، هذا هو النور. يقول سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى:52] الله يخاطب الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: أعطيناك روحاً فقد كنت ميتاً في أمة ميتة، أمة الصحراء، أنا وأنت، وأبي وأبوك، وجدي وجدك كنا نرعى البقر والإبل وجمالاً في الصحراء، فأتى صلى الله عليه وسلم وبعد (25سنة) انطلق المسلمون بهذه الرسالة، ملكوا ثلاثة أرباع الدنيا، كان عمر بن عبد العزيز يحكم في دمشق، وكان واليه في سمرقند وفي طاشقند وفي السند، وثلاثة أرباع روسيا كانت لنا. كم صرفتنا يد كنا نصرفها وبات يملكنا شعب ملكناه قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى:52] أي: كنا جثة هامدة فأرسل الله فينا روحاً وهو القرآن والإيمان {رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ} [الشورى:52] حتى الرسول عليه الصلاة والسلام كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولا يعرف أن يكتب اسمه، لكن العجيب أن القرآن كله في صدره والسنة كلها في صدره، وهو أخطب خطيب وأكبر مفتٍ، وأحسن قائد، أليس هذا معجزة؟ {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت:48 - 49] فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ} [الشورى:52] من أمرنا يعني: من شرعنا. أربعون سنة يعيشها صلى الله عليه وسلم في مكة مع قوم فقراء أشبه شيء بالبدو، لا تعلم ولا قرأ ولا كتب ويأتيه في غار حراء النور هذا الذي قصده الله عز وجل بقوله: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى:52] سبحان من يهدي! يهدي من يشاء ويضل من يشاء، يهدي ابن الفاجر فيصبح الابن هذا ولياً لله، ويصبح الأب شقياً من الأشقياء، ويضل ابن الرجل الصالح فيصبح الابن شقياً والوالد صالحاً {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس:31] حكمة بالغة وقدرة نافذة، فسبحان المصرف! سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] إلى طريق الجنة التي هي من أسباب الخروج من الفتن الاهتداء بنور الله عز وجل نور الوحي، الكتاب والسنة، الدروس والمواعظ والخطب ميراث محمد صلى الله عليه وسلم كلام العلماء.

السبب الثالث: الاقتداء بالمعصوم عليه الصلاة والسلام

السبب الثالث: الاقتداء بالمعصوم عليه الصلاة والسلام يقول صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما أرسلت به، إلا دخل النار} أليس بصحيح هذا؟ لا يسمع بدعوته صلى الله عليه وسلم يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن به إلا دخل النار. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] وقد تكرر قول ابن تيمية: من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدى غير هدى الله الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. يقول الشيخ: محمد بن عبد الوهاب مجدد الدعوة -رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به في الجنة- يقول: عامي موحِّد يغلب ألف مخلط، ولذلك كان العوام في دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب يهزمون الجيوش، كان يخافهم الإنجليز على حدود العراق، يحمل أحدهم المصحف والتوحيد ولا يعرف إلا لا إله إلا الله، ومحمداً رسول الله، ومنهج الله، فيغلب أعداء الله حتى يقولون: حامت عليهم مرة طيارة، فقال لهم القائد العسكري: ادخلوا الخيام، قالوا: الله فوق الطيارة أم الطيارة فوق الله؟ قال: لا. الله فوق الطيارة، قالوا: توكلنا على الله، فأسقطوها بإذن الله. {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174] يقول: كانوا قبل المعركة يتطيبون ويلبسون أكفانهم، ويقول أحدهم: هبت هبوب الجنة، أين أنت يا باغيها؟ لا غنائم، ولا قصور، ولا سيارات، ولذلك في كل عصر كل من صدق مع الله واتبع المعصوم، أنقذه الله عز وجل من الفتن.

السبب الرابع: اجتناب التشبه بأعداء الله عز وجل

السبب الرابع: اجتناب التشبه بأعداء الله عز وجل يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {من تشبه بقومٍ فهو منهم} وأكثر ما نحذره على أنفسنا التشبه، وقد وقع هذا في قطاع كبير من المسلمين التشبه بأعداء الله، التشبه في المظهر وفي الكلام، التشبه في الجلوس، وفي الأخذ والعطاء حتى أثر ذلك في معتقداتهم، ونحن قدوتنا وحبيبنا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فلماذا هذا التشبه؟ ولماذا هذا الانحراف؟ حتى دخل التشبه في صفوف النساء فيتشبهن بالرجال، والرجال يتشبهون بالنساء، يقول عليه الصلاة والسلام: {لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال}. في الرجال: كأن يلبس كلباس المرأة، أو يمشي كمشيتها، أو إذا تحدث رقق حديثه كالمرأة، أو يظهر في زيه زي المرأة، أو يلبس مثل لباس المرأة كالذهب والحرير. أو المرأة تفعل كفعل الرجل تزاول العمل الذي زاوله الرجل، وتتكلم بجرأة كجرأة الرجل، وتظهر بمظهر رجل، هذه ملعونة، فالعياذ بالله من الفتن: التشبه بين المؤمنين والكافرين وبين الصنفين من الرجال والنساء.

السبب الخامس: اليقين أمام الشبهات

السبب الخامس: اليقين أمام الشبهات اليقين: أن يكون عندك علم راسخ أمام كل شبهة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] أن تكون صاحب يقين، واليقين يحصل بأن تكون متأملاً دائماً ومتفكراً في آيات الله الكونية والشرعية، واليقين هذا هو العلم كله، وهو الرسوخ، يقول حافظ الحكمي رحمه الله: وهو رسوخ القلب في العرفان حتى يكون الغيب كالعيان وفسره عليه الصلاة والسلام بقوله: {هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك}. وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

السبب السادس: الصبر أمام الشهوات

السبب السادس: الصبر أمام الشهوات هذا عصر الفتن وعصر عدم الوازع الديني عصر قلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعصر الوسائل التي تبث بكل لغة وبكل أسلوب وبكل بهرج الفتنة، فكيف تقف؟ تقف صابراً محتسباً. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:23 - 24] فالصبر حتى تلقى الله عز وجل.

السبب السابع: قصر الأمل

السبب السابع: قصر الأمل ألا تطول أملك في الحياة، وأن تعرف أنك اقتربت، وأن أجلك قد قرب، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح.

السبب الثامن: تجديد التوبة والإنابة إلى الله والعودة إليه

السبب الثامن: تجديد التوبة والإنابة إلى الله والعودة إليه قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} [المائدة:74] {جددوا إيمانكم، قالوا: كيف؟ قال: بلا إله إلا الله والاستغفار} وفي حديث عند أبي يعلى في سنده كلام: {يقول الشيطان أهلكتُ الناس بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار} {وجاء عبد الله بن حريث إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله! إني أذنب، ثم أتوب، قال: تب إلى الله يتب الله عليك، قال: ثم أذنب قال: تب إلى الله، قال: ثم أذنب، قال: تب إلى الله، قال: إلى متى يا رسول الله؟ قال: إلى أن يكون الشيطان هو المدحور، وفي بعض الآثار: تب إلى الله ولو أذنبت في اليوم سبعين مرة}. يذكره ابن رجب وغيره.

السبب التاسع: القيام بشكر المنعم سبحانه وتعالى

السبب التاسع: القيام بشكر المنعم سبحانه وتعالى شكر اللسان: الثناء على الله، وشكر العين: البكاء من خشية الله، وشكر الجوارح: الحياء من الله بألا تفعل المعاصي {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] {وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152] ومن عصى الله فما شكره، ومن جعل نعم الله محاربة لله فقد كفر به {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ:15 - 16].

السبب العاشر: الدعوة إلى منهج الله عز وجل

السبب العاشر: الدعوة إلى منهج الله عز وجل كلنا دعاة، والواجب علينا إذا أردنا أن نحافظ على أمتنا، وعلى بلادنا، وعلى إيماننا، أن نكون دعاة {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79]. فالله الله بنشر هذا الخير، كلٌ بحسبه، وكلٌ بقدرته كما كان يفعل أجدادنا وأسلافنا من قبل، والله معنا.

السبب الحادي عشر: محاربة البدع والمحدثات

السبب الحادي عشر: محاربة البدع والمحدثات البدع هذه حرب لرسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، كلما رأيت مبتدعاً حاول أن تقنعه بترك بدعته، البدع في المعتقدات، البدع في العبادات، وما انهار كثير من العالم الإسلامي إلا بسبب البدع. طرق صوفية ضالة ما أنزل الله بها من سلطان، ومن يخرج إلى بعض الدول في الخارج يجد الأمر العجيب، يأتي المؤذن يؤذن -رأيناه في بعض البلاد- فقبل أن يؤذن يقرأ: قل هو الله أحد في الميكرفون ثلاث مرات ويصيح: صلوا على حبيبي، صلوا على حبيبي، فيصلي أهل المسجد، فإذا أذن مسح عينيه وقبل كفيه، أو إصبعيه، لأنه مسح عينيه، وبعد الصلاة يقوم الإمام ويقول: قراءة الفاتحة على روح المصطفى، ويبدءون يقرءون الفاتحة، ثم يقول حزبكم من القرآن. هذا خلاف سنة الرسول عليه الصلاة والسلام {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} ومن أعظم الفتن: البدع ووجودها، وانتشارها، والسكوت عليها -أعاذنا الله وإياكم منها- وما أتت رسالة أو تجديد دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- إلا لتجميد هذا المسار البدعي. كانوا يطوفون بالقبور، وكانوا يعوذون بالجن من بعض الناس، كانوا يأتون باللحوم ويعلقونها بالأشجار وكانوا يذهبون إلى الكهنة، وكان الرجل إذا لم تحمل امرأته؛ يذهب إلى شيخ القرية ويهدي له، وكانت هداياهم التيوس والدجاج -وهي منتشرة الآن في بعض النواحي والعياذ بالله- يقول عليه الصلاة والسلام: {من أتى كاهناً، أو عرافاً فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد} ومن أتى عرافاً فهو ملعون والعراف ملعون، ومن أتى كاهناً فهو ملعون والكاهن ملعون، وكذلك الساحر. ولا يزال بين الفينة والأخرى من يأتي فيخبرنا ببعض الأمور التي حدثت ورأينا كتاباً اسمه" الحرز " وكتاباً اسمه" الحجاب "فعله بعض المشعوذين عليهم غضب الله، وهم أعداء الرسل، ومن وجدهم فليبلغ بهم، وليرفع للمسئولين، وليكتب للعلماء، ومن سكت فهو مشارك لهم في الإثم، والعياذ بالله.

السبب الثاني عشر: إيجاد البدائل الإسلامية

السبب الثاني عشر: إيجاد البدائل الإسلامية أوجد بدل الأغنية الشريط الإسلامي وأدخله بيتك، بدل المجلة الخليعة تأتي بالمجلة الإسلامية والكتاب الإسلامي، بدل الجلسات التي جلست في العمر المنصرم والشباب الضائع في المقاهي اجلس مع الصالحين في المحاضرات والدروس وجلسات الخير، بدل الغيبة التي سلفت اذكر الله كثيراً، هذه البدائل الإسلامية.

السبب الثالث عشر: تعرية الباطل وإظهار عوار الجاهلية

السبب الثالث عشر: تعرية الباطل وإظهار عوار الجاهلية وهذا يطلب من الأساتذة والدعاة والعلماء والمربين أن يبينوا عور الجاهلية، وأن يبينوا خبث الحضارة المادية، والكفر، وأن يبينوا للناس مزايا الإسلام في المحاضرات والندوات.

السبب الرابع عشر: نشر علم الشريعة

السبب الرابع عشر: نشر علم الشريعة عسى الله أن يقيم هذه الشريعة وأن ينصرها وأن يرفع ميزانها، فإن سعادتنا مرهونة بالشريعة، نشر علم الشريعة أن تشجع ابنك وبيتك على سماع الشريعة، وحضور مجالسها التي يعرض فيها الفقه والتفسير، والحديث والعقيدة الموروثة عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام، لأن أهل الباطل ينشرون باطلهم -الكفر- يعني: من يذهب إلى بلاد الكفر يجد محاضرات الكفر يحضرها إلى مائتي ألف وثلاثمائة ألف، لها دعايات وقنوات، وصحف ومجلات، ووكالات ووسائل، فأهل الخير جديرون أن يتعاونوا، لأن هذه البلاد ما قامت إلا على الشريعة، ولن تصلح إلا بنشر الشريعة، فالله الله في نشر ميراث محمد صلى الله عليه وسلم وبالتواصي بالحق.

الأسئلة

الأسئلة

حتمية الصراع بين الحق والباطل

حتمية الصراع بين الحق والباطل Q لي حلقة قرآن أشرف عليها في إحدى القرى وأكثرهم من صغار السن، ولكنهم يشكون علي وجود شباب يضايقوننا في حلقات القرآن فماذا نفعل؟ A قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31]. الإنسان لا يجلس على طريق الحق إلا بأعداء، ومن سنة الله في الكون أن يجعل للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وللصالحين وللأولياء أعداء، ولا يصلح الإنسان إلا بعد الصراع بين الحق والباطل، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] وفي قراءة مشهورة {وَلَوْلا دِفَاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] هذا يدفع هذا، وهذا يضر هذا، وهذا ينكد على هذا، وهذا يعلق على هذا، وهذا يؤذي هذا {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان:20] هذا امتحان حتى يعلم الله الصادق من الكاذب، لكني أوصيك أن تتعامل معهم بالسماحة واللين، وأن تخبر أهل الخير في القرية علهم أن يكونوا معك، لأن الخير لا ينقطع، وحاول أن تعرض عليهم هذه المسألة ليحلوها فيما بينهم خاصة كبار أهل القرية، وإمام المسجد، وأهل الفضل من الأعيان.

الغناء كله حرام

الغناء كله حرام Q ورد في كلامك أن الغناء إذا وجه ورشد كان خيراً وخاصة بعد ذكرك للغناء فما معنى ذلك؟ A قد يلتبس هذا على بعض الناس، وأنا لم أقصد هذا، وربما إن كنت أخطأت لفظاً فأستغفر الله، بل الغناء كله محرم كما نص على ذلك علماؤنا وتعرفون أن الآجري والشوكاني قد نقلوا الإجماع عن أهل العلم بتحريم الغناء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكثير من العلماء رسائل في ذلك، وفتاوى كسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز، وفضيلة الشيخ: محمد بن صالح بن العثيمين، بل هيئة كبار العلماء بالإجماع يرون تحريمه كما حرمه الإمام مالك وأحمد والشافعي وأبو حنيفة، والصحابة مجمعون على ذلك وكذا التابعون، ولم يحله إلا بعض العقلانيين الذين لا يعرفون من الأحاديث ولا من السنة شيئاً.

فسوق من ترك صلاة الجماعة

فسوق من ترك صلاة الجماعة Q هل الذي لا يصلي الفجر يعتبر كافراً مع العلم أنه يصلي في وقت متأخر؟ A لا. ليس بكافر، من يصلي ولو آخر الصلاة يعني: في وقتها ليس بكافر، لكنه فاسق إذا ترك صلاة الجماعة بدون عذر، من يترك صلاة الجماعة عند أهل السنة فاسق وليس بكافر، بل فاسق ترد شهادته، ولا يؤتمن ولا يصدق، ويعتبر فاسقاً، لكن لا يخرج من الملة، لأنه صلى لكن في بيته.

وجوب الصلاة في جماعة

وجوب الصلاة في جماعة Q هل يجوز الصلاة في البيت علماً أن العذر هو البرد في الفجر واللهو في الأوقات الأخرى؟ A لا يجوز ترك الصلاة من أجل البرد، أو صلاتها بالبيت، وصلاة الجماعة عند أهل الحديث واجبة، صلاة الجماعة -أيها الإخوة الفضلاء- واجبة، وقد نص أهل العلم على ذلك وجمعوا ما يقارب أربعة عشر دليلاً على وجوب صلاة الجماعة في المسجد منها: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم بالنار} وقوله صلى الله عليه وسلم للأعمى لما قال: أتجد لي رخصة؟ قال: {أتسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، قال: نعم. قال: فأجب، فإني لا أجد لك رخصة} إلى غير ذلك من الأدلة، فهي واجبة.

العمل بالسنة

العمل بالسنة Q ما رأيك في إنسان إذا قلت له حينما يعطس يرحمك الله، قال: كويس صديق؟ A يظهر أن هذا باكستاني، عليك أن تعلمه السنة، وبعضهم يقول: متشكرين، فعليك أن تعلمه سنة الرسول عليه الصلاة والسلام.

وصول الأجر إلى الميت

وصول الأجر إلى الميت Q هل ثواب قراءة القرآن يصل إلى الميت؟ A نعم. الصحيح من أقوال أهل العلم أن ثواب قراءة القرآن يصل إلى الميت، والاستغفار والدعاء والصدقة كما قال صلى الله عليه وسلم: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له} حديث صحيح.

الغناء يورث النفاق

الغناء يورث النفاق Q هل الغناء يورث النفاق في القلب؟ A بلا شك، وهذا الذي حذر منه ابن القيم، وسماه رقية الشيطان، وقرآن الشيطان، وهو مكيدة ابتلي بها كثير من عباد الله حتى صرفهم عن منهج الله عز وجل. شكر الله لكم إنصاتكم واجتماعكم، وتغمدنا الله وإياكم برحمته، وجمعنا بكم في دار الكرامة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

إنما المؤمنون إخوة

إنما المؤمنون إخوة الأخوة من أوثق عرى الإيمان, وقد جاء الإسلام والعرب متفرقون يتقاتلون على الشاة والبعير, وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الأخوة أيما حث, وامتن الله بها على المسلمين أيما امتنان, وللأخوة أسباب تزيدها قوة, وللشيطان في إفسادها وسائل, وفي هذا الدرس تفصيل لكل لذلك.

المحبة والإخاء

المحبة والإخاء الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السمات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير. الحمد لله وحده, الحمد لله الكريم المتعال, ذي الجلال والكمال والجمال, والصلاة والسلام على معلم الخير, ما اتصلت أذن بخبر, وما تألقت عين لنظر, وما هتف الورق على الشجر, وما هطل المطر, والصلاة والسلام على محرر القلوب, وباني مجد الشعوب, وقائد القبائل إلى علام الغيوب, والصلاة والسلام على الإنسان العظيم, والزعيم الكريم, والشريف في الشرف الصميم, وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. يا رب حمداً ليس غيرك يحمد يا من له كل الخلائق تصمد أبواب كل ملوك الأرض قد أوصدت ورأيت بابك واسعاً لا يوصد العارفون بنور وجهك آمنوا عافوا بحبك نومهم فتهجدوا يا رب! يا من حببنا وحبب الناس إلينا! أسألك أن تجمع بيننا وبينهم في دار الكرامة. اللهم إنا التقينا من قبائل متعددة, ومن أسر متباينة, ومن شعوب ومن أودية, ما جمعتنا إلا (لا إله إلا الله) ولا أتت بنا إلا (لا إله إلا الله) ولا أجلسنا هنا إلا (لا إله إلا الله). اللهم إن الناس قد اجتمعوا علىالدنيا, وتآخوا علىالمنافع, وتصاحبوا على المصالح, أما نحن فمصلحتنا دينك, ومنفعتنا حبك, ونسبنا تقواك, يقربنا ما يقرب رسولك منك, ويباعدنا معصيتك يوم نعوذ بك من أن نعصيك, اللهم فاجمع بيننا وبينهم في دار الكرامة.

مباهاة الله بعباده الذين اجتمعوا على محبته

مباهاة الله بعباده الذين اجتمعوا على محبته نعم أيها الأجلة يا حفظة الإسلام يا أيتها الأمة الخالدة التي تكرر في اجتماعها لتعلن توحيدها! الناس يجتمعون للطرب وللهو, وأنتم الآن وبعد الآن وقبل الآن تجتمعون لذكر الواحد الأحد. أما الله فقد باهى بكم هذه الليلة ملائكته, يعرف موقعكم ويعلم مكانكم سبحانه حيث قال: {لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] وقال: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59] ويعلم أين اجتمعتم, ولماذا اجتمعتم؟ فيباهي بكم الملائكة يقول: {انظروا لعبادي اجتمعوا على ذكري وحبي. أشهدكم أني غفرت لهم} فغفرانك اللهم ورحمتك يا رب العالمين. ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما

المؤمنون إخوة وشرفهم في التقوى

المؤمنون إخوة وشرفهم في التقوى أيها الأجلة الكرام عنوان المحاضرة "إنما المؤمنون إخوة" قالها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه, وأتى بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام في الأرض, وآخى بين أصحابه, لا قبائل ولا حزبيات ولا عصبيات ولا ألوان؛ لا أحمر ولا أبيض ولا أسود, قال جل شأنه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] هذا كلام الباري؛ أكرمنا أقربنا إلى الله, وليس أكرمنا فلان بن فلان, يقول عليه الصلاة والسلام في حديث حسن: {والذي نفسي بيده، لا يزال أقوام يفتخرون بآبائهم حتى يكونون جثى من جثى جهنم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. لا تقل أصلي وفصلي يا فتى إنما أصل الفتى ما قد حصل ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقى الله البطل أتى محمد عليه الصلاة والسلام وأبو جهل يقول: أنا من بني مخزوم, أنا سيد قريش وأنا وأنا لكن لما كفر بلا إله إلا الله؛ أدخله الله على وجهه في النار فما نفعته أسرته. أما بلال العبد الرقيق المولى الأسود, لما آمن بلا إله إلا الله, وسجد لرب الناس, وأذن في الأرض لمنادي السماء أصبح سيداً من السادات, يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]] يعني: بلالاً. وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: {دخلت الجنة البارحة فسمعت دفي نعليك يا بلال , فماذا كنت تصنع؟ قال: يا رسول الله! ما أنا بكثير صيام ولا صلاة ولا صدقة, لكني ما توضأت في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت ركعتين} هذا هو بلال.

أخوة الإيمان

أخوة الإيمان وسلمان الفارسي أتى من أرض فارس فدخل في الدين, فيروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {سلمان منا آل البيت} لكن ما معنى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]؟ إنها أخوة أعظم من أخوة النسب, وأعظم من قرب الحسب؛ لأنها أخوة تصلهم بالله عز وجل, يقول عز من قائل للمؤمنين: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103].

سبب نزول آية: (واعتصموا بحبل الله)

سبب نزول آية: (واعتصموا بحبل الله) وسبب نزول هذه الآية؟ كما ذكر ابن جرير وغيره: أن الأوس والخزوج أنصار الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة تآخوا وتآلفوا وتحابوا حتى أصبحوا أعظم محبة وإخاءً من إخوة الآباء والأمهات, فغاظ اليهود هذا الإخاء, وأتى يهودي مجرم هو " ابن شاس " من يهود المدينة , فدخل على الأوس والخزرج وهم في المسجد فقال: أنسيتم حروب الجاهلية؟ أنسيتم -يا أوس- مقتلة الخزرج فيكم؟ وأنتم يا الخزرج أنسيتم مقتلة الأوس فيكم؟ حتى أشعل الفتنة, فتذكروا الجاهلية وثارت الحمية -والرسول عليه الصلاة والسلام في بيته- فقام شاب من الخزرج فسلَّ سيفه وقال: يا للطيمه يا للطيمه فقام أوسي, فتواعدوا إلى الحرة -ظاهر المدينة - وخرجت القبيلتان والموت يبرق من سيوفهم, لأن القبائل يوم تنسى (لا إله إلا الله). ويوم تنسى رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام ويوم تنسى الحب الذي أنزله الله في كتابه ويوم تنسى الجنة والنار والصراط والميزان تصبح كأنها قطيع من البهائم في الغابة, أخذوا السيوف, وصفوا الصفوف, وأرادوا أن يقتتلوا, وسمع عليه الصلاة والسلام الخبر, فخرج من بيته وهو يقول: {حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} يقول أهل العلم: "خرج بلا حذاء يجر إزاره" ووصل بين الصفين والسيوف قد سلت, والموت الأحمر يتقاطر من رءوس السيوف, ووقف بين الصفين, وقال: {يا أيها الناس: أما كنتم ضلالاً فهداكم الله بي؟ أما كنتم متفرقين فجمعكم الله بي؟ أما كنتم متحاربين فآخى الله بينكم بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله, قال: ألست فيكم؟ قالوا: بلى, قال: أما نزل الوحي عليّ وأنا بين أظهركم؟ قالوا: بلى, قال: فما هذا؟! فوضعوا السيوف على التراب, وقالوا: نستغفر الله, ثم أقبلوا يتباكون الصفوف بالصفوف وتعانقوا, وأخذ بعضهم يبكي وهو يعانق أخاه} ويقول فيهم الشاعر: إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها فأنزل الله أول الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} [آل عمران:100] أي: كيف تقتتلون؟ كيف تتباغضون؟ كيف تتناحرون؟ كيف تتقاطعون؟ كيف تسري فيكم الفتنة؟ {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} [آل عمران:101] أليس فيكم القرآن؟ أليست فيكم الرسالة الخالدة؟ {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:101] وتعتصم بالله وبالتوجه إلى الكتاب والسنة, وأن تخلص قلبك لله, وتطهر قلبك وعينك وسمعك ويدك ورجلك لتكون عبداً لله. كان عمر يبكي في ظلام الليل وهو ساجد في البيت ويقول: [[اللهم اجعلني عبداً لك وحدك]] قال أهل العلم: "يعني عبداً لله لا عبداً لغيره" لأن بعض الناس عبد لله وعبد لوظيفته ومنصبه وماله؛ لكن المؤمن عبد لله وحده. يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة, تعس عبد الخميلة, تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش} ثم قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. كان سفيان الثوري إذا قرأ هذه الآية بكى حتى تكاد أضلاعه تختلف, قالوا: ما لك؟ قال: "أخشى أن أموت على غير الإسلام" {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] لأن الخاتمة عند الله عز وجل, والخاتمة أمرها خطير, قال ابن القيم: "من شب على شيء؛ شاب عليه, ومن عاش على شيء؛ توفاه الله عليه, ومن أسعد شبابه وأسعد حياته بتقوى الله؛ سلمه الله حتى يلقى الله على لا إله إلا الله". ثم قال سبحانه بعدها: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} [آل عمران:103] قال مجاهد: "حبل الله الإسلام" وقال غيره: "حبل الله الرسول صلى الله عليه وسلم" وقال الثالث: "حبل الله القرآن" والصحيح أن حبل الله الإسلام والرسول والقرآن, هذا حبل الله الذي أنزله من السماء.

الأخوة قبل البعثة وبعدها

الأخوة قبل البعثة وبعدها أيها الإخوة الكرام أيها الأماجد! يا حملة لا إله إلا الله! كانت الجزيرة قبل مبعث الرسول عليه الصلاة والسلام جزيرة فقيرة مظلمة, لكل قبيلة صنم من الأصنام, لدوس في بلاد زهران صنم, وللأزد في هذه المنطقة صنم, ولقريش صنم, ولمذحج صنم, وللأوس والخزوج صنم, ولكل قبيلة خشبة أو شجرة أو صخرة يعبدونها من دون الله, سلب ونهب, زنا وكذب؛ غش وخيانة, كان الأخ يقتل أخاه على مورد الشاة, كانوا يرعون الغنم بوثنيتهم ويتذابحون على موارد المياه. فلما أراد الله أن يحيي هذه الأمة أرسل محمداً عليه الصلاة والسلام, فأخرجهم من الظلمات إلى النور؛ يقول سبحانه ممتناً على الناس: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] فلا إله إلا الله! كم لرسالته علينا من منة! أتى الإنسان وهو لا يعرف كيف يتوضأ, ولا يستنجي, ولا يتطهر, ولا يغتسل من الجنابة, ولا يقلم أظفاره, ولا يأخذ من شاربه, ولا يتطيب ولا يلبس الجميل, فجعله مؤدباً جميلاً محبوباً إلى الله, وقد كان الإنسان يقتل ابنته, ويزني, ويشرب الخمر, ويأكل الربا, فهذبه وحرم عليه هذه الأمور. أتى الإنسان, وكان كالبهيمة فعلمه أن هناك جنة وناراً وحسابا ًوميزاناً وصراطاً, وكان الإنسان ظالماً لا يعرف شيئاً, فعلمه آيات الله والحكمة حتى أحيا هذه الأمة. بعد خمس وعشرين سنة استولى الصحابة على العالم, اثنتان وعشرون دولة يحكمها عمر بن الخطاب وهو في المدينة , وكان عليه ثياب من الصوف مرقعة ممزقة فيها أربع عشرة رقعة, أرسل ملك فارس الهرمزان إلى عمر ليفاوضه, فكان الهرمزان معه وفد يلبس الذهب, كان في هم وغم كيف يقابل عمر , وكيف يستطيع أن يتكلم إلى عمر؟ فلما وصل إلى المدينة قال: أين قصر عمر؟ قالوا: لا قصر له, قال: أين حرسه؟ قالوا: لا حرس له, قال: أين مكانه؟ قالوا: هذا بيته. فأتوا فإذا بيته من طين, فطرق على الباب فخرج ابن لـ عمر صغير, قال: أين أبوك؟ أين الخليفة؟ قال: أبي خرج من عندنا, وقد يكون نائماً في المسجد. كان عمر ينام في الليل والنهار ساعتين, تقول له زوجته: لماذا لا تنام في الليل, تترك النوم في الليل والنهار, قال: [[لو نمت في الليل؛ لضاعت نفسي، ولو نمت في النهار؛ لضاعت رعيتي]]. قال ابنه: التمسوه في المسجد, خرج إلى المسجد فلم يجده, فبحث عنه مع بعض الصحابة فوجدوه نائماً تحت شجرة, أخذ حجراً تحت رأسه, وأخذ بردته الممزقة وعصاه بجانبه, قال: الهرمزان وهو يهتز: هذا عمر قالوا: هذا عمر , قال: هذا الخليفة؟ قالوا: هذا الخليفة, قال: هذا أمير المؤمنين؟ قالوا: هذا أمير المؤمنين, فقال وعمر نائم: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت" يقول حافظ إبراهيم شاعر مصر: وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها فقال قولة حق أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها رحم الله عمر , ورحم الله أولئك الملأ والأساطين الذين فتحوا الدنيا بالدين, يقول عمر في الإخاء: [[والله إنه ليطول عليَّ الليل إذا تذكرت أخي في الله فأتمنى الصباح فإذا أصبح الصباح، عانقته شوقاً إليه]] وورد في ترجمة عمر: "أنه تذكر معاذاً في الليل, ومعاذ يصلي معه دائماً, فما نام عمر من الشوق حتى صلَّى الفجر حتى قال: أين أخي معاذ؟ قال: أنا عندك, فعانقه وبكى! ". هؤلاء قوم صفَّى الله قلوبهم بالإخاء, وجعلهم الله عز وجل ورثة الأرض, وليس ببعيد أن نشابههم عندما نعرف الدين, ومتى ما فقهنا كتاب الله, ومتى ما علمنا سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام, يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للرسول عليه الصلاة والسلام: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] معنى الآية: والله الذي لا إله إلا هو, لو أنفقت الدنيا ذهبا ًوفضة, ما ألفت بين قلوبهم, ولا آخيت بينهم. ونحن نرى اليوم أن من يصلح صلحاً على غير الدين, وعلى غير لا إله إلا الله, أن الله يجعل صلحهم دماراً وخراباً, ويجعل اجتماعهم فتنة, ويجعل عزتهم ذلة, ويجعل غناهم فقراً, لأنهم اجتمعوا على غير طاعة الله. نرى القبائل يوم تتحزب على الشر والباطل والظلم؛ جعلها الله قبائل منكوبة, قبائل مهزومة فاشلة, لأنها تآخت على غير تقوى الله.

العفو والتسامح

العفو والتسامح قال الله عز وجل: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال:63] أي: من الذي يحبب بعض القلوب لبعض إلا الله {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. قبائل العرب أكثر من ثلاثين قبيلة, لما آخى صلى الله عليه وسلم بينهم أصبحوا أمة واحدة, يقاتلون في صف واحد, ويصلون في صف واحد. وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني

نموذج للعفو والتسامح

نموذج للعفو والتسامح عند البخاري في الصحيح: أن الصحابة اجتمعوا في مجلس يتشاورون في أمر الحرب, وكان معهم خالد بن الوليد سيف الله الذي خاض مائة معركة ما هزمت له راية أبداً, ومعهم بلال بن رباح , المولى العبد الذي رفعه الإسلام حتى أصبح سيداً من السادات, مؤذن الأرض لنداء السماء, ومعهم أبو ذر؛ فتكلم بلال فرد عليه أبو ذر قائلاً: حتى أنت يابن السوداء, وهذه الكلمة سيئة, ولا تغتفر في الإسلام إلا بالتوبة والاستغفار, لماذا أديننا دين الألوان؟ أديننا دين التحزبات والعصبيات الجاهلية؟ أديننا دين الأسر التي تبني مجدها على جماجم الناس؟ لا والله, ديننا دين إخاء وحب. فذهب بلال وقال: والله لأرفعنك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام, وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره, وقال: يا رسول الله! تكلمت فقال لي كذا وكذا , فاحمر وجهه عليه الصلاة والسلام, فاستدعى أبا ذر , قال أبو ذر: {والله ما علمت هل رد عليّ السلام أو لا من الغضب, ثم قال: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية قال: يا رسول الله! أعلى كبر سني وشيبتي؟ قال: نعم إنك امرؤ فيك جاهلية} فخرج أبو ذر وقال: لا جرم والله لأنصفن بلالاً من نفسي, وأقبل بلال يمشي في الطريق فوضع أبو ذر رأسه على التراب, وقال: طأ يا بلال رأسي برجلك, لا أرفع رأسي حتى تطأه برجلك, فرجلك أكرم من رأسي -فماذا فعل بلال؟ - فبكى بلال! وقال: والله لا أطأ رأسك أنت أخي وحبيبي, فتعانقا والتزما وبكيا. إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها يقول سبحانه عن المؤمنين: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54] أذلة جمع ذليل, أي: أنه ذليل مع إخوانه, وأما مع الكفار فعزيز قوي, لكن الجاهلية عكس هذه الصورة؛ فإنها جعلت من الإنسان أسداً هصوراً على جيرانه وأرحامه وقبيلته, وذليلاً مخادعاً جباناً أمام الكفار والأعداء, فنسأل الله أن يصلح الحال. ويقول سحبانه في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29].

المثل الأعلى في الذلة للمؤمنين والصفح عمن أساء

المثل الأعلى في الذلة للمؤمنين والصفح عمن أساء يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الله أمرني أن أصل من قطعني, وأن أعطي من حرمني, وأن أعفو عن من ظلمني} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وفي البخاري: {جاء رجل من الأعراب للرسول عليه الصلاة والسلام, وكان على الرسول صلى الله عليه وسلم بردة نجرانية غليظة الحاشية, فجره الأعرابي من البردة حتى أثر في عنق المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فلما التفت إليه عليه الصلاة والسلام قال الأعرابي البدوي: يا محمد! أعطني من مال الله الذي عندك, لا مال أبيك ولا من مال أمك؟ فتبسم عليه الصلاة والسلام! وأمر له بعطاء فأنزل الله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]} يقول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا, ولا تؤمنوا حتى تحابوا؛ أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم} معنى ذلك: أن تسلم على من عرفت ومن لم تعرف من المسلمين. معنى ذلك: أن تتبسم في وجوه الناس, فإن تبسمك في وجه أخيك صدقة, والكلمة الطيبة صدقة, وسوف أذكر إن شاء الله أسباب الحب والألفة في آخر المحاضرة. يقول سبحانه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3] يقول ابن أبي حاتم: "كان الصحابة إذا اجتمعوا لا يتفرقون حتى يقرءوا هذه السورة".

رجل من أهل الجنة

رجل من أهل الجنة واسمعوا إلى قصة طريفة مكررة, لكن كلما كررت كانت أحلى وأحلى, كان عليه الصلاة والسلام جالساً مع أصحابه في المسجد, يذكرهم بالله, وكما يقول ابن القيم: "كانت مجالسه ذكراً لله" أنفاسه ذكر, وكلامه ذكر, ونومه ذكر, وأكله ذكر, وشربه ذكر, وممشاه ذكر لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, ولما جلس الصحابة, وإذا برجل كبير في سنه, دخل وماء الوضوء يتقاطر من لحيته, وحذاؤه تحت إبطه, وهذه علامة التوحيد والإيمان, والله عز وجل يضحك إلى ثلاثة كما في الحديث عند الطبراني -ولله ضحك يليق بجلاله- لما قال عليه الصلاة والسلام: {يضحك ربنا تبسم أعرابي بدوي, فقال له عليه الصلاة والسلام: ما لك تتبسم؟ قال: لا نعدم من رب يضحك خيراً -يقول: ما دام ربنا يضحك فهذا علامة على أنه سوف يرحمنا ويعطف علينا ويلطف بنا, وسوف يغفر لنا, وأملنا في الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كبير- يضحك الله إلى ثلاثة: أولهم: رجل خرج في الصحراء مع قافلة مسافرين معهم مطاياهم, سافروا من أول الليل إلى آخر الليل, فلما قرب الصبح نزلوا في مكان, وكانوا متعبين مجهدين من مشقة السفر فناموا جميعاً إلا رجل منهم ما نام -في قلبه حرارة لا إله إلا الله, في قلبه الحب لله, في قلبه وقود من الإيمان, في قلبه جذوة تتحرك بـ (الله أكبر) - قام إلى ماء عنده, فأخرجه من على ظهر مطيته, فتوضأ حتى تقاطرت لحيته وأعضاؤه بالماء, ثم استقبل القبلة يصلي ويبكي, فجمع الله الملائكة في السماء وقال: يا ملائكتي! انظروا لعبدي هذا ترك فراشه الوفير ولحافه الدفيء, وقام إلى الماء ليتوضأ, وقام يدعوني, أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة}. هذا أعظم نموذج في الحياة, هذا قيام الليل, لكنني أسأل من يتأخر عن صلاة الفجر: ما هو عذره يوم يتأخر عن صلاة الفجر؟ كيف يلقى الله يوم القيامة؟ ماذا يقول لله يوم القيامة؟ إذا قال الله له: أما جعلت بدنك صحيحاً؟ أما أغنيتك؟ أما جعلت لك عينين؟ أما جعلت لك شفتين؟ أما هديتك النجدين؟ أما قومت لك رجلين؟ أما منحتك يدين؟ أما منحتك أذنين؟ أما أسمعتك الله أكبر الله أكبر, الله أكبر الله أكبر؟! أما جعلت لك الليل سباتاً لترتاح فيه؟ والنهار معاشاً لتطلب فيه؟! فما عذرك في ترك صلاة الفجر جماعة؟! يقول عليه الصلاة والسلام: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله, فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء, فإن من طلبه أدركه, ومن أدركه كبه على وجهه في النار} يقول أهل العلم في النوم وغيره: "من صلَّى الفجر في جماعة حفظه الله, وإن وقعت عليه فتنة سلمه الله, وأخرجه الله محفوظاً منها, وإن وقع عليه من القضاء والقدر شيء لطف الله به" حتى ميتة الذين لا يصلون الفجر في جماعة تأتي معكوسة منكوسة, حوادثهم في السيارات, لا يموتون كما يموت الناس, يموتون بلا شهادة, يموتون بلا حفظ, يموتون بلا ذكر, لأنهم تركوا صلاة الفجر جماعة. هذه بمناسبة دخول هذا الرجل على الرسول عليه الصلاة والسلام, فقال عليه الصلاة والسلام: {يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة} فدخل الرجل وصلَّى ركعتين, ومرة ثانية وثالثة يقول عليه الصلاة والسلام: {يدخل عليكم رجل من أهل الجنة} فخرج معه أحد الصحابة وبات عنده, فرأى صلاته كصلاة الناس, وصيامه كصيامهم, وذكره كذكرهم, قال: أسألك بالله! بم استحققت دخول الجنة, فقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام أنك من أهل الجنة؟! قال: لست بكثير صلاة ولا صيام ولا صدقة, ولكن والله ما نمت ليلة من الليالي وفي صدري غل لأحد أو غش على أحد أو حسد لأحد, وهذا هو الإيمان لا غل ولا حسد ولا حقد. {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] خرج عليه الصلاة والسلام إلى الطائف فلما دعاهم إلى التوحيد كذبوه, ثم أرسلوا أطفالهم عليه ورجموه بالحجارة حتى سالت دماؤه, كان يمسح الدم من رجله ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون, فأتاه ملك الجبال فقال: هل تريد أن أطبق عليهم الأخشبين؟ قال: لا. لكني أسأل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً}.

لا كمال للإيمان إلا بالتراحم والمؤاخاة

لا كمال للإيمان إلا بالتراحم والمؤاخاة أيها الفضلاء إن هذه المنطقة لا تكتمل, ولا يكمل إيمان أهلها, حتى تقضي على العصبية الجاهلية, والتحزب القبلي, ليبقى حبهم في الله, وإخاؤهم لله وفي الله حتى يصلون إلى رضوان الله، نحن كلنا لآدم، جمعنا كتاب وسنة, وإمامنا محمد عليه الصلاة والسلام وآخى بيننا الله عز وجل في ظل ولاة أمر يريدون الله إن شاء الله, ونسأل الله لهم الهداية. إن الذي يأتي ليفاضل بين القبائل, وليحزب للفتن, وليجهز المحن, إنما هو عدو لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام, إن من يأتي ليفاضل بين الناس بسبب أسرهم, أو بسبب قبائلهم, أو ألوانهم إنما هو رجل متعد على حدود الله منتهك لحرمات الله. إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: {المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم, كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه رأى الكعبة فقال: {ما أعظمكِ! وما أشد حرمتكِ! وما أعظمكِ عند الله! والذي نفسي بيده للمؤمن أشد حرمة منكِ}. أيها المسلمون الفضلاء يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} وهذا معنى: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] كيف تحب لأخيك ما تحب لنفسك؟ قال أهل العلم: "أن تحب له من الخير مثلما تحب لنفسك من الخير" ومن أعظم الخير أن تحب أن يستقيم, وأن يهتدي, وأن يصلي الصلوات الخمس في جماعة, وأن يتفقه في الدين. قام أعرابي في الحرم عند ابن عباس , وابن عباس يفتي الناس, فقام الأعرابي يسب ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه, فقال له ابن عباس: [[أتسبني وفيَّ ثلاث خصال؟ قال الناس: ما هي يا ابن العباس؟ قال: والذي نفسي بيده ما نزل القطر في أرض إلا حمدت الله وسررت وليس لي في الأرض ناقة ولا جمل ما نزل القطر في أرض من الأراضي, أي: ما سمع بالمطر في الشمال أو في الجنوب, أو في الشرق أو في الغرب إلا سر وليس له ناقة ولا جمل- والأمر الثاني: والله ما سمعت بقاضٍ يحكم بكتاب الله إلا دعوت له وليس لي عنده قضية, والثالثة: والله ما فهمت آية من كتاب الله إلا تمنيت على الله أن يفهم الناس مثل ما فهمني هذه الآية]] يقول: كيف وأنا في هذا المستوى, وهو تواضع منه, وهي من أشرف الخصال. كانوا يقولون عن ابن سيرين: كان إذا أقبل على فراشه نفض فراشه ثم قرأ سورة الإخلاص ثلاثاً والمعوذات ثلاثاً ثم قال: "اللهم اغفر لمن شتمني، ولمن ظلمني، ولمن سبني؛ اللهم اغفر لمن فعل ذلك بي من المسلمين". وعند عبد الرزاق في المصنف: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للصحابة: {من منكم يتصدق مثل أبي ضمضم؟} أبو ضمضم من الصحابة كان فقيراً لا يملك حتى حفنة من التمر دعا صلى الله عليه وسلم للصدقة فالتمس في البيت صدقة من دراهم أو دنانير أو شيء فما وجد شيئاً, فقام فصلَّى ركعتين في ظلام الليل, وقال: {يا رب اللهم إن أهل الأموال تصدقوا بأموالهم, وأهل الخيل جهزوا خيولهم, وأهل الجمال جهزوا جمالهم, اللهم إنه لا مال لي ولا جمال ولا خيول, اللهم إني أتصدق إليك بصدقة فاقبلها, اللهم كل من ظلمني أو سبني أو شتمني, أو اغتابني من المسلمين فاجعله في عافية وفي حل وفي سماح} فقبل الله صدقته, وأتى جبريل فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك, وأخبره في الصباح فقال لـ أبي ضمضم: {لقد تقبل الله صدقتك} قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27].

أسباب الفرقة بين الناس

أسباب الفرقة بين الناس أيها الفضلاء من أسباب التفرقة التي تفرق بين الأسر والقبائل والشعوب:

البغضاء سبب الفرقة

البغضاء سبب الفرقة وهي: الحالقة, لا تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. البغضاء التي تفسد ذات البين, البغضاء التي تشتعل في القلوب وتقطع بين الأرحام, قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23]. وبعض الجهلة يغذي هذه البغضاء في قلوب أبنائه, يعلمهم بعداء القبائل, ويذكر لهم تاريخ الجاهلية, وكيف تذابحت القبائل فيما بينها, وماذا فعل بنو فلان ببني فلان وما هو موقف تلك القبيلة منا! ومن أحلافنا! ومن أصدقاؤنا! ومن أعداؤنا! وهذا كله عداء جاهلي وثني فرعوني ليس في الكتاب ولا في السنة, بل حرب للإسلام. وبعض الجهلة يركب في أذهان أبنائه عداء الأسر والأقارب, يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {لا تحدثوني عن أصحابي - أي: بما قالوه فيّ- دعوني أخرج وأنا سليم الصدر للناس} هذه هي البغضاء يا عباد الله, وهي التي تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

الحسد سبب الفرقة

الحسد سبب الفرقة ومن أسباب التفرقة أيضاً: الحسد وسبب تقاتل ابني آدم إنما هو الحسد, قال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:54] ويقول الشاعر: ألا قل لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله سبحانه لأنك لم ترض لي ما وهب فمن حسد مسلماً فقد أساء الأدب مع الله, والحسد في القلب نعرة من نار يأكل الحسنات, ويدمر الصالحات, ويفني القبائل والأسر, ويعدم الإخاء بين الناس, هذا هو الحسد, وهو كثير في الناس يوم يحبون الدنيا.

حب الدنيا سبب الفرقة

حب الدنيا سبب الفرقة وأما السبب الثالث: فهو السبب العظيم, وهو الذي وقعنا فيه جميعاً -إلا من رحم- ربك وهو حب الدنيا. وحب الدنيا رأس كل خطيئة, يقول سبحانه عن حب الدنيا: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20]. الحياة وصفها بعض الصالحين قال: "حلم مثل النوم", قالوا لنوح عليه السلام وقد عاش ما يقارب الألف سنة: كيف الحياة؟ قال: "رأيتها كبيت له بابان دخلت من هذا وخرجت من ذاك". الدنيا يصفر مخضرها, وتضمحل زهرتها, ويذوب شبابها, وتبلى ثيابها, الدنيا ما أضحكت إلا أبكت, وما علت إلا أوعلت, وما غلت إلا أوغلت, وما رفعت من رجل له علامات إلا وكلما علامات. قيل لأحد الصالحين: صف لنا الدنيا؟ قال: "عجوز شمطاء قبيحة التقبيل والشم" وقال آخر: "الدنيا سارقة مارقة حية رقطاء" وقال الإمام أحمد: "عجباً للدنيا بينما نحن مع أبنائنا إذ تفرقنا". ولذلك يقول المتنبي: أين الجبابرة الأكاسرة الألى كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى زوى فحواه لحد ضيقُ يقولون: إن هارون الرشيد الذي ملك الدنيا, حتى كان يتحدى الغمام في السماء ويقول: "أمطري حيث شئت فإن خراجك سوف يأتيني بإذن الله" لما حضرته الوفاة, قال: "اجمعوا لي الجيش, فجمعوا الجيش والقادة, فخرج على الجيش وقال: يا من لا يزول ملكه! ارحم من زال ملكه, ثم قال: اللهم إني لست مصلحاً فأعتذر, ولست قوياً فأنتصر, اللهم اقبلني فيمن قبلت". وكان الوليد بن عبد الملك أحد الخلفاء, يتقلب ظهراً لبطن على التراب وهو يبكي في سكرات الموت ويقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29]. حب الدنيا هو الذي قطع بين الأرحام والأحباب والأقارب, حب الدنيا هو الذي جعل الناس يتخلفون عن صلاة الجماعات والندوات, وعن ذكر رب الأرض والسموات, حب الدنيا هو الذي جعل القلوب قاسية, وضيع الوقت في غير طاعة الله عز وجل, وإلا فليس لك من دنياك إلا ما أكلت فأبليت, أو تصدقت فأعطيت, أو لبست فأفنيت. لباس أو قطعة ثوب ولقمة وشربة وحسنة تفعلها وصدقة تقدمها, هذه هي الدنيا, واعلم علم اليقين أن من أحسن ما تقدمه هو العمل الصالح, وأن كل شيء سوف يزول, إلا ما أبقاه العبد لآخرته. صلِّ ركعتين في ظلام الليل لظلام القبور, وتصدق بصدقة في شدة جوع لحرارة يوم النشور, وأقم صلبك في جنح الليل ليوم يقوم الناس من القبور.

الافتخار بين الناس

الافتخار بين الناس ومن أسباب الفرقة العصبية الجاهلية القبلية, وقد أشرت إليها, وهي التحزبات والتفرقات, وجعل بعض القبائل على بعضٍ لها منزلة أو درجة, وهذه من الشيطان, وهي حرب للإسلام, وللرسول عليه الصلاة والسلام. ومن افتخر بآبائه فهو أولهم في النار, من افتخر بهم وبجهلهم وبما فعلوا فهو أولهم في النار, يقول عليه الصلاة والسلام كما في الأدب المفرد للإمام البخاري: {حتى يكونوا أذل من الجعلان الذي يقلب العذرة بأنفه} الجعلان هذا دويبة يسميها الناس: أبو جعران. وقد صح عنه أنه قال: {يحشر المتكبرون في صورة الذر يوم القيامة يطؤهم الناس بأقدامهم}.

أسباب الإخاء

أسباب الإخاء إنما المؤمنون إخوة ومن أسباب الإخاء أمور:

إفشاء السلام

إفشاء السلام أولها: السلام والابتسام؛ تحيتنا السلام, وهي من أعظم التحايا. وعليك أن تسلم على من عرفت ومن لم تعرف, كان يقول عليه الصلاة والسلام: {يا أيها الناس أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, وصلوا الأرحام, وصلُّوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام}. وتحيتنا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, لا يستبدل بغيرها لا أهلاً ولا مرحباً, ولا كيف أصبحت, ولا صباح الخير, تأتي هذه بعد السلام قال تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:44] يعني سبحانه: يلقونه يوم المزيد -نسأل الله لنا ولكم المزيد يوم المزيد- ويوم المزيد هو يوم الجمعة, يلقى الله الأنبياء والشهداء والصالحين في الجنة, فيجلسهم على منابر من نور, وعلى كثبان من مسك, فإذا تجلى الله لهم, وكشف الحجاب قال لهم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:44] وإذا سكن العبد الجنة, وأقل مسكن وأصغره وأضعفه في الجنة كالدنيا عشرة مرات: أقلهم ملكاً كما الدنيا ملك وعشرة أمثالها من دون شك لكنما موطن سوط فيها خير من الدنيا وما عليها فإذا سكن العبد فتح الله له الأبواب من كل جهة, فدخلت الملائكة يقولون: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24]. والابتسام يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {تبسمك في وجه أخيك صدقة} فعلى المسلم أن يتبسم للمسلمين, وأن يعانقهم إذا أتى من غيبة, وأن يعلم أن مصافحته للمسلم تَحُتُّ الخطايا كما تحات ورق الشجر في شدة الشتاء.

الدعاء وخاصة في ظهر الغيب

الدعاء وخاصة في ظهر الغيب ومن أسباب الإخاء الدعاء في ظهر الغيب: وأجمل الدعاء دعاء غائب لغائب, يقول الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- لـ ولد الشافعي بعدما توفي الشافعي: "أبوك من السبعة الذين أدعو لهم وقت السحر كل ليلة". واعلم أنك إذا دعوت للمسلم بظهر الغيب قيض الله ملكاً يقول: ولك مثل ذلك ولك مثل ذلك ولك مثل ذلك , دعاؤك للمسلم أعظم من دعائك لنفسك, لأن دعاءك لنفسك قد يكون فيه وفيه أما دعاؤك للمسلم فهو علامة الحب والصدق والإيمان والوضوح. فالله الله في الدعاء للمسلمين في ظهر الغيب والمسامحمة والعفو.

الزيارة في الله

الزيارة في الله ومن أسباب الحب والوئام, الزيارة في الله. زيارة الإخوة في الله, وزيارة الأحباب في الله, فإنها هي الباقية عند الله عز وجل, كما في الحديث الصحيح: {زار أخ أخاً له في قرية فأرصد الله له ملكاً في الطريق, وقال لهذا الرجل: أين تذهب؟ والله أعلم به, قال: أذهب إلى فلان, قال: لِمَ؟ قال: أزوره في الله, قال: هل له عليك نعمة تربها؟ -أي: تحفظها وتريد أن تبقى؛ فتزوره من أجل النعمة والمصلحة- قال: لا. قال: ولِمَ زرته؟ قال: في الله, قال: فأنا رسول الله إليك؛ أشهدك أن الله قد غفر لك ولصاحبك}. هذا الحب في الله, وهذا هو الإخاء, وهي الزيارة في الله عز وجل. وكان السلف يتزاورون فهذا طاوس بن كيسان أحد التابعين العباد يقولون عنه: "كان يصلي في الحرم صلاة العصر, ثم يستقبل ويجثو على ركبتيه, ويرفع يديه فيبقى يدعو من صلاة العصر إلى صلاة المغرب, قالوا: وسقطت قلنسوته وهو يبكي في الدعاء فما شعر أن قلنسوته سقطت" ذهب في السحر قبل الفجر يزور أخاً له, فطرق عليه الباب, فوجد أخاه نائماً, فخرج أخوه وقال: ما لك يا طاوس؟ قال: أتيت أزورك, قال: في السحر كنت نائماً, قال: والله ما ظننت أن مسلماً ينام في السحر, قال: كيف؟ قال: لأنَّا روّينا في الحديث -أي: أخبرونا في الحديث أن الله عز وجل {ينزل إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير, فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داعٍ فأجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟} فالزيارة في الله أعظم عُرى الإيمان. وأما زيارة المريض فحدث ولا حرج, عند مسلم: {من زار مريضاً كان في خرفة الجنة حتى يمسي}. وفي حديث آخر يروى عنه عليه الصلاة والسلام: {من زار أخاه من مرض شيعه الله بسبعين ألف ملك} وفي الحديث الصحيح: {أن الله يقول للعبد وهو يحاسبه: يا بن آدم! جعت فلم تطعمني, قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما عملت أن عبدي فلان ابن فلان جاع فما أطعمته, أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي, يا بن آدم ظمئت فلم تسقني, قال: كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان ظمئ فلم تسقه, أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي, يا بن آدم مرضت فلم تعدني, قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده، أما إنك لو عدته لوجدت ذلك عندي}. هذا هو الإخاء, ومن أسبابه ومن أعظم أسبابه: الزيارة والعيادة وتفقد أحوال الأخ المسلم {ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة, ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة, والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه}.

صلة الرحم

صلة الرحم وأعظم ما يزيد في العمر ويبارك في الحياة صلة الرحم, وأعظم ما يقطع الحياة ويعكر الوداد, ويقسي القلوب ويضيع الأوقات قطيعة الرحم، وقد لعن الله قاطع الرحم في القرآن مرتين, وقاطع الرحم قطع الحبل الذي بينه وبين الله. أتى رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام والحديث عند مسلم قال: {يا رسول الله إن لي قرابة أحسن إليهم ويسيئون إليّ, وأحلم عنهم ويجهلون عليّ, فماذا أفعل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إن كنت كما قلت فلا يزال معك من الله ظهير, وكأنما تسفهم المل} المل: الرماد الحار, ويقول: الله ينصرك ما دمت على ما قلت. يقول أبو جعفر المنصور لوزرائه وهو يسمر معهم: "ما أحسن أبيات العرب! -يعني: قصائد قالتها العرب- قالوا: ما ندري, قال: أحسن الأبيات قول المقنع الكندي: وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا أراهم إلى نصري بطاءً وإن هم دعوني إلى نصر أتيتهم شدا إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا أما قرابة الرسول عليه الصلاة والسلام فاسمع ماذا فعلوا؟ أخرجوه من داره, في مكة , حاربوه في أكثر من سبع عشرة غزوة, قاتلوه, سبوه, شتموه, ضربوه, كسروا ثنيته, أسالوا دمه, ما تركوا مكيدة في الدنيا إلا دبروها, فلما انتصر عليهم طوقهم بالجيش وهم جلوس في الحرم, فقال: ماذا ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم, قال: غفر الله لكم، فتباكوا يقول جابر: [[حتى اختلطت أصوات بكاء الشيوخ بالأطفال وبالنساء, فقام أبو سفيان فقال: لا إله إلا الله ما أبرَّك! ولا إله إلا الله ما أوصلك! ولا إله إلا الله ما أرحمك! ولا إله إلا الله ما أحلمك]] فيقول الله له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقال الله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] هذا رسولنا عليه الصلاة والسلام, الرسول العظيم الذي أتى بالخلق حياةً واقعية في حياة الناس وضمائرهم. أتته أخته من الرضاعة وهو في الطائف وهو يوزع الإبل على الناس, فأتته وهو يتظلل من الشمس, وكانت عجوزاً قد نسيها عليه الصلاة والسلام، وكانت رضعت معه في بادية بني سعد قريباً من الطائف وهو طفل صغير , وعمره حين جاءته ما يقارب خسمين سنة, فأتت تشق الصحابة, واستأذنت عليه وهو يوزع الغنائم, فقالوا: يا رسول الله! هنا عجوز تقول: هي أختك من الرضاعة, قال: مرحباً بأختي, وقام من بين الناس فعانقها وبكى وهو يعانقها, وقال: حياكم الله, كيف حالكم؟ كيف أهلكم؟ وأخذ يسألها, ثم أجلسها مكانه, وقام يظللها من الشمس, فقال: أتريدين أن تعيشي معي, أو تعودي إلى أهلك؟ -يعني: هل تريدين البقاء معي, وأبقى أنا الأخ الوصول- فقالت: تريد العودة إلى أهلها, فأخذ مائة ناقة من أحسن الجمال ومن أحسن النوق وأعطاها, وقال: تزوريننا, أو كما قال عليه الصلاة والسلام, ثم أخذ يشيعها حتى اختفت عن العيون فأخذ الصحابة يتباكون من هذا المنظر. أوصل الناس وأبر الناس وأرحم الناس, نسأل الله أن يوفقنا لاتباع سنته, ويجعلنا على طريقته حتى نلقى الله عز وجل ونحن أخيار بررة.

تذكر الموت

تذكر الموت هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب هذه القصيدة لشاعر نجد ابن عثيمين شاعر الملك عبد العزيز رحمه الله, يقول هذه القصيدة في العجيري أحد علماء نجد القدامى الأخيار, يقول: من الذي هرب من الموت؟ من الذي طلبه الموت فما أفناه؟ من الذي أضحكته الحياة فما أتاه الموت فأبكاه؟ من الذي اعتصم بالقصور فما عقره الموت في القبور؟ من الذي سكن الدور فما أخرجه الموت بقاصمة الظهور؟ من الذي لبس الديباج والحرير فأسكنه الموت في تلك الحفرة بين اللحود والصفائح؟! لا أحد, يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:8] لم يقل يلاحقكم؛ لأن الذي تفر منه خلفك, لكن تعبير القرآن يقول: أنتم تفرون من الموت والموت أمامكم {فَإِنَّهُ مُلاقِيكُم} [الجمعة:8] أي: كأنه مقبل وأنتم تفرون إليه: {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:8].

استطراد في ذكر الموت

استطراد في ذكر الموت وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] سبب نزول هذه الآية أن الأشج بن كلدة قال: "يزعم محمد أنه لا بد أن أموت لأبنين لي قصراً مشيد, فلا يدخل عليّ عزرائيل -كانوا يسمون ملك الموت عزرائيل, ولكن عزرائيل ليس باسم له عند أهل السنة , اسمه ملك الموت في سورة السجدة فقال: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة:11]- قال: يزعم محمد أن ملك الموت يدخل عليّ لأحتجبن في قصر فلا يدخل عليّ, قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:8] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] لا بد أن يأخذكم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة. هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب جلس سليمان عليه السلام في قصره, فنزل ملك الموت بجانب سليمان, فقال سليمان لملك الموت: ماذا أتى بك اليوم؟ قال: أمرني الله عز وجل أن أقبض رجلاً من رعيتك بأرض الهند وهو معك هنا في فلسطين , الله عز وجل أمر ملك الموت أن يقبض ذاك الرجل في الهند والرجل في فلسطين في أرض كنعان , فملك الموت مهموم من هذه المهمة: مضيناها خطىً كتبت علينا ومن كتبت عليه خطىً مشاها قال: وبينما ملك الموت جالس, وسليمان بجانبه إذ دخل هذا الرجل على ملك الموت, وهو لا يعرف ملك الموت, قال الرجل لسليمان: يا سليمان يا نبي الله أسألك بالله الذي سخر لك الريح أن تأمرها تنقلني إلى بلاد الهند , فإن لي غرضاً في بلاد الهند , فتبسم سليمان وقال: يا ريح! خذيه إلى بلاد الهند {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12] فأخذته فلحقه ملك الموت فتوفاه هناك, ذكرها ابن كثير وغيره من العلماء والمفسرين. هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب كل ابن أثنى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول هذا سفيان الثوري لما بلغ ستين سنة, أخذ كفناً وصنع له نعشاً وعلق النعش, فكان كلما حدثوه في الدنيا ومال الدنيا قال: هذا! يقول: انظروا لهذا! وقال سفيان رحمه الله: "حق لمن بلغه الله ستين سنة أن يشتري له كفناً". وكان أحمد إذا مر بالمقابر انقطع, وجلس مبهوتاً. وكان عثمان رضي الله عنه وأرضاه إذا رأى المقبرة بكى حتى يغمى عليه؛ لأنه تذكر الموت! نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلّ الردى مما نرجيه أقرب ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب أما القصور والفلل فقد زيناها لكن ليت شعري ماذا فعلت قبورنا؛ اعتنينا عناية هائلة ببيوتنا وأثاثنا وثيابنا ومظاهرنا وسياراتنا لكن ليست هذه هي الحياة, إن الحياة الآخرة هي حياة الآلاف والآباد فماذا فعلنا لها؟! وهل أعددنا الزاد؟! نسأل الله التوفيق لنا ولكم. قلت لكم مما يورث الإخاء والحب والألفة تذكر الموت والانتظار, فإن من تذكر الموت هان عليه كل شيء. هذا إبراهيم بن أدهم أحد الصالحين رحمه الله من العباد الكبار, كان ابناً لملك من ملوك خراسان , فلما سمع قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] قالوا: خلع ثياب الحرير والديباج ولبس الصوف, وخرج إلى جبال لبنان يعبد الله عز وجل. دخل مرة المدينة فلقيه رجل من الناس, يسأل إبراهيم بن أدهم: أين العمار؟ ودلني على المدينة؟ قال: "العمار هنا والخراب هنا" دله على المقبرة يقول: العمار في المقبرة والخراب في هذه المدينة. يقولون: إنه رحمه الله دخل السوق فوجد ورقة مكتوباً عليها اسم الله, والناس يطئون الورقة ما علموا, فبكى وأخذ الورقة وقبلها وغسلها وطيبها بدينار, لأن فيها اسم الله, فسمع هاتفاً يقول: يا من رفع اسم الله ليرفعن الله اسمك, فرفع الله اسمه. مر من طريق فلقيه رجل فظن أنه متهم بقضية فضربه بسوط, فقال الناس للرجل: أتضرب هذا وهو إبراهيم بن أدهم؟! قال إبراهيم: "دعوه, ما زلت رجل سوء منذ خرجت من أصبهان ". ويقول عنه ابن كثير: "خرج إلى بغداد , فلما دخل المدينة خرجت امرأة برمادة تريد أن تلقيها في المزبلة فيها جمر, فوقع الرماد على رأسه, فقال الناس للمرأة: اتق الله هذا إبراهيم بن أدهم قال: دعوها, فإن الله تعالى توعدني بالنار فإذا صالحني الناس على الرمادة فالصلح خير " يقول: إذا ما كان إلا رماداً فأمره سهل". هذه في قصته وسيرته، نعوذ بالله وإياكم من النار؛ فإن أجسادنا على النار لا تقوى.

العفو

العفو {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] ومن عفا عن مظلمة أورثه الله عزاً في الدنيا والآخرة, وأن تعفو عمن ظلمك كما عفا عليه الصلاة والسلام عمن ظلمه, قال لهم: {اذهبوا فأنتم الطلقاء} أتاه أبو سفيان بن الحارث ابن عمه الذي قاتله وحاربه وسبه وشتمه فقال: {يا رسول الله {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91] فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام وقال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:92]} هذا العفو فلا بد أن نعفو, والذي يحاد الناس, ويضايق الناس يضايقه الله عز وجل, يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه, ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به} هذا هديه عليه الصلاة والسلام. والدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة, يقول ابن كثير وغيره من المؤرخين: كان لـ ابن الزبير مزرعة في المدينة ولـ معاوية مزرعة بجانب مزرعة ابن الزبير , وكان بين معاوية وبين ابن الزبير شيء، فـ معاوية خليفة ملك, وابن الزبير من الرعية عابد عالم, فدخل عمال معاوية في مزرعة ابن الزبير فغضب وكتب رسالة حارة إلى معاوية , رسالة تقطع القلوب, يقول: "يا بن آكلة الأكباد: إما أن تمنع عمالك من دخول مزرعتي, أو ليكونن لي ولك شأن" فقرأ معاوية الرسالة وإذا هي حارة, من رجل من الرعية وهو ملك, فقال لابنه يزيد: بماذا ترى أن نرد عليه؟ قال يزيد -وكان جاهلاً غشوماً ظلوماً-: أرى يا أبتي أن ترسل له جيشاً أوله في المدينة وآخره عندك حتى يأتوا برأسه, قال: بل أقرب من ذلك صلة وأقرب رحمى, فكتب: "بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية بن أبي سفيان إلى ابن حواري الرسول عليه الصلاة والسلام! يا بن ذات النطاقين! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمَّا بَعْد: فوالله الذي لا إله إلا هو لو كانت الدنيا بيني وبينك لهانت عليّ وعليك, فإذا جاءك كتابي هذا فخذ عمالي إلى عمالك ومزرعتي إلى مزرعتك, وهي قليلة في حقك يا بن حواري الرسول عليه الصلاة والسلام". فقرأها ابن الزبير فبكى حتى بلها بالدموع, وذهب إلى دمشق فقبل رأس معاوية وقال: "لا أعدمك الله عقلاً, أحلك في قريش وفي هذا المحل". {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:134] تتجلى أخوتنا -أيها المسلمون- واقعاً وعملاً يوم نصلي سوياً في المساجد.

أسباب أخرى للفرقة

أسباب أخرى للفرقة ومن أسباب الفرقة:

كثرة المساجد

كثرة المساجد فالذين يبنونها في الظاهر يريدون الخير (ظاهره من قبله الرحمة وباطنه من قبله العذاب) وقد نرى كثيراً من أهل المساجد الذين يبنونها في القرى يتظاهرون للناس بأنهم يريدون عمارة المساجد وتكثيرها ليعبد الله فيها, ولكن الباطن ضغينة وحقد وبغضاء؛ يريدون تفرقة الجماعات أو لأمور مالية أو مادية الله أعلم بها.

إثارة النعرات الجاهلية ووجود الطبقية بين الناس

إثارة النعرات الجاهلية ووجود الطبقية بين الناس ومن أسباب الفرقة: إثارة النعرات الجاهلية والتاريخ الأسود, لأن تاريخنا قبل سنوات لم يكن مرضياً, تاريخنا ليس صحيحاً, تاريخنا يحتاج إلى إعادة نظر, بعض الناس يريد أن يكرر الوقعات والقتلات بين القبائل, وماذا فعلت القبيلة بالقبيلة, وفلان قتل فلاناً واعتدى على آل فلان. ومن أسباب الضغينة: تقرير الحدود الإقليمية: والأصل أن ليس بيننا حدود, الناس شركاء في ثلاثة: في الكلأ والماء والنار, أما جعل الحدود بين القبائل فخطأ؛ نحن حدودنا حدود العالم الإسلامي, كانت حدودنا صفاقس وسيبيريا , وكانت حدودنا طاشقند والسند والهند , لأننا أمة واحدة, ولكن أتى بعض الجهلة فجعل بين الناس والقبائل حدوداً, من أين هذه الحدود وكلنا شركاء في الكلأ والماء والنار؟ رايتنا لا إله إلا الله, مسجدنا واحد, ورسولنا واحد, وربنا واحد, وشريعتنا واحدة, وقلوبنا واحدة, نتجه إلى جنة واحدة إن شاء الله. ومما يوجد الضغائن: وجود الطبقية في الناس, فلان حر وفلان عبد وفلان كذا! وكلنا سواسية, قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] والله لا أبيض ولا أحمر ولا أسود, لا فضل والله إلا لمن يتقي الله. يقول أبو عبيدة رضي الله عنه: [[والله ما رأيت متقياً لله حراً أو عبداً، أبيضَ أو أسود إلا وددت أني في مسلاخه]] وقال ابن مسعود: [[يا ليتني كنت رماداً]] وقالت عائشة: [[يا ليت أمي لم تلدني]] وقال عمر: [[يا ليتني شجرة تعضد]] كان عمر وهو أمير المؤمنين يأخذ المكتل ويلتقط فيه نوى التمر ويحمله للفقراء, كان عمر رضي الله عنه وأرضاه, يأخذ الليف فيفتله ويجعله خطماً لإبل الصدقة, كان رضي الله عنه يطلي إبل الصدقة, كان رضي الله عنه يحلب شاته. ويقول المؤرخون: خرج أبو بكر إلى عجوز عمياء في المدينة ومعها أطفال, فحلب شاتها, وصنع الإفطار لها, وكنس بيتها وهي لم تعرفه, فقال عمر: [[يا أمة الله! أعرفت هذا الشيخ؟ قالت: ما عرفته, قال: هذا أبو بكر الصديق أتعب من خلفه من الخلفاء]]. هذه هي حياتنا يوم أن نكون أتقياء بررة, نريد الله والدار الآخرة.

القداسات الجاهلية

القداسات الجاهلية ومن أسباب الضغينة: بناء القداسات الجاهلية, فلان أسرته عريقة, ونحن لا نلغي الأنساب ولا نتعدى عليها؛ لكن إذا كانت على حساب الآخرين فنقول كما قال الله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وإلا فالناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. أيها الإخوة الكرام انطلاقاً من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] اجتمعنا سائلين الله أن يؤلف بين قلوبنا تحت راية لا إله إلا الله, وتحت عدالة ولاة الأمر في بلادنا الحبيبة, الذين نسأل الله لهم صباحاً ومساء التأييد والنصرة والهداية, ونسأل الله عز وجل أن يوفقهم لما فيه صلاح العباد والبلاد, وأن يأخذ بأيديهم لما يحبه ويرضاه, وأن يرزقهم البطانة الصالحة, وأن يهدي قلوبنا إلى طاعته, وأن يبعد عنا كل ما يشوبنا من سوء أو معصية أو فتنة. {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران:193].

الأسئلة

الأسئلة

حكم الاقتراض مع الفائدة

حكم الاقتراض مع الفائدة Q هناك قضية مهمة انتشرت بين الكثير من الناس؛ وذلك نظراً للتشجيع على هذه القضية ألا وهي قضية الاقتراض مع الفائدة, سواء من البنوك أو من بعض المقرضين؟ A صورة هذا أن يأتي رجل إلى البنك, أو إلى رجل غني فيأخذ منه قرضاً بفائدة, يقول: أعطني مائة ألف أعيدها بعد سنة مائة وعشرة آلاف, هذا ربا وهو حرام, وما يفعل في البنوك الربوية بهذه الصورة من القرض فهو محرم بالإجماع, وقد نبه عليه هيئة كبار العلماء في بلادنا, وعلماء السلف مجمعون على تحريمه. فالقرض بفائدة رباً محرم لا يجوز للإنسان أن يفعله أبداً, حتى القرض على منفعة, كأن يقول: أقرضني مائة ألف وأعيد لك مائة ألف على أن أؤجر لك بيتي هذا, وأقرضني مائة ألف على أن أؤجر لك مزرعتي فهذا محرم, كل قرض جر منفعة فهو ربا, لأن طلب القرض أجر من الله, ومن أقرض مسلماًَ مرتين كأنما يتصدق عليه مرة واحدة. وصورة أخرى في البنوك: وهي أن يذهب إلى البنك ويقترض مائة ألف فيعطونه تسعين ألفاً ويخصمون عشرة آلالف, فهذا ربا محرم بالاجماع.

التضايق من الأحكام الشرعية

التضايق من الأحكام الشرعية Q يسود بين الناس عامة والعوام خاصة مسألة خطيرة وهي مسألة التضايق من بعض الأحكام الشرعية, لماذا؟ A لأنها مخالفة للعرف, يوجد هذا بين بعض الناس لجهلهم, وفي بعض المناطق والقبائل يتضايقون من الشريعة. هم لا يصرحون لكن في قلوبهم تضايق, قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] وقال سبحانه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]. وذلك مثل تحريم الشريعة لاختلاط الرجال الأجانب بالنساء كأخي الزوج؛ لكن أعراف بعض القبائل تقول: لا. لا بأس؛ لأن أخا الزوج من أهل البيت, ويتضايقون من أمر الشريعة. مثل نهي الشريعة عن الإسراف في الحفلات والولائم؛ ولكن بعض الناس يقولون: لا. هذا من الكرم ومن الخير. ومثل تحريم الشريعة للعصبية الجاهلية لكن من الناس من يقول: لا. هذه شجاعة, وهذه هي النصرة وحفظ مكانة الجدود, وهذه هي الشهامة والمروءة. والشريعة تحرم التحزب للظالم, أي: أن التحزب للظالم محرم بالإجماع لكن أهل الجاهلية يقولون: انصر أخاك وينشدون أشعاراً من أشعار الجاهلية: ما للواحد إلا رفيقه إما باعه وإلا شراه أي: سواء أكان ظالماً أو مظلوماً, أي: ولو كان في النار, وبعضهم يقول: أريد أن أدخل مع جماعتي ولو في نار جهنم, نعوذ بالله من الخزي والخذلان, هذا كله محرم. فلذلك يقول ابن القيم فيهم: "قوم يعارضون أحكام الله بأعرافهم, قوم انسلخت عقولهم من أنوار الشريعة" أو كما قال, أي: ما عندهم في الشريعة شيء ويقولون: سلومنا وأعرافنا وعاداتنا وعادات آبائنا وأجدادنا، وهذه كلها في التراب إذا عارضت الشريعة, ومن تمسك بها ففي رأسه طاغوت, وهو محارب لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام.

حكم تذكر النجاسة في الصلاة

حكم تذكر النجاسة في الصلاة Q كان معي منديل وقعت عليه نجاسة, فلما جففته وضعته في جيبي, ثم قمت إلى الصلاة فتذكرت بعد التكبير أنه في جيبي فرميت به وأكملت الصلاة؟ A في هذه المسألة صورتان اثنتان: الصورة الأولى: هل تنتهي النجاسة بالجفاف بريح وشمس؟ قاله الأحناف وعارضهم الجمهور, والصحيح في ذلك: أن النجاسة لا تنتهي حتى يغسل هذا القماش غسلاً ولو أذهبته ريح أو الشمس. أما ما فعلته فصلاتك صحيحة, وما دام أنك تذكرت فإنك لا تقطع صلاتك ولكنك تخرج المنديل احتياطاً وورعاً وتصلي وصلاتك صحيحة والذي فعلته هو على السنة مستقيم مع الأدلة ليس فيه ما يخالف إن شاء الله.

حكم هجر المسجد بسبب الخصام

حكم هجر المسجد بسبب الخصام Q تخاصم والدي مع عدة أفراد من قريتنا، وعلى أثر ذلك الخصام حلف بالطلاق ألا يصلي في المسجد, وكان من قبل محافظاً على الصلاة في المسجد, فلما تخاصم جعل الناس هم العلة, ويصلي في البيت منذ حوالي خمس سنوات, وحاولت فيه ولكني عجزت, وأدخلت أناساً يحبهم فرفض رفضاً قاطعاً, فماذا أفعل تجاهه؟ A هذا خصيمه الله وليست الجماعة, وإنما أضر نفسه, وخذل إيمانه ويقينه, وجعل بينه وبين النار خندقاً يوصله إليها إن لم يتب, لأن ترك صلاة الجماعة علامة من علامات النفاق الأكبر, وبعض العلماء استحل تحريق بيوت المستطيعين الذين يتركون الجماعة, أخذاً من الحديث الصحيح: {والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم بالنار} والأعمى استأذن الرسول عليه الصلاة والسلام أن يصلي في بيته فقال له: {أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ قال: نعم. قال: فأجب فإني لا أجد لك رخصة} حديث صحيح. على هذا فإن الوالد ولو طلق -لأن طلاقه ليس طلاقاً للزوجة بل طلاقه من أجل أن يمتنع من المسجد- فيكفر كفارة يمين ويصلي مع الناس, ولا يلزم إذا صلَّى مع الناس أن يدخل بيوتهم؛ لا. بيت الله ليس لأحد من الناس, قال الله سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18] ومن غضب على المسجد فكأنما غضب على ربه ومولاه, وعلى دينه وعلى كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام, وهذا مرض النفاق, إذا غضب أحدهم على جاره وعلى قبيلته جعل المسجد العلة والعذر, وهذا خطأ.

الذين يجب صلتهم من الأرحام

الذين يجب صلتهم من الأرحام Q من هم الأرحام الواجب عليّ أن أصلهم غير الأخت والبنت؟ A الأرحام قسمان: 1 - رحم يرث. 2 - ورحم حقه الصلة والزيارة. فأنت تنزل الأرحام منازلها, وأقرب الأرحام إليك أبوك وأمك, ثم بناتك وأولادك, ثم الأقرب فالأقرب العمة والخالة وهكذا , حتى يصل الرحم إلى من لا يَمُتُّ لك إلا برحم من بعيد, فهذا حق عليك الزيارة والمواساة والمصافاة, لأن هناك رحماً توصل بالإرث, ورحماً توصل بالزيارة, ورحماً بالتعاهد, وفي حديث يروى عنه عليه الصلاة والسلام: {تعلموا من أنسابكم ما تصلوا به أرحامكم}. كان عليه الصلاة والسلام يسأل عن أرحام أو أقارب خديجة زوجته عليه الصلاة والسلام ويصلهم ويتعاهدهم بالهدية والزيارة صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث: {إن من أبر البر أن تصل ود أبيك بعد أن يولي أبوك} وورد في حديث صحيح أن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه خرج إلى مكة ومعه ناقة وحمار, كان يتروح على الحمار إذا تعب من ركوب الناقة, فمرّ به أعرابي, فنزل ابن عمر من على الحمار وأعطى الأعرابي الحمار والعمامة, فقال الصحابة: يا ابن عمر! كنت ترتاح على هذا فما لك؟ قال: إن أبا هذا كان صديقاً لأبي، وإني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه} فوصله ابن عمر , من أجل أبيه عمر رضي الله عنه وأرضاه.

قول: (صدق الله العظيم) بعد تلاوة القرآن

قول: (صدق الله العظيم) بعد تلاوة القرآن Q ما حكم قول: صدق الله العظيم، بعد تلاوة القرآن؟ A الصحيح عند المحدثين أنها بدعة, وأنها لا تقال بعد التلاوة, لأنها لم تثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام, نعم ورد في القرآن: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران:95] لكنها وردت آية ولم ترد في آخر القرآن أو بعد التلاوة, وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} ولم يقلها صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه.

حكم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم

حكم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم Q ما حكم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم متعمداً وهل له توبة؟ A نعم له توبة, المشرك إذا أسلم تاب الله عليه, وكذلك السارق وشارب الخمر, ومن كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم أو استهزأ بالقرآن, إذا تاب فالله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] لكن يقول أهل العلم: "يبدل السيئة بالحسنة" مثل ماذا؟ مثل أن يبدل كذباته عن الحديث فيأخذ الأحاديث الصحيحة ويرويها للناس, ويتثبت في قوله, ويكون مع الصادقين دائماً قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119].

الافتخار بالنسب وأذية الناس

الافتخار بالنسب وأذية الناس Q ما هي كلمتك لمن يتصدر المجالس بالافتخار, وهي عادة جاهلية, ويتمنى أن يقتل الآن عشرة من قبيلة كذا, ويشتم المتمسكين بالدين؟ A هذا يوجد في الجهلة حيث يفتخر أحدهم على القبائل, وأنهم فعلوا وفعلوا وصنعوا, وهذا يُوصى وينصح, ويطلب منه أن يتوب ويستغفر مما فعل, فإنه ليس مفتخراً فقط, بل هذا يذكر ذنوبه ويفضح نفسه, والله عز وجل يغفر للناس إلا المجاهرين, لكن يجوز للناس ولكبار السن أن يذكروا ما حدث في الجاهلية, لا على سبيل الافتخار, ولا على سبيل إثارة الحقد ولا الفتنة, كأن يقول: كان آل فلان يتقاتلون على كذا! وذكر الشعر الجاهلي لا بأس به؛ كان عليه الصلاة والسلام يجلس مع الصحابة فيتناشدون أشعار الجاهلية, ويتذاكرون أخبار الجاهلية فيضحكون ويتبسم عليه الصلاة والسلام. وأما من يتمنى أن يقتل عشرة من بعض القبائل فهذا حسيبه الله, فهذا دليل أنه ما وعى من الإسلام شيئاً, ولا عنده من الإسلام إلا صوراً, يعرف يخفض رأسه ويرفعه بالصلاة, لكن ما دخل الإيمان قلبه, قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {والذي نفسي بيده، لو تآمر أهل الأرض والسموات -هذا يصححه الألباني وغيره- على قتل امرئ مسلم لكبهم الله على وجوههم في النار, ولزوال الدنيا بأسرها أهون على الله من قتل امرئ مسلم}.

من أخذ أرضا ليست له

من أخذ أرضاً ليست له Q يوجد لدينا أناس يقطعون حججاً على أراضي على أنها عن طريق الإرث, وليست عن طريق الإرث, وإنما هي أرض بيضاء فكيف صحت هذه؟ A أولاً: أرض الإرث تورث بالشهادة, ومن شهد على شيء وقد افترى فهو من الكاذبين عند الله, وورد عند ابن عدي في حديث في سنده نظر: {على مثلها فاشهد} والله يقول: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86] وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان, قالوا: ولو كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: ولو كان قضيباً من أراك} وفي حديث آخر: {من اقتطع قيد شبر من أرض؛ طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين} فلا يجوز للمسلم أن يأخذ شيئاً إلا إرثاً, أما الأرض البيضاء فهي لمن أحياها, إلا إذا كان هناك فتنة, وقد خيف من تدخل القبائل وكثرة الدماء فإن لولي الأمر أن يتصرف بما يراه, وأما إذا لم يكن هناك فتنة فالأرض البيضاء لمن أحياها, يسور عليها سوراً, أو يبني عليها بناء، أو يحفر فيها بئراً، أو يزرع فيها مزرعة, بشرط ألا تكون لأحد من الناس, وليس لأحد عليها يد, هذا هو الصحيح. ومن يشهد على هذه الصكوك وهو لا يعلم هل هي إرث أم غيرها, فهو من الكذابين عند الله المسودين وجوههم, كما يقول بعض العلماء في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106] قال: تسود وجوه شهداء الزور, وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72] ويقول عليه الصلاة والسلام: {ألا أدلكم على أكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله, قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين, وكان متكئاً فجلس, وقال: ألا وشهادة الزور, ألا وشهادة الزور, ألا وشهادة الزور, وما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت}.

حفلات الأعراس

حفلات الأعراس Q لا يزال بعض الأفراد في هذه المناطق يمجدون ويتباهون بإقامة الحفلات في الأعراس, فهلّا أعطيتهم نصيحة وأرشدتهم إلى البديل من تلك الحفلات؟ A هذه والحمد لله خفت وقلت, ولو أنها توجد ولكنها أقل مما كان, وكان في هذه الحفلات أمور من المنكرات منها: 1 - أن فيها تضييعاً للأوقات, وأشرف شيء في الحياة الوقت قال الله تعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:112 - 115]. 2 - ومنها الإسراف في الذبائح والولائم, والإسراف في إعطاء الشعراء, وهؤلاء الشعراء دجاجلة (جمع دجال) لا يقولون الحق بل يقولون الزور, وهم أتباع للشيطان. من الشعراء ممن سمعنا -وهذا يقين, وشهد عليه شهود- أنه كان يتغزل بمحارم الناس وهو في وسط القبائل, ومنهم من كان يوشي الفتنة بين القبائل, ويمدح هذه على حساب تلك, ومنهم من كان يفخر بالباطل, ومنهم من كان يأكل أموال الناس بالباطل, يمدح الرجل ويكذب على الله ليأخذ ماله, فهؤلاء لا يجوز إعطاؤهم أجرة ولا أخذهم فإنه حرام إعطاؤهم شيئاً. 3 - تقسي القلوب, وتنسي لقاء علام الغيوب, وتضيع ما في الجيوب, وعدد من هذه الذنوب والعيوب. ما هو البديل؟ البديل ذكر الله عز وجل, البديل الاقتصار في هذه الحفلات على اجتماع الصالحين على برنامج طيب, وهناك برنامج معد من عشر فقرات مقترح من سنة أو أقل, يصلح لكل قرية ولكل قبيلة, ولا يلزم أن تستدعي داعية أو شيخاً أو طالب علم؛ باستطاعتك أن تسلم هذا البرنامج إلى مدرسة ابتدائية أو ثانوية أو متوسطة تسلمه للمدير, وهو يهيئ لك أسرة من أسر المدرسة يقيموا لك هذا البرنامج, هذا البرنامج عشر فقرات تقريباً, منها قراءة آيات خمس دقائق أو ست, أحاديث نبوية يقرأها طالب, نشيد إسلامي يقدمه بعض الطلبة, لعبة حية رياضية أو غيرها, فكاهات, مجلة النادي, قصيدة شعرية, قصة, سيرة صحابي, هذه تقوم بها أي مدرسة, ويعم الخير والنفع.

حلق اللحية

حلق اللحية Q ما حكم حلق اللحية؟ A حلق اللحية حرام بالإجماع؛ فهو من علامات الفسق, وما علمت عالماً أجاز حلق اللحى من علماء المسلمين أبداً, بل جعلوه محرماً, وكانوا يعزرون عند السلف في القرون المفضلة -وهي القرن الثاني والثالث, وعند بعض الناس, وأظن هذا ليس من الأحكام الشرعية- فكانوا يعزرون عند بعض الجبابرة من أهل الشمال -السلاجقة- بحلق لحيته, أي: إهانة له. أما هديه عليه الصلاة والسلام في اللحية فهو إرخاء لحيته عليه الصلاة والسلام, ولذلك لما وفد إليه رسل باذان عامل كسرى وهم حالقو اللحى, قال: {من أمركم بهذا؟ قالوا: ربنا أي: ملكنا, قال: فإن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي} أو كما قال عليه الصلاة والسلام, وقال: {خالفوا المجوس جزوا الشوارب وأرخو اللحى} وفيه أحاديث كثيرة. بعض الجهات يقولون إن تربية اللحية سنة, لا, هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم نعم لأنه رباها, لكنها واجب وحلقها محرم بالاجماع.

حكم السلام على من لا يرد السلام

حكم السلام على من لا يرد السلام Q لي جار ألقي عليه التحية الإسلامية فلا يردها عليّ, علماً أنه ليس بيني وبينه شيء؟ A عليك أن تسلم عليه سواءً رد أو لم يرد, كلما لقيته فسلم عليه, وعند أحمد في المسند عن أبي أمامة: {أولى المؤمنين بالله من بدأهم بالسلام} وعليك أن تسلم عليه فإذا لم يرد عليك فالملائكة ترد عليك, وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ليالٍ, يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام}.

لبس الكفوف للنساء

لبس الكفوف للنساء Q ما رأيكم في هذه الكفوف التي يرتديها النساء لتغطية أكفهن؟ A لا بأس بها وهي من الحجاب, سواء هي أو غيرها مما يغطي الكفين, لأن الكفين في غير الصلاة من زينة المرأة, إلا وجهها وكفيها في الصلاة لحديث الدارقطني وغيره, فأما المرأة فعليها أن تغطي كفيها بكفوف أو غيرها وهي أقرب للحجاب الشرعي, وهي أتقى لله وأورع وأزكى وأطيب وأحسن.

العباءة فيها خرز وأزرار من نفس لونها

العباءة فيها خرز وأزرار من نفس لونها Q ما رأيكم في العباءات التي يكون فيها بعض الخرز والزرر وهي من نفس لون العباءات؟ A ما أرى فيها بأساً إن شاء الله, وليست من الزينة الملفتة للنظر, لكن لا تكون شيئاً من ذهب أو شيئاً من ألوان مخططة, لا. تكون عامة لونها السواد, لكن مثل هذه الخرز ما أرى فيها بأساً إن شاء الله.

منع البنات من الزواج لمصلحة الأب

منع البنات من الزواج لمصلحة الأب Q نريد أن تحث بعض أولياء الأمور لتزويج بناتهم إذا أتاهم من هو كفؤ لهن؛ لأن كثيراً من الأولياء يحجر على بناته لراتب أو غيره. A هذا موجود في المجتمع, ولعله أن يقل, أي: يوجد بعض الناس -الإقطاعين الرأسماليين- يبقى بالمرصاد في البيت لابنته لا يزوجها من أجل راتبها, فتبقى خادمة موظفة عنده في البيت يحاسبها رأس كل شهر, وهذا حسيبه الله عز وجل, وهذا الرجل في رأسه خور, وهذا يعزر من قبل الأئمة, ويؤخذ على يديه إذا فعل هذا, أو ينصح ويتقي الله عز وجل في ابنته, وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض}. وعلى الشباب كذلك ألا يتهيبوا من الزواج, فإنه غنىً بإذن الله. سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

من أخبار علمائنا

من أخبار علمائنا في هذه المادة يقف بنا الشيخ على كثير من قصص العلماء في تحملهم لمشاق طلب العلم، وبذلهم العلم لمحتاجيه، وقولهم كلمة الحق لا يخافون في الله لومة لائم، وزهدهم في الدنيا، وخشيتهم لله تعالى، وتأليفهم، وتواضعهم.

طلب العلم

طلب العلم الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، الحمد لله ما اجتمع الصالحون، وما تواصى الأخيار الأبرار المفلحون، والحمد لله ما ذكر إلَهَهم الذاكرون، والحمد لله ما غفل عن ربهم الغافلون. وصلى الله وسلم على المعلم الأول، الذي أتى وقال الله له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] وأتى بـ {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:1] الذي تكلم للناس، فكان أفقههم، لم يقرأ ولم يكتب. كفاكَ باليُتم في الأمِيِّ معجزةً في الجاهلية والتأديب في اليُتَمِ وصلى الله وسلم على آله مصابيح الدجى، وغيوث الندى، وليوث الردى، ومن سار على منهجهم إلى يوم الدين واقتفى. شكر الله لفرع جامعة الإمام نشاطها، وزادها توفيقاًَ وهداية ورشداً، وشكر الله لأخي وزميلي الشيخ عبد الله بن محمد بن حُميد على تقديمه، وشكر الله لكم حضوركم. عنوان هذا اللقاء: (من أخبار علمائنا) وإنها لأخبار عجيبة وجميلة، يطرب لها القلب، وتتشنف لها الآذان، وتثلج بها الصدور. أخبار علمائنا الذين جعلهم الله عزَّ وجلَّ كأنبياء بني إسرائيل، لكنني سوف أقص عليكم قصصاً عجيبة من أخبارهم. أما عناصر هذه المحاضرة فهي كالآتي: العنصر الأول: تحملهم المشاق في طلب العلم. العنصر الثاني: زهدهم في الدنيا وإعراضهم عنها. العنصر الثالث: قولهم كلمة الحق، لا يخافون في الله لومة لائم. العنصر الرابع: بذلهم العلم لطالبيه، ونشرهم المعرفة. العنصر الخامس: خشيتهم لله تعالى. العنصر السادس: تأليفهم وتراثهم الخالد. العنصر السابع: تواضعهم لربهم تبارك وتعالى. العلم أشرف مطلوب، وهو يوصل صاحبه إلى جنة عرضها السماوات والأرض، أو يوصله إلى نار تلظى. مِن الناس مَن طلب العلم، فكان حجة عليه وخيبة وندامة، ومِن الناس مَن كان كالحمار يحمل أسفاراً، كما قال الله عزَّ وجلَّ في علماء بني إسرائيل: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] وقال في عالِمهم الضال المجرم: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176].

صون العلم وتعظيمه

صون العلم وتعظيمه هذا عبد العزيز الجرجاني كان عالماً، وهو أديب عجيب، وقصيدته من أحسن القصائد، وكان ينقبض عن الناس، فقال له الناس: " ما لك تعتزلنا، ولا تخالطنا، ولا تذهب إلى السلاطين؟ " فردَّ عليهم بقصيدة هي من أحسن ما حظي به الأدب العربي، يقول من ضمن أبياتها: يقولون لي فيكَ انقباضٌ وإنما رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما أأشقى به غَرْساً وأَجنِيْهِ ذلَّةً إذاً فاتباعُ الجهل قد كان أحزما ولم أبتذِلْ في مطلب العلم مُهجَتي لأخدم مَن لاقَيْتُ لكن لأُخدَما إلى أن يقول: ولو أن أهل العلم صانوهُ صانَهم ولو عظَّموه في النفوس لعُظِّما ولكن أهانوه فهانوا ودَنَّسوا مُحَيَّاهُ بالأطماع حتى تَجَهَّما قال أحد أهل السِّيَر: " كان من العلماء المسلمين عالِم طلب العلم وحفظ القرآن والحديث، ثم أدركه الخذلان والعياذ بالله، خرج إلى المسجد يصلي، فنظر إلى بيت من البيوت، فرأى امرأة طَلَّت عليه كشمس الضحى، لكنها نصرانية، مسيحية، ملحدة، كافرة، فوقع عشقها في قلبه، فترك المسجد، وعاد إلى البيت، فراسلها، فاشترطت عليه ألا يتزوجها إلا إذا ارتد عن الإسلام - لا إله إلا الله {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]- حاول أن يتزوجها فقالت: مهري أن تترك الإسلام، والمسجد، والقرآن، فتزوجها بعد أن ارتد عن الإسلام، وذهبت به إلى أرض المسيحيين النصارى، فمرَّ به أحد زملائه، فوجده يرعى الخنازير. وانظر إلى سوء الخاتمة وسوء المنقلب، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] وجَدَه يرعى الخنازير، فقال له: يا فلان! أين القرآن؟ وأين الحديث؟ قال: والله ما أصبحت أحفظ من القرآن إلا آية واحدة، قال: ما هي؟ قال: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:2] " هذ الآية منطبقة عليه في هذه الحالة.

تحمل المشاق في طلب العلم

تحمل المشاق في طلب العلم أما تحمل علمائنا للمشاق: فأمر عجيب، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ذكر موسى في القرآن، وأخبر أنه ركب البحر في طلب العلم، وبوَّب البخاري في كتاب العلم: (باب ركوب البحر في طلب العلم) وموسى عليه السلام قد وقف خطيباً في بني إسرائيل، فقالوا له: أتعلمُ أعلمَ منك في الأرض؟ قال: ما أعلمُ أعلمَ مني، فلامه الله وعاتبه على أنه ما ردَّ العلم إلى الله، فقال الله: بل عبدنا بـ مجمع البحرين الخضر أعلمُ منك. فسافر إليه وطلب منه أن يعلمه، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يتابع قصة موسى والخضر في القرآن باشتياق، فلما انتهت القصة وقال الخضر: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] قال عليه الصلاة والسلام: {رحم الله موسى، ودِدْتُ أنه صبر حتى يُقصَّ علينا مِن نبئهما} يقول أهل العلم - والحديث صحيح -: {لما ركب موسى والخضر عليهما السلام في القارب، وأصبحوا في البحر، وإذا بعصفور ينقر من البحر - يشرب من البحر - فقال الخضر: يا موسى! ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما أنقص هذا العصفور من هذا البحر}. ذكر البخاري: سافر جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه شهراً كاملاً في طلب حديث واحد من المدينة إلى الصحابي الجليل عبد الله بن أنيس في مصر، في العريش، فخرج عبد الله بن أنيس ورأى صاحبه فعانقه، فقال له: [[ادخل واجلس، قال: لا. إنما خرجت لوجه الله، ولا أريد أن أفسد هجرتي، أريد الحديث الذي سمعتَه من الرسول عليه الصلاة والسلام]] فأخذ الحديث وهو واقف، ثم ركب ناقته وانصرف. أما سعيد بن المسيب فيقول عن نفسه: [[والله الذي لا إله إلا هو، لقد كنت أسافر الثلاثة الأيام بلياليهن في طلب حديث واحد]] ولذلك بارك الله في علمهم وجهدهم، رغم أنه لم يكن عندهم ما عندنا من الوسائل الحديثة: كالسيارات، والهواتف، والمطاعم الشهية، والمراكب الوطية، والملابس الهنيَّة المَرِيَّة، ولكن قلَّ التحصيل، ونشكو حالنا إلى الله الواحد الأحد. يذكرون عن القفال - أحد علماء الشافعية - أنه سافر لطلب العلم، وكان عمره أربعين سنة، فلما مشى في الطريق، قال له الشيطان: "كيف تطلب العلم في الأربعين؟ - والشيطان يوسوس - فرجع من الطريق، ولما رجع مرَّ برجل يعمل على سانية، والساقية وكان الرجل يُخرج الماء من البئر، وقد أثر الرشا والحبل في الصخر، فقال القفال بعدما اعتبر بتأثير الحبل في الصخر مع المداومة: اطلب ولا تضجر من مطلب فآفة الطالب أن يضجرا أما ترى الحبل بطول المدى على صليب الصخر قد أثرا قيل لـ عامر الشعبي وهو عالم جليل: " بم طلبتَ العلم؟ قال: بصبر كصبر الجمال، وببكور كبكور الغراب "، يبكر في الصباح مثل بكور الغراب، من بعد صلاة الفجر يطلب العلم، ويصبر كصبر الجمال في طلبه حتى حصله. كم سافر الإمام أحمد؟ دخل أكثر من ثلاثين إقليماً في طلب الحديث، مشياً على رجليه، معه بُقْشَة فيها خُبْزُه من شعير وملح، دخل خراسان، ومدنها: سمرقند، وبخارى، وتركستان، وطشقند، والسند، وأطراف الهند، وأطراف أفغانستان -على ما يُنقَل في سيرته- ودخل مصر والعراق، والحجاز، وذهب إلى الشام، ثم دخل اليمن، وطاف الأقاليم، حتى قال بعضهم: " لو جُمِعَت سَيرته، أو المسافات التي سارها لطوقت الدنيا ". كان يمشي ليل نهار، ذهب إلى عبد الرزاق في صنعاء يطلب العلم منه، فوفقه الله بـ عبد الرزاق وهو يطوف عند البيت، فقال يحيى بن معين: " يا أحمد! هيا بنا، هذا عبد الرزاق قد حضر نأخذ العلم منه ونعود، قال أحمد: أنا خرجت لله، وأريد أن يعود عبد الرزاق إلى صنعاء؛ لأذهب إليه ولتكون سفرتي في سبيل الله، فلما عاد عبد الرزاق إلى صنعاء، سافر الإمام أحمد إليه، وانتهى ما لدى الإمام أحمد من شرابه وطعامه حتى قال: عملت حصَّاداً في بعض الأيام لنفقة بطني " عمل حصاداً يحصد الزرع لما انتهت نفقته في طلب الحديث، وعاد بحديث كثير، وترك لنا: المسند، الذي لو كُتِب بالدموع أو بالدماء ما أنصف.

الإنفاق في طلب العلم

الإنفاق في طلب العلم أما الشافعي: فقالوا: " أنفق ثلاثين ألف دينار " وهي ميزانية هائلة، كان كلما أتاه عطاءٌ أنفقه في طلب العلم، سكن مكة مع أمه، وكانت فقيرة، وبيتهم كان ضيقاً، فكان يذهب يطلب العلم، ولا يجد أوراقاً؛ لأنها غالية الثمن -ونحن عندنا مطابع ودفاتر ووسائل وترجمة، لكن: أين من يُحَصِّل؟! - فكان يأخذ اللخاف، والرقاع، والعظام، والصخور الملساء، ويكتب فيها العلم بالفحم، حتى ضيَّق على أمه السكنى، وقالت: " يا بني! أنخرج ونترك البيت لكتبك؟ " - أي: أصبح الدار مكتبة، وأصبح هو وأمه في طرف البيت. ثم ذهب إلى البادية، فحفظ أشعار ثلاثين شاعراً من شعراء هذيل، ثم عاد، فقال له رجل من أهل مكة: " إني أراك نابها، ً فصيحاً، ذكياً، فاذهب إلى عالم المدينة مالك بن أنس، فاطلب منه العلم "، فذهب. قال الشافعي: " حفظتُ الموطأ في تسع ليالٍ "، لا إله إلا الله! الموطأ مجلد كامل تعادل آثاره، وأحاديثه، ومقطوعاته، ومرسلاته، وموقوفاته ثلاثة آلاف حديث حفظه في تسع ليالٍ عن ظهر قلب، فلما جلس عند الإمام مالك، كان يقرأ عليه، فقال له: " إني أرى عليك نوراً، فلا تفسده بالمعصية ".

الصبر والذل في طلب العلم

الصبر والذل في طلب العلم أما عطاء بن أبي رباح فكان عبداًَ -وكلنا عبيدٌ لله، والإسلام لا يعترف بالدماء، ولا بالأنساب، ولا بالقبائل، ولا بالأسر؛ ولكن ميزانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]- لامرأة من مكة، فأصيب بمرض الشلل، وأصيب بمرض في جسمه، فتركته، فمكث في الحرم ثلاثين سنة يطلب العلم، حتى بَرَّز في العلوم، يقول: [[ما رفعت فراشي من الحرم مدة ثلاثين سنة]] ليلاً ونهاراً وهو يطلب العلم؛ حتى أصبح عالم المسلمين. أما ابن عباس: وكان الأَولى أن يُقدَّم في هذا الباب، ولكننا نقدمه مهما تأخر لفظاً فإنه متقدم رتبة. ابن عباس رضي الله عنهما قال -واسمَع لهذه العبارة وقد صحَّت عنه--: [[ذَلَلْتُ طالِباً فَعَزَزْتُ مطلوباً]] ويقولون: العلمُ حربٌ للفتى المتَعالي كالسيل حربٌ للمكان العالي فمن تكبر لا ينال العلم. وعند البخاري موقوفاً على مجاهد: [[لا ينال العلم مستحٍ ولا مستكبر]]. فلا إله إلا الله! ما أحسن طلاب العلم إذا تواضعوا في طلبه! قالوا لـ ابن عباس: كيف حصلت العلم؟ قال: [[كنت أخرج في الظهيرة في شدة الحر، فأذهب إلى بيوت الأنصار، فأجد الأنصاري نائماً، فلا أطرق عليه بيته، فأتوسد بُرْدي عند باب بيته، فتلفحني الريح بالتراب، فيستيقظ الأنصاري، ويقول: يا بن عم رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ألا أيقظتني أُدْخِلك؟ فأقول: أخاف أن أزعجك]] فأصبح عالم الأمة رضي الله عنه وأرضاه، ولنا عودة لهذا العنصر.

زهدهم في الدنيا وإعراضهم عنها

زهدهم في الدنيا وإعراضهم عنها أما زهدهم في الدنيا وإعراضهم عنها: فمن يعرف الدنيا ويذوقها ويستمرئها فإنه سوف يعرف أنها لا تساوي شيئاً، وأشرف ما تطلبُه في الحياة أن تنقذ نفسك من النار: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]. قيل لأحد العلماء: " كيف عرفت الدنيا؟ قال: دلني العلم على الزهد فيها ". وفي حديث اختلف أهل العلم فيه، بعضهم يصححه، وبعضهم يضعفه، وأرى أنه حسن: {ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} والناس اليوم قد زهدوا في ما عند الله. وقد صحَّ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلاَّ ذكر الله وما والاه، أو عالم، أو متعلم} سكنوا القصور، وعمروا الدور، وتوسعوا في البساتين والحدائق، لكنها بلا إيمان لا تساوي شيئاً، أما الصالحون من العلماء والعباد والزهاد فرأوا أن طريق الجنة بالزهد في الدنيا لأن الله يقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:16] {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20].

زهد الخوارج

زهد الخوارج هذا عمران بن حطان شاعر خارجي، والخوارج فيهم ثلاث صفات سيئة -وهم كلاب النار- وفيهم ثلاث صفات جيدة: فهم زُهَّاد، وصادقون، وشجعان. أما الشجاعة: فيضربون الرءوس ويقطعونها تقطيعاً بارعاً. وأما الزهد: فلا يلتفتون إلى الدنيا أبداً. وأما الصدق: فلا يكذبون، ولذلك قَبِل البخاري رواية عمران بن حطان في الصحيح. وعمران هذا هو صاحب الأبيات المشئومة، في قُتِل علي بن أبي طالب مِنْ قِبَل ابن ملجم؛ قال ابن حطان يمدح ابن ملجم: يا ضربةً مِن تقيٍّ ما أرادَ بها إلا ليبلُغ مِن ذي العرش رِضوانا إني لأذكرُه يوماً فأحسَبُه مِن خير خلق عباد الله ميزانا فرد عليه علماء أهل السنة، وقالوا لـ عمران ذاك: يا ضربةً مِن شقيٍّ ما أرادَ بها إلا ليبلُغ مِن ذي العرش خسرانا إني لأذكرهُ يوماً فألعَنُه وألعنُ الكلبَ عمران بن حطانا وذكر الذهبي أن عمران هذا أوقف قتادة بن دعامة السدوسي أحد علماء أهل السنة، وأخذه بتلابيب ثوبه -وكان قتادة أعمى- ثم قال: " يا قتادة! اسمع أبياتاً لي في الدنيا ما قالها أحد، قال: قُل قال: أرى أشقياءَ الناسِ لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوَّعُ أراها وإن كانت تَسُرُّ فإنها سحابةُ صيفٍ عن قليلٍ تَقَشَّعُ " والمعنى: أنهم لا يسأمون الدنيا، وأشقياء الدنيا خدم أهل الدنيا.

زهد العلماء في الأعطيات

زهد العلماء في الأعطيات لما فتح أجدادنا كابل وهي عاصمة أفغانستان، وكان قائدهم قتيبة بن مسلم -لله دره- وكان قبل المعركة يسجد ويبكي، ثم يسأل الله النصر فيفتح الله عليه، كان رجلاً قوياً مهاباً، يقولون: إذا دخل المسجد، كان ينكس رأسه، لكيلا يصطدم رأسه بسُرج المسجد لأنها كانت مسرجة بالزيت، وآتاه الله قوة في الجسم، وشجاعة هائلة، ذهب لفتح كابل بمائة ألف من المجاهدين المسلمين، وكان معهم محمد بن واسع الزاهد العابد، عالِِم أهل الكوفة، ومحمد بن واسع أزدي، أجداده من الجنوب والطحاوي وعبد الغني المقدسي من الجنوب، ولا تَمَيُّز ولا نفتخر بذلك، ولكن عَلَّ الابن أن يقول: نبني كما كانت أوائلُنا تَبْنِي ونفعلُُ مثلما فعلوا هم القومُ يَروُون المكارمَ عن أبٍ وجَدٍّ كريمٍ سيِّدٍ وابنِ سيِّدِ وهَزَّتُهم يوم الندى أرْيَحِيَّةٌ كأن شربوا مِن طعم صهباءَ صرخدِ يقولون لـ محمد بن واسع: " لماذا لا تتكئ؟ -وكان يجلس دائماً خائفاً- فقال: لا يتكئ إلا الآمن، وأنا لست بآمن، لا أتكئ حتى أجوز الصراط " إذا تعديتُ الصراط فسوف أتكئ، أما في الدنيا فلا. وصل محمد بن واسع وقتيبة، وقبل أن تبدأ المعركة بوقت بسيط، قال قتيبة للمسلمين: " ابحثوا لي عن محمد بن واسع، فذهبوا فوجدوه قد صلى ركعتي الضحى، ثم قام بالرمح واتكأ عليه، ورفع سبابته إلى الحي القيوم وهو يقول: يا حي يا قيوم! برحمتك نستغيث، اللهم انصرنا. فعادوا إلى قتيبة فأخبروه، فدمعت عيناه وقال: والله الذي لا إله إلا هو لأصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير. وبدأت المعركة وانتصر المسلمون، وأتوا بالغنائم كرءوس الأبقار من الذهب والجواهر والدرر، فالتفت قتيبة إلى الغنائم وقال: ما رأيكم لو عرضت هذه الأموال على أحد من الناس أيَرُدَّها؟ قالوا: ما نرى أحداً يرفضها - مَن الذي يرفض الذهب والمال والدرر والجواهر؟ - قال قتيبة: والله لأرينكم قوماً من أمة محمد عليه الصلاة والسلام المال عندهم مثل التراب، نادوا لي محمد بن واسع فأتى، فقال له قتيبة: خذ هذا المال - مثل رأس البقرة من الذهب- فأخذه محمد بن واسع، فقال قتيبة: اللهم لا تخيب ظني فيه! فخرج به من الخيمة، فقال قتيبة لأحد الجنود: تتبع محمد بن واسع وانظر أين يذهب بالمال؟ فتتبعه وقد أخذ صرة الذهب، فمر فقير في الجيش وهو يسأل الناس، فأنا فقير، فأعطاه كل المال، فذهب الجندي إلى الفقير، وقال له: أجب قتيبة، فأتى فقال له: من أين أخذت هذا المال؟ قال: من محمد بن واسع، فالتفت قتيبة بن مسلم إلى الناس، فقال: أتنظرون إلى زهدهم في الدنيا؟ "، هكذا كانوا؛ لأن رضوان الله لا يعادله شيء. علي بن أبي طالب له كلمة تُسَجَّل بماء الذهب، وهي في صحيح البخاري، يقول: [[ارتَحَلَتِ الآخرةُ مُقْبِلَةٌ، وارتَحَلَتِ الدنيا مُدْبِرَةٌ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل]]. كان علي من أزهد الناس، يقول - وهو يصعد على بغلته، ويمشي في الأسواق، ومعه ثوب -: [[أنا أبو الحسن، أهنتُ الدنيا أهانها الله]] كان لا يلتفت إليها أبداً، ولذلك عظَّم الله أجره في الآخرة ورفع ميزانه. كلكم يسمع بـ سليمان بن عبد الملك، وأنا أريد أن أورد القصص أكثر مما أتحدث؛ لأن في قصصهم عبرة وحياة، قال مجاهد: [[القصص جند من جنود الله، يرسلها على من يشاء]] وقال أبو حنيفة: [[سِيَر أهل العلم وأهل الفقه أحب إلينا من كثير من الفقه]] فكانوا يتذاكرون السِّيَر. كان سليمان بن عبد الملك الذي بويع على الخلافة ينظر في المرآة ويقول: [[أنا الملك الشاب، أنا السلطان الهيَّاب]] لكن الشباب والهيبة لم تفده، لما أتته سكرات الموت صُرِع وما أغنى عنه ماله، ولا نسبه، ولا أصله، ولا مُلكه، حَضَرَ سكرات موتِه عمر بن عبد العزيز الخليفة بَعْدَه، فأخذ سليمان يقول - وهو في سكرات الموت -: أفلحَ مَن كان له كبارُ إن بَنِيَّ صبيةٌ صغارُ بيتٌ واحد يقول فيه: أفلح الذي عنده أبناء كبار بوليهم الملك بعده؛ لأن أبناءه كانوا صغاراً، قال عمر بن عبد العزيز: [[لا يا سليمان. {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14 - 15]]] أما من عنده أبناء صغار، أو كبار، أو سود، أو حمر لا يفلحون، {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف:196]. دخل سليمان المدينة، فسلم عليه أهل مدينة محمد عليه الصلاة والسلام، وباركوا له بالخلافة إلا قيس بن أبي حازم -أحد العلماء- لم يبارك له ولم يأت إليه، فأرسل له سليمان الجنود، فأتوا به فدخل عليه وقال: [[السلام عليكَ يا سليمان، قال: الناس يقولون: السلام عليكَ يا أمير المؤمنين وأنت تقول: يا سليمان، قال: لأني لم أبايعك بالخلافة، وأنت بُويِعْتَ بالخلافة على غير رضىً مني، فكيف أسميك أمير المؤمنين؟! قال: ما لنا نحب الحياة ونكره الموت يا قيس؟ قال: لأنكم عمَّرتم حياتكم وخرَّبتم آخرتكم، فأنتم تكرهون الانتقال من العمار إلى الخراب، قال: ما رأيك أن تصحبنا؟ قال: كيف أصحبك؟ قال: أعطيك نصف ملكي وتصحبنا، قال: لا. إن الله يقول: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:113] وكم تعطيني من جناح بعوضة؟ أتعطيني نصف جناحها وقد قال عليه الصلاة والسلام: {لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافراً منها شربة ماء}]]. وسليمان هذا يبخت في القصص، محظوظ في المجابهات العلمية، دخل الحرم يطوف، فوجد سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وانظر إلى الثلاثة! عبد الله أفضل من سالم، وعمر أفضل من عبد الله، وابنه هو سالم. إن العصا مِن هذه العُصَيَّةْ لا تَلِدُ الحيَّةُ إلا حَيَّةْ كان سالم يطوف بالبيت وحذاؤه بيده -وهو زاهدٌ عابد يقولون عنه: ثَمَّنَّا ما عليه فوجدناها بثلاثة عشر درهماً- فمر سليمان بالموكب ومعه الوزراء والأمراء، فلما رأى سالماً توقف واقترب منه ليُقَبِّل يده لأنه عالم الأمة، فسحبها، فقال له سليمان: [[يا سالم! ألَكَ إليَّ حاجة؟ قال سالم: يا سليمان! أما تستحي من الله؟ أتعرض عليَّ المسائل في بيت الله؟ فتركه، فلما خرج عرض عليه السؤال، قال: ألَكَ إليَّ حاجة؟ قال: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ قال: بل من حوائج الدنيا، أما الآخرة فلا يملكها إلا الله، قال: والله الذي لا إله إلا هو، ما سألت حوائج الدنيا من الذي يملكها وهو الله، فكيف أسألها منك؟]]. هذا درس للواعين والنابهين أن يعلموا أن ما عند الناس لا يساوي شيئاً: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96]. وأما أفضل ما يمكن أن يكنزه العبد: فهي العبادة، والصلاح، والعلم النافع، قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]. دخل أحد الخلفاء إلى المدينة، قيل إنه الوليد بن عبد الملك، فأتى إلى الناس بأعطيات، وجاء بأعطية لـ سعيد بن المسيب (ذهب وفضة) جعلها في كيس، وأرسل جندياً إليه بها، فذهب إلى سعيد فوجده يصلي ركعتين، فلما سلَّم قال: خذ هذا العطاء يا بن المسيب، قال: ممن هذا العطاء؟ قال: من الوليد بن عبد الملك، قال: هيه! يسرق أموال المسلمين ويعطيني العطاء، ويحاسبني الله على عطائه، ربما أراد غيري، قال: لا. بل أرادكَ أنتَ، قال: اذهب إليه بالعطاء واسأله -وكان الوليد جالساً في طرف المسجد- هل يريدني أم يريد غيري؟! فأخذ الكيس وذهب به، وأخذ سعيد بن المسيب حذاءه، وخرج من المسجد. وأمرهم عجيب في ذلك، ومقصودهم في الزهد كما قال ابن تيمية: " الزهد: ترك ما لا ينفع في الآخرة "، أما ما ينفعك في الآخرة فهو من أحسن ما يكون إذا أتى من وجه شرعي مباح لا مغبة فيه ولا ريبة ولا حرج.

قولهم كلمة الحق لا يخافون في الله لومة لائم

قولهم كلمة الحق لا يخافون في الله لومة لائم يقول عليه الصلاة والسلام: {أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر} إذا سُلَّ السيف وأصبحت الدماء تسيل، وقام العالم يتكلم فكلمته أفضل الجهاد؛ وهذه لا يستطيع لها إلا القلائل، مثل: النابلسي، الذي ترجم له الذهبي.

النابلسي يسلخ لقوله الحق

النابلسي يُسْلَخ لقوله الحق النابلسي محدِّث وعالم من علماء الإسلام، كان راوياً يحفظ الأسانيد والأحاديث، وكان الحكام في عهده هم الفاطميون، جدُّهم هو اليهودي ابن قداح، يقول ابن تيمية: " لا ينتسبون لأهل الإسلام "، وكثير من المؤرخين اليوم يقول: " ينتسبون لـ علي بن أبي طالب " كلا، وحاشا، والله إنهم يهود، أشرار، أنذال، زنادقة، خرجوا على الإسلام بسيف الطاغوت، وذبحوا الإسلام ذبحاً. كان الحاكم بأمر الله الفاطمي يخرج يوم الجمعة قبل الصلاة إلى السوق، فإذا رآه الناس سجدوا له، والذي لا يسجد يقتله، أخذ المصحف وداسه وبال عليه، والمصيبة أنه ذبح المسلمين حتى أسكتهم، وأتى الفقر في عهده حتى أكل الناسُ الحميرَ، قال ابن كثير في: البداية: " اجتمع سبعة على حمارة فذبحوها، وأكلوها في عهده "، قال: " ومات كثير من المشايخ وتلاميذهم في المسجد وانتهوا "، وأتى الحاكم بأمر الله بحماره فوقف عند قصره، ليأخذ غرضاً ويعود، فلما خرح وإذا الحمار مذبوح، وقد تُقُسِّمَ لحمُه، مهلكة، أهلك الله الأمة في عهده بذنوبه وخطاياه. قام النابلسي في مجلس الحديث، فسأله أحد الطلاب -وبعض الطلاب مبارك في الأسئلة- قال: " ما رأيك في الفاطميين، هل يصح جهادهم؟ " قال هذا العالِم -أوقفه الله الآن على الصراط إما أن يقول: نعم، أو لا-: " أرى أن من عنده عشرة أسهم، أن يرمي الروم بسهم واحد، ويرمي الفاطميين بتسعة أسهم ". وارتفعت الكلمة، ولم تأتِ صلاة الظهر إلا والكلمة قد وصلت -بحفظ الله ورعايته- إلى الحاكم، وأتى الحاكم فأزبدَ وأرعدَ، وقام فأخذ السيف وغمسه في الدم، وقال: " عليَّ بـ النابلسي "، فأتوا بـ النابلسي، فأجلسوه، قال له الحاكم ولم يفهم الكلمة بعد. أقول له زيد فيكتب خالداً ويقرؤه عمراً ويفهمه بكراً قال الجدارُ للوتدِ لِمَ تَشُقني قال اسألْ مَن يَدُقني فيقول الحاكم: " ما لك يا نابلسي! تقول فينا كلاماً؟ قال: ماذا قلتُ فيكم؟ قال: تقول فينا: إذا كان عند الرجل عشرة أسهم، يرمينا بسهم، ويرمي الروم بتسعة أسهم؟ قال: لا. خطأ، العبارة ليست هكذا، قال: وما هي العبارة؟ قال: العبارة التي قلتُ: من كان عنده عشرة أسهم يرميكم بتسعة، ويرمي الروم بسهم. قال: أما تدري أني أريد أن أذبحك اليوم؟ قال: اذبح أو لا تذبح، والله ما نفسي تساوي عندي هذه، ثم أخذ زراره فقطعه، ثم رماه في وجه الحاكم، فقام وقال: لا أذبَحُكَ، لا يذبَحُكَ إلا يهودي، قال: افعل ما بدا لك " -وهذه أشنع قتلة في التاريخ- فأخرجوه في الشمس، ثم علقوه من رجليه بحبل، ونكَّسوه على رأسه، وبعض الرواة يقولون: " أتت سحابة وهو معلق فغطته من الشمس " والقدرة صالحة، وكرامات الأولياء واردة، وأخذ اليهودي يسلخ جبهته بالسكين كما يسلخ الشاة، أتدرون ماذا كان يقول النابلسي؟ كان يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ". ويقال: " إن الله عزَّ وجلَّ ربما رفع عنه ألم السلخ "؛ لأن الله يقول: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52] وبعضهم يقولون: " أول ما قطرت منه قطرات من دمه -وذكرها الذهبي، ولم يعلق عليها، وأنا لا أعلق عليها- كَتَبَت في الأرض: الله، الله، الله " فلما وصل اليهودي إلى قلبه بعد أن سلخ كل الجلد، رحم اليهودي النابلسي، فأخذ سكيناً فغمسها في قلبه فمات، {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. عُلُوٌّ في الحياة وفي المماتِ بِحَقٍّ أنت إحدى المعجزاتِ كانوا يقولون الحق، لكن في مواطنه، يوم تنفع كلمة الحق، يوم يكون من الحكمة أن يقولها، يقولها إذا كان من المصلحة للإسلام أن يقولها، لكن في قالب من النصيحة يؤدونها، لا تشهيراً، ولا تجريحاً، ولا تضليلاً، ولا تبجحاً، ولا رياءً، ولا سمعة، كانوا ينصحون الخاصة للخاصة، والعامة للعامة.

الصحابة يقولون الحق ويقبلونه

الصحابة يقولون الحق ويقبلونه أتى عمر رضي الله عنه وأرضاه، وأنا لا أضرب بـ عمر مثالاً للجبابرة، بل هو سيد العدول، وهو الولي الكبير، وهو الزاهد العابد، قام على المنبر كما يذكر بعض المؤرخين، فقال: [[يا أيها الناس! اسمعوا وعُوا - أتدرون ما السبب؟ كان لـ عمر جلباب كبير رضي الله عنه، لبسه يوم الجمعة، وأعطى الصحابة من جلباب واحد، لكن عمر كان طويلاً فأخذ جلبابين، وهذا عند المسلمين لا يصح - فقال سلمان في المسجد: والله لا نسمع ولا نعي، قال: ولِمَه يا سلمان؟ -وسلمان الفارسي، مَوْلَى، لَيْتَهُ كان علياً، أو عثمان - قال: تلبس ثوبين، وتكسونا من ثوب واحد، قال: قم يا عبد الله أجب سلمان، فقام عبد الله بن عمر وقال: إن أبي طويل، وإنه قد أخذ ثوبي إلى ثوبه، قال سلمان: الآن، قل نسَمْعْ، وأمر نُطِعْ]]. وفي ترجمة عمر أنه قام على المنبر، فقال: [[يا أيها الناس! ما رأيكم لو حِدْتُ عن الطريق هكذا؟ -أي: لو مِلْتُ عن الطريق المستقيم- فسكت الصحابة، وخجلوا، واستحيوا، فقام أعرابي معه سيف عند سارية في آخر المسجد، فقال: يا أمير المؤمنين والله الذي لا إله إلا هو لو حدت عن الطريق هكذا، لقلنا بالسيوف هكذا، فتبسم عمر، وقال: الحمد لله الذي جعل من رعيتي من إذا حدت عن الطريق هكذا، يقول بالسيف هكذا]]. هذه شرعية الكتاب والسنة والعدل في الإسلام.

الشجاعة في قول الحق

الشجاعة في قول الحق والعلماء لهم مواقف في ذلك؛ لأنهم كانوا يجعلون عرش الله بارزاً أمامهم إذا سئلوا في مسائل محرجة. الزهري العلامة المحدث، دخل مع كثير من العلماء على هشام بن عبد الملك آخر أولاد عبد الملك بن مروان، وكان خليفة ولكنه ناصبي يبغض علياً، والناصبي هو: الذي ينصب العداء لأهل البيت. إن كان رفضاً حبُّ آلِ محمدٍ فليشهدِ الثقلان أني رافضي حبهم قربة من الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] لكنَّ هشاماً كان ينصب العداء لهم، وهشام أوحى إليه الشيطان أن المقصود بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:11] أنه علي بن أبي طالب، والذي تولى كِبْرَه هو عبد الله بن أبي بن سلول كما قال أهل العلم. فقال هشام للعلماء: [[يا سليمان بن يسار! من الذي تولى كِبْرَه؟ قال: عبد الله بن أبي، قال: كذبتَ، قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول - يقول: ما دام أنتَ خليفة فأنت أعلم، وهو في الحقيقة خليفة لا يعلم - فقال: يا فلان! من الذي تولى كِبْرَه؟ قال: عبد الله بن أبي، قال: كذبتَ، الذي تولى كِبْرَه علي، قال: أمير المؤمنين أعلم. قال: يا زهري، قال: نعم. قال: من الذي تولى كِبْرَه؟ قال: عبد الله بن أبي، قال: كذبتَ، فقام وسط الناس الزهري -وكان الزهري جالساً- قال: كذبتَ أنتَ وأبوكَ وجدك، الذي تولى كِبْرَه عبد الله بن أبي بن سلول، حدثني بذلك عروة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعلقمة بن وقاص وعائشة، والله لو نادى منادٍ من السماء أن الكذبَ حلال ما كذبتُ، فانتفض هشام وقال: لعلنا هيجنا الشيخ، لعلنا هيجنا الشيخ]]. قول الحق صعب وثقيل، لكنه في مواطن ينبغي أن يقال، لكن بقالب من نصح أولاً كما قال تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] ولا يعني ذلك أن الإنسان يتبجح بقول الحق، أو يجرح المشاعر، أو يظلم الناس، فإن النفوس لا تقبل، والنفوس لا بد أن تعطيها كرامتها ومنزلتها، ثم تقول الحق في قالب من النصح حتى يصل إلى القلب. هارون الرشيد خليفة المسلمين، دخل عليه رجل فقال: " يا أمير المؤمنين! اسْمَع كلاماً شديداً وتَحَمَّلْني، قال: والله لا أسمع، والله لا أسمع، والله لا أسمع، قال: ولِِمَ؟ قال: أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني فقال له: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] " لأن هذا هو المطلوب في المسلم، أن يقدم كلمة النصح في قالب من الخير. وفي موقف آخر، واستشهادٍ ثانٍ: الأوزاعي: عبد الله بن علي عم أبي جعفر المنصور، كان يسمى السفاح، دخل دمشق واستباحها ساعة، فقتل ستة وثلاثين ألفاً، وأدخل بغاله وجماله في المسجد الأموي -الجامع الكبير- وربط الفرسان الخيول بالسواري، وقال للناس: " أترون أحداً يعترض على ما فعلتُ؟ قالوا: نظن الأوزاعي يعترض. فاستدعى الأوزاعي، قال الأوزاعي: انتظِروا قليلاً، فدخل فلَبس أكفانه بعد أن اغتسل وتطيب، ولبس ثيابه فوق أكفانه، ودخل على عبد الله بن علي، قال الأوزاعي: والله الذي لا إله إلا هو، لَمَّا دخلتُ عليه كأنه ذبابٌ في عيني، وكأني أتصور عرش الله بارزاً للناس، قال: فانعقد في جبينه عرق، وفي يده خيزران والسيوف قد أُشْرِعَت على رأس الأوزاعي، قال: يا أوزاعي! ما رأيك في الدماء التي سفكناها؟ فحدثه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة} فغضب، قال: ورفعتُ العمامة أنتظرُ السيفَ، ورأيتُ بعض وزرائه يرفعون ثيابهم حتى لا يصيبهم دمي، قال: فسألني في الأموال، قلت: حلالها حساب، وحرامها عقاب، قال: اخرج، فخرجت، قال: ارجع، فرجعتُ وأنتظر السيف، قال: خذ هذه البُدرة، يقول: بُدرة من فضة وذهب قال: فأخذتها، ووزعتها على الجنود، ثم رميتُ بالكساء عليه، ثم خرجت، وبقي قدره عند الأمة مرتفعاً؛ لأنه ضحى بدمه في سبيل الله عزَّ وجلَّ. والإمام أحمد فعل ذلك عند المعتصم، فقد حاول الخليفة المعتصم وهو الرجل الشجاع، والعسكري القوي، صاحب عمورية، حاول أن يجعل الإمام أحمد يقول: القرآن مخلوق، فلم يقل بذلك الإمام أحمد، وجُلد جلدات، يقول الذي جلده: " والله لقد جلدته جلداً، لو جلدته جملاً لمات "، كلما جُلد الإمام أحمد أُغْمِي عليه، فإذا أفاق بعد أن يرشوه بالماء قالوا: " ماذا تقول؟ قال: ائتوني بآية أو حديث، حاولوا به وبدَّلوا وغيَّروا فلم ينفع، فثبت على الحق، حتى جعله الله إمام أهل السنة والجماعة، ونصره الله نصراً مؤزراً ما سمع التاريخ بمثله.

بذلهم العلم لطالبيه

بذلهم العلم لطالبيه أما بذلهم العلم لطالبيه، ونشرهم المعرفة، فهي مسألة نعيشها نحن، في هذه الأزمنة المتأخرة، فقد صرنا نعيش أزمة علماء، وأزمة دعاة، منهم من يُقَطر العلم قَطْرة قَطْرة كالقَطَّارة، ومنهم من ينفق العلم كأنه يصرف من جيبه، والساحة تشتكي وتريد أن ينزلوا لأن الأجيال بحاجة للعلم، فانظروا إلى نشر العلم عند السلف. كان عروة بن الزبير يتألف الناس على حديثه، يعطيهم المال لكي يحضروا، يقول لطلابه: [[من يحضر منكم اليوم له دينار]] لأنه يريد أن ينشر هذا العلم الذي عنده، لأن العلم حياة، والعلم إذا حُبس ضاع ونقص. يزيدُ بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفَّاً شدَدتا {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] ويقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] وقد قالوا عن ابن عباس أنه: [[كان يجلس في الحرم بعد صلاة الفجر، فيقول: هيا، عليَّ بأهل القرآن، فيأتي أهل القرآن، فيقرءون إلى طلوع الشمس، فيقول: ارتفعوا، ائتوا بأهل الحديث، فيسألونه، ثم إذا انتهى منهم، قال: ارتفعوا، ائتوا بأهل الفقه، ثم أهل التفسير، ثم أهل العربية، ثم أهل الشعر]] وكان يفطرهم ويغديهم، ولا يطلب طالب من بعض الناس أن يغدي ويفطر طلابه؛ لأن ميزانية ابن عباس تختلف عن ميزانية بعض الناس، فقد كان ابن عباس موهوباً، وكان عنده مال، وكان يغدي أصحابه وطلابه اللحم والثريد، ويفطرهم لُبَاب العسلِ والبُرَّ، ولذلك يقول ابن تيمية عنه: " جمع الحسنيين في الدنيا: بذل العلم، وكرم اليد " {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4] واليهود جمعوا خصلتين لئيمتين: البخل، وكتمان العلم. العلماء بذلوا العلم في سبيل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهنا أذكر من العصريين ممن سمعنا قصصهم، ورأينا وقرأنا أخبارهم: محمد بن إبراهيم رحمه الله، مفتي الديار السعودية، توفي قبل سنوات عديدة. ومنهم: الشيخ عبد العزيز بن باز، كان من أجلد الناس على بذل العلم، كان يجلس بعد الفجر فيدرِّس الناس إلى منتصف الضحى، ثم يذهب إلى بيته، فيأكل تميرات، ويجدد وضوءه، ويعود إلى المسجد فيدرس إلى الظهر، ثم يذهب إلى بيته فينام قليلاً، ثم يأتي ويدرس إلى العصر، ثم يرجع، فيدرس من العصر إلى المغرب في التفسير، ثم يأتي من المغرب إلى العشاء في الفقه، ثم يدرس بعد العشاء قليلاً، ثم يذهب إلى البيت. وهكذا يمر الدهر عليهم، بذل وعطاء في المسجد، ولذلك بعضهم الآن يقول: ليس في دراسة الكلية بركة، إنما الدراسة في المساجد، نقول: نعم. كان التدريس مثلما كان في عهد الشيخ محمد بن إبراهيم، تدريس كل اليوم، لكن تأخذ حصة في المسجد، وتترك الدراسة في الكلية، وتقول: لا بركة فيها؟ لا. أصبحت الكلية اليوم، والمدرسة، والمعهد، والثانوية، تقوم مقام حلقات أهل العلم؛ لأنك لو جلست في بيتك تقرأ صفحتين، ثم يأتيك النوم، فلا تنتج شيئاً، فالأفضل لك أن تحضر؛ لأنك تتلقى في اليوم خمسة محاضرات، من خمسة من العلماء المتخصصين، يأتيك عالم في أصول الفقه، رسالته وتحضيره ودراسته في أصول الفقه، وعالم في الحديث، وعالم في الفقه، وعالم في التوحيد، وعالم في التاريخ، وعالم في النحو، فهم يعطونك علماً لذيذاً، فاحرص عليه وأخلص النية. والشيخ عبد العزيز بن باز -وكلكم يعرفه، وهو ممن تحبونه جميعاً- جعل وقته في بذل العلم نشراً، ورسائل، وحديثاً، في سيارته ومكتبه وبهاتفه يبذل العلم لمستحقيه، كبر وأصبح في الثمانين، وهو لا يزيد إلا بذلاً، لذلك زاده الله علماً وبصيرة؛ لأن من أعطى من هذا زاده الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ومن بخس ونقص حبس الله عليه منافع الخير، والهداية، والزيادة. وهناك الكثير ممن بذلوا العلم لطلابهم، قالوا عن الشوكاني: " كان له اثنا عشر درساً في اليوم ". وكان النووي يدرس اثني عشر درساً، وقيل: " ثلاثة عشر درساً " للطلاب؛ في الفقه، والحديث، والمصطلح، والتفسير، والقرآن، والتجويد، إلى آخر تلك العلوم. فنفع الله بهم، وبقيت أذكارهم، وأعمارهم، وكأنهم لم يموتوا.

خشية العلماء لله تعالى

خشية العلماء لله تعالى أما خشية الله عزَّ وجلَّ في أهل العلم من أهل الإسلام: فالله يقول في القرآن: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]؛ لأنهم تعرفوا على الله فهابوه، وكل شيء تقرب منه تأمنه إلا الله، فإنه كلما اقتربتَ منه خِفته، هذه قاعدة؛ لذلك تجد الفاجر لا يرهب الله، بل يضحك ويمرح، ويعربد بكلام سيء، ويعصي الله، ويفجر وليس بخائف، والمؤمن التقي العالم بالله إذا عصى معصية، أو فعل فعلة استوحش، وبقي في قلق واضطراب وفزع وخوف وحزن وهَمٍّ وغم، يقول سيد قطب في الظلال: " إن من الناس من يسحق الذنوب كالجبال ولا عليه منها، ومن الناس من يتحرج من مثاقيل الذر من الذنوب "، ويغني في ذلك حديث ابن مسعود الصحيح عند البخاري موقوفاً عليه: [[إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب طار من على أنفه، فقال به هكذا]] سهل عندهم وبسيط، فكل شيء ميسر، جعلوا الكبائر صغائر، واستمرءوها، أما العلماء فخائفون من الله لخشيته.

تأثر العلماء بالقرآن

تأثر العلماء بالقرآن كان ابن عباس يبكي حتى يرحمه جلساؤه، قال أبو وائل: [[والله لقد رأيت جفن ابن عباس من البكاء كالشِّراكَين الباليَين]] وصح عنه: أنه قام ليلة في الحرم من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر يردد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو يبكي: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123]. أبو بكر لما نزلت هذه الآية كما في المسند سمعها من الرسول عليه الصلاة والسلام فتَماطَّ لها، قال: {ما لك يا أبا بكر؟ قال: يا رسول الله! كيف العمل بعد هذه الآية؟ قال: غفر الله لك يا أبا بكر، ألستَ تهتم؟ ألستَ تحزن؟ ألستَ تمرض؟ قال: بلى، يا رسول الله، قال: فإنه لا يصيب المؤمن مِن هَمٍّ، ولا وَصَبٍ، ولا غَمٍّ، ولا نَصَبٍ، ولا مرض، إلا كَفَّر الله بها مِن خطاياه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ومِمَّا يؤثر في هذا الجانب ما ذكره وكيع: أن ابن عمر رضي الله عنهما قرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54] فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، لماذا؟ لأن طريق الجنة لا يأتي إلا بخشية الله، وليست الخشية بالبكاء فقط، قال بعض أرباب القلوب: رُبَّ باكٍ دمعت عيناه، ولكن لا ينظر إلى نظر الله إليه، ورب ساكت ساكن يخاف من وقعات قدمه أن تطيش به في نار جهنم وليس المقصد البكاء، لكنه من دلائل الخشية، وإنما المقصد خشية الواحد الأحد: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. خرج ابن المبارك العالم، الزاهد، العابد، الشهير مجاهداً، فمر بقصر الطاهر بن الحسين، وهو قصر في خراسان، كان في الليل عنده سُرُج من الزيت والشحم، فنظر إلى القصر، وكان القصر بهياً مهولاً، فدمعت عينا عبد الله بن المبارك، وقال: " والله لقصيدة عدي بن زيد أحب إليَّ وأحسن عندي من هذا القصر "، وعدي بن زيد جاهلي، يقول في قصيدته: أيها الشامِتُ المُعَيِّر بالدهرِ أأنتَ المُبَرَّأ الموفورُ؟! من رأيت المنون خلفن أم من ذا عليه من أن يضام خفير أين كسرى كِسْرى المُلوك أنُو شر وان بل أين قَبْلَه سابورُ ثم قال ابن المبارك وهو يبكي: [[ضيعنا حياتنا في بعض المسائل، وتركنا الجهاد]] وهو صاحب المقطوعة المليحة: يا عابدَ الحرمين لو أبصرتَنا لعلمتَ أنَّك بالعبادة تلعبُ وهي مشهورة، وهو صاحب تلك المقطوعات الجيدة الرائعة غفر الله ذنبه، ورفع منزلته عنده؛ لكن المقصد: خشيته سبحانه تعالى. قال مالك بن أنس: [[ما ظننت أن في أهل العراق خيراً -هذا مالك يرى ذلك- حتى رأيتُ أيوب بن أبي تميمة السختياني سلم على قبر الرسول عليه الصلاة والسلام -وهو عالم أهل العراق - فكادت أضلاعه تختلف من كثرة البكاء]]. فعسى الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا وإياكم عينين هطالتين بالدموع، وأن يجعلنا ممن يخشونه خشية ظاهرة وباطنة بالأقوال والأفعال وليس بالكلام فحسب.

تواضع العلماء لربهم تبارك وتعالى

تواضع العلماء لربهم تبارك وتعالى ومن أخبار علمائنا: تواضعهم لربهم تبارك وتعالى: إن التواضع أكبر ميزة للعالِم؛ لأن العلم هذا يطغى كالمال، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6 - 7] الثقافة إذا لم يصحبها إيمان تطغى بصاحبها، ولذلك أكبر الناس كِبْراً وعتواً هم المثقفون بلا إيمان، فروخ العلمانية والنصرانية والماسونية وأذناب الشيوعية حصلوا على علم خارجي غربي تكنولوجي، وأمثاله من علم المادة، ولكن لم يحصلوا على الإيمان، فليس في قلوبهم ذرة من الإيمان، علم بلا إيمان علمنة، فلذلك تجد أحدهم بَرْوَزَ شهادته في البيت، وليس عليه من آثار العلم شيءٌ، إذا دخلت عليه كأنك دخلت على قارون أو هامان أو فرعون، لا يلتفت إليك، ويطمح بنفسه. خفف الوطءَ ما أظن أديمَ الـ أرض إلا من هذه الأجسادِ صاحِ! هذي قبورُنا تملأ الرحـ ـب فأين القبورُ مِن عهد عادِ ... وجوهُهم مِن سوادِ الكِبْرِ عابسةٌ كأنما أُوْرِدُوا غَصْباً إلى النارِ هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بذكرهم ذكروك الواحد الباري هانوا على الله، يقولون: العبد إذا هان على الله تكبر، فيسقط من عين الله، فإذا رأيت المتكبر فاعرف أنه هين عند الله، وجزاؤه، كما في الحديث الصحيح: {يُحشر المتكبرون يوم القيامة في صورة الذر، يطأهم الناس بأقدامهم}. من صفة العالِم: التبسم، طالب العلم يتبسم، يرخي كتفه لمن يسأله، يماشي من يطلبه، يرحم الضعيف، يقف مع المسكين، يقود الأعمى، يساعد الأرملة، يخدم بسيارته، بجاهه، بقلمه، بكتبه، بماله وبوقته، هذا هو طالب العلم الذي يريد الله والدار الآخرة.

تهوينهم من شأن أنفسهم

تهوينهم من شأن أنفسهم خرج ابن مسعود من المسجد، فخرج تلاميذه وراءه - روى ذلك الإمام أحمد في كتاب الزهد - فقال: [[عودوا إلى أماكنكم، والله لو علمتم ما علي من الذنوب لحثوتم التراب على رأسي]] هذا ابن مسعود صاحب قيام الليل، الصحابي الشهير، الذي قال بعض التلاميذ فيه: [[نمت عند ابن مسعود فتركني حتى نمت، وظن أني نائم، ثم قام يتلو القرآن كأنه نحلة حتى الفجر]] الذي جمع القرآن، يقول: [[عودوا والله لو علمتم ما علي من الذنوب لحثوتم على رأسي بالتراب]]. يقول علامة الأندلس، يناجي الله في الليل ببيتين وهو يبيكي: يا من سترتَ مثالبي ومعايبي وحلمت عن سقطي وعن طغيان والله لو علموا قبيحَ سريرتي لأبى السلامَ عليَّ مَن يلقاني نحن في ستر الله، لماذا يتكبر العبد؟ ولماذا لا يعود إلى تاريخه المظلم؟! ولماذا لا يتذكر سيئاته وأفعاله مع الله الواحد الأحد في مكان لا يراه إلا الله؟! تصور أن الله كشف معاصيك، وفواحشك، وأخطاءك على الناس، والله لا يتحملون لك، ولا يسلمون عليك، ولا يزورونك، ولا يرحبون بك، ولا يستقبلونك، فكيف برب العباد الذي يرى الخطأ منك صباح مساء، ويغفر، ويعفو، ويستر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال أبو العتاهية: إلهي لا تعذِّبني فإنِّي مُقِرٌّ بالذي قد كان مِنِّي يَظُنُّ الناسُ بِي خيراً وإنِّي لَشَرُّ الناس إن لم تَعْفُ عَنِّي فكمْ مِن زلَّة لي في البرايا وأنت عليَّ ذو فضل وَمَنِّ إلى آخر ما قال. إذاً: التواضعُ سِيَمُ أهلِ العلم.

كراهيتهم للمدح

كراهيتهم للمدح دخل داخلٌ على شيخ الإسلام ابن تيمية فمدحه وقال: "يا ابن تيمية! أنت العالم البحر" فغضب ابن تيمية، واحمرَّ وجهُه وقال: أنا المُكَدِّي وابنُ المُكَدِّي وهكذا كان أبي وجدِّي يقول: أنا فقير، وأبي فقير، وجدي فقير، وله قصيدة اسمها الفقرية، يشكو فقره على الله، ويقول رحمه الله: أنا الفقيرُ إلى رب السماواتِ أنا الْمُسَيْكِيْنُ في مجموعِ حالاتي أوحى الله إلى موسى عليه السلام قال: يا موسى! إذا ذكرتني فاذكرني وأعضاؤك تنتفض من خشيتي. وفي الحديث الصحيح: {من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه}. كلما يتكبر العبد يقول الله: {اخسأ، فلن تعدو قدرك} وكلما تواضع قال الله: {انهض أنعشك الله} هذا في حديث وأثر يُرْوَى. إذا عُلِمَ ذلك: فإن مما ميَّزَ علماء أهل السنة: الخشية والتواضع لله عزَّ وجلَّ {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63].

إبراهيم بن أدهم توبته وتواضعه

إبراهيم بن أدهم توبته وتواضعه إبراهيم بن أدهم زاهدٌ، عابدٌ، قال بعض أهل العلم: " كان أميراً من أمراء خراسان، وكان عنده خيل، وجمال، ودنيا كثيرة، نزل إلى السوق - وبعض الناس طيب على الفطرة حتى ولو كان فيه معاصٍ- فوجد ورقة في السوق مرمية، مكتوب عليها: (الله) اسم الجلالة. لا إله إلا الله! انظر إلحاد العالَم اليوم! ماذا فعل الملحدون؟! كتبوها على بعض الأحذية، وقد أشرنا إليها في بعض الدروس والمحاضرات، عليهم لعنة الله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5]. -وهنا استطراد-: وقد سمعت من الشيخ كشك قبل أيام خطبة جيدة في هذا، أحضر ورقة نخل معه في المسجد، مكتوب عليها بالخط الذي خطته قدرة الواحد الأحد: (الله) النخلة كتبت على نفسها في وجهها: (الله) وفي قفاها: (الله) بالخط الكوفي الجميل، وما خطه إلا الواحد الأحد، وربما تكون من الآيات، وهي من آيات الواحد الأحد. انظر لتلك الشجرة ذات الغصون الناضره كيف نمت من حبة وكيف صارت شجره من ذا الذي قومها حتى استقامت شجره ذاك هو الله الذي قدرته مقتدره ذو قدرة باهرةٍ وحكمة منتشره تبارك الله رب العالمين، النخلة تسبح بحمد الباري، لكن الشاهد هنا: أن إبراهيم بن أدهم وجد الورقة مكتوب فيها: (الله). قال: " سبحان الله! يدوسون اسم الحبيب؟! " فأخذ الورقة، وذهب إلى بيته، وأخذ طيباً بدينار، ثم غسل الورقة، وطيبها، ورفعها، فنام تلك الليلة قَرِيْرَ العَين قال: " فسمع قائلاًَ يقول: يا من رفع اسم الله! ليرفعن الله اسمك "، وهذا لا معارضة فيه مع النصوص فالقصة توافق النصوص، ولا تعارضها، فرفع الله اسمه، وتاب، وأصبح زاهداً، عابداً من الصالحين. تواضعه يظهر في قصص منها: أنهم قالوا: " خرج مرة من المرات - وهو عابد - فمر تحت بيت من البيوت، فخرجت امرأة برماد في صحن فرمته من على البيت، وما عَلِمَتْ أن إبراهيم بن أدهم أسفل، فتلطخ بالرماد، فاجتمع أهل الحي وقالوا لها: حسيبنا الله هذا إبراهيم بن أدهم، فأخذ يقول: " لا عليكم، لا عليكم، إذا صُولِحتُ على الرماد فيكفيني، إني أخاف أن أدخل ناراً تلظى "، يقول: إذا كانت المسألة مسألة رماد فالأمر سهل، لكني أخاف من جمر في الآخرة، حتى يذكرون العبارة عنه، يقول: " إن من استحق النار، ثم صُولِحَ على الرماد لهو رابح "، يقول: من نازله الله إلى أن أعطاه الرماد بدون جمر، وبدون نار، فحالته طيبة إن شاء الله.

تواضعهم لبعضهم ولمن دونهم

تواضعهم لبعضهم ولمن دونهم أما الشافعي فكان في الناس أكثرهم تواضعاً وحلماً وأناةً، كان يزور الإمام أحمد في البيت وقد كان أصغر منه سناً، ويطلب منه العلم، ويستفيد منه، فقال تلاميذ الشافعي: " تزور أحمد؟! "؛ لأن بعض الناس اليوم لا يزور إلا من هو أكبر منه، أو أعلم منه، حتى يقول: أنا أزور فلاناً! لو زرتُه نقَّص من قدري! أنا لا أزور إلا أصحاب الوجاهات، وهذه هي زيارات الرياء والسمعة، كان طلاب الشافعي يقولون له: " كيف تزور أحمد وهو دونك "؟ قال: قالوا يزورُك أحمد وتزورُه قلتُ: الفضائلُ لا تغادرُ منزلَه إن زارنِي فلِفَضْلِهِ أو زُرتُهُ فَلِفَضْلِهِ فالفضل في الحالَين لَه ولذلك كان أحمد يدعو له في السحر، ويقول لـ ابن الشافعي: " يا فلان! أبوك من السبعة الذين أدعو لهم في السجود وقت السحر "، فهؤلاء طلبوا العلم لله، فرزقهم الله علماً. يقول الشافعي: " يا ليتني لا أُذكر في الناس، يا ليت اسمي لا يُعرف، يا ليتهم يستفيدون من علمي وأنا في شِعب من شِعاب مكة ". وكان سفيان الثوري في التواضع مضرباً عجيباً في المثل، كان يلبس الصوف من تحت ملابسه، ويجلس مع الفقراء، ويقول: " مسكين يجلس مع المساكين ". مرَّ الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله عليه الصلاة والسلام بفقراء، فنزل من على فرسه، وربط الفرس، وجلس معهم، قالوا: [[ما لك؟ قال: لعل الله أن يرحمني بمجلسي معكم]] غفر الله ذنوبهم. كان زين العابدين إذا نام الناس وهجعوا وسكنوا وأظلم الليل عليهم، وبقي رب الناس يتنزل في الثلث الأخير، فيقول: {هل من داعٍ؛ فأستجيب له؟ هل من مستغفر؛ فأغفر له؟ هل من سائل؛ فأعطيه؟} يقوم على التمر، والزبيب، والقمح، فيحمله على أكتافه، وينشره في بيوت المساكين، فإذا أتت صلاة الصبح؛ ذهب إلى المسجد، والناس لا يعلمون حاله هذا، فلما مات اكتشفت الأُسَر أنه هو الذي كان يُمَوِّنُهم، رضي الله عنهم وأرضاهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]. فهذه باقة من القصص، ولعل سامعاً فيستفيد، ولعل في الأسئلة ما يكمل ما نقص من الكلام، ولا أريد الإطالة، فما بقي من وقت فيه الخير، وما سُمِع فيه الخير، لمن استمع فاتبع أحسن القول. أسأل الله لي ولكم توفيقاً، وعلماً نافعاً، وعملاً صالحاً، وأن يجعلنا ممن يتأسى بأولئك السلف الصالح، وأن نقدمهم نموذجاً وبديلاً في عالم التربية، والتراجم، والتاريخ، والسير، بدل الأقزام الذين ضُخِّموا من الكفرة والملاحدة، وغيرهم فإن هؤلاء أحق والله أن يدرسوا، وأن تترجم سيرهم، وأن يستفاد منهم في التربية، وعلم النفس، والاجتماع، وأن تؤخذ كلماتهم العطرة، الطيبة، وتُنشر في الفصول، والمساجد، والمحافل العامة، ونلغي هذه الثقافات التي رانت وطاشت على الساحة، ونستبدل بتلك الثقافة الحية الواعية، ليخرج جيل يعرف الله عزَّ وجلَّ، ويسجد لله، ويدين بالولاء لله سبحانه وتعالى. وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

تأليفهم وتراثهم الخالد

تأليفهم وتراثهم الخالد Q ماذا عن مؤلفات علمائنا وذكر تراثهم؟ A هذا عنصر، لكنني أظن أني تجاوزته في أثناء الشرح، تأليفهم وتراثهم الخالد لقد تركوا لنا مكتبات وعلماً جماً ونوراً، تجلس في المكتبة الواحدة فيجلس معك مئات العلماء، فأنت إذا دخلت مكتبتك كان معك ابن تيمية، وابن كثير، والمزِّي، وعلماء الصحابة كـ ابن عباس، وعلي، ومعاذ، وأبي، وعلماء السلف: كـ أحمد، ومالك، وأبي حنيفة، والشافعي، علماء وأدباء، وسادة وأخيار، ولكن مَن يقرأ ومَن يفهم؟ ومن التراث: الموطأ، كتبه مالك لوجه الله في أربعين سنة، وقال: ما كان لله يبقى، فأبقاه الله. ومن التراث: مسند أحمد، فيه بالمكرر أربعون ألف حديث، وبغيره: ثلاثون ألف حديث، طاف الدنيا وجمعه. ومن الكتب: الكتب الستة، لا سيما صحيح البخاري وصحيح مسلم، واسمع كيف نشر الله ذكرهم في الدنيا: الإذاعة، الصحيفة، المنبر، المجلس، الدرس، المحفل، المحاضرة، الدرس، الموعظة تتلى فيها: رواه البخاري، رواه مسلم، رواه الترمذي، وأبو داوُد، والنسائي، وابن ماجة. هل بعد هذا من شرف؟! {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4]. ومما ألف ابن تيمية: الفتاوى، في سبعة وثلاثين مجلداً، ويقولون: " فتاواه لو جُمعت لكانت ثلاثمائة مجلد ". وابن تيمية لم يكن يكتب من مرجع، بل كان يكتب من رأسه، يخرج القلم، يسله في الصباح ضحىً بعد أن يسبح الله، ويكتب فينهمر عليه العلم، لا إنشاءً، ولا وعظاً، لكنه علم صافٍ ينفع ويصل إلى القلوب، وتحقيق مسائل، وانظروا إلى كتبه، تبلغ ثلاثمائة مجلد ومؤلف. ومنهم: ابن جرير الطبري: وقع تفسيره في ثلاثين مجلداً وتاريخه نحو ذلك. ومنهم: ابن كثير: تفسيره ما يقارب عشرة مجلدات لو طبع طباعة جيدة، وتاريخه أكثر من ذلك. تركوا تراثاً، لكن مَن يقرأ؟ ومن الكتب: المغني والمجموع والمحلى، فهل من قارئ؟ وهل من مستفيد؟ ابن عقيل أبو الوفاء الحنبلي: ألَّف كتاباً اسمه: الفنون، وقع في ثمانمائة مجلد، ألفه في أوقات الراحة والفراغ، وكَتَبَه من إملاءاته.

توضيح وانتقاد على بعض الكتاب

توضيح وانتقاد على بعض الكتاب Q أريد أن تتحدث عن هؤلاء الكُتَّاب: طه حسين، العقاد، باكثير، الغزالي، سيد قطب، النبهاني، وما رأيك فيهم؟ A طه حسين رجل مشهور، توفي قبل سنوات، يسمونه: عميد الأدب العربي، وفي التسمية نظر، وهذه تسمية لا تصح أن تُطلق؛ لأنها ما أطلقت على خير. لا أدري لماذا حَقِدَ هذا الرجل على الإسلام؟! ولا أدري لماذا ثار عليه؟! ولا أدري لماذا ينقم على الله، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين؟! أينقم طه حسين أن كان فقيراً فأغناه الله، وكان جاهلاً فعلمه الله، وكان مغموراً فأظهره الله؟! ما لَهُ؟! رأيتُ كتبه، وقرأت كثيراً منها، ورأيت الرجل في قلبه شيء، يريد أن يُبْدِي بشيء، يستهزئ بالغزوات، ويصف بدراً بأنها حروب حاقدة بين الأوس والخزرج، أو المهاجرين وقريش! عجباً لك يا طه حسين! {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران:123] أتجعل بدراً حروباً قبلية؟! أتجعل القرآن مِن هذا القبيل؟! طه حسين درس في فرنسا، وتزوج من هناك، وتأثر بهم، وجعل قبلته وكعبته ومصلاه فرنسا، فلذلك لا نقبله، ولا نرتضي كتاباته، صحيحٌ أن الرجل بليغ، ومفكر، وذكي، يتدفق بلاغة وفكراً وذكاء؛ لكن ليس كل ذكي زكي، فبعض الأذكياء ضلوا بذكائهم. صحيحٌ أن الرجل قصصي، ومؤثر، ومسرحي، ويجيد في هذه الفنون، لكن لا نرضاه، وهو أديب وليس بعميد أدبنا أبداً، فإن عندنا عمداء وزعماء في الأدب غيره، عندنا سادة يسيرون القلم، السحر الحلال، فيذوبونه ويسحرون ويخلبون بكلماتهم الألباب، عندنا شعراء وأدباء، كـ ابن القيم، أعتبره أكبر أديب، مَن يقرأ كتبه يعتبر أنه قمة في الأدب. من العصريين: الأستاذ علي الطنطاوي، مسلم، متحمس، مؤمن، يخاف الله، يمدح الإسلام، يبكيك وأنت تقرأ له، اقرأ: نحن المسلمين، في أول كتاب: قصص من التاريخ، واقرأ مذكرات كتبه في ستة مجلدات، مقطوعات كأنها من رحيق الجنة، هذا أدبنا، أما ذاك فلا نرتضيه، (لا لستُ من قيسٍ ولا قيسُ مِنِّي). أما عباس محمود العقاد: فقد تكرر الكلام عنه في مناسبات، ولكنه على كل حال أحسن حالاً من صاحبه، وأقرب قليلاً، ونحن نناسب بين الناس: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] كأن فيه رائحة خير، وكأنه يميل إلى الخير، كتب في: عبقرية محمد عليه الصلاة والسلام، فأساء في نواحٍ من هذا الكتاب، فقد قارن بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين نابليون، وكتب: عبقرية عمر، فأجاد في نواحٍ، وأساء في نواحٍ، وكتب: معاوية في الميزان، فمن هو العقاد، حتى يزن الصحابة؟ هو أقل من أن يزن الصحابة، هو يوزن صراحةً، أما الصحابة فلا يستطيع أن يزنهم. والعجيب: أنه كثير الاطلاع، وقد يستفاد من كتبه، مع ملاحظة ما فيه من نقص. وأما باكثير: القصصي الشهير، فقد توفي قبل فترة رحمه الله، وهو من أحسن من نرتضي قصصه، تخصُّصُه طبيبٌ، ولكنه قصصي بارع، وللشيخ الأستاذ العشماوي رسالة أظنها خرجت أو سوف تخرج، ومن يطلع عليها تكفيه في هذا. وأما الغزالي: فهما: اثنان، ورجلان، وكاتبان، ومؤلفان، الغزالي القديم، والغزالي الحديث، وعلى ذاك وهذا إشارة استفهام. أما الغزالي القديم ذاك: فإشارة الاستفهام عليه في ثلاث قضايا:- الأولى: أن الرجل فيه تصوف. الثانية: ليس عنده من الحديث شيء، فبضاعته في الحديث مُزْجاة. أوردَها سعدٌ وسعدٌ مشتملْ ما هكذا تُوْرَدُ يا سعدُ الإبلْ كأنه يكيل تمراً، إذا أتى بالأحاديث فإنه يأتي بها مرة من صحيح البخاري، ومرة من كتاب الفردوس للديلمي، ويأتي بالموضوعات، والمشقلبات، والمقلوبات، ويقول: قال الرسول عليه الصلاة والسلام. الثالثة: لا تؤخذ منه العقيدة: فهو أشْعَري، فيه اعتزال بفلسفة، أي: أنه (حَيْصَ بَيْصَ) (مُبَرْقِع) لم يصفُ، أما إجادته: فهو زاهد على كل حال، وهو ذكي، ويُستفاد منه في الفقه وأصوله. أما الغزالي الحديث: فهو داعية، وفيه خير، وهو مفكر، وقد نفع الله به في جوانب الفكر، ولكن عليه ملاحظات، ولست أقولها تشفياً، ولا خيْبَةً، لكن نتكلم في الناس حتى نكون على بصيرة: أولاً: الرجل مَزْجِيُّ البضاعة: لا يعرف في الحديث شيئاً صراحةً، وسوف يخرج كتاب قريب إن شاء الله عنوانه: الغزالي في مجلس الإنصاف في تسعين صفحة يتحدث عنه بنقولات، وبأدلة، وببراهين على كتاباته، ونقولاته. ثانياً: الغزالي متذبذب في كتبه، يقول فكرة، ثم ينسخها في الكتاب الآخر، يعادي فكرة هنا، ويُقِرُّها هناك، ويُثْبِتُها هنا، ويَمْسَحُها هنالك، ويتحمس لها هنا، ويهاجمها هناك، فلا ندري أين يوجِّه. يوماً يمانٍ إذا لاقَيْتُ ذا يمن وإن لقِيْتُ معَدِّياً فعَدْنانِ ثالثاً: يفتي الغزالي بفتاوى ليست بصحيحة، فإنه يُحِلُّ الغناء، وليس عنده حديث ولا دليل، وعنده فتاوى أخرى ليست بصحيحة، نقول له: سامحك الله يا غزالي، عُدْ إلى الحق، واطلبه من مظانه، وأنت لو كنتَ في الحديث وفي كتب السلف جيداً، ما كنتَ أفتيتَ بما أفتيت. ثم هو على كل حال حار حاد المزاج، ينال من شباب الصحوة غفر الله له، على كل حال لم أتكلم بهذا إلا لأني سُئِلْتُ. وأما سيد قطب: (كل الصيد في جوف الفراء) سيد قطب: عَلَم، نسأل الله أن يجعله شهيداً، أوصيكم بقراءة كتابه: الظلال، يقول بعض العلماء: " كأن سيد قطب قد دخل الجنة، ثم أصبح يكتب لنا من الجنة رسائل، سلم نفسه وأخذ السلعة، باع نفسه من الله، ووقع على العقد، وأخذ يكتب لنا رسائل الظلال من الجنة، يكتب بدمه، ما أخذها لأحد، ولا كتبها -إن شاء الله- إلا لله عزَّ وجلَّ، لكن على كل حال لا يخلو البشر من الخطأ، ففي الظلال مواطن يُنَبَّه عليها، وكتابه لا يطلب منه العلم، ولا العقيدة، إنما يطلب منه معرفة الواقع، وربط القرآن بالواقع، فهو رجل عاش لله ومات لله إن شاء الله، فغفر الله ذنبه. أما النبهاني: فهو صاحب الكتب الصوفية، احذر منه أن يلدغك! فهو حَيَّة رقطاء رقشاء. وانتبه! فهذا النبهاني يهاجم ابن تيمية بلا سبب، لو دخل دورة المياه تجده يهاجم ابن تيمية، لو سألتَه: ما اسمك يا نبهاني؟ لقال: أعوذ بالله من ابن تيمية. فـ ابن تيمية دائماً عدوه، ينشب معه ومع ابن القيم، حتى يقول -واسمع وقد كررتُها-: " كُتُبُ ابن تيمية لم يرزقها الله القبول، ولم تنشر في الأرض "، فيرد عليه الألوسي: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] قيض الله لـ ابن تيمية من ينصره من أهل العراق وعلمائها، وليس من الجزيرة ولا من دمشق، قال: " عجباً لك يا نبهاني! أهي كتبك وكتب أشياخك التي رُزِقَت القبول، كتب ابن تيمية يا نبهاني! ذَهَبٌ إبْرِيْزٌ، وعسل مصفَّى، أما كتبك وكتب أشياخك فتصلح أن تكون مطارق للأحذية - أي: ردفه ثانية للحذاء - وكراتينَ للعلاجات، ومخال يوضع فيها الشعير للحمير" هذه كتبه، فلا يستفاد منها، لكن له كتب مجردة عن فكره، مثل: منتخب الصحيحين جيد، لا بأس أن يقرأ فيه، وله بعض الكتابات الحديثية، مثل: تعليقه أو زياداته على الجامع الصغير للسيوطي جيد، لأنه لم يتدخل من نفسه فيه، فهو جيد إذا جَمَعَ، ولكن إذا تدخل بقلمه فليُحْذَر؛ لأنه لا يعرف شيئاً. وأما سعيد حوى: غفر الله له مات قبل سنوات، وكتاباته أكثرها جيدة، جند الله ثقافة وأخلاقاً، والرسول صلى الله عليه وسلم، والله جل جلاله، فهذه من أحسن ما كتب، ولكن نلومه؛ لأنه أتى بكلام من العقاد في المقارنة بين الرسول صلى الله عليه وسلم ونابليون، فأعاده في كتاب: الرسول صلى الله عليه وسلم وتربيتنا الروحية، ولنا معه وقفات فيها؛ لأنها لا توافق أصول أهل السنة، وهناك بعض الملاحظات، ولكن على كل حال انتبه لبعض الكتب، واستفد منه كثيراً، وترحم عليه.

ضعف حديث السوق والاختلاف في حديث الزهد

ضعف حديث السوق والاختلاف في حديث الزهد Q حديث السوق، وحديث الزهد ما صحتهما؟ A حديث السوق ضعيف، وهو عند أحمد في المسند، قال رسول صلى الله عليه وسلم: {من دخل السوق فقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير) كُتِبَتْ له ألف ألف حسنة، ومُحيت عنه ألف ألف سيئة} حديثٌ ضعيف لا يصح. وحديث الزهد الذي أوردتُه: {ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} عند بعضهم يصححونه، مثل: الألباني، وضعفه آخرون، كأحد طلاب العلم، له رسالة بعنوان: بذل الجهد في تحقيق حديثي السوق والزهد، وقد ضعَّف الحديثَين.

التحذير من نزار قباني

التحذير من نزار قباني Q ما رأيكم في نزار قباني؟ A احذر من نزار قباني، طِرْ منه، وتعوَّذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، نزار قباني النظر إلى صورته ينقض الوضوء، وهذه دعابة، لأني أخاف أن يذهب ذاهبٌ منكم، فيراه في المكتبة فيتوضأ. وحَدَثُه حَدَثٌ أكبر، وجنابة كبرى، ولا يطهره إلا أن ينغمس في بيَّارة إلى رأسه، وهو شاعر جنس ومجرم، لا يعرف الله طرفة عين، وأظنه ما مسَّ المصحف، وأسأل الله أن يجنبه المصحف إن كان على حالته، إلا أن يهديه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أو يأخذه، وعسى أن تأتيه رصاصة طائشة في لبنان، لأن لبنان يبخت فيها بالرصاص، فتقع في رأسه فيموت. وهو - صراحةً - قوي في شعره؛ ولكنه مجرم، فانتبهوا له، واحذروا سمه الزعاف وضلالاته وخرافاته، وعودوا إلى شعراء أهل الإسلام، أمثال: محمد إقبال، وحسان؛ لأنهم شعراء الدعوة الخالدة. لقد تكاثرتِ الظِّباء على خُراشٍ فما يدري خراشٌ ما يصيدُ قل فيه ما شئتَ: دُرْزي، وإن شئتَ فقل: بعثي، وإن شئتَ فقل: قومي، كل يوم له مشرب، يركب كل شيء إلا الإسلام، أي: أنه ركب على كل مذهب إلا الإسلام، فنعوذ بالله منه.

طريقة حفظ القرآن

طريقة حفظ القرآن Q ما هي أحسن طريقة لحفظ القرآن؟ A يحفظ القرآن بعدة طرق ويأتي هذا في شريط اسمه: كيف تعيش مع القرآن؟ لأنه لا يتسع المجال لإعادة هذا الكلام، أذكر منها: - الإخلاص. - التقليل من الحفظ، بمعنى: أن تأخذ آيات قليلة. - التكرار الكثير. - استصحاب زميل يعينك على الحفظ. - استماع الشريط من المقطع الذي تحفظ فيه. - القيام به في الليل إن استطعت. - قراءته في الصلوات. - كثرة الاستغفار. - قراءة معاني الآيات في التفسير. - ثم عليك أن تعمل به لينفعك عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

حكم اللحية

حكم اللحية Q كثر القول في اللحية، فما رأيكم؟ A لم يكثر القول، فـ أهل السنة يقولون: " تربية اللحية واجب، وحلقها محرم " وهذا كالإجماع، لقوله صلى الله عليه وسلم: {خالفوا المجوس، اعفوا اللحى، وجزوا الشوارب} أو {اعفوا الشوارب، وأرخوا اللحى} فهذا مشهور بين أهل السنة، وشبه إجماع بينهم، لكن جاء بعض المتأخرين -الذين لا يفقهون في الأحاديث- متأثرين بثقافة الغرب، وقالوا: هذه قشور، قلنا: الثوب؟ قالوا: قشور، ولو أسبلت الثوب، ليس من أصول الإسلام، أي أن أصول الإسلام عندهم: الصلاة، والزكاة، والحج، والصيام، فقط، قلنا: واللحية؟ قالوا: لا. هي قشور، لا تهمنا، فأصبح الدين هيناً عندهم، حتى إن أحدهم يأكل باليسار، ويحلق لحيته، ويلبس دبلة الذهب، ويسبل ثوبه، وإذا قلنا: الإسلام! قالوا: الإسلام في القلب، وهذا ليس بصحيح، لو صدق أحدهم مع الله لكان صادقاً في مظهره. يقولون: ذَهَبَ ذاهبٌ، جَبَرَه جيرانُه على أن يصلي في المسجد، فذهب وهو منكوس الخاطر، كأن عليه هموم الدنيا، فذهب وإذا الناس قد صَلَّوا، وباب المسجد مغلق، قال: (أنت مُسَكِّر، وأنا مبطل) فهذا (مُسَكِّر) عن الإسلام، والإسلام (مبطل) منه، لأن الإسلام لا يقبل إلا من أخذه جملة. يا مدَّعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراكَ تأخذُ شيئاً مِن شريعتهِ وتتركُ البعضَ تدليلاً وتهوينا خُذْها جميعاً تَجِدْ خيراً تفوزُ بهِ أو فاطَّرِحْها وخُذْ رِجْسَ الشياطينا لا ترقيع في الإسلام. وشكر الله لكم حضوركم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم

عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم كان أعرف خلق الله بالله، وكان أعبد الناس لله جل وعلا، وهنا في هذا الدرس سترى أخباراً عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، وصيامه، وقيامه، ودعائه، مع أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

الرسول صلى الله عليه وسلم المشرف بالعبودية

الرسول صلى الله عليه وسلم المشرف بالعبودية الحمد لله الواحد القهار، مكور النهار على الليل والليل على النهار، أحمده ما فاحت الأزهار، وما ترعرعت الأشجار، وما تدفقت الأنهار، وما أناب إلى ربهم الأبرار، وعاد إلى مولاهم الأخيار. والصلاة والسلام على المبعوث بالوحدانية، المشرف بالعبودية، الذي هدى به الله الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فيا أيها الناس: إن الأمم والشعوب والدول تفتخر بعظمائها، وتبني المجد لأمجادها، وتؤسس التاريخ لمنقذيها، وما علمنا والله، وما عرفنا تالله، وما فهمنا وايمُ الله أعظم ولا أجلَّ، ولا رجلاً أسدى لبني جنسه ولأمته من المجد والعطاء والبناء أعظم من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما ترى ما يفعل الإنجليز والألمان والفرنسيون والأمريكان بعظمائهم!!! وعظماؤهم سفكة عملاء خونة بنوا مجدهم على الجماجم، وسقوا زروع تاريخهم من الدماء؛ قتلوا الأطفال والنساء. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرامٌ أن يجعل في مصافِّهم، أو أن يقارن بهم، إنه صلى الله عليه وسلم من طراز آخر، إنه نبيٌ وكفى، إنه رسولٌ فحسب، تلقى تعاليمه من ربه تبارك وتعالى. والعجيب أنهم مع تعظيمهم لهؤلاء العظماء والأذلاء والرخصاء يزرون بنبينا عليه الصلاة والسلام، غريب هذا الأمر، وعجيب هذا السبب: إذا عيَّر الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهاهة باقل وقال السهى للشمس أنت كسيفةٌ وقال الدجى للبدر وجهك حائلُ فيا موت زُر إن الحياة ذميمةٌ ويا نفس جِدِّي إن دهرك هازل الرسول عليه الصلاة والسلام إذا سمعت عن عظيم فاعلم أنك إذا رأيته كان أقل مما رأيته، إلا الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه أعظم وأعظم مما تسمع عنه. واليوم نتحدث عن جانب العبودية في حياته صلى الله عليه وسلم. كيف عاش عبداً لله؟ ما هي عبادته لله؟ كيف كانت صلاته؟ كيف كان يصوم؟ ما هو ذكره لله تبارك وتعالى؟ مدحه الله في القرآن بالعبودية، فيقول له: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1] ويقول له: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19] ويقول: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1].

الصلاة قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم

الصلاة قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم فكان أعبد الناس لمولاه هو الرسول عليه الصلاة والسلام! يقول الله له: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] أي: الموت، لا كما قال غلاة المنحرفين: اعبد ربك حتى تتيقن بوحدانيته ثم اترك العبادة؛ وقد كذبوا على الله، معناه: اعبد ربك في الشتاء والصيف، في الِحِلِّ والترحال، في الصحة والسقم، في الغنى والفقر؛ حتى يأتيك الموت {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل:1 - 5]. {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل:1] قم لإصلاح الإنسان. {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل:1] في لحافه؛ قم لهداية البشرية. {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل:1] في فراشه؛ قم لهداية الإنسانية. فقام عليه الصلاة والسلام ثلاثاً وعشرين سنة، ما نام ولا استراح، أعطى الإسلام دمه ودموعه، أعطى الدعوة ماله وكيانه، أعطى الإسلام ليله ونهاره؛ فما نام ولا ارتاح ولا هدأ؛ حتى أقام لا إله إلا الله. يأتيه الحزن، والهم، والغم، فيقول: {أرحنا بها يا بلال} أي: بالصلاة. تأتيه المصائب، والكوارث، فيقول: {أرحنا بها يا بلال}. تأتيه الفواجع، والطوارق، والزلازل، فيقول: {أرحنا بها يا بلال}. يموت أبناؤه، وأحبابه وأصحابه، ويقتل جنوده، ويهزم جيشه فيقول: {أرحنا بها يا بلال}. يقول صلى الله عليه وسلم: {وجعلت قرت عيني في الصلاة} ما كان يرتاح إلا إذا قام يصلي، إذا قال: الله أكبر؛ كبرَّ بصوتٍ تكاد تنخلع لصوته القلوب، فيضع يديه على صدره فيقول: الله أعظم من كل شيء؛ لأنه الكبير سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يقف متواضعاً، متبتلاً، متخشعاً، عبداً متذللاً أمام الله.

بكاء النبي صلى الله عليه وسلم

بكاء النبي صلى الله عليه وسلم يقول عبد الله بن الشخير: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يصلي ولصدره أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء من خشية الله} والمِرجَل: القدر إذا استجمع غليانا. ويقول حذيفة: {قام عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة الليل بعد صلاة العشاء، فدخلت معه في الصلاة، فافتتح سورة البقرة، فقلت: يسجد عند المائة، فختمها، فافتتح سورة النساء، فاختتمها، فافتتح سورة آل عمران، ثم اختتمها، لا يمر بآية رحمةٍ إلا سأل الله، ولا بآية عذابٍ إلا استعاذ بالله، ولا بتسبيحٍ إلا سبح، قال: ثم ركع فكان ركوعه قريباً من قيامه، ثم قام فكان قيامه قريباً من ركوعه، ثم سجد فكان سجوده قريباً من ركوعه أو قيامه، ثم صلى الركعة الثانية قريباً من الأولى، ثم سلم وقد أوشك الفجر أن يطلع} ما يقارب الست ساعات أو سبع ساعات مع الفقر، والجوع، ومع الجهاد في النهار، والزهد، والدعوة إلى الله، ومع تربية الأطفال، والاهتمام بشئون البيت، ست أو سبع ساعات وهو يتبتل إلى الله. فتفطرت أقدامه، وتشققت رجلاه عليه الصلاة والسلام، فتقول له زوجته عائشة رضي الله عنها وأرضاها {}. يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: {نمت عند الرسول عليه الصلاة والسلام ليلة من الليالي، فقام يصلي فافتتح سورة البقرة، ثم سورة النساء، ثم سورة آل عمران على ترتيب مصحفه، قال: فأطال القيام حتى -والله الذي لا إله إلا هو- لقد هممت بأمر سوءٍ، قالوا: ماذا هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه}. الرسول عليه الصلاة والسلام قام ليلة من الليالي، فقال: {بسم الله الرحمن الرحيم، ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم بكى، ثم قال: ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله، ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله}. يسجد عليه الصلاة والسلام السجدة الواحدة، مقدار ما يقرأ الواحد منا خمسين آية، ويركع الركعة الواحدة مقدار ما يقرأ الواحد منا خمسين آية؛ هذا في صلاة الليل، يدعو ويبكي حتى الصباح، حتى تسقط بردته من على أكتافه كما في ليلة بدر، يناجي ربه، ويقرأ كتابه، ويتبتل إلى الله؛ لأن العبادة أقرب بابٍ إلى الله. ونحن -أيها المسلمون- في سعدٍ ورغدٍ، في رخاء من العيش، في أمن وصحة، الموائد الشهية، الفلل البهية، المراكب الوطية؛ ومع ذلك نترك صلاة الجماعة إلا من رحم الله. أيُّ أمةٍ نحن!! أيُّ كيانٍ نحن!! أيُّ قلوبٍ نحملها إذا لم نقم بالصلوات الخمس!! قال بلال كما روى ابن جرير وابن مردويه: {مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر، فسمعته يبكي، فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: أنزلت عليَّ آياتٌ هذه الليلة، ويلٌ لمن قرأها ولم يتدبرها، قلت: ما هي يا رسول الله؟ فأخذ يقرأها ويبكي، قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]}. كيف ترقى رُقيَّك الأولياء يا سماءً ما طاولتها سماءُ إنما مثلوا صفاتك للناس كما مثل النجوم الماءُ حنَّ جذعٌ إليه وهو جمادٌ فعجيبٌ أن تجمد الأحياءُ كان يصوم عليه الصلاة والسلام فيواصل الليل بالنهار ثلاثة أيام وأربعة أيام لا يأكل شيئاً، بل أراد الصحابة أن يواصلوا كما يواصل قال: {لا، إنكم لستم كهيئتي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقين} لا يطعمه طعاماً ولا شراباً وإنما حكماً وفتوحات ربانية وإلهامات. لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نورٌ تستضيء به ومن حديثك في أعقابها حادي يسافر السفر في شدة الحر، قال أبو الدرداء: [[في شدة الحر، حتى -والله الذي لا إله إلا هو- إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة حرارة الشمس، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن رواحة]]. يجلس مع الصحابة، فيقول لـ ابن مسعود: {اقرأ عليَّ القرآن، فيندفع يقرأ عليه حتى بلغ قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال: حسبك، فنظرت قال ابن مسعود فإذا عيناه تذرفان، وفي رواية: وإذا دموعه تسيل من على لحيته} صلى الله عليه وسلم. قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: {استفقت ليلة من الليالي فبحثت عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فوقعت يدي على رجليه وهو ساجد وهو يبكي، ويقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك}. متى يقدم الإنسان للقبر ما لم يقدم هذه الليالي!! متى يصلي ما لم يصلِّ هذه الأيام!! متى يذكر الله إذا لم يذكر الله هذه الليالي!! لأن الإنسان إذا دفن لن يصلي ولن يصوم عنه أحد، ولن يذكر الله عنه أحد: رأيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر تفانوا جميعاً فما مخبرٌ وماتوا جميعاً ومات الخبر تسير وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور أعبد العباد لله: رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك أجهد نفسه في العبادة، في صلاة الليل، في الذكر، في تلاوة القرآن، في التسبيح والتهليل. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

حال السلف وحال الخلف في العبادة

حال السلف وحال الخلف في العبادة الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً؛ بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً؛ أمَّا بَعْد: أيها الناس! فقد أُثر عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أن المار إذا مر بهم في السحر سمع لبيوتهم دوياً كدويِّ النحل من البكاء، ومن قراءة القرآن، والدعاء، هذا في مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ دعاءٌ، وبكاءٌ، ومناجاةٌ وقت السحر، فما هو حالنا مع حالهم، وكيف نعيش بالنسبة إليهم. إن تلك التلاوة، وذاك الدعاء، وذاك البكاء من خشية الله أبدل في البيوت -إلا في بيت من رحم الله- بالغناء والموسيقى والعود والوتر. روى ابن أبي حاتم {: أنه صلى الله عليه وسلم كان يمر في ظلام الليل يتفقد أصحابه -كيف كانوا يصلون؟! كيف كانوا يدعون؟! كيف كانوا يبكون؟! - فسمع عجوزاً تقرأ من وراء الباب وتبكي -عجوز مسنة، طاعنة في السنة- تقرأ قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] وهي تبكي، وتعيد الآية، وتقول: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] فوضع رأسه على الباب ويردد معها نعم أتاني، نعم أتاني} هذه وهي عجوز، فأين شباب الأمة؟! أين أهل القوة والعضلات؟! أين أهل البروز والإجادة؟! إن القوي هو القوي في طاعة الله، وإن المفلح الناجي هو الناجي المفلح في طاعة الله، وإن المتقدم هو المتقدم في طاعة الله. إذا علم هذا فإنه صلى الله عليه وسلم في جانب الذكر؛ كان أكثر الناس ذكراً لله تبارك وتعالى؛ نفسه ذكر لله، وفتواه ذكر، وخطبه ذكر، وكلامه وليله ونهاره وحركاته وسكناته ذكر لله تبارك وتعالى.

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في السحر

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في السحر قال ابن عباس: {نمت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستيقظ من الليل -في قصة طويلة، الشاهد فيها- قال: فتوضأ ثم أتى إلى القبلة وهو يتسوك ويقول: لا إله إلا الله، اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت فاطر السموات والأرض ومن فيهن، أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيُّون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت؛ فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت}. هل سمعتم بعد كلام الله أحسن من هذا الكلام؟! ما أجمل وقت السحر! يوم تناجي الله، يوم يتنزل إلى السماء الدنيا، فيقول: {هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفرٍ فأغفر له، هل من داعٍ فأجيبه}. يقول محمد إقبال؛ الشاعر المشهور: يا ربِّ! لا تحرمني أنة السحر، يا ربِّ! اجعلني من البكَّائين الخاشعين لك في السحر، يا ربِّ إذا أحرمتني جلسة السحر فإن قلبي يقسو فلن يلينه أي شيء.

الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة

الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة عباد الله: هذا هو الرسول عليه الصلاة والسلام في عبادته؛ في صلاته وصيامه، في قراءته وذكره، وهو أسوتكم، وهو قائدكم إلى الجنة، ونجاتكم مرهونة باتباعه، وأخذكم وسيركم إذا لم يكن على سيرته وسنته؛ فهو الهلاك والدمار، والعار، والنار في الدنيا والآخرة {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]. فيا من أراد الجنة! يا من أراد النجاة، يا من أراد الفلاح! يا من أراد الخير والعدل والسلام! والله ليس لك قدوة؛ لا زعيم، ولا ملك، ولا مصلحٌ، ولا إمامٌ، ولا هادٍ ولا منقذ، ولا مكتشف إلا رسول الله بعد الله. عباد الله: صلوا وسلموا على من عطرنا المجلس بذكره، صلى الله عليه وسلم، فقد أمركم الله بذلك؛ فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين! اللهم ارض عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسانك إلى يوم الدين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم كفِّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم، وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا رب العالمين! اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفي فلسطين، وفي كل بقعة من بلادك يا رب العالمين! اللهم ثبت أقدامهم، وأنزل السكينة عليهم، واكتب لهم النصر يا رب العالمين! ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وقفة مع معاذ بن جبل

وقفة مع معاذ بن جبل العلماء هم ورثة الأنبياء، وفي سيرهم وحياتهم تجد المواعظ؛ لأنهم إنما يقتفون نهج النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الدرس المبارك وقفات مع سيرة عظيم من عظماء الصحابة؛ بل إمام العلماء يوم القيامة، إنه معاذ بن جبل رضي الله عنه.

مبدأ تاريخ الأمة

مبدأ تاريخ الأمة الحمد لله القائل: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:156 - 157]. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، شهادة أدخرها ليوم الدين: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] وأصلي وأسلم على رسول البشرية ومعلم الإنسانية، وهادم كيان الوثنية، صلى الله عليه وسلم، يقول: {ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع -ثم يقول:- الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً -أي: هدفاً للسباب والشتام- فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد أذاني، ومن أذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله أخذه ثم لا يفلته سُبحَانَهُ وَتَعَالى} وعلى آله وصحبه كلما لمع نجم ولاح، وكلما غرد حمام وناح، وعلى من سار على هديه إلى يوم الدين. أمَّا بَعْد: أيها المسلمون! فإننا نسير ونعيش مع سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، نأخذ حلول مشاكلنا وقضايانا من تلك السيرة، واليوم نعيش مع نجم من أولئك النجوم، فأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم نجوم. من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري ، والذين يقولون من القوميين ودعاة التضليل والتبعية والضلالة إن تاريخنا يبدأ من الجاهلية فقد كذبوا على الله، بل تاريخنا يبدأ من بداية دعوة محمد صلى الله عليه وسلم. تاريخنا من رسول الله مبدؤه فما عداه فلا ذكر ولا شان

حب النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ

حب النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ صاحبنا هذا اليوم هو معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه: فالسلام عليك يا معاذ بن جبل، السلام عليك يوم ولدت ويوم أسلمت ويوم مُتّ ويوم تبعث حياً، السلام عليك يوم دعوت إلى الله في اليمن، فأسلم معك أهل اليمن، واستضاءوا بنورك. عرف معاذ محمداً صلى الله عليه وسلم فأحبه كل الحب، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستأسر الأرواح بالحب لا بالسوط أو السيف، أرأيتم المغناطيس كيف يجر الحديد، إنه حب أدهى من ذلك وأعلى. ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمة من عفاء يخرج صلى الله عليه وسلم فيشبك يده الطاهرة الشريفة التي ما سفكت دماً ولا عاثت بمال حرام، ولا مست جسماً مشبوهاً ولا خانت عهداً ولا خاست بوثيقة، يشبكها في يد معاذ رضي الله عنه، ويقول: {يا معاذ! والذي نفسي بيده إني لأحبك، لا تدع في دبر كل صلاة إلا تقول: اللهم أعني على ذكرك شكرك وحسن عبادتك} يا لروعة الكلام! فأخذها معاذ رضي الله عنه وأرضاه ليقولها دائماً، وإذا لم يعنك الله ويساعدك على العبادة، فلا عبادة ولا قوة ولا هداية لك، قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24] ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام مادحاً معاذاً رضي الله عنه: {أعلم أمتي بالحلال والحرم معاذ} ويقول فيه: {يأتي معاذ رضي الله عنه يوم القيامة أمام العلماء برمية حجر} حسناته فائضة، وقد كان ذكياً يعرف من أين يحفظ، ومن أين يبدأ وإلى أين سينتهي.

دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني عن النار

دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني عن النار سافر مع الرسول صلى الله عليه وسلم وكان رديفاً للرسول صلى الله عليه وسلم، فسأله سؤالاً هو أعظم سؤالٍ في تاريخ الإنسانية، قال: يا رسول الله! المسألة إليك، هل يسأله إمارة أن يؤمره، أو يسأله منصباً أو أرضاً يحييها، وقد أحيينا الأراضي وأمتنا القلوب، أمتنا قلوبنا فما أحييناها، ودمرنا بيوتنا فما ربيناها وما علمناها، ما تركنا شعباً إلا وأقمنا فيه قصوراً وبيوتاً، وتركنا قلوبنا وما أقمنا فيها لا إله إلا الله، قال صلى الله عليه وسلم: {سل ما بدا لك، قال: دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار} هكذا يسأل العظماء، والذين يريدون الله والدار الآخرة فيجيبهم صلى الله عليه وسلم، قال: {لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال: والصوم جنه -أي: وقاية من النار- والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] ثم قال صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك يا معاذ على ملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: كف عليك هذا، وأخذ بلسان نفسه، فقلت: يا رسول الله! أئنا لمؤاخذون بما نتكلم به، قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على مناخرهم أو على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم} وصية جامعة مانعة فحفظها معاذ رضي الله عنه، فكانت في ذهنه دائماً، ولذلك قدم لنا معاذ أعظم حديث في العقيدة، يقول: {كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار} ويا للأعجوبة! محمد صلى الله عليه وسلم من علم الإنسان، وأيقظ الإنسان، ورباه يركب حماراً، ويردف معه معاذاً. يقول صلى الله عليه وسلم: {يا معاذ! قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله، قال: أتدري ما حق الله على العباد؟ قلت: الله ورسوله أعلم -انظر إلى الأدب وعدم التدخل، وانظروا إلى السكينة والوقار والتثبت مع معلم البشرية- فقال: يا معاذ! حق الله على العباد، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم مضى قليلاً، وقال: يا معاذ أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقهم إذا فعلوا ذلك ألا يعذبهم} ونقلها معاذ رضي الله عنه عند موته يوم صارعه الموت، يوم ازدحمت الزهقات عند حلقة، أداها للأمة لكي لا يموت وفي صدره حديث ما بلغه للأمة.

معاذ وأهل اليمن

معاذ وأهل اليمن وأتى أهل اليمن، فقال صلى الله عليه وسلم: {أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية} فطلبوا المعلم يعلمهم كتاب الله، وشرعه ورسالته أتدرون من يختار؟ ومن يرشح على هذه الأمة؟ جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه واستقرأ في نفوسهم اليقظة والعلم وكمال الاهتمام، ومن يقوم بهذه المهمة، فقال: {يا معاذ! قم واذهب مع أهل اليمن داعية ومعلماً، وقال له: يا معاذ! لعلك لا تراني بعد اليوم إلا عند الله، فبكى معاذ رضي الله عنه، وارتفع بكاؤه -وحق له أن يبكي- عند ساعة الفراق، فقال صلى الله عليه وسلم: يا معاذ! لا تبكِ، ولا تجزع فإن الجزع من الشيطان، ثم قال له: أوصيك يا معاذ! أن تتقي الله، وتذكر الله عند كل شجر وحجر ومدر، ثم قال له: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} فأخذها معاذ وهو يبكي؛ وصية ما سمع التاريخ ولا سمعت الدنيا بمثلها: {اتق الله حيثما كنت} في أي مكان كنت وتحت أي سقف وجدت، وفي أي مكان عشت، لأن الله معك، قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7] فاتق الله حيثما كنت. وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني إذا كانت النفس داعية إلى أن تقتحم حدود الله وتنتهك حرمات الله، فاستحي من نظر الإله وقل لها: إن الذي خلق الظلام يراني، ولذلك يقول سليمان عليه السلام: تعلمنا مما تعلم الناس، ومما لم يتعلم الناس، فلم نجد كتقوى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وانطلق معاذ مع أهل اليمن، وقبل أن ينطلق قال له صلى الله عليه وسلم: {يا معاذ! ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم أن الله كتب عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاه تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم} هكذا تدرج الداعية، وهكذا تبليغ الناس، الأولويات فالأولويات، والقضايا الكبرى فالكبرى، ولا ينفع الإسلام أو الدعوة الإسلامية أن تطرح للناس جملة، بل نقطة نقطة، فإن هم حققوها فلتأتِ الثانية. أما الدعاة الذين يريدون أن يسلم الناس في يوم واحد، وأن يتمثل الإسلام في يوم واحد، فإنهم سوف يخفقون ولو طالت بهم الأعمار، التفت رضي الله عنه إلى المدينة، وتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم، لعلك لا تراني بعد هذا اليوم إلا عند الله تبارك وتعالى؛ فبكى على تلال المدينة وهو يودع طيبة الطيبة، وينظر إليها: أقول لصاحبي والدمع جار وأيدي العيس تخدي بالرمال تمتع من شميم عرار نجد وهل بعد العشية من عرار وذهب رضي الله عنه وأرضاه، واستقبلوه هناك في اليمن فعلمهم علماً جما، تواضع لهم وخالقهم فكسب قلوبهم، ورأوا فيه الزاهد والعابد، والقانت الأواب، فأحبوه أكثر من أطفالهم، وأكثر من أرواحهم التي بين جنوبهم.

معاذ في ولاية الصديق رضي الله عنهما

معاذ في ولاية الصديق رضي الله عنهما وتولى أبو بكر رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع معاذ وهو في اليمن بأعظم مصيبة في تاريخ الإنسان: وإذا دهتك من الأمور بلية فاذكر مصابك بالنبي محمد فعاد ووصل إلى المدينة، وعانق أبا بكر، وأبو بكر قد تولى شئون الأمة، وأعلن سياسة حكومته الجديدة على الكتاب والسنة، فبكى أبو بكر ومعاذ وقال أبو بكر: [[تخلفنا -يا معاذ - بعد رسول الله لتلعب بنا الشياطين، فأخذ معاذ يقول: لم تلعب بك الشياطين ومعك كتاب الله]] وذهبا إلى فاروق الإسلام، فقال الفاروق عمر بن الخطاب: أتيت لأحاسبك على رواتبك التي أخذت في فترة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: والله ما أخذت من أموالكم درهماً ولا ديناراً وأنت لست الخليفة إنما هو أبو بكر، قال: أنا أبو بكر وهو أنا، كلنا في الحق سواء، فقال معاذ: لن أدفع لك شيئاً، والله ما أخذت إلا من تجارة حلال، ونام معاذ رضي الله عنه، ورأى كأن بحراً هائجاً أمامه، ويرى أنه يكاد يغرق فيه، وإذا بـ عمر يجره رضي الله عنه وأرضاه، فيأتي إلى عمر في الصباح ويبكي ويقول: يا أخي! رأيت في المنام بحراً كدت أن أغرق فيه، وإذا أنت ممسك بيدي، فاذهب معي إلى أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحاسبنا على هذا المال، وذهبا جميعاً فقال أبو بكر: غفر الله لك يا عمر! وغفر الله لك يا معاذ! والله لا آخذ منك درهماً واحداً ولا ديناراً، فطابت نفس معاذ، وما كان أبو بكر ليترك درهماً واحداً؛ لأن هذا الدين بني على الحق والعدالة، ساعة تعملها تأخذ أجرها، وساعة لا تعملها فلا حق لك، لن تداجيك داجية، لا على الله ولا على ولاة الأمور أن تصرف في غير استحقاقها، وتسجل بأوراق زور ثم تسحب هذه الأموال في امتدادات، وهي في غير امتدادات وهي كاذبة خاسرة، ولا دوام هناك إضافي، إنما ما عملته أخذت أجره، ليكسبك الله كسباً وفيراً، الحلال المبارك، فتأكل حلالاً، وتشرب حلالا وتغذي أبناءك بالحلال، أما أن تقيم بيتك على الكذب والزور فهذا ليس في شرع الله، فسامحه أبو بكر وما كان له أن يتخلى عن درهم واحد، ورضي معاذ رضي الله عنه بكسبه، واستمرت الحياة به رضي الله عنه وأرضاه، يعلم الناس بلطف وأناة ووقار وكان يتذكر في يومه وليلته الموت، كلما تذكر الموت نسي جلاسه الذين حوله يقول: [[والله إني أتذكر الموت فيموت كل عضو مني مكانه]].

إيمان معاذ

إيمان معاذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ معاذ في ذات يوم: {كيف أصبحت يا معاذ! قال: أصبحت مؤمناً حقاً يا رسول الله! قال: إن لكل قول حقيقة، فما حقيقة إيمانك، قال: والله ما خطوت خطوة إلا وكأن الموت يصرعني قبلها، والله ما أصبحت وأنا أنتظر المساء، وما أمسيت وأنا أنتظر الصباح، وكأني بعرش الرحمن بارز على رءوس الناس يوم القيامة، وكأني بكل أمة جاثية، كل أمة تدعى إلى كتابها، وكأني بأهل النار في النار يعذبون، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: عرفت فالزم} هذا هو التوحيد والإيمان، أن تتذكر الله إن كنت أستاذاً في فصلك، وتعلم أن صبية الإسلام وأطفاله وقلوب أهل الإسلام على الكراسي بين يديك، فاتق الله فيهم، وأن تتذكر الله وأنت موظف على كرسيك، وتتذكر لقاء الله والحشر بين يدي الله، والعرض عند الميزان والصراط فتخلص في عملك، وتتذكر الله وأنت قاضٍ تحكم في الدماء والأموال والبيوت، تتقي الله وتخاف الله فيكون أخوف عندك من كل شيء، وتتذكر الله وأنت جالس في دكانك في سوقك، فلا تغش ولا تخون، ولا تخادع، ولا تماكس ولا تناجش؛ فإنما الله نصب عينيك، هكذا كانوا يعيشون أيها المسلمون. يا أحبابنا في الله: ويا أخوتنا في الله! لما تركنا الاستضاءة بنور حياتهم؛ أصابتنا البلايا والأمراض والأخطاء في مجتمعاتنا، عدل القاضي عن الطريق المستقيم، ولم يوف الموظف حقه، ولم يخلص المدرس في فصله، ولم يؤتمن التاجر، فوقعت البلايا، يقول عمر رضي الله عنه: ولاني أبو بكر قضاء المسلمين في المدينة سنة كاملة، ووالله ما أتاني رجلان يتقاضيان، كلٌّ عرف الحق، وكلٌّ أبصر الطريق، فهذا هو معاذ بن جبل الذي يقول فيه ابن مسعود رضي الله عنه: [[إن معاذاً كان أمة قانتاً لله حنيفاً، ولم يكن من المشركين، شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم]]. فيا أخوة الإسلام: من مثل معاذ نتعلم الزهد والأدب، ونتعلم الحياة الإسلامية الحقة. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

وفاة معاذ رضي الله عنه

وفاة معاذ رضي الله عنه الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: فيواصل معاذ رضي الله عنه رحلة الحياة رحلة العبادة والزهد، والعمل الصالح رحلة أن يريد الله وما عند الله، ولما أتت معركة اليرموك يوم كتب الله أن ننتصر من بغاة البشرية، وأن نزعزع أصنام الوثنية، ونمحق طغاة الأرض، سار أجدادنا من الصحابة ومعهم معاذ بن جبل، ووقفوا في الصفين، صف يقول: لا إله إلا الله، ولا حكم إلا لله، ولا شريعة في الأرض إلا لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وصف يدعي الوثنية والإشراك برب البرية سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وكان معاذ في المقاتلين؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه دفع بكل من عنده ليواجه الروم، دفع بالعلماء في خضم المعركة، وقاد الأبطال إلى النزال، ودفع بالأدباء كذلك؛ لأنه يريد أن تكون المعركة عسكرية، وإعلامية، وعلمية، وفكرية، وأدبية، وقام معاذ رضي الله عنه قبل أن تبدأ المعركة، وتلا سورة الأنفال بصوته المبكي الحزين، فبكى الناس، وقال: أيها المسلمون: اصدقوا الله هذا اليوم، فوالذي نفسي بيده، لقد تجلى الله لكم وقد فتح لكم جنات عرضها السماوات والأرض، وبدأت المعركة وانتصر عباد الله الموحدون، وعاد رضي الله عنه إلى مسجده في دمشق يعلم الناس ويؤدب الناس، وينشر العلم ويعطي مما أعطاه الله. فلما أتته الوفاة، وكان سبب وفاته أن الطاعون أصاب الناس وانتشر فيهم، فوقع في يده اليمنى كالدرهم، وعمره ثلاث وثلاثون سنة صرفها في ذات الله، كلها علم ودعوة وإخلاص وإنابة، فيصيبه الطاعون كالدرهم في يمينه، فيخرج إلى الناس فيرفع يده ويقول: اللهم إنك تبارك في القليل وتكبر الصغير، اللهم بارك في هذا الجرح، اللهم ارزقني شهادة بالطاعون، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {الطاعون شهادة لكل مسلم} فعاد إلى بيته، ومضت هذه القرحة تلتهم جسمه، وهو يبتسم ويرضى بقضاء الله؛ لأن الحب في الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى إذا كمن في القلب فلله أن يفعل بالجسم ما شاء، ويحكم ما يريد، فهو طبيب الإنسان. كيف أشكو إلى طبيبي ما بي والذي قد أصابني من طبيبي وفي الصباح قال لابنته الخيرة البارة: اخرجي فانظري هل طلع الفجر، فنظرت فقالت: لم يطلع بعد، فعاد فاستغفر الله كثيراً وقال: اللهم إني أعوذ بك من صباح إلى النار، ثم قال: يا بنية! اخرجي فانظري هل طلع الفجر، فنظرت فقالت: طلع الفجر، فصلى في مكانه، ثم التفت إلى زوجته وأبنائه، ثم قال: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم إنك كنت تعلم أني لم أحب الحياة لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، ولا لعمارة الدور، ولا لرفع القصور، وإنما كنت أحب الحياة لظمأ الهواجر، أن أظمأ في سبيلك في يوم حار، يوم يشرب الناس، فلا أشرب لأصوم، ويوم يأكل الناس فلا أكل، ويوم يرتاح الناس فلا أرتاح؛ لأرتاح هناك في موقف يحضره الله ويحكم فيه، ثم يقول: اللهم إنك تعلم أني أحب الحياة لظمأ الهواجر، ولقيام الليل، ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر، ثم قال للموت: مرحباً بك، حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، غداً ألقى الحبيب محمداً صلى الله عليه وسلم، وذهب معاذ إلى الله، إلى الدار التي بناها في الحياة، إلى القيعان التي غرسها بالعلم والفكر والجهاد:- لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها أين الملوك التي كانت مسلطنة حتى سقاها بكأس الموت ساقيها فاعمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيش نابت فيها فيا من يريد الله والدار الآخرة: اعمل كعمل معاذ واذهب إلى طريق معاذ يوم أن تأتي الله مجرداً بلا منصب ولا وظيفة، بلا مال ولا ولد، بلا جاه ولا مهور، بلا بيوت {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94]. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وانصر المجاهدين في سبيلك يا الله.

الباحث عن الحقيقة

الباحث عن الحقيقة من أعجب القصص التي وردت في دواوين السنة قصة إسلام أبي ذر، فقد كان هذا الصحابي في أول أمره حنيفياً وما كان يسجد للأصنام، فلما سمع بمبعث الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل أخاه ليستفهم له عن الخبر فلم يشفه، فذهب بنفسه ولقي الرسول صلى الله عليه وسلم وأسلم، ثم عاد إلىأخيه وأمه فأسلما، ثم إلى قبيلته غفار فأسلمت، ثم إلى قبيلة أسلم فأسلمت. وفي غزوة تبوك يتأخر به جمله ثم يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ماشياً فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: يرحم الله أبا ذر يعيش وحده ويموت وحده ويحشر وحده.

حياة أبي ذر في الإسلام

حياة أبي ذر في الإسلام الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشرف الصلاة وأتم التسليم على البشير النذير. من هو الباحث عن الحقيقة؟ إنه الذي يقصده الشاعر المسلم وهو يتكلم عن هذا الرجل الذي سوف أتكلم عنه هذا اليوم وهو يقول: أركبوني نزلت أركب عزمي أنزلوني ركبت في الحق نفسا أطرد الموت مقدماً فيولي والمنايا أجتاحها وهي نعسى قد بكت غربتي الرمال وقالت يا أبا ذر لا تخف وتأسا قال لا خوف لم أزل في شباب من يقيني ما مت حتى أدسا إذاًَ هو أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه رضواناً يلحق به في جنات النعيم- كان يسكن البادية معه جمله وغنمه، يضرب في صحراء الدهناء وسط جزيرة العرب، لم يقرأ حرفا، ً ولم يقتن كتاباً، ولم يحمل قلما، ً ولكن الله إذا أراد أن يهدي هدى، وإذا أراد أن يضل أضل، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وصرخ عليه الصلاة والسلام بـ"لا إله إلا الله محمد رسول الله" وأبو لهب وأبو طالب عند الصفا لكن ما سمعوا قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23].

أبو ذر يرسل أخاه إلى مكة

أبو ذر يرسل أخاه إلى مكة رفضوا الهداية أما أبو ذر فسمع أن في مكة رجلاً يدعي النبوة، فقال لأخيه أنيس: [[اذهب إلى هذا الرجل، وائتني منه بخبر]]. فركب أنيس إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتقته الدعاية المغرضة وتشويه السمعة على أشراف مكة، قالوا: يا أنيس! هذا كذاب ساحر مفترٍ على الله، مجنون، فرجع وسمع الدعاية الباطلة، والتشويه، وقال لأخيه: لا عليك، رجل كذاب مجنون ساحر كاهن. قال أبو ذر: والله، لأذهبن أنا بنفسي إليه؛ فعليك بأهلي ومالي، وركب ناقته واخترق الحجب ليصل إلى معلم الخير مباشرة ليرى وجهه، وليسمع كلامه، ولتقع نبراته الصادقة في قلب أبي ذر، وليجري كلام محمد عليه الصلاة والسلام في دم أبي ذر قطرة قطرة.

أبو ذر يقابل النبي صلى الله عليه وسلم

أبو ذر يقابل النبي صلى الله عليه وسلم ووصل مكة، فلقيه علي بن أبي طالب الشاب المتوقد الذي نشأ على معالم لا إله إلا الله. قال أبو ذر: [[أين الرجل الصابئ؟ قال: أتريد محمداً؟ قال: نعم. ولكني جائع -أتى من الصحراء وهو جائع لم يأكل منذ ليالٍ يريد قبل أن يلقى معلم الخير المعصوم أن يأكل أكلاً- قال: تعال إلى أبي بكر الصديق {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:18 - 21]. فأدخله أبو بكر، وأطعمه من زبيب وخبزٍ، ثم أخذه علي بن أبي طالب قال: يا أبا ذر! كن معي فإذا كنت في الحرم ورأيت الرسول صلى الله عليه وسلم فسأتظاهر بإصلاح نعلي -هذا خوف من المشركين- فإذا رأيتني وقفت فهو الرجل الذي أمامك فنزل، وكان عليه الصلاة والسلام كالقمر ليلة أربعة عشر لا يختفي، ومن رآه أحبه، ومن سمع كلامه صدقه، ومن صاحبه ائتمنه. يقول ابن رواحة: لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر فوقف علي يصلح نعله؛ فعرف أبو ذر وجه المصطفى عليه الصلاة والسلام، واقترب منه ليحييه بتحية الجاهلية فقال: عم صباحاً يا أخا العرب، قال عليه الصلاة والسلام: {إن الله أبدلني تحية خيراً من تحيتك، قل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ورحب به عليه الصلاة السلام وأجلسه}. الأسئلة الساخنة تبدأ، والحوار الجريء يبدأ، وتطرح بين المعلم والتلميذ وبين الشيخ والطالب قال أبو ذر: من أنت؟ قال: أنا رسول الله، قال: من أرسلك؟ قال: الله الذي إذا كنت في سنة مجدبة فدعوته أمطر عليك، والذي إذا ظلت راحلتك في الصحراء ودعوته، ردها عليك -يكلمه من دفتره، من بيئته: الناقة، السنة المجدبة، الصحراء- قال: بم أرسلك الله؟ قال: أرسلني بالصلاة، والصدق، والعفاف، وصلة الرحم، وبر الوالدين، والنهي عن عبادة الأصنام والأوثان. قال أبو ذر: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لأقومنّ بها عند الصفا، قال عليه الصلاة والسلام: لا. اذهب إلى أهلك ولا تخبر أحداً، فإذا سمعت أن الله أظهرني وسوف يظهرني، فتعال بأهلك، قال: والله لأقومن عند الصفا، فوقف وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله فانهال عليه سكان الحرم بالحجارة من كل جانب حتى وقع مغمياً عليه يرش ثوبه بالدم، وأتاه عليه الصلاة والسلام فاحتضنه ورشه، وقال: ألم أنهك؟ -ألم أقل لك: لا تقل ذلك؟ - وحال العباس بين المشركين وبين أبي ذر}. وذهب أبو ذر إلى أهله في البادية ووقف أمام زوجته وقال: دمي من دمكِ حرام، وبيتي من بيتكِ حرام حتى تشهدي أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فشهدت. ثم أتى إلى أهله فشهدوا، ثم جمع قبيلته بني غفار فشهدوا فدخلوا في دين الله أفواجاً. وأتى أبو ذر إلى محمد عليه الصلاة والسلام بعد أن نصره وأظهره الله وأصبح في المدينة، {قال أبو ذر للنبي عليه الصلاة السلام: أعرفتني؟ قال: نعم أنت أخو غفار، ثم وقف عليه الصلاة والسلام على المنبر يحيي القبيلة التي وطئت المدينة ويرفع يديه ويقول: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعصية عصت الله ورسوله}. وأخذ أبو ذر يحب الرسول عليه الصلاة والسلام كل يوم وهو في زيادة، ويقول متبجحاً ومفتخراً ومغتبطاً بزيارة الرسول عليه الصلاة والسلام: {كان عليه الصلاة والسلام يزورني كل يوم في بيتي فزارني مرة فلم يجدني، فقال: أين هو؟ قالوا: خرج يا رسول الله ويأتي، فجلس على فراشي، فلما أتيته احتضنني والتزمني وقبلني، زيارة}. إنها الذكريات التي لا ينساها أبو ذر أبداً.

أبو ذر والإمارة

أبو ذر والإمارة ورأى الرسول عليه الصلاة والسلام يولي أصحابه الإمرة، هذا أمير في نجران، وهذا في اليمن وهذا على مشارف الجزيرة، وهذا في مكة وهذا على الجيش. أتى أبو ذر يريد أن يعرض نفسه وقال: يا رسول الله! وليت فلاناً وفلاناً ولم تولني الإمرة ألعجزٍ؟ أم لخيانة؟ قال: لا. لكنني أصونك، يا أبا ذر! {إنها لخزي وندامة يوم القيامة، إنك رجل ضعيف وإنها أمانة} فلم يوله الإمرة -فبقي معه- وكان عليه الصلاة السلام ويلحظ فيه قوة الشخصية؛ لأنه صادق لا يحب المجاملة، ولا الرياء ولا النفاق، كان يصدع بالحق. يقول: {يا رسول الله! إذا متَّ فمن يلينا؟ قال له عليه الصلاة والسلام: كيف بك إذا أدركت قوماً يؤخرون الصلاة تعرف منهم وتنكر فما أنت فاعل؟ قال: آخذ سيفي فأقاتلهم حتى أموت، قال عليه الصلاة والسلام: لا. صلِّ الصلاة في بيتك، فإذا أدركتهم فصل معهم ولا تقل قد صليت، واصبر ولو جلدوا جلدك وأخذوا مالك} ثم قال عليه الصلاة والسلام: {إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج من المدينة} معنى ذلك: إذا كثر العمار في المدينة وأصبحت المدينة متحضرة وكثرت أسواقها والجاليات بها، فاخرج أنت بأهلك إلى الصحراء، وانصب خيمتك هناك، ولا تخالط الناس، لتبقى شفافاً، لماعا، ً نقيا، ً نظيفاً من الدنيا. هذا هو معنى كلماته عليه الصلاة والسلام، وبالفعل خرج أبو ذر وحده إلى الصحراء، ولكن لا تزال الذكريات.

أعظم حديث رواه أبو ذر

أعظم حديث رواه أبو ذر وقف عليه الصلاة والسلام عند أبي ذر ثم لقنه حديثاً هو أشرف حديث عند الأمة الإسلامية. يقول عليه الصلاة والسلام، وهو يتحدث عن الله عز وجل في حديث إلهي يحفظه أبو ذر. يقول عليه الصلاة والسلام -وفي بعض الروايات: أنه جثا على ركبتيه عليه الصلاة والسلام- أن الله جل وعلا قال: {يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا. يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد - لا إله إلا الله! سبحان من لا يفنى ولا يموت لا تغيره الوقوت ولا يحول ولا يزول! يغير الدول ولا يتغير، يبدل الناس ولا يتبدل. قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه} رواه مسلم. هذا الحديث تاج لـ أبي ذر.

أبو ذر في غزوة تبوك

أبو ذر في غزوة تبوك سافر عليه الصلاة والسلام إلى تبوك في حر شديد، الصحراء تقذف بقذائف اللهب، الشمس تغلي الرءوس، البطون جائعة، الأكباد حارة من الظمأ، ومعه جيش، وقطع المئات من الأميال، وأبو ذر معه، ولكن جمل أبي ذر تخلف بسبب ضربه فحاول مع الجمل فلم يحلُ له سير، فأخذ متاعه من على الجمل ووضعه على ظهره وأخذ يمشي في الصحراء وتخلف ليلة، قال صلى الله عليه وسلم -وقد قرب من تبوك - أين أبو ذر؟ قالوا: تخلف يا رسول الله! قال: إن يرد الله به خيراً يلحقه بنا، وفي اليوم التالي وفي الظهيرة وإذا برجل أقبل كالغراب من آخر الصحراء، تتابع خطاه في الصحراء والرمضاء الشديدة، فاقترب رويداً، والرسول عليه الصلاة والسلام يتهلل وجهه ويقول: {كن أبا ذر، كن أبا ذر، كن أبا ذر} فإذا هو أبو ذر، وتقبل دموعه عليه الصلاة والسلام لما يرى من هذا الجسم النحيل والثياب الممزقة والجوع والمتاع على الظهر لمرضاة الواحد الأحد، فيقول له أمام الناس: {رحمك الله يا أبا ذر! تعيش وحدك، وتموت وحدك وتحشر وحدك}. تعيش وحدك فلا تتصل بالناس ولا بالدنيا فأنت عالم آخر: وحيداً من الخلان في كل بلدة إذا عظم المطلوب قل المساعد أو كما قال الآخر: أطاعن خيلاً من فوارسها الدهر وحيداً وما قولي كذا ومعي الصبر وأشجع مني كل يومٍ سلامتي وما ثبتت إلا وفي نفسها أمر وتموت وحدك فيحضره الملائكة بعيداً عن الأحباب والأصحاب، ويحشر يوم القيامة أمة لوحده، وفي بعض الآثار يحشر هو وعيسى عليه السلام سوياً.

وفاة أبي ذر

وفاة أبي ذر طالت الحياة بـ أبي ذر، وبقي في الصحراء قائماً صائماً مصلياً، وحضرته سكرات الموت بعيداً عن قومه، بعيداً عن الصحابة، بعيداً عن الجيران والخلان والأصدقاء [[بكت عليه امرأته وقالت: يا أبا ذر! بعد صحبة الرسول عليه الصلاة والسلام وصحبة أبي بكر وعمر والصحابة تموت هنا وحدك، قال: لا تبكي عليَّ فقد أخبرني خليلي: أني أعيش وحدي، وأموت وحدي وأحشر وحدي، قالت: وأين الدنيا؟ قال: معي هذه الشملة وهذه القصعة وهذا البيت، فإذا مت فاغسلوني ثم كفنوني في هذا الثوب، ثم اجعلوني على قارعة الطريق فسوف يأتي موكب من المؤمنين يصلون علي ويدفنونني]]. كان في طريق الصحراء لا يعلم بموته إلا الله، وكان يقول له عليه الصلاة والسلام وهو يضرب على كتفيه: {إن منكم من يموت في خلاء من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين} فغسلته زوجته وكفنته في ثوبه وطيبته -طيب الله ثراه وأنفاسه وأيامه- وأخذته هي وبنتها وجعلته على قارعة الطريق. علو في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات لعظمك في النفوس تبيت ترعى بحراس وحفاظ تقات وتوقد حولك النيران ليلاً كذلك كنت أيام الحياة فعرضوه في الطريق وفي الضحى، وإذا بـ ابن مسعود عالم الصحابة يأتي من العراق معتمراً ومعه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فيرى جنازة معروضة انتقل صاحبها إلى الله، وذهبت الروح إلى الملأ الأعلى، فقفز من على ناقته وهو يقول: "وا أبا ذراه! "وا حبيباه! "واخليلاه! صدق رسول الله. فماذا كان يفعل ابن مسعود؟ هل يحفر التراب ويدفن الرجل ويكفي هذا الوداع!! أين الصحبة؟ أين الأيام الجميلة الغالية التي عاشها مع أبي ذر. أولاً: أتى إلى الكفن ثم حل عقده عن أبي ذر ثم كشف وجهه فكأنه القمر ليلة البدر، ثم أخذ يقبله والدموع تهراق على وجه أبي ذر، ثم مر الصحابة يقبلون ثم صلوا عليه، ثم دفنوه قال الله: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62].

دروس من سيرة أبي ذر

دروس من سيرة أبي ذر أولها: الصدق مع الله منجاة، وهو طريق الصالحين وقبلهم الأنبياء والرسل. الثاني: التخفف والتقلل من الدنيا. الثالث: إن من جاهد في الله فلن يضيع الله جهاده قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. الرابع: من أراد الحقيقة فلن يجدها إلا عند محمد عليه الصلاة والسلام، أما غيره فليس عنده حقيقة إلا من حقيقته، ولا نور إلا من نوره، ولا خير إلا من خيره عليه الصلاة والسلام. سلام على ذاك العلم، وعلى شيخه، وجمعنا الله بهم في دار الكرامة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

عظمة الرسول عليه الصلاة والسلام

عظمة الرسول عليه الصلاة والسلام الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، والصلاة والسلام على معلم الخير وهادي البشرية، ومدافع كيان الوثنية، ومعلم البرية، ما تلألأ نور في نظر، وما تألقت أذن لخبر، وما هتف ورق على شجر. أيها الناس! تتفنن الأمم والشعوب في ذكر عظمائها بالقصة والقصيدة والمسرحية والكتابة وغالبها زيف، ونحن نتفنن في ذكر عظمة عظيمنا عليه الصلاة والسلام، يشهد الله على صدقنا، ثم يشهد التاريخ والدهر وحتى الأعداء.

من تعظيم الرسول العمل بسنته وعدم الابتداع

من تعظيم الرسول العمل بسنته وعدم الابتداع ومن عظمته عليه الصلاة والسلام: * أن ذكرى ميلاده هو العمل بسنته، فليس له مولد يحتفل به، ولا لأحد من علماء الإسلام، والاحتفال في سيرته وسنته عليه الصلاة والسلام أن نتبعه وأن نقتدي به، وأن نذب عن منهجه، وأن نحذر من البدع التي تجري على سنته، وأن ننشر مبادئه، وأن نضحي عن قيمه بالنفس والنفيس هذا هو الميلاد الحق. أحبك لا تسال لماذا لأنني أحبك هذا الحب رأيي ومذهبي وقد حذرنا عليه الصلاة والسلام من البدع، ومن أقبح البدع التي انتشرت في العالم الإسلامي بدع المولد، أو مشاركة الكفار في عيد ميلاد المسيح عليه السلام، وهذا لم ينزل الله به سلطاناً، ولم يرسل به رسولاً، ولم يأذن به سبحانه، فالباب دون هذا مغلق. وقال المعصوم عليه الصلاة والسلام: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} وعندما يكون في التاريخ الميلادي ذكرى ميلاد المسيح، يقوم النصارى في هذا اليوم ويقيمون الدنيا ويقعدونها بإعلامهم وبأقلامهم عن هذا اليوم والحقيقة أنهم يضحكون على أنفسهم، فهم خالفوا عيسى وموسى ومحمداً عليهم الصلاة والسلام، وهم الذين كفروا برسل الله وكتبه، وهم الذين افتروا على الله وعلى مبادئه، وهذا له مجال آخر، لكن الذي يهمنا كمسلمين ألا نشاركهم في أعيادهم ولا نحضر ولائمهم ولا نفرح بفرحهم ولا نميز هذا اليوم عن أيامنا، ولا نجيب دعوتهم، فإنهم في الشركات والمؤسسات والمحلات والجاليات يقيمون ولائم ويهدون زهوراً ويقومون بطقوس، فقد حرم أهل العلم بالإجماع حضور هذه أو دعوتهم أو قبول الهدية أو الإهداء إليهم أو مشاركتهم بأي رسالة أو ببرقية أو بمواساة؛ لأن هذا خدش في الولاء والبراء، ومن أحسن من تحدث في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله في كتابه العظيم اقتضاء الصراط المستقيم بفصول عظيمة بين فيها حكم الله في هذا. أيضاً: لا يجوز صيام هذا اليوم أعني يوم الميلاد عندهم، لا يصومه مسلم يميزه بهذا العيد عن غيره، فإن فعل فقد ابتدع في دين الله إلا أن يكون صياماً له لا يقصد به المشاركة ولا المداهنة ولا المؤانسة لهم.

حكم الاحتفال بالمولد النبوي

حكم الاحتفال بالمولد النبوي أيضاً لا يجوز إحداث مولد له عليه الصلاة والسلام، ولا الاجتماع في يوم مولده لا بالنشيد ولا بالرقص ولا بقراءة كتب، ولا بإحداث معلم لهذه الليلة، فإن هذه لم يخترعها ويبتدعها إلا حاكم إربل في العراق في حدود المائة الخامسة، وقد بدَّعه أهل العلم، وأجمع أهل السنة على أنه قد افترى على الله، فلينتبه لهذا خاصة لمن يعيش بجوار النصارى، سواء في شركة أو مؤسسة أو في بعثة، فليتق الله ربه، فإنه قد يعمل عملاً يخرجه عن الملة وهو لا يشعر، ويغضب ربه عليه، ويخالف رسوله عليه الصلاة والسلام، فليتقيد بدين الله عز وجل، والله عز وجل ذكر أنهم لن يؤمنوا لنا ولن يطيعوا ويستجيبوا حتى نؤمن بمبادئهم ونخرج من مبادئنا. {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة:78] {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ} [البقرة:113]. وذكرهم الله باللعنة يوم خالفوا أمره، وأخبر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنهم ليسوا على شيء حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام، والمعصوم عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح يقول: {والذي نفسي بيده، لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي أرسلت به إلا دخل النار}. اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على منهجه، اللهم ارض عن أصحابه وألحقنا بهم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين، ووفقهم لما تحب وترضى، وارزقهم البطانة الصالحة يا رب العالمين، اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم وفق من جاهد لإعلاء كلمتك وانصرهم نصراً مؤزراً، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق وألف ذات بينهم، وأصلح قلوبهم وردهم إليك رداً جميلاً. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المعجزة الكبرى

المعجزة الكبرى إن المعجزة الكبرى هي القرآن العظيم، نعم. إنه كلام الله الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والشيخ في هذا الدرس يحث على قراءته وتدبره والعمل به، وتطرق إلى بعض الأحكام والمسائل المتعلقة به.

القرآن هو المعجزة الكبرى

القرآن هو المعجزة الكبرى الحمد لله، الحمد لله القائل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:190 - 194]. أحمده حمد من أنار بالتوحيد قلبه، ومن عرف بالتوحيد ربه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم من رسول شرح الله له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره. نبي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر نبي رباه الله على القرآن من صغره، وعلمه مما علمه الله نبي كسر الله بدعوته ظهور الأكاسرة، وقصَّر برسالته ظهور الأقاصرة وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها الناس! فإن لكل رسول من الرسل عليهم الصلاة والسلام معجزة اختص بهذه المعجزة من بين الرسل، ليصدقه قومه، وليعلن التوحيد والبراهين فيهم، فكان لموسى عليه السلام معجزة العصا يوم خرج في قوم بلغوا في السحر ذروته ومنتهاه، فأتت عصاه فتلقفت ما صنعوا من الكذب والبهتان. وبلغ قوم عيسى في عهده مبلغاً عظيماً في الطب، فأتى إليهم بطب من الواحد الأحد يبرئ به الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله. وأما رسولنا عليه الصلاة والسلام فبعث في أمة مُجيدة في اللغة، فصيحة في البيان، خطيبها أخطب الخطباء، وفصيحها أفصح الفصحاء، وشاعرها أشعر الشعراء، فأتى إليهم عليه الصلاة والسلام بالقرآن، سمعوه فدهشوا من بلاغته وبيانه وفصاحته، فما استطاعوا أن يحيدوا -والله- حتى يقول فرعونهم وكافرهم الوليد بن المغيرة، وقد سمع بلاغة القرآن، ويحلف باللآت والعزى: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمغدق، وإن أسفله لمورق، وإنه يعلو ولا يعلا عليه، فما زالوا به حتى رجع عن مقالته، وكذَّب ما قال عن القرآن، فقال عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:24 - 30]. وأتى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ليربي هذه الأمة على هذا الكتاب المجيد، الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} كتاب كلما قرأته آجرك الله، وكلما تدبرته وفقك الله كتاب من حكم به عدل، ومن استمع إليه استفاد، ومن اتعظ بمواعظه اتعظ. كتاب من قرأه علّمه الله علم الأولين والآخرين. كتاب من استنار به أدخله الله الجنة، ومن تقفَّاه قذفه على وجهه في النار. كتاب من تدبَّره أخرج النفاق والشك والريبة من قلبه، فهو شفاء لما في الصدور. كتاب من التمس الهداية فيه هداه الله وسدده، ومن التمس الهدى من غيره أضله الله. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة: "من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدىً غير هدى الله الذي أرسل به رسوله في القرآن العظيم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم".

تدبر القرآن

تدبر القرآن يقول جل ذكره للأمة: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] مالهم لا يتدبرون العظات؟ مالهم لا يعيشون مع الآيات؟ لا. لكن ران على قلوبهم الأقفال والذنوب، فقفِّلت فلا تسمع، وأوصدت فلا تعي، ولو أنها تدبرت وعقلت، لفهمت كلام ربها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ويقول سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] والاختلاف الكثير في الكتب تجده في غير كتاب الله عز وجل، أما كتابه فكما قال: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] ويقول عنه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].

ثمرة قراءة القرآن

ثمرة قراءة القرآن من قرأ القرآن بارك الله له في عمره وولده ورزقه، ومن أعرض عنه محق الله مهابته، وأزال هيبته، وأفنى كابره وصاغره، وأزال عماره في الدنيا، فالله أنزل الكتاب للهداية، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام ينادي الناس جميعاً أن يقرءوا القرآن، وأن يتلذذوا بتلاوته، وألاَّ يهجروه، فمن هجر القرآن استحق غضب الله ظاهراً وباطناً. يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عند مسلم: {اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} يأتيك القرآن يوم القيامة يشفع لك عند من أنزله وتكلم به، فيدخلك الجنة بإذن الله. ويقول عليه الصلاة والسلام: {يؤتى بالقرآن وبأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا- ما قال: يقرءونه وإنما يعملون به في الدنيا- تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة} متفق عليه. ويقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كفرقان من طير صواف، أو كغمامتين، أو تظلان صاحبهما يوم القيامة}. ويقول عليه الصلاة والسلام وهو يفاضل بين الناس: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه} فعلامة الصدق والإيمان كثرة قراءة القرآن، وعلامة القبول والاتجاه إلى الحي القيوم تدبر آيات هذا القرآن، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين}. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لأحد ولاته على مكة، وقد ترك مكة، ولقيه في الطريق: [[كيف تركت مكة وأتيتني؟ قال: يا أمير المؤمنين! وليت عليها ابن أبزى. قال: من ابن أبزى، قال: مولى لنا، قال عمر: ثكلتك أمك! تولي مكة على مولى! قال: إنه يا أمير المؤمنين حافظ لكتاب الله عالم بالفرائض، فدمعت عينا عمر، وقال: صدق رسولنا صلى الله عليه وسلم: {إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين}]] يرفع الله به في الدنيا والآخرة، ويضع به الذين أعرضوا عنه، فلم يقرءوه ولم يتدبروه ولم يعملوا به. والعجيب! أننا سمعنا أن بعض المثقفين يقول لأخيه وهو يحاوره: والله ما قرأت القرآن ستة أشهر. فقل لي بالله! أي قلب يعيش وهو لم يمر بكتاب الله ستة أشهر؟ وهو يمر بالصحف والمجلات، والقيل والقال، وهات وهات، وما أدراك ما الفلتات والسقطات والخزعبلات من آراء الماجنين والماجنات {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:4 - 5]. يقول الله عز وجل على لسان رسوله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30] قال ابن عباس رضي الله عنه: [[من لم يختم القرآن في شهر، فقد هجره]] وهجر القرآن على أضرب: فمنهم من يهجر تلاوته، فيقدم صحف البشر وأغاني ومؤلفات البشر على القرآن يسهر على المذكرة الواحدة فيخرج كنوزها وليس فيها كنوز، ويعلل معللاتها وليس فيها تعاليل، ويلخص فوائدها وليس فيها فوائد، ولكن كتاب الله يشكو إلى الله ممن لا يقرؤه. قرآننا صار يشكو ما قرأناه عميٌ عن الذكر أتهجرون كتاباً بين أظهركم لو كلم الذكر جلموداً لأحياه يقول عليه الصلاة والسلام وهو يستثير الهمم لتطلب الأجر والحسنات من عند باريها: {اقرءوا القرآن، فمن قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف} رواه الترمذي. فعدَّ واقرأ، واحتسب الأجر عند الله، فإنك تأتي يوم القيامة وقد نصب لك سلم درجات، يقول الله لك وهو يُكلمك بلا ترجمان: {اقرأ وارتق ورتل، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها}. فمن كان يقرأ في القرآن كثيراً رقى حتى يصبح كالكوكب الدري في سماء الجنة، ثم على منازل {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [آل عمران:163]. ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي: {الذي ليس في صدره شيء من القرآن كالبيت الخرب} بيت عشعشت فيه الغموم والهموم بيت نخره النفاق بيت سكنت فيه المعصية والشهوات، لا يخرجه إلا القرآن، وليس كل المؤمنين يجب عليهم قراءة القرآن، فمنهم من لا يقرأ القرآن وهو تقي صالح عابد خير، فواجب هذا أن يردد ما تيسر من السور التي يحفظها، وأن يسبح ربه، ويحمد مولاه، ويهلل الذي يعود ويلتجيء إليه ويكبره كثيراً، ويصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم أبداً. كان عليه الصلاة والسلام يعيش مع القرآن، بل كتابه الوحيد الذي تَّربى عليه القرآن، لم يكن عند الصحابة مؤلفات كمؤلفاتنا، ولا صحف كصحفنا، ولا مجلات كمجلاتنا، معهم القرآن معلق في طرف البيت والسيف معلق في الطرف الآخر، وهم يمشون على الأرض كل واحد منهم قرآن، فتحوا الدنيا بآيات الله البينات، وهذه معجزة رسولنا صلى الله عليه وسلم أن يأتي بكتاب صغير الحجم، فيتوارث منه العلماء مجلدات تملأ البيوت، كلها علم من هذا القرآن. أتى النبيون بالآيات فانصرمت وجئتنا بعظيم غير منصرم آياته كلما طال المدى جددٌ يزينهن جلال العتق والقدم أتى على سفر التوراة فانهدمت فلم يفدها زمان السبق والقدم ولم تقم منه للإنجيل قائمةٌ كأنه الطيف زار الجفن في الحلم فيا أمة القرآن! ويا حفظة الكتاب المجيد! من يقرأ القرآن إذا لم تقرءوه؟ ومن يتدبره إذا لم تتدبروه؟ ومن يعمل به إذا لم تعملوا به؟ أما سمعتم أن أساطين الكفر في أمريكا وأوروبا يبدءون -الآن- في الدخول في دين الله زرافات ووحداناً، بعد أن صدق القرآن في الآيات البينات في الكون {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53]. ولذلك -كما أسلفت- ما كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا القرآن، يقول لـ ابن مسعود كما في الصحيحين: {يا عبد الله! اقرأ علي القرآن -فيخجل التلميذ ويستحي الطالب أمام شيخه- ويقول: كيف أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ قال: اقرأ فإني أحب أن أسمعه من غيري؟ قال: فاندفعت أقرأ في سورة النساء، فلما بلغت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال: حسبك الآن، فنظرت فإذا عيناه تذرفان} تأثر من كلام الحبيب، وتأثر من هذا البيان الخلاب الذي يقود القلوب إلى بارئها. فسبحان من أنزله! وسبحان من علم هذا القرآن من أراد من بني الإنسان! {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ} [الرحمن:1 - 3]. {يقرأ أبو موسى في ليلة من الليالي، فينصت له رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فلما انتهي، قال: يا أبا موسى! لو رأيتي البارحة وأنا أستمع لك، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود، فقال: يا رسول الله! أكنت تستمع لي البارحة؟ قال: إي والذي نفسي بيده -وفي بعض الروايات: استمع له من صلاة العشاء حتى الفجر- فيقول: يا رسول الله! والذي نفسي بيده لو علمت أنك تستمع لي لحبرته لك تحبيراً} أي: جودته وحسنته، وأبدعت إلقاءه، وأحسنت مخارجه، ورننت بالصوت فيه، فكان عليه الصلاة والسلام يريد أن يعيش مع القرآن، وأحسن لذة يستمعها إذا استمع لكتاب الله يُتلى من قلب حزين تقي عابد لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

حال الناس اليوم مع القرآن

حال الناس اليوم مع القرآن عباد الله! الذي نلاحظه في أنفسنا وفي إخواننا والمسلمين عامة هو قلة الاهتمام بكتاب الله والإعراض عنه، والاستغناء بكتب البشر، والصدود عنه -إلا من رحم الله-، وقلة التجويد حتى أئمة المساجد، وقلة الحفظ، وقلة التدبر، وكثرة المشاغل حتى في طلبة العلم، فلا تجد إلا القليل النادر من يحفظ الكتاب، أو يحفظ بعضه، وإذا كلف بحفظ شيء من القرآن استصعب ذلك وكأن جبلاً من جبال الدنيا وقع على رأسه، ومعنى ذلك: هزيمة الإسلام، وذهاب الإيمان من القلوب، فوالله لا نصر لنا ولا تمكين ولا عزة إلا بهذا القرآن، ووالله متى تركناه ونسيناه وأعرضنا عنه؛ ابتلانا الله بخزي وفضيحة في الدنيا والآخرة. ولذلك يقول أحد عملاء الصهيونية العالمية: "من لي بمن يخرج القرآن من صدور أبناء المسلمين، قال أحدهم: نأتي إلى المصحف فنمزقه، قال: كذبت، لكنك لا تمزق قلوبهم، إنهم يحفِّظون أبناءهم القرآن فيصبون على الإيمان حتى يموتون ويقتلون دون القرآن" أو كما قال. ويقول البريطاني العميل الفاجر الذي وطَّد لإسرائيل في أرض الإسلام والمسلمين: "ثلاث ما دامت عند المسلمين فلن تستطيعوا لهم: القرآن في صدورهم، والمنبر يوم الجمعة، والكعبة التي يرتادها الملايين من الناس". فإذا قضوا على هذه قضوا على الإيمان، ولذلك أتى أهل الصهيونية العالمية اليوم وأذنابهم من الشيعة الرافضة يريدون إحداث الشغب في بيت الله، وصد المسلمين عن ذاك البيت ليدبروا المخطط، وأتوا إلى القرآن فهونوا من شأنه، وقالوا: إنه مختلق، وإن فيه آيات زائدة، , وإنه ناقص، فعلماء الشيعة الرافضة لا يحفظون كتاب الله أبداً، وعالمهم لا يستطيع يقرأ القرآن، سُمع ذلك وثبت عنهم بالتواتر، وأتوا إلى منبر الجمعة، فأرادوا تعطيله ليتحول إلى قضايا تافهة لا تغرس الإيمان في قلوب الناس. فيا أيتها الأمة الموحدة! يا من صاغها الله من فطرة عنوانها السجود! يا من أخرجها من الظلمات إلى النور بالقرآن! أقبلوا بقلوبكم وبأبنائكم إلى كتاب الله، استرشدوه يرشدكم، وتدبروه يعنكم بإذن الله، واستهدوه يهدكم من أنزله، فإنكم تعيشون متاعاً حسناً في الدنيا، والآخرة يغفر الله لكم ذنوبكم ما تقدم منها وما تأخر، ويحيي بيوتكم على الإيمان، ويردكم إليه رداً جميلاً، ويبقي عليكم إيمانكم وإسلامكم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

بعض آداب حملة القرآن

بعض آداب حملة القرآن الحمد لله، الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس إلى الله أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله! إن من أحسن ما يبشر به المسلم إخوانه في مثل هذا المجتمع الحافل هذا الاهتمام الذي نراه ونحسه ونعيشه في مساجدنا وبلادنا، من كثرة الأبناء الذين أتوا إلى المساجد يتعلمون كتاب الله، وهذا من فضل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ثم من فضل القائمين على هذه المساجد بالتوجيه والمدد والتعليم والتدريس، وهذا حظ عظيم لمن أنار الله فكره فأرسل أخاه أو ابنه أو صديقه إلى المسجد ليتربى فيه، فلا نور ولا علم إلا في المسجد، وانظر كيف قدم الله بعض أبناء المسلمين وأخر بعضهم، ووفق بعضهم وخذل البعض الآخر؟! تجد هذا يحفظ كتاب الله ويتعلم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتجد ذلك شقياً فاجراً معرضاً عن بيوت الله، طمس الشيطان على نور بصيرته، وطبع على قلبه، فهو في السكك والشوارع لا هم له إلا البذاء والسب والشتم، أين هو ومن جلس في المساجد تحفه الملائكة، وتتنزل عليه السكينة، وتغشاه الرحمة، قد عمر الله قلبه بالقرآن؟! إذا علم هذا، فالله الله في هذه المساجد، وفي الاهتمام بأبنائنا أن ندخلهم إلى المساجد ليروا نور لا إله إلا الله، ويتعلموا مبادئ الإسلام، ويربون في هذه الحديقة الغناء، وفي هذا البيت الذي عمره الله على التقوى. وللقرآن آداب، ولتلاوته محاسن:

الإخلاص في حفظه وتلاوته

الإخلاص في حفظه وتلاوته أولها: أن نقرأ القرآن نقصد بذلك وجه الله، لا رياء ولا سمعة، فمن قرأه رياء وسمعة ردَّاه الله في النار، وأحرقه بغضبه وهو الواحد الجبار. يؤتى بمن قرأ القرآن يوم القيامة مرائياً كذاباً منافقاً دجالاً، فيقول الله له: {أما علمتك القرآن؟ أما علمتك آياتي؟ قال: بلى. يا رب! قال: فماذا فعلت في ذلك؟ قال: تعلمت القرآن لوجهك وعلمته فيك، قال: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ثم يقول الله: خذوه إلى النار، فيسحبونه على وجهه حتى يُلقى في النار} فالقرآن لا يقرأ إلا لوجه الله.

لا يمس القرآن إلا طاهر

لا يمس القرآن إلا طاهر ثانيها: أن يتطهر وألا يمسه محدث، وألا يقرأه غيباً من عليه جنابة، فإذا تطهر العبد استقبل القبلة ورتل القرآن.

حضور القلب عند القراءة

حضور القلب عند القراءة ثالثها: أن تحضر قلبك لمن ألقى السمع وهو شهيد، وأن تعلم أن من أنزل القرآن هو الذي خلق السماوات والأرض، وأنه يخاطبك من فوق سبع سماوات، فتستمع لخطابه، وتمتثل لأمره، وتنزجر عن زواجره.

عدم التشويش على الناس برفع الصوت بالقراءة

عدم التشويش على الناس برفع الصوت بالقراءة رابعها: ألاَّ ترفع صوتك إذا كان هناك مصلون في المسجد، أو تالون لكتاب الله، فتشوش عليهم، وهذا يوجد في كثير من المساجد، وهو علامة الجهل وعدم الفقه في السنة، أن يأتي أحد فيرفع صوته في المسجد، فيشوش على المصلي صلاته، وعلى التالي تلاوته، ويضج عباد الله, وقد فصل في ذلك أهل العلم فقالوا: إن كان بجانبك من يستمع لكلام الله عز وجل وللقرآن فلا بأس أن تسمعه، وإن كان هناك من يصلي، أو من يقرأ وهو مستغنٍ عن قراءتك، فلا ترفع صوتك لتشوش في بيوت الله عز وجل. قال الإمام مالك: أرى من رفع صوته وشوش على المصلين يوم الجمعة أن يضرب ويخرج من المسجد.

تقسيمه أورادا يومية

تقسيمه أوراداً يومية خامسها: أن يكون للعبد ورد وحزب من القرآن لا يفتر عنه يومياً ولو تغيرت مجاري الفلك لا يترك حزبه هذا، فهو علامة الإيمان، فليكن لأحدنا جزء من القرآن لا يتركه أبدا.

تعليمه للناس

تعليمه للناس سادسها: أن نعلم الناس ما تعلمنا منه، وأن يكون حظنا منه الأجر والمثوبة، وأن نبلغه للناس كافة، وأن نعلم أبنائنا وبناتنا وأخواتنا وأمهاتنا في بيوتنا، اعمروا بيوتكم بالقرآن عمر الله قلوبكم بالإيمان، واستلهموا من الله الرشد في كتابه ولا تهجروه، فإن الله غضب على قوم هجروا كتابه، فطبع على قلوبهم فأظلمت أفئدتهم، وفسد أبناؤهم، وخربت بيوتهم، وظلوا سواء السبيل. عباد الله! صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم ألهمنا رشدنا واجعلنا ممن يقرأ كتابك ليقوده إلى الجنة، ولا تجعلنا ممن أعرض عنه فقذفه إلى النار. اللهم اجعل القرآن حجة لنا لا حجة علينا، اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاءك، نسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من رسلك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء همومنا وغمومنا، وذهاب أحزاننا، اللهم علمنا منه ما جهلنا، وحفظنا منه ما نسينا، وفقهنا فيه ما التبس علينا. اللهم اجعلنا ممن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، اللهم اجعله نوراً لنا في قبورنا ويوم عرضنا عليك، اللهم أزلفنا به من الصراط إلى الجنة، ولا تردينا به من على متن الصراط إلى النار إنك على كل شيء قدير. اللهم أصلح ولاتنا وأمراءنا وقضاتنا ومسئولينا وكل من تولى أمراً فينا، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، وخذ بأيديهم إلى كل خير وأرشدهم سبل السلام، وثبتهم على الحق. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم وارفع راية الحق بهم، اللهم أدب بهم أعداءك، ومزق أعداءك بهم كل ممزق، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين الذين رفعوا لا إله إلا الله في وجه من كفر بلا إله إلا الله، اللهم انصرهم على قتلة أنبيائك ورسلك وأعد إلينا بهم يا رب العالمين أولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين إنك على كل شيء قدير. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الحب والفن والجمال

الحب والفن والجمال إن الاحتفال بذكرى المولد وتحديد يوم لذلك بدعة في الدين، لم يفعله ولم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن من هدي الصحابة، ولا القرون المفضلة، وإنما أُحدِثت في القرن الخامس من الهجرة. والحب الحقيقي يكون بالتفاني في مرضاة الله واتباع شرعه، لا كما يزعم الفنانون والفنانات، ولا كما يزعم المبتدعة، فأبعد الناس عن حبه من يخالفون سنته. ثم ذكر الشيخ شيئاً من سيرته صلى الله عليه وسلم وترعرعه، ورعاية الله له مند الصغر، وذكر حادثة نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم.

الاحتفال بالمولد وتحديد يوم له ليس من دين الله ولا من هدي الصحابة

الاحتفال بالمولد وتحديد يوم له ليس من دين الله ولا من هدي الصحابة الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام بالسنة، فانقادت لاتباعها، وارتاحت لسماعها، وأمات نفوس أهل الباطل بالبدعة بعد أن تمادت في ابتداعها وتغالت في نزاعها، والصلاة والسلام على حبيب الله قدوة الناس أجمعين، أشرف من خلق الله وأشرف من سوى من البشر، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الناس: يا أمة الإيمان والحب والطموح! يا أمة الخير والعدل والسلام! يا أمة اليقظة والعطاء والبذل! يا أمة ضرب الزما ن بها جموح المستحيل وتوقف التاريخ في خطواتها قبل الرحيل سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل وسقت شفاه الوالهي ـن سلافة من سلسبيل سلام الله عليكم ورحمته وبركاته لا يزال الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلته وموكبه وسيرته، وقد مَرَّت أيام ظَنَّ الخرافيون أنهم يحيون من سيرته موالد وقد عطلوا سيرته في العقائد والعبادات والمعاملات تركوا سنته في البيت والمجتمع تركوا سنته في التربية والتدريس والتعليم تركوا عطاءه وبذله وحبه وإيمانه تركوا همته وتاريخه المشرق، وتعلقوا بخرافات ما أنزل الله بها من سلطان، جعلوا ليوم ميلاده تاريخاً أحيوه بطقوسهم ورقصهم، ونشيدهم وتصفيقهم، مكاءً وتصدية، لا خشية ولا خشوع ولا إنابة، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} فذكرى المولد ليست من الإسلام في شيء، والاحتفال بالمولد ليس من دين الله، وتحديد يوم للمولد النبوي خرافة من الخرافات، أنتجتها الأفكار المنتنه المتخلفة التي لا تفهم ولا تفقه، ولقد عاش الصحابة في قرونهم الثلاثة الأولى ولم يعرفوا مولداً وما احتفلوا بمولد.

نشأة بدعة المولد في القرن الخامس

نشأة بدعة المولد في القرن الخامس لقد أتانا هذا من قبل الخرافيين الذين يعيشون على الخزعبلات، من أهل أَربِل والموصل في العراق، في ما يقارب القرن الخامس من الهجرة، وقد سمعتم شيئاًَ من هذا قبل أيام الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، وهذا بدعة وخطأ وغلط بَيِّن، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا تحيا شريعته بالموالد، ولا تحيا شريعته بالدف والطبل، ولا يحيا تاريخه بالتصفيق والصفير، فميلاده كل حين وكل ساعة وكل ثانية. إن ميلاده صلى الله عليه وسلم ليس معناه أن تترك سنته وأن تترك شريعته، ثم تأتي مع هؤلاء الخرافيين لتظن ظناً أو تعتقد اعتقاداً أنك بعملك هذا تحيي ميلاده، لقد أخطئوا كثيراً، ولقد رأينا بعض الذين يُحْيُون مولده عليه الصلاة والسلام من أبعد الناس عن السنة، فهم لا يحضرون الجماعات في المساجد، ولا يتلون الآيات من المصاحف، ولا يخشعون ولا يخشون، لا تظهر على سيماهم السنة وتعاليمها وروعتها وإبداعها، لكنهم جادُّون في هذا السير الخرافي الذي سنوه من قِبَل أنفسهم.

أبعد الناس عن السنة هم الذين يحبون ذكرى المولد

أبعد الناس عن السنة هم الذين يحبون ذكرى المولد أريد أن أقول بخلاصة وتلخيص: إن من أراد أن يحيي سنته صلى الله عليه وسلم فليُحْيِها باتباع شريعته، وأما المولد فلا مولد ولا ذكرى للموالد سبحان الله! أيكون يوماً من الأيام يتجمع فيه الناس، فيصفقون ويزمجرون، ويضربون صدورهم كما يفعل أهل الرفض في أيام عاشوراء في ذكرى استشهاده الحسين، وكما يفعل الفرنسيون بـ نابليون والألمان بـ هتلر، وهؤلاء المرتزقة من زنادقة الشعوب؟! إن محمداً صلى الله عليه وسلم شخص لا كالأشخاص، ورجل لا كالرجال، وقائد لا كالقادة، ومصلح لا كالمصلحين، فحياته معك في كل أربع وعشرين ساعة تشرب وسنته معك، وتأكل وسنته معك، تنام وسنته معك، وتخرج من بيتك وسنته معك، وتذهب إلى عملك وتجلس على كرسيك وتتناول كتابك وسنته معك إنه هو الشخص الذي طرق العالم ثم لم يتكرم بطرق العالم شخص آخر كمحمد صلى الله عليه وسلم صحيحٌ أن في حياته أحداثاً أخرى، وصحيحٌ أن شخصيته مدهشة ومذهلة؛ لكن هل قال لنا: أحيوا مولدي؟ هل سنه الخلفاء الراشدون؟ هل فعله الصحابة؟ هل فعله القرن الأول والثاني والثالث؟ لا والله.

قصة ولادته وترعرعه صلى الله عليه وسلم

قصة ولادته وترعرعه صلى الله عليه وسلم لنعش قليلاً مع مولده ونحن نبدِّع كل من قال أن في الإسلام يوماً للمولد، وهم مبتدعون بلا شك. رأت أمه قبل أن تلد به عليه الصلاة والسلام أن نوراً خرج منها، فما هو هذا النور؟ إنه نور خرج منها ليصلح العالم، نور مُشِعٌّ خرج منها ليصل إلى كل قلب ويقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله نور يدخل إلى دياجير الظلم والتخلف والتبعية والرجعية والتقليد، ولما وقع على الأرض، كان متستراً حَيْيَاً من الله تبارك وتعالى، فلما ترعرع ماتتْ أمُّه؛ ليعيش اليتم، وليتدرب على مصاعب الحياة ومشاق العيش، ليكون عصامياً يقوم بنفسه بعد الاعتماد على الله. ثم نُقِل إلى البادية، فرضع ثدياً طاهراً من ألبانها الصافي صفاء الصحراء، المشرق إشراق الصحراء؛ ليكون فصيحاً من أفصح الناس، وعاد من البادية فبكاه أهلها، فقد أتى إليهم والأرض مُجْدِبة، لا نبت فيها ولا شجر، تموت فيها النوق والإبل كل يوم، أصاب الغنم جدب وقحط لا يعلمه إلا الله، جف اللبن من الضرع، ويبست المياه من الغُدْران والغيوم في بادية بني سعد تجاه الطائف. فمن نعمة الله ومن فضله أنه لما وصل صلى الله عليه وسلم نزل الغيث، فامتلأت الحدائق عشباً وزهراً وورداً، وتبسمت الفيافي أناقة وروعة وجمالاً، وأتى الضرع يدر باللبن حليباً سائغاً للشاربين، وسال الماء في الغُدْران والجداول والأنهار، وأتت الإبل تشرف بنعمةٍ وسَمْن مع حياتها ومع بيوتها ومع رواحلها، فلما انتقل بكته أمه من الرضاعة، وأبوه من الرضاعة وبكاه كل الحي، فهو مبارك أينما كان مبارك على المنبر، وفي المعركة، وفي البادية، وفي قبره، ويوم يُبْعَثُ الناسُ ليوم لا ريب فيه. ويوم عاد إلى مكة كان لجده عبد المطلب فراشاً لا يجلس عليه إلا هو فحسب، كان هذا الفراش للعظماء، وجده سيد قريش، الذي هِمَّتُه تمر مر السحاب، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88]. ألا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا والعظماء يرضعون العَظَمَة مع اللبن منذ صغرهم، فكان محظوراً على الناس أن يجلس على الفراش أحد إلا عبد المطلب، فكان يأتي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الرابعة من عمره فيجلس على الفراش، فيؤخرونه فيزحف حتى يجلس عليه، فيتبسم عبد المطلب ويقول: والحُجُب والبيت ذي النصبْ، والشمس ذات اللهبْ، إنَّ لهذا الابن سبباً من السببْ، أي: سوف يكون رجلَ التاريخ، وإنسانَ عينِ الدنيا، وقائدَ البشرية يوم تهتدي لساحل النجاة وبَرِّ العظَمة.

نشأته عليه الصلاة والسلام على مكارم الأخلاق

نشأته عليه الصلاة والسلام على مكارم الأخلاق ترعرع عليه الصلاة والسلام فلم يكذب كذبة واحدة، ولم يغدر غدرة واحدة، ولم يغش، ولم يسرق، ولم يزنِ، ولم يشرب الخمر؛ لأن الله كان يربيه لرسالة كبرى، سموه: الصادق الأمين، الناصح المخلص، وحين اختلفوا على وضع الحجر؛ قالوا: أول داخل يدخل نحكِّمه، فأتى بإشراقه ونوره وروعته، كأن وجهه القمر ليلة أربعة عشر، ريحه كالمسك، أما ليونته فكالحرير، ثناياه كالبرد؛ لأن الله أعطاه من أسباب العظَمة ما لم يعطِ أحداً من الناس، فقالوا: نحكمك في وضع الحجر؛ لأننا اختصمنا وكاد القتل أن يقع بيننا، فمن حكمته وذكائه وفطنته أن وضع رداءه ووضع الحجر فيه، وقال: لِتَأْخذ كلُّ قبيلة طرف الرداء، فلما رفعوا الحجر وضعه بيده الشريفة مكانه. وجاء في صحيح مسلم: أنه كان يمر في جبال مكة فيقول الحجر: السلام عليك يا رسول الله، فيلتفت خائفاً؛ لأنه لا يعلم أنه سوف يكون خاتم النبيين والمرسلين.

تعبده صلى الله عليه وسلم في غار حراء خاليا

تعبده صلى الله عليه وسلم في غار حراء خالياً ولما بلغ الأربعين من عمره رأى الجهل، والخرافة، والتخلف، والزنا، والفجور، وشهادة الزور، والقتل، والحقد، والحسد، فخرج بطهره وعفافه إلى غار حراء، وكان يأخذ طعامه وشرابه، ويجلس في الغار، ويتفكر في السماء من بناها! وفي الأرض من سواها! وفي الحدائق من أنبتها! وفي الماء من أجراه! وفي النسيم من أرسله! سبحان الله! لا بد لهذا الكون من خالق، واستمر على العبادة والتفكر، وهو ينكر هذا المجتمع الضال، وبعد أعوام وأيام نزل عليه قول الله مع معلمه ومدرِّسه وشيخه جبريل، لم يدرس في مدرسة، ولم يتعلم في كلية، ولم يحمل شهادة. يقول جولد زيهر، المستشرق المجري: لست أعجب من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فالأنبياء غيره كثير، لكن أعجبني كيف ينشأ أربعين سنة في مجتمع بدوي، وفي قرية ما تعلم، ثم يخرج بعد أربعين سنة فيكون أفصح الناس، وأخطبهم وأذكاهم، وأكبرهم وعظاً في الناس، وأعظمهم موجةً فيهم، وأجل إداري في العالمين.

قصة بداية نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم

قصة بداية نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم نزل عليه جبريل في صورة إنسان حتى لا يخاف، فسلم عليه وضمه ثلاث ضمات، ضمه في المرة الأولى حتى بلغ منه الجهد، حتى آنسه قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] فضمة الثانية، وقال: اقرأ، قال: ما أن بقارئ، فضمة الثالثة، وقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق:1 - 3] فاندفع يقرءوها وراء جبريل كيف يقرأ؟ أين الكتاب؟ وأين القلم؟ وأين الدفتر؟ وأين المجلد؟ وأين المسطرة؟ لا شيء! قال أهل العلم: معناها: اقرأ -يا محمد- في كتاب الكون. وكتابي الفضاء أقرأ فيه صوراً ما قرأتها في كتاب قل للطبيب تخطفته يد الردى مَن يا طبيب بطبه أرداكا؟ قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب مَن عافاكا؟ والنحل قل للنحل يا طيرالبوادي ما الذي بالشهد قد حلاكا؟ وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاكا؟ واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟ فالحمد لله الجليل لذاته حمداً وليس لواحدٍ إلاَّكا كأنه يقول له: اقرأ في الشمس من رفعها؟ من زينها؟ لكن كثيراً من أهل الشهادة اليوم لا يقرءون كما يقرأ محمد صلى الله عليه وسلم؛ إنهم أميون وهو أمي؛ لكنه مِن أعلم العلماء، بل هو أعلم من في الدنيا، وهم يحملون الشهادات، وهم مع ذلك أميون لا يقرءون في الشمس من جملها! ولا في النجوم من سواها! وكأنه يقول: اقرأ في الغدير في الجدول النمير في الشجر في المدر، اقرأ في الحجر؛ لترى آيات الوحدانية. وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحدُ؟! فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد! ومشى ليعود وهو يرتجف خوفاً صلى الله عليه وسلم، فقال لأهله: {زملوني، زملوني - أي: ألحفوني ألحفوني - لقد خشيتُ على نفسي، وتقول امرأته الرشيدة العاقلة: كلا والله! لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق}. إن الله لا يُخزي المحسنين، فإن من سنن الله الكونية والشرعية ألاَّ يُخزي من أحسن سبيلاً، أو من اتجه إليه، إنما يُخزى الفجرة والظلمة. فعاد عليه الصلاة والسلام والله يقول له: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً} [المزمل:1 - 2] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر:1 - 2]. فقام لينذر الجزيرة العربية، لأن الجزيرة العربية لا بد أن تكون كعبة الوعي والطموح والإيمان، والجزيرة العربية لا بد أن تكون أم البذل والعطاء والسلام، والجزيرة العربية لا بد أن تكون محور الإسلام ومحور اليقين والإيمان الجزيرة العربية قدرها الإسلام والإسلام قدرها، وهي لا تعيش إلا على الإسلام، ولا بد على مَن يعيش على تراب الجزيرة أن يكون مسلماً مؤمناً، سواءً أكان حاكماً أو محكوماً قاضياً أو رئيساً شاعراً أو مسرحياً صحفياً أو أديباً قصصياً أو ممثلاً، لا بد أن تكون قضيته الأولى أن يكون مؤمناً، لأن الجزيرة العربية ترابها مؤمن وهواءوها مؤمن، وماءوها مؤمن إن الجزيرة العربية هي التي سقط فيها النور من السماء، وانبعث فيها الوحي، وانبعث فيها محمد عليه الصلاة والسلام، لا نقول ذلك تعصباً والله، فإن أرض كابول قطعة من أرضنا، وإن الأندلس المفقود شيءٌ من بلادنا، وإن بقاع الهند ونهر اللوار والكونج، كلها لا بد أن تكون من تراثنا وترابنا؛ لأننا نحن الذين ينبغي أن نكون حكام العالم. يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلو الإنسان خابوا مالهم إلا الرماد جثث البرايا منهمُ في كل رابية وواد أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين إنه هو التواب الرحيم.

الإسلام دين الحب والجمال

الإسلام دين الحب والجمال الحمد الذي كان بعبادة خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وصلى الله وسلم على من بعثه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه، فنصح الأمة وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها المسلمون: إن الدروشة والخرافة والتخلف لا يعترف بها الإسلام، فقد أنتجتها الصهيونية العالمية، فإن الصهيونية العالمية تبني دينها على السفك والإرهاب، وعلى التخلف والجمود، والنصرانية من الكنيسة تبني دينها على الفكر العفن، وعلى فن الخرافة، وفكر ماركس ولينين أصحاب النفوس الآثمة الكذابة، بناه أصحابه على الحديد والنار، وهتلر الألماني بنى مبادئه على التدمير وسحق المدن، ونابليون الفرنسي بنى منهجه على الإتلاف والإحراق، فكأنهم يجتمعون جميعاً في مسألة تدمير العالم، لكن الإسلام ينفرد بأنه دين السلام، وينفرد عن الجميع بأنه دين الإيمان بالله رباًَ، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وينفرد عن الجميع بأنه دين الحب.

الإسلام دين الحب لله ورسوله، لا الحب الذي يقصده المغنون والمغنيات

الإسلام دين الحب لله ورسوله، لا الحب الذي يقصده المغنون والمغنيات الحب ليس الذي يزعمه المغنون والمغنيات، والماجنون والماجنات، والفنانون والفنانات، فهذا حب رخيص لا يساوي فلساً واحداً، هذا حب يوضع في القمائم والزبالات، وهذا حب لا يحمل في القلوب ولا في الأدمغة. إن الحياة هي الحب، والحب هو الحياة، فالذي يستحق الحب هو الإسلام، قالها أحمد شوقي في قصيدة طويلة، وصدق أمير الشعراء حين يقول: نحن أهل الحب، ونحن منتجو الحب، ونحن الذين يصنفون الحب. وأول من تكلم عن الحب هو محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما} وفرْق بين حب وحب، فذلك يحب امرأة فاتنة، وفتاة مزرية، ومجلة خليعة، وفيلماً هداماً، وأغنية سخيفة، وهذا يحب الله رب العالمين، وهو الذي يستحق الحب؛ لأنه هو الذي خلق الحب سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

صور من سير المحبين لله تعالى

صور من سير المحبين لله تعالى واسمع إلى من يعرف الحب، يقول أنس بن النضر أحد الصحابة في معركة أحد: [[اللهم إنك تعلم أني أحبك، فخذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]] فَحَضَر المعركة فضُرب في سبيل الله أكثر من ثمانين ضربة، وارتفعت روحه إلى الملأ الأعلى. وقال عبد الله بن عمرو الأنصاري: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]] فقتل في سبيل الله، قال ابنه جابر: {أتيت إلى أبي وهو في ثياب مقطعة فقلت: يا رسول الله! أقتل أبي؟ قال: نعم. ابكِ أو لا تبكِ، فوالله ما زالت الملائكة تظلل أباك بأجنحتها حتى رفعته. ثم يقول عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده! لقد كلم الله أباك كفاحاً -مباشرة بدون ترجمان- فقال: تَمَنَّ، قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون؛ فتَمَنَّ قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال: فإني قد أحللت عليك رضواني فلا أسخط عليك أبداً}.

الحب المزيف هو الغرام والوله، كما يزعم أهل الفن

الحب المزيف هو الغرام والوَلَه، كما يزعم أهل الفن إن الخرافيين يضعون في الحب أحاديث، وينسجون في الغرام كلاماً وخطباً ومحاضرات، وضعوا على المصطفى حديثاً يقولون إنه يقول: من أحب فكتم فعف فمات مات شهيداً. أي شهادة هذه؟! شهادة الدعارة والمجون شهادة الموت على الشهوات والمعاصي، لا والله! الحديث باطل، وحاشا لله أن يكون الذي يقتله العشق والوله والبعد عن الله شهيداً، الشهيد هو الذي أسكن القرآن قلبه، والشهيد هو صاحب الفكر والعطاء، والشهيد ليس خرافياً، والشهيد لا يحمل فكراً عفناً، ولا يجري وراء هذه الأمور، إنما همه إرضاء الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وإنما قلت ذلك؛ لأن كثيراً من الناس يقولون: ما لهؤلاء الناس من طلبة العلم والدعاة يحرمون الحب، ويحرمون الجمال، ويحرمون الفن؟! فنقول لهم: أنتم ما عرفتم الحب ولا الفن ولا الجمال، فحبكم ليس بحب، وفنُّكم ليس بفن، وجمالكم ليس بجمال. أتقول لليل المظلم: أنتَ أبيض؟ أتقول للنار الحامية: أنتِ باردة النسيم؟ أتقول للشوكة المرَّة الحاقدة: أنت وردة وزهرة؟ لا والله!! أيها الشاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا أترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقها الندى إكليلا والذي نفسه بغير جمالٍ لا يرى في الوجود شيئاً جميلا وربنا جميل يحب الجمال، وسماؤنا جميلة، وأرضُنا جميلة، وكتابُنا جميل، ومبادئنا جميلة، أما أنتم فسماؤكم أحلام، ومبادئكم عشق، وأُسُسُكم وَلَهٌ وبُعدٌ عن الله عز وجل، وقرآنُكم أغنية، ونشيدُكم موسيقى، ومصحفُكم مجلة خليعة، هذا نقوله لأناس ليسوا في مجتمعنا؛ لأنني أعرف أن هذا المجتمع طامح، يحب الإيمان والخير والعدل والطموح، وإن كان هناك أناس ما زالوا، لكن مستقبلهم إلى خيرٌ إن شاء الله؛ لأنهم يحبون الإيمان والخير والطموح. أيها المسلمون الأبرار: هذه رسالة عن يوم المولد، أو كما طرح في الساحة يوم المولد. ومن قضايانا الكبرى التي ينبغي أن نطرحها أكثر من ذلك: فضل تحكيم الشريعة الإسلامية. ومن قضاينا الكبرى: التوجه والصحوة الإسلامية إلى الله. ومن قضايانا الكبرى: كيف نحافظ على قداسة الحرمين ومهبط الوحي. ومن قضايانا الكبرى: كيف نصلح بيوتنا، وأبناءنا، ومجتمعاتنا؟ ومن قضاينا الكبرى: كيف نُسَيِّر إعلامَنا وصحفَنا لتكون مؤدية للكلمة، مسئولة عن العطاء، حاملة للبذل والحب والإيمان والخير والطموح. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].

الحياء من الإيمان

الحياء من الإيمان في هذا الدرس شرح لحديث: (الحياء من الإيمان) وفيه تعرض الشيخ لكثير من المسائل والأحكام المتعلقة بالحياء، تعريفه، أنواعه، ثم تطرق للحديث عن بعض مسائل الإيمان، فذكر أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان وأن الشهادتين مجردة عن الأعمال لا تعصم الدم عند أهل السنة والجماعة خلافاً للأشاعرة وغيرهم، وأن الأحكام للظاهر، والسرائر إلى الله تعالى, وفيه عدم تكفير أهل البدع إلا ما استثني كغلاة الرافضة، وتقديم النفع المتعدي على القاصر, وأن اختلاف إجاباته صلى الله عليه وسلم إنما هو بحسب الأحوال والمخاطبين.

شرح حديث: الحياء من الإيمان

شرح حديث: الحياء من الإيمان إن الحمد لله، نحمده ونستيعنه ونستغفرهونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب الحياء من الإيمان. حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب , عن سالم بن عبد الله , عن أبيه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {دعه، فإن الحياء من الإيمان}. هذا الحديث، وأحاديث أخرى معه هي موضوع درسنا إن شاء الله.

ترجمة لرجال السند

ترجمة لرجال السند أما رجال هذا السند, فقد مروا معنا, عبد الله بن يوسف هو التنيسي من مصر، وهو من أعظم شيوخ الإمام البخاري. ومالك بن أنس يكفي أنه نجم هذا العلم وشمسه. ومالك حيث أفتى في مدينته فلست أرضى بفتوى غير فتواه يكفي أنه كالنار على العلم فلا يُعرّف. وأما ابن الشهاب فهو الزهري , واسمه: محمد بن شهاب الزهري من بني زهرة. وسالم بن عبد الله هو ابن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم جميعاً، وسالم هو من علماء التابعين, ومن فقهاء المدينة السبعة، وكان ابن عمر يقبله وفي رأسه الشيب، ويقول: انظروا إلى شيخ يقبل شيخاً، ولذلك كان سالم إذا فارقه لا يستطيع أن يصبر، بل كان يبكي حتى يعود، ويقول ابن عمر: يلومونني في سالم وألومهم وجلدة بين العين والأنف سالم [[دخل سالم البيت الحرام يطوف به معتمراً، فلقيه الخليفة هشام بن عبد الملك، فسلَّم عليه، وقال: يا سالم! ألك حاجة إلي؟ أعليك دين أقضيه؟ وهشام بن عبد الملك كان خليفة المسلمين آنذاك، فقال سالم -وقد احمر وجهه غضباناً-: "أما تستحي تقول لي هذا الكلام في بيت الله" أي: أنه لا يُسأل في هذا المكان إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فلما خرج هشام بن عبد الملك ومعه موكبه من الحرم تعرض لـ سالم، فلمَّا خرج سالم، وحِذَاؤه بشماله؛ قال هشام بن عبد الملك: إنني عرضت عليك قبل فاعتذرت، وأريد أن تخبرني بحاجتك. قال سالم: أمن حوائج الدنيا، أو من حوائج الآخرة؟ قال هشام: وهل أملك أنا حوائج الآخرة؟! فقال سالم: "والله ما سألت الدنيا ممن يملكها -وهو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- فكيف أسألها منك أنت؟!]] فكان رضي الله عنه وأرضاه من أزهد الناس، وكان من أجمل الناس، حتى إن هشام بن عبد الملك لما زار المدينة جلس معه سالم، فنظر إليه، فقال: يا سالم! أتأكل اللحم؟ قال: إن اشتهيته أكلت قليلاً فأصابه بالعين، فمرض؛ فمات؛ فقال أهل المدينة: لا رحم الله هشاماً؛ أخذ جيشنا وأرسله في بلاد الروم حتى قتله عن آخره، وقتل عالمنا بعينه، وهذه أوردها الذهبي وغيره من أهل العلم. يقول: عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار، وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال: {دعه، فإن الحياء من الإيمان}. مجمل معنى الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجل يؤنب أخاه، ويقول: قد أضر بك الحياء، وقد استحييت حتى تركت حقوقك، وتركت ما ينبغي لك، وقد بالغت في الحياء، هذا معنى الحديث. وقد يفهم على أنه يقول له: استحي، أو استحي من الله عز وجل. وهذا فهم مقلوب، بل الفهم الذي صرح به أهل العلم أنه يقول له: إنك أصبحت تستحي حتى أضر بك الحياء، فما هذا الحياء؟! فيقول صلى الله عليه وسلم ينكر على الناصح الذي يوصي أخاه: {دعه -أي: لا تنصحه- فإن الحياء من الإيمان}. أتى الإمام البخاري رحمه الله بهذا الحديث ليدلل على أن أعمال القلوب تدخل في مسمَّى الإيمان، وهو لا يزال يشن حرباً ضروساً على المرجئة من أول الكتاب, فمرة يتجه إلى الخوارج فيرد عليهم، ومرة إلى المرجئة، ومرة إلى الكرامية، فهو بهذه الفصول والأبواب المتأخرة يرد على المرجئة. والقضية التي نتكلم عليها هنا هي: ما هو الحياء المطلوب؟ وما هو الحياء المحمود؟ وهل كل حياء يحبه الله عز وجل؟ وهل هناك حياء مذموم لا يحبه الله عز وجل ولا رسوله؟

أنواع الحياء في الإسلام

أنواع الحياء في الإسلام الحياء في الإسلام قسمان: قسم ممدوح، وقسم مذموم. فأما الممدوح فهو: ما حملك على الجميل من الأقوال, والأفعال, والأعمال, والأحوال، وكذلك ما ردك عن المنكر، وعن كل ما يدنس المروءة، فهو من الحياء الممدوح؛ لأن المسلمين في الإسلام على ثلاث طبقات: 1 - أناس يحافظون على الفرائض ويستحيون من الله ثم من الناس أن يخلوا بالفرائض، وبعض الناس يحملهم إيمانهم وحياؤهم على ألا يخلوا بالفريضة حياءً من الله عز وجل. 2 - وبعضهم يستحي من الله ثم من الناس أن يخل بالسنن كالنوافل والسنن الرواتب، وغيرها من السنن الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، وبعض الناس يرتقي به الإيمان إلى أن يستحي من الله عز وجل فيحافظ على السنن والنوافل. 3 - ثم من الناس بعد أداء الفرائض والنوافل من يحافظ على آداب المروءة؛ فلا تراه يأكل واقفاً في السوق، ولا يمازح في السوق، ولا يأكل وهو يمشي، ولا يرفع صوته، ولا يمدح بمدح لا يليق بالمسلم، فهذا حياء محمود, وإن كان ليس بواجب عليه. أما الحياء المذموم: فإنه ما رد صاحبه عن الخير. يقول مجاهد رحمه الله: [[لا يطلب العلم مستحٍ ولا مستكبر]] فالحياء إذا منعك من طلب العلم، فهذا مذموم وباطل، وقد يأثم به الإنسان. والحياء إذا منعك من حضور مجالس الذكر فهو مذموم؛ لأن بعض الناس يقول: كيف أنا أتواضع وأذهب وألبس بشتي، ثم آتي إلى المجالس؛ وأجلس من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، وأدخل مع الناس. ذكر الذهبي أن بعض الناس يقول: أنا لا أصلي مع الجماعة في المسجد؛ لأنه سوف يصلي معك الزبالون والبائعون؛ وأنا مروءتي تمنع ذلك، قال الذهبي معلقاً عليه: "لعنها الله من مروءة!! " نعم, إن كانت مروءة تحمل صاحبها إلى أن يترك الأعمال الصالحة والسنن ومجالس الذكر فهذه مروءة ملعونة؛ لأن المروءة كل المروءة في أن تتواضع، وتجلس في حلق الذكر، وتأتي إلى من هو أقل منك علماً وفهماًَ وديناً واستقامةً فتستفيد منه. [[كان علي بن الحسين (زين العابدين) رضي الله عنه وأرضاه يأتي إلى زيد بن أسلم -وهو مولى- فيجلس بين يديه، فقال له التابعون: يا علي! كيف تجلس لهذا المولى وأنت سيد من السادات؟ قال: السيد من اتقى الله، وإنما يجلس الإنسان إلى من يستفيد منه، أو يفيده علماً]]. ومن الحياء المذموم ما منعك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا باطل ويأثم عليه العبد؛ لأنه ليس مقبولاً عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

تعريف الحياء

تعريف الحياء تعريفات الحياء عند أهل السنة والجماعة كثيرة أبسط بعضها، وبعضها أتركه اختصاراً. قيل: الحياء هو أن تذكر الآلاء والانكسار من عدم القيام بالحق. تذكر الآلاء: أي: أن تتذكر النعم التي أنعم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بها عليك؛ فتنكسر وتخجل وتستحي أن تعصي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, هذا من الحياء. ولذلك يؤثر أن رجلاً أتى إلى مالك بن دينار رحمه الله فقال: يا مالك! إنني تبت إلى الله من المعاصي إلا معصية واحدة، قال: وما هي؟ قال: كبيرة من الكبائر، قال: تب إلى الله، واتركها، قال: لا أستطيع. قال: سوف أعرض عليك أموراً. إذا أردت أن تفعل هذه المعصية فلا تعص الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في أرضه. فقال الرجل: إلى أين أخرج؟ والأرض كلها أرض الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟ فقال: كيف تعصي الله تبارك وتعالى على أرضه، أيدخلك داره، ثم تعصيه فيها؟! قال: إذا أردت أن تعصيه فلا تأكل من طعامه، ولا تشرب من شرابه. قال: ومن أين آكل وأشرب؟ والأكل والشراب من رزقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. قال: فكيف تستعين بنعمه على معاصيه؟! قال: فإن لم تستطع وعصيته فحاول ألا تلقاه يوم القيامة. قال: لا أستطيع إلا لقاءه. وفي الرابعة قال له: وإذا أردت أن تعصيه، فاختبئ في مكان لا يراك فيه. فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأتوب إلى الله. فإذا تذكر الإنسان الآلاء؛ فإنه يعود بإذن الله من المستقيمين والتائبين إلى الله عز وجل. التعريف الثاني: قالوا: هو انتفاض النفس خشية المكروه. بعض الناس يترك أعمال الشر لا ديناً منه، ولكن حياء من الناس، وهذا محمود، ولو أن من تركها مخافة من الله أحمد منه، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا لم تستح فاصنع ما شئت} وهذا حديث ثابت عنه صلى الله عليه وسلم. قال أهل العلم: الحديث يحمل على معنيين اثنين: إما أن المعنى: إذا لم تستحِ من الله عز وجل فما عليك، أي: فقد انفرط حبلك، فافعل ما شئت من الكبائر، وارتكب ما شئت من المعاصي، هذا معنى. والمعنى الثاني: إذا لم تستحِ من الشيء، وعلمت أنه حلال، وأنه مباح، وعلمت أنه ليس معصية، فافعله، فإنه مباح وحلال. وهذان المعنيان واردان في شرح الحديث. أما التعريف الثالث للحياء: فهو حفظ الجميل بترك القبيح، يعطيك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فتكافئه بالطاعة. ولذلك ذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: {عجباً لك يابن آدم! ما أنصفتني، خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إليَّ بالمعاصي وأنت فقير إليَّ، في كل يوم لي إليك رزق نازل، وفي كل يوم لك إليَّ عمل سيء صاعد} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. يقول: ما أنصفت أي: ما عدلت في الخصومة بيني وبينك، وفي هذا تذكير بالآلاء, وحفظ الجميل بترك القبيح يحمل صاحبه على الحياء من الله. والتعريف الرابع للحياء هو: مراقبة القهار مخافة من النار، وبعداً من العار. فإن من لم يراقب الواحد القهار، فعليه أن يخاف من النار، فإن لم يخف من النار، فليخف من العار في الدنيا؛ لأن المعاصي تكسب صاحبها ذلة ووصمة لا يعلمها إلا الله، ولذلك يقول سعيد بن المسيب رضي الله عنه وأرضاه: [[الناس في كنف الله، وفي ستر الله، فإذا شاء أن يفضح أحدهم؛ أخرجه من كنفه ومن ستره، والمفضوح من فضحه الله]]. وهذا الذي يصاب بالخذلان؛ لعدم إخلاصه في القصد والتوجه إلى الله عز وجل، فإذا افتضح بالمعاصي؛ أصابه الخذلان, نسأل الله العافية.

حياء الرسول صلى الله عليه وسلم

حياء الرسول صلى الله عليه وسلم أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بالحياء المحمود وترك المذموم، فهو قدوتنا في كل عمل، فمن لا يأخذ قوله وهديه وحاله صلى الله عليه وسلم فقد ذل، فيؤخذ القول من قوله صلى الله عليه وسلم، ويقتدى به صلى الله عليه وسلم بالأفعال والأحوال، ولذلك يقول أبو سعيد رضي الله عنه في الصحيحين: {كان صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها}. ولا يحمل ذلك بعض الناس على أن يظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يرى منكراً أو حقاً لله فيستحي ويحجم، لا. فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأى حدود الله تنتهك، غضب غضباً لا يقوم له أحد عليه أفضل الصلاة والسلام، لكن حياءه كان حياء عبادة، وحياء تكليف من الله عز وجل, وكان من حيائه إنه ما كان يمد بصره إلى الناس؛ لأنهم يجلسون أمامه صلى الله عليه وسلم في الصلوات, بل كان ينكس رأسه صلى الله عليه وسلم وربما نظر إلى بعضهم. قال البراء بن عازب رضي الله عنه: {كنا نصلي على يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم عله أن ينظر إلينا، فيبتسم إلينا ونبتسم إليه}. ويقول أنس: {كان صلى الله عليه وسلم يبقى في بيته إلى قرب إقامة صلاة العشاء} أو كما قال. فكان لا يخرج صلى الله عليه وسلم إلا وقت الإقامة، فإذا اجتمع الناس خرج عليه أفضل الصلاة والسلام من الجهة اليمنى؛ لأن بيت عائشة رضي الله عنها كان في الروضة من الجهة اليمنى للمصلي إذا استقبل الناس، قال أنس: {وكان في علية القوم، وفي الصف الأول أبو بكر وعمر، فينظر إليهم صلى الله عليه وسلم، وينظرون إليه، هو مقبل، فيبتسم إليهم، ويبتسمون إليه، ثم تقام الصلاة}. كان من هديه صلى الله عليه وسلم: أنه ما كان يبدي للإنسان نظره إذا أخطأ, وما كان يقوم على المنبر، ويقول: أنت يا فلان فيشهره أمام الناس، أو يعلن توبيخه على الناس، لا. بل كان يقول صلى الله عليه وسلم: {ما بال أناس يفعلون كذا وكذا} فيعرف المخطئ، ويعرف العاصي، فيعود بإذن الله ويتوب إلى الله عز وجل، هذا هديه صلى الله عليه وسلم. والتشهير بالناس وبأخطائهم مذهب خاطئ، وغلط في المنهج والمبدأ، لا يقبله الإسلام، ولذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث سلمان أنه قال: {إن الله حيي يحب الحياء} وفي لفظ: {ستير}. وقد سألني بعض الإخوة: كيف تورد مثل هذه الألفاظ في صفات الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن الله نظيف يحب النظافة، وجميل يحب الجمال، وستير يحب الستر} وهل الحديث في ذلك ثابت؟ فنقول: هذه الألفاظ أطلقت من الرسول صلى الله عليه وسلم، والحديث في الترمذي. ويرى ابن تيمية أن هذه الأسماء واردة منه صلى الله عليه وسلم، يقول: لكننا نتوقف فيها، فلا نطلقها حتى نتأكد من أسانيدها هل هي صحيحة أم لا؟ مع العلم أن في الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: {إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة} قال ابن حزم الظاهري:"أحصيتُ الأسماء الحسنى في الكتاب والسنة، فوجدتها ستة وستين، لا زيادة" فقال ابن تيمية: وجدت أكثر من الستة والستين. والواجب في الأسماء والصفات أن نقولها كما قالها صلى الله عليه وسلم، ونقف على ذلك؛ لأن الأسماء توقيفية، وليس لنا أن نزيد في أسماء الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, كبعض الناس يسمي ابنه عبد الموجود, وعبد اليقظان، فهذه ليست من الصفات التي ورد بها التكليف والتشريع والاعتقاد. وإنما ذكرت هذه المسألة عرضاً واستطراداً، والشاهد عند قولنا: إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يحب الستر، ولا يحب التشهير بالناس، حتى إنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يكره من الإنسان العاصي أن يجاهر بالمعصية، يعصي بالليل، ثم يخرج بالنهار، فيخبر الناس أنه عصى، وأنه ارتكب، وأنه فعل وفعل، فهذا لا يغفر له {كل أمتي معافى إلا المجاهرين} أي الذين يجاهرون بالخطأ، ولذلك من استصلاح القلوب: ألا يشهر المسلم بالعاصي، بل يأخذه على انفراد وينصحه؛ لأنهم يقولون: إن الدعوة: إما نصيحة، وإما فضيحة. وقد سبق لنا أن ذكرنا كلام الشافعي للإمام أحمد في رسالته له، قال: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة تعمدني بنصحك في انفرادٍ وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة

قوة النبي صلى الله عليه وسلم في الحق

قوة النبي صلى الله عليه وسلم في الحق ثبت في سنن أبي داود: {أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضمخ بطيب -والطيب له لون أحمر، ونحن منهيون جملةً عن الصبغة الحمراء، أو عن لبس الثوب الأحمر الذي ليس فيه أعلام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه- فنظر صلى الله عليه وسلم إلى الناس، ثم قال: لو نهيتم هذا} وهو صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم، وهو المسئول عن إخبار الناس بالأحكام، لكن حياءً ألا يواجه الناس بما يمكن أن يثير في أنفسهم شيئاً، فهو صلى الله عليه وسلم حيي ويستحي, لكنه لا يستحي صلى الله عليه وسلم من الحق، بل تقول عائشة: {كان إذا غضب صلى الله عليه وسلم لله لا يقوم لغضبه أحد} ونحن نعلم أنه ليس هناك أشجع منه صلى الله عليه وسلم، حتى يقول علي رضي الله عنه -وتعرفون من هو علي أبو الحسن -: [[كنا إذا لقينا القوم، واشتد الكرب اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أقربنا إلى القوم]] وكانوا يتقون به من السيوف والرماح. ولذلك لم يثبت أبداً -وهذا معروف بالاستقراء- أنه صلى الله عليه وسلم فر من معركة، بل واجب عليه ألا يفر، ويحرم عليه صلى الله عليه وسلم لو فر الناس جميعاً أن يفر، حتى يقول بعض أهل العلم منهم القرطبي وابن العربي: لو قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الدنيا بأسرهم، وكانوا في صف وكان في صف، لما تأخر ولما فر أبداً، لأن الله يقول: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} [النساء:84] فهو لا يكلف إلا نفسه بالثبات، أما غيره فله أن يوصيهم بالثبات عليه الصلاة والسلام. ولذلك في حنين، لما أتى مالك بن عوف النصري، واقتحم باثني عشر ألف مقاتل على جيش الرسول صلى الله عليه وسلم، ففر الناس، قال جابر p>>: فأمطرونا بالنبل حتى كأنه الغمام على رءوسنا، ففرت الدواب، والجمال والخيول بأصحابها. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {يا عباس! نادِ في الناس}. فأخذ العباس يرفع صوته -وكان جهوري الصوت حتى كان ينادي أبناءه من بيته في المدينة، وفي الغابة فيسمعون صوته- فيقول: يا أهل سورة البقرة! يا من بايع تحت الشجرة! هلموا رحمكم الله، فلا يجيبون، ومالك بن عوف بهوازن وغطفان تعلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبل. فقال صلى الله عليه وسلم: {نادِ بالأنصار، قال: يا أيها الأنصار! يا حماة الدار! يا آخذين بالثار! عودوا إلى الرسول المختار، فما سمع ولا رأى صلى الله عليه وسلم أحداً يعود} بل فروا؛ وبعضهم فرت به دابته، وبعضهم متشكك من أول الطريق، ما صمم على القتال أصلاً، منهم مسلمة الفتح. وقال صفوان بن أمية: اليوم بطل السحر - نسأل الله السلامة-، لأنه من مسلمة الفتح. فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {نادِ بني الحارث، فنادى العباس في بني الحارث، وكانوا أشجع الأنصار من الخزرج، فأتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهم ثمانون- فاجتلدوا أمامه}. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقاتل من أول النهار، لم يفر أبداً ولم يتأخر، حتى يقول العباس: كنت آخذ ببغلته علها ألا تتقدم، فأبى صلى الله عليه وسلم إلا أن يتقدم، ثم نزل عن بغلته، وسل سيفه، ويقول: {أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب} حتى رد صلى الله عليه وسلم كتيبة مالك بن عوف النصري على وجهها. قال الأنصار -بني حارثة-: ما أتينا إليه صلى الله عليه وسلم إلا وقد انهزم القوم، وأخذ حفنة من التراب فسفا بها في وجوههم، وقال: {شاهت الوجوه} فما بقيت عين إنسان من العدو إلا دخل في عينه من هذا التراب، فأخذت عيونهم تدمع، وأتى بنو حارثة, فقاتلوا أمامه صلى الله عليه وسلم حتى سمع لشظايا السيوف كسير من على رءوس الناس. فرفع صلى الله عليه وسلم صدره، وقال: {الآن حمي الوطيس} وهو أول من قالها من العرب كما يقول أبو قتيبة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أول من قالها وتمثل بها, والوطيس أي: اشتد الكرب، واعتلت المعركة. المهم أنه صلى الله عليه الصلاة والسلام في وقت الشجاعة، والإقدام، وإقامة الحدود، لا يمكن أن يتأخر، ولذلك يقول فيه مالك بن عوف النصري لما رآه، وهزم جيشه، ورده صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وأنزله مكرهاً مرغماً، قال: ما إن رأيت ولا سمعت بمثله في الناس كلهم كمثل محمد أعطى وأجزى للنوال إذا اجتدى ومتى تشأ يخبرك عما في غد وإذا الكتيبة عردت أنيابها بالزمهرير وضرب كل مهند فكأنه ليث على أشباله وسط الهباءة يخاذل في مرصد فحياؤه عليه الصلاة والسلام حياء تعبدي تكليفي، ولو أن الله أعطاه من الحياء الغريزي، لكان المقصود الذي نتبعه فيه صلى الله عليه وسلم هو حياء العبادة التكليفي الذي يحجم صاحبه عن القبيح، وسبق في تعريف لأهل العلم في الحياء: مراقبة القهار مخافة من النار، وبعداً من العار، فهذا هو الحياء الذي يذكره صلى الله عليه وسلم والذي قال للأنصاري: {دعه فإن الحياء من الإيمان}. ومقصد البخاري رحمه الله أن يستدل بهذا على أن أعمال القلوب والآداب تدخل في الإيمان، وهو بهذا يرد على المرجئة؛ وقد بدأ الصحيح في الرد على الطوائف المبتدعة, فرد أولاً على الخوارج، ثم على الكرامية، ثم واصل المسيرة في الرد على المرجئة، وسوف يمر معنا أنه سوف يرد على من قال: بخلق القرآن من الجهمية المعطلة.

شرح حديث: أمرت أن أقاتل الناس

شرح حديث: أمرت أن أقاتل الناس الحديث الخامس والعشرون بوب له البخاري بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5]. وهذا تفنن منه رضي الله عنه وأرضاه، وقد سلف معنا قول ابن حجر وأهل العلم: إن للبخاري أساليب في التبويب منها: أن يأتي بآية تشريفاً للموضوع الذي سوف يتكلم عنه، وتعضيداً إلى ما يذهب إليه، ومنها: أن يأتي بحديث إما صحيح، وإما ضعيف، فالصحيح اكتفى به في إيراده؛ لأنه على شرطه، والضعيف ليجمع بين فائدة الحديث الذي ليس على شرطه؛ لأنه لم يشترط في التعليق، ولا في الأبواب أن يكون حديثاً صحيحاً، بل اشترطه في الأحاديث المسندة. ومنها: أن يأتي باستنباط في التبويب، وهذه مهمة أهل العلم أن يستنبطوا كما استنبط هو. قال الإمام البخاري رحمه الله: بابٌ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5]. حدثنا عبد الله بن محمد المسندي قال: حدثنا أبو روح الحرمي بن عمارة قال: حدثنا شعبة , عن واقد بن محمد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك؛ عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى}. هذا من أعظم الأحاديث في الإسلام، وفيه أصول يجب وينبغي أن تعتقد وأن تفهم, وفي هذا الحديث قضايا.

دخول الأعمال في الإيمان

دخول الأعمال في الإيمان مقصود البخاري وأهل السنة والجماعة أنهم يدخلون الأعمال في الإيمان، وأما إيمان بلا أعمال فهو مضحكة على الإنسان وعلى المسلمين؛ فكون الإنسان يؤمن ويعتقد، ثم لا يعمل هذا كذاب دجال مفتر على الله عز وجل, والذي قال هذا القول هم المرجئة، ومنهم الأحناف، قالوا: يكفي الإنسان أن يعتقد، وأما الأعمال فهي باب زائد لا يدخل في مسمى الإيمان، ولذلك يرد عليهم بقوله: " باب دخول الأعمال في الإيمان " ويؤخذ هذا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة} فإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة عمل. فالأعمال تدخل في الإيمان، ومن ترك العمل -على تفسير- كالصلاة جحداً أو تهاوناً فقد كفر، لأن بعض الفقهاء قسم الترك إلى جحد وتهاون. ويرى ابن تيمية: أن التقسيم إلى جحد وتهاون لا أصل له, يقول في كلام ما معناه: إنه لا يبلغ بالمسلم الترك إلى درجة أن يترك الصلاة إلا وقد بلغ درجة الكفر، سواء تهاون، أو جحد. أما أن نأتي للإنسان (إذا ترك الصلاة) فنقول: أتركتها تهاوناً أم جحداً؟ يمكن أنك كسلان عنها؛ هذا الذي جعله يترك الصلاة، وهو يعرف أنها فريضة إلى درجة الكفر، فهذا التقسيم أحدث اضطراباً كثيراً عند الناس، وهو قول للمرجئة؛ لأنهم يريدون أن يبرئوا الناس، أو يعتذروا لهم، أو للمجرمين والعصاة حتى يجعلوا العمل لا يدخل الإيمان على أصلهم -وهذا لا ينبغي أبداً- بل من ترك الصلاة فقد كفر. لأن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لم تذكر جاحداً ومتهاوناً، إنما قال صلى الله عليه وسلم: {ومن تركها فقد كفر} وهذا كَفَرَ على الكفر المعروف، لا على الكفر دون الكفر؛ كما يقول بعض الناس.

عظم الصلاة والزكاة

عظم الصلاة والزكاة هذا الحديث أحدث خلافاً بين الصحابة رضوان الله عليهم لما مات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الحديث الذي تدارسوه، والذي أراد البخاري أن يأتي به في هذا المكان، وقد تكلم الشراح عند شرح هذا الحديث على اختلاف أبي بكر وعمر في قتال المرتدين، وهذا الاختلاف وارد، والله عز وجل له الكمال المطلق, وهو عز وجل يعطي البعض علماً لا يعطيه للآخرين وسوف يتبين لنا هذا من قضايا الحديث. لما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم قال بعض العرب: نرى أن هذا الدين لا بد أن يستمر معه صلى الله عليه وسلم، فإذا مات؛ فقد انتهى الدين، فارتدوا، وهؤلاء قسم قليل من المرتدين، لا يعدون ولا يذكرون. والقسم الثاني قالوا: الزكاة إنما كانت تدفع للرسول صلى الله عليه وسلم، فلما مات الرسول عليه الصلاة والسلام، قالوا: كيف نؤديها لـ أبي بكر؟ هل النبوة وراثة؟ حتى يقول شاعر بني حنيفة من اليمامة: رضينا رسول الله إذ كان بيننا فما بالنا نرضى بحكم أبي بكر أيملكها بكر إذا مات بعده فتلك لعمر الله قاصمة الظهر يقول: كيف يملكنا أبو بكر بعد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قاتلهم الله إلا من تاب منهم، فقد تاب الله عليه، فقد فرقوا بين الصلاة والزكاة.

قتال أبي بكر لمانعي الزكاة

قتال أبي بكر لمانعي الزكاة أتى أبو بكر رضي الله عنه إلى الناس يوم الجمعة في المسجد -لأنه يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم فكان يجعل المسجد للأمور المهمة وللدعوة وللعلم وللشغل العسكري- فكان يكلم الناس في حال هؤلاء المرتدين, وماذا يفعل معهم, ثم أكمل رضي الله عنه خطبته، وصلى بالناس، ثم عاد إلى المنبر، فقال: [[إني رأيت أن أقاتلهم. فقام عمر رضي الله عنه وقال: كيف تقاتل من قال لا إله إلا الله وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله}]] الحديث الذي استدل به عمر لم يذكر فيه إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهو حديث ثابت. حتى يقول ابن حجر وابن تيمية رحمهما الله: ربما لم يتذكر أبو بكر هذا الحديث، أو أنه لم يسمعه رضي الله عنه، فإن العالم قد يخفى عليه بعض أمور العلم، وبعض المسائل، وإن كان أعلم من غيره في الجملة، فـ أبو بكر أعلم من عمر وابن عمر، ومن كثير من الصحابة في الجملة, لكن خفي عليه هذا، فاستعمل القياس رضي الله عنه وأرضاه، فقال: [[والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال]]. قال ابن حجر: "هذا من استعمال القياس، وهو وارد، وفيه رد على من أنكر القياس". فقام عمر فأنكر على أبي بكر رضي الله عنه. فقال أبو بكر للناس: ما ترون؟ قالوا: نرى ألا نقاتلهم، فقال أبو بكر: [[والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه]]. عجيب! كل المسجد من الصحابة من المهاجرين والأنصار يجمعون على رأي، وأبو بكر رضي الله عنه على رأي واحد، ويصبح الحق والصواب مع أبي بكر رضي الله عنه! قال عمر: [[فتأملت أن الله عز وجل ما شرح صدر أبي بكر رضي الله عنه إلا للتي هي خير، فقمت فأيدته، فقام الناس، فأيدوه]]. لأن الله عز وجل ثبته وسدده، وما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختار إلا أحسن وأتقى الناس لله عز وجل ويقدمه في الصلاة. حتى يقول عمر: [[والله لئن أتقدم في غير حد من حدود الله، فتضرب عنقي، لكان أهون علي من أن أتقدم بقوم فيهم أبو بكر رضي الله عنه]] لأنه يعرف حقه، خلافاً لما تدعيه الشيعة -الذين يقول فيهم ابن تيمية: قاتلهم الله، لو كانوا من الوحوش، لكانوا حمراً -يعني حميراً- ولو كانوا من الطيور، لكانوا رخماً- يقولون: أنه اغتصب الخلافة غصباً. يقول علي - كما ثبت في الصحيحين - على منبر الكوفة يوم الجمعة: [[والله لا يأتي أحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري]] ثمانين جلدة؛ لأنه كذاب على الله، وعلى رسوله، وعلى المؤمنين. فـ أبو بكر رضي الله عنه رأى قتالهم، ثم أرسل خالداً إلى أهل اليمامة، وإلى كذابهم العنيد المجرم الدجال مسيلمة، فلما وصل الجيش إلى هناك قاتلهم خالد رضي الله عنه، ومر بطريقه فأخذ سادات فزارة من غطفان منهم عيينة بن حصن، وأدخله في المسجد كرهاً حتى أدخله ملبداً في عمامته. هذا الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {ائذنوا له بئس أخو العشيرة}. وكان مسلماً ذاك الوقت، لكن عليه الصلاة والسلام كأن عنده خبر أن هذا الرجل سوف يفعل شيئاً، فلما مات صلى الله عليه وسلم ارتد، فأدخله خالد، وهو ملبد في العمامة يقوده أمام أبي بكر، فقال أبو بكر للمرتدين: [[اختاروا واحدة من اثنتين: إما حرب مجلَّية، وإما سلم مُخْزِية. قالوا: يا خليفة رسول الله! -الآن عرفوا خليفة رسول الله بعد سيف أبي سليمان خالد بن الوليد - ما هي الحرب المجلية؟ وما هي السلم المخزية؟ قال: أما السلم المخزية: فتسلمون سلاحكم وعتادكم، وتبقون معنا كالحريم وكالنساء، لا تحضرون قتالاً، ولا لكم حظ في الفيء. وأما الحرب المجلية: فهي أن نخرج لكم وتخرجون لنا مرة ثانية، فمن ينتصر، فليأخذ الأمر. فقالوا: بل سلم مخزية]] فبقوا في الإسلام، ولكن بعضهم ربما أدخله أبو بكر وعمر باستثناء في أمور الحروب. الشاهد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة} فكيف غاب هذا الحديث عن أبي بكر رضي الله عنه؟ قال أهل العلم: إما أنه لم يسمعه رضي الله عنه، ويعذر في ذلك، فإن الصحابة ليس هناك أحد - كما يقول الشافعي في الرسالة - ما هناك أحد من الأمة جمع السنة كلها، وقد يجمع العالم غالب السنة، لكن تفوته بعض الأمور. الأمر الثاني: يمكن أن أبا بكر رضي الله عنه سمع بهذا الحديث، لكن نسيه مع الغضب، ومع أمور المعركة، أو نسيه غفلة وهي التي تعتري البشر، وذكَّره ابن عمر رضي الله عنه فيما بعد في آخر حياته رضي الله عنه بهذا الحديث، فسكت رضي الله عنه وأرضاه، ولو أن هذا الحديث معه، لعرضه على الناس، لكنه استخدم القياس، فقال: [[والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة الزكاة؛ فإن الزكاة حق المال]] فاستخدم القياس، وترك النص رضي الله عنه؛ لأنه لم يبلغه، أو نسيه.

التلفظ بالشهادة لا تعصم الدم والمال

التلفظ بالشهادة لا تعصم الدم والمال الشهادة وحدها لا تعصم الدم، على رأي أهل السنة والجماعة إلا المرجئة، فـ المرجئة يرون أن من فقد انتهى الأمر، من اعتقد وشهد سواء صلى أم لم يصلِّ، ولذلك يقولون: لا يكفر من ترك الصلاة، لأن الصلاة عندهم عمل زائد على الإيمان. أما أهل السنة: فإنهم يرون أن الشهادة وحدها لا تعصم الدم، بل لا بد من الصلاة معها. وأما الزكاة فلا تدخل في هذا الحديث؛ لأن فيها خلاف؛ ولأن بعضهم منع الزكاة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وما قاتلهم, وقال فيمن منع أداء الزكاة: {فإنا آخذوها وشطراً من ماله عزمة من عزمات ربنا تبارك وتعالى} وامتنع من أداء الزكاة بعض الناس، بعضهم لعذر، وبعضهم لنفاق، فما سمعنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم، لكن هذا الحديث -كأنه والله أعلم- يخصص فعله صلى الله عليه وسلم من قوله. أما الصلاة فإنهم يقاتلون، ويكفر من ترك الصلاة سواء جحداً، أو كسلاً على ما قسمه بعض الفقهاء، ولا أثر لهذا التقسيم وليس بصحيح. والمرجئة يقولون: اعتقاد وقول فحسب. والكرامية يقولون: قول فحسب، يقول: لا إله إلا الله، ويدخل الجنة، سواء اعتقد، أو لم يعتقد، صلى، أو لم يصلِّ، فهم ينقصون عن المرجئة بأنهم يقولون: قول فحسب. وقد مر معنا تقييم مذهبهم الباطل، فالشهادة وحدها لا تعصم الدم، فمن شهد أن لا إله إلا الله، ثم لم يصلِّ فدمه حلال، ولم يعصم دمه.

المقاتلة غير القتل

المقاتلة غير القتل يرى الشافعي في هذه المسألة: أن قوله: {أمرت أن أقاتل الناس} هو على عمومه فيقاتلهم جملة هو في صف، وهم في صف، لا أنه قال: أمرت أن أقتل تارك الصلاة والزكاة، لكن بعض أهل العلم قالوا: لا، هذا لا يؤخذ من هذا الحديث، وإنما يؤخذ من أحاديث أخرى، فقاتلوا المشركين، يعني: قاتلوهم جملة، أما على الأفراد، فقد يسلم بعضهم، أو يتوب، أو بعضهم مستضعف لكنه خرج مع الجيش، فالمقاتلة غير القتل، ولا تؤخذ من هذا الحديث، وإنما ذكرت هذا؛ لأن ابن حجر أورده، واستراح لهذا الرأي؛ لأنه شافعي فصادف قلباً خالياً فتمكن. وابن تيمية رأى: أنهم يقاتلون على القتل، لا على المقاتلة؛ لأنه من المفاعلة المشاكلة, يقول: فمن يقتل يقتل على الجملة، ومن يتب يتب، لكن على القتل، من ترك الصلاة فإنه يقتل.

أهل المعاصي لا يقاتلون

أهل المعاصي لا يقاتلون أخذ هذا من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حصر المعاصي في ترك إقامة لا إله إلا الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فغيرها يؤخذ بالمفهوم، فما سكت عنه لا يؤخذ حكم المنطوق، كما أقره ابن حجر في هذا الخبر، وكذلك العيني في عمدة القاري، فإن أهل المعاصي لا يقاتلون. فإن من شرب الخمر وزنا؛ فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة أنه يقام عليه الحد، إلا أن يستحل هذه الأمور، فإنه يقتل. أما إذا عصوا الله عز وجل، فإنهم لا يقاتلون، لكن تقام عليهم الحدود، أما من استحلها، ورأى أنه لم ينزل الله تحريمها، أو أنكر التحريم، فهذا لو استحل أي سنة من السنن؛ فقد كفر، نسأل الله السلامة.

ترك تكفير أهل البدع المؤدين للشرائع الملتزمين بالتوحيد

ترك تكفير أهل البدع المؤدين للشرائع الملتزمين بالتوحيد أهل البدع لا يكفرون، وهذا أصل من الأصول ينبغي أن يفهم، وقد فهم، ويفهمه كثير، لكن أهل البدع إن ابتدعوا بدعة في الدين، فهم فسقة، ولا يكفرون ببدعهم إلا ما استثنى بعض أهل العلم مما سوف أذكره. وابن تيمية رحمه الله له كلام جميل منقول في منهاج السنة، وجمعه الشيخ/ عبد الفتاح أبو غدة من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية فيما يقارب ثلاثين صفحة في حكم أهل البدع هؤلاء. يرى ابن تيمية رحمه الله: أنهم لا يكفرون، والحديث الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، واثنتان وسبعون في النار} أو: {كلها في النار إلا فرقة واحدة} هم أهل السنة والجماعة يقول: إنه لا يلزم من ذلك تخليدهم ولا تكفيرهم، وهذا الحديث يقول: ليس في الصحيحين ولا في أحدهما، بل هو حديث حسن بمجموع طرقه في السنن، ثم يقول: لأن الله عز وجل ذكر بعض العصاة، وقال: يدخلون النار, كالقاتل وكغيره ممن ارتكب بعض المحرمات، فدخوله النار لا يستوجب كفره. هذا الأمر الذي يُفهم، فـ الأشاعرة مثلاً والمعتزلة والجهمية على وجه العموم -إلا ما خصصه بعض أهل العلم بأعيانهم، أو من فعل كذا فهو كذا- لا يكفرون. أما الشيعة، فقسمهم ابن تيمية إلى قسمين: قسم أتى بما يوجب الكفر، فنكفره أبداً، وقسم أتى بما يوجب التفسيق، فنفسقه. فأما من أتى بما يوجب الكفر، كمن قال: بأن القرآن ناقص، ومن قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم خان الأمانة. ومن تكلم في عرض عائشة رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سماوات، ومن كفَّر الصحابة، فإنه يأخذ هذا الحكم. وأما غير ذلك, كأن قدم علياً رضي الله عنه على أبي بكر وعمر، فهذا فاسق، أو اتهم بعض الصحابة، أو سب، فهذا يأخذ هذا الحكم، فلا يؤخذ من هذا الحديث تكفير أهل البدع، لأنه لم يذكر صلى الله عليه وسلم إلا هذه الأمور، فمن أداها، وقام بها، ولم يأت بموجب الكفر الذي يعارض هذه الأمور، فهو مسلم على الظاهر، والسرائر عند الله تبارك وتعالى.

قد يخفى على العالم ما يعلمه من هو أقل منه

قد يخفى على العالِم ما يعلمه من هو أقل منه وهذا معروف في قصة أبي بكر، وقد خفي على العلماء من الصحابة بعض المسائل علمت من صغار الصحابة رضي الله عنهم. فالمقصود: أنه لا يغتر بالكثرة الكاثرة أنها سلكت منهجاً، أو اعتقدت مبدأ أو طريقة أنها بذلك هي التي مع الصواب. أتى رجل إلى علي رضي الله عنه يوم الجمعة، فقال: يا علي أرى أنك ظلمت. قال: [[ثكلتك أمك، ومن أخبرك أني ظلمت؟ قال: أتظن أن الزبير وطلحة وعائشة، وفلاناً وفلاناً ضلال وأنت على الحق؛ لأنهم قاموا في مواجهته. فقال علي رضي الله عنه: ثكلتك أمك، اعرف الحق تعرف أهله، ولا تعرف الحق بالرجال]]. اعرف الحق أنه حق؛ تعرف أهله تبعاً لا أصلاً، ولا تعرف الحق بالرجال، أي: لا تقل فلان يفعل كذا، وفلان كذا إذاً هو مصيب، فهذا خطأ، فالحق قد يكون مع الواحد، ويكفي أن يكون الواحد على الحق، وأهل السنة هم من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان واحداً.

بيان أن الحكم للظاهر وإيكال السرائر إلى الله تعالى

بيان أن الحكم للظاهر وإيكال السرائر إلى الله تعالى العمل في الظاهر مقبول من الناس، والسرائر إلى الله تبارك وتعالى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة} قد يكونون منافقين، وفعل هذا الأمر كثير من الناس عند الرسول صلى الله عليه وسلم فما قاتلهم، فنحن نقبل سرائر الناس، ولذلك نأخذ بالتعديل في الشهادة، وفي التوفيق الظاهر من الناس، حتى في الإمامة لا نأتي إلى إمام مسجد، فنقول له: قبل أن تكبر اصبر، ما هو معتقد أهل السنة في الأسماء والصفات؟ وهل الله عز وجل مستوٍ على عرشه حقيقة، وهل تعتقد كذا؟ فإن هذا تنطع وتعمق وبدعة ما أنزل الله به من سلطان. وكذلك يقول أهل العلم فيمن يذبح الذبائح وظاهره أنه مسلم لا نأتي إليه ونقول: هل أنت تصلي الخمس في جماعة؟ وتحضر الفجر؟ وتعتقد مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات والأركان؟ وترى وترى وترى! هذا ليس بوارد، بل نكتفي في الجملة أننا نعرف أنه من المسلمين، وأنه يصلي -إن شاء الله- في الظاهر، ولكن السرائر إلى الله عز وجل، فهذا يعرف ويعلم من هذا الحديث، وعليه كلام أهل العلم. وفي الحديث أن كلمة (لا إله إلا الله) وإقام الصلاة، عصمت دم المنافق وماله في الدنيا، لكن حسابه عند الله ناراً تلظى، وهو في الدرك الأسفل من النار.

عدم التعنيف على المخالف فيما يسوغ فيه الخلاف

عدم التعنيف على المخالف فيما يسوغ فيه الخلاف ويستفاد من هذا الحديث: اجتهاد الصحابة رضوان الله عليهم، وعدم تثريب بعضهم على بعض، والخلاف وارد، ولذلك يقول سفيان الثوري رحمه الله: "من قلة علم الرجل أن يعنف على المخالف" إذا رأيت الإنسان يعنف على المخالف، فاعرف أنه لا أدب عنده ولا علم، ولذلك اختلف الصحابة رضوان الله عليهم في الفروع، يقول ابن القيم في أعلام الموقعين: لكنهم بحمد الله وبفضله وبعونه لم يختلفوا في الأصول أبداً، وما تكلموا في الأسماء والصفات، ولا اختلفوا فيها، بل أجروها على الظاهر وسكتوا، ولذلك ما سمعنا من اختلف في الأصول، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يلقي عليهم الأسماء والصفات، فما كانوا يناقشونه، كان يقول صلى الله عليه وسلم: {يضحك ربك} وهم فيهم العلماء والعباد والأعراب، فما كانوا يقولون: هل ضحك يليق بجلاله يا رسول الله أم لا؟ سكتوا؛ لأنه يعرف على الظاهر، أما في مسائل الفروع فاختلفوا، ولذلك يؤخذ من هذا عدم التثريب والتعنيف من بعض المخالفين على بعض، ومسائل الاجتهاد واردة. وابن تيمية له كتاب" رفع الملام عن الأئمة الأعلام " يبين أن الخلاف أنه قد يكون وارداً من عهد الصحابة، وقد ورد، ثم يعلل ويعتذر للأئمة بستة أعذار، قد سبق أن أوردنا بعضها، وبعض الناس يعنف على بعض المسلمين في سنن صغيرة لا تحتاج إلى هذا التشدد والتنطع والتعمق الذي لامه صلى الله عليه وسلم. فأحدهم إن رأى بعض المسلمين يضم يديه على صدره قال: أين أنت من حديث علي: أنه تحت السرة. ثم يغضب عليه ويهجره، وهذا ما عنده من العلم إلا الجهل، والآخر يقول كذلك في دعاء الاستفتاح: لا تستفتح بذاك الدعاء؛ لأنه في أبي داود، وذاك في الصحيحين ثبت من طرق. فلسنا مأمورين بهذا، بل المنازع لا يثرب عليه، ولا يعنف، فما دام أن في المسألة خلافاً، فالأمر فيه سعة. هناك مسائل خلافية، فمن فعل هذا فقد أصاب، ومن فعل هذا فقد أصاب، لكن الإنسان يتحرى لنفسه الحديث الصحيح دون ما يعرضه على الناس، لك أن تعرف أن الحديث الصحيح الذي في البخاري يقدم على الحديث الضعيف في أبي داود، فتعمل به، لكن ترى بعض الناس يفعل هذا فلا تثرب عليه، وهذا من الاشتغال بالخلافيات، ومن التشديد على المسلمين، والتجهيل بسبب هذه المخالفات البسيطة التي ما أنزل الله بها من سلطان، ومن فعلها فهو آثم. حتى أن ابن تيمية رحمه الله في كتاب أصول الفقه يرى أن المسائل المتنازع فيها يكون فيها سعة، وأنه لا يحرج على من فعلها، ولا يعنف عليه بل حتى ولا يرد عليه. مثلاً: الصلاة لمن دخل المسجد بعد صلاة العصر, فإن هذا وقت نهي عند بعض أهل العلم, لقوله صلى الله عليه وسلم: {لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس} وبعض أهل العلم يرجح أنه يصلي ركعتين لقوله صلى الله عليه وسلم: {من دخل المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} فإن رأيت أحداً من الناس يصلي ركعتين، وأنت ترى عدم الصلاة؛ فلا تثرب عليه، ولا تعنف، لأن هذا الأمر فيه سعة، نسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق والهداية.

شرح حديث: أي الأعمال أفضل

شرح حديث: أي الأعمال أفضل ثم قال الإمام البخاري رحمه الله: باب من قال: إن الإيمان هو العمل، لقول الله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] وقال عدة من أهل العلم في قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93] قال: عن قول لا إله إلا الله، وقال: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) [الصافات:61]. قال: حدثنا أحمد بن يونس , وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا إبراهيم بن سعد , قال: حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: {أي الأعمال أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور}. في الحديث كثير من القضايا التي مرت معنا لكن بقيت بعضها، منها:

اختلاف الأجوبة بحسب الحال والمخاطب

اختلاف الأجوبة بحسب الحال والمخاطب أولاً: يعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاب بأجوبة مختلفة، وقد مر معنا بعض الأسئلة التي عرضت عليه صلى الله عليه وسلم، والسؤال هو السؤال، ولكن الجواب تغير منه صلى الله عليه وسلم، فما هو سر هذه المسألة؟. ثانياً: لماذا كان يسأل صلى الله عليه وسلم من بعض الناس عن فضائل الأعمال، وعن بعض المعاصي، فيجيب صلى الله عليه وسلم بإجابات مختلفة؟ والقاعدة في هذا: أنه صلى الله عليه وسلم كان يجيب على اختلاف الأشخاص والأحوال؛ لأنه معصوم عليه الصلاة والسلام، لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، أما غيره فإنه لا يستطيع ذلك مهما بلغ من العلم، فبعض أهل العلم يأتيه إنسان، فيقول: دلني على أفضل عمل، فيقول: أدلك على الجهاد في سبيل الله، وهذا السائل من أخوف الناس، يموت قبل الموت؛ لأن بعض الناس يموت قبل الموت مرات، فالرسول صلى الله عليه وسلم ليست إجابته هكذا، كان صلى الله عليه وسلم يعرف استعدادات الناس وما يستوعبونه، وما يمكن أن يقوموا به، وأن يوفوه حقه، فيخبرهم على قدر حاجتهم، وعلى ما يستطيعون له، ويقدرون عليه. أتاه أبو ذر رضي الله عنه، وأبو ذر فيه حدة رضي الله عنه قال: أوصني يا رسول الله! لو قال له صلى الله عليه وسلم عليك بالصدقة، فأي مال عند أبي ذر حتى يتصدق؟ أو إنفاق في سبيل الله، أو الجهاد؟ لكن قال له: {لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب} فعرف صلى الله عليه وسلم أن هذا الرجل دواؤه وعلاجه عدم الغضب؛ لأن الغضب مركوز فيه، ووجد فيه رضي الله عنه حتى فيما بعد لم يستطع أن يسيطر عليه، لكنه غيَّر ما استطاع منه رضي الله عنه وأرضاه. وروى عبد الله بن بشر كما في سنن الترمذي أن رجلاً قال: {يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيء أتثبت به} هل يقول عليك بالجهاد في سبيل الله؟ ماذا يفعل هذا عمره ثمانون سنة؟ قال: {لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} يذكر الله وهو راقد على الفراش، لا يصلي، ولا يصوم، ولا ينفق، ولا شيء من تلك النوافل، بل يسبح فقط، يحرك لسانه لأن أقوى شيء فيه لسانه. وأتاه ابن غيلان الثقفي وكان من أشجع الناس, كان جثة هامدة قوية، فأتاه فلما دخل عليه أسلم، فأحيا الله هذه الجثة بالإيمان، وأصبح حياً يقظان، فقال: دلني يا رسول الله على أفضل عمل، قال: عليك بالجهاد في سبيل الله؛ لأن هذا إذا حضر معركة نفع الله به. ويأتي الآخر، فيخبره صلى الله عليه وسلم بما يمكن، لكن هذا لا يتهيأ لكل الناس، ولا لأهل العلم مهما بلغوا، وإنما يتهيأ للرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول ابن حجر هنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل نفس هذا السؤال في حديث ابن مسعود، وفي حديث أبي ذر، وفي حديث أبي هريرة، فتغيرت الإجابات. فهنا يقول صلى الله عليه وسلم حين سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: {إيمان بالله ورسوله} وعند ابن مسعود سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: {الصلاة في أول وقتها} وفي حديث أبي ذر سئل أي العمل أفضل؟ فقال: {الجهاد في سبيل الله}. المقصود: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر بهذا راعى حال المخاطبين، فإنه قد يوجد في هذا المجلس الذي تكلم فيه صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث لفيف من الناس لم يقوَ إيمانهم، فلو قال: الصلاة في أول وقتها، ما كان حاجتهم إلى ذكر الصلاة أول الإجابة، بتلك الحاجة التي تحوجهم إلى أن يتعلموا الإيمان، فعرض صلى الله عليه وسلم الإيمان، أما ابن مسعود فعالم من علماء الصحابة. وهل إذا سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل، وهو مؤمن من أخمص قدميه إلى شغاف رأسه هل يقول له صلى الله عليه وسلم: إيمانك بالله ورسوله وهو مؤمن، لا. فقال: {الصلاة في أول وقتها} لأن لسان الحال يقول لـ ابن مسعود: لأنك إمام وعالم ومعتبر، فعليك بالصلاة في أول وقتها. ولذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، صاحب هذا السؤال أدرك أمراء يؤخرون الصلاة عن أوقاتها، فأفاده هذا الحديث، فكان يصلي في بيته الصلاة في أول وقتها، ثم ينزل إليهم في مساجدهم، فيصلي معهم، وصرح له صلى الله عليه وسلم بأن قال- وهذا من حديث ابن مسعود وحذيفة - {يا رسول إذا أدركت قوماً يميتون الصلاة عن وقتها -يؤخرونها حتى أصبحت ميتة، ولا أصبح لها أثر، ولا قبول، ولا محبة، ولا رفعة- فماذا أفعل؟ قال صلى الله عليه وسلم: صل الصلاة على وقتها، ثم صلِّ معهم} وفي رواية أبي ذر: {ولا تقل إني صليت} لكن صل في بيتك، ثم تعال فصل معهم، فكان يفعلها الصحابة لما أتى بنو أمية، فأماتوا الصلاة، وأخرجوها عن وقتها، حتى يقول ابن تيمية: إن من سبب زلزلة ما كانوا عليه من سلطان، تأخير الصلاة عن أوقاتها، لما أخروها أخرهم الله عز وجل. فالمقصود: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يغير الإجابات بحسب أحوال السائلين. وفي الحديث أيضاً: ترتيب الأعمال على الإيمان؛ لأنه وجد في المجلس من لم يستعد أولاً بالإيمان, أو لفيف من المسلمين الذين هم حديثو عهد بالإسلام، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنه لا عمل، ولا قبول، ولا حج إلا بالإيمان.

تفضيل الجهاد على الحج لما فيه من نفع متعد

تفضيل الجهاد على الحج لما فيه من نفع متعدٍ قدم الرسول صلى الله عليه وسلم هنا الجهاد على الحج، مع أن الحج ركن والجهاد في سبيل الله ليس بركن عند جمهور العلماء، وإن كان بعضهم قالوا: إنه ركن، عدوه ركناً سادساً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث معاذ عند الترمذي: {وذروة سنامه الجهاد} لكن الصحيح أنه ليس بركن، وقالوا: إن سبب تقديم النبي صلى الله عليه وسلم له على الحج، لما فيه من نفع متعد؛ لأن المجاهد يرفع راية الله، ويحمي حوزة المسلمين، ويدفع الكفار، وأما الحج، فإنه يحج لنفسه، فاهتم به صلى الله عليه وسلم.

الاعتقاد القلبي عمل

الاعتقاد القلبي عمل القضية الرابعة: اعتقاد القلب عمل. يريد البخاري بهذا الكلام أن يبين أن اعتقاد القلب عمل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سأله سائل: {أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله} فجعله صلى الله عليه وسلم عملاً، ولذلك يقول البخاري: باب من قال: إن الإيمان هو العمل. ثم أتى بهذا، وهو شفاف دقيق رحمه الله رحمة واسعة وهو من أذكياء العالم كما يقول أهل العلم عنه، يأتي بالفائدة، فلا تدرك عند كثير من الناس، وحتى يأتي ابن المنير كثيراً، فيقول: ما مناسبة هذا الباب لهذه الترجمة؟ من أين أتى البخاري بهذا الباب لهذه الترجمة؟ ويقول ابن التين: أظن البخاري غلط وأتى بباب وركب حديثاً عليه، لكن ابن حجر يقول: لم يغلط، ولا ركب، ولا اضطرب، بل هو الصحيح معه، ثم يوجه ما قاله.

معنى قوله سبحانه وتعالى: (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون)

معنى قوله سبحانه وتعالى: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قال أهل العلم: إنما قال الله عز وجل: {أُورِثْتُمُوهَا} [الزخرف:72] دليل على الاستحقاق، أي لما أحقها الله عز وجل كانت كأنها حق لكم في الإرث, لا أنكم ورثتموها كابراً عن كابر. وقال بعضهم: لا. لما قسمت الجنة بعلم الله عز وجل أصبحت ميراثاً ينتظره المؤمن وكل من يدخل الجنة. فنسأل الله ألا يحرمنا ذاك الميراث: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] كيف هنا يقول: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] وهناك يقول عليه الصلاة والسلام: {لن ينجوا أحدكم بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته} فكيف ينفي صلى الله عليه وسلم دخول الجنة بالعمل، والله عز وجل يقول: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72]. لـ ابن القيم في هذا مذهب، ولبعض أهل العلم مذهب آخر، فـ ابن القيم رحمه الله يقول هنا: هي المنازل في الجنة بالعمل، أما الدخول فبرحمة الله، وأما المنازل والدرجات فبالعمل، من يدخل الجنة برحمة الله -نسأل الله من فضله- لكن المنازل والدرجات تختلف باختلاف العاملين، فالله عز وجل يقول: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا} [الزخرف:72] أي: الدرجات والمنازل: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] أما الدخول فعلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فهو برحمة الله. وبعضهم يقول ويميل إليه ابن حجر: أن معناها: أنكم لما عملتم العمل، قبله الله منكم، وقبول العمل من الله رحمة، فمعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إلا أن يتغمدني الله برحمته} أي يقبل عملي الصالح، ويتجاوز عن السيىء، كقوله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16] فهناك تقبل من الله للعمل الصالح، وتكفيره للسيء رحمة وهذا كأنه أولى -والله أعلم- وعليه كثير من أهل العلم؛ ولأن الآيات تأتي {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] بالمقابلة والعوض، وعلق عليه الشيخ/ عبد العزيز بن باز، قال: إنها للسببية، وابن حجر يرى: أنها للمقابلة والعوض، فأما السببية، فإنه قد لا يدرى، لكن هي سبب في الأعمال، لكن الصحيح أن الله عز وجل يرحم من يرحم منا بقبول العمل، وبتكفير السيئات، وهي رحمة. وأما قول البخاري (وقال عدة من أهل العلم) أبهم الكلام وهم أنس رضي الله عنه، وابن عمر، وأبو ذر , قالوا في قول الله عز وجل: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93] قيل: عن قول: لا إله إلا الله، فشاهد البخاري أنه لما قال: لا إله إلا الله اعتده عملاً، فالقول والاعتقاد والعمل كله دين، وهنا يريد أن يثبت هذا، ويريد أن يرد على الكرامية الذين قالوا: العقيدة إنما هي قول، وعلى المرجئة الذين قالوا: إنما هي اعتقاد وقول، ثم يريد أن يثبت أن القول والعمل والاعتقاد كلها دين من دين الله عز وجل: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93] أي عن قول: لا إله إلا الله، وهذا مذهب، وقيل: {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:93] وهو رأي لبعض المفسرين: عما كانوا يعملون من الجرائم في الحياة الدنيا. وقال: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:61]. أي لمثل هذا النعيم الذي ذكره الله في سورة الصافات فليعمل العاملون، فاستدل به البخاري على أنه لابد أن يقدموا عملاً، فإنه دين يدخلون به الجنة، وهو دين الله عز وجل، وابن المبارك كان يدعو الله أن يتوفاه غريباً؛ لأنه ثبت في بعض الأحاديث أن الغريب شهيد، وأتى به السيوطي في تنوير الحوالك في شرح موطأ الإمام مالك، وذكر أن الغريب شهيد. وكان ابن المبارك له ثوب يصلي فيه, فإذا صلى قال: [[اللهم أمتني غريباً وكفني في ثوبي هذا]] واستحب بعض أهل العلم مثل: ابن المبارك وإسحاق بن راهويه أن المسلم يدفن في ثيابه التي كان يصلي فيها ويصوم فيها، ويعبد الله فيها؛ لأن آثار العبادة عليها، ولذلك كفن صلى الله عليه وسلم في ثيابه التي كان يصلي فيها صلى الله عليه وسلم، وكفن أبو بكر في ثيابه رضي الله عنه. الشاهد: أن ابن المبارك أنه لما حضرته الوفاة توفي في جيت -بلد من البلدان في الشمال- وهو غريب، فبكى غلامه وقال: يا أبا عبد الرحمن! أبعد العلم، وبعد الإفادة، وبعد تلك المجالس تموت وحيداً، قال: اسكت، فإني سألت الله أن يميتني غريباً، ثم التفت ابن المبارك، ثم تبسم وضحك - وهو في سكرات الموت- ثم قال: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:61] وكأنه والله أعلم رأى مقعده في الجنة، أو رأى بعض المبشرات.

شرح حديث: إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه

شرح حديث: إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه قال البخاري رحمه الله: باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، وكان على الاستسلام، أو الخوف من القتل، لقوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14]. فإذا كان على الحقيقة، فهو على قوله جل ذكره: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ} [آل عمران:19]. حدثنا أبو اليمان , قال: أخبرنا شعيب عن الزهري , قال: أخبرنا عامر بن سعد بن أبي وقاص عن سعد رضي الله عنه: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى رهطاً -وسعد جالس- فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً هو أعجبهم إلي، فقلت: يا رسول الله! ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمناً، فقال: أو مسلماً. فسكت قليلاً، ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي، فقلت: ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمناً، فقال: أو مسلماً، ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا سعد إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليَّ منه خشية أن يكبه الله في النار} ورواه يونس وصالح ومعمر وابن أخي الزهري عن الزهري.

ترجمة سعد بن أبي وقاص

ترجمة سعد بن أبي وقاص سعد رضي الله عنه هو خال الرسول صلى الله عليه وسلم, وخوله يعني: قريبه من قرابة خئولته صلى الله عليه وسلم، وهو أحد المبشرين بالجنة. قال له صلى الله عليه وسلم يوم أحد: {ارم سعد فداك أبي وأمي} يقول علي: [[والله ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدِّي أحداً إلا سعد]] وقال صلى الله عليه وسلم: {هذا خالي فليرني كل خاله}. وسأل سعد الرسول صلى الله عليه وسلم عن أسباب إجابة الدعوة، فقال له: {أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة} ولذلك قال له صلى الله عليه وسلم: {اللهم سدد رميته، وأجب دعوته} فكان كلما دعا أصابت دعوته بإذن الله. وثبت عنه أنه لما قطعت الجسور بالنار، قال: يا خيل الله اركبي -خيل المسلمين- وقد وقعت في الماء، ووقع كثير من الجيش، فجمَّد الله لهم النهر فمشت بإذن الله حتى خرجتْ. يقول أبو إدريس وكان معهم: فَقَدَ رجل منا مخلاه، فرجع إليها، فوجدها معلقة في شجرة في النهر، فأخذها وخرج. وثبت في البخاري أن عمر رضي الله عنه ولاه على الكوفة , وأهل الكوفة كانوا من أشغب الناس حتى انتقم الله لسعد، وعلي بن أبي طالب بـ الحجاج بن يوسف الثقفي، علمهم كيف يتعاملون مع المؤمنين، فهؤلاء نقموا على سعد حتى الصلاة يقولون: لا يعرف يصلي، فحاكموه إلى عمر رضي الله عنه. قال سعد: [[عجباً لبني أسد، قاتلتهم على الإسلام بيدي هذه، وأدخلتهم بسيفي في الدين، ثم ينقمون علي الصلاة، والله إني كنت أركد في الأوليين، وأحذف في الأخريين]] قال عمر رضي الله عنه: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، ثم أرسل عمر رضي الله عنه، ليستجلي الأمر؛ لأنه رضي الله عنه كان فيه من الدهاء والذكاء الشيء العجيب، والعلوم بالله عز وجل، لكن لا بد من الفطنة. فأرسل محمد بن مسلمة وقوماً معه من الأنصار، فلما وصلوا الكوفة مروا بالمساجد جميعاً ومعهم سعد شبه المعزر يماشيهم ويقول محمد بن مسلمة: هذا أميركم أتنقمون عليه شيئاً، فيثنون عليه، وعلى صدقه وأمانته، وزهده وعبادته، فمروا بمسجد بني عبس - ناحية من نواحي الكوفة - فقال شيخ كبير: أما إذا سألتمونا فوالله ما كان يمشي مع السرية، ولا يعدل في الرعية، ولا يقسم بالسوية، ولا يحكم في القضية، أو كمال قال، سجع كلامه. فقال سعد: [[اللهم إن كان عبدك هذا قام رياءً وسمعة فأطل عمره، وكثر ماله وولده، وعرضه للفتن]] فكبر هذا الشيخ على كبر سنه وتعرض للفتن، وأكثر الله ماله وولده وشغله، حتى كان يتعرض للجواري -للبنات- في سكك الكوفة ويغمزهن، ويقول: شيخ مفتون، أصابتني دعوة سعد. وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء: أن سعداً رضي الله عنه كان يخطب في الكوفة، فنزل من على المنبر بعد أن صلى بالناس وخرج، فإذا الناس مجتمعون ويسمع ضجة وصجة، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا رجل يسب علي بن أبي طالب، فتقدم إليه سعد، وقال: لا تسب أخي -يقصد أخاه علي رضي الله عنه- فقال الرجل: والله لأسبنه، فقال سعد: اللهم اكفناه بما شئت-يعني هذا الرجل- قال: فندّ جمل من الكوفة، وأتى إلى المسجد، فتأخر الناس عنه، فقرب من هذا الرجل فلطمه الجمل بيده - لطم الرجل، وهذا سنده صحيح- فوقع الرجل ميتاً على الأرض، فأجاب الله دعوة سعد. قيل لـ عامر الشعبي: ما قولك في أهل صفين؟ في قوم معاوية وعلي. قال: أهل الجنة التقوا، فاستحيا بعضهم من بعض. استحيا بعضهم أن يقر من بعض، هؤلاء من الجنة وسلفت أعمالهم. {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134] {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]. إنما الشاهد أنه اعتزل الفتنة رضي الله عنه، وخرج بخيمة وبغنم يرعاها في الصحراء، فقال له ابنه: أتترك الخلافة والناس يتقاتلون على الملك وترعى شويهاتك؟ قال: اغرب عني لا أم لك، والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يحب العبد الخفي النقي التقي}. ولما أتته الوفاة كانت ابنته عائشة عند رأسه، فبكت، قال لها: [[ابكي، أو لا تبكي والله إني من أهل الجنة]]. قال الذهبي: صدق والله، هنيئاً له ومريئاً، فقد أخبره صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة.

الأسئلة

الأسئلة

الإرجاء عند الأحناف

الإرجاء عند الأحناف Q لقد ذكرت أن من المرجئة الأحناف، فمن من الأحناف من المرجئة؟ A أما أبو حنيفة رضي الله عنه، يقولون: نسبة القول له خطأ، وكتاب" الفقه الأكبر " ليس له، وإنما ألفه بعض طلاب طلابه في القرن الثالث، مصرحاً: بأن الأعمال تدخل في الإيمان، أما بعضهم، فصرح بهذا ووجد عنه وذكر ذلك اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، وابن حجر دائماً يتعرض له، كما مر معنا في أكثر من ستة مواطن، وهذا معروف أنه قولهم مما أعرف بالذات من الذي قاله بأعيانهم، لكن هذا قول للأحناف.

الجمع بين حديث: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) وبيان ذم الكثرة

الجمع بين حديث: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) وبيان ذم الكثرة Q قلت: إن الكثرة دائماً معها الضلالة والخطأ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا تجتمع أمتي على ضلالة} فما هي درجة هذا الحديث؟ وكيف يوفق بين هذا الحديث وما قلت؟ A أنا ما قلت دائماً أن الكثرة معها الخطأ، بل قلت في الغالب وفي الجملة، وفي الاستقراء من الكتاب والسنة أن الكثرة دائماً مذمومة، {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة:100]. ولكن لا بد من احترازات؛ فإن الكثرة قد تصيب، وأنا ما قلت ذلك على إطلاقه، أما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا تجتمع أمتي على ضلالة} فهذا الدليل على الإجماع، فلا تجتمع على ضلالة، إذا اجتمعت الأمة علماؤها واجتمع جمهورها على أمر، فيعلم أنه حق، مع العلم أن هذا الحديث ليس بصحيح وفيه ضعف، ولو أنه صحيح لأخذه الشافعي به من أول الطريق وارتاح؛ لأنه جلس يقرأ القرآن عشرات المرات حتى أخرج دليل الإجماع الذي يقول فيه ابن حزم الظاهري والشوكاني: ليس بدليل للشافعي رحمه الله؛ لأنه يقول: قرأت القرآن أبحث عن الإجماع حتى وجدت قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115]. مع العلم أنه ليس كما تعرفون، وليس بقاطع في الإجماع؛ لأنه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} [النساء:115] والذي يخالف في رأي ما شاق الرسول صلى الله عليه وسلم بل فهم أمراً: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115]. فقالوا: إن التهديد والتنديد والتوعيد بنار جهنم إنما هو على أمور كفرية اعتقادية تخرج صاحبها، مع العلم أني لا أناقش أدلة الإجماع في هذا المكان إنما أقول: إن هذا الحديث ضعيف. وأما استدلال الجمهور بالإجماع، فهذا له بحث آخر، والإجماع حجة عند أهل العلم، إلا من أنكره بأدلة، لكن يقول بعض أهل العلم: لم تثبت مسألة واحدة أنه أجمع عليها الناس حتى نقلت إلينا, حتى إجماعات ابن المنذر يقول الإمام أحمد: هي كمهب الريح، يقول: أجمع الناس على أن الظهر أربع. معروف، وأجمعوا على أن المغرب ثلاث، وأجمعوا على أن الفجر ركعتان، فهذه تعرف من النصوص الصريحة الصحيحة، لكن الإجماع حجة لا شك، والأمة إذا أجمعت وإذا تألفت كلمتها، فإجماعها حجة، ولا يرد الإجماع إلا من لا يرى حجية الإجماع، "وفسر الماء بعد الجهد بالماء".

الحياء الممدوح

الحياء الممدوح Q ذكرت أن الحياء قسمان: ممدوح ومذموم، فكيف نجمع بين هذا، وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {الحياء خير كله}؟ A قوله: {الحياء خير كله} يريد به الحياء الممدوح فهو خير كله, والمذموم شر كله، فجمع بين الحديث وهذا، أما المذموم فيقول مجاهد -كما يمر معنا- في باب طلب العلم: "لا يتعلم العلم مستحي، ولا مستكبر". فهذا الحياء المذموم الذي يرد عن تعلم العلم، وطلبه، وعن الجلوس في حلق الذكر، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن الدعوة، وعن أمور الخير، فهذا حياء مذموم، وأما الحياء الممدوح فهو: ما حمل على الجميل، ورد عن القبيح. في ختام هذا الدرس نتوجه إلى الله العلي القدير أن يجعل العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يرزقنا الاستقامة في الأقوال والأعمال، وأن يثبتنا حتى نلقاه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

حلية طالب العلم

حلية طالب العلم العلم فضيلة، وصاحبه مفضل على غيره بالنص، والعلوم لا خير فيها إلا ما ذكر بعمل الآخرة، ولطلب العلم وسائل، ولتحصيله ضوابط، ولطالبه آداب وقيود، ولأخذ العلم من الكتب والشيوخ نظام وترتيب، وفي كل ذلك مهم وأهم، وفي هذا الدرس تطواف حول ما ذكر بأسلوب يسير مفهوم.

الرسول الأمي

الرسول الأمي الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ، يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، والصلاة والسلام على معلم البشرية، وهادي الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، صلى الله عليه وسلم، فأظهر الله علمه على كل علم، وأظهر رسالته على كل رسالة، ونصر مبدأه على كل مبدأ، وعلى آله وصحبه أجمعين. أمَّا بَعْد: إخوتي الفضلاء الأجلة طلبة العلم. فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وإنها لفرصة سانحة أن يجلس الأخ مع إخوانه، والزميل مع زملائه، فأنتم شارة المجتمع، وأنتم واجهة الناس، وأنتم الخاصة إذا اتقيتم الله في علمكم، والمحاضرة ستكون عن حلية طالب العلم: ما هو لباسه؟ وما هو معتقده؟ وما هي وظيفته؟ وما هو دوره في الحياة؟ وما هو برنامجه اليومي؟ وما هو تحصيله؟ وكيف يحفظ؟ وكيف يفهم؟ وكيف يحقق المسألة، وكيف يدعو الناس، وكيف يعاملهم؟ وكيف يسير مع الناس؟ كل هذه المسائل وغيرها تكون مطرح البحث إن شاء الله. وإني أحبكم في الله تبارك وتعالى، وإنه لا يجمعنا بكم سبب من الدنيا، ولا نسب بين الناس، ولكن سبب الدين ونسب العلم. إن كيد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد أو يفترق ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يختلف نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] لمن الخطاب؟ إنه للمصطفى صلى الله عليه وسلم، لصاحب الرسالة الغراء، والأمي الذي ما قرأ ولا كتب، ولا تعلم في مدرسة ولا دخل جامعة، ولا جلس في كتاتيب، وليس له أستاذ ولا شيخ، ما انتسب ولا انتظم في جامعة من جامعات الدنيا، لكن هكذا بلغ الأربعين سنة، فقال له الله عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] وقال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48]. أي: أنت لم تكتب ولم تقرأ، ولم تحفظ شيئاً، بل جئت من الصحراء من بين جبال مكة السود؛ لتبعث الإنسان، وترفع رأسه. {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] أين يقرأ؟ أين الصحف والمجلدات؟ أين الجرائد والمجلات؟ أين المصنفات؟ أين السبورة؟ أين الأستاذ والمعلم والدفتر؟ لا شيء. قال أهل العلم: كأنه يقول: اقرأ في كتاب الفضاء، اقرأ في سور ما قرأتها في كتاب، اقرأ في الشمس من خلقها؟ أليست آية؟ اقرأ في القمر؟ أليس فيه آية؟ اقرأ في النجوم اللامعة كيف تبدد الظلام! أليست آية، اقرأ في خرير الماء يوم يتسلل بين الحصى، اقرأ في هفيف النسيم بين الشجر أليست آية؟ اقرأ في السفح والغدير، والماء المرير، والجدول والرابية، اقرأ مع الطير، إنها آيات الله في الكون. وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد فخرج عليه الصلاة والسلام من غار حراء داعياً إلى الله ما عرف معلماً إلا جبريل، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:1 - 9]. الله أكبر! ياللدنيا يوم سمعت الله أكبر، يا للبشرية يوم أنصتت إلى كلمة (الله أكبر). إنها والله أمور ومعجزات تحطم القلوب التي لا تعي، وتدوس الرءوس التي لا تؤمن بالله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]. وانطلق عليه الصلاة والسلام فتكلم فكان أفصح فصيح، وأفتى فكان أكبر مفتٍ، وقاد الجيش فكان أعظم قائد، وساس الأمة فكان أعظم سائس، وربى الأجيال فكان أعظم مربٍ، يقول شاعر وادي النيل للمستشرقين يوم طلبوا معجزة له صلى الله عليه وسلم: أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه أما يكفي الناس معجزة له صلى الله عليه وسلم أنه أحيا القلوب بالعلم، نزل عليه الصلاة والسلام إلى بطحاء مكة فحفظَّه الله القرآن وعلَّمه السنن، ثم قال الله له في أول الطريق: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] فقبل أن تتكلم أو تُعلِّم تَعلَّم، وقبل أن تدعو تَعلَّم، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. وهذه رسالتكم يا طلبة العلم، ويا حملة خلاصة الرسالات، والواجهة الوضيئة في المجتمع، يا بسمة في جبين التاريخ؛ هذه رسالتكم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. وأنا سوف أتعرض في هذه الجلسة لنقاط مهمة، تمر معنا في الفصل، وفي البيت، وفي الطريق، مع الناس كافة، ومع النفس والأهل خاصة: أولها: نبذة عن فضل العلم. ثانيها: الإخلاص في طلبه. ثالثها: التقوى. رابعها: العمل بالعلم. خامسها: التوبة والاستغفار. سادسها: الحفظ وكيف يكون سابعها: الفهم. ثامنها: كيف يبدأ طالب العلم. تاسعها: كيف يُكوّن مكتبته. عاشرها: لباس طالب العلم. حادي عشرها: معتقد طالب العلم. ثاني عشرها: السنن على طالب العلم. ثالث عشرها: نوافل طالب العلم. رابع عشرها: الإنفاق من العلم، والزكاة من العلم. خامس عشرها: التسرع في الفتيا؛ داؤها وعلاجها. سادس عشرها: التصدر قبل حينه. سابع عشرها: خلق طالب العلم: التواضع، الشجاعة، علو الهمة. ثامن عشرها: علم الواقع والثقافة المعاصرة. هذه سوف تكون على بساط البحث ونحن نقبل أي حوار في آخر هذه الجلسة، من عقلياتكم المشرقة، ومن فهمكم السديد لنتعاون على الخير والبر والتقوى.

فضل العلم

فضل العلم أما فضل العلم: فهو أكبر من أن يذكر فضله، وأشرف من أن ينوه بشرفه، وأعلى من أن يذكر علوه، أتقول للقمر إنه بهي وهو قمر. بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر قلن: تعرفن الفتى؟ قلن: نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر؟

ادعاء العلم من ليس من أهله

ادعاء العلم من ليس من أهله قال علي رضي الله عنه، كما في جامع بيان العلم وفضله لـ ابن عبد البر: كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس من أهله، وأن يتخلى عن الجهل من هو فيه. والمعنى: يكفي بطلبة العلم شرفاً أن العلم يدعيه بعض الناس وهو جاهل، فإن الجاهل الذي لا يحسن الوضوء ولا الغسل من الجنابة، ولا يحسن قراءة الفاتحة إذا قلت له: ما شاء الله على علمك ونور بصيرتك وفقهك ترنح في مجلسه، وارتاح لهذه الكلمة وهو جاهل، وإذا قلت له -وهو جاهل أبكم أصم أعمى لا يعرف شيئاً- إذا قلت: يا جاهل! غضب، وربما قال: أنت الجاهل وأبوك وجدك؛ فهذا معنى كلام علي رضي الله عنه. قال ابن عبد البر: أحسن كلمة توارثها الناس بعد كلام النبوة، قول علي رضي الله عنه وأرضاه: [[قيمة كل امرئ ما يحسنه]] هذه درة، فقيمتك في الحياة الذي تحسنه، وميزانك في الحياة الذي تجيده، يقول أبو إسحاق الألبيري يوصي ابنه بطلب العلم في قصيدة رنانة تفضي إلى القلوب مباشرة بلا وسيلة: أبا بكر دعوتك لو أجبتا إلى ما فيه حظك لو عقلتا إلى علم تكون به إماماً مطاعاً إن نهيت وإن أمرتا ويجلو ما بعينك من عماها ويهديك السبيل إذا ضللتا هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مضارب من أردتا وكنز لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا فبادره وخذ بالجد فيه فإن أعطاكه الله انتفعتا وإن أوتيت فيه طويل باع وقال الناس إنك قد رأستا فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملتا إذا ألقاك فهمك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا أي: إذا ألقاك علمك في المعصية والبدعة والشرك والتفلت على أوامر الله، والاعتداء على حدوده، فليتك ثم ليتك ما فهمت، وإذا تخلفت عن صلاة الجماعة وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتدبر، والتوجه إلى الله، فليتك ثم ليتك ما فهمت. وإذا عطلت لا إله إلا الله في قلبك وفي بيتك وفي مجتمعك، وفي أسرتك، فليتك ثم ليتك ما فهمت.

يرفع الله أهل العلم درجات

يرفع الله أهل العلم درجات {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] هل يستوون؟ عالم يتدبر الآيات ويعيش في ظلال الأحاديث، ويعيش في رياض الفقه والتفسير، أيستوي هو ورجل أغلف ما همه إلا الطعام والشراب والرقص واللهو واللعب؟ يعيش على العود وينام على العود، نغمة الموسيقى تقيمه وتجلسه وتحييه وتميته، هل يستوي هو ومن أنار الله بصيرته بالعلم؟ قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] وذكر الدرجات هنا، لأنها عظيمة لا يعلم عددها ولا عظمها ولا فخامتها إلا الحي القيوم. {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} [المجادلة:11] فيه تنبيه على أهمية الإيمان، فعلم بلا إيمان ليس بعلم، وتوجه بلا إيمان ليس بتوجه، وثقافة بلا إيمان وبلا حب ليست بثقافة، ومعرفة بلا إيمان ليست بمعرفة، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} [المجادلة:11] أيها المسلمون {وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] والعلم لا ينفع إلا بإيمان، إن الخواجة يستطيع أن يصنع الطائرة والبارجة والثلاجة، لكن كما قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. وقال تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] إذا تزود الناس بالدراهم والدنانير والسيارات والفلل والثياب والغتر؛ فتزود أنت بالعلم النافع: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] لا تتزود من الحطام، وتزود من العلم كل يوم آية، وحديثاً، ومسألة، فإنها تُكوِّن عقلك وقلبك وفكرك، وتكون بها من السعداء يوم القيامة. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80]. خرج قارون في حلة تعجبه نفسه، فخرج وعليه كبرياء وخيلاء وبطر، فقال أهل الدنيا السخفاء الحقراء، أهل الغناء والمجون: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79] ووقف طلبة العلم من أمثالكم أيها الطلاب، فقالوا: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80].

العلم يفتح البصيرة ويفتق الذهن

العلم يفتح البصيرة ويفتق الذهن إن هذه الدنيا تزول ولا يعرف زوالها إلا بالعلم، إن المعصية معصية، ولا تعرف أنها معصية إلا بالعلم، وإن الخمر خمر، ولا يعرف أنه حرام إلا بالعلم، وإن الجهل جهل، ولا يعرف أنه جهل إلا بالعلم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49]. آيات راسخات، ومعان جليلة، وأهداف نبيلة، ومبادئ أصيلة في هذا الدين ولكن في صدور من؟ أفي صدور أهل المجون، وأهل الوسوسة، وشيوخ القمار، والمخططون على النجوم، وأهل السقع والرقع؟ كلا، إنما هي في صدور طلبة العلم. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] من الذي يفهم الآيات، من الذي يفهم المنشورات، ومن الذي يفهم المبادئ، ويفهم العقليات، ومن الذي يرجح المصالح على المفاسد إلا طلبة العلم. وقد صح عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر} فليس ميراثه عليه الصلاة والسلام مناصب ولا وظائف، ولا ثياباً ولا دوراً، ولا عقاراًَ ولا قصوراً، لا والله! فقد كان بيته من طين، وفراشه من حصير، وقعبه من خشب، وشملتة مقطعة، ولكنه بنى آلاف القلوب والأرواح. كفاك عن كل قصر شاهقٍ عمد بيت من الطين أو كهف من العلم تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم فميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العلم. تعال يا من حاله في وبال ونفسه محبوسة في عقال يا نائماً لم يستفق عندما أذن في صبح الليالي بلال روض النبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال ميراثه فينا جميل الحلا وأنتم أصحابه يا رجال من يرث محمداً عليه الصلاة والسلام إلا أنتم، من يحفظ كلماته الناصعة إلا أنتم، من يحفظ تركته وميراثه إلا أنتم، ومن يؤدي رسالته إلى العالم إلا أنتم. ففضل العلم أجل من أن يحاط به، يقول ابن كثير في تفسيره ناقلاً عن الطبراني حديثاً يجوده: {إن الله عز وجل إذا حاسب الناس جعل العلماء في ناحية من الموقف، ثم يلتفت إليهم فيقول: إني ما منحتكم العلم إلا لكرامتكم علي، أنتم تشفعون في الناس}. وفي بعض الآثار التي لا تصح مرفوعة: {توزن دماء الشهداء بمداد العلماء} فالعلم أفضل ما أجمع عليه العقلاء قاطبة، اليهود والنصارى والمجوس والصابئة، والمسلمون والهندوس، فالجميع أجمعوا على أن العلم أفضل مطلوب؛ لكنهم اختلفوا في ماهية العلم وأهمه!

صفات ضرورية في طالب العلم

صفات ضرورية في طالب العلم .

الإخلاص

الإخلاص اعلموا -أيها الإخوة الأجلاء- أن هذا العلم الشرعي لا يحصل، ولا يبارك فيه، ولا يؤتي ثمرته، ولا يحفظ في الأذهان إلا بإخلاص، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] وقال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى} قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] وقال أيضاً: {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء:20]. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أن أول من تسعر بهم النار، قارئ يقال له: {تعلمت العلم وقرأت القرآن فماذا فعلت فيه؟ قال: علمت الجاهل وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، فيقول الله -وهو أعلم بالسرائر- كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، إنما تعلمت ليقال عالم، خذوه إلى النار، فيؤخذ فيدهده ويجر حتى يقذف على وجهه في النار}. وفي حديث حسن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من تعلم العلم ليجاري به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسافة أربعين سنة} وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم: {من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا فالنار النار} وفي لفظ: {فليتبوأ مقعده من النار} وكان معاذ وابن عمر يبكيان من هذا الحديث بكاء عظيماً؛ لأنه حديث مرهب ومخوف؛ لكن لمن عاش خوفه وإرعابه ورهبته. فالإخلاص: أن تطلب العلم لوجه الله، ولرفع الجهل عنك، فإنك إذا فعلت ذلك أعطاك الله خيراً من الدنيا وما فيها، والذي يطلب العلم للدنيا، ينال حظاً سهلاً ووظيفة، أو منصباً أو جاهاً، ولكن والله ما عند الله عز وجل من النعيم وقرة العين والكرامة، والإغداق والسرور، والحبور والدور والقصور في جنة عرضها السماوات والأرض لا يعادله أي نعيم، لكن لطلبة العلم العاملين، وهذا أمر لا بد أن يرسخ في الأذهان. ومن مقاصد طلب العلم بالإضافة إلى أن ترفع به الجهل عن نفسك، أن ترفع به الجهل عن أبناء أمتك، ثم تصبر على الأذى فيه، وتعمل به في حياتك ومع الناس.

التقوى

التقوى قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] فإن اتقيت الله علمك الله، وفي أثر في سنده نظر، ومن أهل العلم من حسنه: {من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم} فأنت إذا عملت بما علمت من الحديث اليسير أو القرآن زادك الله علماً. وجرب نفسك في أحاديث الأذكار، أو الأحاديث العملية، تجد أنك إذا حفظت حديثاً واحداً من أحاديث الذكر ثم ذهبت لتعمل به، وتطبقه، يمنحك الله فهماً وزيادة في الإشراق، وفي النبوغ والذكاء والفطنة والإدراك. فيا إخوتي في الله! لا ينقصنا علم، وأنا أجزم جزماً أن أصغر جالس في هذه الحلقة يستطيع أن يعلم أمة من الأمم، وأن يكون من أكبر الدعاة في الدنيا، إذا اتقى الله وعمل بعلمه، فنحن لا ينقصنا كثرة علم، نحن ينقصنا العمل والتقوى والإنابة والإخلاص. والتقوى تشمل العمل والخشية، خشية القلوب وعمل الأركان والجوارح. قال أحد المحدثين: ذهبت إلى بغداد لأطلب الحديث، فمات الراوي الذي أريد أن أطلب الحديث منه، فلقيني يحيى بن سعيد القطان وقال: يا فلان! إن فاتك هذا الشيخ فلا تفوتك تقوى الله. أي: إن فاتك شيء من العلم، أو التحصيل، أو الذكاء، أو الفطنة فلا تفوتك تقوى الله. وترجم الذهبي لـ ابن الراوندي وهو فيلسوف زنديق ملحد، كلب معثر، أكل عجين المسلمين، ألف كتاب " الدامغ على القرآن " يدمغ به القرآن، وكان من أذكياء العالم، قال الذهبي: لعن الله الذكاء بلا إيمان، وحيا الله البلادة بالإيمان، رجل بليد مؤمن خير من ذكي فاجر، فماذا ينفع الذكاء إذا دهده الإنسان وساقه على وجهه إلى النار، يؤتى به يوم القيامة، ويشنق ويعلق في نار تلظى؛ لأنه استخدم ذكاءه وفطنته في محاربة الإسلام والدين. فنحن لا نشكو من قلة الذكاء إنما نشكو من قلة العمل، وأبو العلاء المعري أحمد بن سليمان هذا الشاعر الفاجر اعترض على الشريعة، وكان ذكياً بارق الذكاء، نقل عنه ابن كثير وفي صحتها نظر، أنه نام على سرير فوضع تحت سريره درهماً من فضة، فقال: نزلت السماء بمقدار درهم أو ارتفعت الأرض بمقدار درهم، فهو أعمى، أعمى القلب وأعمى البصر لكنه ذكي وليس بزكي، قال: فاكتشفوا الدرهم تحت سريره كما نقل ابن كثير والعهدة على البداية والنهاية. إنما انظر إلى الفجور، ذكي لكن ماعنده تقوى لله عز وجل، حافظة معلومات، شاعر مصقاع، أبياته كأنها أسياخ أو سلوس من ذهب، لكن ما وفقت بترتيب وإيمان، يقول في منظومة له جميلة ظريفة طريفة، ينقل منها ابن القيم: يا راقد الليل أيقظ راقد السحر لعل في القوم أعواناً على السمر يود أن ظلام الليل دام له وزيد فيه سواد السمع والبصر وهذه من أحسن ما يقال، لكن ليته توقف على هذا، ليته أبدع في مجال الشعر، لكن انظر إلى الشعر في الساحة يوم ترك الإيمان، كيف ركب مركب الحداثة في الزندقة والإلحاد ومحاربة الإسلام، يقول: كم دية اليد قال: أهل العلم كذا، قال: في كم تقطع في الشريعة؟ قالوا: إذا سرقت ربع دينار، قال: يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار تناقض ما لنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار يقدح في الشريعة، وأصول الإسلام، ويحارب الدين، يقول: لماذا هذه اليد إذا قطعت في غير الحدود وديت بخمس مئين ذهب، ولكن إذا سرقت ربع دينار قطعت، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. وانطلق له القاضي عبد الوهاب المالكي الشاعر السني الكبير وقال: قل للمعري عار أيما عار جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري عز الأمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمه الباري لا تقدحن بنود الشرع عن شبهٍ شرائع الدين لم تقدح بأشعارِ يقول: أنت عار، أنت مسلوخ لا في وجهك حياء ولا دين، أنت فاجر القلب، تعترض على شريعة الله، النار لك، والعار لك والدمار، وهذا نموذج للفجور إذا دخل في العلم. ومنهم ابن سيناء كان من أذكى الناس، لكن لم يكن زكياً، أخذ عقيدته عن الصابئة أذناب المجوس، عميل ذكي، لكن ما استقبل القرآن والسنة، بل رفضهما وأخذ مبادئه وأسسه وأخلاقه من المجوس والصابئة الفراخ العملاء، فيقول ابن تيمية: إن كان صح عنه ما يقول في بعض الكلمات، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لكن العلم إذا رشد، وكذلك الذكاء يكون كما قال تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:25]. فهذا ابن تيمية من أذكياء العالم، عبقري عملاق، يقرأ المجلد مرة واحدة، فينتقش في ذهنه، ينظم القصيدة الواحدة من صلاة الظهر إلى صلاة العصر مائتان وثمانون بيتاً يرج بها رجاً، كتب التدمرية من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، يضع رِجلاً على رِجل، ويكتب التدمرية يرد بها على الفلاسفة، ونحن نقرؤها في سنة كاملة في كلية أصول الدين ولا نفهمها ونرسب فيها لأنها التدمرية {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25]. ابن تيمية ما وجد أستاذاً يعلمه الفلسفة، فأخذ كتب الفلسفة فقرأها بنفسه ورد على الفلاسفة، كتاب سيبويه الحديد، جمله ما تفكك كأنها السلاسل، قرأ الكتاب بنفسه يوم اتقى الله، فوجد ثمانين خطأ، فرد على سيبويه مؤلف الكتاب، يقول: إذا أعجمت علي المسألة استغفرت الله ألف مرة فيفتحها الله عليّ. ومن الذي يفتح إلا الله، كانت يد ابن تيمية -يقولون دائماً- كأنها يد مسكين، يقولون: يمرون به في بعض الأسياب، فإذا هو وحده في السيب يبكي ويمد يده كأنها يد شحات، والشحاتة حرام إلا عند باب الله، فهي واجب من الواجبات. وابن تيمية يخرج إلى الصحراء، فتدمع عيناه لأنه يناجي الله ويقول: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس في السر خاليا >> هذا البيت لـ مجنون ليلى، بيت طريف جميل، لكن استخدمه في غير محله، يقول مجنون ليلى في محبوبته: وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس في السر خالياً عجيب! عقل كبير وقلب كبير، أيعيش الرجل المفكر الذكي الأريب لامرأة، أو لأغنية، أو لمجلة خليعة؟! لكن ابن تيمية عاش للمبادئ الخالدة الكبرى. السلطان السلجوقي في دمشق يقول: يـ ابن تيمية أتريد ملكنا، قال: ما ملكك وملك آبائك أجدادك يساوي عندي فلساً واحداً، إنه يريد جنة وعرضها السموات والأرض، ولذلك رد هذا البيت وقلبه إلى حب الله فقال: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنكَ النفس بالسر خالياً وفي الحديث: {ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه} ونحسب ابن تيمية من هؤلاء والله حسيبه. قال له رجل: كيف يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45] كيف يأمر الله عباده في وقت المعركة بذكره؛ وهم مشغولون والرماح تشتعل والسيوف تتكسر، وجماجم الأبطال تقع على الأرض؟ فقال ابن تيمية: إن أهل الجاهلية من العرب تعودوا على أن يذكروا محبوباتهم وقت الأزمات أما سمعت عنترة يقول: ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم فبدل هذا الهيام والعشق والوله والضياع، اذكروا الله.

العمل بالعلم

العمل بالعلم العلم كالمال، ألف الخطيب البغدادي كتاب اقتضاء العلم العمل، وقال: العلم كنز ككنوز المال فإذا لم ينفق منه، فوالله لا ينفع صاحبه حفظ المعلومات في الذهن، بل يصبح سلة مهملات، لأنه حفظ المتون والمجاميع، وحفظ الأشعار والقصائد والمقطوعات، لكن لا عمل، فلا يصلي الفجر في جماعة، وتسمع أذنه للحرام، وقلبه موله، لا ذكر ولا قرآن، ولا تسبيح، ولا حب لله ولرسوله حباً صادقاً قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. إنما يصلي في الجماعات العلماء، وإنما يعتقد اعتقاد السلف ويقدر الرسول عليه الصلاة والسلام حق قدره ويتدبر القرآن العلماء، وإنما يحضر مجالس الخير والعلم وينصح، ويحب للمسلمين ما يحبونه لأنفسهم العلماء، أما الجهلة فلا يفعلون ذلك. إن بني إسرائيل أخذوا المجلدات فحفظوها فما نفعتهم لأنهم حمير، والحمار لو وضع عليه فتح الباري، وتفسير ابن كثير، ورياض الصالحين فهو حمار، لأنه حمار هو وأبوه وجده وعمته وخالته كلهم حمير: قال تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5]. والكلب تدخله في غرفة مكيفة، فيمد لسانه ويلهث لأنه كلب، وتخرجه في الشمس فيمد لسانه ويلهث، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176]. تقول له: اقرأ سورة طه التي لو نزلت على الجبال لدكدكتها ولقطعت بها الأرض، ولو نزلت على الأموات، لاستفاقوا من قبورهم، فيقول: لا، القرآن له وقت! أعطني هذه المجلة، إنه يريد امرأة خليعة ماجنة سافرة داعرة، تفني الدين واليقين والعقل. وتقول له: اسمع هذه المحاضرة في هذا الشريط الإسلامي، فيقول: لا. الأغنية العصرية التي وردت اليوم. تقول: خذ السواك الذي سنه صلى الله عليه وسلم وفيه من الحكم أكثر من ثلاثين حكمة ومصلحة، فيقول: السجارة، تقول: نسمر الليلة في مدارسة صحيح البخاري وصحيح مسلم، فيسمر على اللهو والمجون، لأنها عقول ما رقت إلى الفهم الذي يريده صلى الله عليه وسلم للإنسان. في مناسبة ذكرت كلمة لـ محمد إقبال شاعر الباكستان -كما يقول الندوي في روائع إقبال - يقول: يا رسول الله! أنا هندي تعاطفت مع رسالتك حباً فيك، دخل حبك كل قلبي، ودخل تراب مدينتك أنفي، فخرج حب الغرب والحضارة الغربية، وخرجت من نارهم كما خرج إبراهيم الخليل من نار النمرود. ثم يقول: خان العرب رسالتك فتعاطفت معك. إن هذه المعاني لا بد أن تكون مؤصلة عند العبد وهو العمل بالعلم، فإذا لم نعمل بعلمنا فهو الخسارة والتباب، وهو والله الفناء والزلل نسأل الله العافية.

التوبة والاستغفار

التوبة والاستغفار التوبة والاستغفار تدخل في العمل بالعلم، لكن فصلتها لأهميتها، العلم لا تزداد فيه بصيرة وإدراكاً وفهماً إلا مع كثرة التوبة والاستغفار، تجلس على الكرسي وأنت تستغفر، وفي الفصل تستغفر، وفي الطريق تستغفر، وفي السيارة، وفي الغرفة، ومع زملائك، لأن الله يفتح على المستغفر، قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:11 - 12] وقال تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [هود:3]. المتاع الحسن في العقل، ترى الآية والحديث يعرضان على السبورة، فتجد هذا الطالب يفهم منها ما لا يفهم هذا، وهذا أعقل منه وأذكى، لأن ذاك تقي وهذا فيه فجور ومعصية، ومفاتيح القلوب بيد الواحد الأحد. من الذي يفتح إلا الله، ومن الذي يهدي إلا الله، العقول تحت تصرف الله، فلا يفتح على الإنسان إلا الله عز وجل، والله يوم ذكر الفتيا في القرآن أمر رسوله أن يستغفر: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:106] هذه التوبة والاستغفار أرشد بها نفسي وإياكم قبل قراءة كتاب، أو مطالعة في مادة أو امتحان، أو مراجعة درس، أو حفظ مقطوعة، أو آية أو حديث، فأكثر من الاستغفار، ومد يديك إلى الواحد الأحد. الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب فسبحان من يرضى من كثرة سؤال العباد! وكلما أكثرت من سؤاله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كلما رضي عنك ورحمك وتولاك.

الحفظ والفهم

الحفظ والفهم كيف نحفظ المعلومات؟ وكيف نحفظ المتون؟ وكيف نحفظ القرآن؟

أقسام الحفظ

أقسام الحفظ أولاً: هنا مبدأ لا بد أن نذكره لكم، وهو أن الحفظ على قسمين:- الأول: حفظ فطري جبلي. الثاني: حفظ سببى كسبي. فبعض الناس جبله الله من صغره على الحفظ، فعقله من أذكى العقول، كالسيف، لا يسمع آية ولا حديثاً ولا مقطوعة ولا كلمة إلا يحفظها. ورجل آخر لا يحفظ شيئاً، تحفظه اسمه في النهار، فينسى في العصر. قيل لرجل من الحمقى: ما اسمك؟ هذا الرجل عصري، أدرك الكمبيوتر، قال: أنا عقلي كمبيوتر، أحفظ اسمي واسم أبي وجدي وأخوالي في الكمبيوتر، فأي عقول هذه؟! لكن لا يلام العبد على ذلك لأننا لا نلوم على المصائب ونلوم على المعايب. وكما أسلفت أن التقوى والفضل عند الله لا يتوقف على الذكاء، فقد تجد بعض الناس بليداً غبياً ولكنه عند الله ذكي، وبعض الناس عبقري وذكي، لكنه عند الله عميل وعدو. فإذا آتاك الله ذكاءً فطرياً فنمه، وإذا لم يؤتك حافظة، فحاول أن تفهم العلم، والفهم أحب من الحفظ و {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]. وأنت سوف تفضل في العلم، وسوف تكون عالماً إن شاء الله ولو لم تكن حافظاً، والإمام أحمد حفظ عنه أنه كان يقول: فهم العلم أحب إلينا من حفظه، ولكن في الصغر يستغل الحفظ، ووقت الصغر أحسن للحفظ وأجدى.

ما يبدأ بحفظه

ما يبدأ بحفظه وأول ما يحفظ القرآن الكريم. وعجباً لمن يبدأ بالمتون ولا يحفظ القرآن، تجده في الرحبية، وفي ألفية العراقي، وهو لا يحفظ القرآن، عمامة بلا ثوب لا تصلح، القرآن ثوبك وسترك، وحياتك وحليتك فابدأ بالقرآن، وإذا حفظت القرآن فبيض الله وجهك ويكفيك من متن، إنه الكتاب الذي استهلك حقائق الدنيا، وكنوز المعمورة، ووقائع التاريخ. وإذا حفظت القرآن فكل شيء يجزئك مع القرآن، لكن الذي لا يحفظ القرآن، فلا يجزئه شيء عن القرآن، وهذا أمر لا بد أن يفهم، فإذا فاتك سن الصغر، فاحفظ ما تيسر من القرآن، وحفظ المفصل لا بد منه لطالب العلم، وهو من (ق إلى الناس) وهي الآيات التي تصلي بها في الجمع والجماعات والأعياد والمناسبات، وتأخذ منها إشراقك ونورك، وإبداعك وبلاغتك ودعوتك، وهي التي تربي بها نفسك ومجتمعك، فهذا المفصل الأربعة الأجزاء لا بد أن تكون في صدرك، إن فيه جمالاً يخلب العقول، ويبهر الألباب، ألا تريد أن تعيش يوماً من الأيام مع ق، والنجم إذا هوى؟ مع الرحمن والطور؟ ما أجملها خاصة في صلاة الفجر! إنها تسري إلى القلوب المؤمنة، وتؤثر في الأرواح تأثيراً بديعاً. ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله في سورة النجم في الظلال: كنت مع زملائي أسمر في القاهرة، قال: فمرة من المرات بعد صلاة العشاء ارتفع صوت الراديو، وإذا بصوت مقرئ من المقرئين ينبعث من عند جيراننا فأنصتنا نسمع، فإذا المقرئ يقرأ بصوت حسن: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم:1] فأنصتنا قال: فأما أنا فسافر قلبي في رحلة مع الرسول عليه الصلاة والسلام، لأن السورة تتكلم عن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: وتركت زملائي وهم جلوس -أو كلاماً يشبه هذا- قال: وحاولت أن أتملك نفسي؛ فأما الدموع فنزلت، وفي الأخير رفع المقرئ صوته حين بلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم:39 - 41] يقول: والله الذي لا إله إلا هو لقد أصبح جسمي يهتز هزاً عضلياً، ونسيت نفسي. فهذا القرآن لا بد أن يعتنى به خاصة بعد الفجر، فيفتتح يومك بقراءة القرآن، فجرك. يقول الندوي في ترجمة محمد إقبال في روائع إقبال: ذهب إقبال إلى ملك أفغانستان قبل ما يقارب خمسين سنة، فقال محمد إقبال للملك الأفغاني: أريد أن أكلمك في وصية، قال: ماهي وصيتك؟ قال: هذا القرآن، أسألك أن يكون سميرك هذا القرآن، قال: فبكى محمد إقبال وبكى الملك الأفغاني، ثم قال الملك الأفغاني: يا محمد إقبال! والله الذي لا إله إلا هو لقد مرت عليّ سنوات ما يسمر معي إلا كتاب الله. قال ابن كثير في ترجمة المتقي لله الخليفة العباسي كان إذا صلى العشاء -وكان خليفة على المسلمين، وعلى البلاد الإسلامية قاطبة- أخذ المصحف وقال للأمراء والوزراء: أستودعكم الله، اذهبوا فأنا سميري هذا المصحف، وقد كان الخلفاء جميعاً يسمرون مع الأمراء والوزراء والشعراء والأدباء، وأهل المجون، وأما هو فيأخذ المصحف بعد صلاة العشاء ويقول: هذا سميري وكفى بالقرآن سميراً. قال الشاطبي في الموافقات: إن من يريد أن ينصح نفسه فليكن أنيسه وسميره القرآن، وفيه والله من العلوم التي إذا خلصنا قلوبنا من الذنوب والشوائب فتح الله علينا فتوحاً عظيمة. فإذا فاتك الحفظ، فكرر المختصرات، خذ لك مختصرات في الفنون، مثل: بلوغ المرام في أحاديث الأحكام، أو رياض الصالحين وهو في الواقع كتاب الخطيب والمتكلم والداعية، وزاد المستقنع في الفقه، والبيقونية في مصطلح الحديث، والرحبية في الفرائض، فهذه تقرب لك المعاني؛ فإن لم تستطع حفظ هذه المتون فكررها كثيراً، واقرأ الكتاب عشرين مرة، ليكون في متناول يدك، إذا أردت أن تبحث عن قضية أو مسألة أو حديث.

الفهم

الفهم الفهم: وهو نظرية التأمل والإصغاء، ولا بد منه، بل لا خير في قراءة بلا فهم، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] وقال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]. هل تدبرنا لماذا نزل القرآن، وما يريد منا، وماذا نعمل معه؟ أيها الأبرار، وأيها الأخيار، يا طلبة العلم! لا بد أن تكون نظرية التأمل والتدبر حية في أذهاننا. الحديث ينفعك بالتدبر، والفقه ينفعك بالتدبر، لقد رأينا وسمعنا وعشنا أن المذكرات التي يؤلفها البشر في الامتحانات نسهر عليها في الليل، ونضع تحت كل سطر خطين أو ثلاثة، ونستخرج منها الكنوز وليس فيها كنوز، ونقف مع الدرر وليس فيها درر، ونستخرج الجواهر وليس فيها جواهر، فإذا أتينا نقرأ القرآن يوم الجمعة نعسنا. نقرأ آية من هنا وآية من هنا، وقلوبنا في الوادي. إنه كلام رب البشر، إنه كلام من أنزل هذا القرآن على سيد البشر، كلام يحيي القلوب، ويحرك العواطف، وتجيش له الأرواح. فقضية الفهم -أيها الإخوة- في القرآن وفي غيره لا بد منها. تقرأ الحديث أولاً، ثم تستنبط منه، فإن استطعت أن تجالس زميلك وتقول: ماذا تستنبط من هذا الحديث؛ فعلت، وكذلك تناقشه ليثبت العلم. إن دراسة العلم للامتحان تذهب في وقت الامتحان، يخرج الطالب من الفصل وقد ترك العلم في الفصل يقول الشافعي: علمي معي حيثما يممت يتبعني قلبي وعاء له لا بطن صندوق إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق أي: أنا لا أغلق عليه في الصناديق بل أنا أحفظه وأفهمه وأتدبره، وقيل: إنها للفقيه منصور.

كيف يبدأ الطالب

كيف يبدأ الطالب كيف يبدأ طالب العلم؟ الناس طبقات، ولكن يبدأ طالب العلم أولاً بدراسة العلم على الأساتذة والعلماء وطلبة العلم، والثانويات والمعاهد العلمية والمدارس والكليات تكفي لمن لم يجد غيرها، وفيها خير، فإذا وجدت المساجد فهي أحسن وأحسن، وإذا وجد الشيوخ في المساجد فهم أحسن وأحسن، ولكن إذا لم نجد المشايخ، فأين نبحث؟ أنترك طلب العلم؟ لا. بل نقول: في هذه المدارس والمعاهد والثانويات والكليات البركة والنفع الكثير، وهي تعطيك المفاتيح فقط، لكنها لا تعطيك كل العلم، فأنت إذا درست تبدأ تكوّن نفسك في بيتك -وسوف يأتي معنا كيف يكون طالب العلم مكتبته- فتبدأ بنفسك فتحفظ القرآن كما أسلفت، وتطالع تفسيراً ولو مختصراً، وأحسن التفاسير ابن كثير فتمر به مرة، وتصبر حتى تنتهي منه، وتتصور معاني القرآن، أما قراءة شذر مذر من كل بحر قطرة، فيكون الإنسان مثقفاً ولكن لا يكون عالماً، ثم تبدأ بدراسة المختصرات وتكرارها؛ مثل بلوغ المرام، ورياض الصالحين، وزاد المستقنع، والبيقونية، وألفية العراقي في الحديث، والرحبية، وأمثالها، أو ماتيسر من أي متون أخر فتطالعها، فإن استطعت أن تحفظها فكمال، وإلا فكررها كثيراً، ثم تبدأ بالمطالعة الكبرى. بعض الناس يقول: إن المطالعة في المجاميع كـ المغني وفتح الباري والمجموع، والمحلى، لا تنفع، لا. بل لها نفع كبير لمن كان أهلاً، فإنها تفتق ذهنك، ويشرق عليها عقلك، وتستفيد منها ملكة ودربة في مناقشة العلماء، والأخذ والعطاء والمداولة وفحص المسألة، وتحريرها وتحقيقها، ولو لم تفهم لكنه سوف يعلق بذهنك الكثير الكثير، وسوف تتحدث بطلاقة، وسوف تكون عالماً. يقول ابن الجوزي: لا يخلو كتاب من فائدة، فأنا أرشدك أن تقرأ كل ما وقع في يدك، وكن قارئاً ممحصاً. وطالب العلم يعرف ما هو الفن الذي يجيده، فبعضهم يصلح أن يكون مفسراً لا محدثاً، أو محدثاً لا فقيهاً، قال تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60]. فأنت تعرف المادة التي تجيد فيها، فأشغل بها ليلك ونهارك، إن كنت محدثاً لتخريج الأحاديث، والرجال، ومخطوطات الحديث، ومراسلة طلبة العلم، والجلوس في دروس الحديث، ومسامرة العلماء، ومناقشته المشايخ، حينها تكون محدثاً. فإن كنت فقيهاً فاجمع كتب ورسائل الفقه، والبحوث العصرية، والمجلات التي تعرضت للبحوث الفقهية، واحرص على المراسلة، والمكالمة مع العلماء في المسائل الفقهية حينها تكون فقيهاً. وإن كنت مفسراً فاجمع كتب التفسير، وابحث عن دلالات الألفاظ، وعن لغات القرآن، ومقاصده، فإنك تكون مفسراً.

تكوين المكتبة

تكوين المكتبة كيف يكون طالب العلم مكتبته؟ طالب العلم الذي ليس في بيته مكتبة نقص عليه خير كثير، لأن سلاح طالب العلم المكتبة، وجماله المكتبة، ولا تسمع لقول أبيك وأمك إذا قالا: أخرج الكتب؛ فإنها أخذت علينا البيت، وضايقت علينا، أو ليس من ورائها طائل، أو أنها تلهيك عن الأعمال، وتلهيك عن المهام وعن مستقبلك في الحياة! بل هي مستقبلك وكنزك وشرفك، فإن مكتبتك يجلس معك فيها العلماء، والفقهاء والمفسرون، والأدباء، فإذا أغلقت غرفتك على نفسك مع المكتبة، فقد جالست الإمام أحمد، ومالكاً، وسفيان الثوري، والشافعي، وأبا حنيفة، وابن تيمية، وابن القيم، ومعك الشعراء ومعك الأدباء بعد العلماء. قيل لـ ابن المبارك: أين تذهب بعد صلاة العصر ولا تجلس معنا؟ قال: أجلس مع الصحابة، وأنتم تغتابون الناس. قالوا: وأين الصحابة؟ قال: أجلس مع كتبهم أستفيد. وليست المكتبة بكثرة الكتب، وفي بعض البيوت مجالسهم الكبرى فيها من كل الكتب، ولكن لا استفادة، يعرف العناوين وأسماء المؤلفين والمحققين ولكن إذا دخلت به داخل المجلد لا يعرف شيئاً. تراه يعرف مؤلف الكتاب ومتى توفي، ومن حققه، وطبعة بولاق ودار الشروق، لكن داخل الكتاب لا يدخل إليه، والعبرة بالقراءة لا بكثرة الكتب، فإن بعض طلبة العلم، عنده عشرون أو ثلاثون كتاباً قد هضمها وشربها، وأكلها، وفهمها، وأخرج منها الكنوز، وسيرها للعالمين، فهو العالم حقاً. والمكتبة الجيدة لا بد أن تنص على هذه القائمة من الكتب:

أهم كتب التفسير والفقه

أهم كتب التفسير والفقه أهمها القرآن الكريم: فلا بد أن يكون معك حضراً وسفراً؛ في السيارة وفي البيت والفصل، وفي كل مكان، إذا بدأت تقرأ في أي كتاب، فابدأ بالقرآن ولو ثلاث أو أربع أو خمس آيات؛ فإنه البركة والنور والإشراق، إنه مفتاح العلم. الثاني: تفسير ابن كثير: فلا بد أن يكون معك في المكتبة، وإن أردت أن تتوسع فـ تفسير ابن جرير الطبري لكن تفسير ابن كثير فيه الكفاية. وتفسير القرطبي للأحكام والمسائل التي في القرآن من أحكام وفرعيات. وفي ظلال القرآن -مع ملاحظة بعض المسائل فيه- ربط الواقع وعلم الثقافة العصرية بالقرآن. الثالث: الفقه فلا بد أن يكون معك المغني والمغني مثل اسمه، فمن كان في بيته المغني فقد بلغ النصاب وعليه الزكاة إذا حال عليه الحول، ألفه ابن قدامة بدمه وروحه وعرقه وجهده وإخلاصه، فكان كتاباً بارعاً أخذ العقول، ومع المغني المحلى لـ ابن حزم ولا تسمع لمن أرجف ضد المحلى أو حارب المحلى أو عقد حلفاً ضد المحلى، يقول بعض أهل العلم في ترجمة ابن تيمية: وتحلى بـ المحلى وتولى منه ما تولى، فاجعل المحلى في بيتك واقرأ، وانتبه لأربعة أمور في المحلى: أولها: العقيدة، اغسل يديك في الأسماء والصفات، ولا يعديك فإن فيه جرباً في هذه المسألة، حيث إنه يؤول في الأسماء والصفات، فانتبه إليه. المسألة الثانية: لا تسمع لقوله في الغناء، فإنه يبيح الغناء. واجزم بتحريم الغنا كجزمي ولا تطع قولاً لـ ابن حزم فالأحاديث ترد عليه رداً بارعاً، وقد ضعف الصحيح، ولكنه لا يسمع الغناء، فإنه زاهد عابد تقي داعية، لكن لم يظهر له تحريم الغناء، وتحريم الغناء في صحيح البخاري وغيره. المسألة الثالثة: أنه أنكر القياس، ومن أنكر القياس فقد ذهب عليه ما يقارب ثلث الشريعة. المسألة الرابعة: الرجل يقع في العلماء غفر الله له، يمر بعالم فيقول: هذا عبد أضله الله على علم، ويأتي عالم يقول: ينجس من الدم مقدار الدرهم البغلي، فيستهزئ فيقول: من بغال الكوفة أو من بغال البصرة. أما إبداعاته وإشراقاته، فأولاً: الرجل محدث يجرح ويعدل ويصحح ويضعف ويتكلم بجدارة وقوة. لما حضرنا كشفنا عن جماجمنا ليعلموا أننا بكر فينصرفوا قال البقية والهندي يحصدهم ولا بقية إلا السيف فانكسروا والأمر الثاني: أن الرجل أوتي عقلية فياضة نظار أصولي، له كتاب في الأصول من أبدع ما يكون. والأمر الثالث: الرجل عنده فقه واستنباط، ليس بالسهل فهو عملاق، يقول الشوكاني في البدر الطالع: ما بين ابن تيمية وابن حزم أقوى من الرجلين. مرة يحلق بك تحليقاً بارعاً، ومرة يسقطك على التراب، حتى يقول ابن تيمية: والله إني أعجب لذكائه وفطنته، عجبي من شواذه وغرائبه، مرة يستنبط استنباطاً كأنه اللؤلؤ والجوهر والمرجان، ومرة يأتي فيركب عليك فحماً، فهذا المحلى. والكتاب الثالث في الفقه: المجموع للنووي وليته كمله لكن وصل رحمه الله، إلى باب الربا فكمله الإمام السبكي وغيره من الشافعية. الكتاب الرابع في الفقه: التمهيد لـ ابن عبد البر، قال: الذهبي في ترجمة ابن حزم في سير أعلام النبلاء أربعة كتب من جمعها، وأمعن النظر فيها وأتقنها فهو العالم حقاً، التمهيد لـ ابن عبد البر، والمحلى لـ ابن حزم، وسنن البيهقي، والمغني للحنابلة، هذا جانب الفقه. ومن الكتب الفقهية الحديثية التي لا بد أن تكون في بيتك ومكتبتك سبل السلام، للصنعاني ونيل الأوطار للشوكاني وإذا ضممت السلسبيل للبليهي وهو تعليق على زاد المستقنع فقد أحسنت أيما إحسان.

أهم كتب العقيدة والتاريخ والتراجم

أهم كتب العقيدة والتاريخ والتراجم أما في جانب العقيدة فعليكم بثلاثة كتب لا بد أن تكون في المكتبة: كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب وشروح هذا الكتاب، ومعارج القبول للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي، وما يدور حوله، وشرح الطحاوية لـ ابن أبي العز. ثم لا تنس كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، التي تكلموا فيها عن الأسماء والصفات، وعن توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وفي القضاء والقدر، وفي مسائل المعتقد، هو وابن القيم، فاجمعها وهذا يكفيك في المعتقد. أما في التاريخ: فعليك بـ البداية والنهاية لـ ابن كثير فهو كتاب فياض، وإذا حصل في يديك تاريخ الإسلام للذهبي فهو مؤرخ الإسلام وعلامة الإسلام فحسبك به، وكل الصيد في جوف الفرى. أما في التراجم: فعليك بـ سير أعلام النبلاء، فإنه من أحسن الكتب، وتذكرة الحفاظ للذهبي، والكمال لـ عبد الغني المقدسي، وتهذيب التهذيب، وتقريب التهذيب.

أهم كتب في الحديث وشروحه

أهم كتب في الحديث وشروحه أما الحديث -والواجب أن يقدم بعد القرآن- فعليك بكتب في الحديث، أولها: الكتب الستة فلا بد أن تكون في بيتك، ومسند الإمام أحمد فمدار رحى الإسلام على هذه الكتب، ويكفي من ذلك جامع الأصول لمن أراد أن يكون متوسط العلم في الحديث، وهو لـ ابن الأثير، فإنه جمع الكتب الستة، وجعل مكان سنن ابن ماجة موطأ مالك، وأضف إلى جامع الأصول مسند الإمام أحمد، وفتح الباري، ولا هجرة بعد الفتح، فلا يفوتك أبداً. وشرح النووي على مسلم، وتحفة الأحوذي على الترمذي، هذه في جانب الحديث، ويضاف رياض الصالحين، وبلوغ المرام، الترغيب والترهيب، وزاد المعاد. والخلاصة كل كتب ابن كثير وابن تيمية وابن القيم تكون في مكتبتك. هذه مكتبتك، وهي لا تكلفك شططاً، وليست بالكثيرة، لكن كل خير ونفع وفائدة في هذه المكتبة، فإذا قرأتها وتدبرتها، وأمعنت النظر فيها، وراجعت المسائل فيها فأنت العالم، قرة عين لك.

التركيب الشخصي لطالب العلم

التركيب الشخصي لطالب العلم .

لباس طالب العلم

لباس طالب العلم قد يقول أحدكم: هذه مسألة خفيفة، كيف تتحدث في اللباس وهو أمر ظاهري لا ينبغي أن يعتنى به؟ فأقول: إن أمر اللباس ليس بالسهل، فإن لطالب العلم لباساً خاصاً، لا: نقول إنه لباس خاص عن المسلمين؛ لكنه شارة في اللباس، واللباس ولو أن أمره سهل لكن له مدلولات، أولاً: اجتنب من اللباس ما يزريك من المحرم والإسبال في الثياب، ولبس الأحمر الذي فيه أنوثة وميوعة ودلال، ولبس الحرير؛ لأنه مُحرَّم، فهذه ونحوها تلحقك بالازدراء وعدم الاستقامة والالتزام، فهذا أمر لا بد أن تعرفه في اللباس، لكن تلبس اللباس الذي يتوسط فيه المسلمون، وحبذا اللباس الأبيض إلا للحاجة في صيف أو شتاء أو في غيره، فإنك تلبس ماتيسر، ويكون لباسك وسطاً مقتصداً لا يلحقك بالكبراء ولا بالمنجرين الشرهاء، بل وسطاً من الناس، وتكون معتنياً بهيئتك ولطافتك ونضرتك، وتسمى الأناقة، وبعض الناس أنيق ولو كانت ثيابه رخيصة، وبعضهم ولو كانت ثيابه كثيرة غالية لكنه مبعثر، يلبس الغالي لكنه يبعثر نفسه، فالأناقة والهندام من صفات طالب العلم. يضاف إلى ذلك، الطيب، والسواك، والبسمة الرقيقة الشفافة التي تظهر بشجاعة وعلو همة، وثقة بالنفس، فهذه تضاف إلى اللباس الذي لا يزري بك. ويراعى في الثوب النظافة والاقتصاد، وقد كان الإمام أحمد يلبس ثوباً بين ثوبين؛ لا غالٍ جداً ولا رخيص رخيص، وكذلك ابن تيمية قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143]. فهذا أمر لا بد أن يتنبه له، ولا يقال هذه أمور عادية، لا، إن هذه قوادح كبرى، إن من يأتي يخطب الناس ويتكلم في الناس فيرون ثوبه مسبلاً يخط في الأرض لا يقبلون منه، وكذلك من يلبس أحذية أتت بها الموضات الجديدة وما رخص فيها أهل العلم ولا توافق السنة، فإن في ذلك غضاضة، وإن من يلبس أحمر يلحقه بأهل التعنت والتخنث لا يقبل، وإن من يتشبه بأعداء الله الكفرة لا يقبل، فليتأكد طالب العلم من اللباس فإن أمره خطير.

معتقد طالب العلم

معتقد طالب العلم ما هو معتقد طالب العلم؟ أيعيش طالب العلم على هامش الأحداث؟ أليس له مبدأ يعتقده؟ أليس له عقيدة مضبوطة محددة معلومة، مسيرة له، متشادة العناصر والأواصر تأخذ أهدابها بأهداب بعض، معلومة في قلبه وواقعه وذهنه، لا يحد عنها قيد أنملة؟ هذا هو الواقع، والذي ينبغي لطالب العلم أن يكون معتقده معتقد السلف الصالح. فلا بد أن يكون طالب العلم سلفي المعتقد، في كل ما أتى به المصطفى صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة على مذهب السلف الصالح في الثلاثة القرون، فإنهم أعلم وأحكم وأسد وأسلم، لأن ابن تيمية ينقل أن بعض المناطقة والفلاسفة وأهل علم الكلام يقولون: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أحكم وأعلم. فكذبهم رحمه الله وقال: بل طريقة السلف هي أسلم وأحكم وأعلم، وطريقة الخلف أظلم وأغشم، وليس فيها خير إذا خالفت طريقة السلف، وأنت مطلوب منك أن يكون اعتقادك اعتقاد القرون المفضلة، في الأسماء والصفات وفي غيرها، واعرف أن هذه البدع لا يقبلها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن أهلها مخالفون لـ أهل السنة وهم مختلفون، بعضهم صاحب بدع طفيفة، وبعضهم كثيرة، وبعضهم صغرى وبعضهم كبرى، فـ الأشاعرة ليسوا في الأسماء والصفات على مذهب السلف، ولا المعتزلة، ولا الجهمية ولا الرافضة، ولا المرجئة، ولا القدرية، ولا الخوارج، فكن سلفي المعتقد، تأخذ اعتقادك من معتقد السلف، وأحسن من كتب عن السلف ومعتقد السلف شيخ الإسلام ابن تيمية حيا الله ذاك الرجل، وحيا كتبه، هذا أمر لا بد أن ينبه عليه حتى يتأكد العبد. وأما أن يقول: ليس بيننا وبين العباد خلاف، بل خلاف وأي خلاف، ولماذا أقيمت المناظرة والمحاجة، وقام الغضب من أجل لا إله إلا الله، ومن أجل الأسماء والصفات إلا لهذه الأمور، الخلاف موجود لكن يختلف الخلاف من خلاف إلى خلاف، حجمه وتأثيره ومداه، فلا بد أن نعرف أن هذا أخطأ في هذه المسألة فيبدع فيها بحدها وبحجمها.

السنن والنوافل في حياة طالب العلم

السنن والنوافل في حياة طالب العلم طالب العلم حليته السنة وإذا تحلى بها رزقه الله قبولاً وإخلاصاً وقُبِلَ كلامه، والأصل فيه أن يجعل صورة الرسول على محياه، ولا يستصغر بعض السنن كاللحية, والأصل في طالب العلم أن يكون ذا لحية، ولا يقال أنتم لا تتكلمون إلا في اللحى وإسبال الثياب، فإنها من السنة، وهي جزئيات من حياتك، لتكون صورة كاملة، هذه حياتنا، وهذا مجدنا وهذا ديننا، وإسلامنا. والكافر الذي يتبع قادته وزعماءه يقلدهم ويتشرف بذلك، وزعيمك وقائدك محمد عليه الصلاة والسلام قصر الثوب، وأرشد إلى خصال الفطرة: وهي قص الشارب، وتقليم الأظافر، وحلق العانة، ونتف الإبط، والغسل، والنظافة والنقاء. ومن السنن: عند دخول البيت: باسم الله، والسلام على أهل البيت، والخروج مع السلام، والجلوس جلسة المصطفى عليه الصلاة والسلام، والأكل باسم الله، والقيام باسم الله، والنوم على السنة، والقيام على السنة، وقراءة كتب أعمال اليوم والليلة، والأذكار للنووي فإنها تعلمك السنة لتكون مطبقاً للسنة بارك الله فيك. أما نوافل طالب العلم، فأعظم نافلة بعد الفرائض طلبك العلم، وحفظك وبحثك وتحقيقك، فهذه نوافل تؤجر عليها، أنت تسهر على علم الحديث، وعلم الفقه، والتفسير، أو أي علم تنفع به الإسلام، وأنت أعظم من ذاك الذي يسهر في النوافل، يصلي ويركع؛ لأن نفعك متعدٍ للمسلمين، وخيرك عام للأمة، وأنت تحيي الأجيال وتريد نهضة الشعوب وردها إلى معين محمد عليه الصلاة والسلام، ذاك يصلي لنفسه، ويجمع الحسنات لنفسه، وأنت مأجور أكثر منه إذا أخلصت النية والمقصد. لكن لا بد أن يكون لك حد أدنى من النوافل تقتصد فيه، والحد الأدنى على حديث أبي هريرة، في الصحيحين، وفي السنن والمسانيد: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث، لا أدعهن حتى أموت، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام} ولا بد أن يكون لك جزء من القرآن في اليوم أو ما يقارب جزءاً، لا يمر يومك إلا وتقرؤه، وتحافظ على الأذكار والتسبيح في الصباح والمساء. وصلاة الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر إذا استطعت ولم تضر بدراستك وامتحانك، وأن توتر قبل أن تنام، أو تؤخر الوتر إذا علمت أنك تقوم إلى السحر. ولتكن لك ابتهالات وخلوة مع الله في مناجاتك وعبادتك، ولك دعاء ورقة، حتى تكون هذه سنتك وأورادك، ليكون لك تأثير في الناس، لأن القلب إذا بقي على العلم ولم يكن له أوراد ونوافل جف القلب وقسا، وخمدت الروح فلا يكون لها إشعاع.

الإنفاق من العلم

الإنفاق من العلم العلم ينفق منه كما ينفق من المال، في كل أربعين شاة، هذا من الغنم، ولكن يقول بعض السلف: يا أهل العلم زكوا الحديث في كل مائتين حديث خمسة أحاديث، لأنه قرأ قراءة منهجية، أن الأحاديث العملية قليلة، وأحاديث الفضائل، وأحاديث الأخبار والسير والقصص كثيرة، فكلما مر بك حديث يقبل العمل فاعمل به فوراً. يقول الإمام أحمد: كتبت المسند فيه أربعون ألف حديث مع المكرر، وثلاثون بغير المكرر، وما من حديث مما يقبل العمل إلا عملت به، حتى إني وجدت حديثاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام اختفى في غار ثور ثلاثة أيام فاختفيت في غار في بغداد ثلاثة أيام. والتطبيق يقع في الحال. ليس المسألة أن نمتحن وننجح إنما المسألة العمل بالعلم. سبحان الله! يعرض علينا الحديث في الصحيحين على السبورة، ويكتب ويشرح قوله صلى الله عليه وسلم: {من قال في يوم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، كتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له عدل عشر رقاب، وكان له حرز من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا رجلاً عمل بعمله أو زاد عليه} ثم لا يعمل به أحد! إذاً فما فائدة حفظ الحديث واستنباطه إلا للعمل، ومعنى الإنفاق من العلم: أن تعلم به الناس. إن القرى تشكو إلى الله عز وجل من الجهل والبدع والخرافات والتقليد. لا يعرفون أوليات الإسلام وأساسيات الدين: كالغسل من الجنابة، والوضوء وكيفية الصلاة، والطلبة الجامعيون يملئون القرى، ولا يتصدر أحدهم ليقرأ بالناس أو يعلمهم. إن الناس لا يريدون عالماً متخصصاً يعلمهم بتصحيحات الأحاديث واختلافات أهل العلم، إنما يريدون علماً مبسطاً ميسراً، وأضعف واحد عندنا في هذه الجلسة يستطيع أن يكون عالماً مفيداً لبني قومه في قريته وضاحيته، ويوم تنفق يزيدك الله عز وجل: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17]. يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا كل شيء ينقص إذا أنفقت منه إلا العلم، فكلما أنفقت منه زاد، ويأتيك كالسيل وكالبحر، كلما تحدثت وشرحت ولخصت ودعوت وخطبت، تداعت عليك الخواص، وأتتك إن شاء الله الفتوحات، وفتح الله عليك فأصبحت تسيل سيلاناً.

التحذير من التسرع في الإفتاء

التحذير من التسرع في الإفتاء التسرع في الفتيا مرض خطير، لعلك تجد شاباً في الخامسة عشرة من عمره، قد جلس ولف رجله وقال في المسائل الصعبة: الذي تطمئن إليه نفسي كذا وكذا، من أنت يـ ابن تيمية حتى تطمئن نفسك؟ من أنت يا مالك بن أنس حتى توصلت إلى هذا اللموع والإشراق في المسألة؟ يهز رأسه ويقول: أرى والله أعلم أن هذه المسألة فيها ستة عشر قولاً، فيقال: أعطنا القول الأول فيقول: نسيته. دخل أبو دلامة على الخليفة العباسي المهدي فقال: أتحفظ الحديث؟ قال: طلبت الحديث أياماً. قال: حدثنا مما أعطاك الله. قال: حدثنا فلان عن فلان عن عكرمة عن ابن عباس أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {من حفظ خصلتين دخل الجنة} نسي عكرمة خصلة، ونسيت الثانية. وماذا استفدنا إذاً؟ إن الإجهاض الفكري والتصدر قبل حينه معناه الهضم والفشل والانهزامية، من تصدر قبل حينه، فاته التصدر في حينه. لأنه قد تأتي من المجتمع أسئلة كثيرة؛ فإذا قال: لا أدري كشف أوراقه، كلما أتته مسألة قال: لا أدري! لا أدري، حتى لو قال العوام: كيف يتوضأ المتوضئ؟ قال: الله ورسوله أعلم. كم صلاة الظهر؟ لا أدري. كم صلاة العصر؟ لا أدري. كم أركان الإسلام؟ لا أدري. فلماذا لبست العمامة والنظارة والعكاز أمام الناس؟ قد يتوجه سؤال فيأتي الجواب قبل أن يكمل Q الحديث ضعيف، الحديث حسن، الحديث صحيح، ويغضب ذاك على أن قاطعه ذاك بالجواب، نسأل الله العافية، وهذا هوى لا بد أن نخلص أنفسنا منه، فلا بد أن نتمهل في الفتيا، لأنها صعبة. قال رجل من التابعين: والله إنكم لتفتون في مسائل لو عرضت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر، وسأل رجل زيد بن ثابت في مسألة، فقال زيد: أوقعت؟ قال: لا. ما وقعت؛ لكن أسأل عنها لأنها ربما تقع، قال: اذهب، فإذا وقعت تجشمنا لك جوابها. وسئل علي بن أبي طالب عن مسألة فقال: لا أدري، وما أبردها على قلبي لا أدري! وسأل رجل ابن عمر: فقال: لا أدري قال: أقول: إن ابن عمر لا يدري، قال: اذهب وكل من لقيت فقل: ابن عمر لا يعرف شيئاً. وقال ابن عمر: أتجعلوننا جسراً إلى جهنم، إنسان يطلق زوجته ثم يأخذك بتلابيب ثوبك، لأنك فقيه في الشريعة ويريد أن تنقذه، فيربطك وينطلق، ثم يوم القيامة يأتي وليس عليه شيء، وأنت رددت له زوجته، وحللت له زوجته، كإنسان وقع في رضاعة مع زوجته فتفتيه فتقول: نتوكل على الله الفتاح العليم، هذا يجوز فليتزوج من فلانة، فيُحلّ ما حرم الله عز وجل، قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116]. أتى رجل إلى الإمام مالك في أربعين مسألة، فأجاب عن ثمان مسائل ورد اثنتين وثلاثين مسألة، قال: يا مالك! أتفتي في هذه وقد ضربت لك أكباد الإبل من العراق إلى هنا، قال: ما أعرف إلا هذه، ارجع إلى الناس وقل: مالك لا يعرف. لكن الوعظ والدعوة غير الفتيا، الفتيا لها أناس، من بلغ في العلم مبلغاً عظيماً فليفت، وأما الدعوة فكل إنسان يدعو بما عنده، ولا يلزمك إذا خطبت الجمعة، أو ألقيت درساً أو محاضرة أن تفتي الناس، أو أفت فيما تعرف، ولا تفت من عندك، بل إذا لم تعرف فقل: لا أدري والله أعلم. وأما التصدر فمرض خطير، وهو أن يأتي إنسان في أول الطريق فيتصدر، وهو محمود من جانب ومذموم من جانب، أما حمده فإنه من قوة الهمم، قال تعالى في صفات عباد الرحمن: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] قال عثمان بن أبي العاص في سنن أبي داود يا رسول الله! اجعلني إمام قومي، قال: {أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً} فمن إبداعك وعلو همتك أن تكون إماماً أو خطيباً أو محاضراً أو متحدثاً، فهذا من إشراقك وإبداعك وروعتك، لكن الخوف أن تعطي نفسك أكثر من حجمها، فربما يصح أن تكون خطيباً لكن لا تقل: أنا مفتي الزمن! أنا فريد العصر! أنا درة الدهر! أنا بركة الوقت! {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3]. فليتدرج تدرجاً، ولا يعطي نفسه أكثر من حقها ولا يهضمها، لأنه إذا هضمها وسوس له الشيطان، يجلسه في زاوية ثم يقول له: لا تفت ولا تحدث ولا تخطب، فتبقى الأمة في جهل.

خلق التواضع في طالب العلم

خلق التواضع في طالب العلم أعظم خلق لطالب العلم: التواضع، قال: بعض السلف: حق على طالب العلم أن يحثي بالتراب على رأسه من التواضع. مر إبراهيم بن أدهم بقرية، فأتت امرأة برماد تريد أن تلقيه بالمزبلة، فألقته فوقع على رأس إبراهيم بن أدهم، فأتى أهل القرية يعتذرون منه، فقال: رجل استحق النار؛ إذا صولح بالرماد فهو رابح، يقول: أنا أستحق النار عند الله، وأنا صولحت على الرماد في الدنيا، فماذا عليّ؟ ومرة زاحم رجلاً في الطريق فأخذ هذا الرجل العصا وضرب إبراهيم بن أدهم على رأسه، وقال: إنك رجل سوء، قال: إبراهيم بن أدهم: ما عرفني إلا أنت، وسكت. وقالوا عن عمر بن عبد العزيز: إنه ذهب يصلي صلاة الليل في الجامع الأموي -وهو خليفة زاهد، مجدد الأمة الإسلامية في القرن الأول- ذهب يصلي في ظلام الليل ولم يكن هناك سراج، فذهب وصلى وهو يبكي، فلما انتهى من صلاته ذهب ليعود إلى بيته، فوطئ رجلاً وهو نائم، فقام الرجل فقال: يا حمار! قال: أنا لست بحمار أنا عمر بن عبد العزيز وذهب. فهذا هو التواضع. وزاحم سالم بن عبد الله رجلاً في منى فقال له الرجل: يا مرائي يا منافق، قال: ما عرفني إلا أنت. وقالوا للإمام أحمد -إمام أهل السنة والجماعة الذي شيعه مليون وثمانمائة ألف في بغداد - قالوا له وهو يحمل الحطب في السوق: نحمل الحطب عنك، فاحمر وجهه وقال: نحن قوم مساكين لولا ستر الله لافتضحنا. سفيان الثوري حصد الزرع بالمنجل وأخذ أجرة، والإمام أحمد كان يلقط السنابل ويضعها في مكتل بأجرة، وكان زكريا عليه السلام -كما يقول ابن كثير - يخيط، فكانوا يقولون: كان لا يدخل الإبرة من ثقبها إلا ويقول: سبحان الله! قالوا: فأوحى الله إليه: يا زكريا! لقد رفعتك مكاناً علياً، قال: بماذا يا رب؟ قال: انظر إلى صحائف العباد كل مساء، فإن صحيفتك أعظمها عملاً} تسبيح وتهليل وتكبير، فالتواضع من سيما طالب العلم. وكلما نزلت إلى التراب كلما رفعك الله، والغبار أخف شيء يرتفع، لكن قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]. إذا مات الكلب في البحر طفا على الساحل، أما الجواهر والدرر فإن الغواص ينزل لها بكلفة، ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه، وكلما أراد الإنسان أن يرتفع وضعه الله، وقال: اخسأ فلن تعدو قدرك، ولكن المتواضع كلما تواضع قال: ارتفع رفعك الله، انتعش نعشك الله.

الشجاعة وعلو الهمة

الشجاعة وعلو الهمة ومنها الشجاعة في طالب العلم: شجاعة في الحوار بأدب، فلا يقول للمخطئ صدقت وأحسن الله إليك، وبارك الله فيك، وهو يعلم في قرارة نفسه أن هذا أمر خطأ، يأتي الأستاذ بمعتقد أهل البدع والجهمية ويقول: فتح الله عليك يا شيخ! لا. عليك أن تكون شجاعاً وتقول: يا أيها المعلم! يا شيخنا! أنت أعلم مني، لكن هذا خطأ، هذا رأي ابتداعي، فإن رأيته يأتي بمسألة يبيح فيها ما حرم الله، فتوقفه عند حده بأدب، أو يأتي بقضية مجاملة ومداهنة ورياء وسمعة، أو ترى عليه معصية فتنبه عليه، أو تكتب له ورقة بأدب، أما النفس الإنهزامية والفاشلة فهذه نفوس اليهود؛ أهل السوط والاستعمار، ضربهم هتلر على رءوسهم حتى أصبحوا بهائم، يسكتون أبداً، هز رءوس فقط. ومن خلق طالب العلم: علو الهمة، فلا يقول أحفظ كتاباً، وأفهم كتاباً، لا. بل يجعل في ذهنه أن يصلح الكرة الأرضية، حتى استراليا يكون مصلحاً لها، ومن ذا حجبك عن أبواب الخير؟ إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه يكن فيك ما يعجبك فليس عن المجد والمكرمات إذا رمتها حاجب يحجبك فلتكن همتك أكبر، لتكون علامة في العلوم وموسوعة فيرزقك الله على قدر همتك. أيها الإخوة الفضلاء! يا طلبة العلم النبلاء! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وهذه حلية طالب العلم، وقد بلغت، وأسأل الله أن ينفعني بها أولاً، ثم ينفعكم بما سمعتم، ويجعل طلبة العلم على ما يحبه الله ويرضاه قادة وسادة وموجهين ومربين ومعلمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

قالوا وقلنا

قالوا وقلنا من باب تجديد الخطاب الدعوي وتنويعه ألقى الشيخ هذه المحاضرة متنقلاً من قول إلى قول بقصد إمتاع السامعين وإفادتهم، ولكنه خص موضوعات حرية المرأة، وعن تعليم المرأة، وعن الأدب ووظيفته، وعن الشيوعية والجهاد الأفعاني، وعن الصحوة الإسلامية وانتشارها وما يوجه لها من نقد.

الخطاب الدعوي

الخطاب الدعوي الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن سار على منهجه إلى يوم الدين. عنوان هذه المحاضرة: قالوا وقلنا، وقبل أن أبدأ في تفاصيلها وبعض مسائلها أنبه على مسألة خطيرة: إن من أسباب عظمة هذا الدين أنه يخاطب كافة طبقات الناس، يخاطب الأغنياء والفقراء؛ والسادة والعبيد؛ والرجال والنساء؛ والكبار والصغار. إن محمداً عليه الصلاة والسلام بعثه الله إلى الرجل ليخاطبه، وليكلمه، وليفهمه، وليقوده إلى الجنة، وبعثه الله إلى المرأة ليوعيها ويفهمها ويكرمها، ويقودها إلى الجنة. وأنا أعرف أن بيننا شيوخاً كباراً, شابت رءوسهم في طاعة الله، واحدودبت ظهورهم في مرضاة الله، واقتربوا من الرحيل وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، ومعنا في هذا المجلس أطفال رضعوا لا إله إلا الله، وشبوا على منهج الله، وارتضوا الله رباً، ومحمداً نبياً، والإسلام ديناً، ومعنا في هذا المكان نساء طاهرات عفيفات مؤمنات مصليات، كن داعيات وما زلن؛ حافظات للغيب بما حفظ الله. ونفهم من ذلك عظمة الإسلام، وعظمة محمد عليه الصلاة والسلام. -بأبي هو وأمي- خاطب الملوك ودعاهم إلى الله فاستجابوا له، وأتى إلى الأطفال وحملهم وهو يصلي، وقام بأدبهم، وأذن في آذانهم، الرجل الذي عاش مع المرأة أباً وأخاً وزوجاً وشفيقاً حميماً بقريباته صلى الله عليه وسلم، ومعلماً للأجنبيات، علمهن الحجاب والأدب، وغض البصر والكرامة، وتربية الأطفال، والدعوة إلى الله. أعلن حقوق المرأة في عرفات فسمعه العالم، وأنصتت له الإنسانية صلى الله عليه وسلم. هذه أطروحة بين يدي هذه المحاضرة، ولعله من الطريف أن يجدد الداعية أسلوبه؛ لأن الباطل يجدد سلاحه، والله يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] فإذا أنشد الباطل قصيدة فحق لنا أن نرد عليه بقصيدة، وإذا نشر في صحيفة فواجب أن ندمغه في صحيفة، وإذا تناول الإسلام على منبر فواجبنا علينا أن نهدده على منبر، وإذا قاتلنا بالسلاح قاتلناه بالسلاح. إن بني عمك فيهم رماح

حرية المرأة

حرية المرأة قالوا: نحن ندعو إلى حرية المرأة، قلنا: حريتها ليست فيما تدعون إليه، فهل تدرون ما هي حرية المرأة؟ حريتها في الحجاب الشرعي، والستر والعفاف، والطهر والوقار والسكينة، وأن تكون أمة لله، تملأ قلبها بلا إله إلا الله، وعينيها بالحياء من الله: كأن رقيباً منك يرعى مسامعي وآخر يرعى مسمعي وجناني فما لفظت من فيّ بعدك لفظة على القلب إلا عرجت بجناني قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31] {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33]. حرية المرأة أن تصلي الصلوات الخمس في أوقاتها، وأن تخرج من البيت أطفالاً يؤمنون بالله لا أطفال شوارع.

حرية المرأة عند أعداء الله

حرية المرأة عند أعداء الله أما حريتها عند أعداء الله، عند سعد زغلول وقاسم أمين وأتاتورك وأمثالهم وأشكالهم وأضرابهم، فحريتها أن تكون عارضة أزياء، وبائعة في البوفية، ومشترية تجوب الأسواق صباح مساء، معروضة للفساق. وقف أعرابي فرأى امرأته تنظر إلى الأجانب؛ فقال: أتنظرين للأجانب؟ قالت: إني أنظر فقط، أنا لم أخالطهم ولم أضاجعهم ولا أدخلتهم بيتي، قال: نظر؟! -وهو بدوي- قالت: نعم؛ فطلقها بالثلاث، فقال له الناس: ما نظرت إلا نظراً، قال: أضاجعها وأدخلها بيتي وقد ملأت عينيها من الأجانب؟! ثم قال: إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كن الكلاب ولغن فيه إنها العزة والشمم!

غيرة سعد بن عبادة على نسائه

غيرة سعد بن عبادة على نسائه كان سعد بن عبادة بن دليم هو وأبوه وجده يسمون أجواد العرب الثلاثة، يقولون: إذا ضيف ضيافة كسر الناس عتبته من كثرتهم، نحر في يوم من الأيام مائة ناقة حتى أشبع الذئاب والكلاب والطيور، وكان من أغير الناس يقول: {يا رسول الله! إذا وجد أحدنا مع امرأته رجلاً أجنبياً ماذا يفعل؟ قال عليه الصلاة والسلام: يذهب فيأتي بأربعة شهداء -حتى لا تضيع دماء وأعراض وسمعة الناس- فقال: يا رسول الله! أمكث حتى أجمع أربعة؟! والله لأضربنه هو وإياها بالسيف غير مصفح، فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: تعجبون من غيرة سعد، والذي نفسي بيده، إني أغير من سعد، وإن الله أغير مني}. وكان سعد إذا تزوج امرأة حملها على فرس، فإذا وصل إلى بيته نحر الفرس، قالوا: مالك؟ قال: لئلا يركب الفرس رجلٌ في مكان زوجتي التي ركبت فيه. هذه عروبة الإسلام لا إسلام العروبة، وأصالة النخوة لا نخوة الأصالة المدعاة، إذاً فهذه هي الحرية التي ينادي بها العلماء والدعاة، أن تكون أمة لله، وطاهرة صينة وقورة، لا تكون عرضة. الأمريكان أخرجوا المرأة في الحرب العالمية الثانية من البيت تحمل السلاح تقاتل به القوات، وأوصلوها إلى فيتنام، وحملوها على الطائرة، وأركبوها الدبابة؛ فضاعت المرأة. خلقت المرأة أمة لله تربي الجيل في البيت، وخلقت معلمة ومحاضرة ومربية؛ لكن في بني جنسها وفي سترها وعفافها، أما ثقافة الغرب فأخرجت المرأة على الشاشة تنشر شعرها، لا إله إلا الله! {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5] {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [المؤمنون:63] جعلوها في المسرح تسكر مع الأجانب، وتسافر بلا محرم، وتجوب الأسواق بلا زوج وبلا أخ ولا ابن، هذه حريتهم التي يريدون للناس.

الثقافة

الثقافة

الغناء

الغناء قالوا: الغناء حلال، قلنا: في شريعة الشيطان, أملى لهم وسول لهم، وسوف بهم؛ فقالوا حلال، قال تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف:28] يبحثون عن أرخص الفتاوى، وإذا وجدوا عالماً ضل في هذه المسألة، أو أخطأ اجتهاده وخالف جميع علماء الدنيا، أخذوا بقوله ومدحوا هذا العالم، وقالوا: كثير المعلومات، وواسع الثقافة، وسمح الجانب، ويفهم العصر، ومشرق، ومنفتح على العالم، حتى يؤيدوا أخذهم هذه الفتيا، وإلا فالغناء حرام بالإجماع كما قال الشوكاني والآجري وغيرهما، بفتاوى من إذا أفتى أفتى، كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام الفتاوى التي تعتمد على قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام.

الشعر سلاح ذو حدين

الشعر سلاح ذو حدين قالوا: هل في الشعر كفر؟ وما أمثلة ذلك؟ لأن بعض الناس يقول: لا تدخلوا الحلال والحرام في الأدب، اتركوا الناس ينشدون، ويلقون الأمسيات الشعرية، أحلال وحرام حتى في الشعر؟! اجلسوا أنتم في المساجد وفي المنبر يوم الجمعة، أما أن تدخلوا حتى الأمسيات والدواوين، ومع الشعراء فلا. قلنا: إن الإسلام لابد أن يدخل إلى المنتدى، ويدخل إلى الميدان، ويحاسب الشعراء، ويتكلم مع الأدباء لأنه دين الله، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. أنا أعرض عليكم بضاعة بعض الشعراء وأنتم تحكمون، أحد الشعراء دخل مع بعض الجيوش العربية فلسطين يوم الهزائم السوداء، يوم دخلت بعض الجيوش بغير لا إله إلا الله، دخل الشاعر هذا فكتب على أحد الأعلام: آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ماله ثاني هذا كفر أم لا؟ هذا كفر بإجماع العلماء والحمقى والمغفلين والحيوانات. وقد أراهم الله أي بعث بعثهم، وأي عروبة عروبتهم، تركوا أحذيتهم وفروا من وجه موشي ديان، ولاحقتهم جولدا مائير حتى أدخلتهم جحورهم كالضباب: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45] ويقول شاعر آخر: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم ألا يا هلاً كفراً يؤلف بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم هذا كفر أم إيمان؟ هذا أكفر الكفر، وأطغى الطغيان، وألحد الإلحاد، أفيقال: لا تتدخلوا في هذا الشأن؟! أيكفر بالله، وتمزق شريعة الله، وتمرغ لا إله إلا الله، ثم يقال: لا تتدخلوا في هذه الجوانب؟! ومنها -وأستغفر الله! - ما قاله العكوك وهذا شاعر قديم، والضياع والكفر قديمان من عهد إبليس, قال لأحد السلاطين: أنت الذي تنزل الأيام منزلها وتنقل الدهر من حال إلى حال وما مددت يداً في اللوح كاتبة إلا قضيت بأعمار وآجال ودخل زنديق على سلطان قال: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار ودخل ضال غاوٍ آخر على سلطان مصر -وسلطان مصر كان من أظلم الناس- يقول أهل العلم: زلزلت مصر بسبب ظلمه، كان يأتي إلى المرأة وهي حامل، فيأخذ الخنجر، فيشق بطنها فإذا ابنها أمامها، نزل للسوق وأقسم للناس: إن لم تسجدوا لي لأذبحنكم جميعاً؛ فسجدوا له في السوق، ولما أصابت مصر زلزلة دخل عليه الشاعر يخفف عليه المصيبة قال: ما زلزلت مصر من كيد ألم بها لكنها رقصت من عدلكم طربا هل بعد هذا كفر؟ يقول: لا تظن مصر زلزلت، بل رقصت فرحاً من هذا العدل.

تعليم المرأة

تعليم المرأة قالوا: أنتم منعتم المرأة من مزاولة الأعمال والمهن، قلنا: هذا كذب، فإن ديننا علمها العمل الكريم والمهنة الشريفة، علمها أن تكون مربية، يقول البخاري بيض الله وجهه في كتاب العلم: باب هل يجعل الإمام للمرأة يوماً من نفسه. ويوم الإثنين كان يوماً معروفاً عند الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم فيه النساء، ويفقههن ويفتيهن في الحيض والنفاس والولادة والزوجية والبيت، وكل دقيقة وجليلة من حياتها، وعلمها كيف تربي الأجيال.

أمهات الصحابة

أمهات الصحابة أم عمر امرأة، وأم خالد امرأة، وأم أبي امرأة، وأم طارق امرأة، فالنساء منتجات الرجال، لما علمهن الإسلام كيف يكن مؤمنات أخرجن الأبطال، فلما ضيع الناس المرأة أخرجن سفهاء، عمر الواحد منهم أربعون سنة, وهوايته جمع الطوابع والمراسلة وصيد الحمام، ومغنياً عمره خمسون سنة، وبعض المغنيين عمره سبعون سنة اليوم، والله يقول: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] ويلقون معه مقابلة، قالوا: كيف بلغت هذا المستوى؟ قال: بدأت من الصفر، وصبرت وثابرت حتى بلغت هذا المستوى.

الجهاد والكفر

الجهاد والكفر قال الشيوعيون: الإسلام دين التطرف، قلنا: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5]. ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني لكن الله أراهم ما هو التطرف. رئيس رومانيا قام عليه شعبه فسحبوه كالدجاجة حتى ذبحوه في الشارع، وآمنوا بالتعددية وكفروا بـ الشيوعية. جرباتشوف يلوح في حديقة من حدائق موسكو إلى الناس أن يثبتوا؛ فقاموا عليه بالتراب، وسفوه على وجهه بعد تنازلاته الكبيرة، لأن الإلحاد لا يثبت للأرض، والتطرف ليس له أساس، والأصل لا بد أن ينتصر، ولأن لا إله إلا الله وصلت إلى موسكو، وسوف يأتي هذا في آخر هذه المقالة.

مقارنة ظالمة بين النبي صلى الله عليه وسلم ونابليون في العسكرية

مقارنة ظالمة بين النبي صلى الله عليه وسلم ونابليون في العسكرية قالوا: الرسول عليه الصلاة والسلام أشد وأعظم في عسكريته من نابليون، كما قال العقاد في عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم , وكأنه اكتشف شيئاً ما اكتشفه الناس، يقول: توصلت بعد استقرائي إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام أشد عظمة في العسكرية من نابليون. قلنا له: ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا لا يجوز لك هذه المقارنة، حسبك الله، ويل لك من الله! تقارن بين عظيم يتلقى الوحي من السماء بعثه الله رحمة للناس، وبين مجرم فرنسي سحق الأطفال والشيوخ، واستعمر العالم، وسفك الدماء، وهدم المساجد، ذاك يقول الله فيه: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:1 - 4] ويقول فيه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] وأما ذاك نابليون فيقول العالم: لعنه الله!

الجهاد الأفغاني واستمراريته

الجهاد الأفغاني واستمراريته قالوا: الجهاد الأفغاني انتهى. قلنا: لا. بل لا يزال قائماً؛ لأن الكفر ما زال قائماً، ومن قال: انتهى الجهاد، فهو لا يعرف شيئاً عن الجهاد، إذ مادام نجيب الشيطان في كابل فذلك أكبر دليل وأكبر برهان على أن الجهاد لا يزال قائماً، كيف انتهى الجهاد وأطفال المجاهدين شذر مذر، وشيوخ المجاهدين في الجبال، والمساجد مهدمة، والمصاحف ممزقة، والناس خارجون بلا إرادة إلا إرادة الكافر الذي أخرجهم من بيوتهم على وجوههم؟!

بين أهل الهوى وأهل الحب

بين أهل الهوى وأهل الحب أهل الفن والعشق والغرام يقولون: هؤلاء متزمتون، والملتزمون لا يعرفون الحب ولا يحبون؛ لأنهم هم يحبون سلوى والربابة، والأغنية الماجنة والسهرة الخليعة! قالوا الهوى والحب هل تعنو له أم أنت في دنيا الهوى متجلد قلت المحبة للذي حمل الهدى فحبيب قلبي في الحياة محمد

نماذج من حب الصحابة لله ورسوله

نماذج من حب الصحابة لله ورسوله الحب مثل حب سعد بن معاذ، يقول: {يا رسول الله! والذي نفسي بيده، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد}. أنس بن النضر يقول: [[إليك يا سعد! والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]] هذا هو الحب! وحب جعفر الطيار: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها وحب عمير بن الحمام يلقي التمرات ويقاتل ويقول: {بخ بخ! إنها لحياة طويلة حتى آكل هذه التمرات}. وحب سعد بن الربيع الذي قال: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]]. قالوا: إن شاعر الإنجليز شكسبير دخل على فنانين (رسامين) في حديقة في لندن، فقالوا: ما رأيك في اللوحات؟ قال: جيدة. قالوا: هل لك اقتراح؟ قال: لي اقتراح أن يعلق الرسامون بدل هذه اللوحات.

من لا يحبون الجهاد ضيعوا القدس

من لا يحبون الجهاد ضيعوا القدس قالوا: إسرائيل تقتل الأطفال والشيوخ بهمجية. قلنا: لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا فليت لي بهم قوماً إذا ركبوا شدوا الإغارة فرساناً وركبانا لا يسألون أخاهم حين يندبهم للنائبات على ما قال برهانا تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي مربض المستأسد الضاري

مشكلة العنوسة وتأمين المستقبل

مشكلة العنوسة وتأمين المستقبل قالوا: كثرت العنوسة في النساء؛ لأنهن مشغولات بتأمين المستقبل، وهذا طاغوت عند النساء، والمستقبل لا يؤمنه إلا الله، قال تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62] وفكرة تأمين المستقبل نشرها الغزو الفكري على أسماع بنات الإسلام، فأصبحت المرأة ترى أن مستقبلها في الشهادة؛ فتترك الزواج إلى أن يفوت وقت الزواج، ثم لا يرغب فيها أحد بعد أن تصبح في سن جدة. ٍتأمين المستقبل هو طاغوت لا يكسره إلا أن تؤمن بالله، وتعلم قوله عليه الصلاة والسلام: {إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض} رواه الترمذي بسند صحيح. يقول مصدر مطلع: بلغ نسبة الرجال للنساء رجل واحد إلى أربع نساء، أي: (ثلاثة صفر) هذا العدد أربع إلى واحد، هذا الفائض والتعدد تسألوا عنه أهل العلم قال تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43].

ابن تيمية تحت راية إياك نعبد

ابن تيمية تحت راية إياك نعبد قالوا: ما هي أجمل عبارة؟ قلنا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] يقولون: إن شيخ الإسلام ابن تيمية لما حضر لقتال التتار كان يحمل في اليسرى عموداً فيها قطعة قماش ترفرف بلا إله إلا الله، والسيف بيده اليمنى، هذا ابن تيمية صاحب المصحف والكتاب والسنة، الخطيب المفتي، والشجاع الجهبذ، والذكي اللمَّاع، مكتوب على رايته {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وانتصر بإذن الله.

ابن تيمية يواجه التتار

ابن تيمية يواجه التتار أقبلت جيوش المغول من الصين , وكانوا يزحفون على البحيرة فيشربونها حتى يتركوها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، يأكلون الشجر، أدهى جيش مر بالعالم، فوقف لهم ابن تيمية في السابع عشر من رمضان، وأخذ كأساً من الماء البارد أمام الجماهير في دمشق في ساحة الإعدام هناك، ووقف وقال: أفطروا أيها الناس، فأفطروا، قالوا: يـ ابن تيمية! أنت لا تعرف التتار، قال: معنا الواحد القهار، والله لننتصرن عليهم، قالوا: قل إن شاء الله، قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، فلما أشرف عليهم قبل المعركة، قال: {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} [الأعراف:119].

(إياك نعبد وإياك نستعين) هي أجمع آية لمعاني القرآن

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) هي أجمع آية لمعاني القرآن يقول ابن تيمية في دروسه الصباحية لتلاميذه: أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب, جمع حكمته في أربعة كتب في الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن، ثم جمع حكمة الأربعة في القرآن، ثم جمع القرآن في المفصل، ثم جمعه في الفاتحة، ثم جمع الفاتحة في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].

أجمل الأسماء وأعرف المعارف

أجمل الأسماء وأعرف المعارف وأجمل اسم! قلنا: الله! سيبويه هذا النحوي لما توفي، يقول عنه المؤرخون: رئي في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ وإذا وجهه أبيض يلمع، قال: غفر لي، قالوا: بماذا؟ قال: لما وصلت في كتاب النحو إلى لفظ الجلالة قلت: الله أعرف المعارف. وآياته في الكون تدل على وحدانيته: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد السماء تشهد أن لا إله إلا الله، والأرض، والماء، والهواء، وكل شيء. يقولون: كان شيخ الإسلام إذا نظر إلى شجر روضة دمشق تدمع عيناه، ويقول: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا وهذا على حد قوله عليه الصلاة والسلام: {ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه}.

الأمر بالتفكر لمعرفة الله

الأمر بالتفكر لمعرفة الله والله يقول للناس: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] لماذا لم يقل الفيلة؟ لأن الأمة العربية أمة إبل، وهذا من لطائف المفسرين. يقولون: الجمل جمع مائة صفة من الحيوانات، رأسه يشابه رأس الجرادة، وأذناه أذن الذئب، وذنبه ذنب السرحان، وركبتاه كالنعامة، وزوره كحيوان آخر، ويحقد مثل حقد الإنسان أو أكثر، فيقول الله: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:17 - 18]. يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال: أفلا ينظر أهل الصحراء إلى السماء، والسماء في الصحراء لها طعم ومذاق، فكأنه لا سماء إلا في الصحراء، لكن نحن ما أصبحنا نرى السماء، أصبحنا بين الأفران والخبازين والغسالين والسيارات، والصياح والمطاعم والفنادق، والحراج والبيع والشراء، فما أصبحنا نرى السماء ولا النجوم، ولا القمر، ما تسمع إلا حمحمة وطمطمة وغمغمة، فيقول سيد قطب: {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:18] قال: أفلا ينظر أهل الصحراء إلى السماء، والسماء في الصحراء لها طعم ومذاق كأنه لا سماء إلا في الصحراء، السماء بأصيلها الفاتح وبحديثها الساحر، السماء وفيها النجوم في الليل، النجمة الواحدة كأنها مهجورة، أي: كأنها طردت من بين النجوم فهي محرومة، والنجمتان كأن بينهما حديث الود والنجاة، والمجموعة من النجوم كأنها في مهرجان الحياة، فهذا كما قال الأول: وكتابي الفضاء أقرأ فيه سوراً ما قرأتها في كتاب

الرسول يتفكر في ملكوت الله

الرسول يتفكر في ملكوت الله الرسول صلى الله عليه وسلم ما حمل كتاباً في حياته، ولا قلماً ولا مسطرة، فهو أمي لا يقرأ ولا يكتب. وفي صلح الحديبية قال لـ علي: اكتب: هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سهيل بن عمرو مندوب المشركين: لا. لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، اكتب محمد بن عبد الله، قال علي: والله لا أمحو رسول الله، أي: صعب على قلبي أن أمحو (رسول الله) قالوا: فمحاه صلى الله عليه وسلم بنفسه. علمه الله أين مكان الرسول وهو أمي؛ لأنها معجزة، لو كان يكتب لقالوا: هو الذي كتب القرآن من رأسه، كيف وقد افتروا عليه وهو لا يقرأ ولا يكتب، كما قال تعالى عنهم: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:5 - 6] فكيف لو كتب؟! {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:48 - 49]. الشاهد: أن الله قال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] وهو في الغار وعمره أربعون سنة، أين يقرأ؟ وأين يكتب؟ ما عندهم دفاتر، ولا أقلام، ولا ملحقات، ولا سبورات، ولا طباشير، قال أهل العلم: اقرأ في السماء، واقرأ آيات الله في الكون. كان عند حليمة السعدية وعمره صلى الله عليه وسلم ما يقارب أربع سنوات، وكانت تدخله الخيمة؛ لأنه كان يرضع منها عند بني سعد في البادية، فكانت تدخله الخيمة في الليل، فيخرج يحبو ويمشي قليلاً من الخيمة ويخرج ينظر في السماء، لا إله إلا الله! تدخله الخيمة ويخرج ينظر إلى النجوم والقمر، ولذلك فهو الذي سوف يغير العالم، وتلاميذه بعد خمس وعشرين سنة خطبوا في قرطبة، وذبحوا الملك داهر في الهند، وخطبوا على منبر كابل، وصلوا بالناس في جوامع صنعاء والفرات واللوار والنيل، وبعض الناس اليوم عمره أربعون سنة لا يسجد لله سجدة ولا يتفكر، بل الإسلام في آخر اهتماماته، هذا إن كان مسلماً أما إذا كان كافراً فكما يقول القائل: لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار إن بعض المسلمين ممن ظاهره الإسلام آخر اهتمامه الإسلام، يفكر في الطبيخ والثلاجة والبرادة والسخانة والسيفون, وفي الأخير يفكر في الإسلام، ويفكر في صلاة الجماعة والدين، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].

القرآن والحرم وشخصيات تخرجت منهما

القرآن والحرم وشخصيات تخرجت منهما قالوا: وما أجمل كتاب؟ قلنا: القرآن الكريم، المصحف، الذي ما أعطيناه حقه، وما عشنا معه كما ينبغي أن يعاش معه، أخذت المجلة والصحيفة وقت المصحف، الآن جرب نفسك اركب من أبها إلى جدة والرياض , وانظر في الركاب وهم مسلمون جميعاً، من الذي يفتح المصحف في الرحلة إلى أن تصل؟ نادراً، بل تجد كل رجل معه صحيفة يقرأ، والصحف لابد من قراءتها لمعرفة الواقع، وأخبار العالم والناس، لكن أين وقت القرآن؟ أين وقت سورة ق وطه؟ أين وقت الآيات البينات؟

السلف الصالح واهتمامهم بالقرآن

السلف الصالح واهتمامهم بالقرآن يقول عبد الله بن إدريس المحدث حين حضرته الوفاة: يا بني تعال، فأتى ابنه، قال: يا بني! لا تعص الله في هذا البيت، فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد ختمت كتاب الله في هذه الزاوية ثمانية آلاف مرة، إذا أردت أن تعصي الله فاخرج من هذا البيت، بيته كان من طين في الكوفة وهو من أكبر العباد: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16] {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29] إن الأمة كانت ميتة فأنزل الله عليها روحاً هو هذا القرآن: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]. حدثنا بعض العلماء في الرياض، أن بعض العباد في الرياض ما زالوا أحياء اليوم كباراً في السن؛ في السبعين والثمانين، يصلون صلاة الفجر يوم الجمعة في المسجد الجامع، ثم يفتحون المصحف من الفاتحة، وقبل دخول الخطيب بدقائق ينتهون من سورة الناس، لا يقل أحدكم: لا يمكنهم، بل يمكنهم، فقد داوموا عليه وأعادوه حتى أصبح كالماء على ألسنتهم، فكم من حسنة سجلوها من الصباح، يقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} ويقول: {من قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف} هذه الحروف يسجلها الله كل حرف بعشر حسنات: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10] ثم قال: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:10].

بيت الله الحرام وحرمة دم المسلم

بيت الله الحرام وحرمة دم المسلم قالوا: ما أجمل بيت؟ قلنا: الكعبة، نظر إليها عليه الصلاة والسلام وقال: {ما أعظمك وما أشد حرمتك! والذي نفسي بيده للمسلم أعظم حرمة منكِ} عرض المسلم أعظم، ودم المسلم أغلى. يقولون: إن الرسول عليه الصلاة والسلام -والحديث عند الحاكم - لما أتى في -عمرة القضية- بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- كان عمر بجانبه، يقول بعض الشراح: كان إذا رأى الزحام اقترب من عمر؛ لأنه كالحصن، مثل السارية، وعنده قلب: قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها فكان عند الزحمة كالحارس عند الرسول عليه الصلاة والسلام، إذا رأى الزحام أرسل كتفه أو يده فرد مجموعة من الناس، وكان يحدث أبا بكر عند الكعبة، فلما رأى الكعبة دمعت عيناه، فقال عمر: مالك يا رسول الله؟ قال: {هنا تسكب العبرات يا عمر} فنسأل الله عز وجل أن يجمعنا به في الجنة، وأن يشفعه فينا، وأن يسقينا بيده شربة من الحوض لا نظمأ بعدها أبداً، وأن إذا تعس الناس بمتبوعيهم أن يسعدنا به عليه الصلاة والسلام، فقد رضينا به إماماً: إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا

حسان شاعر الرسول

حسان شاعر الرسول قالوا: ومن أحسن شاعر؟ قلنا: حسان. حسان حبيبنا، وهو قائد الشعراء إلى الجنة يوم القيامة، يدخل الجنة بالأدب: {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق:20] من عنده شعر وأدب وقصة؛ فلماذا لا يستخدمها في طاعة الله وفي نصرة الإسلام؟ حسان يدخل الجنة بالشعر، تخصصه في قسم الأدب، كان عليه الصلاة والسلام يسمع هجاء المشركين يسبونه ويشتمونه، فيقول: يا حسان! كيف تفعل مع المشركين؟ -أي: هل تستطيع أن تمرغهم بالتراب؟ - قال: يا رسول الله! أستطيع، قال: بماذا؟ فأخرج لسانه وضرب به أرنبة أنفه -ونحن لا نستطيع، كل من في المسجد لا أعلم أن أحداً إلا في القليل يستطيع، وهذا ليس وقت إخراج الألسن- فأخرج حسان لسانه وضرب أرنبة أنفه وقال: يا رسول الله! بهذا؛ لو وضعته على صخر لفلقه، ولو وضعته على شعر لحلقه، قال: {اللهم أيده بروح القدس} من هو روح القدس؟ جبريل؛ لأن جبريل يحب حساناً، وحسان يحب جبريل، وحسان مدح جبريل بقوله: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد يقول: القيادة العليا بيد جبريل وبيد محمد، قال بعض العلماء: بل القائد الأعلى محمد صلى الله عليه وسلم، وجبريل تحت قيادته؛ لأن جبريل لما نزل بألف ملك، يقول بعض الخطباء العصريين: نزل بكمندوز، لكن نحن نقول: ملائكة مسومين عليهم العمائم، نزل بهم على العقنقل، والغبار على ثناياه, ومعه ألف مقاتل من الملائكة قد صدر إليهم الأمر الإلهي: {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12] فوصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فاشترك معه، وجعل القيادة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، يقولون: أشرف بيت قالته العرب: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد يقولون: علي بن موسى ولي عهد المأمون كان رجلاً صالحاً كبير القدر؛ مات مسموماً شهيداً، كان يصلي نصف الليل، فأتوا لشاعر من الشعراء اسمه الحسن بن هاني، قالوا: مدحت الناس جميعاً وتركت ابن بنت الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ينتسب إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، فهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب , فأتى الحسن بن هاني هذا إلى علي بن موسى، قال: سامحني، لأني ما مدحتك؛ لأنك أكبر من المدح، ولكن قلت فيك أبياتاً، قال: ما هي؟ قال: قيل لي أنت واحد الناس في كل معنىً من الكلام بديهي لك في جوهر الكلام بديع يثمر الدر في يدي مجتنيه فعلام تركت مدح ابن موسى بالخصال التي تجمعن فيه قلت لا أهتدي لمدح إمام كان جبريل صاحباً لأبيه يقول: كيف أمدحك وأبوك كان جبريل صاحبه؟! لا أستطيع أمدح الناس لأنهم ناس، أما أنت فأبوك كان معه جبريل عليه الصلاة والسلام.

حسان يمدح الرسول ويهدد قريشا

حسان يمدح الرسول ويهدد قريشاً هذا حسان قائد الشعراء، صاحب الأبيات في الرسول عليه الصلاة والسلام، التي يقول فيها: فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم فداء فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لجلاد يوم يعز الله فيه من يشاء ثم يقول: عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء يقول: جعل الله خيلنا لا تعود إلينا، إذا لم تثر الغبار على مكة تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء يقولون: دخل عليه الصلاة والسلام يوم الفتح، فكانت خيول خالد بن الوليد من جهة الخندمة، وكان خالد على الخيالة، فخرج نساء مكة، أما المقاتلة ففروا، دخلوا البيوت وأغلقوا عليهم الأبواب، فخرج نساء مكة يضربن خيول المسلمين بالخمر، فتبسم عليه الصلاة والسلام وما كان يحفظ الشعر: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69] فالتفت إلى أبي بكر، وكان أبو بكر أحفظ الناس للشعر، قال: يا أبا بكر! كيف يقول حسان؟ فتبسم أبو بكر وقال: عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء رضي الله عن حسان. قالوا: وأقوى ركن؟ قلنا: التوكل على الله أقوى شيء.

من أنبل الزعماء عمر

من أنبل الزعماء عمر وأنبل زعيم؟ قلنا: عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، يجعله مايكل هارف صاحب كتاب العظماء رقم ستة وخمسين أو سبعة وخمسين. فهل تدرون من هو الأول في الكتاب؟ عظماء العالم مائة، العرب واليونان والصين واليابان والأمريكان والإنجليز؛ كل العالم، الأول محمد عليه الصلاة والسلام، ويستأهل أبو الزهراء. أبا الزهراء قد جاوزتُ قدري بمدحك غير أن لي انتساباً

خالد بن الوليد أنجح قائد

خالد بن الوليد أنجح قائد وأنجح قائد؟ قلنا: خالد بن الوليد. قاد خالد بن الوليد في الجاهلية والإسلام مائة معركة، وما غلب لا في الجاهلية ولا في الإسلام، حتى المعارك التي شارك فيها في الجاهلية كسب فيها نصراً جاهلياً، هو لم يشارك يوم بدر كان غائباً، فأتى يوم أحد فشارك، وكان قائد الخيالة ذاك الوقت، وما شارك في المعركة إلا في الأخير، وقال صلى الله عليه وسلم للرماة: قفوا على هذا الجبل ولو رأيتم الطير تخطفنا فلا تنزلوا، فلما رأوا الغنائم، ورأوا الناس انتصروا في أول المعركة نزلوا وتركوا الجبل، فرآهم خالد فالتف من وراء الجبل، وصعد بالخيل فانتصر المشركون. وبقي سنوات بعدما فتح الله الفتوح على المسلمين، وقتل أعداء الله، واستسلمت ثلاثة أرباع الدنيا بنصر الله ثم بسيف خالد؛ وأتت الغنائم من الذهب والفضة والحدائق والقصور والبساتين، فتركها خالد، وأتى إلى قرية في حمص، فأخذ مصحفاً لا يزال إلى اليوم في المسجد الأموي بـ دمشق كما يقول المؤرخون، غلافه في المتحف، غلافه جلد جمل، كان يفتحه من الصباح ولا يطبقه إلا في صلاة الظهر، وكان يبكي ويقول: شغلني الجهاد عن القرآن، فلما أخرجوا جنازته أخذت أخته تبكي وتقول: أنت خير من ألف ألف من القو م إذا ما كبت وجوه الرجال ومهين النفس العزيزة للذكر إذا ما التقت صدور العوالي وأتى الخبر عمر في المدينة، فأخذ بردته يجرها، وجلس في المسجد وحده يبكي، وأخذ يضرب رجله بعصا عنده، ويقول: ذهبوا وتركوني، فأتاه رجل فقال: امنع النساء فإنهن ينحن على خالد، قال: [[دعهن، على مثل أبي سليمان فلتبك البواكي]]. تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها كان بينه وبين عمر مثل ما بين البشر من إحن في بعض الأمور، ولما حضرته الوفاة هل تدرون إلى من أوصى أن يقسم تركته وصدقاته وعقاره؟ قال: بلغوا عمر بن الخطاب عني السلام، وقولوا: أنت خليفة خالد ونائبه في أمواله. فلما أخبروا عمر -وكان واقفاً- بكى حتى جلس.

شخصيات أخرى

شخصيات أخرى قالوا: ما رأيك في هذه الأسماء؟ نزار قباني، قلنا: هو الذي أضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة. قالوا: شعره جميل، قلنا: كقول فرعون: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90] له قصائد جميلة، لكن لا يعني ذلك أن نتبناه، أو أن ننشر شعره، أو أن نطالع ما يبثه من سموم، فهو متهتك متعدٍّ لحدود الله، عدو لله. قالوا: نازك الملائكة، قلنا: وما شر الثلاثة أمَّ عمروٍ بصاحبك الذي لا تصحبينَ قالوا: طه حسين، قلنا: تاريخ الفراعنة، وهوية باريس، إذا عاد إلى مصر قال: الفراعنة الفراعنة!! وإذا ذهب إلى الغرب، قال: باريس باريس! قالوا: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، قلنا: عليه سلام الله ما أشرق الضحى ورحمته ما شاء أن يترحما تحية شهم باع لله نفسه مقاصده أعلى وأغلى وأعظما قالوا: الشباب لا يقرءون، قلنا: إذا كبروا سوف يندمون.

أعز مكان وخير جليس

أعز مكان وخير جليس قالوا: ما هو أعز مكان، وأحسن جليس؟ يتولى الإجابة أبو الطيب المتنبي شاعر العربية، يقول: أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب يقول: أعز مكان في الدنيا ظهر الفرس إذا قاتلت به في سبيل الله، وقبل الإسلام كان يتمنى الإنسان إذا مات أن يموت على ظهر الفرس، أتى عامر بن الطفيل أحد شجعان العرب في الجاهلية وعظماء العرب، أتى هو وأربد بن قيس يريدون اغتيال الرسول عليه الصلاة والسلام، فحماه الله منهم، فلما ولى عامر بن الطفيل، قال صلى الله عليه وسلم: {اللهم اكفنيهم بما شئت} فدخل عامر هذا في بيت عجوز سلولية, فأصابه الله بغدة، فأصبحت الغدة كالثدي في نحره، فعرف أنه الموت، فأخذ سيفه وصعد على ظهر الفرس، وقال: غدة كغدة البعير في بيت امرأة سلولية، لا أموت إلا على الفرس، ونقول: مت على الفرس، أو تحت الفرس أو في بطن الفرس فأنت عدو لله. إنما الشاهد أنهم يرون أن أعز مكان سرج الفرس، وخير جليس في الزمان كتاب الله.

خليفة ينادم المصحف

خليفة ينادم المصحف يقول ابن كثير عن المتقي الخليفة العباسي: لما تولى الخلافة كان متقياً، كان إذا صلى العشاء أغلق أبوابه، وأتاه الوزراء والأدباء والعلماء، فيقول لهم: أريد أن أخلو بنفسي هذه الليلة مع كتاب الله، فربما تكون آخر ليلة، فيقرأ إلى صلاة الفجر، فيأتون الليلة الثانية فيقول: ربما تكون آخر ليلة، فقطع الخلافة كلها هكذا حتى لقي الله، قال له الناس في الصباح: نريد أن نسامرك، قال: كفى بالله جليساً، وكفى بكتاب الله أنيساً! لا إله إلا الله! يوم يخبرك الله عز وجل بوعده ووعيده، وما أعد لأوليائه, وما فعل بأعدائه, وأيامه الخالية، والمثلات في الأمم، والمنازل والديار، والأخبار والحكم، والعظات والأسلوب والأدبيات التي في القرآن التي تقودك إلى رضوان الله عز وجل. قالوا: صف لنا الزهرة، قلت: يقول أبو نواس: تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيونٌ من لجين شاخصاتٌ بأحداق هي الذهب السبيك على قصب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك

ورد القرآن قبل الصحف والمجلات

ورد القرآن قبل الصحف والمجلات قالوا: متى نقرأ الصحف والمجلات؟ قلنا: إذا قرأتم حزبكم اليومي من القرآن، قبل أن تأتي بالصحيفة ابدأ بالمصحف، وقبل أن تطالع المجلة ابدأ بالقرآن، وقبل أن تنظر إلى صفحة الفن أو الرياضة أو الفكر طالع وردك وحزبك من كتاب الله عز وجل.

من أخبار الأعمش

من أخبار الأعمش قالوا: حدثنا عن الأعمش رحمه الله؟ قلنا: الأعمش كان يسمى شيخ الإسلام، المحدث، امتاز بخفة الروح، وفيه دليل على أن الإسلام دين لطيف، وأن فيه متسعاً للناس، قيل لـ سفيان الثوري: المزح هجنة، قال: بل سنة. كان الأعمش مزاحاً، يقولون: إذا أتاه الثقلاء من الناس، قال: ربنا اكشف عنا العذاب إنا موقنون! وكان من تواضعه لا يعتني بالمظهر، والاعتناء بالمظهر طيب، لكنه متواضع يظهر البذاذة، كان يلبس الفرو مقلوباً، فيقول له أحد تلاميذه: لو قلبت فروك كان أحسن، قال: أشر على الخروف بذلك؛ لأن الفروة أصلاً على الخروف على هذا اللبس، يقول: انتقدت عليّ ولم تنتقد على الخروف! قال له أحد الحاكة: هل تجوز إمامة الحاكة؟ قال: نعم. بلا وضوء، ذكر ذلك الذهبي في السير وغيره.

الصحوة الإسلامية

الصحوة الإسلامية قالوا: من هم المتطرفون؟ قلنا: هم مروجو المخدرات، وتاركو الصلوات، وعاقو الآباء والأمهات. قالوا: إلى أين وصلت الصحوة الإسلامية؟ قلنا: إلى موسكو، فقد خرج هذه السنة من موسكو من قلب عاصمة الملحدين، عاصمة بريجنيف وجرباتشوف ألفا حاج أو ما يقاربهم يقولون من هناك: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

الأذان يصدح في هيئة الأمم

الأذان يصدح في هيئة الأمم قالوا: ما هو الخبر الشيق الطريف، آخر الأخبار؟ قلنا: يوم أذن أحد المجاهدين الأفغان لصلاة الظهر في هيئة الأمم المتحدة، قبل ثمانية أشهر حضر وفد المجاهدين -أخبرنا بذلك أحد المجاهدين الذين قدموا في أبها - حضر وفدهم في مجلس هيئة الأمم، وفي هيئة الأمم أكثر من مائة وثمانين من ممثلي الدول، ولما حانت صلاة الظهر والمجاهدون بعمائمهم ولحاهم كأنهم خرجوا من المدينة رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ فلما حانت صلاة الظهر، قام جلال الدين حقاني أو غيره إلى الميكرفون في هيئة الأمم المتحدة وصدح بالأذان، فسمع العرب والعجم والسود والحمر والشقر والسمر، واسمع يا زمن واكتب يا تاريخ: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر.

أحد المجاهدين يدعو ريجان إلى الإسلام

أحد المجاهدين يدعو ريجان إلى الإسلام من هؤلاء المجاهدين يونس خالص وهو شيخ مخضوب اللحية كبير، شارح العقيدة الطحاوية من قادات الجبهة الذين ردوا الملاحدة على أدبارهم خاسرين، دخل على ريجان رئيس أمريكا في البيت الأسود فقال له: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم كل أمريكي على وجه الأرض.

النساء والصحوة

النساء والصحوة يقولون: لماذا لا يحضر النساء الدروس والمحاضرات النافعة؟ قلنا: لأن أزواجهم لا يحضرون، وكثير من النساء لا يحضرون، وحضورهن فيه خير وبركة، وسعادة وتنبيه ووعي، وكثير من المدن والنواحي والمناطق بدأت الصحوة فيها عارمة، صحوة علمية راشدة في صفوف النساء، تتلقى تعاليمها من الكتاب والسنة الناهجة نهج محمد عليه الصلاة والسلام.

أحسن هدية

أحسن هدية قالوا: ما هو أحسن هدية للصديق المسلم؟ قلنا: هذا الشريط الإسلامي. قالوا: قدم المصطافون أبها؟ قلنا: ضيوف الخير قد شرفتمونا بلقياكم ربوع الجو طابا فـ أبها من زيارتكم تباهت بثوب الخلد أطلقت الضبابا

القضاء على الفراغ

القضاء على الفراغ قالوا: كيف نقضي على الفراغ؟ قلنا: تذكروا قوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] وقوله عليه الصلاة والسلام: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} وتذكروا قول الشاعر: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني

العالم والأخطار والرزق

العالم والأخطار والرزق قالوا: ما هو الخطر الداهم الذي يهدد العالم؛ هل هي المجاعة؟ هل هي البراكين؟ هل هي الزلازل؟ هل هو سباق التسلح؟ قلنا: الخطر الذي يداهم العالم هو الموت والساعة، قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281] {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] يقول عليه الصلاة والسلام: {أكثروا ذكر هاذم اللذات} يقول الشاعر: هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعل الردى مما نرجيه أقرب ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب إلى الله نشكوا قسوة في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندب

التوكل على الله

التوكل على الله قالوا: العالم مهدد بالمجاعة، يصورون لك كأن ليس هناك إله، ولا رازق، ولا خالق، ولا متكفل بالخلق، حتى تجد بعض المغفلين حريصاً على اكتناز الحبوب والأموال، لعدم الثقة بما عند الله، ويخاف على ذريته وأولاده خوفاً عظيماً، كأن ما عنده من التوحيد ذرة. يقول المؤرخون: كان القاهر الخليفة العباسي من أطمع الناس في الأموال، أتى فحفر حفراً في الأرض -برك وخزنات- وملأها بالذهب والفضة، لم يتكل على الله، اتكل على ذهبه وفضته وخزاناته، فسلبه الله ملكه وماله، وخلعوه وسملوا عينيه واقتلعوها بالحديد والنار، فكان يقوم في مساجد بغداد يقول: من مال الله يا عباد الله؛ لأنه ما ركن إلى الله. قالوا: العالم مهدد بالمجاعة، قلنا: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6] يرزق النملة في جحرها ولا يرزقك.

من عجائب النملة في الرزق

من عجائب النملة في الرزق النملة من عجائبها أنها تأخذ الحبة في الصيف، وتدري -بإذن الله- أنه سيأتي فصل الشتاء أربعة أشهر، النمل لا يخرج في الشتاء؛ لأن عنده رصيداً ومخازن وبيت مال ادخره فيه من الصيف، ويقولون: هناك ثلاث فرق: فرق الاستهلاك، والعاملات، والملكة، الاستهلاك هذه تنظم المخازن، الشعير على حدة، والبر على حدة، والعدس على حدة، والعاملات تنقل المؤن، وهذا موجود في مفتاح دار السعادة، والعلماء يقولون: هذا القول رد به موسى على فرعون، قال تعالى يحكي لنا هذه القصة: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:49 - 50] أي: أعطى النملة خلقها ثم هداها، والنحلة خلقها ثم هداها. السؤال عند أهل العلم، قالوا: لماذا لا ينبت الحب الذي تأخذه النمل وتدخل به بيتها؟ قالوا: بإذن الله تأتي النمل، فإذا أدخلته أتت المستهلكات من النمل، خرقت الحبة من وسطها، فتصبح غير قابلة للإنبات {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50].

من عجائب النحلة في الرزق

من عجائب النحلة في الرزق النحلة تأتي فتأخذ الرحيق من الزهرة، فإذا نقلْتَ الخلية عن مكانها، تأتي النحلة بهدى الله إلى الخلية، يقولون: عندها رموز، ترسل ذبذبة في الهواء إلى النحلات، فتستدعيها النحلات حتى تأتي إليها، يقول كريسي موريسون: عندها (أوريال) وعندها جهاز اتصال، قال سيد قطب: لا. عندها أعظم، قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68] هذه قدرة الله، فالذي رزق النحلة يرزقك وهو أعظم، يقول سبحانه في عموم لا خصوص له: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6].

العصفور والحية

العصفور والحية يقول أحد المؤرخين: مر أحد الصالحين فوجد عصفوراً يأتي إلى مزبلة فينقل منها اللحم والخبز ويذهب إلى رأس نخلة، والعصفور لا يعشعش في النخل، يعشعش في الشجر القصير، قال: فارتقيت إلى رأس النخلة فرأيت حية عمياء، فإذا أتى العصفور واقترب باللحم والخبز وصوص بصوته ففتحت فمها فألقى اللحم والخبز لها، من الذي سخر العصفور أن ينقل اللحم إلى هذه الحية في النخلة؟ قالوا: هناك ثلاث قضايا: أولاً: العصفور ليس من جنس الثعابين والحيات، فهو عدوها وهي عدوته؛ لكن سخره الله لها. الثاني: جعل الله الحية في رأس النخلة حتى لا تقتل في الأرض. الثالث: إذا اقترب وصوص لها ففتحت فمها، فأعطاها رزقها قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:59] انظر الاستثناء بالجزم والقطع (إِلَّا هُوَ) بالضمير، تحدٍ للعالم: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59] فسبحان من أعطى! وسبحان من هدى! وسبحان من خلق! {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود:6] لا يعلم المستقر والمستودع إلا الله، يقول بعض المفسرين: المستقر هو: مكان البيتوته، لأن للنملة مكاناً للنوم، ومكاناً للطعام، فيقول الله عن المستودع هذا:: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود:6] قالوا: المكان الذي تأكل فيه، والمكان الذي تنام فيه، وكذلك النحل وكل الحيوانات؛ لأنها ممالك، {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء} [الأنعام:38].

البسطة في الجسم

البسطة في الجسم قالوا: الكفار أكثر الناس أموالاً ودنيا, وهم أكثر من المسلمين. قلنا: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ} [التوبة:55].

القوة بين المصارعين والمؤمنين

القوة بين المصارعين والمؤمنين قالوا: المصارعون أقوى الناس أجساماً. قلنا: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4]. لا بأس بالقوم من طول ومن قصر جسم البغال وأحلام العصافير وتجد أكثر العباد والزهاد والصالحين ضعافاً، وتجد أكثر الفجار والمنافقين كالسواري، وهذا في العموم الغالب، وإلا فإنك تجد كثيراً من المؤمنين من أقوى الناس، يوقف بعضهم السيارة وهي تمشي. يقول الأستاذ علي الطنطاوي في المذكرات: عندنا شيخ في دمشق، سماه أظن في الجزء الثالث أو الرابع من مذكراته، يقول: من أعبد وأتقى وأصلح الناس، يقول: والله ما رأيت في حياتي أقوى منه بنية، ومن ضمن قصصه يقول: أتى فرس يقود عربية، ونزل بالعربية هذه في شارع ضيق نازل دمشق، والأطفال في آخر الشارع، والفرس مسرع، ومعنى ذلك أن الفرس إذا نزل بالعربية فسوف يحطم الأطفال ويسحقهم سحقاً، خرج النساء من أعلى الشارع من البيوت يصرخن: الله الله الله، لأن الفرس مسرع لا يدري أن هناك أطفالاً، والعربية محملة وراءه، قال: فخرج هذا الشيخ من بيته، واعترض للفرس، وأخذ يقول: الله الله، قال: فلما مر الفرس أمسك بالعربية، قال: والله إنه يتزحزح ويتزحزح الفرس معه حتى أوقف الفرس في منتصف الطريق، هذا من قصص البطولات، فالصالحون أقوياء، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، لكن هذا في العموم الغالب، وعمر كان من أقوى الناس.

من عجائب المعتصم في القوة

من عجائب المعتصم في القوة يقولون: كان المعتصم يأخذ السيخ الحديد ويكتب اسمه فيه، ويقولون: إن قواده وجنوده ربطوا أرجله بوتدين، فقفز من الوتدين فاقتلعها، وصعد على ظهر الفرس، ويقول أحمد بن أبي داؤد وذكر ذلك الذهبي، يقول: خذ ذراعي وعضه، قلت: أستحي منك وأنت أمير المؤمنين، قال: عضه، قال: فعضضته فكأنه الحديد، والله ما أثر فيه. قالوا: اليهود يهاجرون إلى فلسطين. قلنا: يسعى إلى حتفه بظلفه. لقيناهم بأرماح طوال ولاقونا بأعمار قصار

القوة في الصحوة

القوة في الصحوة قالوا: على الصحوة الإسلامية ملاحظات. قلنا: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا شرف الأمة الإسلامية في هؤلاء الشباب، فهم رفعتها وعزها وكرامتها ومجدها، فاخرنا بهم في أمريكا يوم كانوا دعاة ملتزمين، وفي فرنسا وبريطانيا وفي كل دولة من دول العالم، أصبحوا تاجاً على رأس الأمة الإسلامية، هؤلاء الدعاة الأخيار مهما لاحظ الناس عليهم الملاحظات، فقد تجاوزوا القنطرة، وأصبحوا بحمد الله عدولاً بررة وأخياراً، وأصبحوا على نهج محمد عليه الصلاة والسلام، عناقهم شرف، والجلوس معهم كرامة، وتعليمهم ريادة، والاستفادة من دعائهم بركة ونور وهداية، والاستماع إلى نصائحهم إرشاد وفهم وفقه، إنهم ذخيرة الأمة من الشباب والشابات، لأن الصحوة الآن تسير مزدوجة بين الرجال والنساء، وعودة عارمة على صفوف الناس. في كتاب التنصير وهو لرجل أمريكي: اجتمع في بوسطن أمريكان مراقبون، فقالوا: الصحوة تجاوزت الناس، أي: إنها تجاوزت حدود الناس، وأقطار العالم العربي، أصبحت الصحوة في موسكو وبكين، وفي كل مكان. دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس بشرى لهؤلاء الشباب، وبشرى لتلكم الفتيات المؤمنات المقبلات على الله، فتيات يكتبن الآن، ويحدثن في صفوف النساء، ويعظن ويربين ويرشدن، ويوجهن إلى الله، فاللهم زد وبارك: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران:193].

تنبيه لصوم عاشوراء

تنبيه لصوم عاشوراء أيها المسلمون! العاشر من هذا الشهر يوم عاشوراء، وأنتم مدعوون لصيامه عسى الله أن يتقبل منا ومنكم، ومن السنة أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده معه، اليوم العاشر والحادي العاشر، أو التاسع والعاشر؛ فإن من السنة صيام العاشر من هذا الشهر، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام صامه. وصامه الرسول صلى الله عليه وسلم لأن اليهود كانوا يصومونه؛ لا متابعة لهم صامه اليهود لأنه يوم نجى الله فيه موسى من فرعون، حين كان الصراع العالمي بين فرعون وموسى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26] يقول أحد المفسرين: عجيب! أصبح فرعون داعية، فخرج موسى فالتقيا، فكانت المعركة في العاشر من المحرم، فقال صلى الله عليه وسلم لليهود: {نحن أولى بموسى منكم} فصامه عليه الصلاة والسلام وأمر الناس بصيامه، أتدرون ما جزاء من يصوم يوم عاشوراء؟ يكفر الله عنه سيئات السنة الماضية كلها، السنة اثنا عشر شهراً أي: ثلاثمائة وستون يوماً يكفر الله عز وجل الصغائر، أما الكبائر فلابد من التوبة منها، فصوموا، ومروا أهلكم وأبناءكم وجيرانكم، وأخبروا الناس بهذا؛ لأن لك أجر من أخبرته، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله، هذا عن يوم عاشوراء.

الأسئلة

الأسئلة

الزنداني وسياف

الزنداني وسياف السؤال يقول: بعض الناس من المسلمين المصلين يسب بعض العلماء مثل الشيخ الزنداني، وعبد رب الرسول سياف؟ A سبحان الله! هذان علمان وداعيتان ومصلحان، أما عبد المجيد الزنداني فرجل نفع الله به العالم الإسلامي، رجل أخرج إعجاز القرآن للعالم، وهدى به الله عز وجل أدمغة كافرة كانت من أذكى الأدمغة، دكاترة وأصحاب درجات علمية هائلة كانوا يرون أنهم أذكى الناس، أتى هذا الرجل العملاق فغسل أدمغتهم بالإسلام، وأدخلهم في دين الله، هذا الرجل جند نفسه للدعوة في سبيل الله، محتسب فقير يجوب العالم الإسلامي ليلاً ونهاراً يدعو إلى سبيل الله، هذا الرجل يعيش القرآن أربعاً وعشرين ساعة، ويستخرج منه كنوزه، وينشره للعالمين، أفيكون جزاؤه أن يأتي هذا وأمثاله ويتكلم فيه؟! لا يضر البحر أمسى زاخراً إن رمى فيه غلام بحجر {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69]. أما عبد رب الرسول سياف فقائد يروي ملاحم خالد بن الوليد، وطارق بن زياد، وصلاح الدين، وسياف الذي يسكن خيمة، ويجاهد أكثر من عشر سنوات، أوذي في عرضه، وسكب دمه ودموعه، وتغربل من أجل أن تبقى لا إلا الله، سياف حاصره الثلج ليلة من الليالي، فما استطاع أن يخرج إلى المجاهدين، فبقى يصلي ويبكي حتى صلاة الفجر، ويدعو الله بالنصر، سياف الذي قدم روحه ويتمنى الشهادة صباح مساء، ويكون جزاؤه هذا؟! إن هذا عدوان لا نرضاه، وهذا حرام، وهذا خطأ. إن هؤلاء العلماء لحومهم مسمومة، ولهم سياج من النور، وسياج من حماية الله عز وجل، ومن حصانة الواحد الأحد، فحذار حذار أن يأتي جافٍ أو سفيه، فيلغ في دماء هؤلاء، فإن مصيره عذاب من الله عز وجل، ونار تلظى، وسحق ومحق، وعاقبة وخيمة وردى في الدنيا والآخرة.

الموت بالسرطان شهادة

الموت بالسرطان شهادة Q هل الذي يموت من مرض السرطان يعد شهيداً؟ A بعض أهل العلم يقولون: السرطان هو مرض البطن، وأكثر ما يصيب مرض السرطان البطن، وأصحابه على هذا القول من الشهداء عند الله، والشهداء سبعة منهم: مريض السرطان الذي يصاب به صاحبه في البطن: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:19].

وصية للشباب

وصية للشباب السؤال يقول: ماذا توصي إخوانك الشباب؟ A أوصيهم بتقوى الله، والتزود من النوافل، وكثرة قراءة القرآن الكريم، وتقديمه على غيره من الكتب، والتآخي فيما بينهم، وعدم التعرض للأحقاد الذي يثيرها إبليس بين الشباب، وأوصيهم أيضاً أن يجتهدوا في الدعوة إلى الله، وينشروا هذا الدين، جعلنا الله وإياكم من خدامه ومن أنصاره.

شاعر زنديق

شاعر زنديق السؤال يقول: ما رأيك في هذه الأبيات: إلهي ليس للعشاق ذنب ولكن أنت تبلو العاشقينا فتخلق كل ذي وجه جميل وتسبي به قلوب الناظرينا وتأمرنا بغض الطرف عنه كأنك ما خلقت لنا عيونا A هذا كفر، هذه الأبيات كفر، وقد تعرض لها كثير من العلماء، وأورد ابن الجوزي في صيد الخاطر أبياتاً شبيهة بها، يقول: أيارب تخلق ألحاظ حور وأغصان رند وكثبان رمل وتنهى عبادك أن يعشقوا أيا حاكم العدل ذا حكم عدل استغفر الله، هذا لكافر غضب الله عليه إن لم يكن تاب. وأحدهم قالوا له: تب من حب هذه، قال: أتوب إليك يا رحمان مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب وأما عن هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب أستغفر الله! يقولون: بلغت أحد العلماء فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، قالوا: مالك؟ قال: والله إني أذنبت في شبابي ذنباً ما زلت أستغفر منه ثلاثين مرة. فكيف يقول هذا: لا أتوب؟! وشاعر آخر والعياذ بالله، أتى الناس، فلما اجتمع الحجاج، وأصبحوا يطوفون بالبيت، وهم يبكون حول بيت الله عز وجل، ويسيلون دموعهم الحارة، قال: قف بالطواف تر الغزال المحرما حج الحجيج وعاد يقصد زمزما لو أن بيت الله كلم عاشقاً من قبل هذا كاد أن يتكلما {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5]. عمر بن أبي ربيعة هذا الشاعر يقول: وغاب قمير كنت أرجو غيابه وروح رعيان ورقد سمر يصف الليل، فأتى الخبر سعيد بن المسيب وهو يستغفر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، سعيد الذي أذن المؤذن من أربعين سنة وهو في المسجد، قال: قاتله الله! صغر القمر والله عظمه في القرآن، يقول الله: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:39] وقد قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:30]. أيها الإخوة الفضلاء: الحق والباطل في صراع، أدب إسلامي وأدب كافر، خطابة إسلامية وخطابة كافرة، صحافة إسلامية وصحافة كافرة، حتى في الرسم، هناك رسم إسلامي ورسم كافر، حتى الأزياء، وهيئة البيوت، إن من الغزو الهندسي في العالم الإسلامي أن ترسم البيوت على هيئة بيوت الأوروبيين، ليس هناك ستارة بين الرجال والنساء، بعض البيوت تبنى الآن على شكل بيوت أوروبا والأمريكان، بيت مفصل أجنبي، فإذا خرجت المرأة من هناك رآها الرجل داخل المجلس، ويقولون: الأمر سعة وحرية، أما أن يكون النساء في جهة والرجال في جهة، فما سمعنا أن رجلاً أكل امرأة، الرجال لا يأكلون النساء. نقول: لكن الله عز وجل أمر أن يفصل بين الرجال والنساء إلا فيما أباح الله، فاتقوا الله عباد الله، وتعالوا إلى هذا الدين، فإن فيه الكفاية والريادة والخير والسعادة، ومن لم يكفه الدين فلا كفاه الله، ومن لم يشفه الإسلام فلا شفاه الله، ومن لم يتعاف بصحة هذا التراث فلا عافاه الله. أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين, فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.

الشهادة في سبيل الله

الشهادة في سبيل الله كان زيد بن حارثة مولى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر أحد من الصحابة في القرآن إلا زيد بن حارثة، وقد سبته إحدى القبائل في الجاهلية، ثم أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم وقدمه على أبيه وأعمامه. وفي الإسلام كان له مشاركة عظيمة، ففي مؤتة كان قائداً للمعركة وقتل شهيداً فيها. ثم جاء بعده ابنه أسامة، فكانت منزلته عند الرسول كمنزلة أبيه. ثم تطرق في حديثه إلى امتنان الله على هذه الأمة، فجعل لها خصائص تختص بها عن جميع الأمم.

منزلة الشهادة في الإسلام

منزلة الشهادة في الإسلام إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم. أحيي هذ الوجوه التي لا ترى إلا في الخير, قدَّمكم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وأخَّر غيركم, وأكرمكم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وأهان غيركم, فإن المهان كل الإهانة هو الذي لا يتصل بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالى, وهو الذي لا يعفر وجهه ساجداً لله, وهو الذي يصاب بالإهانة كل الإهانة، وهو الذي يفقد قوامه لهذا الدين. أنتم تصلون وتستمعون آيات الله البينات التي أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم صفوف، وغيركم في المنتزهات والملاهي والمقاهي يستمعون الأغاني الماجنة, ويستمعون العهر, وكل ما يدعو إلى الفاحشة ويبعدهم عن الله عز وجل. أنتم في روضة من رياض الجنة, وغيركم في مجلس من مجالس الشيطان أنتم تظلكم الملائكة، وتحفكم السكينة، وتغشاكم الرحمة، ويذكركم الله فيمن عنده, وغيركم تحفهم الشياطين، ويغشاهم الغضب والسخط؛ لأن كل من ابتعد عن هذا الدين أصابه الله بقارعة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة:126]. فالمقصود -أيها الأبرار- أن المسلم لا بد له أن يتذكر نعمة الله عز وجل عليه, كثير من الناس في نعمة الله, مستقيم ويحافظ على الصلوات لكنه لا يشعر بهذه النعمة حتى يذوق الضلال ومرارة البعد عن الله عز وجل, ثم يرده الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى إليه. معنا في درسنا هذا زيد بن حارثة وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة من سادات الشهداء عند الله عز وجل, وأما أسامة بن زيد فله حديث عندنا هنا في الوضوء.

الدين يرفع زيد بن حارثة

الدين يرفع زيد بن حارثة زيد بن حارثة هو مولى للرسول صلى الله عليه وسلم, لم يذكر أحد من المسلمين في القرآن باسمه إلا زيد بن حارثة، فَلَمْ يُذكر في القرآن أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا خالد، وإنما ذكر في كتاب الله زيد بن حارثة يتلى إلى قيام الساعة. كان رقيقاً, ليس له قيمة عند قريش, فالجاهلية تدوس الإنسان كما تدوس أنت التراب, الجاهلية لا تعبد إلا القيم, والمناصب, والجاهات, والشارات، والأوسمة, فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم كرم الإنسان وعرف قيمته. أحد الناس -ولا أريد أن أستشهد بأبياته في مثل هذا الموقف؛ لأنه أعمى القلب والبصر لكن لا بأس, يقول علي رضي الله عنه: [[الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنّى وجدها]] هذا الأعمى هو البردوني شاعر اليمن , أعمى القلب والبصر, كان في شبابه يمدح الإسلام لكنه انتكس, يقول في بعض العصاة الفجرة المردة على الله: قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا مهلاً فديت أبا تمام تسألني كيف احتفت بالعدى حيفا أو النقب إلى آخر ما قال. إنما المقصود أن الذي لا يرفعه الله لا يرتفع أبداً, فـ زيد بن حارثة أتى إلى هذا الدين، ووضع كفه في كف محمد صلى الله عليه وسلم؛ فأعطاه صلى الله عليه وسلم درساً من التربية لا ينساه أبداً. أتى أبوه وعمه إلى محمد صلى الله عليه وسلم يريدونه؛ لأن زيد بن حارثة فارق أهله وهو صغير, سبته قريش في الجاهلية, فأخذته وأدخلته معها في دينها وفي طاغوتها وأصنامها, فلما دعا صلى الله عليه وسلم إلى لا إله إلا الله, كان أول من استجاب له العبيد، والرقيق، والضعفاء، والمساكين. يقول الأستاذ الشهيد سيد قطب نسأل الله أن يجعله شهيداً، يقول: إن هذا الدين خال من الطلاء -أي: ليس هناك دعايات على الدين- من أراد الدين يأتي للدين لنفس الدين، أي: ينقاد من نفسه, فليس هناك دعايات مغريات كما تفعل الشيوعية أو النصرانية أو اليهودية أو البابية أو البوذية التي تدعو وتضخم وتقول: عندنا وعندنا!! فإذا أتيت إليها وجدتها هباءً منثوراً, لا تجد منها شيئاً, إنما الإسلام ينصب نفسه، ويقول: من يريدني فليأتِ, سواء أكان الآتي ملكاً أو وزيراً أو غنياً أو فقيراً. يقول سيد قطب: إن هذا الدين خال من الطلاء, من أراده أتاه لذاته, فأتى زيد بن حارثة، ووضع كفه في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعلمه صلى الله عليه وسلم ورَّباه, وما ظنكم بإنسان كأنه أبوه, كان يدعى زيد بن محمد , ومن لطافته صلى الله عليه وسلم أنه ما أثار ولا خدش ولا جرح شعور إنسان رافقه في الحياة الدنيا ولو بكلمة, حتى أعداؤه من الكفار, ونتحدى أن يأتينا عدو من أعداء الإسلام بكلمة نابية قالها صلى الله عليه وسلم لأعدائه, فهذه كتب الحديث والسيرة والتراجم, تعالوا بكلمة واحدة نابية مؤذية أو جارحة للشعور قالها صلى الله عليه وسلم حتى لأعدى أعدائه, فقد بُصِقَ في وجهه صلى الله عليه وسلم, ونُثر التراب على وجهه, وأُهينت كرامته في الحرم وضربت بناته, وطرد من دياره, وقوتل وأوذي وسُب, وشُهِّر في كل مكان, وما قابل ذلك إلا بالسكوت وبالصمت وبالحكمة وبالأناة وبالحلم، حتى يقول الله من فوق سبع سماوات: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. من يتحمل مثلك هذه الأمم؟ من يستطع مثلك أن يشق طريق الحياة بعزم وتصميم وخلق حسن؟ ويقول سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. فجاء أبو زيد بن حارثة , وجاء أعمامه, وكانوا يُعلنون عنه في سوق عكاظ: من وجد ابن حارثة؟ -والجريدة التي اسمها عكاظ سميت باسم سوق عكاظ آنذاك- فقال لهم رجل: أنا وجدت غلاماً اسمه زيد يمشي مع الذي ادعى النبوة، دائماً يمشي معه, فأتى أبوه وعمه وإخوانه ودخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأول ما رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم انشجروا، أي: تصوروا أن العرب يعيشون في الصحراء في مكة تحرقهم الشمس فتؤثر في أبدانهم وألوانهم إلا الرسول عليه الصلاة والسلام, فكأنه أتى من السماء, وجهه كالقمر ليلة البدر, حتى من رآه يعرف أنه ليس بكذاب, حتى اليهود قالوا ذلك, فلما رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم خجلوا, كان قصدهم أن يضاربوا ويصارعوا من أخذ ولدهم, لكن لما رأوه صلى الله عليه وسلم وجلوا وخافوا, فقالوا: هذا ابننا, قال صلى الله عليه وسلم: {أهذا أبوك؟ قال: نعم. قال: وهذا عمك؟ قال: نعم. قال: اختر إن شئت أن تذهب إليهم فاذهب، وإن شئت أن تبقى معي فابق معي, فدمعت عينا زيد , وقال: يا رسول الله! أتتركني؟ قال: أنت بالخيار، إن تردني فأنت معي, قال: والله لا أريد إلا أنت في الدنيا وفي الآخرة. فبكى صلى الله عليه وسلم, وقال: أنت معي, قال أبوه: أنا أبوك, وقال عمه: أنا عمك, وقال إخوانه: نحن إخوانك، كيف تتركنا وتذهب إلى محمد؟ قال صلى الله عليه وسلم: قد قلت لكم: إن أرادكم فليذهب معكم، وإن أرادني فليبق معي, قال: لا أريد إلا أنت يا رسول الله}. فذهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, واستمرت به الحياة, وطالت به حياته وأيامه التي لا تنسى مع الرسول صلى الله عليه وسلم, ما كان يغضبه أبداً, بل كان -كما في السيرة- ما قام صلى الله عليه وسلم إلا لقلائل من الناس, فما كانت عادته أن يقوم صلى الله عليه وسلم من مجلسه. يأتي بعض ملوك العرب وفيهم من الكبر والعتو، ويريدون أن يقوم لهم الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يقوم, يسلمون ويجلسون هنا وهنا, فإذا أتى زيد بن حارثة قام صلى الله عليه وسلم، وشق الصفوف، وعانقه وأجلسه بجانبه, لماذا؟ ليخبر الرسول صلى الله عليه وسلم الإنسانية أن هذا الدين دين قيم وأخلاق وتعامل, لا دين مناصب ووظائف وشارات وأوسمة.

استشهاد زيد بن حارثة في معركة مؤتة

استشهاد زيد بن حارثة في معركة مؤتة أتت معركة مؤتة التي في الأردن في معان -وسوف أسوق لكم هذا لأجل الشهادة التي تليت، نسأل الله تعالى أن يشرفنا بالشهادة، وأن يتوجنا بتاجها, فإن من سأل الشهادة أعطيها ولو لم تصبه, إذا سألتها بصدق ولو لم تمت شهيداً أعطاك الله الشهادة ولو مت على فراشك- فأتت معركة مؤتة، وحضر الصحابة رضوان الله عليهم, بنو هاشم وبنو عبد شمس, أعظم أسر في الدنيا وفي الكرة الأرضية, ما خلق الله في المعمورة، لا في آسيا ولا في أفريقيا ولا في استراليا ولا في أوروبا ولا الأمريكتين أعظم من بني هاشم وبني عبد شمس, فأتوا لأنهم يسمعون من الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يجهز جيشاً، فيريدون أن يكونوا قواداً, ليشرفهم صلى الله عليه وسلم بأن يعطيهم الراية, فخطب صلى الله عليه وسلم، وأخبر أن الروم أصبحوا في بلد معان في الأردن , وأن عدد الروم ما يقارب مائة وثمانين ألفاً, فاختار ثلاثة آلاف من الصحابة إننا نقاتل بالحفنات لكن معنا لا إله إلا الله والأعمال الصالحات، نحن لا نقاتل الناس ببشر، ولا بكثرة معدات وإنما نقاتلهم بلا إله إلا الله مع الإعداد, فلما جهز صلى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف, قال: {من نولي عليكم؟} كلٌ رفع رأسه, الإمارة محبوبة وطعم، وهي أشهر من هاروت وماروت, ولذلك فإنك تجد حتى الأطفال في البيت وهم صغار يحبون الإمارة وهم في الصغر, إذا قلت: من يفتح الباب؟ يتقافزون على فتح الباب, لأن الإنسان يريد الناموس, فسكت بعضهم وبعضهم استشرف, فقال: {قم يا زيد بن حارثة} -والرسول صلى الله عليه وسلم مما علمه الله أن زيد بن حارثة سوف يقتل- قال: {فإذا قتلت فليتول بعدك جعفر بن أبي طالب. فقام جعفر , قال صلى الله عليه وسلم: وأنت يا جعفر إذا قتلت فليتول بعدك عبد الله بن رواحة} وذهب الجيش، وودعوا الرسول صلى الله عليه وسلم. وبدأت المعركة، ولبس زيد بن حارثة أكفانه؛ لأنه أراد ألا يعود مرة ثانية, وولّى وجهه شطر الأعداء، وأخذ يقاتل من الصباح إلى قبيل الظهر, حتى كلّت يداه من كثرة الضرب, وفي الأخير ضُرِبَ رضي الله عنه وطعن ووقع شهيداً على الأرض, والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، والمعركة في معان قريب مؤتة في الأردن , والرسول صلى الله عليه وسلم يعيش لحظات المعركة, لحظة بلحظة وحركة حركة, وسكنة سكنة، يطلع عليهم, فلما قتل زيد بن حارثة التفت صلى الله عليه وسلم، وبكى وبجانبه أسامة ولد زيد، فدعاه صلى الله عليه وسلم وقبّله، فقالوا: ما لك يا رسول الله؟ قال: {شوق الحبيب لحبيبه. قالوا: أحدث شيء؟ قال: قتل زيد بن حارثة}. وأخذ الراية جعفر رضي الله عنه، أأخذها ليستميت؟ لا. تناول السيف وأخذ الراية رضي الله عنه، وهو يقول: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها عليّ إن لاقيتها ضرابها ثم أخذ يضارب حتى قرب العصر, ثم قطعت يده اليمنى، ثم أخذ الراية باليسرى, فقطعت اليسرى, فضم الراية, فضرب بالرماح على صدره رضي الله عنه فوقع شهيداً, فقال صلى الله عليه وسلم، وهو يبكي: {وأخذ الراية جعفر فقتل وأبدله الله مكان يديه جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء} ثم قام من مجلسه صلى الله عليه وسلم, وأتى إلى أبناء جعفر في بيتهم مع أمهم أسماء بنت عميس الخثعمية , فقال صلى الله عليه وسلم: {أين أبناء أخي جعفر؟ وهو يبكي, فأخذت تولول وتبكي، عرفت أن في الأمر شيئاً, فقالت: يا رسول الله! قتل جعفر؟ قال: نعم, قالت: من أبونا إذاً؟ قال: أنا أبوكم بعد أبيكم، أنا وليكم في الدنيا والآخرة} ثم أخذ صلى الله عليه وسلم أطفاله، وأخذ يضمهم ويقبلهم عليه الصلاة والسلام. وعاد إلى مكانه ليتابع ما تنتهي إليه المعركة, فأخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وأرضاه وكان صائماً, ومع الغروب دعي إلى أن يأخذ الراية فتلكأ, لأنه يريد أن يفطر على شيء, لأنه جائع من الصباح, فناولوه قطعة لحم فأخذ يأكل فما استساغها؛ يرى الرايات تتكسر والسيوف تتحطم, والرماح وشظايا السلاح تتدفق على رءوس الناس معركة طاحنة اشتدت قبل صلاة المغرب, وهو القائد المعين من الرسول صلى الله عليه وسلم ليأخذ مكانه, فألقى العظم هذا, ولم يأكل شيئاً, وقال: أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أقبل الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة هل أنت إلا نطفة في شنة ثم قتل رضي الله عنه وأرضاه, فرفع الله هؤلاء الشهداء, وقام عليه الصلاة والسلام على المنبر، وقال: {لقد ارتفعوا على أسرة من ذهب، ودخلوا الجنة وفي سرير ابن رواحة ازورار} رضي الله عنهم وأرضاهم. هذه هي الشهادة, وهذه هي أعظم المنازل بعد منزلة النبوة, وعلى المسلم أن يتشرف لها دائماً، وأن تكون همته عالية, لأن أي حياة ليس فيها طلب شهادة أو طلب استقامة أو طلب تضحية أو طلب فداء فهي حياة بهائم، نسأل الله العافية!

أسامة بن زيد يتولى قيادة جيش المسلمين

أسامة بن زيد يتولى قيادة جيش المسلمين أما ابنه أسامة رضي الله عنه وأرضاه فقد عاش مع الرسول صلى الله عليه وسلم مدللاً, حتى كان صلى الله عليه وسلم يمسح على رأسه ويلاعبه، ويقول له: {لو أن أسامة جارية لحليته بالذهب} عاش أسامة وكان كأبيه يصلح للقيادة رضي الله عنه, ولاه عليه الصلاة والسلام القيادة وعمره ثمان عشرة سنة, فلما ولاه القيادة أتدرون من الجيش أو من الجنود؟ كان عمر بن الخطاب، الذي تهتز له الدنيا تحت قيادة أسامة بن زيد، ومعه عثمان، وعلي، وخالد بن الوليد والسادات الكبار, فلما ذهبوا أخذوا يتكلمون بينهم ويقولون: يولي علينا صلى الله عليه وسلم هذا الغلام؟! فأخذ الكلام يدور فيما بينهم حتى وصل الكلام أسامة رضي الله عنه وأرضاه, فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تترقرق دموعه، يقول: {يا رسول الله! نقموني في إمارتي، وقالوا: إني لست أهلاً. فجمعهم صلى الله عليه وسلم، وقال: نقمتم على أسامة إمارته، والله لقد كان خليقاً بالإمارة، وإن أباه قبله خليقاً بالإمارة} أي: أنه أهل لها وكفء.

أسامة بن زيد يشفع للناس عند الرسول

أسامة بن زيد يشفع للناس عند الرسول عاش رضي الله عنه وأرضاه حتى كان الناس يتشفعون به في حوائجهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, فقد كان يقبل منه لأنه كان قريباً منه, ومن ضمن الشفاعات التي شفع فيها أسامة بن زيد: القصة التي في الصحيحين عن عائشة في قصة المخزومية التي سرقت، وهي امرأة من بني مخزوم, وبنو مخزوم أسرة أبي جهل وخالد بن الوليد، كان الناس يمشون على الأرض وهم يمشون في الهواء من الكبر, حتى يقول معاوية رضي الله عنه: [[لا تجدوا مخزومياً إلا متكبراً إلا من أصلحه الله بالإسلام كـ خالد]] أما هم في الجاهلية فما كانوا ينظرون إلى الناس, أسرة قوية كانوا يكسون الكعبة سنة, وقريش كلها تكسوها السنة الأخرى, كان الذهب عندهم يقسم بالفئوس, فلما أتى الإسلام أتت امرأة منهم كانت ذكية، تستعير الحلي من جارتها من ذهبها وفضتها، فإذا مكثت عندها شهراً جحدت، وقالت: ما استعرت منك شيئاً, فطال الأمر وانتشر الخبر بين الناس, وفي الأخير شكوها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, فأتي بها، فأقرت واعترفت أنها كانت تستعير الحلي وتجحده، فقال صلى الله عليه وسلم: {لا بد من قطع يدها} فسمع بنو مخزوم فقامت قيامتهم, قامت الحرب العالمية الثالثة!! قالوا: كيف يقطع يد امرأة منا؟ كيف نخرج عند العرب بعدها؟ وكيف نجالس؟ ومن الذي سوف يرفع لنا ذكرنا بعدها؟ فأرادوا التوسط في القضية, فقالوا: لا نرى إلا أسامة بن زيد ذاك الشاب الحبيب عند الرسول صلى الله عليه وسلم, فورطوا أسامة رضي الله عنه وأرضاه, فتورط وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: {يا رسول الله! أرى أن تسامح وتعفو عن المخزومية، فقال صلى الله عليه وسلم: ماذا تقول؟ قال: أرى أن تعفو عن المخزومية، قال: التي تجحد العارية؟ قال: نعم. قال: أتشفع في حدٍ من حدود الله؟ ثم تغير وجهه صلى الله عليه وسلم، وأخذ يرفع صوته على أسامة , ثم جمع الناس وارتقى المنبر، وقال: أيها الناس: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد -وحاشاها أن تسرق- سرقت لقطعت يدها} ثم قام صلى الله عليه وسلم فنفذ فيها الحكم. واستمر أسامة، ثم توفي رضي الله عنه وأرضاه فيما بعد، وقد رزقه الله المراتب العالية في خدمة هذا الدين, وشَّرفه، ورفع ذكره, وأخفض الله ذكر أعدائه من أبي جهل وأبي لهب، فلا يذكرون أبداً إلا بالخسة والحقارة والمهانة.

فضل الوضوء

فضل الوضوء معنا درس لطيف خفيف، وهو قول الإمام البخاري: باب فضل الوضوء, والغر المحجلون من آثار الوضوء. وليس معناه: باب فضل الوضوء والغر المحجلون، كان يقول: الغر المحجلين, لكنه قطع الكلمة وجعل فاصلة ثم بدأ (والغر) مبتدأ، وصفته (المحجلون) من آثار الوضوء، أي: ما لهم من الثواب، وخبره محذوف. قال: عن نعيم المجمر -سمي مجمراً لأنه كان يجمر المسجد في عهد أبي بكر وعمر , أي: كان يبخر المسجد- قال: رقيت مع أبي هريرة رضي الله عنه على ظهر المسجد فتوضأ، فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء, فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل} في الحديث قضايا:

المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: أمتي؟

المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: أمتي؟ والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: {إن أمتي} هي أمة الاستجابة وليست أمة الدعوة, أي: التي أجابت الرسول صلى الله عليه وسلم وأطاعته واتبعت هداه، هذه هي المقصودة في الحديث, أما أمة الدعوة فتشمل الذي استجاب والذي لم يستجب, فاليهود والنصارى والمجوس والشيوعيون وغيرهم يدخلون في أمة الدعوة, فإنهم مدعوون, وأما أمة الاستجابة فهي كهذه الأوجه النيرة الباسمة من أمة الاستجابة التي استجابت للرسول صلى الله عليه وسلم.

بعض خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم

بعض خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقول عليه الصلاة والسلام: {إن أمتي يدعون} أي: ينادون على رءوس الأشهاد تشريفاً وتعظيماً واحتراماً لهم {يدعون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء} إن لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من الخصائص أكثر من مائة خصيصة أو ميزة تمتاز بها عن غيرها من الأمم. الميزة الأولى: أن توبتنا في الاستغفار والندم والإقلاع, أي: أننا إذا عصينا الله وأردنا أن نتوب فما علينا إلا أن نندم ونستغفر ونتوب إلى الله عز وجل, أما من كان قبلنا فتوبتهم أن يقتلوا أنفسهم, كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في بني إسرائيل, ولذلك لما عبدوا العجل أوحى الله إلى موسى أن استدع منهم سبعين ليلاقوا الله عز وجل, فاستدعى من خيارهم سبعين, فلما كلمهم الله عز وجل, قال: عودوا وتوبوا وتوبتكم أن تقتلوا أنفسكم. فحضر بنو إسرائيل كلهم جميعاً، وأخذوا السكاكين في أيديهم، وأنزل الله عليهم غماماً من السماء (سحابة) حتى غطت على رءوسهم فلا يرى بعضهم بعضاً، فأصبحوا مثل الليل, فأخذ الإنسان يقتل أخاه وأباه وعمه وخاله وقريبه, وأخذت المرأة تقتل زوجها حتى تقاتلوا جميعاً, قال بعض المفسرين: فقتل منهم سبعون ألفاً هذه هي توبتهم. أما نحن فنتوب ونستغفر الله مهما فعلنا, فمن يذنب في الإسلام فما عليه إلا أن يتوب ويستغفر, ومن يشرب الخمر, ومن يشرك, ومن يفعل الأفاعيل، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. الميزة الثانية: أن أول أمة تحاسب يوم القيامة هي أمة الرسول صلى الله عليه وسلم, يقول صلى الله عليه وسلم: {نحن الآخرون السابقون يوم القيامة} الآخرون، أي: آخر الأمم، لكن نأتي يوم القيامة سابقين بإذن الله عز وجل, نحاسب قبل الناس وندخل الجنة قبل الناس. هذه امرأة أعرابية تمتدح جملها, تمشي في آخر القافلة، ولكن إذا وصلوا منازل القرى وصلت قبل الجمال، تقول: من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول فيقول صلى الله عليه وسلم: {نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا} , فأول من يحاسب أمة محمد صلى الله عليه وسلم. يقول البوصيري في قصيدته التي لخبط فيها, والبوصيري صوفي أتى بشركيات وبدعيات، لكنه أتى بأبيات جيدة, فما مثله إلا مثل من يأتي بالدر فيجعله في المزبلة ثم يخلطه يقول: بشرى لنا معشر الإسلام أن لنا من العناية ركناً غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم الميزة الثالثة: تفضيلهم بيوم الجمعة, فليس هناك أمة من الأمم لها يوم الجمعة إلا نحن والحمد لله, أضل الله أهل الكتابين عن يوم الجمعة, أرادوا يوم الجمعة فأضلهم الله عنه وأعماهم؛ لأنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا يريد لهم فلاحاً, فأما اليهود فأخذوا يوم السبت، والنصارى أخذوا يوم الأحد. ومن النكات العجيبة التي سمعنا بها أن بعض المسلمين في أمريكا لما دخلوا الإسلام أرادوا أن يتعاطفوا مع الشعب الأمريكي؛ لأنهم قريباً دخلوا في الإسلام، وليس عندهم فقه في الدين, قالوا: نريد أن تنقلوا لنا صلاة الجمعة إلى يوم الأحد! من أجل أن يكون العيد والعطلة واحداً؛ لأن الأمريكان كلهم يشتغلون في يومي الجمعة والسبت ولا يعطلون إلا يوم الأحد, فقالوا: ما رأي السماحة وأصحاب الفضيلة في نقل صلاة الجمعة إلى يوم الأحد، أفتونا مأجورين؟ هذا فقه عجيب! يقولون: شريك بن قرة أحد العرب، وكانوا يذكرونه مثل ابن الجوزي وغيره, يقولون: صلّى الجمعة بأعراب في خراسان يوم الإثنين -والعهدة على الراوي- لكن لا ندري أهو صحيح أم لا؟! فوقف شريك بن قرة على المنبر, يقول ابن الجوزي: وقف على المنبر وكان عامياً لا يعرف شيئاً لا من الكتاب ولا من السنة وهو من أجهل الناس, لكنه غلب أهل خراسان بالسيف، فلما ارتقى إلى المنبر، قال: صدق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: اعملي أم خالد رب ساع لقاعد . فهذا بعض الفقه العصري يصل إلى هذه المرتبة. الميزة الرابعة: ومن الميز لأمة محمد صلى الله عليه وسلم: الوسطية، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] أي: عدولاً، وهو الراجح عند أهل العلم؛ لأن بعض الناس يقول: وسط أي: أفضل؛ لكن ليس هذا هو الوسط, والوسط: هم العدول أو الخيار {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أي: أعدلهم, وقيل: أخيرهم, وقيل: وسطاً، أي: أنكم متوسطون، وذهب إلى هذا سيد قطب , وأنا أدعوكم إلى مراجعة هذه الآية في ظلال القرآن، فقد أتى بتفسير عجيب ما سمع الناس بمثله, يقول: نحن أمة وسط في الأفكار والشعور, لا نميل مع أهل الخيال بخيالهم، ولا نميل مع أهل الجمود في جمودهم, ونحن أمة وسط في العبادة، لا نميل مع أهل الشهوات كاليهود فنترك العبادة، ولا نميل مع أهل الصوامع والرهبنة كالنصارى فتقتلنا العبادة, ونحن أمة وسط في الجمال والروعة والفن, وفننا وروعتنا الواقعي يوافق الحس والعقل, ولا نميل مع أهل الخيال الجامح الذين يرسمون الخيالات ويظنون أنها أمجادهم, لأن الرسامين في إيطاليا وأسبانيا وغيرها هم عندهم كأنهم ملائكة نزلوا من السماء, أهل رسم وأهل فن؛ لأنه ليس لهم رسالة في الحياة. قال: ونحن وسط في العقيدة؛ فنعظم الله عز وجل كل التعظيم, ونقدر الرسول صلى الله عليه وسلم ونحترمه, لكن لا نقدسه صلى الله عليه وسلم، ولا نرتقي بمكانته مرتبة النبوة كما فعل النصارى، ولا نذمه صلى الله عليه وسلم، ولا نطرحه، ولا نقتل أنبياءنا كما فعل اليهود. فالوسط هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

معنى الغرة والتحجيل في الوضوء

معنى الغرة والتحجيل في الوضوء قال صلى الله عليه وسلم: {إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً} الغرة: هو البياض في وجه الفرس, تقول العرب للفرس: الأغر، إذا أتى البياض في وجهه مستديراً أبيض وباقي جسم الفرس أسود أو أحمر, وإذا أتى في يديه ورجليه، قالوا: أغر محجل, فيقول صلى الله عليه وسلم: {إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين} لأننا نتوضأ ونغسل وجوهنا, فمكان الوضوء الذي يصله الماء يأتي يوم القيامة أبيض كالبدر, من كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم, أما الأمم الأخرى فتأتي عادية, اليهود ألوانهم تعرف فلا يأتي عليهم غرة, والنصارى ليس عندهم تحجيل, ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أن هذه أمته، فيستدعيهم ويرحب بهم صلى الله عليه وسلم، ويردهم الحوض المورود، ويسقيهم عليه الصلاة والسلام. يقول صلى الله عليه وسلم: {إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء} أي: على أثر الوضوء, أو بسبب الوضوء, ثم قال: {فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل} وكأن كلمة (من استطاع أن يطيل غرته فليفعل) من كلام أبي هريرة , قال بعض الحفاظ من المحدثين: كلمة (من استطاع منكم أن يطيل غرته) من كلام أبي هريرة! أي: ليست من مشكاة النبوة، إنما من كلام أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه. وكان أبو هريرة إذا حدث في بعض الأحاديث وزاد فيها قال: هذه من كيسي, وهكذا ذكرها أهل التراجم مثل صاحب كتاب الدفاع عن أبي هريرة. فالمقصود من الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يندبنا إلى أن نعتني بالوضوء ونكمله, وأن نحرص على هذه الشعيرة؛ لأن الغرة تأتي على قدر ما في الوجه {محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل}. يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل} قيل: أنه يطيل ويبالغ في الغرة أو يوسعها؛ كأن يتوضأ إلى الكعب، وقال بعض أهل العلم: ليست الغرة في الوجه إنما الغرة في اليدين والرجلين، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته في يديه ورجليه, لكن التحجيل في اليدين والرجلين والغرة في الوجه, لكن هذا كأنه من حمل بعض الشيء على بعض, ومقصود أبي هريرة أن من استطاع منكم أن يطيل غرته، أي: يبالغ في الوضوء, ويزيد هنا وهنا, فعليه أن يفعل, وهذه السنة كان يفعلها أبو هريرة رضي الله عنه. قال نعيم المجمر: رقيت مع أبي هريرة على سطح المسجد، فرأيته يتوضأ فرفع ثيابه حتى بلغ الكتفين، ثم توضأ إلى العضدين, قال: فسألته, فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا ًمحجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل}. ما هو موقف أهل العلم من رواية: {من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل} هل هي معتبرة أم لا؟ الصحيح أن هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفعه عن الكعبين والمرفقين, لكن ما كان يبلغ به الكتفين عليه الصلاة والسلام, وهذا من فعل أبي هريرة , فنحن نأخذ بما رأى، أي: بما نقل إلينا من الرسول صلى الله عليه وسلم, ولا نأخد بما رآه هو أو بما استنبطه ووجده واستنتجه من النص, لأن كثيراً من الصحابة يروون أحاديث ويفسرونها، فنأخذ بالرواية ولا نأخذ بالتفسير إلا إذا كانت صحيحة. يقول شاعر الشام يمدح الوضوء وأهل الوضوء: توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا بلال مات رضي الله عنه, لكن يقول: قل لبلال قلبك إذا توضأت وأنت على الفراش، والنوم على أجفانك، وسنة النوم تداخل في كراك, وأنت تسمع داعي الله على المآذن، والبرد شديد وقارس, والفراش وثير، واللحاف دفيء وتسمع: (الله أكبر) والشيطان يقول: نم, فتريد أن تقوم, فيقول: نم, فتريد أن تقوم, والشيطان يقول: نم, فيقول الشاعر: وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا

الأسئلة

الأسئلة

حكم مسح الرقبة

حكم مسح الرقبة Q هل مسح الرقبة من إطالة التحجيل؟ A ليس مسح الرقبة من إطالة التحجيل، إطالة التحجيل في غيرها, أما مسح الرقبة فيذكرنا بقول الشاعر العربي: أم الحليس لعجوز شهربة ترضى من اللحم بعظم الرقبة الشاهد أن الرقبة تطلق في الإنسان وفي غيره.

صيام شهر رمضان ليس من خصائص هذه الأمة

صيام شهر رمضان ليس من خصائص هذه الأمة Q هل صيام شهر رمضان من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ A الظاهر أن الذين قبلنا صاموا بل هو الصحيح, لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]. وهنا مداخلة للشيخ جبريل جزاه الله خيراً، فمن مثله نستفيد. بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا والقضية التي ذكرها قد ذكرها الطبري في تفسيره , عند قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [البقرة:51] السبب أن موسى عليه السلام فيما يذكر ابن عباس: أنه صام ثلاثين يوماً, فلما صام ثلاثين تغير فمه هكذا يذكرون, وقصص بني إسرائيل -كما تفضل الشيخ- كالوردة تشم ولا تعك، لا تصدقوهم ولا تكذبوهم, يقول الإمام مالك: أهل العراق مثل بني إسرائيل لا تصدقوهم ولا تكذبوهم. فالمقصود: أن موسى عليه السلام لما صام ظهرت من فمه رائحة -خلوف فم الصائم- فأخذ سواكاً وتسوك, فلقي الله عز وجل، فأوحى الله إليه: يا موسى! أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك؟ عد فصم عشرة أيام, فعاد {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف:142] فعاد فصام عشرة، فأصبحت أربعين. لكن السؤال الذي يتوجه: هل اسم رمضان، أو هذا الشهر بالذات كان يصام من قبلنا؟ لا ندري، إنما الأسماء أسماء إسلامية {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً} [التوبة:36] أما الأسماء فهي إسلامية بلا شك, والرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم والعرب تصوم من باب أولى، لكن صام صلى الله عليه وسلم ثمان رمضانات، وقد فرض في السنة الثانية.

مقولة الإمام مالك في أهل العراق

مقولة الإمام مالك في أهل العراق Q ما مقصود الإمام مالك في قوله: أهل العراق مثل بني إسرائيل لا تصدقوهم ولا تكذبوهم؟ A المقصود أن هذا في زمن الإمام مالك , أما الآن ففيهم صالحون، وأولياء، وعلماء، وأخيار، وبررة إن شاء الله, ففيهم مثلما فينا, أي: كل بيت بما فيه.

حيل بني إسرائيل

حيل بني إسرائيل Q ما هي حيل بني إسرائيل؟ A من حيل بني إسرائيل: كلما حرم الله عليهم شيئاً لفوا وأتوا من جانب آخر, فقد حرم عليهم الشحوم كما في صحيح مسلم في حديث جابر فقالوا: إن الله حرم الشحوم أن نبتاعها وأن نذيبها, ولكن ما حرم علينا الحميس هذا, الذائب منه لم يحرمه علينا, فأذابوه على النار، وقالوا: ليس بشحم, إنما هو ذائب وباعوه, وحرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت, فماذا فعلوا؟ حفروا خنادق، فتأتي الحيتان يوم السبت فيغلقون عليها ويصيدونها يوم الأحد ما شاء الله!! هذا ذكاء خارق, ولذلك قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13].

حكم الصلاة في البيت لجار المسجد

حكم الصلاة في البيت لجار المسجد Q ما صحة حديث: {لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد}؟ A حديث: {لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد} حديث ضعيف رواه ابن عباس , وقد ضعفه أهل العلم, بعض الناس يقول: الحمد لله! فتح الله علينا ضعف الحديث، فيذهب يصلي في البيت، لا. هناك أحاديث تكفي في البخاري ومسلم، منها: حديث التحريق أن الرسول صلى الله عليه وسلم همّ أن يحرق عليهم بيوتهم بالنار لولا ما فيها من الذرية، وجاء من حديث ابن أم مكتوم: {أتسمع النداء؟ قال: نعم, قال: فأجب فإني لا أجد لك رخصة} , وحديث آخر صحيح: {ما من ثلاثة في قرية من قرى لا تقام فيهم الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان} نعوذ بالله من الشيطان. في الختام: نسأل الله عز وجل أن يتولانا وإياكم، وأن يهدينا وإياكم إلى سواء السبيل، وأن يتوب علينا وعليكم، وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه, كما أسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم, وأن يتغمدنا وإياكم برحمته، وأن يجعلنا من عتقاء هذا الشهر إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

تعظيم شعائر الله

تعظيم شعائر الله لا يزال المؤمن يخطئ ويخاف، أما المنافق فإنه عديم الإحساس، فالأول يعظم شعائر الله، والثاني قد امتهن شعائر الله، وفي ثنايا هذا الدرس صور لا متهان شعائر الله كما فيه صور لتعظيم شعائر الله ممثلة في الصحابة والتابعين، وفيه تعرض إلى الموقف الشرعي من ذلك، وماذا يجب علينا أن نفعل؟

مراقبة المؤمن وخوفه الدائم من الله

مراقبة المؤمن وخوفه الدائم من الله الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، الحمد لله الذي رفع السماء بلا عمد، وبسط الأرض ومهد. الحمد لله الذي خلق الإنسان في كبد، والصلاة والسلام على معلم الخير، وهادي الإنسان، ورسول البشرية، ومعلم الإنسانية، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أمَّا بَعْد: أيها الناس! فإن المؤمن يحسن ويخاف، وإن المنافق يسيء ويرجو، المؤمن مرهف الإحساس حي العاطفة، يعظم شعائر الله وحرماته الله، ويراقب الله في السر والعلن، وفي الجلوة والخلوة، ويرى ذنوبه كما في الأثر: {كأنه جالس في أصل جبل يخاف أن يقع عليه}. والمنافق يمشي قُدماً، يرى ذنوبه كأنها ذباب مر بأنفه، فقال به هكذا فلا يخاف منها، والمنافق يخاف من الناس أعظم من خوفه من الله، قال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ} [النساء:108] يستحيون من الناس ولا يستحيون من الله، يقِّدرون الناس ويوقرونهم ولا يوقرون الله تبارك وتعالى، فتعالوا نرى كيف كان السلف الصالح يخافون الله ويراقبونه. سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزل مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطأ

خوف عمر من النفاق

خوف عمر من النفاق كان عمر رضي الله عنه وأرضاه من أشد الناس خوفاً من الله، ومع ذلك كان صادقاً مع الله، وصادقاً مع الناس، ومع نفسه، قائماً لليل، وصائماً للنهار عادلاً فيما ولاه الله زاهداً في الدنيا، ومع ذلك يرى أنه هالك، فيبكي طويلاً ويقول: [[يا ليتني كنت شجرة تعضد]] ويقول لـ حذيفة الذي علمه صلى الله عليه وسلم أسماء المنافقين الذين لا يدخلون الجنة: [[يا حذيفة! أسألك بالله، أسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟]]. لا إله إلا الله! إذا لم تكن يا عمر مؤمناً فمن هو المؤمن؟! وإذا لم تكن صادقاً فمن هو الصادق؟! وإذا لم تكن مخلصاً فمن هو المخلص؟! لا إله إلا الله! بذلت مالك ودمك في خدمة لا إله إلا الله، وتبكي على نفسك أن تكون منافقاً! جلس الصحابة في مجلس، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام: {أيكم يحفظ قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ فقال حذيفة: أنا، قال عمر: إنك عليها لجرئ -أي: تستطيع أن تتكلم في هذه المواضع الخطيرة- قال: نعم. قال: ماذا سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الفتنة؟ قال: يقول: فتنه الرجل في أهله وماله، يكفرها الصوم والصلاة والصدقة، -أي: سبه وشتمه لأهله، كفارتها الصوم والصدقة والصلاة- قال عمر: ليس عن هذا أسألك، لكن عن الفتنة التي تموج موج البحر، ما هي كفارتها؟ -أي: فتنة الدماء، وفتنه أن يسل السيف على المسلمين، وفتنة الاختلاط، والزندقة والنفاق والإلحاد- قال حذيفة: يا أمير المؤمنين! لا تخف، إن بينك وبينها باباً قال: أيفتح الباب أم يكسر؟ والباب في الفتنه هو عمر بن الخطاب فيوم قتل بدأت الفتنه، وسل السيف على الأمة المحمدية، وبدأت الفتنة في الجزيرة العربية تموج موج البحر، قال: يا أمير المؤمنين! إن دونك ودونها باباً، قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: بل يكسر، فدمعت عينا عمر وقال: الله المستعان! فسئل حذيفة: هل علم عمر من هو الباب؟ قال: إي والذي نفسي بيده، إنه علم كما علم أن دون الليلة البارحة} ويوم اغتيل أتته سكرات الموت، رضي الله عنه وأرضاه فما بكى على أطفاله أو على أمواله أو منصبه، أو وظيفته، ولكن بكى ذنوبه وخطاياه. حياءً من إلهي أن يراني وقد ودعت دارك واصطفاك فيقول: [[يا ليت أمي لم تلدني]] ودماؤه تثعب، مات شهيداً في سبيل الله، قالوا: مالك، قال: [[ذنوبي وخطاياي يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني كنت شجرة تعضد، يا ليتني ما توليت خلافة، يا ليتني ما عرفت الحياة]] هذا وهو عمر رضي الله عنه وأرضاه، فكيف بنا أهل الذنوب والخطايا؟ ذاك وهو المؤمن الذي يصوم ويتصدق، ويعمل صالحاً، ويتوب ويخاف من الذنوب. والمنافق يترك الصلوات، ويلعب بالمحرمات، وينتهك حقوق الواحد الأحد رب السماوات، ويضحك. ويتكلم بالنفاق، ويعمل بالنفاق ويضحك. إذا بايع الناس غش وظلم، وإذا أخذ المال وأعطاه رابى، وإذا خاصم فجر وشهد شهادة الزور، ولعن وتعدى وهو يضحك قاطع للرحم عاق للوالدين فاجر في بيته ومجتمعه، وفاجر مع أمته وهو يضحك.

نماذج أخرى من خوف الصحابة

نماذج أخرى من خوف الصحابة لقد كان أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام أكثر الناس خوفاً من الله؛ أتى أحدهم والرسول صلى الله عليه وسلم محاصر ليهود بني قريظة، فأرسله صلى الله عليه وسلم، وقال: {اذهب إلى هؤلاء اليهود، وفاوضهم علَّهم أن ينزلوا على حكم الله، فدخل على اليهود، فقال اليهود له وهم يتباكون نساءً ورجالاً شيوخاً وأطفالاً، قالوا: ترى ماذا يصنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخذته الرحمة لكن في غير موضعها، والرقة بأعداء الله، إخوان القردة والخنازير، فأشار إليهم ألا ينزلوا، وهي خيانة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لم يتكلم، وإنما قال بيده على عنقه هكذا -أي: انتبهوا، لا تنزلوا فإنه سوف يذبحكم ذبحاً- وخرج من الحصن، وشعر أنه قد خان الله ورسوله، وخان دين الإسلام، فذهب إلى المسجد فربط نفسه بسارية في المسجد، وقال: والله الذي لا إله إلا هو، لا أطلق نفسي حتى يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ يبكي صباح مساء}. فأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بخبره قال: {{ما دام أنه قيد نفسه فوالله الذي لا إله إلا هو لا أطلقه حتى يتوب الله عليه}} وأتت التوبة من السماء، يوم اعترف بذنبه وخطيئته؛ فتاب الله عليه، فأتى صلى الله عليه وسلم فحل وثاقه بيده الشريفة. وحين أنزل الله قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2]. ومعناها: لا ترفعوا أصواتكم، وتأدبوا عند المصطفى، صاحب الرسالة الخالدة صلى الله عليه وسلم، فلما نزلت أتى ثابت بن قيس بن شماس وهو خطيب الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يخطب في حماية الإسلام، وفي الدفاع عن الإسلام فيرفع صوته على صوت الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس هذا مقصوداً في الآية، لأن الآية تعني الذين لا يتأدبون، أما هو فيرفع صوته براية الحق، فذهب فأغلق بابه في البيت؛ فبكى حتى كادت أضلاعه أن تختلف وقال: {والذي لا إله إلا هو، لا أخرج من بيتي، حتى يتوب الله علي أو أموت في بيتي]] فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة فقال: أين ثابت قالوا: يا رسول الله! نزلت الآية فظن أنها فيه فأغلق عليه بابه ولم يأكل ولم يشرب، وحلف ألا يخرج حتى يتوب الله عليه أو يموت في بيته، قال عليه الصلاة والسلام: بشروه أنه من أهل الجنة، فأتوا يطرقون عليه الباب ويبشرونه أنه من أهل الجنة، فبكى حتى أغمي عليه} حياء من الله. وهذا هو فعل المؤمن يتقي الله ويخافه ويعظم حرماته، ويتهم نفسه. والشاهد من هذا الكلام أنه ينبغي لنا أيها المسلمون الأبرار الأخيار! أن نعظم حرمات الله تبارك وتعالى، فحق على المسئول فينا ألا يتصرف ولا يعمل إلا وهو يعلم أن الله عز وجل حافظه ومتوليه وراعية، وأن يراقب الله في السر والعلن، وحق على من يكتب مقالة نثرية أو شعرية في الصحف والمجلات، أن يتق الله في نفسه، ويعرف أن الله سوف يجمعه ليوم لا ريب فيه.

صور من الذين لا يخافون الله وما حل بهم

صور من الذين لا يخافون الله وما حل بهم كم رأينا من أناس كتبوا فما خافوا الله، كتب أحدهم إلحاداً وزندقة يوم نسي الله فأنساه الله نفسه. يقول أحدهم يخاطب الأمة العربية، والأمة العربية بلا إسلام أصفار، والأمة العربية بلا دين بادية مضمحلة في ثياب من الغنم، والأمة العربية بلا لا إله إلا الله محمد رسول الله أمة مهزومة فاشلة، يوم دخلت الأمة العربية بدون لا إله إلا الله محمد رسول الله ساقها اليهود وساقوا كتائبها في سيناء وفلسطين وفي كثير من بقاع الدول العربية، ساقوها بطائراتهم. فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا تحدت ناره الخطب إذا تبدت لنا الميراج تقذفنا سعت لتسقطها الصيحات والخطب فالأمة العربية إذا نزع الإيمان منها فقل: عليها السلام، وهذا مجرم لبناني يكتب في صحف لبنان الكبار، ويقول عن الأمة العربية في الحرب مع إسرائيل: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم يقول: ائيتوني بدين يجعل العرب أمة، ولو كان قومية أو بعثية أو حزبية غير الإسلام، ولو كان دين برهم الهندوسي المجرم اللعين، الذي لا يخاف موعود الله. ويقول الثاني وقد وقف أمام سلطان من سلاطين الدنيا، وهو شاعر يمدح السلطان ونسي عظمة الله {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95] وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] يقول هذا السفيه الخرافي الذي نسي الله فأنساه نفسه، والإنسان إذا نسي نفسه تكلم بلا إيمان ونافق الناس ونسي الواحد الديان، يقول هذا للسلطان: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار يقول لهذا الفقير الهزيل الذي يموت ورزقه وحياته ووجوده وسمعه وبصره وكل شيء فيه من الله، وهو يقول هذا الشعر! فابتلاه الله بمرض أقعده على فراشه، بقي ينبح منه كما ينبح الكلب، لأن الذي لا يعرف الله، يعرِّفه الله بنفسه في الشدة فهو له بالمرصاد. فرعون ما عرف الله وهو على الكرسي وعلى الحكم، يقول كما قال تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] فقاده الله بتلابيب ثيابه حتى أنزله في الطين والوحل وأمضى الأنهار والمياه على رأسه؛ فعرف الله وقت الشدة، قال تعالى على لسان فرعون: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] آلآن يا دجال! آلآن يا لعين! وقد نسيت عظمة الله وجلاله. فابتلى الله هذا الشاعر بمرض فبكى وأبكى، وأخذ يتقلب على فراشه ويقول يخاطب رب العزة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويعتذر: أبعين مفتقر إليك نظرت لي فأهنتني وقذفتني من حالقِ لستَ الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالقِ من يعلق أمله بغير الله، يقطع الله حبله وولايته، ويقطع أثره في الأرض، ومن يعتمد على غير الله يهزمه الله ويجعله على دائرة الفشلة، وقد سمعنا ورأينا من الذين أساءوا للإسلام ولو ادعوا الإسلام، ولو سكنوا في بلاد الإسلام، ولو تكلموا بلغة الإسلام أتوا، فإذا حلت بهم الأزمات إما مرض عضال فأصبح في المستشفى على السرير الأبيض، أو أصابته كارثة في أطفاله، فعندها عرف الله فأصبح يراجع حسابه، لكن في وقت ضائع، لأنه نسي الله عز وجل، فراعوا يا عباد الله، تعظيم حرمات الله في مجالسنا واجتماعاتنا ومدارسنا. فإن من الكلمات ما تهوي بصاحبها في النار سبعين خريفاً يطلقها بلا اعتبار، يستهزئ بالرسول عليه الصلاة والسلام، أو يستهزئ بالسنة الخالدة، أو بالدعاة والدعوة، ولم يعلم أنه يستهزئ برب العالمين تبارك وتعالى، يقول الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]. هذا هو الكفر والنفاق، قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] وقال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ. يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9] لم يدخل النور والإيمان قلوبهم {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} [البقرة:11] لا تفسدوا في إعلامنا وصحفنا لا تفسدوا في كتبنا ومصنفاتنا، لا تفسدوا في دوائرنا ومدارسنا {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11]. أي: نحن أهل التطور وأهل التقدم، وهم الرجعيون المتخلفون المتأخرون، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة:13] أي: المتطرفون {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة:13 - 14] إذا جلسوا مع الدعاة الأخيار، والعباد والزهاد، لبسوا جلود الغنم من الليِّن، وقلوبهم قلوب الذئاب {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14 - 15]. أتدرون ما معنى الاستهزاء هنا؟ يقال في بعض الآثار الصحيحة: إن الله يأتي بهم يوم القيامة، فيجعل لهم نوراً على الصراط، فيظنون أن هذا النور بإيمان سوف ينجيهم ويجتازوا به الصراط، والصراط مظلم، نسأل الله أن ينور لنا ولكم ما في الصراط. فإن من الناس من يأتي ونوره كالظفر، ومنهم من يأتي ونوره يلمع كالنجم، ومنهم من يأتي ونوره كالقمر، ومنهم من يأتي ونوره كالشمس، فيأتي الله بهؤلاء فيوقد لهم نوراً فيظنون أنهم في نور، فإذا أصبحوا على الصراط انطفأ نورهم فوقعوا على وجوههم {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ. مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18]. فالله الله في تعظيم حرمات الله {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:30] {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] وإن منها تعظيم أسماء الله وصفاته، وكتبه، وأنبيائه، ومساجده وأوليائه، وكل ما يمت للإسلام بصلة فعظمه؛ ليعظمك الله تبارك وتعالى. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

صور من عدم تعظيم حرمات الله

صور من عدم تعظيم حرمات الله الخطبة الثانية: الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.

امتهان أسماء الله عز وجل

امتهان أسماء الله عز وجل أيها المسلمون! فإن حرمات الله عز وجل صور متنوعة، ولو أنها سهلة عند كثير من الناس لكنها عظيمة، فمنها: صورة امتهان أسماء الله عز وجل في الصحف، والجرائد، والمجلات، فقد رأينا وسمعنا من أناس كثيرين امتهان كثير من الناس لهذه الأمور، والتي فيها آيات الله المحكمات، وأسماؤه المشرَّفات، فتوضع موائداً وسفراً للطعام، وتلف ويرمى بها في الأرصفة والشوارع والمزابل، وهذا استهانة بأسماء الله وآياته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، إذا كانت هذه الصحف والمجلات تحمل اسم الواحد القهار. وفي كثير منها مقالات إسلامية وأجزاء من سور القرآن، تؤخذ عند كثير من الناس الذين ضعف عظمة الله في نفوسهم فتوضع سُفَراً للطعام، فيضعون الطعام عليها وعليها اسم الله، ثم ترمى في المزابل مع الأطعمة ومع ما يلقى من التفاهات والحقارات، وإن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أمرين اثنين: أولهما: قلة تعظيم الله الواحد الأحد في القلوب، وعدم الحياء منه سبحانه وتعالى. ثانيهما: عدم الأدب والمستوى الراقي الذي لم يبلغ إليه هذا المجتمع الذي يراد منه أن يكون قدوة للناس؛ ولذلك نسمع في مجالسنا أن مدناً كافرة في أمريكا وأوروبا بلغت من تنظيف أرصفتها، وتجمعات الناس، وساحاتها وسككها أمراً عجيباً، ونحن أهل الحضارة والتقدم، وأهل الرقي نرمي صحفنا وكتبنا وجرائدنا وفيها أسماء ربنا تبارك وتعالى، فهذا يدل على التخلف في عالم الأدب، وعدم الرقي في عالم الصيانة والحضارة والمعرفة والثقافة. ومن تلك الصور أيضاً: تساهل كثير من الناس في دخول بيوت الخلاء، وأماكن قضاء الحاجة، بأسماء الله تبارك وتعالى، أو بأوراق ومستندات فيها ذكر الله، أو بالمصحف، أو شيء من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذه استهانة، وهي إما عن جهل وإما عن قلة إيمان، فأما الجاهل الذي لا يدري ما الحكم؟ فالحكم ألا يدخل بيت الخلاء وهو مصطحباً لها؛ لأن أسماء الله مقدسة معظمة، مساكنها المساجد وبيوته تبارك وتعالى، والشيطان يسكن في بيوت الخلاء وذريته وأقاربه وقريباته، فله من أمثاله ما يساكن ذاك المكان. وأما قليل الإيمان فنقول له: اتق الله في نفسك، وعظم أمر الله تبارك وتعالى، حتى يعظِّمك الله. هذا إبراهيم بن أدهم من أعظم الزهاد، كان في أول حياته مسرفاً على نفسه بالخطايا والذنوب، لكنه يحب الله، لأن بعض الناس يسيء ويذنب ولكنه يحب الله. نزل إبراهيم بن أدهم إلى السوق وهو مسرف على نفسه، فوجد ورقة مرمية في الأرض مكتوباً عليها اسم الله تبارك وتعالى، والناس يطئونها بأقدامهم وهم داخلون إلى السوق وخارجون منه ولا يعلمون، فأخذ القرطاس فإذا فيه اسم الله، فبكى، وقال: سبحانك! يهان اسمك هنا، لا والله! فأخذ هذه الورقة وطيبها ورفعها في بيته، فلما أمسى سمع هاتفاً يقول: يا من طيب اسم الله ورفع اسم الله! ليعظمن الله اسمك، يا من طيب اسم الله، وعظم اسم الله! ليعظمن الله اسمك، فهداه الله إلى التوبة النصوح، فأصبح من عبّاد الإسلام، ولما توفي اجتمعت في جنازته ألوف مؤلفة من أمراء وقادة الجيش، والفقراء والمساكين، حتى وصلوا المقبرة وقد تقطعت أحذيتهم من كثرة الناس وازدحامهم وبعد الطريق، لأن من يعظم الله يعظمه، ومن يحتقر شيئاً من معالم أسماء الله، يحقره ويذله تبارك وتعالى.

صور السلام والتحية في الإسلام

صور السلام والتحية في الإسلام مما ينبغي أن نتنبه له كذلك: صور السلام والتحية في الإسلام، وتقديس وتعظيم هذا الدين، قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] وقال تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:44] وتحية الإسلام (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وقد سمعنا من إذا لقي صاحبه قال: (صباح الخير) و (حياكم الله) وهذه التحية جائزة وواردة وطيبة لكن بعد تحية الإسلام، وبعد شعار الإسلام، يرفع الهاتف فيتصل بالناس فلا يسلم ولا يرد السلام، وهذه أتتنا من عالم الخواجات والوثنيات، ومن عالم الدعارة والانحطاط، ولم تأتنا من المدينة من محمد عليه الصلاة والسلام، تحيتنا السلام ونحن نسلم ونتقبل السلام؛ ليبقى شعارنا شعار السلام، فالله الله في المحافظة على شعيرة السلام، دخولاً وخروجاً، استئذاناً وزيارة لنبقى مسلمين، وهذه قضايا تطول وتطول، ولعل الله أن يهيء من الأوقات ما تبسط للناس ليعرفوا كيف يعظمون الواحد الأحد، ويعظمون الإسلام وشعائره وحرماته؟ عباد الله! صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلَّ على نبيك محمد، اللهم اعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، اللهم وفقنا لاتباع سنتك، والسير على منهجك، اللهم ارض عن الصحابة الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، واعنَّا معهم بكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة التي تهديهم إلى الحق وتدلهم على الصواب، وجنبهم بطانة السوء التي ترشدهم إلى الباطل، وتدلهم على الضلال. اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضلة، ولا فتنة مظلة برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين الأفغان الذين أعلنوا عظمة كلمة لا إله إلا الله، وقوة لا إله إلا الله، وسمو لا إله إلا الله، اللهم ثبتهم، اللهم زلزل أصنام الشرك بأيديهم، اللهم رد أرضهم عليهم، وردهم ظافرين منتصرين يا أرحم الراحمين، اللهم رد لنا أولى القبلتين على يد المسلمين في فلسطين، اللهم دمر اليهود وأعوانهم وأذنابهم وكل من أحبهم وشايعهم، اللهم خذ أعداء الإسلام أخذ عزيز مقتدر، اللهم العنهم كل لعنة، اللهم ومزقهم كل ممزق. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حياة شيخ الإسلام ابن تيمية

حياة شيخ الإسلام ابن تيمية لقد أخرج الله لهذه الأمة رجالاً يجددون لهذه الأمة أمر دينها، فينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية. والمتأمل في سيرته في مجال الدعوة، والعلم والتأليف، والتدريس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، ومحاربة البدع، يعجب أشد العجب من هذه الشخصية الفذة كيف جمعت تلك الأوصاف.

ثلاثة أمور مهمة تتعلق بالعلم والدعوة

ثلاثة أمور مهمة تتعلق بالعلم والدعوة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الجمع المبارك الكريم: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته سلام الله عليكم يوم اجتمعتم على ذكر الله وسلام الله عليكم يوم تعلقت قلوبكم لمرضاة الله وسلام الله عليكم يوم أتيتم لتسمعون دعاة الله، وتراجم أئمة هذا الدين الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم. معنا اليوم إمام عملاق، وجهبذ قدير، وعظيم في هذا الدين معنا مجدد من المجددين، وزاهد من الزاهدين، وعابد من العابدين، وعالم من العاملين بعلمهم معنا ابن تيمية، وينبغي أن تعرفوا ابن تيمية معرفة واسعة مكثفة. اسمه: أحمد بن عبد السلام بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. ولد سنة (666هـ) وتوفي سنة (728هـ). وقبل أن نبدأ في ترجمة الرجل أبين لكم ثلاثة أمور لا بد أن تعرفوها: الأمر الأول: العلماء هم الدعاة والدعاة هم العلماء؛ فلا علم إلا بدعوة ولا دعوة إلا بعلم، يقول الله تبارك وتعالى مندداً ببني إسرائيل حينما توقف علماؤهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187]. الأمر الثاني: زكاة العلم نشره؛ فعلم لا ينشر بين الناس ولا ينفق منه كنزٌ مشئوم على صاحبه يقول أبو إسحاق الألبيري، يوصي ابنه بطلب العلم، ويمدح العلم، ثم يوصيه بنشره فيقول: هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مضاربَ من أردنا وكنزٌ لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شدتا الأمر الثالث: تهاون العلماء بالدعوة هزيمة للأمة؛ فما تأخرت أمة الإسلام ولا انهزمت ولا انحصرت إلا بسبب تهاون بعض العلماء عن إبلاغ دعوة الله، وعدم جلوس العلماء مع الأمة وتفهيمها، والله تبارك وتعالى يقول: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:175 - 176]. معنى الآية: مثل هذا العالم الذي ما نفع نفسه وما نفع الأمة كمثل الكلب، والكلب يلهث ويمد لسانه دائماً وأبداً، سواء أكان في الظل أم في الشمس سيَّان، فهذا السيء المشئوم سواء تعلم أو لم يتعلم فحاله حاله لم يتغير.

مؤهلات ابن تيمية في مجال الدعوة

مؤهلات ابن تيمية في مجال الدعوة ابن تيمية ولد في بيتٍ ملتزم عابدٍ زاهد يريد وجه الله والدار الآخرة، ونشأ على هذه الحياة. بعضنا الآن عمره عشرون سنة ولا يعرف كيف يشتري الخبز من الفرن، والبعض عمره عشرون أو ثلاثون سنة وما يعرف البدهيات في هذا الدين؛ إنما هو سبهلل أخبل. وهذا عمره ثمان سنوات ويمرغ وجهه في التراب مع الفجر، ويقول: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني ويبكي. انظر إلى مستقبل هذا الذي يدعو دائماً، وينيب إلى الله ويمرغ وجهه في التراب، فعلَّمه معلم إبراهيم وفهمه مفهم سليمان، وأعطاه علماً لا كعلم بعض الناس، وفهماً لا كفهم بعض الناس علم اخترق به ما يقارب عشرة قرون، وأمضاه هذا العلم حتى أصبح مجدداً لمئات السنوات. يقول مستشرق فرنسي وهو يترجم لـ ابن تيمية ويأخذ كلامه في التربية وعلم النفس: ابن تيمية وضع ألغاماً في الأرض، فجر بعضها ابن عبد الوهاب، وبقي بعضها لم يفجر. ومؤهلاته في مجال الدعوة خمسة مؤهلات:

الإخلاص والنصيحة عند ابن تيمية

الإخلاص والنصيحة عند ابن تيمية المؤهل الأول: الإخلاص والتجرد والنصيحة فقصده وجه الله عزوجل، ومراده ما عند الله والدار الآخرة. ولذلك أنصح نفسي وإياكم إذا أراد أحدكم أن يتكلم بموعظة، أو أراد أن يتحدث بحديثٍ في ناد، أو يلقي قصيدة في أمسية، أو يشارك بكلمة في حفل أو سمر؛ أن يصحح نيته ويقف مع نفسه وقلبه ويقول: ماذا أريد بهذه الكلمة؟ أليمدحني زملائي؟ أو يثني عليَّ مشرفيّ أم ماذا؟ فلذلك ينبغي أن نقف مع أنفسنا، ونمحص قلوبنا. وابن تيمية كان من هذا الطراز؛ من المحاسبين لأنفسهم دائماً وأبداً. يقول شيخ الإسلام: ينبغي الاعتناء بقوله صلى الله عليه وسلم: {ثلاثٌ لا يغلُّ عليهنَّ قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط بمن وراءهم} وكثيراً ما كان ابن تيمية يعيد هذا الحديث ويشرحه؛ فقد شرحه في الفتاوى، وذكره عنه ابن القيم في الوابل الصيب. وكان يكرر ويعيد دائماً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {الدين النصيحة} ومعنى هذا الحديث: أن تنصح ولا تفضح، فالدين النصيحة وليس الفضيحة. كتب الإمام الشافعي للإمام أحمد يخبره بأصول الدعوة؛ والإمام أحمد يعرف أصول الدعوة، ولكن الإمام الشافعي يريد أن يخبر غير الإمام أحمد؛ كأنه يقول: إياك أعني واسمعي يا جارة. يقول الإمام الشافعي: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وهذا تواضع منه. والآن الإنسان منا الذي لا يصلي الفجر في جماعة، إذا قلت له: أنت لست من الصالحين؛ قام لمضاربتك وقال: مَنْ في الوجود من الصالحين إذا ما كنت أنا، أما تعرفني؟! فمن تقصيرنا ونقصنا ندعي الصلاح. أما الشافعي لإمامته وجلالته وزهده وعبادته يقول: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة ثم يقول: تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة أي: إذا أردت أن تنصح أخاً لك ثوبه طويل؛ فلا تأت من عند المكرفون وتقول: يا فلان بن فلان ثوبك طويل، الله يجزيك بما أنت أهلٌ له، نسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إما أن يصلحك أو يزيلك فهذا مبدأ خطأ، وأسلوب غلط، يلغيه الإمام الشافعي والإمام أحمد، ويتفق الجمهور على إلغائه، بل هو شبيه بالإجماع. تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوعٌ من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعطَ طاعة وكثير من الناس يظن أنه يدعو إلى الله وهو ينفر عنه بشدته وكلماته السيئة. فالمقصود: أن ابن تيمية كان يريد النصيحة لعباد الله عزوجل، ويريد أن يهدي القلوب إلى الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمْرِ النعم}. إذاً ماذا نفعل مع الناس؟ الأمر الأول: إذا أردنا أن نتحدث مع الناس فيجب أن نكلمهم على أنهم بشر وليسوا ملائكة. الأمر الثاني: أن نتكلم معهم بخلق حسن، ووجه منبسط ضاحك بالبسمة والكلمة الطيبة ولا نأتي إلى المسلم ونمسكه من تلابيب ثوبه ونجره، ونقول: اتق الله عزوجل، احضر الصلاة في المسجد، قصر ثيابك، ربِّ لحيتك هذه أوامر سلاطين المغول والتتر والبرابرة! أما المسلم فإنه يعتني بالدعوة، ويعرف أنه يسير على منهج محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يقول الله فيه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. يقول ابن تيمية في مختصر الفتاوي: بعض الناس يتعصب لهوى، أو مذهبٍ، أو طائفةٍ، أو حزب؛ فيجعلها هي المقصودة بالدعوة، وهذا أخطأ خطأً بيناً، فإن المقصود بالدعوة هو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ليس الحزب، وليست الطائفة، وليست الفرقة، وليس الرأي الذي يدعو إليه. ويقول في باب الإخلاص، في مختصر الفتاوي أيضاً: من أراد أن يبحث عن منصب في الدنيا فليعلم أنه لن يحصل على منصب أرفع من منصب فرعون ولكن أين فرعون؟! يعرض على النار غدواً وعشياً، يفطر ويتغدى في النار {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] هذا الفطور والغداء، وأشد العذاب: العشاء. ولذلك يسمى هذا: المنشر والمحشر؛ فالمنشر أن تخرج بالغنم في الصباح، والمحشر أن تردها في المساء. فيقول: أما المنشر ففي القبر، والمحشر يوم القيامة. فـ ابن تيمية يقول: إن كنت تريد المنصب فانظر إلى فرعون صاحب المنصب، وإن كنت تريد المال فاعلم أن قارون حصل على مالٍ كثيرٍ لا تحصل عليه أنت فكيف كانت عاقبتهما؟! فعليك بإخلاص العمل لوجه الله؛ فإن وجه الله هو الباقي وما سواه فان.

العمل بالعلم

العمل بالعلم المؤهل الثاني من مؤهلات ابن تيمية في النصيحة والدعوة إلى الله عزوجل: العمل بعلمه وتقواه لربه تبارك وتعالى وعلم ليس فيه عمل ولا خشية ولا ابتهال؛ إنما هو حفظ للمعلومات، وسلة مهملات يحفظها الإنسان في ذهنه ولا تنفعه أبداً، ولا تقربه من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وعمله بعلمه له جوانب: الجانب الأول: الزهد فقد كان منقطع النظير في الزهد، وللعلم فإن ابن تيمية رحمه الله لم يتزوج وترك الزواج ليس من الزهد، بل من الزهد أن تتزوج؛ لأن أزهد الناس عليه الصلاة والسلام وهو أكثر الناس نساءً، وعلي رضي الله عنه كان من أزهد الناس على الإطلاق وعنده أربع زوجات وتسع إماء فتركُ الزواج ليس من الزهد، لكن ابن تيمية لم يتركه تزهداً، وما تولى منصباً في حياته بالإجماع. فقد جاء في كتاب العقود الدرية لـ ابن عبد الهادي، وكتاب الأعلام العلية للبزار: أن ابن تيمية كان له ثوب أبيض، وعمامة بيضاء من الخام العادية، وكان ربما ارتدى في البرد ثوبين، فقد كان ذات مرة يمر في سكة من سكك دمشق فمر به فقير يسأله، فبحث في جيوبه فلم يجد شيئاً من الدراهم والدنانير، فاختفى وراء سور ثم خلع ثوبه الأعلى وطواه وأعطاه المسكين. ومرة يسأله مسكين فيبحث فلا يجد إلا ثوبه الذي عليه؛ فيأخذ العمامة فيقسمها نصفين ويلف رأسه بنصفها ويعطي المسكين النصف الآخر. يقول صاحب الأعلام العلية: تأتيه الدنيا من ذهب وفضة وجوار وخيول إلى غير ذلك فينفقها من ساعتها، ولا يدخر درهماً واحداً. أما في جانب الشجاعة؛ فحدث عنه ولا حرج وقف مع سلطان المغول لما دخل دمشق وحدثه بقوة وجرأة منقطعة النظير المغول (التتار) الذين اجتاحوا العالم الإسلامي وما وقف أمامهم أحد من الناس، كانوا يموتون قبل أن يقتلوا من خوف التتار، وبلغت الذلة بالمسلمين في تلك الفترة أنه كان التتري يأتي فيقول للمسلم: انتظر هنا حتى آتي بالسكين فأذبحك بها؛ فيقف المسلم منتظراً، وفاء بالعهد، لأنه لا يريد أن يكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: {ثلاثٌ من كنَّ فيه كان منافقاً -منها-: وإذا وعد أخلف} فمن أمانة هذا المسلم أن وقف ينتظر حتى يذهب التتري إلى البيت ويأتي بالسكين فيذبحه كما تذبح الشاة!!! بل بلغ من الذلة في فترة من الفترات -ويرويها ابن كثير -: أنه كان يقول التتري للمسلم: ضع خدك على هذه الصفا حتى أذهب وآتي بالسكين فيضع خده على الصفا -ما شاء الله تبارك الله، الطاعة في موضع المعصية- فيأتي ذاك بالسكين ويذبحه بها. ولكن ابن تيمية لم يرض بهذا المبدأ فقد دخل التتار دمشق في رمضان، وأرادوا اجتياحها ليلحقوها بـ بغداد، التي فعلوا فيها الأفاعيل؛ فقد أخذوا الكتب وقذفوا بها في نهر دجلة ونهر الفرات حتى تغير لون الماء والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه؛ أن الكتب التي ضاعت في النهر هي كتب الفلسفة وكتب الخزعبلات، أما كتب الحديث والتفسير والفقه وكل ما يتعلق بدعوة الإسلام فقد حفظها الله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] وأما كتب الخزعبلات فأغرقت في النهر {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45]. دخل التتار يوم الجمعة في رمضان، فخرج رحمه الله وجمع الناس وسل سيفه، وقال: أيها الناس! أفطروا هذا اليوم ثم تناول كوباً من الماء أمام الناس فأفطروا، ثم قال للسلطان: ينبغي عليك أن تنزل الجيش من الثكنات للقتال؛ فأنزل الجيش، وبدأت المعركة وشيخ الإسلام في المقدمة، وكان يقول: والله لننتصرن هذا اليوم. فيقول له تلاميذه: قل إن شاء الله. فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً. وذكروا عنه: أنه كان إذا ضرب بالسيف تتكسر شظاياه على رءوس الناس وقد آتاه الله قوة في الجسم وبسطة؛ لأن الرجل زعيم يريد أن يقود أمة فهو مفكر وموجه ومنظر. وكان يدخل على السلاطين فيكلمهم بجرأة حتى يرتعد منه السلطان مع أن السائد في مفهوم الناس أن الإنسان يرتعد إذا دخل على السلطان، لكن ابن تيمية يدخل على السلطان فيرتعد السلطان لا أن يرتعد ابن تيمية، حتى قال مرة لسلطان دمشق: ماذا تريدون غير تحكيم كتاب الله عزوجل؟ فقال له السلطان: إنني سمعت أنك تريد ملكي وملك آبائي. فقال له ابن تيمية: أريد ملكك وملك آبائك؟! والله ما ملكك وملك آبائك يساوي عندي فلساً واحداً ثم خرج وتركه.

الأخلاق عند ابن تيمية

الأخلاق عند ابن تيمية وأما مؤهلاته في عالم الأخلاق؛ فقد آتاه الله تعالى حسن الخلق، لولا بعض الأمر الذي سوف أبينه وهو أنه كان فيه حدّة لقوته، حتى يقول شاعر من اليمن وهو يمدح شيخ الإسلام ويرد على السبكي، يقول: وقاد ذهنٍ إذا سالت قريحته يكاد يخشى عليه من تلهبه يمدح ابن تيمية بأنه إذا سال ذهنه في الكتابة والتأليف يخشى أن تحترق ثيابه وملابسه من كثرة ذكائه. فأكسبه هذا الذكاء حدة في الطبع، فكان يرد بعنف، لم يكن عنده إلا نسف وتدمير للجاهلية، ولا يعرف بناءً وتعميراً لها: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:25]. لذلك ألف رسالة التدمرية؛ وهي لأهل تدمر في الشام، لكنها {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:25] حتى إن أكثر الطلبة في أصول الدين لا يرسبون إلا في التدمرية. والمقصود: أن ابن تيمية كان عنده من الصبر الشيء العجيب، فقد كان له خصوم من العلماء، يريدون قتله ولو قلت لأحدهم تمنَّ. لقال: أتمنى أن يقتل السلطانُ ابن تيمية لنرتاح لماذا؟ لأنه اجتاح الدنيا، حتى أصبح التاريخ كله، يقول ابن كثير: ودخلت سنة كذا وكذا وفيها كان ابن تيمية في السجن فقد نُسي التاريخ، ونسيت السلطان، ونُسي الدولة، وأصبح التاريخ كله ابن تيمية، وعليكم أن تقرءوا البداية والنهاية في الجزء الرابع عشر، يقول: ودخلت سنة كذا وكذا وفيها كان ابن تيمية يجاهد النصيرية في جبل كسروان، ودخلت سنة كذا وكذا وفيها كان ابن تيمية يجلد البطائحية الصوفية في السوق فإذا خرجت ضحى النهار وجدت ابن تيمية يجلد المخالفين في السوق، ويقيم الحدود، وتأتي يوم الجمعة وإذا به على المنبر يزلزل كأنه صاعقة، وتأتي بعد الفجر وإذا به يشرح التفسير، وتأتي في الليل وإذا به قائم يصلي لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وتأتي وقت الصدقة وإذا به ينفق ويعطي، وهو متبسم يصدق فيه قول القائل: محاسنه هيولى كل حسن ومغناطيس أفئدة القلوب يقول ابن القيم: مات أحد أعداء ابن تيمية من العلماء، فأتيت أبشره؛ فاحمرَّ وجهه ودمعت عيناه وقال: تبشرني بموت مسلم! ثم قام فقمنا معه، حتى ذهب إلى بيت خصمه الذي كان يعاديه، والذي أفتى بقتله، قال: فدخلنا على أهله فسلم ابن تيمية عليهم وعزاهم ودعا لميتهم، وقال: أنا أبوكم بعد أبيكم، ما تحتاجون إليه فارفعوه إليَّ. قال: فبكى أهل البيت تأثراً من هذا الموقف بالأمس أبوهم ألد الأعداء لـ ابن تيمية واليوم يقول ابن تيمية هذه الكلمات الطيبة {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34].

اعتصام ابن تيمية بالكتاب والسنة

اعتصام ابن تيمية بالكتاب والسنة المؤهل الرابع لـ ابن تيمية في مجال دعوته: اعتصامه بالكتاب والسنة. يقول في المجلد العاشر من فتاويه: وعلى طالب العلم أن يعتصم بالدليل في كل مسألة، وأن يترك كل رأي يخالف ما فهمه من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه المعصوم. ولما اعتصم بالكتاب والسنة رزقه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى تمييزاً وذكاءً وفهماً، فيأتي ويقول: أهل السنة والجماعة وسط في الأسماء والصفات، ووسط في الوعد والوعيد، ووسط في الإيمان، ووسط في القدر، ووسط في النظر، ووسط في الأمر بالمعروف، ووسط في الفقه. وسوف أفصل لكم هذه السبع النقاط، وهي جديرة بمحاضرة وبكتيب صغير تجمع فيه؛ لأنها من أحسن ما كتب ابن تيمية في كتبه. فأما في القدر فيقول: أهل السنة والجماعة وسط بين القدرية والجبرية. فإن الجبرية يقولون: إن العبد مجبور على فعل المعصية والقدرية يقولون: الأمر أنف، وما قدَّر الله شيئاً قبل أن يحدث، فإذا حدث علم الله به. فـ ابن تيمية يتوسط بـ أهل السنة والجماعة في هذا، وليُعلم أن ابن تيمية هو المنظر لـ أهل السنة والجماعة. صحيح أن العقيدة محفوظة في الكتاب والسنة، لكن ابن تيمية جمع أقوال الفرق، ومحضها، وصحح مسارها، ثم اختار منهج أهل السنة والجماعة، وقرره، وحدده، ورسمه للناس، وما أعلم أحداً قبل ابن تيمية نظَّر هذا المنهج العقدي المنظم لـ أهل السنة والجماعة. ويقول: أهل السنة والجماعة وسط في باب الإيمان بين الخوارج والمرجئة. فإن الخوارج يقولون: مرتكب الكبيرة كافر. فإذا شرب الإنسان الخمر عند الخوارج كفر بالله العظيم، واستبيح دمه وعرضه. والمرجئة يقولون: العمل لا يدخل في الإيمان، فلك أن تقول: لا إله إلا الله، ثم لا تصلي أبداً وأنت مؤمن، والذي يصلي ويتقطع ظهره من قيام الليل فأنت وهو في ميزان واحد، والذي يشرب الخمر في المقهى -على مبدئهم- والذي يقوم الليل ويبكي سيان؛ لأن الإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص، والعمل لا يزيد في الإيمان ولا ينقصه. ولكن ابن تيمية لا يرى هذا، بل يقول: أهل السنة وسط، فلا نكفر صاحب الكبيرة ولكنه فاسق، ولا نخرج العمل من الإيمان بل العمل من أركان الإيمان. ويقول: أهل السنة في باب الأسماء والصفات وسط بين المعطلة من والجهمية والمعتزلة والأشاعرة، وبين المشبهة وهذا له مجالات خاصة، لكن أريد أن أعرض لكم شيئاً من فهم الرجل لهذا الدين. يقول: وهم وسط في النظر والفكر. فإن الفلاسفة يقولون: الدين أن تفكر فقط فهم لا يعرفون (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) يصلون في المسجد لكنها صلاة ميتة مثل صلاة البدو. ولذلك يقول في المجلد الرابع: أهل الكلام بمنزلة المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. فـ أهل السنة وسطٌ في إعمال الفكر، بخلاف أهل الباطل الذين يقولون: اذكر الله وسوف يفتح الله عليك ويلهمك، والعلم معروف، وهذه القضايا التي تقرءونها معروفة، فتجد بعض الطلاب يذاكر في الامتحان وزميله الفاشل العاطل الباطل لا يذاكر، فإذا قلت له: لماذا لا تذاكر؟ قال: الحمد لله هذه مفهومة، وهي قضايا مسلمة وسهلة، فلماذا أجهد نفسي وأضيع وقتي في هذا الكلام. فدائماً أهل البطالة والعطالة يرسبون. فيقول ابن تيمية: أهل السنة والجماعة وسط، يعملون الفكر ويشتغلون بالذكر فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. ويتوسط في كتاب الاستقامة ويقول: أهل العلم في باب الفقه ثلاث طوائف: فطائفة حكمت الرأي كبعض الأحناف، فقط حكموا الرأي، وعندهم افتراضات دائماً: لو حدث كذا لصار كذا، ولو صنع كذا لصار كذا، حتى إن بعض الفقهاء يمزحون على الأحناف ويقولون: لو خرجت سمكة من البحر فصلت بالناس جماعة ثم عادت إلى البحر، فهل صلاتها صحيحة؟ وهذا من كثرة افتراضاتهم هذه الطائفة الأولى. وأتى ابن حزم الظاهري وقابل هذه الطائفة فأولئك غلوا في جانب الرأي، ولا يوجد دليل، وابن حزم أتى في الطرف الآخر وقال: القياس ملغي، والإجماع فيه شيء، فأرى أنه لا بد لكل مسألة من دليل، والدليل ظاهر الكلام. يقول في المحلى فالاضجاع واجب عند ابن حزم، ومن لم يضطجع لم تجزئه صلاة الفجر لحديث: {إذا صلى أحدكم سنة الفجر فليضطجع على شقه الأيمن}. وأتى ابن تيمية فقال: منهج التطرف في الرأي فيه شيء من الخطأ، ومنهج التطرف في الظاهر فيه شيء من الخطأ، والأحسن أن نأخذ الأدلة ونفهمها كما فهمها الفقهاء والمحدثون من أهل السنة والجماعة. بالله لفظك هذا سال من عسلٍ أم قد صببت على أفواهنا العسلا أم المعاني اللواتي قد أتيت بها أرى بها الدر والياقوت متصلا هل هناك فهم كهذا الفهم الذي منحه الله هذا الرجل؟!

صدق لجوء ابن تيمية وتوكله

صدق لجوء ابن تيمية وتوكله المؤهل الخامس من مؤهلاته في عالم الدعوة: صدق اللجوء وقوة التوكل على الله. فقد كان ابن تيمية يجلس بعد صلاة الفجر إلى ارتفاع النهار -كما يقول ابن القيم في الوابل الصيب - فيكرر الفاتحة حتى يهتز في بعض الأوقات من كثرة ما يجد من يقينٍ وسكينةٍ واطمئنان حتى إنه كان يقول لـ ابن القيم: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. فكان يكرر الفاتحة حتى يرتفع النهار، ويقول: إنه لتصعب وتستغلق عليَّ المسألة فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر أو أقل فيفتحها الله عليَّ. لكننا لم نعش هذه المعاني كما ينبغي يأتي الواحد منا في صالة الامتحان وهو خائف، ويركز على مذاكرته فقط، ويلمح هل ماسة زميله متقدمة حتى يلقط كلمتين بالرادار مع السرعة والعجلة، أو يرسل برقية للجانب الأيسر يأخذ منه بعض المعلومات للتصحيح!! ابن تيمية لا يرى هذا، يرى أن المدد كل المدد والسبب كل السبب واللجأ كل اللجأ إلى الله، فيقول: كلما استغلقت عليّ المسألة, استغفرت الله ما يقارب الألف أو أكثر أو أقل فيفتحها الله علي. وكتاب سيبويه كتاب معقد في النحو، يقولون: نسجه كما ينسج الإنسان الحرير من الهواء, وهو أول كتاب وضع في النحو أتى ابن تيمية يبحث عن شيخ يقرأ عليه هذا الكتاب فما وجد, فأخذ القلم والكراسة ثم بدأ يقرؤه من أوله إلى آخره، وأخرج ثمانين خطأ على سيبويه. قال أبو حيان صاحب البحر المحيط: إن كتاب سيبويه كتاب عجيب لا يؤلف مثله فقال ابن تيمية: نعم! كتاب عجيب لكنه يؤلف مثله، وفي كتاب سيبويه ثمانون خطأ لا تعرفها أنت ولا سيبويه. وأتى إلى علم الكلام الذي هو مثل الحديد, فبحث عن شيخ ليقرأ عليه فما وجد، فاستعان باللهَ عز وجل وأخذ كراسة وقلماً وبدأ يقرأ علم المنطق على نفسه، وفي الأخير استظهر علم المنطق، وألف كتابه: الرد على المنطقيين، وخطَّأ فيه ابن رشد , والغزالي , وابن سيناء , والرازي , وخطأ أشياخهم إلى أفلاطون جدهم العاشر، يقول: أخطئوا في هذه المسألة في علم المنطق. وفي الحديث يقولون: حديث لا يحفظه ابن تيمية ليس بحديث حتى أنه في بعض الأوقات يكتب في المسجد وليس عنده مرجع؛ أما نحن الآن فإذا قلنا لأحدنا: ابحث في المضمضة جمع خمسة عشر كتاباً وبحث وفي الأخير يقول: وهذا البحث يحتاج رسالة دكتوراه وما أستطيع أن أحيط به, وعندي مشاغل واهتمامات، وقد بحثت جهدي، وسهرت ليلي، وأفنيت نهاري، وفعلت وصنعت ثم يأتي البحث خطأ. أما ابن تيمية فكان يأخذ الكراسة ويبحث من نفسه، فيأتي بالحديث بسنده، ومن قرأ في الفتاوى في باب القصر في السفر وصلاة الجمعة والعيدين، فإنه يجد أنه قد جمع الأحاديث من كتب السنة وهو في السجن، ثم وقف مع كل عالم وأوقف كلاً عند حده، وتكلم مع كل عالم فإذا انتهى منه أخذ العالم الثاني وتكلم معه وناقشه وهكذا حتى انتهى وحقق المسألة. وهذا دليل صدق اللجوء إلى الله، ولذلك أورد عنه ابن القيم في مدارج السالكين: أنه كان يقول بين أذان الفجر والإقامة: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث أربعين مرة. وذكر عنه الذهبي أن عينيه كأنهما لسانان ناطقان يكاد أن يكلمك باسمك قبل أن تتكلم عنه، وهذا من كثرة الذكر والذكاء. ولذلك يقول المزي صاحب تحفة الأشراف: ما أظن أنه وجد كـ ابن تيمية من خمسمائة سنة نقلها صاحب طبقات الحنابلة ابن رجب الحنبلي في ترجمة ابن تيمية وكانت فيما يقارب ثلاثين صفحة. وقال الذهبي عنه في معجم الشيوخ: لو حلفت بين الركن والمقام أني ما رأيت كـ ابن تيمية لصدقت، ولو حلفت بين الركن والمقام أنه ما رأى مثل نفسه لصدقت. ويقول ابن دقيق العيد كما ينقل عنه ابن رجب في طبقات الحنابلة أيضاً: والله ما أظن أن الله يخلق مثلك. وابن دقيق العيد هو مجدد الشافعية في القرن السادس، وهو رجل موهوب، يأتي بالمعاني الدقيقة، حتى إنك تبقى في المعنى الواحد ساعتين وأنت لم تفهم سطراً واحداً. أما كثرة اللجوء والذكر فحدِّث ولا حرج، يقولون: ما كان لسانه يفتر من ذكر الله عزوجل دائماً وأبداً؛ حتى قال له بعض تلاميذه: نراك ما يفتر لسانك من ذكر الله. قال: قلبي كالسمكة إذا خرجت من الماء ماتت، فإذا تركته من الذكر مات. ويقول عنه ابن القيم: رأيته في السجن وهو ساجد يبكي ويقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يرددها ليلاً طويلاً. وأما صلاته؛ فكان يصلي بعض الأحايين بالناس في مسجد بني أمية في دمشق، وكان إذا قال: الله أكبر؛ رفع صوته حتى يسمعه من في الطرقات، فتكاد تنخلع القلوب إذا كبر ويروي ابن القيم في روضة المحبين ونزهة المشتاقين عن تقي الدين بن شقير: أنه رأى شيخ الإسلام ابن تيمية صلى صلاة العصر في مسجد بني أمية، ثم خرج إلى الصحراء وحده، قال تقي الدين بن شقير وكان من تلاميذه: فخرجت وراءه حيث أراه ولا يراني، فلما توسط الصحراء رفع طرفه إلى السماء وقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ثم بكى، ثم قال: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا وهذا البيت لـ مجنون ليلى، يقول: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنكِ النفس بالسر خاليا وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منكِ يلقى خياليا فأخذه ابن تيمية واستخدمه في جانب المحبة الواجبة التي لا ينبغي أن تكون إلا لله، لا محبة النساء، ولا الأوثان، ولا الصلبان، ولكن جعله في حق الحي القيوم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. هذا موقفه من اللجأ وقوة التوكل؛ ولذلك يقول ابن رجب: إن من الأسباب التي منعته وحمته من كيد الأعداء: كثرة الذكر والأوراد التي ما كان يُخلُّ بها كان له بعد كل صلاة ذكر يذكر الله به؛ فحماه الله تعالى من الحسدة والحقدة، ومن الأعداء والخصوم، فما استطاعوا أن يكيدوا له أبداً، وكلما كادوه رفع الله منزلته.

معرفة الواقع عند ابن تيمية

معرفة الواقع عند ابن تيمية المؤهل السادس من مؤهلات ابن تيمية رحمه الله في عالم الدعوة: معرفته لواقعه وحال عصره. وبعض الناس يعيش هذا العصر وهو يعيش في القرن الثالث، عقله وفكره ومعرفته في القرن الثالث، لكن ابن تيمية يعيش في القرن السابع؛ ويعرف مشاكل العصر ومتطلباته، وماذا يريد منه أبناء العصر، ولذلك عرف الكتاب والسنة، وعرف هذا الدين، ثم أتى يتكلم إلى الناس بواقع العصر. واقرءوا إن شئتم كتابه: اقتضاء الصراط المستقيم، الذي سماه محمد حامد الفقي: القنبلة الذرية لا. ما صنعه اليهود والنصارى هذا الكتاب ينبغي أن يقرأ وأن يكرر وأن تحفظ منه جمل؛ فإنه كتاب ألفه ابن تيمية بعد أن بلغ النضوج والنبوغ مبلغه في ذهنه، فألف هذا الكتاب وهاجم فيه الجاهلية التي عاشرها، وعراها وفضحها. واقرءوا -إن شئتم- السياسة الشرعية؛ لتعرفوا مدى فهم هذا الرجل للدين. ومعرفته لواقعه وحال عصره؛ أفاده ذلك حيث كان يضع الدواء على الداء، ويضع الأمور في نصابها، فقد حلَّ كثيراً من مشكلات عصره، وصحح كثيراً من الأخطاء التي عاشها في عصره، وعالج كثيراً من الأمراض التي رآها في عصره.

وسائل الدعوة عند ابن تيمية

وسائل الدعوة عند ابن تيمية وسوف نتكلم هنا عن وسائل دعوة ابن تيمية، ووسائل دعوة ابن تيمية ثلاث وسائل:

التأليف والكتابة عند ابن تيمية

التأليف والكتابة عند ابن تيمية الوسيلة الأولى: التأليف والكتابة؛ وهي على ثلاثة أقسام: الرسائل، والردود، والمصنفات الكبار. وهذه الوسيلة التي استخدمها ابن تيمية في الدعوة؛ هي أكبر وسيلة نفذ بها حتى بلغ بها هذا العصر، ونفع بها أهل هذا العصر. فالرسائل: إما أن يسأل عن قضية فيجيب عليها -رحمه الله- كـ الحموية لأهل حماة، والواسطية لأهل واسط، والتدمرية لأهل تدمر، فيرسل الرسائل للناس، ينفعهم ويفيدهم، ويقودهم إلى الله عزوجل. ويقول في مقدمة اقتضاء الصراط المستقيم: سألني بعض الإخوة أن أؤلف لهم كتاباً يبين هذه المسائل فأجبت سؤالهم. أما الردود: فكان -دائماً- مشغولاً بالرد على الأفكار التي تجتاح أصول الدين وتؤثر فيها، فكتابه الصارم المسلول سببه أنه سمع أن نصرانياً يشتم الرسول صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى السلطان فشكا النصراني، فشهد العوام الحمقى للنصراني على ابن تيمية! نصراني، وشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشكاه ابن تيمية عند سلطان المسلمين، فأتى العوام فقالوا: لا. الحق مع النصراني والخطأ مع ابن تيمية!! فأتى السلطان وجلد ابن تيمية في المجلس؛ لكن: إن كان سركمُ ما قال حاسدنا فما لجرحٍ إذا أرضاكمُ ألمُ فما دام الجلد في ذات الله فأهلاً به وسهلاً. فخرج مغضباً من المجلس، وكتب الصارم المسلول على شاتم الرسول، وقد أبدع في هذا الكتاب أيما إبداع، ونزل فيه على اليهود والنصارى بحكمةٍ وأناةٍ ودليل. ومن الردود: الرد على الأخنائي، وهو مالكي، رد عليه في مسألة الزيارة، ورد على السبكي كذلك في الزيارة؛ وهو في الفتاوى، لكن كتاب الرد على الأخنائي مستقل. ومنهاج السنة رد به على الشيعة، يقول في أوله: يقول عامر الشعبي: قاتل الله الشيعة، لو كانوا من الطيور كانوا رخماً، ولو كانوا من الوحوش كانوا حُمُراً. ويقول: هم من أجهل الناس في المنقولات، ومن أضلهم في المعقولات حشفاً وسوء كيلة. أما المصنفات الكبار: فقد ألف درء تعارض العقل والنقل؛ وهذا الكتاب من يفهمه فهو من أذكى أذكياء العالم. يقول ابن القيم: ما طرق العالم مثل هذا الكتاب بعد كتاب الله عزوجل والسنة المطهرة، وقد رد في أوله على الرازي وقال: قال الرازي: عند تعارض الدليلين المتضادين (العقل والنقل) إما أن نقدم العقل، وإما أن نقدم النقل، وإما أن نبطلهما، وإما أن نعمل بهما؛ فقال شيخ الإسلام: لا تعارض بينهما، وألف هذا الكتاب.

تفاعل ابن تيمية مع قضايا الناس

تفاعل ابن تيمية مع قضايا الناس ومن وسائله في إبلاغ الدعوة: اللقاء مع الناس، ولقاؤه مع الناس على ثلاث طوائف: التقى مع العلماء، والتقى مع السلاطين، والتقى مع عامة الناس. فأما العلماء: فكان يلتقي معهم ويخرج وهو أذكى وأقوى من في المجلس، وقد جُمع له قاضي قضاة الحنابلة في الشام، وعالم الشافعية ابن الزملكاني، وعالم المالكية الأخنائي، وعالم الأحناف؛ فاجتمعوا في المجلس، وبدأ كل واحد يتكلم، وابن تيمية ساكت، فلما انتهى الأربعة، عاد ابن تيمية يعيد الشريط من أوله، فقال للمالكي: أما أنت فتقول كذا وكذا، وقد أخطأت في كذا وكذا، وفي كتابكم كذا خطأ كذا حتى انبهر الناس ثم أتى إلى الحنفي وقال: أخطأت في كذا وكذا وكذا ثم أتى إلى الشافعي، ثم الحنبلي -وهو في الأصول حنبلي- وفي الأخير كان الناس يهللون ويكبرون ويقولون: {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} [الأعراف:119]. وأما مع السلاطين: فإنه -كما أسلفت لكم- دخل على سلطان الشام وتهدده مرات كثيرة بلا سيف، ولا رمح، ولا جيش، ولا جند، ولا شيء، لكن عنده قلب كبير؛ قلبٌ فيه نور وعلم وهداية، وقلبٌ فيه نصيحة وشجاعة ويتحدث ذاك، وعنده الجنود والحرس والجيوش، وهو يرتجف وابن تيمية صامد كالجبل، حتى اضطره إلى أن ينازل التتر وكلم قائد المغول فارتجف من شيخ الإسلام، وقال له -وهو لا زال كافراً-: ادع لنا. فرفع ابن تيمية يديه وقال: اللهم إن كان هذا العبد يريد ما عندك فوفقه بهدايتك، وإن كان غير ذلك فاعم بصره واطمس بصيرته وذاك يقول: آمين آمين ما يدري ما يقول. أما الطائفة الثالثة فهم عامية الناس: ولما دخل السجن -لا أدخلكم الله السجن- حوله إلى روضة من رياض الجنة قرآن وحديث صحيح البخاري وصحيح مسلم، فأصبح الناس في السجن ملتحين، والسواك في أفواههم، ويسبحون، ويهللون، فقاد السجن حتى أحياه وأصبح روضة وقد تحدث ابن القيم عن موقفه في السجن، وكذلك صاحب العقود الدرية ابن عبد الهادي. أما في المسجد: فكان يجلس يوم الجمعة بعد الفجر يفسر القرآن، وقيل عنه: أنه بقي في تفسير سورة نوح خمس عشرة سنة، كان يفسر كل جمعة، وما كان ينتهي من المجلس حتى يرتفع النهار، وحضر مجلسه بعض أهل العلم، وقالوا: لما حضرت المجلس أغلق ابن تيمية عينيه، ثم بدأ يندفع في الكلام، فوالله لكأن القرآن أمام عينيه، وكأن الحديث أمام عينيه، يأخذ منه ما شاء ويترك ما شاء، ووالله لقد استفاد من في المجلس؛ من الصوفية، والفلاسفة، ومن أهل أصول الفقه، والفقهاء، وأهل العقيدة، حتى انبهر الناس، ثم فتح عينه وختم المجلس، ثم اعتذر إلى الجلوس، وسلم عليهم يميناً ويساراً. وأما في السوق: فكان يخرج إذا ارتفع النهار ومعه تلاميذه ومحبوه، فيأتي إلى أصحاب المعاصي فيؤدبهم، ويأتي إلى من يشهد الزور ومعه عصا ويأمر تلاميذه أن يجلدوه وهو يعد، حتى ينتهي السوق وقد حاسب المخالفين، ثم يعود إلى هناك حتى أصبح يحرك التاريخ. أما في المعركة: فقد أسلفت لكم عن شجاعته في المعركة، وبذله وعطائه.

خاتمة فيما لقيه ابن تيمية من الصعوبات

خاتمة فيما لقيه ابن تيمية من الصعوبات أما عن الصعوبات التي لقيها ابن تيمية، فهي تتمثل في الآتي: أولاً: وقوف السلاطين مع خصومه. ثانياً: جرأة وحدة في طبعه رضي الله عنه ورحمه، هكذا خُلق؛ فما كان يلين، بل كان قوياً دائماً، فلو لان لتألف الناس رحمه الله. ثالثاً: خطورة القضايا التي عالجها؛ فكان يتكلم في الأصول ولا يتكلم في الفروع؛ ما كان يتكلم في الحيض، والغسل من الجنابة مع أن هذه من العلم وهي مهمة، لكنه كان يتكلم في العقيدة والحاكمية، ويتكلم في قيادة الناس إلى الله، ويتكلم في محاربة الطاغوت الحي قبل الميت وهنا طواغيت في الأمة الإسلامية يحكمون بغير ما أنزل الله، وتجد بعض الناس يتكلمون دائماً في القبور، وفي النذر، وفي الكواكب، وفي عبادة الشجر، وهؤلاء هم أكبر الطواغيت فهو يتكلم إلى الطاغوت الحي قبل الميت. رابعاً: كثرة الخصوم وتعدد الجبهات. فإلى أين يتوجه ابن تيمية؟ مرة إلى الصوفية، ومرة إلى الفلاسفة، ومرة إلى متعصبة الفقهاء، ومرة يتعرض للمغول من التتر، ومرة يتعرض للظلمة من السلاطين، ومرة إلى جهلة العامة ففي كل مكان له كمين. من تلظي لموعه كاد يعمى كاد من شهرة اسمه لا يسمى خامساً: الحبس والكبت. فقد حبس وكبتت أنفاسه فما يزداد إلا قوة، كالبركان كلما حبسته انفجر بقوة وعنف. سادساً: الجلد والتشهير فقد جلد وشهر به، وتكلم في عرضه في كل مجلس؛ وما زاده الله إلا رفعة. وفي الختام: نجاح منقطع النظير يحققه ابن تيمية في عالم الدعوة، وينتهي إلى أن يُعقد إجماع من قلوب الموحدين في الأمة، ويكون هو رجل الساحة، ورجل الساعة في فترته، ويستمر عطاؤه وبذله حتى هذا الحين، وتحيا كتبه حياة تنفض الغبار عن رءوس الجامدين، وتنفض الجهل عن قلوب الراقدين الغافلين، وتيقظ رءوس اللاهين السادرين. فرحمك الله يـ ابن تيمية، وهنيئاً لك الفردوس -إن شاء الله- ونسأل الله أن يجمعنا بك في مستقر رحمته {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم:8] {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ} [الحديد:12]. ومن أراد منكم أن يتزود من ترجمة شيخ الإسلام فعليه بـ العقود الدرية في مناقب ابن تيمية لـ ابن عبد الهادي، والأعلام العلية للبزار، وفي طبقات الحنابلة، وفي معجم الشيوخ للذهبي، وفي الدرر الكامنة لـ ابن حجر العسقلاني، وترجمته في البدر الطالع للإمام الشوكاني. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة .

من مواقف شيخ الإسلام في السجن

من مواقف شيخ الإسلام في السجن Q أرجو أن تزودنا من مواقف ابن تيمية رضي الله عنه في سجنه؟ A من مواقف ابن تيمية رحمه الله في سجنه ما يلي: أنه لما دخل السجن أغلقوا عليه الباب، نظر إلى الباب، وقال: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13]. ولما دخل السجن وقف يتأمل ثم قال: ماذا يصنع أعدائي بي؟ -انظر هذه الكلمة ما أعظمها! - يقول: ماذا يصنع أعدائي بي؟ ماذا يريدون؟ وأي كيد يكيدون؟ إنهم لا يستطيعون. ماذا يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أنَّى سرت فهي معي أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة مع الله عزوجل.

رسائل في تكفير ابن تيمية

رسائل في تكفير ابن تيمية Q سمعنا عن رسائل حضرت في تكفير ابن تيمية رحمه الله، أرجو منكم نبذة حول هذه الرسائل إن وجدت؟ A أما رسائل الماجستير والدكتوراه لا أعلم شيئاً في ذلك. لكن بعض أهل العلم تحاملوا عليه وضللوه، فهذا تاج الدين السبكي يقول في طبقات الشافعية في ترجمة الذهبي: أما ابن تيمية فقد أوقف الذهبي والمزي وفلان وفلان في دكدكٍ من النار. ويقول ابن حجر الهيتمي صاحب الفتاوى الكبرى المكية: ابن تيمية عبدٌ أضله الله على علم. وهنا من العلماء من أهل البدع من كفره لمسائل نسأل الله السلامة، ونسأل الله ألا يجعل فقهنا كهذا الفقه.

لماذا لا يكون لابن تيمية مذهب

لماذا لا يكون لابن تيمية مذهب Q لماذا لا يكون لـ ابن تيمية مذهبٌ خاصٌ به، مثل: الشافعي وبقية الأئمة، بالرغم من علمه الغزير؟ A التمذهب مسألة فيها نظر، وإن أبا حنيفة وأحمد والشافعي ومالك لم يدعوا الناس إلى أن يتمذهبوا بمذهبهم؛ لكنهم لما جمعوا مسائل قلدهم الناس، فأصبح هناك مالكية وشافعية وحنابلة وأحناف، وإلا فـ ابن القيم يقول في إعلام الموقعين: من خصص هذه الأنفس الأربع بالاقتداء والتقليد من بقية العلماء!!! أما ابن تيمية فهو أولاً: اهتم بالأصول أكثر من الفروع، فليس له كتب في الفروع؛ أعني: في فروع دقائق المسائل، لأنه يرى الأصول والخطوط العريضة هي المهمة. الأمر الثاني: أن الرجل لا يرى أن يتمذهب لرجل بعينه، بل هو اتباع الدليل في أي مسألة؛ ولذلك ليس بواجب أن تتبع إماماً حتى تموت، ولا أن تكون حنبلياً ولا شافعياً، ولا مالكياً، ولا حنفياً، بل عليك أن تتبع الدليل من المعصوم صلى الله عليه وسلم حتى تلقى الله. الأمر الثالث: أن الرجل عاش عصر مشاكل، وفتن، وأزمات؛ أخذت عليه جانب هذه الدقائق، أو تجميع التلاميذ في مذهب خاص.

السبب في كثرة تأليف ابن تيمية في العقيدة

السبب في كثرة تأليف ابن تيمية في العقيدة Q لماذا كانت أكثر مصنفات ابن تيمية في علم العقيدة؟ وهل له كتب في التفسير والفقه والحديث وغير ذلك؟ وما هي؟ A أما سبب كثرة تأليف ابن تيمية في العقائد والأصول؛ فهو لأن الخلاف في الفروع وفي دقائق المسائل أمر سهل، لكن الأصول هي التي يكفر بها الإنسان، ويخرج -نسأل الله السلامة- من الملة فلذلك اعتنى بهذا الجانب. أما في جانب الفقه فقد شرح جزءاً من العمدة في فقه الحنابلة ثم توقف. وأكثر مصنفاته في الفقه في الفتاوى ما يقارب ستة أو سبعة مجلدات، من المجلد الحادي والعشرين فما بعد. وأما الحديث فلم يؤلف كتاباً منظماً على أبواب الحديث، لكنه جمع له في الجزء الثامن عشر من فتاويه في علم المصطلح، رسائل وأسئلة في علم الحديث وأكثر مؤلفاته في العقيدة. وأما في التفسير؛ فله أربعة مجلدات في التفسير، حتى يقال عنه: إنه كان يطلع في تفسير الآية على مائة تفسير، وبعدها قد لا يطمئن لبعض التفاسير فيمرغ وجهه في التراب ويبكي ويقول: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني ثم يكتب هو بعد. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فضل القرآن

فضل القرآن إن الله سبحانه وتعالى أنزل كتاباً من السماء وهو القرآن الكريم، وأمرنا بتدبره والتعبد به وتطبيق أحكامه وشرائعه، ليكون لنا نبراساً يضيء لنا الطريق، فبين لنا فضله وفضل تدبره وقراءته وعاقبة هجره. وقد ضرب لنا سلفنا الصالح أروع الأمثلة في الاهتمام بالقرآن قراءة وتدبراً وعملاً وتحكيماً.

الخطبة الأولى: حال الناس مع القرآن

الخطبة الأولى: حال الناس مع القرآن الحمد لله القائل: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:61 - 62]. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، أمره ربه أن يتهجد بالقرآن، فقال: {فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79]. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصبحه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد:

تدبر القرآن

تدبر القرآن أيها الناس: فإن الله أخذ على نفسه عهداً أن من قرأ القرآن وعمل بما فيه، وتابعه في أوامره واجتنب نواهيه ألا يضله في الدنيا يوم يضل المضلين، وألا يشقى في الآخرة يوم يشقى الأشقياء. وأخذ على نفسه تبارك وتعالى عهداً، أن من أعرض عن كتابه، وعن تدبر آياته، وجعل كلامه ظهرياً فلم يعمل به، أن يجعل معيشته في الحياة الدنيا ضنكاً، ويجعله خاسئاً مطروداً من رحمته، وأن يخزيه في الآخرة، وأن يفضحه على رءوس الأشهاد، وأن ينكل به. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:123 - 126]. ينساه الله ولا ينسى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولكنه يسقطه في العذاب، ويتغافل عنه كما تغافل عن آيات الله تبارك وتعالى، ولذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[من تبع هذا القرآن هداه الله وسدده في الدنيا، وأسعده في الآخرة، ومن أعرض عنه أضله الله في الدنيا وجعل عيشته ضنكاً، وأخزاه في الآخرة]]. والمعيشة الضنك: هي أن يسد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليه أبواب الطلب، يعيش معافى، وأبواب النجاح والسعادة مفتوحة أمامه، وإن جمع المال والولد، أو ترقى في المنصب، فإن الله ينكده ويضيق عليه، ويجعله خاسئاً، كأن اللعنة جمعت في وجهه، ولذلك يقول الله للناس: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] يقول: مالهم لا يتدبرون هذا الكتاب العظيم، ولو كان من تصنيف البشر أو من تأليف الإنسان؛ لكان فيه النقص والثلب والتناقض، فما هو الذي يمنعهم إذاً أن يتدبروا كتاب الله الحكيم؟! ويقول عز من قائل: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] أقفلت القلوب بالمعاصي والسيئات، فلا تقرأ ولا تفهم القرآن! ويقول عز من قائل: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:29] ولذلك بعث صلى الله عليه وسلم الصحوة في قلوب أصحابه بالقرآن، فجعلهم خير أمةٍ تمشي على الأرض، وخير أمة تحضر الأرض، وخير أمةٍ تقيم ميزان الله في الأرض، بل كان يسمع الصحابي الآيات فينطلق بها شعلةً وهدايةً، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.

ابن مسعود يقرأ والرسول يتدبر

ابن مسعود يقرأ والرسول يتدبر مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة، فوجد ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، قبل أن يسلم، وهو غلامٌ يرعى الغنم، فطلب منه صلى الله عليه وسلم شيئاً من لبن، فاعتذر بأنها كلها حوائل، فقال: {قرب لي شاةً منها، قال: إنها حائل -أي: ليس بها لبن- فقال صلى الله عليه وسلم: وإن كان، فلما قرب الشاة إليه، مسح صلى الله عليه وسلم على ضرعها، وسمى وبرك، وقرأ شيئاً من القرآن، فقال ابن مسعود: علمني من هذا -ولم يعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: إنك غلامٌ معلم} فأسلم رضي الله عنه وأرضاه، فزاده الإسلام نوراً، وذكاءً وتوقداً وانطلاقةً كبرى ما شهد التاريخ مثلها لجيل إلا لذاك الجيل. بل سمع سورة الرحمن فحفظها من أول مرة، وذهب بها إلى الحرم، وأصنام الضلالة، وعملاء الجهالة، من أمثال أبي جهل وأبي لهب، في حلق الحرم يصدون عن كتاب الله، وعن رسالته وعن بيته، فقام يقرأ عليهم سورة الرحمن، وأخذوا يضربونه على وجهه الكريم، فما قطعها حتى انتهى منها، ثم سقط مغشياً عليه في الأرض. لقد كان دقيقاً في بنيته، ولكن هذا الدين، وهذا القرآن يصنع العجائب في الناس، يقول المؤرخون: كان ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، إذا قام ساوى الرجل الجالس، أي: أن قامته تساوي الرجل الجالس، ولكن علم الله ما في قلبه من إيمان، وما في روحه من إخلاص، وما في نفسه من صدق، فرزقه الله المثوبة، وأعطاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما تمنى من السعادة. صعد شجرةً ذات يوم، فأخذت الريح تهز أغصان الشجرة وهو عليها كالعصفور، فتضاحك الناس من دقة ساقيه ونحافة جسمه، فقال عليه الصلاة والسلام: {أتضحكون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده، إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد} هنا العظمة يوم تكون العظمة بالقلوب، وهنا القوة يوم تكون القوة بالأرواح، يوم يتساقط الأشقياء، ولو كانت أجسامهم كأجسام البغال: لا بأس بالقوم من طولٍ ومن قصرٍ جسم البغال وأحلام العصافيرِ ووصف الله أعداءه وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4] ما دخلها القرآن، وما استضاءت به، ولا عرفت رسالته القرآن، فهي تأكل وتشرب وتتنعم وتتكلم وتتمتع؛ لكن في مسالخ البهائم. يقول عليه الصلاة والسلام، وهو يجلس مع التلميذ البار، مع ابن مسعود: {اقرأ عليَّ القرآن -فيخجل رضي الله عنه وأرضاه، ويستحي أن يقرأ أمام معلم البشرية، وهادي الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية- فيقول: يا رسول الله! كيف أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟! قال: اقرأ فإني أحب أن اسمعه من غيري، فيندفع رضي الله عنه وأرضاه في خشوعٍ يقرأ فلما بلغ قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال عليه الصلاة والسلام: حسبك الآن، قال ابن مسعود رضي الله عنه: فنظرت إليه صلى الله عليه وسلم وإذا عيناه تذرفان} هكذا كانوا يعيشون مع القرآن ويحيون معه!! والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه} ومفهوم المخالفة: أن شرنا وأحمقنا وأضلنا من ضيع القرآن ولم يعمل به ولم يتدبره أو يحكمه.

فضل قراءة القرآن

فضل قراءة القرآن ويقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} رواه مسلم، وفي لفظٍ للبخاري: {اقرءوا سورة البقرة وآل عمران، اقرءوا الزهراوين فإنهما تأتيان يوم القيامة كغمامتين، أو غيايتين، أو كفرقان من طيرٍ صواف، تظلان صاحبهما يوم القيامة}. فيا من أراد أن يستظل بذاك الظل في يوم الشمس والكرب والخوف! استظل بآيات الله تبارك وتعالى، والقلب الذي لا يعي شيئاً من القرآن، قلبٌ مخذول ملعون محروم مغلوبٌ عليه. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "كل قلبٍ لا تشرق عليه شمس القرآن فهو قلبٌ ملعون،، وكل نفسٍ لا تشرق عليها شمس هذا الدين فهي نفس ملعونة"، ويقول في كلمته المشهورة: "من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدىً غير هدى الله الذي بعث به محمداً صلى الله عليه وسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذابٌ أليم". يقول عليه الصلاة والسلام، فيما رواه الترمذي {اقرءوا القرآن، فإن القلب الذي ليس فيه شيءٌ من القرآن كالبيت الخرب} كالبيت الذي عشعش فيه الطيور والغربان، وعشعشت فيه الحيات والزواحف، فهو لا يضيء ولا يزهر، ولا يسعد ولا يفرح، ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي: {اقرءوا القرآن فإن من قرأ حرفاً فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (آلم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف}.

صور من حياة السلف مع القرآن

صور من حياة السلف مع القرآن

أبي بن كعب سيد القراء

أبي بن كعب سيد القراء ومن سادات المسلمين الذين تعلموا القرآن وعاشوا على القرآن أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه، دخل عراقي والصحابة مجتمعون في المسجد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى السلام، فإذا عمر بن الخطاب، وهو خليفة يتكلم بينهم، كلما تكلم التفت إلى رجلٍ منهم، فقال العراقي: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: [[ثكلتك أمك، أما عرفت هذا، هذا سيد المسلمين أبي بن كعب، أنزل الله عز وجل: {لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ} [البينة:1] وأمر جبريل عليه السلام يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ هذه السورة على أبي بن كعب]] يا للفضل ويا للشرف! شيخ يجلس بين يدي تلميذه، شيخٌ يعرض العرض بين يدي طالب من طلابه، فيأتي عليه الصلاة والسلام بتواضعه وحسن خلقه، بالسورة هذه في صدره، ويطرق الباب على أبي بن كعب، فيخرج أبي، ويقول: {فداك أبي وأمي يا رسول الله! شرفتني بزيارتك، والله ما من أهل الأرض أحدٌ يشرف بزيارة أحد إلا أنا هذا اليوم} فلما بسط له البساط، وجلس صلى الله عليه وسلم قال: {يا أبي! قال: لبيك يا رسول الله، قال: إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة (لم يكن الذين كفروا) قال أبي -مندهشاً متعجباً-: أسماني ربي في الملأ الأعلى؟! فقال صلى الله عليه وسلم: إي والله لقد سماك في الملأ الأعلى، فبكى رضي الله عنه وأرضاه، واندفع صلى الله عليه وسلم يقرأ عليه القرآن}. وصلى عليه الصلاة والسلام بالناس فتجاوز آيةً من سورة نسيها، فلما سلم صلى الله عليه وسلم قال الصحابة: {يا رسول الله! نسيت آية، أنسخت أم نسيتها؟ قال أفي القوم أبي بن كعب، ولم يسأل إلا عنه، فقال: نعم يا رسول الله! قال: يا أبا المنذر! أنسيتُ آية، قال: نعم} فتأكد صلى الله عليه وسلم لما أعطى أهل التخصص تخصصهم، وأنزل أهل التخصص منازلهم، على حد قول المثل: أعط القوس باريها. يقول عليه الصلاة والسلام وهو يجلس مع الصحابة ومعهم أبي بن كعب: {يا أبي! أي آيةٍ في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم. ! قال: أي آيةٍ في كتاب الله أعظم؟ قال: الله لا إله إلا هو الحي القيوم -آية الكرسي- فضرب صلى الله عليه وسلم في صدره، وقال: ليهنك العلمُ أبا المنذر}. هذا هو العلم النافع المفيد في الدنيا والآخرة، ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يشغلهم شاغلٌ عن القرآن، وكثيرٌ من الناس اليوم يعتذرون بأطفالهم وبأسرهم، وبتجارتهم وبمناصبهم عن تلاوة القرآن وتدبره، فلا حياة لهم إذن.

عثمان يقرأ القرآن في ليلة

عثمان يقرأ القرآن في ليلة كان عثمان وهو خليفة رضي الله عنه وأرضاه، يجلس من صلاة الفجر فيفتح مصحفه حتى الظهر، فيقول له الصحابة: لو رفقت بنفسك يا أمير المؤمنين! قال: [[والله لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من القرآن]] وكان يصلي الليل في ركعة بسندٍ صحيح عند المروزي وغيره، وذكره ابن حجر، أنه صلَّى الليل كله بركعةٍ واحدة، قرأ في الركعة القرآن كاملاً، ولما قتل بكته الأمة، حتى يقول حسان: ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا هذا وهو خليفة، وهو مسئول عن الأمة، وأمور الأمة تدبر تحت يديه، فلم يشغله شاغلٌ عن القرآن، حتى أن ابن عباس وهو يقرأ قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9]. بكى وقال: [[ذلك عثمان بن عفان]] يأخذ المسلم من هذا ألا يشغله شاغل عن كتاب الله، ولا يصدنه صاد، بل عليه أن يعيش حياة المسلمين إن كان يريد الحياة والسعادة في الدنيا والآخرة، وكثيرٌ من القلوب، نعوذ بالله، ونبرأ إلى الله، ونستعين بالله، من أن تكون قلوبنا كقلوبهم؛ هجروا القرآن، وأعرضوا عنه، واستبدلوه بكتبٍ خليعة، أو أغانٍ ماجنة، أو سخفٍ ألفه البشر قدموه هدماً للأمة، فيا ويلهم في الدنيا، لن يجد حلاوة الإيمان ولا طعم السعادة، ويا ويلهم في الآخرة، بل المسلم أحب ما لديه القرآن يتمتع بسماعه.

الأشعري يؤتى مزمارا من مزامير آل داود

الأشعري يؤتى مزماراً من مزامير آل داود وفي الصحيحين عن أبي موسى قال: {قمت من الليالي أقرأ القرآن في مسجده صلى الله عليه وسلم، وإذا به يستمع مني فلما أصبحتُ سلم علي صلى الله عليه وسلم وقال: يا أبا موسى! لو رأيتني البارحة وأنا أستمع إلى تلاوتك، قال أبو موسى: يا رسول الله! أئنك لتستمع إلى تلاوتي؟! قال: أي والله. قال: والله لو أعلم أنك تستمع لتلاوتي لحبرته لك تحبيراً -أي زينته وجملته وحسنته ليكون أبلغ تأثيراً في القلوب- فيقول صلى الله عليه وسلم: لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود} فالصوت الحسن عجيبٌ يؤثر في القلوب، إذا كان بآيات الله البينات، وبمواعظه الجليات، وينفع أيما نفع. وفي تفسير ابن أبي حاتم، {أنه صلى الله عليه وسلم مر في سكة من سكك المدينة، فسمع عجوزاً تقرأ، وهي تردد من وراء الباب في الليل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] تقف عندها وترددها وتقول: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، فوضع رأسه يبكي ويقول: نعم أتاني، نعم أتاني}.

أين نحن ممن سلف؟!

أين نحن ممن سلف؟! هؤلاء العجائز فأين رجالنا من هذه العجوز في تدبرها وتهجدها وتلاوتها؟ أين الرجال، وأين شباب الأمة الذين أعرض الكثير عنهم -إلا من رحم الله- عن معايشة هذا القرآن؟ إننا أمة خالدة، لا خلود لنا إلا بكتابنا العظيم، ولا بقاء لنا إلا بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن هجرناه وتركناه؛ ضعنا والله، وأخذتنا المبادئ الهدامة، واستولت علينا الأمم الحاقدة التي تحقد على هذه البلاد، وعلى شريعتها وأبنائها ومؤسساتها، وعلى حرمتها وقدسيتها وشرفها، فلا ملجأ لنا إلا الله، ولا كافي لنا إلا الله، وأي حلٍ آخر فمعناه الخسارة والندامة، ولذلك يقول المستشرق المجري جولد زيهر: لا يستطيع أن يُغلب هؤلاء العرب ما دامت فيهم ثلاث، وهو يعني المسلمين فلا عروبة عن الإسلام ولا إسلام إلا لمن أسلم وجهه لله: صلاة الجمعة، والكتاب العظيم كتاب الله، والحرمين الشريفين، القبلة والحرم النبوي، فإذا بقيت هذه الثلاث، بقينا إن شاء الله، إذا آمنا بشرع الله، وأسلمنا قيادنا لله تبارك وتعالى. يا أيتها الأمة الخالدة! يا أبناء من وزع الهداية على الإنسانية! يا أحفاد من نشروا لا إله إلا الله، وساروا بها مهللين ومكبرين مشرقين ومغربين! إن هذه الأمة أمة ريادة، تعطي الناس من القرآن ولا تأخذ منهم شيئاً، وتوجه الناس إلى الحق ولا تتوجه بهم. قال الراوي -أحد الصحابة رضوان الله عليهم-: [[كنتُ مع عمر رضي الله عنه لما ذهب يعتمر، فلقي مولاه على مكة، فقال عمر: لمن تركت إمارة مكة؟ -لأنه كان أمير مكة من قبل عمر الخليفة- قال: تركتها لـ ابن أبزى، قال عمر: ومن ابن أبزى هذا؟ قال: مولى يا أمير المؤمنين! قال: ثكلتك أمك، ومولى أيضاً، قال: يا أمير المؤمنين! إنه عالمٌ بكتاب الله، عالمٌ بالفرائض، قال عمر رضي الله عنه: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين} فصلى الله عليه وسلم من معلم، لقد جربنا أطوارنا مع التاريخ، كلما تمسكنا بالقرآن كلما انتصرنا، وكلما تركناه خذلنا، في القرن السابع لما ترك وتُرِكَ العمل به، وأخلي العمل به؛ جاء الرافضة، ومن وراءهم من التتر المغول، مع جنكيز خان، فقتلوا في ثمانية أيام ثمانمائة ألف، ودمروا مساجدنا، وأحرقوا مصاحف، وقتلوا أبناءنا ونساءنا. لما تركنا القرآن أخذت مقدساتنا وحرماتنا، فهل من عودة يا شباب الأمة، ويا شيبها، يا رجالها ويا نساءها؟ أضيئوا بيوتكم بالقرآن، وأحيوا قلوبكم بتدارس القرآن، عمر الله قلوبنا وقلوبكم بكتابه، وأحيا الله أرواحنا وأرواحكم بآياته، وردنا إليه رداً جميلاً، وهدانا إليه صراطاً مستقيماً. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

هجر القرآن

هجر القرآن الحمد لله ربِ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة السالكين، وحجة الله على الناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فيقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30] قال بعض أهل العلم: هجر القرآن على خمسة أضرب: وهو الهجر الذي تتوجه إليه هذه الكلمة؛ هجر تلاوته، وهجر تدبره، وهجر العمل به، وهجر التداوي به، وهجر تحكيمه في دنيا الناس.

هجر التلاوة

هجر التلاوة أولاً: هجر تلاوته؛ هو أن يهجره الإنسان فلا يتلوه، ولا يكون له حزبٌ يومي، ولا يعود إليه، ولا يتملى أسطره، ولا يعيش مع آياته، فهذا عبدٌ ضالٌ مضل، وإن كان من القارئين المطلعين الذين يجيدون الكتابة والقراءة، وهذا عبدٌ طبع على قلبه، واتبع هواه، واستغنى عن القرآن فلا أغناه الله، تمر به الأسابيع والأشهر ومنهم من لا يعرف القرآن إلا من رمضان إلى رمضان إذا كان من المسلمين، فكيف يعيش هذا وهي تمر عليه الأربعة والعشرون ساعة، وما جلس جلسةً مع الله، وما تزود من الزاد الذي يقربه من الله؟ فهذا من الهالكين وهو ممن يلعب بدينه، وممن يستهزئ بآيات ربه.

هجر التدبر

هجر التدبر وهجر تدبر القرآن؛ أن يقرأ القرآن لكنه ساهٍ لاهٍ لاغٍ لاعب، يردده بلسانه، وقلبه في السوق أو المزرعة، أو في المكتب أو في المدرسة، قد أخرج روحه ووزعها مع الناس، وقد أرسل عينيه ولسانه يردد كلاماً لا يفقهه، فهذا من الذين هجروا تدبر القرآن، وكل الحياة، وكل النور في تدبر هذا النور، فهذا أعرض بشق التدبر وما أعرض بالتلاوة، فهذا له أجر التلاوة، وأما أجر التدبر، وما يحصل به التدبر من نورٍ وإيمانٍ وفقهٍ واستنباط، فلا يحصل عليه.

هجر التلاوة والتدبر

هجر التلاوة والتدبر وهؤلاء من الذين: {طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد:16] القرآن يلعنهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يشهد عليهم، وإن قرءوا القرآن فهي حجةٌ عليهم لا حجةً لهم، لا يعملون به، ولا يصلون مع المصلين، ولا يزكون مع المزكين، ولا يتأدبون بآداب القرآن، يستهزئون بالصالحين، وينكتون وراءهم، ويعلقون عليهم، فهؤلاء أشبه شيءٍ بالمنافقين، بل هم من المنافقين: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] فهو كفر، ومن اعتقد أنه لا خير في القرآن، أو أنه سوف يستغني بغير القرآن عن القرآن؛ فقد كفر.

هجر التداوي

هجر التداوي وقومٌ هجروا التداوي به، وقالوا إنها من الخزعبلات أن يقرأ القرآن على المريض أو المصروع، وكيف يستشفى بالقرآن؟ وكيف يتداوى بالقرآن؟ وهؤلاء خالفوا العقل والنقل، فأما النقل فدلت النصوص على أنه يتداوى به، ويستشفى به، وأما العقل فإنه يؤمن بالأسباب. ومن ضمن أسباب إنعاش الروح وإسعادها القرآن، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يستشفي بالقرآن، ويقرأه عليه صلى الله عليه وسلم، لما سحره اليهودي، قرأ المعوذتين فشفاه الله، وإذا أراد أن ينام نفث على جسمه الطاهر صلى الله عليه وسلم، وقرأ بالمعوذات، بل رقى صريعاً صرع بالجن، ونحن على ذكر هذه المسألة، أحب أن أذكر لكم، أن من عقيدة أهل الإسلام وجود الجن، ومن أنكر وجود الجن في الدنيا فقد كفر؛ لأن الله ذكرهم في الكتاب والسنة، وأما تلبسهم بالآدمي فإنهم يتلبسون به، وإن الجنية تتلبس بالإنسي، وكذلك الجني يتلبس بالإنسي، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ} [البقرة:275] والذي يتخبطه الشيطان من المس هو المصروع! وقال عز من قائل: {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} [الأنعام:128]. قال ابن تيمية: والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف: قوم يكذبون بدخول الجني في الإنس. وقوم يدفعون ذلك بالعزائم المذمومة، فهؤلاء يكذبون بالموجود وهم لا يعصون بل يكفرون بالمعبود, والأمة الوسط تصدق بالحق الموجود ونؤمن بالإله الواحد المعبود، وبعبادته ودعائه وذكره وأسمائه وكلامه تدفع شياطين الإنس والجن. وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أُتي بصريع، فقرأ عليه، وقال: اخسأ عدو الله أنا رسول الله، اخسأ عدو الله أنا رسول الله حتى أخرجه} والذين ينكرون ذلك قد خالفوا النقل والعقل، فإنا نسمع وتسمعون من حديث هذه الجنية على لسان الإنسي صوتاً يخالف صوته، وحديثاً يخالف حديثه، فهي تتكلم بصوت المرأة على لسانه، وهذه ليست مسألتنا، إنما المسألة كيف يتداوى بالقرآن؟

كيفية التداوي بالقرآن

كيفية التداوي بالقرآن والناس في هذه ثلاثة أقسام: قومٌ جعلوا القرآن دائماً في كل أمر، ولم يجعلوه للتداوي فحسب، من باب تعليق التمائم، ومن باب حضوره في المآتم، وفي المناسبات، وقراءته على القبور، كغلاة الصوفية فهؤلاء لا حظ لهم، وقد أخطئوا في ذلك، والصحيح أن القرآن سببٌ من الأسباب، يقرأ به فيما ورد، لا يعلق تميمة، ولا يعتقد أنه بنفسه ينفع أو يضر، فهؤلاء جعلوا القرآن مهمتهم في الحياة، أن تكون قراءته في المآتم، أو في الأعراس، أو في المناسبات، أو على القبور، فإذا أتى تحكيمه في دنيا الواقع في الحكومات القائمة، في الاقتصاد، في السياسة، في تدبير أمور الأمة، وفي الأدب والفن، أعرضوا عنه وتركوه، وقالوا: هذا شيء، وتلك شيء، وقابلهم قومٌ آخر متطرفون، فقالوا: القرآن لا يستشفى به، ولا يتداوى به وهو من باب الطلاسم، ومن باب التنجيم والكهانة، فهؤلاء أخطئوا كذلك. وتوسط قوم فقالوا: مهمة القرآن هداية البشرية أولاً، يحكم به الحاكم في الأمة، في اقتصادها وجيشها، وسياستها وعلاقتها في كل ما يمت إلى الحياة بصلة، فهو دستور الحياة، وقائدٌ إلى الآخرة، ومحكمٌ إلى القلوب، وموجهٌ إلى الأرواح، ثم كذلك يتشافى به بما ورد.

هجر التحكيم

هجر التحكيم وهو أكثر ما ضربت به الأمة الإسلامية -إلا من رحم الله- لما زعزع كرسي الخلافة، فهؤلاء جعلوه لا يدخل في تحكيمهم؛ فما حكموه ولا تحاكموا إليه، ولا نفذوا حدوده، وإنما استبدلوا بقوانين البشر، كقوانين هتلر وتعليمات نابليون، فهؤلاء يحشرون يوم القيامة عمياً بكماً صماً، مأواهم جهنم وساءت مصيراً. بل لا حياة للناس إلا بالقرآن. قال ابن القيم رحمه الله: إذا عطلت تحكيم القرآن في الحياة، أوحشت القلوب، وأقفرت الديار، وجدبت المنازل، وأنزل الله على الناس اللعنة، وقست القلوب واختلفت. لذلك قال الإمام أحمد يصف أهل البدع: لا يتحاكمون إلى القرآن، مجتمعون على ترك القرآن، مختلفون في القرآن، نبذوا القرآن. فكل من نبذ القرآن وظن أنه لا يتحاكم إليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، يفضحه على رءوس الأشهاد، ويزلزله ويمحقه، ويقطع دابره يوم يقطع الله دابر الذين ظلموا.

دعوة لإحياء القرآن

دعوة لإحياء القرآن عباد الله: فلا يصدنكم صادٍ عن كتاب الله، أحيوه في منازلكم وأسركم، وبيوتكم وفصولكم وسياراتكم، أحيوا هذا الكتاب؛ لتسعدوا، ولينصرنا الله، وليديم الله علينا الأمن والاستقرار والأمان، ولئلا يغضب الله علينا فيزلزلنا كما زلزل غيرنا، ويمحقنا كما محق غيرنا، فإن بأسه لا يرد عن القوم المجرمين. ومن أكبر ما يعارض القرآن، الأغاني الخليعة الماجنة التي أغوت شبابنا فجعلتهم شباباً مائعين ضائعين، منسلخين تائهين، يكبر أحدهم فإذا بلغ الخامسة والعشرين من عمره، أخذ العود فطنطن به أربعاً وعشرين ساعة، فنسي مهمته ومستقبله، ونسي مصيره إلى الله، ونسي مكانته من العالم، ثم أتى أمثاله وأضرابه فسموه الشاب الصاعد، وهو نازلٌ، لأن الذي يصعد هو الذي يكرم نفسه بالسجود لله، والذي يصعد هو الذي يحمل في قلبه لا إله إلا الله، والذي يصعد هو الذي يتشرف بعبودية الله، والذي يصعد هو الذي ينقي نفسه من معصية الله: ومما زادني شرفاً وفخراً وكُدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا أما هؤلاء فهابطون نازلون منحدرون، كفقير اليهود لا دنيا ولا آخرة، تشرفوا بالغناء، وعشقوه فأعرضوا عن كتاب الله، والبيوت التي يدندن فيه الغناء لا يحل فيها القرآن؛ القرآن أشرف من أن يمتهن، وأعظم من أن يتبذل، وأجل من أن يسخر به ويستهزأ: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام:155] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]. آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جلال العتق والقدمِ جاء النبيون بالآيات فانصرمت وجئتنا بحكيم غير منصرم أتى على سفر التوراة فانهدمت فلم يفدها زمان السبق والقدم ولم تقم منه للإنجيل قائمة كأنه الطيف زار الجفن في الحلم فعودةً يا أمة الإسلام إلى الله! وعودةً يا أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي! يا أحفاد فاتحي الدنيا ومعلمي الإنسانية! يا أحفاد من رفعوا رأس الإنسان، وكان على الأوثان يطبل ويزمر، ومع الشياطين يعشعش ويعيش. أقولُ ما تسمعون وأدعوكم للصلاة والسلام على رسول الله، فإن الله قال في محكم كتابه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاةً واحدة، صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم قُدهم إليك، ووجه شبابهم، وكفر عنهم السيئات واهدهم شبابهم لما تحبه وترضاه، وردهم إليك رداً جميلاً، عرفهم بالقرآن وحببهم إليه، واجعلهم من حملته وأبعدهم عن كل ما يغضبك من دسائس الشيطان، إنك على كل شيءٍ قدير. اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنةٍ مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء لا إله إلا الله، اللهم ثبت أقدام كل من رفع لا إله إلا الله، اللهم انصر من نصر لا إله إلا الله، اللهم انصر المجاهدين المسلمين في أفغانستان، وفي فلسطين وفي كل بلادٍ من بلادك يا رب العالمين. اللهم وفق إمام المسلمين لما تحبه وما ترضاه، اللهم ألهمه رشده، وخذ بيده إلى كل خير، وارزقه بطانةً صالحة تدله على الخير، وتهديه إلى الصواب، إنك على كل شيءٍ قدير، ربنا إننا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

نصيحة للشباب

نصيحة للشباب الشباب هم أمل الأمة المرجو، والدعامة التي سوف تتحمل مسئولية هذا الدين، فما علاقة هذا الشاب بكتاب الله؟ وما هو موقفه من الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته؟ وكيف يصرف وقته ويقضي حياته؟ وما موقف هذا الشاب من المعاصي؟ إجابات هذه الأسئلة هي محتوى هذه المادة التي بين أيديكم.

علاقتنا بكتاب الله

علاقتنا بكتاب الله اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد صلى الله عليه وسلم، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، والصلاة والسلام على من أرسلته معلماً للبشرية، وهادياً للإنسانية، ومزعزعاً لكيان الوثنية، أدَّى الرسالة، وبلغ الأمانة، ونصح الأمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. سلام عليكم يوم تواضعتم واجتمعتم منصتين لتسمعوا ما يقال، وسلام عليكم حينما حييتم من أتاكم زائراً ومحباً، وإن كان هناك من شكر فإني أتوجه إلى الله العلي العظيم بالشكر، الذي وفقنا لأن نجتمع بهذه الوجوه المباركة الخيرة النيرة، ثم أشكر أستاذ ومدير هذه المدارس الأستاذ الكريم محمد الزيداني وهيئة التدريس، وأشكركم أيها الإخوة الأخيار، واعلموا بارك الله فيكم أن موضوعنا ليس بجديد، بل هو قديم في الأخوة، وقديم في العراقة، وقديم في النصوص؛ ولكنه جديد في اللقاء، وتدور هذه الكلمة على أربعة عناصر لا خامس لها، هي مفاد كلمة هذا اليوم إليكم أيها الأخيار: العنصر الأول: علاقتنا بكتاب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. العنصر الثاني: المعاصي التي دمرت علينا مستقبلنا، وضيعت علينا أعمارنا وأفكارنا وذكاءنا وإنتاجنا، وجعلت منا تلك الثلة التي انحرفت عن منهج الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. العنصر الثالث: الوقت -حياتنا وأعمارنا- فيم نصرفه؟ العنصر الرابع: موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم.

ارتباط الحضارة العربية بالإسلام

ارتباط الحضارة العربية بالإسلام اعلموا -بارك الله فيكم- أننا كنا قبل القرآن وقبل محمد صلى الله عليه وسلم أمة أعرابية بدوية لا تعرف شيئاً، كانت أمتنا تتقاتل وتتنازع على موارد الماء، كان الزنا والفحش والعهر فيها فاشياً، حتى أن الأمم غير أمة الإسلام لم تكن تعرف أمة الإسلام ولم تكن تعرف الأمة العربية. يقول أهل القومية الآن: " إن تاريخنا بدأ من فجر البشرية "، فما صدقوا في ذلك بل كذبوا، فإنه تاريخنا لم يبدأ إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك أثبت التاريخ أن الأمم لم تكن تعترف بنا. دخل ربعي بن عامر على رستم قائد فارس في معركة القادسية، فلما دخل ربعي -وهو مجاهد من المجاهدين- دخل بثياب ممزقة، وفرس هزيل، ورمح مثلَّم، فضحك رستم منه؛ وقد أرسله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه قائد المسلمين؛ ليفاوض رستم قبل المعركة، فقال رستم: بماذا جئتم؟! هل جئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس الهزيل وهذا الرمح المثلم؟! قال ربعي: [[بعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى سعة الإسلام]] قال رستم: والله لا تخرج حتى تأخذ تراباً على رأسك من تراب بساطي. فحمَّله التراب على رأسه وخرج من عنده، ولما خرج من هناك قال المنجمون: هذه علامة على أنه سوف يسلب ملكك وملك آبائك وأجدادك، وخرج رستم ليشاهد المسلمين وهم يصلون صلاة الظهر، فوجدهم يركعون بعد سعد رضي الله عنه ويرفعون بعده، إذا قال: (الله أكبر) كبروا، وإذا قال: (سمع الله لمن حمده) قالوا: ربنا ولك الحمد، فعضَّ أنامله الخمس، وقال: علَّم محمدٌ الكلابَ الأدب -وهو الكلب-. كانوا يتصورون أن العرب قبل الإسلام في هيئة الكلاب، لم تكن لهم حضارة ولا معرفة ولا ثقافة ولا أدب، حتى يقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2].

واجبنا تجاه القرآن

واجبنا تجاه القرآن إن مطالب القرآن التي تتجه إلينا ثلاثة مطالب: الأول: أن نعده أعظم ثقافة عرفتها البشرية، وأن نقرأه آناء الليل وأطراف النهار. الثاني: أن نحفظ ما تيسر منه. الثالث: أن نجعله تعاليم سلوكية، وأدبية واجتماعية، ونعمل بها ونلقى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى به. يقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} ويقول عليه الصلاة والسلام: {اقرؤا الزهراوين؛ البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان كغمامتين أو غيايتين أو كطيرين من طيرٍ صواف} وكان عليه الصلاة والسلام يجلس مع تلاميذه الأخيار الذين تأثروا بالقرآن فيقول عليه الصلاة والسلام: {أريد أن أسمعه من غيري} يقول ابن مسعود وكلكم يعرف من هو ابن مسعود، وليس أنتم فحسب في أبها تعرفونه، بل يعرفه كل من في الجزيرة العربية، ويعرفه سكان الدول العربية وأهل الشرق الأوسط، ويعرفه مسلم اليابان ومسلم الصين ومسلم أمريكا، كلهم يعرفون ابن مسعود؛ لأنه اتجه بهذا القرآن ورفع الله قدره به، كانت قامة ابن مسعود على قدر جلوس الرجل، أي: يوازيك وأنت جالس برأسه من نحافته وهزاله وضعفه، لكن القرآن لما دخل قلبه جعله أمة، حتى أن الصحابة لما صعد شجرة ضحكوا من دقة ساقيه، حتى كاد يسقط من على غصن الشجرة كأنه طائر، فقال صلى الله عليه وسلم: {أتضحكون من دقة ساقيه؟! والله إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد}. يقول صلى الله عليه وسلم لـ ابن مسعود: {اقرأ علي القرآن. قال ابن مسعود: أأقرأ عليك القرآن وعليك أُنْزِل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأ ابن مسعود من سورة النساء قال: فلما بلغت قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال: حسبك الآن، فنظرت فإذا عيناه تذرفان} تأثر أيما تأثر بهذا القرآن. ولذلك ليس لنا ثقافة نقدمها ولا تاريخ ولا معرفة ولا تربية ولا علم نفس نقدمه على القرآن، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " من ظن أنه سوف يهتدي بهدي غير القرآن فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ويقول: كل أرض لم تشرق عليها شمس القرآن فهي أرض ملعونة، وكل قلب لم يشرق عليه هدى القرآن فهو قلب مغضوب مسخوط عليه. فأنت -أيها الأخ الكريم- إذا غربت عليك شمس يومك ولم تقرأ فيه آيات، أو لم تعش فيه مع المصحف، أو لم تتدبر آيات؛ فاعتبر ذلك اليوم منسياً من عمرك، وأنك خاسر ومغبون فيه، لأن ثقافتنا نأخذها من القرآن، يقول سيد قطب في ظلال القرآن هذا الكتاب الذي أنصحكم وأرشدكم باقتنائه، الذي يعلمكم فيه حياة الواقع وردها إلى القرآن الكريم. صاحب هذه الظلال عاش أربعين سنة في الضَّلال، عاش في الضياع كما يضيع الكثير منا الآن، يضيعون ويتيهون بلا رسالة في الشوارع، في الذهاب والإياب، وفي المقاهي ومع جلساء السوء، لا يعلمون أنهم من خير أمة أخرجت للناس، ولا يعلمون أن أجدادهم فتحوا الدنيا وعمروا التاريخ، وبنوا منابر الحق سلوا كل سماء في السماء عنا، وسلوا كل أرض في الأرض عنا، ما أوجد العدل إلا أجدادنا، فهذا الشاب الذي يضيع كأنه يتلاشى ويكذب ما فعل أجداده. يقول سيد قطب: عشت أربعين سنة في الضياع، فلما عدت للقرآن تهولت منه، وأن الله من فوق سبع سماوات يخاطبني، وأنا العبد الضعيف المسكين قال: وكنت أقرأ أن الصحابة يتأثرون بالقرآن ويبكون منه، فلم أشعر بذلك حتى سافرت مرة من المرات في سفينة من مصر إلى أوروبا، وكان معي شباب من العرب يريدون أوروبا، فركبوا معي في السفينة ومعنا جاليات، منها جالية من يوغسلافيا فرت من بلادها، ومعهم امرأة يوغسلافية جالسة في الجالية، فلما أتت صلاة الجمعة قمت فصليت بزملائي وقرأت بعد الفاتحة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] وسورة الغاشية، ثم انصرفت من الصلاة، والتفت فإذا هذه المرأة اليوغسلافية التي لا تعرف اللغة العربية تبكي، فقلت للترجمان: ما يبكيها؟! قال الترجمان: قالت: إنها تبكي لأنها سمعت إيقاعاً منك خاصاً أثر عليها في قلبها، إيقاعاً من القرآن فهي تسألك كلام من هذا؟! قلت: أخبرها أنه كلام رب السماوات والأرض، فلما أخبرها زاد بكاؤها بكاءً ونحيبها نحيباً. ثم يورد سيد قطب قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة فيقول: " كان من هديه صلى الله عليه وسلم -وهذا الحديث ثابت وصحيح-: {أنه صلى الله عليه وسلم كان يدور على أصحابه آخر الليل ليسمع من يقرأ القرآن، فاستمع مرة من المرات من وراء الباب إلى عجوز تقرأ قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] وتردد مرات والرسول صلى الله عليه وسلم يردد معها ويقول: نعم أتاني، نعم أتاني}. فالذي أدعو نفسي وإياكم -يا شباب الإسلام، يا أيها الأخيار، يا أيها الأحبة، لأنكم أنتم أمل هذه الأمة- أن تجعلوا وقتاً من أيامكم لهذا الكتاب العظيم، اعتبر وقتك إذا لم تقرأ فيه القرآن أنه يوم ضائع مغبون عليه. يقول الحسن البصري رحمه الله: كل يوم تشرق فيه الشمس يقول: يا بن آدم! اغتنمني فوالله لا أعود إليك أبد الدهر.

حال شباب الصحابة عندما أخذوا بالقرآن

حال شباب الصحابة عندما أخذوا بالقرآن نعجب كيف ساءت أخلاقنا، وكيف فسدت بيوتنا وفسد شبابنا! لأننا أخذنا تعاليمنا من غير القرآن، أخذناها من المجلة الخليعة والأغنية الماجنة، ومن جلساء السوء، حتى إن أحدهم يعرف المغنين والمغنيات والفاجرين والفاجرات الأحياء منهم والأموات، ولا يعرف حياة صحابة محمد صلى الله عليه وسلم، الذين فتحوا الدنيا وعمروا المعمورة ونوروا عقول البشرية، ولا يتحاشى أحدنا أن يحفظ الأغنية بحروفها وبلحنها وبطولها وبعرضها، ومَن لحَّنها، ومَن أنتجها، ولا يحفظ سورة من كتاب الله عز وجل! أي خيبة وصلت إليها الأمة بعد هذه الخيبة؟! وأي حسرة وصلنا إليها بعد هذه الحسرة؟! فبعد حياة كنا فيها أرقى الأمم، حتى إن الصحابي كان يقف عند الرسول صلى الله عليه وسلم وهو شاب في سن الشباب، فيأتي في معركة أحد ويقول: يا رسول الله! إنني ذاهب إلى الجنة والله لا أعود. جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. يأتي عبد الله بن عمرو الأنصاري الشاب فيستشهد ويقطع بالسيف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، فيبكي عليه ابنه، فيقول عليه الصلاة والسلام: {إن الله كلمه كفاحاً -أي: بلا ترجمان- فقال الله عز وجل: تَمَنَّ يا عبدي، قال: أتمنى أن أُعاد إلى الدنيا فأُقتل فيك ثانية، قال: إني كتبتُ على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتَمَنَّ، قال: أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال: فإني قد أحللت عليك رضاي فلا أسخط بعده أبداً، فجعل الله روحه في حواصل طير ترد ماء الجنة تشرب منه وتأكل من شجر الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة في السماء}. ويأتي شاب آخر ويقول: إني أجد ريح الجنة من دون أحد؛ فيُقتل ويُضرب بالسيف سبعين ضربة حتى مات، فلم يعرفه إلا أخته ببنانه. وجاء في الحديث الصحيح: {أن ابن الزبير دخل على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، -والحجامة: إخراج الدم الفاسد- فأُخرج الدم منه صلى الله عليه وسلم ووُضِع في إناء، فقال لـ ابن الزبير: اذهب بهذا الإناء وضعه في مكان لا يراه أحد، فذهب ابن الزبير وكان عمره عشر سنوات، فلما اختفى في سكة من سكك المدينة شرب دم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما عاد قال صلى الله عليه وسلم: أين وضعت الدم؟ قال: وضعته في مكان لا يراه أحد. فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ويل لك من الناس وويل للناس منك، لا تمسك النار}. هل عرف التاريخ شباباً مثل هذا الشباب؟! هل عرفوا إقداماً مثل هذا الإقدام؟ إنهم شباب محمد صلى الله عليه وسلم الذين رباهم بالقرآن، ولذلك فقد تربى الكثير منا -إلا من رحم الله- على الأغنية الماجنة، والمجلة الخليعة، وعلى جلساء السوء، فأخرجت هذا الإنتاج العجيب: المعاصي، والسجون المعبأة، والمخدرات، والانحراف عن منهج الله، والشرود عن آياته التي نراها في مجتمعاتنا، ونسمع قضاتنا يتحدثون عنها صباح مساء، يندى لها جبين المسلم، وفي الأخير نقول: ما لنا لم نفعل مثل الصحابة؟! وما لنا ننحرف؟! وما لنا ليس عندنا استقامة ولا منهج قويم؟! والسبب أننا لم نعش مع القرآن ولم نتأثر به. فمحتوى هذا العنصر: أن نعيش مع القرآن، وأن نتدارس كتاب الله عز وجل.

المعاصي دمرت حياتنا

المعاصي دمرت حياتنا العنصر الثاني: الانتهاء عن المعاصي. سائل نفسك وعرِّفها أن الذي يدمر مستقبلك وينهي عمرك ووقتك إنما هو المعصية، إذا عصيت الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى فقد اقترفت في حقك وفي حق أمتك وأسرتك أكبر جريمة في تاريخ الإسلام، ولذلك ينادي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عباده، وينادي كل الأمة شباباً وشيوخاً، كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً أن يتوبوا إليه، فقال عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].

الخوف من الله عز وجل

الخوف من الله عز وجل يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: {كان هناك رجل من بني إسرائيل فقال لأبنائه لما حضرته الوفاة: إذا أنا مِتُّ فاجمعوا حطباً ثم أشعلوا النار وأحرقوني، فإذا أصبحتُ فحماً فاسحقوني وذرُّوني، لعل الريح تذهب بي فلا يجدني الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يستطيع أن يجمعني! - أليس الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول للشيء: كن فيكون؟! - فلما توفي هذا الرجل جمع له أبناؤه حطباً وأشعلوا ناراً وحرَّقوه، فلما أصبح فحماً سُحِق وذُرِّي في يوم فيه ريح، فذهبت به الريح يمنة ويسرة وفي كل مكان، فجمعه الذي بدأه أول مرة، فلما أصبح أمامه رجلاً قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ما حملك على ما صنعتَ؟ قال: يا رب! خشيتك من كثرة ذنوبي - وهو موحد مؤمن في الأصل -، فقال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يا ملائكتي! أشهدكم أني قد غفرتُ له وأدخلته الجنة} قال ابن تيمية: لما شك في القدرة غفر الله له بسبب أنه خاف من لقائه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يقول أحد شعراء الإسلام: وإذا خلوتَ بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني أي: أنك إذا خلوت لوحدك ليس معك إلا الله، ولا يراك إلا الله، ولا يشاهد حركاتك وسكناتك إلا الله، وتظن أنك خلوت وانفردت وأنك أصبحت في مكان وحدك، فوالله إنك لم تنفرد، فمعك رقيب وعتيد، ومعك الذي لا ينام ولا يغفل، ومعك الذي لا ينسى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وإذا خلوتَ بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحِ من نظر الله واعلم أنه: {يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219]. ورد في بعض الآثار أن رجلاً اختفى في غابة وهَمَّ بمعصية فقال: لا يراني أحد، أنا في غابة وحدي وقد تسنت لي المعصية، فسمع هاتفاً يهتف ويقول: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] يقول ابن مسعود: [[الله الله في السرائر، الله الله إذا خلوت]]. وهذا الإمام أحمد -الإمام الزاهد العالم الكبير- قال بعض تلاميذه: والله إنا لنسمعه يبكي من وراء البيت وهو يقول: إذا ما خلوتَ الدهرَ يوماً فلا تقل خلوتُ ولكن قل علي رقيب وصاحب هذا البيت هو أبو نواس الذي تعرفونه وتسمعون به، وهو الذي توفي على فسق ومعصية، وقد رئي في المنام - كما يقول ابن كثير في البداية والنهاية - فقيل له: " ما فعل الله بك يا أبا نواس؟ قال: غَفَر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: وصفتُ الزهرة - واسم القصيدة: (القصيدة النرجسية) في ديوانه - ورَدَدْتُ أمرَها إلى الله، وقلت: إنه هو الذي أبدعها وزينها وحلاها وجملها. فغفر الله له بذلك السبب، ولذلك بعض الأسباب السهلة في الحياة تستطيع أن تدخل بها الجنة. وهذا رجل من بني إسرائيل رأى غصناً من شجرة ذا شوك في طريق الناس، فصرفه عنهم فأدخله الله بذلك الجنة. ويقول ابن كثير في البداية والنهاية: رؤي جرير بن عطية الشاعر المشهور في المنام بعد أن توفي، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غَفَر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: أذَّنْتُ وحدي في البادية حيث لا يراني إلا الله. أذن في البادية، هذا الأذان الذي فتحنا به الدنيا، والذي أرسلناه نغماً في آذان البشرية، والذي تهاوت به أصنام الوثنية، وقد أصبح شبابنا الآن يخجلون إذا ذهبوا في رحلة أو في سفر من الأسفار أن يؤذن أحدهم، ويقول: لو أذنتُ لأصبحتُ مطوعاً، وأنا لست بمطوع، أي: أنه بمفهوم مقالته عاصٍ. يقول محمد إقبال شاعر باكستان: بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنسَ أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا شباب الصحابة كادوا يقتتلون على الأذان في معركة القادسية، لأن مؤذنهم عبد الله بن أم مكتوم، عبدٌ أعمى قُتل في المعركة، وقد عذر الله الأعمى أن يحضر لكنه قال: لا بد أن أحضر المعركة، فلما حضر المعركة قُتل في سبيل الله، فكاد شباب الصحابة أن يقتتلوا على الأذان، لكننا الآن أصبحنا نخجل أن نتقدم ونؤم الناس ونصلي بهم ونخطب على المنابر، وأن نؤذن بالناس ونقول: نحن لسنا مطاوعة، نحن شباب متطور أو متهور، فألغينا هذه الوظائف التي رفعت رءوسنا بين الأمم. والشاهد - بارك الله فيكم - هو: أن المعصية دمار لمستقبل الإنسان، وأنها غضب وعقاب من الله.

التوبة سبب البركة والسعادة

التوبة سبب البركة والسعادة وهذا موسى عليه السلام القوي الأمين، وصاحب التوحيد، صاحب أكبر صراع في تاريخ الإنسان مع فرعون الطاغية، خرج يستسقي ببني إسرائيل، فلما خرج قال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، فأوحى الله إليه: يا موسى عد ببني إسرائيل، وعزتي وجلالي إن لم تعد بهم لأرمينهم بالحجارة على رءوسهم، أكلوا الربا، وفشا فيهم الزنا، وتواصوا بالفُحش والعُهر، فبكى موسى عليه السلام وقال: يا بني إسرائيل! عودوا لا يلقين الله تعالى على رءوسكم الحجارة. فلما انتشرت فينا المعاصي قلَّت بركاتُنا، وقلَّ ذكاؤنا وفهمُنا، حتى أصبح أهل الدنيا أكثر إنتاجاً منا، من أكثر نحن أم أوروبا وأمريكا إنتاجاً وتصديراً وتوريداً؟! هم أكثر مِنَّا؛ ولكننا تساوينا نحن وإياهم في المنهج، فغلبونا في أسباب الدنيا، والله تعالى يقول فيهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. فيا أيها الإخوة: أريد أن تفهموا من العنصر الثاني: أن تتوبوا إلى الله عز وجل، وأن تستغفروه دائماً وأبداً، وأن تجعلوا في أذهانكم مراقبة الله الحي القيوم. كان عمر بن الخطاب إذا خرج وحده إلى الصحراء أخذ بمطرق معه (عصا) فضرب رجليه وبكى وقال: [[يا عمر! لتتَّقين الله أو ليعذِّبنك الله عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين]]. وقال عبد الرحمن بن عوف: [[رأيت عمر دخل المقبرة يسلم على الأموات فرأى قبراً محفوراً، فسمعتُ بكاءه وأنا وراء السور وهو يقول: ويل لأمي إن لم يرحمني ربي]]. هذا وهم مبشرون بالجنة فكيف بنا نحن الذين لم نبشر بها ونحن تحت رحمة الله عز وجل؟! إن معاصينا ومخالفاتنا وأوقاتنا الضائعة تشهد علينا أننا لم نتأثر بالإسلام. فيا إخوتي! الله الله في ترك المعاصي والانتهاء عنها، كالمعاصي العين؛ من النظر إلى المحرمات، من كالأفلام الخليعة الماجنة، والصور العارية، والنظر إلى حرمات المسلمين، فهذه هي عيوب وذنوب العينين وعيناك إن أبدت إليك معايباً لقوم فقل يا عين للناس أعين يسألك الله يوم القيامة بعد أن يختم على فمك، فتتكلم عينك ولسانك ويداك وجلدك فيشهد كلٌّ عليك بما فعلت، ولذلك أوصي نفسي وإياكم بالتوبة من المعاصي ما ظهر منها وما بطن، واصرف وقتك أخي الكريم فيما ينفعك ويقربك من الله عز وجل.

الوقت وحياتنا وأعمارنا فيم نصرفها؟

الوقت وحياتنا وأعمارنا فيمَ نصرفها؟ العنصر الثالث: هو الوقت الذي ضيعناه، والعمر الذي صرفناه، يقول عليه الصلاة والسلام: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ} تجد الشاب صحيحاً معافىً غنياً، عنده كل أسباب الحياة، عنده سيارة وبيت ومكتبة، فتأتيه فإذا هو أكسل الناس، فهو لا يصرف وقته إلا في الهوى واللعب، يتحدث مع فلان وعلان، ويركب ويجتمع ويجلس مع مَن شاء، فهذا هو الذي خسر عمره في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] أتحسب أن هذا الوقت الذي تصرفه لا يحاسبك الله عز وجل عليه، ولا يوقِفُك يوم القيامة، يقول صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه -: {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: وذَكَرَ منها: وعمره فيما أفناه}. عمرُك والله لتسألن عنه دقيقة دقيقة، وثانية ثانية دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني مجلسُنا الذي جلسناه من يوم أن بدأنا إلى الآن لا يعود هذا الوقت الذي فرض فيه، ولو اجتمع أهل العالم لكي يعيدوا هذا الوقت فإنهم لا يستطيعون أن يعيدوه أبداً؛ لأنه انتهى من أعمارنا. نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجات من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي ولذلك نحن نتقدم خطوة خطوة إلى الموت والهلاك والفناء ونحن لا نشعر، فالله الله! كم من ساعة ضيعناها! ولا إله إلا الله! كم من يوم صرفناه في المعصية وفي الهوى واللغو وفي الإعراض عن الله! وبعدها ندَّعي أننا شباب الإسلام وأننا أمل الأمة! أخي في الله: إن أمل الأمة أن تقرأ وتحقق وتواظب وتجد وتجتهد، فلا تضيع ساعاتك الطويلة في اللهو واللعب والغناء ومع كل من هب ودب. نفسي وإياكم باغتنام الوقت وصرفه فيما ينفعك عند الله، وأن يكون عندك برنامج يومي تعرف على منواله وعلى ضوئه حياتك، وتسير حتى تلقى الله عز وجل، فالقرآن وقت تقروءه فيه، ولمذاكرة دروسك وقت، ولصلاتك وقت، فلا تتخلف عن هذه الأشياء ولو تخلَّفَتْ الشمسُ فأتت من المغرب ولم تأت من المشرق، والزيارات والجلوس مع الإخوان لها وقت خاص، ووقت لمطالعة المكتبة ولجلوسك مع كتبك، من الكتب الصفراء كتب العلم والسلف الصالح، التي لمَّا تركناها ورجعنا إلى المجلات الخليعة هَبَطَت عقولُنا، وسَخُفَت أرواحُنا، وضاعَت بيوتُنا، وشاهَت أخلاقُنا، ودُمِّرَت عقولُنا لما تركنا الإنتاج الهائل الذي تركه أجدادنا لنا أتدرون كيف كان حفظهم يقول الذهبي عن ابن عقيل، أحد علماء الأمة: ألَّف كتاباً عدد أجزائه سبعمائة مجلد مخطوط، وهو موجود كما يقول أهل العلم. يقول ابن تيمية النوافل: وهي ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، فمن داوم على ترك هذه النوافل والركعات التي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم سنناً رواتب فإنه فاسق تُرَدُّ شهادتُه -نسأل الله العافية! - فليت ابن تيمية يدري أن منا من يترك الصلاة! وأن منا من يتهاون بها! وأن منا من يدخل عليه الوقت ويخرج وهو لم يهتم بالصلاة ولا انضبط مع أمر الله عز وجل! مسلمٌ يسمع: (الله أكبر) ولا يقوم فيتوضأ! أيُّ مسلم هذا؟! يقول الله في المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] يقومون ببرود، فإذا أردت أن تعرف المنافق فلا تعرفه بلونه، أنَّه أحمر أو أسود أو أصفر، ولا بشكله، ولا بعضلاته؛ بل تعرفه بموقفه من الصلاة، إذا رأيتَه - عندما يؤذن المؤذن - يتكاسل ويتهاون فاعلم أن فيه نفاقاً.

المبادرة إلى الطاعة

المبادرة إلى الطاعة تقول عائشة: {كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع الأذان أو النداء قام إلى الصلاة كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه} يقطع أعماله وأشغاله ويقوم إلى الصلاة وذكر الذهبي عن عامر بن عبد الله بن الزبير أحد الصالحين الأخيار، يقول: أُذِّن لصلاة المغرب وهو في سكرات الموت - حضره الموت وأصبح في آخر ساعة من ساعات الدنيا - فقال: احملوني إلى المسجد، قالوا: إن الله عذرك وسامحك وعفا عنك، قال: والله لا أسمع: (الله أكبر الله أكبر) ثم أبقى على فراشي! فحملوه وهو في سكرات الموت، فصلى وهو معتمد على رَجُلَين، ثم توفي وقبض الله روحه وهو في السجدة الأخيرة، فلما أخبروا أهله بذلك قالت زوجته: والله لقد علمتُ أن الله سوف يتوفاه ساجداً؛ لأنه كان يقول كلما أصبح: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، فرزقه الله الوفاة وهو ساجد. وذكر ابن الجوزي في صفوة الصفوة: أن أحد الصالحين كان يشتغل نجاراً وكان النجار في عهد السلف الصالح أتقى لله منا ونحن طلبة علم، ونسمي أنفسنا طلبة علم وواجهة للمجتمع، كان البائع التاجر أتقى لله في عهد السلف الصالح، منا فكانوا كلهم أخياراً إلا ما شذ منهم، حتى إن عمر رضي الله عنه عيَّنه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه قاضياً، قال: فبقيتُ سنة في المدينة لم يأتني متخاصمان؛ لأنهم عرفوا الحق. يقول ابن الجوزي: أتى أحد النجارين لينجر، فكان إذا رفع المطرقة يضرب بها المسمار وسمع: (الله أكبر) لا يردها ثانية؛ بل يلقيها ويطرحها وراء ظهره ويقوم إلى الصلاة. ولا يُعرف إيمانُ المؤمن إلا من استعداده للصلاة وقيامه إليها. إخواني في الله: يومُنا هذا أو غيره من الأيام يسدَّد فيه الإنسان بسبب حضوره لصلاة الفجر، واسأل نفسك وأنت جالس الآن إن كنت صليت الفجر في جماعة فأنت في ذمة الله وفي حفظه ورعايته؛ فقد جاء في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فمن طلبة من ذمته فقد أدركه، ومن أدركه أهلكه} لماذا امتلأت السجون من الشباب الذين يتعاطون المخدرات؟! لماذا امتلأت السجون من الشباب الذين زاولوا الزنا والمخالفات والشذوذ الجنسي؟! لماذا هتكت المحرمات؟! كل ذلك بسبب تركنا للصلوات؛ حتى يقول العلماء: إن من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة لا يصاب بكبيرة بإذن الله، فلا يقترف كبيرة ولا يمكن أن تتعرض له كبيرة من كبائر الذنوب. يقول أحدهم: كنت حارساً في سجن في الشمال، فدخل علي في سبع سنوات ما لا أحصي من المسجونين من أهل المعاصي، فكنت أسألهم بعد صلاة العشاء وأقول: أسألكم بالله! أصليتم العشاء اليوم في جماعة؟ قالوا: لا. فابتلاهم الله بالفواحش والمنكرات والكبائر، فضُرِبَت ظهورُهم، وسُجِنُوا، وذَهَبَت عقولُهم بالمخدرات بسبب تركهم للصلوات. فالله الله -يا شباب الإسلام- في الصلوات الخمس، التي لما تركناها رأينا كثيراً من الأجيال قد انحرفت عن منهج الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ورأينا البيوت مهدمة على أعقابها، والتربية السيئة، والعصيان من الولد لوالده، يقول الله عز وجل في حديث قدسي: {أبي تغترون، أم عليَّ تجترئون؟! فبي حلفت لأنزلن عليكم فتنة تجعل الحليم حيران} ولكن الله يرحمنا بسبب الشيوخ الذين يركعون ويسجدون، وبسبب الأطفال البرآء الذين لا ذنب لهم، أما نحن فنسأل الله العافية! ورد في الحديث القدسي أن الله يقول: {لولا الشيوخ الرُّكَّع، والأطفال الرُّضَّع، والبهائم الرُّتَّع لخسفت بكم الأرض خسفاً}. زلزلت المدينة في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، وأصابها زلزال سهل ليس بكبير حتى تساقطت بعض الجدران وبعض البيوت، فجمع عمر الناس في المسجد، فلما اجتمعوا رجالاً ونساءً وأطفالاً، بكى رضي الله عنه عنه وأرضاه ثم قال: [[والذي نفسي بيده! إن وقع الزلزال مرة ثانية في المدينة لا أجاوركم فيها أبداً، وليكونن آخر العهد بي. قالوا: فما علاقتنا يا أمير المؤمنين بالزلزال؟ قال: أنتم الذين أوقعوا الزلزال، فما وقع إلا بذنوبكم. فبكى المسجد حتى ضج بالبكاء وقالوا: تبنا إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى]]. فلم تقع المصائب التي وقعت في الأمة إلا بسبب ذنوبنا وإعراضنا عن الله.

موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم

موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم العنصر الرابع: بعد حفظ الوقت، وحفظ نفسك من المعاصي وحفظ الله في الطاعات، عليك أن تعرف موقفك من الرسول صلى الله عليه وسلم. فالله لم يخلق أشرف ولا أرحم ولا أكرم ولا أجل من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك أغلق الله أبواب الجنة، فلا تدخل إلا عن طريقه، فمن أتى من غير طريق الرسول صلى الله عليه وسلم حرمه الله تعالى من دخول الجنة قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. وموقفك من الرسول صلى الله عليه وسلم يدور على ثلاث قضايا:

الاهتمام بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم

الاهتمام بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم القضية الأولى: أن تعيش معه في السيرة، بأن تعرف سيرته وحياته، فهي معرفة جليلة وجميلة ولا أعلم فيها كتاباً أحسن من كتاب زاد المعاد لـ ابن القيم، يقول أبو الحسن الندوي: ما دَبَّجَت كفُّ مسلمٍ أفضل من زاد المعاد. فأنصحُ نفسي وإياكم باقتناء مثل هذه الكتب، فخذوا هذا الكتاب أو كتاباً آخر في السيرة كـ سيرة ابن هشام، وأجلُّها زاد المعاد، لـ ابن القيم تستصحبونه معكم وتقرءونه وتتدبرون ما فيه، علَّكم أن تعرفوا محمداً صلى الله عليه وسلم وحياته، وعلَّكم أن تعرفوا هذا الإنسان العظيم الذي زكاه الله من فوق سبع سماوات فقال فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. وقراءة السيرة ليست للتسلية ولا للسمر، لكن لنقتدي به صلى الله عليه وسلم؛ فإنه قد ورد في الحديث: {والله لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا أدخله الله النار} ووالله لا يسمع بالرسول صلى الله عليه وسلم سامع ثم لا يقتدي به ولا يسلك مسلكه إلا دخل النار. يا مدَّعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا خذها جميعاً تجد خيراً تفوز به أو فاطَّرحها وخذ عنه الشياطينا فالواجب أن تأخذ كل صغيرة وكبيرة أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم فتحكمه في نفسك، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]. كان محمد عليه الصلاة والسلام يصلي، فأنت يجب عليك أن تصلي مثلما صلى عليه الصلاة والسلام، يقول صلى الله عليه وسلم: {صلوا كما رأيتموني أصلي} كيف ندعي أننا طلبة علم ولا نعرف كيف كان يصلي صلى الله عليه وسلم؟! صحيحٌ أننا أجَدْنا علم الدنيا، فعرفنا وأتْقَنَّا علوم الجغرافيا والتاريخ والتربية، لكن علم السيرة وعلم الأثر والحديث لم نُجِدْه كما ينبغي وعلينا أن نعلم كيف كان يشرب، وكيف كان يأكل. وأوصي الأساتذة والمربين والموجهين أن يتقوا الله في شباب المسلمين، وأن يتقوا الله في هذا الفلذات التي عُرِضت أمامهم على كراسي الدراسة، بأن يمنحوها ويحضروا لها علماً نافعاً، وأن يخلصوا لله عز وجل، ولا يكن هَمُّ الأستاذ أن يُنْهِي الخمسَ والأربعين الدقيقة ثم يخرج من الفصل ويعتبرها وظيفة، لا. والله ليسألنه الله يوم القيامة عن هؤلاء، وليسألنه ماذا فعل بهم، وليسألنه في هذا المرتب الذي قبضه، وهذه الأكباد والوجوه والقلوب ماذا فعل بهم. وأوصي نفسي وهؤلاء الشباب أن يتقوا الله في أيامهم وفي جلوسهم على مقاعد الدراسة، وأن يستفيدوا العلم من أساتذتهم، وأن يحترموهم ويوقروهم لأنهم يهدونهم إلى الصراط المستقيم إن شاء الله.

خلاصة موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم

خلاصة موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم أيها الإخوة: إن موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم يتمثل في أشياء ثلاثة: أولاً: أن نعيش سيرته. ثانياً: أن نتأدب بأدبه. ثالثاً: أن نكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم. واعلموا أنكم لن تجدوا في العالم كله أزكى منه قلباً، ولا أطهر ولا أوضح منه منهجاً، ولا أحسن منه سيرةً صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الشورى:52 - 53]. أيها الإخوة الكرام: هي أربع نقاط أحببنا أن نتدارس مع هذه الوجوه الخيرة النيرة فيها وهي: الأولى: موقفنا من الكتاب العظيم، من القرآن الذي أهملناه وما حفظناه. الثانية: موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم. الثالثة: موقفنا من أيامنا وأوقاتنا الغالية. والعجيب أن أحد الأمريكان له كتاب موجود في السوق، عنوانه: دع القلق وابدأ الحياة، وهذا الكاتب اسمه: دايل كارنيجي، يقول فيه: الأمريكان يقرءون في اليوم والليلة ست عشرة ساعة من أربع وعشرين ساعة. وهم لا يعتقدون أن الله يبعث الناس يوم القيامة، ونحن الذين نحن من سلالة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ونقول: أننا فتحنا العالم، وكلما أتانا إنتاج قلنا: هذه بضاعتُنا رُدَّت إلينا، ونقول نحن في مهبط الوحي، ولا يقرأ الواحد منا - إلا من رحم الله - في اليوم ساعة أو ساعتين، وإذا قرأ ساعة ذهب وأخبر إخوانه وجيرانه أنه قرأ ساعة، ويقول: مللت وأصابني النعاس وأصابني كذا وكذا. فلذلك سوف يكون أهل الكفر الذين لا يعلمون إلا ظاهر الحياة أكثر منا قراءة يقول موشى ديان الميت الهالك إلى نار جهنم: العرب لا يقرءون، وذلك عندما قيل له: نشرتم أسراركم في صحفكم فكيف إذا قرأها العرب؟! قال: إن العرب البدو أسوأ منا، فيقرءون أقل منا. فنحن أقل الناس قراءة. فالذي أريده منكم أن تُقْبِلوا على مكتباتكم، وأن تستشيروا معلميكم في الكتب الجيدة، فإنه ليس كل ما يُعرَض في السوق يُشْتَرى، بل تأخذون الكتب النافعة الطيبة كـ الصحيحين وكتب ابن القيم، وكتب ابن تيمية، وكتب ابن كثير، وكتب التفاسير التي تزيدكم علماً ويقيناً وتهديكم إلى الصراط المستقيم، ثم أدلكم على الشريط الإسلامي أن تقتنوه في سياراتكم وبيوتكم بدلاً من شريط الأغنية. مسلمٌ ويستمع الغناء! مسلمٌ ويستمع العهر والفجور! مسلمٌ ويستمع ما يُقال في الفحش! يقول عمر بن عبد العزيز لأبنائه: [[الله الله لا تستمعوا الغناء، فوالله ما سمعه مستمع إلا حبب إليه الفاحشة]]. ويقول عقبة بن عامر القائد المسلم الكبير فاتح أفريقيا لأبنائه: [[أسأل الله عز وجل أن يعصمنا وإياكم من الغناء، فوالله إذا سمعتموه لن تحفظوا كتاب الله أبداً]]. فالغناء هو سبب إضاعتنا للقرآن، وسبب ضياع أوقاتنا، وسبب إنهاء علمنا من رءوسنا. أيها الإخوة الفضلاء: لا أريد أن أطيل عليكم، وإلا فالحديث كثير، و (يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق) وأشكركم شكراً جماً على تواضعكم وبقائكم، فجزاكم الله خير الجزاء، وشكراً لكم الشكر الكبير. وأسأل الله الذي بيده مفاتيح القلوب أن يفتح على قلوبنا وقلوبكم، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يجعل منا ومنكم مفاتيح للخير ومشاعل للهداية، حتى نقود أنفسنا وبيوتنا ومجتمعاتنا إلى سواء السبيل، فنعرض عمن أعرض عن الله، ونتحاكم إلى شرع الله، ونستروح إلى هداه ونسير على منهجه وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم. اللهم افتح علينا من فتوحاتك، واهدنا سواء السبيل، وتقبل منا ما قلنا وما استمعتم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

النفوس التي هاجرت إلى الله

النفوس التي هاجرت إلى الله استعرض الشيخ وفقه الله سيرة معركة أحد مجلياً فيها بعض المواقف البطولية التي أبرزت بجلاء شجاعة الصحابة الكرام وإقدامهم وتضحيتهم، وحبهم وفدائهم للرسول صلى الله عليه وسلم. ومستخلصاً في نهاية درسه نتفاً من الفوائد المستنبطة من تلك الغزوة.

معركة أحد

معركة أحد إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. صلى الله على النعمة المهداة، والعطية المسداة، أفصح من نطق بالضاد، ورفع علم العباد. صلى الله على باني دولة الإسلام، وهادم دولة الأصنام، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فإننا في هذا الدرس سوف نعرض بإذن الله موقعة أحد، حيث المهُج التي سافرت إلى الله، والأرواح التي هاجرت إلى الحي القيوم، حيث المواقف الخالدة التي لا تنسى أبد الدهر، حيث البيعة المجيدة التي بايع فيها المهاجرون والأنصار ربهم تبارك وتعالى، فما نكصوا وما تأخروا، ويشترك القرآن مع الحديث النبوي في هذه الموقعة لينتقل القرآن بنا إلى معركة أحد، يصور لنا المعركة والقتل في سبيل الله والشهادة والثبات، ثم ثمرة النصر أو الهزيمة. ولنكن ونستمع إلى الإمام البخاري وهو يصل إلى كتاب الغزوات، ويواصل مسيره في نقل الأحداث بأسانيد كنجوم السماء. من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري يقول رحمه الله تعالى في كتاب المغازي: باب غزوة أحد، ثم ساق بسنده إلى البراء بن عازب رضي الله عنه وأرضاه قال: {لما حضرنا معركة أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر على الرماة رجلاً من أصحابه -اسمه عبد الله- قال: فلما بدأنا المعركة فر المشركون، حتى إني لأرى خدم سوق نسائهم يصعدن في الجبل، قال: فلما رأى الرماة هذا الفرار؛ نزلوا إلى الغنائم، وقد خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت الهزيمة، فالتجأنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدناه جالساً ومعه أبو بكر وعمر، وإذا بـ أبي سفيان ينادي: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلم يجبه أحد، فقال: أين أبو بكر؟ فلم يجبه أحد، فقال: أين عمر؟ فلم يجبه أحد، قال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم -أو فقدتموهم كما في بعض الروايات- فقام عمر لما آنس هذه الغضبة لله عز وجل في نفسه فقال: لا والله لقد أبقى لك الله ما يسوءك يا عدو الله، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أبو بكر، وأنا عمر، فقال أبو سفيان: اعل هبل -وهبل صنم لهم يعبدونه من دون الله- فقال عليه الصلاة والسلام: ردوا عليه، فقالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل. فقال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم -يعني هناك صنم آخر اسمه العزى وليس لكم عزى- فقال صلى الله عليه وسلم: ردوا عليه، قالوا: وماذا نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم فقالوها، فقال أبو سفيان: يوم بيوم والحرب سجال، فقال صلى الله عليه وسلم -أو قال بعض أصحابه-: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار} أو كما قال البراء والله أعلم. والقرآن ينتقل بنا في سورة آل عمران من الآية العشرين والمائة إلى قبل أواخر السورة ليعرض لنا تلك المشاهد الحية، ومعركة أحد تصل إلى روح المؤمن وتلامس قلبه، وتحدث شغاف روحه، وهي معركة حية في ضمير الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وفيها صور عجيبة، ومن يقرأ أواخر سورة آل عمران بتدبر؛ يجد العجب العجاب. يقول الله عز وجل وهو يتحدث عن تلك الأحداث والوقائع للرسول عليه الصلاة والسلام: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:121 - 122] ثم يقول جل ذكره: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ * لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران:123 - 128] وهذه ست آيات من أربعين آية أو ما يقارب الخمسين تتحدث عن معركة أحد.

سبب معركة أحد

سبب معركة أحد لما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من معركة بدر منتصراً، متواضعاً لله عز وجل، وقد قدم قرباناً إلى الله سبعين من كفار قريش؛ لأنهم عارضوا الله عز وجل وخالفوا أمره، فعاد إلى المدينة المنورة عاصمة الإسلام، وسكن فيها ما يقارب سنة، ولكن كفار قريش ما أعجبهم هذا، وبقيت حرارة الهزيمة تعمل في قلوبهم يوم كان العربي بلا دين، يغضب لعرضه، ويغضب لماله، ويغضب لدوره فحسب، فقل لي بالله: أي عربي معه دين يدعي أنه ديِّن ثم لا يغضب لماله ولا لأرضه ولا لعرضه؟! يأتي أبو سفيان ليعلن المعركة والحرب مرة ثانية على الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، ويتوجه بجيش قوامه ثلاثة آلاف، قلوبهم تغلي من الحقد والمرارة والأسى واللوعة على أقاربهم الذين قتلوا في معركة بدر. ولم يعلم عليه الصلاة والسلام بالجيش إلا عندما طوق المدينة، ونزل تجاه جبل أحد المعروف، وشاك الجيش برماحه وبسيوفه أطراف المدينة، وأصبح أبو سفيان في مركز قوة يهدد عاصمة الإسلام، عاصمة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، كلما خرجت سارحة من إبل أو بقر أو غنم أخذها أبو سفيان، وكلما خرجت امرأة سباها، وكلما رأى رجلاً من المهاجرين والأنصار آذاه بسب أو شتم أو ضرب، فأصبحت المدينة تعيش في مأساة وفي خوف ورعب.

خطاب النبي لأصحابه ومشاورته لهم

خطاب النبي لأصحابه ومشاورته لهم حينها ألقى عليه الصلاة والسلام بيانه التاريخي، وخطابه الشهير على المنبر، وأخبر ماذا فعل أبو سفيان بالناس، يوم أتى بثلاثة آلاف يهدد أمن مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأعلن صلى الله عليه وسلم الحرب عليه، لأن الظالم إذا اعتدى فما جزاؤه إلا أن يرد اعتداؤه. أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدا فجرد حسامك من غمده فليس له اليوم أن يغمدا وقف عليه الصلاة والسلام وأصحابه أصحاب المهج الحارة والكتائب المنتصرة من الذين بايعوا الله يوم العقبة وقبلها وبعدها، والذين اشترى الله أرواحهم منهم. ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى أم من رمى نار المجوس فاطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا واستشارهم عليه الصلاة والسلام وهم في المسجد، وليس بينهم وبين أبي سفيان إلا ما يقارب الميل والمعركة حتمية لا بد منها، هل ترون أن نبقى في المدينة عاصمة الإسلام، فتدار رحى الحرب داخل العاصمة؟ أو نخرج إليهم، خارج حدود المدينة فنقاتلهم هناك؟ وما هو الرأي الأحسن؟ ولماذا يشاورهم عليه الصلاة والسلام والله قد آتاه من الرشد والسداد والحكمة ما الله به عليهم؟ إن المشاورة معناها: التواضع، ومعناها: التربية، وذلك درس لكل مسئول أو مدير أو رئيس هيئة بأن يشاور مقربيه وأعضاءه، ليكون أقرب إلى قلوبهم، يقول تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] فلذلك شاورهم عليه الصلاة والسلام، وإلا فإنه يعلم الرأي السديد، وكان رأيه أن تبقى المعركة داخل مدينته عليه الصلاة والسلام، وأن تدار رحى الموت داخل العاصمة، وأن تبقى السكك مفتوحة للكتائب، ويقوم النساء والأطفال برجم المعتدين داخل شوارع المدينة؛ لأنهم سوف يدخلونها، وهذا هو الرأي السديد في منطق الحق، وقد ذكر ذلك بعض الذين تكلموا في سياسته صلى الله عليه وسلم، وأظنه سعيد حوى وقارن بينه صلى الله عليه وسلم وبين نابليون في الجوانب العسكرية، ولكن أين الثرى من الثريا. ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا فقام الكبار والشيوخ من الصحابة، وقالوا: نرى رأيك يا رسول الله! نرى أن تدار المعركة داخل المدينة، فهو الرأي السديد، وقام عبد الله بن أبي رأس الضلالة وعمود الجهالة المنافق الشهير حربة النفاق، وما أصاب في حياته إلا في هذا الرأي، والمخطئ قد يصيب، والظالم قد يعدل ولو مرة، فقال: يا رسول الله! والله ما اعتدى علينا معتدٍ فبقينا في المدينة إلا هزمناه، فنرى أن تبقى في المدينة حتى يدخلوا، فإنا إذا قاتلناهم هزمناهم بإذن الله، وهذا هو الرأي. ولكن شباب الصحابة غلت مراجلهم، وتحركت أرواحهم، فخرج من المسجد ما يقارب ثمانين شاباً، أعمارهم بين الثلاثين إلى العشرين، يقودهم حمزة وقد نصب ريش النصر على عمامته، ودخلوا بعد برهة في المسجد وانتظموا في آخر المسجد وقالوا: يا رسول الله! كيف تبقى بنا في المدينة؟ إنه لا يقاتل أحد في أرضه إلا ذل. وقام أحد بني سالم بن عوف فقال: {يا رسول الله! اخرج بنا إلى الأعداء لا نقاتلهم داخل المدينة، لا تحرمني دخول الجنة، فو الذي لا إله إلا هو لأدخلن الجنة، فتبسم عليه الصلاة والسلام وهو على المنبر، وقال: بم تدخل الجنة؟ قال: باثنتين: -انظر إلى المؤهلات والشهادات العالية- أولاهما: أني لا أفر يوم الزحف، والثانية: أني أحب الله ورسوله، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: إن تصدق الله يصدقك}. ثم وقف رجل آخر وقال: يا رسول الله! تسبى ذرارينا، وتؤخذ بهائمنا، ولما نقاتل! اخرج بنا إليهم يا رسول الله! ورفع أنس بن النضر صوته من آخر المسجد وعليه السلاح، وقد سل سيفه وقال: يا رسول الله! أنا فاتني يوم بدر -أي أنه لم يحضر معركة بدراً - فلا تحرمني قتال الأعداء، فوالذي لا إله إلا هو لئن حضرت ليرين الله ما أصنع. وتتابع كلام شباب الصحابة من يمين المسجد ويساره، وفي الأخير رأى صلى الله عليه وسلم أن الأغلبية الساحقة مع الذين يرون الخروج، فقال: نخرج إليهم إن شاء الله. ثم ترك المنبر ودخل إلى بيته واغتسل ولبس الدرع عليه الصلاة والسلام، ثم خرج والسيف مسلول، سيف ذي الفقار -بالتخفيف- وعليه لامة الحرب قد غطت رأسه الشريف عليه الصلاة والسلام، وقال: الرأي أن نخرج. البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بوسها فلما رأوا ذلك رجعوا إلى أنفسهم وقالوا: لعلنا أكرهناك يا رسول الله! نرى أن تبقى في المدينة -ولكن الله يقول: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:159]- فقال صلى الله عليه وسلم: {لا والله لنخرجن إليهم، ما كان لنبي إذا لبس لامته أن يخلعها حتى يقضي الله أمره}. وفي الأخير سكتوا، وأعلن صلى الله عليه وسلم أن المعركة سوف تقوم غداً، وأن من بايع الله فعليه أن يثبت على بيعة الله عز وجل؛ لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] من أصدق من الله؟ من أوفى بعهده من الله؟ من الذي يثيب بالإخلاص إخلاصاً وبالصدق صدقاً إلا الله.

خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى أحد

خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى أحد ثم قام صلى الله عليه وسلم فاستنفر الناس، وسأل عن أقرب طريق يخرج منها من المسجد النبوي الشريف إلى جبل أحد -وكلكم يعرف جبل أحد - وأراد صلى الله عليه وسلم خطاً مستقيماً أقرب ما بين نقطتين ليختصر الوقت، وليناجز أعداء الله في مكانهم الذي نزلوا فيه، ثم خرج عليه الصلاة والسلام واقتحم مزارع رجال هناك؛ لأن الطرق سوف تبعدهم وسوف تشتت الكتائب والجيش، ففتحت له مزرعة من النخيل لرجل من المنافقين أعمى القلب والبصر، يدعي الإسلام ظاهراً ولكنه منافق. دخل عليه الصلاة والسلام مزرعته، ودخلت الجيوش بعده من الصحابة، وقوامهم ألف مقاتل، فلما رأى الرجل ذاك قال: يا محمد! -ينادي الرسول صلى الله عليه وسلم- لا تدخل مزرعتي؛ فإني لا أبيح لك ذلك، ثم أخذ حفنة من التراب، وقال: والله لو كنت أعلم أنها لا تصيب إلا وجه الرسول صلى الله عليه وسلم لرميت بها وجهه، فغضب الصحابة وتقدم إليه رجل من الأنصار بقوسه فضربه حتى أدماه، وأراد الآخر أن يقتله، فقال صلى الله عليه وسلم: اتركوه، هذا رجل أعمى الله قلبه وأعمى بصره. ووصل صلى الله عليه وسلم إلى جبل الرماة، ولكن في الطريق أتى النفاق العائر، وأتى الفشل والهزيمة في قلوب الذين ما أخلصوا وصدقوا مع الله، والذي لا يصدق في أيام الرخاء لا يصدق في أيام الشدة، فانعزل عبد الله بن أبي بن سلول بثلاثمائة مقاتل، أي: بثلث الجيش، فقد كانوا ألفاً، فظل يوسوس لهم كالشيطان ويمنيهم، ويقول: خالفوا رأيي وخرجوا من المدينة، والرأي أن نقاتل في المدينة، ولو أطاعوني ما خرجوا، فاستمع له بعض الناس، وقد قال تعالى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة:47]. وكادت فئتان اثنتان هما بني سلمة وقبيلة بني حارثة أن تسمعا وتفشلا، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا} [آل عمران:122] همت كتيبتان أن تتراجعا من المعركة: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران:122] فالله هو الذي عصم وسلم، قال جابر وكان من بني سلمه: نزلت هذه الآية فينا، وما أحب أنها لم تكن نزلت لأن الله يقول فينا: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:122]. كادوا يستمعون لكلام هذا المجرم الآثم، وكادوا يعودون من الطريق إلى المدينة ولكن الله سلَّم وعصم، فتوجهوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام، ونزل عليه الصلاة والسلام عند جبل الرماة وأسند ظهره، ورأى كفار قريش تمور في وجوههم الضلالة وتغلي قلوبهم بالبغي، وكانوا تعاقدوا وتعاهدوا ألا يفروا في المعركة أبداً. وأتى أبو سفيان قبل المعركة -وهو قائد نحرير نسأل الله أن يغفر له ذنوبه فقد أسلم- وكانت الراية عند بني عبد الدار، وهم أسرة مجيدة عندهم مفاتيح الكعبة، وعندهم اللواء دائماً، فإذا كانت معركة مع قريش سلموا لهم الراية، فأراد أن يحمسهم على المعركة، ويضريهم على القتال، فقال: يا بني عبد الدار! أعطونا اللواء، قالوا: ولم؟ قال: لأنكم أخذتم اللواء يوم بدر فهزمنا، فاليوم نخاف أن نهزم، فسلموا لنا اللواء، فهموا أن يقتلوه فحال بينهم الناس، وقالوا: كيف نسلم إليك اللواء؟ لأنهم ورثوه كابراً عن كابر. فوقفوا هناك، ونزل عليه الصلاة والسلام ورأى أن ذاك الرجل الداهية والعسكري الفارِه أبو سفيان قد غلب على المكان، وهو مخطط جهبذ علمته التجارب، فأخذ جبل أحد وهو الجبل الذي يضرب به صلى الله عليه وسلم الأمثال في الحديث، ويقول: مثل جبل أحد، ويقول: {جبل أحد جبل يحبنا ونحبه} فأخذ أبو سفيان الجبل وراء ظهره ليحمي ظهره وظهر الجيش، وسبق إلى المكان، فتلفت صلى الله عليه وسلم فلم يجد إلا الصحراء وراءه، وفي الأخير وجد الجبل الصغير جبل الرماة، فتمركز فيه صلى الله عليه وسلم، واختار خمسين مقاتلاً من أصحابه، وقال: أميركم عبد الله بن جبير، وأمرهم أن ينضحوا المشركين بالنبل إذا رأيتموهم اقتربوا، ولو رأيتم الطير تتخطفنا فلا تنزلوا من الجبل أبداً حتى نهاية المعركة، هذا رأيه صلى الله عليه وسلم، وهو من أحسن الآراء. وأتى عبد الله بن جبير فلبس أكفانه لأنه صدق مع الله، وهو أمير الخمسين ووقف على رأس الجبل، وأتى صلى الله عليه وسلم قبل المعركة فسل سيفاً بيده، وقال: {من يأخذ هذا؟ -هذه جائزة المعركة، وهذه هي المباراة العظيمة التي تمتحن فيها القلوب والأرواح إلى الله عز وجل- فكل الأيادي امتدت إلى أخذ السيف، فقال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فأحجمت الأيادي لأن الحق صعب، وهم لا يدرون ما تحت هذه الكلمة، فقال أبو دجانة: وما حقه يا رسول الله؟ قال: أن تضرب به أعداء الله حتى ينحني، فقال أبو دجانة: أنا آخذه بحقه يا رسول الله، فأعطاه إياه ثم أخرج لفافة حمراء فلف بها رأسه، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت} ومعنى هذه العصابة: خطر ممنوع الاقتراب، أي: أن هذا هو الموت فمن أراد أن يقترب فهذا الموت أحمر. فأخذها ثم أخذ يتبختر ويمشي أمام صفوف القرشيين، وقد آتاه الله بسطة في الجسم، فقد كان كالأسد. فجرد حسامك من غمده فليس له اليوم أن يغمدا ثم أخذ يختال أمام الكفار كأنه يقول: من كان في رأسه حب لم يطحن فسوف أطحنه هذا اليوم، ثم اقترب رضي الله عنه وهو ينشد ويزمجر بنداء الموت ويقول: أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل ألا أقوم اليوم في الكيول أضرب بسيف الله والرسول يقول: أنا الذي عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أقف في آخر الصفوف، عاهدته بين النخل، وسوف أضرب بسيف الله وسيف الرسول، وسوف ترون ماذا أصنع، قال الزبير بن العوام: فتتبعته أنظر ماذا سوف يفعل؟ فوالله لقد رأيته يضرب بها هام الأعداء فينزلها في الأرض. فعليه فصل الرءوس وعلى زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يقسم التركة يعطي الجدة السدس، ويعطي البنت النصف.

مواقف بطولية لبعض الصحابة

مواقف بطولية لبعض الصحابة نشبت المعركة في أحد واستمر حزب الله وأولياؤه يتقربون، ولكل واحد من الصحابة المشاهير موقف في المعركة:

مواقف أسد الله حمزة

مواقف أسد الله حمزة دلعت نيران المعركة واشتد القتال بين الفريقين في كل نقطة من نقاط الميدان وكان ثقل المعركة يدور حول لواء المشركين، فقد تعاقب بنو عبد الدار لحمل اللواء، فأما قائدهم الأول طلحة بن أبي طلحة فقد قتله الزبير بن العوام، فحمل اللواء بعده أخوه أبو شيبة عثمان بن أبي طلحة وتقدم للقتال وهو يقول: إن على أهل اللواء حقا أن تخضب الصعدة أو تندقا فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب، فضرب عاتقه ضربة بترت يده مع كتفه وصلت إلى سرته فبانت رئته. قال أحد الأنصار: رأيت حمزة يوم أحد يمور في الناس كالأسد، والله لقد رأيت المشركين يفرون من بين يديه كالمعز. وكان حمزة قد قتل يوم بدر عتبة بن ربيعة وبعض أقاربه، فجاءت هند امرأة أبي سفيان إلى وحشي وقالت: أعتقك وأسلم لك ما عندي من مال إذا قتلت حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسد الله في أرضه، سيد الشهداء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فأخذ وحشي حربته وكان رجلاً حبشياً يجيد رمي الحراب، فلم يشارك في المعركة، وتخبأ في شجرة في أرض المعركة، وأقبل حمزة يمور في الكتائب ويضرب بسيف الله عز وجل. يقول وحشي: فخرجت مع الناس، وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالجربة قذف الحبشة قلما أخطئى بها شيئاً، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق يهد الناس هداً ما يقوم له شيء، فوالله إني لأتهيأ له أريده، فأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني، إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة قال له: هلم إليَّ يا ابن مقطعة البظور -وكانت أمه ختانة- قال: فضربه ضربة كأنما أخطأ رأسه. ثم أرسل ووحشي عليه الحربة، فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل على رجليه إلى خلف الشجرة يريد قتل وحشي، فضرب الشجرة بضربة من ضربات الحق والخير، لكن الموت سابقه، فوقع شهيداً على الأرض. وأتى صلى الله عليه وسلم يدور في القتلى، فوجد حمزة قتيلاً، فتأثر عليه الصلاة والسلام كل التأثر، وأصابته لوعة وحسرة ما بعدها حسرة، حتى يقول: {والذي نفسي بيده، ما وقفت موقفاً أغيظ لي من هذا الموقف، والذي نفسي بيده إن ظفرت منهم لأمثلن منهم بسبعين} لأن حمزة رضي الله عنه قطعت أذناه وأنفه، لكن يلقى الله وهو سليم معافى، ويدخل الجنة كما قيل: ابن ثلاثٍ وثلاثين سنة، وهم جرد مرد حسان الوجوه. فوقف عليه الصلاة والسلام ورأى بطنه قد بقرت، وأخذ من كبده الشريفة، فلاكتها هند، ولكن لم تمضغها فألقتها، حتى لما سمع عليه الصلاة والسلام قال: {ما كان لشيء من حمزة أن يدخل النار} ثم دمعت عينه صلى الله عليه وسلم وقال: {والذي نفسي بيده لولا أن تجزع صفية -يعني صفية بنت عبد المطلب أخت حمزة - لتركته حتى يكون في حواصل الطير وبطون السباع}.

أنس بن النضر

أنس بن النضر أتى أنس بن النضر أحد الأنصار الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فلما رأى انهزام المسلمين في آخر المعركة وفعل المشركين قال: اللهم إني أبرأ إليك مما فعل هؤلاء -يعني المشركين- وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني المسلمين- ثم تقدم فقاتل حتى قتل، وأخذ دمه من نحره يتدفق سلسبيلاً عابراً، يعلن الشهادة والتضحية في سبيل الله عز وجل. ثم قال صلى الله عليه وسلم: {من يلتمس لي أنس بن النضر فإني أريد أن أراه} فقد علم صلى الله عليه وسلم أنه ما تأخر إلا لشيء، قال زيد بن ثابت: فقمت ألتمسه فوجدته في القتلى وهو في آخر رمق من حياته فقد ودَّع الحياة، وأشرف على لقاء الله عز وجل {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] ارجعي من حيث جئتِ فإن أصلك من الجنة. فوقف عليه زيد بن ثابت وسلم عليه، وقال: كيف تجدك يا أنس؟ قال يا زيد! بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام، وقل له: جزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمته، لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، كأنه رأى مشاهد أو وقفات أو بعض الملامح، يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32] فوصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فبلغه السلام، فدعا له عليه الصلاة والسلام. وهذا أنس بن النضر هو الذي حلف في المسجد: لئن حضرت المعركة ليرين الله ما أصنع، فأرسل درعه وأتى مقبلاً بسيفه إلى الأعداء، فقال له سعد بن معاذ: يا أنس بن النضر! هون عليك، أما ترى كيف انهزم الناس والمشركون أقبلوا، قال: إليك عني يا سعد! إليك عني يا سعد! والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد، هبت نسمات الجنة في أرواح المتقين فبايعوا الله رب العالمين، فأتى فقاتل ولكنه ما قتل لأول وهلة، وقف وسط جيوش المشركين، فاجتمعت عليه السيوف والرماح حتى ضرب أكثر من ثمانين ضربة بعد ما قتل فيهم مقتلة، ووقع على الأرض، قال أنس بن مالك: والله ما عرفته إلا أخته ببنان كفيه، ما عرفت وجهه، ولا رجليه ولا يديه ولا جسمه، وإنما عرفت بنان الكف، حين رفعت كفه فقالت: هذا أخي.

عبد الله بن عمرو بن حرام

عبد الله بن عمرو بن حرام ثم أتى عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري وقد بايع الله، ووصى ابنه جابراً في بناته خيراً، فأتى المعركة فقاتل حتى قتل، قال جابر: أتيت إلى أبي وقد قتل وهو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى والثوب على وجهه، فكنت أرفع الثوب وأبكي والناس ينهونني أن أبكي والرسول صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، فيقول عليه الصلاة والسلام لـ جابر: يا جابر! أتدري أين أبوك؟ قلت: لا. قال: في الفردوس الأعلى، ثم قال: يا جابر! أتدري ماذا فعل الله بأبيك؟ قلت: لا. والله يا رسول الله، قال: والذي نفسي بيده لقد كلمه هو وإخوانه من الشهداء في أحد بلا ترجمان، فقال: تمنوا عليّ، قالوا: نتمنى أن تعيدنا إلى الدنيا فنقتل فيك ثانية؛ لأنه ما من أحد يموت فيدخل الجنة إلا كره أن يعوده لما يرى من الجنة ونعيمها، إلا الشهيد يريد أن يعود إلى الدنيا فيقتل مراراً، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة في البخاري: {والله لولا رجال من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت خلف سرية تغدو قط، ولوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل} فقال الله لهم: تمنوا، قالوا: نتمنى أن تعيدنا إلى الدنيا فنقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، لكن تمنوا: قالوا: نتمنى أن ترضى عنا فإنا قد رضينا عنك، قال: فأني أحل عليكم رضواني لا أسخط عليكم أبداً، فجعل الله أرواحهم في حواصل طير خضر، ترد الجنة فتأكل من أشجارها، وتشرب من أنهارها، وتأوي إلى قناديل في العرش حتى يرث الله الأرض ومن عليها، أنزل الله مصداق ذلك: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171].

مواقف بطولية أخرى للرسول صلى الله عليه وسلم

مواقف بطولية أخرى للرسول صلى الله عليه وسلم وأتى عبد الله بن جحش أول من سمي في الإسلام أميراً وهو شاب، فوقف قبل المعركة، وقال: يا رب! أسألك أن تواجه بيني وبين كافر شديد حرده، قوي بأسه فيك، فيبقر بطني، ويجدع أنفي، ويقطع أذني، ويفقأ عيني، فإذا لقيتك يوم القيامة قلت: يا عبد الله! لم فُعِلَ بك هذا؟ قلت: فيك يا رب! فلما انتهت المعركة وجد وهو مقتول على تلك الصفة، قال سعيد بن المسيب وهو من رجال السند: نسأل الله أن يوفي له ما سأل وقلنا: آمين. ووقف طلحة بن عبيد الله يقاتل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ضرب في كل مكان حتى يقول: والله لقد ضربت في كل مكان يوم أحد حتى في فرجي، وشلت يده اليمنى، وذاك رجل بايع الله، قال أبو بكر رضي الله عنه: [[يوم أحد كله لـ طلحة بن عبيد الله]] طلحة ذو الجود رضي الله عنه. أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه من أول المعركة وهو يقاتل في سبيل الله، وقد أثخن بالجراح صلى الله عليه وسلم، وضرب على مغفره حلقتان من حلق المغفر في رأسه، وكسرت رباعيته، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، وأتى عليه الصلاة والسلام حتى ما استطاع أن يعلو على صخرة حتى جلس له طلحة بن عبيد الله فارتفع حتى علا على الصخرة، وقد أنهك عليه الصلاة والسلام من كثرة الضرب وكثرة ما قاتل، وفر الناس في آخر المعركة وما ثبت معه إلا سبعة. وأما الرماة الذين قال لهم صلى الله عليه وسلم: ابقوا في هذا المكان، فإنهم لما رأوا الغنائم ورأوا كفار قريش قد فروا في أول المعركة ظنوا أن المعركة قد صفيت للرسول صلى الله عليه وسلم، فنزلوا فوقف أمامهم عبد الله بن جبير أميرهم المجاهد رضي الله عنه وقال: أسألكم بالله لا تعصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال: لو رأيتم الطير تتخطفنا فلا تنزلوا، فعصوا أمره ونزلوا، وبقي وحده، فلما نزلوا رأى خالد بن الوليد الصاعقة وسيف الله المسلول، وكان يقود الخيالة في قريش ولم يكن قد أسلم ذاك اليوم، فرأى أن الرماة قد نزلوا من الجبل، فأتى من خلف الجبل وطلع على ظهر الجبل هو والخيالة من قريش، وأخذ عبد الله بن جبير الأمير يدافعهم، فاجتمعوا عليه فقتلوه، والتفت الرماة وإذا مواقعهم قد احتلها خالد بن الوليد والخيالة معه، وأصبح المسلمون شذر مذر، حتى فرَّ كثير منهم ودخلوا المدينة وأصبح صلى الله عليه وسلم مع سبعة يصارعون الأحداث، ويقفون أمام الإعصار في معترك لا يعلمه إلا الله عز وجل. ثم عاد الناس في آخر المعركة واجتمع الصحابة بعد ما فر بعضهم -غفر الله لهم فرارهم- حول الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ظهر الجرح فيه صلى الله عليه وسلم ودخلت حلقات المغفر في رأسه، فأراد أبو بكر إخراج حلق المغفر، فقال أبو عبيدة لـ أبي بكر: أسألك بالله أن تترك ذلك لي، فأخذ الحلقة الأولى بثنيته، فسقطت ثنية أبي عبيدة الأولى، ثم أخذ الحلقة الثانية بنيته الأخرى فسقطت، فما رئني رجل أهتم -أي: ساقط الثنيتين- أجمل من أبي عبيدة؛ لأنها سقطت في سبيل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم جاءوا بماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوا جراحه. ولما قتل مصعب وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصاح ابن قمئة بين الناس أن محمداً قد قتل، فلما سمع بعض الصحابة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قتل سقطت سيوفهم من أيديهم، وجلسوا على الأرض، فمر بهم أحد الصحابة -قيل: أنس بن النضر، وقيل: غيره- وقال: مالكم؟ قالوا: قتل عليه الصلاة والسلام، قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قموموا قوموا على ما مات عليه، ثم قاتل حتى قتل. وقد كانت الشائعة خطأ، فإن مصعباً هو الذي قتل رضي الله عنه. مصعب الذي دخل في الإسلام وهو أغنى شاب من شباب قريش، فلما أسلم قالت له أمه: إما أن ترجع عن دينك فتبقى في النعيم، وإلا فوالله لأسلبن عنك كل شيء، قال: والله لأسلمن، فسلبت عنه كل شيء حتى ما وجد من اللحاف إلا شملة، ورآه الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تغير لونه وتغيرت ملابسه، فلما رآه عليه الصلاة والسلام دمعت عيناه، وقال للصحابة: هل تعلمون شاباً كان أحسن من هذا الشاب وأنعم؟ قالوا: لا. قال: لقد كان يمر في الطريق من طرق مكة، فيجد الناس ريح المسك منه، وترك ذلك كله من أجل الله فعوضه الله خيراً منه، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فلما هاجر كان سفير الإسلام، واستفاقت المدينة على صباح جديد من دعوة مصعب بن عمير سفير الإسلام إلى الأنصار، فهو الذي علم القرآن أبناء الأنصار، وترك بهرج الدنيا وزينتها وأقبل على الله، فقتل يوم أحد، فأشيع في الناس أنه الرسول صلى الله عليه وسلم فخارت قوى كثير من الناس، وألقوا بالسيوف، فأنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] وقال سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:146]. وكان من أحسن الكلمات ومن أحر العبارات التي قالها صلى الله عليه وسلم في تلك الموقعة: {قفوا ورائي لأثني على ربي تبارك وتعالى} بعد المعركة، بعد أن ما قتل سبعون من أصحابه صلى الله عليه وسلم ومن أقاربه، يقول: {قفوا ورائي لأثني على ربي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى} فوقف الصحابة فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الله تبارك وتعالى، وحمده بمحامد، وبجله بتبجيلات. وقبل أن ينتهي صلى الله عليه وسلم من هذا الثناء، إذا بمجرم من المجرمين وبكافر من الكافرين اسمه أبي بن خلف، ما شارك في المعركة، علف فرسه بالحنطة شهراً كاملاً وشحذ سيفه بالسم، وكان يقول: أقتل بهذا السيف محمداً -يعني به الرسول صلى الله عليه وسلم- فلما أتت معركة أحد أخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! سمعنا أن أبي بن خلف يقول: إنه سيقتلك، قال: بل أنا أقتله إن شاء الله، وكان أبي بن خلف من أشجع الناس، ومن أقوى الناس قلباً، فلما أتت المعركة لم يشارك فيها وبقي حتى انتهى القتال، وحتى أثخن صلى الله عليه وسلم بالجراح وتعب، فأتى بفرسه عامداً قاصداً للرسول عليه الصلاة والسلام، وكان أبي بن خلف قد لبس درعاً تحت ثيابه إلا موضع درهم عند ترقوته. وسل سيفه يريد أن يقترب من الرسول صلى الله عليه وسلم، فقام المهاجرون والأنصار بسيوفهم، فأشار إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن اتركوه، وطلب عليه الصلاة والسلام أن يناولوه حربة، فناولوه حربة فهزها حتى تمكنت من يده، ثم أرسلها {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] فتركت كل مكان في جسمه لأنه مدرع ومصفح، وأتت إلى الترقوة فوقعت فيها فوخزتها وخزة بسيطة كوخز الشوكة، فوقع صريعاً من على ظهر فرسه إلى أقدام فرسه، فأتى الكفار من المشركين يسحبونه ويقولون: ما عليك بأس، ما أصابك بأس، فحلف باللات والعزى لو أن ما به أصاب أهل ذي المجاز لماتوا عن بكرة أبيهم، فسحبوه يجرجروه وهو يخور كالثور، فمات إلى النار، وسوف يلقى غضب الملك الجبار سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

تكفين الشهداء ودفنهم

تكفين الشهداء ودفنهم وانتهت المعركة ومر الرسول صلى الله عليه وسلم، والتفت فوجد الشهداء صرعى، وكأن لسان حالهم يقول: إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكمُ ألمُ فوقف صلى الله عليه وسلم وألقى كلمته الخالدة ومنها: {أنا شهيد عليكم يوم القيامة أنكم شهداء} ثم أمر بهم أن يكفنوا في ثيابهم وألا يغسلوا وأن يدفنوا، ولم يصلِّ عليهم صلى الله عليه وسلم، فأتوا يكفنون مصعباً، فما وجدوا إلا نمرة -قطعة قماش ثوب صغير- إذا غطوا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطوا رجليه بدا رأسه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغطوا بها رأسه وأن يجعلوا على رجليه من الإذخر، لكنه سيجلس إن شاء الله على أرائك عند الملك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وعلى فرش من إستبرق، وفي خير عميم عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من نور وحبور. وأتوا إلى حمزة فوجدوه ممثلاً به، فما وجدوا ما يغطوه إلا شيئاً يسيراً؛ لأنهم تركوا الدنيا وأعرضوا عنها وطلبوا ما عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الإبل قد توجهت بالشهداء إلى المدينة، فنادى: {ردوا الشهداء وادفنوهم في مصارعهم فإنها تشهد لهم} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فنادوا في الجمال وقد أوشكت تدخل المدينة، وعادت محملة والأسى واللوعة يعلو قلوب كثير من الناس، والبكاء يرتفع، والرسول صلى الله عليه وسلم يهدئ من روع الناس، ويدخل السكينة بكلماته الباردة على القلوب، فعادوا فدفنوهم في أماكنهم، ودفنوا حمزة هناك ومعه بقية السبعين. قال جابر: دفن مع آخر فلم تطب نفسي بذلك، فنقلته بعد ست وأربعين سنة، فوالله ما تغير منه شيء إلا شيئاً في أذنه من طين، من خرم جرح في أذنه من المعركة قال: فحملته وما تغير منه شيء وإن ريحه ريح المسك، بعد ست وأربعين سنة، وأنزلوا في منازلهم رضي الله عنهم. أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد عاد متوجهاً إلى المدينة عليه السكينة والوقار؛ قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:165 - 166] توجه عليه الصلاة والسلام وسمع البكاء في بعض دور الأنصار، ولكنه لم يجد من يبكي على حمزة، فقال: {لكن حمزة لا بواكي له} فتأثر الأنصار وأرادوا أن يشاركوا الرسول صلى الله عليه وسلم حتى في البكاء على قريبه وعمه. وإن أولى الموالي أن تواليه عند السرور الذي واساك في الحزن إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في الموطن الخشن فأمر سعد بن معاذ نساء بني عبد الأشهل أن يبكين على حمزة.

بعض الفوائد من غزوة أحد

بعض الفوائد من غزوة أحد ولقد تكلم سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن أحداث المعركة، وعن الذين تخلفوا عنها، وعمن استشهد في المعركة. وسوف نأخذ من هذه الغزوة ومن هذا الدرس فوائد:

الابتلاء سنة من سنن الله

الابتلاء سنة من سنن الله الفائدة الأولى: سوء عاقبة المعصية وسوء ارتكاب النهي، قاله ابن حجر في الفتح وسبقه ابن القيم إلى ذلك، يؤخذ ذلك من مخالفة الرماة للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يقول بعض أهل العلم: يا سبحان الله! رماة خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والموت على رءوسهم، وأنت تخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة عشرات المرات ولا تخشى، ولذلك كان من نتيجة هذه المخالفة حلول الهزيمة وحلول الغلبة على المؤمنين رضي الله عنهم وأرضاهم، فمخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم شؤم وفساد كبير، وما هناك تدمير لمستقبل الإنسان ولا خيبة أمل ولا تعكير لفهمه وذكائه ورزقه وولده مثل المعصية نعوذ بالله من المعاصي!

سنة الله في رسله

سنة الله في رسله الفائدة الثانية: أن من عادة الرسل أنهم يبتلون وتكون العاقبة لهم، تكون الحرب بينهم وبين أعدائهم سجالاً، ولا ينتصرون مرة واحدة، لأنهم لو انتصروا مرة واحدة لدخل في الدين من لم يكن من أهله، وما عرف المؤمن من المنافق، يقول تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3] فميز الله بهذا بين المؤمن والمنافق، فلو كانت المسألة مسألة نصر وعافية ونعمة لدخل في الدين من ليس من أهل الدين، ولكنه صلى الله عليه وسلم ابتلي مرة وانتصر مرة، ولو هزم الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً لما تمت الرسالة الخالدة، ولما أخرج الله الناس من الظلمات إلى النور، ولما تم المقصود من الرسالة، ولو انتصر دائماً لدخل في الدين غير أهل الدين، ولكن غُلب مرة؛ وانتصر مرة، ليميز الله الخبيث من الطيب، والعاقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين والمتقين، وانتصر الإسلام، وارتفعت مآذن الإسلام في كل مكان، وبقي صوت الحق مدوياً ودمغ الباطل وزهق إنه كان زهوقاً. ومنها: أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضماً للنفس وكسراً لشموخها وجماحها، لأن النفس إذا أنعم عليها جمحت وشمخت إلا من رحم الله، فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم انتصر في كل معركة، وانتصر في كل موقف هو وأصحابه لدخل بعض الصحابة شيء من العجب والتيه، وشيء من الزهو، لكن أراد الله أن يربيهم بالمعارك، مرة نصر ومرة هزيمة، وفي الخاتمة نصر لا هزيمة بعده للإسلام، لذلك لما أتت في معركة حنين قال بعض الصحابة: لن نغلب اليوم من قلة، فانهزموا في أول المعركة ثم انتصروا بعد أن تلقوا تأديباً، وأنت إذا بقي جسمك معافى بلا أمراض ولا ابتلاءات دخلك من العجب ما الله به عليم، والله عز وجل يعرف النفوس فيداويها. لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجسام بالعلل ربما يكون في صحة جسمك المرض، وفي صحة قلبك الفقر والابتلاء، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.

إكرام الله لعباده المؤمنين

إكرام الله لعباده المؤمنين الفائدة الثالثة: أن الله هيأ لعباده المؤمنين في دار كرامته منازل لا يبلغونها بأعمالهم، فابتلاهم الله عز وجل، وفي الجنة منازل مرتفعة للمؤمنين، نسأل الله ألا يحرمنا تلك المنازل، فهذه المنازل لا يستطيع كثير من الناس أن يبلغها بعلمه ولا بصلاته ولا بصيامه ولا بحجه ولا بصدقته، فيبتليهم الله في أجسامهم بالأمراض، والابتلاءات المختلفة، فيرفعهم الله إلى تلك الدرجات. الفائدة الرابعة: أن الشهادة من أعظم مراتب الأولياء، وقد ساقها الله إلى كثير من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، لما علم ما في قلوبهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ودرجات الفضل أعلاها النبوة، وبعدها الصديقية التي نالها أبو بكر رضي الله عنه، ثم الشهادة ثم الصلاح. الفائدة الخامسة: أراد الله إهلاك الكفار، فقيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك من كفرهم وطغيانهم واعتدائهم، والله إذا أراد أن يجر أحداً إلى الهلاك جره إلى المعصية وإلى الاعتداء، فلما أراد الله أن يخزي أولئك، ليدخلهم النار؛ جعل لهم من الأعمال الكسبية التي اكتسبوها بقضاء وقدر ما دخلوا بها النار، واستوجبوا غضب الواحد القهار سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

بعض أحكام الجهاد

بعض أحكام الجهاد الفائدة السادسة: أن الجهاد يلزم بالشروع فيه: حتى إن من لبس لامته وشرع في أسبابه وتأهب للخروج، ليس له أن يرجع كما فعل صلى الله عليه وسلم، فمن تهيأ لحضور المعركة التي وجبت عليه، فليس له أن يرجع وليس له أن يعود ما دام قد عزم، لقوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:159]. الفائدة السابعة: أنه لا يجب على المسلمين إذا طرقهم عدوهم في ديارهم الخروج إليه، واستدل بذلك ابن القيم على أنه ليس بواجب أن يخرج المسلمون من دورهم وقصورهم ومدنهم إلى الأعداء إذا طوقوا مدنهم، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم رأى أن يبقى داخل المدينة، ويكون القتال داخل المدينة، فهذا فيه أن المسلمين لهم أن يبقوا في مدنهم ومساكنهم حتى يأتي الأعداء، فيقاتلوهم إذا أحاطوا بهم واقتربوا منهم، وهذا ذكره ابن القيم في زاد المعاد. الفائدة الثامنة: جواز تصرف الإمام في بعض أملاك رعيته؛ فيجوز للإمام وقت المعركة ووقت الأزمات أن يتصرف ببعض الأملاك وأن يأخذ بعض الأشياء لمصلحة الجهاد، بشرط ألا يتجاوز الحد في ذلك، أو يضر بالناس ضرراً بيناً، وأخذ ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم حين مر في مزرعة ذاك المنافق. الفائدة التاسعة: لا يؤذن للصبيان غير البالغين في القتال؛ وقيل: حد ذلك خمسة عشر سنة، وقالوا: أكثر أو أقل، وقالوا: باختلاف الأشخاص؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم منع بعض الصبيان وأجاز الذين بلغوا منهم، فالصبيان لا يشاركون في المعركة، والجهاد ليس عليهم بواجب، بل يبقون في دورهم ويتعلمون العلم، وليس مرحلتهم مرحلة الجهاد، لأنهم لا يستطيعون الحضور، فعذرهم صلى الله عليه وسلم. الفائدة العاشرة: جواز الغزو للنساء؛ فإن النساء شاركن في معركة أحد، وأفضل من شارك في المعركة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء فقد شاركت فاطمة وأتت إلى أبيها صلى الله عليه وسلم فأعطته ماء، وغسلت الجراح عنه، وأحرقت بعض السعف ثم حشته في الجراح. وحضرت نسيبة الأنصارية وقاتلت حتى يقول عليه الصلاة والسلام: {ما التفت في جهة إلا وجدتها تقاتل عني} فرضي الله عنها. وكانت النساء يوم أحد يزفرن القرب، ويملأنها للمقاتلين؛ ولذلك حين أتي إلى عمر رضي الله عنه في خلافته بشيء من الذهب والفضة فأعطى أم سليط وترك نساءه، فقلن له رضي الله عنه: تعطي أم سليط وتتركنا؟ قال: إن أم سليط لا أنسى موقفها يوم أحد، كانت تملأ القرب للمسلين، فانظر كيف قدمها رضي الله عنه بهذا وترك نساءه، فرحم الله تلك العظام، وأسكنها فسيح الجنان. الفائدة الحادية عشرة: قال أهل العلم ومنهم ابن القيم بجواز الاستماتة كما فعل أنس بن النضر، أي: الإقدام على الهلاك والاقتحام في القتل، كما فعل أنس بن النضر، فإنه ألقى درعه وكسر غمد سيفه، واقتحم حتى لقي العدو حاسراُ وفي بعض الآثار: {إن ربك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يضحك للعبد يلقى العدو حاسراً} أي: لا درع عليه حتى يقاتل ويقتل، وليس ذلك من الهلكة. ولذلك لما حضر أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه بمعركة جهة القسطنطينية في بلاد الروم فألقى أحد المجاهدين بنفسه واستمات في المعركة، فقال بعض الناس المتأخرين في الإسلام: أما يقول الله عز وجل: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] قال: لا. إن التهلكة هي أن يمسك المال أو ألا يقاتل في سبيل الله. وطلب أبو أيوب من الصحابة أن يدفنوه في آخر بقعة من بقاع المسلمين وأول بقعة من بقاع الكفار، قال: حتى أبعث يوم القيامة من قبري وأنا مسلم بين كفار. الفائدة الثانية عشرة: أن الإمام إذا أصابته جراحة صلى قاعداً وصلى الناس وراءه قعوداً، وهذه الفائدة أخذها ابن القيم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه في أحد صلى الفريضة إما الظهر وإما العصر قاعداً من كثرة الجراح، وصلى الناس وراءه قعوداً، فإذا كان الإمام الراتب إمام الحي العالم يصلي قاعداً لعذر، فللناس أن يصلوا وراءه قعوداً، وفرَّق بعض أهل العلم فقالوا: إن ابتدأ قاعداً فيبتدئون معه قعوداً، وإن طرأ عليه القعود في أثناء الصلاة فيواصلون قياماً وبسط هذه المسألة في مجال آخر. الفائدة الثالثة عشرة: جواز دعاء الرجل أن يقتل في سبيل الله عز وجل؛ فإن عبد الله بن جحش دعا أن يقتل في سبيل الله، وليس ذلك من تمني الموت المنهي عنه، بل هو من طلب الشهادة وطلب ما عند الله ورضوان الله عز وجل، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من سأل الله الشهادة بصدق؛ بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه}. الفائدة الرابعة عشرة: أنَّ المسلم إذا قتل مسلماً أو قتل نفسه فهو من أهل النار، إذا قتل المسلم نفسه فهو من أهل النار؛ لأن رجلاً اسمه قزمان حضر معركة أحد، وقاتل فلما أصابته جراحة، لم يصبر ولم يحتسب، فأخذ سيفه وسله واتكأ عليه حتى خرج سيفه من ظهره، فأوحى الله عز وجل إلى رسوله أحاديث: {بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة} فحرام على المسلم أن يقتل نفسه مهما أصابته الابتلاءات. الفائدة الخامسة عشرة: أن السنة ألا يغسَّل ولا يصلى على شهيد المعركة، أما التغسيل فمعروف، وأما الصلاة عليه فإنه ورد في آثار عند الطحاوي والنسائي أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على بعض الشهداء، وورد في حديث صحيح أنه ترك الصلاة على بعضهم، قال ابن القيم في تهذيب السنن: الإمام مخير إن شاء صلى وإن شاء ترك، وفي صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف على شهداء أحد يصلي عليهم كالمودع لهم، قيل: هذا الدعاء، وإلا فإنه لم يصل عليهم في الحال، فالإمام مخير في شهداء المعركة؛ أن يصلي أو يترك، وأكثر أحواله صلى الله عليه وسلم أنه ما صلى على شهداء المعركة، لأن الصلاة تزكية والله قد زكاهم. ومنها: أن الشهيد إذا كان جنباً غسل قاله ابن القيم، لأن حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه كان مع زوجته فلما سمع داعي الله خرج جنباً وباع نفسه، فقتل في المعركة، فقال عليه الصلاة والسلام: {سلوا أهله ماله؟ قالوا: خرج جنباً ولم يغتسل، قال: والذي نفسي بيده، لقد رأيت الملائكة تغسله بين السماء والأرض في صحاف من ذهب بماء المزن} فاستدل بذلك بعض أهل العلم على أن الجنب إذا عُلم أنه مات جنباً وهو من الشهداء أنه يغسل وقد رجح ذلك ابن القيم. الفائدة السادسة عشرة: أن السنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم ولا ينقلوا من أماكنهم؛ لأنها شاهدة لهم عند الله، فلا ينقل الشهيد إلى بلده، بل يدفن في أرض المعركة. ومنها: جواز دفن الرجلين والثلاثة في القبر الواحد، فلما كثر القتلى في أحد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ابحثوا أيهم المتحابون في الدنيا فادفنوهم كما تحابوا في الدنيا، يعني: الصديق مع صديقه، والحبيب مع حبيبه، فكانوا يدفنونهم وكان يقول: {التمسوا أيهم أكثر أخذاًَ للقرآن فقدموه تجاه القبلة} فأكثرهم أخذاً للقرآن يقدمونه تجاه القبلة ويدفنون صاحبه وحبيبه معه؛ لأنها روضة نسأل لله أن يوسع علينا وعليكم، ولا توسع إلا بعمل صالح، والجار الصالح مطلوب، كما أن الجار الصالح في الأحياء نعمة من النعم، فكذلك عند الموت، فعلى المسلم أن يلتمس المقبرة التي يدفن فيها حبيبه أو ولده أو صفيه ليكون في سعة، ولا يضره إذا دفن مع فساق، إذا كان عمله صالحاً، وإذا مات صاحبك وعليه بعض المعاصي وهو مسلم، فعليك أن تكثر الدعاء له والصدقة، وأن نكثر له الاستغفار فإنها تصل إليه أحوج ما يكون. والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشد ويل لعبد عن سبيل الله صد ومنها: أن من عذره الله في التخلف عن الخروج في المعركة بمرض أو عمى أو عرج، وأبى إلا أن يحضر، فله ذلك وهو مأجور مشكور، لقد عذر الله الأعمى أن يحضر المعركة، ولكن عبد الله بن أم مكتوم قال: لا والله! إن الله يقول: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41] وأنا ثقيل والله لأنفرن، فحضر معركة القادسية وهو أعمى وبقي يحمل الراية حتى قتل في سبيل الله. ومنها: أن المسلمين إذا قتلوا واحداً منهم يظنونه كافراً فعلى الإمام ديته، ولذلك كان أبو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مسلماً، وظنه المسلمون من المشركين، فاجتمعوا عليه فقطعوه بالسيف، فقال حذيفة: يغفر الله لكم فقال صلى الله عليه وسلم: أدفع ديته لك، قال حذيفة لا. غفر الله لكم، فما زالت بقية الخير في حذيفة حتى لقي الله. ومنها: استخراج عبودية الله لأوليائه في السراء والضراء، فالله ابتلاهم بالسراء ليشكروا، وابتلاهم بالضراء ليصبروا. ومنها: أن معركة أحد كانت مقدمة لموته صلى الله عليه وسلم، ودرساً شهيراً، فقد نزل فيها قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144] ثم مات عليه الصلاة والسلام فثبتوا؛ لأن الله أعطاهم في أحد درساً لا ينسونه.

النعاس في الخوف والحرب نعمة

النعاس في الخوف والحرب نعمة ومنها: أن النعاس في الخوف والحرب نعمة، وفي الصلاة ومجالس الذكر غفلة، ففي معركة أحد لما أراد الله أن يمن على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة، أصابهم نعاس حتى سقط سيف أبي طلحة من يده كما قال أنس قال تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال:11] أي: سكينة وهدوءاً، وراحة لقلوبكم، فهو في الخوف والحرب أمنةٌ وهدوءٌ من الله، ولكنه في الصلاة وفي مجالس الذكر من الشيطان. ومن تمام ثبات قلب المؤمن أن ينعس في المعركة، ومشاهير الشجعان في الإسلام كانوا ينعسون وسط المعركة علامة على قوة قلوبهم، وقد ذكر ابن كثير عن شبيب بن يزيد الخارجي البطل الكبير وهو من قوادهم ما سمع بأشجع منه بعد الصحابة، يقول ابن كثير في البداية والنهاية: كان في ستين رجلاً يلقى ثلاثة آلاف فيهزمهم، وكان ينعس قبيل المعركة على بغلته، وهذا من شجاعة قلبه ومن حماسته ينعس والصفوف أمامه، حتى إن زوجته واسمها غزالة، دخلت الكوفة، فأرهبت الكوفة كلها، والحجاج كان أمير الكوفة في عهدها، فلما دخلت من باب الكوفة الشرقي خرج هو من الغربي، فدخلت بعمود في يديها تضرب باب الإمارة وتقول للحجاج: اخرج يا عدو الله، ثم ارتقت المنبر منبر الجامع، فخطبت خطبة، فيقول أحد المسلمين للحجاج: يا ذليل تقتل علماء المسلمين وتقتل ضعفاء المسلمين، ولما أتت غزالة الخارجية هربت منها. أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر هلا برزت إلى غزالة في الوغى أم كان قلبك في جناحي طائر ونسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لنا ولكم الهداية، ونسأله أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتولانا في الدارين، وأن يفقهنا في دينه، وأن يسدد خطانا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

خصائص الجمعة

خصائص الجمعة الجمعة عيد المسلمين، وهي خير أيام الأسبوع، ولذا اختصت بخصائص ليست لغيرها من الأيام، وسن لها بعض الآداب، وهناك عشرون خصيصة من خصائصها، مفصلة في هذا الدرس من خلال شرح أحاديث من صحيح البخاري في أبواب تتعلق بالجمعة.

حياة عبد الله بن المبارك

حياة عبد الله بن المبارك إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فإن من أعظم القضايا التي يلتمسها المؤمن ويبحث عنها في تدبر كتاب الله عز وجل، وفي قراءة سنة رسوله صلى الله عليه وسلم قضية الهداية، وكيف ينقذ الإنسان نفسه من غضب الله وعذابه ولعنته. ولأن رجال صحيح البخاري هم ممن عرفوا الله عز وجل، كما قال أهل العلم: كل من روى له البخاري فقد تجاوز القنطرة لذلك فقد أثرنا أن نقف في هذا الدرس، مع رجل طالما مر معنا في كثير من الدروس، وفي بعض الأحيان نتعرض له وفي بعضها نهمل ذكره استعجالاً أو لضيق الوقت، وهو عبد الله بن المبارك رضي الله عنه وأرضاه وكثرة ترداد هذه التراجم لا تمل، بل كان هذا منهج كثير من أهل العلم: أنهم إذا أرادوا أن يشرحوا حديثاً، أو أرادوا أن يعرضوا درساً للناس، بدءوا بذكر الصالحين في مقدمة درسهم. قال أبو حنيفة رحمه الله: سير الرجال -أي: أخبار الرجال الصالحين- أحب إلينا من كثير من الفقه. وقال مجاهد رحمه الله: القصص جند من جنود الله يسلطها الله على من يشاء.

ابن المبارك وطريق الهداية

ابن المبارك وطريق الهداية هذا الرجل - عبد الله بن المبارك - هو مثل لكل شاب يريد الله والدار الآخرة، أو لكل رجل أسرف في أول عمره أو أخطأ، ثم أراد أن يراجع حسابه، وأراد أن يعيد نفسه إلى الله تبارك وتعالى. عاش حتى بلغ السابعة والعشرين من عمره، وكان يصلي كما يصلي كثير من الناس، لكنه ما كان يعيش مع الإسلام في ليله ونهاره، ما كان يشغل أوقاته بطاعة الله بدقائقها وثوانيها وأنفاسها مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلما أراد الله أن يوقظ قلبه، وكان مع عصابة من القرناء الذين يريدون أن تكون الحياة معبراً للذات والشهوات، جلس في شمال إيران، وكانت هناك حديقة قريبة من منزله، فسمر مع هؤلاء القرناء، فلما انتهى من سمره نام، وكانت تلك الليلة ليلة مباركة أراد الله أن يوقظ قلبه، فسمع أن هاتفاً يهتف ويقول: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون115 - 116]. فاستفاق وعلم أنه مقصود بالخطاب، وأنه مدعو إلى الجواب، فقام من تلك الليلة وبدأ حياة جديدة مع الله عز وجل، حياة التفقه في دين الله، وتدبر كتابه، والتزود بالنوافل؛ ففتح الله عز وجل عليه، وعاهد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عهداً أوجبه على نفسه ولم يوجبه غيره من الناس عليه؛ ولذلك يقول ابن تيمية: إن الحق الذي يذكره الله في كتابه كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47] أوجبه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على نفسه ولم يوجبه أحد من الناس عليه؛ فحق عليه تبارك وتعالى أن من طلب الهداية وأراد الخير أن يهديه، فهدى الله هذا الرجل؛ فاستنار قلبه.

خوف ابن المبارك من الله وإنفاقه في سبيل الله

خوف ابن المبارك من الله وإنفاقه في سبيل الله قال أحد تلاميذه: سافرنا معه إلى الحج، فجلسنا في ليلة ظلماء فانطفأ السراج، فذهبنا نلتمس سراجاً، فعدنا إليه، وإذا بدموعه تنهمر على لحيته، فقلنا: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: لما تركتموني في هذه الغرفة تذكرت القبر والله. وقال الإمام أحمد: إن ابن المبارك رفعه الله بخبيئة من الخشية في قلبه. وكان مع ذلك قد رزقه الله بسطة في المال والمال لا يحاربه الإسلام كما يظن كثير من العباد أو الزهاد أو المتصوفة، بل إن الإسلام يستثمر المال ويوجهه في طرق الخير، وكان كثير من الصحابة يشتغلون بالتجارة وبالغنى، لكنهم ينفقون أموالهم في سبيل الله. بلغ من عطائه أنه كان يدعو القافلة ليحجوا، وينفق عليهم مما آتاه الله، حتى إنه في يوم من الأيام مر بقرية من قرى العراق وهو حاج؛ فوجد امرأة خرجت من بيتها فوجدت دجاجة ميتة في زبالة، فأخذتها فقال لغلامه: اذهب وراءها واسألها، فلما ذهب وسألها قالت: ما لنا طعام منذ ثلاثة أيام إلا ما يلقى من الأموات في هذه المزبلة. فلما عاد وأخبره دمعت عيناه، وقال: نحن نأكل الفالوذج والناس يأكلون الميتة من المزابل! والله لا أحج هذه السنة، واذهبوا بقافلتي هذه إلى أهل هذه القرية، فرد القافلة بأحلاسها وأقتابها وجمالها وبما عليها من متاع وطعام، ووزعها على أهل القرية، وعاد إلى خراسان ولما نام أول ليلة هناك رأى في منامه قائلاً يقول: حج مبرور وذنب مغفور وسعي مشكور. وله قدم ثابتة في الجهاد عرفتموها في بعض المناسبات، أو من قراءتكم واطلاعكم وله كذلك وفاة حميدة وخاتمة حسنة، يقول غلامه: لما حضرته الوفاة رأيته يتبسم وهو في سكرات الموت، قلت: ما لك؟ قال: لمثل هذا فليعمل العاملون. هذا هو عبد الله بن المبارك الذي يروي عنه البخاري ويقول: حدثنا عبدان -تلميذ عبد الله بن المبارك - قال: حدثنا عبد الله بن المبارك.

عمر يسأل الناس عن سبب تأخرهم عن الجمعة وهو على المنبر

عمر يسأل الناس عن سبب تأخرهم عن الجمعة وهو على المنبر مازلنا في كتاب الجمعة الذي أجاد البخاري كل الإجادة في ترتيب أبوابه على عادته رحمه الله، يقول: (باب). ثم سكت ولم يأت بباب، وقد أكثر البخاري أن يبوب ثم لا يأتي بترجمة، وكأنه -والله أعلم- أراد أن يبيض الكتاب فلم يتسن له، أو أراد أن يفصل بين الأبواب، أو أراد ترجمة ثم تركها وأهملها وأبهمها لأنها تفهم من الحديث. عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: بينما عمر رضي الله عنه يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل فقال عمر: لم تحتبسون عن الصلاة؟ فقال الرجل: ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت. فقال: ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل} وهذا الرجل المبهم الذي دخل وعمر يخطب الناس هو عثمان رضي الله عنه، ولم يذكر في هذا الحديث ستراً عليه؛ لأنه ليس في مقام محمدة، فقد تخلف عن الجمعة، وليس من محمدة المحدثين أن يقولوا: دخل عثمان وتخلف عن صلاة الجمعة؛ إنما يقولون: دخل رجل؛ فالعبرة بالقصة وبالمعنى لا باسم الرجل، فليس فيه فائدة. وفي هذا الحديث مسائل.

التبكير للجمعة والغسل لها

التبكير للجمعة والغسل لها المسألة الأولى: طلب التبكير من عمر لـ عثمان رضي الله عن الجميع؛ فإن عمر رضي الله عنه وأرضاه أنكر على عثمان بن عفان تأخره. المسألة الثانية: التوضؤ والغسل للجمعة. واعلم أن الغسل سنة مؤكدة، بل إن بعض أهل العلم من أهل الظاهر وغيرهم أوجبوه، وقد جاء في ترجمة سهل بن عبد الله التستري وهو من عباد الله الصالحين، وكان من رآه ذكر الله والدار الآخرة، عاش في القرن الثالث دخل على أبي داود صاحب السنن فقال: أسألك يا أبا داود مسألة. قال: سل. قال: أن تلبي لي ما أسألك. قال: ألبي لك إن شاء الله. قال: مد لي لسانك، فمدها فقبلها وقال: هذه لسان تكلمت بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل له: إلى متى يحمل طالب العلم المحبرة؟ قال: إلى أن يوضع رأسه في المقبرة. وقال -وبعض أهل العلم كـ الغزالي يرفع هذا الحديث وليس بمرفوع- قال: [[مداد العلماء خير عند الله من دماء الشهداء]]. يعني الحبر الذي يكتبون به. وليس كل طالب علم -نسأل الله السلامة والعافية- فإنه هو الذي يطلب العلم للدار الآخرة ولتقوى الله، أما الذي يطلبه للشهادة فمداده أرخص من الماء. الشاهد: أنه خرج لصلاة الجمعة فانقطعت حذاؤه؛ فقال: الله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون! لم أغتسل هذا اليوم؛ وعاد فاغتسل. ويعلق بعض أهل العلم ويقول: إن الله عز وجل ينبه هؤلاء على أخطاء بسيطة تصدر منهم ليتنبهوا، وبعض الناس يرتكب من الجرائم كالجبال ولا ينبه عليها؛ لأنه عمي عن الطريق المستقيم.

كلام الخطيب مع المأمومين

كلام الخطيب مع المأمومين المسألة الثالثة: كلام الخطيب مع المأمومين؛ فللخطيب أن يتكلم وله أن يرد وأن يجيب، ولذلك اشترط بعض أهل العلم؛ خاصة من المفكرين في العصر الحديث كـ أبي زهرة في كتاب الخطابة: أن يكون الخطيب سريع البديهة؛ لئلا يرتبك في الخطبة؛ وألا يتكلم مع أحد فيضيع الخطبة فإنه اشترط هذا الشرط، وهذا الشرط ليس وارداً عند أهل العلم، وإنما هو من باب الملح والطرف. وقد دخل أعرابي والرسول عليه الصلاة والسلام يحدث أصحابه، وكان أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقارب ألف رجل، والرسول صلى الله عليه وسلم يواصل إسداء المعاني، ويواصل إعطاء الناس من القوة الروحية التي ما أعطاها الله بشراً إلا محمداً صلى الله عليه وسلم، فيأتي هذا من جهله ومن جفائه، ثم يقف وسط الناس فينظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: يا رسول الله! متى الساعة؟ فلم يقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه فيعيد الرجل سؤاله ماذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الجواب؟ إن قال: الساعة لا أدري بها؛ قطع على الناس حديثهم. وإن قال: اجلس واسكت، كانت هذه من الفظاظة والغلظة التي برأه الله عنها فقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وإن أجابه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ قطع حديثه الذي كان يتكلم فيه مع ألف رجل، وترك الموضوع الذي كان يتكلم عنه؛ لأجل أن يتكلم عن هذه القضية فسكت صلى الله عليه وسلم، وما كأنه سمع. قال أبو هريرة: فقال بعضنا: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضنا: بل لم يسمع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما تلعثم ولا تغير ولا التفت، فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟ فقال: أنا يا رسول الله. فخطأه في السؤال؛ لأن من جواب الحكيم أن يعرض عن سؤال ورد لا فائدة فيه لتفاهته وسخفه، وأن يأتي بجواب هو أملح وأصلح، كأن يقول: لم تسأل عن هذا؟ ولذلك يقول الله عز وجل: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة:189] أي: كيف يبدو صغيراً ثم ينحني، ثم يبدو ضئيلاً ثم يكبر حتى يتضخم، ثم يعود كذلك؟ فما الفائدة من هذا السؤال؟! قال الله عز وجل: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189]. أي لماذا لا تسألون عن فائدة الأهلة؟ فالجواب هو هذا الجواب. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {ماذا أعددت لها؟ -والشاهد سوف يأتي- قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكنني أحب الله ورسوله. فقال: المرء يحشر مع من أحب}. وقطع الرسول صلى الله عليه وسلم حديثه للرجل الأعرابي الذي دخل من نحو دار القضاء، فقال هذا الأعرابي: يا رسول الله! هلكت الأموال، وتقطعت السبل، وجاع العيال؛ فادع الله أن يسقينا. هذا كلام في محله، وإن أخر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا فإنه لا يمكن أن يتأخر عن صلاة الجمعة، وهي مناسبة عبادة، وإن قال له: اجلس؛ جفاه كذلك، وإن تكلم في موضوع الاستسقاء فليس الحديث موضوع محاضرة تلقى على الناس؛ فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطبة مباشرة ورفع يديه وقال: {اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا}. الوقت في الصيف والناس في شدة حرارة، حتى يقول أنس: والله ما في السماء من سحابة ولا قزعة، والشمس تتوهج في الصيف وقد هلك الناس، فلما قال عليه الصلاة والسلام هذا -وكان المسجد شماسياً، يرون ما خلفه- ثارت سحابة كالترس، فارتفعت هذه السحابة، قال أنس: والله لقد ثارت مثل الجبال. وهو في الخطبة بعد أن استسقى صلى الله عليه وسلم ثارت كالجبال حتى غطت سماء المدينة، ثم نزل الغيث والرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر، فأخذ الماء يتحدر من السقف ويصب على جبينه الطاهر الذي كأنه البدر. يزيدك وجهه حسناً إذا ما زدته نظرا فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يتبسم وهو في خطبته من هذه المعجزة التي شهدها أكثر من ألف ونقلت إلينا بالتواتر فلعن الله الملحدين أنى يؤفكون! وكان صلى الله عليه وسلم يخطب فدخل رجل اسمه سليك الغطفاني فلم يصلِّ، فقطع صلى الله عليه وسلم خطبته وقال: {أصليت؟} وهذا من الأدب؛ لاحتمال أنه قد صلى، ولذلك فأهل العلم يعتبرون الاحتمال حتى لا يكذب الصادق، ولذلك يقول سليمان عليه السلام للهدهد: سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين. ولم يقل: أكذبت أم أنت من الصادقين، وهذا من حسن الظن بالصاحب. يقول ابن القيم عن قصة سليمان عليه السلام والهدهد في بدائع الفوائد: على المسلم ألا يستنكف من طلب العلم؛ فإن الهدهد عرض كلمة على سليمان وتواضع سليمان عليه السلام، حتى قال له بزعم وقوة: جئتك من سبأ بنبأ يقين، فما تكبر سليمان وما زها عليه السلام. الشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقامه فصلى ركعتين فهذه مسألة الكلام من الخطيب إلى المأموم ومن المأموم إلى الخطيب. وقد مر معنا ولا بأس بإعادته مرة ثانية لحسنه. أعد ذكر نعمان لنا إنَّ ذكره كما المسك ما كررته يتضوع وقف عمر رضي الله عنه على المنبر يخطب الناس فقال: أيها الناس، اسمعوا وعوا. فقام سلمان رضي الله عنه وقال: والله لا نسمع ولا نعي. قال: ولم يا أبا عبد الله؟ قال: ألبستنا ثوباً ثوباً، ولبست أنت ثوبين! لأن عمر كان يوزع الثياب التي كانت تأتيه من اليمن، وكان عمر رجلاً طوالاً جسيماً، فأعطى الصحابة ثوباً ثوباً، ولما لم يكفه هذه الثوب أخذ ثوب ابنه عبد الله بن عمر الذي هو حصته مع المسلمين؛ فقال: لا يرد عليك إلا ابن عمر، قم يا عبد الله، فقام عبد الله فرد على سلمان، فقال سلمان لما سمع A الآن قل نسمع وأمر نطع. فقال عمر: أرأيتم لو انحرفت عن الجادة ما كنتم فاعلين؟ فقام أعرابي من طرف المسجد وسل سيفه وقال: والله يا أمير المؤمنين، لو قلت كذا لقلنا بالسيوف هكذا، فتبسم عمر وقال: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من إذا قال كذا برأسه قالوا بالسيوف هكذا. قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها

معرفة حقوق أهل الفضل ورعاية حرماتهم

معرفة حقوق أهل الفضل ورعاية حرماتهم المسألة الرابعة: أهل الفضل أحق بالفضل. فإن عمر رضي الله عنه استنكر على عثمان، أي أنت عثمان وتأتي في هذا الوقت؟! يقول القائل: لا تضع من عظيم قدر وإن كنت مشاراً إليه بالتعظيم فالعظيم العظيم يصغر قدراً بالتحري على العظيم الكريم فـ عمر رضي الله عنه عرف أنه عثمان، ولو كان أعرابياً لما قال له عمر: أأعرابي وتأتي في هذا الوقت؟! حتى لو أنه أتى بعد الصلاة لما كان ليقول له عمر هذا، ولذلك يقال: حسنات الأبرار سيئات المقربين. فقال لـ عثمان: تأتي في هذا الوقت؟! ليتك لست بـ عثمان!! ولذلك يقول الله عز وجل: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب:30] وذلك لأنها امرأة النبي صلى الله عليه وسلم، فالشهير العظيم المحترم يكبر منه الذنب، ولكن الحسن كذلك يتضاعف منه، يقول عز وجل: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب:31] فيضاعف لها الأجر.

التطيب والادهان يوم الجمعة

التطيب والادهان يوم الجمعة ثم قال البخاري رحمه الله تعالى: باب الدهن للجمعة. وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: {لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهن أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام؛ إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى}.

سند الحديث وترجمة رجاله

سند الحديث وترجمة رجاله أولاً: رجال السند: قال البخاري: (حدثنا آدم) وهو آدم بن أبي إياس؛ جاء رجل إلى الفضل بن دكين وطرق عليه الباب، فقال: من؟ قال: رجل من ذرية آدم؛ فخرج وعانقه وقال: ما ظننت أنه بقي من ذرية آدم في الدنيا أحد! (قال: حدثنا ابن أبي ذئب) هو الإمام الشهير، قرين الإمام مالك، كان من أقوى الناس، ويقولون: إنه كتب موطأً -والله أعلم- أراد أن ينافس به الإمام مالك، فقال الإمام مالك: ما كان لله سيبقى. كان ابن أبي ذئب يكتب إلى الإمام مالك بالعزلة، ويوصيه بالقوة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان من قوة ابن أبي ذئب أنه دخل على أبي جعفر المنصور وقيل إنه طاووس، وأبو جعفر هذا يقول فيه الإمام أحمد: جبار الدنيا، ما كان يستطاع أن يتكلم بين يديه فقال له أبو جعفر: ناولني هذه الدواة يا ابن أبي ذئب كانت الدواة على ماسة هناك، والخليفة أمير المؤمنين أبو جعفر جالس هنا، وابن أبي ذئب عالم المسلمين بينهما، فقال: والله لا أناولك الدواة. قال: ولم؟ قال: إن كنت تكتب باطلاً فلا أكون شريكاً لك في الباطل، وإن كنت تكتب حقاً فلست بخادم لك؛ فأرسل من أخذها وأتى بها. يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: دخل المهدي بن أبي جعفر المنصور المدينة -وهذه قصة معروفة- فلما دخل المسجد قام الناس جميعاً في المسجد؛ لأنه من بني العباس، ومعه أمراؤهم وعلماؤهم، وهو الخليفة، فلما دخلوا قام الناس كلهم إلا ابن أبي ذئب فما تحرك وكان ماداً رجله، فأتى المهدي فسلم عليه وقبل بين عينيه؛ لأنه كبير في السن وشيخ ومحدث وعالم وزاهد، وقال: لم لم تقم لي وقد قام الناس لي؟ قال: أردت أن أقوم لك وتحفزت وتهيأت فتذكرت قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فتركت القيام لذلك اليوم. فقال المهدي: والله ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت. قال: (عن سعيد المقبري) وهذا من مشايخ أهل المدينة ومن التابعين الكبار، وكان فيه عرج ولكنه من العباد الصالحين؛ كان يقوم من وسط الليل يصلي حتى الفجر، فتظن ابنة جاره إذا خرجت أنها خشبة منصوبة على السقف، فما انتقل من جيرتهم إلى بيت آخر قالت لأبيها: يا أبتاه! أين الخشبة التي كانت على بيت جارنا؟ قال: هذا المقبري، انتقل إلى بيت آخر، وما كان ينام كما تنامين (أو كما قال). قال: (أخبرني أبي عن ابن وديعة) وابن وديعة ليس من المشهورين المكثرين؛ ولذلك فترجمته قصيرة. (عن سلمان الفارسي) الباحث عن الحقيقة، رجل الحق الذي تمرس في الأديان وجربها في أرض الواقع، وخرج بنتيجة لكل عاقل إلى قيام الساعة؛ وهي أنه لا فلاح للإنسان إلا بهذا الدين. دخل مع المجوس في نارهم، ودخل مع النصارى في عبادتهم، واستقرأ أخبار اليهود، وفي الأخير أتى إلى محمد صلى الله عليه وسلم. قواصد كافور توارك غيره ومن قصد البحر استقل السواقيا وأكرم الله محمداً صلى الله عليه وسلم عن كافور. وفي الحديث مسائل:

التجمل والتنظف للجمعة

التجمل والتنظف للجمعة المسألة الأولى: ما هو الغسل؟ وماهو التطيب؟ وما هو التدهن؟ وما هو التنظيف؟ ألا تتداخل هذه الجمل؟ قال ابن حجر: لا تتداخل. الغسل غسل الجسم، والتطهير تطهير الرأس، والتنظيف بأخذ الشعر والظفر من الجسم، والدهن إزالة شعث الرأس والتزين للجمعة، والطيب تغيير رائحة الجسم فهذه المعاني التي يريدها صلى الله عليه وسلم. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يلبس للمناسبات حقها ولبوسها فإن كان صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه لبس عليه الصلاة والسلام ما تيسر من لباس، وإن أتى في الجمعة لبس الفاخر، يقول ابن عباس: [[خرج صلى الله عليه وسلم يوم العيد في حلة حمراء، فوالله ما رأيت أجمل منه]]. ويقول البراء بن عازب: {صلى بنا صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء ورأيت ساقيه كالجمارتين (قلب النخلة) من البهاء؛ فقرأ بنا والتين والزيتون، فوالله ما سمعت صوتاً أحسن من صوته} وقد قيل: البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بوسها وفي المعركة يلبس درعاً وربما لبس درعين ولذلك كان صلى الله عليه وسلم سيد المتوكلين وأعرف بحقائق الأمور، فمن أراد أن يقتدي فعليه بمحمد صلى الله عليه وسلم في لباسه وفي طعامه وفي شرابه. وهديه في الجمعة أنه كان يلبس أفخر اللباس، حتى أنهم أهدوا إليه حلة لما رأوا منه العناية بلباس الجمعة -ولكنه حرمها- وقد كانت ترعد وتبرق وتزبد من حسنها ومن منظرها ومن زخرفتها، والصحابة ما كانوا يعهدون هذه الألوان رضوان الله عليهم، بل كانوا في فقر وفي حاجة ومشقة، وأما هذه فإنها لباس الملوك، فأتوا يلمسونها ويمشون أيديهم وأصابعهم عليها، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يتبسم، وعلم أن الدنيا تافهة وقال: {أتعجبون من هذه؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذه}. سعد بن معاذ هو الشهيد الكبير الذي اهتز له عرش الرحمن؛ أبو عمرو وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لـ سعد أبي عمرو يقول عليه الصلاة والسلام: أتعجبون من هذه؟ لمناديل المخاط التي ربما يبصق فيها -إن كان لأهل الجنة بصاق- أو يمسح -إن كان له عرق وهو الجشاء- فمناديله أحسن من هذه التي تفتخرون بها ثم أتت المناظرة الأدبية التي مرت معنا في السير. إنما كان عليه الصلاة والسلام يلبس لباس الجمال، والذي أدعوكم في هذا الموقف إلى أن نجعل أحسن لباس للجمعة وقد مر هذا، واللباس الجميل هو ما تعارف عليه الناس في أي بلد أنه جميل، فعندنا هنا أن اللباس الجميل هي الثياب والبشت؛ فالإنسان إذا أتى الجمعة يلبس الجميل ولا ينبغي أن يختار لحضور المحافل لبس الجميل، وإذا أتى إلى الجمعة لبس الثوب العادي أو ثوب النوم.

تخطي الرقاب

تخطي الرقاب وفي الحديث: كراهية تخطي رقاب الناس، ويدل عليه قوله في الحديث: {فلا يفرق بين اثنين} ورأى صلى الله عليه وسلم رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال له: {اجلس فقد آذيت}. وفي لفظ: {اجلس فقد آنيت}. أي: تأخرت وآذيت الناس. فالتخطي ممنوع، قال الإمام مالك: ليس التخطي ممنوعاً إلا إذا وقف الخطيب على المنبر، وأما قبل ذلك فله أن يتخطى. وقال الشافعي: من كان له مكان لا يبلغه إلا بالتخطي فله أن يتخطى، وقال: إن كان له منزلة في الإسلام فله أن يتخطى. والصحيح أنه لا يتخطى رقاب الناس، لا يتأخر ويبقى في بيته ويضيع بركة الوقت وأجر التبكير، ثم يأتي ويضر الناس ويتقدم عليهم هذا خطأ يخالف العقل والنقل.

النافلة يوم الجمعة

النافلة يوم الجمعة مشروعية النافلة قبل الجمعة. وهذه مسألة عويصة؛ لأنها لم تنقل لنا بحديث، وابن تيمية يرى أنه يصلى قبل الجمعة، ولا أعلم في ورود الصلاة في المسجد قبل الجمعة حديثاً صحيحاً، أو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر بها، وإنما أمر بالصلاة أربعاً بعد صلاة الجمعة كما سوف يأتي، وأما قبلها فقال ابن تيمية: هي من الأوقات التي يصلى فيها؛ فإن الصلاة الممنوعة هي حين يقوم قائم الظهيرة قبل الزوال؛ فهذا نهى عنه الشارع الحكيم، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن عقبة بن عامر: {نهانا عليه الصلاة والسلام أن نصلي في ثلاث ساعات وأن نقبر فيهن موتانا وذكر منها: وحين يقوم قائم الظهيرة} أما يوم الجمعة فلك أن تصلي ولو قام قائم الظهيرة؛ يقول ابن تيمية: لأن الناس ما كانوا يخرجون من المسجد ليروا هل قام قائم الظهيرة أو زالت الشمس، بل يصلون حتى يدخل الخطيب. وأما جواز النافلة نصف النهار يوم الجمعة، وهي تتداخل مع تلك؛ لكن هذه مطلقة، أي أن النافلة المطلقة واردة ومشروعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: {ثم صلى ما كتب له} أي: قبل الجمعة؛ وجواز النافلة نصف النهار تقتضي أنه لا نهي ولا كراهة في الصلاة في هذا الوقت. Q بعض الناس يدخل المسجد فيصلي ركعتين ثم يقرأ القرآن؛ فإذا ظن أن الخطيب قد اقترب قدومه وقف وصلى. فما الحكم؟ A هذا جائز ووارد؛ لأنه يدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: {ثم صلى ما كتب له} فالوقت وقت صلاة ولا كراهية فيه.

تكفير الذنوب بالحضور يوم الجمعة وشروط ذلك

تكفير الذنوب بالحضور يوم الجمعة وشروط ذلك وأما التكفير للذنوب فمشروط بما تقدم من الغسل والطيب كما قاله أهل العلم؛ لأنها كفارة كما قال صلى الله عليه وسلم: {إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى} أي: غفر له لأنه اغتسل وتطيب وتدهن ولبس وبكر، ولم يتخط رقاب الناس، ودنا من الإمام وأنصت؛ فهذه كلها تقتضي أن تكفر له ذنوبه. أما إذا تأخر ولم يغتسل ولم يتطيب ولم يتنظف، وتخطى رقاب الناس، وآذى ولم ينصت؛ فهل تحصل له الكفارة؟ لا فإن مفهوم الشرط معتبر عند أهل العلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم شرط هذا بهذا. وقال ابن حجر: مفهوم الشرط معتبر؛ فلابد من تحصيل هذه الأمور؛ ليكفر الله عنه ما بينه وبين الجمعة الأخرى. وأما هل تدخل فيها الكبائر؛ فإن الشيخ عبد العزيز بن باز يعلق على هذا؛ لأنه يرد على الشافعية الذين يرون أن الأمر مطلق، والصحيح -كما هو رأي الجمهور- أنها تكفر الصغائر، أما الكبائر فلا تكفر إلا بالتوبة والاجتناب، يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة: {الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، والعمرة إلى العمرة؛ كفارات أو مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر} وفي حديث عثمان في صحيح مسلم: {ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله} لكن هنا إيراد أورده ابن حزم الظاهري صاحب المحلى: وهو من لم تكن عنده صغائر فماذا يفعل به؟ A يكفر بها من الكبائر، وهذا رأي لـ ابن حزم. فمن ليس عنده صغائر ولا كبائر يرفع الله به درجاته ويعظم ثوابه. وليس المهم من الإيراد أن يكون واقعاً؛ فإنه قد تورد قضايا، لكن المقتضى ليس وارداً، المقتضى شيء آخر غير الإيراد، أن نورد قضية ثم نقول من مقتضاها كذا، ولذلك يقول ابن تيمية عن أبي حامد الإسفرائيني: يركب الفتوى لأنه يقول: من فعل كذا فأصبح كذا فصار كذا فهو كذا. فهذا تركيب الكلام على الكلام بالمقتضى، إنما المهم أن نعرف الأحكام لو وقعت، وسواء وقعت أم لم تقع، فـ ابن حجر ناقش هذه المسألة؛ مسألة: لو لم يكن عنده صغائر ولا كبائر. وقال: يرفع من درجاته. ثم هل تكفر الصغائر بصلاة الجمعة وعند صاحبها كبائر؟ A المسألة فيها قولان: فأصحاب القول الأول قالوا: هذا قيد، ومعناه: إذا انتهى من الكبائر في هذا الأسبوع، وإن كان له كبائر من قبل وهذا فيه تكلف، والصحيح -والله أعلم- أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، وأن التوبة لابد فيها من اجتناب الكبائر، ولكن يبقى عندنا إشكال وهو في قول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:31] فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: إذا اجتنبتم الكبائر كفرنا عنكم الصغائر، لا بالجمعة ولا بالصلاة، والشرط في تكفير الصغائر هنا هو اجتناب الكبائر، فكيف تكفر صلاة الجمعة هذه الصغائر وقد كفرت باجتناب الكبائر؟ الجواب: من عنده كبائر تكفر الجمعة عنه الصغائر، أما الذي ليس عنده كبائر فكفر الله سيئاته بغير الجمعة هذه مسائل الكبائر والصغائر، وليس هناك نص في الباب، ولكنه استطراد لقوله: {غفر له ما بين ذلك}.

آداب الجمعة وخصائصها

آداب الجمعة وخصائصها أما آداب الجمعة وسننها، فالسنن العملية والخصائص عشرون خصيصة، يزاولها الإنسان يوم الجمعة، وأورد ابن القيم الكثير في زاد المعاد، لكن نكتفي بالأمور التي صحت فيها أحاديث، أو هي عملية يحتاجها المؤمن في الحياة.

خصائص تتعلق بالتهيؤ والتنظف وهي سبع

خصائص تتعلق بالتهيؤ والتنظف وهي سبع الخصيصة الأولى: الغسل يوم الجمعة؛ وقد مر الكلام عنه واختلاف أهل العلم فيه، وقلنا: إنه سنة مؤكدة. الثانية: الطيب. ومن لم يجد طيباً فعليه أن يتطيب من طيب أهله؛ كما قال عليه الصلاة والسلام، والعجيب أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة كان يتطيب على ما آتاه الله تعالى من طيب، وسواءً تطيب أم لم يتطيب فهو طيب، فقد جاء في حديث أم حرام بنت ملحان لما دخل عليه الصلاة والسلام ونام في بيتها، فجمعت عرقه من جبينه صلى الله عليه وسلم في قارورة وقالت: هو أطيب الطيب. ويقول أهل العلم: كان عرقه صلى الله عليه وسلم يتحدر كالجمان -أي الدر- وكان يوجد منه الطيب سواء تطيب أم لم يتطيب. يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم والطيب من أشرف خصال الرجل، وهو زكاة للنفس ورفعة للروح وانشراح وبسطة، وورد في بعض الآثار التي لا تصح: {لو أتلف الإنسان نصف ماله أو ثلث ماله في الطيب لكان حسناً}. ومن حرصه صلى الله عليه وسلم على الطيب أن خصص أحد الصحابة وهو نعيم ليجمر المسجد فكان يفوح من المسجد، وكانت العرب تتمادح بطيب الرائحة، يقول الأول: رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب فهم يمتدحون بطيب الرائحة وبحسنها. الخصيصة الثالثة في هذا الحديث: الدهن. وهل هو الدهن المعروف لدينا أم غير ذلك؟ يقول ابن حجر: الدهن إما الطيب وإما الدهن المعروف السائر. ولكن كأن الظاهر من الحديث أنه هو الطيب. الخصيصة الرابعة: السواك. قال ابن القيم: له ميزة يوم الجمعة على غيره من الأيام، وقد ورد في السواك أحاديث لو جمعت لأصبحت مجلداً بتحقيقها وتخريجها وشرحها. يقول عليه الصلاة والسلام: {السواك مرضاة للرب مطهرة للفم} كما عند النسائي وابن خزيمة، ويقول: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء} أو {عند كل صلاة} ويقول حذيفة: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل شاص فاه بالسواك}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {أكثرت عليكم في السواك} ويقول: {لقد تسوكت حتى خشيت على أسناني} فكانت أسنانه كالبرد من كثرة ما يتسوك عليه الصلاة والسلام، وخصص أحد أصحابه وهو ابن مسعود ليجتبي له سواك أراك، فكان يصعد الشجر ويأخذ له منها سواكاً. وقد جاء في القصة: أن الريح هزت الشجرة وابن مسعود على أغصانها، كأنه عصفور من دقة جسمه، فتضاحك الصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم: {أتعجبون من دقة ساقيه؟! إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد}. أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ويقول أبو الدرداء لأحد رواة الحديث من أهل العراق: أليس منكم صاحب النعلين والسواك والوساد؟ فيوم الجمعة يستحب -بل يتأكد كثيراً- أن يتسوك المسلم وأن يكثر من السواك فيه؛ لأنه مطهرة للفم مرضاة للرب، وعدد ابن القيم من فوائده ما يقارب اثنين وثلاثين فائدة، وابن حجر يوافق على ثمانية عشرة، وأما بعضها فمحتمل وليس ظاهراً. ومن الخصائص كذلك: غسل الرأس، فإن غسل الرأس عند أهل العلم شيء وغسل البدن شيء آخر، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة: {حق على كل مسلم أن يغتسل في الأسبوع مرة يغسل فيها رأسه وبدنه} ففصل صلى الله عليه وسلم بين الرأس والبدن، ولو قال: يغسل جسمه. لاحتمل دخول الرأس فيه، ولكن أكده صلى الله عليه وسلم بغسل الرأس. فمن الميز أن يغسل المسلم يوم الجمعة رأسه، وأقل الغسل عند المسلم مرة في الأسبوع. الخصيصة السادسة: تنظيف الشعر وتقليم الأظافر؛ وهو يشمل شعر الجسم الذي يؤخذ إلا اللحية فإن أخذها حرام، لكن كالشارب وغيره من فضلات الجسم فإنها تؤخذ، وتقلم الأظافر، ولا أعلم أنه يصح حديث في أخذها يوم الجمعة أو يوم الخميس؛ لأن فيها حديثين ضعيفين؛ حديث يوم الجمعة وهو حديث سفيان الثوري، وحديث يوم الخميس، وكلاهما ضعيف، ومن اطلع على صحة حديث منهما فليفدنا. يقول أنس في التوقيت لأخذ الشعر: {وقت لنا أربعين ليلة في أخذ الشعر} ولكن هذا هو الحد الأعلى للأخذ، فإنه يتنزل حتى يأخذ بعض الناس في كل جمعة. الخصيصة السابعة: لبس الجديد. وقد مر، ويأتي حديث عمر أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم: {يا رسول الله، خذ هذه الحلة السيراء تلبسها للجمعة والوفود}. وقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] فالزينة هي أحسن ما يلبس المؤمن لبيت الله عز وجل، ولحضور الجمعة التي هي عيد المسلمين.

التبكير والقرب من الإمام

التبكير والقرب من الإمام الخصيصة الثامنة: التبكير، وقد مر معنا في حديث البدنة والبقرة والكبش. الخصيصة التاسعة: الدنو من الإمام، والدنو من الإمام قيل: إذا كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويستفاد من خطبته، وأما سفيان الثوري فله تنظير آخر، قال: أما الظالم فلا يدنى منه، وكان يصلي فيأتي في آخر الناس، فقالوا له: ما لك؟ قال: أدنو من هذا الظالم، يسفك الدماء، ويلعب بالأموال، ويأمر بالمنكر، وماذا أستمع؟! ونقل مرة أن سعيد بن جبير صلى مع الحجاج فصلى في آخر الناس، فقام الحجاج على المنبر يسرد خطباً طوالاً في مدح بني أمية، وخالات بني أمية وعماتهم، فكان سعيد بن جبير يصلي إيماءً، فلما انتهت الجمعة قال له بعض الناس: ما لك؟ قال: أخر علينا الجمعة فصليت ظهراً إيماءً ثم صليت معه. وقال الحسن البصري في الحجاج: يخطب بنا خطب الواعظين، ويلبس لباس الفساق، ويقرأ القرآن على لخم وجذام، ويبطش بطش الجبارين فنعوذ بالله من ذلك! والغرض من الدنو من الإمام الفائدة وطلب الحكمة والموعظة؛ وحتى يلين القلب ويتأثر بذكر الله. الخصيصة العاشرة: الإنصات للإمام؛ فقد جاء عند أحمد وأبي داود: {ومن لغا فلا جمعة له} وهي زيادة ضعيفة، لكن جاء في الصحيح: {من مس الحصى فقد لغا} وزيادة: {لا جمعة له} اختلف فيها أهل العلم، لأنها لم تصح، وهي عند أبي داود وأحمد بسند ضعيف. وأما السواك والإمام يخطب فلا ينبغي، وليس بجائز ولا وارد، وقد قاسه أهل العلم على اللعب بالحصى، ومن فعله فقد لغا، ولا يحق له ذلك.

قراءة سورة الكهف

قراءة سورة الكهف الخصيصة الحادية عشرة: قراءة سورة الكهف، والحديث الوارد فيها رواه الدارقطني والبيهقي بسند صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: {من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلة الجمعة أضاء له نور تلك الليلة} وفي رواية: {وغفر له ذنبه} وهذا الحديث صححه بعض أهل العلم وبعضهم حسنه، فليس بضعيف بل هو صحيح فتقرأ سورة الكهف ليلة الجمعة؛ أي: من مغرب الشمس ليوم الخميس إلى غروب الشمس من يوم الجمعة، فمن أراد أن يقرأ قبل الصلاة فله ذلك، ومن أراد أن يقرأ بعد الصلاة فله ذلك أيضاً، وفي تلك الليلة -ليلة الجمعة- حتى يكتب الله له عظيم الأجر فعلى المؤمن أن يحافظ على هذا.

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الخصيصة الثالثة عشرة: كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن أوس أنه قال: {أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة ويوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي قالوا: كيف يا رسول الله وقد أرمت؟! -أي: فنيت وبلي جسمك بعد الموت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء} وبعضهم يقول: {والشهداء} ولكن لم أر هذه الزيادة، فاللفظة الصحيحة الثابتة (أجساد الأنبياء) أما الشهداء فلا أعرف إلا قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]. وقد صرح عليه الصلاة والسلام في الحديث أن أجساد الأنبياء لا تأكلها الأرض، وهذه ليست قضيتنا، وسوف تمر علينا في كتاب الأنبياء من صحيح البخاري. وما هي أحسن الصيغ في الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم؟ قال ابن تيمية: إن أحسن الصيغ هي الصيغة التي نقولها في التحيات: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آله محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد) لكن ابن تيمية رحمه الله وهم في هذا الحديث وقال: لا يقول: (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) وإنما يقول: (كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم) وأما (كما صليت على إبراهيم، وكما باركت على إبراهيم) فليست بواردة. ورد عليه ابن حجر في الفتح وقال: بل صحت كما في معجم الطبراني، وهذا وهم من ابن تيمية، ثم أتى بالحديث. والشاهد: أن هذه أحسن صيغة في الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم. ومن أحسن الكتب التي ألفت في الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم: كتاب لـ أبي إسماعيل القاضي المالكي اسمه: فضل الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، وأحسن منه وأجود كتاب ابن القيم جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام صلى الله عليه وسلم، وذكرها أهل العلم كما في الأذكار للإمام النووي، وفي كتاب عمل اليوم والليلة لـ أبي بكر بن السني، وعمل اليوم والليلة للنسائي.

من خصائص الجمعة

من خصائص الجمعة الخصيصة الرابعة عشرة: لا يفرق بين اثنين، وقد مر هذا، وأنه من الإيذاء وأنه أمر مستقبح، وللخطيب أن يتكلم ويرد على من يفعل ذلك. الخصيصة الخامسة عشرة: لا يتخطى الصفوف، قال صلى الله عليه وسلم: {اجلس فقد آنيت وآذيت} تأخرت وآذيت. الخصيصة السادسة عشرة: السنة بعد الجمعة، قال ابن عمر كما في الصحيحين: {حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات؛ ركعتين بعد الجمعة، وركعتين قبل الظهر، وركعتين بعده، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتي الفجر في بيته}. وزاد مسلم: {وركعتين بعد الجمعة في بيته} لكن يقول عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: {إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا بعدها أربعاً} فكيف نجمع بينهما؟ قال ابن تيمية: الجمع بينهما أنه من صلى في بيته فليصلِّ ركعتين، ومن صلى في المسجد بعد الجمعة فليصل أربعاً. وهذا من أحسن ما جمع به بين الحديثين. وقالوا: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي أربعاً بعد الجمعة في المسجد. الخصيصة السابعة عشرة: الاهتمام بساعة الاستجابة؛ وقد مر معنا أن الصحيح أنها في آخر ساعة من ساعات الجمعة، وهناك من قال بأنها من جلوس الخطيب إلى أن تقضى الصلاة، والحديث في مسلم، وبعض أهل العلم ضعفه كـ ابن تيمية والدارقطني. ويقول ابن حجر: فيها ثلاثة وأربعون قولاً ثم أوردها في فتح الباري؛ ولذلك فلا هجرة بعد الفتح. الخصيصة الثامنة عشرة: الصدقة يوم الجمعة. ولها فضل، ولا أعلم فيها حديثاً، لكن قال ابن القيم في كتابه زاد المعاد: وكان شيخ الإسلام -يعني ابن تيمية - إذا أتى ليصلي تصدق بصدقة قبل صلاة الجمعة، فقلت له في ذلك، فقال: إن الله أمر بالصدقة عند مناجاة الناس لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة:12] ومناجاة الله أولى، وذلك يوم الجمعة فنتصدق. وهذا يسمع، ولكن يتوقف حتى يثبت حديث ويصح، ومن تصدق فهو مأجور مشكور، لكن لا نعتبرها من السنن؛ لأنه من كلام ابن تيمية، والعلماء يستشهد لآرائهم ويحتج لآرائهم، ولا يحتج بآرائهم لتصبح أدلة، فإن الذي يؤخذ كلامه ولا يرد هو محمد صلى الله عليه وسلم، والذي يؤخذ من كلامه ويرد هم من سواه صلى الله عليه وسلم.

المشي إلى الجمعة وعدم الركوب

المشي إلى الجمعة وعدم الركوب الخصيصة التاسعة عشرة: المشي إلى الصلاة، وقد فضلها أهل العلم على الركوب، وكان هدي الصحابة المشي إلى الجمعة، وقد جاء في السنن: {بشر المشائين في الظُلم} وقوله: (في الظلم) وارد على الغالب وليس قيداً مخصصاً؛ فإنه إذا وردت صفة ليست لعلة مطلقة في الوصف فإنها للتغليب فحسب، ويسمى هذا قيداً أغلبياً كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:23] فقوله: (اللاتي في حجوركم) قيد أغلبي، وإذا كانت الربيبة في غير الحجر فلها أيضاً نفس الحكم، وقوله صلى الله عليه وسلم: {إذا التقى المسلمان بسيفيهما} فالسيف هنا قيد أغلبي، فليس لهما أن يلتقيا بمسدسيهما وببندقيتهما، وكذلك المشاءون إلى المساجد سواء في الليل أو في النهار.

عدم إفراد الجمعة بالصوم

عدم إفراد الجمعة بالصوم العشرون: عدم إفراد الجمعة بالصوم؛ وبعض العباد الذين لم يطلعوا على النصوص يصومون هذا اليوم ويفردونه، وما علموا أن من داوم على إفراده بالصوم فقد ابتدع في دين الله. دخل الرسول صلى الله عليه وسلم على جويرية وهي صائمة، فقال صلى الله عليه وسلم: {أصمت يوماً قبله؟ قالت: لا. قال: أتريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا. قال: فأفطري إذن فأفطرت}. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة: {نهى صلى الله عليه وسلم أن تخص ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي وأن يخص يوم الجمعة بصيام من بين الأيام}. هذه عشرون قضية وخصيصة من خصائص يوم الجمعة؛ إنما ذكرتها لأن البخاري فرقها في الصحيح، وكذلك ابن حجر، واعتنى البخاري بالتبويب على مسائل أهل الحديث، لا على المسائل التي في كتب الفقه.

لباس يوم الجمعة

لباس يوم الجمعة قال البخاري باب: يلبس أحسن ما يجد. قال: أي: فضل ذلك، أو فضل العمل بذلك، أو ما ورد فيه من فضل. قال: حدثنا عبد الله بن يوسف التنيسي المصري قال: أخبرنا مالك وهو النجم، قال الشافعي: إذا ذكر العلماء فـ مالك النجم (أو الفقهاء) فهذا هو مالك رحمه الله. ومالك حيث أفتى في مدينته فلست أرضى بفتوى غير فتواه عن نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر -وهذه تسمى عند أهل العلم: السلسلة الذهبية، فمن أقوى الروايات عند البخاري: مالك عن نافع عن ابن عمر، وزاد بعض أهل العلم الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، وزاد غيرهم: أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر؛ فهذه سلسلة الذهب أو السلسلة الذهبية التي لا تنفصم، وذلك لقوتها وجلالة أصحابها فهم كالنجوم. من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري

شرح حديث الحلة التي أراد عمر أن يشتريها النبي صلى الله عليه وسلم

شرح حديث الحلة التي أراد عمر أن يشتريها النبي صلى الله عليه وسلم والحديث: {أن عمر رضي الله عنه رأى حلة سيراء} -قال الخطابي: تضبط على (سُيراء) بضم السين، وقال غيره من أهل العلم: (سِيراء) بالكسر. وقال الخطابي: هي على وزن عُشراء؛ لأن الناقة إذا أصبحت في الشهر العاشر سمتها العرب عُشراء، قال تعالى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير:4] وهنا سُيراء لكثرة سيورها {عند باب المسجد} مسجده صلى الله عليه وسلم، وفيه جواز البيع عند أبواب المساجد {فقال: يا رسول الله! لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدم عليك، فقال صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة. ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب رضي الله عنه منها حلة، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت!!}. وهذا هو عطارد بن حاجب التميمي خطيب الوفد الذين وفدوا على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم لما وفدوا قالوا: يا رسول الله! نريد أن ننافرك ونغالبك. فأتوا بخطيبهم، قيل: أنه عطارد، وقيل: عمرو بن الأهتم فوقف على المنبر ومدح بني تميم وما تعرض للصحابة ولا للمهاجرين والأنصار والمنافرة عند العرب أن يأتي الخطيب ويتفاخر بمآثرهم في الجاهلية، فأقر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك؛ تألفاً لقلوبهم واستجذاباً لأرواحهم للإسلام فلما انتهى قال صلى الله عليه وسلم: أين ثابت بن قيس بن شماس، وهو أنصاري؛ فقام رضي الله عنه فقال له: رد عليه. فقام على المنبر فدعا له الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُثبَّت فثبت الله كلامه، فألقى موعظة كأن الصواعق تتحدر من على المنبر حتى غلب خطيبهم، فإذا عرق بني تميم يتصبب على جباههم، ثم قام شاعرهم وهو الزبرقان بن بدر في قصيدته المشهورة التي يقول فيها: نحن الملوك فلا حي يضارعنا منا الملوك وفينا تنصب البيع فلما انتهى من قصيدته قال صلى الله عليه وسلم: أين حسان؟ فقال: هأنذا يا رسول الله! فقال: رد عليه، اللهم أيده بروح القدس -يعني بجبريل- أي: ثبت قلبه وأيده؛ لأن الأمر ضيق والوقت عجل، وهو إما أن ينجح في هذا الموقف وإلا فهو الفشل، فقام فدعا له الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: كيف أنت؟ فقال: يا رسول الله عندي لسان لو وضعته على حجر لفلقه، ولو وضعته على شعر لحلقه؛ ثم مد لسانه فضرب أرنبة أنفه وقليل من الناس من يفعل ذلك. يقول الذهبي: قال رجل لبعض زملائه: كل من في السوق لا يعقلون شيئاً وليس فيهم عاقل. قالوا: ما صدقت. قال: اذهبوا معي، فذهبوا معه فأخذ يهلل ويكبر حتى اجتمع الناس عليه فقال: يا أيها الناس! ورد في الأثر أنه من مس لسانه أرنبة أنفه أدخله الله الجنة!! فأخذ الناس في السوق كل يمد لسانه حتى مد جميع من في السوق فـ حسان رضي الله عنه قالها بجدارة لطول لسانه في الحق، فقام على منبره صلى الله عليه وسلم، وأخذ صلى الله عليه وسلم يقرب له المنبر بيديه الشريفتين، فأخذ ينطلق وهو يقول: إن الذوائب من فهر وإخوتهم قد بينوا سنناً للناس تتبع يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا إلى آخر تلك القصيدة الرنانة التي ما سمع الناس بمثلها، فلما انتهى هزموا مرة ثانية، وقالوا: غلب شاعرك شاعرنا وخطيبك خطيبنا؛ فأسلموا. وكان فيهم قيس بن عاصم المنقري حليم العرب، فقال صلى الله عليه وسلم لما دخل الوفد: من هذا؟ -وكان عمره ستين أو سبعين سنة وعليه لفافة على رأسه- قالوا: هذا قيس بن عاصم. فقال: ما ذكر لي أحد إلا كان أقل مما ذكرلي إلا هذا فكان أعظم مما ذكر لي، أنت سيد أهل الوبر ولذلك يقول الأول: عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما تحية من ألبسته منك نعمةً إذا زار عن شحط بلادك سلما وما كان قيس موته موت واحد ولكنه بنيان قوم تهدما {فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! كسوتنيها، وقد قلت في حلة عطارد ما قلت!! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أكسكها لتلبسها، فكساها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخاً له بـ مكة مشركاً}.

التجمل ليوم الجمعة وللناس

التجمل ليوم الجمعة وللناس في هذا الحديث مسائل: التجمل للجمعة لإقراره صلى الله عليه وسلم لـ عمر بن الخطاب، فإنه قال: لتلبسها للجمعة؛ فأقره وما أنكر عليه وما قال: ولم الجمعة؟ فعلم أن المعهود -كما يقول الخطابي - أن يتجملوا للجمعة. المسألة الثانية: إظهار التجمل للناس، وللوفود، وفي المناسبات فإن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله تلبسها للجمعة وللوفود. فالتجمل للناس مطلوب، ولذلك جاء في البيهقي بسند حسن أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى أثر نعمته عليه} ومن حسن الطالع أن يتجمل المؤمن، وأن يظهر الجمال في ملبسه ومظهره أمام الناس؛ ليظهر نعمة الله، ويظهر قوة الإسلام وروعته وبهاءه، فإن التكبر شيء والتجمل شيء آخر. والتجمل لا يدخل فيه الكبر إلا لمن أراد به الكبر؛ فقد جاء في صحيح مسلم عن ابن مسعود: {أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسن -أي: أهو من الكبر؟ - قال صلى الله عليه وسلم: ليس من الكبر؛ الكبر بطر الحق وغمط الناس} بطر الحق: أي رده ودحضه، وغمط الناس: ازدراؤهم واحتقارهم. وقال صلى الله عليه وسلم: {إن الله جميل يحب الجمال} وهذه من الصفات التي وردت لله عز وجل، وقد ذكرها صلى الله عليه وسلم. وجاء في الترمذي: {إن الله نظيف يحب النظافة} وفي هذا الحديث كلام، لكن تهيب بعض أهل السنة من إطلاق هذا اللفظ، والحديث وارد. فيستحب إظهار التجمل للناس، يقول ابن القيم: المذموم في اللباس لباس الشهرتين، أن يلبس الإنسان لباساً شهيراً من الجودة والفخامة حتى يلحقه بالملوك، أو يلبس لباساً وضيعاً يلحقه بالشحاذين. وخير الأمور أوسطها، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] وفي حديث في الترمذي: {خير الأمور أوساطها} لكنه ضعيف كما نص عليه الأرناؤوط في تحقيقه لـ جامع الأصول. وهنا Q هل إطالة الثوب إلى ما تحت الكعب من التجمل ليوم الجمعة، أم هو من القبح؟ A يعتبر هذا من القبح يوم الجمعة وغير يوم الجمعة، وليس من التجمل، بل إنه من التهتك في دين الله، وهو خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه ما أسفل من الكعب فهو في النار، وليس فيه شيء من الجمال؛ فإن الجمال في السنة أن يظهر الإنسان بمظهر محمد صلى الله عليه وسلم، فما هناك أجمل منه.

رفض النبي صلى الله عليه وسلم للحلة وما يحرم من اللباس

رفض النبي صلى الله عليه وسلم للحلة وما يحرم من اللباس المسألة الثالثة: علة رفضه صلى الله عليه وسلم للحلة، وقوله: {إنما يلبس هذه من لا خلاق له يوم القيامة}. ذكر أهل العلم أنها من الحرير، وقالوا: هي من الديباج؛ فعلى ذلك فالديباج أعظم، وقد نهي في حديث البراء عن المياثر وعن الديباج، فلا تلبس في الدنيا، إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة. و Q أيلبسها الكفار في الدنيا تحليلاً لهم لأنه قال: لا يلبسها إلا من لا خلاق له في الآخرة؟ وهل يعني ذلك أنها لهم في الدنيا حلال؟ كقوله صلى الله عليه وسلم: {فإنها لهم -يعني آنية الذهب والفضة- في الدنيا ولكم في الآخرة} لا وإنما يعني أنهم استحلوها وهي محرمة عليهم. المسألة الرابعة: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وقد ورد هذا في صحيح مسلم عن حذيفة، وقام عليه الصلاة والسلام -كما في حديث علي رضي الله عنه- على المنبر، فأخذ قطعة من ذهب وقطعة من حرير وقال: {إن هذين حرام على رجال أمتي حلال لنسائها} وروى هذا الحديث كذلك أبو داود وأحمد والنسائي وهو صحيح، وفيه رد على من حرم الذهب المحلق، وهناك رسالة بعنوان: القول الجلي فيما ورد في الحلي، وهو كتاب مطبوع ومن أحسن الرد.

إعطاء المشرك وأهمية المشاورة

إعطاء المشرك وأهمية المشاورة المسألة الخامسة: إعطاء المشرك تأليفاً لقلبه؛ فـ عمر أعطى الحلة أخاه من المشركين، والرسول صلى الله عليه وسلم أعطى الكفار ليتألف بهذا العطاء قلوبهم، فلا بأس أن تعطي منافقاً أو مشركاً إذا كان هناك مصلحة تتألفه بها إلى هذا الدين. المسألة السادسة: المشاورة في الأمور الخاصة؛ فإن عمر رضي الله عنه اقترح على الرسول صلى الله عليه وسلم في زيه أن يغير منه أو يلبس حلة ليوم الجمعة، وهذا الزي أمر خاص يخص الإنسان فهذه مشاورة وعرض، وهذا يدل على أمرين: الأول: إجلال الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، ومحبتهم له؛ فيريدون له أن يظهر بالكمال والتمام. الأمر الثاني: تواضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث يستمع ويتكلم في هذا الكلام؛ لأن بعض الناس لا يجد قبولاً أن تقترح عليه، قيل للأعمش -كما ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء - وكان يلبس الفرو أو البردة خلاف ما يلبسها الناس، فأتى أحد تلاميذه وقال: يا أبا محمد، لو لبستها مقلوبة كان أحسن. فقال: لماذا ما أشرت على الخروف بهذا؟ يقول: الخروف يلبسها مقلوبة؛ لأن فروة الخروف تأتي من الخارج، فيقول: أشر على الخروف، أما أنا فلا تشر علي بهذا. أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقبل المشورة، لكنه قال: {إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة} فالمانع من الأمر ليس لأنك تدخلت في الشئون الخاصة؛ لكن لأنك ما عرفت أنها محرمة. Q من أتى ليصلي سنة من السنن كسنة الظهر مثلاً، فهل يصلي قبلها تحية المسجد أو أنها تكفي عن التحية؟ A السنة تنوب عن تحية المسجد، فإن النوافل تتداخل، فمن أتى وقصده أن يصلي قبل الجمعة ركعتين فيجعلها سنة للجمعة وتحية للمسجد، وكذلك ركعتي الفجر، إلا عند ابن حزم فإنه يقول: يصلي ركعتين تحية المسجد ثم يصلي ركعتين سنة الفجر، وهذا خطأ بل إنها تتداخل. وفي ختام هذه الجلسة نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعلنا وإياكم ممن يتحابون فيه ويتواصون بطاعته، وأن يتغمدنا برحمته. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

فضل التبكير إلى الجمعة

فضل التبكير إلى الجمعة قبل أن يبدأ الشيح حفظه الله بشرح أحد الأحاديث في صحيح البخاري في فضل الجمعة، بدأ بنبذة تعريفية عن أحد الصحابة وهو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وذكر بعضاً من مناقبه وسيرته، وما الذي يجب علينا تجاه ما حصل بين الصحابة من فتنة. ثم ذكر الحديث وشرح ألفاظه ومعانيه، وأبان ما فيه من مسائل وأحكام وفوائد عجيبة وهامة يحتاجها كل مسلم وبالأخص طالب العلم.

سيرة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

سيرة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،، وإنها لمسيرة طيبة مع الإمام البخاري، وإنه لسفرٌ سعيد إن شاء الله تعالى مع هذا الإمام الحبر الذي نفع الله به الأمة، ورفع كتابه، وجعله من أعظم كتب أهل الإسلام بعد كتاب الله عز وجل، ولا زلنا في كتاب الجمعة من صحيحه، وقبل أن نتكلم عن أبواب هذا الدرس، أو عن القضايا الواردة فيه، يجمل أن نتكلم عن يسر بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا في هذه الليلة، معاوية بن أبي سفيان خال المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، وما اختير معاوية إلا لأن مبغضيه كثيرون في الأمة، وهم الرافضة من الشيعة، فهم يلعنونه على منابرهم، وفي محاريبهم، وليس هذا بمعتقد أهل السنة والجماعة، فإن معتقد أهل السنة والجماعة أن نترضى عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه منهاج السنة: إن الرافضة ليس لهم حظٌ في الفيء لأن الله ذكر أهل الفيء فقال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] فمن أراد الله والدار الآخرة، فليعتقد اعتقاد أهل السنة والجماعة.

الكف عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم

الكف عمَّا شجر بين الصحابة رضي الله عنهم فمعتقدهم في الصحابة أنهم يكفون عما شجر بينهم، ولا يشهرون قضايا الخلاف، ولا ينشرونها في المجالس، ولا يثيرون الحزازات التي وقعت ويعيدونها من جديد. سُئل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عن أهل صفين، وهم جيش علي وجيش معاوية رضي الله عنهما، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[تلك دماءٌ صان الله منها سيوفنا فنصون منها ألسنتنا]] فعلم من ذلك كما يقول ابن تيمية في الواسطية أن معتقدنا في الصحابة أن نترضى عنهم جميعاً، ونعتقد أن بعضهم أفضل من بعض، وأن نكف عما شجر بينهم، ونظن فيهم كل الخير، فهم أعمق الأمة إيماناً، وأبرها قلوباً، وأصدقها لهجة، وأخلصها لله، وأزهدها في الدنيا، وأورعها عن محارم الله وأعلمها بالله، فرضي الله عنهم وأرضاهم. سئل عامر الشعبي رضي الله عنه وأرضاه عن أهل صفين، كيف يلتقون وهم مسلمون؟ وكيف ما فر بعضهم من بعض؟ قال: أهل الجنة التقوا فاستحى بعضهم أن يفر من بعض، ونزل علي رضي الله عنه يوم الجمل، وقد قتل طلحة وهو من الفريق المقابل فنزل وترجل من على فرسه وهو يبكي ويقول: يعز عليَّ يا أبا محمد -يقصد طلحة بن عبيد الله - يعز عليَّ يا أبا محمد أن أراك مجندلاً على التراب، وأخذ يزيل التراب من على لحية طلحة بن عبيد الله ذي الجود، أحد العشرة المبشرين بالجنة، ويقول: أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن قال فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]. فمعنا الليلة المتهم وهو بريء، ومعنا المتنقص وهو كامل، ومعنا المسبوب وهو ممدوح، معاوية رضي الله عنه وأرضاه.

مناقب معاوية رضي الله عنه

مناقب معاوية رضي الله عنه أسلم مع أبيه، وأخذه صلى الله عليه وسلم كاتباً من كُتَّاب الوحي، وانظر كيف استأمنه صلى الله عليه وسلم ليكتب وحي السماء نزل من عند الله تبارك وتعالى، فهو من الكتبة، ومن أصهاره صلى الله عليه وسلم، فقد تزوج أخته رملة، فهو خالنا، وخال كل مؤمن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فحيا به من خالٍ بار، ومن كاتب للوحي أمينِ. يقول ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: {ادع لي معاوية فقد نزل عليَّ شيء من الوحي يكتب لي، فذهب أحدهم فأتى فإذا بـ معاوية يأكل في بيته، فدعاه، قال: تعال فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوك، قال: إني ما انتهيت من أكلي، فعاد فصبر صلى الله عليه وسلم قليلاً، فرد الرسول ثانيةً، فقال معاوية: ما انتهيت من غدائي، فصبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فرده ثالثة، فلما أخبر الرسول قال صلى الله عليه وسلم: لماذا لا يأتي؟ لا أشبع الله بطنه} وهذه من مناقبه. قال ابن كثير هذا منقبة وليست مثلبة كما تقول الرافضة، بل هي منقبة كبرى، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال من على المنبر: {اللهم ما من عبدٍ مسلمٍ سببته، أو شتمته، أو ضربته فاجعلها كفارة له ورحمةً عندك} فهي له رحمة وكفارة عند الله عز وجل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا عليه، وبالفعل وقع ما دعا عليه صلى الله عليه وسلم فكان لا يشبع أبداً، يقول: إني أجزم لنفسي أنني آكل ولا أشبع، ولكنني أعلل نفسي حتى يأتي الموت. سافر مع الرسول صلى الله عليه وسلم -وكان من دهاة العرب ودهاة العرب في كتب التاريخ أربعة: معاوية، وزياد ابن أبيه، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة - فلما سافر مع الرسول عليه الصلاة والسلام، طلب صلى الله عليه وسلم منه مقراضاً يقرض ويقلم أظفاره صلى الله عليه وسلم، فقلم أظفار رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقصٍ عنده، فكان له الشرف أن يقلم أظفار الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهذه في سير أعلام النبلاء وفي كتب التواريخ، فلما انتهى من تقليم أظافر المصطفى صلى الله عليه وسلم جمعها وحفظها، وجعلها في مكانٍ عنده طيلة حياته، فلما تولى الخلافة أغلق عليها في صندوقٍ محكم، ولما أتته الوفاة واليقين نزل من على سرير الملك رضي الله عنه وأرضاه، وبكى طويلاً، وقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه، ثم قال لمن اقترب منه من وزرائه: ما عندي كلمة أحاج لنفسي بها عند الله إلا: لا إله إلا الله، فإذا أنا مت فعليكم بهذا الديوان فافتحوه وخذوا أظفار رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعوها في أنفي وفي عيني لعل الله يرحمني بها، وبالفعل -وهذا من محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم- وضعوها في أنفه وعينيه. يقول ضرار بن الحارث الصدائي أحد أهل العراق من جيش علي بن أبي طالب: دخلت على معاوية وهو خليفة بعدما قتل أبو الحسن رضي الله عنه وأرضاه، فعرف إني من جيش علي فقال: يا ضرار! حدثني عن علي بن أبي طالب، قال: فتحرجت أن أحدثه لأنهما تقاتلا، فقلت: اعفني يا أمير المؤمنين! قال: عزمت عليك إلا حدثتني عن علي فإني أحب الحديث عنه، قال ضرار: أما إن سألتني يا أمير المؤمنين فوالله! لقد صاحبت علياً فوجدته عابداً عالماً زاهداً، والله لقد رأيته في الليل الدامس -أي المظلم- يقبض على لحيته بيديه وهو يقول: يا دنيا يا دنية طلقتك ثلاثاً، زادك حقير، وعمرك قصير، وسفرك طويل، آه من قلة الزادِ وبعد السفر ولقاء الموت، فبكى معاوية حتى تغير على جلسائه وسالت بالدموع لحيته، ثم قال: رحم الله أبا الحسن، ثم قال: صدق الله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. وقال شفيٌ الأصبحي: {دخلت على معاوية رضي الله عنه وهو على سرير الملك فقال: حدثني يا شفي! حديثاً يلذ لي ويطيب، قلت: حدثني أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ماذا حدثك؟ قلت: قال لي: أول من تسعر بهم النار ثلاثة، بعالمٍ، وجوادٍ، وشجاع، يؤتى بالعالم -نعوذ بالله من ذلك المنافق- فيقول الله له: أما علمتك العلم؟ قال: بلى. قال: أما لقنتك الحكمة؟ قال: بلى، قال: أما فقهتك في الدين؟ قال: بلى، قال: فماذا فعلت؟ والله أعلم به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال: تعلمت وعلمت فيك الجاهل، قال: كذبت! وتقول الملائكة: كذبت! ثم يقول الله: إنما تعلمت ليقال عالم، وقد قيل، خذوه إلى النار، فيسحبونه حتى يلقى في النار، -نسأل الله العافية والنجاة- ثم يؤتى بالجواد، فيقول الله: ألم أربعك؟ ألم أسودك؟ ألم أخولك مالاً؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا فعلت؟ والله أعلم به، قال: أنفقته في سبيلك، وأطعمت الجائع وكسوت العاري، وآتيت المسكين، فيقول الله: كذبت! وتقول الملائكة: كذبت! ثم يقول الله: إنما فعلت ليقال جواد، وقد قيل، خذوه إلى النار، فيسحبونه على وجهه حتى يرمى في النار، ثم يؤتى بالشجاع فيفعل به كما فعل بالاثنين، فلما سمع معاوية الحديث نزل من على سريره وبكى ورفع البساط ومرغ وجهه بالتراب وهو يبكي ويقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]}. ومن مدائحه في السنة النبوية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له كما صح في ذلك الحديث: {اللهم علمه الحساب وقه العذاب} فهو مدعوٌ له بأن يقيه ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عذابه يوم يبعث الله الأولين والآخرين. أيضاً جاء في حديث أم حرام بنت ملحان أن الجيش الذين يركبون ثبج البحر مغفور لهم، وكان هو قائد هذا الجيش، قالت أم حرام بنت ملحان هي امرأة واسمها أم حرام وهذا الحديث في المغازي كما في صحيح البخاري، قالت: {دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهي عجوز والرسول صلى الله عليه وسلم كان يزور العجائز والأطفال والمساكين- فدخل عليها صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام قالت: فلما جلس صلى الله عليه وسلم نام على فراشٍ عندي، قال: فأخذ صلى الله عليه وسلم عرقه يتصبب من جبينه الطاهر، وكان إذا نام صلى الله عليه وسلم أخذ عرقه يتدفق -وهذه من خصائصه أن عرقه في الشتاء وفي الصيف يتدفق بكثرة كأنه الدر أو كأنه الجمان، أو كأنه اللؤلؤ المنظوم- قالت: فأخذت قارورة وأخذت أسلت عرقه وأضعه في هذه القارورة، فوالله إنه لأحسن رائحة من المسك الأذفر، ووالله لقد بقي في بيتنا -تقول أم حرام - فترة طويلة، كلما مرض مريض أخذت قطرة من هذا العرق فوضعته في ماء وغسلت المريض فشفي بإذن الله} وكانت رائحة بيتها تفوح في المدينة وتتضوع. أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره كما المسك ما كررته يتضوع رقاق النعال طيباً حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب قالت: {ثم نام صلى الله عليه وسلم فاستيقظ في تلك النومة وهو يضحك، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ أضحك الله سنك! قال: أضحك أنني رأيت قوماً من أمتي يركبون ثبج البحر كالملوك على الأسرة}. هو في المدينة معه ثلة من الناس والدين لم ينتشر ففرح صلى الله عليه وسلم أن يرى الأمة المكبرة، المهللة، الموحدة وهي تفتح بلاد الله، ويراهم يعبرون البحار، ينشرون لا إله إلا الله في أصقاع الأرض، فقالت أم حرام: {يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنتِ منهم، ثم نام صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك ثانيةً، فقالت: قلت: يا رسول الله! ما يضحكك؟ أضحك الله سنك! قال: رأيت قوماً من أمتي غزاةً في سبيل الله، قالت: ادع الله أن يجعلني منهم -تريد هذا كذلك- فقال: أنتِ من الأولين} لأنها سوف تستشهد أو تموت فلا يمكن أن تتكرر، وقد وقع هذا، فكان معاوية بن أبي سفيان قائد هذا الجيش وهذه الكتائب التي عبرت على موج البحر تؤدي رسالة الله في الأرض. كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا فلما خرجت مع معاوية رضي الله عنه وعنها وكانت هي زوجة عبادة بن الصامت، فخرجت مع الجيش لغزو القسطنطينية ثم عادوا، فتوفيت وهي في السفينة، ودفنت هناك. ففرح صلى الله عليه وسلم بالمنام الذي قائده معاوية رضي الله عنه وأرضاه. ومع أنه كان داهيةً من دهاة الناس، لكنه ضرب أروع الأمثلة في الأناه والحلم، وكان يصفح ويكظم غيظه، ولا يؤاخذ بالزلة، بل يعفو ويتجاوز، تولى أمر الأمة رضي الله عنه وأرضاه فكان سديد الرأي، طيب السيرة، دخل عليه الأحنف بن قيس التميمي، سيد بني تميم فلما دخل عليه قال له معاوية: أنسيت يا أحنف! يوم الجمل ويوم صفين -يعني مع علي - فقال الأحنف وكان رجلاً شجاعاً: يا معاوية! إن السيوف التي قاتلناك بها في أغمادها في بيوتنا، وإن القلوب التي أبغضناك بها في صدورنا فإن عدت عدنا، فاحمر وجهه وسكت، فلما دخل إيوانه قالت ابنته: يا أبتاه! من هذا الأعرابي الجلف الذي يكلمك بهذا الكلام الغليظ وأنت لا ترد عليه؟ قال: هذا الأحنف بن قيس، هذا الذي إذا غضب غضب معه عشرة ألف سيف من بني تميم، لا يسألونه فيما غضب، وإنما يقولون: غضبت زبراء، وزبراء جارية للأحنف، فيسمون الأحنف زبراء، فيقول: لو أنني أغضبته سوف يغضب معه عشرة ألف سيف. والأحنف بن قيس كان من أجود وأحلم العرب، مع أنه كان هزيلاً أحنفاً يمشي على رجلٍ واحدة مهلهل الشعر، لكن كله عقلٌ وحكمة وذكاء ودهاء، فـ معاوية صفح عنه وكظم غيظه. في يوم من الأيام، قال وهو يتمازح مع عمرو بن العاص: أيُّنا الأدهى أنا أم أنت؟ فقال عمرو بن العاص: أنا أدهى منك، قال: ولمَ؟ قال: أخرج من عندك في المجلس، فقال معاوية: اخرجوا، فخرجوا، فقال عمرو: ادنُ مني أحدثك، فاقترب منه معاوية، فقال عمرو: وهل معنا أحد حتى تدنو مني! وهذه القصة مذكورة في عيون الأخبار وفي غيره.

حديث عظيم في فضل الجمعة

حديث عظيم في فضل الجمعة يقول البخاري رحمه الله: باب فضل الجمعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر} وفي هذا الحديث عدة مسائل:

مناسبة الحديث للباب

مناسبة الحديث للباب المسألة الأولى: ما مناسبة ترجمة البخاري للحديث؟ أي ما مناسبة الباب أن يقول البخاري: باب فضل الجمعة ثم يأتي بهذا الحديث، حديث البدنة والبقرة، والكبش والدجاجة والبيضة؟ و A المناسبة أنه ما دام قارن صلى الله عليه وسلم بين التبكير وبين الفضل المالي الذي يدفعه العبد ويتقرب به إلى الله، فما قارن صلى الله عليه وسلم بين هذا وهذا إلا لفضل يوم الجمعة وساعاته، فاقتضى أن يوم الجمعة فاضل، فهذه مناسبة الباب للحديث، أنه لما قارن صلى الله عليه وسلم بين التبكير وساعات التبكير والعمل المالي الذي يدفعه المسلم كالبدنة والبقرة اقتضى فضل يوم الجمعة، فأتى به صلى الله عليه وسلم.

على من تجب صلاة الجمعة

على من تجب صلاة الجمعة المسألة الثانية: ماذا يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم (من اغتسل) و"من" للعاقل وهي تصرف عند الأصوليين على ما صرفته النصوص، فهنا (من) قال ابن حجر وغيره من أهل العلم: تشمل كل من يشمله وجوب حضور صلاة الجمعة، فالذكر الحر، القادر، المقيم، يشمله الخطاب، أما المسافر ففيه حديث: {لا جمعة على المسافر} وكذلك المرأة، والصغير، والعبد لا جمعة عليهم، فـ (من) هنا تنصرف إلى من صرفته النصوص أو قيدته نصوص الشارع الحكيم صلى الله عليه وسلم.

معنى: (من اغتسل يوم الجمعة)

معنى: (من اغتسل يوم الجمعة) المسألة الثالثة: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة}؟ فيه جوابان: الأول أن المعنى: من اغتسل كغسل الجنابة على أنه حذف كاف التشبيه، وهذا رأيٌ لبعض المحدثين، كما يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88] أي تمر مراً كمر السحاب. والقول الثاني وهو الأصوب أن معناه: من أتى أهله ثم اغتسل لرفع الجنابة عنه، وهذا القول هو الأظهر، والخلاصة أنه إذا كانت على التشبيه معناه: من اغتسل غسلاً كغسل الجنابة لا أنه اغتسل غسل الجنابة، فهذا مأجور ومشكور، يعني أن يتوضأ ثم يغتسل فيصبح غسله للجمعة كغسل الجنابة. والرأي الثاني: من اغتسل غسلاً للجنابة، وجعله للجمعة، يعني أنه يأتي أهله يوم الجمعة ثم يغتسل للجنابة، ودليل هذا: ما جاء في السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من غسل واغتسل} قال الإمام أحمد: أي أن الرجل يأتي أهله يوم الجمعة فيغسل نفسه ويغسلها، أي يضطرهم ويحوجهم إلى الغسل وذلك أغض لطرفه وأسكن لنفسه، وأقبل لروحه إلى ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وكلا المعنيين صحيح عند أهل العلم، ولا تعارض بينهما والحمد لله.

معنى الرواح في الحديث

معنى الرواح في الحديث القضية الرابعة: قوله: (ثم راح إلى الجمعة) كيف يقول عليه الصلاة والسلام ثم راح والرواح آخر النهار، لأن العرب اصطلحت أن الرواح من الظهر إلى المساء، واصطلحت أن الغدو من الصباح إلى الظهر، فكيف يقول صلى الله عليه وسلم من راح والرواح في آخر النهار؟ وفي القرآن آية تؤيد أن الرواح في آخر النهار وهي في سورة النحل {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل:6] فتسرحون الصباح، وتريحون بعد صلاة الظهر، فكيف يقول عليه الصلاة والسلام من راح إلى الجمعة؟ يعني يروح بعد الظهر، والإمام مالك: حمل الحديث إلى أنه يروح بعد الزوال، فقال: يبقى الإنسان في بيته ويغتسل فإذا زالت الشمس يبدأ بالرواح، يعني أن المصلين لا يروحون إلى المساجد عند الإمام مالك إلا بعد الساعة الثانية عشرة بتوقيتنا. والجواب على هذا الإشكال أن معنى (راح) هنا: معناها سار، فإنها تستخدم بالتضاد لكلمة يغدو، يقول: الصلتان السعدي كما في كتاب الحيوان للجاحظ: نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي أي: نذهب ونأتي، فليس معنى أننا نروح في آخر النهار، ومعنى نغدو أي نغدو في الصباح أي: نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي وهناك في السنة حديث يؤيد هذا الكلام أن الرواح بمعنى الذهاب والمجيئ وهو حديث في فضائل المحافظة على الصلوات الخمس، وفيه: {أعد الله له نزلاً كلما غدا أو راح} أي: كل ما ذهب وأتى، لا بمعنى كل ما مشى في الصباح، لأن الصلوات خمس، ولا بمعنى أنه أتى في آخر النهار، فمعنى غدا أو راح هنا، أي أنه ذهب وأتى، ولذلك سوف يأتي تقسيم الساعات عند الغزالي من الشافعية، وعند الإمام مالك من المالكية، وعند الجمهور.

معنى البدنة في الحديث

معنى البدنة في الحديث المسألة الخامسة: يقول عليه الصلاة والسلام: {فكأنما قرب بدنة} فما هي البدنة؟ البدنة في لغة العرب تطلق على الناقة من الإبل خاصة، وتطلق على البقرة تجوزاً، لكن ما هو المقصود بها في الحديث هنا؟ الذي ينصرف إليه لفظ بدنة في الحديث هو إلى الناقة، لماذا؟ لأنه ذكر بعدها البقرة، ويقولون: وقسيم الشيء غير الشيء، وهذا عند الأصوليين أن قسيم الشيء غير الشيء، إذا قال: بدنة وسكت احتمل أن تدخل فيه البقرة، وإذا قال: بدنة ثم قال بقرة خرج القسيم وهو البقرة، وقسيم الشيء غير الشيء. تقول: جاءني رجلان، أو تقول: جاءني محمد وزيدٌ، أو جاءني رجلان فيهم محمد، اقتضى أن الآخر اسمه يختلف عن اسم محمد، أو أنه مسكوت عنه.

استحباب تأخر الخطيب

استحباب تأخر الخطيب المسألة السادسة: في قوله عليه الصلاة والسلام: {فإذا خرج الإمام} ماذا يؤخذ من هذا الحديث؟ وماذا نستفيد من هذه القضية؟ فيه فائدة وهي أنه صلى الله عليه وسلم عد ساعاتٍ ست أو خمس ثم قال: {فإذا خرج الإمام} يقول: المازري من المالكية في الحديث استحباب تأخر الإمام لأنه عدد صلى الله عليه وسلم أهل الفضل بدنة، فبقرة، فكبش، فدجاجة، فبيضة، فقال: {فإذا خرج الإمام} ورد عليه ابن حجر؛ لأنه من الشافعية، وقال: قد يجلس الإمام في مكانه في المسجد ثم يصعد، ولا تعارض في الحديث، لكن ما قاله المازري أوجه.

الحديث عن الملائكة الذين ذكروا في الحديث

الحديث عن الملائكة الذين ذكروا في الحديث المسألة السابعة: من هم الملائكة وأقلامهم الذين ذكرهم صلى الله عليه وسلم؟ هل هم الحفظة أم غير الحفظة؟ يقول عليه الصلاة والسلام {فإذا دخل الإمام} أي رقى المنبر طوت الصحفَ الملائكةُ وجلسوا يستمعون الذكر، فهل هم الحفظة أم غير الحفظة؟ قال ابن حجر: وليسوا بالحفظة؛ لأنهم لو كانوا حفظة ما طووا صحفهم، لأن الحفظة يسجلون الأجر، أجر استماع الخطبة، وأجر الإنصات، والدنو من الإمام، وأجر صلاة الجمعة ويكتبون الخطايا التي تحدث ومن لغا، فيقتضي هذا أنهم غير الحفظة، فهؤلاء مهمتهم التبكير فحسب، مهمتهم أن يسجلوا المبكرين، فإذا انتهوا من هذا الأمر، طووا الصحف وجلسوا يستمعون إلى الخطيب، وهل هناك من الملائكة غير الكتبة يرافق العبد؟ في القرآن له ملائكة غير الكتبة يرافقونه يقول تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] ما هي المعقبات؟ قيل: هي التي تحفظ العبد من قدر الله، أي له معقبات يحفظونه من أمر الله، وهنا (من) بمعنى بأمر الله، أي أن الله قدر عليهم أن يحفظوا هذا العبد بأمره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإذا أتى القضاء، وحل القدر تخلوا عنه، كأن يقدر على الشخص الهلاك في اصطدام سيارة أو في تحطم فيحمونه حتى يأتي القضاء والقدر، فإذا أتى تخلوا عنه، فهذا معنى له معقبات من بين يديه ومن خلفه. أما بالنسبة لأقلامهم: فقد روى أبو نعيم في الحلية أن الملائكة الذين يسجلون يوم الجمعة، أقلامهم من نور، وصحفهم من نور.

معنى طي الصحف

معنى طي الصحف المسألة الثامنة: كيف يطوون الصحف وعن ماذا يطوون الصحف؟ يطوونها عن أجر التبكير، فلا يطوونها عن أجور أخرى سوف تحدث، لأن غيرهم موكل بالأجور الأخرى مثل من استمع إلى الخطبة ومن أحسن وخشع في صلاة الجمعة.

رحمة الملائكة بالمؤمنين

رحمة الملائكة بالمؤمنين المسألة التاسعة: أورد ابن خزيمة: أن الملائكة يقفون عند الأبواب، فينتظرون ويسألون الله عز وجل للمؤمنين أن يسهل لهم الدخول إلى المسجد شفقةً من الملائكة. فهل في القرآن آية تدل على أن الملائكة يشفقون على مؤمني بني آدم؟ نعم. قوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر:7] فعند ابن خزيمة قال: تقول الملائكة: اللهم إن كان فقيراً فأغنه، يعني المتأخر إن كان فقيراً ما أخره إلا العمل من أجل مهنته ومعيشته فأغنه، اللهم إن كان مريضاً فاشفه، اللهم إن كان ضالاً فاهده، ولذلك ما قالوا إن كان غاوياً فأغوه، إنما من شفقتهم قالوا: اللهم إن كان فقيراً فأغنه، اللهم إن كان ضالاً فاهده، اللهم إن كان مريضاً فاشفه، حتى يدخل الإمام، فإذا دخل الإمام يئسوا ألا يدخل أحد، وإذا دخل أحدٌ بعد هذا فليس له أجر التبكير بعد أن دخل الناس وأصبحوا آذاناً صاغية وأصبح الخطباء على منابرهم وتحصل ساعة الإجابة، وكما سوف يمر معنا كلام أهل العلم عن هذه الساعة.

حكم غسل الجمعة

حكم غسل الجمعة المسألة العاشرة: يؤخذ من الحديث فضل الغسل، وقد مر معنا أنه سنة مؤكدة، وأن الوضوء وارد؟ وسوف يمر معنا أن من لم يستطع الغسل فعليه بالوضوء.

تفاضل الناس بأعمالهم

تفاضل الناس بأعمالهم المسألة الحادية عشرة: تفاضل الناس في أعمالهم، أو فضل التبكير، وهذه المسألة في قوله عليه الصلاة والسلام: {من جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن جاء في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن جاء في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن} لماذا قال: (أقرن)؟ A أن ذلك تعظيم للكبش؛ لأنه أشرف، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا ضحى يضحي بكبشٍ أقرن، وهو عند العرب أفخر وأفضل الكباش، ثم قال: {ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة} فهل بين الدجاجة والكبش نوع آخر من الحيوانات؟ عند النسائي في سننه من رواية الزهري أن بين الدجاجة وبين الكبش بطة، وعند النسائي كذلك بين الدجاجة وبين البيضة فكأنما قرب عصفوراً، ولكن رواية البخاري على خمس ساعات لئلا تزدحم الساعات ولو كانت عنده على شرطه، لما توانى في إيراد الحديث، ونحن سوف نشرح الحديث الذي على شرط البخاري والذي فيه تقسيم الساعات إلى خمس ساعات.

تقسيم ساعات الجمعة وما يقابلها من الأجور

تقسيم ساعات الجمعة وما يقابلها من الأجور {من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة} الحديث ذكر خمس ساعات، وعند النسائي ست أو سبع، وبناء عليه فإنه لما قال الإمام مالك: أن المعنى من قوله: (من راح) أي إذا زالت الشمس يبدأ الناس يخرجون من بيوتهم، فقال مالك: إن هذه الساعات هي لحظات خفيفةٌ لطيفة كأقل ما يكون وتتابع بسرعة، لأن بعد الزوال لا يتحمل خمس ساعات، ورد عليه أهل العلم أن هذا خلاف كلامه صلى الله عليه وسلم، قال الإمام أحمد: أما مالك فقد عارض حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. والإمام مالك ما خالف الحديث متعمداً، لكنه مجتهد أخطأ في هذه المسألة فله أجر واحد، وقال ابن حجر: وتجاسر الغزالي، (ومعنى تجاسر أي: تشجع واقتحم الموقف) وقال: أما الساعة الأولى فهي من بعد صلاة الفجر، ولذلك يقول في كتابه إحياء علوم الدين: إذا صلى العبد صلاة الفجر فليذهب إلى المصلى مباشرة، وكان السلف يأخذون السرج في الطريق يستضيئون به إلى الجمعة، فقال له أهل العلم: من أين لك هذا الاستدلال؟ إنما هذا من كيسك، والغزالي يريد تربية وشحذ همم الأمة، لكن أهل العلم كـ الذهبي، وابن تيمية، وابن القيم وغيرهم يقولون: إنه ضعيف في الرواية والنقل رحمه الله. فأتى الغزالي بهذه المسألة، فقال: الساعة الأولى: من بعد الفجر إلى أن تطلع الشمس، والساعة الثانية: من طلوع الشمس إلى أن ترتفع، والساعة الثالثة: من ارتفاعها إلى أن تبسط في الجو، والساعة الرابعة: إلى أن ترمض الأقدام (من الرمضاء) والساعة الخامسة من رمض الأقدام إلى قدوم الخطيب. فقال له أهل العلم: من أين لك هذا حتى تجاسرت على تحديدها بذلك؟! والصحيح الذي قاله الجمهور أنها ساعاتٍ زمنية معلومة الله أعلم بها، لكن ترتب كالساعات المعروفة عندنا فترتب خمس ساعات من قبل دخول الخطيب، وعليكم بترتيبها، والخطيب يدخل في الثانية عشرة فاحسبوا من قبلها خمس ساعات تنازلياً، فهذا ما ذهب إليه الجمهور، وأخذ منها المالكية جواز التاريخ الإسلامي أن يوضع التاريخ ويحسب من معرفة الساعات، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {نحن أمةٌ أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا} أي: تسعة وعشرين يوماً، أو ثلاثين يوماً فالنبي صلى الله عليه وسلم ما كتب رقماً، وإنما قال: {نحن أمةٌ أمية} يعني على الجبلة والفطرة، لكنها أمة ذكية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، قال الجمهور: فلا يرد التاريخ، قال المالكية: بل يرد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة} فهو صلى الله عليه وسلم أتى بالرقم التسلسلي التنازلي إذا حسب من دخول الخطيب، من جاء في الساعة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة.

العلاقة بين التبكير والجلوس في الصف الأول

العلاقة بين التبكير والجلوس في الصف الأول وهنا ملاحظة مهمة يكثر الاستفسار عنها، وهي أنه ليس مقصود التبكير هنا الجلوس في الصف الأول، وأجر الصف الأول فيه أحاديث أخرى في فضله: لكن مقصود التبكير هنا أن يحرص الإنسان على الفضل، فإنه قد يأتي في ساعة متقدمة فيكون في الصف الثالث لامتلاء الصفين الأولين وذلك لحرص الناس على التبكير، وقد يأتي في الساعة الخامسة ويصلي في الصف الأول، كما في بعض القرى حيث يدخلون مع دخول الخطيب، فهذا من تكاسلهم وبعدهم عن السنة، فهذا يختلف باختلاف الناس، إنما المقصود من الحديث الحرص على التبكير، لا الحرص على الصف الأول. ومن الأدلة أيضاً التي استدل بها الإمام مالك على أن الرواح بعد الزوال قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] لكنه لا يقتضي أن يكون السعي بعد النداء، لأن الله عز وجل في آياتٍ كثيرة قدم الطلب على العمل، كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] وليس معنى الآية أنه إذا قرأ خمس آيات فإنه يختمها بأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال أهل العلم: المعنى إذا أردت أن تقرأ فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فحمل الجمهور الآية أي تعالوا واقبلوا حتى تسمعوا نداء الله عز وجل، أو تبقى الآية على عمومها، ولكن معناها ألا تشتغلوا بتجارة إذا سمعتم نداءها وهذا للمتخلفين، أي: هذا هو الحد الأدنى، وهو خاص بالمنشغلين أما أن يبقى الناس إلى الساعة الأخيرة ثم يقول لهم إذا سمعتم النداء فتعالوا فليس كذلك. ثم العمل يفسر النص، فإن الصحابة كانوا يبادرون من الساعة الأولى، وما كانوا ينتظرون النداء، بل قال ابن القيم في زاد المعاد: إن الناس كانوا يجتمعون في عهده صلى الله عليه وسلم، فإذا دخل عليه الصلاة والسلام أذن بلال. والمقصود أنه يؤذن وهم موجودون، أما أن يبقوا ثم يأتوا بعد الأذان فهذا ليس بمعروف، والإمام مالك استدل بهذه الآية كما بينا، لكن أكثر استدلاله باللغة (من راح).

مسائل هامة في أحكام يوم الجمعة

مسائل هامة في أحكام يوم الجمعة

الغسل هل هو لصلاة الجمعة أم ليوم الجمعة

الغسل هل هو لصلاة الجمعة أم ليوم الجمعة وهنا ملاحظة هامة وهي: هل الغسل ليوم الجمعة أم للجمعة؟ وهذه مسألة شائكة، كما يقول فيها بعض أهل العلم: تساقطت فيها عمائم الأبطال وتكسرت فيها النصال على النصال، وأول من أثارها الإمام ابن حزم في المحلى قال: الغسل ليوم الجمعة ليس للجمعة، وفائدة الخلاف إن كان الغسل ليوم الجمعة فيجوز لك أن تغتسل بعد صلاة العصر من يوم الجمعة أو قبل المغرب، لأنك اغتسلت لليوم، وإن كان للصلاة فلا يجوز لك أن تغتسل بعد الصلاة، بل لا بد أن تغتسل قبل الصلاة، ومن أدلة ابن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من اغتسل يوم الجمعة} ولم يقل للصلاة، فقال له الجمهور: وأين أنت من بقية الحديث؟ من اغتسل يوم الجمعة ثم راح، فهل يروح بعد صلاة العصر؟! فردوا عليه بهذا الرد، ومنهم صاحب المغني وابن حجر في الفتح، وقد أورد ابن حزم هذه المسألة في المحلى وهي جيدة، وإيرادها في هذا المكان مناسب.

العلة في الأمر بالغسل

العلة في الأمر بالغسل وهناك فائدة أخرى وهي هل الغسل لأجل التنظيف أو للتطيب أو أنه أمر تعبدي؟ أورد ابن القيم هذا في زاد المعاد، والقائلين بأنه للتنظيف أي من لم يجد وسخاً في جسمه فإن الغسل غير واجب عليه، وإن كان تعبيداً فإن عليه أن يغتسل سواءً وجد وسخاً أو درناً أو لم يجد، وفائدة هذا أنه ورد في حديث عائشة الصحيح أن الصحابة كانوا يأتون من أعمالهم وعليهم الصوف فتنبعث منهم الروائح، يعني كانوا يشتغلون في مهن أنفسهم، يشتغلون في الزراعة وغيرها، حتى إن من أسباب ترك بعضهم الرواية وحفظ كثير من الأحاديث الانشغال بالمعيشة، فهم كانوا يعيشون على الفطرة هكذا، وكانوا يلبسون الصوف لأنهم فقراء، فإذا لبسوا الصوف مع الحر الشديد انبعثت منهم روائح كريهة، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسلوا. فمفهوم المخالفة هنا أنه إن كان الغسل من أجل التنظف فإن من وجد وسخاً فليغتسل، وإن كان الأمر تعبدياً فعليه أن يغتسل مطلقاً، والأقرب في هذه المسألة أن الأمر هنا تعبدي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل} وقال هنا: {من اغتسل يوم الجمعة} ولم يذكر هنا صلى الله عليه وسلم تنظفاً أو غيره.

حكم الغسل لمن جاء الجمعة من غير أهل الوجوب

حكم الغسل لمن جاء الجمعة من غير أهل الوجوب هل الغسل على من يأتي الجمعة من أهل الوجوب أو على من يأتي الجمعة وليست بواجبه عليه، كالمسافر أو المرأة والطفل؟ في الحديث الصحيح عن جابر بن سمرة، وعن ابن عمر مرفوعاً: {غسل يوم الجمعة واجبٌ على كل محتلم} لكن لفظ واجب هنا كما يقول ابن حجر: لا تعرَّف كما يعرفها أهل الأصول أنه بمعنى الأمر، أي بمعنى الحتم الذي عرف عند الأصوليين، لا. بل هو بمعنى أمرٌ مؤكد، فقال صلى الله عليه وسلم: {غسل يوم الجمعة واجبٌ على كل محتلم} لأنه يروح إلى الجمعة والظاهر من ألفاظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم: أن من أتى إلى الجمعة سواءً من أهل الوجوب أو من غيرهم فعليهم أن يغتسلوا، لماذا؟ لحديث: {من اغتسل يوم الجمعة ثم راح} {ومن أتى الجمعة فليغتسل} رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أتى الجمعة فليغتسل} فلم يحدد عليه الصلاة والسلام. وللفائدة أنه قد مر معنا أن المسافر في حديث الطبراني حديث: {ليس على مسافرٍ جمعة} لكنه حديث ضعيف، فيه عمر بن عبد العزيز وليس هو الخليفة رضي الله عنه، لكن رجلٌ ضعيف لا يصح حديثه، لكن ابن تيمية كما يذكر البليهي في السلسبيل حاشية زاد المستقنع، قال: من كان مسافراً وحضر بلداً تنعقد فيه الجمعة فعليه أن يحضرها وجوباً؛ لأنه سمع النداء، كأن يذهب إنسان لنزهة أو رحلة فينزل في مكان وهو مسافر فيسمع نداء يوم الجمعة فعليه أن يحضرها وجوباً، فالغسل ليس للوجوب. وقد ذكر ابن حجر أنه ثبت أن النهار اثنتا عشرة ساعة، والحديث الذي رُوي وفيه أن النهار اثنتا عشرة ساعة رواه أبو داود ورواه الحاكم في المستدرك وقد وضعت الساعات الموجودة عندنا على هذه الساعات، فإن النهار اثنتا عشرة ساعة، واستشهد كذا بعض المالكية وقالوا: كيف بساعات الصيف وساعات الشتاء فإنها تختلف؟ قالوا: تقدر خمس ساعات، هذا ما ورد. ومن الإشكالات -أيضاً- في موضوع حكم غسل الجمعة إنكار عمر على عثمان عدم اغتساله، فإن عثمان جلس ولم يغتسل، فجلس والصحابة كلهم في المسجد، وهذا يدل أنهم أجمعوا إجماعاً سكوتياً أن الغسل غير واجب، ولو علموا أن الغسل واجب لأنكروا على عثمان ولقالوا: أخطأت، كيف ينكر عليك أمير المؤمنين ثم تجلس، ولو علم عثمان رضي الله عنه أنه واجب لما جلس رضي الله عنه وأرضاه. ثم الرد الثاني: أن قوله صلى الله عليه وسلم: {من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل} لكن ابن حزم يرى أن الغسل واجب في المحلى، ويستدل بأدلة قوية من ذكائه وفطنته حتى يقول ابن تيمية لما تعرض لمسألة من مسائله: والله إني أعجب من هذا الرجل -يعني ابن حزم - من ذكائه وفطنته ومن شواذه وغرائبه، وليس معصوماً إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فـ ابن حزم يقول: الغسل واجب، وأما حديث عثمان فلم يذهب للاغتسال إما لأن الوقت ما أسعفه، فكيف يذهب يغتسل وعمر على المنبر؟! هذا الأمر الأول. والأمر الثاني: أن استماع الخطبة أوجب عنده من الغسل والغسل واجب. والأمر الثالث: أن سكوت الناس ليس فيه دليل، فقد يكون عند أحدهم علم، لكن كيف يتكلم وعمر يخطب. فهذه مجمل ردود ابن حزم. لكن الصحيح أن الغسل ليس بواجب، ولو أن بعض أهل العلم أوجبوه.

المؤمنون يدخلون الجنة برحمة الله وتكون منازلهم بحسب أعمالهم

المؤمنون يدخلون الجنة برحمة الله وتكون منازلهم بحسب أعمالهم المسألة الثانية عشرة: وهي تفاضل الناس في الجنة بأعمالهم: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف:14]. وهنا سؤال قبل الدخول في هذه القضية، وهو هل يدخل الناس الجنة بأعمالهم أم برحمة الله؟ فالله عز وجل يقول: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] فكيف نوفق بين هذه الآية وبين قوله صلى الله عليه وسلم: {لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتداركني الله برحمته} فكيف يجمع بين الآية والحديث. و A أن بعض العلماء ذهب إلى أن الباء هنا سببية، ليست بباء العوض، فباء العوض كأن تقول: أعطاني القلم بريال. فيكون المعنى: أي أن من الأسباب التي أدخلتكم الجنة أعمالكم، وهذا رأي لبعض أهل العلم، وهو رأي قوي، لكن ذهب ابن القيم إلى قول وسط وهو أنهم يدخلون الجنة برحمة الله وتتوزع عليهم الدرجات والمنازل بأعمالهم، وهذا رأي أحسن من القول الأول. بالله لفظك هذا سال من عسلٍ أم قد صببت على أفواهنا العسلا لأنه لو حملناها على السببية لقلنا: الناس كلهم يدخلون ويبقون في درجة واحدة، فلماذا يرتفع هذا مائة درجة وهذا خمسين درجة، فاقتضى أن ابن القيم يحمل هذا الحمل الممتاز، وهذا الرأي الصحيح الفصيح الذي ما سمع بمثله، فيدخلون الجنة برحمة علام الغيوب أرحم الراحمين، ولكنه يوزعهم في الدرجات بأعمالهم. وهذه المسألة هنا المسألة الثانية عشرة: فضل الناس بأعمالهم، وجه الاستدلال من الحديث هو أنه من أتى في الساعة الأولى، ليس كمن أتى في الساعة الخامسة، فليس فضل الناس بمناصبهم أبداً، كأن يأتي المسئول قبل دخول الإمام بلحظات، فهذا ليس له أجر المبكر، فالتفاضل عند الله عز وجل بالأعمال لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عمم على الناس، وما جعلها على الصفات، كأن يقول: من جاء من العلماء أو من الصلحاء أو من الدعاة، أو من الأغنياء أو من الفقراء، وإنما قال من جاء أو من راح، فعممها صلى الله عليه وسلم، فاقتضى أن التفاضل بالأعمال.

عدم احتقار الصدقة القليلة

عدم احتقار الصدقة القليلة المسألة الثالثة عشرة: القليل من الصدقة غير محتقر، كما قاله ابن حجر، ويؤخذ ذلك من الحديث، عند ذكر (البيضة) لكن هنا سؤال هام: يقوله أهل العلم: وهو كيف يقول صلى الله عليه وسلم: {فكأنما قرب دجاجة} فهل تقرب أو تهدى الدجاجة أو البيضة؟ لأن الهدي معروف أنه إما إبل أو بقر أو غنم، فكيف يقول صلى الله عليه وسلم: {فكأنما قرب أو أهدى دجاجة أو بيضة} وفي لفظ: {فكأنما أهدى} يعني من الهدي الذي هو في الحج، فكيف نجيب؟ نقول: اشتركت هذه في العطف، ولا يقتضي أن توافقها في الصفات، كما يقول اللغوي الشاعر العربي: "متقلداً سيفاً ورمحاً"، فليس المعنى أنه وضع رمحه كما وضع سيفه على عنقه بل المعنى وحاملاً رمحاً، وكما يقول الآخر: "فزججنَ الحواجب والعيونا" أي وكحلن العيون وليس المعنى وكحلن الحواجب، وهكذا. ولكن الصحيح أنه لا يلزم أن يكون من الهدي. والمعنى من الحديث أنه تقرب إلى الله عز وجل سواءً في صدقةٍ أو في هديٍ أو في نافلةٍ أو في إطعامٍ أو في منفعة، أي أنه تقرب إلى الله بأي تقرب.

حكم التضحية بالدجاج

حكم التضحية بالدجاج ولعله يشكل على البعض مسألة هل يجوز للمسلم أن يضحي بدجاجة؟ أقول: هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، وذكرها الصنعاني صاحب سبل السلام، فقال: وضحى أبو هريرة بديك، ولكن الصحيح أنه لا يضحى بالدجاج، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم توقف إلى حد الغنم، ولم يذكر الدجاج، وإنما الذي رجح جواز الدجاجة أخذ ذلك من هذا الأثر، ولكن لو قلنا ووافقناه، قلنا كذلك: تجوز الأضحية بالبيض، فتصبح المسألة فيها شيء من السخف، لكن الصحيح أنه يوقف عند الغنم.

الإبل أفضل من البقر في الصدقات

الإبل أفضل من البقر في الصدقات المسألة الرابعة عشرة: هل الإبل في الهدي أفضل أم البقر؟ وهذه مسألة يذكرها الفقهاء في باب الحج، فبعضهم قدم الإبل، وبعضهم قدم البقر لكن الصحيح أنها الإبل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بها، وهي أشرف، والله ذكرها في القرآن فبدأ بها قبل البقر، وهذا في قوله تعالى: {وَمِنْ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} [الأنعام:144] فقدم الله الإبل على البقر. ومن الفوائد هنا ما يدل على فقه الإمام أحمد وفطنته وذكائه رحمه الله أنه سئل: هل تنحر البقر أو تذبح؟ والبخاري عقد باباً في كتاب الحج، باب: هل تنحر البقر، لماذا قال: هل تنحر البقر؟ لأن هنا إشكال هل تذبح أو تنحر؟ فسئل الإمام أحمد هل تنحر البقر أو تذبح؟ قال: تذبح، قالوا: وما الدليل؟ قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67] فأخذها من قصة بني إسرائيل وأتى بها في هذا الموضع، وهل الفقه إلا هذا. ألا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا

متى تكون ساعة الإجابة في يوم الجمعة

متى تكون ساعة الإجابة في يوم الجمعة المسألة الخامسة عشرة: يوم الجمعة اثنتي عشرة ساعة، وهذا الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي والحاكم، فليعلم أن يوم الجمعة وغيره من الأيام اثنتا عشرة ساعة، ثم هنا Q أي ساعة تكون هي من هذه الساعات؟ ذكر ابن حجر فيها ثلاثة وأربعين قولاً، والصحيح أنها في آخر ساعة من يوم الجمعة. ولكن كيف نرد على الحديث الذي جاء عن أبي موسى في صحيح مسلم أنه سئل عن ساعة الجمعة، فقال: يقول صلى الله عليه وسلم: {هي من جلوس الخطيب إلى أن تقضى الصلاة} فما هو الرد؟ من الأقوال التي حكاها ابن حجر، أنها تكون متنقلة، مرة تأتي في الساعة الأولى، ومرة في الثانية، ومرة في الثالثة، ومرة عند جلوس الخطيب، ومرة في آخر ساعة، ولكن هذا جواب فيه احتمال لا يرتضى، لأنه لابد من جزم، ولا بد أن ينقل لنا عن المعصوم أنها متنقلة. ومن الردود أن هذا الحديث ضعيف، فقد ضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الثامن عشر من الفتاوى، قال: ثلاثة أحاديث في صحيح مسلم ضعيفة، ثم أتى بهذا الحديث، فقال: إن هذا الحديث ضعيف، فيه انقطاع بين أبي بردة، وبين الراوي عنه، وممن سبقه من الحفاظ أبو الحسن الدارقطني حافظ الدنيا، فقال: هذا الحديث ضعيف، وذكره ابن حجر في بلوغ المرام، والصحيح -والله أعلم- أنه ليس بضعيف، فقد سألت عنه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فقال: ليس في صحيح مسلم حديثٌ ضعيف. وأما قول ابن تيمية فمسبوقٌ إليه، سبقه الدارقطني، والدارقطني مردودٌ عليه، والأمة تلقت الصحيحين بالصحة والقبول، فالقول بأن الحديث ضعيف يكون فيه نقض للإجماع، فالمعلوم أنه حديث صحيح، وأن الانقطاع الذي فيه ظهر أنه متصل عند مسلم أيضاً، وأن هذا من الحديث الذي أدرك على الدارقطني. لكن كيف يفهم الحديث؟ هذا الحديث شائك، إن قلنا بصحته فإنه لابد من جمعٍ لهذه الأقوال وإن قلنا ضعيف أرحنا أنفسنا كما فعل ابن تيمية، وأخذنا بحديث أبي هريرة، وهذا لا نستطيع تفصيله هنا.

تقسيم ساعات الجمعة

تقسيم ساعات الجمعة المسألة السادسة عشرة: وقد مرت معنا كيف نقسم ساعات الجمعة؟ إذا أتى في الساعة الأولى ثم نام في المسجد فإنه قد قرب بدنة -إن شاء الله- ولا يلام على النوم إذا أتاه، لكن عليه أن يتقي الله عز وجل، وأن يحافظ على حضور قلبه وخشوعه في المسجد. وعلى ذكر النوم فإن من دواعي النوم يوم الجمعة: الاحتباء، كأن يحتبي الإنسان، أو يجلس جلسة النائم الذي يريد النوم، لكن يكتب له الأجر، سواءً نام أو لم ينم. من الفوائد أيضاً أنه يؤخذ من هذا الحديث أن الساعات الغروبية تقدم على الساعات الزوالية، وهذا مما ادعاه أهل العلم، وقاله المالكية، قالوا: التوقيت عندنا يبدأ من الصباح، ولا يبدأ من الظهر. وهنا مسألة للفائدة: من أتى في الساعة الأولى فهل يأخذ أجر البدنة والبقرة والكبش والدجاجة والبيضة، لأنه أدرك الساعة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة؟ الظاهر أنه لا يأخذها لأنه قسمها، والتقسيم لا يقتضي أخذها كلها، يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قسمها لأشخاص، فالشخص الذي أتى أول مرة يأخذ بدنة، لكنه لو كان يأخذها جميعاً لقال الرسول صلى الله عليه وسلم: فمن أتى في الساعة الأولى أخذ هذه الأجور، فيكفيه بدنة ويحمد الله عز وجل على البدنة. وهنا Q هل للخطيب أجر التبكير؟ نقول: نعم. له من الأجر ما الله به عليم، يكفي أنه يحضِّر الخطبة ويتعب في تخريج الأحاديث، وفي مراجعة الكتب. وأيضاً هنا مسألة يستشكلها كثير من الناس، وهي: من متى يبدأ غسل الجمعة؟ أقول: غسل يوم الجمعة يبدأ من الفجر، لأن أهل العلم استشكلوا من اغتسل لجنابة في الليل قبل الفجر، ونوى أنه للجمعة هل يحتسب للجمعة؟ قالوا: لا. وقالوا: إنما يكون غسل الجنابة بعد أن يطلع الفجر لأن الحديث واضح: {من اغتسل يوم الجمعة} واليوم إنما يطلق بعد أن يطلع فجر اليوم.

ساعة الاستجابة وحكم الصلاة بعد العصر

ساعة الاستجابة وحكم الصلاة بعد العصر هنا أيضاً مسألة يستشكلها كثير من طلبة العلم وهي على القول بأن ساعة الاستجابة تكون بعد العصر، فكيف نجمع بينها وبين الحديث الذي رواه أبو هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {هي آخر ساعةٍ من يوم الجمعة، ما من مسلمٍ قائمٍ يصلي يدعو الله عز وجل إلا} فكيف يصلي في تلك الساعة؟! وهذا استشكل على أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، وذهب إلى عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه، وأخبره الخبر، فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة من ساعات الجمعة، وهي بعد العصر، فقال له أبو هريرة فكيف يقول صلى الله عليه وسلم: يصلي، وقد منعنا من الصلاة في هذا الوقت، قال: أما علمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من كان ينتظر الصلاة فهو في صلاة} وهذا الحديث رواه أبو هريرة، لكن ما استطاع أن يتذكر هذا الحديث في هذه القضية. فمعنى ذلك أنه إذا انتظر صلاة المغرب وكان يدعو فهو في صلاة، لكن من دخل بعد صلاة العصر، من يوم الجمعة وكان قصده الدعاء والاستغفار فله أن يصلي ركعتين تحية المسجد لحديث أبي قتادة في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: {من دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} فهذا عامٌ وهي من ذوات الأسباب التي تصلى في أوقات النهي فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، ولكن إن دخل بقصد التنفل فلا يصلي، لأنه يقول صلى الله عليه وسلم: {لا تتحروا طلوع الشمس ولا غروبها بصلاة} فهذا كأنه متحرٍ؛ لأنه دخل ليصلي، لكن دخل يدعو الله، ويستغفر ويقرأ القرآن، أو دخل ينتظر صلاة المغرب فعليه أن يصلي ركعتين، وينتظر صلاة المغرب وذلك مع تحية المسجد التي هي من ذوات الأسباب، وهذا كله إذا كان في المسجد، أما في بيته فلا يصلي شيئاً، لأن الحديث علق صلاة الركعتين بدخول المسجد والجلوس فيه، فهو خاص به. وأما بالنسبة لساعة الإجابة فإنها ليست خاصة بمن في المسجد، بل أجرها يكون حتى لمن كان في البيت أو في أي مكان. ولتوضيح هذه المسألة أكثر، أقول: جاء في حديث أبي هريرة الصحيح قال: قال صلى الله عليه وسلم: {لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس} وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال: {شهد عندي رجالٌ مرضيون، وأرضاهم عندي عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس} وبالمقابل يقول صلى الله عليه وسلم: {من دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} فذاك عام، وهذا خاص، فإن من دخل المسجد عليه ركعتان تحية المسجد، أما العام فإنه لا يصلي الإنسان لا في المسجد، ولا في غيره لقصد الصلاة، بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، فلا يجوز له أن يصلي بقصد الصلاة، فإذا تحرى الصلاة فإنه لا يجوز له ذلك، أما حديث أبي قتادة فإنه على الخصوص من ذوات الأسباب دخل، فتحية المسجد وردت، وإلا فلو لم يصل لكان هناك أمر منه صلى الله عليه وسلم أن يصلي وكان هناك نهي ألا يصلي، فماذا يفعل؟ ولذلك كثير من المالكية كما قال القاضي عياض لا يصلي بعد العصر ولا يصلي بعد الفجر سواءً دخل المسجد أم لم يدخل، والصحيح الذي عليه المحققون من أهل العلم أن عليه أن يصلي ركعتين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالركعتين، وقال: من دخل المسجد، وهذا عام ولم يستثنِ وقتاً من الأوقات، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، ثم إن هناك دليلاً آخر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس يوم الجمعة، والناس يستمعون لخطبته فدخل: سليك الغطفاني وجلس، لأن استماع الخطبة واجب، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {أصليت؟ -فقطع الخطبة، والخطبة لا تقطع إلا لأمرٍ مهم وما يقيمه إلا لواجب- قال: أصليت ركعتين؟ قال: لا. قال: فقم فصلِّ ركعتين وأوجز فيهما} فاقتضى أن ركعتي تحية المسجد تجب على الداخل، ولا يجلس حتى يصلي ركعتين. ولعل البعض قد يشكل عليه أمر، وهو أن الأمر هل يدل على الوجوب أم على الندب؟ أقول: إن أمره صلى الله عليه وسلم أول ما ينصرف إلى الوجوب، لكن قد تأتي قرائن في الأمر تصرفه إلى غير الوجوب، كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف:31] فليس معناه وجوب الأكل والشرب، فهذا أمر، فقد ينصرف بالقرائن وسياق الكلام إلى الندب، لكن الأمر المجرد أول ما يطلق على الصحيح، فإنه يتجه إلى الوجوب، ولكن هناك سياقات مثل قوله صلى الله عليه وسلم: {استاكوا ولا تبقوا قلحاً} فهذا أمر، والذي صرفه عن الوجوب حديث: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء} إذاً مخافة المشقة لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم، فليس كل أمر يطلق يدل على الوجوب، فقد يكون للندب. وبمناسبة الكلام عن ساعة الاستجابة ليوم الجمعة، هناك أيضاً ساعة الاستجابة في الليل، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {ينزل ربنا في الثلث الأخير من الليل} وفي لفظٍ آخر: {حين يبقى من الليل ثلثه، فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له، هل من مستغفرٍ فأغفر له، هل من سائل فأعطيه} قال أهل العلم: الثلث الأخير أي: يقسم الليل إلى ثلاثة أثلاث، وكأن مدته ساعة أو ساعتين قبل الفجر، فإذا أتى ثلث الليل الآخر نزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى نزولاً يليق بجلاله، ولا نكيفه ولا نمثله، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق؛ أحينا ما علمت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

ولقد جئتمونا فرادى

ولقد جئتمونا فرادى ما حقيقة الدنيا؟ سؤال يطرح نفسه بنفسه على كل ذي لب، ما هي حقيقة هذه الحياة التي نعيش فيها؟ بل نتفاخر في التسابق إليها، وتجد الإجابة في كتاب الله: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ). والمتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحياته يجد العجب العجاب، من زهده في الحياة الدنيا وإقباله على الآخرة، وكذلك سلك أصحابه من بعده والتابعين على هذا المنوال.

كونوا من أبناء الآخرة

كونوا من أبناء الآخرة الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. إن السلام وإن أهداه مرسله وزاده رونقاً منه وتحسينا لم يبلغ العشر من قولٍ يبلغه أذن الأحبة أفواه المحبينا وفي النماص تحياتي مرتلة غرست فيها بأشواقي رياحينا آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا سلاماً خاصاً وعاماً، فخاصاً لأرواحكم المؤمنة، ولأصالتكم ولطموحاتكم، فأنتم أبناء عمومة الأوس والخزرج. ومن يشابه أبَه فما ظلم حمية ونصرة لـ (لا إله إلا الله) أنا وأنتم أزديون، فخرنا ليس بالتراب والطين، وإنما بنصرة محمد والدين. أنا من الأزد، أنصار الرسول ولي شفاعة الحب إني من محبيه دمي ودمعي مدادٌ في مدائحه وفيض قلبي عصفوراً يناجيه أشكر أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة والمشايخ، والشباب، وأشكر القلوب الحية، والعيون المبصرة، والآذان السامعة، التي أتت هنا لتجتمع ولتسمع لا إله إلا الله، يوم اجتمع أهل الباطل لسماع الباطل، ولسماع النغمات المزرية والكلمات الفاحشة، أتوا ليستمعوا كلمات من نور، قال تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35]. قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} [الأنعام94] فالقائل: الله، والمتكلم بها: الله، ومنزلها: الله، فقال الله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94] يقول البخاري في كتاب الرقاق من الصحيح: باب ما يحذر من زينة الحياة الدنيا، وقال الله عز وجل: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌٌ} [الحديد:20] قال علي بن أبي طالب: [[ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل]].

حال العرب قبل وبعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

حال العرب قبل وبعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر العرب: كنا قبل لا إله إلا الله نطوف بالوثن، ونسجد للصنم، لا أدب، ولا ثقافة، ولا حضارة، ولا فنون، ولا رُقِي لنا، فلما بعث الله فينا محمداً عليه الصلاة والسلام، أذن في آذاننا بلا إله إلا الله، فتوضأنا بماء التوبة، وأخذنا سيوف النصر، وفتحنا الدنيا وصلينا على ضفاف دجلة والفرات وسيبيريا والسند والهند، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها يلبس المرقع صلى الله عليه وسلم؛ ولكنه يقود القلوب إلى الله، ويسكن بيت الطين، ولكنه يبني لأمته قصوراً في الجنة، ويلتحف قطعة من القماش لكنه يُلحف أمته نوراً من وهج الوحي. إن حقيقة الدنيا، لم يعرفها إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "الناس في حقيقة الدنيا صنفان: أهل التصوف الهندي المذموم، وهؤلاء أعرضوا عن الطيبات على مذهب المسيحية النصرانية. وأهل الدنيا المتوغلون في دنياهم، عُبَّاد الشهوات" الراقصون على الملذات، مجلة خليعة، وأغنية ماجنة، ودُفّ ومزمار وطبلة، لا يعرفون الدعاء ولا الاستغفار، ولا الالتجاء إلى الواحد القهار، وتوسط أهل الإيمان، فعرفوا معنى الحياة، معنى لا إله إلا الله، ما معنى أن تكون عبداً لله؟ وكيف تقضي يومك وليلك؟ هذه معنى رسالته عليه الصلاة والسلام. يقول أهل العلم من أهل السير والتاريخ: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه؛ ليأخذ مفتاح بيت المقدس الذي ضيعناه يوم ضيعنا لا إله إلا الله، بيت المقدس الذي ذهب منا حين أصبحت راياتنا -إلا ما رحم ربك- غير إسلامية، ونقول لـ عمر: رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا ذهب عمر على ناقة ومعه خادمه، وظن النصارى في بيت المقدس أن عمر سوف يأتي بموكب حار، وبعَرَمْرَم من الحرس، فأتى عمر بثوب قديم فيه أربعة عشر رقعة. يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه خرج عمر على ناقته يركب ساعة وخادمه ساعة، واقترب من بيت المقدس، وخرج النصارى رجالاً ونساءً وأطفالاً على أسطح المنازل ينظرون إلى عمر بن الخطاب، إلى هذا الرجل الذي دوَّخ العالم وهزَّ ربوع المعمورة. كيف يأكل؟ وكيف يمشي؟ وما حرسه؟ وما ثيابه؟ وما لباسه؟ وإذا بـ عمر يقبل على ناقة، فقال النصارى: ربما هذا الرجل يبشر بـ عمر فلما علموا أنه عمر ارتفع بكاؤهم تأثراً، يقول أحد المسلمين لـ عمر: [[يا أمير المؤمنين! لو أخذتَ حرساً وجنوداً؟ قال عمر: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]] ويدخل عمر ويصلي في بيت المقدس ويفتحه بإذن الله، ببردته، وبعصاه وبدرته، وبإخلاصه وإيمانه، لأنه عرف الله. حقيقة الدنيا لم يعرفها إلا محمد عليه الصلاة والسلام، يقول سبحانه: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون:116] يقول للناس، وبعض المفسرين قالوا: يقول لأهل الكفر، والصحيح العموم، لأنه لا مخصص، يقول الله للناس يوم القيامة: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:112 - 116] وفي ترجمة نوح عليه السلام الرسول والنبي الكريم، لما حضرته الوفاة، قال له محبوه: كيف وجدت الحياة؟ -وقد عاش أكثر من ألف سنة، منها ألف سنة إلا خمسين في الرسالة- قال: وجدت الحياة كبيت له بابان، دخلت من هذا وخرجت من ذاك. يقول أبو العتاهية وهو يخاطب المهدي الخليفة العباسي الذي كان يحكم ثلاثة أرباع العالم الإسلامي، خليفة كان يقف على رأسه الوزراء من البرامكة وأمثالهم، ولا يلتفتون إليه من هيبته وصولجانه وسلطانه في الدنيا، لكن سلبه الذي يفرق الجماعات، ويأخذ البنين والبنات، ويهدم اللذات، أخذه سُبحَانَهُ وَتَعَالى! وسبب موته عند بعض المؤرخين: أنه شرب ماءً بارداً فشرغ به فمات، فذهبوا به إلى المقبرة، فيقول أبو العتاهية: نُحْ على نفسك يا مسكيـ ـن إن كنت تنوحُ لتموتن ولو عُمرت ما عمر نوحُ كل بطاح من الناس له يوم بطوحُ وهذا مصداق قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] وسبب نزول هذه الآية: أن أبا جهل يقول: يزعم محمد أن عند ربه ملائكة، تسعة عشر على النار، أنا أكفيكم بعشرة، وأنتم اكفوني بتسعة، فيقول سبحانه: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} [الأنعام:94] مَن الذي خرج مِن الدنيا بأحبابه وخلانه؟ مَن الذي ذهب بالثياب والأصحاب؟ لا أحد أبداً، ولذلك يقول سبحانه في سورة أخرى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95].

كن في الدنيا كأنك غريب

كن في الدنيا كأنك غريب معنى الحياة: أن تصرفها في رضوان الله وطاعته. دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان وعند البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال لـ ابن عمر: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} وكان ابن عمر يقول: [[إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك]]. وأراد عمر أن يولي والياً على حمص، فاختار سعيد بن عامر الجمحي من قريش، وكان عابداًَ زاهداً شاباً من شباب محمد عليه الصلاة والسلام، لا يملك إلا عصاه وثوبه، وصحفته وإبريقه، هذا الذي يملك من الدنيا. يقول أحد العلماء: " لما ملكنا الدين سخر الله لنا الدنيا، فلما ملكنا الدنيا وتركنا الدين، أخذت الدنيا من بين أيدينا". سُلِبت أراضينا، وأُخِذت مقدساتُنا، وكل يوم نُهْضَم في بلادنا، لأن الرايات التي قاتلت إسرائيل في فلسطين كان مكتوباً على بعضها. آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني هذه راية البعث، فكان جزاؤهم، أن سُحِقوا ومُحِقوا وعادوا على أدبارهم. شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا ولكن لما وقف الصحابة بلا إله إلا الله فتحوا الدنيا. يقول الذهبي في ترجمة خالد بن الوليد، سيف الله المسلول، أبو سليمان الذي كان يقرأ القرآن في الليل وفي النهار جهاد، يقول: لما حضر معركة اليرموك، خرج قائد الروم فقال لـ خالد: [[يا خالد! ماذا جاء بكم؟ قال: جئنا لنهديكم إلى سبيل الله، أو نفتح الدنيا بلا إله إلا الله - أو كلاماً يشبه هذا - قال: أنا لا أسمع هذا الكلام، قال خالد: جئنا لنشرب دماءكم. -لما عرف خالد أن الأمر لا يصلح فيه المسالمة والمجاراة- قال: لنشرب دماءكم، قال قائد الروم: يا خالد! يزعم الناس أنكم تتوكلون على الله، لا يضركم شيئاً، فهذه قارورة مملوءة سماً، إن كنت صادقاً فاشربها - والعُهدة على الذهبي، ويقول: سند الرواية صحيح، وهذا لا بأس به عند أهل السنة إذا كان هناك مباراة مع أهل الباطل فأخذ خالد بن الوليد القارورة مملوءة بالسم، ثم قال: بسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، فلم يصبه شيء]] وخاض مائة معركة لم تهزم له راية. تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها نُصِرَ بلا إله إلا الله، وبالإيمان، وبالصدق مع الله. أتى عمر فقال لـ سعيد بن عامر، [[اذهب والياً على حمص، قال: لا. لا أتولى الولاية، الإمارة صعبة، والمناصب مغارِم لا مغانِم، قال: والله لتتولين لي إمرة حمص، أتضعون الخلافة في عنقي وتتركونني؟! فذهب واستعان بالله، وكانت امرأته تاجرة، قالت: يا سعيد! عندي مال، أريد أن تبحث لنا من يتاجر لنا فيه، فأخذ مالها، فتصدق به في سبيل الله، قالت: أين المال؟ قال: أعطيته من يعطينا في الدرهم عشراً إلى سبعمائة درهم، إلى أضعاف كثيرة]] قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261]. و [[خرج ووصل إلى حمص، والتقاه أهل حمص، وهو يأكل قطعة من اللحم وكان على حمار فقالوا: أرأيت في طريقك الأمير الذي أرسله عمر، قال: أنا الأمير، قالوا: الأمير على حمار؟! قال: بلى. فنزل عندهم، وكان عمر يطوف على أمرائه وولاته، كل سنة يحاسبهم، فلما أتى إلى أهل حمص، جمعهم، وأجلس الأمير أمامهم، وقال: ماذا ترون في أميركم وواليكم؟ قالوا: ما ننقم عليه إلا أربع مسائل. قال عمر: ما هي؟ ثم قال: اللهم لا تخيب ظني فيه! قالوا الأولى: لا يخرج علينا حتى يرتفع النهار، يعني: يتأخر على الدوام، يأتي حدود العاشرة. قال: هذه واحدة، وعمر عنده الدرة جاهزة، يخرج بها شياطين الإنس والجن من الرءوس. قال: والثانية. قالوا: وله يوم في الأسبوع لا نراه ولا يرانا. قال: والثالثة. قالوا: ولا يخرج لنا في الليل مهما طرقنا عليه بعد العشاء. قال: والرابعة. قالوا: يغمى عليه أحياناً إذا جلس في مجلس القضاء، لفصل الخصومات. قال: أجب يا سعيد بن عامر، اللهم لا تخيب ظني فيه. قال: يا أمير المؤمنين! اعفني. قال: والله لتجيبن. قال: أما قولهم: إني لا أخرج حتى يرتفع النهار، فأنا ليس لي خادم وامرأتي مريضة، فأصلح إفطاري وإفطار أهلي، ثم أفطر، ثم أتوضأ وأصلي ركعتين ثم أخرج. قال: هذه واحدة، وانسكبت دموع عمر. قال: والثانية. قال: أما قولهم: إني لا أخرج يوماً في الأسبوع، فليس لنا خادم، وامرأتي مريضة، فأغسل ثوبي وثوبها، في يوم من الأسبوع، فزاد بكاء عمر قال: والثالثة. قال: وأما قولهم: أني لا أخرج في الليل، فقد جعلت النهار لهم، والليل لربي أصلي وأقرأ القرآن. قال: ولماذا يُغْمَى عليك في مجلس القضاء؟ قال: لأني حضرت مقتل أحد المسلمين وأنا مشرك مع كفار مكة في مكة، وهو خبيب بن عدي، فسمعته يقول: اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، فكلما تذكرت ذلك الموقف وأني لم أنصره، أُغْمِي عليَّ. فارتفع صوت عمر بالبكاء]]. هذا مفهوم الحياة عند السلف، ولذلك ذكرهم الله، وأحسن ذكرهم، وأعلى شأنهم، فهم أخلص الأمة قلوباً، وأعمقها علماً وعملاً، وأقلها تكلفاًَ، يقول سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] هذه نزلت في المترَفين.

صور من زهد السلف في الدنيا

صور من زهد السلف في الدنيا ويقول سبحانه: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:2] لها سببان: قيل: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1]: تكاثركم في الأموال والأولاد، حتى ذهبتهم إلى زيارة المقابر، لكن ليس ككل الزيارات يقول الشاعر ابن عثيمين، شاعر الملك عبد العزيز رحمه الله، شاعر مفلق، رثى أحد العلماء يقول في قصيدة تسمى المبكية عند أهل العلم، يقول: هو الموت ما منه ملاذ ومهربُ متى حط ذا عن نعشه ذاك يركبُ نؤمل آمالاً ونرجوا نتاجها وعلَّ الردى مما نرجيه أقربُ ونبني الزهور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنَّا نموت وتخربُ إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا وفي كل يوم واعظُ الموتِ يندبُ هذا الموت عجيب، فضح الموت الدنيا فلم يدع لذي لب فرحاً، وهو الذي كسر ظهور الأكاسرة، وقصر آمال القياصرة الذين بغوا وطغوا، فأرداهم ظلمهم في الحافرة. يقول أحدهم لما دخل على الخليفة المأمون، فرأى الهيلمان، ورأى الذهب والفضة، قال للمأمون: باتوا قلل الجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل واستنزلوا بعد عز من منازلهم إلى مقابرهم يا بئسما نزلوا ويذكر الذهبي وابن كثير: أن أبا العتاهية دخل على هارون الرشيد، وقد بنى هارون الرشيد قصراً في الرقة -قصراً جميلاً بديعاً- فنظر إليه أبو العتاهية، فقال هارون الرشيد أمير المؤمنين: " ما رأيك يا أبا العتاهية؟ قال: شيء جميل، قال: أقلتَ فيه شعراً؟ قال: نعم. قال: ماذا قلتَ؟ قال: قلت: عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصورِ قال: هيه، أي: زِدْ، قال: يجري عليك بما أردت مع الرواح وفي البكورِ قال: هيه، قال: فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدورِ فهناك تعلم مُوْقِناً ما كنت إلا في غرورِ فبكى حتى أغمي عليه. والقصة عند الذهبي وابن كثير. والمقصود من هذا: أن هذه أمور مُسَلَّمات بها عند جمهور الناس، لكن تحقيقها في الواقع صعب، ولا ينقص الناس تحسين العلوم في الأذهان، لكن ينقصهم تطبيقها في الأعيان وفي الحياة، وهذا الذي ينقصنا، كيف نتعامل مع الرسالة التي بعث بها محمد عليه الصلاة والسلام؟ أوتي إليه بكنوز الدنيا فقال: لا. قدم له ملك الدنيا، فقال: لا. ولذلك قال - فيما صح عنه -: {إنما مثلي ومثل الدنيا كرجل قال في ظل شجرة، ثم قام وتركها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. هذه حقيقة الدنيا أنها قصيرة لاهية، تنتهي؛ لكن لا يعرف ذلك إلا المؤمنون.

قصة ربيعة بن مالك الأسلمي

قصة ربيعة بن مالك الأسلمي يقول مسلم في الصحيح: {وفد شببة على الرسول عليه الصلاة والسلام -يعني: شباب، شببة جمع شاب- منهم ربيعة بن مالك الأسلمي، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألكم حاجة؟ وطلبوا حوائجهم، منهم من طلب ثوباً، ومنهم من طلب تمراً، ومنهم من طلب زبيباً، إلا ربيعة بن مالك، قال: أريدك يا رسول الله! بيني وبينك، قال: ماذا تريد؟ قال: أريد مرافقتك في الجنة. قال: أوغير ذاك؟ قال: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود} يقول: إن كنت مصمماً على الجنة، فأعني على نفسك بكثرة السجود، وكان الصحابة عازمين على الجنة، يقول ربيعة وهو من بني مالك بن سالم، أسرة من الأنصار يقول يوم أحد، والرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم عن المعركة في المسجد، يا رسول الله! لا تمنعني من دخول الجنة، والله الذي لا إله إلا هو، لأدخلن الجنة، فتبسم عليه الصلاة والسلام -والقصة عند ابن هشام - قال: بِمَ تدخل الجنة؟ قال بخَصلتين: بأني أحب الله ورسوله، ولا أفر يوم الزحف -أي: يوم المعركة إذا التقت السيوف والرماح، لا أفر أبداً- فقال صلى الله عليه وسلم: إن تصدق الله يصدقك -إن كنت صادقاً أعطاك الله ما تمنيت وما سألت، وبالفعل كان صادقاً مع الله- فحضر المعركة ورآه عليه الصلاة والسلام مقتولاً شهيداً، وارتفعت روحه إلى الله، فمسح صلى الله عليه وسلم التراب عن وجهه وقبَّلَه، وقال: صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله.

قصة عبد الله بن عمرو الأنصاري

قصة عبد الله بن عمرو الأنصاري وبوب البخاري باب البكاء على الميت، وأتى بحديث جابر لكن رحم الله البخاري اختصره لأنه على شرطه، ولم يأتِ بالقصة لأن القصة ليست على شرطه، والقصة أن عبد الله بن عمرو الأنصاري، وهذا يسمى مكلم الله بلا ترجمان، كلم الله مباشرة بلا ترجمان، وأحدنا إذا كلم سلطاناً تمدَّح به سنة بالمكالمة، فكيف بهذا العبد الفقير أنه كلم رب العالمين، مباشرة بلا ترجمان. {أتت معركة أحد فاغتسل وودع أطفاله، وودع زوجته، ثم لما حضر المعركة وكسر غمده على ركبته -وهذا يسمى عند العرب: خطر، والمتأخرون يسمونه (خطر ممنوع الاقتراب) - فلما كسر غمده على ركبته، قال: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى، فقتل في سبيل الله، بعد أن ضُرِب بأكثر من ثمانين ضربة، لكن في سبيل الله. إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألَمُ قال جابر: فأتيت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأنا أسأل عن أبي، ويبكي جابر، قال: كان الناس ينهونني، والرسول صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، قلت: أين أبي يا رسول الله؟ قال: هو ذا، قال: فأخذت أبكي، فقال عليه الصلاة والسلام: ابْكِ أو لا تَبْكِ، والذي نفسي بيده يا جابر! ما زالت الملائكة تظلل أباك بأجنحتها حتى رفعته، والذي نفسي بيده يا جابر لقد كلَّم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، وقال: تمن، قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم لا يرجعون، فثمن، قال: أتمنى أن ترضى عني، قال: فإني قد رضيت عنك وأحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً}. نسأل الله رضوان الله. لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها يذكر أبو نعيم وأمثاله، في كتب السير أن عابداً من بني إسرائيل شابت لحيته في الثمانين من عمره، وبعض الناس يصل عمره إلى ثمانين سنة وهو مخرف، مطبل، مغنٍ، لا يعرف مِن ذِكْر الله ولا من القرآن ولا من الولاية ولا من الاتجاه إلى الله شيئاً. ويقبح بالفتى فعل التصابي وأقبح منه شيخ قد تفتى وأقبح القبيح أن ترى شيخاً وهو يرتكب العظائم والقبائح، وهو دائماً مع اللاهين المعرضين عن منهج الله، أقبح الناس من شابت لحيته وهو مازال مصراً على المعصية، يقول ابن عباس في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] النذير: الشيب. يقول الإمام أحمد - قبل أن آتي بقصة الإسرائيلي- قيل له: ما وصفك للشيب؟ يعني: كيف تصف الشيب والشباب؟ قال الإمام أحمد: ما مثلت الشباب إلا بشيء كان في يدي ثم سقط. بكيتُ على الشباب بدمع عيني فلم يغنِ البكاء ولا النحيبُ ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب هذا العابد الإسرائيلي وقف أمام المرآة وكان عمره ثمانين سنة، أصلح في الأربعين الأولى، وخرب في الأربعين الثانية، بعضهم يصلح، ثم يدركه الخذلان، فيخرب عمره ويشطب حياته، وينتكس على رأسه والعياذ بالله، وقد وجد أن بعض الشباب في المجتمعات، يشكو أباه، يقول: مقصر في الطاعة، الابن عمره عشرون، والأب عمره سبعون، فسبحان من هدى هذا وأضل ذاك! ومن قرب هذا وأشقى ذاك! حكمة بالغة وقدرة نافذة فما تغني النذر، قال الإسرائيلي: يا ربِّ! أطعتك أربعين سنة، ثم عصيتك أربعين سنة، فهل تقبلني إذا عدت إليك؟ قال: فسمع هاتفاً يقول: أطعتنا فأحببناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإذا عدت إلينا قبلناك، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ. وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] لكن بشرى للعالم أنا صحونا ورجع شبابنا، وشيوخنا، بشرى للدنيا كل الدنيا، أن شبابنا قد امتلأت بهم المساجد، وقد عافوا الغناء، وعادوا إلى القرآن، وملوا المقاهي والملاهي، وسبحوا بحمد الواحد الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. لكن أبشر هذا الكون أجمعه أنا صحونا وسرنا للعلا عجبا بفتية طهر القرآن أنفسهم كالأسد تزأر في غابتها غضبا عافوا حياة الخنا والرجس فاغتسلوا بتوبة لا ترى في صفهم جنبا عاد أبناء خالد وطارق وسعد إلى الله، والله إنه لا سعادة لنا إلا يوم أن نحكم الكتاب والسنة في حياتنا وفي تعاملنا، وأدبنا، وسلوكنا، هذه حقيقة الحياة، ولم يعرفها إلا الصحابة رضوان الله عليهم، أما غيرهم معرفتهم بحقيقة الحياة أمر نسبي، بقدر إيمانهم وصلاحهم، وقربهم من الله عز وجل.

قصة عبد الله بن المبارك

قصة عبد الله بن المبارك يقولون عن ابن المبارك وقد خرج من الحرم يريد الغزو في سبيل الله، وابن المبارك هذا رجل عجيب، هو زاهد وعابد ومحدث ومجاهد، وأنا اتلوا أخبارهم، ولو كنتم تعرفون ذلك، لكن قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف:111] وأولئك آبائي، لكن نتلو أخبارهم علها تكون درساً للقلوب. ابن المبارك يقولون عنه، أنه خرج في ذات يوم من خراسان للحج، وكان يسكن في مرو، فخرج بالقافلة، فلما وصل إلى الكوفة، ويريد بيت الله حاجاً، وإذا بامرأة خرجت من الكوفة، وأخذت غراباً ميتاً من مزبلة، فقال لمولاه: اذهب إلى هذه المرأة، واسألها لماذا أخَذَت الغراب الميت، فذهب إلى المرأة وسألها، قالت: والله ما في بيتنا قليل ولا كثير من قليل طعام، والله ما نأكل منذ ثلاثة أيام إلا ما يُلقى في هذه المزبلة من المَيْتَة، فعاد إلى ابن المبارك فأخبره فدمعت عينا ابن المبارك، فقال: نحن نأكل اللحم والفالوذج، وهم يأكلون الغربان الميتة، اصرفوا هذه القافلة بجميعها بحبوبها وزبيبها ولحمها وثيابها وجِمالها في أهل الكوفة، وعودوا لا حج لنا هذه السنة. وعاد إلى خراسان ونام أول ليلة، فرأى قائلاً يقول في المنام: حج مبرور وسعي مشكور، وذنب مغفور، يقال لـ ابن المبارك: لماذا تخرج إلى الجهاد وتترك الحرم؟ قال: بُغْضُ الحياة وخوفُ الله أخرجني وبيعُ نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا ومن شب على شيء شاب عليه، ومن عاش على شيء مات عليه، ومن قضى حياته في اللهو مات على اللهو. يقول ابن القيم في كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: وكان هناك رجل مطبلاً ومغنياً ومزمراً -وبعض الناس حياته تطبيل وتزمير وعرضات ورقصات- لا يعرف من الذِّكْر شيئاً قالوا له: قل لا إله إلا الله، قال: يا رب سائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب فمات عليها. ويقول ابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين، قالوا لرجل من التجار، وكان هائماً بالتجارة، والتجارة ليست حراماً، لكن التجارة يوم أن تصد عن منهج الله، وعن الصلاة والاستقامة، والخوف من الله، ويوم أن توصل صاحبها إلى الربا والغش والخيانة والتكبر فلا حيَّاها الله، قال تعالى: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:37] قالوا لتاجر: قل لا إله إلا الله، قال: "خمسة في ستة كم تصير" تصير إلى جهنم إذا لم تتق الله، أنت تصير برأسك إلى جهنم، إن لم تعد وتقل: لا إله إلا الله. قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. حياة السلف كانت مع الله، وكانت أموالهم لله، وكان إنفاقهم وسعيهم وكدهم لله، صحيح كان من السلف تجار وأغنياء، لكن مالهم كان بأيدهم، ونحن أموالنا في قلوبنا، وقف عليه الصلاة والسلام على المنبر وقال: {من يجهز جيش تبوك وله الجنة؟ فسكت الناس. قال: من يجهز جيش تبوك وله الجنة؟ فقام عثمان وقال: أنا يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم اغفر لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان، فإني عنه راض} حياة، ليس كـ التصوف الهندي، إن بعض الناس -الآن- يرى أن الدين كل الدين أن ينقطع عن الحياة وعن التجارة، والزراعة، والكسب، ويرى أن عكوفه في المسجد هي الحياة، لا. الحياة أن تكسب ولكن في رضوانه، وتنفقها في رضوان الله، وفيما يقربك من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. يقول ابن كثير: دَخَلَت المدينة قافلة عددها سبعمائة جمل، محملة بالحبوب والزبيب، فكانت القافلة لـ عبد الرحمن بن عوف -أحد العشرة المبشرين بالجنة- فقال لتجار المدينة: [[من يشتري هذه القافلة؟ قالوا: نحن، قال: كم تعطونني في الدرهم، قالوا: نعطيك في الدرهم درهماً - أي: مضاعفاً - قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك درهمين، قال: وجدت من زادني، قالوا: ثلاثة، قال: وجدتُ من زادني، قالوا: نحن تجار المدينة، ولم يزدك أحد، قال: وجدت الله زادني في الدرهم عشرة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أشهدكم أنها في سبيل الله على فقراء المدينة، بزبيبها وحبها وثيابها وجِمالها في سبيل الله]] إنها الحياة يوم يعرفها الإنسان، فيتقرب بها إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويجعلها طريقاً إلى الله.

حفظ الأوقات وضياعها بين السلف والخلف

حفظ الأوقات وضياعها بين السلف والخلف إن من المؤلم لقلوبنا ضياع أوقاتنا، وأعظم قضايا الساعة هي ضياع الأوقات، عند الكبار والصغار إلا من رحم ربك، نهب الأوقات {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ} تجد الإنسان صحيح الجسم فارغاً، ولكن لا ذِكْر ولا قرآن ولا عِلْم. يَذكر الذهبي وابن كثير بأسانيد صحيحة: أن الإمام أحمد -إمام أهل السنة والجماعة - كان يصلي في اليوم والليلة من غير الفرائض ثلاثمائة ركعة. يقول: كان ورد الإمام أحمد من غير الفرائض ثلاثمائة ركعة، يركعها لله. وكان خالد بن معدان يسبح في اليوم مائة ألف تسبيحة، وذكروا عن غيرهم من الأئمة شيئاً عجباً، ومن أراد أن يطالع فليقرأ سير أعلام النبلاء، ليجد عبادة السلف، وليجد كيف أفنوا أعمارهم في طاعة الله، وكيف تقربوا إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى. إن ضياع الأوقات معصية عصي الله بها في الأرض يوم لم يعرف قيمة الزمن؛ لأننا وجدنا الثقافة الغربية أتت إلى الجيل، وقالت: الحياة طفش وزهق، وكيف تقضي حياتك، ويومك، مثل ما يفعل دايل كارنيجي وأمثاله، يجعلون من اللهو هذا قضاء للحياة، وأن اللعب والتسلية والسباحة المفرطة، ومطاردة الحمام والدجاج، كلها تسلية للعبد، وكان أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام يقال للواحد منهم: مَن إمامك؟ فيقول: محمد، فيقال: ماذا تريد؟ فيقول: الجنة، فيقال: ما هي هوايتك؟ فيقول: الموت في سبيل الله، فيقال: أين بيتك؟ فيقول: المسجد. {دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وترعى الشجر}. في بعض الصحف المحلية، يُلْقُون مقابلة مع شباب في الثانية عشرة والثالثة عشرة، فيقولون له: ما هي هوايتك، فيقول: جمع الطوابع والمراسلة، وصيد الحمام. جمع الطوابع: هل هذه هواية المسلم؟ هل هذه حياة من آمن بالله؟ المراسلة وجمع الطوابع وصيد الدجاج والأرانب: أهذه حياة من آمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً؟ لا. هذه حياة كانت والديكارت، أذناب الشعوب أعداء البشر، الثيران الذين فهموا كل شيء إلا الإيمان، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] إذا علم هذا فإن مقصد الحياة حفظ الوقت. الأمر الثاني: تجديد التوبة دائماً وأبداً، يقول ابن عباس فيما يُؤثر عنه: [[اصبحوا تائبين، واجلسوا تائبين، فإنكم لا تنفكون من ذنب]] أو كما قال. وهذا حالنا، نروح ونغدو في الذنوب والخطايا، ولكن باب التوبة مفتوح، ينادينا الله سبحانه: يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم. يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا واغفر أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله وجد بين الأجيال من بلغ الأربعين وهو لا يعرف المسجد، ومنهم من ألغى صلاة الجماعة من حياته، ومنهم من ألغى صلاة الفجر من برنامجه اليومي، هؤلاء ماذا يقولون في سكرات الموت؟! الأعمش سليمان بن مهران، راوي الصحيحين، الجهبذ العلامة شيخ الإسلام، لما حضرته الوفاة بكت ابنته، فقال لها: [[ابكي أو لا تبكي فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام في الجماعة خمسين سنة]]. وسعيد بن المسيب في سكرات الموت يقول: [[والله ما أذن المؤذن من أربعين سنة، إلا وأنا في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام]]. عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه لكن الحياة لما مالت عن منهج لا إله إلا الله، وعن تربية الكتاب والسنة، لأن بعض المقررات الدراسية درسناها ودرسها زملاؤنا كأنه في الرابع الابتدائي أو الخامس، درسنا (طه والطبلة) بدل أن يدرسونا {طه} {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:2] كان للطلبة طبلةٌ يُضرَب عليها، فحفظنا هذه فخرجت علوماً باردة ليس فيها تأثير ولا حرارة ولا نور، فأخرج الجيل صلاة الجماعة من حياته، وتخرج الجيل من الثانوية والجامعة ومهمته الوظيفة والسيارة والزوجة، وهل سمعت برجل يقول: أًريد الشهادة في سبيل الله؟ يقول أنس بن النضر رضي الله عنه في يوم أحد: [[إليك عني يا سعد بن معاذ! والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]] فقاتل حتى قتل، ويأتي جعفر الطيار، ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام يوم مؤتة فيتناول السيف فيقاتل به، فيقطعون يمينه، وتتعلق يده اليمنى بجلدة من جلده فيضعها بين رجليه ويتحامل عليها حتى يقطعها، ثم يأخذ السيف باليسرى فيقطعونها، فيضم الراية على صدره، وهو يقول: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها علي إن لاقيتها ضرابها

أحوالنا مع حقوق الجار

أحوالنا مع حقوق الجار مَن الذي صرف الناس عن المسجد؟ من الذي جعل قضايا الناس دنيا؟ اهتمامات جانبية، وجدال يصل إلى السماء، والجار لا يسلم على جاره، حتى أهل قرى، الجار لا يعرف ما يقع لجيرانه ولا يسأل عنهم، بل لا يسلم على جاره ولا يسلم على أخيه من أجل قطعة أرض {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22] هناك من لا يعرفون المواعظ، وخطبة الجمعة تمر عليه مر الرياح، ولا يستفيد منها، لأنه قطع رحمه، فأصم الله سمعه، وأعمى بصره، وأصبح قلبه مغلفاً، قطيعة الرحم هذه كادت السماء أن تتشقق منها، قطيعة الرحم ذنب من أكبر الذنوب وهو أكبر ما ابتليت به القرى والقبائل، بل يوجد في بعض القبائل أن من دساتيرهم الأرضية الطاغوتية حرمان المرأة من ميراثها، ويعدون المرأة إذا طلبت الميراث أنها تعدت على سلوم القبائل فيلومونها، وبعضهم حلف على ميراث قريبته وأخته يميناً فاجراً وسلبه. بل قد تجد البعض يسبحون ويصلون ويعتمرون، لكن الواحد منهم يبغض جاره أكثر من بغضه لليهود والنصارى، ويتمنى موتهم صباح مساء، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم} ما معنى أفشوا السلام بينكم؟ هل يعني سلام والقلب يغلي، ونحن نتقلب على فرشنا ونتمنى الموت لجيراننا وقبائلنا؟! أين الإيمان؟! أين أثر لا إله إلا الله؟! أين أثر رسالة محمد عليه الصلاة والسلام؟! يقول الله لرسوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ويقول له سُبحَانَهُ وَتَعَالى يمدحه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ويقول: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] يدخل عليه الصلاة والسلام يوم الفتح، ومع أن كفار مكة أخرجوه من داره، وضربوا بناته، وقاتلوه في أكثر من عشرين معركة، وسلبوا عقاره حتى بقية الدور باعوها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل ترك لنا عقيل من دار، فيدخل صلى الله عليه وسلم، ويأخذ بحلق باب الكعبة منتصراً. وعنده جيش جرار قوامه عشرة آلاف مقاتل مدرعين بالسيوف، ويقف أعداؤه أمامه، فيقول: {ما ترون أني فاعل بكم، يقولون: أخٌ كريم وابنُ أخٍ كريم - الآن أصبح أخاً كريماً، أنسيتم الصحائف السوداء، الذبح والسفك والهجاء - فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، وقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء} عفا الله عنكم، اسمع يا تاريخ! اسمع يا دهر! فكان جزاؤه أن قام أبو سفيان يبكي ويقول: لا إله إلا الله ما أرحمك! ولا إله إلا الله ما أحلمك! ولا إله إلا الله ما أبرك! فقال الله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. ويُروَى عنه صلى الله عليه وسلم في أثر أنه قال: {إن الله أمرني أن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني} هذا محمد عليه الصلاة والسلام، الرجل الذي عرف معنى الحياة فعاشها، أما هذه البغضاء التي طغت على قلوبنا، وأفسدت علينا الطاعات والنوافل، فنشكو حالنا إلى الله، ولن تنفع القربات حتى نزيل الضغينة والحقد والبغضاء من قلوبنا.

الألفة والتآخي بين المسلمين

الألفة والتآخي بين المسلمين في الحديث الصحيح: {كان عليه الصلاة والسلام جالساً مع أصحابه في المسجد، فقال: يخرج عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة، فخرج رجل حذاؤه في يده اليسرى، ولحيته تتقاطر بالماء، فصلى ركعتين، وفي اليوم الثاني أخبر به صلى الله عليه وسلم، وهكذا في اليوم الثالث، فذهب معه صحابي وقال: أريد أن أبيت معك هذه الليلة، فبات معه، فوجد صلاته كصلاة الناس، وعبادته كعبادة الناس، وذكره كذكر الناس، فبعد ليلتين قال: ما أردت إلا أن أرى عملك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنك من أهل الجنة، فماذا كنت تعمل؟ قال: ما أنا بكثير صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكن والله ما نمت ليلة من الليالي وفي قلبي غش أو غل أو حقد على أحد} هي القلوب التي وعت لا إله إلا الله فصلحت. في الأعياد نرى كثيراً من القرى لا يزور بعضهم بعضاً بسبب قطعة من الأرض، أو بسبب مجرى ماء، أو بسبب طريق أو شجرة، أو مبلغ زهيد من المال؛ لأن (لا إله إلا الله) لم تتمكن من القلوب، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103] إن من أعظم إبداعاته في الرسالة ومن روعته في منهجه، يوم أتى بتأليف القلوب في الأرض، الله تعالى يقول: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] يقول أحد المفكرين العصريين -وهو معروف صاحب تاريخ رجال من التاريخ - يقول: نحن العرب مثل قرون الثوم، إذا كشفت القرن ظهر لك قرن آخر، والناس في القرى والقبائل -عموماً- كل يريد الزعامة على الآخر، وكل يريد أن يكون له الحق والتقدمة، وعندما أتى صلى الله عليه وسلم، لم يكن للعرب مُلْك ولا رئاسة ولا إمبراطورية، كلهم فوضى، فأتى بالبسمة الحانية، وبالمعانقة، والبشاشة، وبالقول اللين حتى جمعهم، قال الله عنهم: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] يقول أبو تمام: إن يختلف ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دينٌ أقمناه مقام الوالد هذا الدين أتى بـ بلال من الحبشة وهو عبد رقيق، فأدخله في الإسلام فيصبح سيداً من السادات، وأبو جهل كان يَعُدُّ بلالاً لا يساوي فلسين، وكأنه مثل الدابة تماماً، فلما أسلم بلال أصبح سيداً من السادات، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {دخلت الجنة البارحة فسمعت دف نعليك يا بلال! فماذا كنت تصنع؟ قال: ما توضأت في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت ركعتين} هنيئاً لـ بلال الجنة! يقول ابن القيم في كتاب مدارج السالكين، قيل لـ سلمان الفارسي: [[مَن أبوك يا سلمان؟ قال: أبي الإسلام. قيل: ومَن هو إمامك؟ قال: محمد. قيل: وما هو بيتك؟ قال: المسجد. قيل: وما هي عصاك؟ قال: التوكل. قيل: وما هو زادك؟ قال: الزهد]]. {دعها فإن معها سقاءها وحذاءها ترد الماء وترعى الشجر، حتى يلقاها ربُّها} سلمان الفارسي كان فارسياً، لكن رفعه الله بالتوحيد والإيمان، جلس مع أسر عربية تفتخر بالقبائل، وهذا من عيوبنا أن نقدس الناس بحسب أعراقهم وأنسابهم، لا على حساب الدين، والله يقول: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] ونحن نقول: أكرمنا فلان بن فلان، ويتمادح كثير من الناس في المجالس، بأنه ذبح أنفساً معصومة، والله عز وجل قد ذكر ذنب قتل النفس، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لو اجتمع أهل السموات والأرض على قتل امرئٍ مسلم، لكبهم الله في النار على وجوههم} وصحح مثل هذا الألباني وغيره وقال: {ولزوال الدنيا بأسرها أهون عند الله من قتل امرئٍ مسلم} لأن بعضهم يقول: قتلت عشرة، وبعضهم قتل عشرين ويخبر بدستوره الأسود في الجاهلية، ولو أنه تاب واستغفر؛ لكان خيراً له عند الله عز وجل، قيل لـ سلمان: من أبوك؟ قال: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم أبي الإسلام، أنا عشت لهذا الدين , وأموت لهذا الدين، وهذه حياة المؤمن التي يريدها الله عز وجل، أما هذه البغضاء الحالقة، كما يقول عليه الصلاة والسلام: {لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين} وفساد ذات البين من أشر ما يمكن، وهو الذي يهدم الجماعات، ويشتت الأسر، ويقطع البركة، ولعل من يتدبر القرآن ويسأل الله الثبات يهديه سواء السبيل، قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].

صور من حياة السلف في الأخوة

صور من حياة السلف في الأخوَّة يقول ابن كثير وغيره: كان لـ عبد الله بن الزبير مزرعة في المدينة، ابن حواري الرسول عليه الصلاة والسلام، وبجانب المزرعة مزرعة لـ معاوية، وهو خليفة في الشام في دمشق، فأتى عمال معاوية فدخلوا في مزرعة ابن الزبير فغضب ابن الزبير - وبينه وبين معاوية شيء مِن قبل! لكن أتت هذه وفتحت باله - فلما دخل عمال معاوية في مزرعة ابن الزبير كتب ابن الزبير رسالة حارة ساخنة لـ معاوية، يقول فيها: يا بن آكلة الأكباد، إما أن تمنع عمالك من دخول مزرعتي وإلا سوف يكون لي ولك شأن - ابن الزبير واحد من الرعية رَدَّ على الراعي، والراعي سلطان وخليفة، فأخذ معاوية الرسالة - وكان من أحلم الناس - فقرأها، وقال لابنه يزيد: يا يزيد! ما رأيك في هذه الرسالة؟ - ماذا ترى أن الجواب؟ - قال: أرى أن ترسل جيشاً أوله في المدينة وآخره عندك يأتون برأسه - وكان معاوية يستطيع أن يفعل ذلك، ولكنه فعل خيراً من ذلك زكاة وأقرب رحماً - فكتب رسالة يقول فيها: يا ابن حواري الرسول عليه الصلاة والسلام، ويـ ابن ذات النطاقين، السلام عليك، أمَّا بَعْد: فلو كانت الدنيا بيني وبينك لهانت، إذا أتتك رسالتي هذه، فخذ عمالي إلى عمالك، ومزرعتي إلى مزرعتك. فأتت الرسالة إلى ابن الزبير فبكى حتى بل الرسالة بالدموع، وذهب وقبَّل رأس معاوية فقال: لا أعدمك الله رأياً أحلك في قريش هذا المحل. حياة السلف كانت على القرآن ولكننا نتنازل في كل شيء إلا مع أقاربنا وأرحامنا وأصهارنا وجماعتنا. أسد عليَّ وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر ومن معاني الحياة التي أتى بها عليه الصلاة والسلام: أن حياة العبد محسوبة عليه، وعند الترمذي بسند صحيح: {لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: وذَكَرَ: وعن عمره فيم أبلاه}. الدقائق والثواني أين صرفتَها؟ أين ذهبتَ بها؟ ماذا فعلت يوم كذا وكذا؟ قال تعالى: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] فنسأل الله لنا ولكم الثبات، وأن يجعل حياتنا في مرضاته.

عاقبة المعاصي

عاقبة المعاصي أيها الناس: ومما أفنى حياتنا، ونحن نعيشها - ولعلها خفت -: مسألة التهالك في الطرب، والإسراف في اللغو واللعب على حساب الدين، بل بعضهم يحفظ من القصائد مائة قصيدة أو أكثر، ولكنه لا يحفظ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] ويعيش معها ويكررها، وأنا أقول: تناشد الشعر ليس حراماً، فالرسول عليه الصلاة والسلام تناشد الشعر واجتمع، وكان الصحابة يتناشدون؛ لكن قضاء المجالس والتجمعات في طرب ولهو وغفلة وإعراض عن منهج الله، فإنه لمنذر بقسوة القلوب، ونسيان علام الغيوب، وكثرة الذنوب، وإن هذا لعلامة اللهو واللغو. مر الحسن البصري بشباب يرقصون يوم العيد، قال: [[إن كنتم مقبولين فما هذا عمل الشاكرين، وإن كنتم مطرودين، فما هذه توبة المحرومين]] ومعنى كلامه، أي: إن كنتم قبلكم الله، فلماذا لا تشكرون الله، قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7] وإن كنتم مطرودين فلماذا لا تبكون على خطاياكم، فنحن أحد رجلين، إما رضي عنا وأصلحنا فالواجب أن نزيد من شكره سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وإما أننا أناس غضب الله علينا وخذلنا، فالواجب أن نبكي على خطايانا. قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] والبلدان التي حولنا، كانت أنعم منا وأرغد وأسعد، لكن كفرت بمنهج الله، كانت المرأة عندهم تخرج كالسلع، تسام في الفنادق والحوانيت، وفي الليالي الحمراء، وكان الخمر يباع عندهم مثل ما يباع الماء ولا يزال، لا قرآن ولا سنة، يقول شاعر بعض البلدان المجاورة يوم مهرجانهم: هبوالي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين بُرْهُمِ سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنمِ ويصفقون له، ويحملونه على الأكتاف، فأراهم الله ما هي جهنم، وأيقظهم الله على أصوات الصواريخ، ودكدك منازلهم بأصوات المدافع {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112].

عاقبة الكفر بالنعم

عاقبة الكفر بالنعم يقول سيد قطب في في ظلال القرآن يتحدث عن سورة سبأ، وينتقل بنا القرآن إلى قرية نائمة من قرى اليمن إلى سبأ، هذه قرية سبأ قرية رغيدة، مثل هذه المنطقة الجنوبية، هواء طلق، وماء عذب، وأطيار تزغرد، وحدائق غنَّاء، وبساتين وارفة، ونعمة من كل ما سألنا الله أعطانا، ونعمة الجو نعمة لا تُنْكَر، يقول الله لبني إسرائيل {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ} [الأعراف:160] يمتن الله عليهم ويقول جوهم طيب، درجة الحرارة عندهم معتدلة، يقول: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ} [الأعراف:160] يقول الله عن تلك القرية الآثمة، قرية سبأ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15] أسلوب القرآن بديع، يقول بعضهم: " يا ليت الناس يذوقون ما أذوق - وأظنه سيد قطب يقول في سورة الرعد - ليتهم يفهمون ما أفهم من هذا الأسلوب البديع، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15] يذكر في التفسير: أن كل رجل من سبأ كان عنده بستانان، عن يمين بيته وعن يساره، العذق الواحد لا يحمله إلا فرسان، يقولون: كانت تذهب المرأة بالمكتل على رأسها، فيمتلئ من كثرة ما يتساقط من الثمار والشجر، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15] اسمع الأسلوب: {فَأَعْرَضُوا} [سبأ:16] كيف أعرضوا؟ يقولون: أدمج سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وعمم وأطلق الإعراض ولم يفصل؛ لأن إعراضهم أكبر من أن يُتَحَدَّث عنه، أعرضوا عن طاعة الله، أعرضوا عن تحكيم شرع الله، أعرضوا عن قبول الهداية، صموا وعموا: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:16 - 17]. وقد ورد من حديث أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {كان فيمن كان قبلكم ثلاثة، أقرع وأبرص وأعمى، أراد الله أن يمتحنهم وأن يبتليهم، فأرسل الله إليهم ملكاً من الملائكة، فأتى الأقرع، قال: ماذا تريد؟ قال: أريد شَعَراً جميلاً فقد قذَّرني الناس، فسأل الله أن يمنحه شعراً جميلاً فأنبت الله الشعر على رأسه. قال: ماذا تريد من المال؟ قال: قال الإبل - الرجل مغرمٌ وعاشق للإبل - فسأل الله له، فرزقه ناقة عشراء فولدت حتى ملأت وادياً. ثم ذهب إلى الأبرص، وقال: ماذا تريد؟ قال: جلداً حسناً، ولوناً جميلاً فقد قذَّرني الناس. قال: اللهم رد عليه لونه وجلده، قال: ماذا تريد من المال؟ قال: البقر. قال: اللهم ارزقه بقرة، فرزقه الله بقرة حاملةً، فوضعت فملأت وادياً من الأبقار. وذهب إلى الأعمى، قال: ماذا تريد؟ قال: أن يرد الله عليَّ بصري. قال: اللهم رد عليه بصره. قال: ماذا تريد من المال؟ قال: الغنم. فرزقه الله شاة حتى ملأت وادياً. ثم أتى المَلَك في صورة مسكين -امتحان من الله- عليه ثياب رثة، وفي حالة بائسة، فوقف أمام الأقرع -الأول- فقال: أنا رجل مسكين انقطعت بي السبل ولا معين لي إلا الله، ما تعطيني هذا اليوم، أسألك بالذي رد عليك شَعَرك والذي منحك هذا المال، أن تعطيني هذا اليوم. قال: الحقوق كثيرة، والمال مالي، وورثته كابراً عن كابر. قال: كأني بك كنت أقرعاً وفقيراً. قال: لا. لم أكن أقرعاً ولا فقيراً. قال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت، فصيره الله إلى ما كان. ثم ذهب إلى الأبرص. قال: لا. المال مالي ورثته أباً عن جد والحقوق كثيرة. قال: كأني بك كنت أبرصاً وفقيراً. قال: لا. لم أكن أبرصاً ولا فقيراً. قال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت، فصيره الله إلى ما كان. ثم ذهب إلى من كان أعمى فسأله، قال: أما أنا فقد كنت أعمى فرد الله عليَّ بصري وكنت فقيراً فأغناني الله، أما اليوم فوالله لا أشكرك على شيء تركته، خذ ما أردت واترك ما أردت، المال مال الله. قال: أنا رسول الله أخبرك أن الله رضي عليك، وسخط على صاحبيك}. وهذا شكر النعم. أسأل الله لي ولكم الثبات والسلامة والهداية والرشد، وأسأل الله أن يصلح منا الظاهر والباطن، وأن يصلح ولاة أمورنا، وأن يوفقهم، ويهديهم سواء السبيل، وأن يرزقهم البطانة الصالحة الناصحة، التي تدلهم على الخير، وتخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، وأسال الله لنا ولكم الستر في الدنيا والآخرة، والعون والسداد، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

التوحيد أولا!

التوحيد أولاً! من أجل كلمة التوحيد أنزلت الكتب، ومن أجلها أرسلت الرسل، ومن أجلها نصبت الموازين، ومن أجلها خلقت الجنة والنار. وفي هذه المادة بيان لأهميتها، وآثارها، ونواقفضها، ومقتضياتها

أهمية التوحيد

أهمية التوحيد

التوحيد هو أول ما يدعى إليه

التوحيد هو أول ما يدعى إليه الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله بالتوحيد، فهدى به الله البشرية، وأنار به أفكار الإنسانية، وزلزل به كيان الوثنية، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. سلام الله عليكم سلاماً لا ينقطع إلا بانقطاع دمع العين، ولا ينتهي إلا بانتهاء النفس بعد شكر الله، أشكركم شكراً جزيلاً، لأنكم أهل الأصالة والطموح، أما الأصالة، فإن منطقتكم وبلادكم هذه كانت وما زالت مصدر إشعاع، وهي رصيد للإسلام، وهي قوة لهذا التوحيد الذي بعث به محمد عليه الصلاة والسلام، أنتم الذين كنتم ولا زلتم ترسلون الدعاة للدنيا ليعلموا الناس ويفقهوهم ويخرجوهم من الظلمات إلى النور، فهي أصالة عريقة، ولا غرو أن ينشأ الابن على ما نشأ عليه أبوه. وهل ينبت الخطي إلا وشيجه وتغرس إلا في مغارسها النخل وأما طموحكم فحضوركم هذا ينبئ عن غيرة لدين الله، وحب لـ" لا إله إلا الله " واتباع لرسول الله عليه الصلاة والسلام. أهل الفن يجتمعون على فنهم، وأهل الطرب يجتمعون على طربهم، وأهل اللغو واللهو يجتمعون على لغوهم ولهوهم، وأنتم جئتم هنا لتقولوا: البقاء لـ" لا إله إلا الله " والعزة لـ" لا إله إلا الله " والأصالة والطموح لـ" لا إله إلا الله " وأشكر كل من ساهم في إحياء هذا اللقاء المليء بالآباء وبالإخوة والمحبين, وعنوان هذه المحاضرة "التوحيد أولاً". قبل أن نبدأ في أمورنا، وأعمالنا وعباداتنا ومعاملاتنا، التوحيد أولاً. قبل أن نتكلم مع الناس، ونفقه الناس، التوحيد أولاً. منهج الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام هو التوحيد، كل نبي وكل رسول يقول: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59] بعث محمد عليه الصلاة والسلام من الأرض الجرداء المرداء السوداء، فقال الله له: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:9] فقبل أن تدعو الناس، اعلم أنه لا إله إلا الله، وقبل أن تفهم الناس، وتجاهد وتأدب الناس، فاعلم أن لا إله إلا الله. وعند أحمد في كتاب الزهد بسند جيد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى: عجباً لك يا ابن آدم، خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي، خيري إليك نازل، وشرك إلي صاعد. فلا إله إلا الله ما أضل الإنسان! وأجهله! وما أعمى الإنسان يوم يعرض عن توحيد الواحد الديان! يقول سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66] فالتوحيد أولاً إخلاصاً، واعتقاداً، وتوجهاً، وعملاً وحياةً قبل أن نبدأ في أمورنا، وقبل أن نتناول أعمالنا، هذه رسالتنا في الحياة. وقد ورد عند الإمام أحمد في كتابه المسند في باب الإيمان بسند صحيح عن أبي بن كعب قال: {جاء المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: انسب لنا ربك، فأنزل الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]}.

حال الأمة مع التوحيد

حال الأمة مع التوحيد وقبل التوحيد، وقبل لا إله إلا الله، كنا أمة عربية مبعثرة جاهلة عمياء؛ تطوف بالصنم , وتسجد للوثن، وتشرب الخمر، وتنهب وتسلب، لا حضارة، ولا طموح، ولا ثقافة، ولا عرفان، فلما بعث الله فينا محمد عليه الصلاة والسلام رفع رءوسنا بين الرءوس، وشرح صدورنا بلا إله إلا الله، وبنى لنا منارة من الحضارة: إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها هذا الرجل العظيم عليه الصلاة والسلام الذي سكن بيت الطين، وما شبع من خبز الشعير ثلاثة أيام متواليات؛ فتح بجيوشه الدنيا. الأعراب الذين كانوا يشركون ويخونون ويكذبون، لما كتب في قلوبهم رب العزة لا إله إلا الله، خرجوا بالسيوف من الجزيرة، فصلوا على ضفاف دجلة، وسجدوا على ضفاف النيل والفرات، وسبحوا بحمد الله في أسبانيا، وسمرقند وطاشقند والهند والسند بماذا؟ بلا إله إلا الله، بالتوحيد الخالص، وهذه هي العقيدة التي يوم وهنت في قلوبنا وضعفت ومرضت؛ هزمنا أمام العالم. يا مجد يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربا أدمت سياط حزيران ظهورهم فقبلوها وباسوا كف من ضربا وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا متى البنادق كانت تسكن الكتبا لكن لك الحمد يا رب! عاد شيخونا، وعاد شبابنا، وعاد جيلنا إلى الله مرة ثانية، عادوا يكتبون لا إله إلا الله في قلوبهم، جربوا الأغنية، وقرءوا المجلة الخليعة، وطالعوا الفيديو المهدم، وسافروا، وبحثوا عن السعادة، فلم يجدوها إلا في لا إله إلا الله. إذاً أول الطريق: التوحيد، وهو الذي يثبتك في الأزمات، وهو عنوان السعادة في الدنيا والآخرة، وهو كفارة السيئات , وهذه البلاد لا تصلح إلا بالتوحيد، ومنذ أن جاء المجدد العظيم محمد بن عبد الوهاب رحمه الله واستفاقت هذه الجزيرة على لا إله إلا الله، وهي تزداد من حُسْنٍ إلى أحسن، ومن أصالة إلى أصالة، ومن مجد إلى مجد.

التوحيد سر من أسرار الله في القلوب

التوحيد سر من أسرار الله في القلوب المسألة الثانية: إن التوحيد هو سر من أسرار الله أنزله في القلوب، التوحيد ليس علوماً تقال في الأذهان، أنا أعرف رجلاً عامياً يحفظ الفاتحة وسوراً صغيرة، لكن التوحيد في قلبه أرسخ من الجبل، جاء ابنه -وابنه يدرس في المتوسطة- وعنده الكتاب المقرر في التوحيد، مكتوب فيه" الدليل على وجود الله" الأب لا يستطيع أن يتفاهم مع هذه القضايا، وجود الله مثل وجوده هو، أو أعظم، أو وجود الجبل أمام عينيه، فيقول لابنه: ما هذا الكلام؟ قال: هذا الكلام يقول الدليل على وجود الله، قال: هذا كلام الكفار، الله لا يحتاج إلى تدليل على وجوده، لا تقل هذا الكلام وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد فيا عجباً كيف يُعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد قيل للإمام أحمد إمام أهل السنة رحمه الله ما هو التوكل! قال: التوكل مثل توكل إبراهيم عليه السلام. وتوكل إبراهيم أن جعله النمرود بن كنعان في المنجنيق، ورمى به إلى نارٍ أوقدها، فلما أصبح إبراهيم عليه السلام في الجو، واقترب من النار، جاءه جبريل عليه السلام، فقال: يا إبراهيم! ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم، فلما اقترب من النار، قال إبراهيم: حسبنا الله ونعم الوكيل، فجعلها الله برداً وسلاماً عليه. قال ابن عباس معلقاً كما في صحيح البخاري: [حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم، فجعل الله له النار برداً وسلاماً، وقالها محمد عليه الصلاة والسلام يوم قيل له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]]]

تصحيح لا إله إلا الله

تصحيح لا إله إلا الله ولا يزال بعض الناس يصلي، ويصوم ويحج، ويعتمر، ولكنه مشرك حقيقة، كيف يكون مشركاً؟ يتعلق قلبه بغير الله في النفع والضر، والعافية والشفاء من المرض، وغيرها من الأسباب، يقول عليه الصلاة والسلام كما صح عنه: {من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد} ويقول عليه الصلاة والسلام: {من أتى عرافاً، أو كاهناً، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} ليبقى الشافي الله، والمعافي الواحد الأحد، والنافع الله، والضار الله. قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا وقل للنحل يا طير البوادي ما الذي بالشهد قد حلاكا فسبحان الله! آياته في الكون، في الزهر، في الماء، في السماء، في الهواء، في الإنسان، في كل شيء، هذه من أسرار التوحيد، لكن المشركين قالوا: لا. {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] كيف يجمع سبعة آلهة في إله واحد؟! أين تذهب اللات والعزى؟! وأين تذهب مناة؟! قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. جاء حصين بن عبيد، جاهلي مشرك، قبل أن يسلم، فقال له عليه الصلاة والسلام، والحديث عند أبي داود في السنن: {كم تعبد يا حصين؟! قال: أعبد سبعة، قال: أين هم؟! قال: ستة في الأرض، وواحد في السماء. هم يشهدون أن الذي خلق السماوات والأرض الله، والذي أجرى الهواء الله، والذي سير الماء الله، لكن يقولون: لا بد من الآلهة، هذا الإله يستشفون به، وهذا لقضاء الحاجات، وهذا للأسفار وهكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {من لرغبك ولرهبك قال: الذي في السماء، قال: فاترك التي في الأرض، واعبد الذي في السماء، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله} هذا هو التوحيد، والتوحيد معناه: أن تعيش به في حياتك مراقبة لله، لأن بعض المرجئة يقولون: يكفي أن تقول: لا إله إلا الله، انظر بوش، وريجان، وبيجن، وأعداء الله، يقولون: لا إله إلا الله، لكنها على اللسان كذباً وزوراً، بعض الناس يقول: لا إله إلا الله، ولكن لا يعرف المسجد، والقرآن، ولا يغضب لدين الله، ولا يحب أولياء الله، ولا يتبع رسول الله عليه الصلاة والسلام، يقول: لا إله إلا الله، لكن ليله سهرة حمراء، وقرآنه الأغنية، وأتباعه الشياطين والمردة والفسقة، وعداؤه متأصل لأولياء الله وأحباب الله، يقول: لا إله إلا الله، ولكن لا يعرف من سيرته عليه الصلاة والسلام شيئاً، لا قليلاً ولا كثيراً، يقول: لا إله إلا الله، وهو معجب بأعداء الله، وبالمناوئين لشرع الله. يا مدَّعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهويناً خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا نقول: لا إله إلا الله، لكن لو صدقنا في لا إله إلا الله ما تخلفنا عن الصلوات الخمس جماعة، لأن مفهوم لا إله إلا الله: أن تقوم إلى الصلاة يوم تسمع: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولو صدقنا في لا إله إلا الله ما تعاملنا بالربا، ولا لبسنا من الربا ولا شربنا، ولو صدقنا في لا إله إلا الله، ما جعلنا مجالسنا للأغنيات الماجنات، وللفسق والانحراف عن منهج الله. إذن نحتاج إلى تصحيح لا إله إلا الله، ويوم نصدق في لا إله إلا الله لا نخاف إلا من الله.

أثر لا إله إلا الله في التوكل على الله

أثر لا إله إلا الله في التوكل على الله يدخل عليه الصلاة والسلام -والقصة عند ابن اسحاق وابن هشام في السيرة - في غار ثور فاراً من المشركين، طاردوه بالسيوف، والرماح يريدون اغتياله، فدخل في الغار معه أبو بكر {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:40] فطوق المشركون الغار، وأرادوا دخول الغار، فأرسل الله عز وجل العنكبوت، فنسجت بيتها، وأرسل الحمامة، فبنت عشها على فم الغار، فأتى شباب مكة يريدون دخول الغار، وإذا العش والبيت في فم الغار، قالوا: لم يدخل محمد الغار: ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم فصعدوا على ظهر الغار، وأخذوا ينظرون إلى داخل الغار، وأبو بكر يرتجف، ولكن الموحد الكبير أستاذ العقيدة وشيخ التوحيد محمد عليه الصلاة والسلام، الذي أتى بلا إله إلا الله بجانبه كالجبل، قال أبو بكر: يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدميه لرآنا، فقال عليه الصلاة والسلام وهو يتبسم: لا تحزن إن الله معنا. هذا هو التوحيد، لا تحزن إن الله معنا، ومن كان الله معه، فمن يخاف، ولماذا يخاف؟ ومن يرهب؟ ولماذا يرهب؟ لأن مدده وسنده. يقولون كما يذكر الذهبي وغيره: حضر خالد بن الوليد معركة اليرموك، كان جيش خالد ثلاثين ألفاً، وجيش الروم أكثر من مائتي ألف. يوم قاتلنا بلا إله إلا الله، لم نغلب الناس بالجيوش ولا بالعتاد، لكن غلبناهم بالتوحيد، يقول محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: عامي موحد يغلب ألف مخلط. فحضر خالد بن الوليد، فخرج الروم كتائب كالجبال، قال أحد المسلمين: يا أبا سليمان يا خالد! ما أكثر الروم وما أقلنا! قال خالد: لا. والله ما أكثرنا وما أقل الروم! قال: يا أبا سليمان، نفر اليوم إلى جبل سلمى وجبل آجا - يعني في حائل - قال خالد: لا والله، إلى الله الملتجأ، حسبنا الله ونعم الوكيل، فقاتل خالد، فنصره الله نصراً مؤزراً {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45]. أتى عليه الصلاة والسلام، فعلم الصحابة التوحيد تعليماً عملياً، طبقها في حياتهم، علمهم أن الله معهم، علمهم أن الله يراقبهم، علمهم أن الله يطلع على أسرارهم، يبيع الواحد في السوق سمنه وعسله وبضاعته فيراقب الله، يسافر أحدهم والله معه بعلمه، يتكلم أحدهم أو يخاصم أو يدعي والله نصب عينيه كما قال صلى الله عليه وسلم: {اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه؛ فإنه يراك}. هذا هو التوحيد، يقول أبو بكر، كما ذكر عنه الإمام أحمد في ترجمته في كتاب الزهد: [يا أيها الناس، استحيوا من الله حق الحياء، فوالذي نفسي بيده إني لأخرج لقضاء حاجتي، فأضع ثوبي على وجهي حياءً من ربي]] هذا أبو بكر لأنه أصبح في منزلة الإحسان، أو درجة الإحسان العظمى: {اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تره؛ فإنه يراك}. وعلمهم عليه الصلاة والسلام أن الله معهم بعلمه كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:7] بعلمه {وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة:7] بعلمه سبحانه. يقول أهل السير بأسانيد صحيحة: جلس عمير بن وهب - جاهلي من كفار مكة جلس تحت ميزاب الكعبة مع صفوان بن أمية، فقال عمير بن وهب: يا صفوان، أما ترى ماذا فعل بنا محمد، يعني في معركة بدر، قتل آباءنا وإخواننا، وأرحامنا، يا ليت لي من يكفيني بأهلي ومالي، وأذهب إليه، فأقتله في المدينة، قال صفوان: أنا أكفيك مالك وأهلك، واذهب إليه، فاقتله، فسم عمير بن وهب سيفه بالسم شهراً كاملاً، حتى أصبح السيف أزرق، ثم ذهب يمشي في الليل، وينام في النهار، حتى وصل إلى المدينة، ليقتل محمد عليه الصلاة والسلام. يقول الله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] الذي يحفظك من الناس هو رب الناس. وصل عمير بن وهب، فلما اقترب رآه عمر، ورأى الشر في وجهه، فأخذه بتلابيب ثوبه، وأدخله على الرسول عليه الصلاة والسلام، قال له عليه الصلاة والسلام: يا عمير بن وهب، ماذا جاء بك؟ قال: جئت أزور إخواني الأسارى -أسارى بدر- قال عليه الصلاة والسلام: كذبت، وإنما جلست أنت وصفوان بن أمية تحت ميزاب الكعبة يوم كذا وكذا، فقلت أنت كذا وكذا، وقال لك كذا وكذا، فقلت له: أنا أقتل محمداً وما كان الله يخلي بيني وبينك لتقتلني، قال عمير: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، فمن الذي أعلمه؟ قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59].

جزاء تحقيق التوحيد

جزاء تحقيق التوحيد التوحيد أولاً، ليعيش المسلم وقته وعمره، في صلاته، في سوقه، في دكانه، في مكتبه، في فصله، بالتوحيد، هذا هو معنى التوحيد. أما قراءة التوحيد مجرداً في كتاب التوحيد والطحاوية ومعارج القبول، ثم تجريده من الواقع، فهذا ليس بصحيح ولا نافع، فإن أكثر المعلومات يعلمها الكافر ولا يعمل بها، فلا تنفعه عند الله. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1] خولة بنت ثعلبة أتت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تشتكي زوجها، قالت عائشة: والله ما كنت أسمع كلامها في طرف البيت، فسمع الله كلامها من فوق سبع سماوات، فأنزل الله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1] عقيدة التوحيد تؤخذ من القرآن، وتؤخذ بياناً من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ليعيش العبد صادقاً مع الله، متوكلاً على الله، كما كان إبراهيم عليه السلام، وكما كان رسولنا صلى الله عليه وسلم. يقول عليه الصلاة والسلام: {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك} لماذا؟ لأن كل شيء بقضاء وقدر، والذي أجرى الأمور وسيرها وقدرها هو الله. فيوم تعلم ذلك ترسخ العقيدة في قلبك، وتكون صامداً أمام الحوادث والأزمات، متوكلاً على الله، وهذه هي عقيدة الصحابة، والتي انتصروا بها- بإذن الله- توحيدهم توحيد الباري تبارك وتعالى لا يتعلقون إلا بالله. حضر السلف الصالح لفتح كابول عاصمة أفغانستان، كابول التي ضيعناها يوم ضيعنا لا إله إلا الله، كابول التي ذهبت من أيدينا رخيصة، يوم رخصت في قلوبنا لا إله إلا الله، كابول التي تنادينا لندخلها بلا إله إلا الله، ونحن لن نرجع فلسطين، وكابول، ولن نستعيد مجدنا وكرامتنا إلا بلا إله إلا الله. العرب قاتلوا إسرائيل أربعين سنة، فما انتصروا؛ لأن بعض جيوش العرب كانت تسير المسيرة الصباحية، والهتاف لهم في الصباح يقول: آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ماله ثاني هذا هتافهم على الموسيقى في الصباح. فأراهم الله من هو الديان، وأخبرهم الله من هو الواحد الأحد الذي يضر وينفع: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]. حضر السلف الصالح في تطويق كابول جيش عرمرم، فطوقوا كابول، فقال قائدهم قتيبة بن مسلم -رحم الله قتيبة، ورضي الله عن قتيبة، يقولون: كان قبل المعركة يمرغ وجهه بالتراب ويبكي ويقول: اللهم انصرنا نصراً من عندك، رضي الله عنك ورفع منزلتك-. رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا يقولون: لما حضر قال: التمسوا لي محمد بن واسع العابد الشيخ الكبير، لكن موحد، قال: اذهبوا، فابحثوا لي عنه، فوجدوه صلى ركعتين، ورفع إصبعه إلى السماء يطلب النصر من الله- إصبع التوحيد- لا إله إلا الله، فرجعوا إلى قتيبة، قالوا: وجدناه يدعو للجيش بالنصر، وقد رفع إصبعه، فبكى قتيبة بن مسلم، وقال: والله الذي لا إله إلا هو، إن أصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير، وفتحوا كابول بإذن الله، وأذنوا في مآذنها، ورفعوا لا إله إلا الله. من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا

عاقبة تضييع التوحيد وإهماله

عاقبة تضييع التوحيد وإهماله لما ضيع الناس التوحيد في عقائدهم، وفي عباداتهم ومعاملاتهم، خسروا سعادة الدنيا، وأتاهم من الهموم والغموم ما الله به عليم، لأنه كما يقول ابن تيمية رحمه الله: يقرن الله بين الاستغفار والتوحيد؛ لأن العبد دائماً يقصر، ولا يكمل تقصيره إلا التوحيد. يقول سبحانه في الاستغفار والتوحيد: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] وقال حكاية عن ذي النون بن متى عليه السلام لما وقع في البحر، وأصبح في ظلمات ثلاث: ظلمة الماء، وظلمة الليل، وظلمة الحوت، فمن يدعو ذو النون، هل يدعو زوجته؟ هل يدعو قبيلته؟ هل يدعو أسرته؟ هل يدعو ولده؟ لا. فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان فقال كلمة وهو في بطن الحوت، بين ضلعي السمك، قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، يقول سبحانه بعدها مباشرة: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88] وأخرجه الله، فالتوحيد والاستغفار هو العقيدة المثلى التي يعيشها المسلم في حياته في الجزئيات، لكن فسدت عقائد بعض الناس، فخسروا سعادة الدنيا والآخرة. كان عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري إذا اهتم يقول: {لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم} وكان يقول إذا قام من الليل كما في صحيح مسلم من حديث عائشة: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}. يقول بعض العلماء: قرن عليه الصلاة والسلام في هذا الدعاء دعاء الله بأشرف أسمائه، ثم بأشرف مخلوقاته، ثم طلبه سبحانه أن يهديه سواء السبيل. هذا هو التوحيد. وعند البخاري عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قام يصلي صلاة الليل التي ضيعها كثير من الناس، يوم ضيعوا مفهوم لا إله إلا الله، صلاة الليل التي استبدل بها كثير من الناس السهرة الماجنة، والمجلة الخليعة، والرقصات، واللهو، والغيبة، والنميمة، صلاة الليل التي هي إيمان وحياة. فكان عليه الصلاة والسلام إذا قام من الليل يقول: {اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض، ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت}.

أسباب فساد العقيدة

أسباب فساد العقيدة عقائد الناس فسدت بأسباب، من هذه الأسباب: تقديس بعض الناس كمشايخ الصوفية، وصرف بعض العبادات لهم، واعتقاد النفع والضر منهم، أو بعض المشعوذين أو السحرة، أو الكهنة الذين صدوا عن منهج الله، عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لأنهم أعداء الرسل عليهم الصلاة والسلام. أحد هؤلاء الصوفية وهو البوصيري يقول: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند نزول الحادث العمم إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم يقول: ألوذ بك، وأعوذ بك، شافني وعافني واغفر ذنبي، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يغفر الذنب، ولا يملك ضراً ولا نفعاً، إنما هو بشر يأتيه الوحي ويبلغ الرسالة، ويهدي الناس بإذن الله، لكن لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً. والصوفي الآخر يقول عند قبر الرسول عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما فأقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما يقول: يا رسول الله! أنا أذنبت خمسين سنة، أريد منك أن تقيلني عثرتي، وتغفر لي ذنوبي، فلا إله إلا الله كم خدشوا وجه التوحيد، وكم غيروا معالمه، وجماله وإبداعه، هذا سبب فساد العقيدة. وعند أبي داود في السنن بسند جيد: {أن وفد عامر بن صعصعة وفدوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فجلسوا عنده، فقالوا: أنت سيدنا، وابن سيدنا، وأفضلنا فضلاً، وأطولنا طولاً، وكذا وكذا، فغضب عليه الصلاة والسلام، وقال: يا أيها الناس، قولوا بقولكم، أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان} خاف أن يطروه فيرفعوه عن منزلته، لأنه بشر قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [فصلت:6] بشر يأكل ويشرب، وينزل السوق {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان:7] فهو بشر عليه الصلاة والسلام فأراد عليه الصلاة والسلام أن يخبرهم أنه بشر. أتاه أعرابي من الصحراء، قال: {يا رسول الله! جاع العيال، وضاع المال، وانقطع الغيث، فاستسقِ لنا الله، فإننا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، فقال عليه الصلاة والسلام: سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! ويحك! ويلك! أجعلتني لله نداً إن الله أعظم من ذلك إن شأن الله عظيم، إنه لا يستشفع به على أحد من خلقه} أصاب في قوله: نستشفع بك على الله وهو حي، وأخطأ في قوله: ونستشفع بالله عليك، لا. لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، لأن الله أعظم وأكرم وأجل، وقطع عليه الصلاة والسلام الطرق الموصلة إلى الشرك، أو تسهيله أو إلى إماتة التوحيد في القلوب. يقول عمر في الصحيح: {كنت في قافلة مع أناس من الصحابة، فحلفت بأبي، قال عليه الصلاة والسلام: أيها الناس، إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، قال عمر: فوالذي نفسي بيده، ما حلفت بأبي ذاكراً ولا آثراً} أذكره عن نفسي، أو آثره عن أحد، انتهى. وجاء في السنن: {أن أعرابياً قال: ما شاء الله وشئت، فقال: بل ما شاء الله وحده، ويلك أجعلتني لله نداً!}. فسبحان الله! ما أعظم العقيدة والتوحيد والأسماء والصفات يوم ترسخ في قلوب عباد الله!

أعداء التوحيد

أعداء التوحيد واعلموا بارك الله فيكم، أن للتوحيد أعداء:

من أعداء التوحيد إبليس وفرعون

من أعداء التوحيد إبليس وفرعون ومن أول أعدائه إبليس عليه لعنة الله، رفض لا إله إلا الله، ورفض أن يسجد لرب لا إله إلا الله، وسار على منواله فرعون، وكل من سار على موكب فرعون. يقول فرعون في التوحيد: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] ويقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] فأجراها الله من فوق رأسه. نعم، دخل عليه موسى عليه السلام- رسول التوحيد- قال: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الاسراء:102] وقبلها من الذي علم موسى التوحيد؟ الله، أول لقاء بين موسى وبين ربه في المكالمة، يقول له: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} [طه:11] {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:14]. أعظم تعريف عند أهل السنة والجماعة لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه الله الذي لا إله إلا هو {يَا مُوسَى} [طه:11] {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:14] هذا هو التعريف العظيم. يقولون سيبويه صاحب الكتاب في النحو رحمه الله توفي، فرئي في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: لأني لما وصلت إلى لفظ الجلالة "الله" قلت: الله أعرف المعارف، فأدخله الله الجنة. فيقول الله لموسى -يعلمه التوحيد في أول لقاء-: يا موسى إنني أنا الله أي: قبل أن تدعو فرعون، وقبل أن تتحرك بالدعوة، وقبل أن تؤدب الناس. يا موسى قبل أن تجاهد في سبيل الله، يا موسى قبل أن تقيم دولتك في الأرض اعلم أنه لا إله إلا الله. يعلمها الناس، ولا بد أن كلنا جميعاً، يعلمها المسلم، ويعلمها الأستاذ في فصله، والمزارع في مزرعته، والتاجر في دكانه، والجندي في مهمته، كل يعلم هذه القضية لنعيش حياة الإيمان، وإذا ما علمناها، فسوف تبقى حياتنا مضطربةً متمزقةً بعيدةً عن الله. دخل موسى على فرعون، فقال: يا ملعون يا فاجر، أنت تدري في قلبك أن الذي خلق السماوات والأرض الله، لكنك تعاميت: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الاسراء:102]. يقول ابن تيمية عند هذه الآية: لم ينكر الخالق في الظاهر إلا فرعون، وإلا فالأمم جميعاً أقروا بالخالق أنه الله. {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87] وكفار قريش: أبو جهل وأبو لهب وأمية بن خلف إذا ركبوا في السفينة، وأرسل الله عليهم الريح الصرصر، وتمايلت بهم السفينة، يقولون: الله الله، قال سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65] أي: وقت الأزمات والشدائد، لكن إذا خرجوا إلى البر تساهلوا في مسألة لا إله إلا الله. يوجد منا اليوم من يصلي ويصوم ويحج ويعتمر، لكن يخاف من البشر أعظم من خوفه من الله، كثير من الناس، يخاف من مرءوسه في العمل أن يحاسبه على تغيبه، ولكنه لا يستشعر مراقبة الله عز وجل، ولو خلا له الحال لفعل لأفاعيل، وما خوفه إلا من البشر، لا من رب البشر.

من أعداء التوحيد: النمرود

من أعداء التوحيد: النمرود ومن أعداء التوحيد: النمرود بن كنعان، حتى بلغ من عتوه قوله بأنه سوف يقتل ربه! دخل عليه إبراهيم عليه السلام - إمام التوحيد- قال الله عز وجل عن هذه القصة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة:258] لم يقل إبراهيم: ربي عليم، لأن هذه قد تكون أسماء مشتركة فلو قال: عليم، لقال النمرود: وأنا عليم، ولو قال: ربي حي، قال: وأنا حي، لأن لله حياة تليق بجلاله، وللمخلوق حياة تليق به، ولله علم يليق به سبحانه، وللمخلوق علم، وهذا أمر معلوم، فأتى إبراهيم عليه السلام بصفة لا ينازع فيها المخلوق ربه، قال: ربي الذي يحيي ويميت، قال: أنا أحيي وأميت، قال إبراهيم: كيف تحيي وتميت؟! فأخرج مسجونين محبوسين، وقال: هذا أحييه أطلقه وأعفو عنه، وهذا أميته فأقتله، فذبحه -وهذا خطأ وليس إحياءً ولا إماتةً، قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق، فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر، واندحر ورسب والله لا يهدي القوم الظالمين.

دروس مهمة في التوحيد

دروس مهمة في التوحيد هنا دروس مهمة؛ منها:

تغير الكون بأمر الله

تغير الكون بأمر الله أن التغيرات في الفلك بأمر من الله عز وجل. تقضون والفلك المقدر سائر وتقدرون فتضحك الأقدار وملاحدة علماء الفلك لا يعترفون بهذه القضية، يقولون: إذا وقعت زلزلة أو بركان قالوا: السبب انصداع في القشرة الأرضية، لكن من قدر هذا وكتبه وقضاه؟!

علم الكيمياء والتوحيد

علم الكيمياء والتوحيد كثير من علماء الكيمياء لا يعيشون التوحيد في علومهم، وفي بعض المقررات الموجودة في الساحة عبارة، يقولون: المادة لا تستحدث ولا تفنى، وهذه من كيس استالين ولينين وفرعون , وأما محمد عليه الصلاة والسلام فهو منها براء، وهي تخالف التوحيد. "المادة لا تستحدث ولا تفنى" قصدهم (لا تستحدث) أنها قديمة، فيثبتون مع الله قديم والله عز وجل هو الأول والآخر: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27].

التعلق بغير الله

التعلق بغير الله دخل بعض الشعراء يمدح سلطاناً، وبعض الناس ينسى الله في بعض المواقف، هذا الشاعر مدح السلطان، ولكنه جرح التوحيد، وخلع الإسلام عند الباب، يقول الحسن بن هانئ في السلطان: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار لا إله إلا الله! جل الله! يقول: أنت الذي يحكم لا الأقدار، لا قضاء ولا قدر، أنت تفعل ما تريد. فخرج من قصر السلطان، فابتلاه الله بمرض عضال، يقولون: كان يعوي كالكلب على فراشه، أعيا الأطباء في فراشه، وأعيا العواد، وأخذ يتقلب الليل والنهار، وعرف أن المرض بسبب البيت الشعري، علمه الله من هو الواحد القهار، فزاره السلطان الممدوح، ووضع يده على صدره، وقال: ماذا أصابك؟ قال: أبعين مفتقرٍ إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالقِ لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق يقول: أنا لا ألومك، ألوم نفسي، لأنني مدحتك بشيء يقدح في التوحيد والعبودية والألوهية، إنما أنا الملوم، لأنني تعلقت بغير الله، ومن تعلق بغير الله وكله الله إليه. وفي السنن بسند صحيح: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً في يده خيط قال: ما هذه؟! قال: أخذتها من الواهنة، قال: ألقها، فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فألقاها} وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {من تعلق بتميمة فلا أتم الله له} أي: لا أتم الله أمره ولا صحته ولا عافيته؛ لأنه جرح التوحيد، بتميمة عبارة عن قرطاس يعلق، أو كتاب يكتب فيه، أو خيط يربط ليشفى به المريض أو من به العيب، وهذا هو الصحيح، قطعاً للعلائق ولو كان من القرآن، فإن الصحيح عند أهل العلم من جمهور أهل السنة، أنه لا يعلق شيء من القراطيس والكتابات بالنحور ولا بالصدور، ولو كان من القرآن؛ لأنه جرح لمعالم التوحيد، لأنه التوحيد أولاً، {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19].

التفكر في آيات الله الكونية

التفكر في آيات الله الكونية أيها المسلمون: أقف معكم في بعض الآيات في التوحيد وأشرحها. يقول ابن كثير: رئي أبو نواس في المنام، والمنامات عندنا لا نتركها تركاً، ولا نجعلها أصلاً، ولا نعلق عليها أحكاماً، والذين قالوا: لا نأخذها ولا نذكرها، أخطئوا، والذين قالوا: نعتبرها أصولاً وأحكاماً أخطئوا، والوسط أنها مبشرات، وقد ذكرها عليه الصلاة والسلام والسلف. هذا الشاعر رئي في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قالوا: بماذا؟ قال: بقصيدتي في النرجس وهي قصيدة اسمها النرجسية في ديوان أبي نواس، يذكر توحيد الله في الورود؛ لأن الله خلقه في الكون {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191]. والتوحيد أمر عجيب! هناك بعض الكبار لا يكتبون ولا يقرءون، لكن توحيدهم أعظم ممن يحمل رسالة الدكتوراه، فبعض الناس عنده دكتوراه لكن لا يصلي في المسجد، عنده فقط تصحيح المخطوط، وطبعة بولاق على دار الشروق، وأخر صلاة المسجد حتى الشروق! فما صلى لأنه مشغول برسالته، وسوف يجد الرسالة العظمى تنتظره عند الله، فليست المسألة بكثرة المعلومات التي تصب في سلة الأذهان، إنها سلة مهملات، لا تقيم وزناً في حياة العبد. بعض الناس لا يقرأ ولا يكتب، لكن قرأ التوحيد في الكون. وكتابي الفضاء أقرأ فيه سوراً ما قرأتها في كتاب يقرأ التوحيد في السماء والأرض. الرسول صلى الله عليه وسلم أمي لا يكتب ولا يقرأ، وأول ما أنزل الله إليه قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]. قال أهل العلم: أين يقرأ عليه الصلاة والسلام، هو لم يقرأ ولم يكتب، قالوا معنى الآية: اقرأ في كتاب الكون، اقرأ في السماء اللامعة، اقرأ في النجوم الساطعة، اقرأ في الجدول والغدير، اقرأ في الماء النمير، اقرأ في الشجر، اقرأ في القمر، اقرأ في كل شيء. يقول أبو نواس: تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك يقول لماذا لا تتفكر في الأرض؟ {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:9 - 11] قال: تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجينٍ شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك فأدخله الله الجنة، لأنه وحّده، وعرف أنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في هذا الكون، هذه قضية لا بد أن تفهم. خرج أهل اليمن من صنعاء، يطلبون الغيث من الله، وكان معهم شيخ علم أمامهم، فلما استسقى بهم، ألقى قصيدة اسمها" قصيدة الاستسقاء" منظومة على وزن منظومة ابن دريد: يا ظبية أشبه شيء بالمها، يقول: سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزل مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجى كم فرج من بعد يأسٍ قد أتى وكم سرور قد أتى بعد الأسى إلى أن ذكر الاستسقاء، فما انتهى منها إلا والناس يبكون والغيث يملأ البلاد، هو التوحيد الخالص، وهو التوحيد الذي يجعلك تترك فراشك لتقوم لصلاة الفجر في شدة البرد. هذا التوحيد عاش مع أبنائنا، وبعض شبابنا في أمريكا وبريطانيا ودول الغرب، وهم بين دول الكفر، عندنا شاب طالب علم من الجزيرة، خرج بلا إله إلا الله ملئ قلبه، ما خرج بالغناء الماجن، ولا خرج بهل رأى الحب سكارى مثلنا، بل خرج بلا إله إلا الله، ووصل إلى لندن هناك، وكان مع أسرة إنجليزية، يعمل معهم، ويسكن معهم، وكان إذا حانت صلاة الفجر بتوقيت لندن، قام إلى الصنبور وفتح الماء وتوضأ، وقام يصلي، فتقول له عجوز إنجليزية: مالك تقوم في هذه الساعة؟! قال: أصلي، قالت: لو أخرت قليلاً؛ فإن الجو بارد، قال: لو أخرت ما قبل الله مني صلاتي! فهزت رأسها، وقالت: هذه إرادة تكسر الحديد، إرادة لا إله إلا الله، وقوة لا إله إلا الله، أن تجعل الشاب هناك وهو يعيش بين المعاصي والمنكرات والشهوات، يعيش كأنه من الصحابة، والله وجد هناك من يعيش في تلك البلاد الآثمة البغيضة اللعينة، وهو يقوم الليل ويصوم الإثنين والخميس، ويقرأ القرآن، ويدعو، ويجوب الولايات كلها، للدعوة إلى سبيل الله، لصدق لا إله إلا الله، ووجد عندنا هنا عند الركن والحطيم من لا يصلي الصلوات الخمس، حكمة بالغة، وقدرة نافذة، فما تغني النذر؛ لأن أولئك حملوا التوحيد الخالص الذي أتى به عليه الصلاة والسلام، وأما هؤلاء، فإنهم ركنوا إلى الشهوات والفروج والبطون فنسوا معالم لا إله إلا الله.

مقتضيات التوحيد

مقتضيات التوحيد أيها المسلمون: التوحيد لا فيه قضايا.

ترديد لا إله إلا الله كثيرا

ترديد لا إله إلا الله كثيراً القضية الأولى: أن نكثر من ترداد هذه الكلمة صباح مساء: الله أكبر كل هم ينجلي عن قلب كل مكبر ومهلل يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: {من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له عدل عشر رقاب، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به، إلا رجل عمل بعمله، أو زاد عليه}

تدبر معنى لا إله إلا الله

تدبر معنى لا إله إلا الله ثانياً: أن نتدبر معنى لا إله إلا الله! وأن نفهم محتواها، وأن نعيش معها بقلوبنا، لأنها هي الكلمة التي زلزلت من أجلها الأرض، وجاء الطوفان من أجل لا إله إلا الله، والصيحة، والريح الصرصر، والحاصب، والبركان، كلها أتت من أجل إقامة لا إله إلا الله، وكان إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، ونزول الكتب، وخلق الجنة والنار والصراط من أجل لا إله إلا الله، فلابد أن نعرف معنى لا إله إلا الله، إن معناها: أن لا معبود بحق إلا الله، ولا نافع ولا ضار إلا الله، ولا مقصود إلا الله، ولا كاشف للضر إلا الله، ولا شافي ولا معافي إلا الله الذي يجب أن نرهبه أعظم من كل من نرهب، ونخاف منه أعظم من الناس جميعاً، هذا هو التوحيد.

تطبيق لا إله إلا الله في الواقع

تطبيق لا إله إلا الله في الواقع ثالثاً: أن نعيش لا إله إلا الله عملاً، وأخلاقاً، وسلوكاً، فإذا عشنا لا إله إلا الله، ليس بنا حاجة إلى علم النفس، أو علم التربية من الغرب، إلا من باب الاستقراء والسبر والمقارنة، لا نأخذ علومهم على أنها مادة نفتقر إليها، لا وألف لا. لكن للسبر والمقارنة والاستقراء فقط، وإلا عندنا لا إله إلا الله، عندنا الدستور الخالد، عندنا القرآن والسنة. من بلادي يطلب العلم ولا يطلب العلم من الغرب الغبي وبها مهبط وحي الله بل أرسل الله بها خير نبي قل هو الرحمن آمنا به واتبعنا هادياً من يثرب يقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {والذي نفسي بيده، لا يسمع بي يهودي، ولا نصراني، ثم لا يؤمن بما أرسلت به، إلا دخل النار} هم عالة علينا، هم فقراء إلى ثقافتنا وحضارتنا، نحن معنا القرآن. فتحنا بك الدنيا فأشرق نورها وسرنا على الأفلاك نملأها أجرا سمعتك يا قرآن والليل واجم سريت تهز الكون سبحان من أسرى يقول ابن تيمية نظر الله وجه ذاك الرجل العملاق العظيم حقاً، الموحد الذي داس المبتدعة والخرافيين والزنادقة والملاحدة بقوة لا إله إلا الله، يقول: من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدي غير هدي الله الذي أرسل به محمد عليه الصلاة والسلام، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ويقول في مختصر الفتاوى: كل أرض لا تشرق عليها شمس الرسالة فهي أرض ملعونة، وكل قلب لا يرى نور هذا الدين فهو قلب مغضوب عليه، لا إله إلا الله عمل، يخرجك من فراشك تسمع: الله أكبر، فتخرج إلى المسجد لصلاة الفجر، لماذا جلس شبابنا في الفرش وما قاموا لصلاة الفجر؟ لماذا يأتي الوالد العجوز يقوم قبل الفجر بساعتين، وابنه القوي المتين صاحب البنية والعضلات لا يقوم؟! لأن قلب ذاك حي بلا إله إلا الله، وقلب هذا ميت بالغناء والمجون والبعد عن منهج الله. وعند الطبراني: يضحك ربك لثلاثة: ذكر منهم رجل خرج في قافلة مسافراً، فلما نزلوا في آخر الليل نامت القافلة جميعاً إلا هذا الرجل ما نام، قام إلى الماء البارد يتوضأ ويصلي ويبكي ويدعو الله، فجمع الله الملائكة، وباهى بهذا الرجل، وقال: يا ملائكتي انظروا لعبدي، ترك فراشه الوفير، ولحافه الدفيء، وقام إلى الماء البارد يتوضأ ويدعوني، أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة، هذه لا إله إلا الله. لا إله إلا الله يوم ترسخ في القلوب لن تترك الصلاة من أجل لعبة أو تسلية أو رحلة أو نزهة، ويوم ترسخ فينا لا إله إلا الله: لا نأكل الربا ولا نتعامل به؛ لأن لا إله إلا الله تقول: الربا حرام، يقول عليه الصلاة والسلام رسول لا إله إلا الله في صحيح مسلم: {لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه} ويوم ترسخ لا إله إلا الله في قلوبنا نعمل بها، فنغض أبصارنا. يقول أحد الصالحين: نظرت مرة إلى امرأة فجأة، قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة، وهذا من آثار الذنوب والمعاصي. وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيانِ فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني هذه لا إله إلا الله، لا إله إلا الله عمل وحياة، يأتي الإنسان التاجر يزن بضاعته، ويزن تمره وحبه، ويبيع قماشه، فيتذكر لا إله إلا الله، ولذلك كان الصحابة في الأسواق صحابة بلا إله إلا الله، وفي المسجد صحابة بلا إله إلا الله، أما أن نأتي ونميت لا إله إلا الله ففي وقت الصلاة عباد أخيار، ولكن عندما نخرج الأسواق ننسى أو في الخصومات، والمعاملات. لماذا كثر الكذب؟ لأن لا إله إلا الله ماتت. لماذا كثرت الغيبة؟ لماذا قطع الأرحام؟ لماذا عُقَّ الوالدان؟ لأن لا إله إلا الله ماتت.

تقوية التوحيد بالتفكر في مخلوقات الله

تقوية التوحيد بالتفكر في مخلوقات الله رابعاً: أن نعيش لا إله إلا الله في الكون بالتفكر والتأمل والتدبر، تنظر إلى الماء، فتتفكر من أجرى الماء، وتنظر في الهواء، فتتفكر من سير هذا الهواء، والسماء والأرض. {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] والله يعرض التوحيد في القرآن بأسلوبين: أسلوب الابتداء، وأسلوب القصص والأمثال: يصف لك الورد، والحدائق، والبساتين، فيردك إلى التوحيد، يصف لك الجبال، والسماء، والأرض، فيردك إلى التوحيد، فلا بد أن نعيش لا إله إلا الله في حياتنا قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21].

تدبر لا إله إلا الله في القرآن

تدبر لا إله إلا الله في القرآن خامساً: أن نعيش لا إله إلا الله في القرآن، فنتدبر آيات الله على مفهوم لا إله إلا الله، مفهوم التوحيد الصادق، فإن بعض المبتدعة يحفظ القرآن، لكن تجده صوفياً غالياً يدور في القبور، ويذهب إلى المشعوذين والسحرة والكهنة، وهو حافظ لكتاب الله، لم ينفعه القرآن؛ والسبب أنه ما أخلص لا إله إلا الله، وما عرف لا إله إلا الله. أيها المسلمون: هذه معالمنا نفقهها ونعلمها، نعلم أنه لا ينفع ولا يضر إلا الله، ونعيش التوحيد أولاً، ثم نعيش عبادتنا ومعاملاتنا وسلوكنا وأخلاقنا ثانياً. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

الأسئلة

الأسئلة

قصيدة: سأعود للدنيا

قصيدة: سأعود للدنيا السؤال يقول: أريد أن تسمعنا آخر قصيدة؟ A آخر قصيدة اسمها "سأعود للدنيا": القلب يملي والمدامع تكتب ومشاعري مجروحة تتصبب النجم يشهد أنني سامرته سحراً وطارحني بهم كوكب ما عشت في دنيا السعادة ماجناً كلا ولست بعود سلوى أطرب أبداً وما بعت الغرام شبيبتي طوعاً ومثلي في الشبيبة أشيب حرمت ليل الوالهين وصغت من دمعي نشيداً للخلود يرتب يا من رماني بالسهام تكسرت في أضلعي فسهامكم تتخضب يكفيك ظلمي يا ظلوم فعش به دهراً فإني في انتظارك أنحب نم ما استطعت فلن أنام ومهجتي مجروحة وربوع روضي مجدب دعني فلي في الليل أسهم دعوة سحراً تضج إلى السماء وتندب مهدودة العبرات ساخرة الجوى بحرارة الإخلاص لا تتهيب

موضع سجود السهو

موضع سجود السهو Q متى يكون سجود السهو قبل السلام، ومتى يكون بعد السلام؟ A عموماً من جعل السجود دائماً بعد السلام فقد أصاب، وليس في الأمر مخالفة بإذن الله، لكن في المسألة أولى وأحسن , ومن جعله قبل السلام دائماً فقد أصاب، لكن الأولى والأحسن كما يقول ابن تيمية: أنه إذا كان السهو عن زيادة فبعد السلام، كأن زاد خامسة في صلاة رباعية، وإذا كان عن نقص، فهو قبل السلام، هذا هو الصحيح على الأحاديث باختصار، ونكتفي بهذا، لأنه شبه قاعدة وهو رأي الإمام مالك.

زكاة الحلي الملبوس

زكاة الحلي الملبوس Q هل على الحلي التي تلبسها النساء زكاة أم لا؟ A قبل أن أجيب عن هذا السؤال، يا أيها الإخوة تعلمون أن أهل العلم يختلفون في الفروع، وقد ذكر ابن تيمية في مختصر الفتاوى جملة طيبة يقول: هذا وإجماع الأمة حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، فأهل العلم يختلفون في الفروع، لكن في الأصول لا يختلفون، والحمد لله قد أجمعوا على الأصول وعلى المعتقد، فما اختلفوا بحمد الله أبداً، وللعلماء عذر إذا اختلفوا، من أعذارهم أنه ربما يصل الدليل لعالم ولا يصل العالم الآخر، ومنها أن يكون هذا الحديث صحيح عند هذا العالم، ضعيف عند العالم الثاني، ومنها أن يكون الحديث ثابت عند هذا منسوخاً عند ذاك، ومنها أن يفهم هذا العالم غير ما يفهم ذاك العالم، فهذه أعذار. أما زكاة الحلي؛ فالصحيح أن في الحلي الملبوس للمرأة من ذهب وفضة زكاة، لعموم قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:34] ولقوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاته، إلا صفحت يوم القيامة صفائح، ثم تكوى بها جبهته، وجنبه وظهره} وعند أبي داود والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بسند حسن: {أن امرأة أتت رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي يديها سواران من ذهب، قال: أتؤدين زكاته؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ فألقتهما، وقالت: هما لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام} وعند أبي داود وصححه الحاكم: {أن أم سلمة كانت في يديها أوضاح، فقال صلى الله عليه وسلم: أتؤدين زكاته؟ قالت: أكنز يا رسول الله! قال: أتؤدين زكاته؟ قالت: نعم. قال: فليس بكنز} فالصحيح أن في الحلي زكاة على رأس الحول يثمن، ويدفع من ثمنه في الألف خمسة وعشرين، وفي المائة ريالين ونصف، هذا هو الصحيح والراجح عند أهل العلم.

المسافة التي تقصر فيها الصلاة

المسافة التي تقصر فيها الصلاة Q ما هي مسافة السفر التي تقصر فيها الصلاة؟ A المسافة على الصحيح لم تحدد، ويقول ابن تيمية: ما سمي سفراً فهو سفر، فإن الله لم يحد في كتابه مسافة، ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، وإنما بعضهم: ثلاثة فراسخ، أو ثلاثة برد، أو أربعة برد، لا. لم يحد الله عز وجل ولا رسوله عليه الصلاة والسلام مسافة، وإنما ما سمي عند الناس وفي اللغة والعرف سفراً فهو سفر، لأن الله يقول: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء:43] ولم يحدد مسافة، فمن حدده بمسافة فقد خالف الدليل، فمن قال: سوف أسافر إلى الطائف، هذا صحيح، لأن العرف يصدقك، والناس يصدقونك، هذا يسمى سفر، لكن إذا قلت أسافر إلى الباحة، ليس بسفر، وهذا ليس بوارد، إذن فما سمي سفراً فهو سفر.

الغسل من الجنابة

الغسل من الجنابة Q كيفية الغسل من الجنابة؟ A الغسل الكامل أن تتوضأ وضوءك للصلاة قبل أن تغتسل من الجنابة، كما فعل عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة وميمونة، ثم تبدأ فتغسل رأسك، والمرأة تنقض شعرها في الحيض على الصحيح إذا كان لها ظفائر وجدائل، ولا تنقض شعرها عند غسل الجنابة، يكفيها أن تروي الرأس، فإذا أتيت إلى شعرك فاروه، ثم أفض عليه ثلاث مرات، ثم اغسل ما ارتفع من جسمك قبل أسفله، ويمينك قبل أيسرك، هذا الغسل الكامل أما الغسل المجزئ، فهو أن ترش جسمك بالماء، وتنوي الوضوء فيدخل فيه، إلا إذا مسست فرجك، فإنك تعيد الوضوء، هذا هو الصحيح.

معنى حديث (النهي عن بيعتين في بيعة)

معنى حديث (النهي عن بيعتين في بيعة) Q ما معنى حديث: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة}؟ A هذا الحديث في سنن أبي داود، وهو حديث حسن, ومعنى نهى صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة، عند بعضهم: هو أن تقول هذه السلعة (السيارة) بثلاثين ألف الآن، أو بأربعين ألف بعد شهر، وهذا خطأ ليس هذا المراد في الحديث، يقول ابن القيم: معنى: نهى صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة، هي بيع العينة، وهي أن تبيع سلعة من رجل بدين بنسيئة؛ مثلاً سيارة بستين ألف بعد سنة يدفعها، ثم تشتري السيارة منه نقداً بأربعين ألف، هذا محرم، وقد يفعله بعض الناس في المعارض، يبيعون سيارات للناس بدين، ثم يدفعون لهم نقداً لحاجة أولئك للنقد، ويريدون السيارة يترجعونها، هذا بيع باطل، وهو بيع العينة، وقد قال عليه الصلاة والسلام في سنن أبي داود: {إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه إلا أن تراجعوا دينكم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فهذا معنى البيعتين في بيعة، أما الصورة التي يذكرها بعض العلماء فهي جائزة كأن تقول: هذه سيارتي إن كنت تدفع الآن فهي بثلاثين ألف، أو بعد شهرين بأربعين ألف، فجائز، قال أهل العلم: زيادة الثمن من أجل زيادة الأجل جائزة؛ لأن عقلاء العالم يعرفون أن النقد ليس كالدين أبداً، من ينقد لك القيمة ليس كمن يدين، فلك أن تزيد الثمن من أجل زيادة الأجل.

ضعف حديث (الدعاء مخ العبادة)

ضعف حديث (الدعاء مخ العبادة) Q ما صحة حديث {الدعاء مخ العبادة}؟ A حديث: {الدعاء مخ العبادة} رواه الترمذي بسند ضعيف، وفي سنده دراج أبو السمح، يروي عن أبي الهيثم الشامي، وروايته عن أبي الهيثم ضعيفة، لكن صح عنه عليه الصلاة والسلام عند الحاكم أنه قال: {الدعاء هو العبادة.

حكم زيادة: إنك لا تخلف الميعاد

حكم زيادة: إنك لا تخلف الميعاد Q ما حكم زيادة " إنك لا تخلف الميعاد" بعد الأذان؟ A " اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد" زيادة صحيحة، وابن حجر يرى أنها حسنة، والبيهقي يحسنها، وبعض الناس مثل الألباني يقولون: ضعيفة، لكن الصحيح إن شاء الله أنها صحيحة ثابتة فتقال.

ضعف حديث: (رجعنا من الجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر)

ضعف حديث: (رجعنا من الجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر) Q ما صحة حديث {رجعنا من الجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر}؟ A حديث ضعيف، قال ابن تيمية: لا أصل له، بل هو باطل.

ضعف حديث: (قيدوا العلم بالكتاب)

ضعف حديث: (قيدوا العلم بالكتاب) Q ما حكم حديث: {قيدوا العلم بالكتابة}؟. A حديث موضوع.

حديث: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر)

حديث: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر) Q ما حكم حديث: {من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر؛ لم يزدد من الله إلا بعداً}؟ A الحديث باطل لا أصل له، بل العبد الذي يصلي ولو كان مذنباً، أقرب إلى الله من العبد الذي لا يصلي.

حكم من خلط العمل الصالح بالسيء

حكم من خلط العمل الصالح بالسيء Q أنا رجل أصلي وأصوم، ولكني أسمع الأغنية، وأطالع المجلة، فهل يقبل الله عملي؟ A أنت من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، والله يحاسبك بصلاحك، وبما فيك من سيئات، ولكن نصيحتي لك أن تصلح عملك، وأن تصحح مسيرتك، وأن تجتنب الغناء، فإنه محرم بالإجماع عند أهل العلم، وهو يورث النفاق، والبعد عن الله، ويورث قسوة القلب، ويقطعك عن ذكر الله عز وجل، وعن ذكر الآخرة، وكذلك المجلة الخليعة، ورفقة السيئين قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67].

خطر غلاء المهور والرشوة والإسراف

خطر غلاء المهور والرشوة والإسراف Q ابتلينا في منطقتنا بغلاء المهور، وكذلك الرشوة، والمبالغة في الولائم، أرجو التعليق على ذلك؟ A أما غلاء المهور، فهو من شر ما ابتليت الأمة، وكان له عواقب ونتائج منها: أن الله لا يبارك في هذا المهر الذي يحوزه الوالد، حتى وجد أن من أفقر الناس من يتاجر في بناته، عنده ثمان بنات، ويأخذ في الواحدة مائة ألف، وهو من أفقر الناس، لأن الله لا يبارك في هذا، وبارك الله في أقلهن مهراً، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوا؛ تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. غلاء المهور من عواقبه عزوف كثير من الشباب والفتيات عن الزواج، وهذا أمر سبب ارباكات في مجتمعنا، وسبب ويلات منها والعياذ بالله: المعاصي، ومنها كذلك: تفويت الزواج على كثير من الشباب والشابات، وهذا أمر خطير، وبعض الآباء لم يفهموا هذه القضية، ولم يتأملوها، ولم يفقهوا فيها، إنما همهم المال، فوصيتي تقليل المهر، والمساعدة للمتقدمين، ووصيتي للشباب أن يتقدموا ويعفوا أنفسهم بالزواج، وألا تكون الدراسة، وبعض الأسباب الدنيوية عائقاً عن الزواج، فإن الزواج أهم عند المرأة من مواصلة دراستها، فهو الحياة الحقيقة، والحياة بغير الزواج للمرأة أو الرجل ليست بكاملة. وأما بالنسبة للرشوة: {لعن صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي} وفي بعض الروايات {والرائش} وتعرفون كم أفسدت من الحقوق، وكم عطلت من الأحكام، وكم صرفت من الواجبات، وكم أدمت من قلوب. الرشوة إذا وجدت في مجتمع ضاع الضعيف؛ وأخذ مال المظلوم؛ وانتهكت المحارم. الرشوة إذا وجدت؛ فسد الأمر، ونسأل الله عز وجل أن يصلح لنا ولكم البطانة، وأن يتولانا وإياكم، فإن من عواقب الرشوة أنها أكلٌ حرام {كل جسد نبت من السحت، فالنار أولى به} وأما المبالغة في ولائم الرياء والسمعة فإن أثرها وخيم، وصاحبها يدخل في عموم الحديث: أول من تسعر بهم النار ثلاثة، منهم الجواد الذي صنع الولائم في الدنيا وأكرم الناس يستدعيه الله عز وجل يوم القيامة، فيقول: يا فلان بن فلان أما منحتك المال؟ أما أعطيتك؟ قال: بلى يا رب، قال: فأين ذهبت به؟ قال: أطعمت الجائع، وكسوت العاري، وأنفقت في سبيلك، قال الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: إنما فعلت هذا ليقال جواد، وقد قيل، فخذوه إلى النار، فيأخذونه فيسجرون به النار، ونعرف والله كثير من الناس ذبح في بعض الولائم خمسين رأساً من الغنم، ويوم طلب يتبرع في أفغانستان وبعض المساجد رفض، وهذا يدل على أنه ما فعل ذاك إلا رياءً وسمعةً ومجاملةً، وطلب مديح الناس، فجزاؤه عند الله والعياذ بالله! حاتم الطائي أنفق أمواله كلها، فيقول ابنه: {يا رسول الله، أينفع أبي أمواله التي أنفق، قال: لا. إن أباك طلب شيئاً فأصابه} طلب الرياء والسمعة والصيت، فأعطاه الله السمعة والصيت , وليس له أجر عند الله {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23]. وقال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110]. وصيتي بالاقتصاد في الولائم، وأن تكون الوليمة على قدر المدعويين, وأن يختصر في الزواجات حتى تكون أقل تكلفة على الناس، وعلى المتزوجين؛ لأن العرف إذا ساد بالتكليف، كلف الفقراء والمساكين ما لا يستطيعون مجاراة للناس.

حكم العرضة المقرونة بالزير والمزمار في العرس

حكم العرضة المقرونة بالزير والمزمار في العرس Q ما الحكم في العرضة المقرونة بالزير والمزمار، وشعر المدح في أهل المعرس، أو القبيلة بما ليس فيهم؟ A هذه مسألة من أكثر ما سئلت عنها، وهي موجودة في المنطقة، ونحن نعرف، لأننا من أهل هذه المنطقة، نعرف هذه العرضات، وما يصاحبها من زير وزلفة ودف وطبل، وقد سألت عنها شخصياً سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز، ومعي الشيخ/ سعيد بن مسفر في الطائف، قال الشيخ: الذي يظهر أنها محرمة لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} وهذه من المعازف، فلا يجوز الزير للرجال، ولا الدف، ولا الطبل، ولا الزلفة، ولهم أن يعرضوا بنشيد وبقصائد بدون طبل ولا زلفة، وقلنا لبعض الناس، قالوا: مالها طعم بدون زلفة وزير هذه ما تصلح، قلنا: أهم شيء الشريعة، يقول ابن القيم: بعض الناس فسدت أفهامهم، فعارضوا الشريعة بالعادات: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] فلهم أن يعرضوا بدون دف، ولا طبل، ولا مزمار، فيقول الشيخ: إنها من أدوات العزف، وفي مسند أحمد قال: والكوبة، والكوبة هي: مثل الدف والطبل والمزمار. أما النساء، فيجوز لهن في الأعراس الضرب بالدف بالأيدي - الدف: الذي من وجه واحد- أما الزيرة هذه، فهي من الزأر الذي يأتي بالجنان، هو خمر العقول، حتى بعض الناس إذا سمع الزير هذا يغمى عليه، وبعضهم يقوم بلا شعور، فهذا دليل على أنه يخمر العقول، وهو العلة في تحريم المعازف التي حرمها رسول الله عليه الصلاة والسلام. أما شعر المديح، فسوف يوقف الله كل عبد بما قال، والشعراء غالبهم إنما يأتون أجراء بالمال، فيمدحون صاحب البيت، ولو كان لا يعدل قرشين، أو ريالين، فيقول: أنت حاتم الطائي، وأنت فعلت، وأنت صنعت، وأنت بركة العصر، ودرة الدنيا، ومجدد هذا القرن، وهو لا يساوي شيئاً، وعلمهم عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى، وهم في جانب آخر يواشون ويناكتون بين القبائل، ويحيون العصبيات الجاهلية، حتى سمعنا من كثير من كبار السن أن بعض القبائل تقاتلت من أجل قصائد قيلت في العرضات، فهؤلاء إثمهم على الله، وهم من مشعلي الفتنة؛ لأنهم يمدحون بعض القبائل على بعض، ونحن ليس عندنا قبلية، ولا عصبية، جمعنا الله بلا إله إلا الله تحت لواء واحد، وعقيدة واحدة، وفي مسيرة وقيادة ولاة الأمر، وفقهم الله لما يحبه ويرضاه قال الله: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103].

حال عصاة الموحدين في القبور

حال عصاة الموحدين في القبور Q ما حال العصاة الموحدين في قبورهم، أفي عذاب دائم، أم يعذبون فترة وينقطع عنهم العذاب؟ A معتقد أهل السنة والجماعة: أن الموحدين قد يعذبون، وأنهم لا يخلدون في النار، وأن الموحدين قد يدخلون النار بذنوبهم، كشارب الخمر، والزاني والسارق، قد يدخل النار بذنبه، لكنه لا يخلد في النار، خلاف معتقد الخوارج والمعتزلة. وهل يعذبون في قبورهم؟ نعم، يعذب الموحد إذا كان مذنباً، كتب الله عليه العذاب فترة من الفترات، منهم من يعذب يوماً أو أسبوعاً أو سنة، نسأل الله العافية, أو أكثر أو أقل بحسب ذنبه، والظاهر في حديث صاحب العصا عن ابن عباس في الصحيحين التي قسمها عليه الصلاة والسلام على القبرين، الظاهر أنهم موحدون , وهذا هو الصحيح، لكن أحدهم كان لا يستبرئ من البول، والثاني كان يمشي بين الناس بالنميمة، فبذنوبهم عذبوا، قال عليه الصلاة والسلام: {فأرجو أن يخفف عليهما ما لم تيبسا} يعني العصا.

حقيقة الحجاب الشرعي

حقيقة الحجاب الشرعي Q ما هو الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة؟ A أن تغطي ما ظهر من زينتها بما فيها الوجه والكفين إلا في الصلاة، فإن المرأة عورة إلا وجهها وكفيها في الصلاة، لحديث عند الحاكم عن عبد الله بن جعفر، وهو صحيح: {المرأة عورة إلا وجهها وكفيها في الصلاة}.

حكم تربية اللحية وحلقها

حكم تربية اللحية وحلقها Q ما حكم تربية اللحية وحلقها؟ A تربية اللحية واجب، وحلقها محرم، وكل الناس يعرفون الحكم، والحمد لله، لا ينقصنا عدم معرفة الأحكام، لكن ينقصنا معرفة التوحيد أولاً.

حكم الكشف على غير المحارم

حكم الكشف على غير المحارم Q أنا عندي سبعة أبناء، وأنا منهم، والمشكلة أننا في بيت واحد، ويكشف إخواني على زوجتي، وإذا قلت لأبي: إن هذا حرام، يقول: إن هذا ليس فيه شيء، وإذا قلت له: إني سوف أذهب، يقول: لا. ولن أرضى عنك؟ A والدك مخطئ في هذه المسألة، وأنت المصيب، وعليك أن تنصحه بالتي هي أحسن، ونسأل الله أن يهدي والدك، وأن يدله سواء السبيل، بل الصحيح أنه لا يجوز للإنسان أن يكشف على غير محارمه، ومنها زوجة الأخ، فإن هذا من المحرم، وقد وصف صلى الله عليه وسلم الحمو أخو الزوج بأنه الموت. والناس يتساهلون كثيراً في البيوت بأخي الزوج فيدخل على زوجة أخيه، ويجلس معها ويشرب معها الشاي، وهو الموت، لا يأتي ولا يلدغ إلا من جانبه؛ لأن جانبه مؤتمن، فيأتي السوء منه والعياذ بالله! ووصيتي أن تفصل بينك وبين غير المحارم، ولا بأس باجتماعك بإخوانك الرجال في مكان والنساء في مكان، ولا تطع والدك؛ لأن هذا معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن بالتي هي أحسن.

حكم الصدقة علىآل البيت وتعظيم الصوفية

حكم الصدقة علىآل البيت وتعظيم الصوفية Q يوجد عندنا إمام وشيخ، وسمعنا منه بعض الأمور، وهو إمام لمسجد، يقول منها: إنه لا يأكل الصدقة، لأنه من أهل البيت؟ A والله ما أدري، قد يكون من أهل البيت، إن كان شريفاً فهو من أهل البيت، فالله أعلم، فيراجع إلى حفيظة نفوسه، وإلى نسبه، ويتأكد منه. Q الثاني يقول: إنه يتمنى أن يكون شعرة في رأس أحد الصوفية؟ A نعوذ بالله، هذا التمني ليس وارداً، والصوفية فيهم وفيهم، لكن عموماً هذه الفرقة فيها خزعبلات، وعليه أن يتمنى أن يهديه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سواء السبيل، وأن يريه الله الحق، وأظن أن هذا فيه مرض، فما دام يتمنى هذه الأماني ففيه نظر!

حكم من انتسب إلى غير نسبه

حكم من انتسب إلى غير نسبه Q ما حكم من اتخذ أماً غير أمه، يقول لصلاحها وتقواها؟ A يعني أخذ عجوزاً، وتبناها أنها أم له وهي ليست بأمه، هذا خطأ، ولا يجوز، لا يجوز سرقة الأمهات! عليه أن يعود إلى أمه، قال عليه الصلاة والسلام: {من ادعى إلى غير أبيه، فالجنة عليه حرام} وفي لفظ حديث علي: {ملعون من ادعى إلى غير أبيه، أو من انتسب إلى غير أبيه} وكذلك أمه، فلا يجوز له أن ينتسب إلى غير أمه، إلا من باب التوقير كأن يقول للعجوز: يا أماه، أو يقول لأحد الشيوخ الكبار: يا أبتاه، وهو ليس بأبيه، من باب التوقير جائز، لكن الادعاء والانتساب حرام.

عدم السماع للأشرطة والمحاضرات وذمها

عدم السماع للأشرطة والمحاضرات وذمها Q هناك من لا يسمع أشرطة المشايخ، ويقول: إنها بلا روح، وهي لا تنفع؟ A ربما أنه ملغم، هو ضدها، ولذلك يظن أنها لا تنفع، وإلا فهي نافعة، وقد نفع الله بها في المشرق والمغرب، وبعض الملاحدة سمعها، فأصبح يصلي. وكيف يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل أجمعت الناس جميعاً أنها نافعة، وهذا يقول ما هي بنافعة. وهذا مثل رجل ذكره أبو سليمان الخطابي في كتاب العزلة: أن أحد الصوفية أخد لصقة، فألصق على عينه اليسرى، قالوا له: مالك؟ قال: إسراف أن أنظر إلى الدنيا بعينين، خلق له عينين، وهو يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد:8 - 9] وهو يقول: إسراف أن أنظر إلى الدنيا بعينين، وسمعنا أن أحد الناس يقول: لا أركب السيارة؛ لأن آجال الناس في السيارة، ويظن أن الذي لا يركب السيار يتأخر سنة أو سنتين، والله عز وجل يقول: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] الذي في السيارة والطائرة. مات المداوي والمداوى والذي صنع الدواء وباعه ومن اشترى فذكروا -هذا نقل عن بعض الشباب- أنه كان دائماً يركب الحمار فقط، حتى عند الإشارات تراه بالحمار صباح مساء، الناس في السيارات وهو على الحمار، إما ورعاً، وإما خوفاً من السيارات، قالوا: فأتته سيارة في صباح مبارك، فشلته والحمار، فمات! لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار

حكم العرضة في العرس

حكم العرضة في العرس Q هل العرضة حلال؟ A العرضة ذكرت لكم قول سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام

حكم الغناء

حكم الغناء Q سمعت أحد الأشخاص هنا يقول: إنه يجوز الاستماع إلى الغناء ولا يحرمه؟ A هذا يظهر عليه أن عفشه بائر، يحتاج إلى أنه يدعى له بالهداية، أو ثلاث ضربات بالكورباج، نسأل الله أن يتوب علينا وعليه، لكن ينصح، وأظنه ليس في هذه المنطقة، إنما قد ينقل من بعض المناطق والحمد لله، لأنا نعلم أن هنا علماء ويستفاد منهم ومشايخ خير، وما أعلم صوفية في هذه المنطقة، فهي إن شاء الله بريئة براءة الذئب من دم يوسف.

حكم الركعتين في غير المسجد كالمصلى وغيره

حكم الركعتين في غير المسجد كالمصلى وغيره Q دخل بعض الناس في هذا المصلى قبل الغروب، وعند دخولهم قاموا وصلوا تحية المسجد؟ A ليس لهذا المصلى تحية مسجد، لأنه ليس مسجداً، فمن دخل قبل الغروب يجلس مكانه ولا يتنفل ركعتين؛ لأن النافلة إنما هي للمساجد، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين من حديث أبي قتادة: {إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} وهذا ليس مسجداً، هذا مصلى، ولذلك ما أمرنا يوم العيد أن نصلي، بل نأتي يوم العيد ونجلس بدون نافلة. قبل أذان المغرب، والوقت وقت نهي، يقول عليه الصلاة والسلام: {لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس} إلا لمن دخل في مسجد، هذا هو الصحيح. أيها الإخوة الكرام: نكتفي بهذا القدر من الأسئلة على أمل أن نعود إليكم، وأن نراكم، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية، ونسأله سبحانه أن يجمع بيننا وبينكم في دار الكرامة، في مقعد صدق عند مليك مقتدر. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

مقامات العبودية

مقامات العبودية إن القوة كل القوة في عبودية الله، والعزة كل العزة في عبوديته سبحانه وتعالى، فهو السند والركن والمرتجى، وهو القوة التي لا تُغلب ولا تُهزم. وإن أولى مقامات العبودية عبودية الخوف من الله تعالى، فهو الذي نغص على أهل النوم نومهم، وعلى أهل الراحة راحتهم، وهو الذي جعل الكثير من السلف الصالح لا يذوقون النوم في الليل إلا قليلاً، يبيتون لربهم ركعاً وسجداً، خوفاً من عذابه سبحانه وتعالى. والمقام الثاني من مقامات العبودية: الإخلاص لله عز وجل والصدق معه، فمن صَدَقَ الله فسَيْصْدُقُه الله، كما قال عليه الصلاة والسلام.

مقامات النبي صلى الله عليه وسلم

مقامات النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً. اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله غيرك. في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظَمَتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. والصلاة والسلام على من بعثه ربُّه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين، أنار الله به أفكار البشرية، وهدى به الإنسانية، وزعزع به كيان الوثنية. رفع رءوسنا وكانت مخفوضة، وشرح صدورنا وكانت ضيقة، وأسمع آذاننا وكانت صُمَّاً، وفتح عيوننا وكانت عُمْياً. إن البرية يوم مبعث أحمدٍ نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جَبَتِ الكنوزَ فكسرت أغلالها سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. سلام الله عليكم يوم اجتمعت قلوبكم على لا إله إلا الله، وتآخت أرواحكم على ضوء لا إله إلا الله، واتحدت مسيرتكم تحت ظل لا إله إلا الله. إن أشرف المقامات -أيها الإخوة الأبرار! - هو مقام العبودية لله، أن تكون عبداً لله هذا هو شرفك في الدنيا والآخرة، ولذلك ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى رسوله صلى الله عليه وسلم في أشرف المواطن بأشرف الأوسمة والألقاب والصفات، فسماه ووصفه بالعبد في الإسراء والمعراج فقال سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1] ووسمه بالعبودية في مقام التنزيل، فقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1] ووسمه في مقام الدعوة والتبليغ والتبشير والإنذار فقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19] فشرفك في الحياة أن تكون عبداً لله؛ لتنتسب إلى الله. ومما زادني شرفاً وفخراً وكِدتُ بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرَّت أحمد لي نبيا أن تكون داخلاً مع عباد الرحمن تحت هذه الياء - ياء النداء -: لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي فالقوة كل القوة في العبودية لله، والعزة كل العزة في العبوديته لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، إنه السند والركن سُبحَانَهُ وَتَعَالى والمرتجى، وهو القوة التي لا تُغلب ولا تُهزم. فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان روى ابن كثير عن طاوس بن كيسان - العابد العالم الكبير الزاهد النحرير - قال: [[دخلت الحرم فصليت ركعتين عند المقام فلما سلمتُ إذا بي أسمع جَلَبَة ورائي فالتفت فإذا بـ الحجاج وحرسه يصلون عند المقام، فلما سلَّم الحجاج من ركعتيه، جاء أعرابي من اليمن فمرَّ مِن قِبَل الحجاج فخطفَ ثوبُه حَرْبةً عند الحجاج وأوقعها بجانبه، فأخذ الحجاج بثوب هذا اليمني الأعرابي وسأله: ممن أنت؟ قال: أنا من أهل اليمن، قال: كيف أخي محمد؟ - ومحمد أخو الحجاج بن يوسف، وكان والياً على اليمن، وكان ظالماً غاشماً - قال: تركتُه سميناً بطيناً، قال: ليس عن صحته أسألُك، إنما أسألك عن عدله، قال: تركته غشوماً ظلوماًَ، قال: أما تعرف أني أنا الحجاج بن يوسف؟ قال الأعرابي: أتظن أنه بانتسابه إليك أعز مني بانتسابي إلى الله؟! قال طاوس فما بقِيَتْ شعرةٌ في رأسي إلا قامت]] إنها عبودية الانتساب إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وقوة المؤمن يوم ألا يعرف ولا يجد ولياً ولا سنداً إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

عبودية الخوف من الله سبحانه وتعالى

عبودية الخوف من الله سبحانه وتعالى ولذلك ذكر الذهبي في ترجمة ابن أبي ذئب - المحدث الموجه باني الأجيال - أن المهدي الخليفة العباسي دخل المسجد النبوي والناس جلوس وطلبة العلم في حلقاتهم، فلما رأوا الخليفة قاموا إلا ابن أبي ذئب لم يقم من مكانه، فقال المهدي للعالم ابن أبي ذئب: أما عرفتني؟ لِمَ لَمْ تقم لي؟ فقال ابن أبي ذئب: والله لقد هممت أن أقوم لك، فتذكرت قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فتركت القيام لذاك اليوم. فهؤلاء أناس عرفوا مقام العبودية. ومن أعظم مقامات العبودية: الخوف من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. فقد أثنى الله على الخائفين، ومدح المخبتين، وذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى المنيبين إليه بأحسن الصفات، وأجل القربات والطاعات، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] وقال سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41] ولذلك يقول بعض أهل العلم: كل شيء تقرب منه تأمنه إلا الله، فكلما اقتربت من الله خفت منه، أما يقول عز من قائل عن العلماء المخلصين: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] فذكرهم بالخشية والخوف وقربهم منه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولذلك كان أكثر الناس خوفاً ووجلاً وخشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لـ ابن مسعود، وهو أحد تلاميذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبرار، وأحد خريجي تلك المدرسة التي ما عرفت البشريةُ مدرسةً مثلَها، مدرسة حياة الإنسان، وصنع الأجيال، ورقي القلوب، وزيادة الأرواح إلى بارئها سُبحَانَهُ وَتَعَالى، لأننا -أيها الإخوة الأخيار! - قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم كنا أمواتاً، ما كانت عندنا حياة؛ لا حضارة ولا معرفة، لا رُقي ولا تقدم ولو دجل الدجالون من القوميين وأذنابهم فليس عندنا حضارة ولا رقي ولا ثقافة إلا بدعوته صلى الله عليه وسلم، فمن تلك الفترة بدأ تاريخنا، ولذلك يقول عز من قائل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] فبدأنا الحياة يوم أتى صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] أو مَن كان ميتاً في جهله ومعصيته، وشهوته وشبهته كمن أحياه الله بالإيمان. والشاهد من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـ ابن مسعود، هذا التلميذ البار الحبيب النجيب؛ الذي كان قوة متفجرة في توجيه الأمة، وإن كان هزيلاً في جسمه ضعيفاً في بنيته ضئيلاً في هيكله لكنَّ ديننا لا يعترف بالأجسام، وإنما يعترف بالقلوب والأرواح، فلما أتى صلى الله عليه وسلم جعل من هذه القلوب مادة قوية توجه الناس، وتضيء للحائرين، يقول أهل السير عن ابن مسعود: كان ضئيل البنية إذا وقف بجانب الرجل القاعد وازاه في القامة. {صعد مرة شجرة فأخذت الريح تهز هذه الشجرة وهو على أغصانها، فتضاحك الناس من دقة سافيه -فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الضحك ليس له مجال هنا- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من دقة ساقية؟ والذي نفسي بيده إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد} بالإيمان واليقين والاتصال بالله. قال له صلى الله عليه وسلم: {اقرأ علي القرآن - كما في الصحيحين - قال: يا رسول الله! أأقرأ عليك القرآن وعليك أُنزل؟ - هذا هو الأدب والحياء، وهذا خجل من أهل الفضل - قال صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليَّ القرآن فإني أحب أن أسمعه مِن غيري، فقرأ رضي الله عنه على الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول يستمع، فلما بلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] أخذ صلى الله عليه وسلم يبكي، ويقول: حسبك الآن} حسبك فقد أبلغت، وحسبك فقد أثرت، وحسبك فقد وصل الكلام مكانه ومستقره، هذا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأتم الله عليه نعمته ظاهرة وباطنة، لكنه ما اغتر وما انخدع وما زاده ذلك إلا عبادة وخوفاً. كان يقوم عليه الصلاة والسلام في الليل يستمع إلى الصحابة وهم يقرءون القرآن: عُبَّاد ليل إذا جنَّ الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأُسْدُ غابٍ إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه استمع صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى في الليل وهو يقرأ القرآن بصوته الشجي الندي مع الصدى العجيب، وفي الصباح قال له صلى الله عليه وسلم: {يا أبا موسى! لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لقرائتك، لقد أوتيتَ مزماراً من مزامير آل داوُد، فقال أبو موسى رضي الله عنه وأرضاه: أكنت تستمع إليَّ يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده، قال: والله لو كنت أعلم أنك تستمع إليَّ لحبرته لك تحبيراً} أي: حسنته وزينته وجملته بالصوت الحسن، فكان عليه الصلاة والسلام يحب أن يسمع القرآن؛ لأنه يذكره بالخوف والخشية من الله تبارك وتعالى. وفي تفسير ابن أبي حاتم بسند حسن، قال أبو هريرة: {ذهب صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بعد أن أظلم الليل، فمر بسكة من سكك المدينة وإذا بعجوز تقرأ القرآن، فوضع صلى الله عليه وسلم رأسه على صائر الباب، وأخذ يستمع إليها - عجوز مُسِنَّة كبيرة طاعنة في السن لكن قلبها حي مع الله - فأخذت تردد قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] وكانت ترددها وهي لا تدري أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستمع إليها، ويقول: نعم أتاني نعم أتاني، كلما قالت: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] قال: نعم أتاني، نعم أتاني، نعم أتاني}. لقد عرف السلف الصالح مقام الخوف فجعلوه من أعظم المقامات الموصلة إلى الله، ولذلك لام الله عز وجل ومَقَتَ البشرية جمعاء على عدم خوفهم من الله؛ إلا بقايا من أهل الكتاب. رُوي في كتاب الزهد للإمام أحمد بسند جيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {عجباً لك يا بن آدم! خلقتك وتعبد غيري! ورزقتك وتذكر سواي! أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي! خيري إليك نازل، وشرك إلي صاعد!} وهذه صفة العبد إذا تمرد على الله وخرج على حدود الله وترك رقابة الله.

رقابة الله عز وجل

رقابة الله عز وجل الرقابة هي أول درجات الخوف، وقد أُثِرَ عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: [[والله ما نظرت إلى عورتي حياءً من ربي، ولا اغتسلت واقفاً حياءً من الله عز وجل]]. كأن رقيباً منك يرعى جوانحي وآخر يرعى مسمعي وجناني ولذلك كتب الأندلسي لابنه وهو يوصيه بتقوى الله: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني ولو أنا قلنا جميعاً: إن الذي خلق الظلام يرانا، ما عصينا وتمردنا على الله، وما انتهكنا حدود الله، وما فجرنا؛ لكن رقابة الله قلت في كثير من القلوب والنفوس. يقول ثعلب الأديب - كما في بعض التواريخ - دخلت على الإمام أحمد رحمه الله، فقال: من أنت؟ قلت: أديبٌ أحفظ شيئاً من الشعر، قال: أسمعني، قال: قلت: يقول أبو نواس: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبنَّ الله يغفل ساعة ولا أن ما تُخفي عليه يغيب قال: فترك كتبه ومحبرته، وأغلق على نفسه حجرته، ثم -والله- سمعته يبكي وهو يردد البيت: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكنْ قلْ عليَّ رقيب فهذه هي رقابة الله عز وجل.

خوف أبي بكر الصديق

خوف أبي بكر الصديق يقول الإمام أحمد في كتاب الزهد بسند حسن أُثِرَ عن أبي بكر الصديق الخليفة المجاهد العابد، الذي وصفه صلى الله عليه وسلم، وأفاض عليه أحسن الأوسمة، أوسمة التبجيل والتوقير، المجاهد يوم الردة، والمتولي للخلافة في الساعة الحرجة رضي الله عنه وأرضاه، قال الإمام أحمد: أُثِرَ عنه أنه دخل مزرعة أحد الأنصار فأخذ يتلفت في النخيل، فإذا بطائر يطير من شجرة إلى شجرة، فجلس رضي الله عنه يبكي ويقول: [[طوبى لك أيها الطائر! ترعى الشجر وترد الماء ثم تموت فلا حساب ولا عقاب]] يقول هذا وهو مشهود له بالجنة، بل قال له عليه الصلاة والسلام كما في كتاب الصحيح للإمام البخاري في كتاب الجهاد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن للجنة أبواباً ثمانية، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، فقال أبو بكر - بهمته العالية وتشوقه إلى رحمة الله -: يا رسول الله! أيُدْعى أحد من تلك الأبواب جميعاً؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: إي والذي نفسي بيده، وأرجو أن تكون منهم} فهذه هي الهمم العالية. ألا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا لأن أهل الدنيا اهتماماتهم دنيوية، يهتمون بالمناصب والوظائف، والصدارة وحب الظهور، وحب المال، وأما المؤمن فهمته دائماً متعلقة برضا الرب سُبحَانَهُ وَتَعَالى. فـ أبو بكر الصديق لما حضرته الوفاة - كما في سيرته - أتته ابنته عائشة المطهرة المبرأة من فوق سبع سماوات فقالت: [[يا أبتاه! صدق الأول الذي يقول: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فالتفت إليها كالمغضب وقال: يا بنية! لا تقولي ذلك ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} [ق:19 - 20]]]. فلما توفي -وكان الخليفة- وقد كان ذهب الأمة وفضتها الأمة تحت يديه، فلما بحثوا عن ميراثه ما وجدوا إلا بغلة وناقة وثوبين فأخذها عمر إلى بيت المال وهو يبكى، ويقول: [[أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر!]]. وروى ابن القيم في كتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين: أن عمر رضي الله عنه كان يترقب أبا بكر بعد صلاة الفجر، فكان يراه إذا صلى الفجر يخرج من المسجد إلى ضاحية من ضواحي المدينة كل يوم، فيتساءل: ما له يخرج؟ ثم تبعه مرة من المرات، فإذا به يدخل خيمة، فلما خرج أبو بكر دخل بعده عمر فإذا في الخيمة عجوز حسيرة كسيرة عمياء، معها طُفَيلات لها، فقال لها عمر: من هذا الشيخ الذي يأتيكم - وهي لم تعرفه - قالت: هذا شيخ لا أعرفه، يأتي كل يوم فيكنس بيتنا ويصنع لنا فطورنا ويحلب لنا شياهنا، فقال عمر: أتعبتَ الخلفاء بعدك يا أبا بكر! إي والله، أتعب كل خليفة إلى قيام الساعة بهذه العبادة، والاتصال بالله؛ مَن كنا لولا هذا الدين؟ إننا أمة نتخاطب مع النصوص ومع الخوف من الله عز وجل.

خوف عمر من الله عز وجل

خوف عمر من الله عز وجل يقف عمر يوم الجمعة في عام الرمادة وبطنه تقرقر من الجوع فيقول: [[قرقر أولا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]] يقف يوم الجمعة وبُرْدَتُه مرقعة أربع عشرة رقعة، وكسرى وقيصر يهتزون منه خوفاً: يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواهُ يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاهُ لما خفنا الله خافت منا الأمم، وخاف منا الفجرة والمردة، فلما خفنا منهم ولم نخف من الله خوفنا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى منهم، وإلا فنحن ما انتصرنا على الأمم إلا يوم أتينا بلا إله إلا الله، ونشر أجدادُنا لا إله إلا الله، وساروا بلا إله إلا الله على البحار، وما حاربناهم بشيء إلا بهذه العقيدة. دخل ربعي بن عامر على رستم في القادسية ورستم في وزارته وإمارته، ومعه الذهب والفضة، والإكليل والديباج وزخرف الدنيا، فيدخل ربعي وعليه ثياب ممزقة، وفرس هزيل، ورمح مُثلَّم، لكنه يخاف الله ويرجو رحمة الله، ويتصل بالله -القوة العتيدة التي لا تُغلب- فيضحك رستم من هذه الهيئة، ويقول: جئتم تفتحون الدنيا بهذا الرمح المثلم، وبهذه الثياب الممزقة، وبهذا الفرس الهزيل؟! فقال ربعي: [[إي والله، إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]]. من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسـ ـمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا كنا نكبر فتهتز لنا قصور الأعداء، ولذلك يذكر أن من شدة خوف سعد بن أبي وقاص لله - كما يروي الذهبي وابن كثير - أنه لما رأى قصر كسرى الضلالة والعمالة، والبطالة والعطالة كسرى الصد عن الله، لما رآه سعد حين فتح القادسية قال ودموعه تتساقط من فرحة النصر: طفح السرور عليَّ حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني وقرأ قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:26 - 29]]]. كان الصحابة أقرب الناس من الله، وأخوفهم منه سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ فقربهم وأفضليتهم ومصداقيتهم بالخوف من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

خوف عثمان رضي الله عنه من الله عز وجل

خوف عثمان رضي الله عنه من الله عز وجل [[كان ابن عباس إذا قرأ قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] بكى وقال: ذاك عثمان بن عفان]] فقد كان من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر يقطع الليل بالتسبيح وقراءة القرآن. حتى يقول حسان رضي الله عنه وأرضاه وهو يتعجب من مقتل عثمان محيي الليل الشهيد العظيم، قال: ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا ولذلك روى المروزي في كتاب الوتر وذكره ابن حجر في كتاب الوتر من صحيح البخاري بسند صحيح أن " عثمان رضي الله عنه قام ليلة من الليالي بركعة واحدة من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر فقرأ في هذه الركعة القرآن كاملاً ". خوفُه من الله أهَّلَه إلى هذه المرتبة. فيا أمة الرسالة! نحن بحاجة إلى أن نراجع حسابنا مع الله في مقام عبوديتنا معه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأن نحاسب أنفسنا، أين نحن من أولئك الرجال والطراز الرفيع الذين ما عرفت الإنسانية مثلهم رضوان الله عليهم؟ هذا خوفهم مع عظيم أعمالهم الصالحة التي عملوها، ونحن ماذا قدمنا؟ وماذا فعلنا؟ يقف عليه الصلاة والسلام قبل معركة تبوك على المنبر فيقول للمسلمين وهم في المسجد: {من يجهِّز جيش العسرة وله الجنة؟ فيسكت الناس - لأن التكاليف باهظة وغالية لا يجهزها إلا رجل يريد الله والدار الآخرة - فيقول صلى الله عليه وسلم ثانية: من يجهز جيش العسرة وله الجنة؟ فيسكتون، فيقول ثالثة: من يجهز جيش العسرة وله الجنة؟ فيقوم عثمان من بين الصفوف ويقول: أنا يا رسول الله! أجهز جيش العسرة - بماله وملكه وجِماله وأحلاسه في سبيل الله - فتدمع عيناه صلى الله عليه وسلم ويقول: اللهم اغفر لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض}. وإنما نسرد أخبار هؤلاء وسيرهم لأنها عبرة، ولأن الله جعلهم قدوة، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]. فمن أراد العبادة والاتصال بالله فعليه بسير الصحابة: كن كالصحابة في زهد وفي ورع القوم هم ما لهم في الناس أشباه

خوف علي رضي الله عنه من الله عز وجل

خوف علي رضي الله عنه من الله عز وجل وتربى الأمة بـ علي رضي الله عنه وأرضاه، فيكون مثالاً للخليفة الزاهد العابد الخائف من الله، يقف على المنبر - كما يقول ضرار بن الحارث الصدائي - ويأخذ بلحيته ويقول: [[يا دنيا، يا دنية! غرِّي غيري، طلقتك ثلاثاً لا رجعة بعدها، زادُك حقير، وسفرُك طويل، وعمرُك قصير، آهٍ من قلة الزاد، وبُعد السفر، ولقاء الموت]]. إن الصحابة عندما تجردوا لله، وخافوا من لقائه؛ بلغهم الله ما أرادوا، وأعطاهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ما تمنوا.

حقيقة الخوف من الله عز وجل

حقيقة الخوف من الله عز وجل فالمسلم هو الذي يخاف من الله، فما هو الخوف إذاً؟ أحسن من عرَّف الخوف ابن تيمية شيخ الإسلام رحمه الله، الداعية الكبير، يقول: " حد الخوف ما حجبك عن المعاصي، وما زاد فلا يُحتاجُ إليه "، وصدق رحمه الله. حد الخوف: ما حجبك عن المعاصي، وما زاد فلا يحتاج إليه، لا خوف غلاة الصوفية الذين أدى بهم خوفهم إلى ترك الطعام والشراب والنكاح، وهذا لا يطلب في الإسلام لكن حد الخوف ما حجبك عن المعاصي. ومن كثرة خوف عباد الله الصالحين لربهم، أثمر الخوف فيهم الاستقامة وترك المعاصي، والخوف الذي لا يجعل صاحبه يترك المعصية ليس بخوف، إنما هو كلام باللسان، ولذلك يقول الحسن - كما في الموطأ -: [[ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل]]. كلٌّ يجيد العبارة والتذوق، أو الكلام وتلميع العبارة، لكنَّ الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، ولذلك يظهر الإيمان وآثار الخوف بالأعمال الصالحة.

خوف عبد الله بن وهب من الله عز وجل

خوف عبد الله بن وهب من الله عز وجل يروي الذهبي في المجلد الثامن من سير أعلام النبلاء في قصة عبد الله بن وهب المصري العالم الكبير الزاهد أنه ألف كتاب أهوال يوم القيامة فقال له أصحابه: اقرأ علينا الكتاب، قال: أما أنا فوالله لا أستطيع أن أقرأ الكتاب، لكن مروا أحدَكم أن يقرأه، قالوا: ابنك يقرأ علينا الكتاب، فبدأ ابنه يقرأ الكتاب الذي ما سمع الناس بمثله في بابه، فأُغْشِي على عبد الله بن وهب، قال الذهبي: وبقي ثلاثة أيام مغمىً عليه، ومات في اليوم الرابع، واقرءوا ترجمته، فهو عالم مصر محدثها وزاهدها، أُغْمِي عليه ثلاثة أيام لما قرئ عليه كتابه الذي ألفه، وفي اليوم الرابع فارق الحياة. وأُثِر عنه أنه كان يغتسل يوم الجمعة فسمع ابنه الصغير يقرأ قوله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} [غافر:47] فأُغْمِي عليه وسقط وهو يغتسل. إن هؤلاء اتصلت قلوبُهم بالله، وقلَّلوا من المعاصي، وأكثروا من التوبة والإنابة، والرجوع والعودة إلى الله؛ فأعطاهم الله ما تمنوا.

خوف عبد الغني المقدسي من الله عز وجل

خوف عبد الغني المقدسي من الله عز وجل يقول صاحب طبقات الحنابلة في ترجمة عبد الغني المقدسي المحدث الكبير الشهير، صاحب كتاب الكمال في أسماء الرجال الذي ما أُلف في علم الرجال مثله قال: " أُثِر عنه أنه سُجِن وسُجِن معه كافر يعبد الشمس، فقام عبد الغني المقدسي في الليل - وكان من عادته أنه لا ينام في الليل - قام يتوضأ ويصلي ركعتين فإذا جفَّ وضوءُه عاد إلى الوضوء مرة ثانية، ويقرأ ويبكي حتى الصباح، وهذا الرجل الكافر ينظر إلى هذا المشهد، وينظر إلى هذا العالِم الزاهد الكبير، وهو يصلي ويبكي حتى قرب الفجر، فلما أصبح الصباح ذهب هذا الكافر الذي يعبد الشمس إلى المسئول عن سجنه، وقال: أطلقني فإني آمنت بالله وشهدت أن محمداً رسول الله، قال: ولماذا؟ قال: والله لقد مرت عليَّ ليلة ما مرت عليَّ ليلة في حياتي مثلها، لقد تصورت أن القيامة قامت لما رأيت هذا الرجل يصلي ويبكي. فنحن كنا ندعو الناس بأعمالنا قبل أقوالنا، وبزهدنا وبتقوانا وباتصالنا بالله عز وجل؛ فأثمرت جهودُنا، وأثمر علماؤنا الثمرة الطيبة الخيِّرة في الأمة، وربوا الأجيال، ولذلك كان الخوف دائماً أعظم المنازل عند أهل العلم.

خوف ابن المبارك من الله عز وجل

خوف ابن المبارك من الله عز وجل يقول محمد بن القاسم -وهو أحد تلاميذ ابن المبارك -: سافرتُ مع عبد الله بن المبارك فرأيته في السفر، فقلت: سبحان الله! يصلي كصلاتنا ويقرأ كقراءتنا ويصوم كصيامنا ورفع الله له الذكر الحسن في الناس، ورفع الله مكانته في العالمين، فبماذا هذا؟ قال: فدخلنا حجرة ونحن مسافرون، فانطفأ السراج علينا، فذهبنا نلتمس سراجاً نستضيء به، وأتينا ابن المبارك بالسراج وهو في الظلام فإذا هو يبكي ودموعه تتحدر من رأس لحيته، قلنا: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: والله لقد ذكرت القبر في هذه الغرفة المظلمة الضيقة فكيف بالقبر. والموت فاذكره وما وراءهْ فمنه ما لأحد براءه وإنه لَلفيصل الذي بهِ ينكشف الحال فلا يشتفِي والقبر روضة من الجنانِ أو حفرة من حفر النيرانِ إن يك خيراً فالذي من بعدهِ أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ أيها المسلمون! إننا بحاجة إلى مراجعة أنفسنا بالرقابة مع الله، وفي تدبر أيام الله، والاستعداد للقاء الله عز وجل، قبل أن نصل إلى حفرة نستَعْتِبُ فلا نُعْتَب، ونطلب العودة فلا نُعاد، ونرجو الرجعة فلا نرجع أبداً.

خوف ابن عمر رضي الله عنه من الله عز وجل

خوف ابن عمر رضي الله عنه من الله عز وجل كان ابن عمر - فيما أُثِر عنه ونَقَل عنه ذلك بعض المفسرين - أنه إذا قرأ قوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54] يبكي ويقول: [[اللهم لا تحل بيني وبين ما أشتهي، قالوا: ماذا تشتهي يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أشتهي أن أقول: لا إله إلا الله في قبري أخاف أن يُحال بيني وبينها]] هل سمعتم بمقبور يقول: لا إله إلا الله؟ هل سمعتم بميت يصلي في قبره؟ وهل سمعتم بمدفون يصوم في قبره؟ {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54] ولذلك ذُكر في ترجمة علي رضي الله عنه أنه مر بمقابر الكوفة فقال: [[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنتم سلفنا ونحن الأثر، أما ظهور مقابركم فجميلة، لكن يا ليت شعري ما في بواطنها! ما هي أخباركم؟ أما أخبارنا فالبيوت سُكِنَت، والزوجات تزوَّجت، والأموال قُسِّمت، هذه أخبارنا، فما أخباركم؟ ثم بكى، وقال: سكتوا ولو نطقوا لقالوا: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى]].

خوف عمر بن عبد العزيز من الله عز وجل

خوف عمر بن عبد العزيز من الله عز وجل وذكر ابن كثير في ترجمة عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد الشاب الذي قاد الأمة وهو لم يتجاوز الأربعين، لما علم اللهُ صدقَه وإخلاصَه بلَّغه الله ما تمنى. يقول ابن كثير: أُثِر عن عمر بن عبد العزيز أنه صلى صلاة العيد، ومعه أمراء ووزراء بني أمية فقربوا له المراكب ليركب، فقال: [[ما أنا إلا رجل من المسلمين، ثم مضى، فلما مر بالمقبرة وقف عندها وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيتها القبور! كم فيك من خد أسيل، وطرفٍ كحيل، ثم قال: ما كأنهم ضحكوا مع من ضحك، ولا لعبوا مع من لعب، ولا تمنوا مع من تمنى، ثم رفع صوته باكياً وقال: يا موت! ماذا فعلتَ بالأحبة؟! فأجاب نفسه بنفسه وقال: يقول: أكلتُ العينين، وذرفتُ بالحدَقَتَين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، والقدمين عن الساقين، والساقين عن الركبتين]]. لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها فاعمل لدار غداً رضوانُ خازنها والجار أحمد والرحمان بانيها قصورها ذهبٌ والمسك تربتها والزعفران حشيش نابت فيها من أراد أن يعمل فليعمل لدار البقاء، ودار الغناء ودار الحياة، لا فيها هم، ولا حزن ولا غم، من أراد ذلك فعليه بمركب الخوف. وفي مسند الإمام أحمد بسند حسن أن: {الجواري (الحور العين) في الجنة ينشدن الحور العين -فيقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا}. إنهن يتغنين بصوت جميل لمن ترك الغناء واللذات في الدنيا، أما من استمع هنا وتمنى ولها فلا يستمع هناك؛ لأن الله يقول: {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:26]. لذلك يقول ابن القيم: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصانِ فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزانِ يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان يا أيتها الأذن التي تريد النعيم: لا تستمعي إلى اللغو الأثيم. يا أيها القلب الذي يريد أن يرضى عنه الله، وينشرح برضوان الله، لا تنغمس في الخطايا. يا أيتها العين التي تريد أن تنظر في الجنة: لا تنظري إلى الحرام. إن مركب الخوف كان أقرب المراكب عند السلف الصالح وصولاً إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فهم أقرب الناس إلى الله بالخوف منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وطلب ما عنده.

خوف ابن عباس رضي الله عنه من الله عز وجل

خوف ابن عباس رضي الله عنه من الله عز وجل كان ابن عباس رضي الله عنهما يقوم الليل بآية واحدة ليس إلا هي، وهي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة النساء: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123] فيبكي حتى الصباح خوفاً من الله. يقول تلميذه عطاء بن أبي رباح: [[والله لو رأيتم ابن عباس وعيناه - أو جفناه - كالشراكين الباليين من البكاء والله لقد رأيته يبكي وهو يقرأ قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123]]]. ولذلك ذكر عنه المترجمون: أنه لما حضرته الوفاة في الطائف أُدْرِج جسدُه في أكفانه - رحمة الله على ذلك الجسد - ثم عُرِض على الصلاة، فإذا بطائر يقع على أكفانه، وسُمع هاتف يقول: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. ذُكرت هذه الحادثة في البداية والنهاية، ومعنى الآية: أن النفس تدخل في عباد الله وفي جنة الله؛ لأنها رضيت بالله رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالإسلام ديناً، فجزاؤها عند الله أن يرضى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنها.

أشد الناس خوفا من الله عز وجل

أشد الناس خوفاً من الله عز وجل كان السلف أشد الناس خوفاً من الله؛ لأنهم أعرف الناس به. وجاء في كتاب الإيمان في صحيح البخاري عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن أخوفكم وأعلمكم بالله أنا} وصدق عليه الصلاة والسلام، فهو أخوفنا لربه، وهو أخشانا لمولاه وأقربنا منه سُبحَانَهُ وَتَعَالى. روى ابن مردويه بسنده عن بلال قال: {مررت قبل صلاة الفجر أوْذِنُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فإذا هو يبكي، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما الذي يبكيك؟ قال: يا بلال! أنزلت عليَّ آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]}. إن وقاية عذاب النار وغضب الجبار تكون بالخوف منه سُبحَانَهُ وَتَعَالى وبمراقبته جل وعلا. إن العبيد إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرارِ وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النارِ فالعتق من النار بالخوف من الواحد القهار، ومراقبته سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وأُثِر عن إمام أهل السنة والجماعة، أحمد بن حنبل أنه كان إذا جلس في البيت وحده تربع وجلس وعليه السكينة والخشوع، فإذا ظهر أمام الناس لا يرى عليه ذاك الخشوع، فسئل عن ذلك فقال: "إن معي رقيباً يجالسني"، وصدق رحمه الله، فإن الله عز وجل كما في الحديث القدسي الصحيح يقول: {أنا جليس من ذكرني} وفي حديث أبي هريرة: {من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه}. حتى يقول الإمام الشافعي: " لما ودَّعت الإمام مالك، قلت: أوصني يا أبا عبد الله! قال: إن عليك نوراً؛ فلا تطفئ نورك الذي أعطاك الله بالمعصية، ولا يردعك عن المعاصي والذنوب إلا الخوف من الله عز وجل ومراقبة الله، ولذلك يتحسر المتحسرون عند السكرات. وفي صحيح مسلم في كتاب الإيمان عن ابن شماسة المهري، قال: [[حضرت عمرو بن العاص لما حضرته الوفاة وهو في مصر فأخذ يبكي طويلاً ويحول وجهه إلىّ الجدار، فأخذ ابنه عبد الله الزاهد يرجيه ويحسِّن ظنه بالله، ويقول له: يا أبتاه! أما أسلمت؟ أما ولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش ذات السلاسل؟ أما فتحت مصر؟ أما حسَّنت منقبتك في الإسلام؟ وهو لا يزداد إلا بكاء، قال: فلما طال الحوار بينهما التفت إلينا عمرو بن العاص وقال: يا أيها الناس! - وقد قلصت دموعه من عينيه - إني عشت حياتي على طباق ثلاث: كنت في الجاهلية لا أعرف الإسلام، وكان أبغض الناس إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لو تمكنت منه لقتلته، فلو مِتُ على تلك الحال لكنت من جثي جهنم. ثم أسلمت - وهذه أحسن الذكريات عند عمرو بن العاص، داهية الإسلام وأرطبون العرب، الذي رمي به أرطبون الروم - قال: فقدمت المدينة، فلما رآني صلى الله عليه وسلم حيا بي، وقال: أهلاً وسهلاً، وهش في وجهي وبش وأجلسني وقال: ابسط يدك لأبايعك، فلما بسط صلى الله عليه وسلم يده قبضتُ يدي، فقال صلى الله عليه وسلم: ما لك يا عمرو! قلت: أشترط، قال صلى الله عليه وسلم: وماذا تشترط؟ فقلت: أشترط أن يغفر لي ما أسلفت في الجاهلية، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: أما تدري يا عمرو! أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن التوبة تجب ما قبلها؟ قال عمرو: فأسلمت، فوالله ما كان من أحد أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما كنت أملأ عيني منه إجلالاً له، والله لو سألتموني الآن أن أصفه ما استطعت أن أصفه، فلو مت على تلك الحالة لرجوت أن أكون من أهل الجنة. ثم تخلفتُ بعده فلعبِتْ بي الدنيا ظهراً لبطن، فوالله ما أدري هل يؤمر بي إلى الجنة أم إلى النار! ولكن معي كلمة أحاجُّ لنفسي بها عند الله: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم قبض يده عدا السبابة، وأُدخِل في أكفانه ويده مقبوضة، وأُدخِل قبره ويده مقبوضة]].

سكرات الموت

سكرات الموت إن سكرات الموت تبين مواقف المراقبة والمحاسبة عند المسلم الذي كان يحاسب نفسه، فلذلك يبشر بالخير عند سكرات الموت. ورد في ترجمة معاذ رضي الله عنه وأرضاه قصة، وقبل أن أحكي القصة لا بد أن يعرف شباب الإسلام معاذ بن جبل، ولا بد أن يعيشوا معه ومع أمثاله، فبمثل سيرهم يرفع الله قدرنا ورءوسنا، ويشرح صدورنا، فهذا معاذ الذي توفي وعمره ثلاث وثلاثون سنة لكنها كلها جهاد وعبادة، وزهد ودعوة، وفتح الله على يديه اليمن، وكان سبب وفاته أن أصيب بقرحة في يده من الطاعون - كما يقول أهل العلم - فأخذ الناس يدعون له بالشفاء، قال: [[والله لو كان شفائي أن أمس أذني ما مسست أذني، ثم قال: اللهم إنك تكبر الصغير، وتكثر القليل، اللهم بارك في هذه القرحة]] فأخذت القرحة تتفشى في جسمه، ثم توفي. فالقصة أنه لما حضرته الوفاة قال لابنه: [[اخرج فانظر هل طلع الفجر؟ فخرج ورجع، وقال: لم يطلع الفجر إلى الآن، قال في المرة الثانية: اخرج وانظر هل طلع الفجر؟ فخرج، فقال: نعم طلع، قال: اللهم إني أعوذ بك من يوم صبيحته إلى النار، اللهم إنك كنت تعلم أني لم أحب الحياة لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولا لعمارة الدور، ولا لرفع القصور؛ ولكني كنت أحب الحياة لثلاث - اسمع إلى القلب الحي، وانظر إلى حياة أهل العلم وأهل الصلاة والاستقامة، واسمع إلى تربية محمد صلى الله عليه وسلم - ولكني كنت أحب الحياة لثلاث: لمكابدة الهواجر في الصيام -والهواجر: شدة الحر- ولقيام الليل، ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر]]. فتوفي رضي الله عنه وأرضاه وعرف مصيره أنه -إن شاء الله- من المقبولين، لِمَا رأى من قرائن الخير.

الندم عند الموت

الندم عند الموت ومن فرَّط في حياته ندم عند الوفاة، ولذلك يقول عبد الحق الإشبيلي في كتاب العاقبة: " نُقِل عن المعتصم أنه لما حضرته الوفاة بكى كثيراً -وهو في سكرات الموت- وقال: والله! ما ظننتُ أن عمري قصير، ولو كنت أظن أن عمري قصير ما فعلت ما فعلت من المعاصي ". عجباً! أما كان يعلم أنه سوف يلقى الله؟ أما كان يعلم أنه سوف يُصرع في هذا المصرع؟ يقول: والله لو كنت أعلم أن عمري قصير ما فعلت ما فعلت من المعاصي. ولذلك نَدِمَ. وجاء في سيرة عبد الملك بن مروان كما في سير أعلام النبلاء: أنه قال عند وفاته وهو في سكرات الموت، وكان يسمع غسَّالاً ينشد: [[يا ليتني كن غسالاً، يا ليتني ما ملكت أمر الأمة، يا ليتني ما توليت الخلافة]] فأُخبر سعيد بن المسيب رحمه الله أو غيره فقال: [[الحمد لله الذي جعلهم يفرون عند الموت إلينا، ولا نفر عند الموت إليهم]]. إنه موقف الصدق للصادقين، وموقف الصلاح للصالحين، وموقف الندم للمتندمين والمفرطين، فساعة الموت يُذَل فيها الجبار، ويُذعِن فيها الكافر، ويُسلِّم فيها العنيد، ويفتقر فيها الغني، فلذلك عرفوا أنهم فرطوا لما حضرتهم الوفاة. وهذا الوليد بن عبد الملك لما حضرته الوفاة بكى طويلاً وقال: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29] فلا بقاء إلا لمن أحسن حياته بطاعة الله عز وجل، وتزوَّد بالصالحات وأنهى عمره بالخوف من الله ومراقبته. فهذه منزلة الخوف. وإنما بدأت بها لحاجتنا إلى هذه المنزلة، ولأننا بأشد الحاجة للعودة بالخوف إلى الله عز وجل، وإلا فالرجاء مبذول ومطلوب وموجود، وليس الناس بحاجة أن يبين لهم الرجاء إلا في بعض الحالات؛ لأنهم ما قصروا في الرجاء وما فاتتهم منزلة الرجاء، بل أسرفوا فيها، لكنهم بحاجة إلى خوف.

عبودية الإخلاص مع الله والصدق معه عز وجل

عبودية الإخلاص مع الله والصدق معه عز وجل والمنزلة الأخرى من مقامات العبودية، والتي وَجَبَ أن تقدم قبل الخوف هي: منزلة الإخلاص مع الله والصدق معه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وإننا من أشد الناس حاجة إلى أن نتذكر الإخلاص والصدق، فلا عمل ولا قبول ولا ثواب ولا أجر ولا عاقبة إلا لمن أخلص لله عز وجل، ولذلك يقول عز من قائل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] ويقول تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] والخالص: الذي نُقِّي من شوائب الرياء والسمعة، ولم يقصد غير الله عز وجل، قال سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]. فالله الله في الإخلاص! فإنه الطريق العامر وهو الباب المفتوح إلى الله عز وجل، فلا قبول إلا بإخلاص ومتابعة، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام لـ معاذ - كما عند المنذري وغيره -: {يا معاذ! أخلص عملك يكفك القليل} فالكثير مع الرياء لا خير فيه ولا بركة، والقليل مع الإخلاص كثير مبارك بإذن الله.

لكل امرئ ما نوى

لكل امرئ ما نوى رُوِي عن أبي هريرة في الحديث الصحيح عن شفي الأصبحي قال: {دخلت المدينة فوجدت الناس مجتمعين على أبي هريرة فقلت: مَن هذا؟ قالوا: أبو هريرة، قال: فزاحمت حتى جلست بجانبه واقتربت منه، وقلت له: يا أبا هريرة! قال: نعم. قلت: حدثني بحديث سمعته أنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعته من رجل آخر غيره، قال: فبكى ثم رفع طرفه وقال: والله لأحدثنك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعته من رجل غيره، قال: ثم اندفع يحدث، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم منهم عالماً حاسبه الله عز وجل وأحضره وقال: علمتك العلم ولقنتك الحكمة فماذا فعلت؟ فقال هذا: يا رب! علَّمت الجاهل ونفعت الناس، ودعوت في سبيلك، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: إنما تعلمت ليقال عالم وقد قيل، خذوه إلى النار، فيسحبونه على وجهه حتى يلقى في النار، ثم يؤتى بالجواد الكريم فيقول الله عز وجل: أما خولتك مالاً؟ فيقول: نعم يا رب! قال: فماذا فعلت؟ وهو أعلم، قال: أطعمت الجائع، وأعطيت المسكين، وبذلت أموالي في سبيلك، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: إنما فعلت ليقال: جواد، وقد قيل، خذوه إلى النار، فيسحبونه على وجهه حتى يلقى في النار، ثم يؤتى بالشجاع فيُفعل به هكذا}. ولما أُخْبِر معاوية بهذا الحديث بكى حتى خضَّبت دموعُه لحيتَه وقال: [[صدق الله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]]] فمن أراد الرياء راءَى اللهُ به، كما في الصحيحين من حديث جابر بن سمرة: {مَن راءَى راءَى اللهُ به، ومَن سَمَّع سَمَّع اللهُ به} ومَن أراد الظهور مُنِحَ الظهور؛ لكن لا حظَّ له عند الله، ومن أراد المنزلة عند الناس ولم يرد ثواب الله أعطاه الله ما تمنى في الدنيا وحرمه ثواب الآخرة: {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:26]. وفي صحيح مسلم عن عدي بن حاتم أنه قال: {يا رسول الله! إن أبي كان يُقْرِي الضيف، ويحمل الكل، ويعين على نوائب الحق، فهل ينفعه ذلك عند الله شيئاً؟ - يقصد أباه حاتم الطائي الجواد المشهور- فقال صلى الله عليه وسلم: لا. إن أباك طلب شيئاً فأصابه فلا حظَّ له عند الله} طلب الذكر في الدنيا والمنزلة، وطلب الصيت فحصل عليه، وإلى اليوم فإنا نسمع ويتردد في جنباتنا بعد قرون مديدة حاتم الطائي؛ لأنه طلب الدنيا فأعطاه الله ما تمنى، لكن لا حظَّ له في الآخرة، وحيل بينه وبين ما يشتهي عند الله؛ لأنه ما طلب الآخرة وما أرادها، قال تعالى: {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء:20] يعطي من أراد الدنيا من الدنيا، ويعطي من أراد الآخرة من الآخرة. وكذلك ابن جدعان القرشي، كان من أكرم كرماء العرب، وهو الذي يقول فيه أمية بن أبي الصلت: أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إنَّ شيمتك الحياءُ إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناءُ ففي صحيح مسلم أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: {قلت: يا رسول الله! إن ابن جدعان كان ينفق، وكان كريماً، فهل ينفعه ذلك عند الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا، والذي نفسي بيده، إنه لم يقل مرة من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين} ما مرت على لسانه هذه الكلمة، ولا تذكر الآخرة، فكيف ينفعه هذا العمل؟ يذكر أهل السير وأرباب التاريخ أن زبيدة امرأة هارون الرشيد التي أجرت عين زبيدة المشهورة في مكة للحجيج، فشربوا وسَقوا بعد ظمأ وحاجة للماء، لما تُوفِّيت رآها ابنها الأمير في المنام، فقال: " يا أماه! ماذا فعل الله بك؟ قالت: كدتُ أهلك -كدت أعذب عذاباً ما يعذبه الله أحداً من الناس- قال: لماذا؟ قالت: ما نفعني بعد الفرائض إلا ركعتين في السحر، كنت إذا ركعت ركعتين في السحر أقول: لا إله إلا الله أقضي بها عمري، لا إله إلا الله يَغْفِر بها ربي ذنبي، لا إله إلا الله أقف بها في حشري، لا إله إلا الله أدخل بها قبري، قال: يا أماه! وعين زبيدة! أما نفعتكِ؟ قالت: والله ما نفعتني أبداً، قال: ولماذا؟ قالت: لأني ما أردت بها وجه الله ". وقد ذُكرت هذه القصة في سيرتها وفي ترجمتها لمن أراد أن يرجع إليها. فكل عمل لا يراد به وجه الله قليل وزهيد وحقير، لا نفع فيه ولا بركة، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] ولذلك كان الصدق والإخلاص هو الباب الأول من أبواب الدخول إلى العبودية الحقة، فهو يقترن مع مقامات كثيرة لكنه شرط أكيد في صحة الأعمال، فلا عمل لمن لا إخلاص له، ولا إخلاص لمن لا متابعة له. وواجبنا في الإخلاص أن نصدق النية مع الله عز وجل، يقول عز من قائل: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21]. {أتي أحد الأعراب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فأسلم وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم، فأتت الغنائم فأعطاه صلى الله عليه وسلم من الغنائم، فقال الأعرابي: غفر الله لك يا رسول الله! ما بايعتك على الغنائم ولا على أخذ شئ من المال، قال: فعلامَ بايعتني؟ قال: بايعتك على أن يأتيني سهم غرب - أي: طائش - فيقع هنا ويخرج من هنا، فيقول عليه الصلاة والسلام: إن صدقتَ الله فسيصدقك الله. فلما أتت المعركة قتل الأعرابي، فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم السهم وقد وقع في لبته وخرج من قفاه فقال: صدقتَ الله فصدقكَ الله}.

عظم شأن الصدق مع الله

عظم شأن الصدق مع الله الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. إن منزلة الإخلاص لا بد للعبد أن يحققها؛ ليقبل الله سبحانه وتعالى منه طاعته، وليجيبه، وليجعله من المقبولين عنده تبارك وتعالى، ولذلك من نوى نية ثم لم يستطع أن يعمل بما نوى من العمل الصالح كتب الله سبحانه وتعالى له أجر ما نوى، على حد الحديث الذي قَبِلَهُ ابن تيمية في مختصر الفتاوى: {نية المؤمن خيرٌ من عمله} ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة: {من سأل الله الشهادة بصدقٍ بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه} وهذا من الصدق؛ لأن من طلب الصدق وحققه حقق الله له ما تمنى. وتعلمون أن عمر رضي الله عنه وأرضاه لما حج وقف في الأبطح ورفع يديه، وقال: [[اللهم انتشرت رعيتي، ورق عظمي، ودنا أجلي، فاقبضني إليك غير مفرطٍ ولا مفتون، اللهم إني أسألك شهادةً في سبيلك وموتة في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم، فقال له الصحابة: يا أمير المؤمنين! إن من يطلب الشهادة يخرج إلى الثغور، فقال: هكذا سألت واسأل الله أن يلبي لي ما سألت]] فلمّا وصل إلى المدينة طعن في صلاة الفجر، وفي أحسن وقت، وفي أجلَّ مقام، وفي أحسن مكان، طُعن بعدما صلَّى الركعة الأولى ودخل في الثانية بيدٍ غادرة فاجرة، ما تقربت إلا إلى النار بقتله، وتقرب هو رضي الله عنه إلى الله سبحانه وتعالى، فوقع يقول: [[حسبي الله، لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم]] وعلم أنها الشهادة التي سألها رضي الله عنه وأرضاه، لما توفي يقول أنس: [[والله لقد خفنا خوفاً وحزنا بعد وفاة عمر حزناً ما حزناه أبداً إلا على وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاة أبي بكر]] فلما وضع في بيته، وضعوا رأسه على مخدة فقال لابنه: [[انزع المخدة من تحت رأسي وضع رأسي على التراب علَّ الله أن يرحمني]] فدخل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه وقال: [[طوبى لك يا أمير المؤمنين! لطالما سمعت رسول الله يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك، فقال عمر: يا ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا عليَّ]]. فالشاهد: أن عمر رضي الله عنه وأرضاه لما صدق في تمني الشهادة، وصدق في طلب مرضاة الله أعطاه الله عز وجل، وبلغه الله تلك المنزلة، وهذا مأثور بالاستقراء والنقل، والمشاهدة والأثر من جميع من أخلص لله سبحانه وتعالى وصدق مع الله.

بالصادقين فتحت كابل

بالصادقين فتحت كابل حضر محمد بن واسع الأزدي العابد الشهير، والعالم الكبير معركة فتح كابول، يوم أن ذهب أجدادنا ينشرون لا إله إلا الله في تلك البقاع، يوم أن وزعوا الهداية على البشرية في خمسٍ وعشرين سنة ما طلبوا مالاً، ولا غنيمة، ولا جاهاً، ولا منصباً، وإنما طلبوا رضوان الله. أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا كنا نرى الأصنام من ذهبٍ فنـ ـهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا فبلغ محمد بن واسع مدينة كابول مجاهداً في المعركة، وقد كانوا عبَّاداً في المحراب، وخطباء على المنابر، ومفتون في المحافل، وحملة سيفٍ في الجهاد في سبيل الله. وكان قائد الجيش قتيبة بن مسلم القائد الشهير فقال قتيبة قبل المعركة والناس مصطفون للقاء موعود الله، ولمناجزة أعداء الله، قال القائد قتيبة: ابحثوا عن محمد بن واسع، والتمسوه لي، فذهبوا يلتمسونه؛ فوجدوه قد شخص بطرفه إلى السماء، ورفع سبابته واتكأ على رمحه وهو يقول: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت! اللهم انصرنا عليهم، فلما رجعوا وأخبروا قتيبة بن مسلم قال: نصرنا ورب الكعبة، والله لإصبع محمد بن واسع خيرٌ عندي من ألف سيفٍ شهير، ومن ألف شابٍ طرير. لماذا؟ لأن النصر من عند الله. فلما بدأت المعركة نصر الله جنده على أعدائه؛ لأنهم صدقوا معه، وأخلصوا له الدعاء والإنابة، فأعطاهم ما تمنوا من الشهادة والنصر والتمكين {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:17].

صلة بن أشيم والأسد

صلة بن أشيم والأسد صلة بن أشيم يقول ابن كثير وكل من ترجم عنه: خرج إلى خراسان مجاهداً، فقال أحد أصحابه: لأراقبنَّ صلة اليوم ماذا يفعل في الليل، هل ينام كما ينام الناس؟ قال: فلما صلى العشاء أتى إلى فراشه فخاتلنا حتى ظن أنا نمنا، وأنا ما نمت -هذا الراوي- قال: ثم سلَّ نفسه من فراشه وتوضأ ودخل في غابة، فدخلت بعده واختفيت وراء شجرة فقام يصلي ويدعو ويبكي ويتبتل، وفي أثناء الصلاة وإذا بأسدٍ خرج من الغابة إلى صلة بن أشيم فاقترب منه، فوالله ما استعجل في قراءته، ولا قطع صلاته، ولا التفت، وإنما بقي على خشوعه كما كان، قال: فلما سلم التفت إلى الأسد وقال: يا حيدرة! -للأسد- إن كنت أمرت بقتلي فها أنا دونك، وإن كنت لم تؤمر فاذهب وابحث عن رزقٍ لك ودعني أناجي ربي، قال: فزأر الأسد زأرةً اهتزت لها الغابة، ثم ولَّى وترك صلة يصلي إلى الفجر، قال: فلما اقترب الفجر قال: اللهم اغفر لي، أَوَمثلي يسأل الجنة؟ اللهم أعذني من النار. فلما صدقوا الله عز وجل، ووجد مثل هؤلاء في الجبهات، ومع الجيوش، وعند الكتائب؛ نصر الله الأمة ورفع رايتها؛ لأنهم صدقوا مع الله في عبادتهم، وفي علمهم وجهادهم.

ابن المبارك وإخلاصه في الجهاد

ابن المبارك وإخلاصه في الجهاد تعلمون أن الخليفة العباسي لما نادى بالجهاد خرج العالم المجاهد الزاهد عبد الله بن المبارك من مكة، ترك الإفتاء في مكة وخرج يجاهد في سبيل الله، ركب بغلته وأخذ السلاح على البغلة، فقال له تلاميذه: أتترك الإفتاء وتترك الحرم وتخرج إلى الجبهة؟ قال: بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنت الذي يبقى لأعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا فلما وصل إلى المعركة، وحضر ضرب أعناق الأبطال، نزل بسيفه وتلثم، فأخذ يقرع الأبطال، وأخذ يضرب رءوس الكفار، فيقول القائد: من هذا؟ قالوا: لا نعرفه، قال: التمسوا لي إياه، فذهبوا فلما وصلوا إليه وهو ملثم عرفوه بشارته وأخبروا الخليفة، قال: ادعوا لي ابن المبارك، فذهبوا إلى ابن المبارك ودعوه، قال ابن المبارك: لا أريد أن يعرفني إذا عرفني الله عز وجل. وأتته رسالة وهو في القتال من الفضيل بن عياض يقول: تترك الإفتاء، وتترك الحرم، وتخرج إلى الجبهات؟! يخرج صدقاً وإخلاصاً لطلب مرضاة الله، فيرد عليه ويقول: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعبُ إن كانت العبادة مجرد صلاة وركعات في المسجد، ثم يقف الإنسان ولا يكون لهذه الصلاة دوراً في حياته وفي صدقه، وأخلاقه وفي تعامله وتوجهه، وفي بناء بيته وتربية أبنائه، وفي تعامله مع الناس، فما الصلاة إذن؟ يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعبُ من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضبُ الدم أغلى من الدمع، إن كنت تبكي فدماؤنا تتحدر من نحورنا، ولذلك صدقوا الله فصدقهم الله. فالصدق والإخلاص مقام، بل هو أول مقام من مقامات العبودية، ولا بد معه من متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا هو العمل المقبول والمطلوب عند الله، وهو العمل الذي يثاب عليه صاحبه، فالله الله في قصد الله في العمل، وتصفية الأعمال من الرياء والسمعة! فإنها عدوة الثواب، وإنها مطردةٌ للأجر والمثوبة من الله عز وجل.

أسباب الخلوص من الرياء

أسباب الخلوص من الرياء والرياء داءٌ فتاك، يدخل على العابد في عبادته، وعلى العالم في علمه، وعلى الداعية في دعوته، وعلى الكريم في بذله، وعلى المجاهد في جهاده، ولا خلوص من هذا الرياء إلا بثلاثة أسباب: السبب الأول: أن يعتقد العبد أن النافع الضار هو الله عز وجل، وهو الذي يعطي ويمنع، ويحيي ويميت، ويرزق ويعدل، وهو الذي بيده مقاليد الأمور سبحانه وتعالى، فلماذا يتوجه إلى الناس؟! والسبب الثاني: أن يعتقد أن الدنيا ومن عليها زائلون، وأنه سوف يلقى الله فيوفيه عمله، ويوفيه حسابه، إن أحسن فبالإحسان يجازى، وإن أساء فبالإساءة يعاقب. والسبب الثالث: أن يستحضر دائماً عظمة الله، ويدعو بالدعاء الخالص، بدعاء الاستغفار، ودعاء المثوبة، ودعاء الكفارة، فيقول دائماً وأبداً كلما أصبح وأمسى: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم} فحياة القلوب هي في العبودية.

دعوة للرجوع إلى الله

دعوة للرجوع إلى الله يا أيها الأخيار! وعلينا بالرجوع إلى الله عز وجل لنشرف أنفسنا لأننا كنا خير أمةٍ أخرجت للناس، يوم كنا نسجد على التراب وأرواحنا تسري إلى الله عز وجل، يوم كان الشهيد منا -من أجدادنا، من الذين فتحوا الدنيا- يأتي فيغتسل قبل المعركة ويلبس أكفانه، ويقول لطفيلاته وأطفاله: أستودعكم الله لن أعود إليكم، كما فعل عبد الله بن عمرو الأنصاري، فيقتل في المعركة، ثم يقول جابر {: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر! أتدري ماذا فعل الله بأبيك وإخوانه الشهداء؟ قلت: لا يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده لقد كلَّمهم كفاحاً بلا ترجمان، فقال: تمنوا عليّ، قالوا: نتمنى أن تعيدنا إلى الدنيا فنقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمنوا، قالوا: نتمنى أن ترضى عنا فإنا قد رضينا عنك، قال: فإني أحللت عليكم رضواني لا أسخط عليكم أبداً، قال: فجعل الله أرواحهم في حواصل طيرٍ خضر ترد الجنة، فتأكل من أشجارها، وتشرب من مائها، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش} قال ابن كثير: سند هذا الحديث حسن. فأنزل الله مصداق ذلك قوله عز من قائل: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171]. يا رب نفسي كبت مما ألمَّ بها فزكها يا كريمٌ أنت هاديها هامت إليك فلما أجهدت تعباً رمت إليك فحنت قبل حاديها إذا تشكَّت كلال السيف أسعفها شوق القدوم فتدنو في تدانيها حتى إذا ما كبت خوفاً لخالقها ترقرق الدمع حزناً من مآقيها فإن عفوت فظني فيك يا أملي وإن سطوت فقد حلت بجانيها إن لم تجرني برحبٍ منك في سفري فسوف أبقى ضليلاً في الفلا تيها اللهم رد الأمة إليك رداً جميلا، اللهم أغث قلوبنا بغيث الرحمة والغفران والرضوان. اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، أحينا حياةً طيبة، حياةً صادقة، حياةً مخلصة، حياةً متقبلة، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم رد شباب الإسلام إليك رداً جميلا، اللهم تب عليهم، اللهم كفر عنهم سيئاتهم، اللهم أصلح بالهم، اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم وجههم وجهةً صالحةً في الدنيا والآخرة. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

صحة أثر: [ما أمن النفاق إلا منافق]

صحة أثر: [ما أمن النفاق إلا منافق] Q ما صحة الأثر القائل: [[ما خافه -أي: النفاق- إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق]]؟ A الحمد لله، هذا الأثر لا بد أن يُعتنى به، وأن يفهم، وهو عن الحسن البصري رحمه الله، كما علَّقه البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان، قال: [[ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق]] يعني: ما خاف النفاق إلا مؤمن، ولا أمن النفاق إلا منافق، فالمؤمن دائماً يخاف النفاق، ويخاف من الرياء والسمعة، ودائماً يتوجد ويوجل، ودائماً يحاسب نفسه خوفاً من النفاق أن يكون فيه، فهو دائماً يخاف هذا الأمر؛ لأنه مؤمن، وأما المنافق فيمضي قدماً لا يلوي على شيء، وإن قلت له: نخاف أن يكون عملك رياءً، قال: ليس في عملي رياء، ولا سمعة، ولا نفاق، أنا مخلص. فمن ادعى الإخلاص يُخشى عليه من النفاق. وفي صحيح البخاري في كتاب الصلاة بوب البخاري باب: الصلاة كفارة، عن حذيفة قال: قال لنا عمر ونحن جلوس عنده: {أيكم يحفظ قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال: قلت: أنا، قال: إنك عليها لجريء، قال: سمعته يقول: فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصوم والصدقة، قال عمر: لست عن هذا أسألك، لكن أسألك عن الفتنة التي تموج موج البحر، قال: قلت يا أمير المؤمنين! ليس عليك منها بأس، إن دونك ودونها باباً، قال: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال قلت: بل يكسر، قال عمر: ذاك أولى ألا يُغلق أبداً، قيل لـ حذيفة: علم عمر من هو الباب؟ قال حذيفة: إي والله كما أن دون الليلة البارحة} فالباب معناه عمر، وإنما الشاهد في القصة قول عمر: في غير رواية البخاري: [[يا حذيفة! أسألك بالله أسماني رسول الله من المنافقين؟!]] يا لله العجب! إذا كان عمر مسمى من المنافقين فمن المخلص إذاً؟! ومن المقبول إذاً؟! لكن هذا الخوف من الله، الخوف من النفاق [[فدمعت عينا حذيفة وقال: لا والله ما سماك من المنافقين ولا أزكي أحداً بعدك]]. فمعنى أثر الحسن البصري: ما خافه -أي النفاق- على إيمانه إلا مؤمن، وما أمنه إلا منافق أي: لم يخف من النفاق. ولذلك يقول ابن مسعود كما أثر عنه: [[إن المؤمن ينظر إلى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه، والمنافق والفاجر ينظر إلى ذنوبه كأنه ذبابٌ طار على أنفه فقال به هكذا]].

علامات أولياء الله

علامات أولياء الله Q من هم أولياء الله عز وجل، وهل لهم علامات تعرف بهم؟ A أولياء الله عز وجل عرفهم سبحانه وتعالى في كتابه فقال: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63] فالولاية: هي الإيمان والتقوى، ولها تعريفات أخرى، كتعريفات بعض أهل المقامات وبعض أهل الغلو والتنطع، الذين ارتقوا من الأحوال إلى المقامات، والذين عبروا من الواردات إلى الفقرات والسكنات، وهذه ليست بتعريفات، بل هذه جهالات وسفسطات، بل التعريف المقبول والصادق: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63]. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يقول الله عز وجل: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه} وهذا يسمى حديث الولي، شرحه الشوكاني في قطر الولي على حديث الولي، وهو من أعظم الأحاديث عند أهل الإسلام، وهذا يبين الولاية فيما تحصل عليه، فهي تحصل في أداء الفرائض، وفي اجتناب النواهي، وبالتزود بالنوافل. فعلامات أولياء الله: امتثال أمر الله، والانتهاء عن نهي الله عز وجل، والوقوف عند حدود الله، واحترام حرمات الله عز وجل، وأن يتحلوا بالسنة ظاهراً وباطناً، فهؤلاء أولياء الله سواءً لبسوا القباء أو العباء، فالإسلام لا يعترف بالطقوس التي أحدثها بعض أهل الغلو وأهل التنطع والتعمق، وإنما يعترف بلباس السنة، وبالإخلاص وإقبال القلب إلى الله عز وجل فهذه علاماتهم، من كان على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو وليٌ من أولياء الله عز وجل، سواءً كان سلطاناً، أو تاجراً، أو فقيراً، أو فلاحاً، أو جندياً، أو طالب علم، أو في أي مكان من الأمكنة، وشروط الولاية فيه فهو وليٌ من أولياء الله عز وجل.

حكم تعذيب النفس إذا فعلت معصية

حكم تعذيب النفس إذا فعلت معصية Q هناك بعض الزهاد إذا فعل معصية يضرب قدميه أو يحرق أصابعه، أو يعاقب نفسه بعقابٍ شديد، فما حكم هذا العمل؟ أليس من الإلقاء بالتهلكة؟ وجزاكم الله خيراً. A يتهيب المجيب في مثل هذه المسألة؛ لأنها ذكرت عن عمر رضي الله عنه، ففي البداية والنهاية عن أنس قال: [[سمعت عمر يضرب نفسه بعصا من وراء حائط، وهو يقول: يا عمر! والله إن لم تتقِ الله ليعذبنَّك الله]] وعمر من الخلفاء الراشدين رضي الله عنه وأرضاه. لكن المعلوم من النصوص كتاباً وسنة، أننا ما أمرنا بمعاقبة أنفسنا إذا فعلنا معصية، وإنما أمرنا أن نتوب إلى الله عز وجل، وأما الذين كانوا يعاقبون أنفسهم -وهي من الآصار والأغلال التي رفعها محمد صلى الله عليه وسلم عنا- فهم بنو إسرائيل. اليهود كانوا يعذبون أنفسهم، ويقتلون أنفسهم؛ كما قال سبحانه وتعالى: {اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء:66] فهي كفارة ذنوبهم وخطاياهم، أما نحن فأمرنا أن نتوب ونستغفر ونندم، وأن نعمل الحسنات التي تذهب السيئات، وأما أن نضرب أنفسنا فليس بوارد وليس بمسنون ولا مشروع، لا كتاباً ولا سنة. وإرهاق النفس بهذا من أعمال أهل الرهبنة {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] ولذلك من خزعبلاتهم: أنه ذكر عن بعض النصارى أنه نظر إلى امرأة فاقتلع عينه التي نظر بها بإصبعه. وهذا هو الخرافة والجهل في أمر الله عز وجل، وبعضهم فعل معصية فوقف في الشمس سنة، فهذه كلها من الضلالات التي أمرنا باجتنابها؛ لأنهم قومٌ ضالون عبدوا الله بلا علم، والواجب على المسلم أنه إذا أذنب أن يستغفر ويتوب ولا يضرب نفسه، ولا يظمئ، ولا يجوع، بل عليه أن يندم ويعمل صالحاً قال عز وجل: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] وقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] وفي مسند الإمام أحمد بسندٍ صحيح عن علي رضي الله عنه قال: كان الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا حدثني بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استحلفته، فإن حلف صدقته، وحدثني أبو بكر -وصدق أبو بكر - ما استحلف أبا بكر - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ما من عبدٍ يذنب فيتوضأ ويصلي ركعتين ويستغفر الله من ذاك الذنب إلا غفر الله له ذاك الذنب}.

العبد بين الخوف والرجاء

العبد بين الخوف والرجاء Q أيهما يقدم الخوف أم الرجاء؟ وهل يخاطب الناس بالخوف أم بالرجاء؟ A قول الجمهور في هذه المسألة وهو الصحيح: أن العبد في الحياة يكون بين الخوف وبين الرجاء، ويكون له الخوف والرجاء كجناحي طائر، لا يغلِّب الرجاء فيقع في الأمن من مكر الله، ولا يغلب الخوف فيقع في القنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله عز وجل، بل يكون معتدلاً؛ عنده الرجاء والخوف، والنووي له رأيٌ أظنه انفرد به يقول: يغلب في الحياة جانب الخوف، ويغلب عند الموت جانب الرجاء، وطاوس بن كيسان كما يروي عنه ابن كثير في ترجمته كأنه يرى: أن الرجاء يغلب حتى في الحياة، وأما عند سكرات الموت فالأولى للمسلم أن يغلب جانب الرجاء لحديث جابر الصحيح مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم: {لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه} فلا بد من إحسان الظن. وأما سؤال السائل: هل يخاطب الناس بالخوف أو الرجاء؟ فهذا يختلف باختلاف المواقع والناس والأحوال، فمن كان مقبلاً على المعاصي، متهتكاً في الحرمات، متجاوزاً لحدود الله، فيخاطب بالخوف، ومن كان منيباً تائباً، مقبلاً نادماً، كثير الإقبال والشفقة والخوف؛ فيخاطب بالرجاء، وقد جعل الله لكل شيءٍ قدره.

قبول التوبة من العبد وإن عاد للذنب

قبول التوبة من العبد وإن عاد للذنب Q إني شابٌ قد هداني الله عز وجل، ولكن المعاصي التي ارتكبها كثيرة، ثم أتوب بلهفةٍ وندم، ولكن لا أجلس على ذلك كثيراً ثم أعود وأرتكب المعاصي مرة أخرى، ولا أدري ماذا أفعل! أرجوكم أن ترشدوني إلى طريقةٍ تدلني إلى الطريق الصحيح، وجزاكم الله خيراً؟ A أنت أصبت كل الإصابة بأنك كلما أذنبت تتوب، وهذا واجب المؤمن، يقول ابن القيم: إن للمسلم أحوالاً ثلاثة لا بد أن يتقلب فيها: حال الصبر، وحال الشكر، وحال الاستغفار، فاستغفارٌ عند الذنب، وشكرٌ عند النعمة، وصبرٌ عند المصيبة، فأفلح من إذا أنعم عليه شكر، ومن إذا أذنب استغفر، ومن إذا ابتلي صبر، فأنت من المحسنين في هذا الجانب؛ أنك كلما أذنبت استغفرت، وأما قولك: أنك تعود، فالذنب حتمٌ على العبد، لكن على العبد أن يخلص نيته في التوبة ليرزقه الله توبةً نصوحاً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8] والتوبة النصوح قالوا: هي الخالصة من شوائب إرادة العمل لغير وجه الله، وقيل: النصوح التي لا رجعة بعدها، وفي سنن الترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما أصرَّ من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة} وأورد ابن رجب في جامع العلوم والحكم عن ابن حبان من حديث عائشة قالت: {جاء حبيب فقال: يا رسول الله! إني أذنب، قال: تب إلى الله، قال: ثم أعود، قال: تب إلى الله، قال: ثم أعود، قال: تب إلى الله، قال: إلى متى يا رسول الله؟! قال حتى يكون الشيطان هو المدحور} فنحن أمرنا كلما أذنبنا أن نستغفر، وفي المجلد العاشر من الفتاوى لـ ابن تيمية في وصيته لـ أبي القاسم المغربي يقول: إن الذنب كالحتم على العبد، فعليه كلما أذنب أن يستغفر ويتوب إلى الله عز وجل، وهذا واجب العبودية. وفي الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا أذنب العبد فقال: اللهم اغفر لي؛ غفر الله له سبحانه وتعالى وقال: علم عبدي أن له رباً يأخذ بالذنب ويغفر؛ أشهدكم أني غفرت له، أو غفر له سبحانه وتعالى، ثم عاد فأذنب فقال ذلك، فقال سبحانه تعالى هذه المقالة، وفي الثالثة يقول سبحانه وتعالى: فليعمل عبدي ما شاء} والصحيح في معنى هذه الكلمة: {فليعمل عبدي ما شاء} أنه ما دام أنه يُذنب ويستغفر ويتوب إلى الله؛ فإنه سوف يغفر له، ليس معنى ذلك أن يكون في نية العبد أن يذنب ثم يستغفر دجلاً وكذباً، وخداعاً ومكراً على الله عز وجل وفي نيته أن يعود، لا. بل يكون في نيته التصميم على ألا يعود، فإذا وقع في الذنب فليتب مرة ثانية، وليحاول أن يتوب ولو عاد في اليوم سبعين مرة. وعلامة الخير فيك أنك تحس بهذه الأمور، وأنك تحاسب نفسك، وأنك تريد الطريق إلى الله، فأبشر ثم أبشر {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من جود كفك ما علمتني الطلبا

حكم صلاة ركعتين بعد التوبة

حكم صلاة ركعتين بعد التوبة Q هل تكفي التوبة أم لا بد أن أصلي ركعتين؟ A لا أعلم مشروعية ركعتين إلا في حديث علي عن أبي بكر مرفوعاً في الصحيح، ومن حديث علي في مسند أحمد وسنده صحيح، فإن فعل العبد وصلى ركعتين فبها ونعمة، وإذا استغفر وتاب بلا ركعتين فعليه أن يتوب جازماً من قلبه بأن لا يعود، بأن يكون نادماً على ما فعل، عازماً على ألا يعود، فإن كان من حقوق العبيد استباحهم وطلب المسامحة منهم، ورد ما لهم من حقوق، وعليه أن يفعل الحسنات {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] فالركعتان إنما وردت تفضلاً لمن أرادها، لكن ليست شرطاً في التوبة والندم.

ما يؤخذ على كتاب إحياء علوم الدين والكتب التي تغني عنه

ما يؤخذ على كتاب إحياء علوم الدين والكتب التي تغني عنه Q ما تقولون في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي؟ وما هي الكتب المرشحة في موضوع مقامات العبودية؟ A إحياء علوم الدين كثر الكلام فيه، وقد سئل عنه ابن تيمية، وأجاب بجوابٍ سديد، إنما ملخص القول في إحياء علوم الدين: أن أبا حامد محمد بن محمد الطوسي الغزالي من أهل الخير والاستقامة إن شاء الله، لكنه قليل البضاعة في الحديث؛ فأتى ببعض الأمور التي لا يوافق عليها، وربما تجمل الملاحظات في إحياء علوم الدين في ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن العقيدة لا تؤخذ من إحياء علوم الدين، فهو أشعري العقيدة، يتفلسف في بعض النظريات وبعض استقرائياته إذا أوردها، ويعجب بأن ينقل من مشايخه الذين أخذ عنهم؛ فلا تؤخذ عنه العقيدة. الأمر الثاني: أن بضاعته مزجاة في الحديث النبوي وقد قال ذلك عن نفسه، فهو يأتي بأحاديث لا سند لها، ظلماتٌ بعضها فوق بعض، وليست بصحيحة ويبني عليها بعض الأمور ثم يستنتج الاستنتاجات ويستخرج الفوائد والأحاديث في أصلها باطلة، وقد علق عليه العراقي؛ وخرج أحاديثه لكن هناك حاجة إلى أن ينتبه له. الأمر الثالث: أنه معجب كل الإعجاب بـ الصوفية وبكراماتهم التي ربما لا يوافقون عليها، وبشطحاتهم وإشاراتهم ووارداتهم، وخطراتهم وسكناتهم، وهذا لا يوافق عليه، فلا يوافق إلا ما وافق عليه الكتاب والسنة، أو وافق عمل الصحابة. هذا مجمل القول فيه، وأنا أنصح: ألا يقرأه المبتدئ حتى يتمكن من تدبر كتاب الله عز وجل، وقراءة الكتب الستة، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، ثم إذا أراد أن يطالع فيه فليطالع. وأما الكتب التي ترشح في هذا المجال بعد كتاب الله عز وجل فـ الكتب الستة، من أراد البصيرة بعد الكتاب العزيز، ومن أراد الفوز والفلاح والنجاح فعليه بـ الصحيحين والسنن، وما سار في مسارها من كتب أهل العلم، ثم كما أسلفت كتب ابن تيمية، وكتب ابن القيم، وكتب ابن كثير، وكل ما لذ وطاب من كتب أهل العلم، بعد استشارة أهل العلم، ومن جمع هذه الكتب فقد جمع خيراً كثيراً.

سبب ما ورد عن بعض السلف من السقوط والغشيان عند سماع القرآن

سبب ما ورد عن بعض السلف من السقوط والغشيان عند سماع القرآن Q فضيلة الشيخ ذكرت تعريف الخوف لـ ابن تيمية، وهو قوله: حد الخوف ما حجزك عن المعاصي والباقي لا حاجة فيه، ثم ذكرت بعده خوف عبد الله بن وهب، وكيف كان يُغشى عليه لمجرد سماعه لبعض الآيات، فكيف توفق بين القولين؟ ثم كان الرسول صلى الله عليه وسلم أخوف البشر ومع ذلك لم يكن يغشى عليه فما تحميل ذلك؟ A لا يقتضي من التعريف أن ينطبق على أحوال الناس، والتعريف الذي ذكرته لـ ابن تيمية موجود، وهو من أحسن ما عرف فيه الخوف: حد الخوف ما حجزك عن المعاصي وما زاد فلا حاجة له. وقلت: إن سيد الخائفين وأجلهم عليه الصلاة والسلام هو الذي عرف الله عز وجل، وهو أقربنا منزلة إلى الله، فهو أخوف الناس، أما هؤلاء النماذج الذي ذكرت مثل بعض المحدثين، والزهاد، والعباد، فإن وارد الخوف غلب عليهم، وقد سئل ابن تيمية عنهم قال السائل فيما معناه: كيف نرى أن بعض التابعين غلب عليهم الخوف حتى غشي على بعضهم وصعق بعضهم، ولا يوجد ذلك في الصحابة؟ قال: الصحابة تحملوا وارد الخوف فكانوا أقوى قلوباً، وأما هؤلاء فلم يتحملوا الخوف فسقطوا وغشي عليهم، فهذا هو الجواب. والشاطبي في الموافقات يقول: إن الشريعة تخاطب جمهور الناس كما عُلم ذلك، لكن قد يرى من بعض الناس من يزيد عنده الرجاء أو تزيد عنده العبادة على ما أثر، فيصل إلى هذه المنازل، ولسنا مطالبين بتقليد عبد الله بن وهب ولا غيره فيمن صرع، لكن نعذرهم في ذلك، وهذا من إيمانه وإخباته، ونقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر خوفاً منهم، وأعلى منزلة عند الله عز وجل، وكذلك الصحابة بعده، فهذا هو الجواب، ولذلك سئل ابن تيمية في الفتاوى عن الفضيل بن عياض؛ لأنه ذكر عنه أنه لما مات ابنه علي دفنه ثم ضحك في المقبرة، والرسول عليه الصلاة والسلام لما دفن ابنه إبراهيم قال: {تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون}. فكيف يتبسم الفضيل ويضحك، والرسول صلى الله عليه وسلم تدمع عينه ويحزن قلبه؟! A قال شيخ الإسلام: الصبر واجب والرضا مستحب على الأصح من أقوال أهل العلم، والرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين الرضا والصبر وبين الرحمة، رحم ابنه إبراهيم فدمعت عينه وحزن قلبه، لكن الفضيل ما استطاع أن يجمع بين الرضا والحزن أو الرحمة، أراد أن يرحم، فإذا رحم ابنه تدمع عينه ويحزن، وأراد أن يجمع بين الرضا فما استطاع فأخذ مقام الرضا، فمقام الرسول صلى الله عليه وسلم أجل وأرفع وأعلى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].

أسباب تفاوت العبادات

أسباب تفاوت العبادات Q ما هو الأمر الذي يتفاوت به فضل العبادة؟ A فضل العبادة يتفاوت بالحسن والإخلاص وليس بالكثرة، قال عز من قائل: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] ولم يقل: أكثر عملاً، فالجودة هي المطلوبة في العبادة وحسن العمل كما قال الفضيل: هو أصوبه وأخلصه، قالوا: يا أبا علي! ما أصوبه وأخلصه؟ قال: الخالص أن يكون لوجه الله عز وجل، والصواب أن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففضل العبادة يتفاوت بالإخلاص وبالحسن وليس بالكثرة، ولذلك يقول ابن القيم في مدارج السالكين: قد يقوم عبدان في صفٍ واحد -مصليان في صفٍ واحد- هذا بجانب هذا وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، لما في قلب ذاك من إخلاص وإنابة وخشوع وخضوع. ولذلك بعض التابعين كانوا يصلون في اليوم ثلاثمائة ركعة كما أثر عنهم، أو مائة ركعة وليسوا بأفضل من الصحابة، والصحابة أقل منهم نوافل كما عُهد ونقل، لكنهم كانوا أخلص وأصدق، وأصوب وأحسن {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] فالكثير مطلوبٌ إذا وافقه الصدق والإخلاص، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ ربيعة بن كعب الأسلمي: {أعني على نفسك بكثرة السجود} وقال في حديث ثوبان: {فإنك لن تسجد لله سجدةً إلا رفعك بها درجة} فالكثرة تحمد إذا وافقت الإخلاص والصدق والصواب.

حكم محبة الثناء الحسن من الآخرين

حكم محبة الثناء الحسن من الآخرين Q ذكرت في قصة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم حينما علم أنه سمع قراءته البارحة: {لو علمت أنك تسمع قراءتي لحبرتها لك تحبيراً}. فهل فعل أبي موسى هذا يدخل في الرياء؟ A فعل أبي موسى هذا رضي الله عنه وأرضاه لا يدخل في الرياء، ولكم أن تنظروا إلى كلام ابن حجر على هذا الحديث، واستنباط الإمام مالك رحمه الله تعالى، فإنه استنبط من قصة ابن عمر لما سأله صلى الله عليه وسلم عن الشجرة التي تشبه النخلة، ما هي؟ قال ابن عمر: {فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت أن أقولها، فلما أخبرت أبي - عمر - قال عمر: وددت أنك قلتها وأنه لي كذا وكذا أو أني فعلت كذا وكذا} قال الإمام مالك: يؤخذ من هذا أن محبة الخير أو الثناء الحسن لا يدخل في باب السمعة، ومثل هذا فعل أبي موسى، فإن من تكلف أمراً ليصلح به الله سبحانه وتعالى وليكون وسيلةً خيرة نفع الله به وليس من الرياء، وذكر ذلك ابن القيم في طريق الهجرتين، وذكره في مدارج السالكين، وقال من ذلك: إن الخطيب يجمل كلامه، ويحسن أسلوبه ليقبل الناس عليه، وكذلك المقري يحسن صوته ومن نغمته ونبرته ليؤثر في الناس، ولذلك نحن مأمورون أن نحسن ونزين القرآن بأصواتنا، وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم: {ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت} وقال: {زينوا القرآن بأصواتكم} على ما في الحديث من ضعف، لكن ليس هذا من باب الرياء والسمعة لكن هذا من باب الحسن والجودة، والرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا خطب على المنبر كما في صحيح مسلم عن جابر: {يشتد صوته صلى الله عليه وسلم، ويشتد غضبه، وتحمر عيناه} فاشتداد صوته، وأداء النبرة للخطابة من باب التأثير والتكلف فيها لتقبل فهذا لا بأس فيه، ولا شائكة ولا شائبة، ولا رياء إن شاء الله.

خطورة من يأمر بالمعروف ولا يأتيه

خطورة من يأمر بالمعروف ولا يأتيه Q إني شابٌ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه، فهل أترك الأمر والنهي خشية النفاق، وجزاكم الله خيراً؟ A نسأل الله أن يصلح حالنا وحالك، وإني أدعو نفسي وإياك وكل سامع إلى أن نجعل هذه الآية نصب أعيننا: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] وتصدر هذه الفعلة من طالب العلم أو من الداعية إذا كان واجهة للناس أو قدوة، ثم يأتي بهذا العمل، يقول عز من قائل في سورة الأعراف: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176] فالمطلوب أن نحاسب أنفسنا جميعاً ولا نقول إلا ما نفعله، هذا في الفرائض، أما النوافل فأمرها فيه سعة، فهي أوسع من أمر الفرائض، ولذلك سأل سائل الإمام أحمد: هل لا أدعو إلى شيء حتى أكمل في العبادة والنسك؟ قال: لو توقف كلٌ منا إلى أن يكمل ما دعا إلى الخير أحد. لكن علينا أن نسدد ونقارب، فلا نخل بالفرائض ولا نرتكب الكبائر، أما في الأمور المستحبة؛ فإنك تدعو إليها ولو لم تعملها ليكتب الله لك الأجر وتحاول أن تفعل، وليحذر كلٌ منا أن يكون من الذين يدعون إلى الخير ولا يأتونه ويدعون إلى الشر وهم يأتونه، ففي صحيح مسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه قال: {ذكر صلى الله عليه وسلم أن رجلاً يلقى في النار فتندلق اقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في رحاه، فيجتمع عليه أهل النار، فيقولون: يا فلان! ألست أنت الذي كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! قال: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه} فنعوذ بالله من هذه المنزلة، فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه ويسدد ويقارب؛ ويعمل ليعلم أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له سبحانه وتعالى وصواباً.

حكم من بلغ ولم يصم

حكم من بلغ ولم يصم Q امرأة تسأل وتقول: قد بلغت وأنا في سن الحادية عشرة، ولم أصم في السنة الأولى التي بلغت بها، هل علي كفارة أم صيام؟ A هذه المرأة تسأل تقول: أنها بلغت ثم لم تصم في هذه السنة، الذي أعلمه أن عليها أن تصوم، لأنها لما علمت وعرفت وجب عليها أن تصوم؛ لأنه أدركها سن التكليف، وقد دخلت في سن يتوجب عليها أن تصوم ثم فرطت فعليها أن تقضي هذا الصيام، وإن دخل عليها رمضان آخر؛ فعليها أن تصوم وتكفر عن كل يوم بإطعام مسكين، هذه فتوى ابن عباس رضي الله عنه في الكفارة لمن تجاوز رمضان آخر، ولا أعرف حديثاً مرفوعاً صحيحاً جاء في مسألة إضافة كفارة الإطعام مع الصيام إذا تجاوز رمضان، أما هي فتصوم.

حكم ترك الضحك وهجر الملذات

حكم ترك الضحك وهجر الملذات Q بعض الخائفين نقل عنهم ترك الضحك وهجر الملذات، فهل هذا من الإسلام؟ A هذا نقل عن كثير، وبعضهم يقول: أين أنتم من فلان ما رفع طرفه إلى السماء أربعين سنة؟ والآخر يقول: أينكم مني ما أكلت رطباً خمسين سنة؟ يعني البلح، وآخر يقول: ما مددت رجلي، والآخر يقول: ما فعل وفعل، وهؤلاء يرد عليهم بالسنة؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام وقع في عهده من أشباه هؤلاء القوم ثلاثة، قال أحدهم: {أما أنا فأقوم ولا أنام، والآخر قال: لا أتزوج النساء، والثالث قال: أصوم ولا أفطر، فاستدعاهم صلى الله عليه وسلم، وقال: إني أعلمكم، وأشدكم لله خشية -وفي لفظ: لأنا، عليه الصلاة والسلام- وإني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني}. ترك الضحك ليس من السنة بل يضحك للحاجة، والرسول عليه الصلاة والسلام ضحك حتى بدت نواجذه في بعض الحالات لكن باقتصاد، ولا يكثر من الضحك للحديث الصحيح حديث أبي هريرة يقول صلى الله عليه وسلم: {ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب} فليقتصد الإنسان في هذا الأمر، وليلتفت ويتفكر في آيات الله في السماء، ويمد رجليه، ويأكل الرطب، وينام ويقوم، ويتزوج النساء، ويصوم ويفطر، وعليه بالسنة.

ضوابط الهجر وشروطه

ضوابط الهجر وشروطه Q إن لي أشقَّاء لا يصلون والعياذ بالله، وهم على معاصٍ كبيرة يا شيخ! ولقد نصحتهم فلم يستجيبوا لي، ولقد هجرتهم فهل فعلي هذا صحيح؟ ومتى يفضل الهجر؟ وجزاكم الله خيراً. A واجبك على حالتين: الحالة الأولى: أن تصبر في النصيحة وتحتسب، وتواصل معهم بالكلمة اللينة والطيبة والصبر والتودد؛ علَّ الله أن يهديهم سبحانه وتعالى ولا تيأس، فإذا فرغ صبرك ورأيت أنه لا حيلة لك بهم فعليك بالمقام الثاني وهو الهجر، فتهجرهم لئلا تكون شريكاً لهم، أو موافقاً لهم، أو مواداً لهم، والهجر واردٌ في الإسلام وهو من أسباب الردع للعصاة، وقد نص عليه الأئمة. والرسول عليه الصلاة والسلام هجر كثيراً من العصاة؛ كما فعل بالمتخلفين في تبوك؛ فإنه هجرهم صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بهجرهم، فعليك أن تهجرهم، ولكن لك أسباب غير أسباب الزيارة أن ترسل لهم رسائل، أو تتصل، أو تصلهم ببعض الناس من الدعاة والأخيار علَّهم يؤثرون فيهم، وتدعو لهم بظهر الغيب علَّ الله أن يصلحهم.

مراتب الخوف والكتب التي تتحدث عن ذلك

مراتب الخوف والكتب التي تتحدث عن ذلك Q ذكرت جزاك الله خيراً أن المرتبة الأولى من الخوف هي المراقبة، فما المراتب الأخرى؟ وما هي الكتب التي تنصح بقراءتها في هذا الموضوع خاصة؟ A هذه المنازل كما تعرفون والمقامات والأحوال إنما عددت في القرن الثالث فما بعد، وإلا فالصحابة رضوان الله عليهم ما عددوها كهذا التعداد، كأركان الصلاة، وشروطها، وأركان الوضوء وشروطه وفروضه فإنها لم تعدد عند الصحابة هكذا وإنما عددت فيما بعد، فأعمال القلوب كفروع الفقه، فقلت: إن المرتبة الأولى من مراتب الخوف: المراقبة، وهي أول شيء، ثم لا يقتضي أن يكون بعدها مراتب، لكن مرتبة المراقبة فالعمل فالمرابطة ويسمونه الحسبه، وقد ذكر هذا الغزالي في الإحياء، وأنا قلت لكم: التحفظ من هذا الكتاب، ومن أحسن من كتب في هذا المجال ابن القيم صاحب طريق الهجرتين ومدارج السالكين، وينتبه للكتب الأخرى فإن فيها الغث والسمين -غير كتب الشيخين- وابن تيمية في المجلد العاشر وفي المجلد الحادي عشر من فتاويه فإنه أتى بهذه المقامات وذكر كثيراً من هذه الأحوال، وأقر هذا الكلام، فلينتبه لهذا.

ما يعين على استحضار الخوف

ما يعين على استحضار الخوف Q ما هي الأمور التي تعين على استحضار الخوف من الله عز وجل؟ A الأمور التي تعين على استحضار الخوف من الله عز وجل هي: أولاً: المحافظة على الفرائض والتزود بالنوافل، وهي أول أسباب الولاية لحديث أبي هريرة المتقدم. ثانياً: تدبر القرآن، فإنه كلام الله عز وجل وأحسن ما عبد به سبحانه وتعالى هو هذا الكلام، فتدبر الكلام من أسباب الخوف. ثالثاً: ملازمة الذكر دائماً وأبداً {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152] {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35] {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] فالذكر من أسباب الولاية: وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا وناده إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى رابعاً: تذكر الموت، والاعتبار بالمقابر وزيارتها؛ فإنها من الأسباب العظيمة في توريث الخوف عند العبد. خامساً: مجالسة الصالحين والأخيار وموانستهم وزيارتهم، وموادتهم ومراسلتهم، وطلب دعائهم إلى غير ذلك، وبمفهوم المخالفة: مقاطعة الفجار والأشرار والعصاة. وأسأل الله عز وجل أن يتقبلنا وإياكم في هذه الليلة المباركة، وأنه كما جمعنا في هذا المكان الطاهر الطيب أن يجمعنا في مستقر رحمته، وأن يتقبل منا أحسن ما عملنا، وأن يتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

واجب الأمة بعد زوال الغمة

واجب الأمة بعد زوال الغمة إن من أعظم النعم؛ نعمة الحماية والأمن والاستقرار، ولا بد من شكر هذه النعمة بتحكيم شرع الله في الأرض وبالرجوع إلى طاعة الله، وكثيراً ما يرفع الطغاة شعارات كاذبة من أجل استعطاف الناس، وكثير من الناس من يضحي من أجل عقيدته، سواءً كانت حقاً أو باطلاً.

حقيقة الغمة

حقيقة الغمة إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً: يا رب حمداً ليس غيرك يحمد يا من له كل الخلائق تصمدُ أبواب كل مملكٍ قد أوصدت ورأيت بابك واسعاً لا يوصدُ الصالحون بنور وجهك آمنوا عافوا بحبك نومهم فتهجدوا {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران:123] لمن الخطاب؟ لمحمدٍ عليه الصلاة والسلام الذي حمل النصر الحقيقي للأمة، الذي رفع رأسي ورأسك ورأس أبي وأبيك، ورأس جدي وجدك، بنى المنائر والمنابر، وبنى المعاهد والجامعات بلا إله إلا الله: دعها سماويةً تجري على قدرٍ لا تفسدنها برأيٍ منك منكوسِ عنوان هذه المحاضرة: واجب الأمة بعد زوال الغمة. ولها عناصر: الأول: نعمة الحماية والاستقرار، وأثرها على الناس. الثاني: من الناصر؟ من الذي نصرنا؟ من هو هذا الذي أيدنا وخذل عدونا؟ الثالث: شكر المنعم تبارك وتعالى بماذا يكون؟ الرابع: إقامة شرع الله في الأرض، جزاء تمكينه ونصره تبارك وتعالى. الخامس: البناء العقدي المتين. السادس: دروسٌ من الأزمة والغمة. ليست الغمة أن تقاتل الشعوب من أجل مبادئها ومن أجل نصرة أفكارها الحقة، فذلك فريضةٌ في القرآن وواجبٌ في السنة، وليست الغمة أن تدفع الأمة أبناءها ليقدموا أرواحهم، ويقدموا جثثهم قرابين لله الواحد الأحد، فعلى جثث حمزة ومصعب وخبيب قامت لا إله إلا الله. وليست الغمة أن نقف في وجه الكافر، وفي وجه المعتدي والظالم، ونقول له: قف؛ فقد وقف صلى الله عليه وسلم في وجه أبي جهل، وأبي لهب، ووقف موسى في وجه فرعون، ووقف إبراهيم في وجه النمرود!! وليست الغمة أن نخوض المعارك، فنحن أبناء المعارك ولدتنا كابراً عن كابر: فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويتُ وما يخوض المعارك إلا نحن، ومن علم الناس القتال إلا نحن؟ ومن الذين سكبوا دماءهم رخيصةً في سبيل الله تعالى إلا نحن؟! وليست الغمة أن تشدخ رءوسنا تحت الدبابات، وتقطع أكتافنا تحت المجنزرات. ولكن الغمة ما هي؟ الغمة: أن تحيد الأمة عن مبادئها وتعيش خواءً عقدياً، والغمة أن تنطمس: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] من نفوس الأمة! والغمة: أن تنحرف الأمة عن ولائها لله وتبرئها من أعداء الله! والغمة: أن تعيش الأمة ذاهلةً ضائعة لا تدري أي طريقٍ مستقيم رسمه محمد عليه الصلاة والسلام. والغمة: أن تقدم الأمة شبابها إلى الملاهي والمنتديات الحمراء والمقاهي عباداً للمعصية وعشاقاً للنزوة، مصفقين للعبة!! هذه هي الغمة. ولكن لنستمر في مسلسل هذه المحاضرة، والله المستعان وعليه التكلان. يا رب هب لي بياناً أستعين به على قضاء حقوقٍ نام قاضيها

بعض مظاهر نعمتي الحماية والنصر

بعض مظاهر نعمتي الحماية والنصر من الذي يحيمنا؟ أي جيش يحمينا إذا أراد الله ألا نحمى؟ أي قوةٍ تمنعنا وتحرسنا؛ إذا أراد الله أن يخذلنا؟: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:57]. أما مكننا في الحرمين؟ أما أصبحت ثمرات العالم تجبى إلينا من أنحاء الأرض، من الصين، وفرنسا، وبريطانيا، والدنمارك؟! ألسواد عيوننا؟ ألدعاياتنا العالمية؟ ألحبهم لنا؟ لكن لدعاء شيخنا في العقيدة، وأستاذنا في المبادئ، إبراهيم الخليل عليه السلام الذي يقول: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]. فما دام أنا مقيمون على هذا العهد والميثاق فأبشروا بالاستقرار والأمن والسكينة، فإذا أخلفنا كان الخلف جزاء ما فعلنا، وكان النقض جزاء ما أبرمنا. ويتخطف الناس من حولهم. انظر إلى الشعوب وإلى المدن: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنْ الْقُرَى} [الأحقاف:27] أما تخطفوا؟! أما عاشوا الذلة؟! أما عاشوا التشتت؟! أما أصبحوا ينامون على زمجرة الصواريخ ويستيقظون على أزيز الطائرات؟! أما قتلوا بالألوف؟! أما عاشوا الجفاف والمجاعة التي ما ذقناها؟! لماذا؟ لأسرارٍ سوف أذكرها: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:3 - 4] من هو رب هذا البيت؟ الواحد الأحد الذي أطعمهم من جوع، أي صحراء صحراؤنا؟ لا ترى فيها بساتين ولا حدائق، صحراء قاحلة، لا أنهار! لا مروج ولا بحيرات، صحراء يموت فيها الظليم، صحراء يهلك فيها النعام، ولكن أغاث الله أهلها! {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور:55] {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ} [الحج:41]. وهذا وعدٌ من الله وقسم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} [الحج:41] أي: جعلناهم متمكنين قائمين على خيرات الأرض وثرواتها، واقفين على أوامرها، متمكنين منها ومن أهلها، ماذا يفعلون؟ {أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] وهذه هي مواصفات العباد الصالحين الموحدين، أما أن تعكس الآية بعد التمكين إلى أمة تجعل من النصر طرباً ولهواً ولعباً، ومن التمكين في الأرض مظاهرات صاخبة يختلط فيها الرجال بالنساء، وتنتهك فيها الحرمات، وتضيع فيها حدود الله، فهذا ليس بشكر المنعم تبارك وتعالى. وقد أخبر عليه الصلاة والسلام -كما في الحديث الصحيح- أنه رأى رؤيا في المنام، حيث رأى أن الأرض زويت له، المشرق والمغرب وهو نائم، ورؤيا الأنبياء وحي، فعلم أن ملك أمته يبلغ ما زوي له عليه الصلاة والسلام، وهذا قد وقع، وقد دخل أتباعه يصلون في قرطبة، ويعبدون الله في السند والهند ويكبرون على ضفاف الفرات والنيل، ثلاثة أرباع الدنيا فتحت بلا إله إلا الله: وأينما ذكر اسم الله في وطنٍ عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني وأخبر عليه الصلاة والسلام -في الصحيح- لـ عدي بن حاتم {أنه سوف تمر الظعينة من صنعاء إلى حضرموت لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها} وبالفعل يرتحل المرتحل من الجزيرة ولا يخاف، يحمل الذهب والفضة، بل يحمل روحه، ولا يخاف قتلاً ولا سلباً ولا نهباً بنعمة لا إله إلا الله.

من هو الناصر؟

من هو الناصر؟ من الناصر؟ من الذي نصر؟ {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران:123] ما ينصر إلا الله، وهذا الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: ما هو عددكم في بدر؟ أي سلاحٍ كنتم تحملونه؟ أي قوةٍ كنتم تحملونها؟ لا شيء. لكن نصركم الواحد الأحد في بدر وفي غيرها وأنتم أذلة، الكفار ثلاثة أضعاف المؤمنين ومع ذلك انتصر رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، لماذا؟ لأن القائد الأعلى للقوات المسلحة في بدر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وتحت قيادته جبريل عليه السلام، يقول حسان في أشرف بيتٍ قالته العرب: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمدُ قال الأصمعي: أجزم جزماً أن هذا أشرف بيتٍ قالته العرب، يقول: يا عرب! يا دهر! يا تاريخ! قواتنا المسلحة في بدر، قائدها محمدٌ عليه الصلاة والسلام، وتحت لوائه من القادة جبريل عليه السلام، فأروني قيادةً في الدنيا كهذه القيادة؟ لا أحد. وقف صلى الله عليه وسلم في بدر، والجيش الإسلامي قد نام تلك الليلة، يقول علي كما في السيرة لابن اسحاق: {نظرت ليلة بدر فما رأيتُ إلا نائماً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني رأيته مستقبلاً القبلة يدعو ويبكي حتى أصبح الصباح}. نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك ماذا كان يقول في الليل؟ يقول: {اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم نصرك الذي وعدتني} هو يتحرى نصر الله ليفتح ثلاثة أرباع الكرة الأرضية؛ لأصلي أنا وإياك ونرفع سباباتنا بلا إله إلا الله! وسقطت بردته من على منكبيه، فجاء أبو بكر وقال: {يا رسول الله! كفاك مناشدتك لربك} وكان الرسول عليه الصلاة والسلام أعلم بالله، وكان متيقناً أنه لا ينال ما عند الله إلا بكثرة الإلحاح والمسألة وصدق اللجوء والضراعة والشكوى، كما قال موسى فيما يصح عنه، وهو يسجد ويبكي: {اللهم إليك المشتكى، وأنت المستعان، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك} {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]. وهذه الدقائق الحارة، دقائق النصر، الدقائق التي تقف فيها بين لحظة وأخرى تتحرى النصر، اسمها ساعة الصفر: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] من الذي يجيب المضطر إذا دعاه؟ هناك آيات لا يشاركها أوصاف للواحد الأحد، لا يشاركه فيها أحدٌ من الناس: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] وهذه تسمى ساعة الصفر. واسمحوا لي أن أخرج عن المحاضرة بعض اللحظات. جئت مع بعض الإخوة اليوم من أبها ولما اقتربنا من الرياض، تعطلت بعض أجهزة الطائرة فلم نستطع الهبوط في المطار وبقينا ساعة في سماء الرياض، وكلما أتينا المدرجات -تسع مرات- عاد بنا الكابتن وأعلن أنه لا يستطيع الهبوط، أتدرون في أي شعورٍ كنا؟ أما النساء اللواتي معنا فانهمرت دموعهن بالبكاء، وأما نحن فأصبحنا في عالم القبر: من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ وتيقنا من الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وكتبنا بعض الأسماء في ورقة، تعريف بنا؛ لأننا نسينا تعريفاتنا في الحقائب، فكتبناها حتى يجدنا الناس إذا أصبحنا جثثاً على الأرض، فنحن في الصباح ارتحلنا من أبها، ثم أصبحنا في مصيبة لا يعلمها إلا الله، وذقنا طعم التوحيد الحار هذا اليوم، وعرفنا مقدار لا إله إلا الله! وعرفنا من الذي ينجي من الكرب: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] وعرفنا قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65]. فتجردنا إلى الله وسألناه كما سأل أهل الغار ربهم، وما وجدنا معنا إلا التوحيد!! هذا هيامي وتقصيري وأعمالي فقلتُ عم صباحاً أيها الطلل البالي ونزلنا بعد أن ظننا أننا من أهل الآخرة، ولكننا عرفنا أن التوحيد ينتصر في هذه الوقفات، وعرفنا أن كارل ماركس ملعون، وأنه خان الله ورسوله والمؤمنين، وأن (لا إله والحياة مادة) تحترق في هذه الدقائق الغالية.

الرسول والصحابة في ساعة الصفر

الرسول والصحابة في ساعة الصفر الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة عاشوها: {وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب:10] إذا كان أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، يظنون بالله الظنون إلى درجة أنهم ظنوا أن الله لا ينصرهم، فكيف بنا؟! يحفر صلى الله عليه وسلم فيقدح الشررُ من الآلة التي يضرب بها، ويقول: رأيت قصور كسرى وسوف يفتحها الله عليَّ، فيقول المنافقون: ما شاء الله! لا يجرؤ أحدنا أن يبول من الخوف، ويفتح الله له قصور كسرى وقيصر} وبالفعل صدق الله ورسوله، وهذا هو الصحيح الوارد الثابت في التاريخ والكتاب والسنة. يقول صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس بعد انتصاره في الفتح: {الحمد لله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده} وأثبت الله هذه القضية، وأنها تغيب عن كثيرٍ من الناس، فينسبون النصر لغير الناصر تبارك وتعالى، ونصرنا بآل فلان وآل علان وهذا كذب ودجل: {إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160]. إذا خذلكم الله من ينصركم؟ كان العدو ليس سهلاً، مليون مقاتل، يا أخي! مليون جندي! مليون يحملون السلاح الفتاك، ألوفٌ من الدبابات، والمجنزرات والآليات، ولكن دعاء الصالحين أسكته وبكته وفضحه، دعاء أهل الحرمين، ودعاء القنوت في المساجد، الأكباد الحرى، الدمعات الحارة، الدعاء الصادق إلى ذي العرش والجلال والجبروت، إلى من على العرش استوى، كم من مسلم دعا: اللهم اخذله، اللهم أسقطه، اللهم اقصم ظهره، فقل لي: لعلها دعوةٌ واحدة قبلت والملايين رفضت، فقصم الله ظهره، فضيحةٌ ما بعدها فضيحة، وعارٌ ما بعده عار: فمن في كفه منهم قناةٌ كمن في كفه منهم خضابُ وتولوا خاسرين نادمين حقيرين، ولنا عودةٌ في هذا الموقف، يقول سبحانه: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:10]. وترى التوحيد يهتز عند بعض الناس بما يسمعون ويقرءون، خاصةً إذا فصلوا عن قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، فينسبون النصر لغير الناصر، وينسبون الشكر لغير المنعم، وينسبون الجميل لغير المتجمل، فتعالى الله ما نصرنا إلا هو وحده فله الحمد وله الثناء الحسن دائماً وأبداً ليلاً ونهاراً. خرج صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألف مقاتل من المسلمين، وكان هذا من أكبر الجيوش فيما أعلم في تاريخ الدعوة المحمدية على صاحبها الصلاة والسلام، فخرجوا إلى حنين وكان العادة أنهم من المئات إلى الألف فما دون، فالتفت بعض الصحابة فرأى الجيش ضخماً مسلحاً عرمرماً، فتبسم وقال: [[لن نغلب اليوم عن قلة]] فأراد الله أن يخبر الصحابة أنه ليس النصر بكثرة الجيش أو بقلته، ولما بدأت ساعة الصفر وابتدأت المعركة وأتى أهل هوازن مع مالك بن عوف، وأطلقوا السهام، فرَّ الجيش جميعاً ما بقي إلا ستة. أين الكثرة؟! أين الكتائب؟! أين الميمنة والقلب والميسرة؟! لا شيء. ونادى عليه الصلاة والسلام في الناس، ورجعوا وانتصروا فأنزل الله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25]. فمن الذي نصركم؟ إنه الله. فلله الحمد. كان عليه الصلاة والسلام يقول قبل المعارك: {اللهم منزل الكتاب، مجري السحاب، هازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم} فينتصر عليه الصلاة والسلام. وهذا سليمان عليه السلام رأى جيشه فقال: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]. يوم ننتصر نقول: الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله، أما هذه الإشارة فإنها من كيس ريجول الفرنسي، وهي لاغية في عهد محمد عليه الصلاة والسلام لا حظ ولا دخول لها في بلاد المسلمين، نحن إذا أشرنا أشرنا بالوحدانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]. من الفكاهات الإسرائيلية التي وضعت يقولون: طارق عزيز بعد ما هزم جيش العراق، دخل على صدام حسين، فأشار إليه بالسبابة والوسطى -يعني: علامة النصر- فظنها علامة النصر وتبسم وقال: انتصرنا، قال: لا. بقي أنا وأنت. وسندها معلول، قال سبحانه: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ} [الصافات:173].

نصرة الله لموسى عليه السلام

نصرة الله لموسى عليه السلام ولما حضر موسى عليه السلام، قال بنو إسرائيل لما اقتربوا من البحر: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:61 - 62] أي: معي قوةٌ لا تغلب، وهذه قضية سوف أقررها في العنصر الرابع، ولا أستفيض فيها هنا، حتى نعرف أنحن أم غيرنا الأقوياء؟ والقوي مع من؟ ومن الذي ينبغي له أن يخاف ويقف دائماً على أعصابه؟ ومن الذي يجب عليه أن يطمئن بنصر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟ قال: {كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62]. تدرون كم كان مع فرعون؟! يذكر ابن جرير: أن جيش فرعون ألف ألف، وقيل: ستمائة ألف، فالتفت بنو إسرائيل إلى جيش فرعون -وهذا في تاريخ ابن جرير - قالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] وأنا أنسبها لـ ابن جرير وهي على عهدته وذمته ومن أحيل على مليء فليحتل، فقال الله عز وجل لموسى: اضرب البحر، وكان متأخراً في آخر الجيش، فقال لهارون: اضرب البحر يا هارون! فأخذ هارون العصا وضرب البحر، قال البحر: من هذا الجبار الذي ضربني، فقال الله عز وجل: أنت -يا موسى- اضرب البحر، اليد غير اليد والعصا غير العصا: وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال فضرب البحر فنجاه الله، وفي آخر لحظة قال فرعون: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90].

الطغاة يتعلقون بالإسلام وقت الهلاك

الطغاة يتعلقون بالإسلام وقت الهلاك وهذا مثل دجاجلة العرب. العجيب أنهم في ساعات الصفر ووقت الهلاك يتعلقون بالإسلام! يتعلقون تعلقاًَ يوم الرزية والحساب بمعالمٍ فيها عروش قد بنوها من خراب فإذا أحسوا بالرزية تعلقوا بالانتساب أتاتورك لما خاف من ثورة الأتراك تعلق بالإسلام والجهاد، والخميني ظهر فنادى بالجمهورية الإسلامية وآية الله، وحجة الإسلام، وروح الله والكتاب والعدل، ثم ذبح الدعاة والعلماء وسحق الإسلام وابن بلا، في الجزائر كان يذبح المسلمين، فلما أنزله أبو مدين، وأدخله السجن بدأ يحفظ القرآن وخرج ينادي الشعب في الجزائر يقول: أعيدوني للحكم؛ لأعيد لكم حكم الله، كذلك رجل العراق لما أحس بساعة الصفر نادى بالجهاد ويقول: أنتخيك يا رب، يقول: أدعو نخوتك، سبحان الله! فهذه أمة دائماً على هذا الطراز وما اتخذت درساً، كل يومٍ وهي تراوح مكانها: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:53].

ضرورة شكر المنعم تبارك وتعالى

ضرورة شكر المنعم تبارك وتعالى قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]. بما يشكر النصر؟ نحن ما نصرنا أنفسنا، نصرنا الله لأن الله أراد لنا النصر، والله لو اجتمعت قوات الدنيا على أن تنصرنا ما نصرتنا! لكن الذي أمره في كلمة كن فيكون نصرنا سبحانه، ما جزاء النصر؟ أن نفعل كما فعل صلى الله عليه وسلم، حيث دخل يوم الفتح فخفض رأسه وبكت عينه عليه الصلاة والسلام ودخل متواضعاً لله وكان إذا فتح عليه الفتوح يسجد سجود الشكر، وقد عقدها أهل العلم أبواباً في كتب الأحكام، باب سجود الشكر: وكان صلى الله عليه وسلم إذا أتاه خبرٌ يسره، سجد لله شاكراً. فالشكر لا يكون بالحفلات الحمراء، حفلات اختلاط الرجال بالنساء وتضييع المبادئ وتضييع لا إله إلا الله، وحفلات التعدي على حدود الله، وحفلات يهيم بها الشعب يصفق ويغني ويطبل ويرقص وينسى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. فهذا كفرٌ بالمنعم سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهي حرامٌ في دين الله أن تحدث، فعلى من نصرهم الله أن يشكروه ويثنوا عليه ويحمدوه كما فعل عليه الصلاة والسلام، قال سبحانه: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:145]. وما هو معنى الشكر؟ له معانٍ ثلاثة: 1 - أن نعلن الشكر بألسنتنا، وأن نردد: والحمد لله رب العالمين دائماً وأبداً. 2 - أن يظهر الشكر على جوارحنا في عباداتنا وسلوكنا وأخلاقنا ومعاملاتنا. 3 - أن نحمل الشكر معتقداً في القلب، فنحمل معتقد التوحيد الذي أتى به رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.

من شكر المنعم إقامة شرع الله في الأرض

من شكر المنعم إقامة شرع الله في الأرض المقصود من تمكين الإنسان في الأرض؛ ليكون خليفة، والخليفة هو من يحكم بما أنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص:26]. فمن لا يحكم بما أنزل الله فليس له حق الخلافة في الأرض ولا التمكين ولا الاستقرار في الأرض، وهو ظالمٌ وعميلٌ ودجالٌ ودخيلٌ لا حق له في البقاء، ولا حق له في العيش والاستقرار على وجه الأرض: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17] فمن كان ظهيراً للمجرمين فما شكر نعمة المنعم. قال سبحانه: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41]. فجزاء التمكين في الأرض؛ إقامة الشرع: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة:50] فلا لا للعودة إلى الدستور، ولا للعودة إلى القوانين الوضعية، ولا للعودة إلى خزعبلات البشر، فهذا حرام وهو نقض للميثاق وكفرٌ بالنصر واعتراض على الناصر تبارك وتعالى.

البناء العقدي المتين

البناء العقدي المتين جربنا أنفسنا في الأزمات، فوجدنا أننا نحتاج إلى جرعات من العقيدة، من لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأنا أدري وأنتم تدرون أننا ندرس ونحفظ قوله عليه الصلاة والسلام: {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك} ولكن إذا حصحص الحق ضاعت هذه الكلمات، نحفظها في الأذهان ولا نبرهن عليها في الأعيان، ويقول عليه الصلاة والسلام، فيما صح عنه: {واعلموا أنه لا تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقها وأجلها} هل سمعتم أن أحداً قتل قبل أن يقدر الله قتله؟ هل سمعتم أن أحداً ذهب إلى الله ولم يستكمل أكل رزقه؟ لا. قال سبحانه: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:51] وهذا هو الصحيح، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً} [آل عمران:145]. هل اعترفنا بهذا؟ إن هذا لا يعرفه إلا مثل علي بن أبي طالب.

علي بن أبي طالب والعقيدة

علي بن أبي طالب والعقيدة يقول أبو الحسن: [[والله لو كشف الله لي الغطاء فرأيت الجنة والنار، ما زاد على ما عندي من إيمان مثقال ذرة]] وهو لم يتعلم درساً لا زرع ولا طه والطبلة، وإنما تعلم: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:1 - 3]. علي بن أبي طالب أنزل الدرع الذي عليه في صفين ومعنى تصرفه هذا أنه إن كتب الله له أن يموت فلا يغني الدرع، وإن كتب الله له الحياة فلماذا يلبس الدرع؟ وأخذ الأسباب وارد، والرسول صلى الله عليه وسلم لبس الدرع وبارز فيه، ويقول: {اعقلها وتوكل} كما صح عنه عليه الصلاة والسلام، لكن هكذا علياً أراد أن يلقن الأمة درساً، فقال له ابنه محمد بن الحنفية: يا أبتاه! تبارز بلا درع؟،قال: أيّ يومي من الموت أفر يوم لا قُدِّر أم يوم قُدِرْ يوم لا قُدِّرَ لا أرهبه ومن المقدور لا يُغني الحذر فهذه أبياتٌ في التوحيد: أي يومي من الموت أفر: متى أفر؟ يوم لا قدِّر أم يوم قُدِرْ: يوم لا قدر: يعني الموت؛ لا أرهبه، وإذا ما جاء لا يغني الحذر. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] فاسمع إلى الصفات، صفتان عظيمتان: الحي الذي لا يموت وغير الله يموت: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} [الفرقان:58] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:36]. فلا بد أن نقف طويلاً مع هذه الآية، ولا بد أن نجعلها تعيش معنا في دمنا ذرةً ذرة، وأن ندخلها قلوبنا وأسماعنا وعيوننا وأبصارنا! {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:36] وكل ما غير الله فهو دونه، انظر إلى الكيانات؟ والسلاطين والدنيا؟ كلها دون الله، لكن من يعرف هذا؟ إن هذا يعرفه مثل علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، وشيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأنهم يدرسون العقيدة واقعاً ويدرسونها منهجاً ربانياً. علي بن أبي طالب كان جالساً تحت جدارٍ يقضي بين خصمين من أهل الكوفة، فمرَ رجلٌ فقال: يا أمير المؤمنين! احذر الجدار أن يسقط عليك، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فلما انتهى من القضية بين الرجلين قام وخرج بهم، فلما مضى عن الجدار انهد الجدار مكانه. فحسبنا الله ونعم الوكيل مبدأ كبير يجب أن نحمله فعلاً وقولاً وحياة: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. فإذا فاجأك الخبر، فقل: حسبنا الله ونعم الوكيل، ومهما أبرم الناس، ووضعوا من العراقيل، ودرسوا المكائد والخيانات، فإن حسبنا الله ونعم الوكيل تقصمها بإذن الله؛ لأن الله معك، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النمل:70] {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128].

ابن تيمية وتضحيته من أجل العقيدة

ابن تيمية وتضحيته من أجل العقيدة ذكر ابن عبد الهادي تلميذ شيخ الإسلام: أن ابن تيمية رحمه الله لما وصل إلى الاسكندرية، خرج الناس يريدون القصاص من ابن تيمية، لماذا؟ ألأنه سرقهم؟ هل أخذ أموالهم؟ هل سفك دماءهم؟ لا. بل كان يريد أن يقيم لا إله إلا الله في الأرض، فكل شيء يهون عند ابن تيمية إلا (لا إله إلا الله) يمكن أن يتفاوض على أمور الدنيا، أما أمور الدين فلا. فتجابه مع البطائحية، وجابه الغلاة والزنادقة، وجابه المعطلة والجهمية، وجابه النصيرية والمعتزلة والأشاعرة، فكلهم خصومه: وقفتَ وما في الموت شك لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاحٌ وثغرك باسمٌ ولو تحدث ابن تيمية عن التيمم والمسح على الخفين وبيع العينة ستين سنة لما اعترض عليه أحد، لكن ابن تيمية تحدث عن معلومات أخرى يجب أن يفهمها الناس، وعاش ابن تيمية لتعيش لا إله إلا الله، فعاش في أذن الدهر، وفي لسان التاريخ، وعلى منبض الدنيا لتعيش لا إله إلا الله، كان دائماً يعيش لتعيش مبادؤه. يقول: فلما خرج له الناس، قال ابن عبد الهادي: يقول التلاميذ: الناس يريدون قتلك، فنفخ في يديه، وقال: والله كأنهم الذباب أمامي؛ لأنه لا يقطف الرأس إلا من ركبه، فهذه الصناعة الإلهية، وهذا الجثمان إذا لم يكتب الله أن يقطف فلا يقطفه أحد من الناس: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلا} [آل عمران:145]. الكفار نصبوا كميناً حول بيت الرسول عليه الصلاة والسلام، خمسون شاباً تقطر سيوفهم دماً يريدون قتله، وأراد الله ألا يقتل، ليس عنده حراسة إلا حراسة الله، يقول أحمد شوقي: وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فإن الحوادث كلهن أمانُ فلاحظته عناية الله، وأجرى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى نصره له، وقال لـ أبي بكر في الغار: {لا تحزن إن الله معنا} فهذه قضايا التوحيد وهذا البناء العقدي المتين، الذي نريد أن نعيشه في الأزمة، وقبل الأزمة، وبعد الأزمة. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَلْ تَتَربَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة:52].

احرص على الموت توهب لك الحياة

احرص على الموت توهب لك الحياة يذكر في السيرة -وفي هذا شيء من المبالغة، ولكن ذكروه- أن خالد بن الوليد رحمه الله ورضي عنه وأرضاه، خاض ما يقارب مائة معركة، ومع ذلك ما قتل وإنما مات على الفراش؛ لأن الواحد الأحد كتب له أن يموت على الفراش وألا يقتل في المعركة. ورأيت بعض العلماء كما في البداية والسير وغيرها ذكر أن أحد الصالحين ترك أكل الأرز، وقالوا له: لِمَ؟ قال: لأني أخاف أن أجد فيه عظماً فينشب في حلقي فأموت. فأتى ابنه في آخر حياة هذا الرجل، فأتى بأرز وصفاه من العظام، وقال: يا أبتاه! كُل الأرز فإني قد نقيته من العظام، كل من فضل الله عز وجل، قال: باسم الله، فنشب في حلقه عظمٌ فمات. وبعض الناس عنده تحفظ إلى درجة الوسوسة، ولو وثق برعاية الله مع أخذ الأسباب وتوكل على الله، ما يهمه شيء. يقولون: فلان من الناس لا يركب السيارة خوفاً من الحوادث، وعنده حمار، في الصباح، يقف بالحمار عند الإشارة، وتجده ذاهباً وراجعاً بحماره، لماذا؟ قال: خوفاً من هذا الحديد، كأنه ما بقي في الدنيا إلا هذه النفس النفيسة أن تموت، قالوا: وأرسل الله عليه سيارة فتصدمه وحماره، فمات: لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمارُ فالمقصود: أن بعض الناس تبلغ بهم الوسوسة في بعض القضايا حتى يأتيهم خوف من البشر. وهذه قضية موجودة في الرأي العام، ونستقرئها ونعيشها في أنفسنا: أننا كثيراً نخاف من البشر أكثر من خوفنا من رب البشر. فالآن تصور أن الناس إذا أرادوا أن يتحدثوا عن بعض القضايا، وهم في المجلس فإنك ترى الواحد منهم وهو ينظر إلى النافذة، وينظر في وجوه الجالسين، وينظر في الأجهزة التي أمامه، وينظر عن يمينه وخلفه، ولكن وأنت تغتاب أما نظرت إلى الله؟! وأنت تنم وتشهد الزور وتعصي الله عز وجل أما خفت من الله وهو الرقيب سبحانه؟! وهو الذي معك أينما كنت: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة:7].

غير المسلمين يضحون من أجل مبادئهم الباطلة

غير المسلمين يضحون من أجل مبادئهم الباطلة ويوجد في غير المسلمين -حتى من شباب الصحوة- من يضحي أكثر من المسلمين من أجل مبادئهم، والآن ينتشر شباب الاشتراكية، وشباب الماركسية: ماركسيون والجماهير جوعى فلماذا لا يشبع الفقراء وحدويون والبلاد شظايا كل جزء من جسمها أجزاءُ فهذا واقع الأمة. ولذلك تجد الاشتراكيين والبعثيين يضحون تضحيات، لماذا يشدخون بالدبابات في العراق والكويت؟ إن هذا من أجل مبادئهم. آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني لكن تجد في الصالحين من يخاف خوفاً عظيماً حتى يدخله الوسوسة، فتجده يخاف من البشر، ويخاف من أن يقول كلمة الحق! وما هي أسوأ الاحتمالات؟ أن يذهب رأسه!!: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمران:157]. وهذا مقصد نبيل.

لا بد من الابتلاء

لا بد من الابتلاء يقول المسلم الأول: وليس على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما رأيت في ترجمة لـ أبي الأعلى المودودي رحمه الله، المؤلف الباكستاني الشهير أنه سجن كثيراً في سجن أيوب خان، يقول أحد الشعراء وقد طرد من دولة عربية إلى ميونخ في ألمانيا في قصيدة يقول فيها: نفسي فدتك أبا الأعلى وهل بقيت نفسي لأفديك من أهلٍ ومن صحب أما استحى السجن من شيخٍ ومفرقه نورٌ لغير طلاب الحق لم يشبِ يقول: ألا يستحي السجن منك يا أبا الأعلى، تسجن وأنت في الثمانين!! وقد قام العلماء في العالم الإسلامي وكتبوا لـ أيوب خان برقيات وأنذروه وخوفوه بالله عز وجل، فقدم عرضاً لـ أبي الأعلى وهو في السجن وقال: يا أبا الأعلى! اكتب لنا تنازلاً واعتذاراً حتى نمسك ماء وجهنا أمام العالم الإسلامي، فوصلت الورقة إلى أبي الأعلى، فشقها ورماها في السلة، وقال: إن كنتُ سجنتُ بحق فأنا أصغر من أن أعترض على الحق، وإن كنتُ سجنت بباطل، فأنا أكبر من أن أستخذي للباطل وبقي حتى أخرجه الله عز وجل. وهذا هو عالم التضحيات، أمام المد البعثي والماركسي والنصراني واليهودي لا يثبت أحد إلا ويجعل أمامه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:36]. يقول الحجاج لـ سعيد بن جبير: والله لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى، قال: لو علمت أن ذلك إليك، لاتخذتك إلهاً. وهذه عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله. والله لا يبعث نبياً ولا رسولاً من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، حتى يبتليهم بالمصائب والكوارث والمحن والفتن إلى درجة أن يعلم الواحد منهم أنه لا إله إلا الله، ولا نافع ولا ضار ولا محيي ولا مميت إلا الله، ولذلك أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. فهذه قضيةٌ كبرى، فتجد بعض الأخيار يريد أن يدعو ولكن بشرط ألاَّ يمس، ويريد أن يدعو ولكن بشرط ألاَّ يبتلى، ويريد أن يدعو ولكن لا يهضم شيء من حقه، وهذا خلاف سنة الله عز وجل في الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.

دروس من أزمة الخليج

دروس من أزمة الخليج دروسٌ من الغمة التي مرت بالمسلمين:

وجود خواء عقدي في الأمة

وجود خواء عقدي في الأمة الأمر الأول: اكتشفنا خواءً عقدياً في الأمة، وقلة توكل، وأمة لا تتوكل تخاف الموت، وأنا أعرف أناساً في قرىً بعيدة يبعدون عن المعركة ما يقارب ألف ميل، ويكاد أحدهم أن يموت هناك، في مسجد في جدة كنت أتحدث في وقت الحرب -خطر ممنوع الاقتراب- فكان الحديث من أول الليل إلى آخر صلاة العشاء عن التوكل والصمود والشجاعة والبذل والعطاء، والناس جمعٌ حافل، فمرت سيارة فانفجر إطارها وسمعنا له دوياً فكاد الناس يخرجون من الأبواب الأخرى، قلنا: وما هي فائدة المحاضرة من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، وأين الشجاعة؟ وكيف لو كان غير انفجار الإطار. المقصود: أن الأمة اكتشفت أنها تعيش ضعفاً في التوكل، وأنت تجد أن الشعوب المحاربة لا تخاف ولو كانت وثنية لأنها تعودت.

ولي المؤمنين هو الله

ولي المؤمنين هو الله الأمر الثاني: أن علينا أن نعلم أن ولينا هو الله عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:11] فعلينا أن نوثق الصلة به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يمد بيننا وبينه حبالاً من الرحمة والكرم والجود، وأن يجعلنا أقرب الناس إليه.

لابد أن تعرف عدوك

لابد أن تعرف عدوك الأمر الثالث: علينا أن نعرف عدونا، ولا تكن مواقفنا حسب المزاج أو المصالح، فمواقفنا مع: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فإن هؤلاء الذين كانوا أصدقاء لنا بالأمس أظهروا عداوتهم؛ لأنهم لا يحملون لا إله إلا الله، فكانوا أفتك الناس وأحقدهم وأبغضهم، وأقول: فعل البعثيون بـ الكويت ما لم تفعل إسرائيل بـ فلسطين، فأين إخوان العروبة؟ وأين الوحدة والاشتراكية؟ وأين الدم العربي؟ وأين القروي؟ وقوله: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهمِ فيا حبذا كفر يؤلف بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنمِ وتركوا لا إله إلا الله، وتوحدوا على دم العروبة؛ فماذا نفعتهم العروبة؟ فهذا العربي يفعل بالعربي ما فعل!! قتل للنساء وسحق للأطفال، وهتك للحرمات، واستعداءٌ ينبي أن وراءه حقداً مريراً لا يعلمه إلا الله، فأين العروبة؟ العرب بلا إسلام أصفار، وما أنتجوا شيئاً في التاريخ إلا بهذا الدين، كما قال عمر: [[نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]].

الدعوة إلى الله تحتاج إلى أفعال

الدعوة إلى الله تحتاج إلى أفعال الأمر: أن علينا ألا نبقى دعاة كلامٍ للناس، بل مع كلامنا نقدم خدمات للعالم وللناس، وهذا نقصٌ نعيشه جميعاً، فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يؤلف الله عليه قلوب الناس بكلامه وخطبه ومحاضراته فقط، بل بأخلاقه وتعامله. ولعلك تجد صالحاً في حيٍ من الأحياء، يقف سلبياً عن مشاكل الحي وحوائجه ومتطلباته، ثم يأتي يوم الجمعة، فيلقي عليهم خطبةً عصماء، فلا يتقبلونها؛ لأنهم ما وجدوا له أيادٍ بيضاء قدمها إليهم، مثل ماذا؟ زيارة المريض، الوقوف مع الناس في مناسباتهم: تفقد الجار إطعام المحتاج، زيارة المسكين، السؤال عن الغائب عن المسجد، الوقوف مع المنكوبين، فهذه تساوي آلاف المحاضرات. الأمر الثاني: اكتشفنا سلبيةً يعيشها كثير من الناس حتى من الصالحين، مثل ماذا؟ تجد أن عنده عواطف، حباً لله ولرسوله وللمؤمنين، لكنه لا يقدم شيئاً، يفرغ هذه العاطفة في خطب رنانة مشحونة بالإبداع وبالكلام المسجوع، وبالأسلوب الضخم، والغضب، والتفجر، ثم يخرج فلا ينتج شيئاً، ولو أنه حبس هذه الكلمات، واقتصد في هذه الألفاظ، وفرّغ طاقته في عملٍ منتج ودعوة، أو إهداء شيء طيب من الكتيبات والأشرطة، أو القيام على أحوال الناس، أو بأي وسيلةٍ تنفع الإسلام لكان خيراً من هذا الزبد: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] واكتشفنا أن الكفر ملةٌ واحدة، وأنهم أعداءٌ لنا جميعاً، وأنه يجب علينا أن نؤاخي من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأما الناس فمهما ناصروا فلمبادئهم ولمصالحهم والله أعلم، لكننا نحن لا بد أن نحمل الولاء، وأن نعرف أن هذه الأمة مقدسة، قدسها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالتوحيد الذي أنزله على رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم علينا كذلك أن نعد أنفسنا للموت، وألا نخاف من شبح الموت، فنعد الطفل وهو صغير للأيام الحاسمة والساعات المهلكة، ونعلمه كيف يستقبل الموت برحابة صدر. يقول أهل السير: كانت فاطمة أم علي بن أبي طالب وهو طفل وتقول: بأبي وأمي حيدره كليث غاباتٍ كريه المنظره وحيدرة الأسد، فكانوا يقولون وهو طفل: إذا سقط على الأرض ووقع على رأسه فإنه لا يبكي!! ولكن تجد بعض الأطفال في الثانية عشرة لا يستطيع أن يخرج بعد صلاة العشاء من البيت، خوفاً من شبح الموت، فـ علي رضي الله عنه يحضر المعارك دائماً ويقول: أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غاباتٍ كريه المنظره أكيلكم بالسيف كيل السندرة وهذه هي التي عاشها أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما نحن نعيش شبح الموت. وقد شارك في ذلك بعض الوسائل فخوفونا من بعض الناس ورسموا له أنياباً وضروساً وعيوناً، حتى رأيناه في المنام، فخاف الأطفال والنساء والكلاب والقطط من هذا المخلوق وهو ضعيف لا يساوي شيئاً. فعلينا أن نبني أنفسنا على ألا نخاف الموت وأن نعرف أننا أبناء الحروب، ورثناها كابراً عن كابر، وأن من أجدادنا خالداً، وسعداً وصلاح الدين وطارقاً.

الموالاة والمعاداة من أجل الله فقط

الموالاة والمعاداة من أجل الله فقط ومن الدروس المستفادة أيضاً: أنه يجب أن تكون مواقفنا واحدة لا تتغير، نوالي من والى الله، ونعادي من عادى الله، وبذلك نرتاح ونريح أنفسنا وضمائرنا وعالمنا من التذبذب والتردد.

الطغاة من حكام المسلمين يشوهون الإسلام

الطغاة من حكام المسلمين يشوهون الإسلام واكتشفنا كذلك: أن الغرب يفهمون عنا أن الإسلام هو إسلام أتاتورك وإسلام ابن بلا، وإسلام الخميني وصدام حسين، ولذلك الأمريكان والبريطانيون والفرنسيون أظنهم يحجمون عن دخول الإسلام بسبب هؤلاء الرموز، فهم يظنون الإسلام هؤلاء الأربعة وهم ما علموا أن الإسلام هو أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأحمد، وأبو حنيفة، ومالك، ونور الدين، وصلاح الدين، وعمر بن عبد العزيز: من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ ملكنا بأقطاب السماء عليكمُ لنا قمراه والنجوم الطوالعُ أما هؤلاء فبراء من الإسلام، وهؤلاء شوهوا سمعته ووجهه وسيرته ولموعه، فالإسلام منهم بريء، وهم منه برآء، ويجب علينا أن نبرئ الإسلام من هؤلاء، وأن نخبرهم بإسلامنا ونقدمه واقعاً عملياً، لأننا نتكلم بالإسلام على المنابر، ولكن الإسلام في دنيا الواقع قليل من يطبقه ويعلنه، وقليل أن يخبر به الناس فيسمعون مبادئ ربانية وكتاباً خالداً، وسنةً مطهرة، وينظرون إلى أحوالنا فإذا نحن في وادٍ والإسلام في واد، فينكصون ويتركون الدين، ويعودون على أدبارهم مرتدين. ثم أختم هذه المحاضرة بحمد الواحد الأحد، فأحمده على مسائل لا تعد ولا تحصى، منها: أنه كسرَ ظهر البعث، ولله الحمد، واللهِ لقد سرنا أن يمرغ وجهه بالتراب! ما ربع ميَّة معموراً يطيف به غيلان أبهى ربى من ربعها الخرب لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخرابُ لها أعدى من الجربِ رمى بكَ الله جنبيها فحطمها ولو رمى بكَ غير الله لم يصبِ فلله الحمد، ففي الأمس انكسرَ ظهر الشيوعية في أفغانستان، واليوم ينكسر البعث في الكويت، فما أحسنه من خبر! وقد سرنا كثيراً، وبيض وجوهنا، وهذه نقولها بشماتة ونحن نشمت مثلما فعل بعض الصالحين، زاروا أحمد بن أبي دؤاد وهذا أحمد أهل البدعة، الذي كان سبباً في جلد الإمام أحمد بن حنبل، فدعا عليه الإمام أحمد فقال: اللهم عذبه في جسمه، فشلَّ نصفه وبقي نصفه حياً، فكان يتعذب ولا ينام الليل، قالوا: كيف تراك يا أحمد بن أبي دؤاد؟ قال: أما النصف هذا فلو وقع عليه ذبابٌ فكأنما القيامة قامت، وأما نصفي هذا فلو قرض بالمقاريض ما أحسست به، فزاره بعض الصالحين من وجهاء السنة، وقالوا: يا أحمد بن أبي دؤاد! والله ما زرناك مسلمين ولا عائدين ولا داعين، ولكن شامتين. فنحن نقول: الحمد لله الذي لطخ وجه البعث بالتراب، ونسأل الله أن يكسر ظهور البقية وأن يبقي هذا الدين، وإنني أتصور -بإذن الله- أن هذا هو فجر الإسلام، وهذا هو المستقبل لهذا الدين، أن ينفر عبابه البحار والمحيطات، ليعيد لنا أمجاد عقبة بن نافع، وصلاح الدين، وطارق: رفيق صلاح الدين هل لك عودةٌ فإن جيوش الروم تنهى وتأمرُ رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ تناديك من شوقٍ مآذن مكة وتبكيك بدر يا حبيب وخيبر ويبكيك صفصاف الشام ووردها ويبكيك نخل الغوطتين وتدمر فهذا مجدنا: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:40] وإن شاء الله أنه مستقبلٌ خالد، وانتصارٌ ساحق، وغداً ينكسر ظهر اليهودية العالمية، والصليبية العالمية، وتبقى لا إله إلا الله في الأرض؛ لأن مصير الأرض للا إله إلا الله، والذي خلق الأرض هو الذي أنزل لا إله إلا الله، فاعلم أنه لا إله إلا الله، نسألك نصراً أكيداً، ومجداً مجيداً، وتوحيداً خالصاً، وعبادةً حقة. اللهم اجمع شملنا، ووحد كلمتنا، وارفع رايتنا، ولمَّ شعثنا، وأخسئ عدونا، وكبد شيطاننا، وثقل ميزاننا، وفك ارتهاننا، يا أرحم الراحمين! سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

لا نرى عودة إلى الله من قبل الناس

لا نرى عودة إلى الله من قبل الناس ؤال: فضيلة الشيخ: نسمع من بعض المتعجلين أننا لم نرَ بعد تغيراً في سلوك الناس ورجعةً إلى دين الله، وقد فاتهم أن سنة التغيير لا تأتي بين عشيةٍ وضحاها، حبذا لو وجهتمونا وإياهم إلى الواجب على الجميع تجاه ذلك. A الحمد لله: أولاً: عمر الصحوة التي نعيش فيها قليل وقصير، وما لها إلا سنواتٍ معدودة، فأنت قبل سنوات لا تجد هذه الجموع، ولا هذه الوجوه الغالية، ولا هذه القلوب الحارة الصافية، ولا هذه الطلعات والسجدات. ثانياً: البناء صعب والهدم سهل. أرى ألف بانٍ لم يقوموا لهادم فكيف ببانٍ خلفه ألفُ هادمِ فالبناء صعب، خاصةً في هذا العصر لأسباب منها: ضعف البُناة، والدعاة فيهم ضعف ما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقوى البُناة، وأقوى من بنى، ومع ذلك استمر يعلم الناس ثلاث عشرة سنة؛ لا إله إلا الله، فكيف بنا وبأمثالنا من الدعاة الضعفاء، إذا ألقيت كلمة، تشيد فيها بلا إله إلا الله، ألقيت بعدك ألف أغنية ومسلسل، وألف مجلة خليعة وألف مقهى، وألف ليلةٍ حمراء: أرى ألف بانٍ لم يقوموا لهادمٍ فكيف ببانٍ خلفه ألف هادمِ ثالثاً: أن في الناس خيراً، ومن سنن الله في الكون ألا يصلح الناس جميعاً: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام:112] {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99] {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية:22] {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام:107] فمن حكمة الله عز وجل أن يبقى الصراع: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ} [البقرة:251]. إذاً فالصراع لابد منه، وقضية أن يعيش المسجد بلا مقهى، وأن يعيش الصالح بلا طالح، وأن يعيش القرآن بلا قانون وضعي؛ غير ممكنة فهكذا الصراع، والدين هذا يعيش مع الصراع، والله أنزله ليصارع به الأديان الوضعية، والعاقبة للمتقين، ولو كانت تفض الساحة فارغة لفرغت للرسول عليه الصلاة والسلام، وسوف تسمعون غداً المعاناة التي عاشها في أهله وفي نفسه وقلبه، وفي سمعته وعرضه، وفي جيشه ومبادئه، وفي منبره وكتبه وفي سنته إلخ. تلك المعاناة التي ما عاشها أحد من البشر أبداً. إذاً فالناس فيهم خير والحمد لله، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: صلى الله عليه وسلم {من قال: هلك الناس فهو أهلكهم} ضبطت عند الحفاظ كـ الخطيب البغدادي وغيره أهلَكُهم بالرفع، وأهلَكَهم بالنصب، فإن ضبطت بالرفع، فمعنى ذلك: أشدهم هلاكاً؛ لأنه معجب بنفسه، وإن ضبطت بالنصب، فمن باب المصدر معناه: أنه هو الذي أهلكهم بفعله هذا أو أنه فعل ماضي، فأهلكهم بفعله، لأنه كلما قال: هلك الناس؛ هلك الناس ووقعوا في الخطايا. قال عثمان رضي الله عنه: [[ودت الزانية أن تزني بنات الناس، وودَّ السارق أن يسرق الناس]].

التكاسل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

التكاسل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Q فضيلة الشيخ: كثيرٌ من الناس يرون منكراً ولا يغيرونه، وهذا يدل على عدم تنفيذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره} فما هي نصيحتكم لهم، وجزاكم الله خيراً؟ A من أكثر ما منيت به الأمة الإسلامية موت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياتها، وميزة الأمة ومن خصائصها العظيمة التي تتميز بها بين الأمم، أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. وعند ابن حبان من حديث أبي ذر مرفوعاً قال: {أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أقول الحق ولو كان مراً} والحق مُر، قد يذهب بالرءوس، وقد يزهق النفوس، وقد يضايق في رزقه، وقد يضيق على العبد، ولكن قل الحق ولو كان مُراً، لكن في قالبٍ من اللين: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. وقد عاشت الأمة إهمالاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتولت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقوم به فئة من الناس، والآخرون ينظرون كأنه ليس لهم سوقٌ وليس لهم مكانة ولا وزن ولا عليهم مسئولية فانهدت سمة الأمة وضاعت مبادئها، وتردى حالها والعياذ بالله. وكيف نعود للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أولاً: له آداب، من آدابه كما يقول شيخ الإسلام في المجلد الثامن والعشرين من الفتاوى: آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفصلة، وهي من أحسن ما كُتب، قال: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر بلا منكر، ويجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون بصيراً بما يأمر به وبصيراً بما ينهى عنه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]. قال أهل التفسير: على بصيرة؟! أي: على علم. وقيل: على إيمان، وقيل: على إخلاص، والظاهر -والله أعلم- أن على علم أحسن الكلمات. إذاً يجب على الداعية أمور: أولاً: أن يعلم ماذا يدعو إليه ويعلم المعروف ويعلم المنكر. ثانياً: أن يكون عمله خالصاً لوجه الله عز وجل، لا يريد إلا أن تكون كلمة الله هي العليا، وقصده من هذا الكلام والغضب والتغيير؛ أن تكون كلمة الله هي العليا، فإن بعض الناس يتشفى في المدعوين؛ لدخائل في نفسه فينهاهم ويأمرهم، ففي الظاهر أنه يريد إقامة الدين، وفي الباطن يريد أن يتشفى هو، فلا يجعل الله له قبولاً. ثالثاً: أن يكون ليناً: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. دخل رجل على هارون الرشيد فقال: يا هارون! قال: نعم. قال: اسمع مني كلاماً شديداً، قال: ولمَ الشديد! والله لا أسمع، والله لا أسمع، والله لا أسمع، أرسل الله من هو خيرٌ منك، لمن هو شرٌ مني فقال له: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. رابعاً: أن يتدرج الداعية والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر فيما يأمر به وينهى عنه، فإن بعض الناس يركز على صغار المسائل قبل كبارها، ويعطي المسألة أكبر من حجمها، بل البعض -مثلاً- يجعل من تربية اللحية، كأنها مسألة الساعة، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما بعث إلا ليربى الناس لحاهم، فتجده يطيل المحاضرة والكلمات والخطب ويتكلم دائماً عن تربية اللحية وفضل تربية اللحية وما جاء في عقاب من حلق لحيته ويتباكى ويبكي، وهذا قد أعطاها أكبر من حجمها وأكثر من حقها: ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى فالمسألة لها حجمٌ يليق بها، ولإسبال الثوب حجمٌ يليق به، وللسواك، ولجلسة الاستراحة {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3] وهذا منهج القرآن أن يأتي بالمسألة في حجم، وأختها في حجمٍ آخر، والرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين أرسل معاذاً فقال: {ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله} ثم تدرج بالمدعوين، إلى أن أوصلهم إلى آخر أركان الإسلام، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وبقيت مسألة أختتم بها هذا الكلام، ربما يفهم من كلامي أني أهون من شأن بعض المسائل في الإسلام، وهذا خطأ. وأنا أظن أن الصحيح هو الوسط، فلا إلى أقصى اليمين ولا إلى أقصى الميسرة، فبعض الناس يجعل من هذه القضايا قضايا كبرى في حياة الناس، فلا يتكلم إلا عن هذا، بل تجد أن بعضهم يذهب إلى أناس لا يصلون، فيأمرهم بتربية لحاهم وبتقصير ثيابهم وبخصال من السنة وهم لا يصلون، يقول ابن تيمية: إن الطبيب إذا اشتكى المريض من جسمه مرضين مختلفين داوى الأخطر. فالسرطان قبل الزكام، وهذا أمرٌ معلومٌ عند العقلاء. الأمر الثاني: أن بعض الناس يقولون: هذه قشور اللحى قشور والثياب قشور والسواك قشور نريد اللباب. وهم القشور أنفسهم، فليس في الإسلام قشور بل كله لباب، ولكن تعطى المسألة حجمها والحمد لله: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:269].

حكم مصاحبة العاصي

حكم مصاحبة العاصي Q لي صديقٌ أحبه في الله، لكنه يفعل بعض المعاصي، وقد نصحته مراراً فيقول لي: إني لا أفعل المعاصي، فما قولك -يا شيخ- فيَّ وفيه، وما لنا من توجيهٍ منك؟ A أولاً أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه، وأقول لكم كما قال ابن القيم رحمه الله: أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم وحملها جهد المحبة وإنه ليضعف عن حمل القميص ويألم لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتنا إن غبتمُ أو حضرتمُ أما ما ذكر الأخ، فأنا لي معه ثلاث وقفات: الوقفة الأولى: ما دام أن الله ثبته أو حفظه سبحانه وتعالى، فعليه ألا يعجب بنفسه، ولا ينظر إلى العاصي هذا بنظرة احتقار، فإن هذه متلفة ومهلكة لهذا الداعية ويخشى عليه، وعليه خطرٌ كبير، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام: {أن رجلاً من العباد من بني إسرائيل كان يمرٌ به فاسق فيقول: يا فلان! اتقِ الله - خف الله تُب إلى الله- قال: دعني وربي، أبعثت عليَّ رقيباً؟ فقال له مرةً ثانية: خف الله قال: دعني وربي، وفي الثالثة، قال: يا فلان! خف الله، قال: دعني وربي، قال: والله! لا يغفر الله لك، فقال سبحانه: من الذي يتألى عليَّ؟ -من الذي يحكم؟ من الذي يقبل ويرد؟ من الذي يعافي ويشافي؟ من الذي يتوب على من تاب؟ إنه الله، أتحلف وتغلق طريقاً فتحه الله وتقطع حبلاً أمده الله!! - من الذي يتألى عليّ؟ أشهدكم أني غفرت لهذا، وأحبطت عمل هذا} فليستأنف العمل!! فلا ننظر إليهم بازدراء للمعاصي؛ لأننا لا ندري ماذا يختم لنا ولهم، ولا ندري هل قبلت أعمالنا أم لا، ولا ندري ما مطويات نياتهم، ولو أننا نحكم بما ظهر. الوقفة الثانية: أن عليك أن تدعوه بينك وبينه، ولا تفضحه ولا تخدش حياءه أمام الناس، يقول الشافعي: تعمدني بنصحك في انفرادٍ وجنبني النصيحة في الجماعه فإن النصح بين الناس نوعٌ من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعه فحاول ألا يشعر الناس أنك تنصحه، وحاول أن تهدي له النصح، في ثوبٍ من الستر. الوقفة الثالثة: أنت ما بعثت عليه رقيباً، فلا تدخله بالقوة والجبروت والهرواة في الاستقامة: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22] إنما أنت منذر. ما عليك إلا البلاغ، فقدم له الهداية فإن قبلها فبها ونعمت، وإلا فالله المستعان! فالهادي هو الله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56].

ضرورة التعرف على صفات المنافقين

ضرورة التعرف على صفات المنافقين Q نرجو من فضيلتكم تنبيه المسلمين للرجوع إلى الكتاب والسنة في التعرف على صفات المنافقين، الذين يمتطون مذاهب شتى، ويضللون الناس ليل نهار، حتى يفرق الناس بين الناصحين والخادعين؟ A العودة إلى الكتاب والسنة مطلب الجميع، وهي كلمة ثابتة، وهذه هي التي نتذاكر بها دائماً وهي تدخل في عموم قوله سبحانه تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] فمن أعظم ركائز تقوى الله العودة إلى الكتاب والسنة. ثانياً: لا بد للناس من صراع، ولابد للحق من أعداء، ولابد للناصحين من أنداد، وهذه سنة الله تعالى كما سلف، فلابد مع آدم من إبليس، ومع موسى من فرعون، ومع إبراهيم من نمرود، ومع محمد صلى الله عليه وسلم من أبي جهل، حتى يرث الله الأرض ومن عليها: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان:20] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31].

العلماء والأحداث

العلماء والأحداث Q أين هي كلمة العلماء -أهل الحل والعقد- وأين صوتهم في هذه المسألة وفي هذه الأزقة، لتعرف الأمة المخطئ من المصيب؟ A القضايا التي يشير إليها الأخ وقد فهمتها: أولاً: نطالب علماءنا في البلاد؛ أن يقضوا بقضاءٍ يسألهم الله عليه يوم القيامة في هذه المسائل، أن يقولوا كلمتهم، فالأمة تتحرى ماذا يقول علماؤنا؟ فقد قالوا في مسائل أصغر منها، وقد قالوا في مسائل أبعد منها، فعليهم أن يقولوا كلمتهم، إما على هؤلاء أو هؤلاء؛ لأنهم أهل الذكر وأهل الحل والعقد: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]. وهذا طلب باسمي وباسمكم أرفعه إلى كبار العلماء بأن يقولوا كلمتهم الصحيحة الواضحة في هذه المسألة: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160]. ثالثاً: لابد في هذه المسائل، أن يكون أحد المتخاصمين والمتضادين مخطئاً، فإنه يستحيل أن يكون كلٌ منهم مصيباً؛ لأنه كلٌ يتكلم في طرف القضية، فلا بد أن نفهم من هو المخطئ؟ ومن هو المتجني على الأمة؟ ومن هو الذي يريد بالأمة محقاً وخسارة؟ ومن هو الذي يريد بالأمة مستقبلاً عقيماً؟ أو منهجاً ضالاً؟ لابد أن يكشف ويبين. وهذا الذي عندي في هذا المسألة، مع العلم أني أسأل الله أن يرد ضال المسلمين، وأنا أعلم أنه ليس للدعاة مع غيرهم عداوات شخصية، فليس هناك جورٌ في قسمة ميراث بين الدعاة وبين غيرهم، وليس هناك ثروات ومناصب وممتلكات، ومتشاكسون فيما بينهم، لا. بل هذا من أجل لا إله إلا الله محمد رسول الله: إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرحٍ إذا أرضاكم ألمُ

معنى المائلات المميلات

معنى المائلات المميلات Q ورد في الحديث المائلات والمميلات، فالرجاء منكم الإيضاح من هن المائلات والمميلات، وما المقصود بهذا، هل هو المتشبه في ربطة الشعر أم غير ذلك؛ أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A هذا الحديث كما تعلمون في صحيح مسلم، وقد أخطأ ابن الجوزي رحمه الله خطأً بيناً، حيث أخذ هذا الحديث ووضعه في الموضوعات، ولامه أهل العلم، بل هو صحيح كالشمس، ولأهل العلم كلام في معنى المائلات المميلات، ولكن الذي يظهر والله أعلم أن من أقرب المعاني أن المائلات: النساء اللواتي يملن رءوسهن فتنةً ودلالاً وإغراءً لقلوب الرجال وإظهاراً للفتنة، ومميلات لغيرهن أو لقلوب الرجال، هذا الذي يظهر من المعاني، مميلات بأنفسهن مائلات لقلوب الناس إليهن، وهذا مصدر الفتنة، فإن أول الحديث يشرح آخره. وهذا وجد في هذا العصر، فإنه وجد التشبه بالكافرات في صف النساء: تلفيف الشعر وتكويمه على الرأس كأنه أسنمة البخت. والإمالة في المشية، وهذا ما يسمى مشي الكعاب، ومشي التبختر، ومشي التبجح، ومشي العهر -والعياذ بالله- وإمالة قلوب الرجال، كل مفتونٍ وفاسق، وقد تم هذا وحدث وهو من علامات الساعة، وقد نظمها بعض أهل العلم في بعض المنظومات، وأما المعاني الأخرى، فيكفينا من هذا المشهور حتى يحفظ.

أدعية في السجود، وقضايا الإيمان

أدعية في السجود، وقضايا الإيمان Q ما هو أفضل ما يدعو به الإنسان في السجود في منتصف الليل؟ وبعضنا يقول: والله، فهل هذا حلف أم لا؟ وفي بعض الحالات تحلف الأم على ابنها بقولها: والله العظيم، فهل هذا حلف يجب تنفيذه من الأم على ابنها، وتقول: أقسم بالله -مثلاً- فهل هذا من أنواع الحلف؟ وهل يجب فيه عند الحنث التكفير، أفيدونا أفادكم الله؟ A أما أفضل الدعوات التي يدعى بها الله في السجود وغيره، فهو ما علمنا به معلم الخير عليه الصلاة والسلام من الكلمات الجوامع التي كان يدعو بها ويترك ما سواها، ومن أعظمها وقد نص عليها أنس في الحديث الصحيح: {كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء كثيراً، ويعلمه أصحابه: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} والدعاء الذي في مسند أحمد من حديث العباس بن عبد المطلب أن الرسول عليه الصلاة والسلام علمه أن يقول: {اللهم إني أسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة} فالعفو والعافية من أحسن ما يسأل، ومثل ما صح عنه عليه الصلاة والسلام، أنه كان يقول في السجود: {اللهم يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب والأبصار! صرف قلبي إلى طاعتك} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فهذه الدعوات من أجمل ما يكون وهي أربع جمل أو خمس، ويدعو الإنسان بما أعجبه إذا كان دعاء شرعياً لا إثم فيه ولا قطع رحم ولا تعدٍ وإساءة. أما قول السائلة، أنها تقول: والله فإن كان قصدها القسم والمنع من شيء أو الحث عليه، فهذا يرجع إلى نيتها وعليها إذا لم تفعل ذلك الكفارة فقد حنثت، وأما إن كان قصدها لغو يمين، لا والله وبلى والله، في معرض كلامها وما قصدت شيئاً أن تحضره، ولا شيئاً أن تحرضه أو تمنعه فهذا كما فسرت عائشة اللغو وهو قول الرجل: لا والله، وبلى والله، وهو لغو يمين وليس عليه كفارة. وأما أقسم بالله فهو يمين، وكثير من العلماء يرى في هذه الجمل مثل: يعلم الله عز وجل أنه يمين، وأنه من أغلظ الإيمان، لأنه نسب علماً إلى الله عز وجل، وهو في نفسه مفترٍ على الله عز وجل لأنه تقول على الله عز وجل بما لا علم له، ثم إن هناك جملاً تجدونها منتشرة بين الناس، ولو أن كبار العلماء قد بينوا هذه المسائل، مثل: الطلاق، إذا قصد به اليمين، ولا يقصد به تطليق الزوجة فقد أفتى شيخ الإسلام وابن القيم، والشوكاني، وابن عبد البر وغيرهم كثير أن فيه كفارة مثل: الحرام الذي يمنع به أو يحنث به ففيه كفارة، إلى غير ذلك.

حكم اقتناء التلفاز

حكم اقتناء التلفاز Q يوجد لدي تلفزيون ومحافظ عليه المحافظة التامة من أن يشاهد فيه تمثيليات أو يسمع فيه أغاني، إنما أسمع فيه الأخبار وبعض الأحيان يشاهد الأطفال أفلاماً كرتونية، فهل هذا حرام؟ وهل هذه الأفلام مضرة على الأطفال أم لا. أفدني جزاك الله خير الجزاء؟ A أولاً: أشكرك على محافظتك المحافظة الطيبة على هذا الجهاز، ونسأل الله أن يحفظك قائماً وقاعداً على جنبك. الثاني: هذا الجهاز مركب من أدوات وحديد وخشب وأجهزة، ولا يحكم على هذه الأمور، إنما يحكم على ما يعرض فيه، ولكنه لما كثر ما فيه مما لا يحمد، ومما يسيء كالأغاني التي أفسدت: {فما أسكر كثيره فقليله حرام} والمسلسلات المهدمة، والتمثيليات الغير هادفة، وهذه مما جرب أنها تهدم الأخلاق والمعتقد وأنها تفسد البيوت وخيره قليل بل نادر، فأنا أنصحك بالابتعاد عنه من باب النصيحة؛ لأني أرى أنه مضيعة للوقت، إلا أن يوجه توجيهاً سليماً، ويكون فيه ندوات مفيدة، ومحاضرات قيمة، ويعرض فيه التوحيد الخالص الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، والعلم النافع، وحلقات العلم، ويعرض فيه برامج تنفع الأمة في دينها ودنياها، فذاك الوقت فيه كلام إن شاء الله، لكن هذا ما تبرأ به الذمة.

مشكلة القسوة في القلوب وحكم ركوب المرأة مع السائق

مشكلة القسوة في القلوب وحكم ركوب المرأة مع السائق Q أنا أشكو من قسوةٍ في قلبي فبماذا تنصحني؟ وما حكم الركوب مع السائق في داخل المدينة، ومعنا طفلٌ لما يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، أفيدونا وجزاكم الله خير؟ A أما دواء القسوة، فقد ذكر في كتبٍ كثيرة، ومن أحسن من ذكرها صاحب مدارج السالكين رحمه الله، فمما يعالج به من قسوة القلب: الاستغفار والتوبة من الخطايا التي تقسي القلب، والإقلال من المباحات، وزيارة القبور، وتذكر الموت، والجلوس مع الصالحين، وتدبر كتاب الله عز وجل، وكثرة الذكر من تهليلٍ وتكبيرٍ وتحميد، والصيام، فإنه يخلي المعدة ويخلي القلب للتفكر، فهو من أحسن ما يكون، ثم توفيق أرحم الراحمين، والجلوس في السحر في الثلث الأخير لمسائلة الله عز وجل، في وقت الإجابة، فعسى الله عز وجل، أن يلين قلوبنا وقلوبكم لذكره. أما ما ذكرت من مسألة الركوب مع السائق، فإذا كان معها طفل لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، فإن كان فوق العاشرة وهو عاقل مميز، فأرى أنه أصبح محرماً ولها أن تركب مع وجود مثل هذا؛ لأن في الخامسة عشرة ونحوه ليس بطفل، بل قد أصبح فتىً وشاباً، ومثله محرم والحمد لله، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، وفي البخاري: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} وهنا ما حصلت الخلوة والحمد لله.

قضية مهمة في الولاء والبراء

قضية مهمة في الولاء والبراء Q أيها الشيخ الحبيب إلى القلوب! أنا من إحدى الدول العربية المقيمين هنا، ونحن نحب الشعب السعودي، ونحب هذا البلد -بلد التوحيد- ولكن نتعرض للغمز واللمز والإساءة -أحياناً- من بعض الناس، وذلك لمواقف دولنا السياسية، فيا حبذا لو كلمةً توجيهية لإخواننا هؤلاء؟ A أيها الإخوة الكرام: هذه مسألة خطيرة، ويجب التنبيه عليها، ويجب بيانها للناس؛ لأنه وقع كثيرٌ من الناس في ذنوبٍ عظيمة بسبب بعض تصرفاتهم الغير مسئولة، ماذا يربطنا بالناس؟ ما هي علاقتنا بهم؟ ما هي الأواصر التي جمعتنا بالشعوب؟ هي لا إله إلا الله، محمد رسول الله. أتى محمدٌ عليه الصلاة والسلام ونحن شذر مذر، شعوباً وقبائل، فجمع صهيباً الرومي إلى سلمان الفارسي إلى بلال الحبشي إلى أبي بكر القرشي، فجعلهم تحت مظلة لا إله إلا الله، من الذي أتى بـ سلمان من أرض فارس، ولسان حاله يقول: {سلمان منَّا آل البيت} وترك أبا جهل وأبا لهب يدخلون النار؟ إذاً فالقرابة لا تقرب، والبعد لا يبعد إذا اقتربت القلوب من لا إله إلا الله: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62 - 63]. أولاً: الذي يجمعنا بهذه الشعوب هي العقيدة الإسلامية، فمن حملها وأجاد حملها، فهو أخونا وحبيبنا ولا ننظر إلى أيّ مواقفٍ أخرى، فإن علاقتنا بهم هي علاقة هذا الدين، نكرمهم ونحييهم ونستقبلهم ونقوم معهم، وإن انصرفوا عن منهج الله وعن هذه العقيدة انصرفنا عنهم وهجرناهم وأبغضناهم، فموقفنا مع الإسلام أينما دار الإسلام درنا. ثانياً: المسيء يقال له: أسأت، والمحسن يقال له: أحسنت، ولا يعمم على الناس، وإن من أعظم الفرية أن تحمل القبيلة ذنب شاعر أو ذنب قائل، فيحمل الناس أخطاء بعض الناس: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء:15] في الناس صالحون وفي الناس طالحون، فالصالح نحييه ونقول: أحسنت، والطالح نبغضه ونقول: أسأت. ثالثاً: ليس بيننا حدود جغرافية ولا أقاليم: وأينما ذكر اسم الله في بلدٍ عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني وهذه هي مملكة محمد عليه الصلاة والسلام، كان المسلم ينادي الله أكبر في بغداد، فيجيبهم من كابل وطنجة، وقرطبة، والسند، وصنعاء، والرياض، ومكة، فالمملكة مملكة محمد عليه الصلاة والسلام، كتب على علمها لا إله إلا الله، ووثيقتها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. فلا دماء، ولا أعراف، ولا لغات، ولا ألوان، وإنما هذا هو الدين: إن كِيْد مطِّرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالدِ أو يختلف ماءُ الغمام فماؤنا عذبٌ تحدر من غمامٍ واحدِ أو يفترق نسبٌ يؤلف بيننا دينٌ أقمناه مقام الوالدِ {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103]. ونسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يكتب النصر لأوليائه وأن يرفع كلمته وأن يُؤيد دينه. وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

وجها لوجه

وجهاً لوجه لقاء أجراه الدكتور عبد الرحمن العشماوي مع فضيلة الشيخ عائض بن عبد الله القرني بعد فترة إيقاف الشيخ, تناول فيها مجموعة كبيرة من القضايا في أكثر من ثلاثين سؤالاً كان من أهمها: (حكم دخول المجالس النيابية -أهم أعمال الشيخ في فترة إيقافه- مشروعات الشيخ القادمة) إضافة إلى مجموعة من القضايا الخاصة بفقه المرحلة والقضايا التربوية وقضايا دعوية أخرى. كما تطرق إلى أسباب تقصير أهل السنة في دعوتهم، وقضايا اجتماعية كظاهرة العنوسة، واسترسل الشيخ في قضية الجهاد, وما هو فقه المرحلة فيه متمثلاً في الجهاد الأفغاني والبوسنة والهرسك والصومال, وختم هذا اللقاء برأي الشيخ في بعض الشخصيات إلى آخر ما ذكر في ثنايا هذه المادة.

تحية وترحيب بالشيخ عائض

تحية وترحيب بالشيخ عائض العشماوي: الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسال الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً إلى كل خير، وأن يرزقنا جميعاً الإخلاص في القول والعمل، إنه سميع مجيب. أيها الأحبة: إن طريق الدعوة إلى الله طويل، وإن الأمة الإسلامية على مدى تاريخها العريق تنتج لنا في كل عصر دعاة إلى الله، يحسنون التعامل مع الكلمة الطيبة التي صورها لنا القرآن الكريم التصوير الذي نعرفه جميعاً، وشبهها لنا بتلك الشجرة العريقة التي تسافر جذورها وجذوعها في الأرض، وتشمخ أغصانها في السماء. وقد كنا نقرأ عن بعض وعاظ المسلمين في تاريخنا، كـ ابن الجوزي رحمه الله تعالى، ونستغرب أحياناً ما يقال من كثرة من يحضر مجالس وعظهم، حتى إذا هيأ الله لنا في هذا الزمن عدداً من الإخوة الكرام، من شيوخ الشباب ووعاظهم الذين فتح الله تعالى عليهم، فأحسنوا التعامل مع الكلمة، وأحسنوا توظفيها في طريق الدعوة؛ فرأينا مجالس وعظهم ودعوتهم ودروسهم تضج وتعج بآلاف المستمعين المتابعين والمتعطشين؛ أدركنا أن ما روى لنا التاريخ عن مجالس ابن الجوزي ليس غريباً ولا عجيباً. ونحن في هذا اللقاء الطيب الذي نرجو أن ينفعنا الله به جميعاً، وأن يجعل مجلسنا من مجالس الذكر التي تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة. نحن في هذا اللقاء المبارك نلتقي مع داعية مبارك من دعاة عصرنا، مع شاب شيخ, فهو شاب لأن سني عمره تقول لنا ذلك، وشيخ لأن ما تلقاه من العلم وما بذله في سبيل الدعوة يؤهله أن يحمل هذا اللقب، وأنتم تعلمون أن لقب الشيخ في هذا الزمن قد اتخذ معنىً آخر غير المعنى الذي كان يقصد به من قبل، ولعل شيخنا وداعيتنا وأخانا الكريم، الشيخ عائض بن عبد الله القرني يعذرنا عندما نطلق عليه هذا اللقب، فهو ليس من باب قول الشاعر: زعمتني شيخاً ولست بشيخ إنما الشيخ من يدب دبيبا نرحب في بداية هذا اللقاء بـ أبي عبد الله ونقول: أهلاً وسهلاً بك يا شيخ عائض! القرني: حياك الله وبياك، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية.

تقديم وتعريف بالشيخ عائض

تقديم وتعريف بالشيخ عائض العشماوي: أخي الكريم: تعود الناس في مثل هذه اللقاءات على سؤال تقليدي معروف؛ ألا وهو أن يقدم من نلتقي به نفسه لإخوانه، وكان من المفروض أن نقدمك نحن، لكن نرجو أن تقدم أنت نفسك جزاك الله خيراً؟ القرني: في البداية: أحمد المولى تبارك وتعالى على أن جمعنا في هذا المكان الطيب العطر بوجودكم، وأسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وهو رب جبريل وميكائيل وإسرافيل, فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، وهو الذي يحكم بين عباده أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه, إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. وأشكر تسجيلات السرة بـ الكويت على إجراء هذا اللقاء، علَّ الله أن ينفع به، وأن يجعله في ميزان الحسنات، ثم أشكر فضيلة الدكتور والأديب الشاعر عبد الرحمن بن صالح العشماوي على أن التقى بي وأسمع إخوانه وأحبابه صوته من خلال هذا اللقاء. وتقديم النفس وارد شرعاً ومطلوب عقلاً وممنوح طبعاً، وقد قدم الله نفسه للعالمين، كما قال أحد الفضلاء في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لموسى في أول لقاء {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [طه:14]. وكان عليه الصلاة والسلام يقدم الوفود بأسمائهم، وعند الترمذي بسند فيه نظر: {إذا عرف أحدكم أخاه فليسأله عن اسمه وعن نسبه، فإنه أصل المودة} وعند مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من القوم؟ قالوا: ربيعة، قال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى} وكما في شريف أدبكم يقول العزي: أحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب فلا بد من تقديم ولو أنه مكرر، ولكن لعل أن يكون فيه شيء من الفائدة: أخوكم في الله: عائض بن عبد الله القرني، من مواليد عام (1379هـ) في بلادي بالقرن، ودرست في الابتدائية بمدرسة آل سليمان، ثم المعهد العلمي بـ الرياض وأبها، ثم كلية أصول الدين، ثم حضرت الماجستير في البدعة وأثرها في الدراية والرواية بجامعة الإمام، وها أنا على مشارف إنهائي -إن شاء الله- لرسالة الدكتوراه، والتي هي تحقيق لكتاب المفهم بشرح صحيح مسلم للقرطبي.

رسالة الماجستير

رسالة الماجستير Q نحن نرحب بك، وأنا متأكد أن الإخوة جميعاًَ يرحبون بك، ويعلنون فرحتهم بهذا اللقاء. فضيلة الشيخ: نريد قبل أن نبدأ في النقاط الأخرى أن نسأل عن رسالة الماجستير: هل طبعت في كتاب أم لم تطبع؟ A نعم. طبعت رسالتي للماجستير في كتاب، وقام بطبعها دار الطرفين بـ الطائف ضمن مجموعة، وخرج منها الجزء الأول، وهي الآن في متناول الأيدي. وحاولنا أن نأخذ منها ما يصلح للمتخصصين فانتقيناه وجمعناه في جزء واحد.

أعمال الشيخ عائض في فترة إيقافه

أعمال الشيخ عائض في فترة إيقافه Q الشيخ عائض القرني! يعلم الإخوة أنك في هذه الفترة قد توقفت عن مزاولة نشاطك في التدريس والوعظ وأيضاً العمل في الجامعة، وهناك سؤال يطرأ على البال: فترة الإيقاف يبدو أنها ليست فترة عقيماً، بل ربما تكون فترة خصبة، فهل استفدتم من هذه الفترة جزاكم الله خيراً؟ A لعله من المفيد أن يطالع العبد بعينين، بعين إلى القضاء والقدر، وعين إلى الأسباب المعلومة، فيعلم أن ما قضاه الله وقدره، وهو الخير كل الخير للعبد، سواء كرهه أو أحبه، والله يقرر ذلك ويقول: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] وعند أحمد في المسند عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {والذي نفسي بيده، لا يقضي الله للعبد قضاءً إلا كان خيراً له} قيل لـ ابن تيمية: حتى في المعصية؟ قال: نعم. بشرطه من الانكسار والندم والتوبة والاستغفار، فالمقصود: أن العبد لا يكره من أمر الله شيئاً، ورب ضارة نافعة. والنظر الآخر إلى الأسباب، فإنه كما يقول الغربيون في مثلهم: اجعل من الليمون شراباً حلواً, فإن أهل الإسلام يقولون: ليس الذكي الفطن الذي يزيد من مكاسبه أو مرابحه، ولكن الذكي الفطن الذي يحول الخسائر إلى أرباح وهذا يعلمه المسلم من حياته، فإنه ليس هناك أبواب مغلقة إذا كان باب الله مفتوحاً، وليس هناك حبال مصرمة إذا كان حبل الله ممدوداً، فالمجال واسع أمام الداعية مهما أوقف من بعض المجالات، أو أغلق أمامه بعض الأبواب، لأن عدد الطرق إلى الله كعدد الأنفاس، من الكلمة، أو اللقاء، أو التأليف، أو اتصال القلب بالله عز وجل، أو تجديد التوبة، أو العمل الصالح، أو اصطفاء الأخوة، أو المجالس المصغرة، أو الكلمات والقصائد، أو غير ذلك، وهي أسباب كثيرة يعلمها من ينهج هذا المنهج. فلعل من حلم الله ورحمته أن يقدر على العباد أقداراً هي في صالحهم، وأُدرك من الأسرار أن اختيار الله عز وجل للعباد أحسن من اختيار العباد لأنفسهم، فمثلاً: عن تجربتي الشخصية الضيقة القليلة؛ وجدت أن في هذا خيراً كثيراً، فمن ذلك: العودة إلى التأمل والتدبر والتفكر، ومدارسة ما سبق إن كان هناك أخطاء في الطرح، والتزود في العلم, فإنا لا زلنا -كما تفضلتم في اللقاء- في مقتبل العمر، وهذا يحتاج إلى طلب، وكثرة نصوص، ورحابة في المعرفة. ومنها: أن يسلم الإنسان لقضاء الله وقدره، فيذعن وينال درجة العبودية في الاستسلام لقضاء الله عز وجل. ومنها: أن يتأمل إخوانه من الدعاة والوعاظ فيجلس مستمعاً بعد أن كان متكلماً، ومنصتاً بعد أن كان متحدثاً. ومنها: أن يراجع ما كتب وما قرأ بالتمحيص والتشذيب والتهذيب. وأما عن هذه الفترة فقد رأيت فيها مكاسب، منها: ما قد سبق ذكره. ومنها: أن هناك ما أنجز كرسالة الدكتوراه والحمد لله، فقد أشرفت على الانتهاء منها، ولو لم يكن هذا الإيقاف لأخذت الرسالة عمراً مديداً طويلاً يبلغ الأربع السنوات. ومنها: خطب الجمعة المسك والعنبر، وقد انتهيت من مجلدين اثنين بتصحيح وتنقيح أرضاه والحمد لله، ولو أنه في عمل العبد قصور. ومنها: ديوان قدم له الدكتور عبد الرحمن بعنوان (أبو ذر في القرن الخامس عشر). ومنها: ثمان رسائل منها: الترياق والأشواق، وإعادة البناء، وفن الخطابة، وأمراض الوعاظ وغير ذلك من الرسائل. ثم كان في قراءة متسعة في كثير من الكتب، خاصة مع وجودي في الرياض، فإني أدركت أن هذا البلد رحب, وأكثر معرفة وثقافة, وأنه رافد من مرافد الخير، وقد أدركت ذلك لما طالعت فيه كثيراً من المكتبات، ورأيت كثيراً من العناوين, وأدخلت كثيراً من الكتب، فرأيت كل المصلحة فيما حدث، وما على العبد إلا أن يذعن ويسلم، ولله الخيرة ولرسوله وليس للناس.

أسباب اختيار الرياض موطنا بعد الإيقاف

أسباب اختيار الرياض موطناً بعد الإيقاف Q جزاك الله خيراً وبارك الله فيك؛ وقد أتيت على مجموعة من الأسئلة التي كنا نريد أن نوجهها إليك حول هذا الموضوع، وهذا من فضل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى على الإنسان أن يحسن اغتنام فرص وقته، ونسأل الله أن ينفعك وينفع بك، وأن يزيدك فضلاً وعلماً إنه على ذلك قدير. من رياحين الجبال الخضراء إلى خزامى الصحراء انتقل الشيخ عائض بعد الإيقاف، فيطرأ سؤال أحياناً على ذهن المتأمل والمتابع لك لماذا اختار الشيخ الرياض بدلاً من أبها في هذه الفترة؟ A على كل حال يمكن أن أجيب بمقطع بيت: ما زال الهوى نجداً وإن زار الحجاز وأتهما وإذا عوقب العبد -أحياناً- بحرارة تهامة، أو بصلافة الجبال؛ فإنه ينتقل إلى الصحراء حيث الرحب والخزامى والأفخوان والهواء والنسيم العليل. والحقيقة أن هناك أسباباً منها: أولاً: أن أهل الرياض أو من يسكن نجداً عموماً لهم في قلبي منزلة خاصة، فهم أهل وعي قديم، وتوحيد أصيل، وغيرة واتجاه إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وهذا بحد ذاته قاسم مشترك بيننا وبينهم. ثانياً: أن هذا البلد فيه من العلماء والأساتذة الفضلاء والمفكرين والأدباء ما يمكن أن يجعلها الإنسان فرصة في أن يتحدث وأن يزور ويزار، ويلتقي بهذه العقول النيرة، فيكتسب إلى عمره أعماراً، وإلى عقله عقولاً. ثالثاً: وجود الجامعة، حيث أن لي بها صلة بسبب الرسالة، ثم المكتبات العامة الرافدة، ثم الدروس العلمية المتخصصة، كدرس أحضره في مسند أحمد عند سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وبعض الدروس الفقهية التي أحضرها لبعض العلماء من هذا ومن غيره أحببت أن أقيم في الرياض حيث أني أرى أن أكبر منطقة أو مدينة يظهر فيها الوعي والدعوة والصحوة هي الرياض فحسب. والحقيقة دائماً أن المدن الكبيرة التي يقطن فيها العلماء تحظى بعناية كبيرة.

معاني أبها عند الشيخ

معاني أبها عند الشيخ Q ولكننا نظل نسألك لأنك تجمع إلى كل ما ذكرنا صفة الشاعرية، والعاطفة الجياشة، وهنالك بيت شعر يقول: يعز على الإنسان مسقط رأسه ولو كان قسراً لا يرد به قدى من هذا المنطلق: ماذا تعني مدينة أبها بالنسبة لـ أبي عبد الله؟ A على كل حال في أبها، أو في الجنوب خاصة مراتع الصبى، وملاعب الطفولة، وميادين الشباب، ولا يمكن أن يفارقها الإنسان أو يمحوها من ذاكرته؛ لأن هذا صعب، وسوف يعيش هذا في مخيلته ما دام يشعر بالحياة ويمشي على الأرض، ولها شيء خاص في الذهن؛ فإن هناك والدي وإخوتي وبقية الأهل والعشيرة، وأنا أتوق إليها بين زمن وآخر. والحقيقة أني أحب الأدب؛ ولذلك فإنني لما مررت ببعض الأحداث الصغيرة التي هي عندي قد تكون كبيرة، لكن على كل حال سمعت منكم وأنتم تقولون: قالوا قدمت إلى الرياض فمرحباً أهلاً وبورك منك ذاك المقدما ثم قلتم: ما زال الهوى نجداً وإن زار الحجاز وأتهما وسمعت شاعراً آخر من تلك الجبال وهو يلاطفكم القول: ولكن في السراة لكم حمى فالحقيقة أنه في السراة هناك أشجان، ودموع لا تمحى وذكريات لا تنسى، ولكن على كل حال الزيارة واردة، وأنا لست بالجافي إن شاء الله.

من ديوان الطموح

من ديوان الطموح Q من ضمن ما ذكرت نظمك الشعر في هذه الفترة، فهل هنالك شيء منه؟ A كتبت ما يقارب خمس أو ست قصائد، بعضها أرضى عنه بذوقي، وبعضها قد يلاحظ عليها، منها قصيدة بعنوان: ولنا ألف شاهد وهي من آخر ما كتبت، وهي موجودة في الديوان الذي سيصدر قريباً إن شاء الله، منها: العيون المراض بعض العذاب وسكار الهوى رصيف الرضاب وعيون من الجوى رانيات وجفون من الهوى كالجواب مهج في الغرام تقتل عمداً من لحاظ سهامها في صواب همم الحق تنطح العزم نطحاً من يقين لا ناطحات سحاب إلى آخر ما قلت.

فكرة مبسطة عن كتاب (أمراض الوعاظ)

فكرة مبسطة عن كتاب (أمراض الوعاظ) Q فضيلة الشيخ! هنالك رسالة لكم بعنوان: أمراض الوعاظ، ويبدو أنها لم تطبع بعد، فهل لكم أن تعطونا فكرة عن هذه الرسالة؟ A هذه الرسالة أكملت، وهي في ما يقارب خمسين صفحة، واستفدتها من التجربة والاستقراء والصبر، لأنني عشت فترة غير واعظ، ومكثت برهة من الزمن غير متحدث، فرصدت وأخذت أراقب عن كثب ما يقوله إخواني وزملائي من الوعاظ؛ فأدركت بعض الملاحظات الكبيرة التي قد تصل إلى أربعين أو واحد وأربعين ملاحظة، واختصرت بعض الأشياء، والحقيقة أن الذي يتكلم ويباشر ويتحدث إلى الناس قد لا يدرك الخطأ الذي يقع فيه، ولكن المتفرج والمراقب يدرك من الأشياء والنقد والعوار -أحياناً- ما يحتاج إلى أن يبثه إلى إخوانه. وأنا لست في مكان المستعلي على إخوانه وزملائه، لكني -إن شاء الله- في مكان الناصح المسدد الذي يعرض المسألة بدون ذكر أسماء، وقد أدركت -مثلاً- أن كثيراً من الوعاظ عنده شهية في الحديث والكلام، فهو يريد أن يتكلم بأي شيء، وقلبه ينازعه بأن يتحدث بكل مسألة، وفي كل مكان ومجلس، وهذا عيب يحتاج إلى أن يسدد ويصفى؛ لأن السلف كانوا يكرهون كثرة الكلام، وكانوا يتخولون الناس بالموعظة. وأدركت أن بعضهم يلقي الكلام على عواهنه، دون تحضير مسبق، ويدعي أن الله سوف يفتح عليه، ويبدأ في الكلام، ثم يجمع كشكولاً أو قاموساً من الأحاديث والموضوعات دون رتابة، وهذا إلغاء وعدم احترام لعقول الجمهور. أيضاً: الأحاديث الموضوعة يتساهل كثير من الوعاظ فيها، حتى أني كنت أسمع في مجلس رجلاً يعظ الناس في حديث علقمة وحديث ثعلبة، وأحاديث ما أنزل الله بها من سلطان، ولا توجد في كتب أهل العلم، ويترك الصحيحين والمسانيد والمعاجم. ومنها أيضاً: العلو الذي يقع فيه بعض الناس، وهو استعلاء وإسقاط للآخرين، فيقول: كنت وقلت وكتبت ورأيت ولي كتاب في ذلك وسبق أن تحدثت ولي ردود وهذه ترجمة للنفس، والحقيقة أن هناك ملاحظات كثيرة، لكن أقول: لعل من الجدير أخي الواعظ أن تقرأ هذا الكتاب حتى تعلم، وقد قرأه بعض الفضلاء ووصلتني منهم بعض الملاحظات؛ علها أن تكون مفيدة، فإن كان فيها سداد فمن الواحد الأحد، وإن كان فيها خطأ فمن نفسي والشيطان, والله بريء من ذلك، ورسوله معصوم, والرسالة تحت الطبع إن شاء الله. العشماوي: ومثل هذ أرى أنه من النقد الذاتي المطلوب، وهو خطوة طيبة جداً، ونحن بحاجة إلى أن ننقد خطواتنا، فحبذا لو نزل الكتاب حتى ولو كان فيه بعض الأخطاء، أو بعض التجاوز، والإنسان من طبعه النقص, ونتمنى أن نجدها مطبوعة إن شاء الله قريباً.

آخر محاضرة للشيخ

آخر محاضرة للشيخ Q ما آخر الأشرطة التي سجلت لكم؟ الجواب سجل شريط بعنوان: (هموم داعية) سجلته تسجيلات الشرقية ونزل إلى الأسواق، وهناك (أمراض الوعاظ) وهو نفس الكتاب ملخص في شريط سجل بتسجيلات في الرياض.

مشروعات الشيخ

مشروعات الشيخ Q هل هنالك في الذهن مشروعات دعوية؟ A في الذهن أشياء، ولكن كما يقولون: العين بصيرة واليد قصيرة ولكنه لا يزال العبد في خير ما دامت همته تحدوه، وكان عنده طموح, سواء حصل هذا أو لم يحصل وكما قال الإمام أحمد لابنه عبد الله: انوِ الخير وإن لم تفعله، وفي حديث يحسنه كثير من العلماء: {نية المرء خير من عمله} فهناك أشياء منها: جمع شرح للمسند، وهي في أشرطة سبق أن شرحت في أبها وهي ما يقارب مائة وثلاثة أشرطة، والآن هي في أربعة مجلدات في دار في الرياض، تهذب وتنقى وتصفى لتخرج. ومنها: شرح لـ مختصر البخاري للزبيدي، أقوم به في البيت، وفكرت مع بعض الإخوة من طلبة الحديث أن نقوم بتلخيص واختصار مفيد ومحقق لـ فتح الباري، وقد بُدئ في ذلك خطوات، لأني أرى أن فتح الباري كتاب لا تستغني عنه المكتبة، وهو يحتاج إلى شيء من التقريب؛ لأن العصر عصر معقد، وهو عصر سرعة يحتاج إلى أن يكون في متناول اليد. ومنها: بعض الأمور الخاصة التي قد تكون شبه ذاتية، كمراجعة بعض المتون، وحفظها عند بعض المشايخ، وحفظ بعض الأحاديث بكثرة، وحفظ القصائد المختارة في الحماسة لـ أبي تمام , وبعض الكتيبات, أو أختار شيئاً من ذلك حتى ينمي الإنسان ذاكرته.

الموقف الشرعي من الفرقة والشقاق

الموقف الشرعي من الفرقة والشقاق أبا عبد الله! اعذرنا، فنحن سنتنقل في الأسئلة في موضوعات مختلفة الحقيقة أن المراقب للساحة يجد بلا شك فرقة وشقاقاً بين بعض الدعاة، أو بين كثير، يتمثل هذا الشقاق في الردود والنقد الموجه من بعضهم لبعض، وأنت تعلم أن قضية النقد مطلوبة، لكن النية في هذا النقد، أو طريقة طرح النقد هي المسألة التي قد يختلف عليها خاصة أنه يتعلق بشريحة عريضة من الشباب وعامة الناس فما الموقف الشرعي للمسلم أمام هذا الأمر؟ A على كل حال! الخلاف وارد، والاختلاف مذموم، والله عز وجل قد ذكر الخلاف وأقره، وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم, والناس يحصل بينهم خلاف لاختلاف طبائعهم ومشاربهم, وفهومهم وأذواقهم، وما يتطلعون إليه لكن الاختلاف مذموم؛ لأن فيه فرقة وشقاقاً، وضعفاً للأمة، فالذي نشكوه نحن هو الاختلاف؛ وأن تكون النية الحادية للمخالف أو للمعترض أو للراد لغير وجه الله عز وجل، أو لا يريد الإصلاح، وإنما يريد بها التشفي، خاصة أن السلف الصالح حذروا من الأقران، ومن داء المعاصرة، ومن الحسد الذي وقعت فيه الأمم، فرأينا وشممنا أن بعض الناس يريد بنقده إسقاط الآخرين؛ لأنه -أحياناً- يتعرض لذنوبهم الشخصية، وعيوبهم وصفاتهم التي لا تعلق لها بالمسألة، ولا تعلق لها بالقضايا المطروحة فيعلم من ذلك ويفهم أن هذا لا يريد الإصلاح، وهناك مسائل نعرضها هنا منها: أولاً: لماذا يطالب في النصح أن يكون سراً -وهذا هو المطلوب- لفئة، ولكن الفئة الأخرى تعلن عيوبها وذنوبها على المنابر؟! فنطلب السواء في هذا بأن تكون النصيحة سراً، إذا كان هو الأصلح والأنجح سواء للدعاة أو غيرهم. ولماذا يسلط كشاف النقد ومجهر الجرح على الدعاة فقط، وعلى ما يمكن أن يغلطوا فيه، وهم لا يسلمون من الغلط، فهم ليسوا من المعصومين، ثم تترك فئات وشرائح من الناس هم أكثر ضرراً، وأكثر محاربة لله ولرسوله وللمؤمنين، كالباطنيين الإسماعيليين الذين يوجدون في جزيرة العرب، ولهم أطروحات كافرة ملحدة على طريقة ابن سينا والفتوى وغيرهما، أيضاً الصوفية الذين شوهوا صورة الإسلام، ولهم أطروحات، ولهم زوايا وقصائد، ومقاصير ومجامع، وأيضاً الرافضة ومشربهم المنحرف عن منهج الله، وأيضاً العلمنة وهي إطراح الدين، وإزواؤه في المسجد، ونبذه من الحياة، وهم يوجدون بثقلهم ووسائلهم وأطروحاتهم. ومنها: الشهوانيون والفجرة وأهل المنكرات وكذلك أهل الحداثة فلماذا يسلم هؤلاء جميعاً ويبقى الدعاة هم أهل الاعتراض عليهم، والردود والجرح وتسجيل الأشرطة ضدهم، وتنغيصهم في مسيرتهم؟! ثانياً: هل جُلس مع هؤلاء الدعاة، وعُرف ما عندهم، أو تلتمس له عذراً فما أعلم أنه جُلس معهم، واستمع رأيهم والتمس لهم العذر؟ فإن السلف يقولون: لا تبدأ أخاك حتى تعلم ما عنده، بل يفاجأ الواحد منهم بنزول مجموعة من الأشرطة والكتيبات والمنشورات ضده، وهذا محرم شرعاً، ومذموم طبعاً. ثالثاً: لماذا لا تعد حسنات هؤلاء الأخيار الأبرار؟! أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا والله قد طالب المسلم أن يكون عادلاً حتى مع خصومه من الكفار، قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] فكيف بالمسلم الموحد؟ بل بالداعية؟ بل بالعالم الذي قصده الحق؟! لماذا لا تذكر محاسنهم مع العلم أن محاسنهم كالجبال، وغلطهم بسيط سهل ينغمر في بحار حسناتهم، ولذلك يقول الأول: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع هذا هو المطلوب، وأنا أقول لإخواني الذين يتابعون هذه الردود: أن عليهم أن يشتغلوا بأنفسهم، وبتربية أرواحهم، وبالاشتغال بما يصلح الأمة، كطلب العلم الشرعي، وحفظ المتون، والاشتغال بتربية العامة ووعظهم، وفتح مدارس تحفيظ القرآن، وإهداء الشريط الإسلامي وأقول للذين يريدون أشرطة في فن الردود وحسب: أين الأشرطة في العقيدة، والآداب، والسلوك والسير والعبادة والمعاملة؟ إن هذا فيه وقفة ونظر، وإنه ينبئ عن مقصد الله أعلم به.

حكم دخول المجالس النيابية

حكم دخول المجالس النيابية العشماوي: جزاك الله خيراً نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وعلى أية حال لو كانت القضية قضية نقد بناء، فهي مطلوبة حقيقة، والردود بالحق مطلوبة، لكن لعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يصلح الحال. Q ننتقل إلى سؤال آخر، يبدو أنه يبتعد بنا قليلاً، لكن نريد أن نأخذ رأيك في هذا الأمر، ونحن نعيشه جميعاً، وهو ما يجري في العالم الإسلامي، حيث كثر القيل والقال والاختلاف حول دخول المجالس النيابية والبرلمانية في بعض أنحاء العالم الإسلامي، وذلك عن طريق الانتخابات فماذا ترون في هذا الأمر؟ A إن المسائل النظرية والاجتهادية التي لم ترد فيها نصوص قاطعة يجوز للعقل أن يجول فيها، ويجوز للإنسان أن يتحدث عنها، وأن يجتهد؛ لأنه لا يخالف إجماعاً، ولا يعارض نصاً، ودخول المجالس النيابية والانتخابات والبرلمانات مما تكلم فيه العلماء، فمنهم من حرم ذلك، ومنهم من أجازه، ولبعضهم أشرطة وكتب في هذا، وآخر من سمعت سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في مجلة الإصلاح، تكلم فيها عن هذه القضية، وقبله الأستاذ عبد المجيد الزنداني له في ذلك شريط، والشيخ عبد المجيد الريمي، وكثير وكثير كالشيخ القرضاوي، وغيرهم من المشايخ والمفكرين والدعاة، ولذلك إن قلت قولاً في هذه المسألة فما أتيت بجديد، سواء كان خطأ أو صواباً؛ لأني مسبوق إلى هذه المسألة. ولكن هناك بعض الضوابط: أولاً: أن العبد ينظر للأصلح، كما قيل: إن اللبيب إذا شكا من جسمه مرضين مختلفين داوى الأخطرا فينظر إلى المصلحة المتحققة من دخوله، أو من رفضه، فإن كان في دخوله هذا المجلس مصلحة للدعوة وللإسلام بقصد الاجتهاد ومشاورة الإخوان فلا يتوقف في ذلك، لأنه الأصلح بأن يكون له ثقل وميدان وقدم في العمل الإسلامي. ثانياً: ألا تعمم هذه القضية على الجواز أو التحريم، فإن البلدان تختلف، وقد وجد في بعض البلدان والشعوب أنه لو لم يدخل الدعاة في المجالس والبرلمانات، لضربت الدعوة وسحقت تماماً، لأن الأنظمة قد تكون دكتاتورية ظالمة غاشمة بطاشة، فلو لم يدخل الدعاة بأسماء ومقاعد ليكون لهم ثقل ووزن وصوت وإلا فالدعوة سوف تجتاح، وقد رأينا ذلك وسمعناه وعرفناه، فمثل هؤلاء لا يتوقفون لأن في ذلك نصراً للإسلام وخيراً. ثالثاً: هذه المسألة تختلف باختلاف الأشخاص الذين يمثلون الأمة أمانة وصدقاً وعلماً واطلاعاً، فالواجب أن يختار أحسن الناس. رابعاً: أن ينتبه لمسألة ألا يتنازل عن شيء من دين الله عز وجل، الذي هو واجب، ولا أقصد المباحات أو الأمور التي يختلف فيها الناس، أو أمراً مستحباً في تركه مصلحة محققة, وإنما أقصد الواجبات أو الفرائض التي فرضها الله على عباده، أو عدم تحليل ما حرم الله عز وجل, فأرى أنه لا يتنازل بأي حجة كانت سواء لمسايرة أو ملاينة فإن هذا مداهنة محرمة بلا شك. وعموماً فإن البلدان التي لا يحصل فيها صوت للإسلام إلا من خلال المجلس النيابي أو البرلمان أو الانتخاب؛ فإن للمسلم أن يدخل في ذلك، وهذا أمر مباح إن شاء الله، وقد قاله كثير من العلماء والفضلاء، وهو الأصلح للدعوة والدعاة في تلك البلدان، ولا يشترط لإعلاء كلمة الله أن يكون بعد قتال وجراح, وبعد أن تسيل الدماء، بل قد يكون هناك انتصار بالطرق السلمية التي ترتفع فيها راية الله، لأن المقصد أصلاً من الدعوة ومن المنهج الرباني أن تكون كلمة الله هي العليا، وليس المقصد أن يكون هناك جماعة ومؤسسة ووزراء ونواب ومقاعد، إنما المقصد أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، فإذا حصل هذا بالطرق السلمية فهو أحسن وأوفر للمسلمين، وأقل خسائر، وأعظم فائدة، وهذا هو المرجو. وبعض الناس من الخطوط الأخرى يطالبون بالجهاد، ويقولون: لا ندخل صناديق الاقتراع، ولا نريد البرلمانات يؤدي إلى أن تفصل الجماجم والرءوس، وأن تسيل الدماء، وأن تمتلئ المستشفيات بالجرحى، وبعدها يأتي النصر ويعتقد أن هذا هو الطريق. ونقول: لا. الطريق الأحسن هو الأسهل، والأقل خسائر، وهذا هو الأنجح إن شاء الله. وقد يكون ذلك الطريق ضرورياً في بعض الأحيان.

ملخص رأي ابن باز في الانتخابات

ملخص رأي ابن باز في الانتخابات قلت: إن الشيخ عبد العزيز بن باز له رأي في هذا الموضوع، وأنا مرة سمعت المناظرة بين الشيخ عبد المجيد الزنداني والشيخ عبد المجيد الريمي، وأشار الشيخ الزنداني إلى رأي الشيخ ابن باز مستشهداً به، فهل لنا أن نعرف ملخص هذا الرأي؟ A على كل حال، الشيخ في مجلة الإصلاح يقول: لا حرج من دخول العلماء للمجالس النيابية، ولكن بشروط، فيظهر أن الأصل عند الشيخ أنه يجوز ذلك، لكن بشروط، ولعل من الشروط بعض التي ذكرتها، لكن الشيخ لا يمنع منعاً قاطعاً، بمعنى أنه لا يحرم تحريماً باتاً كما يفعل بعض الناس، فإن بعضهم يقول: لا تبحث في المسألة ولا تناقش فيها لأنها محرمة، ولأنه ليس لها أصل في الكتاب ولا في السنة. وسبق أن كان معي بعض الإخوة من الدعاة في أفغانستان، وجلسنا مع أحد القادة الكبار، فقال: لا يجوز الدخول في البرلمان -لأن حكمتيار كان يطلب الانتخابات- وكان ذلك القائد وزيراً في الحكومة فقلنا: لماذا؟ قال: لأن البرلمانات والانتخابات لم توجد في كتاب الله عز وجل. قلنا: وأنت وزير من الوزراء وليس في الكتاب والسنة لا رئيس وزراء ولا وزير خارجية! قال: هذه من المصالح المرسلة!! قلنا: وتلك من المصالح المرسلة فالأحاديث والنصوص تقبلها -والحمد لله- في عمومها.

إيضاح مقولة الشيخ: (من أوجب على الناس) والتراجع عنها

إيضاح مقولة الشيخ: (من أوجب على الناس) والتراجع عنها Q جزاك الله خيراً تأذن لنا أبا عبد الله! إن شاء الله أن ندخل في بعض الأسئلة التي أثير حولها بعض الكلام: قلتم كلمة في شريط بعنوان (فر من الحزبية فرارك من الأسد) وأنا تعجبني هذه الكلمة في الحقيقة لأن فيها توظيفاً لغوياً جميلاً، وقد أحدثت لبساً عند بعض الناس، وهي قولكم -كما روي لي- (من أوجب على الناس أن يكون أحدهم سلفياً أو إخوانياً أو تبليغياً فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل) هل هذا صحيح؟ A الحقيقة أن الكلمة هذه فظيعة ومخيفة، وقد وددت لو أني تركتها من الأصل، لأنه أحياناً قد يكون للإنسان مقولة، ثم يتكلف بأن يرد عنها ويعتذر حتى يثبت في المقولة، وإلا فإن المسلم لا يستنكف أن يقبل الحق أو يعود عن الباطل إذا تبين له ذلك، كما قال عمر: [[لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس فبان لك الحق في خلافه أن تعود عنه]] وأنا قلت هذا، وسبق أن جلست مع بعض المشايخ في هذه المسألة واتصل بي بعض الإخوة، وبينت في بعض الأشرطة، لكن الذي يظهر أنه ما بان إلى الآن. فأنا على أحد أمرين: الأول: إما أن أوضحه ويقبل الناس توضيحي له، وإن كان أحدث لبساً فإنني أنسحب عن هذه الكلمة، ولم يحصل شيء والحمد لله، فإن انسحبت عن هذه الكلمة فلن تنسخ آية من القرآن، ولن يلغى حديث من أحاديثه عليه الصلاة والسلام؛ فإن من قضاة الإسلام من كان يقضي في المجلس ثم يسمع الدليل، فيعود فينثر القضية من أولها إلى آخرها. فأقول: قصدي بذلك الذي يوجب على المسلم أن يكون منتمياً إلى فئة من هذه الفئات، أو جماعة من هذه الجماعات، ويجعله وجوباً عليه بحيث أنه لو ترك هذا الانتماء كان آثماً, هذا الذي أقصده, فإنه مخالف لمنهج الله عز وجل، ومثل هذا يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وأنا قلت هذا لأن ابن تيمية يقول في الفتاوى -والناس يعلمون ذلك- من أوجب على الناس أن يكون أحدهم حنبلياً أو مالكياً أو شافعياً أو حنفياً فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وهذه ثابتة عن ابن تيمية، وبعض العلماء عذرني وقال: هذه كهذه؛ لأن الأصل ألا يشرع الإنسان إلا شرع الله عز وجل: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116]. لكن المسألة التي نوقشت فيها مسألة: من الذي أوجب على الناس هذا؟ قلت: لم يوجبه أحد, ولا يلزم من إلقاء الحكم أن يكون له أصل في الواقع، فإنه قد يلقى الحكم أحياناً وقد لا يوجد في واقع الناس مكان لتطبيق الحكم فيه، وأنا أضرب مثلاً من كتاب الله عز وجل: فقد جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى من شروط الرجم على الثيب الزاني أن يشهد عليه أربعة، قال بعض العلماء: لم يرد في تاريخ الإسلام؛ أنه وجدت قضية نقلت للناس أن أربعة شهدوا الفاحشة في الزنا ونقلوها للعلماء، ولم يوجد أبداً منذ أن بعث عليه الصلاة والسلام إلى الآن فالحكم ما زال في كتاب الله، ولكن تطبيقه على واقع الناس لم يوجد بعد. فأقول: لو قال أحد هذا مرضاً وهو لم يحصل، فإنه يفعل به هكذا، وإن كانت الكلمة خشنة وأحدثت لبساً فإني أقول: العودة عنها أسلم، وأنا الآن أعلن أنه إذا كان فيها خطأ وغلط فإني أتوب إلى الله وأستغفره، وما أنا إلا مصدر من مصادر النقص التي تحتاج إلى تسديد من الله تعالى.

فقه هذه المرحلة في نظر الشيخ

فقه هذه المرحلة في نظر الشيخ العشماوي: هذا يكفينا ويكفي من يريد الحق ويبحث عنه. Q لا شك أن لكل مرحلة من مراحل الدعوة فقهاً دعوياً إذا صحت العبارة، فيا ترى ما هو فقه هذه المرحلة من مراحل الدعوة، فيما يتعلق بالواقع؟ A أحب أن أشير إلى مسألة وهي: ألا نندم على ما مضى، فقد ينهج الداعية نهجاً في طرحه وأسلوبه، ثم يظهر له أن أسلوبه كان خطأ، أو يوحى إليه أن الذي سلكه ليس بصحيح، وهذا فيه نظر، لأنه قد يكون هو الصحيح، وعين الحكمة هو الذي فعله من قبل، إذا ناسبت المرحلة التي سبقت هذا النوع أو الثوب الذي طرحه من ثياب الدعوة. وأحياناً قد يفعل الإنسان هذا ثم ينقص جهده، وهذا كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً} [النحل:92] فلا يصح للإنسان أن يعود على مسيرته، وجهده وجهد إخوانه من الدعاة بالخطأ, لأن هذا ليس بالصحيح لأمور: أولاً: لأنه قضاء الله وقدره. ثانياً: لأن الذي حدث قد يكون عين المصلحة, فإن لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى له الحكمة المطلقة. فعليه ألا يزري بمنهجه ومنهج إخوانه إلا في بعض الجزئيات من جزئيات الخطأ والغلط التي لا يسلم منها أحد، ثم إن الحياة مراحل للدعوة كما فعل عليه الصلاة والسلام، فإنه كان له طرح معين في مكة، فقد كان يدعو إلى المعتقد، ويحارب أهل الوثن، فلما وصل إلى المدينة لينشئ دولته الإسلامية الرائدة الخالدة، كان له أسلوب وطرح آخر معالجة لقضايا الأحكام، والآداب، والسلوك، وأسس فقه الفتوح والجهاد، وكلها مستوحاة من كتاب الله عز وجل، ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. والمرحلة التي نعيشها الآن من وجهة نظري، وقد يكون هذا صواباً أو خطأ، لكني أرى بالاستقراء والإلمام من كلام بعض العلماء أن هذه المرحلة تحتاج إلى تعميق للتربية، وتأصيل للعلم، بأن نعمق تربية الكتاب والسنة في قلوب الناس وعقولهم، ونشربهم روح الدين؛ بحيث لا نتباطأ لهم في توضيح الإسلام وقضاياه, لأن كثيراً من الدعاة وقع في خطأ وهو تلغيز في الإسلام، أو وصفة سحرية للدين، أي أنهم جعلوا الدين أحاجي وألغازاً وصعبوه وهذه طريقة علماء أهل الكلام وأهل المنطق كما يقول ابن تيمية، وإلا فالدين سهل بسيط، وقد طالب الأستاذ الشيخ علي الطنطاوي في كتابه (طبيعة الإسلام) بهذا، وسبق أن جلست معه أنا وبعض الفضلاء منهم: الأخ عبد الوهاب الطريري، والأخ سلمان العودة، وبعض الإخوة فقال: إن من المسائل التي يسعى هو لتوضيحها للدعاة وللناس: أن يبسطوا دين الله لخلقه، وأن ييسروه، ويسهلوه، بأن يكون معلوماً للكبير والصغير، للأعرابي وللحاضر، للأمي وللقارئ، وهي طريقة القرآن، فإن القرآن يوم يسمع ويتلى لأول وهلة يفهم منه كل بحسبه؛ لكن ليس هناك آية لا يستطيع أحد أن يفهم منها شيئاً. تعميق التربية، وتأصيل العلم، وجمع الكلمة تحت مظلة أهل السنة والجماعة، وإيجاد جيل يحمل المبدأ، ويغار لدين الله عز وجل، ويغضب للدين من انتهاك الأعراض والوقوع في المحرمات ويأسى لإخوانه في العالم الإسلامي يعيش قضية عالمية ربانية وهي قضية الإسلام هذا هو فقه المرحلة التي أراها وقد تحتاج إلى شيء من البسط، لكن لعجالة اللقاء ذكرتها في نقاط. فالجانب التربوي وتأصيل العلم الشرعي؛ بأن نكون طلبة علم، نتربى على الخوف من الله عز وجل، وعلى حبه وحب رسوله، ولا يكون عندنا جفاف فكري؛ أن يكون فكراً نيراً, فاهماً، ولكن مع قلب جاف.

التربية في ظل الازدواجية

التربية في ظل الازدواجية Q لا بأس أبا عبد الله! أن نواجهك ببعض الأسئلة، لأن اللقاء يبدو أنه وجه لوجه: مما يلاحظ وجود الازدواجية، فنحن نريد أن نربي، لكن المجتمع فيه عدة قنوات لا يخدم بعضها بعضاً، فعندما نربي أبناءنا مثلاً: على خلق فاضل، على حجاب المرأة المأمور به شرعاً، على قضايا خلقية معينة؛ نفاجأ بأن الإعلام يصدمنا في هذا الجانب، وبعض الجوانب التربوية تصدمنا، فهل تستطيع أن تعالج ببعض الكلمات هذه القضية, قضية الازدواجية في المجتمع؟ A هي -كما تفضلتم- الازدواجية وهي اسم عصري، وقد سماها السلف: المدافعة، وكتب عن سنة المدافعة بعض الناس من الفضلاء والعلماء الكبار، وهي أنه لا بد من صراع بين الحق والباطل، على مستوى الجماعات والدول, والشعوب والأفراد، وهذه أرادها الله قدراً، وجعلها الله تعالى سبباً، وأنزلها واقعاً، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] هذا على الأفراد. وأما على المجتمعات فقد قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [الحج:40] وفي المخلوقات سنة المضادة والمدافعة: الليل والنهار، الحار والبارد، الحلو والحامض، وهكذا. فأولاً: لا بد أن يعترف الداعية بأن هذا لا بد أن يوجد، وأن يقع، وأن يكون. وثانياً: لابد أن أهل الأرض أكثرهم عصاة ومنحرفون، وهذه سنة الله, فقد قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] فدلت النصوص والواقع على أن أكثر أهل الأرض كفار، وأن القليل من المسلمين سنيون، والقليل من السنين مخلصون، وهده سنة من سنن الواحد الأحد. أما ما ذكرت فهذا هو الصحيح، وهي أكبر مأساة يعيشها الدعاة، لأن الواحد منهم يجدد ويحاول أن يصلح وأن يضع لبنة، فإذا بمن يهدم أكثر من الذي يبني الصحيفة، والشاشة، والمذياع، والشارع، والمرأة العارية، والكأس، وجلسات اللهو، والليالي الحمراء، والشبه التي تطرح، وهي شبه إلحادية تخرج الناس عن الملة والدين، وكلها تحارب الدعوة فما الحل إذاً؟ الحل: أن يعلم أن عليه أن يؤدي الكلمة والأمانة التي عنده، سواء استمع الناس إليه أو لم يستمعوا، فإن الأنبياء أعظم منه وأخلص، ومع ذلك لم يهتد على أيدي بعضهم ولو واحداً، قال الله: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48] {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد:7] {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22] وغيرها آيات كثيرة. ثالثاً: أن يعلم الداعية أن جهده هذا لن يضيع عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فإن أجره محسوب ثم لا ييأس فإن الثمرة قد لا تتأتى الآن, وكم من كلمة تقال أو موعظة أو خطبة ولا يستمع لها مستمع، ثم ينتبه لها العقل بعد فترة، فيهتدي بسببها، ولو أن المجال يتسع لذكرت بعض النماذج من الكلمات التي ألقيت في بعض المناسبات من بعض الدعاة والعلماء، وانتبه لها بعض السامعين بعد سنوات واهتدوا بها بإذن الله، لأن الكلمات تنفذ، وهي مؤثرة، وقد لا تؤتي أكلها إلا بعد حين. ثم نقول: ليس واجباً على المسلم أن يدفع الشر كله حتماً، لكنه يقلص ويحد ويقلل منه إذا لم يستطع دمغه كله, وهذا تحقيق للمصلحة العظمى بارتكاب الضرر الأصغر.

حكم التوفيق بين فرق العالم الإسلامي

حكم التوفيق بين فرق العالم الإسلامي Q جزاك الله خيراً تكلمت عن قلة أهل الخير إلى جانب أهل الشر، وهذا كما ذكرت أمر واقع، والحقيقة أنه قد ظهرت دعوات في هذا الزمن تركز على قضية التوفيق بين فرق العالم الإسلامي، فإن بعضهم يدعو إلى الوفاق العقدي أو ما يسمى توسيع المسارات العقدية، وعدم التضييق على الناس في جزئيات العقيدة، وهي مسائل تطرح هذه الأيام بكثرة، خاصة عند بعض العقلانيين -الذين يؤمنون بالاتجاه العقلاني- فما هو تعليقكم فضيلة الشيخ على هذا الموضوع؟ A لقد وجد فعلاً ما يسمى بالاتفاق العقدي، وقد كتب بعضهم كتابات وسماها: (الأخوة الإنسانية) وذكره بعض المفكرين في كتاب تراثنا العقلي بين الفكر والشرع ودعوا إلى أخوة إنسانية للناس جميعاً، بل بعض المفتين الكبار أجريت معهم مقابلة في لندن , وقال أحدهم وهو مفتٍ في تلك البلاد: إن الأديان لا خلاف بينها، وإن الإسلام يحترم الأديان، وكلها ديانات سماوية محترمة وهذا عوار مكشوف، والدين عند الله الإسلام, قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] فهذا باطل بالإجماع أصلاً، ولا يجوز أن يقال مثل هذا الكلام في توحيد الأديان، وأن الأديان كلها سماوية محترمة، فهذا ليس بصحيح، بل هو باطل ومنكر من القول وزور. بقيت مسألة وهي: إن أهل الإسلام طبقات ومذاهب، ولكن المسيرة الحقة الصحيحة التي يدعى إليها هي مذهب أهل السنة والجماعة، وهي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والأئمة، ولكن المخالفين درجات، فمنهم القريب من أهل السنة، ومنهم البعيد عنهم، ولا يجوز أن يصنفوا تصنيفاً واحداً. فمثلاً: الأشاعرة بالنسبة لـ أهل السنة مبتدعة، عند ذكر السنة والبدعة، ولكن إذا ذكر أهل السنة والرافضة فـ الأشاعرة من أهل السنة، وهذا من كلام ابن تيمية، وأنا مسئول عنه، بل ذكر عن ابن تيمية -وهذا محقق- أنه قال: والبلد الذي ليس فيه إلا أشاعرة فهم أهل السنة والجماعة في ذلك البلد ولا يعني ذلك أني أدافع عن الأشاعرة والماتريدية، ولكني أقول: إنهم لا يصنفون في حجم وخطأ الرافضة، وأنا استفدت ذلك لأن رسالتي في الماجستير البدعة وأثرها في الرواية والدراية واكتشفت من كلام السلف وأخبارهم ومقولاتهم أنهم يصنفون البدعة إلى مكفرة ومفسقة، وإلى غليظة وخفيفة، وإلى كبرى وصغرى، وإلى بدعة المعتقد والعمل، والعبادة والسلوك، وهكذا. فأنا أنصح الذين يتسرعون في كل من هو مشتبه ويصنفونه من أهل البدع، وأحياناً يكفرونه بالبدعة، وأن يكون حكمهم تفصيلياً جزئياً، يقع على أشخاص الناس أنصحهم بالمذهب الذي عليه أهل السنة والجماعة وهو الصحيح بلا شك، وهو ما كان عليه السلف الصالح، المذهب السلفي الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا يجوز أن يدعى إلى مذهب آخر، ثم نبين لأهل البدع أخطاءهم في موقفهم من أهل السنة. فمثلاً: المعتزلة خطؤهم أعظم من خطأ الأشاعرة، والرافضة أخطر من المعتزلة، والباطنية الإسماعيلية أخطر من كثير من الرافضة، فعموماً لا بد أن يفهم الناس والناشئة هذا، وهذا ما أريد أن أبينه. فلا يصح أن يقال مثلاً: نجتمع على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه. ولو كان صاحبها يقصد خيراً، لكن الكلمة -أحياناً- قد يفهم منها بعض الناس أن يجمع الناس جميعاً بطوائفهم وفرقهم ويقال: لا فُرقة، ولا تذكر السنة، ولا مذهب السلف لأنه يفرق، فتأتي مثلاً بالسلفي والمعتزلي والجبري والقدري والأشعري والماتريدي، وتقول: كلهم مسلمون، وهم يصلون، ويجمعون بينهم هذا ليس بصحيح، فإن ابن تيمية بيّن ذلك، وبيّن أن المنهج الصحيح هو منهج أهل السنة والجماعة منهج السلف الصالح الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو الصفاء العقدي الذي لا بد أن يدعى إليه.

الغربة أنواعها ووصايا لأهلها

الغربة أنواعها ووصايا لأهلها نعم. لقد أصبحنا نقرأ ونسمع كثيراً من يقول: إن مظلة الإسلام كبيرة، ويمكنها أن تحتوي هذه الفرق والطوائف، والحق كما بينت جزاك الله خيراً. Q الغربة كلمة لها دلالتها ولها إيحاءاتها، بل لعلها أدبياً وشعرياً تعطي ظلالاً بعيداً جداً، وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم غربة المسلم في آخر الزمن، وفي هذا الزمن يشعر المسلم الملتزم أنه يعيش غربة بلا شك، فعندما يلتفت يميناً وشمالاً ويبحث عن مذهب أهل السنة والجماعة والإسلام المتكامل السليم الصحيح يجد أنه يعيش غربة، خاصة عندما يحرص المسلم على اتباع السنة المطهرة فماذا يقول الشيخ عائض بن عبد الله القرني لهؤلاء الغرباء؟ A كما تفضلت، فإن الاسم الشرعي لهذه المسألة: الغربة، وقد سماها الرسول صلى الله عليه وسلم الغربة، فقال لـ ابن عمر في الصحيح: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} وقال فيما صح عنه: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود الإسلام غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء} ويسميها بعض المعاصرين: (العزلة الشعورية) والاسم الشرعي أحسن ظلالاً, وأندى لغة, وأقرب للمعاني التي يعيشها الناس. وهؤلاء الغرباء متفرقون في الأرض -كما قال الإمام النووي - يوجدون في العلماء، والأمراء، والسلاطين، والعامة، وفي الفلاحين، والجنود، وبمجموعهم تتحقق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، فإنها لا بد أن تكون كاملة، ولا تنقطع في أي فترة من الفترات، بل إنها مستمرة كما قال صلى الله عليه وسلم: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي الله بأمره} وهذه لا بد من ظهورها، سواء وجدت دولة إسلامية قوية أو لم توجد، انتصر المسلمون أو لم ينتصروا، فهذه الطائفة متحققة، لأنها تحمل الملة والدين. وهؤلاء الغرباء عليهم أمور: أولاً: أن يحمدوا الله عز وجل على التفرد، وهو كما قال الهروي: لا تخاف من وحشة التفرد، فإنها دليل على العظمة. فالانفراد دائماً دليل على عظمة الإنسان إذا كان في الحق، كما يقول المتنبي: وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال ثانياً: أن يعلموا أن قدوتهم في هذه الغربة محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه يوم ألقى بنوره في الأرض، وبدا صلى الله عليه وسلم وسطع سطوع الفجر على الناس، كان هو الغريب الوحيد الذي يقول للناس: قولوا: لا إله إلا الله ثم تبعه الغرباء. ثالثاً: أن يعلموا أن هذه نعمة من الله واصطفاء واجتباء بجعلهم من هؤلاء الغرباء، ولم يجعلهم من هؤلاء الهمل الذين يعيشون بغير مبادئ، وليس عندهم طموحات لإنقاذ النفس والناس، وإنما همُّ أحدهم فرجه وبطنه, قال تعالى عنهم: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. رابعاً: على الواحد منهم أن يلبس لباس الغرباء، فقد قال عنهم ابن القيم: اسمهم السنة، لا يعرفون إلا بها، وبيوتهم المساجد، وعكازهم لا حول ولا قوة إلا بالله، ونداؤهم الزهد، ومطيتهم التوكل، وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم ويريدون وجهه: {دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها}. فهؤلاء هم الغرباء الذين يتبعون محمداً صلى الله عليه وسلم، والواحد منهم يصلح الله به فئاماً من الناس، لأنه صاحب حق، والناس أهل باطل والحقيقة أن الغربة مجزَّأة كما ذكرها ابن القيم في مدارج السالكين: فهناك غربة في المعتقد؛ فصاحب العقيدة الحقة غريب بين المتلوثين عقدياً، والمعاقين عقلاً وفطرة، فتجده موحداً صادقاً، وتجد غيره مخلطاً علمانياً، أو حداثياً، أو يسارياً ملحداً، أو نصرانياً، أو يهودياً وهو موحد يعرف الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ويعتقد عقيدة الإسلام. وهو غريب في صلاته، لحسنها وسوء صلاة الناس، وغريب في تعامله؛ لأنه صادق، وغيره خونة وغشاشون ومرابون وغريب في علمه، وغريب في ثيابه وهندامه، وفي كلامه إلى غير ذلك من أنواع الغربة التي ذكرها. وبالمناسبة أطلب من الدكتور عبد الرحمن قصيدة في الغربة، ولعله سبق أن قال شيئاً، ولكن هذا الموضوع حي ونافذ، وله أنداء أدبية، وله وقع في النفوس، وجلال في القلوب، فأحب أن تكون هناك قصيدة تصاغ بهذا المبدأ وتهدى للغرباء.

وسائل الدعوة ليست توقيفية

وسائل الدعوة ليست توقيفية العشماوي: جزاك الله خيراً ومنكم تطلب أيضاً وبارك الله فيكم. Q شيخ عائض! الوسائل الدعوية كثيرة، وقد توقف البعض في استخدام بعض الوسائل والأساليب بحجة أنها لم تكن موجودة على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فماذا ترون في هذه المسألة؟ A والحلال والحرام يؤخذ من الكتاب والسنة، ولا يجوز لأحد -كما أسلفت- أن يحلل أو يحرم من عند ذاته، وكل أحد يحتج لقوله إلا الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يحتج بقوله على الناس، فمن أتى إلى وسيلة وقال: هذه محرمة؛ لأنها لم توجد عند الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لم يصب؛ لأنه وجدت وسائل جعلها السلف من لوازم الطريق، واستخدموها واستغلوها فيما يرضي الله عز وجل كالكتابة فإنها أتت متأخرة، وبعضهم كان يخالف في كتابة العلم، وتدوين الدواوين، وتجنيد الجنود، وترجمة الكتب، وبناء القناطر، وفتح الطرق، وتوسيع الجوامع كما في العهد الأموي، إلى غير ذلك مما جد ولم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أجازه العلماء لأن فيه مصلحة؛ والمصلحة حدها: أن تكون حلالاً في شرع الله، وكثير من الوسائل مباحة، ولو استغلت استغلالاً جميلاً لكان فيها نصرة للإسلام وتوسيع لدائرته في الأرض. والوسائل بحد ذاتها -كالوسائل الإعلامية- ليست محرمة لذاتها، فإنها من حديد وخشب ومواد فلا تحلَّل ولا تحرم، إنما يناط الحكم بما يلقى فيها ويطرح، فهي كالآنية فحسب, يحكم عليها بما يوضع فيها، فالإناء لا يحرم لأنه إناء من زجاج أو غيره، ولكن يحرم إذا وضع فيه شيء من المسكر، ويحل إذا وضع فيه شيء من الماء، وهكذا. فهذه الوسائل الناس فيها طرفان: منهم من حرمها؛ لأنهم رأوا أنه يبث فيها الفاحشة والمنكر والمعصية، فأجروا عليها التحريم. ومنهم من يرى أنها حلال؛ لأنها تستغل في نشر الدين، وتوعية الناس. وأقول: إنها لو وجهت توجيهاً سليماً لكان الأحسن أن تستغل وأن يدخل فيها، وتزاول الدعوة فيها، وهو الأحسن، ولو لم توجد في عصر الصحابة. ذكر صاحب المذكرات في المجلد الثاني، أن استالين قال: أعطوني شاشة أغير بها وجه العالم وهذا أمر صحيح، وأتعجب من المسلمين! المليار لا يملكون شاشة إسلامية صافية نقية توجه الناس والأجيال، ولا يملكون إذاعة أخاذة، ولا يملكون صحيفة يومية يتكلمون فيها بالحق، بدين محمد صلى الله عليه وسلم، بتراثه، بخلوده، بنوره، هذا هو العجب!! وما نزال نطالب المسلمين أن تكون لهم إذاعة وتلفاز، وقنوات من الفكر، وأن تكون لهم مجلات تعبر القارات، وصحف يومية يقرؤها الناس جميعاً، كبيرهم وصغيرهم. أما من يطالبنا بأن نبقى على الوسائل القديمة كالدعوة في خطبة، أو موعظة، أو كلمة في منتدى، فنقول له: رأيك هذا غير مقبول، وليست المصلحة فيه فحسب، ويبقى هذا رأيك الخاص.

الدعوة مجالها واسع

الدعوة مجالها واسع العشماوي: قد يكون من التفريط أن نترك هذه الوسائل، والحقيقة أن المسلمين بحاجة إلى الشاشة والإذاعة الإسلامية، وبصرف النظر عن إذاعات القرآن الكريم الموجودة في بعض الدول الإسلامية، لأنها مخصصة للقرآن الكريم، ووجودها إلى جانب إذاعة عامة فيه شيء، لكن أضرب مثلاً، وتوجد الآن في صيدا في لبنان إذاعة يسمونها: (إذاعة الهلال) قام بها مجموعة من المسلمين، وهي إذاعة طيبة تعتبر نموذجاًَ للإذاعة الإسلامية المنتظرة، تقدم فيها كل البرامج الإذاعية بطريقة فنية، فليس فيها موسيقى، والمقاطع أناشيد إسلامية، وقد سمعت أنا على شريط كاسيت مجموعة من برامجها وهي برامج جيدة. فأقول: هذا نموذج ناجح موجود، والبرامج تخرج بدون أي محاذير شرعية، فلو يسر الله وعممت لكان لها فضل كبير. القرني: أنا بالمناسبة ذكرت مسألة، وهي: أنه يوجد في بعض البلدان الأوروبية مثل ألبانيا قنوات استؤجرت ساعةً بأربعمائة دولار في الإذاعة العامة للشعب الألباني، وبث منها، وفي فرنسا قنوات تؤجر، فوصيتي لمن يسكن هناك من الإخوة طلاب العلم المبعوثين أن يسلكوا هذه المسالك، فما الذي يمنع أن يجتمع مجموعة فيكون لهم قناة أو إذاعة أو يشتروا ساعات على سبيل المثال؟! وقد رأيت كثيراً من الأدباء والذين يطرحون بعض الأفكار في إذاعة لندن يأخذون ربع ساعة في الأسبوع بالأجرة، ويبثون ما يريدون. فلو أنه تصدى مفكر، أو عالم، أو أديب، أو داعية فأخذ من هذه الإذاعة جزءاً للبث الإسلامي وتوجه أفكاره النيرة الحقة للعالمين، فيسمعوا دين النبي صلى الله عليه وسلم في أكبر الإذاعات انتشاراً في العالم لكان هذا خيراً عظيماً.

غثائية الأمة

غثائية الأمة العشماوي: هذه دعوة طيبة، وأنا أضم صوتي إلى صوتك، لعل الله أن ينفع ويسخر بعض أصحاب رءوس الأموال من المسلمين للعمل بها فهو موضوع في الحقيقة مهم جداً، وأنا أذكر في هذه القضية رجاء جارودي أيام ما أسلم وكانت مشكلة صبرا وشاتيلا، فقد اشترى صفحة كاملة من إحدى الصحف الفرنسية، وعرض فيها قضية صبرا وشاتيلا، وتعاطف الناس معه تعاطفاً كبيراً فلو استغلت هذه الزاوية فإن لها دوراً كبيراً. Q فضيلة الشيخ! يقولون: إن الأمة الإسلامية أمة كم لا أمة كيف، وقد تحققت فيها الغثائية التي أخبرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن من يقولون هذا القول يريدون أن يثبتوا أنها مسألة واقعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بها، فما دامت واقعة فلماذا نحاول أن نصلح؟ فهل توافقون صاحب هذا القول؟ A فرق بين الموافقة وبين الإنقاذ، الموافقة في الحكم ونتيجة الحكم، فأرى رأيه في أن هناك غثائية في هذه الأمة، والغثائية متحققة في مسائل وصور ونماذج والعدد الهائل من طنجة إلى نيودلهي عدد يصل إلى مليار ومائتي مليون كلهم يدعون الإسلام، ولا يؤثر هذا العدد في صنع القرار السياسي والاقتصادي والإعلامي في العالم. بل إذا نظرنا إلى رءوس الشياطين ورءوس الطواغيت الخمسة الذين يديرون فيتو النقض في مجلس الأمن، ليس فيهم ولو دولة مسلمة لها حق الإبرام والنقض. ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستشهدون وهم شهود سياسة العالم الاقتصادية تسير كلها بالربا، وليس هناك من مسيرة ولا قرار لهذه الدول ذات الملايين المملينة أو تأثير في إطفاء نار الربا. والطرح الإعلامي الهش على هؤلاء الملايين الذي يمارس عليهم صباح مساء وليس لهم تأثير والمآسي التي يعيشونها دون أن يوجد من بعضهم لبعض نصرة، والبوسنة والهرسك، والصومال، وأفغانستان، وألبانيا , والجمهوريات الإسلامية، كل هذه الدول تعيش مآسي، وبعضهم يصرخ من الظلم، ولكن لا يجد نصيراً له، وهذه هي المسألة الغثائية. وأذكر أن أحدهم يقول: عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبت وجدتهم أصفاراً من كل مفتون على قيثارة كل وجدت بفمه بيقاراً أو كاذباً خدع الشعور بدجلة عاش السنين بعلمه ثرثاراً أو عالم لو مالقوه بدرهم رد النصوص وكذب الأخبارا فأقول: الجماعة التي كانت في عهده صلى الله عليه وسلم كانت قليلة بالنسبة لأمم الأرض، ولكن سرى هذا التأثير إلى أن دوخت إمبراطوريتين كبيرتين عظيمتين وأزالتهما من الأرض، ودخل دينه صلى الله عليه وسلم ثلاثة أرباع الكرة الأرضية. وأنا أوافق أن في الأمة غثائية في الفكر والمعتقد والسلوك والأخلاق وفي العدد، ولكن لا أوافق على النتيجة؛ لأنها توحي بالإحباط واليأس وهي محرمة، بل جعلها صاحب الطحاوية كفراً. فقال: واليأس من روح الله كفر، والله تعالى يقول: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]. وعلى كل حال لا ييأس العبد من روح الله أو من انتصار الإسلام، أو من العاقبة، وليعلم أن العاقبة للمتقين، وسوف يظهر دينه على الأديان، والفجر المشرق إن شاء الله لأوليائه مهما احلولك الظلام، فالفجر قريب، وقد قالت العرب: إذا اشتد الحبل انقطع. قال تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:6] وسوف يكون البديل والأطروحة الحقة هو دين الله، وقد رأينا ذلك في أمور، منها: انسحاق الشيوعية بمطرقة لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ لأنها خالفت الفطرة, قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ} [الروم:30] وقال أحد العلماء في كتيب له بعنوان: (قراءة في سقوط الشيوعية) تحقق فيهم قول المولى تبارك وتعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110]. - اتساع رقعة الإسلام، فإنه في هذا القرن أكثر بكثير من ذي قبل، فإن المصائب والكوارث سبب للسؤال عن الإسلام والتحدث عنه، حتى كتب في جريدة الرياض كاتب أمريكي اسمه: جوزيف سيسكو وقال: إننا فهمنا من الأحداث التي وقعت: ما هو الإسلام الذي يدعو إليه محمد عليه الصلاة والسلام، فـ البوسنة والهرسك جعلت الناس يتساءلون عن هذا الحدث والأطروحة، وعن مسألة الإسلام ما هي، وقضية أفغانستان , وهذا فيه نصر بإذن الله، ولو أن ظاهره أنه مصيبة وكارثة على المسلمين.

المال عصب الدعوة

المال عصب الدعوة Q ننتقل إلى موضوع مادي، وهو أن بعض الشباب الملتزم بالشرع يصدف ويعزف عن جمع المال، بحجة الزهد والانقطاع، فهل هذا منطق سليم؟ وما النظرة الشرعية في ذلك؟ A ليعلم أن الإسلام لا يعترف بالدروشة، والتصوف الهندوسي الذي ألقي على المسلمين، كما يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره، وهذا سبق إليه كثير من أهل العلم القدامى والمعاصرين والذين نقلوا إلى الناس الأحاديث الموضوعة في الزهد والانقطاع إلى الله، والتبتل الذي لم يرد في الإسلام: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] ليس لذلك أصل في الإسلام، فإنه لو طالع الكتاب والسنة فإن القرآن يقول: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77] وفي السنة ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحث على طلب المال الحلال، وصرفه فيما ينفعه ويرضي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وكذلك واقع السلف يشهد, فـ أبو بكر يدخل الجنة بماله، وعثمان رضي الله عنه يكفيه قوله صلى الله عليه وسلم: {ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم} و {اللهم اغفر لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر} وإذا الصحابة يجمعون الأموال، وإذا هم أهل إبل وغنم، وإذا هم يشيدون القناطر، ويبنون المساجد، وينفقون في سبيل الله، ويطعمون الجائع ثم تمر بنا السنوات ويندثر هذا الفقه، ونأتي وإذا كثير من أهل الطاعة ينزوون عن طلب المال، وأصبح كل شيء عندهم حراماً، وتجدهم يعيشون في فقر وانزواء، فإذا أراد أحدهم المال -ولا بأس أن أتباسط في هذا الحديث- أقام له مكتباً للشحاذة، فيدور بملفه وبشهود من أهل العلم والكبار والقضاة أنه محتاج، وفقير ومسكين فيظل طارقاً الأبواب، ويريد أن يتزوج، فلا تأتي زوجته إلا بشق الأنفس، وبعد أن تبلغ قلوب التجار الحناجر، ويظنون بالله الظنونا ثم بعد ذلك يريد أن يشتري سيارة، فيبدأ مشروعاً آخر من مشروع الشحاذة على الطريقة الإسلامية وعلى سبيل المثال: إذا أردنا أن نبني مسجداً في بلادنا أو في بلاد العالم الإسلامي عموماً فإنه تقال المحاضرات والكلمات ثم يصطف الشباب بكراتينهم عند أبواب المساجد، يجمعون التبرعات، ثم بكينا عند الموعظة وصحنا، ودعونا لهم بكل دعوة، ودعونا الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفق من تبرع، فلا زلنا نجمع ونجمع الأيام الطويلة لكي نبني مسجداً واحداً، ثم خذ مثلاً على ذلك مشروع الكتب، أو مراكز إسلامية، أو أشرطة، أو دعماً لمشروع خيري، أو غير ذلك، فوجدنا أنفسنا بعد حين أننا نعيش مأساة اقتصادية مالية نحن الذين أخطأنا فيها. ولو وجدت شركة إسلامية صافية بالمسمى الشرعي، ينتظم فيها أعضاء، أو جمعية كبرى للدعاة والأخيار وطلبة العلم، ومن أهل الصحوة، ومن أهل المبادئ الحقة؛ لما احتجنا لأحد وسيكون لدينا مؤسسات يمكن أن تقوم ببناء عشرات المساجد والمراكز ونحو ذلك. لكن في الجانب الآخر نجد أن العلمانيين وكثيراً من العصاة المنحرفين يسير الواحد منهم المليار كما نسير نحن الريال الواحد، ويمكن أن يشتري ضمائر وأقلاماً وصحفاً ومجلات في لحظة واحدة. فأنا أتساءل من أين أتوا بهذا الفقه؟! إن علينا أن ننقذ أنفسنا، والحقيقة أن الإخوة أرادوا في الأخير أن يبدءوا مشاريع تجارية لكنهم سلكوا مسالك ليست هي المطلوبة، لأنها بدائية جداً، فبعضهم الآن يركز على مسألة التجارة بالتمر، ويظل ست سنوات لا يبيع إلا في التمر السكري والمكسجي وغيره، فكل ما ربحه في عشر صفقات خسره في صفقة واحدة، وبعضهم يتاجر بطيب الورد والصندل، فيظنون أن الحلال فقط في هذا. وأنا قصدي أن توجد مشاريع كبيرة جبارة، كتكوين شركة مساهمة يدخل فيها ألف عضو، وهذه الشركة في كل العالم، في البلاد الأوروبية والشرقية, في اليابان وقبرص، فتكون مشاريع جبارة كما يفعل كثير من التجار، وعسى أن يكون هذا قريباً. ملاحظة أخرى لها اتصال بهذا: أن الإسلام لا يعترف بالدروشة في المظهر والبيت والمركب: {إن الله جميل يحب الجمال} وإظهار الدين في قوة وعنفوان هو المطلوب، وكان مالك يلبس بردة جميلة فيقال له في ذلك؟ فيقول: إني أحب أن أعز الدين وكان ابن عباس يلبس بردة بألف دينار إكراماً لدين الله فعلى العبد أن ينتبه لمثل هذا، لأنه وجد في بعض من اهتدى أنه ترك زيه وهندامه وشكله وشخصيته بحجة أن هذا من التقشف ومن الزهد والبذاذة، وهذا شيء والبذاذة والزهد شيء آخر!!

مجالس الفضولية

مجالس الفضولية Q هنالك قضية منتشرة في أوساط الشباب وهي قضية المجالس الفضولية، ونحن نتكلم حتى عن الشباب الملتزم شباب الصحوة, فتجد المجلس يبدأ وينتهي دون أن تكون فيه فائدة كيف يمكن أن تعالج هذه القضية؟ A مما يشكى إلى الله فيه البطالة والعطالة التي تعيشها هذه الأمة بغالب أعدادها، ومنها -كما ذكرت الفضول في المجالس- والحقيقة أنه ليس عندنا جدول مسبق لمجالسنا كما يفعل الغربيون والشرقيون، فإنهم يجتمعون على جدول أعمال، لكن تجد مجالسنا مفاجئة بغير رتابة، فنأتي في الماجريات -يسميها ابن تيمية ماجريات وهو ما جرى- فتجد أحدهم يتحدث عما جرى في المجتمع من طلاق وزواج، ومن حوادث مرورية وسيارات وأمطار وأخبار, والصيدليات المناوبة ودرجات الحرارة، ويأتي بهذا الكشكول المكتمل من الأخبار حتى يبقى الإنسان في هوس، وتتحول إلى كوابيس في الليل، ولو رشد هذا المجلس وطرحت فيه قضية إسلامية يناقشها الحضور، أو آية يتحدث في تفسيرها، أو حديث نبوي، أو ترجمة عالم من علماء الأمة، أو مسألة، أو مشروع، أو دراسة شيء ينفع؛ لحفظنا مجالسنا، وأنتجنا ما ينفعنا. لكن يتكرر الخطأ ويبقى الفضول نعيشه في حياتنا, حتى في حياة الدعاة وطلبة العلم، ثم يصل إلى درجة الحرام في الغيبة والتشفي بأعراض الناس, والجرح في الآخرين، وهذا هو عقوبة ومغبة الجدل، وما أعرض قوم عن كتاب الله تعالى إلا أوتوا الجدل. نحتاج -يا أيها الإخوة- إلى مجالس بعنوان: (اجلس بنا نؤمن ساعة) كما قالها معاذ وكثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحتاج إلى شيء يقربنا من الله عز وجل ومن رضوانه؛ فنحن بحاجة إلى هذه المجالس التي تقربنا من الواحد الأحد.

الوعظ والواعظون

الوعظ والواعظون وأرجو أن يفهم الإخوة الشباب هذا ويطبقوه. Q يطرح بعض الناس كلاماً حول الوعظ والموعظة، ويرى أن الوعظ ليس له فائدة في هذا الزمن، وأنه كما يقول بعضهم: إن الوعظ قد أصبح بضاعة مزجاة، ثم نسمع -أيضاً- البعض يتساءل عن وجود الوعظ عند الصحابة رضي الله عنهم، أو في صدر الإسلام، فهل يمكن أن تجلي لنا هذه النقطة جزاك الله خيراً؟ A الوعظ كان من أخص خصائصه عليه الصلاة والسلام، والله تعالى طالبه بقوله: {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} [النساء:63] وقالوا له: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} [الشعراء:136] وهو أوعظ الناس، وأكثرهم تأثيراً في الناس على تاريخ المسيرة وتاريخ الأمة عليه الصلاة والسلام، كما يقول أحمد شوقي: وإذا خطبت فللمنابر هزة يعرو الندي وللقلوب بكاء فأكثر من كان يؤثر بالكلمة ويوصلها إلى أعماق الأعماق هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وكان ذلك عن طريق الموعظة، وكان له عليه الصلاة والسلام أسلوبان في الطرح: -أسلوب الفتيا والتعليم والإرشاد والتربية. -وأسلوب الوعظ الزاجر الذي تكاد الصخور أن تقوم له. حتى يقول النعمان بن بشير: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظ على المنبر حتى سقطت خميصته من عليه} وقال أنس: {وعظنا صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام، فوالذي نفسي بيده، لقد التفت إلى المسجد وقد وضع كل رأسه على ركبتيه وللمسجد خنين من البكاء} فلا بد أن نحيي هذا الأسلوب، ولا يأتِ أناس ويقللون من شأنه، وأنه بضاعة مزجاة، وأنها شأن القصاص والمهرجين فليس هذا بصحيح، بل هو فن مستقل وإنما لابد أن ينقى ويؤصل, ولا بد أن يخرج فيه كتب حتى يعرف ما هو الوعظ الأصيل. وإن أكثر من أثر في عامة الناس وفي أهل الانحراف هم الوعاظ, فقد كان ابن الجوزي يعظ فيحضر مجلسه أكثر من مائة وعشرين ألفاً، وربما سقط بعض الوزراء والسلاطين في مجلس وعظه تأثراً من كلامه؛ لأنه كان يضرب القلوب بسياط وعظه، حتى أن أحدهم كان يلتفت إلى جدار المسجد -من المبالغة- فيقول: هل تبكي معنا أم لا؟ وقد ورد أن ابن النجيد وعظ نور الدين زنكي حتى أسقطه من على كرسي خشب، في قصيدة مطلعها: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إن قيل نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي ومالك نور حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور وهي قصيدة مؤثرة. أمر آخر: من مواهب بعض الدعاة والعلماء الوعظ، فبعضهم لا يصلح للفتيا، أو للدراسة الرتيبة والتربية، ولكن تجده واعظاً وخطيباً مصقعاً، فليس بصحيح أن تشطب على جهده وتلغي هذه الموهبة, فإن الناس مواهب، بل حيه وافرح به، وقد قرأت كتاباً لـ أحمد نور بعنوان: (خطباء صنعوا التاريخ) ذكر منهم: نيرابو الفرنسي، ومنهم: فيليب جريت البريطاني، وذكر سعد زغلول المصري، ومصطفى كمال وغيرهم، وأقول: إن في الإسلام خطباء أكثر من هؤلاء عدداً وتأثيراً في الأمة، وسيدهم وأفضلهم صلى الله عليه وسلم, فليست الدراسات تخرج الخطباء الواعظين المؤثرين في الناس.

أهمية تخصص الدعاة

أهمية تخصص الدعاة Q ينقلنا هذا إلى موضوع قريب منه، فأنت قد ذكرت أن هناك من الناس من يجيد الوعظ ويؤثر، ولو أتيت به مفتياً أو أتيت به باحثاً لما استطاع أن يقدم شيئاً, وقد أشرتم في بعض الأشرطة إلى فن تصنيف الدعاة، وتصنيف الدعاة يبدو لي أنه من هذا القبيل، فهذا واعظ وهذا باحث وهذا داعية وهذا عالم فهل يمكن أن تشرح لنا هذه القضية؟ ثم هل هناك دليل أو عمل سابق يدل على ذلك من أعمال السلف؟ A أصل التخصص والتصنيف وارد من عصر الصحابة رضي الله عنهم، ورسولنا صلى الله عليه وسلم كان يصنف الناس حسب مواهبهم، فـ أبو بكر رضي الله عنه جعله صلى الله عليه وسلم الخليفة من بعده، ومعاذ بن جبل أخبره بتخصصه وفنه وموهبته، وقال: {أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل} وزيد بن ثابت أفرض الأمة جعله صلى الله عليه وسلم في قسمة الفرائض، وخالد بن الوليد تخصصه الجهاد، وقطع الأعناق في سبيل الله، قال: {خالد سيف سله الله على المشركين} وحسان يقرب النبي صلى الله عليه وسلم له المنبر ويقول: {اهجهم وروح القدس يؤيدك} وبين أن كعباً سيد القراء، وقال صلى الله عليه وسلم له: {إن الله أمرني أن أقرأ القرآن عليك} إلى غير تلك من المواهب وهذا أصل أصيل ودليل قاطع على أن أصل التخصص والتصنيف وارد، وأنه لا بد للأمة من هذا. والذي يتجاهل بعض التخصصات في عصرنا ليس بمصيب بل هو مخطئ، وهؤلاء الناس الذين أعطاهم الله عز وجل من المواهب ومن العطاء لا بد أن يعبدوا الله بمواهبهم، وينصروا الإسلام بها، فالمفتي في فتواه كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وسماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين , فهؤلاء الطائفة المباركة نشروا الإسلام بالفتيا والتعليم وكذلك عالم الخطابة, فكثير من الخطباء الفضلاء جندوا أنفسهم للتأثير في هذا المجال كالشيخ عبد الوهاب الطريري وأمثاله من الخطباء المؤثرين في الساحة، وهم كثير في العالم الإسلامي، وأهل الأدب كفضيلة الدكتور عبد الرحمن -هو من الواجهة في هذا- وهم من أهل القصائد النيرة، وهم على منهج حسان في نصرة الإسلام، وهم الذين غطوا هذا الفراغ وأهل الإعجاز العلمي كالشيخ عبد المجيد الزنداني والدكتور زغلول النجار وأهل الفكر النير كالشيخ محمد قطب وأمثاله ممن بحث ذلك وأهل الطرح العلمي الأصيل ككثير من الدعاة كالشيخ سفر الحوالي والشيخ سلمان بن فهد العودة والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، وكثير من العلماء وأهل الحديث وأهل الجرح والتعديل كسماحة الشيخ الألباني، وكثير من المشايخ المتواجدين في العالم الإسلامي. فيجب ألا يطغى جانب على جانب، وألا يحتقر أحد منا جهد أخيه المسلم، بل يسدده ويشد على كتفيه، ويسأل الله له التوفيق، لأنه ملك موهبة وذاك لم يملكها, قال تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148].

أسباب تقصير أهل السنة في دعوتهم

أسباب تقصير أهل السنة في دعوتهم العشماوي: أحسنت تفصيلك في هذا الموضوع. Q شيخ عائض! هنالك ظاهرة يمكن أن نسميها ظاهرة مرضية، فالمتتبع لما يجري في العالم اليوم يجد نشاطاً ملموساً ومنظماً، وله ثماره عند كثير من طوائف المبتدعة في العالم الإسلامي في دعوتها إلى منهجها، فهي دءوبة في نشر تعاليمها ومنهجها، ولها تأثيرها في العالم وكلنا ندركه ونعرفه. والظاهرة التي تؤلمنا هي تقصير أهل السنة , أصحاب المذهب والمنهج الصحيح، حيث لا يصلون بجهدهم إلى جهد أولئك ولا إلى نشاطهم فيا ترى ما السبب في ذلك إذا كان لديكم أسباب تعرفونها في هذا الموضوع؟ ثم ما العلاج لهذه الظاهرة؟ A أنا أذكر كلمة لـ عمر رضي الله عنه وهو يقول: [[اللهم إني أعوذ بك من عجز الثقة وجلد الفاجر]] أن يكون الثقة صاحب الحق عاجزاً كسولاً خمولاً، وأن يكون الفاجر صلداً صبوراً جلداً، فهذه معضلة في حد ذاتها، فإنك تجد بعض طوائف المبتدعة المنحرفين عن منهج الله عز وجل من أكثر الناس صبراً وجلداً في التأثير على الناس، وفي تصدير أفكارهم، ونشر مبادئهم يسهرون ويدأبون ويخططون وينتجون ويقولون ويخطبون، وهذا موجود في بعض البلدان في الخارج، وقد كنا في بعض المراكز الإسلامية في الخارج وإذا بعضهم يخطب ويتكلم كأنه سيل، وإذا هو مبتدع، والناس يلتفون حوله من عامة الناس، وما يلبث في فترة من الفترات إلا أن يخلب عقولهم بسيل وعظه، ويتجهون معه فإذا هو مبتدع. وآخرون يبنون المراكز ويسمونها مراكز إسلامية، وهم حقيقة من المبتدعة، والمال يسح في أيديهم سحاً، وعندهم الجهد والطاقة والإنتاج، ثم إذا نظرت إلى أهل السنة وجدتهم: 1 - في حصار، وفي قلة، فمواردهم المالية ضيقة، وهذه -كما قلت- نشكو إلى الله منها، ومن عدم فقههم في هذه المسألة, فبعض دعاتهم لا يدعون حسبةً، إنما يدعون لأمور أو لأشياء أو لتكليف أو لرسميات أو لانتداب، وإذا ذهب شكا من ألم السير، وكأنه يفعل ذلك لنفسه، ولم يعلم أنه يفعل ذلك لربه تبارك وتعالى. 2 - عدم الاتفاق؛ فإن أهل السنة يكثر فيهم الخلاف، ويكثر فيهم النقد للآخرين واشتغال بعضهم ببعض، ولا يعرفون أنهم يصفون أمام عدو متربص. 3 - يوجد عند بعضهم فقه مظلم، يسميه ابن تيمية: الورع البارد السامج فتجده يترك الساحة والتأثير بحجة الانزواء والخمول والعزلة، وأن هذا عصر الفتن، والأفضل للمسلم أن يأخذ غنمه في شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن، فيقبل على صلاة الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولا يعلم أن هداية رجل واحد خير له من عبادة سبعين سنة نافلة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. فنحن بحاجة إلى أن نقف وقفة تأمل أمام فقهنا في هذه المرحلة فقه الانزواء والخمول وعدم التأثير والكسل، والبلادة وعدم الاختراع في الطرق واكتشاف كثير من المسارات التي يجب أن نسلكها حتى نوصل دين الله إلى الناس أجمعين.

الترجمة وأثرها في إثراء ثقافتنا

الترجمة وأثرها في إثراء ثقافتنا Q ننتقل إلى موضوع آخر -يا أبا عبد الله - وأرجو أن تصبر علينا، لأننا قد أطلنا عليك، لكن في الجعبة أمور كثيرة: لكم مقالة في مجلة المغترب عن ترجمة الكتب الغربية إلى العربية، والحث على هذه الترجمة فهل هذا الموضوع بالنسبة إليك على إطلاقه، أم أن لديك توضيحاً أو تحفظاً تريد أن تقوله هنا؟ A لا بدمن ضوابط لهذه المسألة، وأنا قلت ذلك لأني قرأت كلمة للأستاذ حمد الجاسر، وهو يعتب على طلاب كثير سافروا من سنوات عدة إلى الغرب، ولم يعملوا وينقلوا إلينا أفكار الغربيين؛ لأن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها، لكن ليس هذا على الإطلاق، فإن الكتب الهدامة، كتب أهل الإلحاد والكفر البواح، وكتب الجنس الخبيث يحرم ترجمتها ووصولها إلى بلاد الإسلام، لكن نقصد أفكار وكتب أهل العبقرية والتأثير وأهل الفكر والتأصيل في علوم الدنيا؛ لأن الله تعالى يقول: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] وقد علم الشيطان أبا هريرة آية الكرسي، وقال له صلى الله عليه وسلم: {صدقك وهو كذوب} فحق على الإنسان أنه يطلب المعارف ويأخذها ولو من غيره، ولو من الكفار؛ بشرط ألا تتصادم مع الكتاب والسنة، أو مع الوحي السماوي الذي عندنا. والكتب المترجمة التي لدينا بالنسبة لما عند الآخرين قليلة، وقد بحثت عن كتاب في تاريخ أمريكا فلم أجده إلا بعد سنة ونصف وهو كتاب هنري ماجرو، وإذا في داخل هذا الكتاب مئات الكتب عن تاريخ أمريكا وكلها غير مترجمة، وقد ترجم لثلاثة كتب بعد شق الأنفس، وهي ليست متوفرة، وهي من أكثر الكتب التي شقت العالم طولاً وعرضاً تأثيراً، حتى يقال: إن كتب دايل كارنيجي بعد القرآن والإنجيل والتوراة أكثر الكتب انتشاراً فن الخطابة وكيف تكتسب الأصدقاء ودع القلق وابدأ الحياة وكيف تغسل الدماء لـ كريسي موريسون، وغيرها من الكتب، واكتشفنا أنها لا توجد في المكتبات، وأنها نادرة الوجود، وأن كثيراً من الكتب المؤهلة عندهم والعميقة لم تترجم. أقول: الألوف المؤلفة من الشباب الذين في الولايات المتحدة أو في بريطانيا أو فرنسا أو في غيرها من البلدان، لماذا لا يترجمون لنا مجموعة من الكتب ولو كتاباً واحداً في السنة؟ لأدبائهم وعلمائهم ومفكريهم ومخترعيهم؛ حتى نضيف إلى ثقافتنا ثقافات، وقد كان الصحابة طموحين إلى مثل هذا، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: {طلب من زيد بن ثابت أن يتعلم لغة يهود} وكان ابن تيمية يحرص على قراءة الكتب التي وجدت في عصره، حتى يعلم عن غيره: عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه والله يقول: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55].

التوازن في حياة الداعية

التوازن في حياة الداعية العشماوي: وعموماً هذا أسلوب جيد، ولابد أن نعرف ما عند الآخرين، والحقيقة أن الغرب لم يترك شاردة ولا واردة بالمعنى العام في جغرافية العالم والمجتمع الإسلامي، والعلاقات الإسلامية إلا وهي موجودة لديهم من خلال رجالهم ومكتشفيهم فهذه دعوة مباركة نسأل الله أن يجعل لها صدىً في قلوب المقيمين في أمريكا وأوروبا لعلهم ينفعون أمتهم بذلك إن شاء الله. Q التوازن في حياة المسلم مطلب شرعي، وقد حصل الاضطراب عند كثير من المسلمين في هذا الباب، فما التأصيل الشرعي لهذا التوازن، حتى يكون المسلم على بصيرة من أمره؟ A الدليل الملخص لهذا التوازن: قوله صلى الله عليه وسلم: {إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه} فعلم من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم يطالب المسلم أن يكون متزناً فيما يعيشه وفيما يزاوله, وأن يكون مؤدياً للحقوق، منضبطاً في أموره كلها، لأننا نجد انحرافاً في مناهج بعض الناس وحياتهم، فتجد بعضهم يغلب جانب الدعوة حتى يهمل أهله تماماً فيعيشون في حالة مريرة من البؤس، بحجة أنه يدعو ويهدي الناس، وقد ترك من الواجبات ما هو أعظم. وبعضهم ينصرف إلى أهله تماماً وإلى ذاته، ويترك الدعوة والأمة وآخر ينصرف إلى العبادة، فيستغرق وقته في العبادة، حتى يترك الأمر والنهي، ويترك التعلم والتفقه في الدين، وزيارة الأقارب، والوقوف مع المنكوبين من المسلمين والبعض الآخر يشتغل بالتأليف على حساب تعليم الناس، أو تفقيه أهله، أو على حساب القيام بالنفس. وآخر يهتم بنفسه وجسمه، فهو ينعمها -صراحة مع الاحترام- كما تنعم الدابة، ويلغي عقله، ولا يشتغل بروحه، والمعلوم أن القوت: وقوت الروح أرواح المعاني وليس أكلت ولا شربتا فالإسلام يطالب المسلم أن يكون متزناً، وأن يجعل لكل شيء وقتاً، ولكل مقام مقالاً. ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى وأضرب أمثلة من حياة الدعاة: لماذا لا يكون الداعية عالمياً، وربانياً؟ ساعة يمارس شيئاً من الأذكار والأدعية بعد أداء الفرائض، وساعة للاطلاع في الكتب والاستزادة من المعرفة، وساعة للجلوس مع الأهل، وإعطائهم حقهم، وزيارة الأقارب والمرضى وأهل البؤس، ومشاركة الإخوان في الخير؛ حتى يكون يومه كله حافلاً بالبركات، ويدخل الجنة من أبوابها الثمانية كما فعل أبو بكر، وما دخل منها جميعاً إلا لأنه سلك جميع المسالك، ثم يقول ابن القيم: له في كل غنيمة سهم فهو في باب الجهاد أول المجاهدين، وعند الصلاة في الصف الأول، وفي الذاكرين أولهم، وفي الصائمين رافدهم وقائدهم، فهو في المقدمة دائماً.

الرأي فيمن أحرق فتح الباري

الرأي فيمن أحرق فتح الباري بعد أن تحدثت عن موضوع التوازن في حياة المسلم، وأشرت إلى أنه يجب أن يكون هنالك توازن بين جوانب النفس البشرية، والمسلم أولى الناس بالتوازن؛ ينشأ هنا هذا السؤال ونطلب منك تعليقاً مختصراً عليه: ما قولك فيمن قيل إنه أحرق كتاب فتح الباري؟ A نعم. نمى إلى علمي وإلى علم كثير أن أحد الناس من الحمقى أقدم على فعلة شنعاء ولا تفسير لها إلا أنها أحمقٌ، إلا إذا كان القلم قد رفع عنه في تلك الفترة، لأن القلم يرفع أحياناً عن بعض الناس وتسمى الغيبوبة، وأقدم على هذا الكتاب الضخم بفوائده فأحرقه بالنار، ويظن هو بفعله هذا أنه فعل خيراً للإسلام والسنة، لأنه يقصد أن فتح الباري يحتوي على بعض البدع، والانحرافات في بعض الأسماء والصفات التي فسرها ابن حجر على منهج الأشاعرة والماتريدية والمفوضة وهذا صحيح. ولكنه فعل هذا والفعل لا يفسر أبداً إلا أنه حمق، وأنا أرى في مثل هذا أن يؤدب تأديباً بالغاً يردعه وأمثاله، ولا يوجد كتاب في التنقيح والتحقيق وحصر المسائل كـ فتح الباري إلا أنه لا يكون مثل المغني أو فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، وأرى أن المكتبة التي ليس فيها فتح الباري أنها مكتبة ناقصة على كل حال، وهذا الكتاب من أجمل ما كتب، لأنه عُمْر عالم، فقد فرغ سبعاً وعشرين سنة في هذا الكتاب، وخمس سنوات للمقدمة، وقيل: سبع للمقدمة، وخمس وعشرون سنة لهذا الكتاب الضخم. فأسأل من الله أن يهديه وأن يرد إليه عقله، وقد أشار فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين إلى هذه المسألة، وأفتى فيها، وذكر أن هذا حمق، وأن فعله لا يفسر إلا بالحمق.

تعليق على فتح الباري

تعليق على فتح الباري Q أشرت يا شيخ عائض! إلى أن فتح الباري يحتوي على بعض التجاوزات أو بعض الأخطاء الخفيفة، هل -على حد ما تعلم- هنالك كتاب في بيان بعض السلبيات الموجودة فيه؟ A لا أعلم إلا أن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز علق على كثير من هذه المسائل، وأظن أن سماحته مستمر في التعليق على هذه المسائل التي هي قليلة بالنسبة لدلالة الكتاب، وما فيه من العلم، وما فيه من نقولات، حتى أن الدكتور محمد بن سعيد القحطاني عد ابن حجر من علماء السنة الكبار المدافعين عنها، وهو من أحسن الجهود التي شرح بها الأحاديث، حتى قال الشوكاني: لا هجرة بعد الفتح. ولي رسالة في ثلاثين صفحة اسمها: مدح الفتح، ذكرت الجوانب التي أجاد فيها ابن حجر الجوانب العلمية، والنقولات، والتوثيق، والتأصيل، والعمق العلمي، والعبارة الأدبية، والبعد عن المذهبية الضيقة، وتتبع الدليل، والإشراقة في النقد، إلى غير ذلك من الجوانب.

رسالة: (مدح الفتح)

رسالة: (مدح الفتح) Q هل صدرت الرسالة وإلا ما زالت في طريقها؟ A الرسالة كتبت، لكنها لم تطبع، الآن هي عند بعض كبار المشايخ يقرءوها من باب الاستفادة.

ظاهرة العنوسة

ظاهرة العنوسة Q هنالك قضايا أخرى تهمنا، بل أسميها رحلات نرتحل فيها معك إلى بعض القضايا المتبقية لدينا في هذا اللقاء، منها ما يتعلق ببعض القضايا الاجتماعية. لا شك أن من الأشياء الملاحظة عندنا في المجتمع الإسلامي بشكل عام فشو ظاهرة العنوسة، وبشكل يلفت النظر، وهي مأساة اجتماعية كما تعلم، وكثير من الفتيات وصلن إلى سن العنوسة وبعضهن قد تجاوزنه، وهنالك أطروحات اجتماعية وأطروحات نفسية كثيرة ولكن نريد أن نعرف تعليقكم على هذه القضية؟ A مسألة العنوسة أصبحت ظاهرة اجتماعية يعيشها الناس، وأصبحت حديث المجالس والركبان؛ من كثرة الفتيات اللواتي لم يتزوجن وبقين إلى هذه السن، والحقيقة أنه سن ذبول وإدبار بالنسبة للمرأة، وهناك عدة أسباب لهذا الأمر: منها: مسألة مواصلة التعلم والتلقي والدراسة؛ وهذا ليس حاجزاً يمنع المرأة أن تتزوج, بل قد يكون معيناً أحياناً، فأنا أدعو أختي في الله ألا تتأخر إذا تقدم الكفء الديِّن، فإن صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، وإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير}. ومنها: أن بعض الآباء لجهلهم وسفههم يعارضون زواج الفتاة، فيكون دائماً في موقف المعارض، وأعرف عن بعض الفتيات أن العشرات من الشباب تقدموا لها وهي في الثلاثين من عمرها، ولا يزال الأب معارضاً وكم يسمع ويقرأ الإنسان مثل هذه المآسي من الآباء الذين ليس عندهم من الخوف من الله عز وجل شيء، ولا من الوعي الديني ما يحملهم على تزويج بناتهم. ومنها: أن المرأة -أحياناً- بطبيعتها لا تقبل كثيراً من الخطاب، وهي تصرخ وتمتنع بغير غرض سائغ، ولو لم يرفض والدها، لكن هي باقتناعها ولفلسفتها الخاصة بها، فمنهن من لا تقبل التعدد، والتعدد فيه حل إسلامي رائد لمثل هذه المشكلة التي يعيشها أهل العصر، حتى كتب بعض الكتاب من الشرق والغرب مؤيدين لأطروحة الإسلام في هذا، وهو الحل الوحيد الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي السماوي. والحل أن يبادر الآباء بتزويج بناتهم في السن المعروف، ولتعلم الفتاة أنها ستخسر شبابها وأبناءها وبيتها وعشرتها الزوجية إذا خسرت مقتبل العمر الأول، أو زهرة الشباب، وإذا تجاوزت الثلاثين أو الأربعين فإنها تصبح عمة، ثم إذا بلغت الخمسين تصبح جدة، فنسأل الله لها حسن الخاتمة إذا تأخرت عن هذا السن، وأن يعوضها الله في الآخرة زوجاً في جنات ونهر.

أسباب إحجام الشباب عن الزواج

أسباب إحجام الشباب عن الزواج Q هنالك قضايا يبدو لي أنه من الصعب تناولها الآن وهي تتعلق بالعنوسة، لكن للإشارة إليها نذكر أهمها: ما يعترض الزواج من مشكلات مثل قضية غلاء المهور، والمبالغة في الحفلات وهذا واقع، والمبالغة في حلي المرأة وما يطلب من الشاب المتقدم هذه أمور يبدو لي أن لها دوراً في هذا الموضوع فما هو تعليقكم؟ A صدقت. هذه من العقبات الكبار، لا سيما المبالغة في المهر، حتى أصبحت المرأة تباع كما تباع السلعة، وأصبح أبوها يراوج بها في سوق المزاودة، وهذا خطأ ارتكبه الآباء الرأسماليون والإقطاعيون، وما حل ذلك إلا أن يقوم أهل العلم بتفقيه هؤلاء، وإخبارهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {بارك الله في أقلهن مهراً} وليعلمن أن أشرف بنات العالمين فاطمة، ولم يكن مهرها سوى درع حطمية لا تساوي أربعة دراهم، ومع ذلك بقي ذكرها وخلودها عبر الأيام -رضي الله عنها وأرضاها- وأم سليم تزوجت بلا إله إلا الله من أبي طلحة، فلماذا لا نكرر هذه النماذج الخالدة، ونعود إلى سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ففيها كفاية؟! والحفلات -كما ذكرت- والإسراف في الولائم مسائل هامة كذلك، ويدخل ضمن ذلك ما يعرف بكسوة القريبات والأقارب، والأعراف الجاهلية التي تحمل الإنسان فوق طاقته من الحلي، وأمثال ذلك من البذخ في المفروشات والملبوسات والمأكولات، كل تلك تجعل الشاب يحجم عن أن يقدم على الزواج ويعده مصيبة.

قضايا في الجهاد

قضايا في الجهاد Q هنالك بعض القضايا التي تتعلق بالعالم الإسلامي: أنت تعلم أنه قد رفع علم الجهاد في هذا الزمن في كثير من المواقع في عالمنا الإسلامي، كما هو الحال في كشمير وفي الصومال، وقد سمعنا -كما سمعتم- من بعض طلاب العلم والمهتمين بالعلم تحفظاً أمام مسألة الجهاد، فماذا ترون في ذلك؟ A أريد أن أذكر مسألة، وهي جديرة بأن يهتم بها وتعرض على الناس خاصة المطلعين والمؤثرين، وهي: متى يكون الجهاد جهاداً؟ ومتى تحتاج الأمة للجهاد؟ وعلى كل حال فالإعداد وارد، والله تعالى يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى في المنافقين: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة:46]. أما ما نعيشه اليوم في واقعنا الإسلامي فإنه قد تجوِّز كثيراً في استخدام الجهاد، أو في القيام بالجهاد، وأنا لي وجهة نظر -قد تكون مصيبة أو خاطئة- وهي أن هناك أناساً من الدعاة والفضلاء الذين يقومون على كثير من الجمعيات والجماعات والطوائف الإسلامية يقومون بالجهاد وهم ما أخذوا عدته، ويواجهون قوى كبرى، وأنظمة باطشة، ولا نسبة ولا تناسب بين القوى؛ لأن الله سبحانه جعل في كتابه نسبة لا بد أن يصل إليها المسلم، فإنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال:66] قال أهل العلم: الضعف بالضعفين، أو الواحد بالاثنين، أما أن يأتي مائة إلى خمسة آلاف وإلى عشرة آلاف فهذا ليس بصحيح، إنما هي مهلكة وسحق للجهود؛ أن تأتي جماعة تحمل الجهاد، وتحمل السلاح البدائي من البنادق والرشاشات والرصاص والمؤنة القليلة، ثم تواجه نظاماً يقوم على جيش مدجج بالأسلحة والطائرات والدبابات، وعنده فرق وكتائب، ويقول هؤلاء: نحن متوكلون على الله عز وجل والجهاد طريقنا هذا ليس بصحيح، وهذه إنما هي مهلكة، وقد رأيت ذلك في بعض البلدان، ووافقني على ذلك بعض الفضلاء في بعض الأشرطة والأطروحات؛ لأن هذا الأمر لا يصلح، ولا بد أن يصل المسلمون في الإعداد إلى نسبة تكون مكافئة للنسبة التي ذكرها الله تعالى. ولذلك لما قامت بعض الحركات الإسلامية بمجابهة بعض الأنظمة سُحقت تماماً، وأدخل من أدخل السجون، وسجن الكبار، ويتم الأطفال، وعذبت النساء، فصارت مأساة حقيقة لعدم دراسة القرار، وفي كشمير شيء من هذا، ولو أن الجهاد هناك جهاد إسلامي وهو دفاع عن النفس، لكن أحياناً تأتي تجاوزات، كأن يقوم بعض الدعاة بالدعوة إلى الجهاد، وليس عنده إلا جماعة بسيطة، ثم يجابه جيشاً ضخماً فيضرب تماماً، يواجه هذا الهند، وحكومات أخرى تعاونها، وهي جيوش جرارة لا تقابلها جماعات متقطعة، فهذا عين الخطأ. وفي الصومال أراد بعضهم أن يقوم بالجهاد ضد الحكومة، ضد علي المهدي ومن معه من العلمانية، فإن دستورهم إيطالي كما تعرفون, ويحكم عليه علماء الصومال بأنه كافر فقاموا، ولكن نصحهم العلماء في العالم الإسلامي بأنه ما أصبحتم في درجة تخولكم في رفع راية الجهاد جماعة بسيطة قوامها ثلاثمائة أو أربعمائة تواجه جيشاً عددهم مائة ألف مدججاً بالأسلحة الشرقية والغربية، ليس هذا بصحيح! وقد طرحت الملاحظة هذه؛ لأنه يفاجأ بعض الناس الذين يأتون يطلبون مؤناً ليستعدوا للجهاد, بأن نقول: لا. ربوا الناس وتوجهوا إلى تأصيل العلم فيهم، وادخلوا في أوساطهم، ودعوا القتال الآن. أما ما يجري في العالم الإسلامي؛ فالحقيقة أن العالم الإسلامي في موطن دفاع الآن، وهو في مأساة لا يعلمها إلا الله عز وجل، أمثال ما يجري في البوسنة والهرسك وكشمير والصومال، وهذه لها حديث آخر.

الجهاد الأفغاني

الجهاد الأفغاني Q قد يعترض معترض ويقول: ما جرى في أفغانستان مثلاً، فالمواجهة كانت بين سلاح يعد سلاحاً متخلفاً إذا قيس بالسلاح السوفيتي وقوى الحكومة الأفغانية الشيوعية السابقة، والذين قاموا بالجهاد عدد من العلماء، وهم قواد الجهاد الأفغاني، وأيضاً الفئات من الشباب التي انتمت إلى الجهاد لم تكن مرباة تربية إسلامية في بداياتها، إنما رباها الجهاد، فإذا اعترض علينا معترض بهذه الصورة فماذا نقول؟ A نعم. كلامك صحيح، وهذا شيء حصل في أفغانستان، ولكني أقصد سنن الله تعالى الموجودة في القرآن وفي الكون، من أنه لا بد من وجود نسبة معينة يصل إليها المسلمون, قال تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال:66] وقد قال أهل العلم: أن يكون الواحد يقابل الاثنين، والاثنين يقابلون الأربعة، والأربعة يقابلون الثمانية، وهكذا.

عمومية قاعدة: (لا يقاتل الواحد أكثر من اثنين)

عمومية قاعدة: (لا يقاتل الواحد أكثر من اثنين) Q هل يرون أن هذا عام؟ A الذي أعلم أنهم يرونه هكذا، لكن هناك مسألة الهجوم والقتال، ومسألة الدفاع عن النفس، والذي حدث في أفغانستان أمور: منها: أنهم يدافعون عن أنفسهم. ومنها: أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى منَّ عليهم بكرامة من كرامات الأولياء التي ينصر بها أولياءه ولو كان الواحد يقابل ألفاً، فهذه قد تخرج عن القاعدة التي ذكرتها مثلما حدث لـ سعد رضي الله عنه بالجيش، وللعلاء بن الحضرمي، وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم. لكن هذه هي القاعدة الشرعية التي يفتى بها, ولو سئل عالم أو داعية في فئة عددهم ألف يقابلون مائة ألف جندي، فسيقول لهم: لا. لأنهم لم يتمكنوا بعد. أما أفغانستان فهناك أمور منها: أنهم دوهموا في بلادهم، والجهاد كان شعبياً، واستنفرت أفغانستان ضد الزحف الشيوعي، ومنها: أن الاحتلال كان بشعاً، حتى استنفر جميع الطاقات، لأن الإلحاد يريد أن يدخل في بلاد عرفت الإسلام من قديم، والإلحاد يرفع راية لا إله والحياة مادة. ومنها أيضاً: أن العالم الإسلامي وقف برمته معهم، لأنه في البداية سحق الأفغان سحقاً ليس بالسهل وضربوا ضرباً هائلاً، ولكن العالم الإسلامي تضامن، ولا أعلم في هذا العصر أن العالم الإسلامي تضامن مع دولة أو فئة كما تضامن مع الأفغان، فلعل هذه تجعل للجهاد الأفغاني ميزة وخصيصة عن غيره.

الوضع الأفغاني

الوضع الأفغاني Q ما دمنا قد تحدثنا عن أفغانستان، نريد أن نسمع تعليقات سريعة حول هذه القضايا السريعة التي ذكرناها الآن في حديثنا. الوضع في أفغانستان , ما هو تعليقكم عليه؟ A خلاصة ما جرى وما يجري في أفغانستان واتفاق في الضراء، واختلاف في السراء، وفيها درس أن الابتلاء بالسراء قد يكون أفضع بكثير من الابتلاء بالضراء، ولذلك قال ابن عوف رضي الله عنه وقال عمر قبله: [[ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر]] وقد مر قيس بن زهير بديار غطفان فرأى أنعاماً كثيرة وإبلاً وغنماً وبقراً فغضب، فقال له الناس: مالك؟ وكان الناس مقفرين ممحلين فلما أنعم الله عليهم ضقت وغضبت! قال: إن مع النعمة الحسد والاختلاف والتباغض، ومع القلة التساعد والتناصر والتعاون. وهذا أمر معلوم، فقد رأينا الأفغان والواحد منهم يقدم دمه عن أخيه فداء وتضحية، فلما انتصروا رأينا أن الشيطان بدأ يلعب لعبته في السراء وأرى ألا نضيع الجهود والمكاسب التي مرت في الجهاد، لغلط وقع؛ لأن الموازين لابد أن تبقى مستقرة، ونرى أنه استغل في الإساءة والتغرير بهم من تصريحات بعضهم ضد بعض، أو أن الآخرين من أعدائهم كبروا أخطاءهم وأغلاطهم. ولابد من الاعتراف بسنة الله عز وجل في الأنفس، فإنه لابد من الاختلاف، ولو عصم أناس من الاختلاف لعصم أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، فإنهم تقاتلوا، وقال الله في الأخير: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] وأذكر بيتاً للبحتري حيث يقول: إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها

بعض ثمار الجهاد الأفغاني

بعض ثمار الجهاد الأفغاني العشماوي: لكن هذه المسألة تحتاج إلى شيء من التركيز؛ لأننا الآن أمام طائفتين: إما أمام طائفة علمانية عقلانية في اتجاهها، ترى أنه ما علق من آمال على الجهاد الأفغاني قد تبدد، وأننا نعيش في عصر غير العصور الماضية، فكل ما قيل عن الجهاد الأفغاني، وعن كرامات المجاهدين فإن هذه أمور يجب أن نتوقف أمامها كثيراً، حتى أن أحدهم كتب مقالاً في إحدى الصحف التي تصدر في البلاد الإسلامية يقول: أين الكرامات التي قالوها عن الأفغان؟ أين الحجارة التي تتحول إلى نار؟! أين الشهداء الذين يضحكون؟! أين الدماء التي تفوح منها رائحة المسك؟! كل ذلك يدل على أن المسألة فيها نظر، وأن قضية الجهاد في هذا العصر يجب أن ينظر إليها نظرة عصرية جديدة، فإذا نحن استسلمنا لمثل هذه الأطروحات ربما يكون لها أثر عكسي سيء، هذا جانب فضيلة الشيخ! الجانب الآخر: قضية ما يجري في أفغانستان في تصوري أنا -وأنا أريد أن تبين هذه النقطة- ألا ننسى خطط الأعداء، فهم يخططون لأن النتائج اقتربت وقطف الثمار اقترب، ولا أتصور أن الغرب ولا الشرق سيسكت ويدع حتى ولو سهماً في كنانته دون أن يرمي بها إلى الجهاد هذه الجوانب مجتمعة، ألا ترى أنها قد تكون هي وراء الوضع الأخير في أفغانستان، بالرغم من أنه في الأيام الأخيرة بدأت بوادر اتفاق بين المجاهدين، فنريد تعليقك جزاك الله خيراً على هذا الموضوع؟ A أنا ضد من ذكرت في المسألة الأولى، ومخالف لمن يصغرون من شأن الجهاد، ويعرضونه في معرض السخرية والمهزلة، وهؤلاء نحن نعرف مواقفهم من ذي قبل، وليسوا بجديدين في طرحهم وأسلوبهم، ولكني أسألهم أسئلة يمكن أنها لا توضع على كافر فكيف بالمسلم، فأقول: إن من مكاسب الجهاد سقوط الشيوعية كما قال بعض أهل الإسلام، وكنت أظن أن الجهاد الأفغاني ليس سبباً رئيسياً وجوهرياً، وقد قلته لبعض الناس، حتى أني قرأت في مجلة الوسط قبل أشهر، وإذا برئيس الاستخبارات السوفيتي المخلوع يتكلم عن هذه المسألة ويقول: إن أكثر ما قصم ظهر الشيوعية هو الجهاد؛ فإنه استنزفها استنزافاً عجيباً، حتى أن القذيفة كانت تخرج برقمها في يومها، وتطلق مع الغروب في أفغانستان، وهذا دليل على أن الأسلحة في المخازن انتهت، وأنها ضربت في تلك الجبال، وقد رأيت في جبال أفغانستان في جاور وخوست بعض الجبال قد احترقت تماماً من كثرة ما ضرب من القذائف والصواريخ والقنابل عليها فكانت قصمة للشيوعية وهذا مكسب. الأمر الثاني: نشر فكرة الجهاد وإحياؤه في العالم الإسلامي، حتى أصبحت في ذهن كل مسلم، في الشرق والغرب، وما البوسنة والهرسك إلا نتيجة من نتائج ذلك. الأمر الثالث: تعاطف الأمة, فقد أصبحت جسداً واحداً، حتى كانت أخبار أفغانستان مع العجائز والكبار والصغار، ورأينا الدموع والدعاء والابتهال والمناجاة. الأمر الرابع: وجدنا موقفاً فريداً من المواساة لا يوجد إلا عند السلف الصالح في بدر وأحد وفي الخندق، فتجد الأموال ترسل بعد كل خطاب، والناس من كل حدب وصوب ينسلون, ويتركون أهلهم وذويهم وعشائرهم وقبائلهم، فيذبحون هناك وكأنهم يسكنون جنات ونهر، وهم -إن شاء الله- في جنات ونهر. أيضاً: إيقاظ الشعب الأفغاني، ورده إلى دين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فقد كان هناك طوائف منحرفة، ووجد شيوعيون قدماء، فمنهم من اهتدى، ومنهم من أبصر الحق، ومنهم من قتل فهذا ما ظهر لنا, أما الأسرار التي قدرها الله عز وجل وقضاها، فلا يحيط بها إلا هو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وأنا أقول: صحيح أن هناك أيادي وأصابع، لكن معنى ذلك ألا نبرئ أنفسنا دائماً؛ فإنه أخذ علينا أننا نلقي باللائمة على غيرنا، وسوط المؤامرة على الآخرين، ونجعل أمريكا شماعة، فكلما وقع شيء قلنا: هذه خيوط أمريكا، وهذه إشاعة أمريكا وأنا أعرف أنها الشيطان الأكبر، ولكن مع ذلك يجب علينا أن ننقذ أنفسنا، فإن الله يقول للصحابة في أحد: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] فهو باختلافهم، وأقر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنهم اختلفوا فلابد أن نقول: نعم. اختلفوا, وقد جلست مع بعض الفضلاء من القادة، وسمعت أن هناك خلافاً، وأن هناك من يسعى لتأجيجه، وأن هناك أشياء وهوى في النفوس، ولا زلنا نقول عبر هذا اللقاء لقادة المجاهدين: اتقوا الله في الأمة، واتقوا الله في مكاسب الجهاد، وخافوا من الله, وقد سمعت من سماحة الشيخ أنه أرسل بعض البرقيات لـ رباني ولـ حكمتيار ولـ سياف يناديهم بهذا، ونشر بعضها, فلا بد أن نكون صريحين في ذكر أخطائنا ونقد أنفسنا؛ لئلا ينقدنا غيرنا.

البوسنة والهرسك

البوسنة والهرسك Q مأساة البوسنة والهرسك ما تقولون عنها؟ A البوسنة والهرسك نموذج لما وصل إليه العالم الإسلامي من الذلة والقلة والعيلة، وهذا مقياس لضعف الأمة، وقد ظهرت في أفغانستان وفي البوسنة والهرسك مسائل منها: فتاة تنثر شعرها وتصيح عبر الأثير فيمن ينجدها، فلا تجد معتصماً واحداً يلبي طلبها. ويوجد هناك آلاف من الشباب ينادون: وا إسلاماه! وا إسلاماه! وإذا الإسلام هذا الذي جعلوه مظلة لمئات الدول وملايين البشر لا يصلح إلا في أوقات محددة وهي أوقات العافية، أو أوقات التشدق به، والادعاء والانتماء إليه!! ليس هناك أحرار تغلي في عروقهم دماء الغيرة والحماسة والغضب، وإلا يقول: أين الغيرة الإيمانية ونحن نشاهد في شهر واحد ثلاثين ألف فتاة تنتهك أعراضهن؟! أين الغيرة والكتاب الكريم يداس بأحذية جنود الصرب، والمساجد تحطم وتهدم؟! هذه تنبي عن أن العالم الإسلامي لا يزال ميتاً وأنه لا حراك فيه صحيح أن هناك من دفع أموالاً، وأرسل معونات، ولكن هذه وحدها لا تكفي. ثم إن هناك مسألة أخرى: وهي الانتقائية والازدواجية في تطبيق القرارات، وهذه عرفناها، وهي التطفيف في قرارات مجلس الأمن، فلا تنطبق قراراته إلا على البلدان الضعيفة الإسلامية الصومال، وليبيا، أما إسرائيل والصرب فأبت أن تركب, قال تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين:1 - 2]. يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمن وإن لقيت معدياً فعدناني وليس هذا ببعيد، فإن بطرس غالي لا يمكن أن يقدم أهل الإسلام وحملة لا إله إلا الله على أصحابه وإخوانه {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:15]. والعالم الإسلامي فقد مسألة هامة في البوسنة والهرسك، وهي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال:72] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] فليت العالم الإسلامي هب، وليتهم رفعوا هذا العار الذي خيب الأمة، ولطخ شرفها وكرامتها، وأصبح بعض الناس العاديين يتلهفون، ولكنهم لا يملكون حولاً ولا قوة.

الجهاد في الصومال

الجهاد في الصومال Q نسأل الله أن يعيد الأمة إلى صوابها، وإلا فهي مأساة كبيرة كما ذكرت، وما رأيك أن تعرج على الصومال بتعليق يسير. A على كل حال في الصومال نعود إلى مسألة تنفيذ القرار بحماس، فـ عيديد لما خالف في مسألة في يوم واحد في تاريخ: 24/ 9 ضرب ضربة قوية بقرار من مجلس الأمن اتخذته أمريكا، وحال البوسنة والهرسك أنهم ظلوا سنتين في البكاء والدماء والأشلاء والجماجم التي تطرح، ومع ذلك لا عدل ولا إنصاف بل ظلم واضح وصارخ في العالم. فأين حقوق الإنسان المدعاة, التي يدعيها هؤلاء أعداء الإنسان وقتلته؟!! الأمر الثاني: أن المسلمين لا يكونون سذجاً، فليس القتال مع علي مهدي ولا عيديد؛ لأن هناك مبدأ وضعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مبدأ الحق: لا إله إلا الله محمد رسول الله والشعوب هذه مسكينة، كقطيع الأنعام في سياج من القطيع، تساق مرة يمنة، ومرة يسرة يؤخذ الشباب مع زياد بري، ليلغي منهج الله في الأرض، ثم يقاتل بهم أعداءه من جيرانه، ثم يذهب ويأتي عيديد فيقاتل أعداءه بهم ثم يسلمهم لـ علي مهدي فيقاتلون بهم من شاءوا، فأصبحوا لا يملكون حولاً ولا قوة، والعبد وما ملك لسيده. وقصدي: إنهاض هؤلاء وتعليمهم، وأنهم لا يقاتلون إلا مع الحق، وأنه يطلب منهم أن يكون جهادهم لأن تكون كلمة الله هي العليا، إلى متى كلما ظهر ظالم بطاش مجرم انقادت معه هذه الشعوب يمنة ويسرة؟! الأمر الثالث: أن هناك من يدعو إلى المال والكساء والغذاء، وهذا أمر مطلوب، لكنه مع الغذاء لا بد من تعليم وتوجيه، ولا بد من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وأن نربيهم على التعاليم السماوية التي أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كانت المسألة مسألة غذاء وكساء لسبقنا إليها المبشرون من النصارى بل قد سبقونا إليهم مع نشرهم لمبادئهم.

برقيات سريعة

برقيات سريعة Q هنالك مجموعة من الأسئلة الخفيفة، نريد أن نطرحها عليك حول القضايا التي تعود عليها المستمعون في مثل هذه اللقاءات، فنريد أن تجيب عن هذه البرقيات السريعة.

القارئ المفضل

القارئ المفضل Q قارئ يعجب الشيخ عائض القرني؟ الحواب: محمد أيوب وأستمع إلى الشيخ عبد الرحمن السديس.

العالم المستأنس به

العالم المستأنس به Q عالم تأنس بقوله؟ A شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن المعاصرين سماحة الشيخ ابن باز.

الشاعر المرتاح له

الشاعر المرتاح له Q شاعر ترتاح له؟ A من القدماء: المتنبي كفن وأدب، وحسان: كمنهج، ومن المعاصرين الدكتور: عبد الرحمن العشماوي، ولعلك تعرفه!!

الكاتب المقروء له

الكاتب المقروء له Q كاتب تقرأ له أبا عبد الله؟ A أقرأ على قلة فيما يكتب زين العابدين الركابي، وآنس بما يكتب، وإنما أقصد أنه كاتب صحفي.

الكتاب المقروء فيه

الكتاب المقروء فيه Q كتاب بعد كتاب الله تقرأ فيه كثيراً؟ A فتح الباري، فهو رفيقي ليل نهار إلى الآن.

الخطيب المشتاق له

الخطيب المشتاق له Q خطيب تشتاق لخطبه؟ A الشيخ عبد الوهاب بن ناصر الطريري، وأنا مهتم في سماعي له؛ لأني أحبه كثيراً.

المفكر المروق لفكره

المفكر المروق لفكره Q مفكر يروق لك فكره؟ A الشيخ محمد قطب.

الصحيفة المقروءة

الصحيفة المقروءة Q صحيفة تقرأها؟ A أقرؤها مضطراً، من باب إلا ما اضطررتم إليه، فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً، وهي: جريدة الحياة.

تعليق على (جريدة الحياة)

تعليق على (جريدة الحياة) Q هل من تعليق على جريدة الحياة؟ A أنا أقرؤها لأنها أقل الصحف كذباً، فالأصل أن المادة موجودة، لكنها تقلل. والأمر الثاني: أنها تستقصي بعض الأخبار، والذين يكتبون فيها لهم قدرة على الكتابة، ولو أني أعتب على الكاتب جهاد الخازن فيما يلفه ويعممه من التطرف والإرهاب على الدعاة في العالم الإسلامي، والواجب أن يقرأ قراءة متأنية للدعوات في العالم الإسلامي، وأن يتريث ويجلس مع كثير من الدعاة والعلماء، وأن يتقي الله فيما يكتب، لأن العلماء والصلحاء وأهل الوعي والريادة والمؤثرين موجودون, ولكن إذا أراد أن يسلك هذا فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حسيبه.

المجلة المطالعة

المجلة المطالعة Q مجلة تطالعها؟ A هناك عدة مجلات، ولي ملاحظات -من باب نقد النفس- لأنه -والحمد لله- قد أصبحت عندي قناعة في ذهني، وهي أن نبدأ بنقد أنفسنا قبل الناس، ولا بد أن نهدم هذا السور الذي بنيناه على أنفسنا، وهو ألا ننقد أنفسنا، وأن كل ما نفعله جميل وحسن. أطالع مجلة المجتمع، ومجلة الفرقان، ومجلة الإصلاح، ومجلة الدعوة، ولي ملاحظات مع أنني قد قابلت مع هؤلاء، أو شاركت أو قرأت. أما مجلة المجتمع: فليتها تعتني بالتأصيل العلمي، ولهم فيها أخبار وغيرها، ولكنها لا تعتني بالموضوعات الدسمة القوية, وهذه المجلة أرى أنها لا تتميز باتجاه حتى تعرف، لأنها تكون للجميع، فعندما تطرقت لمشكلة الجزائر فقط: قال النحناح، وصرح, وقابل، ورأى مع العلم أن المد القوي كله للإنقاذ، والتأثير والوقوف, والعالم كله يساند الإنقاذ، والإذاعات العالمية ووكالات الأنباء تسلك هذا المسلك، فأقول: لا. لا بد أن تكون للجميع، وقد جعل الله لكل شيء قدراً. وأما مجلة الفرقان: فإنها تعجبني، ولكني أريد منها أن تعتني أكثر بالمستجد من الأخبار ومتابعة الجديد فالجديد؛ وأن تواصل مسيرتها الأولى التي بدأتها في مقابلة كثير من الشخصيات، ولا بأس أن تعيد المقابلة مع العلماء، والأدباء، والمفكرين، ولو أربع مرات أو خمس مع الواحد؛ لتستفيد في القضايا المهمة، ويكون لها دعاية أكبر حتى تصل إلى الأقطار. أما مجلة الإصلاح: فإن في آخر عدد لها -وهذه ملاحظة مهمة- وهو العدد الذي كتب فيه سماحة الشيخ ابن باز , عرضت على غلافها الخارجي صورة وزيرة الخارجية الأمريكية، وهي مجلة إسلامية، فلي وجهة نظرعليهم، فإن حركة نصف كم ليست عند أهل السنة، فلو أخرت هذه الصورة، أو أخفتها أو صغرتها لكان أفضل إذ لم يكن لها داعٍ، أو من باب الذوق والمنهج الإسلامي واللباس عموماً. أما مجلة الدعوة: فإنها قد سبق أن كُتبت لهم رسالة من بعض الفضلاء، وتُكُلم في بعض المناسبات، وأظن أنه لا يطبع منها فيما أعلم إلا خمسة آلاف نسخة، والحقيقة أن مدها قليل، سواء كان مضموناً أو قلباً وقالباً فنحن نطالبها بموضوعات دسمة، وبأقلام رائدة معروفة عند الناس، وبمقابلات وبتجديد الأخبار، وأن تنتشر في العالم الإسلامي بقدر الاستطاعة، إن كانت تريد أن تكون رائدة، وإلا فسوف تظل في مكانها دون حراك.

الإذاعة المستمع لها

الإذاعة المستمع لها Q إذاعة تستمع إليها؟ A إذا أردت أن أستمع فإذاعة القرآن الكريم -هذا محلياً- أما للأخبار فإذاعة لندن على تحفظ بها، وعموماً فإذاعة لندن إذاعة عالمية، وتلاحق الأخبار تباعاً.

شخصيات ومعاني

شخصيات ومعاني Q شيخ عائض! هنالك بعض الأسئلة السريعة التي تختص بأشخاص من التراث من الماضي والحاضر، فنبدأ بالماضي، ولا تؤاخذنا على بعض الأسئلة؛ لأننا نكتب من ورائها شيئاً. علي بن أبي طالب ماذا تعرف عنه؟ A هو بطل مواجهة، وفي قصته كما يقول بعضهم: سلوى للمحرومين، وعزاء للمظلومين، وإنساء للمنكوبين، وأنا قد طالبتك أمس بقصيدة لـ علي بالذات، لأن علياً قد أحبه قوم حتى غالوا في حبه فدخلوا النار، وأبغضه قوم حتى غالوا في بغضه فدخلوا النار، وتوسط أهل السنة في حبه، وفي الولاء له رضي الله عنه ويطير إلى ذهني الآن بيت ألقته عجوز كانت تنوح به على علي لما مات بـ العراق، تقول: يا ليتها إذا فدت عمراً بـ خارجة فدت علياً بمن شاءت من البشر لأن الخوارج لما أرسلوا في قتل عمرو بن العاص تأخر تلك الليلة فأرسل رئيس الشرطة رجلاً اسمه خارجة، فقتله هذا الخارجي، فتقول هذه العجوز: يا ليتها إذا فدت عمراً بـ خارجة فدت علياً بمن شاءت من البشر يا ليت الناس قتلوا وبقي علي. وعلي يتميز بثلاثة أمور: الزهد المتناهي والفصاحة المتناهية والشجاعة المتناهية.

شخصية صلاح الدين

شخصية صلاح الدين Q صلاح الدين الأيوبي ماذا يعني لك؟ A صلاح الدين الأيوبي بطل الإنقاذ، ومجدد الجهاد في سبيل الله عز وجل، وفي سيرته سر، فدين الله ليس حجراً على العرب, قال تعالى: {فإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] وهوية الإنسان لا إله إلا الله، فهو كردي، ومع ذلك لما مال العرب إلى الترف والوتر والسهر، رفع السيف وقال: باسم الله عز وجل، وانتصر ورفع علم الجهاد.

شخصية عمر بن عبد العزيز

شخصية عمر بن عبد العزيز Q عمر بن عبد العزيز ماذا يعني لك؟ A عمر رضي الله عنه مجدد القرن الأول، قال عنه الإمام أحمد: ليس أحد من التابعين قوله حجة إلا عمر بن عبد العزيز وفي سيرة عمر رضي الله عنه مسائل: منها: أن هذا الشاب استطاع أن يعيد الأمة إلى الله بقضها وقضيضها. ومنها: أن الفترة الزمنية المباركة أحب إلى الله من القرون التي يعيشها بعض الناس، فقد تولى عمر ثلاثين شهراً، قالوا: هي أحب للأمة من ثلاثين قرناً، حتى يقول أحدهم: عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر

شخصية محمد بن عبد الوهاب

شخصية محمد بن عبد الوهاب Q محمد بن عبد الوهاب ماذا يعني لك؟ A هو داعية التجديد، ومعيد الأمة إلى التوحيد، ورأيت أن الله بارك في دعوته بركة لا نهاية لها، بسبب أنه تجرد لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وظهر الإخلاص في طريقه، وهو من التلاميذ البررة الذين ما رأوا شيوخهم، فهو التلميذ البار لـ ابن تيمية، حتى يقول جولد زيهر: وضع ابن تيمية ألغاماًُ في الأرض فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب، وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن فوصلت شظايا دعوته النيرة المباركة إلى أفريقيا وآسيا وأوروبا.

شخصية ابن باز

شخصية ابن باز Q عبد العزيز بن باز ماذا يعني لك؟ A هو المنهجية الوسط، والعدل، والداعية الإنسان، وقد جمع الله فيه مناقب ما انتثرت أو ما تشتت وتفرقت في كثير من الفضلاء، فهو يجمع إلى العلم، الصبر, والحلم، والكرم, والأناة، وسلامة الصدر: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4].

شخصيات وأقوال

شخصيات وأقوال Q ننتقل إلى مجموعة أسماء أخرى وفي طرق أخرى، لنعرف رأيك فيها، ونقول لك: ما تقول فيهم؟

شخصية محمد عابد الجابري

شخصية محمد عابد الجابري Q محمد عابد الجابري ما تقول فيه؟ A محمد عابد الجابري كنت أقرأ كتبه الأخيرة، وأتساءل: أما عرف هذا الأستاذ أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو المصيب، وهو صاحب المنهج الرباني؟! ولماذا يمزج هذه الأفكار في مثل أزمة وخطاب العقل العربي، أو خطابنا الآن، أو فيما يطرح؟ فوجدت أنه يريد أن يوجد ثقافة عربية منفصلة، وبغض النظر هل هي مخطئة أم مصيبة، فهذا من وجهة نظري، فمثلاً: يأتي بثقافة أو طرح ابن خلدون والشاطبي، وطرح الرافضة والإسماعيلية الباطنية، والمعتزلة، ثم يجعل الفكر العربي هو الفكر السائد والمحكم وهذا ما أشبهه بـ المعتزلة، فإنهم جعلوا العقل محكماً على الشرع، فما استحسنه فهو الحسن، وما استقبحه فهو القبيح! فأنصحه أن يعود للوحي، وأن يحكم عقله فيما يكتب، بعد أن يعود إلى قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا في مسألة طلب الدليل: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148]. الأمر الثاني: أن المسألة ليست مكاثرة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: {المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور} فإن الذي يتكاثر بما عنده من ثقافة وأنه نقل أو قرأ متشبع بما لم يعط, والمطلوب من المفكر هو الصفاء، وليس المطلوب الخلط والمزج، فإنه أحياناً يخرج بأشياء مبثوثة وهو لا يعلم ماذا يريد أن يقول للناس، وله أتباع كانوا يكرمون مقالاته، وأنا لم أقل فيه هذا إلا لأنه مؤثر, وكتاباته متتابعة، وله إنتاج كثيف وضخم. وأطالبه أن يتقي الله في الأمة، وأن يعود فيؤصل، وأرى أن يقرأ لاثنين: لشيخ الإسلام ابن تيمية وللشاطبي، وقد مدح الشاطبي لكنه عاد فقرن ثقافات أخرى من الباطنية والمعتزلة كما قلت، حتى نقل عن بعض الزنادقة. العشماوي: مشكلة هؤلاء يا شيخ عائض! وأنت تدري بهذا الموضوع: أنهم يعتمدون على الثقافة الغربية، فركيزة ثقافة محمد عابد الجابري غربية، ويرجع إلى التراث وإلى بعض الشخصيات كـ الشاطبي وغيره؛ يرجع للاستشهاد فقط ولأخذ الأدلة، وحبذا لو نصح من هذا الجانب؛ فلو اعتمد على تراثه ثم عاد إلى ما عند الآخرين ليستفيد منهم لكان هذا هو الصواب، ولما وقع في هذا الخلط العجيب الذي وقع فيه الآن. لكن المشكلة أن هؤلاء يعتمدون الثقافات الغربية أصلاً، ثم يعودون للاستشهاد بالثقافات الإسلامية، كما يصنع مع أدونيس في مجال الأدب, عندما يعتمد الحداثة منهجاً ثم إذا أراد أن يستشهد رجع إلى التراث، فأخذ منه ما يناسبه.

شخصية فهمي هويدي

شخصية فهمي هويدي Q فهمي هويدي ما تقول فيه؟ A فهمي هويدي في الحقيقة هو أخف الضررين ممن يكتب، وقد قرأت له فيما قبل بعض المقالات كالتي يلاحظها مثلي على مثله، وإنصافاً معه نقول: هو من أكثر الناس تسديداً بالنسبة لغيره ممن يكتب، حتى رأيت له مقالات وهي ما يقارب العشر في التطرف والإرهاب وقد أعجبتني كثيراً، له مقالة في مجلة الوسط: الإرهاب ممن؟! وغيرها, ذكر فيها مسائل ملفتة للنظر، وكثير من الدعاة استأنسوا بما طرح، لأنه الآن يجنح إلى أهمية أن يسمع الآراء وأن يجلس مع الدعاة، وقد جلس مع كثير منهم، فأصبح يجدد في طرحه وأسلوبه. وهنا أذكر أمثلة أعجبتني ثم أذكر بعض الملاحظات، يقول في مسألة التطرف والإرهاب: لماذا يعلق فقط الإرهاب قميص عثمان هذا المدعى على أهل الخير وأهل الصحوة والدعوة، مع العلم أنه وجدت تجاوزات في القتل والإبادة والسجن والتعسف والظلم ولم يطلق على مرتكبيها مصطلح الإرهاب والتطرف، كالضباط الأحرار في عهد عبد الناصر، فإنهم قتلوا البشر قتلاً ذريعاًَ لا يوجد في التاريخ قتل مثله، مثل استالين ولينين وأتباعهما، ومثل محاكم التفتيش، ومثل ثورة الألمان مع هتلر وغيره. فهو يقول: إنما القصد التجني وافتعال التهم، وإلصاقها بالأبرياء، ويظل يشكو من التعميم الذي نشكو منه، تعميم الأخطاء التي يقع فيها بعض الأفراد، بأن تعمم على جماعة المسلمين الجمعاء، ومنها: مصادرة الجهود، وأن هؤلاء قوم لا فكر لهم، ولا رأي، ولا ثبات من استعداء السلطة عليهم، والإعلام، واستعداء الحكومات الغربية، إلى غير ذلك من الأشياء. وهنا أطالبه بمسائل: المسألة الأولى: لماذا لا يثري ثقافته بعلم الكتاب والسنة، بالآيات وبالأحاديث وبالنصوص، كما يفعل بعض الكتبة؟ المسألة الثانية: الصفاء فيما يكتب، فإنه ينقل أحياناً عن بعض الناس الغربيين كلاماً لا يوثق به. المسألة الثالثة: تأييده في كتابه الأخير لبعض الكتبة الذين يتجنون ويفتعلون بعض المسائل ضد الإسلام. هذه مسائل مما ألاحظها عليه، ولعله فيما يقبل من الزمن أصلح إن شاء الله، لأني أرى منه أنه أحسن من ذي قبل.

شخصية تركي الحمد

شخصية تركي الحمد Q لكن أنت تعلم أنه ينتمي إلى مدرسة تركي الحمد ما تقول فيه؟ A تركي الحمد أرى أنه تلميذ بار لـ محمد عابد الجابري، وكأنه يتتبع خطاه، ولم أكن أظن أنه بهذه الدرجة، حتى قرأت له مقالة في مجلة اليمامة قبل أشهر وهو يتحدث عن الإيديولوجية المطروحة، وكأن الرجل يريد أنه لا مشاحة في الفكر الديني الذي يحمله العبد، وألا نجعل الدين محل صراع، وأن كلاً يعرض رأيه وفكره وأطروحته بغض النظر عن مردها ومصدرها. الأمر الثاني: الالتواء فيما يطرح، فإننا نعلم أنه يريد نكاية والله أعلم. وأنا أطالبه بأمور: منها: المبارزة وحضور مجلس للمناظرة، وقد طلبه بعض الفضلاء ولكنه يرفض دائماً، ونريده للمناظرة ليظهر الحق أمام الناس، وليعلموا الحق مع من. والأمر الثاني: ألا يكون عالة على غيره، لأنه مقلد فإنه أحياناً يطرح بعض الأشياء وكأنها من عند ذاته، وبأسلوب يظهر للناس أنه حضر هذه المادة بنفسه وأعدها وتعب عليها، ثم تكتشف وإذا هي بالحرف والسطر والرقم لغيره، وهذا خلاف للأمانة العلمية، وقد أخبره بذلك الدكتور ناصر رشيد، وغيره من الأساتذة، والدكتور أحمد التويجري، وهذا أمر مخالف للقلم -وبغض النظر عن أمانة المسلم الذي يخاف الله عز وجل- لكنها عند العقلاء من الناس مذمومة مطروحة.

شخصية الدكتور عبد القادر طاش

شخصية الدكتور عبد القادر طاش Q الدكتور عبد القادر طاش ما تقول فيه؟ A عبد القادر طاش صاحبته وأعرفه كثيراً، وأحبه في الله عز وجل، وأنا أقول له بصراحة: لماذا يا دكتور عبد القادر هذه الغمغمة والجمجمة والهمهمة؟ لا بد أن يكون الحق واضحاً لا لبس فيه فيما يكتب في جريدة المسلمون، بأن يطرح الحق واضحاً ومؤصلاً، ويكتب ولا يخاف إلا من الله عز وجل، ولا نطلب منه أن ينقد بعض الناس، أو يتعرض، أو يذم، أو يقدح؛ لكنا نطلب منه أن يعرض الحق بوضوح، ويدافع عن أهله. الدكتور عبد القادر رجل مقبول وفيه خير، وعرفت تدينه وصدقه, ولكني أطالبه أن يثري أسلوبه بالمتانة، فمن وجهة نظري يحتاج أسلوبه أن يكون لماعاً، أو يكون لماحاً بالنظر، حتى يكون له جاذبية ولعله أعرف بهذا، ولكن هذا طلب مني، لا أني أمن عليه، وأسال الله أن يثبته ويسدده.

شخصية زين العابدين الركابي

شخصية زين العابدين الركابي Q زين العابدين الركابي ما تقول فيه؟ A من أحسن ما أقرأ له على قلة فيما يكتب زين العابدين الركابي، وهي من أحسن ما أقرأ وما ذلك إلا لأمور، منها: العقل الحصيف، لأنه الآن شارف على الستين، وهذه الستين تحمل من التجارب والممارسات ومن المزاولة والخبرة ما الله به عليم، لأن الرجل عنده صفاء قديم في التوجه، وقد تكلم في كثير من المنابر والأماكن، وعرف الحق من الباطل، ثم إن الشيخ زين العابدين الركابي استفاد، فهو رجل متواضع يجلس مع كثير من العلماء، ويباحثهم في كثير من المسائل، فاستفاد إلى عقله عقولاً. لكني أطالبه أن يكثر فيما يكتب، وقد قلت له: إن الواجب عليه بما عنده من خبرة أن يكتب مؤلفات في هذه المرحلة، وأن يجدد ويؤثر، ويشارك في المسيرة علّ الله أن ينفع بما يقدم.

مواقف حصلت للشيخ

مواقف حصلت للشيخ Q نحن نريد بعض الأشياء الخفيفة، عبر ثلاثة أسئلة سريعة وهي: أحرج موقف مر للشيخ عائض القرني وأطرف موقف، وأخوف موقف؟ A أحرج موقف وقد كررته كثيراً في بعض المقابلات ولا بأس من إعادته، فقد حدث هذا قبل سنوات، ويمكن أن يكون محرجاً أو ليس محرجاً بالنسبة لي لأني قد نسيت، لكن ذلك الموقف كثير ما سمع مني، وهو مثل الورود تشم ولا تعك. قبل سنوات أقيم حفل كبير في جامعة الإمام في أبها، واجتمع إليه بعض الناس والأعيان، وكان من المقرر أن لي في البرنامج قصيدة، نظمتها وصححتها، ثم وضعتها في جيبي، وكنت ألبس من لباس الكشافة -الترنك هذا- وجاء أحد الإخوة اسمه علي حجر، فأخذ القصيدة لينظر إليها ثم نسي فوضعها في جيبه -وقع هذا قبل صلاة العصر، والحفل سوف يكون بعد المغرب- ثم ذهب إلى منطقة خميس مشيط، فجئت ظاناً أن القصيدة ما زالت موجودة، وقدم لي المقدم وكان العلماء والمشايخ وبقية الجماهير منتبهين، فقمت عند الميكرفون وقدمت للقصيدة بكلمة نثرية وأنا لا أحفظ من القصيدة ولو بيتاً فهي ما زالت للتو تغطية للمناسبة، ثم قدمت ببادئ القصيدة وأتيت لأخرجها ففتحت الزر الأيمن فلم أجدها! وفتحت الزر الأيسر فلم أجدها! وفي الجيب الأعلى فلم أجدها! وأنا سريع النكتة، فقلت: أيها الإخوة! وتذكرت في أثناء البحث أن زميلي الأخ علي أخذها وذهب إلى والدته، فقلت: معذرة أيها الإخوة! نظمتها اليوم ولم أحفظها، وصححتها ووضعتها في جيبي، ولكن تذكرت أن أحد أصدقائي أخذها فنسيها وذهب وركب سيارة قبل صلاة العصر يزور أمه، فالمعذرة حتى يأتي بالقصيدة إن شاء الله، ثم جلست فضحك الجميع، والموقف لمن حضره وشاهده مؤثر.

أخوف موقف

أخوف موقف أما أخوف موقف؛ فهو موقف الطائرة, فقد ركبت في طائرة بعد أزمة الخليج، وكانت الطائرات رابضة فترة نظراً لعدم الرحلات بسبب الحرب، فركبنا في الطائرة وبعد أن ارتفعنا عن أبها فالطيار أصلحها وشحمها ثم ارتحل بنا، فلما اقتربنا من الرياض وقفت محركاتها، فبقينا على سماء الرياض أكثر من ساعة وهو يذهب بنا إلى المطار عشر مرات، وأتى بنا من الخوف والهلع ما الله به عليم، وبعضهم بكى حتى رأيت الدموع على الخدود، ورأيت من تاب وأناب: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65] وكانت النساء أكثرنا انهياراً، ووجدت التوحيد متحققاً عندي وارتفع ضغطه كثيراً، واتصلت بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنا وإخواني، وفي الأخير أطلق الله محركاتها فنزلت، وكأنا خرجنا من القبور إلى الحياة، وهذا ينبئ عن ضعف الإنسان، ويصل إلى درجة استجارته بالله الذي يجيب المضطر إذا دعاه.

أطرف موقف

أطرف موقف وأما أطرف موقف -حفظكم الله- فقد وقع العام الماضي وأنا في الحج، نزلت إلى المطار فركبت في سيارة أجرة، وكان قائدها رجلاً مسناً، عليه آثار سحونة الصحراء والأعرابية، فسألته من باب التعارف، وكان معنا أحد الإخوة من قحطان في المقعد الثاني واثنان من الإخوة المصريين عرفوني وعرفتهم، ولكن السائق لا يعرفني ولا أعرفه. فقلت: من الأخ؟ قال: أنا جحلق -والجحلق لغة دارجة- قلت أنا: إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ثم قلت له: من أي قبيلة أنت؟ قال: أنا مطيري، ثم سرت أنا وإياه في الحديث، ثم سألني من أين أنت: قلت: أنا من الجنوب؟ قال: الجنوب شعوب وقبائل!! لكن من أين؟ قلت أنا: قرني؟ قال: أعائض القرني منكم؟ قلت: نعم. فمشينا قليلاً ثم أتى بشريط في سيارته وشغله، والشريط كان لي وهو بعنوان: (ظالم من الدرجة الأولى) , يتحدث عن الحجاج وقتله لـ سعيد بن جبير، فقلت: لمن هذا؟ فقال: هذا لداعية من الدعاة في القصيم من بريدة، ثم أخذ يتكلم معي ورفع الشريط حتى أسمعه، ثم أخفضه، ويخبرني بالجملة التي سوف تأتي منها القصة، فقال: هذا الحجاج كان والياً في العراق، وكان أحد العلماء اسمه سعيد بن جبير، قلت: عجيب، ثم يرفع, ثم يخفض، ويقول: انظر! سوف يأتي الآن بالذهب له، ويغريه به، ثم يرفع، إلى أن قال: الآن اسمع الأسئلة، واستمر في الحديث حتى انتهى الشريط تماماًَ. بدأت أكلمه ونسيت من نفسي أخذت أقص عليهم القصص في الطريق، فأخذ ينظر إلي وينظر إلى الشريط، وبعدما اقتربنا من بروازة مكة، قال: أنت!! صوتك!! فضحك زميلي اللذان كانا معنا، وقال: وصلت، فبدأ التعارف من ذلك الوقت، وأصبحت صداقة فيما بيننا. العشماوي: قال عنك إنما هو من القصيم؟ القرني: يقول من القصيم، هذا يدلك على أن الأمة ليس عندها أمانة علمية.

الشباب والعطل

الشباب والعطل Q أخانا الكريم الشيخ عائض بن عبد الله القرني! جزاك الله خيراً على ما قدمت لنا، ونحن الآن نطل من شرفة العام الجديد (1414هـ) نقوم بهذا اللقاء الآن في أول شهر المحرم في هذا العام الجديد، وأنت تعلم أنه في آخر هذا الشهر ستبدأ الإجازة الصيفية والعطل للمدارس، فنريد قبل أن ننتهي من هذا اللقاء أن توجه نصيحة موجزة لشباب الأمة في طريقة قضاء أوقاتهم في مثل هذه الإجازات؟ A مما نشكو فيه إلى الله عز وجل الفراغ القاتل الذي يعيشه كثير من الشباب، وقد مر عام وانصرم في لحظة من اللحظات، مر ببؤسه ونعيمه، وبسعادته وشقاوته، وبانتصاراته وهزائمه، وبحسناته وسيئاته، ولكن: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52] أما هذا العام فإني أدعو إخواني إلى أن يستثمروه، وما مع الواحد منا إلا أن يعيش يوماً بيوم، وأن يعيش كل جزء بجزئه، فالحياة التفصيلية: {إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح} وقصدي من هذا: أن الشباب الذين يظنون أن العطلة الصيفية فرصة للتفرجة والنزهة، وفرصة لراحة النفس، فهذا ليس بصحيح في الإسلام، إن الله يقول: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] أي: حتى تموت، فعليك بالجد الصارم والمواصلة، والاستفادة، وعدم تضييع الفرص، فإن معظم الناس قد تأثروا ببعض الأطروحات في أن العطلة الصيفية فرصة لأن يتفرغ الإنسان للهو واللعب والذهاب والإياب، وهذا ليس بصحيح. والأصل أن هذه العطل لم تكن عند السلف، فحياة السلف علم متصل، وعبادة وتلق دائم، وما أجملها إذا كانت تستغل فيما يقرب إلى الله عز وجل! وهذه دعوة لإخواني أن ينتجوا في هذه العطل، مثل مدارس تحفيظ القرآن، فلماذا لا يدخل الناشئة في هذه العطل الصيفية في هذه المدارس، والمراكز الصيفية، والمخيمات، والمكتبات، وإلقاء المحاضرات، يبدأ فيحصل علماً، أو يقرأ كتاباً يختاره ويلخصه ويحفظه، مثلاً: كتابة مقالات، أو كتابة كتيبات، أو مشاركة في تخريج أحاديث، فيجعل المرء لنفسه في هذه العطلة مشروعاً، وهذا يأتي بأمور: منها: الاستعانة بالله عز وجل، ومعرفة أن هذا العمر يتصرم، وأنه لا يعود مرة أخرى، وعليه أن يبتعد عن رفقة السوء، وأهل العطالة والبطالة والفراغ، إلى غير ذلك من الأسباب التي توصل إن شاء الله إلى استثمار هذا الوقت فيما يقرب من الله. Q شيخ عائض! نحن في البداية تكلمنا عن الشعر، فنرجو إن شاء الله أن تختم هذا اللقاء بقصيدة تختارها للإخوة المستمعين؟ A الحقيقة أني لم أكن أعلم أن هذا الطلب سوف يكون، وقد سلف معنا بعض الأبيات، وأنا من الذين لا يحفظون قصائدهم إلا إذا مر عليها وقت طويل، وأكثر ما قلت في أني مقل، وأنا لست كمثلك، عندك من الغزارة ما يجعلك تخرج بين الفينة والأخرى ديواناً، لكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق. العشماوي: نترك لك فرصة أن تأتي بقصيدة الآن، وتقرأها كاملة لأن المستمعين حريصون على ذلك. القرني: فأجره حتى يسمع كلام الله.

خاتمة اللقاء

خاتمة اللقاء العشماوي: أيها الإخوة المستمعون: لقد كان هذا اللقاء الذي عشتم فيه مع أخي الكريم فضيلة الشيخ الداعية الأديب عائض بن عبد الله القرني، وقد حاولنا في هذا اللقاء أن نلم ببعض النقاط التي كنا نرى أنها ذات أهمية, خاصة في وقتنا هذا، وقد نكون وفقنا فيما أردناه، أو لم نوفق, ولكن هذا الأمر قد تحرينا فيه الدقة وبذلنا فيه الجهد، ونسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يجزي أخانا الكريم الشيخ عائض بن عبد الله القرني خير الجزاء، ونقول لك يا أبا عبد الله!: سدد الله خطاك، ووفقك إلى كل خير، ورزقنا وإياك الإخلاص في القول والعمل. القرني: أثابكم الله وحفظكم ورعاكم، وأنا بدوري أشكركم يا فضيلة الدكتور أبا أسامة! على ما قدمتم، والحقيقة أنكم أضفيتم روحاً وحياة على اللقاء، ومثلكم يطلب للقاءات لأن لقاءاتكم مع المشايخ أصبحت كالكبريت الأحمر، لقوتها وما فيها من حياة ونشوة، وبالمناسبة أقول لك: يا أخي! سوف تستمر هذه اللقاءات إن شاء الله، وما ذكرته من طلب الإخلاص هذا أمر وارد عند الجميع، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية. أمر آخر مما أتذكره الآن في نهاية المقام، أن مقدم اللقاء هو الذي يضفي عليه من اللقاء ومن الحيوية ما الله به عليم، وهي كمقدمة بعض الكتاب الجهابذة والعباقرة للعلماء، إذا قدموا للكتاب ولو كان ليس بذاك لقي قبولاً عند الناس، فعسى أن يكون لقاؤنا هذا من ذاك. ثم أشكر تسجيلات السرة بـ الكويت، وأطالبها بالاهتمام بإيصال الأمانات إلى أهلها، وهي إعطائي وإياك والمشايخ نسخاً من هذا اللقاء، وأقول لهم: لا تكون تسجيلات السرة كـ عزة، كما قال كثير: قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنىً غريمها فسوف ندعو لهم من الآن حتى يوصلوا الأشرطة، فإذا ما وصلت ففي الأمر نظر، وأسأل الله التوفيق والهداية والرشد والسداد، وشكراً لكم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين.

ولا تنازعوا فتفشلوا

ولا تنازعوا فتفشلوا الخلاف اليوم بين المسلمين قد اتسع أفقه, والاتفاق والاتحاد بين أعدائهم قد قوي صلبه. وفي هذا الدرس محاولة لمعالجة هذه الفرقة الموجودة بين المسلمين, وذلك بعدة أمور منها: الرجوع إلى العلماء, ومعرفة قدرهم وفضلهم, ومنها: معالجة قلوبنا من الحسد والضغينة والأحقاد. كما ذكر الشيخ أدب أهل العلم مع بعضهم عند الخلاف, وتعرض لقاعدة الموازنة بين الحسنات والسيئات, وذكر كلام محمد بن مهدي في صفة أهل السنة عند الخلاف. كما كان هناك كلمة تعقيبية للشيخ الدكتور سعيد بن زعير.

ترحيب الشيخ الطريري بالشيخ عائض

ترحيب الشيخ الطريري بالشيخ عائض اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالعافية في المال والأهل والولد. لك الحمد ربنا على كل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث، أو سر أو علانية، أو حاضر أو غائب. لك الحمد ربنا حتى ترضى, ولك الحمد إذا رضيت. وصلوات الله وسلامه وبركاته على نبينا محمد النبي الصادق الأمين, وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين, وخلفائه الراشدين, وسائر الصحابة أجمعين, ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ومع الحلقة الثانية عشر تعود إليكم دروس الوعي وتعودون إليها والعود أحمد، أهلاً بكم مع قضية من أكثر القضايا إلحاحاً على واقعنا، ففي حين يشكو الناصحون المشفقون على هذه الصحوة؛ من فقدان اللياقة في الاختلاف، أو يشكون من غيبة أدب الحوار، أو الحساسية من النقد، مما حول الخلاف إلى تنازع يعقبه فشل: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال:46]. فإنه في الوقت ذاته نرى خلطاً غريباً عجيباً في أحيان كثيرة حين تعرض هذه القضية عرضاً نراه يفضي إلى تغييب الولاء والبراء في عتمة تعدد وجهات النظر، أو إخفائه تحت مظلة حتمية الخلاف، ويراد من ذلك أن ننظر إلى الخلاف بين الإسلام والعلمنة، أو بين السنة والبدعة كنظرنا إلى الخلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم في صلاتهم العصر في بني قريظة. وربما مرر ذلك على عبارات يساء وضعها أو يساء فهمها، فهل كل اتفاق نتعاون فيه؟ وهل كل اختلاف نتعاذر فيه؟ وهل كل اختلاف رحمة؟ وهل كل اختلاف لا يفسد للود قضية؟ وهل يقبل شرعاً أو يليق أدباً مع محمد صلى الله عليه وسلم, أن يُستقدم إلى ثرى جزيرة العرب , جزيرة الإسلام، ومهده وملاذه, هذه الجزيرة التي كانت في وجدان محمد صلى الله عليه وسلم وهو يودع الدنيا فلحقت نفسه بالرفيق الأعلى وهو ينادي: {ألا لا يجتمع في جزيرة العرب دينان} هل يليق أن يستقدم إلى ثراها حداثيٌ مغموز عليه بالنفاق؟! أو شيوعيٌ من أفراخ الشيوعية المفلسة، ثم ترفع لهم المنابر، وتبوأ لهم المنصات؛ ليطرحوا طروحهم المشبوهة تحت مظلة حتمية الاختلاف، ويسكت الصوت المقابل تحت شعار: "أدب الخلاف". إن الحاجة جد ماسة إلى تجلية هذه القضية، وتبيين معالمها؛ حتى تعصم جماعة المسلمين من شرذمة التفرق، وبوادر التنازع، وبوار الفشل، وشؤم الخلاف، وحتى يعصم المجتمع المسلم أن تتنفس فيه رئة الباطل بمقولة علمنة، أو تنفث فيه فرقة زائغة بنفث بدعة، هذه القضية سيبين سواها ويلحم سداها, شيخنا وحبيب قلوبنا وقرة عيوننا أبو عبد الله الشيخ عائض بن عبد الله القرني، والذي لا يسعني أن أثني عليك، فقد أثنت عليك فعالك، ولا يسعني أن أمدحك فقد مدحك موقفك وعطاؤك. وكنت الجريء النفس في كل موقف تلفت فيه الحق لم يلق حاميا وكنت على الأفواه سيرة مجمل وكنت حديثاً في المسامع عاليا لكن يسعنا أبا عبد الله أن نحييك، فحياك الله بكل تحية من عنده مباركة طيبة، حياك الله كلما خطت لك قدم بحب، أو نظرت إليك مقلة بشوق، أو أصغت لك أذن بلهف، ويسعنا أن نكافئك بما لا نملك أن نكافئك إلا به ألا وهو الدعاء، فأسأل ربي بأسمائه المباركة الحسنى أن يبارك في عمرك، وينسأ في أجلك، ويبلغك من الخير مرادك، وأن يقر عينك بعز الإسلام وظهور المسلمين: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف:100]. وأدعكم مع أبي عبد الله فليتفضل مشكوراً مأجوراً.

مع من يكون الحوار؟

مع من يكون الحوار؟ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اللهم إني أسألك في هذا الموقف الكريم، من على هذا المنبر الكريم، في هذا الجمع الكريم وأنت الكريم, أن تصلح الراعي والرعية، اللهم إن زرع الباطل قد سمبل، وشوك الكفر قد حنظل، فنريد منك حاصدة لا تبقي له بقية. أبتهل إلى الله في أول هذا الدرس, كما ابتهل رسوله إليه عليه الصلاة والسلام في جنح الظلام وهو يقول كما في صحيح مسلم: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل, فاطر السماوات والأرض, عالم الغيب والشهادة, أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون, اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم} {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:213]. أما أخي إمام هذا الجامع والخطيب المفوه الشيخ: عبد الوهاب الطريري فالحقيقة أنني اعتذرت له كلما أثنى، ولم أجد له هذه الليلة عذراً إلا الحب، فإن أثنيت ورددت عليه اتهمت بأنني أحبه، وهذا سرٌ أفشيه في هذا المجلس، وإن سكت ولمته فما أدري أحبك لا تسأل لماذا لأنني أحبك هذا الحب رأيي ومذهبي واعلموا -حفظكم الله- أن لهذه المحاضرة سبباً ونسباً، أما سببها فهو الحوار المعلن الذي فوجئت به جزيرة العرب، جزيرة محمد عليه الصلاة والسلام وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، الجزيرة التي جدد توحيدها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من على هذا التراب الطيب الطاهر تفاجئ بحوار، ولكن: والله لو لاقيتني خالياً لآبي أقوانا مع الغالب وتخالفنا طائفتان: طائفة لا لقاء بيننا وبينها حتى تترك ما اعتقدت وما حملت، وليس كلامنا في هذا الدرس عنها. وطائفة تريد أن تجعل نقاط الحوار: الكتاب، والسنة، والكعبة، والمصحف، والصلاة. فتعرضها للحوار أمام الملأ وكأننا في شك من ديننا، وهؤلاء لنا معهم كلام. وإنه يؤسفنا أن يبوءوا -كما تفضل الشيخ- المنابر، وأن يسمع لهم، وتحتفل بهم الأمة، وتحشد لهم الحشود ثم لا يمكن دعاة الحق وأهل الحجة الدامغة والحجة البالغة التي يحملونها, وهم أولياء الله عز وجل، الذين يحملون قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام أن يتكلموا ويسمعوا الناس أصواتهم، ويتكلم أولئك للناس ويسمع حوارهم وصوتهم. وأنا أقول: هنا عدة قضايا: القضية الأولى: لا يجوز أن يسمع لهم أصلاً بوجود أهل العلم، والفكر، والرأي، ولو أنه يحصل بعض المداخلات، لكن هذه لا تشفي العليل، ولا تروي الغليل. القضية الثانية: الواجب أنهم يسمعوا لنا، فإن الله يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة:6] يسمع هو لا أن تسمع أنت؛ لأن الحق تحمله أنت، فما نحمله من حق الواجب أن نسمعه غيرنا ولا نسمع منهم الباطل, وسوف أعرج على هؤلاء.

ضرورة الائتلاف بين أفراد وجماعات الصحوة الإسلامية

ضرورة الائتلاف بين أفراد وجماعات الصحوة الإسلامية أما الحديث في هذا الدرس فهو مع من اختلفنا معه اختلافاً يمكن تداركه والالتقاء بعده، وعدم الضغينة أو الحقد من ورائه، وهذا ليس إلا خلافاً فرعياً يحصل في الملة، وقد حصل في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فسوف أتحدث إلى أولئك وأناديهم أن نعتصم، وأن نكون جبهة موحدة تحمي لا إله إلا الله محمد رسول الله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103]. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في هذا الصف المؤمن: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] ويقول جلت قدرته عن هؤلاء: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] ولقد سعى عليه الصلاة والسلام في توحيد القلوب وتأليف الأرواح إلى درجة أنه أجلس بلالاً الحبشي مع أبي بكر القرشي، وصهيباً الرومي مع عمر بن الخطاب، وسلمان الفارسي مع علي، وعماراً مع عثمان، فأي إخاء تريدونه بعد هذا الإخاء؟! إن يختلف ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد وحب الألفة على الحق مبدأ إسلامي يعشقه المؤمنون، ويدعو إليه الصالحون في كل زمان ومكان. أحب المسلمون عبد الله بن المبارك رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه كان يحب الائتلاف والاتفاق, ويتناسى الخلاف الفرعي، وكان ينشد في طلابه: وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفافٍ وحياءٍ وكرم قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم وكان يقول: إذا صاحبت قوماً أهل ود فكن لهم كذي الرحم الشفيق ولا تأخذ بزلة كل قوم فتبقى في الزمان بلا رفيق أيها الأحبة: نحن بحاجة ماسة إلى أن نجمع شملنا، ونوحد كلمتنا، وأن نتناسى تلك الضغائن التي جعلها الشيطان بيننا من إملائه وتسويفه، وعند أحمد في المسند عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب , ولكن بالتحريش بينهم}. فالشيطان يئس أن يُسجد للأصنام أو الأنداد، لكنه يحرش بين الصف الإسلامي، فيذر الجهود مبددة، والألسنة الحداد تتكلم في الأعراض، ثم اعلموا -حفظكم الله- أن من القضايا التي أريد أن أذكرها في أول هذه المحاضرة: هي اجتماع المسلمين على الكتاب والسنة ضرورة يمليها الشرع والواقع، وقد اجتمعت الأمم على ملل محرفة وعلى أطروحات باطلة، وتسعى الآن الهيئات لجمع نفسها -لأن الاجتماع أصبح ضرورة- على مصالح مشتركة، ووفاق دولي، وأخوة إنسانية، وعمل اقتصادي، وتنظير سياسي، إلى غير ذلك من أطروحات البشر، أفلا نجتمع نحن أهل الإيمان أمام هذا الزحف الكافر؟! إنها ضرورة!

ضرورة إنكار الوضع الخاطئ

ضرورة إنكار الوضع الخاطئ القضية الثالثة: إنكار الوضع الخاطئ ليس إثارة للفتنة، بل إطفاء للفتنة, فإن أصل الفتنة هو ترك الخطأ، وترك الباطل والمنكر, أما من ينكره فهو المصيب، ولو سكت عليه الصلاة والسلام عن الجاهلية وما أثارها ووقف ضدها لكانت الفتنة إلى اليوم، فكيف يعتبر من يرد الرأي الخاطئ هو الفاتن المفتن؟ لا. بل الذي أتى بالفتنة هو الذي يتولى كبرها. ونحن نعلم أن الأمم الآن تعيش حواراً إلا بلاد الإسلام, فهم ممن اختلفوا، لكنهم متفقون على حرب الإسلام, بل العجيب: أنهم على حوارهم وسماع الرأي والرأي الآخر أكثر استقراراً وأمناً وهدوءاً، ولا تسمع القنابل، ولا الحجارة والجراح، والسياط، ولا المشانق، والزنزانات إلا في هذا المشرق.

لماذا يفتح المجال لأهل الباطل؟

لماذا يفتح المجال لأهل الباطل؟ القضية الرابعة: إن مما يمزق الأمة ويفرق كلمتها أن تترك أبواب الشر مفتوحةً على مصراعيها، ثم يغلق على أهل الحق أن يبدوا كلمتهم، فإن الحجة البالغة هي حجة أهل الحق، ويقول بعض الفضلاء: أجلسوني مع الشيطان لأحاوره، واتركوا لي وقتاً كوقت الشيطان فسوف أغلبه، لأن الشيطان يحمل باطلاً، أما أن تأتي بالشيطان وأذنابه، وتسلم لهم المنبر، ثم تجبر الناس على سماعهم ولا تعترض عليهم فهذا ظلم، وهذا منتهى ما يصل إليه الإنسان من شر وإجحاف وحيف. فنقول: لا بد أن نسمع الناس صوتنا، وأن نبلغ -إن شاء الله- رسالتنا بالأدب، لأن حجتنا بالغة ومبادئنا أصيلة، ولا بد عند التنازع من الرجوع إلى الكتاب وسنة المعصوم عليه الصلاة والسلام، لا إلى فكر آخر، أو أطروحة، أو تقاليد، أو أعراف تعارفنا عليها أو آراء، أو أمور سجلها البشر وقيدوها, بل إلى الكتاب والسنة، وإلى راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومبدأ أهل السنة والجماعة , وهذا أمر هام يجب ألا نغفل عنه. فليس لأحد أن يقطع في مسألة إلا إذا كان معه دليل من المعصوم عليه الصلاة والسلام، وليس لأحدٍ أن يتدخل برأيه ليفرضه على الناس، ويزعم أن رأيه هو الصحيح ورأي غيره خطأ, فهذا من الظلم.

لا يمكن الوفاق مع من لم يدن بدين الحق

لا يمكن الوفاق مع من لم يدن بدين الحق القضية الخامسة: الذين يدعون للوفاق معنا وهم لا يدينون دين الحق، على أي مائدة نتفق؟! وكيف نلتقي معهم؟ أتحت أطروحات الماركسية والعلمانية والنصرانية المحرفة واليهودية المرتكسة، ونجلس معهم على وفاق؟! ثم يصفوننا إذا لم نوافقهم بالتزمت والتطرف والأصولية والتشدد؟! سبحان الله! أهذا هو الإنصاف؟! أمعنى أن نوافقهم أن نتنازل عن الحق الذي منحنا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إياه: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف:43]. بل والله ثم والله! لقد زاد تمسكنا بحقنا يوم رأينا النظريات المفلسة وهي تنهار وتحترق، ورأينا صرح أهل الباطل وهو يهوي تحت الأرجل: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110]. إن من الحقوق التي يدعو إليها العلماء والمصلحون أن يسمع صوتهم، وأن يفتح المجال لهم حتى يسمعوا الناس صوتهم، أضرب مثالاً بسيطاً: قبل ثلاثة أسابيع كتب كاتب في جريدة الندوة يسمى الدمنهوري دهوره الله في النار، يطالب هذا بتأديب طائفة من العلماء والدعاة والمصلحين، يقول: إنهم تعدوا الخط الأحمر، ما هو الخط الأحمر؟ ومن الذي رسمه؟ ومن ترك المجال لمثل هذا وأمثاله يعترض على أمة لا تقوم إلا بعلمائها ودعاتها ومصلحيها؟! وأنا أريد أن أرد عليه، أو غيري من طلبة العلم، فأين نرد؟! وكيف؟! وبأي لسان؟! وبأي قلم؟! وفي أي مجال؟! فهذا من الحيف، وعدم الإنصاف أن يترك المجال لمثل هؤلاء ينقمون على الشريعة وعلى حملتها، ولا يترك المجال للرد على هؤلاء. إن الحوار الذي تعيشه الأمم عندهم معناه: سماع الرأي والرأي الآخر، أو معناه: أن يفتح الرأي -بغض النظر عما يحمل من دين- سواء كان خيراً أو شراً, وأما في بعض البلاد فإنه يفتح المجال للشر فحسب. أيضاً أيها الإخوة! صاحب الرأي الصحيح لا يسمى مخالفاً، بل هو الذي على الحق، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إنما جعل الإمام ليؤتم به, فلا تختلفوا عليه} فإن الإمام هنا لا يسمى مخالفاً لمن خالفه، بل الذي خالفه هو المخالف, أما الإمام فهو على الحق، فالعلماء أو الدعاة -ونحن من طلبة العلماء لا من العلماء وأتكلم عن نفسي- لسنا مخالفين لهؤلاء، بل هم الذين خالفونا لأننا على بصيرة من ربنا: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].

شروط السماع للمخالف

شروط السماع للمخالف الخامسة: من حقوق صاحب الرأي، وصاحب القلم، وصاحب الفكر أن يسمع أو يستمع له لكن بشرطين -كما أسلفت-: الشرط الأول: أن يحمل حقاً. الشرط الثاني: ألا يخالف في مسائل الأصول.

أحوال أهل العلم عند الخلاف فيما بينهم

أحوال أهل العلم عند الخلاف فيما بينهم وأدخل الآن إلى الطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة لأتحدث لهم مباشرة حياً على هواء الحب والرضا والود، وأقول لهم: الآن أتكلم معكم وأترك العلمانيين لفرص أخرى, وأشكر الذين حضروا فراغموهم، والدين مبني على المراغمة والمجاهدة. وأشكر الذين كثروا سواد المؤمنين وجاءوا يراغمون أهل الباطل ويداخلون بكلماتهم، ويزحفون بتكبيراتهم، لأنه حفاظ على دار الإسلام، ودار القبلة، وعلى شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام. يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله رحمة واسعة- في الرياض الناضرة قال: حالة أهل العلم مع أهل العلم عند الخلاف على ثلاثة أحوال:

حال أهل الإحسان

حال أهل الإحسان الحال الأولى: حال أهل الإحسان، وهم الذين يذكرون المحاسن ولا يذكرون المثالب، فأنت تخالفني وأخالفك في جزئيات وفرعيات، فالواجب إذا أردت أن تحسن إلي وأحسن إليك أن تعاملني بالحسنى، أن تذكر محاسني وأذكر محاسنك, ولا تذكر مثالبي ولا أذكر مثالبك، وهذه لا يفعلها إلا قلة نادرة من أمثال ابن المبارك رحمه الله، والإمام الشافعي، فقد صح عن الشافعي أنه قال: "والله ما ناظرت أحداً إلا وددت أن يكون الحق معه، وإني أدعو له بالصواب والتسديد" أو كما قال، فأين من يفعل ذلك؟ إن الكثير منا إذا اختلف مع الآخر في مسائل جزئية أو فرعية -ويجوز الخلاف فيها شرعاً وقد اختلف فيها الصحابة- فإنه يتمنى له العثرات ويستحل عرضه، ويتكلم فيه ويسري بعداوة له، ويتفقده في كل ما يمكن أن يخطئ فيه ليشهر بهذا الخطأ.

حال أهل الإنصاف

حال أهل الإنصاف الحال الثاني: حال أهل الإنصاف: وهو أن تصفني فتذكر محاسني ومساوئي, وأذكر محاسنك ومساوئك، فهذا حال أهل العدل، وعموم العلماء.

حال أهل الظلم

حال أهل الظلم الحال الثالث: حال أهل الظلم والحيف، وهم الذين يذكرون الأخطاء ويتركون الحسنات فلا يذكرونها، وقد قال ابن تيمية رحمه الله: "بعض الناس كالذباب لا يقع إلا على الجرح" فتجده يترك المحاسن في الكتب والأشرطة والمحاضرات والدروس والمؤلفات، ويأتي إلى طالب علم أو داعية أو عالم فيقول: أخطأ في كذا، ثم يشهر به، ويرد عليه في أشرطة، ثم يقتفي أثره ويغتابه ويستحل عرضه، فأين الإسلام؟ وأين الإيمان من هذا؟ لماذا لا تذكر الحسنات؟ قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله وهو من علماء الحديث ومن علماء أهل السنة: " أهل السنة يذكرون ما لهم وما عليهم، وأهل البدعة لا يذكرون إلا ما لهم " وهذا من الظلم. وأنا رأيت ردوداً وسمعت أشرطة لا تذكر إلا الأخطاء، ولا تذكر لهذا الداعية، أو العالم، أو طالب العلم حسنة واحدة لا في جودة الأسلوب, أو في الغيرة لله عز وجل، أو في سعة العلم، أو في الخيرية التي فيه! فأقول: أين العدل؟ وأين تقوى الله عز وجل؟ وأين مخافته؟ شارب الخمر عند الرسول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح، يشربها أكثر من مرة، فيسبه أحد الصحابة، فيقول له صلى الله عليه وسلم: {لا تكن عوناً للشيطان على أخيك، فوالذي نفسي بيده! ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ورأيت بعض الفضلاء يقول: أحسن المعتزلة في إدخالهم الملاحدة إلى الإسلام، ولكنهم أساءوا يوم أوقفوهم في الاعتزال وما أدخلوهم في مذهب أهل السنة. لماذا لا يعترف بعضنا لبعض بما فيه من إيجابيات، وبما فيه من خير؟ لماذا بسبب أخطاء لا يخلو منها البشر؛ تطمس حسنات الرجل؟ وقد قال عليه الصلاة والسلام: {إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث}.

محاولة لمعالجة الخلاف في الأمة

محاولة لمعالجة الخلاف في الأمة خطاب مفتوح في نقاط لحملة السنة، ولطلبة العلم، وللصالحين، وللأخيار، وللذين يريدون الله والدار الآخرة، أقولها بشكل مسائل:

ضرورة الاهتمام بالعدو الأكبر

ضرورة الاهتمام بالعدو الأكبر أولاً: لماذا ننسى عدونا الأكبر ونختصم فيما بيننا؟ هل انتهينا من حرب النصرانية العالمية، واليهودية، والعلمانية، وهي تفرخ وتعشعش في عقر دارنا، هل وقفنا ضدها؟ أين أهل هذه الردود من الصولات والجولات التي تعرفونها من أولئك؟ أين أصواتهم؟ أين تكبيراتهم؟ أين كتبهم؟ أين محاضراتهم؟ أين أشرطتهم مع أناس تربوا في وكر الماسونية، وفي مخادع الماركسية، وعلى موائد العلمنة؟ فأين هم لا نراهم إلا على الدعاة وطلبة العلم في مسائل فرعية، أو في إشغال للأمة بجزئيات يجوز فيها الاختلاف؟! هل هجر مالك الليث؟ أو هجر أحمد الشافعي لأنه خالفه؟ لقد اختلفوا في فروع، وصلى بعضهم وراء بعض، ودعا بعضهم لبعض، بل قال الإمام أحمد لـ ابن الشافعي: "أبوك من السبعة الذين أدعو لهم وقت السحر" فبالله كيف نحاكم هؤلاء الذين اشتغلوا بالصالحين، وطلبة العلم والعلماء، يلقطون عليهم كلمات محتملة عامة، مائعة أحياناً أو عائمة، ثم يأخذون منها نقداً ويضخمونها، ويبرزونها، ويوغرون صدور الجيل الناشئ الذين يريدون صفو الكتاب والسنة, كيف نحاكمهم؟ أقول لهم: أين أنتم عن الصولات والجولات، هل لكم كتب في الردود على هؤلاء؟ هل لكم محاضرات أو كتب ضد اليهودية والماسونية والعلمانية والماركسية أم لا؟! أتى رجل إلى جعفر الصادق فاغتاب مسلماً عنده، فقال له: اسكت، هل قاتلت الروم؟ قال الرجل لا. قال: هل قاتلت الفرس؟ قال: لا. قال: هل قاتلت الترك -يوم كانوا مشركين-؟ قال: لا. قال: يسلم منك الروم والترك وفارس ولا يسلم منك أخوك المسلم!! سبحان الله! أين جهاد هؤلاء؟! أين المواقف المشهودة التي يقفها هؤلاء؟! والله! إن موقفاً واحداً لداعية أمام فروخ العلمنة الذين أتوا بالأفكار الغربية، يتكلمون بألسنتنا، ويشربون ماءنا، ويستنشقون هواءنا، وهم مشحونون بآراء كافرة ملحدة من الداخل, إن وقوف داعية أمامهم أحسن من مؤلفات هؤلاء ومئات أضعافها وأشرطتهم، بل أحسن ربما من كثير من دروس تشتت شمل الأمة وهذا قطعاً لا شك فيه. لكني أقسم من باب: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب

حرمة اتهام النيات

حرمة اتهام النيات المسألة الثانية: لماذا نتهم النيات فيما بيننا؟ نسمع بعض الفضلاء يلقي محاضرات وما قصده إلا الخير، وإلا كيف يتصور أن ينهك نفسه من أجل الدعوة ومن أجل الحق، ويؤلف، ويحاضر، ويدرس، ويربي، ويعلم، ثم تأتي أنت من ورائه تستخرج وتنقب من كلامه وتقول: إنه يريد الإساءة للإسلام والمسلمين؟! ويريد الهدم لدين الله عز وجل؟! وإنه يريد الوقيعة بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]؟! فأقول: اتقوا الله، من يسمع كلامي هذا ومن يبلغه، وأقول لكم ولنفسي: لنتق الله جميعاً، فلا نتهم النيات، إذا كان للكلام محملان حسن وسيئ، نحمله على الحسن، لكن هؤلاء لا يحملونه إلا على السيئ، وإذا قلت لهم: إنه لا يريد هذا القصد، قال: أنت لا تعرفه نحن نعرفه، له تصرفات وله حركات ودلت عليه حيثيات، وعليه دلائل وبراهين ويجمعون كلامه، حتى إني سمعت شريطاً, أخذوا كل ما يمكن أن يحمل فيه على محمل أو عثرة مما يقارب خمسين شريطاً ووضعوه في شريطٍ واحد، فهل هذا عدل؟! وهل هذا إنصاف؟!

احتمال وجود الحق عند المخالف

احتمال وجود الحق عند المخالف المسألة الثالثة: لماذا نحن ندعي لأنفسنا الصواب ولغيرنا الخطأ؟ بعض الناس نصب نفسه أنه من أهل السنة وغيره ليس من أهل السنة، فيحاكم الناس إلى نفسه وكتبه، ومحاضراته، ودروسه، حتى سمعت بعضهم يقول: وقد ذكرت ذلك في موطن من كتبي! وقد ذكرت هذا الفصل في أحد أشرطتي! وقد وضحته في بعض محاضراتي! فكأن هذا العلامة شيخ الإسلام في هذا العصر وهو مرجع الأمة، وكأنه المرجعية الكبرى لـ أهل السنة، فيقول: أنتم ما راجعتم كتبي! وأنتم ما رأيتم ماذا قلت في المسألة! ولو راجع كلامي هذا ما أخطأ، لكن العيب فيه أنه ما راجع كلامي! ومن أنت يا حجة الإسلام حتى نرجع إليك؟! أنت مثلي وأنا مثلك، والواجب إذا اختلفت أنا وأنت أو تنازعنا أن نرجع إلى الكتاب والسنة, لا أن نرجع إلى كلامك.

ضرورة الانتباه لدوافع النقد

ضرورة الانتباه لدوافع النقد المسألة الرابعة: لماذا نتشهى بتبديع الناس وتضليلهم؟ فالكلام قد يحتمل الصحة, لماذا لا نجعل لأنفسنا فسحة ليتوب الله علينا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويعفينا من أخطاء الناس ومن ذنوبهم، ولا نبدع, فنقول: نستغفر الله, يمكن أنه أراد غير ما قال؟ قالوا: لا، إذا لم تبدعه فأنت مبتدع. وهذا يسمى: التركيب في الفتيا والتركيب في الأحكام، فمن لا يبدع المبتدع فهو مبتدع، ومن لا يكفر الكافر فهو كافر، وقد يكون الثاني صحيحاً عند بعض أهل العلم، لكن قصدي إن هؤلاء يسرع بعضهم في تبديع الناس. حتى إنه كلما وجد محملاً لكلمة سارع إلى نقدها أو أخذها، فما أدري ما هي الدائرة الضيقة التي يتعامل من خلالها مع الناس ومع طلبة العلم والناشئة؟ وفي أي جو يستطيع أن يعيش هذا إذا أخذ محمل تبديع الناس وتضليلهم ولم يتلمس لهم أعذاراً ما دام أن لهم أعذاراً، وما دام أنهم لم يشهروا ببدعتهم أو يثبت عليهم ثابت؟

ضرورة العودة إلى العلماء

ضرورة العودة إلى العلماء القضية الخامسة: لماذا لا نعود إلى العلماء؟ ربما يوجد هناك ناشئة لا يرون للعلماء قدراً، حتى كبار العلماء, ويرون أن هؤلاء العلماء ليسوا أهلاً أن يعاد إليهم، وبعضهم صرح بما في نفسه، وهذا -والعياذ بالله- غواية من هؤلاء، وعلامة على أنهم لم يربوا تربية صحيحة، طالب في السادسة أو الخامسة عشرة من عمره يأتي إلى عالم في الثمانين أو أكبر، يحمل علم الكتاب والسنة، فينتقده، ولا يرضى قوله، ولا يعود إليه، ولا يسأله، ويقول: أنا أعرف بالواقع منه، وعندي خلفيات أخرى، والعالم هذا فيه أمور لكن لا أذكرها تورعاً. يكفيك ذنباً أنك لم تسأل هذا العالم ولم تعد إليه، فإن طلبة العلم يعودون للعلماء، قال عمر في قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] قال: [[أنا من الذين يستنبطونه]] ويستنبطونه أي: يجيدون فقه الكتاب والسنة.

ضرورة سعة الصدر وطول النفس لطالب العلم

ضرورة سعة الصدر وطول النفس لطالب العلم القضية السادسة: أين سعة الصدر وطول النفس والحلم الذي نطالب به الناس في الخطب والمحاضرات والدروس، قال ابن مسعود: [[فقهاء إذا ما تكلموا]] أي: أنهم إذا كانوا على المنبر فهم فقهاء، لكن في حياتهم وواقعهم وتعاملهم، تجد الشراسة، حتى تجد بعضهم يهجر أخاه المسلم وهو يلتقي بأهل البدع، أو أحياناً بالكفار وهو مسالم معهم, حتى إذا قلت له: يا أخي! لماذا لا تشتغل بالرد على العلمانيين؟ قال: معنا أناس أخطر من العلمانيين، وقد قالوها صراحة، وتكلموا بها بوضوح، وهذا هو الخطر العظيم، والله عز وجل يرسل موسى إلى فرعون فيقول: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] ونحن بيننا مسلمون، مصلون، قائمون بأمر الله في الجملة، ومع ذلك لا يلين أحدنا كلامه لأخيه المسلم، فأين العدل والإنصاف؟ وأين سعة الصدر؟ وأين الحلم؟ وأين دائرة العلم الواسعة التي يمكن أن نتخاطب منها مع الناس حتى نوضح للناس منهج الله أو يوضحوا لنا هم منهج الله حتى نكون وإياهم على كلمة سواء؟ إنني أطالب نفسي وإخواني بالحلم، وعدم العجلة بإصدار الكلمات الفضة الغليظة التي تشتت الشمل، وتذهب البركة من هذا العلم، حتى تجد أحد الناس يطلب علم الحديث، لكنه وجه الجرح والتعديل إلى جرح واغتياب الناس، فإذا قلت: لا تغتاب هذا العالم، قال: هذا من باب الجرح والتعديل عند أهل السنة والجماعة، فيأكل لحوم الناس تحت هذه المظلة، وهذا محرم ولا يجوز له.

ضرورة التماس العذر للمخالف

ضرورة التماس العذر للمخالف المسألة السابعة: لماذا لا يتلمس بعضنا لبعض العذر؟ فقد يكون وهم في المسألة، ولعله أراد كذا فأخطأ، لماذا لا نبدي أولاً حسن النية؟ يقول أحدهم لـ ابن السماك: غداً نتعاتب، قال: بل غداً نتغافر. يقول: غداً أنا وإياك نلتقي ونتعاتب وأحاسبك، قال: لا. غداً نتغافر, ألقاك فتقول: غفر الله لك، وأقول لك: غفر الله لك, هذا هو منطق الإيمان. أيها الإخوة: لا بد أن نلتمس الأعذار للمسلمين من أهل السنة، الذين أخطئوا في مسائل، لأن الخطأ منهم هو ناشئ إما من الوهم، أو أن الدليل ما وصلهم، أو سبق لفظ، أو أرادوا شيئاً ما فهمناه، وكان اللازم أن نسألهم قبل أن نشهر بهم في الأشرطة والكتيبات ومن على المنابر، لماذا لا نقف معهم ونحاورهم كما فعل أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام؟ ذكر صاحب كنز العمال: "أن أبا سفيان بن حرب طرق الباب على علي بن أبي طالب في الليل، بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد أخذ أبو بكر الخلافة, وهو من بني تيم من أسرة صغيرة ضعيفة، وعلي بن أبي طالب من أسرة بني هاشم، ومنطق الجاهلية يرى أن الخلافة ليست إلا في علي؛ لأنه من أسرة كبرى، وأما أبو بكر فمن أسرة صغيرة. فخرج علي سيد الشجعان في ظلام الليل وعليه إزار، قال أبو سفيان: يا علي! إن كنت تريد الخلافة، فو الله! لأملأن عليك المدينة خيلاً جرداً، وشباباً مرداً -يعني: مقاتلين- حتى يسلموا لك الخلافة بالقوة، فأخذ علي بتلابيب أبي سفيان وهزّه، وقال: [[يا أبا سفيان! إن المنافقين غششة، وإن المؤمنين نصحة]] إن الذي يسعى بالدس والغش بين الناس فيه نوع من النفاق، أما المسلم فناصح، ولذلك يقول الشافعي: تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه ونخشى -والعياذ بالله- من سوء النيات، لأن من يريد الرد على بعض الذين برزوا في العلم، والدعوة، والفكر، والرأي، والأثر الطيب، والبلاء الحسن؛ يريد أن يشتهر، وبعضهم يريد أن يتسلق على أكتاف العظماء، أو الفطناء أو الألباب حتى يظهر هو وبئس ما فعل! وبئس ما حصل عليه، ويا خسارتاه!

ضرورة إعطاء المسائل الفرعية حجمها

ضرورة إعطاء المسائل الفرعية حجمها المسألة الثامنة: نحن نتفق في مسائل الأصول التي أجمع عليها أهل العلم، فلماذا تعطى هذه المسائل الخلافية أكبر من حجمها؟ ما هو الخلاف الآن بين أهل السنة؟ أما آمنوا بالله واليوم الآخر؛ وأثبتوا والصفات؟ أما اعتقدوا ما اعتقد أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام؟ ما هو الخلاف الآن المزعوم والمفتعل، والحروب الهوائية المفتعلة والمختلقة، والمعارك الوهمية التي يحدثها بعض الناس؟! وماذا يريدون من ورائها؟! أنا أسألهم: ما هي النقاط التي اختلفنا فيها حتى نعود على بصيرة؟ ما تسمع منهم إلا عموميات وتعميماً للقضايا، وإدخال كلام بعضه في بعض، وهذا ظلم وحيف لا بد أن نحذر منه.

الصدق في النصيحة

الصدق في النصيحة المسألة التاسعة: النصح. النصيحة معناها: محبة الصواب للآخر، والفضيحة: التشهير بخطئه، وأنا إذا أردت أن أنصح أحداً من الناس، فمعناه: أني أحب أن يصيب الحق، ويقوم عليه، ولا أحب أن يستمر في خطئه، لكن إذا عرضت خطأه للناس وشهرت به، فمعنى ذلك أيها الفضلاء: أنني أريد أن يستمر في خطئه، وأريد أن أنتقم منه لأمور الله أعلم بها.

الموازنة بين الحسنات والسيئات عند التقويم

الموازنة بين الحسنات والسيئات عند التقويم المسألة العاشرة: نلغي حسنات من أخطأ وننسى ما فيه من خير، وقد أسلفت هذا كما قال الله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] فأين حسنات الناس؟ وأين ما فيهم من خير؟ انظر الآن إلى أهل السنة إذا تكلموا عن رجل, مثل: الذهبي -أضرب لك مثلاً- ترجم لـ قتادة بن دعامة السدوسي , المحدث, راوية البخاري ومسلم في الصحيحين، فذكر ما فيه من بدعة القدر، فقال: وكان رأساً في الزهد العبادة، ورأساً في التفسير والحديث، هذا ولا ننسى بدعته، وكذلك لا نطرح من حفظه. فالمسألة مسألة ميزان، أن توازن بين الخير والشر في الإنسان، وأن تكون شاهداً لله على نفسك أو على الأقربين، وهذه هي الشهادة الحقة التي سوف يسأل عليها العبد: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86] وفي حديث يرويه ابن أبي خيثمة وفيه مقال أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لرجل وأشار إلى الشمس: {على مثلها فاشهد} فأين البينة؟: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ} [الأنعام:148] والله يقول: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]. أيضاً لماذا يصر كل منا على أن رأيه صحيح، ورأي غيره خطأ، إن هذه كارثة، لأنه اعتقاد بعصمة كلامه وعمله، فهذه مهلكة من المهالك، قرأت في فتح الباري في كتاب الرقاق: أن رجلاً سأل عبد الله بن المبارك فقال: رأيت مسلماً قتل مسلماً، فقلت لنفسي: أنا خيرٌ منه، قال ابن المبارك: "أمنك على نفسك أشد من جريمة قتله للمسلم". وفي الصحيح أيضاً: {أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل: من الذي يتألى علي؟! أشهدكم أني قد غفرت لهذا وأحبطت عمل هذا} أي: حبط عمل العابد لأنه أعجب برأيه. فأنت تدعوني إلى رأيك وتزعم أنك أنت المصيب، وأنا المخطئ فإلى متى؟! فلا بد لنا من أن نتحاكم وإياك إلى الدليل، ثم ترضى بما حكم الله ورسوله عليه الصلاة والسلام. أيضاً: احذر أن يكون هناك شيء من الحسد بين الأقران، فإن أهل السنة يقولون: كلام الأقران يطوى ولا يروى، ومرض المقارنة مرض مزمن، ومرض المعاصرة مرض قديم، ولذلك حصل كلام بين مالك رحمه الله مع ابن إسحاق , ومحمد بن مندة مع أبي نعيم، وابن جرير مع أبي داود، وغيرهم، فالحذر من أن يكون بين الأقران شيء من الحسد ثم يتحول إلى حرب افتعالية وانتقام وتشفي بالكلمات, حتى تجد ذنب هذا أنه برز، حتى يقول أحدهم: إذا محاسني اللاتي أدل بها كانت ذنوباً فقل لي كيف أعتذر أي: إذا كان ذنبي عندك أنني برزت، وتكلمت ونفعت وأفدت فكيف أعتذر منها وهي محاسني؟ ويقول الآخر: وشكوت من ظلم الوشاة ولم تجد ذا سؤدد إلا أصيب بحُسَّدِ لا زلت يا صدق الكرام محسداً والتافه المسكين غير محَسَّدِ أي: دائماً المرموقون محسَّدون، وأقول: لا بد أن ننزع الحسد وعداء الأقران من بيننا، ونتقي الله عز وجل، فإن الله تعالى قال في أوليائه: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] وقال عنهم: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]. {أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام عن رجل دخل عليه المسجد أنه يدخل الجنة ثلاث مرات, فتبعه ابن عمر ورأى عمله، فوجد عمله كعمل المسلمين، فسأله فقال: إنني لا أنام وفي قلبي غلٌ لأحد من المسلمين} وهذه قمة الأخلاق، وقمة الرقي والتقوى ومحاسبة النفس.

الخلاف الشرعي لا يتحول إلى خلاف شخصي

الخلاف الشرعي لا يتحول إلى خلاف شخصي المسألة الحادية عشرة: لا يجوز للخلاف أن يتحول إلى خلاف شخصي وعداوة. فمثلاً: بعض الناس قد يختلف معك في مسألة ما: مثلاً: في تحريك الإصبع، أو مثلاً: في جلسة الاستراحة، فيترك جلسة الاستراحة وتحريك الإصبع ويصمد إليك، ويجرحك، ويتكلم فيك بما ليس من أدب الخلاف، فإن الخلاف إذا كان في مسألة ما فلا تنقلها وتجعلها خلافاً شخصياً وعدائياً, فالهجوم الشخصي هذا ليس بصحيح، حتى إن بعضهم يقول: وهذا الرجل شرس الخلق، حاد الطباع، بخيل, فيه كل عيب! فما علاقة هذا كله في المسألة المختلف فيها؟! ولا نريد أن تعاد الواقعة التي حصلت بين الإمامين الجليلين السيوطي والسخاوي رحمهما الله تعالى حتى ألف السيوطي كتاباً اسمه: الكاوي لدمغ السخاوي وذاك يكتب كتاباً في الرد عليه, وتنتقل المسائل الخلافية الشرعية إلى شخصية، حتى إنه يقول في كتابه: وكان عاقاً لأمه، فتركها وهجرها، ولم يزرها في القاهرة! فما علاقة هذه المسألة في أمه؟! وهذا مثلما يفعله كثير من الناس -وأعوذ بالله وأسأل الله أن يعافيني وإياكم أن نكون منهم- يتركون مسألة الخلاف ويأتون إلى الهجوم الشخصي، والسلوكي, والهجوم في الطباع والصفات، ويتركون المسألة التي اختلف فيها.

ضرورة توحيد الصفوف أمام العدو المشترك

ضرورة توحيد الصفوف أمام العدو المشترك المسألة الثانية عشرة: لماذا لا تبرز ردود أهل الحق في وحدة ائتلافية حتى نصمد أمام عدونا المشترك؟ ثم لماذا لا نأخذ قدم صدق ننصر بها دين الله عز وجل؟ وأنا أدعوكم إلى هذه القضية المهمة؛ لأن الحقوق تؤخذ ولا تعطى، وقد قال بعض الفضلاء في مثل كتاب المسار، وهو الصحيح: الآن أنت إذا تركت الباطل يمرغ الحق، ثم وقفت وتقول: ما أتيحت لي الفرصة، ومن يتيح لك الفرصة؟ أليس ربك، ثم جهدك وحرصك، وغيرتك. فأنا أطالب بالمراغمة, أن تحضر أنت في الأندية، خاصة إذا كنت من أهل الفن -أعط السهم راميها- فتأخذ وتعطي مع هؤلاء، وإني أشكر أصحاب الفضيلة الذين راغموا كثيراً من دعاة الباطل، في بعض المواقف المشهورة المحمودة من أصحاب الفضيلة مثل: الدكتور سعيد بن زعير، وفضيلة الدكتور أحمد التويجري، والدكتور سعود الفنيسان، والشيخ عبد الوهاب الطريري، والدكتور ناصر رشيد، والدكتور الهويمل، وغيرهم كثير وكثير، أشكرهم على ما فعلوا؟ وهذا هو الجهاد، وأيهما أفضل؟ رجل يتنفل نافلة ويصلي في زاوية في المسجد, ورجل وقف هناك يراغم الأعداء ويقف ضدهم ويذب عن الشريعة، ويدافع عن محمد صلى الله عليه وسلم؟ إن هذا أعظم أجراً عند الله، وعسى الله أن ينفعهم بهذه المواقف المشهودة، فإنها مواقف أهل الإيمان الذين دافعوا الباطل, فلماذا أنت لا تدافع؟: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} [المؤمنون:96] {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31]. وفي الحديث الصحيح: {أخرج الرسول صلى الله عليه وسلم سيفاً، فقال: من يأخذ هذا السيف؟ فامتدت أيادي الصحابة كلهم يريد أن يأخذ السيف، فقال صلى الله عليه وسلم: بحقه، فخمدت الأيدي ونزلت الأصابع، وبقيت يد أبي دجانة مرفوعة، قال: ما حقه يا رسول الله؟ قال: حقه أن تضرب به الكفار حتى ينحني، فأخرج عصابته الحمراء وعصب بها رأسه, وكانت تسمى عصابة الموت، وأخذ يقول: أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل ألا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسول ثم مضى متبختراً لمراغمة أهل الباطل، فقال صلى الله عليه وسلم: إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن}. فلك أن تحضر، وتكثر سواد المؤمنين وتدخل في هذه الأندية بكتيبة إيمانية معك من شباب الدعوة، أهل الصلوات الخمس وهم في محفل وفي جمع كبير يكبرون ويهللون، فهذا هو نصر الإسلام، أحسن من أن تبقى ترد في بيتك على دعاة الإسلام وعلمائه، في نقاط اختلف فيها السلف، وكثر فيها الخلاف، وسوف يبقى الخلاف حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يضرنا أن يختلف فيها أهل العلم. وبعض المسائل قد ذكر فيها الحافظ ابن حجر وغيره ثلاثة وأربعين قولاً، وما ضر ذلك أهل الأمة الإسلامية، ساعة الاستجابة في الجمعة في أي ساعة؟ قالوا: ثلاثة وأربعين قولاً. جلود الميتة هل تستخدم أم لا؟ ثمانية أقوال، وهل توقف العالم الإسلامي ومسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم على جلود الميتة وساعة الاستجابة في الجمعة؟! قل القول الذي أدى إليه اجتهادك، لكنك لا تتتبع الصالحين في أقوالهم وفيما غلطوا فيه مما يسعهم الخلاف فيه. أيضاً: لا يجوز أن نفرح بأخطاء المسلمين، فإن بعض الناس يتشفى بذلك، يريد أن يتعثر صاحبه ويخطيء، حتى إني سمعت: أن بعضهم خصص بعض طلبة العلم لجرد كثير من الأشرطة؛ ليسمع الأخطاء فيها ويسجلها في دفتر. سبحان الله!! لماذا لا يشغل نفسه بما فيه صلاح له في الدنيا والآخرة؟ ولماذا لا يوفر على نفسه الجهد، ويرد على أعداء الله عز وجل، وإذا قلت له: اتجه نحو اليهود والنصارى والعلمنة، قال: أولئك أخطر من اليهود والنصارى والعلمنة: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} [الأنعام:46]. أيضاً: الواجب أن نسعى إلى وحدة الأمة، فإن هذه الأمة الإسلامية متحدة في الأصل، وكان مجتمعه صلى الله عليه وسلم هو المجتمع الأصل، وكذلك مجتمع بني أمية فيه مجتمع السنة على الأصل، ومجتمع بني العباس فيه المجتمع المثالي على الأصل، وكان الشذاذ هم الجهمية، والمعطلة، والخوارج، والقدرية، وهذه الطوائف المبتدعة, ولذلك لا يسمون الجماعة، وليسوا من أهل الجماعة، بل قال ابن مسعود: [[الجماعة من كان على الحق ولو كنت وحدك]]. وقيل لأحد الفضلاء: من هم الجماعة؟ قال: محمد بن أسلم المروزي جماعة، وبعضهم قيل له: من الجماعة؟ قال: الفضيل بن عياض هو الجماعة، فالجماعة ليست بكثرة السواد الأعظم, فإن الله تعالى يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] فالواجب علينا: أن نسعى إلى وحدة الشمل، ووحدة الكلمة، وإذا رددت على الباطل، أو بينت المنكر، أو رددت على أعداء الله عز وجل فإنك لست بذلك مثيراً للفتن، ولا شاقاً للصف، بل أنت تسعى لوحدة المسلمين الذي دعا إليها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, كما قال موصياً أولياءه: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46].

احذر من كلام من لا يحسن الكلام

احذر من كلام من لا يحسن الكلام المسألة الثالثة عشرة: احذر من كلام من لا يحسن أن يتكلم، يقول بعض أهل السنة: إنما وقع الخلاف لأنه تكلم من لا يحسن الكلام، فالآن الفتوى أصبحت شذر مذر، وكل شيء له تخصص إلا هذه الشريعة، فقد أصبحت مرعى وحمى مفتوحاً لكل أحد، فتجدهم يقولون: يحق لكم أن تتكلموا في أصول الفقه، وأفتوا وشرعوا، وناقشوا أهل الفقه، وصححوا وضعفوا في الأحاديث! وإذا تكلمت في تخصصهم, قال: احترم التخصص! أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس إن الحداثة العلمية لا تبرر لصاحبها أن يناطح العظماء، والأشاوس الذين تمكنوا في العلم الشرعي، حتى يقول جرير: وابن اللبون إذا ما لز في قرنٍ لم يستطع صولة البزل القناعيس فهؤلاء أعجبتهم أنفسهم فتكلموا وهرفوا بما يعرفون وما لا يعرفون، وردوا على الكبار وعلى الصغار، فنسأل الله أن يحسن الحال، وأن يجمع الكلمة، وأن يزيل الأمراض منا جميعاً.

ضرورة القول السديد في الرد على المخالف

ضرورة القول السديد في الرد على المخالف المسألة الرابعة عشرة: إن علينا أن نتقي الله في الألفاظ عند الردود والكتابة، فإن الحكام والمحدثين وقفوا على شفير جهنم، فهؤلاء في الدماء وأولئك في الأقوال، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71] والقول السديد: هو الحكم الحق، والقول الذي لا يلحقك من الله عز وجل عليه تبعة، وإن الكتابة التي يكتبها صاحبها بدون بينة ولا برهان، أو يكتبها لانتقام أو تشفٍ هي من القول غير السديد الذي يحاسب عليه. والقول السديد: هو الحق والصواب، وقيل: القول السديد: هو قال الله وقال رسوله، وقال بعض المفسرين: القول السديد: لا إله إلا الله، وهي أم القول السديد، ولكن كل ما يندرج تحت لا إله إلا الله هو القول السديد، ولا تصح الأعمال إلا بإصلاح الأقوال، حتى إنك تجد أن من يتشفى بأغلاط الناس ويتتبعها, يشهر به الله عز وجل. تجد بعض العلماء الذين نكتوا على بعض العلماء ولاحقوهم وسخروا منهم، ألحق بهم الله من يسخر منهم, حتى قالوا في ترجمتهم: وكان الجزاء من جنس العلم. وأضرب مثلاً -على أني أسأل الله أن يغفر له وأن يجمعنا به في دار الكرامة، لكن هذا مجرد مثل- الإمام ابن حزم على ذكائه وقدرته وعبقريته، لكنه يسمى منجنيق المغرب، كان يرمي كل أحد، ولا يهاب أحداً، حتى العلماء الكبار والصغار، وليس عنده إلا سور الصحابة، فقد وقف عند سور الصحابة ولم يتجاوزه لكن كبار أهل المذاهب والعلماء، وكبار المحدثين ما سلم منه إلا القليل رحمه الله, فماذا كان الجزاء؟ هو نالهم باللسان فنالوه بالأيدي، أخذوه المالكية، فحرقوا كتبه في البادية وضربوه وشردوه عن أوطانه، ثم ردوا عليه الردود, فكان الجزاء من جنس العمل. لكن من يحترم الأعراض -أعراض المسلمين- ومن يداري عنهم بالكلمات يحمي الله عرضه، وأضرب مثلاً بسيطاً ولا أريد به محاباة ولا مجاملة، ولكن أحتسبه عند الله عز وجل، عالم الأمة سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز , انظر كيف وقرت الألسن جلالته وسماحته، وتحامت الأقلام أن تناله، لأنه في مكانه لا ينال أحداً ويريد الإصلاح، وجمع الشمل، ويدفع الأمور بالتي هي أحسن، فجازاه الله عز وجل بأن نشر له الثناء الحسن، والقبول الحسن، فتجد حتى فسقة الناس يحمون جنابه، ويقدرونه، ولسان حالهم يقول: من تقمص قميصاً ألبسه الله ذاك القميص، وبعضهم يقول: من تطوق برداء طوقه الله بردائه، فالجزاء من جنس العمل. فتجد الذين يحرصون على الردود والتشهير والمخالفة تسرع إليهم السهام من كل جهة، لأن الله سبحانه وتعالى يحاسبهم بما فعلوه: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام:115] صدقاً في الأقوال، وعدلاً في الأحكام. أيها الإخوة: نحن الآن لسنا في جزيرة نائية منقطعة عن العالم, بل أصبحنا نعيش في أتون العالم، وأصبحنا في كون ممتلئ بالشرور والأفكار المخالفة الكافرة والأطروحات الملحدة، وأصبح علينا لزاماً أن نجتمع جميعاً وننجو بأنفسنا، وإلا فإن المد الكافر سوف يلحقنا، ونحن نختصم فيما بيننا في جدل عقيم بيزنطي لا ينفعنا في الدنيا ولا في الآخرة. أنا أدعو الأقلام التي ضيعت أوقاتها، وضيعت مدادها في الرد على أولياء الله؛ أن ترد على أعداء الله، وأنا أدعو أصحاب الأصوات التي شحبت وهم يتكلمون على إخوانهم؛ أن يتقوا الله في إخوانهم، وأن يتوجهوا لهؤلاء الذين انحرفوا عن منهج الله سبحانه وتعالى. أيضاً: أنا أعتبر أن من يشغل إخوانه عن جهاد الكفرة، وجهاد هؤلاء الأحزاب الضالة بأنه مثبط، وفيه نفاق، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال عن المنافقين والملحدين ومن على شاكلتهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [النساء:50] {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء:52]. فأسأل الله عز وجل أن يحفظنا وإياكم وأن يجمع شملنا على الحق.

كيفية جمع شمل أفراد الصحوة

كيفية جمع شمل أفراد الصحوة وجمع الشمل ألخصه في مسائل: الأمر الأول: أن نتفقه في علم الكتاب والسنة ونتبحر في العلم الشرعي بحسب الطاقة والمستطاع. الثاني: أن نعود إلى العلماء. الثالث: أن يدعو بعضنا لبعض، إن كنا نريد الله والدار الآخرة. الرابع: أن تكون أمورنا أو مسائلنا فيما بيننا، إلا رجلاً أصر على بدعة أو استحوذ عليه نفاق داخلي، أو انغمس في كفر -والعياذ بالله- فلنا منه موقف آخر. أما الطائفة الثانية المنحرفة المنحلة عن منهج الله والتي شهرت السلاح، وسجلها معروف، وملفاتها معروفة، فلها موقف آخر: لبث قليلاً يشهد الهيجا جمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل أيها الإخوة: ما بقي من وقت فللأسئلة وأسأل الله أن يحفظنا وإياكم وأن يؤيدنا وإياكم بكلمته، وأن يرعانا وإياكم برعايته، وأن يجمع أمر المسلمين، وأن يصلح ولاة الأمر، وأن يهديهم سواء السبيل، وأن يخرجهم من الظلمات إلى النور.

الأسئلة

الأسئلة

تعليق على الأحداث في الجزائر

تعليق على الأحداث في الجزائر Q وردت أسئلة كثيرة تطلب الحديث الشافي في أحداث الجزائر، هذا السؤال خلاصة أسئلة كثيرة تواردت إلى الشيخ حفظه الله؟ A الحمد لله, الجزائر وأحداثها: دم الثوار تعرفه فرنسا وتعلم أنه صدق وحق وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق الجزائر حديثها وأحداثها طويلة، ولكن حق على أهل العلم والدعوة، أو من يحمل ميثاقاً أن يبين، وألا يخشى في الله لومة لائم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159] وأحب أن أعرض المشكلة في الجزائر في مسائل: أولها: المسلمون والدعاة والعلماء الذين يقومون بالدعوة إلى الله اليوم في الجزائر هم من أهل السنة والجماعة، من مدرسة الإمام عبد الحميد بن باديس التي تلقت مشربها من مدرسة الإمام أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم , والشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولا نأخذ أخبارنا من وسائل أخرى فقد غسلنا أيدينا منها، بل نأخذ أخبارنا من أهل العلم، من الثقاة، والدعاة، ومن كتبهم الذي ألفت ومن أشرطتهم. الثاني: لماذا ضحى الجزائريون بمليون من شهدائهم وأكثر؟! ألتترأس هذه الأنظمة العلمانية الأمة؟! ألتقودها إلى النار؟! ألتؤسس الجريمة في الأرض؟! ما الفرق بين فرنسا وبين عملائها الموجودين الآن؟ فلماذا إذاً قاتلوا؟ ولماذا دفعوا دماءهم؟ ثمن المجد دمٌ جدنا به فاسألوا كيف دفعنا الثمنا الثالثة: لماذا ألغيت الانتخابات؟ أناس يزعمون أنهم هم أهل الديمقراطية، ويتبجحون بها، ديمقراطية ولكن عند المسلمين والدعاة: لا، وقام المشرق والمغرب تحت مظلة: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] وكما قال الشيخ عبد الوهاب الناصر: الديمقراطية سلم رسمت درجاته بحيث لا يصعدها إلا هؤلاء المتهالكون من الماركسيين والشيوعيين، ولا يستطيع الإسلاميون والمسلمون الصعود إليها. وهذا هو الواقع, ديمقراطية لكن إذا وصل الإسلام, قالوا: لا. الأمر الرابع: لقد أثبتت الأحداث في الجزائر والتصويت بأغلبية ساحقة أن الشعوب تريد الإسلام، وقد ملت الكذب على الله وعلى كتابه وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وعلى المؤمنين، وقد نفرت كل النفرة من هذه الزمرة التي جوعتها وآذتها، وصادرت حريتها وكرامتها، وتعبدتها لنفسها، وفصلت بينها وبين خالقها وربها. ولو أجري تصويت في العالم الإسلامي لكان تسعون في المائة من هذه الشعوب تريد حكم الله، نظرت فيلماً للجزائر لمسيرة جبهة الإنقاذ , هل رأيت البحر إذا اشتد موجه؟ هل رأيت السيل إذا تدافع؟ هم أقوى وأدهى، تصور في بعض المسيرات سبعمائة ألف امرأة محجبة مسلمة، يخرجن في مسيرة بعد صلاة الجمعة يردن الحجاب، أليس هذا هو الواقع الذي فرض نفسه عن أمة تريد الله والدار الآخرة؟ بلى. ثم أسأل سؤالاً في أحداث الجزائر , يقولون: إن قصدهم بالدين التستر، يعني: أن الجزائريين وأمثالهم يتسترون بالدين ولا تقع المقارع أصلاً إلا في رءوس المسلمين، وأصلاً لا يتهم إلا الإسلاميون، ولا يسجن ولا يعذب ولا يشنق إلا هم، فيتسترون بالإسلام. وأصلاً غطاء الدين مكشوف في العالم، وهو متهم، ولو وقعت قذيفة من كافر ما وقعت إلا في صدر مسلم. ثم ما هي المكاسب المادية والدنيوية التي يحصل عليها من يتقلد الدين؟ إنه لا يعين في البلاد الإسلامية إلا في أرخص الوظائف، ولا يتاح له تحريك القرار، ولا الصدارة، ولا مكانة تشريف، وإنما يبقى بكسرة خبز وبهندامه، وبجوعه, وفقره، وبدمعه في جفونه يحمل لا إله إلا الله، وهم المستضعفون في الأرض. ولذلك جاء عليه الصلاة والسلام للمستضعفين، وأحبه المستضعفون، وعشق دعوته بلال، وعمار، وسلمان، وذهبوا في كتيبته، يقول هرقل: أشرفاء الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قال: ضعفاؤهم، قال: أولئك أتباع الرسل. {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28]. أيضاً أقول: لا يحزنكم ما يقع من أحداث سيرها الله وأرادها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فالله غالب على أمره، وله حكم تخفى علينا، يمكن أن الأمة ما نضجت إلى الآن، وما استحقت أن تتقلد حكم الله في الأرض، فأراد ربك أن يؤدبها ويحاسبها، وأن يرفع منزلتها، ويلقنها دروساً. أيضاً: لسنا بأغير من الله عز وجل على عباده، فله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الحكمة المطلقة، وهو الغيور سبحانه، أغير من رسوله على الأمة الإسلامية، ورسوله أغير من الصالحين عليها. أيضاً: أقول وأختم هذا الكلام: الإسلام هو الآن الحل الحضاري البديل في الساحة، فقد انهارت كل المزاعم الباطلة والكاذبة، وأخرج الله اللعنات على وجوه أصحابها، وأحرقت، وبقي الإسلام: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] فالآن المهندسون الذين كانوا يسيرون الذرة تحت الأرض في مناجم في أذربيجان وجورجيا خرجوا بلحاهم المحمدية السنية، ويقولون: لا إله إلا الله، كانوا في سور حديدي يضربون بالمقارع، ويعاملون كما تعامل الدواب، ومع ذلك أدخل الله الإيمان في قلوبهم، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {والذي نفسي بيده! ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه} والحديث طويل وطويل، وأختمه بأن أقول: أين الولاء؟: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71]. وأما المنافقون فهم كالبهائم: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة:67] أجزاء مترابطة، أما الولاية والشعار والحب فللمؤمنين.

آخر قصيدة للشيخ عائض

آخر قصيدة للشيخ عائض Q مجموعة من الأسئلة تطلب آخر القصائد التي قلتها، وترجو أن تتحفنا بها الليلة؟ A على كل حال هذه آخر القصائد وهي بنت اليوم أو أمس، وسمها ما شئت, هي سهام من سهام الحق, إما شعراً منثوراً أو نثراً مشعوراً، أو حراً أو عبداً إنما: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] عنوانها: "تباركت يا ذا الجلال": تباركت يا ذا الجلال وربك ذو السلطة القاهرة قلوب من الحب ينسجها محمد في بردة طاهرة ويغمسها في سناه رؤاه بها بل علاه تعيش برياه في آصره تباركت صوت الرعاة وهمس السواني حداء الجلال لك الحمد دنيا وفي آخرة تباركت ترسل دمع المحب على وجنته لك الحب صفواً أردت لنا يا إله جنىً ما درى قاطفوه بأن لنا في جنادريتنا قصة الأذكياء عباقرة نحن ننتج غرباً ودلواً من الجلد في معمل الكيمياء بعيراً نسيره للأنام كمركبة في الفضاء تراث من الجيل والخزف النائم في غرف الأقوياء نحفظ أنشودة البدو سكان روما ونسأل أصحابنا في جنيف ألم تجدوا الناقة الحائرة؟ فلا بدر لا زمزم لا أبو بكر نعرضه في القديم لأن التراث جديدٌ ونحن نحب الجديد سوى الدلو والغرب والجرة العامرة صواريخنا أرض جو من الرقصات على ضربات الزير في الهاجرة نسينا مع العرض صوت بلال وجبة سعد ودرة فاروقنا الظافرة سنخبر كل العوالم أن لنا من المجد كبرى المشاة مع قاطرة قديم هو القيروان مع بيت لحم مع الأزهر الراقد في القاهرة فلا تدخلوا في النوادي مالك والشافعي فقد حُنِّط القوم في الحافرة وصلى الله على محمد.

كلمة للشيخ/ سعيد بن زعير عن الحوار مع العلمانية

كلمة للشيخ/ سعيد بن زعير عن الحوار مع العلمانية إن بقي من الوقت فأنا أستميح فضيلة الشيخ/ عبد الوهاب الطريري ليتحفنا الشيخ الجليل والأديب والمفكر الدكتور سعيد بن زعير ليكمل ما بقي من وقت ولا نريد أن يطيل: {من صلى بالناس فليخفف}. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لولا أني أحرجت من الشيخ عائض قبل هذه المرة حيث طلب مني مثل هذا الطلب ورفضت، ووعدته ألا أرفض مرة أخرى لفعلت، وفي الحقيقة أن ما سمعنا من فضيلة الشيخ لا تعليق عليه، ولا حاجة في الواقع للتعليق لحسن الإعداد ولحسن العرض، ولكن كنت أسجل لنفسي نقاطاً من حديثه, كانت مدار صراع وحوار خلال الأسبوع الماضي في عدد من الندوات الثقافية التي كانت في مهرجان الجنادرية. ووجدت تقارباً في القضايا التي عرضت مع اختلاف في منهج العرض وفي النتائج، وأعلق قليلاً على بعض ما سمعت هنا وما سمعت هناك. من الأشياء التي عرضت وتكاد تكون محل إجماع في معظم منتديات العرب والمسلمين اليوم: أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم في واقعها الحضاري اليوم، تكاد تكون في آخر الركب، وهي أمة متخلفة: سياستها ليست على الهدى، واقتصادها بعيد عن منهج الله، وتربية أبنائها ضعيفة، وإعلامها غير راشد، وإنتاجها في معظم شئون الدنيا هزيل ضعيف، تعيش على موائد غيرها. هذه حقيقة ينبغي أن نعترف بها, وهي محل إجماع من أبناء العرب والمسلمين المهتدين والضالين، فهذه حقيقة لا نختلف فيها. فهذا التخلف الذي هو محل إجماع, يتحدث الكثيرون كيف ننعتق منه؟ وكيف تنهض الأمة؟ وفي قضية نهضة الأمة تختلف الأطروحات، وليست هذه قضية جديدة، الطرح مبكر، وهذا الطرح المبكر المتعدد، جعل في تراث النهضة في بلاد العرب والمسلمين أشكالاً من التصورات، وما تعرفون من الحزبية القائمة في بلاد العرب والمسلمين ومبررها التي نشأت عليه: أن كل صاحب فكرة يدعي لنفسه أنه الذي سينهض بالأمة من خلال تصوره ومن خلال حزبه، فامتلأت المكتبات بهذه الأطورحات المتفاوتة. وفي العصر القريب وفي الأيام القريبة، والأسابيع القريبة، والأشهر القريبة، طرح ما يسمى بالحوار، الحوار بين من؟ بين أصحاب هذه التصورات في النهضة بالأمة، الذين يقولون: إن الإسلام هو الحل، والذين يقولون: إن أحزابهم وحكوماتهم هي الحل، والذين يقولون: لا حل إلا أن نقلد الذين نهضوا من الغرب وننهج نهجهم, والذين يقولون: نلفق من كل مكان ونطرح أشكالاً متنوعة، الحدث هو الحوار, نسمعه في الإذاعات، ونقرؤه في الصحافة، ونسمعه في المنتديات، لماذا لا نتحاور؟ لماذا لا يكون بيننا حوار؟ والشيخ طرح جانباً من الحوار وهو الحوار بين المهتدين، بين علماء الأمة، وفقهائها، والملتزمين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما ينبغي فيه من أدب في الاختلاف، وهذا أيضاً موضوع قديم، بل ألف فيه ومن ذلك: رفع الملام عن الأئمة الأعلام كتاب لـ ابن تيمية ذكر فيه التعدد ووجهات النظر، وأن هذا أمر فيه سعة. ولكن الحوار القائم الآن في منتديات العرب والمسلمين، هو حوار بين الحق والباطل، حوار بين العلمانية بفصائلها وبين -مع الأسف الشديد المؤلم- الإسلاميين بفصائلهم أو تجمعاتهم أو أشكالهم. إنها قضية كبرى, وأتصور أنها أكبر ما يعرض الآن في الساحة، الحوار بين العلمانية وبين الإسلام، في الشهرين الماضيين عقد منتدىً كبير -في أكبر بلاد العرب عدداً- بين العلمانية والإسلام. وقبلها بسنتين أيضاً عقد حوار بين العلمانية والإسلام، وانتقلت تلك الصراعات إلى كل الصحافة العربية تقريباً، وإلى المهرجانات العربية، يطرح أمر الحوار وأدبه، الخلل يراد أن يكون بين العلماء المسلمين, والأدب والضوابط والقيم في الخلاف إنما يراد لها أن تكون بين المسلمين والكافرين, فيقولون: لماذا لا تتعدد الآراء؟ لماذا لا نقبل بالرأي الآخر؟ لماذا لا يعرض الرأي الآخر؟ لماذا تكرهون الناس على آرائكم؟ وهذا الكلام يقال ما دمنا في دائرة الإسلام، أما وأن الحوار بين الإسلام والكفر، فأي تنازل، إن الحوار مع الكفر نوع آخر خارج دائرة التعدد في الآراء، خارج دائرة. {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256] إذا كان خارجاً هناك: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6]. القضية الخطيرة في الحوار: على ماذا نتحاور؟ حتى إن هذا المبدأ يكاد يكون محل تسليم عند الكثيرين من الناس، أو على الأقل نسبة كبيرة من كتابنا يسلمون به، هذا المبدأ يقولون: إن تلاقح الآراء، والأفكار، وصراع الأفكار يخرج من خلاله الحق، هذه تكاد تكون مسلمة، وهي جزء من النظرية الشيوعية، التي قامت على الجهل, وأصلاً لا علم عندهم لأنهم مقطوعي الصلة بالله، ويقولون: إن الحقائق تأتي من الصراع، تتصارع الآراء ومن الصراع تخرج الحقيقة, وهذه تطرح بيننا المسلمين، يقولون: إن الصراع بين الأفكار يثمر الحقيقة وتظهر الحقيقة من خلاله، وهذه ليست من بضاعتنا، بل هي بضاعة أولئك الذين لا يعرفون الحقيقة، أما نحن فإن الحقيقة عندنا، إن عرفناها وإن لم نعرفها، إذا كنا لا نعرف الحقيقة فليس الطريق في معرفتها الصراع، وإنما بالبحث العلمي، بفهم القرآن والسنة، وفهم مشكلات الناس وتنزيل الحكم عليها، وإذا كانت عندنا قضايا لا نعرف الحق فيها، فهل نتصارع حتى نعرف الحق أو نعود إلى كلام الله وكلام رسوله، ونبحث في آيات الله، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم كيف يطرح الحوار؛ ليأتي مثقف، أو مفكر، أو أديب، أو شاعر، أو موسيقي، ليأتي من كل الثقافات ويتصارعون ويقولون: إن هذا الصراع هو الذي يأتي بالحق، أعوذ بالله من هذا الكلام. إن هذا -والله- لا يأتي بالحق، بل هذا يأتي بالفرقة والشتات، والبعد عن الحق. إن الحق: هو العودة إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ممن يعرفون الكتاب والسنة، من علماء الأمة، أما هؤلاء الرعاع ممن يسمون بمثقفين، وثقافتهم أتدرون ما هي؟ موسيقي, كاتب شعر, ناقد، كاتب نثر, دنيوي, طبال, زمار, فنان في الرقص! هؤلاء هم مثقفون والفنانون التشكيليون, يجتمعون ويقولون: نتحاور لنصل إلى الحقيقة، حقيقة من؟ أحقيقة الشيوعيين؟! هم يتصارعون لأنه لا يوجد حق عندهم، وإنما يعرفون الحق بكثرة الأصوات. أما نحن في الحق حتى لو لم نعرفه فإننا نعود إليه ونبحث عنه في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. نقطة أخرى وهي من أخطر النقاط التي تطرح في مسألة الحوار: إذا قيل لهم: لا حوار بيننا ولا نريده, لأن الحوار لا يأتي بالحقيقة، قالوا: لماذا؟ ألستم أصحاب الحق, والإسلام قوي؟ فلماذا لا تحاورون؟ لنقل جدلاً: سوف نحاور، نسأل سؤالاً: لِمَ الحوار؟ يقول: للوصول إلى الحقيقة، فنسأله سؤالاً آخر: وماذا تريد بالحقيقة؟ يقول: لنعمل بها. كلام منطقي، أنت تحاور للوصول إلى الحقيقة، فإذا حاورت ووصلت إلى الحقيقة عملت بها، نريد أن نختبر مصداقية هذا التسلسل، ونريد أن نجرب صدقك في هذا. فنقول له: قبل البحث إن عندنا حقائق قطعية الثبوت والدلالة، هل تلتزم بها؟ هاه! يسأل نفسه. الذين يطرحون الحوار اليوم من المثقفين العرب والمسلمين على الساحة العربية نقف قبل الحوار معهم، ونقول: إن الحوار الذي تقولون: إنه وسيلة للوصول إلى الحقيقة, لو سلمنا به جدلاً فنقول: لماذا لا تعملون بالحقائق البينة الآن؟ النصوص القطعية الثابتة لماذا لا تعملون بها؟ هل عندكم شك في أن الشرع لازم التطبيق؟ هل عندكم شك في أن الربا حرام؟ هل عندكم شك في أن الحدود ملزمة؟ إن هؤلاء العلمانيون الذين يحكمون في كثير من بلاد المسلمين يريدون الحوار للوصول إلى الحقيقة، وعندهم أكبر الحقائق ثباتاً في الدين يرفضونها. إذاً هم يقولون: الحوار للوصول إلى الحقائق, وهذا كذب، لو كانوا يريدون الحق للعمل به لعملوا بالموجود، ثم يعملوا بالذي لم يوجد ولكنهم ينكشفون، فإذاً حوارهم هذا وصراعهم لإلهاء الأمة بحوارٍ غير منضبط. ثم نقطة ثالثة وأخيرة: لو فرضنا أننا نتحاور, في أي شيء نتحاور؟ نتحاور في الأمور غير الواضحة؟ يقولون: نعم. إن الأمور الثابتة لا تحتاج إلى حوار، نحن نتحاور في الأمور التي تتغير أو المتغيرات، نسأل: ما هي الثوابت وما هي المتغيرات؟ وما هي الأمور الثابتة؟ يقولون: الثوابت هي ما ثبت في القرآن والسنة، وعندما يحاورون يبدءون في إعادة النظر في الثوابت, فتراهم يشككون في الآيات والأحاديث، ويشككون في الأدلة القطعية. إنهم يحاورون لإلهاء الأمة ولتشكيكها، وقد حصل لهم كثير من ذلك، أنه يعرض من خلال الندوات، ومن خلال ما يكتب في الصحافة، يعرض غثاء من الضلال الذي شكك الناس في دينهم، وشكك من لم يعرفوا الحق من شباب الأمة، ممن هم في سن التعليم، وممن هم في سنن التقويم، وشككوا بهذا الحوار. إذاً الحوار ليس للوصول إلى الحقائق، وإنما لتشكيك شباب الإسلام في الحقائق، وذلك مقصد أعداء الدين، وقد حققوه في غفلة من السذج من المسلمين، أو في حضور أعداء الدين، وأعداء الأمة وتنفذهم في وسائل الإعلام، أو في وسائل التثقيف العامة. إن هذا القضايا التي تعرض ينبغي أن نعيها ونفهمها وأن نراغم أعداءها. وبعض المحاورين، والمداخلين، والمتحدثين لا يلتزمون بشيء من ثوابت هذا الدين، بل يناقشون في كل شيء، بل يناقشون في الأمور المستقرة عندنا من أمر الدين، وأمر النظام السياسي الذي استقر، ويرفضون ما نحن عليه من نظام سياسي واجتماعي, كل ما عندنا يكاد أن يكون مرفوضاً، وكأنهم -بما يسمونه الصراع- يريدون أن يهدموا كل ما عندنا، ثم يؤسسوا على أنقاضنا شراً وباطلاً مما يأتون به. لكن العقول لا تعي، وإلا فهذه الأطروحات العلمانية بكل فصائلها في العالم العربي الإسلامي هي ساقطة الآن، بل إن الذي أسست عليه ساقط. نسأل الله أن ينور بصائرنا، وأن يرزقنا العمل النافع، وأن يفقهنا في الدين، وأن يثبتنا على الحق، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم, وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

آداب النصيحة في الإسلام

آداب النصيحة في الإسلام لقد بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك لأمر عظيم وهو عبادته سبحانه، ومعلوم أن البشر يخطئون ويصيبون، وقد يحصل منهم التقصير والسهو والغفلة، فما هو السبيل إلى سد هذه الثغرة؟ إن السبيل هو النصيحة والتناصح بيننا. وفي هذه المادة بيان لهدي السلف في النصيحة، وذكر آدابها.

هدي السلف في النصيحة

هدي السلف في النصيحة الحمد لله رب العالمين، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة بحكمة، وأدى الأمانة برفق، ونصح الأمة بإخلاص، ومضى إلى الله عز وجل وقد هدى الله به قلوباً، وفتح به عيوناً، وأنار به أفئدة، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وبعد: فأشكركم -أيها الطيبون- وأشكر من جمعني بالأخيار، وعلى رأسهم من كان له هذا الفضل في هذا اللقاء بعد الله، فضيلة الشيخ جابر بن محمد المدخلي، الأمين العام للتوعية الإسلامية، وعنوان هذه المحاضرة: أدب النصيحة في الإسلام. أيها الشاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا أترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقه الندى إكليلا والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلا أنت فينا النصوح فارفق جزاك الله خيراً فالرفق أهدى سبيلا -النصيحة في الكتاب والسنة. -هدي السلف في النصيحة. -آداب النصيحة. -الإخلاص. -اللين. -العمل بما يقول. -الصبر على الأذى. -إنزال الناس منازلهم في النصيحة. -الإسرار بالنصيحة. لا إله إلا الله، ما أعظم منة الله على البشرية بمحمد عليه الصلاة والسلام! بعث إليهم رحيماً رفيقاً هادياً مهدياً، ما ترك خيراً إلا دلهم عليه، ولا ترك شراً إلا حذرهم منه، كان والله أرحم من الوالدة بولدها يوم هدى الناس، ولذلك مجده الله من فوق سبع سماوات فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] عظيم خلقك، وعظيم حلمك، وعظيم برك، وعظيم صبرك، أتيت إلى أمة عربية جوفاء، ضالة ضائعة، تسجد للوثن، تزني، تخون، تغش، تشرب الخمر، الواحد منهم يرفع سيفه فيذبح أخاه كذبح الشاة، فأتى إليهم فترفق بقلوبهم قال الله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فدخل إلى قلوبهم بالبسمة الحانية، بالعناق، بالبشاشة، بالكلمة الطيبة، حتى قال الله له ولدعوته: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. فجمع الله له القلوب، قال جرير بن عبد الله البجلي سيد بجيلة وهذا الحديث صحيح: [[ما رآني عليه الصلاة والسلام إلا تبسم في وجهي]] مع معنى ذلك؟ بسمة تشتري بها قلبه، بسمة تأسر بها روحه، بسمة تكسب بها شخصه، بسمة تهتدي بها أمة، فكان عليه الصلاة والسلام يشتري بالبسمات قلوباً. جرير سيد من سادات قومه، ومكث عليه الصلاة والسلام يتألفه بالبسمة اليوم بعد اليوم، بالكلمة الحانية، حتى هداه الله إلى الإسلام فأصبح سيداً من السادات. يقول جرير بن عبد الله، والحديث في الصحيحين: {بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فاشترط علي والنصح لكل مسلم. فيقول جرير: والله الذي لا إله إلا هو، إني لكم لناصح} ذكر ابن حجر في الفتح، أن جريراً كان ناصحاً لعباد الله، اشترى فرساً بأربعمائة درهم، فقال لصاحب الفرس: بكم بعته؟ قال: بأربعمائة درهم، قال: أتريد أن تكون خمساً، قال: نعم، قال: وستاً، قال: نعم. قال: وسبعاً، قال: نعم. قال: وثمانياً، قال: نعم. قال: خذ ثمان مائة فإني بايعت رسول الله عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم.

التناصح من منهج أهل السنة

التناصح من منهج أهل السنة وأهل السنة يتناصحون، ويتراحمون، أهل السنة ينصح بعضهم بعضاً بدافع الشفقة، والرحمة، والود، والحب، ولذلك قال الله في أوليائه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] أما أهل البدعة فيتفاضحون، أما أهل الانحراف فيشتم بعضهم بعضاً تشهير، وسب، وإعلان، ودعاية، وتضخيم للأخطاء، قال الله في المنافقين: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة:67] يقول صالح عليه السلام: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:79] وقال هود عليه السلام: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف:68] فالناصح لابد أن يشفق على المنصوح، ولا بد أن يعرف حال المنصوح، ولابد أن يقدم النصيحة في قالب من الحب والود. أرأيت منهج محمد صلى الله صلى الله عليه وسلم الذي شق العالم في خمس وعشرين سنة، جلس مع قبائل متحاربة متضادة، كما قال بعض المفكرين: نحن العرب كقرون الثوم، إذا كشفت قرناً ظهر لك قرون. فلولا أن هذا المصطفى عليه الصلاة والسلام، أتانا بدعوة ربانية، وبخلق حسن، والله ما لانت له قلوبنا, قال الله فيه وفي دعوته: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] أهل السنة لا يسكتون عن المنكر، قال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورفع منزلته: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر بلا منكر، ما أحسن هذه الكلمة! بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن النصيحة علامة النفاق، قال الله سبحانه في بني إسرائيل: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79] وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة قال الراوي: قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم}. قال أهل العلم: النصيحة لله بامتثال أمره واجتناب نهيه تبارك وتعالى. والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم بتجريد المتابعة له، بأن تجعله إماماً لك. والنصيحة لكتابه أن تقرأه، وتتدبره، وتعمل به، والنصيحة لأئمة المسلمين؛ ألا تشق عصى طاعة عليهم ما أطاعوا الله، وألا تفضحهم على رءوس الناس ما لم يظهروا كفراً بواحاً، وأن تصلي وراءهم، وأن تجاهد تحت رايتهم ما لم تر كفراً بواحاً عندك من الله فيه برهان، وأن تجمع الكلمة لهم، وأن تدعو لهم في ظهر الغيب بالصلاح والهداية. والنصيحة لعامة المسلمين؛ أن تحب لهم ما تحب لنفسك، وأن تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {حق المسلم على المسلم خمس -وفي رواية: ست- وذكر منها: وإذا استنصحك أن تنصح له} ما أحسن الكلام! ألا تغشَّه، وألا تفظَّ بأسلوبك عليه، وألا تجرح مشاعره، وألا تفضحه على رءوس الناس وهذا هدي الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.

الستر على المنصوح

الستر على المنصوح أهل السنة يتساترون، ذكر صاحب كنز العمال: أن أبا سفيان بن حرب طرق الباب في ظلام الليل على علي، والذي يجوب في الظلام كأن عنده شيئاً: أزورهم وظلام الليل يشفع لي وأنثني وبياض الصبح يغري بي كم زورة لك في الأعراب داهية أدهى وقد رقدوا من زورة الذيب قبل هذا، حفظ عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [[إذا رأيت الناس يتناجون في أمر دينهم، فاعرف أنهم على دسيسة]] اعرف أنهم غشوا الله ورسوله، الإسلام واضح، مبادئنا تعلن يوم الجمعة على المنبر، مبادئنا تسمع على المنارة، ليس لدينا ألغاز ولا شيء نتستر به، عندنا وفي قلوبنا وعلى ألسنتنا وفي أيادينا وفي أقلامنا وفي صحفنا (لا إله إلا الله محمد رسول الله) نكلم بها الرئيس والمرءوس، والغني والفقير، والرجل والأنثى. جاء أبو سفيان فطرق الباب على علي، يوم تولى أبو بكر الخلافة؛ لأن أبا سفيان ينظر إلى بني هاشم، ويريد أن يتولوا هم الخلافة؛ لأنه حديث عهد بجاهلية وما هضم فكرة أن يتولى أبو بكر الخلافة؛ لأن أبا بكر من تيم وهي أسرة ضعيفة. طرق الباب على علي، من هو علي؟ تربى في القرآن، عرف النصيحة، عرف الأدب، عرف كيف يتعامل مع الكتاب والسنة، رضع الرسالة الخالدة، ففتح الباب في ظلام الليل، قال أبو سفيان: يا علي! كيف يتولى أبو بكر الخلافة، وهو تيمي وأنت من بني هاشم؟ إن شئت ملأت لك المدينة خيلاً جرداً وشباباً مرداً. فهو يريد القتال، قال علي وأخذ بتلابيب أبي سفيان: يا أبا سفيان! المؤمنون نصحة، والمنافقون غششة. رضي الله عنك، ما أصدقك في ظلام الليل! لقد سمع الله كلمتك الخالدة؛ المؤمنون نصحة، والمنافقون غششة، يريد بك التشهير أو الغش، أو يريد أن يظهر على كتفيك، وأما الناصح فإنه يريد أن يستنقذك من النار، ولذلك جاء في الصحيح، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {أنا النذير العريان} النذير العريان عند العرب، هو الرجل يأتي من المعركة فيخبر قومه بالهول أو بالجيش فيخلع ثوبه فيصبح عرياناً، هذا في الجاهلية، قال: أنا كالنذير العريان. وقال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {مالي آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تتهافتون فيها تهافت الفراش} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

آداب النصيحة

آداب النصيحة للنصيحة آداب. إن الله عز وجل أخبرنا بآداب النصيحة، وما كل من نصح عرف كيف ينصح، ولا كل من دعا عرف كيف يدعو، ولا كل من أراد الخير وفق له، ورب كلمة منعت ألف كلمة، ورب خطوة أخرت عن ألف خطوة. أرسل الله موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون، فقال لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] قال أبو أيوب وعلي، كما نقل ذلك ابن كثير في تفسيره ونقل عن سفيان: القول اللين هو أن يكنياه بكنيته. أي: إذا أتيتم إلى فرعون، فقفا في البلاط الملكي، وتكلما معه بكلمة حانية، لا تجرحا شعوره، الرجل عاش على الملك، الرجل طاغية، الرجل مجرم، فإن جرحتم مشاعره فلن يهتدي أبداً، قولا له قولاً ليناً، قال أهل العلم: كنياه بالكنية. وكنيته: أبو مرة مرر الله وجهه بالنار وقد فعل، قال أبو أيوب: كنية فرعون أبو مرة. فدخل موسى وكان يتلعثم في الكلام، وقال: يا أبا مرة! وهذه تفتح الصدر، وأنت مثل لنفسك أن رجلاً يدعوك، فيقول: يا أبا محمد! يا أبا عصام! يا أبا أنس! ينفتح صدرك، قال عمر: [[ثلاث تكتب لك الود في صدر أخيك: أن تدعوه بأحب الأسماء إليه، وأن توسع له في المجلس، وأن تبدأه بالسلام]] قال الشاعر اليمني: أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقب كذاك أُدبت حتى صار من خلقي أني وجدت ملاك الشيمة الأدب أتجرحني لتنصحني؟ أتشتمني لتردني؟ أتفضحني لتهديني؟ أنا لن أطيعك ولن أوافقك؛ لأن مشاعر الإنسان لا تعيش إلا على الرضوان، والإنسان لا بد أن تشعره بمكانته وبفضله وبحسناته. أما آداب النصيحة فكما يلي:

الإخلاص من آداب النصيحة

الإخلاص من آداب النصيحة الإخلاص: أهل السنة والجماعة -في الجملة- يريدون بعملهم وجه الله، يتكلمون لله، ويعملون لله، ويأمرون وينهون لله الواحد الأحد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66] وإنما الأعمال بالنيات، أن تخلص في نصيحتك، أن تقصد بها وجه الله، كيف ذلك؟ أن تريد بهذا الذي تريد أن تأمره وتنهاه، أن تريد له الخير، وأن تريد أن تصحح مساره، لا تركب على كتفيه، لأن من الناس من يريد بالنصيحة الظهور له أو الشهرة، لأن المثل يقول: خالف تعرف. وبعض الناس يريد أن يركب على كتفيك؛ ليجعلك أنت جثماناً يصعد عليه، ويقول: لقد أصبحت أرد، وأصبحت أوجه، وأصبحت أعلم، وأصبحت أنصح. وبعض الناس لا يريد بالنصيحة وجه الله، ظاهرها نصيحة وباطنها فضيحة، يريد بها أن يشفي غلاً في قلبه، من حسد هذا الرجل أو هذا الجيل أو هذه المؤسسة، فقام على رءوس الناس ينقدها، ويجرحها، ويفضحها، فيقول الناس: جزاك الله خيراً من ناصح، وفي قلبه غليان على هؤلاء، لا يريد الخير ولا التوفيق وإنما البغي والحسد. ومنهم: من يريد بهذا الانتقام لموقف نسبي مرَّ معه، فإن بعض الناس إذا صادفه موقف عارض؛ قام على رءوس الناس ينتقم من المسلمين، ويفضح سرائرهم، ويشخص أمراضهم، ويضخم أخطاءهم، وهذا غير منهج أهل السنة والجماعة.

الستر وعدم التشهير من آداب النصيحة

الستر وعدم التشهير من آداب النصيحة نصيحة الخاصة للخاصة، ونصيحة العامة للعامة. من هم الخاصة؟ الخاصة هم قوم لهم مسئولية خاصة، ولاة الأمر، فهدي أهل السنة أن ينصحوهم في آذانهم بلا فضيحة، ولذلك كان أحمد ينصح المعتصم بينه وبينه، وصح أن أسامة رضي الله عنه والحديث عند أحمد في المجلد الأول من الفتح الرباني أن الناس قالوا: يا أسامة! ألا تكلم هذا؟ أي: عثمان، ألا تكلمه؟ لأن الناس لاحظوا على عثمان رضي الله عنه في سيرته بعض الملاحظ التي هو مأجور على اجتهاده فيها، من تقريب بعض بني أمية من قرابته. قالوا: ألا تنصحه؟ قال أسامة: [[أتظنون أني كلما نصحته أخبرتكم؟]] أيلزم العالم وطالب العلم والداعية؛ أن كل ما نصح مسئولاً أو وجيهاً، أو من عنده أمر أن يخبر الناس أنه نصحه؟ أيلزمه أن يظهر نصيحة الخاصة في العامة؟ هذا ليس من منهج أهل السنة، وإنما هو إرغاء، وإزباد، وتشويش، وفتنة، وهمجية؛ معناها أن يحول الناس إلى جدال وخصام واحتدام. أهل السنة لهم طريق آخر في نصيحة العامة، فهم ينصحون العامة على ملأٍ من الناس، فيبينون أخطاءهم لهم لا أسماء، وبلا أشخاص، كان إمامهم عليه الصلاة والسلام يرى الخطأ فلا يقول للرجل أخطأت، ولكن يصعد المنبر فيقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا. وإني أشكر فضيلة الشيخ جابر هذه الليلة، يوم وجه الملاحظة الأولى توجيهاً عاماً مطلقاً لم يقيده بهيئة أو بشخص أو بصحيفة، وهكذا ينبغي، فصاحب الخطأ يدرك خطأه وهو جالس، وهو مستور والحمد لله، ويصحح مساره، أما أن تخبر باسمي، وبمسكني، وعنواني، وتلقي فيَّ محاضرة، أنا سوف أعمى تماماً، أنا سوف أسل سلاحي وأنتقم، أنا سوف أدافع عن كرامتي إلى آخر قطرة من دمي؛ لأن هذه أصبحت معارك متبادلة، أو استحداث خصومات مع القلوب، وأصبح فيها من الفتنة ما الله به عليم. لكل إنسان مكانه، من الذي لا يرى مكانته؟ من الذي يحتقر نفسه؟ من الذي لا يرى أن ينبغي أن يحترم بقدر ما فيه من الخير؟

حسن القصد في النصيحة من آدابها

حسن القصد في النصيحة من آدابها فمن آداب النصيحة عند أهل السنة والجماعة؛ أن تخلص النصيحة لله، وأن يكون لك ثلاث مقاصد: المقصد الأول: أن تبرئ ذمتك من هذه النصيحة التي في عنقك، ولا تكتم علماً يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160]. الناس أمام هذه الآية ثلاثة أقسام: أما الكفار أنا لا أتحدث فيهم فهم في منزلة الحمير. المسلمون أمام هذه الآية ثلاثة أصناف: صنف يأمر بالمعروف بالمعروف وينهى عن المنكر بلا منكر، ويعطي كل مسألة حجمها ومساحتها، العقيدة لها حجمها، والسنن بحجمها، والآداب والسلوك، فهو مهتدٍ على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذاك هو خليفة النبي صلى الله عليه وسلم، ووارث علم النبوة، وهو الذي يصلح الله به، وهو الذي يستمر، وهو كالشجرة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وهو كالعين النابضة بالحياة، وهو كالمشكاة التي تلقي نورها، وهو كالشمس، وهو وهج في ظلام الليل. وقسم آخر: أطلق الحبل وفلت الأمور، وكسر المعاريض، وخندق الطرق بحجة اللين، يرى المنكرات كالجبال ويقول: لا. الإسلام ليس دين تطرف ولا تزمت، لا تنكروا على أحد، كلنا على خير، ومع الخيل يا شقراء! وكلنا مأجورون، والله غفور رحيم، ولا تشوشوا علينا، ولا تثيروا الخلاف. قلنا: حنانيك يا بارد القلب! حنانيك يا ميت الروح! الغيرة ماتت في روحك فأنت لا تتحرك، ولذلك بعض الناس كأنه في ثلاجة، يرى المنكرات كالجبال، ولا يتمعر وجهه، ولا يتغير، ولا يقول كلمة ولا ينبس بلفظة؛ بحجة أن الإسلام يسر، وأن الإسلام دين عدالة ودين تراحم وتآخ، كلمة حق أراد بها باطل، هذا متسيب وهذا لا ينتج. أين غيرتك يا فلان من غيرة سعد بن عبادة رضي الله عنه؟ يقول عليه الصلاة والسلام وقد سأله سعد: {يا رسول الله! لو وجد أحدنا مع امرأته رجلاً ماذا يفعل؟ -أي: وجده مع امرأته أجنبياً في بيتها ماذا يفعل؟ - قال عليه الصلاة والسلام: يذهب فيأتي بأربعة شهداء} هذا حقن للدماء، وحكمة، وحفظ للأرواح والأنفس، ولو أطلق عليه الصلاة والسلام، وقال: يذبحه، لكان كل إنسان يرى عند بابه رجلاً يضرب الجرس أو يطرق الباب؛ يذبحه عند الباب، لا. يأتي بأربعة شهداء، قال سعد وهو سيد الخزرج: {يا رسول الله! أنتظر وأجمع أربعة! والله الذي لا إله إلا هو لأضربنه حينها بالسيف غير مصفح. فضحك عليه الصلاة والسلام وقال: أتعجبون من غيرة سعد؟ والذي نفسي بيده إني أغير منه وإن الله أغير مني}. غيرة حية أن تعيش معالم الدين، تتحرق إذا رأيت المرأة لا تتحجب، تتحرق لوعةً إذا رأيت الغناء يسود في الساحة، تتحرق إذا رأيت كأس الخمر ينتشر، تتحرق إذا رأيت المخدرات فاشية، تتحرق إذا رأيت شباب الإسلام يضيعون أوقاتهم، تتحرق إذا رأيت الصلاة تؤخر عن أوقاتها، تتحرق إذا رأيت الربا فاشٍ، تموت وتذوب، لكن تصل إلى مقصودك بحكمة وأناة، وتغضب لله عز وجل. وقسم ثالث: أفرط حتى خرج من السطح، لأن بعض الناس يخرج من العرض وبعضهم من السطح، والوسط هم عباد الله الأخيار، بعضهم يقيم الدنيا ويقعدها على جزئية اختلف فيها أهل العلم، يضارب الناس على الإشارة بالأصبع، أو على وضع اليدين، ويلقي محاضرة بعد الصلاة، يَبكي ويُبكي الناس ويصيح، ويضرب المكرفون على مسألة جزئية، قال فيها أبو حنيفة بقول وخالفه مالك، أين إنزال المسائل منزلتها؟ والله يقول: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:269] بعضهم يقوم فلا يشغل باله إلا كلمة صدرت من شاب، أو تصرف من شاب، فيجعلها قضية ويعممها ويكبر الأخطاء، وينسى ما هو أكبر منها. عجباً! أحد السلاطين الظلمة رآه أحد الوعاظ -ليس عالماً بل واعظاً- فقال لهذا السلطان: لي إليك حاجة، أسألك بالله أن أناجيك في حاجتي. قال: تفضل -والسلطان هذا سفاك للدماء، يذبح الناس كذبح الدجاج، يأكل الربا، يزني، مجرم، طاغوت- فتخيل هذا السلطان أن هذا الواعظ سوف يتحدث له عن الدماء التي سفك، أو عن الزنا، أو عن الربا، أو عن تعطيل الشريعة، فدخل معه في مكتبه، قال: ماذا رأيت؟ قال: جنودك يُسبِلون ثيابهم. قال: لعصر أنتج مثلك وأمثالك؛ حقيقٌ أن ينتج جنوداً يُسبِلون ثيابهم. هذه القضية كلها، تأتي إلى هذه المسألة الجزئية وتنسى الكبار وتجعلها قضيتك. فرضاً أنهم قصروا ثيابهم، ولكنهم يشربون الخمر، ويتركون الصلاة، ويزنون، ويسفكون الدماء. وليكن مقصودك من النصيحة رحمة بالمنصوح، لأن بعض الناس تغيب عنهم هذه، أريد أن أنصح؛ لكن ما في ذهني أن أرحم هذا المسكين الذي وقع في خطأ. والأمر الثالث: أن يكون قصدك، أن تكون كلمة الله هي العليا، ليبقى الدين قوياً وأن تفرح إذا سمعت بموجِّه أو برجل صالح، أو بمنفق، أو بداعية، أو بعالم يتكلم ويدعو؛ أن تحمد الله عز وجل، وأن تسأل الله له الاستقامة، والعون، والسداد.

اللين في النصح

اللين في النصح ومن آداب أهل السنة في النصيحة؛ أنهم ينصحون بلين، أي: بكلمة حانية، بكلمة طيبة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو يذكر نصيحة إبراهيم عليه السلام لأبيه المشرك: "يا أبت" وانظر أدب الخطاب، لم يقل: لم تعبد ما لا يسمع، ولا يبصر، ولا يغني عنك شيئا، وإنما قال: يا أبت! ثم كرر يا أبت مرات، وهذا هو اللطف. وهذا أتى في سورة لقمان، يوم قال لقمان رضي الله عنه لابنه: يا بُني! فقال في أول الخطاب: يابني! أخذ من ذلك بعض العلماء: أن عليك أن تقدم مقدمات للمنصوح، إذا أخطأ عالم من العلماء فلا تقل: يا فلان! أخطأت، لكن قل: أنت صاحب فضل، وأنت صاحب خير، ونفع الله بك، وقد شفى الله بك العليل، وأروى الغليل، وأفاد الأمة، ولكن ما رأي سماحتكم في هذه المسألة؟ أينكرها؟ أما أن تصدمه بالرد صدماً على وجهه، فكيف يقبلها؟ تأتي إلى وجيه في الناس فتقول: أنت فيك كيت وكيت، وقد نفع الله بك، ثم تذكر جوانب الخير فيه، ثم تلاحظ عليه ملاحظة، هذا من اللين. قال ابن المبارك، في بيتين من أدب الدعاة وأدب النصيحة: إذا رافقت قوماً أهل ودٍ فكن لهم كذي الرحم الشفيق ولا تأخذ بزلة كل قوم فتبقى في الزمان بلا رفيق هذه حق على كل مسلم يريد الدعوة -أحقه أنا، وما أحقه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم- أن يحفظ البيتين، هذه تكتب بماء الذهب، تخرج من مثل ابن المبارك، ابن المبارك قوي على أهل البدعة، على جهم المجرم، ألا تعلم ماذا يقول في جهم، صاحب البيتين هذه، يقول: عجبت لدجال دعى الناس جهرةً إلى النار واشتق اسمه من جهنم اسمه جهم مشتق من جهنم فكان شديداً على أهل البدع، لكن مع إخوانه كالماء، وأتى إلى إخوانه فقال: إذا صاحبت قوماً أهل ودٍ فكن لهم كذي الرحم الشفيق ولا تأخذ بزلة كل قومٍ فتبقى في الزمان بلا رفيق ذكر الشيخ الإمام عبد الرحمن بن ناصر السعدي، العلامة الشهير رحمه الله قاعدة عن ابن تيمية، في كتابه المأمول قال: يقول شيخ الإسلام: بعض الناس كالذباب لا يقع إلا على الجرح -ما أحسنها من كلمة- بعض الناس كالذباب لا يقع إلا على الجرح. الذباب وأنت بثيابك البيضاء النظيفة، وبطيبك، وبمظهرك، لا يقع عليك، لكن إذا رأى جرحاً في جسمك وقع عليه وانصب عليه، فبعض الناس يترك المحاسن وينسى الفضائل ويقع على منقصة أو عيب كما يفعل الذباب إذا انطلق إلى هذا الجرح فلا بد من اللين. دخل واعظ على هارون الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين! إني واعظك ولكني سأشدد عليك. يقول: عندي موعظة، لكنها حارة ساخنة، ويتكلم مع، خليفة لو أراد ذبح رجل لذبحه، وقف أمامه، والسيوف على رأس هذا الواعظ، ويقول: يا أمير المؤمنين! عندي كلام لكنه شديد فاسمع لي، قال: والله لا أسمع لك، والله لا أسمع لك، والله لا أسمع لك، قال: ولم؟ قال: أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني فقال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] ما هو الداعي للكلام الشديد؟ وهل بلغنا دعوتنا وأدخلناها في قلوب الناس بالحديد والرصاص؟ بل أدخلناها بالحب، أدخلناها بالبسمة، زرعناها بالود، فآتت أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون. فاللين اللين في تبليغ الكلمة، بإمكانك أن تصادر بعض الكلمات الجارحة، وأن تستبدل بعض الكلمات الطيبة الحميدة، وإنني أشكر بعض الفضلاء في الساحة حين كتبوا بعض الكتب والرسائل والأشرطة، فيها من الأدب والروعة والعلم ما الله به عليم. ومن أراد أن يرى مثلاً حياً لأدب الدعوة، وأدب النصيحة، وأستاذاً معلماً في هذا الباب، وهو لازال على قيد الحياة، فلينظر إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، رجل في الثمانين من عمره، يتكلم بالكتاب والسنة، عكف الله وعطف عليه القلوب، كلمته طيبة ولينة تصل إلى القلوب مباشرة.

الإسرار بالنصح في موضعه

الإسرار بالنصح في موضعه ومن آداب أهل السنة في النصيحة؛ أنهم يسرون بها في موضع الإسرار، قال الشافعي: تعمدني بنصحك في انفرادٍ وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوعٌ من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة أتنصحني أمام ألف؟ أتنصحني في الحارات؟ أتخبر أني أخطأت؟ أَوصلتَ بيتي؟ أَكتبتَ لي رسالة؟ أَطرقتَ عليَّ الباب؟ هل جلست معي؟ هل أشفقت عليَّ؟ أبعد أن نشرت مقابحي، ورذائلي، وسوآتي أمام الناس تريد أن أقبل منك، طبيعة الإنسان أنه إذا رأى الخصام والجدل لن يقبل، يغلق منافذ السمع لن يتقبل، فـ أهل السنة يسرون بالنصيحة في موضع الإسرار، يسرون بها بكتابة أو اتصال أو غيره، إذا علم أن المنصوح من أهل السنة، وهو الذي لا يريد إلا الخير بدعوته، ويعلم الله أنه يريد الصلاح لأمة محمد عليه الصلاة والسلام. فحقيق على الناصح أن يسر النصيحة، ولكن قال بعض علماء السنة: من شهر بنا شهرنا به. من شهَّر بـ أهل السنة شهرنا به. إنسان يدّعي بدعاً، ويهاجم الدين من على المنبر أو في صحيفة، أنرد عليه سراً؟ يفضحنا جهراً ونرد عليه سراً؟ يشتمنا نهاراً ونرد عليه ليلاً؟ لا. بل السلاح بالسلاح قال الله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] ما دام أنه شهربنا فنشهر به، لأن الناس سمعوا كلامه، ولا يمكن أن يُنهى كلامه إلا برد مثل كلامه الذي شهَّر به، كرجل كتب معتقداً بدعياً ونشره في الصحف، حق علينا أن نأتي في هذه الصحف، وننشر ردنا الصادق الناصح؛ لأنه شهَّر برده أو بكلامه، لكن إنسان ارتكب بدعة، ولا يعلم إلا أنا أو أنت، أذهب إليه بيني وبينه، ولا أكتب في صحيفة ببدعته؛ لأنه قد يتوب. سئل أحد العلماء الأحياء: أما رددت على فلان؟ قال: ليس من منهجي هذا، قالوا: ما هو منهجك؟ قال: منهجي أن أكتب للذي أريد الرد عليه بيني وبينه، فإن استجاب لي فبها ونعمت، والحمد لله فقد حصل المقصود، وإن رفض الاستجابة أعلنت الرد عليه لينتبه له الناس. هذا هو المنهج السليم، فهدي أهل الإسلام في النصيحة: أنهم لا يتفاضحون بها ولا تصبح مسبة.

العمل بالنصيحة

العمل بالنصيحة ومن آداب النصيحة في الإسلام: أن تعمل أنت بالنصيحة التي توجهها للناس، علَّ الله أن ينفع بها يقول الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] لماذا تتكلم كلاماً جميلاً وتفعل فعلاً قبيحاً؟ قال خطيب الأنبياء شعيب عليه وعليهم الصلاة والسلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، لا أريد أن أدلكم على الهدى وأنا ضال، وعلى الهداية وأنا متخلف، وعلى النور وأنا في الظلام. فإذا أردت أن ينفع الله بدعوتك وبنصيحتك، فأعمل بها أنت أولاً، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3] لم تتكلمون كلاماً جميلاً وتفعلون فعلاً قبيحاً؟ وهذه أكبر القواصم التي يتعرض لها الداعية في الحياة، أن يتكلم بكلام جميل ولكن فعله قبيح، فيكذِّب فعله قوله فلا يتقبل الناس منه، ولا يجعل الله لكلامه تأثيراً ولا نوراً. في الصحيحين من حديث أسامة رضي الله عنه: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم، ذكر رجلاً اندلقت أقتابه، والأقتاب هي: الأمعاء، يدور بها كما يدور الحمار بالرحى في نار جهنم، فيقول له أهل النار: يا فلان! أما كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: نعم. كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه, وأنهاكم عن المنكر وآتيه} قال بعض العلماء معلقاً على الحديث، وهو تعليق لابد أن يفهم، قال: ما دخل النار بسبب أمره ولا بنهيه، وإنما دخل النار بسبب مخالفته لأمره ونهيه. ولذلك بعض الناس عنده ورع بارد في الدعوة، سامج مظلم، مالك لا تدعو؟ قال: أخشى من صاحب الرحى في نار جهنم، أخشى أن أدور في الرحى، أنت تدور من اليوم بالرحى، من أول اليوم وأنت دائر في الرحى، وأول دورانك بالرحى وأول الفتوح والبركات؛ أنك تركت الدعوة، قال أبو هريرة لرجل: [[ألا تحفظ القرآن؟ قال: أخشى إن حفظته أن أنساه قال: كفى بك نسياناً أنك ما حفظته]] من أول الطريق، وكذلك الذي عنده ورع بارد لا يأمر ولا ينهى، ولا ينصح، ولا يتحرك بالدعوة؛ بحجة أنه يخشى أن يكون مثل هذا الذي يدور في رحاه في نار جهنم، والمقصود: أن الحديث لام هذا الرجل لأنه خالف، أما إذا أمر وائتمر، ونهى وانتهى فهو مأجور، فمن أدب النصيحة: أن تعمل بها قبل أن تنصح الناس، وبعد أن تنصح الناس أن تسدد وتقارب. بعض الناس يظن أن الداعية لا ينصح حتى يصبح معصوماً لا يخطئ أبداً أو لا يذنب، كأن الداعية هذا إذا وقع في خطأ بسيط؛ ارتكب الجرائم وخرج من الملة. ولذلك خطأ الدعاة مضخم، وحسناتهم مصغرة، للداعية تسع وتسعون حسنة ولكنها تنسى، وله سيئة ولكنها كالجبل، أمر عجيب! قال عامر الشعبي: والله الذي لا إله إلا هو، لو أحسنت تسعاً وتسعين لنسوها ولعدوا علي غلطة واحدة. ترفقَّ حنانيك: ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه تريد مهذباً لا عيب فيه وهل عطر يفوح بلا دخان العصمة لمحمد عليه الصلاة والسلام، والدعاة ليسوا معصومين في الإسلام، فقد يخطئون، لكنهم يراجعون خطأهم ويتوبون إلى الله الواحد الأحد.

التثبت مما تنصح منه

التثبت مما تنصح منه ومن آداب النصيحة عند أهل السنة أن تتثبت من الشيء المنقول إليك قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] منهج رباني عظيم، شيء مقدس، يا لجلالة المنهج! يا لعظمة هذا المبدأ! يا مسلم! إن جاءك خبر فارصده وتأكد منه: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] وأنا -يا أيها الإخوة- أحذر من هذا الكلام الظاهر، من كثرة الشائعات في المجتمع المسلم، كلمات تنقل لا أساس لها، تثار بها الظغينة، ويؤسس بها الحسد والبغضاء بين المسلمين، ومصدرها شائعة كاذبة خاطئة. أسألك -يا مسلم- بمن خلقك فسواك فعدلك، أسألك بمن جعل لك عينين ولساناً وشفتين؛ أن تعرف أنك إن لم تتثبت من الأنباء والشائعات، فسوف تضيع دينك ولا محالة، يأتيك خبر عن مسلم فعليك أن تتثبت هل قاله أم لا، تسأله وتحتاط حتى تكون على بصيرة؛ لأن الشائعات كثرت، لكثرة أهل النميمة، قال عليه الصلاة والسلام: {لا يدخل الجنة قتات} وفي لفظ: {نمام} وهو الذي يطلب المعايب، وهو الذي يأتي بالأراجيف بين الأحبة، وهو الذي يهدم المجتمع المسلم. فمن آداب النصيحة عند أهل السنة: أنهم يتثبتون من الشائعات، حتى ينكروا أو يأمروا على بصيرة، فإذا أمروا ونهوا كانوا على قدم ثابتة مما قالوا ومما فعلوا، كان عليه الصلاة والسلام إذا أتته الأخبار؛ سأل وتثبت عليه الصلاة والسلام واحتاط حتى يبلغ به العلم اليقين صلى الله عليه وسلم، والله جل وعلا يقول: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [النجم:28] وكثير من الناس إن يظنون إلا ظناً وما هم بمستيقنين، وقد رأينا بعض الناس يتقول على فضلاء ونبلاء، فإذا سألته: هل سمعته؟ قال: لا. بل قال لي فلان، فتذهب إلى فلان؛ من قال لك؟ قال: فلان، فتذهب إلى فلان، فردك على فلان سند إسرائيلي من الإسرائيليات، معنعن بالمجاهيل والمناكير من أوله إلى آخره، أحاديث مبهرجة لا أساس لها من الصحة، وهذه وكالات أنباء عالمية، اسمها (وكالة يقولون) وهي تفسد القلوب، وتشتت بين الأرواح، وتأتي بالأخطاء للفضلاء والنبلاء، وتستحدث الخصومات، وتعتمل المعارك بدون أن يكون لها أساس. قال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع} بعض الناس جالس بلا عمل على الرصيف، همه في أول النهار -لأن الناس في مدارسهم ووظائفهم- أن يوصل السيارات بعينيه، يأخذ السيارة من طرف الشارع فيوصلها إلى طرف الشارع الآخر، ويأخذ الثانية إلى صلاة الظهر هكذا، ثم يذهب إلى بيته ويستمع إلى الأنباء التي تدار في الساحة، وفي اليوم الثاني ينشر الأخبار الصباحية على المسلمين، وهذا لو أنه أخذ بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، يوم قال: {من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه} اشتغل بخاصة نفسك، تركك ما لا يعنيك أفضل، وإذا لم تفعل خيراً لمسلم فكف أذاك عن المسلمين، فإنها صدقة تتصدق بها على نفسك.

الصبر على الأذى في النصحية

الصبر على الأذى في النصحية ومن آداب أهل السنة في النصيحة: أنهم يصبرون على الأذى، ينصح بلين ولكن نتائج النصيحة لا نعرفها؛ لأن المنصوحين ليسوا على طبقة واحدة، بعضهم يفتح قلبه لك، ويفتح بابه، ويعانقك، وبعضهم يردك من عند الباب بلا ضرب وبلا ملاكمة والحمد لله، وبعضهم يكشر في وجهك، ويرفع صوته، وبعضهم يرد عليك بكف حامية، وهذه منازل الناس، ولذلك قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] فأتى بالصبر بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والرسول عليه الصلاة والسلام أوذي، والله الذي لا إله إلا هو لو أوذي كل داعية، ومهما أوذي من الدعاة والعلماء وطلبة العلم والصالحون والصالحات؛ ما بلغوا عشر معشار ما وُجِدَ من الأذى ما وجد عليه الصلاة والسلام في سبيل الدعوة، فلا إله إلا الله كم صبر! ولا إله إلا الله كم صابر! ولا إله إلا الله كم احتسب! حتى بلَّغ اللهُ دعوته مبلغ الليل والنهار. والفيافي حالمات بالمنى تتلقاك بتصفيق مثير والرمال العفر صارت حللاً عجباً من قلبك الفذ الكبير أوذي، وشتم، وسُبَ وأخرج من داره، وبيعت أملاكه، حورب، جرح، قتل أصحابه، ضربت بناته، ومع ذلك يردد حاله: إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم وقد ورد في أحاديث: أن ملك الجبال أتى إليه لما أخرجه أهل مكة بأذى، أخرجوه من مراتع الصبا، من أرض الطفولة، من الأرض التي أحبها، أسفك الدماء؟ أأخذ الأموال؟ أهدد الأبرياء؟ بل أراد أن ينقذهم من النار إلى الجنة، وأن يخرجهم من الظلمات إلى النور، أخرجوه، وقف ينظر إلى مكة وهو يبكي، وهذا الحديث يحسنه كثير من العلماء، وقف يقول: {والذي نفسي بيده، إنكِ لمن أحب بلاد الله إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت}. وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا أطفاله؛ زوجاته؛ أصحابه، أخرج وحيداً فريداً، لا زوجة ولا ولد، ولا معين إلا الواحد الأحد، ففكر في الدنيا، إلى أين يذهب؟ فذهب إلى أهل الطائف، فوقف عليهم جائعاً متعباً سهران ظمآن، فدعاهم إلى الله عَزَّ وَجَلّ. واسمعوا إلى الرد القبيح الذي يساوي وجوه هؤلاء الكفرة، قال أحدهم: أما وجد الله غيرك في الدنيا حتى يرسلك إلينا؟ فتضاحكوا، وقال الثاني: أنا أمزق ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك. وقال الثالث: إن كنت نبياً فأنت أجل من أن أكلمك، وإن كنت كذاباً فلن أكلمك، فليتهم تركوه، جائع ليس في بطنه شيء، ضمئان سهران، قال الله له: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً} [المزمل:1 - 2] فقام ثلاثاً وعشرين سنة، ما نام وما ارتاح، في سهاد، وجهاد، وجلاد، وعبادة، وزهادة؛ حتى رفع الله به راية الحق واجتمعنا على ذكره. المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء عاد فأصبح بين حربين بين الطائف ومكة، إلى أين يذهب، قال ملك الجبال بعد أن جرحوه بالحجارة: يا محمد! أتريد أن أطبق عليهم الأخشبين؟ جبلين في مكة على أهل مكة، قال: {لا. إني أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله، ثم قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} رفع الله منزلتك، وآتاك الوسيلة، وجزاك الله عما قدمت لنا من الهدى ومن نصيحة، والله الذي لا إله إلا هو ما تركت خيراً إلا دللتنا عليه، ولا تركت شراً إلا حذرتنا منه، أعطيتنا وهديتنا وواسيتنا، فرفع الله منزلتك وأعطاك الشفاعة يوم العرض الأكبر. هذا من هديه عليه الصلاة والسلام في النصيحة، هديه الصبر على الأذى، والداعية يتعرض لإيذاءات، وطالب العلم، والرجل الملتزم، والرجل الصالح يترك الغناء، فيوصف بالتطرف والتزمت، يهتدي بالرسول عليه الصلاة والسلام بالسنة فيُلمز، يحافظ على الصلوات فيوصف بأوصاف بشعة، وهو على الحق، يا ملتزم! يا مستقيم! يا من تتعرض لحروب من الشائعات والتجريحات! قل لهذا المنتقد: ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني عجيب! أصبح عبد الأغنية يتكلم! أصبح ابن المسرحية يتحدث! أصبح الذي لا يعرف المسجد المتخلع في الحرمات ينتقد الأخيار! والله هذا أمر عجب، وإنه واقع لا محالة، وكأنه من السنن الكونية في الأرض، والله تعالى يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31].

إنزال المسائل منازلها

إنزال المسائل منازلها ومن آداب الدعوة عند أهل السنة والجماعة أن ينزلوا المسائل منازلها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد سبق شيء من هذا، لكن أقول: المنهج القرآني يعطي المسألة حجمها، العقيدة أخذت ثلاثة أرباع القرآن، الغيبة في آية أو آيتين، غض البصر في آية، خفض الصوت في آية، فلماذا تضخم أنت الجزئيات حتى تطغى على الكليات، وتقلل الكليات حتى تصبح جزئيات؟ لابد أن تكون حكيماً. فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مضركوضع السيف في موضع الندى أتى عليه الصلاة والسلام إلى الحرم المكي يدعو إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله، في قوم لا يعرفون الله، يشربون الخمر، يأكلون بالشمال، يتعاملون بالربا، يسبلون، أفمن الحكمة أن يقول: الإسبال حرام؟ أيستمع له أبو جهل وأبو لهب إذا قال: السنة أن يكون الثوب فوق الكعبين؟ وهل المسألة مسألة ثياب الآن؟ أيستمع له لو قال: الخمر حرام؟ فالمسألة أعظم من ذلك، وبعض الناس يذهب إلى بعض الوثنيين فيكلمهم في تربية اللحى، وما عليك لو ربى الوثني لحيته، أما كان - كاسترو - إلى سرته، وأمثاله من أعداء الله عَزَّ وَجَلّ لحاهم إلى أسفل صدورهم! وكذلك وكارل ماركس الذي يتبعه على إلحاده ولعنته في العالم ألف مليون، هذا عنده لحية طويلة، لكن على غير هدى، فماذا ينفعنا أن نربي الناس على جزئيات يتمثلونها والخراب من الداخل، هذا مثل رجل أتى إلى بيت مهدم من كل جهه فلطخه بالألوان فأظهر أنه جديد، وهو بيت مهدم يقول الله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] تأتي إلى رجل لا يصلي في المسجد، فتقول: يا فلان! رأيتك قبل أسبوع تأكل بالشمال، وقد ورد فيها أحاديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم، هو لا يعترف بك ولا بـ البخاري ولا بـ مسلم، يأكل باليمين، ولا يصلي بالمسجد، إبدأ بالتدرج. ودليل التدرج في الدعوة ما في الصحيحين، من حديث معاذ: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسله إلى اليمن وانظر الكلام، وانظر إلى المنهج الرباني الخالص، نحن نتحدى به عملاء الضلالة وأصنام الجهالة والأغبياء والأقزام في العالم، أهل المذكرات السخيفة الغبراء، التي هي كوجوههم، نحن نتكلم لهم بمنهج رباني، (قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام). نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا قال: {إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة} ثم سرد معه الحديث المتفق عليه، عجيب! هذا من أحسن المناهج التي يجب على المسلم أن يطبقها في الحياة.

معرفة حال المنصوح

معرفة حال المنصوح ومن آداب النصيحة عند أهل السنة أنهم يعرفون حال المنصوح. الذي تريد أن تنصحه فعليك أن تعرف حاله، ومشاعره، ومكانته، وعمله، والمشكلات التي يعيشها، وبيئته، هذه هي الحكمة، تأتي إلى مجتمع وأنت خالي الذهن عن المجتمع، وتريد أن تتحدث عن قضية، أهل البادية لا يصلون ولا يعرفون الصلاة، وصلنا إلى بعض الجهات، فسأل سائل منهم، شيخ في الستين من عمره، قال: الغسل من الجنابة واجب، قلنا: نعم واجب فالتفت له جاره -شيخٌ مثله- قال: كلما أتيت أهلك تغتسل! أين الماء الذي يكفي؟ يقول: تصدق هؤلاء المطاوعة، كلما جئت أهلك تغتسل! أين الماء الذي يكفي؟ يفتيه بفتوى جاهلية. فهل يعقل أن يأتي داعية إلى هؤلاء فيتكلم عن مشكلات البنوك الربوية، أو الحد من الأسلحة، أو درجات الحرارة؟ أو يأتي إلى هذا المجتمع بمشكلة الخدم والخادمات؟ هم لا يعرفون الخدم ولا الخادمات، ولا الخروج ولا السائق، وليس في البادية ولو سيارة، سياراتهم الحمير المصفنة المجنحة، فحالة البيئة، ومعرفة مع من تتحدث؛ من آداب أهل السنة إذا تحدثوا مع المدعو. تأتي إلى إنسان تشعر بمكانته وكرامته فتهين كرامته تحت رجليك ثم تقول: اتق الله، إن لم تتق الله ليقصمنك الله، وليعذبنك عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين. هذا لا يليق، بل أعطه مكانته، خاطبه بألفاظه، ألفاظ الوقار، ألفاظ التبجيل، والتدبيج، والتوشيح، الطعام لا يُقبل إلا بالتوابل، لو لم تفلفله وتجعل منه مذوقات ومشهيات ما أكل، فهذه الدعوة مثل ذلك، إن لم تقدمها في باقة من الود والحب واللين، وتضفي عليها شيئاً من الأنس واللطافة، ما قبلها أحد. ولذلك كان هذا منهجه عليه الصلاة والسلام، يأتيه أعرابي من صناديد الكفر ينكر الدين، فيعطيه عليه الصلاة والسلام مائة ناقة، وفي اليوم الثاني مائة، وفي اليوم الثالث يعطيه مائة، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. لا بد أن نقدم للناس خدمات، بعض الشباب كانوا في سكن جامعي، وكان عندهم شاب جار لهم، يترك الصلاة في المسجد، ويمرض، ويصحو، ولا يزورونه، مهمتهم فقط إذا حانت الصلاة يضربون بابه ضرباً ويقولون: صل يا عدو الله! صل قاتلك الله، ثم يخرجون، ويقول أحدهم: اللهم اعلم أني برأت ذمتي، وأني دعوت إليك، وكلما جاءت الصلاة ضربوا الباب، صل يا عدو الله! مرض هذا الشاب وزاره داعية في المستشفى، وقال -وهو لم يعرف سيرته- قال: يا أخي! هذا المرض درس لك في الحياة، أرى أن تتوب إلى الله، وأن تعود إلى المسجد، وما تطلب مني فأنا أخوك وأنا صاحبك، وأنت لا زلت في الإسلام وأسرتك مسلمة، وأعطاه محاضرة. قال: يا أخي! بعد ماذا أهتدي مع هؤلاء الجيران، والله ما زاروني، لقد احتجت إلى سيارة أحدهم يوماً من الأيام فلم يفعلوا، أحتاج إلى قرضة من المال ما فعلوا، وحسب ونسب فيهم، قال: ما يعرفون إلا ضرب الباب مع كل صلاة، كيف أستجيب؟ أريد أن أصلي لكن أتذكر فعائلهم فأبقى على السرير. ولذلك بعض الأفعال تحبط المدعو، تجعله لا يستجيب، ينكى في قلبه بنكايات، فيريد أن يقوم فيرفض قلبه، يقول له: لا تقم، لأنهم ما قدموا له شيئاً، ما قدموا رصيداً. الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتلطف بالمدعو أياماً، يقول صفوان: يا محمد! أمهلني شهراً حتى أفكر في هذا الدين، قال صلى الله عليه وسلم: لك أربعة أشهر، فقبل الشهر، وقبل الأربعة الأشهر فأتى وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأحد الجاهليين من اليهود، اسمه ابن سعنة، ذكره المؤرخون، قرأ التوراة فرأى أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وصفاً واحداً، أنه صلى الله عليه وسلم، كلما زدته غضباً زاد حلماً، فأراد أن يجرب، رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، فرآه أبيض مشوباً بحمره كالوصف، رآه ربعةً، النور في وجهه، كل وصف رآه، لكن كيف يجربه بالحلم، ذهب وأتى بمال وقال: يا محمد! عندي مال وأنت بحاجة إلى المال، اقترضه مني إلى حين، فأخذه صلى الله عليه وسلم مقترضاً لحاجة، وقبل أن يحل الوعد أتى اليهودي في صلاة العصر، والناس مجتمعون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! اقضني مالي، إنكم مطل يا بني عبد المطلب! أي: تماطلون صاحب المال، اقض مالي ثم غضب ورفع صوته، فغضب عمر، قال هذا اليهودي بعد ما أسلم: فرأيت عيون عمر تتدحرج في رأسه، يريد عمر أن يقضيه من الحياة؛ لينقله إلى الآخرة مباشرة، فأسكته عليه الصلاة والسلام، وقال: يا عمر! كان الأولى أن تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن الاقتضاء، ثم قام عليه الصلاة والسلام، وكلما رفع اليهودي صوته كلما تبسم صلى الله عليه وسلم، وذهب به فأعطاه ماله وزاده، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، قرأت كل صفة فيك فرأيتها كما قرأتها، إلا صفة أنك كلما أُغضبت ازددت حلماً، فرأيتها اليوم، فأنت رسول الله لا محالة، قال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأحقاف:10] قيل هذا في عبد الله بن سلام وقيل في غيره.

ضرورة الموازنة بين الحسنات والسيئات

ضرورة الموازنة بين الحسنات والسيئات فيا أيها الإخوة: هذه آداب النصيحة، في الإسلام، لمن أراد أن يكون ناصحاً، ولينفع الله بنصيحته، وليهدي الله بدعوته، وليستمر قائلاً، ونافعاً، ومفيداً، ومؤتياً، ومطلوباً، ومقبولاً. أيها الشاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا أترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى الندى فوقه إكليلا والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلا أنت فينا النصوح فارفق جزاك الله خيراً فالرفق أهدى سبيلا وبقيت كلمة أن نقول: يقاس الناس في باب النصيحة بحسناتهم وسيئاتهم، والفضلاء يعفى عنهم لبعض عثراتهم لا في الحدود، لحديث يقبل التحسين: {أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم} يقول ابن القيم هم أهل التقوى والاستقامة والصلاح، يتجاوز عنهم في الأخطاء التي ليست حدوداً ولا حقوقاً للناس. وقال صلى الله عليه وسلم: {إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث} فإذا زادت فضائل الرجل؛ عفي عن بعض ما يأتي به من عثرات لحسناته في الإسلام، ولعلكم تراجعون ترجمة قتادة بن دعامة السدوسي، ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء، ثم أتى بهذه المعاني الخالدة الرائدة، وقد ذكرني بعض الإخوة أن أذكركم بشريط، كانت محاضرة بـ أبها، اسمه "ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، ليسمع إن شاء الله؛ لأن فيه بعض القضايا والنقولات من كلام أهل العلم، والأدلة والنصوص، وهي تنفع في هذا الجانب، علَّ الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يردنا إليه رداً جميلاً. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة .

الصبر في دعوة الناس

الصبر في دعوة الناس Q أطلب منكم أن تبينوا حكم من نصحته عن منكر ولم يرتدع، ونصحته ولم يرتدع، فهل يجوز لي الجلوس معه؟ وما الحكم لو كانوا من الأهل؟ A جانب النصيحة يحتاج إلى زمن، يحتاج إلى صبر، يحتاج إلى أن تتحمل المنصوح أياماً طويلة حتى تعذر إلى الله عز وجل، ما تستطيع أن تصلح الرجل في نصف ساعة ولا في ساعة ولا في يوم، محمد عليه الصلاة والسلام هدى الله به الناس في ثلاثٍ وعشرين سنة، حاور الناس في ثلاثٍ وعشرين سنة على كلمة، وأنت اهتديت اليوم وتريد غداً أن تحول بيتك، هذا متعذر إلا أن يشاء الله، لكن سنن الله عز وجل في الكون: أن الأمور تأتي برتابة، الشمس ما تأتي فجأة وتغرب فجأة، النبتة ما تصعد اليوم وتثمر غداً، بل تأخذ مسارها، فالكلمة لا بد أن تصل، ثم تعطف عليها بالكلمة، ثم بالبسمة، ثم بالدعوة، ثم بالنصيحة. جلست مع رجل صالح كبير في السن في بلد ما، هذا الرجل هدى به الله مجرماً من المجرمين، كان هذا المجرم فتاكاً مروجاً للمخدرات، يطارد الناس، ورجال الأمن يطاردونه بالسلاح، ما يعرف يتخاطب إلا بالرصاص، وهذا الرجل فتك بعباد الله عز وجل، وروع الآمنين، حتى ظن بعض الناس أنه لن يهتدي وأصبحوا يدعون عليه، فأتى هذا اللبيب العاقل فأخذ هدية وذهب بها إليه، هدية غالية، وما تكلم معه بكلمة ثم أعطاه قال: فأخذ الهدية وسكت، قال: وبعد فترة، وأنا كل ليلة كلما قمت في الثلث الأخير، يوم يتنزل الله إلى السماء الدنيا، أدعو الله أن يهدي قلبه، قال: ثم ذهبت فدعوته إلى بيتي فاستجاب لي، فعزمته على وجبة دسمة، فأكلها وذهب، وما قلت له شيئاً، ثم زرته، وجلست معه وما تحدثت له عن شيء، وبعدها زرته وفاتحته في الهداية، فبدأ معي بكلمة ثم زرته، ثم أخذته إلى المسجد، ثم أسمعته شريطاً ثم مضيت معه في الأيام حتى اهتدى معي إلى صلاة الجمعة، ثم حضر واهتدى وشرح الله صدره، ثم أصبح ولياً لله قال الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:269]. أما أن تقول: أجب وإن لم تجب أذبحك، هذا عند حمورابي، ليس عند محمد عليه الصلاة والسلام، في بعض الناس يدعوه اليوم ويهجره غداً، الهجر سهل لأن الهجر عند بعض الدعاة أن تهجره وترتاح، الهجر لا يكون إلا بعد أن تصبر، قال ابن تيمية: في القرآن هجر جميل، وصبر جميل، وصفح جميل، ثلاثة ألفاظ في القرآن، صبر جميل، وهجر جميل، وصفح جميل، قال: الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه، والصفح الجميل الذي لا عتب فيه، والهجر الجميل الذي لا أذى فيه. فإذا ما استجاب لك فالهجر. وقد عقد أهل السنة في أبواب الحديث والفقه: باب الهجر، البخاري عقد على قصة الثلاثة: باب الهجر، هجر أهل المعاصي المتخلفين عن تبوك، فتهجره عن الود، تهجره عن الزيارة، تهجرة -مثلاً- من السلام، لكن لا تقطع وده مرة واحدة، تبقى تراسله، إلا إذا عذرت إلى الله عز وجل، وكانت المسألة من الفرائض الواجبات التي تعمد تركها، فحينها المقاطعة، والله تعالى يقول: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ} [المجادلة:22] لكن بعد أن تعذر إلى الله، وبعد أن تبلغه الحجة، وبعد أن يصفى منهجك ويبين عذرك.

حكم الأمر والنهي ممن هو مقصر

حكم الأمر والنهي ممن هو مقصر Q إذا رأى الإنسان منكراً وهو مذنب، فهل له الحق أن ينهى عن ذلك المنكر؟ A سئل الإمام أحمد، قيل له: ألا يأمر الرجل وينهى حتى يستكمل؟ قال: لو قيل هذا لما نهى عن المنكر أحد وما أمر بالمعروف أحد؛ لأن المعصوم محمد عليه الصلاة والسلام ذهب الله بالكمال وأبقى كل نقص لذلك الإنسان فلا بأس أن تأمر بالمعروف وأن تنهي عن المنكر وإن كنت في بعض المسائل مقصراً، لكن فيها تفصيل أما الفرائض فلا يعذر فيها أحد، والداعية لا يعذر في ترك الواجبات، ولا يعذر إذا ارتكب المنهيات، أما عذره ففي النوافل عند بعض العلماء بينها ابن الوزير في كتابه العظيم الجليل: العواصم والقواصم، هذا الكتاب الضخم الذي أنصح بقراءته بيَّن هذه المسألة قال: قد يدعو الداعية إلى نوافل ولكن لا يستطيع أن يعملها. مثل: أن تكون داعية تدعو الناس إلى الإنفاق وإلى الصدقة، لكنك فقير أو أن تدعو الناس إلى قيام الليل، لكنك مجهد من انتقالك، وأسفارك، وعملك، ودعوتك؛ أفتسكت عن قيام الليل؟ لا. ادعهم يصلوا ولك مثل أجر صلاتهم؛ لأنك الذي دلهم على صلاة الليل. ولذلك الحديث الصحيح: {من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجورهم دون أن ينقص من أجورهم شيء، ومن دعا إلى ضلالة فعليه من الوزر مثل أوزار من تبعه دون أن ينقص من أوزارهم شيء}.

بعض الأعمال المحرفة

بعض الأعمال المحرفة Q يقول: لقد نصحت بعض الإخوة في أمور، أهمها حلق اللحية وسماع الأغاني ومشاهدة الفيديو، وإذا نصحتهم لم يستجيبوا لي، أريد أن تنصحهم بنفسك لأنهم معنا في المحاضرة؟ A أولاً: ما حضروا المحاضرة إلا لخير في قلوبهم، وأراد الله بهم الخير فأجلسهم في هذا المكان قال الله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:125] فإن الله عز وجل إذا أراد بالعبد خيراً سهله للخير، وإذا أراد به سوءاًً سهله للسوء، ومن تردى فإلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، من جلس في المسجد فمراده الخير، وهو يختلف عمن جلس في السهرة الحمراء، أمام الشاشة المغرية، أو عند المجلة الخليعة، أو مع البلوت، أو السيجارة المحرمة. حينها ما دام أنهم جلسوا وهم هنا فهم مهتدون، لكن عليهم بعض الملاحظات التي ذكرت؛ فأسأل الله في هذه الجلسة المباركة أن يشرح صدورهم للإسلام، وأن يهديهم هداية عامة وخاصة سراً وظاهراً، وأن يقودهم إليه، وأن يحسن عاقبتنا وعاقبتهم في الأمور كلها. ثالثاً: ما ذكرته -أيها الأخ- فيه تفصيل، حلق اللحى محرم بالإجماع عند علماء المسلمين ويعزر من فعله، وقد جرح سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما عرفت عالماً من علماء المسلمين من أهل السنة الذين يوثق بهم؛ قال بسنيتها فحسب أو باستحبابها، بل قال بوجوب إعفائها وبتحريم حلقها. وسماع الأغاني محرم، وسمعت قائلاً يقول: الأئمة الأربعة لم يجمعوا على تحريمها؛ بل أجمعوا، ولو لم يجمعوا لكان في الكتاب والسنة ما يكفينا على تحريم الأغاني، وسوف يكون هناك لقاء يبين فيه هذه المسائل إن شاء الله. ومشاهدة الفيديو أو ما يضر في الفيديو محرم معلوم ذلك. ولكني أدعوهم رابعة إلى أن يعودوا إلى الله، وأدعوهم إلى البديل وهو الشريط الإسلامي، التلاوة، ذكر الله، حضور مجالس الخير، التسبيح، قراءة الكتاب الإسلامي، مجالسة الصالحين، نسأل الله أن يردهم إليه رداً جميلاً.

حكم السفر إلى أمريكا ودول الكفر

حكم السفر إلى أمريكا ودول الكفر Q سمعت محاضرتك (أمريكا التي رأيت) وكنت أعد نفسي أن أسافر إلى أمريكا لتحضير درجة الماجستير والدكتوراه في حقل إدارة الأعمال، حيث سيبعثني عملي لتلك الدراسة، وقد وقفت كثيراً مع نفسي وبدأت أتردد، ولكني استخرت الله أكثر من مرة، فوجدت في نفسي الطمأنينة والقبول وحاولت الاتصال بك فلم أستطع، فهل أسافر أم لا؟ A قلت في بداية ذلك الشريط: السفر عند علماء الإسلام لبلاد الكفر لمطالب ومقاصد لا بأس، منها أن تطلب علاجاً ليس في بلاد المسلمين كأن تعذر وجوده في بلاد المسلمين، فلك أن تسافر للعلاج، ومنها: أن تسافر داعية بشرط أن تكون مؤثراً هناك، وأن يقبلوا منك، أما أن تكون لست مؤثراً وتقول: أدعو هناك، فهذا ليس بوارد، بعضهم بقرية ما تكلم بكلمة، وما علم عجائز قريته سورة الفاتحة ويقول: أريد أن أدعو في سنغافورة أو في الولايات المتحدة الأمريكية. نحن لا ينقصنا العدد، نحن غثاء كغثاء السيل، ينقصنا جودة، ولا ينقصنا كم بل ينقصنا كيف، اليهود الإسرائيليون عددهم مليونان لعلوا بنا طولاً وعرضاً، والمسلمون الآن مليار، لكن تعال إلى المليار نصفهم بالتابعيات مسلم، ولا يعرف يصلي، ولا يعرف الله ولا القبلة، والبقية يصلي بالاختيارات، إلا من رحم ربك، والبقية الخيرة ولا زالت الطائفة المنصورة موجودة، لكن هناك بقية كذلك، لا تعرف الإسلام إلا صلاة، وعمرة وحجاً، ومراسم تعبدية فقط، لكن لا صدق، لا وفاء، لا أمانة، لا انتهاء عن ربا، لا انتهاء عن زنا، لا انتهاء عن محرمات، لا حفظ للأوقات، لا خوف من رب الأرض والسماوات، فأين الإسلام؟ وطائفة جهلت بالإسلام، لا يعرفون شيئاً، يعرفون يصلون لكن جاهلون، يعرف يقود سيارته، يعرف يأكل، يخلع قميصه، يبني بيته، لكن إذا قلت تعال تفقه في الدين يقول: الحمد لله العلم متوفر، والله منَّ علينا بالخير، وقد عرف الدين العجائز. لكن لو سألته في سجود السهو هل هو قبل السلام أم بعد السلام ما عرف، فأقول هذا للدعوة. ومنها لتحصيل علم لا يوجد عند المسلمين مثل علم التكنولوجيا، هذا العلم الذي سبقونا فيه، هذه العلوم الطبيعية تطلبها من هناك، أما أن تطلب الحديث هناك أو الفقه من هناك فلا. لا يطلب الشفاء من مريض، هم أمراض، واحذر منهم، والسنة أتت من هنا. فتذهب هناك بشرط أن يكون هناك مصلحة، لكن أقول لك أولى وثانية وثالثة: استخر الله قبل سفرك، فإن الخيرة بيده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، واستشر أهل الرأي، وإن كان فيه مندوحة عن السفر فاترك، وإن كان يتوقف عليه نفع لك ولأمتك ولبلادك، فاذهب والله معك. لكن إذا ذهبت فأمامك أمور، أولها: أن تذهب بزوجتك، ولو كان عندك أربع فأذهب بهن، فإنه سوف تأتيك دواهٍ ولواهٍ، مصغيات وملهيات، إن لم تعتصم بحبل الله هلكت، ومنها: أن تكون متحصناً بالأذكار والأوراد، وسنة محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأن بعض الناس إذا وصل إلى هناك بين عشية وضحاها يصير أنكى من الخواجات ضد الإسلام. والأمريكان ما أحجموا عن الإسلام إلا لسببين: السبب الأول: التمثيل السيئ في بلاد المسلمين للإسلام، يأتون جاليات هنا إلى مهبط الوحي، إلى أرض الرسالات، إلى أرض الحرمين، فيظنون أنهم سوف يسمعون بتلك السيرة الماجدة لمحمد عليه الصلاة والسلام، ولـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، يجدون الصدق، والعدل، والوفاء الذي يقرءونه في القرآن والسنة، ولكن يطبقوا السنة والقرآن على المجتمع، فإذا به خلاف الأصل، الكتلوج خالف التعاليم الأرضية، الواقع خالف الخيال المكتوب، فأصبح عندهم الإسلام خيال. ولذلك يقول كريسي موريسون يقول: ما عندكم إسلام، في بلادكم لا يوجد إسلام، فقط الإسلام يوجد عندكم في الكتاب والسنة متى تصلون إليه. وشُوه الإسلام من أناس ذهبوا إلى، أو من جهات وكيانات هناك، تبنت الإسلام وقد شوهت الإسلام، يذهب شاب وإذا هو غداً مع فقاة ويعاقر الخمر، ويترك الصلاة، ويخون، ويغدر، ويترك العمل، فيقولون: أنت مسلم وتفعل كذا؟! هذا الإسلام ليس بصحيح. فمثل الإسلام تمثيلاً جيداً، فأنت داعية هناك، وقد أقبل عباد الله إلى الإسلام، وقد اهتدى شبابنا هناك، ونسبة المهتدين إن لم يكونوا ثمانين أو أكثر فلا يقلون عن ذلك، والحمد لله عادت الأمة والدنيا إلى الله؛ لأن الإسلام دين حق، يصل إلى القلوب بحق ونور، وخسئت الشيوعية، ولعنت، وقبحت، انهارت رومانيا أمس.

تعليق على الجهاد الأفغاني

تعليق على الجهاد الأفغاني Q يرجى منكم التحدث عن الجهاد الأفغاني، وحث المسلمين على الإنفاق في سبيل الله لصالح الجهاد الأفغاني وجزاكم الله خيراً. A على كل حال، الآن تحصيل حاصل، الجهاد الأفغاني يعرفه الوثني الأفريقي، والبرشفي الأحمر، والخواجة الأشقر، ما أحد في الدنيا لا يعرف الجهاد الأفغاني، سلُّوا سيوفهم، وحرابهم، ورفعوا لا إله إلا الله حتى تاب برجنيف وجرباتشوف وأذنابهم وعملاؤهم، من الاعتداء على قداسة المسلمين، قوم أتتهم الدبابات فخرجوا بالسلاح يقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا نحن في ظل ظليل، وفي نعم وفي نعيم، وفي رخاء وفي شيء من العيش عظيم، لا نخشى على أنفسنا إلا أن نموت تخماً، بعض الناس يموت شهيداً في المستشفى من أكل العصيدة، يسوى له عملية قالوا: أكلها وهي حارة، وبعضهم قالوا: أدخل العشاء على الغداء بدون ترتيب، وبعضهم يغص بلقمة فيموت إلى رحمة الله على مائدته. فنحن ما نشكو إلا من الإحباط، فجدير بنا أن نوجه بعض النعم (بعض التبرعات) بعض المال إلى أولئك الذين أعلنوا جهادهم لله عز وجل، يلتحفون السماء، ويفترشون الأرض، وأنت عندما تقدم مالك إنما تعلن إيمانك من جديد، وتعلن صدقك مع الله وإخلاصك يقول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261]. أخذت أموالنا الأزياء، والأحذية، والكنبات، فماذا نقول للجنات يوم فتحت أبوابها للمتصدقين، ألا إن عثمان دخل الجنة بماله، قال عليه الصلاة والسلام: {من يجهز جيش العسرة وله الجنة، فجهزه عثمان، فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام على المنبر وقال: اللهم اغفر لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم} ادفعوا أموالكم ساهموا، سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض، يدفع المال هناك، وما اكتسيت ما أكلت ذاهب. يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت نفسك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران قتل أحد المجاهدين وهو شهيد، فوجدوا في قميصه خمسة قروش، ما ترك قليلاً ولا كثيرا. دخلوا على قائد من قواعد المجاهدين الأفغان، فوجدوه في بيت من خشب، قالوا: أنت قائد، وأنت في بيت من خشب! قال: لو كنت أعمل للدنيا لسكنت قصراً، لكنني أريد جنة عرضها السماوات والأرض. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.

اقتراب ساعة الدجال

اقتراب ساعة الدجال هاهي أيام الدنيا أوشكت على الأفول، فإن أمارات الساعة قد بزغت قديماً، ومازالت تسير حتى تظهر الفتنة الكبرى فتنة الدجال، شر غائب ينتظر، ليفتن الله به من يشاء، ويعين الله أهل الاستقامة فيبعدهم عن فتنته.

الدجال (خبره وفتنته)

الدجال (خبره وفتنته) اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت إله السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك أسلمنا، وبك آمنا، وعليك توكلنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، اللهم بك خاصمنا، وإليك حاكمنا، وبدينك رضينا، وإلى رحمتك رغبنا، فاغفرلنا ما قدمنا وما أخرنا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله على حين ظلمة وغفلة من الناس، فبصر به من العمى، وهدى به من الضلالة، وأنار به من الظلمة، وأنقذ به من الهلكة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: أيها الناس: إن أمامكم فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مسلماً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا. أيها الناس: فتن والله كالليل المظلم؛ أكبرها وأظلمها وأفتنها فتنة المسيح الدجال، نعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال، يقول عليه الصلاة والسلام: {ما بين خلق الخلق إلى قيام الساعة فتنة أعظم ولا أكبر من فتنة المسيح الدجال} ويقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {ما من نبي إلا أنذر قومه المسيح الدجال} ثم يقول عليه الصلاة والسلام: {ألا إني أنذركم فتنة المسيح الدجال ألا إنه أعور - أعور العين اليمنى - وإن ربكم ليس بأعور} وإنما قال هذا عليه الصلاة والسلام؛ لأنه سوف يبعث في آخر الزمان، وهو قريب الخروج، ويقول لبعض المفتونين: أنا ربكم! فيصدقه كثير من الناس، يصدقه الذين يتخلفون عن الجماعات ويضيعون الصلوات، ويرتكبون الشهوات، ويستمعون الأغنيات، ويطالعون المجلات الخليعات، يفتنهم حتى يرديهم النار، ويكتب على جبهة كل واحد منهم (ك ف ر) نعوذ بالله من فتنته.

لقيا تميم بن أوس الداري المسيح الدجال

لقيا تميم بن أوس الداري المسيح الدجال روى مسلم في صحيحه - رحمه الله - أن نفراً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ركبوا البحر في سفينة؛ فانكسرت بهم السفينة فركبوا خشبة طويلة؛ فأخذت تلعب بهم الريح شهراً كاملاً في البحر، فانتهوا إلى جزيرة من الجزر، فنزلوا في الجزيرة، جزيرة أظنها في بحر القلزم أو ما يواكب تركيا فنزلوا هناك تجاه بلاد الشام، فلما نزلوا في الجزيرة وإذا بدابة أهْلب كثيرة الشعر لا يدرى وجهها من قفاها، فتكلمت بإذن الله، فقالت: من أنتم؟ قالوا: نحن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فقالوا لها: من أنتِ؟ قالت: أنا دابة، قالوا: ما خبرك؟ قالت: لا تسألوني، واذهبوا إلى هذا الدير إلى بئر مطوية هناك فاسألوا رجلاً فيها، فظنوا أنها شيطانة، فذهبوا إلى البئر الذي وصفت، فإذا هي بئر مطوية لا ماء بها، وإذا فيها رجل كأضخم الرجال جسماً، أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية خارجة من رأسه، وإذا يداه مسلسلتان إلى عنقه مكتوف بالحديد، وإذا يداه ورجلاه قي سلاسل من الحديد لا يستطيع الوثوب، يزرم ويريد أن يتفكك، ويريد أن يشرد ويخرج من البئر ولكن الله حبسه في الحديد، فقال له الصحابة: من أنت؟ وفيهم تميم الداري أحد الصحابة، قال: أنا المسيح الدجال - نعوذ بالله من المسيح الدجال - ثم قال لهم: من أنتم؟ قالوا: نحن قوم من العرب، قال: ما خبر نخل بيسان، -ونخل بيسان في الأردن - أتثمر؟ قالوا: نعم. قال: يوشك أن يأتي عليها زمن لا تثمر. قال: ما خبر بحيرة طبرية -وهي قريبة من البحر الميت -؟ قال: أفيها ماء؟ قالوا: نعم فيها ماء، قال: يوشك أن يأتي عليها زمن لا يوجد فيها ماء، ما خبر عين زغر أفيها ماء؟ قالوا: نعم فيها ماء يسقون به الشجر، قال: يوشك أن يأتي زمن لا يجدون في عين زغر ماءً، ما خبر النبي الأمي أبعث؟ -أي: محمد عليه الصلاة والسلام- قالوا: نعم بعث، قال: كيف العرب له؟ قالوا: قاتلهم وقاتلوه فانتصر عليهم، قال: أما إنهم لو أطاعوه لكان خيراً لهم. قالوا: وما خبرك أنت؟ قال: أنا المسيح الدجال أغضب غضبة فيخرجني الله من هذا المكان، فأطوف في الأرض، فلا تبقى أرض إلا هبطتها إلا مكة والمدينة، وفي لفظ مسلم -إلا مكة وطيبة - فإن الله يحميها عني بملائكة، على أنقاب المدينة سبعون ألف ملك، مع كل ملك من الملائكة مرزبة لا أدخل المدينة، ولا مكة.

تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من المسيح الدجال

تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من المسيح الدجال فرجع الصحابة؛ فأخبروا النبي عليه الصلاة والسلام، فقام فجمع الناس في المسجد، وقال: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، ثم تكلم فيهم، وقال: {ما من نبي إلا وأنذر قومه المسيح الدجال ألا فإني أنذركم المسيح الدجال يدخل كل بلدة إلا مكة وطيبة} ثم قال لمدينته: هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة ينزل حول المدينة فيهبط في السبخة في الحرة السوداء؛ فيخرج الله له من المدينة كل كافر ومنافق، وينزل سبعون ألف ملك على جبال وهضاب المدينة، ومداخل السكك يحرسونها بإذن الله، وينزل ذكر الله، فيحرس مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام فترجف المدينة رجفة هائلة تكاد جبالها أن تتدكدك، فيخرج له الكفار والمنافقون فيفتنهم بفتنة.

مدة إقامة المسيح الدجال في الأرض

مدة إقامة المسيح الدجال في الأرض أما هو فيجوب الأرض -نعوذ بالله منه- ويمشي في القرى وينزل المدن، يهبط المدن، ويقف على الجبال، يبقى في الدنيا أربعين يوماً، يوم من الأيام كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وبقية أيامه كأيام الدنيا، يأتي إلى البدوي في البادية، فيقول للأعرابي الذي ما صلى ولا اغتسل من الجنابة ولا عرف الله. فيقول له: أو أحيي لك أبويك (أمك؛ وأبيك)؟ فيقول الأعرابي: نعم، فيحيي له أبويه، فإذا هم أحياء، وعند مسلم وأوردها السخاوي أن المسيح الدجال يمثل له شيطاناً وشيطانة، فيقول: هذا أبوك وأمك، فيؤمن به ويدخل النار. ويأتي إلى الخرابة فيطلب من الخرابة كنوزها فتخرج الخرابة ذهبها وفضتها، فتخرج مع المسيح الدجال -فتنة لكل مفتون- لكن المصلين والموحدين لا يفتنهم ولا يخدعهم، لكن الذين يحافظون على الصلوات الخمس لا تصيبهم فتنة ما دامت السماوات والأرض. يأتي بجنة ونار، يقول للناس: من أطاعني دخل جنتي، ومن عصاني دخل النار، يقول عليه الصلاة والسلام: {من أدركه فليدخل ناره، فإن ناره جنة، وجنته نار} يفتن الناس فتنة عظيمة كان يقول عليه الصلاة والسلام في دبر كل صلاة: {أعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال} من أطاعه أعطاه مالاً وخوله، ومن عصاه قتله أمام الناس. يأتي برجل حول المدينة من الصالحين، فيقول: أتؤمن بأني! أنا الله؟ فيقول: آمنت بالله وكفرت بك، فيأخذ السيف فيقتله فيقسمه نصفين، ثم يمشي بين الشقين، فيقول للناس المفتونين المخدوعين، أهل البعد عن الله، الذين لا يعرفون المصحف، أهل الليالي الحمراء، أهل المجون، أهل الكأس، أهل المرأة الخليعة، الذين أظلمت قلوبهم وقست واسودت من المعاصي، عبدة الدرهم والدينار، عبدة الأغنية والمجلة الخليعة، فيقول لهم: أتؤمنون بي؟ قالوا: آمنا بك؛ فيكفرون، فيحيي بإذن الله هذا المقتول فيحيا، فيقول: أتؤمن أني أنا الله؟ فيقول: آمنتُ بالله وكفرت بك، ما ازددتُ فيك إلا بصيرة، فيأتي ليقتله فلا يستطيع قتله. يجوب، ويخطف القرى والمدن خطفاً، وترتج له الأرض، وتخبر به أجهزة الإعلام، ويتكلم عنه الناس، ويكون حديث الساعة، وتشتغل به الأرض. فأما المؤمن فلا يخاف ولا يحزن {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] وأما المنافق، والكافر، والفاسق فالويل له، والله لا يعصمه من المسيح الدجال ولو كان في البروج المشيدة، ولو كان في الحصون المحصنة. عباد الله: هذا شيء من فتنة المسيح الدجال الذي نستعيذ الله من فتنته في كل صلاة، فهو قادم لا محالة، وهو قريب بلا شك، وهو خارج في الناس فتنبهوا واستيقضوا وانتبهوا لفتنته، وهلموا إلى طاعة الله وإلى الصلاة، إلى ذكر الله، أنقذنا الله وإياكم من فتنة المسيح الدجال، وعصمنا وإياكم من المسيح الدجال، وحمانا الله وإياكم من فتنة المسيح الدجال، وبصرنا الله وإياكم بـ المسيح الدجال. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم

دروس مستفادة من قصة المسيح الدجال

دروس مستفادة من قصة المسيح الدجال الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اقتراب الساعة

اقتراب الساعة أيها الناس: مما سمعنا نستنبط درساً هاماً وهو أن القيامة قربت، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعلاماتها الصغرى والوسطى والكبرى، أما الصغرى فقد ظهر معظمها ودخلت الوسطى، وما هي إلا قاب قوسين أو أدنى، فتدخل الكبرى، وحينها تقوم الساعة، ويخرب العالم، وتتغير المعمورة: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم:48 - 52]. فأما من صلّى وزكى، وبر والديه، ووصل رحمه، وحسن باطنه وظاهره فلا خوف عليه {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:101 - 104].

من علامات ظهور الساعة

من علامات ظهور الساعة عباد الله: ظهرت كثير من علامات الساعة: فاض المال فينا، وأصبحت الملايين المملينة كالدراهم عند السلف. أكل الناس الربا، ولبسوا الربا، وأخذوا سياراتهم وفللهم وقصورهم من الربا. خون الأمين، واستزري بالصالحين ولم يؤمّنوا، وَصُدِّر الفجرة والفسقة وصُدّقوا واُحترموا، وعُظِّموا وقُدِّموا، فهذه من علامات الساعة، وسدت الأمور في كثير من النواحي إلى غير أهلها، وأصبح المتكلم في الناس الذي يتكلم ويكتب وينصر دعوته هم أهل باطل من يهود ونصارى وعلمانيين وشيوعيين، وأصبح المسلم في غربة، وهو في بيته يُنابذ بالغربة. أصبح المسلم يوم يلتزم بالإسلام وبالسنة في غربة من بيته، يستنكرون ثوبه ولحيته، وصلاته وصيامه، وسواكه وذكره، فهل بعد هذه الغربة من غربة؟! أصبح الدين الإسلامي الذي كان يراد أن يرشح ليقود العالم في غربة، فأصبح المسلم بين بني جنسه في غربة. قال ابن القيم: "غريب في صلاته؛ لأن الناس يسيئون الصلاة، غريب في كلامه؛ لأنهم يكذبون، غريب في لباسه؛ لأنهم يلبسون الحرام، غريب في طعامه؛ لأنهم يأكلون الحرام، غريب في صمته؛ لأنهم يتكلمون في الحرام". يا أيها الغريب: كن غريباً بعقيدتك فإن أهل السنة والجماعة لا يشترط فيهم الكثرة ولو كانت جماعتهم واحداً. غريبٌ من الخلان في كل بلدة إذا عظم المطلوب قل المساعد لا طفوني هددتهم هددوني بالمنايا لا طفت حتى وحسا أركبوني نزلت أركب عزمي أنزلوني ركبت بالحق نفسا عشت فرداً والناس مليون حولي وأراها الذئاب غبساً وطرسا فالذي ينجيه الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن هو الذي جعل الله له نوراً في قلبه، نور الفطرة، ونور الإسلام: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35]. فيا من منح أولياءه نوراً! امنحنا نوراً من نورك، اللهم اجعل في قلوبنا نوراً، وفي أسماعنا نوراً، وفي أبصارنا نوراً، وعن أيماننا نوراً، وعن شمائلنا نوراً، ومن خلفنا نوراً، اللهم أعظم لنا نوراً. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلّ على نبيك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذا الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه يا رب العالمين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك في برك وبحرك يا رب العالمين. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم ثبتهم في حربهم وسلمهم، اللهم انصر الإسلام على أيديهم، ودمر أعداءهم وأعداءك يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين في فلسطين، اللهم رد فلسطين إلى بلاد المسلمين، واجعل لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله ترفرف على أرض فلسطين، اللهم أنقذها وأخرجها من أيدي اليهود قتلة أنبيائك، وأعداء رسلك، المكذبين بكتبك يا رب العالمين، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً وأصلح شباب المسلمين ووفقهم للخير، وكفر عنهم سيئاتهم، وأصلح بالهم، وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

البعوضة في القرآن

البعوضة في القرآن إن الله سبحانه وتعالى شرع الدين الإسلامي، وعضده بوحي من عنده وهو القرآن الكريم، الذي أنزله الله بلغة العرب، ليفهموا كلامه وليفقهوا أمثلته، ومن الأمثال التي أوردها الله سبحانه وتعالى البعوضة، وقد رد سبحانه في هذه الآية على من يكفر بالله، ويستبعد أن يضرب هذا المثل، ويذكر الله في القرآن الكثير من هذه الأمثلة، فيهتدي أناس ويضل أناس.

شرح آية ضرب المثل بالبعوضة

شرح آية ضرب المثل بالبعوضة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته ومع كتاب الله النور المبين, والصراط المستقيم, ومع آيات محكمات, وعظات بالغات: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة:26 - 27]. فما زال الحديث في القرآن معترك بين الكفار والمؤمنين, والله عز وجل قال: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25] فلما انتهى سُبحَانَهُ وَتَعَالى من هذه الآية، وكأنه أنزل أهل الإيمان الجنة دار الرضوان، وكأن أهل البغي والطغيان أنزلهم ناراً تلظى، قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:26] و Q ما هو سبب نزول هذه الآية؟ والسؤال الثاني: هل يطلق الحياء على الواحد الأحد؟

سبب نزول آية ضرب المثل بالعبوضة

سبب نزول آية ضرب المثل بالعبوضة فأما Q ما هو سبب نزول هذه الآية؟ فلأهل العلم قولان: الله ضرب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما يقارب من البعوضة وما فوقها وما دونها أمثلة في القرآن, وذكر الله النحل وهي حشرة خلقها وفطرها وهداها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وذكرها في كتابه فقال: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68] وهي آية من أكبر الآيات. ولذلك ينقل الأستاذ سيد قطب في الظلال عن كريسي موريسون الأمريكي صاحب الإنسان لا يقوم وحده , يقول: أعظم آية على أن هناك قدرة: هذه النحلة, قال: من يدلها أن تقطع آلاف الأميال، وتأتي من الجبال إلى خليتها فلا تضل خلية إلى غير خليتها, أعندها (هوائي)؟ قال سيد قطب: لا يوجد عندها هوائي ولكن عندها: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68] فقال الكفار: رب قدير كبير عظيم ويتحدث عن النحل! والنحل حشرة صغيرة، والعظماء على زعمهم لا يتحدثون في الحشرات. وذكر الله الذباب، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:73 - 74] قال كفار مكة: رب محمد يضرب المثل بالذباب. وذكر الله النمل فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18] يقول بعض أهل اللغة: نادت، وأمرت، وبينت، واستثنت، واعتذرت وختمت, فنادت فقالت: يا أيها النمل, وأمرت فقالت: ادخلوا, وبينت فقالت: لا يحطمنكم سليمان وجنوده, واعتذرت وختمت فقالت: وهم لا يشعرون, فسبحان من علمها وعلم سليمان منطقها! فلما كثر القيل والقال رد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم، وأقول: إن سورة البقرة تعتني -كما يقول أحد المفكرين- بالنسف والإبادة وبالردود, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:26] الله يضرب الأمثال بالبعوض وما فوق البعوض، وهو الذي خلقها، وهو الذي سواها, فهذا هو سبب نزولها عند بعض المفسرين. القول الثاني: وقال قوم من أهل التفسير ومن أهل السنة: سبب الآية أن الله عز وجل لما ضرب بعض الأمثلة في القرآن قالوا: ما هذه الأمثلة، القرآن وهو كتاب معجز تضرب فيه الأمثلة, يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ} [البقرة:17] ثم بعدها بآية قال: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة:19] قالوا: كيف يضرب الله هذه الأمثال؟! فرد الله عليهم قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:26].

إثبات صفة الحياء لله عز وجل

إثبات صفة الحياء لله عز وجل أما بالنسبة للسؤال الثاني: هل يطلق الحياء على الله عز وجل؟ جاء عند الترمذي وابن ماجة وأبي داود والحاكم وصحهه من حديث سلمان قال عليه الصلاة والسلام: {إن الله يستحي من أحدكم إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً} في لفظ: {إن الله يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً} سبحان الله! يستحي منك الله إذا رفعت يديك إليه أن يردهما صفراً, لا يرد لك طلباً، وهو يستحي منك وأنت لا تستحي منه! وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني وورد في الحديث: {إن الله يستحي أن يعذب ذا شيبة في الإسلام} فنطلق هذه الصفة على الله ونقول: له حياء يليق بجلاله, لا نكيفها، ولا نشبهها، ولا نمثلها، ولا نعطلها. وقد ورد في الحديث الصحيح: {إن الله يستحي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفراً} فلابد أن يرد الله في يديك شيئاً, فأكثر من سؤال الله, ومن الالتجاء إلى جنبات الواحد الأحد. لا تسألنَّ بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب والفرق في هذه المسألة بين الخالق والمخلوق: أن المخلوق إذا سألته غضب عليك، ولذلك جاء عند ابن ماجة بسند صحيح: {أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟ قال: ازهد في الدنيا يحبك الله, وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} فلا يحبك الناس إلا إذا زهدت فيما عندهم, ولا يحبك الله إلا إذا سألته. وأحب الناس إلى الله أكثرهم مسألةً ولجوءاً ودعاءً، وإذا رأيت العبد يرفع يديه دائماً، ويقول: يا رب يا عظيم يا كريم يا إلهي فاعلم أنه قوي الإيمان. واللجوء إلى الله من أعظم ما يمكن أن يقرب العبد من الله, قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] وقال: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] وقال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62]. إنه ليوجد من البدو مؤمن موحد يعرف الله والدار الآخرة, ويوجد من المثقفين ملحد زنديق رعديد، يحمل الشهادة الجامعية ولكن عقله عقل حمار! قال تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] وقال: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. ويوجد في أهل البادية من يحافظ على الصلوات الخمس، ومن يصلي في الليل ويدعو الله ويبكي، ويوجد من طلبة العلم من بلغ درجة البرفسور أو الأستاذ المشارك وهو لا يحافظ على الجماعة، ولا يتلو القرآن، ولا يعرف الواحد الديان!

قصة توضح استحياء الله من عبده إذا دعاه

قصة توضح استحياء الله من عبده إذا دعاه وحدثنا بعض الدعاة بهذه القصة فقال: نزل رجل أعرابي في الصحراء, فارتحل عن الغدران والأودية مسافة يومين ومعه أهله وأطفاله، أصابهم عطش شديد فلما بحث عن الماء لم يجده طلبه أطفاله ليشربون وطلبته زوجته فلم يجد ماءً, قال: انتظروا قليلاً! فذهب وراء الجبال فلم يجد ماءً, رجع وترك ما وراء الجبال، والتجأ إلى ذي الجلال, كما قال الله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] فتيمم وصلّى ركعتين ورفع يديه؛ لكنه مضطر صادق وبكى وقال: يا رب! التجأنا إليك أنا وزوجتي وأطفالي, من ينقذنا يا رب؟! كيف يرد الله هذه الكلمات؟! أيرد الله يديه صفراً؟! {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] وقال: والذي فلق البحر لموسى ما انتهيت إلا والغمامة على رءوسنا غطت ما بين الجبلين, قال: فأنزل الغيث فإذا بالسيل من جانبنا ودخلنا الخيمة حتى انتهى السيل, قال: فأخذ أطفالي وزوجتي يتضاحكون من قرب الفرج ومن كرمه عز وجل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]. فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان فالشاهد: أننا نطلق الحياء على الله، لكنه حياء يليق بجلاله، ما دام أنه أطلقه على نفسه فما هو المانع من إثباتها لله؟ ولكن العبرة ليست في إطلاق الصفة فهي ثابتة, لكن العبرة يوم يستحي الله من العبد ولا يستحي العبد من الله! يا سبحان الله! رب يستحي من عبده وخالق يستحي من بعض خلقه ألا يستحي المخلوق من الله؟! تصور أن ملكاً من ملوك الدنيا -ولله المثل الأعلى- دخلت عليه فقال: يا فلان! والله إني أستحي منك، ولولا حيائي منك لفعلت بك وفعلت! فتخرج أنت وتعصيه, ثم دخلت عليه، وقال: إني أستحي منك أن أعاقبك! هل بقي لك وجه أن تقابله؟! أما عندك حياء أن تستحي منه؟ والله لا يستحي من الحق، أتت أم سليم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق -هذه مقدمة لطيفة ظريفة- فأقرها صلى الله عليه وسلم, وكان عندها في صدرها كلام, لكن قدمت ديباجة بين يديها, ما هو المعنى؟ تقول: يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق ماذا تتصورون؟ عندها سؤال فيه حياء, وسؤال شائك, وسؤال تستحي المرأة أن تسأله العالم, وخاصة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم, لكن طرحت Q إن الله لا يستحي من الحق, هل على المرأة غسل إذا رأت الماء؟ -أي احتلمت ورأت الماء- فقالت أم سلمة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم: تربت يمينك! فضحت النساء -في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم- تقول: ما هذا السؤال المجحف الذي فضحت به النساء, فقال عليه الصلاة والسلام: {بل تربت يمينك أنت يا أم سلمة، نعم. على المرأة غسل إذا هي رأت الماء}. فالشاهد أنه أقرها صلى الله عليه وسلم على هذه المقدمة (إن الله لا يستحي من الحق) , كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً} [البقرة:26].

مع أهل اللغة والأدب في قوله تعالى: (مثلا ما)

مع أهل اللغة والأدب في قوله تعالى: (مثلاً ما) والآن نريد أن نعرب (مثلاً ما) مثلاً: منصوب على أنه مفعول به, ما: بدل أو صفة جائزة عند أهل النحو, أو منصوبة على نزع الخافض حرف مجرور مقدم, أو حال، أو تمييز في مقام الحال, كلها معربة. والمعنى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا} [البقرة:26]. أي مثل, أو مثل ولو صغر, أو مثل من أي مثل موجود, وهو المعنى الذي قلته أولاً, ما بعوضة, ما هي البعوضة؟ أولاً الله له أن يضرب المثل بما يشاء من الأشياء، والله عز وجل له أن يقسم بما يشاء من خلقه, وليس للمخلوق أن يقسم إلا بالخالق, والعرب تضرب الأمثلة. وذكر الرازي في كتابه التفسير الكبير أن من عادة العرب ضرب الأمثلة, يقولون: أجرأ من ذئب, وأشجع من أسد، وأجبن من غراب, وأحقد من جمل, وأحمق من حمامة. ولا بد أن نقف قليلاً، ومن يقرأ كتاب الحيوان للجاحظ يتعجب من هذا الكون الذي خلقه فاطر السموات والأرض, كيف ركَّب عقل هذه وكيف سوى هذه وحسّن هذه وقبح هذه وجعل لهذه منقاراً ولهذه أجنحة ولهذه مخلباً سبحانك! وكتاب الحيوان للجاحظ يقربك من التوحيد إذا كنت مؤمناً, فقالت العرب: أحمق من حمامة والسبب يقولون: خرج صياد بقوسه وبكنانته يريد صيد حمامة, فأخذت تولول وتغني هذه الحمامة وجارتها في العش, فأردات أن تنصحها أن تسكت, فقالت: اسكتي اصمتي من صمت نجا, فأطلق عليها الصياد فقتلها, مثل هذه القصص نوردها, لأن صاحب كتاب الحيوان الجاحظ يوردها لضرب الأمثلة، وصاحب كليلة ودمنة يقول: يضربونها مثلاً للناس. حتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه لما قتل عثمان قال له الناس: تولَّ الخلافة, قال: [[أكلت يوم أكل الثور الأبيض]] قالوا: ما هذا المثل يا أمير المؤمنين؟ قال: كان في الصحراء أو في حديقة ثلاثة ثيران: أحمر, وأبيض, وأسود, فأتى الأسد ويقال للأسد أبو معاوية، وهو يأكل الرجال أكلاً عريضاً, أشجع الحيوانات الأسد, ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:50 - 51] وهو حاكم الغابة, فأتى إلى الثيران فإذا هي ذات قرون، وعضلات، وثلاثة إذا اجتمعت عليه وهو وحداني لا يستطيع! فأتى إلى الثور الأسود ودعاه بينه وبينه بالنصيحة والدين النصيحة, فقال: إني أرى الأبيض والأحمر يأكلان مأكلك وعشبك, قال: فما رأيك فيه؟ قال: ما رأيك نستعين بالأحمر لقتل الأبيض قال: نعم, فدعوا الأحمر ونصحوه, فاجتمعا فقتلا الأبيض, ثم أتى إلى الأسود وقال: الأحمر هذا مغرض عليك فما رأيك فيه؟ قال: نقتله فتعاونا فقتلا الأحمر, قال: ما بقي إلا أنت يا عدو الله! فأكله. قال علي بن أبي طالب: لا تظنوا أني باقٍ وقد قتل عثمان، فأنا في الطريق, وهؤلاء العظماء قتل عمر، وقتل عثمان وقتل علي، وذبح زكريا، وذبح يحيى. ولسنا على الأقدام تدمى كلومنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما

تفسير قوله: (فما فوقها)

تفسير قوله: (فما فوقها) البعوضة: حشرة صغيرة, بعض العامة يسميها (النامس) والله أعلم بتسميتها, لكن هي حشرة صغيرة، وكأنها من أصغر الحشرات, شبه الذرة. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا} [البقرة:26] أن يمثل بالبعوضة، وبالذباب، وبالنملة، وبالنحلة, لكن العجيب (فما فوقها) ما هو تفسير فما فوقها؟ يعني: أكبر منها أو أصغر منها, لأهل العلم رأيان وقولان: 1 - قول يقول: المعنى: فما أكبر منها, فأصغر شيء البعوضة. 2 - قال: فما فوقها: فما أصغر منها, يقال لك: الرجل بخيل فتقول أنت: بخيل وفوق ذلك, أي: بخيل وزيادة, يقال: الرجل شحيح فتقول: شحيح وفوق ذلك، أي: من أشد الناس شحاً وكأن المعنى أقل في الكرم، فهذا من باب فما فوقها أي: فما أصغر منها. وكلا المعنيين محتمل والله أعلم وأدرى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى له أن يضرب الأمثال لأنه يخاطب العرب بلغتهم. يقولون في الشجاعة: أشجع من الأسد, ولذلك من قتل الأسد عند العرب فهو من أشجع الناس. والعجيب أنه وجد بطل في العرب قتل أسداً، ولم يقتله بالسيف بل قتله بعصا, وهو أمير من أمراء الأردن؛ فقد خرج أحد الأسود ودخل المدينة، فناداه الناس، فترك السيف معلقاً وأخذ عصا، وشمر عن ساعديه، ونزل فاستقبل الأسد فضربه أول ضربة ثم يلحقه ضربات على رأسه حتى قتله! فأتى فعقدوا له مهرجان بـ دمشق يمدحونه, يقول المتنبي الشاعر: أمعفر الليث الهزبر بسوطه لمن ادخرت الصارم المسلولا يطأ الثرى مترفقاً في مشيه فكأنه آسٍ يجس عليلاً يصف الأسد وهو يمشي في تبختر وكبرياء كأنه طبيب يجس مريضاً، وقال: أنت أيها البطل كيف تعفره بعصاك، فلمن تدخر السيف؟ أمعفر الليث الهزبر بسوطه لمن ادخرت الصارم المسلولا ومثلوا البلادة بالحمار, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] ومثلوا بالكلب للذي لا يغير حاله، فمثلاً: إنسان تكرمه أو تهينه سيان, تعلمه أو يبقى جاهلاً, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176]. إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا هو البحر غص فيه إذا كان ساكنا على الدر واحذره إذا كان مزبدا أو كما قال وهذا للمتنبي في قصيدة طويلة مطلعها يقول: لكل امرئ من دهره ما تعودا وعادة سيف الدولة الطعن في العدا {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:26] انتهى من ضرب المثل وأثبت له صفة الحياء سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, لكن أتى التفصيل في الأمثال.

أقسام الناس بالنسبة لما ينزل من القرآن

أقسام الناس بالنسبة لما ينزل من القرآن فقال سبحانه: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:26] يعلمون أنه الحق, فما هو هذا الحق؟ قيل: القرآن, وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم, وقيل: الإسلام. والقرآن إذ نزل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إذا قرئ حتى اليوم وبعد اليوم ينقسم الناس تجاهه إلى قسمين: قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:124 - 125] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الكفار: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت:44] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19]. والخطيب يوم الجمعة إذا قرأ الآيات، انقسم الناس إلى قسمين: قسم يزداد إيماناً وبصيرة وهداية ورشداً وتوفيقاً، وقسم يزداد نقصاً؛ لأنه منافق فاجر لا يريد القرآن ولا السنة, وهو إنما يصلي مع الناس عادة لا عبادة، قال الله: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142]. إذاً فيقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:26] يعلمون أن هذا الدين والرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن حق من عند الله. وقال بعضهم - وهو الصحيح إن شاء الله-: يعلمون أن المثل -وهو الصحيح إن شاء الله- من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وأنه يضرب الأمثال وأنه يقص سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ما شاء, فسبحان الله كيف يتفاوتون إيماناً!! وتصور أن الرسول عليه الصلاة والسلام يصلي بك صلاة الفجر أو العشاء، وتصور كيف يتلقى أبو بكر وعمر وعثمان وعلي القرآن، فإنهم كل يوم يزدادون إيماناً, وتصور المنافق كيف يزداد عمى من القرآن؛ لأنه يبغض القرآن ولا يحبه, قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5]. ثم يقول: {فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:26] أي: هذا المثل وأنه وارد، وأنه صحيح, والله ضرب الأمثلة كثيراً في القرآن قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى--: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الرعد:35] أي: صفة الجنة, وقال: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] وقال: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:24 - 25] ثم ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مثلاً آخر: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً} [البقرة:26] أي: لماذا يأتي بهذه الأمثال؟ ما هو المقصود منها؟ فهم كفروا وشكوا، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة:26] قيل: يضل بالرسول ويهدي به, وقيل: يضل بالقرآن ويهدي به, ويضل بالإسلام ويهدي به, ويضل بالمثل ويهدي به. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة:26]. أولاً: هل يضل الله عباده؟ قال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس:25] والله هو الهادي, وجعل محمداً صلى الله عليه وسلم هادياً، فقال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7] وقال: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56] , وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى طالباً المؤمنين أن يدعوه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] وقال جل شأنه: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت:17] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس:35] فهو يهدي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فهل يضل عباده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟ عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله خلق العباد وأفعالهم, قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] وأن الله خلق الهداية، وخلق الإضلال، وأنه قدر الخير، وقدر الشر, ولكن مع خلق الله عز وجل للإضلال وتقديره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لكنه لا يحبه ولا يرضاه, خلق الكفر ولا يحبه, وقدره ولا يرضاه, وأراده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولكنه لا يحبه, وهذا الإضلال من كسب العبد, فإن للعبد مشيئة لكنها تحت مشيئة الله, قال سبحانه: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير:29] فمن ضل فلا يحتج بالقضاء والقدر بل له كسب وسبب, فهو الذي فعل, ولو أن الله قدر عليه لكن لا حجة له, ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} [البقرة:26] و Q كيف يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} [البقرة:26]؟ لأن الأستاذ مثلاً -ولله المثل الأعلى- إذا قيل له: أنجح الطلاب أم رسبوا؟ فيقول: نجح كثير من الطلاب ورسب كثير من الطلاب, وإن قلت: نجح قليل ورسب كثير كان الجواب صحيحاً, لهذا يقال: قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} [البقرة:26] أي أن هؤلاء الكثير بالنسبة لغيرهم قليل, لأن الله عز وجل يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] وقال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]. نزل عمر بن الخطاب إلى السوق فسمع أعرابياً يبيع ويشتري، ويقول: اللهم اجعلني من عبادك القليل, فوكزه عمر بالدرة, وهذه الدرة كانت تقوّم الذين في رءوسهم وساوس, هذه الدرة تدخل النور في بعض القلوب وتوقظ بعض الأذهان, فضربه ووكزه قائلاً: ما لك ولهذا الدعاء؟ فسّر لي هذا الدعاء؟ قال: يا أمير المؤمنين! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] فأسأل الله أن يجعلني من ذاك القليل, قال عمر: كل الناس أفقه منك يا عمر! بل أنت من أفقه الناس, ومن أعلم الناس. وأقل الناس الآن هم أهل الهداية، ولذلك لا تستغربوا أن تجدوا في هذا المسجد أو في غيره من المساجد كثيراً من الناس؛ لكنهم بالنسبة للفجار، وللمنحرفين والضائعين والضالين لا يساوون نسبة تذكر. قاعات من قاعات الغناء والسمر والساعات الحمراء يحضرها الألوف المؤلفة, الأستاد الرياضي يحتشد فيه بالألوف المؤلفة وعشرات الآلوف, وإذا أتيت لأهل الدروس، وأهل الطلعات الخيرة، وأهل الصحوة الإسلامية وأهل الوجوه النيرة تستصغرهم بجانب أولئك. تعيرنا أنا قليلٌ عديدنا فقلت لها إن الكرام قليل وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل لأن الأقلين فيهم خير فلا يعجبك كثرة الخبيث. والناس ألف منهم كواحدٍ وواحدٌ كالألف إن أمر عنا وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال خرج عليه الصلاة والسلام للأمة العربية، وهي قبائل مثل الموج, فأتى يدعو فأخذ أبا بكر ثم عمر وعثمان وطلحة وعلياً والزبير فكان يربيهم حتى أصحبوا ما يقارب الثلاثمائة, فغرس الإيمان في قلوبهم، وسكب لا إله إلا الله في أرواحهم، ووجههم إلى الدار الآخرة؛ ففتحوا الدنيا, فلما فتح الله عليهم الفتوح أتوا يدخلون بالعشرات، لكن كل عشرة بريال! نحن لا نستهزئ بأحد لكن أتجعل مسلماً في الفتح كمسلم ما قبل الفتح؟ لا يستوون، والله ذكر ذلك, ولذلك يكون الذين أسلموا بالعشرات والمئات فروا في المعارك وما بقي إلا الأسماء اللامعة التي أسلمت على يقين, قال الله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} [النصر:1 - 2] ما دخلوا في أول الإسلام أفواجاً لكن اليوم دخلوا بكثرة، فقال الله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:3]. إذا -أيها الأخيار- يضل الله من يشاء بالأمثلة ويهدي من يشاء, ويثبت هذا الحديث بما يليق به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويليق بجلاله وصفاته وذاته وعظمته تبارك وتعالى وتقدس وتنزه.

أسباب الهداية

أسباب الهداية قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة:26]. وأسباب الهداية أربعة:

من أسباب الهداية: تدبر القرآن والسنة

من أسباب الهداية: تدبر القرآن والسنة فإنك إذا تدبرت الكتاب والسنة زادك الله هداية وفتحاً وتوفيقاً.

من أسباب الهداية التدبر في آيات الكون

من أسباب الهداية التدبر في آيات الكون كل شيء في الكون تتدبره ونتفكر فيه. بك أستجير ومن يجير سواكا فأجر ضعيفاً يلتجي بحماكا أذنبت يا ربي أصابتني ذنوب ما لها من غافر إلاكا إبليس يخدعني ونفسي والهوى ما حيلتي في هذه أو ذاكا هذا شاعر السودان يعلن الإيمان في قصيدته لأن بعض الناس يدخل الجنة بالشعر, وبعضهم يدخل النار وهو يسمع القرآن, ثم أتى يتحدث وقد ذكرتها أكثر من عشرات المرات لكنها جميلة: قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا وأحد شعراء اليمن واسمه ابن دريد يا ظبية أشبه شيء بالمها ترعى الخزامى بين أشجار النقا وابن دريد هذا عقلية فياضة، لغوي وإن أسرف في اللغة, جلس يتعلم في اللغة حتى أسرف وتجاوز الحد ولو فرغ هذا الجهد في القرآن والسنة لكن أحسن, له زميل له اسمه نفطوية , كانا يتحاسدان فألف ابن دريد كتاب الجمهرة , قال نفطوية: ابن دريد بقرة ألف كتاب الجمهرة! فرد عليه ابن دريد قال: أحرقه الله بنصف اسمه وجعل الباقي عويلا عليه حيث إن اسمه: "نفطويه"! ونفط: هذا الديزل والبنزين المعروف فيقول: يحرقه بهذا وجعل الباقي "ويه" عويلاً عليه. فأتى ابن دريد بقصيدة مشرقة فيها حكم يقول: يا ظبية أشبه شيء بالمها ترعى الخزامى بين أشجار النقا والناس ألف منهم كواحدٍ وواحدٌ كالألف إن أمر عنا ثم يقول في القصيدة: وإنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى يقول: أنت بعد موتك ستكون حديثاً فكن حديثاً حسناً, فاستهزأ به نفطوية وعارضه بقصيدة هزلية يقول فيها: وحمل بر من حمول تستر أفضل للمسكين من حمل النوى يقول: من حمل على الجمل براً أفضل له من أن يحمل عجم الفصم هذا! من دخلت في عينه مسلة فاسأله من ساعته عن العمى من طبخ الديك ولم يذبحه فر من القدر إلى حيث انتهى الشاهد أنه جاء رجل من أهل اليمن مؤمن موحد, ذكر عنه أنه كان يستسقي للناس فما يعودون من المصلى إلا والغيث يبلُّ ثيابهم, ويقولون: ترك هذا اللعب والتغزل وأتى بقصيدة اسمها "منظومة التوحيد" استطلعها قال: سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا من أحسن الظن بذي العرش جنى حلو الجنى الشائك من شوك السفا إلى أن يقول: لا بد أن ينشرنا كما زوى جوداً وأن يمطرنا كما ذوى لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجى يقولون: ألقى هذه في صلاة الاستسقاء، فعاد الناس والغيث على رءوسهم يسكب سكباً, علم الله تلك القلوب كيف أشرقت بحبه ووصلت إليه, وهو الذي يريده صلى الله عليه وسلم من القلب وهو أن يتعرف على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, الذي أنا قلت: من أسباب الهداية الكتاب والسنة والثاني: التأمل في آيات الكون، في الزهرة وفي النحلة، وفي لمعة الضياء، وفي الماء، قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف:105] كم نخرج إلى النزه؟ كم نجلس في الرحلات في الحدائق الغنَّاء؟ لكننا لم نتفكر فيها ولو لمحة, تنظر إلى فعل البشر ولا تنظر إلى فعل خالق البشر, تنظر إلى إبداع البشر ولا تنظر إلى إبداع رب البشر. حتى طلاب العلم والدعاة يجلسون في حديقة من حدائق البلدية، فينظر أحدهم إلى السور ويقول: سبحان الله ما أحسن إبداعهم في هذا السور! انظر إلى الحديد كيف ركبوه! وهذه اللمبات الكهربائية، والماء كيف أجروه! وكيف ضربوا هذه البويات وأخرجوا هذا الزجاج! لكنهم لا يقولون: انظر إلى النبات، وكم أنواعها، إنها مئات الأنواع هذا أبيض، وهذا أحمر، وهذا طويل، وهذا قصير. سبحان الخالق! قال تعالى: {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق:7] وقال: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:10] لكن من يتلذذ ومن يتفكر؟! ومن يسأل النبت من الذي خلقه وأبدعه؟! إنه الله.

من أسباب الهداية: كثرة الدعاء

من أسباب الهداية: كثرة الدعاء من أسباب الهداية: كثرة الدعاء والالتجاء إلى الله الواحد الأحد: فتطرح نفسك بين يديه، فإنه سوف يهديك لا محالة, قال ابن تيمية: " من أكثر من الدعاء فتح الله عليه فتوحاً لا تدور بالخيال ولا تخطر بالبال " أحد المحدثين في خراسان اسمه الحمَّال كان يدرس الناس الحديث, فأراد السلطان أن يقطع هذا الدرس فأرسل إليه رسول يقول له: لماذا لا تقطع الحديث، السلطان سوف يقتلك؟ قال: لا والله، بل يقتله الله قبل أن يقتلني, قالوا: سبحان الله! هو حي يرزق وسوف يقتلك الليلة, قال: والله لن يقتلني إن شاء الله, قالوا: ولم؟ قال: لأني سجدت لله، فقلت: يا قاصم الجبابرة! اقصم فلاناً قالوا: فخرجوا من المسجد فوجدوه قد اغتيل في السوق. وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أن سفيان الثوري دخل الحرم وكان أبو جعفر المنصور يبحث عن سفيان الثوري ولو وجده بين النجوم ربما أرسل من يأتي به, وسفيان الثوري لم يأخذ مالاً ولا سلاحاً ولا دوراً ولا قصوراً, إنما كان إذا لقي أبا جعفر أمام الناس يأخذ بتلابيب ثيابه وينصحه, خليفة الدنيا, فأراد أن ينكبه لأنه أيضاً يتكلم في الظلم ويتكلم في المنكر, فدخل الحرم وسفيان الثوري يصلي, قال له الناس: يا سفيان أقبل أبو جعفر المنصور ليدخل الحرم، فتعلق بأستار الكعبة، فقال: والله الذي لا إله إلا هو إن شاء الله لن يدخل الحرم, قالوا: ولِمَ؟ قال: يقتله الله, فلما بلغ بئر ميمون -وأنتم تعرفون التاريخ- مات قبل ليلتين من الحرم. ابن تيمية في معركة شقحب وهذا من القسم على الله عز وجل، وهو سؤال الله أتى بالمصحف، وبالسيف وأخذ كأساًَ من الماء فشربه أمام الناس في 17رمضان وقال للناس: "افطروا جميعاً، الفطر في هذا اليوم أفضل, والله الذي لا إله إلا هو لننتصرن" فقام تلاميذه وقواد الجيش، قالوا: قل: إن شاء الله يا أبا العباس قال: والله لننتصرن, قال: قل: إن شاء الله قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً, فوقعت المعركة وانتصروا بإذن الله, حتى خرج النساء والأطفال يتباكون على سقوف المنازل، قالوا: وكانوا يرون ابن تيمية يلمع بسيفه بين الصفوف، هذا هو ابن تيمية , ومن استطاع أن يأتي بمثل ابن تيمية فليأت بمثله! أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع أتى في أول الجيش، وهو يرفع صوته، وله صولة وهولة وجلالة ومهابة الله أعلم بها، والسيف بيده يقطر دماً، وكذا ثيابه، وكلها دماء. تردَّى ثياب الموت حمراً فما أتى لها الليل إلا وهي من سندس خضر فتىً كلما سالت عيون قبيلة دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر إلى أن يقول: وما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمر فرجع يقول: قال تعالى: {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} [الأعراف:119] فالمقصود: الالتجاء إلى الله هو شاهدنا في مسألة الهداية؛ لكننا لم نعرف نحن طعم الدعاء, وكثير من الناس يقول: يا رب! نجحني في الامتحان. وهو يفكر في الغش في الفصل, وآخر يقول: اللهم! ارزقني وهو يفكر كيف يخدع مسلماً ليأخذ بضاعته, فهذا كله دعاء من قلب لاهٍ، وثبت عن ابن مسعود أنه يقول: [[إن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاهٍ ساهٍ]]. يقول الأصمعي: مررت بأعرابي يسأل الله عز وجل الحاجة, يقول: فأجلس امرأته، وقال: اجلسي هنا فجلست, فنظر إلى السماء قال: يا رب! إني جالس كما ترى وامرأتي جالسة كما ترى فما ترى ربنا؟! أي: يقول: ماذا ترى في جلوسنا هنا؟ وقد نقل إلينا بعض الدعاة أن قرية من القرى جاهلة -لكن أوردها للعبرة- خرجوا للاستسقاء وهم جهلة، حتى أن بعضهم لا يعرف الفاتحة؛ لكن علم الله لجوءهم إليه, قرية جاهلة لا يوجد فيها عالم، ولا داعية ولا طالب علم, لكن اشتد بهم القحط، وماتت بقرهم وإبلهم وغنمهم، فعلموا أنه لا يأتي بالغيث إلا الذي فوق سبع سموات, فخرجوا: فلما اقتربوا من المصلى كان على أحدهم غترة من العمامات القديمة, وعادة بعض القبائل أنه إذا أردت طلباً من رئيس أو من وجيه، أو من رجل ذي سلطان، أو من رجل كريم ومقدم في جماعته يلقي عليه غترته, أي: يدخل عليه أن ينفذ هذا الأمر, قالوا: فتقدم هذا الشيخ الكبير الصادق الذي علم الله صدقه, قال: يا رب! وضعت بين يديك عمامتي, والله لو كنت مكاني وكنت مكانك ما أرضى لك هذا الحال! قالوا: فلما رجعوا يقول هذا الداعية: والله ما رجعوا من المصلى إلا والسيول تجرف جرفاً، قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] علم الله جهله ولكن علم لجوءه إلى الله الواحد الأحد. ولذلك ذكروا عن عيسى كما ذكر صاحب الإحياء وابن قتيبة في عيون الأخبار أن أحمقاً من بني إسرائيل كان له حمار, فأمطرت السماء وأنبتت الأرض من كل زوج بهيج، فانبسط هذا الإسرائيلي، فأخذ الحمار يرعاه وقال: يا رب! لك الحمد والشكر، والله لو كان لك حماراً لأرعاه مع حماري! فالله جل وعلا من الأسماء والصفات ما هو بها جدير، وإنما أقصد ضرورة صدق اللجوء وكيف نلتجئ إلى الله؟ وكيف نصدق فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يأخذ بصدق القلوب, ويعفو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عما يأتي به العبد من سوء أدب معه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

من أسباب الهداية: مجالسة الصالحين وزيارتهم

من أسباب الهداية: مجالسة الصالحين وزيارتهم السبب الرابع هو: مجالسة وزيارة الصالحين: وقد قال الإمام الشافعي رحمه لله: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواء في البضاعة ومن الأخطاء: أن ترى بعض الشباب هداه الله قبل مدة وجيزة مع أهل الخير، ثم تجده مع الفسقة فإذا قيل له: ما لك؟ قال: أريد أن أدعوهم إلى الاستقامة والالتزام، وأصبحت هذه ذريعة في يد كل إنسان، ويبقى سنتين وثلاث وعشر سنوات، وهم لم يتأثروا به، بل قد يسحبوه معهم، لأن بعض الناس ضعيف الشخصية، إذا جلس مع أهل الفساد جرّوه. إذاً حضور مجالس الخير هي من أسباب الهداية قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وتعالى يضل: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة:27] وعهد الله قيل: ما أخذه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من الناس من أنه لا إله إلا هو, وقيل: إذا عاهدوا قوماً نقضوه, وقيل: عهود الإسلام جملة وتفصيلاً وهو الصحيح. {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة:27] لمن هذا الخطاب؟ قيل: لبني إسرائيل، وقيل: للمشركين، وقيل: للمنافقين، والصحيح أنه للجميع. وما شر الثلاثة أمَّ عمروٍ بصاحبك الذي لا تصحبينا وهذا شيخ كبير عجوز ضعيف نحيل فقير جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ابني جعت ليشبع، وظمئت ليروى, وسهرت لينام, وتعبت ليرتاح, فلما شب -يا رسول الله- وأملت فيه الأمل بعد الله تغمط حقي, ولوى يدي, وظلمني، وضربني, فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم, هل تتصور في العالم أفجر من إنسان رباه أبوه ثم بعد أن صار شيخاً كبيراً، معدماً ممقوتاً، أو محتقراً مصغراً عند الناس يريد أن يلتجئ بعد الله إلى ابنه، فيأتي هذا الابن بقوته وعضلاته فيضطهد هذا الشيخ! هذا ظلم عظيم, قال عليه الصلاة والسلام أقلت فيه شعراً؟ -لأن العرب تنفس عن همومها بالأشعار, امرئ القيس طال عليه الليل فقال: الا عم صباحاً أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي وهل يعمن إلا سعيد منعم قليل الهموم لا يبيت بأوجال فالشاهد أن العرب كانوا ينفثون همومهم بأشعار، فقال: نعم يا رسول الله, قال: ماذا قلت؟ قال: قلت لابني: غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهل إذا ليلة ضاقتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململ كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به دوني فعيناي تهمل ثم يقول: فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل جعلت جزائي غلظة وفضاضة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترعَ حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل يقول: ليتك فعلت كالجيران, ليتك تفعل مثل الناس, بعض أبناء الجيران أبر إليهم, وقد رأينا من بعض الآباء إذا أراد أن يرسل أحداً إلى الأسواق يعصيه ابنه فلا يرسله، ولا ينقله في مشواره ولا يؤدي له خدمة, فلا يؤدي له إلا أبناء الجيران. ولذلك ورد في بعض الآثار: [[لئن يربي أحدكم في آخر الزمان جرواً خير من أن يربي ابناً]] لا صلاة ولا صيام ولا قراءة ولا نوافل ولا صلاح ولا طاعة, إنما هو جثة هامدة في البيت, أبشر به في كل شر وأبشر به في كل جريمة، وأبشر به في كل معصية, لكنه عند الخير معطل, فهذا من باب القطيعة، بل من أعظم القطيعة؛ نسأل الله العافية والسلامة. ذكر أهل السير والأدب والأخبار: أن رجلاً من العرب أتاه ابنه في عشية من العشايا فقال له الأب: لم تخلفت؟ قال: وأنت تقول: لم تخلفت؟ فأخذ يد أبيه فلواها! وقال: وربيته حتى إذا ما تركته أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه تغمط حقي ظالماً ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبه قالوا: فلوى الله يد الابن حتى مات وهي ملوية! {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} [البقرة:27] والقطيعة أن تقطع كل ما أمرك الله أن تصله، ومن قطعه فقد شمله هذا التنبيه والتهديد, أمرك الله أن تصل ما بينك وبينه, وما بينك وبين أبيك, وما بينك وبين أمك, وما بينك وبين أرحامك, وما بينك وبين الناس. وعند الطبراني في حديث قدسي: أن الله عز وجل يقول: {يا بن آدم! هي ثلاث: واحدة بيني وبينك, وواحدة لك, وواحدة بينك وبين الناس, فالتي بيني وبينك: أن تعبدني، وأن تشكرني، وتكف عن معاصيّ لأرحمك, والتي لك: كلما استغفرتني غفرت لك, والتي بينك وبين الناس: أن تأتي إلى الناس بما تحب أن يأتوا به إليك} وهذا من باب الصلة التي أمر الله بها تبارك وتعالى.

بيان معنى الإفساد في الأرض

بيان معنى الإفساد في الأرض {وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} [البقرة:27] الفساد في الأرض قال بعضهم: بقتل الأنفس كما يفعل بعض السفاكين المجرمين, تجده يسفك البشر سفكاً ذريعاً, ويقتل الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء المتهمين، ويعلن حالة الإعدام، والإبادة, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة:204] إذا تكلم أمام الجماهير فإذا به يتكلم كلاماً معسولاً ولكن كلامه عسل، وضربه أسل, قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:204 - 206] هذا مثل من أمثال الناس.

إضلال المؤمنين وردهم عن الهدى من الإفساد في الأرض

إضلال المؤمنين وردهم عن الهدى من الإفساد في الأرض ومنهم من يفسد في الأرض بكلامه، فتجده دائماً يزعزع الإيمان في قلوب الناس, إذا رأى شاباً مهتدياً هداه الله وبصره، ودله الله وسدده، بعد أن كان في الظلام وفي حيرة، بعد أن كان مع الأغنية الماجنة، والمجلة الخليعة، ومع رفقاء السوء، والمقاهي والمنتديات، والساعات الحمراء، فلما هداه الله أتى إليه ذاك يقول له: أصبحت مطوعاً؟! متزمتاً؟! متطرفاً؟! شوهت جسمك، وشوهت نفسك، وخربت مستقبلك، وهدمت طريقك, فيبقى يوسوس له حتى يفسده وهذا من الإفساد في الأرض. فكثير من الناس زعزعوا بهذا الكلام, وقد جلسنا مع شباب كثير قد اهتدوا لكن لما جالس المفسدين أضلوه، يأتي إليه الأول فيسخر منه، ثم الثاني فهزه بكلمة، ثم الثالث ثم الرابع حتى ترك الهداية! فهذا من الإفساد في الأرض.

من الإفساد في الأرض إشاعة الفاحشة وتتبع العورات

من الإفساد في الأرض إشاعة الفاحشة وتتبع العورات وقيل: من الإفساد في الأرض قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور:19] الرجل المفسد في الأرض هو الذي يحب الفساد, لذا بعض الناس يكتب في الصحف والمجلات: المرأة مظلومة, المرأة لا تزال مقيدة, المرأة هنا ما عرفت النور, ماذا يريد؟! يريد شراً ويريد جحيماً وفاحشة، لكن ظاهره من قبله الرحمة وباطنه من قبله العذاب, فيظهر للناس أنه يريد الخير للمرأة لكنه يريد التبرج والسفور, ويريد أن تشارك في الأعمال والوظائف ليفسد المجتمع, وقد رأينا جيراننا وما حولنا من القرى ماذا فعلوا، فضاعت شيمهم، وقلوبهم وعقولهم، ومناهجهم يوم خرجت المرأة لتعمل موظفة ورئيسة ووزيرة، حينها ضاعت قلوبهم وأفكارهم وعقولهم. ومن الناس من يفسد في الأرض بأن تجده دائماً في الأسواق يتابع أعراض المسلمين, عينه تزني، وكذا يده، وبطنه، وفرجه, كلما أتى له مدخل فعل ذلك, فهو من المفسدين في الأرض إلى غير ذلك من الأمور التي تشمل الإفساد، فهي كلمة عامة تشمل كل ما يغضب عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويبغضه ولا يحبه من إفساد العامة والخاصة، الظاهر والباطن، من المعاني والمحسوسات، والله المستعان!

كيف نعرف المفسدين في الأرض

كيف نعرف المفسدين في الأرض يقول تعالى: {وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة:27] يكفي عن هذه الكلمة أن يقول الله عنهم: خاسرون, وإذا حكم الله على عبد بأنه خاسر فهو الخاسر, لأن بعض الناس يسمونه الضائع لأن ماله ضاع، لكن لم نسمع من أحد ضاع دينه فسمي بالضائع، وبعضهم إذا حفظ ماله وضيع دينه، قالوا: حافظ، رجل فيه من الفهم والتسديد كذا، ولو كان رجلاً محتالاً وداهية, ولو كان منسلخاً من العبودية لله. فهم ينظرون بمنظار التقويم والنور والهداية، أولئك هم الخاسرون, كتب الله عليهم الخسران. فأقول -وسوف أكرر-: إن معايير الناس تختلف، فأهل الهداية، وأهل العلم، والتربية، والفكر، والعقل يقوموِّن العبد بصلاحه, والضائعون يقومونه بما يأتي من فساد, الآن المغنّي هل ترون أنه خاسر أم صالح؟ في منظر العقلاء والراشدون حتى من أعداء الله الكفار أنهم لا ينظرون إلى هؤلاء الراقصين والداعرين والمغنين إلا بمنظار الدون, ولذلك يوجد في بعض المذكرات لا يتولى في الحكومة ولا أن يكون عضواً في مجلس النواب، أو في مجلس الشيوخ، أو في مجلس الكونجرس إلا شخص غير ملابس لجريمة ما، وهذا موجود نيكسون الأمريكي عزل وسبب عزله من منصبه أنه تورط في فضيحة أو ترجيت وهي شركة ألبان، لكن الذي كشفته صحيفة في أمريكا اسمها أوترجيت , وقالوا: مرتشي وهو رئيس حكومة؟! فعزلوه فالعقلاء دائماً يقومون الناس بصلاحهم ولو كان صلاحاً عاماً, ولكن أهل الحقارة والنذالة والضياع يقومِّون الناس بضياعهم, يأتون بمغنٍ مسكين ضائع, قالوا: كيف صعدت؟ كيف رأيت النور؟ كيف شققت مستقبلك؟ كيف بلغت إلى هذا المستوى؟ مستوى ماذا؟ مستوى الحضيض. بل هو منكوس يصعد إلى الأسفل, فهذا ليس بمستقبل، بل خداع للأمة, وخداع للشباب, إذاً المستقبل لمن عرف طريق الجنة, ولمن حافظ على الصلوات الخمس, ولمن حفظ القرآن. يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران ويا حريصا ًعلى الأموال يجمعها أقصر فإن سرور المال أحزان من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفه شر من سادوا ومن هانوا إلى أن يقول: من استعان بغير الله في طلب فإنما نصره عجز وخذلان أو كما قال وهو أبو الفتح البستي في قصيدته الجميلة العظيمة التي وقرها أهل العلم وعرفوا حقها. فإذاً: إذا حكم الله على عبد أنه خاسر فهو الخاسر حقيقة.

معنى آية (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا)

معنى آية (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً) قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28]. بعد أن ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى الآيات الكونية وبشارة أهل الإيمان وضرب الأمثلة وصرف الأحكام والآيات الكونية والشرعية, قال: كيف تكفرون بالله؟! ما لكم لا تؤمنون؟! ما هو السبب في كفركم؟! هل الآيات قليلة؟! هل المعجزات ضحلة؟! هل العلامات ما ظهرت في الأفق؟! كيف تكفرون بالله؟! سبحان الله! وكأن القرآن يوقفك وحدك، ويقف أمامك ويقول لك: كيف تكفر بالله؟! كيف تجحد الله؟! كيف تعطل حقوق الله؟! كيف تنسى الله؟!

معنى قوله: (وكنتم أمواتا)

معنى قوله: (وكنتم أمواتاً) قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} [البقرة:28] قال ابن عباس: [[كنتم نطفاً]] أي: نطفة, وقال غيره: كنتم عدماً, أي: كنتم أمواتاً في عالم العدم, لأنه إن كان ميتاً فلا يكون عدماً, يعني: كنتم أمواتاً في الأصلاب؛ لأن الميت له وجود, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الذي لا يوجد: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:1 - 2]. ولذلك لما أتى العاص بن وائل وفت العظم ونفخه وقال: {يا محمد! تزعم أن ربك يحيي هذا؟! قال: نعم ويدخلك النار} قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79] فكيف تكفرون وكنتم ماءً، أو كنتم قبل الماء في العدم فأتى بكم الله من العدم, فلما أحياكم وبصَّركم وأسمعكم ورزقكم وأطعمكم وسقاكم وساقكم وأوقفكم كفرتم بالله!! هذا جحدان ونكران، وهذا هو -والله- أخبث المعتقدات، ولم يحصل ظلم في العالم أظلم من الكفر.

معنى قوله: (فأحياكم)

معنى قوله: (فأحياكم) يقول الله: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة:28] أي: أحياكم بالنفخ في الروح, ثم كساكم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} [البقرة:28] هذه هي الميتة الأولى وهي الموتة التي يموتها كل الناس, {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة:28] يوم البعث {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28] أي: قال سبحانه: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر:11]. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] الكافر يموت مرتين، والمؤمن يولد مرتين, فالمؤمن يولد أول مرة يوم ولدته أمه, والمرة الثانية: يوم ولد مع القرآن، ويوم عاش مع الإيمان، ويوم سجد للواحد الديان. والكافر يموت مرتين: يوم مات في الحياة الدنيا حين مات ويوم مات عن النور والهداية قلبه، فالكافر قطعة لحم ميتة، ولعنه الله وغضب عليه, والموت الثاني: يوم يلقى ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28] وهذه الآية فيها إثبات ميتتين: الأولى وهي عندما أتى من العدم. والثانية: إثبات ميتتين وإثبات الإحياء بعد الموت, وإثبات اليوم الآخر والرجوع إلى الله, وإثبات الحساب, وسوف يرى كل إنسان ما قدم. سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار وقال العظيم: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. وطلب بعض الإخوة أن أذكر المسلمين لصيام الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر. وأقول: صدق أثابه الله, وله الأجر الكثير عند الله, فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كما صح عن أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما قال: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر, وأن أوتر قبل أن أنام, وركعتي الضحى} قال بعض أهل العلم: أيام البيض لم يتركها صلى الله عليه وسلم حضراً ولا سفراً، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وهي تعادل صيام الدهر. في الختام أسأل الله لي ولكم الهداية والتوفيق.

من آداب النبوة (3)

من آداب النبوة (3) في الحلقة الثالثة من آداب النبوة كلامٌ نفيس حول تكنية الأطفال وتكنية الرجل الذي لم يولد له، وهذا وإن كان محور هذه المادة وموضوعها الأساس إلا أنها احتوت كذلك على العديد من الفوائد الجليلة كآداب الضيافة، ومحبة الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، وآداب الزيارة، والتواضع وغير ذلك.

شرح حديث: (يا أبا عمير! …)

شرح حديث: (يا أبا عمير! …) الحمد لله الذي رفع السماوات بلا عمد، والذي بسط الأرض في مدد، الذي خلق الإنسان في كبد، والصلاة والسلام على أبي الزهراء سيد الأولياء، وخيرة الأصفياء، ما ترقرق الماء، وما لمعت النجوم في الظلماء، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. ومع الإمام البخاري في كتاب الأدب، وهو يجدد الأبواب تلو الأبواب، ناقلاً عن المصطفى عليه الصلاة والسلام: هديه، ودله، وشمسه، ونوره، وعظمته، التي ما لحقها أحدٌ من البشرية، ولا أتى أحدٌ من الإنسانية بالخير لأمته، ولا أدخل أحدٌ لقومه بمثلما أتى به محمدٌ عليه الصلاة والسلام. يقول البخاري رحمه الله تعالى: باب الكنية للصبي، وقبل أن يولد للرجل. ثم قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح، عن أنس رضي الله عنه وأرضاه، قال: {كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخٌ يقال له: أبو عمير قال: أحسبه فطيماً، وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير! ما فعل النغير؟ نغرٌ كان يلعب به، فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح، ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا} وهذا الحديث يعرف بحديث: {يا أبا عمير! ما فعل النغير}. وقد تهجم بعض الزنادقة، وأذناب الملاحدة على أهل السنة ونقلة الحديث، وقالوا: إنهم يروون أحاديث لا فائدة فيها، يقول هؤلاء الملاحدة والزنادقة ومن سار مسيرتهم: المحدثون لا فهم لهم، فهم يروون أحاديث لا تعقل وليس فيها فوائد! مثل حديث: {يا أبا عمير! ما فعل النغير} أي فائدة في هذا الحديث؟! ومثل حديث: {أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها} فهذه لا يُستنبط منها شيء، فلماذا يشغلون الناس بالأسانيد وكثرة الكلام، وليس هناك فائدة؟! وانبرى لهم الإمام ابن القاص، أحمد بن أبي أحمد الطبري، وأخرج أكثر من ستين فائدة، ثم أتى ابن حجر حافظ الدنيا، وعلامة الزمان وأستاذ القاهرة، وصاحب فتح الباري الذي لا هجرة بعد الفتح، فأخرج فوائد تلحق على تلك فتصبح سبعين فائدة. فلنسمع لهذا الحديث وللقضايا التي عالجها العلماء، والتي هي من القضايا الحارة في حياة المسلم، والتي أديرت بكئوس من الفضل بين الفضلاء، وعلى بساط من النبل بين النبلاء.

جوانب من عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم

جوانب من عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم الرسول عليه الصلاة والسلام من عادته أنه سهل ميسر، ولذلك يقول أحد الغربيين في كتاب له: إن محمداً -يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم- سهل في عظمته، بسيط في هيبته. وينقل هذا أبو الحسن الندوي في كتاب السيرة، أي: سهل ممتنع، كيان متحرك، رجلٌ حضاري يقود الأمة من الجاهلية إلى الإسلام، وينقل تاريخاً لم يكن ينقله ألف كسرى وكسرى، وألف قيصر وقيصر، في ثلاث وعشرين سنة يؤسس دولة ينقطع حلق الدهر لا يدرك مداها. هذه الدولة الإسلامية التي أخرجت العلماء، والأدباء، والشجعان، والأساتذة، والمعلمين، أسسها صلى الله عليه وسلم بهدوء، وهو جالس في بيت من طين في المدينة، ويأخذ الأمور بالتي هي أحسن وبهدوء وعظمة، ولكنه غَيَّر العالم. وكذلك الفرنسي الآخر الذي يقول: كان محمدٌ يصلح بين الشعوب وهو يشرب فنجان القهوة في بيته في المدينة، والقهوة لم تكتشف إلا في القرن السادس، لكنه ظن أن القهوة قديمة، وبعض الناس أتى من بلاد غير بلاد العرب، فرأى العرب يشربون القهوة، فأخذ يشربها، قال: هذه القهوة تؤلمني، لكن -والله- لما علمت أنها من السنة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشربها؛ شربتها، قلنا له: ليست من السنة، قال: لا. أنتم تشربونها وكل شيء تفعلونه من السنة، فهو جاهل. فهم يظنون أن العرب إذا فعلوا شيئاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله. فالرسول صلى الله عليه وسلم ليسره وسهولته، يعطي كلَّ واحد حَقَّهُ من الإجلال والإكرام والإعظام. ومن يتصور أن رسولاً كالرسول عليه الصلاة والسلام يعطي الأطفال وقتاً من وقته الثمين الغالي، الذي هو أغلى من الذهب والفضة، ويجلس مع الأطفال، فهذا الحديث قضية كبرى، وقصة يتحدث البخاري عنها في باب هو من ضمن الفوائد الستين أو السبعين من الباب.

ملخص قصة حديث: (يا أباعمير) وفوائدها

ملخص قصة حديث: (يا أباعمير) وفوائدها يقول البخاري -وهو يتساءل- لطلبة العلم وللمسلمين: باب الكنية للصبي. هل يحق لنا أن نكني الصبي فنقول: يا أبا محمد! يا أبا علي! وهو لم يتزوج، ولم يكن له أبناء؟ ثم قال: وقبل أن يولد للرجل، فالرجل الكبير الذي عنده زوجات لكن ليس له ولد، هل نكنيه أم لا؟ فهذه قضية. وملخص الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام سمع بفاجعة ومصيبة وكارثة حدثت في المدينة، وحلت في بيت من بيوت الأنصار، وهذه الكارثة هي موت طائر صغير كالعصفور لطفل كان يلعب به، وهذا الطفل اسمه أبو عمير، فاسمه كنيته، أي: ليس له اسم إنما الاسم الكنية، وهذا جائز في العربية وعند المحدثين، فأُخبر الرسول عليه الصلاة والسلام أن هذا الطفل مات طائره، وقد كان له طائر فربط رجله بحبل ليلعب به في البيت. فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، وأتاه الخبر الفاجع، وانتقل عليه الصلاة والسلام إلى بيت أبي عمير، وهو أخو أنس خادم الرسول صلى الله عليه وسلم ليعزيه، وليرفع له أسمى آيات العزاء والمواساة على هذا الفقيد الغالي الذي أصيبت به الأمة الإسلامية في عقر دارها. ووصل صلى الله عليه وسلم بحفظ الله ورعايته ودخل على الصبي، وقال وهو يظهر الأسى: {يا أبا عمير! ما فعل النغير} قال: مات يا رسول الله. فالرسول صلى الله عليه وسلم أظهر التأسف، ومعه شيء من البسمة الرقيقة التي عاشها صلى الله عليه وسلم، وطالما جذب بها القلوب وسبى بها الأرواح، وسوف يأتي بسط لهذه القضية، وما هو الحوار الحار الذي دار بين المعلم الكريم والزعيم العظيم، وبين هذا الطفل الصغير؟ فهذه قضية. وصل عليه الصلاة والسلام، وبعد أن انتهى من مراسيم العزاء، قام إلى بساط هناك، فأشار أن ينضح ليصلي بأهل البيت، فصلى بهم ركعتين عليه الصلاة والسلام، وفيها أكثر من عشر قضايا سوف تأتي معنا.

الداعي لعقد هذا الباب ومكانة الكنية عند العرب

الداعي لعقد هذا الباب ومكانة الكنية عند العرب ولكن قبل أن نتحدث يحق لنا أن نقف مع البخاري قليلاً، ونقول له: ما هو الداعي من عقد هذا الباب؟ وهل أنكر أحد من العلماء أو أهل العلم أن يكنى الصغير بكنية، أو الرجل الذي لم يولد له؟ سوف يقول لنا: لا. لم ينكر أحد حتى من الجاهليين، ولكن لا نعمل في أدبنا ولا في سلوكنا، ولا في تعاملنا إلا بسنة. فهذا هو مراد البخاري الذي يعرف من سياق كلامه، فنقول له: بيض الله وجهك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وهذا هو الصحيح، وإلا فالجاهليون متعارفون على الكنية، يقول شاعر اليمن وهو يمدح نفسه بحسن الأدب: أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقب كذاك أدبت حتى صار من خلقي أني وجدت ملاك الشيمة الأدب يقول: من أدبي أني لا أنبز الناس بألقابهم: {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات:11] ولكنني أتحف الرجال بأسمائهم فأكنيهم، يا أبا محمد، يا أبا علي. وقد أثر عن عمر رضي الله عنه وأرضاه، أنه قال: [[ثلاث تورث لك الود في صدر أخيك: أولها: أن تناديه بأحب الأسماء إليه -وأحب الأسماء عند العرب أن تكنيه، يا أبا علي، يا أبا عبد الرحيم، يا أبا فلان، هذه الكنى- والأمر الثاني: أن توسع له في المجلس. والأمر الثالث: أن تبش وتهش في وجهه]] وهذه من مدرسة النبوة، ولا يخرج الكنز إلا من هناك، وكلام عمر رضي الله عنه لم يأتِ إلا من مشكاة محمد عليه الصلاة والسلام، والعرب متعارفة -كما قلت- على الكنية، يقول النابغة الذبياني، وهو يخاطب النعمان بن المنذر ملك العراق: نبئتُ أن أبا قابوس أوعدني ولا قرار على زأر من الأسد وهذا النابغة شاعر، قد تكلم في عرض النعمان وهو في الصحراء، فتكلم في الملك واتهمه بأمور، فنقل الوشاة والعيون الخبر للملك، فقال الملك: من وجده منكم فليذبحه ذبح الشاة، فذهب يمشي ولا ينام، حتى خاف أن يموت قهراً وكمداً فعاد وقد نظم قصيدتين -لا بأس من إيراد بعضها- وذهب بهما إلى النعمان، منها هذه القصيدة، ومنها قوله، وهي من أحسن وألطف الأشعار في الرقائق والاستجداء، والتلطف، يقول للملك النعمان: كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب تطاول حتى قلت ليس بمنقضٍ وليس الذي يرعى النجوم بآيب إلى أن يقول وهو يشكي همه وحزنه: وصدر أراح الليل عازب همه تضاعف فيه الحزن من كل جانب علي لـ عمرو نعمة بعد نعمة لوالده ليست بذات عقارب إلى أن يقول للنعمان: حلفت يميناً غير ذي مثنوية ولا علم إلا حسن ظن بصاحب ثم مدحه وقال: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب ثم أتى فكناه في القصيدة. وقالوا: ليس للنعمان ابن اسمه قابوس، وإنما العرب تكني من لا ولد له، فهذا أمر.

تكنية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ومحبتهم لها

تكنية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ومحبتهم لها ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام، كان يكني أصحابه، وهذا من أدبه الذي أدبه الله به، ومن حسن خلقه ورقته وسماحته، فقد كنى بعضهم بكنى ظاهرها فيه مذلة ولكنها من باب التبجيل، فكانت أحب الكنى إلى الصحابة. فـ علي كنيته أبو الحسن، فأتى عليه الصلاة والسلام -كما في حديث سهل بن سعد الساعدي في البخاري - فوجده نائماً في المسجد؛ فأخذ يوقظه صلى الله عليه وسلم برجله بلطف، ويقول: {قم أبا تراب! قم أبا تراب! قم أبا تراب!} فقام رضي الله عنه. والقصة ملخصها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام سمع اختلافاً في وجهات النظر بين علي بن أبي طالب صهره، وبين فاطمة الزهراء بنته عليه الصلاة والسلام، فذهب إلى البيت ليصلح بين الزوجين، وهذه هي الواقعية في حياة المسلمين، أن الخطأ أو اختلاف وجهات النظر قد يحدث حتى في بيوت النبوة، فذهب فلم يجد علياً، قال: أين هو؟ قالت فاطمة: تغاضبنا وخرج من بيتنا إلى المسجد، فذهب عليه الصلاة والسلام وراءه ليأتي به، فوجده قد نام، ووجده رضي الله عنه وأرضاه قد تدثر في التراب؛ لأنه لم يكن له بساط، والمسجد لم يكن له فرش، أسد نام على الثرى. جسد لفف في أكفانه رحمة الله على ذاك الجسد فأيقظه، وقال: {قم أبا تراب!} فكان الأمويون -أهل الشام - إذا غضبوا على علي بن أبي طالب، قالوا: أبو تراب، فيقول علي: هي أحب الكنى إليَّ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يكنيني بها. وبعض الناس يفهمون بعض المدح أنه ذم، فكانوا يسبون عبد الله بن الزبير ابن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعنه، ويقولون: ماذا يفعل ابن ذات النطاقين؟ يعيرونه بـ ذات النطاقين، وقد سمعوا هذا الكلام فقالوه، والذي سماها بهذا هو المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لأنها شقت نطاقها؛ فربطت بواحد الطعام وتمنطقت بواحد، فقال: {ذات النطاقين في الجنة}. فلما سمع ابن الزبير أنهم يسبونه بهذا، تمثل بقول أبي ذؤيب الهذلي في قصيدة طويلة: فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها فأول شاة سيرة من يسيرها وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاةٌ ظاهر عنك عارها وفي الصحيحين أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذهب إلى الخندق والصحابة يحفرون الخندق، ومعهم زيد بن ثابت ذاك الشاب الحافظ للقرآن، العاقل، الأريب، زيد بن ثابت الذي كتب بيده القرآن من أوله إلى آخره، فلا مست النار يده أبداً، نقله من الصحف واللخاف والرقاع والعظام ونقله في مصحف. فمر عليه الصلاة والسلام والناس يحفرون في أول النهار، والجو بارد معتم، فمر وإذا بـ زيد بن ثابت في سلاحه، ومعه مسحاة، وقد نام من كثرة السهر والتعب في الليل، فأيقظه صلى الله عليه وسلم بلطف، وقال: {قم أبا رقاد! قم أبا رقاد! قم أبا رقاد!} رقد فأعطاه صلى الله عليه وسلم هذا؛ لأن الحالة تناسبه، فكانت من أحب الكنى إلى زيد بن ثابت، والرسول صلى الله عليه وسلم إذا وسم أحد الصحابة بسمة كانت أحب ما يلقى أو ينادى به. وأبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه، كانت له هرة يعتني بها، فكني بـ أبي هريرة، فربما ناداه صلى الله عليه وسلم يا أبا هر! ولذلك قال البخاري: باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفاً، فقال: يا أبا هر، وأبو بكرة هذا من الصحابة نزل من الطائف على بكرة، وقيل: أنزل متاعه على بكرة، فرآه صلى الله عليه وسلم، فقال: {أنت أبو بكرة} فسمي عند العلماء والحفاظ والنقلة وأهل السير أبو بكرة.

بعض آداب الضيافة والتعارف

بعض آداب الضيافة والتعارف وفد هاني الخزاعي على الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال له صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ -وكان صلى الله عليه وسلم يسأل الناس عن أسمائهم وأنسابهم- من أنت؟ وهذا وارد في القرآن، قال تعالى عن إبراهيم: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} [الحجر:57] ومن السنة أنه إذا نزل عندك ضيف، أن تباسطه، وتنزل رحله، وتحادثه، وتؤانسه، وبعد ذلك تسأله من هو، أما أن تأخذ بتلابيب ثوبه عند الباب، وتقول: من أنت؟ وما نسبك؟ وما كنيتك؟ ومن أين أتيت؟ ومتى وصلت؟ نسأل الله العافية، نعوذ بكلمات الله التامات، هذه ليست من السنة. وهذا -نسأل الله العافية- يخيف الضيوف فيتوبون توبة نصوحاً إلى الله ألا يزوروه مرة ثانية، لكن السنة أنك بعد مباسطته تسأله. قال الأزدي: أحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب يقول: إذا أتى ضيفي لا أسأله حتى أحادثه وألاطفه وأمازحه، ثم أسأله. وعند الترمذي بسند فيه نظر، قال عليه الصلاة والسلام: {إذا تعرف أحدكم على أخيه، فليسأله عن نسبه واسمه، فإنه واصل المودة} كيف تماشي إنساناً في سفر من الرياض إلى أبها وهو بجانبك، وقد أصبح بينك وبينه كلام، ومودة، وشيء من المؤانسة والمرافقة، ثم تتركه ولا تعرف اسمه ولا يعرف اسمك؟! إن هذا الدين دين التعارف، والتآخي، واللطف، والحنان، وكلما ازددت من الأصدقاء كانوا لك عوناً، خاصة الأخيار والأبرار والأتقياء. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: تزودوا من الإخوان فإنهم عزٌ في الدنيا وفي الآخرة، قالوا: يا أبا الحسن! أما في الدنيا فصدقت، لكن في الآخرة كيف؟ قال: أما سمعت أهل النار يشتكون، ويقولون: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:100 - 101]-قالوا: ليس لنا اليوم صديق يشفع فينا- وقال رضي الله عنه أما سمعت الله يقول: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. وفي صحيح مسلم وأصل الحديث في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {قدم وفد عبد القيس على الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: من الوفد؟ -أو من القوم؟ - قالوا: ربيعة، قال: مرحباً بالوفد -أو القوم- غير خزايا ولا ندامى} وأورد ابن القيم في زاد المعاد بسند فيه ضعف، أن وفد الأزد -أزد شنودة- وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: {من القوم؟ -الأصل أن يقولوا: الأزد- قالوا: مؤمنون، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: إن لكل قوم حقيقة فما حقيقة إيمانكم! قالوا: خمس عشرة خصلة الحديث}.

الموقف الشرعي من كنية (أبو الحكم) وجواز التكني بأسماء البنات

الموقف الشرعي من كنية (أبو الحكم) وجواز التكني بأسماء البنات فأتى هاني الخزاعي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {من أنت؟ قال: أبو الحكم، قال: الحكم هو الله، قال: يا رسول الله! إن قومي كانوا إذا اختصموا في الجاهلية أصلحت بينهم فسموني أبا الحكم، قال صلى الله عليه وسلم: هذا شيء حسن، ولكن هل لك من أولاد، قال: نعم. قال: من أكبرهم؟ قال: شريح، قال: فأنت أبو شريح، فكان يسمى أبو شريح}. وعند البخاري ومسلم والترمذي: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام دخل مغتسله بعد أن فتح مكة، فدخلت أم هانئ، فقال: من؟ قالت: أم هانئ، قال: مرحباً بـ أم هانئ} فاستدل بهذا العلماء على أنه لا بأس بالترحاب عند التحية بعد رد السلام، فالرسول عليه الصلاة والسلام كنى أصحابه، وحياهم، ورحب بهم عليه الصلاة والسلام، وهذا مما أورث محبته في النفوس عليه الصلاة والسلام. وأبو الحكم بن هشام هو أبو جهل فسماه صلى الله عليه وسلم أبا جهل، فهو لا يستحق الحكم، ولا يستحق أن يكون حكيماً؛ لأن الجاهل والمذنب والفاجر لا يستحق الحكمة، إنما الحكمة مخافة الله، فإنسان فاجر لا يكنى بأبى الحكم فهو أبو جهل، ولو أنه كان يصلح بين قومه، لكن تردى في النار يوم كفر بلا إله إلا الله. ومن الصحابة من تكنى بأسماء النساء -بالبنات- فـ أبو الدرداء اسم بنته الدرداء؛ فكان يسمى أبا الدرداء، وهناك أبو الزاهرية، وأبو ريحانة، فلا بأس أن يتكنى الإنسان بابنته، وليس فيها عيب، وما عابها أحد، لا من العرب الخلف ولا من السلف، بل العجيب أن بعض الشعراء مدحوا بعض الملوك فنسبوهم إلى أمهاتهم وتركوا آباءهم. دخل جرير بن عطية الخطفي على عمر بن عبد العزيز فمدحه، فقال: وما كعب بن مامة وابن سعدى بأكرم منك يا عمر الجوادا أقول لصاحبي والخيل تعدو على الأمواه تضطرد اضطرادا عليكم ذا الندى عمر بن ليلى جواداً سابقاً ورث النجادا وعمر بن ليلى هو عمر بن عبد العزيز الخليفة. والنابغة الذبياني يقول للنعمان بن المنذر: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب تخيرن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جُرِّبنَ كل التجارب يقول: سيوفكم أيها الملوك، معلقة في بيوتكم تقاتلون بها الأعداء، من أزمان حليمة جدتكم، وحليمة هذه كانت ملكة، والدرس ليس عن حليمة ولكنه عن التكني. ومن هذه القضايا أن الزيارة واردة من الملائكة للناس، قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح لجبريل: {ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ قال: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) [مريم:64]} يقول: نحن لا ننزل عبثاً، أي: لا ننزل ونصعد متى نريد، بل نتنزل بأمر من الله وتكليف: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم:64].

مشروعية زيارة الفاضل للمفضول

مشروعية زيارة الفاضل للمفضول وهل يزور الفاضل المفضول؟ هل من الأدب والشهامة والفضل أن يزور الفاضل المفضول؟ مثلاً عالم يزور تلاميذه، والسلطان يزور رعيته، والشيخ الكبير يزور الشباب، هذا وارد، وممن فعل هذا محمد عليه الصلاة والسلام، فزار أصحابه في أطراف المدينة، وزار النساء كما سوف يأتي في الشرح، وزار الكبار والأطفال والمساكين والأعراب عليه الصلاة والسلام. أما الكبار فقد زار سعد بن عبادة يوم مرض، فوجده مريضاً مغمى عليه؛ فبكى عليه الصلاة والسلام، فقال له الصحابة: {مالك؟ قال: إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه-}. وسمع أن أعرابياً بدوياً تهزه الحمى هزاً؛ فذهب يزروه، فقال: {لا بأس عليك طهور} فغضب الأعرابي، وقال: بل حمىً تفور، على شيخ كبير، تُزيره القبور. الحمى هذه ترقص الإنسان حتى تجعله يرقص ويطرب رقصاً عجيباً؛ لأنها تهز كل عضو فيه، تدخل في ثلاثمائة وستين عضواً، فتنفضه نفضاً، كأنه على الكهرباء. فدخل صلى الله عليه وسلم على الأعرابي، فقال: لا بأس عليك يطهرك الله من الذنوب والخطايا، يا لجلالة الإسلام! ويا لعظمة الدين! يوم تصاب بجرح، أو بألم، أو بمرض، أو تسهر عينك، تكون كفارة، فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس، ما أتاك بأس، إنما أتاك دواء وبلسمٌ وعلاج وأتاك طهور وماء باردٌ، وحسنات ودرجات عند الله، والأعرابي لا يفقه! يريد أن يأكل ويشرب، قال: لا. ليست بطهور، بل حمى تفور، على شيخ كبير، تُزيره القبور. يقول: بعد أيام -إن شاء الله- الموعد المقبرة، فيقول عليه الصلاة والسلام: {نعم إذاً} أي: ما دمت دعوت على نفسك، فنعم إذاً؛ فمات بعد ثلاثة أيام. وزار صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور رضي الله عنه وأرضاه، أحد الوجهاء من الصحابة، وأحد الذين لهم مواقف خالدة في الإسلام، فلما زاره صلى الله عليه وسلم وكان في سكرات الموت سلم عليه صلى الله عليه وسلم وعانقه، ودموع البراء تهراق، وهو يرفع إصبعه ويقول: [[أشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، أشهد أنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً]] وهذا في سكرات الموت! فربما رأى شيئاً من الجنة، أو لاح له شيءٌ من النعيم، فقام عليه الصلاة والسلام عنه، وظن أنه سوف يبقى على قيد الحياة ردحاً من الزمن، وبعد أن وصل مسجده صلى الله عليه وسلم، سمع الهاتف يقول: مات البراء يا رسول الله! فلم يتلعثم صلى الله عليه وسلم، بل استقبل القبلة، ورفع يديه الطاهرتين، الشريفتين، المجيدتين العظيمتين، إلى الحي القيوم، وهو يقول: {اللهم الق البراء فاضحك إليه ويضحك إليك} وهي من أعظم الأدعية في الإسلام، فهو رجل عظيم. وزار صلى الله عليه وسلم النساء الكبيرات، من أمهات الأبطال والسادة الأخيار من المهاجرين والأنصار، فقد كان يزور أم سليم، وكانت أم سليم إذا نام صلى الله عليه وسلم في بيتها، وتحدر العرق من على جبينه الطاهر، أخذت العرق في قارورة، وكان للعرق هذا رائحة كالمسك في البيت، فإذا مرض أحد أهلها أخذت قطرة واحدة وجعلت هذه القطرة مع ماء وغسلت المريض حتى يشف بأذن الله. وفي الصحيح أنه زار صلى الله عليه وسلم أم حرام بنت ملحان، وكانت مجيدة، عابدة، زاهدة، ربت أبطالاً، وأخرجت سادات في الأمة، فلما نام صلى الله عليه وسلم في بيتها قام يضحك، فقالت: {يا رسول الله! مالك؟ قال: رأيت قوماً من أمتي يركبون ثبج البحر ملوكاً على الأسرة، يغزون في سبيل الله -أي: سوف يأتون- قالت: يا رسول الله! ادع الله أن أكون منهم، قال: أنت منهم، ثم نام صلى الله عليه وسلم، ثم قام يضحك، قالت: مالك يا رسول الله؟ قال: رأيت أناساً من أمتي كالملوك على الأسرة كما قال في الأول، قالت: ادع الله أن أكون منهم، قال: أنتِ من الأولين}. فركبت البحر مع زوجها عبادة بن الصامت، ومع أبي أيوب الأنصاري، يوم قادهم يزيد بن معاوية ليفتحوا القسطنطينية ويعلنوا لا إله إلا الله في القسطنطينية التي ما عرفت لا إله إلا الله منذ قرون عديدة، فأسسوا هناك المساجد وحلق الذكر، والمدارس التي تربي الأرواح، وأما أبو أيوب فلم يعد إلى بلاد العرب مرةً ثانية، فقد قال: [[إذا أنا مت فادفنوني عند آخر بلاد المسلمين حتى يخرجني الله يوم القيامة بين أناس مشركين]] وفي رواية: [[علَّني أن أستيقظ من قبري بين الكفار وأنا أقول: لبيك اللهم لبيك]] فدفن هناك. عمر رضي الله عنه وأرضاه أرسل جيشاً إلى قندهار التي يقاتل عليها المجاهدون الأفغان، وهي بلادهم وأرضهم وحماهم وتراثهم، فهم يقاتلون عليها أعداء الله الشيوعيين، ففي قندهار هذه قتل أناس كثيرٌ من الصحابة الأخيار؛ فأتوا إلى عمر؛ فأخبروه، وقالوا: قتل فلان وفلان، وعمر يضع عمامته على وجهه ويبكي، ثم لما طالت القائمة بالقتلى قالوا: وأناس لا نعرفهم، فرفع عمر صوته، فقال: إن كنتم لا تعرفونهم فوالذي نفسي بيده إن الله يعرفهم. بـ قندهار ومن تكتب منيته بـ قندهار يرجم دونه الخبر وزار صلى الله عليه وسلم أم أيمن، وقد أرضعته عليه الصلاة والسلام، وهي أم أسامة بن زيد، وكانت ترعى أربعين من الماعز للرسول عليه الصلاة والسلام، وكان إذا ولدت واحدة منها ذبحها صلى الله عليه وسلم فكانت تبقى أربعين، وربما كانت تتدلل هذه المرأة الصالحة على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنها تعده ابناً لها، فقد أرضعته وهي كبيرة، والرسول عليه الصلاة والسلام أعطاها بستاناً من الغنائم، وأراد أن يأخذه من يديها ليعطيه رجلاً فقيراً على أن يبدلها مكان هذا البستان بآخر، فرفعت صوتها ورفضت، فتبسم صلى الله عليه وسلم وترك البستان لها. ولما توفي عليه الصلاة والسلام -وهذا الحديث في الصحيحين - قال أبو بكر وقد تولى الخلافة: [[يا عمر! اذهب بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فذهب الشيخان الجليلان، والبطلان القائدان إلى أم أيمن، فجلسا عندها فأخذت تبكي، وقد تذكرت، فقال أبو بكر: مالك تبكين؟ أما تعلمين أن ما عند الله خيرٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما عندنا؟ قالت: أعلم ذلك، ولكن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء فجعلان يبكيان]] وهذا في الصحيحين. وقلت: يزور الفاضل المفضول، فالإمام الشافعي لامه بعض تلاميذه، قالوا: تزور أحمد بن حنبل، وأحمد أصغر منك سناً وأنت أعلم منه، فقال مقطوعة، يقول فيها: قالوا يزورك أحمد وتزوره قلت الفضائل لا تغادر منزله إن زارني فلفضله أو زرته فلفضله فالفضل في الحالين له وقد كتب للإمام أحمد يقول: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعه وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعه فرد الإمام أحمد يقول: تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم قد تناولنا الشفاعه لأنه قرشي من أسرة الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: أنت تحب الصالحين، وأنت من أكبر الصالحين، فلا تتواضع في هذا الجانب، فأنت معروف بقيام الليل والتلاوة والصدق ونشر العلم.

الزيارة البغيضة زيارة الحمى أو الثقلاء

الزيارة البغيضة زيارة الحُمَى أو الثقلاء ورد في الآداب وكتب السير التذمر من زيارة الحمى، يقولون: أسأم زيارة عند العرب الحمى إذا زارت أحدهم، وقد تفاءل بها الصالحون ورحبوا بالحمى زائرةً في الظلام، ولكن تذمر منها كثيرٌ من الناس، وقالوا: لا نريد زيارتها ولا نرى وجهها، ولكن كثيراً قالوا: أنها تكفر الذنوب، وهي التي تغسل السيئات عن الناس، أما المتنبي فإنه نام في مصر مع كافور، فأتته الحمى فأخذ يتقلب ظهراً على بطن، وأنشد قصيدته الرائعة، التي هي من أحسن قصائده في الحمى، وهي قصيدة الحمى، التي يقول فيها: ملومكما يجل عن الملام ووقع فعاله فوق الكلام وزائرتي كأن بها حياءً فليس تزور إلا في الظلام يقول: عجباً لهذه الحمى قاتلها الله، عدوة الله لا تأتي إلا في الليل، ولا تأتي في النهار، وهذه من صفات الحمى. بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي ومما تُذمر منه الثقلاء، والثقيل هو الذي إذا أتاك أوقعك في السيئات، بعض الناس إذا دخل على بعض الناس يجرجره إلى السيئات، فهذا أثقل الزائرين، كان الأعمش إذا رأى رجلاً ثقيلاً مقبلاً، قال: ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، وورد في قصص الثقلاء ما لا نطيل الوقت بذكره.

آداب الزيارة في الإسلام

آداب الزيارة في الإسلام وأوقات الزيارة في الإسلام كلها واردة، إلا ثلاثة أوقات وهي عورات للمسلمين لا يجوز الزيارة فيها إلا لأمر ضروري، حين توضع الثياب من الظهيرة، أي: بعد صلاة الظهر، وقبل صلاة الفجر، وبعد صلاة العشاء، فليعلم هذا عند طلبة العلم، وعند الإخوان والأخيار، والصالحين، وبعد صلاة الظهر وقت قيلولة فلا تأتِ في الساعة الثانية والنصف، وتقول: الأمر بسيط، أريد أن أتحدث معك، وأريد أن نجلس قليلاً في الظهر. فهذا ليس وقت سمر أيها الأخ الكريم، بل هذا وقت راحة. ثم يأتيك قبل صلاة الفجر بساعة، ويطرق عليك الباب، ويقول: لا أريد شيئاً يا أخي، فقط أريد أن أشرب القهوة معكم، وأسأل عن أخباركم. فهذا خطأ. وكذلك بعد صلاة العشاء، ويتساهل كثير من الناس بعد صلاة العشاء وهو ليس وقت زيارة، وليعلم هذا، فأحسن وقت للزيارة بعد العصر والمغرب، ومن بعد العاشرة في الصباح، لأنك ربما تزوره قبل العاشرة فتجده على الفطور فتفطر معه، فعليك أن تحذر فتأتيه بعد العاشرة. وقد تأتيه -نسأل الله العافية- وقت الغداء الساعة الثانية فتتغدى معه، فعليك بأوقات الزيارة بعد العصر والمغرب. ومن الأدب ما ذكره سيد قطب في ظلال القرآن أن إذا أراد المسلم أن يزور المسلم أن يتصل به تلفونياً، يقول: هذه الوسائل وجدت عند الكفار فاستخدموها في الآداب، ونحن أهل الإسلام أولى بذلك، فلا يأت إنسان بأهله وأطفاله، ثم يقف عند الباب، فقد يكون أهل البيت أمواتاً، أو يكونون في مشكلة، أو ربما كان الرجل يتعارك مع امرأته، وكل إنسان في زاوية يمسح دموعه ودمه، فيطرق عليهم الباب قال: أتينا نزوركم. أين الاتصال وترتيب الزيارة؟! فالذي ينبغي -أيها الإخوة الكرام- أن يكون لنا تنسيق في حياتنا، إذا أردت أن تزوره فاتصل به قبل فترة. وبعض الناس إذا أراد أن يدعو أحداً وهو يتثاقل من الدعوات، فإنه يفتح كل مجالات الأعذار للإخوان حتى يعتذرون، فهو يقول له: إن لم يكن عندكم ارتباط، أو لن يأتيكم أحد، أو لست مشغولاً، أو لست مريضاً فتعال تغد معي اليوم، فأنت تفتح له باب الأعذار حتى تأتي وهو مرتاح وأنت مرتاح. فلا بد من هذه الوسائل، ولا يستهان بها، بل هي من أعظم الفقه في الدين، حتى نكون على بصيرة، لأن هذا الدين أخرج الناس من البادية وأعرافها وجفائها إلى أمة حضارية تعرف كيف تتعامل مع الإنسان. الزيارة غباً: هل من السنة أن تزور كل يوم؟ عقد البخاري لهذا باباً في الصحيح، وأتى بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو من حديث أسماء، أنه صلى الله عليه وسلم كان يزور أبا بكر يومياً، لكنه علم مودة أبي بكر، وصدقه وقرب أبي بكر من قلبه، وأما في الإسلام فإن الزيارة غباً هي الأسلم، وورد في الحديث: {زر غباً تزدد حباً} وهذا الحديث ضعيف، لكن قال بعض الحفاظ: إذا اجتمعت طرقه قامت على سوقها وأصبح حديثاً حسناً فله أصل. والغب: أي فترة بعد فترة، فلا تزره اليوم قبل الظهر، وبعد صلاة العصر، فتأتي وتقول: اشتقت لك، ثم في اليوم الثاني تقول: اشتقت لك، فسوف يستقبل صاحب البيت القبلة ويقول: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، فالزيارة تكون بقصد، مثلما قال أبو تمام: ليس الحجاب بمخفٍ عنك لي أملاً إن السماء ترجى حين تحتجب يقول: إذا أبطأ الغيث خرج الناس يستسقون، لكن لو نزل الغيث كل يوم فهو يزري، كانوا يقولون: يا رب! ارفع عنا هذا المطر، يا رب! لا تهدم علينا بهذا المطر بيوتنا وأنت أبصر وأنت أرحم، ولكن إذا تخلف المطر وقحطت الأرض خرجوا للاستسقاء، فالزيارة غباً واردة ولا تحدد، وحددها بعض الناس، بأن تزور على قدر طاقتك، إلا الأرحام والأقارب الذين تمون عليهم ويمونون عليك فلا بأس، أما أن يكون الإنسان ثقيلاً فلا يطلب هذا. ومن آداب الزيارة -أيها الأخيار الأبرار النبلاء الفضلاء- أن إذا زرت ألا تنام عنده، كأن تزوره بعد صلاة العصر، فتبقى إلى الواحدة والنصف ليلاً، فيخرج ويرجع وينتهي كلامه، وينظر في النجوم: هل طلع نجم سهيل؟ وهل بدت الثريا؟ هل أذن الفجر؟ ثم يدعو الله عز وجل، ثم يذهب إلى زوجته شاكياً باكياً فهذا ليس بوارد، فعلى المسلم أن يكون خفيفاً. أيها الإخوة: لا ننفركم من زيارة الإخوان والأحباب، لكن هذه موجودة في كتب التربية، ووجدت حتى في التفسير وأشار إليها العلماء المفكرون، ونحن لا بد أن نبحثها مثلما نبحث مسائل الوضوء والصلاة والزكاة والصيام. قال: وزيارة الأحباب والأقران والزملاء بعضهم لبعض، فهذه مطلقة، فلا تقل: لا أزوره؛ لأنه لم يزرني، بل كن دائماً أنت فاضلاً بادئاً بالفضل. وقد زار سلمان أبا الدرداء وزار أبو الدرداء سلمان. أما سلمان هذا ففقيه، طال عمره، ففقه عقله ونبل، فزار أبا الدرداء، وأبو الدرداء كان قوياً في العبادة صارماً، يكلف نفسه كثيراً، فزاره في النهار، فوجده لا يأكل، ورأى امرأته متبذلة، قال: مالك أصبحت عجوزاً في البيت؟ قالت: أبو الدرداء أما النهار فصائم، وأما الليل فقائم. فأتى سلمان وكان فقيهاً، فقال لـ أبي الدرداء: كل معي، قال: لا آكل أنا صائم، قال: والله لا آكل حتى تأكل، فأكل، فلما أتى الليل نام معه متعمداً حتى يلقنه درساً تربوياً عالياً، فقهاً واقتصاداً في العبادة فقام يصلي بعد العشاء، قال: نم، فنام ساعة، فقام، فأخذه بثوبه، وقال: نم، فلما أصبح قبل الفجر بساعة، قال: الآن قم، فقام، فلما أتى الصباح جلس معه في حوار حار ساخن، وقال: [[يا أبا الدرداء: إن لربك عليك حقاً -هذا الحديث في الصحيحين - ولنفسك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولضيفك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حقٍ حقه]]. فأخذ أبو الدرداء هذا الكلام، وذهب به يعرضه على المصطفى المعلم الكبير، يعرض المخطوطة على صاحبها، ويعطي القوس باريها، قال: {يا رسول الله! أتى سلمان؛ فنام عندنا، ففعل كيت وكيت، وقال: كذا وكذا، قال: صدق سلمان، صدق سلمان، صدق سلمان، سلمان أفقه منك يا عويمر} فهذا هو الإسلام، وهذه هي الزيارة. وهل الزيارة على البعد واردة؟ لأنه قد وجد من العلماء من قال: لا تشد الرحال لزيارة الناس، إنما تشد للمساجد الثلاثة، أي: هل لك أن تشد رحلك، وتركب سيارتك، وتحجز في الطيران، وتذهب لتزور أخاً؟ وهل هذا من البدعة أم لا؟ لا. ليس من البدعة، بل هو من أفضل الأعمال أن تزور أخاً لك في الله، ولو شددت إليه الرحال. أتيناكم من بَعْدِ بُعْدٍ نزوركم فهل من ضياف وارد وجفان كما يقول الصاحب بن عباد. والرسول عليه الصلاة والسلام -كما في سنن أبي داود - زار العباس بن عبد المطلب في البادية، فسلم عليه وعلى أطفاله وصلى عندهم عليه الصلاة والسلام.

الأماكن التي تزار

الأماكن التي تزار ما هي الأماكن التي تزار؟ هل يزار قبر عبد القادر الجيلاني، والبدوي، وهذه القبور التي أخذها الذين لا يفقهون شيئاً، وقالوا: الدعاء مستجاب عندها، ويمرغون وجوههم عندها، حتى إن أحد الناس الحمقى أخذ قارئاً يقرأ عليه، قالوا: إذا ذهبنا إلى قبر البدوي فاقرأ علي، فذهب معه، فلما أجلسه عند القبر، قال: ماذا أقرأ؟ قال: اقرأ ما فتح الله عليك، قال: كم الأجرة؟ قال: فلسين -أو عملة قليلة تشابهها- فقرأ: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:30 - 32] قال: كيف تقرأ هذا الكلام؟ قال: هذا قيمته في الكيل، وأما الذي بالجنيهات: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [الذاريات:17 - 16]. فالمقصود أن بعض الناس يزورون هذه المزارات ويعتقدون فيها النفع والضر، وهذا شرك، وقد تساهل الذهبي في السير، حيث كان يترجم للشخص ويقول: وكان قبره يزار. والرسول عليه الصلاة والسلام قبره لا يشد إليه الرحل، لكن إذا وصل المسلم إلى المدينة المنورة والمسجد الشريف، فعليه أن يمر على الحبيب عليه الصلاة والسلام. يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه الجلال وفيه العز والكرم وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وقد وقع صراع تساقطت منه عمائم الأبطال، وتكسرت النصال على النصال، بين ابن تيمية وعلماء وقته إلا من رحم ربك. فهم يقولون: شد الرحال إلى القبر وارد، وهو يقول: لا. لا يشد الرحل إلى قبره صلى الله عليه وسلم، وألف في ذلك مجلداً، وقد رد عليه السبكي، ولكن لم يحسن الرد، فرده مظلم لا يشفي، وهو مبني على الأحاديث الموضوعة، ولكن أتى ابن تيمية برد مشرق، كأنه نظم النجوم من الدلائل الساطعات الواضحات فرحمه الله، وأسكنه فسيح جناته.

فوائد أخرى في حديث الكنية

فوائد أخرى في حديث الكنية فهذا الحديث: {يا أبا عمير! ما فعل النغير} كان هناك رجل يسمى صالح جزرة، وهو محدث كبير، وحافظ المشرق، أتى من الشمال، فقال له أبو حاتم الرازي: ماذا وقع عندكم في الشمال؟ قال: كل خير، مات الشيخ فلان، وأتى محدث آخر فأول ما قرأ علينا، حديث: يا أبا عُمَير! فقال: يا أبا عَمِير! ما فعل البعير؟ يقول ابن حجر: من التصحيفات التي وقعت في الأحاديث مثل ما وقع في هذا الحديث، والتصحيف هو: تغيير الكلمات. وفي هذا الحديث قضايا: منها: أن هذا الطفل مات بعدما مات النغر ويقولون: هو الطفل الذي قصد في الحديث الصحيح، أنه ولدٌ لـ أبي طلحة، وكان مريضاً، فدخل أبو طلحة ليلة من الليالي، وإذا بطفله قد مات، وهو لا يعلم أنه قد مات، وكانت أم سليم امرأة عاقلة، رشيدة، زاهدة، فغسلته وكفنته وسجته، فدخل أبو طلحة، وقال: كيف الطفل؟ قالت: ما ارتاح إلا هذه الليلة، وهو في أحسن حال، فظن أنه مرتاح، فلما أصبح الصباح أخبرته الخبر، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: {بارك الله لك في ليلتك} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فأخلفه الله بتسعة أولاد كلهم حفظوا القرآن، وأصبحوا من علماء الأقاليم في البلاد الإسلامية، ومنهم إسحاق بن أبي طلحة أحد رواة البخاري ومسلم من أكبر العلماء في الدنيا، تسعة حفظوا القرآن، وأصبحوا علماء ودعاة إلى الجنة. ومن القضايا كذلك بارك الله فيكم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سجع في الحديث هذا، فقال: {يا أبا عمير! ما فعل النغير} وفي القرآن سجعٌ لكنه ألذ من الشهد، وأحسن من الماء الزلال: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً} [الذاريات:1 - 2] {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً} [النازعات:1 - 2] {والْمُرْسَلاتِ عُرْفاً * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً} [المرسلات:1 - 2] إلى غير ذلك من الآيات فيها سجع، ولكنه غير متكلف، بل هو نورٌ يهدي به الله من يشاء صراطاً مستقيماً. ومن القضايا: أنه يجوز جعل الاسم بدل الكنية، فـ أبو بكر يقولون: اسمه كنيته، وبعضهم يقول: اسمه عبد الله بن عثمان، والظاهر والله أعلم أن أبا عمير اسمه كنيته.

حكم لعب الأطفال بالألعاب

حكم لعب الأطفال بالألعاب ومنها: قضية التلهي بالطير، وأنه لا بأس للمسلم أن يعطي أبناءه بعض اللعب خاصة الصغار منهم، التي يتسلون بها، ولكن بشرط أن تكون اللعب المباحة، أما اللعب المجسمة وهذه التصاوير، مثل صور البنات والأطفال والخيول، فالذي يظهر -والله أعلم- أن هذه ليست من جنس اللعب، وأنها لا يجوز أن تدخل البيوت؛ لأنها منحوتة؛ ولأن فيها تشبه بخلق الله عز وجل، وهي مذمومة، وكأنها تأخذ ظاهر الحديث: {لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة ولا جنب ولا كافر} هذا الحديث في السنن وهو حسن، وفي السنن حديث صحيح: {لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب} أما قوله: {ولا بيتاً فيه صورة ولا جنب ولا كافر} فهو حديث حسن، ومن العلماء من صحح هذه الجملة كلها. فالمقصود أن هذه اللعب ينبه عليها ولا تدخل البيوت؛ فإنها تخرج الملائكة، وهي خدش للتوحيد؛ لأنها مشابهة لخلق الله تعالى وهي منحوتة، وقد يستدل بعض الناس، ويقول: أدخلها بيتي؛ لأنه أثر أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كانت لها خيولٌ تلعب بها؛ لأنها كانت طفلة، فدخل صلى الله عليه وسلم عليها، وكان للخيول أجنحة، فقال: {ما هذه يا عائشة؟ قالت: خيول، قال: خيول بأجنحة؟! قالت: يا رسول الله! سليمان كانت له خيولٌ بأجنحة، فتبسم عليه الصلاة والسلام وسكت} قال العلماء: لم تكن عائشة تصور الخيول كصورة الخيل، فهي لا تستطيع أن تصور رأس الخيل، وعينيه ويديه، وأرجله، وذيله، أو تصور قامته وسمكه، فيكون خيلاً كما يفعلون الآن؛ لأن هذه مصانع متخصصة، وشركات عالمية متطورة، فصناعة اللعب هذه تأتي بتعب وجهد، ووراءها مفكرون حتى تنتج للناس، فـ عائشة رضي الله عنها أتت بعود وجعلت قطعة قماش من هنا وقطعة من هنا، وقالت: هذا فرس، وهو ليس بفرس ولا يشبه صورة الفرس والخيل، فهذا ليس من هذا أيها الأبرار. واللعب التي يلعب بها الأطفال، كالدراجات والسيارات، والطائرات، واللعب، والصفارات، إلى غير هذا، وهي لا بد في فترة من الفترات أن يكون عند الأطفال منها شيء، أما إذا بلغ الطفل خمس عشرة سنة وتشتري له دراجة فيصبح دائماً في الشوارع فهذا لا ينبغي، بل لا بد أن يكبر عقله مع كبر سنه حتى يعلم مهمته في الحياة. قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل يقولون: الرسول عليه الصلاة والسلام لما بلغ السابعة من عمره، كانت لـ عبد المطلب سجادة في ظل الكعبة، ممنوع أن يجلس أحدٌ على هذه السجادة، وهي لا تأخذ إلا رجلاً واحد، فلا يجلس فيها إلا عبد المطلب سيد قريش والعرب، وكانت تفرش قبل العصر، فيجلس، وتجلس إليه قريش وكبراء العرب وملوك العرب عنده، ولو أتى ملك من ملوك الدنيا فإنه لا يجلس عليها. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان دائماً إذا أتى لا يجلس إلا على هذه السجادة، فتقيمه قريش فيقوم من مكانه ويجلس على السجادة، فيقول عبد المطلب: والبيت ذي النصب والحجب، والنجوم والشهب، إن لهذا الابن سبباً من السبب، يقول: والله إن هذا الابن ليس بعادي، وإنه سوف يكون عظيماً من عظماء الدنيا، ونحن نقول: ليس من عظماء الدنيا، بل هو أعظم عظيم في الدنيا عليه الصلاة والسلام، فهمته العالية جعلته يجلس هناك. يقول ابن القيم في كتاب الفوائد: قيل: لدويدة صغيرة تحرك القذر والأذى، مالك تفعلين هذا بنفسك؟ قالت: همتي أنزلتني إلى هذا المكان. فالمقصود أن التلهي باللعب لا بأس به، لكن بالشروط التي ذكرت، وإقامتهم على الصلاح، وعلى تَعَلُّم العلم فهو لا بأس به، أما تعليمه في سن لا يعقل فيها، فهو إتعاب للنفس فقط، فمن السابعة يبدأ بالمسجد، ويبدأ بالتعليم، ويبدأ بحفظ وقته، وحضور الجلسات والاستفادة من أهل العلم.

سؤال المسلم عن أحوال إخوانه

سؤال المسلم عن أحوال إخوانه وفي هذا الحديث السؤال عن الأحوال: سؤال المسلم عن أحوال إخوانه وخاصة الجيران، فإن بعض الناس يمرض جاره ويشفى مرات كثيرة ولا يدري، وبعد أيام عديدة يقول: أخبرنا آل فلان أنكم مرضتم فشفاكم الله. فهذا عذر أقبح من ذنب، فإن المسلم لابد أن يتفقد أحوال جيرانه، والذي يخبرك هو المسجد، فيخبرك أن الناس سافروا، أو وجدوا، أو ماتوا، أو حضروا، أو مرضوا، فمن صلى معنا تفقدناه، ومن كان مفقوداً دائماً فلا أصل له، ليس موجوداً في كتابنا ولا في مخطوطاتنا، فهو ليس له أصل. لكن الذي دائماً يحفظ الصف الخامس أو الصف الأول، فهذا معروفٌ عند الناس، عند الإمام والمؤذن، وعند الإخوان والجماعة، إذا غاب نسأل: أين ذهب فلان؟ ليست عادته أن يغيب فيعرف أهل الحي أنه سافر، فلذلك ينبغي أن نحافظ على هذه الصلوات، وأن نسأل الناس عن أحوالهم. ولكن إذا سُئل المريض عن حاله فليكن بحكمة، لا تأتي إلى مريض متعب ومرهف وسئم، فتلقي عند رأسه محاضرة، حتى يتمنى أنه ما رآك فيزيد مرضه مرضاً، فمن الناس من يأتي إلى المريض فيقول: والله سمعنا أن هذا المرض مات منه فلان وفلان، وكان هذا المرض مرض جدتي يوم نقلت إلى المستشفى التخصصي وماتت بعده، وهو مرض خالتي الذي ما أخذت بعده العافية والحمد لله، يقولون: هذا من التشاؤم في الزيارة. قالوا: فإن كنت وجدته قريباً من العافية؛ فقربه، وقل: لا بأس عليك، لم أظن أن حالك حسنة كذا، ما شاء الله تبارك الله؛ لأن الوهم يزيد المريض مرضاً، ورفع معنويات المريض أمرٌ حسن، وفيه قصص وأعاجيب ذكرها ابن الجوزي وغيره من أهل العلم. وكذلك إذا رأيت أنه اقترب من الموت، فذكره بلقاء الله، وحسَّن ظنه بالله، وقل: ما شاء الله! ما أسعد من يقدم على رب كريم! وأنت من الأخيار إن شاء الله، ومواظب على الصلوات ومن الصالحين، أما أن تأتي وهو في سكرات الموت وتقول: يا فلان! ماذا فعلت في بيتك؟ وهل بعت سيارتك في المعرض؟ وماذا فعل الأبناء في الدراسة؟ وهو يتشهد ويقول: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى. فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى

تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم وفضل التواضع

تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم وفضل التواضع وفي الحديث: التواضع، وهي أكبر سماته صلى الله عليه وسلم، فهو لا يحمل ذرة واحدة من الكبر، بل كان أقرب الناس إلى الناس، يجلس على التراب، وتأخذه الجارية بيده؛ فيذهب معها في سكك المدينة، ويقف مع الأعراب، ويبيع ويشتري في السوق، ويأخذ الدابة فيربطها ويقودها صلى الله عليه وسلم، ويركب الحمار، ويكنس ويَقُم البيت، ويرفع الثوب، ويخصف النعل، لكنه سيد الخلق عليه الصلاة والسلام. ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه} كلما تواضعت رفعك الله، يقول: انتعش انتعش، أي: ارفع رأسك، وكلما تكبر الإنسان، قال: اخسأ فلن تعدو قدرك. ولذلك أكبر الناس في نفوسهم؛ أصغرهم في قلوب الناس، حتى تجد المتكبر إذا مر تلعنه قلوب الناس، فهو حقير لا يقيمون له ولو ذرة، والمتواضع ليس في نفسه شيء؛ وإذا مر سلمت عليه القلوب وحيته. يقول البخاري: باب المقة من الله، قال أهل العلم، كما قال ابن حجر: الصيت الحسن والثناء الحسن من الواحد الأحد، ولا يعطيه إلا الله لكن بالتواضع، فأوصي نفسي وإياكم بالتواضع لكل أحد، ومن التواضع: البشاشة والبشر، أي: من علامة المتكبرين أنه لا يسلم كثيراً، يريد أن تسلم عليه ولا يسلم عليك، ويقف مكانه حتى تقرب أنت لحضرته ولشخصيته العظمى فتسلم عليه، ومنه كذلك أنه لا يقوم، وإذا مد يده أعطاك رءوس الأصابع، ويتنحنح كثيراً، والتفاتاته التفاتات كبر، وتصرفاته عنجهية، ويتحدث عن نفسه دائماً: قلت، وفعلت، وكلمت، وراجعت، ونزلت، ودخلت، وأكلت، وشربت ترجمة لحياته. وهذا مرض خطير نسأل الله أن ينجينا وإياكم منه، فأكبر مِيَزَه صلى الله عليه وسلم التواضع، حتى يقول الله عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. دخل عليه رجل وهو في مكة عليه الصلاة والسلام، ولما رأى هذا الرجل هيبة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعظمته، وجلاله، ونوره، أخذ يرتعد، فقال: {هون عليك فإني ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة} نعم. كانت تأكل القديد لكنك أصلحت العالم، وحولت مجرى التاريخ، لكنك أقمت الدنيا وأقعدتها، لكنك دكدكت جيوش الضلالة، ونسفت كل كيان للجاهلية على وجه الأرض، نعم. لم يغير أحد مجرى التاريخ كما فعل عليه الصلاة والسلام، ولا نقل أمة ضائعة ضالة من مكان إلى آخر مثلما فعل عليه الصلاة والسلام. وأكبر ميزة له عليه الصلاة والسلام كما في الحديث، قال أنس: {كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً} وهذا مصداق لقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وورد أن سعد بن هشام قال لـ عائشة: كيف كان خلقه صلى الله عليه وسلم؟ قالت: {كان خلقه القرآن} وهذا في صحيح مسلم. وأكبر معالم خلقه صلى الله عليه وسلم تدور على أربعة: الصبر، والشجاعة، والكرم، والتواضع. فأما الصبر: فكان من أصبر الناس، بلغ به الجوع إلى أن أخذ الحصى وربطها على بطنه، فما شكا ولا بكى ولا تذمر ولا تأسف، وإنما استمر في دعوته حتى بلغت مغرب الشمس ومشرقها، وضُربت بناته، وأوذي، وأخرج من دياره، وحورب، وقوتل، وماتت زوجاته وقريباته، وأعمامه، وأنصاره، والشهداء حوله، فما ازداد إلا صرامة وصلابة ومضاءً. وأما شجاعته: فكانت السيوف تلعب عن يمينه ويساره، والرماح تتكسر على رأسه، وهو واقف لا يتزحزح خطوة واحدة، هل تعلمون أحداً أشجع من علي؟ يقول علي: [[والله لقد كنا إذا التقينا بالأعداء، واحمرت الحدق، واشتد الهول؛ نتقي بالرسول عليه الصلاة والسلام فيكون أقربنا من القوم]] إذا كان علي على شجاعته يتقي بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويتترس به، فما بالك بالرسول عليه الصلاة والسلام، وفي معركة حنين انهزم كل الجيش، ولم يبق إلا ستة والرسول عليه الصلاة والسلام، فنزل من على بغلته وسل سيفه صلى الله عليه وسلم، وقال: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ولذلك أجمع أهل السير أنه لم يكن أشجع منه أبداً، وسمع صوتاً مرة من المرات فنهض صلى الله عليه وسلم على فرسه حتى أدرك الصوت والغارة، وعاد وما كلم أحداً من الناس.

الأسئلة

الأسئلة

حكم لمس الجارية الصغيرة

حكم لمس الجارية الصغيرة Q ذكرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تأخذ بيده الجارية، فتذهب به، وقد ورد النهي عن لمس المرأة الأجنبية، وأرجو توضيح ذلك. A أولاً: يا أخي! الجارية لا تأخذ حكم المرأة، فالرسول صلى الله عليه وسلم ربما داعب الجواري الصغار، ومازحهن، وقبلهن شفقة ورحمة فهو أبو الجميع صلى الله عليه وسلم، أما المرأة التي تُشْتَهى ويرغب فيها فكان صلى الله عليه وسلم لا يمس يد امرأة كما ورد بذلك الحديث فليعلم هذا، فلا تعارض؛ لأن هذه الجارية صغيرة السن، وورد في الحديث في صحيح مسلم، أن الجارية كانت تأخذه بيده صلى الله عليه وسلم، وربما قبل صلى الله عليه وسلم بعض الجواري الصغار تحبباً وتأليفاً، وهذا ليس فيه شيء، وليس فيه شبهة ولا فتنة ولا ريبة. إنما النهي عن المرأة التي تسمى امرأة، وتشتهى، وقد أصبحت لها فتنة فهي امرأة، فليعلم هذا.

الكنى الفاسدة وحكم التكني بها

الكنى الفاسدة وحكم التكني بها Q ما رأيكم في بعض الشباب الذين يكنون بكنى فاسدة مثل: أبو عذاب، أبو غريب، أبو عشق؟ A أنا لم أسمع بهذا، ولكن قد يحدث هذا في بعض الأماكن، وهذا من قلة الرشد، بعض الناس يأتي بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، وفي الدنيا آلاف الأسماء، وفي الدنيا غنية عن هذه الأسماء، فيتعب نفسه ويضيق على نفسه بهذه الأسماء، حتى أن بعضهم يسمى بأسماء ليس لها معان، أنا سمعت أحد الدعاة والخطباء يقول: سألت ولداً وقلت: ما اسمك؟ قال: اسمي أنو، فيقول الخطيب: أنو هذه ليست كلمة عربية ولا فرنسية ولا إنجليزية، فبعض الأسماء ليس لها طائل، وكأننا ألجئنا الآن إلى أسماء جديدة بدأت تفد إلينا، وهذا نحذر منه؛ لنبقى على الصبغة الإسلامية، وعندنا من الأسماء الكثيرة، أسماء الشجعان والأبطال والأعلام والواجهات الحضارية ما يكفينا عن هذه الأسماء، كل من في اسمه تعبيد فلنتكن به، أبو عبد الرحمن، أبو عبد الله، أبو عبد السلام، أبو حمزة، أبو الزبير، أبو طلحة، أبو علي، أبو عمر، إلى غير ذلك من الأسماء التي هي من أروع الأسماء وأحسنها. وهذا ينهون عنه وليس فيه تحريم فيما أعرف، لكن غيره أحسن منه وأولى؛ لأن في الاسم اشتقاق من المسمى. ولذلك بعض الناس يُساء في أسمائهم فيخرجوا هكذا، وليست كل تسمية واردة أو فيها خير، وليس كل تسمية احترازاً للرجل، فالله كنى أبا لهب في القرآن وهو كنار تلظى، ويقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لموسى لما أرسله إلى فرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] قال علي بن أبي طالب كما في تفسير ابن كثير: معناه كنياه، أي: نادياه بالكنية، قال سفيان الثوري -وهذا عند ابن كثير -: كانت كنية فرعون أبو مرة، وهذا معروف.

أهمية الاتصال بالعلماء واستفتائهم

أهمية الاتصال بالعلماء واستفتائهم Q يواجه الإنسان المسلم مشاكل في حياته، خاصة المشاكل العائلية، ويريد الإنسان أن يجد حلاً في الشريعة الإسلامية، فمن نستطيع أن نتصل به في مدينتنا الفاضلة وجزاكم الله كل خير؟ A عليك إذا حدث لك حادث أن تتصل بالعلماء فعندنا الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ ابن عثيمين، وأمثالهم، ويجدون لك حلاً، وهناك مكتب للدعوة والإفتاء في أبها عليك أن تتصل به وهم يحيلونك على العلماء، أو عندهم الحل إن شاء الله.

حجاب المرأة

حجاب المرأة Q يقول: متى تتحجب المرأة؟ ومتى لا يجوز النظر إليها؟ A تتحجب المرأة إذا أصبحت تشتهى وترغب وأصبح عليها ريبة فتبدأ تتحجب.

أول شيء خلقه الله في الكون

أول شيء خلقه الله في الكون Q ما هو أول شيء خلقه الله تعالى؟ A أنا لا أفيدك وأنت لا تستفيد، ومع العلم أن شارح الطحاوية وكثير من علماء العقيدة بحثوا هذا، لكن لن يسألك الله عز وجل يوم القيامة ما أول ما خلق؟ وليست من المسائل التي يقوم عليها كبير الفائدة، وهي إشغال للأذهان، لكن الراجح عند علماء السنة -إن شاء الله- أن أول ما خلق القلم؛ ففي حديث عبادة الصحيح: {أول ما خلق الله القلم} فمن نصب أول أي: ظرف لم يجعل القلم أول ما خلق، أي: في الوقت الذي خلق الله القلم فعل شيئاً آخر، أي: ليس القلم أول ما خلق، لكن في الوقت الذي خلق فيه القلم، تكلم الله أو فعل، أو قال له: اكتب، ومن العلماء من قال: أولُ، على الابتداء، فإن كانت على الإبتداء، فمعناه: أول المخلوقات القلم، وقال له: اكتب، فكتب مقادير الخلق قبل أن يخلق الخلق بخمسمائة عام.

حكم قطع رءوس المجسمات

حكم قطع رءوس المجسمات Q ما قولكم في المجسمات إذا قطع رأسها، وهل تصبح مثل الشجرة؟ A يقول هذا بعض أهل العلم وهذا صحيح، وفي سنن النسائي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بصورة فقطع رأسها فأصبحت كالشجرة، فأنت إذا أتيت للصورة فقطعت رأسها، وفصلته، فحينئذٍ لا يصبح فيها ريبة، ولا تحريم إن شاء الله، وهذا القول صحيح، وقد أفتى به كثيرٌ من علمائنا الأخيار، والعمدة على حديث النسائي الذي في سننه.

حكم التصدق عن الأموات

حكم التصدق عن الأموات Q هل يجوز التصدق بمال بنية التصدق عن أموات المسلمين جميعاً، فإني عندما أزور المقابر أرحمهم وأريد لهم زيادة الأجر؟ A أنت مأجور ومشكور بشرط أن يكون الأموات من المسلمين، وأن تنوي بهذا الثواب لهم، فيصلك الثواب، ويصلهم إن شاء الله، وهذا لم يخالف فيه ومعك الدليل في هذا إن شاء الله. ونسأل الله عز وجل لنا ولكم القبول والهداية، والتوفيق والخير والرشد، وإن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

من آداب النبوة (4)

من آداب النبوة (4) تواصلاً مع آداب النبوة, يتكلم الشيخ في هذه المادة عن آداب التبسم والضحك. وإذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أساساً لهذه المادة, فقد قامت على هذا الأساس فوائد أخرى كثيرة يحتاجها المسلم, كأنواع الضحك, وأنواع البكاء, معرجاً على فضائل بعض الصحابة. وتظل الآداب النبوية هي الينبوع الصافي الذي لا ينضب, تمدُّ البشرية عبر العصور بأروع وأجل الأخلاق التي عرفها التاريخ, ومن شمولها لكل جوانب الحياة أنها تعالج موضوعاً دقيقاً كالضحك والبكاء.

الضحك والبكاء

الضحك والبكاء إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. هذا حديث المصطفى صلوا عليه وسلموا هذا الرحيق المجتنى فيه الشفا والبلسم بعد الكتاب هو النجاة فبالهدى فاستعصموا تجد البخاري روضة أما الغدير فـ مسلم من كان هذا هديه لا لن تراه جهنم ما نزال مع البخاري رحمه الله في كتاب الأدب، وهو يشنف الأسماع ويثلج الصدور بكتابه, فهو يدبجه تدبيجاً, ويوشحه توشيحاً. يقول: (باب التبسم والضحك) فما هو حد التبسم؟ وما هو حد الضحك؟ وما هو المحمود منه؟ وما هو المذموم؟ وما هو الذي وردت به السنة؟ وكأني ببعضكم يقول: حتى الضحك والتبسم لا بد فيه من حلال وحرام، ومن دليل وتعليل؟! فنقول: إنها أمة تتلقى وحياً من فوق سبع سماوات، وإن نبيها صلى الله عليه وسلم يؤدبها في الحركات والسكنات، حتى في الضحك والبكاء، فهي أمة ليست مسيرة من البشر، إنما تُسَيَّر بوحي من السماء. قال: (باب التبسم والضحك) وسوف يورد كلاماً عند هذا، يقول: وقالت فاطمة عليها السلام: [[أسر إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فضحكت]] وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [[إن الله هو أضحك وأبكى]]. وقبل هذا اعلموا أن الضحك فيه شيء مذموم وفيه شيء ممدوح، وهو أقسام، والبكاء أقسام، وفيه مذموم وفيه ممدوح.

أنواع الضحك

أنواع الضحك أما الضحك فهو أنواع، كما قال علماء التربية، فمنه ضحك التعجب، وقال أهل التفسير: ضربوا على ذلك مثالاً -ضحك التعجب- بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود:71] كيف ضحكت؟ بعض المفسرين يقولون: حاضت، على لغة بعض القبائل العربية، لكن الصحيح عند الجمهور أنها ضحكت تعجباً: {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [هود:72] امرأة تنيف على الستين أو تصل إلى السبعين، ثم تأتيها البشارة بغلام لها فتضحك ضحك التعجب، إذاًً فمن الضحك: ضحك التعجب. ومن الضحك: ضحك السخرية، والاستهتار، والاستهزاء، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآياتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ} [الزخرف:47] عجيب! يضحكون من آيات الله! يضحكون من الأسس الخالدة التي أقام الله سبع سماوات وسبع أراضين من أجل هذه المبادئ الأصيلة والأهداف الجليلة! فكان عاقبة الضحك أن دمرهم الله تدميراً هائلاً، وأذاقهم لعنة في الدنيا والآخرة: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآياتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ} [الزخرف:47]. ومنها ضحك الاعتزاز بالنفس، بعض الناس إذا هُدد وتُوعد ضحك معتزاً بنفسه. أنا ابن جلا وطلاّع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني وماذا يبتغي الشعراء مني وقد جاوزت حد الأربعين فإذا تُوعِّد الشجاع ضحك، يقول المتنبي وقد توعده خصومه بالقتل: إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم يقول: إذا ابتسمت فأنا متوعدٌ لهم، وأنا متهددٌ لهم، وهذا موجود في أفعال الرجال، أنهم ربما ضحكوا استهتاراً بهذا الخصم، يقول جرير للفرزدق: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع ومنها: تبسم الإقرار وضحك الإقرار أن ترى شيئاً وأنت مطاع، وكلمتك مسموعة؛ فتضحك كأنك تقر هذا الشيء، يلعب طفلك في البيت فتضحك مقراً لفعله، أو يتكلم بكلمة فتتبسم له، ودليل ذلك أنه صح عن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، وهو أرطبون العرب، صاحب القوة الهائلة، والذكاء الخارق، الداهية الدهياء، الذي لعب على عقول الكفرة، خرج في سرية من الصحابة؛ فأجنب وكان الجو بارداً، والنسيم معتلاً، فأراد الماء، فوجده مثلجاً؛ فتيمم، وأفتى نفسه، وصلى بهم هكذا، وذهبت الشكاية إلى المعلم الأعظم، وإلى المعلم الأكرم، تشتكي هذا الرجل، لأنه ليس مشرعاً، فلا بد أن تعرض الشريعة على الذي أتى بها، وتعرض المخطوطة على من يحققها، وليس لها إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فلما عرضت عليه صلى الله عليه وسلم، تبسم ضاحكاً، وقال: {يا عمرو! أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال يا رسول الله! إن الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] فضحك صلى الله عليه وسلم} وهذا ضحك الإقرار. ومن التبسم: تبسم الغضب، فقد يتبسم المغضب، فإذا رأى شيئاً تبسم من غضبه ونفس عن خاطره بالتبسم، ودليل ذلك: ما في الصحيحين من حديث كعب بن مالك، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم من تبوك، وقد تخلفت مع الثلاثة، فلما رآني تبسم تبسم المغضب عليه الصلاة والسلام. وله أنواع أخرى، وسوف نأتي إلى الممدوح من الضحك والمذموم.

أنواع البكاء

أنواع البكاء أما البكاء فهو أنواع: منها: بكاء الحزن على الفائت، وأعظم بكاء في تاريخ الإنسانية هو بكاء يعقوب عليه السلام على يوسف، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] بل ورد في بعض الآثار: أن الملائكة شاركته في البكاء، ودرجة بكاء تصل إلى أن يشارك الملائكة هذا الرجل الصالح، إنها درجة عظيمة. ولا بد من شكوى إلى ذي قرابة يواسيك أو يسليك أو يتوجع وممن بكى كذلك كثيراً في تاريخ البشرية داود عليه السلام، ألم بذنب فبكى بكاءً عظيماً حتى كادت تتلف روحه. ومن أنواع البكاء: البكاء من خشية الله، وأخشى خلق الله لله هو محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر ابن مردويه وابن جرير: أن بلالاً رضي الله عنه وأرضاه مر بالرسول عليه الصلاة والسلام ليخبره بصلاة الفجر، فقال: يا رسول الله! الصلاة، قال: {يا بلال نزلت علي آيات ويلٌ لم قرأها ولم يتدبرها، ثم قرأها صلى الله عليه وسلم، وأخذ يبكي، وهي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]}. وفي سنن أبي داود بسند صحيح عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: {كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولصدره أزيز من البكاء كأزيز المرجل}. الأزيز: صوت يحدثه البكاء في الصدر. والمرجل: القدر إذا اجتمع غلياناً بالماء، فكأن صدره صلى الله عليه وسلم لكثرة أحزانه وخشيته لله القدر يوم يجتمع غلياناً، وورد عنه صلى الله عليه وسلم البكاء في أكثر من حديث ليس هذا مقام ذكرها. ومن البكاء: بكاء الهلع، وبكاء الجبن والخور، وهذا مذموم، كأن ترد على الإنسان مصيبة. فيبكى ساخطاً متسخطاً على قضاء الله، ولو بكى قليلاً من غير تسخط لكان لا شيء عليه. ومن أنواع البكاء: البكاء من الفرح سبحان الله! أفي الفرح بكاء؟! نعم، إن أقصى درجات الفرح يحدث بكاءً، لذلك إذا بشرت الأم -مثلاً- بولدها وقد قدم من سفر طويل بكت، قال الأول: طفح السرور عليَّ حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني وقال أنس: [[ما كنت أظن أن الإنسان إذا فرح بكى، حتى رأيت الأنصار يوم قدم صلى الله عليه وسلم المدينة يتباكون]] وجاء في صحيح مسلم أن أبي بن كعب وأبي هذا أمة من الأمم، سيد القراء، أتى رجل من العراق وعمر رضي الله عنه في اجتماع طارئ للصحابة ولكبار علماء الصحابة، واضع على يمينه أبي بن كعب سيد القراء، وكانت لحيته بيضاء، ورأسه أبيض، وكان عابداً لله عز وجل، يتلو كتاب الله دائماً، فقال العراقي: يا أمير المؤمنين! من هذا الرجل الذي بجانبك، قال: ثكلتك أمك! أما تعرفه؟! هذا سيد المسلمين أبي بن كعب. أتى جبريل فقال للرسول عليه الصلاة والسلام: {إن الله يأمرك أن تقرأ سورة: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:1] على أبي بن كعب -فذهب صلى الله عليه وسلم معلم البشرية، وهادي الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية إلى طالب من طلابه، وتلميذ من تلامذته، وإلى حسنة من حسناته ليقرأ عليه السورة- فقال أبي: يا رسول الله! من أمرك بهذا؟ قال: الله، قال: وسماني في الملأ الأعلى؟ قال: إي والذي نفسي بيده، فبكى أبي} من الفرح؛ لأن الله سماه من فوق سبع سماوات.

وسطية الرسول صلى الله عليه وسلم في الفرح والحزن

وسطية الرسول صلى الله عليه وسلم في الفرح والحزن قال البخاري: (باب التبسم والضحك) ومن التبسم المجاز، ويستخدم في الضحك، قال البحتري في قصيدته الرائعة الربيعية وهو يصف الورود في الخمائل: أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً من الحسن حتى كاد أن يتكلما فهذا مجاز. وقال زهير يمدح هرم بن سنان: تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله وهذه من أعظم القصائد، حتى كان عمر يتأثر، ويقول: لا تصلح هذه الأبيات إلا في رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام وسطاً في رسالته، ليس بالضاحك الذي أسرف على نفسه في الضحك عليه الصلاة والسلام، أو أكثر في هذا الجانب، وليس بالذي تقمص شخصية الحزن والكآبة والحسرة والندامة، والناس قليل منهم الوسط، فهو وسط في كل شيء، وسط في المعتقد، ووسط في العبادة والتشريع، ووسط في الآداب والسلوك {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143]. وتجد كثيراً من الناس يضحكون ويقهقهون حتى يتمايلوا ويتساقطوا، وربما يترح أحدهم ترحاً برجله {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36] وتجد بعضهم لا يضحك أبداً حتى في عيد الفطر وفي عيد الأضحى، فتجد الناس يتعاودون والكباش تذبح وهو لا يضحك. يقال له: ابتسم, فلا يتبسم. أين أسنانك الطاهرة الطيبة؟ فلا يرينا أسنانه. وذاك صنف، وهذا صنف، لكن الوسط محمد صلى الله عليه وسلم. كان يبكي من خشية الله بكاءً ربما أحدث صوتاً أحياناً، وكان يتبسم كثيراً، والضحك نادر في حياته، وأكبر ضحكه -كما ورد في الأحاديث- أنه ضحك حتى بدت نواجذه صلى الله عليه وسلم، وكان إذا ضحك ربما وضع يده الشريفة على فمه، لكن هذا نادر، ولم توجد في الصحيحين إلا في أربعة أو خمسة مواضع، أما تبسمه صلى الله عليه وسلم فكثير. قال جرير بن عبد الله -كما سوف يمر معنا-: [[ما رآني صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي]] والبسمة ليست عبثاً، بل شرى بها قلوب الناس وقلوب القبائل والشعوب عليه الصلاة والسلام، يقول الله عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ويقول له: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. وهؤلاء العرب مشاغبون كلهم، يتضاربون كأنهم في الحراج، وليس عندهم تأسيس ولا نظام أو معرفة أو ثقافة، فلما أتيت -يا رسول الله- جمعت هذه القبيلة التي كانت تنحر هذه، فقد كان الإنسان يسلب أخاه في الحرم المكي، ويتعقبه بالسيف فيقتله، وهذا كله على شاة أو ناقة، فلما أتى صلى الله عليه وسلم حبكهم بنظام عالمي عجيب، لا يمكن أن يخترقه الصوت، عليه أفضل الصلاة والسلام. فالمقصود أنه صلى الله عليه وسلم كان يتبسم كثيراً، ويضحك نادراً كما سوف يمر معنا.

نماذج للبكائين من السلف الصالح

نماذج للبكائين من السلف الصالح والبكاء من خشية الله ورد عن قوم صالحين كثيرين، وأنا لا أقول: إن الضحك حرام، فإن بعض الناس من جبلتهم الضحك، ولو كان من أتقى الناس، لكن من جبلته وفطرته وتكوينه الشخصي أنه كثير الضحك، فـ ابن سيرين هذا العالم العابد الزاهد التابعي المحدث الشهير، وهو أكبر تلميذ لـ أنس بن مالك، وراوية الصحابة الكبير، ومعبر الرؤيا، قد كان من أعبد الناس، وكان يضحك حتى يتمايل، ولكن إذا أتى الليل يبكي حتى يسمع جيرانه بكاءَه. يقول أحد التابعين: هل أريكم الضحاك البكاء؟ قالوا: نعم. قال: تعالوا، فأطلعهم على ابن سيرين في حلقته، قال: هذا ضحاك النهار بكاء الليل. وقالوا: كان صاحب دعابة إذا جلس في المجلس، وكان يروح على الغادي وعلى الرائح بها، لكن إذا أتى الليل بدأ يبكي من بعد صلاة العشاء حتى صلاة الفجر. قلت لليل هل بجوفك سرٌ عامر بالحديث والأسرار قال لم ألقَ في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار ومنهم: عامر الشعبي، فقد كان من أفكه الناس، وكان مزاحاً، خفيف الظل، لكن كان من أتقى عباد الله لله. فلا نظن أن الإنسان إذا كان كثير الدعابة وكثير الضحك والتبسم؛ أنه لا يتقي الله، لا. بل قد تجد أفجر الخلق لا يتبسم ولا يضحك، ولكنه فاجر، فتجده دائماًً قابضاً وجهه، كأنما عقدت عليه لعنة الأولين والآخرين وهو كافر, فليست تقوى الله في عدم الضحك. ووجد من الصالحين من كان كثير البكاء، فقد روى وكيع في كتاب الزهد بسند جيد، قال: قرأ ابن عمر قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فبكى حتى أغمي عليه. وقال مجاهد: رأيت أجفان ابن عباس كالشراكين الباليين من كثرة البكاء. قرأ ابن عباس رضي الله عنهما ليلة كاملة: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123] فبكى حتى أصبح. وقد كان أكثر الناس بكاءً بعد أبي بكر عمر رضي الله عنهما، والنماذج تطول، ولكننا نذكر نماذج على حسب الطاقة. قال البخاري: وقالت فاطمة عليها السلام وهنا سلم عليها، ونحن نسلم ونصلي عليها وعلى أبيها؛ الزهراء البتول الطاهرة الصادقة الأمينة سيدة نساء الخلق، فهذه بنت محمد صلى الله عليه وسلم، يقول محمد إقبال شاعر الباكستان، يتكلم عن فاطمة رضي الله عنها وأرضاها: هي بنت من هي أم من هي زوج من من ذا يباري في الأنام علاها بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وزوجة علي بن أبي طالب، وأم الحسن والحسين. أما أبوها فهو أكرم مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها وعلي سيف لا تسل عنه سوى سيفاً غدا بيمينه تياها أكبر المفاخر لـ فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، ونحن لا نغلو فيها وفي أبنائها غلو الجهلة الذين لا يعلمون, ولا نجفو جفاء الذين لا يعقلون، فكلا الطرفين ضلال، وإنما نعتدل فنحبها في الله، ونكثر من محبتها لمحبة أبيها عليه أفضل الصلاة والسلام. قال: وقالت فاطمة عليها السلام -لأنها من بيت النبوة- {أسر إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فضحكت} وهذا الإسرار كان وقته في ساعة الوداع، يوم ودع النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا، ورحل عن المعمورة، يوم خير بين البقاء والرحيل, فاختار الرحيل، وكانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها تأتيه، فيقول: {بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى} فأتى بأحب الناس إلى قلبه، وأقرب الناس إلى روحه، بـ فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، فكلمها صلى الله عليه وسلم ليودعها، فقال: {أنت أول الناس لحوقاً بي -وأخبرها أنه سوف يموت من وقته- فبكت، فقال: ادني مني، فدنت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟} فضحكت، وهذه أعظم بشرى، فنساء العالمين جميعاً سيدتهن فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، وصلى الله على أبيها وسلم.

الضحك والبكاء من الأمور الجبلية

الضحك والبكاء من الأمور الجبلية وقال ابن عباس: [[إن الله هو أضحك وأبكى]] أيُّ إشراقٍ هذا الفهم لـ ابن عباس! وأي عقلية هذه العقلية الضخمة الكبرى! يستدل على أن الضحك والبكاء من أمر الله الجبلي؛ لأن غلاة الصوفية قالوا: لا تضحك، وإذا ضحكت فاستغفر. وقد ذكر ابن الجوزي وبعض المحدثين أن أحدهم كان محدثاً، ولكنه كان شرس الخلق، لا يتبسم، ولا يضحك، ولا يداعب، فكان عابساً أبداً، فإذا سمع خشخشة الأوراق طوى دفاتره وذهب إلى بيته، فجلس في مجلس، فأتى طالب من الطلاب يريد أن يعطس، والعطاس من أمر الله عز وجل وقضاء منه وقدر، فأراد أن يعطس، فتذكر الشيخ، والشيخ ينزعج من أي شيء، إذا سمع الإبرة قام، وقال لتلاميذه: والله الذي لا إله إلا هو، إن تحرك متحرك منكم لا أسمعكم حديثاً هذا اليوم. فأتاه هذا الطالب فما استطاع فكتم أنفاسه، فتجمع العطاس كله دفعة واحدة فعطس، فقال لزملائه أمام شيخه: أنحن جالسون أمام رب العالمين؟ فضحك الشيخ، وهذه ذكرها ابن الجوزي وغيره. فالمقصود أن بعض الهدي يخالف هديه صلى الله عليه وسلم، ولا يعرض الكلام والبضاعة والسيرة إلا على سيرة محمد صلى الله عليه وسلم. فإذا سمعت عن الإمام أحمد، أو مالك، أو الشافعي، أو أبي حنيفة -على جلالتهم- أي أمر فاعرضه على محمد صلى الله عليه وسلم، فإن وافقه فبها ونعمت، وإن عارض وخالف تركناه. قالت فاطمة: [[أسر إلي النبي صلى الله عليه وسلم فضحكت]] ولم يذكر البكاء؛ لأنه يريد أن يستدل على التبسم والضحك. وقال ابن عباس: [[إن الله هو أضحك وأبكى]] أما يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:43] فمن الذي خلق الضحك والبكاء إلا الله عز وجل، ولذلك يقول أحد العلماء: في كتابنا علم نفس، علم النفس يذكر الضحك وأسبابه ودوافعه وعلاماته وآثاره، والبكاء وأحواله، لكن الله عز وجل اختصر هذا كله بقوله: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:43] فهو الذي يضحك وهو الذي يبكي، لكن الإنسان يقتصر في هذه الأمور على حسب السنة.

ما جاء في ضحك النبي صلى الله عليه وسلم

ما جاء في ضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال البخاري: حدثنا حبان بن موسى، أخبرنا عبد الله وهو الإمام العلم أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك، وقصة عجيبة في تاريخ الإسلام، وثوب جديد ما لبس إلى الآن، إذا أردت أن تعرف العالم الحق العابد الزاهد المجاهد الغني المنفق، فهو عبد الله بن المبارك. قال: أخبرنا معمر معمر بن راشد اليمني، شيخ عبد الرزاق قال: أخبرني الزهري علامة الدنيا وحافظها، أملى أربعمائة حديث على الخليفة سليمان بن عبد الملك، فأراد أن يختبره بعد سنة، فقال: ضاعت مني تلك الدفاتر التي فيها الأحاديث فتعال فأملها علي, فأملاها؛ قالوا: فو الله ما خرم حرفاً واحداً، وهي أربعمائة حديث. وكان في جيبه زبيب, فقد كان يأكل زبيباً دائماً؛ لأنه يرى أنه يقوي الذاكرة، والباذنجان يفسد الذاكرة فانتبهوا، لكن نخاف أن نغيظ بعض التجار في الباذنجان، وقد حمل الباذنجان بعض التجار إلى أن وضعوا حديثاً في فضل بيع الباذنجان، وفضل أكله، يقول بعض الكتبة في كتب الموضوعات: إذا أفلست البضاعة ونشبت في حلقه وضع حديثاً عن المصطفى صلى الله عليه وسلم. أحدهم كان عنده ديك عرضه في كل سوق، كلما أصبح الصباح وهو بهذا الديك يعرضه للباعة ليشتروه، فما اشتراه أحد، وقد أكل عليه الدهر وشرب، فوضع حديثاً في فضل الديك، قال: إن الله عز وجل يبعث الديك يوم القيامة له ريشة من زبرجد، ونونية من المرجان، يسبح الله عز وجل لصاحبه، وبكل شعرة من شعراته حسنة في الجنة. فاشترى المساكين الديك, والوضاعون لهم مذاهب وأصناف، لكن ذكرت هذا من باب التزجية أو الاستطراد. قال: عن عروة وهو عروة بن الزبير، ابن حواري الرسول صلى الله عليه وسلم، وأسرة آل الزبير أسرة مجيدة ضاربة في أعماق التاريخ، وعروة عالم عابد زاهد مبتلى، رفع الله درجته، وهو من العلماء الذين ينبغي أن ندرسهم في الفصول، وأن نعرضهم في الحلقات، بدلاً من بعض النماذج التي لا تصلح أن تدرس، النماذج التي أتت من بلاد الغرب والشرق، فهؤلاء يعرضون ليكونوا نماذج تربوية للشباب.

تبسمه صلى الله عليه وسلم من مجاهرة امرأة عبد الرحمن بشكواها

تبسمه صلى الله عليه وسلم من مجاهرة امرأة عبد الرحمن بشكواها قال: عن عائشة رضي الله عنها أن رفاعة القرظي طلق امرأته، فبت طلاقها. والطلاق البت هو: أن يبتها ثلاثاً على السنة؛ لأن طلاق البدعة هو أن يطلق في الحيض، أو أن يطلق ثلاثاً دفعة واحدة، وطلاق السنة أن يطلق في الطهر طلاقاً واحداً، ثم يتركها، وهكذا ثلاث مرات، فبت طلاقها، فتزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: {يا رسول الله! إني كنت عند رفاعة فطلقني ثلاثة تطليقات فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل هذه الهدبة -لهدبة أخذتها من جلبابها- وهذا كناية عن أمر، أي: أنه لا يستطيع الجماع، وهي تشكو من هذا. قال: وأبو بكر جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم، وخالد بن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة ليؤذن له، فطفق خالد ينادي أبا بكر: يا أبا بكر! ألا تزجر هذه عما تجهر به عند الرسول صلى الله عليه وسلم؟ -تشكو زوجها الأخير، وتقول: ليس كالأول في الجماع، تريد أن تعود للأول، قال: وما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم عليه الصلاة والسلام هذا دليل البخاري على أنه صلى الله عليه وسلم يتبسم من هذا الأمر، ثم قال- لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا. حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك}. هذا دليلٌ على أن المطلقة البائنة بالطلاق السني الشرعي لا تحل لزوجها الأول حتى تتزوج زوجاً غيره، زواجاً شرعياً لا حيلة فيه، لا يكون تيساً مستعاراً، وفي سنن أبي داود {أن الرسول عليه الصلاة والسلام لعن المحلل والمحلل له} والمحلل هو: الذي يتزوج المرأة المطلقة ليحللها للزوج الأول وهو التيس المستعار, والمحلِّل له هو الذي يرضى بهذا. قال ابن القيم: لا يعود علي رضي الله عنه وأرضاه إلى الدنيا بعد أن طلقها ثلاثاً وهو راوي حديث: {لعن الله المحلل والمحلل له} انظر إلى هذا الفقه، علي قبل قليل يقول: [[يا دنيا يا دنيئة طلقتك ثلاثاً لا رجعة بعدها]] وهو الذي روى في سنن أبي داود: {لعن الرسول صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له} فيقول ابن القيم: كيف يعود علي رضي الله عنه لحب الدنيا وهي لم تحلل له بعد الطلاق وهو راوي هذا الحديث. يقول ابن القيم: أهل السنة والجماعة ليس لهم جماعة إلا أنهم أهل السنة، أي: عندهم الكتاب والسنة، ويتجهون إلى الخمس الصلوات، ليس عندهم جماعة داخل جماعة أهل السنة والجماعة، قال: يسئلون: ماذا تريدون؟ قالوا: نريد وجهه، قال: وما هو مرجعكم؟ يقولون: دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها، قال: وما هو كتابكم؟ قالوا: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] قال: من توالون؟ قالوا: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55]. أنحتاج إلى أسس وإلى مبادئ غير هذه المبادئ التي أنزلها الله عز وجل؟ هذا القول لا أدعيه على ابن القيم، فليراجع كتاب حلية طالب العلم للشيخ الدكتور بكر أبو زيد، وهذا الكلام في الصفحة (61) من كتابه القيم هذا، وقد ورد قريباً انتهى المقصود من هذا الحديث.

حديث في مهابة عمر وضحك الرسول صلى الله عليه وسلم

حديث في مهابة عمر وضحك الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال البخاري رحمه الله تعالى: عن محمد بن سعد عن أبيه، قال: استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عاليةً أصواتهن على صوته، فلما طرق عمر عرفنه فتسابقن يرتدين الحجاب وينفرن من مجلسه صلى الله عليه وسلم، خيفة من عمر. عمر رضي الله عنه خافته الجن، وكثيرٌ من الإنس والنساء، يكفي أن كسرى وقيصر إذا ذكر عمر أغمي على أحدهم حتى يرش بالماء. يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدمٌ له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه هذا عمر رضي الله عنه جعله الله حصناً منيعاً، وكأنه رجل الساعة بعد موت أبي بكر؛ لأن الأمة كادت أن تتقلقل بعد موت أبي بكر، فأتى الله بهذا الحصن المنيع. قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها كان يلاحظ كل شيء في الأمة، فكان سداً منيعاً، يصلي الفريضة، ويقول: [[والله إني لأجهز الجيش وأنا في الصلاة]] فيقول بعض الناس: كيف يجهز الجيش وهو في الفريضة؟ قلنا لهم كما قال ابن حجر: تعارضت فريضتان، والفريضة كانت عليه عينية، فأدخل فريضة في فريضة, حسنات كلها, أما نحن فما الذي نشتغل به؟ أحدنا عنده عمارة يعمرها ويخططها، ويقول: عمر جهز الجيش في الصلاة! عمر يجهز الجيش لحماية الدولة الإسلامية، ودك خصوم الإسلام، وجعل أنوفهم في الأرض، ولرفع لا إله إلا الله، أما أنا وأنت فنفكر في أفكار لا تفكر فيها إلا الحشرات والدود، أين الثرى من الثريا؟! لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى يكون حشاك في أحشائه فـ عمر صنف آخر. فالمقصود أنه دخل رضي الله عنه وأرضاه على الرسول صلى الله عليه وسلم والنسوة يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته، فسبحان من جعل الرحمة في قلبه! النساء في مجلسه صلى الله عليه وسلم, هذه ترفع صوتها تسأل سؤالاً، وهذه تتحدث، وهذه تتبسم، وهذه تأتي بقصة، والرسول صلى الله عليه وسلم هادئ ساكن الطباع، إنه الكمال، ليس الكمال فعل عمر رضي الله عنه، لا، الكمال فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. لو كان كخلق عمر رضي الله عنه وأرضاه لما وسعت الشريعة النساء والأطفال والأعراب والناس وأهل الكتاب، ولما استفادوا جميعاً، ولكنه وسعهم صلى الله عليه وسلم خلقاً، فخلقه هو الكمال، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرخى أكنافه، وهدأ من روعه، ومن شخصيته، وإلا فإنه مهاب، يقولون: ساكن وديع، همته تمر مر السحاب: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88]. يجلس على التراب، ولكنه يسري بالأرواح إلى فوق سبع سماوات، فسمع صوت عمر رضي الله عنه؛ فلما استأذن عمر تبادرن الحجاب، فدخل والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك. وقد ضحك الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة مناسبات، منها: في أحد، عندما أتت نسيبة الأنصارية إلى كافر، واقترب منها الكافر يريد ضربها، فعاجلته فضربت رأسه فأنزلته إلى الأرض، فضحك صلى الله عليه وسلم من هذا الطويل العريض الشجاع الذي أتى بالسيف فضربته هذه المرأة فقتلته. والضحك هنا قد يطلق على التبسم، والرسول صلى الله عليه وسلم يضحك حتى تبدو نواجذه صلى الله عليه وسلم، لكنه لا يقهقه؛ لأن فيه الرزانة والجلالة والعمق والأصالة، بل هو المربي العظيم صلى الله عليه وسلم، قال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله! وهذا من أحسن ما يمكن، ويقال هذا الدعاء عند رؤية مسلم يضحك. لكن أن ترى إنساناً يكاد يتقطع من الضحك، فتقول: أضحك الله سنك! لا. أتريد أن يموت! ما بقي عليه إلا لحظات ويلقى حتفه, فهذا يقال له: خفف الله عليك مصيبة الضحك، وأيقظك الله من سباتك, فلا تقل ذلك إلا لمن تبسم أو ضحك بهدوء.

معنى قول: (فداك أبي وأمي)

معنى قول: (فداك أبي وأمي) وقال: (يا رسول الله! بأبي أنت وأمي) أي: أفديك بأبي وأمي، وهذا شرف عظيم، وابن تيمية كان إذا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في الصارم المسلول في الرد على شاتم الرسول، يقول: بأبي هو وأمي، إي والله! ويقول الذهبي: بنفسي ذاك المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان الأنصار يقولون: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، ويقول حسان لـ أبي سفيان بن الحارث: أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء إلى أن يقول: فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء ويقول الأعرابي: نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه الحياء وفيه الجود والكرم يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم يقول: بأبي أنت وأمي، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يقولها إلا في القليل النادر لبعض الناس، وتأملوا وتخيلوا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في بعض المواقف لبعض الناس من الصحابة: {ارمِ فداك أبي وأمي} سبحان الله! ويا له من شرف عظيم! وهذا هو سعد بن أبي وقاص كما في الصحيحين، أخذ يرمي وكان من أرمى الناس، فما كان يرمي إلا وتأتي في رأس كافر، لا يخطئ أبداً، إنه دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يأخذ كنانته، ويأخذ أسهمه، ثم يضعها ويرمي، وسواءً قد قرر المكان أو صمم على الهدف، أو وجه على المرمى أولا؛ فإنها ستقع، قال تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17]. دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس فأتى رضي الله عنه وأرضاه يوم أحد وعنده أسهم طويلة في رءوسها مشاقص من الحديد! فكان يضرب بها ويرمي، ويرى الرسول صلى الله عليه وسلم الرءوس تسقط على الأرض، فتبسم صلى الله عليه وسلم، وقال: خذ يا سعد! ويعطيه صلى الله عليه وسلم من كنانته وهو الذي دعا له. فيعطيه، ويقول: {ارمِ سعد فداك أبي وأمي، ارمِ سعد فداك أبي وأمي} ولذلك يقول علي بن أبي طالب كلمة حق يسأل عنها عند الله: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد أبويه إلا لـ سعد بن أبي وقاص يوم أحد، فإني سمعته يقول: {ارمِ سعد فداك أبي وأمي} والرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يعطي هذه التوشيحات والأوسمة إلا لأناس كبار في الإسلام. أتى رجل من الأنصار وكان من أشجع الناس، تكسَّر سيفه من كثرة الضرب يوم بدر، وتثلم, ولم يبقَ منه إلا المقبض، فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله! أريد سيفاً، الرجل هائج مائج، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: انتظر؛ فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم عوداً، ليس عنده سيف، فقال: خذ هذا هزه، فهزه فإذا هو سيف! وهذا ثابت بأسانيد صحيحة، فأخذه فضرب به فما تثلم، بل بقي يضرب جيداً، وبقي مع الرجل حتى يقال في بعض الروايات دفن معه في القبر ليلقى الله به. حتى إذا سئل ما هي شهادته؟ يقول: هذا السيف، سلخت به أعداءك في سبيل الله، ليست هذه الشهادات الورقية التي إذا لم نعمل بها فو الله إنها خسارٌ وبوار وعار وشنار ودمار، إلا أن يغفر لنا الله بالعلم النافع. فالرسول صلى الله عليه وسلم قد يعطي بعض الأوسمة والأمور في بعض المواقف. أتى أبو دجانة، وهو من الأنصار وكان من أشجع الناس، وكان معه لفافة حمراء يخرجها إذا حضرت المعركة ويربط رأسه، معناها (خطر ممنوع الاقتراب) فكان إذا أخرجها، قال الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت، أي: تأخروا، وأفسحوا له الطريق، فأتى يوم أحد؛ فأخرج عصابته فلف رأسه بها، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت؛ أي: غضب، فقال صلى الله عليه وسلم: من يأخذ هذا السيف؟ فقال المهاجرون والأنصار: نحن يا رسول الله! كلٌ يمد يده، قال: من يأخذه بحقه، فسكتت الألسن ونزلت الأصابع، وبقي أبو دجانة رافعاً يده الوحيد، وقال: ما هو حقه يا رسول الله؟ قال: {أن تضرب به حتى ينحني} هذا حقه، لم يقل حقه أن تغمده، أو تدخله عند الصانع، أو تلبسه وتتمشى به وتتبختر، حقه أن تضرب به حتى ينحني، قال: أنا آخذه بحقه. قال أنس: فذهبت وراء أبي دجانة، فرأيته يفلق به هام المشركين، وفي آخر النهار أتى به وهو منحنٍ من كثرة ما ضرب به رضي الله عنه وأرضاه.

سبب خوف النساء من عمر

سبب خوف النساء من عمر ونعود إلى قصة عمر، قال: بأبي أنت وأمي، والشاهد أنه صلى الله عليه وسلم فدى بعض أصحابه بهذا، فقال: {عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، لما سمعن صوتك تبادرن الحجاب} أي: أنه صلى الله عليه وسلم يضحك ويعجب من هؤلاء النساء، وهن ناقصات عقل ودين، أشرف الخلق وأجل البشر صلى الله عليه وسلم جالس، فلما أتى رجلٌ من رعيته وطالب من طلابه فررن، وهذا ليس من وضع الأمور في مواضعها، فقال عمر -انظر الحصيف العاقل لو كان غيره لسكت، وقال في نفسه: هيبة مني لمكانتي، ولشخصيتي الكبرى، ولعظمتي، لكنه تواضع وأرخص نفسه أمام الغالي عليه الصلاة والسلام- فقال: {أنت أحق أن يهبنك يا رسول الله! ثم أقبل عليهن وقال: يا عدوات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم}. فقالت امرأة منهن عاقلة: إنك أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأفظ وأغلظ -هنا- ليست للمفاضلة، فليس المعنى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فظاظة وغلظة، لكن عمر أغلظ, لا. بل هي من باب {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] ليس هناك حاكم والله أحكم منه، فليست للمفاضلة، إنما وردت هكذا. فمعناها: إنك فظ غليظ، لأنها لو كانت للمفاضلة لكان هناك قدر ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وينسب إلى عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إيه يا ابن الخطاب! والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك}. وإيه: تستخدم على صور: منها: متى أردت أن يسترسل المخاطب في الحديث الذي يتكلم فيه، فتقول: إيه, أي: زد زد وإيهٍ: إعجاب بهذا الشخص، يقول: أنت البطل الذي لا مثله أحد. ففي صحيح مسلم عن عمرو بن الشريد قال: كنت ردف الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال لي: {أتحفظ شيئاً من شعر أمية بن الصلت، قلت: نعم، قال: أنشدني، قال: فأنشدته بيتاً، فقال: إيه، فأنشدته بيتاً، فقال: إيه، فأنشدته ثالثاً، فقال: إيه، فأخذ يقول: إيه، حتى أنشدته مائة قافية، ثم قال صلى الله عليه وسلم: آمن لسانه وكفر قلبه} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فيقول لـ عمر: إيه، أي: ما أعجبك وما أحسنك! وهكذا كن يا ابن الخطاب! استمر على هذا المنوال, من القوة والعظمة. انظر إلى المربي العظيم، لم يحسده عليه الصلاة والسلام لأن له هيبة، إنما أراد أن يوجهه؛ لأنه في ميزان حسناته، وهو من مدرسته، ومن خريجي صرحه العظيم عليه الصلاة والسلام {والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك} وورد في الآثار بأسانيد تقبل التحسين: أن عمر رضي الله عنه وجد عفريتاً من الجن واقفاً؛ فقال عمر: من أنت؟ قال: أنا عفريتٌ من الجن، قال عمر: تصارعني، قال: نعم. فصرع عمر رضي الله عنه العفريت في الأرض، وألصقه بها، فقام الجني مرة ثانية فصرعه، فقام ثالثة فصرعه وبرك على صدره، فقال العفريت: لقد علمت الجن أني من أقواهم، فكيف بالضعاف! ففر، وفي الأخير أخبرهم خبراً، وأعلن لهم إعلاناً طارئاً ممنوع الاقتراب من عمر رضي الله عنه وأرضاه. قال بعض أهل العلم من الشراح: إنما ذلك لقوة إخلاصه ولصدقه مع الله عز وجل، ولتجلي قلبه لما يرد عليه من الوضوح جعل الله فيه قوة، فهو من أعظم الناس إيماناً، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {عرض الناس علي في المنام وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها مادون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره. قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين} فدينه بلغ الغاية، وكان محدَّثاً، أي: ملهماً من الله عز وجل، يتكلم بشيء فيقع كما قال, وترجمته في غير هذا المكان.

ضحك النبي من أصحابه بعد حصار الطائف

ضحك النبي من أصحابه بعد حصار الطائف وعن عبد الله بن عمر، قال: {لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ الطائف قال: إنا قافلون غداً إن شاء الله} فقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نبرح حتى نفتحها، أي: لا نسير من هنا حتى نفتح حصون الطائف؛ لأنه حاصر الطائف صلى الله عليه وسلم وطال الحصار، وفي الأخير اضطر بعض جيشه صلى الله عليه وسلم وكتائبه أن تقتحم بعض الأسوار، ولكن لم ينفع، ولم ينزل العدو من الحصون، فقال عليه الصلاة والسلام: {نرتحل غداً إن شاء الله} فقالوا: لا نبرح حتى نفتح حصون الطائف، فقال صلى الله عليه وسلم: {فاغدوا على القتال} أي: قاتلوا غداً، قال: فغدوا فقاتلوا قتالاً شديداً، وكثر فيهم الجراحات، وأصابهم جراح ورمي بالأسهم، وبالنبال، وبالحجارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنا قافلون غداً إن شاء الله} بعد الجراح والرمي؛ فسكتوا، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: ذاقوا الأمرين من اليوم الأول، فأصبح أدنى شيء يمكن أن يسيرهم إلى المدينة المنورة. قال الحميدي: حدثنا سفيان بالخبر كله، والحميدي هو: عبد الله بن الزبير شيخ البخاري، ليس الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين، وسفيان هنا هو: سفيان بن عيينة، حدثهم بالخبر كله، إنما الشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ضحك من الصحابة، وهذا يسمى ضحك ملاطفة، حيث لاطفهم صلى الله عليه وسلم في ذلك.

رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وحلمه العظيم

رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وحلمه العظيم

حديث الذي وقع على امرأته في نهار رمضان

حديث الذي وقع على امرأته في نهار رمضان وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكت! وقعت على امرأتي في رمضان، قال: أعتق رقبة، قال: لا أستطيع، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: لا أستطيع، قال: أطعم ستين مسكيناً، قال: لا أجد، فأتي بعرق فيه تمر -قال إبراهيم: العرق: المكتل، والمكتل مثل الزنبيل- فقال: أين السائل؟ قال: نعم. يا رسول الله! قال: اذهب فتصدق بهذا، قال: على أفقر منا؟ والله ما بين لابتيها بيتٌ أفقر منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، قال: فأنتم إذن}. ملخص القصة: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان جالساً مع أصحابه في منتدى عام، فأتى رجل بوجهه وفيه الأسف واللوعة والحرقة من أمر تم عليه، وهو أنه واقع امرأته في شهر رمضان، وهو يعلم أنه ذنب، لكنه لا يدري بالكفارة، فأتى وقال: يا رسول الله! هلكت، وهذا بيان عام لا بد له من تفسير؛ لأن من تكلم بمجمل من العلم أو بشيء عام فلا بد أن يفسر ويفصل، والسائل إذا سأل سؤالاً عاماً فعلى العالم أن يسأله عن حيثيات السؤال، وعن جزئياته وقرائنه، وعن سياقاته وظروفه التي اكتنفت به، ليجيب على بصيرة. أما أن يقول: هلكت، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا، ما هلكت غفر الله لك، فالقصة لم تعرض حتى الآن، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: وما أهلكك؟ في بعض الروايات قال: وقعت على أهلي في رمضان، أي: في نهار رمضان ليس في الليل؛ لأن هذا معروفٌ عندهم، ولو أنه كان ممنوعاً في أول الإسلام لكنه نسخ. قوله: والله ما بين لابتيها اللابة هي: الحرة من حرتي المدينة، والمدينة بين لابتين، تكتنف تلك المدينة الطيبة الطاهرة التي يرقد في ثراها الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي والله تحب لمحبة من جلس في تلك البقاع، ومن رقد في ذاك الثرى. أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا ولذلك نحن نحب جبل أحد، ونشهد الله أننا نحبه، وجبل أحد ليس فيه تفاح ولا موز ولا برتقال، وليس فيه نهر زلال، وليس فيه خلايا عسل، وإنما هو جبل أجرد أمرد أسود، لكننا نحبه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الصحيح: {أحد جبل يحبنا ونحبه} فنحن لذلك نحبه. وسيد قطب له في الظلال لمعان، لما مر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {أحد جبلٌ يحبنا ونحبه وهو من جبال الجنة} قال: انظر إلى الأنس بين المؤمن والكائنات لما اتجهت إلى الله عز وجل، وبعض البقاع يُغضب عليها لبغض أصحابها، ومن سكن فيها، ومن جاورها، والسعادة تحل في البلد الذي يحل فيه الصالحون والأخيار، يقول أحمد شوقي: وإذا الكريم أتى مزوراً بلدة سال النضار بها وقام الماء النضار: الزهر، وقام الماء: أي: أصبح له كيان في أمور أخرى. قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال: {فأنتم إذن} فذهب الرجل لا كفارة عليه، ولا عتق، ولا صيام، ولا إطعام ستين مسكيناً، وعاد يحمل تمراً إلى أهله، وهذا من يسر التشريع، ومن يسر هدايته صلى الله عليه وسلم، ومن شريعته الكاملة الجميلة العميقة عليه أفضل الصلاة والسلام.

حديث في بيان حلم النبي صلى الله عليه وسلم وصبره

حديث في بيان حلم النبي صلى الله عليه وسلم وصبره ثم ينتقل بنا البخاري في روضة أخرى، يقول أبو الحسن الندوي وهو يتكلم عن البخاري: يزيدك وجهه حسناً إذا ما زدته نظرا كلما نظرت في صحيح البخاري نقلك من روضة إلى روضة، فكأنه يعطيك العلم مجاناً وهو الواقع، قال: عن أنس بن مالك قال: {كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه بردٌ نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه -يستخدم جذب وجبذ كذا في العربية- بردائه جبذة شديدة، قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت فيها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك، ثم أمر له بعطاء}. وبيان الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمشي في سكة من سكك المدينة وعليه بردٌ، والبرد أشبه شيء بالفرو الغليظ، بردٌ نجراني غليظ الحاشية، أي: حاشيته ليست خفيفة لطيفة، فأتى أعرابي، وانظر ماذا يفعل بالرسول صلى الله عليه وسلم! فاقترب من الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جاء من البادية، لا عنده أدبٌ، ولا علمٌ، ولا فهمٌ، فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذ رداءه، ثم جبذه جبذة شديدة، يجبذ معلم الخلق صلى الله عليه وسلم، ثم ليته سكت، أو قال: عفواً أو سامحني، بل قال: أعطني من مال الله الذي عندك، وفي بعض الروايات: لا من مال أبيك ولا من مال أمك. ما هو الداعي لهذا الكلام؟ ولماذا هذا التصرف؟ إنه من قلة معرفة قدره صلى الله عليه وسلم، وإلا لو أتى وسلم وتبسم، وقال: يا رسول الله! أعطني من مال الله، أعطني أعطاك الله؛ لكان خيراً له، لكن ضربٌ ومعاندة وكلام غليظ، ولو كان غير الرسول صلى الله عليه وسلم، لقال: خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، لا نراه ولا يرى الشمس أبداً، ولا رئيت إلا بطون أقدامه في الجو. فلما جبذه، التفت إليه فضحك صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما التفت إليه وهو ساكت، التفت إليه وهو يضحك أي مرب هذا المربي؟! وأي مرسل هذا المرسل؟! وأي معلم هذا المعلم عليه أفضل الصلاة والسلام؟ إن الذي لا يتعلم من سيرته سوف يبقى حقيراً صغيراً في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولن يكون عنده من الفهم ولا من المعرفة {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة:19] الأعمى هو الذي لم يتجه إلى سيرته ولا إلى سنته، والأصم هو الذي ما سمع هديه ولا أحاديثه ولا عمل بها؛ فليفهم هذا. قال: فأمر له صلى الله عليه وسلم بعطاء، ولو أنه أدبه، أو أنكر عليه، أو شدد عليه لذهب داعي السوء إلى قومه، وقال: احذروا لا تسلموا، أنا ذهبت إلى هذا الرسول ففعل بي كذا وكذا، ولكن عاد إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام، فأسلموا جميعاً.

تبسمه لجرير بن عبد الله رضي الله عنه

تبسمه لجرير بن عبد الله رضي الله عنه وعن جرير قال: [[ما رآني النبي صلى الله عليه وسلم إلا تبسم]] وهو جرير بن عبد الله البجلي، سيد بجيله، قبيلة من قبائل الجنوب، وهو يوسف هذه الأمة، إذ كان من أجمل الناس، حتى كان عمر يخاف عليه العين، يقول: أنت يوسف هذه الأمة، كان ربما غطى وجهه أحياناً خوفاً من العين أو الافتتان، أسلم وهو شاب، ودعا له صلى الله عليه وسلم بالتثبيت، وشارك في حروب القادسية وأخذ سيفه، وقال: يا بجيلة! قاتلوا هذا اليوم، فوالله الذي لا إله إلا هو لا يفر أحدٌ منكم من المعركة إلا قتلته بهذا السيف، فاختاروا أن تموتوا شهداء في المعركة، أو أن تفروا وأقتلكم وقد ارتددتم على أدباركم. فكان الواحد منهم يأتي ويقاتل، ويرى الفيلة مقبلة، وكانت فيلة فارس أحدثت دوياً عجيباً وصراخاً هائلاً في جيش المسلمين، حتى قتلت من قبيلة أسد في لحظات خمسمائة رجل. فيل عظيم أخذ يتعبط في المسلمين، والعرب لا تعرف الفيلة، ولا تربت معها، لا تعرف إلا الخيل والحمير، ليست من سلاحها ولا من منتوجاتها، فكانت أشجع القبائل بجيلة؛ لأن جريراً واقف لهم بالمرصاد، ما يفر بجلي إلا ضربه بالسيف، فيقول شاعرهم، يريد أن يفر، فرأى جريراً واقفاً بالسيف فرجع يقاتل ويقول: لولا جرير هلكت بجيله نعم الفتى وبئست القبيله قال المؤرخون: بل نعم الفتى ونعمت القبيلة، جزاهم الله عن الإسلام خير الجزاء، وبعد ثلاثة أيام دخلوا في إيوان كسرى، إيوان العمالة والضلالة، الذي عشعش فيه البغي والظلم، فدكدكوه، وأنزلوه، وسحبوه، وأقاموا لا إله إلا الله هناك، فهؤلاء هم القوم.

الأسئلة

الأسئلة

بيان عورة المرأة

بيان عورة المرأة Q ورد في جريدة المسلمون في العدد رقم (192) بتاريخ الجمعة فتوى لأحد الناس، ثم ذكر هذه الفتيا، والسؤال يقول: هل يجوز للمرأة المسلمة أن تؤدي الصلاة وهي حاسرة الرأس، أو عارية الذراعين، أو بنصف كُم؟ فكان جوابه كالتالي: العورة التي تبطل الصلاة بكشفها هي العورة المغلظة، وهي من جسم المرأة ما بين سرتها وركبتها، فأي جزء من هذه المساحة انكشف أثناء الصلاة فإنها تبطل به الصلاة، وليس من عورة المرأة المغلظة صدرها، ولا أطرافها، ولا وجهها، ولا رأسها، ولكن يجب ستر هذه الأشياء وجوباً غير شرط عدا الرأس، فإذا انكشف من المرأة صدرها أو كتفها حرم عليها ذلك، ولكن لا تبطل به الصلاة وتعيدها ما دام الوقت حاضراً، والأمر كذلك في الذراعين لا في اليدين، أما كشف الرأس فلا تعاد له الصلاة، وليس الرأس عورة مغلظة ولا مخففة، وقد تكشف المرأة رأسها أمام أخيها أو أبيها أو محرمها أياً كان، ولكنها لا تكشف شيئاً من صدرها أو كتفها. A أولاً: هذه فتيا لم تسند بالدليل، وفتيا لم تسند بالدليل إنما هي كلام وهراء وهذيان، فلا أسندت بدليل من كتاب الله عز وجل ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ثانياً: هذا الرجل الذي أجاب اسمه موجود هنا، وهو ليس من أهل هذه البلاد، لكن من بلاد أخرى، وهو أحد رجلين: إما واهمٌ مفتر على الله عز وجل، وإما جاهل، فإن كان جاهلاً فلا تحق له الفتيا؛ لأنه ما استقرأ النصوص ولا عرف الأدلة، وإن كان مفترياً على الله فهو فاجر فيما افتراه، وحسيبه الله عز وجل، ولم يأتِ بحديث ولا بآية. وأما قوله: إن عورة المرأة المغلظة ما بين سرتها وركبتها فليس له دليل، بل قد خالف النصوص التي بينت عورة المرأة، والتي أخبرت بحجاب المرأة، حتى إن حديث أسماء الذي فيه إذا بلغت المرأة المحيض فلا يحق لها أن تكشف إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه عليه الصلاة والسلام؛ ليس بصحيح، بل هو ضعيف، حتى هذا وهو ضعيف يتجرأ على هذا الحديث، وليته استدل به وقال: الوجه والكفين، لكنه تعدى وظلم وأساء في الفتيا، فأخطأ خطأً بيناً. ثم قال: فأي شيء من هذا انكشف أثناء الصلاة تبطل به الصلاة -يقصد من الركبة إلى السرة- وقد أخطأ، بل المرأة كلها عورة إلا وجهها وكفاها في الصلاة، فقد ورد بذلك أحاديث عن المعصوم صلى الله عليه وسلم. وأما قوله: ليس من عورة المرأة المغلظة صدرها ولا أطرافها ولا وجهها ولا رأسها، فماذا بقي؟ اتق الله في هذه الفتيا، فإن معناها أن الأمر سهل، وأنه لا بأس على المرأة أن تكشف صدرها ورأسها وعضدها، وتصبح امرأة كأنها أتت من باريس أو من واشنطن، وليست هي من بلاد محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا لا أطيل الإجابة أو الرد على هذا، وإنما حسبك من السر بيانه، وما يتجرأ على الفتيا إلا ظالم لنفسه، فنسأل الله أن يتغمدنا وإياكم برحمته. والذي أحب أن أنبه عليه: أن على المسلم ألا يأخذ الفتيا إلا من رجل يثق بدينه وعلمه، من عباد الله عز وجل أهل المعتقد السليم، وأهل الدليل، وأهل البصيرة في الكتاب والسنة، أما هؤلاء غير المسئولين فإنهم إذا حوسبوا ما وجدوا شيئاً، فتوى كاملة بلا دليل! فالمرأة كلها عورة إلا وجهها وكفاها في الصلاة، فليعلم هذا، حتى إن المرأة عليها أن تغطي أقدامها وأن ينزل ثوبها كما في حديث أم سلمة، حتى يكون شبراً تجر ثوبها جراً، وأما هذه فهي فتوى باطلة

تعريف النواجذ

تعريف النواجذ Q ما هي النواجذ؟ A النواجذ هي الأضراس المتأخرة وليست الأنياب، فقد ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت أضراسه -صلى الله عليه وسلم.

حكم الصلاة بين السواري

حكم الصلاة بين السواري Q ما حكم الصلاة بين أعمدة المسجد التي تقطع الصفوف؟ A أعلم أنها مكروهة، ولا أعلم أنها محرمة، ولا أن الصلاة تبطل بقطع هذه الأعمدة، ولو كان هناك ضرورة كأن ازدحم المصلون فلهم أن يصلوا بين الأعمدة، وأما هذه فثبت من حديث أنس، قال [[كان الناس يتحاشون في عهده صلى الله عليه وسلم الصلاة بين السواري]] ولا أعلم حديثاً مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم، فالصلاة للضرورة والازدحام لا بأس بها، وبدونها فالأولى ألاَّ يصلى بينها.

حكم الصلاة إلى غير سترة

حكم الصلاة إلى غير سترة Q ما حكم صلاة الفرد والإمام والمأموم بدون سترة، والمار يمر أمام المصلي في الصلاة؟ A هناك تفصيل: فالفرد والإمام لهما حكم، والمأموم له حكم؛ فالمأموم سترته إمامه، فإذا كان هناك إمام فسترته هذا الإمام، فإذا مر أحدٌ بين الصفوف فإنه لا يقطع الصفوف؛ لحديث ابن عباس في الصحيح: {تركت الأتان ترتع ودخلت في بعض الصف فلم ينكر علي أحد} لأنه قطع بعض الصفوف؛ وسترتهم هو الرسول صلى الله عليه وسلم الإمام. وأما الفرد والإمام فلا بد من سترة, وبعضهم أوجبها، والظاهر والله أعلم عدم الوجوب، وأنها سنة مؤكدة، إذ لو كانت واجبة لبطلت كل صلاة مصلٍ لا يستتر بسترة، فالمقصود أن عليه أن يتقي الله، وهي سنة مؤكدة، وفيها أحاديث صحيحة صريحة، وأحاديث السترة ثمانية عشر حديثاً، منها صحيحٌ، وحسن، وضعيف، وباطل؛ فليعلم هذا، وهذا ليس مقام بسطها.

نقض العهد

نقض العهد Q لقد عاهدت شخصاً على أمر معين، وعاهدته أيضاً على ألاَّ أكفر عن يميني، ثم نقضت هذا العهد فماذا أفعل؟ A العهد إن كان يميناً فتكفر عنه إذا نقضته، وإن كان عاهدك بالله فلا أعرف هل في هذا اللفظ كفارة أم لا. أما إذا قلت: والله، أو تالله، أو بالله، أو قسماً بالله أو بأسمائه وصفاته، ثم نقضته؛ فعليك كفارة، هذا ملخص هذا؛ لأنه ورد في حديث عقبة: {كفارة النذر كفارة يمين} وفي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة:89] فليعلم هذا.

السنة في العقيقة

السنة في العقيقة Q ما هي السنة في العقيقة؟ A العقيقة هي ذبيحة المولود، وإذا ولد مولود فمن السنة أن يعف عنه، كما في المسند وسنن أبي داود وسنن الترمذي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بها، وعند أبي داود عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً، وعند أبي داود بسند جيد، قال صلى الله عليه وسلم: {كل غلام مرتهن بعقيقته، عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاةٌ واحدة}. أما وقت العقيقة فقد ورد في ذلك أنه يوم سابعه, وورد في الرابع عشر أو الواحد والعشرين، كما أتى به صاحب السلسبيل على زاد المستنقع، وأتى بحديث مخرج عند البيهقي في السنن الكبرى. فالسنة إيقاعها في هذه الأيام، لكن لو أوقعتها في أيام أخرى لكان في الأمر سعة، وكانت عقيقة، ولكنك خالفت السنة في هذا.

الحكمة من قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم على أبي

الحكمة من قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم على أبي Q ما الحكمة من قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم سورة البينة على أبي بن كعب؟ وما الغاية منها؟ A الذي أعلمه -والله أعلم- أن من الحكم التي قد تظهر: أن أبي بن كعب سيد القراء، وأنه معتمد في القراءة، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليه القراءة، ليكون معتمداً ومعروفاً ومشهوراً بالقراءة، ولذلك سمي بعدها سيد القراء. الأمر الثاني: أن أبي بن كعب صاحب علم وعنده فهم واعتناء بالقرآن، فالرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يعرض عليه هذا الأمر؛ لأنه من تخصصه ومن سيرته. الأمر الثالث: قد تكون كرامة أكرم الله بها أبياً واختصه من بين الناس، فإن لله عز وجل فضلاً يختص به من يشاء: {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة:105]. وفي الختام: أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، والرشد والنصر، والإلهام والتسديد، والعون والتأييد، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أغلاط في التاريخ

أغلاط في التاريخ كانت إشراقة شمس الإسلام على الدنيا المظلمة صفارة إنذار تداعت بسببها الخفافيش إلى مخابئها، تترقب الفرص لتفسد دين الإسلام، علها تعيد الظلام لتتنفس الصعداء، وذلك عن طريق أشخاص كتبوا في التاريخ الإسلامي فشوهوه، وفسروا أحداثه بأهوائهم، فيجب الحذر منهم، كما أن مؤرخي الإسلام قد وقعوا في أخطاء ينبغي التنبه لها، وفي هذا الدرس تجد ما يشفي الغليل تجاه ما ذكر لك.

أهمية التاريخ

أهمية التاريخ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته. عنوان هذه المحاضرة "أغلاط في التاريخ" يقول شوقي: اقرأ التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر التاريخ فن مشوق، وقد عرض الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في كتابه قصص السابقين، وتحدث لرسوله وللمؤمنين عن تاريخ الأقوام السالفة، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] وقال جل ذكره: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف:111]. وقصَّ رسول الهدى صلى الله عليه وسلم التاريخ، وتكلم عن الأقوام الهالكة وعن المؤمنين وعن الكافرين، والتاريخ الإسلامي بديع له جوانب مضيئة. وأعرض هذه الليلة مسائل لعل الله أن ينفع بها، منها: ما هو المنهج السليم الذي يجب أن يكون عليه تاريخنا الإسلامي؟! وبالمقابل: ما هو المنهج الخاطئ والمغلوط الذي انتهجه كثير من المؤرخين؟! وأنا مدين لكثير من الفضلاء في هذه المحاضرة منهم: الدكتور محمد صامل السلمي في كتابه العجيب " منهج كتابة التاريخ الإسلامي، والدكتور إبراهيم شعّوط " أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ "، وكتاب" الاستشراق والمستشرقون " للدكتور مصطفى السباعي، و" الخلافة والملك " لـ أبي الأعلى المودودي رحمه الله، و" مقدمة ابن خلدون ". وأتحفني كثير من الفضلاء بكثير من الملاحظات والمشاورات كفضيلة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، والدكتور صالح بن عون الغامدي، وكثير من دكاترة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المتخصصون في هذا الباب، وفضيلة الأستاذ صالح أبو عراد الشهري. شكر الله للجميع، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنهم صالح الأعمال.

أخطاء وقع فيها المؤرخون يجب الحذر منها

أخطاء وقع فيها المؤرخون يجب الحذر منها ومن الأخطاء التي وقع فيها كثير من المؤرخين:

عدم مراعاة سنن الله الكونية والشرعية

عدم مراعاة سنن الله الكونية والشرعية وكثير من المؤرخين لا يراعي ذلك ولا يفهمه.

المداجاة والمحاباة والمجاملة

المداجاة والمحاباة والمجاملة فإن كثيراً من الناس كتب تاريخاً يمكن أن يسمى جبر الخواطر، فأشادوا بمن لا يستحق الإشادة، وأغفلوا أخطاء المخطئين، وداجوا في التاريخ كثيراً كمن يكتب عن الدول، أو يراعي خواطر الملوك، أو يتحدث عن الأحياء؛ فتجده ينسى السيئات ويكتب الحسنات، بينما يكيل بمكيال آخر للأموات المنقرضين والله يقول: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:1 - 5].

إطراح السند

إطراح السند ومما وقع فيه كثير من المؤرخين اطراح السند، لا يأتون بسند صحيح في الغالب ولكن أسانيد متقطعة، أو بلاغات، بلغنا أنه حدث كذا وكذا حتى تجد أن المعركة التي أقيمت وأزيلت من أجلها دول وأقيمت كيانات كلها بلاغات. وبلغنا أن القتلى خمسون ألفاً، وأن الجرحى مائة ألف، وأن الغنائم مئات الألوف، وهل تكفي هذه البلاغات؟! والأسانيد التي فيها كَذَبَة كـ أبي مخنف؟ وهو أكثر من اعتمد عليه ابن جرير الطبري، وكـ الكلبي الكذاب وقد اعتمد عليه بعض مؤرخي الإسلام.

المبالغة الباهتة

المبالغة الباهتة فتجد أحدهم يبالغ مبالغة في التاريخ كصاحب " بدائع الزهور في وقائع الدهور " فيأتي لك بأرض ليست في الأرض وبسماء ليست في السماء، ويقول: تحت البحر سبع أراضٍ في كل أرض سبع نخلات من ذهب، ويأتي بمعارك في مثل قبرص، فيتكلم على أن سكان قبرص ابن خلدون لأنه لا يمكن أن يكون عدد السكان كهذا، ثم يستخلص منه جيش ثم يكون القتلى هذا العدد؛ لأن قصارى كل أمة أن تخرج منها (20%) من المقاتلة، وهذا أمر معلوم حتى إن سياسة الدول العسكرية العالمية تخرج من أفراد شعبها ومن تعداد السكان (20%) حتى إن الدنمارك شعب صغير (20%) منه جيش. فمستحيل أن يكون الشعب ثلاثة ملايين ويكون الجيش مليونين والقتلى مليوناً. فتجدهم يبالغون مبالغات مضحكة، وعجائب ينفيها العقل ولا يؤيدها النقل.

عدم الاهتمام بالحياة العامة والتركيز على الناحية السياسية فقط

عدم الاهتمام بالحياة العامة والتركيز على الناحية السياسية فقط ومن أخطاء المؤرخين تجريد التاريخ للحكام والسلاطين فحسب، حتى للمؤرخين المسلمين من أمثال الذهبي ومن أمثال: ابن كثير، ومن أمثال: ابن جرير، تجد أنه لا يتحدث إلا عن البلاط والديوان والسلطان. فلا يذكر الحياة العلمية ولا الأدبية ولا الاجتماعية ولا الفكرية ولا العسكرية ولا الاقتصادية، فقط تولى فلان، وقتل فلان، وسجن فلان، وذبح فلان، حتى تجد مثلاً: تاريخ الخلفاء للسيوطي كله سلسلة للخلفاء، وليس فيه ذكر العلماء، أو تجدهم إذا ترجموا للعلماء ترجموا لهم بأسطر، فلا يتعرضون لحياة الأمة إلا لحياة السلاطين والخلفاء، وقد لحظ هذا الملحظ فضيلة الأستاذ علي الطنطاوي -غفر الله لنا وله، ورحمه- فقد بلغنا أنه لحق بالله رب العالمين.

عدم تمحيص الروايات

عدم تمحيص الروايات فتجدهم يأتون بروايات تناقضوا فيها، فبعضهم يكتبها في نفس الصفحة، أو يكتب قليلاً فإذا أراد أن ينتهي نقض ما بنى عليه، وهذا لا يكون ولا يصلح. فبعضهم يؤرخ -وهذا يمر به حتى ابن كثير - يؤرخ وفاة رجل، ثم تجده يبعث بعد سنتين، وكأنه حضر الغزوة التي وقعت بعده بسنوات. وبعضها أوهام، وبعضها أغلاط، وما عليك أن يهم الذكي مرة، وأن يكبو الجواد مرة؛ لكن أن يكون التاريخ أوهاماً، في أوهام فهذا هو الخطأ وإلا فالأوهام ما سلم منها إلا كتاب الله عز وجل قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. وهناك مذكرة تجمع -إن شاء الله- عنوانها " أوهام الأعلام " منها: أوهام في البخاري على سبيل المثال: يذكر في قصة الإفك أن الرسول عليه الصلاة والسلام وقف في المسجد فقال: {من يعذرني من رجل آذاني في أهلي. فقام سعد بن معاذ -سيد الأوس- وقال: يا رسول الله! إن كان منا قتلناه، وإن كان من إخواننا الخزرج، أريناك ماذا نصنع} والصحيح عند المؤرخين أن سعداً رضي الله عنه مات شهيداً قبل هذه الحادثة بسنة، فقالوا: وهم، وإلا والقائل هو أسيد بن حضير، وغيرها كثير.

اتباع الهوى والميل للمذاهب والطوائف

اتباع الهوى والميل للمذاهب والطوائف ومن أخطاء المؤرخين اتباع الهوى والميل للمذاهب؛ فتجد المؤرخ المعتزلي يشيد بـ المعتزلة ويجعلهم هم المصيبين وكأنهم أهل السنة وأهل الوسطية، وينحي باللائمة على غيرهم، وتجد الشيعي كذلك بمجد الشيعة كـ ابن عبد ربه مثلاً في " العقد الفريد " دائماً يبكت الخلفاء الأمويين والعباسيين ويشيد بأهل البيت على حساب غيرهم. مثلاً: صاحب " مروج الذهب المسعودي، تجده كذلك يذكر قصصاً وأعاجيب وينحي باللائمة على كثير من علماء الإسلام ومن أهل السنة. وهذا وقع فيه المفسرون والمحدثون والمؤرخون إلا من سلم الله، فالهوى والميل للمذاهب والطوائف أمر معلوم حتى تجد المؤلف إذا كان شافعياً كـ ابن السبكي في " طبقات الشافعية " تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي يأتي بالرجل الشافعي فإذا كان أشعرياً مدحه وأثنى عليه ومجده ورفع منزلته حتى يقول عن أبي المعالي الجويني وهو أشعري يقول: المزني قطرة من مزنه والأشعري شعرة في صدره ومن هذا الضرب. فإذا أتى إلى علماء السنة وعلماء السلف نقص حقهم حتى يقول عن ابن تيمية: أما ابن تيمية والبرزالي والمزي والذهبي وهؤلاء فقد أنزلهم ابن تيمية في دركة من النار. فعلى هذا المنحى أصابهم الميل، وتجد الحنفي يأتي بتراجم الأحناف، رأيت حنفياً كتب تاريخاً للأحناف بدأ بـ أبي حنيفة فقال: يقول عليه الصلاة والسلام: {سراج أمتي أبو حنيفة} وهذا حديث موضوع لم يقله عليه الصلاة والسلام. ثم يقول في حديث آخر: وقال عليه الصلاة والسلام: {إني أفخر بقوم وبأمة فيهم أبو حنيفة} والله ما قاله عليه الصلاة والسلام، وإن هذا من كيس هذا الحنفي الكاتب. يقول بعض المؤرخين من أهل السنة: نقل أن أبا حنيفة رئي في المنام على كرسي أحمر من زبرجد في الجنة، وهذا قد يكون. فغضب المالكية وأتى مالكي وقال: رأيت مالكاًً فوق أبي حنيفة في كرسي في الجنة. فأتى الشافعي فقال: فرأيت الشافعي في أعلى عليين ينظر لـ مالك ولـ أبي حنيفة بربض من الجنة. وهذا من العصبية المقيتة والهوى: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26]. حتى تجد الإنسان إذا أراد أن يتكلم عن أهل منطقته أخرجهم كلهم كأنهم صلاح الدين وخالد بن الوليد. ورأيت تواريخ حتى في المناطق والأقاليم في أناس عاديين، إما نائب قبيلة، أو عريف في قرية، أو رجل عادي يتكلم عنه، وكأنه يتكلم عن الذهبي أو يتكلم عن ابن خلدون أو شيخ الإسلام ابن تيمية.

إغفال مداولة الأيام بين الناس

إغفال مداولة الأيام بين الناس فمداولة الأيام بين الناس يغفلها كثير من المؤرخين. والله يقول: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]. وقال عدي بن زيد: أيها الشامت المعير بالدهـ رأأنت المبرأ الموفورُ أين كسرى كسرى الملوك أنو شروان أم أين قبله سابورُ وبنو الأصفر الكرام ملوك الأرض لم يبق منهم مذكورُ يقول: تعيرنا لأننا هزمنا وسحقنا، فقد كان يحمل دولة، وكان عنده سلطة فأبيد، فقال: هذا هو الدهر. وقال رجل أصيب -وقد عزاه رجل شامت- فرد عليه، قال: في كل واد بنو سعد. ومرض معاوية وكان حريصاً على الملك فدخل عليه ابن عباس في مرض الموت، فأراد أن يظهر التجلد وأن يظهر القوة وقام. قال ابن عباس: اجلس! وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع فقال معاوية البيت الذي بعده: وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع وليس في الدهر شماتة، ولكن {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]. فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُساءُ ويوم نُسر واعلم كما قال أحد الوعاظ للخليفة العباسي المهدي: اعلم أن رباً أخذ أباك وأجلسك في هذا المكان، سوف يأخذك ويجلس ابنك مكانك، قال: ولو لم يفن الله الملوك الذين من قبلك ما جلست أنت في هذا المكان. وقالوا: وسلاطينهم سل الطين عنهم والرءوس العظام صارت عظاما فالأيام لا تبقى على حال: لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان والمغرور من ثكلته أمه، واغتر بحاله، وركب رأسه، وظلم واعتدى وبغى، ونسي أن الذي أزال الآخرين سوف يزيله عما قريب.

قواعد غفل المؤرخون عنها ينبغي الانتباه لها والعمل بها

قواعد غفل المؤرخون عنها ينبغي الانتباه لها والعمل بها وهذه قواعد ينبغي العمل بها لمن يكتب التاريخ وهذه القواعد نغفل عنها معظم المؤرخين؛ ولذلك نقول في هذا الأمور:

زوال الأمم بالترف والفساد

زوال الأمم بالترف والفساد إذا أراد الله أن تضعف الأمة وتهلك أترفها؛ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] وفي قراءة: (آمرنا مترفيها) وفي قراءة: (أمَّرنا مترفيها) والمعاني موصلة، والمعنى في الجملة: إذا أراد الله أن يهلك قرية حكم أهلها المترفين الذين لا يرعون لله وقاراً ولا يخافون منه؛ فكان هلاك الأمم على أيديهم. في الأندلس كان أحد الحكام ضائعاً بمعنى الكلمة، تولى ونصحته أمه، ولا أذكر اسمه، فكانت تقول: اتق الله، كان في النهار يناقر بين الديكة كمن يشجع الآن الدوري والمنتخب فزال ملكه وسقط. فتقول له: ابك مثل النساء مجداً تولى لم تحافظ عليه مثل الرجال فهذا أمر معلوم. وقال أهل العلم: إنما تغيرت الدول بتغير أحوالها وبتغير معتقداتها. لماذا سقطت دولة بني أمية؟! علي يد الترف والضياع، كذلك بنو العباس، وكذلك السلاجقة، والأكراد، والأتراك، وهذه سنة الله عز وجل، فالترف يضيع الشعوب والأمم ويضيع الجيل، وهو ضربة قاصمة إذا أراد الله أن يهلك بها أمة أصابهم بالترف؛ فلا يحفظون وقتاً، ولا يقدرون نعمة، ولا يشكرون رباً، ولا يحصلون مبدأ، ولا يحملون وثيقة.

هلاك الأمة بالظلم واطراح العدل

هلاك الأمة بالظلم واطراح العدل {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل:52]. قيل لبعض أهل العلم: ما الذي يهلك سريعاً؟ قال: الظلم، وفي أثر: لو نجى جبل على جبل لدك الباغي منهما. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الثاني من " فتاويه ": إن الله ينصر الدولة الكافرة العادلة على الدولة المسلمة الظالمة. ولذلك تجد بعض الأنظمة الكافرة عادلة، فلا تبخس الشعوب حقوقهم، ولا جهد الإنسان، ولا تلغي كرامته، ولا تغلق الباب دونه بل تجعله حراً يتكلم ما شاء، حافظاً على امتيازاته، محافظاً على عرضه، محافظاً على كرامته في حين ترى أن بعض البلاد الإسلامية تلغي قداسة الفرد، وتلغي كرامته، وربما تعتدي على أملاكه، ولا تبقيه حياً أو تجعله لا يحمل اسم الإنسانية. بل وجد أن في بعض البلاد الإسلامية دمرت مدن كاملة بالسلاح وأبيد فيها آلاف من الأطفال وآلاف من النساء، واحتجت الدول الكافرة على هذا الصنيع وقالت: أين الإسلام؟! وهذا أمر معلوم؛ فاطراح العدل أول ما يصيب الأمم، ويدمر الشعوب، وهذا أمر غفل عنه بعض المؤرخين. ولذلك قالوا: لو كان الخليفة حازماً ما سقطت دولته. فيقول ابن الوردي: فاترك الحيلة في تدبيرها إنما الحيلة في ترك الحيل حارت الأفكار في قدرة من قد هدانا سبلنا عز وجل وسوف تأتي قضية وهي {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} [يونس:49]. {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:4] {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21]. فلكل أمة وشعب أجل محدد، ولكل حضارة إذا وصل هذا اليوم فلا ينفعها بقاء أهل الأرض، ولا يرد عن أمر الله راد وينفذ الله قضاءه بأنه غالب على أمره ولا يغلبه أحد، وفيه لطافة {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:41] قالوا: المعقب الموقع، فإذا وقع سبحانه فلا يوقع بعده أحد.

انهيار الأمم يكون بأجل

انهيار الأمم يكون بأجل وهذه القضية هي التي أريد أن أتكلم عنها، قال سبحانه: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} [الأعراف:34] والمعنى: أن الله تعالى جعل لكل دولة حداً لا تتعداه، وجعل لكل شعب ولكل حضارة زمناً محدداً، فلو اجتمع الناس على تقديمه، أو على تأخيره ما استطاعوا. وقال سبحانه: {وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} [الكهف:59]. وقال أبو العلاء: تقضون والفلك المسير دائر وتقدرون فتضحك الأقدار ويقول أبو العتاهية: إن كنت أخطأت فما أخطأ القدر تمشي المقادير على غرز الإبر والذي كتب المقادير هو الذي على العرش استوى، فاللوح المحفوظ مكتوب فيه آجال الأمم والشعوب والدول والأناسي، وعنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جفت الأقلام ورفعت الصحف، وهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من أفعاله أنه في كل يوم هو في شأن. قال أهل العلم: في كل يوم له شأن: يخلع هذا ويولي هذا، ويملك هذا ويعزل هذا، يجبر كسيراً، ويغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويرد غائباً، ويهدي هذا، ويضل هذا، ويتوب على هذا، سبحان الله!

الغفلة عن استحقاق المؤمنين لنصرته سبحانه وتعالى

الغفلة عن استحقاق المؤمنين لنصرته سبحانه وتعالى الأستاذ طه حسين سوف يكون لنا معه جولة هذه الليلة جعل بدراً وأحداً وحنيناً وثارات قبلية بين العرب. يقول: أهذه ثارات بين الأوس والخزرج وبين قريش؟! جهد محمد عليه الصلاة والسلام، وتربيته لأمته، وإخراجه من بلاده، والإيذاء والابتلاء والمصائب والكوارث التي مر بها عليه الصلاة والسلام والمنهج الرباني الذي نزل عليه، وقيامه بأهل بدر، ومناشدته لله، ونزول جبريل يقود ألف ملك: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد كلها ثارات جاهلية؟! {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23]. من سنن الله أنه ينصر أولياءه في آخر المطاف، وأن الجولة لهم، وأن العاقبة للمتقين، وأنه لا يمكن أن يتخلى عنهم، وهل سمعت بنبي اضطهد وكانت عاقبته الخسران؟! يظهر الباطل تارة ثم يقصم قصمة إلى الأبد، وهكذا حدث له عليه الصلاة والسلام. قال بعض المؤرخين: لو انتصر عليه الصلاة والسلام دائماً لبطل الابتلاء. ولو انتصر الكفر لبطل سر الرسالة، فجعل الله عزوجل الحرب سجالاً، ثم العاقبة له عليه الصلاة والسلام، قال سبحانه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52].

الابتلاء للمؤمنين سنة من سنن الله

الابتلاء للمؤمنين سنة من سنن الله من سنن الله عز وجل: أن الابتلاء للمؤمنين سنة جارية: فلا بد أن يكتب المؤرخون أن هذا من باب الابتلاء، فلا يتعرضون للكوارث أنها تأديب وزجر فقط؛ بل منها رفعة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]. فالابتلاء لا بد منه لأتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام وللأخيار وللصالحين، سنة منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هكذا أراد أن تكون، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31].

سنة المدافعة

سنة المدافعة أن الله عز وجل من حكمته أن جعل لكل شيء ضداً، قال الشاعر: ولكل شيء آفة من ضده حتى الحديد سطا عليه المبرد فجعل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للنار ضداً وهو الماء، وجعل ضد الظلمة النور، وضد الليل النهار، وضد الحلو الحامض، وضد الحار البارد، فلكل شيء ضد، ثم نقل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هذه السنة في الناس، فجعل للصالحين ضداً؛ قال سبحانه: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] والآية السالفة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان:31] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الفرقان:20] فهذا يفتتن بهذا وهذا، وينغص على هذا، حتى يقول ابن الوردي: ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس الجبل لو اعتزلت في قرية لبعث الله لك من ينكد عليك ومن ينغص عليك، أحياناً تقف تنتظر أمراً، فيرسل عليك ثقيل الدم، فينغص عليك، والقرية الواحدة تجد فيها تباين الأفكار: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود:118]. يختلف الناس حتى في الأمور الاعتيادية البسيطة التي قد لا تبنى عليها أحكام، الرجل في أسرته إذا استشارهم في أمر بسيط حتى في وجبة ماذا يكون الغداء اختلفوا بين يديه، فتجد الأغلبية تريد كبسة، ومنهم من يريد عصيدة، ومنهم من يصوت على المرق، ولا يزالون مختلفين لأن الله باين بين الأمزجة، والإجماع عزيز حتى في أمور الناس الاعتيادية، فكيف بالأمور الكبرى؟! فقصدي من هذا: أن سنة التدافع جارية، فلا يظن الداعية أو حامل الحق، أو من عنده مبدأ الشريعة، سواء في الأدب أو في الدعوة أو في الفكر أو في أي منحىً من مناحي الحياة أنه سوف يسلم ممن ينغص عليه، بل سوف تجد من يعترض عليك، ومن يكذبك ويرى أنك مبطل، وأنك متطرف، وأن في عقلك شيئاً، وقد قيل لمحمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام: مجنون وساحر وشاعر وكاهن، وما تركوا منغصاً من منغصات الحياة إلا وعلقوها عليه، ولكنه كما قيل: لعظمك في النفوس تبيت ترعى بحراس وحفاظ ثقات وشكوت من ظلم الوشاة ولم تجد ذا سؤدد إلا أصيب بحسد لا زلت يا سبط الكرام محسداًً والتافه المسكين غير محسد إن العرانين تلقاها محسدة ولا ترى للئام الناس حسادا

الاهتمام بسيرة الأنبياء مع أقوامهم

الاهتمام بسيرة الأنبياء مع أقوامهم فهذا واجب المؤرخ فقد أغفله كثير من المؤرخين فإنما يمرون بهذا مروراً، ولا يذكرون سيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا يذكرون تاريخهم المشرق وجهادهم وصبرهم، إنما يأتون بإسرائيليات وخزعبلات، ونتف من التاريخ، ولا يستنبطون التاريخ من القرآن الكريم، وهذا يجدر الانتباه إليه لمن أراد أن يكتب في التاريخ.

عرض تاريخه عليه الصلاة والسلام عرضا صادقا عادلا

عرض تاريخه عليه الصلاة والسلام عرضاً صادقاً عادلاً فإن الناس في عرضهم لسيرته عليه الصلاة والسلام ثلاثة أصناف: منهم من أخذ نتفاً فقط، وهذا مثل ما يدرس في المناهج التعليمية، نتف لا تسمن ولا تغني، ولا تشبع ولا تبل العليل، ولا ترد الصبابة، ويخرج الطالب غير متصور لسيرته عليه الصلاة والسلام، إنما يتصور أموراً عامة سبق الإشارة إليها في بعض المحاضرات، خطوط عامة وعموميات، ولد كذا، وهاجر كذا، والكاتب مستأجر ليس عنده حرارة الشعور بالحب، ولا في قلبه جريان وغليان تجاه محمد عليه الصلاة والسلام. وإني لأشكر كاتباً كتب يقول: جلست مع مستشرق فقال: أنت مسلم، وأريد أن تكتب كتاباً عن محمد صلى الله عليه وسلم وتتجرد من عاطفتك؛ لأنك متهم بحبه. قال: إذا أردت أن تجردني من عاطفتي نحوه فمعنى ذلك أنك تجردني من حياتي. لأن حبه صلى الله عليه وسلم مركوز في الفطر، وواجب شرعي، فهو ليس ميلاً لزعيم أو قائد أو سياسي بإمكانك أن تكون له محايداً. أما معه صلى الله عليه وسلم فالحياد عند سيرته حرام. أطل سهر العيون فكل نوم لغيرك أيها المولى حرام وأسمعني حديث الوصل سبعاً رضيت لك السرى والناس ناموا حرام أن تكون محايداً في سيرته وتقول لي: لا تحمل له عاطفة، كيف تحثني أن أكتب وأنا بعيد كأني أجنبي؟! نسينا في ودادك كل غالٍ فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرف أنا نلام وما علينا ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلَّى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا

قضايا مهمة في التاريخ

قضايا مهمة في التاريخ

التوحيد هو الأساس لجميع العباد

التوحيد هو الأساس لجميع العباد من القضايا الهامة في التاريخ أن التوحيد هو الأصل في العالم وليس الشرك. بعض الملاحدة الآن والزنادقة؛ مثل: جوزيف إستالين يقول: الأصل في العالم الإلحاد (لا إله والحياة مادة) وسوف أتعرض لكاتبٍ الآن ما زال حياً يقول لـ جوزيف إستالين: طبت حياً وطبت ميتاً! التوحيد هو الأصل قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]. وفي " صحيح مسلم " أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول في الحديث القدسي: {إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين} خلقهم موحدين: ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً كان الناس موحدين حتى جاءت الشياطين فاجتالتهم. خلق الله الأكوان والأفلاك والبروج والكواكب موحدة، وخلق الله الإنسان موحداً، وإنما الشرك حادث وليس بأصيل في العالم، فعلى المؤرخ أن ينتبه لهذا.

قدر الله ومشيئته نافذة

قدر الله ومشيئته نافذة من الحقائق أن الله عزوجل غالب على أمره بيده الملك، وبيده مقاليد الأمور. فلا يغلبه أحد، ولا يمكن لأحد أن يفرض نفسه على الله، ففرعون وجد بقضاء وقدر من الله، وكره الله فعله، والذي نصبه هو الله، والذي عزله هو الله، والذي دس رأسه في البحر هو الله، فلا يمكن أن يفرض أحد على الله عزوجل؛ لأن الله غالب على أمره ولا يغلبه أحد. وأهل السنة كفّروا من قال من المعتزلة: إن الله لا يعلم الشيء حتى يقع. فقالوا بكفره، بل الله يعلم الأشياء قبل أن تقع وهو الذي قدرها، ولهذا أحد علماء أهل السنة دخل على معتزلي من قضاتهم، فقال المعتزلي -يريد أن يتعرض لـ أهل السنة - الحمد لله الذي لم يقدر في كونه الفحشاء -يقصد المعتزلي أن الله لا يقدر الفواحش ولا المعاصي -قال عالم أهل السنة: الحمد لله الذي لا يقع في كونه إلا ما يشاء. فكل شيء بقضاء وقدر والليالي عبر أي عبر {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] فلا يمكن أن يكون أمر مفروضاً على الله عزوجل، ولكن الله أراد أن يوجد الصالح والطالح، والعادل والظالم، وأن يوجد الناس هكذا حتى يحاسبهم، وجعل جنةً وناراً، وجعل عذاباً وثواباً. هذه سنته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في خلقه، فهو غالب على أمره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا يغلبه أحد.

استخلاف الإنسان في الأرض

استخلاف الإنسان في الأرض إن الإنسان مستخلف لعمارة الكون، وهو خليفة لله عزوجل في العبادة في الأرض، وما خلق لغرض آخر إلا للعبادة قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:56 - 57] فإنهم يقولون الآن مثل بعض المستشرقين: خلق الله الإنسان ليأكل، ويأكل ليعيش. حتى يقولون كما في كتب العلوم: الإنسان يأكل ليعيش أو يعيش ليأكل؟ ونحن نقول: إن الإنسان خلق ليعبد الله، خلقه الله ليعبده، خلقه الله ليتوجه إليه. أما أن يأكل ليعيش ويعيش ليأكل، فهذه في عالم حديقة الحيوانات.

الإيمان بوحدة الأمة الإسلامية

الإيمان بوحدة الأمة الإسلامية وهذه قضية كبرى لا بد أن يلحظها المؤرخ المسلم، فلا يأتي بدويلات، ويتكلم عن أقاليم وعن مقاطعات، ويفصلها عن تراثها الإسلامي وعن الأمة الإسلامية الموحدة ذات الرسالة الخالدة التي أتى بها عليه الصلاة والسلام: وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني فأمة محمد عليه الصلاة والسلام أمة مرت بها فترة من فترات التاريخ كانت ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، أما أن يأتي شخص فيتكلم عن دولة صغيرة من دول الجامعة العربية، ويجعلها هي الدولة الوحيدة، والإسلام لها، والتاريخ لها، والأبطال منها، والأدباء منها، ثم يلغي عظماء الإسلام، وأبطال الإسلام وكتاب الإسلام، فهذا غير مقبول، وحدة الأمة الإسلامية لا يفصلها حدود: إن كِيدَ مُطَّرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد أحمر أو أبيض أو أسود، إفريقي أو أسيوي، كلهم تحت مظلة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. وأعظم مظهر من مظاهر التجمع العالمي والوحدة الإسلامية الحج ولا سيما حين يقف الحجاج في عرفات يوم تجتمع الألوف، وتنادي رباً واحداً بأكثر من (400) لغة في ساعة واحدة؛ كلهم فقير إلى الغني، كلهم فانٍ بين يدي الباقي، وكلهم ضعيف تحت القوي، فتتحطم قداسات البشر وطواغيتهم على صخرة عرفات، ويبقى الواحد الأحد {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19].

الإيمان بالقضاء والقدر

الإيمان بالقضاء والقدر فلا يقولوا: لماذا حدث كذا وكذا؟ لكن على المؤرخ أن يقول: بقضاء وقدر. فتجد المؤرخ أحياناً يقول مثل المسعودي أو غيره: واستولى التتار على بغداد وقتلوا (700. 000) ولولا أن ابن العلقمي لم يتواطأ معهم ما حدث هذا. لا تقل هذا؛ فإن الله قدر ذلك، ونحن نلوم الناس على المعايب، ولا نلومهم على المصائب، وكل شيء بقضاء منه سبحانه، لا بد أن نؤمن بهذا، فهو الذي ولى هذا وعزل هذا. وإذا قرأت ترجمة عمر بن عبد العزيز تجد من يقول: ما عاش عمر بن عبد العزيز إلا سنتين أو ثلاث سنوات ويعيش عبد الملك عشرين سنة ويعيش الحجاج بن يوسف خمس عشرة سنة!! نقول: من الذي قدر؟ الواحد الأحد لحكمة أرادها. فقضية أن يستحضر المؤرخ الإيمان بالقضاء والقدر في رأسه، وأن يعيش هذا المبدأ، وأن يستحضره دائماً أمر مطلوب.

الإيمان بالغيب

الإيمان بالغيب فتاريخنا عالم الغيب والشهادة، ولا بد للمؤرخ أن يعرض عالم الغيب دائماً في معارك وغزوات المسلمين، وعند ذكر خلفائهم وعلمائهم، فيبصر الناس بالجنة والنار. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرض عالم الغيب من فوق المنبر، وينادي أصحابه في المعارك، ويقول: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] ويقول: {لموضع سوط فيها خير من الدنيا وما عليها} ويقول صلى الله عليه وسلم لكتيبته ولجيله ولأصحابه في بدر: {يا أهل بدر! إن الله قد اطلع عليكم وقال: اعملوا ما شئتم. والذي نفسي بيده ما بينكم وبين الجنة؛ إلا أن يقتلكم هؤلاء؟ فتدخلون الجنة؛ فيقول أحد أصحابه: ما بيننا وبين الجنة إلا أن يقتلنا هؤلاء؟ قال: إي والذي نفسي بيده، فألقى التمرات من يده وأخذ سيفه وقاتل حتى قتل} هذا عرض عالم الغيب، أي: لا تمن الناس الآن بعالم الشهادة فقط تقول: إذا انتصرتم أعطيناكم الكأس، كل له ميدالية وسيارة فاخرة ودراجة. هذه يجيدها كل أحد في الأرض، هذا مجرم العراق لما أباد شعبه أعطوه سهم الرافدين على قتل الدعاة وعلى قتل العلماء والأطفال والشيوخ. الأوسمة لا يعرفها محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الأوسمة يجيدها كل أحد، لكن الجنة لا يستطيع لها إلا من يحمل لا إله إلا الله محمد رسول الله. من ثقافة محمد صلى الله عليه وسلم أنه لقن الأعراب (لا إله إلا الله) فدخلت في دمائهم، تجري قويةً حارةً، فيأتي صلى الله عليه وسلم ليعطي أحدهم مالاً فقال: يا رسول الله! غفر الله لك! ما على هذا بايعتك. قال: بايعتني على ماذا؟ قال: بايعتك على أن يأتيني سهم في سبيل الله يقع ها هنا ويخرج من ها هنا. فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: إن تصدق الله يصدقك. فصدق الله فأتاه سهم في أول المعركة وقع هنا وخرج من هنا. فقبله صلى الله عليه وسلم وقال: {صدقت الله فصدقك الله}. فلذلك النصيحة كل النصيحة ألا نرد الناس لعالم الشهادة فقط ونعزلهم عن عالم الغيب. الطالب الآن أصبح لا يحفظ القرآن إلا إذا مني بجائزة، وبعضهم لا يساهم في قراءة القرآن في رمضان إلا ليحصل على جائزة، وبعضهم لا يشارك في الدوري والمنتخب ويحتسب الأجر في ذلك إلا إذا حصل على جائزة! لا يريد أن يرفع رءوسنا في سنغافورة وفي كل مكان إلا بجائزة الدنيا! اطلب الأجر من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، احتسب وجاهد في سبيل الله علَّ الله أن يرفع رأس هذه الأمة التي وضعت رأسها منذ مات صلاح الدين. بعض الناس تجده يلعب الكرة بدون نية، من يوم يلعب إلى يوم ينتهي: {إنما الأعمال بالنيات} {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وكم يحصل عليه من الأجر والمثوبة، بعضهم -نسأل الله أن يهديه- يلعب أربع ساعات.

التفريق بين أخطاء البشر وأحكام الإسلام

التفريق بين أخطاء البشر وأحكام الإسلام هذه آخر قضية في كتابة التاريخ، كل من أخطأ بشيء علقوه بالإسلام. أتى الخميني بفضائح فقالوا: هذا دينكم، وقالوا: الإسلام دين الخميني. جاء صدام وأتى بفضائح قالوا: هذا دين الإسلام. ونحن نقول: الإسلام شيء وهؤلاء شيء آخر. الأخطاء التي تقع في بلاد الإسلام ليس المسئول عنها الإسلام، الإسلام يتمثل في عمر، الإسلام يتمثل في أبي بكر، الإسلام يتمثل في عثمان، الإسلام يتمثل في علي، يتمثل في صلاح الدين، في نور الدين محمود، في مالك في أحمد في الشافعي: أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع أما أن تأتي لي بأناس لا يعرفون من الإسلام حتى نواقض الوضوء، فإذا أخطأ أحدهم قالوا: انظر إلى الإسلام، المسلمون لهم أخطاء لكن لا تلحق بالإسلام، المسلمون شيء، والإسلام شيء آخر. وهذه القضية الأخيرة في هذا البحث، وسوف أدخل بكم في بعض القضايا.

أكاذيب وزور يجب أن تمحى من التاريخ

أكاذيب وزور يجب أن تمحى من التاريخ نماذج من أقوال المزورين القدامى والمحدثين في كثير من قضايا التاريخ منها: منها افتراءات كثير من المؤرخين المغرضين حول الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد ذكر بعض المستشرقين -عليه غضب الله- أن محمداً صلى الله عليه وسلم شهواني يحب النساء، ولذلك تزوج إحدى عشرة امرأة، وقد عارض عليه علماء المسلمين وردوا عليه وبينوا الحكمة من ذلك، أخزى الله ذلك الدعي المغرض المنتهك لحدود الله. ومنهم من قال: دعوته صلى الله عليه وسلم قامت على الإرهاب والسفك والدماء، ولم تقم على الإقناع، وهذا كذب وبهتان، فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ} [النحل:125]. أما المعارك التي حدثت فبسبب الطواغيت الذين رفضوا أن يسمعوا الدين أو يتركوه يتغلغل بين الناس، ورفضوا الحوار. ولذلك لو وافق كسرى على أن يأتي الصحابة فيحدثوا الناس بالدين ما قوتل، وكذلك هرقل، وكذلك أبو جهل، لكن رفضوا أن يسمعوا فكان من الضرورة أن يحاربوا.

أكاذيب الأقدمين كالرافضة حول أبي بكر وعمر

أكاذيب الأقدمين كالرافضة حول أبي بكر وعمر ومنهم من قال: بيعة أبي بكر الصديق فلتة ولم تكن في موضعها، وإنما كانت مداجاة ومصانعة، وتقول بعض الطوائف من المبتدعة: إن البيعة كانت لـ علي، لكن الصحابة اغتصبوها من علي، فجهلوا كل الصحابة إلا ستة، وقالوا: الخلافة لـ علي بوصاية من جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم لكن الصحابة خانوا، وخونوا جبريل، وخونوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وخونوا الأمة. منها: أن عمر رضي الله عنه عزل خالداً في قضايا نسبوها لـ خالد وهذا ليس بصحيح، وتهالكوا في ذلك تهالكاً عجيباً. قالوا من ضمنها: إن خالداً تزوج امرأة وهي في عدتها وقد كذبوا، وقالوا: لأن خالداً يحب السيطرة، وقالوا: لأن عمر خاف على كرسيه من خالد، هل عند عمر وخالد كراسي، هل المسألة عندهم مسألة (امسك لي اقطع لك)؟! هؤلاء جاءوا من الصحراء ليرفعوا (لا إله إلا الله) في الكرة الأرضية، هذا جيل اختارهم الله عزوجل، على سمع وبصر لمصاحبة رسوله عليه الصلاة والسلام، هذا جيل آخر غسل الله أدرانهم وطهر قلوبهم وزكاهم من فوق سبع سماوات. عمر لا يعرف مداجاة ومؤاخذة، ولا يخاف على كرسيه من خالد، عمر كان يبكي على المنبر ويقول للمسلمين: [[خذوا بيعتكم لا أريدها]]؛ لأنه تعذب في الخلافة جاع وظمئ وأتته مشقة، وكان يبكي دائماً ويقول: [[يا ليت أم عمر لم تلد عمر]]. ذكر ابن الجوزي في " المناقب " أن عمر قال للناس: أشيروا علي من ترون أن نولي على العراق، -فأراد أحدهم أن يجامل الخليفة أمير المؤمنين، فقال: أرى أن تولي ابنك عبد الله على العراق. قال: كذبت يا عدو الله! قاتلك الله، والله ما أردت بذلك وجه الله. أي: عبد الله شاب في الثلاثين من عمره مع علمه أن عثمان موجود وعلي بن أبي طالب أحد العشرة موجود، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص. وبالفعل ما أراد بذلك وجه الله لأن في المسلمين من هو أكفأ وهذا أمر معلوم.

الكلام في عثمان

الكلام في عثمان وقالوا: إن عثمان قرب قرابته وعزل الآخرين، والأمر ليس كما صوروه، كانوا أكفاء وكانوا أخياراً، وقد وصل رحمه، واختار كذلك من خيار المسلمين، وعثمان بار راشد مهدي لا يريد إلا الله والدار الآخرة، وإن أخطأ في بعض الاجتهادات، فهو مأجور على خطئه مثاب عند الله، وقد تبرأ علي من ذم عثمان. يقول علي رضي الله عنه: [[قاتل الله من قاتل وشارك في قتل عثمان]] وكان يدعو على من فعل ذلك، ولكنهم اتهموا علياً رضي الله عنه بدم عثمان، وهو بريء براءة ماء الغمام، وبراءة الذئب من دم يوسف، لكن هكذا قالوا: وكان علي يقول على المنبر: [[من فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد الفرية ثمانين جلدة]].

الكلام فيما جرى بين الصحابة من فتن

الكلام فيما جرى بين الصحابة من فتن فبعض المؤرخين ولغ قلمه فيما جرى بين الصحابة في الجمل وفي صفين. والله يقول: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134]. ومن معتقد أهل السنة أن نكف عما شجر بين الصحابة، وأن نطهر ألسنتنا كما طهر الله سيوفنا، وأن نعتقد أنهم مأجورون، فمن أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، وغالبهم ومغلوبهم في رحمة الله عز وجل التي وسعت كل شيء. قيل لـ عامر الشعبي: ما رأيك في أهل صفين التقوا فما فر بعضهم من بعض؟ قال: أهل الجنة التقوا فاستحيا بعضهم أن يفر من بعض. وقيل لـ عمر بن عبد العزيز: ما رأيك في أهل الجمل وأهل صفين. قال: [[تلك دماء طهر الله منها سيوفنا، أفلا نطهر من أعراضهم ألسنتنا؟]]. {ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه}. {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36].

تشويه الأصفهاني لتاريخ الرشيد

تشويه الأصفهاني لتاريخ الرشيد أتهم هارون الرشيد باتهامات فضيعة، وممن فعل ذلك وافتعل صاحب " الأغاني " أبو الفرج الأصبهاني، فإنه أتى بأخبار تشيب لها الرءوس، وأنا أنصح الجيل بعدم قراءة هذا الكتاب إلا من أنس من قلبه ونفسه علماً ووعياً وتقوى، فلا بأس أن يستفيد من بعض ما فيه من الأدب والقصص، لكنه تهالك واحترق في تراجم الخلفاء، وتكلم عن الدولة العباسية والأموية كأنها دول موسيقى، وعناء، وخمر وعربدة، وأطفأ ذاك اللموع الذي رأيناه في المجال العلمي، والمجال الأدبي، ومجال الثقافة والحضارة، ومجال العدل والإنصاف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فحسيبه الله.

هجمات متفرقة على التاريخ

هجمات متفرقة على التاريخ مما يهاجم به الإسلام من مؤرخين مغرضين: الرق، وأن الإسلام جاء باستعباد الناس، وهذا كذب، وما حرر الناس إلا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما أتى الاسترقاق عن طريق الكفر، فإذا دخلوا الإسلام كان العتق من أحسن ما يكون، وكانت أبواب العتق هي المطلوبة والواردة، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو أول من حرر الإنسان، وأتمنى أن تعود لترجمة بلال قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم وبعد مبعثه وزيد بن حارثة وصهيب الرومي وسلمان الفارسي، أي أناس رفعهم محمد صلى الله عليه وسلم! وأي رجال لم يكونوا رجالاً قبل مبعثه! كانوا والله يعاملون كما تعامل الدواب والحيوانات، فلما أتى محمد صلى الله عليه وسلم جعل بلالاً سيداً ينادي نداء الأرض لنداء السماء، وجعل سلمان منا آل البيت، وجعل صهيباً سفيراً إلى الروم، وجعل خباب بن الأرت من الشهداء عند الله عزوجل. بعضهم افترى على أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه- مثل المسعودي في كتابه " مروج الذهب ومعادن الجوهر " خلط في هذا الكتاب، ومزج الكذب بالصحيح، والحق بالباطل. ومن مغالطته التي حاد فيها عن الحق والصواب في كتابه ما يأتي: يقول المؤرخون: لا يكاد يخلو مجلس عثمان رضي الله عنه من وجود كعب الأحبار، فكأن كعب الأحبار هذا هو الذي يسيطر على المجلس ويأتي بالإسرائيليات، لكثرة ما كان يستفتيه عثمان في قضاياه، وكأن عثمان ليس مجتهداًَ مطلقاً، ولا عنده كتاب ولا سنة حتى يحتاج إلى فتاوى بعض اليهود الذين أسلموا. ثم ينقل جرأة كعب الأحبار وتسرعه في الفتيا مع وجود صحابة كـ عثمان وعلي رضوان الله عليهم حتى يفتي في المسائل الكبار وهذا غلط، ثم قبول عثمان بفتاوى كعب، ثم ينقل أن عثمان كان يسب أبا ذر رضي الله عنه ويؤذيه، وهو الذي طرده من المدينة وأخرجه، فهذا كذب، بل أبو ذر هو الذي خرج من نفسه، والرسول عليه الصلاة والسلام قال لـ أبي ذر: {إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها} أي: من المدينة، فهو الذي خرج باختياره، وما أخرجه عثمان. ونقلوا أيضاً: أن عثمان ضرب عمار بن ياسر حتى كسر ضلعاً من أضلاعه، وهذا كذب. ومنها: أن معاوية قام بالإساءة إلى أبي ذر رضي الله عنه وحمله إلى المدينة على بعير، وعلى قتب يابس وآذاه، وأرسل معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتى تسلخت بواطن أفخاذه، وكاد أن يتلف أو يموت، وهذا كذب، وما كان لـ معاوية أن يفعله. ومنها: ذكر لـ أبي ذر بأشياء استحدثت بعد الرسول صلى الله عليه وسلم فيها لعنة لبني أمية إذا بلغوا الثلاثين، وهذا كذب. ومنها: حوار حول طلبات أبي ذر واختياره بلداً يسير إليه، واقتنع عثمان بإخراجه من المدينة، وهذا لم يرد، وقالوا: غضب عثمان على علي لتشيع أبي ذر له، ولضم أبي ذر له، وهذا لم يرد عصم الله الجميع من هذه الأمور! وهناك كتاب خلط الحق بالباطل اسمه " أعيان الشيعة " لمؤلفه محمد الحسيني العاملي طبع سنة (1359هـ) وفيه أغلاط تاريخية كاذبة مفتراة. منها: اتهام عثمان رضي الله عنه بأنه كان ينهى أبا ذر عن قراءة القرآن. ومنها تطلع عثمان لأموال المسلمين واستغلاله لثرواتهم وتملكه لأراضيهم، وكأنه يتحدث عن أحد الإقطاعيين لا عن أحد الخلفاء الراشدين. ومنها: الادعاء أن حبيب بن أبي مسلمة أشار على معاوية بإقصاء أبي ذر من الشام. ومنها: الإساءة إلى أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام. ومنها: أن عثمان أصابه الخرف لما وصل الثمانين، وأصبح يخلط في كلامه، وهذا والله لم يحدث بل كان حافظاً للقرآن {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] قال ابن عباس: [[ذاك هو عثمان]] وقال حسان في مدح عثمان: ضحوا بأمشط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا

أكاذيب طه حسين في التاريخ

أكاذيب طه حسين في التاريخ وأما المزورون الجدد فإن كبيرهم الذي علمهم السحر هو: طه حسين، وأما مصيرهم في الآخرة، فلا نستطيع أن نحكم عليهم، فلسنا بحكام على مصائر الناس الذين ذهبوا إلى الله عز وجل، إنما أحكامنا في الدنيا، والله سبحانه يتولى عباده، ولكن نشهد أن الكافر في النار وأن المسلم في الجنة. أما مثل طه حسين والذي سماه الغرب عميد الأدب العربي، وهو لا يستحق هذه التسمية، ولم يأخذها بجدارة، وهو الذي ألغى الأدب العربي وشوهه، فنحيله إلى الله ولا نحكم عليه بجنة ولا بنار.

التهجم على العقيدة بالتشكيك في شخصيات الأنبياء

التهجم على العقيدة بالتشكيك في شخصيات الأنبياء أما كتابه الذي أسماه في الشعر الجاهلي فقد هاجم فيه عقيدة المسلمين، فتراه يعلن في الصفحات الأولى من كتابه أن قصة إبراهيم وإسماعيل في القرآن لا تكفي عندنا لإثبات وجود إبراهيم وإسماعيل التاريخي. يقول: إن وجود إبراهيم وإسماعيل كشخصيتين فيه نظر. ولا يكفي القرآن ولا السنة ولا التوراة ولا الإنجيل أن تذكر إبراهيم وإسماعيل، قد تكون خيالية مثل قصة جحا، هكذا يقول. وحينما هاجم طه حسين علماء الأزهر لأنه طلب أن يدخل في الأزهر، فامتحنوه فرسب في الامتحان في القاعة الكبرى ضحى، فذهب وتعلم الأدب في الغرب وألف كتيباً اسمه " ساعة في الضحى بين العمائم واللحى " هاجم فيه علماء الأزهر هجوماً بذيئاً، وقد اجتمع علماء الأزهر لما أخرج كتابه في الشعر الجاهلي فبدءوا بتكفيره وقالوا له: لو اعتقد ما كتب فقد كفر، فبادر إلى تغيير عنوان الكتاب وسماه في الأدب الجاهلي، ولكنه لم يغير شيئاً من السموم والكفر من داخل الكتاب، وقد تصدى له عدد من العلماء والأدباء الفضلاء؛ مثل شيخ الأزهر محمد الخضر حسين، ومصطفى صادق الرافعي في تحت راية القرآن، ومحمد أحمد الغراوي في النقد التحليلي، وأنور الجندي، ومحمد مهدي استامبولي ولك أن تنطقها الإسلامبولي، وغير هؤلاء.

كتب طه حسين وطعنه في السيرة

كتب طه حسين وطعنه في السيرة له كتاب على هامش السيرة والفتنة الكبرى والشيخان وفي الشعر الجاهلي الذي يسمى أيضاً في الأدب الجاهلي، ولقد أراد بتضليله هذا إثارة الفتن بين المسلمين، ولقد شكك في كتاب على هامش السيرة، ولكم أن تراجعوه في قصص السيرة النبوية جملة، واعتبارها مع قصص الغزوات والفتوحات الإسلامية خزعبلات أسطورية أقرب منها إلى الحقائق. وقال: إن الأدباء اخترعوها والقصاصون ابتدعوها، ولم يكن لها أصل، وأنها من المهاترات والمزايدات التي ينبو العقل عن فهم بعضها أو عن الرضوخ لها، والمنطق المستقيم لا يرضاها، والأساليب العلمية والتفكير العلمي على حسب زعمه لا يمكن أن تؤمن بها. واقرأ مقدمة كتاب على هامش السيرة تجد العجب، فبعد أن يشبه قصص السير والغزوات بأساطير. يقول: فأحاديث العرب الجاهليين وأخبارهم لم تكتب مرة واحدة ولم تحفظ في سورة بعينها، وإنما قصها الرواة في ألوان من القصص، وكتبها المؤلفون في صنوف من التأليف، وقل مثل ذلك في السيرة نفسها، فلقد ألهمت الكتاب والشعراء في أكثر العصور الإسلامية، وفي أكثر البلاد الإسلامية؛ فكتبوها من الإلهام، فصورهم صور مختلفة تتفاوت بين القوة والضعف والجمال الفني إلى آخر ما قال. وعلى هامش السيرة يشكك بقصص وردت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كـ بدر وأحد، ويشكك في نوايا الصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم.

كتاب يطعنون في الدين

كُتَّاب يطعنون في الدين ومنهم عبد الحميد جودة السحار صاحب كتاب " أبو ذر الغفاري " استقصى عناصرها وأخذها وسرقها من طه حسين ومن كتاب " أعيان الشيعة " للعاملي، وأيدهم على ما قالوا وثبت قضاياهم. ومنهم: قدري قلعجي في كتابه " أبو ذر الغفاري أول ثائر في الإسلام " وكان هذا الكتاب ضمن سلسلة ألفها القلعجي تحت عنوان " أعلام الحرية " وفي هذا الكتاب يجعل دور ابن سبأ في التأليب على عثمان صحيحاً وسليماً ومشكوراً. الرابع: علي ناصر الدين الذي سمى نفسه: " صاحب قضية العرب " فألف كتاباً عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، وقد حذا حذو من سبقه في التهجم على عثمان الخليفة الراشد. الخامس: صلاح عزام الذي أطلق على نفسه اسم: "صاحب الشباب المضنى " ألف كتاباً عن أبي ذر ملأه بالكذب والبهتان على الصحابة، وهو يحمل حقداً بلا شك.

خالد محمد خالد وبعض المآخذ عليه

خالد محمد خالد وبعض المآخذ عليه السادس: خالد محمد خالد وهو كاتب مصري معروف، وما زال حياً نسأل الله أن يزيده هدى أو أن يهديه أولاً، ويحتاج خالد محمد خالد إلى مقالة طويلة يتبرأ مما كتب في أول عمره صاحب كتاب " رجال حول الرسول عليه الصلاة والسلام " ولقد سمى أبا ذر في كتاب " رجال حول الرسول " زعيم المعارضة وعدو الثروات، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم عليه في عنوان الكتاب، بل جاء مجرداً من ذلك، بل كان يردد محمد والمسيح، وإن محمداً، وإنسانية محمد، وحب محمد، وتربية محمد، ويكفي أن تنظر إلى بعض عناوين كتبه مثل: " معاً على الطريق محمد والمسيح " يريد أن يقرب وجهة المسيحيين من المسلمين، إنسانية محمد، كما تحدث الرسول، رجال حول الرسول، أبناء الرسول في كربلاء، عشرة أيام في حياة الرسول، خلفاء الرسول؛ هكذا يعنون لكتبه.

خالد محمد خالد والاشتراكية

خالد محمد خالد والاشتراكية وبالمناسبة فإن الأستاذ خالد محمد خالد كان في أول عمره يؤمن ببعض النظريات الاشتراكية ويؤيدها، ويكتب في الصحف المصرية يرحب بها، وهو الذي قال في تأبين إستالين: طبت حياً وميتاً يا رفيق، يناديه لما مات في موسكو ونعاه في عمود كبير، والصحيفة موجودة ومحفوظة، يقول: طبت حياً وميتاً. وهذه الكلمة قالها أبو بكر رضي الله عنه للرسول عليه الصلاة والسلام لما قبله. وجوزيف إستالين؛ مجرم عدو لله الملحد الذي أباد الشعب الروسي، وسحق أبناءه بالحديد والنار، وهو صاحب مواهب خاصة أعني: خالد محمد خالد حصل على شهادة العالمية من جامع الأزهر في نهاية الأربعينيات بعد أن عاش سني دراسته في هيئة الأزهرية وكان عنده لحية في وجهه ولكن ذهبت: لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار وكان عنده جبة ولبس بعدها البنطلون، ولبس البنطلون جائز، لكنه تشكل بعد الأربعينيات، وكان عنده قميص وعمامة على رأسه ولكنه خلع العمامة فيما بعد ثم استبدلها بغيرها من الهيئة الإفرنجية الحديثة، وسمح بنشر مقابلة صحفية التي أجرتها معه مجلة الكواكب زينت بصورته وهو يراقص امرأة. نسأل الله أن يحفظنا وإياه وأن يهديه. ظهر على الساحة الأدبية عام (1949م) كأحد الكتاب اليساريين في كتابه " من هنا نبدأ " وقد رد عليه الكتاب المسلمون، وغضبوا لله وخرجوا بأقلامهم في صبيحة غداة في يوم واحد مشهود عند الله عزوجل من الانتصارات عليه وبكتوه. وقد أحدث الكتاب ضجة في الأوساط الدينية والأدبية لجرأة الكاتب على القيم السائدة في الأزهر، وعلى علمائه، فصودر الكتاب من الأسواق وسحب، واتهم صاحبه بالكفر، ثم ما لبث الأستاذ خالد محمد خالد أن استصدر حكماً من المحكمة المصرية بالإفراج عن الكتاب من الكفر بدعوى حرية الفكر. ثم أكثر من الكتابة وأصدر الكثير منها له كتاب " مواطنون لا رعايا " يعرض فيها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكل مسئول عن رعيته} فقال: نحن مواطنون لسنا رعية، لأن الرعية عنده مثل الغنم، يقول: نحن مواطنون فقط لسنا بغنم. والرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد هذا، والذي أتى باحترام الإنسان هو الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي رفع قدره محمد صلى الله عليه وسلم. وله " الديمقراطية أولاً " وله كتاب " الدين في خدمة الشعب " وله " الطوفان لكيلا تحرثوا في الأرض " ونشر مقالاً في جريدة قاهرية كبرى عام (1950م) أبّن فيه طاغية روسيا كما مر معنا بعنوان عريض قائلاً: طبت حياً وميتاً يا رفيق. وعلى إثر هزيمة (1967م) التي يسمونها نكسة (1967م). فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب وقاتلت دوننا الأبواق صامدةً أما الرجال فماتوا ثم أو هربوا هم يفرشون لجيش البغي أعينهم ويدعون وثوباً قبل أن يثبوا الحاكمون وواشنطن حكومتهم اللامعون وما شعوا وما غربوا لهم شموخ المثنى ظاهراً ولهم هوى إلا بابك الخرمي ينتسب وكانت الهزيمة أمام دولة اليهود وأمام العجوز المسنة الهالكة جولدا مائير التي ضحكت على الذقون. وكتب خالد محمد خالد بأنه اعتدل في فكره وعدل في أساليبه فالله أعلم. وتبقى عليه الكلمات الأولى يجب أن يتخلى منها ويتبرأ منها إن كان صادقاً في توبته، ونسأل الله أن يكون صادقاً؛ فإنه كاتب ذكي مبدع إذا أراد أن يكتب، أخاذ في أسلوبه، وفي قلمه رشاقة، فإن كان كما قيل عنه فليتخل عن كتبه، فإن أهل السنة قالوا: لا بد لمن أساء إذا تاب أن يعود عن إساءته وعن كتاباته، وأن يتبرأ عن شعره وعن غنائه وعن حياته الأولى.

كتاب أجانب من المستشرقين وغيرهم يطعنون في الدين

كتاب أجانب من المستشرقين وغيرهم يطعنون في الدين .

فيليب حتي من الكتاب المستشرقين

فيليب حتي من الكتاب المستشرقين * نماذج من أغلاط وافتراءات فيليب حتي، وفي التاريخ الإسلامي، وهو أمريكي الجنسية و (حتي) بكسر الحاء، ومنهم من ينطقها حتى وقرأها الجمهور حتي. له تأليف أصول الدولة الإسلامية، وتاريخ العرب، وتاريخ سوريا وفلسطين، ومن افتراءاته قال في تاريخ العرب: ولقد تزوج النبي من نحو اثنتي عشرة زوجة بدافع الحب والشهوة -أخزى الله ذاك الكاتب- ثم سار على هذا المنوال وقال: ليس محمد إلا بشراً ومعجزته الوحيدة هي إعجاز القرآن. وقال عن مبايعة أبي بكر: كانت مطابقة لمشروع دُبِّر بليل بين عمر وبينه وبين أبي عبيدة ليقتسموا الملك! سبحان الله! الذين لا يجد الواحد منهم خبز الشعير في الليل يقتسمون الملك. من أغلاط فيليب حتي يقول: إن عمر جعل الدستور العسكري الاشتراكي سمواً للعروبة، كما ضمن للمؤمن الأعجمي درجة أسمى من غير المؤمن. وقال عن الفتوحات الإسلامية: لم تكن الحماسة الدينية بين الحاجة الاقتصادية التي دفعت بمعاشر البدو الذي تكونت منهم أكثر جيوش الفتح إلى ما وراء تخوم البادية إلى الأراضي الخصبة في الشمال. وقال عن خلافة علي: وكانت مشكلة علي الأولى هي التخلص من منافسيه، كأنه يتكلم عن أمته ومحيطه ولا يتكلم عن أناس أرادوا الله بأعمالهم. وادعى أن السبب الذي دفع عائشة رضي الله عنها إلى الخروج ضد علي هو: حادثة الإفك لأن علياً نالها بالإفك، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو من الشياطين.

بروكلمان الألماني من الكتاب المستشرقين

بروكلمان الألماني من الكتاب المستشرقين ومعنا بروكلمان مستشرق ألماني له كتاب " تاريخ الشعوب الإسلامية " من افتراءاته في كتابه هذا في حديثه عن الكعبة المشرفة قال: وفي ركنها اليماني الشرقي الحجر الأسود الذي هو بحق أقدم وثن معبود هناك. وقال عن مدى إيمان النبي صلى الله عليه وسلم: إن العقيدة في الله كانت تملأ قلبه أكثر فأكثر، وقد جعلته يرى أن الآلهة الأخرى لا وجود لها، فألغى الآلهة التي كان يؤمن بها في شبابه وجعلها إلهاً واحداً. وقال: ومباهج الجنة هذه تتوجه إلى خيال الرجال دون غيرهم. وقال: وادعى أنه الرسول عليه الصلاة والسلام، فكلف بتشريع الصيام، وأراد بصيامه أن يرضي اليهود الذين جاوروه في المدينة وهو الذي اخترع الصيام من نفسه. ويقول في حروب الردة: لم تلبث أن اجتاحت بلاد العرب بأكملها ردود الردة، ولم يكن للدوافع الدينية في ذلك دور يذكر، وإنما أريد فقط التخلص من سلطة حكومة المدينة غير المريحة والدكتاتورية. ويرجع السبب في قتال خالد بن الوليد بأنه اشتهى زوجة مالك بن نويرة فقتل زوجها ليتزوج زوجته. ويقول: إن عثمان أصله ارستقراطي. ومن مفترياته: إن الطقطقة العلمانية يعني: الطقطقة التي دخلت على عثمان هي التي جعلته ينحرف عن علي بن أبي طالب لأن علياً يريد أن يلغي اعتبارات عثمان، انظر الكلام. ومن مفتريات غيرهم من المستشرقين قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم سافر مع عمه إلى سوريا مرة وتعرف في بصرى على راهب نسطوري وتلقى منه علم التوراة. الرسول صلى الله عليه وسلم سافر للتجارة ورأى بحيرى الراهب، أما أنه تعلم فمعاذ الله، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى:52].

جولد زيهر وآخرون

جولد زيهر وآخرون أما المستشرق جولد زيهر فهو يهاجم القرآن الكريم ويقول: فيه تناقض عجيب؛ فبينما يأتي بالقصة يناقضها في موضع آخر، فليس القرآن متجانساً، وليس فيه وحدة خيالية ولا منهجية، ولا تخرج فيه بقصة أو بقضية كاملة. وقال مستشرق آخر ألماني: هضم الإسلام حق المرأة حيث أعطاها نصف نصيب الرجل من الميراث، وجعل الرجل يتزوج بأكثر من واحدة إلى أربع، وجعل الطلاق بيد الرجل، ومنح الرجل سلطة ليست للمرأة، فحرمها كثيراً من الحقوق التي يتمتع بها الرجل. وقال المستشرق نوير متسائلاً: لماذا تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بهؤلاء النساء كلهن؟ إنها الشهوة الجنسية! وقال هاونتو: إن الإسلام جمد المسلمين بعقيدة القضاء والقدر. وقال بروكلمان: إن الحج مؤتمر الإسلام له فوائد، ولكن ما زالت فيه طقوس وثنية، ومن أهمها الكعبة وتقبيل الحجر الأسود، وهذه أمور وثنية.

جورجي زيدان ورواياته

جورجي زيدان ورواياته ومن المؤرخين المغرضين المتهالكين المحترقين النصراني جورجي زيدان، وهو لبناني، فإنه قد سل قلمه خبثاً وحقداً على الإسلام، شخصيته صنعتها المدارس التبشيرية في لبنان، رجل استخبارات بريطانية، وله علاقات وثيقة بالمستشرقين، ولذلك فإنه كان يردد مقولاتهم وافتراءاتهم، أسماء روايته: فتاة غسان، عذراء قريش، 17 سبعة عشر رمضان، غادة كربلاء، الحجاج بن يوسف، فتح الأندلس، شارل وعبد الرحمن أبو مسلم الخراساني، العباسة أخت الرشيد، الأمين والمأمون، أحمد بن طولون، عبد الرحمن بن ناصر، فتاة القيروان، صلاح الدين الأيوبي، شجرة الدر، الانقلاب العثماني، إلى غير ذلك من العناوين التي هاجم فيها الإسلام والذي أفرغ فيها حقده. وأنا أحذر من مقالاته ومن كتبه؛ فهو من أعدا أعداء الإسلام، وقصصه وتمثيلياته ومسرحياته كلها سخف ووقاحة، يريد أن يهون من شأن الرسول عليه الصلاة والسلام، ويعتبره في مجموع كلامه أنه أعرابي بسيط أتى يريد الملك في جزيرة العرب، هذه بعض القضايا.

كتب وكتب

كتب وكتب .

كتب يجب الحذر منها

كتب يجب الحذر منها وبقية مسألة وهي: إنني أحذر من بعض الكتب مثل: " دائرة المعارف الإسلامية " فقد صدر بعدة لغات حية يعاد طبعها في الوقت الحاضر، وقد ظهر بعض أجزاء الطبعة الجديدة. ومنها كتاب: " موجز دائرة المعارف الإسلامية "، " دائرة معارف الدين والأخلاق " " المقالات المتعلقة بالمسلمين "، " دائرة معارف العلوم الاجتماعية "، " دراسة في التاريخ " من تأليف توينبي، " حياة محمد " من تأليف موير، " الإسلام " من تأليف جوم، " دين الشيعة " من تأليف مستشرق ألماني، " تاريخ شارل الكبير " من تأليف القس يوهاند، " الإسلام ظهر " بالفرنسية من تأليف هنري لامنس، " الإسلام تحدٍ للعقيدة " ظهر بالإنجليزية من تأليف المبشر زويمر، " دعوة المئذنة " ظهر بالإنجليزية من تأليف كنج كراج، " الإسلام اليوم " بالإنجليزية من تأليف آربري، " ترجمة القرآن " الترجمة الإنجليزية من وضع آربري وهو مختلط مختلف، " تاريخ مذاهب التفسير الإسلامي " ظهر بالألمانية، " تاريخ العرب " ظهر بالإنجليزية وطبع عدد مرات وبالعربية من تأليف فيليب حتي، " اليهود في الإسلام " ظهر بالإنجليزية من تأليف إبراهام كاش، " عقيدة الإسلام " ظهر بالإنجليزية من تأليف مستشرق ألماني الحلاج الصوفي الشهيد في الإسلام " تأليف لوي " الحرب والسلام في الإسلام " من تأليف مجيد قدوري، إلى غيرها من الكتب التي أحذر منها الناشئة والشباب إلا من وثق من نفسه رشداً وعلماً وثقافة.

إعادة صياغة التاريخ وأهم كتبه

إعادة صياغة التاريخ وأهم كتبه أيها الإخوة: هذه أغلاط في التاريخ، والذي أريد أن ألخصه في كلمات: أولاً: أن التاريخ الإسلامي ما زال بحاجة إلى إعادة صياغة. الثاني: إن أقرب التواريخ عندنا الآن: " تاريخ الإسلام " للذهبي؛ الحافظ، العدل، الإمام، الثقة، فإنه مؤرخ الإسلام، وهو أقرب تاريخ إلى الصواب. الثاني: " البداية والنهاية " لـ ابن كثير. ونحو هذه الكتب، وإن أعظم وثائق التاريخ لهو القرآن الكريم ثم كتب السنة. إن علينا أن نتثبت من الروايات التي يكتبها مثل هؤلاء الكتبة من المغرضين، أو من تتلمذ على المستشرقين، أو ممن يحمل فكراً معادياً للإسلام كملاحدة العرب وماركسيي العرب، وقوميي العرب، وبعثيي العرب، وثوريي العرب، فإن هؤلاء يجب علينا أن نعلم أنهم لن ينصحوا لله ولا لرسوله في كتابة التاريخ.

ماذا يجب علينا مع الكتب

ماذا يجب علينا مع الكتب ثم إنا نطالب أنفسنا بقراءة سيرته عليه الصلاة والسلام من كتب السنة الصحيحة ونعرضها على أهل العلم. ثم إني أطالب الجيل إذا رأوا مقولة مشوهة أو مستغربة فإن عليهم أن يراجعوا أهل العلم في ذلك، ويستشيروهم في صحتها وفي ثبوتها وألا ينشروها في الناس. ونطالب أيضاً بإبادة هذه الكتب، ولا يسمح بنشرها وأن تزال من أفكار الأمة ومن ضمائر الجيل، حتى يبقى على صفاء عقدي وفكري ومنهجي، ويكون على استقامة تامة. الأغلاط كثيرة وربما يكون هناك أوهام وموضوعات تعرض -إن شاء الله- بتفصيلٍ؛ فإن هذا أشبه بعموميات. ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية.

خاتمة حول الصوم والتصدق

خاتمة حول الصوم والتصدق قبل أن أنتهي هناك قضيتان: القضية الأولى: اليوم المنصرم هو اليوم الثامن من المحرم فيما ظهر لكثير من العلماء وليس اليوم التاسع؛ فمن أراد أن يصوم فليصم غداً وبعد غد أو بعد غد وبعده. التاسع والعاشر، أو العاشر والحادي عشر، ولا يظن أن من صام اليوم أنه قد خسر بل قد باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً، فهنيئاً لمن صام اليوم ولا يندم على ذلك ولا يأتينا بقصة الأعرابي التي كررناها كثيراً، ولا بأس من تكرارها. أعرابي مرض له حمار، فنذر وعاهد الله إن شفى الله حماره أن يصوم سبعة أيام، فشفى الله حماره فصام سبعة أيام، فلما انتهت السبعة مات الحمار. فقال: يا ربِّ تفعل كذا، لو أمت الحمار قبل أن أصوم، والله لأحتسبنها من رمضان، فصام من رمضان 23 يوماً. ذكر هذه القصة ابن الجوزي في كتاب " الحمقى والمغفلين " فلا يندم أحد ولا يحتسب هذا اليوم من رمضان، بل يحمد الله أن أعانه على صيام هذا اليوم، لأن بعض الناس عندما قلت: اليوم ثمانية. قالوا: الله المستعان! أي: لأنه صام اليوم. القضية الثانية أيها الإخوة: عرض عليَّ بعض الأخيار أن عليه ديوناً وعليه وله متطلبات، وقد اطلعت على أحواله، وأصيب بحادث سيارة هذا اليوم، أذهب الحادث سيارته، ونجا هو وأهله، وليس عنده شيء. مساعدة المسلم أمر مهم، وأنا لا أذكر اسمه فهو متعفف، لكن قضية أن نقف مع المسلمين وأن نقدم العون لهم أمر مطلوب وواجب شرعي، فمن عنده خير وأراد أن يساهم في الخير فليضعها عند الإخوة الذين بالباب.

الأسئلة

الأسئلة أما الأسئلة هذه الليلة فأظنها سوف تكون بعيدة؛ لأن موضوع الحديث كان غريباً أو بعيداً عن مسار المعهود.

وليد الأعظمي وتنقيح الأغاني

وليد الأعظمي وتنقيح الأغاني Q يقول: أريد أن تنوه بكتاب السيف اليماني في نحر الأصفهاني لـ وليد الأعظمي؟ A وهذا كتاب لا بأس به نبه على الخزعبلات التي في كتاب " الأغاني " لـ أبي الفرج الأصبهاني.

وصية لمدرسي التاريخ

وصية لمدرسي التاريخ Q كيف توصي مدرس التاريخ في مدارسنا؟ A أوصيهم بتقوى الله، وأوصيهم كذلك أن يعرضوا التاريخ الإسلامي عرضاً إسلامياً مؤمناً، وأن يربطوا بين الكتاب والسنة وبين التاريخ؛ فإن في التاريخ عبر لمن أراد أن يعتبر، ولا يلقونه كمعلومات مجردة فحسب. هذه أهم القضايا في هذا الدرس هذه الليلة. وأسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية والعون والسداد. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

عبر ودروس من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام

عبر ودروس من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام إن الموت حقيقة لا بد منها، فقد مات خير البشر صلى الله عليه وسلم، وموته ليس كموت أحد من الناس، لذلك كان لا بد أن ننظر في موته ونأخذ منه العبر والعظات، لنستفيد منها في واقع حياتنا، لذلك فقد تحدث الشيخ حفظه الله عن مرضه وموته صلى الله عليه وسلم، ثم أعقب ذلك بذكر بعض العبر والدروس المستفادة من هذا الحدث الجلل.

أعظم مصيبة موت النبي صلى الله عليه وسلم

أعظم مصيبة موت النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً. والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، هدى الله به الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، وجاهد في الله ونصح، وزهد إلا فيما عند الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. لا إله إلا الله {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] لا إله إلا الله {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] لا إله إلا الله كتب الفناء على كل مخلوق واستأثر بالبقاء. اللهم لك الحمد، أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق. أمَّا بَعْد: فو الله إني لمتحير كيف أدخل إلى هذا الموضوع، ومن أنا أمام هذا الموضوع المدهش المحير المبكي؟! إنه موضوع وفاته عليه الصلاة والسلام، إنه موضوع انتقاله إلى الرفيق الأعلى عليه أفضل الصلاة والسلام، وإني لأتقاصر حقارة أن أتحدث في هذا الموضوع، ولكن لا جدوى إلا بحديث يذكرنا بذاك الحدث الجلل، وكل حدث بعد وفاته هين سهل بسيط يسير. قال الله عز وجل: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] إطلاق لا تقييد فيه، وعموم لا خصوص فيه {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:26] فليبن أهل البغي والعدوان بروجاً من التحسين إن شاءوا، فو الله ليموتن ولو كانوا في بروج مشيدة، والموت وما أدراك ما الموت؟! مذهل، سماه الله مصيبة فقال: {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة:106] وكان السلف إذا آنسوا من قلوبهم قسوة تذكروا الموت والقدوم على الله وما بعد الموت، فمات كل عضو من أعضائهم مكانه، وأثر عن ابن سيرين رضي الله عنه وأرضاه أنه كان إذا ذكر الموت وسأله سائل قال: والله ما أدري ماذا تقول، طاش عقلي من ذكر الموت. وقال الحسن البصري رحمه الله: [[فضح الموت الدنيا، فلم يدع لذي لب فرحاً]]. فإذا كان الموت هو مصيبة، وإذا كان الانتقال إلى الله هو رزية؛ فما بالكم يا أجيال محمد صلى الله عليه وسلم، ويا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم بحادث وفاته عليه الصلاة والسلام؟! بلَّغ الرسالة، وجاهد في الله، وقام الليالي منذ قال الله له: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً} [المزمل:1 - 2] فو الله ما ارتاح ثلاثاً وعشرين سنة، قام فما ارتاح، ووقف فما جلس، سهر وعانى الجلاد والجهاد وفي توصية العباد، ونصحهم إلى الله عز وجل، ولما وقف بـ عرفة حوله أحبابه ومحبوه وأصحابه وأقربوه، كلهم يرى فيه القدوة والأسوة، وكلهم يرى فيه الأب الحاني، والأخ العاطف، والمشفق الناصح، والصادق الأمين الذي أنقذهم الله به من الوثنية، وقف وأنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليه قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فتلاها على الناس، وعلم الناس أن فحوى الخطاب ولسان الحال يقول: إنك ميت فتأهب، وإنك مرتحل فتجهز، وإنك منتقل فودع أصحابك، فيقول عليه الصلاة والسلام بعدها: {يا أيها الناس: لعلي لا أراكم بعد هذا العام} ووالله ما رآهم بعد ذاك العام، فإذا البكاء وهم واقفون في هذا الصعيد، وإذا دموع الحزن تنهمر إذا اشتبهت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى وعاد عليه الصلاة والسلام، قال ابن كثير رحمه الله: واستقر الركاب الشريف سنة إحدى عشرة في المدينة عائداً من من حجة الوداع، ومن موادعة الناس، ومن ذلك المؤتمر الذي استشهد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه، واستشهد الناس على أنه بلغ الرسالة فما كتم شيئاً، وأدى الأمانة فما ضن بشيء، فنشهد بالله ونشهد لله ونشهد في يومنا هذا إلى أن نلقى الله أنه ما كتم شيئاً، ولا هضم شيئاً، ولا ضن بشيء، بل بلغها كالشمس في واضحة النهار. عاد إلى المدينة صلى الله عليه وسلم، وأخبره الله الخبر، وعلم أن كل من عليها فان، كما قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] ويقول جل ذكره: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144].

مرض النبي صلى الله عليه وسلم

مرض النبي صلى الله عليه وسلم ويوم الخميس، وما أدراك ما يوم الخميس؟! يوم زار المرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما ذكر هذا اليوم شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: بأبي هو وأمي زاره المرض يوم الخميس. نعم، بأبي هو وأمي، وليت ما أصابه أصابنا، فإن مصابه رزية على كل مسلم، ولكن رفعاً لدرجاته وتعظيماً له عند مولاه. ذكر ابن كثير بسند جيد قال: كان ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه يقلب الحصى في المسجد الحرام ويقول: [[يوم الخميس، وما يوم الخميس -وهو يبكي- يوم زار المرض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم]]. فديناك من حب وإن زادنا كرباً فإنك كنت الشمس في الشرق أو غربا وكان الصحابة يفدونه صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: {خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد} حيث أحبابنا وأجدادنا وآباؤنا وإخواننا، الذين نمر عليهم صباح مساء، ومن لم يعتبر بالأموات والمقابر فبماذا يعتبر؟ ومن لم يتعظ بمن يودع ومن يحمل إلى المقبرة صباح مساء فبماذا يتعظ؟ إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا وفي كل يومٍ واعظ الموت يندب هو الموت ما منه ملاذ ومهرب إذا حط ذا عن نعشه ذاك يركب نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعل الردى مما نرجيه أقرب ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب وعاد عليه الصلاة والسلام وهو معصوب الرأس، فتقول عائشة وقد فجعت رضي الله عنها وأرضاها: {وارأساه! قال عليه الصلاة والسلام: بل أنا وا رأساه} وصدق صلى الله عليه وسلم، فإن صداع الموت قد وصل إلى رأسه الشريف ثم يلاحق، وهذه رواية البخاري فيقول: {والله لولا أن يتمنى متمن أو يدعي مدع لأرسلت إلى أبيك وإلى أخيك فأكتب لهم كتاباً} أي: أبا بكر وعبد الرحمن بن أبي بكر يكتب لهم كتاب الوصاية، والله أعلم بذاك الكتاب، ثم لما أحس صلى الله عليه وسلم بدنو الأجل، وهذا عند أحمد في المسند بسند حسن عن أبي مويهبة قال: قال لي صلى الله عليه وسلم في الليل الدامس: {يا أبا مويهبة! أسرج لي دابتي، فأسرجت له دابته عليه الصلاة والسلام، فركبها فذهبت معه حتى أتى الشهداء في أحد، فسلَّم عليهم سلام المودع، وقال: أنا شهيد عليكم أنكم عند الله شهداء، ثم قال: يا أبا مويهبة! خيرت بين البقاء وأعطى مفاتيح خزائن الدنيا وبين لقاء الرفيق الأعلى، قال: أبو مويهبة بأبي أنت وأمي يا رسول الله! خذ مفاتيح الدنيا، وأطل عمرك في الدنيا ما استطعت، ثم اختر الرفيق الأعلى، فقال عليه الصلاة والسلام: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى}. وعند البخاري في الجنائز من حديث عقبة بن عامر قال: {خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما وصل الشهداء في أحد، فسلَّم عليهم سلام المودع، ثم قال: يا أيها الناس: والله ما أخاف عليكم الفقر، ولكن أخاف أن تفتح عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم} وصدق عليه الصلاة والسلام، فو الله ما قطعت أعناقنا إلا الدنيا، وما أفسد ديننا إلا الدنيا، وما ذهب بأخلاقنا وآدابنا إلا الدنيا.

على فراش الموت

على فراش الموت ووقع صلى الله عليه وسلم على فراش الموت، وعصب رأسه، وأخذت الحمى تنفضه عليه الصلاة والسلام، لكن جاء عند الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يصيب المؤمن هم ولا غم ولا حزن ولا مرض، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه} ويقول عليه الصلاة والسلام كما في كتاب الطب والمرض للبخاري: {إن المؤمن كالخامة من الزرع، لا تزال الريح تفيئها يمنة ويسرة، وأما المنافق كالأرزة، لا تزال قائمة منتصبة حتى يكون انجعافها مرة واحدة}. المؤمن يحم، المؤمن يصاب ويمرض ويجوع، لكن المنافق يسمن ويترك حتى تأتيه قاصمة الظهر مرة واحدة. ولا ذنوب له صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولكن رفعت درجاته عليه الصلاة والسلام، جاء في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك -أي: في مرض موته- فمسسته بيدي- بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- فقلت: يا رسول الله! إنك توعك وعكاً شديداً. قال: نعم. إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قلت: ذلك بأن لك الأجر مرتين يا رسول الله. قال: نعم. ثم قال: ما من مؤمن يصيبه هم أو غم أو حزن أو مرض إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها}.

خروج النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته

خروج النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته ثم خرج بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام على الناس، يقول ابن عباس كما جاء من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة في الصحيحين: {خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، وهو عاصب على رأسه بعصابة دسمة، -وقيل: سوداء- وهو بين علي والعباس، على كتفيهما رضوان الله عليهما، وأقدامه من المرض تخط في الأرض، فأجلساه على المنبر، فلما رأى الناس قال: يا أيها الناس: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته زاد البيهقي كما قال ابن كثير: يا أيها الناس: إني ملاقٍ ربي، وسوف أخبره بما أجبتموني به، يا أيها الناس: من سببته أو شتمته أو أخذت من ماله فليقتص مني الآن قبل ألا يكون درهماً ولا ديناراً، قال أنس: فنظرت إلى الناس وكل واضع رأسه بين رجليه من البكاء، ثم قال عليه الصلاة والسلام: يا أيها الناس: اللهم من سببته أو شتمته أو أخذت من ماله أو ضربته فاجعلها رحمة عندك} وعند أبي داود: {إني أخذت عند ربي عهداً أيما مسلم شتمته أو سببته أو ضربته، أن يجعلها كفارة له ورحمة} فاستبشر الناس بهذا، وأخذوا يقولون: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله! وعاد إلى فراشه، وكان يسمع الأذان طيلة تلك الأيام، من يوم الخميس إلى يوم الإثنين من شهر ربيع الأول، فكان صوت الأذان حبيباً إلى قلبه، أحب الأصوات إلى أذنه (الله أكبر) يوم يردده بلال صافياً صادقاً قوياً ينبعث إلى قلب من أتى بكلمة (الله أكبر) ويوم يردد لا إله إلا الله فتنبعث إلى قلب من أتى بلا إله إلا الله. كان عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود يقول: {أرحنا بالصلاة يا بلال} فقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترقَ أبواب الجنان الثمانيا

أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أن يصلي بالناس

أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أن يصلي بالناس وفقد عليه الصلاة والسلام أنس الجماعة، وجمال الصفوف يوم تسجد وراءه، يوم يركع وراءه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، والسادة القادة الشهداء العلماء الأبرار، فقام عليه الصلاة والسلام ليصلي، وآذنه بلال بالصلاة، فقام صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين فقال: {ضعوا لي ماءً في المخضب -وهو المغتسل- فاغتسل صلى الله عليه وسلم، فقام لينوء فما استطاع، فقال: ضعوا لي ماء في المخضب، فلما اغتسل قام لينوء فما استطاع، -كان يسقط على فراشه بأبي هو وأمي- فقال في آخر مرة، وهي الخامسة كما في الصحيحين: مروا أبا بكر فليصل بالناس. وانبعث الصوت إلى المسجد، وأتى بلال، فقالوا: يا بلال! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: مر أبا بكر فليصل بالناس، فبكى بلال وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، يا أبا بكر صل بالناس}. وعند ابن كثير في السيرة: قال أبو بكر متواضعاً محتقراً نفسه رضي الله عنه وأرضاه: يا عمر! صل بالناس. قال: بل أنت صل بالناس. وورد بسند جيد: {أن عمر صلى فريضة، والرسول صلى الله عليه وسلم مريض، فلما سمع صوته قال: لا. يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر} فأين دعاة البدعة الذين يقولون: إن أبا بكر ليس هو الموصى إليه، وأن الوصية كانت إلى غيره، فقد رضيه صلى الله عليه وسلم لديننا وصلاتنا، أفلا يرضاه لمعاملاتنا ودنيانا؟! كذب الأدعياء، وكذب الدجاجلة، إن هو إلا زور افتروه، وكذب دجلوا به على الأمة. وتنشَّط عليه الصلاة والسلام ذات غداة في صلاة الظهر ووجد من نفسه خفة، فقام ليصلي مع الناس، وقام عليه الصلاة والسلام معتمداً على الفضل ورجل آخر، حتى أدخل المسجد صلى الله عليه وسلم، فوضع عن يسار أبي بكر، فجلس صلى الله عليه وسلم يُكبر وأبو بكر يكبر بتكبيره، ويسجد فيسجد أبو بكر لسجوده، والناس يسجدون بعد أبي بكر، فلما سلم عليه الصلاة والسلام رقى المنبر، فلما رقى المنبر كشف عن وجهه الشريف الذي ضمر بالحمى، واصفر بالمرض، ورق بالألم، فقال للناس: {يا أيها الناس: إني أنهاكم عن الشرك فلا تشركوا بالله} كما أوردها ابن كثير، ثم قال وهو على المنبر، بل كرر هذا الحديث ثلاث مرات: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} يحذر من الشرك، ثم قال: {اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد} ثم أوصاهم بالتوحيد، فكان حرصه على التوحيد في أول الطريق، وفي وسط الطريق، وفي آخر الطريق.

موته صلى الله عليه وسلم

موته صلى الله عليه وسلم ثم عاد عليه الصلاة والسلام، وفي آخر يوم -يوم الإثنين- وما أدراك ما يوم الإثنين! يوم قبض فيه رسول البشرية، ومعلم الإنسانية، وهادي البرية، يوم توفاه الله إليه ليكرمه جزاء ما قدم للأمة، يوم قبضه الله، قال أنس: [[ظننا أن القيامة قامت يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم]] أي مصيبة أكبر من مصيبة وفاته على الأمة؟! أي حدث وقع في تاريخ الإنسان يوم توفي خير إنسان وأفضل إنسان عليه الصلاة والسلام؟! ولكن نقول الآن وبعد الآن ويوم نلقى الرحمن: إنا لله وإنا إليه راجعون! {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157]. قال أنس رضي الله عنه وأرضاه كما في الصحيح: {كشف صلى الله عليه وسلم لنا ونحن في الصلاة، فنظرنا إلى وجهه وهو في حجرة عائشة، وكأن وجهه ورقة مصحف، فلما رآنا صفوفاً كدنا نفتتن} قال أهل العلم: نفتتن، أي: استبشاراً وفرحاً، ظنوا أنه قد عاد إلى صحته، وظنوا أنه قد تشافى من مرضه، ولكنه يتبسم يا لقلبي ويا لشعري ما لهذا التبسم، ومالهذا التعجب! إنه -إن شاء الله- تبسم لأنه رأى الصفوف منتظمة، ورأى الدعوة حية، ورأى الرسالة منتصرة، ورأى لا إله إلا الله مرتفعة، ورأى أبا بكر يصلي بالناس، ورأى دعوة التوحيد قد ضربت بجرانها في الجزيرة، فحق له أن يتبسم. يتبسم لأنه ترك جيلاً مؤمناً، وكتيبة موحدة، وترك جيشاً يوالي لله ويعادي في الله، ويموت من أجل الله، ثم رد الستار، ولكنه تبسم أخير ومنظر أخير، ما بعده إلا الموت، ثم أتى عليه الصلاة والسلام فمرضته عائشة رضي الله عنها وأرضاها، جلس عليه الصلاة والسلام ووضع رأسه الشريف في حجرها، ويا لسعادة الزوجة بزوجها! ويا لسعادة الحبيبة بحبيبها! ويا لفرحتها بمؤنسها وبرجلها في آخر عمره وهو يلصق رأسه بحجرها رضي الله عنها وأرضاها! كانت تقول: {توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري} وفي الصحيح قالت: {توفي بين حاقنتي وذاقنتي} فأخذت تتلو عليه القرآن، وتعوذه بالمعوذات؛ لأنه أصبح لا يستطيع أن يقرأ أو يتلو. اشتد عليه الكرب عليه الصلاة والسلام، وفي تلك الفترة دخل عليه أسامة بن زيد حبه وابن حبه، كان مولى، ولكن الحب والود في الله، فما استطاع عليه الصلاة والسلام أن يكلم أسامة، وقد جهز له جيشاً يرسله إلى البلقان، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه، وما سمعوا له كلاماً كما في السيرة يرفعها ثم يردها، قال أسامة: فعلمت أنه يدعو لي صلى الله عليه وسلم. ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر، والرسول صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت، ومع عبد الرحمن سواك من أراك يستاك به، وهو صهره ورحيمه، فنظر إلى السواك؛ لأنه طيب، فمه طيب، ونفسه طيب، وكلامه طيب، وحياته طيبة، ومماته طيب، قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: {فعلمت أنه يريد السواك، فأخذته فقضمته ثم غسلته ودفعته إليه صلى الله عليه وسلم، فاستاك كأشد ما يستاك في الحياة صلى الله عليه وسلم} وأخذ يدير السواك بقوة، ليلقى الله طيباً، فإن حياته طيبة، ووفاته طيبة {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. ثم أعاد صلى الله عليه وسلم قضية التوحيد ورسالة التوحيد -يا أهل التوحيد- وهو في سكرات الموت، كان يأخذ خميصة فيبلها بالماء، ويجعلها على وجهه ويقول: {لا إله إلا الله، اللهم هوِّن عليَّ سكرات الموت، لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، لا إله إلا الله، اللهم هوِّن عليَّ سكرات الموت} ثم قال صلى الله عليه وسلم: {لعن الله اليهود والنصارى -مرة ثانية- اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} وعند مسلم: {قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا تتخذوا قبري مسجداً، فإني أنهاكم عن ذلك} فهو يوصي بالتوحيد صلى الله عليه وسلم. ثم من كمال إشفاقه أوصى بالصلاة وهو في سكرات الموت أين الذين يوصون بالقصور والفلل؟ أين الذين يوصون بالأموال والمناصب؟ أين الذين يوزعون التركات؟ ها هو سيد البشر وخير البشر صلى الله عليه وسلم يوصي بالصلاة، ويقول وهو في الرمق الأخير: {الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم، الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم، الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم} ثم يشير بسبابته صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، فترتفع روحه إلى الحي القيوم، إنا لله وإنا إليه راجعون! صلى الله على محمد رسوله، نشهد بالله شهادة ندخرها ليوم العرض على الله، أنه ما مات إلا وقد دلنا على كل خير، وحذرنا من كل شر، وبلغ الرسالة، ونشهد أنه أدى الأمانة. وانصرع صلى الله عليه وسلم في ذاك المصرع، الذي لا بد أن يصرعه كل واحد منا، فجهز نفسك وقدم لها، وتهيأ لذاك المصرع، فو الله لتصرعَن يوماً ما، ووالله لتأخذن روحك خلسة، فتهيأ لذاك المصرع، أعاننا الله وإياك وكل مسلم عليه.

موقف الصحابة من موته صلى الله عليه وسلم

موقف الصحابة من موته صلى الله عليه وسلم وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت، وبقي جثمانه الشريف في غرفة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ولكن ماهو حال الصحابة؟ فداً لك من يقصر عن فداك فلا ملك إذاً إلا فداكا أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى وقف الصحابة في موقف لا يعلمه إلا الله، وفي دهشة لا يعلمها إلا الحي القيوم، كلهم يكذب الخبر، ولا يصدق إلا من أتاه اليقين طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي وقفوا حول مسجده صلى الله عليه وسلم، وأغلق بابه الشريف على جثمانه، وبقيت عائشة رضي الله عنها وأرضاها تبكي مع النساء، أما السكك فقد امتلأت بالبكاء والعويل والنحيب، وأما عمر رضي الله عنه وأرضاه فوقف عند المنبر يسل سيف الإخلاص والصدق الذي نصر به دين الله، ويقول: يا أيها الناس: من كان يظن أن رسول الله قد مات، ضربت عنقه بهذا السيف. ولكن البكاء غلب والنحيب والعويل زاد، أما أبو بكر فكان غائباً في ضاحية من ضواحي المدينة في مزرعته، ما يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوفى في ذلك اليوم، بأبي هو وأمي! فسمع الخبر فأتى على فرسه، وقد ثبته الله يوم أن يثبت أهل طاعته، وقد سدده الله يوم أن يسدد أهل التوحيد. فأتى بسكينة ووقار، كان رجل المواقف، ورجل الساعة، وكان اختياره صلى الله عليه وسلم موفقاً في إمامة أبي بكر، فأتى وإذا الناس لا يزدادون من البكاء إلا بكاء، ولا من العويل إلا عويلاً، ولا من النحيب إلا نحيباً، فقال: ماذا حدث؟ قالوا: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات رسول الله، أتدرون ماذا قال؟ قال: الله المستعان! الله المستعان نلقى بها الله، والله المستعان نعيش بها لله، والله المستعان نتقبل بها أقدار الله، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! إنها كلمة الصابرين حين يصابون بصدمات في الحياة، إنها كلمة الأخيار حينما تحل بهم الكوارث من أقدار الله وقضاء الله. ثم دخل وشق الصفوف في سكينة على فرس له، وبيده عصا، ويشق الصفوف بسكينة ووقار، حتى وصل إلى البيت ففتح الباب، ثم أتى إليه صلى الله عليه وسلم، فكشف الغطاء عن وجهه، ثم قبله وبكى ودمعت عيناه الشريفتان على وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قال: [[بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما أطيبك حياً وما أطيبك ميتاً، أما الموتة التي كتبت عليك فقد ذقتها، ولكن والله لا تموت بعدها أبداً، والله لا تموت بعدها أبداً، والله لا تموت بعدها أبدا ً]. ثم خرج رضي الله عنه وأرضاه إلى الناس وعصاه بيده، فأسكتهم، وقال لـ عمر: يـ ابن الخطاب! اسكت، فلما سكت الناس، وهم ينظرون إلى القائد الجديد الملهم، إلى هذا الإمام الموفق، إلى هذا الخليفة الراشد، وهو يتخطى الصفوف حتى صعد المنبر، فيستفتح خطابه بحمد الله والثناء على الله، فالمنة لله والحمد لله، والأمر لله من قبل ومن بعد، ثم يقول: [[يا أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]]] فكأن الناس سمعوها لأول مرة، وكأنها ما مرت على أذهانهم، ثم عاد رضي الله عنه وأرضاه. أما الصحابة رضوان الله عليهم فقد أصيبوا بمصيبة في الصميم كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر ثوى طاهر الأدران لم تبق بقعة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر عاد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كلهم يتلمح مصلاه صلى الله عليه وسلم، كلهم ينظر إلى ممشاه وإلى مجلسه وإلى ذكريات كلامه، فما أصبح يرى ذاك الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أصبح يعيش تلك الأيام، يقول جابر كما صح عنه: [[ما دفنَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفضنا أيدينا من تراب قبره حتى أنكرنا قلوبنا]] وأورد صاحب مجمع الزوائد عن عثمان رضي الله عنه وأرضاه، [[أن p=1000029> عمر مر به فسلم عليه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يرد عليه السلام، فذهب عمر إلى أبي بكر فاشتكى عثمان وقال: سلمت عليه فلم يرد علي السلام، فاستدعاه أبو بكر، وقال: يا عثمان! سلَّم عليك أخوك عمر فلم ترد عليه السلام، فقال: يا خليفة رسول الله! والله ما علمت أنه سلَّم علي قال: لعلك داخلك ذهول أو دهش من وفاته صلى الله عليه وسلم قال: إي والله، فجلسوا يبكون]]. وفي الصحيحين من حديث أنس قال: قال أبو بكر لـ عمر رضي الله عنه وأرضاه: يا عمر! اذهب بنا إلى أم أيمن -هذا بعد وفاة رسول الله، وهي مولاة كانت مرضعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عجوز مسنة كان يزورها صلى الله عليه وسلم في حياته- قال: اذهب بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان صلى الله عليه وسلم يزورها يا للتواضع! يا للتمسك بالسنة! يا للحرص على الأثر! فذهبا رضوان الله عليهما، فلما وصلا إلى أم أيمن بكت، فقالا: ما يبكيك يا أم أيمن؟ قالت: أبكي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: والله إني أعلم ذلك، ولكن أبكي على أن الوحي انقطع من السماء. فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان رضوان الله عليهما.

مبايعة أبي بكر بالخلافة

مبايعة أبي بكر بالخلافة وقبل أن يدفن جثمانه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، وإذا بضجة في سقيفة بني ساعدة، وسمع الخبر أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، وإذا الأنصار قد اجتمعوا يتشاورون في الخلافة، فذهب الثلاثة إليهم، قال عمر: [[وقد زوَّرت كلاماً في صدري لأقوله -كما في البخاري - لأن أبا بكر كان مشغولاً، فأسكتني أبو بكر، ثم تكلم، فو الله ما ترك كلمة إلا جاء بأحسن منها، فقال رضي الله عنه وأرضاه: يا معشر الأنصار! آويتم ونصرتم وكفيتم وواسيتم، فجزاكم الله عن الإسلام وعن المسلمين خير الجزاء، والله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال طفيل الغنوي: جزى الله عنا جعفراً حيث أشرفت بنا نعلنا في الشارفين فضلت هُمُ خلطونا بالنفوس وألجئوا إلى غرفات أدفأت وأظلت ]] فبايعوه بالخلافة وعادوا إلى جثمان الحبيب صلى الله عليه وسلم.

تغسيل النبي صلى الله عليه وسلم

تغسيل النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا أين يدفنونه عليه الصلاة والسلام، وإن كان للبقع وللأراضي أن تتمنى جثماناً تساكنه، فلسان حال التراب أن يتمنى جثمانه الشريف صلى الله عليه وسلم، فلما اختلفوا قال أبو بكر: يا أيها الناس! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن النبي إذا مات أو قبض دفن في المكان الذي قبض فيه} ولكن قبل الدفن أتى التغسيل، وأتت مراسيم الغسل، وكان للعباس وللفضل ولـ علي شرف تغسيله صلى الله عليه وسلم، قال علي رضي الله عنه: اختلفنا في كيفية تغسيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقي علينا النعاس، ونحن بالماء حوله صلى الله عليه وسلم، حتى نمنا وإن لحية أحدنا إلى صدره، فسمعنا هاتفاً يقول: {اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من فوق ثيابه} وهذا سند صحيح، فغسلوه من فوق ثيابه، طيباً مباركاً مهدياً، عليه السلام يوم ولد، وعليه السلام يوم بعث، وعليه السلام يوم مات، وعليه السلام يوم يبعث حياً.

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأما الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فعند البيهقي بسند لا بأس به، قال عليه الصلاة والسلام: {إذا وضعتموني على شفير القبر فدعوني ساعة، فإن الملائكة سوف تصلي علي، ثم صلوا علي زرافات ووحداناً، ثم صلوا علي في أي مكان، فإن صلاتكم تبلغني} فصلى الله عليه وسلم ما دامت الأرض، وصلى الله عليه وسلم ما دام في الأرض إسلام ومسلمون، وصلى الله عليه وسلم ما تعاقب الليل والنهار، وما فاح شذا الأزهار، وما تدفقت مياه الأنهار، جزاء ما قدم للأمة، فإنه صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي. قالوا: يا رسول الله! كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ -أي: بليت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء} فجسده في قبره سليماً عليه الصلاة والسلام، وروحه عند الله، ولكنه لا يملك في قبره ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً. لا يطلب منه الدعاء، ولا يتوسل به وهو في قبره، ولا يستشفع به بعد موته في قبره، ولا ترفع إليه الحوائج ممن يأتي إلى قبره، بل هو في قبره عليه الصلاة والسلام، لم تأكل الأرض جسده الشريف عليه الصلاة والسلام دائماً وأبداً سرمداً. نعم دفن عليه الصلاة والسلام بعدما صلى عليه الناس زرافات ووحداناً، وذكر الشوكاني في نيل الأوطار: أن من صلى عليه صلى الله عليه وسلم يبلغون سبعة وثلاثين ألفاً من الرجال والنساء، من المهاجرين والأنصار، ما كان لهم إمام يصلي بهم، بل صلى كل إنسان منهم على حدة، وكان في الصف الأول أبو بكر وعمر، حفظ من دعائهما رضي الله عنهما أنهما قالا: [[صلى الله وسلم عليك يا رسول الله، نشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حتى أتاك اليقين]].

دفنه صلى الله عليه وسلم

دفنه صلى الله عليه وسلم وضع في قبره عليه الصلاة والسلام، ورد عليه التراب، ودفن كما يدفن الإنسان، ما خلَّف عليه الصلاة والسلام درهماً ولا ديناراً، ولا عقاراً ولا قصوراً ولا مناصب، وإنما ذهب كما أتى، ذهب سليم اليد، أبيض الوجه، طاهر السريرة، ولكن خلَّف ديناً خالداً وخلَّف رسالة، مات الداعية ولكن ما ماتت الدعوة، مات الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن ما ماتت الرسالة، مات البشير النذير، ولكن ما ماتت البشارة والنذارة، ترك لنا تراثاً أيما تراث، قرآناً حكيماً {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] وسنة طاهرة للمعصوم فيها صلاح العبد في الدنيا والآخرة.

تركته صلى الله عليه وسلم

تركته صلى الله عليه وسلم وعادوا إلى تركته ولا تركة له فيا من جمع الأموال ولم يقدم ما ينفعه عند الواحد القهار! هذا خيرة خلق الله، وهذا صفوة عباد الله، ذهب والله ما تلوث منها بشيء، يمر عليه الشهر بعد الشهر ولا يوقد في بيته نار، ويمر عليه ثلاثة أيام وهو في جوعه صلى الله عليه وسلم، فالله المستعان كفاك عن كل قصر شاهق عمد بيت من الطين أو كهف من العلم تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم إذا ملوك الورى صفوا موائدهم على شهي من الأكلات والأدم صففت مائدة للروح مطعمها عذب من الوحي أو عذب من الكلم ذهب عليه الصلاة والسلام وبقي بيته من طين، وبقيت بعض الدراهم ليست له، أنفقت في الصدقات وفي سبيل الله، وأتى أبو بكر فقال لقرابته ولبناته صلى الله عليه وسلم لما طلبوه الميراث، قال: {سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنا لا نورث، ما تركناه صدقة} وعند أحمد في المسند: {إنا لا نورث ما تركنا صدقة} فما ترك صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولكن ترك هذا الدين، اجتماعنا بهذه الوجوه الطيبة النيرة حسنة من حسنات، وهذه المساجد والمنابر حسنة من حسنات رسالته، وهذه الدعوة الخالدة والرسالة القائمة فضل من فضل الله ثم من فضله صلى الله عليه وسلم. نعم. مضى إلى الله صلى الله عليه وسلم، فإنا لله وإنا إليه راجعون! وحسبنا الله على كل ما يصيبنا! فإنه قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يا أيها الناس: من أصيب بمصيبة فليتعز بي، فإني عزاء لكل مسلم} إي والله وإذا أتتك من الأمور بلية فاذكر مصابك بالنبي محمد إذا مات ابنك فاعلم أن ابنك لا يكون أحب في قلبك إن كنت مؤمناً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن مات أبوك أو أمك أو قريبك أو صفيك، فاعلم أنهم لا يعادلون ذرة في ميزان الحب مع حبه صلى الله عليه وسلم، تذكر أنه مات، وأنه صلى الله عليه وسلم عند ربه، يستشهده الله علينا هل بلغنا ما علينا؟ ويستشهده الله علينا هل سمعنا وأطعنا أم لا؟ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41].

عبر من وفاته صلى الله عليه وسلم

عبر من وفاته صلى الله عليه وسلم يا من أراد العبرة من وفاته صلى الله عليه وسلم! فأعظم عبرة أن تتجه وأن تستقيم على مبدأ لا إله إلا الله، وأعظم موعظة وأعظم نصيحة أن تأخذ ميراثك وحظك من تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كانت تركته أموالاً، ولا سيارات، ولا قصوراً، ولكن قرآن وسنة، قال أبو هريرة لأهل السوق وهم في المدينة: [[يا أهل السوق! تتبايعون بالدرهم والدينار، وميراث محمد صلى الله عليه وسلم يقسم في المسجد، فهرعوا إلى المسجد، وتسابقوا إلى المسجد؛ فرأوا حلقات الذكر، ورأوا القرآن والحديث -ومسائل تطرح، مجلس مثل هذا المجلس العامر- فقالوا: أين التركة يا أبا هريرة؟ أين الميراث يا أبا هريرة؟ قال: ثكلتكم أمهاتكم؛ وهل ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً أو ديناراً، إنما ترك العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر]]. فأكبر عبرة أن تنقذ نفسك من غضب الله، باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. والعبرة الأخرى: أن تعلم أن قضية التوحيد أخطر قضية في حياة الإنسان، كان ينادي بها صلى الله عليه وسلم قائماً وقاعداً وعلى جنبه، وفي حياته وفي مماته، في سكرات الموت يقول: لا إله إلا الله، وفي سكرات الموت يقول: {لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}. والعبرة: أن الرسالة باقية، وأن هذا الدين لا يموت، قد يمرض أهله، ولكنه لا يمرض، لا تصيبه حمى أبداً، لأنه دين محفوظ من عند الله، قال الله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. وعبرة أخرى: وهي أن الدنيا تافهة وحقيرة، فعجباً لعبادها! وعجباً للساجدين لها! وعجباً لمن يركع عند أبوابها! أما اتعظوا برسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أما أخذوا درساً من رسالته؟ أما سمعوا ما فعل يوم ما ترك إلا الجميل والعمل الصالح؟ لا نقول للناس: اتركوا الأموال، واخرجوا من القصور، ولا تركبوا السيارات، ولكننا نقول: اسكنوا في القصور، واجمعوا الأموال، واركبوا السيارات، ولكن لا تنسوا نصيبكم من الحي القيوم، اذكروا حفرة ضيقة، اذكروا لقاءكم عند الله يوم تأتون حفاة عراة غرلاً بهماً، اذكروا يوم يقول الله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]: ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا وعبرة أخرى: أن المسلم لا يهمه ولا يشغله عن الله شاغل، ومن شغله عن الله شاغل شغله الله، وطبع الله على قلبه وأنساه ذكره، فالرسول صلى الله عليه وسلم على كثرة أعماله وأشغاله، وعلى كثرة ما ينوبه من أغراض وأعراض ما نسي الله لحظة واحدة، حتى في سكرات الموت يقول: لا إله إلا الله! ويوصي بحقوق الله ويقول: {الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم} فالله الله في ذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وعبرة أخرى تؤخذ من سياق وفاته صلى الله عليه وسلم: وهي أن الموحد حقاً لا يحتج بالأحداث، لأنه يعيش لله ويموت لله ويبعث إلى الله، فـ أبو بكر ما خارت قواه، وما انهد ولا انهزم ولا فشل في ذاك الموقف، بل علم أنه يعبد الله حياً لا يموت، وأنه يعبد باقياً سُبحَانَهُ وَتَعَالى ودائماً دواماً سرمدياً، فالتجأ إليه، وأخبر الناس أن كل إنسان يموت، فمن كان يعبد محمداً فإنه قد مات صلى الله عليه وسلم، ولكن الله لا يموت. وعبرة أخرى: أن لكل مسلم ساجد سهماً في التركة، فالله الله لا تترك سهمك، فإنك إن تركت سهمك قيض الله من يأخذ عنك، واستغنى الله عنك والله غني حميد، فخذ حظك من هذه التركة، وخذ سهمك من هذا الميراث؛ لتلقى الله وأنت سعيد يشهد لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأسأله كما جمعنا في هذا المكان أن يجمعنا به صلى الله عليه وسلم. نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32] فأكثروا -أيها الناس- من الصلاة والسلام على رسول الله، واتبعوه ظاهراً وباطناً، واحرصوا على سنته، فإن تعظيمه حق التعظيم وتوقيره حق التوقير عليه الصلاة والسلام في التمسك بسنته، وفي الأخذ بآدابه، وفي اغتنام سيرته والتمثل بها في الحياة؛ لنلقى الله وقد رضي عنا ورضينا عنه. ربنا تقبل منا أحسن ما عملنا، وتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. اللهم إن هذه الوجوه قد اجتمعت في مرضاتك، وهذه القلوب تحابت في مودتك، فنسألك يا حي يا قيوم ألا تحرمنا شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأسقنا من كوثره ومن حوضه المورود، يوم يرد الناس ظامئون فيروى من اتبع السنة، اللهم أسقنا وأسق كل واحد شربة لا يظمأ بعدها أبداً. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

صحة استئذان الملك للرسول صلى الله عليه وسلم

صحة استئذان الملك للرسول صلى الله عليه وسلم Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل صحيح أن الملك استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أتى ليقبض روحه عليه الصلاة والسلام؟ A الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً هذا الأمر قد ورد، ولكن حسب ما اطلعت عليه أن هذه الرواية ضعيفة، ولذلك تجنبت إيرادها في هذه الجلسة.

صحة حديث: (أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة)

صحة حديث: (أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة) Q ما مدى صحة الحديث الذي يقول: {أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة، فإن الصلاة تبلغني حيث كنتم} الحديث؟ A هذا الحديث جاء من حديث أوس بن أوس، ورواه أهل السنن، ونصه: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أكثروا من الصلاة والسلام عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة؛ فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله! كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ -أي: بليت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء} هذا الحديث صحيح، وهناك حديث في مسلم: {إن لله عز وجل ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام} فهذا سند معاضد لذلك الحديث مع أن ذاك بذاته صحيح.

دعاء الرسول لنفسه بإزالة المرض

دعاء الرسول لنفسه بإزالة المرض Q ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قادراً على أن يدعو الله بأن يزيل عنه المرض؟ وهل كان يريد التخلص من الدنيا؟ ولماذا؟ A أما هل الرسول صلى الله عليه وسلم كان بإمكانه أن يدعو الله في أن يزيل عنه المرض، فذلك وارد، لكن الظاهر أن هذا خلاف الأولى، وأن الله عز وجل يرفع بالأمراض والمصائب من يصيبه من عباده، ويبتلي الناس على قدر إيمانهم، وأكثر الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فلذلك كان باستطاعته صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله، ولكن ما دعا عليه الصلاة والسلام ليرفع الله درجته بهذا، وليعظم مثوبته، فهنيئاً مريئاً له صلى الله عليه وسلم. وهل أراد صلى الله عليه وسلم أن يتخلص من الحياة؟ وردت بعض الألفاظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {دعوني فو الله إنَّ ما أنا فيه خير مما أنتم فيه} وورد في الصحيح: {أنه صلى الله عليه وسلم لما كانت تنفث عليه زوجته عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أخذ يده واختلسها من يدها، وقال: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، فقالت: خيرت يا رسول الله فاخترت} فهو اختار لقاء الله بلا شك، دل على ذلك الحديث الذي في مسند أحمد عن أبي مويهبة، قال: {لا. لكني أريد الرفيق الأعلى} فهو يريد لقاء الله، وما عند الله فهو خير له من الدنيا بلا شك، وثوابه مدخراً له ومجموعاً له عند ربه.

سماع الأغاني

سماع الأغاني Q ما هي نصيحة فضيلة الشيخ لسامعي الأغاني؟ A سامع الأغاني أوصيه وأوصي نفسي وكل مسلم أن يتقي الله عز وجل، وأن يأخذ من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم مواعظ ترده عن استماع هذا اللغو وهذا اللهو، الذي يشتت القلوب ويبعدها عن باريها، ويقسيها عن الموعظة، وليتذكر تلك الحفرة القبر الموحش يوم يقدم على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويعلم أنه لا زاد إلا العمل الصالح، ولا مؤنس إلا العبادة، ولا أنيس إلا في ما قدم من خير، فليتق الله في نفسه، وليحفظ الله في أذنيه، فوالله ليسألن عن أذنيه وعن عينيه وعن كل جارحة، فاتق الله يا عبد الله، ولا تضيع قلبك بالغناء، فما وقعت فاحشة ولا جريمة إلا بسبب هذا الصوت المجرم الآثم، وما ضيع كثير من شباب الإسلام ومن فتيان الدعوة إلا بسبب هذا الغناء الذي انتشر في أوساطنا، فحبب الزنا، وحبب الفحش والإثم إلى كثير من القلوب، بل هو أسرع إلى الجريمة من الخمر إلى العقول، وسمَّاه ابن القيم: بريد الزنا، وقال عمر بن عبد العزيز لأبنائه: إياكم واستماع الغناء فإنه يشغل عن ذكر الله. وورد في حديث ابن مسعود: [[إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت البقل من المطر]] وبعض المحدثين يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري أنه قال كما جاء من حديث أبي مالك الأشعري: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف} فاستحلال المعازف بعد تحريمها. فالله الله في أن يتقي المسلم ربه، وأن يحاسب نفسه، وأن يعد لذلك اللقاء {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].

صحة حديث: (قتلني اليهود)

صحة حديث: (قتلني اليهود) Q ما صحة الرواية في وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حينما كان يقول: {قتلتني يهود قتلتني يهود} وذلك من أثر السم الذي وضع له في النعجة التي قدمتها اليهودية؟ A أما لفظ: قتلتني يهود قتلتني يهود، فما أعلم عنه شيئاً، وأما هل كانت وفاته بآثار ذلك السم الذي وضعته اليهودية؟ فهذا صحيح ووارد، وأسانيده صحيحة ذكرها أهل العلم، وجمعها ابن كثير في كتاب السيرة من وفاته صلى الله عليه وسلم، قال ابن كثير: والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نبي رسول شهيد. فإن الله جعله شهيداً بآثار تلك الأكلة، وهي من الشاة المسمومة، ويقول عليه الصلاة والسلام: {هذا أوان انقطاع أبهري} قال ابن الأثير: الأبهر عرق متصل بالقلب إذا انقطع مات الإنسان. فعلم أن ذلك من آثار تلك الأكلة، وقد مات بشر بن البراء قبله صلى الله عليه وسلم، ثم لحقه صلى الله عليه وسلم.

أسباب خشية الله

أسباب خشية الله Q فضيلة الشيخ! إنني من الذين قست قلوبهم وأصبحت أقسى من الحجارة، وإنني أدخل المقبرة ليلاً ونهاراً فلم يزدني ذلك خشوعاً بل زادني قسوة، وإنني أرى الميت يدفن في اللحد، ولكن قلبي لا يلين، فما هي طرق رقة القلب وفقك الله؟ A قسوة القلب كلنا ذاك الرجل الذي يشكو منها، ونسأل الله أن يلين قلوبنا لذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وطاعته، قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بعدها: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد:17] فنسأله كما أحيا الأرض بعد موتها بغيث المطر، أن يحيي قلوبنا بعد موتها وقسوتها بالذكر. أما قسوة القلوب فذكروا لها أسباباً، ومن ضمن من تفنن في ذلك وبرع ابن القيم، فقد ذكر من أسباب قسوة القلب: البدعة؛ نعوذ بالله من البدعة، وهي أعظم صاد عن منهج الله بعد الكفر، ثم المعصية، فإنها ترين على القلب وتطبع عليه، ثم الإسراف في المباحات؛ من كثرة الأكل والشرب والنوم، وكثرة الكلام بغير ذكر الله، وكثرة خلطة من لا ينفع ولا تقربك خلطته من الله، هذه من أسباب قسوة القلب. أما الأسباب المؤدية -بإذن الله- إلى رقة القلب، فتكمن في مدارسة كتاب الله عز وجل، والجلوس معه، والخشية، والخشوع، والترنم بالصوت، وتكرار الآيات، والتدبر لما فيها من عبر وعظات، ثم زيارة القبور، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي: {زوروا القبور فإنها تذكر بالآخرة} وقال عليه الصلاة والسلام: {اذكروا هادم اللذات} زاد بعض أهل العلم في رواية: {فما ذكر في قليل إلا كثره ولا في كثير إلا قلله}. ومن أسباب رقة القلب: قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقراءة سيرة الأخيار من الصحابة والتابعين وكل صالح إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومن أسباب رقة القلب: ذكر الله عز وجل، قال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] فكثرة الذكر والاستغفار والتهليل والتكبير من أسباب الرقة. ومنها: مجالسة الصالحين، ثم التنفل إلى الله عز وجل، ومن وفقه الله سبحانه وتعالى أراه الخير وسدده وأخذ بيده، فنسأل الله لنا ولكم السداد والثبات.

محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وأسبابها

محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وأسبابها Q أرجو أن تخبرنا بالطرق المؤدية لمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ A أعظم الطرق المؤدية إلى محبته صلى الله عليه وسلم: العمل بسنته صلى الله عليه وسلم، فقد جاء اليهود إليه صلى الله عليه وسلم يقولون: نحب الله ولكن لا نتبعك، فكذب الله قولهم ورد مقالتهم، فقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] فمن أراد حبه صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يرزقه الله حب الرسول عليه الصلاة والسلام فليعمل بسنته، وليحرص على التمثل بآثاره، فإن هذا هو الحب، وإن الذي يزعم الحب بقلبه ثم يخالف بفعله، أو لا يتنسك بنسكه صلى الله عليه وسلم فهو كاذب، فلا بد أن تظهر عليه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعظمها اعتقاد أن لا إله إلا الله. ومن الأمور التي يتهاون بها كثير من الناس: الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في الزي وفي اللحى وفي السواك وفي كل أثر، فإن من يتهاون في هذه الأمور معنى ذلك أنه يشهد على نفسه الله والمؤمنين أنه ليس بمحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر ذاك الزعم الذي يزعمه. والسبب الثاني من أسباب محبته صلى الله عليه وسلم: قراءة حديثه، والجلوس مع ميراثه وتركته صلى الله عليه وسلم، وشرب الماء العذب من نبعه الطاهر الصافي الذي لم يصبه غبش، فإنه صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى. والسبب الثالث: كثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، فإنها من أعظم الأمور، ومن أعظم الأجور، ومن صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشراً، بل خاطبنا الله بذلك ونادانا فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] فهذه الأمور وغيرها من الأمور التي يفتحها الله عز وجل على من يعمل بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تؤدي إلى حبه صلى الله عليه وسلم بإذن الله.

حديث: (من عظمت عليه مصيبة)

حديث: (من عظمت عليه مصيبة) Q ما مدى صحة هذا الحديث: {من عظمت عليه مصيبة، فليذكر مصيبة الناس بي}؟ A هذا اللفظ لا أعرفه، إنما أعرف قوله صلى الله عليه وسلم: {من أصيب بمصيبة فليتعز بي، فإنني عزاء لكل مسلم} وهذا كما قال أهل العلم: حديث حسن، وإذا أراد الأخ أن يراجع فليراجع كتاب السيرة من تاريخ ابن كثير في البداية والنهاية، فإنه تكلم عن هذا الحديث، وأرى من كلام أهل العلم أنه في درجة الحسن؛ لأنه ليس في الصحيحين ولا في أحدهما، ولكن رواه بعض أهل العلم بأسانيد، ومجموع هذه الأسانيد تدل على أنه حسن.

حكم بيع جهاز التصوير

حكم بيع جهاز التصوير Q إنني أملك جهاز تصوير ولا أستعمله، وهناك شخص يريد أن يستعمل هذا الجهاز ويلح في طلبه، هل بيع هذا الجهاز واستخدام النقود جائز أم لا؟ A إن كنت تعلم أن هذا الرجل الذي يريد شراء الجهاز سوف يستخدمه في المعصية وفيما يضر بدين الله عز وجل وفي المسلمين، فليس لك أن تعينه على المعصية ولا تبع هذا الجهاز منه، وإن كان الأمر مطلقاً، ولا تدري لماذا يشتريه، أو علمت أنه يشتريه لمصلحة، أو لأمر فيه صلاح وخير، فلك أن تبيع هذا، والله يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه.

تعبد النبي صلى الله عليه وسلم في قبره

تعبد النبي صلى الله عليه وسلم في قبره Q هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره يتعبد أم لا؟ نرجو التوضيح جزاكم الله خيراً. A هذا ليس بصحيح، قول القائل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قائم يتعبد في قبره ليس بصحيح، بل رفع التكليف، والتكليف إنما هو في الحياة؛ الصلاة والصيام والعبادات هي في الحياة الدنيا، فإذا توفي العبد فقد انتهى وما بقي إلا الحساب، ولم أر في سند صحيح ولا حسن ولا ضعيف أن الرسول عليه الصلاة والسلام يتعبد في قبره، ومن اطلع على شيء فليفدنا بهذا، ولينفعنا بهذه القضية جزاه الله خيراً.

صلاة الجنازة على النبي صلى الله عليه وسلم

صلاة الجنازة على النبي صلى الله عليه وسلم Q هل يجوز أن أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجنازة في هذا المكان أو غيره؟ A لا يجوز لك أن تصلي عليه صلاة الجنازة صلى الله عليه وسلم، بل تصلي عليه وتكرر الصلاة والسلام عليه دائماً وأبداً. أما صلاة الجنازة بهيئتها المعروفة وبتكبيراتها، فليس لك ذلك؛ لأنه أمر محدث، ولم يسبقك إلى هذا من هو أعلم وأنصح وأصدق منك، من الصحابة والتابعين والسلف الصالح و {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} فلو سُبقت إلى هذا أو كان هناك حديث يدل على هذا كان لك وجه، أما والقضية هكذا ولم يرد فيها نص من المعصوم، ولا عمل من أصحاب رسول الله؛ فليس لك ذلك، فانتهِ وتمسك بالسنة.

حكم تحية المسجد

حكم تحية المسجد Q دخلت المسجد وصليت تحية المسجد، ثم انتقض وضوئي وذهبت وتوضأت، ثم رجعت ثانية، فهل أصلي تحية المسجد مرة أخرى؟ A نعم. تصلي ركعتين تحية المسجد؛ لأن عموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة الذي رواه البخاري ومسلم: {من دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} يشملك في هذه الحالة، ثم ولو كان لك مخرج من عموم هذا الحديث؛ فإن هناك ركعتي الوضوء، ذكرها ابن تيمية في فتاواه، وقال: ربما كانت من ذوات الأسباب، ويجوز حتى أن تصلي بعد صلاة العصر، وبعد صلاة الفجر، فتصلي بعدما تتوضأ تحية المسجد، وإن شئت فركعتي الوضوء.

رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام

رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام Q هل رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام واردة، وما ضوابطه؟ A صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي} وهذا نص على أن رؤيته صلى الله عليه وسلم حقيقة لا لبس فيها لمن رآه، لكن بضوابط، منها: أن تكون أوصافه عليه الصلاة والسلام التي رآها في المنام هي أوصافه التي كتبت أو حفظت في الكتب، فلا يمكن أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم حليقاً لا لحية له، أو يراه صلى الله عليه وسلم وهو يفعل بعض الأمور المخالفة. بل يراه عليه صلى الله عليه وسلم مثل أن يكون أبيض، مشوباً بحمرة، وأن يكون ربعة، وأن يكون صلى الله عليه وسلم كث اللحية، أقنى الأنف، فهذه علامة الصدق، وبعض أهل العلم يقولون: ويكون الرائي صالحاً، ولكن ما رأيت هذا الشرط في النصوص، فيكتفى أن تكون رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام كما ذكرت في كتب أهل العلم في السنة، ولا يعتبر أن كل من رآه علامة لصلاحه، وعلامة لولايته، بل قد يراه بعض من عندهم فجور ومعاصي تنبيهاً لهم، وإنذاراً وإعذاراً إلى الله عز وجل لمصلحة يعلمها الله تبارك وتعالى. وبعض الصالحين لا يرونه صلى الله عليه وسلم لئلا يصيبهم عجب أو تيه أو كبر أو غرور، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بعباده، فهو يصرفهم كيف يشاء.

حكم كتابة (ص) بدل صلى الله عليه وسلم

حكم كتابة (ص) بدل صلى الله عليه وسلم Q ما حكم من كتب لفظ صلى الله عليه وسلم ورمز لها بالصاد؟ A الذي يكتب صلى الله عليه وسلم ويرمز لها بالصاد قد خالف الأولى في هذا، وفاته أجر كبير وخير عميم وثواب جزيل، بل يغتنم الصلاة والسلام عليه، فإن النووي رحمه الله يذكر من آداب طلب العلم والحديث: أنه إذا ذكر الصلاة فليغتنم الأجر في هذا، فليصل ويسلم عليه صلى الله عليه وسلم وليكتبها؛ لأنها بركة في وقته وفي عمره وفي أجره، وأما رمز (ص) فإنما أتى لنا من بعض من تأثر بالغرب في اختزال الكلمات، فاختزلوا الكلمات ليوفروا على أنفسهم بعض الأجور والثواب ورفع الدرجات، وهذا خطأ، بل يكتب (صلى الله عليه وسلم) وتنطق عند الكتابة، ويعتذر لبعض المحدثين -كما ذكر أهل المصطلح- في أنهم ما ذكروا الصلاة والسلام عليه -صلى الله عليه وسلم- من العجلة، أو أن الشيخ كان يملي، أو أنهم كانوا ينطقونها ويكتفون بنطقها. لكن الأحسن أن تنطقها، وأن تصلي وتسلم عليه صلى الله عليه وسلم كتابةً؛ لتكون لك نوراً عند الله عز وجل.

الرد على من زعم أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم جهرة

الرد على من زعم أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم جهرةً Q ما رأيك فيمن يقول ويدعي أنه يرى في هذه الأيام رسول الله صلى الله عليه وسلم جهرة ليس في المنام، ويخاطبه مشافهة، ويأمره وينهاه عن أمور كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها، كتحليل ما حرم الله وغير ذلك؟ A من زعم أنه يرى الرسول صلى الله عليه وسلم جهرةً لا مناماً، وأنه يأمره وينهاه ويعظه؛ فقد كذب على الله، وافترى على دين الله، وهذا عنده هوس ودجل، ما خجل على نفسه، وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم قد مات، وهو في قبره، ولا يمكن أن يخرج من قبره صلى الله عليه وسلم إلا في البعث، فإذا علم ذلك فهؤلاء خالفوا، وما دل على ذلك آية ولا حديث ولا كلام سلف، وإنما هذا ابتدعه بعض الغلاة من أهل البدع الذين ما عندهم من العلم شيء، ولا من الأثر ولا من الحديث، فهذا قول مردود على صاحبه ليس بصحيح، لا يصدق ولا يسلم لقائله، وإنما هو ضرب من الدجل. والرسول صلى الله عليه وسلم إنما يرى في المنام، وقضية رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام كذلك لا يبنى عليها حكم، فقد جاء في ترجمة ابن مندة وأبي نعيم، مع أنه صحح لـ أبي نعيم بعض الأحاديث، فهذا ليس بصحيح، فالرسول عليه الصلاة والسلام لا يحلل ولا يحرم بعد وفاته، وإنما كانت شريعته في الحياة، وقد بلغها كاملة، وقال الله عز وجل في آخر أيامه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]. فأما أن يأتي في المنام يسأله عن مسألة ويحلل له ويحرم، فهذا ليس بصحيح، وما دل على هذا أثر فليعلم.

حكم الكلام في المسجد

حكم الكلام في المسجد Q ما حكم التحدث في المسجد؟ A الحديث أنواع وأقسام: أما الحديث المنهي عنه فإنه حرام في المسجد وفي غير المسجد، في البيت وفي الشارع وفي السوق، كالغيبة والنميمة والزور واللغو والهراء واللعن، فهذا حرام في المسجد وفي السوق وفي أي مكان، لكن في المسجد أنكى وأمر، وأما الحديث العام في المسجد فما به بأس إن شاء الله، وأما الحديث الذي يستدلون به من منع الحديث في المسجد: {إن الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب} فليس بصحيح، بل هو ضعيف، ولا يعتمد عليه، وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث للصحابة في المسجد، وفي حديث حسن عن جابر بن سمرة قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إلينا بعد صلاة الفجر، فنتحدث في أخبار الجاهلية ونضحك وهو يتبسم} وفي صحيح البخاري: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى علي وهو نائم في المسجد -بعد أن سأل فاطمة زوجة علي رضي الله عنها وعنه- فقال: أين ابن عمك؟ قالت: غاضبني فخرج من هنا، فلما وجده صلى الله عليه وسلم في المسجد قال: قم أبا تراب، قم أبا تراب} وحدثه عليه الصلاة والسلام. وصح في البخاري أن أنساً رضي الله عنه وأرضاه قال: {أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجدته في المسجد يتحدث مع الناس، فدعوته إلى طعام صنعته أم سليم} القصة، بل أكثر من عشرات الأحاديث تدل على أنهم كانوا يتحدثون في المسجد، فللإنسان أن يتحدث في المسجد، لكن لا يفوت عليه الأجر من قراءة قرآن أو تسبيح أو دعاء، فليغتنم هذه الساعة المباركة، وجلوسه في روضة من رياض الجنة، ولا يسرف في الحديث في الدنيا، لكن الأمر جائز والله أعلم.

التعزية عند الموت

التعزية عند الموت Q ما هي الصفة الواردة عند التعزية؟ وهل هذا الدعاء صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول عند التعزية: {أحسن الله عزاءكم}؟ A أما حديث: {أحسن الله عزاءكم} فما أعلم له أصل في حد علمي، ما أعلم أنهم كانوا يقولون: أحسن الله عزاءك، وهناك بدع في وقت التعزية، منها: أن بعض الناس يجتمعون ويذهبون مجموعات إلى بيت الميت، ومنها: أن أهل الميت يجتمعون في استقبال المعزين ويقولون بعض الألفاظ، بل ذكر في أثر أن العزاء ثلاثة أيام، أورد هذا الشوكاني في نيل الأوطار، فالسنة أن يعزى ثلاثة أيام، إما برسالة، وإما باتصال، أو تلقاه في أي مكان، فتدعو له وتترحم على الميت وتوصيه بالصبر، أما لفظ: أحسن الله عزاءك، فما أضبطه.

حكم عمل المرأة في البيع والشراء

حكم عمل المرأة في البيع والشراء Q هل يجوز للمرأة أن تذهب للبيع والشراء وتسافر مع البائعين؟ A المرأة لا ينبغي لها إذا كان هنالك ريبة أو تهمة أو خوف من فتنة أن تخالط الرجال، لا في بيع ولا في شراء ولا غيره، فلتتق الله المسلمة ولتبقَ في بيتها، لكن يجوز لها أن تبيع وتشتري من النساء، أو من ليس فيهم ريبة، كأن تكون عجوزاً كبيرة مسنة مع أطفال، فلها أن تبيع وتشتري كما فعل بعض الصحابيات. أما مع الرجال فليس للمرأة أن تبيع ولا تخالط ولا تشتري ولا تنافس، بل لها أن تبيع للنساء وعليها ببيتها وعليها بتقوى الله عز وجل، فإن بيتها خير لها لو كانت تعلم، وحصنها وسترها واحترامها وأجرها ومثوبتها في تسترها عن الأجانب، ومن تسترت بستر الله سترها الله عز وجل، ومن طلبت الفتنة فتنها الله عز وجل، فنسأل الله السداد والثبات.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " إنكن صواحب يوسف"

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " إنكن صواحب يوسف" Q ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: {إنكن صواحب يوسف، أو صويحبات يوسف}؟ A الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ عائشة: {إنكن صواحب يوسف، أو صويحبات يوسف} بالجمع والتصغير كما في البخاري ومسلم، وذلك عندما قالت عائشة رضي الله عنها لـ حفصة، قولي له: يأمر عمر أن يصلي بالناس، ومقصود عائشة تقول: لئلا يتشاءم الناس بـ أبي بكر، عندما يقوم أول مقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتشاءموا به، فأرادت أن تجعلها في عمر، فالرسول صلى الله عليه وسلم يأبى، فلما أطالوا عليه قال: {إنكن صويحبات يوسف} ومعنى ذلك: أنكن من تلك السلالة ومن ذاك المورد والقسم، وهن صويحبات يوسف اللواتي كدن أن يمكرن به، واجتمعن ليرينه وقطعن أيديهن، هذا على الصواحب، أو من جنس المرأة التي كادت تفتن يوسف، فهم أرادوا غضب الرسول صلى الله عليه وسلم وقت الوفاة، فعزرهم بهذه الكلمة صلى الله عليه وسلم.

حكم نتف المرأة شعر يديها

حكم نتف المرأة شعر يديها Q ما حكم نتف شعر اليدين للمرأة؟ A نتف شعر اليدين للمرأة إن كانت ترى أنه نقص لجمالها وأن من الضرورة والحسن أن تنتفه فلها ذلك، أن تزيله بمزيل وأن تنتفه لتكون أجمل وأحسن، فليس عليها في ذلك شيء، فلتزل شعرها بأي مزيل أو تنتفه نتفاً.

أفضل كتاب في السيرة

أفضل كتاب في السيرة Q ما هي أفضل الكتب التي تذكر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؟ Aالكتب في سيرته كثيرةٌ جداً، ومن أجودها فيما أعلم، وما أعلم أنه ألف في فنه مثل هذا الكتاب: زاد المعاد لـ ابن القيم، وأوصي به نفسي وكل مسلم أن يجعله مع القرآن، وأن يكرر قضاياه وأن يستفيد منه، لأنه منقح محقق من عالم سني متبع عارف بفن الحديث، ثم هناك كتاب السيرة لـ ابن كثير ولـ ابن هشام، ولا بأس بهما لولا بعض الأحاديث الضعيفة، وهناك كتاب عصري طيب اسمه: الرحيق المختوم في سيرة النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام للمبار كفوري، وهناك بعض الكتب، ولكن هذه الكتب التي تحضرني في هذا الفن.

قصيدة عن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

قصيدة عن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم Q نطلب من فضيلة الشيخ قصيدة في هذه المناسبة فليتفضل مشكوراً؟ A مناسبة وفاته صلى الله عليه وسلم ما أظن أن هناك قصائد، لكن هناك أربعة أبيات وقد سمعتموها، ولكن لا بأس بإعادتها: نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا وهناك قصيدة اسمها: ثناء وتبجيل لمعلم الجيل صلى الله عليه وسلم، من ضمن أبياتها: الأماني على لسانك أحلى فأعد يا حبيب عصراً تولى لم أقض لبانة العيش فيه ودعاني المشيب لما أطلا أعصر الليل في كئوس من الحزن وأدعو الصباح حتى أملا وأناجي الدجى بهمسة حب فارغ الصبر من لساني لعلَّ ذكريات مع الرسول وحب يستثير الشئون منه الأجلَّ إلى أن قلت: قد جعلنا حديثك الصب خدناً ووجدنا في خلة الناس هجرا فاتخذنا حديثك الصب خلاً وبقينا كالطير نقطف زهرا

قصيدة في مدح الشيخ ابن باز

قصيدة في مدح الشيخ ابن باز Q كثير من الإخوة يلحون في طلب القصيدة التي مدح بها وألقاها فضيلة الشيخ في الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز. A هذه القصيدة مكررة، ولكن المكرر أحلى، وقلت البارحة: إن الذين مدحوا الشيخ كثير من الشعراء والعلماء، والشيخ يستحق ذلك، فإننا نتقرب بحبه إلى الله عز وجل، وبعض الإخوة من طلبة العلم يعزم -إن شاء الله- أن يجمع ديواناً اسمه الممتاز في مدائح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وسوف يأتي ويصدر، ومنهم كما قلت تقي الدين الهلالي المحدث المغربي الكبير، يقول: خليلي عوجا بي لنغتنم الأجرا على آل باز إنهم بالثنا أحرى وزهدك في الدنيا لو أن ابن أدهم رآه رأى فيه المشقة والعسرا إلى آخر ما قال، وأما المجذوب فإنه يقول: روى عنك أهل الفضل كل فضيلة فقلنا حديث الحب ضرب من الوهم فلما تلاقينا وجدناك فوق ما سمعنا به في العلم والأدب الجم فلم أر بازاً قط من قبل شيخنا يصيد فلا يؤذي المصيد ولا يدمي وأما قصيدتي فهي بعنوان: البازية، وهي في مدح الشيخ، أقول فيها: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من عظيم رجا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً لك الله قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي والمدح يا والدي في غيركم كذب لأنكم لفؤادي بلسم شافي يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي أغراهم المال والدنيا تجاذبهم ما بين منتعل منهم ومن حافي مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعالي ولم تولع بإرجاف بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطل في إشراقه الضافي تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصدافِ أقبلت في ثوب زهد تاركاً حللاً منسوجة لطفيلي وملحاف تعيش عيشة أهل الزهد من سلف لا ترتضي عيش أوغاد وأجلاف فأنت فينا غريب الدار مرتحل من بعد ما جئت للدنيا بتطوافِ سر يا أبي واترك الدنيا لعاشقها في ذمة الله فهو الحافظ الكافي أراك كالضوء تجري في محاجرنا فلا تراك عيون الأغلف الجافي كالشدو تملك أشواقي وتأسرها بنغمة الوحي من طه ومن ق ما أنصفتك القوافي وهي عاجزة وعذرها أنها في عصر أوصاف يكفي محياك أن القلب يعمره من حبكم والدي أضعاف أضعافِ يفديك من جعل الدنيا رسالته من كل أشكاله تفدى بآلافِ والحمد لله رب العالمين.

منهج طالب العلم

منهج طالب العلم إن منزلة العلم وفضله فوق كل منزلة وفضيلة؛ وما ذاك إلا لشرف العلم، فهو النور الذي لا تغشاه ظلمة، والفضيلة التي لا تلحقها رذيلة، ولقد خلف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منهجاً أصيلاً في طلب العلم، فما علينا إلا الاقتداء به والسير في مساره، ولكن قد تطرأ بعض المعوقات أمام طالب العلم، ولكنها تجتاز بمقدار همة طالب العلم، ومما يعينه على ذلك أن يتحلى بآداب التحصيل وأن يلتزم أدب السؤال للعلماء.

المعوقات في طلب العلم

المعوقات في طلب العلم الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. عنوان هذا الدرس: (منهج طالب العلم) لأن من الأنسب أن نتكلم عن المنهج الأصيل الذي خلفه رسول الهدى عليه الصلاة والسلام لطلبة العلم. وهناك مشكلات كثيرة يعيشها طلبة العلم.

من المعوقات: عدم الاهتمام بحفظ القرآن الكريم

من المعوقات: عدم الاهتمام بحفظ القرآن الكريم فإنك تجد الكثير يحفظون المتون، ويطالعون الكتب، ويحفظون المقامات والمنظومات، بينما لا يعتنون بحفظ كتاب الله عزوجل، وهذه مصيبة!

من المعوقات: عدم القراءة والمطالعة

من المعوقات: عدم القراءة والمطالعة فإن الأمة -خصوصاً- في بلاد الشرق الأوسط والأدنى، أو ما تسمى بالدول النامية، لا تقرأ، كما نُقل عن الأعداء ذلك، وكما يقوله: موشي ديان، وجولد مائير رئيسة وزراء إسرائيل سابقاً، وله أسباب: منها: الأمية المستفحلة في الأوساط. ومنها: الترف. وعدم القراءة مصيبة، وسوف يأتي الحديث عن علاج ذلك.

من المعوقات: عدم معرفة المقروء

من المعوقات: عدم معرفة المقروء وكثير من طلبة العلم، ومن المثقفين إذا قرءوا، قرءوا شيئاً غير مفيدٍ، أو في أمور لا تهمهم بالدرجة الأولى، ككثير من الناس يقرأ ما يقارب الأربع والخمس ساعات في الصحف والمجلات والدوريات، وهذه لا بد من قراءتها، لكن ليس بهذا الوقت وبهذا الاهتمام، ولا بهذا التركيز الذي أذهب وقت القرآن، ووقت الحديث، ووقت كتب أهل العلم.

من المعوقات: ضياع الوقت

من المعوقات: ضياع الوقت فإن الأمة الآن في مجموعها مضيعة لوقتها لا تجد منهم إلا القليل ممَّن يحافظ على وقته، حتى إن الكثير يجلس من بعد صلاة العصر إلى المغرب في حديثٍ عامٍ لا خير فيه.

من المعوقات: الجدل العقيم

من المعوقات: الجدل العقيم تحصل اختلافاتٌ في مسائل ليس وراءها ثمرة، ولا طائل، ولا مكسب، وتجد البعض يتعاتبون ويتقاطعون على مسائل لا فائدة منها، وليس من الجدل فيها ثمرة.

من المعوقات: إعطاء المسائل أكبر من حجمها

من المعوقات: إعطاء المسائل أكبر من حجمها فتجد بعض الطلبة يتكلم عن مسألة، ويعيشها، ويكررها، وكأنها قضيته الكبرى في كل مجلس، حتى تطغى على حياته، مثل جلسة الاستراحة، فبعضهم جعل قضية الساعة هي جلسة الاستراحة. وبعض الناس الآن جعلوا قضية الساعة حرب الخليج، والمشاكل التي في الخليج، ونحن لا نقول: يُلغيها من حياته، لكن يعطيها حجمها الطبيعي.

من المعوقات: أمراض القلوب

من المعوقات: أمراض القلوب أمراض القلوب التي يصاب بها كثيرٌ من طلبة العلم، كالكبر أعاذنا الله وإياكم منه؛ وجزاؤه أن يصرف الله الهداية عن صاحبه حتى ولو كان عنده من العلم ما كان {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [الأعراف:146] فالله لا يهدي كل متكبر جبار. ومنها: مرض الحسد، وهو منتشر بين الأقران، كما قيل: ما خلا جسد من حسد: إن العرانين تلقاها محسَّدةً ولا ترى للئام الناس حسادا وكتب ابن الوزير العالم اليمني، العجيب، لِعمِّه رسالة يشكو من حسد الأقران، فردَّ عليه عمُّه، بقوله: وشكوتَ من ظلم الوشاة ولن تجد ذا سؤددٍ إلا أصيب بحُسَّد لا زلت يا سبط الكرام محسداً والتافه المسكين غير محسَّد ومنها: مرض الرياء. وهو أن يطلب العلم لغير وجه الله وفي الحديث: {أول من تسعر بهم النار ثلاثة: عالم} فهذا طلب العلم لغير الله فهذا من أول من تسعر بهم النار؛ كما في الحديث الصحيح. وسأتعرض لآداب طالب العلم، لمن أراد أن يطلب العلم، وسوف أعرضها على شكل مسائل ونقاط:

أدب السؤال والجواب

أدب السؤال والجواب الفصل الأول: أدب السؤال والجواب. يقول أحد الحكماء: عرض السؤال نصف الجواب. وقالوا: يدل على اللبيب في فطنته حسن سؤاله، والعاقل من يُحسن السؤال؛ ويختار وقته ويجيد عرضه ويجيد مقامه وعلى من يطرح السؤال؛ وهنا مسائل:

من الآداب: السؤال عما وقع أو سيقع

من الآداب: السؤال عما وقع أو سيقع من هدي السلف: أنهم يسألون عن الوقائع التي وقعت، ولا يتكلفون في السؤال عن مسائل لم تقع في الناس؛ لأن من اشتغل بمسائل لم تقع شغلته عن مسائل وقعت. قال عمر كما في صحيح البخاري في كتاب الأدب: {نهينا عن التكلف} والتكلف: أن تتكلف السؤال عن شيء لم يقع؛ كما نسمع عن بعض طلبة العلم يتكلمون عن مسألة دوران الشمس حول الأرض، وفي أطفال المشركين وأهل الفترة، وفي أهل ألاسكا شمال غرب كندا كيف يصلون؟ وأهل القطبين، الذين الليل عندهم أربع ساعات، والنهار عشرون ساعة كيف يصلون؟ وإذا سألته عن نواقض الوضوء، فهو لا يعرف منها شيئاً! فهو يعيش في القطبين وألاسكا، ولكنه لا يعيش في الأحكام التي تنفعه. وقد ذم الله سبحانه التكلف فقال تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86]. وميزة الإسلام أنه دين ميسر، والقرآن يخاطب جمهور الناس، ويخاطب المجموعة الكلية. فهل سمعت عجوزاً تشكو أنها لا تفهم القرآن؟ لا. لأن هذه ميزة القرآن أنه سهل، وكذلك الشريعة عموماً قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17]. فوصيتي لإخواني ألاَّ يتكلفوا في مسائل لم تقع بعد، فينقطعوا عن مسائل وقعت لكنها لم تبحث إلى الآن.

من الآداب: عدم السؤال في الأغلوطات

من الآداب: عدم السؤال في الأغلوطات من مذاهب المتكبرين في العلم، أنهم يسألون عن الأغلوطات دائماً، وهي المسائل المحيِّرة مثل الألغاز، فتجد أسئلتهم هي: ما هو الشيء الذي إذا رفعته بكى؟ وإذا أجلسته سكت؟ ما هو الشيء الذي نصفه خمسة وعشرين وثلاثة أرباعه ستة وعشرين؟ وغيرها من المسائل التي لا يستفيد منها أحد في الدنيا ولا في الدين. وهذه الأغلوطات هي التي نهى عنها السلف، وذكر الإمام مالك في حديث: {أن الله كره لكم ثلاثاً: ومنها: كثرة السؤال} قال: هي الأغلوطات؛ وهي المصاعب من المسائل التي يتعجَّز فيها العلماء. وبعض طلبة العلم يريد أن يوقف الأستاذ عند حده، يقول: والله لأوقفنَّه عند حده؛ وهذا منهي عنه، وهو ارتكاب لمحرم، ولا يجوز أن يغلِّط العالم، أو يتعجزه بمسألة، ولكن إن كان لك حاجة في المسألة فاسأله وإلا فلا.

من الآداب: عدم كثرة السؤال

من الآداب: عدم كثرة السؤال قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال}. قال بعض العلماء معناه: كثرة السؤال في المال. وقال بعضهم: بل كثرة السؤال عند نزول الوحي، أمَّا بَعْد نزول الوحي فلا. لقول الله عزوجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة:101] فلمَّا نزل الوحي وانقطع فلا بأس أن تسأل. وقيل: كثرة السؤال هي: في الأغلوطات، أو المسائل التي لم تقع، أما المسائل التي أنت في حاجة لها؛ فمن الحكمة أن تسأل عنها. وقيل لـ ابن عباس: كيف حصلت على هذا العلم؟ قال: [[بقلب عقول، وبلسانٍ سئول]] وقيل: وسلِ الفقيه تكن فقيهاً مثله من يجر في علمٍ بحقٍ يمهرِ والطالب النجيب هو كثير الأسئلة، والطالب البليد هو الذي لا يسأل في الفصل؛ لأنه لا يوجد عنده خلفية عن الدرس المشروح، فهو دائماً ساكت، وعيونه مدحرجة في السبورة، ويتحرك مع الأستاذ، ولا يدري عن شيء، ولا يناقش. والمناقش: هو الذي ذاكر وعنده علم، وجرب مع نفسك، ذاكر الدرس قبل أن تحضر إلى الفصل، فستجد أنك سوف تناقش، وأنك مستعد أن تحاور، وتأخذ، وتعطي، أما إذا لم تذاكر فستأتي وليس عندك شيء، فالطلبة الساكتون في الفصل في كل حصة، وفي كل محاضرة هؤلاء بلداء، نسأل الله أن يعافيهم ولا يبتلينا.

من الآداب: عدم السؤال فيما لا يعنيك

من الآداب: عدم السؤال فيما لا يعنيك جاء عند الدارقطني بسند يصححه بعض العلماء يقول صلى الله عليه وسلم: {وسكت سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن أشياء فلا تسألوا عنها} قيل: في وقت نزول الوحي. وكذلك الآن في بعض المسائل التي ليس للإنسان أن يسأل عنها ويتكلف بما لم تأتِ به الشريعة، حتى إنك تجد بعض الطلاب متحيِّراً، فيأتيك ويسألك ويقول: أنا لا زلتُ البارحة متحيِّراً في مسألة. قلنا ما هي؟ قال: هل الجن يدخلون الجنة أم لا؟ وإذا دخلوا الجنة أين يسكنون؟ كأنه مكلف باستئجار شقق لهم في الجنة، أو أنه لا بد أن يوجد لهم مكاناً! وأنا أسأله سؤالاً: أأنت أعلم أم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي، ومعاذ؟!! أما كفاهم أنهم سكتوا ويكفيك أن تسكت؟! ولو أنه لا بأس عند العلماء الفطناء أن يسألوا عن مثل هذا السؤال، وقد سئل ابن تيمية -أظنه- في المجلد السابع عن الجن: هل يدخلون الجنة؟ لكن ابن تيمية عبقري، يحق له أن يُسأل مثل هذه السؤال، فقال في كلامٍ ما معناه: إنه لم يصرح القرآن ولا السنة بهذا، ولكن لمح لهذا القرآن في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56]. فليس من الحكمة التشاغل بأشياء لم تقع، وأحياناً قد يسأل الإنسان عن مسائل قد تكون شقاءً عليه، وتكون تردية لقلبه.

من سئل وهو يتحدث فعليه أن يتم حديثه ثم يجيب السائل

من سُئِلَ وهو يتحدث فعليه أن يتم حديثه ثم يجيب السائل يقول البخاري في صحيحه: باب من سئل علماً وهو مشتغلٌ فأتم الحديث ثم أجاب السائل. انظر إلى حسن التبويب، وفقه البخاري في التبويب، وإلى ذكائه في فتح جبهات في كل باب؛ وهي العبقرية الفياضة، يقول: إذا كان مستغرقاً في عبادة فلا تسألوه، أما إذا كان باستطاعته وهو في العبادة أن يجيبك فلا بأس. لكن المقصود هنا أن البخاري يستدل على أنك إذا كنت في محاضرة فسئلت في مسألة فلا بأس أن تتم حديثك؛ وهذا ليس من ترك البيان وقت الحاجة، بل تتم كلامك، ومحاضرتك، ثم تلتفت إلى السائل وتجيب على سؤاله، والدليل على ذلك ما ورد في الصحيحين: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتكلم على المنبر، وأمامه علماء الصحابة، فدخل أعرابيٌ من باب المسجد، فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ وهذا السؤال خطأ: وهل هذا وقت السؤال؟ هل استأذنَ؟ هل جلس؟ هل سمع ما هو الحديث؟ هل من الحكمة أن يجاب؟ تهدر حقوق ألف مستمع أمامك، وتسمع لأعرابي! فسكت عليه الصلاة والسلام، فلما انتهى من حديثه، قال: {أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة}. وفي حديث آخر قال أعرابي: {متى الساعة؟ قال: ماذا أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. قال: المرء يحشر مع من أحب}. من حبكم فاعلموا للحب منزلة نهوى غريمكمُ لو كان يهوانا هذه مسألة، نأخذ منها أن الذي يحاضر في الناس، أو يتحدث لا يقطع حديثه من أجل واحد. ومن الحكم في الدروس أن يتأنى طالب العلم، ويتأخر، وينتظر، حتى يأذن له الأستاذ، عندما يطلب الأسئلة من الناس. ثانياً: بوب ابن حبان بباب: إباحة إعفاء المسئول عن الإجابة على الفور. يقول: مباح للمسئول، وليس عليه حرج ألا يجيب على الفور، أي لا تلزمني أن أجيب على الفور بل تنتظر قليلاً، وهذا مأخوذ من حديث أبي هريرة عند مسلم: {حتى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السائل} فما أجابه إلا بعد أن تمَّ حديثه، وعند مسلم أيضاً أن هذا الرجل قال: {رجلٌ غريبٌ لا يدري عن دينه، جاء يسأل عن دينه، فتركه صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى من خطبته، أخذ صلى الله عليه وسلم في إجابته}. وورد كذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام قطع الخطبة للحاجة. أحياناً يستدعيك الأمر أن تقطع الخطبة والمحاضرة والدرس للحاجة، إذا كانت حاجه ملحة، مثل أن ترى أعمى يمشي ويكاد أن يتردى في البئر، وأنت تلقي درساً -مثلاً- وهو يمشي إلى البئر. دخل أعرابي اسمه سُليك الغطفاني، والرسول عليه الصلاة والسلام على المنبر يخطب الجمعة، فجلس ولم يتنفل، فقال صلى الله عليه وسلم: {أصليت؟ قال: لا يا رسول الله! قال: قم فصلِّ ركعتين وأوجز} فقام فصلَّ ركعتين، فهذا وقت الحاجة. وكذلك يسمح للخطيب أن يقطع الخطبة يوم الجمعة بملاحظة لا بد منها، كما فعل عمر في الصحيحين: [[أنه كلَّم عثمان لما تأخر عن الحضور، قال: وتأتي في هذا الوقت؟]] يعني: تأخرت، وأنت من العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين في فعل الخيرات. [[قال: يا أمير المؤمنين! كنت في السوق فسمعت الأذان، ونسيت أنه الجمعة، فما هو إلا أن توضأت وأتيت، قال: والوضوء أيضاً؟! وقد سمعت أن الرسول صلَّى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالغسل]] فقطع خطبته من أجل الفائدة. ويجوز للمأموم أن يكلم الخطيب، وللخطيب أن يكلم المأموم، وليس للمأموم أن يكلم المأموم في أثناء الخطبة.

السؤال حال قيام العالم أو مشيه

السؤال حال قيام العالم أو مشيه هل من الأدب أن تسأل العالم وهو قائم، والأستاذ وهو يمشي؟ كان الإمام مالك يتحرج، من ذلك وذكر عنه أنه سئل سؤالاً في الحديث فجلس. وكان سعيد بن المسيب رحمه الله رحمة واسعة؛ أحد التابعين، بل هو من أجلَّ التابعين، كان في مرض الموت فسئل عن حديث، فقال: [[أجلسوني. قالوا: إن ذلك يشق عليك يا أبا محمد! قال: كيف أُسأل عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع؟! فأجلسوه]]. وإبراهيم بن طهمان ذكر عنده بعض الصالحين، وهو في سكرات الموت فقال أجلسوني فأجلسوه، فقال: لا ينبغي أن يذكر عندنا الصالحون ونحن متكئون، أو كما قال. وبالمقابل أيضاً هل من الأدب أن يسأل الطالب أستاذاً جالساً وهو واقف، بوَّب الإمام البخاري في هذه المسألة فقال: باب من سأل وهو قائم عالماً جالساً؛ وذكر الحديث فقال: {جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جالس، فقال: يا رسول الله! ما القتال في سبيل الله؟ فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه إليه -وتأخذ من قوله: فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً والأعرابي قائماً- فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله} وانظر إلى هذا الكلام المختصر، والكلام الموجز: هو أن يحوي لك الكلام كله اختصاراً في جملةً واحدة، وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {وأوتيت جوامع الكلم، وأوتيت فواتحه وخواتمه}. وضرب بفصاحته عليه الصلاة والسلام المثل، وأدهش الشعراء، وأسكت الخطباء، وأدحض أهل البلاغة المناطيق من العرب، عليه الصلاة والسلام. يقول: {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله} هذه قاعدة، لم يقل: من قاتل من أجل نصرة الدين، أو من أجل نصرة السنة، أو حماية المقدسات، بل حواها كلها في جملة واحدة {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله}. إذاً لا بأس بأن يكون الطالب واقفاً والأستاذ جالساً.

المناقشة مع الطلاب

المناقشة مع الطلاب من ذكاء الأستاذ والمعلِّم والمربي أن يمتحن عقول الطلاب، ويسألهم دائماً، ويناقشهم في الدرس الماضي والحاضر، وماذا قرءوا، وأن يخبرهم أنه سوف يناقشهم فيه. قال أهل العلم: ولا يأتي لهم بالغوامض من المسائل، بل يناقشهم في المسائل الظاهرة المستفادة منها، وقد استدل أهل العلم على هذه المسألة، فقال البخاري: باب طرح الإمام المسألة على أصحابه يختبر ما عندهم من العلم. قال ابن عمر في الصحيحين: {كنا جلوساً عند الرسول عليه الصلاة والسلام فأوتي بجُمَّار} وهو ذاك الأبيض الذي يأتي في قلب النخلة؛ كالقراطيس البيض، وكالأوراق، هذا يسمى: جمَّار. وكان الشعراء، يصفون الجبين والخد واللسان والشفتين بالجمار، فطُرح أمام الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الجمَّار، ولعل هذا يكون فيه إشارة إلى أن السؤال سوف يكون قريباً من الجمار، قال عليه الصلاة والسلام: {شجرة مثلها كمثل المؤمن حدثوني ما هي؟ قال ابن عمر: وكنت صغير السن} كان أصغر الناس، فكان يستحي أن يتكلم؛ لأن كبار الصحابة موجودون ومنهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم، وهذا من الأدب. ونصيحتي -أيها الإخوة- أنه إذا حضر الشيوخ الكبار، والقضاة، والعلماء، ألا يتكلم الإنسان وهو أصغر منهم؛ فيأخذ المجلس عليهم، أو يأتي لهم بسالفة، أو بقصة؛ لأنه جرح للمشاعر، ويوجد من الشباب من لا يقدِّر العلماء والمشايخ، تكون في مجلس ويدخل عليك رئيس المحاكم ولا تقوم له، وتجلس في الصدر وهو في الطرف، وتتكلم وهو ساكت، فهذا خروج عن المألوف، وهذا جرح للمشاعر، حتى ولو أتيت في المكان الفاضل، في الصف الأول، ودخل عليك عالم أو كبير في السن فلك أن تزحزح وأنت مأجور، ولو جلست في الصف الثاني يأجرك الله؛ لأنك آثرته بالقربة في الصف الأول. فسكت ابن عمر، واستحيى؛ لأن في القوم أبا بكر وعمر قال: {فوقع الناس في شجر البوادي} قال أحدهم: العرعر. وقال آخر: هو السلم. وآخر: السدر. وآخر: الضرفاء، إلى غير ما قالوا. قال ابن عمر: {فوقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، فلما قاموا أخبر أباه فقال عمر: والذي نفسي بيده لو أنك قلتها، أحب إليَّ من الدنيا وما فيها} يعني: من أجل أن يحتفي بك الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى يكرمك ويقدِّرك، فلم ينتبهوا للجُمَّار، حتى قال صلى الله عليه وسلم: {هي النخلة}. وأما تعليل ذلك فقد اختلفوا، فقال ابن عربي ذاك المخرف: لأن في الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: {أكرموا عمتكم النخلة} والحديث هذا موضوع كذب لا يصح. وقال بعضهم: لأن أول ما يسقط من النخلة أعلاها، وهذا كلامٌ ساقط. وقال بعضهم: لأنها خلقت من طينة آدم، وهذا كلامٌ باطل. والصحيح أن المشابهة بين النخلة والمؤمن، في المنافع في كل أجزائها، وكذلك المؤمن كل أجزائه طيب، كلامه وفعله، وذكره، وشفاعته، وإكرامه، وخلقه، وسلوكه، وكذلك النخلة. وفيه: من الفوائد العظيمة ما لا يحصى ولا يعد. ويقولون: إن النخلة أفيد شجرة. وقد عرض ابن القيم مناظرة بين النخلة والعنب؛ فغلبت النخلة العنب حتى دمغتها. والصحيح أن أصول الشجر شجرتان: النخل والعنب، وهي مذكورة دائماً في القرآن، ولا تجد في القرآن ذكراً للفواكه الأخرى، كالخوخ والمشمش وغيرها؛ إنما التي تقوم عليها ثروات العالم: التمر والعنب. ولذلك الآن تذهب إلى أمريكا أو استراليا أو الصين وإلى كل بلاد العالم، تجد أن أكثر السلع: التمر والعنب، وهناك الحبوب وقد ذكرها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في مسألة ما يحصد. ويقول بعض الشراح: الشبه بين النخلة والمؤمن، أن النخلة إذا رميتها بالحجر أنزلت عليك رطباً، وكان عيسى عليه السلام يقول لتلاميذه وحوارييه: كونوا كالنخلة ترمى بالحجارة فترد رطباً، وهذا مثل المؤمن. ولقد أمر على السفيه يسبني فمضيت ثمت قلت لا يعنيني وقال حاتم الطائي، وهي من أشرف أبياته: وكلمة غادرٍ من كف لؤمٍ مررت بها فقلت: تجنبيني يقول: إني قلت لهذه الكلمة: اذهبي عني، وحاتم الطائي أبياته من أحسن ما يكون، وليته أسلم ولكن لله الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْد، وكان أكرم العرب، حتى يقول لامرأته: إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلاً فإني لست آكله وحدي يقول: إذا ما صنعت الزاد؛ وأحضرت الغداء أو الإفطار أو العشاء، فوالله لا أقدم عليه حتى تأتي بضيف. وهذا مثل إبراهيم عليه السلام، وليس هذا من حديثنا في شيء، والمقصود أن المؤمن إذا سُب رد بكلام طيب، {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63].

ومن الآداب: ألا تسأل غير الله

ومن الآداب: ألا تسأل غير الله ومن المسائل: {إذا سألت فاسأل الله}. الشحاذة محرمة إلا من الله فهي من أحسن ما يكون، والله عزوجل يحبك إذا أكثرت من المسألة، والآدمي يكرهك إذا أكثرت سؤاله، ولو كان ما يعطيك في كل يوم إلا ريالاً لكن رابع مرة سوف يعطيك هراوة في رأسك: لا تسألنَّ بُنيَّ آدم حاجةً وسلِ الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله وبُنيَّ آدم حين يسأل يغضب ومن أراد منكم أن يتقرب إلى الله فليكثر من السؤال، وكما مر معنا في محاضرة (أسرار عبقرية ابن تيمية) أن يديه كانتا كيدي الشحاذ، لكن من الله، وهذا الشحاذ الذي يشحذ من الله، كانت تأتيه قناطير الذهب والفضة ويرميها على الفقراء وليس عنده إلا ثوباً واحداً.

من الآداب: عدم الزيادة في الجواب إلا لفائدة

من الآداب: عدم الزيادة في الجواب إلا لفائدة هل لك إذا سألك السائل أن تجيب بأكثر مما سئلت؟ أولاً: في مقررات العقول ليس وارداً، ولكنه في مقررات الشرع وارد للفائدة: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:17 - 18] قال الحسن البصري: [[طاب له الخطاب فأكثر في الجواب]] لأنه يخاطب الله عزوجل، فأكثر، وأنت إذا أعجبك الرجل السائل وهو من الناس زدت في الجواب، فكيف بالواحد الأحد سبحانه، الذي له المثل الأعلى. فإذا كان الجواب فيه مصلحة للسائل، أو يقتضي السؤال أن تزيد فلك أن تزيد، وكان هديه عليه الصلاة والسلام إذا رأى حاجة السائل يحتاج إلى شيء زاده في الجواب، فأتى بجواب من أحسن ما يكون وعند أبي داود والترمذي وابن أبي شيبة ومالك وغيرهم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله أعرابي عن ماء البحر -هل يجوز الوضوء منه؟ - فقال: عليه الصلاة والسلام: {هو الطهور ماؤه، الحل ميتته} ونصف علم الطهارة في هذا الحديث. مع أنه لم يسأله عن الميتة. لكن قال أهل العلم: لما سأله عن الماء وهو ظاهر أنه طاهر، فالميتة من باب أولى أنه لا يعرفها، ما دام أنه سألك عن ماء البحر هل أتوضأ منه؟ فمن باب أولى أنه لا يعرف حكم ميتة البحر، فقال عليه الصلاة والسلام: {هو الطهور ماؤه، الحل ميتته}. والفائدة: أن من توضأ بماء البحر جاز، ومن اغتسل به جاز، سواء عنده أكان ماء عذب أو لا، وهذا شبه إجماع بين أهل العلم، ولا أعلم من خالف ذلك إلا عبد الله بن عمرو بن العاص والماوردي من الشافعية، وكلام الاثنين مردود رحمهما الله، بل الصحيح هو ما ذكرت. والميتة: هي ميتة البحر مما يعيش ويموت فيه، أما أن تأتي بكلب من الشارع وتغطسه في البحر وتقول: ميتته! فهذا ليس المراد؛ لأن الضمير يعود على ميتة البحر. وقالوا: أيضاً مما لا يستقبح، وابن حزم يحمله على العموم، يقول: كل شيء يموت في البحر كله حتى كلب البحر، ودواب البحر، وثعبان البحر، والصحيح مما لا يستقبح كالضفادع والسلحفاة، خلافاً لما قاله ابن حزم، وهذا ليس من مسائلنا في شيء. لكن المقصودِ أن نبين لك أن الجواب قد يكون أكثر للفائدة، فالأستاذ إذا سأله الطالب سؤالاً خفيفاً ورأى من الحكمة أن يجعله محاضرة، فلا بأس. ومن الحكمة في A أنه إذا سألك سائل، ورأيت الجواب أحسن أن تلف، ويسمى جواب الحكيم، وهو في القرآن قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة:189] تدرون من سأل؟ قريش، يقولون: كيف الهلال يبدو صغيراً ثم يكبر ويكبر ويكبر حتى اليوم الخامس عشر، ثم يصغر يصغر يصغر حتى آخر الشهر، ما هو الجواب على هذا: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة:189] الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحبهم، لكن اسمع جواب الحكيم سبحانه: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189] المعنى: أن سؤالهم تافه حقير مثل حقارتهم، لكن الأولى أن يسألونك عن فائدة الهلال، فما دام أنه يفترض أنهم سألوا عن فائدة الهلال ف A { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:198]. وأنتم أخذتموها في البلاغة أنه جواب الحكيم، قال الزين بن منير؛ وهو من شُرَّاح صحيح البخاري: مطابقة الجواب للسؤال غير لازم، بل إذا كان خاصاً والجواب عاماً جاز؛ وهذا كلام ثمين.

اختلاف الصحابة في مسائل العقيدة

اختلاف الصحابة في مسائل العقيدة الصحابة لم يختلفوا ولم يسألوا الرسول عليه الصلاة والسلام في العقائد، إنما سألوه في الأحكام التشريعية الأخرى، أما العقائد فأجمعوا وسكتوا ورضوا وانتهوا إليها، وإنما أتت المباحثة والإشكالات في مسائل العقائد عند المبتدعة المتأخرين. يقول ابن القيم في إعلام الموقعين: والصحابة بحمد الله لم يختلفوا في شيء من العقائد، ولم يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء من ذلك، يعني: سؤال اختلاف، فإن الله ذكر في القرآن: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة:189] وقوله: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة:222] {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} [البقرة:219] و {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة:219] إلى آخر تلك الأسئلة في خمسة عشر موضعاً في القرآن، لم يرد في شيءٍ منها في العقيدة، فهم بحمد لله لم يختلفوا بل أجمعوا وسكتوا. لا تقل كما قيل: لا تقل كيف استوى كيف النزول أنت لا تعرف من أنت ولا كيف تبول يعني: لا تسأل عن هذا، ولا تصل إلى هذه الدرجة، بل سلم بالأمر، وبعض الناس يأتيك في القرن الخامس عشر يسأل في كيفية استواء الله على العرش والله يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] فلنمرها كما جاءت بلا تكييف، ولا تمثيل، ولا تعطيل، ولا تحريف، كما قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. وورد في القرآن قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45] قال أهل العلم: متى يكون هذا؟ يقول الله للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا} [الزخرف:45] قال بعضهم: معناه: اسألهم يوم القيامة. وقال الآخرون: معناه: سؤالٌ محتمل، سوف تسألهم أو لا تسألهم. وقال فريق: بل اسألهم، كما ذكر ابن كثير وغيره، أنه صلى الله عليه وسلم لما صلَّى بالأنبياء في بيت المقدس، جمعهم الله له، والتفت إليهم فأراد أن يسألهم، فرأى الجلالة والنور والمهابة، وأراد أن يسأل هل جعل مع الله إلهاً آخر؟ فاستحيى {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45] فلم يسألهم، وكان هذا السؤال مقرراً أن يكون معهم.

ذكر الدليل عند إجابة السائل

ذكر الدليل عند إجابة السائل أي إذا سألك عامي، أو طالب علم عن مسألة، فهل تذكر له الدليل أم لا؟ في الجواب تفصيل: إن كان السائل طالب علم فأجبه بالدليل، فإذا سألك -مثلاً- عن حكم ماء البحر هل أتوضأ به؟. قل: نعم، والدليل على ذلك ما عند الخمسة وابن أبي شيبة بسند صحيح {أن أعرابياً سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته}. لكن إذا سألك عامي، أو أعرابي عن ماء البحر، لو قلت له: نعم ماء البحر طاهر، والدليل على ذلك قول امرؤ القيس: قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوبٍ وشمأل هل يعترض عليك؟! لا، سيظن أنه حديث، ولذلك سواء ذكرت له الدليل أو لم نذكره فإنك لن تفيده شيئاً، إنما تجيب بالراجح. ويحذر في الأجوبة على العامة أن تفرع لهم المسائل، كبعض الناس عندما سئل عن دباغ الجلود، هل تطهر إذا دبغت؟ قال: فيها سبعة أقوال: قال الزهري، وقال الروياني، وقال الماوردي، وقال الشافعي، وقال مالك، وقال داود الظاهري. فجعل هذا العامي في حيص بيص لا يدري أهو في تنزانيا أو في مدغشقر، وهذا ليس من الحكمة، بل إذا سألك فقل الجواب كذا، كلمة واحدة. فالدليل لطالب العلم، أما العامي فيعطى الجواب صريحاً بلا أقوال، بل الراجح في المسألة. والدراسة في بعض المناهج التي تأتيك بأربعة أقوال ولا ترجح ليست من الحكمة، وهي حفظ للمعلومات فقط، وليس فيها مصلحة إلا أن ترجح القول الراجح في الأخير. ومما يستطرف من المسائل أن الإمام البخاري بوب باباً فقال: باب: السؤال والفتيا عند الجمار؛ أي الثلاث الجمار الكبرى والصغرى والوسطى، هل يسأل عندها؟ يقول بعض العلماء الشارحين على البخاري: مراده أن اشتغال العالم بالطاعة لا يمنع من سؤاله عن العلم، ما لم يكن مستغرقاً فيها، مع أنه خاص في الجمار لكن لا عبرة بخصوص السبب بل بعموم اللفظ فلو أتيت إلى عالم وهو يسبح، فلك أن تسأله، أو كان يقرأ القرآن لك أن تسأله، لكن إذا كان يصلي ومستغرقاً في الصلاة فلا تسأله. وأورد حديث كان صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار فأتاه رجل، كما في حديث ابن عمر في الصحيح، وقال: {يا رسول الله! نحرت قبل أن أرمي؟ قال: افعل ولا حرج. فأتاه آخر فقال: ذبحت قبل أن أرمي؟ قال: افعل ولا حرج. وأتاه ثالث فقال: رميت قبل أن أحلق؟ قال: افعل ولا حرج. قال: فما سأل عن شيء قُدِّم ولا أخِّر إلا قال: افعل ولا حرج} {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم كان يرمي ويسبح ويذكر الله، ويقول: افعل ولا حرج، وكان يفتي الناس يمنة ويسرة. وذكر ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: أن معاوية لما انتهى من الحج في اليوم الثالث خيم في الأبطح، وكان خليفة المسلمين، نزل هناك، فأتى الحجاج ينزلون كالسيل، وبعد صلاة المغرب أمر معاوية أن تغلق السكة والطرق حتى يطوف طواف الوداع، ولا يكون هناك زحام، فصف الجنود، وقال: لا تأذنوا لأحد ينزل من الحجاج حتى أنتهي من الطواف، فإذا انتهيت فأذنوا للناس، فوقف الجنود يردون الناس، فأتى رجل من قريش عبد الله بن جعفر الطيار؛ من الذي يحبس عبد الله بن جعفر الطيار، ابن ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا من أكرم العرب، ومن أكرم الناس، لم يكن يعرف كلمة (لا) وكان سخياً ماجداً، فأتى بالفرس، فقالوا له: ممنوع الدخول، فقال والله لأمضين، قالوا: ومن أنت؟ قال: وأنا الأخضر من يعرفني أخضر الجلدة من نسل العرب من يساكني يساكن ماجداً يملأ الدلو إلى عقد الكرب فقال معاوية: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن جعفر. قال: ائذنوا له. فمر ومعه موكب ودخل الحرم. فأتى الشاعر المخزومي عمر بن أبي ربيعة؛ ومعه موكب من الشباب، فقال: ائذنوا لي؟ قالوا: ممنوع، قال: بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر قال: تعرفن الفتى قلن: نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر قال: ائذنوا له. فمشى. فأتى ابن عمر رضي الله عنه على بغلة، قال: والناس حوله كالغمام، هذا يقول: فعلت، فيقول: افعل ولا حرج، وهذا يفتيه، فقال معاوية: هذا الشرف ورب الكعبة، ائذنوا لـ ابن عمر فكان أشرف الجميع، أشرف من معاوية وابن جعفر وابن أبي ربيعة. وقد سمعت أن بعض الفضلاء يقول: لا يُسلم في أثناء المحاضرة والحصة والدرس، وهذا خطأ بل يُسلم؛ وإذا دخلت على الأستاذ والطلاب في الفصل فسلم عليهم. أما قضية تسمح يا أستاذ؟ هذا مورَّدة من باريس وليست من محمد صلى الله عليه وسلم، إنما تقول: السلام عليكم ورحمة الله، وتكتفي، ولا تقول: كيف حالكم؟ كيف أصبحتم؟ كيف الأبناء؟ هذا ضياع للوقت.

لا أدري نصف العلم

لا أدري نصف العلم (لا أدري) نصف العلم ونصف الجهل، ومن ترك (لا أدري) أصيبت مقاتله، وإذا أتى في القرآن {وَمَا يُدْرِيكَ} [الأحزاب:63] كما هي فمعناه: أنه لن يجيبه بعدها، وإذا أتاك (وما أدراك) فإنه سوف يجيب بعدها. مثلاً: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1 - 3] فأجابه بقوله: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة:4] وأيضاً في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [القارعة:10] أجابه بقوله: {نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:10] وبالمقابل لما قال: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63] لم يخبره، وهذه قاعدة. وفي حديث لكنه مرسل، ولا يصح: {أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار} وإذا رأيت الإنسان يسارع في الفتيا فاعرف أن فيه خبلاً، أو أنه قليل العلم ولا يخاف الله. وكان أحد التابعين يمر ببعض الشباب يفتون الناس، قال: ويحكم! تسألون عن مسائل، والله لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر. وكان عمر يسأل الأنصار في الاستئذان، وذلك لما طرق أبو موسى عليه الباب ثم ذهب بعد الثالثة، قال: [[يا أبا موسى! لماذا رجعت؟ قال: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع}. قال: والله لتأتيني بشاهد، أو لأوجعنك ضرباً]] فذهب إلى الأنصار واستفتاهم، فصدقوا أبا موسى. بينما نحن الآن في كبار المسائل يخوض فيها الكبير والصغير. قال الخليل بن أحمد الفراهيدي؛ هذا زهراني من زهران، وهو من أذكياء العالم، هذا لو كان حياً لأخذ جائزة نوبل وهو يشرب الشاي، وهو الذي اكتشف علم العروض وعلم القافية وعلم الحساب، قال: لئن طال بي العمر إن شاء الله لأعلمنَّ الجارية حساباً تذهب إلى البقال ولا يظلمها، وكان ذات يوم يفكر بعد صلاة العصر ويغمض عينيه من كثرة التفكير ويمشي فاصطدم بسارية المسجد، ومات بأثرها، وكان من الأذكياء رحمه الله، ودخل عليه ابنه وهو يوزن البحور السبعة عشر أو الستة عشر التي اكتشفها وهي: مفاعلة مفاعلة فعول، مثل إذا أردت توزن بيتاً، مثلاً: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول مستفعلٌ فعلٌ مستفعلٌ فعلٌ أو: قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل -من الطويل- فعولٌ مفاعيلٌ فعولٌ مفاعلُ كان يتنتن على أصابعه، فدخل ابنه وهو في الغرفة يتنتن، ويكتشف البحور، فقال ابنه: يا أماه جُنَّ أبي!! فقال في بيتين: لو كنت تعلم ما أقول عذرتني أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعرفتُ أنك جاهلٌ فعذرتكا وهي من أصعب الأبيات، وكأنها جُدت من الصخر، لكنها تنبئ عن ذكائه. يقول الخليل بن أحمد: الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري؛ فذاك عالمٌ فاسألوه. ورجلٌ يدري ولا يدري أنه يدري؛ فذاك غافلٌ فنبهوه؛ قولوا: عندك علم، عندك خير، علِّم الناس. ورجلٌ لا يدري ويدري أنه لا يدري؛ فذلك جاهلٌ فعلِّموه. ورجلٌ لا يدري ولا يدري أنه لا يدري؛ فذاك أحمق فاتركوه. هذه العقليات الجبارة، هي التي قدمت الحضارة للغرب، وبعضهم يقول: خطأ ليس بصحيح. هذا الخليل بن أحمد، وجابر بن حيان، وأولاد بني شاكر قدموا علم الهندسة، وأصول التربية، ثم بنى عليها الغرب. ونحن وقفنا ندندن على العود، وعلى ما يطلبه المستمعون، حتى تقدموا علينا في الذرة والفضاء ولم نقدم للعالم شيئاً.

أهمية التواضع لطالب العلم

أهمية التواضع لطالب العلم وقال البخاري: باب ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم، فيكل العلم إلى الله عزوجل. بعض الناس الآن يقول: أنا أعلم الناس. وكان ابن الجوزي رحمه الله قد عوتب على هذا البيت، قال: لو كان هذا العلم شخصاً ناطقاً فسألته هل زار مثلي قال: لا يقول رحمه الله: لو كان هذا العلم إنسان ناطق وسألته: هل رأى مثلي في الحياة؟ قال: لا. وهذا اكتساح يسمى اكتساح العبقرية، إذا وجد عند الإنسان شيء من الغرور، وصل به إلى هذا الحد. يقولون: الحجاج بن أرطأة، كان يجلس في طرف المجلس، فقالوا: اجلس في الصدر؟ قال: أينما جلست فأنا في الصدر. وذكر ابن الجوزي عن أحد المتكبرين أنه أتى إلى نهر دجلة فأراد أن يمر من فوق الجسر، فتوقف قليلاً ومعه أصحابه، فقالوا: لماذا؟ قال: أخشى أن ينكسر الجسر لا يحمل عظمتي. ولما خُلع أحد السلاطين في الشمال فرش له الناس أرديتهم فأخذ يضحك ويقول: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:61] وهذا هو الكبر والعياذ بالله! يعني يبلغ بالإنسان حتى يقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] وهذا منتهى الغرور والعجب بالنفس ولهذا قيل: أنين النادمين أحب من إدلال العابدين. فهذا موسى عليه السلام معصوم، فهو لا يتكبر، عصمه الله من ذلك، ولما قام يتكلم في بني إسرائيل بالعلم والحكمة، فقال بنو إسرائيل: هل تعلم أعلم منك؟ والصحيح أنه لا يعلم أعلم منه، لا يعلم أعلم منه إلا الله عز وجل، قال: لا أعلم أعلم مني. فعاتبه الله لأنه لم يرد العلم إليه -لو قال: الله أعلم كان أحسن- فأوحى الله إليه، بلى عبدنا الخضر بمجمع البحرين أعلم منك فذهب إليه وهي قصة طويلة، وبوب لها البخاري في باب آخر، باب: ركوب البحر في طلب العلم: جزى الله المسير إليك خيراً ولو ترك المطايا كالمزاد

جواز مراجعة العالم في المسألة حتى تفهم

جواز مراجعة العالم في المسألة حتى تفهم ك أن تراجع العالم في المسألة، كأن يفتيك في مسألة لم تتوثق منها فلك أن تراجعه، لكن لا تراجعه حتى يمل، فبعض الناس يسأل العالم في مسألة وجيزة، فيجيب العالم، ثم يرد ذلك الشخص الكلام، ثم يرد العالم الجواب وهكذا حتى يمل منه، وهذا كما قيل: أقول له زيدٌ فيسمعه عمراً ويكتبه بكراً ويقرؤه فهرا إذاًَ يجوز مراجعة العالم حتى تفهم المسألة، والدليل على ذلك ما بوب له البخاري في صحيحه باب: من سمع شيئاً فراجعه حتى يعرفه، وذكر حديثاً عن عائشة أنها كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من نوقش الحساب عُذِّب، قالت عائشة: يا رسول الله! أوليس الله يقول: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:8]-أي: المؤمن؛ فكيف من نوقش الحساب عذب- قال عليه الصلاة والسلام: إنما ذلك العرض، ولكن: من نوقش الحساب عذب} يعني: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:8] هو العرض، أن يقول لك يوم القيامة: فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا، سترتك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فنسأل الله ستره وعفوه. فـ عائشة استشكلت بين مسألتين: بين قول تعالى: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:8] وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من نوقش الحساب عذب} فأخبرها أن الحساب شيء، والعرض شيء آخر.

القسم في الجواب والفتيا للمصلحة

القسم في الجواب والفتيا للمصلحة هل لك أن تحلف إذا أجبت عن مسألة، كما إذا سألك أحد عن عدد المضمضة فتقول: والله الذي لا إله إلا هو، إنه ثلاث مرات، أو عن كفارة اليمين ما هي؟ فتقول: والذي لا إله إلا هو، إن كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين. قالوا: من حيث الأصل لا داعي لذلك، لكن إذا كان في ذلك مصلحة وفائدة لتأكيد الجواب، أو لإظهاره، أو لتثبيته، أو لترسيخه، أو كان في المسألة خلاف، ورأى العالم أن الظاهر والحق هذا؛ فله أن يقسم كما قال تعالى: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس:53]. وكان أحد العلماء، عند أحد القضاة، فسأله القاضي فحلف، فقال القاضي: أجبنا ولا تحلف. قال: أيها القاضي: إن الله طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن أن يقسم أكثر من موضع: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:7] {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس:5] فهذا من الإقسام الذي أجاب بها صلى الله عليه وسلم، وقال صلى الله عليه وسلم لما سأله الرجلان في مسألة حد الزاني؟ قال: {والذي نفسي بيده لأقضينَّ بينكما بكتاب الله}. وكان الإمام أحمد إذا سئل عن مسألة، قال: إي والله، إي وربي، وكان يقول: لا والله، وفي بعض المسائل يفتي فيها: لا والله. فلك أن تثبت الجواب في ذهن السائل بهذا القسم للمصلحة.

تحصيل العلم الشرعي

تحصيل العلم الشرعي ما هي الآداب التي تجعلك محصلاً؟ هناك كتاب في المكتبات اسمه: (كيف تطلب العلم) ألف قبل ما يقارب سنة، وفيه مسائل لا بأس بها، لكن ألخص لكم بعض الفصول:

أهمية الإخلاص في طلب العلم

أهمية الإخلاص في طلب العلم أي أن يكون خالصاً لوجه الله؛ فإن ميزة طلبة العلم في الإسلام عن طلبة العلم عند الكفار، أنهم يطلبون العلم لوجه الله، لأن ديننا أمر وحث على الإخلاص فقال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف:29] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم:- {إنما الأعمال بالنيات} والإخلاص هو: الخلوص من طلب العلم لغير وجه الله، فلا للوظائف، ولا للمناصب، ولا للشهرة.

العلم قبل القول والعمل

العلم قبل القول والعمل حيث قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. بليت الأمة باثنين: عالم فاجر، وعابد جاهل؛ فالعالم الفاجر يشابه اليهود؛ فإنهم تعلَّموا ولم يعملوا، والعابد الجاهل يشابه النصارى؛ فإنهم عملوا ولم يعلموا؛ فقال الله في اليهود: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] وقال في النصارى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} [الحديد:27] فمن تعلم ولم يعمل غضب الله عليه، ومن عمل بلا علم كان ضالاً: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] فالمغضوب عليهم: اليهود، والضالون: النصارى. أيها الإخوة الأجلة: العلم قبل القول والعمل، قال البخاري في صحيحه، بعد سياقه لآية: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] قال: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، ومن أحسن ما يكون طلب العلم، وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير لابنه: [[يا بني! واعلم أن العلم أفضل من نوافل العبادة]] فطلبك للعلم أفضل من نوافل العبادة. وعند الطبراني، لكن في سنده نظر عن أبي ذر مرفوعاً: {يا أبا ذر! لأن تتعلم حديثاً واحداً خيرٌ لك من أن تصلي سبعين ركعة}. وأنا أُفضل أن الطالب والأستاذ والمعلم يحضر في مثل هذا المجلس، ولا يبقى من صلاة المغرب إلى العشاء يصلي في المسجد المجاور ولو صلى مائتي ركعة؛ لأنه هنا يصحح الإسلام، يزيد في الإيمان، ويتفقه في الدين، ويظهر له زيف الشبهة، وتتجلَّى أمامه حقارة الشهوة، ولأنه قد يصلي والشبه والشهوات ما زالت غير ظاهرة، والرسول صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فوجد حلقتين؛ حلقة يذكرون الله، وحلقة يتعلمون، قال: {أما الذاكرون فيسألون الله إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأما هؤلاء فيتعلمون العلم، وإنما بعثت معلماً، فجلس معهم}.

الصبر في الطلب

الصبر في الطلب لا تقل: قد ذهبت أربابه يا ذكياً والذكاء جلبابه وأديباً حسنت آدابه لا تقل: قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل طلب العلم ليس بالسهل، والذي يأخذ من رءوس الشجر مثل: الجمل الشارد، لا يخرج إلا بمعلومات مزيفة وثقافة عامة، لكن الذي يريد أن يتخصص في علم، لا بد أن يكون بإذن الله صابراً محتسباً. وهؤلاء علماء الغرب ثقافتهم وحضارتهم في الجزئيات، تجد أحدهم يقضي حياته منذ ولدته أمه إلى أن يصبح في الثمانين من عمره وهو في هندسة التربة -مثلاً- لا يتجاوزها، ولا يأخذ فناً آخر. وبعضهم في بعض الولايات يقولون: لا يعرف الولايات الأخرى، ولا يقرأ الصحف اليومية، لأنه مشغول بمادته حتى ينتج هذه الجزئية، ويقدمها للناس. وقد جاءنا أحد الإخوة من طلبة العلم من مصر وهو في نيويورك، وهو من الأذكياء النابهين، أتى بعلاج معه، من سبعة نباتات، اكتشفه رجل من النمسا يسكن في أمريكا وعنده جنسية أمريكية، وكان قد جلس فيها سبعين سنة، وعمره الآن اثنان وتسعون عاماً، ونال جائزة أمريكا على مستوى العالم في الطب، وجلس سبعين سنة يسافر إلى الأرجنتين وبلاد العرب وفنزويلا والصين واليابان، ويجمع النباتات ويحلِّلها، ويختبرها، وبعد سبعين سنة اكتشف هذا العلاج وحده؛ وهذا العلاج عجيب من العجائب. وأنا لا أكتب له دعاية لأني لا أبيع فيه ولا أشتريه، لكن مقصودي كيف ظل هذا الرجل سبعين سنة حتى أنتج هذا العلاج؟ لكن بالمقابل تجد الإنسان عندنا يريد أن يكون مهندساً، وخطيباً من أجل الراتب، وبعض الناس تجده طبيباً آخر النهار، وعنده معمل، ويستطيع أن يفتي الناس، ويؤلف الكتب، يعني: حيص بيص، لا يدري ماذا يأخذ، فقضية التخصص لا بد منها، ولا بد من، الصبر في طلب العلم، ولهذا قيل: إن القفّال؛ وهو أحد علماء الشافعية: كان عمره أربعين سنة، ففكر في الليل هل يطلب العلم؟ فذهب في الصباح، فلما مر في الطريق جاءه الشيطان وقال: تطلب العلم وأنت في الأربعين؟! فرجع ثم مرَّ برجل يعمل في بستان، أو يسقي الزرع، والغرب يخرج من البئر، وقد أثرت الريشة في الصخر، قال: اطلب ولا تضجر من مطلبٍ فآفة الطالب أن يضجرا أما ترى الحبل بطول المدى على صليب الصخر قد أثرا فلا بد من الطلب والصبر والمحاولة بعد المحاولة. ومما يُروى أن أحد الحكماء جلس بجناب شجرة، فرأى نملة تريد أن تصعد الشجرة، فسقطت فسقطت، فحاولت فسقطت، وبعد كثيرٍ من المحاولات صعدت، وهذه هي فائدة المحاولة والصبر والمثابرة. ثم إني أقول لكم -أيها الإخوة- من لم يستطع في مجال فليذهب إلى مجال آخر كوظيفة، أو عمل، أو طلب علم، أو دعوة، أو خطابة، إنما المهم أن يكون مستقيماً ملتزماً، ثم لا يهم بعد ذلك ما يسلك من مجال، فلك أن تدخل الجنة من أي باب، وليس من باب العلم والتحصيل فقط، لا. في أي وظيفة شئت، لكن كُن ملتزماً بأمر الله.

البدء بالأولويات

البدء بالأولويات البدء بالأهم فالمهم. فتبدأ بكبار المسائل، وأصول الدين، والمتون، ومجمل العلم، والظاهر من العلم المشهور الذي لم يختلف فيه، وهكذا تبدأ بالأهم فالمهم حتى تصل بإذن الله، ومن قرأ كيف تطلب العلم، وغيره من الكتب مثل أدب الطلب ومنتهى الإرب للشوكاني، والفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، وجامع بيان العلم وفضله لـ ابن عبد البر، من قرأها وجد ذلك.

المذاكرة والتكرار

المذاكرة والتكرار فلا بد أن تكرر ما تقرؤه كثيراً، وبعض الطلبة الآن يشكون أنهم لا يستطيعون حفظ القرآن، لكن إذا سألته وجدته لا يكرر المقطع كثيراً، فمثلاً المقطع الذي يكرر أربع مرات أو خمس أو عشر مرات فيحفظ كرره أنت أكثر من خمسين مرة. وأنا أطلب منكم -أيها الإخوة- أن تبدءوا من هذه الليلة بحفظ القرآن، ولا تحفظوا في اليوم إلا آية، وأرجوكم لا تزيدوا على آية، ولا تحفظوا في اليوم إلا آية واحدة، مهما كانت، وسوف تجدون أنفسكم بعد سنوات تحفظون كتاب الله كله، فهل منكم أحد يعجز أن يكرِّر في يوم من الأيام {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281] فجرب أيها الأخ ولا تحفظ إلا هي، واجعلها في ذهنك، ثم اذهب إلى وظيفتك وفي سيارتك وفي السوق وفي كل مكان وكررها حتى الفجر الثاني، ثم في اليوم الثاني خذ آية أخرى، وجربوا وسترون النتيجة. وقد طالب بعض الأساتذة في بعض الجامعات الطلاب -من جامعاتنا- بهذا، فقالوا: كيف تطالبنا بآية واحدة، متى ننتهي؟ قال: وعدنا بعد سنوات فوجدنا طالباً واحداً أخذ بوصية الأستاذ من بين ستين طالباً فحفظ القرآن كله، بينما التسعة والخمسون ضحكوا من كلام الأستاذ، وهذا يدلك على أن الإنسان يتقالل القليل، والمثل الصيني يقول: الخط الذي طوله ألف ميل يبدأ بخطوة، وأنت لو طالبت الطالب الآن وقلت له: ابدأ احفظ القرآن، لقال: إن شاء الله، عندنا امتحانات الآن، فإذا انتهى قال: في عطلة الربيع، فإذا جاءت العطلة قال: نذهب إلى مكة، وبعد مكة بدأت الدراسة، ثم العطلة الصيفية وفي العطلة الصيفية نزهة وهكذا، ثم لا يحفظ القرآن أبداً. إن من زرع نبتة: ليت. أثمرت له شجرة تسمى: (لعل) ولها أغصان اسمها: (عسى) وفيها ثمر اسمه: (متى) وذوقها اسمه: الخيبة والندامة والعياذ بالله! {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3].

تقييد العلم بالكتابة

تقييد العلم بالكتابة أوصي الإخوة أن يكون عند الإنسان دفتر جيب أو ما يسمى مذكرة يومية، يسجل فيها ما يستفيده من المجالس والملاحظات العامة، وما يستقريه، وما يسمعه من الأخبار إن كان عند المذياع. فإذا أعجبه بيت، أو طرفة أو خبر، يقيده في هذا الدفتر وهذا الدفتر يسمى كشكول، تكتب فيه كل شيء، لكن كل شيء له قيمة وفائدة. والمقصود هنا: أنك لن يمر بك يوم -وجرب- إلا وقد جمعت من الأخبار ورءوس المسائل، والتحليلات الكثير والكثير. ومرة مر ابن المبارك المحدث المشهور بمزبلة فسمع بيتاً فأخرج مذكرة وكتب، قالوا: تكتب في المزبلة؟ قال: درة في مزبلة! وهذا يسمى صيد الخاطر؛ أن تكتب كل ما سمعت، ولكن "قيد العلم بالكتابة" ليس بحديث، لكنه من كلام الحكماء: العلم صيدٌ والكتابة قيده قيِّد صيودك بالحبال الواثقة وهذا من أردأ الأبيات ولو أن فيه حكمة، لكنه ثقيل على النفس.

العمل بالعلم

العمل بالعلم يقول تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]. هذا مثل بعض طلبة الامتحان، وقد لاحظناهم، يأتي إلى المسجد فيذاكر من صلاة المغرب إلى قرب العشاء، فإذا دنى الأذان خرج وأخذ حذاءه وفر، يذاكر -فقط- في المسجد من أجل المذاكرة، لكن صلاة الجماعة لا يحضرها. وبعضهم -وقد ذُكر هذا في مناسبات- تجده في الامتحانات: يا رب! يا حي يا قيوم! أسألك أن تنجحني، ويدخل على أمه يسلم، ويقبل على رأسها، فإذا انتهت الامتحانات تمرَّد، وهذا نفي للعلم. وبعضهم يطلب العلم من أجل الشهادة فيغش في الامتحان، والمهم عنده دعنا نأكل، سواءً كان في الشريعة أو في أصول الدين، وهذا معروف. ومن طرف الغشاشين: أن أحدهم كتب الغش في قطعة في أسفل سرواله، واكتشف في ذلك، وكان المدير فيه حزم، وفيه طرفة ودعابة، فطلب من الطالب أن يخلع هذا الملبس وعلقه مع الإعلان: قبض على أحد الغشاشين والشاهد هذا. وقد تطور الغش بتطور الوسائل الحديثة، ومن له خبرة منكم يعرف ذلك.

نشر العلم بين الناس

نشر العلم بين الناس العلم في الإسلام يختلف عن العلم في غيره، فالعلم في الإسلام يدعوك ويوجب عليك أن تنشره، وتتكلم به، وتدعو إليه في العالمين قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159] وقال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {نضر الله امرءاً سمع مني مقالة فوعاها فأداها كما سمعها، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع} وقال {بلِّغوا عني ولو آية} يعني: في محيطك، سواء كنت في مكتب أو دائرة أو مؤسسة ادع إلى سبيل الله، كما قال الله تعالى عن عيسى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:31] فحيث ما حللت فأنت مبارك كالغيث.

قضايا تهم طالب العلم

قضايا تهم طالب العلم

حكم رفع الصوت بالعلم

حكم رفع الصوت بالعلم بالنسبة لطالب العلم: هل له أن يرفع صوته؟ و A فيه تفصيل والأصل أنه إذا عدمت الحاجة فإنه لا يجوز لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان:19] أما إذا كان لحاجة فيجوز له والحق هذا، لأن الهدوء علامة الرزانة، وأنت تتكلم بقدر الحاجة، فإذا كان الرجل قريباً منك فلا ترفع صوتك إلا بقدر ما يسمع، لكن في المواعظ العامة والخطب فلا بد أن ترن وتهز، وتكون قوياً كالسيل حتى تؤثر في السامع، {وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب ربما سقطت خميصته من عليه} كما في حديث النعمان بن بشير، {وكان يغضب ويشتد غضبه وتحمر عيناه كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم}. كما في حديث جابر أما إبراد الناس بالخطب، فإنهم ينعسون في الخطبة، ولا بد في هذا من قوة في الزجر، والوعظ، والصوت. أما في الدروس فتأخذ مجال الهدوء والرزانة، والنقاش، والحوار، ولكل مقام مقال.

فضل العلم

فضل العلم العلم أفضل مطلوب، وقد كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه يقول: [[قيمة كل امرئ ما يحسنة، وكفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس من أهله، -الآن الجاهل يقول: أنا متعلم- وكفى بالجهل سوءاً أن يتبرأ منه من هو فيه]] فترى الجاهل يقول: أنا لست جاهلاً، حتى أن بعضهم قد يقاتلك إذا قلت له: أنت جاهل.

أهمية التخول في الموعظة

أهمية التخول في الموعظة كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة والعلم كي لا ينفروا. وجاء عن ابن مسعود أنه كان يعظ الناس يوم الخميس فقيل له: [[لو وعظتنا -يا أبا عبد الرحمن - كل يوم؟ قال: إنه يمنعني من ذلك مخافة السآمة عليكم]]. فالحكمة أن تجعل للناس في الأسبوع درساً واحداً أو درسين، ولا تثقِّل عليهم، وبعض الناس يتكلم في الناس في كل مجلس يجلسه معهم؛ في المجلس، والدعوة، والعزاء، وفي الطريق، وفي كل مكان وكلما اجتمعوا قال: بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله. ويلقي عليهم محاضرة حتى تتكسر ظهورهم، حتى إن بعضهم لا يحضر الدعوة بسبب هذا. وسمعنا أن بعضهم حضر زواجاً، فقام في محاضرة عن الموت من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، والناس في زواج وفرح وقام الشيبة يبكون، وتركوا العشاء، فهذا ليس من الحكمة، بل الواجب أن يكلِّمهم فيما يناسب الموقف من التذكير بنعم الله ومنها الزواج والدعوة إلى ترك المغالاة في المهور وغيرها. والمقصود -أيها الإخوة- هو الاقتصاد في مواعظ الناس حتى تأتي إليهم وهم بتلقي وبتلهف إلى كلامك. وكان عبد الله بن مسعود يذكر الناس كل يوم خميس، وليس هذا من البدع، فمثلاً هذا الدرس في مساء كل سبت، ليس من البدع بحمد لله، بل الأصول والمصلحة تدعمه ولا يتعارض مع أصول الشريعة. وكان صلى الله عليه وسلم يجعل للنساء يوم الإثنين، يخاطب النساء ويعلمهنَّ أمور دينهن (صلى الله عليه وسلم).

متى يصح سماع الصغير؟

متى يصح سماع الصغير؟ هذا باب فتحه البخاري، والصحيح أنه يصح سماعه إذا ميز، ولا أستطرد في هذه المسألة لأن بعض الأسئلة سوف تأتي.

الغضب في الموعظة والتعليم عند الحاجة عزم

الغضب في الموعظة والتعليم عند الحاجة عزم إن من الحزم في الوعظ أن العالم إذا رأى ما يكره أن يغضب؛ كما غضب عليه الصلاة والسلام في بعض المواطن، ففي صحيح البخاري من حديث زيد بن خالد الجهني لما سأله عن ضالة الإبل، غضب عليه الصلاة والسلام حتى احمرَّ وجهه، وقال: {مالك ولها، دعها، فإن معها سقاءها وحذاءها، ترد الماء وترعى الشجر}.

استحباب تكرار الحديث ثلاثا

استحباب تكرار الحديث ثلاثاً وللعالم أو الملقي أن يعيد المسألة ثلاث مرات حتى ترسخ في أذهان الناس، وهذا ليس من التكرار المملول، بل هو من العجيب المرسخ للعلم؛ كما كان صلى الله عليه وسلم في حديث أنس الصحيح: {إذا سلم سلم ثلاثاً، وإذا تكلم تكلم ثلاثاًَ}.

العناية بتعليم النساء أمور دينهن

العناية بتعليم النساء أمور دينهن واجبٌ على المرأة أن تتعلم أمور دينها، وأنا أحث الإخوة خاصة في هذه المنطقة؛ لأنه يوجد تقصير في جانب النساء في التعليم، وفي المحاضرات، والمواعظ، أن يوصلوا المحاضرات والدروس إليهن في البيوت بواسطة الشريط، أو الكتيب، أو أي وسيلة أخرى. لأن المرأة مثلاً في منطقة الرياض والقصيم، مهتمٌ بها كثيراً كثيراً، وعندها نور، ولو أني أعرف أن هنا قطاعاً عندهم خير، لكني اسمع بعض الناس يقولون: ما الداعي لتعليم المرأة، بل تبقى في البيت! ونحن نقول: هذا لا يخالف فيه إذا كان الأحسن لها أن تسمع المحاضرات، والندوات حتى لا تبقى جاهلة بأمور الدين، وتعذب يوم القيامة، ويكون هو المسئول عنها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

حرمة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم

حرمة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا بابٌ مستقل؛ وإنما أورده هنا تحذيراً لطلبة العلم من التجاوز في الأحاديث؛ فإن بعضهم دائماً في كل مجلس يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر خطير، وأحذركم ونفسي من هذا، والمسألة صعبة، كيف تتكلم عن المشرع عليه الصلاة والسلام، المعصوم، فاتقوا الله في ذلك، وقد كان ابن مسعود إذا أراد أن يقول: قال صلى الله عليه وسلم انتفض حتى كادت عصاه تسقط، وابن عمر قيل: إنه سافر من المدينة إلى مكة فما سمعناه إلا مرة يقول: قال الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال عبد الله بن الزبير لأبيه: مالك لا تحدث عن الرسول عليه الصلاة والسلام؟ قال: {والله لقد حضرت كما حضروا، وعرفت لكن أخشى من حديث سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}. وقد سمعت عواماً يوردون كثيراً من أحاديث على الناس، ليست من الأحاديث في شيء وحديث القصاصين كذب، وخرافة، ودجل، بل من بنى عليها دينه صار في ضياع وسفه.

حكم السهر بعد العشاء في طلب العلم

حكم السهر بعد العشاء في طلب العلم استدل لها البخاري بحديث: {أرأيتم ليلتكم هذه، فإنها رأس مائة} على أنه لا بأس بالمواعظ والدروس بعد صلاة العشاء، وليست من باب السمر، أو السهر المحرم إذا لم يضيِّع صلاة الفجر، وكذلك يجوز أن تسهر مع الضيف بشرط ألا تضيع صلاة الفجر، ولك أن تذاكر بعد العشاء وتسمر مع المذاكرة بشرط ألّا تضيِّع صلاة الفجر؛ لأن بعض الطلبة وجد أنهم يضيعون صلاة الفجر بسبب هذا السهر، وإذا وصل إلى هذه الدرجة صار محرماً.

أهمية مخاطبة الناس على قدر عقولهم

أهمية مخاطبة الناس على قدر عقولهم من حكمة الواعظ والمدرس والمعلم والعالم ألا يتكلم بكل المسائل أمام الناس، فكلام الخاصة للخاصة، وكلام العامة للعامة، هناك كلام يضيق عنه الأذهان [[حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله]] وورد عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [[إنك لست محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم فتنة]]. مثلاً -الآن- مداخل علم الكلام عند العوام، أو مثل الأسماء والصفات واختلاف الأشعرية مع أهل السنة، أو إيرادات المعتزلة على أهل السنة؛ فهذه لا يحدث بها عند العوام، وكذلك الخوض في المعاني التي لم يخض فيها علماء السلف وإنما أخذوا الظاهر ووقفوا، فعلينا أن نقف كما وقفوا.

واجب الأمة عند نزول الغمة

واجب الأمة عند نزول الغمة إن الناظر بعين البصر والبصيرة إلى حال الأمة الإسلامية، يجد أنها تعيش الضعف والذل والهوان، وما ذاك إلا للبعد عن منهج الله، والخواء العقدي، والتلوث الفكري، ونسبة الخطأ إلى الغير، وعدم الجدية في السير إلى الله، والفرقة الحزبية المقيتة، ونقض العهود والمواثيق، وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فما هو السبيل إلى إعادة مجد الأمة؟ وما هو واجبنا في ذلك؟ هذا ما تجدونه بين أيديكم في هذه المادة.

حكم توثيق المحاضرات بالفيديو

حكم توثيق المحاضرات بالفيديو إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. وقبل أن أبدأ، هناك مسألة ولعلها ليست غريبة عليكم، وهذه من المسائل التي يكثر السؤال عنها، وهي: الفيديو والتصوير في المحاضرات، والذي أقتنع به أنه لا بأس بأن ينقل الصوت الإسلامي عن طريق الفيديو بعد تأمل واستقراء، وقد سألت سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز مباشرة بالهاتف، وقد تكرر هذا في كثير من المجالات، وكان معي الشيخ/ سعيد بن مسفر، وأجاز فضيلته ذلك للمصلحة التي تكمن فيه، وعلم الله أنه لا مجال للإنسان في أن يرد النصوص إذا صحت عنده، ولا يجوز له بحال من الأحوال أن يقف ضد كلام المصطفى عليه الصلاة والسلام. لكن هذا الفيديو، رأينا أنه وسيلة من وسائل الدعوة، أنا أريد أن يدخل الفيديو الإسلامي البيت الذي كان يدخله الفيديو المهدم، ليسمع به أهل البيت: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] ليسمعوا فيه قول الله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:1 - 2] ليسمعوا من خلاله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. ثم لا أحجر على أي أحد من الناس أن يعترض على هذا، فهو اجتهاده، أما أن يأتي ويدعي أني عارضت النصوص، ورميت بها عرض الحائط فمعاذ الله، بل أجعل وجهي على التراب يوم يأتي النص من المعصوم عليه الصلاة والسلام، ثم أحاول أن أجد له مخرجاً، لا يكون هذا أبداً، ودونه قطع الرءوس والجماجم، وإسالة الدماء، وهذه مسألة أحببت أن أذكرها لكم، وما سمحت بهذا الفيديو إلا بعد تأكد وتيقن من مصلحته في نقل الدعوة والتأثير في الناس، وكما قيل: ليس الذكي الفطن الذي يعرف الخير من الشر، فجل الناس يعرفونه، لكن الذكي الذي يعرف خير الخيرين وشر الشرين. عناصر هذه المحاضرة: (واجب الأمة عند نزول الغمة): أولاً: أخطاؤنا: الخواء العقدي، التلوث الفكري، نسبة الخطأ إلى الغير، عدم الجدية في الالتزام، خلل في الصف. ثانياً: الذنوب الكبرى التي تعيشها الأمة: الإعراض؛ الترف؛ نقض الميثاق؛ نسيان الذكر؛ عدم التآمر والتناهي. ثالثاً: العقوبات والمثلات: موت القلوب؛ السنين والقحط، الهلاك الظاهر، الريح، الصيحة، الغرق، الخسف، انطماس الهوية، التخلف الحضاري. رابعاً: أسباب الإنقاذ: أين العلماء؟ بناية الحصون المهدمة، إعادة بناء المناهج، تحدي شبح الموت. خامساً: الفرج من الله: ويكون ذلك بصدق اللجوء إليه، والتوكل على الواحد الأحد الذي لا يموت، والتوبة النصوح، ونصرة الله في الأنفس والحياة. السادس: التعلق بمصادر العزة: الولاية الكبرى لنا وليس لغيرنا، القدوة الخالدة إمامنا وشيخنا وليس غيره، ميراث الوحي، أمة الخلافة في الأرض. سابعاً: واجبنا نحو الجيل العائد إلى الله: حماية السلوك بالمنهج الرباني، إظهار محاسن الدين للأمة، الذب عن أعراض الصالحين، ربط الجيل بالعلماء، فتح مجالات التأثير للدعاة. أيها الإخوة الكرام: نحن نعيش حدثاً عالمياً، وأصبح مصير الأمم بيد رجل واحد، ينتظر منه أن يقول الكلمة الحاسمة في مصير الشعوب، أن يقول نعم أو لا. وأصبح الناس ينتظرون إلى هذا التاريخ الموقوت، والموعد المسمى، وكأنهم ينتظرون القيامة، قال تعالى: {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر:1 - 2] وأصبح الأطفال يحسبون لخمسة عشر يناير ألف حساب، ويعيشونه في أذهانهم، وفي بيوتهم، وفي أيامهم ولياليهم. متى كنا أمة تخاف الموت، ومتى كنا نسلم أرواحنا على أكفنا. أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا أما كان أنس بن النضر يقول: [[إليك عني يا سعد، والذي نفسي بيده، إني لأجد ريح الجنة من دون أحد؟]] أما كان المجاهد الصنديد العقدي الموحد في المعركة يلبس أكفانه ويتوضأ، ويبيع نفسه من الله؟! من الذي شهد على المبايعة؟ ومن الذي وقع على المعاهدة؟ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] أليسوا أجدادكم يا حملة التوحيد؟ أليسوا آباءكم يا أهل لا إله إلا الله؟ وسوف يتكرر الجيل الذي لا يخاف الموت متى التزم بمبدأ إياك نعبد وإياك نستعين، وقد رأينا زملاءكم وكثيراً منكم ممن ذهب إلى أفغانستان يقدم جمجمته لجنزرة الدبابة، فتشدخ رأسه في سبيل أن تبقى لا إله إلا الله، وينسحب الملاحدة الروس وهم كُثر؛ لأن الذي واجههم صف لا إله إلا الله، قال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] ولكن أخطاءنا انكشفت لنا مع الأحداث: جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي وجزى الله الكوارث، يوم تنتج للأمة معرفة الخطأ. مصائب قوم عند قوم فوائد قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]. وعند البخاري من كلام معاوية رضي الله عنه وأرضاه في باب الأدب: [[لا حكيم إلا ذو تجربة]] ومن لدغته التجارب عرف وتيقن وأبصر، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: {لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين} بل يكفيه لدغة واحدة لينتبه للمصير.

أخطاء الأمة الإسلامية

أخطاء الأمة الإسلامية وقد اكتشفنا من الأخطاء التي تعيشها الأمة الشيء الكثير، منها:

الخواء العقدي

الخواء العقدي نحن أمة عندها لا إله إلا الله باللسان، والادعاء ويوم أن أتت الأزمة ظهر الخواء العقدي الذي تعيشه الأمة في ضميرها ومقدراتها، وكان هذا خطأً معلوماً، ودفعنا ضريبته ونتائجه وديونه من دمائنا وعرقنا وأموالنا، بسبب الخواء العقدي في أمة حسبنا الله ونعم الوكيل، ولم تكرر الأمة نفسها وتاريخها مرة ثانية في هذه الأحداث، وإنما كانت خائفة مذعورة، لا تدري إلى أين تلتجئ، والله تعالى ذكر أولياءه وقال فيهم: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]. والمطالع للمنهج العقدي للرسول صلى الله عليه وسلم في (الفتح الرباني) وهو يعرض العقيدة على أصحابه، فإذا المجلس الواحد يجعل الصحابي يشتري الجنة في جلسته، ويقول: الله أحب إليه من كل شيء. وخذوها قاعدة: إن الله سبحانه تعالى إذا أراد أن يرسل رسله عليهم الصلاة والسلام، يترك الرسول أربعين سنة، هل سمعتم برسول بعث قبل الأربعين؟ لا لماذا الأربعون تسمى أربعين الذكريات وأربعين المصائب وأربعين الابتلاء: وماذا يبتغي الشعراء مني وقد جاوزت حد الأربعين أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني فسن الأربعين هي درجة أن يصاب الرسول من الرسل عليهم الصلاة والسلام بالمصائب والكوارث والجوع والقحط، حتى يعلم أنه لا إله إلا الله، فإذا علم الرسول أنه لا إله إلا الله، ولا نافع ولا ضار ولا محيي ولا مميت إلا الله، ولا كاشف للبلوى إلا الله، أرسله الله للناس ليخبرهم أنه لا إله إلا الله. أما قبل أن يتأهل نفسياً ليقود الأمة والشعب، فلا يمكن أن يرسله الله حتى يتأهل بلا إله إلا الله. ومن يطالع في مسند أحمد بن حنبل يجد هذه الأحاديث: عن أبي العالية عن أبي بن كعب، رضي الله عنه، قال: {قال المشركون: يا محمد! انسب لنا ربك -أي: اذكر لنا أباه وجده، تعالى الله عما يصفون- فسكت عليه الصلاة والسلام، فأنزل الله قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]}. وكان صلى الله عليه وسلم يجلس هو والصَّحابة، وفيهم الأعراب والعلماء، وفيهم القادة والزعماء، وفيهم الشعراء والأدباء، فيقول: {يضحك ربك، فيقول الأعرابي: لا نعدم من رب يضحك خيراً}. ويقول عليه الصلاة والسلام: {يد الله ملأى سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم ينقص مما في يمينه شيء}. ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى الصحيح: {إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع له عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل} هذه العقيدة المستشرية التي يناقشها صلى الله عليه وسلم، ويعرضها في إعلامه مع أمته، ومع شعبه، وجيله، ربى منهم شباباً يقفون على الماء يطلبون الشهادة، ويمتطون على الخيول يقدمون جماجمهم للموت. فالأمة -الآن- قليلاً ما تعيش مسألة العقيدة، وسمعت بعض الناس يقول: (دائما تقول عقيدة عقيدة، الرحمن على العرش استوى، انتهى الأمر، لا عقيدة حتى نموت، ونلقى الله عز وجل، عقيدة تمضي في الدم، نناقشها في كل مجلس ونعيدها ونكررها، والعقيدة ليست المسائل الخلافية بين أهل السنة والأشاعرة أو المعتزلة مع الجهمية المعطلة، لا العقيدة أعظم من ذلك، هي كل القرآن كما يقول ابن تيمية: كل القرآن. أيها الإخوة الكرام: من تدبر قوله تعالى يوم أرسل الله رسوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:91] قال البخاري: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، وربى جيله على ذلك، ومن تدبر النصوص، يرى أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يملأ الصحابي بالمعتقد. من تداجي يا بن الحسين أداجي أوجهاً تستحق ركلاً ولطما كم إلى كم أقول ما لست أعني وإلى كم أبني على الوهم وهما كان أبو الحسن يعيش التوحيد حتى في المعارك، ذكر عنه أنه في صفين كان ينعس على البغلة وهو يبارز الأبطال، وقبل المبارزة بدقائق كان ينعس من النوم، من ينعس؟! أطفالنا الآن أكثرهم لا ينامون من الخوف والهلع، وبيننا وبين المعركة ألف ميل؛ لكن هكذا يربى الناس على الخوف من الموت، والهلع والجبن، فمقصودي أن علياً رضي الله عنه كان يقول: [[والذي نفسي بيده لو كشف الله لي الغطاء ورأيت الجنة والنار، ما زاد على ما عندي من إيمان مثقال ذرة]] إيمانه قوي بلغ القمة، من أخمص القدمين إلى مشاش الرأس.

التلوث الفكري

التلوث الفكري مصادر العلم عند المسلمين أصبحت ملوثة، ليس هناك قناة واحدة تستمد الأمة منها تصورها العقدي، الذي يذكره مثل سيد قطب في معالم في الطريق. كان السبب في قوة إيمان الصحابة أنهم كانوا لا يأخذون الخبر والتفكير إلا من الكتاب والسنة، ما هي مكتبة أبي بكر وعمر؟ هل تجد فيها كتباً إذا دخلت؟ لو دخلت بيت عمر لوجدت المصحف معلقاً في ناحية من البيت والسيف في الناحية الأخرى، المصحف يفتح به العقول، والسيف يفتح به القلاع والجماجم. ولذلك تنورت أفكارهم، وأثَّروا في العالم تأثيراً عظيماً. مايكل هارف، يقول عن عمر في كتاب: الأوائل (ص166): كان لهذا الرجل أعظم تأثير في تاريخ الإنسانية، إذ فتحت معظم الأقاليم في عهده. بماذا؟ بلا إله إلا الله والسيف، بالبردة الممزقة، وببطنه الذي كان يقرقر من الجوع فيخاطبه ويقول: [[قرقر يا بطن أو لا تقرر والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]]. فماذا فعلنا في تاريخ الإنسانية، وقططنا تشبع من لحوم الدجاج، وتموت حبطاً في القمائم والزبالات؟!! ماذا أثرنا في تاريخ الإنسان؟ لا شيء؛ لأن مصادر التلقي أصبحت كثيرة: مسلسل مهدم وفيديو مخرب وأغنية ساقطة ومجلة خليعة؛ آية تدخل بين آلاف المسلسلات، حديث يدخل بين عشرات الأغنيات. فأصبح الناس يتلقون من هنا وهنا، وأصبح كثير من المبهوتين فكرياً يقولون: ساعة لربك، وساعة لنفسك. وأصبح بعضهم يقول: مرة نغني ومرة نقرأ، مرة نبكي ومرة نضحك. فأصبح الدين شذر مذر في حياتهم، وهذا هو التلوث الفكري، والمتأمل في القرآن يجد أن الله عز وجل يعيد الصحابة إلى مسألة قد تكون بسيطة عندنا، وينبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:104]. والمقصد من هذا ألا تشابه الكفار بالتلفظ بكلمات موهمة ومشابهة لكلماتهم، فكيف بمن اعتقد اعتقاداً كاعتقادات الكفار، أو حمل فكراً كفكر أعداء الله عز وجل، وقد كان عليه الصلاة والسلام يريد الأمة أن تكون مستقلة في فكرها ومظهرها، وفي كل شيء. وكان اليهود لا يصلون بالنعال، فقال صلى الله عليه وسلم: {خالفوهم فصلوا في النعال} {فصل ما بيننا وبين أهل الكتاب أكلة السحر} حديث صحيح. إذاً فالمخالفة مقصودة، ويوجد كتاب لـ ابن تيمية هو كتاب: (اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم) وذلك حتى تكون أنت بتفكيرك مستقلاً عن تفكير هؤلاء الضائعين التائهين، ترى كل أهل الأرض مخطئين إلا أنت، وكل من على المعمورة على باطل إلا أنت وحدك يا مسلم، لأنهم إذا أخذوا عقيدتهم من التراب والطين، أخذت عقيدتك من رب العالمين، وإذا أخذوها من الشياطين، أخذتها من لافتة إياك نعبد وإياك نستعين. مكامن التلوث الفكري أن يخرج لنا أناس يسيئون إلى المعتقد وينالون من الرسالة، من أنتج هذه القنوات التي أوصلت إليهم الثقافة، وهناك صحيفة من الصحف، في الصفحة اليمنى فتوى لأحد العلماء ويسأل على السحَّاب للمرأة هل يصلح من صدرها أو من ظهرها؟ هل يجوز -يا فضيلة الشيخ- أن يكون سحَّاب المرأة من ظهرها أو من صدرها؟ قال الشيخ -وجزاه الله خيراً وقد أصاب- لا بأس بهذا إذا لم يكن فيه مشابهة للكافرات، لا بأس أن يكون السحاب من أمامها أو من خلفها، وفي الصفحة اليسرى لدغ لشريعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وشباب الصحوة، وأهل لا إله إلا الله، وتعجب من هؤلاء لا يسألون إلا عن عدة الحائض والغسل من الجنابة، والسحَّاب من أمام أو من الخلف!! أما مسألة لا إله إلا الله أو المنهج الرباني، وإعادة الأمة إلى الله، ومسألة النبوة والولاية الكبرى فلا يسألون عنها!! هل سمعت أنهم يسألون عن مسألة الولاء والبراء، أو التوكل على الله، أو استقلالية الأمة، أو منهج الأمة الرباني، أو الحاكمية؟! لا يسألون!! وأعظم الأسئلة في السحّاب والحيض والجنابة، وأنا لا ألوم الشيخ، ولكن ألوم نفسي لترم بي المنايا حيث شاءت إذا لم ترمِ بي في الحفرتين

نسبة الخطأ إلى الغير

نسبة الخطأ إلى الغير وتجد أن الأمة الإسلامية الآن تنسب الأخطاء إلى الغرب، ولو تناطح حماران في ساحل العاج، لقالوا: إسرائيل وراء هذين الحمارين!! ولو أتى شاب لقال: حسبنا الله على اليهود، هم الذين سُلِّطوا علينا، هم الذين أثروا علينا في منهجنا، وأثروا علينا في حياتنا!! ومعناه أننا لم نخطئ والغرب فقط هو الذي يخطئ. أيها الإخوة! نحن أثرنا في الآخرين أكثر مما أثر الآخرون فينا، أقولها وعندي وثائق تشهد على ذلك، من الذي دوخ الشعوب؟ ومن الذي أسقط الحكومات الجائرة كسرى وقيصر، وحكومة الهند؟ وكثير من الحكومات الشرقية؟ المسلمون. والدليل على أننا أثرنا في العالم، أنه ما من بلد من البلدان إلا وفيه أقلية مسلمة، وفي سنة من السنوات في أيام الحج، كان عدد الحجاج من روسيا ألف حاجٍ خرجوا من موسكو يقولون: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. خرجوا من جانب جرباتشوف. يا إخوة: لقد أثرنا في العالم بل نكسنا عروشاً، وحكمنا دولاً، وسحقنا مستعمرات، وفتحنا قلاعاً. فلماذا أصبحنا في انهزامية؟ إننا ندافع فقط. يقول العسكريون: أفضل طريقة للدفاع الهجوم. أصبح كثير من الكُتَّاب عافاهم الله، فقط يردون، يسمع بالمسألة وهو جالس في البيت، فإذا سمع شبهة قام لها. لماذا أنت لا تدمغ الباطل؟ لماذا لا تبدأ بالهجوم الكاسح بكتبك وبرسائلك وبأشرطتك؟ قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18]. وهناك رسالة لأحد الكتبة يناقش فيها مسألة الملاعق هل لها أصل في السنة أن يأكل بها أم لا، ثم ينتقل إلى الكبك بعد عشر صفحات، ويقول: لا بد أن نرى الكبك، ما هو أصل إدخالها على المسلمين؟ الأمة تدمر في عقولها ومناهجها، ونحن في مسألة الكبك والملعقة. أنأكل بالملعقة أو بالسكين، أو نأكل بالشوكة؟ مسألة، لكن هل نخصص لها كتاباً مجلداً أو مطبوعاً؟! لا ألوم أحداً، ولكن ألوم نفسي. فالمسألة الآن: نسبة أخطائنا إلى الغير، وهذا من انهزاميتنا وتقهقرنا، بل كثير من الأخطاء صارت منا نحن، وأعلم أن كثيراً مما يقوله الشباب أن الأعداء كانوا وراء ذلك الحادث، وأولئك كانوا وراء تلك الحادثة وليس هذا بصحيح، ونقول لهم: هل يوجد لديكم وثائق؟ أعطونا، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] ويقول سبحانه: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [البقرة:111] ليس هناك دليل. فالانهزام الذي أصاب الأمة أن تنسب الخطأ إلى غيرها. مشغوفة بخلاف لو أقول لها يوم الغدير لقالت ليلة الغار

عدم الجدية في الالتزام

عدم الجدية في الالتزام يوجد في الجيل من التزم التزاماً ظاهرياً وهو مشكور على فعله، ولكن لا يعني ذلك أن هذا هو الالتزام المطلوب في الكتاب والسنة، والله عز وجل يقول: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12]. قال أهل العلم: القوة فعل المأمور واجتناب المحذور، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [الأعراف:170] أي: يأخذون الكتاب بقوة وميراث النبوة بحرارة، وليس التزاماً بارداً. عندنا شباب ملتزمون شكر الله سعيهم، يربون لحاهم ويقصرون ثيابهم، ويستخدمون سنة السواك وهذا أمر مطلوب، ولكن يوجد الخلل في قضية العمل، كخلف الوعد، فقد وجد أن كثيراً من الشباب يخلف وعده، وكعدم بر الوالدين، وقد شكا بعض الآباء والأمهات من عدم طاعة الولد لهم وهو من شباب الصحوة، وعدم قيام الولد بحقوق الأهل، كنشر الكلام بين الأحبة، والإفساد بين الأصدقاء، وهذا كله ينافي جدية الالتزام الذي يطلب من الأمة أن تعيد تصحيح مسارها إليه، وهذه مهمة الدعاة والمربين، أن يجتهدوا في فتح مغالق الأمة من هذا الجانب، جانب التربية الإسلامية الحية الموروثة عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام.

الخلل في الصف

الخلل في الصف وأعزوه إلى الحزبية المقيتة التي عاشتها الأمة في بعض شرائعها، وهذه الحزبية أثبتت فشلها مع الأحداث، وهي ليست مستعدة لتقود الأمة، أو تقوم بتحريك أفكارها، أو تقوم بمتطلباتها، ونحن أكبر من أن نعيش حزبية، فالإسلام أرحم وأكبر من أن يعيش الحزبية، والإسلام عظيم، يرحب بي وبك، ويرحب بالداعية الوعظي، والداعية العقدي، والداعية المربي، والداعية الذي يهتم بالفكر، يمكن أن يأخذنا تحت مظلة لا إله إلا الله، دون أن تأخذ لك خلية دوني وتطردني، وما ذنبي أنا وأنا أخوك؟! فوجد أن الحزبية أثرت في الغيبة والنميمة، والظن في الآخرين حيث لا مجال للشك، وهذا خلل يجب على من يعرفه إيقافه عند حده، لكن بالحكمة والموعظة الحسنة.

الذنوب الكبرى

الذنوب الكبرى

الإعراض عن منهج الله

الإعراض عن منهج الله الأمة تعيش إعراضاً، ولو ادَّعت أنها ليست معرضة، فليس كل من ادعى شيئاً صادقاً. قال ابن عباس في الحديث الصحيح: {لو أعطي الناس بدعواهم لادعى أناس دماء أقوام وأموالهم}. وقال ابن القيم: (لو ترك الناس لدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي). الخلي الذي ينام ولا يحب، لا يوجد عنده هيام ولا عشق، والشجي هو هذا الموله وكم عندنا من شجيين لكنهم يعيشون الوله والهيام، يعيشون الحب، ويتكلم أحدهم بأغنية أمام الملايين، ويدعي أن حب محبوبته قتله وصرعه، وأصبح شهيد الفن، وهذا الشجي الذي يعيش الحرقة، والخلي غير الشجي، ويقول أبو الطيب المتنبي في مقطوعة رائعة له، وقد أساء في بيت من الأبيات يقول: القلب أعلم يا عذول بدائه وأحق منك بجفنه وبمائه ثم يقسم بمحبوبه، أعوذ بالله من الخذلان ومن هذا التلوث العقدي فومن أحب لأعصينك في الهوى قسماً به وبحبه وبهائه والشاهد الذي نريده هو قوله: لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى يكون حشاك في أحشائه وهؤلاء الشهوانيون يعذلون الدعاة الغيورين في هذا الجانب، يقولون: لماذا يغضب الداعية لأنه يرى مجلة خليعة، أو يسمع أغنية ماجنة؟ ما هذا الغضب والتهور؟ وما هذا التشدد والتشنج؟ أقول له: لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى يكون حشاك في أحشائه فقصدي أن الأمة تعيش إعراضاً عن الله عز وجل، وكيف الإعراض؟ الإعراض عن أخذ المنهج كله جملة وتفصيلاً، أو تأخذ بعض ما يعجبها، وتترك ما لا يعجبها، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن الإعراض الكلي المطلق: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ:16].

الترف

الترف وكم أترفت الأمة! والترف سبيل إلي إحباط الشعوب، وليس وسيلة حية في إحيائها، بل هو من النكبات في حياة الأمة، يقول سبحانه: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الاسراء:16]. كان آخر سلاطين بلاد الأندلس، وهو من آل الأحمر، فلما مات هذا السلطان أتى ابنه وكان مدلالاً، يعيش مع الموسيقى الإيطالية الحالمة إلى الساعة الثانية ليلاً، وكأس الخمر سهل عنده، كالوتر ولعب البلوت والكيرم، وكانت أمه عصامية تنصحه قالت: يضيع سلطانك بهذه الطريقة، فرفض، وفي لحظة من اللحظات اكتسحه الأسبان فأخذ يبكي عند الباب، فتقول أمه: ابك مثل النساء مجداً تولى لم تحافظ عليه مثل الرجال وابن عباد كان عنده سبعمائة جارية في القصر، وكان إذا أراد بناته أن يخرجن من القصر إلى القصر فرش لهن الكافور والطيب، ومشين على الكافور والمسك إلى القصر الثاني، ولما أتى الترف اكتسحه ابن تاشفين، وابن تاشفين مسلم، فماذا كان حاله؟ سجن هو، وأتت بناته يزرنه حافيات ليس عليهن إلا ثياب ممزقة، فلم يجدن حتى الحجاب، فلما رأى بناته، كاد ينصدع قلبه، فبكى بكاءً مريراً، وأنشد قصيدة حارة ساخنة يقول: فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد في أغمات مأسورا ترى بناتك في الأطمار جائعةً يغزلن للناس ما يملكن قطميرا يطأن في الطين والأقدام حافية كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا وهذا نتيجة الترف والضياع الذي تعيشه الأمة، ترف في البيوت، وترف في كثرة المباحات، وترف في تجاوز حدود الله عز وجل، حتى وهنت الأمة وأصبحت لا تستطيع أن تجاهد، ولا أن تدافع عن نفسها، وقارن بين الشعوب التي أصيبت، ما هو موقفها من الأحداث؟ مثل بعض الشعوب لما أصيبت لم نر منها جهاداً وما رأينا وقوفاً صامداً. والبعض مثل أهل أفغانستان لما استولت الشيوعية على الحكم في كابول خرجوا في اليوم الثاني من مسجد جامع بالكلاشنكوف وهم يرددون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا والجزائريون سحقوا فرنسا، والرئيس الفرنسي لما رأى أهل الصحوة في الجزائر يقتربون من الحكم، أنذرهم، فأرسلوا له رسالة فقالوا: إن كنت تريد أن نلقنك درساً ثانياً فتعال، فأخذ لسان حاله يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي مربض المستأسد الضاري

نقض الميثاق

نقض الميثاق نقض الميثاق على مستوى الفرد والجماعات موجود في الأمة باطراد، أن يتوب تائب وأن يعود عائد، أن يأتي يصلى في الصلاة يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ثم يخرج من المسجد فيشهد شهادة الزور، ويسمع الأغنيات الماجنة، ويقتني المجلات الخليعة، ويعق والديه، ويقطع أرحامه، هذا هو نقض الميثاق، قال الله فيه: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13] ونقض الميثاق على مستوى الأمة أن تدعي تحكيم منهج الله عز وجل ثم لا تحكمه ولا تقوم بمنهجه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا أمر خطير وقعت فيه الأمة، فنعوذ بالله من الخذلان. يقول الحسن البصري وهو واعظ ومربٍ شهير، يقول لأحد الشباب يراه في المعصية دائماً، قال: يا بني! اتق الله، تب إلى الله، قال: سوف أتوب، قال: يا بني! إن موسى رافق الخضر عليهما السلام، فخالف موسى الخضر ثلاث مرات، فقال الخضر: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] وأراك تخالف الله في اليوم عشرات المرات، ألا تخشى أن يقول الله لك: هذا فراق بيني وبينك؟! وهذا أمر صعب أنذركم إياه، أن يقول الله للواحد منكم: هذا فراق بيني وبينك، فمن يقبلك إذا رفضك الله؟ ومن يؤويك إذا طردك الله؟ ومن يرحمك إذا عذبك الله؟

نسيان الذكر

نسيان الذكر والقرآن يؤكد على تذكر المعلوم أكثر من تأكيده على تعلم المجهول، وسوف يأتي شرح هذا، والمقصود بنسيان الذكر أن تنسى الأمة الذكر في العمل، ربما تحفظ القرآن، وربما تشيد بالقرآن، وربما تتسابق بالقرآن، ولكن لا يوجد العمل بالقرآن، والحياة مع القرآن فيها قصور عند الأمة. خذ على سبيل المثال: من يسافر في الطائرة من مدينة إلى مدينة هنا في البلاد، يلمح ما يقارب مائتي راكب، يجدهم كلهم يقرءون الصحف، وقراءة الصحف شيء ضروري لمعرفة الواقع، لكن هل رأيت راكباً -وقد تعمدت أن أنظر في ذلك، ولكن ما رأيت- يقرأ قرآناً أو يفتح مصحفاً، أو عنده كتاب حديث؟ وإنما طوال الرحلة يقرأ الصحيفة يقرؤها بشحمها ودمها ولحمها، حتى إعلانات الإسمنت يقرؤها وإعلانات العطور، وما فيها من مسابقات وفوائد وطرائف ولطائف، الله أعلم بها، فنسيان الذكر موجود في حياة الأمة، وبعضهم جعل يوم الجمعة للذكر فقط، يقرأ سورة الكهف للبركة، لأننا أصبحنا مثلما قال أحد المفكرين -سلم الله يده ورفع منزلته-: أصبح القرآن هذا الذي أتى إليه أحمد بن بلا فركله من الجزائر، وأتى إليه محمد على جناح فركله من باكستان، ومصطفى كمال أتاتورك ركله من تركيا، أصبح هذا القرآن يصلح للقراءة على المصروع فقط. ووجدنا بعض الشباب لا يصلي في المسجد، ويشرب الدخان ويتهتك في الحدود، فإذا أصابه صرع أتى إليك قال: يا شيخ! أريد أن تقرأ عليَّ، الآن احتجت إلى القرآن؟! إن الواجب على الأمة أن تقرأ القرآن قبل أن يأتيها الجن، وألا تقرأه فقط للجن، بل تقرؤه للحياة، يصلح للزواجات والحفلات وتفتح به الندوات، وهو قرآن الحياة، قال الله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].

عدم التناصح والتناهي

عدم التناصح والتناهي مر بالأمة وقت لا تأمر فيه ولا تنهى، بل القليل من يأمر وينهى، وأصبح عند الأمة في وازعها وشعورها أن هناك خجلاً من الرأي العام، إذا قلت للمرأة السافرة: اتقي الله وتحجبي، وهذا يختلف في المناطق كثرة وقلة بسبب الغيرة، وبسبب الحماس والعلم، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79]. وعند ابن حبان بسند صحيح عن أبي ذر، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا أبا ذر! قل الحق ولو كان مرا} والحق مر يذهب بالرءوس والدماء. فنحن بحاجة إلى أن نعلن الآن أننا أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن بالحكمة التي يرضاها الله، لا نأمر بمعروف ونأتي بمنكر أكبر أو ننهى عن منكر ونأتي بمنكر أعلى وأقبح منه. يقول أحد العلماء: (ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر بلا منكر) وهذه هي الحكمة التي أتى بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام. وعند أحمد في المسند بسند صحيح، عن أبي ذر، قال: {بايعني رسول الله خمساً، وعقد علي سبعاً، وأشهد علي تسعاً، أن أقول الحق ولا أخاف في الله لومة لائم} ولذلك تجد أبا ذر دائماً لا يرهب أبداً، يقول الكلمة ولو كانت ستودي برأسه أو بمستقبله، ومن قرأ ترجمته عرف ذلك، يقول فيه القائل: أطرد الموت مقدماً فيولي والمنايا أجتاحها وهي نعسى لاطفوني هددتهم هددوني بالمنايا لا طفت حتى أحسَّا أركبوني نزلت أركب عزمي أنزلوني ركبت في الحق نفسا

العقوبات والمثلات

العقوبات والمثلات ما هي عقوبة الله التي حلت بالأمم؟ تسمع بعض الناس يقول: الحمد لله، وجدت بعض المعاصي في الناس لكن ستر الله ولم يعاقبنا. يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: قال أحد علماء بني إسرائيل ممن عصى الله: (يا رب! كم أعصيك وما عاقبتني؟) فأوحى الله إليه: يا فلان! كم أعاقبك وما تشعر! قال: بماذا عاقبتني؟ قال: أما منعتك لذة مناجاتي وحلاوة عبادتي؟ هذا من أعظم العقوبات، لكن الشخص لا يحس. يقول المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام تأتي لمقتول وتطعنه بخنجر فلا يحس، فأصبحت الأمة في شعورها مقتولة مطعونة في أعز ما تملك، في لا إله إلا الله، في قلبها وأصالتها، وفي عمقها ورسالتها، حتى يجد الإنسان أن هناك عدم تميز بين المسلم والكافر، بل بعضهم يميز الكافر، ووالله لقد ركبت مع بعض الناس، وقد رأوا أحد الشباب قصير الثوب وطويل اللحية، فيقول لهذا الرجل: أنا أرى هذه اللحى وهذه الثياب منظراً غير حضاري، فقلت له: وما هو المنظر الحضاري عندك؟ فسكت. فقلت: المنظر الحضاري عندك أن يبول الإنسان واقفاً، مثلما يفعله الإنسان في لوس أنجلوس! والمنظر الحضاري عندك أن يغسل الكلب بالصابون ويركِّبه في السيارة؛ والمنظر الحضاري عندك أن يقبل الرجل المرأة في المطار! هذا منظرك الحضاري! أما منظر هؤلاء الذين تسننوا بسنة محمد عليه الصلاة والسلام، الذي تركته أنت وأمثالك، وواليت أعداء الله عز وجل وشابهتهم، فهذا هو الخزي والعار، وقد كان هذا في كلام طويل، أو بمعنى هذا الكلام. فالأمة تمسخ في هويتها بسبب أنها لم تعش أصالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا سيأتي الكلام عليه. ويروى أن عابداً من بني إسرائيل كان يعبد الله في قرية، فأنزل الله جبريل ليخسف بالقرية، فوجده يصلي فسأل الله فيه، فقال: به فابدأ، فإنه لم يتعمر وجهه غضباً لي، فلعل الأمة تدفع ديونها الباهضة التي تركتها في الأيام السالفة، ونسيت وابتعدت حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.

موت القلوب

موت القلوب أن يموت القلب ولا يحيا مع الكتاب والسنة، وألا يتأثر، ونعرف كثيراً من الناس يرتكب المنكرات كالجبال -ونعوذ بالله من الخذلان- ولا يتأثر ولا ينزعج. وقد ذكر ابن الأثير في كتابه الكامل: أن عبد الملك بن مروان، قال لـ سعيد بن المسيب: يا أبا محمد أصبحت أعمل السيئة لا أساء بها، وأعمل الحسنة لا أسر بها، قال سعيد بن المسيب: الآن تتام موت قلبك، أي: الآن مات قلبك كله. وذكر ابن الأثير عنه أيضاً أنه لما بويع بالخلافه قال: والذي لا إله إلا هو، لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد هذا اليوم إلا ضربت عنقه بالسيف. عبد الملك يقول عنه الذهبي في الترجمة: أول ما بويع بالخلافة، فتح المصحف وقرأ طويلاً ثم طبق المصحف وقال: هذا آخر العهد بك، قال الذهبي: اللهم لا تمكر بنا، وأنا أقول {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134] ولكن نستفيد العبر من الماضين. من أكبر العقوبات التي أُصبنا بها -لم نصب بصواريخ ولا بزلزال ولا ببراكين- أننا أصبنا بموت القلوب، حتى إن الإنسان يرى الفواحش أمام عينيه ويضحك بملء فيه، ولا يتأثر تماماً، وهذا هو الموت العظيم.

السنين والقحط

السنين والقحط السنين والجدب والقحط الذي ينزل بالناس بسبب ذنوبهم، أذكر أنا استغثنا الله خمس مرات، ولم ينزل الغيث في بعض النواحي، بسبب الذنوب والخطايا، يخرج من لم يحضر صلاة الفجر، ويخرج المرابي وأمواله في البنوك الربوية، ويخرج من سهر إلى آخر الليل على الغناء وعلى المخالفات الشرعية، ويخرج من يغتاب، ويحضر هذا المصلى، ويقول المرابي: يا رب، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!

الهلاك الظاهر: الريح، الصيحة، الغرق، الخسف

الهلاك الظاهر: الريح، الصيحة، الغرق، الخسف وقد يكون من أسباب الهلاك الجيوش المدلهمة الجائرة التي تعتدي على الشعوب وتمزقها. وكل شيء بقضاء وقدر والليالي عبر أي عبر {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129] وما سلط الله على ظالم إلا أظلم منه، وهذا أمر معلوم، والله عز وجل ذكر ذلك في كتابه فقال: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41].

انطماس الهوية

انطماس الهوية أن ترى المسلم، فلا تميز بينه وبين عدو الله، لا تجد عليه سمات النور ولا سمات اتباع السنة، ولا هوية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] يحمل جوازاً ونفوساً اسمه محمد بن علي بن سعيد، لكنك لو بحثت عنه، وجدت في داخليته أنه يحمل جورج بن طوسون بن عفلق، فالاسم لا يكفي، وقضية التابعية لا تكفي، الأمة الإسلامية عددها اليوم مليار. عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبت وجدتهم أصفارا كان عدد إسرائيل مليونين والعرب آنذاك مائة مليون، وأخذتهم طولاً وعرضا حتى يقول شاعر العروبة كما يدعي نفسه، وقد أصاب في القصيدة، قال: واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب هذا قبل أن تدخل الصومال الجامعة العربية وقد أصبح الآن العدد مائتي مليون. المؤمن ظاهراً وباطناً لله عز وجل، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] نريد أن نربي جيلاً إذا دخل عليك في مكتبك تعرف أنه مسلم، لا تعرف أنه متأثر بالغرب، أو الشرق، أو عليه انطماس في الهوية، أو عليه طابع وخاتم المتخلفين عن منهج الله.

التخلف الحضاري

التخلف الحضاري ومنها التخلف الحضاري، ولا أعني به أمور الدنيا، فهذا مما يجب علينا أن نقدمه، لكن هناك تخلف حضاري أعظم من أمور الدنيا، عدم معرفة الأدب الحضاري الذي أتى به الرسول عليه الصلاة والسلام، وإلا فنحن متخلفون في الحضارة المادية، فالطباشير عندنا مستوردة وكذلك الأستاذ والكرسي والماسة وليس عندنا شيء. لم نقدم للبشرية شيئاً، نحن علينا أن نأكل ونشرب ونلبس، لكن الحضارة الدينية الموروثة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم، حضارة الإيمان، حضارة لا إله إلا الله، يتحراها الناس منا في الأدب، والغرب مخفقون في عالم الروح، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} [النمل:66] عندهم عالم الشهادة لا عالم الغيب، عندهم عالم الجسم لا عالم الروح، عندهم عالم المادة لا عالم ما وراء المادة، ونحن عندنا الجانبين، لكن حين هدينا الإنسان للنور وأسمعناه كلمة الحق، وقدمنا له نموذجاً حضارياً عن حياتنا وجلوسنا وطعامنا، والرسول صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئاً، ولا ترك الإسلام شيئاً، والله يقول له يوم عرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] هل كان عند الرسول صلى الله عليه وسلم يوم قال الله: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} هل كان عنده صوامع غلال؟ هل كان عنده مستشفيات؟ هل كان عنده خطوط مزفلتة؟ هل كان عنده خطوط مواصلات وهاتف؟ ويقول الله له: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} ينام ولا يشبع من خبز الشعير ثلاثة أيام، ويقول الله له: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} يلبس الممزق من الثياب، ويقول الله له: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} يسكن بيت الطين ويقول الله له: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} يضع الحجر على بطنه ويشده عليه الصلاة والسلام، ويقول: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فأي نعمة؟ إنها نعمة الإنقاذ، نعمة الخروج من الظلمات إلى النور، نعمة أن يعرف الإنسان ربه، معرفة طريق الهدى، والاستقامة، وتحرير الإنسان من أن يسجد للطاغوت أو للجزمة أو للوظيفة أو للسيارة، أن يكون مشرقاً حياً، قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257] وقال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [محمد:1 - 2] أي نعمة أن يدخل ربعي بن عامر ممزق الثياب على رستم، وعلى رستم تاج من ذهب، فيدعوه إلى لا إله إلا الله، ويضحك منه رستم ويقول: تفتح الدنيا بالرمح المثلم والفرس العقور؟! فيقول ربعي الشاب المخلص: نعم. [[جئنا كي نخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]].

أسباب الإنقاذ

أسباب الإنقاذ

العلماء والدعاة

العلماء والدعاة أول ما يوجه الكلام للعلماء والدعاة، فهم أهل الميثاق قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] ومعنى الآية أي: البيان العام في الاعتقاد، والشرائع الربانية، والأحكام المأخوذة عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:195 - 160]. ونعيش دقائق مع ابن تيمية وهناك شريط اسمه أسرار العبقرية عند ابن تيمية، آخذ منه جزءً هو الفرق بين ابن تيمية وغيره من العلماء: إن ابن تيمية جعل الدنيا على التراب؛ ليرضى عنه الواحد الوهاب، ورفض كل شيء لتبقى لا إله إلا الله، ولم يساوم شيخ الإسلام أبداً على ذلك وهذا هو الفارق بينه وبين غيره من العلماء، وتجدون من يكتب عن ابن تيمية مثل أبي الحسن الندوي يشير إليه، وحيا الله أبا الحسن فقد أشاد بهذا الاكتشاف، اكتشف الديناميت في حياة ابن تيمية اسمعوا إلى هذه الجمل: يعيش ابن تيمية عقلاً نوَّاراً، يريد ابن تيمية أن يكون كالشمس تسطع تسطع، وكالنجم يلمع يلمع، وكالسيل يهدر يهدر، يعيش ابن تيمية استقلالية فكرية، يحارب الإقطاع والرأسمالية، ويحارب الخنوع لغير الله، واستبداد البشر بالبشر، يعيش بمفهوم العصر (البروسترويكا) والانفتاح، أو إعادة البناء، انشغل التاريخ بـ ابن تيمية؛ لأن ابن تيمية انشغل بالله. ويقول أحد الكتبة مثل كاتب كتاب المسار محمد أحمد الراشد: (بقدر انشغالك بالله ينشغل الناس بك، وبقدر انشغالك بالناس لا ينشغل الناس بك) فـ ابن تيمية انشغل بالله فانشغل الناس به، حتى أن من يقرأ المجلد الرابع عشر من (البداية والنهاية) يجد التاريخ وراء ابن تيمية، وكأنه لا يوجد في الدنيا إلا ابن تيمية، دخل ابن تيمية، خرج ابن تيمية وقف ابن تيمية، جلس ابن تيمية، تكلم ابن تيمية، خطب ابن تيمية، يعيش ابن تيمية. وهذه من الاستقلالية الجميلة التي يعيشها ابن تيمية، ولذلك كان ابن تيمية قوياً كأشد ما تكون القوة، حياً كأشد ما تكون الحياة، وقد فتح جبهات في حياته، في الرد على الجهمية المعطلة، والخرافية والمعتزلة والأشاعرة والحلولية والاتحادية والظلم، والاستبداد، وكان خطيباً مفتياً واعظاً، مجاهداً، مربياً، ومعلماً، ومدرساً، وشيخاً، وهذه تسمى منافذ القدرة عند ابن تيمية، ومن عاد إلى الشريط وسمع الكلام عن ابن تيمية يستفيد إن شاء الله. وأقول: إن الأمة ما زالت بخير ما دام فيها علماء يخافون الله عز وجل، ويبينون للأمة ما التبس لها من أمر دينها، وهم أهل الميثاق.

بناية الحصون المهدمة

بناية الحصون المهدمة عند الأمة الإسلامية حصون مهدمة من داخلها، وهناك كتاب عنوانه (حصوننا مهددة من داخلها) للدكتور محمد محمد حسين شكر الله سعيه، وقد أجاد كل الإجادة، ورفع الله منزلته بهذا الكتاب، وكما سبق أننا ننسب الخطأ إلى غيرنا دائماً، ولدينا حصون هدمت من الداخل، وعلينا أن نعيد البناء، ونعيد التوجيه والتركيز، ونعيد بأنفسنا رد الخطأ والغلط، ونصحح المسار، وهذه الأخطاء في المناهج العقدية، وفي المناهج التربوية، وفي المناهج التعليمية أخطاء تعيشها الأمة، لا يتعامى عنها إلا أعمى، قال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد:19] ومن الأخطاء في المناهج التعليمية أن يكون القرآن حصة إضافية، أو أن يكون جزئياً وليس أصلياً في المواد الدراسية، حتى تقدم بعض المواد البشرية عليه، وأنا أعرف من الطلاب من يعرف الجغرافيا معرفة مفصلة دقيقة، ولا يعرف عن كتاب الله عشر معشار هذا، وإلى غير ذلك من القضايا.

إعادة بناء المناهج

إعادة بناء المناهج وذلك بأن تكون مناهج مؤثرة، عقدية مستمدة من (قال الله، قال الرسول عليه الصلاة والسلام) تجد من الطلاب من يدرس ثماني عشرة مادة، وسبع عشرة مادة، لكنه ضعيف في كل المواد، ويقول: ولا بد من المواد الأخرى، ولا بد من مواد الحياة، ولا بد أن ندرس التكنولوجيا والتاريخ والتربية وعلم النفس، لكن المواد الأصيلة في حياة الأمة (التفسير والحديث والفقه) فلا حرج في تركها. وأين نحن من الرسول صلى الله عليه وسلم؟! فقد كان يربي الصحابي سنة فيخرج عالماً، أرسل معاذاً إلى اليمن عالماً مجتهداً مطلقاً وعنده مجموعة أحاديث، لكنه عاش (قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم) حتى شبع وروي ورأى النور، أما التجزئة، أن يحفظ بعض السور أو بعض المقاطع من الآيات، ويركب عليها بعض الأحكام، ويفرح الطالب يحذف المنهج، ويقول: يا أستاذ فتح الله عليك، لو تحذف هذه الصفحات قبل الامتحان، فيحذفها، ولو أعطيتنا رءوس أقلام عن الأسئلة، فنحن أذكياء نعرف قبل أن تكمل، فيعطي، ولو تركت حفظ هذه المادة، قال: أتركها لكم على العين والرأس، فيخرج جيلاً مثقفاً، ونحن لا نريد جيلاً مثقفاً، فالكافر أحياناً أكثر ثقافة من المؤمن، لكن نريد جيلاً عالماً.

تحدي شبح الموت

تحدي شبح الموت متى كان أبناء طارق، وأحفاد صلاح الدين وعمر يخافون الموت؟ متى كان اليهود يركبون طائرات (ميراج إف خمسة عشر) ويتحدون كرامة الأمة وميراث الأمة؟! متى كانت الأمة إذا شعرت بالزعزعات تذهب إلى الأرز والسكر والفوانيس تشتريها من الأسواق وتتكمم بالكمامات؟! سبحان الله! أليس جدكم عقبة بن نافع هو الذي وقف على المحيط الأطلنطي على فرسه، يقول: [[والله لو أعلم أن وراءك أرضاً لخضت بفرسي هذا البحر لأرفع لا إله إلا الله]] أليس عقبة هو الذي تكلم مع الحيات والعقارب والوحوش في صحراء أفريقيا، وقال: ادخلي جحورك فإنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟! أليس عبد الله بن عمرو ضرب ثمانين ضربة بالسيف وكان يقول: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]] فمن فتح العالم إلا أنتم؟!! وقد كان الصحابي إذا سمع الصوت يخرج بالسيف، لكن لما خانت الأمة حيَّ على الصلاة، خانت حيَّ على الكفاح. من خان حيَّ على الصلاة يخون حيَّ على الكفاح تنتظر ممن لا يصلى الفجر جماعة أن يذهب إلى الجبهة يكافح العدو، أو ينصر مقدساته أو يحمي عرضه، أو يرفع لا إله إلا الله؟! أتنتظر ممن يسمر إلى الثانية في منتصف الليل على البلوت والكيرم وهوايته جمع الطوابع والمراسلة أن يكون قوياً شجاعاً يلبس كفن الموت؟! لا. ولنا في اليمن آية: أرادت بريطانيا قبل سنوات أن تحتل اليمن الشمالي، وكان عندهم أثارة من عقيدة، لا زالت أمة لم تفسد إلى هذا المستوى، فزحفت الدبابات من عدن تريد اليمن الشمالي، فقام أحد العلماء وطلب الخطبة في الجامع الكبير بـ صنعاء -الجامع هذا يحضره ألوف مؤلفة من اليمنيين- وأخذ الخطبة بصلاة الجمعة، وافتتحها بـ الحمد لله منزل الكتاب، مجري السحاب، هازم الأحزاب، ثم بدأ بالخطاب في قصيدة إلى بريطانيا يقول: يا بريطانيا رويداً رويدا إن بَطشَ الإله كان شديدا كانت الطائرات في أثناء الخطبة تضرب صنعاء. إن بطش الإله أهلك فرعون وعاداً من قبلكم وثمودا لا تظنوا هدم المدائن يوهي عزمنا أو يلين بأساً صلودا إن تبيدوا من البيوت بطياراتكم ما غدا لدينا مشيدا فلنا في الجبال تلك بيوتٌ صنعتها أجدادنا لن تبيدا ثم التفت إلى الطيارين وقال: فالنزال النزال إن كنتم ممن لدى الحرب لا يخاف الجنودا يقول: انزلوا في الأرض إن كنتم شجعان. لتروا من يبيت منا ومنكم موثقاً عند خصمه مصفودا ما خضعنا للترك مع قربهم في الدين منا فكيف نرضى البعيدا الأتراك مسلمون وما خضعنا لهم، فكيف أنتم يا وجوه الخواجات، ويا وجوه العمالات والخيانات؟! ما خضعنا للترك مع قربهم في الدين منا فكيف نرضى البعيدا وهم في الأنام أشجع جيش فاسألوهم هل صادفونا فهودا ثم يقول: ويلتفت بدعوى إيمانية للناس. يا بني قومنا سراعاً إلى الله فقد فاز من يموت شهيدا سارعوا سارعوا إلى جنة قد فاز من جاءها شهيداً سعيدا والبسوا حلة من الكفن الغالي وبيعوا الحياة بيعاً مجيدا وأفغاني ضرب بيته بقذيفة فأخذت القذيفة البيت بما فيه، وتسعة أطفال وزوجته، أتدرون ماذا فعل؟ يقولون: أخذ الرشاش وذهب إلى الجبهة يقاتل، وبترت قدمه بعد أن قتل أربعة عشر شيوعياً، وهكذا ربى الرسول صلى الله عليه وسلم الإنسان، على أن يتلقى الموت في أي لحظة، والله يقول: {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} [الطور:31] {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة:52]. اليمنيون لما خرجوا من المصلى لبسوا الأكفان، وأخذوا الرشاش، ودكوا بريطانيا وأسقطوا الطائرات بهذا السلاح الرشاش، وانهزمت بريطانيا أمامهم. والشعوب يوم تؤمن بلا إله إلا الله لا يغلبها أحد. لماذا يخاف أطفالنا؟ نحن نخاف لثلاثة أسباب: الأول: الضعف العقدي عندنا وعدم التوكل. نقول بألسنتنا التوكل، لكن التوكل ضعيف، التوكل ليس موجوداً. الثاني: أراد بعض الناس أن يحسن، فارتكب خطأ فاحشا ًكمن ينشر الآن تضخيم حاكم العراق، وفي ذات مرة رسموه وأسنانه كالخناجر، وعيونه تقدح شرراً، حتى أغمي على الأطفال في البيوت، وهذه حرب معنوية ساحقة، ومن الحكمة أنك لا تهول في شأن عدوك وتضخمه، وفي كل ملف تجد: سوف يقتل الناس هذا السفاك، ورأيت صورة لو ترونها -تمر دائماً باستمرار- يحمل خنجراً يقطر دماً، وهذا رعب، وقد فعلوه مع مناحم بيجن، وصفوه أنه ارهابي في دير ياسين، ويقتل حتى أغمي على الناس من ذكره، وهذا ليس بصحيح، لا قوي ولا عظيم إلا الله؛ قال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:160]. والأمر الثالث: أنه لا بد أن يغطى الفراغ عند الناس، فراغ الهاجس، الأمة تعيش وساوس، والذي لا يشتغل بالحق يشتغل بالباطل، والمؤمن كما يقول عمر: [[إذا فرغ غفل]] فلا فراغ عند المؤمن، وأكثر الأمراض عند بعض الشباب من هذه الوساوس، أنه لا يقرأ القرآن، ولا يحفظ الحديث، ليس عنده عمل أو كسب، فيبقى في بيته حتى تأتيه الخطرات، ويتصور الموت ليل نهار، وكأنه قد مات، الجبان يموت في اليوم ألف مرة والشجاع لا يموت إلا مرة واحدة في عمره. وابن القيم يرى في زاد المعاد أن من أسباب انشراح الصدر سعة البال وشجاعة القلب. يا إله الخلق بل يا ذا الجلال يا خفي اللطف يا رب النوال قد دهتنا كربة ليس لها غيرك اللهم يا مرسي الجبال

صدق اللجوء إلى الله

صدق اللجوء إلى الله اللجوء إلى الله أن تفوض الأمر إليه (حسبنا الله ونعم الوكيل) يقولها إبراهيم: وهو بين الأرض والسماء كالقذيفة في المنجنيق وقد اقترب من النار، فيقول له جبريل: ألك حاجة؟ -تصور الخطورة، وتصور الموقف، إبراهيم في الهواء كالطائر، يرمى بالمنجنيق، وسوف يصل بعد دقائق إلى النار، فيقول له جبريل: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا. وأما إلى الله فنعم. فلما اقترب قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فجعل الله النار برداً وسلاماً، والرسول صلى الله عليه وسلم في غار ثور يطوقه الكفار، فيرى أبو بكر قدم كافر فيقول: {يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى موطن قدميه لرآنا، قال عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما} وموسى في البحر يقول: إن الله معنا، فانتصر عليه السلام في البحر، وسوف تتكرر هذه دائماً كلما عادت الأمة ملتجئة إلى الله، مستغفرة منيبة تائبة. وصلاح الدين الأيوبي ذاك البطل، أشكره وأسأل الله أن يجمعنا به في دار الكرامة، صلاح الدين كردي، قال تعالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] إذا أصبحت الأمة العربية تربي الصقور، ومغرمة بـ (ما يطلبه المستمعون) أعطيت الرسالة سواء كانوا أتراكاً أو هنوداً أو أفغاناً أو أكراداً، الأكراد الذين سُحقوا بالكيماوي وأصبحوا كورق الخريف، وأصبحوا هشيماً كالأظافر إذا اقتلعت، ولم يغضب أحد ولم ينكر أحد، هذا صلاح الدين منهم. فهل تعلمون ماذا فعل صلاح الدين، يقول وهو شاب: والله لا أتبسم حتى أفتح بيت المقدس وصدق والله، متى بدأت معركة حطين؟ بدأت في الثانية عشر ظهراً، يعني خمسة عشر يناير عند صلاح الدين الثانية عشر ظهراً، ليست الثانية عشر ليلاً، عنده في الثانية عشر ظهراً قال: إذا صعد الخطباء على المنابر بدأت بالهجوم، لماذا؟ قال: لأكتسب دعاءهم، وكان عند الخطباء خبر أنه سوف تقوم حطين، وهي من أشهر المعارك، بل هي أم المعارك، تأخذ الأخضر واليابس، فلما صعد الخطباء على المنبر، بدأ (باسم الله) يقولون له، وكان في الكتيبة الثانية، وكاد الجيش أن يتزعزع، وكان يقول: وا إسلاماه، وا إسلاماه -وقيل إنها لـ قطز - هذه (واإسلاماه) هي من صلاح الدين، وبدأ الهجوم، وسحق المشركين والصليبيين سحقة لم يسمع الدهر بمثلها، وفي يوم الجمعة الثانية دخل بيت المقدس، وأذن مؤذن وبكى الناس من الفرح، وكان صلاح الدين الكردي القائد العسكري قبل المعركة قد قرأ من سورة الأنفال قليلاً، وقبل المعركة قال: أسمعوني من كتاب موطأ الإمام مالك، وكان هو شافعي المذهب أشعري المعتقد، لكن أشعريته على العين والرأس ما دام أنه ليس ملحداً ولا علمانياً، ولا صليبياً ولا صهيونياً، وإنما هو مسلم يحمل لا إله إلا الله، أتى هذا الرجل فقال: اقرءوا موطأ الإمام مالك، فقرءوا في الكتاب قليلاً، ثم أبتدأ الهجوم، وفي الصف الأول، كان يصلي الجمعة، وقام الخطيب شمس الدين الحلبي، فافتتح الخطبة افتتاحاً هائلاً- الخطبة مكتوبة - ثم قال يحيي القائد: تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف ابن ذيزن وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا وهكذا يعصف التوحيد بالوثن إلى آخر ما قال فلما التجأ إلى الله نصره الله.

التوكل على الله

التوكل على الله وسوف تنصر الأمة كلما عادت إلى منهج الله عز وجل وتوكلت عليه، قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] كل الناس يموتون إلا الله. إن الاتصال بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في طلب الشفاعة مباشرة بغير واسطة من خلقه، ولو أنه جعل الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام مبلغين وواسطة في التبليغ، فلم يجعلهم واسطة في رفع الحاجات، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65] وفي الصحيح أن الصحابة قالوا: {يا رسول الله! أربنا بعيد فنناديه أم قريبٌ فنناجيه؟} فأنزل الله عز وجل قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] وهذا من البلاغة بمكان، وأسرع ما يمكن أن تكون الدعوة مستجابة يرفعها الله فوق الغمام، إذا كانت دعوة المظلوم المضطهد، ويقول الله: {وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين}. كانت الأمة ربانية تتصل بالله مباشرة يوم سلمت قيادها لله، يقف صلى الله عليه وسلم في بدر، ويقول: {اللهم وعدك الذي وعدتني، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم نصرك} فنصره الله. وموسى على البحر وفرعون بستمائة ألف مقاتل وراءه وبنو إسرائيل يقولون: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] فيقول: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] حسبنا الله ونعم الوكيل. هذا هو شعار الأمة: الدعاء، والاستغفار، والتوكل على الواحد الأحد، والاتصال به مباشرة، فهو الناصر ولا ناصر غيره، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3].

التوبة النصوح

التوبة النصوح التوبة النصوح: رأينا الناس في الأحداث حرصوا على إصلاح أمور دنياهم، وإصلاح وضعهم المعيشي، ولكن لم نسمع بعودة الناس إلى الله عودة جادة، وهذا وقت القربات، ووقت أن يراجع الناس حسابهم مع الله عز وجل، قال تعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [بالأنعام:43] يقول سبحانه عن قوم صالحين وكانوا مسيئين فصلحوا في الكربة، قال: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:147] محمود بن سبكتكين الذي فتح الهند، كان قبل المعركة الهائلة التي دارت رحاها في شرق الكرة الأرضية، هل تعلمون كم كان جيش محمود بن سبكتكين؟ كان ألف ألف مقاتل أي: مليون. هذا محمود بن سبكتكين أعطاه ملك الهند كالأسطوانة وهي أصنام كبيرة من الذهب، قال: أعطيك هذه وعد عن بلادي، قال: تعطيني ماذا؟ قال: أعطيك هذه خذها لك، وعد عن بلادي، قال: عجيب! تريد أن يدعوني الله يوم القيامة: يا مشتري الأصنام؟! والله لأكسرنك ولأكسرن هذه الأصنام، ليدعوني الله يوم القيامة: يا مكسر الأصنام، فكسر رأس الملك على رأس الصنم، فيقول محمد إقبال: كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينار إياز كان خادمه، فالتفت يستشيره يقول: ما رأيك يا إياز نأخذ الأصنام، ونعود عن بلادهم بلا قتلى، وبلا خسائر في الأرواح؟ قال: إياز: دع الله يدعوك يوم القيامة: يا مكسر الأصنام، قال: صدقت، وهذا الذي في نفسي، ويقول محمد إقبال: محمود مثل إياز قام كلاهما لك بالعبادة تائباً مستغفراً العبد والمولى على قدم التقى فارحم بوجهك عبد سوء في الثرى إلى آخر ما قال. والمقصود هنا أن العودة إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى نجاة. ونور الدين محمود استغفر الله كثيراً قبل الهجوم وتاب وأناب، وقالوا: مرغ وجهه في التراب، ونقل بعض المؤرخين، أنه كان يقول في السجود: اللهم اغفر لعبدك الكلب محمود، وهذا كان من كثرة التواضع في معاركه، كان يقولها أيضاً، ليزداد من التواضع فنصره الله نصراً كاسحاً، ما سمع الدهر بمثله، نصره سبحانه في الأنفس والحياة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد:7] نصره سبحانه في الأنفس وفي تطبيق شرعه، وإقامة البيوت على منهجه، والتأثير في المجتمع، وإعادة الناس إلى رب العالمين، والنصر الأكيد هو العمل بأسباب النصر، أما أن تبقى الأمة مكانها تراوح، ولا تزداد قرباً من الله، فهذا علامة الفشل والهزيمة، وعلامة أن يغشاها العدو والعياذ بالله، نصر الله في الأنفس بتحكيم شرعه في الحياة وبتطبيق منهجه في الناس والتأثير فيهم.

التعلق بمصادر العزة

التعلق بمصادر العزة ليس لأمة في هذه الأرض مصادر عزة مثل ما لهذه الأمة الخالدة من مصادر العزة، ومنها:

الولاية الكبرى لله عز وجل

الولاية الكبرى لله عز وجل من هو ولينا ومعتصمنا؟ إذاً إلى من نلتجئ؟ غيرنا يلتجئ إلى كيانات، ونحن نلتجئ إلى الله، ولما ذكر الله الكفار والمؤمنين، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:11] فولايته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حقة نحقها ونتشرف بها، وقال تعالى في أوليائه: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63] الذين حملوا السجود والركوع، وحملوا لا إله إلا الله، وأسلموا قلوبهم لله، واستقبلوا الكعبة كل يوم خمس مرات، هؤلاء أولياء الله، يستمدون طاقتهم وكلامهم ومنهجهم من الواحد الأحد، ولينا الذي على العرش استوى، ولينا الذي حكمه في قوله كن فيكون، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] فلا نريد ولاية غير ولاية الله، وهذه أسباب القوة في العالم الإسلامي، وليس لأمة ما لنا في هذه الولاية الحقة، فنسأل الله أن يجعلنا من أوليائه. فإما حياة نظَّم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا رضينا بك اللهم رباً وخالقاً وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا

القدوة الخالدة محمد عليه الصلاة والسلام

القدوة الخالدة محمد عليه الصلاة والسلام الرسول صلى الله عليه وسلم شيخي وشيخك، وأستاذي وأستاذك، لكن متى يكون؟ إذا جعلته إماماً لك في الحياة والصلاة والأخلاق والسلوك، يقول عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما أرسلت به إلا دخل النار} ويقول فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام: {لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به} ويقول فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام: {من رغب عن سنتي فليس مني} ويقول: {خذوا عني مناسككم} ويقول: {صلوا كما رأيتموني أصلي} فهذا هو القدوة والإمام المعتبر لنا.

ميراث الوحي

ميراث الوحي بمعنى أن الأمة لها تميز عن سائر الأمم، في أن مصدر حياتها وعلمها وفخرها وحي من السماء، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:1 - 2] قرآن وسنة تتلقى، وليس عند الأمم كما عندنا قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] إذا تعامل الناس مع البشر وقبلوا حثالات أفكار البشر، فنحن نأخذ دستورنا من كلام رب البشر، ومن كلام خير البشر صلى الله عليه وسلم، فهذا هو من مصادر العزة، التي متى تركتها الأمة وقعت في حمأة الرذيلة، وسقطت على رأسها في العار والبوار والدمار في الدنيا والآخرة، ولا يصلح حالها ما دامت تتخلى عن الوحي أو شيء من الوحي، قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85] والعجيب أن هذا الوحي لا يقبل التجزؤ؛ بل يأخذ جملة أو يترك جملة، وحي يؤخذ في الحياة وفي منافذ الدنيا، وفي كل مشاريع الحياة الدنيوية، وفي كل صغيرة وكبيرة، أعظمها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، ولا يترك منه شيء.

أمة الخلافة في الأرض

أمة الخلافة في الأرض نحن أمة الخلافة في الأرض، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110] والله يقول عن هذه الأمة: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] متى نكون شهداء على الناس؟ إذا أحسنا العمل بالمنهج الرباني، وأن نؤثر في الناس، وأن نصدق في حمل راية التوحيد كما أتى بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، نكون أمة شهيدة على الناس إذا صدَّرنا الإيمان للعالم ولم نبق محصورين في الدفاع فقط، كلما هوجمنا دافعنا، ننتظر الهجوم في عقر دارنا، أن يأتينا الغزو الفكري والتلوث العقدي، ونبقى ندافع، هذا لا يكون أبداً، والأمة الآن ليست برائدة، وليس لها مكان في عالم الدول الخمس دائمة العضوية، التي تملك حق الفيتو، فكلها دول كافرة، وهي التي تدير أمور الشعوب شرقاً وغرباً، ولا يأتي قرار في الشعوب إلا من تحت تصرف هذه الدول الخمس، فأين الأمة الوسط؟ وأين الأمة الشهيدة؟ وأين الأمة المعطاءة؟ وأين الأمة التي قال الله عنها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]؟ انظر إلى التعبير أُخرجت! كأنها مادة وكنز، كأنها مادة حية أخرجت من تحت التراب، خرجت بلا إله إلا الله، خرجت من الصحراء تحمل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أمة كانت ميتة، تعبد الصنم، وتغني لليلى، وتسجد ل قيس، وتشرب الخمر في الحرم، فأنزل الله عليها لا إله إلا الله، ودستورها السماوي، فخرجت تخطب على منابر الدنيا بلا إله إلا الله، وتنقذ الشعوب. من غيرنا هدم التماثيل التي كانت تصورها خرافات الورى حتى هوت صور المعابد سُجداً لجلال من خلق الوجود وصورا أهو أنا وأنت؟ لا. بل خالد وسعد، وطارق وصلاح الدين. عمر في بردته أربع عشرة رقعة، ويغمى على كسرى وقيصر إذا ذكر، وعمر رضي الله عنه وأرضاه يتحدى الموت من على المنبر، ويفاوض ملوك العالم على أن يسلموا، قالوا: نعطيك بعض الأرض، قال: لا. ليس لكم حكم في الأرض، سلموا، فسلموا، وتركوا الكراسي للا إله إلا الله، يدخل سعد بلا إله إلا الله، فيقول: الله أكبر، فينصدع إيوان كسرى، ويبكى سعد بدموع الفرح، ويقول: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} [الدخان:25 - 28].

واجبنا نحو الجيل العائد إلى الله

واجبنا نحو الجيل العائد إلى الله

حماية السلوك بالمنهج الرباني

حماية السلوك بالمنهج الرباني حماية سلوكهم بالعلم أن نسوسهم بقال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، لا نبقى أمة فكرية عاطفية حماسية فقط، لا بل نكون على أثارة من علم، الطبيب يتعلم، المزارع يتعلم، الفلاح يتعلم، التاجر يتلعم، والمسئول يتعلم الدروس، يسمع الشريط الإسلامي، يستفيد كل واحد منهم بآية في اليوم أو حديث، فيكون أمة تتفقه في الدين، وفي الصحيحين: {من يرد الله به خيراً يفقه في الدين} أي: العلم: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9] هذه الأمة تعيش ثقافة ولا تعيش علماً، ثقافة موسعة تعرف الأمطار والأخبار والمجريات، ولكنها لا تعيش علماً مؤصلاً مرشداً إلا في القليل النادر.

إظهار محاسن الإسلام للأمة

إظهار محاسن الإسلام للأمة الثاني: إظهار محاسن الإسلام للأمة، لا نأتي بالإسلام ونصفه فقط بجوانب وهي كمالية، بعض الناس إذا أراد أن يتحدث عن الإسلام يأتيك بالحدود، قطع يد السارق، ورجم الزاني، وجلد شارب الخمر، وهذا أمرٌ على العين والرأس، وبعض الناس إذا أراد أن يتحدث إلى النساء، يفتتح كلمته قال: السلام عليكن ورحمة الله وبركاته، يقول عليه الصلاة والسلام: {إنكن ناقصات عقل ودين}! هذه بشرى للنساء! هو من الأحاديث، لكن متى قال ذلك عليه الصلاة والسلام؟ أما قال في النساء شيئاً غير ذلك؟! أما قال يوم عرفة: الله الله في النساء! يوم المؤتمر العالمي، يوم أعلن حقوق المرأة من على عرفة أما قال: {الله الله في النساء! إنهن عوان عندكم}؟ أما قال: {خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي}؟ أما وقف مع المرأة؟! أما دافع عن حقوقها؟! أما احترمها؟! أما عاش معها أباً وزوجاً وأخاً وابناً؟! أما رزق من البنات أكثر من البنين؟! فلماذا إظهار الإسلام على هذه الصورة؟! إن العرض للإسلام لا بد أن يكون في إطار جميل حتى يقبله الناس، وتجد بعض الناس يأتي إلى مغاصات وإلى مغارات وهي موجودة في الدين، وهي كلها من الحب والعدل، وكلها من الحق نقبلها، لكنه يأتي عليها، فيجعلها كأنها إجحافات على البشر، بسوء عرضه، ولو أن نيته صحيحة في إظهار محاسن الدين، ومن محاسنه تحرير الإنسان، ومن محاسنه أن أفاض الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على الإنسان بإنقاذه له من ردهات الرذيلة. ومن محاسن وفضائل الإسلام أثر الإسلام على الكون، العدل في الإسلام، إيجاد حقوق المرأة، التآخي، الشورى والكرم في الإسلام، ورحمة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا ذكر آية الرجاء ذكر آية الخوف، تجد مناهج بعض الناس أن خطب الجمعة عنده كلها خوف!! يتحدث عن سوء الخاتمة، لماذا لا يتحدث عن حسن الخاتمة؟ يتحدث في عذاب القبر، لماذا لا يتحدث عن نعيم القبر؟ يتحدث في النار عشر خطب، فأين الحديث عن الجنة؟ يتحدث في أخذ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للعصاة، ولماذا لا يتحدث عن رحمة الله للتائبين؟ منهج القرآن لا بد أن تأتي بخطبة من هنا، وخطبة من هنا، وأن تقرن بين الحق في نسق عجيب. فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى

الذب عن أعراض الصالحين

الذب عن أعراض الصالحين وواجبنا أن نذب عن أعراض الصالحين، وأن نتصدى للهجمات الباغية الغوغائية الطاغية الظالمة التي يتعرض لها شباب الحق، ويتعرض لها علماء الإسلام، ويتعرض لها دعاة لا إله إلا الله، ونذب عن أعراضهم. وربط الجيل بالعلماء؛ فلا بد للعلماء أن يحملوا عقول الشيوخ، وللشباب أن يحملوا التوقد، والحماس الإيماني، فيجتمع هذا وهذا، فنُكَوِّن مساراً خالداً، فعلم بلا عاطفة جياشة وحماس كالأديم الميت، وحماس بلا علم هوج، ونريد أن نربط بين الاثنين ليكون المسار صحيحاً.

فتح مجال التأثير للدعاة

فتح مجال التأثير للدعاة وفتح مجالات التأثير للناس: أن يكون الشباب والدعاة هم المؤثرون في مستقبل الأمة، وهم أهل الحق، أهل لا إله إلا الله، وأما الذين أثروا في الأمة تأثيراً سيئاً فلا ينبغي لهم أن يقدروا، ولا ينبغي أن يكون لهم الكلمة، كمثل من يصدر الزندقة، أو يصدر المجون، والغناء الفاحش، أو يلعب على الأمة بمسلسلات مهدمة، وهي تعيش مرحلة استنفار، وميراث نبوة. وهذا ما أريد أن أبينه، وأختتم هذه المحاضرة شاكراً لكم حسن إصغائكم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

ظاهرة الإصرار على المعاصي

ظاهرة الإصرار على المعاصي Q في هذه الأيام تزاحم الناس على شراء المواد الغذائية مع إصرارهم على الذنوب والمعاصي كبيرها وصغيرها؟ A من الجانب الشرعي لا بأس بأخذ الحيطة والحذر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء:71] والرسول عليه الصلاة والسلام صح عنه: {أنه ادخر قوت سنة لزوجاته صلى الله عليه وسلم} فلا بأس أن تأخذ رزقاً بشرط ألا تحتكر أرزاق المسلمين، لقد قال عليه الصلاة والسلام: {لا يحتكر إلا خاطئ} إذا بلغت درجة أن تحتكر على المسلمين وتغلي الأسعار فلا يجوز هذا، أما إذا توفرت المواد، وليس فيها إجحاف بالأمة، فلا بأس بأخذ كفايتك من المواد لأوقات الخطر، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {اعقلها وتوكل} وبارز صلى الله عليه وسلم بدرعين، وأخذ الأسباب لا يعارض التوحيد، ولكن المخيف والعجيب أن يكون بعض الناس مهتماً ببطنه، وببيته ومطبخه، ولا يتهم بلقاء ربه ومصيره ومستقبله مع الله. وقد قال الشاعر: يا متعب الجسم كم تسعى لراحته؟ أتعبت جسمك فيما فيه خسران وقال آخر: أتكلم الفصحى أمام عشيرتي وأجيب لكن ما هناك جواب لولا العباءات التي التفوا بها ما كنت أعلم أنهم أعراب يعني أنها مهدمة من الداخل، ومزخرفة من الخارج. لما لبسنا الملابس الغالية، واستولينا على كثير من الدنيا لم نؤثر في العالم ألبتة، ولما كنا نلبس البرد الممزقة والرماح المثلمة، خطبنا في قرطبة وصلينا في سمرقند، وفتحنا قندهار، واستولينا على ثلاثة أرباع الكرة الأرضية.

محافظة المجاهد على صلاة الجماعة

محافظة المجاهد على صلاة الجماعة Q ما حكم الذي يجاهد في سبيل الله ولا يصلي في بيوت الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟ A إن كان قصده أنه يترك الصلاة مطلقاً فهو كافر لقوله صلى الله عليه وسلم: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ من تركها فقد كفر} بين الكافر والمسلم ترك الصلاة، وإنه كان قصده أن يتركها جماعة، فهذا فاسق عند المحدثين؛ لأنه ترك واجباً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار} وأنا أجزم جزماً قاطعاً أن الذي لا يصلى الصلوات في جماعة بلا عذر شرعي في المسجد، أنه لا يجاهد لوجه الله وإعلاء كلمة لا إله إلا الله في المعركة. من خان حيَّ على الصلاة يخون حيَّ على الكفاح

الحث على التوبة والصبر والتوكل على الله

الحث على التوبة والصبر والتوكل على الله Q هل الأفضل أن نعظ الأمة ونوصيهم بالصبر والتوكل، أم نأمرهم بالتوبة والرجوع إلى الله؟ A بل كلا الأمرين، تأمرهم بهذا وهذا، وهذا مستلزم لهذا، والتوبة في أول الطريق وفي آخره، والتوكل في آخره وفي أوله، وعليك أن تأمرهم بهذا وهذا، وأنت مأجور مشكور.

ظاهرة دراسة النظريات الجنسية

ظاهرة دراسة النظريات الجنسية Q نحن ندرس في قسم التربية علم النفس، وفيه نظرية تقول: أن الإنسان لا يعيش إلا لتلبية الرغبة الجنسية، (نظرية فرويد) الذي يرى الجنس هو المؤثر في الناس ونقسم بالله أن المدرس قال لنا هذه النظرية، وكيف نربى ونحن ندرس مثل هذا؟ A هذا مما ينبه عليه، وهذا من الخطأ، وواجب على الأستاذ أن يتقي الله عز وجل، فإن الله لم يخلق البشر للجنس، فهم ليسوا عصافير ولا دجاجاً، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وهذا هو المقصد، وأصبح هذا اليهودي يصدر النظريات لنا، ويصدر المناهج، والله المستعان!

حكم الاستهزاء باللحية

حكم الاستهزاء باللحية Q ما حكم الاستهزاء باللحية؟ A حكم الاستهزاء باللحية كفر، لأنها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولأن فيها أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:66] ولا يفعل هذا إلا من في قلبه مرض.

حكم استماع الأغاني

حكم استماع الأغاني Q ما حكم استماع الأغاني الغير موسيقية؟ A لا أدري كيف الغير موسيقية، الغناء محرم كله، وإن كان قصده النشيد الذي لا يصاحبه دف، ولا طبل، فيجوز بثلاثة شروط، ألا يكثر منه، ألا يصاحبه آلات عزف، ألا يكون مجوناً ولا بذاءً ولا فحشاً. وأما الغناء المقيت، هذا الموجود المركب، فهو محرم بالإجماع، وينقل الإجماع على تحريمه كثير من العلماء.

ظاهرة الإرجاء وخطرها

ظاهرة الإرجاء وخطرها Q بعض الناس يحلق اللحية ويشرب الدخان ويتهاون في الصلاة، ويقول: إن الإيمان في القلوب؟ A لم يصدق، وهذا على مذهب المرجئة، ولو كان يحب الرسول عليه الصلاة والسلام ويحب الله، لاتبعه في سنته. يا مدَّعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا إلى أن يقول: خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز بها أوفاطرحها وخذ عنها الشياطينا

همسات في آذان الكتاب

همسات في آذان الكُتَّاب Q هل من كلمة إلى الكتاب الذين يهدمون العقيدة ويشككون الناس في دينهم؟ A أقول لهم: اتقوا الله، وعودوا إلى الله، وقدروا ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن العالم الآن كله يبحث عن دين، حتى على مستوى الملاحدة الشرقيين، فإن المعسكر الشرقي يبحث عن إله، وجرباتشوف في البروسترويكا بعد الصفحة اثنين وخمسين يبين أنه اعتنق المسيحية، يبحث عن دين، فوجد دين الإلحاد قد أثبت فشله، وانهار من وسطه، أن عقيدته لم تعد تؤدي دورها في الحياة، وقد سبق في بعض المحاضرات أن بعض الطلبة من عدن في جنوب روسيا كتبوا رسائل، يقولون: إنهم يريدون الأشرطة الإسلامية أن تنشر هناك، فقد تأثروا بعد أن ذهبوا ملاحدة من عدن وأسلموا هناك. فالنور يكتسح العالم، وأهل الجزيرة أولى أن يشاركوا في هذه الصحوة العارمة، وأن يعودوا إلى الله عز وجل. الأمر الثاني: أن يعرفوا أن هذه الجزيرة قدرها الإسلام، وأن فيها صخرة يتحطم عليها رأس كل زنديق وملحد، وأن الله لا يوفق من عارض لا إله إلا الله، وسوف يخزيه ويفضحه أمام العالمين. الأمر الثالث: أن في الأمة كتبة، وفي الأمة شعراء وأدباء مؤمنين، فأين عطاؤهم؟ وأين بذلهم؟ أنا أنظر أحياناً في كثير من الأسابيع إلى صحف من أولها إلى آخرها، فلا أجد إلا شعراً حداثياً أو نبطياً، ولا يوجد شعر إيماني، وليس هناك شعراء مؤمنون، أين القصائد الرائعة للمؤمنين؟ حسان؛ محمد إقبال، ولكثير من شعراء الدعوة، فليتقوا الله في ذلك، وهذا يحتاج إلى أن تبذلوا منطق المشاركة.

الدعوة إلى الله في الوقت العصيب

الدعوة إلى الله في الوقت العصيب Q كيف نوجه أهلنا في المدن والقرى في هذه الأيام من أيام الإجازة، مع العلم أنهم كلهم أصبحوا يحسبون لخمسة عشر يناير ألف حساب؟ A هذا كما يقول تعالى: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم:57 - 58] وطريقة الدعوة إلى إقناعهم حسب القواعد التالية: أولاً: حاول أن تستخدم وسيلة الحب، إذا أحبك أهل القرية والجيران والأهل فقد ضمنت نجاحك في الدعوة، والرسول صلى الله عليه وسلم سيطر على أفكار الناس بالحب، كانوا يحبونه، ولذلك انظر الصحابة، يقول جرير بن عبد الله: [[ما زال رسول الله يتبسم في وجهي حتى أصبح أحب إلي من أهلي ومالي]] وعمرو بن العاص أسلم وفي قلبه شيء، قال: [[فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبسم وينظر إلىَّ حتى ما كدت أملأ بصري من حبي له]] أو كما قال، ومسألة الحب شيء قوي، أن تحبب نفسك إلى الناس، وتحبب نفسك إلى والديك، وهذه يفشل فيها كثير من الناس، تجده يريد أن يؤثر على والديه بالدعوة، لكنه في جانب التعامل معهم مخفق، لا يحضر عزيمة معهم، لا ينقل والده إلى المستشفى، لا يشتري لهم حاجاتهم من السوق، لا يقف معهم، لا يواسيهم، إنما يأتي يأمر وينهى، يأتي واعظاً وخطيباً في البيت، افعلوا كذا، اتركوا كذا، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] وهذا هو الحب، قيل لـ ابن المبارك: ما هو السحر الحلال؟ قال: تبسمك في وجوه الرجال. ثانياً: حاول ألا تصدعهم بالمسائل جملة، وإنما تدريجياً، فإنه لما أرسل صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن، قال له: ابدأ بلا إله إلا الله، ثم الصلاة، ثم الزكاة، وهكذا. ثالثاً: يجب أن تتحلى بالصبر، وأن تكون واسع البطانة قوي النفس، ولا تستعجل أن تلبى لك المطالب دفعة واحدة.

الأذكار الخرافية

الأذكار الخرافية مشاركة: هل صحيح أن من قال عند المصائب والنوازل: يا لطيف أربعة آلاف وأربعمائة وأربعاً وأربعين مرة، {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم:58] ألفاً ومائة وإحدى عشرة مرة، وبسم الله الرحمن الرحيم خمساً وخمسين مرة رفع عنه البلاء؟ A هذه هي الخرافة بعينها، وهذا هو كلام الضائعين، وأنا أقول: لا بد أن نتوكل على الله، ولا بد أن نعود، لكن هذه إدخال البدع، وإطفاء نور السنة بسبب هذا الكلام ليس بوارد، وليس صاحبه محقاً، وأهل البدع لا ينصرون بالأزمات، فطريق محمد صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا به: يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو، حسبنا الله ونعم الوكيل، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، أما الأعداد فمن أين؟ قال تعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}. فوصيتي أن يتنبه الشباب إلى هذه المنشورات، لا حياها الله ولا بياها، ولسنا بجبناء إلى هذه الدرجة، أن نبلغ دعوتنا بالدس وبإعطاء الأوراق في الجيوب، لا لسنا بأقلية، ولسنا بأكثرية، ولكننا كلنا أمة مسلمة، والشارع مسلم، وباستطاعتك أن تقول كلمة الحق، وأن توصل القرآن والحديث للناس، أما المنشوارت فهي أسلوب الجبناء الهالعين، وليس عندنا دسيسة، ولسنا متهمين حتى نعطي أفكارنا وأسرارنا بالمنشورات، ومبادئنا تعلن كل جمعة من هنا من على المنبر، نعلنها للعالمين من على المنارة (الله أكبر) فوصيتي ألا يتجه الشباب إلى وسيلة المنشورات والترويج لها، وليست بصحيحة، وليس عليها أثارة من علم، وقد تسيء إلى الدعوة وإلى الدعاة أكثر مما تعود على الدعوة وعليهم بالنفع.

وصايا الرسول المهدي

وصايا الرسول المهدي هذا الدرس يتحدث عن مميزات كلام ووصايا النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر الشيخ في هذا الدرس الأبواب التي اشتملت عليها وصاياه صلى الله عليه وسلم وفصلها بعد ذلك، وهي باب التوحيد، وباب العبادة، وباب الأدب والأخلاق، وباب الزهد. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعالج أصحاب الأمراض بما يناسبهم ويناسب أحوالهم، فالذي يغضب يوصيه بألا يغضب. وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يحث كل شخص للعمل الذي سيبدع ويبرع فيه، فمثلاً: خالد في الجهاد، ومعاذ في الفقه، وبعضهم يوصيه بذكر الله، وبعضهم يحذره من الفتنة.

النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم

النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، ومثلما نقول، وفوق ما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، أنت رب الطيبين، أنت سند الملتجئين، أنت عضد المهضومين، أنت رب الأحباب الأخيار المتجهين إليك، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. والصلاة والسلام على رسول الله، سيف الحق الذي قصَّر الله به آمال القياصرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، الذين طغوا وبغوا فأرداهم ظلمهم في الحافرة، صلى الله على محمد، أُذُن الحق والخير التي وعت رسالة السماء فأدتها للبشرية، صلى الله على محمد لسان الصدق، أفصح لسان أدَّى العبارة متجهة إلى البشر. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ولو أنه حسن فريد عذرته ولكنه حسن وثانٍ وثالث وإننا لنقف في رحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن كان للعمر لذة، وإن كان للحياة مواهب، وإن كان في العيش سعادة، فإنما هو في قطف رياضه صلى الله عليه وسلم: من زار بابك لم تبرح جوارحه تروي أحاديث ما أوليت من منن فالعين عن قرة والكف عن صلة والقلب عن جابر والسمع عن حسن إن كان عيسى عليه السلام أحيا الله عز وجل به الأموات، فو الله لقد أحيا الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه وسلم آلاف بل ملايين القلوب. وإن كان عيسى عليه السلام أبرأ بإذن الله الأكمه، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أبرأ الله به كمه البصائر. وإن كان عيسى عليه السلام شافى الله به البرص، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم شافى به الله برص المعارف: أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم وإن كان للرسول عليه الصلاة والسلام معجزة بعد القرآن، فمعجزته صلى الله عليه وسلم أن يخرج مثل هذه الوجوه، ومثل هذه القلوب -آلاف المرات- من الصحراء: أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الصحراء أحياه إنها معجزة ما بعدها معجزة!! وأنا على شرف ما قدم لي أخي وزميلي، وقال ما لست بأهل له، فأنا أستغفر الله من الحقارة ومن الذنب والتطفل على موائد أهل العلم، ولكن: لعمر أبيك ما نسب المعلى إلى كرم وفي الدنيا كريم ولكن البلاد إذا اقشعرت وصوح نفتها رعي الهشيم شرفي كل الشرف أن أجلس على مائدة محمد صلى الله عليه وسلم: فأقطف من أزهاره ما قد شذى أنفاسها في أعراقكم، وأعذق من رحيقها ما قد تسنمتموه من ليالٍ وأيام قبلي وقبل هذا المجلس. نعم. إن وصاياه خالدة صلى الله عليه وسلم، وإنها حية للأجيال، ولذلك يقول المثل: (كلمات السادات وسادات الكلمات) فكلما نبل الرجل وعظم وشرف كانت كلماته أشرف من كلمات غيره، فما بالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كلماته نور؟! ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمة من عفاء يصور الكلمة، ويصبغ العبارة، فتحيي من أهل الصحراء ومن أرض الصحراء أمة مهللة ومكبرة تفتح الأبحر والمحيطات. ولذلك في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوتيت جوامع الكلم} أي اللفظ العجيب الموجز، الذي يجمع الفوائد والعبارات الطويلة في لفظ قصير، وإن كان كلامه صلى الله عليه وسلم يفوق كلام الناس فلا غرو، فهذا التراب الذي نطؤه بأرجلنا خلق الله منه الإنسان، وصوره منه، فلا غرب ولا عجب، أن يأتي صلى الله عليه وسلم ليصنف من كلامنا الذي نهذوا به الساعات الطويلة عبارات حية، رائقة رائعة، يحيي الله بها النفوس والأرواح. ولذلك روى الإمام أحمد في مسنده بسند حسن، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه قال: {خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا النبي الأمي، أنا النبي الأمي، أنا النبي الأمي، أوتيت جوامع الكلم وخواتمه وفواتحه، واختصر لي الكلام اختصاراً} وروى أبو يعلى عن عمر رضي الله عنه وأرضاه، قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختصر لي الكلام اختصاراً، وأوتيت جوامع الكلم وخواتمه وفواتحه} وعند الدارقطني عن ابن عباس قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختصر الله لي الكلم اختصاراً} فمع كلام محمد صلى الله عليه وسلم، ومع عذوبته، ومع وصاياه، فإنه أصدق ناصح عرفته البشرية للبشرية، وأصدق واعظ عرفته الإنسانية للإنسانية وأخطب خطيب، وأفصح فصيح تمثل في كيان البرية للبرية. موضوع الوصايا يدور على ثلاثة عناصر: أولها: خصائص وصاياه صلى الله عليه وسلم: ما هي هذه الخصائص التي تميز وصاياه عن وصايا الناس؟ هل هناك فارق بين وصاياه ووصايا غيره مهما بلغ غيره من المدح، والعلم، والتقوى، والسمو، أم هي الوصايا سواء في ميزان واحد؟ والعنصر الثاني: الأبواب التي طرقها صلى الله عليه وسلم بالوصايا، والطرق التي قصدها صلى الله عليه وسلم بالنصائح. والعنصر الثالث: قيمة وصاياه صلى الله عليه وسلم في ميزان النصح، وفي ميزان النفع عند العقلاء.

خصائص وصايا النبي صلى الله عليه وسلم

خصائص وصايا النبي صلى الله عليه وسلم أما مِيَز وصاياه صلى الله عليه وسلم عن غيره فثلاث مِيَزْ: أولها: الأصالة والعمق. وثانيها: الإيجاز والاختصار. وثالثها: مراعاة الأحوال.

الأصالة والعمق

الأصالة والعمق أما الأصالة والعمق؛ فإنه أصيل في وصاياه صلى الله عليه وسلم، فليأت فيران البشرية الذين حطموا الإنسان، وصنعوا وصايا ظنوها وصايا، إنها تهدم مجد الإنسان، وكرامته، وعزته، وسموا أنفسهم ناصحين كـ كانت، وديكارت، ومن لف لفهم مثل ماركس، ولينين وغيرهم من الذين أعمى الله بصائرهم وطبع على قلوبهم، فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لنأتي لنقارن وصاياه صلى الله عليه وسلم مع وصايا هؤلاء، فسنجد أن وصاياه تتميز بالأصالة والعمق، فهي عميقة أصيلة، إن كانت، وديكارت يوصون الإنسان أن ينام ويستيقظ مبكراً، وأن يأكل وجبة كذا في وقت كذا، ولكن المنقذ بإذن الله والمعلم بعون الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوصى الإنسان بما كفل له سعادة الدنيا والآخرة.

الإيجاز والاختصار

الإيجاز والاختصار والأمر الثاني: أن وصاياه صلى الله عليه وسلم فيها إيجاز واختصار، لا إسهاب، ولا إطناب، يقول سامعها: بالله لفظك هذا سال من عسلٍ أم قد صببت على أفواهنا العسلا فلذلك كانت وصاياه مختصرة عليه الصلاة والسلام، ويظن كثير من الناس أنهم إذا أوصوا وأكثروا في الكلام أمثالنا، أن في الكثرة علماً وفهماً، ولكن ماذا نفعل؟ إذا أكثر أهل الضلالات من المحاضرات ومن الكلمات والندوات، أفلا يتكلم أهل الحق بعشر معشار ما تكلم به أهل الضلالة؟! يظن كثير من الناس أن في كثرة الوصايا، وفي طول الكلام عمد وسند وعضد للموصى، وينقل ابن الجوزي عن رجل يظن أن الدعاء وإنما هو للمسافات الطويلة، والرجل هذا أحمق، أراد السفر فاستودع الله أهله، وقال: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، فقاموا يدعون له بالعافية والسلامة والعودة والقبول، فيقول: المكان قريب يعني: السفر لا يحتاج كثرة دعاء لأن المكان قريب.

مراعاة الأحوال

مراعاة الأحوال الأمر الثالث: مراعاة الأحوال: فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى فقد كانت وصاياه عليه الصلاة والسلام تراعي الحال، يأتيه الرجل وعليه صفة الغضب، وعليه اكفهرار السب والشتيمة، فيعالجه صلى الله عليه وسلم بدواء يناسبه من صيدلية محمد صلى الله عليه وسلم، ويأتيه الرجل الذي انعقد كفه على البخل، فيوصيه النبي صلى الله عليه وسلم بالبذل، ويأتيه الرجل العملاق القوي البنية والإرادة، فيوصيه بالجهاد في سبيل الله، ويأتيه الشيخ الكبير المهلهل الفاني المريض فيوصيه بذكر الله، ويأتيه الرجل المجرم المسرف على نفسه فيحبب له باب التوبة ويفتحه على مصراعيه. فأي رجل يعرف هذه المعرفة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك ليست هذه الميزة الثالثة لغيره من الناس، كثير من الناس يأتون للرجل منحني الظهر من العجز والكسل فيتحدثون له بالجهاد، ويأتون للمغامر المجرم فيتحدثون له عن فسحة الأمل، ويأتون للبخيل الشحيح فيتحدثون له عن فضل إمساك المال، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يعطي كل ذي حق حقه، وكل مقام مقاله.

أبواب وصاياه صلى الله عليه وسلم

أبواب وصاياه صلى الله عليه وسلم وأما أبواب وصاياه صلى الله عليه وسلم وهي الباب الثاني الذي نقرعه فكثيرة، فما هي هذه الأبواب التي طرقها صلى الله عليه وسلم؟ أأبواب التصوف والطب، أم أبواب الرياضة والفن عند من لا يعرفون الفن، أم أبواب ماذا؟ إنها أبواب الحياة الدنيا، والحياة الآخرة، إنها أبواب مسيرة العبد إلى الله، إنها أبواب مستقبل الإنسان، يوم يريد أن يشرفه الله عز وجل. ولذلك روى أهل العلم بأسانيدهم: أن الله عز وجل نظر إلى الناس فمقتهم جميعاً، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن يوم وقف على الصفا، ويوم قال: لا إله إلا الله، استفاقت القلوب على لا إله إلا الله، ومن يوم أن كرر لا إله إلا الله على الأسماع سجدت الرءوس لرب لا إله إلا الله: إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها أبواب وصاياه صلى الله عليه وسلم أربعة أبواب: أولها: باب التوحيد، ثانيها: باب العبادة، ثالثها: باب الزهد في الدنيا، رابعها: باب الأخلاق والأدب، ولن تجد حديثاً إلا وتدرجه تحت هذه الأبواب، ولن تجد وصية أو نصيحة إلا ولك أن تلفها تحت هذه المظلة الخضراء، فتوحيد خالص نقي كالشمس، وعبادة راضية مرضي عن صاحبها، وزهد في حطام الدنيا، وأخلاق وأدب على منهج الكتاب والسنة.

باب التوحيد

باب التوحيد فلنأت الآن إلى موضوع وصاياه صلى الله عليه وسلم في التوحيد، كيف أوصى بالتوحيد؟ لا يمكن أن ينصح، أو أن يصدق رجل في هذه الأمة مهما بلغ في الصلاح والنسك كما صدق محمد صلى الله عليه وسلم: المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء فأول ما طرق صلى الله عليه وسلم التوحيد، فكان ينشئ أصحابه بلمسات التوحيد على قلوبهم، دعوة عامة في المحافل، يوم يرد صلى الله عليه وسلم سوق عكاظ، ويجتاز بـ ذي المجنة، وبـ ذي المجاز، فيتفصح صلى الله عليه وسلم بكلمات التوحيد، ويوم يقف على الصفا ويقول: {يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله} ولنكتفي بأحاديث وقف صلى الله عليه وسلم فيها معلماً وداعية، وناصحاً لأصحابه في التوحيد.

وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس

وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس أولها: حديث ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه، ويا لـ ابن عباس، ويا لثمرة الجهد المتواصل منه صلى الله عليه وسلم في تربية ابن عباس، يوم أن فقهه في دين الله، فأخرجه مشكاة تبعث هداها وسناها ونورها، ركب ابن عباس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو رديفه على حمار، والرسول صلى الله عليه وسلم يركب الحمار، لكنه ركب كواكب النصر والفلاح والمجد، فيختلسها صلى الله عليه وسلم فرصة، ويقول: {يا غلام! فيقول ابن عباس: لبيك وسعديك يا رسول الله، فيقول: إني أعلمك كلمات -لكنها كلمات نور وهداية وكلمات بشر وخير وسعادة في الدنيا والآخرة، ليست طويلة ولكنها عميقة أصيلة- احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} رواه الترمذي وأحمد، وزاد {واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً} ورواه أيضاً النسائي، ورواه ابن ماجة بلفظ {يا ابن عباس! احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك} من هذا المنطلق ومن هذا الحديث، نأخذ وصية في التوحيد، ونعرضه على الذين يقولون: لا حاجة الآن أن نتدارس التوحيد، فلقد وعى الناس التوحيد، فما هناك حاجة إلى أن يعرفوا مسائل التوحيد، ثكلتك أمك يا بعير! وهل المسألة إلا مسألة توحيد، وهل الدعوة إلا دعوة عقيدة، وهل الرسالة إلا رسالة لا إله إلا الله، فأين أنت من هذا؟! إن الرسول عليه الصلاة والسلام -كما قلنا- كان يعرف استعدادات الصحابة، فكان يضع كل إنسان في موضعه، لا يضع الأديب في موضع المفتي، ولا المفتي في موضع القائد، ولا القائد في موضع الزاهد، ولا الزاهد في موضع الجندي، بل يضع كل واحد في مكانه الذي أهله الله له. أرأيتم أين وضع خالداً يوم أن كان سيفاً من سيوف الله وضعه على الجبهات، يكسر رءوس الملاحدة بسيف الله، وأتى بـ حسان يوم كان أديباً ووضعه عند المنبر؛ ليرسل القوافي الفصيحة على المعاندين ليرغم أنوفهم في التراب، وأتى بـ زيد بن ثابت يوم كان فرضياً يبرم مسائل الفرائض فأعطاه التقسيم والتوزيع والميراث، وأتى بـ معاذ يوم كان عالماً في الحلال والحرام، فأعطاه موضوع الفقه، هكذا كان يفعل صلى الله عليه وسلم.

وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل

وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عن معاذ بن جبل وأرضاه، الشاب الذي وعى التوحيد، وأرسل صوته بالتوحيد إلى الجند في جنوب اليمن، وإلى عسقلان في جنوب فلسطين، ليكون شهيداً هناك، فسبحان الله! أي أمة كنا يوم كانت اهتماماتنا بلا إله إلا الله؟! أي أمة كنا يوم كانت رسالتنا رفع لا إله إلا الله؟! إن الذين يعيشون على مطامع الشهوات والبطون، لا يهتمون بلا إله إلا الله في أربع وعشرين ساعة، بل في الأسبوع، بل في السنة، إنهم يخلفون أثرهم، وانتسابهم إلى معاذ رضي الله عنه وأرضاه: بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا {قال صلى الله عليه وسلم لـ معاذ، وهو راكب معه على حمار: يا معاذ! قال: لبيك وسعديك يا رسول الله، قال: أتدري ما حق الله على العباد؟ فقال -وانظر إلى الأدب والحياء والتوقير والإجلال-: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم قال: أتدري يا معاذ ما حق العباد على الله؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً} متفق عليه، ورواه أحمد في المسند بلفظ آخر. وكان هذا الحديث وصية ونصيحة من نصائح التوحيد التي أرسلها صلى الله عليه وسلم لـ معاذ، أتدرون متى بلغها الناصح الأمين معاذ؟ على فراش الموت، يوم أن حضرته الوفاة وهو في عسقلان يرفع لا إله إلا الله في الشام، ويطارد كلاب البشرية الذين يحاربون لا إله إلا الله، فاندلعت في كفه بثرة من طاعون، ولكنه يريد الموت، يريد لقاء الله والناس يريدون الحياة، فقالوا: شافاك الله، عافاك الله، لا ضير عليك، فيقول: [[لا والله لقد أحببت لقاء الله، والله لو كانت روحي في كفي لأطلقتها، اللهم إنك تكثر القليل، وتكبر الصغير، اللهم فكبرها ونمها وكثرها]] يعني: البثرة، فاندفعت في جسمه، وأتاه اليقين على فراش الموت، وحق الحق لأهل الحق، وبقي اليقين لأهل اليقين، وخسئ الذين غدروا مع لا إله إلا الله، وتُبِّر الذين فجروا مع عقيدة لا إله إلا الله، فماذا قال في سكرات الموت؟ هل تأسف على منصبه الذي كان يشغله؟! هل بكى على ماله وولده؟! هل ندم على قصوره؟! لا والله، فما كان عنده من الفلل والقصور من شيء، إنما هي قصور من دين وعمل صالح ونوافل وعبادة، وفلل من يقين وخير وحسن خلق، وأشجار من معاملة طيبة ودعوة ناجحة، بكى وهو في فراش الموت، وقال: [[مرحباً بالموت حبيباً جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، اللهم إنك تعلم أني لم أحب الحياة لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، ولا لرفع القصور، ولا لعمارة الدور، ولكنني كنت أحب الحياة -فاسمعوا يا أبناء الحياة- لأعفر وجهي ساجداً لك في الأرض، ولأزاحم العلماء بالركب في حلق الذكر، ولأدعوك وأتملقك في الليل الداجي]]. فسلام عليك يا معاذ بن جبل يوم أسلمت، وسلام عليك يوم دعوت إلى الله، وسلام عليك يوم نصحت ويوم مت ويوم تبعث حياً.

وصية النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي

وصية النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي في الترمذي بسند حسن: {أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -والأعراب أهل مصائب في حياته صلى الله عليه وسلم، الأسئلة الثقيلة، الجفاء، تعكير جو الهدوء والسكينة في المسجد، الضجة والصجة، تضييع الوقت والمحاضرات والكلمات على رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيأتي هذا الأعرابي ويتربص بالمسجد ويدخل، ويتخطى الصفوف ويقف أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، ما ظنكم برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث إلى جماهير تريد أن ترفع لا إله إلا الله، وتنصر لا إله إلا الله، فيقاطعه هذا الأعرابي. وفي الأخير يقول الأعرابي لما جلس الرسول صلى الله عليه وسلم بين الناس كما رواه أهل الصحيحين عن أنس؛ يقول: أين ابن عبد المطلب -ما كأنه يعرف العلم، وما كأنه يعرف البشير النذير، فيقول الناس: ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق، الأمهق: المشوب بحمرة، المرتفق: المتكئ، فيتقدم إليه- فيقول: يا بن عبد المطلب -لا يقول: يا رسول الله: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63]- فيقول: قد أجبتك، فقال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة -انتبه إن سؤالي صعب، ومشكل، إنه مدهش محير فأجبني- قال: سل ما بدا لك، فيقول هذا الأعرابي: من رفع السماء؟ -إن أكبر معجزة عند الأعراب رفع السماء، وهي معجزة حقاً- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله. -وهم يعرفون أنه الله- قال: من بسط الأرض؟ قال: الله. قال: من نصب الجبال؟ قال: الله. قال: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ قال: اللهم نعم. واحمر وجهه صلى الله عليه وسلم -إنه سؤال عظيم، داهية من الدواهي أن يسأل عن التوحيد- فيقول: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم. ثم أخذ يسأله عن أركان الإسلام فلما انتهى ولى وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص}. فقال صلى الله عليه وسلم: {أفلح الرجل، ودخل الجنة إن صدق} فإذا بالتوحيد يعرض في خمس دقائق، لا عرض المنطق، ولا الفلسفة وعلم الكلام الذين تبر الله سعيهم، أتوا يعرضون العقيدة في طلاسم، فأفسدوا عقيدة الناس في قلوب الناس، العقيدة تعرض كهذا العرض، لا أحاجي، لا ألغاز، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الله لا يغفل عن المأمون الخليفة العباسي في إدخاله علم المنطق على المسلمين، إي والله، لن يغفل الله عنه، ولن يدعه -إن شاء الله- إلا بحساب، كيف يدخل علماً ماجناً خسيساً رخيصاً عند من أتوا بالوحي صافياً منقىً من السماء؟! فإما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا

التوحيد وحصين بن عبيد

التوحيد وحصين بن عبيد عند أبي داود وفي مسند أحمد والترمذي بأسانيد جيدة أن حصين بن عبيد أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -والرسول صلى الله عليه وسلم متوقع أن الرجل له آلهة كثيرة، لأن بعضهم له عشرون وثلاثون من الآلهة، حجارة وخشباً وطلاسم واعتقادات- فيقول عليه الصلاة والسلام: يا حصين بن عبيد! كم تعبد؟ قال: سبعة؟! قال: سبعة؟! قال: نعم. قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض، وواحدٌ في السماء، قال عليه الصلاة السلام: فمن لرغبك ولرهبك؟ -إذا ضاقت بك الضوائق، إذا نزلت بك الكوارث، واحتدمت عليك الأمور- قال: الذي في السماء، فقال عليه الصلاة والسلام: فاترك التي في الأرض واعبد الذي في السماء}: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ {[الزخرف:84] {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66].

وصيته لأبي ذر بالتوحيد

وصيته لأبي ذر بالتوحيد وعند ابن حبان عن أبي ذر قال: {قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشرك بالله، وإن قتلت، وحرقت} فكل شيء إلا الشرك بالله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:116] هذه قطوف من وصاياه صلى الله عليه وسلم في التوحيد، فيها اليسر والأصالة والعمق والوضوح كل الوضوح، توحيد خالص، كل كائنة تعرف أن لا إله إلا الله، اللمعة من الضوء، القطرة من الماء، الورقة من الشجر، البسمة، اللفظة، كل كائن: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد

باب العبادة

باب العبادة وأما في العبادة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام طرق أبواب العبادة، وأعطى كل إنسان ما يلائمه، واعلموا: أن أبواب الجنة ثمانية: توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا وقل لـ بلال العزم إن كنت صادقاً أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا

دخول أبواب الجنة بحسب العبادة

دخول أبواب الجنة بحسب العبادة روى البخاري في كتاب الجهاد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للجنة أبواباً ثمانية، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد -فينبري أبو بكر رضي الله عنه، وتنبري الهمة العالية- فيقول أبو بكر: هل يدعى أحد من تلك الأبواب الثمانية؟ -رضي الله عنك، إنها همة تمر مر السحاب، صنع الله الذي أتقن كل شيء- فيقول صلى الله عليه وسلم: نعم، وأرجو أن تكون منهم}. فيأتي عليه الصلاة والسلام فيطرق تلك الأبواب الثمانية لمن أراد أن يدخل من تلك الأبواب، على قوى الناس، وعلى تأهيلاتهم ورغباتهم، لأن من رغب في الذكر قد لا يرغب في الصيام، ومن رغب في الصيام لا يرغب في الصلاة، قالوا لأعرابي: ألا تصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {من صام ثلاثة أيام من كل شهر أذهب الله عنه وحل الصدر، وكان كصيام الدهر} فقال الأعرابي: أنا في كلفة وهم من رمضان، وأزيد عليه ثلاثة أيام من كل شهر! فلما بشروه بطلوع هلال رمضان، كما يتبشر الصوام القوام، نظر إلى الهلال فكأنه يرى سيفاً في السماء، ثم قال: والله لأشتتنك بالأسفار.

وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكر الله

وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكر الله الرسول عليه الصلاة والسلام يراعي التأهيلات والقوى عند الناس فيوجههم إلى الأمور التي يمكن أن يبرعوا فيها، يأتي إليه عبد الله بن بسر، كما في الترمذي بسند حسن وإذا هو شيخ كبير يتكئ على عصاه، فتر من كبر سنه، فماذا عسى أن يقول له صلى الله عليه وسلم؟ هل يقول له: جاهد في أفغانستان، أو في فلسطين؟ لا {قال: يا رسول الله؛ إن شرائع الإسلام كثرت علي، فأخبرني بباب أتشبث به من الأعمال -الصلاة شاقة عليه، الصيام كليف عليه- فقال له عليه الصلاة والسلام: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} لأن الذكر يلائم أهل البنية النحيلة، والذين لا يستطيعون المدافعة ولا المصاولة ولا المجاولة. يقول ابن تيمية في وصيته لـ أبي القاسم المغربي: واعلم أنه كالإجماع بين العلماء أن الذكر أفضل وأيسر وأسهل عمل، وصدق رحمه الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم يوصي هذا بالذكر، وإن كان من وصية فالله الله في ذكر الله، فإنه والله الباب الذي يفتح على الله عز وجل، إنه الغفران والسكينة، إنه باب المعرفة والتوبة. يقول ابن القيم في روضة المحبين: يقول تقي الدين بن شقير: خرجت وراء شيخ الإسلام ابن تيمية فلما أصبح في الصحراء من حيث أراه ولا يراني، نظر إلى السماء ثم دمعت عيناه، ثم قال: لا إله إلا الله، ثم قال: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا إن الذكر أعظم ما يمكن أن يتقرب به إلى الله، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يوصي به فيما يقارب سبعين حديثاً صحيحاً وحسناً، ولذلك يقول ابن رجب عن أبي مسلم الخولاني الذاكر العابد، كانت لسانه لا تفتر من ذكر الله: إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس يقول: دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية، فإذا أبو مسلم يتمتم بلسانه، فظن معاوية رضي الله عنه أن الوسواس قد أصاب أبا مسلم، قال: أجنون هذا يا أبا مسلم؟ قال: بل حنون يا معاوية. حنون إلى الله، حنون إلى روضات الخير والذكر، التي أوجدها الله عز وجل، وأبو مسلم -بالمناسبة- هو الذي وقف موقفاً حازماً أمام الطاغية الكذاب الأثيم الأسود العنسي، يوم ادعى النبوة وذكر أن جدته أوحت إليه بطلاسم وخزعبلات من الإفك والدجل والكذب على الله، فقال له الأسود العنسي: أتشهد أني رسول الله؟ قال: أشهد أنك من الكذابين الثلاثين الذين ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فجمع له حطباً، وأوقد له ناراً، وألقاه في النار، لكن سلالة أهل التوحيد، وسلالة إبراهيم عليه السلام ما انقطعت أبداً. قال وهو يلقى في النار: حسبنا الله ونعم الوكيل، فإذا بعناية الله التي كانت لإبراهيم تتكرر ثانية: {يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] وكانت برداً وسلاماً على أبي مسلم الخولاني، فاستقبله الصحابة لما نجا من النار، قال الأسود العنسي: هذا ساحر أخرجوه من اليمن، واستقبله عمر بحفاوة أيما حفاوة، وقال: حيهلاً بمن جعله الله شبيهاً بإبراهيم الخليل.

وصية النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه بالجهاد

وصية النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه بالجهاد ويأتي عليه الصلاة والسلام إلى رجل مجاهد، عنده عضلات تؤهله إلى أن يضرب بسيف الله، وإلى أن ينتقم من أعداء الله، هو غيلان الثقفي كما عند أبي داود {فقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: عليك بالجهاد في سبيل الله} الجهاد في سبيل الله، رفع راية الله، سكب الدم الغالي، لرفع لا إله إلا الله. ويأتيه أبو أمامة، فإذا هو صابر محتسب، فيقول: {دلني يا رسول الله على عمل إذا عملته دخلت الجنة؟ فيقول: عليك بالصيام فإنه لا عدل له} رواه أحمد، لأنه عليه الصلاة والسلام يعرف أن أبا أمامة من الذين يستطيعون الصيام، ومن الذين يثابرون على الصيام، فبابه باب الصيام، فلا مشاحاة في الأبواب، بل ادخل وحاول أن تدخل، لكن انظر إلى الباب الذي يناسبك، وتستطيع أن تستمر فيه.

رأس الإسلام وعموده وذروة سنامه

رأس الإسلام وعموده وذروة سنامه عند الترمذي والإمام أحمد من حديث معاذ رضي الله عنه وأرضاه، قال: {كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة -قال بعض الحفاظ: غزوة تبوك - فاقتربت منه، قلت: يا رسول الله! دلني على عمل يقربني من الجنة، ويباعدني عن النار؟ -ما أحسن السؤال! وما أحسن الإيراد! وما أعجب المقال! - فقال عليه الصلاة والسلام: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه} فاسمع إلى مؤهلات الجنة، واسمع إلى الأبواب التي توصل إليها، واسمع إلى هذه الخصائص التي أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم، والمفاتيح التي تدخلك أبوابها، لا الشهادات!! لا المؤهلات!! لا المناصب!! لا الجاه والشهرة والرياء والسمعة!! كلها تسقط هباءً منثوراً: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23]. قال عليه الصلاة والسلام، وهو يتحدث عن الأعمال الموصلة إلى الجنة: {تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت ثم قال: ألا أدلك على رأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: الصيام جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا عليه الصلاة والسلام {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] ثم واصل الوصية عليه الصلاة والسلام، فقال: ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: كف عليك هذا، وأخذ بلسان نفسه، فتعجب معاذ -أفي الكلام حساب وعقاب؟! أفي المقال نكال وعذاب؟! - فقال: يا رسول الله! أئنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال عليه الصلاة والسلام: ثكلتك أمك يا معاذ -إلى الآن ما فهمت هذه القضية- وهل يكب الناس في النار على مناخرهم -أو قال: على أنوفهم- إلا حصائد ألسنتهم} هذه وصية أهداها صلى الله عليه وسلم، تحمل العبادات، بل مفاتيح الجنة.

كثرة السجود

كثرة السجود ويأتيه عليه الصلاة والسلام شباب فتيان متقاربون في السن، فيقول: ما حاجتكم؟ -فأهل الأموال طمعوا في الأموال، وأهل الجاه طمعوا في الجاه، وأهل الثياب طمعوا في الثياب، لأن بعض الناس يرضيه أن تكسوه ثوباً، لا أن تهدي له علماً أو نصحاً أو فائدة- فأعطى صلى الله عليه وسلم كل إنسان منهم ما يريده، إلا ربيعة بن مالك رضي الله عنه قال: {كنت أبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال يا ربيعة سل، قلت: أسألك مرافقتك في الجنة؟ قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود} رواه مسلم، وفي لفظ آخر: {فإنك لن تسجد لله سجدة، إلا رفعك بها درجة}. كلما سجدت لله سجدة رفعك بها الله درجة، إن عظمتك أيها المسلم، وسموك وإخلاصك ونصحك أن تكرم وتعفر هذا الوجه بالسجود لله، فوالله ثم والله ثم والله إما أن تسجد لله، أو تسجد لغير الله، إما أن تسجد للواحد الأحد، أو تسجد لمنصبك، ولبطنك، ولشهوتك، ولزوجتك، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار} فسماه عبداً؛ لأنه عبد هواها وعشقها، وأحبها حباً جماً. فإما أن تكون عبودية لله، وإما أن تكون عبودية للهوى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23]: ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا

إزالة الأذى من طريق المسلمين

إزالة الأذى من طريق المسلمين يأتي أبو برزة كما عند الترمذي، فيقول: {يا رسول الله! دلني على عمل؟ قال: أزل الأذى عن طريق المسلمين} إن أبواب الخير عدد الأنفاس، لكن أين السالكون؟ إن طرق السعادة عدد الشعاع، ولكن أين الماضون؟ إن مفاتيح الخير لا تعد ولا تحصى، ولكن أين الفاتحون؟ أين الذين يريدون الله؟ أين الذين يريدون ما عند الله عز وجل؟ إن هذه الطرق سلكها وأوصى بها صلى الله عليه وسلم، ولكن بثلاث خصائص: بالأصالة والعمق، والإيجاز والاختصار، ثم بمراعاة الحال.

باب الزهد

باب الزهد ويأتي صلى الله عليه وسلم إلى الزهد، والناس في الزهد بين غال وجاف، وأحسن من عرفه -فيما أعلم- شيخ الإسلام ابن تيمية، لأن بعض الناس قال: أن تزهد في الحرام، إذا: فما زهدت إذا لم تزهد إلا في الحرام، لأن الدنيا أكثرها حلال إذاً: فابتن ما شئت، واسكن فيما شئت، وكل ما شئت، والهى بما شئت، فإذا لم يكن الزهد إلا في ترك الحرام فلا زهد في الدنيا، وقال غيرهم: الزهد في المباحات وأخطئوا، وقال غيرهم: الزهد ألا يكون عندك شيء، وهؤلاء هم غلاة الصوفية الذين يتربع أحدهم إلى تلاميذه، فيقول: الحمد لله أصبحنا وأصبح الملك لله، قالوا: ماذا حدث؟ قال: تذكرت البارحة ما أكلت رطباً من أربعين سنة!! ومن أحرمك الرطب من أربعين سنة، والرسول صلى الله عليه وسلم أكل الرطب، وأكل اللحم، وتزوج النساء، ونام، وقام، وأكل الحلوى والعسل، فهل أنت أفضل منه! يقول الذهبي لما قال رجل من غلاة الصوفية: لقد جعت ثلاثة أيام، فرأيت صوراً غريبة عجيبة أمام عيني، فاستبشرت بذلك!! قال الذهبي معلقاً: والله ما كانت صوراً ولكن عقلك خاش وفاش من الجوع، فتصور لك الشيطان، إنهم يخيسون من الجوع، فيأتون بوساوس ويقولون: إلهامات، حتى ما بقي عليهم إلا أن يقولوا نزل عليهم جبريل عليه السلام، فأوحى إليهم وحياً، وإنما نزل عليهم ما نزل على مسيلمة الكذاب في اليمامة، يوم أن أخرج الوساوس من رأسه سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه.

حقيقة الزهد عند ابن تيمية

حقيقة الزهد عند ابن تيمية يقول ابن تيمية الزهد هو: ترك ما لا ينفع في الآخرة، جملَّ الله حالك، وبيض وجهك، وهل التأليف إلا هذا! وهل الكلام إلا مثل هذا! هو ترك ما لا ينفع في الدار الآخرة، أما ما ينفع فالزهد فيه حمق وجنون وسفه، فكل ما ينفعك فلا تزهد فيه، لأنه يقربك من الله، ويقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: تركت أكلات كنت آكلها عجيبة طرية شهية -يسيل معها اللعاب، هذه من كيسي ليست من كيسه- فما استطعت أن أقوم الليل، ولا أن أقرأ القرآن، فعدت إلى مألوفي في الطعام، فقرأت خمسة أجزاء في كل يوم. إن بعض الطعام والمنام والملبس والمسكن والمركب يعينك على تقوى الله، فتركه ليس من الزهد، وأبواب الزهد التي طرقها صلى الله عليه وسلم ما يقارب أربعة أبواب: زهد في الدنيا وفي الحطام، وزهد في الإمارة والشهرة، وزهد في الناس وما أدراك ما الناس؟ وهي الخلطة التي يكسب منها الرياء والسمعة، ثم زهد الملهيات والمضيعات.

الزهد في الدنيا

الزهد في الدنيا أما أروع حديث في الزهد فهو لـ ابن عمر في البخاري، يقول: كنت في السوق، فأخذ صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: {يا عبد الله! كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل} فارتسمت هذه الكلمة في ذهن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه، نسي كلام الناس إلا هذه الكلمة {كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل} فكان غريباً بمعنى الكلمة، ترك كل شيء بمعنى الغربة التي يريدها صلى الله عليه وسلم، حتى كان يسجد في الحرم ويمرغ وجهه وهو يبكي ويقول: [[اللهم إنك تعلم أني ما تركت الخلافة لقريش إلا من مخافتك]] إي والله، وإلا فباستطاعته أن ينال الخلافة، فإنه ابن عمر بن الخطاب: نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا فترك هذا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: {كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل} فكان دائماً غريباً في ملبسه وخلطته وكلامه، وبيته، وكان غريباً في منهجه، يقول: ما شبعت منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر سنة، يأكل دون الشبع وفوق الجوع، أورد ذلك ابن رجب في جامع العلوم والحكم. ولذلك أتاه رجل من أهل العراق، فما وجد هدية إلا جوارش، والجوارش حبوب تحبب الأكل إلى الإنسان ليأكل أضعاف ما كان يأكله، لئلا يبقي شيئاً في الصحفة ولا في القدر، فأتى لـ ابن عمر رضي الله عنه وقال: هذه جوارش يا عبد الله قال ابن عمر: وما الجوارش؟ قال: حبوب تحبب لك الأكل، وتضريك على الطعام، قال: والله ما شبعت منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتريدني أن أشبع الآن؟ فلسنا في هذا الكلام، ولا في هذا المنهج، ولكن انظر كيف وجهه صلى الله عليه وسلم إلى الزهد في الدنيا عامة.

الزهد فيما عند الناس

الزهد فيما عند الناس عند ابن ماجة بسند حسن، عن سهل بن سعد قال: {أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس} إن السؤال يدل على السائل، ولذلك تكتشف عقل الرجل ونباهته ويقظته من سؤاله وإيراده، وبعض الناس يبهر بالمظهر، فإذا تكلم فإذا هو ليس بذاك، فيعود إلى تقويمه وإلى وزنه: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم جاء رجل إلى أبي حنيفة، فإذا عليه لباس ما شاء الله تبارك الله، طول وجسامة وثياب براقة لماعة، وعمامة مكورة، فجلس أمام أبي حنيفة وكان أبو حنيفة ماداً رجله اليمنى، فردها متأدباً مع هذا الرجل الداهية، فطال المجلس، وأبو حنيفة مستحٍ متوقر خجول، فالتفت إلى الرجل فقال: ألك حاجة؟ قال: الرجل سؤال يا أبا حنيفة، سؤال أكربه وأسهره في الليل، قال: ما هو سؤالك؟ قال: متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غربت الشمس، قال: فإذا لم تغرب الشمس إلا نصف الليل فمتى يفطر؟ فمد رجليه وقال: آن لـ أبي حنيفة أن يمد رجليه كلتيهما، ليست رجلاً واحدة. وهل يأتي الليل إلا بعد غروب الشمس، فالرجل من عقله وحصافته يقول: {دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس؟ قال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} كأن السؤال على وزن الجواب، لا زيادة ولا نقص، لكنه أعظم وأنفع وأبرك وأنور، فهذه وصاياه عليه الصلاة والسلام في الزهد في الدنيا.

الزهد في الإمارة

الزهد في الإمارة وأما في الإمارة فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتطلع في الصحابة، ومن غرائز الناس حب الشهرة، وحب الظهور، وحب الترأس، نسأل الله العافية والسلامة. ذكر الذهبي في ترجمة عبد الله بن الزبير: أنه رحمه الله ورضي عنه كان يحب أن يتقدم ويتصدر، حتى أرسله أبو بكر رضي الله عنه بسارق ليؤدبه هو وشباب معه من المدينة، فذهبوا به إلى ضاحية، فقال: من أميركم في هذه الرحلة؟ يريد أن يقولوا: أنت، فقالوا: أنت فأخذ يأمر فيهم وينهى من المدينة حتى عاد إلى المدينة. فالمقصود: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلمح في وجوه أصحابه هذه الغرائز، فكان يعالجها ويداويها عليه الصلاة والسلام، أتى له عبد الرحمن بن سمرة العبسي القرشي الشهير، كما في الصحيحين فقال صلى الله عليه وسلم وهو يوصيه: {يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة -احذر- فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إلى نفسك، وإن أعطيتها بلا سؤال أعنت عليها} فكان يقول صلى الله عليه وسلم: احذر الترأس، احذر التصدر وازهد، وبالفعل كان هذا الرجل لا يحرص على الإمارة، وأخذ بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم، فرزقه الله عز وجل الإنابة، وكان أميراً وهو الذي فتح سجستان، فاسألوا عن سجستان، واسألوا كابول، واسألوا عن الذين عفروا وجوههم هناك سجداً لله، وسكبوا دماءهم هناك لتشهد لهم عند الله، من هم إلا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى ومن رمى نار المجوس فأطفأت وأبان وجه الصبح أبيض نيراً فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعند الترمذي وغيره من أهل السنن قال: {قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ -ما هو الأمر الذي ينجيني من عذاب الله- فقال عليه الصلاة والسلام: كف عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك} وكانت من أعظم الوصايا له وأرضاها، فأوصاه بقلة الخلطة التي لا تنفع، وتضيع الوقت، يوم لا وقت عند المسلمين إلا في الهراء، والغيبة والنميمة، وشهادة الزور، الوقت الذي أصبح أرخص سوق له هو السوق عند المسلمين، وأصبحوا يتعاملون بالوقت أرخص من الدراهم والدنانير، ونسوا قوله تبارك وتعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. فأين الوقت يا أمة الوقت؟ وأين الساعات الطويلة التي كل ساعة كفيلة بأن ينتج فيها العالم كتاباً، والداعية دعوة، والتاجر تجارة رابحة، والمعلم مهنة طيبة، أين هذه؟ إنها ساعات رخيصة، إن شيخ الإسلام ابن تيمية -كما تعلمون- ألف كتاب التدمرية من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، وجئنا لندرسه فأخذنا فيه سنة وما فهمناه التدمرية: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25]. هذا الوقت الصغير القصير لا يتحمل إلا قيلولة عند المترفين منا، ويضيع الوقت من صلاة العصر إلى صلاة المغرب في شرب الشاي، وأما من المغرب إلى العشاء ففي الجولات والصولات التي لا تنفع في دنيا ولا في آخرة، وأما من بعد العشاء، ففي السهرات وما أدراك ما السهرات وما السمرات في أعراض الأحياء والأموات!! ولا تنفع هذه الأوقات إلا أن تؤهل بتأهيل الله عز وجل، يقول عليه الصلاة والسلام: {لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع} وذكر العمر والشبابا. نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي يقولون -كما تعرفون ذلك-: إن ابن عقيل الحنبلي ألف كتاب الفنون ثمانمائة مجلد في وقت الراحات، ولذلك كان هذا الكتاب عجباً من العجب، ما ألفه إلا في أوقات الراحة، فهل نستطيع أن نقرأ ثمانمائة مجلد.

باب الأدب والأخلاق

باب الأدب والأخلاق وأما العنصر الرابع من أبواب وصاياه صلى الله عليه وسلم فهو باب الأدب والأخلاق، كيف طرق صلى الله عليه وسلم هذا الموضوع؟ وكيف أهدى وأسدى لهذه الأمة ما يكفيها وما يشفيها، نحن لسنا بحاجة -نقولها صراحة وبقوة وبشجاعة وبعمق- إلى علم النفس الذي يرد علينا من الغرب، ولا التربية، ولا علم الكلام، تربيتنا وعلم نفسنا من كتابنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلا حاجة لنا بغيرهما، فقد أغنانا الله عز وجل بما عندنا، فلا نورد المريض على الصحيح، إنهم مرضى، فكيف نستشفي من المرضى؟! إنهم موتى فكيف نطلب الحياة من الموتى؟! إنهم جوعى فكيف نطلب الشبع من الجوعى؟! لا والله: والمستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار يقول ابن تيمية -وقد تكررت هذه الكلمات في مناسبات-: من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدى غير هدى الله الذي أُرسل به محمد صلى الله عليه وسلم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا ينظر إليه، ولا يزكيه وله عذاب أليم. أحكامنا وآدابنا وأخلاقنا وعقيدتنا وسلوكنا وشئون حياتنا في كتابنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فلا نحتاج إلى غيرنا أبداً، نحن نصدر إلى الأمم ولا نستورد، نحن نعطي ولا نأخذ، نحن نوجه ولا نتوجه إلا من الله الحي القيوم، لأننا خير أمة أخرجت للناس، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يأمر بحسن الخلق. أتاه أبو ذر كما في الصحيح -ولم يسمه في الصحيح- فقال: {يا رسول الله أوصني -والرسول صلى الله عليه وسلم يعرف ما هو مرض هذا الرجل وداؤه المزمن، ويعرف العلاج الذي ينبغي أن يصرف له- فقال: لا تغضب، قال: زدني، قال: لا تغضب، قال: زدني، قال: لا تغضب} فكانت هذه وصيته صلى الله عليه وسلم، وعلم فيما بعد أن بلية هذا السائل من غضبه رضي الله عنه وأرضاه، لا يتحمل، لأن فيه حدة متناهية، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يضع العلاج، وأن يضع الدواء على الداء، فقال: لا تغضب لأنه يغضب، أما أن يأتي إلى إنسان قطع الحلم جنبيه، ومزق فؤاده وأصبح لا يغضب أبداً، يستغضب ولا يغضب، ويضرب على رأسه وهو يضحك، فيأتي ويقول: لا تغضب، قال: زدني، قال: لا تغضب، قال: لا تغضب، أو يأتى إلى إنسان يغضب من مر الهواء، ومن شرب الماء، فيقول: عليك أن تقلل من الحلم، وعليك بالحزم، وعليك بالصرامة، فليس هذا من هديه صلى الله عليه وسلم، ولا من وصاياه: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4 - 5] قال: لا تغضب. وقال له معاذ كما في الترمذي: {يا رسول الله أوصني؟ قال: أحسن خلقك للناس} وقد كان معاذ رضي الله عنه وأرضاه، يُرى فيه بعض الحدة، فقال له صلى الله عليه وسلم: {أحسن خلقك للناس} وقال لرجل آخر كان مغضباً دائماً، لا يلقى الناس إلا مكفهراً مشمراً غضباناً صئولاً جريئاً كأن القيامة قامت، لا يتبسم أبداً، فقال: {يا رسول الله! أوصني؟ قال: عليك بالمعروف، ثم قال عليه الصلاة والسلام، ولو أن تبسط وجهك لأخيك، وعند أحمد: ولو أن تسلم على أخيك ووجهك منبسط إليه}. ويقول عليه الصلاة والسلام لثالث: {لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلق أخاك بوجه طليق} وفي لفظ: {بوجه طلق} وكلها تؤدي إلى أن تنبسط وجوه الأحباب إلى الأحباب، وأن يتخالق الناس ويتعاملوا بالود والمحبة، وأن تتعلم تلك الوجوه التي تكفهر في وجوه الناس ولا تبتسم أن الله لا يرفعها بالتزمت، ولا بالغضب، ولا يرفعها بالاكفهرار، إنما بالبسطة والخلق، وعقلاء العرب قبل الإسلام مجمعون على أن بسطة الوجه من الكرم. يقول أولهم: تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله فالرسول عليه الصلاة والسلام في جانب الأدب والخلق كان يوجه الناس إلى ما يرفعهم عند الله. ولذلك يقول كما في السنن: {إن الرجل ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم} ويقول كما عند الترمذي: {ألا أنبئكم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون}. وضرب صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة في كل وصية أوصى بها: في التوحيد، فهو الذي أنزل الله عليه التوحيد، وفي العبادة فهو أعبد الناس لرب الناس، وفي الزهد فهو أزهد الناس في الحطام، ما خلف شيئاً، وإنما خلف رسالة وأمة ومنهجاً ربانياً قائماً، وفي الخلق فهو أحسن الناس خلقاً، يقول الله عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] عظيم صبرك، وحلمك، وتواضعك عظيم، وأي خلق فوق خلقه صلى الله عليه وسلم؟! يقول أنس رضي الله عنه وأرضاه: {كان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقاً} ويقول جرير بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه: {ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي} ويقول أبو سعيد الخدري كما في الصحيحين: {كان صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها} ويقول بهز بن حكيم: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألين الناس عريكة} ويقول عبد الله بن سلام: {لما رأيت وجهه صلى الله عليه وسلم وهو منبسط، قلت: والله ما هذا بوجه كذاب}. حتى يقول ابن رواحة لما رأى ذلك الوجه المشرق المنبسط: لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبئك بالخبر فهذا شيء من وصاياه، وإنها لطويلة وكثيرة، ومن أراد وصاياه فليعد إلى كتب السنة، وليعش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليعش مع العلم الأصيل، ومع الثروة الغزيرة النافعة النفاذة، ليعش مع الرياض المؤنقة، رياضه عليه الصلاة والسلام، فإنه لا خير إلا عنده، ولا نور إلا من مشكاته، ولا ماء صافياً إلا من نبعه، وأما المصادر الأخرى فقد جربت، إنها كدرة مشوبة. فيا أمة الإسلام!! ويا أبناء من حملوا لا إله إلا الله في ديار الإسلام، ويا من يريد الوصايا، هذه وصاياه صلى الله عليه وسلم لأصحابه ولكم، ولكل مسلم يريد الله والدار الآخرة. لكل من يريد الله، ويريد ما عند الله، فاقبلوها وادخلوا أبواب الجنة فقد فتحت لكم: فحي هلاً بكم، فمن كان من أهل الذكر فالذكر نصيبه، ومن كان من أهل الصيام فالصيام حظه، ومن كان من أهل الصلاة؛ فالصلاة له، وما أحسن أن تضرب من كل غنيمة بسهم، وأن تشارك مع المصلين في صلاتهم، فإذا أنت الخاشع العابد، وأن تشارك مع الذاكرين في ذكرهم، فإذا أنت الشاكر الذاكر، وأن تشارك مع المجاهدين في جهادهم؛ فإذا أنت البطل المقدام، وأن تشارك مع الصوَّام في صيامهم؛ فإن خلوف فمك أطيب من ريح المسك. تقبل الله منا ومنكم أحسن ما عملنا، وتجاوز عن سيئاتنا وسيئاتكم في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. أسأل الله كما جمعنا هنا في روضة طيبة طاهرة، أن يجمعنا هناك في مقعد صدق عند مليك مقتدر، يوم أن نرى ربنا سبحانه وتعالى، ويوم نرى رسولنا صلى الله عليه وسلم، ويوم نرى مفاتيح الخير أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، ورسل السلام وقواد لا إله إلا الله، وحملتها، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

قصيدة في الزهد

قصيدة في الزهد Q هناك أسئلة كثيرة توالت تطلب أن تسمعنا شيئاً من قصائدك الأولى نكل الاختيار فيها إليك، والثانية نختارها نحن؟ A أخاف أن تختار أنت ما أريد أن أختاره أنا، أما القصيدة الأولى التي أختارها والتي تناسب هذا المقام فهي الدمعة الخرساء، تنسب إلى علي رضي الله عنه وأرضاه، وقيل: لـ إبراهيم الصولي، ولا يضرنا لهذا أو لهذا قال: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الموت نبنيها فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيش نابت فيها فعلى هذا المنوال قلت: دنياك تزهو ولا تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها عارَّية المال قد ردت لصاحبها وأكنف البيت قد عادت لبانيها والأينق العُصْر قد هضت أجنتها وثلة المرء قد ضجت بواكيها يا رب نفسي كبت مما ألم بها فزكها يا كريم أنت هاديها هامت إليك فلما أجهدت تعباً رنت إليك فحنت قبل حاديها إذا تشكت كلال السير أسعفها شوق القدوم فتعدو في تدانيها حتى إذا ما بكت خوفاً بخالقها ترقرق الدمع حزناً من مآقيها لا العذر يجدي ولا التأجير ينفعها وكيف تبدي اعتذاراً عند واليها فإن عفوت فظني فيك يا أملي وإن سطوت فقد حلت بجانيها إن لم تجرني برشد منك في سفري فسوف أبقى ضليلاً في الفلا تيها

القصيدة البازية

القصيدة البازية Q فضيلة شيخنا ووالدنا الشيخ عبد العزيز بن باز رجل تمثلت فيه أخلاق السلف، ونطقت من أفعاله، وأطبقت القلوب على محبته، ولشيخنا الشيخ عائض قصيدة في مدح الشيخ عبد العزيز بن باز نرجو أن يتحفنا بها؟ A هذه القصيدة تعرف: بالبازية، نسبة إلى الشيخ عبد العزيز بن باز، وقد سبقني أحد الشعراء المصاقيع المناطيق، في مدح فضيلة الشيخ، وأعرف شعراء منهم تقي الدين الهلالي العالم الكبير المحدث، يقول في قصيدة له طويلة: خليلي عوجا بي لنغتنم الأجرا على آل باز إنهم بالثناء أحرى وزهدك في الدنيا لو ان ابن أدهم رآه رأى فيه المشقة والعسرى أما المجذوب فهو الذي ذكر الباز في قصيدته فقال فيها: روى عنك أهل الفضل كل فضيلة فقلنا حديث الحب ضرب من الوهم فلما تلاقينا وجدناك فوق ما سمعنا به في العلم والأدب الجم فلم أرَ بازاً قط من قبل شيخنا يصيد فلا يؤذي المصيد ولا يدمي وقصيدتي البازية قلت: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً لك الله قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي والمدح يا والدي في غيركم كذب لأنكم لفؤادي بلسم شافي يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي أغراهم المال والدنيا تجاذبهم ما بين منتعل منهم ومن حافي مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعالي ولم تولع بإرجاف بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطل في إشراقه الضافي تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصداف أقبلت في ثوب زهد تاركاً حللاً منسوجة لطفيلي وملحافي تعيش عيشة أهل الزهد من سلف لا تبتغي عيش أوغاد وأجلاف أراك كالضوء تجري في محاجرنا فلا تراك عيون الأغلف الجافي كالشدو تملك أشواقي وتأسرها بنغمة الوحي من طه ومن قاف ما أنصفتك القوافي وهي عاجزة وعذرها أنها في عصر أنصاف يكفي محياك أن القلب يعمره من حبكم والدي أضعاف أضعاف يفديك من جعل الدنيا رسالته من كل أشكاله تفدى بآلاف

قصيدة في مدح الأفغان

قصيدة في مدح الأفغان Q طلب القصائد كثر، ويخيل إلي -أيضاً- أن الوجوه لا زالت تطلب، أن تؤثر بقصيدة ثالثة، ما رأيك يا شيخ؟ A أصبحت أمسية، كنا نظن أنها محاضرة، فتحولت بحفظ الله إلى أمسية. هذه مقطوعة في جهاد المجاهدين الأفغان: مروا بقلبي فقد أصغى له البان لي في حمى الحب أصحاب وخلان نعم لك الله ما قد تبت من ولهٍ أما لكم صاحبي صبر وسلوان أنا يراعتك اللاتي كتبت بها رسالة الحب ما في ذاك نكران دع ذا وهات قوافٍ منك صادقةً لأمةٍ مجدها بالأمس فينان والله لو أنصف التاريخ أمتنا لسجل المدح حسناً وهو سهران كنا نمر ونار الحرب موقدةٌ ونمتطي سفناً والبحر غضبان الصانعو الزهد والدنيا بحوزتهم يروي علاها أبو ذر وسلمان والساكبو العلم من مشكاة دوحتهم علم ابن عباس ياقوتٌ ومرجان قطوف آدابنا بالبر يانعة إذا تحاكى لها المنطيق حسان مجالس العلم تروي كل قصتنا إن قلت حدثنا يحيى وسفيان وإن طلبت مثالاً من أرومتنا يكفيك عن مضرب الأمثال أفغان يا أمة النصر والأرواح أفنان في شدة الرعب ما هانوا وما لانوا هم الرعود ولكن لا خفوت لها خسف ونسف وتدمير وبركان كم ملحد ماجن ظن الحقوق له زفوا له الموت مراً وهو مجان وبلْشفيٍ أتى كالعير منتخياً رأى المنايا فأضحى وهو جعلان ردوه كالقرد لو بيعت سلامته بشعبه لشراها وهو جذلان فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ يسعى فيعثر في سروال خيبته في أذنه من رصاص الحق خرصان سياف في حكمه شاه بمملكة لها من الدهر طول الحق برهان

كتب في الوصايا

كتب في الوصايا Q هل هناك كتب مؤلفة في موضوع الوصايا النبوية؟ A أما هذا الموضوع؛ فأعرف فيه رسائل اسمها: الوصايا الخالدة، ولو أنه جمع بعض الأحاديث الموضوعة وخلطها بالصحيحة وسيرها للناس، وهذا يحتاج إلى تمحيص، وهنالك كتابات لـ ابن رجب في وصاياه صلى الله عليه وسلم، أو الأحاديث التي أوصى بها مثل: احفظ الله يحفظك، اسمها: الاقتباس في وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس، وبعض الوصايا التي كتب عنها ابن رجب مثل جامع العلوم والحكم، أما كتاب يجمع الوصايا فما أعرف في ذلك شيئاً.

كتب أنصح بقراءتها

كتب أنصح بقراءتها Q سؤال تكرر كثيراً عن الكتب التي تنصحون بقراءتها؟ A الكتب التي أنصح بقراءتها، أول ما أنصح به وهو بإجماع المسلمين ومن يريد الله والدار الآخرة كتاب الله عز وجل، أن يتدبر، وأن يقرأ، وأن يفهم وأن يعمل به، ثم الكتب الستة التي عليها مدار رحى الإسلام، وفيها رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرة شاهرة باهرة، وهي الصحيحان، وسنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة، وسنن النسائي، ومن وسبَّع بـ المسند فما أخطأ، ومن ثمن في كتب العلم بالحديث فما ضل سواء السبيل، بل اهتدى -إن شاء الله- كثيراً. ثم كتب ابن تيمية وابن القيم وابن كثير، وليست العبرة بكثرة الكتب، ولكن العبرة بالقراءة، فإن بعض الناس قد يجمع كتباً في بيته لكنه يجعلها ديكوراً وزينة ومظهراً ومنظراً ورياءً وسمعةً نسأل الله العافية، إنما العبرة بالقراءة والاطلاع والهضم والعمل.

كيفية التعامل مع الأقارب والأصدقاء العصاة

كيفية التعامل مع الأقارب والأصدقاء العصاة Q تكررت أسئلة وهي يوجود أقارب أو أصدقاء أو إخوة في البيت يرتكبون بعض المعاصي، نصحوا فلم ينتصحوا، فما تنصحون تجاههم؟ A مما يجب على الداعية: العلم والحكمة، فإن من يدعو بعلم بلا حكمة يضر بدعوته، ومن يكن عنده حكمة بلا علم فليس له قبول، فالذي أنصح به الحكمة مع الفقه في الدين، وهؤلاء أهل المعاصي على طبقات، فإن من يسبل إزاره لا يعامل معاملة تارك الصلاة، فإنه لا بد من حكمة في هذا، ووضع الناس في مواضعهم. أما نصيحتي لك مع أقاربك فأولاً: أن تنهج منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الحكمة، ولين الجانب، والمعاملة الطيبة، عل الله أن يهديهم على يديك: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الرسول صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]. فأول وسيلة الصبر والحكمة، فإذا لم تجد هذه وقد صبرت أياماً وأشهراً وفترة وردحاً من الزمن فعليك بالهجر الجميل، والهجر الجميل فعله صلى الله عليه وسلم، وأوصاه الله به، قال ابن تيمية: الهجر الجميل هو الذي لا أذى فيه، لأن في القرآن صبر جميل، وهجر جميل، وصفح جميل. فالهجر الجميل الذي لا أذى فيه، فإذا لم يجد الهجر الجميل فالمقاطعة، لكن بعد أن تبين له بالطرق وبالصبر وبالحكمة، ثم تهجره، فقد يؤثر فيه الهجر كما فعل صلى الله عليه وسلم مع بعض الصحابة، ثم إذا لم يجد هذا فالمقاطعة بشرط أن يكون هذا العمل مما يقاطع عليه كترك الصلاة، أما الذنوب والخطايا التي يقع فيها الناس فعليك بالمناصحة له والصبر عليه، كالغيبة وكاللغو وكالفجور في اليمين، وغيرها من الذنوب التي لا يخلو منها الناس.

علاج الهموم والأحزان

علاج الهموم والأحزان Q انتشرت في هذه الأزمان الأمراض النفسية، وهي تعالج بعلاج مستورد من دول الغرب الفاقدة للعقيدة والإيمان، وفاقد الشيء لا يعطيه، فضيلة الشيخ: الهم والحزن وضيق الصدر هل يمكن معالجته؟ أو ثمة علاج ممكن أن توجه إليه؟ A نعم؛ إذا تيقن كل مسلم -يعيش لهذا الدين، ويستظل بمظلة هذا الدين- أنه لا شفاء ولا نور ولا هداية ولا علاج للمسلم ظاهراً وباطناً إلا في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن يدعي هذه الأمور، أو يظهر الاحتياج إليها فكأنه يقول بلسان حاله: إن في ديننا نقص، إن في كتابنا نقص، إن في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ثلم، وقد أخطأ سواء السبيل، وغلط غلطاً بيناً، بل الشفاء والعلاج في كتاب ربنا وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم. فأما هذا الموضوع بحد ذاته وبعينه وهو موضوع الهم والحزن والغم فقد عالجه القرآن أيما علاج، وذكر الله عز وجل أنه نجَّا موسى من الغم لما دعاه، وأنه نجَّا يونس من الغمِّ والكرب لما ناجاه بقوله: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] ونجا الله كثيراً من المكروبين لما دعوه، والتجئوا إليه، فهو كهف الملتجئين، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {دعاء الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم}. وعند أبي داود عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قال: لا إله إلا الله سبحانك إني كنت من الظالمين -وفي لفظة له: دعوة أخي ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين- ما قالها مهموم إلا فرج الله همه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وفي سنن أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قال: {من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل همّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب} فعلاجنا وعلاج همومنا وغمومنا وأحزاننا وما نجده من كرب ومن زلازل ومحن وفتن، إنما هو القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن إذا أحسن الاستشفاء بالكتاب والسنة من قلب مقبل على الكتاب والسنة، فطلب الشفاء كل الشفاء من القرآن، وعند الترمذي بسند حسن قال: {كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا اهتم: اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك: أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء همي، وذهاب حزني}. فهذه هي البلاسم، وهذه هي العلاجات، وهذا هو الدواء: قراءة القرآن بتدبر، الاستشفاء بالفاتحة، الارتقاء بالمعوذتين وقل هو الله أحد، بهذه الآيات البينات عل الله أن يزيل الهم والغم والحزن: وناد إذا سجدت له اعترافاً كما ناداه ذو النون بن متى وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا فأي علاج عند الخائفين المنكوسين، وأي علاج عند المرتكسين على رءوسهم في الضلالة والعمالة والجهالة، أيطلب الشفاء من المريض! إنما يطلب منهم من هو من أمثالهم وأضرابهم وأشكالهم الذين أعجبوا بهم، فهم يحشرون معهم، {والمرء يحشر مع من أحب} فنحن نسأل الله أن يجعلنا ممن نحبه، ونحب رسوله، وأن يشافينا ويعافينا بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

صحة الحديث: (أنزلوا الناس منازلهم)

صحة الحديث: (أنزلوا الناس منازلهم) Q فضيلة الشيخ حفظك الله: قرأت حديثاً للرسول صلى الله عليه وسلم معناه: {أنزلوا الناس منازلهم} أرجو توضيح مدى صحة هذا الحديث، وإذا صح؛ فهل معناه أن الدين الإسلامي يفرق بين الناس؟ A قوله صلى الله عليه وسلم: {أنزلوا الناس منازلهم} في مقدمة الإمام مسلم للصحيح عن عائشة قالت: {كان صلى الله عليه وسلم ينزل الناس منازلهم} وهذا الحديث رواه أبو داود ووصله، وسنده حسن، فما دام صح هذا الحديث وقبل فمعناه والله أعلم: أي اجعلوا لكل شخص ما يناسبه من التبجيل والإكرام والتقدير والاحترام، وهذا في الآداب والحقوق، وهذا في السلوك لا في المقاضاة، فإنه ليس معنى أن ننزل الناس منازلهم أن يأتي كبير غني وفقير متخاصمان، فننزل ذاك منزلته ونعطيه حق هذا الفقير، هذا إجحاف وهذا مناف لمعنى الحديث، فهذا معناه في الآداب وفي الحقوق العامة، أن نعطي كل إنسان ما يناسبه، فإن بعض الناس يناسبه أن تجلسه في صدر المجلس، وبعضهم لا بأس أن تجلسه في طرف المجلس، وبعضهم يناسبه أن تمشي وتشيعه ماشياً حافياً وأن تقدم حذاءه له لعلمه وجلالته وفضله وتقواه ونبله، فلا بأس بذلك. فإنزال الناس منازلهم إعطاء كل ذي حق حقه، وعند مسلم في كتاب الصدقات: {أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها جاءها فقير فأعطته درهماً، فجاءها رجل أحسن حالاً من الفقير الأول فأعطته ديناراً، فسئلت عن هذا فأجابت: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينزل الناس منازلهم} إذاً: معناه أن نعطي كل إنسان ما يستحق، وأن نتفضل على الناس بما يناسبهم. يقول الإمام الشافعي كما في ترجمته في سير أعلام النبلاء: ما رفعت إنساناً فوق مقامه إلا حطني عن مقامي أو كما قال، فالمقصود: أن نعطي كل ذي حق حقه، لا نجحف ولا نقصر والله ولي الهدى والرشاد.

حكم الفوائد الربوية

حكم الفوائد الربوية Q وضعت مبلغاً في بنك وكانت له فائدة، ومن هذه الفائدة الربوية اشتريت قطعة أرض، ومر عليها أكثر من خمس سنوات فأصبحت قيمتها كبيرة، فما الحكم في هذه الثروة؟ A أولاً كما تعرفون إدخال المال في البنك الربوي لا يجوز، وأخذ الفائدة لا تجوز، وشراء الأرض من الربا لا يجوز، واستثمار مال الربا لا يجوز: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] فالذي أراه أن تتبرع بهذا المال من الفائدة التي دخلت عليك في هذا المال، إما أن تنفقها في وجوهها وأن تبقي على رأس المال: {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279] فالمال الأول الذي أدخلته تعود إليه وتحاسب نفسك حتى تستقر عليه. وأما هذه الفائدة فإنها ربا دخلت عليك بسبيل محرم، فعليك أن تتبرع بها، إما أن تصرفها في المصارف، ويا ليتك تسلم من الذنب، وأما الأجر فما أدري أن في الربا أجراً، وليس في الصدقة من الربا أجر، لكن عليك أن تعود برأس المال وعفا الله عما سلف.

الندم على الذنوب في الكبر

الندم على الذنوب في الكبر Q هناك شيخ إذا مر له موقف من مواقف بدأ يتذكر فعل المعاصي التي فعلها، ويتألم ويتحسر ويلوم نفسه حتى إنه لا ينام أحياناً بسبب هذا التفكير وهذا القلق، وكل هذا بعد أن هداه الله وتاب، فماذا يفعل؟ وبماذا تفسر هذا حفظك الله؟ A أما فعله وماذا يفعل وماذا أوصيه به؛ فأوصيه بالتوبة والاستغفار وأن يندم على ما فات، لكن لا يوصله هذا الندم إلى أن يحرم على نفسه الطعام أو الشراب أو المنام، أو يتلف روحه، فإن الله يغفر الذنب: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. فأوصيك أن تتوب وأن تستغفر، وأن تؤمل في الله الأمل الذي يسرك، فإن الله أفرح بتوبتك من الرجل الذي ظلت راحلته، فوجدها في الصحراء بعد أن كان عليها طعامه وشرابه، واعلم أن الله عز وجل يقبل توبة التائبين، وأن التائب أحب إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من هذا الرجل الذي ظلت منه ناقته بعد أن وجدها، ثم واجبك أن تندم على ما فات، لكن لا يوصلك الندم إلى هذه الدرجة التي تشكو منها، فاعلم أن الله غفور رحيم، وأن رحمته واسعة، وأنه يقبل التوبة ويعفو عن عباده ويعلم ما تفعلون. ثم اعلم أمراً ثانياً: أن الحسنات يذهبن السيئات، فكل سيئة عملتها حاول أن تفعل مكانها حسنة: {وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:22] {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] عسى الله أن يتوب علينا وعليك، وأن يتقبل منا ومنك أحسن ما عملنا، وأن يتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. وعند مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها}. وعند مسلم عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله في اليوم أكثر من سبعين مرة} وفي رواية:: {مائة مرة} فإذا كان هذا رسول البشر صلى الله عليه وسلم، فنحن أهل الذنوب والخطايا، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم: {والله، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون الله، فيغفر لهم} وعند الترمذي: {كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون} تاب الله علينا وعليك وعلى كل مسلم، وتقبلنا فيمن تقبل.

وسائل تقوية الإيمان

وسائل تقوية الإيمان Q عشت فترة من حياتي كنت أحس فيها بلذة الطاعة، وحلاوة الإيمان، وأنس الذكر والمناجاة، إلا أني الآن أحس أن عزمي على الطاعة قد ضعف، وإيماني قد فتر، فبماذا توجهنا وتنصحنا إلى ما يزيد إيماننا ويقويه، ويعيدني إلى حالتي السابقة؟ A لا بد من الاعتراف بتقصير النفس، يقول ابن تيمية رحمه الله فيما نقل عنه ابن القيم في مدارج السالكين: السائر إلى الله يسير بنظرين: نظر في جلال النعمة، ونظر في عيب النفس والعمل، فإذا علمت ذلك فاعلم أنك بشر، وأنك تخطيء وأن السيئة مكتوبة عليك، فأبوك آدم أخطأ ولكنه تاب. (وهذه شنشنة نعرفها من أخزم) (ومن يشابه أبه فما ظلم). فإذا علم ذلك فاعترف لنفسك بالخطأ، ولكن تب إلى الله عز وجل، والفتور هذا لا بد من الاعتراف به فإنه واقع على الناس والأشخاص. ففي صحيح مسلم عن حنظلة بن الربيع الأسيِّدي الكاتب، أنه شكا إلى أبي بكر وقال: نافق حنظلة! قال: مالك؟ قال: نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحدثنا عن الجنة والنار، حتى كأنا نراها رأي العين، فإذا خرجنا من عنده صلى الله عليه وسلم عافسنا الأطفال والضيعات ونسينا كثيراًُ، فقال أبو بكر: وأنا كذلك، فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال: {والذي نفسي بيده، لو تظلمون كما كنتم عندي في الذكر لصافحتكم الملائكة في السكك، ولكن ساعة وساعة}. وعقد النووي باباً على هذا في صحيح مسلم، فقال: باب جواز أخذ بعض الساعات في المباحات، فالفتور هذا وارد، وصح عن ابن مسعود أنه قال: [[إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، فاغتنموها عند إقبالها، وذروها عند إدبارها]] وعن عمر فيما صح عنه قال: [[يا أيها الناس! إذا أقبلت قلوبكم فأكثروا من النوافل، وإذا أدبرت فألزموها الفرائض]]. فإذا عرفت ذلك فاعلم أن هذا الفتور وارد، وله أسباب، وأعظم أسباب الفتور والخمول والكسل هي المعاصي، ما ظهر منها وما بطن، فإنها تودي بالعبد إما إلى موت القلب، وإما إلى قسوة القلب والران، فعليك كلما عصيت أن تتوب، وأن تستغفر، وأن تجدد إيمانك. وعند أبي يعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {جددوا إيمانكم، قالوا: ماذا نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: لا إله إلا الله، فإن الشيطان يقول: أهلكت بني آدم بالسيئات والخطايا، وأهلكوني بالاستغفار ولا إله إلا الله} ثم المباحات تضعف الإيمان كثيراً وتقسي القلب، أعني: الإكثار منها والمبالغة فيها، كالإكثار من الضحك ومن الكلام الذي لا ينفع، والإكثار من الخلطة، والإكثار من النوم، والإكثار من الأكل والشرب، إلى غير ذلك. وأما ما أنصحك به: فعليك بكتاب الله عز وجل، فداو مرضك، وحاول أن تبرئ به سقمك، وحاول أن تستشفي به فإنه نعم الشفاء، ثم مجالسة الإخوان الصالحين وحبهم، وزيارتهم، والقرب منهم، وسماع كلماتهم، ثم بحضور مجالس الخير والدعوة، ثم بكثرة الذكر، بأن تلهج بذكر الله صباح مساء، ثم بتذكر الموت، وأن تزور المقابر، وأن تقرأ الرقائق، وأن تعد العدة للقاء الله، ثم إني أنصحك بمجانبة جلساء السوء، فإنهم ضلال وإنهم والله أعدى من الجرباء، وهم الذين يفقدون الشخص إيمانه ويقينه ودينه وخلقه، نسأل الله أن يثبتنا وإياك وكل مسلم.

وقفة مع كتاب الدعاء المستجاب

وقفة مع كتاب الدعاء المستجاب Q ما رأيك في كتاب الدعاء المستجاب؟ A كتاب الدعاء المستجاب لا أنصح بقراءته، لأن فيه أحاديث لم تصح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، وفيه بعض الأمور التي قيدها بأوقات وبهيئات وبأزمنة لم تصح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، وإنما يتلقى الدين بأذكاره ونوافله وفرائضه وسلوكه وآدابه من المعصوم صلى الله عليه وسلم، وفيما صح غنية وكفاية وشفاء عن هذا الكتاب، فأنصحك يا أخي بكتاب الوابل الصيب لـ ابن القيم، والكلم الطيب، وكتاب الأذكار للنووي، وكتاب الحصن الحصين ولو أن فيه ضعف وهو لـ ابن الجزري، ولكن معه تحفة الذاكرين، فإذا جمعت هذه الكتب وقرأت كتب الأحاديث التي في الذكر والأدعية في الكتب الصحاح والحسان كفاك هذا، وهذا الكتاب لا أنصحك به، لما خلط فيه صاحبه، نسأل الله أن يعفو عنا وعنه.

التوسل بالأعمال الصالحة (1)

التوسل بالأعمال الصالحة (1) في قصص الأولين عبرة، ونحن في هذا الدرس مع قصة من قصص بني إسرائيل، وفيها من العظات والعبر والدروس المتعلقة بالعمل والاعتقاد شيئاً مفيداً، إنها قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار.

فضل مجالس الذكر

فضل مجالس الذكر إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته ومع روضة من رياض الجنة، ومع الحبيب صلى الله عليه وسلم، ومع كلامٍ نقف على أبوابه التي قدَّسها الله وعظَّمها وجعله أسوة وقدوة لمن أراد أن يهتدي وأن يقتدي. من زار بابَك لم تبرح جوارحُه تروي أحاديث ما أوليت من مننِ فالعين عن قرة والكف عن صلة والقلب عن جابر والسمع عن حسنِ الرسول صلى الله عليه وسلم جعله الله مقياساً وميزاناً لمن أراد أن يهتدي وأن يقتدي، وكل من أراد أن يخالف نهجه أو سنته فهو الضلال بعينه، والعالم اليوم -من باب ذكر النعم بين يدي هذا الدرس- عالم مقيت إلا من حفظ الله وعصم، ولذلك يقول جل ذكره: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] إلحادٌ مُزْرٍ، وطغيان وكفر، وبدع تترى، وفواحش تئن منها الأرض إلى السماء، وما هناك إلا ثلة قليلة يعيشون على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذه القلة القليلة أناس قليلون يحبون مجالس رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وأنتم حينما تجلسون في هذا المجلس تحفكم الملائكة، والله يباهي بكم، وكما يقول عطاء بن أبي رباح: [[مجلس واحد يكفِّر سبعين مجلساً من مجالس اللهو واللغو]]. وأي لذة في الحياة؟ أهي اللذة البهيمية التي يعيشها الكافر؟ أهي اللذة الجنسية التي يطمع فيها الملحد؟ لا، إنها لذة الاتصال بالواحد الأحد تبارك وتعالى.

نص حديث الثلاثة النفر

نص حديث الثلاثة النفر درْسُنا هذا يرويه عبد الله بن الفاروق عمر بن الخطاب. نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عموداً ولنستمع إلى الحديث، ثم العرض، ثم الشرح بإذن الله: عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غارٍِ فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة؛ فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه. وقال الآخر: -أي: الثاني- اللهم إنه كان لي ابنة عم، وكانت أحب الناس إليَّ -وفي رواية: كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء- فأردتُها على نفسها فامتنعت مني، حتى ألَمَّت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففَعَلَتْ؛ حتى إذا قدرت عليها -وفي رواية: فلما قعدت عندها- قالت: اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه! فانصرفتُ عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج. وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت له أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين وقال: يا عبد الله، أدِّ إليَّ أجري، فقلتُ: كلُّ ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق أجرك، فقال: يا عبد الله! لا تستهزئ بي، فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون} رواه الشيخان البخاري ومسلم.

عرض إجمالي لقضايا الدرس

عرض إجمالي لقضايا الدرس في هذا الحديث قضايا: أولها: موقفنا من الإسرائيليات. ثانيها: صدق اللجوء وإخلاص الدعاء في الأزمات إلى الواحد الأحد. ثالثها: التوسل بصالح الأعمال، وهل يجوز لك أن تتوسل بصالح العمل. أم لا؟ رابعها: بر الوالدين وما جاء فيه. خامسها: فضل العفة، ومخالفة الهوى، وقصص من قصص الصالحين والأخيار. سادسها: فضل السماحة وأداء الأمانة. سابعها: إثبات كرامات الأولياء ونماذج من ذلك.

من سيرة الراوي عبد الله بن عمر

من سيرة الراوي عبد الله بن عمر هذا الحديث يرويه عبد الله بن عمر، يقول صاحب الكتاب: عن أبي عبد الرحمن، يكنيه، والكنية تعريف وسِمَة، ومن هدي السلف الصالح التكنية، والكنى إكرام للرجل، لذلك يقول الشاعر اليمني: أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقب كذاك أدبت حتى صار من خلقي أني وجدت ملاك الشيمة الأدب والرسول صلى الله عليه وسلم كان يكني أصحابه ولو لم يكن لهم أولاد، فكان يقول للخليفة الأول: يا أبا بكر، ولـ علي: يا أبا الحسن، ولـ عمر: يا أبا حفص، وعثمان رضي الله عنه له كنيتان: أبو عمرو، وأبو محمد. والشاهد أن الكنية جارية، وربما كَنَّى صلى الله عليه وسلم مَن لم يكن له أولاد من أصحابه، فكان يقول لأخي أنس وهو طفل صغير يلعب بنغْر معه: {يا أبا عمير ما فعل النُّغَير؟}.

ابن عمر ورواية الحديث ورؤياه المنامية

ابن عمر ورواية الحديث ورؤياه المنامية وعبد الله بن عمر من أكثر الصحابة رواية، بل هو من الرواة السبعة، ومن أكثر من روى الحديث النبوي عن المصطفى صلى الله عليه وسلم. عاش عبد الله بن عمر في كنف النبوة، وترعرع في رياض السنة، ورتع في مروج العلم النافع الذي ورثه من محمد صلى الله عليه وسلم، عاش زاهداً عابداً مخبتاً داعية إلى الله حنيفاً ولم يكُ من المشركين. أسلم مع أبيه وهاجر الهجرة، وما تزوج إلا بعد أن وصل إلى المدينة، كان أعزب في أول لياليه، فكان ينام في المسجد، فيقول عن نفسه: {كنت أعزب أنام في المسجد، وأرى الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الرؤيا، فتمنيت أن أرى رؤيا في المنام لأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم} وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر التفت إلى أصحابه وقال: هل رأى أحد منكم رؤيا البارحة؟ لأن الرؤيا فيها ما يصدق وفيها ما يكذب، وهي ثلاثة أقسام: رؤيا من الرحمن، ورؤيا من الشيطان، ورؤيا أضغاث أحلام. فأما التي من الرحمن فهي التي من الرجل الصالح، في علم صالح بإذن الله وبشرى خير، فهي من المبشرات. وأما رؤيا الشيطان فهي ما يوعد به الشيطان في المنام من زلازل وفتن ومحن وبأساء وكوارث ومصائب؛ فهذه من الشيطان، ولا تخف منها، ولها علاج. وأما أضغاث الأحلام فهي مجريات الحياة التي تحدث عليك في النهار، كأن ترى الطريق وفيها سيارات تذهب وتجيء، ووقوف عند الإشارة، وأن ترى الناس يخرجون من المدارس، وأن ترى أطفالاً أمامك، وأن ترى بقالات مفتوحة أمامك، هذه مجريات الحياة، ليس فيها أمر زائد ولا ناقص، ولا يتطلب منك الأمر أن تسافر إلى الرياض إلى سماحة العلماء، وتقول: رأيت البارحة كأن سيارة تمشي في الخط وتقف عند الإشارة، فما هي تعبير رؤياي هذه؟ أفتوني مأجورين. فهذه أمور مجريات. والشاهد: أن ابن عمر قال: فتمنيت أن أرى رؤيا، قال: فرأيت في المنام كأني في حديقة خضراء، وكأن عندي قطعة من إستبرق أو من حرير لا أشير إلى مكان إلا أخذتني هذه القطعة إلى ذلك المكان، قال: وإذا برجلين اثنين أخذاني بيدي؛ أحدهما باليمنى والآخر باليسرى، فأخذاني إلى بئر مطوية، لها قرنان -أي: ما يوضع عليها العجلة-، قال: فنظرا إليها فقالا لي: لا ترع لا ترع -وفي لفظ: لَمْ تُرَعْ لَمْ تُرَعْ، أي: لا تخف- قال: فأتيت فذهبت إلى أختي حفصة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا يستطيع ابن عمر من جلالة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن مهابته وعظمته أن يقص عليه الرؤيا؛ لأنه رجل شاب، والشاب دائماً عرضة للخجل والحياء، والرسول صلى الله عليه وسلم ما أخذ هيبته وما أخذ جلالتة بالجبروت؛ لا، فإنه كان أشد الناس تواضعاً وأسهل الناس وأيسرهم، يقف مع الطفل، ومع العجوز، لكن وضع الله عليه من المهابة ما الله به عليم، والشاب من عادته ألا يتجرأ على السؤال والحديث، حتى في الصحيحين يقول ابن عمر: {كنت جالساً مع قوم من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام وقد أتي بِجُمَّار -أي: أتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بِجُمَّار- وهو قلب النخلة الأبيض، فمكث صلى الله عليه وسلم برهة ثم التفت إلى أصحابه، فقال: شجرة لا يسقط ورقها؛ مثلها مثل المؤمن! أخبروني ما هي؟ قال ابن عمر -صاحبنا هذه الليلة-: فوقع في قلبي أنها النخلة، فاستحييت أن أذكرها للرسول صلى الله عليه وسلم وفي القوم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي} هؤلاء الأجلة أهل بدر، وأحد، وأهل منائر الإسلام، وأهل المنابر، وأهل عتاق المذاكي، وأهل السيوف، وأهل قيام الليل، وعلماء الأمة، وحُفَّاظ التاريخ بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فاستحيا أن يتقدم ويقول: هي النخلة، {قال: فوقع الناس في شَجَر البوادي، أحدهم يقول: الطرفاء، وأحد يقول: السمر، وأحد يقول: السلم، وأحد يقول: الطلح، فلما انتهوا قال صلى الله عليه وسلم: هي النخلة، قال: فذهبت إلى البيت مع أبي، فقلت: يا أبتاه! لقد علمت بالشجرة التي حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنها النخلة، فقال عمر: والذي نفسي بيده لوددت أنك أخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن لي بها كذا وكذا، وعَدَّ أموراً وأموالاً من الدنيا} يقول: لماذا تأخرتَ بالجواب وهذا وقت المبارزة، وأريد أن تبدي قوتك وذهنك وفهمك عند الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لكنه استحيا! ونعود إلى رؤياه رضي الله عنه، قال: {فقصصتها على حفصة، فقصتها على الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل} قال نافع مولى ابن عمر تلميذه الكبير: [[فكان ابن عمر لا ينام من الليل إلا قليلاً، حتى إذا سافر في الصحراء كان يصلي ويقول: يا نافع، هل طلع الفجر؟ فأقول: لا، ما طلع، فيعود فيصلي، فيقول: هل طلع؟ فأقول: لا، فيصلي، فإذا قلت: طلع أوتر بركعة ثم صلى الفجر]].

أثر حديث: (كن في الدنيا كأنك غريب) في حياة ابن عمر

أثر حديث: (كن في الدنيا كأنك غريب) في حياة ابن عمر وابن عمر يقول: {نزلت إلى السوق -ولكن رواية البخاري ليس فيها هذه الزيادة- فأخذ صلى الله عليه وسلم بمنكبَيَّ -أي: بمجامع ثيابه من منكبَيه، وفي لفظ: بمنكبِي- فقال: يا عبد الله، كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل}. وكان ابن عمر يقول: [[إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك]]. فبَقِيَت كلمةُ: {كن في الدنيا كأنك غريب} تَرِنُّ في أذنه، فكان من أزهد الصحابة على الإطلاق. رأته عائشة رضي الله عنها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يذهب إلى السوق في بردة لا تساوي عشرة دراهم، فدمعت عيناها وقالت: [[ابن عمر من الذين دفنوا في البرد يوم أحد مع الرسول صلى الله عليه وسلم]] أي: مِن الشهداء. يقول سائل لـ نافع: [[ما هو عمل ابن عمر إذا دخل بيته؟ قال: كان يتوضأ ويقرأ في المصحف، ويتوضأ ويقرأ في المصحف، ويتوضأ ويقرأ في المصحف]]. وابن عمر من الأولياء الكبار وإنما أذكر هذه القصص تربية وأسوة وقدوة؛ علَّ الله أن ينظر إلينا بنظرة خير فيجعلنا ممن أحبهم إذا لم نعمل بعملهم. استمرت به الحياة، وازدحم الناس على الملك بعد مقتل عثمان، وقد كان من المرشحين المرموقين للخلافة، لكنه تركها لحديث: {كن في الدنيا كأنك غريب} رأى الذهب والفضة فما أخذ منه شيئاً لحديث: {كن في الدنيا كأنك غريب} رأى المناصب تبذل إليه فما أخذها لحديث: {كن في الدنيا كأنك غريب} رأى البغال، والشهب، ورأى الخيول المسومة، ورأى اللذائذ، والقصور تشرف عليه من بغداد ودمشق، فتركها يوم فَتَحَ المسلمون الفتوح لحديث: {كن في الدنيا كأنك غريب} كان إذا حج بكى عند المقام ومرغ وجهه بالتراب وقال: [[اللهم إنك تعلم أني ما تركت الدنيا إلا من مخافتك]].

عبد الله بن عمر وابناه: سالم، وعاصم

عبد الله بن عمر وابناه: سالم، وعاصم توفي على أحسن حال رضي الله عنه، وترك لنا عِلماً جماً، وترك لنا ولداً صالحاً باراً عالماً هو سالم بن عبد الله، وكان لا يفارقه أبداً، والعجيب أن سالماً هذا شابَ أكثر من شيب والده عبد الله، فكان ابن عمر إذا التقى به من سفر تعانقا وتباكيا كثيراً، ويقول ابن عمر: [[انظروا للشيخ يُقَبِّل الشيخ]] حتى كان يترك بعض الأسفار ليستقر مع سالم، وكان يترنم ببيت من الشعر يقول: يلومونني في سالم وألومهم وجلدة بين العين والأنف سالم وله أخ اسمه عاصم، استمر في طلب العلم والاستقامة، ثم وافاه الأجل فتوفي، فكان يبكي عليه ويقول: فليت المنايا كن خلفن عاصماً فعشنا جميعاً أو ذهبن بنا معا وأصل البيت: فليت المنايا كن خلفن مالكاً فعشنا جميعاً أو ذهبن بنا معا فحوله إلى عاصم. ومالك المقصود به في البيت هذا مالك بن نويرة، أخو متمم، الذي قُتل في حربه مع خالد، ومتمم هذا كان أعور العين، ومن شعراء العرب، وكان مالك هذا من سادات العرب ومن كبارهم وأجاويدهم، فلما قُتِل بكى عليه أخوه حتى بكت عينه العوراء، وقال أعظم مرثية في تاريخ الإنسان روى الترمذي بسنده عن عطاء قال: وقَفَتْ عائشة على قبر أخيها عبد الرحمن، فبكت طويلاً فاستشهدت بأبيات متمم في أخيه حيث قال: وكنا كندمانَي جذيمة برهة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا وعشنا بخير في الحياة وقبلنا أصاب المنايا رهط كسرى وتُبَّعاً فلما تفرقنا كأني ومالكاً لطول اجتماعٍ لم نبت ليلةً معا إلى أن قال: فليت المنايا كن خلفن مالكاً فعشنا جميعاً أو ذهبن بنا معا وزاد أحدهم بيتاً له: بكت عيني اليمنى فلما زجرتُها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا وكانت من أعظم ما رُثِي به في التاريخ، حتى قال عمر: [[أدخلوا عليَّ متمماً]]؛ لأن عمر أنكر قتل خالد لـ مالك أخيه وقال: [[أبرأ إليك مما صنع خالد، وقال لـ أبي بكر اعزل خالداً، فما فعل أبو بكر وقال: والله لا أغمد سيفاً سله رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن خالداً سيف من سيوف الله]] فلما تولى عمر كان أول مرسوم في خلافته عزل خالد، قيل: لهذه الأسباب، وقيل: لغيرها، فقال: [[أدخلوا عليَّ متمماً، قال: ماذا قلتَ في أخيك؟ فذكر أبياتاً، فبكى عمر حتى رثي له، وقال: يا ليتني كنت شاعراً فأرثي أخي زيداً - الذي مات في اليمامة، وهو زيد بن الخطاب - قال: أسلم قبلي، وهاجر قبلي، واستشهد قبلي]]. الشاهد: أن ابن عمر رضي الله عنه ترك لنا سالم بن عبد الله بن عمر، سالم الزاهد العابد الذي دخل في الحرم يطوف، فدخل سليمان بن عبد الملك الخليفة وقيل: هشام، فطاف فلما رآه الخليفة وحذاؤه في يديه وعليه ثياب وعمامة لا تساوي ثلاثة عشر درهماً، قال: من هذا؟ قالوا: عالم المسلمين، فتقدم إليه وقال: أتريد مني حاجة؟ قال سالم: أما تستحي في بيت الله أن تقول لي هذا الكلام، فلما انتهى وقف له الخليفة ببني أمية وبالوزراء الذين معه والجيش حتى خرج، فقال: سألتك هل لك حاجة في الحرم فأخبرتني أن لا، فهل لك حاجة؟ قال: أمن حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ قال: بل من حوائج الدنيا، قال: أما الدنيا فوالله ما سألتها من الذي يملكها سبحانه فكيف أسألها منك؟! ولذلك يقولون: مات سالم بعين من هشام بن عبد الملك كما ذكر الذهبي أنه عانه هشام حيث نظر إليه وكان عليه أبهة العبادة، وجمال قيام الليل والحسن، فقال: يا سالم، أتأكل اللحم؟ قال: آكله في الأسبوع مرتين، قيل: فعانه فقتله، قال أهل المدينة: [[لا بارك الله في هشام أخذ أبناءنا إلى الثغور فقُتلوا، وقَتل عالمنا بعينه]]. وقد ذكرتُ هذا الأجل الرؤيا الخيرة، حتى أن البخاري كتب كتاب الرؤيا وذكر فيه أكثر من أربعين حديثاً.

استطراد مع أبي دلامة

استطراد مع أبي دلامة دخل أبو دلامة على أبي جعفر المنصور وقال: يا أمير المؤمنين! قال: نعم، قال: رأيت في البارحة أني قبَّلت رأسك وأعطيتني ألف دينار! قال أبو جعفر: أما التقبيل فأنا أؤوله لك، وأما الألف دينار فلا أفعله. قال: لا والله هي حاجتان لا بد منهما، قال أبو جعفر: فوالله لا أتركك تقبل رأسي أبداً، قال: اعطني ألف دينار وسامحك الله في التقبيل. وهذا من الكذب في الرؤيا، وإلا فيمكن أنه ما رأى، والله أعلم، ولكن حصل على ألف دينار. وأبو دلامة -للمناسبة- دخل على الخليفة المهدي بن أبي جعفر، فقال له الخليفة: آذيتنا بحوائجك دائماً -أي: دائماً تسأل: أعطوني مالاً، أعطوني خيلاً، أعطوني كذا، آذيتنا دائماً- فقال: يا أمير المؤمنين! والله لا أسألك إلا حاجة سهلة، قال: ما هي؟ قال: أعطني كلباً للصيد، قال: أعطوه كلباً، قال: وأعطني خادماً، إذا صاد الكلب الصيد يمسك الصيد، قال: أعطوه خادماً قال: وفرساً أحمل عليه الصيد، قال: أعطوه فرساً، قال: وداراً أطبخ فيها الصيد!!

بنو إسرائيل في القرآن والسنة

بنو إسرائيل في القرآن والسنة حديث درسنا من الإسرائيليات عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه إذا قال: (كان فيمن كان قبلكم) فالغالب أنه من بني إسرائيل، لما قال صلى الله عليه وسلم: {لتتبعن سَنَنَ من كان قبلكم، أو سُنَنَ من كان قبلكم حذو القذة بالقذة الحديث، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال فمن وفي رواية صحيحة: ومَن الناسُ إلاَّ هم} فكان الغالب في حديثه صلى الله عليه وسلم إذا قال: (كان فيمن كان قبلكم) أن يعني به بني إسرائيل.

أسباب كثرة الحديث عن بني إسرائيل

أسباب كثرة الحديث عن بني إسرائيل وبنو إسرائيل أخذوا قطاعاً كبيراً في القرآن والسنة، وأنت تقرأ سورة البقرة يتكرر فيها: يا بني إسرائيل، يا بني إسرائيل، يا بني إسرائيل، لماذا؟ لثلاثة أسباب: أولها: لكثرة بني إسرائيل؛ فإنهم الأمة الثانية في الترتيب في العدد بعد أمة محمد صلى الله عليه وسلم. الثاني: لأن موسى نبي الدعوة والرسالة، عاش صراعاً عالمياً مع فرعون. ثالثاً: أنهم أهل مخالفه، وأهل لعنة، وأهل إعراض وبُعد؛ فكأن القائل يقول: إياكِ أعني واسمعي يا جاره!! ومصائب قوم عند قوم فوائد!!

موقفنا من الإسرائيليات

موقفنا من الإسرائيليات موقفنا من الإسرائيليات نحن -المسلمين- تُقسَّم الإسرائيليات عندنا إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما كان في كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فهذا تحصيل حاصل، مثل: الأمر بتقوى الله، كتحليل الحلال وتحريم الحرام. القسم الثاني: ما يخالف كتابنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فهذا نضرب به عُرض الحائط، ونرده رداً تاماً، ولا نقبل منه ولو ذرة. القسم الثالث: ما لا يخالف ولا يوافق، إنما هو أعاجيب وقصص وأخبار. بهذا نحدث عن بني إسرائيل، ونذكرها للعبرة بين يدي الناس؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: {حدثوا عن بني إسرائيل ولاحرج} حديث صحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: {إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم} ومعنى ذلك: ما لم يخالف كتاب ربنا أو سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن وافق قبلناه، وإن خالف رددناه، وإن لم يكن مخالفاً ولا موافقاً روينا وسكتنا، كأن نحدث أن فيهم قوماً ذهبوا في الدهر، وأنهم هلكوا، أو أن فيهم رجلاً صالحاً تعبَّد في جزيرة من الجزر، وأن فيهم قوماً استقاموا على منهج الله، وأن فيهم قوماً فسقوا فأهلكهم الله، هذه عبر، فنحدث ولا حرج هذا موقفنا من الإسرائيليات. وابن كثير ذكر موقف أهل العلم من الإسرائيليات في أول تفسيره؛ ولكنه رحمه الله رحمة واسعة نسي هذا المنهج لَمَّا بدأ في التفسير، فأورد كثيراً من الإسرائيليات، ويعذره جلالته في الإسلام، وحسن نيته رحمه الله، ولكن يُتَنَبَّه لذلك، واعلموا أن أحسن تفسير على الدنيا وعلى وجه الأرض الآن هو: تفسير ابن كثير، يقول الشوكاني في البدر الطالع: ما على وجه الأرض أحسن من تفسير ابن كثير وقال السيوطي: لا أعلم في التفاسير أحسن منه فكيف بمثله. ونبهت على هذا لأنها قد تصادفكم أو صادفتكم كثيراً في تفسير ابن كثير الذي نهج نهجاًَ سديداً، وقعَّد قواعد في أول التفسير، لكنه نسي كثيراً من هذه القواعد لما كتب.

ضرورة الالتجاء إلى الله

ضرورة الالتجاء إلى الله الحديث: يقول عليه الصلاة والسلام، وهو يقص علينا: انطلق ثلاثة نفر النفر: يطلق على المجموعة وعلى الأفراد، والثلاثة فما أكثر يسمى: نفر، وقوله صلى الله عليه وسلم: من بني إسرائيل، حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه الغار: الكهف، قال تعالى: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً} [الكهف:16] ولذلك يقولون: الأحبة في الغار أحسن من المتباغضين في الأقطار، أي: في أوسع حال، ولذلك قيل: (سَمُّ الخياط مع الأحباب ميدان) لو دخلت أنت والحبيب في سَمِّ الخياط لَوَسِعَكما، ولو دخلت مع البغيض في الأرض لضاقت بكما، إنما الضيق ضيق القلوب، والشاهد: دخول هؤلاء الغار، وقوله: فانحدرت صخرة من الجبل -في روايات في غير الصحيح: فأمطرت السماء، فالتجئوا إلى الغار- فانحدرت عليهم صخرة فسدت عليهم الغار.

الضوائق تلجئ المرء إلى الله

الضوائق تلجئُ المرءَ إلى الله أصبحوا في ضائقة، واشتدت عليهم الأزمات، العبدُ قد يشرك في السعة، وقد يكفر؛ لكن إذا ضاقت عليه الضوائق لا يلتجئ إلا إلى الله. يا واهب الآمال أنـ ـت منعتني وحميتني وعدى الظلوم علي كي يجتاحني فنصرتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني يقول حصين بن عبيد لما أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد سأله الرسول صلى الله عليه وسلم: {كم تعبد؟ قال: سبعة، قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: مَنْ لِرَغَبِكَ ولِرَهَبِكَ؟ -أي: لشدة الضوائق والشدائد- قال: الذي في السماء، قال: فاترك التي في الأرض واعبد الذي في السماء}. قال ابن قتيبة: أجمع العقلاء على أن جميع البشر إذا اشتدت بهم الضوائق التجئوا إلى الله، حتى الكافر الملحد، وتجدون هذا في كتب الملحدين الذين أسلموا وكانوا على هذا النهج، مثل كتاب: رأيتُ الله، للملحد الذي أسلم، ومثل كتاب: أين الله؟، ومثل كثير من الكتب، بل القواعد التي ذكرها دايل كارنيجي في كتاب دع القلق وابدأ الحياة، لا يتعرفون على الله إلا في الضوائق، وإذا دخلوا البحر وضاقت بهم الضائقة واضطربت السفينة من تلاطم الأمواج، وأتى الموت من كل مكان، وازدحمت عليهم الأهوال، وضاقت بهم الدنيا، فيتذكرون الأطفال والأزواج والأموال، فيلتجئون إلى الله، قال الله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65] ولذلك أمرنا الله أن نلتجئ إليه في وقت الضوائق؛ فإنه هو الذي ينجي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الذي يقول وقت ازدحام المعركة وتلاقي السيوف والرماح: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45]. يقول ابن القيم: سُئِلَ ابن تيمية عن هذا: كيف يُذَكِّرُنا الله وقت الأزمة بذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى والقلوب مشغولة بالحرب والقتل؟ قال ابن تيمية: إن العرب تعودوا على أن المحبين لا يذكرون محبيهم إلا في الأزمات، فأراد الله أن يذكرهم بمحبوبهم هذا. ولذلك يقول عنترة وهو في المعركة والسيف على رأسه والرمح على رقبته؛ يقول لمحبوبته: ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم فأراد الله أن يردهم إليه في هذه الأزمة. قال: {فدخلوا في الغار فانطبقت عليهم الصخرة فسدت عليهم الغار}: الآن ضاقت بهم الضوائق، فلا خبر ولا اتصال، ولا يوجد من ينجدهم، ولو كانوا في قرية لصاحوا حتى يسمعهم الناس؛ فقالوا: الآن أتى الصدق وذهب الكذب فقالوا: {لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم}.

الالتجاء ينفع من عرف الله في الرخاء

الالتجاء ينفع مَن عرف الله في الرخاء والإنسان إذا ضاقت عليه الضوائق يراجع حسابه مع الله عز وجل؛ فهذا يونس بن متى عليه السلام ذهب مغاضباً، يقول الله عز وجل: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء:87] فإنه لما ركب في السفينة اسْتَهَمَ معه أهل السفينة؛ وذلك حين تغير مسارها، وهبت عليهم الريح، وقال قائد السفينة: إن معنا رجلاً مشئوماً أتى بمعصية، ولا يمكن أن تنجو السفينة وهو فيها، حتى قواد السفن يعرفون أنه لا تتعكر مسيرتهم إلا بالذنوب. كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله فاستَهَمُوا على أن من تأتي عليه القرعة رمي به في البحر وسط الليل يونس عليه السلام نبي من الأنبياء، أرسله الله إلى مائة ألف أو يزيدون، ركب معهم فاستَهَمُوا فوقعت فيه القرعة، قالوا: قد تكون خطأ، أعيدوا مرة ثانية، فأعادوا فوقعت فيه، فأعادوا فوقعت فيه ثالثة، فأخذوا بثيابه وشحمه ولحمه ودمه وعصبه وألقوه في البحر. انظر إلى هذه الرفقة والصحبة ما أحسنها! لا حبال، ولا أخ، ولا اتصال، ولا وصية، ولا شيء، فوقع وسط البحر، وسط الليل، وليته حين رُمي كان قريباً من الشاطئ حتى يسبح، أو في النهار حتى تراه سفينة أخرى أو قارب، ولكن في انقطاع لا يعلمه إلا الله، ولما وقع تلقته بحفظ الله ورعايته سمكة فابتلعته في ظلمة البحر وفي ظلمة الليل وفي ظلمة بطن الحوت، فإلى من يلتجئ؟ إلى الإخوان والأقارب والعشيرة؟ لا. إنما يلجأ إلى الله، فأول ما وقع قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]. وقد ورد في أثر إسرائيلي قالوا: فسمعت الملائكة قوله: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] فبكت، وقالت: يا رب! صوت معروف من عبد معروف. قال: ما عليكم، هذا عبدي كان يسبحني في الرخاء، وعزتي وجلالي لأنجينه. ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144] أي: رصيده طيب، أعماله في الرخاء طيبة معنا، كان معنا في السعة ووقت السرور والحبور مطيعاً لله عز وجل، لكن بعض العصاة لا يذكر الله عز وجل إلا في الأزمات، إذا أتاه حادث سيارة أو أحس أن الطائرة سوف تتحطم في الجو قال: لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين. لكن إذا نزل الأرض لعب بالوَتَر، وبالكأس، ومارس المجون والخلاعة، يسمع الأذان وكأن بينه وبينه ألفَ رامٍ، ولا يلقي للإسلام ولا للدين ولا للصالحين ولا للقرآن بالاً، لكن إذا رأى الشدة رجع إلى الله عز وجل، وهذا مثله مثل فرعون؛ أفجر فاجر، وأطغى طاغية، وأحمق إنسان على وجه الأرض، ادعى الألوهية، استحيا كثير من الملاحدة أن يدعوا الألوهية إلا هو، قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] يقول ابن الجوزي: اغتر فرعون بنهر ما أجراه. ما أجرأه! يقول: اغتر لما رأى النهر، والمعنى: أنه ما أجرى النهر، وما أجرأه على الله عز وجل! ولذلك لما وقع في الهلاك قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90] انظر إلى هذا المؤمن، لطخ صحائفه السوداء وألحد في دين الله ثم آمن بالله، قال الله عز وجل: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91]. إذاً: هؤلاء كان لهم أعمال صالحة، لم يقولوا لَمَّا دخلوا الغار وانطبقت عليهم الصخرة كلٌّ منكم يحدث ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بمواصفاته في الحياة، فيأتي الأول فيقول: اللهم إني فلان بن فلان وابن فلانة بنت فلان، ومن آل فلان أهل الكرم والجود، وأهل الشجاعة والمجد والشَّيَم، الذين شاركوا في المعارك، وتولوا المناصب، ولم يأتِ الآخر فيقول: إني ابن الغني صاحب رأس المال الفلاني، صاحب السيارات، والعقارات، والدور، وقلة الحياء، لا. بل أتوا إلى الأعمال الصالحة، سواء أكانوا أحراراً أم عبيداً، سواء أكانوا سوداً أو حمراً أو بيضاً؛ لأن الألوان عند الله ليست مقياساً، ومعمل ألوانه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يوم القيامة: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. بلال سيد من السادات، قصره كالربابة البيضاء، يمشي في الجو، في سماء الجنة، وأبو طالب وأبو لهب في نار تلظى {لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل:15] هذا ميزان الله عز وجل. قال: {فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم}: ولم يقولوا: بأعمالكم؛ لأن فيها خيراً وشراً، ولكن ادعوا الله بصالح الأعمال.

صدق اللجوء وحرارة الدعاء

صدق اللجوء وحرارة الدعاء المسألة الثانية: وقبل ذلك صدق اللجوء إلى الله، إذا ضاقت بك الضوائق فاصدق مع الله عز وجل، وقد ذكر أهل العلم قصصاً عجيبة لمن صدق اللجأ إلى الله في وقت الأزمات، والقصص في ذلك معروفة مشهورة، ذكر ابن القيم شيئاً منها في الجواب الكافي. فلا بد من اللجوء إلى الله عز وجل بالدعاء بحرارة، ومن ذلك: قال علي بن أبي طالب: ما من أحدٍ ليلة بدر إلا نائم إلا الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي ويبكي ويدعو، ويوم اصطف الجمعان والتحم الفريقان؛ وقف عليه الصلاة والسلام بصدق اللجأ إلى الله الحي القيوم يدعو حتى سقطت بردته من على منكبيه، فأخذها أبو بكر وأعادها عليه، وقال: هون مناشدتك ربك يا رسول الله، إن الله منجز لك ما وعد، والرسول صلى الله عليه وسلم أعلم بربه، ويعلم أنه لا يأتي النصر ولا الكرامة ولا الفتح إلا بصدق اللجأ، فكان يقول: يا رب! إن تُهلِك هذه العصابة فلن تُعبَد بعد اليوم، حتى نصره الله. وفي الغار يوم دخل مع أبي بكر كان صادقاً في اللجوء إلى الله فنجاه الله، كان الكافر يأتي فيطلع على سطح الغار حتى يقول أبو بكر: {يا رسول الله، والله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا، فيتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: ما ظنك باثنين الله ثالثهما} ويأتون جماعات وأسراباً يريدون دخول فم الغار فيجدون بيت العنكبوت وعش الحمامة على فم الغار، فيقولون: ما دخلوا هنا! ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تَحُم عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطَم

أنواع التوسل وحكمها

أنواع التوسل وحكمها المسألة الثالثة: التوسل بالأعمال، يقولون: تعالوا ندعوا الله بصالح أعمالنا، فهل لك أن تدعو الله بصالح عملك؟ وهل لك أن تتوسل بأمور أخرى هي من الصلاح؛ كأن تقول: اللهم إني أتوسل إليك بهذا المصحف، أو تأتي إلى كتاب فتح الباري وتقول: اللهم إني أتوسل إليك بكتاب فتح الباري لـ ابن حجر العسقلاني، أو بـ رياض الصالحين، أو بهذا المسجد، فتقول: اللهم إني أتوسل إليك بمسجد أبي بكر الصديق الذي صلى فيه المسلمون وذكرك فيه الذاكرون فاغفر لي، أو تقول: أتوسل إليك بالرسول عليه الصلاة والسلام فاغفر لي، أو بـ المدينة أو بـ مكة، أو بـ قبرص هل يجوز هذا أم لا؟ وهل يجوز لك أن تأتي وتقول: اللهم إني أتوسل إليك أني أذكرك وأسبحك وأصوم لك، وأتوسل إليك بطاعتي، واتباعي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم؟ هذه فيها تفصيل سيأتي.

التوسل بالأعمال الصالحة

التوسل بالأعمال الصالحة أما التوسل بصالح العمل فعليه كبار الأئمة من المحدثين والمحققين، وعلى رأسهم العلم الكبير شيخ الإسلام ابن تيمية، فلك أن تتوسل بصالح العمل، وهو من الذي تؤجر عليه، فلك أن تقول: اللهم إنك تعلم أني فعلت كذا يوم كذا لمرضاتك، اللهم إنك تعلم أني صليت في الليلة الفلانية من ذاك التاريخ ركعتين من جوف الليل لا أريد إلا وجهك فاغفرلي ذنوبي، هذا بصالح العمل فتوسل، وعليه حديث: {اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعةًَ، خرجت اجتناب سخطك وابتغاء مرضاتك فاغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت} ولكنه ضعيف في سنده عطية بن سعيد العوفي، وابن تيمية ضعفه، ولكنه شرحه على فرض صحته فقال: هذا التوسل بصالح العمل، فأنت تتوسل بحق السائلين؛ فإن للسائلين على الله حقاً إن شاء تَرَكَهم وإن شاء أعطاهم.

التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو على قسمين: الأول: التوسل باتباعه وهو صحيح، لك أن تقول: اللهم إنك تعلم أني أعمل بسنة نبيك عليه الصلاة والسلام فاغفر لي. الثاني: التوسل بذاته، وهو لا يجوز، لا تأتي إلى قبره وتقول: اللهم إني أتوسل إليك بالنبي فاغفر لي، أو أتوسل إليك به أن تغيثنا أو تمطرنا هذا اليوم؛ فهذا لم يفعله الصحابة، وهو أمر محدث وشُعبة من الشرك لا يجوز. وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قحط الناس في عهده، والرسول صلى الله عليه وسلم مدفون عندهم في الروضة فما توسل به، فلو كان التوسل به عليه الصلاة والسلام جائز لأتى عمر إلى قبره صلى الله عليه وسلم، لكن أتى بـ العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: [[اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك برسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: في حياته- يدعوه صلى الله عليه وسلم فيغيثهم- وقد مات، اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبينا العباس فاسقنا يا رب، فدعا العباس فسقاهم الله]] فهذا هو الصحيح.

التوسل بذات الشيء

التوسل بذات الشيء أما التوسل بشيء لذات الشيء فلا يجوز هذا، وهو من باب الشرك، كما قال الله عن الكفار: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] وهذا منهج الشرك، فإنهم ما عبدوا الأصنام لذاتها، ولكن قالوا: يقربوننا إلى الله زلفى، فنتوسل بهم إلى الله ليرفعوا حوائجنا إليه، وليكونوا واسطة بيننا وبين الله، وهذا هو الشرك بعينه فالتوسل بالأعمال الصالحة يجوز، أما بغير ذلك من الذوات فلا يجوز ولو بذات الرسول صلى الله عليه وسلم. وبعض الناس يبلغ من ولاية الله عز وجل أن يقسم على الله قسماً فيبر الله قسمه، يقول عليه الصلاة والسلام: {إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره} ويقول: {رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء ابن مالك/ p> } حتى كان يقسم على الله فيبر الله قسمه، لما التقى المسلمون في تستر مع الكفار، وكان القائد أبو موسى، قالوا: [[يا براء نسألك بالله أن تقسم على ربك أن ينصرنا هذا اليوم، فاغتسل وتحنط وتكفن وأخذ سيفه وقال: يا رب أقسم عليك أن تنصرنا هذا اليوم وأن تجعلني أول شهيد]] فكان أول شهيد وانتصر الجيش. فهذا بلغ في الولاية أن يقسم على ربه فيبر الله عز وجل قسمه.

حديث الثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة

حديث الثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة

بر الوالدين في حديث أصحاب الغار

بر الوالدين في حديث أصحاب الغار قال صلى الله عليه وسلم: {فإنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، قال رجل منهم -وهو الأول-: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران}: الشيخان معروف أنهما كبيران لكن من باب التأكيد، أو من باب عطف المترادفات في الكلام، وإلا فكل شيخ كبير، والمشهور عندنا أن الشيخ شيخ العلم، لكن المشهور في لغة العرب أنه الكبير في السن، قال الشاعر: زعمتني شيخاً ولست بشيخ إنما الشيخ من يدب دبيبا فالشاعر: ينفي التهمة عن نفسه، والمعنى أن زوجته تقول إنه شيخ وهو لا يريد أن يكون شيخاً، لأن العرب يجدون في الشيبوبة عند النساء وصمة ولذلك يقول: عيَّرَتْنِي بالشيب وهو وقار وليتها عيرت بما هو عار وفي القرآن: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23] وكأن إيراد كلمة (كبيران) هنا لفائدة؛ لأنه لو قال شيخ وسكت لتُوُهِّم أنه شيخ نسبي إضافي، أي دخل في الشيخوخة، وليس كبيراً في السن. قال {كان لي أبوان شيخان كبيران}: أي: كنت أعلم أنهما في الشيخوخة وأنهما لم يكونا صغيرين؛ لأن بعض الأبناء يبر والديه خوفاً منهما لا خوفاً من الله، ولا لطلب الحسنات؛ فهذا يقول: أنا ما خفت من والديَّ، فهما شيخان كبيران لا يستطيعان أن يضرباني أو يعضاني أو يمسكاني ويضرباني. وقوله: {وكنت لا أغبق}: الغبوق هو: شرب اللبن، آخر النهار، والصبوح شربه بعد الفجر. وأما قول الشاعر: ألا هبي بصحنك فاصبحينا ولا تبقي خمور الأندلينا فاصبحينا معناه: أعطينا الخمر، ولكن هنا في اللبن وشرب آخر النهار منه يسمى غبوقاً. قال: {اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً}: أي: أنت تعلم أني كنت آتي باللبن في آخر النهار فما أقدم على والديَّ أحداًَ من أهلي ولا مالي، والمقصود في الحديث بالمال: الرقيق، ويدخل فيها حتى من يشرب اللبن ممن يقبل شرب اللبن، ولكن المقصود هنا الرقيق. قال: {فنأى بي طلب الشجر} يعني: كنت أرعى الغنم، وأبحث عن الشجر للغنم حتى تأخرت عن العودة في المساء. قال: {فلم أُرِِحْ}: ويجوز أن تقول: أَرُحْ، والرواح في آخر النهار، والغدو في أول النهار، ويجوز أن يكون في أول النهار، يقول عليه الصلاة والسلام: {من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح} فالغدو معناه: الذهاب إلى الشيء، والرواح: الرجوع من الشيء، وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل:6] لكن الرواح هنا المقصود به: آخر النهار، ومن هنا فإن الإمام مالكاً يرى أن ساعات الذهاب إلى الجمعة تبدأ من بعد الزوال، وفي المسألة خلاف، فغيره من أهل العلم قالوا: لا، قد يطلق الرواح على الذهاب والغدو إلى الشيء. قال: {فلم أَرُحْ عليهما حتى ناما}. رجع بإبله فحلب فأتى بالإناء فوجد الشيخين الكبيرين (الوالدين) نائمين -وانظر إلى اللطافة- ما أيقظهما لأنه خاف أن يعكر عليهما النوم، وليس بعد هذا البر من بر، ولا بعد هذا الإحسان من إحسان، وهذا ما فعله كثير من الصحابة وكثير من السلف؛ كان الواحد منهم يأخذ الماء لوالده فيقف حتى يستيقظ والده، وكان بعضهم يحمي الماء لوالده في شدة الشتاء فإذا استيقظ الوالد قدم له الإناء ليتوضأ، هذا هو البر. قال: {فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما، حتى برق الفجر والصبية يتضاغَون عند قدمي} أطفاله يتضاغون عند قدمه من الجوع، ويتلمظون من الحسرة والضنى فما أشربهما وما أيقظ والديه {فاستيقظا فشربا غبوقهما؛ اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك}: هذا هو الشاهد، أي: إن كان إخلاصاً لا رياءً ولا سمعة، فإن بعض الناس يفعل بعض البر رياء وسمعة، يأتي والمجلس مجتمع والناس حضور؛ فيأتي يصب القهوة فيبدأ بأبيه فيقول الناس: ما شاء الله ما أبره بأبيه! أو يدخل المجلس أمام الناس فيبدأ بأبيه فيقبل يديه ورأسه، ولكن إذا خرجوا أعطى والديه يديه، فهو أمام الناس بار وفي الخفاء من أجفى الجفاة. قال: {ابتغاء وجهك} أي: لا لطلب السمعة ولا الرياء {ففرِّج عنا ما نحن فيه} أي: من الصخرة؛ فانفرجت شيئاً -أي: قدر الثلث وبقي ثلثان- فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه. تصور المشهد حين ينتهي من الدعاء فتتحرك الصخرة قليلاً؛ كيف تكون مشاعرهم وقلوبهم يوم اتصلت بالواحد الأحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وبدأ الإخلاص معهم! وهذا من كرامات الأولياء التي سوف أذكرها.

مراقبة الله في السر

مراقبة الله في السر تقدم الثاني وقال: اللهم إنه كان لي ابنة عم ذكر من حسنها وجمالها وأنه راودها عن نفسها فأبت وامتنعت بحفظ الله ورعايته، وهذا من علامات الصلاح، لكن تغيرت حالها وعضَّها الفقر، والفقر قد يودي ببعض العباد إلى الفاحشة والعياذ بالله، ولذلك كان يقول صلى الله عليه وسلم: {اللهم إني أعوذ بك من غنىً يطغي ومن فقرٍ ينسي} والغنى يطغي كثيراً من الناس، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6 - 7] بعض الناس إذا استغنى طغى وبغى حتى ما كأنه بالإنسان الذي كان يجلس على التراب ولا يجد كسرة الخبز، فقد صار لا ينظر إلى الناس ولا يرد السلام، ولا يصافح، وإذا جلس تكلم بكلام الجبابرة، كأنه من نسل فرعون وقارون وهامان؛ لأن عنده شيئاً من المال، والعقارات، والسيارات؛ فيطغى. وبعض الناس تصل به درجة الفقر إلى أن ينسى الله عز وجل، وبعض الإلحاد في بعض الناس سَبَبُه الفقر، ولذلك تعوذ النبي بالله من الغنى المطغي ومن الفقر المنسي. وبعض الناس يفهم أن معنى الاستقامة أن تكون فقيراً ممزق الثياب، ولا تجد كسرة خبز، هذا قد يوصل بعض الناس إلى الإلحاد، ومن ذلك: ابن الراوندي، خبيث معثَّر، من الفلاسفة المحسوبين على الإسلام، كان فقيراً لا يجد كسرة الخبز، يقولون: بحث عن كسرة خبز فأخذ يأكلها على نهر دجلة، فمر أحد الخدم معه من الأموال ما لا يعلمه إلا الله، فرأى الخادم معه الأموال من الإبل والخيول والبقر والعبيد فنظر إلى السماء وقال: هذه قسمة ضيزى، ثم أخذ الكسرة وضرب بها نهر دجلة وقال: أنا ابن الراوندي من أذكياء الدنيا، وهذا الخادم تعطيه ولا تعطيني! يقول الذهبي لما ترجم له: الكلب المعثَّر يعترض على رب العزة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في قضائه بسبب الفقر. والإلحاد مرض ينخر في جسمه، ولذلك دخل الإلحاد في الأمم الفقيرة، وماركس ولينين وهرتزل أهل الإلحاد ومؤسسو دول العناد والفجور والطاغوت أول ما أتوا إلى الأمم الفقيرة، دخلوا إلى الفقراء بالغنى مع الإلحاد، وكان مركبهم مركب الاقتصاد، وأفريقيا الآن بهذا الأسلوب، النصارى لا يبشرون -ينصرون- إلا بالمال، والأمم الشيوعية الكافرة لا يدخلون إلا بهذا، وقد دخلوا في أمم وشعوب تعرفونها أنتم بسبب الفقر، ولذلك فإن من دعاياتهم: هل تريد إيصال الغاز إلى بيتك؟ هل تريد مد الأنابيب للماء؟ هل تريد الراحة المريحة؟ هل تريد إدخال الثلاجة، والسخانة، والسيارة وكذا؟ لافتاتهم هكذا، ولما دخلوا إلى الشعوب امتصوا خيراتها. فالشاهد: أن الكفار ركبوا مركب الاقتصاد، فلما انتهى دخلوا بمركب الحداثة، والحداثيون وما أدراك ما الحداثيون! يأتي أحدهم بطلاسم ويقول: نلغي كل قديم، ومعناه إلغاء الكتاب والسنة، وهذا له كلام طويل وقد سمعتم ما فيه الكفاية وقرأتم عنه كذلك. قال: فلما عضتها السنة أي: الفقر، أتى بمائة وعشرين ديناراً فوضعها بين يديها، فمكنته من نفسها، فلما تمكن ذكر موعود الله ولقاءه والعرض بين يديه.

يوسف عليه السلام ومراقبته لله

يوسف عليه السلام ومراقبته لله وهذا كموقف يوسف عليه السلام، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: تأملت كيف رفع الله يوسف! وذلك بأمور: الأمر الأول: أنه كان شاباً، والشاب صاحب جموح وطموح في الشهوة. الأمر الثاني: أنه كان غريباً، والغريب لا يخشى من العار كثيراً؛ لأنه ليس صاحب بلد، سافر إلى مصر ولا يعرفه أحد في مصر، ومن يدري أنه ابن يعقوب، وأنه زنى؟! الأمر الثالث: أنه في بيت ملكة، والملكة تستطيع -لو حُكِمَ عليه- أن تقول: لا. هذا المرسوم خطأ مرفوض لا يمكن أن يجري عليه شيء، هذا رجل طاهر أطهر من حمام الحرم ومن ماء الغمام. الأمر الرابع: أنها جميلة، فما عرضت نفسها لأنها متبذلة أو أن وجهها مثل قفاها، لا. بل لأنها جميلة. الأمر الخامس: أنها هي التي تزينت ودعته إلى ذلك. وذكر ذلك ابن تيمية وابن القيم في مدارج السالكين وقال: رفع الله يوسف بهذه الأمور الكثيرة، فلما وقع في هذا المأزق ذكر عظمة الله، يقول الله عز وجل {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24] بعض المفسرين يقولون: هَمَّ أن يتركها، ولكن هذا خلاف ما في السير وخلاف ما يفهم من الآية، يقول الله وجل {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف:24] فلو هَمَّ أن يتركها لَمَا ذكر الله عز وجل هذا الهم؛ لكنه أراد وخاطرته النية فذكر موعود الله، كما قال الله: {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24] وبرهان ربه، قيل: إنه رأى يعقوب عليه السلام عاضاً بإصبعه، وقيل: رأى جبريل له ستمائة جناح، وقالوا: رأى الجنة ورأى النار، ولكن الصحيح: أنه واعظ الله في قلب كل مؤمن، بقية إشعاع الإيمان وقوته تحركت في قلبه، وهو برهان ربه، فانتهى فرفع الله مكانه، وأغدق عليه من الثناء، وملَّكه الدنيا.

الخوف والمراقبة عند مسلم بن يسار

الخوف والمراقبة عند مسلم بن يسار ذكر صاحب حلية الأولياء في ترجمة مسلم بن يسار: أنه خرج إلى مكة حاجاً أو معتمراً، وكان من أجمل الناس، ولكنه كان من أولياء الله ومن العباد والأخيار، فعرضت له فتاة في طريق مكة إلى المدينة من أجمل النساء، ودعته إلى نفسها، ففر منها إلى واد آخر، ولحقه رفيقه وصاحبه وأتاه فإذا هو يبكي، قال: [[ما لك؟ قال: أصبت بمصيبة، فسأله بالله أن يخبره، فقال: دعتني امرأة اليوم إلى نفسي فأبيت، قال: آجرك الله، قدوتك يوسف عليه السلام، وهينئاً لك أنك امتنعت، فلما حج وطاف ثم صلى عند المقام ركعتين ثم أخذت به عينه فنام، فرأى يوسف عليه السلام يطوف فقال: من أنت؟ قال: أنا يوسف الذي هَمَمْتُ وأنت مسلم بن يسار الذي لم تَهم]] هذه من القصص التي وردت عن الصالحين والأخيار، وإلا فمقام يوسف أعلى وأشرف وأعظم وأجل، إلى غير ذلك ممن يحفظ الله في الخلوة، ولذلك أكبر الحظوظ مع الله عز وجل أن تحفظه في الخفاء سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك يقول أبو نواس فيما ينسب إليه: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب والأندلسي يوصي ابنه ويقول: وإذا هممت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني فلما هم وأراد أن يباشر الفاحشة ذكر موعود الله فكف وقال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة -أي: ثلثاً آخر، على قدر الدعاء؛ لكن ما استطاعوا أن يخرجوا - غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها

تثمير الأجر

تثمير الأجر وتقدم الثالث فقال: اللهم إني استأجرت أُجَراء كان عنده خدم وعبيد يشتغلون عنده، فأعطاهم حسابهم إلا أحدهم ما أخذ الحساب، لا أدري ما الذي أغضبه! فذهب مغاضباً، فأخذ أجرته فثمَّرها، واشترى بها إبلاً وغنماً وبقراً ورقيقاً فأصبحت أموالاً عظيمة، وبعد فترة عاد هذا الخادم وقال: أعطني أجرتي، قال: خذ هذه الإبل، وهذه البقر، وهذه الغنم، وهذا الرقيق، فقال: أتستهزئ بي؟! يعني أجرة أيام بسيطة تصبح هذه الأموال كلها؟! قال: والله لا أستهزئ بك، وانظر من لؤم الخادم هذا أنه ساقها جميعاً وما ترك له شيئاً منها وذهب. قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك -والشاهد: (ابتغاء) الإخلاص- ففرِّج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون.

مسائل مستفادة من حديث الثلاثة

مسائل مستفادة من حديث الثلاثة

فضل بر الوالدين

فضل بر الوالدين إن من أحسن ما يُتَوَسَّل به إلى الله عز وجل بر الوالدين، والله ذكر في كتابه حقه وحق الوالدين: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] طاف رجل بأمه، وقد أصابه من الجهد والتعب ما الله به عليم، فرآه ابن عمر، فقال: [[يا ابن عمر، أترى أني وفيتها حقها؟ قال: لا والله، ولا بزفرة من زفراتها]]. وذكر الزمخشري صاحب الكشاف ينسبه إلى الطبراني: {أن رجلاً أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يبكي فقال: ما لك؟ قال: ظلمني ابني يا رسول الله، ربيته وأشفقت عليه، فلما كبر تغمط حقي وظلمني وبسر في وجهي، فقال عليه الصلاة والسلام: هل قلت في ذلك شعراً؟ قال: نعم، قال: ماذا قلت؟ قال: قلت: غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململ كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به دوني فعيناي تهمل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل -معنى القصيدة: إذا كنت مريضاً فكأن الذي أصابك أصابني، وهذا مجرب، فالوالد والوالدة إذا مرض الطفل لا ينامان، وكأن المرض فيهما، يبيت الواحد منهم مهموماً، فهل هذا جزاء ما كان؟ - فبكى عليه الصلاة والسلام وأتى بالابن وحاكمه وقال له: أنت ومالك لأبيك}. وبر الوالدين من أحسن ما يتقرب به إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء:23] بعض السذج يقول: ما ذكر الله الضرب وإنما ذكر (أف) فلا نقول: (أف). هل يجوز أن تضرب أباك لأنه ما ذكر الله الضرب في القرآن؟! هذا يردده بعض المتفقهة يردون به على أهل الظاهر، يقولون: لأن ابن حزم ينفي القياس، فمعناه أن غير التأفف من ضرب ونحوه لا يحرم عنده ولا يدخل في النهي، وابن حزم من هذا بريء حماه الله وكفاه.

فضل العفة ومخالفة الهوى

فضل العفة ومخالفة الهوى تطبيق الدين أن تخالف هواك، سئل الإمام أحمد: ما هي المروءة؟ قال: ترك ما ترجو لما تخشى. وما بلغ الله الصادقين منازلهم إلا بمخالفة الهوى؛ موسى عليه السلام لما سقى للجاريتين (بنتي الرجل الصالح) كان فيه حياء، والدليل على حيائه ما حكاه الله عن البنت إذ قالت: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26] القوة رأته رفع الصخرة، التي لا يرفعها إلا عشرة، والأمين ما نظر إليها، وقد ذكر أهل التفسير أنه مشى أمامها وقال: دليني على البيت برمي الحصى، فبلَّغه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى تلك المنزلة العظيمة بهذه الأعمال الصالحة، فلعل الله نظر إلى قلوب العباد في عصر موسى فوجد قلب موسى من أحسن القلوب فاختاره للرسالة. وذكر صاحب طبقات الحنابلة قال: وقعت لـ ابن عقيل، وقيل: لغيره، والصحيح لغيره، قال هذا الرجل الصالح: حججت مرة من المرات فلما طفت وسعيت وقضيت حجي بحثت عن مال لي فلم أجد درهماً ولا ديناراً، وذهبت أبحث عمن يقرضني مالاً فما وجدت، قال: فذهبت على وجهي في جوع لا يعلمه إلا الله، وبينما أنا في سكك مكة أنزل سكة وأصعد سكة أخرى، وأنزل مكاناً وأصعد مكاناً، قال: فمكثت في ناحية الطريق وإذا أنا بعِقد من مرجان -والدرة الواحدة منه تعادل آلاف الدنانير- فأخذته معي، قال: فلما وضعته في كمي وأنا فرح به سمعت وأنا داخل الحرم قائلاً يقول: من وجد العقد وله كذا وكذا، وعند ابن رجب: من وجد العقد فليدفعه لي، قال: فأتيت إلى الرجل فقلت: ما وصف عقدك؟ فوصف لي العقد والخيط الذي فيه، وعدد الدرر التي فيه، قال: فأخذته فدفعته إليه، فوالله ما ناولني درهماً ولا ديناراً، قلت: اللهم إني دفعتها ابتغاء وجهك فاجعلها لمرضاتك يا رب العالمين، قال: فأخذها وذهب لا أدري أين ذهب، فلبثت بعد الحج أياماً بسيطة، ثم سافرت فركبت البحر، فلما ركبت البحر انكسر بنا القارب الذي نحن فيه، فغرق أصحابي كلهم جميعاً وماتوا إلا أنا، أخذتني خشبة، قال: فركبت الخشبة ثلاثة أيام بلياليها بين الحياة والموت في البحر، قال: وأنا أسبِّح الله وأدعوه أن ينجيني، فدفعتني الخشبة إلى جزيرة؛ فنزلت في هذه الجزيرة، فدخلت مسجداً فوجدت فيه مصحفاً، فنظرت فيه أقرأ فدخل علي أهل المسجد فقالوا: تقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قالوا: تقرئنا بالأجرة؟ قلت: أقرئكم، فدفعوا لي أجرة فأقرأتهم، قال: ورأيت صحيفة فكتبت فيها، قالوا: وتخط أيضاً؟ قال: وأخط -هذه الجزيرة كأنها ما رأت خطاطاً ولا قارئاً- قالوا: علمنا الخط بالأجرة، قال: فكنت أعلم صبيانهم، فأتاني رجل من خيارهم وقال: إن هنا بنتاً يتيمة وأبوها رجل صالح من أصلح الناس، وإنه كان يدعو الله عز وجل أن يرزقها الله رجلاً صالحاً؛ أفتتزوجها؟ قال: أتزوجها. قال: فلما التقيت بها رأيت العقد الذي وجدته في مكة في عنقها، فسألتها عنه، فأخبرتني الخبر، وقالت: حججت أنا ووالدي حجة، وهذا العقد معنا لأن أبي باع مالاً من أملاك ودور وعقار وجعله في هذا العقد، فضاع منا ووجدنا رجلاً صالحاً فرد لنا هذا العقد، فكان أبي تأسف بعد ما رجع إلى قريتنا ويقول: يا ليتني زوجتكِ صاحب ذاك العقد، فكان يدعو الله عز وجل أن يلاقي بيني وبين صاحب ذاك العقد، فنظر إلى العقد فقال: أنا صاحب ذاك العقد. هذا حفظ الله عز وجل لمن يحفظه عز وجل. والشاهد من هذه القصص: أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. وروي عن علي بن أبي طالب [[أنه دخل مسجداً في الكوفة وأراد أن يصلي ومعه بغلة، فرأى شاباً فقال: احبس هذه البغلة حتى أصلي، فأخذها بخطامها، ودخل علي رضي الله عنه يصلي، فلما دخل المسجد أخذ هذا الشاب خطام البغلة، وذهب به إلى السوق فباعه بدرهم؛ فخرج علي رضي الله عنه فسأل الناس: أين الشاب؟ قالوا: أخذ الخطام وذهب به، فأرسل علي وراءه فوُجد يبيع الخطام فقال له الرجل الذي أرسله بكم تبيعه؟ قال: بدرهم، قال: خذ درهماً، فاشترى منه الخطام بدرهم ثم أتى به إلى علي رضي الله عنه، قال علي رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لقد هممت أن أعطيك درهماً حلالاً، وقد أخذته اليوم حراماً]]. يأبى بعض الناس أن يسترزق إلا بالحرام، كان علي سيعطيه درهماً حلالاً، لكنه أخذ هذا الخطام وباعه بدرهم من رسول علي رضي الله عنه، فتجد بعض الناس بديناً سميناً قوياً ذا عضلات؛ ولكنه يسرق حذاءً أو شيئاً بسيطاً، كقلم، أو يختلس، ولو عمل في الحلال لرزقه الله عز وجل من حيث لا يحتسب، ولذلك تقطع أيدي بعض الناس على أقلام أو أحذية، أو على لباس بسيط، أو على خمسين ريالاً، وتجده يرتكب هذا الإجرام بسبب أنه ما سلك الحلال، والله قد بين طريق الخير وطريق الشر، وجعل الإنسان على نفسه بصيرة.

فضل السماحة وأداء الأمانة

فضل السماحة وأداء الأمانة وفي هذا الحديث: فضل السماحة وأداء الأمانة، فهذا الرجل الذي ذهب أجيره، فنمَّى أمواله، فلما عاد سلم له جميع الأموال، ولم ينقصه مثال للسماحة والأمانة، وذلك أمر مطلوب من المؤمن، إذا باع وإذا اشترى، وإذا قضى وإذا اقتضى، وإنظار المعسر قد ورد فيه ما ورد، وبعض الناس يشدد على الناس فيشدد الله عليه، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فرَّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، فالجزاء من جنس العمل.

من كرامات الأولياء

من كرامات الأولياء وفي الحديث: إثبات كرامات الأولياء، فهم دعوا بصالح أعمالهم، وتوسلوا إلى الله بذلك، ففرج الله عنهم الصخرة، وفي صحيح البخاري في كتاب الوكالة أن رجلاً صالحاً من بني إسرائيل ذهب إلى رجل غني وراء البحر من بني إسرائيل أيضاً، وقال: أريد منك ألف دينار، قال: هل لك وكيل؟ أي: ضامن يضمنك؛ لأني ما أعرفك، قال: وكيلي الله عز وجل، قال: كفى بالله وكيلاً انظر ما أحسن ذاك وما أحسن هذا! رضي هذا بالله فرضي ذاك به قال: هل من شاهد؟ أي: ما دام أنه ليس لك وكيل إذا ما سدَّدت فشاهد يشهد أنني دفعت لك هذا المال، قال: ما لي شاهد إلا الله، قال: كفى بالله شاهداً. فركب المقترض البحر ومعه الدنانير وذهب إلى أهله، ولما حان أجل القضاء وقف هذا المدين على الشاطئ ينتظر سفينة تحمله إلى الشاطئ الآخر، فما وجد سفينة ولا قارباً أبداً، تحرى اليوم الثاني والثالث فما وجد، فأخذ خشبة فنقرها من وسطها ثم جعل فيها ألف دينار وكتب عليها اسم الرجل، ثم ضرب بها في البحر؛ لأن ذاك قد رضي بالله كفيلاًَ ورضي بالله شهيداً، فسوف يبلغ الله هذه الأمانة، فلما وضعها في البحر ساقها الله عز وجل بالريح وذاك الرجل يعرف موعد الأجل، فكان قد خرج من بيته ينتظر الرجل، فوقف على الشاطئ فانتظر، حتى يئس من مجيئه، فرأى هذه الخشبة فقال: آخذها حطباً لأهلي، فأخذها وحملها على كتفه، ولما وصل إلى بيته أخذ هذه الخشبة فإذا فيها الألف دينار، وفيها ورقة من ذاك المرسل إلى المرسل إليه، وهذه من كرامات الأولياء، ومن رضي بالله كفيلاً وشهيداً بلَّغه الله ما تمنى. وكرامات الأولياء عندنا منها ما لا يحصى ولا يعد، وأكثر ما صح من كرامات الأولياء وما أُثِر منها عن صحابة محمد عليه الصلاة والسلام، وهم لا يريدون الكرامة لذاتها، ولكنهم يريدون الاستقامة، فآتاهم الله الدنيا والآخرة. والكرامة أمر خارق للعادة يثبته أهل السنة والجماعة.

صورة من صور الابتداع في الدين والتعليق عليها

صورة من صور الابتداع في الدين والتعليق عليها Q بعض الناس يدعي الاستقامة لكنه يأخذ بعض الشباب ويقودهم على طريقته في الاستقامة، ويذهب بهم إلى مقبرة الشرف، ثم يأمرهم بأن يناموا في القبر ويأخذ بدفن أرجلهم -ما شاء الله- ويقول بعض الأناشيد، وكذلك يستخف بأهل العلم ولا يقتنع بكلامهم، ومن أعماله أنه يأخذ مجموعة من الشباب ويقوم بهم في أحد المساجد في مدينة أبها، وكل من نصحه أخذ بإيراد قصص بعض الصوفية ولا يركن إلى السنة فما حكم الشارع في هذا؟

حكم الابتداع في الدين

حكم الابتداع في الدين A أولاً: هذه سنة الله عز وجل بين الغالي والجافي، ولا ابتداع في الدين إنما هو اتباع. ثانياً: الشريعة -والحمد لله- مكملة، والكتاب مكمل لا يحتاج إلى زيادة، فإنه كامل. ثالثاً: ليس كل من أتى بعمل في ظاهره خير أجر عليه ولو كان مخالفاً للسنة، بل هو آثم؛ لأنه ابتدع، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] والنصارى يصفهم الله بالضلال لأنهم ابتدعوا رهبانية، أي: عبادةً ما أنزل الله بها من سلطان، فلا يأكلون اللحم، ولا يتزوجون النساء، ولا يخالطون الناس، ولا يغتسلون، هؤلاء ظنوا أنهم بعملهم مصيبون، فوقعوا في الخطأ، ولذلك حذر صلى الله عليه وسلم من هذا. أما هذا الشاب حين يأخذ الشباب فيذهب بهم إلى المقبرة، فحسن جميل أن يزور المقبرة، لكن لا يجعل لزيارته وقتاً محدداً وهيئة ورسوماً ما أنزل الله بها من سلطان، وما أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم، يزور الزيارة الشرعية، يذهب بهم فيسلم على أهل القبور ويدعو ثم يذهب، أما أن يذهب فيحفر في القبر لأرجلهم ثم يضجعون وينشدون أناشيد الصوفية فهذه هي البدعة، وإذا أدركوا أولئك فيعزرون إما بخيزران، ويجوز بكرباج حتى يعودوا إلى السنة، ويفهموها، فإذا فهموها فبها ونعمت وإلا فهذا مبتدع. وأما أنه يأخذ الناس ويجمعهم في مسجد فالجمع في المسجد حسن، لكن بشرط ألاَّ يكون بموعد محدد، ككل ليلة ثلاثاء -مثلاً- نجتمع ونذهب إلى مسجد آل فلان، فإيقاف وإيعاد الناس في وقت أو في مكان بغير ما ورد الشرع به بدعة، فقد جعل الله لنا مواعيد وأزمنة وأمكنة، جعل لنا البيت الحرام، والحج، والوقوف بـ عرفة يوم التاسع، ومن ذلك أيضاً يوم الجمعة المعروف، ويوم عيد الفطر وهو يوم الانتهاء من الصيام، أما أن يزاد في المواعيد والارتباطات والرسوم فهذا بدعة. له أن يجمع الشباب في يوم من الأيام فيصلون، أو في ليلة لا لأنها ليلة يعتقد أنها أفضل من غيرها فأيام الأسبوع كلها سيان، وفي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: {لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام} أو كما قال عليه الصلاة والسلام لكن أن يأخذهم دائماً ويقوم بهم في أوقات فهذا لا ينبغي.

ملاحظات على ما يفعله بعض الشباب

ملاحظات على ما يفعله بعض الشباب ثم يلاحظ على هذا الأخ أمور -ونسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يفقهنا وإياه في الدين- منها: أن عليه أن يتقي الله عز وجل، وأن يعمل بالكتاب والسنة أو يفقه الناس بالكتاب والسنة، ومنها: ألا يشهر بعمله الناس، فإن جمعه الناس لقيام الليل ليس مأثوراًَ عن الصحابة كثيراً، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل في بيته، وإنما جعل قيام الليل في الليل للسر وللخفاء، أما أن يجمعهم فيذهبون في السيارات ثم يجتمعون عند المسجد ثم يتوضئون ثم يصلي بهم، والناس في رمضان يقومون في ليالي القيام للمصلحة لإظهار عظمة الإسلام، ولكثرة الجمع، ولأن هذا عمل مسنون كان له سالف من الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم جمع الناس عمر، لكن في غيرها من الليالي لا أظن ذلك إلا إذا كان نادراً، كما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بـ ابن عباس لما صلى معه، وكذلك صلى بـ حذيفة، وصلى معه ابن مسعود نادراً، أما جمع الناس وإيعاد الشباب في ليلة محددة وجمعهم في مسجد فهذا ليس بوارد.

خطر انتقاص العلماء

خطر انتقاص العلماء وأما انتقاص أهل العلم فهو علامة خذلان الرجل، ولحومهم مسمومة، كل شيء إلا العلماء وطلبة العلم والدعاة إلى الله عز وجل، وأهل الاستقامة، وأهل الخير والفضل، وتنقصهم علامة النفاق والخذلان، يقول الله عز وجل: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:66]. وهذا مسلك الخوارج، مع أنهم قاموا الليل حتى أصبح وجه أحدهم كركبة البعير، وفي صحيح مسلم من رواية أبي سعيد وأصل الحديث في البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: {تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وقيامكم إلى قيامهم، وقراءتكم إلى قراءتهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد} فالعبرة ليست بكثرة صيام ولا صلاة، العمل فقه في الدين وتعلم، ثم عملٌ بما تعلمت، ولذلك كفَّر الصحابةَ الخوارجُ واستحلوا دماءهم فقتلوا عبد الله بن خبيب؛ لقلة فقههم في دين الله عز وجل. فانتقاص العلماء من أكبر الجرائم سافر صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى تبوك، فوقع بعض الناس في عرض الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، وقالوا: ما رأينا كقرائنا أرغب بطوناً ولا أجبن عند اللقاء. أي: ما أكثر أكلهم! وهذه الكلمة سهلة فيما يبدو، وبعض الناس يتفكه على لحى الدعاة وعلى ثيابهم أنها قصيرة، وعلى السواك، ويقوم ليحاكيهم في حركاتهم وكلماتهم، وكأنه أمر سهل، وقع ناس في عهده صلى الله عليه وسلم في هذا فنزل جبريل وقال للرسول عليه الصلاة والسلام: أدرك قوماً في آخر معسكرك هلكوا قال: كيف هلكوا؟ قال: دخلوا النار، فأخبره جبريل بما قالوا، فقام عليه الصلاة والسلام يؤنبهم، فقاموا يأخذون بخطام بغلته أو ناقته ويقولون: إنما كنا نخوض ونلعب -أي: كنا نقطع من النهار ونمزح- فقال الله من فوق سبع سماوات: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة:65]} أآيات الله يُسْتَهزأ بها؟! أرسول الهداية والعلماء وطلبة العلم والمساجد والمصاحف؟! هذه دونها قطع الرءوس، امزح في كل شيء إلا ما يليق بالإسلام، واليوم الآخر، والعلماء، وكتب العلم، وطلبة العلم، والمساجد.

حرمة المؤمن وحرمة الدين

حرمة المؤمن وحرمة الدين دُمرت الدنيا خمس مرات من أجل لا إله إلا الله، ومن أجل هذا الكيان، هذا دين أُقِيْمَ على الاحترام، دين هو صلة الله من السماء إلى الأرض، الملائكة كلها تحترم قداسة المؤمن، والرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إلى الكعبة ويقول: {ما أعظمك! ما أجلك! ما أقدسك! والذي نفسي بيده لَلمؤمن أقدس منك وأعظم عند الله. وفي لفظ: أشد حرمة منك} كل شيء إلا الإسلام والسنة، أو ما يطبق من السنة فالاستهزاء بها كفر. وبعض الناس تجده مستقيماً لكنه يبغض العلماء، لقلة عمله، ولجهلٍِ أو لشبهةٍ وردت في نفسه، فزرعت في قلبه النفاق، والخوارج فيهم شُعَبٌ كثيرة من النفاق، وتجدهم في سَمْت، وقيام ليل وبكاء، لكن ما أعفاهم ذلك، ولذلك قتل علياً رضي الله عنه ابن ملجم وهو منهم. فأما هذا فنقول: لا وألف لا، أما التهجم على العلماء وعلى طلبة العلم فأسألك بالله الذي لا إله إلا هو أن تنقذ نفسك من النار؛ فإن معناه الغضب والنفاق والكفر الذي ما بعده كفر. هذا وأدعو إخواني من هؤلاء الشباب الذين عاشوا الصحوة أن يأتوا إلى العلم، وأن يجعلوا العلم وِردهم، والطريق الموصل إلى العلم، اللباب المقشر وهو أعظم طريق، عالم واحد كما في السنن عن ابن عباس مرفوعاً والموقوف أصح: {أشد على الشيطان من ألف عابد}. العابد يوسوس عليه الشيطان، العابد قد تتلعثم عليه المسائل، وقد تأتيه واردات وخطرات، العابد لا يدري بالحلال والحرام والشبهات، وقد يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، وقد قدم في موضع التأخير وأخر في موضع التقديم، أما العالم فعلى بصيرة، وكلما فتحت صفحة من كتب العلم كلما فتح الله لك باباً، كلما قرأت حديثاً كلما آتاك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى نوراً وهاجاً.

دعوة إلى العلم وبيان فضله على العبادة

دعوة إلى العلم وبيان فضله على العبادة فأنا أدعوكم ونفسي يا شباب الإسلام إلى مدارسة العلم المصحف، كتب العلم، حلقات الذكر أيهما أفضل الليلة: أنت أم أحد الناس ذهب يصلي إلى صلاة العشاء؟ أنت الليلة -إن شاء الله- أفضل منه؛ لأنك تسمع المسائل، تسمع كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، تسمع إيرادات العلماء، تسمع مناقشات حارة وتحرير علمي، لا أقول: إني أتيت بها؛ لكن أتى بها أهل العلم، أنا ناقل فقط، أجمع ما قالوا وأعرض عليكم بضاعتهم، فالمقصود أن من حضر إلى هذه الحلقة وجلس أفضل ممن جلس يصلي ألف ركعة، لأن قصارى العبادة أن تكون لنفسك؛ لكن العلم يزيل خطرات الشيطان وتلبيسات إبليس. وقد نصح ابن الجوزي بالعلم، قال العز بن عبد السلام: " كنت في شبابي أطلب العبادة فكنت عابداً كبيراً؛ فأصابني وسواسٌ الله أعلم به، فذهبت إلى العلماء وقلت: ما علاج الوسواس؟ قالوا: عليك بطلب العلم، فطلبت العلم فأذهب الله عني الوسواس " وقال ابن القيم: " لما بدأت حياتي قبل أن ألقى ابن تيمية كان في قلبي شبه ووساوس؛ فلما رأيت ابن تيمية شيخ الإسلام شكوت عليه ذلك فقال: عليك بالعلم لا تجعل قلبك كالأسفنجة تقبض الماء وتحتبسه، لكن اجعله كالزجاجة القوية تدفع الشبهة بقوتها وتراه بصفائها. وأعظم ما يمكن جلوسك معه: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وتفتيشك ورقات الجويني أحسن من كثير من تسبيحات الصوفية الذين أتتهم الهواجس والخطرات، يقول الذهبي: يجلس أحدهم في الغرفة ثلاثة أيام لا يأكل حتى يرى الخشب أمامه أشباحاً، فيقول: هؤلاء ملائكة، قال: والله هؤلاء ليسوا بملائكة ولكن عقلك خاش وفاش. نعم، من الجوع، وإلا فطريقه صلى الله عليه وسلم طريق معروف لمن قرأ السيرة وحياة الصحابة رضوان الله عليهم، الخطابة خطابة والصلاة صلاة والقراءة قراءة، مع الأهل وفي السوق، هؤلاء هم العبَّاد، فماذا يريد الإنسان من غيرهم؟ أيريد الزوايا؟! أيريد المرقعات؟! أيريد الصوامع والغيران والكهوف؟! يريد تربية الأظافر وتربية الشعور والقذارة، وعدم الفقه في الدين، وركعات، ثم الغل والحقد على عباد الله: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27]. أسأل الله لي ولكم لزوم السنة والاتباع، وترك الابتداع، وأن ننهج نهج محمد صلى الله عليه وسلم، فلا سعادة -والله- ولا فلاح ولا نجاح إلا في اتباع سنته وسيرته، ألهمنا الله رشدنا ووقانا شر أنفسنا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبة وسلم تسليماً كثيراً.

الآباء ومسئولياتهم

الآباء ومسئولياتهم إن الله تعالى قد أنعم على عباده بنعم كثيرة، من تلك النعم نعمة الأولاد، وواجبهم تجاه النعم هو الشكر، وشكر نعمة الأولاد يكون بتربيتهم وتعليمهم السلوك والأخلاق الحسنة، والله تعالى قد أوجب على الآباء تربية أبنائهم، وهذه الواجبات قد بينها الشيخ في هذا الدرس، فقد ذكر أكثر من عشرة حقوق تجب على الآباء، وذكر كذلك نماذج من تربية السلف الصالح لأبنائهم.

تربية الأنبياء والسلف الصالح لأبنائهم

تربية الأنبياء والسلف الصالح لأبنائهم اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. والصلاة والسلام على مربي الجيل الأول؛ الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، هادي البشرية، ومزعزع كيان الوثنية، ومعلم الإنسانية، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته دونكم أيها الكرام حديثاً دونكم أيها الكرام حديثا يتهادى حنينه لقلوب هي للحب والمكارم أشهى كل ما قلته صبابة فضل في كئوس تهدى لأخيار أبها وإن كان من شكر فإني أشكر الله تبارك وتعالى جل ثناؤه على أن جمعني بهذه الوجوه، ثم أشكر لذوي الفضل، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله عز وجل، ونحن أمة نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت، فأشكر صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز، رئيس هذه الجمعية الخيرة المعطاءة، وأشكر نائبه، وأشكر القائمين عليها وعلى رأسهم الأستاذ الفاضل/ إبراهيم اليحيى، على جهودهم ثمرها الله بالأجر العميم في الدنيا والآخرة، وزادهم ثباتاً وإخلاصاً ونفعاً للعام والخاص. محاضرتي في هذه الليلة بعنوان: الآباء ومسئولياتهم. ويا لها -والله- من مسئولية ألقاها الله عز وجل على عواتقهم من فوق سبع سماوات، يوم يقول الله عز وجل لكبير البيت المسلم ورائده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. وهذا الحديث سيكون على شقين وعنصرين: العنصر الأول يتحدث عن نماذج من تربية سلفنا الصالح لجيلهم ولأبنائهم، والعنصر الثاني: حق الأبناء على الآباء، وما هو الواجب الذي ألقاه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم على أكتاف أولئك الآباء. هذا حديثنا لهذه الليلة، أسأل الله الهداية والسداد لما يحبه ويرضاه. جيلنا الصالح، ابتداءً من موكب النبي الكريم يحملون التبعة أنفسهم، فيقومون بتربية النشء والجيل تربية يرضاها الله ويحبها، والله عز وجل قص لنا في محكم كتابه الكريم قصص وعبر عن الأنبياء والصالحين.

تربية يعقوب ولقمان عليهما السلام لأبنائهما

تربية يعقوب ولقمان عليهما السلام لأبنائهما يقول الله عز وجل عن يعقوب عليه السلام، وهو يتلطف مع يوسف ويأخذه بالرفق واللين: {قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف:5] يقول: يا بني؛ تحبيباً وتقريبا، وأهل البلاغة يصغرون الاسم المنادى؛ ليكون أوقع في القلوب. وكذلك لقمان، يربي ابنه التربية التي يرضاها الله ويريدها، ويبدأ معه في المعتقد، ثم في العبادات، ثم في الأخلاق والأدب والسلوك؛ يقول الله عز وجل مستفتحاً القصة من أولها: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان:12] فأي حكمة هذه الحكمة؟ وما مدلولها وأثرها؟ {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:12 - 13] هذا هو غرس الإيمان في قلب الطفل، يوم أن ينشأ عابداً لله عز وجل، يوم أن يسقط الطفل على الأرض وهو يسقط مسلماً حنيفاً ولم يكن من المشركين، فما من مولود إلا ويولد على الإسلام، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا فيوم أن يقع الطفل على الأرض يكون المسئول الأول عنه هو الأب، أن يقوده إلى بر السلام وإلى طريق الجنة، فلقمان عليه السلام يقول لابنه: يا بني! لا تشرك بالله، أي: احذر أن تكون مشركاً أو أن تجعل لله نداً، واحذر أن تعتقد أن هناك مع الله ضداً إنه الخطر المحدق يوم توسوس الشيوعية أو الإلحاد أو الوثنية في عقول الأبناء، فمن المسئول عنهم إلا الآباء. ثم يأتي فيلاطفه مع والديه، وهو الحق الذي جعله الله عز وجل مقروناً بحقه ومن جعل العقوق في المجتمع إلا بعض الآباء، ومن رضي بالعقوق وأدخله إلا سير بعض الآباء، يوم أن نشئوا بالعقوق مع آبائهم وأمهاتهم، فكان الجزاء من جنس العمل: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49]. وبعد أن انتهى من حقوق الوالدين قال له: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} [لقمان:17] هل سمعت أسلوباً أعجب من هذا؟! وهل سمعت جودة أعظم من هذه الجودة؟! {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان:17] ثم قال: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] فعلم أنه بعد أن يقيم الصلاة ويفرق طريق المسجد ومن طريق المسجد تلغى طريق الخمارة والمقهى والمعصية، وقرناء السوء والفساد وأهل الجريمة، وما وقع كثير من الشباب في تعاطي المخدرات، وفي الزنا -والعياذ بالله- وفي ضياع الأوقات، وفي استماع الترهات؛ إلا حين انحرفوا عن طريق المسجد. فيقول لقمان عليه السلام لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} [لقمان:17] فإنك إذا أقمت الصلاة حفظك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم قال له: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان:17] وعلم أنه إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فسوف يكون له أضداد وأنداد وحساد فقال له: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17]. انتهى من العبادة والعقيدة، ثم أتى إلى الأخلاق والأدب والسلوك فقال له: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:18] لا تتكبر على عباد الله، لا تزهو، لا تكن تياهاً معجباً، فأنت عبد للواحد الأحد. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا ثم قال له: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19] كن أديباً، كن موجهاً، كن طيباً، كن متواضعاً سهلاً ليناً وهذا هو الذي يريده الله عز وجل من العبد.

التربية الحقة في البيت النبوي

التربية الحقة في البيت النبوي ورسولنا عليه الصلاة والسلام اعتنى بتربية الأبناء، بل هو المربي الأعظم، وهو الذي نشر الفضيلة في الجيل، وهو الذي أنقذ الله به أهل الضلالة من ضلالتهم وأهل العمالة من عمالتهم إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه: {يا بني! إن استطعت أن تنام وليس في قلبك غش لأحد فافعل} وهذا الحديث حسن. عليك الصلاة والسلام يا من علمت أجيال الأمة الأدب! ويا من غرست في قلوبهم المعتقد! ويا من حركتهم للهمم العالية! انظر إليه صلى الله عليه وسلم كيف كان يربي ويعلم، وكيف كان يوجه الجيل. في سنن الترمذي بسند حسن عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما قال: {كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا غلام! قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله. قال: يا غلام! قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله. قال: يا غلام! قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله. قال: إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. فهل أوحى الآباء لأبنائهم بهذه الكلمات؟ وهل سجل الآباء هذه الكلمات في صدور أبنائهم بأسطر من نور؟ وهل قال الأب لابنه في الصباح الباكر، وهو يودعه إلى مدرسته أو إلى عمله أو إلى مزرعته: احفظ الله يحفظك؟ إنها وصية الله للأولين والآخرين، إنها الوصية التي لما افتقدناها من بيوتنا ومن مجتمعاتنا -إلا من رحم الله- قلَّت القلوب الواعية، وكثرت المخالفات والمعاصي، وأصبحنا نتذمر من المسئولية. هذا نثر وإن كان في النثر سعة ففي الشعر مجال أوسع، يقول أحد علماء الأندلس وقد أخذ يوصي ابنه ويقول له: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني إنه غرس الرقابة والخشية في قلوب الأبناء، لينشئوا والخوف يملأ قلوبهم من الواحد الأحد، وهي تربية الإيمان التي أرادها صلى الله عليه وسلم، هذه هي بضاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وليست من ميراث كانت ولا ديكارت أعداء البشرية، الذين يقولون: ينبغي أن يربى الابن شاكاً قبل أن يكون متيقناً؛ شاكاً في الله، شاكاً في اليوم الآخر، شاكاً في الرسالة الخالدة، والله قد جعله مولوداً على العبادة وعلى التوحيد والاستقامة. ويقول الأندلسي الآخر وهو يوصي ابنه: أبا بكر دعوتك لو أجبتا إلى ما فيه حظك لو عقلتا إلى علم تكون به إماماً مطاعاً إن نهيت وإن أمرتا ويجلو ما بقلبك من عماها ويهديك السبيل إذا ضللتا فهل وعى أهل الإسلام هذه الوصايا الخالدة؟

التربية الجادة عند السلف الصالح

التربية الجادة عند السلف الصالح تعالوا معنا ننظر إلى السلف الصالح بعد قرن المصطفى صلى الله عليه وسلم كيف ربوا وكيف وجهوا، وكيف أحسنوا التربية، وكيف أحسنوا القيام على البيوت. يقول جعفر الصادق رضي الله عنه وأرضاه، وهو يوصي ابنه: "يا بني! لا تصاحب فاجراً ولا عاقاً ولا بخيلاً ولا كذاباً؛ فإن الفاجر قد استحق لعنة الله، وإن العاق قد أدركته ظلامة أبيه وأمه، وإن البخيل يبيعك أحوج ما تكون إليه، وإن الكذاب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب" هذه وصايا خالدة تبث للأبناء في بيوتهم من الآباء. وتعالوا ننظر إلى ديار الصحابة، الذين عاشوا على الهداية والرشد والاستقامة. فهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عاش شاباً مؤمناً، فلما أرادت أمه أن تستهوي قلبه وأن ترده إلى الكفر، أبى؛ لأن الإيمان أصبح في قلبه كالجبال الرواسي، قالت أمه: يا بني! إلا عدت عن دينك وحلفت بآلهتها ألا تأكل ولا تشرب حتى يترك دينه. فقال لها قولة المسلم الواثق من نفسه، المتمكن من إيمانه، الراسخ يقينه: [[يا أماه! والذي نفسي بيده، لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفساً نفساً ما عدت عن ديني، فكلي أو دعي. فلما رأت الجد أكلت وبقيت على دينها]] إنه إيمان غرسه محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا مصعب بن عمير تأتيه الدنيا وهو في بيت الدنيا، يلبس الحرير والديباج، ويتسور بالذهب وهو شاب في الجاهلية، أمه أغنى امرأة من نساء مكة، فلما دعته إلى دينها أبى؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- غرس في قلبه لا إله إلا الله، فأصبح عبداً لله، وأصبح متوجهاً إلى الله، وأصبح مخبتاً لله حبسته، ضربته، عذبته، قاطعته؛ فأبى وأتى إلى دين الله عز وجل أتى ودخل على الرسول عليه الصلاة والسلام وعليه شملة ممزقة؛ فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: {والله الذي لا إله إلا هو، لقد رأيت مصعب بن عمير وهو من أحسن شباب مكة، رواءً وثراءً، وقد ترك ذلك كله لله، فعسى الله أن يعوضه خيراً من ذلك}. حبيب بن زيد، تربيه أمه تربية صادقة مخبتة خالصة لوجه الله، فينشأ مجاهداً، ويرسله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب الدجال في اليمامة، فيدخل عليه وعمره يقارب العشرين، فيقول مسيلمة: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ فيقول: نعم. قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع شيئاً. فأخذه وقطعه بالسيف إرباً إرباً ولم يرجع عن دينه. من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا

نماذج من التربية عند النساء المؤمنات

نماذج من التربية عند النساء المؤمنات الخنساء رضي الله عنها وأرضاها -وهي النخعية- تُحضر أبناءها الأربعة إلى معركة القادسية وقد ربتهم على الصلاة، وعلى الاستقامة والذكر، فلما حضرت المعركة بين عباد الله المؤمنين وبين أعداء الله الكافرين، قالت لهم قبل بدء المعركة بدقائق: يا أبنائي! أنا أمكم، والله ما خنت أباكم، ولا خدعت خالكم، ووالله إنكم لأبناء رجل واحد، فإذا حضرت المعركة فيمموا وجهها، وأقبلوا على أبطالها، وقاتلوا رجالها، عسى الله أن يقر عيني بشهادتكم. أي: أن يموتوا شهداء، وبدأت المعركة وقتلوا الأربعة في أول النهار، وجاء بعض المسلمين يهنئها بذلك؛ فتبسمت وفرحت كثيراً وقالت: الحمد لله الذي أسعدني بشهادتهم في سبيله. إنها التربية والله وصدق القائل إذ يقول: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق الأم روض إن تعهده الحيا بالري أورق أيما إيراق وهذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وأرضاها، ذات النطاقين، اللذين جعلهما الله عز وجل سمةً لها في الجنة، تقول لابنها عبد الله بن الزبير الفارس المسلول، الذي صلب في الحجون بالبطولة، ورفع لا إله إلا الله علو في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات كأن الناس حولك يوم قاموا وفود نداك أيام الصلات تقول له -وقد أتى ليستسلم خوفاً من الحجاج بن يوسف الثقفي -: يا بني! اصبر فإنك على الحق. قال: يا أماه! إني أخاف إذا ذبحوني أن يسلخوني ويقطعوا جسمي. قالت: يا بني! لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها، فثبت على الحق، ولبس أكفانه ومات شهيداً رضي الله عنه وأرضاه؛ لأن وراءه أم عظيمة.

حقوق الأبناء على الآباء

حقوق الأبناء على الآباء وأما حقوق الأبناء على آبائهم فتكمن في اثني عشر حقاً أجملها ثم أفصلها؛ وهي كما يلي: اختيار الزوجة الصالحة، ثم أدب الاتصال بين الرجل والمرأة، ثم أحكام الولادة وما بعدها، ثم التربية، ثم الإحسان في المعاملة، ثم غرس الإيمان، ثم تعاهد الجيل، ثم المصاحبة، ثم بث روح الإيمان، وهو غرس الإيمان، لكن بالأحكام والمعاملة والسلوك. والآن نشرع في تفصيلها:

أحكام الولادة وما بعدها

أحكام الولادة وما بعدها علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن إذا ولد لأحدنا مولود أن يؤذن في أذنه اليمنى ويقام في اليسرى، والحديث حسن وهو في السنن، وقد فعل صلى الله عليه وسلم هذا مع الحسن والحسين، حيث أذن في أذن أحدهم في اليمنى وأقام في اليسرى. سبحانك يا رب! يا للحكمة! أول ما يقع رأسه على الأرض يسمع أذان الحق، يسمع الأذان الخالد، يسمع الرسالة المعطاءة، التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يسمعونه لغواً ولا زوراً ولا فحشاً ولا مجوناً، وإنما يدوي في أذنه من أول مرة: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر فتنبت في قلبه وهو رضيع شجرة الإيمان. قال الله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:24 - 25] إي والله، إنها شجرة (الله أكبر). زرعنا الله أكبر منذ حين فأنبتنا شباباً خالدينا ويقيم في الأذن الأخرى لينشأ عابداً مصلياً متوجهاً إلى الله. وهذه السنة قد أهملت عند كثير من الناس، وربما ينشأ الطفل وقد ردد على لسانه كلام الفحش والمجون والعهر والعياذ بالله؛ لأن اللسان إن لم يقوَّم نقل كلاماً لا يرضي الله، والعقل إن لم يهذب حمل أفكاراً لا ترضي الله، والقلب إن لم يوجه حمل وسوسة ووثنية تغضب الله عز وجل. فأنت الأب، وأنت القائم، وأنت الحكيم على ابنك، وأنت المستودع، وأنت المسئول أمام الله، قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6]. الأمر الثاني: من السنة أن نعق عن المولود، عن الذكر شاتين وعن الأنثى شاة، فقد جاء في حديث حسن: {عق صلى الله عليه وسلم عن الحسن شاتين} وكان عليه الصلاة والسلام يعق عن الأنثى، وأمر أن يعق عن الأنثى بكبش واحد. ومن حكم العقيقة؛ أن يبدأ الأب في البذل والعطاء، ويعلن الفرحة، ويشكر الله على هذه النعمة؛ أن رزقه ولداً، فالابن نعمة من الله؛ خاصة إذا نشأ نجيباً ودوداً حبيباً، والولد ليس بالأمر السهل، والعقم مرض، ولا تصفو لك الحياة إذا كنت عقيماً، وقد شكا بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام العقم إلى الله قال زكريا: {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء:89] اجعل لي وارثاً، لكن ليكن هذا الوارث صالحاً صادقاً مخلصاً منيباً. فما دام أن الله قد أنعم عليك بنعمة الولد فاشكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وادع جيرانك وإخوانك، وأطعمهم طعامك؛ لتعلن نعمة الله وشكرها وليكن أول طريقك مع هذا المولود البذل والكرم والعطاء، لا البخل والجفاف والحبس فهذه من حكم العقيقة، وكل مولود مرتهن بعقيقته حتى يعق عنه. وكذلك من السنن أن يحلق رأسه، وأن يتصدق بوزنه فضة أو ما يعادلها من المال، وهذا أمر ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن القيم في كتاب تحفة المودود بأحكام المولود، والحكمة في ذلك: تفاؤلاً بأن الله يحط عنه الخطايا، وأن ينشئه عبداً صالحاً، وأن يكون طيباً مقبولاً، ولحكم أخرى قد لا تظهر لنا.

إحسان الاسم

إحسان الاسم ومن حقوق الأبناء على آبائهم: إحسان الاسم؛ أن يختار الاسم الشريف، والاسم المطلوب في الإسلام، وفي الحديث الصحيح: {أحب الأسماء إلى الله عبدالله وعبد الرحمن} أما الحديث الذي يقول: {أحب الأسماء إلى الله ما عبد وحمد} فلا يصح، لكن كل اسم فيه لفظ العبودية فهو طيب وحبيب إلى القلوب؛ لأن ابنك يوم أن يتردد في ذهنه هذا الاسم -اسم عبد الله، عبد الرحمن، عبد الوهاب، عبد السلام- يتذكر هذه الصلة بينه وبين الله، والله شرف أنبياءه بالعبودية، فقال لرسوله عليه الصلاة والسلام: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1] وقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19] وقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. ونهى صلى الله عليه وسلم أن يتسمى بعض الأسماء: {جاءه رجل فقال: ما اسمك؟ قال: غاوي بن ظالم. فقال صلى الله عليه وسلم: بل أنت راشد بن مقسط} فبدل عليه الصلاة والسلام اسم غاوي براشد وظالم بمقسط، تفاؤلاً أن يكون راشداً مقسطاً. فواجب الأب أن يسمي ابنه اسماً حسناً، يقول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الحسن: {أحسنوا أسماءكم وأسماء أبنائكم، فإنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم}. فإذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه؛ نادانا بأسمائنا وأسماء آبائنا، نادانا مع الملايين المملينة والألوف المؤلفة من الشعوب والأمم والمجتمعات: يا فلان ابن فلان ابن فلان من آل فلان، قم إلى الله ليحاسبك ولا يظلمك هذا اليوم أفلا يريد المسلم أن يكون اسمه حسناً؟ ولا يكون اسماً لا معنى له، اسم مستورد من أسماء الخواجات التي لا تدخل في العقول، ولا في اللغة، ولا في الأدب، ولا في المجتمع، أو من الأسماء التي توحي ببعض المجون، أو الظلم، أو الفحش، أو سوء الأدب، فهذه أسماء تقشعر منها الأبدان، وكان يفعلها العرب، وفي سنن أبي داود {أنه عليه الصلاة والسلام قال لرجل: قم احلب الناقة، ما اسمك؟ قال: صخر. قال: اجلس. ثم قال للثاني: ما اسمك؟ قال: حرب. قال: اجلس. ثم قال لثالث: ما اسمك؟ قال: مرة. قال: اجلس. قال للرابع: ما اسمك؟ قال: يعيش. قال: قم فاحلب الناقة} إنه التفاؤل بالأسماء الطيبة، التي تورث الحب والتفاؤل وحسن الطالع مع الطائر الميمون يا خير مقدم فأهلاً بالمسمى على العهد

الرضاعة

الرضاعة ومن حقوق الأبناء على الآباء: الرضاعة الحقة التي يريدها الإسلام. وكثيراً ما يخفق المجتمع الذي نعيش فيه في الرضاعة، إما أن يسند الطفل إلى غير أمه من أول وهلة، فلا يكون له علاقة بأمة، ولو كانت قادرة على الرضاعة، وهذا ينشئ الطفل مبتور الصلة والحنان مع أمه؛ فلا تجده مثل ذلك الابن الذي نشأ على ثدي أمه، يشعر أنها أم وأنها قريبة من قلبه وأنها ذات صلة. وتجد بعض البيوت يفرط في هذا الجانب، فيستقدم كثيراً من المرضعات، أو كثيراً من الوسائل للرضاعة، ويترك الأم ولو كانت قادرة، وهذا خطأ ظهرت آثاره في التربية على الأطفال، عندما نشأ فيهم العقوق أو الجفاء أو القطيعة مع الأمهات، ينظر إليها وكأنها أمامه حجر، لا يجد صلة، ولا يجد حناناً، ولا عطفاً؛ لأن لبنها ما سرى في شرايينه وعروقه، وهذه حكمة الله عز وجل، والله عز وجل ذكر الرضاعة في القرآن فقال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة:233]. وكلما تم الرضاع وحسن، كان أحسن وأجود وأمكن، ولا بد من اختيار البيئة التي يرضع فيها الطفل. ومن حقوق الأبناء على آبائهم: ألا يرضعه كافرة ولا فاجرة ولا حمقاء ولا سيئة التصرف؛ فإن لبنها سوف يكون له أثر في عقله وإرادته وتوجهه، ولذلك رضع رسولنا صلى الله عليه وسلم في بادية بني سعد، حيث الصفاء والنقاء والهواء، فنشأ أفصح فصيح من فصحاء العرب، ونشأ أخطب خطيب من خطباء الدنيا، ونشأ عليه الصلاة والسلام وهو ذو إرادة حية، وإحساس متحرك وبيان فياض. والبادية لها أثر -أعني: البادية التي كانت في الجيل الأول- أما باديتنا فالذي يظهر عليها اليوم الجهل والتخلف وفساد المزاج، أما البادية التي نشأ فيها صلى الله عليه وسلم فكان لها أعظم الأثر في حياته صلى الله عليه وسلم. تقول عائشة رضي الله عنها: {ربما رأيت الرسول عليه الصلاة والسلام، إذا تهللت أسارير وجهه وأتاه خبر يسره، كأنه البدر ليلة أربعة عشر، فتذكرت قول الشاعر أبي كبير الهذلي: ومبرأً من كل غبَّر حيضة وفساد مرضعة وداء مغيل وإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل } والسبب: من جودة الرضاعة كان وجهه يبرق، مع ما آتاه الله من الحكمة والقوة، وما آتاه من الجمال، حتى قيل لـ أبي هريرة: أكان وجهه صلى الله عليه وسلم كالسيف؟ قال: لا والله، بل كالشمس. وقال أنس: [[والذي نفسي بيده، لقد نظرت إلى وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونظرت إلى البدر ليلة أربعة عشر، ولوجه المصطفى صلى الله عليه وسلم أجمل من البدر]] وهذا من جودة إرضاعه عليه الصلاة والسلام وقد حذر أهل العلم من رضاع المرأة الحمقاء؛ لأن الطفل ينشأ أحمقاً. ذكر ابن كثير في ترجمة القاضي شريح -وكان من أذكياء الدنيا-: أن ثلاث نسوة دخلن عليه -وكان ذكياً ومنشأً، ومن أراد أن يعود إلى القصة، فليعد إليها في البداية والنهاية، وكان قاضي الدنيا- فقال قبل أن يتكلمن: أما هذه المرأة فثيب، وأما هذه المرأة فحامل بولد، وأما هذه المرأة فأرضعتها كلبة. فقيل له بعد أن انتهى من الحكم: ما دلك على ذلك؟ قال: أما الأولى فحامل بالولد؛ لأن صوتها ضعيف، وأما الثانية فثيب؛ لأنها تنظر في وجوه الرجال، وأما الثالثة فأرضعتها كلبة؛ لأن في يديها رجة ورجفة. فسئلت النسوة فكان كما قال. وهذا من ذكائه، وهو يعادل ذكاء القاضي إياس، وربما حمل بعض أهل الأدب هذه القصة على القاضي إياس، الذي يقول فيه أبو تمام: إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس .

القدوة والتربية

القدوة والتربية ومن حقوق الأبناء على الآباء: القدوة. أن يتقوا الله عز وجل، ويكونوا لأبنائهم قدوة صالحة، وهذا في أصل الطفل يوم أن يكون مقلداً، ينظر إلى أبيه ويظن أن ليس في الدنيا مثل أبيه، ولا أحسن من أبيه، ولا أعدل منه، ولا أصدق منه، فهو يقلد حركاته وسكانته وحاله وأقواله وأفعاله، فاتقوا الله -أيها الآباء- في أبنائكم، وكونوا قدوة صالحة وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم وكيف يقول الأب لابنه: كن صادقاً، ثم يخالفه فيكذب؟ الفعل فعل قبيح والقول قول جميل، قال الله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] نقول للابن: صل في المسجد، ثم لا يرانا نصلي ونحن الآباء! فأي عدل هذا؟ وأي إنصاف؟ إنه ظلم للعقل، وظلم للعلم، وظلم للتربية، وظلم للإحساس نقول للابن: لا تغتب أحداً، اتقِ الله في أعراض المسلمين، ثم لا تفتأ الدقائق تمر إلا ونقع في أعراض الناس بسكاكين من القول الجارح، فأين ذاك القول من هذا الفعل؟ فيا أيها الأبرار الأخيار! إن القدوة أمرها عظيم، ولذلك سوف يلزمك ابنك يوم القيامة، ولا تظن الإسلام أن تقول في الدنيا: نفسي نفسي، إنما ذلك إذا كنت قد عملت صالحاً، ثم برأت نفسك بالتبليغ، أما أن تقول: أنا لي حسناتي وعلي سيئاتي، وأبنائي عليهم ما عليهم وأنا شأني شأن وشأنهم شأن، فهذا ليس في الإسلام. يقول أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه على المنبر -كما في الترمذي بإسناد حسن، وعند أحمد بسند صحيح-: {يا أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية وتحملونها على غير محملها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] وإني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ثم لم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده}. أنصلح في أنفسنا وأبناؤنا لا يصلحون؟! أنتهجد بالقرآن وأبناؤنا في المقاهي والملاهي؟! أنتلوا الآيات البينات وأبناؤنا يرددون ما يغضب الله عز وجل؟! أندرس كتب العلم المقومة الراشدة وأبناؤنا مع المجلة الخليعة ومع القول السخيف؟! ففي أي المبادئ هذا؟ إن هذا ضرر القدوة يوم أن كانت سيئة، فنشأ الطفل مقلداً لأبيه في السوء، فلما أراد الأب أن يوجه ابنه بعدما أخذ منه التقليد رفض الابن؛ لأنها غرست في قلبه هذه الأمور، فأصبحت راسخات راسيات.

الأمر بالصلاة

الأمر بالصلاة ومن حقوق الأبناء على آبائهم: أمرهم بالصلاة في السابعة، وضربهم عليها في العاشرة، والتفريق بينهم في المضاجع. ففي مسند الإمام أحمد والسنن بسند صحيح، قوله عليه الصلاة والسلام: {مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع} فإذا بلغ الطفل السابعة، فعليك أن تأمره أمراً بالصلاة، لكن لا تضربه في هذا السن، إنما تقول له: صل هداك الله. وتأخذ بيده، وتعلمه طريق المسجد، وتقوده إلى حلق الذكر، وتحببه بأهل الخير والجلوس في مجالس الخير، فإذا بلغ العاشرة ولم يصل فاضربه ضرب مؤدب، وناصح، ورشيد، يريد له الخير مثلما يريده لنفسه. {وفرقوا بينهم في المضاجع} يا لحكمة هذا الدين! ويا لقوته! ويا لشموله وعدله! يلاحظ الأطفال والنشء والجيل وهم في المضاجع، ويقول: حرام أن يتضاجعوا في مكان واحد، ففرقوا بينهم في المضاجع إذا بلغوا العاشرة من عمرهم، الذكر لا ينام في فراش الذكر، ولا الأنثى في فراش الأنثى، ولا الذكر في فراش الأنثى، ولا بأس بنومهم في غرفة واحدة، ولكن بشرط أن يفرق بينهم في المضاجع. هذا هو الدين الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، فلاحظ العبد في كل شأن من شئونه، الدقيقة والجليلة، حتى لا يحتاج إلى دين آخر، ونحن نقولها بقوة وبصراحة وعمق وشجاعة وتحدِّ: لسنا بحاجة إلى تربية أو إلى تعاليم مستوردة، ففي ديننا وكتابنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم الكفاية كل الكافية، ومن لم يستكف بدين الله فلا كفاه الله، ومن لم يستهد بهدى الله فلا هداه الله يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: من اعتقد أنه سيهتدي بهدى غير هدى الله، الذي أرسل به محمداً صلى الله عليه وسلم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.

تعليمهم العلم النافع

تعليمهم العلم النافع ومن حقوق الأبناء على آبائهم: تعليمهم العلم النافع. علم قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، العلم الذي أتى من فوق سبع سماوات، وليس العلم الرخيص الدخيل السخيف، الذي أتانا من أعداء البشرية قتلة الإنسان الذين: قالوا هم البشر الأعلى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا لكن المقصود هو العلم الموروث عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم، وتعليم الجيل من أعظم الخصال الواجبة في الإسلام. والإسلام لا يعترف بالجهل ولا بالدروشة، فلا نزهد أبناءنا في العلم، بحجة أنه مضن وأن طريقه طويل وشاق، فهذا من سوء الإرادة. صحيح أنه إذا كان عند الابن أو البنت من العلم ما تقوم به شئون دينه ودنياه، فلا بأس أن يكون له مجال في الحياة، كأن يبذل سبله في الصناعة، أو في التجارة، أو في البذل والعطاء، أو في الزراعة، أو في أي ناحية من نواحي الحياة، فكلٌّ ميسر لما خلق له، لكن ليكن عنده علم تقوم به عبادته ومعاملته مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فلا بد من تعليمه العلم النافع، وغرس الفضيلة في قلبه، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يحرص على هذا، فهذا ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما، وهو شاب في العاشرة من عمره، يدخل مع الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي بعد صلاة العشاء، فيقوم الرسول صلى الله عليه وسلم ليصلي في الليل، وابن عباس معه، فيحضر ماءً للرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من وضع لي هذا الماء؟ ثم يقول -ويعلم أنه ابن عباس -: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل}. فكانت دعوة من أعظم الدعوات المباركة في حياة ابن عباس، فلم يدع له بالتمكين في الأرض، ولا بالطول في الجسم ولا بالعرض، وإنما دعا له أن يكون فقيهاً مفقهاً معلماً مفهماً، وأن يعلمه الله تأويل كتابه. ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين}. والله قد قسَّم العلم في القرآن إلى قسمين: ضار ونافع، قال الله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة:102] ويقول الله عن أحد الذين تعلموا العلم، ولم ينفعهم، وهو بلعام بن باعوراء الحبر اليهودي: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176]. والله يقول لبني إسرائيل، وقد حملوا علماً لكن ما استفادوا منه، وما كان له أثر في معتقدهم، وعبادتهم، وسلوكهم، يقول الله عنهم: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيهم: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13]. فالعلم النافع هو الذي يورث خشية الله في القلب، والعلم النافع هو الذي ينشئ طفلاً يحب المسجد، ويحب القرآن والعلم، والعلم النافع هو الذي ينشئ الشاب عابداً لله، يتقي الله ويخاف الله ويريد ما عند الله قال الله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. وفرق بين علم وعلم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:56] فتحفَّظت الآية بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى (الإيمان) من علم لا ينفع، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: {اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع}. لأنه ليس كل علم نافعاً، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يربي الناس على العلم النافع، الذي يريده الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

مصاحبة الولد وغرس الفضيلة في نفسه

مصاحبة الولد وغرس الفضيلة في نفسه من حقوق الأبناء على الآباء: مصاحبته وغرس الفضيلة والثقة في نفسه. فلا يكون مسلوب الإرادة، ولا مسلوب الهمة والمكانة، وكثير من الآباء يخطئون في هذا الجانب، فيربون أبناءهم بالسوط والقسر والقوة والعنف؛ فينشأ الابن وقد سلبت إرادته وقوته ومكانته، فينشأ مهزوز الإرادة، لا كلمة له ولا حق ولا قدم. وهذا عنف لا يورث إلا عنفاً، ولذلك وصف الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى رسوله عليه الصلاة والسلام بالحكمة وباللين، فقال له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ويوم ساءت هذه التربية في كثير من البيوت؛ نشأ الطفل على أحد شقين أو قسمين: إما عاق لأبيه، مكابر، شاق للعصا، وقاطع للحبل بينه وبين أبيه؛ بسبب العنف والجفاء والسلطة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإما أن ينشأ الطفل ذليلاً مخبتاً، لا مكانة له ولا شجاعة ولا إرادة. وهذا خطأ وقع فيه كثير من الآباء. جاء في الطبراني: أن رجلاً أتى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! ابني ربيته، سهرت لينام، وظمئت ليروى، وجعت ليشبع، فلما كبر تغمط حقي، ولوى يدي. قال عليه الصلاة والسلام: هل قلت في ذلك شعراً؟ فأخذ الرجل يبكي ويقول: نعم يا رسول الله. قال: وماذا قلت؟ قال: قلت لابني: غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا باكياً أتململ كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به دوني فعيني تهمل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل } وإذا كان الأب جافياً مع أبيه، أو عاقاً لوالديه، فإن الجزاء من جنس العمل.

حفظ الولد من رفقاء السوء

حفظ الولد من رفقاء السوء ومن حقوق الأبناء على الآباء: إبعادهم عن رفقة السوء وأهل الفساد. يقول الله تعالى عن الرفقة الصالحة: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] وكل صحبة وصلة وصداقة تتقطع وتتلاشى وتنهار إلا صلة الذين يريدون الله والدار الآخرة. قال ابن عمر رضي الله عنهما: [[والله لو صمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله، ثم لقيت الله لا أحب أهل الطاعة ولا أبغض أهل المعصية؛ لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار]]. أورد هذا الأثر الغزالي في الإحياء، ولذلك يقول الشافعي، وهو يتحدث عن نفسه بتواضع في أبيات: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة ولكن والله هو منهم، ويرد عليه الإمام أحمد فيقول: تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم قد تناولنا الشفاعة والشافعي قرشي هاشمي ولكنه لم يركن إلى نسبه فقال: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة يقول: أنا سيئ -تواضعاً لله- لكن من خيرة الله لي أني أحب الصالحين ولست منهم؛ لعلي أن أنال بهم شفاعة، لأنه في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري {المرء يحشر مع من أحب} فإن أحببت الصالحين، وعملت بعملهم، حشرت معهم، والعكس بالعكس أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة يقول: ولو كنت عاصياً لكنني أكره العصاة ولا أصاحبهم عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي كيف يكون الإنسان صالحاً وهو يرافق رفقة السوء؟ يقول أهل العلم: ما كان أفسد على أبي طالب من صحبة السوء، أراد صلى الله عليه وسلم أن يقول أبو طالب لا إله إلا الله. فقال: {يا عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أشفع بها لك عند الله} فأراد أن يتلفظ بها، وأراد أن ينجو من النار والدمار والعار والشنار، وأن يدخل في رحمة الواحد الغفار، فقال له أبو جهل: كيف ترغب عن ملة آبائك وأجدادك؟ فأتى هذا الجليس السيئ، فرده في نار تلظى فمات كافرا مشركاً بسبب رفقاء السوء. ورفقة السوء انتشروا كثيراً، وهم أعدى من الجرب، فالجرباء عند أهل العقول تعدي الصحيحة، وما سمعنا أن الصحيحة تعدي الجرباء، حتى تكون صحيحة. فمن الحكم والمصالح والواجبات على الآباء: أن يتقوا الله في الأبناء، وأن يجنبوهم رفقة السوء بكل وسيلة ممكنة.

شغل أوقات الفراغ بما ينفع

شغل أوقات الفراغ بما ينفع ومن حقوق الأبناء على الآباء: شغل أوقات الفراغ بما ينفع. يقول الله تَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] كثير من الأبناء الآن يشكون الفراغ، تجد أحدهم في العطلة الصيفية يقول: عندي فراغ. سبحان الله! مسلم وعندك فراغ؟! طالب علم وعندك فراغ؟! ألست من الأمة الخالدة التي ما عرفت الفراغ، ولا عرفت ضياع الوقت؟! كيف يكون عندك فراغ وعليك مسئولية وأمانة وحمل ثقيل؟ جاء في صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} ويوم أن عرف الجيل الفراغ نشأ معوجاً، لا يعرف الرسالة، ولا يحمل مبدأً ولا مسئوليةً، لأننا أوجدناه ليكون فارغاً، وما أدركنا أن السلف الصالح ما عرفوا الفراغ أما كان صلى الله عليه وسلم أوقاته كلها معمورة بذكر الله؟. ذكروا عن أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي -العالم الكبير الشهير، الذي ألف كتاب الفنون، وهو يوجد في مكتبة بون في ألمانيا في ثمانمائة مجلد- أنه من شدة حفظه للوقت كان إذا أتى لينام كتب الصفحات والأفكار التي تهديها بنات أفكاره إليه، فإذا استيقظ كتب الأفكار التي ربما تمر به، فألف من وقت الفراغ ثمانمائة مجلد. وذكر عنه صاحب طبقات الحنابلة - ابن رجب - أنه قال: ربما أكلت الثريد ولا آكل الفتيت؛ لأن بينهما في الوقت مقدار قراءة خمسين آية. أي وقت هذا؟! نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي يتكلم دايل كارنيجى الأمريكي في كتاب: دع القلق وابدأ الحياة، عن الأمريكان، ويمدحهم ويقول: لا يعرفون الفراغ. وقد صدقنا وهو كذوب! صدقنا في هذه القضية، ولو كان كاذباً دائماً، فإن مصانعهم تهدر، وإن معاملهم تعمل، يقول الله عنهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] يقرءون وينتجون ويقدمون ويخدمون ويفعلون، أما أبناء المسلمين -إلا من رحم الله- فتجدهم يشكون من الفراغ، خاصة في العطل الصيفية، حتى إنه تقدم اقتراحات: ما هي هوايتك؟ أللمسلم هواية إلا إرضاء الله عز وجل؟! هوايتك حمل الرسالة هوايتك نشر لا إله إلا الله هوايتك أن تضع هذا الرأس الذي خلقه الله على التراب ساجداً لله. أما هواية جمع الطوابع، ومطاردة الحمام والدجاج، وركوب الخيل والسباحة! فهذه إنما هي في بلاد كانت، وديكارت، أما بلاد محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلا إنما هوايتنا المحافظة على الصلوات الخمس هوايتنا حفظ القرآن العظيم هوايتنا أن نعيش مع المكتبة الإسلامية هوايتنا أن نقول للشعوب وللدنيا: نحن المنقذون بإذن الله، نحن الذين تهدوا بنا نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى فمن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا ما عرفنا جمع الطوابع إلا يوم أن تركنا الطريق إلى المسجد، وما عرفنا مطاردة الحمام والدجاج إلا يوم أن تركنا الجلوس في حلق العلم، وفي حلق المربين الناصحين والعلماء المسددين، وإلا فإنا إذا وصلنا إلى هذه الدرجة؛ فقل على الأمة السلام، ولكن -بحمد الله- هناك بقية خير، وهناك آباء فضلاء نبلاء حكماء، يعلمون أن الله استودعهم البيوت. وهل من الصحيح أن يُترك البيت فارغاً بلا توجيه، يغلب عليه الفراغ والوسوسة، وكل رأي وكل مجلة خليعة، وكل صدى فاجر لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر؟ ليس ذلك من الصحيح فهذه الحقوق لابد أن تكون معروفة.

معرفة ميول الأبناء

معرفة ميول الأبناء ومن حقوق الأبناء على الآباء: معرفة ميله واتجاهه العلمي والوظيفي. كلٌّ ميسر لما خلق له ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في آخر كتابه: تحفة المودود في أحكام المولود، قال: لا يعتب على الشاب بعد أن يكبر، فأنت أيها الأب لا ترغمه على تخصص لا يريده، وعلى طريق لا يحبه، إذا أصبح عاقلاً رشيداً فاهماً عارفاً بمستقبله، فأنت لا تقترح عليه أي تخصص ولا أي طريق، إذا كان هذا الطريق الذي ينحوه طريقاً يرضي الله. وكثير من الآباء يقع في هذا، فهو يريد من ابنه أن يكون مفتياً، وابنه نفسيته وعقليته واتجاهه وتكوينه وتخصصه أن يكون مهندساً، ويريد الأب أن يكون ابنه تاجراً، والابن يريد أن يكون مفتياً؛ فيكون فيه اعوجاج في العلم، ويحدث من ذلك رسوب في السنوات، وتدهور وفشل في الدراسة وفي التحصيل العلمي. لماذا؟ لأن الابن ما تُرك وإرادته، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {كل ميسر لما خلق له}. وقد علم صلى الله عليه وسلم الصحابة التخصصات، وفتح لهم الأبواب والثغرات، فأتى حسان بن ثابت فما قال له صلى الله عليه وسلم: كن مفتياً، ولا كن مفسراً، ولا كن محدثاً، لكن قرأ عقليته وتخصصه؛ فوجده شاعراً فقال: أنت شاعر الإسلام وادخل الجنة من باب الشعر والأدب؛ فكان شاعر الدعوة. وأتى إلى أبي بن كعب فوجده مقرئاً وتالياً، فقال: {وأقرؤكم أبي} أو كما يروى عنه صلى الله عليه وسلم. وأتى إلى زيد بن ثابت فوجده فرضياً، فعلمه الفرائض، وأتى إلى خالد بن الوليد، فوجده مجاهداً صنديداً أبياً وقائداً فذاً، فأعطاه السيف وقال: {خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سلَّه الله على المشركين}. فهذه التخصصات لابد أن نؤمن بها، نؤمن بها في بيوتنا ومجتمعاتنا؛ لينشأ أبناؤنا على رغباتهم إذا كانت ترضي الله. هذه حقوق أردت -باختصار- أن أقدمها في هذه الليلة المباركة، التي أسأل الله أن تكون في ميزان الحسنات، وأن ينفع بما أقول من الكلام، ولا أريد الإطالة، فإن آخر الكلام ينسي أوله، بل أتم الشكر لله عز وجل، ثم أشكر أهل الفضل ثانياً، وأشكركم على حضوركم وإصغائكم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اختيار الزوجة الصالحة

اختيار الزوجة الصالحة ما هي مواصفات الزوجة الصالحة يا عباد الله؟ وما هي مؤهلات المرأة الصالحة في الإسلام؟ أهو الجمال؟ فإنه مطلب فارس، أهو المال؟ فإنه مطلب اليهود، أهو الحسب؟ فإنه مطلب الرومان، أهو الدين؟ فإنه هو مطلب الإسلام. يقول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: {تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك} فالدين هو كل شيء في المرأة، ولا يعني كلامنا هذا؛ أن نعفي الرجال من مسئولية البحث عن الجمال، أو طلب الحسب، أو المال، لكن ينبغي ألا يكون هذا على حساب الدين، وإلا فسيكون غير موفق في اختياره، فلا بد أن يجعل الدين هو الأصل وما بقي تبع له ونحن نؤمن أن الجمال مطلوب وكذلك الحسب مطلوب، وأن المال لا بأس بطلبه خالصاً وحلالاً، لكن يقول الله سبحانه تعالى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221] فاظفر بذات الدين تربت يداك. ويوم أُسيءَ الاختيار في بعض الأماكن؛ نشأ الجيل معوجاً، وأتى الطفل راضعاً من أم جاهلة أو ليست مستقيمة، أو أم فيها حمق، لأن الاختيار كان عن عدم تقدير وحكمة. فأول مسئوليات الآباء: اختيار الزوجة الصالحة، التي تريد الله والدار والآخرة، ولا عبرة -والله- بالمرأة التي لا تريد الله، ولا تعمل بكتاب الله ولا بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولو كانت في أي بيت أما عذب الله عز وجل امرأة نوح؟ أما عاتب ولام وندد بامرأة لوط؟ ولكنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مدح امرأة فرعون، ففي بيت فرعون تنشأ امرأة مسلمة مؤمنة، وفي بيت النبوة تنشأ امرأة فاجرة كافرة، فسبحانك يا رب! فاختيار الزوجة أمر لابد منه، وهو أمر إذا وفق الله العبد إليه كان من أعظم ما ييسر تربية الأبناء فيما سوف يقبل من الزمن.

أدب الاتصال

أدب الاتصال يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]. إن اتصال الرجل بالمرأة في الإسلام أمر شريف، ليس كما ادعاه أعداء البشرية، كـ لينين وماركس وديكارت وكانت في كتبهم يوم قالوا: شهوة جامحة تفضى في المرأة سبحان الله! بل إنه لحكمة، لعمار الأرض، ولوجود الذرية الذين يحملون الرسالة فمن الأم ينشأ العلماء، والعباد، والزهاد، والحكماء، والأغنياء، والسادة، والقادة، وصانعو المجد، فأين ذهبت هذه الحكمة عن تلك العقول والأدمغة التي ما عرفت الطريق إلى الله؟!. وحكمة التقاء الرجل بالمرأة أمر شريف يطلب فيه وجه الله، ولذلك قال البخاري في الصحيح: باب طلب الولد للجهاد في سبيل الله. وأورد حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام -وقد شاركه مسلم في إخراجه- يوم يقول عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة: {قال سليمان عليه السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة كلهن يلدن مجاهداً في سبيل الله} كل المائة يلدن بعد الحمل مجاهداً في سبيل الله، ولكن نسي عليه السلام أن يقول: إن شاء الله؛ فما ولدت إلا امرأة واحدة بشق رجل، قال عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده! لو قال إن شاء الله؛ لولدن كلهن فرساناً أو مجاهدين يجاهدون في سبيل الله، ولكان ذلك دركاً لحاجته}. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام: {لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم رزق مولوداً لم يضره شيطان أبداً} باسم الله في أمورنا، وباسم الله نبدأ، وباسم الله نتصل، وباسم الله نربي، وباسم الله ننشئ جيلاً، وباسم الله نكون دعاة مخلصين، وحكماء وعلماء وفقهاء، فبدايتنا باسم الله، ونهايتنا باسم الله.

الأسئلة

الأسئلة

السباحة والسباق

السباحة والسباق Q ذكرت هواية السباحة على طريق الإزراء، مع أنها وردت في السنة فكيف ذلك؟ A يذكرني الأخ بأني ذكرت في غضون حديثي، بما يفهم الإزراء بمن قال هوايته السباحة، وإلا فإنها واردة في الإسلام، وقد حث عليها صلى الله عليه وسلم، لكن مقصودي: أن تكون رسالة المسلم في الحياة هذه الهواية، وأن تكون ليله ونهاره وديدنه، فهذا ليس بمطلوب، وإنما يتعلمها لتكون له وسيلة، فإن السباحة والرماية وركوب الخيل علمها صلى الله عليه وسلم أجيال الصحابة، ودعا صلى الله عليه وسلم إلى معرفتها، بل جاء في صحيح البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل، وحضر المسابقة صلى الله عليه وسلم، وشهد مراسيمها، ورأى أبطال جيله وهم يتسابقون على الخيل المضمرة والخيل التي لم تضمر. فجزاه الله خيراً.

كتب تعين على التربية

كتب تعين على التربية Q هل لك أن تدلنا على كتب تساعد في تربية الأبناء؟ A من أعظمها وأجلها، وهذا الذي أجمع عليه عقلاء المسلمين وعلماؤهم: كتاب الله الخالد، أن يكون أول ما يربى عليه الطفل هو القرآن الكريم، وأن يحفظ منه ما يستطيع، وأن يتدبره آناء الليل وأطراف النهار. ثم كتب الحديث: -السنة النبوية- وبالخصوص رياض الصالحين، ذلك الكتاب الرحب النافع المفيد، وكتب الأذكار خاصة ما حقق منها ونقح، ومنها: كتاب تربية الأولاد للشيخ علوان، وحبذا لو حققت وخرجت بعض أحاديثه فهو من أحسن الكتب، إلى غير ذلك من الرسائل النافعة والمفيدة والمبصرة.

لعب الأطفال

لعب الأطفال Q مسألة حقوق الأطفال في اللعب، ماذا تقولون فيها؟ A لا بأس بها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم داعب، وإنما أذكره صلى الله عليه وسلم لأنه القدوة والمعلم، والذي على قوله وفعله وحاله تعرض الأقوال والأفعال والأحوال، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فقد جاء في صحيح البخاري: أن أخا أنس أبا عمير كان له نغر يلعب به، فمات هذا النغر -طائر أتى به من ناحية من نواحي المدينة فقص ريشه وأتى يلعب به- فمات الطائر، فأتى صلى الله عليه وسلم يعزي هذا الطفل في هذه المصيبة الكبرى؛ ليشاركه أحداثه وأحاسيسه ومآسيه وقال: {يا أبا عمير! ما فعل النغير؟}. فاللعب لا بأس به، بشرط ألاَّ يشغل الطفل عن صلاته، أو عن شيء يستثمر فيه وقته، إلا أن يكون له وقت وفسحة ونزهة فلا بأس بذلك، وقد دل عليه القرآن الكريم في سورة يوسف، كما قال الله: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يوسف:12] فدل على أن لعب الأطفال كان موجوداً، وحتى أبناء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لعبوا.

الأئمة الأربعة

الأئمة الأربعة Q الذي نعرفه أن الأئمة المعتمد عليهم أربعة: الإمام أحمد بن حنبل، والإمام الشافعي، والإمام مالك، والإمام أبو حنيفة. إلا أن هناك بعض الفقهاء يقولون: إن المذاهب ثمانية عشر. الرجاء توضيح: هل هناك فارق بين الأئمة في الفقه والتوحيد أم ماذا؟ A تخصيص الأئمة بأن يكونوا أربعة أو أن الأمة أجمعت على هؤلاء الأربعة رد على ذلك ابن القيم في إعلام الموقعين، فلم يذكر الله عز وجل في كتابه أنهم أربعة، ولا الرسول عليه الصلاة والسلام، بل أئمة الإسلام أكثر من ذلك، لكن الذين اشتهروا بالفقه والتأصيل في الفروع هؤلاء الأربعة، ومنهم من زاد داود الظاهري معهم وابن حزم والأوزاعي وسفيان الثوري، لكن تحديد العلم والفقه في هؤلاء الأربعة ليس بصحيح. يقول ابن القيم: ليس بصحيح، ومن خصص هؤلاء الأربعة أو أعين هؤلاء وأنفس هؤلاء، لكن هؤلاء أجل من يُنقل عنه الفرعيات، أو التأصيل في الفروع، وإذا سمعت مقالة لغيرهم وأتى بدليل فلك أن تذهب إلى مذهب ذاك الرجل؛ لأن العلم ليس حظراً على أحد، فإذا تكلم الأوزاعي وأتى بدليل أخذناه على العين وعلى الرأس، وسفيان الثوري أحد الأئمة الذين لهم قدم صدق في الإسلام. أما أنهم ثمانية عشر، فلا أعرف إلا أن عند الشيعة اثنا عشر مذهباً، فالأئمة عندهم هم اثنا عشر، يقولون: لكل إمام مقالة. أما نحن في الإسلام فأئمتنا كثير والحمد لله، ليسوا بأربعة ولا ستة ولا عشرة ولا ثمانية عشر، كل من اتقى الله عز وجل وصبر وحصل على اليقين فهو إمام في الدين، قيل لـ ابن تيمية: بم تحصل الإمامة في الدين؟ قال: بالصبر واليقين. {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24].

التشبه بالكفار

التشبه بالكفار Q ما نصيحتكم للآباء الذين تركوا لأبنائهم حرية تقليد الكافر، وهل هذا صحيح وله أصل؟ A الرسول -صلى الله عليه وسلم- صح عنه عند أبي داود وفي مسند أحمد أنه قال: {من تشبه بقوم فهو منهم} فالتشبه بقوم في قول أو فعل أتى به الكافر وليس في ديننا، فهو تنقص لدين الله عز وجل، وهذا خطر وقع فيه كثير من المسلمين سامحهم الله، يوم أن تركوا لأبنائهم هذا، حتى إن بعض الآباء يتشرف أن يتكلم ابنه وهو طفل، أو يفصح على اللغة الإنجليزية، ونحن لا نقول: هذا حرام، بل ربما تكون من الضرورات إذا وصل بنا الحاجة إلى تعلمها، ولكن أن ننشئ الطفل عليها، وهو لا يعرف اللغة العربية، ولا يتكلم بها، ولا يحفظ شيئاً من القرآن، فلا يجوز، يقول ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: من داوم على لغة غير اللغة العربية، وجعلها حديثه واهتم بها أكثر من العربية، فهي من علامات النفاق. فكثير من الآباء يتمدح بين الناس أن ابنه أصبح ينطق الانجليزية بجدارة، وهذا ليس بحرام لكن لابد أن يُعلم اللغة العربية، فأشرف لغة في الأرض؛ لغة القرآن، اللغة التي جعلها الله عز وجل أحسن لغة، بحمل هذه الرسالة الخالدة.

من أحكام العقيقة

من أحكام العقيقة Q هل هناك وقت لذبح العقيقة للولد مثلاً بعد أسبوع؟ وماذا لو تأخر في ذبحها بعد شهر؟ وهل يتصدق بها أو يدعو عليها الأقارب والأصدقاء؟ A هذه المسألة بحثها ابن القيم في كتاب: تحفة المودود في أحكام المولود، والسنة في ذلك أن تكون في اليوم السابع، فإذا لم يكن في اليوم السابع ففي اليوم الرابع عشر، فإذا لم يكن في اليوم الرابع عشر ففي اليوم الواحد والعشرين، وإذا زاد فلك أن تعق عنه، وهذا قول لبعض أهل العلم، حتى لو كان الابن كبيراً، أما إذا مات الابن فيفتح الله ويسهل، لا تلحق العقيقة موت الابن، يكفيك حزن ابنك عن خسارة هذه الذبيحة. وأما مسألة: هل يتصدق بها أو يدعو إليها؟ فقد بحثها ابن القيم وقال: الدعوة عليها أفضل من توزيعها على الناس، لأنك تريح الناس من مؤنة الطبخ، فدعوتك للناس أفضل وأولى وورد أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يكسر عظم الذبيحة، وإنما يفصل من المفاصل؛ تفاؤلاً ألا يكسر عظم هذا المولود. هذا من السنة. أما إذا وجد أن المجاورين المحتاجين يكونون بحاجة أحوج ممن يدعى إليها، فهل هذا أحسن؟ فنقول: أنت أبصر، وهذه المسألة فيها سعة، وإنما ذكرت كلام ابن القيم أن يدعى إليها لأجل مئونة الطبخ. وإن رأيت أن توزيعها أفضل وأولى، فالمسألة فيها سعة، فافعل ذلك مأجوراً مشكوراً.

حكم الاستفادة من تجارب الكفار

حكم الاستفادة من تجارب الكفار Q ما رأيك في قراءة كتب عن القادة العسكريين، مثل هتلر وغيره؛ لأخذ الفكرة في حروبهم؟ A ورد عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [[الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها]]. وبعض المحدثين يرفع هذا الحديث إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ونحن لا نسد آذاننا وعيوننا ونقول: لا نقبل إلا ما أتى من هنا نعم عندنا كل خير وعندنا ما يكفينا، لكن لا بأس من الاستفادة من تجارب الناس، وفي صحيح البخاري: أن الشيطان علم أبا هريرة آية الكرسي كل ليلة؛ فقال عليه الصلاة والسلام: {صدقك وهو كذوب} فلا بأس أن نأخذ من تجاربهم ما نستفيد منه؛ لأن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها.

اختيار الزوجة

اختيار الزوجة Q بعض الآباء يجبرون أبناءهم على الزواج من الأقارب بدون أخذ الرأي، فما تعليقكم؟ A هذا خطأ، وللابن حق أن يستشار في الزواج؛ لأنه هو صاحب الزوجة وهو الزوج، وهذا أورث كثيراً من المفاسد في المجتمع، منها: كثرة الطلاق يوم أن يجبر الشاب على بنت لا يرغبها، ولا يجد في نفسه ميلاً لها، فيقع بعد فترة أحداث الطلاق الذي يبغضه الله عز وجل. فنصيحتي أن يستشار الابن، وأن ينظر إلى مخطوبته قبل الزواج، وألا يقدم إلا على امرأة يرتضيها ويحبها؛ ليسدد في زواجه، ولئلا تتكرر هذه الأخطاء في المجتمع. هذا؛ وفي الختام أشكركم، وأصلي وأسلم على الرسول الهادي صلى الله عليه وسلم. والحمد لله رب العالمين.

إليكم يا شباب الصحوة!

إليكم يا شباب الصحوة! إليكم يا شباب الصحوة! موضوع شيق يتطرق فيه الشيخ إلى موضوعات عدة منها: الإيمان وأثره في حياة الشاب المسلم، وتعبد الشباب لله في طلب العلم، وحال المسلمين وواقعهم والمفارقات العجيبة في ذلك.

دور الإيمان في حياة الشاب المؤمن

دور الإيمان في حياة الشاب المؤمن الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً؛ والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجًا منيراً بلَّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، رفع الله به رءوسنا وكانت مخفوضة، وشرح به صدورنا وكانت ضيقة، وأسمع به آذاننا وكانت صمَّاء، وبصَّر به عيوننا وكانت عمياء، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة الفضلاء أيها الجيل النجيب أيها الأحباب الأبرار. إن كان لي شكر، فإني أتوجه بالشكر إلى الله تبارك وتعالى على توفيقه، وعلى أن جمعنا بهذه الوجوه الساجدة لله، الباسمة المتوضئة المستنيرة بنورِ الإيمان؛ ثم أشكر القائمين على هذا الصرح العلمي الفذ مديراً وأساتذةً وطلاباً. أيها الإخوة: إن حديثنا هذا اليوم ليس بجديد عليكم وليس بغريب؛ ولكنه ذكرى، فإننا نتحدث مع جيلٍ آمن بالله ورضي به رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً. أيها الإخوة الفضلاء: إنني أتحدث مع مؤمنين رضوا بهذا الإسلام جلباباً وثوباً وستراً وهدايةً وتشريعاً ومنهجاً. إنني أتحدث مع أُناسٍ أتوا من أصلابٍ مؤمنة، ووقعوا في أرضٍ مؤمنة، واستظلوا بسماءٍ مؤمنة. إنني أتحدث مع طلبةٍ ليسوا بغريبين عن الإسلام ولا غريبين عن الإيمان؛ إنهم في بقعةٍ مؤمنة، وفي دارٍ مؤمنة أستاذتهم مؤمنون، وآباؤهم مؤمنون، وأمهاتهم مؤمنات. حديثي إليكم -أيها الإخوة الفضلاء- عن دور الإيمان في عبودية الجوارح. فما معنى الإيمان؟ وما معنى أن نكون مؤمنين؟ إن أمةً بلا إيمان قطيعٌ من البهائم، ومدرسة بلا إيمان مدرسة متهدمة خاوية، وقلب بلا إيمان كتلة من لحم ميتة، وأستاذٌ بلا إيمان جثمان هامد لا حراك فيه، وكتاب بلا إيمان أوراق مصففة، وخطبة بلا إيمان كلام ملفق. فما هو الإيمان؟ يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. فقبل أن يأتينا الإيمان يا معشر الأمة العربية -لا نقولها قومية ولكن الأصالة العربية في الإسلام- قبل أن يأتينا الإيمان كنا رعاة إبل وشاةٍ لا نفهم، ولا نفقه، فلا حضارة ولا تاريخ، ولا ثقافة، فلما بعث الله فينا هذا الرسول عليه الصلاة والسلام ابتُعثنا من جديد، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. ولما حُصِرَ مفهوم الإيمان في مسائل ضيقة أصبح الجيل كما ترون إلا من رحم الله. قالوا: الإيمان معناه أن تصلي صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وأن تغتسل من الجنابة، وأن تتوضأ، والإيمان أن تضحي يوم الأضحى وأن تحج وأن تعتمر، ثم تُرك السلوك، وتركت الأدبيات لشخصيةِ المسلم، وتُرِكَ البيت، وتُرِكَ السمع والبصر لا دخل للإيمان فيه؛ وإلا فما تأثير الإيمان إذا كان طقوساً تعبدية فحسب! فما وُجِدَت الأغنية الماجنة في المجتمع المسلم، وطُرِدَ بعده القرآن من البيت، إلا يوم خرج الإيمان من القلوب. وما دخلت المجلة الخليعة في البيوت، إلا يوم استُخْفِي الإيمان من القلوب، وما دُمتَ مع رفقة السوء وتتعاطى السجائر في الجلسات، وقضيت الليالي الحمراء في السهرات، وكثرت الذهبات والجيئات فيما يغضب رب الأرض والسماوات؛ إلا يوم قضي الإيمان. وما أسبلت الثياب -وما أتيت اليوم لأتحدث عن إسبال الثوب؛ جزئية من جزئيات- إلا لما أخفي الإيمان من القلوب، وما خولفت سنته صلى الله عليه وسلم إلا يوم ضعف الإيمان في القلب. وإذا أتينا إلى مشكلاتنا لنعالجها فما تُحل، وهي أكبر من أن تُحل، وحلها الوحيد هو الإيمان.

معنى الإيمان في حياة العبد

معنى الإيمان في حياة العبد الإيمان في حياة المؤمن معناه: أن تكون مؤمناً بالله يوم سعيك وقيامك وقعودك وحلك وترحالك، الإيمان بالله: أن يكون الله رقيباً عليك في حركاتك وسكناتك، وأن تجلس على كرسي وأنت تستمع إلى القصة والكلمة والدرس، وقد سلَّمت قلبك إلى الحي القيوم. والإيمان على مستويات: موقف المدير أو المسئول عن مثل هذه السُكنة والصرح؛ أن يكون مؤمناً بالله وأن يسترعي هذه الرعية برعاية الله عز وجل، وألا يقطع حبله من الله عز وجل، يقول عليه الصلاة والسلام: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} وهذا الجيل أمانة في عنقه، إما أن يهديهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض وإما أن يتركهم فيتردون في النار على وجوههم ونعوذ بالله من ذلك، وهي الأمانة قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السموات وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72]. وأمانة الأستاذ: أن يأتي من بيته صباحاً، وأكبر القضايا التي يحملها في ذهنه هي الإيمان، لا يظن أنه يؤدي حصة ليتعاطى عليها راتباً أو أجراً أو كراءً أو مادةً، إن هذه يفعلها اليهود والنصارى والخواجات واليونان والصينيون، كل طوائف الأرض تفعل هذا، فعندهم مدارس كمدارسنا، وعندهم جامعات كجامعاتنا، وأندية كأنديتنا، لكن نحن نتلقى علمنا من فوق سبع سماوات، ونحن نتعبد بهذا العلم لله الواحد الأحد، فندخل الفصل باسم الله، ونخرج باسم الله، وندرس العقيدة باسم الله، ونتكلم باسم الله ونسكت باسم الله، أما هم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. فالأستاذ يوم يأتي إلى الفصل يعرف أنه وارث لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنه خليفة الله، وأن المسلمين قد وضعوا أبناءهم أمامه أمانة بين يديه، وقد أخرجوا فلذات أكبادهم، وطرحوا قلوبهم ومقلهم، وقالوا: يا عبد الله! اتق الله في أبنائنا. وليس معنى الإيمان أنه إذا دّرَّس في التوحيد أن يكون موحداً، وإذا دّرَّس في التاريخ أن يكون مؤرخاً، وإذا دّرَّس في الجغرافيا أن يكون جغرافياً. لا. إن هذه المواد إذا لم تُربط بحبل الإيمان فإن الله سوف يسأل هذا المُعلم عنها يوم القيامة، إذ الإيمان لا بد أن يكون في الحصة وفي المحاضرة وفي الندوة وفي الكلمة، ولذلك الذي لا يحمل الإيمان، ولا يحمل المبادئ ميت، ويحاسب عليها يوم العرض الأكبر عند الله، لأنه ماحفظ الله في الجيل، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة}.

واجبنا كطلاب علم

واجبنا كطلاب علم أما نحن كطلاب وطلبة علم وتلاميذ فواجباتنا أربع واجبات: أولها وأعظمها: رقابة الله في هذا العلم، وأن نأتي بلهف وشوق وحرص على هذا الطلب، ونحمد الله أن شرفنا بأن جعلنا طلبة علم، ثم نسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى دائماً وأبداً أن يفتح علينا من فتوحاته، وأعظم فتح يفتح الله عليك أن يجعلك عبداً له، والله لقد رأينا وأبصرنا شباباً ضيعوا الله فضيعهم الله في الحياة، وسوف يضيعون إن لم يتوبوا في الآخرة. لما ضيعوا الله في الاستقامة ضاعوا في الدراسة، وضاعوا في المناهج، وضاعوا في المستقبل، وضاعوا في الأسر والسمعة، وأخذوا مرغمين إلى السجون، وحبسوا، وضربوا بالأسواط، وقيدوا بالحديد، وأصبحوا في ذلة وفي حقارة وصغار، لأنهم ما حفظوا الله: فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان إن الذي لا يحفظ الله يضيعه الله، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يوقف الصحابي الواحد من أصحابه ويقول له: احفظ الله يحفظك -إي والله- كان فرعون طاغية، ضيع الله فضيعه الله في اليم، وكان أبو لهب طاغية، ضيع الله فأورده في نار ذات لهب، وكان أبو جهل طاغية، فلما لم يذل للا إله إلا الله ضاع، وأنتم تستقرئون من قرابتكم ومن مجتمعاتكم؛ أن من ضيع الله ضيعه الله عز وجل. فأكبر قضية نريدها هي حفظ الله عز وجل، إن رقابة الأستاذ، أو الإدارة، أو السلطة، لا يمكن أن تنفذ إلى قلبك إذا لم تراقب الله عز وجل، فلا يستطيعون أن يراقبوك، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْأِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام:120]. ظاهر الإثم نتركه -يمكن- خوفاً من السلطة، لكن باطن الإثم لا يترك إلا خوفاً من الله، هذا أمر. الأمر الثاني يا أيها الأحباب: أن نحمل العبودية كطلبة علم، إذ ليس بصحيح أن ترى طالب علم يقرأ قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وتربى على يد أساتذة أبرار أخيار، ولا تظهر عليه معالم السنة ومعالم الاستقامة، كأنه خرج من نادي من باريس أو من لندن أو من واشنطن. هذه بلاد القبلتين، هذه مهبط الوحي، يقول أبو الأعلى المودودي في رسالة له: إن تراب هذه الجزيرة مؤمن بالله، وإن هواءها يشهد أن لا إله إلا الله، ,وإن ماءها لو نطق لقال: لا إله إلا الله، هذه البلاد لا ينشأ فيها إلا عبد صالح يوم يريده الله عز وجل أن يكون صالحاً، ففرق بين أن نتعلم علم الذين: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. كعلم التيوس، أو علم الثيران، أو أدمغة الحمير التي لا تفهم، معلومات لكن ما تستفيد. قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [الروم:56]. هل سكتت الآية؟!: {وَالإيمان} [الروم:56]. إننا لا نطالب بالعلم الدنيوي فقط بلا إيمان، فقد غلبنا فيه اليهود والنصارى والكفرة، لكن نطالب بعلم الدنيا مع الإيمان.

أهمية القدوة الصالحة

أهمية القدوة الصالحة المسألة الثانية والقضية الكبرى: كيف تظهر العبادة علينا؟ وما هي عبادة الأعضاء؟ وهل تريد أن تكون عبداً لله عز وجل؟ لا بد أن تظهر عبادتك على أربعة أعضاء، ولها أعضاء أخر، ولكن أشير إليها لأهميتها: أولاً القلب كتلة اللحم التي تحمله بين جنبيك، هو حياتك وموتك، وواجبك أمام الله أن تدخل فيه الإيمان: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96] وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. فلا بد أن تحشو قلبك بالإيمان، فإذا لم تفعل فانتظر الهلاك والدمار واللعنة والعار في الدنيا والآخرة. الأمر الثاني: أن تجعل الإخلاص والنية الصالحة في قلبك. الأمر الثالث: أن تملأ هذا القلب بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم. أيها الإخوة: أنا أقول لكم بمنطق النقل والعقل، إن أعظم شخصية طرقت الدنيا والعالم هو محمد عليه الصلاة والسلام، والله الذي لا إله إلا هو! لا نقولها عاطفة وتعصباً، ولكن ما وطأ التراب أشرف من الرسول عليه الصلاة والسلام. ووالله! لقد حسدتنا الأمم عليه، ويؤسفنا ويخجلنا ويحسرنا ويبكينا أن نرى في بعض البيوت شخصيات لمعت من المغنين والمغنيات، الماجنين والماجنات الداعرين والداعرات، الأحياء منهم والأموات؛ قد جعلوا عظماء. يقولون: الفنان العظيم، والفنان في لغة العرب هو الحمار الوحشي المخطط، وهو أشبه بهذا، فكيف يكون عظيماً؟! إن العظماء الذين ينبغي أن ترسم صورهم في القلوب وفي البيوت؛ محمد عليه الصلاة والسلام وأبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة، والزبير، وخالد، وصلاح الدين، وابن تيمية، وابن القيم. إن عندنا من العظماء ألف عظيم وعظيم، ومن العلماء ألف عالم وعالم، ومن الأدباء ألف أديب وأديب، فكيف تركت هذه الشخصيات. إن جلست مع بعض الشباب تراهم مغرمين بسيرة هتلر، يقرءون سيرة كفاحه، سبحان الله! قاتلكم الله ما وجدتم العجب إلا من هذا الخبيث المنتن الكلب الذي دمر العالم: قالوا هم البشر الأعلى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا وبعضهم يعجبه شعر شكسبير هذا الإنجليزي الفاجر الذي دعا إلى إباحية المرأة، وكشفها أمام الناس واستخدمها وقال: هي حق للجميع. والآخر يحمل نسخة في جيبه لـ نزار قباني، هذا الداعر الخبيث المنتن الذي سوف يحاسبه الله على ما فعل، نسأل الله أن يجازيه بعدله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. فيا سبحان الله! يوم ترك العظماء هؤلاء وسيرهم في البيوت، وقعنا فيما وقعنا فيه. تسأل الشاب عن سيرة أبي بكر فيحفظ سير لا تنفعه، يقول: ولد أبو بكر سنة كذا وكذا، ومات سنة كذا وكذا، وتولى الخلافة سنة كذا وكذا. إننا -يا أيها الإخوة- إذا قرأنا السيرة فعلينا أن نقرأ السيرة التربوية، سيرة محمد صلى الله عليه وسلم. أصبح في أذهان كثير من الشباب أن ترجمة الرسول عليه الصلاة والسلام معنى أنه إنسان يدعو إلى الله عز وجل، ويتكلم في المساجد وكان يخطب، وكان مع أصحابه يربيهم، وحضر في بدر وتبوك والخندق وأحد، وهذه ترجمة ناقصة. رسول الله عليه الصلاة والسلام لا بد أن تأخذ أدبك منه، وحياتك منه، وضحكك منه، وبكاءك منه، وقيامك وقعودك منه، فهو حياة مستقلة وحياة كاملة، وهو تاريخ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].

عبادة الله بالعلم

عبادة الله بالعلم المسألة الثالثة: أن نتعبد الله عز وجل بالعلم، وأن نسأله من فتوحاته، وأن نلتجئ إليه كثيراً وأن نكون عباداً له. ابن تيمية منذ أن كان عمره عشر سنوات، قال أهل العلم: إنه كان يخرج في السحر قبل صلاة الفجر، فيمرغ وجهه في التراب، ويقول: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني. هل رأيت شاباً يرفع يديه قبل الحصة أو قبل أن يدخل ويسأل الله الفهم، هل رأيت شفتين تتمتم بذكر الله، هذا موجود والحمد لله، لكن نريد أن نكون كلنا عباداً لله، نتلقى هذا العلم عبودية كأننا في المسجد، والله! إذا لم يفتح الله عليك فلن يفتح عليك أحد من الناس، وإذا لم يهدك الله -فوالله- لن تجد إلا الضلال، وإذا لم يغفر الله ذنبك فلن يغفر لك أحد. فيا أيها الإخوة! الله الله في مراقبة الله عز وجل، وفي تعبده بهذا العلم، وقد ذكرت في العنصر الثاني كيف تظهر العبودية على الجوارح، وقد وجدت نغمة في المجتمع والرأي العام تقول: إنه لا يلزم الإنسان أن يتشنج بالدين، وأن يأخذ الدين بعروقه وأوراقه بل يكفيه من الدين شيئاً ظريفاً ليكون مثلما يسميه سيد قطب إسلاماً أمريكياً، أن يدع شيئاً ويأخذ شيئاً، دين مرقع: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85]. يا مدعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا خذها جميعاً تجد خيراً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا يا أيها الإخوة! إن الذي أتى بلا إله إلا الله هو الذي أتى بتفصيل الثياب فوق الكعب. والذي أتى بلا إله إلا الله هو الذي أمر بإعفاء اللحى، وأتى بالسواك، وبالمنهج الخالد المؤرخ الذي ما طرق العالم مثله، وأتى بالقرآن، وبالأدب والسلوك، والحياة، وبإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وأتى بحياتك في كل منحى من الحياة. والرسول عليه الصلاة والسلام شخصية أمامك لا بد أن تجعله في ذهنك حياً، لا تفعل شيئاً حتى تسأل هل فعله صلى الله عليه وسلم، أما أن نقبل إسلاماً مرقعاً فنقول: يكفيني أن أصلي، أما هذه الأمور فهي قشور. فهل أصبحت تفتي وتثلم الدين وتكسر الإسلام، الذي هو صورة كاملة، فتأخذ منه ما شئت وتترك منه ما شئت؟ لا. والله هذا جحود للنعم، وتنكر للجميل، وسوء فهم للرسالة الخالدة التي أتى بها الرسول عليه الصلاة والسلام. فأنا أدعوكم -أيها الإخوة إلى- الاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم بالسنن، ووالله! لا أحسن ولا أجمل عند الأب وعند المجتمع وعند الرأي العام؛ من أن يروا الإنسان مستقيماً، لا تستمع للدعوات التي تهاجم رجال الدين فليس عندنا في الإسلام رجال دين، فهذا في الكنيسة، وقد وجد من الذين لا يفقهون، أو عنده التخلف العقلي الذهني العفن أنه يحارب الدعاة أو المستقيمين، وهذا ليس بصحيح، بل استقرأنا من حياة الناس ومخالطة كثير من الدعاة والرأي العام، ودخول بعض السجون، أن الشاب المستقيم له صورة معظمة عند الجميع، عند السلطان وولاة الأمر والرأي العام، وعند الجندي في الشارع، والأستاذ، وعند كل طبقات الناس لأنه مستقيم، ولماذا؟ لأنه حفظ الله، أما الإنسان الذي لا يحمل هذه المبادئ فهو فاسد ولو احترم فمجاملة.

كيفية حياة المسلمين في هذا الزمان

كيفية حياة المسلمين في هذا الزمان والأمر الذي أريد أن أشير إليه رابعاً: كيف نعيش؟ وكيف نحيا مع هذا الوقت ومع هذا الزمن الذي يمر مر السحاب، الله عز وجل يقول: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. كيف نحيا؟ كيف نعيش؟ أحياة البهائم؟ أحياة أكل وشرب ونوم ورقص ولهو ولعب؟ لا. إنه لا بد أن تُنظم أوقاتنا تنظيماً عجيباً دقيقاً، أمة هي من الدقة والنظام بمكان، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} فوالله الذي لا إله إلا هو: {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: -من هذه الأربع- وعن عمره في فيما أبلاه} أنت لن تنصرف من الموقف يوم القيامة حتى يسألك الله: فيم صرفت هذه الأوقات؟ فيا إخوتي في الله! ماذا فعلنا في برنامجنا في القراءة في الاطلاع في الصلاة والذكر في التلاوة في الزيارة في الجلوس مع الأحبة، ماذا فعلنا في ذلك؟ إن الكاتب الأمريكي دايل كارنيجي في كتابه دع القلق وابدأ الحياة، يضحك على أهل الشرق؟ يضحك علينا نحن لأن الأمريكان من أكثر الناس قراءة. أنا أقول هذا لأن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها، يضحكون علينا ويسموننا إلى الآن بدواً، لأن الذي لا يعتني بحياته ورسالته الخالدة ولا يعيش لله فهو يعيش على هامش الأحداث، والله يقول في الأعراب: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [التوبة:97]. ومهمة الرسول عليه الصلاة والسلام أن يخرج الإنسان من بداوته وجهله وتخلفه إلى أن يكون إنساناً منظماً، وإنساناً معتنياً بروحه ومستقبله، ولا يكون إنساناً عامياً عادياً، بل يكون له خصوصية، فلذلك يذكر أنهم يقرءون -الإنجليز والأمريكان- في كل أربع وعشرين ساعة، ست عشرة ساعة، فكم نقرأ نحن؟! إني علمت أن كثيراً من الشباب إذا قرأ أحدهم ساعة في اليوم أو نصف ساعة تبجح، وقال أجهدت نفسي: {إن لنفسك عليك حقاً، ولربك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً} وهذا الحديث نستحضره دائماً. ولكن كم ننام وكم نأكل وكم نشرب، وكم نذهب وكم نجيء؟! أمة كأنها خلقت للنزهة وللتفسح، فإذا فتح أحدنا الكتاب، فقرأ وريقات صغيرة من أوله قال: اللهم انفعنا بما علمتنا، وهذا صحيح نسأل الله أن ينفعنا، لكن أين الجهد وأين القراءة والمثابرة؟ سبحان الله! إن الخواجة يركب القطار أو الطائرة وكتابه في يده ولا ينزل إلا وقد ختم الكتاب، ونحن أمة خلقنا للجنة -نسأل الله لنا ولكم الجنة- أمة لا إله إلا الله، أمة ذبح أبطالها على نهر الجنج، واللوار، والسند، لرفع لا إله إلا الله، أمة يقول عقبة بن نافع: لما خاض البحر بقدميه والله الذي لا إله إلا هو لو علمت أن وراء البحر أرضاً لوطئتها ولو علمت أن وراء الأرض بحراً لركبت أو كما قال. ويقول وهو في غابة أفريقيا: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى واحشرني مع هذه الوحوش. ويقول أبو أيوب الأنصاري وقد وقف على شرفات القسطنطينية في بلاد الروم في تركيا يقول: [[اللهم أمتني في هذه البلاد حتى أبعث يوم القيامة بين قوم كفار، وأنا أقول وقد بعثت من قبري: لبيك اللهم لبيك]] فمات ودفن هناك. أمة وقف علماؤها وعبادها في الجهاد في سبيل الله، يقول محمود بن سبكتكين أحد القواد المسلمين يوم دخل يفتح بلاد الهند بألف ألف مقاتل، أعطي رشوة ليرتد عن الفتح، أعطي ألف صنم من الذهب والفضة والمرجان، فلما دفعت له قال: ما هذه؟ قال ملك الهند: خذها ولا تفتح بلادنا، قال: سبحان الله! أتريد يوم القيامة أن آتي وأُدعى يوم القيامة، يا مشتر الأصنام! والله لا آخذها وإنما أكسرها، لأدعى يوم القيامة يا مكسر الأصنام! فأخذ الفأس وأخذ يكسرها ثم أحرقها، ثم دخل بلاد الهند، ولذلك الشاعر الباكستاني محمد إقبال يوم أن بكى على الأمة الإسلامية، وهي على مثل حالنا تقصيرنا، وقد جاء وهو يرجو أن يلقى في مكة والمدينة شباباً يقولون: لا إله إلا الله، ويعيشون للقرآن، فلما رأى الواقع بكى، وهو واقع -والله- يؤسف له، لكننا نأمل من الله أن يعيدنا إليه وأن يتوب علينا وعليكم، قال قصيدة تاجك مكة يعني مكة البلد الكبير يقول: من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفار لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا

أحوال المسلمين والتضحية في سبيل الله

أحوال المسلمين والتضحية في سبيل الله ماذا فعلنا للإسلام أيها الإخوة الأبرار؟! أيها الجيل الذاهب التائب إلى الله ماذا فعلنا مع الإسلام؟! لا قمنا الليل ولا داومنا على ذلك. ونريد أن نكون صُرحاء في هذه الجلسة؛ لأن أمامي أساتذة، ودعاة، وطلبة علم، وجيلاً صادقاً واعداً إن شاء الله. لم نسكب دماءنا في سبيل الله، ولا وقفنا في الجبهات، ولا أنفقنا أموالنا، ولا قضينا أوقاتنا في تربية الناس، وفي تربية العوام وتفهيمهم وتوعيتهم، ماذا فعلنا؟! نصلي الصلوات الخمس والخشوع في وادٍ ونحن في واد، وشهوةٌ ولهوٌ ولغوٌ، وأكلنا وشربنا ورقصنا ولعبنا ومزحنا وضحكنا أكثر بكثير من هذه الأمور، فاتقوا الله يا عباد الله في أنفسكم. أما أتى خبيب بن عدي يذبح في ذات الله عز وجل فرفع إلى المشنقة -مشنقة الموت- فأخذ يترنم؟! من الذي ينشد وهو يذبح، هل من أحد ينشد وهو يذبح! إلا الذي أصبح قلبه كبيراً. فقال له أبو سفيان: أيسرك أن يكون محمد مكانك وأنت في أهلك ومالك؟ فقال خبيب: لا والله! والله ما أريد أن تصيبه شوكة وأني في أهلي ومالي، فلما رفعوه أرسلوا السيوف عليه، قال: {اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً} ثم أخذ ينشد نشيد الموت: ولست أبالي حين أُقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أجزاء شلو ممزع حنظلة كان في الليل عروساً لزوجته في يومهم الأول، فسمع لا إله إلا الله تدوي في الخافقين، فالزحف الكافر يريد احتلال المدينة، وأبو سفيان والمشركون قدموا إلى أحد، فاخترط سيفه وخرج وعليه جنابة وهو شاب، وقال وهو ينظر إلى السماء: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]] نعم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى، فقتل وأشاح صلى الله عليه وسلم بوجهه: {فقالوا: مالك يارسول الله؟ قال: رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض في صحاف الذهب بماء المزن، ماذا فعل؟ فسألوا أهله قالوا: كان جنباً}. أي أمة هذه الأمة؟! وأي جيل هذا الجيل؟! تنظيم الوقت -يا أيها الإخوة كما أسلفت- أن تعيش منظماً لا تعيش سبهللاً، وأن يكون لك في كل وقت ورد، وأحسن ما ينظم به الوقت أن يكون تنظيم وقتك مع الصلوات، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103].

حال المسلمين مع القرآن

حال المسلمين مع القرآن قال بعض أهل العلم: من أعظم فوائد الصلاة أنها تنظم الأوقات، وجرب ذلك، فإنك إذا قلت في نفسك سوف أقرأ بعد كل صلاة جزءاً من القرآن، أو نصف جزء تنظم لك ذلك، ولا يأخذ منك إلا ربع ساعة، أو ثلث ساعة، وإذا كلفت نفسك أن تقرأ بعض الصفحات من الكتب بعد الصلوات تنظم لك ذلك، وجرب ذلك، فالصلوات الخمس هي أعظم ما ينظم به الأوقات. أما وقت الحفظ فهو وقت الفجر، فهو وقت البسمات الرضية، وقت النداء على الكون، وقت الطل الباسم، وقت التفتح، وقت الفجر يوم تبسم للمعمورة وذهنك ينطلق بإشراق إلى الكون، هذا وقت الحفظ، وأنت إذا لم تجعل من مهماتك الكبرى في الحياة ومن مشاريعك الصادقة حفظ القرآن، فكأنك ما فعلت شيئاً. سبحان الله! العجم يحفظون القرآن، ويدرسون أبناء العرب في بلاد العرب، ونحن نقرأ عليهم كأنا عجم، يعلمونا كيف تنطق الضاد والزاي والذال، وننطق كأنا عجم ونتلعثم بين أيديهم. نحن أبناء طلحة والزبير وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ما جئنا من طاشقند ولا سمرقند، لكن أصبح أهل سمرقند يدرسوننا القرآن في المساجد ولا نفهم، ويضربوننا بالسياط ولا نعي، ونقول: عفواً يا شيخ نحن ما درسنا هذا القرآن. والقرآن نزل بلغتنا نحن، نزل علينا نحن وما نزل في سمرقند لكن كما قال الله عز وجل: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِين} [الأنعام:89]. لما تركنا القرآن، وملنا إلى المجلات الخليعة، وإلى الكتب الحداثية الحديثة الرخيصة المنمقة، التي ليس فيها علم: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:40]. وإلى الأغنية المائعة الرخيصة، ما عرفنا نقرأ (طه). وأحدهم أتى يقرأ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1] فقال: ألف لام تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، أصبحنا عجماً لأننا لم نفهم، أنا لا أقول في هذا المكان، لأني أعرف أن فيكم من يفهم كثيراً، ومن يستطيع أن يؤهل ليقود أمة لكن من يعرف ويخالط كثيراً من المجتمعات يعرف هذا الأمر، حتى أن الواحد يبلغ ستين سنة في القرية ولا يستطيع أن يحفظ الفاتحة، يقفز من آية إلى آية، وقد سمعت أن بعض الدعاة قام في قرية يدرسهم ويعلمهم الفاتحة فأبوا ذلك، فقد انغلقت أذهانهم، وما استطاعوا لهذه المهمة الكبرى، أتى من هنا ليحفظهم ويقفزون من الآية الأولى إلى الآية السادسة من الفاتحة، ويأتي من هنا فأبوا، وفي الأخير وجد حلاً قال: تعالوا، فأتى بشيوخ القرية كبارهم، يعني أنهم لا يفهمون كثيراً، فقال هذه سبع غنم، والفاتحة سبع آيات، بسم الله الرحمن الرحيم، ستتذكرون بسم الله بالغنم، الحمد لله رب العالمين هذه، الرحمن الرحيم هذه، مالك يوم الدين هذه، حتى انتهى، ثم ذهب من عندهم؛ وقد أخبرني بعض الدعاة في الرياض وهذا الداعية لا يزال حياً، قال: فلما ذهب، وكان الداعية هذا فيه خير وطيبة، ثم ماتت الشاة بعد أن سافر بحفظ الله ورعايته، فقام إمامه يقرأ فقفز آية: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فرده أحدهم، وحاول رده في الصلاة وبعد الصلاة وقال: كيف تردني وقد ماتت، يعني: ماتت الآية مع موت الشاة. فنحن نحتاج إلى أُسس تقليدية في أكثر من هذه أو إلى رسوم، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بالبدو يوم يأتونه، أنا أقول حفظ القرآن أهملناه كثيراً. يوم سمعنا لـ ديكارت الفرنسي وأمثاله عندما قالوا: إن عصر الحفظ ولى وأصبح عصر الفهم، فلا فهمنا ولا حفظنا.

القراءة المكثفة وأهميتها

القراءة المكثفة وأهميتها أحد المشايخ كان يدرس الروض المربع في المسجد، فأتاه بعض الشباب يحاورونه من الشباب التقليديين المتطورين ولكنهم من المتهكمين، فقال: يا شيخ! الناس صعدوا على سطح القمر وأنت لا زلت تدرس الروض المربع! فقال الشيخ له: أنت ما صعدت على سطح القمر ولا قرأت معنا الروض المربع؛ لأن هؤلاء الشباب الذين يتهكمون بالاستقامة والندوات لم يقدموا شيئاً، يقول: الناس قد بلغوا التكنولوجيا والذرة وسطح القمر وأنتم ما فعلتم شيئاً. يقول: أما أنتم فالحمد لله، أخذتم من الكفار كل سيئ؟! وما أخذتم كل حسن، فالسيجارة أخذتموها من الخواجة، والكعب العالي، والثوب المسبل، والشعر الملفوف والعقائص والغدرات، والفجرات، والسوالف، والأظافير، التي كأنها أظافير مربيات في اليونان، كل هذه أخذتموها، لكن هل صنعتم لنا طائرة؟ هل قدمتم لنا صاروخاً ندمر به إسرائيل؟ هل قدمتم لنا دفاية وسخانة وثلاجة وبرادة؟! لا والله. أما الخواجات فلهم سيئات لكنهم قدموا خدمة للبشرية، قدموا معامل ومصانع ومنتجات، وملبوسات ومطعومات، ولكن أنتم لا جلستم معنا على الأرض تقرءون الروض المربع، ولا صعدتم على سطح القمر تنتجون للناس، فأنتم مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غيثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني النفاق لا يصلح في الإسلام، والتهجم والاستهزاء على المنهج القويم وعلى الرسالة الخالدة التي أرساها محمد صلى الله عليه وسلم ومات دونها الرجال لا يصلح، فإنه نفاق وكفر: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكُمْ} [التوبة:65 - 66]. ثم أدعوكم إلى القراءة المكثفة، فالثانويات والمعاهد والمتوسطات والكليات، تعطيك مفاتيح للعلم، لكنها لا تخرج عالماً، إلا في النادر، نعم. تفتح لك السبل والوسائل والطرق الاستقرائية التجريدية في البحث والاستقراء والاطلاع، لكنها تتركك لتطلع أنت، فهل اطلعنا وهل قرأنا؟! هل كان لأحدنا مكتبة بصرية ومكتبة سمعية في البيت، يجلس في غرفته ويغلق عليه الباب ليجلس مع العلماء والفقهاء والأدباء والأذكياء، يعود بعد هذه الجلسة وقد زاد علماً إلى علمه وفهماً إلى فهمه، يوم تركنا ساعة المكتبة أصبحنا عاجزين، مفهومات عادية يفهمها السذج من الناس ونحشي الذهن لكن ما يفهمه كل الناس، لكن من يجلس في مكتبته يجلس مع ابن تيمية والإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة والشافعي وابن القيم، مع هؤلاء الأعلام فيستفيد علماً إلى علمه. فالاطلاع الضخم -يا أيها الإخوة- تمشي وكتابك معك، أنا لا أقول لك: إن هذا أمراً قسرياً جبرياً لا. فللنفس حق من الترويح المباح، من الدعابة الطيبة، والجلسة الأخوية فهذا أمر، فالاطلاع الاطلاع المكثف. والذي ينبغي علينا أمور: أن نحل المصحف مكان المجلة الخليعة، وآيات الله وكلام رسوله مكان الأغنية الماجنة، ورفقة الخير والبر مكان رفقة السوء والانهدام والفشل، فهذا لا بد منه. وفي الختام أشير إلى أمور ثلاثة: الأمر الأول: القدوة، من هو قدوتك في الفصل والمجتمع؟ أما القدوة العامة لك في الليل والنهار وفي كل مكان هو الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قدوة تنظر إليها وتأخذ منها سلوكك هو الرجل الداعية والأستاذ الموفق المخلص الصادق، هذا أمر. الأمر الثاني: من هم رفقاؤك وجلساؤك؟ هل هم كل من يتقي الله؟ وإذا رأيت الطالب والشاب يرافق أعداء الله عز وجل والفجرة، فاعلم أن قلبه فاجر، وأنه ما اهتدى إلى الآن، كيف تحب أعداء الله، وكيف توالي من لا يوالي الله عز وجل. الأمر الثالث: واجبنا في عبادتنا أن نختمها بالتوبة والاستغفار دائماً وأن نكثر من الاستغفار والتوبة الصادقة في حياتنا، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. يا إخوتي في الله! لا أريد الإطالة لأنه قد يكون هناك وقت للنقاش والحوار، ولكن في ختام هذه الجلسة أكرر شكري لمن توجه بهذه الدعوة، ولمن كان من مهمته تربية هذا الجيل، ولمن كان حريصاً في توعية الشباب، مديراً وأساتذة، وأتوجه إليكم بالشكر طلاباً وتلامذة، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة .

حكم التصوير

حكم التصوير Q فضيلة الشيخ: هل التصوير محرم؟ وما رأيك في تصوير المناظر الطبيعية؟ A التصوير كثر الكلام فيه وأُلِّفت فيه رسائل وفتاوى وما أظن الأخ السائل يجهل هذه الرسائل والفتاوى التي وردت في الساحة، وكثرة الكلام في المسألة تكثر الخلاف والشقاق فيها، ولكن مما علم أن تصوير ذوات الأرواح لغير حاجة محرم، وبالخصوص إذا أخذت هذه الصور لتعظم في البيوت وعظمت فهذا أمر محرم لا شك فيه. أما تصوير ذوات الأرواح للحاجة الماسة التي توقف عليها مصلحة فلا بأس به. أما تصوير المناظر الطبيعية، من شجر وبناء وأطلال وجبال وسهول وهضبات وبساتين فلا بأس بذلك، فهي جائزة إن شاء الله؛ لأنه لم يرد فيها نصوص محرمة.

حكم التمثيل

حكم التمثيل Q ما حكم التمثيل؟ A هذا الدين بأُسسه وبأقواله وأفعاله وأحواله مبني على الصدق، فإذا وجد في مسألة كذب فهذا الشيء حرام، وإذا بني على الكذب والتمثيل يخاف منه الكذب، فإذا خلا هذا التمثيل عن الكذب وعن أمور أخرى محرمة كالتشبه بالنساء أو الكفار؛ فلا بأس به، أما إذا بني على كذب مثل أن يمثل شخصية الحجاج بن يوسف، وشخصية سعيد بن جبير، وهما ليسا هما، فهذا كذب، أو أن يمثل الكافر واليهودي والنصراني والشيوعي فهذا كذلك محرم، أو أن يتشبه بالنساء في التمثيليات فهذا محرم، أما إذا خلا عن هذا كأن يمثل أمام الطلبة في بعض الأمور التي على الصدق وعلى المصلحة ووجد من مصالحه أعظم من مفاسدها فلا بأس في ذلك إن شاء الله.

سبيل النجاة

سبيل النجاة Q فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أرجو منك أن تبين كيف تكون النجاة في الدنيا والآخرة؟ A إذا أردت النجاة في الدارين فاركب في سفينة نوح، وسفينة نوح كما قال الإمام مالك هي: الكتاب والسنة فتستقيم على منهج الكتاب والسنة وحينها يدخلك الله جنة عرضها السماوات والأرض قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3]. فإذا هداك الله عز وجل وبصرك وعرفك الطريق، فأنت ما عليك إلا أن تسلك هذا الطريق، وتحتاج في هذا السلوك إلى زاد ومعلم وسائق يسوقك وإلى قائد يقودك. أما الزاد فهو التقوى. وأما المعلم فهو محمد صلى الله عليه وسلم. وأما القائد فهو القرآن. وأما السائق فهو تذكر الموت دائماً وأبداً. فأنت إذا فعلت ذلك وفقك الله عز وجل، وأنا أذكرك بأمور أدعوك إلى حضور جلسات الخير والندوات، وأن يكون لك علاقة بالدعاة المخلصين الصادقين والجلساء الأبرار، وأن يكون لك اطلاع مكثف في كتب الإسلام، والدعاء والتبتل إلى الله عز وجل، خاصة في السجود وفي أدبار الصلوات وسوف يفتح الله لك فتحاً لا يدور في البال ولا الخيال.

حكم السخرية من حملة الدين

حكم السخرية من حملة الدين Q كثير من الشباب يغضبون عندما يستهزئ بهم، فما رأيكم؟ A وجد في كثير من المجتمعات الاستخفاف بالشباب الملتزم، وهذه سنة من سنن الله الخلقية في هذا الكون، فقد وجدت مع نوح عليه السلام عندما قام يصنع السفينة فقاموا يسخرون منه ويضحكون فقال: {قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود:38]. وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهرٌ عنك عارها قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31]. فلا تقوم المبادئ والأسس الأصيلة والأهداف الجليلة؛ إلا على العداوة، ونحن أهل مبادئ أصيلة فلا بد من أعداء وحسدة، ولا بد من مستهزئين ومستهترين، لأنهم أخفقوا في هذا الجانب، والمخفق دائماً جالس على الأرض يتفكه، أما الذي يصعد فيسقط كثيراً والجالس على الأرض لا يسقط، هل رأيت أن أحداً جالس يشرب الشاي على الفراش سقط وكسرت رجله، ما سمعنا بذلك، لكن الذي يصعد جبال الهملايا ويصعد على الجبال الشاهقة يتكسر كثيراً لكنه يصعد: خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا فمبدأ الاستهزاء والاستهتار مبدأ تقليدي سلبي وجد عند الأمم جميعاً، فإن أهل التفوق وأهل الكمال دائماً يحسدون، فيبحث عن النقاط التي لا يخلو منها البشر ثم يشخصونها ويكبرونها للناس. والداعية تجده كريماً صادقاً مخلصاً منيباً تالياً لكتاب الله واضحاً، وفياً، حسن الخلق ثم يجدون فيه سرعة غضب، فأتوا ينشرون في المجالس، فلان فيه غضب حاد أحمق، كثير التهجم على الناس، يستعمل الزعل دائماً وكثير البذاء، حتى تصبح سجية له في هذا الجانب، ويلك من الله! ألا تغمر سيئاته في بحار حسناته. إن بعض الناس الفضلاء إذا عددت سيئاتهم انغمرت في بحار حسناتهم، لكن تعال أنت أيها المستهزئ أين حسناتك في الإسلام؟ أرنا مواقفك الصادقة في الدين وفي المجتمع وفي الرأي العام، سوف تنغمر حسناتك في بحار سيئاتك فلا يكون لك حسنة، وهذا به في كتاب الله عز وجل وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكُمْ} [التوبة:65 - 66]. أتدرون بمن يستهزئ هذا المستهزئ! يستهزئ بالرسالة الخالدة وبالفقه المجيد، يستهزئ بالإسلام الذي ضج الدنيا، ويستهزئ بالرسل والأنبياء والكتب السماوية.

الحد في تقليد الأجانب

الحد في تقليد الأجانب Q ما هو الحد الذي ينبغي أن نتوقف عنده في تقليد الأجانب؟ A الأجانب نأخذ منهم ما أجادوه في العلوم الدنيوية، أما الدين فلا كرامة لهم، نحن عندنا ديننا يكفينا، ونحن نصدر إلى العالم ولا نستورد، ونوجه ولا نتوجه من غير الله عز وجل، ونعطي ولا نأخذ، نحن أمة عندنا دستور وكتاب خالد، وسنة فيها العقيدة والأحكام والسلوك والآداب، فإذا أتوا لنا بسلوك وأحكام وآداب، قلنا لهم هذه بضاعتكم ردت إليكم، عندنا كل خير، كل الصيد تجده في القرآن، أما أن تأتوننا بعلوم أرضية دنيوية فنقول: نعم، نأخذ منكم صناعة الطائرة، لأن الله جعل مبدأ في القرآن قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. أجادوا في صنع الطائرة، وفي صنع السيارة، والتلفون: وهذه الخدمات، فنأخذها منهم لأنها لا تعارض ديننا، والحكمة ضالة المؤمن، ونأخذ منهم بعض الأسس التربوية المفيدة التي توافق ما عندنا من الدين. لذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة: {إن الشيطان علمه آية الكرسي، يقول: اقرأها كل ليلة فلن يزال عليك حافظ، فقال صلى الله عليه وسلم: صدقك وهو كذوب} فلذلك ثبت عن علي -وبعض المحدثين يرفعون الحديث إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم-: [[الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها]]. أما إذا كان هذا الشيء يهدم المعتقد، أو التربية أو السلوك، فنقول: لا. ولا ترى لك عين، في كتاب كريسي موريسون الأمريكي وهو مترجم، عنوانه الإنسان لا يقوم وحده، يقول: يا أيها المسلمون أعطيناكم الطيارة والسيارة والخدمات وما أعطيتمونا حياة القلوب، وهو الإيمان. وهذا صحيح نحن لا نقلدهم، إنما نأخذ منهم هذه المنتجات لأنهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، أما علم الإسلام وعلم الدين، وعلم الآخرة، فلا: {بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ} [النمل:66] لديهم عقول حمير: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمِينَ} [النمل:66] وعندنا والحمد لله ما يكفينا، حتى في الأمور التربوية هذه وعلم النفس والسلوك؛ لأن عندنا في الإسلام ما يكفينا والحمد لله وهذا أمر طرقه أهل العلم. والعجيب المذهل أن الإنسان يجد في كثير من الجامعات والمدارس تدرس كثيراً من الأسس التربوية، لـ كانت وديكارت، أما كتب ابن القيم فتقرأ بعد صلاة العصر للعوام ويكون هادئاً على مستويات الناس، أما الطلبة الأذكياء الفهماء فَيُدرس لهم كانت. وما كانت إلا قطعة حمار لو وزن مع ابن القيم والله! لن يأتي ذرة من ذراته في الفهم والإدراك والسيطرة على المعلومات والاستقراء التام، مع النضوج الفكري، ومع الإخلاص والصدق لله عز وجل. ابن تيمية يأخذون منه أسساً تربوية، في المكتبات يباع كتاب الفرنسي: ابن تيمية مربياً وآخر: علم النفس عند ابن تيمية، فيأخذون منها ثم نأخذ نحن منهم ولا نُعجب بعلمائنا.

الواجب على من عصى الله

الواجب على من عصى الله Q أنا أذنبت ذنباً وأريد أن أتوب إلى الله، فهل الواجب علي أن أسلم نفسي ليُقام عليَّ الحد؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. A ذكر ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الناس! من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله تعالى، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه الحد} رواه الحاكم. وهذا حديث يؤكد هذه المسألة ويجيب عنها، فمن ابتلي بشيء من الذنب كبيراً أو صغيراً فليستتر بستر الله، وليتوب بينه وبين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يذهب إلى سلطة أو قاضٍ أو أمير أو أستاذ ليفضح نفسه، بل يستتر، والله ستير يحب الستر سبحانه وفي الصحيح: {إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يضع كنفه على العبد يوم القيامة فيناديه، فيقول: عملت كذا يوم كذا وكذا، قال: نعم يا رب، قال: فإني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم} وإنما يهلك في هذا الجانب المجاهرين بالمعاصي المتبجحين بتعدي حدود الله وانتهاك حرمات الله، تجد الفاجر يصبح وقحاً مسلوخ الحياة، يعصي الله في الليل، ويصبح ينشر معلوماته في الصحف في الصباح، يقول فعلت كذا وكذا وذهبت مع فلان وفعلنا كذا وكذا، ويلك من الله! ألا ترى أنك أمام الله ورقابته وعينه: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني دخل ثعلب الأديب على الإمام أحمد، قال: الإمام أحمد: من أنت؟ قال: أنا ثعلب، قال: ماذا تعمل؟ قال: أجمع القصائد والأدبيات، قال: أتحفظ شيئاً؟ قال: نعم، قال: أسمعني، قال: يقول أبو نواس: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب غفلنا لعمر الله حتى تتابعت ذنوب على آثارهن ذنوب فقام الإمام أحمد وترك الدفاتر والمحبرة،، وهو إمام أهل السنة والجماعة الذي شُيع بألف ألف وستمائة ألف من بغداد، خرجت بغداد لتشييعه جميعاً، دخل غرفته وأغلق عليه الباب وبكى، قال ثعلب: والله إني كنت أسمع بكاءه وهو ينشد: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب يوم تركنا الرقابة وملاحظة رقابة الله عز وجل، ولم نصل إلى درجة الإحسان، وقعنا فيما وقعنا فيه. فإجابة السؤال يكفيه حديثه صلى الله عليه وسلم: {من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله تعالى فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه الحد}. إذاً المطلوب أن تستتر وأن تتوب وألا تخبر أحداً، والله سوف يغفر ذنبك كما عند الترمذي: {يابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي، يابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرتها لك، يابن آدم! لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً، لآتيتك بقرابها مغفرة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي المرفوع إلى رب العزة والجبروت تبارك وتعالى.

حكم الإسبال

حكم الإسبال Q ما حكم من أسبل ثوبه، ويستدل على جوازه بحديث أبي بكر بأنه لم يجره خيلاء؟ A هذه الفتوى مرتزقة أصبحت كالفولاذ إذا وضعت في النار، مطروقة أو مستخدمة لأمور ونسبيات، ولو جعل الدين على الظروف والأحوال، لاهتزت قواعده وأصوله، ومدخل هذا الرجل الذي كتب هذا الكتاب موجود، وقد قال بعض أهل العلم وأسكت في وقته من أهل العلم جميعاً، لأنه سوف يفتح باباً على الفتيا وعلى النصوص الشرعية إلى أن تثلم، والرسول عليه الصلاة والسلام في الصحيح يقول: {إن الله لا ينظر إلى من جر ثوبه خيلاء، قال أبو بكر: يا رسول الله! إن إزاري يسترخي لولا أن أتعاهده، قال عليه الصلاة والسلام: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وفي هذا الحديث ثلاث قضايا: أولها: من الذي زكىَّ أبا بكر؟ ثانيها: ما هي السياقات والقرائن لهذا الحديث؟ ثالثها: من هو المزكىَّ؟ فأمّا من زكاه ومدحه وقال: إنه لا خيلاء فيه فإنه معلِّم الخير، الذي لا ينطق عن الهوى، المعصوم صلى الله عليه وسلم، ومن لنا بمثله يزكي كل مسبل في الشارع، كل ما أتى إنسان جاء على رأسه فيقول: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء. الأمر الثاني: المزكى هو أبو بكر رضي الله عنه أصدق الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلصهم، فقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم منه أنه في درجة عالية. الأمر الثالث: أن أبا بكر قال: يرتخي إزاري، ما قال أرخيه عمداً، يذهب إلى الخياط، ويقول له: أطله قليلاً فإني لست أفعل ذلك خيلاء، أنت الذي فعل ذلك خيلاء، وأنت الذي أمر بهذا، أما أبو بكر فكان يرفع إزاره لكن الإزار يرتخي عليه، والإزار هو: أشبه شيء بالفوطة، أو بالشرشف الذي يلف ثم يحزم بخيط، كانوا يلبسون ذلك في المدينة كثيراً، والعرب تلبس ذلك، فربما يرتخي عنه فيتعاهده كثيراً، فوقت عدم التعاهد ليس من الإسبال لأنه يرتخي على غير رغبة منه، لكنه ما يتركه، وما قال عليه الصلاة والسلام: اتركه مسبلاً فإنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء، لكن في وقت ارتخائه لا تلام؛ لأنه على الرغم منك ولأنك صادق، والله يعلم إخلاصك وإنك لا تريد ذلك، وأما الذين يستدلون بذلك فليس لهم مزكي، وليست قلوبهم كقلب أبي بكر وظروفهم وأحوالهم واحتياطاتهم يعرف منها أنهم يريدون الإسبال حقيقة وما أسفل من الكعبين ففي النار.

حكم الصلاة في البيت بعد خروج الوقت

حكم الصلاة في البيت بعد خروج الوقت Q أتقبل الصلاة في البيت إذا فات وقتها؟ A هذا السؤال مركب وليس بسيطاً، أتقبل الصلاة في البيت إذا فات وقتها؟ ففيه الصلاة في البيت، وفوات وقت الصلاة. وأنا أبدأ بالثانية لأنها تقدم عند أهل العلم كـ ابن تيمية، ولأنها أهم، أما فوات الصلاة فإن كان بعذر فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم العذر في الصحيحين من حديث أبي قتادة: {إذا نام أحدكم عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها} فإذا كان هذا عذره فليصلها متى ذكرها، ولو بعد شهر أو أكثر أو أقل، وفي الصحيح في حديث أبي قتادة: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس فقضاها} وهذا من حديث بلال، وحديث عمران في البخاري. فهذا أمر معروف لعذر، ويدخل في ذلك الإغماء والذهول، أن يكون في عمل حتى خرج الوقت فيصليها متى ذكرها، أما من تعمد تأخيرها حتى خرج وقتها، فقال ابن تيمية: يصبح في هذه الفترة كافر؛ لأنه تعمد تأخيرها حتى خرج وقتها مع العلم أن بعض أهل العلم بل هم الجمهور، قالوا: يقضيها، وقالوا: ما ندري هل تقبل أم لا، لأنه أصبح في فترة كفر وردة، والصحيح أن تارك الصلاة عمداً كافر، وليس هناك تقسيم في السنة يقول: تارك الصلاة جاحداً أو تهاوناً وتكاسلاً، لا يبلغ العبد درجة يترك الصلاة إلا وبلغ درجة من الكفر والريبة والنفاق مبلغاً أوصله إلى هذه الدرجة، فإذا تركها حتى خرج وقتها عمداً، ففتوى ابن تيمية عرضتها عليكم، والذي ربما تميل إليه النفس -والله أعلم- أن يقضيها، إنما يتوب إلى الله ويدخل في الإسلام، ويعيد التوبة ويستغفر الله من هذا الذنب العظيم. القضية الثانية: صلاة الفريضة في المسجد في الكتاب والسنة أكثر من أربعة عشر نصاً على وجوب الصلاة في المسجد، وصح عند عبد الحق الأشبيلي وصح هذا الحديث عند ابن تيمية وغيره من قوله صلى الله عليه وسلم: {من سمع النداء ولم يُجب فلا صلاة له إلا من عذر} وفي الصحيحين عن أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم: {لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم أخالف إلى أناس لا يصلون معنا -أو لا يشهدونها معنا- فأحرق عليهم بيوتهم بالنار} وعند أحمد: {لولا ما في البيوت من النساء والذرية} وعند مسلم، من حديث الأعمى قال عليه الصلاة والسلام: {أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ قال: نعم. قال: فأجب فإني لا أجد لك رخصة} قال ابن تيمية: صلاة الجماعة شرط في صحة الصلاة، وقيل: هي واجبة، وبعض الناس يقول: إنها تجوز في البيت، وهذا ليس بصحيح، بل لابد منها في المسجد ومن صلى في بيته فهو آثم فاسق ترد شهادته، إلا من عذر عذره الله فيه ووردت الأعذار في ذلك وهذه تحتاج إلى بحث تفصيلي طويل.

حرمة غيبة المسلم وعلاجها

حرمة غيبة المسلم وعلاجها Q ما حكم الغيبة؟ وما هي الحلول للنجاة منها؟ A الغيبة ذنب من الذنوب الكبار، عُصي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بها في الأرض كثيراً، والغيبة أمر سهل على الألسن، وهي فاكهة المجالس، ولكنها تثير وتهدم المجتمعات والصروح، وتخرب من البيوت ما لا يخربه الجنود. والغيبة دليل على الحقد الدخيل في النفس، وعلى سقوط النفس، الغيبة مبدأ ظالم عُصي الله به في الأمم القديمة، ونهى الله عن ذلك، والغيبة جرح للشعور، والغيبة خروج عن حد الأدب، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12]. حد الغيبة في الإسلام: أن تذكر أخاك بما يكره، فإن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. والغيبة لها وسائل يمليها الشيطان، وهو عالم في هذا الجانب، يقول لك: لا نريد من هذا الشخص أن نغتابه لكن نقومه تقويماً تربوياً لمصلحته، ومن الغيبة -كما ذكر النووي وابن تيمية - الورع البارد، بعض الناس عنده ورع بارد مظلم، يأتي يقول: هدى الله فلان، هو لا يريد هدايته إنما يريد اغتيابه، وإذا ذكر له فلان قال: عافانا الله وإياه، ولكن معناه كأنه سور له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، فالظاهر كأنك تدعو له بالعافية، لكن الباطن كأنه وقع في ريبة وأمر ومعصية تنبه الناس عليها، وإذا ذكر، قال: مسكين، نسأل الله أن يعافينا مما أصابه، نعوذ بالله من الغيبة، وتشترك العين واللسان واليد في الغيبة، قيل لبعض الناس: ما هي غيبة العين؟ قال: أن تهمز إذا ذكر، وأن تخرج لسانك، وأن تشير بيديك أو تنفخ بيديك على كفك، هذه كلها غيبة، وحلولها:- أولاً: أن تتقي الله في أعراض المسلمين. ثانياً: أن تعرف أن الجزاء من جنس العمل، وأن تعرف -وهذا غالباً- أن أكثر من تؤكل لحومهم في المجالس أكثرهم غيبة للناس، وإذا رأيت الناس تتناوب عرض فلان في المجالس فلأنه أكثر من تناول أعراض الناس، فمن شكر الناس شكره الله، ومن عفا عن الناس عفا الله عنه، ومن رحم الناس رحمه الله، لأن الجزاء من جنس العمل. ثالثاً: قال بعض أهل العلم لرجل يغتاب المسلمين: أقاتلت الروم؟ قال: لا. قال: أقاتلت فارس؟ قال: لا. قال: أجاهدت في سبيل الله، قال: لا. قال: سلم منك الروم وفارس وما سلم منك المسلمون رابعاً: أن يذكر القطن إذا وضع على العين، وإذا وسد في التراب، وقد اغتيب رجل عند محمد بن واسع الأزدي فقال: أذكر إذا وسدت في التراب.

تحديد السنن الرواتب

تحديد السنن الرواتب Q ما هي السنن الرواتب؟ A هناك سنن رواتب وسنن مطلقة، أما السنن المطلقة فأمرها واسع، وهي تبنى على الأجر وعلى التقرب كلما تقرب العبد إلى الله بسجدة رفعه الله بها درجة، ففي صحيح مسلم عن ربيعة بن مالك الأسلمي قال: {قلت: يا رسول الله! أريد أن أرافقك في الجنة، قال: أعنّي على نفسك بكثرة السجود} وعند مسلم من حديث ثوبان: {فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة} أما السنن الرواتب فهي عشر ركعات يقول ابن عمر في الصحيحين: {حفظت من الرسول صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر} وعند مسلم: {في بيته} وفي رواية مسلم: {وركعتين بعد الجمعة}. فالسنن الرواتب هي هذه التي ذكرت، مع أن يوم الجمعة ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة في قوله صلى الله عليه وسلم: {من صلى الجمعة فليصل بعدها أربعاً} قال ابن تيمية: من صلى في بيته فليصل ركعتين بعد الجمعة، ومن صلى في المسجد فليصل أربعاً جمعاً بين الحديثين. وهذه السنن الرواتب، التي ذكرتها من تركها عمداً وداوم على تركها فهو فاسق ترد شهادته، ليس كافراً ولكنه فاسق ترد شهادته، ولا يفعلها إلا ضعيف الإيمان وضعيف الإرادة، ضعيف العزيمة في الإرادة لأنه ما تزود بالصالحات، وصار أمراً أن يكون من المقصرين الذين ما سلموا من الذنوب، وفي حديث الولي في صحيح البخاري مرفوعاً إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه} هذا السابق بالخيرات: من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول

حكم قول: (صدق الله العظيم) بعد قراءة القرآن

حكم قول: (صدق الله العظيم) بعد قراءة القرآن Qما قولكم في قول (صدق الله العظيم) بعد تلاوة القرآن الكريم؟ A لم يرد فيها حديث صحيح ثابت عنه صلى الله عليه وسلم ولا عمل أحد من أصحابه الذين هم الخلفاء الذين يقتدى بهم، وهذا الأمر الذي يظهر أنه بدعة، وأنه لا ينبغي أن يقول القارئ صدق الله العظيم ويرفع بها صوته، وإن كان المعنى صحيحاً، فإن في سورة آل عمران قوله: صدق الله، فالله هو صادق سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وقوله صدق، لكن ما ورد هذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فَيُترك: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد}.

مكانة المسجد في الإسلام

مكانة المسجد في الإسلام إن للمسجد مكانة عظمى، فهو المركز الأول الذي انطلقت منه الدعوة الإسلامية، والناس يجهلون كثيراً من أحكام المسجد، والشيخ قد ذكر في هذا الدرس كيف كان المسجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان دوره؟ وما هي حقوقه، ومميزاته؟

أسرار المسجد في الإسلام

أسرار المسجد في الإسلام الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، هدى الله به الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، صلى الله عليه وعلى آله وصبحه وسلم تسليماً كثيراً. عنوان هذه المحاضرة: مكانة المسجد في الإسلام، وهي تحمل الرقم التاسع بعد الثلاثمائة، وأسأل الله أن ينفع بها، وقبل أن أبدأ أزف الشكر لأهله ولذويه وعلى رأسهم رئيس هذا النادي: الأستاذ النبيل الأديب محمد بن عبد الله الحميد أثابه الله وحفظه، وحفظ أعضاء النادي والحضور وكل مسلم، ومعذرة إن ندَّ بيان أو تلعثم لفظ: سيدي علل الفؤاد العليلا أحيني قبل أن تراني قتيلا إن تكن عازماً على قتل روحي فترفق بها قليلاً قليلاً قبل أن أبدأ في عناصر الدرس عندي وثيقة عن المسجد، أقرأها قراءة ثم أبدأ أتحدث معكم عن أسرار المسجد في الإسلام. لنا نحن المسلمين مع المسجد أسرار وأخبار، لنا معه تضحيات وأمنيات، سلوا المسجد من الذين زينوا جنباته بالتسبيحات، وأضاءوا جوفه بالعبادات، وسجدوا على جنباته خمس مرات؟ سيقول: المسلمون. سلوه من الذي فجر من جنابه الكلمة الحية، والموعظة الحسنة، والخطبة المؤججة؟ من الذي صاغ من على منبره منهج الأجيال، وأذكى من محاربه الإيمان في قلوب الرجال، وغرس من روضته دوحة الإفضال؟ سيقول: المسلمون. سلوه من الذي أباد من على منارته الإلحاد، ونشر من على قبته العدل بين العباد، ونادى العقل للحياة والطموح والجهاد؟ سيقول: المسلمون. عاش رسولنا صلى الله عليه وسلم في المسجد خطيباً، يبعث من الصحراء أمة، ومن الأمة جيلاً، ومن الجيل قادة، ومن القادة شهداء لله في الأرض، يقول القاضي الزبيري شاعر اليمن: ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمة من عفاء عاش صلى الله عليه وسلم يصنع في المسجد من العبارات درراً، ومن الكلمات ثمرة، يقول أحمد شوقي: وإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو الندي وللقلوب بكاء وعاش صلى الله عليه وسلم في المسجد معلماً يفتح البصائر على العبر، ويحرر العقول من الأوضار، ويسكن القلوب بمعين الحكمة والهداية. وعاش صلى الله عليه وسلم في المسجد قائداً، يرسل كتائب الإيمان، وينظم جيوش الحق، لتنسف ركام الباطل، ويربي الفاتحين لينقذوا الدنيا من أتباع الشيطان، وإنها لتعجبني أبيات للبردوني ولو أنه لا يعجبني، وأبرأ إلى الله منه ومن منهجه، وأسأل الله أن يعامله بعدله، ولكنه تفوق أيما تفوق في قصيدته، وهو يروي عطرة الرسول عليه الصلاة والسلام في المسجد، وانطلاقه من المسجد، وسيرته صلى الله عليه وسلم في المسجد، يقول في أبياته: بشرى من الغيب ألقت في فم الغار وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرار بشرى النبوة طافت كالشذا سحراً وأعلنت في الدنا ميلاد أنوار وشقت الصمت والأنسام تحملها تحت السكينة من دار إلى دار إنه رسول الهدى، ثم يقول له البردوني بعاطفة القومية التي لا تكفي لتكون صلة بينه وبين صاحب المسجد، إذ لا بد لنا مع صاحب المسجد من عقيدة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] والقومية وحدها ليست صلة، فيقول البردوني: نحن اليمانين يا طه تطير بنا إلى روابي العلا أرواح أنصار إذا تذكرت عماراً وسيرته فافخر بنا إننا أحفاد عمار أنا ابن أنصارك الغر الألى سحقوا جيش الطغاة بجيش منك جرار على كلٍ أبدأ في العناصر، وقبل أن أبدأ أحب أن أبين أن هناك فصولاً تحدث فيها القرآن عن المسجد، وعن مهمته، ورسولنا صلى الله عليه وسلم روى بسيرته وحكمته وموعظته مهمة المسجد في الناس، ثم أتعرض لكلام أهل العلم والأدباء.

عمارة المساجد

عمارة المساجد يقول سبحانه: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18] فما هي عمارة المسجد؟ قال أهل السنة: تحصل عمارة المسجد بأحد أمرين: الأول: إما ببنائها لقصد وجه الله عز وجل، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة، بنى الله له قصراً -أو بيتاً- في الجنة}. والثاني: عمارتها بالتسبيح والتحميد والتهليل والصلاة. عباد الله! نحن لا نعيش المساجد أسبوعاً واحداً، بل العمر كله والدهر أكمله، والزمن بمطلقه؛ لأننا أمة تعلقنا به، وانبعثنا منه، قال سبحانه: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور:36 - 37]. من هم الذي يسبحون؟ هم أولياء الله، أهل لا إله إلا الله، أهل الرسالة الخالدة الذين يفتحون العقول قبل الحصون، والذين يبنون في القلوب منائر من الحق، هم أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة. أما الذي لا يعرف المسجد، ويتعرف على البار، ويقاطع بيت الله ويعرف المقهى والملهى، فليس من الله في شيء، يقول المثقب العبدي: فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني

أقسام المساجد

أقسام المساجد والمساجد قسمان: مسجد بني إخلاصاً وصدقاً لله عز وجل وأهله هم المأجورون، ومسجد بني رياءً وسمعة وصداً عن منهج الله، قال سبحانه عن مساجد الضرار التي تصد أولياء الله عن الصلاة، والتي بناها بعض الناس وهم كاذبون في دعواهم، يقول: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:108] ثم يقول جل اسمه: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] محمد إقبال دائماً أكرر شعره؛ لأن فيه إيماناً وحباً وطموحاً، والمقصود هنا: ماذا قال عن المساجد، وهذا الرجل له قصيدة ترجمها أبو الحسن الندوي وأشار إليها نجيب الكيلاني، كان يدرس الفلسفة في بون، وكان مؤمناً يحمل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. بحث عن مسجد فما وجد في بون مسجداً، فنظم قصيدة اسمها: بحثت عنك يا رسول الله في ألمانيا، يقول: يا رسول الله بحثت عنك فما وجدتك أين أنت؟ هو يدري أنه في المدينة. أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا وأنت لنا التاريخ أنت المحرر تذوب شخوص الناس في كل لحظة وفي كل يوم أنت في القلب تكبر قال: ما وجدتك يا رسول الله، أين أنت؟ بحثت عن مسجدك، فما وجدته في بون، وجدت الناطحات، والسيارات، والقاطرات، والشاحنات، ولكنني ما وجدت الذي أنزل عليه الآيات البينات، وعبد الوهاب عزام يترجم هذا الكلام، يقول: أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خالي

دور المسجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

دور المسجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إن حضارته عليه الصلاة والسلام التي أقامها لا تقوم إلا على المسجد، ولا تصلح إلا به، ولا يكون لها نور إلا به، وكان للمسجد دور كبير في حياة النبي كما سيأتي.

المسجد مبدأ الإنطلاقة الأولى للإسلام

المسجد مبدأ الإنطلاقة الأولى للإسلام أولاً: من معالم المسجد في حياته عليه الصلاة والسلام، أن منه الانطلاقة الكبرى للرسالة الخالدة، إذ انطلقت من المسجد. أول ما وصل عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، وضع حجر الأساس إيذاناً بافتتاح المسجد، فجعله عليه الصلاة والسلام جامعة كبرى للعقائد، والأخلاق والسلوك والآداب والشعر والخطابة والطموح. يقول الأستاذ علي الطنطاوي، وأنا أحب أدب هذا الرجل، وهو إذا كتب أحسن منه ألف مرة إذا تكلم، وما سحره إلا في كتابته، يقول: مبادئنا تعلن كل يوم خمس مرات من على مآذن المسجد، ليس عندنا ألغاز ولا أحاجي ولا ألغام، وإنما عندنا مبادئ واضحة ربانية، نحن معنا جامعة في المسجد، نرسل الشعاع للعالم، أو كما قال. ويقول بعد المسجد: سلوا كل سماء في السماء عنا، وسلوا كل أرض في الأرض عنا، من الذي حرر العقل من رهق الخرافة؟ سيقول: المسلمون، إلى مقالة طويلة قالها -لا شلت يده- في فضائل المساجد وفي مكانتها في الإسلام. والمقصود هنا: أمهمة المسجد منحصرة في خمس صلوات ثم يغلق؟ أمهمة المسجد أن يبقى لصلاة الجمعة مرة في الأسبوع؟ أمهمة المسجد أن يجتمع الناس دقائق معدودة ثم ينتهون؟ لا. إنه أكبر من ذلك إنه تفجير طاقة، ولذلك تجدون المستشرق المجري المجرم جولد زيهر، ويسمونه زهير، لأنه عرب اسم أبيه، صاحب الهجوم على السنة، والذي رد عليه أبو رية برد أقبح من فعل ذاك. يقول: ما زال المسلمون في قوة مادام معهم القرآن والمسجد.

المسجد كان جامعة علمية كبيرة

المسجد كان جامعة علمية كبيرة الرسول عليه الصلاة والسلام يخبرنا بفعله ما هي مهمة المسجد في الإسلام أولاً: إنه جامعة علمية، بعث عليه الصلاة والسلام معلماً، يقول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الحديث} ويقول له سبحانه: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] إذاً هو المعلم، والله يقول له: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [محمد:19] في السنن: {يدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فيجد حلقتين، حلقة يدعون الله ويسألونه ويتضرعون إليه، وحلقة أخرى يطلبون العلم ويسألون، قال عليه الصلاة والسلام: هؤلاء العباد، يدعون الله إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وهؤلاء يتعلمون العلم وإنما بعثت معلماً، ثم جلس معهم عليه الصلاة والسلام}. إذاً: دعوته هي العلم، ورسالته تنبني عليه، لكن بالإيمان كما قال الله: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ} [الروم:56] فعلم بلا إيمان، يسمى علمنة لا دينية، وهي مذهب ضال رعديد، وأنتم تعرفون دور العلمنة في فصل الناس عن الدين وعن المسجد، والمصحف، والتسبيح، والكعبة وزمزم، وذلك يوم تصورت أن الدين يحارب العلم كما وجدته في الكنيسة، وهذا خطأ. العلم بلا إيمان كفر بالله، وأول من أدخله في المشرق مصطفى كمال أتاتورك عليه غضب الله، وتبعه صنف من الناس كثير ساروا على منهجه في فصل المسجد عن الأمة وقالوا: ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، وليس للمسجد دخل في شئون الناس، ولا تتحدث عن شئون الناس في المسجد، وتحدث عن التيمم والحيض، والغسل من الجنابة، والسواك، لكن لا تتحدث عن الاقتصاد، ولا عن الشباب، ولا عن مشاكل العالم، ولا عن المال، ولا عن الاجتماع في المسجد، وهذا خطأ كبير، وسوف يكون لنا تعريج على ذلك. والرسول صلى الله عليه وسلم، أكثر حلقاته وتعليمه في المسجد: {جلس -كما في صحيح البخاري - وكان أبيض أمهق مرتفق} الأبيض الأمهق: الموسوم بحمرة، والمرتفق: المتكئ -فدخل ضمام بن ثعلبة - أخو بني سعد بن بكر من الطائف -على ناقة فعقلها في باب المسجد، وتخطى الصفوف، قال: أين ابن عبد المطلب؟ -يقصد رسول الهدى عليه الصلاة والسلام- فقال له الناس: ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: يابن عبد المطلب! هو ابن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وجده عبد المطلب، لكن جده كان عند العرب أشهر من أبيه، حتى يقول في المعارك: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب قال: قد أجبتك، قال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، قال: سل ما بدا لك -وظن أن السؤال فرعي أو جزئي، لكنه سؤال مطلق وعام- قال: يا رسول الله! قال: نعم. قال: من خلق السماء؟ قال: الله، قال: من بسط الأرض؟ قال: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أرسلك؟ فتربع وقال: اللهم نعم. قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم. فأكمل أركان الإسلام، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، أنا ضمام بن ثعلبة: أخو بني سعد بن بكر، ثم تولى وركب ناقته، فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا. إسلام بسيط سهل، وقد تعرض سيد قطب لهذا الحديث وشرحه شرحاً وافياً، وقال: إن هذا الإسلام هو الذي ناسب العالم، ولذلك فهذا الدين يكتسح العالم، وهو الفجر الجديد، ولكنه لا ينطلق إلا من المسجد كما انطلق في أول يوم.

المسجد منتدى لاستقبال الوفود

المسجد منتدى لاستقبال الوفود جعل الرسول عليه الصلاة والسلام المسجد هو المنتدى الرحب لاستقبال الوفود، ورسل الملوك، وممثلي القبائل، كل وفد يستقبله صلى الله عليه وسلم في المسجد لأنه المكان المناسب لتبادل الرأي والشورى والحكمة، وللأخذ والعطاء. بل أكثر الوفود، ما وفدت عليه صلى الله عليه وسلم إلا وهو في مسجده، وفد عبد القيس، وفدوا عليه وهو جالس بعد صلاة العصر، قال: من الوفد؟ والرواية عند مسلم من حديث ابن عباس، قال: من القوم؟ -وقيل: من الوفد؟ - قالوا: ربيعة، قال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى- خزايا: جمع خزيان، وندامى: جمع نادم أو ندمان- قال: إني آمركم ثم سرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمور الإسلام، ثم ودعهم من المسجد، وجلس عليه الصلاة والسلام طيلة عمره، وغالب أوقاته في المسجد يعلم، ويخطب ويفتي، ويتكلم ويرشد ويعقد الرايات -كما سوف يأتي- ويدير شئون الأمة الإسلامية من مسجده صلى الله عليه وسلم. كريسي موريسون أمريكي مطلع كاد أن يسلم لكن لا أدري ماذا حدث له؟ يقول: في كتاب الإنسان لا يقوم وحده: ليس العجب من محمد أن يبعث نبياً فقد بعث الله أنبياء قبله، ولكن العجب أن يبقى أربعين سنة لا يتعلم ثم يخرج إلى الناس فإذا هو أخطب خطيب، وأفتى مفتي. إنها حكمة الله: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:1 - 4]. يقول أيضاً: ما للنحلة تغادر خليتها وتذهب ثم تعود برحيق الزهر؛ من الذي علمها أن تعود إلى خليتها؟ أعندها آريال؟ قال سيد قطب: ليس عندها آريال، ولكن عندها: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68]. وهذا إنما هو استطراد، والمقصود: أن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج للناس هكذا، ثم أصبح في المسجد فإذا هو أعلم الناس والله يقول: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] ولو كنت تكتب لقالوا: كتبت القرآن ولو كنت تقرأ لقالوا: قرأت صحف الأولين، ولو كنت تقول الشعر، لقالوا: نظمت كتاب الله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69] إنك أتيت أمياً للأمة الأمية فأخرجتها من صحراء الوثنية والتخلف؛ صحراء الإبل والبقر والغنم إلى ضفاف دجلة والفرات، وإلى قرطبة وسمرقند، وطاشقند والسند، يهللون ويكبرون ويسبحون بحمد الله، أليست هذه معجزة؟ بل هي أكبر معجزة في تاريخ الإنسان، يقول محمود غنيم: أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه ليس المعجزة فقط في أن تحول الطعام القليل إلى كثير، أو تفجر من الصخر ماء، لكن المعجزة الكبرى أن تخرج أمة هي تتقاتل على موارد الشاة، إلى أمة تتكلم بألسنة الدهر وتخطب على منابر التاريخ، هذه أعظم معجزة له عليه الصلاة والسلام. يقول شوقي: أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم والمقصود: أن عيسى عليه السلام أحيا ميتاً بإذن الله، فأنت أحييت -بإذن الله- ملايين مملينة، وانطلقوا من المسجد، فما من منارة في الدنيا يذكر عليها الله ويؤذن إلا واسم الرسول صلى الله عليه وسلم معه، يقول مجاهد بن جبر رحمه الله مفسر مكة قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4] قال: ما ذكرت إلا ذكرت معي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد فذكره دائماً يدوي عليه الصلاة والسلام من على المنائر.

المسجد منتدى أدبيا

المسجد منتدى أدبياً استقبل عليه الصلاة والسلام في المسجد الشعراء، فجعل صلى الله عليه وسلم من المسجد روضة للأجر والثواب، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح}. وقال في الصحيح عليه الصلاة والسلام: {ما جلس مؤمن ينتظر الصلاة في مصلاه إلا كان في صلاة تقول له الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث}. ويقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث جابر: {أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهراً يغتسل منه كل يوم خمس مرات، أيبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا والذنوب}. ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط}. قال الحسن البصري: [[أيها المؤمن! لن تعدم المسجد إحدى خمس فوائد أولها: مغفرة من الله تكفر ما سلف من الخطيئة، وثانيها: اكتساب رجل صالح تحبه في الله، وثالثها: أن تعرف جيرانك فتتفقد مريضهم وفقيرهم، ورابعها: أن تكف سمعك وبصرك عن الحرام، وخامسها: أن تسمع آية تهديك]]. {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] كان المسجد في عهده صلى الله عليه وسلم منبراً للخطابة، وإحياء الكلمة المؤثرة. إن أفصح من تكلم بالضاد هو محمد عليه الصلاة والسلام، وهو الذي يجيد حبك الكلمات صلى الله عليه وسلم. ومن معجزاته البلاغة، رجل عاش بين جبال مكة، لا قرأ ولا كتب ولا تتلمذ ولا دخل كتاتيب، ولا درس على يد شيخ، ولا جامعة، ولا مدرسة، ثم يخرج للتاريخ وللعالم وللدهر بعد أربعين فيتكلم بأفصح عبارة أليس هذا هو العجب العجاب؟! يقول صلى الله عليه وسلم: {ألا إني أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصاراً} وفي حديث عمرو بن العاص قال: {أوتيت مفاتيح الكلم وخواتمه} يقول أهل العلم، من علماء الحديث وذكره السباعي في السنة ومكانتها في التشريع يقول: إن من ميز علم الحديث عند أهل السنة أنه لا يستطيع أن يقول العبارات إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، مثل حديث: {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى} من يستطيع أن يقول مثل هذه العبارة، حديث: {احفظ الله يحفظك} حديث: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها} لا يستطيع ذلك إلا هو عليه الصلاة والسلام. بالله لفظك هذا سال من عسل أما قد صببت على أفواهنا العسلا أم المعاني اللواتي قد أتيت بها أرى بها الدر والياقوت متصلاً إذاً: ومن مهمة المسجد في عهده عليه الصلاة والسلام أنه نادٍ أدبي، يؤمه رواد الشعر وأبطال القافية، مع أنه للعبادة وللخطابة ولاستقبال الوفود، جعله نادياً أدبياً يتحرر فيه الإنسان من قيود النثر أحياناً، وينطلق مع النظم، كان صلى الله عليه وسلم يقرب المنبر لـ حسان، ويقول: {اهجهم وروح القدس معك} وكان صلى الله عليه وسلم يقول لـ حسان بجانب المنبر: {كيف أنت وكفار قريش، أي كيف الهجو؟ قال: معي -يا رسول الله- لسان لو وضعته على حجر لفلقه، ولو وضعته على شعر لحلقه} ثم ينطلق بالقافية. وعند البخاري: أن عمر رضي الله عنه مر بـ حسَّان وهو ينشد بالمسجد فلحظ إليه، فغضب حسَّان وقال: كنت أنشد وفيه من هو خير منك، أي: رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال أبو هريرة: نعم. يؤكد ذلك. ووقع في عهده عليه الصلاة والسلام حوار أدبي ومفاحمة بين بني تميم وبين حسان، وفدوا سبعة وقيل: ثمانية، معهم الزبرقان بن بدر، وحدث هناك صراع في حلبة الشعر، وغلب وانتصر الرسول عليه الصلاة والسلام في المسجد، وغلب خطيبه خطيبهم في المسجد، وانتصر عليه الصلاة والسلام في عالم الأدب كما انتصر في عالم الشجاعة في الميدان.

المسجد ميدان للتربية العسكرية

المسجد ميدان للتربية العسكرية ومن مهمة المسجد أن يكون تربية للقادة العسكريين، وللأبطال المنازلين، ولشباب الإسلام الفاتحين، كان عليه الصلاة والسلام يعقد الرايات من المنبر، وكان يعلن الحرب من ذلك المكان، ولبس الخوذة يوم الجمعة على المنبر، وأخبر أن أبا سفيان قد هدد المدينة، وأعلن الحرب عليه من هناك. هذه الأساليب العصرية يقولها صاحب كتاب الرحيق المختوم في سيرة النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام، للمباركفوري وهو كتاب جيد، وأخذ الجائزة العالمية في السيرة، وأحسن كل الإحسان، الأسلوب الطريف الذي لا يتطور حتى يصير البياض برصاً كما فعل بعض الناس، لكنه معتدل في أسلوب العصر، يقول مثلاً من هذا: الرسول عليه الصلاة والسلام يعلن الحرب على أبي سفيان من على المنبر، الرسول عليه الصلاة والسلام يعلن حالة الاستنفار في المدينة، الرسول يجتمع بكبار أصحابه في مجلس شورى مغلق، أبو بكر يعلن سياسة حكومته الجديدة، عمر بن الخطاب يصدر مرسوماً أولياً بعزل خالد، هذا أسلوب عصري. أما الأسلوب الذي أشير إليه في بعض المحاضرات وأرجو أن يكف عنه بعض الناس وهو امتهان العبارة الشرعية، مثل أحد الخطباء في شريط يقول: الرسول عليه الصلاة والسلام اتصل بلاسلكي من بدر، وقال: عاوزين ألف مقاتل من الملائكة. فأصبح هذا أسلوباً مستخذلاً عند أهل العلم، قال: فنزلت فرقة الكمندوز، يقودها جبريل، وهو قائد الفرقة الثامنة والثلاثين، ومتخصصة في النسف والإبادة والتدمير، فأهل العلم اعترضوا على هذا وقالوا: لا. البياض إذا كثر أصبح برصاً، رويداً رويداً.

حقوق المساجد على المسلمين

حقوق المساجد على المسلمين الرسول عليه الصلاة والسلام جعل للمساجد على المسلم حقوقاً نذكر منها ما يأتي:

تنظيف المسجد وتطييبه

تنظيف المسجد وتطييبه أولاً: تنظيفه وتطيببه. الأمة المنظمة والنظيفة، والأمة المهتدية هي الأمة الإسلامية، والصور التي توجد في هذا العصر ليس مسئولاً عنها الإسلام، المسئول عنها الذين لا يعرفون الإسلام، ما تعلموا في مدرسة الإسلام، وما عرفوا روحه. أما أن نخطئ ونسبب الخطأ إلى الإسلام فليس بصحيح، عند أحمد وأبي داود، والترمذي بسند حسن: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بالمساجد أن تبنى في الدور وتنظف وتطيب} الدور: الحارات، يقول: دار بني عبد الأشهل، ودار بني عبد النجار، ودار بني حارثة، يعني: قراهم، فأمر صلى الله عليه وسلم أن تنظف وتطيب، وكان لمسجده صلى الله عليه وسلم رجل اسمه نعيم بن مجمر وقيل: المجمر، يجمر المسجد كل جمعة بالأطياب والروائح الزكية، فتفوح فتنتشي النفوس وترتاح ببيت الله عز وجل. كان بمسجده صلى الله عليه وسلم مؤذن، مهمته أن يصدح بصوته كل يوم خمس مرات، ليسمع الناس فيأتون إلى بيت الله عز وجل، بل كان له خمسة مؤذنين عند كثير من أهل العلم. كان صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى تنظيف المساجد، ويخبر أنها من أفضل الأعمال عند الله عز وجل؛ رأى بصاقاً في جدار مسجده مرة، فغضب غضباً شديداً، وحك البصاق وقال: {البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها} رواه البخاري، {ودعا رسول الله بخلوق -بطيب- وطيب بيده الشريفة مسجده}.

لا يحل المسجد للحائض والجنب

لا يحل المسجد للحائض والجنب الثاني: أمر صلى الله عليه وسلم بتجنيب الحائض والجنب ومن في حكمهم المسجد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب} ولذلك حتى مصلى العيد لا تدخله الحائض ولا الجنب، إلا عابر سبيل إذا عبر من باب إلى باب لغرض كما قال سبحانه: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43] أما الحائض فلا تقترب، لأن هذا مكان قداسة وسمو وخلود وطهارة.

عدم رفع الصوت والبيع في المسجد

عدم رفع الصوت والبيع في المسجد ومنع عليه الصلاة والسلام من رفع الصوت وإزعاج المصلين، ومنع صلى الله عليه وسلم التشويش على القراء -داخل المساجد- أو بعض المصلين أو المسبحين أو المتهجدين، انضباط وخشوع وخضوع. كان عمر رضي الله عنه وأرضاه، جالساً في المسجد، فأتى رجلان من أهل الطائف فترافع الصوت في المسجد قال: عليّ بهما، فأتي بهما قال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف قال: والذي نفسي بيده لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً، وعمر إذا حلف حلف. حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقماتٍ في قوله القيل والسبب في ذلك: أنهم أبعد عن معرفة الأحكام أو عن جزئيات الأحكام، فعذرهم بهذا الجهل. الرابع: تحريم البيع والشراء في المسجد، فإنما وضع للتسبيح والالتقاء والصلاة وذكر الله، يكفي بقية الأربع والعشرين ساعة نمضيها في الأسواق، وفي البيع والشراء والمكاتب والفصول والدنيا، والحديث والتراب، ثم تبقى هذه الدقائق لنلتقي فيها بالله رب العالمين، فتبقى خالصة لله، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه النسائي والترمذي: {من سمعتموه يبيع ويشتري في المسجد فقولوا له: لا أربح الله تجارتك} وهذا سنة، وحملها أهل العلم على التحريم، فإن من باع واشترى في المسجد ارتكب أمراً محرماً؛ لأنه خدش قداسة الشريعة، وانتهك حرمتها وصيانتها.

تحريم إنشاد الضالة في المسجد

تحريم إنشاد الضالة في المسجد الأمر الخامس: تحريم إنشاد الضالة فيه، فعند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من سمعتموه ينشد ضالة في المسجد فقولوا: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا} ويلحق بهذا من استوصف الناس أوصافاً، أو يتكلم في أمور خارجية، وألحق بعض العلماء الفضلاء من يدعو الناس للولائم داخل المسجد، بل ينتظرهم حتى يخرجوا؛ لأنه يحول المسجد إلى فوضى، وبعضهم يقوم ويخبرهم بمشروع زواجه، ومن هي القبيلة التي سوف يستقبلونها، وكم يريد من العدد، محاضرة كاملة حتى يشوش على المصلين، وهذه الفوضى بعينها، وبعض الناس حوّل المسجد إلى روضة أطفال كلما تأذى من أطفاله في بيته؛ أتى بهم إلى المسجد، وهذا لا يسمح به الإسلام أبداً. المسجد احترام وانضباط وتعليم، والمسجد خضوع وخشوع لله رب العالمين. نهى صلى الله عليه وسلم عن إقامة الحدود في المسجد لما روى أحمد وأبو داود بسند فيه نظر: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن تقام الحدود في المسجد، ويستقاد فيها} ولا يجلد الزاني في المسجد ولا يرجم، ولا يجلد شارب الخمر في المسجد، إلى غير ذلك، بل خارج المسجد، لأنها تأديب وتعزير وتطهير للعصاة، والتطهير إنما يكون خارج المسجد، كما قال بعض الفضلاء الأجلة.

عدم التباهي بزخرفة المساجد

عدم التباهي بزخرفة المساجد السابع: عدم المباهاة بالزخرفة في بنائها، إن عمارة المساجد ليست بالبهرجان، وليست بهذه المظاهر الخلابة، ولا النقوش المبهرجة، إنما عمارتها بأن تحيا بالعلم والصلاة والخشوع والخضوع {وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من علامات الساعة أن يتباهى الناس بعمارة المساجد} ثم لا يعمرونها إلا قليلاً، وهذا أمر تم وحصل وظهر للناس: وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خال وأصبح -أحياناً- موسماً لبعض الناس أن يتباهى بإخراج ثرائه في ركوشات وزخرفة ما أنزل الله بها من سلطان.

سنة تحية المسجد

سنة تحية المسجد الثامن: سن النبي صلى الله عليه وسلم للداخل إلى المسجد تحية المسجد، نافلة يتقدم بها بين يدي عبادته في المسجد، وهي ركعتان لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة في الصحيحين: {إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} حتى أوجبها بعض أهل العلم والدليل على ذلك: {أن رجلاً دخل يوم الجمعة والمصطفى صلى الله عليه وسلم يخطب وجلس ولم يصلِ، قال: أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصلِ ركعتين وأوجز} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

لطائف عن المسجد في عهده صلى الله عليه وسلم

لطائف عن المسجد في عهده صلى الله عليه وسلم

ربط النبي صلى الله عليه وسلم أسيرا في المسجد

ربط النبي صلى الله عليه وسلم أسيراً في المسجد من اللطائف عن المسجد: أن الرسول عليه الصلاة والسلام ربط أسيراً في المسجد، وهذا يدل على جواز ربط الأسير -ولو كان كافراً- في المسجد، وجواز إدخال الكافر للتعليم، لأن يسمع كلام الله في المسجد، استدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة في الصحيحين: أن ثمامة بن أثال، وهو سيد بني حنيفة، أراد أن يهاجم الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة، وكان قائد بني حنيفة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أعدو عليه إن شاء الله، فأرسل عليه أبا سليمان خالداً سيف الله المسلول. تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا خاب راميها فصاده خالد كما يصاد الثعلب، وأتى به إلى المدينة وربطه في المسجد، وخرج عليه الصلاة والسلام على هذا السيد، وكان من رجالات العرب، قال: يا محمد! إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم يقول -انتبه: إن عفوت عني سوف أحفظ جميلك، وإن قتلتني فلا تظن أن دمي سوف يذهب هدراً، ورائي ألوف- فتركه عليه الصلاة والسلام وصدف عنه، وكان يسمعه آيات الله البينات في الصلوات: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] منطق العقل والحجة والبرهان لا تضربه ولا تقتله حتى تحاوره وتناقشه وتفهمه: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111] فلما سمع كلام الله ثلاثة أيام، قال: أطلقني يا محمد، فأطلقه، فذهب إلى النخل واغتسل وأتى وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. إن من الحكمة أن يؤتى برجل ولو كان كافراً، يسمع كلام الله، يسمع الخطبة، يسمع قراءة الإمام، فإن هذا جائز عند أهل العلم، نصوا على ذلك لحديث في الصحيحين. والمقصود الأعلى في هذا: أن نسمع الناس الحجة، أن نسمعهم كلام الله، أن نبلغ دوعتنا للناس، وهاهو قد مر علينا قرنان من الزمان لم نقدم للبشرية شيئاً ونحن عالة عليهم في عالم المادة، فالواجب أن نقدم لهم الإيمان كما يقول كريسي موريسون: قدمنا لكم الثلاجة والبرادة والطائرة والصاروخ وما قدمتم لنا الإيمان. هم يريدون الإيمان، فأين من يقدم الإيمان؟ حتى الإبرة والطباشير مستوردة منهم والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، فيا ليت أننا ارتفعنا في عالم الإيمان، يوم نكصنا في عالم المادة، ولا يعني ذلك أن عالم المادة هو العلم المقصود، فالله يقول: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7].

التمريض في المسجد

التمريض في المسجد تمريض المريض في المسجد للحاجة، -وأنا أبين أحكام ولطائف وقعت، وقد تقع أو لاتقع لكن ليكون المسلم على بصيرة، يمرض المريض في المسجد، وقد يداوى في المسجد، فاستدل أهل العلم في الحديث الصحيح أن سعد بن معاذ رضي الله عنه جرح في الخندق فوضعه صلى الله عليه وسلم في المسجد ليزوره من قرب، يقول سعد بن معاذ: اللهم إن كنت أبقيت حرباً لرسولك مع يهود فأبقني، وإن كنت أنهيت الحرب فاقبضني إليك، فثار جرحه ومات، تقول عائشة: كما ذكر الذهبي في ترجمة سعد -تقول: والذي نفسي بيده، إني كنت أعرف بكاء الرسول عليه الصلاة والسلام من بكاء أبي بكر وعمر من وراء الباب، وكان أبو بكر يقول: وا كسر ظهراه عليك يا سعد، واكسر ظهراه عليك يا سعد. لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد شهم يموت بموته بشر كثير هذا سعد اهتز له عرش الرحمن لما مات والحديث صحيح، وقال حسان: وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لـ سعد أبي عمرو تغالب الأوس والخزرج في مجلس، قال الخزرج: منا أربعة يحفظون القرآن، قال الأوس: منا من اهتز له عرش الرحمن فأسكتوهم.

لعب الحبشة في المسجد

لعب الحبشة في المسجد الحبشة يلعبون بالحراب في مسجده صلى الله عليه وسلم، هذا ليس حكماً مطرداً، وينص عليه أبو حامد الغزالي صاحب الإحياء وقد أجاد كل الإجادة، وقال: مثل من يرى سنة من السنن فعلها صلى الله عليه وسلم أو أجازها لحكمة في الدعوة أو في العلم كمثل من رأى الحشبة أو سمع بهم أنهم لعبوا بالحراب في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مرة من الدهر، فكلما أتى إلى المسجد أخذ حربة ورقص قبل الصلاة قليلاً ثم صلى فإذا قلت له: مالك؟ قال: الحشبة رقصوا بالحراب، وهذه لا تسمى سنة مطردة، بل هي مفاجأة وطارئة لحدث وهو أنه أراد صلى الله عليه وسلم أن يتألفهم، أناس دخلوا في الإسلام لأول وهلة وأرادوا أن يتحفوا الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء فاجتمعوا صفين وأخذوا الحراب، وأخذوا يرقصون ويقولون: محمد عبد صالح، محمد عبد صالح. هذا تحصيل الحاصل، وإلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من ذلك، هذا من شعر بعض الناس في المخيمات يقول: رأيت الحق منهزماً فليت الحق لم يهزم أبرد من الثلج، فهذا شعرهم، هكذا يقولون: محمد عبد صالح، محمد عبد صالح، فأشرف عليه الصلاة والسلام عليهم وإذا عمر لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذ يحصبهم بالحصى، وكان عمر قوياً في دين الله، قال صلى الله عليه وسلم: {دعهم يا عمر ليعلم يهود أن في ديننا فسحة} والمقصد من ذلك: تأليف قلوبهم للإيمان. القضية أكبر من قضية اللعب، تأتي إلى إنسان يغني وهو لا يصلي، قال أهل العلم: لا تتكلم له في الغناء؛ لأن القضية أكبر من ذلك، أتى صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة وهم يعبدون الأصنام، ويسجدون للأوثان ويشربون الخمر، أينهون عن الخمر في الحرم؟ لا. يقول ابن تيمية: إن الطبيب إذا شكا من جسمه مرضين مختلفين داوى الأخطر، فالحكمة أن يبدأ بالأهم، والمقصود هنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركهم فسحة في المسجد، فأخذوا راحتهم فلما رأوا أريحيته؛ أسلموا عن بكرة أبيهم.

حرمة اتخاذ القبور مساجد

حرمة اتخاذ القبور مساجد من المحذور في المساجد: أن تتحول إلى مقابر، كما فعلت بعض الأمم والجاليات والشعوب حولها، رأيناها جهاراً نهاراً، حولوا مقابرهم إلى مساجد وتوسلوا بالقبور، وأشركوا في دين الله، وقطعوا علائق التوحيد، يقول عليه الصلاة والسلام: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} وذلك لأنهم جعلوا القبر مكاناً يصلى فيه، والإسلام بريء من هذا العمل، المسجد شيء والقبر شيء آخر، والأموات لا يملكون ضراً ولا نفعاً ولاموتاً ولا حياة ولا نشوراًً. وإنما أتينا إلى المسجد لندعو حياً قديراً قوياً عالماً، يضر وينفع ويحيي ويميت سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هذا ابن عربي صوفي دخل مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ولما أصبح عند الروضة سلَّم وقال: في حالة البعد نفسي كنت أرسلها تقبل الأرض عنكم وهي نائبتي وهذه دولة الأشباح قد حضرت فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي قال: فانشق القبر وصافحني، وهذا كذب وافتراء على الله، لم يصافحه رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وإنما هذه من الخزعبلات، والبرعي شاعر اليمن خزعبل كذلك يقول: يا رسول الله يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاماً فأقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاماً فيقول الألوسي راداً عليهم: تركوا الحي الذي يسمع النداء وهو أقرب من نداء القريب إلى القريب، ونادوا الميت الذي لا يسمع، فالمقصود من هذا: تجريد التوحيد في المسجد، وسر الرسالة في المسجد أن تفرد العبودية لله.

من مزايا المسجد

من مزايا المسجد يقول الأستاذ علي الطنطاوي عن المسجد: ميزة المسجد أنه يساوي بين الناس، فيأتي الخطيب يوم الجمعة، فلا يقدم مقدمات للصفوف الأولى، لا. يقول: يا جنرالات، ولا يا أمير المؤمنين، ولا يا مهندس، ولا يا فخامة فلان، إنما الناس سواسية يتكلم لهم بقوة، ويجب عليهم أن يسمعوا وأن يصغوا لما يقول. ثم المسجد ميدان للشورى وبرلمان حافل لتبادل الآراء، والإسلام لا يقتل الكلمة، أنت رجل وأنا رجل، وأنا إنسان وأنت إنسان عليّ أن أسمع منك وتسمع مني قال تعالى في الكافر: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] فكيف بالمؤمن. قال ابن إسحاق: وقف عمر رضي الله عنه وأرضاه على المنبر يخطب الناس فقال: [[أيها الناس: ما رأيكم لو صدفت عن الطريق هكذا -أي ملت في العدل والدولة، أو ملت عن الإسلام والشريعة- فسكت الصحابة أي: هائبين ومقدرين لـ عمر رضي الله عنه- فقام أعرابي من آخر المسجد معه سيفه -فأخرج سيفه وقال: يا أمير المؤمنين! والذي نفسي بيده، لو ملت عن الطريق هكذا، لقلنا بالسيوف هكذا، لو كانت هذه الكلمة قيلت لغير عمر لقال: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} [الحاقة:30 - 31] فقال عمر: الحمد لله الذي جعل من رعيتي من إذا قلت عن الطريق هكذا، قالوا بالسيوف هكذا]]. وروى أهل العلم كـ الذهبي وغيره أنه عمر قال مرة: [[أيها الناس! اسمعوا وعوا -على المنبر- قال سلمان: والله لا نسمع والله لا نعي، قال ولمَ؟ قال: تلبس ثوبين وتلبسنا من ثوب ثوب -لأنه أتى بلباس من اليمن هدايا، فكان عمر طوالاً، فأخذ ثوب ابنه عبد الله وثوبه- فقال عمر رد عليه يا عبد الله، فرد عليه وقال: هذا ثوبي من بيت مال المسلمين أعطيته أبي فلبسه مع ثوبه، قال سلمان: الآن قل نسمع وأمر نطع]] واندفع عمر يتكلم. نعم. والحق شورى والحقوق قضاء. يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه أيها المسجد يا مأوى الحنين فيك يا مسجد فجر المؤمنين فيك أطياف الهدى قد سبحت وسرى في قلبك الحب الدفين وبلال الشوق نادى سحراً ادخلوها بسلام آمنين يا مسجداً ما أجملك ما خاب عبد أملك إن تحم عيني أن تراك جعلت قلبي منزلك القلب حن إلى رؤاك نادى جنابك هيكلك منك يا مسجد الطموح انطلقنا كالضياء الجميل في الآفاق ورسمنا خلودنا من معانيك وفي راحتيك أحلى العناق صوتك العذب بـ نهاوند أضحى يتهادى إليه أهل العراق أشكركم شكراً جزيلاً على استماعكم وما بقي من وقت فللأسئلة، وأكرر شكري للنادي الأدبي الرائد الحافل، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

بعض المناظرات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

بعض المناظرات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم Q هل لفضيلة الشيخ أن يذكر لنا بعض المناظرات الأدبية التي حدثت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد؟ A الحمد الله، حدث في عهده صلى الله عليه وسلم مناظرات عدة في المسجد، وأشهرها عند أهل السير والتاريخ ما وقع بينه وبين بني تميم عندما وفدوا بسبعة أو ثمانية، منهم قيس بن عاصم المنقري حليم العرب، الذي يقول فيه الشاعر: عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته وما شاء أن يترحما تحية من ألبسته منك نعمةً إذا زار عن شحط بلادك سلما وما كان قيس موته موت واحد ولكنه بنيان قوم تهدما فـ قيس وفد مع الوفد، ووفدوا بـ الزبرقان بن بدر وكان عنده قصيدة أعد لها من زمن، وعطارد بن حاجب بن زرارة معه خطبة، فلما وفدوا عند الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم أسلموا، قالوا: لا نسلم حتى يغالب شاعرنا شاعرك، أي: نفاخرك، فقال صلى الله عليه وسلم: عليّ بـ حسان، فأتوا بـ حسان واجتمع الناس، وقام الزبرقان قال: نحن الكرام فلا حي يعادلنا منا الملوك وفينا تنصب البيع أو كما قال، فرد عليه حسان في الموقف نفسه وقال: إن الذوائب من فهر وإخوتهم قد بينوا سنناً للناس تتبع يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا فغلبه، ثم قام عمرو بن الأهتم فألقى خطبة فغلبه ثابت بن قيس بن شماس فقال بنو تميم: غلب شاعرك شاعرنا، وخطيبك خطيبنا، ثم أسلموا.

حكم إنشاد الشعر في المسجد

حكم إنشاد الشعر في المسجد Q ما هي أقوال أهل العلم في إنشاد الشعر في المسجد؟ A في هذه المسألة حديثان صحيحان، حديث مجيز وحديث يمنع، والجمع بينما سهل، أما الحديث الأول في الصحيحين: {أن عمر لحظ إلى حسان وهو ينشد في المسجد، فقال: كنت أنشد وفيه من هو خير منك} أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق، وأحاديث أخرى، ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم استمع الشعر في المسجد. والحديث الثاني حسن رواه أبو داود في السنن وذكره ابن حجر في الإصابة، يقول عليه الصلاة والسلام: {من رأيتموه ينشد في المسجد شعراً فقولوا: فض الله فاك} الجمع بينهما يقال: أما الشعر المأذون به فهو الشعر الإسلامي المنضبط المباح، وأما الشعر الممنوع فهو شعر الغزل المقيت والفحش والبذاء والهجاء.

حكم زخرفة المساجد

حكم زخرفة المساجد Q فضيلة الشيخ، ماهو رأي الدين في إضفاء النقوش والكتابات والنحت في المساجد لقصد الزينة؟ A الكتابة من داخل المسجد ليس لها أصل في الشريعة، وقد بحثت هذه المسألة عند كثير من هيئة كبار العلماء، ولم يجدوا لها أصلاً عن رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وإنما أدخلها في المسجد النبوي فيما أعلم السلاجقة، وقيل: العثمانيون وليس لها أصل في الإسلام من قبل، وليست من السنة في شيء، والرسول صلى الله عليه وسلم منع المباهاة بالزينة والزخرفة في مسجده صلى الله عليه وسلم وفي المساجد عامة، ومن عنده في ذلك دليل فليأتنا به.

حكم بيع السواك خارج المسجد

حكم بيع السواك خارج المسجد Q هل بيع السواك حرام علماً أنه خارج المسجد؟ A إذا بيع خارج المسجد فلابد من ضابط، أن يكون قبل النداء الثاني، أمَّا بَعْد النداء الثاني فيحرم بالإجماع عند أهل العلم، وأما بيعه خارج المسجد في أي وقت غير هذا الوقت فجائز.

قصيدة: بانت سعاد

قصيدة: بانت سعاد Q ما مدى صحة الرواية التي تقول أن كعب بن زهير أنشد أمام الرسول قصيدته بانت سعاد؟ A الرواية يقول بوضعها ابن القيم وكثير من المحدثين كـ الذهبي وابن كثير وغيرهما، ولكنها تنجبر بمجموع الطرق وتعتضد، نعم صحيح أن القصيدة لـ كعب، ولكن الضعف عندهم، هل قالها كعب أمام الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد، وإلا فهي له وقالها في الرسول عليه الصلاة والسلام وقال أهل السير: إنه أتى في الليل وبات عند أبي بكر، وشكى إليه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أهدر دمه وقال: {من وجد كعباً فليقتله} فأتى ببانت سعاد فقلبي اليوم متبول، إلى آخر ما قال.

صحة معجزة أنين جذع النخلة

صحة معجزة أنين جذع النخلة Q قرأت حديثاً يدور حول إحدى معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ومعناها هو عندما استبدل عليه الصلاة والسلام جذع النخلة بالمنبر، و Q ما مدى صحة هذا الحديث وما هو تعليقكم عليه؟ A هذا الحديث صحيح عن جابر في كتاب المساجد في صحيح البخاري: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له منبر من نخل، فقال لامرأة من الأنصار: مري ابنك النجار أن يصنع لي منبراً أكلم الناس عليه، فصنع له منبراً على ثلاث درجات -وهو السنة- فقام صلى الله عليه وسلم يتكلم على ذاك المنبر الجديد وترك القديم، فحن له القديم بصوت مرتفع، كصوت العشار وكبكاء الأطفال} {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] بل هو الحق الصراح، الجماد يسري في عروقه حب محمد عليه الصلاة والسلام فكيف بالمؤمنين؟! يقول الحسن معلقاً على هذا الحديث كما ذكر ابن حجر: يا عجباً لكم!! هذا خشب حن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تحنون له؟! نسينا في ودادك كل غالٍ فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرف نلام وما علينا ولما نلقكم لكن ذكراً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلى الناس بالدنيا وإنَّا لعمر الله بعدك ماسلينا

فقدان الماء للجنب

فقدان الماء للجنب Q ما رأي الدين في إنسان دخلت عليه الصلاة وهو جنب ولم يجد ماء وتوضأ وصلى وهو على جنابة؟ A لا. ليس هنا وضوء، ومن دخل عليه الوقت وعليه جنابة وخاف أن يخرج الوقت فيتيمم ويصلي؛ لأن التيمم يكون إما لمرض أو لفقدان الماء، وهذا فقد الماء وخاف أن يخرج عليه الوقت، وهذا نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: لأن مداركة الوقت أولى من طلب الماء حتى يفوت الوقت، والصلاة بالتيمم هي ما أوجبه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليه، لأنه لم يجد ماء وفي قراءة (فإن لم تجدوا ماء) والقراءة المشهورة {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء:43].

ثاني مسجد في الإسلام

ثاني مسجد في الإسلام Q ما هو ثاني مسجد في الإسلام؟ A ثاني مسجد هو مسجد جواثى في البحرين، والبحرين هي الأحساء الآن، وهو إلى الآن معمور بعمارة قديمة بأطرافه الأربعة، وأسسه في عهده عليه الصلاة والسلام وفد عبد القيس بعدما وفدوا إليه عليه الصلاة والسلام.

تدريس العلوم المعاصرة في المسجد

تدريس العلوم المعاصرة في المسجد Q كيف يكون المسجد الآن مدرسة لبعض العلوم المعاصرة؟ A ليس الأمر فرضاً أن يكون هناك تخصصات في المسجد، بل على الميسور، وما دام وقد وحدت جامعات تقوم بهذا الدور فلها ذلك القدر، لأن بعض الإمكانيات والملابسات والمقارنات وحاجة بعض العلوم كوجود بعض المعامل وكثير من الأقسام، وغيرها من التخصصات قد لا يتسنى وجودها في المسجد، لكن في حالة أن يكون هناك علم نظري يقرأ في حلقات فلا بأس، وذكر عن سعيد الحلبي أنه كان يدرس علم المثلثات في المسجد، ودرس كثير منهم المنطق في المسجد، والمأمون أدخل كثيراً من العلوم على المسلمين، يقول ابن تيمية: المأمون سوف يسأله الله عن العلوم التي أدخلها على المسلمين، أي: التي ما كان فيها خير.

أحكام مصلى العيد

أحكام مصلى العيد Q هل يقال لمصلى العيد مسجد؟ A مصلى العيد يسمى مصلى ولا يسمى مسجداً؛ لأن المسجد هو ما تعود فيه الصلاة، إما صلاة في كل يوم مرة، أو الصلوات الخمس، ولذلك لا يصلي التحية من أتى يوم العيد أو الاستسقاء، بل يجلس في المصلى بخلاف المسجد؛ لأن المسجد اسم مكان لما يسجد عليه.

العبرة بالمعنى لا بالتسمية

العبرة بالمعنى لا بالتسمية Q إذا اتخذت حجرة أو مكاناً معيناً في إدارة أو في بيت بحيث تكون كمسجد فهل ينطبق عليها ما ينطبق بحق المسجد؟ A لا عبرة بالتسمية، العبرة بالمعاني، قد يسمونها صالة، وهم يصلون فيها دائماً الصلوات الخمس، وعرف ذلك عنهم فتأخذ حكم المسجد؛ لأن المعنى أنها أصبحت كالمسجد، أما أن يسميها صالة أو غرفة أو كذا، فليس العبرة إلا بالمعنى.

حكم دخول الأطفال المساجد

حكم دخول الأطفال المساجد Q هل لدخول الأطفال سن معين وشروط معينة؟ A الذي يظهر عند أهل العلم إما أنهم جعلوا سن السابعة هي دخول المسجد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما عند أحمد وأبي داود بسند صحيح: {مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع}.

حكم اصطحاب الأولاد للمذاكرة في المسجد

حكم اصطحاب الأولاد للمذاكرة في المسجد Q بعض الجيران يصحبون أولادهم للمذاكرة بين المغرب والعشاء في المسجد ما رأيكم في ذلك؟ A إذا انضبطوا وتأدبوا في المسجد فلا بأس، فإن المقصود من منعهم: منع التشويش على المصلين والإزعاج، فإن انتفت العلة انتفى المعلول.

شبهة أن قبر النبي في المسجد النبوي

شبهة أن قبر النبي في المسجد النبوي Q ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} وكما تعرف أن قبر النبي عليه الصلاة والسلام داخل المسجد النبوي، ما هو تعليقك على ذلك؟ A أولاً في هذا الحديث ثلاث مسائل، يقول أهل العلم: يقول صلى الله عليه وسلم: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} والنصارى ليس لهم نبي إلا واحد هو عيسى عليه السلام، فكيف يجعل صلى الله عليه وسلم لهم أنبياء؟ قالوا: هذا من التغليب وهو باب معروف في النحو. الأمر الثاني: كيف اتخذوها مساجد؟ قالوا: للعبادة والتوسل والقربات. الأمر الثالث: أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد عصمه الله من ذلك، ولما حضرته الوفاة قال: {اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد} وبعض الناس كما نشرت بعض الصحف يتكلم في هذه القضية بمثل هذه الأوقات يريد أن يثير الناس بحجية أن القبر داخل المسجد، وهذا الكلام ليس له أساس من الصحة، أولاً: أن الله عصم رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعبد من دونه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قضاء وقدراً من الله. الأمر الثاني: أن غرفته صلى الله عليه وسلم ليست في المسجد، وإنما هي كما يقول ابن القيم مثلثة الجدران في منظومته، وليس من يصلي يتجه للغرفة بل إنما هو يتجه إلى الروضة، وإلى القبلة ولا يتجه إلى غرفته عليه الصلاة والسلام. الأمر الثالث: أن أهل العلم من التابعين كـ سعيد بن المسيب وغيرهم سكتوا عن ذلك، وسكوتهم شبه إجماع والأمة لا تجتمع على ضلالة أبداً، وسكت عنها أهل القرون المفضلة إلى هذا القرن، ولا يمكن أن يجمع الله أمة رسوله عليه الصلاة والسلام على سنة باطلة أبداً. فقل للعيون الرمد للشمس أعينٌ تراها بحق في مغيب ومطلع وسامح عيوناً أطفأ الله نورها بأهوائها لا تستفيق ولا تعي

حكم التصافح بين الأذان والإقامة

حكم التصافح بين الأذان والإقامة Q ماحكم التصافح في المسجد بين الأذان والإقامة والكلام أيضاً؟ A بين الأذان والإقامة لا بأس به، وفي فتاوى ابن تيمية أنه قال: التصافح بعد الصلاة بدعة، ومقصود ابن تيمية ما يفعله بعض الناس من الجاليات كما تعرف في بعض البلدان، إذا سلم سلم عن يمينه ويساره دائماً باستمرار، فجعلوها كأنها من السنة؛ حتى ما يسلم التسليمة الثانية إلا ويبدأ يسلم عليك وقد رآك في اليوم عشرين مرة، فهذه يقول ابن تيمية: ما كان يفعلها الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه، والسر في منع ذلك؛ لأنها تشوش على الذاكر بعد الصلاة، إذ من السنة أن تستغفر وتسبح ثلاثاً وثلاثين وبقية الأذكار، فإذا جعلت هذه سنة عطلت الفوائد والذكر والعبادة، فمنعها ابن تيمية وأهل السنة، وأما بين الأذان والإقامة فالأمر فيه سعة، صافح الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه والقادمين من الأعراب، وعانق بعض الناس وتكلم معهم فالأمر فيه سعة بإذن الله.

حكم النوم في المسجد

حكم النوم في المسجد Q هل يجوز النوم في المسجد؟ A النوم في المسجد للحاجة جائز، وعند البخاري حديث أنس أنه قال: تغاضب علي وفاطمة بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، فخرج علي فنام في المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم: أين هو؟ يعني: علياً؟ -قالت: في المسجد؛ غاضبني فخرج المسجد -بشر مهما بلغوا من الرقي ومهما بلغوا من الإيمان لكن يتعاملون تعامل البشر، رجل يغاضب زوجته -فخرج صلى الله عليه وسلم فوجده نائماً في المسجد، فأخذ يضربه برجله ضرباً خفيفاً ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب، قم أبا تراب، كان بنو أمية يعيرون علياً ويقولون قم أبا تراب، قال: والله إنها من أحب الكنى إلى نفسي، ثم يقول: وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهر عنك عارها ونام رسول الله في المسجد لحديث سهل بن سعد أنه اضطجع صلى الله عليه وسلم ووضع رِجلاً على رِجل، وقال ابن عمر في الصحيح: [[كنت رجلاً عزباً فأنام في المسجد]] وهذا الأمر وارد للحاجة، أما لغير الحاجة فلا. هناك فنادق وأماكن وبيوت، لكن الإنسان إذا اضطر وما وجد مكاناً إلا المسجد؛ فله أن ينام كما فعل أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام.

شهر من الأسى واللوعة في حياة الرسول

شهر من الأسى واللوعة في حياة الرسول كل شخص يبتلى على قدر إيمانه، فالأنبياء أشد الناس بلاءً، ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم أشد الناس بلاءً، ومن ضمن بلاء النبي صلى الله عليه وسلم أن قذف في عرضه صلى الله عليه وسلم، فصبر حتى كشف الله هذه الغمة وهذه الفتنة التي دبرها ابن أبي لعنة الله عليه. وفي هذه الفتنة دروس عظيمة وعبر جليلة لا يستغني عنها الداعية خصوصاً والمسلم عموماً.

الابتلاء سنة كونية على المؤمنين

الابتلاء سنة كونية على المؤمنين الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم باليمن والمسرات، وجمعنا بكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وثبتنا وإياكم على كلمة التوحيد، الكلمة الخالصة التي أتى بها محمد عليه الصلاة والسلام. أيها المسلمون: عنوان هذه المحاضرة: شهر من الأسى واللوعة في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام. عاش صلى الله عليه وسلم في حياته شهراً كاملاً، كل هذا الشهر في هم وقلق وحزن وأسى، واحتراق ولوعة وفراق، هذا الشهر كما يقول بعض العلماء، أوقف الرسول عليه الصلاة والسلام على أعصابه، وقصة هذا الشهر يسوقها الإمام البخاري، وقد سبقت في مناسبات لكنها تعرض اليوم في قالب من الابتلاء الذي يتعرض له الصالحون. وكثيراً ما نرى ونسمع كثيراً من الأسئلة من الشباب الملتزم وهم يشكون ما يلاقون من أذية واستهتار، ونقد مرير، وجرح غير مسئول ولا بنَّاء، يوجهه إليهم العابثون اللاهون اللاعبون، شاب يستقيم فيرمى بالتطرف والتزمت والتأخر والرجعية، وعدم الفهم للدين، وعدم التصور للإسلام الصحيح، فلا ندري ما هو الإسلام الذي يريده المنحرفون، هل يريدون أن يسير دين الله هزواً ولعباً؟ ولعلكم قرأتم وسمعتم بعض ماكتبه بعض المفكرين، وكيف تعرض لشباب الصحوة بسبب وبغير سبب ويأتي بقصص غير صحيحة. أنا أجزم جزماً صحيحاً أنها ليست بصحيحة، كقوله أحياناً: لقيني شاب مستقيم في الإمارات فسألني عن الكلونيا، وهو لم يلق شاباً في الإمارات وما سأله عن الكلونيا، لكنه يريد أن يعلق، فينزل بخنجره على الشباب الملتزم، ويقول في التعليق: صعد الناس القمر، وهؤلاء الشباب لا زالوا يسألون عن الكلونيا، وهل إذا تركنا الكلونيا وحكم الكلونيا نصعد إلى القمر؟! ويقول في مناسبة أخرى: رأيت شاباً ولحيته كثيفة، سبحان الله! وهل الرسول صلى الله عليه وسلم إلا كانت عليه لحية كثيفة؟ وهل جمال المسلم إلا بلحيته وهل هذه إلا سنة أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم؟ أكان صلى الله عليه وسلم مربياً للحيته أم حالق لها؟ أما ربى أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحسان، ومعاذ، وسعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد، وصلاح الدين، وابن تيمية، وابن القيم، وأحمد، ومالك، وأبو حنيفة، والشافعي أما ربوا لحاهم؟ أو ليس الأصل تربية اللحى وخلاف الأصل حلق اللحى؟ فلماذا يصبح الشاب متهماً لأنه ربى لحيته، أو لأن عليه لحية كثيفة؟ ثم يقول في معرض كلام آخر: رأيت شاباً له ثوب قصير، فقال له هذا المفكر: إن الإسلام ليس في هذا الثوب القصير، يا سبحان الله! هذا الشاب اهتدى وأخذ تعاليمه من محمد عليه الصلاة والسلام، أتلومه لأنه قصر ثوبه وطبق السنة؟! ويقول في معرض كلام آخر: رأيت شاباً آخر يهاجم الغناء ويدعي أن الغناء محرم، ومن حرم الغناء؟! ولم يعلم هذا أن الذي حرم الغناء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقول لهذا المفكر: سامحك الله وعفا عنك، لماذا لم تهاجم أعداء الله من اليهودية وأذناب الصهيونية، والشيوعية؟ أما وجدت حرباً إلا مع هؤلاء الشباب؟ ولكن نقول: إن الله معنا وإن هذا من الابتلاء قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3]: حسدوا الفتى أن لم ينالوا سعيه فالناس أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها بغضاً ومقتاً إنه لدميم وإنه لجميل لكن هكذا البغي والمقت. ولذلك روي في بعض الآثار -والله أعلم- أن موسى قال لربه: {يا رب! أسألك مسألة، قال: ما هي يا موسى؟ قال: أن تكف ألسنة الناس عني -لا يتكلمون فيَّ- قال الله: يا موسى! ما اتخذت ذلك لنفسي، فإني أخلقهم وأرزقهم وإنهم يسبونني ويشتمونني} وفي البخاري في رواية أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال الله تبارك وتعالى: يسبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، ويشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، أما سبه إياي فإنه يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء، وأما شتمه إياي، فيقول: إن لي صاحبة وولداً ولم أتخذ صاحبة ولا ولداً. ولذلك ينقل الألوسي في الرد على النبهاني كلام النصارى في الله عز وجل، يقول: لما غضب الله نزل من على عرشه على ساحل البحر يبكي، تبارك الله عما يقولون علواً كبيراً!: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5] استهتروا بموسى حتى شكا وبكى على الله فنصره الله قال الله له: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69]. وتعرض إبراهيم وعيسى ونوح ومحمد عليهم الصلاة والسلام للأذى، قالوا في الرسول الذي ما خلق الله أصدق ولا أبر ولا أنصح ولا أفصح منه: شاعر وكاهن، وقالوا: مجنون، وقالوا أقاويل لا يصدقها العقل ولا النقد، ومع ذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:3] وهؤلاء الملتزمون المستقيمون أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، لو ذهبوا فمن يغطي هذه الساحة؟ أمروج المخدرات هو الذي يحل محلهم؟ أبايع الأغنيات الماجنة الذي باع حياته بثمن بخس؟ أعاق الوالدين وقاطع الرحم المستهزئ بالسنة والمستهتر بتعاليم محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يحل محله؟ ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني ويقول الشاعر العربي الآخر لأخيه الذي يستهزئ به: فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني إذاً لقطعته ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني

حادثة الإفك

حادثة الإفك هذا الشهر الذي عاشه محمد صلى الله عليه وسلم أسوة لكل مسلم، ولكل عبد صالح، ولكل رجل مستقيم، هذا الشهر اتهم فيه عليه الصلاة والسلام في عرضه، العرض ليس أرفع منه إلا الدين، فأنت تريد أن يذهب دمك هدراً، ولا تريد أن يهتك عرضك، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما تركوه حتى نالوا من عرضه، عائشة رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق، الطاهرة بنت الطاهر، المبرأة من فوق سبع سماوات، اتهموها بالفاحشة الكبرى! فوقف صلى الله عليه وسلم -كما قال سيد قطب - شهراً كاملاً على أعصابه، شهر لا يذوق الطعام إلا لماماً، ولا يأتيه المنام عليه الصلاة والسلام إلا ردحاً من الليل، وما يرتاح ولا يهدأ، فقد تشنج عليه الصلاة والسلام لولا أن الله واساه وصبره وعظم أجره وثبته حتى انتهى الشهر.

قصة حادثة الإفك

قصة حادثة الإفك هذه القصة رواها البخاري عن أجلة من أجلة التابعين لعظم هذه القصة، قال الزهري الإمام المعتبر المحدث الشهير حدثني بها سعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبه، وهؤلاء أجلة التابعين. أما سعيد بن المسيب فلا تسأل عن سيد التابعين شبه إجماع أنه سيد التابعين، رجل ذهبت عينه اليمنى من كثرة بكائه من خشية الله في السحر، قالوا له: اخرج إلى العقيق لترى الخضرة ولترى الراحة والأنس، قال: [[سبحان الله! كيف أخرج إلى العقيق فأفوت صلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بألف صلاة]] لما حضرته الوفاة، قال لأهله: [[لا تبكوا عليَّ، فما فاتتني تكبيرة الإحرام في الجماعة، أو ما أذن المؤذن إلا وأنا في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام منذ أربعين سنة]]. سعيد بن المسيب الذي يجلس في المسجد من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر وعليه ثياب بيضاء يسبح حتى يؤذن للظهر، كان أصبر الناس في العبادة، إذا انتصف الليل قام وأيقظ أهله، وقال لنفسه: قومي يا مأوى كل شر، وإنما أذكر هذا قصصاً لشبابنا وشيوخنا علهم أن يجعلوا من سعيد بن المسيب وأمثاله قدوة وأسوة في الحياة. أما عروة بن الزبير فهو الذي كان يختم القرآن في أربعة أيام، وقد أصابته الآكلة في رجله فقطعوها من القدم، فمضت فقطعت من الركبة ثم من الفخذ، ولما أرادوا قطعها، قالوا: نسقيك كأساً من الخمر لعل عقلك أن يذهب لئلا تجد ألم القطع، قال: لا والله ما كنت لأذهب عقلاً منحنيه الله، ولكن إذا توضأت ودخلت في صلاتي، فاقطعوا رجلي فإني لا أحس بذلك، فلما توضأ ودخل في الصلاة قطعوا رجله ففقد وعيه وبقي ساعات ثم استفاق، فقالوا: أحسن الله عزاءك في رجلك وأحسن الله عزاءك في ابنك فقد رفسته دابة فمات، قال: [[اللهم لك الحمد؛ إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت، أعطيتني أربعة أبناء وأخذت ابناً واحداً، وأعطيتني أربعة أعضاء وأخذت عضوا واحداً، فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا]]. أما عبيد الله بن عبد الله بن عتبه فهو من رواة الصحيحين، والسنن والمسانيد، وهو شيخ عبد الله بن المبارك وقد كان أعمى لكن في قلبه نور: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35] هو الذي خرَّج عمر بن عبد العزيز ورباه في مدرسة التوحيد فأخرجه خليفة للمسلمين، كان عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس ينتقص علي بن أبي طالب، فسمع شيخه عبيد الله أنه ينتقص علي بن أبي طالب، فقال: يا عمر بن عبد العزيز! متى علمت أن الله غضب على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟ قال: ما علمت، قال: متى علمت أن الله غضب على أهل بيعة الرضوان (أهل الشجرة) بعد أن رضي عنهم؟ قال: ما علمت، قال: فإني سمعت أنك تسب علياً رضي الله عنه وأرضاه وعلي من أهل بدر وأهل بيعة الرضوان، فقال: فإني أشهد الله ثم أشهدك ألا أسبه بعد اليوم. هؤلاء يروون القصة عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، صاحبة القصة وصاحبة الحسرة والأسى، وصاحبة اللوعة والتهمة في العرض، اتهموها في شيء ليته بالبخل، وليته بالجبن، وليته بنميمة أو بغيبة أو بدمامة، لكن اتهموها بكلمة لو وضعت هذه الكلمة على الجبال لذابت: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5] اتهموها أنها زنت عصمها الله وشرفها وبرأها، تروي القصة وهي قصة الإفك وسوف أستعرضها.

تخلف عائشة عن الركب عند الرجوع من غزوة بني المصطلق

تخلف عائشة عن الركب عند الرجوع من غزوة بني المصطلق تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أسهم بين نسائه -أي: جعل عليه الصلاة والسلام قرعة- فإذا وقعت القرعة على إحداهن أخذها صلى الله عليه وسلم في السفر، وفي غزوة من الغزوات أسهم عليه الصلاة السلام فوقعت القرعة على عائشة، فأخذها صلى الله عليه وسلم وخرجت معها دينها ويقينها وخوفها من الله: كأن رقيباً منك يرعى خواطري وآخر يرعى مسمعي وجناني فما لفظت من بعد مرآك لفظة على القلب إلا عرجا بعناني ذهبت معه صلى الله عليه وسلم، وغزا صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة، وقد اختلفوا في اسم هذه الغزوة ولا يهمنا اسمها، إنما يهمنا الحدث والمعنى والمقصد والدروس والعبرة، ثم رجع عليه الصلاة والسلام من الغزوة فرجعت معه ورجع الجيش، وفي أثناء الطريق نزلوا في ليلة من الليالي، ليلة مباركة فيها محمد عليه الصلاة والسلام، خرجت من هودجها والهودج كالغرفة الصغيرة يضعه السلف على الجمال فترتحل فيه الظعينة من النساء، فتركب فيه فيغطيها ويسترها، وهذا ستر الإسلام، وحجابه وروعتة، يوم يجعل المرأة كالدرة المصونة المجوفة، لا تراها العيون ولا تمسها الأيدي، لتكون طاهرة مطهرة، أما دعاة الإلحاد والزندقة فيريدون أن تخرج المرأة فتراها العيون وتمسها الأيدي فلا تكون طاهرة ولا شريفة ولا معظمة. هذا الهودج كانت عائشة تركبه رضي الله عنها وأرضاها، ثم نزلت من الهودج لحاجتها، فارتحل الناس وأتت هي تلتمس عقداً من الخرز كان في نحرها وانقطع، فالتمسته فلم تجد العقد، فأخرها عن الجمل وعن ركب الرسول عليه الصلاة والسلام، فذهبت تلتمس العقد وأتت في آخر الليل، فوجدت الناس قد ارتحلوا فقد رأوا الهودج بجانب الجمل، فظنوا أن عائشة في الهودج، فحملوا الهودج على الجمل وربطوه، وكانت عائشة خفيفة فكانوا لا يفرقون بين وجودها في الهودج وخروجها منه، فذهبت الجمال، وذهب محمد عليه الصلاة والسلام، والجيش، وأتت إلى المكان فما وجدت لا صوتاً ولا قريباً ولا حبيباً إلا الله: عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذا عوى فصوت إنسان فكدت أطير فجلست تقول: حسبي الله ونعم الوكيل! ومن قال هذه الكلمة ما تخلى الله عنه، ولا ما تركه ولا قطع حبله؛ بل وصله وحفظه، جلست متغطية مكانها متحجبة.

حمل صفوان لعائشة على جمله

حمل صفوان لعائشة على جمله وفي الصباح أتى رجل من الصحابة من أهل بدر الذين اطلع الله عليهم، فقال: {اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} هذا الرجل اسمه صفوان بن المعطل السلمي، وكان من أهل بدر ومن الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23]. هذا الرجل له مواقف في الإسلام؛ لكن فيه فطرة من فطر الله وجبلة، فقد كان نومه شديداً لا يستيقظ إلا بصعوبة حتى سأل الرسول عليه الصلاة والسلام أنه تفوته صلاة الفجر، قال: {ليس في النوم تفريط الحديث}. وعند الإمام مالك في الموطأ أن عمر رضي الله عنه وأرضاه صلى بالناس الفجر فأخذ يتلفت في وجوه الصحابة، كان عمر محاسباً دقيقاً عملاقاً، يستخرج الرءوس التي لا تصلي، فكان يتلفت في صلاة الفجر أين فلان؟! أين فلان؟! فيقولون: مريض، ويقولون: ذهب يأخذ عمرة، ويقولون: مسافر، ويقولون: فيه كذا وكذا، قال: أين صفوان بن المعطل؟ قالوا: لا نعلم، فخرج عمر فطرق على أهل صفوان، وقال: أين صفوان؟ ما صلى معنا الغداة- يريد عمر من الصحابة ما يريده لنفسه من النجاة من النار والعار والدخول في الجنة، قالوا: لقد نام عن صلاة الفجر؛ فقد جلس يصلي في الليل حتى اقتربت صلاة الفجر ثم نام، فقال: [[أوَّه! لئن أحضر الفجر في جماعة خير من أن أقوم الليل كله]] أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه، هذا فقه الفرائض وتقديمه على النوافل. الشاهد أن صفوان نام واستيقظ بعد طلوع الشمس فصلى الفجر ثم أتى إلى المطرح -كان عنده جمل- نام عن الجيش فارتحل الجيش، فرأى عائشة متحجبة مصونة تسبح الله مكانها، تتصل بالواحد الأحد يقول ابن رجب: لما وضع يوسف في الجب أخذ يسبح الله عز وجل فسمع هاتفاً يقول: يا يوسف! اذكر الله يذكرك، قال ابن رجب: هدأت الحيتان في البحر والضفادع في الماء وسكتت من التسبيح وما سكت يوسف عليه السلام: يا واهب الآمال أنت حفظتني ومنعتني وعدا الظلوم عليَّ كي يجتاحني فنصرتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك منعتني أخذت تسبح مكانها وتتصل بالواحد الديان. يونس بن متى وقع في بطن الحوت وفي ظلمة اليم والليل، قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] فنجاه الله لأنه كان من المسبحين. فأتى صفوان فقالت عائشة كان يعرفني قبل الحجاب، وفيه دليل على أنه لما نزل الحجاب كانت المسلمة تغطي وجهها بعد الحجاب- وهذه رواية البخاري وعودوا لها في المغازي المجلد السابع في الفتح وهي مثبتة ولو أنكرها بعض الناس احتجاجاً أن الحجاب لا يدخل في الوجه- قالت: كان يعرفني قبل الحجاب فلما نزل أمر الحجاب غطت وجهها فما عرفها، فقال: الله المستعان! زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام فقال للجمل: أخ أخ أي: حتى يبرك وهي لفظة تستخدم عند العرب ليبرك الجمل ويهبط على الأرض، فبرك جمله. قالت: والله ما كلمني كلمة -انظر إلى الحياء! - وإنما سمعته يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! الله المستعان! فركبت على الجمل وأخذ يقود الجمل ويمشي أمامها، وهي خلفه على الجمل ما كلمته ولا كلمها، حتى اقترب الظهر فوصلوا إلى المطرح الثاني الذي نزل فيه الرسول عليه الصلاة والسلام، أما الرسول صلى الله عليه وسلم ففقدها قبل وصولها بوقت قصير فعرف أنها سوف تأتي، وإذا بها مقبلة بالجمل ورجل من أهل بدر يقود الجمل، وهي امرأة الرسول عليه الصلاة والسلام والله يراقبها ويراقبه من فوق سبع سماوات: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني فأما الذين آمنوا فزادهم إيماناً وما شكوا في عائشة وصفوان بن المعطل.

المنافقون وإشعال نار الفتنة

المنافقون وإشعال نار الفتنة وكان في الجيش منافقون، قالوا: ما لها تأخرت؟ لماذا صفوان بن المعطل يقود جملها؟ واستوفوا الخبر ووزعوه، وكان الذي تولى كبر هذا الخبر هو عبد الله بن أبي بن سلول عليه غضب الله ولعنته وسخطه، وقد فعل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فأتى ابن أبي يوزع الأخبار ويجلس تحت الأشجار مع الناس ويتكلم في هذا الأمر، ولذلك بنو أمية كانوا يحقدون على علي بن أبي طالب، ويرون أنه هو الذي تولى كبره، لا إله إلا الله أبو الحسن الإمام المرتضى يفعل ذلك!! ولذلك ذكر الشوكاني في فتح القدير ناقلاً عن ابن جرير وأمثاله بأسانيد جيدة أن هشام بن عبد الملك الأموي كان جالساً في القصر والعلماء حوله، وكان يبغض علي بن أبي طالب ويرى أن الذي تولى كبره هو علي بن أبي طالب، فقال: يا مسلم بن يسار! -أحد العلماء المحدثين- من الذي تولى كبره؟ قال: يا أمير المؤمنين! الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي بن سلول، قال: كذبت! قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول- وهو يعرف في نفسه أن الخليفة كذاب لكن ما أراد أن يتورط، قال: يا فلان! من الذي تولى كبره؟ قال: عبد الله بن أبي بن سلول، قال: كذبت، قال: أمير المؤمنين أدرى، فقال الخليفة: يا زهري! من الذي تولى كبره؟ قال: الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول، قال: كذبت! قال: بل كذبت أنت وأبوك وجدك، حدثني فلان بن فلان عن عروة وعبيد الله بالأسانيد كأنها نجوم السماء: سند كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا بعد أن ألقمه حجراً، يقول: كذبت أنت وأبوك وجدك، وهو ملك والسيف مسلول يقطر دماً لكن الحياة كلها سهلة، بل حدثني فلان وفلان أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول، وحدثني فلان عن عائشة حتى ملأ المجلس أسانيد ووثائق وحقائق، وأخذ الخليفة يرتعد، ويقول: لعلنا هيجناك أيها الشيخ، نعم صدقت -صدق رغم أنفه- وعلى كل حال كان بنو أمية يرون هذا، والشاهد أن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي.

حال الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء حادثة الإفك

حال الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء حادثة الإفك سمع الرسول صلى الله عليه وسلم الخبر وكتمه في نفسه، والرسول صلى الله عليه وسلم أتقى وأبر وأخلص وأطهر وأصدق منا، فسكت وحاول أن يلم الخبر، لكن سرى الخبر وراج في المدينة حتى أن بعض المفكرين العصريين يقولون: أعلنت في المدينة حالة الطوارئ لمدة شهر. فوصل عليه الصلاة والسلام المدينة وأما عائشة فما علمت بالخبر: حور حرائر ما هممن بريبة كظباء مكة صيدهن حرام يحسبن من لين الكلام روانياً ويصدهن عن الخنا إسلام قالت: وصلت إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها مرض الحمى من السفر، قالت: فأنكرت اللطف من الرسول عليه الصلاة والسلام، كان إذا مرضت عائشة يكون لطيفاً حبيباً يمرض المريض، ويمسح على رأس اليتيم، ويجالس العجوز، ويحمل عن المسكين: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيم} [التوبة:128]. لكن أتى الخبر في نفسه كما قال الأول: قد قيل ما قيل إن صدقاً وإن كذباً فما اعتذارك من قول إذا قيلاً فقالت: فما وجدت ذاك اللطف وما كان يسأل عني إلا أن يمر عليَّ في البيت، ويقول: {كيف تيكم} أي: كيف حالها، فيخبرونه فأنكرت عائشة موقفه عليه الصلاة والسلام لأنه تأثر: إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كن الكلاب ولغن فيه ولكنها والله طاهرة وبريئة وصادقة، وإنها من المزكيات من الله الواحد الأحد من فوق سبع سماوات، فلما أنكرت حاله، قالت: يا رسول الله! ائذن لي أن أمرض في بيت أبي وأمي، فأذن لها، فحملها النساء إلى بيت أبيها وأمها فبقيت تمرض هناك شهراً كاملاً لا تدري من الخبر شيئاً، أما أبوها أبو بكر الصديق فبقي يبكي الليل والنهار، سبحان الله! صديق الإسلام يصل إلى هذه الدرجة، المخلص المنيب الذي دفع للإسلام وقته ودمه ودموعه وماله وكل شيء، وكذلك أمها بقيت تبكي لكنهم يكتمون عنها البكاء لكي لا تتأثر.

حال عائشة بعد معرفتها بحادثة الإفك

حال عائشة بعد معرفتها بحادثة الإفك فلما خرجت من مرضها قالت لـ أم مسطح: امرأة من جاراتها اخرجي بنا إلى المناصع وهي صحراء حول المدينة كان يتبرز فيها النساء، فخرجت هي وأم مسطح، والعجيب أن مسطحاً ابنها كان من الذين وقعوا في عرض عائشة وكان من الذين يوزعون الأخبار والشائعات والمنشورات! -فبعض الناس لا يحب السوء لكنه يحب أن يسمع الأخبار، يقول: ما سمعتم هذا الخبر، ما أتاكم هذا الخبر، الله المستعان! - قالت: فعثرت أم مسطح في ثوبها فقالت: تعس مسطح -وكان العرب إذا عثر الفرس قالوا: تعس فلان (عدوٌ) تعس فلان من أعدائهم أو تعس الشيطان- فعثرت فقالت: تعس مسطح سبحان الله! قالت عائشة: بئس ما قلتِ، أتقولين هذا لابنك وهو من أهل بدر! كيف يتعس والله لا يتعس أحد من أهل بدر، قالت: يا فلانة! أو يا غافلة عن الخبر! أما علمت ماذا عمل مسطح، قالت: لا. ما أعلم، قالت: يقول فيك كيت وكيت، قالت: فيَّ؟! قالت: نعم. وفلان يقول فيك، وقد انتشر الخبر وعرف الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وعرف أبوك وأمك، فبكت حتى وصلت البيت قالت: فما نمت تلك الليالي: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثل وصدر أراح الليل عازب همه تضاعف فيه الحزن من كل جانب قالت: حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، وأخذت تبكي، وقالت: والله ما اكتحلت بعدها بنوم، وعاد المرض أكثر مما كان، وأخذت صديقات عائشة يأتين إليها فيبكون معها، وهذا من المواساة. ولابد من شكوى إلى ذي قرابة يواسيك أو يسليك أو يتوجع المواساة تكون في المصائب، ولذلك الخنساء لما قتل أخوها صخر بقيت تبكي وتبكي، فلما رأت عجائز يبكين على إخوانهم وأبنائهم تسلت قليلاً حتى قالت: فلولا كثرت الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكين مثل أخي ولكن أسلي النفس عنه بالتأسي فبكيت صديقات عائشة معها كثيراً واستمر الخبر، أما الرسول صلى الله عليه وسلم ففاض صبره بعد شهر كامل، تحمل لكن انتهى صبره، احترقت أعصابه عليه الصلاة والسلام، إلى متى ينقطع الوحي من السماء وما كُلِّم من الله بكلمة واحدة، وما نزل عليه جبريل بوحي في تلك الفترة، فلا الوحي يأتيه ولا الخبر يستجليه ولا ما حوله من الناس يدري ما عندهم.

موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من حادثة الإفك

موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من حادثة الإفك في الأخير وقف عليه الصلاة والسلام على المنبر وجمع الناس وقال: من يعذرني من رجل آذاني في عرضي وأهلي؟ -من هو الرجل؟! عبد الله بن أبي هذا المنافق- سبحان الله! أمثل الرسول صلى الله عليه وسلم يؤذى؟! إنها سنة الله للصالحين يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] ولابد من الاستهزاء والاستهتار والصبر، قال: {من يعذرني من رجل سبني وشتمني وآذاني؟} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فقام سعد بن معاذ -هذه رواية البخاري - الشهيد الكبير الذي عاش في الإسلام سبع سنوات كأنها عند الله سبعة قرون، هذا الذي لما توفي اهتز عرش الرحمن له، وسند هذه القصة صحيح، حتى قال حسان بن ثابت: وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لـ سعد أبي عمر سعد بن معاذ الذي لما مات شيع جنازته سبعون ألف ملك فقال سعد: يا رسول الله! أخبرنا من هو، إن كان منا قتلناه، وإن كان من إخواننا من الخزرج سوف ترى ماذا نفعل يا رسول الله. فقام سعد بن عبادة سيد الخزرج الغيور الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: {يا رسول الله! إذا وجد الرجل منا مع امرأته رجلاً فماذا يفعل؟ قال عليه الصلاة والسلام: يستدعي أربعة فيشهدهم عليه، قال: سبحان الله! أبقى حتى أدعو أربعة وأشهدهم على زوجتي؛ والله لأضربنه بالسيف وإياها، فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: أتعجبون من غيرة سعد؟ والذي نفسي بيده إني لأغير منه وإن الله أغير مني} وقد شرح هذا الحديث ابن تيمية في كتاب الاستقامة وهو من حديث ابن مسعود. فقال: سعد بن عبادة أنت تستطيع أن تدخل في قبيلتك، أما الخزرج والله لا تستطيع أن تفعله لا أنت ولا أمثالك، فقام أسيد بن حضير وهو قريب سعد بن معاذ فقال: أنت منافق تدافع عن المنافقين والله لنقتلنه وإن كان من قبيلتك، فارتفعت أصواتهم في المسجد، فقام صلى الله عليه وسلم فأسكتهم وخرجوا من المسجد، وحدثت مصيبة أخرى يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:100 - 103]. خرج الناس وعادوا إلى بيوتهم.

زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة وامتحانها

زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة وامتحانها وأتى الرسول عليه الصلاة والسلام فزار عائشة في بيت أبيها، هذه الزيارة الأولى والأخيرة في هذه الفتنة، دخل على عائشة فاستدعى أباها، أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه الذي باع نفسه من الله واستدعى أمها فأجلسهم بجانبها وقال: يا عائشة والذي يتكلم هو محمد عليه الصلاة والسلام: حتى وضعت يميني لا أنازعها في كف ذي النقمات قوله قيل قال: {يا عائشة إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن الله يتوب على من تاب} لا إله إلا الله! نعم يتوب الله على من تاب مهما فعل قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136]. قال: {يا عائشة! إن كنت ألممتِ بذنب فاستغفري الله، وإن كنت بريئة فسوف يبرئك الله، فسكتوا جميعاً، وتكلمت دموعهم، بكى أبو بكر من هذه المصيبة في بيته وفي عرضه! ماذا يقول أبو بكر للناس؟ ماذا يتكلم للناس؟ وكيف يبرئ عرضه أمام الناس؟! ماذا يدافع عن عرضه وعن بنته زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام، وزوجته أم عائشة ظلت تبكي، وعائشة أيضاً تبكي: إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى فقالت عائشة: {يا أبتاه! أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم} فقام يبكي ماذا يتكلم؟! يبرئ ابنته وما يدري ماذا يقول؟ أو ثم قالت: {يا أماه! أجيبي عني رسول الله الرسول صلى الله عليه وسلم فطفقت تبكي، تقول: والله ما أدري ماذا أقول؟ قالت عائشة: فقلص الدمع في عينيها} حتى أنه كانت تصفها بعض الصحابيات بنت أبيها، فهي امرأة ذات مواقف ذكية فصيحة تحفظ القرآن وتحفظ الفتاوى، وكانت مفتية الأمة وعالمة الأمة، ويعود إليها أكابر الصحابة في كثير من الفتاوى، كانت كما يقول بعض أهل السير: تحفظ ثمانية عشر ألف بيت من الشعر- قالت: فقلص الدمع من عيني حتى ما أجد الدمع قالت: ونسيت من الغضب والحزن اسم يعقوب عليه السلام. قالت: {يا رسول الله! والله ما مثلي ومثل ما قيل فيَّ إلا كما قال أبو يوسف -تريد يعقوب لكنها نسيت الاسم فأتت بالكنية-: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18] وإن كنت بريئة فسوف يبرئني الله عز وجل وليس لي إلا هذا} ثم انطرحت تبكي.

نزول الوحي لتبرئة أم المؤمنين عائشة

نزول الوحي لتبرئة أم المؤمنين عائشة أما الرسول صلى الله عليه وسلم فوقف في مكانه، وفي لحظات أتاه الوحي من السماء، فاضطجع عليه الصلاة والسلام، وكان إذا أتاه الوحي يضطجع في الأغلب، وربما يأتيه الوحي وهو جالس فيتمالك نفسه، يقول زيد بن ثابت: {أوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ونزل عليه الوحي وفخذه على فخذي فكادت فخذه أن ترض فخذي} يعني: تكسرها وتقسمها نصفين، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل:5] كان إذا أتاه الوحي وهو على الراحلة بركت الراحلة -الناقة- وتمد عنقها في الأرض ويكون لها رغاء من شدة ثقل الرسول صلى الله عليه وسلم عليها، وفي رواية مسلم {أنه لما أتاه الوحي كان يغط غطيطاً عليه الصلاة والسلام في الخيمة. فلما أتاه الوحي اضطجع وسجي عليه ثوباً وكان يغط غطيطاً وعرقه يتصبب} حتى تقول عائشة في رواية البخاري: {كان إذا نزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد يتصبب عرقاً عليه الصلاة والسلام وذلك من شدة الوحي الذي نزل عليه} لأنه وحي وكلام وذكر لو أنزل على الجبال لخشعت ولتصدعت له، قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21]. فلبث عليه الصلاة والسلام في المعاناة حتى أتى الوحي، أتدرون ما هو الوحي تلك الفترة؟ براءة من الله ومن الواحد الأحد، والله عز وجل لم يترك هذا الأمر لغيره، لا للنبي عليه الصلاة والسلام ولا للمسلمين ولا لجبريل ولا لأحد من الناس، وإنما تولى براءتها من فوق سبع سماوات، أراد الله أن يبرئها براءة مدى الدهر تدخل بها الجنة: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55] جلس عليه الصلاة والسلام بعد انتهاء الوحي، ثم قال: {يا عائشة! أبشري أما أنت فقد برأك الله} -الحمد لله! لك الحمد يا رب على ما أعطيت وعلى ما كتبت وعلى ما قدرت- أما أنت يا عائشة فقد برأك الله ففرحت وسكتت وفرح أبو بكر وسكت، وفرحت أمها وسكتت، فقال أبو بكر: {يا عائشة! قومي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسلمي عليه -وكانت عصامية- فقالت: والله لا أقوم ولا أحمد إلا الله الذي برأني} لأنها صادقة: نفس عصام سودت عصاماً وعلمته الكر والإقداما وجعلته بطلاً هماما والصادق بريء، والبريء غير متهم، والناصح يعرف. قيل للإمام أحمد: ما الذي أخرجك من الفتنة؟ قال: الصدق- الصدق لو وضع على جرح لبرئ، والصادق معه الله -فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد يحمل البشرى، ويحمل من الراحة وسعة الصدر ما لا يعلمه إلا الله، وتقول عائشة: {ما كنت أظن أن تأتي براءتي من السماء لأني أرى نفسي أصغر من أن تأتي من السماء براءتي} تقول: أنا محتقرة نفسي ولا أحسب أن يتكلم الله في شأني من فوق سبع سماوات، ومن فوق العرش، وينزل قرآن يتلى إلى يوم القيامة ما كنت أتصور ذلك، وهذا من حفظ الصالحين لأنفسهم، ولذلك أرفع الناس في قلوب الناس من هضم نفسه، يجعل الله له منزلة في قلوب الناس؛ لأنه لا يشعر لنفسه بقيمة، ومن أكبر نفسه لا يجد له الناس في نفوسهم قيمة، ولذلك المتكبر يأتي يوم القيامة في صورة الذر يطؤه الناس بأقدامهم من حقارته، وكلما تعاظم العبد في نفسه كلما صغره الله ومقته، وقال: اخسأ فلن تعدو قدرك، وكلما تواضع العبد وخضع لله كلما رفعه الله، وقال: ارتفع رفعك الله، ويكفي في ذلك الحديث الصحيح: {من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه} وفي الصحيح أن الله يقول: {الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته} وفي رواية صحيحة {عذَّبته} وفوق ذلك قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63]. وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على لسان لقمان لابنه: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19]. أتى عليه الصلاة والسلام فوقف في المنبر ودعا الناس: الصلاة جامعة -الصلاة جامعة الصلاة جامعة! فاجتمع الناس وأخذ يقرأ الآيات البينات على المنبر، من الذي أنزل البراءة؟ الله الواحد الأحد، كما في الحديث: {الله مدحه زين، وذمه شين} لأن بني تميم وفدوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فطرقوا الحجرات فبعد صلاة الظهر -وهذا وقت لا يسمح بالزيارة فيه، بعد صلاة العشاء وقبل الفجر وبعد الظهر هذه أوقات تكره الزيارة فيها- قالوا: يا محمد! نادوه باسمه عليه الصلاة والسلام والمفروض أن يقولوا: يا رسول الله! فتكلموا يا محمد! يا محمد! اخرج إلينا: اخرج فإنا إذا مدحناك رفعناك عند العرب، وإذا ذممناك أنزلنا قيمتك عند العرب! إن مدحنا زين وذمنا شين. سبحان الله ما هذا الجهل! من الذي يرفع إلا الله؟! ومن الذي يخفظ إلا الله؟ وبنو تميم ودعاياتهم وشعراؤهم يرفعون الرسول صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول له: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4]. حتى قال المفسر مجاهد بن جبر، يقول الله تعالى: [[أي لا أذكر إلا وتذكر معي]] فملايين المساجد في العالم الإسلامي اليوم يقال على منائرها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فهل بعد هذا الرفع رفع، فالله هو الذي يرفع وحده. قال ابن تيمية للفائدة: {أهل الحديث وأهل السنة لهم نسبة من هذه الكلمة {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4] وأهل البدعة وأعداء السنة لهم نصيب من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:3] فالله يقطع ذكرهم وبركتهم ويقطع دابرهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وصدق، فـ أهل الحديث هم أرفع الناس، الآن يوجد أحد لا يعرف البخاري، سل العجائز أو الأطفال إذا قيل: (رواه البخاري) يثقون بالحديث مع أنهم لا يعرفون من هو البخاري بل يوجد على المنابر وفي المحافل والدروس والندوات شهرة متعددة ودائمة (رواه البخاري، رواه مسلم، رواه الترمذي، رواه ابن حبان، رواه الحاكم) لأنهم سلكوا مسلك الرسول عليه الصلاة والسلام. لكن من أهل البدعة من يقول: رواه بشر المريسي، وأحمد بن أبي دؤاد، ولا أذناب المجوس وأفراخ الصابئة كما سماهم ابن القيم.

استدعاء النبي صلى الله عليه وسلم المتهمين في نشر حادثة الإفك

استدعاء النبي صلى الله عليه وسلم المتهمين في نشر حادثة الإفك وبعد أن وقف عليه الصلاة والسلام فقرأ الآيات وقرأ براءة عائشة، استدعى الذين خاضوا في حديث الإفك، المسلمون منهم، أما المنافقون فلم يستدعهم صلى الله عليه وسلم كـ عبد الله بن أبي ابن سلول ما أدبه ولا جلده ولا عزره ولا حبسه ولا فعل به شيئاً؛ لأنه منافق، والجلد لا يطهره. أما حسان بن ثابت فإنه مسلم صادق لكنه تكلم بكلام فاستدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم فضربه ثمانين جلدة ليطهره، وهو طاهر لأن (الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث) وماء حسان فوق القلتين فمهما ألقي في ماء حسان فهي نجاسة بسيطة تنزح، مثل ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ببئر بضاعة أن تنزح لتطهر فنزحت. أما عبد الله بن أبي فلو نزحت بحوره وأنهاره ما تطهر أبداً، ولو جلد ملايين الجلدات ما أغناه ذلك من عذاب الله شيئاً فـ حسان استدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعطاه حسابه في الدنيا رضي الله عنه، شاعر الإسلام، حتى عمي في آخر عمره فأدخل على عائشة، فقال لها أحد الصحابة: تدخلين هذا الأعمى عليك وهو الذي قال فيك، وقال وقال؟ قالت: اسكت، فإني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو له ويقول: {اهجهم وروح القدس معك} فكان يأتي بالقصائد كأنها قاصفات الرعد على المشركين، وفي رواية البخاري التي أوردتها تقول عائشة: كيف لا أدخله وهو الذي يقول في الرسول صلى الله عليه وسلم: فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء يقول للمشركين: أبي ووالده أي: جدي، وعرضي أقي به الرسول صلى الله عليه وسلم منكم، وهي من قصيدته اللامعة المشهورة التي حفظها المسلمون، وهي التي يتوعد بها كفار قريش قبل الفتح، يقول قبل الفتح: عدمنا خيلنا لم تروها تثير النقع موعدها كداء وكداء جبل في مكة، يقول: ليت خيلنا لا تعود إلينا إذا ما صبحناكم بالخيل وفتحنا مكة إن شاء الله ثم يقول: تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء يقول: تأتي خيولنا وتخرج نساؤكم -يا مشركون- فيلطمن خيولنا بالحجاب ويفر رجالكم ثم يقول: فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لجلاد يوم يعز الله فيه من يشاء وقال الله قد أرسلت جنداً هم الأنصار عرضتها اللقاء ألا أبلغ أبا سفيان أني مغلغله وقد برح الخفاء هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء يوم فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال أهل السير بأساليب جيدة: خرجت خيل ابن الوليد وهو مع الرسول صلى الله عليه وسلم، خرج من السرية أو من الخندمة فاتحاً، فخرجت نساء مكة بالخمر يضربن خيل خالد على وجهها، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم ويقول لـ أبي بكر وهو بجانبه كيف يقول حسان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يحفظ الشعر: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69] كان إذا حفظ البيت كسره لأنه لو حفظ الأشعار، لاتهمه الكفار أنه شاعر، ومع أنه لا يقول الشعر إلا أن الكفار اتهموه أنه شاعر: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:5 - 6] مرة حفظ الرسول صلى الله عليه وسلم بيتاً لـ عباس بن مرداس، يقول عباس يعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم في القسمة: أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يردد ما قاله ابن مرداس فقال: أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة فتبسم أبو بكر وقال: صدق الله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69]. يوم اخترق الخندمة وفر عكرمة وفر رجل منهم كان يناوئ خالداً ويقول: أذبح بسيفي محمداً، فلما أتى خالد لقنه درساً لن ينساه، اشتغلهم أبو سليمان تسع ساعات بيده ففروا من طريقه، وتكسرت السيوف على ظهورهم فدخل هذا الرجل على زوجته وأغلق الباب، وهو يرتعد فقالت زوجته: أين سيفك؟ قال: ما أغنت عنا السيوف. إنك لو شهدت يوم الخندمة إذ فر صفوان وفر عكرمة يقول: إذا كان السادات والأبطال فروا! فكيف بمن دونهم؟ وأنا لما رأيت السادة والقادة فروا، فررت أنا، لأن الجندي يعذر إذا فر القائد فعليه أن يفر من باب أولى: قال: إنك لو شهدت يوم الخندمة إذ فر صفوان وفر عكرمة أحد الناس ذهب إلى المدينة فوجد نيجيرياً في المسجد النبوي عنده مسبحة يسبح بها، يتمتم بشفتيه لكنه ما سمع التسبيح، فذهب الرجل فاشترى مسبحة، وذهب إلى جماعته في القرية فأخذ يتمتم، وهو لا يسبح، قالوا: يا فلان! ماذا تقول بهذه المسبحة؟ قال: أقول: الحقي أخواتك الحقي أخواتك، فالرجل هذا يسمع الناس يقولون: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وهو لا يعرف سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فيقول الرجل: والمسلمون خلفنا في غمغمة يلاحقونا بالسيوف المسلمة لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة الشاهد من كلامي هذا أن حسان جلد ثمانين وكانت هي طهارته في الدنيا، وهو طاهر مطهر عند الله، وهو من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ومن الأبرار عند الله، وشاعر الإسلام، والذي يدخل الجنة بلواء القوافي والأدب الإسلامي، ويدخل امرؤ القيس قائداً لأهل الشعر الملاحدة في النار ويدخل معه أهل الحداثة، فمن أراد أن يدخل الجنة فليدخل الجنة بلسانه أو بقلمه، أو بقوافيه وشعره أو بتأليفاته، أو بماله أو بقيام الليل أو بإطعام الطعام أو بصدقه مع الله أو بتضحيته، أو بأن يسكب دمه في سبيل الله، ومن أراد أن يدخل في مثل هذه الأمور النار فليدخل: {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً} [الكهف:17] وكثير من الناس أتى الله لهم بمواهب، فدخلوا بها النار، حتى أن بعض الناس آتاه الله علماً فدخل بعلمه النار: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176].

عفو أبي بكر عن مسطح ابن أثاثة

عفو أبي بكر عن مسطح ابن أثاثة وعاد أبو بكر فأتى وسمع أن مسطحاً نال من عائشة فقال: والله لا أنفق على مسطح، وقد كان أبو بكر غنياً وكان مسطح فقيراً في حجر أبي بكر: ينفق عليه، قال أبو بكر ما دام أنه تكلم في ابنتي فوالله لا أنفق عليه فأنزل الله عز وجل قوله: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22] قال أبو بكر: بلى أحب أن يعفو الله عني ويصفح، فعاد بنفقته عليه، وهذا مصداق لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].

دروس من حادثة الإفك

دروس من حادثة الإفك وانتهت القصة ولكن فيها دروس:

الابتلاء في الأرض سنة كونية

الابتلاء في الأرض سنة كونية أنه لا يسلم من الاستهزاء والاستهتار أحد، وأنه كلما ارتفع العبد عند الله عز وجل سلط الله عليه من يعاديه، كما قال كثير من العلماء: إن الصحابة لما توفوا وانقطعت أعمالهم سلط الله عليهم أعداءً من المبتدعة فنالوا منهم. أبو بكر اليوم يُلعن وعمر يُلعن وهي زيادة في ثوابهم عند الله، فإن الله تعالى أراد ألا تنقطع حسناتهم بموتهم، وأن يرفع درجاتهم، وعائشة كذلك تسب وتشتم، ويدعي المبطلون أنها فعلت وهذا رفع في درجاتها، هل علمت رجلاً صالحاً خلص من الاستهتار؟! هل علمت رجلاً باراً خيراً خلص من الاستهزاء؟ وشكوت من ظلم الوشاة ولم تجد ذا سؤدد إلا أصيب بحسد لا زلت يا صدق الكرام محسداً والتافه المسكين غير محسد قالوا للإمام مالك: هل يبتلى العبد أو يمكن؟! قال: [[لا يمكن حتى يبتلى]] قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24].

مواقف من ابتلاء علماء الأمة

مواقف من ابتلاء علماء الأمة الإمام مالك بن أنس عاش في حياته وقبل أن يموت ابتلي في مسألة أفتى فيها، فضرب ثمانين ضربة حتى خلعت يده اليمنى، حتى أصبح لا يستطيع أن يضمها فرفعه الله. الشافعي حمل مقيداً بالحديد من اليمن إلى بغداد إلى هارون الرشيد في تهمة باطلة. الإمام أحمد أتاه أهل البدعة صنوفاً وسيوفاً فأدخلوه السجن، سنة وثلاثين شهراً، وجلد جلداً حتى قال من جلده: والله الذي لا إله إلا هو لقد جلدت الإمام أحمد بن حنبل جلداً لو جلدته بعيراً لمات، كان يأخذ العصي مثل الخيزران ويبرد في الماء، ثم يجلد الإمام حتى يسيل دم الإمام أحمد في الأرض؛ لأن الله أراد أن يرفع درجة الإمام أحمد، وفي الأخير انتصر الإمام أحمد وصار في مكان عالٍ، وجعل الله الدائرة على أعدائه وخفض سمعتهم وقطع دابرهم. أبو حنيفة كذلك طلب للقضاء فرفض، حاولوا معه فجلدوه ثمانين جلدة، وبقي في بيته حتى توفي. كذلك ابن تيمية سجن وأخذ إلى الإسكندرية فسجن وضرب في فتنة النصراني- نصراني سب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق دمشق، فقام ابن تيمية بتأديبه حتى رماه الناس بالحجارة، فأتى أعداء ابن تيمية وهم من المسلمين يكذبونه ويصدقون النصراني، وفي الأخير أتى السلطان فجلد ابن تيمية لكن كما قال الأول: إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم فألف ابن تيمية كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول، وهنيئاً له جلد في سبيل الله وسجن، ولما أخرج من الحبس شيع جنازته أكثر من ثمانمائة ألف حتى خرجت مدينة دمشق عن بكرة أبيها، والناس جميعاً، فرفعه الله، أما أعداؤه فبخس الله حظهم وقطع ذكرهم ودابرهم؛ لأنهم ناوءوا السنة، فهذه طريقة ماضية ولا بد أن يمتحن الصالحون، وأن يبتلوا في أعراضاهم، وأن يشهر بهم خاصة أهل السنة والاستقامة يستهزأ بهم في المجالس، من قبل الصهيونية العالمية وإسرائيل ومن لف لف إسرائيل؛ فإنهم يستهزئون بسيرتهم وبثيابهم وبلحاهم وبجلساتهم وبكلامهم.

موقفنا من الذين يلمزون المؤمنين

موقفنا من الذين يلمزون المؤمنين نقول لأولئك: ذوقوا عذاب النار بما كنتم تفعلون وتأفكون، ورغمت أنوفكم يا أعداء الله، نحن في سند محمد عليه الصلاة والسلام وإبراهيم ونوح وموسى وعيسى، وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وأنتم في سند إبليس وفرعون وقارون وهامان وأبي لهب وأبي جهل كما قال تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227]. إذا علمنا هذا؛ فليحمد العبد الله عز وجل على أن جعله مبتلى في أرضه، فإنه زيادة في حسناته وفي أجره، ورفعاً في منزلته واتباعاً في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليصبر على ما يأتيه، وليعلم أن قدوته الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. وينبغي للعبد ألا يطرق لأهل النفاق إلى نفسه، فلا يستزري نفسه ولا يحمًّل نفسه محامل لا تليق به، فيجعل الألسنة تتكلم فيه مثل: أن يلبس لباساً يزري به، ومثل أن يتكلم كلمات لا تليق بمثله، ومثل: أن يوقف نفسه في مواقف التهم، فإن أهل الباطل يريدون أن يجدوا طريقاً ومنفذاً فيجعلون من الحبة قبة، ويجعلون من المسألة الصغيرة كبيرة وفاحشة وجريمة، وهذا طريق ماض -كما أسلفت- ولله الحمد والشكر أنه قد عاد الناس إلى ربهم ومولاهم، وقد أقبل شباب وشيب ونسوة كثر إلى الله الواحد الأحد، علموا أنه لا نجاة لهم إلا في هذا الدين، ولا حبل ولا فلاح ولا صلاح إلا في اتباع سيرة محمد عليه الصلاة والسلام. أصبح الناس الكثير منهم متوجه إلى الله، وهذا نصر من الله عز وجل لهذه الأمة، وهو وعده الذي وعد ألا يقطع دابرها بل يحفظها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يوم تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] فلك الحمد يا رب. هناك بعض الأمور التي ينبغي أن أنبه عليها منها: أنه ينبغي على من اتهم أو جرح أو استهزئ به أن يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، وكما صبر محمد عليه الصلاة والسلام والصالحون من العلماء والزهاد والعباد، وإذا سمع كلمة نابية من جاهل فلابد أن يخاطبه بالسلام والهدوء والليونة كما قال تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] وأن يتحمل الكلام المغرض وأن يعفو ويصفح، وأن يبدل مكان السيئة الحسنة، فيهدي هدية ويطلق وجهه البشوش عله يكسب هؤلاء؛ لأنهم مساكين ما عرفوا النور وما عرفوا الطريق، وما تذوقوا طعم الطاعة ولا حلاوتها، فيحاول أن يكسبهم ولا يعاديهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستهزئ به المستهزئون فيتبسم لهم، حتى قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].

أهمية الدعوة إلى الله بالأسلوب الحكيم

أهمية الدعوة إلى الله بالأسلوب الحكيم على المسلم أن يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يشهر بالناس ولا يشكو دائماً مما يوجه له من نكبات، فإن الرسل عليهم الصلاة والسلام كتموا وصبروا، والله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، فإذا كتم وصبر واستعان بالله وكان له أوراد من الذكر صباح مساء، وحاول أن يمد بينه وبين الله حبلاً من الطاعة حماه الله وكفاه ووقاه، كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم حلق اللحى

حكم حلق اللحى Q ما حكم حلق اللحى؟ A حكم حلق اللحى محرم في دين الله عز وجل، وقد صحت عنه صلى الله عليه وسلم أحاديث في ذلك، وأمر بمخالفة المجوس في أحاديث متفق عليها بين أهل العلم، وحلقها أمر محرم، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {خالفوا المجوس، اعفوا اللحى} وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعفي لحيته، وأصحابه الميامين والعلماء وأمثالهم من الخيرين، وحلقها يعني: مشابهة أعداء الله عز وجل وانتهاك سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي مخالفة صريحة لأهل الحق والتوحيد وأهل السنة، ولا بأس في الاستطراد أن أذكر قصيدة لأحد الشباب جزاه الله خيراً بالنبطي في حلق اللحى، ألقاها في مناسبة وأعجبتني، ومن ينصر الإسلام بالنبطي أو بالعربي فحياه الله، يتكلم في أناس يحلقون لحاهم فنظم لهم قصيدة جيدة يقول فيها: يا ربعنا يالي حلقتم لحاكم وايش علمكم ترمونها في القمامه ذي سنة سنها مصطفاكم علامة يا شينها من علامه ترى هي زيناتكم هي حلاكم لها مع الخير وقار وسامه شابهتم الكفار شغلة عداكم من شابه الكافر عليه الملامه ترى اللحى يوصي بها مصطفاكم صفوة قريش اللي رفيع المقامه هذه وصية إن كان ربي هداكم أقولها يا ربع ومع السلامة

صفوان بن المعطل يتفقد الجيش

صفوان بن المعطل يتفقد الجيش Q إن الرسول صلى الله عليه وسلم قيل إنه ترك صفوان بن معطل ليتفقد الجيش في الصباح ويتفقد ما بقي من أمتعة الجيش؟ A قيل هذا ولكن أنا وقفت على ما قيل في رواية البخاري.

استشارة النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة في حادثة الإفك

استشارة النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة في حادثة الإفك Q هل الرسول صلى الله عليه وسلم استشار بعض الصحابة؟ A نعم. استشار بعض الصحابة، ولكني نسيت أن أذكر هذا، وإلا فإنه استشار علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد فأما علي رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! النساء غيرها كثير، واسأل الجارية تصدقك فسأل الجارية فقالت: ما علمت إلا خيراً، وأما أسامة فقال: زوجتك وما نعلم إلا الخير.

حكم لعن الكافر المعين

حكم لعن الكافر المعين Q لقد لعنت عبد الله بن أبي بن سلول فما هو الدليل؟ وهل يجوز أن يلعن متبع أو إحدى الفرق الضالة؟ A على كل حال لعن المعين فيه كلام، لكن عبد الله بن أبي بن سلول مات على الكفر يقيناً بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فيجوز لعن من مات على الكفر مثل فرعون وقارون وهامان وأبي جهل ومثل عبد الله بن أبي بن سلول هذا لا نتوقف في لعنه لأنه مات، أما رجل في الحياة كافر فإنا لا ندري مآله فنتوقف في لعنه؛ لأنه قد يتوب إلى الله في حياته، أو رجل ما ظهر لنا كفره وما تبين فنتوقف في المسألة.

فضل صيام يوم عاشوراء

فضل صيام يوم عاشوراء Q نرجو تنبيه الناس بصيام يوم عاشوراء؟ A صدق الأخ وأثاب الله له الأجر، ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة قال، قلت: {يا رسول الله! يوم عاشوراء؟ قال: إني أرجو من الله أن يكفر السنة الماضية} وفي حديث ابن عباس في الصحيح: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسأل، فقالوا: هذا يوم نجى الله فيه موسى، قال: نحن أولى بموسى منكم فصام صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه، وقال: إذا كان العام القادم لصمت يوماً قبله ويوماً بعده} فذكر ابن القيم أن لأهل العلم في صيامه ثلاثة أقوال: 1 - منهم: من يرى صيامه ويوماً قبله ويوماً بعده. 2 - ومنهم: من يصوم يوماً قبله. 3 - ومنهم: من يصوم يوماً بعده. ومن صامه وحده جاز له ذلك، لكن الأحسن والأقرب إلى السنة أن يصومه ويوماً قبله أو يوماً بعده، ومن صامه ويوماً قبله ويوماً بعده حصل له الأجر الكبير بإذن الله عز وجل، وهو يوم العاشر.

كتابة أجر المريض والمسافر

كتابة أجر المريض والمسافر السؤال يقول: أنا قادم من الرياض وسأمكث في أبها قرابة الشهر، فهل يكتب لي أجر قيام الليل الذي كنت أصليه وهو ثلاث عشرة ركعة إذا أنا صليت هنا ثلاث أو أربع ركعات فقط أرجو الإفادة؟ A نعم. يكتب لك لأنك مسافرٌ، وفي الصحيح من حديث سهل بن سعد وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له من الأجر ما كان يعمل صحيحاً مقيماً} فأنت يكتب لك ما كنت تفعله لأنك مسافر.

حكم الذهاب إلى الجهاد بدون إذن الوالدين

حكم الذهاب إلى الجهاد بدون إذن الوالدين Q ما حكم الجهاد بدون إذن الوالدين؟ الجوال: لا يجاهد العبد إلا بإذن والديه، هناك أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام للذي جاء إليه لكي يجاهد: {أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد} وأحاديث أخرى وقد تكرر هذا الكلام كثيراً. أخيراً نسأل الله أن يجمعنا في مستقر رحمته وفي دار الكرامة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الشيطان يتمرد على الرحمن

الشيطان يتمرد على الرحمن إن من نعم الله علينا أن خلق لنا السموات والأرض، فخلق السموات بأفلاكها ونجومها وكواكبها ومجراتها، كما خلق الأرض بجبالها وبحارها وأنهارها ومائها ومعادنها، وذللها لنا، وخلق لنا فيها من كل شيء، فأحل لنا فيها الطيبات وحرم علينا الخبائث. ثم خلق آدم فعلمه الأسماء كلها ثم استخلفه في الأرض ليعمرها بتوحيد الله وعبادته. وفي هذه المادة عرض لتلك الأحداث العظيمة التي وقعت في غابر القدم.

تفسير قوله تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا)

تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. يقول الله تبارك وتعالى بعد أن ذكر منته سُبحَانَهُ وَتَعَالى على الخلق: بسم الله الرحمن الرحيم {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28] سبق شرح هذه الآية، وسبق بيان بعض مقاطع ومقاصد هذه الآية، ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:29]. هذه الآية فيها قضايا، وفيها ثلاثة مقاطع: أولها: المقطع الأول: يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] وهذا المقطع يستدل به أهل العلم على أن كل ما في الأرض الأصل فيه أنه مباح، وهي قاعدة أصولية أخذوها من هذه الآية، وتساءل الرازي في تفسيره: هل الطين مباح أن نأكله؟ وهذا فيه تكلف. فإن الله عز وجل أحل لنا الطيب المباح، وحرم علينا الضار الخبيث، وهو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ويقول في محمد صلى الله عليه وسلم: {وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157]. فلا دلالة في هذه الآية على أن مثل الطين والتراب والصخور، وهذه الضارات أنها مباحة للأكل. إن الله عز وجل أحل الطيب المفيد وحرم الخبيث الضار، ومن شاء أن يأكل تراباً فليأكل، ومن شاء أن يأكل طيناً فليأكل، والرازي أتَى بهذه لأنه يريد أن يعلقها بقاعدة عند أهل الأصول. فقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] يقول الرازي: جرم الأرض شيء، وما في الأرض شيءٌ آخر، وهو تفسيرٌ مقبول ومطلوب، و (لكم) هنا للملكية، أي: مباح لكم، وطيب لكم، ومهيأ لكم، بشرط أن يكون هذا الشيء نافعاً ومفيداً، أما إذا كان ضاراً فلا يكون هذا، وأما إذا كان مفسداً فلا يكون، بل هو محرم كالخمر والسم، والطين والتراب والصخر، وكل ما أفسد الهيئة والعقل فهو محرم، والخبيث المستقذر محرم. إذاً: الطيب المفيد هو النافع الذي خلقه الله للإنسان، أكلاً وشرباً ولبساً، وإنما ذكر الله هذه الآية -كما قال أهل التفسير- بعد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة:28] ليذكر منته على الخلق سُبحَانَهُ وَتَعَالى. قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29]. (فجميعاً) تعود إلى (ما في الأرض) وبعضهم يقول: تعود إليكم أيها الناس جميعاً، والأقرب أنها تعود إلى (ما في الأرض). {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) [البقرة:29] سبحان الخالق! ولكن نحن لانتدبر، ولا نتفكر، ولا نعي، يقول بعض أهل العلم: كثرة المساس يبطل الإحساس، فمن كثرة ما تعودنا على رؤية السماء ورؤية القمر والشمس والنجم، أصبحنا لا نتدبر ولا نتفكر، لكن إذا خرج مصنوعٌ صنعه الإنسان، تفكرنا فيه وتدبرنا. مر أعرابي في ليلة من الليالي في ليلةٍ مظلمة، فمشى في هذا الليل لا يرى مد يده، وفجأة طلع عليه القمر -والقمر: أزهى شيء عند العرب، دائماً ينشدون فيه أشعارهم، ودائماً يصفون الجمال بالقمر والبدر، يقول الصحابة عن الرسول عليه الصلاة والسلام: {كان وجهه كالقمر ليلة أربعة عشر} يقول أحد الشعراء وقد دخل على الخليفة المكتفي، فبدأ قصيدته الغزلية التي يقول فيها: حلفت لنا ألا تخون عهودنا فكأنها حلفت لنا ألا تفي هنا يقصد الدنيا، وبعضهم يقول: أنه يقصد محبوبته. حلفت لنا ألا تخون عهودنا فكأنها حلفت لنا ألا تفي والله لا كلمتها لو أنها كالبدر أو كالشمس أو كـ المكتفي يقول: لا أكلمها ولو أنها كالبدر أو كالشمس أو كالخليفة، فغضب الخليفة لأنه وازنه مع المرأة. المقصود أن الأعرابي طلع عليه البدر، فنظر في السماء فقال: سبحان من سواك! سبحان من رفعك! إن قلت: جملك الله؛ فقد جملك الله، وإن قلت: رفعك الله؛ فقد رفعك الله، وإن قلت: بهاك الله أو حسنك الله؛ فقد حسنك الله. والمقصود أن في هذه الآية فارقاً لا بد أن يفهمه أهل الفضل وأهل الخير من أمثالكم.

مدة خلق السماوات والأرض

مدة خلق السماوات والأرض يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة:29] ربما يقول أحدكم: هذه تدل على استواء الله على العرش، وهذه الآية لا تدل على ذلك، وهذه الآية لا تدل على ذلك قصداً، وغيرها يدل على استواء الله على العرش أكثر وأكثر، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] فهذه هي الآية التي تدل على ذلك وغيرها من الآيات، أما هذه الآية: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة:29] قالوا: قصد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ لأنه عدى ذلك بإلى، فقالوا: استوى، أي: قصد إلى السماء سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهنا سؤالٌ يطرح بين طلبة العلم: أخلقت الأرض أولاً أم السماء؟ وهنا يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة:29] ففي هذه الآية كأن الأرض كانت قبل خلق السماء، لكن يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات:30] لأنه ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات:27 - 30] فكأن في هذه الآية أن الأرض خلقت بعد السماء، وفي آية البقرة أن السماء خلقت بعد الأرض، فما هو الجواب لهذا التساؤل؟ وقد أجاب عنه حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: إن الله خلق الأرض ثم استوى إلى السماء، ثم دحا الأرض سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وأخذت الأرض من الخلق مدة يومين، والسماء أربعة أيام، فكلها ستة أيام!! وهذا يدل في الجمع على أن أناساً يجيدون الحساب، وعندهم فهم في الجمع والطرح، (2+4=6) والحمد لله رب العالمين {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4]. وقف أعرابي -فيه خبل- على المنبر يخطب بالناس وليس عنده علم، ثم استغل فرصة الخروج على المنبر، فقال: يا أيها الناس: عليكم بالسكينة، وعليكم بالمهل، فإن الله خلق السماوات والأرض في ستة أشهر -وهذه ذكرها ابن الجوزي - فقالوا: اتق الله عز وجل، في ستة أيام! قال: والله لقد تقاليت ستة أشهر وأردت أن أقول ست سنوات. فالمقصود أنها ستة أيام، وعند مسلم من حديث أبي هريرة، قال: [[خلق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى التربة يوم السبت]] ثم عد الأيام حتى وصل إلى يوم الجمعة، فأصبحت سبعة أيام، والله يقول: ستة أيام، ولكن عند مسلم في الصحيح سبعة أيام! أجاب أبو العباس ابن تيمية في المجلد الثامن عشر، قال: هذا وهم، وهذا مخالفٌ للقرآن، وهو من كلام كعب الأحبار، وليس من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث بعينه من الأحاديث التي انتقدت في صحيح مسلم، فإن الله عز وجل ذكر أنه خلقها في ستة أيام، فكيف تكون في سبعة؟! وأجاب بعض الناس من العصريين، قالوا: لا. الدحو كان في يوم سابع فلا يحسب من الستة، لكن هذا تكلف، والحديث فيه وهم، ولعله من كلام كعب الأحبار. قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة:29] وهنا لم يذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى الأرض، وقد ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى في القرآن: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] أي: سبع أراضين مثلهن، ومما اكتشف في هذا العلم -كما سمعنا من كثيرٍ من الثقات الذين اعتنوا بعلم الهيئة والجيولوجيا- أن الأرض سبع طبقات، طبقةٌ على طبقة، كل طبقة لها لونٌ آخر، ولها مزاجٌ آخر، ولها تكيفٌ، ولها تضاريسٌ تختلف عن الأخرى فسبحان الخالق! فكلما انتهت الطبقة أتت طبقة فتنتهي إلى سبع طبقات، أما السماوات فإنهن سبعٌ مرتفعة، جرم السماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء والسماء خمسمائة عام!! يقول أمية بن أبي الصلت الجاهلي، وهو يتحدث عن موسى وفرعون -وهو لم يسلم- يقول عنه صلى الله عليه وسلم: {أسلم شعره، وكفر قلبه} إن الله عز وجل -وهذا في قصيدة- أرسل موسى عليه السلام إلى فرعون، فقال: فقولا له هل أنت سويت هذه بلا عمدٍ حتى استقرت كما هي وبعض أهل العلم يقولون: سماءٌ من حديد، وسماءٌ من نحاس، وسماءٌ من فضة، لكن ما علمت على هذا دليلاً، من المعصوم عليه الصلاة والسلام، لكنه عجبٌ من العجب! فهذه السماء الدنيا زينها الله بالمصابيح والنجوم والشمس والقمر، فهي كواكب تدور فيها.

بعض الأشياء التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم حين أسري به

بعض الأشياء التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم حين أسري به ولما وصل عليه الصلاة والسلام إلى هناك استأذن هو وجبريل، واستدل أهل العلم بهذا على شرعية الاستئذان، وأن المستأذن يسمي اسمه ويذكر من هو، ولا يعمي على الناس ولا يقول: أنا. فعبرها عليه الصلاة والسلام السبع في لحظات حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وفي كل سماء بشر، في السماء الدنيا آدم، وذكر عليه الصلاة والسلام أنه رأى يوسف وقد أُوتي شطر الحسن، ورأى ابني الخالة يحي وعيسى عليهما السلام، ورأى موسى الشجاع القوي الأمين عليه السلام، ورأى هارون، ورأى إدريس وقد رفعه الله مكاناً علياً، ورأى إبراهيم في السماء السابعة، وموسى في السادسة، ورأى بيت العزة، وهذا البيت كالبيت العتيق، يطوف به كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة لا يعودون إليه مرةً ثانية إلى يوم القيامة! حتى وصل عليه الصلاة والسلام إلى مكان يسمع صرير الأقلام هناك: أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم كنت الإمام لهم والجمع محتفلٌ أعظم بمثلك من هادٍ ومؤتممِ لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم وقيل كل نبيٍ عند رتبته ويا محمد هذا العرش فاستلم حتى بلغت مكاناً لا يُطار له على جناحٍ ولا يُسعى على قدمِ بلغ عليه الصلاة والسلام منزلةً عُليا، يقول لجبريل: أتتركني في هذا المكان؟! أيترك الخليل خليله، والحبيب حبيبه في هذا الموطن؟! جلال خلق الله وعظمة الله تتصور في هذا الخلق الهائل، قال جبريل: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات:164] ولو تقدمت لاحترقت، فتقدم عليه الصلاة والسلام، وهذه من المنزلة العالية التي ما منحها الله أحداً من البشر، ورأى الجنة والنار، ورأى الأنبياء ورأى الملائكة، ورأى ألوفاً مؤلفة من الملائكة يملئون السماء وهم ركعاً لله! وملء السماء الأخرى سجداً لله! وآخرين مسبحين، وآخرين مقدسين، وآخرين متكلفين بالوحي، هذا يصعد وهذا ينزل! وآخرين موكلين بكتب الحسنات والسيئات، وآخرين معقبين يحفظونه من أمر الله من بين يديه ومن خلفه، وآخرين موكلين بالقطر، وآخرين بقبض الأنفس، وآخرين بتعذيب الأمم، وبتعذيب الفسقة والفجرة الذين ينحرفون عن أمر الله {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:31].

خلق السماء

خلق السماء قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة:29] بعد أن خلق الله الأرض أتى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، سواها سُبحَانَهُ وَتَعَالى وخلقها بلا عمد -وهو الصحيح-: {تَرَوْنَهَا} [الرعد:2] يقول بعض أهل العلم: لها عمد لكن لا ترونها، ولكن الصحيح أنها بلا عمد، هكذا قائمة على قبة الفلك، فانظر: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك:3] فانظر: هل ترى فيها من فروج؟! فانظر: هل ترى فيها من عيب؟! {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:4] فيعود إليك بصرك وأنت لا ترى شكاً، ولا ترى ثلمة، ولا ترى في البناء شيئاً، لأن الذي بناه هو الله وهو الذي سواه، ولو كان الذي بناه مخلوقاً لرأيت النقص، ورأيت العيب والثلم، ولذلك يقول أحد القصاصين من المسلمين: لا يخلو عمل ابن آدم من نقص، قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] أتى رسامٌ هندي، دعاه ملكٌ من ملوك الهند قديماً، وقد طلب من الرسامين في العالم أن يحضروا، ويرسموا له لوحات، ومن أجاد منهم ونجح فله جائزة، فأجاد أحدهم فأتى بلوحة فرسم فيها سنبلة قمح، ثم رسم على السنبلة عصفورة، ثم عرضها للناظرين، فأعجبت المشاهدين، فذهل الملك من حسن فنه، رسم سنبلةً خضراء، والحب يكاد يطلع منها، وعصفوراً جميلاً بريشه يزقزق ويغرد على هذه السنبلة في حديقة، فأخذها هذا الملك وعرضها للناس، وأعطى ذلك الرجل جائزة، وقال للناس: من أراد منكم أن ينظر في عيب فلينظر. فأجمع أهل الهند ألا عيب فيها، فأتى رجل من غير الهند أعور ليس له إلا عين واحدة، فدخل على الملك، وقال: رأيتُ عيباً باللوحة. قال: وما هو العيب؟ قال: العصفور إذا نزل على السنبلة فإنها تميل ولا تبقى مستقيمة، وهذا لما رسمها جعلها مستقيمة، وهذا خلاف ما يذهب إليه العقلاء، ومن سنة الله عز وجل أن يميل الزرع إذا نزل عليه ما يثقله. فقال الملك: صدقت، وشطب اللوحة وأخذ الجائزة من الرسام! وأحد الناس أراد أن يرسم رسمة في لوحة، فأخطأ الرسم، فضرب اللوحة كلها بطلاء أسود، فقالوا: مالك؟ قال: هذه صورة الليل، ليس فيه قمرٌ ولا نجوم، هذا هو الجمال، ولن تجد في هذا إلا الصحيح، هذا هو ليلٌ لا نجوم فيه ولا قمر، وكلٌ يجيد هذه الصورة. {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة:29] هي سبع، والأراضين سبع لكنها طبقات، والله أعلم بذلك سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

سعة علم الله

سعة علم الله قال تعالى: {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:29] في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:29] قضايا: أولها: أن هذا عام لا مخصص له، وإذا قلت للإنسان: إنك بكل شيءٍ عليم، فلا بد من مخصص، فالإنسان -والله- لا يدري ولا يعرف بأمورٍ كثيرة، وما يجهله أكثر مما يعلمه {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:76] وقال: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7]. وعلمه سُبحَانَهُ وَتَعَالى في كل مكان وهو مستوٍ على العرش، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة، أنه بائن عن خلقه، مستوٍ على عرشه، لا يغيب عن علمه مثقال ذرة لا كبيرة ولا صغيرة: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7] وقال: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59] {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:59] وقال: {وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [آل عمران:29]. فسبحان القادر الباري، تسقط الورقة من الشجرة في ظلام الليل، في وادٍ منحنٍ وفي صحراء مقفرة، فيعلم الله أنها سقطت من الشجرة على الأرض تأتي أكمام الريحان والرمان، وأكمام النبات وأكمام الياسمين فتتفجر بالنبتة وتخرج الثمرة، فيعلم الله أنها أخرجت تلك الثمرة! {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} [الرعد:8] ما تحمل من أنثى من أناث البشر أو الحيوانات، أو العجماوات، أو الطيور، أو الزواحف، أو الأسماك، أو الحيات، إلا يعلم الله متى حملت، وهل يتم هذا الحمل، وهل تضع، وهل هذا الحمل من بني البشر سعيد أو شقي، وماذا يصيبه في الحياة، وماذا يأتيه من المصائب، وماذا يحدث عليه من الكوارث، وما يمرُ به من فقر أو غنى {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد:8]. مر عيسى عليه السلام ببقرة وهي حاملٌ فأتت تضع -وهذا في سيرة عيسى عليه السلام- فاعترض ابنها في بطنها، فأخذت تخور بصوتٍ أدهش أهل القرية، فبكى عيسى رحمةً للبقرة، فأنطقها الله الذي أنطق كل شيء، فقالت: يا عيسى بن مريم! أسألك بالله أن تدعو الله أن يفرج عني كربتي، والله عز وجل ينطق ما شاء، ومتى شاء، بأي لسانٍ شاء!! يقول سليمان عليه السلام: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل:16] ويقول عليه الصلاة والسلام: {بينما رجلٌ يسوق بقرة، إذ ركبها فضربها فالتفتت إليه، وقالت: ما خلقنا لهذا} والحديث في الصحيح، فسبحان من أنطقها! ويقول عليه الصلاة والسلام في قصة صاحب الذئب، والحديث في الصحيح: {أخذ ذئب على رجل -والرجل من الصحابة- شاة، فلحقه الرجل، فاستلب الشاة من الذئب، فالتفت الذئب وقال: أتأخذ رزقاً رزقنيه الله؟! من يحمي غنمك عني يوم لا حامي لها إلا أنا؟!}. فقالت البقرة لعيسى: يا عيسى بن مريم أسألك بالله أن تدعو الله أن يفرج عني. فبكى عيسى ودعا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وقال: اللهم إنك تعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شيءٍ عندك بمقدار، اللهم فرج عنها كربتها، فخرج هذا التبيع في الأرض، فإذا هي تنظر!!، وهذا من آياته سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وفي كل شيءٍ له أيةٌ تدل على أنه الواحد فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحدُ لكن القلوب إذا ما عرفت بارئها، وما استدلت على باطنها، فمن أين تستدل؟ هل سألت الصباح: من جمله؟! هل سألت النسيم: من أجراه؟! هل سألت النجم: من بهاه؟! هل سألت القمر: من رفعه؟! فالصباح الباكر كل شيءٍ فيه يحيا، مع إطلالة الفجر، الزهرة تغرد وتسبح الباري، الطير تغرد وتشدُو وتسبح الخالق، والماء يتمتم بتسبيحه سُبحَانَهُ وَتَعَالى!! {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [الإسراء:44]. فيا أيها الناس: أنتم أولى المخلوقات بالتسبيح، وأولى الكائنات بالذكر والاهتداء إلى الواحد الأحد، وإنما نزل هذا القرآن وإنما أتى هذا الكلام ليدل الناس على الله تبارك وتعالى. فقوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:29] هذا عامٌ لا مخصص له، وهو مستوٍ على عرشه -كما قلت- بائن عن خلقه، علمه في كل مكان، وكذب من ادعى أن الله حل مع خلقه، وافترى وكذب على الله، وكذب من قال: اتحد الله في خلقه، أو حل في بعض خلقه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، بل الله عز وجل موصوفٌ بصفات الكمال، على عرشه مستوٍ، ينزل كل ليلة في ثلث الليل إلى السماء الدنيا، فينادي فيقول: {هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من داعٍ فأجيبه؟} فإذا طلع الفجر عاد سُبحَانَهُ وَتَعَالى عودةً تليق بجلاله، ونزولاً يليق بجلاله، لكن لا يغيب عنه شيء: {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7]. ما تناجى متناجيان إلا وعلم الله ما دار بينهما، وما فكرت أنت فيه إلا وعلم ما فكرت فيه، والشيء الذي قبل أن تفكر فيه يعلم سُبحَانَهُ وَتَعَالى أنك سوف تفكر فيه، فهو يعلم السر وأخفى، قالوا: ما أخفى من السر؟ قيل: الشيء الذي تريد أن تفكر فيه وأنت لا تدري الآن يعلمه سُبحَانَهُ وَتَعَالى. وقف صفوان بن أمية عند ميزاب الكعبة، وقف مع صاحبه عمير بن وهب وهو يحاوره وقال: تقتل محمداً! قال: أقتله لكن من لي بأطفالي وذريتي وزوجتي، قال: أهلك أهلي، وأطفالك أطفالي، الهدم هدمي والدم دمي! اذهب واقتله وأنا أكفيك أطفالك، فذهب وتسلح بسيفه، ولكن غارة الله أقوى من عمير بن وهب: يا غارة الله جدي السير مسرعة في سحق أعدائنا يا غارة الله وصل إلى المدينة يحمل قلباً كله حقد وضغينة وبغض، ويريد الانقضاض على سيد البشر ليقتله؛ ليفعل أعظم جريمة وأعظم لعنة في التاريخ، فدخل المدينة ورآه رجل مسدد ملهم عمر بن الخطاب قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها فانطلق إليه عمر وكان رجلاً مسدداً ملهماً، فأخذه بتلابيب ثيابه وسيفه وسلاحه وأتى يجره حتى أدخله المسجد، فرآه صلى الله عليه وسلم فقال: مالك يا عمير بن وهب؟ قال: يا رسول الله! أتيتُ لأفك الأسارى -أسارى بدر - وأزور أصحابي من الأساري، قال: كذبت، وإنما جلست أنت وصفوان بن أمية تحت ميزاب الكعبة، فقال لك كيت وكيت، وقلت له كيت وكيت، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة:7].

سبب نزول آية التحريم

سبب نزول آية التحريم أتت حفصة وعائشة رضوان الله على الجميع، زوجاته صلى الله عليه وسلم، وقد مر يوماً بجارية له فأكل عندها عسلاً، فسمعت عائشة أنه أكل عسلاً عند الجارية فأخذتها الغيرة، وقيل: عند بعض نسائه، قيل: جاريته مارية، وقيل: جامع مارية وهي جاريته حلالاً له عليه الصلاة والسلام، فقالت عائشة لـ حفصة: إذا أتاك فقولي نشم منك يا رسول الله رائحة مغافير، وكأن نحله جرست العرفط -شجر منتن الرائحة- والرسول عليه السلام يغضب وينكر ولا يرتاح إذا وجد منه رائحة، وقد كان دائماً يفوح مسكاً، إذا مر من الطريق علم الناس أنه مر من الطريق أرادوا ليخفوا قبره عن مكانه فطيب تراب القبر دل على القبرِ نفسي الفداء لقبرٍ أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم وكان عرقه كالمرجان والجوهر والدر ينسكب فيؤخذ منه الأطياب، فيصبح أحسن طيب، أخذته أم سليم في قارورة، وخلطت عرقه فيها، وكان إذا مرض أحد من أهل بيتها أخذت قطرة فخلطتها بالماء، ثم غسلت المريض فتشافى بإذن الله. فدخل على عائشة، وقد جهزت حفصة الكلام أيضاً -هذه جبهة متحدة ضد الرسول عليه الصلاة والسلام، حلف نسائي بيتي يريدون معارضة الرسول عليه الصلاة والسلام- فدخل على عائشة، فقالت: يا رسول الله! أشم منك رائحة، فأخبرته الخبر، فاستاء صلى الله عليه وسلم من هذه الرائحة. وذهب إلى حفصة فقالت: أشم منك رائحة مغافير كأن نحله جرست العرفط، فحرم النبي على نفسه العسل، وفي رواية حرم الجارية، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:1] هذه القصة بكل جزئياتها ومدلولاتها، وما دار بين الجارتين والشريكتين والضرتين في البيت، ومن تدخل في القضية ومن المصيب ومن المخطئ، وحلل القضية برمتها في بيتٍ من بيوته عليه الصلاة والسلام، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم:1]. ثم بين له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن حفصة أو عائشة تقول له: من أنبأك هذا؟ قال: نبأني العليم الخبير!! قال: سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4]. يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل ويرى نياط عروقها في نحرها والمخ في تلك العظام النحلِ اغفر لعبدٍ تاب من زلاته ما كان منه في الزمان الأولِ هذه الأبيات للزمخشري، قيل إنه رئي في المنام، فقيل: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي في ثلاثة أبيات. يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل ما من بعوضة تمد جناحها إلا علم الله بذلك، والخلق كل يومٍ في شأن، كم يموت من الألوف! وكم تلد من النساء! وكم تتغير من الحكومات والدول! وكم تنشأ من المستعمرات! وكم تنتصر من جيوش، وكم تهزم! وكم تجوع من بطون! وكم توسوس من أفكار! وكم يضل من قوم وكم يهتدي من بشر! وكم يقرأ من أناس! وكم يستيقظ من خلق وكم ينام! كله في علم الله لا يغيب، قال: فغفر له.

الزمخشري وقصة موسى مع الخضر

الزمخشري وقصة موسى مع الخضر استطراد بسيط: الزمخشري صاحب الكشاف، عالم في اللغة جهبذ؛ لكنه معتزلي! أتى من خراسان فدخل على أمه فسكن معها، فأخذ عصفوراً وهو طفل؛ فربطه بخيط عنده في البيت يلعب به، ففر العصفور فأمسك الحبل فانقطعت رجله في الحبل، فقالت أمه وهي تبكي: قطع الله رجلك كما قطعت رجل العصفور. فذهب من خراسان يريد بغداد، فنشبت رجله في الثلج فتجمدت فبترت من الساق! ولعلها من كفارات الدنيا، وقد جاور مكة فسمي جار الله، وأبياته من ألطف ما قيل {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:29] سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، علمه وسع المخلوقات، وما علم الناس في علمه سبحانه وتعالى إلا كما يأخذ العصفور من البحر بمنقاره مرةً واحدة. مر موسى والخضر عليهما السلام في رحلة بحرية، طالب العلم مع شيخه؛ وذلك أن موسى عليه السلام خطب في بني إسرائيل فتدفق عليهم بالعلم، قالوا: هل في الأرض أعلم منك؟ قال: ليس في الأرض أعلم مني. فأوحى الله إليه: بل الخضر أعلم، فسافر إليه، فركب هو وموسى في القارب، فأتى عصفورٌ فأخذ بمنقاره قطرة ماء، فقال الخضر لموسى: يا موسى! أتدري ما مقدار علمي وعلمك في علم الله؟! قال: الله أعلم، قال: كما أخذ هذا العصفور من هذا الماء، هذا علم المخلوق إلى علم الخالق سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

قصة أبينا آدم عليه السلام

قصة أبينا آدم عليه السلام قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] الآن قصتنا يا أيها الضعفاء! وقصة أبينا المكدود المكبود، المذنب التائب إلى الله، هذا أبونا الآن معه حديثٌ طويل في القرآن، يبدأ ذكر آدم بهذه الآية، وسيد قطب يقول كما سلف معنا: تبدأ سورة البقرة بنسفٍ وإبادة لبني إسرائيل من اليهود والنصارى، ثم تأتي قصة المعاد، {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] وفي هذه الكلمة مسائل:

مدلول كلمة: (خليفة)

مدلول كلمة: (خليفة) أولها: معنى الخليفة، والخليفة قالوا: هو آدم، والصحيح أن الخليفة يعني قوماً يخلفون قوماً، وهذا الذي رجحه ابن كثير وهو الصحيح، جعلنا الله خلائف الأرض، فبعضنا يخلف بعضاً، قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، وأمةً بعد أمة، قال تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} [ابراهيم:45] سكنا الدور والقصور وسكنها آباؤنا وأجدادنا ثم أتينا، ويأتي أبناؤنا وهكذا، فكأن الثاني ما اعتبر بالأول، قدم ل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه إناء من خزف ليشرب فيه، فقربه من فمه ثم نظر إليه وقال: [[الله! كم في هذا الكوب من خدٍ أسيلٍ وطرفٍ كحيل]]. يقول: ربما صنع هذا الكوب أو هذا الإناء من ترابٍ تحلل من خدٍ أسيل، أي: جميل، ومن طرفٍ كحيل، يقول أبو العلاء المعري: غير مجدٍ في ملتي واعتقادي نوح باكٍ ولا ترنم شادي خفف الوطء ما أظن أديم الـ أرض إلا من هذه الأجساد يقول: أنت تمشي على التراب، ربما يكون قطعة من جسم أبيك وجدك وأجدادك في هذا التراب الذي تتكبر عليه. خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد صاحِ هذي قبورنا تملأ الر حب فأين القبور من عهد عادِ يقول: قبورنا ملأت الدنيا فكيف بقبور القرون التي سلفت.

جعل آدم خليفة في الأرض

جعل آدم خليفة في الأرض قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] هذا حكمةٌ من حكم الله، أن يسكن الأرض آدم، لمقاصد منها: أن يعمر الأرض، كما قال تعالى: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود:61] ومنها: أن يأتي من ذريته الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، والشهداء والعلماء، والصائمون والمصلون. ومنها: أن يبتليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:2] وقال: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3]. ومنها: أن يظهر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قدرته للعالمين، لأنه لا يكون الملك ملكاً -ولله المثل الأعلى- إلا إذا كانت له رعية يتصرف فيهم، يقتل هذا ويعفو عن هذا، ويعطي هذا ويولي هذا، ويعزل هذا، فإذا كان ملك بلا رعية، فعلام يكون ملكاً؟! فالله أراد أن يظهر سلطانه في الأرض وحكمته البالغة، وقدرته النافذة، ويظهر رحمته وعقابه فأتى بآدم. ومنها: أنه أراد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يظهر غفرانه، وشديد عقابه، فإنه الغفور الرحيم، شديد العقاب، فكيف نعرف أنه غفورٌ رحيم إذا لم يغفر؟ أتأتي إلى ملك من الملوك فتقول: يا حليم وهو ما سبق له أن حلم عن أحد، وتقول: يا جواد، وهو ما سبق أن أعطى أحداً، وتقول: يا قوي، وهو ما سبق أن هزم جنداً، لا، لابد أن تظهر الأسماء والصفات في المخلوقين. فهو الغفور الرحيم، فلذلك أذنب آدم فظهرت مغفرته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأخرجه من الجنة فظهرت قدرته، وسلط الله على بعض عباده العذاب فظهر أنه شديد العقاب. {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} [البقرة:30] هذا مجتمعٌ من الملائكة الأطهار، ومن حكمته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه لم يجعل الأرض من الملائكة، ولم يجعلهم من الجن، ولا من الحيوانات، الحيوانات شهوةٌ بلا عقل، والملك عقلٌ بلا شهوة، والإنسان عقلٌ وشهوة. ابن آدم نفخةٌ من روح الله، وقبضة من التراب، ابن آدم إذا ارتفع بالصلاة والصيام والذكر وقيام الليل وطلب العلم والزهد، أصبح أفضل من الملائكة، وإذا خسئ بالحقارة والنذالة والمعصية، فشرب الخمر، وتناول المخدرات، وتخلف عن الصلوات، وسمع الأغاني الماجنات، وقرأ المجلات الخليعات، وعق الأمهات، وأغضب رب الأرض والسماوات، أصبح أحقر من البهيمة، قال تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. أتعرف الحمار؟ يصبح أذل منه {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:1 - 8]. بلى، {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70] فكرامة الإنسان يوم يكون عبداً لله ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا ذكر بعض المفسرين، أن الملائكة قالت: يارب! لو أنزلتنا في الدنيا ما عصيناك أبداً. فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30]. فأنزل الله هاروت وماروت، وهما من الملائكة، فقال: انزلا، كان عندهما عقول، فآتاهما الله الشهوة مع العقل كما يؤتي الإنسان، فلما نزلا في الأرض جلسا في المحكمة يحكمون بين الناس خلفاء، فأتت امرأةٌ جميلة فتنت هاروت وماروت، فبقيت بهما حتى زنيا بها، وفي رواية فقتلاها، ولما قتلاها أتى الشيطان فقال: إنه لا يمكن إلا أن أخبر إلا أن تعبداني، فسجدا له، ولكن الصحيح أنها ليست في قصة هاروت وماروت، بل في قصة رجلٍ آخر، أما هاروت وماروت فوقعا في الزنا فقط، فخيرهما الله بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فنكسهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في بئر هاروت وماروت في العراق بأرجلهما. والقصة ذكرها الذهبي بسندٍ ضعيف في سير أعلام النبلاء في ترجمة مجاهد، وذكرها كثيرٌ من المفسرين، ووصل مجاهد إلى هناك ليرى هاروت وماروت مع رجل يهودي، فقال له الرجل: لا تتكلم؛ فإنك إن تكلمت صعقت، قال: فذهبت فرأيت ملكين منكوسين بأرجلهما في بئرٍ مطوية، فقلت: سبحان الله خالقكما! قال: فصعقت فأغمي عليَّ وعلى الرجل، ثم أفقنا بعد حين فقال لي: أهلكتني وأهلكت نفسك. ومن أراد أن يعود فليعد إلى الذهبي وغيره من العلماء، والمقصود من هذه الآية أن الله علم أنه لا يصلح للأرض إلا الآدميون. {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] يخلف بعضهم بعضاً، وبعضهم يقول: معنى خليفة: آدم وحده، ولكن ليس بصحيح، والقرطبي يذهب إلى أن إقامة الخليفة واجب بهذه الآية، وفي استدلاله نظر! لأن الخليفة هنا هم من يخلف بعضهم بعضاً {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30] هنا قضايا: منها: اعتراض الملائكة على الله عز وجل. فالله يقول للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] فتقول الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:30]. وهذا ليس اعتراضاً على الله؛ فإنهم كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء:27]. وإنما أرادوا أن يُظْهِر لهم الحكمة، كأن طالباً يرى الأستاذ يكتب على السبورة جملة، فيقول: يا أستاذ! كيف تكتب هذه الجملة؟! وهذا ليس اعتراضاً على الأستاذ، ولكنه يقول: فسر لي المعنى وما هو المقصود. ولله المثل الأعلى. أتجعل فيها من يفسد فيها! عرف الملائكة أنه سيقع فساد في الأرض؛ لأنه قد عمرها الجن فترة فأفسدوا، فظنوا أن آدم سوف يكون هو وذريته كالجن، كما ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله. والإفساد هنا: بالفواحش والمنكرات والمعاصي والظلم، وسفك الدماء بغير حق. ثم يقول: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:30] أي كأنهم يشيدون بأنفسهم، ويقولون: نحن أولى، نحن أهل التسبيح، نسبحُ ونصلي لك، وقالوا: نقدسك ونستغفرك، وفي صحيح مسلم قال أبو ذر: {ما هو أحسن الذكر يا رسول الله؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته، سبحان الله وبحمده} وعند البخاري: {كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم}. وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: {من قال: سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة غفرت ذنوبه وإن كانت كزبد البحر} وفي صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس} وصح عند الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم: {من قال: سبحان الله وبحمده، غرست له نخلةٌ في الجنة}.

الحكمة في جعل آدم خليفة في الأرض

الحكمة في جعل آدم خليفة في الأرض قالت الملائكة: يا رب! نحن نسبح بحمدك، ونصلي لك، ونطيعك! فأنزلنا في الأرض!! قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30] أي: أعلم حكمةً لا تعلمونها، وأعلم سراً لا تدركونه، وأعلم مقصداً لا تفطنون إليه، قال أهل العلم: مما علم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من هؤلاء أنه سوف يكون من ذرية آدم رسلٌ وأنبياء وشهداء، وعلماء ودعاة وصالحون. إبراهيم وموسى وعيسى ونوح ومحمدٌ عليهم الصلاة والسلام، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، ومالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير وأمثالهم كثير، هذا مما علم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويعلم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه سيكون هناك مفسدون، قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251]. إبليس وفرعون، وابن الراوندي، وهامان، وقارون، وأبو جهل، وأبو لهب، وأمية بن خلف، وكل رعديدٍ على وجه الأرض، وشامير، ورابين، وريجن، وبيجن، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم، لكن يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31]. هذا هو العلم، أعلم ما لا تعلمون!! والله يعلم ما يعلمون، ويعلم مالا يعلمون، سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن أدب الفتيا -وسوف يمر معنا- إذا سئلت عما لا تعلم أن تقول: الله أعلم.

تعليم الله لآدم الأسماء

تعليم الله لآدم الأسماء قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] أراد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يثبت خصيصة لآدم، فعَّلمه الأسماء كلها، كما في الآية. أسماء البشر والحيوانات والدواب والمخلوقات، وكل شيء، قال ابن عباس: [[علمه اسم كل شيء، البقرة, والحمار، والفرس]] فعلمه سبحانه وتعالى أن هذا اسمه جبل، وهذه سارية، وهذا مسجدٌ، وهذه شجرةٌ، وهذه زهرةٌ، وهذا ماء، وهذا رجل، وهذه امرأة، وهذا طير، إلى غير ذلك من الأسماء، علَّمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من تعليمه مرةً واحدة، هذا هو الصحيح. وقال ابن كثير يتساءل: هل التعليم شيء لأشياء محدودة في عصر آدم، أم لمطلق الأشياء؟ الصحيح أنه علمه اسم كل شيء، وذات كل شيء، ومعنى كل شيء، هذا هو الصحيح. ففي الصحيحين من محاجة آدم مع موسى عليهما السلام، أن موسى عليه السلام التقى بآدم! فقال له: يا آدم! أنت أبونا، خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وعلمك أسماء كل شيء، فلماذا أخرجتنا وخيبتنا؟ موسى جريء شجاع! دائماً يستفسر كلَّمه الله عز وجل فما اكتفى بالمكالمة، وهو شرف عظيم، لكنه قال: رب أرني أنظر إليك، فهو جريء عليه الصلاة والسلام، حتى قيل: لا يصلح لبني إسرائيل إلا موسى، ويقول صلى الله عليه وسلم لـ عمر: {أنت أشبه الناس بموسى ونوح عليهما السلام، ولـ أبي بكر: أشبه الناس بإبراهيم وعيسى}. فموسى يصلح لبني إسرائيل؛ لأن بني إسرائيل كما يقول الأول: إذا رأوا الرجل المخادع خدعوه، أسيادٌ وفجرةٌ عند عدم الصوت، وحميرٌ عند وجود الصوت، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176] فلا يقومون إلا بالصوت، ولذلك كان هارون رحيماً، فيحبوه بنو إسرائيل، وموسى كان قوياً في جسمه، وفي إرادته، وفي هيبته، وفي سلطته، كان بنو إسرائيل إذا غاب موسى يغتابونه في المجالس، فإذا وصل سكتوا، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69]. خرج أربعين يوماً فعبدوا العجل، فأتى والصحف معه، فلما رأى العجل ورأى هارون أخذ بلحيته وألقى الألواح من يده، وأخذ يجره أمام الناس!! والشاهد: أن الله علم آدم أسماء كل شيء، وذوات كل شيء، ومعاني كل شيء، وهي من مؤهلاته لأن يكون خليفة، لأن الخليفة والمسئول لابد أن يكون على بصيرة، ولذلك لما اختار الله لبني إسرائيل طالوت، قالوا: كيف يكون له الملك علينا ولم يؤت سعةً من المال؟ انظر إلى بني إسرائيل الرأسماليين حتى في القرآن وفي القرون السالفة، يقولون: ليس لديه بنوكٌ ولا شيكاتٌ ولا رصيد، فكيف يكون ملكاً؟ {قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة:247] ففي العلم عالم، وفي الجسم كذلك طويل، يصلح للملك يقول شوقي: والحسن من كرم الوجوه وخيره ما أوتي القواد والزعماء علم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة، أتى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالحيوانات، والعجماوات، والدواب، والحشرات، قال للملائكة: ما أسماء هذه؟! فقالوا: لا ندري. ما اسم الفرس؟ قالوا لا ندري، ما اسم الحمار؟ قالوا: الله أعلم، ما اسم الشجرة؟ الله أعلم، قال تعالى: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:31] أي: إن كنتم صادقين أنكم أولى بالخلافة في الأرض، أو إن كنتم صادقين أنكم تعرفون أسماء هذه الأشياء، أو إن كنتم صادقين أنكم أعلم من آدم، أو إن كنتم صادقين أن عندكم علماً مكنوناً ليس عند آدم. قالوا: سبحانك! ما أحسن الرد! أن سؤالنا اعتراض، سبحان الله! لما ذكر التوحيد والشرك، فقالوا: سبحانك ما اعترضنا يا رب! تنزهت، وتقدس اسمك سبحانك! لا علم لنا إلا ما علمتنا، وهذا أدب طالب العلم أن يقول: لا علم لنا إلا ما علمنا الله، والله أعلم، ولا يتسرع بالفتيا، ولا يفتي بجهل، فإنه سوف يصيبه من الخذلان والحرمان ما الله به عليم، وتضطرب عليه أموره، ويتكدر قلبه، وينطفئ نوره، ويكون جسراً إلى جهنم للناس. الناس يتورطون في مسائل الفروج والدماء، والطلاق والزوجات والأموال، فيأتون إليه، فيستحي أن يقول: لا أدري، فيقول: أرسلها وعلى الله مخرجها، فيتكلم بلا علم، وقد كان الصحابة من أشد الناس حذراً في الفتيا، وكانوا يتدافعونها ويتغير وجه الواحد منهم، إذا سئل عن مسألة يخاف أن ينزلق فيها، ولذا فمن لم يعرف فليقل: لا أدري. يقول علي بن أبي طالب: [[ما أبردها على قلبي إذا سئلت عن مسألةٍ فقلتُ: لا أدري]]. وسئل مالك في أربعين مسألة فأفتى في ثمان، وقال في اثنتين وثلاثين مسألة: لا أدري!! قالوا: نضرب إليك أكباد الإبل من العراق، وتقول: لا أدري، قال: اذهبوا إلى الناس، وقولوا لهم: مالك لا يعرف شيئاً. ومن الخذلان كتمان العلم، بعض الناس يحمله الورع البارد على كتمان الجواب حتى في أسئلة بسيطة. يقولون له: كم يتمضمض الإنسان؟ فيقول: الله أعلم سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم! قالوا: كم أركان الإسلام فتح الله عليك؟ قال: الله أعلم لا أدري. فهذا جهل، وهذا تكلم بلا علم؛ فجزاؤه النار، وهذا كتمَ علماً يلجم بلجامٍ من نار، والأوسط أن تتكلم في ما تعرف، وأن تقول في ما لا تعرف: الله أعلم لا أدري! علمٌ بلا حكمة اضطراب، وحكمة بلا علم يصيبها جهل. والإنسان يجمع في أصله بين اثنتين: {ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] قال ابن تيمية: ظلوماً يحكم بلا عدل؛ جهولاً يحكم بلا علم. ولذلك يشترط أن يكون الحاكم عالماً عادلاً، ويشترط في العالم أن يكون عادلاً {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا} [المائدة:8] فإن بعض الناس قد يتكلم بجهل ويحكم بظلم، والعدل والعلم صفتان جميلتان جليلتان. قال تعالى: {يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33] فسمى الحيوانات والعجماوات والجبال وكل شيء. (أعلم غيب السماوات والأرض) هنا حذف المضاف للعلم به، أي (وغيب الأرض) والغيب ما يغيب عن العيون، ولا يعلمه إلا الله، والناس لا يعلمون إلاَّ ما يرون، وعلمهم بما يرون ليس علم إدراك! إنما علم مجمل ظاهر، أما الباطن فلا يعلمه إلا الله {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] وقال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. وفيه شرف العلم، وأنه من أعظم المطالب في الحياة، وأن من جلس عند أهل العلم فهو أفضل ممن يتنفل بالصلاة، ومن يقرأ القرآن وحده {وأن من طلب باباً من العلم ليعمل به ويرفع الجهل عن نفسه، فهو أحسن من أن يركع سبعين ركعة!} وهذا الحديث عند الطبراني لكن في سنده نظر، أن تعلم باباً واحداً من العلم، خيرٌ من سبعين ركعة، وقد جاء من حديث أبي ذر. وهذا يدل على شرف العلم، والعلم الشريف هو قال الله وقال رسوله، والعلم له وسائل: لا يكفي القراءة وحدها! ولا يكفي الجلوس عند المشايخ! ولا يكفي حضور الدروس والمحاضرات! بل تجتمع الجميع، التدبر والحفظ والجلوس مع العلماء، ولو كانوا أقل منك علماً وبصيرة، فإن الله يمنحك بالجلوس في مجالس الذكر والعبادة فتحاً عظيماً. يقول معاذ في سكرات الموت: [[ما كنتُ أحب الحياة إلا لمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر]] وكان معاذ يجلس في حلق من هم أقل علماً منه ليفتح عليه من المعارك، ولأن هذا المتكلم قد يحضر مسائل تستفيدها ما سمعتها أنت!! فعلى المسلم أن يحرص على طلب العلم، وأن يكون عنده وسائل في العلم، والله قد هيأ المسائل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، عندنا الآن الكتب محققة ومطبوعة ومنقحة، والشريط الإسلامي أمره عظيم، وشأنه جليل، وحاسة السمع تقدم على حاسة البصر، بل الإنسان يفهم بما يسمع أكثر مما يقرأ، والله يقول: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78] فقدم السمع، فما يُسمع كثيراً سوف يُحفظ. فالله الله في الحرص على الفائدة، والتدبر في الدين، والحرص على مجالس الخير والدروس والمحاضرات مهما كانت، وأياً كان المحاضر، فإنك لن تعدم فائدة، بل قد تخرج من بعض الدروس بخمسين وستين فائدة. ذلك لمن أتى بقصد الله عز وجل، وطلب ما عنده. قال تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33] ما تكتمون في صدوركم وسرائركم، والله هو العليم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

الأسئلة

الأسئلة هنا بعض الأسئلة،، وأحبذ -أيها الإخوة- أن تكون الأسئلة عن الموضوع الذي يتكلم فيه، لأن الفتيا لها وقت، وهذا يعني لو أن الوقت متسع لكان هناك مجلس قضايا الأسبوع، وتعرض فيها الفتاوى، والاجتماعيات، والمسائل الحادثة في الساحة، كان أفضل، لكن لضيق الوقت حبذا أن تكون الأسئلة عن الموضوع الذي يتكلم فيه، الآيات هذه الذي تكلمنا فيها وما يدور حولها، تكون فيها الأسئلة، فأنا أعتذر للإخوة نظراً لضيق الوقت، وأن الأسئلة متشعبة، تخرج بنا بأحكام في الطهارة، وأحكام في المواريث، وفي الطلاق، وفي الرضاع، ونحن لسنا بصدد هذه الليلة، الدرس درس تفسير، ومن عنده سؤال شفوي في التفسير فليتفضل.

ضرب الأمثال

ضرب الأمثال Q قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل:74] كيف إذا أراد العلماء أن يذكروا شيئاً عن الله، يمثلون بمخلوقاته، والله يقول: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل:74]؟ A معنى الآية: لا تضربوا لله الأمثال، أي: لا تضربوا له مثلاً بالأصنام سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وتدعو لله أنداداً، وتضربوا له أمثلة الأصنام والأوثان، وتعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، أما إذا ضربت مثلاً فلتقل: ولله المثل الأعلى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

أعوان ملك الموت

أعوان ملك الموت Q ذكرت أن هناك ملائكة تقبض الأرواح، هل هم ملائكة أو ملك؟ A الذي ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة السجدة أنه ملك: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة:11] فلا أعلم أنهم ملائكة؛ ربما يكون سبق لسان، ولكن أعلمُ ملكاً واحداً، أما اسمه فلا يعلم بسندٍ صحيح، ومن قال اسمه عزرائيل، فليأتنا بدليل، والبينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، فشاهدان أو حدٌ في ظهرك، لأنه ما ثبت في النصوص عزرائيل.

بعض الأبيات للزمخشري

بعض الأبيات للزمخشري Q أعد أبيات الزمخشري؟ A يقصد أبيات البعوض، يقول: يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليلِ ويرى نياط عروقها في جسمها والمخ في تلك العظام النحل اغفر لعبدٍ تاب من زلاته ما كان منه في الزمان الأولِ هو شاعر، وهذه أبياتٌ رقيقة، لكن ترجم له الذهبي فأتى بأبياتٍ له، وقال: أبياته ركيكة لا رقيقة، مات شيخه أبو مضر النحوي فرثاه يقول: وقائلة ما هذه الدرر التي تساقطها عيناك سمطين سمطين فقلت هو الدُر الذي قد حشا به أبو مضر أذني تساقط من عيني

كتاب الكشاف

كتاب الكشاف Q لمن هو كتاب الكشاف؟ وما رأيكم فيه؟ A الكشاف كتابٌ للزمخشري، وهو يحمل الاعتزال في طياته، وفيه حياتٌ وعقارب، والرجل مبتدع، ويحمل بدعته، ويؤيدها في كل مقالة، لكن فيه فوائد بلاغية وبيانية ونحوية، واستطراداتٌ طيبة، فنأخذ ما فيه، ونتقي حياته وعقاربه.

حوار بين موسى وآدم

حوار بين موسى وآدم Q ما هو الحوار الذي دار بين موسى وآدم عليهما السلام؟ A كان هناك درس قبل أشهر اسمه: المحاجة، أو: حوار ساخن بين آدم وموسى عليهم السلام لما قال له موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة! فقال: أنت موسى، الذي كتب الله لك التوراة بيده، وكلمك، أتلومني على شيءٍ قد قدره الله عليَّ قبل أن يخلقني؟! ويقول له في روايةٍ صحيحةٍ أخرى: بكم رأيت الله عز وجل قدَّر عليَّ ذلك؟ قال: قبل أن يخلقك بأربعين سنة، قال: أفتلومني على شيءٍ قدره الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال صلى الله عليه وسلم: {فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى} أي: غلبه، هذا هو الرد، وفيه تفصيل يكون في درس اسمه (موقف أهل السنة بين الجبرية والقدرية) لأنهم يستدلون بهذه الأحاديث.

حقيقة لون السماء

حقيقة لون السماء Q اللون الذي نراه في السماء أزرق، هل هي السماء نفسها أم هو سطحها؟ A سواءً كان الذي نراه أزرق هو السماء أو سطحها؛ الله أعلم، إنما نقول: هناك سماء ولا أدري ما لونها، وقد يكون هذا اللون الذي نراه ناتجاً عن البعد الشاسع لا حقيقة، والقرآن لم يثبت مما نراه شيئاً، فإذا أتو بعلمٍ ليس في القرآن، ولا يعارض القرآن، فلا بأس أن نقبله، لأنه علم وصل إليهم.

ملك الموت

ملك الموت Q هل ورد في السنة أن ملك الموت واحد، ومعه جنود؟ A نعم، كما تفضلت هذا وارد، لأنني سُئلت قبل قليل: ملك الموت هل هم ملائكة، أو واحد؟ والصحيح أنه واحد، لكن صحت الأحاديث بأنه ينزل ملائكة معهم حنوط، كما في حديث البراء عند أبي داود بسندٍ صحيح، وغيره من الأحاديث، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:30 - 31] فدل على أن هناك ملائكة يساعدون؛ لكن لا يسمون ملائكة الموت، بل هم أعوان.

الشورى

الشورى Q هل يستدل بقوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) على الشورى؟ A { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] الاستدلال بهذا في الشورى بعيد، والله لا يشاور أحداً من خلقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وما اتخذ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى معاضداً ولا مشاركاً ولا مساعداً ولا معاوناً ولا يستشير أحداً، وينفذ أمره متى شاء، بأي هيئةٍ شاء وبأي كيفية شاء، لأن له نفوذاً مطلقاً، هذا لا يستدل به أبداً، فهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ذو الكلمة النافذة تبارك وتعالى.

مدى صحة تسمية ملك الموت بـ (عزرائيل)

مدى صحة تسمية ملك الموت بـ (عزرائيل) Q هل يصح تسمية ملك الموت عزرائيل؟ A لا يصح، لأن لفظ عزرائيل ليس بثابت في الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم، عزرائيل اسمٌ اشتهر بين الناس، ولا يصح أنه قال: أرني صورتك لآدم، إنما صح أن محمداً رسولنا صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: {أرني صورتك التي خلقك الله عليها} فصوره الله بستمائة جناح، كل جناح يسد ما بين المشرق إلى المغرب، فأغمي على رسولنا، وصعق عليه الصلاة والسلام، حتى استفاق بعد فترة، وهذا ستمائة لم يستخدم جبريل منها في تدمير قوم لوط وهم أربع قرى فيها ستمائة ألف؛ لم يستخدم إلا جناحاً واحداً، ويوم أتى لتعذيبهم أتى من أول القرى وهي المؤتفكات قبل الوديان والجبال بمسافة أخذها من تحت الأرض حتى رفعها بما فيها من جبال وأودية وأناس وبيوت؛ رفعها إلى السماء الدنيا، وفي بعض الألفاظ الصحيحة: أن الملائكة سمعت صياح أطفالهم ونباح كلابهم، ثم لطم بهم الأرض. أحد الخطباء سمعته في شريط يقول: جبريل قائد الفرقة الثامنة والثلاثون للكمندوز المتخصصة في النسف والإبادة، ولا بأس بالإشراقات، لكن في حدود المعقول، التخاطب مع الملائكة والرسل يكون في حدود الأدب، ومن أحسن ما يتكلم في هذا المباركفوري صاحب الرحيق المختوم، له كلمات مشرقة، لا تخدش في الأدب، مثل أن يقول:- - أبو بكر يعلن سياسة حكومته الجديدة بعد الرسول عليه الصلاة والسلام. - نقل الجثمان والصلاة ومجلس الشورى. - الرسول صلى الله عليه وسلم في ساعة الصفر في بدر. - عمر بن الخطاب يلقي كلمة أبي بكر. فالأساليب العصرية لا بأس باستخدامها، لكن بشرط ألا تخرج عن نطاق الأدب وحدوده، مثل بعض الخطباء يقول: في بدر اتصل عليه الصلاة والسلام مباشرةً باللاسلكي، قال: فأتاه ألف من الكمندوز، فنزلوا في بدر. هذا فيه شيءٌ من الإساءة والجرح للكتاب والسنة، لابد من الوقار، ولا بأس باستخدام الأساليب العصرية.

موقع السبع السماوات

موقع السبع السماوات Q هل يصح، وأين توجد السماوات السبع؟ A أما هل يصح فلك أن تسأل أين توجد السماوات السبع، ولك أن تسأل في ذلك، وأما أين توجد فاترك هذا إلى الأسبوع القادم إن شاء الله. إما أن توجد في جزر القمر، أو في الهملايا، هي فوقنا {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:17 - 18]. انظر تجد آياته في كل ما يبري بها حُكم الحكيم ويبصرُ وفي كل شيء له آيةٌ تدل على أنه واحد فهي فوقك. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الصائمون الصادقون

الصائمون الصادقون خمس عشرة مسألة أوردها الشيخ في الإخلاص، والمتابعة، والصدق، وصوم القلب والجوارح، واستغلال الأوقات في الدعاء والمناجاة كلمات مضيئة، وأشعار وضيئة، قصص وأقوال وصايا ونصائح، فإذا أردت أن تكون من صنف الصائمين الصادقين فاستنر بهذه المادة.

إخلاص العمل لوجه الله

إخلاص العمل لوجه الله الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله بالهداية الربانية فأنار به سبل الإنسانية، وهدى به البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته: شكر الله لأهل الفضل فضلهم، وعلى رأسهم رئيس هذا النادي، وأعضاء هيئته، والمشاركون والحضور، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى كما جمعنا بكم هنا أن يجمعنا هناك في مقعد صدق عند مليك مقتدر {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [التحريم:8] {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106]. عنوان المحاضرة: (الصائمون الصادقون) والداعية المسلم يجتاب النوادي كالمساجد، ويحضر المحافل كالأسواق، ويشهد مجامع الناس، وله أن يشارك ويرى، فما معنا إلا إخوان، وما أتينا إلا إلى خلان، وما زرنا إلا الجيران، نحن وإياهم في هدف واحد، والمقصد هو وجه الله -إن شاء الله- لترتفع لا إله إلا الله محمد رسول الله، فرسولنا أول داعية بعد الفترة، طرق سمع التاريخ وتكلم على منبر الدنيا، جاب الأسواق، وحضر الأندية، وتكلم في مجامع الناس؛ ليبلغ راية الله، يقول محمد إقبال شاعر الباكستان عن الداعية المسلم وعن دوره في الحياة: أنت كنز الدر والياقوت في لجة الدنيا وإن لم يعرفوك محفل الأجيال محتاج إلى صوتك العالي وإن لم يسمعوك أما عناصر هذه المحاضرة فهي تدور على سبع عشرة مسألة: المسألة الأولى: إخلاص العمل لوجه الله في كل عمل. المسألة الثانية: المتابعة للإمام الأعظم محمد رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. المسألة الثالثة: الصدق وحسن التوجه إلى الباري جلت قدرته. المسألة الرابعة: قلوب صامت عن السوء، كيف تعيش القلوب في رمضان؟ وكيف تحيا بذكر الواحد الديان؟ وكيف ترفرف على سبحات الرحمن؟ المسألة الخامسة: فهي العيون التي عرفت الصيام، كيف تصوم العيون؟ سهر العيون لغير وجهك ضائع ورضا النفوس بغير ذاتك باطل المسألة السادسة: فهي ألسنة هجرت اللغو وحبست عن الكلام في غير مرضاة الله فهو صيامها، وسوف نقف عند هذه المسائل بإذن الله. السابعة: أذن تأبى الخنا والزور، وقاطعت كل أغنية ماجنة، وكل كلمة فحش، وكل كلمة فيها بذاءة. المسألة الثامنة: يد تمتد بالإحسان وتكف عن الباطل في رمضان وفي غير رمضان. المسألة التاسعة: فما هي الرِّجل! التي تحمل صاحبها لتقف على ساحة الحق وتحجم عن المنكر؟ المسألة العاشرة: البطون الجائعة في مرضاة المولى. المسألة الحادية عشرة: أكباد ضمئت لتشرب من الكوثر يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. المسألة الثانية عشرة: الصائمون في جلسة السحر مع رب العزة والجلال، يوم يتجلى لعباده في الثلث الأخير، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داعٍ فأجيبه؟ المسألة الثالثة عشرة: الصائمون يسافرون مع القرآن الكريم في رحلة ممتعة. أما المسألة الرابعة عشرة: فهي في دقائق الإفطار روعة وجلال، يوم تأتي الشفاه إلى الطعام وتمتد الأيادي إلى فضل الله، إنها ساعة الاستجابة، وللصائم فيها دعوة لا ترد. المسألة الخامسة عشرة: صلاة التراويح، حشد هائل من المؤمنين يحضرون جلسات الخير والسجدات التي تعتقهم من الرق والعبودية لغير الله. المسألة السادسة عشرة: الفقراء يمدون أيديهم. المسألة السابعة عشرة: رمضان مدرسة روحية تربوية. تلكم أيها الفضلاء النبلاء! أيها السادة الأخيار الأبرار! أيها المستقبلون لشهر رمضان! تلكم المسائل التي نريد أن نتكلم عنها في هذا الدرس بحول الله. يا رب هب لي بياناً أستعين به على قضاء حقوق نام قاضيها فمر سري المعاني أن يواتيني ربي فإني ضعيف الحال واهيها

الأدلة الدالة على وجوب الإخلاص لله تعالى

الأدلة الدالة على وجوب الإخلاص لله تعالى أما إخلاص العمل فالمقصد هو الله، وكان أحد الوعاظ إذا جلس في مجلس الوعظ قال وهو يلتفت إلى السماء: إنك تعلم ما نريد قال سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] فما عمل للدنيا يفنى، وما عمل لأجل الناس يذهب للناس قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] وقال عز من قائل: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] صائمان اثنان، هذا جائع وذاك جائع، وهذا ظمئ وذاك ظمئ، وهذا سهر وذاك سهر، ولكن لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتم أما ذاك فتقبل الله عمله؛ لأنه قصد وجه الله، ورضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه أراد بعمله وجه الله، وهذا رد الله عليه عمله كله، فلا قبل جوعه ولا ظمأه ولا سهره ولا صيامه! وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله عز وجل: من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه} والله يترك من يشرك معه، وهذه هي المراءاة، وفي الصحيحين {من راءى راءى الله به، ومن سمع سمّع الله به}. إذاً يا أيها الفضلاء! يا أيها النبلاء! لا بد أن نعرف مسألتين في الإخلاص:

معرفة الله سبب الإخلاص

معرفة الله سبب الإخلاص أولها: أن نعرف الله، فهو القدير الذي بيده مفاتيح القلوب، والمعطي والمفقر، والمانع والقابض، والباسط والرازق، والمحيي والمميت، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3]. إخوتي في الله! يقول عليه الصلاة والسلام: {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى} كثير من الناس يجودون صلاتهم من أجل الناس، ويصومون من أجل الناس، ويتلون كتاب الله من أجل الناس قال الله فيهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران:22]. فأوصي نفسي -أولاً- وإياكم بمعرفة الباري، من هو الله؟ إن الله تعالى يوم لقيه موسى ليملي عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى دعوة التوحيد، قال: يا موسى! {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] ولذلك أعلن شاعر السودان الإيمان في قصيدته وهو يتكلم عن رسالة التوحيد التي تركها كثير من شعرائنا، وصاروا يتكلمون عن الفتاة، والزهرة، وعن الهيام، والشاطئ والماء، ولكن لا يربطون ذلك بالواحد الأحد، أما شاعر السودان فيقول في قصيدة الإيمان: بك أستجير ومن يجير سواكا فأجر أجيراً يحتمي بحماكا إلى أن يقول: أشكو إليك مصائباً أهفو بها يا رب هل من غافر إلاكا إبليس يخدعني ونفسي والهوى ما حيلتي في هذه أو ذاكا ثم يقول وهو يتكلم عن الإخلاص والإيمان والتوحيد: قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافكا والنحل قل للنحل يا طير البوادي ما الذي بالشهد قد حلاكا وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله: كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا فالحمد لله العظيم لذاته حمداً وليس لواحد إلاكا لا بد أن ندخل المسجد موحدين، والنادي موحدين، والسوق موحدين. ما هي رسالتنا؟ وما هي أصالتنا؟ ما هو عمقنا؟ ما هو شرفنا في الحياة؟؟ شرفنا وأصالتنا وعمقنا هو لا إله إلا الله محمد رسول الله، نحن لم نخلق للغناء، ولا للرقص والتطبيل والمسرحية الآثمة، والفيديو المهدم، أتعلمون أن أرذل الناس هم هؤلاء المغنون الذين يصدون الناس عن لا إله إلا الله، الذين يقربون الزنا والفحش والبذاءة وقلة الحياء من الأمة!! هؤلاء والله عيب أن يتصدروا المجتمع، وعيب أن يقودوا الشباب! وعيب أن يتصدروا الموكب! وعيب أن يكونوا في أول الركب! هؤلاء لا قيمة لهم؛ لأن أهل القيمة هم أهل الإيمان الذين خاطبهم الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:70] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء:1] هم أهل الإيمان عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياه يا ربُ فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه أضعناه ومزقه شامير ورابين، وأعداء الشعوب؛ يوم تركنا لا إله إلا الله محمد رسول الله.

المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم

المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم أما العنصر الثاني فهو متابعة المصطفى عليه الصلاة والسلام، أولاً: اسأل نفسك في صيامك، وصلاتك، وحجك، في هديك، في ليلك ونهارك من هو إمامك؟ من هو قدوتك؟ من هو الذي تحبه في الحياة؟ نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم يا خير من دفنت القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم اسأل نفسك من هو قدوتك في الحياة؟ اعرض أعمالك على محمد عليه الصلاة والسلام وعلى أعماله فإنه برهان، زن أقوالك بأقواله فإنه ميزان، اعرض نفسك عليه فإن قبلت فبها ونعمت، إن وافقت النسخة النسخة فقد نجحت وأفلحت، وإن اختلفت النسخة عن النسخة فاعرف أن في البضاعة بهرجاً، وأن في العملة زيفاً، وأن في البضاعة غشاً لا يقبله الله، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. من الذي أحيا القلوب بإذن الله؟ من الذي غرس فيها لا إله إلا الله وكانت ميتة؟ من الذي أخرج للعالم أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وأبياً وطلحة والزبير وحسان وابن عباس؟ أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم كنت الإمام لهم والجمع محتفل أعظم بمثلك من هادٍ ومؤتمم أليس كسافة؟ أليس خزياً وعاراً أن يحفظ بعض الناس تواريخ البشر وينسون تاريخ أعظم البشر! يقرءون سيرة أخس البشر ويتركون سيرة أكرم البشر؟! يحفظون آداب أحقر البشر الأقزام! ويتركون العظيم الذي لم يطرق العالم مثله! والله لقد شهد الأعداء له، والله لقد اعترفوا بفضله، جولد زيهر المجري الذي هاجم الحديث يتهيب عن الهجوم على محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه عظيم! إنه رجل عبقري! نشر الخير في الأرض " أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شَعْبٌ من الأموات أحياه أهل الجزيرة، أهل الضأن، والغنم، والإبل، والعمالة، والجهالة، والضلالة، يخرجهم بعد خمس وعشرين سنة ليحملوا لا إله إلا الله في طشقند وسمرقند والهند ويقفون على ضفاف الأطلنطي ونهر الأوار. بماذا أخرجهم؟ لقد أدبهم ووجههم إلى المنهج السليم؟! فالمطلوب منا في العنصر الثاني المتابعة في الصيام، ما هو هديه في الصيام؟ وكيف كان صائماً؟ وأحسن من أدلكم على تأليفه في هذا الموضوع هو الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه زاد المعاد. فهديه صلى الله عليه وسلم في الصيام، أنه كان أصبر الناس على الصيام، يواصل الليالي والأيام ولا يأكل اللقمة ولا يشرب جرعة، فكان الصحابة يحبون أن يواصلوا مثله ولكن هيهات! شتان ما بين الفريقين والواديين والمثلين، هم فضلاء لكنه من نوع آخر! وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال يقول: {إني لست كهيئتكم} ورفض أن يواصلوا معه قالوا: ولم؟ قال: {إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني} يا للعظمة! يا للجلال! الله يطعمك ويسقيك فيكف تكون صائماً؟ قال ابن القيم: ليس طعاماً محسوساً، ولا شراباً محسوساً، طعام المعاني، طعام أرواح الكلمات النيرات التي تتنزل عليه من السماء، طعام الإشراق والحكمة، طعام المعرفة؛ ولذلك يقول الأندلسي يوصي ابنه: فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت ولا شربتا قوت الروح القرآن، قوت الروح المعاني، تجد الشاعر الذي يعيش الأحاسيس فينظم قصيدة جميلة فيشبع من قصيدته وجمالها، فينسى الطعام، وينسى الخبز والماء والفاكهة! فنقول: لم؟ فيقول: أنساني جمال التصوير والإبداع في القصيدة، والإشراق في المعاني أن آكل أو أشرب! فما بالك بمن جبريل يتنزل عليه بالوحي والكلام من السماء؟ قال: يطعمني ربي ويسقيني. قال ابن القيم: يطعمه معاني وكلمات نيرات وحكماً، ثم يستشهد بقول شاعر عربي سافر إلى محبوبته! فنسي الطعام والشراب وأصبح على الناقة يمشي ويقول: لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نور تستضيء به ومن حديثك في أعقابها حاد إذا تشكت كلال السير أسعفها شوق القدوم فتحيا عند ميعاد هذا طعامه وشرابه عليه الصلاة والسلام يوم يواصل، أما الذي يُطْلَبُ منا: هو أن نعيش رمضان كما عاشه عليه الصلاة والسلام، فحياة النوم من الصباح إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى المغرب ليست بحياة، وليس هذا بصيام، يصوم الإنسان وهو يحلم ويرى في المنام أنه صائم وهو لم يصم! لا جاع ولا ظمئ ولا عاش مع القرآن، أهذا صيام؟ من أين أتى هذا الصيام؟ حياة السهر في غير طاعة منذ صلاة العشاء، بل بعضهم يترك صلاة التراويح والقيام ويذهب للسهر حتى صلاة الفجر، يسهر مع أغنية ماجنة، أو عزف على الناي، أو رقصة وعرضة شعبية إلى السحر، يوم يتنزل الله إلى السماء الدنيا! قلت لليل: هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار؟ قال: لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار يوم تمتد الأكف: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] من يتوب عليك؟ من يهديك سواء السبيل؟ من يرزقك؟ من يحل مشكلاتك في الحياة؟ من يؤمن مستقبلك إلا الله؟ قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53] {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66] {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] كل المخلوقات يموت إلا الله {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. يا إخوتي في الله! حياة الصيام هي حياة القرآن، حياة تحفظ سمعك وبصرك وقلبك عما لا يرضي الله.

الصدق وحسن التوجه إلى الباري

الصدق وحسن التوجه إلى الباري الإخلاص شيء من الصدق والصدق شيء من الإخلاص، لكن الصدق يزيد عليه، الصدق أن تصدق في عبادتك قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] أن تصدق في الكلام، أن تصدق في العمل، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً} الصدق عجيب! الصدق من أحسن ما يكون! سجن أحد الأخيار من العلماء في سجن بغداد، وكان الذي سجنه هو الخليفة المهدي بن أبي جعفر المنصور، وسبب السجن أن الخليفة قال له: لابد أن تخبرني أين عيسى بن زيد -وهو من نسل وأحفاد علي بن أبي طالب - وعيسى بن زيد رجل فاضل عظيم، ولكنه اتهم بأنه يريد الخلافة، فأتى الوشاة، وقالوا: هذا الرجل الصالح في بيتك. فذهبوا به إلى الخليفة، فقال له الخليفة: أخرج عيسى بن زيد. قال: والله ما كذبت في حياتي، ووالله الذي لا إله إلا هو لو كان عيسى بن يزيد بين جلدي وعظمي ولحمي ما أخرجته، أتقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: اضربوا عنقه. فاقتربوا بالسيف من عنقه قال: قل لي: أين هو؟ قال: والله لا أكذب أبداً، وهل جزاء الصدق إلا الجنة، اضرب عنقي. فضرب ففصل رأسه عن جسده، (ذكر هذه القصة ابن خلكان). أدخلوا رجلا من الصالحين قيل: إنه زر بن حبيش على الحجاج، فقال الحجاج: أين ابنك؟ قال: أنا لم أكذب في حياتي، ولو كذبت كتمت عليك أين ابني فأنا كاذب، ابني في البيت. فجازاه الله جزاء الصدق بالصدق، ومعنى الصدق: أن تصدق في العبادة وأن تكون موافقة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم

المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم أما العنصر الثاني فهو متابعة المصطفى عليه الصلاة والسلام، أولاً: اسأل نفسك في صيامك، وصلاتك، وحجك، في هديك، في ليلك ونهارك من هو إمامك؟ من هو قدوتك؟ من هو الذي تحبه في الحياة؟ نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيببهن ذاك القاع والأكم

محمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا في الحياة

محمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا في الحياة اسأل نفسك من هو قدوتك في الحياة؟ اعرض أعمالك على محمد عليه الصلاة والسلام وعلى أعماله فإنه برهان، زن أقوالك بأقواله فإنه ميزان، اعرض نفسك عليه فإن قبلت فبها ونعمت، إن وافقت النسخة النسخة فقد نجحت وأفلحت، وإن اختلفت النسخة عن النسخة فاعرف أن في البضاعة بهرجاً، وأن في العملة زيفاً، وأن في البضاعة غشاً لا يقبله الله، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. من الذي أحيا القلوب بإذن الله؟ من الذي غرس فيها لا إله إلا الله وكانت ميتة؟ من الذي أخرج للعالم أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وأبياً وطلحة والزبير وحسان وابن عباس؟ أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم كنت الإمام لهم والجمع محتفل أعظم بمثلك من هادٍ ومؤتمم أليس كسافة؟ أليس خزياً وعاراً أن يحفظ بعض الناس تواريخ البشر وينسون تاريخ أعظم البشر! يقرءون سيرة أخس البشر ويتركون سيرة أكرم البشر؟! يحفظون آداب أحقر البشر الأقزام! ويتركون العظيم الذي لم يطرق العالم مثله! والله لقد شهد الأعداء له، والله لقد اعترفوا بفضله، جوز سهير الهُجري الذي هاجم الحديث يتهيب عن الهجوم على محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه عظيم! إنه رجل عبقري! نشر الخير في الأرض " أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شَعْبٌ من الأموات أحياه أهل الجزيرة. أهل الضأن، والغنم، والإبل، والعمالة، والجهالة، والضلالة، يخرجهم بعد خمس وعشرين سنة ليحملوا لا إله إلا الله في طشقند وسمرقند والهند ويقفون على ضفاف الأطلنطي ونهر الأوار. بماذا أخرجهم أدبهم ووجههم إلى المنهج السليم؟!

هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام

هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام فالمطلوب منا في العنصر الثاني المتابعة في الصيام، ما هو هديه في الصيام؟ وكيف كان صائماً؟ وأحسن من أدلكم على تأليفه في هذا الموضوع هو الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه زاد المعاد. هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام، أنه كان أصبر الناس على الصيام، يواصل الليالي والأيام ولا يأكل اللقمة ولا يشرب جرعة، فكان الصحابة يحبوا أن يواصلوا مثله ولكن هيهات! شتان ما بين الفريقين والواديين والمثلين، هم فضلاء لكنه من نوع آخر! وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال يقول: {إني لست كهيأتكم} ورفض أن يواصلوا معه قالوا: ولم؟ قال: {إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني} يا للعظمة! يا للجلال! الله يطعمك ويسقيك فيكف تكون صائماً؟ قال ابن القيم: ليس طعاماً محسوساً، ولا شراباً محسوساً، طعام المعاني، طعام أرواح الكلمات النيرات التي تتنزل عليه من السماء، طعام الإشراق والحكمة، طعام المعرفة؛ ولذلك يقول الأندلسي يوصي ابنه: فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت ولا شربتا قوت الروح القرآن، قوت الروح المعاني، تجد الشاعر الذي يعيش الأحاسيس فينظم قصيدة جميلة فيشبع من قصيدته وجمالها، فينسى الطعام، وينسى الخبز والماء والفاكهة! فنقول: لم؟ فيقول: أنساني جمال التصوير والإبداع في القصيدة، والإشراق في المعاني أن آكل أو أشرب! فما بالك بمن جبريل يتنزل عليه بالوحي والكلام من السماء؟ قال: يطعمني ربي ويسقيني. قال ابن القيم: يطعمه معانٍ وكلمات نيرات وحكم، ثم يستشهد بقول شاعر عربي سافر إلى محبوبته! فنسي الطعام والشراب وأصبح على الناقة يمشي ويقول: لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نور تستضيء به ومن حديثك في أعقابها حاد إذا تشكت كلال السير أسعفها شوق القدوم فتحيا عند ميعاد هذا طعامه وشرابه عليه الصلاة والسلام يوم يواصل، والذي يُطْلَبُ منا: هو أن نعيش رمضان كما عاشه عليه الصلاة والسلام، فحياة النوم من الصباح إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى المغرب ليست بحياة، وليس هذا بصيام، يصوم الإنسان وهو يحلم ويرى في المنام أنه صائم وهو لم يصم! لا جاع ولا ظمأ ولا عاش مع القرآن، أهذا صيام؟ من أين أتى هذا الصيام؟ حياة السهر في غير طاعة منذ صلاة العشاء، بل بعضهم يترك صلاة التراويح والقيام ويذهب للسهر حتى صلاة الفجر، يسهر مع أغنية ماجنة، أو عزف على الناي، أو رقصة وعرضة شعبية إلى السحر، يوم يتنزل الله إلى السماء الدنيا! قلت لليل: هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار؟ قال: لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار يوم تمتد الأكف: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] من يتوب عليك؟ من يهديك سواء السبيل؟ من يرزقك؟ من يحل مشكلاتك في الحياة؟ من يؤمن مستقبلك إلا الله؟ قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53] {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66] {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] كل المخلوقات يموت إلا الله {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. يا إخوتي في الله! حياة الصيام هي حياة القرآن، حياة تحفظ سمعك وبصرك وقلبك عما لا يرضي الله.

الصدق وحسن التوجه إلى الباري عز وجل

الصدق وحسن التوجه إلى الباري عز وجل الإخلاص شيء من الصدق والصدق شيء من الإخلاص، لكن الصدق يزيد عليه، الصدق أن تصدق في عبادتك قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] أن تصدق في الكلام، أن تصدق في العمل، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً} الصدق عجيب! الصدق من أحسن ما يكون!

أبو جعفر المنصور وأحد الأخيار

أبو جعفر المنصور وأحد الأخيار سجن أحد الأخيار من العلماء في سجن بغداد، وكان الذي سجنه هو الخليفة المهدي بن أبي جعفر المنصور، وسبب السجن أن الخليفة قال له: لابد أن تخبرني أين عيسى بن زيد -وهو من نسل وأحفاد علي بن أبي طالب - وعيسى بن زيد رجل فاضل عظيم، ولكنه اتهم بأنه يريد الخلافة، فأتى الوشاة، وقالوا: هذا الرجل الصالح في بيتك. فذهبوا به إلى الخليفة، فقال له الخليفة: أخرج عيسى بن زيد. قال: والله ما كذبت في حياتي، ووالله الذي لا إله إلا هو لو كان عيسى بن يزيد بين جلدي وعظمي ولحمي ما أخرجته، أتقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: اضربوا عنقه. فاقتربوا بالسيف من عنقه قال: قل لي: أين هو؟ قال: والله لا أكذب أبداً، وهل جزاء الصدق إلا الجنة، اضرب عنقي. فضرب ففصل رأسه عن جسده، (ذكر هذه القصة ابن خلكان).

الحجاج وزر بن حبيش

الحجاج وزر بن حبيش أدخلوا رجلا من الصالحين قيل: إنه زر بن حبيش على الحجاج، فقال الحجاج: أين ابنك؟ قال: أنا لم أكذب في حياتي، ولو كذبت كتمت عليك أين ابني فأنا كاذب، ابني في البيت. فجازاه الله جزاء الصدق بالصدق، ومعنى الصدق: أن تصدق في العبادة وأن تكون موافقة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

قلوب صامت عن السوء

قلوب صامت عن السوء يا أيها الإخوة!! إن مفهوم الصيام عند كثير من المسلمين أن يترك الخبز والفاكهة واللحم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهذا صيام في الشريعة، لكن مفهوم الصيام ومقصده ودلالته: أن تصوم قلبك عن السوء، كم امتلأت قلوبنا من السيئات، من الكبر، والعجب، والحقد، والحسد وهذا ليس بصيام، كيف تصوم البطن ولا يصوم القلب؟ كيف يصوم من يعتقد الاعتقادات السيئة الباطلة؟ استهزاء بالكتاب والسنة، واستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم، الاستهزاء بالصالحين، والتكبر على عباد الله، والعجب بما عنده من منصب أو ثروة أو وظيفة أو سيارة أو فلة كيف يصوم؟ والله إن قلوب بعض الناس كقلب فرعون ولو كان يصلي مع الناس، ويصوم شهر رمضان، ويحج البيت العتيق! فإن قلبه مثل قلب فرعون، لا يرى البشر، ولا ينظر إلى الناس، ولا يرد السلام، ولا يبتسم، ولا يعرف من الإسلام شيئاً، صور له شيطانه أنه من أعظم الناس. خفف الوطء ما أظن أديم الأ رض إلا من هذه الأجساد صاح هذي قبورنا تملأ الرحـ ـب فأين القبور من عهد عاد وقد انتشرت ظاهرة الكبر في المجتمع، خاصة فيمن سول له الشيطان منصباً أو مالاً أو ثروة أو وجاهة في المجتمع، أو علماً ومعرفة أو شهادة عالية أو ثقافة، فتجده لا يرى الناس شيئاً. وللمتكبرين الذين ما صامت قلوبهم علامات منها: سواد الوجه واكفهراره. وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أوردوا غصباً إلى النار هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري من تلق منهم تقول لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري

علامات الصالحين في رمضان

علامات الصالحين في رمضان من علامات الصالحين في رمضان وغير رمضان: البسمة، وحسن الخلق، ولين الجانب، والزيارة والاستزارة، ورد السلام، والعشرة الطيبة، أما أن يحشو الإنسان قلبه بالكبر، ويتكبر على عباد الله، ويتغطرس على الناس بما عنده من ماديات فهذا والعياذ بالله لم يصم. من صيام القلب مسائل:

صيام القلب عن الاعتقادات الباطلة

صيام القلب عن الاعتقادات الباطلة وهي الزندقة والإلحاد، والشكوك الآثمة، وأنا مما أسمع من كثير من الشباب الذين بدءوا في الهداية يجدون وساوس في قلوبهم وخطرات وواردات، وعلاج هؤلاء أمران: أولهما: تدبر كتاب الله عز وجل صباحاً ومساءً. ثانيها: الابتهال والدعاء إلى الله الواحد الأحد، ثم الجزم وعدم التردد، يأتي إبليس يشكك في الرسالة والرسول، وفي الخالق وفي اليوم الآخر، وفي الجنة والنار، وهذا ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله. إذاً من صيام القلب. أولاً: أن يصوم عن الاعتقادات الباطلة.

صيام القلب عن الكبر

صيام القلب عن الكبر ثانياً: أن يصوم عن الكبر، كيف يكون عبداً لله من يتكبر؟ مسكين من يتكبر، ضعيف من يختال على الناس، لم يعرف نفسه ولم يعرف ربه، ولذلك كان السلف الصالح يسمون المتكبرين: حمقى. قيل لأحد الصالحين: من هو الأحمق؟ قال: "هو من لم يعرف ربه ولم يعرف نفسه". مر ابن هبيرة -أحد أمراء بني أمية- بجيش عرمرم معه كتيبة خرساء مدججة بالسلاح على خيول متوجة، وعليه ديباج وحرير، أمير نسي نفسه ونسي الله! فقام له الناس جميعاً إلا الحسن البصري لم يقم وبقي جالساً، فنظر إليه شزراً وكبراً: لِمَ لمْ تقم يا حسن وقد قام لي الناس؟ قال: أردت أن أقوم فتذكرت أن فيك ثلاث خصال؛ فما قمت لك - الحسن البصري إمام التابعين، جهبذ علَّامة مُحدِّث زاهد، يُستسقى بدعائه الغمام- قال: أردت أن أقوم لك فتذكرت أن فيك ثلاث خصال؛ فما قمت. قال: ما هي؟ قال: علمت أنك أتيت من نطفة قذرة -نطفة من ماء {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:7] وتعرف من أين مخرج الماء. قال: وعلمت أنك تحمل في بطنك العذرة (الغائط). والأمر الثالث: أنك تصير جيفة مذرة ترمى في التراب كما يرمى الكلاب؛ فما قمت لك، فنكس رأسه خجلاً أمام الناس وذهب وهذه معرفة الموحدين بقدر المتكبرين. وورد أن المهدي الخليفة العباسي، دخل مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فقام له الناس جميعاً إلا المحدث الكبير والخطيب الشهير ابن أبي ذئب فما قام له! فقال الخليفة: يا ابن أبي ذئب! قام الناس جميعاً لي إلا أنت؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو إني أردت أن أقوم لك فتذكرت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فتركت قيام هذا اليوم لذاك اليوم. قال: اجلس والله ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت.

صيام القلب عن العجب

صيام القلب عن العجب وذلك بألَّا تعجبه نفسه أو علمه أو ثقافته أو شهادته. يا أيها الإخوة! هذه الشهادات مهما علت -والله- لا تساوي قيمة الأحذية إذا لم تكن متوجة بالإيمان، والله ليس لها وزن في الدنيا ولا في الآخرة، والله إنها لعنة على صاحبها إذا لم تدله على الإيمان، والمسجد والقرآن، والسجود وخشية الله ألا بلغ الله الحمى من يريده وبلغ أكناف الحمى من يريدها وكذلك المناصب ليست بشيء، أعظم منصب في الدنيا تولاه فرعون، قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] ويقول: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] مات كالضفدع في البحر، أصبح في اللحظات والسكرات الأخيرة يقول: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] أين منصبك؟ أين وظيفتك؟ أين جاهك؟ لا شيء، فلينتبه لهذا.

صيام القلب عن الحسد والحقد

صيام القلب عن الحسد والحقد ومما يصوم عنه القلب: الحسد والحقد، فإن الحسد خصلة ذميمة، وهي من خصال بني إسرائيل أتى بها الشيطان، ولماذا نحسد يا عباد الله؟! والواجب أن نطهر قلوبنا؛ لأن المقصد من الصيام ليس أن تجوع، فالله ليس بحاجة إلى جوعك أو ضمئك؛ لكنك أنت بحاجة إلى أن تُصفِّي قلبك وترققه.

صوم الجوارح

صوم الجوارح

صوم العيون

صوم العيون إن كثيراً من الناس -نسأل الله أن يتوب علينا وعليهم- قد تصوم بطونهم، وفروجهم، وتصوم أكبادهم من الماء، ولكن لا تصوم عيونهم، ينظرون إلى الحرام، وإلى عورات المسلمين، وإلى كل مفتونة وإلى كل منظر يغضب المولى تبارك وتعالى، وهذا ليس بصيام، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] وورد في الأثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {النظر سهم مسموم من سهام إبليس} وجزاء من غض البصر أن يعوضه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه. نظر أحد الرجال إلى امرأة فاتنة، فقال له أحد الصالحين، وقد أخبره أنه نظر إلى منظر حرام قال: أتنظر إلى الحرام؟ والله لتجدن غبها ولو بعد حين. قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة، جزاء للمعصية وعقوبة على ما اقترفت يداه، ولذلك فإن أكثر ما نزاوله ونجده في الحياة من غم أو هم أو حزن أو مصائب أو رسوب أو فشل أو انهزام أو تقهقر أو فقر أو مرض هو بسبب ما فعلناه من الذنوب والخطايا، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] والله يعفو عن الأكثر، ولو يؤاخذنا بما نفعل لما ترك على ظهرها من دابة، فرحماك يا رب، وعفوك يا رب، ورضاك يا رب!! إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم أعتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبتُ في الرق فاعتقني من النار قال بعض أهل العلم في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر:75] قال: الذين يغضون أبصارهم يرزقهم الله فراسة إيمانية، ولذلك قالوا عن ابن تيمية: إنه كان ينظر بنور الله؛ لأنه غض بصره عن محارم الله، حتى ذكروا عنه أنه كان يعرف الزاني، والكاذب والمخادع من صورهم، حتى يقول الذهبي: كانت عينا ابن تيمية كلسانين ناطقين. يكاد لسانه يتكلم، بقي عليه شيء حتى يكاد يتكلم، يقول: وقاد ذهنٍ إذا سالت قريحته يكاد يخشى عليه من تلهبه يكاد يحترق بالنور، تصور أن إنساناً لا يعرف إلا قيام الليل، والمسجد، والمصحف، وذكر الله، والتوجه إليه سبحانه، والدعاء، والجلوس مع الصالحين، وحب الله ورسوله كيف يكون في الحياة؟! أما إنسان شذر مذر في كل واد؛ مع الأغنية، والمجلة الخليعة، والجلسة الآثمة، والكلمة الفاحشة، مع النظرة غير المسئولة، ماله رباً، وسيارته رباً، وفلَّته رباً، وسكنه رباً، وشرابه رباً!! كيف يصلح قلبه؟ وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل يقول المتنبي: أنا المسئول! أنا الذي نظر، وأنا الذي أصيب، وأنا المقتول وأنا القاتل؛ فمن الذي يحمل الدية؟ يقول في قصيدة عشقية له -الله أكبر عليه من شاعر! لو سخر شعره في خدمة هذا الدين- شاعر العربية، لكنه لم يعرف التوجه، يريد إمرة، مطرود دائماً من سيف الدولة إلى كافور، ومن كافور إلى عضد الدولة يطلب الإمرة، فمات وما كسب إمرة، وما كسب رضا، وذهب إلى الله، يقول في قصيدته: وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل والذي يعمل لغير الله يجد مثل هذه الجزاءات، ضرب رأسه وقتل في الصحراء. دخل أحد الشعراء على سلطان من سلاطين الدنيا، سلطان لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، فقال للسلطان: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار هل نظرتم إلى الكلام؟ هل نظرتم إلى الكفر والزندقة والخيبة وقلة الحياء؟ فابتلاه الله بمرض عضال، ما استطاع الأطباء أن يعالجوه؛ ليعلمه الله من هو الواحد القهار، ومن هو الذي بيده مفاتيح ومقاليد السماوات والأرض، ومفاتيح وخزائن كل شيء، قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59] فأخذ يتقلب كالكلب على الفراش ويبكي، ويقول: أبعين مفتقر إليك نظرت لي فأهنتني ورميتني من حالق لستَ الملومَ أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق أنا الذي مدحك ونسي الله، أنا الذي أنزلك في منزلة الله، أنا الذي أشرك بالله في وحدانيته وألوهيته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. إذاً يا أيها الإخوة! هذا صيام العيون، فالله الله! فلتصم عيوننا عن الحرام والخنا، وعن النظر إلى ما يغضب المولى تبارك وتعالى.

صوم الألسن

صوم الألسن السم الزعاف هو هذا اللسان، القتل كل القتل في هذا اللسان، يقول سفيان بن عبد الله كما في الصحيح: {يا رسول الله! ما تخشى علي؟ قال: كف عليك هذا وأخذ بلسان نفسه صلى الله عليه وسلم} يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ معاذ: {ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: كف عليك هذا وأخذ بلسان نفسه. قال: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على أنوفهم أو مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟} والحديث صحيح. سبحان الله! ما أعدى اللسان، سبحان الله! ما أشد ضرر اللسان! لا إله إلا الله كم صرع اللسان من عظيم! احذر لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من صريع لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان هذا اللسان عجيب! ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] إذا كنت تمزح أو تتكلم، أو تذكر الله، أو تأتي بفحش أو بباطل، أو لعن، أو هراء، أو غيبة، أو نميمة، أو جور، أو كلام باطل فالملائكة تسجل عليك كل ذلك قال تعالى: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. وفي الأثر: {من صمت نجا} قال ابن مسعود: [[والله ما في الدنيا أحق بطول حبس من لسان]] أبو بكر الصديق، الصالح الزاهد، أبو بكر هو الإسلام، أبهة التوحيد، أبو بكر العظيم إذا ذكر العظماء، ليس الأخسة قَتَلَة الشعوب، وشربة دماء الإنسان مثل: نابليون وهتلر واستالين ولينين وماركس وأذنابهم لا، بل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع يأخذ أبو بكر بلسان نفسه وهو يبكي ويقول: [[هذا الذي أوردني الموارد]] ويقف ابن عباس على جبل الصفا وهو يبكي ويقول: [[يا لسان! قل: خيراً تغنم أو اسكت عن شر تسلم]]. هل قيدنا ألسنتنا؟ هل حاسبنا أنفسنا حين نتكلم في الأعراض وفي حرمات المسلمين، وفي لحوم عباد الله الموحدين؟ الكذب، الغيبة، الفحش، اللعن، البذاءة، قلة الحياء كلها من اللسان، حتى يقول الإمام الغزالي في الإحياء: "تسعة أعشار الذنوب من اللسان" العشر الواحد يوزعه على الأعضاء، أما تسعة أعشار الذنوب فمن اللسان، فهل آن للسان أن تصوم غداً أو بعد غد؟ تبدأ مرحلة من التربية بأن تلقنها درساً لا تنساه في الصيام. وأنا لا أستطرد كثيراً في هذه المسائل حيث لا يوجد مجال لسردها هنا، وإلا فبحوث اللسان تحتاج إلى محاضرة: الغيبة، النميمة، اللعن والشتم، الإسراف في المزح، الكذب، الهراء، الهمز واللمز، الاستهزاء، السخرية كل ذلك ذنوب وخطايا. مخازٍ لو جمعن على غوانٍ لما أمهرن إلا بالطلاق

أذن تأبى الخنا والزور

أذن تأبى الخنا والزور وأما كيف تصوم الأذن؟ أو ما هي الأذن التي تريد الصيام؟ هي أذن العبد الصالح، سبحان من ركب فينا الجوارح ثم يحاسبنا عليها! سبحان من جعل التقوى حفظاً له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى! سبحان من يعلم ما يصلح هذا العبد! وهذا الكتاب والقرآن الذي نزل ليصلح هذا العبد، فهو لم ينزل طباً ولا هندسة ولا فلكاً ولا تاريخاً ولا جغرافيا، نزل ليوجه هذا العبد في هذه المعمورة وهذه البشرية إلى الله. أبو الأعلى المودودي عليه رحمة الله، ذاك الذكي اللماع، العالم الباكستاني الذي يعتبر من صفوة المجددين في الفكر، له كتاب عنوانه " كيف تقرأ القرآن "؟ يذكر في غضونه يقول: نزل القرآن كتاب هداية من السماء. لم ينزل تاريخاً ولا نزل جغرافيا ولا طباً ولا هندسة ولا فلكاً، وقد وافقه سيد قطب في الظلال على ذلك. فيا إخواني في الله! إن من حق هذه الأعضاء أن تُحبسَ وأن تُحفظَ ليحفظنا الله عز وجل. ومما عرف من ذنوب الأذن السماع للباطل، السماع الشيطاني وابن تيمية في كتاب الاستقامة يقسم الاستماع إلى قسمين: سماع رحماني شرعي ديني، وسماع شيطاني طاغوتي إلحادي (أو كما قال) أو كفري أو فسقي أو فجوري على ذاك التفسير. فأما سماع أهل الإيمان فهو القرآن. كان عمر رضي الله عنه وأرضاه إذا أحس من نفسه قسوة جمع الصحابة، وقال: يا أبا موسى! اقرأ علينا، وكان يختار أبا موسى؛ لأن أبا موسى رضي الله عنه كان أندى الصحابة صوتاً، فصوته شجي، ونغمته ندية، فكان فيقرأ والصحابة ينكسون رءوسهم ويستمعون إلى القرآن، فتدمع عيونهم ويبكون؛ لا إله إلا الله! كيف عرف الصحابة القرآن؟ كيف عرف ذلك الجيل القرآن وكيف عاشوا مع القرآن؟ لأن القرآن تنزل في حياتهم، يفعل الواحد منهم حادثة فيأتي القرآن يفتيه فيها، يسأل سؤالاً فيأتي القرآن بجواب السؤال، يحضرون المعركة مثل بدر وأحد والأحزاب وحنين فينزل القرآن يخبرهم عن المعركة؛ فلذلك عاشوا حياة القرآن، ومن يقرأ في ظلال القرآن يجد عجباً عجاباً من سبك السيرة في مسار توحيد منهجي خالص. فيا إخوتي في الله! السماع الرحماني: سماع القرآن، والسماع الشيطاني: سماع الغناء، وأنا أعجب -والله- من كثير من الشباب في جزيرة العرب، جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم، جزيرة أبي بكر وخالد بن الوليد سيوف الإسلام، وأسود المعمورة، وحكماء الدنيا، ويأتي مئات الشباب لا همَّ لهم إلا الأغنية الماجنة، كلما خرج من زيف هؤلاء المنتنين الراقصين المغنين الذين عطلوا مسيرة الأمة حتى في الجهاد والتضحيات، والبذل والعطاء. هل ينقصنا الغناء؟ أينقصنا خيبة؟ أينقصنا رقص وتطبيل؟ انظروا إلى المذكرات التي يصدرها موشي ديان يقول: جيش إسرائيل لا يعرف الموسيقى ولا المرفهات. فما لنا نحن حياتنا كلها موسيقى وعزف وناي وأغنيات، ومقابلات مع المغنيين والمغنيات النجوم اللامعة؟!! وهي نجوم مظلمة ما عرفت النور ولا عرفت الحياة، فالحياة مع أهل القرآن، مع أهل الإيمان، الحياة مع أهل الدين الذين يريدون الواحد الديان. فيا إخوتي في الله! لقد آن لنا أن ننهى أنفسنا عن ذلك؛ لأنه كما يقول ابن القيم: إنه بريد الزنا. وقال أهل العلم: ما استمع إليه إنسان وداوم عليه إلا أحب الفاحشة. كيف يرضى الإنسان أن تكون أذنه وبيته وسيارته دائماً أغاني وأغاني؟! عشق وهيام، وليته كلام سديد، ولكن -والله- ما هو إلا كلام قذر، تعرُّض للعصم وللذمم، وتعرُّض لحرمات المسلمين في البيوت، وانتهاك للمروءة وللشرف، يأنف بعض الكفار أن يستمع إليه. يقول عنترة بن شداد الجاهلي الوثني: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها لكن هنا أصبح الشباب ينظر إلى فتاة أجنبية ليس بينه وبينهما عقد قران، ولا كلمة الله الشرعية، ولا تم صلح الزواج، ويتوله بها، ويجعلها ليله ونهاره، وإلهه الذي يعبده ويحبه، ويسجد لها ويقول: يا من هواه أعزه وأذلني كيف السبيل إلى وصالك دلني؟! الوصول على يسارك إلى جهنم!! يقول ابن القيم: دخل ثعلبان في بيت من نافذة صغيرة وهما جائعان -والثعلب كنيته أبو معاوية- دخل وهو جائع، فوجد هو ورفيقه دجاجاً، فسمى وأكل على الطريقة الإسلامية، حتى أصبحت بطنه أكبر من حجمه، وأكل رفيقه ثم أرادا أن يخرجا فما استطاعا، فقال لصاحبه وهو يحاوره: أين نلتقي إذا خرجنا من هذا المكان؟ قال: أموات في المزبلة. يقول: إن صاحب الدجاج سيكسر رءوسنا بعد قليل. فيقول ابن القيم كما في مدارج السالكين: إن الذي يضيع حياته في مثل هذا الغناء والهراء سوف يلقى جزاءه عند الله، ونحن لا نقول من عاطفة كما يقول بعض الناس: هؤلاء لا يعرفون إلا كلمة تحريم! وإلا فالعلماء والمثقفون والمفكرون بعضهم يحلل الغناء لا والله، والله ما استندوا إلى دليل لا عقلي ولا نقلي، بل جزم ابن تيمية وابن القيم وعلماء الإسلام كـ الشافعي وأحمد ومالك وأبي حنيفة أنه محرم ولا يفعله إلا السفلة. قيل للإمام مالك: هؤلاء المطبلون كيف يكونون عندكم؟ قال: عندنا سفلة الناس في المدينة يفعلون ذلك نصب المنصب أوهى جلدي وعنائي من مداراة السفل اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل ودع الذكرى لأيام الصبا فلأيام الصبا نجم أفل اهجر الغادة إن كنت فتىً كيف يسعى في جنون من عقل اتق الله الذي عز وجل واستمع قولاً به ضرب المثل اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل كم أطعت النفس إذ أغويتها وعلى فعل الخنا ربيتها كم ليال لاهياً أنهيتها إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل واتق الله فتقوى الله ما جاورت قلب امرئ إلا وصل قال هذا ابن الوردي -بيض الله وجهه- في قصائد أهل الإيمان، قصائد أهل التوجه وأهل الأصالة.

يد تمد بالإحسان

يد تمد بالإحسان ومما أوصي به في الصيام الذي يُعرف عند أهل التوحيد والإيمان: صيام اليد، وهو: أن تمد بالإحسان إلى الناس وتكف عن الباطل. كم من فقير؟ كم من محتاج؟ ولكن الشبعى لا يدرون أن هناك جوعى، والشبعان يظن أن الناس شبعوا كلهم، والريان يظن أن الناس رووا من الماء وهم -والله- يظمئون ويجوعون ولا يعلم بحالهم إلا الله. فيا أخي في الله! اعتق نفسك من النار بصدقة في رمضان، وحبذا أن يكون لك في كل يوم صدقة ولو شيئاً يسيراً من المال، أو من الطعام، تفطر صائماً، تروي عطشاناً، وتمد يدك ولو بجرعة لبن أو بجرعة ماء. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل رجل في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما أصبح صباح إلا وملكان يناديان يقول الأول: اللهم أعط منفقاً خلفا، ويقول الثاني: اللهم أعط ممسكاً تلفاً}. يا عباد الله! الصدقة الصدقة، يا إخوتي في الله! البذل البذل، فكم نعرف أناساً ممن لا يظهرون أنفسهم كما قال الله عنهم: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة:273] ترى ظاهره كأنه غني، وفي بيته ما لا يعلمه إلا الله، أسر طويلة كثيرة غزيرة لا تجد كسرة الخبز في الليل، يتقدمون بمعروضات ورسائل وخطابات تبكي عين اللبيب والحليم والرحيم، فهل من معطٍ؟ وهل من منفق في رمضان علَّ الله أن يتولانا وإياكم برحمته وبواسع بره؟؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {الناس عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله} ولعلك تعتق نفسك بدرهم تتصدق به ينفعك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

الرجل! ما لها وما عليها!

الرِّجل! ما لها وما عليها! وأما الذي أوصي به: فهو الذهاب والإياب في رمضان وفي غير رمضان، لكن في رمضان على الخصوص، نعرف كثيراً من شبابنا -وأنا أركز على الشباب؛ لأن الشباب شعبة من الجنون- يمر بمرحلة خطيرة، مرحلة مدلهمة، مرحلة مظلمة، فلذلك يا أيها الإخوة! وجد كثيرٍ من الناس من يذهب ويأتي على غير طائل، بعضهم كأنه يشبر المدينة ويطوف حول المدينة سبع مرات يقول: حجي إلى الباب القديم وكعبة الـ ـباب الجديد وبالمصلى الموقف والله لو عرف الحجيج مقامنا في زندرود عشية ما طوفوا أو شاهدوا جسر الحسين وشعبه ما وقَّفوا لها أو وقَّفوا أحد الناس قيل له: حج، قال: لا أنا أحج في زندرود مدينة في شمال إيران - قال: كيف تحج؟ قال: أطوف هناك بمحبوبي، هذا حج غلاة الصوفية المتهالكين، ولذلك وجد من الشباب من يذهب ويأتي على الإشارات بسيارته، دوران وذهاب في غير طائل، أليس لو جلس في مسجد فتدبر آيات الله لكان أحسن له؟ أليس لو جلس مع أهله وأفادهم ونفعهم كان أولى له؟ أو أخذ كتاباً إسلامياً فاستفاد كان أحسن وأحسن، أو زار ثلة من الصالحين أو دعاة أو علماء فاستفاد منهم أما كان أحسن؟ لا إله إلا الله كم ضاعت أوقاتنا! وكم ضيعنا من دقائقنا وثوانينا وساعاتنا دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوانِ فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثانِ إذا مرت الدقيقة فوالله لا تعود إليك، أبداً فاغتنمها فهي خيوط عمرك. قال الغزالي: "العمر كالثوب إذا ذهبت لحظة ذهب خيط، فتذهب الخيوط حتى تبقى بلا ثوب" قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94] فالوقت الوقت يا شباب الإسلام! انظر إلى الخواجات! انظر إلى كتاب دع القلق وابدأ الحياة للأمريكي دايل كارنيجي ماذا يقول فيه؟ شيء عجيب! يذكر عن الأمريكان في حفظ الوقت وفي القراءة والاطلاع حتى -والله- لقد رأيناهم ورآهم كثير من الإخوة الذين ذهبوا إلى بلادهم وهو في القطار، أو السيارة، أو منتظر في الصالة، أو في الطائرة تراه يقرأ كتاباً ولا ينظر إلى الناس! أما العرب فتجدهم هكذا وهكذا!! يأخذون السيارات من طرف الشارع ويصلون بأعينهم إلى الطرف الآخر، حتى يأتي في المنام وتكاد رقبته تنفصل من كثرة ما نظر، يأخذ السيارة من هنا ويوصلها، ثم الثانية والثالثة إشارات وإشارات؛ ولذلك مثل ما يقول عدو الله موشي ديان: "لا يقرءون، وإذا قرءوا لا يفهمون". لكننا نكذبه، نعم! هم لا يقرءون، فيهم النادر الذي يقرأ لكن إذا قرءوا فهموا، أمة أمية هذا ليس مدحاً لكن هذا هو الواقع. فيا إخوتي في الله!! أما آن لنا أن نحفظ الأوقات؟ وحفظ الوقت له كلام طويل، وهناك بعض الكتيبات والأشرطة عن حفظ الوقت.

صيام الأعضاء الجوفية

صيام الأعضاء الجوفية

البطون الجائعة في مرضاة المولى

البطون الجائعة في مرضاة المولى أما البطون الجائعة في مرضاة المولى؛ فهي التي حرمت الحرام من الدخل الحرام من ربا ونحوه لا يحل لها، جاعت لمرضاة المولى، ذاقت الجوع، ولكنه طيب في سبيل الله. إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم عدنا إلى أبي الطيب المتنبي! دخل على سيف الدولة بن حمدان فأنشده قصيدته التي يقول فيها: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم إلى أن يقول: الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم فغضب أبو فراس الحمداني ابن عم سيف الدولة فرمى المتنبي بدواة الحبر وذلك ينشد متحمساً فوقعت في جبينه، فإذا الدم ينزل فضحك سيف الدولة؛ فغضب المتنبي ولسان حاله يقول: كيف تضحك علي؟ لكن انظر إلى الاستدراك قال: إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم إن كان يسرك أنه ضربني وأدمى وجهي فهذا ليس له ألم عندي، وهذا من أحسن الكلام! يأخذه الصالحون في قولهم: يا رب! إن كان يسرك الجوع أو يرضيك فلا أجد ألماً للجوع، ولا للظمأ، ولا للسهر، وينبغي دائماً وأبداً أن نتذكر هذه المبادئ، ما دام أن الله يريد أن تجوع في سبيله فجع واظمأ فإنه الأجر والمثوبة.

أكباد ظمئت لتشرب من الكوثر

أكباد ظمئت لتشرب من الكوثر كل الناس يوم القيامة ظمئ إلا من أرواه الله ببرد اليقين، ومن دخل قلبه الإيمان، ونأتي يوم القيامة كالغمام في يوم الزحام، وأمامنا ذاك الإمام العظيم يا له من إمام! محمد عليه الصلاة والسلام، فيشتد الكرب من النفوس، وتدنو الشمس من الرءوس، فلا إله إلا الله كم من محسور! ولا إله إلا الله كم من مثبور! ولا إله إلا الله كم من نادم! ويرد الناس الحوض كالغمام فتردهم الملائكة سبعون ألف ملك، مع كل ملك مرزبة من حديد يذودونهم عن الحوض إلا أهل السنة، فيقول عليه الصلاة والسلام: {يا رب أمتي أمتي، فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؛ إنهم غيروا وبدلوا فيقول: سحقاً سحقاً} أي: هلاكاً هلاكاً، من أراد أن يشرب فليتبع سنة محمد صلى الله عليه وسلم، من أراد أن يشرب من ذاك الحوض المورود الذي من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً -نسأل الله أن يسقينا من ذاك الحوض، وأن يجعلنا ممن يبرد صدره بشربة هنيئة من ذاك الحوض، وأن يجعلنا ممن يبل صدى شفتيه بشربة من كف المصطفى عليه الصلاة والسلام- فمن أراد أن يشرب فليظمأ في ذات الله، وليحتسب الأجر على الله؛ فإنه سيشرب لا محالة إذا صدق في المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام.

الصائمون في جلسة السحر مع رب العزة والجلال

الصائمون في جلسة السحر مع رب العزة والجلال مما تعوده كثير من الناس أن يجعل السحر رياضة أو كرة، وأنا في نادٍ، القائمون عليه مسلمون مصلون صائمون، يريدون الخير -إن شاء الله- لهذه الأمة، لكن قلت في مناسبات وقال غيري من الدعاة في نادي الهلال وفي غيره: إن الرياضة نعتقدها اعتقاداً جازماً أنها وسيلة وليست بغاية هذا أمر، والرياضة إذا أصبحت عبادة فهي محرمة، والرياضة والكرة إذا صار فيها تحزبات فريق على فريق، وناد على ناد، وأصبح يشهر البغض والعداء والكلام البذيء والسب والشتم واللعن أصبحت محرمة. والرياضة والكرة إذا تركت من أجلها الصلاة أصبحت محرمة. والرياضة إذا تخلف أحد عن الصلاة بسببها أصبحت محرمة. والرياضة إذا كان اللباس الذي يتزاول بها قصيراً شفافاً يبدي العورة فهي محرمة. إذاً الرياضة حلال بشروط: 1 - ألا يكون فيها تحزبات؟ 2 - ولا ترك ولا تأخير للصلوات. 3 - ولا إبداء للعورات، ولا سب وشتم بين المسلمين والمسلمات. حينها يكون لا بأس بوقتٍ للترويح والتنشيط وتدريب الجسد، وأما في السحر يوم ينزل الله في الثلث الأخير إلى السماء الدنيا في رمضان وفي غير رمضان فلا يكون، فإنه وقت استغفار، لا بأس أن تلعب ساعة أو ما يزيد عليها لكن عد إلى البيت لتتوضأ وتصلي ركعتين وتتناول المصحف، فحياة الكرة دائماً ليس بصحيح! حتى القائمون عليها لا يريدون هذه الحياة، أظنهم وهم عقلاء لا يريدون الأمة أن تبقى دائماً همها الكرة صباح مساء، مثل بعض الناس يوم أن سمع أن النشيد الإسلامي بلا ناي ولا طبل ولا دف ولا موسيقى مباح، فأكثر منه، والنشيد كالملح في الطعام، فإذا أتيت إلى الطعام وجعلته مالحاً، وأتيت بالدقيق وجعلته مالحاً خربت الوصفة ولا تصلح، ينشد في الباص وفوق الباص وتحت الباص! ينشد قبل الظهر وبعد الظهر، وفي العصر وفي السحر وقبل السحر، وقبل النوم وبعد النوم وفي النوم!! بعض الشباب عنده خمسون شريط نشيد وعنده شريط واحد قرآن! يحفظ كل موضة من الأناشيد، النشيد لا بأس به لكن بشروط ليس هذا مجال لبسطها. إذاً جلسة السحر تكون في الاستغفار، قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18] وقال سبحانه: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران:17] ما أحسن السحر! لماذا خصص السحر؟ لأن الناس كلهم موجودون في الظهر والعصر، لكن الخواص لا يقومون إلا في ذلك الوقت، وهم معدودون على الأصابع، أخيار الناس يقومون نصف ساعة أو ثلث ساعة يجلسون فيها مع الله عز وجل، يبدون له همومهم وغمومهم وأحزانهم.

دقائق الإفطار روعة وجلال

دقائق الإفطار روعة وجلال في دقائق الإفطار روعة وجلال وصدق وصفاء، ومما يطلب من المسلم في رمضان أن يتهيأ للإفطار بدعاء، وللصائم دعوة لا ترد، ولا يصح أن يأتي الإنسان من عمله أو يقوم من نومه مباشرة ليأكل تمراً أو ليفطر على ماء دون أن يتهيأ تهيأً نفسياً لهذة الساعة. فيا أيها الإخوة! مما يطلب منا في دقائق الإفطار: وكثرة الدعاء؛ لأن للصائم دعوة لا ترد، وحبذا أن الإخوة الذين هم في مجموعة أو بيت أن يجتمعوا قبل الإفطار بربع ساعة، أو بعشر دقائق فيذكرون الله ويستغفرون ويدعون، أو يقرءون شيئاً من القرآن، فهي ساعة لا يمكن أن تتكرر فساعة بعد الإفطار لا تكون كساعة قبل الإفطار، قبل الإفطار وأنت صائم عابد جائع ظامئ في سبيل الله، وبعد الإفطار سوف تشبع أو تذهب، فعليك أن تغتنم هذه الدقائق.

التراويح والتوبة

التراويح والتوبة

صلاة التراويح حشد هائل من المؤمنين

صلاة التراويح حشد هائل من المؤمنين أوصي إخواني -وأكرر الوصية- بحضور صلاة التراويح، واصطحاب أهاليهم، حتى النساء يجوز لهن حضور صلاة التراويح، وكثير من المساجد تحفل بالمصلين والمصليات، من المؤمنين والمؤمنات، فأنا أوصي إخواني بحضور صلاة التراويح والصبر؛ فإن الله يتجلى للعباد، لعله أن يجعلك من العتقاء في ليلة من الليالي، فلا تحرم نفسك هذا الفضل، نصف ساعة أو ما يقاربها فقط، ألا تصبر نصف ساعة؟! لقد وجد من الناس من يصبر في العرضات الشعبية ثلاث ساعات أو أربع ساعات، بل بعض القبائل يعرضون من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، وتجده لا يكل ولا يمل، لكن إذا طول الإمام وزاد ثلاث آيات قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل" "إن منكم منفرين" وأتى بهذه الأحاديث، فنحن نقول للأئمة: لا تطيلوا ولا تشقوا على الناس، ونقول للمسلمين: صابروا نصف ساعة في جلسة وفي عبادة وفي سجود لله؛ فأوصيكم ونفسي بصلاة التراويح، لا تفوتكم صلاة التراويح، وخذوا إخوانكم وزملاءكم وجيرانكم وحثوا المسلمين فإنكم دعاة حق وخير وسلام.

التوبة

التوبة أما المسألة الأخيرة: رمضان مدرسة روحية تربوية، ثلاثون أو تسعة وعشرون يوماً نستقبله ضيفاً حبيباً، إن لم تتب فيه فمتى تتوب؟ وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من أدركه رمضان ولم يغفر له} والله إنها خيبة عظيمة وخسارة هائلة إذا دخل رمضان وخرج ثم لم يغفر لك في رمضان مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام قد لقيناك بحب مفعم كل حب في سوى المولى حرام فاغفر اللهم ربي ذنبنا ثم زدنا من عطاياك الجسام لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلق أسهرنا جنح الظلام وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

وصايا لشباب النوادي

وصايا لشباب النوادي Q ما هي نصيحتكم للشباب المنتمين إلى هذا النادي؟ A أولاً: أسأل الله أن يبارك في هذا النادي والقائمين عليه، وعندي نصائح وهدايا من أخ محب لإخوانه في الله، أحببناكم في الله آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا أولاً: أوصيهم بتقوى الله. ثانياً: معرفة الغايات وتمييزها عن الوسائل، فغايتنا الإسلام، وهدفنا رفع هذا الدين، ومقصدنا في الحياة هو: نصرة لا إله إلا الله محمد رسول الله، والوسائل الترفيهية لا بأس بها إذا لم تكن محرمة، إذاً فلابد من التمييز بين الغايات والوسائل. ثالثاً: بالمحافظة على الصلوات الخمس وعدم تأخيرها لأي مباراة أو لعبة أو تمرين أو مشاركة، الصلاة في أول وقتها رضوان من الله، لا يقبل الله الصلاة في غير وقتها، إذا خرج الوقت فقد لغا العبد وسها ولا يقبل الله صلاته، حتى قال بعض أهل العلم: من تعمد إخراج الصلاة عن وقتها فإن صلاته لا تقبل وهو في تلك الفترة كافر. نعوذ بالله! فهذه هدية أتت متأخرة فكيف تقبل. رابعاً: ثم أوصيهم باللباس الإسلامي الساتر، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ جرهد بن رزاح: {الفخذ عورة} والعورة من السرة إلى الركبة، ومن أراد كرة أو تمريناً أو مصارعة فله ذلك، ولكن عليه أن يستتر بستر الله، من السرة إلى الركبة. خامساً: أوصيهم بألا يجعلوا الأندية تحزبات ولا عداءً مريراً في الأمة والشعوب فيحملون هذا النادي على هذا. ويذوب بعضهم في حب بعض النوادي حتى يلبس لباس ذاك النادي وشعاره وسيارته، ويسبح بحمده ويصلي له، وقد يستيقظ على حبه وينام على حبه! وهذا ليس بصحيح، هذا ولاء ممقوت ومنبوذ، التوحيد لله، العبودية لله، الحب لله، أما الميل النسبي فهذا أمر آخر. هذا ما يحضرني من الوصايا، وكذلك أن أزف إلى إخواني دعاء عسى أن يصلحهم الله عز وجل، فأسأله بأسمائه أن يصلح منا الظواهر والبواطن، والنوادي والمساجد، والأندية والمجامع، والأسواق والمحافل، والقلوب والبيوت إنه على كل شيء قدير.

قصيدة أمريكا التي رأيت ونشرة الأخبار

قصيدة أمريكا التي رأيت ونشرة الأخبار Q فضيلة الشيخ! نأمل منك أن تتحف الشباب بقصيدتك التي ألقيتها في أمريكا (الجدية والهزلية) ولك جزيل المثوبة؟ A هذا مما يناسب الأشعار والأسمار في مثل هذا النادي، فإن عند المسلمين من السمر المباح ومن الكلام اللطيف ما الله به عليم، وما دام أن هذه القصيدة قد طلبت وتكررت، والمكرر قد يكون ثقيلاً على النفوس ولكن كرر العلم يا كريم المحيا وتدبره فالمكرر أحلى وهذا ليس بعلم بل هو شعر فنقول: كرر الشعر يا كريم المحيا وتدبره فالمكرر أحلى قصيدة جدية اسمها: (أمريكا التي رأيت) أذكر منها بعض الأبيات التي تخاطب الأمة الإسلامية، تخاطبكم أنتم يا فروع الإسلام ويا أصول الدين: يا أمة ضرب الزمان بها جموح المستحيل وتوقف التاريخ في خطواتها قبل الرحيل سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل وسقت شفاه الوالهين سلافة من سلسبيل يا أمة ضرب الزمان بها جموح الكبرياء رأس الدعي على التراب ورأس عزمك في السماء لو كان مهرك يا مليحة من براكين الدماء لهفا إليك اللامعون وفر منك الأدعياء يا أمة كم علقوا بكيانها خيط الخيال وهي البريئة خدرها فيض عميم من جلال شاهت وجوه الحاقدين بكف خسف من رمال موتاً أتاتورك الدعي كموت تيتو أو جمال يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلي الإنسان خابوا ما لهم إلا الرماد جثث البرايا منهم في كل رابية وواد ما زرت أمريكا فليـ ست في الورى أهل المزار بل جئت أنظر كيف ند خل بالكتائب والشعار لنحرر الإنسان من رق المذلة والصغار وقرارنا فتح مجيد نحن أصحاب القرار ورأيت أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسام قد زادني مرأى الضلا ل هوىً إلى البيت الحرام وتطاولت تلك السنون فصار يومي مثل عام ما أرضهم أرض رأيت ولا غمامهم غمام أما القصيدة الهزلية فهي على بحر الرجز، وبحر الرجز حمار الشعراء! وعنوانها: (نشرة الأخبار في السفر إلى أمريكا): يقول عائض هو القرني أحمد ربي وهو لي ولي مصلياً على رسول الله مذكراً بالله كل لاهي قد جئت من أبها صباحاً باكراً مشاركاً لحفلكم وشاكراً وحملتنا في السما طيارة تطفح تارة وتهوي تارة قائدها أظنه أمريكي تراه في هيئته كالديك يا سائل الأخبار عن أمريكا اسمع رعاك الله من يفتيكا وهذه أخبار هذي النشرة مسافة السير ثلاث عشرة من الرياض عفشنا ربطنا وفي نيويورك ضحىً هبطنا أنزلنا في سرعة وحطنا وقد قصدنا بعدها واشنطنا ثم ركبنا بعدها سيارة مستقبلين جهة السفارة منزلنا في القصر أعني ريديسون يا كم لقينا من قبيح وحسن في بلد أفكاره منكوسة تثقله بصائر مطموسة يقدسون الكلب والخنزيرا ويبصرون غيرهم حقيرا ما عرفوا الله بطرف ساعة وما أعدوا لقيام الساعة فهم قطيع كشويهة الغنم جد وهزل وضياع ونغم من دمر العمال في بولندا ومن أتى بالرق في يوغندا من دمر البيوت في نزاكي من ضرب اليونان بالأتراكِ من الذي ناصر إسرائيلا حتى تصب عنفها الوبيلا استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا نصنع السيارة إلى آخر هذه القصيدة.

الاشتراك في النوادي بقصد الدعوة

الاشتراك في النوادي بقصد الدعوة Q كثير من الشباب جعل الكرة والاشتراك في الأندية وسيلة للدعوة إلى الله، فما رأيك في ذلك؟ وهل سلك النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه الطريقة أو قريباً منها؟ A إذا رأى العبد المسلم أن المصالح أكثر من المفاسد في مشاركتة في أمر ما فله ذلك، وإذا رأى أن من الصلاح للدعوة الإسلامية أن يشارك في النوادي، وأن يدخل مثل هذه النوادي بشرط ألا يكون فيها محرمات تغضب الله فله ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم دعا في الحرم، وفي الحرم ثلاثمائة وستون صنماً، كان ينظر إليها ورآها ولم يكسرها، كان يقول لكفار قريش: {قولوا: لا إله إلا الله} قالوا: أما هذا فلا؛ (لأن لا إله إلا الله) تغير العالم، كان يرى الخمر يراق في الحرم، كان يسمع أن هناك زنا، لكنه كان يقول: {قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله} ودخل صلى الله عليه وسلم الأسواق كـ عكاظ ومجنة وذي المجاز وخطب فيها ودعا إلى الله، فإذا رأى الشاب المسلم ووثق بدينه ووثق بأصالته ومبادئه وأنه سيؤثر على زملائه عن طريق النوادي فله ذلك وهو مأجور، وإذا خاف على دينه أو رأى محرمات فهو بالخيار، وهناك قاعدة يقولون فيها: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) والله يتولى والناس أعرف بأنفسهم، وكل ميسر لما خلق له.

مسألة ترك الصلاة في غير رمضان

مسألة ترك الصلاة في غير رمضان Q بعض الناس -هداهم الله- يصلون في رمضان وإذا انتهى رمضان تركوا الصلاة، ما حكم هؤلاء وهل يقبل صيامهم؟ A أولاً: اعلموا أن من ترك الصلاة فقد كفر، يقول عليه الصلاة والسلام: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} ويقول: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} وتارك الصلاة كافر لا ينازع في ذلك بحال. ثانياً: أن بعض الناس وجد وسمع حديث: {رمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، والعمرة إلى العمرة، كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر} هذا الحديث صحيح لكن في الصغائر أما الكبائر فلا، وبعضهم يترك الصلاة ثم يظن أن رمضان يكفر ذلك لا والله، الكفر لا يكفره شيء، الكبائر لابد لها من التوبة، ثم اعلموا أن رب رمضان هو رب الأشهر الباقية كشوال وشعبان، فاتقوا الله وليتق من يبلغه هذا ربه في أن يكون مؤمناً في رمضان، وفي غير رمضان، فإن الله يراه حين يقوم، وتقلبه في الساجدين.

كيف يذكر الله في رمضان من لا يعرف القراءة

كيف يذكر الله في رمضان من لا يعرف القراءة Q كيف يعمل الرجل الذي لم يتعلم القراءة تجاه القرآن وخاصة في رمضان؟ وهل وردت أذكار مخصصة في رمضان وإذا كان هذا فاذكرها لنا؟ A الرجل الأمي الذي لا يقرأ شيئاً من القرآن. أولاً: عليه وجوباً أن يتعلم الفاتحة، ثم يقوم بما تقوم به صلاته؛ فإذا وصل إلى هذا الحد وهو لا يستطيع القراءة في المصحف، ويحفظ سوراً فليكرر ما معه من قرآن، ولو كرر الفاتحة فكم فيها من أجر، وكم فيها من عبر، وكم فيها من عظات! ثم يسبح ويهلل ويحمد الله، ويصلي ويسلم على رسول الله، ويكثر من الاستغفار، فهذا مشروع عظيم، ومسلك كبير في باب رفع الدرجات والحسنات عند الله الواحد الأحد. أما الأذكار في رمضان فمنها: عند الإفطار عليه أن يدعو؛ فإن للصائم دعوة لا ترد، وورد في حديث لكن في سنده ضعف ونظر عند بعض الأئمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: {ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله} وورد في حديث أنه كان يقول: {اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل مني إنك أنت السميع العليم} وقد تكلم في هذا الحديث، ولكن على كل حال: له شواهد، وعلى العبد أن يدعو بما تيسر علَّ الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال. وفي الختام! أشكركم شكراً جزيلاً، وأشكر القائمين على هذا النادي، شكر الله لهم جهودهم، وأعاننا الله وإياهم، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

العقيدة كما فهمها الصحابة

العقيدة كما فهمها الصحابة إن الاختلافات التي وجدت في عصرنا حول العقيدة بأنواعها من أسماء وصفات وغيرها من العقائد, لم تكن موجودة في عهد الصحابة رضي الله عنهم, وذلك لأن عقيدتهم صافية على الفطرة لم تدخلها فلسفة ولا كلام, وكانوا يفهمون كلام الله ورسوله بلغتهم العربية, لا يحرفونه ولا يكيفونه ولا يعطلونه.

الصحابة هم أعلم الناس

الصحابة هم أعلم الناس الحمد لله رب العالمين، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة, وجاهد في الله حتى أتاه اليقين, فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عنوان المحاضرة: (العقيدة كما فهمها الصحابة). الصحابة بالذات؛ لأنهم أطهر الناس سيرةً, وأعمقهم علماً, وأخلصهم الناس قلوباً, وأصدقهم لهجة, وأزكاهم سريرة؛ لأنهم صحبوا المصطفى عليه الصلاة والسلام, وعرفوا سيرته, وتناولوا التنزيل ولم يبتدعوا في دين الله. الصحابة بالذات؛ لأن الله اختارهم لصحبة محمد عليه الصلاة والسلام؛ ولأنهم كتيبة الإسلام وحملة القرآن وجيش الإيمان؛ ولأنهم هم المقبولون المزكون من الواحد الأحد زكاهم الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، كان عليه الصلاة والسلام يقول كما في الصحيح: {لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه} وفي حديث صحيح آخر: {الله الله في أصحابي, لا تتخذوهم غرضاً فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم}. ولهذه المحاضرة عناصر: 1 - سبعة أحاديث أطرحها على المسلمين فيها عقيدة بيسر وسهولة ولكنها بعمق وأصالة، فدليل التوحيد عندهم آيات الله الكونية، خلاف أدلة علماء الكلام والمناطقة. 2 - العقيدة عندهم رضوان الله عليهم هي المؤثرة في حياتهم سلوكاً وتطبيقاً وأخلاقاً. 3 - تقبلوا العقيدة بلا اعتراض, وفهموها بلا إشكال، وعملوا بها بلا توقف. 4 - أجمع الصحابة على مسائل المعتقد, وسلموا لمعانيها, ولم يختلفوا بحمد الله في مسألة منها. 5 - معرفة الصحابة لدلائل الأسماء والصفات ومعانيها على ما أراده الله عز وجل وأراده رسوله صلى الله عليه وسلم. 6 - لم يتعمق الصحابة في الألفاظ, ولم يتكلفوا في المعاني, ولم يتنطعوا في المعتقد. 7 - خاتمة عن البدعة والمبتدعين، ثم كلمة إلى النساء الصالحات الحاضرات والغائبات من المسلمات.

تعامل الصحابة مع أحاديث العقيدة

تعامل الصحابة مع أحاديث العقيدة اعلموا بارك الله فيكم أن محمداً صلى الله عليه وسلم كما يقول بعض علماء الإسلام: ما ترك جزئيات العقيدة أو جزئيات الفروع حتى علًّمها الناس, فكيف بأصول الدين التي هي معلومة من الدين بالضرورة؟!! وهنا سأعرض عليكم سبعة أحاديث, وتصوروا أن الصحابة بجانبكم جلوس, ماذا سوف يقولون في الأحاديث: هل يتقبلونها بالتسليم؟ أم يخالفونها بالتأويل؟ أم يردونها بالإنكار؟ حاشا وكلا.

موقف الصحابة من حديث سورة الإخلاص

موقف الصحابة من حديث سورة الإخلاص في مسند أحمد بسند جيد عن أبي بن كعب سيد القراء, وأحاديثه دائماً تتعلق بالقرآن، وهو الذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] فضرب صلى الله عليه وسلم على صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر}. يقول في المسند: {قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! انسب لنا ربك -أي: اذكر لنا نسب ربك، من هو أبوه؟ من هو جده؟ من أي أسرة هو؟ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- فنزل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]} سند هذا الحديث جيد، وفيه قضايا: أولها: (أن قل هو الله أحد) جواب لهذا السؤال. ثانيها: أن الله لا ولد له ولا والد. ثالثها: أن هذه الآيات والسور ما اعترضها معترض من المسلمين بل سلم للحال, وما فعلوا كما فعل المناطقة. وقل هو الله أحد لها طعم عند الموحدين: أتى بعض الصحابة من الأنصار إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام, فقالوا: يا رسول الله! معنا إمام كلما صلى بنا قرأ في كل ركعة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وقد قالوا للإمام: إما يكفيك سورة الإخلاص وإما يكفيك غيرها، قال: أمَّا أنا فلا أزال أقرأ بها في كل ركعة, فإن شئتم أن أصلي بكم صليت, وإن شئتم أن أعتزل اعتزلت، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: {سلوه ماله يقرءوها؟ فسألوه، فقال: إن فيها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بصفة الرحمن، فقال عليه الصلاة والسلام: أخبروه أن الله يحبه لحبه إياها وأن الله أدخله الجنة}.

موقف الصحابة من حديث الجارية

موقف الصحابة من حديث الجارية الحديث الثاني: حديث الجارية وهو صحيح. عن معاوية بن الحكم السلمي قال: أتيت بجارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة لا تتكلم, فقال لها عليه الصلاة والسلام: {أين الله؟ -سبحان الله أطفال المسلمين يعرفون أن الله في السماء، فالطفل بفطرته وتوجهه يعرف أن الواحد الأحد فوق سبع سماوات- قال: أين الله؟ فأشارت إلى السماء، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة}. بعض المناطقة -وهذا سؤال ورد على الجويني - يقولون: الله ليس في مكان؛ فلا هو فوق العالم ولا تحت ولا داخل ولا خارج وأنكروا أن الله سبحانه على العرش، كما قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10] وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:18] فيقولون: إنه ليس في مكان، فقام أحد الحاضرين واسمه الهمداني، فقال: يا إمام! أخبرنا بالضرورة التي نجدها في أنفسنا أنه ما دعا أحد منا ورفع يديه إلا ويجد أن قلبه يتجه إلى السماء, أخبرني كيف أبطل هذه الضرورة؟ فأخذ يضرب على رأسه بيديه، ويقول: حيرني الهمداني! حيرني الهمداني، ونزل وهو لا يزال محتاراً هو وأمثاله، ولو أنه صلح حاله بعد ذلك. الشهرستاني بحث عن العقيدة لكن أين بحث عنها؟! لم يبحث عنها في الكتاب والسنة، ولا في صحيح البخاري وصحيح مسلم ولا في السنن والمسانيد, لكنه بحث عنها في كتب اليونان والمناطقة وعلماء الكلام، وفي الأخير يقول وهو في سكرات الموت: لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أرَ إلا واضعاً كفَّ حائرٍ على ذقن أو قارعاً سن نادم يقول: طفت وبحثت وما رجعت إلا بشبهات، فأين أسير؟! رد عليه الصنعاني صاحب سبل السلام بيض الله وجهه، فقال: لعلك يا أستاذ ما زرت أحمداً رسول العلا المبعوث من خير هاشم فوالله لو قد زرته الدهر مرة لما كنت نهباً للنسور القشاعم أي: لو زرته لاهتديت لكنك طلبت الهداية في غير مكانها، فأخطأت الطريق، الشاهد أن الجارية بفطرتها تقول: (الله في السماء). يقول عمر: [[كونوا على دين العجائز وغلمان الكتاب]] دين العجائز: يعني الذين نشئوا على لا إله إلا الله محمد رسول الله, ولذلك تجد بعض الناس من حملة الدكتوراه لا يعرف العقيدة, فالعجوز خير منه في العقيدة. عامي في قرية من القرى ابنه يدرس في الثانوي، أتى ابنه بكتاب لـ سعيد حوى رحمه الله مكتوب فيه فصل: الدليل على وجود الله وسعيد حوى يتكلم مع الملاحدة الذين ينكرون وجود الله, والطالب أخذ الكتاب والعامي هذا ما مر في ذهنه ولو مرة واحدة في حياته أن هناك قوماً ينكرون الله أبداً، قال الابن: اقرأ عليك يا أبتي، قال: أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، الدليل على وجود الله، فرفع الأب يده وضرب ابنه كفاً على وجهه، قال: يا عدو الله تدلل لنا على وجود الله، أما تستحي؟! هذه عقيدة مثل الجبال راسخة: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فوا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد أعرابي بدوي يصلي في الصحراء، قالوا: لمن تصلي؟ قال: لله الواحد الأحد، قالوا: بمَ عرفته؟! قال: [[البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فليل داج، وسماء ذات أبراج، ألا يدل على السميع البصير]]. مسلم كردي في العراق، موحد، في مزرعة يزرع البطيخ والقرع، جاءه ملحد من الشيوعية فدخل عليه المزرعة -والشيوعية انتشروا في فترة ما قبل الأربعين، يبثون مذهبهم المبني على الإلحاد- فأجلسه صاحبها عند الماء، وهذا المزارع يصلي خمس صلوات ويعتقد اعتقاداً جازماً مثل الجبال أن لا إله إلا الله، فجلس هذا المتحذلق المتأثر بثقافة الإلحاد ودعاه وقال: الخرافة التي تقول: إن الله موجود ألا تعرف أنه لا إله في الكون، فقال المزارع: أنت عاقل أم مجنون؟ قال: بل عاقل، قال: عقلك معك؟ قال: نعم، قال: تعرف من أنت؟ قال: أعرف، قال: أرجوك أن تنتظرني قليلاً وآتيك، فذهب وأتى بعصا فضرب رأسه حتى أنزل نخاعه على الأرض ودماءه، فكان هذا جزاؤه. سبحان الله! أفي الله شك! فما لهم لا يؤمنون! ولذلك كان عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول: كونوا على دين العجائز. ولو تحدثت مع شيخ كبير عن دليل القدرة وأن كل شيء بقدرة الواحد الأحد، تجده يقول: ما شاء الله تبارك الله، وقد رأيت شيخاً كبيراً في السبعين أصابه جرح في رجله فقلت: اذهب إلى المستشفى، فقال: لا. حسبنا الله ونعم الوكيل، الله هو الذي يشافينا -مع العلم أنا نعارضه في بعض الجزئيات ونقول: الذهاب إلى المستشفى طب وطلب الطب مطلوب، وقد تداوى السلف وتعالج محمد صلى الله عليه وسلم لكن انظر إلى توكله على الله- قلت: لا بد من هذا العلاج لأنه جرح غائر في قدمك، قال: لا علاج، أتريدني أعلمك بعلاجها؟ قلت: ما هو، قال: أقوم في آخر الليل وأصلي ركعتين أسأل الله أن يشافيني، هذه عقيدة وتوكل على الواحد الأحد.

موقف الصحابة من حديث تقدير الله مقادير كل شيء

موقف الصحابة من حديث تقدير الله مقادير كل شيء والحديث الثالث: يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة} هل قام أحد الصحابة ورفع إصبعه، وقال: يا رسول الله! قبل الخلق أو بعده، قدرها في دفاتر أو في كتيبات. {خمسين ألف سنة} يعني قبل الخلق ولم يقولوا مثل ما فعل المناطقة، العلة الغائية والعلة السببية، والجوهر، والعرض، والمنفصل، والمتصل: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:40] سلموا وأيقنوا وقبلوا لأنه المعصوم عليه الصلاة والسلام.

موقف الصحابة من محاجة آدم وموسى

موقف الصحابة من محاجة آدم وموسى الحديث الرابع: حديث طريف وهو في الصحيح، وهي مقابلة ساخنة حارة بين أبينا آدم وبين موسى عليه السلام, وبينهما في الميلاد آلاف السنوات، لكنهما التقيا التقاء بديعاً رائعاً نقله لنا عليه الصلاة والسلام، وأهل السنة يختلفون في مكان التقائهما بعضهم يقول: في قبورهم، وبعضهم يقول: في البرزخ، والصحيح إن شاء الله أنهم التقوا في السماء. فالتقى موسى مع أبيه آدم، وموسى عليه السلام كان جريئاً وشجاعاً يسأل أسئلة هائلة، ولذلك لما كلمه الله عز وجل: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143]. {التقى بآدم، فقال موسى: أنت أبونا؟ قال: نعم. قال: خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، ونفخ فيك من روحه، فخيبتنا وأخرجتنا من الجنة, نهاك الله أن تأكل من الشجرة فأكلتها، قال آدم: من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل، قال: نعم. قال: أنت الذي كتب الله لك التوراة بيده -وهذا ثابت في الصحيح- وكلمك وشرفك برسالاته, بكم وجدت أن الله كتب علي ذلك قبل أن يخلقني؟ قال: وجدته كتب عليك ذلك قبل أن يخلقك بأربعين سنة، قال: أتلومني في شيء قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة أن آكل من الشجرة فيحكم الرسول عليه الصلاة والسلام بينهما بقوله: فحج آدمُ موسى} يعني غلبه وبعض القدرية يقولون: فحج آدم موسى، يعني بنصب آدم يجعلونه مفعولاً به والغالب يجعلون موسى انتصر على آدم.

موقف الصحابة من دعاء الرسول في قيام الليل

موقف الصحابة من دعاء الرسول في قيام الليل الحديث الخامس: كان يقول عليه الصلاة والسلام وهو يقوم الليل -وهو في الصحيحين -: {اللهم أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، وأنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، وأنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، اللهم أنت الحق ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق}. وفي هذا الحديث معالم منها: أنه سمى الله نوراً، وسماه قيوم السماوات، ورب السماوات, ثم شهد له بالوحدانية, فتلقى الصحابة هذه الأحاديث فوصلت إلى سويداء قلوبهم فربت فيهم معالم من الإيقان. بعض كتب العقيدة في الساحة ليس فيها آية ولا حديث، وكلها: قال الرازي، وقال الجويني، وقال الغزالي، وقال: ابن رشد، هذه لا تربي العقيدة بل تميت العقيدة في القلوب.

أسعد الناس بالشفاعة

أسعد الناس بالشفاعة الحديث السادس: في صحيح البخاري، قال أبو هريرة: {يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: لقد ظننت ألا يسألني قبلك أحد يا أبا هريرة لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه}. ولهذا الحديث أحاديث تتبعه لكن انظر إلى الجواب، فلما سمع أبو هريرة لم يستشكل كيف يكون مخلصاً من قلبه؟ وما معنى الشهادة؟ هل يصدق بقلبه وينطق بلسانه أو ينطق بلسانه ويكفي لا. بل قال: مخلصاً من قلبه، فهم وانتهى.

النهي عن الاستشفاع بالله على غيره

النهي عن الاستشفاع بالله على غيره الحديث السابع: وهو صحيح {أتى رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله! قحطنا، وجاع العيال، وهلك المال فادع الله أن يغيثنا، فإنا نستشفع بالله عليك ونستشفع بك على الله، فقال عليه الصلاة والسلام: سبحان الله! ويحك إن شأن الله أعظم، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه}. لا يستشفع بالله: لأنه جعل الشافع وهو الله أصغر حالاً وقدراً من المشفوع إليه وهو النبي صلى الله عليه وسلم, وقد أقره الرسول على جزئية وأنكر عليه جزئيةً أخرى, والمقصود من الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام فرق بين أن يكون هو رسولاً إماماً متبعاً عبداً لله، وبين أن ينزل في منزلة الألوهية، فلا نجفوه، ولا ننزله في منزلة الألوهية، ولكن نجعله وسطاً، وبهذا يقول البرعي وهو شاعر يمني لكنه غالٍ في البدعة، يقول عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما فأقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما أيرضاها محمد عليه الصلاة والسلام وهي شرك؟ أيرضى أن ينزل في منزلة الألوهية؟ لا. هذه هي الأحاديث السبعة التي وعدت بإيرادها، وقد أوردتها؛ لأن فيها حرارة الإيمان وكلامه عليه الصلاة والسلام له فضل على كلامنا، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، لكن لا بد أن يشرح المتكلم الآيات والأحاديث لضرورة العلم والدروس التي نهجها السلف الصالح في جلساتهم مع أحبابهم.

من أدلة التوحيد عند الصحابة: آيات الله الكونية

من أدلة التوحيد عند الصحابة: آيات الله الكونية القاعدة الأولى: دليل التوحيد عند الصحابة آيات الله في الكون، خلافاً لـ علماء الكلام , الذين يقولون: النظر والاستدلال, فقبل أن تشهد أن لا إله إلا الله, لا بد أن تنظر وتستدل وتفكر في العلة والسبب والغاية, وقد علق على ذلك أحد الفضلاء في الجزء الأول من فتح الباري في الحاشية، وقال: الصحيح عند أهل السنة والجماعة: أن المطالب من المكلف إذا أسلم أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، لا النظر ولا الاستدلال، والصحابة آمنوا برسالته عليه الصلاة والسلام بالأدلة الكونية والشرعية. واسمع إلى أسلوب القرآن الذي يعرضه على الصحابة ومن سار مسارهم، يقول سبحانه: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] هذا الكلام لو قرأته على أعلم العلماء وعلى الطفل المكلف وعلى العجوز لفهموه؛ لأنه كلام عربي سهل وبسيط وميسر، لكنه عميق, فالعربي الذي خوطب بهذه اللغة يعرف الجمل والسماء والجبال والأرض.

حديث ضمام بن ثعلبة وبيان يسر العقيدة

حديث ضمام بن ثعلبة وبيان يُسر العقيدة وفي الصحيحين من حديث أنس أنه قال: قدم ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر- وبنو سعد أخوال المصطفى عليه الصلاة والسلام- فلما قدم ضمام بن ثعلبة هذا عقل ناقته في طرف المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم كان متكئاً بين أصحابه، فقال هذا الأعرابي: أين ابن عبد المطلب؟ لم يقل: الرسول ولا ابن عبد الله لأنه لا يزال مشركاً. والأمر الثاني: أنه لا يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بشهرة جده. قالوا: هو ذلك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق، فتقدم فقال: {يا بن عبد المطلب، قال: قد أجبتك، قال: إني سائلك ومشدد عليك في المسألة، قال: سل ما بدا لك -وظن المصطفى عليه الصلاة والسلام أن الأسئلة قد تكون فرعية أو جزئية وهو متكئ- فقال: يا رسول الله! من رفع السماء؟ قال: الله، قال: من بسط الأرض؟ قال: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال: آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ فجلس عليه الصلاة والسلام، وقال: اللهم نعم، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال: آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، ثم ولّى وفك عقال ناقته وخرج من المسجد، فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا}. عقيدة فهمها في دقيقتين أو ثلاث دقائق, عقيدة سهلة بلا التواء أو ارتباك أو اضطراب، عقيدة عرفها هذا الأعرابي وهو واقف عند الرسول عليه الصلاة والسلام وشهد بها, وشهد له صلى الله عليه وسلم بالجنة إذا صدق مع الله، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في آياته الكونية: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات:47 - 48].

شهادة العلم الحديث على الآيات الكونية

شهادة العلم الحديث على الآيات الكونية كان عندنا في أبها الدكتور زغلول النجار وهو أحد خمسة من علماء التكنولوجيا في العالم، يقول في هذه الآية: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] قال: ما اكتشفت هذه الكلمة: "إنا لموسعون" إلا في العلم الحديث، اكتشف العلماء في العصر الحديث أن السماء أو الكون يتسع كما تتسع الفقاعة من البالون، أو الكيس المطاطي من البالون كل يوم تتسع اتساعاً هائلاً, هذا مكتشف وضرب عليه أمثلة وأتى بتحقيقات في ذلك. ويقول في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75] قال: وهو الصحيح، لم تعرف العرب مواقع النجوم, فقد أقسم الله بمواقعها والسبب في ذلك: أن العلم الحديث هذا اكتشف أن بعض النجوم تغيرت عن أماكنها، واحترقت وذهبت دخاناً وشظايا في الكون, وما بقي إلا مواقعها وبقي الضوء منها ينطلق مسافة ما يقارب أربعين عاماً ووصل إلينا الضوء, وقد انتهى النجم من مكانه, فأقسم الله بالأمكنة فقال: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:38 - 39] فأقسم بالشمس وبالقمر, فذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن من آياته الشمس والقمر، وفهمها الصحابة رضوان الله عليهم وزادهم إيماناً في ذلك ولم يتكلفوا ولم يردوا هذه النصوص. قرأت في سيرة سعيد بن المسيب رحمه الله أنه دخل عليه رجلٌ، فقال: يقول: عمر بن أبي ربيعة وهو شاعر من مكة قرشي مخزومي: وغاب قمير كنت أرجو غيابه وروَّح رعيان ونوَّم سمر في قصيدة مشهورة له فقال سعيد: قاتله الله، صَغَّر ما عظمه الله، يقول: قمير، والله يقول: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:38].

العقيدة عند الصحابة منهج حياة

العقيدة عند الصحابة منهج حياة القاعدة الثانية: العقيدة عندهم هي المؤثرة في حياتهم عملاً وسلوكاً وأخلاقاً ومشاعراً بعكس غيرهم: قرءوا القرآن رضوان الله عليهم فكان يقول لهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى في القرآن: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219] أي: أن تعلم أن الله يراك، فالنتيجة أنه يراقبك، ويقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7]. قال للإمام أحمد لما سئل: "أليس الله في كل مكان بهذه الآية؟ قال: لا. أما رأيت أنه بدأ الآية بالعلم وختمها بالعلم ألم تر أن الله يعلم، يعني بعلمه وإلا فالله مستوٍ على عرشه تبارك وتعالى. فالعقيدة عندهم هي المؤثرة في حياتهم عملاً وسلوكاً وأخلاقاً ومشاعر، نعم يوجد عند المتأخرين من يعتقد لكن لا أثر لعقيدته، يعلم أن الله لا إله إلا هو، وأن الله يعلم الغيب وأخفى, ولكنه لا أثر له في حياته وفي عقيدته، لا خوف من الله, ولا مراقبة, ولا خشية, ولا محاسبة للنفس, ولا أمانة, وهذا خلاف المعتقد الصحيح. المعتقد عند المتأخرين أصبح مجرداً، أصبح يقول: عقيدتنا في الملائكة كذا، وعقيدتنا في الكتب كذا، وفي الميزان كذا، وفي الحوض كذا، ونقول نحن: فما أثر العقيدة هذه التي عاشها الصحابة رضوان الله عليهم؟ هل قرأت حديث ابن عباس الذي رواه الترمذي والإمام أحمد بسندين صحيحين: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، وإن اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام وجفت الصحف -وفي رواية- واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك} أين هذه الدروس الحارة؟ لماذا لا تعرض الدروس العقدية عرضاً نيراً مشرقاً على طلبتنا وشبابنا وأمهاتنا وأخواتنا في البيت؟ لماذا لا نعلمهم العقيدة في البيت والمدرسة والجامعة كما علم الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه؟ لأن العقيدة اليوم أصبحت أكثرها ردوداً، قالت المعتزلة ورد عليهم أهل السنة، قالت الرافضة ورد عليهم أهل السنة، قالت الأشاعرة ورد عليهم أهل السنة، حتى يقول بعض الأساتذة الأذكياء من العلماء: تحولت الأقسام في بعض الجامعات إلى أقسام ردود، صحيح لا نغفل الردود، لكن لماذا أولاً لا نعطي أولادنا وجيلنا وطلابنا عقيدة أهل السنة من القرآن والسنة ثم نأتي بالردود فيما بعد؟! ولذلك تجد الإنسان بعد أن يتخرج من الجامعة يعرف كيف يرد على الفرق, لكن سلوكه في واد، والعقيدة في واد, فتعامله في واد والعقيدة في واد، وهذا هو الخطأ الكبير، أتى عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيح- فقال له سفيان بن عبد الله: {يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأله أحداً بعدك، قال: قل: آمنت بالله، ثم استقم} "آمنت بالله" تليها "ثم استقم" فربط العمل عليه الصلاة والسلام بالمعتقد، وربط العقيدة بالعمل، اعتقد واعمل. الآن يخاف من عقيدة الإرجاء، فقد أصبح الكثير من الناس مرجئة ولو لم يشعر بذلك, حتى تجد بعضهم لا يصلي في المسجد جماعة، ويقول: الصلاة في الجماعة ربما تكون سنة أو واجباً لكن أهم شيء العقيدة، فنقول: من ضعف عقيدتك ومن مرض عقيدتك أنك لا تصلي في المسجد، وقد يقول: أشهد الله أني أحبه وأحب رسوله, ولكني لا أستطيع الصلاة في المسجد، فنقول: نشهد الله ورسوله أنك كذّاب في محبتك, وأنك لو صدقت لصليت في المسجد. ولذلك ترى بعض الناس يعتبر بعض السنن والواجبات أنها مسائل جزئية، مثلاً: حلق اللحية: فبعض الناس يقول: أنتم لا تتكلمون إلا في حلق اللحية! ويقول: حلق اللحى وإسبال الثياب قشور, والإسلام سهل ويسير ومشرق ورائع فأنتم لا تعرفون الإسلام، فلهذا نقول: الذي يحلق لحيته، والذي يطول ثوبه، إنما فعل ذلك لنقص عقيدته، فانظر كيف تدخل السلوك في العقيدة مباشرة؛ لأنه لو اطمأن قلبه إلى ما أتى به الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتنازل عن هذه السنن , وما كان يحاجج الناس في هذه السنن، وما كانت لتثقل عليه.

تقبل الصحابة للعقيدة بلا اعتراض

تقبل الصحابة للعقيدة بلا اعتراض القاعدة الثالثة: الصحابة تقبلوا العقيدة بلا اعتراض وفهموها بلا إشكال, وعملوا بها بلا توقف! فالرسول عليه الصلاة والسلام لما قرأ على الناس قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] لم يقل صحابي: يا رسول الله كيف استوى؟ إلى أن أتى آخر القرن الثاني، فقام بعض الناس من الذين لبس عليهم من العجم فدخلوا مدسوسين في البلاد الإسلامية وقالوا: كيف استوى؟! وهذا يلزم تجسيمه، وهذا يلزم أن يشغل حيزاً، وهذا يلزم أن يخلو عنه المكان إذا نزل في الثلث الأخير، قلنا: الله حسيبكم! الرحمن يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] مالكم ما سلمتم كالصحابة؟ هل قام أبو بكر وقال: كيف استوى؟ أو قام عمر وقال: هل ينزل إذا استوى؟ سبحان الله! لا تقل كيف استوى كيف النزول أنت لا تعرف من أين وكيف تبول هذا أحد علماء السنة يقول للمناطقة: أنت لا تعرف تكوينك: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] لا تعرف كيف تنام، ولا كيف تصحو, فكيف تسأل أسئلة فوق عقلك؟! قال الشافعي في كلمة حفظت عنه رضي الله عنه وأرضاه، وهي تكتب بماء الذهب: "آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله", هذا هو المطلوب من المسلم. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] تليت هذه على الصحابة كـ ابن مسعود ومعاذ وسهل وجابر وعمر وعثمان فأثبتوا لله يدين تليقان بجلاله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بلا تمثيل ولا تشبيه، ما أولوها بالنعمة بل قبلوها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عربي والقرآن عربي وهو يتكلم بلغتهم, ولو أراد الله أن يقول نعمة، لقال: نعمة، لأن النعمة لا تثنى ولا توصف بمبسوطتين، بل قال: يدان مبسوطتان. والشاهد هنا أنهم سلموا بلا اعتراض, وعملوا بلا توقف, وفهموا بلا إشكال. يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي مر معنا: احتج آدم وموسى, قال آدم لموسى: وكتب الله لك التوراة بيده، فأقر موسى واعترف ولم ينكر, والصحابة لم يقولوا كيف كتب وبأي قلم, هل هو بقلم رصاص أم بأحمر؟! هل كتبه في دفتر أو في كتاب؟ كيف كتب؟! سبحان الله! لا نشبهه ولا نمثله ولا نعطله ولا نؤول صفاته: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. في الصحيحين وعند النسائي وابن ماجة وأحمد في المسند قال عليه الصلاة والسلام: {يضحك ربك إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة} يقتل أحدهما الآخر, فيدخل الشهيد المسلم الجنة، ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل في سبيل الله فيستشهد فيدخلان الجنة فيلتقيان في الجنة، يقول: أنت أدخلتني الجنة، جزاك الله خيراً قطعت رأسي في الدنيا وأدخلتني الجنة، فالله عز وجل يضحك لهذين. ماذا قال الصحابة لما تلي عليهم هذا الحديث، هل التفت بعضهم لبعض؟ بل قالوا: آمنا وسلمنا، فهم قد رضوا بالرسول عليه الصلاة والسلام وانتهى الأمر، وبعض المبتدعة يقول: يضحك أي: يرضى، قلنا: سبحان الله! أيعجز النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الفصحاء أن يعبر بلفظة (يرضى) بدلاً عن (يضحك) وهو أعلم بمعناها؟ وهل الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم بين عجم؟ إنه يتكلم في عرب, وأنا لا والله لا أنقص في شأن أحد، فالعجم إخواننا وأحبابنا وهم قد يكونون بالتقوى أفضل منا, وليس عندنا دم ولا عنصرية ولا لغة، فـ سلمان أعجمي وبلال أعجمي وصهيب أعجمي والبخاري أعجمي والترمذي أعجمي وهم إخواننا وأصحابنا، بل سادتنا وعظماؤنا: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] لكن في المسألة هذه أقول: الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم بالعربية فيقول: {يضحك ربك} فلم يعترضوا بل سلموا وعرفوا معنى يضحك. وعند النسائي وأحمد بسند صحيح، قوله عليه الصلاة والسلام: {يعجب ربك من رجل يرعى غنمه برأس شظية يؤذن ويقيم يقول الله عز وجل: يا ملائكتي أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة} بدوي مسلم يرعى غنمه في جبل ما عنده إلا الله، ما هناك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا محاسبة ولا شرطة ولا حرس، ولما حانت الصلاة توضأ وقام في رأس الجبل يرفع صوته: الله أكبر الله، أكبر الله أكبر، الله أكبر، الله من فوق سبع سماوات يعجب من هذا, فهذا إيمان خالد وإيمان ثابت ويجازيه بأن يغفر له ذنوبه ويدخله الجنة. في صحيح البخاري قال أبو سعيد لـ ابن أبي صعصعة: {إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهدوا له يوم القيامة، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم}. ذكر ابن كثير أن جرير بن عطية الشاعر الخطفي صاحب القصائد المشهورة التي من ضمنها: إن العيون التي في طرفها حور فتلننا ثم يحيين قتلانا أذن في الصحراء ثم توفي بعد فترة فرئي في المنام وقيل له: "ماذا فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي، قالوا: بماذا؟ قال: أذنت في الصحراء وحدي وأقمت فغفر الله لي بذلك" والشاهد هنا (كلمة يعجب) فلم يقل الصحابة: يا رسول الله كيف يعجب! وإنما سلموا وآمنوا بأنه عجب يليق به سُبحَانَهُ وَتَعَالى، بلا تشبيه ولا تمثيل. قام عليه الصلاة والسلام في بدر -والحديث صحيح- فقال: {يا أهل بدر إن الله اطلع عليكم، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} لم يقولوا: قالوا كيف اطلع؟ ثم قال عليه الصلاة والسلام: {يا أهل بدر والذي نفسي بيده ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة}. سمع ذلك عمير بن الحمام وكان عنده تمرات لكنه صاحب عقيدة، فهم الحديث لأنه عربي يسمع، فرمى بالتمرات وكان يأكلها من جوع وقال: {يا رسول الله! ما بيننا وبين الجنة إلا أن يقتلنا هؤلاء، قال: إي والذي نفسي بيده، فألقى التمرات وقال: والذي نفسي بيده إنها لحياة طويلة إذا بقيت حتى آكل هذه التمرات} فتقدم فقاتل حتى قتل وانتقل, إلى رحمة الله, إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23].

إجماع الصحابة على مسائل المعتقد

إجماع الصحابة على مسائل المعتقد القاعدة الرابعة: أجمع الصحابة على مسائل المعتقد وسلموا لمعانيها ولم يختلفوا في أي مسألة منها: ولـ ابن القيم كلام يشبه هذا في أعلام الموقعين، يقول: "الصحابة لم يسألوا عليه الصلاة والسلام ولم يختلفوا في مسألة عقدية". مسائل الأصول لم يختلفوا فيها وإنما سألوه عن مسائل عملية: يسألونك عن المحيض، يسألونك عن الخمر، يسألونك عن الأهلة، يسألونك ماذا ينفقون، يسألونك عن اليتامى، لكن لم يسألوا: كيف يضحك الله؟ أو كيف استوى الله؟ أو كيف يعجب الله؟ أو كيف يد الله أو عن عين الله؟ لا. بل سلموا بها ولم يختلفوا، فلما أتى المتأخرون أتوا يسألون عنها حتى يقول بعض العلماء: سبحان الله! أما المتأخرون فقد سالوا في موضع الجمود وجمدوا في موضع السيلان، مثل ابن حزم رحمه الله في المحلى، أتى في الصفات فسال قلمه، ويوم أتى في الفرعيات جمد مثل الثلج، أخذ الظاهر وأبطل القياس وأخذ بظاهر الأحاديث، فيقول له بعض العلماء: ليتك يـ ابن حزم سلت في موضع السيلان في الفرعيات، وليتك جمدت في موضع الجمود في الأصول والمعتقد والصفات؛ لأن أهل السنة يقولون: نمرها كما جاءت، وهو لم يمرها كما جاءت. حتى يقول ابن تيمية: " أبو الحسن الأشعري خير من ابن حزم في الأسماء والصفات" وهذا صحيح وليس شاهدنا ابن حزم , إنما أقول المتأخرين، حتى يقول بعضهم: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم، فقال بعضهم: لا. بل طريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم، وطريقة الخلف، أغشم وأظلم وأقتم، وأجهل. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285] قالوا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ونقلت أيضاً عن علي بن أبي طالب: [[والله لو كشف لي الله الغطاء فرأيت الجنة والنار ما زاد على ما عندي من إيمان مثقال ذرة]]. آمنوا كأنهم يرون الغيب من وراء ستار رقيق، كان أبو بكر كما ذكره الإمام أحمد عنه في كتاب الزهد يقول: [[يا أيها الناس! استحيوا من الله، فوالله الذي لا إله إلا هو إني أذهب إلى الخلاء لقضاء حاجتي فأضع ثوبي على وجهي حياء من ربي]]. ولذلك يقول مطرف بن عبد الله بن الشخير ولا يصح هذا حديثاً, وقيل: إنه من كلام الحسن: [[ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل]]. وقال مطرف: [[ما غلبهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صدقة ولا صلاة ولكن بإيمان وقر في قلبه]]. إذاً: أسئلة الصحابة كانت في الفرعيات ولم تكن في الأصول, ولو أن لـ ابن تيمية ملاحظة عن هذا التقسيم يقول: تقسيم الدين إلى أصول وفروع ليس في الكتاب ولا في السنة ولا له أثر، فبعضهم يقول: مسائل الأصول هي المعتقد والفروع هي العبادات والمعاملات, وبعضهم يقول: الأصول ما ثبت بأدلة قطعية والفروع ما ثبت بأدلة ظنية. ولا أثر لهذا. إنما أقول القاعدة الرابعة: أجمع الصحابة على مسائل المعتقد وسلموا لمعانيها ولم يختلفوا بحمد الله في مسألة منها.

معرفة الصحابة لدلالات الألفاظ ومعاني الأسماء والصفات

معرفة الصحابة لدلالات الألفاظ ومعاني الأسماء والصفات القاعدة الخامسة: معرفة الصحابة لدلالات الألفاظ ومعاني الأسماء والصفات فيعرفون من هو الله: في الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام علم الصحابة دعاء الاستخارة، قال: {إذا هم أحدكم بالأمر فليصلِّ ركعتين من غير الفريضة، وليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم, فإنك تقدر ولا أقدر, وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب}. والشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى بالمناسبة: {اللهم إني أستخيرك بعلمك} علم الناس صفة العلم لله، والاستخارة لا تكون إلا لمن كان يعلم؛ لأن العالم بالشيء يعلم الخيرة فيه، فنسب العلم لله، وما دام أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يعرف عواقب الأمور فهو الذي يعرف سُبحَانَهُ وَتَعَالى الخير من الشر. وقوله: {وأستقدرك بقدرتك}: أي: ما دام أنك تقدر هذه الأمور فأطلب القدرة منك، ولذلك الصحابة أعلم الناس بمعرفة الألفاظ، وإذا أردت أن تطلب من الله طلباً أن يصرف عنك مرضاً تقول: اللهم إنك رحيم, اللهم إنك الشافي، اللهم شافِ مرضي، يقول يعقوب عليه السلام: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] لم يقل: أحكم الحاكمين، ولا أحسن الخالقين، ولكن المناسبة أرحم الراحمين، فمثلاً: إذا كنت تريد من الله رزقاً، تقول: اللهم إنك جواد كريم ارزقني، لأن الجود والكرم يناسب الرزق، أو تريد من الله مغفرة، تقول: اللهم إنك رحيم غفور اغفر لي، لأن الرحمة والمغفرة تناسب غفران الخطايا والذنوب.

عدم التكلف في المعاني عند الصحابة

عدم التكلف في المعاني عند الصحابة القاعدة السادسة: لم يتعمق الصحابة في الألفاظ، ولم يتكلفوا في المعاني، ولم يتنطعوا في المعتقد: فعقيدة الصحابة سهلة وعلمهم سهل وسلوكهم سهل، حتى التحصيل العلمي عند الصحابة سهل وبسيط. ولهذا علي رضي الله عنه وأرضاه -وهو أول حديث عند أبي داود في سننه- وفد إلى أهل العراق , فجمع أهل العراق في الكوفة , فتوضأ أمامهم؛ ليعلمهم مما علمه الله, فلما توضأ قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا. والشاهد أن علم السلف كان سهلاً يسيراً، كان آية وحديثاً: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولي العرفان ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فلان

تعامل المتأخرين مع العقيدة

تعامل المتأخرين مع العقيدة

خوض المتأخرين فيما سكت عنه الصحابة

خوض المتأخرين فيما سكت عنه الصحابة القضية الأولى: أقول المتأخرون خاضوا فيما سكت عنه الصحابة، فخاضوا في بعض ألفاظ المعتقد سكت عنها الصحابة: قالوا: الجوهر والانفصال والاتصال، وهذه الأمور سكت عنها الصحابة, وخاض فيها والمتأخرون, فانتبهوا يا طلبة العلم ويا حملة الرسالة أن تنتهجوا نهج هؤلاء, وانتهجوا نهج أصحاب محمد عليهم الصلاة والسلام: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]. المتأخرون أدخلوا ثقافات الأمم الكافرة في المعتقد، مثل بشر المريسي والجعد بن درهم، وجهم بن صفوان، محمد بن الجهم وأسيادهم: كـ سقراط وبقراط وأمثالهم وأضرابهم وأشياعهم, ثم تأتي مدرسة الفارابي ومدرسة ابن سيناء فهؤلاء أشياخهم, أما أهل السنة فشيخهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي ومعاذ وسلمان لكن أولئك أدخلوا ثقافات الأمم الكافرة في المعتقد. القرآن كلام الله عز وجل تكلم به وأنزله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم حتى أتى المأمون: ألا قبح الرحمن بغلة فاجر أتتنا تهادى من عراق بخالد ولا أقول في المأمون شيئاً, ولكن أقول مثلما قال ابن تيمية: "إن الله لا يغفل عن المأمون وسوف يسأله عن إدخاله ثقافات اليونان على معتقد المسلمين" ولو أن البدعة سبقت المأمون، لكن الذي تحمس لها ونصرها بالسيف, وقتل بعض العلماء وحبس وعاند فيها هو المأمون , وشكر الله لبعض الأمراء المسلمين جهدهم من الذين حاربوا البدعة على العكس من المأمون، منهم: خالد بن عبد الله القسري أمير العراق، أتى الجعد بن درهم فأنكر أن يكون الله كلم موسى تكليماً أو اتخذ إبراهيم خليلاً، فقال له الأمير: تب، قال: لا أتوب -انظر إلى إصرار أهل الباطل على باطلهم-. الآن بعض أهل الحداثة يسهر إلى الساعة الثانية والثالثة ليلاً يدبج قصيدة, ويقدح بها في الإسلام والاستقامة والمسجد والرسول والرسالة، سبحان الله! وتجد المؤمن والداعية وطالب العلم وكأنه ليس عليه من هذه القضايا- قال له: تب، قال: لا. قال: أخرجوه معي يوم عيد الأضحى، فأخرجوه مكتفاً. والأمير على المنبر يخطب الناس، قال: يا أيها الناس إن الجعد بن درهم أنكر أن يكون الله كلم موسى تكليماً واتخذ إبراهيم خليلاً, فضحوا تقبل الله أضحيتكم فإني مضحٍ بـ الجعد بن درهم , ثم نزل وأخرج الخنجر, فبرك الجعد وبرك على صدره, واستقبل به القبلة وذبحه، قال ابن القيم شاكراً خالد بن عبد الله القسري: ولأجل ذا ضحى بـ جعد خالد الـ القسري يوم ذبائح القربان إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان يقول: من أراد أن يذبح فليذبح مثلك، البدنة عن سبعة، الناس يذبحون خرافاً وأنت تذبح رجالاً، ومن يريد أن ينصر الدين يفعل مثلك، برك بركبتيه على صدره وأخرج السكين، وقال: باسم الله، وأجزأه عند المتحمسين الأضحية، ولكن لا بد له في السنة من خروف آخر مع هذا الخروف.

أخضع المتأخرون لغة الكتاب والسنة للمنطق

أخضع المتأخرون لغة الكتاب والسنة للمنطق القضية الثانية: المتأخرون أخضعوا اللغة العربية لغة الكتاب والسنة للمنطق: والصحابة -كما قلت لكم- يتكلمون بالعربية ويعرفون لغة القرآن, لكن لما تقرأ في كتب المتأخرين في المنطق لا تفهم شيئاً, لا تدري أين أنت! يصيبك دوار وصداع في رأسك، فتقرأ العلة الغائية، والسببية، والجوهرية، والغاية، وما قبل وما بعد، وما فوق وما تحت، حتى تصبح في دوار، بل تعال الآن إلى كتب أهل السنة , أخرج كتاب الإمام أحمد، أو أحد الصحيحين أو في شرح معتقد أهل السنة، تجدها سهلة ميسرة مثل الماء البارد، ولذلك يربو معك العلم ويغذيك تغذية هائلة إذا عكفت عليه.

تصعيب المتأخرين فهم العقيدة على الناس

تصعيب المتأخرين فهم العقيدة على الناس القضية الثالثة: المتأخرون صعبوا فهم العقيدة على الناس فأصبحت العقيدة شائكة: يأتي دكتور تخصصه أربعين سنة ويتكلم ويشرح العقيدة فلا يفهمها الطلاب، ويمتحنون فيرسبون فيها، ابن تيمية ألف التدمرية ليدمغ به المناطقة ولم يؤلفه حتى يفهم بها الناس العقيدة وإنما ألفه لأمور منها: أن يرد بها على من يقول مثل هذا القول، ومنها أن يعرف منهج السلف في ردودهم إذا احتاجوا إلى ذلك، ومنها أن فيها قواعد لـ شيخ الإسلام مزيدة وطيبة هي من قواعد أهل السنة. أحد الطلاب رسب في العقيدة التدمرية، فقال له أحد الأساتذة: سامحك الله أترسب في العقيدة وأنت مسلم، قال: لأنها التدمرية، والله يقول: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:25] فأنا ممن دمرتهم، هذا يقصد الرسالة وإلا فالعقيدة ترفع الإنسان وتنجيه في الدنيا والآخرة, لذلك كانت العقيدة سهلة ميسرة, وبإمكاننا أن نسهلها إذا عدنا إلى الكتاب والسنة, وعلمنا الناس المعتقد كأن نقرأ عليهم أحاديث العقيدة ونمرها كما جاءت.

الصحابة أهل اتباع لا أهل ابتداع

الصحابة أهل اتباع لا أهل ابتداع وقبل أن ننتهي هنا قاعدة وهي: أن الصحابة اتبعوا ولم يبتدعوا، أول خطبة لـ أبي بكر الصديق يقول: [[يا أيها الناس! إني متبع ولست مبتدعاً]]. ولذلك نلاحظ كثرة الأسئلة في كل محاضرة: ما رأيك في المولد النبوي؟ ما رأيك في كذا؟ ما رأيك في كذا، أقول: نعود إلى الأصل. نقول: من أين نأخذ الشريعة؟ من محمد عليه الصلاة والسلام. ما هو مصدر التلقي عندنا؟ الكتاب والسنة. هل فعل صلى الله عليه وسلم المولد؟ لا. هل فعل الصحابة المولد؟ لا. هل فعل التابعون المولد؟ لا. هل قال أحد من الخلفاء الراشدين بسنية المولد؟ لا. هل وردت آية في القرآن تقول: إن المولد سنة؟ لا. إذاً: هو بدعة. من أين جاء المولد هذا؟ جاء من ملك إربل في القرن الرابع أو الخامس أتى به ونشره في العالم الإسلامي, حسيبنا الله عليه وإلا فهي بدعة: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} {ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد}. يقول بعض العلماء: ما ابتدع رجل بدعة إلا كان لسان حاله يقول: الشريعة ناقصة، يريد أن يزيد في الشريعة، والله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] ويقول المبتدع: لا ما أتممت علينا النعمة، وما أكملت لنا الدين، وما رضيت لنا الإسلام ديناً، هذا المبتدع لسان حاله يقول هكذا، فأقول: الصحابة اتبعوا فلذا لا يفعلون شيئاً إلا بأثر. طرق أبو موسى الأشعري على عمر الباب -والحديث في الصحيح- فطرق عليه مرة فلم يفتح، فضرب ثانية، فلم يفتح وضرب ثالثة، فلم يفتح فذهب أبو موسى، ففتح عمر الباب, وإذا بـ أبي موسى قد ذهب، فقال: يا أبا موسى! تعال. فأتى وقال له: لماذا ذهبت؟ قال: يا أمير المؤمنين! سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع}. لكن عمر أراد أن يتثبت من هذا الحديث فقال عمر: والله الذي لا إله إلا هو, لا أتركك حتى تأتي بشاهد يشهد لك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث -لا بد من السنة- فذهب أبو موسى خائفاً وجلاً إلى الأنصار، وقال: أتيت إلى عمر فطرقت عليه ثلاثاً فلم يأذن لي, ثم أتيته بحديث، فحلف إن لم آتِ بشاهد وإلا يكون لي شأن، وتعرفون عمر إذا حلف: حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقمات قوله القيل قال الأنصار: والله لا يقوم معك إلا أصغرنا، قم يا أبا سعيد، فقام أبو سعيد إلى عمر وقال: أشهد أني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع} قال عمر: [[ما كذبتك، ولكن أردت أن أتثبت]] {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]. فالصحابة يعملون بالسنة في سلوكهم وفي جلوسهم ولا يبتدعون, فمن أدخل في الدين شيئاً وقال: المشايخ أو أجدادنا أو آباؤنا كانوا على هذا، وهذا من حبنا للرسول عليه الصلاة والسلام، نقول: لا. معنا ومعك سنة صحيحة وكتاب مجيد نتحاكم إليه.

قضايا هامة للنساء

قضايا هامة للنساء كلمتي في ختام المحاضرة إلى النساء، سلام الله عليكن ورحمته وبركاته. آسف كثيراً أنها وصلتني البارحة في مسجد التنعيم رسائل من النساء يعتبن عليَّ أني ما ذكرتهن في المحاضرة. وأقول أولاً: أنتن شقائق الرجال، وما نسيناكن لكن المتحدث لا يرى أمامه إلا الرجال فينسى النساء. ثانياً: إن الخطاب من أوله إلى آخره يدخل فيه النساء، فالله عز وجل خاطب الرجال في القرآن أكثر ودخل النساء في ذلك, ولما ذكر الله الصالحين قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195] النساء أخاطبهن بثلاث قضايا هذه الليلة, ولو أن لهن درساً خاصاً ومحاضرة خاصة وشريط خاص قدم من زمن اسمه: (صفات المرأة المسلمة) عل الله أن ينفع به, وذكرت فيه عشر صفات للمرأة المسلمة، حبذا لو سمعتن هذا الدرس؛ لأنه خاص بالمرأة.

أهمية حفظ المرأة للسانها

أهمية حفظ المرأة للسانها القضية الأولى: حفظ المرأة للسانها: فكثير من الأزواج والإخوان يشكو من بذاءة بعض النساء والأكثر فيهن صالحات، بل القطاع الكبير فيهن صالحات, ولكنا نخاف على المرأة من اللسان، يقول عليه الصلاة والسلام: {تصدقن وأكثرن من الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، قالت امرأة: يا رسول الله! ما بالنا أكثر أهل النار؟ قال: تكفرن العشير وتكثرن اللعن} المرأة لسانها لا يقف، حتى الإمام مالك يقول هذا, والمرأة تلقي محاضرات كل يوم ولا ننقص من شخصيتها, فأم الزعماء امرأة، وأم الأدباء امرأة، وأم العلماء امرأة، والمرأة عندنا محترمة, فأمنا المرأة وأختنا وقريبتنا وبنتنا وهن شقائق الرجال, وهي الجامعة الكبرى، وهي التي أخرجت الجمع الذي أمامي من الرجال, وما قدَّم وما ربى إلا النساء, لكن لحرصنا على أمنا وأختنا وبنتنا، نقول: اتقي الله في لسانك، من الغيبة والنميمة، واللعن الشتم، وسب الزوج، والتعرض لحرمات الناس, فمن أكثر ما يقع فيه النساء هذا وهذا له أسباب: منها: الفراغ عند المرأة, فإنها قد تجلس في البيت بلا عمل فتبقى فارغة, فتستجيب لجارتها أو لقريبتها فتجلس معها فتهتك أعراض المسلمين, فالله الله بحفظ الوقت: بقراءة قرآن, بالنافلة, بقراءة كتاب أو باستماع شريط, بعمل في البيت ينفع الله به.

أهمية اختيار المرأة للجليسة الصالحة

أهمية اختيار المرأة للجليسة الصالحة القضية الثانية: اختيارها للجليسات: ما أفسد الناس إلا الجليس السيئ, ومن العقبات في طريق الدعوة: الجليس السيئ, وأحذر المرأة من جليسات السوء، وأكثر من أفسد الأسر جليسات السوء الذاهبات والآيبات اللواتي ما تعلمن في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم, وما حملن خوفاً ومراقبة من الله, تجلس مع المرأة فتغويها في زيها وحركاتها وسكناتها وموضاتها, حتى بعضهن تصف بعضهن أنها مطوعة أو متزمتة أو متشددة أو أن هذا خطأ وأنه منهج باطل حتى تردها, والمرأة ضعيفة, إن لم تجد وازعاً من تقوى الله الواحد الأحد, فوصيتي: اختيار الجليسة الصالحة, وأن تؤثري في غيرك, ولا يؤثر غيرك فيك, وأن تكوني داعية أينما حللت وارتحلت.

وجوب تربية الأطفال على النساء

وجوب تربية الأطفال على النساء القضية الثالثة: تربية الأطفال من المسائل العظيمة والكارثة عند المسلمين: فساد كثير من النشء بسبب التربية في البيت، فالمرأة ليست مسئوليتها عن الطفل أن تغسله وتنظفه وتطيبه وتطعمه وترضعه فقط، بل مسئوليتها أن تغرس الإيمان في قلبه، هي المسئولة عن الطفل أولاً, فلا يغرس لا إله إلا الله في قلب الطفل إلا المرأة، لا يبني صرح لا إله إلا الله في قلب الطفل إلا المرأة، لا يحبب إليه الاستقامة والإيمان إلا أمه، ولا يجعله عبداً لله عز وجل بإذنه إلا أمه. فوصيتي لكِ أيتها الأم أن تنبتي ابنك نباتاً حسناً على منهج الله في البيت، وأن تدليه على الطاعة، وتحببي له أخلاق وسيرة وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، وتؤدبيه في المطعم والمجلس والمنام والصلاة بأدب الإسلام؛ إن كنت تريدين أن تقدمي جيلاً للإسلام، أما أن يرضع الطفل ويكسى ويطعم ثم يخرج إلى الشارع مع كل من هب ودب, فيخرج طفلاً منكوس الفطرة، أعمي الطريقة ليس عنده هداية هذا خطأ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. والله الموفق والمستعان، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم صلاة التسابيح

حكم صلاة التسابيح Q ما مدى صحة حديث صلاة التسابيح؟ A مما عرفته أن حديث صلاة التسابيح في الأخير صحيح, وما اختلف أهل العلم فيما أعلم في حديث كما اختلفوا في صلاة التسابيح، حتى ألف ابن ناصر من علماء القرن السابع كتاب التنقيح في صلاة التسابيح، وألف غيره كتاب الترجيح، والتوشيح , فقد اختلفوا كثيراً، لكن الصحيح أنها صحيحة بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, ويعاد إلى كتاب الأذكار للنووي، وكتب العقيدة وشرحها، والتي ننصح بقراءتها ثلاثة كتب: كتاب التوحيد وشرحه فتح المجيد، الكتاب الثاني المستوى الثاني على الثانوية وما يقاربهم: معارج القبول للشيخ حافظ، الكتاب الثالث لطلبة الجامعات ونحوهم، العقيدة الطحاوية.

أسباب الخشوع في الصلاة

أسباب الخشوع في الصلاة Q هذا سائل يشكو من عدم الخشوع في الصلاة, أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A هناك لـ ابن رجب رسالة اسمها: الخشوع في الصلاة، وللخشوع في الصلاة ثلاثة أسباب: 1 - تتدبر ما تقرأ. 2 - تصلي صلاة مودع. 3 - تعلم أنه لا أكبر من الله.

نصيحة للشاب

نصيحة للشاب Q نرجو توجيه كلمة للشباب ودعوة لهم؟ A كل ما قيل في هذه المحاضرة وقبلها وبعدها للشباب، فيا شباب الإسلام! اتقوا الله، والكلام معروف عند الشباب مثل الأسئلة التي تأتي أنا طالب ملتزم, أنا شاب ملتزم، أنا أريد التوبة, هذه معروفة وحتى وصايانا بطلب العلم معروفة عند الكثير لكن المهم العمل. وأقدم لإخواني وصية صحت عند أحمد في المسند أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى أدخلته الجنة} هذه السورة سورة الملك أهديها لكم، وأطالب نفسي وإياكم أن نقرأها في الأربع والعشرين ساعة ولو مرة في الليل أو في النهار؛ علَّ الله أن يغفر لكم بقراءتها وتدبرها والعمل بها، سورة الملك: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الملك:1] تحاج لكم عند الله وتدافع عنكم في القبر وتسعدكم إن شاء الله في الدنيا والآخرة.

حقيقة الحداثة

حقيقة الحداثة Q ما هي الحداثة؟ A أقول: هي مذهب من مذاهب أهل الزندقة متخلف جاء لنقض الإسلام وهدمه, وقد سحق, ونسأل الله أن ينهي عناصره, ويبطل كيدهم, ويردهم إلى المنهج الصحيح فلا يعتدوا عليه، وأن يكفينا شرهم، ونسأل الله أن ينصر الإسلام والمسلمين.

حكم مجالسة تارك الصلاة

حكم مجالسة تارك الصلاة Q ما حكم الجلوس مع أصدقاء تاركين للصلاة؟ A إذاً ليسوا بأصدقاء: فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني أصدقاء تاركون للصلاة ليسوا بأصدقاء: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22] الصديق من صدق مع الله وجعل بينه وبين الله صلة, والعدو من قطع ما بينه وما بين الله ولو كان شقيقنا من أبينا وأمنا، لكن يجوز لك أن تجلس مع تارك الصلاة بشرط أن تدعوه للهداية.

كيفية ترسيخ العقيدة في النفوس

كيفية ترسيخ العقيدة في النفوس Q ما هي الوسائل والطرق لترسيخ العقيدة في النفوس؟ A منها التفكر في آيات الله وفي الكون والسماء والأرض، والنجم والشجر والحجر، والماء الهواء والضياء، لكننا أصبحنا لا نتفكر إلا قليلاً بسبب مغريات العصر, فبجانبك فرن وثلاجة ودفاية وخباز وغسال وسيارة ولا ترى ولا تسمع إلا أصواتها، ذهب الجمال من الكون، ففي عهد الصحابة ينظرون إلى السماء وهي صافية, وينظرون إلى الشجرة والغدير، والزهرة، وكل شيء يدل على الله عز وجل. ومما يرسخ العقيدة تدبر القرآن وقراءة سيرة محمد صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، وكثرة الذكر ومما يرسخ العقيدة الانتهاء عن المعاصي.

مدى صحة إسلام مايكل جاكسون

مدى صحة إسلام مايكل جاكسون Q هل صحيح أن مايكل جاكسون أسلم؟ A لقد قرأت خبر إسلامه من صحيفة عكاظ والعهدة عليها، فألقيت خطبة إسلام مايكل جاكسون، فذكروا بعد ذلك أنه لم يسلم بعد ما قالوا: إنه أسلم، فعلى كلٍ أسلم أو لم يسلم نشهد أن دين الله حق, وقد عرضنا ثلاثة أسئلة للفنانين في بلادنا وسوف تكون محاضرة في مسجد فقيه في العزيزية اسمها رسالة خاصة إلى المغنين والمغنيات، وسوف يأتي شباب منهم الأستاذ مسفر الكثامي، والأستاذ/ يحيى أبو الكرم وآخرون من المغنين الذين تابوا، يدلون بتصريحاتهم وتقريراتهم عن الحياتين التي عاشوها, حياة الضياع والغناء، وحياة النور والهداية: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122].

حقيقة الجهاد في أفغانستان

حقيقة الجهاد في أفغانستان Q يقول بعضهم: انتهى الجهاد في أفغانستان ولم يبق إلا مسلم يقاتل مسلماً؟ A من قال هذا الكلام فقد افترى وكذب, وهو لا يعرف نفسه، وهو أضل من حمار أهله، بل بقي القتال بين المسلمين والشيوعية، نجيب شيوعي مجرم ملحد وهو أجرم من جرباتشوف، ومن مارجريت، والجهاد ما زال, وهم بحاجة إلى مدد وعون.

حكم ذكر كلمة "سيدنا محمد" في الدعاء

حكم ذكر كلمة "سيدنا محمد" في الدعاء Q ما حكم من يذكر في الدعاء (سيدنا محمد) أو يفتتحه به؟ A كلمة "سيد" لم تأت في معرض ذكره عليه الصلاة والسلام في الأدعية، كقول بعضهم في التحيات: (اللهم صلِّ على سيدنا محمد) , هذه بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحسن: {إن ابني هذا سيد} فكلمة "سيد" لم يقلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه في التحيات أو في الدعاء، ونحن نتوقف حتى يأتينا أثر من المعصوم عليه الصلاة والسلام، فلا ندخل ألفاظاً بدعيةً في أذهاننا، مثل أحدهم إذا قام قال: سمع الله لمن حمده، يقول: ربنا لك الحمد والشكر، فكلمة "الشكر" صحيحة أنها لله لكن أنت في عبادة, هل قال محمد صلى الله عليه وسلم "الشكر" هنا؟ ما قالها فلذلك إذا أنكرت على البعض يقول: سبحان الله! تمنعني أن أشكر الله، أنا لا أمنعك أن تشكر الله لكن أمنعك أن تبتدع, لا تأت بألفاظ ولو كانت حسنة عندك في مواطن العبادة، بل لابد أن تتوقف على النصوص.

حكم دخول الحمو على الزوجة

حكم دخول الحمو على الزوجة Q أسألك بالذي نصب الجبال ومد الأرض أن توضح حرمة دخول أخو الزوج على زوجة أخيه, وأن تنشرها هنا، فإن زوجة الأخ تستقبل أخ زوجها في غياب زوجها, ويدخل ويأكل وينام هل هذا من الشرع, أجب ووضح ذلك؟ A أنت أجبت في غضون سؤالك، فأنت عرفت أن الأمر هذا محرم, ومخالف لشريعة محمد عليه الصلاة والسلام, وقد سئل صلى الله عليه وسلم في البخاري عن الحمو -والحمو: أخو الزوج- في دخوله والتحدث مع زوجة أخيه قال: {الحمو: الموت} ومعناه الموت الأحمر لأنه مأمون الجانب، ولأن الأخ يقول: أخي لا أظنه يخدعني ولا يخونني، وأخي شقيقي من أمي وأبي ومع ذلك من مأمنه يؤتى الحذر, فيلدغ من هذا المكان، ولأنه كثير الدخول والخروج، ولأنه لا يستراب بدخوله بعين الجيران فلا يقولون: فلان دخل أجنبي، يقولون: أخو الزوج دخل بيت أخيه وجلس مع زوجة أخيه وهو أخوه دخل وخرج، ولكنه على كل حال المسألة خطيرة جداً, ودخوله وكشفه على زوجة أخيه مباشرة من الفواحش والمنكرات ومن الأمور المحرمة, وما علمت أحداً قال به أو أجازه إلا رجل لا يعرف من الشريعة شيئاً. فلينتبه لهذا، ولنتكيف مع شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، ولنحفظ الله في أسرنا، فالإسلام أتى لكرامة المرأة وحشمتها وهي تقول: لا. أخو الزوج يدخل علي الليل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] إن مما يعارض الشرائع مذاهب الناس وأفكارهم, يقول الله كذا ويقولون: {حسبنا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [المائدة:104] فحسيبهم الله عز وجل أن يردهم إليه ويهديهم سواء السبيل.

موقف المسلم من النظريات المتعلقة بدوران الأرض حول الشمس

موقف المسلم من النظريات المتعلقة بدوران الأرض حول الشمس Q ما موقف المسلم أمام النظريات التي تزعم أن سبب حدوث الليل والنهار هو دوران الأرض حول نفسها؟ A أنا أقول: يا أيها الإخوة! علماء الإسلام على جلالتهم ومكانتهم، وعلماء الشريعة تخصصهم في الشريعة أما علم الفلك فإن له أناساً متخصصين درسوا فيه دراسة، فيأتي أحدهم ويقول الأرض تدور حول الشمس، فيقول العالم الذي تخصصه فقه: لا. إنها لا تدور، تقول له: لماذا؟ ليس في القرآن ولا في السنة ما يثبت دورانها، نقول: لا. القرآن لا يثبت ولا ينفي، والقرآن كتاب هداية. وأنت ليس معك علم فلك. ولذلك أحد الوعاظ في مسجد، يقول: حسبنا الله على من يقول أن الأرض تدور، قالوا: وما الرد يا شيخ؟ قال: الرد في النقل والعقل، أما في النقل فإن الله عز وجل يقول: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات:32] فأرسى الله الأرض بالجبال فلا تدور، والرد العقلي الثاني أني من يوم خلقني الله وأنا في بيتي ما دار بيتي بل هو في مكانه. سامحك الله وهل هذه ردود؟! ماذا يقول عنك الخواجة الذي قد شاب رأسه والذي يدرس الفلك منذ سبعين سنة ودار حول الأرض ونزل بالمركبة الفضائية حول القمر، ثم يصيح رجل من الجزيرة , لا. بيتي ما دار منذ خلقني الله!! إذاً: لابد أن يبقى الإنسان في تخصصه، والإسلام لا ينكر هذه الأمور، بل يقرها إذا وافقت القرآن, وأنا أقول ليس هناك إنكار, بل إنه بعضهم بسبب دوران الأرض -وهو الثابت- يتغير الليل والنهار وقد سمعت من بعض الفضلاء الأتقياء الذين يقوم الليل ويصوم النهار يقول في مجلس: الذين يقولون الشمس تبخر البحر والبحر يتبخر ثم يأتي المطر، هذا خطأ، الله ينزل المطر من السماء لا ينزل من البحر، قلنا: سبحان الله! أثبت العلم ذلك, ومن قدرة الله أن يبخره من البحر ثم يرسل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليه ريحاً ثم يمطر، وهذا أعظم في قدرة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فأوصي من عنده تخصص شرعي ألا يتجاوزه إلى غيره يحتفظ به, وألا يرد شيئاًَ إلا إذا تعارض مع الكتاب والسنة, وألا يدخل نفسه في كل شيء، فلعلم النفس والتربية والفلك والتكنولوجيا أصحابه، ولا يمكن أن يكون بحراً وعلامةً في كل شيء فيورط نفسه فيه, فلينتبه لهذا.

حكم الموالد

حكم الموالد Q إذا قلنا للناس عن بدعة المولد، قالوا: بدعة حسنة؟ A ليس هناك بدعة حسنة, كل ما ابتدع فهو بدعة سيئة, وإنما اغتر هؤلاء بقول عمر: [[نعمت البدعة هذه]] لما جمع الناس في صلاة التراويح. والرد عليهم: أن يقال: المقصد الأول: صلاة التراويح فعلها عليه الصلاة والسلام ليلتين أو ثلاث, كما في حديث زيد بن ثابت أنه جمع الناس في النافلة في رمضان فلها أصل في السنة. المقصد الثاني: أن أهل السنة يقولون: المقصود بها: البدعة في اللغة، يعني أني فعلتها في وقت الناس لا يفعلونها، مع أن الصحابة اجتمعوا لها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. إذاً: الصحيح: أن كل ما ابتدع في الدين فهو بدعة سيئة: {من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد} ولو أخذنا بكلام هذا المتكلم أنه بدعة حسنة لشرعنا للناس المستحسنات, وضاع الدين وانطفأت الشريعة, واندست كتب الحديث, وخطب الدجال على المنبر, فيأتي أي إنسان ويقول: هذه بدعة حسنة لأنها توافق الذوق، ويأتي آخر ويقول: في المولد: نحن نذكر محمد صلى الله عليه وسلم وننشد في محبته فنقول لهذا: نحن معكم وأثابكم الله على حبكم له؛ لكن هل فعل ذلك؟ هل رضي هو؟ هل قصر في تبليغ شيء من الدين؟ اذكروا لنا حديثاً واحداً أو آية تدل علىفعلكم، فعله الصحابة والتابعون؟! لا. فلماذا تستحدثون في دين الله ما ليس منه. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

أهمية صلاة الجماعة

أهمية صلاة الجماعة إن الحياة في الإسلام هي حياة القلوب، وإن أفضل ما يحيي القلوب المحافظة على صلاة الجماعة في بيوت الله، وفي هذا الدرس بيان حكم صلاة الجماعة، وهل هي واجبة أم مستحبة، وهل هي شرط في صحة الصلاة؟ وهل للمسلم أن يصلي في بيته، وما هو الأفضل في صلاة الجماعة؟ وفضل كثرة الخطى إلى المساجد، والأولى بالإمامة، وحكم صلاة المفترض خلف المتنفل، وحكم تسلسل الجماعة.

حياة القلوب في المساجد

حياة القلوب في المساجد الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، الحمد لله محيي القلوب بعد أن تموت، ومحيي الأرواح بعد أن تهلك، نسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، ونسأله بأنه الحنان المنان أن يحيي قلوبنا، فإنه الذي يخرج الحي من الميت. وأصلي وأسلم على محيي قلوب البشرية، ومعلِّم الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، ورضي الله عن كل تابع وصدِّيق، وعابد وزاهد وخيّر، وتاب الله على كل عاص، وهدى كل ضال، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: في روضة من رياض المصطفى صلى الله عليه وسلم، روضة تحيا فيها الأرواح، ومن أراد أن يحيي روحه وقلبه؛ فما له إلا بيوت الله عز وجل، ولهذا فللحديث الذي معنا في هذا الدرس صلة أيما صلة بموضوع المساجد وموضوع القلوب. والحياة في الإسلام إنما هي حياة القلوب، والحياة الطيبة إنما هي في اللجوء لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وما تحيا القلوب إلا بذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك قال عز من قائل لائماً المعرضين عنه اللاهين عن ذكره، المتلاعبين بأوقاتهم: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]. ثم أتى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالرجاء وفتح باب النوال، فقال بعدها مباشرة: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:17]. فكما يحيي الله عز وجل الأرض بعد موتها بالمطر، فكذلك يحيي هذه القلوب بالذكر، ولا تحيا قلوب العباد أبداً إلا بالكتاب والسنة، ومن أراد أن يحييها بغير كتاب الله عز وجل، وبغير سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإنما هو يميتها ويهلكها ويفنيها، وفساد القلب كل الفساد هو أن يعرض عن الكتاب والسنة. عناصر الدرس: فمع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع حديث طاهر طيب عطر، تفوّه به أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم، ونقله إلينا العابد الزاهد القدوة أبو هريرة حافظ الأمة رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {والذي نفسي بيده؛ لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم بالنار، والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء معنا} متفق عليه، وزاد الإمام أحمد في المسند {والذي نفسي بيده، لولا الذرية والنساء لحرقت عليهم بيوتهم} وهذا حديث اتفق البخاري ومسلم على أصله، وانفرد الإمام أحمد في المسند بزيادة الذرية. وهنا ثماني عشرة قضية، وهي من القضايا الكبرى في حياة المسلم: أولها: ما حكم صلاة الجماعة؟ ثانياً: هل هي شرط في صحة الصلاة؟ ثالثاً: هل للمسلم أن يصلي الصلاة في بيته، ثم ما هو الأفضل في الجماعة، ثم فضل المسجد الأبعد، ثم لا يَؤُم المسلم مع وجود الإمام الراتب، ومن أولى الناس بالإمامة، ومن حضر فريضة وقد صلى الفريضة هل يصلي ويعيد ومن رأى متنفلاً هل له أن يدخل معه في النافلة. كل هذه القضايا وغيرها سوف تطرق -بإذن الله- وسوف تكون مجالاً للدراسة في هذه الجلسة، ونسأل الله الهداية والسداد والتوفيق والعون.

حكم صلاة الجماعة

حكم صلاة الجماعة أما صلاة الجماعة فأهل العلم على فريقين، وإنما أذكر الخلاف ليستفيد منه طلبة العلم، وهم يعرفون هذه الأمور، ولننوه بآراء العلماء، ثم يظهر الراجح والرأي الأصوب بعون الله.

القائلون بسنية صلاة الجماعة وأدلتهم

القائلون بسنية صلاة الجماعة وأدلتهم ذهبت المالكية والأحناف إلى أن صلاة الجماعة سنة مؤكدة، وأن من صلَّاها في بيته فقد نقص عليه من الأجر سبع وعشرون درجة، وأما الإثم فليس عليه إثم، وقد سقطت عنه الصلاة، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: {تفضل صلاة الجماعة صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة} هذه رواية ابن عمر في الصحيحين، وفي رواية أبي سعيد: {بخمس وعشرين درجة} فقالوا: ما دام أن الرسول عليه الصلاة والسلام فاضل بين صلاة المنفرد وصلاة الجماعة إذاً فصلاة المنفرد صحيحة، ولو كانت باطلة لما فاضل بينها عليه الصلاة والسلام.

القائلون بوجوب صلاة الجماعة وأدلتهم

القائلون بوجوب صلاة الجماعة وأدلتهم ورد الجمهور من الفقهاء والمحدثين والمحققين على القائلين بسنية صلاة الجماعة بثمانية أدلة كلها من الكتاب والسنة، وقالوا: بل إن صلاة الجماعة واجبٌ أوجبه الله عز وجل، وأوجبه رسوله صلى الله عليه وسلم على كل مسلم ليس له عذر. الدليل الأول: استدلوا بقوله تبارك وتعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] ومعنى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] أي: صلوا مع المصلين، فهو من ذكر الشيء ببعض سببه، وإلا فالمعنى: فصلوا مع المصلين واركعوا مع الراكعين، وإلا لقال عزَّ من قائل: واركع مع الراكع، ولكن قال: مع الراكعين. الدليل الثاني: واستدلوا من القرآن أيضاً بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء:102] وهذه في صلاة الخوف. فقال الإمام أحمد ومعه ابن تيمية وابن القيم: ما دام الله عز وجل لم يعذر الناس في ترك صلاة الجماعة والسيوف على رءوسهم والرماح تأخذ من أجسامهم وأجسادهم، فكيف يعذرهم وقت الأمن والراحة؟! هذا لا يدخل في المعقول أبداً. الدليل الثالث: واستدلوا على ذلك بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ} [النور:36] ولم يقل (رجل): {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ} [النور:37]. الدليل الرابع: واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:18] فمن لم يعمر مسجد الله وبيت الله، فلا يؤمن بالله واليوم الآخر. الدليل الخامس: واستدلوا بالحديث الماضي -وهو متفق عليه- وهو قوله عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام -وفي لفظ: فأخلِف رجلاً يصلي بالناس- ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ,والذي نفسي بيده لو يجد أحدهم عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين الحديث} والمرماتين: قيل: صفيحة الشاة، وقيل: كتفها، وقيل: هو بين الساعد والعضد، والحاصل أنه عضو من الشاة. يقول عليه الصلاة والسلام: والله لو أن هؤلاء المتخلفين عن المسجد يجد أحدهم قطعة من اللحم لأتى إلى الصلاة وإلى المسجد ليأكلها، أو دعي لمكان فيه وليمة لحضر؛ لأنه يريد العاجل من الدنيا وشبع بطنه. فكيف يضيع الأجر العظيم عند الله؟ وهو علامة النفاق، فمن تخلف عن أجور الآخرة وأتى لأجور الدنيا فهذا من علامة النفاق. الدليل السادس: واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد وأبو داود -وهو حديث صحيح- عن أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما من ثلاثة في قرية أو في بادية لا يصلون جماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان} رواه أبو داود ورواه الإمام أحمد وسنده صحيح. الدليل السابع: واستدلوا كذلك بقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لينتهينَّ أناس عن ودعهم الجمع والجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين}. الدليل الثامن: ومن أدلتهم أيضاً: ما في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: {إن الله عز وجل فرض على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإن الصلاة من سنن الهدى، ولو أنكم تخلفتم كما يتخلف هذا المنافق في بيته؛ لخالفتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، ولو خالفتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لهلكتم، والذي نفسي بيده، لقد كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين من المرض حتى يقام في الصف} وهذا المكان في عهد الصحابة رضي الله عنهم. ومن أدلتهم أيضاً: ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما، يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من سمع النداء ثم لم يجب فلا صلاة له إلا من عذر} روى هذا الحديث أبو داود في سننه، وابن ماجة في سننه، وابن حبان في صحيحه، وقال عبد الحق الأشبيلي الأندلسي: سند هذا ما وراءه في الصحة سند. وقد قبل شيخ الإسلام هذا الحديث في المجلد الثالث والعشرين من الفتاوى وصححه، وقبله ابن القيم، وقبله الحفاظ، وصححه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وهو حجة في أن من ترك صلاة الجماعة فلا صلاة له إلا من عذر. وفي سنن البيهقي وهي من أدلة الجمهور، قول علي رضي الله عنه وأرضاه: [[لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد]] وبعض العلماء يرفع هذا الحديث إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وبعضهم يوقفه على علي، والصحيح أنه موقوف. واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: {جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمى -وفي غير رواية مسلم أنه عبد الله بن أم مكتوم - فقال: يا رسول الله! إني شاسع الدار -أي: بعيد الدار- وبين داري والمسجد هوام وسباع وواد مسيل وليل، وليس لي قائد يلائمني، فهل تجد لي من رخصة؟ فرخص له صلى الله عليه وسلم، فلما ولى دعاه، قال: أتسمع النداء؟ -وفي رواية صحيحة: أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ - قال: نعم. قال: أجب فإني لا أجد لك رخصة}. وقال ابن عمر كما عند البيهقي بسند جيد: [[كان الرجل إذا تخلف عن صلاة الجماعة اتهمناه في دينه]]. فالذي يتخلف عن صلاة الجماعة في المسجد وليس له عذر فهو متهم في دينه بلا شك، لما روى الترمذي بسند تكلم فيه أهل العلم؛ لوجود دراج بن أبي السمح وهو رجل ضعيف، قال: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من رأيتموه يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان} فمفهوم المخالفة في الحديث أن من لا نراه يعتاد المسجد فلا نشهد له بالإيمان. وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان أخشى الخلق لله، وأخوفهم لله فلم يترك صلاة الجماعة إلا من مرض أسقطه على فراشه خمس مرات، كلما وثب ليتوضأ سقط على فراشه من الإعياء، فلم يترك جماعة في حياته أبداً عليه الصلاة والسلام، وكان الصحابة بعده يتعاهدون الصلاة جماعة، فإذا تخلف الرجل سألوا عنه، فإما أن يكون معذوراً، وإلا فإنه معلوم النفاق، ويشهدون عليه بالنفاق. ولذلك كان من أعظم الأعمال في الإسلام -أعظم من الجهاد، وأعظم من الصدقة، وأعظم من أن تهراق الدماء في سبيل الله، وأعظم من أن ينفق المرء ما له غِلقا غِلقاً في سبيل الله، وأعظم من أن يذهب كل ما عندك في طاعة الله- المحافظة على الصلوات الخمس في المسجد. يقول عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم عن أبي هريرة: {ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط} قالوا: الرباط هو أعظم درجات الإحسان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران:200] فأعلى درجات الإحسان في الإسلام الرباط في المسجد.

محافظة السلف على الجماعة

محافظة السلف على الجماعة قال عدي بن حاتم رضي الله عنه وأرضاه: [[والله ما دخلت عليَّ صلاة إلا وأنا متوضئ ومتهيئ لها بالأشواق]] وقد ذكر هذا الإمام أحمد في كتاب الزهد، وأيضاً عامر بن عبد الله بن الزبير، وكان من الصالحين الأخيار الذين داوموا على ذكر الله عز وجل، وهذا الرجل نشأ في طاعة الله وهو ابن لـ عبد الله بن الزبير، وكان عنده كتاب دائماً، وكان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه إلى طلوع الشمس، ثم خرج إلى المقابر، يعود من المقابر إلى بيته ثم إلى المسجد، فيقول له الناس: [[ألا تجلس معنا؟ قال: أجلس مع أناس لا يغتابون الأحياء، ولا يؤذون إخوانهم وجلاسهم، فلا أوعظ من قبر ولا أحسن من كتاب، وكان كلما سجد قال: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، فقال له أبناؤه: وما هي الميتة الحسنة يا أبتاه؟ قال: أن يتوفاني الله وأنا ساجد، وقبل أن تأتيه سكرات الموت، أُذِّن لصلاة المغرب، فقال: احملوني إلى المسجد، قالوا: إنك معذور، قال: أسمع حي على الصلاة حي الفلاح ثم لا آتي المسجد!! فحملوه على أكتفاهم فصلى جالساً، فلما أكمل الصلاة وأصبح في السجدة الأخيرة قبضه الله إليه]]. قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. وقال الأعمش وهو في سكرات الموت، وأبناؤه يبكون: لا تبكوا والذي نفسي بيده! ما تركت تكبيرة الإحرام مع الإمام ستين سنة. وقد ذكرها الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء. وقالوا عن سعيد بن المسيب: أنه ما ترك صلاة الجماعة -أو ما فاتته- أربعين سنة، وما نظر إلى قفا أحد إلا قفا الإمام. ومن هذه الأدلة قال أهل العلم: صلاة الجماعة واجبة، ولا يعذر أحد بتركها، ومن صلى وحده بلا عذر فقد أساء وأثم كل الإثم، وأمره إلى الله عز وجل. وزاد شيخ الإسلام ومجدد الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: "صلاة الجماعة شرط في صحة الصلاة، فمن صلى وحده بلا عذر فلا صلاة له أبداً"، وقد ذكر هذا في الفتاوى، ونقلها عنه أهل العلم، وهذه من أعظم المسائل التي أوردها رحمه الله. إذاً فصلاة الجماعة واجبة على كل مسلم ولا يعذر أحد بتركها، إلا من له عذر شرعي كما سوف تأتي الأعذار بإذن الله.

القائلون بشرطية الجماعة

القائلون بشرطية الجماعة وأما المسألة الثانية: هل هي شرط في صحة الصلاة؟ فقد تقدم أن ابن تيمية يقول: إنها شرط، وأن الصلاة لا تصح إلا جماعة إلا من عذر، وأما المصلي في بيته فقد أثم، وقد ارتكب شعبة من النفاق، وأمره إلى الله عز وجل ولا نحكم عليه بشيء، وإنما نكل حكمه إلى علام الغيوب: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].

أفضل الجماعة ومسائل الإمامة

أفضل الجماعة ومسائل الإمامة

أفضل الجماعة

أفضل الجماعة وأما أفضل الجماعة: فأفضل الجماعة ما كان أبعدها ممشى، لحديث أبي موسى رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أفضل الناس في الصلاة أبعدهم إليها ممشى} وفي لفظ لـ مسلم: {أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى} وهذه الرواية في صحيح مسلم، فكلما ابتعد المسجد عن العبد كان أعظم وأكثر ثواباً. وكان ابن عمر رضي الله عنهما وأرضاهما إذا خرج إلى المسجد يقارب بين خطاه حتى كأنه نملة، فقيل له: لماذا تفعل ذلك؟ قال: [[ما رفعت خطوة إلا رفع لي بها درجة، ولا وضعتها إلا حط عني بها خطيئة]]. وأفضل الجماعة كذلك ما كثر عدد مصليها، لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وسنده حسن، قال صلى الله عليه سلم: {صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى} فإذا رأيت جماعة كثيرة فحاول أن تكون معهم. قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: " وإنما تفاضلت الجماعات لكثرة القلوب، وكثرة الدعاء؛ فان الله عز وجل يرحم الجمع العظيم، والقوم إذا اجتمعوا من المسلمين لا يشقى بهم جليسهم أبداً "، كما صح به الحديث، فكلما كانت الجماعة أكثر كانت أفضل.

الإمام الراتب

الإمام الراتب وأما الإمامة ومسائل الإمامة فهي باب يدخل في الجماعة.

حكم تقديم إمام مع وجود الإمام الراتب

حكم تقديم إمام مع وجود الإمام الراتب وبعد ذلك مسألة " ولا يؤم مع وجود الإمام الراتب "، والإمام الراتب هو من عُيَّن، وكُلِّف من قبل المسلمين وارتضي في إمامة المسجد، له حسنات إمامته وعليه سيئاتها وإثمها، إن أحسن فله وللمصلين، وإن أساء فعليه، فهذا لا يُتبرع بالإمامة مع وجوده، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ولا يؤمنَّ الرجل الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه} ويدخل في السلطان الإمام الراتب الذي عُيّن في المسجد فله أن يصلي بالناس، وليس لأحد من الناس أن يعترض عليه، ولو كان أقرأ منه، أو أفقه، أو أعلم، ولا يؤخره من المحراب، بل يتركه يؤم الناس وهو ضامن؛ فأنت تكله إلى الله عز وجل، وتصلي وراء كل من كان ظاهره الإسلام، قال ابن تيمية رحمه الله: " ترك الصلاة خلف أهل البدع الذين ولوا أمر المسلمين من البدعة " أي: أن من البدعة أن تترك الصلاة خلف رجل ولي الأمر وهو مبتدع، وما زال الناس منذ عهد الصحابة يصلون وراء أئمة الجور، وقد صلَّى ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه -عام سبعين للهجرة- وراء الحجاج بن يوسف الثقفي في منى عندما صلى بالناس، وصلَّى أنس وراءه، وصلى سلمة بن الأكوع وراءه، وصلَّى الأخيار وراءه. فالذي ظاهره الإسلام تصلي وراءه ولا تسأل عنه، ولا تقل: ما عقيدتك؟ وكيف يستوي الله عز وجل على العرش؟ وماذا تقول في الأسماء والصفات؟ بل من ظاهره الإسلام وظاهره الستر تصلي وراءه. هذه من المسائل التي أقرها أهل السنة والجماعة. أما رجل تبرع بالصلاة وهو مبتدع فليس لك أن تصلي وراءه، فهو إذا جاء متبرعاً ويريد أن يتقدم إلى المحراب فلك أن تؤخره، وألا تصلي وراءه؛ فإنه قد تدَّخل في مسألة لا حق له فيها، وليس له مقام في هذا الباب لا من الكتاب ولا من السنة.

جواز النيابة عن الإمام الراتب

جواز النيابة عن الإمام الراتب وأما مع عدم وجود الإمام الراتب؛ فانه يَؤُم غيره إذا تغيب: لمرض أو لعذر آخر، ففي الصحيح عن سهل بن سعد، قال: تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم -الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقوم بمهمات الأمة جميعها: بالجهاد، بالإفتاء، بالتعليم، بالتربية، بشئون الجيش، بكل شأن في شئون الحياة- فأتاه قبل صلاة الظهر قوم من بني عوف، وقالوا: يا رسول الله! أصلح بيننا -وهذه رواية سهل بن سعد - فقام عليه الصلاة والسلام ليصلح بينهم في العوالي، -والعوالي تجاه خيبر شمال المدينة - فتأخر عن صلاة الظهر، فأذن بلال رضي الله عنه وأرضاه، فانتظر الناس دخوله صلى الله عليه وسلم فلم يحضر، فقال بلال لـ أبي بكر: يا أبا بكر! تخلَّف رسول الله صلى عليه وسلم، فهل أُقيم وتصلي بالناس؟ قال: نعم إن شئت، فأقام، فلما انتهى من الإقامة قال أبو بكر -من باب التواضع والتقدير واليسر-: يا عمر! صلِّ بالناس، قال: لا والله لا يصلي إلا أنت، فتقدم يصلي بالناس فلمَّا سوَّى الصفوف وأصبح في الركعة الأولى، أتى عليه الصلاة والسلام ودخل من الباب الذي عند بيت عائشة في ميسرة المصلى، وكان إذا أراد أن يخرج على الناس كشف صلى الله عليه وسلم الحجاب، وخرج عليهم عامداً إلى المحراب، فإذا رآه بلال أقام. فالرسول صلى الله عليه وسلم توضأ ثم كشف الحجاب؛ فإذا الناس في الصفوف، فارتبك الناس؛ رسول البشرية ومعلِّم الإنسانية صلى الله عليه وسلم يصلي مأموماً اليوم، وهو لم يصلِّ في حياته إلا إماماً- فلما ارتبك الناس أخذوا يصفقون لـ أبي بكر وأبو بكر مواصل، وذلك لسببين: إما لأنه لم يلتفت، وقيل: لأنه لم يفهم لأنه لا يدري ما الذي حدث ومن الذي دخل، فأخذوا يضربون على أفخاذهم، فلمَّا طال الأمر وعلت الرجَّة في المسجد، التفت رضي الله عنه -وللمسلم أن يلتفت للحاجة في الصلاة ولو في الفريضة، وقد صح بذلك حديث- فالتفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه تبسم صلى الله عليه وسلم وقال: مكانك، فرفع أبو بكر يده إلى السماء ورجع القهقري ففتحوا له فرجة فدخل، فأتى عليه الصلاة والسلام فبنى على الصلاة -وهم لم يركعوا وإنما هم في الركعة الأولى- وصلى فلما انتهى صلى الله عليه وسلم قال للناس: {ما بالكم صفقتم لما دخلت؟ من رابه شيء فليسبح، فإنما التصفيق للنساء} فالتفت إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فقال: يا أبا بكر! {ما منعك أن تصلي حين أشرت إليك} فقال المتواضع الصادق الصديق الزاهد رضي الله عنه وأرضاه: [[ما كان لـ ابن أبي قحافة أن يصلي بقوم فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم]] كان بإمكانه أن يقول: عبد الله بن عثمان، فهو اسمه أو كنيته أبو بكر الصديق، لكن قال: (ابن أبي قحافة) لأن أبا قحافة جده، فأراد أن يصغِّر نفسه فقال: أنا ابن أبي قحافة كيف أصلي بالناس، قال: {فما بالك رفعت يديك} قال: حمدت الله على أنك وثقت فيَّ -أو كلاماً في معناه- وهو يقصد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مكانك} فهذه تزكية من الرسول عليه الصلاة والسلام. فالرسول عليه الصلاة والسلام حين تخلف صلى أبو بكر بالناس. وعند ابن خزيمة عن المغيرة بن شعبة وأصل الحديث في مسلم أن الصحابة خرجوا في غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما قمنا لصلاة الفجر ذهب صلى الله عليه وسلم، للحاجة وأبعد في الخلاء عليه الصلاة والسلام -لأنه كان إذا ذهب ليقضي حاجته أبعد حتى لا تراه العيون- فلما توضأ الناس وأذنوا لصلاة الفجر خافوا من أن تطلع الشمس فأقام بلال الصلاة، فلما أقام بحثوا عن الرسول عليه الصلاة والسلام فلم يجدوه. فقال عمر لـ أبي بكر: تقدم يا أبا بكر فصلِّ بالناس، قال: لا والله، قال: تقدم أنت، قال: لا والله، قالوا: من يتقدم؟ فتقدم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه، فصلى ركعة، فلمَّا كان في الركعة الثانية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، فلما سلموا رأوا الرسول عليه الصلاة والسلام يكمل، فخجلوا أيما خجل، والتفتوا إليه فسلم وتبسم لهم وقال: {أصبتم وأحسنتم}. فهو إقرار بالكلام وبالابتسام منه صلى الله عليه وسلم. وصلى أبو بكر في مرض موته عليه الصلاة والسلام، تلك الأيام حتى توفي عليه الصلاة والسلام. فللمسلم إذا تأخر الإمام وعلم أنه تأخر يقيناً أن يصلي بالناس وليتبرع، وينوي -إذا تقدم إلى المحراب- بعمله وجه الله عز وجل، وأن يحتسب أجره على الله، وأن يعلم أن في الحديث الصحيح: {أن من أمَّ قوماً وهم به راضون، أجلسه الله يوم القيامة على كثيب المسك على ميمنة الرحمن سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وكلتا يديه يمين} فإذا تقدم فليعتقد أن هذه دعوة، وأنه يريد الإفادة، وأنه يريد بها وجه الله عز وجل، فأعظم دعوة أن تتلو القرآن في الصلاة على الناس: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} [النمل:92] وإذا عُلم هذا فهذه الأعذار التي تبيح للمسلم أن يتقدم للإمامة إذا غاب الإمام أو مرض.

إذا ابتلي بأناس يؤخرون الصلاة عن وقتها

إذا ابتلي بأناس يؤخرون الصلاة عن وقتها أما حكم من حضر فريضة وقد صلَّى بالناس، وهي أمور تحدث في الأمة أخبر بها صلى الله عليه وسلم، وسوف يعيشها الإنسان، وسوف تمر به في ظروف، وفي أماكن وأزمان، فسوف تصاحب أناساً يؤخرون الصلاة ويميتونها إماتة، حتى لا يصبح لها طعم ولا قيمة، ولا يرضاها الله عز وجل، وترتفع إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيردها على أصحابها، أولئك قوم يتركون الوقت حتى يكاد ينتهي، ثم يقومون وينقرون صلاتهم، قد تُبتلى بهؤلاء في عملك، أو في وظيفتك، أو في أي مكان أو زمان، فما الحل وما المخرج؟ هذه المسألة عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا أبا ذر! ماذا تفعل إذا أدركت قوماً يميتون الصلاة؟ قال: كيف يميتونها يا رسول الله؟ قال: يؤخرونها عن وقتها -فبماذا أجاب أبو ذر رضي الله عنه؟ هل قال: أعتزل وأبقى في بيتي؟ -لا قال: آخذ سيفي -يا رسول لله- فأضرب به حتى يبرد، فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: أو خير من ذلك، قال: ماذا؟ قال ما معناه: تصلي في بيتك -صلاة الفريضة -فإذا أتيت معهم فلا تقل: إني صليت فلا أصلي -وهذا عند مسلم - ولكن صلِّ معهم فإنها لك نافلة}. فالإنسان لا يحبس نفسه ساعة طويلة وتفوته الفريضة، بل إذا علم أنه في جمع أو في مكان وأحرج، فليقم وليصلِّ الفريضة، ثم ينتظر ويصلي معهم نافلة ولا يقل: إني صليت، لئلا يحدث عليه إحراجات، ويحدث عليه تساؤلات؛ لأنه قد يقال له: أنحن كفار أو منافقون حتى لا تصلي معنا؟ فعليه أن يصلي الفريضة ثم يصلي معهم ويجعلها نافلة. وقد قال عامر الشعبي: رأيت سعيد بن جبير وكثيراً من التابعين يصلون وراء الحجاج وهو يخطب على المنبر، فهو يخطب خطبة الجمعة ويلقي محاضرة مطوَّلة، يمدح فيها عبد الملك بن مروان وبني أمية، وخالاتهم وعماتهم وأصحابهم ودولتهم، فلما أطال عليهم تذمر هؤلاء التابعون فصلوا إيماءً وهم جلوس ثم صلوا معه نافلة؛ لأنه فوت عليهم الصلاة، ولذلك كان هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم توجيهاً للمسلم على أن يحافظ على الصلاة في وقتها، ثم يصلي مع الناس نافلة.

من صلى في بيته ثم دخل مسجدا والناس يصلون

من صلى في بيته ثم دخل مسجداً والناس يصلون وعند أبي داود والترمذي عن الأسود بن يزيد، قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر في مسجد الخيف بـ منى -مسجد الخيف مكان تقاسم فيه الكفار على الكفر وهم في منى فأتى صلى الله عليه وسلم ليجعله بيتاً لله عز وجل- فصلى صلاة الفجر، فلما انتهى من الصلاة ومعه الحجاج التفت فإذا في طرف المسجد رجلان لم يصليا، فقال: عليَّ بهما، فأخذ الصحابة هذا بيده وهذا بيده، وسحبوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الأسود بن يزيد: ترعُد فرائصهما -والفرائص هي: اللبة في الفرس بين اليد والرجل، أي: أنها من كثرة الخوف تضطرب هذه الأماكن؛ لأنهم دُعوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام- فقال صلى الله عليه وسلم: {ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: يا رسول الله! إنا صلينا في رحالنا -أي: صلينا في بيوتنا، أو في خيامنا في منى - قال صلى الله عليه وسلم: إذا صليتم في رحالكم وأتيتم والناس يصلون فصلوا فإنها لكم نافلة}. فالمسلم إذا دخل مسجداً وقد صلى -في أي مسجد آخر- ومرَّ بجماعة وهم يصلون فعليه أن يصلي معهم وتكون له نافلة، ولا يقلْ: إني صليت، بل يدخل معهم ويكتبها الله له نافلة.

أي الصلاتين تحسب فريضة الأولى أو الثانية

أي الصلاتين تحسب فريضة الأولى أو الثانية هل هذه النافلة التي صلَّاها هي الثانية أو الأولى؟ قال ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه عن أبيه: [[هي لله عز وجل يكتب الفريضة بما أراد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى]] وقال غيره وهو الصحيح: الفريضة الأولى؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {صليا فإنها لكما نافلة} أي: الثانية لكما نافلة، فالثانية هي النافلة والأولى هي الفريضة، هذه مسألة.

حكم اختلاف نية الإمام عن نية المأموم

حكم اختلاف نية الإمام عن نية المأموم هل تجوز صلاة المتنفل بالمتنفل، والمفترض بالمتنفل، والمتنفل بالمفترض؟ أولاً: المتنفل بالمتنفل: إنسان دخلت وهو يصلي صلاة الضحى، فهل لك أن تصلي معه صلاة الضحى؟ أو إنسان يصلي الوتر في آخر الليل هل لك أن تدخل معه لتصلي صلاة الوتر؟ الصحيح -الذي دلَّت عليه النصوص، وهو التحقيق من كلام أهل العلم- أن صلاة النافلة بعد إمام متنفل جائزة، وعلى ذلك دلت النصوص ومنها: حديث ابن عباس في الصحيح: أنه قام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة يوم بات عند خالته ميمونة، فأخذه صلى الله عليه وسلم وأقامه عن يمينه فصلى به جماعة. ومنها: حديث أنس قال: {زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت لنا، فقام يصلي بنا، فأخذت حصيراً قد اسودَّ من طول ما لبس -والحصير: الفراش من خصف- فنضحته بالماء، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم} وهي نافلة، فلك أن تصلي نافلة، لكن لا تجعلها دائمة، فإن من داوم على صلاة النافلة جماعة -غير التراويح- فقد ابتدع، فمن يأتي ويجمع الناس كل ضحى النهار، ويقول: صلاة الضحى، ويداوم عليها جماعة فقد ابتدع، لكن أحياناً وأحياناً، أو يجعل الوتر دائماً جماعة فقد ابتدع، لكن أحياناً وأحياناً. ثانياً: وأما صلاة المفترض بالمتنفل الصحيح أنها واردة وثابتة، ويكفي فيها حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه، أنه كان يصلي مع الرسول عليه الصلاة والسلام الفريضة، ثم يعود إلى قومه بني سلمة في قباء فيصلي بهم، فهي له نافلة ولهم فريضة. ثالثاً: وأما صلاة المتنفل بالمفترض فالحديث الأول -حديث الأسود بن يزيد -: {فإنها لكما نافلة} فهم يصلون نافلة وهو مفترض. والصلاة أربع صور: الأولى: مفترض بمفترض. الثانية: متنفل بمفترض. الثالثة: مفترض بمتنفل. الرابعة: متنفل بمتنفل. وكلها جائزة والحمد لله ودلَّت عليها النصوص. أما الفريضة: المفترض بالمفترض فهذا واجب.

إعادة الصلاة

إعادة الصلاة مسألة: من صلَّى المغرب هل له أن يعيد؟ ذكر ذلك ابن قدامة في المغني والنووي في المجموع، فإذا صليت صلاة المغرب، ثم أتى أناس يصلون، هل لك أن تعيد صلاة المغرب؟ وخصصت صلاة المغرب؛ لأن صلاة المغرب وتر النهار، وهي ثلاث ركعات، فإذا صليت المغرب مرتين أصبحت ستاً فانتهى الوتر، وقد منع قوم من الحنابلة هذه الإعادة، وقالوا: لا تصح؛ لأنها وتر النهار، والصحيح أنك تعيدها، وأنك إذا أتيت جماعة أخرى فلك أن تصلي مرة ثانية، وسوف يبقى وِتْرك هو وترك، ولكنَّ هذه سوف تبقى لك نافلة؛ لعموم الأحاديث السابقة، وهذا واضح إن شاء الله.

حكم إعادة الصلاة مع المنفرد

حكم إعادة الصلاة مع المنفرد مسألة: إعادة الصلاة مع المنفرد: سواءً العصر أو الظهر أو الفجر، إذا تخلف رجل عن صلاة الفجر فجاء وقد صليت، هل لك أن تعيد معه الصلاة؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس} فكيف تصلي معه؟ لك أن تصلي معه وتعتبر هذه الصلاة نافلة لك، ورد عنه عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود والترمذي بسند جيد: {أن رجلاً دخل بعدما صلى الناس، فقال عليه الصلاة والسلام: من يتجر على هذا؟ -يتَّجر من التجارة، أي: طلب الأجر- وهذه رواية الترمذي، وفي رواية: من يتصدق على هذا؟ فقام أحد الناس فصلى معه} فإذا أردت أن تتصدق على مسلم فتصلي معه في أي وقت، بعد الفجر، أو بعد العصر، أو في أي وقت جاز ذلك وأجرك عند الله عز وجل. وهذه المسألة -إعادة الصلاة مع المنفرد- دل عليها حديث أبي داود والترمذي وهو حديث صحيح، فأعد الصلاة مع المنفرد لتتصدق عليه.

قطع النافلة للدخول في الفريضة إذا أقيمت

قطع النافلة للدخول في الفريضة إذا أقيمت مسألة قطع النافلة للفريضة: وكثير من الناس يبتلون بهذه المسألة، وهي أنهم يصلون نافلة ثم تقام الصلاة، فماذا يفعل إذا أقيمت الصلاة وهو في النافلة؟ هل يكمل النافلة ويدخل في الجماعة أم يقطع النافلة ويدخل مباشرة؟ يقول ابن تيمية رحمه الله: يقطعها مباشرة ولو كان في آخر لحظة من النافلة، أي: حتى لو كنت في التشهد وقد أقام، وتخاف أن تفوتك تكبيرة الإحرام فاقطعها مباشرة وقم للفريضة؛ لأن تكبيرة الإحرام مع الإمام في الفريضة أفضل مما عداها من النوافل. فهذا رأي ابن تيمية، يقول: اقطعها مباشرة ولو كنت في اللحظات الأخيرة، ولا تتحرَّى وتقول: أتمها ثم أدخل معهم؛ لأن تكبيرة الإحرام سوف تفوتك. ورأى قومٌ من أهل العلم أنك إن كنت في آخر النافلة وتستطيع أن تدرك الركعة الأولى فأكملها، وإن كنت لا زلت في أول النافلة ولا يمكنك الإدراك فعليك أن تقطع وتدخل. وقد اشتهر بين الناس أنهم إذا أرادوا أن يقطعوا النافلة سلَّموا وهم وقوف، وهذا ليس من السنة، ولم يأت فيه حديث ولا أثر، بل يقطع الصلاة هكذا ويدخل، أما السلام واقفاً فمن أين؟ ورد السلام واقفاً في صلاة الجنازة فقط، أما في النافلة إذا أردت أن تقطعها فلا تسلَّم عن اليمين واليسار، بل اقطعها وأبطلها وادخل في الفريضة مباشرة. وتفضيل التكبير على النافلة لحديث: {فإنه من وافق تكبيره تكبيرة الإحرام مع الإمام غفر الله له ما تقدم من ذنبه} وفي البخاري: {من وافق تكبيره تكبير الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه}.

ما يحصل به إدراك الجماعة

ما يحصل به إدراك الجماعة وهي مسألة شهيرة، وهي من المسائل الغامضة والتي خاضها كثير من أهل العلم وهي مسألة: ما تدرك به صلاة الجماعة؛ وهنا وقفة بسيطة أو كلمة بين قوسين: العجيب أن ابن تيمية رحمه الله هذا المجدد العظيم، يأتي إلى هذه المسائل الدقيقة فيبحثها بحثاً موسعاً ويكتب في بعضها مائة صفحة، حتى إن الذي لا يعرف حياة ابن تيمية يقول: ابن تيمية لم يعرف إلا هذه المسائل، لكنْ إذا نظرت إلى ابن تيمية في مجال الدعوة فإذا التاريخ يمشي مع ابن تيمية، وإذا تأملته في الجهاد فإذا هو الذي نُصب للجهاد، وهو الذي قمع -بإذن الله وبمعونة الله- التتر المغول. فهذا الشخصية المكتملة تطلب من المسلم ألا يتبجح بشيء، ولا يستهين بشيء؛ لأنه قد تأتي طائفة في المجتمع يقولون: إن الناس يُقتلون، والإسلام يُنتهب، وأنتم في مسائل بمَ تدرك صلاة الجماعة؟ وكيف يُغتسل من الجنابة؟ وكيفية المضمضة والاستنشاق، وكم تحيض المرأة وكم تعتد؟ لكن من عظمة الإسلام أن يعالج هذه المسائل وأن يدقق معها، ثم إنه لا ينسى تلك المسائل الكبرى، فمن الذي أتى بهذه المسائل إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ومن الذي جاهد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ومن الذي حكم بالعدل إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد من هذه المسائل جميعاً، حتى المسائل الدقيقة في الحيض لا بد أن تدرس وأن تفهم للناس. ثم المسائل الكبرى: مسائل العقيدة، مسائل الجهاد، مسائل توحيد كلمة المسلمين لا بد أن تدرس كذلك، فهذه كلها مطلوبة، وإنما ذكرت هذا؛ لأن مثلي من المقصرين قد يمرُّ على ترجمة ابن تيمية فيقرأ عنه في هذه الجوانب فإذا هو يعيش حياة فيها، وإذا هو في الجهاد، وإذا هو في الزهد، وإذا هو في العبادة فرضي الله عنه وأرضاه. في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أدرك من صلاة الفجر سجدة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة، ومن أدرك من صلاة العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الصلاة} وهذا لفظ مسلم، وفي لفظ: ركعة. قال الأحناف: تدرك صلاة الجماعة بالتشهد، فإذا دخلت في التشهد قبل السلام فقد أدركت الجماعة، وقال أهل التحقيق من المحدثين وعلى رأسهم ابن تيمية: تدرك صلاة الجماعة بركعة ولا تدرك بأقل؛ فمن أدرك ركعة مع الإمام ومع الناس وهم يصلون فقد أدرك فضل الجماعة وأدرك الجماعة، ومن أدرك أقل منها فلم يدرك الجماعة، فلا بد من ركعة تدركها على الأقل لتدرك فضل الجماعة وأجرها. ثم يقول ابن تيمية في المجلد الثالث والعشرين من الفتاوى: واعلم أنه ليس هذا مجال النيات؛ فإن من أتى من بيته متطهراً، وأتى والناس قد صلوا وخرجوا من المساجد وهو يريد صلاة الجماعة كتب الله له أجر الجماعة، وهذا صح فيه حديث، فهي على النية، والله يعلم حرص العبد على الخير. والخلاف في هذه المسألة يفيد أموراً: في مسألة -مثلاً- من صلَّى الجمعة فأدرك مع الإمام أقل من ركعة، فعلى قول الأحناف يعيد ركعتين وهي صلاة جمعة، وعلى قول ابن تيمية فإنه يعيدها ظهراً؛ لأنه صلَّى أقل من ركعة. والراجح أن الصلاة لا تدرك إلا بركعة، ودليلهم حديث أبي بكرة في الصحيح: {زادك الله حرصاً ولا تعد} ودليلهم حديث البيهقي عن ابن مسعود -وهو ضعيف حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أدرك الإمام ساجداً فليسجد معه ولا يحتسبها، ومن أدركه راكعاً فليركع معه وليحتسبها} وقد ذكر هذا البليهي في السلسبيل، لكن هذا مع ذاك يؤيد أنها ركعة، ثم ابن تيمية ينظَّر تنظيراً علمياً؛ لأن الركعة هي آخر ما قامت عليه الأحكام، ولأن من ترك الفاتحة وأدرك الركوع نابت عن الركعة، فعلى هذا تدرك أقلها بركعة وهذا هو الصحيح إن شاء الله. والسنة: إذا دخلت المسجد ورأيت الإمام على حال أن تدخل معه في أي حال كان، هذه هي السنة، فإذا دخلت والإمام يقرأ التشهد فادخل معه، وإذا دخلت وهو ساجد فاسجد، أو راكع فاركع، أما الذي اشتهر بين الناس أنه إذا كان متشهداً فإنه ينتظر حتى يقوم، أو كان ساجداً ينتظر حتى يقوم ويجلس، فهذا خطأ بل اسجد معه وادخل على أي هيئة كان، لكن لا تحتسبها ركعة إلا إذا أدركته في الركوع.

متابعة الإمام

متابعة الإمام

القراءة خلف الإمام

القراءة خلف الإمام وهذه المسألة تساقطت فيها عمائم الأبطال، وتكسَّرت فيها النِصال على النِصال، وكتب ابن تيمية فيها ما يقارب سبعين صحيفة، تكلم فيها وأبدى وأعاد، ورأيه معروف. العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقسام، ولا بد أن نعرض الخلاف ثم الراجح إن شاء الله: القسم الأول: قوم يقولون: يقرأ بالفاتحة في السرية والجهرية دائماً وهم الجمهور. القسم الثاني: قوم قالوا: لا يقرأ في السرية ولا في الجهرية وهم الأحناف. القسم الثالث: قوم يقولون: يقرأ في السرية وأما في الجهرية فلا يقرأ، وهو رأي ابن تيمية شيخ الإسلام. أما دليل الذين قالوا: يقرأ في السرية والجهرية، فحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه المتفق عليه: {لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، ولا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب} والحديث الآخر في مسلم: {صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداجٌ خداج خداج} وقيل: خِداج خِداج خِداج أي: باطلة، فهذا دليل من قال يقرأ في السرية والجهرية. وأما الأحناف فدليلهم على أنه لا يقرأ في السرية ولا في الجهرية وراء الإمام، حديث {من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة} وهذا الحديث رواه البيهقي، والدارقطني، وهذا الحديث ضعيف من جميع طرقه، يقول الشيخ عبد العزيز بن باز: تتبعته من جميع طرقه فوجدته ضعيفاً، فهذا لا يصح بحال. فهذا دليلهم، وقد ضعَّفه ابن حجر في بلوغ المرام وضعفه الأئمة مثل الدارقطني، والبيهقي، والحاكم، وابن حبان. واستدل ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] قال: فالفاتحة قراءة فكيف تقرأ والإمام يقرأ. إذاً فما هو الراجح في هذه المسألة وفي هذه الأقوال الثلاثة؟ أولاً: نبدأ بقول ابن تيمية: إذا صليت في الجهرية فلا تقرأ شيئاً وراء الإمام، لا تستفتح ولا تتعوذ، ولا تقرأ الفاتحة، ولا تقرأ سورة، وإنما تستمع لقراءة الإمام، إلا في حالة واحدة وهي إذا كنت لا تسمع شيئاً كأطرش فليقرأ الفاتحة، أو كنت في مكان لا تسمع قراءة الإمام فاقرأ، واستدل بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] وبقوله صلى الله عليه وسلم: {إذا قرأ الإمام فأنصتوا} وهذا الحديث رواه الإمام أحمد، وأبو داود وهو صحيح. ورد عليه المحدثون وهو رأي الجمهور، وألف فيه البخاري كتاباً اسمه: القراءة خلف الإمام، وهو كتاب مجلد مطبوع، فقال: تقرأ، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: {لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب} وقوله عليه الصلاة والسلام: {صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج خداج خداج} أي: باطلة، فهذان الحديثان عامان في السرية والجهرية، واستدلوا كذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في سنن النسائي عن البراء بن عازب أنه قال: {صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سلَّم قال: هل قرأ منكم أحدٌ معي؟ قال رجل: أنا يا رسول الله! قال: ماذا قرأت به؟ قال: قرأت بسبح اسم ربك الأعلى، فقال صلى الله عليه وسلم: إني أقول مالي أنازع القرآن} أنازع أي: أجاذب؛ لأن من يرفع صوته خلف الإمام يشوَّش عليه، فلا يستطيع الإمام أن يكمل أو يقرأ، حتى إن بعض الأئمة إذا تنحنح المأمومون وأكثروا أخطأ في الصلاة، وهذا من التشويش والمنازعة. فقال عليه الصلاة والسلام: {إني أقول مالي أنازع القرآن، من كان قارئاً فليقرأ بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب} ولا يزد على ذلك، وهذا هو الرأي الموجه وهو الذي دلت عليه -إن شاء الله- هذه الأدلة الواردة، وقد رجَّحه كثير من العلماء الآن في اللجنة الدائمة للإفتاء، وإن شاء الله أنه هو الموجَّه، وأما ابن تيمية فيعتذر له، وهو مشكور ومأجور في المسألة، ومن ذهب إلى رأي ابن تيمية؛ لأن عنده حديثاً فهو مأجورٌ أيضاً.

المتابعة في الأفعال

المتابعة في الأفعال متابعة الإمام: وهذه واجبة عند أهل العلم، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أما يخشى من يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار} وفي لفظ: {صورته صورة حمار}. ودخل عمر رضي الله عنه وأرضاه والناس يصلون جماعة، وإذا برجل رفع رأسه قبل الإمام فضربه بالدرة وقال: [[لا وحدك صليت، ولا بإمامك اقتديت]] فالمتابعة واجبة، ونهى عن صور ثلاث مع الإمام: الصورة الأولى: أن تسابقه بالحركات هذه حرام، إلا من عذر كأن تسمع صوتاً، فتظن أنه كبر فتركع قبله، وعليك أن تعود بقدر ما ركعت، وتركع بعده، فالمسابقة حرام. الصورة الثانية: التخلف الكثير حرام، كأن يكون هو في السجود وأنت لا زلت تقرأ الفاتحة ما ركعت، أو يكون قد قام يقرأ وأنت في السجدة الأولى. الصورة الثالثة: المسايرة والموافقة: يكبر فتكبر معه سيان، وترفع فترفع سيان، هذه كذلك محظورة ومنهي عنها، والمطلوب المتابعة. فهي صور أربع: المسابقة، والتخلف، والموافقة، والمتابعة، فالمطلوب في الإسلام المتابعة والثلاث الصور منهي عنها ومحرمة. فليعلم هذا. هذه دلت عليها نصوص الحديث المتقدم، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم عن أنس: {يا أيها الناس! إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود} وقال البراء بن عازب: {ما كنا نضع رءوسنا على الأرض حتى يضع صلى الله عليه وسلم رأسه على الأرض ساجداً} فليعلم هذا.

خاتمة فيها فوائد

خاتمة فيها فوائد من فاتته سجدة ثم لم يتابع الإمام فيها وتخلف بطلت هذه الركعة، وأفتى بهذا الإمام مالك، ويعيدها بعد الصلاة، ومن اضطربت عليه ركعة -مثلاً- فلم يقرأ الفاتحة، أو شوش عليه، أو فاتته ركعة فعليه أن يعديها بعد أن يسلم الإمام. أما سكوت الإمام إذا قال: (ولا الضالين، آمين) فحديث السكتات نصه عن سمرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: {حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين: بعد أن يكبر تكبيرة الإحرام، وقبل أن يركع} سمرة بن جندب هو صحابي جليل دخل العراق رضي الله عنه وأرضاه، مر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم من الصحابة، فقال: {إن أحدكم يحترق بالنار، أو يدخل النار} وهم صحابة كلهم، فكانوا كلهم خائفين، وأتاهم من الخوف ما لا يعلمه إلا الله، منهم سمرة هذا، فأتى يوم جمعة يتدفأ، وقيل: يتجمر من البخور فعثر رضي الله عنه ووقع في النار فأراد أن ينقلب فما استطاع فمات وهو محترق، هذا سمرة صاحب الحديث، قال: [[حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين: بعد تكبيرة الإحرام وقبل أن يركع]] فأُخبر عمران بن الحصين رضي الله عنه وأرضاه وهو معه في العراق، فقال: [[كذب سمرة , كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان يسكت]]. فردوا الخبر لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، قال: ائتوا إلى السيد الإمام الشهم، سيد القراء وسيد المسلمين أبي بن كعب -والعجيب أن عمران الذي في القصة وأُبي كلاهما مبتلى في الحياة، أما عمران فمرض ثلاثين سنة بالمرض ما رفع نفسه عن الفراش حتى صافحته الملائكة على فراشه كما يقول ابن حجر في الإصابة، وأما أبي بن كعب فمرض بالحمى ثلاثين سنة، حتى ما أبقت له -بإذن الله- خطيئة لا كبيرة ولا صغيرة- فردوا الخبر إلى أبي بن كعب، فقال: [[صدق سمرة صدق سمرة]] قال أهل العلم: هذا الحديث مضطرب. والمضطرب هو: أن يختلف الألفاظ وفيه اضطراب سند واضطراب متن، وممن ضعف الحديث الشيخ الألباني جزاه الله خيراً، وكثير من أهل العلم ضعفوا هذا الحديث، وبعضهم صححه، والصحيح أنه مضطرب، لأنه لو كان صحيحاً لتداعت الهمم والعزائم على نقله للأمة. إذاً فليس للإمام سكتات، وابن القيم يستحسن في زاد المعاد يقول: لو سكت ليقرأ المأموم لكان حسناً، لكن أين الدليل؟ أما السكتة بعد تكبيرة الإحرام فصحيحة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسكت، ولم نأخذ دليلها من هذا الحديث، لكن من حديث أبي هريرة كما في البخاري {كان صلى الله عليه وسلم إذا كبر تكبيرة الإحرام سكت هنيهة، أي: برهة من الزمن، قال: فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد} فكان يسكت عليه الصلاة والسلام، وهذا سوف يأتي معنا في أدعية الاستفتاح. إذاً فلا سكوت واجب، ولكن لو سكت لكان أحسن، فيقرأ المأموم بعد أن يقول الإمام: ولا الضالين آمين، وبعض الناس تسمعه وأنت إمام يرتل الفاتحة، ويقرأ بعدها سورة، فيفوته السماع، فعليه أن يقرأ الفاتحة سريعاً ثم يستمع إلى الإمام.

الأسئلة

الأسئلة

معنى إسباغ الوضوء على المكاره

معنى إسباغ الوضوء على المكاره Q ما المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: {إسباغ الوضوء على المكاره}؟ A معنى إسباغ الوضوء على المكاره هي: أن تعتني بإسباغ الوضوء في أوقات تكون هذه الأوقات كريهة على النفس، من باب قوله صلى الله عليه وسلم: {حفت الجنة بالمكاره}. والمكاره فسرت بأنها إما أن تكون في شدة برد وأنت مع ذلك تسبغ الوضوء؛ فهذا علامة إيمانك وصدقك، وعلامة إرادة الثواب من الله عز وجل؛ فإن الوضوء في جوٍ باردٍ وشتوي أعظم أجراً من الذي يتوضأ بالماء الحار، علم بذلك أن المكاره من هذه الجهة، وقيل: الجروح التي في الرجل، والتي لا تمنع من الوضوء، فالمكاره هي التي تكون شاقة على النفس، فتسبغ الوضوء فيها، وينصرف إلى البرد أكثر ما ينصرف.

من لم يصل المغرب ودخل المسجد فوجدهم يصلون العشاء

من لم يصلِ المغرب ودخل المسجد فوجدهم يُصلون العشاء Q دخلت المسجد وهم يصلون العشاء وأنا مسافر ولم يسبق لي أن صليت المغرب، فهل أدخل مع الجماعة في صلاة العشاء ثم أصلي المغرب؟ أم أصلي المغرب منفرداً وهم يصلون عشاء؟ A الصحيح أنك تدخل مع الناس في صلاة العشاء، فتصلي؛ لأجل الجماعة، ثم تصلي المغرب بعدها؛ أفتى بذلك ابن تيمية شيخ الإسلام ومعه جماعة من أهل العلم؛ لأنه لم يرد نص يمنع هذا، ولئلا تفوتك الجماعة فادخل معهم وصلِّ ثم صل، ولأن الترتيب ليس بواجب للفوائت، وللعذر؛ لأنه وجدت لك الجماعة.

جواز تبرع أحد المؤمنين بالصلاة نيابة عن الإمام

جواز تبرع أحد المؤمنين بالصلاة نيابة عن الإمام Q هل يجوز لأحد المأمومين أن يصلي بالناس إذا طلب منه الإمام الرسمي ذلك وليس بمريض؟ A نعم. يجوز أن تتبرع إذا رأيت أنك أقرأ من الإمام وأنك أكثر إفادة للناس، وتحتسب أجرك على الله عز وجل، بشرط ألا يجد الإمام في نفسه حرجاً أو ضيقاً؛ لأن بعض الأئمة يستحي، فيقدمك وهو لا يريدك أن تتقدم، فأنت تعرف بالقرائن والسياقات والملامح.

حكم الحركة في الصلاة

حكم الحركة في الصلاة Q ما حكم الحركة في الصلاة؟ A من الحركات ما إذا تتابعت أبطلت الصلاة، قيل: ثلاث فما فوق، أما الحركة لحاجة فلك أن تتحرك لحاجة، كأن يحكك شيء في رأسك أو في جسمك فلك أن تحك بهدوء؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام ورد عنه هذا، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه حمل أمامة بنت بنته صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة في الصحيحين، وورد في حديث سهل بن الحنظلة الصحيح عند أبي داود أنه التفت صلى الله عليه وسلم إلى الشعب؛ لإنه أرسل طليعة قوم، وورد أنه فتح الباب في الصلاة عليه الصلاة والسلام لـ عائشة، وورد عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: {اقتلوا الأسودين في الصلاة، الحية والعقرب} وابن عمر رضي الله عنه قتل الثعبان وهو يصلي، ثم عاد فأكمل صلاته. فأنت إذا لمحت عقرباً أو حية -فإنه كما قال ابن مسعود: [[ما سالمناها منذ حاربناها]] فتذهب وتقتله إذا كان قريباً منك- ثم تعود لصلاتك، وحديث: {اقتلوا الأسودين} حديث صحيح، ومن الحركات في الصلاة أن يُسلِّم عليك مسلم فترد عليه بالإشارة، قيل لـ بلال: {كيف كان صلى الله عليه وسلم يرد عليكم إذا سلمتم عليه؟ قال: كان يبسط يده وهو يصلي هكذا} والحديث أصله في مسلم وهو عند الحاكم من حديث أسماء وسهيل وبلال. ومن أراد أن يعود إليه فليعد إليه في بلوغ المرام لـ ابن حجر، وليعد إليه في مظانه من الكتب التي هي أصل في رواية الحديث. أما التشميت فليس بوارد؛ لأنه عطس صحابي منهم فشمته معاوية بن الحكم السلمي كما في صحيح مسلم، قال: رحمك الله، قال: فالتفت إليَّ الناس، فقلت: ويلي ماذا فعلت؟! فلما سلّم عليه الصلاة والسلام دعاه، وقال له: {إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي الذكر والتسبيح وقراءة القرآن} فعلم أنه أنكر صلى الله عليه وسلم التشميت، ولم ينكر على ذاك لأنه حمد الله.

اتخاذ محراب في المسجد

اتخاذ محراب في المسجد Q هل كان المحراب موجوداً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف نوفق بين هذه وبين الأثر الوارد اتقوا مذابح اليهود؟ A الأثر ليس بصحيح، وسنده: ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

قطع الصلاة لإنقاذ غريق أو إطفاء حريق

قطع الصلاة لإنقاذ غريق أو إطفاء حريق Q هل يجوز قطع الصلاة لإنقاذ غريق أو إطفاء حريق؟ A نعم. إذا رأيت أعمى يتردّى، أو كاد أن يتردى فاقطع صلاتك واذهب إليه، أو رأيت طفلاً وأنت في الصلاة ورأيته يحترق فاذهب واقطع صلاتك، فعل ذلك السلف وما أنكر أحد من أهل العلم هذه المسألة.

إطالة الصلاة مع كراهية الناس ذلك

إطالة الصلاة مع كراهية الناس ذلك Q شخص يعترض على الإمام أنه يطول الصلاة، وبقية الناس يرغبون أن يطول القراءة، فما الحكم؟ A على الإمام أن يراعي هذا الشخص المنفرد وحده ولا يراعي الكثرة، يقول عليه الصلاة والسلام لـ عثمان بن أبي العاص، كما في سنن أبي داود، قال: قلت: يا رسول الله! اجعلني إمام قومي، قال: {أنت إمامهم واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً} واقتد بأضعفهم، معناه: أضعف واحد في الجماعة، تقتدي به وتجعل صلاتك عليه، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا صلَّى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة} وفي رواية: {الكبير} فإذا كان فيهم ضعيف أو شيخ كبير، أو مريض فاقتد به واجعله هو قدوتك في الصلاة وإن أحب الناس التطويل؛ لأن الصلاة هي لهؤلاء حتى يستطيعون الحضور. يقول عليه الصلاة والسلام: {إني لأدخل في صلاتي فأريد أن أطيلها؛ فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي} فهو يراعي حال المرأة عليه الصلاة والسلام، وحديث معاذ: {أفتان أنت يا معاذ! أفتان أنت يا معاذ}.

اقتداء المأمومين بعضهم ببعض

اقتداء المأمومين بعضهم ببعض Q يسأل الأخ في مسألة من دخل وقد صلى الناس وقام يكمل هو والمأمومين معه، هل يقتدي بعضهم ببعض؟ أم يصلي كل واحد منهم وحده؟ A الصحيح في هذه المسألة أن يقتدوا بواحد منهم ويصلون ويكون لهم إماماً، حتى ولو لم ينووا، يعتبر واحد منهم إماماً لهم فيقتدون بصلاته، ولو اقتدوا به فلما ركع ثم علم أنهم يريدون الاقتداء به فجعل نفسه إماماً صحَّ لسببين: أولاً: إن صلاة الجماعة تقدم على صلاة الفرادى. الأمر الثاني: أنه لم يرد من الرسول عليه الصلاة والسلام أي مانع في هذه المسألة، وقد أفتى بها ابن تيمية في الفتاوى هذه المسألة، فيجعلونه إماماً ويصلون بصلاته.

صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح

صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح Q هل يجوز أن يصلي العشاء خلف من يصلي التراويح؟ A نعم. صل العشاء خلف من يصلي التراويح مفترض بمتنفل؛ كما فعل معاذ رضي الله عنه وأرضاه.

حكم الصلاة خلف من عنده مخالفة شرعية

حكم الصلاة خلف من عنده مخالفة شرعية Q بعض الأئمة عندهم مخالفة شرعية، مثل حلق اللحية وتطويل الثوب، ومثلاً تناول المحرمات كالدخان فما الحكم؟ A إن كان إماماً راتباً فصلِّ وراءه؛ لأنه تحمل أمر الأمة، وقد حُمِّل المسئولية وهو ضامن؛ لأنه راتب يلحق بأهل المعاصي وأهل البدع، وهذه فتوى كثير من أهل العلم، وإن كان متبرعاً فلا تصل وراءه، خاصة حليق اللحية؛ لأنه متلبس بالمعصية؛ ولأن وجود أهل السنة وراءه كيف يصلون به وهو ظاهر المعصية فلا تصل وراءه.

حكم التنكيس في القراءة

حكم التنكيس في القراءة Q ما حكم تنكيس القراءة في الصلاة؟ ذهب الأحناف إلى أن التنكيس ليس وارداً ولا جائزاً، والتنكيس هو: أن يقرأ في الركعة الأولى بآخر القرآن، مثلاً: سورة الناس، وفي الركعة الثانية يأتي من أعلى القرآن من عند سورة عم يتساءلون مثلاً، قالوا: لا يجوز؛ لأن المصحف وضعُه توقيفي على هذا الترتيب. وذهب أهل العلم ومنهم الإمام البخاري وعلقه في الصحيح إلى أنه جائز وهو الصحيح لأسباب: أولاً: لأن الترتيب ولو كان توقيفياً في المصحف فلا تتعلق به القراءة. الأمر الثاني: أن هناك أدلة دلت على أنه قدم بعض السور وأخرت بعض السور، منها حديث حذيفة: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران} قالوا: على ترتيب مصحف ابن مسعود. ثالثاً: حديث ابن مسعود: [[لقد أتيت المفصل الذي يقرأ به صلى الله عليه وسلم]] فكان يأتي بسورة من جزء عم في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية بسورة من تبارك. ومنها حديث في البخاري في كتاب الصلاة تعليقاً إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه، قال البخاري: " وكان عمر رضي الله عنه يصلي بالناس، فقرأ في الأولى سورة الكهف، وفي الثانية سورة يوسف أو يونس "، فأين الكهف عن يونس ويوسف. رابعاً: أثر عن بلال رضي الله عنه وأرضاه أنه جمع في الصلاة من سورٍ قدم بعضها على بعض، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: {كُل كثير طيب} فلك أن تنكس وأن تقرأ وأن تقدم، لكن الأولى على ترتيب المصحف، بشرط ألا تطيل الثانية أكثر من الأولى؛ لأن بعض الناس يأتي في الأولى فيقرأ سورة النصر، ويأتي في الثانية ويقرأ سورة ق، وهذا من قلة الفقه؛ لأنه لا بد في الركعة الأولى أن تكون أطول من الثانية، وأن تكون الركعة الثانية على النصف من الركعة الأولى. لك أن تنكس، وأنا إنما ذكرت الأمر الجائز، ليس الجائز هو الأولى؛ لأن هناك فرقاً بين الأولى والجائز، فالجائز ما فُعل ليُبين أنه ليس مكروهاً ولا حراماً، والأولى ما فعل ليبين أنه يقدم على غيره، فالأولى أن ترتب، والجائز أن تنكس. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

عوامل محبة الله

عوامل محبة الله إن محبة الله غاية كل مسلم ولا تكون محبة الله للعبد إلا بأمور منها: قراءة القرآن، فمن قرأه وتدبره وفهم معانيه وعمل بما فيه؛ كان له عاملاً من عوامل المحبة الإلهية. ومن عوامل المحبة قيام الليل، والخوف من الله، ومن سعى وأخلص ليكون محبوباً عند الله بلغه الله ذلك وجعله من أحبابه.

كيف تكون محبة الله

كيف تكون محبة الله إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71] اللهم صلِّ وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل المذكور في التوراة والإنجيل. اللهم صلِّ وسلم على معلم البشرية، وهادي الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الأبرار، أيها الأخيار: سلام الله عليكم ورحمته الله وبركاته. وبعد: ففي مجلسٍ من مجالس الإيمان، وفي روضة من رياض اليقين، نتعلم فيها كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، نعيش لحظة من لحظات العمر، بل من أغلى ساعات العمر، لأن العبد إذا لم يعش مثل هذه الساعات مات قلبه، والقلب إنما غذاؤه آيات الله وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وموضوعنا هذه الليلة: موضوع (عوامل محبة الله عز وجل). كيف تحصل على محبة الله؟ كيف تنال رضوان الله تعالى؟ كيف تكون عبداً لله عز وجل؟ إن أعظم المطالب في الإسلام أن تكون حبيباً لله، وأن تكون قريباً منه، وأن تكون من أحبابه وأوليائه. ولذلك جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الولاية قسمين: المقتصد والسابق بالخيرات، ففي الحديث المتفق عليه عند الشيخين البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يقول الله تبارك وتعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بأحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه} وهذا الحديث هو حديث الولاية، شرحه الأئمة في كتبهم وهو من أعظم الأحاديث في الإسلام، وللإمام الشوكاني شرحٌ عجيب عليه في كتاب قطر الولي في شرح حديث الولي، وشيخ الإسلام ابن تيمية يتعرض لهذا الحديث ويقول كلاماً ما معناه: قسم الحديث المؤمنين إلى قسمين: مقتصدٌ وسابق بالخيرات، فالمقتصد: هو الذي يؤدي الفرائض، وهي أعظم ما يؤدى من حقوق الله عز وجل على العبد، والسابق بالخيرات: هو الذي يتقرب بالنوافل إلى الله تبارك وتعالى. ولذلك يرى -رحمه الله رحمة واسعة- أن الآية التي تقول: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:32] يرى أن كل هذه الأصناف يدخلون الجنة، وعند الترمذي بسندٍ فيه نظر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ: {{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:32] قال: كل هؤلاء الأصناف في الجنة} وهذا الحديث من حديث عائشة رضي الله عنها في الترمذي كما أسلفت، والخلاف بين أهل العلم هل الأصناف الثلاثة الظالم والمقتصد والسابق يدخلون الجنة؟ والذي عليه التحقيق -إن شاء الله- من كلام الأئمة أنهم في الجنة، وهذه بشرى لنا لأننا نعد أنفسنا من الظالمين لأنفسهم. قال مسروق لـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما في طريق الهجرتين [[يا أماه! لأنها أمٌ للمؤمنين، من هم السابقون بالخيرات؟ قالت: السابقون بالخيرات من مضى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقتصدون من لحقوهم أو من تبعوهم بإحسان -أو كما قالت- والظالم لنفسه أنا وأنت]] وهذا تواضعٌ منها رضي الله عنها وأرضاها.

عوامل محبة الله عز وجل

عوامل محبة الله عز وجل وعوامل محبة الله عز وجل تحصل بأمور، من أعظمها وأكثرها نفعاً، وأجلها فائدة وقربى وزلفى من الله عز وجل، القرآن الكريم، وهذه المناسبة مناسبة القرآن، ومع طلبة كتاب الله عز وجل، لأنه الكتاب العظيم الذي وصى به صلى الله عليه وسلم، فلا نجاح للأمة ولا فلاح إلا بتلاوته وتدبره، ويوم ترى الأمة تعرض عن القرآن، وتأخذ عوضاً عن القرآن يرميها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالجدل، وعند أبي داود بسندٍ حسن: {ما أعرض قومٌ عن كتاب الله إلا أوتوا الجدل} وهو من حديث ابن عمرو مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم. فتعيش الأمة سخيفة التقاويم والمبادئ والتعاليم يوم تعرض عن القرآن والسنة، تكون مجالسها عقيمة لا فائدة فيها ولا نفع، ولا عائد يعود عليها في دنياها ولا في أخراها، والأمة التي تتلقى ثقافتها من غير القرآن، أمةٌ لا عقل لها ولا تدبير ولا مجد، ولذلك بالاستقراء من حياة السلف الصالح والقرون المفضلة، لما عكفوا على الكتاب وعلى السنة كانوا أجدر العصور وأخلصها وأصدقها وأمجدها عبادةً وزهداً وإقبالاً على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولما أعرضنا -إلا من رحم الله- عن القرآن ماتت قلوبنا، وفقدنا ذاك النور والإشعاع والإقبال على الله عز وجل. والرسول صلى الله عليه وسلم أتى ليعلم القرآن: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} [النمل:92] فهو فمهمته أن يتلو القرآن على الناس، ولذلك منع في أول عصره، وحياته عليه الصلاة والسلام -الحياة الدعوية وحياة الرسالة- كتابة الحديث، لئلا يتشاغل الناس بالحديث عن القرآن. فتعالوا نرى حياة الصحابة مع القرآن، كيف عاشوا مع القرآن؟ وكيف تألقوا مع القرآن؟ وكيف عملوا بالقرآن؟ وكيف حولوا حياتهم مع القرآن؟ في صحيح مسلم عن سعد بن هشام بن عامر رضي الله عنه وعن أبيه وجده، فأبوه وجده من الأنصار الذين شهدوا بدراً وأحداً. تلك المكارم لاقعبان من لبن شيبا بماء فعاد بعد أبوالا إذا افتخر المفتخر فليفتخر ببلائه في الإسلام، وبقدمه في خدمة الدين، وفي رفع لا إله إلا الله، أما الذي يفتخر بنسبه وأسرته وعراقته ومنصبه وجاهه ووظيفته، فهذه افتخارات فرعون وأبنائه وأذنابه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. دخل ثلاثة من الشباب على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، وهو الزاهد العابد وخليفة الإسلام، فقال: [[من أنتم؟ قال: أحدهم أنا ابن الأمير فلان بن فلان على الكوفة، فسكت عمر وأشاح بوجهه، وقال للآخر: من أنت؟ قال: أنا ابن فلان الذي كان في جيش الوليد قائداً، وقال الثالث: أنا ابن قتادة بن النعمان الذي حضر أحداً فقلعت عينه فسالت على خده فردها صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال الفتى: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد ]] فدمعت عينا عمر بن عبد العزيز وقال: حياك الله وبياك. تلك المكارم لاقعبان من لبن شيبا بماء فعاد بعد أبوالا

اهتمام النبي بالقرآن والحث عليه

اهتمام النبي بالقرآن والحث عليه قال هشام بن سعد بن عامر سألت عائشة رضي الله عنها وأرضاها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: {كان خلقه القرآن} وهي أبلغ كلمة بعد كلام الله عز وجل في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان قرآناً يمشي على الأرض، إذا قرأت القرآن فكأنه ترجمة حية للمصطفى صلى الله عليه وسلم، فالله يقول له في القرآن: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ويقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ويقول له: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] ويقول له: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]. الرسول صلى الله عليه وسلم علم الناس كيف يعيشون بالأحاديث التي لا يقرأها المسلم إلا ويتحرك قلبه إلى المصحف، في صحيح مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه وأرضاه قال: يقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} وهذا من أبلغ الأحاديث في الإسلام، وإذا شفع لك القرآن فنعمة وقرة عينٍ لك، ويا سعادة قلبك ويا شجى روحك يوم تأتي والقرآن يقودك إلى الجنة، يشهد لك أنك أحللت حلاله وحرمت حرامه، ووقفت عند حدوده، وأنك آمنت، وعملت بمحكمه وآمنت بمشابهه. وعن عثمان رضي الله عنه وأرضاه كما في البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه} إي والله! خيرنا وأمجدنا وأعزنا وأشرفنا من عاش مع القرآن، فهذه أوسمة أنزلها الله في الأرض، ليست أوسمة أهل التراب، ولا أهل المادة الذين يشرفون الإنسان بقدر جاهه أو منصبه أو ولده. ولذلك كان عليه الصلاة والسلام ينزل الناس على قدر قربهم من القرآن، فكان يكرمهم على قدر حفظهم لكتاب الله عز وجل وتلاوتهم له، وعلى قدر حفظهم لهذا الكنز الذي أنزله الله هدايةً للناس. يقول أنس: {أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سريةً تغزو في سبيل الله} فهي خرجت ترفع لا إله إلا الله، يوم يقاتل الناس على الحطام، ويحاربون على الأعلام والأوسمة كان صلى الله عليه وسلم يقاتل لترتفع لا إله إلا الله. من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا فلما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم السرية: {سألهم: أيكم يحفظ القرآن؟ فسكتوا، قال: أيحفظ أحدكم شيئاً من القرآن؟ قال رجلٌ منهم: أنا يا رسول الله! قال: ماذا تحفظ؟ قال: أحفظ سورة البقرة، قال: اذهب فأنت أميرهم} هذه مؤهلات أهل الإسلام وأهل لا إله إلا الله، وأهل الإقبال على الله، ما دام أنك تحفظ سورة البقرة وهي في صدرك، وأنت تعيش معها وتعمل بمقتضاها، فأنت أمير الجيش. ويقول جابر رضي الله عنه وأرضاه: {كان صلى الله عليه وسلم يسأل عن القتلى يوم أحد أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى رجلٍ أنه أكثر حفظاً قدمه تجاه القبلة، ثم وضع الناس بعده} ويوم أحد يومٌ جعله الله عز وجل من أيامه التي شهد الله فيه للصالحين من عباده، ويوم أحد يوم أهل القرآن هو ويوم اليمامة، والد جابر بن عبد الله عبد الله بن عمرو الأنصاري كان ممن يحفظ كثيراً من القرآن، فنفعه القرآن أيما نفع، فهو لم يتوسد القرآن، وما جعل القرآن تأكلاً أو طلباً للمعاش وللمنصب وللجاه في الناس؛ لأن من الناس -نعوذ بالله أن نكون منهم- من يقرأ ليقال: قارئ، وفي صحيح مسلم: {}. أما عبد الله بن عمرو الأنصاري ما قرأ القرآن ليقال قارئ، لكن قرأ ليرفعه القرآن، وليقوده ويصلح حاله. حضرت معركة أحد فاغتسل في الصباح ولبس أكفانه. أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا فلما لبس الأكفان سأل الله الشهادة، وأوصى ابنه جابر بالنساء وكن سبعاً، وحضر المعركة وقتل في أول الناس، لأنه صادق: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] فعلم الله أنه كان صادقاً، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من سأل الله الشهادة بصدقٍ بلَّغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه}. وفي صحيح البخاري في كتاب الجهاد، وفي كتاب الجنائز ذكر البخاري (باب البكاء على الميت) ثم أورد طرفاً من القصة، فلما قتل أتى ابنه جابر يبكي عنده، قال: {فكان الناس ينهونني ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني}. وفي تفسير قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171] قال عليه الصلاة والسلام: {يا جابر! أتدري ما فعل الله بأبيك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده! لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان فقال: تمن يا عبدي! قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمن، قال: أتمنى أن ترضى عني، فإني قد رضيت عنك، قال: إني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً، فجعل الله روحه وأرواح إخوانه من الشهداء في حواصل طير ترد الجنة، فتشرب من مائها وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش حتى يرث الله الأرض وما عليها}.

أهل الله وأحباؤه هم أهل القرآن

أهل الله وأحباؤه هم أهل القرآن وهم أهل القرآن، وهم أحباب الله وخاصته، كما في الحديث الذي رواه ابن مسعود، وابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه من هؤلاء الخواص، وما كل أحدٍ من الناس يوفق لمحبة الله عز وجل، فبعض الناس يسعى إلى بعض البشر، ليأخذ وينال محبتهم وتقديرهم، وينال رضاهم وإعجابهم، والله عز وجل هو الحبيب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الذي حبه ينفع ومدحه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ينفع، كما في الحديث أن وفد بني تميم أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وينادونه من وراء الحجرات ويقولون: مدحنا زينٌ وذمنا شين، فخرج عليه الصلاة والسلام قال: لا. الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الذي مدحه زين وذمه شين، فهو إذا أحب العبد سبحانه قربه ونجاه، وجعله من الصلحاء في الدنيا والآخرة، وإذا كره العبد مقته وأذله وأخسأه وحقره، وطرده وأبعده فلا ينفعه الناس جميعاً. ولذلك معاوية رضي الله عنه وأرضاه، عندما كتب إلى عائشة: [[أن اكتبي لي موعظة وأوجزي، فكتبت له أمَّا بَعْد: فإني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس}]]. وهذا معروف، فإن الحب لا ينزله في القلوب إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا ينشر القبول إلا الله. ولذلك يقول البخاري في كتاب الرقاق: (باب المقة من الله) والمقة معناها: الحب، ثم أورد الحديث الصحيح الذي اتفق عليه الشيخان، واللفظ للبخاري: {إن الله عز وجل إذا أحب العبد نادى يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض} وبمفهوم المخالفة من يبغضه الله عز وجل يخبر جبريل أنه يبغضه فيبغضه جبريل ثم تبغضه الملائكة، ثم يوضع له البغض في الأرض. وابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه من أحباب الله، يقول كما في الصحيحين: {قال لي عليه الصلاة والسلام: اقرأ عليَّ القرآن، قلت: يا رسول الله! أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري} فـ ابن مسعود يستحي من معلم الخير، فهو تلميذٌ من تلاميذه وطالبٌ من طلابه، والقرآن إذا وفق بعبدٍ صالح بصوت محزن وبخشية كان له التأثير العجيب في النفوس، يؤثر ما لا تؤثره المحاضرات ولا الخطب ولا الأمسيات ولا كثرة الكلام، لأننا أصبنا بترف في الكلام، وبتخمة في المقال، فكم يتحدث وكم يتكلم، لكن التربية ليست التربية كما كانت في عهده صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يسمعهم القرآن غضاً طرياً كما أنزل. وفي مسند الإمام أحمد عن أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: {من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً فليقرأه على قراءة ابن أم عبد} وهذه البشارة التي ذهب بها أبو بكر إلى ابن مسعود وسابقه عمر بها إلى ذاك الرجل رضي الله عنه وعنهم جميعاً، قال عليه الصلاة والسلام: {اقرأ عليَّ القرآن} فيخجل ابن مسعود، لأنه حسنة من حسنات الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان راعي غنم؛ لكن الإسلام إذا علَّم الرجال جعل كل رجلٍ أمة من الأمم، ولذلك كان يقول أحد السلف أن ابن مسعود أمةً قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين، كان مولى لهذيل يرعى لهم الغنم، فلما علمه صلى الله عليه وسلم القرآن صار أعجوبةً في الإسلام، فبدأ يقرأ القرآن من سورة النساء، حتى بلغ قوله سبحانه تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] أقبلت دموعه صلى الله عليه وسلم، دموع التأثر والخشية، لأنه أعرف الناس وأعلمهم بالله، وأقرب الناس إلى الله. ولذلك يقول البخاري في كتاب الإيمان، (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أعلمكم بالله) وهذا حديث له صلى الله عليه وسلم، يدل على أن معرفة القلب عمل، فهو يرد على المرجئة الذين يقولون: يكفي اعتقاد القلب عن العمل، فيرد عليهم بأن الاعتقاد يدخل في العمل، وأن الدين كله عملٌ، اعتقاد وقول وعملٌ. فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم لما سمع هذه الآية وقال: {حسبك الآن، قال: ابن مسعود فنظرت فإذا عيناه تذرفان عليه الصلاة والسلام} وابن مسعود يتشرف ويذكر نعمة الله عز وجل عليه، فبماذا يذكر نعمة الله هل يقول: إنه من أسرة بني عبد شمس؟ أو من بني عبد الدار، أو بني هاشم؟ لا. هل يتمدح بماله؟ لا مال. هل يتمدح بجسمه؟ لا. جسمه كالطائر، يوازي الإنسان وهو جالس.

النبي صلى الله عليه وسلم يسمع القرآن من أصحابه

النبي صلى الله عليه وسلم يسمع القرآن من أصحابه ولذلك أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء أن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه صعد شجرة ليأخذ منها سواكاً للرسول صلى الله عليه وسلم، فلما صعد الشجرة أخذت الرياح تلعب بالشجرة وعليها ابن مسعود على غصن، فأخذ الصحابة يتضاحكون من دقة ساقيه؟! قال صلى الله عليه وسلم: {أتضحكون من دقة ساقيه، والذي نفسي بيده! إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد}. إن المسألة مسألة إيمان ويقين وإقبال على الله، ولو كانت المسألة مسألة أجسام، فإن المنافقين أعظم الناس أجساماً، لكن العجيب أن الله ذمهم بكبر الأجسام وبضخامة الأعضاء؛ {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون:4]. لا بأس بالقوم من طولٍ ومن قصرٍ جسم البغال وأحلام العصافير {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] ولكن ليست ثابتة وإنما مسندة، فهي لا تعتمد على نفسها، فبعض الخشب يعتمد على نفسه، لكن هؤلاء من فشلهم وانهزامهم وتأخرهم وغبائهم وبلادتهم وخبثهم كالخشب التي لا تعتمد على نفسها مسندة: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ} [المنافقون:4] ابن مسعود لم يملك من هذه الأمور والمعطيات شيئاً، بل ملك إيماناً وفي ذلك يقول: [[أخذت سبعين سورة من فيِّ الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينازعني فيها أحد، والله الذي لا إله إلا هو، لو أعلم أن رجلاً تبلغه الإبل يعلم أكثر مني في القرآن لركبت إليه]]. فهذا ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه الذي قرأ سورة الرحمن في منتدى مكة، المنتدى الجاهل الكافر المشرك يوم أتى ليسمعهم القرآن فضربوه حتى أدموه، وأخذ أبو جهل يعصر أذن ذلك الداعية ابن مسعود، ويلطمه على وجهه وهو لا يسكت، بل يرفع صوته بسورة الرحمن، ولكن أنصفه الله من الفاجر أبي جهل، فهو الذي احتز رأسه في معركة بدر وأتى يسحبه بأذنه، فيقول صلى الله عليه وسلم: {هذه بتلك}. الرسول عليه الصلاة والسلام كان أحلى لياليه أن يعيش مع القرآن، وهكذا الصحابة أيضاً، لم تشغلهم المؤلفات ولا الردود والمقولات، ولا الجرائد والمجلات، بل كان الكتاب الوحيد الذي يتشاغلون به هو القرآن، فإذا دخلت بيت المهاجري والأنصاري وجدت القرآن معلقاً في البيت ووجدت السيف بجانبه، سيف يفتح البلاد وقرآناً يفتح القلوب. ولذلك في حديث أبي موسى أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج يستمع قراءة أبي موسى وكان قد أوتي مزماراً من مزامير آل داود، أعجوبة في الصوت، يسري صوته إلى القلوب فيخاطب الأرواح مباشرة، فخرج صلى الله عليه وسلم ووضع جسمه على مشرفة على المسجد، ومسجده قريبٌ من بيته صلى الله عليه وسلم، فأخذ أبو موسى يقرأ، وفي الصباح قال عليه الصلاة والسلام: {لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود} ولقي أبو موسى فأخبره، فقال: {لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود، قال: يا رسول الله! أئنك كنت تستمع لي؟ قال: إيه والذي نفسي بيده، قال: -وهذه رواية صحيحة-: والذي نفسي بيده، لو علمت أنك كنت تستمع لي لحبرته لك تحبيراً} يعني: جودته وحسنته حتى يكون أكثر تأثيراً وإيصالاً وأكثر ذلك عجباً. والقرآن كله عجب: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} [الجن:1] يقول سيد قطب رحمه الله: عجباً حتى الجن يتذوقون القرآن وهو ليس بلغتهم! ولذلك قالوا كما في سورة الأحقاف، كما حكى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنهم: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأحقاق:29 - 31] فهؤلاء مؤمنو الجن، قد تفوقوا على كثيرٍ من الناس الذين لا يفقهون ولا يعلمون ولا يفهمون: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف:31 - 32]. وكان هذا في وادي نخلة يوم عاش صلى الله عليه وسلم ليلة القرآن، والحديث ولو أن بعض أهل العلم، قالوا: معضل في سنده، لما عاد صلى الله عليه وسلم ودعا أهل الطائف فكذبوه وآذوه وشتموه، وليتهم يوم ردوه تركوه، لكن رموه بالحجارة، فلما عاد نزل في وادي نخلة بين الطائف ومكة، وشكى صلى الله عليه وسلم حاله إلى الحي القيوم الذي ترتفع إليه الشكوى، ثم قام عليه الصلاة والسلام يصلي، فأتى الجن -جن نصيبين كما عند ابن كثير وغيره- فلما استمعوا القرآن أسلموا وآمنوا: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19] ثم رجعوا منذرين إلى قومهم رافعين لا إله إلا الله محمد رسول الله.

حال القلب الخالي من القرآن

حال القلب الخالي من القرآن وكانت منازل الصحابة كما أسلفت بقدر قربهم من هذا الكتاب، وبقدر حفظهم للقرآن، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الذي ليس في صدره شيء من القرآن كالبيت الخرب} وهذا الحديث عند الترمذي، والبيت الخرب الذي تسكنه الغربان والحيات والعقارب وكلما هب ودب وهو أشبه بالقلب الذي لا يسكنه القرآن، ففيه نفاق ووساوس وخطرات وواردات وعشقٌ ووله، وأغانٍ ماجنات، ونظرات سيئات، ومطاردة للداعرين والداعرات، فهذا هو القلب الذي أخفق من لا إله إلا الله، ولم يسكنه القرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه بمنازلهم، وبقربهم من القرآن.

من حملة القرآن أبي بن كعب

من حملة القرآن أبي بن كعب فسيد القراء أبي بن كعب من الأنصار رضي الله عنه وأرضاه، في سيرته وفي سيرة هؤلاء هدى ونور بإذن الله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] ويذكر عنه بعض المترجمين أنه مرض بالحمى ثلاثين سنة؛ لأنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: {يا رسول الله! هل يكفر عنا ما يصيبنا من المصائب، قال: نعم. حتى الشوكة يشاكها العبد} ومصداق هذا حديث صحيح: {ما يصيب المؤمن من هم ولا نصبٍ ولا وصبٍ ولا غمٍ ولا حزنٍ ولا مرض حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه} فسأل الله أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه أن يكفر عنه بهذه الحمى، فمكث ثلاثين سنة، لكن ما عطلته عن حجٍ ولا عمرة ولا عن فريضة ولا جهاد. يقول له صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث في صحيح مسلم: {يا أبي! إن الله أمرني أن أقرأ عليك: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} [البينة:1]} فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من فوق سبع سموات يسمي أُبياً باسمه! وهو صحابي من الصحابة، فأي شرف لهذا الإنسان! تصور بنفسك أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سماك في الملأ الأعلى، لكن أُبياً سماه الله، قال: {يا رسول الله! أوسماني الله باسمي في الملأ الأعلى؟ قال: إي والذي نفسي بيده، فدمعت عينا أبي وبكى وقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم سورة البينة}. وفي صحيح مسلم أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يسأل أبياً ليمتحن قربه من القرآن، وكثرة محفوظاته ومعرفته وفطنته، فالذي علمه هو صلى الله عليه وسلم، قال: {يا أبا المنذر! أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] فأخذ صلى الله عليه وسلم كفه وضرب في صدر أبي وقال: ليهنك العلم أبا المنذر} إيه والله هذا العلم الذي يغبط عليه، هذا العلم النافع الذي لم يُشَبْ ولم يَخلَق، ولم يمزج، فكان سيد القراء رضي الله عنه وأرضاه. صلى الرسول صلى الله عليه وسلم -وهذا دليلٌ لأهل الفقه من الحنابلة وغيرهم بالفتح على الإمام في الصلاة إذا أخطأ أو تجاوز آية- صلى وتجاوز آية، وهو صلى الله عليه وسلم ما ضن بشيءٍ من القرآن، وما فاته شيءٌ منه، بل نشهد الله عز وجل، ثم نشهد ملائكته والناس أنه قد أدى الرسالة كاملةً، ما نقص حرفاً واحداً وما ترك خيراً إلا دلنا عليه، ولا شراً ولا سوء إلا حذرنا منه، فتجاوز عليه الصلاة والسلام آية، فلما سلم، قال الناس: {يا رسول الله! هل نسخت تلك الآية؟ قال: لا. قالوا: ما قرأتها يا رسول الله، قال: أين أبا المنذر؟ -فالرسول صلى الله عليه وسلم يسأل أهل التخصصات- قال: لبيك يا رسول الله وسعديك! قال: أكما يقولون؟ قال: نعم. قال: لماذا لم تفتح عليَّ في الصلاة، قال: ظننت أنها نسخت} فالرسول صلى الله عليه وسلم بلَّغ القرآن كاملاً. لكن الشاهد: كيف عاش الصحابة مع القرآن؟ وكيف تأثروا بالقرآن؟ فعند ابن أبي حاتم في تفسيره، في سورة الغاشية، أن الرسول عليه الصلاة والسلام مر بامرأة تقرأ في جنح الليل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] فوضع صلى الله عليه وسلم رأسه على صائر الباب وهي تردد ولا تدري أنه يستمع لقراءتها، وتقول: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] وتبكي، فأخذ صلى الله عليه وسلم يبكي ويقول: {نعم أتاني نعم أتاني} حديث الغاشية وحديث يوم القيامة وهو حديث عجيب، ورهيب، ومرعب، يقول الله: {هل أتاك حديث الغاشية} [الغاشية:1] فيجيب ويقول: {نعم أتاني}.

تأثر الصحابة بالقرآن

تأثر الصحابة بالقرآن وكان فضل الصحابة كما أسلفت على قدر قربهم من القرآن، وكانوا أكثر الناس تأثراً بالقرآن وحياةً مع القرآن، ذكر ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة عمر أنه مرض من آية حتى عاده الصحابة منها، وفي بعض الروايات أن هذه الآية هي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:24 - 26] فكتاب الله عز وجل مطالبه عظيمة، ولا يمكن أن يحب العبد الله عز وجل حتى يحب القرآن، ولذلك قال ابن مسعود: [[لا يسأل أحدكم عن حبه لله ولكن ليسأل نفسه عن حبه للقرآن]] فأنت كلما أحببت القرآن، كلما أحببت الله، وبقدر حبك للقرآن تكون محبتك لله تعالى. وفي الصحيح أن أسيد بن حضير رضي الله وأرضاه، وهو محضر الكتائب وأحد الأعلام من بني عبد الأشهل، قام يقرأ سورة الكهف، فأخذت فرسه تجول في رباطها وفي آخيتها، فقطع صلاته وأخذ ابنه يحيى؛ لأن الفرس كادت أن تطأه بحوافرها ثم نظر فإذا ظلة على رأسه، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {وقد رأيتها؟ قال: نعم. قال: والذي نفسي بيده، إنها الملائكة نزلت لسماع قراءتك، ولو قرأت لأصبحت الملائكة يراها الناس لا تتوارى عنهم}. وهذا حديث في الصحيح بنحو هذا اللفظ. ليل الصحابة كان مع القرآن ولما ذهبت ليالينا بغير القرآن في السمر الذي لا ينفع، والقيل والقال، وفي الجدل المقيت الذي لا يقربنا من الله، والذي لا ينفعنا في الدنيا ولا في الآخرة إلا من رحم الله، وهذا عند الأخيار، أما عند الأشرار فنعوذ بالله من ذلك، فهي ليالٍ حمراء فلا تسأل عنها وليالي معصية، يشهدون الله على فجورهم وخبثهم وغلتهم وقلتهم، ثم يمضي عليهم الليل الذي كان من أسعد الأوقات عند السلف. وقليلٌ من يعيش منا مع القرآن، وقليل منا من يتأثر بالقرآن ويحيي ليله بتلاوته. فكان عليه الصلاة والسلام لا يفوته ورده من الليل مع القرآن، وقد سئلت عائشة عن قراءته صلى الله عليه وسلم قالت: {ربما أسر وربما جهر} كل ذلك يفعله عليه الصلاة والسلام. وفي تلك الليلة التي رواها ابن عباس وهي في صحيح البخاري قال: {بت عند خالتي ميمونة فأتى عليه الصلاة والسلام فدخل البيت بعد صلاة العشاء، ونمت في عرض الوسادة، قال: نام الغُليم؟ قالت: نام، فأتى صلى الله عليه وسلم إلى الفراش فدعا وذكر الله ثم نام، قال: حتى سمعت غطيطه، وعند البخاري خطيطه، والخطيطة صوت يحدثه النائم إذا استغرق في النوم -ثم استيقظ صلى الله عليه وسلم -وما نام ابن عباس - فلما استيقظ عليه الصلاة والسلام أخذ يعرك النوم من عينه ويقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191] حتى أكمل العشر الآيات، ثم قام عليه الصلاة والسلام فخرج خارج البيت فلحقه ابن عباس بماء في إناء، ووضعه عند الباب، وعاد صلى الله عليه وسلم وقال: من وضع لي هذا الماء؟ -يسائل نفسه- وابن عباس يحفظ الكلمات التي قيلت في تلك الليلة- ثم قال عليه الصلاة والسلام: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} فكانت هذه أبرك ليلة من ليالي ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه وأرضاهما. وأتى صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فقال: {اللهم لك الحمد أنت رب السموات والأرض وما فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض وما فيهن، ولك الحمد أنت ملك الأرض والسموات، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت} ثم قام يصلي عليه الصلاة والسلام فأتى ابن عباس يصلي معه صلى الله عليه وسلم في ليلة طويلة، وكان يقوم صلى الله عليه وسلم بالقرآن طويلاً. يقول ابن مسعود: قام صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي فقمت معه فقرأ حتى هممت بأمر سوء، قالوا: ما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأن أدعه. وقال حذيفة: {صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فافتتح سورة البقرة، قلت: يركع عند المائة، فقرأ، قلت: يختمها ثم يركع، فقرأ وافتتح النساء فقرأها فقلت: يختمها فافتتح سورة آل عمران، فقرأها، إذا مر بآية تسبيح سبح، أو آية رحمة سأل أو آية عذاب تعوذ} فهذه صلاته صلى الله عليه وسلم.

عوامل القرب من الله

عوامل القرب من الله ومن الأسباب التي تقرب العبد من الله تبارك وتعالى:

تلاوة القرآن

تلاوة القرآن السبب الأول: تلاوة القرآن والعيش في ظلاله وتدبره وتكراره والعمل به.

التجرد من الدنيا

التجرد من الدنيا والسبب الثاني: التجرد عن الدنيا والزهد فيها، وهذا دل عليه حديث ابن ماجة عن سهل بن سعد قال: {أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! دلني على عملٍ إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، قال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} فمن أعظم ما يقرب العبد إلى الله عز وجل أن يخرج حب الدنيا من قلبه، فإذا أخرج حب الدنيا من قلبه وأسكن حب الله في قلبه أحبه الله عز وجل، وحب الله لا ينال إلا بأن تكون عبداً لله. والعبودية معناها: الخضوع والذل والاستسلام والحب له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإن الحب وحده لا يكفي، فمن عبد الله بالحب وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف فهو حروري، إلى ذاك التقسيم. لكن لابد أن تجتمع كل هذه الأصناف، لتكون عبداً لله، ولذلك شرف الله رسوله صلى الله عليه وسلم بذكر العبودية، لأنه أحب الناس إلى الله وأذل الناس لله، وأخشاهم لله، ولذلك قال الله له في موقف التشريف بالإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1] وقال له في الإنذار: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19] وقال له في الإنزال {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1] وميزة السلف الصالح علينا في هذا الجانب أنهم تجردوا من الدنيا، وأن الدنيا كانت في أيديهم ولم تكن في قلوبهم، ولذلك أحبهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وكان عليه الصلاة والسلام يحذرهم، بل يحذرنا نحن كذلك من محبة الدنيا ومن مغبة جمعها وعبادتها، لأن من الناس من يعبد الدرهم والدينار، ومنهم من يعبد الخميصة والخميلة، ومنهم من يعبد الوظيفة والمنصب، قال عليه الصلاة والسلام: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش} وذلك لأنه عبد: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23] فكل من أحب شيئاً غير الله واستسلم واستخدم في حبه فقد عبده من دون الله، فإن العبادة هي الحب، فكيف يعبد الله أحد لا يحب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟!

نماذج من السلف

نماذج من السلف ومن نماذج السلف الصالح التي عاشوها في الحب والتجرد من الدنيا، ما ذكر أهل السير في ترجمة محمد بن واسع الأسدي، وهو من التابعين الكبار الذي جمعوا بين العلم والزهد والعبادة، وقد خرج مع قتيبة بن مسلم في الشمال تجاه كابل، التي سلبت من المسلمين لما ماتت في قلوبهم لا إله إلا الله، واستولى عليها الملحد المستعمر، لما ماتت جذوة القرآن في القلوب، ووصلوا إلى تلك المشارف، ولما صف قتيبة بن مسلم الجيش وقابله الكفار قال قبل المعركة: التمسوا لي محمد بن واسع العابد الزاهد، فأتوا وإذا محمد بن واسع قد توضأ واتكأ على رمحه، ورفع سبابته إلى السماء يتمتم ويدعو الحي القيوم بالنصر: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126] فعادوا وأخبروا قتيبة بن مسلم فتهلل وجهه وقال: والله الذي لا إله إلا هو! لأصبع محمد بن واسع خيرٌ عندي من مائة ألف سيفٍ شهير ومائة ألف بطل طرير، وبدأت المعركة ونصر الله المسلمين، وانتهت المعركة وقدمت الغنائم من الذهب والفضة إلى قتيبة بن مسلم، وكان يرى الكُتُل من الذهب والفضة والجواهر والكنوز تقدم إليه، فكان يقول للقواد: أترون أن أحداً من الناس يعطى هذا فيرده؟ قالوا: لا. ما نرى أحداً من الناس يعطى شيئاً من الذهب والفضة ثم يرده، قال: والله لأرينكم رجالاً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذهب والفضة عندهم أقل أو أرخص من التراب، فقال: عليَّ بـ محمد بن واسع، فذهبوا إليه وهو يصلي في خيمته، فقالوا: يا محمد بن واسع! إن قتيبه يدعوك، قال: مالي ولـ قتيبة، ما خرجت إلا لوجه الله عز وجل، فليتركني قتيبة أحمد الله عز وجل على ما أعطى من النصر، قالوا: أمرك الأمير؛ فأتى إلى قتيبة قال: خذ هذا يا محمد بن واسع! كتلة من الذهب تقدر بآلاف الدراهم والدنانير، وظن قتيبة أنه لا يأخذها فحملها معه، فتغير وجه قتيبة وقال في نفسه: اللهم لا تخيب ظني في محمد بن واسع، وأرسل بعض الجنود يبحثون وراءه أين يضع هذا المال، ولما خرج من الخيمة عرض له مسكين يطلب الناس في الجيش، وسأل محمد بن واسع فأعطاه كل الذهب، وذهب إلى خيمته. فاسترد قتيبة هذا المال بشيءٍ من الدراهم من المسكين وقال لوزرائه وقواده: أما أريتكم أن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يرون الذهب والفضة كالتراب! فأين ذلك الجيل؟! أين تربية المساجد التي تركت في الأمة تربيةً بينةً ظاهرةً شاهرة؟ أين هذا الجيل الفريد الذي تربى على مائدة القرآن، إننا نشكو حالنا إلى الله عز وجل يوم سكنت محبة الدنيا في قلوبنا، فأصبحت شغلنا الشاغل، فقد أخذت أوقاتنا ومجالسنا وسمرنا وأنديتنا ومسائلنا وبحوثنا حتى كأننا خلقنا للدنيا، والله عز وجل خلقنا لهدفٍ شريف، فخلقنا وبعثنا أمة لتخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

ربعي يمثل المسسلمين

ربعي يمثل المسسلمين وقصة ربعي تتكرر كثيراً، وهي قصة لا تمل. كرر العلم يا جميل المحيا وتدبره فالمكرر أحلى فهي كلما كررت كانت هي وأمثالها دروساً لا تنسى للأمة. فهذا رستم قائد كسرى أنوشروان يرسل في القادسية إلى سعد بن أبي وقاص، خال رسول صلى الله عليه وسلم، وسعد هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو الذي دمر إمبراطورية كسرى، وداس جماجم الطغاة بقدميه رضي الله عنه وأرضاه، وسعد هو الذي قال له صلى الله عليه وسلم: {اللهم أجب دعوته وسدد رميته} وهو الذي يقول عنه: علي رضي الله عنه وأرضاه كما في البخاري [[ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحداً بأبيه وأمه إلا سعد بن أبي وقاص، فإنه كان يقول له يوم أحد: {ارم سعد فداك أبي وأمي}]] وهذه القصة في سير أعلام النبلاء في ترجمة سعد. ولما حضرته الوفاة بكت ابنته عائشة فقال: [[ابكي أو لا تبكي؛ فوالله الذي لا إله إلا هو! إني من أهل الجنة]] قال الذهبي معلقاً: صدقت وهنيئاً لك، ونشهد بالله أنه من أهل الجنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة، وكان يقول: {يا رسول الله! ادع الله أن أكون مجاب الدعوة، قال: يا سعد! أطب مطعمك تستجب دعوتك} فالسبب العظيم هو إطابة المطعم، فلا يأكل ربا، ولا رشوة، ولا غشاً، ولا حيلة، فيكون نظيف المدخل والمخرج والملبس، فأطاب مطعمه فأجاب الله دعوته. ولذلك لا بأس أن نسترسل مع سعد وأمثاله الأخيار، في كتاب الصلاة من صحيح البخاري يقول: باب هل يسمى مسجد بني فلان. أي: هل لك أن تسمي المسجد بآل فلان؟ ثم أتى بالحديث الذي يقول: سابق الرسول صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي ضمرت والتي لم تضمر، وكانت الخيل التي لم تضمر إلى مسجد بني زريق، ثم أتى بحديث سعد، أنه رضي الله عنه وأرضاه كان أميراً على أهل الكوفة من قبل عمر، وأهل الكوفة قومٌ مشاغبون، وقومٌ إرهابيون، وثوار دائماً، ينقمون على كل أميرٍ لهم ولو كان من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. اختار عمر رضي الله عنه وأرضاه سعد بن أبي وقاص الأمير المؤتمن، فشكوه في كل شيء حتى في الصلاة، وفي مسند أحمد أنهم شكوه وقالوا: إنه لا يجيد أن يصلي، فيقول سعد: يا عجباً لبني أسد فوالله الذي لا إله إلا هو إني أدخلتهم الإسلام بسيفي هذا وأصبحوا يعيرونني أني لا أحسن الصلاة؟!! فأرسل عمر، محمد بن مسلمة ومعه أحد الصحابة، وقال: [[سل أهل الكوفة ماذا ينقمون على سعد]] فذهبوا من مسجدٍ إلى مسجد ليسألون عن عدل سعد، وعن صدقه ووفائه، وعبادته، فكلهم يثني خيراً. حتى وصلوا إلى مسجد بني عبس، وهذا الشاهد من القصة للبخاري فدخلوا المسجد فسألوا عنه فأثنوا خيراً إلا شيخاً أضله الله على علم، قام وقال: أما إن سألتم عن سعد بن أبي وقاص فوالله إنه لا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، ولا يخرج مع السرية، فقال سعد وهو جالس: [[اللهم إن كان قام رياءً وسمعة فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن]] فطال عمره وطال فقره، قال عبد الملك أحد رجال البخاري في السند: فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد رأيته في السكك وهو شيخٌ كبير سقط حاجباه على عينه يتعرض للبنات يغمزهن ويقول: شيخٌ مفتون أصابتني دعوة سعد. الشاهد أن سعداً أرسل ربعي بن عامر إلى رستم ليفاوضه فأتى ربعي إلى رستم في القصة المعروفة التي اشتهرت وتكررت كثيراً، فقال رستم: ماذا خرج بكم؟ هل انتهت عليكم النفقة؟ لأن كسرى كان ينفق على العرب البدو، وكان يعطيهم نفقة، فيكفون أذاهم في الجزيرة، قال: انتهت عليكم النفقة وتأخرت عليكم فتريدون قتالنا؟ سوف نعطيكم النفقة وعودوا من حيث جئتم، فقال ربعي: [[لا. إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]]. وبعد ثلاثة أيام أو أربعة دخل سعد المدائن باثنين وثلاثين ألفاً من الجيش ودكدك الذين كفروا: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45] لما رأى سعد رضي الله عنه وأرضاه حصون وقصور كسرى قال: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29].

رجوع الناس لدينهم

رجوع الناس لدينهم الدنيا إذا لم تقربك من الله عز وجل فهي بُعْدٌ لك من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ونحن بحاجة إلى تكرار الخطب والمواعظ والدروس والتربية والتوجيه التي تعمل على رد الناس إلى الله، لأنه وجد من الناس من أصبح عبداً للدنيا، وقته كله مع الدنيا حتى لا يستطيع حضور مجالس العلم والدعوة، ولا يتفرغ للذكر وتلاوة القرآن بسبب الدنيا، فنحن بحاجة إلى تكرار الدرس دائماً وأبداً لعل القلوب أن تصحو من سباتها وغفلتها، يقول ابن عمر رضي الله عنهما كما في البخاري في كتاب الرقاق: {أخذ صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل}. دخل سالم بن عبد الله الحرم وحذاؤه في يده، وهو عالم المسلمين، وعالم الدنيا، وأحد الفقهاء السبعة في المدينة، دخل يطوف بالبيت معتمراً، فدخل هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي معه حرسه وجنوده، فلما رأى سالماً عرف أنه عالم المسلمين فأخذ بيده وقال: يا سالم! هل لك إليَّ حاجة؟ فاحمر وجه سالم وقال: أما تستحي؟! قال: ولم؟ قال: تقول لي هذا في بيت الله، فسكت، فلما انتهى تصدى له خارج الحرم هشام بن عبد الملك وأعاد عليه الكلام، فقال سالم: أمن حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ قال: من حوائج الدنيا فإني لا أملك الآخرة، قال: أما الدنيا فوالله الذي لا إله إلا هو، ما سألتها ممن يملكها فكيف أسألها منك؟! هذا هو سالم بن عبد الله الذي ما سأل الدنيا من الله عز وجل فكيف يسألها من الناس، والتجرد معناه أن تأخذ ما ينفعك من الدنيا وألا تشغلك بل تكون عوناً لك على طاعة الله. ابن تيمية يعرِّف الزهد كما في المجلد العاشر من فتاويه، وهو أحسن تعريف عند أهل السنة والجماعة للزهد، لأن بعض الناس يعرف الزهد أن تتخلى عن الدنيا، وهذا ليس بصحيح، وبعضهم يقول: أن تزهد في الحرام وهو تعريف نسب حتى للإمام أحمد، إذا كان الزهد هو الزهد في الحرام لكان أكثر الناس زهاداً. فيقول ابن تيمية في تعريف الزهد: "الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة" وأما ما ينفع فإن الزهد فيه ليس بصحيح، أما ما لا ينفعك ولا يقربك من الله فليس بحق وليس بمطلوب.

قيام الليل

قيام الليل العامل الثالث من العوامل التي تقرب من الله عز وجل: قيام الليل، ونشكو حالنا إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في قيام الليل، وقد وصف الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عباده فقال: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن مؤمني أهل الكتاب: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران:113] فمدحهم بالتلاوة في آناء الليل، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يحث الناس على قيام الليل. وقيام الليل يحصل ولو بركعتين قبل الفجر، ولو بما يقارب النصف أو الثلث ساعة لتكون من الذاكرين الله في تلك الساعة، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال: {ينزل ربنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل، فيقول: هل من سائلٍ فأعطيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من داعٍ فأجيبه؟} نزولاً يليق بجلاله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لا نكيفه أو نمثله، ولا نشبهه أو نعطله. وهذه الساعة تفوت كثيراً من الناس، ومن فاتت عنه فهو محروم أو مخذول إلا من مرض أو سهر لخيرٍ لابد منه أو سفر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {يا عبدالله -يقصد ابن عمر - لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم ترك قيام الليل} وهذا الحديث في الصحيح، يقول ابن عمر: {كان الصحابة إذا رأى أحدهم رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنيت أن أرى رؤيا لأقصها على الرسول صلى الله عليه وسلم -وهذا حديث صحيح- قال: وكنت شاباً أعزب أنام في المسجد لا أهل لي، قال: فنمت في المسجد فرأيت فيما يرى النائم أن رجلان أخذا بيدي وذهبا بي إلى بئرٍ مطوية فأشرفت عليها فخفت، فقالا لي: لا ترع لا ترع -أو لم ترع لم ترع، ضبطت كذلك قال: ثم أخذت قطعة من الإستبرق أو الحرير لا أشير بها إلى مكان في الروضة الخضراء إلا طارت بي، فلما أصبحت أخبرت أختي حفصة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقصتها على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: نِعْم عبد الله لو كان يقوم من الليل} قال نافع مولاه: [[فكان ابن عمر لا ينام من الليل إلا قليلاً وكان إذا سافر يصليثم يقول: يا نافع! انظر هل طلع الفجر، فإن قال: لا. استمر في الصلاة، وإن قال طلع أوتر بركعةٍ ثم استقبل صلاة الفجر]].

الأمور التي تعين على قيام الليل

الأمور التي تعين على قيام الليل والأمور التي تعين على قيام الليل ذكرها أهل العلم، منهم الغزالي في الإحياء ومنها: قلة المعاصي في النهار، فإنه لا يقيد العبد إلا الخطايا والذنوب، قال رجل للحسن: يا أبا سعيد! لا أستطيع قيام الليل؟! قال: [[قيدتك خطيئتك ورب الكعبة]] ومنها: الورد الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وفاطمة وهو تسبيح الله ثلاثاً وثلاثين، والتحميد ثلاثاً وثلاثين، وتكبير أربعاً وثلاثين وهو في الترمذي، يقول علي: [[طرقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وفاطمة ليلاً، فقام بيننا حتى وجدت برد قدميه، فقال عليه الصلاة والسلام: {ألا أدلكما على خير لكما من خادم؟ -لأن فاطمة سألت من رسول الله صلى الله عليه وسلم خادماً من السبي- قالا: بلى. قال: إذا أخذتما مضجعكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فهو خيرٌ لكما من خادم} ولذلك يرون أن مناسبة الخادم للحديث أن هذا قوة تغني الإنسان في جسمه وبدنه عن مثل الخادم، ومن كررها كانت عوناً له على قيام الليل إن شاء الله. ومن الأسباب كذلك: ألا يسهر العبد؛ لأن سهر كثير من الناس الآن في غير مرضاة الله، وكيف يقوم الليل من يسهر إلى الثانية عشرة والواحدة، وهذا الوقت هو وقت قيام السلف الصالح، ونحن نبدأ فيه النوم. ومن الأسباب التي تعين على قيام الليل: القيلولة في النهار لتستعين بها على القيام ومرضاة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فقيام الليل سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشعيرةٌ إسلامية لما فاتتنا فاتتنا حرارة الإيمان ومحاسبة النفس والإقبال على الله عز وجل.

التفكر في آيات الله

التفكر في آيات الله ومن الأسباب التي تعين على محبته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: التفكر في آيات الله، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191] فكلما نظرت في شيء دلك على الله. وفي كل شيءٍ له آية تدل على أنه واحدٌ فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد ففي كل لمحة ونظرة وشجرة وفي كل زهرةٍ وجبلٍ، وفي كل تل آية من آيات الله، لكننا لا نتفكر، فكم من آية نمر عليها ولا نعتبر، إلا من وفقه الله في التفكر: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] فالتفكر من أعظم ما يقودك إلى عبادة الله عز وجل، وهذه عبادة الصالحين الذين يتفكرون في الآيات البينات، ويتفكرون في المخلوقات، وفي عجيب صنع رب الأرض والسماوات، فيعودون بإيمانٍ ويقين، وحبذا لو جعلنا رحلاتنا ونزهاتنا الكثيرة في التفكر في آيات الله، لا يمر الإنسان بالشجرة إلا وكأنها تكلمه وتدله على الله الذي لا إله إلا هو في كل شيء، فهذا عاملٌ كبير ينبغي ألا يفوت المؤمن، ولابد من استصحابه دائماً وأبداً، ومن أحسن ما يتفكر فيه العبد ويتدبر آيات الله الكونية والشرعية. قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا والنحل قل للنحل يا طير البوادي من الذي بالشهد قد حلاكا وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله: كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا فالحمد لله العظيم لذاته حمداً وليس لواحدٍ إلاكا فكل آية تدل على الله عز وجل، فلينتبه لها المسلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من يرد الحديث حتى يوافقه العلم

حكم من يرد الحديث حتى يوافقه العلم Q ما هو القول في إنسان يدعي أنه مسلم، وإذا ذكرت له حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقبله، بل يقول: إذا وافق العلم قبلناه، وإذا خالف تركناه، لأن العلم اليوم أكثر معرفة؟ A من يفعل هذا ففي قلبه شك وشبهة، وفي قلبه نفاق. والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أخبرنا عن المنافقين الذين استهزءوا بالكتاب والسنة وبالرسول صلى الله عليه وسلم، أو جعلوا الكتاب والسنة عرضة للاستهتار أو أنهما قابلان للقبول وللرفض، قال: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] وإذا فعل هذا واعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله فهذا تكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فهو كافر كافر كافر، ولابد له من العودة إلى الدين فقد ارتد عن منهج الله عز وجل، وعن دين الله عز وجل. وعلى سبيل المثال كما تفضل الأخ: بعض الناس الذين في قلوبهم شبهة كـ أبي رية وغيره من الكتاب الذين أصبحت قلوبهم ظلمات بعضها فوق بعض، ممن ردوا حديث الذباب، وبعض الأحاديث وقالوا: لا توافق العلم، فخابوا وخسروا. وهل يحتاج حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي هو وحيٌ يوحى لا ينطق عن الهوى إلى أن نحاكمه إلى الأطباء وآراء الخواجات ومع ما صدر من البشر، أهل النقص والاضمحلال؟! إن فعل ذلك معناه انسلاخ وقلة إيمان ونفاق، والذي خار في عقله وقلبه، ونعوذ بالله من هذا الفعل. فلا يفعل هذا إلا من هو منافق، وعليه أن يتوب إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولذلك ذكر الإمام الذهبي في ترجمة ابن الراوندي الملحد الكلب المعفر الذي ألف كتاب الدامغ على القرآن ليدفع به القرآن، وقد كان يقرأ الحديث، وهو فيلسوف من فلاسفة الإسلام، ولكن أضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وبصره، وذكره ابن تيمية وقال: إن كان صح عنه ما يقول فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، كان يجعل الأحاديث النبوية على ما يريد، فإذا وافقت رأي سقراط قبلها، وإذا خالفت ردها، وألف كتاب الدامغ على القرآن ليدفع به القرآن ليرد على بعض الآيات، يقول: هذه بعض الآيات لا توافق الآيات الأخرى، وهذا لا ينفع معه إلا درة وسيف عمر رضي الله عنه وأرضاه. وعند الدارمي أن صبيغ بن عسل أو ابن عُسل أتى فجلس في طريق الجيش الذي يجهز في العراق، فقال: أيها الناس! كيف يقول الله: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً} [الذاريات:1 - 2] ويقول: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً} [النازعات:1 - 2] كيف نؤلف بين هذه وهذه؟ وأخذ يضرب القرآن بعضه ببعض -وهذا الحديث في أول سنن الدارمي في كتاب السنة- قال بعض الصحابة: نخبر عمر حتى يجيب عمر عليك، فإجابات عمر من نوعٍ آخر، وأخبروا عمر رضي الله عنه فقال: عليَّ به، فاستدعى الرجل وقبل أن يأتي هيأ له عمر رضي الله عنه ضيافةً تليق به وبأمثاله من الشباب، عراجين النخل بلها في الماء، فهذا عمر رضي الله عنه وأرضاه. وقال: أين السائل؟ فقال: هأنا يا أمير المؤمنين! قال: تعال، ثم أمر رجلين بمسكه فضربه حتى أغمي عليه، ولما استفاق ضربه حتى أغمي عليه، فلما استفاق ضربه حتى أغمي عليه، ثم استفاق الرجل فقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد دوائي فوالله قد برئت. فأخرج عمر وساوس الشيطان من رأسه. فالذي يفعل هذا حكمه السيف، فمن يعرض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وميراثه على الآراء ويقول: إذا وافقنا قبلناه، فهو جالس على أريكة يثني رِجْلاً على رِجْل ويقول: إذا وافقنا قبلنا وإذا خالف العلم والطب رددناه. كيف يرد حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا معناه أنه يرد الإسلام؟! ومعناه أنه يكفر بالله رب العالمين! وقد أخبر صلى الله عليه وسلم هذا في حديث المقداد بن عمرو وفي أحاديث أخرى: {أنه يوشك أن يجلس رجل شبعان ريان على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول: حسبنا القرآن، ما وجدنا في القرآن أحللناه حلالاً وما وجدنا في القرآن حراماً حرمنا، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه} وفي بعض الألفاظ: {ومثليه} لكن (مثله) أستحضر أنها صحيحة، أما (مثليه) فتحتاج إلى بحث، فإذا علم فهذا فحكمه -ونسأل الله العافية- ولن يفعل هذا إلا من في قلبه نفاق وكفرٌ ورجس.

التوجيه إلى حفظ القرآن والعلم

التوجيه إلى حفظ القرآن والعلم Q كيف توجهنا إلى حفظ القرآن ثم الفقه فيه، ثم طلب العلم؟ A هذا يحتاج إلى كتب وجلسات طويلة وأحسن من ألف لطلبة العلم كتاب صيد الخاطر لـ ابن الجوزي، فقد أتى بمنهج وبرنامج لطالب العلم كيف يطلب العلم، وكتاب أدب الطلب ومنتهى الأرب للشوكاني، وكتاب الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، لكن الظاهرة عند كثير من الشباب أنهم يبدءون بالمتون قبل القرآن، سبحان الله! كيف يقدمون مالم يقدمه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، تجد أحدهم يتشاغل بمتن زاد المستقنع أو الرحبية وهو لم يحفظ شيئاً من القرآن وهذا خطأ، فهو استفراغ للجهد والعقل والطاقة والوقت وهو لم يحفظ كتاب الله عز وجل. فأنا أوصي نفسي وإخواني بحفظ كتاب الله، وإذا حفظ كتاب الله فقل على المتون السلام، إذا جاء بعد القرآن شيء فليكن بعده الحديث، وإذا شاء غيره فزيادة في الخير، لكن إذا كان ولابد فلا يبدأ ولا يقدم على القرآن شيئاً، بل لابد أن يكون القرآن هو المقدم، وحفظ القرآن له أسباب، ومن أعظم أسباب حفظ القرآن والعون على حفظ القرآن: تقوى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] والمسألة الثانية: كثرة الاستغفار، وكثرة التوبة. ذُكر عن ابن تيمية أنه كان يقول: إنها لتعجم عليَّ المسألة -يعني: تشتد وتصعب- فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر أو أقل فيفتحها الله عليَّ. والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول للرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكره بالحكم: {لتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء:105] ثم قال له في آخر الآيات: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:106] قال بعض أهل العلم يؤخذ منه أن من أراد أن يستنبط أو يفقه أو يفهم فعليه بكثرة الاستغفار. ومن أسباب حفظ القرآن: التقليل من الحفظ، فالتقليل والمداومة أصلٌ عظيمٌ من أصول الحفظ، فإن أكثر ما يصاب به الشباب مسألة الإحباط، أن يأتي أحدهم إلى عشرين آية أو ثلاثين أو سورة كاملة فيجهد نفسه حتى يقصها يوماً من الأيام ثم لا يكون له روح في حفظ آيات أخر، فعلينا أن نقلل. وقد كان الصحابة كما في حديث أبي العالية يأخذون القرآن خمساً خمساً، ثلاث آيات في اليوم أو أربع أو خمس وتكرر كثيراً. ومما يعين على حفظ القرآن: أن يقام بهذا المقروء في النوافل، وفي الصلوات المفروضات وفي قيام الليل. ومما يعين على حفظه: أن يكون هناك وقت للمراجعة والمدارسة مع الإخوان أو مع نفسه. ومما يعين على حفظه: معرفة التفسير، لأن تفسير المعاني وأسباب النزول ودلالة الألفاظ وغريب القرآن تعينك بإذن الله على حفظه، فإن من يحفظ التذييل في الآيات يعرف أن الآية لابد أن يكون آخرها هكذا (لعلكم تعقلون) (لعلكم تذكرون) (لعلكم تفقهون) لا تأتي إلا بمناسبة معرفة المعنى، وهذه يقع فيها كثير ممن لا يعرفون معاني الآيات، فيذيل من عنده في بعض المناسبات، ولو عرف المعنى لأعانه على حفظ القرآن بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

الفتور في قراءة القرآن والعبادة

الفتور في قراءة القرآن والعبادة Q إنني أشعر ببعد عن كتاب الله، على غير ما كنت قبل سنتين، فلقد سافرت إلى الخارج للدراسة في خلال تلك السنتين وعندما عدت شعرت بنقصٍ في عبادتي وفي الخشوع في الصلاة، وتلاوتي لكتاب الله عز وجل، فبماذا تنصحني؟ A أنصحك ونفسي بتقوى الله عز وجل، وقبل الكلام عن مسألة التلاوة والحفظ أتكلم عن مسألة السفر إلى الخارج فهي من أعظم ما مني به المسلمون في هذا الزمن، والسفر كما سمعتم في رسالة الشيخ عبد العزيز بن باز أن من أعظم أضراره أنه يهون المعاصي، وأضرار عظيمة أيضاً منها: أن مسألة الولاء والبراء يصبح فيها غبش عند المسافر إلى الخارج، فبعد أن كان يرى أن الكافر عدو لله في بلاد الإسلام، يراه بعد فترة كأنه أخٌ له حميم، من القلب والروح. والمسألة الثانية: أنه يرى الكبائر أصبحت صغائر، يوم كان يتحدث في المجتمع المسلم عن الصغائر أصبح هناك لا يتكلم إلا عن الكبائر وخفت المعاصي عنده. المسألة الثالثة: أنه أصبح لا يحجبه عن المعاصي شيء، فهو ينظر إلى النساء ببرود، وتجد من يسافر إلى هناك يصبح النظر عنده شيئاً عادياً إلا عند من رحم الله عز وجل، فيصبح من المسائل التي لا يتحدث فيها، فهو يقول: أصبح الناس في كفر ونحن نتحدث في النظر، إلى غير ذلك من المفاسد، إلا سفر لضرورة من دراسة تنفع المسلمين، أو الاستشفاء، أو لعلمٍ لابد منه، أما غير ذلك فإن المرض العضال والسم الزعاف في السفر إلى الخارج. أما ما ذكرت من شكواك وبعدك عن القرآن فكلنا ذاك الرجل، لكن أدلك على كثرة الاستغفار والتوبة وكثرة الدعاء في أدبار الصلوات والسجود، وكذلك لا تشدد على نفسك في كثرة التلاوة؛ لأن بعض العبادة تكره إلى النفس، والرسول صلى الله عليه وسلم دل ابن عمرو إلى أن يقرأ القرآن في شهر فنازله حتى أوصله إلى سبع ليالٍ، ونحن -والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه- لا نشكو من كثرة العبادة إنما من قلتها، فلا ما ندعو الناس إلى أن يخففوا على أنفسهم، فأحاديث الرخص موجودة عند الناس، فلا يحفظ الناس إلا أحاديث الرخص، إذا أتى أحدهم يقوم الليل، قال له الشيطان: إن لعينك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، لكن لو نام عشرين ساعة ما قال له الشيطان: إن لربك عليك حقاً. فنحن نحفظ أحاديث الرخص بأسانيدها، أما أحاديث العزيمة وأحاديث الإقبال والهمم ما تحفظ إلى عند بعض الناس. فأنا أقول: ليكن لك وردٌ من القرآن ميسر يناسب سفرك ومرضك وانتقالك، كجزء من القرآن أو جزئين في اليوم تتدبره وتتلوه، فالقصد والمداومة أصلٌ عظيم في العبادة، فالقصد القصد تبلغ ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وهو منهج أهل السنة في عبادتهم وتفقههم وتدبرهم لكتاب الله عز وجل. ثم أوصيك كذلك بأن تبتهل إلى الله -وهو ما أسلفته في الكلام- لأنه الذي يفتح سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنه قد تأتي بعض القلوب تقرأ القرآن فلا تفقهه بسبب كثرة معاصيها، فإذا دعا الإنسان وابتهل وخاصة في السجود وأدبار الصلوات ويوم الجمعة، وفي المناسبات والنفحات التي يتعرض فيها لرحمة الله فتح الله على العبد، فأنت ادع ولا تمل، وسوف يفتح الله عليك.

مشكلة عدم التعاون مع رجال الهيئة

مشكلة عدم التعاون مع رجال الهيئة Q أنا أخوكم من الرياض أتيت إلى أبها، ورأيت الشباب هنا غير متعاونين مع رجال الهيئة، ويتهربون منها، فأرجو إرشادهم إلى ذلك؟ A مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تتوقف عليَّ ولا على هيئة، وإنما الأمة مطالبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سواءً توظف العبد أو لم يتوظف، فهي وظيفة من رب العالمين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] وقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79] {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17]. فمسألة الأمر بالمعروف لا تتوقف على هيئة وإنما الهيئة أكثر مسئولية؛ لأنها أوكلت كثيراً من الناس عن هذا الشيء، فإذا لم تقم بواجبها وأداء حقها أصبحت أكثر ذنباً ومأثمة ومسألة عند الله عز وجل وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}. فأدعو إخواني في الله إلى الدعوة في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا منكر، وليكن عندهم حصيلة من العلم الذي ينفعون به الناس، ويستصحبون الإخلاص ليدفع بهم الله ويجعل لهم قبولاً، فإن العمل إذا لم يكن فيه إخلاص لم يجعل الله فيه قبولاً، وليكن غرضهم للدعوة للناس باللين، يقول الله لموسى وقد أرسله إلى شيخ الطغاة المتمرد على الله فرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] فباللين وبالحكمة ينفع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. أما التعليق بالهيئة فهذا ليس بصحيح، بل كل إنسان مسئول أن يأمر بقدر جهده وطاقته، والشيطان دخل علينا بأمور، يقول: كيف تتصدر للناس؟ وكيف تدعو ولم تتمكن في العلم؟ حتى أصبح كثير من طلبة العلم، يحملون علماً جماً وكثيراً ولكن ما أنفقوا منه، والعلم إذا لم ينفق منه ذهبت بركته، فكثير من القرى فيها كثير من الدعاة وطلبة العلم العدد الضخم ولكن يشكون من الجهل، وأخذتنا هذه المحاضرات الطنانة الرنانة التي نعرضها على الناس، والناس لا يريدون كثرة علم ولا علم تخصص ولا علم سند، بل يريدون أن يعرض الإسلام سهلاً ميسراً كما عرضه الصحابة. وفي سنن أبي داود عن عبد خير وهو من أول الأحاديث في الطهارة: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه يوم أن وصل إلى الكوفة جمع الناس، فلما اجتمعوا قام فتوضأ أمامهم، ولما انتهى قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فهذا هو العلم، تعليم الناس الوضوء، والغسل من الجنابة، والصلاة والحج، فليس هناك ألغاز ولا أحاجي ولا شؤم مدسوس، فهذه هي الدعوة التي يدعى إليها، وهذا هو العلم الذي يريده الناس، وهو علم ميسرٌ ومسهل، وهذا هو علم السلف، لأن امتياز علم السلف باليسر والأصالة والعمق، وأما هذا العلم، أي: الذي يظهر بكلمات لا أثر لها وإنما تبدي الثقافة وتبدي مدى التعمق في الطلب فهذا ليس بصحيح، وهذا ليس له أثر، يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [[عليكم بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم أخلص الأمة قلوباً وأبرها، وأصدقها لهجة، وأقلها تكلفاً، وأعمقها علماً]] فالعلم هو علم السلف، علم ميسر مسهل، فهل عزيز علينا أن يقوم أحد من الناس فيتوضأ ثم يقول: هكذا وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يصلي للناس كما في حديث سهل، فيقول هكذا صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟! إن العلم سهل ميسر، وإننا نحتاج إلى تبليغه للناس، وإن الشباب بحاجة إلى أن يدعوا ليبارك الله في الجهد، خاصة لأن على منطقتنا لائمة، ومسئولية بسبب كثرة الاصطياف، وكثرة الوافدين، وهؤلاء يأتي فيهم مزيجٌ من أهل الخير، ومن غيرهم ممن يحتاجون إلى توعية، وإنا ندعو إخواننا وشبابنا إلى التعاون ورفع كلمة لا إله إلا الله عز وجل، وإلى التأثير في الناس بالحكمة والموعظة الحسنة عل الله أن يبارك في الجهد وأن يصلح الحال، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال. اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

التوسل بالأعمال الصالحة (2)

التوسل بالأعمال الصالحة (2) في قصص الأولين عبرة، ونحن في هذا الدرس مع قصة من قصص بني إسرائيل، وفيها من العظات والعبر والدروس المتعلقة بالعمل والاعتقاد شيئاً مفيداً، إنها قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار.

حديث الثلاثة النفر الذين انطبقت عليهم الصخرة

حديث الثلاثة النفر الذين انطبقت عليهم الصخرة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن أبعد الناس عن الله أكثرهم معصية، وإن أقربهم إليه تبارك وتعالى أكثرهم طاعة، وإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، إنما نسبهم التقوى وصلتهم القربى، ومعين قربهم تقوى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى. يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله

وعود الله لعباده المؤمنين

وعود الله لعباده المؤمنين أيها الناس: يقص علينا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أحسن القصص، ومنها قصة قوم سلف بهم الدهر، ووقعوا في ورطة من الورطات، وفي نكبة من النكبات، وفي مصيبة من المصائب، فما أنجاهم الله إلا بعد أن توسلوا بأعمالهم الصالحة. والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وعد المؤمنين بالهداية، فقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] والله تبارك وتعالى وعد المؤمنين بالنصر فقال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52] والله تبارك وتعالى وعد المؤمنين بالتثبيت فقال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] والله تبارك وتعالى وعد المؤمنين بالحياة الطيبة في الدنيا وبالنعيم المقيم في الجنة فقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]. يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه قال: قال عليه الصلاة والسلام: {انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم}: أي: من الأمم السالفة التي جعل الله أخبارهم عبرة لنا فقال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] علنا نفهم أو نعقل، وقال: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف:111] لكن لمن كان له قلب لمن كان له عقل لمن كان يعتبر.

التجاء العبد إلى الله في الشدة وكفره بالنعمة في الرخاء

التجاء العبد إلى الله في الشدة وكفره بالنعمة في الرخاء {انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى كهف في الجبل، فآووا إلى الغار وقد أمطرت السماء، فانطبقت صخرة من الصخرات على فم الغار فسدَّته}: يا ألله! لم يبق منجى ولا ملتجى ولا مفر من الله إلا إليه، ومن الذي ينجي العبد في الأزمة إلا الله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62]. فأصبحوا في ورطة لا يعلمها إلا الله، لا أنيس، ولا قريب، ولا ولد، ولا صاحب، ولا عشيرة، ولا قبيلة. جلس الثلاثة وضمهم الليل الدامس، وليس عندهم من الطعام والشراب ما يكفيهم، وهم في صحراء مقحلة وقفر، إن صوتوا لا يسمع صوتهم إلا الله، وإن بكوا لا يسمع بكاءهم إلا الله، وإن صاحوا لا يسمع صياحهم إلا الله، فتشاوروا. والعبد إذا ضاقت به الضوائق أخلص التوحيد لله الواحد الأحد. والعجيب أن العبد وقت الرخاء يتمرد على الله، ويعصيه ويتعدى حدوده، وينتهك حرماته إلا من رحم الله، لكن إذا أُخِذَ بزمامه وشد عليه خناقه عاد إلى الواحد الأحد: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65]. فالشاب قوي البنية، الصحيح، المتكامل العضلات يفجر إلا من رحم الله، ولا يصلي مع الجماعات إلا من وفق الله، ولكن إذا أصبح في المستشفى على السرير الأبيض عاد بقلبه إلى الواحد الأحد.

إجابة الله عباده المؤمنين في الشدة

إجابة الله عباده المؤمنين في الشدة فتشاور الثلاثة ماذا يفعلون، فقال أحدهم: {والله لا ينجيكم من مكانكم هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم}: إن كنتم أحسنتم في الرخاء فالله يجيبكم في الشدة؛ لأن الله يجيب من يطيعه في الرخاء وقت الشدة. أما رأيتم يونس بن متى عليه السلام يوم ضاقت به الحِيَل، وأُلْقِي في اليم، يوم أصبح في ظلمة الليل فرد إلهامه ورشده إلى الله فقال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] فقال الله عنه: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144]. {إنه لن ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم}: ومعنى ذلك: أن لهم رصيداً من الأعمال الصالحة وقت الرخاء، أما الذي ليس له رصيد من العمل الصالح فبماذا يدعو ويتوسل؟ أيقول لله: أنا فلان بن فلان من آل فلان؛ الأسرة العريقة على مر التاريخ؟ أو أبي كان أميراً أو وزيراً أو تاجراً؟ ليس بين الله وبين خلقه نسب، بل النسب التقوى، ولذلك لما أدرك الموت شيخ الطغاة فرعون قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] ففعل في الدعاء كما فعل يونس؛ لكن شتان ما بين الرجلين، ذاك عبد صالح وهذا عبد فاجر، فقال الله لفرعون: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] أنسيت جرائمك يا لعين؟! أنسيت خبائثك على مر التاريخ يا خبيث؟! لا تنفعك الشهادة في هذا الموضع، فأهلكه الله ومزقه وأرداه.

توسل الثلاثة بصالح أعمالهم

توسل الثلاثة بصالح أعمالهم {قال أحدهم: لن ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم -الصخرة مطبقة، والليل دامس، والقريب بعيد، لا طعام ولا زاد-؛ فقام الأول فاستقبل قبلتهم وقال: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران - أب وأم عجوزان، أكل عليهما الدهر وشرب، شابت نواصيهما، واحدودبت ظهورهما، وقاربهما الفناء- اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً -والغبوق عند العرب: اللبن يُشرَب في المساء، أي: لا أقدم عليهما أحداً من الناس حتى أطفالي، أي: مِن بِرِّي بوالدي لا أقدم أحداً من الناس عليهما- وإنك تعلم -يا رب! - أنه نأى بي طلب الشجر يوماً من الأيام -أي: ذهبت أرعى في الصحراء إبلي وما أتيت إلا بعد أن ناما- فلم أَرُحْ عليهما إلا بعد أن ناما، فحلبت غبوقهما، وأتيت إليهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما -يا للبر! يا للسماحة! يا للين! من يفعل هذا منا مع أبيه وأمه؟ وقف باللبن والكوب في يده وأبوه وأمه نائمان، والصبية يتضاغون عند قدمه من الجوع، أبناؤه وفلذات كبده وشذا روحه وقلبه يتضاغون عند قدمه يريدون اللبن في الإناء- قال: فلم أوقظهما ولم أسق الصبية حتى طلع الفجر -من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر والإناء في يده واللبن فيه، والصبية يتضاغون عند قدمه يكادون يتفطرون من السغب، وكره أن يوقظ أباه وأمه لئلا يعكر عليهما المنام- فلما استيقظا سقيتهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج منه}: ثلث الصخرة انفرج، صخرة مدلهمة عظيمة تحركت بقدرة الله، ولكن لا يستطيعون الخروج لأنه بقي اثنان لهما دعاء.

فضل بر الوالدين

فضل بر الوالدين والشاهد: أن بر الوالدين الذي انتهك وضيع في هذه الأزمان إلا فيمن رحم الله، فتجد الأب إذا شاخ ازدراه ابنه، واستهزأ به، وجفاه وتغلظ عليه وتأمر، فلا يطيعه أبداً، يرى أن نفسه قد كبرت وأنه قد أصبح من الرجال الذين لا يحتاجون إلى أن يتأمر عليهم أحد من الناس، سبحان الله! أبوك وأمك اللذان تعبا لترتاح، وسهرا لتنام، وجاعا لتشبع، وظمئا لتروى. روى الطبراني بسنده: أن رجلاً قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال: يا رسول الله! أشكو إليك شكاية، قال: ما لك؟ -شيخ كبير يبكي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: ما لك؟ قال: يا رسول الله! أشكو إليك ابني، قال: ما فعل بك؟ قال: ربيته يا رسول الله، فلما كبر تغمط حقي وأغلظ لي، وجفاني وتنكر لي، وبلغ به العقوق أن لوى يدي وراء ظهري، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: أقلت في ذلك شعراً؟ -والعرب كانت تنفس عن أحزانها وهمومها بالشعر- قال: نعم. قال: ماذا قلت فيه؟ قال: قلت فيه: غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهل يقول: ربيتك صغيراً وحفظتك حتى كبرت. إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبِتْ لسقمك إلا شاكياً أتململ يقول: إذا زارك المرض فكأنه زارني أنا، فلا أنام وأنت المريض. فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبُوَّتي فعلت كما الجار المجاور يفعل ليتك يوم ما بررتني ولنت لي وتسهلت لي وأكرمتني؛ حفظت أذاك عني وفعلت كالجيران، لكن زيادة في النكاية آذيتني وشتمتني وعصيتني. قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 - 24]. فيا سرور مَن بَرَّ أبويه! ويا حبور من بر أبويه يوم أن يشيبا؛ ويقتربا من القبر، يوم يكون أملهما بعد الله أنت، فتتقرب إلى الله ببرهما، حينها يفتح الله لك باب الجنة، ويسدل عليك رحمته، ويجعل أبناءك بارين بك، ويتولاك في الدنيا والآخرة.

فضل العفة ومخالفة الهوى

فضل العفة ومخالفة الهوى {وأتى الرجل الثاني وقال: اللهم إنك كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فراودتها عن نفسها فأبت -استعصمت بحبل الله، امرأة تقية صَيِّنَة دَيِّنَة- قال: فألمت بها سنة قحط وفقر -والفقر والجهل قريبان من المعصية- قال: فعرضت عليها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، فلما فَعَلَتْ واقْتَرَبْتُ منها قالت لي: يا عبد الله، اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، قال: فقمت عنها وأنا أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرِّج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً لكن لا يستطيعون الخروج منه}: وهذه هي العفة، وهذه هي أسوة يوسف عليه السلام يوم ابتلاه الله فرفع منزلته بالعفة والأمانة، عرضت له الملكة الجميلة نفسها في القصر وهو شاب أعزب من أجمل الناس، فتذكر لقاء الله، وموعوده، وعذابه الذي: {لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25 - 26] فقال: {مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف:23] فمن يقول منا -يا شباب الإسلام- اليوم معاذ الله؟! من إذا نظر إلى المرأة الجميلة في السوق غض طرفه وقال: معاذ الله؟! من إذا سمع نغمة اتصال من امرأة أجنبية قال: معاذ الله؟! من إذا حدثه الشيطان وسوَّل له قال: معاذ الله؟! من إذا عرض عليه الفيلم الماجن الذي ضيع عقول الشباب ودينهم ومروءتهم قال: معاذ الله؟! من إذا رأى المجلة الخليعة قال: معاذ الله؟! من إذا سمع الأغنية الماجنة قال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف:23]؟! إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل طرفةً ولا أن ما يخفى عليه يغيب لهونا لعمر الله حتى تتابعت ذنوب على آثارهن ذنوب فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ويأذن في توباتنا فنتوب إي والله! من لم يحفظ الله في الرخاء لا يحفظه في الشدة.

فضل الأمانة والتسامح

فضل الأمانة والتسامح {وتقدم الثالث فقال: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أُجراء -خُدَّام- قال: فحاسبتهم فأعطيتهم أجورهم إلا رجلاً واحداً منهم ذهب مغاضباً وترك أجرته، فأخذت أجره فثمَّرته له وبعت واشتريت له، حتى أصبح له من المال والغنم والإبل والرقيق شيء كثير، ثم أتاني بعد سنين فقال لي: يا عبد الله! اتق الله وأعطني حقي الذي عندك، قلت: خذ هذا المال فإنه مالك، قال: أتستهزئ بي؟ -مِن كثرة المال- قلت: لا والله لا استهزئ بك، قال: فساقه فلم يترك منه شيئاً؛ اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون}. فيا لسعادة الصلحاء وقت الرخاء، يوم ينجيهم الله في الأزمات! ويا لفرحة من قدم لنفسه في الساعات الثمينة الغالية! وهذا مصداق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي بسند حسن، وهو حديث مذهل مدهش، يقول أحد العلماء كما ذكر ذلك ابن رجب: " ما قرأت هذا الحديث إلا أصابني الذهول منه، حيث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام لـ ابن عباس: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. عباد الله: أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

كرامات الأولياء

كرامات الأولياء الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

شرطا الكرامة

شرطا الكرامة عباد الله: في الحديث السابق كرامة من كرامات الأولياء، وكرامات الأولياء أثبتها أهل السنة والجماعة؛ لكن بشرطين كما يقول شيخ الإسلام وعلم الأعلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد الحادي عشر من فتاويه قال: يشترط في الكرامة شرطان: الشرط الأول: أن تكون على طاعة، أو تكون ثمرة ونتيجة لطاعة، فتحصل على يد رجل طائع لله عز وجل؛ لا فاجر ولا كاهن ولا مشرك ولا ساحر ولا منجم؛ لأن هؤلاء أعداء الله وأعداء رسله عليهم الصلاة والسلام، وقد يحدث لهم خوارق وأمور تخالف عادات الناس، وأمور يحدثها الله عز وجل فتنة وابتلاء لهم. فلا بد للكرامة أن تكون على طاعة، وأن يكون صاحبها على الكتاب والسنة، قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا تغتروا بالعبد ولو طار في الهواء وسار على الماء حتى توازنوا عمله بالكتاب والسنة. أو كما قال. والشرط الثاني: أن تستغل هذه الكرامة في مرضاة الله، وفي رفع دعوة الله عز وجل، وفي نصرة دينه وحماية أوليائه. والله عز وجل يجعل الكرامات للأولياء بسبب إخلاصهم.

قصة الإسرائيلي الذي أودع الدنانير في خشبة في البحر

قصة الإسرائيلي الذي أودع الدنانير في خشبة في البحر وقد ورد في صحيح البخاري في كتاب الوكالة: أن رجلاً من بني إسرائيل لقي آخر فاستسلفه ألف دينار، فقال له ذاك الرجل: ما أعرفك فهل لك من شاهد، قال: ما أجد شاهداً، قال: ابحث عن شاهد، قال: ليس لي من شاهد إلا الله، قال: كفى بالله شاهداً بيني وبينك، قال: فهل لك من كفيل يؤدي عنك المال -أو يغرم المال أو يكفلك في حضورك؟ - قال: ليس لي من كفيل، قال: ابحث عن كفيل، قال: والله لا أجد كفيلاً إلا الله، قال: كفى بالله كفيلاً. فأخذ الألف دينار وذهب بها وركب البحر، فلما ركب البحر ونزل في قريته مكث ما شاء الله من الأعوام، فلما أتى الموعد أخذ الألف دينار ليردها إلى صاحبها، فأتى إلى شاطئ البحر فلم يجد سفينة ولا قارباً؛ فبقي على شاطئ البحر ثلاثة أيام يسأل ويبحث حتى أيس من السفن والقوارب، وفي الأخير تذكر أن الضامن هو الله، وأن الكفيل هو الله، وأن الشاهد هو الله، فأخذ عوداً من خشب فنقر العود وأدخل فيه الدنانير ثم كتب عليه رسالة، وجعل العود في البحر وقال: اللهم إنه استشهدني فلم أجد شاهداً إلا أنت وطلبني كفيلاً فلم أجد كفيلاً إلا أنت، اللهم فأدِّ هذا المال إليه، ثم ضرب العود في البحر، فساقه علام الغيوب -الحافظ الحكيم وأسرع الحاسبين، الشاهد والكفيل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وكفى بالله وكيلاً وكفى بالله كفيلاً- حتى وصل إلى الشاطئ الآخر. وخرج ذاك الرجل في نفس الموعد يتحرى لأن بينه وبين ذاك الرجل موعداً، فرمى البحر بهذه الخشبة إلى الرجل فأخذها وقال: آخذها حطباً لأهلي، وأيس من ذاك الرجل، فلما ذهب إلى بيته كسر الخشبة فوجد فيها ألف دينار ووجد الرسالة فقال: كفى بالله وكيلاً وكفى بالله شهيداً} وهذه كرامة.

كرامة صاحب عقد المرجان

كرامة صاحب عقد المرجان وذكر ابن رجب في طبقات الحنابلة عن أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي قال: " ونقل عن رجل من الصالحين أنه قال: سافرت يوماً من الأيام إلى مكة حاجاً قال: فانتهت نفقتي وانتهى طعامي وزادي، وأصبح بي من الضر والجوع شيء لا يعلمه إلا الله، قال: فذهبت ألتمس الطعام والشراب والزاد في مكة، فبحثت في الأرض في مزبلة هناك فانكشف لي عقد ثمين فيه در وجواهر، كل جوهرة تساوي الآلاف من الدنانير -عقد يساوي ميزانية هائلة- قال: فحملت العقد وبي من الفرح مالا يعلمه إلا الله، قال: وذهبت به حتى دخلت الحرم، وإذا برجل ينادي من وجد لي ضالة وصفها كذا وكذا قال: فإذا هو العقد الذي هو عندي، قال: فتقدمت فسألته فأتى بأوصاف هذا العقد، قال: فاتقيت الله فدفعت له العقد قال: فوالله ما ناولني درهماً ولا ديناراً. قال: ثم ذهب وتركني، قال: فلما انتهيت ركبت البحر في سفينة قال: فلما أصبحت في السفينة جاءتنا ريح شديدة لا يعلم قوتها إلا الله، فكسرت السفينة، وغرق أصحابي جميعاً، وبقيت على خشبة ثلاثة أيام بين الموت والحياة، وأنا أسبح الله وأذكره، قال: فرمت بي الخشبة على جزيرة، قال: فنزلت الجزيرة فدخلت مسجداً هناك في القرية، فأتيت فوجدت مصحفاً أقرأ فيه، فقال أهل القرية: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم. قالوا: علمنا القرآن ونعطيك أجراً، قال: فعلمتهم القرآن، قالوا: أتجيد الخط؟ قلت: نعم. قالوا: علمنا الكتابة، قال: فلما استأنست بهم قالوا: إن هنا ابنة صالحة يتيمة، وقد كان أبوها من الصالحين، نريد أن تتزوجها، قال: فلما تزوجتها ورأيتها وإذا بذاك العقد الذي وجدته في مكة في نحرها، قلت: يا أمة الله! أريني العقد، قال: فسلمتني العقد! فوالله الذي لا إله إلا هو، إنه ذاك العقد؟ قلت: ما خبر هذا العقد، قالت: حججت مع أبي سنة كذا وكذا وقد جمع أمواله ودنانيره ودراهمه واشترى هذا العقد، فهو مالنا وميراثنا وكنزنا، قالت: ثم ضاع منه فوجده رجل من الصالحين فسلمه لأبي؛ فكان أبي كلما صلى صلاة يقول: اللهم وفق بين ابنتي وذاك الرجل الصالح، قال الرجل: فوالله الذي لا إله إلا هو، إني أنا الرجل الذي وجدت العقد ". إن من يحفظ الله يحفظه، ومن يستهدِ بالله يهدِه، ومن يستكفِ به يكفِه. وهذه من السنن الكونية الخلقية القدرية، ومن السنن الأمرية الشرعية التي أوردها الله في الكتاب والسنة، ولا يضيع إلا مَن ضيَّعه الله، فاستهدوا بالله يهدكم، واستحفظوا الله يحفظكم، واستكفوا به يكفكم، وتوكلوا عليه يكفكم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

خاتمة

خاتمة عباد الله: وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم إلى ما تحبه وترضاه يا رب العالمين، اللهم اجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك؛ برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم وفق أئمتنا لما تحبه وترضاه، اللهم أعنهم على تحكيم كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ونصرة دينك. اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من آداب النبوة (2)

من آداب النبوة (2) تواصلاً لما بدأه الشيخ من عرض لآداب الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب الأدب في صحيح البخاري، يتحفنا في هذه المادة بآداب أخرى هامة يستهلها بالحديث عن صلة الأخ المشرك. ثم ذكر قصة وفد بني تميم مستخرجاً منها بعض الفوائد والآداب، ونبه على المخالفات التي وقع فيها ذلك الوفد كما تكلم عن استحباب التجمل في الإسلام بما ليس محرماً. كما احتوت هذه المادة على باب آخر هو باب رحمة الولد وتقبيله، تكلم فيه الشيخ عن التعامل مع الأطفال ذاكراً مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم وتعامله مع الحسن والحسين رضي الله عنه.

شرح حديث البخاري في صلة الأخ المشرك

شرح حديث البخاري في صلة الأخ المشرك الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للسنة فانقادت لاتباعها، وارتاحت لسماعها، وأمات نفوس أهل الباطل بالبدعة بعد أن تمادت في ابتداعها، وتغالت في نزاعها، والصلاة والسلام على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أشهد أن الله حق، وأن وعده حق، وأن النبيين حق، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق. عباد الله: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:100 - 102]. ومعنى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} [آل عمران:101] أي: كيف تزيغون وعندكم الكتاب والسنة؟ وكيف تضلون وبين أظهركم الكتاب والسنة؟ إنه شيء عجيب مذهل، ونحن هذه الليلة مع آداب النبوة في الحلقة الثانية، مع المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يؤدب الناس بالأدب الذي أدبه الله به، فمع البخاري في مسيرته الرائدة الحافلة الموجهة، التي شقت طريقها ما يقارب أحد عشر قرناً في الأمة الإسلامية. يقول رحمه الله تعالى في كتاب الأدب (باب صلة الأخ المشرك): حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم، قال: حدثنا عبد الله بن دينار، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: {رأى عمر حلة سيراء تباع، فقال: يا رسول الله! ابتع هذه والبسها يوم الجمعة، وإذا جاءك الوفود، قال عليه الصلاة والسلام: إنما يلبس هذه من لا خلاق له، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم منها بحلل، فأرسل إلى عمر بحلة، فقال: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟! فقال عليه الصلاة والسلام: إني لم أعطكها لتلبسها، ولكن تبيعها أو تكسوها، فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم} هذا الحديث له قصة وفيه قضايا.

قصة هذا الحديث

قصة هذا الحديث أما قصته فكما قرأناها؛ فقد كان عمر رضي الله عنه وأرضاه، يريد أن يظهر الداعية عليه الصلاة والسلام بمظهر الجمال والجلال والكمال، وكانوا يحبونه عليه الصلاة والسلام أكثر من أنفسهم، وفي صحيح البخاري أن عمر قال: {يا رسول الله! والله إنك أحب إلى من كل شيء إلا من نفسي، فقال عليه الصلاة والسلام: لا يا عمر! -أي: ما وصلت تلك المنزلة التي أريدها منك، فالدين يريد منك أن تكون أكبر من هذا- فقال: لا. حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال: فو الله الذي لا إله إلا هو إنك الآن أحب إلي حتى من نفسي} وصدق، ونشهد الله أنه كان أحب إليهم من أنفسهم. وفي الصحيحين من حديث أنس، قال: قال عليه الصلاة والسلام: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما}. فـ عمر أتى بهذه الحلة، وهذه الحلة لـ عطارد بن حاجب بن زرارة وهو تميمي، وفد المدينة بحلل يبيعها، وكانت هذا القصة في السنة التاسعة كما بين ذلك الحافظ ابن حجر، فأتى وفد تميم في السنة التاسعة، يريدون الإسلام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أرادوا الإسلام، وكانوا عقلاء دهاة نبلاء، وكان بنو تميم آنذاك قرابة عشرة ألف، وكانت تضرب من نجد إلى بادية السماوة في العراق. فقالوا: نريد أن نفد على هذا الرسول عليه الصلاة والسلام مسلمين، فاختاروا أحلمهم وهو قيس بن عاصم، وهذا قيس بن عاصم أحلم العرب، وهو: {سيد الوبر} كما قال عليه الصلاة والسلام، وفي أثر في سنده ضعف أن قيساً هذا لما وفد على الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {يا رسول الله! دنا أجلي، ورق عظمي، ولاح شيبي؛ فأوصني بوصية جامعة، فقال له صلى الله عليه وسلم: يا قيس! إن مع الغنى فقراً، وإن مع القوة ضعفاً، وإن مع العزة ذلة، يا قيس! إن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، يا قيس! إن معك قريناً يدفن معك وأنت ميت، وتدفن معه وهو حي، فهو عملك فأقلل منه أو أكثر} فترقرقت دموع قيس بن عاصم وكان في السبعين. وقد عقد له البخاري ثلاثة أبواب في كتاب الأدب المفرد، وله حديث عند أبي داود في اغتسال المشرك إذا أسلم، وهو من سادات العرب، وهو أول من قتل الموءودة كما سلف معنا في الدرس الماضي، سامحه الله وغفر الله له فقد أسلم, وهو الذي يقول فيه الأول: عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما تحية من ألبسته منك نعمةً إذا زار عن شحط بلادك سلما وما كان قيس موته موت واحد ولكنه بنيان قوم تهدما

مخالفة وفد بني تميم للآداب الإسلامية

مخالفة وفد بني تميم للآداب الإسلامية أخذ بنو تميم أحلم العرب وهو قيس هذا وعطارد بن حاجب خطيب العرب كان من بني تميم، وأخذوا شاعرهم وهو الزبرقان بن بدر، وأخذوا حكيمهم وهو عمرو بن الأشهل، فوفدوا سبعة، ثم طرقوا المدينة فدخلوا وقت القيلولة، والإسلام يعلم المسلم التربية الحسنة وحسن التصرف، ثلاث عورات لا يجوز الدخول فيها، قبل صلاة الفجر، وحين نضع ثيابنا من الظهيرة، وبعد صلاة العشاء، هذه أوقات لا يدخل فيها على أحد ولا يزار فيها أحد، فهي أوقات حرجة، خاصة بهدوء المؤمن وراحته مع أهله وأطفاله. ولكن هؤلاء لم يتعلموا تعاليم الإسلام، وما سكب في أرواحهم رحيق الإيمان، وما تدربوا في مدرسة القرآن، فأتوا بعد صلاة الظهر السبعة، وأتوا يصيحون من وراء الحجرات: يا محمد! يا محمد! يا محمد! اخرج إلينا، فما سمعوا راداً يرد، وفي الأدب المفرد للبخاري: {من بدا جفا} وقال تعالى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [التوبة:97] لأنهم تربوا مع التيوس والكلاب، ولذلك يقول الشاعر علي بن الجهم لما دخل على المتوكل يمدحه، وكان ابن الجهم بدوياً: مرحباً مرحباً قليل الخطايا من كثير العطا قليل الذنوب أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب فأرادوا قتله، فقال المتوكل: اتركوه، وأنزلوه في الكرخ سنة، وهو بلد جميل فياض ناعم في حضن بغداد، وفيه نهر دجلة يعانق نهر الفرات، فأنزلوه سنة ثم أتى بعد سنة، فاستفتح قصيدته الرائعة، التي يقول في أولها: عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري وهي طويلة، والمقصود أنهم أهل جفاء فقالوا: يا محمد! اخرج إلينا، فمدحنا زين وذمنا شين، فقال عليه الصلاة والسلام: {ذلك هو الله} أي: إن الله إذا مدح مدح، وإذا أثنى أثنى، وإذا ذم ذم، فالممدوح من مدحه الله، والمذموم من ذمه الله، والمحبوب من أحبه الله، والمكروه من كرهه الله، ثم أنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:4 - 5] ومع ذلك فالله يغفر ويرحم فخرج صلى الله عليه وسلم ورأي هذا الوفد وكأنهم النجوم، خيرة قومهم وقاداتهم، الواحد منهم يستطيع أن يقود قبائل من الناس. من تلقَ منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري فقال عليه الصلاة والسلام: ماذا تريدون؟ قالوا: نريد الإسلام، ولكن قبل أن نسلم بين يديك نشترط عليك شرطاً، قال: ما هو الشرط؟ قالوا: لا نسلم حتى نفاخرك وتفاخرنا، قال: كيف؟ قالوا: يأتي شاعرنا يفاخر شاعرك، وخطيبنا يغالب خطيبك، فمن غلب رأينا ذلك، وهذه سنة الجاهلية، إذا وفدوا عند الملوك تمادحوا وتفاخروا في حلبة المصارعة، ليروا المنتخب الذي يفوز بين يدي الناس حتى يرى الناس فضله. قال عليه الصلاة والسلام: حيهلا وسهلا، الأمر سهل، عنده خطيبٌ يمكن أن يدمرهم تدميراً، وعنده شاعر حسان بن ثابت لا يبقي في ميدانهم عوجاً ولا أمتاً، فنازلهم صلى الله عليه وسلم، وهذا عقد له البخاري أبواباً، وهو في أسد الغابة لـ ابن الأثير بأسانيد ثلاثة.

مفاخرة وفد بني تميم عند الرسول صلى الله عليه وسلم

مفاخرة وفد بني تميم عند الرسول صلى الله عليه وسلم فجلس صلى الله عليه وسلم في المسجد، وجمع الناس، وحضر الأطفال والنساء، فقال: ليقم خطيبكم، فقام عطارد صاحب الحلة، وهو صاحبنا هذه الليلة، وكان خطيباً مصقعاً كأنه الرعد يتقاصف، فأخذ المنبر وقام يمدح بني تميم، وبنو تميم قبيلة كبيرة عظيمة شهيرة، ولكن الفضل لمن رفعه الإسلام، والفضل بالتقوى، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] فكانت أكثر قبائل العرب. فقام فمدح قبيلته فلما انتهى، قال عليه الصلاة والسلام: أين ثابت بن قيس بن شماس، وهو الذي قتل في اليمامة رضي الله عنه وأرضاه، فقام يرد على الخطيب، فقال: الحمد لله الذي رفع السماوات بلا عمد، وبسط الأرض في أحسن مدد، الذي خلق الإنسان في كبد ثم أخذ يأخذهم بفواصل الكلام حتى كأنه الصواعق تنزل على رءوسهم وعرقهم يتصبب، ولما انتهى، قالوا: غلب خطيبك خطيبنا. ثم قام الزبرقان شاعرهم وقال: نحن الكرام فلا حي يضارعنا منا الملوك وفينا تنصب البيع فلما انتهى، قال صلى الله عليه وسلم: كيف أنت يا حسان؟ أتستطيع أن ترد عليه في الحال، أو نمهلك حتى تفكر؟ فالموقف صعب، يحتاج إلى مهلة، ويحتاج إلى تخمير الرأي، لكن حساناً كان من أشعر العرب فقام؛ فرد عليهم ارتجالاً بما يقارب ستين قافية من أروع الشعر، يقول فيها: إن الذوائب من فهر وإخوتهم قد بينوا سنناً للناس تتبع يقول: المكرمات عند الرسول عليه الصلاة والسلام، وليست عندكم يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا حتى انتهى، فقالوا: وغلب شاعرك شاعرنا فأسلموا، فجاء عطارد هذا بحلة من ديباج، وقيل: من حرير، فأراد أن يهديها مع حلة أخرى، فرفضها صلى الله عليه وسلم، فتعرض عمر رضي الله عنه وأرضاه للحلة، فرآها في السوق تباع، وكانت جميلة، ويريد عمر كل جميل للرسول عليه الصلاة والسلام، فأخذها من السوق وأتى بها إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! خذ هذه الحلة، تلبسها لصلاة الجمعة وللوفود، أي: لأنك قائدنا ومعلمنا ومربينا، وإذا استقبلت الوفود نريد أن تظهر بمظهر القوة.

موقف الإسلام من الملابس وحكمه عليها

موقف الإسلام من الملابس وحكمه عليها فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر الجمال، ولم يقل له: أنا لا ألبس الجميل أنا متواضع أنا أريد الزهد، فالزهد لا يدخل في هذا، بل أقره على هذا المبدأ ولكن أنكر عليه الحلة التي من حرير، وقال: {إنما يلبس هذه من لا خلاق له} قال أهل العلم: من لا حظ له عند الله في الآخرة؛ لأن الكافر يأكل ويشرب بالحلال والحرام، ولكن يلقى الله ولا نصيب له عند الله. والرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يحرم اللباس الجميل، وقد يظن بعض الناس أنه إذا استقام والتزم في الإسلام، فعليه أن يلبس ثوباً ممزقاً، وغترة قذرة، وأن عليه ألا ينظف حاله، ولا يظهر بالجمال، وهذه دروشة لا يعترف بها الإسلام، وأين الجمال إلا في الإسلام؟! وأين الروعة إلا في الإسلام؟! وأين النظافة إلا في الإسلام؟! وأين القوة إلا في الإسلام؟! أما رأيت الله كيف جمل الكون؛ وعند الترمذي بسند حسن: {إن الله جميل يحب الجمال} وعند مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، قال رجلٌ يا رسول الله: {إني أحب أن يكون لباسي جميلاً، ونعلي جميلة، أفمن الكبر ذلك يا رسول الله؟ قال: لا. إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس} بطره: رده ودحضه، وغمط الناس: أي: ازدراؤهم واحتقارهم. فالكبر لا يدخل في اللباس، والروعة لها مقام في الإسلام، ولذلك كان ابن عباس يلبس حلة بألف دينار كما في ترجمته، فقالوا له في ذلك، قال: أريد أن أظهر نعمة الله عليَّ، وأعز دين الله الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام. وكان مالك بن أنس يلبس أحسن الحلل، وهو من أتقى الناس، فقالوا له في ذلك، قال: أريد أن أنصر هذا الدين بهذا اللباس، ليقف بمنظر الإسلام منظراً عزيزاً جميلاً يحبه الله ويرضاه. إذاً قال له صلى الله عليه وسلم: {إنما يلبس هذه من لا خلاق له} فعاد عمر بالحلة؛ لأنها محرمة، ولم يرد على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أتى يبين لهم، وأتى يعلمهم الحلال والحرام. وبعد فترة دعي عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام دائماً يعيش مع أبي بكر وعمر في مشاوراته وجلساته وسمراته، دائماً يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فهو يحب الشيخين حباً جماً؛ لأن بهم بني الإسلام بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. وفي صحيح البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: {رأيت البارحة كأن الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، ومر علي عمر بن الخطاب بقميص يجره في المنام، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ -ما معنى ذلك؟ وما تفسير ذلك؟ - قال: الدين} دين عمر رضي الله عنه يستره ظاهراً وباطناً، ولذلك من رأى عليه قميصاً في المنام، قال أهل العلم: فتأويله الدين، فإن رآه قصيراً فلقصر دينه، وإن رآه قذراً فلغش في تدينه، وإن رآه أبيض طويلاً فلصلاحه ولخيريته إن شاء الله. ويقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: {رأيت البارحة كأنني أشرب من لبن، حتى رأيت الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم} أي: علم الخشية، وعلم قال الله ورسوله. ولذلك كان عمر من أعلم عباد الله بالله، والعلم في الإسلام معناه: الخشية، ولذلك كان يكفكف دموعه دائماً من خشية الله، لا يسمع الآية إلا ويتأثر، وذكر عنه المؤرخون أنه كان إذا صلى الفجر وقرأ سورة يوسف، لا يسمع الناس إلا نشيجه وبكاءه من القراءة، فهذا العلم هو الذي فسره عليه الصلاة والسلام يوم فسر اللبن في المنام، فلما أُتي الرسول عليه الصلاة والسلام بحلة، دعا عمر بن الخطاب، وقال: خذها، فقال: يا رسول الله أتيتك بحلة عطارد وقلت فيها ما قلت، واليوم تعطيني هذا الحلة فقال: {إني لم أعطك إياها لتلبسها، ولكن لتبيعها أو تكسوها} فلا يشترط في الهدية أن تلبسها، لكن بعها أو أهدها، قال أهل العلم: أي لغير الرجال المسلمين. وعند الإمام أحمد بسند جيد في المسند، وعند النسائي كذلك بسند آخر، عن علي رضي الله عنه وأرضاه، قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وأخذ قطعة من ذهب بيده اليمنى، وقطعة من حرير بيده اليسرى، وقال: {هذان حلالٌ لإناث أمتي، حرامٌ على ذكورها} فليعلم هذا، فالذهب والحرير بأنواعه حلالٌ للنساء، خلافاً لمن قال: لا يجوز لبس الذهب إلا مقطعاً؛ لأن هذا الحديث متقدم، وخلاف إجماع أهل العلم في إباحة الذهب للنساء، فهذا أمر.

بعض قضايا الحديث

بعض قضايا الحديث فلما أُتي بالحلة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أعطاها عمر، قال: فأرسلها عمر إلى أخ له مشرك في مكة. وفي الحديث قضايا، أولاً:

معنى حلة سيراء

معنى حلة سيراء ما هي الحلة السيراء في الحديث؟ الحلة: لباس كالثوب، يلبسه الملوك، والأغنياء والوجهاء في العرب، وكانت تنسج في اليمن، ومنها ما ينسج في الشام بالقطن، وأجودها ما نسج في اليمن بالحرير، وكانوا لا يراعون ذلك، بل كانوا يلبسون ما حرم لأنهم بلا دين، ولذلك يقول حسان في الغساسنة: يمشون في الحلل المضاعف نسجها مشي الجمال إلى الجمال البزل الضاربين الكبش يبرق بيضه ضرباً يطيح له بنان المفصل يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل حسان يمدح أولئك بالكرم، يقول: حتى كلابهم لا تنبح من كثرة الضيفان، وفي الأخير ارتاحت بحمد الله لم تعد تنبح من كثرتهم، ثم قال: يمشون في الحلل، وكان العرب يتمادحون بمن يجر إزاره، فلما أتى الإسلام نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال كما في الأحاديث الصحيحة: {إن الله لا ينظر إلى من جر إزاره خيلاء} وقال: {وما أسفل من الكعبين من الإزار في النار}.

مشروعية التجمل للجمعة

مشروعية التجمل للجمعة واللباس يوم الجمعة فيه إشارة إلى أن المعهود والمستقر عند الصحابة، أن الخطيب والمصلي يوم الجمعة عليه أن يلبس لباساً جميلاً، وهذا في أحاديث كثيرة، تدل على أنه يلبس أحسن ما يجد، بينها صلى الله عليه وسلم في أكثر من ستة أحاديث، فعلى المسلم أن يتجمل ليوم عيد المسلمين وهو يوم الجمعة ويلبس أحسن لباس.

من هم الذين لا خلاق لهم؟

من هم الذين لا خلاق لهم؟ القضية الثالثة: من هم الذين لا خلاق لهم؟ الذين لا خلاق لهم: الذين باعوا أخراهم بدنياهم. الذين لا خلاق لهم هم الذين ما عاشوا لا إله إلا الله، وما استظلوا بمظلة لا إله إلا الله. الذين لا خلاق لهم هم الذي ظنوا أن الحياة حياة بطون وفروج؛ فعموا وصموا عن لا إله إلا الله. الذين لا خلاق لهم هم البهائم والذين يعيشون في مسالخ البهائم، حياة مجون وسخط وسفه وزنا وربا وغناء، لا توجه، ولا ذكر، ولا تلاوة، ولا توبة، نعوذ بالله من ذلك. هؤلاء الذين لا خلاق لهم، لا يسألون عن الحرام ولا عن الحلال، فهم لا خلاق لهم يلبسونها في الدنيا، ولكن حرام عليهم -والله- أن يلبسوها في الآخرة، والجزاء من جنس العمل. من استمع الغناء في الدنيا حرمه الله سماع غناء الجنة، وفي مسند الإمام أحمد بسند صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول من حديث ابن عباس، وحديث أبي هريرة: {إن في الجنة جوارٍ يغنين يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا} ولذلك ينظم ابن القيم أثراً لـ ابن عباس؛ لأن ابن عباس سئل عن غناء أهل الجنة، قال: إذا اشتهى أهل الجنة غناء، أرسل الله عليهم في الجنة ريحاً باردةً مائسة، قال: فتحرك أغصان الجنة فيسمع لذلك صوت، يطربون له طرباً لا يجدون كلذته أبداً، قال ابن القيم في منظومته النونية الكافية الشافية للانتصار للفرقة الناجية: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان وصدق رحمه الله. وكذلك من شرب في إناء الفضة، حرمه الله عز وجل الشرب في آنية الفضة وكذلك الذهب، وفي صحيح مسلم عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من شرب في آنية الفضة، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم} نعوذ بالله من ذلك، وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تأكلوا في آنية الذهب والفضة، ولا تشربوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة} فحق على الله عز وجل أوجبه على نفسه أن من ترك شيئاً له عوضه خيراً منه. فإني أدعو نفسي وإياكم لترك هذه المحرمات ليعوضنا الله خيراً منها في الجنة.

حكم الهدية للمشرك

حكم الهدية للمشرك والقضية الرابعة: الهدية للمشرك، هل يجوز أن يهدى للمشرك؟ لأن في حديث عمر رضي الله عنه أنه أرسلها إلى أخيه وكان مشركاً، قال أهل العلم: إن كان يطمع أن يسلم هذا المشرك فله ذلك؛ لأن هذا تأليفٌ لقلبه، وتحبيبٌ له في الإسلام، فأنت إذا رأيت من رجل ضال أو مشرك أوكافر أن فيه لمسات قبول، وفيه إقبال على الإسلام، فلك أن تتحفه وتهديه، ولك أن تهش وتبش في وجهه، علَّ الله يرزقه الهداية إلى الإسلام. ذكروا في ترجمة عبد الله بن المبارك رضي الله عنه وأرضاه، قال الذهبي عنه في تذكرة الحفاظ: والله! إني لأحبه لما جعل الله فيه من الزهد والورع والجهاد، قالوا: كان له جارٌ يهودي، فكان ابن المبارك إذا اشترى لحماً بدأ باليهودي، فأعطاه قبل أن يعطي أهله، وإذا أخذ فاكهة بدأ باليهودي قبل نفسه، وإذا كسا أبناءه كسا أبناء اليهودي قبل أبنائه، فجاء بعض التجار إلى اليهودي، وقالوا: نشتري بيتك، قال: بيتي بألفي دينار، ألفٌ قيمة البيت، وأما ألفٌ فقيمة جوار عبد الله بن المبارك، فسمع عبد الله بن المبارك فتأثر من هذه الكلمة، فأعطى اليهودي ألف دينار وقال: هذا قيمة الدار ولا تبعها، ثم التفت ابن المبارك إلى القبلة، ورفع يديه، وقال: اللهم اهدِ هذا اليهودي إلى الإسلام، فأصبح الصباح وقد أتى إلى ابن المبارك، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فكانوا بأخلاقهم وبتعاملهم يدعون إلى الله عز وجل. وبعض الناس يخلط في مبدأ الولاء والبراء بين الود وبين حسن التعامل، إذا رأى الخواجة قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، اللهم دمره، اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر، وبعضهم إذا رأى الخواجة كان على النقيض من ذلك، حياه وبياه، وقام يهز أكتافه بين يديه، وأين هذه الآية من آيات الله التي أخرجها لنا، وقد أتى هذا من أمريكا ولندن، فهذا لا يُرتضى وهذا لا يُرتضى. أما الأول الذي قام أمام هذا بالعنف وبالغلظة، فهذا ليس في كتاب الله وليس في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالله يقول لبني إسرائيل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] والناس هنا كلمة عامة، وحسن التعامل مطلوب حتى مع الكافر. ذكر الغزالي أن رجلاً كافراً صاحب ابن مسعود، فلما فارقه إلى طريق الكوفة، قال له عبد الله بن مسعود: روفقت بالسعادة أو كلمة تشبه ذلك، فقيل لـ ابن مسعود: أتقول هذا لكافر؟! قال: سبحان الله! رافقني ساعة، والله يقول: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] ففرق بين المودة وحسن التعامل، فالمودة حرام؛ لأنها من الولاء والبراء. وعند أبي داود بسند صحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله؛ فقد استكمل الإيمان} فالمقصود أن الحب والبغض والعطاء والمنع يكون لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أما المودة فلا تكون إلا لوجهه، فلا يواد الكافر وهذا أمر، وأما حسن التعامل فهو أمر آخر، كأن تتبسم له عله يُظْهر إقباله للإسلام، وعله يرتاح لهذا الدين وهذا التعامل، وعلَّ الله أن يهديه. ولا يوجد نص واحد يذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم عبس وبسر في وجه المشركين أو أغلظ لهم في الكلام، بل قال الله عنه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. والمقصود أنه لا بأس بهذه الأمور تأليفاً للكافر ومنها الهدية، ولذلك أهدى صلى الله عليه وسلم في حنين لبعض الناس ممن لم يسلم بعد، أو ممن هو حديث عهدٍ بالدين، فأهدى لهم من مائة ناقة، يتألف قلوبهم عليه الصلاة والسلام. فإذا علمت أن هذا ألفةٌ للقلب فلك أن تهديه، ولك أن تقدم له خدمات عل الله أن يهديه ويرزقه الدخول في الدين. وبعض الناس لا يرضى ذلك فيأتي بهذا الكافر، فيبسط له البساط، ويرحب به، ويواليه، ويزوره، ويؤاكله ويشاربه، لا على مقصد الدعوة للإسلام، إنما هو معجب بالكافر لأنه أتى من أوروبا، فهذا لا ترضى طريقته، وهذا يرد عليه ويبين له أنه وهن في دينه، وهزيمة في عقيدته، وفشل في ولائه وبرائه، فعليه أن يتقي الله عز وجل، لا يوالي إلا من والى الله، ولا يحب إلا من أحب الله، ولكم أن تعودوا إلى المجلد العاشر من فتاوى ابن تيمية، وقد تكلم عن الولاء والبراء كلاماً طيباً، ومن أحسن ما تكلم به في مسألة أن الناس يوالَوْن بقدر ما فيهم من الطاعات، ويعادَوْن بقدر ما فيهم من المعصية.

نفي التعارض بين الزهد واللباس الجميل

نفي التعارض بين الزهد واللباس الجميل ومن القضايا في هذا الحديث: أن اللباس الجميل لا يعارض الزهد، وقد مر هذا في غضون الحديث، فـ الحسن البصري دخل عليه فرقد السبخي، فرأى عليه ثوب صوف ممزقاً، فأشاح الحسن البصري بوجهه، قال: لعلك ظننت أن الرسول صلى الله عليه وسلم حبذ الصوف، والله! إني أخاف عليك أن تفتتن بهذا اللباس أخوف علي ممن يلبس البرد، أي: الحلل، يقول: أخاف أن تفتتن باللباس الممزق، ويفتنك الله به أكثر ممن يلبس الجميل، وهذا موجود. وبعض الناس يلبس لباساً ممزقاً ليظهر بين الناس أنه زاهد ومتقشف، وهذه شهرة والشهرة ملعونة، ولكن أحسن الأمور أوسطها، وهو أن تلبس ما يلبسه مجمل جمهور الناس، فلا تلبس الغالي الذي يلفت نظر الناس، ولا تلبس الرخيص الذي يلفت نظر الناس. قال النووي في رياض الصالحين: ويكره أن يقتصر من اللباس على ما يزري به نفسه أو كما قال. ولذلك في سنن ابن ماجة بسند فيه نظر، قال: {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم لباس الشهرتين} ولباس الشهرتين: أن يشتهر الإنسان باللباس فلا يلبس إلا اللباس الراقي كبراً وعلواً وعتواً وتجبراً في الأرض، ولعن صلى الله عليه وسلم كذلك، إن صح هذا الحديث وقد تكلم عنه ابن القيم في كتاب اللباس- من يلبس الوضيع الممزق ليظهر نفسه أنه ناسك، ويعلم الله أنه ليس بناسك وإنه لَفاجر، ويظهر نفسه أنه زاهد وليس بزاهد، ويظهر نفسه أنه متقٍ وليس بمتقٍ، والتقوى ليست باللباس، وليست في المعطيات، وليست في الدور ولا في القصور، بل التقوى في القلوب، يقول عليه الصلاة والسلام: {التقوى هاهنا وأشار إلى صدره}. ولذلك قد يأتي يوم القيامة بعض الأغنياء، يدخلون الجنة لأحدهم قصر في الجنة كالربابة البيضاء، وبعض الفقراء يدخل النار، فلا يظن كل الفقراء أنهم في الجنة، وأن كل الأغنياء أنهم في النار، فإن الله عز وجل يعامل الناس بالتقوى، وابن تيمية يناقش مسألة: (هل الأفضل الغني الشاكر أو الفقير الصابر) وقد تكلم فيها العلماء بكتب ومجلدات، وأتى ابن تيمية فقال: ليس يفضل هذا لغناه ولا هذا لفقره، وإنما أفضلهما أتقاهما، فأفضل الناس أتقاهم لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذا أمر. وقد انتهينا من قضايا هذا الحديث وليس هناك إلا قضايا فرعية لا يحتمل المقام أن نبسطها أكثر مما ورد.

فوائد من حديث تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم لولده إبراهيم

فوائد من حديث تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم لولده إبراهيم ثم قال البخاري رحمه الله تعالى: باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، التقدير في الكلام محذوف، معناه تقبيل الوالد لولده ومعانقته، وقال ثابت عن أنس: {أخذ النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه}. أولاً: رحمة الولد ومعانقته وتقبيله، الرسول عليه الصلاة والسلام رحمة كما قال الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] ومن رحمته عليه الصلاة والسلام أنه كان يقبل الأطفال ويعانقهم ويمازحهم ويحملهم؛ لأن جبابرة العرب لم يكونوا يستصحبون الأطفال في مجالسهم، ولا كانوا يحملون الجواري على أكتافهم، بل كانوا يقتلون الجواري، فلما أتى الرسول عليه الصلاة والسلام بين لهم أن من الرحمة رحمة الأطفال، ولذلك من حقوق أهلك عليك وأطفالك عليك أن يكون لهم سعة من يومك وليلك ووقتك، تعانقهم، وتقبلهم، وتداعبهم، وتمازحهم؛ لأنهم يشتاقون لدخولك والجلوس معك. وهذا ما يفعله صلى الله عليه وسلم، حتى لا يعتذر أحدٌ أنه مشغول بوظيفته وعمله، فو الله لا يبلغ عشر معشار أعمال المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأمور الأمة تدار على كتفه: الجهاد الإدارة السياسة الإفتاء التعليم الخطابة تربية الناس إعطاؤهم وهدايتهم ودعوتهم هداية الناس، كلها على كتف المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك وجد وقتاً يأخذ فيه الأطفال ويداعبهم. فإذا كان على الدابة حمل هذا أمامه وهذا خلفه، وإذا جلس في المجلس وأتت المرأة تستفتيه، أخذ صلى الله عليه وسلم ابنها وقبله ومازحه وعانقه، فليعرف هذا، وليعلم هذا، وسوف يأتي بسط هذا.

ترجمة موجزة لثابت البناني

ترجمة موجزة لثابت البناني وثابت من التابعين، اسمه ثابت بن أسلم البناني من أتقى الناس، كان يقال في المثل: أتقى من ثابت البناني، وأزهد من ثابت البناني وهو من رجال البخاري ومسلم، ومن أكثر من روى عن أنس رضي الله عنه وأرضاه. وهذا ثابت أورد عنه أهل السير أنه سافر إلى خراسان في غرض له، فلما رجع قال له الناس: هل أعجبتك الحدائق والبساتين؛ لأن خراسان كانت من أجمل البلاد وهي في جنوب إيران، قال: والله ما كأني رأيت البساتين ولا الحدائق ولا الأنهار، ما أعجبتني إلا عجوز مررت بها تصلي ركعتي الضحى، وذلك أنه مر عليها، وقلبه مشغول بشيء آخر: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} [النحل:107] فبعض الناس يستحب الحياة الدنيا ويرتاح لبناء القصور ثم يقول: الحمد لله أن بنينا هذا القصر، وارتحنا ونلنا سعادتنا في الحياة الدنيا. أين أنت يا عبد الله؟ كيف ترتاح؟ الدنيا كلها أوصاب وهموم وأحزان وكربات، يموت ابنك، وتموت زوجتك، ويمرض جسمك وتموت، وإذا وصلت سبعين سنة فأنت بطل، لكن لا تصل، وما وصل السبعين إلا من قد ذهب بصره أو سمعه أو تساقطت أضراسه. يا متعب الجسم كما تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان فالمقصود أن ثابتاً كان من أعبد الناس، بكى حتى قال بعض الناس: يوشك أن تختلف أضلاعه، وقالوا: مر بمساجد الكوفة فكان كلما مر بمسجد، دخل فيه فصلى ركعتين، فقال له الناس: مالك؟ متى تصل إلى بيتك إذا كنت كلما مررت بمسجد صليت ركعتين، قال: كلما مررت بمسجد تذكرت العرض على الله، وتذكرت الموت، فقلت: ربما أوخذ قبل أن أصلي ركعتين فأغتنم حياتي. يقول أنس: إنَّ في الناس مفاتيح خير وفيهم مفاتيح شر، فـ ثابت البناني من مفاتيح الخير. قال: (عن أنس) وهو أنس بن مالك خادم الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد مرت ترجمته في أكثر من مرة، وهو الذي قدمته أم سليم هدية للمصطفى صلى الله عليه وسلم، فما كان في التاريخ أعظم من هدية أم سليم للرسول صلى الله عليه وسلم، أهدت ابنها، وقالت: هذا ابني يخدمك يا رسول الله، فخدم المصطفى عليه الصلاة والسلام عشر سنوات، وهي أحسن سنوات عمره. حتى يقول: {خدمت الرسول عليه الصلاة والسلام عشر سنوات، والله ما قال لي في أمر فعلته: لِمَ فعلته؟ وفي أمر لم أفعله: لِمَ لَمْ تفعله؟} فكانت أرقى وأسعد حياته هي التي عاشها في تلك العشر السنوات. قال: {أخذ النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه} وهو إبراهيم بن محمد، ابن الرسول عليه الصلاة والسلام. والرسول عليه الصلاة والسلام رزق من البنات أكثر من البنين؛ لأنه لم يكن يشب له أبناء، بل كانوا يتوفون لحكمة أرادها الله، قال بعض أهل العلم: من هذه الحكم أنه خاتم الأنبياء والرسل عليه الصلاة والسلام، فلو ترعرع له ابن وشب، لكان نبياً، والله جعله خاتم الأنبياء، فرزق عليه الصلاة والسلام إبراهيم من مارية، فلما بلغ قيل: السنتين، وقيل: حولها، كان يذهب إليه صلى الله عليه وسلم في بيت مارية، فيأخذه ويقبله ويشمه ويعانقه، ويمازحه عليه الصلاة والسلام.

الصبر على المصائب وفضل الاسترجاع

الصبر على المصائب وفضل الاسترجاع وفي مرة من المرات دعي صلى الله عليه وسلم، لماذا دعي؟ قالوا: إبراهيم في سكرات الموت، سبحان الله! كان من أحب الناس إلى قلبه، وهو في السنتين، ليس بالكبير الذي تذهب محبته، ولا بالصغير الذي لم تبدأ محبته، لكن في سن كأنه لا يمشي إلا على كبدك أو قلبك، فأراد الله أن يجعل قلب الرسول صلى الله عليه وسلم خالصاً له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. أتى صلى الله عليه وسلم وإبراهيم في سكرات الموت فأخذه، ودموعه تهراق عليه الصلاة والسلام، وهو يقول: {تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون} أي: لا نتسخط على القضاء والقدر، فالله هو الذي أعطى، والله هو الذي أخذ. أُثر عن داود عليه السلام، وكان ملكه ملكاً عظيماً كما سماه الله عز وجل، والذي قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] داود قيل: كان له قبل سليمان أربعون ولداً، فصلى مرة من المرات؛ فأراد الله أن يبتليه، ويختبر إيمانه، ويرفع درجته، ويمحص يقينه، ويرى هل يشكر أم لا، فسلم داود من الصلاة؛ فوجد الأربعين أمواتاً جميعاً! قال: حسبي الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قال: اللهم أبدلني خيراً منهم. وفي صحيح مسلم عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أصيب بمصيبة فقال: اللهم اؤجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها} قالت أم سلمة: فلما توفي أبو سلمة زوجها وأحب الناس إليها، قالت: تذكرت هذا الحديث فقلته، قلت: اللهم اؤجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها، ثم قلت في نفسي -تقول هي في نفسها- من خير من أبي سلمة؟ قالت: فأبدلني الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم فتزوجها المصطفى صلى الله عليه وسلم. فلما قال داود عليه السلام: وأبدلني خيراً منهم، أبدله الله بسليمان، وجعله الله نبياً وأتاه الحكم، وكان فقيهاً عاقلاً عابداً من العباد الكبار، ملك الدنيا فلم يملك قبله ولا بعده ملك مثل ملكه! حتى يقول: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35] فأجرى له الله الريح، وسخر له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الجن والإنس والطيور والسباع والزواحف، وبسط قصته في موضع آخر. إنما المقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل إبراهيم وعانقه رحمةً به، والرسول صلى الله عليه وسلم كان من أرحم الناس. أتت ابنته زينب فأرسلت إليه أن ابنها قد حضرته الوفاة فليحضر، وهذا الحديث صحيح، وكان مشغولاً صلى الله عليه وسلم بوفد من الناس، فقال: {أرسلوا إلى زينب وقولوا لها: إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فقالت زينب: والله ليأتين أبي} وتقوِّل على أبيها: أي: تدل بحبها مع أبيها، رضي الله عنها، والبنت لها إدلال على أبيها، تحلف عليه وتجزم عليه، والله ليأتين أبي؛ لأنها في مصيبة رضي الله عنها وأرضاها، وتريد أن يشاركها المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولا بد من شكوى إلى ذي قرابة يواسيك أو يسليك أو يتوجعُ فقام عليه الصلاة والسلام وقام معه الناس، انظر من رحمته صلى الله عليه وسلم حتى الوفد قاموا معه، ومنهم سعد بن أبي وقاص، ومعاذ، وذكر عبد الرحمن بن عوف، فوقف صلى الله عليه وسلم، فقال: ائتوني بالطفل، فأتوا به ونفسه تقعقع كأنها في قربة، فأخذه صلى الله عليه وسلم يحتضنه وهو يبكي عليه الصلاة والسلام، حتى سمع له نشيجاً ونحيبا. فيقول ابن عوف: {ما هذا؟ قال: رحمة جعلها الله في قلب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء} فالرسول عليه الصلاة والسلام من أرحم الناس، فهو يتبسم وقت التبسم، ويبكي وقت البكاء، وله لباس في كل حالة كما وصفه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالكمال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] قال بعضهم: إنك لعلى دين عظيم. فسيرته صلى الله عليه وسلم عظيمة كاملة، فمن أراد الاهتداء فعليه بها، فإنَّه صلى الله عليه وسلم الموجه الذي لا يضل أبداً.

حديث يبين فضل الحسن والحسين

حديث يبين فضل الحسن والحسين قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل -رجال البخاري ومسلم من أولياء الله، ومن العباد والزهاد، رفع الله قيمتهم وعبادتهم، ورفع ذكرهم بحفظهم لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم- قال: حدثنا مهدي، قال: حدثنا ابن أبي يعقوب عن أبي نعيم، قال: {كنت شاهداً لـ ابن عمر، وسأله رجلٌ عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق فقال: انظروا إلى هذا يسألني عن دمِ البعوض، وقد قتلوا ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هما ريحانتاي من الدنيا}. القصة: يقول هذا الراوي: كنت عند ابن عمر، وبعض الروايات بينت أن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه كان في منى، فأتاه رجلٌ من أهل العراق، فقال: يا بن عمر! قتلت بعوضة، وهو محرمٌ، فانظروا ورعه، قتل بعوضة في الهواء، فقال: يا بن عمر! قتلت بعوضة فما علي؟ يسأل، يحذر أن تكون عليه بدنة، أو بقرة، أو دجاجة، فقال ابن عمر: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق، قال: انظروا إلى هذا، وفي لفظ: قاتلكم الله يا أهل العراق قتلتم ابن بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وتسألون عن بعوضة. وهذا أمر، قالوا فيه: إن ابن عمر رضي الله عنه أولاً تعجب، ولو أنه أفتى الرجل فيما بعد، لكن لم تذكر الفتوى، فلا بد أنه علمه لأنه لا يكتم العلم، لكن تعجب من هذا السؤال، ورع مظلم، وبعض الناس ورعه بارد كما قال الإمام أحمد. إذا ذكر الكافر الماركسي الملحد قال: أستغفر الله، لا تغتابوا أحداً في مجلسنا، وإذا أتى ذكر جاره، أو ذكر الدعاة، وبعض طلبة العلم، أو بعض الصالحين والأخيار وقع فيه، فإذا قيل له: استغفر الله، قال: أنا ما أغتابه ولكن أبين شيئاً موجوداً فيه، أما الملحد فأنا أستغفر الله، نبرئ ألسنتنا من أن نغتاب الملحدين، ريغان، وماركس، ولينين، وشامير، وأمثالهم من أعداء الله، فهذا ورع مظلم وبارد، فبعض الناس يتحرز في قطرات وفي أشياء ويركب من الذنوب أمثال الجبال. فهو يقول: أنتم قتلتم الحسين، أو نسيتم قتل الحسين، والجرح في كبد الأمة يوم ذبحتموه كما تذبح الشاه؟! ابن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول فيه وفي الحسن: {هما ريحانتاي من الدنيا} وصدق عليه الصلاة والسلام: {الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة} كان الحسن عمره خمس سنوات يوم توفي عليه الصلاة والسلام أو قريباً من ذلك، وعمر الحسين قريباً من أربع، قيل: بينهما سنة.

صورة من حب الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين

صورة من حب الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين ولذلك كان عليه الصلاة والسلام لا يجلس في مجلس أو في مجمع أو يرى أطفالاً إلا ويقول: عليَّ بـ الحسن والحسين، وكان إذا أراد أن يخرج في ضاحية من ضواحي المدينة، سلم على فاطمة، وقال: علي بـ الحسن والحسين، وفي سنن النسائي بسند جيد، عن أبي بصرة الغفاري، قال: {صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -إما الظهر وإما العصر- قال: فمكث صلى الله عليه وسلم ساجداً طويلاً -حتى في بعض الروايات أن هذا الرجل رفع رأسه ينظر أين الرسول عليه الصلاة والسلام، أي: أبطأ عليه في السجود؛ فرفع ينظر- قال: فلما سلم صلى الله عليه وسلم، قال: لعلي أبطأت عليكم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: إن ابنيَّ هذين ارتحلاني} أي أن الحسن والحسين، صعدا على ظهره، رأيا المنظر، فصعدا على المصطفى عليه الصلاة والسلام، قال: {إن ابني هذين ارتحلاني فكرهت أن أوذيهما} فمكث صلى الله عليه وسلم حتى نزلا من على ظهره. وفي الصحيح: باب هل يقال سيد، فذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس على المنبر، فأتى الحسن وعمره خمس سنوات وثوبه طويل فكان يعثر فيه، فقطع الخطبة عليه الصلاة والسلام ونزل وأخذ يشق الصفوف، حتى أخذ الحسن، وقبله، واحتضنه، وأجلسه بجانبه على المنبر، وأخذ يكلم الناس وهو يضع يده على رأس الحسن، يمرها ويقول وهو ينظر إليه: {إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين} وهذا في الصحيح، وبالفعل كان سيداً من السادات، أصلح الله به بين الفئتين العظيمتين، بين جيش علي بن أبي طالب، وجيش معاوية رضي الله عنهما، جيش العراق وجيش الشام التقيا، فكان جيش العراق مائة ألف، وجيش الشام ثمانين ألفاً، التقيا، وقصد الجيشين أن تسفك الدماء، وتضرب الجماجم، ويكون المعترك أحمر قانياً. فلما التقوا أتى الحسن رضي الله عنه، فتنازل عن الخلافة، وقال لـ معاوية: خذها لك (ول حارها من تولى قارها) وحقن دماء المسلمين، وكان سيداً حقن الله به الدماء.

قصة مقتل الحسين رضي الله عنه

قصة مقتل الحسين رضي الله عنه فالشاهد: أن ابن عمر يذكر أهل العراق بقتل الحسين. والحسين بن علي رضي الله عنه خرج من مكة وعمره يناهز الستين يوم قتل، وكلمه ابن عباس وابن عمر ونصحاه ألا يخرج إلى العراق، قال: لا. العراق فيه الخير، وسينفع الله بخروجي، وكان الخليفة في ذاك الوقت هو يزيد بن معاوية، وهذا عبيد الله بن زياد، هو الوالي على الكوفة من قبل يزيد بن معاوية، وهذا عبيد الله بن زياد هذا نسأل الله العافية ضالٌ مضل، أمره إلى الله عز وجل، لا يروى عنه، فليس أهلاً لذلك وليس بثقة. يقول أحد العلماء: هل أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يروي عن عبيد الله بن زياد بعدما فعل بـ الحسين، ما فعل، فأرسل عبيد الله بن زياد جيشاً يقارب ثلاثة آلاف أو أكثر، وقال: اعترض الحسين بن علي، إما أن تردوه إلى المدينة، وإما أن تقتلوه، لا تتركوه يصل أبداً إلى العراق، فالتقوا بـ الحسين وكان معه أهله، منهم علي بن الحسين زين العابدين ابنه وكان من العباد الكبار، فالتقوا بـ الحسين، قال: اتقوا الله أنا ابن بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، أتقاتلونني؟ وهم مسلمون! قالوا: أمرنا عبيد الله بن زياد، وأدمغتهم أدمغة حمير لا تفهم، وهو يقول: ابن بنت رسول الله وهم يقولون: أمرنا عبيد الله. قال: أقول: أنا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا تقولون لله يوم القيامة إذا قال: قتلتم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: لا ننتهي، إما أن تعود إلى المدينة، أو تأتي نسلمك إلى عبيد الله بن زياد!! قال: أما عبيد الله فو الله لا أسلم نفسي إليه؛ لأنه فاجر؛ نسأل الله العافية: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134]. قال: اتركوني اذهب إلى يزيد، قالوا: ولا نتركك، قال: اسقوني من الماء، قالوا: ولا نسقيك، فحجزوه عن الماء في الصحراء، وبدأ القتال في اليوم الثاني بعدما فشلت المفاوضات، وكان الحسين من أشجع الناس، فأخذ السيف يقاتل، وأخذ أهل العراق يكبرون، يكبرون على أنهم قتلوه، فضربوه رضي الله عنه وأرضاه وقتلوه، حتى يقول الشاعر: جاءوا برأسك يا بن بنت محمد متزملاً بدمائه تزميلا ويكبرون بأن قتلت وإنما قتلوا بك التكبير والتهليلا يكبرون على أن قتلوك، وجدك الذي أتى بالتكبير إلى الناس، لو لم يأتِ عليه الصلاة والسلام للناس ما عرف التكبير والتهليل، يوم قتلوك يكبرون على أنهم انتصروا، وذهبوا برأسه رضي الله عنه وأرضاه إلى عبيد الله بن زياد، فأخذ عبيد الله بن زياد عصاً -انظر إليه نسأل الله أن يحاسبه بما فعل- أخذ عصا وجلس في ديوانه وحوله بعض الوزراء وقواد الجيش، وأخذ العصا يشير بها إلى أنف الحسين، ويتكلم لهم، فأتى بعض الصحابة يتباكون في مجلسه، قالوا: ارفع عصاك، والله الذي لا إله إلا هو لقد رأينا الرسول عليه الصلاة والسلام يقبل هذا الموضع الذي تضع العصا عليه، ويقول في الحسن والحسين: {هما ريحانتاي من الدنيا} فالمقصود هذا شاهد الحديث. قال ابن عمر: [[انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن النبي صلى الله عليه وسلم]] وعند ابن كثير في ترجمة الحسين، أن ابن عباس كان في مكة يوم قتل الحسين، فقام ابن عباس في الظهيرة بعد صلاة الظهر يبكي، وهو في مكة، قال له أهله: مالك يا بن عباس؟! قال: قتل الحسين اليوم، قال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو يقول: يا بن عباس! أما رأيت الأمة ماذا فعلت؟ قتلت ابني، هذا ذكره ابن كثير بأسانيد. فـ ابن عمر يذكر هذا، ويقول: تتورع عن قتل بعوضة، وأنتم ما تورعتم عن قتل البطل الشهير. قال: وسمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {هما ريحانتاي من الدنيا} يقولون: معناه هما تحفتاي من الدنيا، أو هما الشيء الذي آخذه من الدنيا؛ لأن الدنيا لا أحبها، ولا أريد بهجتها، لكن لو كنت أحب شيئاً من الدنيا فهو الحسن والحسين، وقال بعضهم كـ الزمخشري في الفائق، ريحانتاي: معناها الباقة من الورد، فكأنهما أشبه بالريحان؛ كما قال أبو العتاهية: ياللشباب المرح التصابي روائح الجنة في الشباب فيقول عليه الصلاة والسلام: هما أشبه بباقة الورد، فما أخذت من الدنيا إلا الحسن والحسين.

فضل تربية البنات والإحسان إليهن

فضل تربية البنات والإحسان إليهن ثم قال البخاري رحمه الله تعالى: إن عروة بن الزبير أخبره -أخبر الراوي- أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته قالت: {جاءتني امرأة عندها ابنتان تسألني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتها، فقسمتها بين ابنتيها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته، فقال: من ولي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له ستراً من النار} وفي لفظ: {من يل}. عائشة رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق، المطهرة، المبرأة من فوق سبع سماوات كانت جالسة في بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم، فدخلت عليها امرأة تسأل من مال الله عز وجل، ومن عطاء الله، وكانت جائعة وابنتاها جائعتان، وكان بيته صلى الله عليه وسلم كبيت أحد الفقراء ليس فيه شيء، حتى تقول عائشة: ربما يمر علينا الهلال بعد الهلال لا يوقد في بيته صلى الله عليه وسلم نار، إنما طعامهم الأسودان التمر والماء، فكان عليه الصلاة والسلام في بيته متقشفاً، وربما يأكل اللحم إذا وجده والخبز والتمر، وكان يهدى إليه صلى الله عليه وسلم اللبن، فكان مع جيرانه صلى الله عليه وسلم من الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم. فدخلت هذه، فبحثت عائشة في بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم، فما وجدت إلا تمرة واحدة، سبحان الله! نعيش اليوم في نعم جليلة، لا نستطيع شكرها، نسأل الله أن يبلغنا شكرها، وما حقها إلا أن نثني على الله بها، فإن الله إذا أنعم على العبد يريد أن يثني العبد على الله بنعمه، ويريد سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن تشكر؛ قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] ويوم يرى الله العباد يأكلون ويتمتعون ويسرحون ويمرحون ثم لا يشكرونه يسلبهم النعم، ويبتليهم بالفقر والجفاف والجوع والحرب المدمر. فقامت فما وجدت إلا تمرة، فهل تقدم التمرة أم لا؟ ورد في الصحيح أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها ذات مرة ما وجدت إلا عنبة فأعطتها فقيراً، قال لها رجل: العنبة ماذا فيها؟ قالت: إن فيها ذرات كثيرة، والله يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8] ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلْق -أو طلِق، أو طليق-} أي: لا تحقر شيئاً من المعروف، ولا تظن أن هذا لا يحسب لك، حتى ولو أن تتبسم في وجوه المسلمين، وأن تهش وتبش، فإن هذا من المعروف.

رحمة الأم بأبنائها

رحمة الأم بأبنائها فإذا عرف هذا فإنها قامت فأعطتها تمرة، فأخذت هذه المرأة التمرة، وانظر إلى حنانها، هي جائعة فقسمت التمرة قسمين، وأعطتها ابنتيها؛ لأنها لا تستطيع أن تعطيها واحدة أو تأكلها وتترك البنتين، فقسمت التمرة قسمين؛ فذهبت المرأة ودخل صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستغرب، كلما دخلت امرأة قال: من هذه التي كانت عندك. حتى يكون على معرفة بمن يدخل بيته، وعلى معرفة بأمته، وعلى معرفة بالرجال والنساء، حتى يعرف أحوال المجتمع وشئون الناس. وفي صحيح البخاري أن الحولاء بنت تويت، كانت تعبد الله عز وجل، حتى يقولون: كانت تربط حبلاً تتعلق به إذا فترت في قيام الليل، فلما ذهبت من عند عائشة، قال صلى الله عليه وسلم: من هذه المرأة التي كانت عندك؟ قالت: هذه الحولاء بنت تويت، صائمة، قائمة، عابدة، ناسكة، وذكرت عائشة من شدة عبادتها، فقال عليه الصلاة والسلام: {مه، عليكم من الأعمال بما تطيقون، فو الله لا يمل الله حتى تملوا} مه! أي: لتكف عن فعلها، نحن لا نحب التشديد في العبادة حتى يكره الإنسان العبادة وينقطع، وقد يخل بالواجبات: {مه؟! عليكم من الأعمال بما تطيقون، فو الله لا يمل الله حتى تملوا} وكان أحب العمل إليه ما داوم عليه صاحبه وإن قل.

حث النبي على كفالة البنات خاصة

حث النبي على كفالة البنات خاصة فهذه المرأة لما خرجت، سأل صلى الله عليه وسلم عائشة عنها، قالت: هذه المرأة أعطيتها تمرة فقسمتها بين ابنتيها، فقال عليه الصلاة والسلام: {من ولي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له ستراً من النار} والبنات أمرهن عجيب، أضعف الناس قلوباً، وأكثر الأحاديث في البنات وتربية البنات؛ لأن الرجال أشداء وأقوياء، وباستطاعتهم إذا كبروا أن يشبوا ويقوموا بأنفسهم، أما البنات فلا بد لهن بعد الله من راعٍ. ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {من عال جاريتين فرباهن وأدبهن وأحسن تربيتهن، ثم زوجهن، كان جاري في الجنة} ويقول: {أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين} ويشير صلى الله عليه وسلم بإصبعيه. والعجيب أن الله تعالى رزق الرسول صلى الله عليه وسلم البنات وكبرن معه أكثر من الأولاد، فالأولاد لم يستمروا في حياته صلى الله عليه وسلم كثيراً، فكان له أربع عليه الصلاة والسلام: فاطمة أصغرهن، وأم كلثوم، وزينب، ورقية، والثلاث توفين في عهده صلى الله عليه وسلم وفي حياته، وبقيت فاطمة بعده ستة أشهر. قال بعض العلماء: من الحكمة في ذلك ألا يجدن خصاصة بعده صلى الله عليه وسلم، أو فقراً، أو مسكنة، أو أذى، أو شراً، فتوفين قبله صلى الله عليه وسلم، ثم لحقت فاطمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حضرته سكرات الموت، كانت فاطمة تقول -كما في البخاري - {واكرب أبتاه، قال: ليس على أبيك كرب بعد اليوم} فأسر إليها كلمة، فقال عليه الصلاة والسلام: {أنتِ أول الناس لحاقاً بي} وقيل: أول أهلي لحاقاً بي، فسرت بهذه الكلمة، وقال: {ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين}. فقال عليه الصلاة والسلام: {من ولي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن، كنَّ له ستراً من النار}.

أحاديث أخرى في فضل رحمة الولد

أحاديث أخرى في فضل رحمة الولد وعن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: {من لا يَرحم لا يُرحم}. وفي حديث عائشة رضي الله عنها، جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تقبلون الصبيان فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة} أما الحديث الأول -حديث أبي هريرة فإن- الأقرع بن حابس وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم، والظاهر أن ذلك في السنة التاسعة، وهو من وفد بني تميم السابق، وهو سيد من ساداتهم، أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم يتألفه مائة ناقة في حنين، مع أناس آخرين من وجوه الناس وصناديد الناس، وترك الأنصار وهم الذين قاتلوا معه في الغزوات رضي الله عنهم وأرضاهم. فلما أعطى هؤلاء الذين دخلوا الإسلام قريباً اجتمع الأنصار، وقالوا: غفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطي هؤلاء، وسيوفنا تقطر من دمائهم ويتركنا، فذهبت هذه المقالة وشاعت حتى وصلت الرسول عليه الصلاة والسلام، فدعا سعد بن عبادة، قال: يا سعد ما مقالة بلغتني عنكم؟ قال: ما هي يا رسول الله؟ فأخبره، قال: هو كما سمعت يا رسول الله، قال: كيف أنت من هذه المقالة؟ أتقرها، أو تنكرها؟ لأنه كان سيدهم، قال: هل أنا إلا من قومي يا رسول الله، يقول دريد بن الصمة: وهل أنا إلى من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد قال: أنا منهم، قال: اجمعهم لي في الحديقة، وهي حديقة كبيرة كالبستان، فاجتمع الأنصار رضوان الله عليهم، قال: ولا يأت غيركم، أي: لا يدخل هذه الحديقة إلا الأنصار، فاجتمعوا، فقام عليه الصلاة والسلام، فأشرف؛ فسلم عليهم، قال: هل أحدٌ من غيركم معكم؟ قالوا: معنا فلان أمه منا، قال عليه الصلاة والسلام: {ابن بنت القوم منهم} ثم قام عليه الصلاة والسلام فتكلم، قال: {يا معشر الأنصار! أما أتيتكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ أما أتيتكم فقراءً فأغناكم الله بي؟ أما أتيتكم متفرقين فجمعكم الله بي؟} فأخذوا يقولون: لله المنة، لله المنة، لله المنة، وفي بعض الألفاظ، لله المنة ولرسوله، فقال: {يا معشر الأنصار! والله لو شئتم لقلتم، فصدقتم وصدقتم، أتيتنا طريداً فآويناك، وأتيتنا شريداً فنصرناك، وأتيتنا فقيراً فأغنيناك} ثم رفع صوته صلى الله عليه وسلم وقال: {يا معشر الأنصار! أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتعودون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم، والله لو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، رحم الله الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار} فأخذوا يبكون حتى اخضلَّت لحاهم، ثم قالوا: رضينا بالله وبرسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً ونصيباً. فـ الأقرع هذا صاحب المائة ناقة أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة فرأى صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن، فيقول الأقرع: تقبلون الأبناء عندكم؟ وكأنه اكتشف شيئاً جديداً!! أي: عندنا لا نقبل الأبناء، ويبشر الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: عندي عشرة من الأبناء ما قبلت واحداً منهم، ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما أشجعك! أو ما أصبرك! فيقول صلى الله عليه وسلم: {أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟! من لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ} فالرسول عليه الصلاة والسلام يقبل الأطفال، وهو شاهد الحديث من الترجمة للبخاري. والأقرع بن حابس أعرابي من بني تميم فيه جلافة رضي الله عنه وأرضاه، وأسلم وحسن إسلامه، فالمقصود أن فيه جفاءً، ونحن نقدر كل من أسلم ولو صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة واحدة، لكن الجفاء ما زال فيه وفي أمثاله، وقد وصفهم الله بذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4] هذا أمر. فقضايا الحديث تدور على أن من الرحمة ملاطفة الأطفال والأهل ومداعبتهم وممازحتهم، ولا يعارض ذلك التقوى؛ لأن بعض الناس يقول: كيف يكون المتقي متقياً، وهو يمازح في مجلسه الأطفال؟! أتقى الناس، وأخشى الناس، وأعلم الناس، وأخلص الناس مازح ولاعب الأطفال، وهو في التقوى لا يوصل إلى مرتبته عليه الصلاة والسلام.

أحاديث تبين فضل الرحمة

أحاديث تبين فضل الرحمة وعن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: {قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من لا يَرحم لا يُرحم}. وفي حديث عائشة رضي الله عنها، جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {تقبلون الصبيان فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة}. أما الحديث الأول، حديث أبي هريرة؛ فإن الأقرع بن حابس وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم والظاهر أنه في السنة التاسعة، وهو من وفد بني تميم السابق، وهو سيد من ساداتهم أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم يتألفه مائة ناقة في حنين، مع أناس آخرين من وجوه الناس وصناديد الناس، وترك الأنصار وهم الذين قاتلوا معه في الغزوات رضي الله عنهم وأرضاهم. فلما أعطى هؤلاء المشركين الذين دخلوا الإسلام قريباً اجتمع الأنصار، وقالوا: {غفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطي هؤلاء الكفار، وسيوفنا تقطر من دمائهم ويتركنا، فذهبت هذه المقالة وشاعت حتى وصلت الرسول عليه الصلاة والسلام، فدعا سعد بن عبادة، وقال: يا سعد! ما مقالة بلغتني عنكم؟ قال: ما هي يا رسول الله؟ فأخبره، قال: هو كما سمعت يا رسول الله، قال: كيف أنت من هذه المقالة؟ -أتقرها أو تنكرها؟ لأنه كان سيدهم- قال: وهل أنا إلا من قومي يا رسول الله} يقول دريد بن الصمة: وهل أنا إلى من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد أمرتهم وأمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد قال: {اجمعهم لي في الحديقة ولا يأتي غيركم -وهي حديقة كبيرة كالبستان- فاجتمع الأنصار رضوان الله عليهم، فاجتمعوا، فقام عليه الصلاة والسلام، فأشرف؛ فسلم عليهم، قال: هل أحدٌ من غيركم معكم، قالوا: معنا فلان أمه منا، قال عليه الصلاة والسلام: ابن بنت القوم منهم، ثم قام عليه الصلاة والسلام فتكلم، فقال: يا معشر الأنصار! أما أتيتكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ أما أتيتكم فقراءً فأغناكم الله بي؟ أما أتيتكم متفرقين فجمعكم الله بي؟ فأخذوا يقولون: لله المنة، لله المنة، لله المنة -وفي بعض الألفاظ، لله المنة ولرسوله- فقال: يا معشر الأنصار! والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم، أتيتنا طريداً فآويناك، وأتيتنا مخذولاً فنصرناك، وأتيتنا فقيراً فأغنيناك} ثم رفع صوته صلى الله عليه وسلم وقال: {يا معشر الأنصار! أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتعودون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ والله! لو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، فأخذوا يبكون حتى اخضلَّت لحاهم، ثم قالوا: رضينا بالله وبرسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظاً}. فـ الأقرع هذا صاحب المائة الناقة أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة فرأى صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن، فيقول الأقرع: تقبلون الأبناء عندكم، وكأنه اكتشف شيئاً جديداً!! أي: عندنا لا نقبل الأبناء، ويبشر الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: عندي عشرة من الأبناء ما قبلت واحداً منهم، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما أشجعك! أو ما أصبرك! فيقول صلى الله عليه وسلم: {أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك، من لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ} فالرسول عليه الصلاة والسلام يقبل الأطفال، وهو شاهد الحديث من الترجمة للبخاري. والأقرع بن حابس أعرابي من بني تميم فيه جلافة رضي الله عنه وأرضاه، وقد أسلم وحسن إسلامه، فالمقصود أن فيه جفاءً، ونحن نقدر كل من أسلم ولو صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة واحدة، لكن الجفاء لا زال فيهم، وقد وصفهم الله بذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4] فهذا أمر. فقضايا الحديث تدور على أن من الرحمة ملاطفة الأطفال والأهل ومداعبتهم وممازحتهم، ولا يعارض ذلك التقوى؛ لأن بعض الناس يقول: كيف يكون المتقي متقياً وهو يمازح في مجلسه الأطفال؟ أتقى وأخشى وأعلم وأخلص الناس مازح ولاعب الأطفال وهو في التقوى لا يوصل إلى مرتبته عليه الصلاة والسلام.

بيان سعة رحمة الله سبحانه وتعالى

بيان سعة رحمة الله سبحانه وتعالى وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، قال: {قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي تحلب ثديها، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا. وهي تقدر على ألا تطرحه، قال: لله أرحم بعباده من هذه بولدها}. الرسول صلى الله عليه وسلم كان جالساً يوماً من الأيام وعنده سبي، والسبي: ما يؤخذ من الكفار، وفي السبي نساء فيهن امرأة ضاع ابنها في وسط السبي، وهي كافرة، فتذهب بثديها وفيه لبن تبحث عن طفلها، فلما وجدت هذا الطفل ألصقته ببطنها بحرارة وأسى ولوعة وحزن، فلما رأى الصحابة هذا المشهد أراد صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم درسا ًعن رحمة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فقال: {أترون أن هذه تطرح ابنها في النار} أي: أتظنون هذه تطرح ولدها في النار على ما رأيتم من رحمتها له، قالوا: لا يا رسول الله وهي تقدر على ألا تطرحه، بل تحاول كل المحاولة ويمكن أن تموت دون أن تطرحه، قال عليه الصلاة والسلام: {لله أرحم بعباده من هذه بولدها} سبحان الله! الله عز وجل أرحم بالناس وبعباده المؤمنين من هذه بولدها. ولذلك ذكر في ترجمة حماد بن سلمة، أحد الأخيار الصلحاء، أنه لما حضرته سكرات الموت، أتى بعض إخوانه يزورونه، فقال: حسنوا ظني بربي؛ لأن في الحديث: {لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه} وهو حديث صحيح من حديث جابر، فقال له أحد العلماء: يا حماد! والله الذي لا إله إلا هو لو خيرت بين أن يحاسبني أبي وأمي، أو يحاسبني ربي، لاخترت حساب الله عز وجل، سبحان الله! فرحمة الله وسعت كل شيء، والحديث شاهد على هذا. فالمقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يصور لهم أن رحمة الله أكبر مما يتصور الإنسان: {لله أرحم بعباده من هذه بولدها} فيا لرحمة الله عز وجل، لكن رحمة الله لعباده الذين يتقونه، ويريدون وجهه، ورحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لمن يطلب الرحمة صباح مساء، ولمن يكثر من التوبة والاستغفار. قال: {إذ وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أترون هذه طارحة ولدها في النار، قلنا: لا وهي تقدر على ألا تطرحه} العجيب أن الأم تجد تجاه ابنها من الرحمة ومن اللطف ما لا يجد أي أحد من الناس؛ لا أب ولا أخ ولا غيره. في الحديث الصحيح، حديث صهيب في القوم الذي فتنوا في سبيل الله عز وجل، وابتلاهم الله عز وجل، حيث أحرقوا في النار في الأخدود، قيل: إنهم من نجران، وكان آخر من أتى امرأة معها صبي بين يديها لا يتكلم، فاقتربت، فلما رأت النار خافت على ابنها؛ لأن قومها كانوا يوردون النار، وكان الملك يجمعهم بالجنود حتى يسقطوا في النار، فلما رأت النار وهي تضطرم أمامها، نظرت إلى ابنها فخافت عليه أكثر من نفسها فأحجمت عن النار، فأنطق الله هذا الابن وقال: يا أماه أقدمي؛ فإنك على الحق، فسقطت بابنها في النار. وللفائدة: فإن كثيراً من المفسرين ذكروا أن الله عز وجل كان يقبض أرواح هؤلاء المؤمنين قبل أن يصلوا إلى النار، فيقبضها في الجو، حتى لا تجد ألم وحرارة النار، ليسكنهم الله جنة عرضها السماوات والأرض، وهذه من الرحمة العظيمة. قال: {لله أرحم بعباده من هذه بولدها} وصفة الرحمة من أعظم صفاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وله رحمة تليق بجلاله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وكل الصفات والأسماء تثبت له كما وردت، بلا تشبيه ولا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل، فنقرها ولها كيفية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بها. ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الرحمة مائة جزء؛ أمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً، وأنزل جزءاً واحداً في الدنيا، من هذا الجزء يتراحم الناس فيما بينهم حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه أو أن تؤذيه} والتسعة والتسعون ينزلها الله عز وجل يوم القيامة. ولذلك ذكر ابن تيمية في كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام، أن المكفرات عشرة، يقول: من فاتته هذه العشر ولم يجد واحداً منها فليبكِ على نفسه، فقد شرد على الله شرود الجمل على أهله، أو العبد الآبق على سيده. منها، والشاهد في آخرها: المصائب المكفرة، والحسنات الماحية، ودعوات المؤمنين لك بالخير إذا أصلحت خلقك وأحسنت معاملتك، فدعوا لك بالخير، وشفاعتهم لك وقت الجنازة، وما تلقاه في سكرات الموت، وسؤال منكر ونكير في القبر، والهول بين يديه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يوم القيامة، وما تلقاه في العرصات، وشفاعة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فإذا لم تجد هذه تأتي رحمة أرحم الراحمين، بعد أن تنتهي هذه التسع، يقول الله عز وجل: ابحثوا لعبدي هل له حسنات، قالوا: لا حسنات، هل له مصائب في الدنيا؟ قالوا: لا مصائب، هل أتته سكرات الموت فخففت من ذنوبه؟ قالوا: ذنوبه أعظم، هل فتنة وعذاب القبر كفاه؟ لأن بعض الناس من المسلمين يكفيه عذاب القبر نعوذ بالله من عذاب القبر، ومن يتحمل العذاب ولو ساعة، بعضهم يعذب في قبره أسبوعاً أو شهراً أو سنة، وبعضهم يعذب حتى يبعث الله الناس ليوم لا ريب فيه. فيقول: هل كفاه عذاب القبر؟ فيقولون: ما كفاه، فإذا انتهت هذه، هل يدخل في الشفاعة؟ قد لا يدخل، فتأتي رحمة أرحم الراحمين، وربما لا يستحق رحمة أرحم الراحمين فيدهده على وجهه في النار، نعوذ بالله من ذلك. فهذه رحمة الله عز وجل التي أنزلها بين الناس وبها يتراحم الناس. وأرحم الناس بالناس رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. فنسأل الله عز وجل أن يرحمنا برحمته، وأن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يجعلنا وإياكم ممن أحبه، وأحب رسوله، وأحب كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأطفال

الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأطفال إن الإسلام أعطى الطفل أهمية كبيرة، بحيث جعل له أحكاماً تختص به، وخير من تعامل مع الأطفال الرسول صلى الله عليه وسلم، فيا ترى كيف كانت تربية الرسول صلى الله عليه وسلم للأطفال وتعامله معهم؟ وما هي مكانتهم عنده عليه الصلاة والسلام؟ وكيف كانت رحمته بهم؟ وما هي الأحكام الخاصة بالطفل؟ إجابة هذه التساؤلات تجدها في ثنايا هذا الدرس.

النبي صلى الله عليه وسلم وتعامله مع الأطفال

النبي صلى الله عليه وسلم وتعامله مع الأطفال الحمد لله رب العالمين، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ، يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ معلم البشرية وهادي الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية. صلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل المذكور في التوراة والإنجيل، المعلم الجليل المؤيد بجبريل، وعلى آله وصحبه ومن سار على منهجه إلى يوم الدين، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، شكر الله لعميد هذه الكلية وللأساتذة الكرام، ولكم أيها الحضور. وعنوان هذه المحاضرة: (الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأطفال) وإذا كان الحديث عن محمد عليه الصلاة والسلام فإنه حديث جميل، وإذا كان المجلس معه، فإنه مجلس أنس وبركة. نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرف نلام وما علينا ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا لكننا سنأخذ جانباً واحداً من حياته العظيمة عليه الصلاة والسلام، وهو جانب "الطفل" كيف كان يربي الطفل، كيف كان يحنو على الطفل، وكيف غرس في الطفل الإيمان: يا طفل غرد في تبسم أحمد وابسم ضياء جبينه المتلالي واسعد برؤية خير من وطئ الثرى راعي اليتامى قائد الأبطال يا طفل في قلب الرسول مكانة لك قد حباها سيد الأجيال دينٌ حوى نهج التكامل والوفا للشيب والفتيات والأطفال وعناصر هذه المحاضرة: العنصر الأول: مكانة الطفل في قلب محمد صلى الله عليه وسلم. العنصر الثاني: تربيته عليه الصلاة والسلام للأطفال. العنصر الثالث: رحمته بالأطفال عليه الصلاة والسلام. العنصر الرابع: من أحكام الأطفال. العنصر الخامس: الأطفال الكبار، أهل الاهتمامات العالية السامية المرتفعة التي غرسها محمد عليه الصلاة والسلام.

مكانة الطفل في قلب النبي صلى الله عليه وسلم

مكانة الطفل في قلب النبي صلى الله عليه وسلم العنصر الأول: وهو مكانة الطفل في قلب محمد عليه الصلاة والسلام: فقد كان للطفل في قلبه مكانة وأي مكانة! ألبسه عليه الصلاة والسلام حلة التقوى، وحنك الأطفال بيده صلى الله عليه وسلم، وأرضعهم التوحيد، وجعلهم عليه الصلاة والسلام يشرقون على نور لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ينشأ الطفل في عهده عليه الصلاة والسلام وأكبر قضاياه في الحياة أن ينصر دين الله، وأن يرفع كلمة لا إله إلا الله، وأن يسجد جبينه لله. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا ووجد الطفل في الرسول عليه الصلاة والسلام الكف الحانية، والدمعة المؤثرة، والبسمة الرقيقة، والدعابة الحية، ووجد الطفل في الرسول عليه الصلاة والسلام الأب المربي، والشيخ الجليل، والمعلم النبيل، فكان أطفال الصحابة ينهجون نهجه عليه الصلاة والسلام في حركاته وسكناته، إنه مؤثر جد مؤثر، يقول تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] عجيب أمره عليه الصلاة والسلام. ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمة من عفاء

تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم عند ولادة الطفل

تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم عند ولادة الطفل تعال إليه عليه الصلاة والسلام وهو يأمر من الغرسة الأولى بالهدى الإسلامي، ويأمر أن يكون الالتقاء بين الرجل وزوجته على سنته عليه الصلاة والسلام، ففي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم رزق بمولود لم يضره الشيطان أبداً} من أول التقاء بين الرجل وزوجته والتوحيد يسري في عروق هذه الدعوة وهذه التربية الفذة، ثم يولد الطفل، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري أنه قال: {ما من مولود إلا وقد نزغه الشيطان إلا عيسى عليه السلام} أما ترى الطفل كيف يبكي، كان في بطن ضيق وخرج إلى أرض فسيحة ثم بكى، ولذلك صور الشعراء، هذا الموقف المحزن المبكي: ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا ما أجمل العبارة؟ يوم أتت بك أمك تبكي، عجباً وأنت خرجت من الضيق إلى السعة، وأنت خرجت من حياة ضيقة -في مفهوم الناس- إلى حياة أوسع، إلى الدور والقصور والماء والهواء، لكنك خرجت تبكي. ولدتك أمك باكياً مستصرخاً والناس حولك يضحكون سرورا يستبشرون بقدومك ويهنئون أباك ويبشرونه، فيقول الأول: فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا فتتحول الحال ويبكون عليك إذا فارقت الحياة. وقال الثاني: وقد ذكره العلماء: ويكفيك من ضيق الحياة وبؤسها دليلاً بكاء الطفل ساعة يولد وإلا فما يبكيه منها وإنه لفي بطن أمٍ كان في العيش يسعد ما له يبكي؟ ليس إلا ألأنه وجد بطن الأم عنده أحسن، يوم نزل إلى دنيا الطاغوت والظلم والبعد عن الله إلا من اهتدى بهدى محمد عليه الصلاة والسلام، وقال أبو العتاهية: أذان الطفل في الميلاد دوماً وتأخير الصلاة إلى الممات دليل أن محياه قليل كما بين الإقامة والصلاة

سنة الأذان في أذن المولود وفوائده

سنة الأذان في أذن المولود وفوائده من السنة أن يؤذن في أذن الطفل ولكن لا صلاة، أذان بلا صلاة، ويصلى عليه إذا مات صلاة الجنازة، ولكن بلا أذان، فالأذان يوم ولد والصلاة أخرت إلى أن مات، دليل على أن الفترة قصيرة جد قصيرة، أدركها من أتت عليه سكرات الموت {قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:31]. ويولد الطفل على التوحيد، على كلمة لا إله إلا الله، فما من طفل في العالم إلا ويولد وفي قلبه لا إله إلا الله محمد رسول الله، أول ما يقع رأسه على الأرض، يقع على العقيدة الحية، وعلى الرسالة الخالدة، يقع موحداً مؤمناً على الفطرة، قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم:30] لا يولد شيعياً ولا علمانياً ولا يهودياً ولا نصرانياً، ولكن يولد الطفل حنيفاً مسلماً، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه} إذاً فهو مسلم، أول ما يولد الطفل أو الطفلة على هذا الدين الحنيف الذي أتى به رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو دين الأنبياء والرسل عليهم صلاة الله وسلامه، فإذا وقع الطفل في الأرض كان من هديه عليه الصلاة والسلام أن يؤذن في أذنه، والحديث في الأذان في أذن الطفل سنده حسن عند أبي داود وغيره. أذن الرسول عليه الصلاة والسلام في أذن الحسن، ابن بنته وسبطه عليه الصلاة والسلام، فينادي في أذنه بالنداء الخالد، هذا الذي نعلنه كل يوم خمس مرات من على منائرنا، مبادؤنا تعلن واضحة جلية جهاراً نهاراً من على المأذنة، كل يوم خمس مرات يقول في أذنه: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله حيا على الصلاة حيا على الصلاة حيا على الفلاح حيا على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. هل سمعتم كلاماً أجمل من هذا، هل سمعتم رسالة وتعليماً أروع من هذا؟! قال أهل العلم: إنما أذن عليه الصلاة والسلام في أذنه لمقاصد. منها: أن يلهمه الله التوحيد وأن يكون على الفطرة. منها: أن الأذان إعلان للإسلام. منها: أن الأذان يطرد الشيطان، وفي السنة إذا أحسست بوجود جن أن تؤذن فإنهم يهربون من الأذان، كما صح ذلك عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام. أما الإقامة فحديثها ضعيف، ولكن يكفي الأذان الذي يخترق الأذن ليصل إلى القلب، فيغرس أشجاراً من الإيمان واليقين والإخلاص، وطفل ينزل من بطن أمه فيتلقى بالأذان طفل سعيد في الحقيقة، وطفل طيب الأعراق، وطيب الأصل والمنشأ بإذن الله. أما الطفل الذي يستقبل بالموسيقا، أو يستقبل بالهتاف الماجن، أو بألعوبات سخيفة، أو بالهوايات الماجنة التي رمي بها أطفالنا، كان الطفل في عهده عليه الصلاة والسلام يربى على حب العقيدة، على أن يبذل روحه رخيصة في سبيل الله، على أن يشتري جنة عرضها السموات والأرض بميثاق من الله، فأتت التربية السخيفة فجعلت من الطفل إذا قوبل قال: هوايته جمع الطوابع، والمراسلة، وصيد الحمام. عجباً لهؤلاء الأطفال مالهم صدوا عن الفطرة! أهكذا تربية أسامة وابن عباس وابن عمر، الذين امتطوا صهوة التاريخ, ونطقوا على لسان الزمن بلا إله إلا الله محمد رسول الله؟!

سنة تحنيك الأطفال وفوائده

سنة تحنيك الأطفال وفوائده كان عليه الصلاة والسلام يحنك الأطفال، والتحنيك: أن يأخذ عليه الصلاة والسلام تمراً، أو شيئاً من الحلوى أو نحوها فيدخل إصبعه الشريفة في فم الطفل قبل أن يأكل شيئاً. كانت المرأة المسلمة إذا أنجبت طفلاً بعثت به إلى معلم الخير في لفائف، ليكون أول ما يباشر بطنه ريق محمد عليه الصلاة والسلام، الريق المبارك الصافي، والريق الطيب، فيأخذ الرسول عليه الصلاة والسلام الطفل بحنان وبرحمة فيقربه منه، ثم يأخذ تمرة فيمضغها في فمه الشريف، ثم يعطيها الطفل ويسمي ويدعو الله له بالهداية، والصلاح والاستقامة. قال أنس كما في الصحيح: [[ولدت أم سليم ابناً لها]] هذا الابن أخ لـ أنس من أمه، ابن لـ أبي طلحة، فلما ولدته قالت: [[اذهب به إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام]] فأخذ أنس الطفل وذهب به إلى معلم الخير، فاستقبله صلى الله عليه وسلم. هل تدرون أين كان الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظة؟ أكان في قصر!! أم في دار!! أم في بستان!! لا كان يطلي بيده الشريفة إبل الصدقة، أشرف من خلق الله، وأروع من صوَّر الله، وأفضل من أوجد الله، فسلَّمه الطفل، فأخذ عليه الصلاة والسلام تمرة فأعطاها الطفل، فأخذ الطفل يتلمظ التمرة بشغف وحب، فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: {انظروا لحب الأنصار للتمر} يقول: حتى هذا المولود أشبه أباه، والأنصار أهل نخل وتمر، لا يرضى أحدهم إلا أن يستفتح نهاره بسبع تمرات، فأتى هذا الطفل مثل أبيه. وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه نعم! الأنصار يحبون التمر، ويحبون المجد، ويحبون لا إله إلا الله، والأنصار استشهد منهم (80%). قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله، فهذا الابن أحب التمر كما أحبه أهله من قبل، فجعلها عليه الصلاة والسلام دعابة وأرسلها للتاريخ فكاهة. ثم إذا حنكه عليه الصلاة والسلام برَّك عليه ودعا له، ثم رده إلى أمه فكانت هذه ساعة الميلاد التي هي من أحسن ساعات هذا الطفل في الحياة، أن يلتقي بمعلم الخير، وأن يمس بيده على جسده. قال سعد بن أبي وقاص في حديث صحيح: {زارني النبي عليه الصلاة والسلام فوضع يده عليَّ فوالله لا أزال أجد برد يده إلى الآن} بعد ثلاثين سنة. ألا إن وادي الجذع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا

أهمية اختيار الأسماء الطيبة للمولود

أهمية اختيار الأسماء الطيبة للمولود وكان عليه الصلاة والسلام يُسمي الأطفال، لكنه كان يختار أسماء شرعية إسلامية، تقود الطفل إلى جنة عرضها السموات والأرض، وكان يقول كما في الصحيح: {أحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن} رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة بأسانيد صحيحة، وكان يقول في الصحيح {أصدق الأسماء: همام وحارث}. قال ابن تيمية: إنما قال: همام؛ لأن الإنسان يهم بقلبه، والحارث دائماً يزاول بحركته، فجمع بين الاسمين عليه الصلاة والسلام، والعرب كانت تحب الأسماء القوية اللاذعة، ولذلك يسمون أبناءهم بأسماء الأسود. أما رأيت إلى اسم حمزة ألا تدري ما معنى حمزة؟ إنه اسم للأسد، ولذلك كان حمزة بن عبد المطلب أسد، وللاسم دور في المسمى، وكان يسمى علي حيدرة، كانت أمه تلاعبه وهو طفل فيقع على رأسه في الأرض فيقع على جمجمته فلا يبكي لأنه نشأ على البطولة من صغره، نشأ محنكاً على الصراع، ونشأ قائداً عسكرياً منذ أول ليلة، فكان إذا وقع تقول: نفسي فديت حيدرة كليث غابات كريه منظره وكان يقوله في معركة خيبر لما خرج له مرحب قائد الكفار من يهود خيبر خرج مرحب وبيده سيف، وهو يقول: من يبارز، من يبارز؟ ويرتجز: قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فقال عليه الصلاة والسلام: {اخرج يا علي} أليس من مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام! فخرج فجاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً. خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل فقال: أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره أكيلكم بالسيف كيل السندره ثم ذبحه كذبح الدجاجة. وكذلك كان العرب يحبون التسمية بصخر، ولد لـ علي كما صح في الحديث ولده الحسن فسماه صخراً، فسماه عليه الصلاة والسلام حسناً، وولد له الحسين فسماه صخراً، فسماه حسيناً، وولد له محسن فسماه صخراً، فسماه عليه الصلاة والسلام محسناً. العرب أمة شجاعة، من أسمائهم: حرب، وصخر، وأمية، وحيدرة، وحمزة، ونحو ذلك، ولكن انحرفت التربية فيما بعد، فسموا الولد فيما بعد: دلال، فاختلط الولد بالبنت، فما يُدرى أهو ولد أو بنت، فأصبح دليلاً مدللاً في كلامه وخطواته، متكسراً في ألفاظه ولحظاته وسكناته وحركاته. أو سموه اسماً لا طائل من ورائه، مثل: صنيهيت، لا فعل ماضي ولا فعل مضارع ولا اسم ولا حرف، وآخر سموه: شليبيح، آخر: جورج، وجورج اسم وثني مجرم، يسمى به أعداء الله، أو بوش، أو جرباتشوف، أو ما سار في مسارهم، أو اسماً لا معنى له، لا في العربية، ولا في الإنجليزية، مثل (نيو) رجل يقول: أحد الناس سمى ابنه (نيو) نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ما معنى نيو؟ وهل هو حرف أو اسم. وكذلك التسمي بأسماء تغضب المولى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، كعبد الكعبة وعبد الشمس وعبد النبي وهذا تعبيد لغير الله عز وجل. تكاثرت الضباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد الاسم في منهجه عليه الصلاة والسلام يكون معبداً لله، وأخنع الأسماء يوم القيامة، رجل تسمى بملك الملوك، لا ملك إلا الله، مثل شاهنشاه، أو ملك الأملاك، أو سلطان السلاطين، أو قاضي القضاة، أو نحو ذلك، وتفصيل هذا في مكان آخر، وسمى عليه الصلاة والسلام بعض أبنائه بأسماء الأنبياء، أتاه إبراهيم فسماه بإبراهيم الخليل عليه السلام، وكان بينه وبين إبراهيم خيط من النور، وكان أشبه الناس بإبراهيم: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} [آل عمران:68] وسمى ابناً لـ أبي موسى الأشعري بإبراهيم. وكان يغير الأسماء عليه الصلاة والسلام، غير اسم غاوي إلى راشد، وظالم إلى مقصد، وعاصية إلى جميلة، وغير برة إلى زينب، قال: تزكي نفسها، ونهى عن تسمية يسار، كما في سنن أبي داود بسند صحيح، ونجيح ورباح، لأنه يقال: أثم رباح؟ فيقولون: لا، وأثَمَّ نجيح؟ فيقولون: لا، أثم يسار؟ فيقولون: لا، هذه التسمية في معالمه عليه الصلاة والسلام، وهي من حقوق الطفل على أبيه كما قال عليه الصلاة والسلام، أن تحسن أدبه واسمه، فإنا ندعى يوم القيامة بأسمائنا وأسماء آبائنا. ولذلك كان ينبغي على المسلمين أن يتكنوا بالكنى الجميلة التي كان يكني بها محمد أصحابه، كان يقول: يا أبا حفص يا أبا الحسن والكنية أمرها عجيب، قال الشاعر اليمني: أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقب كذاك أدبت حتى صار من خلقي أني وجدت ملاك الشيمة الأدبا الكنية الحقة التي أتى بها عليه الصلاة والسلام.

استحباب حلق رأس الطفل والعقيقة عنه

استحباب حلق رأس الطفل والعقيقة عنه ومن السنة في الطفل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أمر بحلق رأس الطفل تفاؤلاً بأن يزيل الله خطاياه، أو أن ينشأه الله على توحيد صاف، وأن يكون خالياً من الذنوب والخطايا، فإن الحالق في النسك إذا حج واعتمر، قالوا: تفاؤلاً بأن يزيل الله خطاياه كما أزال شعره، كذلك المولود ينشأ نشأة جديدة ويكون طاهراً مزكى، ويتصدق بوزنه ذهباً للمساكين وهذه حكمة عظيمة ربما أدركناها أو لم ندركها. وأمر عليه الصلاة والسلام بالعقيقة عن الغلام كما في الصحيح شاتان، وعن الجارية شاة واحدة، وكان يكره عليه الصلاة والسلام العقوق، وصح عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: {كل غلام مرتهن بعقيقته}. فمن السنة أن تَذْبح شاتين اثنتين مكافأتين إذا ولد لك مولود ذكر وأما الأنثى فشاة واحدة، حكمة بالغة ومقصد نبيل، استبشاراً بهذا المولود، ولينشأ على بر وصدقة، ولتطعم جيرانك وإخوانك استبشاراً بنعمة الله، فإن الولد الصالح من أعظم النعم، قال زكريا عليه السلام: {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء:89] فرزقه الله يحيى، والولد الصالح حياة، والولد الصالح أثر، واتصال لك بالنور، وخلود، والولد الصالح يدعو لك بعد الممات فيزيد في عملك الصالح صلاحاً وفي خيرك خيراً، وفي برك براً، والولد الصالح يدركك في الشيخوخة فيقيم من عضدك، ويقوي من ساعدك، ويكون لك نعم الأثر، والولد الصالح جناح، قال البخاري في الصحيح في كتاب الجهاد: (باب من طلب الولد للجهاد) ثم أتى بقصة سليمان الحبيب عليه السلام، لما قال: {لأطوفن الليلة على مائة امرأة -وفي لفظ- على سبعين، كلهن يلدن مجاهداً في سبيل الله} لكنه ما قال إن شاء الله فما ولدت إلا امرأة نصف ولد أو كما قال عليه الصلاة والسلام. والولد الصالح من أعظم النعم إذا ولد على الفطرة، وأنشئ نشأة طيبة، فكان من شكر المنعم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن تعق عنه عقيقة، وأن تطعم جيرانك وأحبابك، وأن تستبشر بهذا الفتح العظيم الذي رزقك الله إياه؛ لأن العقم نقص، ولكن العقيم، كل العقيم من عقم عن العمل الصالح وأفلس في التقوى.

مداعبته عليه الصلاة والسلام للأطفال

مداعبته عليه الصلاة والسلام للأطفال كان عليه الصلاة والسلام يداعب الأطفال بعد أن يصبحوا في سن المداعبة ويفهموا الكلام، فكان يداعبهم عليه الصلاة والسلام بالبسمة، الحانية والفكاهة المباحة. والفيافي حالمات بالمنى تتلقاك بتصفيق مثير أنت للطفل أبٌ في مهده عجباً من قلبك الفذ الكبير ما أوسع قلبك الكبير للأطفال! وما أوسع قلبك للجواري أن تحملهن! وما أرحمك حين تمازح الأطفال! إنه الخلود والعظمة، ولك أن تتحدث عن عظمته عليه الصلاة والسلام في جانب الطفل، في سنن النسائي عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه، قال: {صلينا مع الرسول عليه الصلاة والسلام، إما صلاة الظهر، أو صلاة العصر، فتأخر عليه الصلاة والسلام في السجود} أتدرون ما السبب؟ الحسن بن علي ابن بنته، رأى الرسول عليه الصلاة والسلام ساجداً فارتحله، انظر إلى المنظر، رسول البشرية يسجد في الأرض عليه الصلاة والسلام فيرتحله طفل، فيمكث عليه الصلاة والسلام ولا يقوم من السجود، وبعد أن نزل الحسن قام عليه الصلاة والسلام، وصلى وسلم واعتذر من الناس، وقال: {يا أيها الناس لعلي تأخرت عليكم في سجودي، إن ابني هذا ارتحلني وأنا في الصلاة، فخشيت أن أرفع من السجود فأوذيه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، رواه النسائي بسند صحيح، فهل وجدتم رحمة كهذه، وحسن تعامل كهذا التعامل، طفل يرى الرسول عليه الصلاة والسلام ساجداً فيأتي ويرتحله ويصعد على ظهره والناس في السجود، فلا يؤذيه ولا ينتهره ولا يزجره، فكيف لا يحبه الأطفال؟! إن بعض الأطفال اليوم إذا رأوا بعض الناس يخافون ويصيحون ويصيبهم الهلع والفزع، بعض الآباء لا يقبل أطفاله، وبعضهم إذا انتهر أطفاله أغمي على أحدهم، وإذا دخل عليه أبوه في البيت يقول بلسان حاله: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فتعال إلى محمد عليه الصلاة والسلام، وتعال إلى دعابته وإلى سهولته ويسره، وقد جاء في الصحيحين: {أنه كان لـ أنس أخ يكنى أبا عمير وكان له نغر يلعب به} أي طائره الذي كان يلعب به في البيت، ومع أن هذا الطفل كان صغيراً، وعقله ما زال صغيراً ورأس ماله هذا النغر، فلما زار النبي صلى الله عليه وسلم أم سليم وجد أبا عمير حزيناً فسأل عن حاله، فقالوا: مات طائره الذي كان يلعب به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مداعباً: {يا أبا عمير! ما فعل النغير؟} يقول: أحسن الله عزاءك في هذه المصيبة، فيشارك الطفل الأحزان. ولا بد من شكوى إلى ذي قرابة يواسيك أو يصليك أو يتوجع قال الزنادقة: أهل الحديث لا يفهمون شيئاً يروون أحاديث لا معاني لها، قال ابن القاص الفقيه الشافعي: مثل ماذا يا أعداء الله؟ قالوا: مثل حديث، {يا أبا عمير! ما فعل النغير؟} ليس فيه فائدة، ولا يفيد حكماً، ومع ذلك تروونها في البخاري وفي مسلم وفي أبي داود وأحمد والطبراني، وليس فيها فائدة، قال ابن القاص الفقيه الشافعي: قاتلكم الله، في هذا الحديث ستون فائدة، ثم سردها، وعودوا إلى فتح الباري لـ ابن حجر، ذكر منها ابن حجر عشرين فائدة: منها استحباب تكنية الصغير، وتكنية من لا ولد له، وتصغير الاسم في التحبب. وملاعبة الأطفال، والأنس مع الطفل، وزيارة الطفل في بيت أهله للمصلحة. ومنها أن اللعب المباح إذا كان لغرض شرعي صحيح فإنه يؤجر عليه العبد، ومنها جواز أخذ الطفل للطائر، وحبس الطيور في البيوت ولا بأس بها، ومنها ربط الخيط في رجل الطائر وأنه ليس من التعذيب، وغيرها من الفوائد، وهذا ليس مجال بحثنا. بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا أم المعاني التي قد أتيت بها أرى بها الدر والياقوت متصلا أتته طفلة صغيرة اسمها أم خالد يقولون في الصحيحين: كانت تأخذه جارية فتطوف به في سكك المدينة، لأنه سهل ميسر خلقه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ليكون قدوة للناس، فأتت أم خالد فوجد عليها قميصاً أصفر فقال: سنه سنه، هذا في البخاري في الصحيح، وسنه بلغة الحبشة أي: حسنة؛ لأنها عاشت مع أمها مع أهل الهجرة الأولى في الحبشة، فكانت هذه الطفلة تعرف كلمة سنه، فقال: سنه سنه أي: حسب هذا الثوب حسن، فاستأنست الطفلة وما نسيت هذه الكلمة، أتظن أن دعابة منه عليه الصلاة والسلام سهلة، أتظن أن بسمة منه يجود بها لإنسان سهل، لا والله بعض الناس اليوم يحفظ كلمة من بعض الزعماء أو السلاطين يقول: كلمني وقال لي مباشرة، فكيف لو كلمك محمد عليه الصلاة والسلام. وعند أحمد بسند حسن، أن الرسول عليه الصلاة والسلام صف عبد الله، وعبيد الله، وكثير أبناء عمه العباس وهم ثلاثة صغار، بين كل واحد والثاني سنة، صفهم أمامه عليه الصلاة والسلام ثم ذهب صلى الله عليه وسلم وقال: {من يسبق إليَّ فله كذا وكذا} وهذا في المسند بسند حسن، فأخذوا يتسابقون فسبق أحدهم فأعطاه جائزة، سبحان الله! ربما قال قائل: لو قلنا له: افعل هذا مع أطفالك، لقال: وقتي ضيق، وهو ضيق بالترهات، ولو عرفت معاني التربية والخلود في سيرته عليه الصلاة والسلام، لأعطيتها هذه الساعة الثمينة، إن معنى المسابقة هذه، أن يغرس التوحيد في قلوبهم والإيمان والتربية الحسنة، وبمثل هذه الوسائل استطاع عليه الصلاة والسلام أن يصلح أمة الصحراء، أمة لا تعرف إلا الضب والجعلان، حتى جعلها أمة ربانية تتكلم بالوحي، وتنشد على منائر الدنيا: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وجاء في صحيح مسلم عن أنس قال: {كان الرسول عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقاً} والله يقول عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] كان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقاً {قال: فأرسلني في حاجة، وأنس طفل صغير في العاشرة أو نحوها، قال: ثم مر بي وأنا ألعب مع الأطفال، فأخذ بأذني يضاحكني وقال: أما ذهبت يا أنس؟! قلت: أذهب إن شاء الله} فذهب، قال أنس في الحديث: {والله لقد خدمت الرسول عليه الصلاة والسلام عشر سنوات، ما قال لي في أمر فعلته لم فعلته، ولا في أمر لم أفعله لِمَ لم تفعله} وكان يقول: لو فعلت كذا وكذا. وأنس معروف بأنه خادم للرسول عليه الصلاة والسلام، مع أنه حر من الأنصار، ويوم هاجر عليه الصلاة والسلام، أتت أمه - أم سليم -فألبسته وطيبته، وقالت: يا رسول الله، أنس أحب الناس إلى قلبي، هو هدية يخدمك، ادع الله له يا رسول الله فقال: {اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه} فطال عمر أنس حتى قارب المائة، وقيل: بل زاد على المائة، وهو من أواخر الصحابة موتاً، ورزقه الله البنين حتى أنه يقول: [[دفنت من صلبي يوم قدم الحجاج الكوفة ما يقارب مائة نفس]] وكان كثير المال، وهو مغفور الذنب إن شاء الله. {وثبت أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام كان يحمل الحسن والحسين على عاتقه، وهذا الحديث عند أبي يعلى بسند حسن، فرآه عمر فقال: نعم الفارس فارسكما} وفي بعض الروايات يقول: الفرس، ولكن الصحيح: الفارس، فقال عليه الصلاة والسلام: {ونعم الفارسان هما} أنعم بـ الحسن وأنعم بـ الحسين، لكن جدهم صلى الله عليه وسلم هو العظيم. نسباً كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا وكانت فاطمة بنت قيس تأتيه عليه الصلاة والسلام تستفتيه، فيأخذ طفلها من يديها ويجلسه ليسمع السؤال قبل أن يفتي، ومرة أخذ الطفل فبال، فنضح بوله عليه الصلاة والسلام، أي خلق! وأي تواضع! وأي سماحة! قال جابر: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعيناه إلى الطعام، فإذا الحسن يلعب مع الصبيان، فمر عليه الصلاة والسلام أمامنا، فأسرع إلى الحسن وأخذه وقبله، وقال: اللهم إني أحبه، اللهم أحبب من يحب الحسن} نشهد الله أنا نحب الحسن، نسأل الله أن يحشرنا في زمرته، وزمرة جده محمد عليه الصلاة والسلام، رواه الطبراني بسند حسن، وعند الضياء في المختارة أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يلاعب زينب بنت أم سلمة، وله صلى الله عليه وسلم بنت اسمها زينب، فكان يقول يا زوينب يا زوينب، ويلاعبها ويطارحها ويمازحها عليه الصلاة والسلام.

كيفية تربية النبي عليه الصلاة والسلام للأطفال

كيفية تربية النبي عليه الصلاة والسلام للأطفال العنصر الثاني تربيته عليه الصلاة والسلام للأطفال. المعلم الأول من تربيته عليه الصلاة والسلام للأطفال، أنه رباهم على الإيمان.

إباحة اللعب التي لا تخل بالأدب للأطفال

إباحة اللعب التي لا تخل بالأدب للأطفال الثاني: أنه لبى لهم أغراضهم ومقاصدهم الإيمانية المباحة، فلم يحجر عليهم الدعابة، لأن بعض الناس إذا رأى أطفاله يلعبون أو يصيحون، أو ينشدون في البيت غضب عليهم، وقال: يضيعون أوقاتهم، تريد من طفل أن يكون كـ ابن حجر، أو ابن تيمية في الحفاظ على وقته، لا. إنه لابد أن يضحك، ولا بد أن يغرد، ولا بد أن ينشد، فاجعل لعبه في حدود الشرع، واجعل نشيده في حدود الأدب، واجعل لعبه في حدود المباح، لكن سيره على منهج التوحيد، وخذ بناصيته في أوقات الجد، وأعطه المؤهلات التي لا بد منها، لأن فيه غريزة حب اللعب والدعابة.

تعليم النبي صلى الله عليه وسلم الآداب الشرعية للأطفال

تعليم النبي صلى الله عليه وسلم الآداب الشرعية للأطفال الثالث: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحوط الطفل بسياج من الآداب الشرعية، عند الولادة وعند التحنيك والعقيقة والنوم واليقظة، وعند الأكل، والشرب وسوف يأتي هذا، صح عنه عليه الصلاة والسلام عند أحمد وأبي داود أنه قال: {مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع} وفي هذا فوائد: الفائدة الأولى: أن بداية الأمر في السبع، لكنه أمر بلا ضرب، تأمره وتدعوه وتحفزه وتحبب إليه المسجد والصلاة. الفائدة الثانية: أن بداية التعزير العاشرة، إذا ترك الصلاة في العاشرة فهو دليل على تهاونه، فقد أدرك وأبصر وعرف، فخذه بالشدة إذا خالف أمر الله. الفائدة الثالثة: إذا بلغوا العاشرة فرق بينهم في المضاجع؛ لأن من العلماء من عاد الضمير (وفرقوا بينهم) إذا وصلوا العاشرة، ومنهم من قال: في السابعة، ومن احتاط في السابعة فهو أحسن، ألا ينام الأطفال ذكوراً مع الذكور، ولا أولاداً مع الأولاد، وبعضهم يأخذ العموم في الأصناف، فيجعلها أربعه أقسام، فيقول: لا ذكران مع ذكران، ولا بنات مع بنات، ولا أبناء مع بنات، فإن هذا يؤدي عند النوم إلى مفاسد نبه عليها الشارع، ومن لم يعتبر بذلك وينتهي عن هذه الفعلة فسوف يقع في محاذير. ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل على المائدة ومعه غلام اسمه: عمر بن أبي سلمة، فلما دنا أخذت يده تطيش في الصحفة، فجمع له النبي صلى الله عليه وسلم له الأدب في جملة قصيرة، وقال: {يا غلام! سمِّ الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك} أي قل: بسم الله لتبدأ أكلك، وعند لبس اللباس، وشرب الشراب، وعند الجماع، ودخول البيت ودخول المسجد، وعند الأمور المحمودة: سمِّ الله. وكل بيمينك، أي: لا تأكل بيسارك إلا لعذر شرعي، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله}. دين يعلم الإنسان حتى آداب الأكل، وآداب الاستجمار , والطهارة، وآداب كل جزئية من جزيئات الحياة، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فمن لم يرض بدينه فلا أرضاه الله، ومن لم يكتف بمنهجه فلا كفاه الله، ومن لم يستشف برسالته فلا شافاه الله. يقول أحد علماء السلف: من ظن أنه سيهتدي بهدى غير الهدى الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وعند النسائي والترمذي بسند فيه ضعف يقول عليه الصلاة والسلام لـ أنس: {يا بني إياك والالتفات في الصلاة فإنه هلكة} لأن أنساً كان طفلاً، وربما كان يلتفت، فقال: يا بني، وهذا تحبيب، أما رأيت لقمان عليه السلام يوم أوصى ابنه ماذا قال؟ قال: يا بني! وتستخدم لغير الابن فيقال تحبيباً: يا بني، وإبراهيم لما دعى أباه قال: يا أبتي! فكررها أربع مرات في سورة مريم.

تعليم النبي صلى الله عليه وسلم العقيدة للأطفال

تعليم النبي صلى الله عليه وسلم العقيدة للأطفال فكان عليه الصلاة والسلام يصل إلى تربية الطفل بأقرب سبب وبأدنى عبارة، وبأقرب حبل، وكان له عليه الصلاة والسلام في جانب العقيدة مع الأطفال مواقف، يقول ابن عباس، والحديث عند أحمد والترمذي {: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار} نعم. يركب الحمار ويفتح الدنيا، نعم يركب الحمار ويصل بالقلوب إلى الله، نعم يركب الحمار وهو أعز من خلق الله {فقال: يا غلام! قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله! قال: إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} هذا الحديث محاضرة، وهذا الحديث أعظم وصية طرق الدنيا، شرحه ابن رجب شرحاً ما سمع الناس بمثله، وتواصى العلماء على النصيحة به لأبنائهم وأحبائهم وأصدقائهم، وضع صلى الله عليه وسلم حقنة في قلب ابن عباس، فبقي ابن عباس موحداً حتى لقي الله. وصح عند البخاري والدارمي {أنه عليه الصلاة والسلام كان يمر بالصبيان كي يسلم عليهم، يقول: السلام عليكم ورحمة الله} وهذا من التواضع العظيم، لأن المتكبر لا يسلم على الأطفال، ولا يسلم على الناس، بل ينتظر من يسلم عليه، والمتكبر أبخل الناس بالسلام، لكن من العجيب أن يأتيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من حيث لا يحتسب، يريد العلو فيقول الله له: اخسأ فلن تعدو قدرك {يحشر المتكبرون يوم القيامة على هيئة الذر يطأهم الناس بأقدامهم} وهو حديث صحيح، المتكبر بخيل، يعطيك رءوس أصابعه في المصافحة، يبخل ببسمة على وجهك، ويبخل بالسلام عليك. وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أوردوا غصباً على النار هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري من تلق منهم تقل لا قيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري

رسم النبي صلى الله عليه وسلم الكلمات المؤثرة في قلوب الأطفال

رسم النبي صلى الله عليه وسلم الكلمات المؤثرة في قلوب الأطفال كان عليه الصلاة والسلام يصلي بالليل فأتاه ابن عباس يصلي معه، وقصة هذا الليل قصة هادئة بطيئة النجوم هادئة السحر، يعيشها ابن عباس ويرويها البخاري ومسلم، وهي من أحسن الليالي في حياة ابن عباس، يقول ابن عباس: بت عند خالتي ميمونة، فدخل بعد صلاة العشاء في بيتها؛ لأنه يعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام سوف يأتيها في ليلتها، فنام في عرض الوسادة، لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم إلا فراش قصير في بيت ضئيل: كفاك عن كل قصر شاهق عمد بيت من الطين أو كهف من العلم تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم فدخل وتناوم ابن عباس وما نام، لكن يريد أن يرى ماذا يفعل الرسول عليه الصلاة والسلام من عبادة الليل، لأنه رآه في النهار، ويريد أن يراه في الليل: نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك فدخل عليه الصلاة والسلام، ولفظ البخاري قال: {نام الغليم؟} قالت ميمونة: نام، قال أهل العلم: فيه دليل على أن من أخبر بظنه فليس بكاذب، فإنه ما نام، لكن رأته وظنت أنه نام، قال: فذكر صلى الله عليه وسلم ربه ثم نام، حتى سمعت غطيطه، ثم قام إلى الماء فقضى حاجته، فقربت له ماء، فقال: من وضع لي الماء؟ فلما علم أنه أنا قال: {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} هذه من أحسن الليالي ولنا عودة، ولكن الشاهد: فتوضأ ابن عباس فقام عن يسار الرسول عليه الصلاة والسلام، والسنة أن المأموم الواحد يقف على يمين الإمام، فأرسل عليه الصلاة والسلام يده في النافلة في الليل إلى أذن ابن عباس، أرسلها على الأذن لا على الكتف، قال ابن حجر: وفيه أنه لا بأس بفرك الأذن للطفل للتعليم، لكنه بغير إيذاء؛ لأن ما زاد عن حده انقلب إلى ضده، فرك لا يؤذي ولا ينزل الدم، ثم جعله عليه الصلاة والسلام عن يمينه ولـ ابن عباس محفوظات في تلك الليلة حفظها من أول مرة، منها الدعاء العظيم: {اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، لك ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق، ولقاؤك حق وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك} هذه ليلة ابن عباس وهي تربية خالدة. مر عليه الصلاة والسلام -والحديث في البخاري - فوجد ابن عمر في السوق، فأخذ بكتفه، وقال: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} هذه وصية ما نسيها ابن عمر حتى مات. يعطونه الخلافة، فتذكر حديث {كن في الدنيا كأنك غريب} يقدمون له الذهب والفضة فتذكر حديث {كن في الدنيا كأنك غريب} يسجد عند المقام ويبكي وهو في السجود ويقول: [[اللهم إنك تعلم أني ما تركت الخلافة إلا من مخافتك يا رب العالمين]] وفي البخاري وغيره: مر عليه الصلاة والسلام، فوجد الحسن يأكل من تمر الصدقة وبنو هاشم محرمة عليهم الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس وهم أطهار، قلوبهم طاهرة وبطونهم طاهرة، فـ الحسن طفل صغير، فاقترب من التمر وأخذ تمرة يمضغها، فقال صلى الله عليه وسلم: {كخٍ كخٍ أما تدري أنا لا نأكل الصدقة، أما تدري أنها لا تحل لنا الصدقة} وكخٍ كخٍ ضبطت بخمسة ألفاظ، وهذا لفظ تستخدمه العرب زجراً للطفل عن عمل شيء ما يريد أن يعمله، فأخرج التمرة وهي ممضوغة من فمه، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إنها أوساخ الناس} يريد أن ينشأ باطنه طاهراً، أطب مطعمك تستجب دعوتك.

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال رحمته بالأطفال عليه الصلاة والسلام: مات ابنه إبراهيم وهو في سن الطفولة، وعمره سنتان وأشهر، وقيل أقل، فأخذه عليه الصلاة والسلام وقد أصبح جنازة بين يديه ودموعه تهراق -بأبي هو وأمي- وقال: {تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون} ذكر ابن تيمية هذا المقطع وله كلام جميل حول هذا الحديث. فقد سُئل ابن تيمية عن: الفضيل بن عياض أن ابنه مات فضحك، والرسول عليه الصلاة والسلام مات ابنه فبكى، فمن الأكمل: هل هو الضحك وقت موت الطفل أو البكاء؟ قال ابن تيمية: الحمد لله -ثم أتى بجواب ما سمع الناس بمثله- قال: الفضيل بن عياض ما اتسع قلبه لوارد الرضا من قدر الله ولوارد الرحمة على موت ابنه فما استطاع إلا بالصبر والرضا فضحك، والرسول عليه الصلاة والسلام رضي وصبر ورحم فبكى رحمة، ودمعت عيناه وحزن قلبه رحمة، ورضي وسلم، وهذا جواب سديد. بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا وفي الصحيح {أن ابنته زينب رضي الله عنها أرسلت إليه أن يأتي إليها، فإن ابنها في سكرات الموت، والرسول عليه الصلاة والسلام مشغول بوفود العرب، قال: أبلغوها مني السلام، وقولوا لها: إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء بأجل مسمى، فمروها فلتصبر ولتحتسب، فأخبروها، قالت: والله ليأتين -يعني ابنته تتقول عليه والبنت لها شفاعة عند الوالد- فقام عليه الصلاة والسلام، وقام معه جل الصحابة، فقدم له الطفل ونفسه تقعقع كأنها في شن، فأخذت دموعه تهراق عليه الصلاة والسلام، فيقول ابن عوف أو غيره: ما هذا يا رسول الله؟! قال: هذه رحمة يضعها الله في قلب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء}. وفي البخاري ومسلم أن الأقرع بن حابس، وهو صنديد من صناديد بني تميم، لا يعرف تقبيل الأطفال، بل يعرف السيف والناقة والحرب والقتال، فقال للنبي حين قبل ولده الحسن تقبلون الأطفال عندكم؟ قال: نعم، قال: والله إن عندي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم! - كان يظن أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول شكراً لك- قال: أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك، أي: ما دام أن الله نزع الرحمة من قلبك فماذا أملك أنا. تقبيل الأطفال رحمة، وكان يفعله صلى الله عليه وسلم كثيراً، وهذا من قربه صلى الله عليه وسلم من القلوب، وصح عنه عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري أنه قال: {إني لأدخل في صلاتي فأتجوز فيها مما أسمع من بكاء الطفل خشية أن أشق على أمه} يدخل في الصلاة فيريد إطالة الصلاة فيسمع في الصفوف الأخيرة بكاء الطفل، وأمه تحترق عليه أسفاً ورحمة فيتجوز بالصلاة رحمة بالطفل وبأمه، عليه الصلاة والسلام. وعند الترمذي وابن حبان، أنه صلى الله عليه وسلم رفع الحسن والحسين قال: {هذان ريحانتاي من الدنيا، اللهم أحب من يحبهما} فاللهم إنا نحب الحسن والحسين بحب محمد عليه الصلاة والسلام، يقول ابن تيمية في مقتل الحسين، قال: ومقتله من أعظم المصائب على المسلمين، وعلى المسلم إذا تذكر تلك المصيبة أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا يعرف حب الحسين إلا نحن، نحبه في الله، لأنه من عباد الله ومن أوليائه، ولقرابته بالرسول عليه الصلاة والسلام، يوم قتلوا الحسين، بعض قتلة الحسين يقولون: الله أكبر الله أكبر قتلنا الحسين، فيقول أحد الأولياء: جاءوا برأسك يا بن بنت محمد متزملاً بدمائه تزميلا ويكبرون بأن قتلت وإنما قتلوا بك التكبير والتهليلا يكبرون والتكبير خرج من صدرك، يكبرون والتكبير أتى من لسانك، يكبرون على أعظم المصائب، وهذا استطراد. وفي الصحيحين من حديث أبي قتادة، قال: {صلى بنا صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي -قيل العصر وقيل الظهر، والواضح أنها الظهر- فحمل أمامة بنت زينب على كتفه عليه الصلاة والسلام -تصور المشهد: إمام البشرية يحمل طفلة ويصلي بالناس صلاة الفريضة بالمسجد، أي رحمة، وأي عطف، وأي سهولة- قال: فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها} كانت أمها مشغولة، وكانت الطفلة تبكي، وأقيم للصلاة فأخذها عليه الصلاة والسلام رحمة، وصلى بها فسكتت معه عليه الصلاة والسلام يقولون: إن الشوكاني صلى بالناس في صنعاء، فلما سجد سقطت عمامته، فقام فأخذ العمامة وردها، فأنكر عليه الناس، وقالوا: تحمل العمامة وأنت في الصلاة، قال: حمل العمامة أخف من حمل أمامة، فللإنسان أن يفعل ذلك، لأن الشافعي يقول: ضيعت السنة بالأفعال الخاصة، كلما أتينا بحديث قالوا: خاص به صلى الله عليه وسلم، كلما أتى أثر قالوا: خاص، حتى ذهبت الشريعة ما بقي إلا نتف منها للأمة، وأما البقية فله عليه الصلاة والسلام.

من أحكام الأطفال

من أحكام الأطفال العنصر الرابع: من أحكام الأطفال: أعرضها عرضاً موجزاً:

التطهير من بول الطفل

التطهير من بول الطفل أن الرسول عليه الصلاة والسلام سن كما في سنن أبي داود والترمذي ومستدرك الحاكم بأسانيد صحيحة أنه قال {ينضح من بول الغلام ويغسل من بول الجارية} ما لم يأكل الغلام الطعام، فإذا أكل غسل من بوله، فالطفل قبل أن يأكل الطعام ينضح على بوله فقط، ولكن الجارية يغسل بولها غسلاً، والترمذي يتساءل في سننه عن هذا؛ قال: يقول الشافعي: لأن حواء خلقت من ضلع آدم فهي من لحم ودم، وأما الطفل فهو من تراب، لأن أصل أبيه من تراب، ونقول للشافعي: هذه كالوردة تشم ولا تعك، لأنه ليس بمعصوم ولا تلقاها من وحي، لكن قالها بنظر، فرحمه الله وغفر الله له، ولا يتوقف عليها حكم شرعي ولا عمل اعتقادي. على كل حال إذا أكل الطفل الطعام غسل غسلاً من بوله، أما الجارية قبل أن تأكل الطعام وبعد أن تأكل الطعام فيغسل غسلاً.

تعليم الأطفال الصلاة

تعليم الأطفال الصلاة ومر معنا في الحديث الصحيح: {مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع} وذكرت في ذلك كلاماً.

إمامة الصبي وجهاده

إمامة الصبي وجهاده إمامة الصبي، أي: متى تصح إمامته؟ في صحيح البخاري أن عمر بن سلمة أم قومه وعمره ست سنوات، لكن أطفالهم كانت عقولهم كبيرة، بعض الأطفال في هذه الأيام يبلغ العشرين وهو سفيه، ويبلغ الثلاثين وهو سفيه، ويبلغ الأربعين ولا عقل له، مستهتر بدين الله وبشرائعه، وليس العمر بالسن، لكنه بالعقل والفهم عن الله عز وجل. دخل الناس يبايعون عمر بن عبد العزيز، وفيهم طفل صغير، فسلم وأراد أن يتكلم، قال عمر بن عبد العزيز: دونك يا غلام ففيهم من هو أكبر منك! فقال: يا أمير المؤمنين! لو كان الأمر بالسن كان في المسلمين من هو أولى منك بالخلافة؟ هل رأيت رداً أحسن من هذا، يقول: أنت عمرك ثمانية وثلاثون، وفي المسلمين من عمره مائة، ومائة وعشرون سنة وما تولى الخلافة، كنا زحزحناك عن الخلافة ووضعنا من هو أكبر منك، عن عمر: تعلم فليس المرء يولد عالماً وليس أخو علم كمن هو جاهل المرء لا يولد عالماً، وجاء في البخاري وإنما العلم بالتعلم، وتعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الكبر، هذا في باب العلم، وهذا فيه رد على ديكارت وكانت الكلاب الذين يقولون: سن الكبر لا يصلح للعلم حتى ضيعوا علينا التعليم، نقول للإنسان: تعلم، يقول: أنا في الأربعين لا أتعلم، لأن سن الحفظ ذهب مني، أبو بكر تعلم وهو شيخ، وعمر تعلم وهو في شيخوخة وكبر، وأصبحوا علماء الدنيا. وهنا مسألة أخرى وهي: متى يجاهد المسلم، ومتى يحمل السلاح؟ بين أهل العلم خلاف، ولكن الإمام أحمد يراه في الخامسة عشرة، للحديث الذي في الصحيحين قال ابن عمر: {عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني، وعرضت عليه يوم الخندق وعمري خمس عشرة سنة فأجازني} والعجيب أن بينها سنتان؛ لأن أحد في الثالثة والخندق في الخامسة، فكيف يقول أربعة عشر وخمسة عشر، قالوا: جبر كسراً أو حذف كسراً. قال سمرة بن جندب: [[كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض الأطفال للجهاد -يريد أن يرى من هو القوي منهم فيقبله- قال: فعرضت عليه فردني]] فبكى سمرة -لا إله إلا الله- بعض المقاتلين اليوم من العرب، يحملونهم اليوم بالسلاسل ويتخاورون يبكون إذا ذهبوا إلى الجبهات، والأطفال من الأنصار يبكون لأنه ردهم عليه الصلاة والسلام، فلما رد سمرة، وقبل رافع بن خديج، قلت: {يا رسول الله! تقبل رافع بن خديج، وأنا أصرعه، فقال: صارعه أمام الناس، فتصارع هو ورافع وقد أجاز صلى الله عليه وسلم رافعاً، فصرعه سمرة، فأجاز سمرة أيضاً}. وأما سن الرواية والتحمل فيختلف باختلاف الأشخاص يقول موسى بن هارون أحد المحدثين: إذا فرق بين الدابة والحمار، وبعضهم قال: إذا ميز الخير من الشر، وهذا أمر نسبي أن يميز الخير من الشر، وبعض الحمقى يميز الخير من الشر، حتى يقول ابن تيمية: ليس الذكي الفطن الذي يعرف الخير من الشر، فجل الناس يعرفونه، لكن الذكي الفطن من يعرف خير الخيرين وشر الشرين، هذا الذكي الفطن، وقال بعضهم: في الخامسة لأن الحسن حفظ حديث {دع ما يريبك إلى ما لا يريبك} في الخامسة، ولا يهمنا هذا، لأن الطفل إذا ميز وأصبح عاقلاً ويدرك ما يقال له، أصبح مستعداً للتحمل في السادسة أو في السابعة.

الأطفال الكبار

الأطفال الكبار العنصر الخامس وهو الأخير: الأطفال الكبار: أطفال نعيش معهم في التاريخ لكنهم كبار، كبار في إيمانهم، وكبار في مقاصدهم، وفي منهجهم وحياتهم، يعيشون بأجسام أطفال لكنهم كبار في معتقداتهم وطموحاتهم ومقاصدهم، واليوم عندنا كبار في السن لكنهم أطفال في نواياهم، ولعلي عرضت هذا كثيراً وكررته ولكن معذرة إلى ربكم، يلقى أحياناً في بعض الجرائد والمجلات مقابله مع الأطفال، فيقول الطفل: هوايته المراسلة، متى كان أحفاد أسامة ومعاذ وأبي هوايتهم المراسلة، متى كانت هوايتهم جمع الطوابع؟! متى كانت هوايتهم صيد الحمام ومطاردة الدجاج؟! ما كانت هوايتهم إلا رفع لا إله إلا الله، وتقديم أرواحهم في سبيل الله، فأصبح العالم منكوساً بالتربية الضحلة السخيفة، ومغن آخر شب على جمع الطوابع والمراسلة، فلما أصبح في الأربعين ألقوا معه مقابلة، قالوا: كيف شققت طريقك في الحياة؟ يقول رجل مثله، قال: بدأت من الصفر، هذا المغني بدأ من الصفر وهو ينزل تحت الصفر، قال: وصابرت واحتسبت وثابرت حتى وصلت إلى هذا المستوى، مستوى والله لا تحمد ولا تشكر عليه، والموت خير منه، ولا يحسد عليه الإنسان. ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان عليّ ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني فاللهم لا شماتة! فالمغنون ما زالوا في دائرة الإسلام ما لم يكفروا بمكفر، ولكنهم مخطئون مذنبون وما زلنا ندعوهم، ونناديهم ونهتف بهم أن يعودوا إلى المسجد والقرآن والرسالة الخالدة، وإلى الدرس والمحاضرة؛ لأنهم أبناؤنا وإخواننا، فانظروا إلى ابن عباس في ليلة ميمونة -وقد مر معنا -يحفظ الحديث ويصلي، ويقدم الوضوء، ويحرص على الأذكار وهو في العاشرة أو دون ذلك، من يفعل من أطفالنا ذلك، إلا من رحم ربك.

أسامة بن زيد

أسامة بن زيد أسامة بن زيد عمره ثماني عشرة سنة ويعطيه صلى الله عليه وسلم قيادة الجيش بعد وفاته، وفي الجيش أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، من يستطيع أن يكون قائد جيش وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، أساطين التاريخ وعلماء الدنيا وعظماء المعمورة، وأسامة القائد؟ فلما تولى القيادة ذهب أبو بكر يشيعه، فأراد أسامة أن ينزل من على الفرس فأخذ أبو بكر بمجامع ثوبه وقال: [[والله لا تنزل ووالله لا أركب، وما علي أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله]] عجيب! كأن أبا بكر ما غبر قدمه، كأنه أول ساعة فقط، وهو من يوم أسلم وقدمه مغبرة في سبيل الله، ودمه ودموعه ووقته وماله وكل لحظة من حياته في سبيل الله، فهل غبرنا أقدامنا؟ وهل قدمنا مثل جزء جزء من أجزاء ما قدم أبو بكر الصديق؟ والشاهد أسامة، هذا الطفل الكبير، كبير في الحقيقة، يسوس أمة وعلماء وصحابة، يقدم نفسه في سبيل الله، ويقود الجيش وهو في الثامنة عشرة من عمره.

عبد الله بن الزبير

عبد الله بن الزبير عبد الله بن الزبير شاب عظيم، وخليفة عظيم، وعالم جليل، يقول الذهبي: كان من أعبد الناس -صدق أو لا تصدق- ذكر الذهبي بأسانيد جيدة أنه كان يسرد سبعة أيام صوماً، وكان يفطر في اليوم الثامن، كان من أقوى الناس على العبادة، دخل الحرم، فوجد السيل قد اقتحم الحرم، فخلع ملابسه ولبس إزاراً وطاف في السيل سبعة أشواط فهو الوحيد الذي طاف في التاريخ بالبيت سباحة. ابن الزبير كان غلاماً عظيماً، مر عمر فهرب الأطفال ووقف ابن الزبير، قال عمر: [[لماذا لم تهرب؟ قال: ما ارتكبت ذنباً فأخاف منك، وليست الطريق ضيقة فأوسع لك]] هذه كلمات محفوظة يحتاج الطفل من أطفالنا شهراً، تكتبها له، ثم تحفظه إياها، ثم يرددها عليك ليقولها مباشرة: ما ارتكبت ذنباً فأخافك، وما كانت الطريق ضيقة فأوسع لك.

أبو محذورة المؤذن المعروف

أبو محذورة المؤذن المعروف أبو محذورة كان غلاماً وفي مسند أحمد أنه خرج يرعى الغنم، فسمع مؤذن الرسول عليه الصلاة والسلام، وأبو محذورة كان مشركاً آنذاك، خرج في ضاحية ضواحي مكة آنذاك، ووراء الجبل كان الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة، فسمع أبو محذورة بلالاً فأذن استهزاءً، فقال صلى الله عليه وسلم: {عليّ بأولئك الأطفال} فذهب الزبير وأحد الصحابة وأحضروهم، فلما حضر، قال: من أذن منكم آنفاً، فسكتوا، قال: أذن، فأذنوا، حتى وصل الأذان والنداء إلى أبي محذورة، فإذا نداؤه عجيب وصوته غريب، فدعا له صلى الله عليه وسلم بالهداية، فقال أبو محذورة: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه قال أهل العلم: لم يحلق أبو محذورة بعدها رأسه، حتى وصل شعره إلى قفاه ونزل على ظهره؛ لأن البركة في تلك اليد يوم مست ذاك الرأس، وكان صوته جميلاً، حتى يقول المكي: أما ورب الكعبة المعمورة وما تلا محمد من سورة والنغمات من أبي محذورة لأفعلن فعلةً مشكورة ويقولون في النظم الفقهي: أذن ترسل وأقم محدورة فعل بلال وأبي محذورة أصبح مؤذناً وهو طفل في العاشرة أو ما يقاربها، وأصبح مباركاً، وبقي في الأذان كما عند بعض العلماء ثمانين سنة، وهو يرفع نداء الحق، ويدعو الناس إلى بيت الله عز وجل: عمر مديد طيب وطاهر.

محمد بن القاسم

محمد بن القاسم وطفل آخر عمَّر وقته بطاعة الله عز وجل: محمد بن القاسم الشهير الذي فتح السند والهند، والذي قتل ملوك السند، والذي قدمت له الأصنام من ذهب فرفض، أتاه ملوك الهند بأصنام من ذهب، فقالوا: هذه لك وعد عن بلادنا، قال: سبحان الله أرتشي عن الجهاد في سبيل الله! لا والله، حتى يقول محمد إقبال: كنا نرى الأصنام من ذهب فنهـ دمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا كنا نقدم للسيوف رءوسنا لم نخش يوماً غاشماً جبارا كان عمر محمد بن القاسم؟ سبع عشرة سنة، وتحته أكثر من مائة ألف من الجنود، وقال بعض العلماء: قاتل جيشاً عدده أكثر من ستمائة ألف، كتائب كالجبال ومحمد بن القاسم في السابعة عشرة من عمره، بعضهم الآن في الثلاثين يقول صغير، كلما ارتكب خطأ يقول: أنا صغير، يموت وهو صغير، لأنه صغير المبادئ والطموحات، والمستقبل هذا طاغوت مستكلب، يسمون المستقبل: تأمين ووظيفة ومنصب وسيارة وفلة، وهذا ليس مستقبل المسلم، مستقبل المسلم رضا الله، مستقبل المسلم الشهادة في سبيل الله، ومستقبله جنة عرضها السموات والأرض. يأتى أعرابي من الصحراء ويقدم له الرسول صلى الله عليه وسلم غنيمة، فقال: ما على هذا بايعتك! قال: {بايعتني على ماذا؟! قال: أن يأتيني سهم فيقع هنا ويخرج من هنا، قال: إن تصدق الله يصدقك} فقتل في سبيل الله، لأنه صدق الله عز وجل. محمد بن القاسم يقول فيه الأول: إن السماحة والنجابة والندى لـ محمد بن القاسم بن محمدِ قاد الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سؤدداً من مولدِ ما أقرب هذه الطفولة وما أقرب أنك فتحت فيها بلاداً وعمرتها بلا إله إلا الله! طفل دخل السند والهند، طفل رفع لا إله إلا الله، طفل، وحرق الأصنام، وداس الطاغوت، ورفع الحق في منائر الأرض، وفتح تلك البلاد التي ما كنا لنفتحها نحن.

أبناء الخنساء

أبناء الخنساء أطفال السلف كبار، حضر أربعة أطفال في معركة القادسية، وهم أبناء الخنساء النخعية، فقالت: يا أبنائي، والله ما غدرت أباكم ولا خنت خالكم، والله إنكم لأبناء رجل واحد، فإذا لقيتم المعركة فيمموا أبطالها، واستقبلوا وطيسها، عسى الله أن يقر عيني بقتلكم في سبيل الله. أي أم تلك الأم! وأي معلمة وأي جامعة؟! تقدموا فلبسوا الأكفان، وقاتلوا فقتلوا الأربعة، قبل صلاة الظهر، وأتوا بالخبر السار إليها فدمعت عيناها من الفرح. طفح السرور عليّ حتى أنني من عظم ما قد سرني أبكاني وقالت: الحمد لله الذي أقر عيني بقتلهم في سبيل الله، هذه هي الحياة التي يريدها محمد عليه الصلاة والسلام، يريد لهذا الطفل حياة وتوفيقاً ونجابة وسؤدداً. نعم عاش عليه الصلاة والسلام مع الأطفال هذه المراحل، ونحن نقول كما بدأنا لكل طفل مسلم: إن كنت أيها الوالد ويا أيتها الأم، ويا أيها الطفل؛ تريدون الله والدار الآخرة فدونكم المبادئ، ودونكم الدستور الخالد، والرسالة الرائدة، والتعاليم الربانية، أنشئوهم على لا إله إلا الله، لقنوهم لا إله إلا الله، علموهم الرسالة والسنة في القيام والقعود والنوم والأكل والشراب واليقظة وكل شئون الحياة، لأنكم أنتم المسئولون أمام الله عنهم: يا طفل غرد في تبسم أحمد وارسم ضياء جبينه المتلالي واسعد برؤية خير من وطئ الثرى راعي اليتامى قائد الأبطال يا طفل في قلب الرسول مكانة لك قد حباها سيد الأجيال ديناً حوى نهج التكامل والوفا للشيب والفتيان والأطفال وبهذه الأبيات ننهي هذا الدرس، مع شكري لكم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة .

بأي شيء يكون التحنيك

بأي شيء يكون التحنيك Q هل التحنيك يكون بالتمر فقط أم بالعسل أم بأشياء أخرى؟ A إذا فقد التمر فله أن يحنك بريقه وهذا التحنيك يطلب من الصالحين، لما يرجى من آثارهم الطيبة وهم أحياء، بشرط أن يكونوا من أولياء الله عز وجل، قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63] وهم الصالحون والمصلون والصائمون والعابدون والصادقون والذاكرون، فإنه لا يعرف الصلاح بالعمائم المكورة ولا بالعكازات ولا بالجبب، الصلاح بالعمل الصالح، وبتقوى الله، وبالسير على منهج رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن وجد تمراً فبها ونعمت، وإلا فبريقه أو بشيء من حلوى أو سكر أو عسل أو نحوه، إنما المقصود أن يحنك الطفل بآثار من أثر رجل صالح يخاف الله، لأنه وقعت طلسمة في هذا الباب، مزج بين الصالح والطالح، والسني والبدعي، والولي والمنحرف , فساروا في غبش، فعند كثير من الناس أصبح الإمام المعتبر والعالم السني مثل البدعي المخرف المشعوذ، وهذا من فساد الرؤية، ومن غبشها وانطماسها، فعلى المسلم أن يعرف أولياء الله، وهم يعرفون بالعمل والتقوى، ويعرفون بسمات الصالحين، ليس لهم إمام إلا محمد عليه الصلاة والسلام، وجماعتهم جماعة المسلمين، وبيتهم المسجد، وهم لا يريدون إلا وجهه: {دعها فإن معها سقاءها وحذاءها، ترد الماء، وترعى الشجر حتى يلقاها ربها}.

البنات وفضل تربيتهن

البنات وفضل تربيتهن Q تحدثت عن الأطفال الذكور ولم تتحدث عن البنات وفضل تربيتهن؟ A على كل حال خذ ما عند الأطفال وانقله على البنات؛ لأن الله عز وجل إذا ذكر الرجال فيدخل فيهم النساء قطعاً إلا ما استثنى في ذلك، وقد ذكر النساء في سور، بل خصص سورة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هي سورة النساء، ثم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195] وهناك قاعدة ما ذكر فيها الرجال مما لا يختصون به فيدخل في عموم ذلك النساء، وإلا فالنداء أتى: (يا أيها الذين آمنوا) (يا أيها الناس) فيدخل في ذلك النساء، وورد التفصيل فقال: إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، وأما البنات فصحيح أن هناك أحاديث ربما لا يتسع المجال لذكرها، ولا لذكر الأطفال، لكن أتيت بجمل علها أن تكون منارات وأعلاماً على الطريق، وإلا فقد ورد: {فمن عال جاريتين، فهو رفيقي في الجنة} وفي رواية: {كانت له حجابة من النار} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ولكن أقول لك: خذ هذه الآداب وانقلها للبنات إلا ما اختص به الأبناء.

حق تسمية الطفل

حق تسمية الطفل Q لمن يكون حق تسمية الطفل لوالده أم لوالدته؟ A الظاهر في ذلك أنه إذا كانا مسلمين فالحق للوالد؛ لأنه القيم في البيت والمسئول والراعي، وإذا كان الأب كافراً والأم مسلمة فللأم، وبالعكس للمسلم منهما أن يسمي، ولا يؤتى الكافر ولاية في التسمية على الطفل، أما إذا كانا مسلمين فللأب التسمية بشرط أن يكون هذا متبعاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وصالحاً، أما إذا كان فاجراً منحرفاً، يخالف منهج الله في التسمية، فلا، وتقدم الأم في ذلك.

بيان صحة وضعف بعض الأحاديث

بيان صحة وضعف بعض الأحاديث Q هناك بعض الأحاديث نريد من فضيلتكم أن تتفضل لبيان صحتها من ضعفها، {خير الأسماء ما عبد وحمد} {الحجر الأسود من الجنة} {إن الله كريم يحب الكرم ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها} {بيت لا تمر فيه جياع أهله} {زمزم طعام طعم وشفاء سقم} {زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً}؟ A حديث: {خير الأسماء ما عبد وحمد} هذا الحديث لا يصح عند أهل العلم، وهو حديث ضعيف باطل فلينتبه له، لا يصح من لفظه عليه الصلاة والسلام، ويصح الحديث الآخر: {أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها همام وحارث}. وحديث: {الحجر الأسود من الجنة}: رواه أحمد بسند صحيح. وحديث {إن الله كريم يحب الكرم ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها}: هذا يرويه الطبراني وصححه الألباني فيما صح من الأحاديث، والله أعلم إذا كان فيه شيء، لكن الألباني كفى به حجة في هذا الباب، ولو أنه ليس بمعصوم. وحديث: {بيت لا تمر فيه جياع أهله}: يرويه مسلم وأحمد في الصحيح، مسلم في الصحيح عن عائشة. وحديث: {زمزم طعام طعم وشفاء سقم}: أما (طعام طعم) كذا في هذه اللفظة فهو في صحيح مسلم، وأما (شفاء سقم) فهو عند أحمد والطبراني وسنده صحيح. وحديث: {زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً}: يرويه الحاكم وابن حبان وهو صحيح على كل حال، وهذه عرضت في درس من دروس السبت، ولكن لأنها لم تسجل وما أعيدت كان لزاماً أن تعرض كما أرسلها الأخ في محاضرة كهذه.

من القائل

من القائل Q نرجو أن تخبرنا من قائل البيت المشهور: بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا A أما هذا البيت فأنا سمعته وحفظته في أمسية شعرية وما أعرف من قاله وزدت له بيتين، البيت يقول: بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا فقلت: أم المعاني اللاوتي قد أتيت بها أرى بها الدر والياقوت متصلا لو ذاقها مدنف قامت حشاشته ولو رآها بعيد داره لسلا

قصيدة (سبحان من يعفو)

قصيدة (سبحان من يعفو) Q ما هو الكتاب الذي أنزل فيه قصيدة اليمني: سبحان من يعفو ونهفو دائما A أنا سمعتها من شريط مسجل للحضراني، وقد أجرى معه أهل كلية الشريعة مقابلة وقد توفي رحمه الله قبل سنوات، وملقي المقابلة الدكتور/ عبد الله المصلح، فسمعت القصيدة وهي رائعة في باب التوحيد اسمها الجوهرة رد بها على ابن دريد صاحب: يا ظبية أشبه شيء بالمها ترعى الخزام بين أشجار النقا إلى أن يقول: والناس ألف منهم كواحدٍ وواحدٌ كالألف إن أمر عنا فيقول هذا اليمني: سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزل مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجا كم فرج بعد إياس قد أتى وكم سرور قد أتى بعد الأسى

هل تجزئ شاة كبيرة عن شاتين

هل تجزئ شاة كبيرة عن شاتين Q هل تجزئ شاة كبيرة عن شاتين صغيرتين في المولود؟ A السنة شاتان، ولا يغلبك البخل على شاة واحدة، فالدنيا فانية واستعن بالله، وتعوذ بالله من الشيطان، فإنه هو الذي يمسك على يدك، أسأل الله أن يفتح عليك وأن يجعلك كريماً، وأحسن من بحث ذلك ابن القيم في تحفة المودود، هل يشترك في عقيقة الإنسان سبعة؟ قال: لا، وهل ثلاثة؟ لا. السنة اثنتان ولا يزيد عليها، وشاة للبنت. وهنا مسألة للفائدة: هل الأفضل أن تقسم للناس؟ أو أن يدعى لها الناس، قالوا: بحسب الملابسات والمصلحة، إن كان الفقراء لا يملكون طبخاً ولا ملحاً، فادعهم في بيتك أحسن، وإن كانوا يريدون في بيوتهم فقسمها وأنت أبصر.

اختيار الأسماء

اختيار الأسماء Q يوجد من الأسماء: كمبارك أو مشبك، فإذا سأل أحد هل فيكم مشبك أو هل فيكم مبارك؟ فيقول: ليس فينا مبارك وليس فينا مشبك، ما الحكم في هذا؟ A مبارك ورد صفة في القرآن {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:31] لكنها صفة، وما أستطيع أن أقيس الحديث هذا، الله أعلم، في أبي داود: لا يقول أحدكم لغلامه رباحاً ولا يساراً ولا نجيحاً؛ لأنه يقال: أثم هو؟ فيقال: لا، فأما أن أقيسه فلا أستطيع؛ لأنه القياس سيطرد في اسم سعيد، وعلي وغيرها من الأسماء، فأنا أحجم عن هذا والله أعلم.

تأخير الأذان في أذن الطفل

تأخير الأذان في أذن الطفل Q اليوم أكثر النساء ينجبون أولاداً وهن في المستشفيات، فلا تستطيع الأم أخذ ولدها لتؤذن في أذنه، فما الحكم لو كان الأذان بعد يوم أو يومين؟ A لا بأس في ذلك إن شاء الله، لا أدري هل الرسول صلى الله عليه وسلم أذن في أول يوم، لكن أصل الأذان وارد وما دام تعذر في اليوم الأول فيؤذن حفظاً على السنة في اليوم الثاني أو الثالث وهكذا.

مواقف أهل الدعوة من المنشورات التي فيها بعض آيات الله

مواقف أهل الدعوة من المنشورات التي فيها بعض آيات الله Q هناك بعض المنشورات تخبر بأن هناك اكتشافاً للفظ الجلالة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) رئيت في صورة أخذت بالكمبيوتر لرئة إنسان، الرئة اليمنى، هل هذا حقيقة أم هي خزعبلات، ونوع من الغزو الفكري؟ A عرض هذا السؤال مرات، وأقول: عندنا ثلاثة مواقف لأهل الدعوة لا بد أن يقفوها أمام هذه الورقة، وأمام أمثالها من المنشورات: أولاً: هل صحيح ما هو موجود فيها، فإنه لابد أن نتثبت من هذه الأمور والواردات والنظريات التي تعم وتطم دائماً، هل هذا ثابت حقيقة؟ ويسأل عن هذا أهل التخصص، وقد تكلم مع أحد الأطباء المستقيمين في مستشفى عسير، وقد وعد أن يبحث المسألة بحثاً علمياً، لأن تخصصه في الحنجرة، ويأتي بخبر، وأعطِ القوس باريها، وأهل التخصص هم أجدر بذلك، فإنه أحياناً قد تكون الصورة الظل للأمر النير الواضح، وبالعكس. الأمر الثاني: خلق الإنسان أعظم من هذه الكتابة التي في الحنجرة قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] ما أدهشنا وما أقعدنا على ركبنا إلا هذه الكتابة، وأيدينا تتحرك بقدرة المحرك، وأعيننا تبصر، أما بقي علينا من الآيات المؤثرة إلا هذه الكتابة الجامدة المصورة في اللحم، وخلقنا أعظم؟ إنه خلق معجز والله، فلماذا لا نتفكر في الأصل ونعود عن المحتمل الذي لا ندري عن صحته وعن غلطه؟ الأمر الثالث: نخشى إن سلمنا كل شيء أن نسلم بالخطأ، فمثلاً: قدر أننا أتينا فسلمنا بلا إله إلا الله بأنها مكتوبة في الحنجرة، وغداً قد يأتينا ويقول: لا إله والحياة مادة، وسيقال لنا: مثل ما آمنتم بهذا آمنوا بهذا، ديننا ليس مجالاً للنظريات، ولذلك حذر العلماء أن يجعل القرآن والسنة مجالاً للنظريات، إذا اكتشفوا شيئاً قالوا: صدق، هذا القرآن يؤيده، وبعد شهر وإذا به يعلن أن النظرية خطأ، قالوا: في القرآن شيء، ليس الإسلام للنظريات، الإسلام ثابت وحق، كل شيء خاضع للقرآن والسنة، ونحن نبقى على الأصل ونقول: الحمد لله، ليس هناك زيادة ولا يأبه بها الإنسان وهذا أمر عادي. أنا رأيت بعض العوام هللوا وكبروا في المسجد يوم رأوا الورقة، وهم يوم يتلى عليهم القرآن ويذكر لهم آيات الله في الكون صباح مساء في المسجد يهزون رءوسهم ويفكرون في التخطيط والخلطة والإسمنت.

التسمية باسم " عبد رب الرسول "

التسمية باسم " عبد رب الرسول " Q ما رأيك في اسم قائد المجاهدين الأفغاني: عبد رب الرسول؟ A عبد رب الرسول أحسن من عبد الرسول، فإنه كان فيما يقال: عبد الرسول، فحوله إلى عبد رب الرسول، وهو وارد لا شك فيه والحمد لله، فرب الرسول هو الله، وسياف عبد لله.

حكم وضع المر على رأس المولود وتعليق القلادة عليه

حكم وضع المرّ على رأس المولود وتعليق القلادة عليه Q ما حكم وضع المرَّ وغيرها على رأس المولود، وما حكم تعليق القلادة في عنقه أو في يده؟ A أورد ابن القيم مثل ذلك وبعض الأطباء، لكني لا أعرف أثراً في ذلك؛ لأن الخلاف بين أهل العلم في كلمة (يسمى) كأن يقول: همام وهو أحد الرواة في الصحيح، وقد كان ألتق، وأثرم، يقول: (يدمى) بدل (يسمى) فكانوا يدمون رأسه، حتى أهل الحديث قالوا: هذا خطأ ليس في الرواية (يدمى) إنما هي (يسمى) وعلى كل حال، إن ثبت في الشريعة فالأمر جائز وعلى العين والرأس، وإن كان من باب الطب فهو جيد. أما تعليق التمائم فلا يجوز، لا من القرآن ولا من السنة، وهو من فعل المشركين وأهل الوثن، والمشعوذين والكهنة والعرافين، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من تعلق تميمة فلا أتم الله له} ورأى رجلاً في يده حلقة {قال: ما هذه؟ قال: أخذتها من الواهنة، قال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً} وصح عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال: {من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد ومن أتى عرافاً أو كاهنا فلم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} ورأى رسول الله رجلاً علق في طفله شيئاً من أوراق وخيوط، فقطعها عليه الصلاة والسلام في الطواف، فهذه ليست واردة لا من القرآن ولا من غيره، وهو القول الأصح عند علماء أهل السنة، ومن فعل ذلك فقد أساء وتعدى وظلم، ولا يحرز إلا الله بالأذكار الشرعية وقراءة القرآن؛ بالرقية الواردة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم.

حكم اصطحاب الأطفال إلى المسجد

حكم اصطحاب الأطفال إلى المسجد Q البعض يصطحب أولاده الصغار، والبعض لا يصطحب أولاده الكبار إلى المسجد؟ A الناس في هذه القضية طرفان ووسط، منهم من حول المسجد إلى روضة أطفال، لكي تطبخ المرأة في البيت وتأخذ راحتها، فيأخذ الأطفال، ويأتي بهم إلى المسجد فيلعبون ويصرخون حتى يشغلوا المصلين، وهذا يؤخذ على يده وينصح ويؤدب. وفي الطرف الآخر من جانب، حيث يترك أبناءه في البيت ولا يأمرهم بالصلاة، فهو مسيء ويؤخذ على يده وينصح ويؤدب، والوسط هو أن يأتي بهم في السن المعهودة وهي السابعة ونحوها، لقوله صلى الله عليه وسلم: {مروا أبناءكم بالصلاة لسبع} بشرط أن يؤدبه ويلقنه الأدب ويقيمه في الصف ويلاحظه في المسجد.

تغسيل الأم لطفلها وأحكامه

تغسيل الأم لطفلها وأحكامه Q ما حكم تغسيل الصبيان من قبل أمهاتهم، وهل هذا ينقض الوضوء، وما حكم نجاسة الطفل؟ A أما تغسيل الطفل، ففي هذه القضية مسألتان: المسألة الأولى: هل المرأة إذا مست عورة الطفل ينتقض وضوؤها؟ إذا كان أقل من السابعة فالصحيح من أقوال أهل العلم، أنه لا ينتقض وضوؤها، ولو مست فرجه وهي متوضئة، ولا يؤخذ بالعموم في ذلك، وهي فتوى لبعض علمائنا الآن. المسألة الثانية: أما إذا مست النجاسة بيدها، فالصحيح أنه لا ينتقض وضوؤها؛ لأن لمس النجاسة لا ينقض الوضوء، لكن تغسل النجاسة.

آخر قصائد الشيخ عائض

آخر قصائد الشيخ عائض Q يطلب أحد الحاضرين آخر ما نظمت من الشعر؟ A إنها قصيدة لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، أردت فيها معارضة المجرم البردوني اليمني، أحسن هو في قصيدته إحساناً جيداً ولكن لا نرضاه ولا نرضى قلبه ولا معتقده، ولا دينه ولا طريقته، هو قومي بعثي أعمى القلب والبصيرة، كل شر فيه، ولكنه شاعر في الذروة، يقول في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام: نحن اليمانين يا طه تطير بنا إلى روابي العلا أرواح أنصار أنا ابن أنصارك الغر الألى سحقوا جيش الطغاة بجيش منك جرار إذا تذكرت عماراً وسيرته فافخر بنا إننا أحفاد عمار فقلت في قصيدة (صوت من الغار): نور من الغور أم صوت من الغار أم نغمة الفكر أم تاريخ أسرار يا عيد عمري ويا فجري ويا أملي ويا محبة أعماري وأخطاري تطوي الدياجير مثل الفجر في ألق تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبار فما لقومي بلا وعي قد انتكسوا أصغوا لصيحات عربيد وخمار يبيع ذمته المعهود في وثن والدين ينهار منه في شفاً هار شادوا الدنانير هالات مزخرفة جماعها لا يساوي ربع دينار لو بيع في السوق ما حازوا له ثمناً ولو شروه لكان الغبن للشاري جمع الطوابع من أسمى هوايته ذو همة بين خباز ونجار

حكم ضرب الأطفال

حكم ضرب الأطفال Q هناك استفسار حول قوله عليه الصلاة والسلام: {مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر} ويتساءل كيف تنكر التربية الحديثة ضرب الأطفال والحديث يوحي بذلك؟ A الضرب هنا هو أصل، والأمر به وارد لكنه أمر نسبي، ونحن نعود إلى الأمر النسبي، الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد الضرب، إنما أجازه، وعلماء الغرب وأمثالهم قد ينكرون أصل الضرب، وهذا ليس بصحيح، بل ورد في السنة أنه أمر لا بد منه في باب التعزير ونحوه، وإن كانوا ينكرون الكثير منه فحتى الإسلام ينكر الكثير منه، فأقول: أصل الضرب هو المعهود بالعرف، لأن الأمر إذا أطلق في الشريعة، ولم يكن له عهد معروف نعود إلى عرف الناس، فالضرب يكون بالمعروف، والقاضي شريح يخصصه عند بعض الشراح بأنه سوطان وبعضهم يقول أربعة أسواط.

نصيحة لمن لا يحسن التعامل مع أولاده

نصيحة لمن لا يحسن التعامل مع أولاده Q لدي أطفال وفيهم الكثير من الأذى وأحياناً أغضب عليهم وأدعو عليهم، فماذا تنصحني في ذلك؟ A أنصحه أن يستعيذ بالله من الشيطان، وأن يتقي الله فيهم، وأن يكون رحيماً بهم، ويصاحبهم كثيراً، ويراعي عقولهم وإدراكهم، وأرى أن يأتي بالوسائل المحببة كالقرآن وسماعه، والشريط والذكر الإسلامي، يدخل بيته ذكر الله، ثم عليه بالدعاء في السحر وفي السجود لهم بالصلاح. اللهم أصلحنا وثبتنا واهدنا سواء السبيل، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أحداث مكة

أحداث مكة الفرق الضالة ذات العقائد المنحرفة؛ من أعظم الأدواء التي فتكت في جسد الأمة قديماً وحديثاً، ومن أخطر هذه الفرق فرقة الرافضة، وأعمالهم الشنيعة في المسلمين عبر التاريخ لا تزال آثارها إلى اليوم، وفي هذا الدرس بيان لحقيقتهم، وبعض أصول اعتقادهم، ودسائسهم بالمسلمين وكيفية التعامل معهم.

ضرورة البصيرة بخطط الأعداء والمنافقين

ضرورة البصيرة بخطط الأعداء والمنافقين الحمد لله القائل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:204 - 206]. والصلاة والسلام على رسول الله القائل: {افترقت النصارى على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت اليهود على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كُلها في النار، إلا فرقةٌ واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كانت على ما كنتُ عليه أنا وأصحابي} وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أمَّا بَعْد: أيها الناس! فإن الله امتنّ على رسوله صلى الله عليه وسلم حيث بين له سبيل المجرمين، ومخططات الملحدين، وأسس عقائد المنحرفين ليتجنبها صلى الله عليه وسلم، فقال عز من قائل: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]. أي: نخبرك بهم، ونفصل لك أخبارهم، لتستبين لك طريقهم لتكون على وضوح، ولذلك يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[من لم يعرف الجاهلية لم يعرف الإسلام]] والله يقول في بعض الفرق المنحرفة الضالة: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * 6000016>فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:8 - 10]. وهؤلاء أمثال الرافضة الذين تستروا بستار الإسلام، وادعوا لا إله إلا الله، ودخلوا في مظلة المسلمين، ولكنهم يخادعون الله، ويخادعون الذين آمنوا، في قلوبهم مرض الفتنة والبغي والظلم والولوغ في الدم على مر التاريخ، ويقول الله في شأن من هذا شأنه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة:204]. يتكلم بالإسلام، ويدافع علانيةً عن الإسلام، لكنه في الخفاء يطعن في الإسلام!! ويكيد لأهل الإسلام ولحملته: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة:204] قيل: يقول: الله شهيد على ما أنوي، أو يشهد الله على ما في قلبه من الخبث، والخداع، والدسيسة والنفاق: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} [البقرة:205]. تصدر التدمير والإبادة، والنصب والقتل، والاعتداء والهمجية: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:205] وإذا قيل له: اتقِ الله، خف الله، راقب الله؛ أخذته العزة بالإثم، وادعى أن الصواب عنده، وأن الحق بيده، وأنه مصيب، قال الله عز من قائل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206] فتكفيهم النار مصيراً ومثوى. وكان لزاماً على المسلم بهذه المناسبة، وبالأحداث الأخيرة لا تزلفاً، ولا تقرباً من أحد، ولكن تقرباً من الله الحي القيوم أن ينصح للمسلمين، وأن يبين مبادئ هؤلاء المجرمين، وأن يفضح خططهم، وأن يبين مقاصدهم، وأن يعرض للناس شيئاً من أفكارهم، ليكونوا على بصيرة.

حقيقة الرافضة

حقيقة الرافضة والسؤال الذي يعرض نفسه: من هم الرافضة؟ وما هي أصول عقائدهم؟ وما هي أسس مقاصدهم ومخططاتهم؟ الرافضة: مذهب عقدي منشقٌ عن أهل السنة والجماعة، أنشأه اليهودي عبد الله بن سبأ الذي قدم من اليمن، غالى هذا اليهودي في حب أهل البيت ظاهراً وعلناً، حتى ألَّه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، سبحان الله وتعالى عما يصفون! وتعالى عما يقولون عُلواً كبيراً! انشق هذا المذهب العقدي بخبثٍ وبحقدٍ على الصحابة الأخيار. ومن أصولٍ معتقدهم: أن أئمتهم اثني عشر إماماً معصومون، لا يذنبون ولا يخطئون، ولا ينسون، وهم أفضل عندهم من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ذكر هذا القبرصي في رسائله، والخميني في كتبه. ومن أصول عقائدهم كذلك: التقية، وهو النفاق عند الإسلام والمسلمين، ونسبوا إلى جعفر الصادق رضي الله عنه وأرضاه -وهو براءٌ من هذا القول- أنه قال: التقية مذهبي وديني ودين آبائي، من لم يقم بها فليس مني، ذكره موسى جار الله صاحب كتاب الوشيعة في نقد عقائد الشيعة. ومن أصول معتقدهم كذلك: التبرؤ من أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، شيخي الإسلام، وقطبي هذا الدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهم وأرضاهم، وسموا في كتبهم أبا بكر بالجبت، وسموا عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين بالطاغوت، وهذا مذكورٌ في الكافي للكليني. ومن أصولهم: التبرؤ كذلك من عائشة، الصديقة بنت الصديق، المبرأة من فوق سبع سماوات، ووصفوها بالفاحشة، وادعوا أنها زنت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، برأها الله مما يقولون، وقد ذكر ذلك صاحب كتاب الخطوط العريضة. ومن أصولهم كذلك: لعن الصحابة، الذين ما وقفوا مع علي رضي الله عنه وأرضاه في موقعة الجمل وصفين، وادعوا أن الصحابة كفروا بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أصولهم كذلك: أن القرآن الذي بأيدينا ناقص، ولا يعتمد عليه، ولا يوثق به، ولا يقرأ، ولا يحفظ، ولا يتدبر، ولا يعمل به في الجملة، لأنه محرف، وقد ذكر ذلك الطبرسي، وهو من علمائهم وأئمتهم في كتابه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، وادعوا أن الكتاب الموثوق به، والقرآن المعتمد عليه سوف ينزل مع المهدي المنتظر، الإمام الثاني عشر عندهم الذي قالوا لنا: إنه أفضل الناس جاهاً، وأنه حج معهم هذه السنة، وأنه عرف بـ عرفة، وأنه وقف بـ مزدلفة، وأنه بات بـ منى، وأنه سوف يظهر قريباً. ولذلك يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: " هم أضل الناس في المنقولات، وأجهل الناس بالمعقولات " وقال عامر الشعبي رحمه الله: " إذا دخلت حياً من أحياء الرافضة، فقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث " وقال أيضاً: والله الذي لا إله إلا هو! لولا أني على وضوءٍ وأخشى أن ينتقض وضوئي، لأخبرتكم ببعض كلام الرافضة، وقال: قاتل الله الرافضة، لو كانوا من الطيور لكانوا رخماً، ولو كانوا من الوحوش لكانوا حمراً، سخطوا على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولعنوهم وقد عدَّلهم الله ورضي عنهم، وتبرءوا من الصادقة الصديقة بنت الصديق، وقد زكاها الله وعدلها، واتهموا الصحابة وقد زكاهم الله، وكفل أقوالهم في أكثر من موضع، وخرجوا على جماعة المسلمين، وسلوا سيف البغي والعدوان، وحقدوا وحسدوا.

من دسائس الرافضة في التاريخ

من دسائس الرافضة في التاريخ أما دسائسهم في التاريخ، فإن أبا لؤلؤة المجوسي جدهم الأكبر، الذي يترضون عنه في كتبهم، هو قاتل عمر رضي الله عنه وأرضاه، والذي قدم أكبر جريمة في تاريخ الإسلام، يوم قدم بالحقد والموت، وسمَّ خنجره، وقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه. مولى المغيرة لا جابتك جابيةٌ من رحمة الله ما جادت غواديها فلما سقط عمر رضي الله عنه حمله الصحابة، وعلموا أن هذا تدبيرٌ من المجوسية التي تعادي أتباع الرسل عليهم لصلاة والسلام، قال أنس: [[لما قتل عمر رضي الله عنه وأرضاه، ظننا أن القيامة قامت]] وقال علي بن أبي طالب، أبو الحسن الذي نحبه ونتولاه، ونعتقد أن حبه من أوثق عرى الدين، لا كما يزعمون، فإنهم أعداؤه، والمتخلفون عنه، والمخالفون له، دخل على عمر رضي الله عنه وأرضاه، فبكى علي طويلاً وعمر مطعون وقال: [[رضي الله عنك وأرضاك، والله لطالما سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك]] ثم قال له: [[والله ما أريد أن ألقى الله في عمل عاملٍ إلا كعملك الذي تلقى الله به]] وقال بعد أن توفي عمر: [كفنت شهادة الإسلام في أكفان عمر]]. وثبت عن علي رضي الله عنه وأرضاه في الصحيح أنه قال: [[من فضلني على أبي بكر وعمر، لأجلدنه حد المفتري؛ ثمانين جلدة]] وهم الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه وأرضاه. فمؤسس مذهبهم، وزعيم نحلتهم عبد الله بن سبأ، هو الذي دبر قتلة عثمان، وقد قتلوه وهو صائم، وهو يقرأ القرآن، فضربوه بالسيف رضي الله عنه وأرضاه، فنزل دم الشهادة من جبينه -الدم الزاكي، الدم الطاهر، دم العبادة والزهد- على المصحف، ووقع على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:137]. قتلوه وهو صائم في أشهرٍ حرم: ضحوا بأشمط عنوان السجود له يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا ومن دسائسهم كما يقول ابن كثير، أن ابن العلقمي وهو الرافضي الخبيث المجرم، مهد لـ جنكيز خان قائد المغول التتر، وأدخله بغداد، وأخذ ابن العلقمي يخرج اليهود والنصارى لئلا يقتلوا، ويقدم أهل السنة إلى القتل، حتى استباح المغول بغداد ثمانية أيام، فقتلوا فيها ثمانمائة ألف، في كل يومٍ مائة ألف، وقتلوا الخليفة، وهدموا المساجد، وأحرقوا المصاحف، وقالوا: هذه المصاحف كتبها الزبير وطلحة، وما نزل بها جبريل عليه السلام. ومن دسائسهم في التاريخ: أنهم قدموا السفن -كما قال المؤرخون- للصليبين في قبرص، وفي الساحل، وفي عكا، لما نازلهم صلاح الدين الأيوبي، وقدموا الأطعمة، والأدوية، والماء، حتى هزمت ديار المسلمين، واستبيحت كرامتهم، وهدمت مساجدهم، ومزقت مصاحفهم. ومن دسائسهم كذلك: أن فرقتهم الغالية، وهي التي انشقت من الإسماعيلية، قرينةً موسوية، التي تحكم نفسها في طهران وتبث سمومها، هذه فرقة القرامطة، استباحت بيت الله عز وجل، وقتلت الحجيج وأخذت الحجر الأسود، الذي بكت من أخذه الثكالى واليتامى والمرضعات في حجورهن، أخذوه على سبعة جمال، كل ما ركبوه على جملٍ أصيب الجمل بالجرب فمات، حتى وصلوا إلى القطيف، وبقي معهم ما يقارب العشرين سنة، وفي الأخير ضربوه بالفئوس حتى كسروا جزءاً منه، ثم أعادوه إلى المسجد الحرام. ومن دسائسهم وهي فوق الحصر ما فعلته فرقة النصيرية في سوريا، التي قتلت المسلمين، واستباحت دماءهم، وذممهم، وأطفالهم، وأعراضهم، ووافقت الصهيونية العالمية، ومهدت لإسرائيل، وعاونتها، واستباحت ديار المسلمين، ثم يأتي موقفهم المخزي المشين من الجهاد الأفغاني، حينما ادَّعوا ظاهراً أنهم مع المجاهدين، وهم في الباطن مع الملحدين. هم يفرشون لجيش البغي أعينهم ويدَّعون وثوباً قبل أن يثبوا الحاكمون وواشنطن حكومتهم واللامعون وما شعوا وما ضربوا لهم شموخ المثنى ظاهراً ولهم هوىً إلى بابك الخرمي ينتسب وفي الآونة الأخيرة -كما حدثنا الثقاة- فصلوا بين إمدادات المجاهدين في الجنوب، وبين الجهاديين في الشمال، لئلا يجد المجاهدون إمدادات من بعدهم، ولا من خلفهم، فما كان من المجاهدين الأفغان إلا أن استعانوا بالله، ورأوا موعود الله، وعادوا إلى قرى الرافضة المجرمين فدمروها بالسلاح، ودكوها بالصواريخ، وجعلوها أثراً بعد عين، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين. ومواقفهم كثيرة، فهم صانعوا إسرائيل، ومدوا جسور الود في الخفاء معها، وصالحوا أمريكا، وأخذوا السلاح منها، وهدموا بها مدن الإسلام وأطفال المسلمين، ولذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: " دين الرافضة خليط، شابه اليهودية في الغلو، والمجوسية في عداوتهم لأتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام، وشابه النصرانية في الجهل ": {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. وهذا الكلام لابد منه؛ لأنهم يدَّعون الإخاء معنا، ويريدونه بألسنتهم، ولكنهم يشهدون الله على ما في قلوبهم من بغض: فإما أن تكون أخي بصدقٍ فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني فإني لو تخالفني شمالي ببغضٍ ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني وآخر ما قدموه من مسرحياتهم الحاقدة الفاجرة ما فعلوه بالحجاج الذين أتوا شيوخاً وأطفالاً ونساءً محرمين ملبين، ينادون بالتوحيد لله، قد تجردوا من كل شيء. أتوا إلى مهبط الوحي وإلى مهوى أفئدة المسلمين الذين أجابوا داعي الله إبراهيم عليه السلام بقوله: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37] فلما أتى الحجاج ملبين من كل فجٍ عميق، أتوا هناك وأحرموا، وتجردوا، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أن الله عز وجل، يتجلى للحجيج يوم عرفة، فيقول: يا ملائكتي! انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين، أشهدكم أني غفرت لهم} فحرمة الحاج أعظم من كل حرمه، خاصةً في الشهر الحرام، في البلد الحرام، في اليوم الحرام، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: {إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا ينفر صيدها، فمن استحلها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا} وقد وقصت أعرابياً ناقته فمات؛ فقال صلى الله عليه وسلم: {غسلوه بماء وسدر، وكفنوه في إحرامه، ولا تغطوا رأسه ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً} أي: يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. فما بعد استحلالهم هذا المكان في هذا الشهر، في هذه الأيام فرصةٌ للمصالحة، كيف ونحن نتولى أئمة الإسلام، وخلفاء المسلمين، والصحابة وهم يلعنونهم، وكيف ونحن نتعبد الله بالقرآن وهم يذمونه ويدعون نقصانه؟ كيف ونحن نتبع محمداً صلى الله عليه وسلم، وهم يتبعون أئمتهم؟ بالله، وايم الله، لقد ذكروا أئمتهم يوم عرفات في هذا الحج المنصرم أكثر مما ذكروا الله وهذه عبادة لغير الله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23]. أما موقفنا السليم معهم، وواجبنا هو شيءٌ أعظم من التنديد والشجب، والاستنكار؛ لأن هذا لا يغني في مصيرنا ولا في مسيرتنا ولا في مستقبلنا. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

واجبنا تجاه دعوات الرافضة

واجبنا تجاه دعوات الرافضة الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين، وقدوة السالكين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً؛ أمَّا بَعْد:

أولا: الغضب لله ورسوله

أولاً: الغضب لله ورسوله عباد الله! إن واجبنا مع هذه الدعوات المغرضة، الملحدة الماكرة، مع كل ما يخالف دين الله، ليس أن نغضب لأنفسنا، ولا أن تقيدنا العاطفة لأنفسنا تحت ستار الإسلام كلما تعرض لنا، لا. بل واجبنا أن ننصر دين الله تبارك وتعالى، وأن نغضب لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن نقوم بحماية كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لوجه الله، ولأن هذا واجبنا، ولأن هذا هو أساس بقائنا وحمايتنا واستقرار أمننا، فأول واجباتنا تجاه هذه الدعوات وهذه الأفكار والمبادئ الهدامة،؛ أن نعود إلى كتاب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يكفي الشجب والاستنكار والتنديد، إن ما يشجب به هؤلاء الأعداء، أن نأتي إلى القرآن فنحفظه أبناءنا، ونضوَّغ به حياتنا، ونغذي به أرواحنا، ونعطر به بيوتنا، وأن نقرره بكثافةً في مدارسنا، وأن نقرن معه السنة المطهرة: الصحيحين سنن أبي داود الترمذي النسائي ابن ماجة. هذه الأصول الستة تستصحب القرآن في الدراسة والمجالس، وفي المساجد والخطب والأندية، إن كنا نريد الأمن والنصرة، واستبقاء حياتنا ورفاهيتنا، وبقائنا غانمين سالمين؛ فلننشر هذه السنة مع القرآن نشراً قوياً، ونحميها حماية لا بد منها لنحمي أنفسنا نحن، وهذا هو المطلوب.

ثانيا: تعليم القرآن والسنة

ثانياً: تعليم القرآن والسنة الأمر الثاني: أن ينزل علماء أهل السنة، وعلماء المسلمين إلى الناس في المساجد، وأن يدرسوا الناس كتاب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في المسجد، وأن تهيأ لهم السبل، وتفتح لهم الأبواب، وتتاح لهم الفرص، ليتحدثوا مع العوام والطلاب والجيل والناشئة، فيكررون عليهم الآيات والأحاديث، فهذا هو النصر، وهذا هو البقاء؛ لأن هؤلاء الرافضة، وأولئك الفجرة يدرسون في مساجدهم معتقداتهم ومذاهبهم ومخططاتهم، يدرسونها على المنابر، وفي المساجد والمجالس، وهم مشغولون بها على كل المستويات في البيت، ومع جيل الطلبة، ومع العوام والتجار والفلاحين، ومع أعضاء حكومتهم ودولتهم. فما جزاء من هذا فعله بنا إلا أن يأتي علماؤنا فينزلون من بيوتهم، ويتركون أطفالهم ولو ساعة من نهار ومعيشتهم ليرفعهم الله، ويجعلهم ممن يبينون الحق وينشرونه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160]. فدعوة لعلماء الإسلام إلى النزول إلى الناس، والتحدث معهم، وشرح كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثالثا: الاهتمام بالكتاب والسنة ودراسة العقائد

ثالثاً: الاهتمام بالكتاب والسنة ودراسة العقائد الأمر الثالث: أن يهتم الأساتذة، والمربون، والمعلمون، والموجهون، والدعاة بكتاب الله عز وجل وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأننا شبعنا من كلام الذكر، وأصبحنا كلنا إنشائيين، شبعنا من المترادفات، ومن زيادة الكلمات، وأعداؤنا يدرسون كتبهم الصفراء وأصول معتقداتهم، فلا جمع لكلمتنا، ولا نصرة لصفنا، ولا لم لشعثنا؛ إلا بكتاب الله عز وجل، ثم بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أن توضح وتدرس، وتفهم، وتشجع الناس على حضور دروسها ومجالسها، وبث أخبارها، وتنويع المجالس بها، فإن هذا هو البقاء، وهذا هو النصر الأكيد، وهذا هو بإذن الله الأمن والاستقرار. نسأل الله عز وجل أن يشغل كل من أراد إشغالنا بنفسه، وأن يجعل كيده في نحره، وأن يرده على أعقابه خاسراً. عباد الله: وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاةً واحدة، صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد وعلى آله، صلاة وسلاماً في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام المسلمين، اللهم أعز الإسلام المسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر اليهود وأعوانهم من المستعمرين، إنك على كل شيءٍ قدير يا رب العالمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم سددهم على الحق، اللهم انصر بهم الحق، وانصرهم بالحق يا رب العالمين، اللهم وفق إمام المسلمين لكل ما تحبه وترضاه، اللهم ألهمه رشده ووفقه، وخذ بيده إلى كل خيرٍ إنك على كل شيءٍ قدير. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرةٍ، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك يارب العالمين، اللهم انصر عبادك الموحدين المجاهدين في أفغانستان وفلسطين، وفي كل صقع من البلاد يارب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

دواء القلوب المريضة

دواء القلوب المريضة القلب هو المضغة التي في الجسد إن صلحت صلح سائر الجسد، وإن فسدت فسد سائر الجسد. وأمراض القلب جد خطيرة، لذا تعرض الشيخ حفظه الله لها، وعرض أسبابها وكيف تعالج، وبين أن ذكر الله هو أعظم أعمال القلوب والتي بها يبلغ النائم في فراشه درجة الصائم القائم، وللذكر فوائد عديدة تعرض لها الشيخ في أثناء الحديث عن القلوب ودوائها.

أسباب مرض القلوب

أسباب مرض القلوب إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها السامعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نسأل الله لنا ولكم ثباتاً وقبولاً وهدايةً وسداداً, ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يزيدنا فقهاً في هذا الدين, وأن يجعلنا من المتمسكين والمتشبثين به, إنه ولي الهداية والقادر عليها. إخوتي في الله: عنوان هذه المحاضرة: (دواء القلوب المريضة). الأجسام تمرض ومرضها سهل يسير، وقد فتح الناس لها مستشفيات وعيادات وصيدليات, وقد قام الأطباء والممرضون والصيادلة بعلاجها, ولكن القلوب مرضها هو الخطير, وهو المدمر وهو المهلك وهو الذي ينتهي بصاحبه إلى نار تلظى. والأطباء هم الرسل عليهم الصلاة والسلام والعلماء المخلصون والدعاة النابهون, وسوف أستعرض معكم هذه الليلة في دواء القلوب المريضة مسيرة -إن شاء الله- في عناصر, وسوف يكون هناك في آخر المحاضرة تنبيه مهم أوجهه إليكم وإلى كل سامع، علّ هذا التنبيه أن يصادف قلباً أو سمعاً أو يصادف من يعيه ويعمل به إن شاء الله. لهذه المحاضرة عناصر: مرض القلوب على قسمين: (مرض شبهات - ومرض شهوات) وقد تحدث القرآن عن القسمين وعن المرضين وعن الصنفين. أسباب مرض القلوب, وهي ستة أسباب: السبب الأول: وهو أفتكها وأخطرها وأشنعها وألعنها وأبغضها: الشرك بالله. فهو الذي يمزق القلب, ويودي بصاحبه إلى نار جهنم خالداً مخلداً فيها, لا يخرج منها أبد الآباد, ولا يجد نعيماً ولا لذة ولا روحاً ولا رائحة خلود ولا نعيماً ولا قرة عين أبداً. الشرك -والعياذ بالله- قال تعالى فيه: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة:72]. السبب الثاني: المعاصي. فهي تمرض القلب وتجعله محموماً لا يعي ولا يفهم. ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل لم يهده الهاديان السمع والبصر بل تجعل القلب مضطرباً لا يسكن إلى شيء. السبب الثالث: الغفلة. وقد ذم الله أصحابها وأهل الغفلة هم الذين أعرضوا عن تعلم الوحي والذكر ومجالس الخير والتفقه في الدين فهؤلاء أهل غفلة وسوف يأتي تفصيل أمرهم إن شاء الله. السبب الرابع: الإعراض. وأهل الغفلة آخرون غير المعرضين, فأهل الغفلة الذين سمعوا الوحي والقرآن والخطب والمواعظ لكن على قلوبهم حجاب وغفلة ما استفادوا من هذا وما أفادوا وما نتج فيهم الخير فهؤلاء أهل غفلة, وأهل الإعراض هم الذين ما تعلموا العلم الشرعي ولا تفقهوا في الدين ولا سألوا عن أمور الدين، وسوف تأتي الأدلة والأحاديث والنصوص في ذلك. السبب الخامس: الاشتغال بالدنيا. بحبها وبصرف الوقت لها وسوف يأتي تفصيل ذلك. السبب السادس: كثرة المباحات والإسراف في المطعومات والملبوسات والمشروبات. ثم نصل إلى سهام تمزق القلوب، ونقف مع هذه السهام التي مزقت قلوب كثير من الناس, ثم ننفذ إلى آيات الدواء التي في القرآن والتي عالج الله بها قلوب المسلمين ورحم الله بها أرواح المؤمنين، ثم الأحاديث التي تحدث الرسول عليه الصلاة والسلام فيها عن هذا العلاج والدواء، وهو طبيب القلوب بأبي هو وأمي. ثم أخبار الذاكرين لله, وفي الأخير: الأنبياء وذكرهم, وفوائد الذكر ثم ننتهي إلى التنبيه الذي أشرنا إليه أولاً.

أقسام مرض القلوب

أقسام مرض القلوب أيها المسلمون: الله قسم مرض القلوب إلى قسمين وهذان القسمان ذكرا في القرآن:

مرض الشبهة (النفاق)

مرض الشبهة (النفاق) وهو مرض لا علاج له إلا أن يسلم صاحبه ويدخل إلى الإسلام وإلا فنار جهنم جزاءً موفوراً لا حل له ولا شفاعة من الأنبياء والرسل، وإنما جزاؤه أن يخلد في النار, وهذا المرض هو النفاق، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} [البقرة:10] هذه في سورة البقرة، وهم المنافقون الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر وهم موجودون في كل قرية ومدينة وملة وعصر وزمان ومكان, فنسأل الله المعافاة من هذا المرض. وهذا المرض إذا دخل له علامات: 1 - تعطيل الصلوات جماعة وإن صلّى صلّى رياءً وسمعة: {يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء:142]. 2 - لا يذكر الله إلا قليلاً, بل يذكر شهوته وطعامه وشرابه وأصحابه وأحبابه وسكناه أكثر من ذكر الله، قال تعالى: {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142]. 3 - يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم, يمدحون الإسلام والصالحين والذكر، ويعلم الله ما في قلوبهم من بغض للإسلام والدين والمساجد والذاكرين، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:204 - 206] فهذا المرض الفتاك ذكره الله بأنه مرض وهو مرض النفاق. قال ابن تيمية لأحد علماء المنطق من المنافقين: " تب إلى الله، أكثر من الذكر، قال: لا أستطيع, قال: ماذا تحس به؟ قال: أحس على قلبي بظلمات بعضها فوق بعض ". ويغلو هذا المرض في بعض القلوب إلى أن يصل بدرجة البغض إلى كل ما يمت إلى الإسلام بصلة حتى وصل الحال ببعض الزنادقة في القرن الخامس إذا سمع المؤذن يؤذن فقال: طعنة وسم الموت, وهذه القصة ذكرها ابن تيمية في كتاب الاستقامة. وبلغ ببعضهم إلى أن استهزأ بالقرآن، ومنهم: القاسم بن عبيد الله؛ وهو زنديق ملعون، أحد وزراء بني العباس, دخل عليه أحد العلماء فقال: ذكرني ببعض الحكم؟ فأعطاه آيات, قال: هذا من بقرتكم وآل عمرانكم، أعطنا من حكم سقراط وبقراط , لعنه الله, يقصد بقوله بقرتكم وآل عمرانكم سورتي البقرة وآل عمران, فكان جزاؤه اللعنة وسبب هذا المرض أنه أعرض عن القرآن وعن الوحي. الآن في شبابنا اليوم من لا يقرأ القرآن، ولا يقرأ الحديث، ولا يحضر دروس العلم ولا حلقات العلم، وعنده كتب أعداء البشر ككتاب بائعة الخبز كتاب مترجم أمريكي، وكتاب الإنسان لا يقوم وحده، وكتاب كيف تنهي يومك؟، وكتاب كيف تسيطر على عقلك؟ , فيبقى في هلوسه وفي هوس قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] وقال: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة:124]. بشرى لكم أيها الجالسون والسامعون! لا تزدادون جلوساًَ ولا حضوراً ولا سماعاً إلا وتزدادون معه إيماناً, ولا يزداد المعرض إعراضاً إلا يزداد كفراً ونفاقاً ولعنة, قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:125]. أحد المناطقة من أهل الزندقة اعترض على شرع الله, واسمه ابن الراوندي وقد ذكرته كثيراً وكان فقيراً، وذكياً لكن ليس بزكي, ذكي العقل -تجد بعض الطلبة يحل المسألة الجبرية ويفهم المعادلات ويجيد حتى لغة الكفار الإنجليزية وغيرها بلبل لكن زنديق- يقول الذهبي في ترجمة ابن الراوندي: " ذكي وليس بزكي ", فيقول في آخر الترجمة: " فحيا الله البلادة بالتقوى، ولعن الله الذكاء بالفجور. وكان هذا الخبيث عند المسلمين يسمى الكلب المعفر، كان هذا الرجل يأكل كسرة خبز، فمر به أحد التجار من المسلمين عبد -وكلنا عبيد لله- مولى عنده خيول وبقر وإبل وغنم، فالتفت إلى السماء -يعني: يتكلم مع الله- قال: أنا ابن الراوندي الذكي من أذكياء العالم وهذا المولى تعطيه الخيول والإبل والبقر أين العدل؟ سبحان الله! ثم رمى الخبز في النهر, سبحان الله! كيف يصل القلب إلى درجة السخط والبغض حتى يتبلد صاحبه فيصبح كالحمار؟! قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. فقسم الله عز وجل الأمراض إلى قسمين: مرض الشبهات وهو مرض الزندقة والنفاق، نسأل الله العافية والمعافاة، وهذا يأتينا -الآن- في أدب الحداثة , أناس تستروا بالأدب وقالوا: حداثة وأسلوب تجديد في الشعر، وهم يريدون قلع الإسلام من جذوره، ويستهزئون بالقرآن وبالرسول عليه الصلاة والسلام وبالدين وبالمساجد, وهذه ثورة عارمة على ديننا ومقدساتنا وملتنا وبلادنا, فهؤلاء في مقام الزندقة وجزاؤهم السيف, ليس لهم حل إلا السيف أو يتولاهم الله بتوبة.

مرض الشهوات

مرض الشهوات وأما مرض الشهوات فذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في قوله: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] قال أهل العلم: هذا المرض هو مرض الشهوة, مرض الزنا وحب الفاحشة, والله يوصي النساء ألا يخضعن بالقول لأنهن إذا خضعن وترققن بالقول طمع المنافق, وطمع الذي في قلبه حب للفاحشة مهما كان ولو كان متأهلاً ومتزوجاً، لكن إذا سمع صوت المرأة ففي قلبه فاحشة وحب للشهوة، والعياذ بالله حتى يقول أحد الشعراء في كلام المرأة: وكلامها السحر الحلال لو أنه لم يجن قتل المسلم المتحرز إن طال لم يملل وإن هي حدثت ود المحدث أنها لم توجز هذا ابن الرومي عاش حياته على هذه اللخبطات, لخبطات بعضها فوق بعض, إنسان تجد حياته دائماً يكتب الشعر بعد صلاة الفجر وفي الليل وفي آخر الليل، حياته فقط يطبل ويزمر ويغني ويرقص! ويموت بحصيلة لا شيء؛ حيث قال سبحانه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23]. الخليل بن أحمد: أحد الصالحين من عباد الله، لكن من أذكياء الناس, بلغ به من ذكائه إلى أن يقول: لأضعن -إن شاء الله- حساباً -يعني: معادلات في الحساب- تذهب به الجارية إلى البقال فلا يظلمها -يعني: البنت الصغيرة تذهب إلى صاحب الدكان فلا يظلمها لأنها تعرف الحساب- فأخذ يتفكر في هذه المعادلات، ودخل وهو يتفكر فالتطم بالسارية في المسجد فوقع على قفاه فمات! والخطأ منه ليس من السارية خطأ عليه (100%)؛ لأن السارية ما أخطأت ما مشت مكانه, كان هو الذي افترض علم العروض من 15 بحراً, كان يأتي في بيته فيقول: تن تن تن على التفاعيل, تن تن تن مفاعلتن مفاعلتن فعول مفاعلتن مفاعلتن فعول, فعولن فعولن فعولن, فعولن، مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن, حتى اكتشف خمسة عشر بحراً, فما هناك قصيدة تأتي إلا وتضعها على أحد بحوره، وقد اكتشف بعض الأدباء بعده البحر السادس عشر. هذا الأديب الذكي كان في بيته يتنتن على أصابعه ويضع علم العروض، فدخل ابنه فرآه يتنتن فذهب يولول ويصيح على أمه قال: جن أبي أصبح مجنوناً, فيقول لابنه: لو كنتَ تعلم ما أقول عذرتني أو كنتُ أجهل ما تقول عذلتكا لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمت أنك جاهل فعذرتنا يقول الخطيب البغدادي: توفي الخليل فرئي في المنام قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي, قالوا: بماذا؟ أبعلم النحو وبالعروض وباللغة؟ قال: لا. والله ما نفعني ذلك شيئاً، ما نفعني الله إلا بسورة الفاتحة كنت أعلمها عجائز في قريتي. الشبلي: أحد أئمة الصوفية، كان عنده أذكار هو وصوفيته وليس بذكر شرعي، وإنما يجلسون حلقات في المساجد يقولون من ذكرهم: حي حي حي! أي: الله حي, وليس هذا بذكر شرعي, ذكر بدعي, فيأتون أحياناً فيتحلقون، لأن الله يقول: {إِلَّا هُوَ} [البقرة:255] فقالوا: "هو" هذا اسم الجلالة الأعظم, فكانوا يجتمعون ويقولون: هو هو هو هو هو قال بعض أهل العلم: هذا نباح كلاب وليس بذكر, توفي قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: طاحت تلك الإشارات وانمحت تلك العبارات، وما بقي لنا إلا سحرات أو ركعات في الأسحار، غفر الله لنا بها وهو الواحد الغفار. زبيدة امرأة هارون الرشيد أم الأمين ذهبت تحج وكانت قافلتها أولها في أول بغداد وآخرها في آخر بغداد , ذهبت تحج فرأت الحجيج في ظمأ وفي تعب وفي ضنك, فأجرت عين زبيدة التي تعرفونها الآن, وأنفقت عليها ملايين الآلاف من الدراهم والدنانير, وتوفيت, رآها ابنها أو أحد قرابتها وهي في هيئة حسنة -الحمد لله ما أتانا من فضل فمن الله وما أتانا من تقصير فمن أنفسنا- قال: يا أماه ما فعل الله بك؟ قالت: كدت أهلك وأذهب هباءً منثوراً, قال: بماذا؟ قالت: ما تشاءمت وما كاد يهلكني إلا عين زبيدة , قال: سبحان الله! أسقيت الحجيج وأرويتهم الظمأ وتهلكك؟ قالت: إني قصدت بها رياء الناس, قال: فماذا نفعك؟ قالت: نفعتني ركعتان في السحر كنت إذا أسحر الليل توضأت وخرجت في شرفات القصر فأشرفت فنظرت إلى النجوم فقلت: لا إله إلا الله أقضي بها عمري, لا إله إلا الله يغفر بها ربي ذنبي, لا إله إلا الله أدخل بها قبري, لا إله إلا الله أقف بها في حشري, فأنقذني الله بهاتين الركعتين. فهنيئاً لمن أخلص واجتنب النفاق والرياء والسمعة وكان على صراط مستقيم. الشاهد أن مرض الشهوة ومرض الشبهة يحدث لكثير من الناس: فأما مرض الشبهة فقد تكلمنا عنه, وأما مرض الشهوة ومرض حب الفاحشة يتصل بالهاتف بامرأة معصومة دينة فترخي صوتها فتقع الشهوة في قلبه, ويتمنى أن يفعل الفاحشة, يطرق الباب عليها فترخي صوتها فيطمع في الفاحشة, وهذا كالذئب الضروس العادي لا يعصمه إلا الإيمان, وقد سئل ابن تيمية عن مرهم ذلك, قال: المرهم أن تبتعد عن مواطن الريبة هذا أولاً, الثاني: أن تكثر الذكر, الثالث: أن تدعو وأنت في السجود: يا مقلب القلوب والأبصار! ثبت قلبي على دينك.

تفصيل أسباب مرض القلوب

تفصيل أسباب مرض القلوب

الشرك والشك يجعل الإنسان حيوانا بلا عقيدة

الشرك والشك يجعل الإنسان حيواناً بلا عقيدة وهذا يمزق القلب حتى يصبح الإنسان ليس له قلب, ويعيش كالحيوان وكالبهيمة, قال تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] ويصبح الإنسان في درجة الحيوان بل الحيوان أشرف منه، فيعيش بلا عقيدة وبلا إيمان ويأكل ويشرب ويغني ويرقص ويزمر، لكن ليس له عقيدة، فحظه في الدنيا الهم والغم والرعب والهلاك، وحظه في الآخرة الخلود في نار جهنم، والعياذ بالله! قال نوح عليه السلام لابنه وهو في سكرات الموت: يا بني! لا تشرك بالله, أرأيت مثل من أشرك؟ قال: لا. قال: مثل من أشرك كمن أخذ سيفاً فقطع جسمه إرباً إرباً, وقيل في مثله وهذا في القرآن: كمن هوى من السماء فتخطفه الطير فتمزقه مزقاً مزقاً وقطعاً قطعاً أو تهوي به الريح في مكان سحيق.

المعاصي تمرض القلوب

المعاصي تمرض القلوب إن المعاصي تستحوذ على القلب حتى تحجب عنه الرؤية ولا يسمع ولا يعي ولا يفهم ولا يعقل، فيصبح كتلة من لحم, فيه نبض من دم لكن لا يعي شيئاً، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13]. والمعاصي قال عنها سبحانه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] والمعاصي بأقسامها تجتمع على قلب الإنسان حتى تفتك به فتكاً ذريعاً، فلا يحب الخير ولا الذكر ولا الدعوة ولا العلم ولا يتفقه في الدين, ويصبح رجلاً شهوانياً كالثور أو كالحمار أو أي حيوان, وقد ذكر الله صاحب المعاصي في القرآن، فقال: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176].

الغفلة تصيب القلب بالمرض

الغفلة تصيب القلب بالمرض والغفلة -يا عباد الله- يعيشها الإنسان ولو كان في وسط المدينة وبين العلماء والدعاة, وتجد الإنسان مبهوتاً يسمع الذكر والموعظة والخطبة، ولكنه لا يتغير في سلوكه شيء, وهذا لأنه غفل عن ذكر الله عز وجل, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ * إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء:97 - 98]. ولهذا وصف أبو هريرة الرجل الغافل بأنه يدخل المسجد فيشدق الشيطان لحيه، فينظر إلى سقف المسجد ولا يذكر الله, وهذه صور كثيرة, قد تجد الإنسان يدخل قبل الصلاة بنصف ساعة, فينقر ركعتين -على كلام الشيخ كشك هبد بركعتين- يقول أحد الناس من جهة مصر من الصعيد تاب الله عليه فاهتدى فأخذ يصلي وعنده غنم, فلما صلّى الصلاة الأولى ماتت شاة بقضاء وقدر من الله عز وجل, صلّى العصر فماتت الثانية, صلّى المغرب فماتت الثالثة، صلى العشاء فماتت الرابعة، صلى الفجر فماتت الخامسة, الغنم بها مرض والرجل يظن أنها ماتت بسبب الصلاة, فترك الصلاة ولكن ما بقي إلا شاة واحدة فأخذت تقفز وتضبح وتصيح من الجدار وهي مربوطة بحبل فأخذ يسحبها ويجرها ويقول: اسكتي والله إن لم تسكتي وإلا أهبدك بركعتين!! يقول: تتوبين وإلا أهبدك بركعتين تلحقك بالدار الآخرة!! وبعض الناس يدخل المسجد يهبد بركعتين وهي من أثقل الأشياء عليه, حتى تجده متثاقلاً من الصلاة، الذي يقتني الغناء والطرب والموسيقى والمجلة الخليعة والمسلسل تجده يصلي، لكن يظهر عليه الاكتئاب والقلق والفتور والبرود؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول عن المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] {سئلت عائشة: كيف كان صلى الله عليه وسلم يقوم لصلاة الليل؟ قالت: كان إذا سمع المؤذن وثب} وثباً -كالأسد- يقف واثباً عليه الصلاة والسلام, قال تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12] وقال: {أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص:45] أي: يأتون إلى الصلاة بحرارة, إنسان يأتي بارداً لا يقبل، ولله المثل الأعلى: لو أن مسئولاً جالس وأتاه إنسان يقدم له هدية أو معروضاً فأتاه فمشى مشية المتباطئ ثم نظر له ببرود ثم أعطاه باليسرى المعروض وهو على أمتار وما صافحه ولا سلم عليه, هذا يرده على وجهه ولا ينظر إليه ولا يلتفت -ولله المثل الأعلى- تجد من الناس من إذا أتى إلى المسجد فهو أول من يخرج وآخر من يدخل, فإذا دخل المسجد وقف في طرف الصف وحتى وقفته ليست معتدلة, ثم يضع يديه ويبدأ في تفكيره واحتكاكه وإخراجه لنقوده وشروده وفي مذكراته وإنهاء شغله فتطول الصلاة, وأول من يخاصم في المسجد هو إذا طوّل الإمام قال: حسبنا الله ونعم الوكيل! الدين يسر, الرسول يقول: {من أَمَّ منكم بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف والصغير وذا الحاجة} فيحفظ أحاديث الرخص، أما أحاديث العزائم فلا يحفظ منها شيئاً, فهذا يأتي إلى المسجد قال أبو هريرة: [[فإذا انتهى نظر أعلى السقف]] لا تجده يسبح أبداً، بل يأخذها فرصة إذا تكلم جاره معه تكلم, ولذلك تجد في المساجد من يتكلم بين الأذان والإقامة دائماً لا يقرأ ولا يسبح وإنما كلام دائم, يسلم، يا فلان! متى قدم ولدك؟ يتأخر هنا تزوجت ابنتك ماذا أتى لفلان؟ سمعت بأمطار وإلى الأسعار والأمطار، الأخبار، الأشجار، التجار، الفجار، كلها أصبحت في المساجد, وهذه علامة الغفلة عن الله وعن أمره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

عدم حب مجالس الخير يزيد في مرض القلب

عدم حب مجالس الخير يزيد في مرض القلب تدعوه إلى درس وإلى محاضرة قال: الحمد لله الناس عندهم خير وتعلموا، الإعلام يبث، والصحف تعلم، والتلفاز والراديو لم يعد هناك جهل!! سبحان الله! سعيد بن المسيب علامَّة التابعين وسيد التابعين يجلس مع مولى في المدينة يتعلم منه قالوا: ما لك وأنت عالم الناس تجلس معه وهو من تلاميذك؟ قال: لأن الله يغشى هذه المجالس بالرحمة فأريد أن يغشيني معهم, هم القوم لا يشقى بهم جليسهم, الله يقول لهذه المجالس: {انصرفوا مغفوراً لكم فقد أرضيتموني ورضيت عنكم, فتقول الملائكة: يا رب! إن فيهم فلاناً إنما أتى هكذا} لأن بعض الناس يأتي لا لغرض المحاضرة ربما يريد مفتاح السيارة ومفتاح زميله لكن تورط زميله في الصف الأول فينتظر متى يقوم, أو رأى السيارات اجتمعت وأغلقت عليه طريق سيارته ولا يخرج إلا في آخر الدرس فجلس، قال: {وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم}. وقف سفيان الثوري يوم عرفة فبكى, يوم الحج الأكبر يوم يتجلى الله للناس, فقال: [[يا رب! إنك تغفر للجليس بجلسائه اللهم فإني لا أعلم أفجر مني في أهل الموقف اليوم، اللهم فاغفر لي معهم]] سفيان الثوري؛ سيد التابعين، زاهد الدنيا, أمير المؤمنين في الحديث، يقول: إنه أفجر أهل عرفات! يقول عبد الله بن المبارك -وهذه ليست قصيدة الشافعي -: أحب الصالحين وأنا لست منهم وأبغض الفجار وأنا أفجر منهم سبحان الله يا هذا التواضع!! ابن المبارك يقول أحد تلاميذه: سافرنا معه فرأيناه يقرأ كما نقرأ في المصحف, ويصلي كما نصلي, ويصوم كما نصوم, قلت في نفسي: سبحان الله! يصلي ابن المبارك كما نصلي، ويصوم كما نصوم، ويقرأ القرآن كما نقرأ القرآن، فلماذا رفعه الله علينا؟! قال: أتى ليلة من الليالي ونحن في غرفة فانطفأ علينا السراج, فذهبنا نلتمس السراج فأتينا به فلما أسرجناه فإذا دموعه من رأس لحيته, قلنا: ما لك؟ فأخذ يكفكف دموعه قال: والله تذكرت القبر بهذا البيت, فقال التلميذ: فعلمنا أن الله رفعه بالخشية. يقول الذهبي في كتاب قضِّ نهارك مع ابن المبارك -كتاب ذكروا عنه لكني ما رأيته مطبوعاً لكنه مكتوب في ترجمته: قض نهارك مع ابن المبارك - حج من خراسان فقال لأهل خراسان: من يريد منكم الحج؟ فأخبروه قال: من يريد الحج منكم فليدفع نفقته التي يحج بها, فدفعوا النفقة فوضع كل إنسان نفقته في صرة فأخذ نفقاتهم فوضعها في صندوق في بيته وأغلق عليها, وأخذ من ماله وكان تاجراً غنياً أغناه الله عز وجل فأنفق عليهم في طريق الحج حتى ذهبوا إلى مكة , ثم زاروا مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم, ثم قال: اشتروا لأصحابكم هدايا من أموالكم كأنه ينفق عليهم من مالهم, فاشتروا هدايا لأهلهم, فلما عادوا إلى خراسان ضيفهم جميعاً ثم أخرج الصندوق فوزع عليهم أموالهم جميعاً, قالوا: كيف وقد صرفناها؟ قال: الله يبارك للحاج في نفقته, وهو لم يصرف من أموالهم درهماً, والحجة الثانية حج بها من خراسان , كان أهل خراسان إذا خرج ابن المبارك يبكون كلهم من أطفال ونساء حتى اليهود, يقول: إذا سار عبد الله من مرو ليلة فقد سار منها نجمها وهلالها إذا ذكر الأخيار في كل بلدة فهم أنجم فيها وأنت هلالها خرج بهم فأصبح عند الكوفة يريد الحج، فخرجت امرأة ضعيفة مسكينة فأتت إلى مزبلة فوجدت غراباً أو طائراً ميتاً في المزبلة فأخذته, وذهبت إلى البيت فقال: الله المستعان! قم يا فلان فاسألها لماذا أخذت هذا الغراب؟ فطرق عليها الباب قال: لماذا أخذت الغراب؟ قالت: والله ما لنا طعام منذ ثلاثة أيام إلا ما يلقى من ميتة في هذه المزبلة, فرجع وأخبر ابن المبارك فبكى! وقال: سبحان الله! نأكل الفالوذج -وهي حلوى من الدقيق والماء والعسل- وهؤلاء يأكلون الغربان الميتة, عودوا بالقافلة واصرفوها لأهل هذه القرى وأخلف الله عليكم وأستودعكم الله في حجتكم في هذه السنة أي: لا حج, فصرفوا جميع القوافل بما عليها من ثياب وحبوب وزبيب ولحم وبر، وعاد بالجمال ليس عليها شيء إلى خراسان وترك الحج, فنام أول ليلة, ورأى قائلاً يقول في المنام: حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور, فرضي الله عنه وأرضاه وعن أمثاله من الصادقين المخلصين. وإنما تكلمت عن هذه النماذج لأنها دائماً توصلك إلى رضوان الله الواحد الأحد, وتقربك من طاعته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فالغفلة تعتري القلوب يوم أن تعرض عن طاعة الله عز وجل، وتجدها في الناس بألسنتهم لا يحبون الذكر ولا استماع الخير ولا القرب من المذكرين والواعظين, يقول عطاء بن أبي رباح: [[مجلس الذكر يكفر سبعين مجلساً من مجالس اللغو]] كم جلسنا مجالس اللغو، كم استمعنا للغناء، كم ضعنا في حياتنا، مجلسك مرة واحدة هنا أو هناك في مجلس من بيوت الله يكفر عنك سبعين مجلساً من مجالس اللغو, فهنيئاً لكم، أنتم في روضة من رياض الجنة.

الإعراض عن التفقه في الدين من دواعي مرض القلوب

الإعراض عن التفقه في الدين من دواعي مرض القلوب الإعراض عن تعلم العلم وعن التفقه في الدين وعن معرفة سنن سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام: تجد بعض الناس يعرف كل شيء إلا الدين, ويفهم كل شيء إلا أسرار الصلاة وأسرار عبادة الله عز وجل, ربما يستطيع أن يهندس السيارة وأن يخلعها وأن يشلحها مسماراً مسماراً, لكن إذا أتيت به إلى حديث قال: لا أدري أنا مهنتي لا أطلب الحديث, أنا لست مطوعاً! أنا خلقني الله هكذا اتركني آكل وأشرب والله عز وجل غفور رحيم, والله ينظر إلى أعمالنا وإن كنا مقصرين, ولا يغرك الذي يتكلمون ويتحدثون! نحن نعرفهم! فتجده معرضاً عن تعلم العلم، قال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير, وكان منها أرض إنما هي أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فسقوا وزرعوا, وكان منها طائفة إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك كمثل من نفعه الله بما بعثني به فعلم وعلَّم, ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به} رواه البخاري عن أبي موسى وهو عند مسلم أيضاً. والرسول عليه الصلاة والسلام قسم الناس في هذا الحديث ثلاثة أقسام: 1 - قسم علم وتعلَّم وعلّم الناس فهو في منزلة بعد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. 2 - وقسم تعلم لنفسه وتفقه في الدين، فهو كالروضة الغنّاء أو كالغدير أو كالوادي الطيب الذي حبس الماء، فالناس يسقون أو يشربون منه لأنه في مكانه لا يأتيك منه إلا كلمة طيبة, إن زرته في بيته وجدت كلمة أو موعظة أو اهتداء أو أمراً حسناً, أقام بيته وأصلح شأنه، فله الشكر وله الثناء الحسن, لكن ما تعدى إلى الآخرين, وما وصل نفعه إلى الناس. 3 - وقسم لا نفع نفسه ولا انتفع به بيته ولا ولده ولا تفقه ولا تعلم ولا عرف أمور دينه ولا علم الناس, فهذا بمنزلة الأرض السبخة؛ انظر الأراضي الآن التي تأتي على شواطئ البحار المالحة، لو نزل المطر عليها صباح مساء ولو ألف سنة ما أنبتت ولا أثمرت. فنسأل الله أن يجعلنا من الأرض الطيبة وأن ينظر إلينا بنظر خير، فإنه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} والمعرض عن الله هو الذي لا يتعلم العلم, ولا يحضر مجالسه, ولا يستفتي العلماء ولا يتفقه في الدين, ويشمله قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: وهو من كفار قريش عندما أسلم فدخل في أستار الكعبة أو ثوب الكعبة فاستتر به رضي الله عنه وأرضاه قال: فخفت على نفسي فدخلت في ثوب الكعبة أستتر بستارها, فمرّ ثلاثة أو أربعة من المشركين كثيرة شحمة بطونهم قليل فقه قلوبهم, فيقول أحدهم للآخر: أتظن أن الله يسمعنا إذا تكلمنا؟ قال زميله له: إذا رفعنا أصواتنا سمعنا وإذا خفضنا لم يسمعنا -أي: الله عز وجل- هذا في الإعراض والغفلة. قال عمار بن ياسر: {أرسلني صلى الله عليه وسلم لأعلم أناساً في البادية في غدير الخضمات تجاه المدينة، فذهبت إليهم فعلمتهم القرآن والحديث والسنن, فإذا بأناس معرضة قلوبهم، ميتة أرواحهم لا يريدون القرآن ولا العلم ولا الذكر, إنما همهم رعي الإبل ومطاردتها، فأتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: دعهم, أي: ما أراد الله أن يسمعهم خيراً} حتى تجد من الناس من اهتماماته صباح مساء الدنيا وليس له هم ولو نصف ساعة في هذا الدين.

الاشتغال بالدنيا من أسباب مرض القلب

الاشتغال بالدنيا من أسباب مرض القلب من أسباب مرض القلوب: الاشتغال بالدنيا وتقديمها على الدين, ونحن لا نقول: الدنيا حرام, ولا نقول للناس: لا تبنوا بيوتاً ولا تشتروا سيارات ولا تتزوجوا، هذا لا يقوله أحد من العلماء, وإنما نقول: يا أيها المسلمون! أعدوا العدة للقاء الله عز وجل, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] وقال: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197]. أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد فما هو زادك عند الله عز وجل؟ لكن أما كثرة الانصراف إلى الدنيا، أما إعطاؤها الاهتمامات والساعات الطويلة ليل نهار, وجعل الدين دقائق معدودة, فهذا من أسباب مرض القلب -والعياذ بالله- فيصبح القلب مريضاً, حتى تجد بعض الناس لا يرتاح للذكر في المجالس, يريد أن تحدثه عن العقار، عن البيع والشراء، عن الشركات السياحية، عن الصرافة، عن الأسعار، عن الأشجار، وعن الأخبار، لكن الدين لا يريدك أن تحدثه عنه, وهذا من غفلة القلب ومن الإقفال عليه ومن إعراضه عن مولاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ حيث قال سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24].

كثرة المباحات والإسراف فيها تجعل القلب مريضا

كثرة المباحات والإسراف فيها تجعل القلب مريضاً فكثرة الأكل والشراب، وكثرة الضحك والخلطة بالناس، وكثرة المزاح والنظر والنوم كلها تجعل القلب مريضاً وتزيد من مرض القلب، شافى الله قلوبنا وقلوبكم.

الأسهم التي تمزق القلب

الأسهم التي تمزق القلب

النظر إلى المحرمات سهم من سهام إبليس

النظر إلى المحرمات سهم من سهام إبليس أما السهام التي تمزق القلب فهي ثلاثة سهام, كل سهم إذا انطلق على القلب مزقه وأحرقه وقطعه تقطيعاً. إن النظر إلى ما لا يحل النظر إليه سهم مسموم من سهام إبليس, من غض بصره أبدله الله حلاوة إيمان أو إيماناً يجد حلاوته في صدره, والنظر هذا قد يصيب الإنسان بنظرة واحدة تضيع عليه دنياه وأخراه, وقد ذكروا في تراجم بعض الناس أنه نظر إلى امرأة فأصابه مرض العشق فتولّه فترك الصلاة فأتاه المرض حتى مات على الفراش. وذكر ابن القيم: أن رجلاً نظر إلى امرأة لا تحل له، فتولّه قلبه، فأخذ يمرض يمرض حتى حضروه في سكرات الموت -والذين ماتوا بالعشق كثير, حتى قال ابن عباس: [[أعوذ بالله من العشق]]-- فلما أتوا يقولون له: قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ وحمام منجاب هذا حارة في بغداد طريق محبوبته هذه التي عشقها هناك. مجنون ليلى لما أعرض عن ذكر الله عز وجل وعن الرضا والسكون إلى الله أصابه الله بمرض العشق فمرض حتى مزق ثيابه ومات مرمياً في صحراء نجد , حتى يقول من ضمن أبياته: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنكِ النفس بالسر خاليا وإني لأستغشي وما بي غشوةٌ لعلَّ خيالاً منكِ يلقى خياليا فبكى حتى بكى له الناس, ثم مزق ثيابه ثم أكل بعض جسمه ثم مات, فهذه خاتمة سيئة وهو بسبب سهم النظرة. دواؤها: أن تغض بصرك، وأن تسأل الله العافية والمعافاة والسلامة، وأن تكثر المطالعة في كتاب الله عز وجل, وأن تصرف قلبك عن هذه الأفكار والوساوس والهموم.

الغناء سهم فتاك

الغناء سهم فتاك وكم فتك الغناء في مجتمعاتنا من بيوت؟! وكم خرب من أسر؟! ولا إله إلا الله كم صرف من إرادات؟!! وكم عطّل من قلوب؟! وكم ضيع من شباب؟! يتمثل في الموسيقى, وفي الأغنية التي يصحبها الشريط أو الفيديو أو المسلسل أو المسرحية أو العرض أو حفلة سمر فيها غناء, ولذلك سَخَّر الشيطان بعض جنوده في شباب، فحملوا معهم أعواداً وقضوا لياليهم في طرب, رأيناهم بأم أعيننا ونصحنا بعضهم لكنهم كانوا يرون هذه النصائح أنها لا داعي لها وأنها من التدخل في شئون الغير, وأنها من الجرح لشعورهم. ولكن إذا بلغتهم النصيحة فقد بلغت, فكلامي لمن عرف مستقبله عرف حياته، فلا يصرف حياته في هذا الأمر, يلقون مقابلة مع بعض المغنيين: كيف شققت طريقك في الحياة؟!! كيف حصّلت هذا المستوى الراقي؟!! يسمونه نجماً وليس بنجم. الحاكمون وواشنطن حكومتهم اللامعون وما شَعُّوا وما غربوا فيقولون: كيف لمع نجمك؟! قال: بدأت من الصفر وشققت حياتي وصابرت وثابرت حتى بلغت إلى هذا المستوى!! مستوى والله لا تحسد عليه!! مستوى الموت أحسن منه, مستوى عيب وخيبة وندامة وقلة مروءة, أفمستوىً أن تصبح طبالاً مزمراً مغنياً تصرف قلوب الناس عن هداية الله وعن القرآن الكريم وعن ذكر الله عز وجل إلى هذا المستوى؟! أي مستوى هذا؟!! فينخدع كثير من الشباب فيصبحون إلى هذا المستوى, فحذار حذار! من الغناء, والذي أنبه عليه في الآخير سوف يتجلى لنا في دورنا وفي مجتمعنا كمسلمين, لأن أمامي مئات الناس كلهم دعاة وأعلم بذلك إذا حملوا الحماس والغيرة، وهو الذي سوف أتحدث عنه بعض وقت إن شاء الله.

الغيبة والنميمة تفتك بالقلب

الغيبة والنميمة تفتك بالقلب إن الغيبة والنميمة وما يدخلها من فحش ومجون وبذاء تفتك بالقلب وتضيع طريقه عن الله عز وجل قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] وقال: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]. ووجد -أيها الإخوة الكرام- أن كثرة الكلام تقسي القلب قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[إياكم وكثرة الكلام بغير ذكر الله فإنها قسوة]] وقال علي: [[عجباً لكم! عندكم الداء والدواء ولا تستخدمون الدواء]] أو كلمة تشبهها, الداء الذنوب, والدواء ذكر الله عز وجل.

دواء القلوب

دواء القلوب

ذكر الله أنفع دواء

ذكر الله أنفع دواء نأتي الآن إلى دواء القلوب وعلاج القلوب، وتعالوا نتعاهد سوياً ونضع الأكف بالأكف ونبدأ مسيرة التوبة والصدق مع الله عز وجل، فما هو العلاج؟ أجمع العقلاء من علماء الإسلام أن أكبر دواء، وأحسن بلسم وأنه علم الولاية، وأنه النهر المضطرب بالماء العذب، وأنه الظلال الوارفة، وأنه البلسم الشافي بإذن الله هو ذكر الله, فتعالوا كما قال أحد العلماء لتلاميذه وإخوانه وأصحابه: تعالوا نتعاهد على ذكر الله صباح مساء قياماً وقعوداً وعلى جنوبنا قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] وقال: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. دخل أبو مسلم الخولاني وهو أحد الصالحين من التابعين، وكان لا يفتر لسانه أبداً عن ذكر الله, يقول في بعض الآثار، وهو حديث لكن في سنده نظر: [[اذكر الله حتى يقول الناس: إنك مجنون]] وفي بعضها: [[اذكروا الله حتى يقول المنافقون: إنكم مجانين]] لأن الذاكر في المجلس أو في المكان تراه يتمتم فيقول الذي لا يعرف الذكر: هذا يتمتم ويهلوس, أو موسوس, أو مجنون. فـ أبو مسلم هذا كان لا يفتر لسانه من ذكر الله وشفتاه أيضاً, دخل على الأسود العنسي الذي ادعى النبوة في صنعاء في اليمن , فقال له الأسود: أتشهد أني رسول الله؟ قال: كذبت عدو الله, رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام, قال: والله لأحرقنك بالنار -أو حلف بآلهته- فجمعوا له حطباً وأرادوا أن يلقوه فكتفوه وحملوه فقال: حسبي الله ونعم الوكيل, وقع في النار فإذا هي برد وسلام, ثم خرج من النار؛ فقال الأسود العنسي: هذا ساحر, أخرجوه من اليمن لا يسحر علينا الناس, ثم وصل إلى المدينة فاستقبله أبو بكر وعمر وعانقاه وقالا: [[مرحباً بالذي جعله الله كالخليل إبراهيم في هذه الأمة]]. ودخل على معاوية بن أبي سفيان ومعاوية خليفة ومعه وجهاء الناس، فأخذ أبو مسلم يتمتم بذكر الله عز وجل, فقال معاوية: أبك جنون يا أبا مسلم؟ قال: بل حنون يا معاوية. ولذلك كان يقول أهل العلم في بعض السير والتفاسير: إن موسى عليه السلام لما أتى يطرق الباب على فرعون أتى يدعوه إلى الله عز وجل, أتى يبصره بالهداية, أتى موسى راعي غنم كان يرعى الضأن عنده عصا وإزاره ورداؤه من صوف, يقول الله: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] قال أهل العلم: كان على سور فرعون ستة وثلاثون ألف حارس, فأتى موسى عليه السلام في الطريق فلما وصل إلى الباب الأقصى من باب القصر ضربه بالعصا بقوة, فقال له الحارس: أمجنون أنت؟ قال: عندي دواء المجانين, أنا لست مجنوناً لكن أتيت أحمل دواء المجانين, فقالوا لفرعون: عندنا مجنون عند الباب يضرب الباب ويقول: يريد أن يدعوك إلى إله ومعه أخ له, لأن موسى يقول: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:29 - 32] لماذا؟ قال: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً} [طه:33] بدواء القلوب التسبيح {ونذكرك كثيراً} [طه:34]. فقال فرعون: أدخلوه نضحك عليه هذا اليوم, يريد أن يتمتع ويضحك على هذا المجنون, فدخل فكانت القصة. فالشاهد: أن دواء الجنون ودواء الإعراض هو ذكر الله عز وجل, ويقول سبحانه: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35].

متى يكون الإنسان المسلم من الذاكرين الله كثيرا؟

متى يكون الإنسان المسلم من الذاكرين الله كثيراً؟ أجاب ابن الصلاح ونقل جوابه كما في كتاب الأذكار أنه قال رحمه الله: من ذكر الله في الأذكار الشرعية صباحاً ومساء، وأدبار الصلوات، وعند الطعام وعند القيام من الطعام، وعند النوم، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند دخول المسجد والخروج منه وذكر السفر والأذكار الشرعية الثابتة فهو من الذاكرين الله كثيراً. وقال بعضهم: وقد نسب لـ ابن عباس، وهو في كتاب الأذكار: أن تذكر الله حضراً وسفراً، وفي حلك وإقامتك، وفي السراء والضراء, وقال بعضهم وهو اختيار الغزالي: ألا يزال لسانك رطباً من ذكر الله دائماً وأبداً. روى عبد الله بن بُسر والحديث للترمذي {أن رجلاً قال: يا رسول الله! وإن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فأخبرني بشيء أتشبث به؟ قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} وهذا أحسن الكلام وأجمع العبادة! وقال ابن تيمية في المجلد العاشر من فتاويه لما سئل عن أفضل الأعمال؟ "يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال, ولكن فيما أعلم أن أفضل الأعمال وهو شبه إجماع بين أهل العلم أنه ذكر الله عز وجل, قال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] ". ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:41 - 42] وقال: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39] وقال: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:24]. فوصيتي لنفسي ولكم أن تدخلوا ذكر الله في بيوتكم. وما هي الأذكار الشرعية؟ أدلكم على الأذكار للنووي وكتاب الوابل الصيب لـ ابن القيم , وكتاب الكلم الطيب لـ ابن تيمية , هذه الكتب الثلاثة سوف تدلكم بإذن الله على الأذكار صباح مساء، وإذا أخذها الواحد منكم فسوف يتعلم منها الذكر وسوف يكون -إن شاء الله- على بصيرة.

بعض الأذكار الشرعية

بعض الأذكار الشرعية ولا بأس أن أذكر بعض الأذكار؛ لأن منكم ربما يأخذ هذا الشريط الذي تسجل فيه هذه المحاضرة فيسمع أهله وقرابته وجيرانه وإخوانه.

أذكار من السنة

أذكار من السنة من الأذكار الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم التي كان يقولها ويرددها كثيراً وهو في صحيح البخاري عن شداد بن أوس -وهو سيد الإستغفار، وأوصيكم به- أن يقول: {اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت} حديث صحيح. ومنها: الحديث الذي سنده حسن وهو يمحي أكثر الشرك أو جله ودقه وأكثره وأقله ولا يبقي من الشرك ذرة: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم}. ومنها: الحديث الثالث الصحيح الذي يجمع لك أفضل ما يقوله الناس في أيامهم ولياليهم وهو: {سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته} تقول هذا ثلاث مرات. ومنها: الحديث الحسن إذا قلته مرة أعتق الله ربعك من النار, وإذا قلته مرتين أعتق الله نصفك من النار, وإذا قلته ثلاثاًَ أعتق الله ثلاثة أرباعك من النار, وإذا قلته أربعاً أعتقك الله من النار, وهذا الحديث صحيح السند أو حسن تقول في الصباح والمساء وهو: {اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك ورسلك وجميع خلقك أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك} تقوله أربع مرات إذا أصبحت وأربع إذا أمسيت. وتقول إذا أصبحت ثلاثاً: {أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق}. وتقول إذا أصبحت ثلاثاً وإذا أمسيت ثلاثاً: {باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء هو السميع العليم}. وتقول إذا أصبحت ثلاثاً: {رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا}. وتقول ثلاثاً إذا أصبحت وثلاثاً إذا أمسيت: {اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور}. وإذا أمسيت تقول: {اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير}. والدعاء الثابت الصحيح: {اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره على مسلم}. ومن الذكر أن تقول: {أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه} ثلاث مرات, ومنها ثلاث مرات: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}.

أذكار من القرآن

أذكار من القرآن أما من القرآن فأوصيكم بآيات تقرءونها صباح مساء يعصمكم الله من الصرع, صرع الجان الذي يتلبس بكثير من الناس لقلة ذكرهم, ويعصمكم من الحوادث المزرية والانقلابات, ويعصمكم من المعاصي الكبار التي يقع فيها كثير من الناس لقلة ذكرهم, ومن الهموم والغموم والأحزان والمشكلات, فعليكم بالفاتحة, والخمس آيات الأول من سورة البقرة, وآية الكرسي, وآخر آيتين من سورة البقرة, وأول آل عمران, وآخر التوبة سبع مرات {حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129] وآخر الحشر {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر:23] إلى آخر السورة هذه الآيات, ومنها {ألم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:2 - 3] وسورة الإخلاص ثلاثاً, وسورة الفلق ثلاثاً, وسورة الناس ثلاثا, إذا فعلت ذلك حفظك الله سراً وظاهراً وعلانية، وحفظ عليك إيمانيك لا يمسك جان ولا تأتيك -إن شاء الله- مصيبة أو كارثة تضيع عليك دينك, ولا تحدث وورطة أو يأتيك هم وغم وجرّب ذلك فهو دواء القلب من مرضه. أما الرسول عليه الصلاة والسلام فيوصينا بأذكار ويبين لنا فائدة الذكر ويقول للصحابة وهم في طريق مكة والمدينة: {سيروا هذا جمدان سبق المفردون, قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات} رواه مسلم , والذاكرون الله كثيراً الذي يذكرون الله دائماً وأبداً في كل مكان، وسوف أبين فوائد الذكر بحول الباري. ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم عند البخاري عن أبي موسى: {مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت} وقوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:122] أي: بذكر الله. وقوله عليه الصلاة والسلام: {لَأَن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس} رواه مسلم وفي لفظ: {أو غربت}. ومنها: في البخاري قوله عليه الصلاة والسلام: {من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة؛ كتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له عدل عشر رقاب، وكانت حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل بعمله أو زاد على ذلك} ومن قالها عشر مرات كان كمن أعتق أربع رقاب: {من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت كزبد البحر} وعند الترمذي بسند صحيح: {من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة}.

فوائد الذكر

فوائد الذكر وأسهل الأعمال ذكر الله عز وجل, فتعالوا إلى فوائده.

ذكر الله يرضي الرحمن ويطرد الشيطان

ذِكر الله يرضي الرحمن ويطرد الشيطان فلا يطرد الشيطان ولا تذهب قوته ولا سخونته ولا تمرده إلا بذكر الله, يقول ابن عباس: [[الشيطان كالحية جاثم على القلب إذا ذكر العبد مولاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى خنس وسكت، وإذا غفل عن ذكر الله وسوس]].

الذكر ينمي الحسنات ويمحو السيئات

الذِّكر ينمي الحسنات ويمحو السيئات فلا أرفع في الميزان يوم القيامة من ذكر الله, قال أبو الدرداء: [[من داوم على ذكر الله دخل الجنة وهو يضحك]].

ذكر الله يشرح الصدر ويوسع القبر

ذِكْر الله يشرح الصدر ويوسع القبر فإن قبور الذاكرين وسيعة وفسيحة, وصدروهم منشرحة طيبة, وروائحهم جميلة, ومبادئهم أصيلة, وعليهم هالة من النور؛ لأنهم ذكروا الواحد الأحد.

ذكر الله يحفظ الأوقات ويجمع الشتات

ذكر الله يحفظ الأوقات ويجمع الشتات فلا يحفظ الوقت كذكر الله, تذكره في السيارة وفي الطائرة وفي السفينة وأنت جالس وأنت ماش وأنت على جنبك, وأما المصلي فإنه قد لا يصلي إلا في بعض الأحيان, قد لا يستطيع أن يصلي وهو على فراشه أو في الطائرة أو في السفينة، والصائم قد يشق عليه الصيام، والمنفق والمتصدق قد تشق عليه النفقة والصدقة, لكن هذا الذكر أسهل موجود وأغلى مفقود وهو أرفع شيء. فتعالوا نتواصى به ونستمر عليه, فإن الذاكر يغلب المنفق ويغلب الصائم ويسبق كل أحد من الناس؛ لأن أفضل العبادة ذكر الله تبارك وتعالى.

ذكر الله يجلب أعظم الفوائد ويعين على الشدائد

ذِكْر الله يجلب أعظم الفوائد ويعين على الشدائد إذا صعدت الجبل فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله, وإذا حملت الثقل، وإذا أتتك ملمة ومدلهمة ومصيبة فقل: حسبنا الله ونعم الوكيل! وإذا رأيت منظراً من مناظر الطبيعية التي أوجدها الله وخلقها أعجبك فقل: سبحان الله! وإذا رأيت نعمة في نفسك فقل: الحمد لله, وإذا تذكرت ذنباً فقل: أستغفر الله! وإذا أتتك مصيبة فقل: إنا لله وإنا إليه راجعون! هذه جميعاً تعينك على الشدائد وتجمع لك أعظم الفوائد, ولكن أين من يتنبه؟!

الذكر أسهل الأعمال ولكنه أشرف الخصال

الذِّكر أسهل الأعمال ولكنه أشرف الخصال ما أسهل الذكر! وأنت على فراشك يمكن أن تسبق الصائم وتسبق المنفق والمصلي, وأنت على فراشك يمكن أن تغلب الذي يجهد نفسه في بعض الأعمال؛ لأنك ذكرت الله بحضور قلب, فعليك بالذكر.

الدوام على ذكر الله حصن وحبل من الحق متين

الدوام على ذكر الله حصن وحبل من الحق متين فلا تأتيك الوساوس، وما ظهرت الأمراض النفسية وفتحت المستشفيات إلا من قلة ذكر الذاكرين وإعراضهم عن الوضوء والصلاة، وقراءة القرآن والأذكار الصباحية والمسائية، وعن الدعاء؛ فأصيبوا بالهموم والغموم حتى بلغوا درجة الهلوسة والجنون، نسأل الله الحفظ والرعاية.

التعود على الذكر يكسو الوجه جلالة ومهابة وحلاوة

التعود على الذِّكر يكسو الوجه جلالة ومهابة وحلاوة والذاكرون يوم القيامة وجوههم بيضاء نقية، ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه، فوجوه الذاكرين عليها نضره, وفي الحياة يعرف الذاكر بذكره وهدوئه, ويعرف الشقي البعيد الذي لا همَّ له إلا الغناء ومجالس اللهو والزور بما عليه من قترة. هذا ما حضرني في هذا الباب وهي محاضرة "دواء القلوب المريضة" علّها أن تسمع ولعل الله أن ينفع بها , ولعل الله أن يجعلها معيدة لكثير من القلوب والأرواح إلى الله عز وجل.

الدعوة إلى الله وتعليم الجاهل أمور الدين واجب كل مسلم

الدعوة إلى الله وتعليم الجاهل أمور الدين واجب كل مسلم الأمر الأول: التنبيه الذي أشرت إليه في هذا المقام هو موجه إليَّ وإليكم، وهو خطأ مرتكب وتقصير حاصل, وقد كتب إليّ بعض الدعاة والإخوة وبعض طلبة العلم بما رأوا من تقصير كثير من الناس في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وقد عمّ الجهل ولو أن هناك وسائل للثقافة وللمعرفة وللعلم ولكن هناك جهل مطبق, بل في بعض الأمكنة رأيناهم ووجدناهم لا يجيدون قراءة الفاتحة, وبعضهم ما عرف أن الغسل من الجنابة واجب إلا بعد ردح من عمره حتى تجاوز الخمسين, ووجد التقصير من كثير من الناس أنه يحمل معرفة ولو قليلة ولكنه يستأثر بها فلا يعلم بيته ولا جيرانه ولا يكون رسول خير إلى الناس, ويمر به الوقت الطويل ولا يكسب واحداً في ميزان الحسنات. فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لـ علي بن أبي طالب: {والذي نفسي بيده، لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. أفلا تريد -أيها المسلم- أن تكسب رجلاً واحداً تهديه، كان عاصياً فتدله على طريق الاستقامة، كان منحرفاً فتدعوه إلى طاعة الله عز وجل, كان شقياً فترده إلى المسجد وإلى القرآن، هذا الذي نلمسه وهو تقصير حاصل, وأنا أعرف أن كثيراً من الإخوة عندهم التزام وعلم ومعرفة وقدرة ولكنهم لا يحملون غيرة ولا حماساً لها, أنا لا أقول: أن تتحدث، لكنك ربما تأتي بالناس إلى مجالس العلم إلى المحاضرات إلى الدروس, كأن تأتي بمجموعة من الشباب معك معرضين, أو تدعوهم لحضور درس أو محاضرة، فلعل الله أن يسمعهم الحق فيهتدوا فيكونوا في ميزان حسناتك: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. ومن الناس من يسكن في حي أو حارة أو قرية فلا يكون له أثر, يصلي مع الناس ويذهب إلى بيته ويقول: نفسي نفسي!! وهذا تقصير حاصل، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {بلغوا عني ولو آية} ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] فالبيان أن تدعو وأن تدل الناس على دليل الاستقامة علّهم أن يكونوا في ميزان حسناتك. الأمر الثاني: وهو أنني أشرت في الدرس الماضي إلى أن هناك قرى مجاورة لـ أبها وما حول أبها من البوادي وأرض تهامة وفيها من الجهل المطبق ما الله به عليم, وأمامي مئات الناس هنا والوسائل ميسرة، وقد أنعم الله علينا في هذه البلاد بنعمة رغد العيش, والأمن, وسهولة المواصلات, ذلك من فضل الله ثم بجهود ولاة الأمر فإنهم سهلوا طرق الدعوة والمواصلات وأمور الانتقال من مكان إلى مكان. فيا أيها الإخوة: كثير منكم ينزل بأهله إلى تهامة أو إلى البحر أو إلى البادية وكثير منكم يذهب في نزهة، ألا يجعل من مهمات هذه النزهة أن يعلم الناس ويفقههم في أمور دينهم, وهذا لا يكلفه كثيراً, قراءة الفاتحة, تعليم الصلاة, وتعليم الوضوء, وبإمكانه أن يعتق بهذا العمل رقبته من النار, وأن يضمن الجنة بهذا العمل, وقد رأينا ورأى الإخوة ممن نزل وشاهد من الدعاة وطلبة العلم شيئاً عجيباً لا يسكت عنه, جهل مطبق, اختلاط, وانتشار فاحشة الزنا, وترك الصلوات, وانتشار المخدرات, وكثرة اللعنات -نعوذ بالله من ذلك- بل لا يفهمون كثيراً من أمر الإسلام، كأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبعث في الجزيرة , فلما عُلِِّموا أخذ بعضهم بعد أن تاب يبكي يقول: كيف أنتم مجاورون لنا في أبها وضواحيها ولا تخبروننا بهذا؟ ذنوبنا وذممنا معلقة بكم حتى يرث الله الأرض ومن عليها. فيا أيها الإخوة: انزلوا إلى هؤلاء وعلموهم, ونسقوا مع مكتب الدعوة فإنه يستقبل وينسق وعندنا إخوة هنا عصر كل جمعة ينزلون إلى القرى وهذه الأمكنة ليعلموهم ويقودوهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض, وما أعلم أن أحداً من الجلوس أمامه عذر مطلقاً, إن قال: لا أعرف الفاتحة فليس بصادق, إن قال: لا أعرف أن أصلي, فليس بصادق, وإن قال: لا أعرف أن أتوضأ فليس بصادق, بل الجميع يعرفون الأمور البسيطة الميسرة من أمور هذا الدين, لكن أين الغيرة؟ وأين الحماس؟ وأين نشر العلم؟! أصحيح أن في الجزيرة العربية أرض محمد صلى الله عليه وسلم مهبط الوحي أرض القداسات أرض الحرمين أناس لا يعرفون الفاتحة ولا الصلاة ولا يعرفون أن الاستغاثة بالأموات شرك؟ وأن هناك مشعوذين وسحرة وكهنة؟! أنتم المسئولون!! اللهم فاشهد اللهم فاشهد اللهم فاشهد أني قد أخبرت هؤلاء أن يكونوا دعاة وآمرين بالمعروف ناهين عن المنكر, هذه موعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

الأسئلة

الأسئلة

حديث: من شغله القرآن عن ذكري

حديث: من شغله القرآن عن ذكري Q ما صحة حديث: {من شغله القرآن عن ذكري وعن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين}؟ A هذا الحديث رواه الترمذي وأخطأ ابن الجوزي رحمه الله خطأً بيناً حين وضعه في كتاب الموضوعات , بل هو حديث حسن. ومعناه موفق وحسن أيضاً؛ فإن من اشتغل بالقرآن كان أعظم ممن دعا الله وذكر الله بذكر مجرد؛ لأن قراءة القرآن أعظم في الأوقات المطلقة, فهو حسن ولم يصب ابن الجوزي حينما جعله في كتاب الموضوعات.

سماع الشريط الإسلامي من الذكر

سماع الشريط الإسلامي من الذكر Q هل الاستماع إلى الشريط الإسلامي يعتبر من الذكر؟ A نعم. هو من الذكر بحول الباري بل ما رجع كثير من الناس وخاصة الشباب إلا بواسطة الأشرطة وسماعها, وقد يجمع لك الشريط مادة هائلة من العلم؛ لأن المحاضر يجمع من كتب وثقافات وأمثلة ونصوص وبراهين فتسمعها وأنت رائق البال، وربما إذا كررته كان أحسن وأحسن حتى ترسخ المعلومات وتحفظ النصوص, بل من أعظم الذكر، ووصيتي لكم بسماعه وإهدائه للمسلمين لعل الله أن ينفع به.

الأحاديث الموضوعة

الأحاديث الموضوعة Q سأل بعض الإخوة عن أحاديث أوردتها يقولون إنها ضعيفة؟ A أقول لهم: نعم. ذكرت بعض الأحاديث التي أوردتها في الأذكار, لكن اعلموا أن فضائل الأعمال يقبل فيها الحديث الضعيف بثلاثة شروط: 1 - ألا يكون الضعف شديداً. 2 - ألا نعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله. 3 - أن يكون مندرجاً تحت أصل من أصول الإسلام. فهذه الأحاديث في الأذكار مندرجة تحت أصل, قال ابن تيمية في المجلد الثامن عشر من فتاويه وينقل عن الإمام أحمد أنه قال: " إذا أتى الحلال والحرام تشددنا وإذا أتت الفضائل تساهلنا ". فالأذكار لا بأس بالحديث الضعيف فيها بهذه الشروط الثلاثة التي أوردتها فليعلم ذلك.

حكم شرب الدخان

حكم شرب الدخان Q ما حكم شرب الدخان؟ A شرب الدخان محرم, وهو من الخبائث ويدخل في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] وخبثه ثبت بأمور: بإهلاكه للجسم، وبإضاعته للمال، وبنتونة رائحته، وبأنه كريه لمن شمه, ولما ثبت عنه من أمراض أنتجها, فهذا الدخان محرم، نص على تحريمه كثير من أهل العلم، ولا يدمن عليه إلا رجل واهم محروم من الخير إلا أن يتوب ويراجع حسابه مع الله عز وجل, والمتاجرة فيه محرمة, وبيعه للناس محرم, وإيجار الدكان أو المكان الذي يباع فيه أو المحل محرم، وأخذ الأجرة عليه ومزاولة البيع فيه حرام، فليعلم ذلك. وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، وهدانا الله وإياكم سواء السبيل, وتولانا الله وإياكم في الدارين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

فضل السواك

فضل السواك السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، وجاء الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيه قولاً وفعلاً، وبأساليب شتى، فتارة يحذر من تركه بالإخبار عن بني إسرائيل أنهم تركوا السواك فزنت نساؤهم، وتارة يقول: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وفي هذا الدرس تفصيل لهذه السنة وما يتعلق بها.

السواك: فضائله وأحكامه

السواك: فضائله وأحكامه إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد فمعنا في هذا الدرس بابٌ من أبواب كتاب الجمعة، وهو (باب السواك) وما ورد فيه، وفيه إحدى وعشرون مسألة: فضل السواك، عند الوضوء وعند الصلاة، وعند دخول البيت، وعند القيام من النوم، وبين الناس. تسوكه صلى الله عليه وسلم في مرض موته. التسوك بسواك الغير. صاحب سواكه صلى الله عليه وسلم والمتكفل به من الصحابة. الأراك خير السواك. التسوك بالإصبع وما ورد فيه. السواك للصائم وتفصيل هذه المسألة وتحقيق ما ورد فيها من خلاف. بنو إسرائيل وتركهم للسواك. التيامن في السواك. غسل السواك. فضل ماء السواك. متى يتأكد السواك؟ ثم التسوك بالريحان وشجر العطور، وما ذكر أهل العلم في ذلك. ثم أسنانه صلى الله عليه وسلم من آثار التسوك، وما ورد في شمائله في هذه الشعيرة. فوائد السواك. متى يجتنب السواك أو متى يترك؟ ثم نختم الباب إن شاء الله بالأحاديث الصحيحة في باب السواك، والأحاديث الحسنة، والضعيفة.

نبذة من حياة علي بن أبي طالب

نبذة من حياة علي بن أبي طالب وقبل أن نبدأ في هذا الدرس أحب كما هو الغالب في مثل هذه الدروس أن نتعرض إلى صحابي واحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ونحرص أن يكون هذا الصحابي أحد الذين لهم أحاديث في هذا الباب، وهو أبو الحسن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، وربما سلف معنا في مناسبات ماضية، لكنه لا يستغنى عن سيرهم دائماً وأبداً، وتكرر وتعاد ودائماً تمر على الأسماع لما جعل الله لهم من صلاحٍ وخيرٍ وزهدٍ وبركة، وله حديثٌ في هذا الدرس سوف يمر معنا رضي الله عنه، فمن الجميل والمفيد أن نتعرض لبعض شمائله رضي الله عنه وأرضاه.

نشأة علي بن أبي طالب

نشأة علي بن أبي طالب هو أبو الحسن علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد السابقين إلى الإسلام، بل هو أسبق فتىً في تاريخ الدعوة المحمدية إلى رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، كفر أبوه بالله العظيم وأبى أن يقول لا إله إلا الله، وأتى عليٌ رضي الله عنه وأرضاه فانطلقت لسانه بلا إله إلا الله {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [آل عمران:27] فخرج علي رضي الله عنه من صلب أبي طالب الكافر الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله. مات أبوه فأتى عليٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! الشيخ الضال قد مات فماذا أفعل به؟ لم يقل أبي؛ لأنه لا يتشرف بأبوة كافر، ولم يقل: أبو طالب لأنه لا يكنى مثله لأن التكنية مدحٌ وتبجيل. أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقبُ ولكن قال الشيخ الضال، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يواريه بالتراب، لا غسل، ولا تكفين، ولا صلاة، ولا تشييع، ولا استغفار، لأن مصيره سيء. أما علي رضي الله عنه فبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرضع من ثدي النبوة، ويسمع الحكمة ويلقنها للناس.

علي ينام على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة

علي ينام على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة ولما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى مكة أراد أن يترك علي بن أبي طالب هذا الأسد في براثنه يتركه في فراشه، فأمره أن ينام على فراشه، وذهب صلى الله عليه وسلم، ولما أحدقوا ببيته جعل الله عليهم عمى وسكراً فلم يروه لما خرج، ونثر التراب على رءوسهم وهو يقول: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً} [يس:9] فلما خرج صلى الله عليه وسلم ترك علياً فأحدقوا به فلم يخف رضي الله عنه وأرضاه، ولحق بالرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، والأمر الذي يميزه به بين الناس شجاعته النادرة وزهده وصدقه وإخلاصه مع الله تبارك وتعالى.

علي ومرحب اليهودي

علي ومرحب اليهودي أما شجاعته فحدث عن الليث ولا حرج، اسمه حيدرة، سمته أمه: حيدرة، وحيدرة اسمٌ من أسماء الأسد، فإن للأسد عند العرب تسعة وتسعين اسماً، من أسمائه حيدرة، فكانت أمه تلاعبه وتسميه: حيدرة، وتهدهده، فلما عاش نسي الأسماء إلا حيدرة، استخدمه في أوقات الأزمات وفي ساعة الصفر، وعند احتدام الخطر. خرج مرحب اليهودي من حصنه في المدينة، في خيبر ولمع بسيفه وسط المسلمين وقد ألقى الدروع عنه، وهو يناشد المسلمين من يبارز؟ من يبارز؟ ومرحب هذا يهودي ماكرٌ فاجر ولكنه من أشجع الناس، أخذ يرتجز ويلاعب سيفه بيده ويقول: أنا الذي سمتني أمي مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن توسم في أصحابه وكلهم أحجم لأنهم يعرفون الخطر، ولأن المسألة معناها أن ينهزم الإنسان أو يقتل في مثل هذا المكان أمام الناس، الذي يتواجد فيه جماهير تشجع وتنظر جميعاً رجالاً ونساءً وأطفالاً إلى المتبارزين الاثنين، فقال صلى الله عليه وسلم: {من يبارز؟} فقال علي رضي الله عنه: أنا يا رسول الله، فسكت صلى الله عليه وسلم، فقال: في الثانية: {من يبارز؟ فقال: أنا، فقال الثالثة: من يبارز؟ فقال: أنا، قال: اخرج} فخرج وسل سيفه وهو شابٌ كالأسد وهو يقول: أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كرية المنظرة أكيلكم بالسيف كيل السندرة فلما التقى هو ومرحب، اعترضت بينهما شجرة وأخذا يتصاولان كالليثين فرأى علي رضي الله عنه أن من الحكمة أن يقطع دابر الشجرة ليبقى ذاك مجرداً في العراء، فقطعها علي رضي الله عنه بأول ضربة ثم ثنى الثانية فقتل بها مرحباً، فكبر الناس. ولذلك يقول محمد إقبال في هذا المشهد: ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا أم من رمى نار المجوس فأطفأت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا ومن الذي باع الحياة رخيصةً ورأى رضاك أعز شيءٌ فاشترى وعاد رضي الله عنه وأرضاه منتصراً.

علي وعمرو بن ود

علي وعمرو بن ود وفي معركة الخندق أتى عمرو بن ود، وهو أشجع العرب على الإطلاق، يسمى: بيضة البلد، أي أنه كان الرجل الوحيد في الشجاعة بين العرب في الجاهلية، فأتى يقول: من يبارز؟ من يبارز؟، فدعي علي رضي الله عنه؛ فخرج له، فقال عمرو بن ود لـ علي: لا أريد أن أقتلك لأنك شاب صغير، وقال علي: [[وأنا والله أريد أن أقتلك لأنك كافر]] فأخذا يتصاولان حتى غطى الغبار عليهما، ثم انكشف الغبار فإذا علي على صدر ذاك الكافر قد قتله.

علي في بدر

علي في بدر وتأتي مرات وكرات وفي بدر كان علي يقرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19] فتدمع عيناه، ويقول: أنا أول من يجثو عند الله يوم القيامة للخصوم، أنا ومن بارزني يوم بدر (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) أي المسلمون والكافرون في بدر، فلما أتى يوم بدر دعا صلى الله عليه وسلم؟! بعد أن سمع صياح القرشيين وهم يقولون: من يبارز؟ من يبارز؟ يا محمد، أخرج لنا ثلاثة من أصحابك، فقال: الأنصار أهل المدينة رضي الله عنهم وأرضاهم قالوا: نخرج لهم يا رسول الله، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم استحى أن يكون أول القتلى من الأنصار، فأراد أن يجعله في قرابته ليري الناس أنه يؤثر صلى الله عليه وسلم، وأنه يتحمل المعضلات، فجعلهم كلهم من أبناء عمومته المتبارزين، فقال: {قم يا حمزة، قم يا علي بن أبي طالب، قم يا أبا عبيدة بن الحارث} فقام الثلاثة فقتلوا الثلاثة المشركين.

مكانة ومنزلة علي عند النبي صلى الله عليه وسلم

مكانة ومنزلة علي عند النبي صلى الله عليه وسلم وفي تبوك خرج صلى الله عليه وسلم ورأى أنه سوف يبقي علي بن أبي طالب بعده عند أزواجه وأهله، صلى الله عليه وسلم لأنه شجاعٌ يحميهن من المنافقين والكفار واليهود، فلما أبقاه وجلس مع القوم في مجالسهم وقالوا لـ علي: {ما أبقاك صلى الله عليه وسلم إلا استثقالاً منه -انظر إلى الكلمة الكاذبة الآثمة، يستثقل صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ميمنته دائماً وسيفه الذي يصول به، ولكن الكلمة تؤثر في النفس- فقال علي رضي الله عنه: الله المستعان!! أيستثقلني رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: نعم، ما تركك إلا لأنك قد أثقلت عليه، فأخذ عليٌ رضي الله عنه سيفه وسلاحه وخرج ولقي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الصحراء، فقال: يا رسول أتركتني استثقالاً مني، إن الناس يقولون ذلك، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، وقال: أتركتك استثقالاً منك؟! أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي} فرضي الله عنه وأرضاه، وكانت هذه الكلمة من أعجب الكلمات في حياته، وعاد إلى المدينة.

علي فاتح خيبر

علي فاتح خيبر وفي فتح خيبر لما عجزوا عن فتحها فقام صلى الله عليه وسلم من الليل فبشرهم، فقال: {لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله} قال عمر: [[فما أحببت الإمارة في حياتي إلا يومئذٍ]] وفي الصباح كلٌ ينتظر أن تسلم له الراية وكلٌ ينتظر أن يدعى ليعطى العلم، فدعا صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال: أين أبو الحسن؟ فأتي به وهو لا يرى مد يده لأن به رمد رضي الله عنه في عينيه، وهو يقاد قوداً حتى أوقف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم فتفل صلى الله عليه وسلم في عينيه فإذا هو يرى كل شيءٍ على حقيقته، فقال صلى الله عليه وسلم: {خذ هذه الراية واذهب على رسلك، وليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن أبوا فقاتلهم، واستعن بالله ولا تعجز وعليك أن تدعوهم إلى الله، فلأن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ لك من حمر النعم}.

تولي علي للخلافة وموته شيهدا

تولي علي للخلافة وموته شيهداً وانطوت أيام علي رضي الله عنه فكان صادقاً ثابتاً أميناً حتى تولى الخلافة رضي الله عنه وأرضاه فكان من أزهد الناس، وأعبدهم وأخطبهم، رجل الكلمة الذي يؤديها حارة إلى القلوب رضي الله عنه وأرضاه، يحرك بكلماته الناس، ويؤثر في القلوب، ويقود الناس إلى الله عز وجل. فلما أراد الله عز وجل أن يرفع قدره رزقه الشهادة في آخر حياته، خرج يصلي صلاة الفجر وهو بـ الكوفة في العراق، فأخذ يوقظ النائمين في المسجد، وأتى إلى الخارجي الخبيث، اللعين عبد الرحمن بن ملجم، وهو قد وضع سيفه تحت بطنه عمداً ونام عليه على بطنه فركله علي رضي الله عنه برجله ولا يدري أنه سوف يقتله، وقال: [[قم إن هذه ضجعة يبغضها الله، إنها ضجعة أهل النار]] أي: نومة أهل النار على وجوههم، فقام الرجل، وأما علي رضي الله عنه فقام يصلي سنة الفجر فقام هذا الخبيث بسيفه الذي قد سمه شهراً كاملاً، أدخل السيف في السم حتى أصبح السيف أزرقاً، ثم أتى إلى جبهة الإمام فضربها بالسيف فقال علي رضي الله عنه: [[الله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون! {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157]]] فحمل إلى بيته ووضع على فراشه، فأُتي بـ عبد الرحمن بن ملجم هذا القاتل، فقال علي رضي الله عنه: [[ما لك قاتلك الله قتلتني؟ قال ابن ملجم: إني أقسمت أن أقتل بهذا السيف شر الناس! قال علي: والله لنقتلنك بهذا السيف فأنت شر الناس]] فقتل ابن ملجم بسيفه لأنه شر الناس، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لـ علي في حياته صلى الله عليه وسلم: {أتدري من أشقى الناس؟ قال: لا يا رسول الله، قال: أشقى الناس عاقر الناقة والذي يقتلك}. ولما أُتي لـ علي بلبنٍ رضي الله عنه وأرضاه وهو مريض قال له ابنه الحسن: [[يا أبتاه! اكتب وصيتك فإنا نخاف أن تموت هذه الليلة لأننا نرى المرض قد اشتد عليك]] فقال علي: [[والله لا أموت هذه الليلة، والله لا أموت من المرض، ولا أموت حتى تدمى هذه وأشار إلى لحيته، ومن هذه وأشار إلى جبهته]]. رضي الله عن علي وعن أصحابه وأقرانه من الصحابة وحشرنا معهم في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.

أحاديث السواك وأحكامه

أحاديث السواك وأحكامه يقول الإمام البخاري في كتاب الجمعة، وقد أسلفنا أن هذا الحديث في هذا الدرس سوف يكون عن السواك وما ورد فيه من أحاديث صحيحة، وحسنة، وضعيفة، وعن أقوال أهل العلم، وعن ما جاء فيه من فضلٍ وسنة، وأوقاتٍ وتأكيد ونهي، إلى غير تلك من المسائل التي سوف تعرض بإذن الله، ومدار هذا الدرس على ثلاثة أحاديث: الحديث الأول: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة}. والحديث الثاني: حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أكثرت عليكم في السواك، أكثرت عليكم في السواك}. والحديث الثالث: حديث حذيفة قال: {كان النبي إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك}. وقد أسلفنا أن في هذا الدرس إحدى وعشرين مسألة:

المسألة الأولى: فضل السواك وما جاء فيه من آثار

المسألة الأولى: فضل السواك وما جاء فيه من آثار من أفضل السنن التي أتى بها صلى الله عليه وسلم سنة السواك، ولا يحافظ على السواك إلا من يحافظ على سنته صلى الله عليه وسلم، وهو من أحسن ما يتجمل به الناس، ولذلك كانت العرب في جاهليتها أو بعضهم يستاك ويعدونه من أشرف الخصال، وأوصت امرأة جاهلية ابنتها فقالت: عليكِ بالماء البارد والسواك فإنه هو جمال المرأة. والسواك أعجب وأجمل وأفيد من الطيب، ومن أنواع العطور، ومن جمال الملابس، ومن كل ما تجمل به الرجل أو المرأة، قال صلى الله عليه وسلم: {السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب} رواه الترمذي وابن خزيمة والإمام أحمد وهو حديث صحيح. مطهرة: مصدر أي أنه يطهر به الفم من الأذى والقذر والروائح كما سوف يأتي. ويقول صلى الله عليه وسلم: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة} وفي لفظ {عند كل وضوء} وذلك لفضله ولشدة ما ورد فيه. وفي حديثٍ عند البيهقي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {صلاة بسواك خيرٌ من سبعين صلاة بلا سواك} وهذا الحديث ضعيف ولو أن ابن القيم يقول: لا مانع أن يكون هذا الحديث صحيحاً، وأن العبد إذا تسوك وأتى الله بروائح طيبة، وأزال الأذى من فمه يضاعف الله له الأجر والمثوبة، هكذا قال، ولكن الأحاديث لا تصحح بالاستقراء أو بالاستنباط ولا تصحح بالسياقات، ولا بالقرائن وإنما تصحح بالسند، والرجال، وبما قيل فيها على علم الدراية والرواية، فهذا الحديث ضعيف كما سوف يمر معنا.

المسألة الثانية: فضل السواك عند الوضوء

المسألة الثانية: فضل السواك عند الوضوء ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء} هذا لفظ في صحيح البخاري، وبعضهم علق هذا اللفظ، ولكنه صح من كلامه صلى الله عليه وسلم أن السواك مع كل وضوء وارد ومسنون ومستحب، فمن السنة للمؤمن أن يتسوك عند كل وضوء لأنه من الأمور التي تستحب عند الوضوء، لأن الوضوء إزالة نجسٍ وحدثٍ وقذر، وكذلك السواك، وعند أحمد في مسنده عن علي رضي الله عنه: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم تمضمض ثم تسوك بإصبعه} أي: أدخلها في فمه يتسوك بها صلى الله عليه وسلم، وهذا سوف يأتي في مسألة التسوك بالإصبع.

المسألة الثالثة: فضل السواك عند الصلاة

المسألة الثالثة: فضل السواك عند الصلاة أمر به صلى الله عليه وسلم، وذهب إسحاق بن راهويه وبعض أهل الظاهر، إلى أن السواك واجبٌ عند كل صلاة، والصحيح عند الجمهور أن السواك سنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صرف الأمر من الوجوب إلى السنية بقوله: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة} فاقتضت المشقة أن ينفي صلى الله عليه وسلم الأمر، فلوجود المشقة انتفى الأمر وانتفى الوجوب عن الأمة بذلك، وهذا من تسهيله وتيسيره للأمة.

المسألة الرابعة: السواك عند دخول البيت

المسألة الرابعة: السواك عند دخول البيت وأما السواك عند دخول البيت، فقد قال شريح بن هانئ: {سألت عائشة رضي الله عنها ماذا كان يبدأ به صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ -ما هي السنة التي يبدأ بها صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: كان يبدأ صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بالسواك} لأن السواك طهارة، ولأنه سوف يتحدث مع أهله، ولأنه عبادةٌ وسنة، لهذا كان صلى الله عليه وسلم يتسوك حينما يدخل بيته. وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

المسألة الخامسة: استحباب السواك عند القيام من النوم

المسألة الخامسة: استحباب السواك عند القيام من النوم عن حذيفة في الصحيح: {كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك} ولكن في مسند أحمد {من الليل والنهار} وحديث عائشة: {ما استيقظ صلى الله عليه وسلم في ليلٍ أو نهار إلا تسوك عليه الصلاة والسلام} والسبب أن النائم تتغير رائحة فمه بالمتغيرات، فكان من الجميل والمستحب عند المسلم أن يتعاهد فمه ليزيل الروائح التي علقت به من آثار الطعام وكذلك بعد المنام، فكان عليه الصلاة والسلام أنظف الناس، وأجملهم وأحسنهم، فكان إذا استيقظ بدأ بسواكه، بل العجيب في ذلك أنه كان يوضع له صلى الله عليه وسلم سواكه عند رأسه، وماء الوضوء فإذا استيقظ بدأ بالسواك ثم توضأ، ولا عليك أن تتوضأ ثم تستاك، أو تستاك ثم تتوضاً؛ والأمر في ذلك فيه سعة إن شاء الله.

المسألة السادسة: السواك بين الناس

المسألة السادسة: السواك بين الناس بعض أهل العلم يرى أن السواك من باب إزالة الأذى، فهل يجمل بالمسلم أنه إذا جلس بين الناس أن يتسوك في المجلس؟ أو جلس في مكتبه؟ أو جلس في الفصل مع زملائه؟ أو جلس في المسجد مع الناس؟ أو في محفل عام أن يخرج السواك ويتسوك؟ هل هذا يتعارض مع الآداب العامة؟ لأن هذا فيه إزالة قذر، فهل في الأمر شي؟ الصحيح أنه من السنن المستحبة ومن أشرف الخصال، وأنه لا شيء فيه، فيجوز للمسلم أن يتسوك أمام الناس، وفي مجامعهم، وإنما قلت هذا الكلام لأن بعض أهل العلم يقولون هذا، حتى إذا رأوا الرجل يتسوك وهم جلوس يقولون: ماذا حدث؟ تتسوك أمامنا! ويقول أحدهم لبعضهم وهو يدرسهم في الفصل: أدخل هذا السواك وإذا ذهبت إلى بيتك فتسوك. وهذا مخالفٌ لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يتسوك بين أصحابه، قال أبو موسى في الصحيحين: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مع الناس وسواكه على طرف لسانه وهو يتهوع يقول: {أع أع} عليه الصلاة والسلام، وقد قلصت شفتاه} والسواك على شفتيه قد قلصت أي أنها ضمرت من السواك أو أن السواك دخل على الشفة، فجعلها تتقلص بسبب أن سواكه صلى الله عليه وسلم على طرف لسانه، وإنما يقول: {أع أع} يتهوع لأنه كان صلى الله عليه وسلم يسوك لسانه طولاً وعرضاً فاقتضى ذلك أن يتهوع عليه الصلاة والسلام، فدل على أن السواك من أشرف الخصال حتى لو كان بين الناس، قال عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، يوصي أبناءه الخلفاء الملوك، قال: إذا جلستم مع الناس فتسوكوا عرضاً، ولم يقل طولاً. يقول أهل العلم أنه هكذا وأنه لا يتسوك طولاً لأنه ليس لائقاً في العادة، وسوف تأتي هذه المسألة وهي هل يتسوك طولاً أو عرضاً، وهل يتسوك باليمين أم باليسار؟

المسألة السابعة: تسوكه صلى الله عليه وسلم في مرض موته

المسألة السابعة: تسوكه صلى الله عليه وسلم في مرض موته من حرصه صلى الله عليه وسلم على تطبيق السنة، وعلى النظافة والطيب أنه في مرض موته الذي ألم به صلى الله عليه وسلم لم ينس السواك، كان رأسه في حضن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقد ألم به مرض الموت وقد اقتربت منه سكرات الموت، فدخل عليها أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر الذي دفن في مكة، ومرت به وهو في المقبرة كما روى الترمذي فلما رأت قبره بكت طويلاً لأنه كان لبيباً وفياً معها صادقاً، وكان يخدمها كثيراً، وهو الذي ذهب بها يعمرها، أي يأخذ معها عمرةً من التنعيم فلما مرت به عند مقبرة (ريع الحجون) في مكة بكت طويلاً وتمثلت بقول متمم بن نويرة في أخيه: وكنا كندماني جذيمة برهةً من الدهر حتى قيل لن يتصدعا وعشنا بخيرٍ في الحياة وقبلنا أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا فلما تفرقنا كأني ومالك لطول اجتماع لم نبت ليلة معا وهذه من أعجب القصائد، بل هي سيدة القصائد أو سيدة المراثي عند المسلمين، يقول: بكت عيني اليمنى -كان أعور-: بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم اسبلتا معا يقول نهيت اليمنى أن تبكي وقلت لها: افعلي كاليسرى لا تبكي، فبكت اليسرى قبل أن تتعظ اليمنى، إنما الشاهد أن عبد الرحمن دخل على عائشة في مرض موته صلى الله عليه وسلم، فلما رآه صلى الله عليه وسلم -وهذا في الصحيح- ما استطاع أن يتكلم صلى الله عليه وسلم؛ لأن المرض اشتد عليه صلى الله عليه وسلم فأخذ يبده نظره، يبده: أي يعمد بنظره إلى عبد الرحمن كأنه يقول: هات! قلوب العارفين لها عيونٌ ترى ما لا يراه الناظرونا تكلم عليه الصلاة والسلام بعينيه فأتت عائشة فأخذت السواك من فم أخيها فقضمته قالت: {قضمته أي أزالت ما تسوك به، ولو لم تزله لتسوك عليه الصلاة والسلام من تواضعه ولينه ويسره ثم سلمته للنبي صلى الله عليه وسلم فأخذه بيده فتسوك كأشد ما كان يتسوك في الحياة الدنيا} فهو لم يتركه حتى في مرض موته صلى الله عليه وسلم، ولذلك يستحب ولو في أحرج المواقف أن تتعاهد هذه السنة المطهرة منه صلى الله عليه وسلم.

المسألة الثامنة: حكم التسوك بسواك الغير

المسألة الثامنة: حكم التسوك بسواك الغير هذا وارد، ولكن النفوس لا تقبل إلا من قريب عزيز، كزوجة مثلاً، لهذا كانت عائشة تقول: {كان صلى الله عليه وسلم يعطيني سواكه لأغسله} وقبل أن تغسله تبدأ به فتتسوك لأن آثاره صلى الله عليه وسلم مباركة، فهذا الأمر وارد عند أهل العلم، وقد ناقشوا هذه المسألة؛ هل الأثر المستعمل يقاس على الماء المستعمل؟ هل هو طاهر أم لا؟ أو يصبح طاهراً في نفسه غير مطهر لغيره؟ هل يقاس السواك في ذلك بهذه المسألة؟ ولذلك عقد البخاري في كتاب الوضوء (باب استعمال فضل وضوء الناس. وقال أمر جرير بن عبد الله البجلي) أهله أن يتوضئوا بفضل سواكه أو كما قال. وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: {أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبر، فدفعته إلى الأكبر منهما} فهذا الأمر وارد، والرسول صلى الله عليه وسلم تسوك بسواك عبد الرحمن صهره صلى الله عليه وسلم ابن أبي بكر، فلا لائمة في ذلك، ولذلك عقد البخاري (باب: دفع السواك إلى الأكبر) يعني الأكبر فالأكبر، لكن قد تتأذى أو تأبى النفوس ذلك.

المسألة التاسعة: صاحب سواكه صلى الله عليه وسلم

المسألة التاسعة: صاحب سواكه صلى الله عليه وسلم الرسول صلى الله عليه وسلم خُدم من أصحابه رضوان الله عليهم وأرضاهم ولهم الشرف أن يخدموه، ولذلك كان شرف ابن مسعود في الحياة الدنيا بعد تبليغه للرسالة، وخدمته للرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون تجهيز السواك وإحضاره ومهمة البحث عنه منوطة به ومسندة إليه، فكان هو الرجل المعروف الذي يحضر السواك للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يقول أبو الدرداء لأهل العراق [[أليس فيكم صاحب السواك، والنعلين والوساد؟!]] أو كما قال، فكان رضي الله عنه يصعد الشجر فيأخذ للرسول صلى الله عليه وسلم السواك أو يأخذ من أصول الأراك وهو أحسن ما يتسوك به، وتعرفون في السير أنه صعد شجرة فهبت الريح، ومالت بجسمه النحيل الخفيف الهزيل، لكنه يحمل قلباً كبيراً نبيلاً شريفاً قوياً، فتضاحك الصحابة من دقة هذا الجسم، فقال صلى الله عليه وسلم: {أتعجبون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد} فـ ابن مسعود كان صاحب سواكه صلى الله عليه وسلم.

المسألة العاشرة: الأراك خير سواك

المسألة العاشرة: الأراك خير سواك تفنن أهل الأدب في ذلك، وقالوا: لا نرى إلا أنه السواك الذي يقدم على كل نبتٍ من نبات الأرض، ومدح شعراؤهم من يتسوك بالأراك، وعدوه من أعظم الخصال، وفيه ميز، وقد أثبت أهل الطب في هذا العصر أن الأراك من أعظم المواد في قتل الجراثيم وفي إزالة أمراض الفم، وإزالة القذى والأذى والروائح المنتنة منه، بل هو بلسمٌ شافٍ، وألف بعضهم في ذلك كتباً، ودل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح {من أخذ شيئاً من غير حقه طُوِقَهُ من سبع أرضين، قالوا: يا رسول الله، ولو كان شيئاً يسيراً؟ قال: ولو كان قضيباً من أراك} قال بعض أهل العلم: أي مسواك، وفي بعض الآثار أنه كان ينتقي له صلى الله عليه وسلم من الأراك أسوك أو سوك على وزن كتب، قال ابن قتيبة: تُنطق سوك على وزن كتب.

المسألة الحادية عشرة: حكم التسوك بالإصبع

المسألة الحادية عشرة: حكم التسوك بالإصبع قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما في الطبراني: {يا رسول الله الرجل يذهب فوه -أي: تسقط أسنانه- ماذا يفعل؟ -أي هل يتسوك؟ - قال: نعم، قالت: كيف يا رسول الله؟ قال: ليتسوك بإصبعه} وهذا الحديث ضعفه ابن حبان، والصحيح أنه ضعيف وسوف يأتي معنا. وفي المسند عن علي قال: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل يديه، ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً ثم غسل وجهه ثلاثاً} وقال في المضمضة {فتمضمض بإصبعه صلى الله عليه وسلم} وهذا الحديث قد مر معنا في دروس ماضية، وهذا الحديث يقبل التحسين، ولو أن بعض أهل العلم قد ضعفوه كما سوف يأتي.

المسألة الثانية عشرة: حكم السواك للصائم

المسألة الثانية عشرة: حكم السواك للصائم هل يتسوك الصائم؟ وهل السواك لا يخدش عليه صيامه؟ وهل يفرق بين السواك الرطب والسواك اليابس؟ وهل يتسوك أول النهار وآخر النهار، أم أول النهار فقط؟ أم ماذا؟ الصحيح في ذلك أن الصائم يستحب له أن يتسوك أول النهار وآخره بالسواك الرطب واليابس، وأنه لا شيء فيه، ولا حرج، بل هو أفضل وهو السنة، والدليل على ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء أو عند كل صلاة} وجه الاستدلال بهذا الحديث في هذه المسألة أنه عمم المقال هنا، فهل هو في اختصاص الحال؟ أو اختصاص بعض الوقت؟ لأن العموم في الزمان كالعموم في الأفعال والأفراد. فعمم صلى الله عليه وسلم عند كل صلاة، ولم يقل إلا للصائم في أول أو في آخر النهار، والدليل الآخر: حديث عامر بن ربيعة، في سنن الترمذي، قال: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي ولا أعد يتسوك وهو صائم} هذا الحديث حسن رواه الترمذي، فدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يتسوك أول النهار وآخره، وأما حجة الذين قالوا بالسواك أول النهار وترك السواك آخره فلهم حجتان اثنتان: دليلٌ نقلي من المصطفى صلى الله عليه وسلم، ودليلٌ عقلي وهو تنظير، وهؤلاء هم الشافعية. فعندهم حديث وهذا من باب النقل، وعندهم تنظير وهذا من باب العقل، والعالم إذا أعوزه الدليل النقلي فعليه أن يأخذ دليلاً عقلياً ليحاج به. وهذه مسألة في أصول الفقه. فأما دليلهم النقلي فقوله صلى الله عليه وسلم: {استاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي}. وأما دليلهم العقلي فهو التنظير، قالوا: يقول عليه الصلاة والسلام: {ولخلوف} قال القاضي عياض: بضم الخاء لا بفتحها (خُلوف) {ولخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك} فقالوا: الخلوف هذا وهو رائحة من الفم، إذا تسوك العبد فإنها تزول، فلا يتسوك في آخر النهار، لأنه سوف يزول هذ الخلوف الذي يحبه الله. والرد عليهم: أما بالنسبة للحديث الذي استدلوا به فلا يصح فقد رواه البيهقي وفي سنده من لا يعتمد، ولا يصحح حديثه ولا يقبل؛ لأن حديثه ضعيف ضعفه أهل العلم وعدد من الحفاظ، وأما قولهم إنه يزيل الخلوف، فالرد عليهم وهو رد ابن القيم حيث يقول: إن الخلوف يأتي من المعدة، ولا يأتي من الفم، والله ليس في حاجة -يعني لهذه الروائح التي يأتي بها العبد- بل الله عز وجل طيب يحب الطيب، جميلٌ يحب الجمال، يحب الروائح الطيبة، أما الخلوف هذا فإنه يأتي بسبب الجوع، ينبعث من المعدة إذا خلت من الطعام، فلا دخل للفم فيه، وهذا رد موجه، وصحيح يؤخذ به، فاقتضى أن السواك في أول النهار وفي آخره سيان، وهناك حديث {استاكوا إذا كنتم صياماً أول النهار ولا تستاكوا بعد العصر} لكنه ضعيف كأخيه السابق، وورد عند ابن ماجة: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستاك أول النهار وآخره} وقد علقه البخاري في صحيحه من كلام ابن عمر، قال: وقال ابن عمر: {كان صلى الله عليه وسلم يتسوك أول النهار وآخره} وهذا الحديث أورده البخاري معلقاً. وللفائدة نقول: الحديث المعلق هو الذي سقط من أول إسناده مما يلي المحدث شيخه فأكثر، أو سقط السند كله فهذا معلق. والمرسل -على المناسبة- هو: أن يُسقَط الصحابي من السند ويصل التابعي الحديث بالرسول صلى الله عليه وسلم. ومرسل منه الصحابي سقط وقل غريب ما روى راوٍ فقط والمنقطع؟ ما سقط من سنده راوٍ فأكثر، ويشمل المعلق والمعضل والمرسل ويشمل ما سقط منه السند كله أو سقط راوٍ واحد أو أكثر رواته فهذا يسمى منقطعاً. والحديث المعضل؟ هو: ما سقط منه راويان بموضع ما على التوالي، يعني الرجل وشيخه، الرجل وتلميذه، فهذا معضل. والحديث المقطوع -وهو غير المنقطع- وهو ما وقف على التابعي فمن بعده. والموقوف: ما وقف على الصحابي. والمرفوع: هو المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وما هو الحديث المدبج؟ نعم، هو أن يروي الرجل عن آخر والآخر عنه. وما روى كل قرينٍ عن أخه مدبجٌ فاعرفه حقاً وانتخه وبقي فيه مسائل وأحكام، ولكن ليس هذا المقصود من الدرس وإنما توقفنا لأنه عرض لنا هذا العارض، فأردنا أن نوضحه أكثر.

المسألة الثالثة عشرة: بنو إسرائيل وتركهم للسواك

المسألة الثالثة عشرة: بنو إسرائيل وتركهم للسواك بنو إسرائيل تركوا السواك، والرسول صلى الله عليه وسلم شنع عليهم، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للصحابة: {ما لكم تأتوني قلحاً! استاكوا فإن بني إسرائيل تركوا السواك فزنت نساؤهم} نسأل الله العافية، ولذلك قال ابن عباس: [[يا عجباً لأحدكم أيريد أن تتجمل له زوجته وهو لا يتجمل لها!]] وكثير من الناس يريد من المرأة أن تتجمل وهو لا يتجمل لها، ويريد أن تتطيب وهو لا يتطيب، فلها من الحقوق مثل ماله، فاقتضى ذلك أن يعتنى بالسواك، ولذلك لو ألف مؤلفٌ كبير في السواك لما أنصف، ولو بيع بأغلى الأثمان لكان رخيصاً، لأنه من أعظم خصال الرجل، وتركه يؤدي إلى الأذى وإلى تأذي المنادى من رائحة الفم، والمحادث والمسار، فعلى المؤمن أن يعتني بهذه الخصلة، وأن تكون نصب عينيه.

المسألة الرابعة عشرة: التيمن في السواك

المسألة الرابعة عشرة: التيمن في السواك قالت عائشة: {كان صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وفي طهوره وفي شأنه كله} هل قالت: في هذا الحديث وفي سواكه؟ لا. قالت وفي شأنه كله، هل ثبت في سواكه؟ نعم، ثبتت عند أبي داود من طريق إبراهيم بن إسماعيل قال: {وفي سواكه وفي شأنه كله} ما هو الذي نفهمه من التيمن في السواك؟ هل المقصود باليد اليمنى أو من يمين الفم؟ من يمين الفم، هذا قول بعض أهل العلم، ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يرى أنه يمين الفم، التيمن هو يمين الفم، وأن السواك باليسرى، لكن يبدأ باليمين، يقول: "يحمل على هذا المحمل" وسبقه إلى ذلك ابن تيمية شيخ الإسلام في المجلد الحادي والعشرين الصفحة 108 من الفتاوى يقول: بل القواعد أو الظواهر الشرعية تدل على أن السواك باليسرى، ثم أتى بتنظير على أن السواك من باب إزالة الأذى، فهو كالاستنجاء والاستجمار والاستنثار، فتزال هذه كلها باليسرى فيتسوك العبد باليسرى، ولكنه لم يأت بدليل، وهو ليس معصوماً، إنما المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم، وهنا من باب التبيين فالسؤال الذي يقول: لماذا لم يأت ولو حديثٌ واحد منه صلى الله عليه وسلم يذكر أنه تسوك صلى الله عليه وسلم باليسرى؟ أنا أدري أنه سوف يرد راد ويقول: لماذا لم يأت حديث أنه تسوك باليمنى؟ يعني مسكوت عنه، فما هو الجواب؟ نقول: إن الأصل استخدام اليمنى دائماً، الرسول صلى الله عليه وسلم يستخدم اليمنى دائماً، مثلاً يقولون: كتب الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة، هل ننتظر حتى يقولون كتب بيمينه صلى الله عليه وسلم، لا. لأن الناس يكتبون بأيمانهم، أو صافح صلى الله عليه وسلم وفد الأزد. هل يقال: صافحهم بيمينه صلى الله عليه وسلم؟ يمينه هذه لا دلالة لها إذا أتت كما يقول أهل العلم إنما هي للتأكيد، يقول عز من قائل: {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام:38] هل يطير الطائر بغير جناحيه، لكن هذه جاءت لا مفهوم لها إلا للتأكيد، ولا طائر يطير بجناحيه، وإلا فإنه لو قال: (ولا طائر يطير إلا أمم أمثالكم) لفهم بأنه بجناحيه فالمعهود أنه صلى الله عليه وسلم يستخدم اليمنى دائماً، فلا ننتظر حتى يقول لنا قائل: كان يتسوك بيمينه لأنه سوف يسألنا: وأين دليلكم أنتم أنه يتسوك بيمينه صلى الله عليه وسلم؟ لكن نقول المعهود الذي ينقل وهو معروف ومشهورٌ من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه يتسوك بيمناه، وأما اليسرى فإنها خلاف العادة، ولذلك لو أشار صلى الله عليه وسلم باليسرى، قال: رأيته أشار باليسرى لأنها خلاف العادة، أو قال: رأيته شرب واقفاً صلى الله عليه وسلم، لكن هل نقل إلينا؟ قال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم أكل جالساً، لأنه معروف أنه يأكل وهو جالس صلى الله عليه وسلم، أو يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نام على جنبه، أجل أين ينام؟! أو رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يمشي على رجليه، لأنه معروف هذا، فاقتضى أنه ليس باليسرى فيبقى على اليمنى. والأمر الثاني: أنه من باب التكريم، فإن كان من باب التكريم فهو يستاك باليمنى وهو رأي النووي وابن حجر والشافعية، أنه باليد اليمنى وهو الذي يظهر والله أعلم، وهو من الأحسن والأطيب أن يتسوك خاصة عند الصلاة وعند قراءة القرآن باليمنى وعندما يقابل الناس لأن اليسرى لها مواطن، وإذا قابل الناس وهو يتسوك باليسرى فإن فيه شيء وفيه غضاضة، والأولى أن يتسوك باليمنى هذا ما ظهر لي في هذه المسألة. ونقول: إذا كان في المجامع وعند الصلاة فإنه يتسوك باليمنى لطهارة اليمنى، ولأنه يقابل الناس، فكأنها الأحسن، ولو تسوك باليسرى فليس عليه شيء والمسألة أسهل من ذلك، لكن من باب مناقشة المسائل بالتعمق والتدقيق فيها، فإن بعض أهل العلم مثل ابن تيمية وهو شيخ الإسلام الذي لم تشغله القضايا الكبرى عن القضايا الصغرى بل تكلم فيها لأن بعض الناس الآن يقول: الناس صعدوا سطح القمر وأنتم محاضرة من المغرب إلى العشاء في السواك وما ورد فيه! وهذا نقول له: إن من جلالة هذا الدين أن يأتي بهذه الأحاديث كلها، ومعلم الخير صلى الله عليه وسلم عالج أكبر المسائل والمشاكل وأعظم مهمات الدين كما عالج هذه الصغار، أما هؤلاء فلم يجلسوا معنا ولم يصعدوا سطح القمر! ثم إن بعض الناس يقول: المسألة ليست مسألة سواك، المسألة مسألة عقيدة. لا. مسألة سواك وثياب ولحية وغيرها، هذا الدين كما أتى به صلى الله عليه وسلم، أما تكلم صلى الله عليه وسلم في أكثر من عشرين حديثاً في السواك؟ بلى، هل شغله التكلم عن السواك أن يبلغ دعوة الله، وأن يصلح الأمة ويجمع شملها ويرفع راية الجهاد؟ لم يشغله ذلك، فاقتضى أن يعطي كل مسألة حقها ولا بأس بالتخصص والتعمق حتى في صغار المسائل.

المسألة الخامسة عشرة: غسل السواك

المسألة الخامسة عشرة: غسل السواك هذا نقوله من باب التلطيف، تقول عائشة رضي الله عنها: {كان صلى الله عليه وسلم يناولني سواكه فأغسله} فاقتضى أن من السنة أنه كلما مر على السواك وقت طويل على استخدامه فللعبد أن يغسله وينظفه حتى يعود نظيفاً إلى فمه، لأن بعض الناس يظن أنه إذا تسوك فإن السواك لا يأتيه شيء، يعني أنه لا يتأثر فيربطه بعمامته، ويبقى مدة طويلة جداً وهو يقول: السواك لا يتأثر والحمد لله، حتى يحمر ويبيض ويسود، حتى تنظر إليه وكأنه ليس بشجر ولا بحديدٍ ولا بنحاس، فاقتضى أن يغسل بالماء وبالنسبة للفرشاة أو ما يستعمل بدل السواك فهذه ليست واردة ولا ينصح بها، لأنها تؤثر على اللثة ولا تزيل جميع أمراض الأسنان كما قال أهل الطب، ولكن السواك أشرف وأرفع وأنبل وأفيد وأحسن، لا لأنه سنة فحسب، لكن للفوائد التي من ورائه.

المسألة السادسة عشرة: فضل ماء السواك هل يتوضأ به؟

المسألة السادسة عشرة: فضل ماء السواك هل يتوضأ به؟ إنما ذكرته لأن البخاري ذكره، فقال: وأمر جرير بن عبد الله أهله أن يتوضئوا بفضل سواكه أي: أنه أتى بإناء فوضع فيه ماءً ثم وضع السواك فيه، فهل له أن يتوضأ بهذا الماء، هل يعد هذا الماء مستعملاً؟ A يجوز له أن يتوضأ به ويغتسل به ولا شيء فيه؛ لأنه طاهر، والماء على الصحيح قسمان: نجس وطاهر، أما أنه طهور ونجس وطاهر، فهذا ليس عليه دليل كما يقول ابن تيمية لعدم وروده في السنة. ففضل السواك يتوضأ ويغتسل به، وقد وضع جرير بن عبد الله سواكه في فضل ماء ثم توضأ به، وكذلك هي السنة، فلا شيء فيه بإذن الله، فليفهم ذلك، فالماء المستعمل الذي يخرج من المتوضئ إذا توضأ لك أن تتوضأ به أنت، وإذا وقع على وضوئك فلا يُبطل وضوءك وليس كما يقوله بعض أهل الفقه، أو بعض أهل المذاهب، لا، بل تتوضأ به وليس عليك حرج.

المسألة السابعة عشرة: متى يتأكد استحباب السواك؟

المسألة السابعة عشرة: متى يتأكد استحباب السواك؟ يتأكد في مواطن عند القيام من النوم -وقد أسلفنا ذلك- لتغير الفم، وعند تغير الفم بطارئ يطرأ على الإنسان فيجد فمه متغيراً، فليباشر بالسواك. وعند الوضوء: إذا أتى يتوضأ إما قبل الوضوء وإما بعده، وكان بعض الصالحين إذا أتى ليتوضأ تسوك ثم توضأ. وعند الصلاة: أي عند القيام إلى الصلاة أو عند الإقامة ليكون ملابساً للحالة الراهنة التي يقوم الناس فيها، إذا أقيمت الصلاة فليبدأ الإنسان بالتسوك. وعند تلاوة القرآن: وفي بعض الأحاديث أن الملك من الملائكة إذا قام العبد يقرأ أو يصلي وضع فمه على فمه، فعليه أن يعتني بهذا الأمر. وعند طول السكوت، لأن السكوت يغير رائحة الفم، فليتسوك. وعند كثرة الكلام، لأن بعض الناس إذا جلس أزعج أو أرعد وأزبد، وتكلم طويلاً ولو لم يكن فيه فائدة، كالتحدث عن حادث سيارة، أو بيت سقط على أهله، أو رجل تزوج، فأتى بقصة الزوج من أولها إلى آخرها، من صلاة الفجر إلى قرب وقت صلاة الظهر، فاقتضى ذلك أن يتسوك وأن يتعاهد هذا، قالوا: من كثرة الكلام، وكذلك الجوع الشديد كالصائم. وبعد الطعام، قال ابن عمر كما في كتاب الزهد للإمام أحمد: [[لئن أتسوك بعد الطعام خير لي من وصيف]] أي من خادم، ومن سنن الصالحين بعد الطعام ثلاثة أمور: غسل اليدين، وحمد الله، والسواك والتخلل بالمخاليل، هذه وأما حديث {حبذا المتخللون من أمتي} فلا يصح حديثاً، بل إنه حديث ضعيف أو واهٍ مكسر الأضلاع.

المسألة الثامنة عشرة: حكم السواك بالريحان

المسألة الثامنة عشرة: حكم السواك بالريحان يحذر ابن القيم من السواك بالريحان ومن بعض العطور، أي من بعض الشجر التي فيها عطور كالزهور لأنها تورث الجذام أو البرص!! فيحذر منها. والسنة أن يتسوك ببعض الأشجار، كالأراك، وكالعرعر، وكالطرفاء وما يدخل في ذلك، أما أبو نوس والزهور والرياحين فإن ابن القيم يقول: أثبت أهل الطب أنها تورث الجذام، أو البرص بالفم.

المسألة التاسعة عشرة: أسنانه صلى الله عليه وسلم وما ورد فيها

المسألة التاسعة عشرة: أسنانه صلى الله عليه وسلم وما ورد فيها قال: أسنانه كانت كأنها البرد عليه الصلاة والسلام من كثرة ما يتسوك، وقيل: كان إذا تبسم تبسم عن مثل الجمان، والجمان هذا دقيق اللؤلؤ أو أشرف اللؤلؤ، جمان منظم، وهذا أمدح ما يمدح به الناس، لذلك كان الشعراء في الجاهلية يمدحون بها كما كان في الإسلام، كما يقول خالد بن يزيد بن معاوية: وقد ذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمته: تبسمت فأضاء الليل فالتقطت حبات منتثر في ضوء منتظم لا حرج أن ينشد ويقال ويستشهد به، ولسنا بأروع من ابن برير الذي عبأ تفسيره بهذه الشواهد ولا من الذهبي وابن تيمية. يقول: يعني عجباً من هذا العقد التي انتثر فأضاء الليل لما تبسمت، فلما أضاء الليل قال: قامت تلتقط الدر وهي تتبسم في ضوئها، وهذه من قصيدة لـ خالد بن يزيد من أعظم القصائد يسميها الذهبي: (الطنانة الرنانة). فأسنانه صلى الله عليه وسلم كانت كأنها البرد، مما أعطاه الله، لأن الله كمل صورته باطناً وظاهراً، وأصلح مظهره ومخبره، فوجهه أحسن الوجوه، وفمه أحسن الأفواه، وأسنانه أحسن الأسنان عليه الصلاة والسلام، صلح باطناً وظاهراً. محاسنه هيولى كل حسنٍ ومغناطيس أفئدة القلوب

المسألة العشرون: فوائد السواك

المسألة العشرون: فوائد السواك عدها ابن القيم حتى أربى بها حول الثلاثين، وابن حجر يوافق على ثمانية عشرة، وأما غيرها ففيها كلام، فمن فوائده: يزيل رائحة الفم، ويطرد النوم، وهذا مجربٌ بالاستقراء في الغالب، فمن غلبه النوم أو أراد أن يذاكر بعد صلاة الفجر فعليه أن يستخدم السواك كثيراً، فإنه ينشط ويطرد النوم؛ ولذلك القائم ليصلي في الليل عليه بالسواك. وينهي البلغم، وهذا مجرب، لذلك أكثر الناس بلغماً الذي لا يتعهد السواك أي لا يستخدم السواك كثيراً. ثم يعين على إخراج الحروف، ولذلك كان من السنن لمن يتلو القرآن أن يتسوك قبل أن يتلو القرآن ليعين على مخارج الحروف ويخرجها بقوةٍ وبرشد، كذلك يرضي الرب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للحديث المتقدم عند ابن خزيمة والترمذي وأحمد {مطهرة للفم مرضاة للرب}. أيضاً يبيض الأسنان وهذا معروف لا يستشهد ولا يستدل عليه. كذلك ذكر ابن القيم وكثير من الأطباء أنه يساعد على الهضم، فمن تعشى فأكثر وأغلقت الصيدليات أبوابها فليقم وليأخذ السواك وليدر في بيته وليستعن بالله وليكثر من ذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ليهضم طعامه، فهذا مجرب. وتضاعف به الصلاة، وقد مر معنا الحديث الضعيف: {صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بلا سواك} رواه البيهقي وضعفه. ويعين على التلاوة والذكر وهذا أمر معروف فإن الذاكر يستعين بالسواك على ذكر الله عز وجل. فهذه بعض فوائد السواك وإلا فهي كثيرة جداً ومن أراد التوسع فليرجع إلى كلام ابن القيم وابن حجر.

المسألة الحادية والعشرون: مواطن يجتنب فيها السواك

المسألة الحادية والعشرون: مواطن يجتنب فيها السواك مواطن يجتنب فيها السواك ولا يستاك العبد فيها، هذه المواطن ثلاثة: أولها: في أثناء الصلاة، فهو محرم في أثناء الصلاة، وإنما قلت هذا لينبه لأن بعض الناس قد يجهل بهذا الحكم، فيظن أن قوله صلى الله عليه وسلم: {عند كل صلاة} أي قبل الصلاة وأثناء الصلاة وبعد الصلاة، فيتسوك في الصلاة، وقد يأتي جاهل لم يسمع بهذا الحديث فيفعل ذلك، ولذلك تكلم بعض الناس في حياته صلى الله عليه وسلم في أثناء الصلاة، فالتسوك أثناء الصلاة محرم. ثانيها: في أثناء استماع خطبة الجمعة، وهذا وارد عند كثير من الناس، الخطيب على المنبر وهو يتسوك بالسواك، وهذا من باب اللغو واللهو واللعب، والتشاغل عن الخطيب ولا يؤمن أن يفوت عليه أجر الحضور في الصلاة والخطبة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {من مس الحصى فقد لغى} ومس الحصى ليس لأجلها إنما العلة التشاغل، والذي يأخذ السواك يوم الجمعة والخطيب يخطب كالذي يمس الحصى ويتشاغل ما الفرق بينهما؟ فلا يفعل في أثناء الخطبة، لكن للمسلم أن يتسوك بين الخطبتين، إذا جلس الخطيب يخرج سواكه ويستخدمه لأنه ليس وقت خطبة، ولا وقت استماع، فليتنبه لهذا الأمر، لأنه مشهور ونرى كثيراً من الناس أثناء الجمعة يخرج بعضهم سواكه ويتسوك وينظر إلى الصفوف، ويفكر، ويشرد ذهنه، فلا ينبغي له ذلك، لأن مس الحصى كالتشاغل بالسواك، هما سيان. ثالثهما: في أثناء تلاوة القرآن، فله أن يتسوك قبل التلاوة لكن إذا أخذ المصحف وأصبح يقرأ القرآن فلا يتشاغل عنه بالتسوك، وهذا فيه كراهة؛ لأن فيه تشاغل وتلهٍ عن القرآن. إذاً؛ هي ثلاثة مواطن: 1 - في أثناء الصلاة وهو محرم. 2 - في أثناء خطبة الجمعة واستماعها من المأموم وهو محرم أيضاً، وربما يكون فيه شقٌ من الكراهة، إن لم نقل بالتحريم، لكن التحريم وارد، لأنه كمس الحصى. 3 - عند أو في أثناء التلاوة، وهو يتلو كتاب الله عز وجل نظراً لأنه ينافي التدبر، ويُتشاغل به عن سماع كتاب الله.

الأحاديث الصحيحة والحسنة والضعيفة في السواك

الأحاديث الصحيحة والحسنة والضعيفة في السواك بقيت مسألة وهي: ما هي الأحاديث التي وردت في كتاب أو في باب السواك بحد ذاته؟ أقول: الأحاديث فيه على ثلاثة أضرب، أحاديث صحيحة، وأحاديث حسنة، وأحاديث ضعيفة. فالصحيح ما اتصل رواته بنقل العدل الضابط، الثقة عن مثله إلى آخر السند، وخلا من شذوذٍ وعلةٍ قادحة. وأما الحديث الحسن: فهو ما رواه العدل الخفيف الضبط -ليس التام- عن مثله إلى آخر السند. والحديث الضعيف: ما لم تكن شروطه كشروط الصحيح والحسن. أ- الأحاديث الصحيحة في فضل السواك: فأما الأحاديث الصحيحة في باب السواك فهي على حد علمي خمسة أحاديث وربما تزيد، لكن التي جمعتها خمسة أحاديث، فليتنبه لها. أولاً أحاديث عائشة ولها حديثان وحديث لـ أبي هريرة، وحديث لـ أبي موسى، وحديث لـ حذيفة. فأما حديث عائشة الأول: فقالت: {كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك} رواه مسلم عن شريح بن هانئ، والحديث الثاني لـ عائشة: قوله صلى الله عليه وسلم: {السواك مطهرة للفم مرضاة للرب} رواه الترمذي وأحمد وابن خزيمة، وهو حديث صحيح. والحديث الثالث: لـ أبي هريرة: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة،} وفي رواية: {مع كل وضوء} رواه البخاري ومسلم. والحديث الرابع: حديث حذيفة: {كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك} رواه البخاري. وحديث أبي موسى: {أتيت إلى رسول صلى الله عليه وسلم وسواكه على طرف لسانه وقد قلصت شفتاه وهو يتهوع يقول: أع أع} هذا الحديث صحيح رواه البخاري. واعلموا أن السواك في الحمام لا بأس به، ولم يرد نهيٌ فيه، وهو من باب إزالة الأذى، فللمسلم أن يتسوك في الحمام. هذه خمسة أحاديث صحيحه عنه صلى الله عليه وسلم تحفظ بطريق التبويب أو بطريق المسانيد، أن تذكر في هذا الباب تقول: لـ عائشة حديثان، ولـ حذيفة حديث، ولـ أبي موسى حديث، ولـ أبي هريرة حديث، فتبقى محفوظة إن شاء الله ومعلومة. ب- الأحاديث الحسنة في فضل السواك: وأما الأحاديث الحسنة في هذا الباب فهي ثلاثة أحاديث، هي في درجة الحسن. الحديث الأول: حديث عائشة: {كان صلى الله عليه وسلم لا يستيقظ من نومٍ ليلاً أو نهاراً إلا تسوك} رواه أحمد، وأبو داود وسنده حسن. والحديث الثاني: حديث عامر بن ربيعة الذي مر معنا: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي ولا أعد يتسوك وهو صائم} رواه الترمذي وأحمد وأبو داود ودرجته حسن. الحديث الثالث: حديث علي رضي الله عنه وأرضاه قال: {توضأ صلى الله عليه وسلم فمضمض ودلك أسنانه بإصبعه عليه الصلاة والسلام} رواه أحمد وهو حديثٌ حسن. جـ- الأحاديث الضعيفة في فضل السواك: وأما الأحاديث الضعيفة بحفظ الله فهي أربعة أحاديث في كتاب أو في باب السواك. أولها حديث {صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بلا سواك} رواه البيهقي والحاكم في المستدرك وفي سنده محمد بن إسحاق، وعلة محمد بن إسحاق التدليس، صاحب سيرة ابن إسحاق، وقد دلس في هذا الحديث، والتدليس: أن يوهم السامع أنه سمع هذا الحديث من شيخ قد سمع منه ولكنه لم يسمع هذا الحديث، فيقول: عن فلان، فيظن الناس أنه سمع هذا الحديث لأنه دائماً يسمع منه، فيدلس والتدليس هو التمويه والزخرفة. والحديث الثاني: حديث عائشة الذي رواه ابن ماجة، وهو ضعيف عن عائشة {من خير خصال الصائم السواك}. والحديث الثالث: {إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي} رواه البيهقي وسنده ضعيف، أو في سنده رجل ضعيف. الحديث الرابع: قالت عائشة: {قلت يا رسول الله: الرجل يذهب فوه أيستاك؟ قال: نعم، قلت: كيف يصنع؟ قال: يدخل إصبعه في فيه} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ويغني عنه حديث علي الحسن في التسوك بالإصبع، وهذا الحديث ضعيف رواه الطبراني، وفيه عيسى بن عبد الله الأنصاري ضعفه ابن حبان. فلتفهم هذه الأحاديث الصحيحة والحسنة والضعيفة، ومن أراد أن يحقق مسألة فعليه أن يجمع النصوص ثم يصححها، ثم يجمع أقوال أهل العلم، ثم يرجح ثم يخرج بالقول الصحيح من المسألة هذا هو الصحيح. وفي ختام هذا الدرس نتوجه إلى الله سبحانه أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن ينفعنا بما علمنا، وألا يجعل علمنا وبالاً علينا، وأن يهدينا سواء السبيل، وأن يفقهنا في ديننا. اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

مدرسة الأموات

مدرسة الأموات البعث والنشور من أعظم قضايا الإيمان، بل هو ركن من أركانه، آمن به من آمن، وكفر به من كفر، وقد بعث الرسول عليه الصلاة والسلام إلى قومه، وهم ينكرون البعث والنشور، ولا يؤمنون به، فعالج هذه القضية ليل نهار والقرآن ينزل عليه يعضده في أمره، وما ذكر فيه الإيمان بالله إلا ذكر الإيمان باليوم الآخر، وقد عالج القرآن هذه القضية مرة بالمصارحة ودمغ الباطل، ومرة بالاستقراء والمقارنة، ومرة بالقصص؛ فأخرج الله للأمة على يد الرسول صلى الله عليه وسلم جيلاً لا يشكون طرفة عين في البعث والنشور.

القرآن يعالج الكفر بالبعث والنشور

القرآن يعالج الكفر بالبعث والنشور الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السموات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ باني صرح الفضيلة، ومزعزع كيان الرذيلة، وصاحب الشفاعة والوسيلة والأخلاق الجميلة، والمناقب الجزيلة، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أيها الناس: كانت العرب قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام لا تؤمن بالبعث والنشور، وترى أن اليوم الآخر خرافة، وأن البعث بعد الموت أسطورة، وأن النشور من القبور خيالٌ لا يمكن أن يصدق، وأكذوبة تأباها العقول، فأتى عليه الصلاة والسلام يعالج هذه القضية ليل نهار، فاستهلكت نصف دعوته. كان القرآن إذا ذكر الإيمان بالله وحده ذكر الإيمان باليوم الآخر، وعالج القرآن هذه القضية مرة بالمصارحة بدمغ الباطل والشرك قال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7]. ومرة بالاستنتاج والمقارنة قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:9 - 11]. ومرةً ثالثة بضرب الأمثلة والقصص العظيمة التي تبين لنا كيف يحيي الله الأموات، أما الكفار فرفضوا رفضاً قاطعاً أمام الرسول عليه الصلاة والسلام أن يؤمنوا باليوم الآخر، قال تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] يموت بعضنا، ويولد بعضنا، ويميتنا الدهر؛ وليس هناك يوم آخر ولا بعث ولا نشور {قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [المؤمنون:82] أهذا كلام يصدق؟ أإذا أصبحنا رفاتاً وحمماً ورماداً من يعيدنا لنكون أحياء؟ ويأتي المجرم الكبير العاص بن وائل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وتبلغ به السخرية والاستهزاء والتبجح على الله ورسوله عليه الصلاة والسلام أن يأتي بعظم أجوف -عظم إنسان- فيحتُّه أمام الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ثم ينفخه أمام الوجه الشريف، والعينين الجميلتين، ويقول: يا محمد! أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد أن كان رفاتاً؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: {نعم. ويدخلك الله النار} السؤال واحد بجوابين، كان الجواب أن يقول: نعم. أو لا، لكنه قال: {نعم. ويدخلك الله النار} فيأتي جواب القرآن صريحاً، صادقاً، عظيماً قوياً قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} [يس:78] ولم يسم من ضرب المثل؛ لأنه تافه حقير صغير {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] من يعيدها يوم تصبح رفاتاً وتراباً، ورماداً؟! {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:78 - 79] الذي خلقها من العدم، وأوجدها بعد أن لم تكن شيئاً، هو المتكفل بإعادتها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لتكون أمةً جديدةً حية تحاسب بين يدي الله.

قصص تعالج الكفر بالبعث والنشور

قصص تعالج الكفر بالبعث والنشور أما القصص: فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بعد قصصٍ جميلة من قصص القرآن: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259] هذا عند كثير من المفسرين رجل صالح من بني إسرائيل، أو نبي، خرج بحماره ومعه عنبٌ ولحم على هذا الحمار، وهو طعامه في السفر، فمر على قرية قريبة من بيت لحم في فلسطين، فوقف على القرية وكان عهده بالقرية وهي حية ناطقة، سميعةً بصيرة، تغرد أطيارها وتهتز أشجارها، وتلمع ورودها، وينبس أحياؤها، وإذا بالقرية خامدة ميتة، لا بشر ولا حيوان، ولا طيور ولا شجر، قرية هوت على عروشها، وتهدمت منازلها، فأخذ كفاً بكف وضرب اليمنى على اليسرى، وقال وهو ينظر إلى السماء: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة:259] يقول: كيف يحيي الله هذه الأرض؟! كيف يعيدها؟! أين البشر، أين الأحياء، أين العجماوات، أين الشجر والزهر والورد؟ لا شيء، فأراد الله أن يجري عليه عملية الإحياء. يقول بعض العصريين: أدخله الله بحماره المختبر، هكذا؛ ليرى هو بنفسه كيف يميته الله ويميت حماره، ويحييه الله هو وحماره، فأماته الله وأمات الحمار مائة سنة، أما خُرجهُ وعنبه ولحمه فما أصابه شيء، لم يتعفن، ولم تصبه آفة، ولم تتغير رائحته، بقي في آنيته في خُرجِ حماره مائة سنة. قال أهل العلم: أماته الله في الضحى وبعثه بعد مائة سنة في وقت العصر، فلما بعثه الله نظر إلى الشمس، وقال: تأخرت في منامي وانقطع عني السفر، فأوحى الله إليه: كم لبثت مكانك؟ قال: (يَوْماً) ثم أدركه الورع والصدق، فقال: (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ). قال الله له: أين حمارك؟ قال: لا أدري؛ فنظر فوجد جلد حماره قد بَلي من كثرة السنين التي مرت، وإذا عظام الحمار ناخرةٌ باليةٌ هامدة، أصبحت رماداً، وإذا خُرجُه بطعامه وعنبه ولحمه. قال الله عزوجل: {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} [البقرة:259] فقال الله للرفات كوني عظاماً، فتركبت عظام الحمار؛ يداه ورجلاه، وصلبه وهيكله، بلا لحم، وبلا عصب، ولا دم، وبلا عيون، ولا آذان، فلما استقامت العظام أمامه؛ أمر الله اللحم أن يكسى على العظم، ثم ركب الله جلد الحمار، ثم عينيه، ثم أذنيه، ثم نفخ فيه الروح، فهز الحمار رأسه، قال: {وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} [البقرة:259]. وقال سبحانه: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة:259] لم يتغير، من الذي جعل الطعام الذي من طبيعته التغير أن يبقى مائة سنة لا يتغير؟!! وجعل الإنسان والحيوان الذي قد يعيش مائة سنة يموت ويبلى ثم يعود حياً؟!! إنه الله. ثم قال: {أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259] فلا يخطر على بالك وسواس الجاهلية، ولا خرافة الإلحاد والزندقة أن الله لا يبعث من في القبور. قصةٌ ثانية: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} [البقرة:126] وهذا إمام التوحيد، وشيخ العقيدة، لا يشك أبداً، ولا يتطرق إليه الشك، إيمانه كالجبال، هو الذي أتى بلا إله إلا الله، وهو الرجل الذي كان يقول وهو بين السماء والأرض، يوم قذف به إلى النار، وقد أتاه جبريل وهو بين السماء والأرض، يقول له: يا إبراهيم! ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم، فلما اقترب من النار، قال: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]. خرج إبراهيم عليه السلام مسافراً من أرض العراق. قال بعض العلماء: وصل إلى دجلة، وقيل: الفرات، فوجد بقرةً منحورةً على ضفة النهر، وهذه البقرة أتت إليها نسور السماء والصقور والغربان والذئاب والكلاب والسباع تنهش منها، كل ينهش منها نهشة حتى تركنها عظاماً، فالتفت وقال: يا رب! أتعيد هذه من بطون الوحوش يوم القيامة؟ كيف تعيدها وقد أصبحت هذه البقرة جزراً، وأصبحت نهباً ونهشاً في بطون العجماوات {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة:126] هو مؤمن، ولكن يريد أن يرى بعينه كيف يحيي الله الموتى: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} [البقرة:126] أأنت شاك إلى الآن؟ أرسلناك بالتوحيد والعقيدة وأنت تسأل هذا السؤال؟!. يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري وقد وصل إلى هذه الآية، وتبسم وقال: {رحم الله إبراهيم، نحن أحق بالشك من إبراهيم} معنى ذلك: لو كان يشك لكنا نحن نشك؛ لأنه أعظم منا إيماناً، وهذا من باب التواضع وهو يريد أن يبرئ إبراهيم عليه السلام. {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:126] قالوا: ليس الخبر كالمعاينة، قال الله: {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ} [البقرة:126] أربعة أصناف أخذها إبراهيم. قالوا: من البط والوز والحمام وطائر من عنقاء مغرب، وما علينا إلا أن تكون طيراً كما قال القرآن، أربعة أصناف، فقال الله: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:126] أي: ضمَّهنَّ، وقيل: قطِّعهُنَّ، فقطع رءوس الأربعة الطيور، ثم نثر لحمها وعظامها وريشها، وخلط بعضها ببعض، ثم جعلها على أربعة جبال وعلى كل جبلٍ قطعة من هذه الطيور، وأخذ رءوس الطيور الأربعة بيده، ثم نزل في بطن الوادي، قال الله: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:126] فنزل فقال: أيتها الطيور! إن الله يأمركِ أن تأتي، فأقبلت أرجلها، وأيديها، وأجنحتها، وريشها، ولحمها، كل طائر يركب في جسمه ورأسه ولا يركب في رأسٍ آخر. فلما أصبحت في يده وركبت فرفرفت فأطلقها فطارت ونفرت بإذن الله. هذه قضية البعث والنشور، وهي قضيةٌ كبرى، لا بد أن تعالج في أندية الناس ومجالسهم صباح مساء حتى يعيشوها حياةً واقعيةً يرونها رأي العين؛ ليصلح إيمانهم، وتستقيم أحوالهم، وتصلح أخلاقهم.

أهل الكفر يعالجون قضية الإيمان باليوم الآخر

أهل الكفر يعالجون قضية الإيمان باليوم الآخر قضية اليوم الآخر قضيةٌ عالجها حتى أهل الكفر، هذا الفيلسوف وعالم النفس الألماني كانت يقول في قانون الوجود: إن في النظر إلى الحياة دليلاً على أن هناك يوماً آخر؛ لأن مسرحية الوجود لم تنته بعد، قيل له: كيف لم تنته مسرحية الوجود؟ قال: لأننا نرى في الحياة ظالماً ومظلوماً، وغالباً ومغلوباً، ثم يموت الظالم والمظلوم، والغالب والمغلوب فلا ينتقم من هذا لهذا، ولا ينتصر لهذا من هذا، دليل على أن هناك يوماً آخر سوف يكون فيه إكمال هذه المسرحية. شهد الأنام بصدقه حتى العدا والحق ما شهدت به الأعداء وسوف يكون هناك تعريج على حياة الصحابة، وموقفهم من اليوم والآخر، جعلنا الله وإياكم من المؤمنين الصالحين الصادقين. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم

الصحابة والإيمان باليوم الآخر

الصحابة والإيمان باليوم الآخر الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: فقد رفع عليه الصلاة والسلام قلوب أصحابه إلى درجة أن ترى اليوم الآخر كأنها تراه رأي العين. أثر عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [[والذي نفسي بيده! لو كشف الله لي الغطاء، ورأيت الجنة والنار، والحوض والصراط والميزان، ما زاد ذلك على ما عندي من إيمان مثقال ذرة]] معنى ذلك: أنه أصبح يتصور اليوم الآخر كيومه الذي يعيشه الآن، وهذا الفارق بيننا وبين الصحابة؛ أن إيماننا إيمان ظن، وإيمانهم يقين، وأنهم يعملون لليوم الآخر كما نعمل نحن ليومنا الحاضر، وأنهم كانوا يتمنون على الله أن يبقي نعيمهم ولذتهم وسعادتهم لليوم الآخر، ونحن نتمنى أن يعجل لنا ربنا سعادتنا وراحتنا ونصرنا في هذه الدار، وكانوا يعيشون طموحاً ليومٍ آخر، إذا رأوا قصور أهل الدنيا تمنوا من الله قصوراً في الجنة، وإذا رأوا بساتين أهل الدنيا سألوا الله بساتين وحدائق الجنة، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} [الفرقان:10]. مر عمر رضي الله عنه وأرضاه على جابر بن عبد الله، وقد اشترى جابر لحماً من السوق لأهله، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[يا جابر! ما هذا؟ قال: لحمٌ يا أمير المؤمنين، قال: أتأكل اللحم دائماً؟ قال: اشتهيته -يا أمير المؤمنين- فاشتريته، قال: أكلما اشتهيت اشتريت؟! والذي نفسي بيده! إني لأعلمكم بأحسن المطاعم، لكن أخشى أن أعرض على الله مع قومٍ قال فيهم: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف:20]]] كان عمر يؤجل أكل اللحم ولذائذ المطعومات والمشروبات والملبوسات ليوم العرض الأكبر، كان يرى أنه إذا قدم شيئاً واستهلك شيئاً إنما هو على حساب نعيمه وسعادته عند الله عزوجل. ويحضر الصحابة بدراً، ويخرجون صفوفاً للقاء العدو، ويسلون السيوف، ويقول عليه الصلاة والسلام لهم: {يا أهل بدر! إن الله قد اطلع عليكم فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، يا أهل بدر! والذي نفسي بيده! ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة} فيأتي عمير بن الحمام الأنصاري -الذي كان يأكل التمرات من الجوع- فيقول: يا رسول الله! أسألك بالله ما بيننا وبين الجنة إلا أن يقتلنا هؤلاء؟ قال: إي والذي نفسي بيده، فألقى التمرات من يده، وأخذ غمد السيف فكسره على ركبته، وقال: بخٍ بخٍ إنها لحياة طويلة إذا بقيت حتى آكل هذه التمرات، فتقدم وقتل فلقي الله شهيداً، لماذا؟ لأنه صدَّق موعود الله عز وجل، وعلم أن هذا يقين لا شك فيه.

علامات عدم اليقين باليوم الآخر

علامات عدم اليقين باليوم الآخر إن من علامات التسويف وعدم اليقين باليوم الآخر: الركون إلى الدنيا والتلذذ بها، وطلب طول العيش والبقاء، حتى إن البعض يهرب من الموت، ولا يحب مرور ذكره على مسمعه؛ لأنه تنغيص للحياة. وتجد بعض الناس يتضايق كثيراً يوم تعاد عليه أنباء الموتى، وأخبار القبور والوعيد والزجر في القرآن، ويقول: دعونا نأكل ونشرب في أمنٍ وسعادة. إن بعضهم ركن إلى وظيفته ومنصبه وحياته؛ حتى نسي اليوم الآخر تماماً، ولو كان يصلي، ويزكي، ويَحج ويعتمر. قيل للفضيل بن عياض: كيف ذكرك للآخرة؟ قال: والله ما رفعت رجلاً إلا ظننت أني لا أضعها. وقال الربيع بن خثيم: إنني أنتظر الموت مع تردد الأنفاس. كلما أُخرِج نفساً أرى أن الله سوف يقبض روحي قبل أن يعود إليَّ النفس. هذا فارق بيننا وبين السلف، ومن أعظم ما يذكرنا لقاء الله واليوم الآخر، تدبر القرآن، والوقوف مع آياته، وعجائبه، وزيارة القبور التي شهدت مصرع العظماء والزعماء والأغنياء والشرفاء والنبلاء. أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر فيا سائلي عن أناس مضوا أما لك فيما مضى معتبر تروح وتغدوا بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور هذه قضيته عليه الصلاة والسلام الثانية الكبرى مع قضية التوحيد، قضية البعث والنشور، والتي آمن بها بعض الناس بلسانه ولم يؤمن بها وجدانه وعمله. فنسأل الله لنا ولكم إيماناً صادقاً، ويقيناً ثابتاً، وإسلاماً واضحاً، وثباتاً على الحق حتى نلقى الله. عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صل على نبيك وحبيبك، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين. وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه يا رب العالمين. اللهم اهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وثبتنا على الحق حتى نلقاك. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، التي تدلهم على الحق وتجنبهم الباطل. اللهم أصلح شباب المسلمين. اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون لإعلاء كلمتك في كل مكان. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الرد على شبهة

الرد على شبهة الحق والباطل دائماً في صراع، ودعاة الباطل دائماً يكيدون للإسلام، ومن مكائدهم التشكيك في نبوة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، ومن هؤلاء رشاد خليفة، والخميني، والقذافي. ولا ينبغي لأهل الحق أن يقفوا ساكتين بل ينبغي لهم أن يردوا على افتراءاتهم حتى لا يغتر بها عوام الناس. ومما يجب أن نذكره للناس معجزات الرسول كانشقاق القمر، والإسراء والمعراج، ونبع الماء من بين أصابعه، وقبل ذلك كله معجزة القرآن الكريم.

من دلائل النبوة

من دلائل النبوة الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للسنة، فانقادت لاتباعها، وارتاحت لسماعها، وأمات نفوس أهل الباطل بالبدعة بعد أن تمادت في ابتداعها، وتغالت في نزاعها، والصلاة والسلام على من اتصلت به أنوار الهدى بعد انقطاعها، والذي ارتفعت به كلمة التوحيد في شمولها واتساعها، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، شهادةً أدخرها لي ولكم ليوم العرض الأكبر على الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله: سمعتم، أو قرأتم ما فعل المبطلون المجرمون في مقالاتهم، وفي نشراتهم، وفي صحفهم من اعتراض على نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام، واتهام له أن نبوته أتت بالصدفة، وتزعَّم كبر ذلك وإجرام ذلك ما يسمى بـ رشاد خليفة، وهو رجل مبتدع ضال، أضله الله على علم، يعيش في أمريكا، وله حزب كبير، وله أتباع وطائفة، أنكر السنة، ثم أنكر نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، واتفقت هذه المقالة مع آخر كتاب صدر للخميني المبتدع الضال، والذي قال فيه: إن نبينا عليه الصلاة والسلام كانت نبوته صدفة واتفاقاً وأخذها ولم تكن له. وثالثة الأثافي صاحب الكتاب الأخضر الذي قال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام رجل بدوي بسيط، وإنه لعب على البدو بالمقالات حتى ظنوه نبياً، وليس بنبي، وليس الغريب أن يصدر هذا الكلام عن هؤلاء المجرمين: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيرا ً) [الفرقان:31] ولكن الغريب أن يقف أهل الحق، وأهل الفكر، وأهل العلم، وأهل القلم جامدين خامدين لا يكتبون، ولا يردون، ولا يخطبون، ونبوة نبينا عليه الصلاة والسلام كالشمس، بل أعلى وأوضح من الشمس في رابعة النهار. قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ وينكر الفم طعم الماء من سقم الرسول عليه الصلاة والسلام ثبتت معجزات نبوته بالآيات الكونية والشرعية والسماوية والأرضية، والرسول عليه الصلاة والسلام له أكثر من ألف معجزة، والرسول عليه الصلاة والسلام سخر الله له الكون حتى جعل له من الكون آيات ومعجزات، فالقمر شق له، الشجر جاءت تمشي إليه، والحمامة وقفت على رأسه، والعنكبوت نسجت على غاره عليه الصلاة والسلام، والماء نبع من بين أصابعه الكريمة، والغزال توقف له، علَّم الناس بعلم من علم الغيب الذي علَّمه الله إياه، فقد دبرت له أكثر من عشر محاولات اغتيال، ويخبر بمن دبرها وصنفها، ومن أنتجها وأخرجها.

القرآن أعظم معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم

القرآن أعظم معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأكبر معجزة لرسولنا عليه الصلاة والسلام معجزة القرآن الكريم، الذي مر عليه ما يقارب خمسة عشر قرناً، وهو لا يزداد إلا قوةً ونصراً وتأييداً من رب العزة سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]. تحدى الله به أفصح أمة نطقت بالضاد، أمة الخطباء، أمة الأدباء، أمة الشعراء، فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23] وقال عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} [الأحقاف:8] وفي آية ثالثة: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:34]. نزل عليه الصلاة والسلام إلى الحرم، فاجتمع إليه سادات قريش، وخطباء قريش، وأدباء قريش، فقال بعضهم لبعض: أرسلوا رجلاً منكم إلى هذا الرجل الذي سب آلهتنا، وسفه آراءنا، وذم أجدادنا، واسألوه ماذا ينقم علينا، فأرسلوا عتبة بن ربيعة فلما وصل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {ماذا تريد يا محمد منا؟ إن كنت تريد زوجةً زوجناك، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك، وإن كنت تريد مالاً سودناك وأعطيناك، فقال عليه الصلاة والسلام: أفرغت يا أبا الوليد قال: نعم، قال: اسمع، فلما أنصت اندفع عليه الصلاة والسلام يقرأ عليه سورة فصلت، فلمَّا بلغ قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:13] قام عتبة ووضع يده على فم الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: أسألك بالله وبالرحم، ثم عاد، فإذا وجهه مغبرٌ مقيتٌ كسيفٌ، فقال له الكفار: لقد جئتنا بغير الوجه الذي ذهبت به} وحين سأل المشركون الوليد بن المغيرة أن يقول في القرآن شيئاً قال: لقد سمعت الشعر هزله ورجزه، وسمعت السحر نفثه ورفثه، وسمعت الشعوذة، وسمعت الكهانة، والله ما هو بسحر، والله ما هو بشعر، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، إن له لحلاوة، وإن أعلاه لمورق، وإن أسفله لمغدق، فقالوا: لا تفارق مجلسنا حتى تقول في القرآن شيئاً، فعبس بوجهه وبسر، وتلفت ماذا يقول، فقال: إن هو إلا سحر يؤثر، فقال الله له: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً} [المدثر:11 - 13] كان فقيراً ممحلاً، فآتاه الله من الأموال حتى إنه كان يقسِّم الذهب بالفئوس، وآتاه عشرة من الأولاد {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:15 - 26] جهنم يدخلها؛ لأنه كذَّب بآيات الله. فهذا القرآن تحدَّى الله العرب أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من سوره أو بسورة أو بآية من آياته، فلم يستطيعوا، ولذلك كان القرآن أعظم معجزة لرسولنا عليه الصلاة والسلام.

انشقاق القمر

انشقاق القمر خرج صلى الله عليه وسلم إلى الناس، وقد اجتمعوا في الحرم، فقال: {يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله؛ تفلحوا} فقال له أبو جهل ويحلف باللاَّت والعزى لا نؤمن لك حتى يشق له القمر، فيقول عليه الصلاة والسلام: أفإن شقَّ الله لي القمر أتؤمنون بي؟، قالوا: إي وكرامة عين لك، فنظر عليه الصلاة والسلام إلى القمر ليلة أربعة عشر وهو في كبد السماء، وقد امتلأت الدنيا من جماله وصفائه وبهائه، والناس ملء الحرم، فدعا الله أن يشق له القمر، فانشق القمر قسمين فلقتين فاتجهت فلقة إلى عرفات وفلقة إلى جبل أبي قبيس، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، وهم ينظرون ويرون ويبصرون، فماذا كان ردهم؟ نفضوا ثيابهم، وقاموا من مجالسهم، يقولون: سحرنا محمد، سحرنا محمد، ولذلك سوف يوردهم الله النار يوم القيامة، ويقول لهم وهم يرون النار: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15]. ويقول الله: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر:14 - 15] يقول الله جل ذكره: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر:1 - 5].

الإسراء والمعراج

الإسراء والمعراج ومن معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام معجزة الإسراء والمعراج، بات عليه الصلاة والسلام في بيته في مكة، نام على فراشه، فأتاه جبريل، وقال: إن الله يأمرك أن تتهيأ ليسرى بك إلى بيت المقدس، ومن بيت المقدس إلى السماء السابعة ليكلمك الله، فتهيأ عليه الصلاة والسلام، وركب البراق، وهو دابة تشبه الفرس، تضع حافرها عند انتهاء بصرها، وذهب معه، فقطع مع جبريل مئات الأميال في لحظة من ليلة، فوصل بيت المقدس، فدخله في الليل، أول دخوله إلى القدس، إلى القدس السليب، إلى القدس الذي ضيعه المسلمون يوم ضيعوا لا إله إلا الله. فدخل صلى الله عليه وسلم وربط الفرس، فجمع الله له الأنبياء والرسل كلهم -كما يقول ابن كثير وغيره- فلما التفتوا من يصلي بهم قدَّموا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فصلى بهم ركعتين. أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم كنت الإمام لهم والجمع محتفلٌ أعظم بمثلك من هاد ومؤتم لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر، أو كالجند بالعلم حتى بلغت مكاناً لا يطار له على جناح ولا يسعى على قدم وقيل: كل نبي عند رتبته ويا محمد هذا العرش فاستلم فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من الركعتين، نظر إلى وجوه الأنبياء والرسل، إلى أفضل من خلق الله، وأشرف من خلق الله، وأصدق من بعث الله، فأراد أن يسألهم كما قال الله له في سورة الزخرف: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45] أراد أن يسألهم فرأى الجلالة، ورأى الصدق والإخلاص في وجوههم فاكتفى بالمنظر عن السؤال. ثم صعد هو وجبريل عليهما السلام إلى السماء الدنيا، وبينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة عام، وجرم السماء خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، فطرق جبريل، فقيل له: من؟ قال: جبريل وعرفوه، قالوا: من معك؟ قال: محمد عليه الصلاة والسلام، ومر عليه الصلاة والسلام بإخوانه الأنبياء والرسل، يسلم عليهم واحداً واحداً، رأى يوسف عليه السلام، وقد أوتي شطر الحسن، ورأى يحيى بن زكريا، ورأى آدم في سماء الدنيا، وعن يمينه أسودة، وعن يساره أسودة يلتفت إلى اليمين فيضحك، ويلتفت إلى اليسار فيبكي، فقال لجبريل: من هؤلاء؟ قال: أما الذين عن يمينه فأهل الجنة، وأما الذين عن يساره فأهل النار نعوذ بالله من أهل النار، ورأى هارون، ورأى موسى في السادسة، فسلم عليه وكلمه، ورأى إبراهيم أبا الأنبياء في السابعة، فكلمه وآنسة ولاطفه حتى وصل صلى الله عليه وسلم إلى بساط حديث القدس، ولم ير ربه، قيل له: {هل رأيت ربك يا رسول الله؟ قال: نور أنى أراه} وكلمه الله، وفرض عليه الصلوات الخمس، الصلوات الخمس كانت خمسين، فاستحيا صلى الله عليه وسلم أن يراجع ربه، فلمَّا عاد إلى موسى في السادسة، قال: كم فرض الله عليك؟ قال: خمسين صلاة، قال: إن أمتك لا تطيق ذلك، وقد جربت أنا بني إسرائيل بأقل من ذلك، فعد إلى ربك، فراجع صلى الله عليه وسلم ربه حتى خفف الله علينا إلى خمس صلوات، فهي في الأجر خمسون، وأما في العمل فهي خمس، فجزى الله موسى عنا خير الجزاء. ورأى صلى الله عليه وسلم الجنة والنار، وعاد إلى الدنيا، عاد إلى مكة، عاد إلى بيته في مكة، وأمسى في فراشه، وفي الصباح خرج يصلي صلى الله عليه وسلم فاجتمع كفار قريش يتضاحكون يقول أبو جهل: ماذا حدث لك يا محمد البارحة؟ يستهزئ ويستهتر ويضحك، ولكن سيعلم الظالمون لمن عقبى الدار، فقال عليه الصلاة والسلام: حدث البارحة أمر عجيب عظيم، قالوا: ماذا حدث؟ قال: أسري بي إلى بيت المقدس في فلسطين، وصليت بالأنبياء، فتمايلوا من الضحك، وانظروا إلى مرارة الموقف، ومرارة التكذيب، والرسول صلى الله عليه وسلم فريد غريب ما له ناصر إلا الله، ولا له مؤيد إلا الله، يضحكون عليه، فيقول أحدهم وكان شيخاً كبيراً في السن أظنه الوليد بن المغيرة قال: يا محمد! ما جربنا عليك كذباً، إن كنت صادقاً وأنه أسري بك؛ فنحن نعرف بيت المقدس سافرنا إليه في التجارة، وعرفناه باباً باباً، فصِفْ لنا بيت المقدس وذهابه صلى الله عليه وسلم كان في ظلمة الليل الدامس، ولم ير الأبواب كلها، ولم ير النوافذ والسواري، فعرق صلى الله عليه وسلم، وأصابه من الكرب ما الله به عليم؛ لأنه إذا لم يستطع فمعناه أنه يكذب! وكيف يكذب على الدنيا وعلى المعمورة؟! فقرب الله له بيت المقدس حتى رآه في ناحية الحرم، فأخذ يصفه باباً باباً، ونافذةً نافذةً، فقال: والله ما زدت ولا نقصت شيئاً. ثم قال صلى الله عليه وسلم: سوف تقدم قافلتكم غداً التي أرسلتموها للتجارة غداً يتقدمها جمل أورق، عليه غرارتان، ورعى منكم رعيان في وادي كذا وكذا، وسوف يقدمون غداً، وقد انكسرت رجل ناقة من نوقهم، وانتظروا الصباح، فقدمت القافلة، وعليها الجمل الأورق وعليه غرارتان، وأتى رعيان الإبل، فسألوهم ماذا حدث؟ قال راعٍ منهم: انكسرت رجل ناقتي {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] وهذه ثلاث معجزات من ألف معجزة للرسول عليه الصلاة والسلام. لقد شهدت السماء بنبوته، ولقد شهدت الأرض برسالته، ولقد آتاه الله من الآيات والمعجزات ما هو كفيل بدمغ كل مفترٍ على الله، ودجال على الله {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33]. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله. أمَّا بَعْد: لقد ظهرت معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام الكونية كمعجزاته الخُلقية والخَلقية، تصوروا إنساناً يعيش (63) سنة، فلا يكذب كذبة، ولا يغدر غدرة، ولا يخون خيانة، ولا ينظر نظرة سيئة، ولا يخالف مخالفة، والرسول عليه الصلاة والسلام من رآه لأول وهلة، علم أنه رسول الله، يقول أبو هريرة وقد سئل عنه: {والذي نفسي بيده، كأن الشمس تجري في وجهه} ويقول أنس: {والذي نفسي بيده، لقد نظرت إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى البدر ليلة أربعة عشر، فلوجهه صلى الله عليه وسلم أجمل وأحسن وأبهى من البدر ليلة أربعة عشر}.

قصة ابن سلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم

قصة ابن سلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم رآه عبد الله بن سلام أحد أحبار اليهود، وهو يروي القصة، قال: رأيت الناس انجفلوا -أي: اجتمعوا في سوق المدينة- فكنت فيمن اجتمع، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من مكة مهاجراً، قال: فزاحمت حتى رأيت وجهه، فلمَّا رأيت وجهه إذا وجهه علمت أنه ليس بوجه كذاب -وجهه وجه صادق، وجهه وجه مخلص، وجهه وجه منيب- قال: فسمعت كلامه فإذا هو يقول: يا أيها الناس! أفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام، فقلت: يا رسول الله! أسألك عن ثلاث - وهذا الرجل عالم من علماء بني إسرائيل علمهم الله في التوراة أموراً علمها رسول الله عليه الصلاة والسلام - قلت: يا رسول الله! أسألك عن ثلاث لا يعلمها إلا نبي، قال: اسأل، قلت: ما أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوا الجنة؟ ولماذا يشبه الولد أباه، أو أمه؟ وما هي أول علامات الساعات الكبرى؟ قال: أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوا الجنة زيادة كبد الحوت، وأما لم يشبه الولد أباه أو أمه، فماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فإذا علا هذا على هذا أشبه أباه، أو أمه، وأما أول علامات الساعة الكبرى، فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، قلت: والذي بعثك بالحق نبياً إنك لرسول، والله لا يعلمها إلا رسول، فأنا يا رسول الله! من أحبار اليهود ومن علمائهم، اجعلني في هذه المشربة -غرفة وراء الرسول عليه الصلاة والسلام- واجمع اليهود، واسألهم عني قبل أن تخبرهم أني آمنت وأسلمت، فأدخله صلى الله عليه وسلم، وجمع اليهود، وقال: كيف ابن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، وفقيهنا وابن فقيهنا، قال: أفرأيتم إن آمن وأسلم، قالوا: أعاذه الله من ذلك، قال: فإنه آمن، فخرج عليهم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، وسيئنا وابن سيئنا، وخبيثنا وابن خبيثنا، فأنزل الله قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأحقاف:10] ويقول الله لهم: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89].

حمرة ترفرف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم

حمرة ترفرف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم {تأتي حمامة، والرسول عليه الصلاة والسلام جالس بين أصحابه، فترفرف على رأسه - كما في سنن أبي داود - فيقول عليه الصلاة والسلام: أتدرون ماذا تقول هذه؟ - عندها فراخ وعش- قالوا: ما ندري يا رسول الله! قال: إنها تشكو إلي أن رجلاً منكم أخذ فراخها من فجع هذه بفراخها؟ ردوا عليها فراخها، قال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله! فأعاد فراخها في عشها، فعادت مرفرفة شاكرة} ولذلك يقول أحد الأدباء: جاءت إليك حمامةٌ مشتاقةٌ تشكو إليك بقلب صبٍ واجفِ من أخبر الورقاء أن مكانكم حرمٌ وأنك ملجأٌ للخائفِ

جمل يشكو لرسول الله صلى الله عليه وسلم

جمل يشكو لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي السير بأسانيد جياد، {أن جملاً من جمال الأنصار شرد في مزرعة، ودخل صلى الله عليه وسلم المزرعة، فرآه الجمل، فيأتي إليه ويضع خده في الأرض، وتدمع عين الجمل، فيقول عليه الصلاة والسلام: أتدرون ماذا يقول هذا الجمل؟ قالوا: لا والله، قال: والذي نفسي بيده، إنه ليشكو إليَّ ظلم صاحبه، يجيعه ويظمئه ويحمله مالا يطيق، ثم أتى إلى الرجل فوعظه وأدبه وعلمه} ولذلك يقول الله له: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].

الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم

الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم يظمأ الصحابة، وينقطع ماء الغسل والوضوء عنهم، فيأتون بصحفة فيقدمونها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وهم سبعمائة، أو أكثر، فيقول: هل عند أحد منكم ماء؟ فيقول أحد منهم: عندي ماء في شن -في قربة صغيرة- فيقول: تعال به، فيصب على أصابعه الشريفة والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: بسم الله، فتثور أصابعه كالأنهار تمتلئ الصحاف ويتوضأ السبعمائة، ويشربون، ويغتسلون، ويسقون خيولهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يتبسم ويقول: أشهد أني رسول الله. إي والله أشهد أنك رسول الله، أشهد أنك رفعت علم الإنسانية، وأنك أوضحت معالم البشرية، وأنك دكدكت أركان الوثنية.

رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه لقد عاش الرسول صلى الله عليه وسلم بين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وما ذاك إلا لأنهم تربوا على يد المعلم الجليل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخرجوا من مدرسة النبوة. ومن هؤلاء الخلفاء الراشدين، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي الذين قادوا الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ومنهم سعد بن أبي وقاص، خال رسول الله وقائد معركة القادسية، ومنهم حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس، ومنهم أيضاً إمام العلماء معاذ بن جبل.

أبو بكر الصديق رضي الله عنه

أبو بكر الصديق رضي الله عنه الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها المؤمنون: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. هذا درس رمضاني بعنوان: "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" وهؤلاء الرجال هم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان، وأئمة أهل الإسلام. أولاً: الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وأبو بكر أول الخلفاء الراشدين وأول العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم وأرضاهم. أبو بكر لم يملك شيئاً من ميزات الدنيا إلا أنه عبدٌ لله، وكان أول من أسلم من الرجال، وقدَّم ماله للرسول صلى الله عليه وسلم حتى كان صلى الله عليه وسلم يقول: {لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن صاحبكم خليل الرحمن} عليه الصلاة والسلام. هو تيمي من قريش، لم تكن أسرته بتلك القوية العريقة، ولكن رفعه إسلامه وإيمانه، يقول عمر: قلت في نفسي لأسبقن أبا بكر هذا اليوم، فأخذ نصف ماله فذهب به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال-: يا رسول الله! خذ هذا النصف من المال، قال: ماذا أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم نصف المال، فجاء أبو بكر فتصدق بماله كله، فقال صلى الله عليه وسلم: ماذا أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قال عمر: والله لا أسابق أبا بكر بعدها أبداً. وكما هو معلوم أن النار لها سبعة أبواب أعاذنا الله من النار {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران:192]. وللجنة أبواب ثمانية؛ نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الداخلين من تلك الأبواب. بشرى لنا معشر الإسلام أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ما بين المصراع والمصراع في الباب الواحد كما بين أيلة إلى صنعاء -وأيلة هي بيت المقدس الذي يرضخ اليوم تحت الاحتلال، هذا مقدار الباب الواحد- وإنه يأتي يوم القيامة وهو كظيظ من الزحام} فنسأل الله أن يجعلنا ممن يزاحم في ذاك الباب، فقال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: {إن للجنة أبواباً ثمانية فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة} يعني من أكثر من الصلاة حتى اشتهر بها، ولا يقصد مجرد الصلوات الخمس؛ لأن كل إنسان يصلي الصلوات الخمس، لكن يقصد عليه الصلاة والسلام الذي يتنفل حتى يعرف بالصلاة، قال: {فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! أيدعى أحد من تلك الأبواب الثمانية؟ قال: نعم. وأرجو أن تكون منهم} هو يدعى يوم القيامة من الأبواب الثمانية، هو أول المصلين، ومع الصائمين في أولهم، ومع الذاكرين في مقدمتهم، ومع المجاهدين رضي الله عنه وأرضاه. وفي الأثر المشهور: والله ما فاقهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة، ولكن بإيمان وقر في قلبه، فميزة أبي بكر على غيره من المسلمين أنه يعبد الله كأنه يراه، وفي كتاب الزهد للإمام أحمد أنه قال وهو على المنبر: [[يا أيها الناس! استحيوا من الله، فو الله الذي لا إله إلا هو إني لأذهب إلى الخلاء فأضع ثوبي على وجهي حياءً من الله]] بلغت منزلة مراقبته لله أنه يستحي منه في وقت قضاء الحاجة، لأنه يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهذه درجة الإحسان. وقد امتاز أبو بكر رضي الله عنه كذلك بالخشية، وهذا الذي ينبغي أن نستحضره في هذا الشهر الكريم، خشية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، لأن المقصد من الصيام والصلاة هو خشية الله تبارك وتعالى، فامتاز أبو بكر من بين الناس بشدة خشيته لله، يذكر عنه الإمام أحمد في كتاب الزهد يقول: دخل أبو بكر مزرعة رجل من الأنصار بعد موت الرسول، وفي أثناء دخوله إذا بطائر يطير من شجرة إلى شجرة، فجلس أبو بكر يبكي، قال له الصحابة: مالك يا خليفة رسول الله؟ قال: ليت أمي لم تلدني، يا ليتني كنت طائراً أرد الماء وأرعى الشجر ثم أموت لا حساب ولا عقاب فلو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حيٍ ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيّ ومن ميز الصالحين هضم النفس، تجد المصلي الصائم المتصدق العابد يهضم نفسه، وتجد المعجب المغرور المنافق يمدح نفسه، قال البخاري في كتاب الصحيح: وقال الحسن البصري: "ما خافه -أي النفاق- إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق".

من مواقف أبي بكر الصديق المشرفة

من مواقف أبي بكر الصديق المشرفة وأبو بكر رضي الله عنه وقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي أخطر مواقف تاريخه الرسول صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر معه، وأنا أذكر ثلاثة مواقف: الموقف الأول في الغار: وصاحب الغار إني سوف أذكره وطلحة بن عبيد الله ذي الجود دخل صلى الله عليه وسلم الغار هارباً من قريش، فأعلن الكفار حالة الاستنفار في مكة، وسدوا الطرق الداخلة إلى مكة والخارجة، فدخل عليه الصلاة والسلام مع صاحبه أبي بكر في الغار، وجلس عليه الصلاة والسلام هو وأبو بكر حتى طوق المشركون الغار. ولكن حينما أراد الله أن يحفظ رسوله سخر عنكبوتاً فنسجت بيتاً على فم الغار، ومن العادة أن الإنسان إذا دخل الغار شق بيوت العنكبوت، وأتت الحمامة وبنت عشها في فم الغار وباضت في هذا العش، فأتى كفار قريش معهم السيوف تقطر حقداً وضغينةً على المصطفى عليه الصلاة والسلام، أرادوا الدخول وإذا ببيت العنكبوت، وإذا بعش الحمامة، فوجموا وقد نظم هذا المعنى بعضهم فقال: ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم ثم صعدوا على ظهر الغار فأخذ أبو بكر ينظر فيرى أقدامهم فيقول: يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم إلى موطن قدميه لرآنا، فيتبسم عليه الصلاة والسلام تبسم الواثق الذي امتلأ قلبه إيماناً وثقة بالله، الذي يتبسم للمستقبل، يحفر الخندق في المدينة وتقع مسحاته عليه الصلاة والسلام على الصخر ويبرق من الصخر بارق فيقول: {تفتح لي قصور كسرى وقيصر إن شاء الله} فيضحك المنافقون ويقولون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً، ولكن والله فتحها الله عليه وفتح ما هو أكبر وأكثر، فوصلت جيوشه إلى أسبانيا وإلى السند وإلى الهند فيقول: {يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما} وخرج من الغار بسلامة الله وحفظه ورعايته: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] ولذلك يقول أحد العلماء من المفكرين: الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لـ أبي بكر في النكبات: إن الله معنا، أتاه الفقر من كل جانب فقال: لا تحزن إن الله معنا، أتته بعض الغلبة أو ما تسمى بالهزائم فقال: لا تحزن إن الله معنا، اجتمع عليه اليهود والمشركون والمنافقون فقال: لا تحزن إن الله معنا. والموقف الثاني في بدر: قام عليه الصلاة والسلام قبل معركة بدر بليلة واحدة، ومعركة بدر تصفية بين الحق والباطل، فوقف الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو في الليل حتى سقط برده من على كتفيه وهو يقول: {اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض بعد اليوم} ثم أخذ يدعو عليه الصلاة والسلام ويبتهل إلى الله، فأتى أبو بكر فرد عليه البردة وقال: كفاك مناشدة لربك يا رسول الله! فو الله لينجزن الله لك ما وعدك. قال أهل العلم: كان الرسول صلى الله عليه وسلم أعرف بالله، فإن الله عز وجل يحب الملحين بالدعاء، ويحب المتضرعين والباكين، ويحب الذين يخلصون ويكثرون في الدعاء، بخلاف المخلوقين فإن أحدهم إذا ألححت عليه في الطلب غضب، أما الله فإنه كلما دعوته رضي عنك، وإذا رأيت العبد يكثر من الدعاء والابتهال فاعرف أنه مؤمن، واعرف قيم الناس وميزان الناس بكثرة دعائهم. الموقف الثالث: يوم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة وتبعه سراقة بن مالك فكان صلى الله عليه وسلم يمشي في الطريق ويقرأ القرآن ويلتفت، فيقول أبو بكر: يا رسول الله! الطلب وراءنا، قال: يا أبا بكر! لا تحزن إن الله معنا، ثم دعا على فرس ذلك في قصة طويلة، قال أهل العلم: فكان أبو بكر يأتي مرة عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم ومرة عن يساره ومرة أمامه ومرة خلفه، فيقول صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر! مالك مرة عن يميني ومرة عن شمالي ومرة أمامي ومرة خلفي؟ قال: يا رسول الله! أذكر الرصد -الكمين- فأتقدم ليأتيني ولا يأتيك، وأذكر الطلب فأكون خلفك وأخاف أن تؤتى عن يمينك فأتيامن، وأخاف أن تؤتى عن يسارك فأتياسر أو أتشامل أو كما قال. وتولى الخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان هزيل الجسم حتى أنه كان يوتر قبل أن ينام، لكن في قلبه همة عالية تنسف الجبال، صنع الله الذي أتقن كل شيء، ولما توفي عليه الصلاة والسلام كان أبو بكر غائباً عن المدينة فقد كان له مزرعة، فكان في مزرعته في عالية من عوالي المدينة معه فرس وإذا بـ المدينة ترتج بالبكاء، واختلط بكاء النساء بالأطفال والرجال، فأعظم مصيبة في تاريخ الإنسان، موت الرسول عليه الصلاة والسلام. وإذا أتتك من الأمور مصيبة فاذكر مصابك بالنبي محمدِ وأتاه الخبر وهو في المزرعة، فركب فرسه ومعه عصا، وأتى إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وإذا الناس يموجون مثل البحر لا تسمع ماذا تقول لسانك من كثرة البكاء، قال: مالكم؟ قالوا: توفي الرسول عليه الصلاة والسلام، فسكت وما كلم أحداً وقال: الله المستعان إنا لله وإنا إليه راجعون! فثبته الله، وشق الصفوف حتى وصل إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة التي هو مدفون فيها صلى الله عليه وسلم. نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم فدخل وكشف الغطاء عن وجه الرسول عليه الصلاة والسلام فإذا هو قد مات، فقبل وجهه، ودمعت عينا أبي بكر على وجه المصطفى عليه الصلاة والسلام ثم قال له: [[بأبي أنت وأمي؛ طبت حياً وطبت ميتاً، أما الميتة التي كتبت عليك فقد ذقتها، ولكن والله لا تموت بعدها أبداً]] ثم خرج على الناس فسكتهم وأتى إلى عمر رضي الله عنه عند المنبر في المسجد، وقد سل عمر سيفه وقال: [[من زعم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد مات ضربت عنقه بهذا السيف، إنما يغيب صلى الله عليه وسلم بعض الأيام كما غاب موسى يكلم ربه]] كما يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف:142]. فأتى أبو بكر وعمر يخطب وقال: اسكت يا ابن الخطاب! ثم ارتقى أبو بكر المنبر وقال: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ثم قرأ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] فخر عمر مغشياً عليه من البكاء، يقول عمر بعد أن رشوه بالماء واستفاق: والله الذي لا إله إلا هو كأني ما سمعت هذه الآية إلا ذاك اليوم، ثم قام أبو بكر رضي الله عنه فخطب الناس خطبة في اليوم الثاني، فما استطاع من البكاء أن يتكلم، يتصور ذكريات الشباب والفتوة والحياة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، يتذكر من كان إماماً بهم وخطيباً، ويتذكر المسجد ومن بناه، ويتذكر هذا الدين ومن أتى به، فإذا هو قد مات، فما استطاع أن يتكلم لأنه يتدفق بالبكاء فقام عمر فتكلم كلمة أبي بكر وأثنى على أبي بكر.

منجزات أبي بكر الصديق في عهد الخلافة

منجزات أبي بكر الصديق في عهد الخلافة واستمر أبو بكر رضي الله عنه في الخلافة سنتين وستة أشهر وقيل أكثر أو أقل، لكنه ما بقي إلا فترة وجيزة، ومع ذلك فقد أنجز فيها منجزات نذكر بعضها ثم نخلص بدروس بعد ذلك إن شاء الله. منها حروب الردة فقد ارتدت العرب أو أكثرها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقوم من العرب يقولون: الرسالة قد انتهت بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، وقوم يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله قد ماتت، وقوم يقولون: الكتاب هذا قد انتهى بموت هذا الرسول ولو كان رسولاً حقاً ما مات، فارتدوا على أعقابهم كافرين، وطائفة من العرب ما ارتدوا وإنما أنكروا الزكاة، قالوا: كانت تدفع للرسول عليه الصلاة والسلام وقد مات، إذاً فلا ندفعها، حتى يقول شاعرهم: رضينا رسول الله إذ كان بيننا فما بالنا نرضى بحكم أبي بكر أيملكها بكر إذا قام بعده فتلك لعمر الله قاصمة الظهر فقام أبو بكر في يوم الجمعة وقال: [[ما رأيكم في من منع الزكاة؟ فقام عمر وقال: لا نقاتلهم ونأخذهم بالتي هي أحسن، وقال للصحابة: ما رأيكم؟ فقالوا: لا نقاتلهم، وقال للمسلمين من المهاجرين والأنصار: ما رأيكم؟ قالوا: لا نقاتلهم، وقال للعرب من المسلمين: ما رأيكم؟ فقالوا: لا نقاتلهم، فقام رضي الله عنه وسل سيفه وصعد المنبر وقال: والذي نفسي بيده لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، فقال عمر: فلما رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر لقتالهم علمت أنه الحق]] فقاتلهم وانتصر عليهم رضي الله عنه. ومضى في زهدٍ وعبادةٍ، وفي تقوى لله، وكان رضي الله عنه يتميز بالخشية كما تقدم، فإنه يقوم يصلي بالناس فلا يدرون ما يقول من البكاء. وفي صحيح البخاري لما مرض صلى الله عليه وسلم مرض الموت قال: {مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس} فتقول بنت أبي بكر عائشة: يا رسول الله! إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام لم يسمعه الناس من البكاء، قال: {مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس}. وحضرت أبا بكر الوفاة فمرض حتى مات يوم الإثنين، وفيه قال: متى توفي الرسول عليه الصلاة والسلام؟ قالوا: يوم الإثنين، قال: ما هو هذا اليوم؟ قالوا: يوم الإثنين، فقبض في ذاك اليوم، ولما أتته سكرات الموت أتته ابنته عائشة فاقتربت منه وقالت: يا أبتاه! صدق الأول يوم يقول: لعمرك ما يغني الثواء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فالتفت إليها مغضباً وقال: يا بنية! لا تقولي ذلك ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [قّ:19 - 22]. وقال: إذا أنا مت فاذهبوا ببغلتي هذه، واذهبوا بثوبي إلى عمر وقولوا لـ عمر: يا عمر! اتق الله لا يصرعنك الله مصرعاً كمصرعي، فذهبوا إلى عمر بالبغلة والثوب -هذا ميراث أبي بكر من الدولة الإسلامية، هذا الذي خلفه من تراثه وتجارته وكان أتجر الناس، لأنه قدم كل شيء في سبيل الله- فبكى عمر حتى جلس وقال: أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر.

دروس من حياة أبي بكر رضي الله عنه

دروس من حياة أبي بكر رضي الله عنه ونأخذ من هذا الدرس دروساً: أولها: أن التفاضل بخشية الواحد الأحد، وليس بكثرة الصيام ولا الصلاة، ولا الزكاة ولو أنها من أسباب الخير؛ لكن إذا لم تؤد إلى الخشية فيبقى التفاضل بها نسبياً فأفضل الناس أخشاهم لله. الأمر الثاني: أننا مهما فعلنا فلن نوازن ولو قلامة ظفر من فضل الصحابة رضوان الله عليهم، ولو أنفق أحدنا مثل أحد ذهباً أو فضة ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. الأمر الثالث: أن نوافل الأعمال هي المقربة من الواحد الأحد وهي التي تقرب العبد إلى الله، لا أسرته ولا وظيفته، ولا جاهه، ولا منصبه، لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {قال الله تبارك وتعالى -في الحديث القدسي- ما تقرب إلي عبد بأحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه}. الأمر الرابع: أن التوكل على الله عز وجل لا ينافي الأخذ بالأسباب، فالرسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر تحصن بالدروع وأخذ السيوف والرماح صلى الله عليه وسلم، وكذلك أبو بكر، ومع ذلك يقول: {يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟} يقول بعض العلماء: ترك الأسباب قدح في العقل، والاعتماد عليها قدح في الشرع، والسلامة أن تجمع بين التوكل والسبب، وحتى نفهم هذا أضرب مثلاً بطالب يريد أن ينجح في الامتحان، قلنا له: ذاكر، فإذا ترك المذاكرة وقال: أنا أنجح متوكلاً على الله بدون مذاكرة ففي عقله شيء، وإذا اعتمد على المذاكرة ونسي الله فهذا قدح في الشرع. وإذا قال: أنا أنجح بلا مذاكرة، ولا توكل على الله فقد قدح في العقل والشرع، ويمكن أن يصل إلى درجة النفاق، وإذا أخذ بالتوكل والسبب فذاكر وتوكل على الله، فهو المؤمن الكامل، وكذلك كان أبو بكر قال بعض أهل العلم: ومن شدة توكل أبي بكر على الله عز وجل أنه أنفق أمواله في سبيل الله وما خاف العنت، وقال بعض أهل العلم: إذا خفت لأنك ما بلغت هذا المستوى فلك أن تبقي بعض مالك، لأنه لا يصل إلى درجة أبي بكر إلا القليل من الناس، رضي الله عنه وأرضاه. فهو أفضل الناس بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، ومعتقد أهل السنة والجماعة أنه الصديق الأكبر وأنه أول الصحابة فضلاً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي خلافاً لأهل البدعة. وقد روى ما يقارب مائة وثلاثة وثلاثين حديثاً أو قريباً من ذلك كما في مسند الإمام أحمد، وفيه كذلك فائدة أن العلم ليس بكثرة الرواية، وأن الخوف من الله ليس بكثرة الكلام وإنما هو بخشية الله الواحد الأحد. أسأل الله أن يجمعنا وإياكم بـ أبي بكر الصديق، وأن يرينا وجه أبي بكر الصديق، وأن يجعلنا ممن يجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق.

عمر بن الخطاب

عمر بن الخطاب ثانياً: عمر بن الخطاب وسنتعلم منه الزهد: في درس رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه نتعلم الزهد والعدل والشجاعة، الزهد في سيرة رجل، والشجاعة في سيرة إمام، والعدل في سيرة حاكم، وكلها تجتمع في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. هو أبو حفص أسلم متقدماً قيل: في الثامنة عشرة من عمره أو التاسعة عشرة، كان قبل أن يسلم ميتاً لا يعرف الحياة، لأن الحياة في كتاب الله عز وجل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم معناها الحياة بالإيمان والقرآن: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. كان شجاعاً رضي الله عنه، أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام متوشحاً سيفه يريد البطش بالمسلمين، فسمع أن أخته أسلمت فاستمع لقراءتها، ثم دخل فضربها فأدماها، فقال: ناوليني الصحف، قالت: أنت مشرك نجس لا أناولك شيئاً من القرآن حتى تتطهر، فقرأ شيئاً من القرآن، وقرأ تلك الليلة: (طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} [طه:1 - 4]. فدخل الإيمان قلبه، وامتلأ بلا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فبايعه على نصرة هذا الدين، فكان إسلامه نصراً لهذا الدين، ولشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.

من فضائل عمر وسيرته

من فضائل عمر وسيرته أما فضائله فكثيرة، وقبل أن أتعرض لسيرته أتعرض إلى بعض فضائله: في الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {عرض علي الناس البارحة -يعني: في المنام- وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله -يعني ما تفسير ذلك؟ - قال: الدين} فدينه رضي الله عنه أصبح سابغاً ساتراً كالثوب الأبيض عليه. وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: {أتيت البارحة بلبن فشربت حتى أني لأرى الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم} فهو من أعلم الناس؛ لكن بخشية الله تعالى. أما من كراماته فما ذكر صاحب تاريخ داريا بسند صحيح قال: وقف عمر رضي الله عنه يخطب الناس يوم الجمعة، وبينما هو في الخطبة إذ قطع الخطبة فجأة ثم رفع صوته يقول: يا ساريةُ الجبلَ يا ساريةَ الجبلَ! يا ساريةُ الجبل! فلما نزل قال الصحابة: مالك؟ قال: كشف الله لي الغطاء فرأيت جيش المسلمين في العراق ورأيت العدو قد حاصر سارية فناديته أن يعتصم بالله ثم بالجبل، وبعد شهر أتى سارية منتصراً فقالوا: هل أحسست بشيء؟ قال: في يوم الجمعة من شهر كذا سمعت صوت عمر والناس على المنابر يناديني يا سارية الجبل! فاعتصمت بالله ثم بالجبل فنصرني الله. أما سيرته فحدث عن العدل وحدث عن الخشية وحدث عن الزهد ولا حرج. أما في الزهد فقد ضرب المثال الأروع، يقولون: من يوم تولى الخلافة إلى أن توفي وعليه ملحفة واحدة يرقعها كلما تمزقت، وقد أتى سفير فارس إلى المدينة ليفاوض عمر، فدخل المدينة مع وفدٌ على مستوى عال، يريد أن يخاطب عمر بن الخطاب الذي دوى صيته في العالم، فسأل أين قصر عمر؟ قالوا: لا قصر له، قال: أين هو؟ قالوا: هذا بيته، وإذا هو بيت من طين، فذهب إلى البيت فضرب على الباب، فقال أهل عمر: ليس هنا، التمسه في المسجد فإنه ينام الضحى في المسجد، فذهب إلى المسجد والوفد معه وأطفال المدينة وجواري المدينة يلاحقون أهل فارس لأن عليهم الديباج والحرير في منظر بهيج ما رئي في الحياة، فما وجدوه في المسجد ودل الصحابة على مكانه فوجدوه تحت الشجرة نائماً ودرته -العصا- بجانبه، فوقف عليه هذا فأخذ يرتعد وأخذ يقول: هذا الخليفة؟ قالوا: هذا الخليفة، فقال: حكمت فعدلت فأمنت فنمت، يقول حافظ إبراهيم: وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها إلى أن يقول: فقال قولة حق أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهم ونمت نوم قرير العين هانيها وفي عام الرمادة وهو عام القحط والجدب وقف على المنبر فقرقرت بطنه من الجوع وهو في الخطبة، فقطع الخطبة وقال لبطنه: [[قرقري أو لا تقرقري، فوالله لا تشبعي حتى يشبع أطفال المسلمين]]. وقال للناس في خطبة من الخطب وهو يتكلم إليهم: يا أيها الناس! اسمعوا وعوا، فقام سلمان الفارسي وقال: والله لا نسمع ولا نعي، قال: ولم يا سلمان؟! قال: أتكتسي ثوبين وتكسونا من ثوب واحد -كان يوزع من الغنائم من ثوب- فقال لابنه عبد الله: يا عبد الله! قم فأجب سلمان، قال: أما الثوب الثاني فإنه قسمي مع المسلمين أعطيته والدي، فقال سلمان: الآن قل نسمع وأمر نطع، فقال عمر: يا أيها الناس! ما رأيكم لو رأيتموني اعوججت عن الطريق هكذا، فقام أعرابي في المسجد وقال: يا أمير المؤمنين! والله لو رأيناك اعوججت عن الطريق هكذا لقلنا بالسيوف هكذا، فتبسم وقال: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من لو مال عن الطريق هكذا لقالوا بالسيوف هكذا. أما معالم سيرته رضي الله عنه في العدل، فإنها تأخذ مجلدات ومؤلفات، ومن شاء فليطالع ما كتب الأعداء فضلاً عن الأصدقاء، فالإنجليز كتبوا في سيرته وعدله. أما خشيته فلا إله إلا الله ما أخشاه لله! أخذ البكاء في خديه خطين أسودين، كان يقرأ غالباً في صلاة الفجر سورة يوسف، فإذا وصل إلى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] توقف حتى يسمع له نشيج وللمسجد غمغمة من البكاء، ومر بـ أبي بن كعب في صلاة التراويح، وعمر هو الذي جمع الناس وإن لم يصل معهم صلاة التراويح، بل كان يصلي في آخر الليل، وفي أثناء صلاة التراويح كان يجوب المدينة وينزل من سكة ويصعد الأخرى ويقف عند مفترقات الطرق، وعند مجامع الناس، وعند الأرامل، والأطفال، قال: والله لو أخذت شاة من المدينة لظننت أن الله يسألني يوم القيامة عنها، مر بـ أبي بن كعب وهو يقرأ في صلاة التراويح: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:24 - 26]. قالوا: فألقى الدرة وهو في السكة يسمع القرآن ووقع على الأرض، قال ابن كثير: فعاده الناس من مرضه شهراً كاملاً رضي الله عنه وأرانا الله وجهه في مستقر الرحمة، فقد كان صادقاً مع الله، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث أنه لو كان أحد نبياً بعده لكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأجزل مثوبته.

زهد عمر رضي الله عنه

زهد عمر رضي الله عنه أما تقشفه فإنه تعلمه في مدرسة الرسول عليه الصلاة والسلام، دخل على الرسول صلى الله عليه وسلم في مشربة، والرسول صلى الله عليه وسلم نائم على حصير قد أثر في جنبه، وما في المشربة -الغرفة- إلا شيء من شعير معلق، فأتى عمر ينظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فوجد الحصير قد أثر في جنبه فدمعت عينا عمر، فقال له صلى الله عليه وسلم: مالك يا ابن الخطاب؟ قال: يا رسول الله! ملوك فارس والروم في عيش هنيء وهم أعداء الله، وأنت حبيب الله في هذا العيش، قال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قال: بلى. فأخذ من ذلك درساً لا ينساه. يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: اشتريت لحماً من السوق وذهبت به إلى أهلي، وإذا بـ عمر مقبلاً فخبأت اللحم تحت إبطي -حتى الصحابة يخافون منه، لأنه يحاسب الأمراء، ويحاسب الناس؛ ممن اشتريت؟ وماذا شريت؟ وماذا تريد؟ - فلقي جابراً فأمسكه فقال: ما هذا يا جابر؟ قال: لحم اشتهيته فاشتريته، قال: أكلما اشتهيت اشتريت! والله إني أعلمكم بما آكل ولكني أخشى أن أعرض على الله يوم القيامة فيقال لي: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الاحقاف:20]. ودخل عليه الحارث بن زياد أحد الأمراء، وقد كان يوم عرفة يحاسب أمراءه على الأقاليم، أمير العراق، أمير الشام أمير مصر أمير اليمن، وكان يأتي بالرعية ويقول: تكلموا عن أميركم وواليكم -في حوار مفتوح- فأتى إليه الحارث بن زياد في المدينة فرأى عمر يأكل خبز الشعير بالزيت، فقال: يا أمير المؤمنين! إنك أحق الناس بالعيش الهنيء والمركب الوطيء قال: ثكلتك أمك، والله لا تتولى لي ولاية، ظننت أنك تعينني على طريق الآخرة فإذا أنت تهوشني أو تهرشني على الدنيا، فعزله. وفي المدينة وهو جالس مع الصحابة رضوان الله عليهم من بقية العشرة المبشرين بالجنة، وعلماء الصحابة وهم ملء المسجد، وإذا برجل مصري يدخل ويبكي، فقال عمر: مالك؟ قال: ابن أميرك على مصر ضربني، قال: ولم؟ قال: سابقته على فرس فسبقته فقال: أتسبقني وأنا ابن الأكرمين، فضربني. قال عمر: والله لأقتصن لك منه، ثم قال: عليَّ بـ عمرو بن العاص فأرسل إليه وحبس المصري القبطي عنده، فوصل عمرو بن العاص وابنه محمد فجمع عمر الصحابة كلهم ثم أخذ درته، وقال للصحابة: والله لا يحول بيني وبين عمرو بن العاص أحد، هذا الوالد، أما حساب الولد فسوف يأتي فيما بعد، فقام يضربه فيقول عمرو بن العاص داهية العرب: الله الله في رأسي، فقال: [[متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً]] انظر إلى هذه الكلمة التي تسجل من نور، ثم قال للمصري: خذ العصا واضرب ابن الأكرمين، فأخذ يضربه فيصيح قال: اسكت فإنك أنت ابن الأكرمين -يستهزئ به- فلذلك علَّم رضي الله عنه بسيرته وبكلامه العدل.

عبادة عمر رضي الله عنه

عبادة عمر رضي الله عنه أما عبادته: فأعظم عبادة الصدق مع الله، وقف عند الجمرات في آخر حجة حجها وقال: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتةً في بلد رسولك، قال له الصحابة: من يريد الشهادة يا أمير المؤمنين يخرج إلى قتال الأعداء، ولا يقتل في المدينة قال: هكذا سألته وأسأل الله أن يلبي لي ما سألت، وعاد إلى المدينة، وفي أول ليلة رأى في المنام كأن ديكاً نقره ثلاث نقرات، فذهب في الصباح إلى أسماء بنت عميس الخثعمية زوجة جعفر بن أبي طالب زوجة الشهداء، هذه المرأة الصالحة ما تتزوج رجلاً إلا ويقتل شهيداً، حتى قال بعض الصحابة: من أراد الشهادة فليتزوج أسماء، قيل تزوجها ثلاثة أو أربعة كلهم قتلوا في سبيل الله، كانت تعبر الرؤيا. قال: يا أسماء! قالت: نعم. قال: رأيت البارحة كأن ديكاً ينقرني ثلاث نقرات فما تأويل رؤياي؟ قالت: يقتلك رجل من العجم، فاستودع الله نفسك يا أمير المؤمنين! فذهب فصعد المنبر آخر جمعة فأخذ يبكي ويقول: يا أيها الناس! من ظلمته أو شتمته أو اغتصبت شيئاً من ماله فليقتص مني قبل ألا يكون درهم ولا دينار. وفي صباح السبت وما أدراك ما صباح السبت؛ قام ليصلي الفجر، ولما قرأ في الركعة الأولى من سورة يوسف بكى وبكى الناس فركع، وتقدم له أبو لؤلؤة المجوسي بخنجر سمه شهراً كاملاً حتى أصبح الخنجر أزرق من السم، والسبب أنه حاقد، وأن وراءه عصابة من أهل فارس وأخذ له حجة أن عمر رضي الله عنه ما حكم بينه وبين مولاه، فضرب أمير المؤمنين ثلاث طعنات فوقع صريعاً على الأرض، وهو يقول: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، فحمل، وأكمل الصلاة ابن عوف وعاد أبو لؤلؤة فقتل سبعة أو ستة ثم قتل نفسه، أما عمر فحمل على أكتاف الرجال فكان يفتح عينه وهي تمتلئ بالدموع ويقول: هل أتممت الصلاة؟ قالوا: لا. فيقول: الله المستعان، وصل إلى بيته ووضع على الأرض فوضعوا رأسه على مخدة فقال: انزعوا المخدة من تحت رأسي علَّ الله أن يرحمني، ثم قال له ابن عباس: طوبى لك يا أمير المؤمنين! أسلمت فكان إسلامك نصراً، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، وتوليت فكانت ولايتك رحمة، أسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك، قال: يا ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا علي، ثم فاضت روحه بعد أن أكمل صلاة الفجر رضي الله عنه. وسيرته طويلة طويلة ولا يمل الإنسان من سيرة عمر، يقول ابن مسعود: إذا ذكر الصالحون فحيهلاً بـ عمر. قل للملوك تنحوا عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها

دروس وعبر من سيرة عمر

دروس وعبر من سيرة عمر وفي سيرته دروس: أولها: أنه لا ينبل العبد ولا يقرب من الله إلا بالصدق والإخلاص، وقد تجلت هذه في سيرته. الدرس الثاني: أن الزهد من أعظم الأعمال عند الله عز وجل، زهد أهل السنة لا زهد أهل البدعة، وهو الزهد في الحرام والمكروه، والزهد في المباح الذي يشغلك عن طاعة الله، قال ابن تيمية: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة. هذه الكلمة تحفظ، لأن بعض الناس الآن يزهد في الثياب، وربما لا يشتري سيارة، ولا يسكن فلة، ثم يتعطل عن كثير من الفرائض والعبادات بسبب ترك هذه الأمور، وهذا ليس من الزهد، إذ الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، أما ترك ما ينفع في الآخرة فحمق، وكل شيء لا ينفعك في الآخرة؛ مثل كثرة الثياب والسيارات، وكثرة المال إذا لم تنفق منه في مرضاة الله، أما إذا أنفقت من المال وخدمك في الآخرة ورفع درجتك فليس تركه من الزهد بل من الحمق. الدرس الثالث: العدل؛ وهذا على مستويات أدناها أن تعدل -كما يقول ابن تيمية - بين طالبين أو بين تلميذين، لو عرض لك تلميذان لتصحح لهما فظلمت أحدهما لقيت الله يوم القيامة ظالماً، والظلم يدخل على رب الأسرة بأن يحكم بين بناته أو أطفاله فيقدم هذا ويؤخر هذا، وقد أتى والد النعمان بن بشير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أريد أن تشهد أني أعطيت النعمان هذا المال، قال: ألكل ولدك أعطيت ذلك؟ قال: لا، قال: استشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ومن الظلم ظلم القضاة، وظلم المسئولين على كافة مستوياتهم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}. ومن الدروس: أن الرؤيا الصالحة للمؤمن من المبشرات، ولكن لا تبنى عليها أحكام، فإذا رئيت لك رؤيا صالحة فاحمد لله، أو رأيت لرجل من الصالحين رؤيا فأخبره بها فهي من المبشرات التي تركها صلى الله عليه وسلم لنا. ودرس أخير: أن عمر عند أهل السنة والجماعة هو في المرتبة الثانية بعد أبي بكر، ثم عثمان ثم علي؛ هذا ترتيبهم عند أهل السنة ولو خالف أهل البدعة، لأن أهل الرفض نسأل الله أن يعافينا مما أصابهم يسمون أبا بكر الجبت، ويسمون عمر الطاغوت، أولئك {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:104].

عثمان بن عفان

عثمان بن عفان ثالثاً: أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ونتعلم من سيرته ثلاث مسائل: أولها: الحياء. وثانيها: البذل. وثالثها: الخشوع. الحياء والبذل والخشوع كلها في سيرة عثمان رضي الله عنه. كان صلى الله عليه وسلم جالساً في بيته معه أبو بكر وعمر بل ورد في الرواية عن عائشة أنه كان صلى الله عليه وسلم كاشفاً عن فخذه، وقيل عن شيء من ساقه، فدخل أبو بكر فما تزحزح صلى الله عليه وسلم عن مكانه، ودخل عمر فما غير مجلسه، فلما دخل عثمان ستر صلى الله عليه وسلم رجله، فلما انتهوا قالت عائشة: يا رسول الله! دخل أبو بكر فما تغيرت، ودخل عمر فما حولت مجلسك، ثم دخل عثمان فرأيتك تسترت، قال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة. فالرجل الذي تستحي منه الملائكة هو عثمان بن عفان، يقول: والله ما مسست فرجي بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول عنه أهل السير: ما اغتسل إلا جالساً حياء من الله، هو في الظلام يغتسل لكن معه الله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] والاغتسال واقفاً حلال ومباح، لكنه يجلس حياء من الله: حياء من إلهي أن يراني وقد ودعت دارك واصطفاكا

خشوعه رضي الله عنه

خشوعه رضي الله عنه ونتعلم من عثمان رضي الله عنه مع الحياء الخشوع، فقد كان ابن عباس رضي الله عنه إذا قرأ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] يقول: ذاك عثمان بن عفان، وقال المروزي في كتابه قيام الليل: صح عن عثمان وصحح هذا السند ابن حجر في فتح الباري أنه قام بالقرآن في ركعة واحدة من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر في الحرم، والقصة مفادها أنه دخل الحرم وهو متلثم لئلا يراه إلا الله، وهو أمير المؤمنين الخليفة الذي إليه السلطة العليا في الدولة الإسلامية، فدخل وكان يحفظ القرآن، فاقترب من المقام بعد صلاة العشاء فكبر، فقرأ القرآن من أوله، وانتهى ومؤذن الفجر يؤذن، في ركعة واحدة. يقول أهل السير: وقد صح عنه أنه كان يفتح القرآن بعد صلاة الفجر فيقرأ حتى صلاة الظهر فيقول الصحابة: لو خففت على نفسك يا أمير المؤمنين! فيقول: لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من القرآن، فهذا درس في الخشوع، والثابت عنه أنه كان يتوضأ في الليل ثم يقرأ ويصلي ويبكي، ثم يعود ينام قليلاً، فما يأتيه النوم من الخوف، ثم يقوم ويتوضأ، وهكذا حتى يطلع الفجر، فهو القانت بالقرآن، وهو المتدبر للقرآن، يقول حسان في مرثيته لـ عثمان بعد أن قتل: ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا يقول: هؤلاء المردة الفجرة ضحوا برجل عنوان السجود في وجهه، أشمط أي: شيخ لأنه بلغ الثمانين، يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً، وسوف نأتي إلى مصرعه في آخر هذا الدرس إن شاء الله.

بذل عثمان رضي الله عنه

بذل عثمان رضي الله عنه أما البذل فلا تسأل عنه، فهو من أكرم الناس يريد بذلك ما عند الله، ويشتري الجنة بماله، وله مواقف نبيلة في الإسلام لا يفعلها إلا مثله من الأخيار، وحينما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجهز جيش تبوك وهو ثلاثون ألفاً، ارتقى عليه الصلاة والسلام المنبر في شدة الحر وقال لتجار الصحابة وأغنيائهم: من يجهز جيش تبوك وله الجنة! فسكت الناس لأنه ثلاثون ألفاً يحتاج إلى إبل وخيول ومال كثير، فمن يجهزه ضمن له النبي صلى الله عليه وسلم الجنة. وكما سبق معنا أن ابن القيم قال: أنزل الله عقداً من السماء أملاه بنفسه، ووقع عليه محمد صلى الله عليه وسلم، وقبض الثمن الله، أما الثمن فأرواح المؤمنين، وأما السلعة فالجنة، وأما الشاهد فجبريل، قال فبايع محمد صلى الله عليه وسلم الصحابة في مجلس العقد، فانفض المجلس والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا فقد وجب البيع، فقال عليه الصلاة والسلام: من يجهز جيش تبوك وله الجنة؟ فسكت الناس، فقام عثمان وسط الناس بشخصه كأنه النجم، أو كأنه العلم وسط الناس وقال: أنا يا رسول الله! فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: {اللهم اغفر لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم}. يقول: لو فعل الذنوب فإن هذه الجبال من الحسنات تأتي عليها فلا يضره ما يفعل، وهو لن يفعل شيئاً؛ لأن الله ثبته بالقول الثابت، لبذله في سبيل الله وبيعه نفسه من الله، وظمئ الصحابة فقال عليه الصلاة والسلام: {من يشتري بئر رومة وله الجنة؟}. مشاريع الخير ليست تلاوة فقط، وليست ركعات، وليست تسبيحات، وليست صلاة ليل فقط، بل هي إيصال النفع للمسلمين، وهي أن تحيي أرواحاً، وتملأ بطوناً، وتروي أكباداً، هذا هو الإسلام قال: {من يشتري بئر رومة من اليهود وله الجنة؟} فاشتراها عثمان، فكان الصحابة يشربون من عطش ويبكون ويقولون: سقى الله ابن عفان من سلسبيل الجنة، غاب عن بدر، ولماذا غاب عن بدر؟ لأنه يمرض بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد زوجه أغلى شيء في حياته بعد هذا الدين، فمرضها فماتت، فزوجه عليه الصلاة والسلام الثانية فمرضت وماتت، وأخذ صلى الله عليه وسلم في مجلس الحزن بعد موت الثانية يقول: {يا عثمان! والذي نفسي بيده لو كان عندنا غيرها لزوجناك} ثم كناه صلى الله عليه وسلم (ذا النورين) ويستحق كل خير، وتخلف عن بيعة الحديبية والسبب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يفاوض كفار قريش لما أراد أن يزور مكة، فوقف له كفار قريش بالمرصاد، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من المعركة والقتل، فقال صلى الله عليه وسلم: {من يذهب يفاوض قريش؟ قم يا ابن الخطاب} يعني: عمر، فقال عمر: يا رسول الله! أنا رجل صاحب فعائل في قريش -وصدق، أي: أنا لساني وسيفي فعلت أفعاعيل، وسوف ألقى جزائي بالمرصاد، هذا معنى الكلام- وأسرتي ضعيفة يا رسول الله! فأرسل رجلاً تحبه قريش وأسرته تحميه، قال: من هو؟ قال: ابن عفان فقال عليه الصلاة والسلام: {قم يا عثمان} فقام على جمل أحمر ووصل إليهم فحبسوه في الضيافة ثلاثة أيام، وأتى الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن عثمان قتل، وما قتل ولكنهم يضيفونه وتكرمه أسرته، فقال عليه الصلاة والسلام: عليَّ بالناس، فاجتمعوا جميعاً وظن أن عثمان بل تأكد أن عثمان قتل، فبايعهم على الموت، فلا حياة ولا استقرار ولا أمن حتى ينتصف من دمائهم، فلما وصل إلى بيعة عثمان قال صلى الله عليه وسلم: {وهذه عن عثمان}. قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:18]. وتوفي عليه الصلاة والسلام وبقي عثمان على العهد ينفق أمواله في سبيل الله، وإذا أظلم الليل وسكنت المدينة خرج وهو خليفة بالطعام على ظهره يطرق على الأيتام والمساكين والأرامل ويعطيهم الحبوب، والزبيب، والدقيق، والتمر ثم يعود يصلي إلى الفجر، يقول أحد السلف: والله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت عثمان يطعم الناس الثريد -والثريد الخبز مع اللحم- وإنه ليأكل خبز الشعير مع الزيت وهو خليفة! كان وجهه كفلقة القمر من كثرة تلاوته للقرآن، ومن انكب على القرآن والذكر فبإذن الله بعد سنوات يكون ووجهه كالنور، لأن القرآن نور على نور: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35]. وصعد صلى الله عليه وسلم جبل أحد معه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وقيل الزبير، فارتج جبل أحد والحديث صحيح، سبحان الله! من جعل الجبال ترتج لهؤلاء النفر، ولهؤلاء الجيل الذين ساروا على الأرض؟ لا أطهر منهم إلا الأنبياء والرسل، سبحان الله! من جعل جبل أحد كما في صحيح البخاري {يحبنا ونحبه} يقول سيد قطب: الله أكبر حتى الجبال تحب المؤمنين، والمؤمنون يحبون الجبال، نعم. وبعض الجبال تكره المؤمنين والمؤمنون يكرهونها. {جبل أحد يحبنا نحبه} وهو من جبال الجنة، وجبل عير من النار، فالرسول صلى الله عليه وسلم يحب هذه الجبال لمعانٍ الله أعلم بها، وهذا قديم عند العرب حتى يقول مجنون ليلى: أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا يقول يأتي إلى قرية ليلى وليست فيها ليلى فيأتي يقبل الجدران، والسكك، والحوائط لأنها سكنها يقول: وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا فالمؤمنون يحبون هذا، والشاهد أنه صلى الله عليه وسلم قال لـ أحد: {اثبت فما عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد} وبالفعل كان عثمان من الشهداء.

فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه

فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه أتته شهادته وهو يقرأ القرآن على فراش الموت، عاش ثمانين سنة كلها في سبيل الله، وثار عليه ثوار والله الحكم العدل يحكم بين عباده في مقعد صدق عند مليك مقتدر؛ في يوم العرض الأكبر: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. صام في آخر يوم من حياته لله عز وجل، وكان كثير الصيام، ونام قبل العصر فاستيقظ وقال لأهله: أنا أفطر في الجنة إن شاء الله هذه الليلة، قالوا: كيف؟ قال: رأيت الرسول عليه الصلاة والسلام وأبا بكر وعمر فقال لي صلى الله عليه وسلم: يا عثمان! سوف تفطر عندنا الليلة، وبعد صلاة العصر بدأ الهجوم واقتحام منزله رضي الله عنه من ثلة من الثوار المتمردين على الدولة الإسلامية من مصر، من لفائف وسفل وثوار ومتمردين مشاغبين، تجمعوا ثم اقتحموا منزله، وكانوا قبلها بيوم منعوا عنه الطعام والشراب، وحاصروه وكان صائماً فرئي كما في السير أنه قال: أتيت بدلو ماء بارد فشربت وأنا في النوم حتى رويت، وأما في اليوم الآخر من حياته رضي الله عنه فاقتحموا منزله ودخلوا عليه وهو يقرأ: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:137] حتى وقعت دماؤه على هذه الآية، ضرب بالسيف على رأسه، ما قاتل أبداً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يا عثمان! إنك سوف تقمص قميصاً فإذا أراد الناس أن تنزعه فلا تنزعه} والقميص هي: الخلافة، وقال بعض أهل العلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاه قال: لا تدافع عن نفسك، كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل، فما دافع، وقال للحسن بن علي والحسين وعبد الله بن الزبير وهم يذبون عنه: أسألكم بالله إن كان لي عليكم طاعة فإني أمير المؤمنين أن تتركوني وتتركوا الناس، ولن أدافع عن نفسي، فاقتحموا عليه فضربوه بالسيف فرفع صوته فقال: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:137] وسالت دماؤه على المصحف، يقول أحمد شوقي: جرحان في كبد الإسلام ما التأما جرح الشهيد وجرح بالكتاب دمي يقول: جرحان في الإسلام ما التأما، جرح عثمان وجرح القرآن في كبد الأمة الإسلامية لم يلتئم بعد. ولف رضي الله عنه ودفن ليلاً في البقيع ولم يكن في مقبرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو قريباً من الغرفة التي دفن فيها صلى الله عليه وسلم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر دفنوا متقاربين متجاورين، القبر الأول قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن عند أكتافه يبدأ رأس أبي بكر ومن عند أكتاف أو صدر أبي بكر يبدأ عمر، وأتي ب عثمان ليدفن هناك فمنع الثوار دفنه فدفن في البقيع. وفي البخاري من حديث سعيد بن المسيب أن أبا موسى قال: {خرج صلى الله عليه وسلم فالتمسناه أين يذهب قال: فوجدناه قد خرج إلى مزرعة رجل من الأنصار فأتيت فوجدته قال: فدخلت وراءه وقلت: لأكونن حارس رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم، لا يدخل أحد إلا بإذن، وهو وحده صلى الله عليه وسلم قال: فأتى إلى بئر رجل من الأنصار فدلى رجليه في البئر وجلس عليه الصلاة والسلام. قال: ولما جلست عند الباب قلت: يا رب! تعال بأخي أبي عامر، عله أن يدرك شيئاً أو دعوة في هذه الخلوة، قال: فإذا بطارق يطرق قلت: من؟ قال: أبو بكر، قلت: انتظر أستأذن لك من رسول الله، قلت: يا رسول الله! أبو بكر، قال: ائذن له وبشره بالجنة، قال: فأذنت له فأتى على يمين الرسول عليه الصلاة والسلام فدلى رجليه في البئر كما فعل صلى الله عليه وسلم، -لأنهم يشاركونه في الحركات والسكنات لأنه المعلم العظيم- قال: فطرق الباب طارق، قلت: من؟ قال: عمر بن الخطاب - انظر إلى هذين يعيشان سواء، شيخا الإسلام، هذا الأول وذاك الثاني دائماً؛ حتى وضع حجر أساس مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أتى صلى الله عليه وسلم بالحجر فوضعها فقام أبو بكر فوضع الثانية وعمر وضع الثالثة فعرف الناس أن رجل الساعة أبو بكر ثم عمر وهكذا قال: ائذن له وبشره بالجنة، قال: فأذنت له، فأتى حتى جلس عن يسار الرسول صلى الله عليه وسلم فدلى رجليه في البئر، قال: فإذا بطارق قلت: من؟ قال عثمان، قلت: انتظر استأذن لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فاستأذنت له فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه. قال: فأتيت فقلت: ادخل يبشرك الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك، قال: الله المستعان} -وهي في صحيح البخاري، وهي كلمة حارة ومحزنة، (الله المستعان) أي: لا يستعان إلا بالله عز وجل- فدخل القف -هكذا يسمى- فوجده قد امتلأ فأتى فقابل الرسول عليه الصلاة والسلام وأبا بكر وعمر ثم دلى أرجله مقابلاً لهم. قيل لـ ابن المسيب: فما أولت ذلك؟ قال: قبورهم، وأصاب فإنهم مجتمعون في مكان واحد وهو نازح في البقيع رضي الله عنه.

دروس من حياة عثمان

دروس من حياة عثمان وسيرته طويلة رضي الله عنه لكن أخذت منها نقاطاً نتعلم منها الخشوع والبذل والحياء. أما الحياء فكله خير كما قال عليه الصلاة والسلام، وتعريفه من سيرة عثمان: أنه ما صدك عن المحارم، فالحياء الذي يصدك عن المحارم هو الذي يحبه الله، أما الذي يمنعك عن طلب العلم، أو التفقه في الدين، أو سؤال العلماء، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فليس من الحياء في شيء بل هو الخجل المذموم. وفي البخاري موقوفاً على مجاهد بن جبر المفسر قال: لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر، فلا ينبغي أن يكون بينك وبين العلماء حاجز؛ أن تقول: أستحي أن أسأله أو أن أناقشه في أمور منزلية، أو عائلية أو شخصية، لا. بل اسأله {إنما شفاء العي السؤال} كما قال عليه الصلاة والسلام، وقالت عائشة: [[نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين]] وكان أكثر الناس حياء موسى عليه السلام وهو القوي الأمين، حيي لكن عن المحارم، بنت الرجل الصالح -قيل شعيب وقيل غيره- لما أتت تدله على منزل أبيها قال: تعالي ورائي، انظر إلى الأمين الذي يحفظ الله في الغيب، حتى لا ينظر إلى شيء منها، فكانت وراءه فكانت تقول: خذ يمينك، خذ يسارك، الطريق من هنا، الطريق من هناك حتى وصل إلى بيت أبيها، قالت: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26] أما القوة فزحزح الصخرة ولا يستطيع لها عشرة، وأما الأمانة فرأته في الطريق، ولذلك رزقه الله عز وجل الرسالة الخالدة ورفع الله اسمه، وأنتم تسمعون في صلاة التراويح ما نقرأ صفحات إلا ويطالعنا حديث موسى، نعيش كما قال سيد قطب: معركة نسف وإبادة مع بني إسرائيل في هذه الليالي، يا بني إسرائيل، ولقد أرسلنا موسى، وإذ قال موسى، وواعدنا موسى، حتى قال بعض علماء الإسلام: كاد القرآن أن يكون لموسى، هذا هو الحياء المطلوب في الإسلام. وأما البذل: فهو البذل في سبيل الله بلا رياء ولا سمعة، بعض الناس يبذل للرياء والسمعة ملايين مملينة أو ألوفاً مؤلفة، ولكنه في الخير من أبخل الناس، وهذه صفة اليهود: {يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء:37] والبذل ليس فقط بالمال، بل قد يكون بالجاه؛ بأن تبذل جاهك عند المسئول شفاعة للناس، وقد يكون بالبسمة الحانية الرقيقة لإخوانك المسلمين، وقد يكون بأن تجود بوقتك لزوارك وضيوفك وللدعوة، يقول ابن القيم عن رجل: من كرمه أنه يسامر ضيفه ولا ينام حتى ينام الضيف. متيم بالندى لو قال سائله هب لي فديت كرى عينيك لم ينم أي: لو قال له الضيف أرجوك لا تنام لقال: لن أنام هذه الليلة، فهذا الكرم بالوقت، والكرم بالعلم، وهو أن يبذله لمستحقيه، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في كتابه. يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود وأما الخشوع فهو سيرة عثمان الدائمة، فالقرآن والبكاء، والمناجاة في السحر حين ينزل الله في الثلث الأخير فيعطي من سأل، ويغفر لمن استغفر، ويتوب على من تاب هي ديدنه. سلام على عثمان في الخالدين، وألحقنا الله به في الصالحين، وأجلسنا معه في مقعد صدق عند رب العالمين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، يوم يتقبل الله عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

علي بن أبي طالب

علي بن أبي طالب رابعاً: علي بن أبي طالب. أبو الحسن رضي الله عنه وأرضاه رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو بمكانة هارون من موسى من الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي غزوة خيبر قال عليه الصلاة والسلام للصحابة قبل أن يناموا: {لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه}. قال عمر ما أحببت الإمارة إلا في تلك الليلة، لأن من مواصفات هذا الأمير أنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وفي الصباح قال عليه الصلاة والسلام: أين علي بن أبي طالب؟ قالوا: يا رسول الله! هو مريض بالرمد، والله ما يرى مد يده، قال: عليَّ به، فذهبوا فأخذوا بيديه يقودونه حتى وقف بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام، فبصق في عينيه، لأن ريق الرسول عليه الصلاة والسلام فيه بركة، وفيه من الخير ما الله به عليم، فإذا هو يبصر وقبلها يقول: اذهب، قال: والله يا رسول الله! ما أرى مد يدي، وقال: ادن مني، فدنا فتفل في عينيه فإذا هو يبصر، وقال: اذهب علَّ الله أن يفتح عليك، ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم، فذهب يهرول إلى حصن خيبر فنزل له مرحب اليهودي بطل من أبطال اليهود الشجعان، والشجعان في اليهود قليل لأن اليهود من أجبن الأمم في الأرض، لكن قد تأتي نادرة، ولكل قاعدة شواذ، فجاء مرحب هذا فنزل بالسيف وعليه لأمة، وكان كبير الجسم وأخذ يرتجز ويقول: قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب وما درى مرحب أن أمامه علي بن أبي طالب، وما درى أن أبا الحسن له بالمرصاد، شاب يشرب الموت مثل ما نشرب الماء، فنزل علي بن أبي طالب وقال: أنا الذي سمتني أمي حيدرة وحيدرة اسم الأسد، وللأسد عند العرب تسعة وتسعون اسماً، منها حيدرة، وقد كانت أمه تلاعبه وهو صغير وتقول: حيدرة، فقال: أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة أكيلكم بالسيف كيل السندرة فاختلفا ضربتين، ثم ضربه علي بن أبي طالب فأطار رأسه كأنه ما خلق له رأس، وعاد يكبر ويهلل ويكبر معه المسلمون ويهللون. وخرج عليه الصلاة والسلام إلى تبوك فأراد رجلاً أميناً ليكون على أهله وقرابته وعلى نساء المدينة، فاختار علي بن أبي طالب وقال: أنت خليفتي في المدينة، فلما خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة جاء المنافقون إلى علي، وانظر إلى أهل الغش والدسائس قالوا: ما تركك إلا تثاقلاً منك، فلبس سلاحه يريد أن يخرج إلى الغزوة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فلقيه وهو يبكي ويقول: يا رسول الله! تثاقلت مني وتركتني، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: {أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي} فأعاده إلى المدينة وفي سيرة علي ثلاث مبادئ: المبدأ الأول: مبدأ الشجاعة. المبدأ الثاني: مبدأ الزهد. والثالث: مبدأ الفصاحة.

شجاعة علي رضي الله عنه

شجاعة علي رضي الله عنه أما الشجاعة: فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يبارز جيشه جيش الكفار، انتدب علي بن أبي طالب، فحين أتى عمرو بن ود في الخندق وهو من أشجع الأبطال في العرب فقال: من يبارز؟ من يبارز؟ فسكت الصحابة، فقال علي: أنا يا رسول الله! وعلي في تلك الفترة في الثانية والعشرين أو الثالثة والعشرين من عمره، فيلتفت عليه الصلاة والسلام ويقول: إنه عمرو بن ود، قال: ولو كان عمرو بن ود، وفي المرة الثانية قال: من يبارز؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: إنه عمرو بن ود، قال: ولو كان عمرو بن ود، وفي الثالثة يخرجه عليه الصلاة والسلام فخرج يكبر، فلما التقيا قال عمرو بن ود: من أنت؟ قال: علي بن أبي طالب، قال: حيهلاً بك يا بن شيخ الأباطح، لأن أباه أبا طالب شيخ مكة، ثم بدأ الصراع، يقول عمرو بن ود قبل المبارزة: والله ما أريد أن أهريق دمك وحلف بلاته وعزاه، فقال علي: ولكني والله الذي لا إله إلا هو أريد أن أهريق دمك، فاختلفا ضربتين وخيم الغبار على البطلين ثم انكشف الغبار وإذا علي رضي الله عنه على صدر ذاك، وذبحه كما تذبح الشاة، وعاد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. وفي بدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، يوم تجلى الله إلى أهل بدر قال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، قال كفار قريش: أعطنا ثلاثة نبارزهم فكان منهم علي بن أبي طالب فإنه من أشجع الناس، وفي قلبه شجاعة الله بها عليم، يقولون: كان يخوض معارك العراق كما ذكر ذلك ابن جرير وغيره فكان يأتي في الضحى فيقول بالسيف هكذا فيتقاطر الدم على كفه، ويقول به هكذا فيلمع مع الشمس، وكان إذا بارز رجلاً خلع درعه ونازله بلا درع، وهو الذي يقول: أي يومي من الموت أفر يوم لا يقدر أم يوم قدر يوم لا يقدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر جلس عند جدار يقضي بين رجلين وهو الحاكم، وكان أميراً للمؤمنين، وإذا بالجدار يريد أن ينقض عليهم، فمر رجل فقال: يا أمير المؤمنين! الجدار يريد أن ينقض عليكم، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالوا: فلما قضى بين الاثنين وقام انهد الجدار مكانهم. وكلمة (حسبنا الله ونعم الوكيل) هي شعار الموحدين، قال ابن عباس: [[حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم يوم قال له الناس: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. فقد كان شجاعاً لأنه موقن بلقاء الله، ويعرف أنه لا يتقدم على أجله ولا يتأخر.

زهده رضي الله عنه

زهده رضي الله عنه أما زهده في الدنيا فحدث عنه ولا حرج، فقد عاش الفقر، أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب ابنته فاطمة التي والله لو كانت الدنيا ذهباً وفضة ما تساوي إصبعاً من أصابع فاطمة، ومحمد إقبال شاعر الباكستان يقول في فاطمة: هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟ من ذا يساوي في الأنام علاها أبوها محمد صلى الله عليه وسلم، وزوجها علي بن أبي طالب، أبناؤها الحسن والحسين. أما أبوها فهو أكرم مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها وعلي زوج لا تسل عنه فما أزكى شمائله وما أنداها إيوانه كوخ وكنز ثرائه سيف غدا بيمنيه تياها في روض فاطمة نما غصنان لم ينجبهما في الكائنات سواها أتى علي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يخطب ابنته فخجل علي ولم يتكلم في الموضوع، لأنه أمام سيد البشرية ومعلم الإنسانية ومزعزع كيان الوثنية صلى الله عليه وسلم: حياء من إلهي أن يراني وقد ودعت دارك واصطفاكا فجلس، فقال صلى الله عليه وسلم: ماذا تريد يا بن أبي طالب؟ كأنك تريد فاطمة، قال: نعم. قال: هل عندك مهر تدفعه؟ قال: لا والله يا رسول الله! ما عندي شيء. لا شيء عنده؛ لكن له قلب يؤمن بالله، وعنده رسالة خالدة، ودم يقدمه لخدمة هذا الدين، ونفس أغلى من الدنيا وما فيها، ولذلك يهون الذهب، وتهون الفضة، ويهون المنصب والوظيفة، ولا تساوي بلا إيمان الحذاء التي نطؤها. قال: ما عندك شيء؟ قال: ما عندي شيء، قال صلى الله عليه وسلم: التمس لعلك تجد شيئاً، فنكس رأسه يفكر، لا خزائن ولا بنوك، لا شيكات ولا وظائف، ولا شيء، قال: يا رسول الله! عندي الدرع الحطمية التي أخذتها، درع مكسرة في البيت يلبسها علي في المعركة، لأنه عسكري دائماً ليل نهار. فقال عليه الصلاة والسلام: عليَّ بها، قال علي: فأتيت بها والله ما تساوي درهمين فعقد له صلى الله عليه وسلم وقال: {بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير} وبدأ الحياة في بيت متواضع أظنه والله أعلم على طول الرجل كما وصف، وفراشه فرو متواضع يقول: {زارنا صلى الله عليه وسلم أنا وفاطمة على فرو حتى وجدت برد قدميه صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أدلكما على خير لكما من خادم؟ قالوا: بلى. قال: تسبحان الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدان الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبران الله أربعاً وثلاثين عند النوم، فذلكما خير لكما من خادم}. فهذا أحسن من جارية، وممن يخدمكم، فكان علي يأتي في الصباح إلى هذا الفرو فيضعه على الفرس، وفي الليل يفترشه وفاطمة ليناما عليه، لكن: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ} [الإنسان:8 - 13]. هل سمعت أبلغ من هذا الكلام، والله إنه ليهزنا ويقيم شعر الرأس من بلاغته: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً} [الإنسان:12 - 13] الآيات. يقول علي: انتهى طعامنا من البيت أنا وفاطمة فقالت في الصباح: اذهب فالتمس لنا طعاماً، وليس لديهم مزرعة ولا وظيفة ولا مال، ولا بيت مؤجر ولا مساهمات في شركات، قالت فاطمة: اذهب فالتمس لنا رزقاً علَّ الله أن يرزقك هذا اليوم -للبطون فقط- قال: فأخذت عليَّ فرواً من البرد ثم تسللت إلى أرض اليهود، فدخلت على يهودي وهو يسني على السواني، وكانوا ينزحون الماء من البئر على الجمل، فقال اليهودي: يا غلام! وهو لا يدري من هو؛ إنه أبو الحسن من عظماء الدنيا، يا غلام! قال: نعم. قال: أتنزع لي غرباً بتمرة؟ قال: نعم. أنزع فكان علي كلما نزع غرباً أعطاه اليهودي تمرة حتى ملأ يديه، ويوم ملأ يديه ذهب، فلقيه صلى الله عليه وسلم فقال: أين كنت يا بن أبي طالب؟ فأخبره، فقال: أين التمر؟ فأراه فدعا له صلى الله عليه وسلم بالبركة، وأكل منه تمرة، والبركة ما بقي من أكله صلى الله عليه وسلم تعادل الدنيا، فذهب إلى فاطمة فأخذ يأكل معها، فتلك حياة علي رضي الله عنه حياة الزهد. ولذلك تولى الخلافة ومكث فيها خمس سنوات، وكان يأتي يوم عيد الفطر وقيل عيد الأضحى فيوزع بيت المال على الفقراء ويترك أهل بيته، يصلي ثم يكنس بيت المال، لا يترك الزبيب ولا الحبوب ولا المال، فيكنس البيت ثم يصلي ركعتين ثم يبكي ويقول: اللهم اشهد أني ما تركت درهماً ولا ديناراً ولا تمرة، وأتى في ليلة من الليالي فدخل على أهله بعد موت فاطمة في العراق فقال: هل عندكم شيء؟ قالوا: ما عندنا شيء، فخرج بسيف الرسول صلى الله عليه وسلم ذي الفقار، قال: يا أهل العراق! قاتلكم الله، أموت جوعاً وأنا أمير المؤمنين بين أظهركم، والله ما في بيتنا خبزة ولا تمرة؛ من يشتري مني هذا السيف، فلطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفعوا له بعض المال أو اقترض بعض المال رضي الله عنه.

فصاحة علي رضي الله عنه

فصاحة علي رضي الله عنه أما فصاحته: فهو الخطيب حقاً، خطيبٌ كالسيل، وهو لم يدرس في جامعة ولا كلية ولا مدرسة، لكن علمه الله عز وجل الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وتربى في بيت النبوة، ورضع من ثدي الرسالة، يأتي يوم الجمعة فينهل بالخطبة فيبكي الناس، وتقشعر الأبدان من كلامه، لأن كلامه صادق مؤثر. وفي ذات يوم سئل: يا أمير المؤمنين! كم بين العرش والأرض؟ لم يمترها رضي الله عنه بل قال: بين العرش والأرض دعوة مستجابة، وهذا من أحسن ما يقال، دعوة مستجابة بين العرش والأرض، ولذلك تسري في ظلام الليل ويقول الله عز وجل لدعوة المظلوم: {وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين} قيل له: كم بين الشرق والغرب؟ وهو لم يمتر الشرق والغرب، قال: مسيرة الشمس يوماً، لأنه فصيح جد فصيح، والرجل صاحب نسك، وكان يوقر الصحابة خلافاً لمن يدعي حبه الآن ممن تأثموا بحبه، لأنهم رفعوه فوق منزلته التي لا يرضاها هو، بل صح عنه بالتواتر أنه كان يقول على منبر الكوفة: خير هذه الأمة أبو بكر ثم عمر رضي الله عنه وعنهم. وكان يقول: كان الرجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حدثني بحديث استحلفته، فإن حلف صدقته؛ أي: إذا جاء صحابي إلى علي بن أبي طالب يحدثه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: احلف أنك سمعت هذا الحديث، قال: فإذا حلف صدقته فعملت به ونفعني الله به ما شاء، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر -أي: أن علياً لم يستحلف أبا بكر وأبو بكر لو تكلم عن أهل الدنيا لصدق وبر -قال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من أذنب ذنباً فتوضأ وصلى ركعتين واستغفر الله من ذاك الذنب، غفر الله له ذاك الذنب}. فخذوا هذا الحديث هدية بالمجان، والحديث صحيح في المسند: ولا يلزمك أن تذهب إلى الحاكم وإن أصبت حداً، لا. بل كما في الحديث وأورده ابن حجر في بلوغ المرام: {من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله} فأنت إذا أذنبت ولو بذنب كالجبل ثم راجعت نفسك، ورأيت أنك تعرض على الله وأنك محاسب، وأنك ضعيف؛ فقمت فتوضأت وصليت ركعتين واستغفرت الله غفر الله لك ذاك الذنب، ومصداقه قوله وتعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136]. وفي البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل على فاطمة، وأنت إذا سألت المرأة وقلت أين هو، يعني: زوجها -قالت: {غاضبته فخرج إلى المسجد} - انظر الحياة؛ لا نعيش في الخيال، بعض الناس إذا رأى إنساناً يغاضب أهله قال: هذا ليس مسلماً، كيف يغاضب أهله؟ لكن هذه حياة الواقع، ومن يعيش حياة الناس ويرى المشكلات التي تدور يرى أن الناس لن يبلغوا درجة الملائكة، {فأتاه صلى الله عليه وسلم فوجده نائماً والتراب على جنبه، فأخذ ينفضه برجله صلى الله عليه وسلم ويقول له: قم أبا تراب! قم أبا تراب!} فكانت أحب كنى علي بن أبي طالب وأحسن من أن تقول له: يا أبا الحسن، وأهل الشام لما تقاتل هو وإياهم كانوا يقولون: أبا تراب فكان يفرح بهذه الكنية، كما يقول الأول: وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهر عنك عارها يقول: يا ليت كل مسبة مثل هذه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي كناه، وفي صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام من الليل، فذهب إلى علي وفاطمة فأيقظهما فقال: ألا تصليان، ثم رجع إلى بيته فصلى عليه الصلاة والسلام وانتظر هل يسمع الباب يفتح، وهل يسمع من يتوضأ، لأنههما قريبان منه، فما سمع فعاد فقال لـ علي: ألا تصليان؟ فقام علي يعرك عيونه من النوم ويقول: يا رسول الله! إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أمسكها وإن شاء أرسلها، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ يضرب فخذه ويقول: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:54]. وتولى الخلافة بعد عثمان، وأقام زهداً وعبادة وصدقاً مع الله، فكان يأتي في ظلام الليل الدامس يصلي ويبكي، ويقول كما في حديث ضرار بن الحارث: [[يا دنيا يا دنية! طلقتك ثلاثاً لا رجعة بعدها، زادك حقير، وعمرك قصير، وسفرك طويل، آهٍ من قلة الزاد، وبعد السفر، ولقاء الموت]] وكان شاعراً مجيداً من أفصح الناس، لكنه ما اشتغل بالشعر، بل انصرف إلى القرآن والحديث، لأن الشعر وحده ليس برسالة، يقول في مقطوعات له من أحسن ما يقال: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الموت نبنيها فاعمل لدار غدٍ رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها هذه من أحسن كلمات الموحدين، وبقي على الصفاء والزهد والعبادة، وبقي يتحسر على حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم. حتى مرض قبل موته بأسابيع فقال له ابنه الحسن وهو أكبر أبنائه: يا أبتاه! أوصِ لنا، واكتب لنا كتاباً فإني أخاف أن تموت الليلة، قال: والله لا أموت الليلة. كيف يحلف أنه لا يموت الليلة؟ هل عنده صك أنه لا يموت الليلة؟ نعم. قال: والله ما أموت من هذا المرض؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد أنني لا أموت موتاً حتى تخضب هذه من هذه، يقول: أنا ما أموت على الفراش، ولن أموت إلا بالسيف، والله ما كُذِّبت ولا كَذَبْتُ، فشفي من مرضه واستمرت به الحياة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: {تدري يا علي من أشقاها؟ قلت: يا رسول الله! قاتل الناقة، قال: وتدري من أشقاها؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أشقاها من يقتلك} فأتى عبد الرحمن بن ملجم أحد الخوارج الخبثاء الحقراء، مبتدع ضليل مارد فاجر، أتى إلى امرأة اسمها الرباب فطلب الزواج منها وكانت جميلة فقالت: أتزوجك بشرط أن تقتل علي بن أبي طالب، فأخذ يسم سيفه بالسم شهراً كاملاً حتى أصبح السيف أزرق، ثم أتى في صلاة الفجر، وكان علي بن أبي طالب يوقظ الناس لصلاتهم، ودخل المسجد ووجد هذا الفاجر قد اضطجع على سيفه، جعله تحت بطنه في الطول وانبطح عليه، فأتى يركله بقدمه ويقول: إن هذه ضجعة أهل النار، فاستيقظ وقام علي يكبر فلما كبر لركعتي الفجر قام ذاك الفاجر فاستل السيف فضرب علياً في جبهته، ووقع الدم في لحيته ووقع على الأرض، وقال: حسبي الله ونعم الوكيل، ورفع إلى البيت رضي الله عنه، وأتى الناس يشهدون قال: الله الله لا يقتل إلا قاتلي، أي لا تزيدون في القتل، وأخذ أبناؤه يقولون: أوصنا، قال: أوصيكم بما وصى به إبراهيم ويعقوب بنيه: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132] جزاك الله عن الإسلام خير الجزاء، ما أحسن الكلمات! وما أصدق العبارات! وما أعطر السيرة والحياة الخالدة، ذلك هو أبو الحسن علي بن أبي طالب رابع الخلفاء.

دروس من سيرة علي بن أبي طالب

دروس من سيرة علي بن أبي طالب نستفيد من هذه السيرة دروساً: أولها: الزهد؛ وهو منزلة عالية، وهو الذي فارق بيننا وبين الصحابة، فالصحابة زهدوا في الدنيا فرفعهم الله وجعل الجنة مثواهم، ونحن أحببنا الدنيا فأخذت أوقاتنا وليالينا وأيامنا إلا من رحم ربنا. وثانيها: أن الشجاعة في ذات الله هي المحمودة، وأنه لا يمدح الجبان، ومن استخدم شجاعته في رضى الله كانت له شرفاً في الدنيا وذخراً في الآخرة، وبعض الناس شجاعته على جيرانه وإخوانه وأرحامه، حتى أن بعض القبائل ليس لديهم كلام إلا صبحنا آل فلان، ومسينا آل فلان، وضربنا آل فلان، وقاتلنا آل فلان وهم مسلمون، فهذه ليست بشجاعة، هذه معصية يحاسبون عليها عند الله، إنما الشجاعة على الكافر عدو الله، والشجاعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما العنصريات، وشجاعة التفاخر على المسلمين فليست بشجاعة. وثالثها: أن الصدق في الكلمات دليل على صدق القلوب، فصادق القلب يجعله الله صادق اللسان، ولذلك كان علي بن أبي طالب صادقاً في كلماته، يقول ابن كثير: (باب في كلماته الحاصلة التي إلى القلوب واصلة). ورابعها: أن من تقلل من هذه الدنيا فما عند الله له خير وأبقى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] فقد ذهب علي بن أبي طالب، وذهب أبو بكر، وذهب عمر، وذهب عثمان، وذهب فرعون، وذهب قارون: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7]. ستعلم أينا أهدى سبيلاً إذا عرضت على الله الأمور

سعد بن أبي وقاص

سعد بن أبي وقاص خامساً: سعد بن أبي وقاص. كنيته: أبو إسحاق، أسلم قديماً يوم سمع لا إله إلا الله محمد رسول الله، وسعد بن أبي وقاص قيل: هو الثالث في الإسلام وقيل: الرابع، وعلى كل فهو بالمنزلة العليا عند الله عز وجل، ولما أسلم غضبت أمه وكانت وثنية مشركة، فتهددته بكل شيء، وأضربت عن الطعام والشراب، وتألت ألاَّ تأكل ولا تشرب حتى يرجع ابنها عن دين الإسلام إلى الكفر، فحاول إقناعها فلم تقتنع، وحاول معها فلم تستجب، قال: [[يا أماه! والله الذي لا إله إلا هو لو أن لك ألف نفس فخرجت نفساً نفساً ما عدت عن ديني، فكلي واشربي أو دعي]] قالوا: فاستمرت ثم أكلت وشربت وأظنها أسلمت فيما بعد، والقصة في صحيح مسلم، فأنزل الله عز وجل: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان:15]. فلما استمر رضي الله عنه في الإسلام كان يمين الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو من خئولة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: {هذا خالي فليرني امرؤ خاله} يقول: من عنده خال مثل هذا فليبرز لنا خاله الذي كخالي هذا. كان شديد البنية، متماسكاً، قائداً عسكرياً يصلح لقيادة الجيوش، ولذلك ولاَّه عمر رضي الله عنه الجيش الإسلامي الذي فتح العراق، واجتاح دولة الأصنام والعمالة والضلالة، دولة المجوس، دولة كسرى، إمبراطورية التخلف، اجتاحها ودخل الإيوان، ولما رأى إيوان كسرى، قال: الله أكبر! فانصدع الإيوان، فقال وعيناه تدمع من الفرح، وبعض الناس عيناه تدمع من الفرح: طفح السرور علي حتى أنني من عظم ما قد سرني أبكاني قال: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29]. يقول سعد: {يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، قال: يا سعد! أطب مطعمك تستجب دعوتك} أي: ليكن مطعمك وملبسك وشربك حلالاً، ليستجيب الله دعاءك، وفي صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم: {ذكر الرجل أشعث أغبر يطيل السفر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له} فالمرابي والغشاش والمرتشي لا يستجيب الله دعائهم، ثم قال عليه الصلاة والسلام ل سعد: {اللهم أجب دعوته وسدد رميته} فما كان يدعو بدعوة إلا تأتي كفلق الصبح، وإذا رمى كانت بإذن الله لا تخطئ أبداً. وفي معركة أحد كان عليه الصلاة والسلام عنده كنانة، والكنانة تشبه الحقيبة فيها السهام، فكان يأخذ صلى الله عليه وسلم السهم ويعطيه فيضرب سعد المشرك فتقع في عين المشرك أو في رأسه ولا تخطئ، فكان يتبسم عليه الصلاة والسلام، ويقول: {ارم سعد فداك أبي وأمي، ارم سعد فداك أبي وأمي}. من يقول: فداك أبي وأمي؟ إنه محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يظفر بكلمة فداك أبي وأمي إلا سعد، قال علي بن أبي طالب ما سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يفدي أحداً بأبويه إلا سعد بن أبي وقاص يقول: {ارم سعد فداك أبي وأمي} فكان يرمي فتصيب بإذن الله عز وجل. وأما إجابته الدعاء: فقد كان الله يستجيب دعوته؛ لأنه كان طيب المطعم والسريرة، والعمل والأخلاق، شاب لكنه يريد الله والدار الآخرة، ولاَّه عمر رضي الله عنه على الكوفة أميراً، وكان أهل الكوفة مشاغبين، يشتكون أميرهم ولو كان من الملائكة، فقال لهم عمر: كيف أميركم؟ وكان عمر يجمع الناس في الحج من الأقاليم والمدن، ويسألهم: كيف أمراؤكم؟ فإذا شكوا من الأمير أتى بالأمير وأوقفه أمامهم وحاسبه وهم يرون، فقال: كيف سعد؟ قالوا فيه خير، ولكن شكوا بعض الأمور، فأرسل لجنة يرأسها محمد بن مسلمة أحد الأنصار الكبار الصادقين، وقال: اذهب إلى أهل الكوفة وسلهم عن سعد، فذهب يمر بمساجد الكوفة، كيف سعد بن أبي وقاص الأمير؟ قالوا: من أحسن الناس، عبد صالح، فذهب حتى وصل إلى مسجد من مساجد الكوفة فيها شيخ كبير أضل الله عقله، فقال: كيف سعد بن أبي وقاص؟ فقام هذا الشيخ وقال: أما إن سألتنا عن سعد بن أبي وقاص فإنه لا يخرج في السرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، هذه ثلاث مثالب. فقام سعد وهو يسمع الكلام، فقال: [[اللهم إن كان عبدك هذا قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن]] قال: فاستجاب الله دعوته، فاستمر في الحياة حتى سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري يغمزهن في شوارع الكوفة، ويقول: شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد. وخرج سعد بن أبي وقاص من المسجد بعد أن صلى الجمعة، فإذا برجل يسب علي بن أبي طالب وقد قتل علي، فقال: لا تسب أخي، قال: والله لأسبنه، قال: لأدعون عليك، فلم ينزجر فقال: [[اللهم اكفنا هذا الظالم]] هذه القصة ذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء، وبينما هذا الساب الذي سب علياً واقف مكانه وإذا بجمل أتى من ناحية الكوفة لا يلوي على شيء، فتأخر الناس عنه فاقترب من الرجل ثم لطمه بيده أو برجله فإذا الرجل ميت على الأرض، وهذا سنده صحيح. وكان سعد رضي الله عنه من أقوى القواد، ولما أرسله عمر قال: يا سعد بن وهيب! لا يغرنك قول الناس إنك خال الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، فكان يوصيه بتقوى الله عز وجل، وبطلب ما عند الله.

سعد بن أبي وقاص في القادسية

سعد بن أبي وقاص في القادسية ولما أراد عمر أن يرسل الجيش وهو ما يقارب ثلاثين ألفاً إلى القادسية للمعركة، فشاور الصحابة، فكان كثير منهم يرى أن يخرج أمير المؤمنين قائداً للجيش، فخرج عمر ولبس السلاح، وأصبح القائد عمر، ولما وصل إلى ضاحية من ضواحي المدينة نزل يستعرض الجيوش، أتت جيوش من اليمن وجيوش من الجزيرة من غطفان وتميم، فلحقه علي بن أبي طالب قال: يا أمير المؤمنين! أرى ألاَّ تخرج قائداً وابق في المدينة، فإنه إذا هزم الجيش كنت وراءهم ردءاً وعوناً لهم ومدداً، وإنك لو ذهبت وهزمت سحق الإسلام واجتيحت عاصمة الإسلام، وصدق رضي الله عنه، قال عمر: من ترى أن نولي؟ قال: نفكر، فذهب الصحابة طيلة الليل وعمر في الخيمة يفكرون من الذي يولونه مكان عمر بن الخطاب يقود الجيش، وإذا ب عبد الرحمن بن عوف أقبل يهلل، فقال عمر: مالك؟ قال: وجدت الأسد في براثنه، قال: من هو؟ قال: سعد بن أبي وقاص، قال: أصبت أصاب الله بك الخير، فأتى بـ سعد فولاه رضي الله عنه فذهب، وقاد الجيش، وكانت معركة القادسية من أعتى المعارك في الإسلام، قائدها سعد بن أبي وقاص، وأصابه مرض رضي الله عنه في مقاعده حتى ما كان يستطيع أن يجلس، فكان يصعد على الحصن فيتكئ على صدره وبينه وبين الحجر وسادة، وكان يدير الجيش من فوق الحصن، ولما قطعوا جسر دجلة كانت تمر القوافل والكتائب الإسلامية؛ الخيول ثم الجمال ثم يمر الأبطال من طرف الجسر ليقاتلوا الأعداء، فقطع أهل فارس الجسر، فإذا بالناس في النهر، فغرق منهم مئات وماتوا، فنظر سعد ودعا الله عز وجل أن ينجي جيش الإسلام وقال: يا خيل الله اركبي، أي امشي في النهر، فسمعته الخيل، والجمال، وجمَّد الله النهر، فما أصبح ثلجاً تنزلق عليه الأقدام، ولا ماء تغوص فيه، وإنما أصبح كأنه يبساً، لا تخاف دركاً ولا تخشى، فمر الجيش حتى نزل في الجهة المقابلة، واستمرت المعركة ثلاثة أيام كأنها من أيام الله الكبرى التي تمر بالأمم، حتى ذهل كثير من الناس، وشاركت الفيلة، وفقد بعض الناس أبناءهم وأعمامهم، وأتى القتل الرهيب الذي لا يعلمه إلا رب السماوات والأرض، وفي تلك الأيام أرسل رستم قائد فارس: جاسوساً وقال: اذهب وادخل في جيش المسلمين وانظر ماذا يفعلون في الليل، وادخل في جيشنا وانظر ماذا يفعلون، فذهب هذا الجاسوس في الليل فدخل في جيش المسلمين فوجد فرقة تقرأ القرآن، ووجد طائفة تبكي وتدعو الله، ووجد طائفة أخرى ركعاً لله، ووجد آخرين سجداً، ووجد آخرين يتذاكرون العلم والحديث والفتيا، ووجد سعداً يبكي في الليل ويرفع يديه ويطلب الله النصر، وعاد إلى جيش فارس فوجد طائفة يعاقرون الفتيات في الزنا، ووجد آخرين بكاسات الخمر، ووجد آخرين في نوم عميق يغطون، وفي سباتهم يعمهون، فعاد فأخبر رستم فعض أصابعه، وقال: هزمنا، هذه أول الهزائم، وفي صباح اليوم الثاني قال رستم: أخرجوني لأرى المسلمين هؤلاء، فأخرجوه فنظر، فإذا هم الألوف المؤلفة ورأى سعداً إذا كبر كبروا، وإذا ركع ركعوا، وإذا رفع رفعوا، وإذا سجد سجدوا، فأخذ القائد الفارسي يعض أصابعه، ويقول: علَّم محمد الكلاب الأدب، كذب عدو الله، بل علم محمد صلى الله عليه وسلم الأسود الأدب. وفي اليوم الثالث أرسل إلى سعد قال: أرسل لي شاباً من جنودك أتكلم معه، يريد أن يعرف ما الذي حصل للعرب، فقد كانوا قبل ذلك بدواً، والآن يريدون يفتحوا أرض كسرى وقيصر. قال سعد: من نرسل؟ قالوا: أنت أبصر، قال: قم يا ربعي بن عامر! شاب في الثلاثين من عمره، لا تغير من هيئتك شيئاً واخرج إلى رستم قائد فارس الذي يقود مائتين وثمانين ألفاً، فادخل عليه وتكلم معه، فأخذ هذا الصحابي رضي الله عنه أسماله البالية، وثيابه الممزقة، ورمحه في لفائف في قماش حتى الرمح ليس له خبء، وذهب بفرس كبير هزيل قحم عجوز، فأخذ يقوده وليس عنده حرس ولا موكب ولا أُبَّهة، ولا تاج ولا ثياب مثل ثياب الناس حتى دخل، فقيل: يستأذن عليك رسول سعد بن أبي وقاص، قال: أدخلوه، وقبل أن يدخلوه قالوا: أتى رستم فلبس تاج الذهب وألبس أمراءه والحاشية والبطارقة مثله ليرهب ربعي بن عامر، فدخل ربعي برمحه يخرق الوسائد التي وضعها ليعلمه أن الدنيا تافهة لا تساوي عندنا شيئاً، فقال له رستم: لماذا خرجتم؟ إن كنتم جياعاً أعطيناكم الأموال، وإن كنتم عراة كسوناكم، وإن كان بكم حاجة أعطيناكم حوائجكم، قال ربعي: إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فقال رستم مستهزءاً: جئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور وهذا الرمح المثلم، وهذه الثياب الممزقة! لسان حاله: الذي يفتح الدنيا، ويصارع الدول عنده جيش، قال: فأعاد عليه الكلمة فغضب وأقسم بآلهته لا تخرج حتى تحمل تراباً من تراب إيواني هذا، وكان ساكناً في الصحراء وعنده سرادق، فحملوه في صحفة أو قصعة أو طست أو صحن تراباً فأخذه على رأسه وركب الفرس، فقال البطارقة ل رستم: مالك؟ إن معنى تسليمك التراب أنه يحتل الأرض، قال: أدركوه، فذهبوا وراءه فوجدوه قد دخل في جيش المسلمين، قال سعد: ما هذا الذي على رأسك؟ قال: تراب من ترابهم، قال: نصرنا ورب الكعبة، وفي اليوم الرابع أتى سعد رضي الله عنه وقال: انتهت المفاوضات يعني باءت بالفشل، وما بقي إلا السيف الأملح، قال سعد: إني مصلٍّ الفجر وسوف أكبر بعد الصلاة تكبيرة، فإذا كبرت التكبيرة الأولى فاركبوا الفرسان، فإذا كبرت الثانية فاستقبلوا الأعداء، فإذا كبرت الثالثة فالقتل، فكبر الأولى فركب الخيالة على الخيول وأهل الجمال والمغامرون والمنازلون والمبارزون، وكبر الثانية فاستقبلوا الأعداء، وكبر الثالثة فبدأ القتل، واحتدمت المعركة ثم هزموهم بإذن الله، وكان من فشلهم أنهم كانوا يسلسلون كل عشرة بسلسلة لئلا يفروا، فكان إذا قتل واحد من العشرة أخذوا يسحبونه، فإذا قتل الثاني لم يستطيعوا أن يسحبوه فيسقط معهم الثمانية فتدوسهم الخيل، حكمة بالغة، وقدرة نافذة فما تغني النذر، حتى امتلأ بهم النهر ومر سعد رضي الله عنه في كتيبته الخاصة به حتى وصل إلى المدائن أرض الخبث وعاصمة الكفر، فافتتحها ورأى إيوان كسرى الذي بقي عليه ألف سنة ففتحه بـ (الله أكبر) ثم جلس فيه يقرأ القرآن رضي الله عنه. واستمر في حياته مجاهداً حتى عزله عمر بقرار، وكان عمر رضي الله عنه يريد أن يبقى الصحابة أصفياء أوفياء بلا دنيا ولا مهاترات، فاعتزل رضي الله عنه ورجع إلى المدينة وقال له عمر: يا أبا إسحاق! ما عزلناك خيانة فيك، ولكن أضن بك على الدنيا أو كما قال، وأتى أهل الكوفة فقالوا: سعد بن أبي وقاص لا يحسن الصلاة، فقال عمر: تعال يا سعد! يقول أهل الكوفة: إنك لا تحسن الصلاة، فضحك سعد، وقال: سبحان الله! يعيرني بنو أسد أني لا أعرف أصلي، وقد أدخلتهم في الإسلام بسيفي هذا، وصدق، قال: ماذا تفعل؟ قال: أركد في الأوليين وأخفف في الأخريين، هذا الحديث في الصحيحين، قال عمر: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق. وقتل عمر فبقي على العهد وتولى عثمان وبقي على العهد، ولما قتل عثمان اختلفت الأمة وأتت الفتنة فاعتزلها وذهب إلى الصحراء رضي الله عنه معه قطيع غنم، وصنع بيتاً من شعرٍ -خيمةً- وسكن هناك يقرأ القرآن ويبكي، فيأتي ابنه ويقول لأبيه: مالك ترعى الضأن والناس يتقاسمون الملك؟ قال: اغرب عني والله إني أولى الناس بالخلافة وإن الخلافة أولى بي من قميصي هذا، يقول: لو كنت أريد الخلافة كنت أطلبها ولكني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي} وهذا الحديث في صحيح مسلم. ولما أتته سكرات الموت أتت ابنته عائشة وقالت: يا أبتاه! تموت في الصحراء وحدك بعد أن رافقت الرسول عليه الصلاة والسلام، وصاحبت أبا بكر وعمر وعثمان؟ قال: يا بنية! لا تبكي علي؛ والله إني من أهل الجنة، قال الذهبي معلقاً في السير: صدق هنيئاً له ومريئاً ونحن نقسم بالله أنه من أهل الجنة، فقد أخبرنا محمد عليه الصلاة والسلام، يقول: {أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وابن عوف في الجنة والزبير في الجنة وطلحة في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد بن نفيل في الجنة وأبو عبيدة في الجنة} فنشهد أنهم من أهل الجنة، وذهب إلى الله، فلما سمع بجنازته بكت عليه المدينة المنورة وقالت عائشة: [[مروا بسعد علينا في البيوت حتى ندعو له]] أي: أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين، فمروا بجنازته والبكاء يلاحق الجنازة، لأنه فاتح القادسية، وصاحب تلك المعارك الهائلة في الإسلام، فسلمت عليه عائشة ودعت له وبكت كثيراً وذهب إلى لقاء ربه.

دروس وعبر من حياة سعد بن أبي وقاص

دروس وعبر من حياة سعد بن أبي وقاص ونأخذ من حياته دروساً:- أولها: أن إجابة الدعوة مقترنة بطيب المطعم، فمن أراد أن يستجيب الله دعاءه فليكن مطعمه، وملبسه، ومشربه، ومسكنه حلالاً، وإلا فلا يطمع في إجابة الدعاء. الدرس الثاني: أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإذا أمرك الوالدان أو غيرهما بمعصية أو بمنكر، أو فاحشة فلا طاعة في ذلك، قال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15]. الدرس الثالث: أن الله عز وجل ادخر للمؤمن أكثر مما في الدنيا، وأن الدنيا ليست غاية؛ لأن بعض الناس مقاييسهم ضحلة، ونظرتهم ضيقة، ينظرون إلى من أمده الله بصحة أو مال أو ولد أو عقار فيقولون: هذا لمنزلته عند الله، وهذا خطأ في الفهم وضلال في التوجه، لأن الله عز وجل قد يحرم عبده المؤمن من الدنيا فيبقى فقيراً كـ سعد رضي الله عنه، يقول سعد ولا بأس أن نعود إلى كلمة له: [[والله الذي لا إله إلا هو لقد أتت علي أيام في أول الإسلام ما لنا طعام إلا ورق الشجر، ولقد كنا نأكل من أوراق الشجر حتى تشرمت أشداقنا -أصبحت مثل أشداق الجمال من أكل أوراق الشجر- قال: فانتهى ورق الشجر حتى وجدت جلد ميتة فأخذته فأحرقته بالنار ثم سحقته ثم شربته على الماء]] هل بقي وراء هذا جوع؟ ولكن ادخر الله لهم الجنة، مقعد صدق عند مليك مقتدر. ومن سيرة سعد نأخذ أن الفضل في الإسلام بالبلاء الحسن والأسبقية، وليس بالتبجح بالكلمات، فإن أكثر الناس قدماً عند الله أكثرهم بذلاً وعطاء وعبادةً، وزهداً ودعوة وإخلاصاً وكرماً، فهذا هو المقدم عند الله، فلا للأسرة، ولا للمنصب، ولا للمال، ولا للولد. الدرس الخامس: اعتزال الناس عند الفتن، فإذا أتت الفتن والخصومات والمشاكل في القرى أو المدن فالأسلم للمؤمن أن يعتزل الفتنة، إما أن يبقى في بيته ولا يحضر إلا الجماعات والجمعة والعيد، وإما أن يخرج إلى قرية أخرى. وعند البخاري من حديث أبي سعيد: {يوشك أن يكون خير مال المرء المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن}. فسلام على سعد في الخالدين، وجمعنا الله به مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ونسأل الله أن يثبتنا كما ثبت عباده المؤمنين.

ابن عباس

ابن عباس سادساً: ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، فمن هو هذا؟ إنه شاب نشأ في عبادة الله، وهو من أذكى الناس، وفتح الله عليه فتحاً لا يدور في الخيال ولا يخطر بالبال، علمه كالبحر، حتى قيل فيه لما ذكر علمه: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] هو عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والده العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. أسلم من صغره، وأوى إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان حافظاً لله منذ نعومة أظفاره، ركب مع الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم على حمار، وبينما هما يمشيان في الطريق إذ قال عليه الصلاة والسلام: {يا غلام! قال لبيك وسعديك قال: يا غلام! قال: لبيك وسعديك، قال: يا غلام! قال: لبيك وسعديك، قال: إني أعلمك كلمات} هذه الكلمات -أيها المسلمون- تجمع أصول الإيمان، وأصول الإسلام، وأصول الوصاية، وهو من أعظم الأحاديث في الإسلام: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك،، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء إلا قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} رواه الترمذي بسند صحيح ورواه أحمد وزاد: {واعلم أن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسراً، وأن الفرج مع الكرب} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث حديث عقدي في التوحيد، وفيه قضايا: أولها: أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله، والمجلد الأول من فتاوى ابن تيمية حول هذه المسألة، وهو أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله، وكثير من الناس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بلسانه، ويصلي، ويصوم، ويحج، ويعتمر، ولكنه يخاف الناس أكثر من الله، ويرهب الناس أكثر من الله، ويحب الناس أكثر من الله، ويخشى أن ينقطع رزقه من طريق الناس، فيخشى الناس أكثر من خشيته لله، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك} فالمسألة الأولى: أنه لا ينفع إلا الله. والمسألة الثانية: أنه لا يضر إلا الله، والله لو اجتمعت الدنيا عن بكرة أبيها لتضرك ولم يرد الله ذلك؛ فلا يمكن أن تصاب بضرر، ومصداق ذلك: {واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. والقضية الثالثة: أن من يحفظ الله يحفظه الله، ومفهوم المخالفة أن من ضيع أوامر الله يضيعه الله، واقرأ تاريخ الناس، وتصفح تاريخ ابن كثير وتاريخ ابن جرير وتاريخ ابن الأثير لتجد سيرة الرجل من أول حياته، فإذا وجدته في أول حياته معرضاً عن الله لا يصلي، ويستهزئ بالقرآن، فستجد في الأخير الطامة الكبرى؛ بأن يخزيه الله خزياً ما بعده خزي، ويكتب عليه اللعنة، ويأتيه من النكال والهوان والعذاب والأذى ما الله به عليم، واقرأ سيرة الرجل الآخر الذي قيل فيه: كان صالحاً يحافظ على الصلوات الخمس، ويحب القرآن والصدقات، فستجد العاقبة له، والعاقبة للمتقين. حفظ الله بالتقوى؛ أن تحفظ حدود الله وتحفظ جوارحك مع الله، يحفظك الله وقت الهرم، والشدة، والكرب، والحاجة، والموت، يوم العرصات، يوم الزحام، يوم العرض الأكبر على الله، فـ ابن عباس أخذ هذا الدرس وبدأ يحفظ الله من صغره.

حرص ابن عباس على معرفة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته

حرص ابن عباس على معرفة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته وفي ليلة من الليالي -والحديث في الصحيحين - أحب أن يرى ما هو برنامج الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، لأنه يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد، ويراه في الحج، ويراه في العمرة، لكن أحب أن يرى ماذا يفعل عليه الصلاة والسلام في البيت، فتوخى ليلة ميمونة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها خالته، فدخل بعد صلاة العشاء مباشرة، وأتى عليه الصلاة والسلام وابن عباس في الفراش وتلحف باللحاف، وتظاهر أنه نائم ولم ينم. نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك أراد أن يأخذ أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه الصلاة والسلام فرآه، وكانوا ينامون مبكرين بعد صلاة العشاء، فقال لـ ميمونة: نام الغليم؟! والغليم تصغير الغلام للتحبيب يقول: قليبي تصغير قلبي للتحبيب، قالت: قد نام يا رسول الله! هذا الحكم على الظاهر وإلا فهو في الباطن ما نام، بل هو يسمع وينقل لنا هذه الكلمات بعد موته صلى الله عليه وسلم قال: فأتى عليه الصلاة والسلام إلى فراشة فذكر الله، وهلل وكبر ودعا، ثم سبح قال: فأخذ يسبح هوياً من الليل، أي: كثيراً من الليل، يسبح وهو على الفراش، لأنه أخشى وأبر من أوجد الله على الأرض، وأكرم من صور الله، قال: ثم نام حتى سمعت غطيطه، وفي رواية البخاري خطيطه، يعني: من النوم، وبقي ابن عباس يتابع الرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم نائم، قال: فقام بعد أن نام جزءاً من الليل فجلس، ما كان عندهم سُرج ولا كهرباء، بيت من طين إذا نام الإنسان فيه كان رأسه في طرف البيت ورجلاه في الطرف الآخر، ولكنه بيت من حول مجرى الإنسانية، ومن هدى البشرية، وزعزع كيان الوثنية، بيت أشرف من صوّر الله وخلق، لأن الدنيا لا تساوي عنده شيئاً، فقد أتى جبريل عليه السلام بخزائن الدنيا من ذهب وفضة، وقال: أتريد أن أدعو الله أن يحول لك هذه الجبال ذهباً؟ قال: لا. أشبع يوماً وأجوع يوماً حتى ألقى الله. قال ابن عباس: فاستيقظ صلى الله عليه وسلم والدنيا مظلمة، فأخذ ينظر إلى السماء صلى الله عليه وسلم ويقرأ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]. إلى أن ختم العشر الآيات، وانظر إلى هذا الذكي اللماع كيف يحفظ الآيات والأدعية، والحركات والسكنات، وعمره بين الثامنة والعاشرة، ثم قام عليه الصلاة والسلام وابن عباس يرقب بسمعه وبصره وقلبه، قال: فخرج عليه الصلاة والسلام، ثم أتى، خرج لحاجته يريد الوضوء، فقام ابن عباس إلى شن معلق بالبيت -قربة- فسكب ماء؛ لأنه من فقهه أن من خرج لحاجته يريد ماء، فسكب في الإناء ثم وضعه ثم عاد فنام، فأتى عليه الصلاة والسلام وهو يذكر الله، فنظر إلى الماء وإلى الإناء، فقال: من وضع لي الإناء؟ يسائل نفسه لأنه في الليل وحده، ثم عرف أنه ابن عباس فقال: {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} من الذي يدعو؟ إنه محمد صلى الله عليه وسلم، فهي دعوة مستجابة، فاستجاب الله له في تلك اللحظة، لأنه أبر الخلق، فقام فتوضأ عليه الصلاة والسلام، ثم أتى إلى المصلى وابن عباس لا زال يحفظ الحركات، والأدعية، والكلمات، قال: فاستقبل القبلة ثم كبر ثم قال: {اللهم ربنا لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت} من يستطيع أن يستوعب مثل هذه الكلمات؟! ثم أخذ يدعو فحفظ ابن عباس، فلما استمر في الصلاة قام ابن عباس فتوضأ ثم أتى عن يسار الرسول صلى الله عليه وسلم، والسنة أن المأموم المنفرد يقف عن يمين الإمام، لكن ابن عباس أتى عن يسار المصطفى عليه الصلاة والسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم حرك يده ثم وضعها على أذن ابن عباس ففرك أذنه وهو غلام صغير، ثم حوله عليه الصلاة والسلام حتى وضعه عن يمينه في الصلاة، فصلى عليه الصلاة والسلام ما شاء أن يصلي، واستمر معه هذا الفتى وظفر بدعوة، ونستفيد من تلك الليلة أموراً: منها: أن لقيام الليل دعاءً خاصاً، وهو هذا الدعاء الثابت في الصحيح. ومنها: أن دعاء الاستفتاح فيه خلاف تنوع لا خلاف تضاد، فلك أن تدعو بما ورد في السنة من أدعية الاستفتاح. ومنها: أن المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام لا عن يساره. ومنها: أنه لا بأس بالحركة اليسيرة في الصلاة للحاجة. ومنها: كما قال ابن حجر: أنه لا بأس بفرك أذن المتعلم من يد المعلم؛ لأنه أزكى له أن تفرك أذنه، لكن فرك في حدود المعقول، فلا تفركها حتى يخرج الدم فيتوب ألا يفهم، هذه بعض فوائد الحديث. فخرج ابن عباس تلك الليلة وبدأ تأثير الدعوة في حياته: {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} تستمر معه، كان لا يُسأل عن آية من آيات الله في المصحف إلا وينفجر كالبحر من العلم، يقول أحد تلاميذه: وقف ابن عباس يوم عرفة في الحج عند الصخرات على ناقته قال: فبدأ والحجيج أمامه ألوف مؤلفة يفسر سورة البقرة من صلاة الظهر إلى صلاة المغرب ما تلعثم، ولا سعل، ولا تنحنح، ولا توقف، قال: والله الذي لا إله إلا هو لو سمعته اليهود والنصارى لأسلموا عن بكرة أبيهم، يتفجر كالبحر ومن يوقف البحر إذا انفجر؟! كان من أفصح الناس، زد على ذلك أنه كان من أجمل الناس، قال عطاء بن أبي رباح أحد تلاميذه: والله الذي لا إله إلا هو لقد نظرت إلى القمر ليلة أربعة عشر في السماء وإلى وجه ابن عباس، فوالله الذي لا إله إلا هو لوجه ابن عباس أجمل من القمر ليلة أربعة عشر، كأن نوراً يتلألأ على وجهه من الحسن. وكان كذلك رجلاً ذا لباس حسن، وفيه أن الإسلام لا يعترف بالدروشة؛ إنسان يريد أن يستقيم وقد أمده الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بثياب ولباس حسن، فيأتي ويأخذ مقطعات من عهد السلطان عبد الحميد ويقول: هذا هو التواضع والزهد، أسأل الله أن يرفع لي درجتي!! لا. لا يعترف الإسلام بهذا، فهذا ابن عباس كان من أخشى الناس، وكان يلبس بردة حمراء مخططة بألف دينار، ووجهه كالقمر، ثم يتطيب الطيب حتى يقول أحد التابعين: رأيت على رأس ابن عباس طيباً لو كان لأحد لكان مالاً، أي: ميزانية؛ لأن الله عز وجل مده بالمال والعلم، فكان يخرج على الناس بالبردة حتى أنكر عليه الخوارج وقالوا: كيف تلبس هذا؟ لأن الخوارج كانوا يلبسون ثياباً ممزقة، ويحتقر الصحابة صلاتهم إلى صلاتهم، وقراءتهم إلى قراءتهم، لكن لا فهم عندهم ولا استنباط، ولا فقه في الدين قال: أنا أفهم أم أنتم بالرسول صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: أنت، قال: فلقد رأيته في البرود الحبرة التي تساوي كذا وكذا.

برنامج ابن عباس اليومي

برنامج ابن عباس اليومي أما برنامجه اليومي فكان إذا أصبح الصباح يجلس في الحرم عند الكعبة، فيبدأ بعد صلاة الفجر يدرس أهل القرآن، فإذا طلعت الشمس قام فصلى ركعتين ثم قال: علي بأهل التفسير؛ فيأتي أهل التفسير من الأمة الإسلامية، فيسألونه فيتفجر كالسيل الجرار أو كالبحر الزخار، فيقول: ارتفعوا، علي بأهل الحديث، فيفتي أهل الحديث، ثم يقول: ارتفعوا، علي بأهل الفقه فيأتي أهل الفقه، ثم يقول: علي بأهل الأدب وأهل الشعر، وقد قيل في سيرته: إنه كان يحفظ ثمانية عشر ألف بيت من الشعر، ويحفظ قصائد مطولة من أول مرة، جلس عنده شاعر مكة عمر بن أبي ربيعة المخزومي، فألقى عليه قصيدة مرة واحدة فقال ابن عباس: إني قد حفظتها، قال: أعدها علي، فأعادها من أولها إلى آخرها وهي التي يقول فيها: أمن آل نعم أنت غادٍ فمبكرٌ غداة غدٍ أم رائح فمهجر إلى أن يقول: وغاب قمير كنت أرجو غيابه وروح رعيان ورقد سمر ويوم وصل البيت هذا إلى سعيد بن المسيب سيد التابعين قال: قاتل الله عمر بن أبي ربيعة صغر ما عظم الله، يقول الله: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يّس:39]. أي أن الله سماه قمراً وهو يقول: قمير.

صور من كرم ابن عباس

صور من كرم ابن عباس ثم كان أكرم الناس، يقول ابن تيمية: بعض الناس يجود بالعلم وبعضهم يجود بالمال، أما ابن عباس فكان يجود بالمال وبالعلم، فقد كان يجلس في الحرم فإذا أتى وقت الإفطار قال لأهل الحرم من المسلمين جميعاً: هلموا إلى الفطور المبارك، فيأتي إلى بيوت آل العباس لأنهم من أسرة بني هاشم، أسرة الرسول صلى الله عليه وسلم التي ما على الكرة الأرضية أسرة أشرف منها، لا في آسيا ولا في أفريقيا ولا في أمريكا، ولا في أستراليا؛ لا يوجد أشرف من بني هاشم، فكان يذهب بالناس فيأتون إلى لباب البر، ولباب العسل، وقد وضع على الناس فيأكلون ثم يغسلون وينزلون الحرم، فيدرسهم إلى الظهيرة ثم يصلي الظهر ثم يقول: هلموا إلى الغداء المبارك، فيذهبون وإذا اللحم بالخبز قد وضع في قدور وصحاف فيأكلون ثم يعودون إلى الحرم، فكان يبذل العلم والمال: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21]. ولم يكسبه علمه غروراً، لأن بعض الناس إذا تعلم اكتسب بهذا العلم غروراً وعجباً، حتى تجد بعضهم يجعل الشهادة الجامعية أو نحوها وهي لا تساوي قرشين، يعلقها في البيت على برواز من زجاج، لكن انظر إلى أثرها في واقعه وحياته وعقيدته وسلوكه ومنهجه، ماذا تنفعك هذه الشهادة؟ إن كنت تفتخر بها فالخواجة حصل على شهادات البروفيسور، والشهادة العالمية، وجائزة نوبل، وهو في مسلاخ الكلب، وأبو بكر وعمر خرجا إلى الدنيا لا يحملون شهادة أول ابتدائي، ولكنهم فجروا طاقة الإنسان، ووجهوا الإنسان، وفتحوا بإذن الله عقل الإنسان، فبعض الناس ربما يكسبه العلم عجباً، حتى وجد أن بعض الناس ما أكسبته الثقافة إلا فجوراً وعتواً وتمرداً على آيات الله، وبعضهم أكسبته الثقافة تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، يقول عز من قائل في هذا الصنف: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} [الأعراف:175 - 176].

صور من خشية ابن عباس

صور من خشية ابن عباس وكان ابن عباس من أخشى الناس لله، وقد ذكر عنه أهل السير والتراجم وغيرهم أنه كان يقف في الحرم من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر ليقرأ آية واحدة يرددها إلى صلاة الفجر ويبكي، والآية هي من سورة النساء قول الله تبارك وتعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123]. فكان يبكي لأن بعض المؤمنين قالوا: ربما يخفف الله عنا لأنا من أمة محمد، مثلما يفعل الجهلة الآن؛ يرتكبون من الكبائر أمثال الجبال فإذا نصحته قال: أمة محمد مرحومة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي}. وأنت ما تدري أيها المسكين هل تدخل في أهل الشفاعة، أم أنك تحرم من الشفاعة أصلاً، أم أنك لاستهزائك وتهتكك في الحدود وانتهاكك لحرمات الله لا يمكن أن تدركك شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام أبداً، لكن ابن عباس يقرأ هذه الآية فيتأمل اليهود والنصارى يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه، فيقول الله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:18] ما هو الرد؟ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} [المائدة:18]. لماذا أخزاكم؟ ولماذا حعل منكم قردة وخنازير؟ ولماذا لعن كثيراً منكم؟ ولماذا هزمكم في كثير من المعارك؟ {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} [المائدة:18] فكان ابن عباس فيه خشية لله عز وجل، يقول عطاء: رأيت جفني ابن عباس كأنهما الشراكين الباليين من كثرة البكاء، الرجل جميل وجهه كالقمر، لكن من كثرة البكاء من خشية الله! إذا قرأ القرآن -لأنه عالم رباني- أصبحا كالشراكين الباليين في الحزام الذي يكاد ينقطع، ونسب إلى عمر أنه أخذ الدمع في خديه خطين أسودين من كثرة ما يبكي، ولذلك سبقوا غيرهم لكثرة خشيتهم لله عز وجل.

صور من حلم ابن عباس

صور من حلم ابن عباس أما حسن أدبه، وكمال خلقه، فكان من أحلم الناس، صدره كالبحر، أتاه رجل في الحرم فسبه أمام الناس فتبسم ابن عباس، وقال للرجل: كيف تسبني وفي ثلاث خصال، قال الناس لـ ابن عباس ما هي الثلاث الخصال يا ابن عباس! قال: [[والله الذي لا إله إلا هو ما نزل قطر في بلاد المسلمين إلا فرحت به، وليس لي فيه ناقة ولا جمل]] انظر محبة الخير للناس، وبعض الناس الآن يكره إذا رأى جاره أو أخاه رزقه الله مالاً أو عقاراً أو ولداً، فهذا من أحقد الناس وأحسد الناس وفيه شبه من اليهود في قلبه، وقد وجد في بعض المجتمعات -والله- أن أحدهم إذا رزق بوظيفة، أو بنى عمارة فكأنها على قلبه ما كأنها على الأرض، قال ابن عباس: [[أما أنا فما سمعت بقطر نزل في أرض إلا فرحت به، وليس لي فيه جمل ولا ناقة، قال: ولا فهمت آية من كتاب الله إلا وددت أن الناس يعرفون منها ما أعرف، ولا سمعت بقاضٍ عادل إلا دعوت الله له وليس لي عنده دعوى]] فدعا الناس ل ابن عباس بالخير، وهذا ما يسمى صفو النفس وكمالها حتى تبلغ إلى الدرجة القصوى. ولذلك فقد شهد صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة ثلاث مرات أنه من أهل الجنة، فنام معه صحابي ورأى صلاته فلم يجد كثرة صلاة في الليل، ولا كثرة ذكر قال: مالك؟ قال: هو ما رأيت غير أني أبيت وليس في قلبي غل على أحد، فرحم الله ابن عباس رحمة الأبرار.

معاذ بن جبل

معاذ بن جبل سابعاً: معاذ بن جبل، أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام، كان يشهد العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع إلى قومه ويصلي بهم إماماً وهم مأمومون، ويجعل صلاته الثانية نافلة له ولهم فريضة، وفيه دليل على جواز ائتمام المفترض بالمتنفل، وأنتم ترون بعض الناس إذا أتى متخلفاً ونحن في التراويح والنافلة لا يدخلون معنا وهذا خطأ، بل الأحسن والسنة أن يدخل ولو كان مفترضاً ونحن متنفلون، فإمامة المفترض بالمتنفل واردة لحديث معاذ هذا وهو صحيح، وإمامة المتنفل بالمفترض واردة لحديث الأسود بن يزيد عن أبيه أنه صلى الله عليه وسلم كان في مسجد الخيف، ثم مال فوجد رجلين فأنكر عليهما يوم تركا الصلاة وقال: {مالكما؟ قالا: صلينا في رحالنا، قال: لا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما والناس يصلون فصليا معهم؛ فإنها لكما نافلة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فهنا أربع صور صحيحة، إمامة المفترض بالمفترض وهذا بالإجماع، وهو الذي نفعله، إمامة المتنفل بالمفترض وإمامة المفترض بالمتنفل، وإمامة المتنفل بالمتنفل وكلها واردة، وعلى كل صورة حديث وإنما ذكرتها للفائدة. وكان معاذ رضي الله عنه يطول بأصحابه إذا صلى بهم، فشكاه أحدهم بعد أن ترك الصلاة معه، وقد كان كما في بعض الروايات يقرأ سورة البقرة أو بعضها في صلاة العشاء، فأتى رجل كان يشتغل في النخل مجهداً، ثم دخل بيته فتوضأ وأتى يلحق معاذاً، فانتظر ركوعه وإذا هو يقرأ وكلما انتهى من مقطع من القرآن بدأ بالمقطع الآخر، معاذ عالم وفاهم وقلبه منشرح للعبادة نشيط، ولكن ظروف الناس تختلف؛ فيهم الضعيف والصغير وذو الحاجة والمريض، فمال هذا الرجل وانفصل فصلى وحده، ثم ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد سأل معاذ عنه ماله ما صلى معنا؟ قالوا: ترك الصلاة معك وصلى وحده قال: هو منافق، فذهب الرجل فشكاه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فتغير الرسول صلى الله عليه وسلم وغضب غضباً شديداً واستدعى معاذاً ليحاكمه وقال: {أفتان أنت يا معاذ! أفتان أنت يا معاذ! أفتان أنت يا معاذ؟! اقرأ بالليل إذا يغشى وسبح اسم ربك الأعلى؛ فإنه يصلي وراءك الكبير والصغير والمريض وذو الحاجة} فأخذها معاذ درساً في التيسير ومراعاة الناس في الإمامة، ومراعاتهم في أحوالهم وحاجاتهم، وهو العدل الذي أتى به سُبحَانَهُ وَتَعَالى، لكن حمل بعضهم لسوء فهمهم إلى التخفيف المفرط الذي يضيع روح الصلاة وخشوعها وهدوءها، فهؤلاء مخطئون في صلاتهم. وأرسله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، لما أتى وفد اليمن فبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى أصحابه ليرسل أحدهم، ومن مواصفات الذي يرسل إلى اليمن أن يكون عالماً، وداعية وفقيهاً، وهي مجتمعه في معاذ رضي الله عنه، فهو عالم وداعية وفقيه، فأرسله صلى الله عليه وسلم وودعته أمه وهي تبكي فقال: يا أماه! أَمْرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منه بد، فذهب، وودعه عليه الصلاة والسلام، وعند الترمذي أنه قال: {يا معاذ! اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} وهو حديث حسن، وعند الذهبي في سير أعلام النبلاء بسند جيد: {يا معاذ! اذكر الله عند كل شجر وحجر ومدر} وبقي في اليمن حتى توفي عليه الصلاة والسلام ثم أتى إلى المدينة. وللفائدة فهناك شريط منشور بين الناس وقد سمعتموه عن وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بصوت ملحن وهذا لا يصح، وفيه أحاديث مكذوبة وموضوعة على المصطفى عليه الصلاة والسلام، ومن ضمن الشريط قال: فدخل معاذ على أبي بكر فأنشد، قال: من بالباب؟ ثم ألقى محاضرة عند الباب، فأنشد معاذ قصيدة وأبو بكر قصيدة، وعمر قصيدة، وعثمان قصيدة، وعلي قصيدة، وكل هذا ليس بصحيح ولا حدث، والذي أتى بهذا الشريط عامي لا يفقه في الإسلام ولا في السنة شيئاً، فليتنبه له. وقبل أن يذهب معاذ إلى اليمن كان له مع الرسول عليه الصلاة والسلام موقف، ففي الموطأ يقول: {يا معاذ أحسن خلقك للناس} ويظهر أنه كان فيه حدَّة، فالرسول عليه الصلاة والسلام أتى يداوي هذه الأمراض بعلاج من عنده عليه الصلاة والسلام علمه الله إياه، خرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، فذهب هو والمصطفى عليه الصلاة والسلام والجيش، فاقتربت راحلة معاذ من راحلة الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر الليل، فأخذها معاذ فرصة ليسأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، فقال عليه الصلاة والسلام: {يا معاذ لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه} والحديث في الترمذي وعند أحمد بسند صحيح {تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، ثم قال: ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه، قال: بلى. قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير، الصوم جنة} يعني غطاء ووقاء وستر من النار {والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا عليه الصلاة والسلام {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16]-إلى آخر الآية- ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟ -يعني: ما يجمع لك أمرك ذلك- قال: بلى. يا رسول الله! قال: كف عليك هذا وأخذ بلسانه -أي: احبسه وألزمه بالخير وجنبه الشر- قال: يا رسول الله! إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم -أو قال: على وجوههم- إلا حصائد ألسنتهم} وهذا الحديث أصل من أصول أهل الإسلام، وجعله النووي في الأربعين النووية، وفيه قضايا: أولها: لا عبادة إلا بتوحيد، ولا خير ولا بر إلا بعقيدة صحيحة. ثانيها: التدرج في التعليم، فلا تبدأ بتعليم الناس السنن وتنسى الفرائض، كأن تأتي إلى أناس لا يصلون الصلوات الخمس فتحدثهم في اللحى، وتقصير الثياب، فلو ربوا لحاهم وهم ملاحدة أو زنادقة فإن ذلك لن ينفع. ثالثها: أن أبواب الخير طرق إلى الجنة، وأن الناس يتفاضلون بالنوافل، ولذلك قال عز من قائل: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر:32] فالسابقون بالخيرات هم أهل النوافل، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي في الصحيحين عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى قال: {ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها} الحديث. رابعها: أن اللبيب العاقل الفقيه قد يخفى عليه بعض المسائل، فـ معاذ خفي عليه أن الكلام من اللسان يؤاخذ به العبد، فأخبره عليه الصلاة والسلام أن أكثر ما يدخل الناس النار الألسنة، وتسعة أعشار ذنوبنا وخطايانا من اللسان، فالكذب من اللسان، والغيبة، والنميمة، والاستهزاء، والبذاءة، والفحش، واللعن، وقذف المحصنات، والبهتان، والزور، كل هذه من ذنوب اللسان، ولذلك قال بعضهم: تسعة أعشار الذنوب من اللسان والعشر يوزع على بقية الأعضاء.

حديث معاذ في التوحيد ومسائله

حديث معاذ في التوحيد ومسائله ولـ معاذ حديث هو أصل في التوحيد والعقيدة، ركب مع الرسول صلى الله عليه وسلم على حمار اسمه يعفور وقيل عفير، وسيد الخلق وأبرهم وأشرفهم يركب الحمار ولكنه يقود القلوب إلى باريها. يركب الحمار ولكنه أوجد رسالة خالدة أبد الدهر. يركب الحمار ولكنه أرسل كتائبه ترفع لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتبني العدل والسلام والإيمان. يركب الحمار ولكنه زرع في الدنيا الإيمان والحب والطموح. يركب الحمار ولكنه أخرج من الجزيرة العربية الساذجة علماء وشهداء وأدباء والله ما اكتحلت عين الدهر بمثل مرآهم؛ كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم أتطلبون من المختار معجرة يكفيه شعب من الأموت أحياه ومن هذا يستفاد التواضع في ركوب الدابة، وفيه أن صاحب الدابة أولى بصدرها، وفي الحديث جواز الإرداف على الدابة إذا لم تتضرر، وفيه أنه لا بأس بأن يحدث الفاضل المفضول في مسائل تخص الأمة، قال صلى الله عليه وسلم: {يا معاذ! قال: لبيك وسعديك يا رسول الله! قال: أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم} وفيه أن من لا يعلم شيئاً فليكل علمه إلى الله، وهل يجوز لنا أن نقول بعد وفاته صلى الله عليه وسلم: (الله ورسوله أعلم) كأن تسأل أنت في مسألة اليوم فتقول: الله ورسوله أعلم، وقد مات الرسول عليه الصلاة والسلام، الصحيح عند أهل العلم أنك تقول: الله أعلم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته لا يعلم شيئاً، أما في حياته فقد كان الصحابة إذا سئل أحدهم في مسألة وصعبت عليه قال: الله ورسوله أعلم، لكن إذا سئلت أنت في مسألة ولم تعرفها فقل: الله أعلم فقط، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا يعلم بعد موته شيئاً، لأنه ميت في قبره موتاً الله أعلم به، لكن حرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، وللفائدة صح الحديث في أجساد الأنبياء ولم يصح لفظ الشهداء، وقد سمعنا بعض الخطباء يقول: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء والشهداء، فزيادة الشهداء ليست صحيحة. نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم لكن للفائدة فهو صلى الله عليه وسلم لا يشفع في قبره ولو كان يشفع كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية أو يستسقى به لفعل عمر ذلك وترك العباس، فهل ذهب إلى القبر وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: قد قحطنا يا رسول الله! فادع الله أن يسقينا، لا. بل ترك ذلك وذهب إلى العباس وقال: إنك عم الرسول عليه الصلاة والسلام فادع الله أن يسقينا، وقال في دعائه: اللهم إنا كنا إذا قحطنا استسقينا برسولك فتسقينا، وإنا نستسقي إليك بعم رسولك فاسقنا، ولذلك تجد الخرافيين وأهل النقص والبدعة يشكو أحدهم مرضه كما أتى البرعي من اليمن ووقف في الروضة وهو شاعر اليمن المخرف البدعي: وهو من أقوى الشعراء صراحة، لكنه مخرف، يقول: يا رسول الله يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما فأقلني عثرتي يا سيدي في اكتسابي الذنب في خمسين عاما يقول أنا مذنب وعمري خمسون عاماً، وأريد أن تقيلني عثرتي هذا اليوم في الروضة، وهو عليه الصلاة والسلام لا يملك ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا ينجح أحداً ولا يشافي أحداً ولا يمرض أحداً، ولا يغني أحداً ولا يفقر أحداً، أتى برسالة بلغها إلى الناس وانتهى، ويقول البوصيري وهو شاعر لكنه خرافي أيضاً: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يازلة القدم يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخطأ كل الخطأ وأساء كل الإساءة: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66] {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] ولذلك سر التوحيد تعظيم الله، وسر الشرك تعظيم غير الله، ومن أراد أن يتوسع في هذا الباب فعليه بالمجلد الأول من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ووالله إن هذا المجلد لو كتب بماء الذهب ما أُنصف، فإن فيه رقائق وهو يرفع القلب، ويصل القلب بالباري، ويخبرك من أنت ومن هو الله، ويفصل لك بين الخالق والمخلوق، ويفتح لك أبواباً في التوحيد ما سُمعت، وما كتبها إلا ذاك الإمام من الكتاب والسنة. فقال: {ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم مضى برهة وقال: يا معاذ! قال: لبيك وسعديك يا رسول الله! قال: أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً} عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث كما يقول أهل العلم مسائل قد تربو على عشرين مسألة: منها طرح الإمام المسألة على التلميذ ليفهم ما عنده ولو كان العالم فاهماً لها. ومنها: أن من لا يعلم شيئاً يكل علمه إلى الله، ولذلك يخطئ كثير من طلبة العلم يوم يتقحمون الفتيا لئلا ينكسر جاه أحدهم، فيسأل عن مسألة، فيجيب لأنه إذا قال: لا أدري سيقول الناس: سبحان الله! درس في الشريعة، وأصول الدين، ولا يدري! وهذا خطأ فاحش، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [[ما أبردها على قلبي إذا سئلت مسألة لا أعرفها فقلت: لا أدري]] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116]. ومنها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أتى بالتوحيد وهي رسالة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام جميعاً وهو حق الله على العبيد كما ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد. ومنها: أن من أتى بالتوحيد ثم أتى بذنوب فهو إلى الله؛ إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه، لكنه لا يخلد في النار، فـ أهل السنة يقولون: إن أهل الكبائر مسلمون ولا يخلدون في النار إن دخلوها، والخوارج أخرجوهم من الملة، وقد أخطئوا في ذلك، فصاحب الكبيرة نخشى عليه العذاب ونرجو له الرحمة من أرحم الراحمين، وقد يدخل النار سنوات أو مئات الأيام والأشهر فالله أعلم، هذا معتقد أهل السنة في أهل الكبائر، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي} وفي القرآن أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31]. وإذا سمعتم أحاديث الكفارات في السنة فهي كما قال أهل العلم من أهل السنة: كلها للصغائر، أما الكبيرة فيشترط لها التوبة، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، والعمرة إلى العمرة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما لم تؤت كبيرة} فأخرج هذا الاستثناء الكبيرة، ولذلك لا تكفر الكبيرة إلا بتوبة، وأما الصغائر فتكفر بما ذكر فليتنبه العبد؛ لأن بعض الناس الآن يصلون في رمضان وتجد المساجد الآن مزدحمة بالناس يصلون ويقرءون القرآن فإذا سألت بعضهم من الجهلة قالوا: لأنه كفارة ما بينه وبين رمضان الماضي، وقد ارتكب كبائر كالجبال لا يكفرها رمضان ولا يأتي عليها، فليتنبه لهذا. وأما معاذ رضي الله عنه فشارك في اليرموك، وقاتل قتالاً شديداً، وقرأ سورة الأنفال على الناس حتى أبكاهم، وكان فصيحاً رضي الله عنه خائفاً من الله، وحضرته الوفاة في عسقلان في أرض فلسطين، وسبب ذلك أنه سأل الله أن يموت شهيداً فأتاه الطاعون {والطاعون شهادة لكل مسلم} كم صح عنه صلى الله عليه وسلم، جاءه كالدرهم في كفه فحك هذا المكان فقال له الصحابة: شافاك الله يا معاذ! قال: لا. اللهم إنك تكبر الصغير وتبارك القليل، اللهم بارك في هذه القرحة ثم قيل له: لماذا؟ قال: كرهت الحياة وسئمت العيش. عمره يوم توفي ثلاث وثلاثون سنة فقط، كل هذا العلم والجهاد والتضحية في ثلاث وثلاثين سنة. عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر ولو كان يعطى من أعمار بعض الناس أعطي والله مقل العيون، حضرته الوفاة وأتته سكرات الموت قبل صلاة الفجر، فقال لابنته: اخرجي وانظري هل طلع الفجر، فخرجت وقالت: لم يطلع، فعاد فقال: اخرجي وانظري هل طلع الفجر، قالت: طلع، قال: اللهم إني أعوذ بك من صباح إلى النار، هذا اليوم الذي يستقبله معاذ أول يوم من أيام الآخرة، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] وهذا أول يوم من المرحلة التي يقدم بها على عمله عند الله، ثم التفت وقال: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الحياة لغرس الأشجار ولا لجري الأنهار ولا لرفع القصور، ولا لعمارة الدور وإنما كنت أحب الحياة لثلاث لمزاحمة العلماء بالركب في مجالس الذكر، ولمجالسة أقوام ينتقون لي أطيب الكلام كما ينتقى أطيب الثمر، وأن أعفر وجهي ساجداً لك في التراب وفي لفظ آخر في قصته وسيرته قال: بدل انتقاء أطايب الكلام كانتقاء أطايب الثمر قال: وأن أصوم الهواجر، وهي شدة الحر ثم فاضت روحه إلى مولاها وانتقل من الحياة في ثلاثة وثلاثين سنة كلها جهاد وعلم وعبادة: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. هذه من سيرة معاذ المختصرة، ومن أراد أن يعود إليها باستفاضة فليراجع سير أعلام النبلاء المجلد الأول للذهبي فقد دبج في سيرته كلاماً أحسن من سبائك الذهب ومن عقود اللؤلؤ والمرجان.

دروس وعبر من سيرة معاذ

دروس وعبر من سيرة معاذ ونستفيد من سيرة معاذ دروساً: أولها: ينبغي على الإمام كما مر معنا في الصحيحين أن يتوخى حال المأمومين قوة وضعفاً وشيخوخة وحاجة ومرضاً، فلا يطول عليهم التطويل الممل، ثم لا يقصر تقصيراً مخلاً بل يكون وسطاً كما كان عليه الصلاة والسلام. ثانيها: أنه قد يخفى على العالم بعض الأمور فإنه قد خفي على معاذ وهو من أعلم الناس بعض المسائل وما نقص من قدره لأن علم الصحابة علم الخشية: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] ثم ألحقوا علم الجزئيات فقد يخفى على أحدهم جزئية ولا تنقص من قدره بل إذا قال: (لا أدري) ازداد ثقة عند الناس وتمكناً في فنه وعلمه. ثالثها: أن العلماء يتفاضلون، وأفضل علماء الأمة فيما نعلم أو قائدهم خلا الخلفاء الراشدين معاذ بن جبل، فقد حسن عنه صلى الله عليه وسلم في حديث أنه قال: {معاذ يأتي يوم القيامة أمام العلماء برتوة}. رابعها: أن طريق الجنة عمل عندنا، وليس كما قال غلاة الصوفية من تصوف فصفا، ومن أخذ الوفاء حتى تدرع بالوفاء، هذه كلمات ما أنزل الله بها من سلطان وخزعبلات: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] طريق الجنة عندنا في سورة يونس: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63]. طريق الجنة عندنا في سورة الأنبياء: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:101 - 103]. وطريق الجنة في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في فصلت: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:30 - 31]. هذا أبو إسحاق الأندلسي يوصي ابنه ويقول في طريق الجنة: وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناده ذو النون بن متى إذا ما لم يفدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا وإن ألقاك فهمك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا وأنا أكرر مسألة هي معلومة لديكم أن الفارق بين علم السلف والخلف هي خشية الله، ولذلك لم يرتفع علماء الصحابة إلا بخشية الله، كان أحدهم لا يحفظ إلا ثلاثين حديثاً أو عشرين أو أربعين ولكنه من أعلم العلماء قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] ووجد في المتأخرين من يحفظ القرآن كاملاً وآلاف الأحاديث ولكنه فاسق {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} [الأعراف:175 - 176]. سلام على معاذ في الخالدين، ورضي الله عنه مع الصديقين والشهداء والصالحين، وألحقنا الله به في جنة المكرمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

السراج المنير

السراج المنير من هو السراج المنير؟! إنه معلم الأمة وقائدها المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو الرحمة المهداة. والشيخ تعرض هنا لذكر صفاته صلى الله عليه وسلم، وكيف كانت عبادته، وأخلاقه، ودعوته، ومعاملاته، فكان بحق سراجاً منيراً.

النبي صلى الله عليه وسلم يربي الأجيال أعظم تربية

النبي صلى الله عليه وسلم يربي الأجيال أعظم تربية الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، وصلى الله على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، وصاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. ولو أنه حسن فريد عذرته ولكنه حسن وثان وثالث فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وما دام أن الحسن ثلاثة، فأتقدم وأنثر على رءوسكم باقة من الشعر ثلاثة أبيات، ولكنها لا تعبر إلا عن الحب والوداد والصفاء وتعبر عن الإيمان وعن الحب والطموح. سلام الله أرفعه إليكم بأشواقي وحبي والتحية وأرفع من ربى أبها سلاماً إلى الأحساء في أحلى هدية ونادي الفتح أبلغه سلامي وشكري والوفاء بما لديَّه إن كان من شكر فلله الواحد الأحد، ثم لأهل الفضل؛ لأنّا أمة نقول للمحسن: أحسنت، وللمسيء: أسأت، فقد أحسن هذا النادي يوم جعل من رسالته الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وأعلن تفوقه في عالم الإيمان ليقول للناس: إن الرياضة بلا إيمان ملعبة، وإن القلب بلا إيمان كتلة لحم ميتة، وإن العين بلا إيمان مقلة عمياء، وإن اليد بلا إيمان إشارة شلاء، وإن الكتاب بلا إيمان كلام مصفف، وإن القصيدة بلا إيمان كلام ملفف، فلا حياة إلا بالإيمان، ما جئنا لنلعب وما جئنا لنهدي إلى العالم الرياضة، فهم الذين أهدوا لنا الرياضة ولكن جئنا لنعيد الرياضة باسم الإيمان، وندخلها إلى العالم بالإيمان، ونعلم العالم أننا أمة الإيمان والحب والطموح. وعنوان هذا اللقاء المفتوح: السراج المنير وهو محمد عليه الصلاة والسلام، والله وتالله، وايم الله ما طرق العالم أفضل منه، ولا أنبل ولا أعدل ولا أجل منه أبداً، يعلم ذلك من يعلمه، ويجهله من يجهله {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. يا أمة كانت ضائعة قبل الإسلام، هو الحديث الليلة عن رسولكم الذي أتى بالإسلام. يا أمة كانت تلعب بالعرض والدم والنار! هذا هو رسولكم صلى الله عليه وسلم يذكر هذه الليلة. إن البرية يوم مبعث أحمدٍ نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها فأمدها مدداً وأعلى شأنها وأزال شانئها وأصلح بالها

تربية لأبي بكر وعمر

تربية لأبي بكر وعمر من جعل أبا بكر الصديق يصبح أول خليفة يبايع على الكتاب والسنة فتبكي القلوب قبل العيون؟ من جعل عمر بن الخطاب يقف ببردته الممزقة يوم الجمعة، وبطنه يقرقر من الجوع، فيقول لبطنه: [[قرقر أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين!]]؟ من جعل كسرى وقيصر الذين حكما أكبر دولتين في الأرض إذا ذكر عمر بن الخطاب في دواوينهم أغمي عليهم؟ يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه اليوم وفي هذه الليلة، أريد أن أتحدث عنه صلى الله عليه وسلم، لكن أصابني الدهش، وأصابني الذهول من أين أبدأ؛ وفي أي مكان أنتهي؛ وفي أي باب ألج إلى عظمته صلى الله عليه وسلم؟! إنني لا أتحدث عن عظيم فحسب، بل معلم للعظماء ولا عن عالم فحسب، بل أستاذ للعلماء، ولا عن أديب فكفى، بل مخرج للأدباء. أي عظيم للدنيا أو مصلح، إنما هو ورقة من شجرته عليه الصلاة والسلام:

عقبة بن نافع رباه النبي صلى الله عليه وسلم

عقبة بن نافع رباه النبي صلى الله عليه وسلم المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء الرسول عليه الصلاة والسلام أدهشتني وأدهشتكم عظمته ولا تدهش إلا من يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، جباهنا كانت في الأرض مدسوسة قبل مبعثه، فلما بعث رفع جباهنا، وانطلقنا بعد خمسٍ وعشرين سنة على الجبال وعلى المحيطات نرفع لا إله إلا الله، وقف عقبة بن نافع بفرسه على المحيط الأطلنطي يقول للماء: يا ماء! أوراءك أرض؟ والله، لو أعلم أن وراءك أرض لخضت البحر إليها لأنشر اسم الله العظيم هناك

ربعي بن عامر

ربعي بن عامر يدخل ربعي بن عامر أحد الصحابة في القادسية على رستم قائد أنو شروان الضال المبتدع الخرافي الجاهل، فيضحك رستم، يضحك من العرب!! الذين كانوا بدواً لا حضارة لهم ولا ثقافة ولا معرفة، يطاردون الضب والجعلان، ويأكلون الخنافس، وينامون على وجوههم في الصحراء القوميون اليوم يقولون أنهم أهل تاريخ من قبل البعثة، وكذبوا لعمر الله، والترابيون يقولون: تاريخنا قديم من عهد عنترة، وحاتم الطائي، عنترة والله ما سفك إلا دماءكم، وحاتم الطائي إن أطعم بغاله وحميره فما كان يؤمن بالله. فلما أتى صلى الله عليه وسلم دفع هذا الجيل ليأخذ منبر العالم، ويتكلم إلى المعمورة، ولذلك يصل ربعي بن عامر في ثيابه الخلقة التي ما غيرها -ما فتحنا الدنيا والله بعتاد هائل على الشعوب، لكن بإيمان وحب وطموح- فدخل على رستم وقال رستم وهو يضحك لوزرائه، ويلتفت إلى المسلم: أتريد أن تفتح هذه الدنيا بفرسك المعقور ورمحك المثلم، وبثيابك البالية؟! قال ربعي: [[نعم. إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]] وانتصر الإسلام وارتفعت لا إله إلا الله.

قصة محمد بن واسع

قصة محمد بن واسع قتيبة بن مسلم يحاصر كابل، فلما حضر قال: أين محمد بن واسع؟ ومحمد بن واسع عابد زاهد عالم، قالوا: هو في طرف الجيش، قال: اذهبوا إليه وانظروا ماذا يفعل، فذهبوا ونظروا، فإذا هو يذكر الله ويدعو الله وإصبعه تشير إلى السماء، فعادوا إلى قتيبة فدمعت عينا القائد قتيبة، وقال: والذي نفسي بيده لأصبع محمد بن واسع، خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير. وانتصر الإسلام يوم عرفنا الله، والأمة التي لا تعرف الله يعرفها نفسه بالأعداء، ويدعك أنفها في التراب حتى تعرفه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وثقافة بلا إيمان والله لا تنتج إلا خسارة ودماراً وانهزامية، وأدب بلا إيمان ضياع لمعطيات الشعوب والأمم، ورياضة بلا إيمان ضحك على العقول، وضحك على العقلاء والعلماء وعلى الأمم جميعاً، يوم أتى صلى الله عليه وسلم كان الناس بحاجة إلى مصانع، ومأكولات، ترك ذلك وبنى مسجده من طين، وبدأ من مسجده يبث الثقافة الهائلة والحضارة العامرة، يعلم في مسجده صلى الله عليه وسلم، أخرج أكبر العلماء وأجل المفسرين، وأكبر الأدباء، فما حصر مسجده في مهمة، إن بعض الناس قد ينكر استخدامنا لبعض الوسائل، ويقول: كيف تحضر هذه الوسائل في مثل المسجد؟ إننا نقول له: يا أيها المسلم! أنترك هذه الوسائل للكافر ليتعدى بها علينا ويبث بأفكاره في مجتمعاتنا بالوسائل ونبقى على الوسائل البدائية الساذجة القديمة؟ لا. والله لا يسبقنا، نحن أمة الإيمان والحب الطموح. الرسول صلى الله عليه وسلم يعقد مهرجاناً أدبياً في مسجده ويحضر الشعراء في مسجده ويقرب المنبر بيديه الشريفتين لـ حسان ويقول: {اهجهم وروح القدس تؤيدك} الرسول صلى الله عليه وسلم يعقد الندوات، ويحول المسجد إلى دار قضاء يفاوض القضاة ويطرح الأحكام والفتيا. الرسول صلى الله عليه وسلم يجعل من المسجد مجلس شورى، ويجعل صلى الله عليه وسلم من المسجد تعليماً وتربية وثقافة، من أين أدخل عليه صلى الله عليه وسلم؟ المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران:159] الله يزكيه من فوق سبع سموات ويقول له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] عظيم صبرك، وعظيم حلمك وكرمك، كيف استطعت على أمة العرب التي هي كقرون الثوم متشاكسة متضاربة متحاربة متحاقدة، كيف جمعت بينها وألفت بين قلوبها؟ قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. إن أكبر معجزة أن يأتي صلى الله عليه وسلم إلى أمة أمية، إلى أمة جاهلة وهو أمي، فيبني منها أعظم حضارة في تاريخ الإنسان. أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه من جعل الرجل من الصحابة يتذكر عظمة الله في كل ساعة وفي كل طرفة؟ عمر بن الخطاب يمر على راعي غنم ويقول لراعي الغنم: [[يا أيها الراعي! بعني شاة من غنمك، قال: إنها لسيدي وإن سيدي لا يسمح بذلك، قال: قل لسيدك أكلها الذئب، قال الراعي: الله أكبر يا عمر! أين الله؟ فبكى عمر حتى جلس، وقال: إي والله أين الله؟]] فمن علم الراعي مراقبة الواحد الأحد؟

النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للمخلوقات كافة

النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للمخلوقات كافة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أول عنصر معي في هذه الليلة، يبدأ الدعوة فكيف طرح الدعوة؟ إنه رحمة مهداة، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين حتى يقول بعض المفكرين الإسلاميين: عجيبة الدعوة تعلن عالميتها في أول أيامها رسالته صلى الله عليه وسلم -أي والله، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] وهذا عموم، يقتضي أنه رحمة علية الصلاة والسلام للمسلم وللكافر وللحيوان وللإنسان، وسأضرب أمثلة لذلك

بكاؤه لموت ابنه إبراهيم

بكاؤه لموت ابنه إبراهيم يأتي عليه الصلاة والسلام إلى ابنه إبراهيم وهو في السنتين، والابن فلذة الكبد وشذا الروح، يموت إبراهيم بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيبكي وتدمع عيناه الدموع الحارة الساخنة، ويقول وهو في ساعة الفراق: {تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون} يُدفع له ابن بنته فيبكي عليه الصلاة والسلام، فيقولون: مالك يا رسول الله؟ يظنون أن العظماء لا يبكون، والعظماء لهم وقت للبكاء ووقت للصفاء، ووقت لرفع الراية إلى السماء، بكى عليه الصلاة والسلام فقالوا: مالك تبكي؟ فقال: {رحمة وضعها الله في قلب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء}.

التجوز في الصلاة من أجل الأمهات

التجوز في الصلاة من أجل الأمهات يصلي بالناس فيسمع بكاء الطفل في آخر المسجد، يتذكر الأم والمرأة المسلمة، فيتعجل في صلاته، ويسلم ويقول: {إني أريد أن أطيل في صلاتي فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي؛ كراهة أن أشق على أمه} هذه الأحاديث عند البخاري ومسلم. يأتي عليه الصلاة والسلام برحمته بالناس حتى في الصلاة، يقول: {يا أيها الناس! من أمَّ منكم بالناس فليخفف فإن فيهم الكبير والصغير والضعيف، وذا الحاجة} يأتيه معاذ وقد طول في الصلاة حتى شكى إليه؛ فيغضب عليه الصلاة والسلام لأن استجلاب القلوب لا يأتي بالعنف والشدة ويقول له: {أفتان أنت يا معاذ؟ أفتنان أنت يا معاذ؟}.

رحمته بالحيوان والكفار

رحمته بالحيوان والكفار أما رحمته بالحيوان فيروي ابن مسعود في حديث حسن: {أن حمرة -وهي نوع جميل من أنواع الطيور- رفرف على رأسه عليه الصلاة والسلام وهو جالس تحت شجرة، فقال لأصحابه: أتدرون ما لهذا الطائر؟ قالوا: لا. قال: إنها تشكو، وقال: من فجعها بأفراخها؟ ردوا عليها أفراخها، ثم أعاد إليها صلى الله عليه وسلم أفراخها في عشها} فرجعت طليقة. جاءت إليك حمامة مشتاقة تشكو إليك بقلب صب واجف من أخبر الورقاء أن مكانكم حرمٌ وأنك ملجأ للخائف الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة حتى للكافر قال تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] وفي حديث حسن أنه صلى الله عليه وسلم دخل مزرعة رجل من الأنصار فأتى جمل مجهود، فضرب بجرانه الأرض أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: {إن هذا الجمل يشكو إليَّ ظلم صاحبه} أليست رحمة؟ إي والله رحمة، رحمة بالطفل المسلم {يأتي صلى الله عليه وسلم بـ أمامة بنت زينب -كما في الصحيحين من حديث أبي قتادة - ويصلي وهي على كتفيه في الفريضة، فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها} إنه الرحمة المهداة والنعمة المسداة صلى الله عليه وسلم.

دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم

دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم والعنصر الأول: كيف عرض صلى الله عليه وسلم دعوته للناس. أولاً: عرض دعوته بأساليب ثلاثة، بالأصالة والعمق، واليسر والسهولة بلا تعقيد. إننا إذا تكلمنا مع الناس في الدعوة والعلم اليوم، نطنطن بالكلام ونرجف بالحديث، نأتي بكلام فوق المستوى، نقول للناس: العقيدة تنطلق من أطر وتنبثق في بوتقة، وتنصهر في بوتقة، ولا يعرفون الأطر ولا يعرفون الانبثاق، ولا يعرفون البوتقة.

قصة ضمام بن ثعلبة

قصة ضمام بن ثعلبة في الصحيحين من حديث أنس، قال: {قدم ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، والرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد، فأتى هذا الرجل فعقل ناقته في طرف المسجد، ومضى يخترق الصفوف، وهو يقول: أين ابن عبد المطلب؟ -هو الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ابن عبد الله ولكنه أشهر في العرب بجده من أبيه، لأنه كما قال في حنين: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب قال الصحابة: هو ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق -الأمهق: المشوب بحمرة، المرتفق: المتكئ، فنادى الأعرابي لأنه ما تعلم الأدب والإيمان، ولا الحب والطموح، والله يقول: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63]-. قال: يا ابن عبد المطلب! يا ابن عبد المطلب! -فأخذ صلى الله عليه وسلم بلين ولطف، ويسر وسهولة، لأنه يسبي القلوب، لكن إلى باريها تبارك وتعالى- قال: قد أجبتك، قال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة -أي: عندي سؤال خطير، وبالفعل أعظم سؤال في تاريخ البشرية! وأجل سؤال في تاريخ الإنسانية هو هذا السؤال! أعظم أطروحة وقعت على الأرض- إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: سل ما بدا لك؟ قال: يا رسول الله! من رفع السماء؟ قال: الله، قال: من بسط الأرض؟ قال: الله -هذه مسلَّمات- قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ وكان متكئاً فتربع واحمر وجهه من عظم السؤال، ثم قال: اللهم نعم. قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ وأخذ يسأله عن أركان الإسلام فلما انتهى، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، آمنت بما جئت به، أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، والله، لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، ثم ولى -والرسول صلى الله عليه وسلم، يتابعه بالنظرات والبسمات والارتياح- ويقول: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا} هذه هي الجنة، هذا هو الطريق الميسور الذي بينه صلى الله عليه وسلم، ليكون قدوةً لدعاة العالم، ومن هذا الدرس، أو من هذا الحديث، نأخذ ثلاثة دروس: أولها: أن اليسر لا بد أن يصاحب الداعية في طرحه لقضاياه ودعوته بين الناس. ثانيها: البداية بالأولويات والكبار من المسائل. ثالثها: أن من أتى بالفرائض واجتنب المحرمات، دخل الجنة بإذن الله. يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها لمن؟ لمن أحسن العمل بالكتاب والسنة.

قصة الأعرابي الذي أخذ ببرد النبي صلى الله عليه وسلم

قصة الأعرابي الذي أخذ ببرد النبي صلى الله عليه وسلم الرسول عليه الصلاة والسلام في مجلس آخر يتكلم مع الصحابة، وفجأة دخل أعرابي، يأتي إلى أكرم من خلق الله، وإلى أعظم من عبد الله وأكرم من أوجد الله فيسحبه ببردته -والحديث في الصحيحين - وبردته صلى الله عليه وسلم كانت نجرانية حاشيتها غليظة، فأثر ذلك برقبته، سحبه سحباً، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم غير مغضب، كان وجهه بساماً، إن وجهه طليق، يقول جرير بن عبد الله في صحيح البخاري: {ما رآني صلى الله عليه وسلم إلا وتبسم في وجهي} هكذا يكون المسلم، وهكذا تكون الدعوة؛ قيل لأحد العلماء: ما هو السحر الحلال؟ قال تبسمك في وجوه الرجال. وأحد الشعراء يذم قوماً بانقباض الوجه وبالغضب وبالتزمت، ويمدح قوماً ببسطة الوجه فيقول: وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أوفدوا غصباً إلى النار هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري من تلق منهم تقل لا قيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري نعود إلى الحديث: أنه دخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسحبه ببردته؛ فالتفت صلى الله عليه وسلم، يضحك كما في رواية أنس سبحان الله! لا تغادره البسمة حتى في هذا الموقف، أي نعم؛ فقال أعطني -والكلام أسوأ من الفعل- قال: أعطني من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا من مال أمك، ما هو الداعي لجرح الشعور؟ لماذا يفترض هذه الأسئلة؟ فهمَّ الصحابة أن يقتلوه، وعمر متهيء وجاهز كل لحظة أن يقتله، كان عمر رضي الله عنه وأرضاه، إذا رأى رجلاً يخالف، قال: يا رسول الله! دعني أضرب عنقه، ولو فتح له صلى الله عليه وسلم الباب لقتل نصف الناس، لكنه صلى الله عليه وسلم يهدئ ويقول: دعه يا عمر! ويأخذه صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فيعطيه ثياباً وحباً وزبيباً؛ لأنه ما أراد حباً وإيماناً وطموحاً، فلما أعطاه قال: أحسنت إليك؟ قال: نعم. جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، قال: اخرج إلى أصحابي وأخبرهم بما فعلت بك ليذهب ما يجدونه في صدورهم عليك، فخرج وقال أمام الصحابة: أحسنت إليك يا أعرابي؟ قال: نعم جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، ثم عاد إلى قبيلته وقال: أيها الناس! أسلموا، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة -أو الفقر- فأسلموا عن بكرة أبيهم، فيقول صلى الله عليه وسلم محللاً القصة، ومعلقاً على الحدث أتدرون ما مثلي ومثلكم ومثل هذا الأعرابي؟ قالوا: لا ندري، قال: كرجل كانت له دابة فرت منه، فأخذ يلاحقها فلما رأى الناس هذا الرجل يلاحق الدابة، ذهبوا يبحثون عن الدابة فما زادت إلا فراراً، فقال لهم: يا أيها الناس! اتركوني ودابتي، فإني أعلم بها فأخذ شيئاً من خضار الأرض ولوح للدابة به فأتت وربطها واستسلمت له، فلو تركتكم وهذا الأعرابي لكفر ودخل النار، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].

الأصالة والعمق في دعوته صلى الله عليه وسلم

الأصالة والعمق في دعوته صلى الله عليه وسلم إن عظمته صلى الله عليه وسلم تأتي من عرضه للدعوة، باليسر والسهولة، والأصالة والعمق، والأصالة هي وضع الأمور مواضعها وكان صلى الله عليه وسلم يعرف التخصصات، فيأتيه الرجل يسأله عن أفضل عمل فينظر إليه صلى الله عليه وسلم، في سنن الترمذي عن عبد الله بن بسر: {أنه أتى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطباً بذكر الله} لأنه شيخ كبير، شيخ دنف وقرب من المقبرة لا يستطيع الصيام، ولا يستطيع كثرة الصلاة. يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم غيلان الثقفي -والحديث صحيح وهو رجل تام البنية- فيقول: {يا رسول الله! دلني على أفضل عمل؟ قال: عليك بالجهاد في سبيل الله} يأتيه رجل له والدان مقعدان، فيقول: أريد أن أجاهد، قال: {أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد} أي أسلوب في الأصالة هذا الأسلوب. إن كثيراً من الناس يعرضون الدعوة عامة بدون النظر إلى ظروف الناس وطاقاتهم وملابساتهم، أما هو صلى الله عليه وسلم فكان أصيلاً في إيصال المعلومة إلى أذهان الناس. أما العمق فإنه صلى الله عليه وسلم كان عميقاً في أداء رسالته للناس، يرسل معاذاً إلى اليمن، والحديث في الصحيحين، قال: {إنك سوف تأتي قوماً أهل كتاب} -انظر إلى قضية أهل كتاب أي: فاعرف من تخاطب، واعرف أنك في مجتمع متعلم- {فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة} ثم أخذ يتدرج معه صلى الله عليه وسلم، حتى انتهى، هذه نبذة من عرضه لدعوته للناس، لكن تعالوا ننظر إلى عبادته صلى الله عليه وسلم.

عبادة المصطفى صلى الله عليه وسلم

عبادة المصطفى صلى الله عليه وسلم يا أيها المسلمون! يا شباب الصحوة! يا روافد الخير! يا طلعات اليُمن! يا من حمل أجدادهم لا إله إلا الله، محمد رسول الله للبشرية! يا من قال فيهم شاعر الإسلام محمد إقبال وهو يحييهم: نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى أم من رمى نار المجوس فأطفئت فأبان وجه الصبح أبيض نيراً يا أيها الشباب الصاعد! ويا أيها الشيوخ المقبلون على الله! يا أيتها الفتاة التي عرفت إيمانها وحبها وطموحها! أقرب الطرق إلى الله طريق العبادة، مدح الله الأنبياء فختم مدحهم فقال: {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:73] وأصلح زوجة زكريا له فبماذا أصلحها؟ لأنه طويل أو عريض أو بدين أو سمين، لا والله، قال: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء:90] السبب: {إنهم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] حفظ الكنز على الولدين في سورة الكهف فقال: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:82] فحفظ الله الكنز، لأن أباهما كان صالحاً.

النبي صلى الله عليه وسلم يوصف ويمدح بالعبادة لله

النبي صلى الله عليه وسلم يوصف ويمدح بالعبادة لله يمدح الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فما قال له: يا أبا القاسم، وما قال له: يا أيها الهاشمي، ولا قال له: يا ابن عبد المطلب، إنما قال له: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1] وقال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19] وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً شرفك في عبادتك، وقربك من الله في عبادتك، جاء في صحيح مسلم عن ربيعة بن مالك رضي الله عنه قال: {كنت أبيت مع النبي صلى الله عيله وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال: يا ربيعة! سل، قلت: أسألك مرافقتك في الجنة؟ قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود} خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريباً فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليباً كم تكرر هذه الأبيات، ولكن تكرر وتكرر. كرر العلم يا جميل المحيا وتدبره فالمكرر أحلى ابن تيمية دخل على ابن قطلوبك، قال: يا ابن تيمية! أتريد ملكنا؟ أتريد مالاً؟ فابتسم ابن تيمية ابتسام المستعلي بإيمانه، وقال: والله، ما ملكك ولاملك آبائك وأجدادك، يساوي عندي فلساً. إن ابن تيمية يريد الجنة، ويريد رضا الله، وما عند الله. وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان: {فإنك لن تسجد لله سجدة، إلا رفعك بها درجة}.

ميزة العبادة عند النبي صلى الله عليه وسلم

ميزة العبادة عند النبي صلى الله عليه وسلم تميزت عبادته صلى الله عليه وسلم بثلاث خصائص: أولها: اليسر وهي في الدعوة كذلك. ثانيها: الجودة، قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] وجد من الناس من يصلي في اليوم خمسمائة ركعة، غلاة الصوفية صلوا خمسمائة ركعة، لكن بعضهم كان ينام واقفاً، يصلي ويصلي حتى ينعس واقفاً، وهذه ليست عبادة، يقول ابن الجوزي في تلبيس إبليس: مروا على رجل يصلي الفريضة من الصوفية وهو ينعس قالوا: مالك؟ قال: ما نمت البارحة، أصلي النافلة، قال له أحد العلماء: أتسهر في نافلة حتى تنعس في فريضة؟ وذكر الخطابي في كتاب العزلة: أن أحد غلاتهم وجهلتهم حجب عينه بورقة، قالوا: مالك؟ قال: إسراف أن أنظر بعينين إلى الدنيا. هذا هو فقه العجائز، فقه عجائز نيسابور، هذا هو الورع البارد، يقول: إسراف أن أنظر بعينين إلى الدنيا، والله يقول وهو يمتن على العبد: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ. وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ. وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] فكيف يجعل الله له عينين وهو يريد عيناً واحدة، إنه الجهل، فميزة عبادته صلى الله عليه وسلم، الجودة مع اليسر. والمسألة الثالثة: مراعاة الأحوال: فكانت ميزته في الجهاد جهاداً، وفي الصلاة خشوعاً، وفي الذكر اطمئناناً وسكينة، وفي التعليم تفهيماً. البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها

بكاء النبي صلى الله عليه وسلم من خشية الله

بكاء النبي صلى الله عليه وسلم من خشية الله يقف عليه الصلاة والسلام -والحديث عند ابن أبي حاتم بسند جيد- على باب امرأة من الأنصار، وذلك يوم كانت المرأة المسلمة المصلية في الليل، يوم كانت تتذكر موعود الله، يوم كانت المرأة المسلمة كالدرة في بيتها، والإسلام جعل المرأة درة محمية مصونة مرعية مشرفة مكرمة. يقول استالين هذا الروسي اليهودي: المرأة شيطانة، وكذب فإنه هو الشيطان الرجيم، ولينين يقول لها: فتانة لا يكون لها نصيب في المجتمع، والجاهليون الوثنيون المشركون من قريش وغيرهم لا يجعلون لها حظاً في الميراث، ولا يجعلون لها سمة ولا شارة ولا كلاماً. وغاندي المجرم الهندي، يأتي إلى المرأة ويقول: متى كانت المرأة إنسانة؟ سبحان الله! والله عز وجل يقول في كتابه: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] والله يقول: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:35] وهذا استطراد لا بد منه في مثل هذا المكان، فيوم كانت المؤمنة مرعية في بيتها تعرف الله، وتربي الأجيال، وتخرج العلماء والدعاة من البيت. الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق الأم نبت إن تعاهده الحياء بالري أورق أيما إيراق {يمر عليه الصلاة والسلام، ببيت من الأنصار ويسمع من وراء الباب عجوزاً تقرأ وتردد ولا تدري أن الرسول صلى الله عليه وسلم يسمع لها، فتردد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] وتبكي؛ فأخذ يبكي معها الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول: نعم أتاني كلما قالت هل {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] يقول: نعم أتاني، نعم أتاني}. عجوز، فأين أبطال الإسلام وأين شباب الإسلام من قيام الليل؟ قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار وفي سنن أبي داود بسند صحيح، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، قال: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء} والمرجل هو القدر إذا استجمع غلياناً. وعند ابن مردويه والطبري {أن الرسول عليه الصلاة والسلام، مر به بلال قبل صلاة الفجر، فسمع المصطفى عليه الصلاة والسلام، يقرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] ثم يقول عليه الصلاة والسلام ل بلال: أنزلت علي آيات ويل لمن قرأها ولم يتدبرها}. الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش مع القرآن، لأن تربيته مع القرآن وكتابه الوحيد هو القرآن، وعظمته في القرآن. القرآن يوم كان كتاب المسلم الوحيد، القرآن يوم عرفنا قيمته، يوم كنا نجعله المصدر الوحيد، فتحنا الدنيا، ووزعنا الهداية على البشر. في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: {قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليَّ القرآن، قلت: يا رسول الله! كيف أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ -يالعظمة راعي الغنم الذي أصبح بعد عشر سنوات من أكبر العلماء في الدنيا، من رعي الغنم إلى قيادة الأمم والتعليم، والتوجيه، والإسداء، والتربية- قال: إني أحب أن أسمعه من غيري فبدأ يقرأ من سورة النساء حتى بلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال عليه الصلاة والسلام: حسبك الآن، قال: فنظرت فإذا عيناه تذرفان عليه الصلاة والسلام} إن أمة هجرت القرآن، ومالت إلى المجلة الخليعة والأغنية الماجنة لا تستحق النصر ولا الفتح، ولا تستحق أن تقود البشرية. اسمع لـ ابن القيم في الغناء: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان يا أيتها الأمة! التي تريد لقاء الله، وفتحه ونصره! لا تتلذذي بلذاذة الأوتار والعيدان، لماذا تنتصر إسرائيل؟ إخوان القردة والخنازير، لماذا يضربون الأطفال بالهراوات والشيوخ والنساء ثم لا يكون معنا إلا شجب وننديد واستنكار؟!! فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب إذا تبدت لنا الميراج تقصفنا سعت لتسقطها الصيحات والخطب ظنوا القنابل أبواقاً مزخرفة والطائرات هي الإترنج والعنب كيف انهزمنا، وما تلك بعادتنا سيخبر السيف عنا والقنا السلب نعم نصرنا لأن الله غايتنا وليس يمنعنا من ربنا سبب إن من يعرف الله يعرفه الله، وإن من يحفظ الله يحفظه الله. أما ذكره فكانت حياته ذكر، والذكر أصبح من أرخص موجودٍ عند المسلمين لكن من يذكر؟! ملهيات وأغنيات، مغنين ومغنيات، ماجنين وماجنات، أحياء وأموات، ولا يذكر الله إلا الخلص الذين يسحبون أنفسهم من أوهاق المجتمع، ويريدون وجه الله، ويقولون: لبيك يا ربنا وا إسلاماه! وا إسلاماه! هؤلاء هم الذاكرون الله كثيراً والذاكرات، هنيئاً لهم الذكر. يقول ابن القيم: كان الرسول صلى الله عليه وسلم: كل كلامه ذكر، أنفاسه، وعمله وقيامه وجلوسه ونومه لربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. فأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى صلى الله وسلم على من أنقذنا من النار، صلى الله وسلم على من قادنا إلى بر الأمان، صلى الله وسلم على من رفع رءوسنا وكانت مخفوضة، وأنار عقولنا وكانت ضيقة مظلمة، وفتح عيوننا وكانت مقفلة.

تواضعه صلى الله عليه وسلم

تواضعه صلى الله عليه وسلم أما الرسول عليه الصلاة والسلام في جانب التواضع، وهو جانب يحتاجه كل داعية وكل طالب علم وكل مسلم، والله رفع رسوله صلى الله عليه وسلم، بالتواضع.

الحث على التواضع

الحث على التواضع يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} [الإسراء:37] وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيحين أنه قال: {من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه} وصح عنه في صحيح مسلم عن عياض بن حمار أنه قال: {إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد} التواضع سمة الأخيار، التواضع صفة الأبرار، التواضع إشارة الذين يريدون عقبى الدار، كلما تواضعت كلما ارتفعت، ولذلك من شعر بمركب النقص تكبر على عباد الله، ومن شعر بمركب الوفاء تواضع لعباد الله، الدر يغوص في البحر ولكن الجيف تطفوا على الماء. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث بنعمة الله عليه في التواضع: {لو دعيت إلى كراع -أو ذراع- لأجبت، ولو أهدي إلي كراع -أو ذراع- لقبلت} والحديث صحيح.

أكل المصطفى على التراب تواضعا

أكل المصطفى على التراب تواضعاً يأكل صلى الله عليه وسلم على التراب، وهو أشرف من خلق الله، فتقول امرأة: انظروا إليه يأكل كما يأكل العبد، ويجلس كما يجلس العبد، قال: وهل هناك أعبد مني؟ وفي مسند أحمد بسند حسن {رجل اسمه ابن قيلة يأتيه، فلما رأى بهاء وجلالة الرسول صلى الله عليه وسلم، أخذ يرتعد، فقال عليه الصلاة والسلام: هون عليك، فإني ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة} نعم. أنت ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة، ولكنك رفعت للإسلام علماً، وبنيت للمسلمين دولة، ودكدكت بلا إله إلا الله حصون الوثنية. الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته وتواضعه يزور الفقير، يجلس مع الأرملة، يمسح رءوس الأطفال؛ لأنه رحمة للعالمين؛ ولأنه بعث للناس كافة بهذا الدين لينقذهم من النار. في صحيح البخاري عن أنس قال: {كان لي أخ اسمه أبو عمير مات له نغر كان يلعب به، فزاره عليه الصلاة والسلام، يواسيه في هذه المصيبة ويقول: يا أبا عمير ما فعل النغير} صلى الله وسلم عليه.

جوانب أخرى من حياته صلى الله عليه وسلم

جوانب أخرى من حياته صلى الله عليه وسلم

جانب الصبر في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم

جانب الصبر في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم أما جانب الصبر في حياته -وهذا هو الجانب الذي يريده الداعية والشاب- فالصبر لا أحسن منه. قيل لـ ابن تيمية شيخ الإسلام: بم تنال الإمامة في الدين؟ قال: بالصبر واليقين، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] قال الإمام أحمد: بحثت عن الصبر في القرآن، فوجدته في أكثر من تسعين موضعاً. الصبر ما أحسنه! لو كان رجلاً لكان حكيماً، ولو كان شجرة لكانت يانعة القطاف، ولو كان زهرة لكانت طيبة الشذى، الصبر زادك إلى لقاء الله، وهو ثلاثة أقسام: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على المصائب. وأصبر الناس محمد عليه الصلاة والسلام، تضرب بناته في أول الرسالة والدعوة فيصبر، ويقول الله له: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5] فيصبر ويتبسم، لأن الله يقول له: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5] يحوط عليه الكافر المستعمر من يهودي ومشرك ومنافق في الأحزاب، فيتبسم لأن الله يقول له: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]. والصبر سوف يطول بنا ولكني أخرج من هذا الحديث إلى مسائل: أولها: يا أيتها الأمة الخالدة! التي عاشت بالجهاد! وعاشت بالتضحية. يا أمة ضرب الزمان بها جموح المستحيل وتوقف التاريخ في خطواتها قبل الرحيل سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل وسقت شفاه الوالهين سلافة من سلسبيل

اتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو طريق النجاح والفلاح

اتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو طريق النجاح والفلاح يا أيتها الأمة! يا أيها الرجال الأبرار! يا أيتها النسوة التي يردن الله والدار الآخرة! أدعوكم في هذه الجلسة، وهو سر الحديث، وبيت القصيد في هذا الحديث إلى اتباع محمد عليه الصلاة والسلام. أرض لم تشرق عليها شمس رسالته أرض ملعونة، قلب لا يصله النور قلب مغضوب عليه، فيا أيها الناس كافة ذكراناً وإناثاً! قدوتكم محمد عليه الصلاة والسلام، والله لا تدخلوا الجنة حتى تتبعوه، وحتى تدخلوا من بابه وحتى تأتوا من سنته. يا من عطل سننه، أخذ شيئاً وترك شيئاً، لقد أخطأت خطأ بيناً. إن الكمال في اتباعه، وإن الجلال في الاقتداء به، السمو والجمال والعظمة في جعله قدوة. يا مدعي حب طه لا تخالفه الخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهويناً خذها جميعاً تجد خيراً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا يأتون إلى رجل قزم -ملحد فاجر- كـ هتلر ونابليون فيذكرون تاريخه، ويذكرون سموه وعبقريته، وحبه وإيمانه وطموحه، وهو لا حب ولا طموح ولا إيمان، خسيس من الأخسة، مجرم من المجرمين، سفك الدماء، ولعب بالأعراض، وينسون محمداً عليه الصلاة والسلام، الذي أنقذ الله به البشر، وهدى به الإنسانية. يا رب! أشهدك وأشهد من حضر هذه الليلة، أننا لا نعلم مصلحاً أعظم من رسولك صلى الله عليه وسلم، وأننا نخبر الناس جميعاً أن من أراد الجنة فليسلك طريقه عليه الصلاة والسلام. الرسول عليه الصلاة والسلام، يوم يقف في البيت ليعلم أهل البيت أنه رسول للبيت، ويقف على المنبر خطيباً ويعلم الخطباء أنه رسول للخطباء، وللمجاهدين أنه للمجاهدين، وللقادة والساسة أنه قائد ومعلم لهم. ويا أيتها المرأة! قدوتك رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم ربى عائشة ويوم ربى أسماء، وزينب. منا الفواطم ربات العلاولنا كل الزيانب من أهل وعمات يأتي إلى عائشة فيربيها بالقرآن صلى الله عليه وسلم، ويأتي إلى ابنته فاطمة فأول ما يرضعها التوحيد. يا من ربى ابنته وطفلته على الموسيقى والأغنية الماجنة، لقد هدمت بيتك ومستقبل أطفالك، ولعبت على البشرية وضحيت بمستقبل الأمة، إن فاطمة بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، سقاها صلى الله عليه وسلم التوحيد مع اللبن، يقول محمد إقبال في فاطمة: هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟ من ذا يساوي في الأنام علاها أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها وعلي زوج لا تسل عنه فما أزكى شمائله وما أنداها إيوانه كوخ وكنزه ثرائه سيف غدا بيمينه تياها أي جيل ذاك الجيل؟! إن من يربي بيته على التوحيد، ومن ينقذ بيته من الضلالة ويرده إلى الإيمان، هو من أعظم المصلحين في العالم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. يا من يصلي الصلوات الخمس ووضع يده على صدره وترك بيته تعشعش فيه الشياطين وتفرخ، والأبالسة! أي رسالة أديتها للإسلام؟ يا من سمح بالأغنية الماجنة تعصف في البيت بدل القرآن الكريم وسورة طه ومريم! أي صلاة تصليها؟ يا من سمح للمجلة الخليعة المتهتكة أن تسكن بيته، وأتى ليصلي وأبدل مكان المصحف المجلة! أي صلاة تصليها؟ يا من ترك أبناءه مع كل من هب ودب وتركوا الإيمان والحب والطموح والرسالة، أي صلاة تصليها؟

التربية على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وحبه

التربية على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وحبه يا أيها المسلمون! يا أمة لا إله إلا الله! نحن لا نعترف بالدروشة، الإسلام عميق يجعلك مسلماً في البيت وفي السوق وفي البقالة وفي المكتب وفي الوظيفة، هذه حياة المسلم، وهذه أصالته. ويا أيتها الأم التي أرضعت طفلها اللبن: أرضعيه لا إله إلا الله محمد رسول الله، أرضعيه الإيمان والحب والطموح، لينشأ مسلماً {كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانة} أنتِ المسئولة، والله لو علَّمت طفلك الإيمان، ما زاغ وما ألحد ولا أصبح حداثياً زنديقاً. والله لو علمته الإيمان، ما تفسخ وفسق وعهر وتفلت عليك وعلى أبيه وعلى البيت. والله لو لقنته الإيمان لخرج باراً رشيداً عاقلاً مسلماً جبهته في السماء، والله لو لقنته الإيمان لخرج داعية تبكي تحت أرجله أعواد المنابر، ينفع الإسلام والمسلمين، وينفع المستقبل الذي هو لهذا الدين. وأنت أيها الأب! أنت بعكازتك لا تجدي ولا تربي، إن الضرب لا يدخل به التوحيد للقلوب، وإن الحبس لا يعلم به الناس الإسلام، وإن السوط والحديد ليس من منهج الأنبياء والرسل، إن معنى الإسلام أن تدخل الإسلام والحب والطموح فتغرسه في صلاتك وصدقك وأمانتك ووضوحك. قل لي بالله أيها الأب! كيف تصلي وتقبع كالعجوز في بيتك، والمسلمون أعلنوا تفوق الإسلام يوم صفوا الصفوف في المسجد، تعال إذا سمعت الله أكبر الله أكبر فأثبت إيمانك بالدخول إلى المسجد، وإن لم تفعل فقد أثبت فشلك وانهزاميتك، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود: [[أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى، وإن الصلاة من سنن الهدى، والله لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد رأيتنا يؤتى بالرجل من المرض يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف]] مريض، لكنه ما استطاع أن يصلي في البيت. فيا شباب الإسلام! يا أهل العضلات! يا أهل الأوقات! يا أهل المطعومات والمشروبات، والفلل والمركوبات! هذا هو الإسلام في المسجد، إسلام صفوف، إسلام إعلان وعمل: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105]. عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، كان يرفع كفيه مع كل صباح، قالوا: مالك؟ قال: أسأل الله الميتة الحسنة؟ قالوا: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فحضرته سكرات الموت في صلاة المغرب وهو في البيت، فسمع أذان المغرب، قال: احملوني إلى المسجد، قالوا: أنت في سكرات الموت والله عذرك. قال: سبحان الله! أسمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ولا أجيب داعي الله! لا والله. فحملوه على الأكتاف، هذا هو الحب والإيمان والطموح، وأنزلوه فصلى مع الناس، فلما أصبح في آخر سجدة قبض الله روحه فسبحان الله. ألا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا يقول سعيد بن المسيب: [[الحمد لله: والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام في جماعة منذ أربعين سنة]] هنيئاً لك وحياك الله، هذا هو الإيمان والحب والطموح. يقول الأعمش سليمان بن مهران راو في الصحيحين سماه الذهبي: شيخ الإسلام، يقول لأبنائه وهم يبكون عليه: ابكوا أو لا تبكوا، والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الجماعة ستين سنة. رحمك الله، والله لقد أحسنت إلى نفسك وما أحسنت إلا إلى نفسك. نعم. من تردى تردى على نفسه، ومن أحسن أحسن إلى نفسه، فهنيئاً لأولئك الملأ. سعد بن أبي وقاص يقول عنه الذهبي لما حضرته الوفاة، من الذي لا يعرف سعداً، الذي لا يعرف سعداً كأنه لا يعرف شيئاً. بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر قلت تعرفن الفتى قلن نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر أحد العشرة المبشرين بالجنة، الذي دكدك إمبراطورية كسرى، دخل المدائن فلما رأى إيوان العمالة والضلالة والدجل، قال: الله أكبر فانصدع الإيوان، وأخذت تدمع عيناه ويقول: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الدخان:25 - 26] سعد بن أبي وقاص الذي يقول: يا رسول الله! ادع الله أن أكون مستجاب الدعوة، قال: {يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة} ثم قال عليه الصلاة والسلام له: {اللهم أجب دعوته وسدد رميته} فحضر غزوة أحد -والحديث في الصحيحين - كان يأتي بأسهمه في أحد إلى الكفار فيطلق السهم فلا يقع إلا في عين كافر، لأنه مسدد الرمية، فانتشى عليه الصلاة والسلام، وفرح وأخذ يتبسم ويعطيه الأسهم، ويقول: {ارم سعد فداك أبي وأمي}. ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها هؤلاء أبطال الإسلام، سعد لا بأس أن أقف معه قليلاً: حضرته الوفاة وهو في الغابة أو في الصحراء، فبكت ابنته عائشة، فقال: {ابكي أو لا تبكي، والله إني من أهل الجنة}. قال الذهبي: صدقت هنيئاً لك. ونحن نقول: نشهد بالله أنك من أهل الجنة؛ لأنها بشهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم. إن تاريخاً ليس فيه محمد ولا أصحابه، تاريخ وثنية وتاريخ تخلف، وتاريخ ملعون. يقول الذهبي في ترجمة ابن الراوندي الفيلسوف المحسوب على الإسلام، قال: بسم الله الرحمن الرحيم، ابن الراوندي الكلب المعثر ابن الراوندي الملحد، لأن ابن خلكان ترجم لـ ابن الراوندي فذكر أدبه وشعره ونسي عمالته، وضلالته وإلحاده، فيقول ابن كثير: ابن خلكان، ترجم لـ ابن الراوندي وترك إلحاده كأن الكلب ما أكل له عجيناً، ما كأنه اعتدى على حرمات الإسلام، ولذلك نأتي الآن نصفق للأدباء وهم ضلال زنادقة، ونمدح كثيراً من المغنيين وهم الذين أفسدوا الأمة، وما قدموا لها شيئاً، هم الذين سفكوا دم الأمة، وأذهبوا مروءتها، وهم الذين أخذوا لباسها وجلالها وعظمتها، إي والله، هذا هو المعهود، ولذلك يأتي ابن سيناء في بعض الأقسام العلمية، فيقولون: قسم ابن سيناء، ابن سيناء فرخ من فروخ الصابئة، وذنب من أذناب المجوس، يقول ابن تيمية عن كلمة عنه: إن كان صح عنه ما يقول، فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين. هذا ابن الراوندي ألف كتاب الدامغ على القرآن، قال الذهبي: كان ذكياً، نعم. من أذكياء العالم، لكنه قال: لعن الله الذكاء بلا إيمان، وحي الله البلادة بالتقوى، بليد مؤمن أحسن من ذكي عبقري كافر، لأن الكافر في مسلاخ الحمار والكلب، أرأيت الحمار والكلب هو لا يقدم خيراً لنفسه، ولا لأمته. فيا أيتها الأمة! كيف نجعل من الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة؟ أن نلقن أبناءنا حب الرسول صلى الله عليه وسلم ونعلمهم بعظمة الرسول صلى الله عليه وسلم. حدثني بعض الإخوة أن في البوادي في بلادنا من يأتون إلى كتاب عنترة بن شداد، بدو فيدرسون أبناءهم على السرج سيرة عنترة بن شداد ماذا فعل عنترة بن شداد؟ أسك أصم لا يعرف شيئاً، كان يذبح ويجلد بلا شريعة وثني، فيعلمونه فينشأ هذا الطفل وأعظم شخصية عنده في الحياة عنترة بن شداد، والجارية تودد والزير سالم، والجساسة، وفلانة وفلانة خزعبلات لماذا؟ لأنهم ما وجدوا من الدعاة الذين يعرضون لهم الدعوة في البوادي، نحن اشتغلنا بالماجستير والدكتوراه، نقابل بين نسخة بولاق، ونسخة دار الشروق، وضاعت الأمة، بين بياض بالأصل، بل سواد في الأصل -أنا لا أقول: إن هذه الرسالة لا تنفع، بل هي مطلوبة وجديرة، ولكن من لتعليم الأمة؟ ومن لتعليم الجهاد؟ من لهؤلاء البدو الرحل لإخراجهم من الضلالات والجهالات وتعليمهم الوضوء؟ إذا أتينا نحاضر البدو قلنا: تنطلق دعوة الإسلام وديكتاتورية الدعوة في الإسلام من أطر، لا يفهمون الأطر، ولا ديكتاتورية ولا بوتقة، يفهمون (قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم) الحديث طويل وطويل، ولكن للأسئلة مكان ولها دور، وخير المتكلمين من سكت والناس يقولون: ليته يتكلم، وشر المتكلمين من يتكلم والناس يقولون: ليته يسكت، فأعوذ بالله أن أكون من الثاني. قال الجدار للوتد لم تشقني قال اسأل من يدقني فشكر الله لكم: زاد معروفك عندي عظماً وهو في نفسك مشهور خطير تتناساه كأن لم تأته وهو عند الناس مشهور كبير سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الجهاد في أفغانستان

حكم الجهاد في أفغانستان Q هل الجهاد في أفغانستان فرض كفاية أم فرض عين؟ وما هو قول الشيخ فيمن تبع فتوى الدكتور عبد الله عزام؟ وهل هو برضا الوالدين أو بغير رضاهما؟ A سلام على الجهاد والمجاهدين، وسلام الله على المجاهدين الأفغان، الذين افترشوا الأرض والتحفوا السماء، الذين أعلنوا: إن القوة للإسلام والعظمة لهذا الدين، الذين ذلوا الكافر أمام شعوب الأرض: يا أمة النصر والأرواح أثمان في شدة الرعب ما هانوا ولا لانوا هم الرعود ولكن لا خفوت لها خسف ونسف وتدمير وبركان كم ملحد ماجن ظن الحقوق له زفوا له الموت مراً وهو مجان وبلشفي أتى كالعير منتخياً رأى المنايا فأضحى وهو جعلان فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ أما الجهاد في أفغانستان يطلب من كل مسلم، وأنا لا أدخل في فرض العين، ولا في فرض الكفاية، لكثرة التذبذب والصراع بين أهل العلم وأهل الفكر في ذلك، ولا نزيدها شيئاً. تكاثرت الضباء على خراشٍ فما يدري خراش ما يصيد إنما أنا أدعو إلى الجهاد، أما قول الشيخ عبد الله عزام، أنه لا يستأذن من والديه، فالشيخ نجله ونحبه لأنه قال وفعل وصدق، وكثير من الناس يقول ولا يفعل، أما هو بنفسه وماله وأهله ذهب إلى هناك، وأما بدون إذن الوالدين فليس بصحيح، بل النصوص تدعو إلى إذن الوالدين، إنسان يذهب ويترك أباه وأمه يبكيان في البيت، إنسان يرمل أسرته وليس لهم عائل بعد الله إلا هذا، ليس بجهاد {ففيهما فجاهد} والحق لا بد أن يقبل بالدليل، قال تعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام:148]. فلا بد من الدليل ولا دليل، والشيخ نحترم رأيه، لكن هذا نقوله بإذنه سبحانه والعون من الله -أنه لا بد من إذن الوالدين، فإذا لم يأذن الوالدان فلا جهاد.

لا حضارة للعرب قبل الإسلام

لا حضارة للعرب قبل الإسلام Q قلت في بداية حديثك: إنه ليس للعرب حضارة قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك هناك كتاب يقولون غير ذلك، فما موقفنا من هؤلاء الكتاب من الناحية العامية والتاريخية؟ A قبل أن أجيب على السؤال الثاني، أناديكم أيها الإخوة! أن تقفوا من الجهاد الأفغاني موقف المناصر من لم يستطع أن يجاهد بنفسه فبماله، ومن لم يستطع بماله، فبالدعاء في ساعة الجمعة، وفي أدبار الليل، وفي السحر، وفي أدبار الصلاة. وانتصار المجاهدين انتصار المسلمين، ورفع لا إله إلا الله، وبذل المال والتضحية به في سبيله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. أما ما ذكر الأخ أنني قلت: إنه ليس للعرب حضارة، فأنا أعني الحضارة التي كانت مفهومة ذلك الوقت عند الناس، حضارة اليونان، حضارة فارس، أما الشذر والمذر الذي ذكره الأخ، أنهم كانوا يقولون شعراً أو أدباً، فهذا ليس بحضارة، امرؤ القيس يقول في نجد قصيدة، ويأتي الغطفاني ويقول قصيدة أخرى، وزهير في أرض الحجاز يقول قصيدة ثالثة، هذه ليست بحضارة، أُمة لم تعرف الرقي ولا الأدب ولا السلوك، ولا التطور، ولا الثقافة، ولا المنهجية ولا النظام ليست بأمة متحضرة، يقول رستم وهو ينظر إلى جيش المسلمين قبل القادسية، ينظر إليهم صفوفاً وهم ثلاثون ألفاً، يصلون وراء سعد، يعض أصابعه رستم ويقول: علم محمد الكلاب الأدب.

قضايا في الرياضة

قضايا في الرياضة Q بماذا تنصح لاعبي الكرة جميعاً ومن يلعبون الرياضة، وقد وردت أسئلة في هذا المنوال كثيرة، ويتعلق بعضها بما هو السروال الذي يتمشى مع الشريعة الإسلامية في لبسه في أثناء تأدية الرياضة، وهل تنصح بمزاولة الرياضة للشباب المسلم؟ A هذا السؤال ذو شقين، أما أهل الرياضة، فأنا أناديهم من هذا المكان الطاهر ومنهم من هم معي خاصة المشرفين على نادي الفتح، ومن أمثالهم من الأندية أن يتقوا الله في رسالتهم، وألا يجعلوا الغايات وسائل والوسائل غايات، أنا قلت في أول الحديث: إن الرياضة ليست غاية للمسلمين، هي وسيلة، وأسألهم بالله أن يدخلوا الإيمان مع الرياضة ومع الأدب لنبقى مؤمنين، لا عب مؤمن لا بأس به بالشروط، أما من ناحية ما يلاحظ على الأندية، فكأن الملاحظات تدور على ثلاثة أوجه: الولاء والبراء: ففي كثير من الأندية يكون الولاء والبراء للنادي، حتى يوالي ويعادي عليه أكثر من ولائه لله القهار ومن عدائه لأعداء الله، أصبحت حياته للنادي، يموت له ويعيش له، يقول: أنا مع النادي حتى الموت، وهذا ليس بوارد، أنت مسلم أنت مؤمن، أنت تحمل رسالة، فأما أن توالي وتعادي على النوادي، فالولاء والبراء عقيدة من عقيدة أهل السنة والجماعة لا تصرف لغير الله، وصح عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: {من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان}. المسألة الثانية: لوحظ في بعض الأندية ترك الصلاة والعياذ بالله، أو تأخير الصلاة عن وقتها، وهذا منكر وإثم عظيم. والمسألة الثالثة: اللباس، اللباس الساتر في الإسلام لعورة الرجل والتي أتت به الأحاديث من السرة إلى الركبة، أما بعض العلماء يوم قال العورة المغلظة، فنحن لسنا في المغلظة الآن {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه:121] في وقت كان يلومهم الله على هذا لأن الخطيئة أنزلت عنهم لباسهم، ولكن بسنن الدارقطني: عورة الرجل من السرة إلى الركبة، وفي حديث جرهد الذي هو حسن، قوله صلى الله عليه وسلم: {غط فخذك، فإن الفخذ عورة} ويستدل بعضهم بحديث أنس في صحيح البخاري: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجرى فرسه في زقاق خيبر فانكشف فخذه} قيل في A هذا فعل، وقوله صلى الله عليه وسلم يقدم على فعله. الجواب الثاني: أنه انكشفت لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجري ما كان متعمداً ومتهيئاً ومترسلاً في فعله. الجواب الثالث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم له في بعض الأمور أشياء وليست لأمته؛ فهذه التي تلاحظ، وأنا أنصح بإدخال الإيمان في النوادي. وأما مسألة هل ندخل النوادي أم لا؟ فلا بأس أن ندخلها دعاة ونحمل رسالة علَّ الله أن يهدي بنا ويسمع وينفع بنا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم في السير {أتى إليه ركانة، فقال: يا محمد! لا أسلم حتى تصارعني، وكان من أقوى العرب، فقام عليه الصلاة والسلام ليصارعه، فصرعه من أول مرة، ثم صارعه صلى الله عليه وسلم، فصرعه مرة ثانية، ثم ثالثة، فقال ركانة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله} كل وسيلة مباحة يخدم بها الدين، وترفع بها راية لا إله إلا الله، وينفع بها الناس لا بأس بها، أما أن نبقى في المساجد وننتظر من الناس أن يأتوننا، فالناس لا يأتوننا، بل نحن نأتي الناس لأننا دعاة، الذين أتوا المسجد أتوا ليصلوا نقوم عليهم بعد الصلاة نقول: صلوا يا جماعة الخير، صلوا بارك الله فيكم، ما أتوا إلا ليصلوا، لكن الذين يصلون في بيوتهم ينبغي أن تذهب إليهم هذا هو المطلوب، وهذا هو الوارد.

حكم مشاهدة التلفاز

حكم مشاهدة التلفاز Q أيضاً وردت أسئلة كثيرة عن حكم مشاهدة التلفاز، وبالأخص المسلسلات والأغاني وما شابهها خصوصاً في النساء التي يقضين الوقت الكثير في البيوت، فما حكم ذلك فضيلة الشيخ؟ A التلفزيون سلاح ذو حدين، لا يحكم به لجرمه، فهو من حديد وبلاستيك ومن أغطية ومن قماش، وأجهزة، وإنما يحكم بالمادة التي تعرض فيه، فكلما عرض فيه محرم فهو محرم لهذا التحريم الذي ورد فيه؛ من أغنية ماجنة، ومسلسل خليع، وتمثيلية فاجرة تهدم الأمة، أما مادة طيبة؛ قرآن، حديث، حلقة، فلا بأس به، على أن من الناس قناعاتهم الخاصة، للناس من يتورع من إدخاله في بيته، وهذا أمر محمود لأنه قد لا تضبط برامجه، وقد يساء استعماله، وقد يأتي حتى من برامج الخير التي فيه، بأن تفتتن المرأة بمن تنظر إليه، فأنا رأيي فيه أنه بالمادة التي تعرض فيه، والله أعلم.

المسجد لا يحل للحائض ودور المرأة في الإسلام

المسجد لا يحل للحائض ودور المرأة في الإسلام Q هل يجوز للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض، وأيضاً هل للمرأة دور كبير في الإسلام؟ A المرأة لا تدخل المسجد وهي حائض، لعموم الأحاديث التي نهت عن ذلك، منها حديث أبي داود بسند جيد عن علي رضي الله عنه وأرضاه، قوله صلى الله عليه وسلم: {إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب} وفي صحيح البخاري، عن عائشة قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلي لي رأسه من المسجد وأنا في بيتي وهو معتكف وأنا حائض فأرجل رأسه} فلم يسمح لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدخول المسجد، وإنما سمح للجنب أن يعبر المسجد، لقوله سبحان وتعالى: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء:43]. أما المكث في المسجد فليس للجنب ولا للحائض، ويجوز للحائض أن تعبر إذا لم تجد الطريق إلا أن تعبر من باب إلى باب، ولكن لا تمكث ولا تجلس، وإذا أرادت أن تسمع لمحاضرة، فلتعتزل في مكان خارج المسجد لقول أم عطية: {أمر العواتق وذوات الخدور أن يشهدن الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يحضرن الخير ويعتزلن المصلى}.

حد تقصير الثوب وحكم إطلاق اللحية

حد تقصير الثوب وحكم إطلاق اللحية Q ما هو الحد الذي يجب على المسلم أن يعمله فيما يتعلق بتقصير الثوب وإطلاق اللحية، وأيضاً: هناك جانب من الأسئلة يسأل عمن يستهزئ بمن يربي لحيته ويقصر ثوبه، وهي من أوامر الله سبحانه وأوامر رسوله؟ A أما الحد في الثوب، فإزار المؤمن إلى نصف ساقه، ولك من نصف الساقين إلى ما فوق الكعبين، أما ما فوق نصف الساقين فليس بثوب بل فنيلة وقد قلت ذلك كثيراً، أن يجعل ثوبه إلى ركبتيه، فليس بثوب يسمى فنيلة، والفنيلة شيء والثوب شيء آخر، وقد يكون ليس بساتر للعورة إذا سجد، فإلى نصف الساق فوق الكعبين لأنه صح فيها حديثان: الحديث الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: {لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء} قالوا: من جر ثوبه خيلاء فعاقبته أنه لا ينظر الله إليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: {ما زاد عن الكعبين ففي النار} فهو خيلاء وغير خيلاء، لأن بعض الناس يسبل اليوم، فإذا قلت له: لماذا تسبل؟ قال: أنا لا أسبل خيلاء، أسبل بلا خيلاء، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، لما قال لـ أبي بكر: {إنك لست ممن يفعل ذلك} -يعني خيلاء- فهم يعتبرون بهذا وقد أخطئوا النجعة وما أصابوا، فإنه من استرخى إزاره تحت الكعبين فهو في النار هذا أمر. وأما اللحية فيبقيها على هيئتها ولا بأس بمشطها، وتنسيقها، وترسيلها وتطييبها حتى يظهر بمظهر طيب، وأما من يستهزئ بهذه الشعائر، فهذا عليه أن يتوب فقد نافق نفاقاً اعتقادياً، ووصل إلى درجة الكفر، قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:66]. وقد بلي الإسلام بمثل هؤلاء الأشكال؛ ما وجدوا حرباً في المجتمع إلا حرب شباب الخير والهداية والنور، جعلوهم عرضة لهم في كل مجلس، (متطرفون) -كلمة وزعتها الصهيونية العالمية - وتبثها كثير من الإذاعات، متطرف لأنه متمسك، لأنه عرف طريق الجنة، متطرف لأنه عرف الإيمان والحب والطموح، أما المطبل والمزمر والماجن والسكير والعربيد ليس بمتطرف بل هو معتدل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50].

الخشوع لا يشترط فيه إخراج الدموع

الخشوع لا يشترط فيه إخراج الدموع Q هل يجب في الخشوع لله استخراج الدموع أم لا؟ وهل يؤجر مثل ما يؤجر مخرج الدموع؟ A الباكي من خشية الله مأجور بنصوص كثيرة، منها: {عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خيشة الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله} وذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى النصارى وقال: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المائدة:83] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم:57 - 62] وذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنبياءه فقال: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم:58] فوصفهم بالبكاء، أما أن يشترط البكاء في الخشوع فليس بشرط، فبعضهم لا يبكي لكنه محكم لكتاب الله ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله ونفسه وبيته، وكثير من الناس يبكي لكنه مخالف بأقواله وأفعاله في المجتمع، فالبكاء ليس بشرط؛ لكنه زيادة في الخير والأجر والمثوبة، أما الخشوع فواجب: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2]. وهذا أمر لا بد أن يتنبه إليه ولكن على المسلم أن يجر الدموع، فإذا لم تدمع عيناه عليه أن يتباكى، كما قال عمر.

الزوج هو الذي يختار زوجته

الزوج هو الذي يختار زوجته Q هل اختيار الزوجة يأتي حسب اختيار الزوج أم الوالدين، وحتى لو كان في ذلك غضبهما أو زعلهما، فما الحكم؟ A الزواج ليس على اختيار الوالدين لكن على اختيار الزوج، والزوجة يختارها الزوج لا الوالدان، لأنها ليست بسيارة ولا أرض، هي زوجة تكون عشيرته، وقريبته، وسكنه في الحياة، فكيف يتدخل الوالدان، لهم إن شاء الاستشارة، أما أن يقولا: اترك هذه أو هذه فلا، وهذا الزواج قد يصبح زواجاً فاشلاً، يزوج إنسان بامرأة لا يرغبها ولا يحبها، وفي الأخير ينهار معها في حياته ويقصم حياتها، ولذلك جعل رسول الله النظر وقال: {لينظر إلى ما يدعوه إلى النكاح منها والزواج بها} عليه أفضل الصلاة والسلام.

حكم المدخنين والجلوس مع المتهاون بالصلاة

حكم المدخنين والجلوس مع المتهاون بالصلاة Q ما حكم المدخنين، وما حكم أصدقاء المدخنين، فهل يجوز لهم دخول منازلهم أو المبيت معهم أو النوم معهم؟ وأيضاً: حكم المتهاون في أداء صلاة الفجر في المسجد مع الجماعة، خصوصاً بالنسبة للطلاب الذين يسكنون في السكن الجامعي، حيث أن هناك بعض الطلبة يذهبون إلى الصلاة مأجورين، وبعضهم ينام، فما حكم السكن معهم؟ A الدخان فيما ظهر وهو القول الصحيح أنه محرم بعموم النصوص في الكتاب والسنة، منها قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157]. وبإجماع العقلاء أن الدخان من الخبائث، إذا علم هذا فالمدخن مرتكب للإثم، ملوم وليس مشكور، آثم فاسق، لكنه لا يبلغ إلى درجة الكفر، أما زيارته بقصد إصلاحه فلا بأس، ولك أن تجفوه من باب جفاء أهل المعاصي، ولكن لك أن تجيب دعوته إذا دعاك إلى طعام، إذا كان يصلي أو يصوم، وتنبهه على هذا الخطأ، لأننا إذا هجرنا كل من فيه معصية تركنا المجتمع كل المجتمع، ولك أن تنام عنده، ولا تنسى دعوته إلى الصراط المستقيم. أما أهل السكن ومن تخلفوا عن صلاة الفجر فقد ارتكبوا إثماً، في صحيح مسلم، عن جندب بن عبد الله البجلي، قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه من ذمته بشيء أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار}. والتخلف عن صلاة الفجر من علامات النفاق، وهي من فعل المنافقين، والإخوة الذين في السكن إن كان لهم مصلى في السكن يجتمعون فيه هذا من الأصلح، وبقاؤهم في المصلى ليجتمع إليهم الشباب، فلهم ذلك، إن كان المتخلف يريد أن يصلي في المصلى فله ذلك، وأما إن كان هذا المتخلف لا يصلي في المصلى ولا في المسجد، فاذهب أنت إلى المسجد، ومن تخلف عن صلاة الجماعة فهو فاسق أيضاً، وقد دل أكثر من ثلاثة عشر حديثاً صحيحاً على وجوب صلاة الجماعة، وأنه لا يترك الوجوب بأي حال إلا بعذر شرعي.

التساهل في الحجاب

التساهل في الحجاب Q وردت أسئلة كثيرة عن حكم من يتساهل في عدم أمر زوجته بالتحجب عن غير محارمها، وخصوصاً أقاربه وأهله، وفيمن يتساهل عن ذلك الكثير وحتى لو كانت الزوجة من المحجبات؟ A هذه مسألة وجدت حتى أصبحت ظاهرة بين بعض الملتزمين، أن يترك الحبل لزوجته على الغارب، فتجالس أقاربه وهم أجانب، تجالس أخاه، وتجالس ابن عمه فتقع في الإثم، وهذه المرأة أمانة في عنقك، وأكبر ما تنجيها من العار والدمار والنار أن تحجبها وتسترها وتصونها، فعليك أن تتقي الله في حجاب المرأة، وقد دلت النصوص على وجوب الحجاب وأنه هو الأسلم في الوجه، لا كما يقول بعض الناس: إن الوجه لا يحجب، فإن معنى ذلك: أن محاسن المرأة ومفاتن المرأة تعرض على الناس، وهذا ليس مقصوداً في الإسلام، فإن جمال المرأة وروعتها في وجهها، فعلى الإخوة أن يتقوا الله في ذلك. ظاهرة أخرى، أن الحمو أخو الزوج يتساهل في دخوله على زوجة أخيه يستأذن منها، يدخل في بيتها، والرسول صلى الله عليه وسلم، سئل كما في صحيح البخاري عن الحمو، قال: {الحمو الموت} ولأنه لا يشكك فيه، ولكن يأتي الخطر من جانبه.

كيف تكون المحبة والتضحية لرسول الله صلى الله عليه وسلم

كيف تكون المحبة والتضحية لرسول الله صلى الله عليه وسلم Q لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم معاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك بان حبهم وتضحيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فنالوا رضوان الله ورسوله ونحن كيف يكون حبنا وتضحيتنا للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو موارى في التراب؟ A نعم. كما تفضل السائل أكبر أو أعظم صحابة أحبوا صاحبهم هم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، يأتي أبو دجانة فيتترس على الرسول عليه الصلاة والسلام، وتقع الأسهم على ظهره ويقول: [[نفسي لنفسك الفداء يا رسول الله]] الصاحب سعد بن معاذ الذي يقول: [[يا رسول الله! صل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وأعط من شئت، واحرم من شئت، والذي نفسي بيده! لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد]]. الصحابية نسيبة الأنصارية تأتي فيقول عليه الصلاة والسلام: {ما التفت إلى ناحية إلا وجدتها تسترني من السهام} أبو عبيدة يأتي إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام، فيرى حلق المجن قد غارت في جبينه الطاهر، فينزعها بثنيتيه فتتساقط، وكان أحسن جميل عمله في الإسلام، الصحابي الخامس: {يأتي فيمص الدم من الرسول عليه الصلاة والسلام -وهذا اسمه سعد بن مالك بن سنان الخدري: أبو سعيد، والحديث صحيح- فيمص الدم فيقول له صلى الله عليه وسلم: مج الدم -يعني: أخرج الدم- فيقول: والله، لا أمجه أبداً، فيبتلعه ويشربه}. الذهبي في سير أعلام النبلاء يروي بسند صحيح أن عبد الله بن الزبير {أعطاه صلى الله عليه وسلم فضلة دم حجامة -الحجامة التي احتجمها صلى الله عليه وسلم أعطاه في صحن، وقال: اذهب به فاجعله في مكان لا يراه أحد، فذهب به، فلما اختفى بين البيوت وعُمْرُ عبد الله بن الزبير عشر سنوات شرب الدم؟ وعاد بالصحن والرسول صلى الله عليه وسلم يدري، قال: أين وضعت الدم؟ قال: وضعته في مكان لا يراه أحد، قال: ويل لك من الناس، وويل للناس منك؛ ولن تمسّك النار} وهذا الحديث صحيح، فأما ويل لك من الناس، فإنك قد خالطت دمي بدمك فسوف تصاب بمثل ما أصبت، لأن العظماء محسودون، يقول زهير: محسدون على ما كان من نعم لا ينزع الله منهم مالهم حسدوا إن العرانين تلقاها محسدة ولا ترى للئام الناس حسادا وأما قوله: {وويل للناس منك} فإنك سوف تكون عظيم، لأن دمي في دمك وسوف يتضرر بك قومك، لا تمسك النار في الآخرة، كيف تمسه النار وقطع دم الرسول صلى الله عليه وسلم سرت في شرايينه؟! ولذلك كان عظيماً، وقتله الحجاج بن يوسف ورفع على المشنقة وأصبح في ريع الحجون عند المقبرة للرائحين والغادين، حتى صدقت عليه القصيدة وليتها فيه، التي قالها أبو الحسن الأنباري، في أحد الوزراء يوم صلب على باب بغداد، قال: علوٌ في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات علو في الحياة والممات: يقول كنت عالياً في الحياة، ويوم مت كنت عالياً ما دفنوك. كأن الناس حولك حين قاموا وفود نداك أيام الصلات كأنك واقف فيهم خطيباً وهم وقفوا قياماً للصلاة مددت يديك نحوهم احتفاء كمدهما إليهم بالهبات ولما ضاق بطن الأرض عن أن يواروا فيه تلك المكرمات أصاروا الجو قبرك واستعاضوا عن الأكفان ثوب السافيات هذا الفداء وهذا التطراد، كيفما تقدم حبك للرسول صلى الله عليه وسلم، نحن والله لا نطالب أنفسنا وإياكم بأن نفعل كما فعلوا: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع نطلب أن نربي لحانا كما كان صلى الله عليه وسلم يربي لحيته، وأن نقصر ثيابنا، وأن نشتري مساويك، وأن نحافظ على الصلاة، ثم نعود إلى بيوتنا لنأكل ونشرب، ولكن نطالب أنفسنا ألا نرتكب حراماً، هذا إسلام قدم لنا طازجاً جاهزاً، ما علينا إلا أن نتبع وأن نتمسكن وإذا سمعنا قنبلة أو غارة قلنا: {أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق} فنحن نطالب أنفسنا باتباعه وحبه من هذا المسلك، في صحيح البخاري: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال وقد سأله أعرابي: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: المرء يحشر مع من أحب} قال أنس: [[فنحن والله نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحب أبا بكر وعمر وإن لم نعمل بأعمالهم]]. أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة

الديمقراطية لم يأت بها النبي صلى الله عليه وسلم

الديمقراطية لم يأت بها النبي صلى الله عليه وسلم Q نسمع في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه عاش مع أصحابه الديمقراطية الحقة، فما المقصود بـ الديمقراطية الحقة؟ A هذه من كيس السائل، الديمقراطية من كيسه صنفها وألفها وأخرجها للناس، الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن ديمقراطياً، ولم يكن ديكتاتورياً، إنما كان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين، الرسول صلى الله عليه وسلم كما يقول أحمد شوقي: الاشتراكيون أنت إمامهم لولا دعاوى القوم واللأواء كذب. الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن اشتركياً، كان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين، أما الديمقراطية فمعناها الشورى، ولذلك يقول أحمد شوقي: فالحكم عدل والخلافة بيعة والأمر شورى والحقوق قضاء وهذا صحيح، فنسميها شورى ولا نسميها ديمقراطية، لأن في الناس حكماً فيدرالياً، وهو الذي يجعل منصباً واحداً في مجالس معه كمجلس الشيوخ والنواب، وديمقراطياً برلمانياً، وديكتاتورياً أن يستقل هو بالمسئولية، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام، وكان هو الذي يشير ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38] وأما الديمقراطية فخذها في جيبك وإذا خرجت فارمها خارج المسجد.

حديث (من سب صحابتي فقد سبني)

حديث (من سب صحابتي فقد سبني) Q هل هذا الحديث صحيح: {من سب صحابتي فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله فقد كفر}؟ A هذا الحديث موضوع فلا يصح عن الرسول وهو كذب وليس من كلامه صلى الله عليه وسلم، وإنما في المسألة حديثان، حديث صحيح وحديث حسن: الحديث الصحيح: قوله صلى الله عليه وسلم {لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه} والحديث الحسن في سنن الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم: {الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم عرضاً، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم}.

بر الوالدين

بر الوالدين Q أحب أن أهدي لك هذا البيت: أهلاً وسهلاً بالضيف يأتي بيته الثاني الرحيبا قد فتحنا قبل فتح الباب للضيف قلوبا أما السؤال فأقول: كيف أكون باراً بوالدي؟ A شكراً على بيتك وإن دل على شيء، فإنما يدل على إيمانك وحبك وطموحك، وأنا أقول فيك وفي هذه الشبيبة أنكم أشبه بقول القائل: هينون لينون أيسار بني يسر صيد بهاليل، حفاظون للجار لا ينطقون عن الفحشاء إن نطقوا ولا يمارون إن ماروا بإكثار من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري أما قولك كيف تكون باراً بوالديك: فعليك أن تطيعهما في طاعة الله عز وجل؛ فإن أمراك بمعصية فلا تطعهما، كلما أرادا شيئاً لا يغضب الله عز وجل فنفذ هذا الأمر وشرط البر الرضا، أن يرضى الوالد وترضى الوالدة عنك، إذا رضيا عنك فقد كنت باراً بوالديك، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء:23].

الفكر وأقسامه

الفكر وأقسامه Q ذكر فضيلتكم في محاضرة العلم الأصيل والعلم الدخيل أنكم كنتم تكثرون في بداياتكم القراءة في الفكر، فما هو المقصود بقولكم: الفكر، نرجو توضيح ذلك؟ مع ذكر بعض الكتب المؤلفة في الفكر وما المقصود بها؟ وجزاكم الله خيراً؟ A الفكر طغى عند المسلمين لما اضطروا إلى الرد على المفكرين الغربيين وأمثالهم من أعداء الإسلام من المستغربين والمستشرقين، والفكر ليس بعلم، هو قضايا واقعية وحوداث جدت بالأمة تراد أن يرد عليها، شبه وضعت في الساحة، بعض الردود من القرآن والسنة، وبعضها ردود عقلية، الفكر أشبه شيء بعلم المنطق، والفكر قسمان: قسم محمود، وهو ما دافع أهله عن الإسلام والمسلمين فجزاهم الله خيراً، كما فعل الأستاذ سيد قطب، وأبو الأعلى المودودي، وأبو الحسن الندوي، وغيرهم من العلماء فجزاهم الله خيراً. وفكر لا رسالة له، كتابة جزئية، كما تجد بعض الصحفيين يكتب في مسائل ويشغل بها الناس ويقيم الدنيا ويقعدها، فهذا لا خير فيه، الفكر بقسميه، أما الثاني فحرام، حرام أن تكون رسالة المسلم في الحياة الفكر الثاني الذي ليس له رسالة، والفكر الأول يؤخذ بقدره ويكون الأصل العلم (قال الله، قال رسوله) والتحقيق، والدليل، والجلسات الهادئة، لأن الفكر لا يمكن أن يستمر معك، والإسلام يعترف بالعلماء ولا يعترف بالمفكرين.

كيفية اكتساب العلم

كيفية اكتساب العلم Q ما هي قصتك في اكتساب العلم، أرشدنا أفادك الله، فنحن نريد أن نتأسى بك؟ A الإنسان صعب أن يتكلم عن نفسه، وما أنا إلا عبد فقير ذليل: إلهي لا تعاقبني فإني مقر بالذي قد كان مني يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني فكم من زلة لي في البرايا وأنت علي ذو فضل ومني إذا فكرت في ندمي إليها عضضت أناملي وقرعت سني إنما عليكم أن تبحثوا عن ابن تيمية والعظماء العباقرة العمالقة، ابن القيم، ابن كثير الإمام أحمد، مالك، الشافعي الصحابة، واقرءوا تراجمهم في مثل سير أعلام النبلاء للذهبي.

قصائد من تأليف الشيخ عائض

قصائد من تأليف الشيخ عائض Q نطلب من الشيخ أن يمتعنا بقصائده مثل التي قالها في سماحة الشيخ ابن باز أو التي قالها في فضيلة الشيخ ابن عثيمين، أو التي قالها في أمريكا أو عن المجاهد الكبير عبد رب الرسول سياف، فنترك الشيخ ليلقي ما عنده؟ A قصيدة أمريكا قصيدتان، هزلية وجدية: أما الجدية: أمريكا التي رأيت: يا أمة ضرب الزمان بها جموح المستحيل وتوقف التاريخ في خطواتها قبل الرحيل سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل وسقت شفاه الوالهين سلافة من سلسبيل هذه الأمة الإسلامية أجدادكم يعني: يا أمة ضرب الزمان بها جموح الكبرياء رأس الدعي على التراب ورأس عزمك في السماء لو كان مهرك يا مليحة من براكين الدماء لهفا إليك اللامعون وفر منك الأدعياء يا أمة كم علقوا بكيانها خيط الخيال وهي البريئة خدرها فيض عميم من جلال شاهت وجوه الحاقدين بكف خسف من رمال موتاً أتاتورك الدعي كموت تيتو أو جمال يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلو الإنسان خابوا ما لهم إلا الرماد جثث البرايا منهم في كل رابية وواد ما زرت أمريكا فليـ ست في الورى أهل المزار بل جئت أنظر كيف ند خل بالكتائب والشعار لنحرر الإنسان من رق المذلة والصغار وقرارنا فتح مجيد نحن أصحاب القرار ورأيت أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسام قد زادني مرأى الضلا ل هوىً إلى البيت الحرام وتطاولت تلك السنون فصار يومي مثل عام ما أرضهم أرض رأيت ولا غمامهم غمام أما الهزلية فاسمها: نشرة الأخبار: يقول عائض هو القرني أحمد ربي وهو لي ولي مصلياً على رسول الله مذكراً بالله كل لاهي قد جئت من أبها صباحاً باكراً مشاركاً لحفلكم وشاكراً وحملتنا في السما طيارة تطفح تارة وتهوي تارة قائدها أظنه أمريكي تراه في هيئته كالديك يا سائل الأخبار عن أمريكا اسمع رعاك الله من يفتيكا وهذه أخبار هذي النشرة مسافة السير ثلاث عشرة من الرياض عفشنا ربطنا وفي نيويورك ضحى هبطنا أنزلنا في سرعة وحطنا وقد قصدنا بعدها واشنطنا ثم ركبنا بعدها سيارة مستقبلين جهة السفارة منزلنا في القصر أعني ريديسون يا كم لقينا من قبيح وحسن في بلد أفكاره منكوسة تثقله بصائر مطموسة يقدسون الكلب والخنزيرا ويبصرون غيرهم حقيرا ما عرفوا الله بطرف ساعة وما أعدوا لقيام الساعة فهم قطيع كشويهات الغنم جد وهزل وضياع ونغم فواحش قد أظلمت منها السما والأرض منها أوشكت أن تقصما من دمر العمال في بولندا ومن أتى بالرق في يوغندا من دمر البيوت في نزاكي من ضرب اليونان بالأتراك من الذي ناصر إسرائيلا حتى تصب عنفها الوبيلا استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا نصنع السيارة ثم أتينا لمباني الكونجرس ولم نجد مستقبلاً ولا حرس بها ملايين حوت من الكتب في كل فن إنه هو العجب ومعنا في ركبنا العجلان أكرم به مع العلا جذلان وصالح المنصور من بريدة يشبه سعداً وأبا عبيدة ومعنا عبد العزيز الغامدي ابن عزيز صاحب المحامد والشهم عبد القادر بن طاشي ذو القلم السيال في انتعاش فهو أبونا في مقام الترجمة لأننا صرنا صخوراً معجمة ثم هبطنا في مطار دنفرا جلودنا في البرد صارت كالفرا ثم دخلنا عند تكسس في دلس عند شباب كالنجوم في الغلس وهل أتاك إذ حضرنا الرابطة كم ضم من ساقطة ولاقطة من عالم وفاهم وشاعر وأحمق وناهب وقاصر وكل من يعمل للإسلام أخٌ ولا عبرة بالأسامي شعبهم لم يعبد الله الصمد ولم يردد قل هو الله أحد لن يعرف النصر ولا لن يعرفه اضحك له وغطه بالمنشفه أما قصيدة سياف فاسمها المدوية: سياف في ناظريك النصر يبتسم وفي محياك نور الحق مرتسم وفيك ثورة إسلام مقدسة بها جراح بني الإسلام تلتئم حطمت بالدم أصناماً محجلة وصافحت كفك العلياء وهي دم ثأرت لله والدين الحنيف فلم يقم لثأرك طاغوت ولا صنم على جبينك من سعد توقده وخالد في رُأَى عينيك يقتحم قامت عزائمك الكبرى لمعركة بها بني العرب ودوا أنهم عجم حلق إذا شئت فالأرواح طائرة فعن يمينك من عاهدت كلهم وصغ من المهج البيضاء ملحمة يظل يقرأها التاريخ والأمم موتاً على صهوات البيد يعشقه أهل البسالة في عليائهم شمم لا موت من تسكر اللذات فطنته حياته في الورى سيان والعدم سياف خذ من فؤادي كل قافية تجري إليك على شوق وتستلم قد صغتها أنت إسلاماً ومكرمة وفي سواك القوافي أشهر حرم منك المعاني ومني نسجها وأنا نظم وأنت على ألفاظها حكم أنفاسها منك إلا أنها مثلاً وروحها فيك إلا أنها كلم بها حياء إذا سارت لحضرتكم ماذا تقولوا ويكفي أنك العلم حب ولكن شعري لا يحيط به من ذا يبلغه عن خاطري لكم لمن تركت القصور الشم في دعة لمن تركت نعيماً كله ألم لمن تركت المقاصير التي رفعت لكل أرعن للذات يلتهم سواك يرشف كأس من سلافته وأنت ترشف كأساً ماؤه الكرم كادت معاليك أن ترويك معجزة لكن تواضعك الأسمى لها كتم كأنما أنت كررت الألى ذهبوا هذا صلاح ومحمود ومعتصم السائرون وعين الله ترقبهم الخائضون وبحر الهول مضطرم الواهبون نفوساً أفعمت ورعاً الشاربون رحيق الموت إن هجموا الساجدون ونار الحرب موقدة الذاكرون وزحف الهول محتدم أكفانهم نسجوها من دمائهم على مطارفها النصر الذي سلموا ماتوا ولكنهم أحياء في غرف من الجنان وذابوا لا فقد تلموا سارت إلى الحرب أرواح مكرمة لو لم تسر لسرت نار الفنا لهم لعل في الموت سراً كيف يعشقه جيل فكم شربوا منه وكم طعموا الميت الشهم يوصي الحي في لهف والحي يغبط موتاهم ويغتنم صاغوا الترانيم من صوت المدافع إذ سواهم يحتويه الناي والنغم فكل أصيد منهم هب منطلقاً كالنجم كم من شياطين به رجموا لو خاطب الموت فرداً واحداً وهم مليون شهم لأموا الموت واستهموا قنابل الموت صيغت من جماجمهم فالموت أصبح من غاراتهم يدم والطائرات على صيحاتهم سقطت صرعى وربانها فوق الربى سحموا يكبرون فتهتز الربى فرقا ويهتفون فيسعى النصر نحوهم من كل أطلس عزرائيل يشبهه في فيلق النصر لا يبكون ميتهم تلك المكارم لا دنيا مزخرفة قد مازج الماء منها الذل والندم يا رب أنت ولي المسلمين ومن سواك من هذه الأصنام ينتقم أنزل على جندك الأسمى ملائكة وراء جبريل روح القدس ينتقم ثبت قلوباً بك اللهم قد علقت ساروا إليك وماتوا فيك واعتصموا بيض الوجوه على الرمضاء قد سجدت إليك وحدك أنت المالك الحكم

آخر قصيدة أنشدها الشيخ

آخر قصيدة أنشدها الشيخ Q هناك طلب من الشيخ بأن يلقي آخر قصيدة أنشدها؟ A لا أدري ما هي آخر قصيدة إلا مقطوعات: مقطوعة في جبيل وهي مقتبسة من مقتطفات قديمة: يا مجمع الخير حيوا لي محياه نداء حق من الفصحى سمعناه وفي جبيل لقاءات وأمنية مع الشباب الذي قد طاب مسعاه يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلاينا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله وأختتم بقولي: سلام الله أرفعه إليكم بأشواقي وحبي والتحية وأرفع من ربى أبها سلاماً إلى الأحساء في أحلى هدية ونادي الفتح أبلغه سلامي وشكري والوفاء بما لديه وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

دور الأدب في معايشة النكبات

دور الأدب في معايشة النكبات إن الأدب في اللغة العربية هو البيان الساحر الذي يبين الحقائق والمستشكلات، وقد كان للأدب بين العرب مكانة ومنزلة، والإسلام أشاد بالشعر والبيان، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشجع شعراءه، فيذبون عن الإسلام، وكذلك أصحابُه مِن بعده، ومَن بعدهم. إن الأدب الذي يوافق المكارم ويصفها، ويمدح الكرم والجود، ويصف الشجاعة هو الأدب الباقي، والأدب الذي يتألم لما يحصل للمسلمين هو الأدب الرائع الجميل، فلابد أن نحييه وننشره ونحافظ على بلاغته وفصاحته.

الكلمة ما لها وما عليها

الكلمة ما لها وما عليها الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم. أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أمَّا بَعْد: فإن الكلمة تحكم الكون منذ البدء. فسِّر وجود الكون يكمن في كلمة، أليس الخالق -تبارك وتعالى- يقول لخلقه: (كن فيكون) وبالكلمة نحيا. أليست حياتنا سلسلة كلمات تحمل عقائد وشرائع وعهوداً ومواثيق وعقوداً وإجراءات وبالكلمة ندين؟ أليس مفتاح الإيمان كلمة أو عدداً من الكلمات؟ ألسنا نتعبد الله بكلمات؟ أليس نهاية المطاف كلمة أو عدداً من الكلمات؟ أوليس أنه قد تقتلنا كلمة واحدة، وترفعنا كلمة، وتخفضنا كلمة، وتبكينا كلمة، وترضينا كلمة، وتغضبنا كلمة؟ إذاً: فالكلمة سلطان لا ينازع في عالم البشر، فحين نفرح نخف إلى الكلمات نستسرها فرحتنا وبهجتنا وسرورنا، وحين تضيق علينا السبل ويتملكنا الكرب لا نجد إلا الكلمات، ننفس بها عن همومنا، ونفرج بها كربنا، فنجهر بالدعاء إلى الله القادر تارة، ونبث شكوانا للخلائق تارة أخرى، وكل ذلك بكلمات منثورة ومنظومة. والأدب أيها الأحبة في الله! هو الكلمة في أرقى صورها الجمالية، وهو الشعر، والقصة، والرواية، والخطبة، والخاطرة، والمقالة؛ فما موقع أرقى أشكال الكلمة من حياتنا؟ إن موقعها في الصميم، وأمة بلا أدبٍ أمة بلا حياة، أمة جافة خاوية، وأدبٌ لا يمثل أمة أدبٌ جاف خاوٍ. ودور الأدب في الحياة مما لا يجادل فيه، فإذا اشتدت الخطوب، وقطب الزمان حاجبيه، ففي الأدب ملجأ ومتسع، ونحن المسلمين نعتز دائماً بموقف الأدب من الرسالة الشريفة، حيث وقف الشعراء مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ضيقه، ونصروه وآزروه ونافحوا عنه بتشجيع منه عليه أفضل الصلاة والتسليم. ونحن نعتز كذلك بتراثنا الأدبي العظيم الذي نستجلي فيه وبه وقفات شرفية لأدبائنا وشعرائنا مع أمتهم، وقد ترك أُدباؤنا الأوائل نتاجاً عظيماً في صدر الإسلام وعهد الفتوحات، وتركوا لنا مثل ذلك بعد سقوط الأندلس، وخلال الحروب الصليبية، وفي هذا العصر وجد أدبٌ متميز واكب الأحداث العظام في الحربين العالميتين وفي فلسطين وأفغانستان وغيرهما، وكما نلمسه هذه الأيام مواكباً للأحداث المؤلمة الحاضرة. أيها الأحبة في الله: لتجلية أكثر لدور الأدب في معايشة النكبات، دعاكم النادي الأدبي في الرياض إلى هذه المحاضرة التي تسعدنا جميعاً أن يتحدث إلينا فيها مفكرٌ وأديب إسلامي هو الشيخ: عائض القرني.

الأدب في غير موضعه

الأدب في غير موضعه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله القائل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:24 - 25]. والصلاة والسلام على من قال فيه ربه: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس:69] فهز بفصاحته البلغاء، وأسكت بمنطقه الشعراء، وأفحم ببيانه العرب العرباء، وعلى آله وأصحابه اللُّسَّن المفوَّهين، والكماة الباسلين. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وشكر الله لأهل الفضل فضلهم، وعلى رأسهم الأستاذ الجليل والأديب النبيل عبد الله بن إدريس رئيس النادي الأدبي في الرياض، أدام الله سعوده، وسدد جهوده، وقد دعاني لإلقاء هذه المحاضرة بعنوان: (دور الأدب في معايشة النكبات) وهي تحمل الرقم (302) فلبيت دعوته، وأقول له كما قال أبو الطيب المتنبي لـ سيف الدولة: أتاني رسولك مستعجلاً فلباه شعري الذي أدخر ولو كان يوم وغىً قاتماً للبَّاه سيفي والأشقر أصرف نفسي كما أشتهي وأملكها والقنا أحمر أيها الحضور! الأدب كلمة مؤثرة حية تبعث في الشعوب الحياة، عاشها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بنفسه متكلماً وسامعاً، وخطيباً وفقيهاً ومفتياً، وقبل أن أبدأ اسمحوا لي بكلماتٍ سطرتُها، ومعذرة إن ندَّ بيان أو اختل لفظ. سيدي علل الفؤاد العليلا أحيني قبل أن تراني قتيلا إن تكن عازماً على قتل روحي فترفق بها قليلاً قليلا الأدب الراقي سوف أذكره بعد هذه الأسطر؛ لكن أتحدث عن أدبٍ رخيص، وعن أدبٍ متبذل، وعن أدبٍ ليس مقصوداً في الإسلام. نعيش اليوم أدباً في مجموعة لا تحمل مبدأً، ولا يتعامل مع قضيتنا الكبرى، ولا يتحمس لرسالتنا الخالدة. أدباً غلب عليه التذبذب، ويبدل المواقف بحسب المنافع والأغراض. أدباً يسترضي الخواطر، ويجامل على حساب الحق. فإذا قائله أول من يُكَذِّبُه ولا يؤمن به، أدباً مزوقاً مستهلكاً، مجته الآذان، وعافته القلوب، وتمردت عليه الأجيال؛ لأنه لا يلبي حاجتها، أدباً يجعل السارق محترماً، والأمين خائناً، والسفاك فاتحاً عظيماً، وإمام المسجد متطرفاً مريباً، والمتزلج على الثلج وجامع الطوابع حكيماً عبقرياً. أدباً سهلاً لسذج البادية، تلطيخ صحف الأمة بساقط القول ومتبذل الهراء، فأصبح دراويش الأعراب حملة فكر، وروَّاد قلم، في حين أَفَلَ نجمُ الطليعة وغاب شمس الرواد وأصحاب المبادئ. إذا عَيَّرَ الطائي بالبخل مادر وعيَّر قساً بالفهاهة باقل وقال السهى للشمس أنت كسيفة وقال الدجى للبدر وجهك حائل فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل أدباً مجمركاً! عليه الوصاية، يصف الزوارق البحرية في شواطئ اللهو والضياع، ويبكي على موت أرانب الصحراء، ويحدثنا عن امرئ القيس وتدمر، والأمة تغرق في بحور الدماء، وتئن تحت سياط الجلادين، وتموت في زنزانات الطغاة الدجاجلة، وتحاصر بطوابير الملحدين المرتزقة.

من شعراء السوء

مِن شعراء السوء أدباً فصل الأمة عن دينها، فالتطور في نظره: ألاَّ تذكر المسجد ولا المصحف، ولا تفكر في الكعبة ولا في زمزم، ولا تتغنى بـ بدر ولا حطين، ولا تتلهف لـ عمر وخالد والرشيد والمعتصم. أدباً مهمته: توسيع البطون للمتآكلين به من أموال اليتامى والأرامل واللاجئين. أدباً نتيجته: ميدالية ذهبية، أو سيارة فاخرة، أو كلمة شكر من الجنرال، أو ابتسامة من أمير المؤمنين. ولذلك قام طاغية العراق فحكم بالإعدام على ابنه تزويقاً وإلهاءً وضَحِكاً على ذقون الشعوب، هو ما حكَّم الشريعة، وهو داس المصحف بقدمه، وهو قد كفر برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، ولكنه تظاهر بالعدالة ليقتص من ابنه القاتل السفاح، فقام شاعر العراق عبد الرزاق عبد الواحد يقول للسفاح ويستبكي عينه التي ما بكت من خشية الله: أكان هذا امتحان الله نقبله لكن معاً كلنا لله نمتثلُ يا سيدي كل نفس قبلك امتحنت حتى الأئمة والأسباط والرسلُ ولم يقل رب إسماعيل قدمه لكن فداه ألا تفديه يا رجلُ ماذا يقول العراقيون لو سئلوا ماذا يقال لـ صدَّام الذي حملوا بين الضلوع ومن أصفاهم دمه وحبه وإلى أحلامه دخلوا هذا الذي ملأت فلاَّحةٌ فمَه خبزاً ومن كلهَّ من كفه أكلوا ماذا يقال أجل جاءت مسددة وهكذا أبداً تأتي بها الغيلُ لكننا يا كبير القوم نفزع أن تقول أهل العراق اليوم ما فعلوا لقد صنعت سلاماً فارفقن به أعط السلام سلاماً أيها الرجلُ فماذا كان؟ قامت الجماهير تبكي على هذه العدالة، وتشيد بسيادة الرئيس، وتناديه أن يفدي ابنه -كبشه- بكبش سمين وبالفعل، فهذا هو الأدب المنافق المزور الذي ضلل الأمة، أدب أخرج أفراخ العلمانية أبرياء أمام الشعب، نجوماً في وسائل الإعلام، أبطالاً في مسيرة الأمة، وجعل الأعلام خونة، والناصحين غششه، والأتقياء أهل خطورة. ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني أدب طارد الجنس، وطلب الشهرة، وحرص على الظهور. فأين أدبنا؟! وأين شعرنا؟! وأين إبداعنا؟! وأين طموحاتنا؟! وأين دموعنا؟!

الأدب الذي نريد

الأدب الذي نريد نريد أدباً جميلاً طموحاً عفيفاً، أدباً يستفيد من روعة السبع المثاني والقرآن العظيم، أدباً يلهب حماس الأمة فيوقظ الغافل، وينبه البليد، ويزجر العاصي، أدباً يعيد لنا مجدنا ويذكرنا تاريخنا، ويحمل مبادئنا. أدباً يوصلنا بالماضي، ويحثنا إلى المستقبل، في ظلاله نعيش، في ظلال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. وفي أحيائه نحيا تحت أفياء لا إله الله محمد رسول الله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]. أدبٌ يزكي النفس من أوضارها ويرتل التوحيد في أذن الملا فرسولنا عليه الصلاة والسلام عاش الأدب بكل معاني هذه الكلمة، عاش الأدب فجاشت روحه، ودمعت عينه، وعاشت نفسه مع الأدب، ففي صحيح مسلم عن عمر بن الشريف قال: {رُدِفْتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتحفظ لـ أمية بن أبي الصلت قلت: نعم. قال: هيه أنشدني، فأنشدته بيتاً، قال: هيه، فأنشدته ثانياً، فما زال يقول: هيه حتى أنشدته مائة بيت، ثم علق محمد عليه الصلاة والسلام، فقال: آمن لسانه وكفر قلبه}. كان عليه الصلاة والسلام يجيد الأدب، فإذا تكلم بذَّ الفصحاء، يقول عليه الصلاة والسلام: {أوتيت جوامع الكلم} أحيا من الأمة الخام، أمة الصحراء، أمة الأرانب والضب، أحيا منها أمة فريدة تكتب باسم الله في قرطبة، وتصلي في إشبيلية، وتسجد في ضفاف دجلة والفرات. يقول الزبيري قاضي اليمن وهو يمدح بلاغة المصطفى عليه الصلاة والسلام: ما بنا جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمة من عفاء يقول: ما قال كلمة إلا أحيا جيلاً، وما خطب خطبة إلا جهز جيشاً، وما أرسل عبارة إلا فتح مدينة، هذا هو الأدب الذي سيطر به عليه الصلاة والسلام على العقول وملك به الأفئدة.

الأدب في الإسلام

الأدب في الإسلام وكان عليه الصلاة والسلام يجعل من مسجده منتدىً، فيظهره للأنظار، ويقرب المنبر لـ حسان، ويقول: {اهجهم وروح القدس يؤيدك}.

موقع الشعر من حياة النبي صلى الله عليه وسلم

موقع الشعر من حياة النبي صلى الله عليه وسلم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت: {كيف أنت والمشركين؟ -أي: كيف بك إذا جُمِعْنا مع المشركين في صراع أدبي رهيب- فأخرج حسان لسانه متحدياً وضرب أرنبة أنفه، وقال لسانه: يا رسول الله! والله لو وضعته على حجرٍ لفلقه، وعلى شعرٍ لحلقه، فدعا له} فأرسل القوافي كالقنابل، وأرسل الأبيات كالسهام، يقول قبل غزوة الفتح مهدداً الشرك والوثنية والإلحاد والزندقة: عدمنا خيلنا إن لَمْ تروها تثير النقع موعدها كداء أي: نسأل الله ألا يعيد هذه الخيول إلى رحابها وإلى بيوتنا إن لم تصف الحساب معكم، وإن لم تعلن نتيجة النصر مع الباطل. تظل جيادنا متمطراتٍ تلطمهن بالخُمُر النساء فيتبسم عليه الصلاة والسلام، ويسأل أبا بكر النسابة الحافظ للشعر، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يحفظ الشعر، وعدم حفظه للشعر كمالٌ فيه، إذ لو حفظ الشعر؛ لقالوا: نسج القرآن شعراً وإن الأمية فيه كمال، إذ لو كان كاتباً؛ لقالوا: كتب القرآن بيده، قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس:69] وقال سبحانه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48]. فيقول لـ أبي بكر وهو يرى خيول خالد قد فتحت من كداء بـ مكة ونساء مكة يخرجن الخمر يلطمن الخيل، فيتبسم عليه الصلاة والسلام لتحقيق قول حسان، ويقول: {يا أبا بكر! كيف يقول حسان؟ فيعيد عليه الأبيات} ويسمع القائد العظيم أبيات الحماسة والصدق والنبل فيتأثر بها، ويشهد الرسول عليه الصلاة والسلام بدراً وينتصر انتصاراً رائعاً سجله التاريخ، فيأتي حسان ويشارك، فقد كان حسان يقصف بلسانه والأبطال يضربون بأسيافهم، فيقول للحارث بن هشام الذي فر من المعركة - وهو أخو أبي جهل - فبعد أن تغزل حسان، واستفتح بالرقة والعاطفة الجياشة، قال: إن كنت كاذبةَ الذي حدثتني فنجوت منجى الحارث بن هشام ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ونجى بفضل طمرة ولجام يقول للمحبوبة: إن كنت كاذبة فأنجاك الله -عز وجل- كما أنجى الحارث بن هشام، الذي ترك الأبطال في بدر وفر، فوقعت هذه الأبيات وخزاً وسيفاً على الحارث، وقد أسلم وخرج إلى اليرموك ليبيع دمه وليطهر أوضاره من هذه، وليكتب في سجل الخالدين، وتوفي عليه الصلاة والسلام وترك لنا شعراء ثلاثة، والله عز وجل يسطر في الشعراء آيات بينات: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} [الشعراء:221]. هل نخبركم بالدجاجلة؟ هل نخبركم بالمرتزقة المنافقين؟ هل نخبركم بباعة المبادئ؟ {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء:222] الذي لا يحمل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء:223] يتشدقون عند الكيانات والأشخاص، يمدح من ذم أمس، ويذم من مدح أمس. عندما أتى شعراء المصطفى عليه الصلاة والسلام الثلاثة: حسان، وكعب، وابن رواحة يبكون ويقولون: {يا رسول الله! نحن الشعراء وأنزل الله فينا ما تعلم! فنزل جبريل بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [الشعراء:227]} إلا الذين آمنوا بلا إله إلا الله، إلا الذين توضئوا ودخلوا المسجد، إلا الذين حملوا المصحف، إلا الذين أيدوا الرسالة التي أتى بها عليه الصلاة والسلام، إلا الذين تطهَّروا من أوضار التخلف والحزبية للباطل، والركوع للآثم الفاجر: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227].

اهتمام الصحابة بالأدب

اهتمام الصحابة بالأدب تولى أبو بكر الخلافة فيجعل الأدب المؤمن في حياته جزءاً كبيراً، بل هو نفسه من مواصفاته ومن مؤهلاته أنه كان خطيباً نَسَّابةً أديباً. في اليوم الأول يعقد مجلس في دار بني ساعدة، وكاد هذا أن يتحول إلى كارثة، وكاد أن يصبح نكبة من النكبات التي أستعرضها لكم هذه الليلة، كاد أن يكون هذا المجلس معناه تغيير مسار الخلافة، كان الأنصار يريدون به أن يتولوا زمام الحكم أو يشاركوا الخليفة خلافته، فتحرك أبو بكر إليهم ومعه عمر وأبو عبيدة وأسكتهم؛ لكن ما سكتوا، وأراد عمر أن يحد القول لكن ما نفع إحداد القول؛ فما هي الحاجة؟ وما هو الموقف؟ وما هو الحل؟ الحل هو أن يتكلم أبو بكر، والحل أن ينطق بالكلمة اللينة التي قالها الله لموسى يوم أرسله إلى فرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. قال أبو بكر: [[يا معشر الأنصار! آويتم وواسيتم ونصرتم وأكرمتم، فجزاكم الله عنا خير الجزاء، والله ما مثلنا ومثلكم أيها الأنصار إلا كما قال طفيل الغنوي: جزى الله عنا جعفراً حيث أشرفت بنا نعلنا في الشارفين فزلَّتِ هم خلطونا بالنفوس وألجئوا إلى غرفاتٍ أدفأت وأظلتِ أبوا أن يملونا ولو أن أُمنا تلاقي الذي يلقون منا لَمَلَّتِ فتهللت وجوههم، وانشرحت صدورهم، وحيوا القائد العظيم، وقاموا فبايعوه. إن الكلمة المؤدية المؤمنة الصادقة تغير أفكار الشعوب وتوجه طاقات الأمم. ويتولى عمر الجاد الخلافة، فلا يتبسم لأنه صارم، فالشيطان يسلك فَجَّاً، وعمر يسلك فَجَّاً آخر، وإن الأعداء تهاب عمر، وإن الأكاسرة والقياصرة على منابرهم وفي دواوينهم يخافون من سمعة عمر وهو في المدينة، كما يقول محمود غنيم: يا مَن يرى عمراً تكسوه بردتهُ والزيت أدمٌ له والكوخ مأواهُ يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاهُ لكن يرتاح للأدب، وأنا أورد قصة طريفة: أرسل عمر رضي الله وأرضاه النعمان بن عدي أميراً على ميسان قريباً من البصرة، فتولى الإمرة، وكان النعمان صحابياً؛ لكن يجيش الشعر بما لا يستطيع أن يحمله، وينفذ المصدوق وربما قال الشاعر ما لم يعمل، كان هذا الصحابي خفيف الدم، لطيف الشذا، جلس مع أصحابه في سمر، وقال: فمن مبلغ الحسناء أن حليلها بـ ميسان يُسقَى مِن زجاجٍ وحَنتمِ إذا كنتَ ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلمِ لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدمِ ما معنى الأبيات؟ لما ولاه عمر يقول: من يبلغ زوجتي في المدينة أنه تطور بي الحال بعد ثورة (14) سبتمبر وأصبحتُ بعد أن كنت أنام على الرصيف أصبحت أميراً، وبعد أن كنت أشرب الماء الحار أشرب الخمر، ولا أشربه إلا في الحنتم والزجاج: فمن مبلغ الحسناء أن حليلها بـ ميسان يُسقَى مِن زجاجٍ وحَنتمِ إذا كنتَ ندماني: إن تريد أن تسمر معي وعازم على السمر، فلا تسقني في الكاسات الصغيرة، ابحث لك عن كأس كبير: إذا كنتَ ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلمِ ثم قال: لعل خوف عمر يدخل معه حتى في الجوسق: لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدمِ ولم يفعل ولم يشرب الخمر، وما كان له أن يشرب الخمر وقد آمن بالله، وما كان له أن يشرب المسكر وقد عاهد الله وباع نفسه إلى الله. وتصل الأبيات إلى عمر، ويقرأ عمر رضي الله عنه الخبر، ويستدعي أميره، وعمر ليس عنده كل شيء على ما يرام، وليس عنده أنصاف الحلول، كان في الحج يؤدب العمال بالعصا، وكان يتفقد الأمراء، ويسيس سياسة الأمة، ويقبل الرأي الموجَّه والعقل السليم والكلمة الصادقة الحارة. يوافقه أعرابيٌ على المنبر يوم الجمعة وعمر يتحدث للناس، فيقول عمر أيها الناس! ما رأيكم إن رأيتم فِيَّ اعوجاجاًَ، فيقوم الأعرابي فيسل سيفه، ويقول: يا أمير المؤمنين! والذي نفسي بيده! لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد سيوفنا، فيتبسم الزعيم، ويقول: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر، من لو حاد عن الطريق قوموه إلى الطريق بحد سيوفهم أو كما قال. استدعى الأمير، وقال له: ما قولك: لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادنا بالجوسق المتهدم الحد عليك، وقد ساءني والله، قال: يا أمير المؤمنين! لا تعجل علي، والله ما شربت الخمر، وإنَّما قال الله عز وجل: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:224 - 226] قال عمر: أما الحد فقد أسْقَطَتْهُ عنك بهذه الآية، ولكن والله لا تلي لي عملاً، ثم عزله. وكان عمر ينشد هذه الأبيات، -كما قال أهل التاريخ- ويستأنس بها؛ لأنها جميلة ورائعة، فما جعل ما فيها من خدش يسكت عمر أن ينشدها لجمالها، بل هو العاطفة والأدب والرقة رضي الله عنه وأرضاه.

دور الشعر الإسلامي في النكبات

دور الشعر الإسلامي في النكبات يستمر الحال، وتتوالى النكبات على المؤمنين، فيعيش الشعراء مع النكبة يصورونها، لا يعيشون تحت الأرض والأمة تعيش فوق الثريا، فهم لا يعيشون في البر والأمة تعيش في البحر، ولا يضحكون مع لعبات البلوت والكيرم والأمة تُسحقُ جماجمُها بدبابات الغزاة.

أبو تمام والمعتصم

أبو تمام والمعتصم استشار المعتصم المنجمين: ما رأيكم في فتح عمورية؟ فقال المنجمون: العقرب نزل في كوكب الذنب ولا نصر في هذه الفترة، فقال: آمنت بالله وكفرت بكم، ثم جهز جيشاً عرمرماً. تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب وتوجه على بركة الله، ولما انتصر عاد ليسمع ماذا يقول شاعر الإسلام أبو تمام وهو يسجل عمورية بأبدع ما يقال، فافتتح بين يدي المعتصم هذا الرجل العملاق الذي نصر المرأة المسلمة التي لُطِمَت هناك، وقالت: وا معتصماه! ولكنها تردد اليوم في أفغانستان بالآلاف، وفي فلسطين، ولكن لا معتصم، ولا متوكل، ولا طارق، ولا صلاح الدين. رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتمِ لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصمِ قال: السيف أصدق إنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب ثم ضحك على المنجمين، وقال: أين فتواكم الرخيصة؟ أين العمالة؟ أين الكذب على الله وعلى الدين وعلى الرسالة؟ أما انتصر؟ أما ذَبح الأبطال؟ أما مزق أديم الكماه؟ فالنصر في شهب الأرماح لامعة بين الخمسين لا في السبعة الشهبِ هذا هو النصر، ثم قال بروحٍ إسلامية: رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصبِ الله الذي رمى بك أيها المعتصم؛ لأنك ساجدٌ لله، ما كنت بعثياً ولا علمانياً ولا ناصرياً ولا ماركسياً، وإنما كنت حنيفاً مسلماً: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17]. رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصبِ ثم يثني عليه بالإيمان، ويقول: تدبير معتصم بالله منتقم لله مرتقب في الله مرتغب ويسجل الإسلام لـ أبي تمام قصيدته الرائعة الإسلامية البديعة التي حملت روح الإسلام، وإنَّا لفي حاجة إلى شاعر في النكبات ينشد مبادئنا، ويمسح جراحنا، ويكفكف دموعنا، ويقيلنا من العثرة، لسنا بحاجة إلى أدب يصف القائد ولا سيارته ولا شارته ولا طابوره، ولا يتهجم تهجم الحطيئة على أعدائه، إن هذا الأدب سوف يموت، وبالفعل مات قبل أيام، وما كتب اليوم يموت غداً.

المتنبي وسيف الدولة

المتنبي وسيف الدولة وتستمر القافلة، وتأتي نكبات لنا وعلينا، ويأتي شاعر الدنيا أبو الطيب المتنبي - ولولاه لَمَا ذُكِر سيف الدولة - فيقف مع سيف الدولة بالوغى، ويحشد معه بقوافيه، ويمجده تمجيداً رائعاً، ينتصر في معركة - في شمال الروم - أمام الروم، فيقف أبو الطيب المتنبي فيحيي سيف الدولة القائد قائلاً: وقفت وما في الموت شكٌ لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائمُ أي شجاعة مثل شجاعتك؟ ومَن ينام في عين الأسد؟ ومن الذي يخصي الأسد؟ أنت في قلة قليلة تبارز قوة الروم (الصليبية العالمية) وأنت وحيدٌ! مَن يفعل فعلك؟! وقفت وما في الموت شكٌ لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائمُ تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسمُ من يضحك إلا أنت في المعمعة؟ من الذي يتبسم والسيوف تقصف الرءوس إلا أنت؟ ثم يتذكر أبو الطيب الإسلام، ولو أن عليه ملاحظات كما يقول ابن تيمية وابن القيم فيقول: وما كنت قرناً هازماً لقرينه ولكنه التوحيد للكفر هازمُ أنت فقط ما قتلتَ رجلاً واحداً، إنما انتصرتَ للمبادئ، إنما (لا إله إلا الله) غَلَبَتْ (لا إله والحياة مادة) إنما بيت: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا غَلَبَ: آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثانِ إذاً هو التوحيد، والمتنبي يبكي عيون الناس. يقولون: إن الصاحب بن عبَّاد غضب على المتنبي؛ لأنه لم يمدحه أبداً، وقد رفض لأنه لا يمدح إلا الملوك (الحجم الكبير) وقد حاول فيه واسترضاه فرفض فقال ابن عبَّاد: لا ينشدني أحدٌ شعراً لـ أبي الطيب إلا قتلته، فماتت أخت ابن عبَّاد فأتته ستون رسالة مصدرة ببيتين لـ أبي الطيب المتنبي يقول فيها: طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ فزعت بآمالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي قال: لمن هذا؟ قالوا: لـ أبي الطيب. قال: هذا كالشمس انتشر، أنشدوا شعره أو كما قال. إن المبادئ الإيمانية ترصع بالأدب، والأدب إذا لم يكن في خدمة مبادئنا، أو في خدمة أي مبدأ كان فلا عبرة به، ولا حياة له، ولا نريده.

الشعر في نكبة الأندلس

الشعر في نكبة الأندلس تسقط الأندلس، ونصاب بنكبة؛ قلوبنا ودموعنا وأسرارنا وتاريخنا هناك، هل سمعت بنكبة سقوط الأندلس؟ آهٍ يا تلك الأيام! وآهٍ يا تلك المعالم! بنفسي تلك الأرض ما أحسن الربا وما أحسن المصطاف والمتربعا بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا دفنا علماءنا في الأندلس وتاريخنا وليالينا وسمرنا وقمرنا ونجومنا، دفنا أشجاننا وعتابنا هناك ثم عدنا بلا مصير. يا ليلة الجزع هلَّا عدت ثانية سقى زمانك هطال من الدِّيَمِ عسى الله أن يعيدنا إلى الدنيا، يبكي العالَمُ الإسلامي الأندلس، ولكن بكاءهم ناقص في جانب بكاء أبي البقاء الرندي، فاسمع إليه وهو يستفتح قصيدته باكياً متأثراً صارخاً من ألم النكبة التي عاشها الأطفال والنساء، والكيان والدعاة والعلماء، كما يعيش أهل الكويت اليوم، يعيشونها مرارة كمرارة أهل الأندلس. لكل شيء إذا ما تم نقصانُ فلا يغتر بطيب العيش إنسانُ ويمضي مع القافلة، ثم يقول ونغمته في الإيمان، ومسجده لا يفارقه، ومصحفه في جيبه: ماذا التقاطع في الإسلام بينكم وأنتم يا عباد الله إخوانُ لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ من منكم لا يعرف بغداد؟ بغداد الحب والجمال والطموح. بغداد أرض أحمد بن حنبل، والشافعي، وابن الجوزية، والجيلاني. بغداد أرض المنصور، والرشيد والمأمون والمعتصم. بغداد أرض أبي تمام والبحتري وأبي العتاهية تصاب بنكبة التتار، يوم انحرف أهلها في مرحلة عن الصلاة، وعن إقامة الإيمان، وعن لا إله إلا الله، وعن التحاكم إلى شرع الله، وأصبح العلماء في الطابور السادس، وأصبح الأوباش والجواري وباعة القيم والرخصاء في الطابور الأول، أصيبت بنكبة: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} [الطلاق:8 - 9]. ويبكي الناس ويقوم شاعر فيخاطب بغداد وهي أطلال والدماء تسيل، والأطفال تحت سنابك الخيل، وكُتُبُ دار الحكمة رُمِيَت في نهر دجلة، فيقول: من ذا أصابك يا بغداد بالعين ألست كنت زماناً قرة العين أستودع الله قوماً ما ذكرتهم إلا تحدر ماء العين من عيني إنه بكاء، وإنه الأدب الذي يتقطع لوعة وحسرة، وهو الأدب الذي نفقده يوم أصبح الكلام بغير حماس، وبغير إحساس، يخرج لكن من اللسان فهو لا يخرج من القلب.

الشعر وموت العظماء

الشعر وموت العظماء ومن النكبات المدلهمة -أيها البررة-: موت العظماء، وقتل النبلاء، يقول ابن دريد: والناس ألف منهم كواحدٍ وواحدٌ كالألف إن أمر عنا

أعظم العظماء محمد صلى الله عليه وسلم

أعظم العظماء محمد صلى الله عليه وسلم موت بعض الناس موتٌ لأمة، وموت أمة لا يساوي موت واحد، وأعظم العظماء محمد عليه الصلاة والسلام، وأكبر الزعماء وإنسان عين الدنيا رسولنا وحبيبنا عليه الصلاة والسلام، يموت كما يموت الناس: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]. وينتقل إلى الله لكن مبادئه لم تنتقل، مليار مسلم اليوم سبَّاباتُهم تشهد أن لا إله إلا الله، وفي عنق كل مسلم يدٌ بيضاء للرسول عليه الصلاة والسلام كما يقول شوقي: المصلحون أصابعٌ جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاءُ يقول البردوني، أعمى القلب والبصر، شاعر اليمن ولا زال حياً: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23]. يقول قصيدةً يحيي فيها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، قصيدة تبكي العيون وتثير في القلب شجون الله أعلم بها من شجون، ويهاجم الطغاة المتمردين على شريعته، فيقول: بشرى من الغيب ألقت في فم الغار وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرارِ بشرى النبوة طافت كالشذى سحراًَ وأعلنت في الدنا ميلاد أنوارِ ثم يقول في آخر القصيدة: نحن اليمانين يا طه تطير بنا إلى روابي العلا أرواح أنصارِ أنا ابن أنصارك الغر الألى سحقوا جيش الطغاة بجيش منك جرارِ إذا تذكرتَ عمَّاراً وسيرته فافخر بنا إننا أحفاد عمَّار إنها بديعة، وإنها جزلة، وإنها مؤثرة؛ لكن ربما يخرج الورد من الشوك، مات عليه الصلاة والسلام، ولكن كأن الأمة ماتت يوم موته. لعمرك ما الرزية فقد مالٍ ولا شاةٌ تموت ولا بعيرُ ولكن الرزية موتُ شهم يموت بموته بشرٌ كثيرُ ويتولى عمر إلى الله ويذهب، ويُرثى بمرثية، ويبكيه شاعر مسلم، وربما نسب هذا إلى الجن؛ لكن دعونا في عالم الإنس حتى يأتينا سندٌ جيد أن الجن قالوه: جزى الله خيراً من إمامٍ وبارَكَتْ يدُ الله في ذاك الأديم الممزقِ من هو عمر؟ يقول أبو البقاء أحد علماء الأندلس: كُفِّنَت سعادةُ الإسلام في أكفان عمر، كان حاجزاً أو عازلاً لا يخترقه الصوت، فلما قتل دخلت الفتن، وبصبص الأذناب، وتكلم المرتزقة، وتصدر السفلة، لما قُتِل ذهب ذاك اللموع الذي عاشته الأمة الإسلامية؛ فنسأل الله أن يعيد مجدنا كما كنا: كم صرفتنا يدٌ كنا نصرفها وبات يملكنا شعبٌ ملكناهُ المقصود من هذا: أن الأدب المؤمن الملتزم يحول الأنظار والأفكار، ويحيي الأمة فتعيش مع الأدب رسالة خالدة، وأشجاناً ولوعة وأسى.

محمد بن حميد الطوسي قائد الجيش

محمد بن حميد الطوسي قائد الجيش محمد بن حميد الطوسي: بطل لم يتجاوز عمره السادسة والثلاثين، قاتل في جيوش المعتصم وكان قائد الجيوش في عهد المعتصم، خرج مع الروم فقاتل من بعد الفجر إلى صلاة المغرب. يقولون: كان يأخذ السيف فيقاتل به حتى تتكسر شظاياه من على رءوس الأبطال، فيأخذ السيف الآخر، ومع الغروب فتر فاجتمع عليه الكماة فقتلوه، فأتى أبو تمام ليشارك في المصيبة، فسجل قصيدة مبكية في محمد بن حميد الطوسي، لما سمع المعتصم قال: والله ما مات من قيلت فيه هذه القصيدة. يقول أبو تمام: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذرُ توفيت الآمال بعد محمد وأصبح في شغل عن السفر السفرُ ثم يقول عن محمد: ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبرُ تردى ثياب الموت حمراً فما أتى لها الليل إلا وهي من سندسٍ خضرُ فتىً كلما فاضت عيون قبيلة دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكرُ ثم يقول عنه -حتى لا يُظَن أنه فر من المعركة أو عَجِزَ عن القتال-: وما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمْرُ عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمْرُ ويستمر أبو تمام في هذه الإشادة ويلقيها عند المعتصم، وتسيل دموع المعتصم ويقول: والله ما مات من قيلت فيه هذه القصيدة. فهو ما زال باقياً حياً. دخل وفد غطفان على عمر فقال عمر: أمنكم أحدٌ من أبناء هرم بن سنان الذي مدحه زهير؟ قال رجل: أنا يا أمير المؤمنين. قال: ماذا قال فيكم زهير؟ وماذا أعطيتموه؟ قال الابن: مَدَحَنا وأعطيناه مالاً. قال عمر: ذهب والله ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم. من يستطيع من الشعراء أن يقول كما قال زهير في هرم: قومٌ أبوهم سنان حين تندبهم طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا لو كان يقعد فوق الشمس من كرم قومٌ بآبائهم أو مجدهم قعدوا محسَّدون على ما كان من نعم لا ينزع الله منه ما لهم حسدوا إلى آخر ما قال هذا هو الخلود، ولذلك لا زلنا نتناشدها اليوم ونحيا معها. أما أدَبُ: أنا ذبابة الليمون أطير من شجرة إلى شجرة سيارتي مازدا يا سبور أنت سيارتي عشت في رحلة في الروابي أو كما قال. يا وانت ونيتها يوم صليت وانت غراباً طارداً حمامة فعلى كل حال! لكلٍ مشارب؛ لكن نريد الخلود والروعة والإبداع أن يتجلى بأدب الأمة، وسوف أعرج على هذا الكلام إن شاء الله.

الوزير ابن بقية ومرثية الأنباري

الوزير ابن بقية ومرثية الأنباري ابن بقية وزيرٌ عباسي، أطعمَ الناس وكسا العلماء، فحسده عضد الدولة؛ لأنه أخذ عليه الاسم الإعلامي، وأصبح رمزاً دائماً، فالصحف الصباحية تحيي ابن بقية في عهد العباسيين، وتركت السلطان عضد الدولة؛ فأتى عضد الدولة فتربص بهذا الوزير حتى أوقعه في حديقة، وأغلق عليه وأرسل عليه الفيل فركضه حتى مات، وفي الصباح تفاجأت الأمة الإسلامية بهذا الكريم الوزير الباذل التقي، وإذا هو مصلوب عند باب الطاق في بغداد، وقد صُلِبَ جثمانُه على خشبة الصلب، فيأتي أبو الحسن الأنباري أحد العلماء والأدباء العاشقين لـ ابن بقية فينظر إلى الجثمان، وإذا هو مصلوب فيقول: علوٌ في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزاتِ عجيب أمرك حتى في الموت ما يدفنونك في الأرض، دائماً تحب الخلود والعلو، انظر إلى الروعة والإبداع، يقول ابن خلكان: وأجزم جزماً أنه لا توجد مثلها مرثية يقول: علوٌ في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزاتِ كأن الناس حولك حين قاموا وفود نداك أيام الصِّلاتِ الناس الذين حول الجذع والجثمان كأنهم يمدون أيديهم لتعطيهم الدنانير في الدنيا. كأنك قائم فيهم خطيباً وهم وقفوا قياماً للصلاة مددت يديك نحوهم احتفاء كمدهما إليهم بالهباتِ ثم قال: ولما ضاق بطن الأرض عن أن يواروا فيه تلك المكرمات أصاروا الجو قبرك واستعاضوا عن الأكفان ثوب السافياتِ يقول: ضاقت الأرض أن تواري مكارمك ولموعك وسطوعك وكرمك، فجعلوك في الجو، إلى آخر تلك القصيدة البديعة.

من أشعار النكبات

من أشعار النكبات أصابت مصر هزة أرضية بالذنوب والخطايا، فنحن لا نقول كما يقول الطبائعيون الماديون: قشرة أرضية انكسرت، نعم. ولكن من الذي كسرها: تقضون والفلك المسير سائرٌ وتقدرون فتضحك الأقدار من الذي يبدي ويعيد، ويعز ويذل، ويخلع ويعزل، ويقوي ويضعف، ويعطي ويمنع؟ إنه الله. هز مصر في عهد الفاطميين زلزال، فخاف الخليفة الفاطمي وقيل الحاكم بأمر الله وقيل ابنه- من هذه الهزة، فأتاه العلماء، وقالوا: احذر من سخط الله، هذه بسبب الذنوب، فحاول أن يتوب، فدخل عليه شاعر، وقال: لا ليست بالذنوب. ما زُلْزِلَت مصر من كيدٍ ألمَّ بها لكنها رقصت من عدلكم طربا يا سلام على الخيبة! وعلى قلة الحياء من الله! وعلى قلة المبادئ! شاعر الأندلس الحسن الذي ذكره الذهبي وترجم له، ثم فضحه في آخر الترجمة، يقول: مبدع! لكنه كلب دخل على السلطان، يقول: ما شئت لا ما شاءت الأقدارُ فاحكم فأنت الواحد القهارُ فعلمه الله مَن هو الواحد القهار! أصابه مرض عضال حتى كان يتقلب على فراشه، ويقول: أبعين مفتقرٍ إليك نظرت لي فأهنتني وقذفتني من حالق لستَ الملوم أنا الملومُ لأنني علقت آمالي بغير الخالقِ الأدب الذي يجعل من السفاك حليماً حكيماً، ومن المجرم عبقرياً فاتحاً: يا درة الزمان! يا فاتح الدنيا! يا بركة الوقت! بوجودك سالت الأمطار، وكثرت الأشجار، ورخصت الأسعار، وبردت درجات الحرارة. فيقولون: إنه لما سمع عضد الدولة -وكان فتاكاً- بما قيل في ابن بقية، وكذلك ما قيل في الديلمي الذي مدحه أبو الطيب المتنبي بقصيدته الرائعة التي يقول فيها: فداً لك من يقصر عن فداكا فما ملك إذاً إلا فداكا إذا اشتبكت دموعٌ في خدودٌ تبين من بكى ممن تباكا يقولون: يقول عضد الدولة: والله الذي لا إله إلا هو لوددتُ أني قُتِلْتُ وصُلِبتُ وقيلَتْ فيَّ هذه القصيدة، فما دام المسألة مسألة مجد وشهرة وددت أنها قيلت فيَّ (علو في الحياة وفي الممات).

نكبة ابن عباد الأندلسي

نكبة ابن عبَّاد الأندلسي ويُنكب المعتمد ابن عبَّاد سلطان الأندلس، وقد غلب عليه الترف، وغلب انحرافه عن الجادة، وكثَّر الجواري في بيته، والدفوف والطنابير، والعزف على الموسيقى، وسماع الغناء الغربي من غناء الإفرنجة، والكأس بعد الثانية ليلاً، فأراد الله أن يؤدبه فاستنجد بـ ابن تاشفين في تونس ليجيره، فدخل بجيش جرار، ظاهره من قبله الرحمة وباطنه من قبله العذاب!! دخل بجيش موحد فلما نصره الله على الغزاة في الأندلس أنزله ابن عبَّاد يضيفه في الحدائق والقصور والدور ويرحب به ويكرم فخامته على هذا النصر، وكان ابن تاشفين كالأسد ينظر في مداخل المدينة وفي مخارجها ومتى يستولي، وبعد ثلاثة أيام هجم على ابن عبَّاد وقيده، وسَلَب مُلكه، وأخذ دوره، ودمر قصوره، وعاث في حدائقه، ونقله إلى أغمات محبوساً، لقد كان شجاعاً ابن عباد، ولكنه إذا نزل القدر عمي البصر. أي يومي من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر يوم لا يقدر لا أرهبه وإذا ما جاء لا يغني الحذر {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} [إبراهيم:45]. تقلد ابن تاشفين زمام الحكم، وادعى أن أهل الأندلس استنجدوا به، وأنه يريد أن يقيم حكومة ليبرالية في الأندلس بدل ابن عبَّاد، وأن ابن عبَّاد كان ديكتاتورياً مستبداً ظالماً، فمرت الأيام وإذا ببنات ابن عبَّاد يصلنه في السجن حافيات باكيات كسيفات جائعات، فيبكي عند الباب، ويودع البنات وقلبه يتقطع، وهو يقول: فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد في أغمات مأسورا ترى بناتك في الأطمار جائعةً يغزلن للناس ما يملكن قطميرا ما هذه الحياة؟! برزن نحوك للتسليم خاشعة أبصارهن حسيرات مكاسيرا يطأن في الطين والأقدام حافية كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا إلى آخر ما قال، وهي بديعة أبكت الناس. ابن اللبانة شاعر الأندلس زار ابن عبَّاد في أغمات؛ فأدخل عليه في السجن، فلما رآه يقول: رأى عليه كساء بلا إزار، فبكى ابن اللبانة بكاءاً عظيماً، ثم قال: تنشَّق رياحين السلام فإنما أخض بها مسكاً عليك مختما وقل لي مجازاً إن عدمت حقيقة فقد كنت ذا نعم وقد كنت منعما ثم يقول: بكاك الحيا والريح شقت جيوبها عليك وناح الرعد باسمك معلما وهي قصيدة بديعة أوردها الذهبي ومجَّدها، وعلى كل حال إنما هذه نتيجة الصدوف، والمقصود: كيف عاش هذا الأدب الحي؟ وكيف أحيا في هذه الأمة الروح؟ رثى نفسه، ورثى حياته، ورثى بناته، وأتاه الشاعر يسليه بقصيدة معه وأبكاه، وبكت الأمة مع ابن عبَّاد ولولا هذه القصائد ما سمعنا بـ ابن تاشفين ولا بـ ابن عبَّاد.

من مرثيات متمم بن نويرة في أخيه مالك

من مرثيات متمم بن نويرة في أخيه مالك روى الترمذي عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها أنها: [[مرت بقبر أخيها عبد الله بن أبي بكر فسلمت عليه وقالت: يا عبد الله! مثلي ومثلك كما قال متمم: وكنا كندماني جذيمة برهة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا وعشنا بخيرٍ في الحياة وقبلنا أصاب المنايا رهط كسرى وتُبَّعا فلما تفرقنا كأني ومالكاًَ ً لطول اجتماعٍ لم نبت ليلة معا ثم بكت وأودعت، هذه الأبيات تكتب بماء الذهب. سمع عمر الأبيات فبكى، وقال: [[يا متمم! والذي نفسه بيده لوددت أني شاعر، فوالله ما هبت الصبا من نجد إلا جاءتني بريح زيد. يا متمم! إن زيداً أسلم قبلي وهاجر قبلي وقُتل قبلي]] ثم بكى عمر. يقول: يا ليتني أجيد الشعر! يا ليتني أعرف صنع القصائد لأرثي أخي زيداً الذي قُتل في اليمامة في حرب مسيلمة الكذاب، هذا متمم سطر لأخيه مالك قصائد تبكي القلوب قبل العيون يقول: لعمري لقد لام الحبيب على البُكا رفيقي لتذراف الدموع السوافك فقال أتبكي كل قبرٍ رأيته لقبر ثوى بين اللوى في الدكادك فقلت له إن الشجى يبعث الشجى فدعني فهذا كله قبر مالك إلى آخر ما قال. وما زلنا الآن بعد خمسة عشر قرناً نتأثر به ونتوج به خطبنا، وأمسياتنا وندواتنا، أما شعر الأسمنت ودرجات الحرارة، والصيدليات المناوبة، وشعر البطيخ والكوسة، والأسعار، والمحيطات، والجغرافيا، والعواصم، فإنه يموت سريعاً حتى ربما ينظر إليه بنظرة فإذا رأيت المطلع، قلت: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق). ابن زيدون يبكي الأندلس أسرة في الأندلس، أما ابن جهور أو بني الأحمر فنُكِبوا نكبة ما بعدها نكبة. أتى ابن زيدون وسلم عليهم في السجن، وقدم لهم أعظم هدية أنه عزاهم فقال: الدهر يفجع بعد العين بالأثر فما البكاء على الأشباح والصور أنهاك أنهاك لا آلوك موعظة عن نومة بين ناب الليث والظفر إلى آخر ما قال وفيها شريط مسجل لأحد الأدباء شرحها شرحاً وافياً، وعلى كلٍّ فقد ذكرهم بالله في آخر القصيدة، وهذا هو الفرق بين الشاعر الملتزم المؤمن المصلي، وبين الشاعر المجرم المنحرف.

نكبة البرامكة

نكبة البرامكة إن من أعظم النكبات في التاريخ نكبة البرامكة، وقيلت فيهم قصائد تربوا على العشرين قصيدة يقول يحيى بن خالد البرمكي حين أُدخل السجن ومكث فيه سبع سنوات لا يرى الشمس وقتل أبناؤه جميعاً، ودخل عليه أحد الناس بعد النعيم الذي كان فيه البرامكة في عهد هارون الرشيد، فقد كانوا في نعيم لا يعلمه إلا الله، وقد بلغ فيهم الترف أنهم يموهون القصور بماء الذهب، مثلما فعل شاه إيران يقولون: كان السيفون عندهم في دورة المياه من ذهب، بطرت معيشتها: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16]. أصبح الكافر -الآن- يسير النعمة لمبادئه وماديته أعظم مما يفعل كثيرٌ من المسلمين في تبديد الثروات والأموال، يدخل هذا الرجل على البرمكي، فيقول: يا يحيى! ما هذا بعد النعيم؟ قال: دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل غفلنا عنها وما غفل الله عنها. لا إله إلا الله! يقول أحد أهل العلم: أسأل الله أن يغفر له في هذه الكلمة: دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل غفلنا عنها وما غفل الله عنها. سجن المهدي أبا نواس في السجن، فأرسل له قصيدة يقول فيها: أما والله إن الظلم شؤمٌ وما زال المشوم هو الظلوم إلى ديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم فبكى وأطلقه. {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل:52] استبداد، ونكاية بالشعوب، وقتل للصوت الحر، وعدم سماع الرأي الآخر، وقتل الإرادات، وتحطيم المبادئ باسم الحكمة، فالبرامكة فعلوا ذلك ولكن هذا الرجل نسأل الله أن يغفر له حين قال هذه الكلمة. قيل لـ علي بن أبي طالب: [[كم بين العرش والتراب؟ قال: دعوة مستجابة]].

من أشعار المعاصرين في النكبات

من أشعار المعاصرين في النكبات

نكبة فلسطين

نكبة فلسطين يُنكب المسلمون في فلسطين نكبة دامية لم يسمع التاريخ بمثلها، ولا زلنا الآن نعيش النكبة أربعين سنة، ومعاملات فلسطين في هيئة الأمم لا يحملها ثلاثة حمير، كل يوم شكوى، والعرب إذا شكوا إسرائيل، يقولون: دولة توسعية لها نوايا سيئة في المنطقة -الغيبة حرام- أإسرائيل لها نوايا توسعية؟! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6]. واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا نضجاً وقد عصر الزيتون والعنبُ لهم شموخ المثنى ظاهراً ولهم هوى إلى بابك الخرمي ينتسبُ إذا تبدت لنا الميراج تقذفنا سعت لتسقطها الصيحات والخطب شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا يقول موشي ديان في مذكراته الحكم والسيف من أراد أن ينتصر فليقاتل العرب، قلنا له: نعم يا مجرم، قاتلك عرب وما قاتلك مسلمون، وإلا لو كان صلاح الدين وخالد وطارق لكنت رأيت. يقول المجرم نزار قباني -لا حياه الله ولا بياه- وإنما أستشهد بشعره استشهاداً، وأقول: إذا رأيته فابرُك على صدره وتعوذ بالله من الشيطان، وأنا أوصيكم ألا تدخلوا نتاجه، فإنه عقيم ومسموم، وقد حادَّ الله وسب رب العزة والجلال، ورأيت له قصيدة تقطع القلوب، لكنه أبدع في هذه القصيدة، يرثي جمالاً المجرم -جمعه الله به على يساره في جهنم- يقول: نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقصر وليمون يافا يابسٌ في حقوله هل شجرٌ في قبضة الظلم يثمر رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ تناديك من شوقٍ مآذنُ مكة وتبكيك بدر يا حبيب وخيبر تعال إلينا فالمروءات أقفرت وموطن آبائي زجاجٌ مكسر يطاردنا كالموت ألف خليفة ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصر حقيقة أبدع!! ولكنا لا نقبله؛ لأنه يعيش بلا مبدأ، يعيش بلا إيمان، ولا يعرف المسجد، فهو متخلفٌ زنديق، عدوٌ لله ولرسوله وللمؤمنين، نمقته ونشهد الله على بغضه، ونسأل الله أن ينصفنا ورسالتنا ورسولنا وقرآننا منه، يقول في مقطوعة أخرى: دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربا أدمت سياط حزيران ظهورهم فقبلوها وباسوا كف من ضربا وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا متى البنادق كانت تسكن الكتبا وإني أحيي -بالمناسبة- فضيلة الدكتور زاهر بن عواض الألمعي، فهو من شعراء الصحوة الإسلامية ومن روادها، وقد أتحفنا بحضوره، وأنا أقول هذا من باب أن نقول للمحسن: أحسنت، وللمسيء: أسأت، وسبق تحية الشيخ عبد الله بن إدريس ومعي مقطوعات العشماوي وسوف أوردها، وعسى الله أن يكثر من الصف الإسلامي أحبابنا وإخواننا أهل الطهر والوضوء والسجود والقرآن والسنة نحييهم. يقول في أطفال الحجارة: طفلٌ صغيرٌ والمدافع حوله مبهورة والغاصبون تبرموا في كفه حجرٌ وتحت حذائه حجر ووجه عدوه متورم من أنت يا هذا ودحرج نظرة نحوي لها معنى وراح يتمتم أنا من ربوع القدس طفلٌ فارسٌ أنا مؤمنٌ بمبادئي أنا مسلمُ سكت الرصاص فيا حجارة حدثي أن العقيدة قوة لا تهزم إلى آخر ما قال.

نكبة الكويت

نكبة الكويت وتُنكب الكويت ويدخل صدَّام، ويتمزق الأطفال، وتُسحق الشريعة، ويُكفَر بالله، ويتجمع العالم فيندد به، فما هي آثارها في أدبنا وفي شعرنا؟ قام كثيرٌ من الشعراء إلى صدَّام الذي زكوه بالأمس، وأثنوا عليه، ونادوه يا فاتح الدنيا! ويا رمز النصر! ويا إله الخلود!! بل شاعرة كانت تناديه بـ (يا إله المجد)!! وكانت تقول: الآخرون سكارى يصيدون الحبارى، وكان كثير منهم يبوس كف المجرم وما علموا، وقد علموا أنه قتل الأكراد أجداد صلاح الدين، واكتشفوا فيما بعد أنه عميل، وإلا قد زكوه وطهروه وأثنوا عليه، ومصيبة الكويت أرسلتُ فيها رسالة: كتبتها بدموعي قبل أرسلها وصغتها من دمي روحاً وريحانا ماذا أقول وجرحي من جراحكم فما أصابكم والله أبكانا وتصاب الكويت فلا يجدون لهم إخوة إلا نحن وأمثالنا، نقولها ولا فخر: إخاء الدين ونسب العقيدة، ورسالة لا إله إلا الله، ويأتون إلينا فنواسيهم والفضل لله، ونحييهم والمنة لله، ونعانقهم والخير خير الله: ألهفي لشعبٍ بات في خير نعمة وأصبح في هولٍ من الليل يمرج سيصغي له من عالم الغيب ناصرٌ ولله أوسٌ آخرون وخزرج وتستمر المسيرة، ويأتي أدبه ليشيد بمبادئه ويعيش معه، وزولا، شاعر فرنسا كان يعيش مبادئ ديقول لحظة بلحظة، وحاييم ناتشمان أيضاً، شاعر اليهود. تقول جولد مائير في مذكراتها (ص: 68): إن هذا الشاعر ما حاد عن المبادئ حتى في حرب (1967م) أرادوا أن يدخل بأشياء وبعدها في الصلح، ولكن كان ينادي أن تكون دولة إسرائيل من خيبر إلى حيفا ويافا، فهو شاعر مبادئ. يقول شاعر مبادئ البعث: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم ألا أهلاً بكفر يؤلف بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم وعلم البعث الذي سارت به الطوابير يقول: آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني لكن قد اكتشفنا صدَّام في آخر الليل أنه كان مجرماً، عجباً! كيف اتخذناك صديقاًَ؟ وحسبناك أخاً براً شقيقاً؟! أليس بكافرٍ قبل الغزو؟! أليس بعدوٍ لله؟! أما داس المصحف؟! أما قتل الأبرياء؟! أما كان نجساً؟! لماذا تذبذبنا في المواقف؟ متى كان صدَّام صديقاً لنا؟ متى كان باراً رشيداً شقيقاً قريباًَ؟ والله إنه من أبعد البعداء، وقد اكتشفنا أنه كان عميلاً لإسرائيل، وأنه كان يكلمها في الخفاء، ويسالمها في الدجنة، ولكن هكذا يفعل الأدب، ولو صالحنا صدَّام، والله الذي لا إله إلا هو لظهرت أقلامٌ وأدباء كانوا يذمونه، فمدحوه، وقالوا: يا فاتح المشرق والمغرب. وأنا أحفظ نماذج لكني أستعفيكم من ذكرها إبقاء على القلوب أن تُخدش، علَّ الله أن يتوب عليهم إلى المبدأ المسلم، فالأدب يسير بمبدأ (لا إله إلا الله) فهي تنطلق من رسالة, أما أدب الهواية فهذا الأدب كجمع الطوابع وركوب الخيل، وهواية المراسلة، والسفر إلى لندن وباريس، والتزلج على الثلج، فالأدب رسالة، والأدب إيمان، والأدب كلمة يسألك الله عنها، والأدب أن تخدم به هذا الدين وأن تجعله فيما يرضي رب العالمين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

حدود الشاعر المسلم

حدود الشاعر المسلم يقول الشاعر المسلم وهو يذكر بلاده -لأن الوطنيين الآن قالوا: حدودنا إقليمنا وما غيرها من البلاد فليست لنا، لا. فـ بغداد لنا، بغداد أرض المعتصم، وأحمد، والمتوكل، والكويت لنا، وطاشقند لنا، وقرطبة لنا؛ لكن فقدناها لما فقدنا لا إله إلا الله، يقول: وأين ما ذكر اسم الله في بلدٍ عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني هذه بلاد المسلم، وهذه عقيدته، وهذه رسالته: بلادي كل أرضٍ ضج فيها نداء الحق صداحاً مغنى إذا كابول أعيتها جراحٌ ففي صنعاء إخوان المثنى

قصيدة للشيخ عائض بعنوان: (بين الأمس واليوم)

قصيدة للشيخ عائض بعنوان: (بين الأمس واليوم) وهنا قصيدة قلتها في هذه الأحداث بعنوان: (بين الأمس واليوم) قلت فيها: صوتٌ من الغور أم نورٌ من الغار أم ومضة الفكر أم تاريخ أسرار هذه في مدح الرسول عليه الصلاة السلام، وهو أعظم من مدحي، وأقول كما قال أحمد شوقي لما مدح الرسول عليه الصلاة والسلام: أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك غير أن لي انتسابا يقول: أنا تطفلت على جنابك الشريف. صوتٌ من الغور أم نورٌ من الغار أم ومضة الفكر أم تاريخ أسرار يا عيد عمري ويا فجري ويا أملي ويا محبة أعمار وأقطار تطوي الدياجير مثل الفجر في ألَقٍ تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبار فما لقومي بلا وعيٍ قد انتكسوا أصغوا لصيحات عربيدٍ وخمار ما جاءهم من صلاح الدين موعظة فما انجلت عن حماهم وصمة العار هم الأسود ولكن في حظائرهم هم الثعالب عند الفاتك الضار لهم لموعٌ ولكن لا شموس لهم لهم سلاحٌ ولكن غير بتار جمع الطوابع من أسمى هوايتهم أعلى مفاخرهم من يوم ذي قار الشاربون دماء الجيل في دعة الراقصون على ناي وأوتار الساهرون على كأسٍ وأغنية العاكفون على طبلٍ وقيثار هل حرروا القدس من صهيون أو حضروا يوم الوغى وارتدوا أسياف أحرار هل طهروا المسجد الأقصى وهل طهرت أكفهم ويحهم ليسوا بأطهار هل أعلنوا الحرب إسلاماً وتضحيةً هل واصلوا سيل سلمان وعمَّار تبرأت منهم الأجيال وانسحبت جيوشهم وعليها وصمة العار وطاردتهم جيوش البغي فانحسروا يروون ملحمةً للقط والفار تبكي المنابر منهم كلما هتفوا لأن في يدهم سكين جزار عروبة ليس للإسلام في دمها وحيٌ وليس عليها فطرة الباري عروبة برئت منها جحافلنا ما لم تتوج بإيمانٍ وأذكار أروي حياة رسول الله أبعثها شذاً تفوح بآمالٍ وأزهار يخشى إعادتها لصٌ ويحذرها نذلٌ تربى على أنغام غدار لأن مجد رسول الله تذكرة على جبين العلا كالكوكب الساري عدلٌ وفضلٌ وإحسانٌ ومرحمة وحيٌ ونورٌ وتخليدٌ لأعمار يغرد المجد في بستان شرعته في هيبة النور لا تغريد أطيار أصحابه عبروا التاريخ وانتصروا وحدثوا طلعة الدنيا بأسرار في قندهار دماء من عروقهم تكفي طموحاً لمهزومٍ ومُنهار سل نخل بيسان والحمراء ما فعلوا اقرأ مكارمهم يا أيها القاري ثم اكتفينا بآمالٍ وفلسفة نيل العجائز أو أخبار سُمَّار عاش الفريق ولا ذلٌ يفارقه تيجان أوهام لا تيجان أحرار عاش اللواء وكم قد باع ألوية قالوا عقيد ولا عقدٌ لختار فن الهزيمة سهلٌ كم تعلمه جيش الموسيقى بطبلاتٍ وأزيار أبكي وأضحك من أفعال صبوتهم يا ألف صدَّام بل يا ألف عمَّار شادوا الدنانير هالات مزخرفة جمَّاعُها لا يساوي ربع دينار يبيع قيمته بالرخص من سفهٍ والدين ينهار منه في شفاً هار دروسٌ من هذه النكبة في عالم الأدب، النكبة التي حلت بشعب الكويت حلت بكل مسلم، أمن وسكينة وهدوء في الليل وفي الصباح دمار. يا راقد الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا هذا بشار يقول: يا نائم على الأغنية والموسيقى ربما تصحو على دبابة ومن يدريك! أليس الصبح بقريب؟! {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. يقول عبد الله بن المبارك الزاهد العابد الولي أمير المؤمنين في الحديث: قصيدة عدي بن زيد خيرٌ عندي من قصر طاهر بن الحسين. وطاهر بن الحسين أمير عباسي كان في خراسان له قصرٌ عجيب، لكن القصيدة التي يقول فيها عدي بن زيد والتي ذكرها ابن كثير وابن خلكان وأثنوا عليها ثناءً حسناً يقول: أيها الشامت المعير بالدهـ ـر أأنت المبرأ الموفورُ يا من يعرينا بالمصايب! يا من يعيرنا بالنكبات! أتظن أنك سوف تسلم: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} [إبراهيم:45] {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأحقاف:27]. يقول عدي: أين كسرى كسرى الملوك أنوشروان أم أين قبله سابور إلى آخر ما قال عدي بن زيد، وهو جاهلي لكن ما كان يشرب الخمر، نزل مع النعمان بن المنذر في نزهة، فقال: أبيت اللعن، هل تسمح لي بالكلام؟ قال: تكلم، قال: هل تدري ما تقول هذه الشجرة أيها الملك؟ قال: ما أدري! وهل يتكلم الشجر؟ قال: تقول: رب ركبٍ قد أناخو حولنا يخلطون الماء بالخمر الزلال قد مضوا حيناً وساروا زمناً وساروا جثثاً تحت الرمال فبكى النعمان ورفع الخمر، فهذا نذير أمة، يقول: يا نعمان! لا تضيع حياتك في الخمر، فهذه الشجرة تخبرك أن قبلك ملوك سكنوا وجلسوا هنا، وضحكوا وشربوا لكن ذهبوا.

ما يستفاد من النكبات

ما يستفاد من النكبات يقول صاحب كليلة ودمنة، عبد الله بن المقفع: أرسل الأسدُ الحيوانات تجمع له صيداً، فأتت بغزال وأرنبٍ وظبي، قال: من يقسم بيننا؟ فأتى الذئب -الذئب دائماً فيه عجلة سامحه الله- فقال: أنا، قال: تفضل يا أبا حسل -وقيل: أنها كنية الضب- قال: أما الأرنب فللثعلب أبي معاوية، وأما الظبي فلي، وأما الغزال فلك، فالغزال أكبرها، فغضب الأسد ومد ذراعه فخلع رأس الذئب فإذا هو ميت، قال: من يقسم؟ قال أبو معاوية الثعلب: أنا، قال: تفضل، قال: أما الأرنب ففطورٌ لك، وأما الظبي فغداء لك، وأما الغزال فعشاء، لك قال: أحسنت، بارك الله فيك، من علمك هذه الحكمة؟ قال: رأس الذئب المخلوع.

عدم الوقوع في نفس المشكلة بتفادي الأسباب

عدم الوقوع في نفس المشكلة بتفادي الأسباب ومقصود صاحب كليلة ودمنة أنه يخاطب السادة، يقول: اعتبروا بما حل بجيرانكم قبل أن يحل بكم، ورأس الذئب المخلوع درسٌ عظيمٌ {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]. إياك أعني واسمعي يا جارة!! يقول ابن القيم: نزل أعرابي يسأل عن بعير له ضاع، قال: مَن القوم؟ قالوا: بنو سعد، فارتحل إلى الوادي الآخر، قال: مَن القوم؟ قالوا: بنو سعد، فارتحل إلى الوادي الثالث، قال: مَن القوم؟ قالوا: بنو سعد، قال: في كل وادٍ بنو سعد! فصارت مثلاً. والمعنى: في كل دارٍ مصيبة. وهكذا فعل الله بالأيام وبالساعات وبالحوادث، والمقصود هو: سرعة تغير الحال، فليس عندنا عهد من الله، فالعهد الذي بيننا وبين الله أن نطيعه ونتولاه وننصر دينه. أرسل عمر إلى القادسية سعد بن وهيب، فقال: [[يا سعد بن مالك بن وهيب -لم ينسبه لأبي وقاص-: لا يغرنك قول الناس: إنك خال رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فإن الله ليس بينه وبين أحدٍ من خلقه نسب؛ فإن أحبهم إلى الله أتقاهم]] {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:18] متى كانت الشعارات الكاذبة تبرئة لأصحابها؟ متى كان المجرم الذي يَلِغ في الدم ولياً لله؟ متى كان المتكلم أمام الجماهير بالعدالة وهو ظالم قريباً من الله؟ هذا المجرم يدعي حماية المقدسات والشريعة والإسلام والجهاد وأمثاله كثير: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} [المائدة:18].

الاستفادة من المصيبة في إصلاح الأحوال

الاستفادة من المصيبة في إصلاح الأحوال دريد بن الصمة أوصى قومه فقال لهم: أرى ألا تتوقفوا هنا لقسمة الغنائم، فإن العدو مقبل، قالوا: لا يوجد عدو، وأصروا على الاقتسام هناك، فداهمهم العدو واجتاحهم، وقَتل منهم من قَتل، فيقول دريد: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغدِ فقلتُ لهم ظنوا بجيش مدجج سراتهم في الفارسي المسرَّدِ قال: سوف يصبحكم جيشاً عرمرماً، يلبس الفارس والقائد منهم البازوك والكلاش نكوف وغيرها -من سلاح زمانهم- لكن ما أطاعوه، قالوا: أنت مهلوس، وفي الصباح اجتاحهم، قال: وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزيةُ أرشدِ وهذا منطقٌ جاهلي: لا. أنا لست من الضالين، وأنت لا تقل في الدنيا: نفسي نفسي، أنت مسئول أن تصلح وأن تدعو، وتوجه وتأمر وتنهى، ثم تتبرأ من أعداء الله، أما أن تكون مع الأمة ومع الرأي العام ومع الجماهير فهذا ليس مبدأً إسلامياً، بل هو خطأ.

الاستعداد وترك الترفه

الاستعداد وترك التَّرَفُّه استفدنا من هذه النكبة: أن علينا أن نستعد وأن نترك التَّرَفُّه، والشهيق والزفير، وحمامات السباحة، ومطاردة الحمام، والتزلج على الثلج، وبيع الأوقات الغالية في البلوت والكيرم، والأغاني الساقطة، فلن يبقى معنا إلا مبادئنا وإرادتنا ورجولتنا، تقول أم الملك الأندلسي حين ضيع ملكه: ابكِ مثل النساء مُلكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجالِ أنت الذي ضيَّع مجده ومبادئه وخلوده. ذكر ابن كثير: أن معاوية بن أبي سفيان حضر صفين فخرج علي بن أبي طالب وتعرفون من هو علي أشهر ما فيه أنه حيدرة الأسد يقول: أنا الذي سَّمتني أمي حيدره كَلَيْثِ غاباتٍ كريه المنظره أكيلكم بالسيف كيل السندره كان إذا خرج الأبطال وضعوا الدروع في الأرض علامة: (خطر ممنوع الاقتراب!!) أخرج السيف يوم صفين وقال: [[مَن يبارز؟ قال المسلمون: بارز أنت يا معاوية، قال والله لا أقدر عليه، ثم ردها على عمرو بن العاص، وقال: يا عمرو بن العاص! بارز الرجل، قال: لا أريد، قال: عزمت عليك أن تبارزه، فخرج عمرو، فلما رأى علياً وضع درعه وسيفه، قال: (مكرهٌ أخاك لا بطل!!) وبدأت المعركة وفر معاوية، ولما وقف في الصحراء تذكر ابيات ابن الإطنابة الحجازي، الرائعة الجميلة التي حثَّته على حفظ المبادئ وحفظ أصالته ورجولته وإيمانه. يقول ابن الإطنابة الحجازي وهو جاهلي أراد أن يفر لكن أبى عار الفرار قال: أبت لي عفتي وأبى حيائي وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإقدامي على المكروه نفسي وضربي هامة الرجل السميح وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي ذكرها معاوية فعاد إلى المعركة وانتصر بآخر المطاف]] والمقصود أن أهل المبادئ ولو كانوا أهل جاهلية يثبتون على مبادئهم، فالنار نار، والموت موت. لبَّث قليلاً يشهد الهيجا جمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل أما التلوي، وتضييع الوقت، فليس من دأبنا.

النكبات تربي الرجال

النكبات تربي الرجال إن هذه النكبة علمتنا أن علينا أن نكون رجالاً، وأن نعد للموقف عدته، وأن نحفظ عهد الله، وأن نسير أمورنا على منهج: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فالشعر خالد، والأدب إذا وجه بهذه الوجهة الصحيحة أصبح أدباً رائداً، أمَا تعرف أن الجاهلي يتحول من بخيل إلى كريم بسبب أبيات؟ يقولون عن المحلَّق إنه كان أبخل العرب، عنده ثمان بنات نشبن في حلقه لم يتزوجن؛ لأن العرب تعفو عن كل شيء إلا عن بخل البخيل، كُن عند العرب الجاهليين ما كنت: كن مجرماً، كن سكيراً، خماراً، مجرماً، ضائعاً؛ لكن لا تكن بخيلاً! فـ المحلق لم يتقدم إليه رجل يخطب بناته، فهن ثمان، فذهب فشاور امرأته: ما رأيكِ في هؤلاء الثمان البنات؟ قالت: اذهب إلى الأعشى، شاعر العرب وضيفه وأعطه هدية علَّه يمدحك، فيسري مديحه في العرب فيتزوجون بناتك، فذهب فاستدعى الأعشى، وضيفه وذبح له ناقة، وكساه جلباباً، وأعطاه دنانير، وخرج الأعشى ولما ركب الناقة طَرِب وقال: لعمري لقد لاحت عيونٌ كثيرةٌ إلى ضوء نارٍ باليفاع تحرق تشب لمقرورين يصطليانها وبات على النار الندى والمحلق وذهبت هذه الأبيات كالسحر وكالماء وكالضياء حتى بلغت آذان العرب، فقالوا: فما أتى شهرٌ إلا وقد تزوجن بناته جميعاً، الأدب الذي يحول أفكار الناس وأنظارهم. أبو نعامة قطري بن الفجاءة خارجي حضر المعركة، ولما رأى القوم كادوا أن يفروا تماسك، وقال وهو في المعركة، وأحسنُ الشعر ما كان وقت المعمعات: أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال ويحكِ لن تراعي فإنكِ لو سألتِ بقاء يوم على الأجل الذي لكِ لم تطاعِ فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاعِ إلى آخر ما قال، ثم قُتِل في المعركة، لكن قُتِلَ شريفاً، فإن قتل المرء وهو مقدمٌ صابرٌ محتسبٌ على مبادئه أحسن من أن يؤخذ وهو فارٌ هارب يترك حذاءه وأهله وعرضه، وهذا هو العار. يقف حسين بن الحمام الجاهلي في المعركة ويقول: وليس على الأعقاب تدمى كُلومُنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما يقول: أنا لا أموت إلا مقبلاً، وهذه شارة الإيمان التي علمها الله أولياءه.

الشعر وتخليد المواقف ونزع الأحقاد

الشعر وتخليد المواقف ونزع الأحقاد

صلاح الدين بن أيوب

صلاح الدين بن أيوب يوم انتصر صلاح الدين خطب شمس الدين الحلبي الجمعة في بيت المقدس فمدح صلاح الدين. وذلك أنه لما ترك العرب مبادئهم وتولوا إلى التصفيق والصفير، وترصيع البيوت والمنازل والحدائق، نقل الله الرسالة ومبادئها إلى الأكراد وانتصر صلاح الدين، ودخل يوم الجمعة، وأذن المؤذن في بيت المقدس، فبكى المسلمون جميعاً مما أثاره ذلك الأذان من خلودٍ وذكريات في أذهانهم، قام الخطيب شمس الدين -وكان شاعراً- فابتدأ بحمد الله وأثنى عليه، وذكر النصر، ثم قال لـ صلاح الدين: تلك المكارم لا قُعبان من لبنٍ وهكذا السيف لا سيف بن ذي يزن إلى آخر ما قال، يقول: هذا هو التاريخ والمجد، وهذا هو الجيش، هذا هو اللموع والسطوع، وهذا هو الخلود لك ولأمثالك. تلك المكارم لا قُعبان من لبنٍ وهكذا السيف لا سيف بن ذي يزن وعاش صلاح الدين في ضمائرنا، وسوف يعيش إن شاء الله، وعسى الله أن يجمعنا به في دار الكرامة. لـ أبي الصلت، والد أمية بن أبي الصلت من أهل الطائف من ثقيف مدحٌ لـ سيف بن ذي يزن يقول فيه: تلك المكارم لا قُعبان من لبنٍ شيبا بماء فعادا بعدُ أبوالا اجلس بـ غمدان عليك التاج مرتفقاً في قصر غمدان حالاً دونه حالا إلى أن أتى إلى هذا البيت. وأنا أذكر قصة، فأستطرد لذكر المكارم والخلود والمبادئ: دخل ثلاثة من الشباب على عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الزاهد رضي الله عنه وأرضاه، مجدد أمر الأمة الإسلامية وحافظ مبادئها في القرن الأول، فجلس الشباب الثلاثة، فقال للأول: أنتَ ابنُ مَن؟ قال: أنا ابنُ الأمير الذي كان أميراً لـ عبد الملك بن مروان على الكوفة. فماذا تعني هذه عند عمر بن عبد العزيز؟ لا شيء. المؤهلات عند عمر بن عبد العزيز غير هذا، فالنسب عند عمر بن عبد العزيز هو: لا إله إلا الله؛ التقوى، الصلاة، قيام آخر الليل، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، حمل الرسالة، نصرة دين الله، أما ابن أمير أو وزير أو جنرال في حرب (1967م) أو في العدوان الثلاثي، فهذه كلها خزعبلات، فسكت عمر بن عبد العزيز وأشاح بوجهه. وقال للآخر: وأنتَ ابنُ مَن؟ قال: أنا ابن شريك بن عرباء، الوزير الذي كان عند الوليد فسكت. وقال للثالث: وأنتَ ابنُ مَن؟ وكان الثالث -ابن أنصاري- ابن قتادة بن النعمان، الذي شارك مع الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد، فضُربت عينه بالسيف فنزلت إلى خده فردها المصطفى عليه الصلاة والسلام بيده- فقال: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فرُدَّت بكف المصطفى أحسن الردِ إلى آخر القصيدة، فدمعت عين عمر بن عبد العزيز وقال: تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ شيبا بماء فعادا بعدُ أبوالا ومعنى البيت يقول: أمية بن أبي الصلت: يا سيف بن ذي يزن! تحريرك العرب من أبرهة وأذناب أبرهة والملاحدة والمرتزقة هذا هو المجد، فما هو مجدنا نحن معشر العرب؟ يخرج الواحد منا من الخيمة بقعبان من لبن في كفه فيعطيها، فنقول: هذا أكرم الناس، هذا هو الكرم؛ لكن أكرم من سيف بن ذي يزن وأحسن منه من ثبت على مبادئه وهو صلاح الدين الأيوبي. تلك المكارم لا قُعبان من لبنٍ وهكذا السيف لا سيف بن ذي يزن أيها الإخوة الكرام! ومن شعر المبادئ: لماذا كان يقاتل الأشتر؟ تقدم الأشتر إلى محمد بن طلحة بن عبيد الله أحد أبناء الصحابة، فإذا هو سَجَّادٌ ولِيٌّ لله، فأراد قتله، فقال: لا تقتلني، قال الأشتر: ولِمَ لا أقتلك؟ قال: أتقتلون رجلاً يقول: ربي الله، فسل الأشتر سيفه وقتله، ثم لما قتله قال: وأشعث قوامٍ بآيات ربه قليل الأذى فيما ترى العين مسلم شققت له بالسيف جيب قميصه فخر صريعاً لليدين وللفم على غير شيء غير أن ليس تابعاً علياً ومن لا يتبع الحق يندم يذكرني (حم) والرمح شاجرٌ فهلا تلى (حم) قبل التقدم قتلته لأنه ما تبع علياً على المبادئ، فأنا أقاتل من أجل أن تنتصر راية علي، إنهم أهل المبادئ.

كعب بن زهير مع النبي صلى الله عليه وسلم

كعب بن زهير مع النبي صلى الله عليه وسلم أيها الإخوة! الأدب يُسِّل السخيمة في النكبات، وسوف أجعلها آخر فقرة لتبدأ المداخلات. غضب الرسول عليه الصلاة والسلام غضباً شديداً، وكان إذا غضب غضب. وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب فعلها أقوالها أنت الشجاع إذا لاقيتَ كتيبة أدبت في هول الردى أبطالَها غَضِبَ على كعب بن زهير لأنه هجاه فأهدر دمه في العرب، وذهب كعب في القبائل يمضي النهار، وينام الليل حتى وصل إلى أبي بكر الصديق فقال له: أعندك شيء من الشعر، كما يقول عمر بن الخطاب: [[الرجل يقدم بين يدي حاجته شيئاً من الشعر]] فأتى في صلاة الفجر وسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم -وهذه تروى في السيرة- فقال: يا رسول الله! اسمع مني، قال: قُلْ، فقال: بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ مُتَيَّمٌ إثرها لم يفْدَ مكبولُ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ومَن سعاد؟ قال: زوجتي، قال: لم تَبِنْ إذاًَ، فهي ما زالت معك. ثم استطرد قائلاً: إن الرسول لنورٌ يستضاء به مهند من سيوف الله مسلولُ إلى أن قال: نُبِّئتُ أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمولُ مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة الـ ـقرآن فيها مواعظٌ وتفصيلُ وسل سخيمته ورضي قلبه عليه الصلاة والسلام وأعطاه بردته، وأطلق قياده وجعله حراً بسبب تلك الأبيات الرائدة التي حملت مبدأً وحباً.

النابغة والنعمان

النابغة والنعمان ويغضب النعمان على النابغة الذبياني ويتوعده، ويأتي النابغة إلى النعمان ويقول له في مجلس محتجب والسيف يكاد يقطر في يد النعمان دماً، يريد أن يفتك بـ النابغة فيقول: أتاني أبيت اللعن أنك لمتني وتلك التي أهتم منها وأنصب إلى أن يقول: حلفت فلم أترك لنفسي كريبة وليس وراء الله للمرء مذهبُ لئن كنت قد بلغت عني وشاية لمبلغك الواشي أغش وأكذب فعفا عنه. وهذا دور الأدب أن يحول الغضب إلى رضا، ويجعل الناس يغيرون قراراتهم الفاسدة إلى قرارات صحيحة، وأن يوجهوا الأفكار من الخطأ إلى الصواب، وألا ينادي بالاستقرار والاستمرار على الريبة ولسان الحال: (كل شيء على ما يرام) وهو ليس على ما يرام.

الحسن بن هانئ وعلي الرضي

الحسن بن هانئ وعلي الرضي يقول الذهبي كان علي بن موسى الرضا ولي عهد المأمون ممدوحاً عند الشعراء وهو من أحفاد علي بن أبي طالب مدحه الناس إلا الحسن بن هانئ فاستدعاه وقال: [[لماذا هجرتني ولم تمدحني؟ فاعتذر بقصيدة هي من أجمل الأبيات -يقول الأصمعي: أجزم جزماً أنه ما قيل في المديح كهذه الأبيات- يقول الحسن بن هانئ في علي بن موسى الرضا: قيل لي أنت واحد الناس في كل معنى من الكلام بديهي لك في جوهر الكلام بديعٌ يجتنى الدر من يدي مجتنيه فعلام تركتَ مدح ابن موسى بالخصال التي تجمعن فيه قلت لا أهتدي لمدح إمامٍ كان جبريل صاحباً لأبيه هذا إبداع، يقول ابن هاني: قيل لي: أنتَ واحد الناس معكوسة، لكن الذهبي غيرها فغيرتها معه يقول: قيل لي: أنت واحد الناس في كل معنى من الكلام بديهي لك في جوهر الكلام بديعٌ اجتنى الدر من يدي مجتنيه فعلام تركتَ مدح ابن موسى بالخصال التي تجمعن فيه قلت: كيف أهتدي لمدح إمامٍ كان جبريل خادماً لأبيه قال الذهبي: ليس بخادم ولكنه صاحب، وهو الصحيح فهذا هو الإبداع، ورضي عنه علي بن موسى وأيده وأصبح شاعراً من شعراء الدعوة.

خاتمة في موضوع الأدب

خاتمة في موضوع الأدب

الشعر النبطي

الشعر النبطي أيها الكرام: أختتم محاضرتي هذه بأمور: الأمر الأول: يلاحظ في أدبنا طغيان الشعر النبطي، فأنا أعرف أن للشعر النبطي قراء، ولكن ليس معقولاً أن يوجه الإعلام والصحف كلها للشعر النبطي، وهذا يعني أننا صرنا بَدْواً كلنا، تحولت الأمة إلى شعر نبط. إن الشعر النبطي الذي في نجد لا يناسب الشعر النبطي الذي في الجنوب ولا الذي في الشمال ولا في الحجاز، لكن الذي يناسب الأمة من شرقها إلى غربها: الشعر العربي الفصيح، شعر القرآن والسنة، فهو الشعر الذي يعيش معنا في ضمائرنا، وهو المفهوم الواضح البيِّن، أما أن نرى كل صحيفة نفتحها فيها عشرات الصفحات بقصائد قيلت في مكان ما، فإن ذلك خسارة من وجهة نظري، ونحن الآن نعيش الرأي شورى، فمَن عنده كلام فليتفضل، وهذا ميدان للمصارعات، وسوف يرى مَن يتقدم ماذا يُقال له. وأما النتائج التي جنيناها من الشعر النبطي فقد كملت، ومعي بعض الإخوة القائمين على الصحف، وسألناهم عن الإنتاج: أين روعة شعر المتنبي وأبي تمام وزهير ومحمد إقبال وشعراء الدعوة قديماً وحديثاً؟ لماذا يُقَدَّم للأمة شعرٌ فيه كلمات لا يدري هل هي من فعل أمر أو مضارع، أو هي من الحروف؟ وهل هي عربية أو فرنسية أو إنجليزية أو بشتوية؟ فهذا ليس بصحيح، فالأمة لا زالت راشدة وواعية ومثقفة، عندها أقلام وأدباء.

الشعر الحر

الشعر الحر الأمر الثاني: انتقلنا من النبطي فوقعنا في الشعر الرخيص (الحر) عندما مر بـ عمر مولاه وابنه؛ وإذا المولى والابن ينشدان نشيداً، قال عمر: [[مَن الذي ينشد منكم؟ قالا: ما أنشدنا، قال: أنشِدْ أنتَ، فأنشَدَ، وقال للآخر: وأنتَ أنشِدْ؟ فأنشَدَ، فقال: أنتما مثل حمارَي العبَّادي]] فـ العبَّادي رجل جاهلي عنده حماران، قيل له: أيهما أخس حمارَيك؟ قال: هذا ثم هذا، ونحن خرجنا من النبط فوقعنا في الحر الذي ليس له ضابط، لا بقافية ولا وزن، وبهذا أصبح كل الناس شعراء. أنا ذبابة الليمون أطير من شجرة إلى شجرة أنام على زورق تحت الأفق نمت مرة فانزلقت حذائي من على الدرج حلمت أن البحر كفي هذا الكلام ليس بشعر.

الفرق بين الشعر والنظم

الفرق بين الشعر والنظْم هناك فرق بين الشعر والنظم، فالشعر شيء والنظْم شيء آخر، وبعض أهل الخير من طلبة العلم والعلماء ينظُمون قصائد ويقولون: لماذا لا تنشر ولماذا لا يعجب بها الناس؟ و A لأنه نظْم! فهناك فرقٌ بين النظْم والشعر، الشعر أسلوب وخيال وإبداع. وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال غضب الإمام محمد بن علي بن دقيق العيد مجدد الشافعية والمالكية في القرن السادس، العالم الكبير الفقيه، ذكره ابن خلدون في المقدمة، وغيره وذلك لأنه يريد أن يكون شاعراً لكنه ليس بشاعر يقول ابن دقيق العيد: واختلف الأصحاب في وصلنا فرجحوا نجواك وهو الصحيح فـ (اختلف) عبارة فقهية، و (الأصحاب) عبارة فقهية، و (رجحوا) عبارة فقهية، (وهو الصحيح) عبارة فقهية، فلذلك يموت شعر العلماء بسبب أنه نظْم. أحد الإخوة جلس معنا في مجلس وأرغمنا وأغضبنا وأغضبناه بسبب قوله: لماذا لا تجعلون ابن القيم أشعر من أبي الطيب المتنبي؟! وهل الفضل عند الله بالشعر؟! وهل المنزلة عند المسلمين بالموهبة؟ لا. قلنا: اسمع إلى شعر المتنبي واسمع إلى شعر ابن القيم. المتنبي يقول في الحمَّى: وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور إلا في الظلام بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي أبنت الدهر عندي كل بنت فكيف نجوت أنتِ من الزحام إذا ما فارقتني غَسَّلَتْنِي كأنَّا بائتَين على حرام واسمع لـ ابن القيم رحمه الله يقول: إسناده حسن ومصداقٌ له في الترمذي فافهمه بالبرهان قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان والله إن ابن القيم أحب إلينا من ملء الأرض من أمثال المتنبي؛ ولكن ذاك شاعرٌ لا يُبْلَغُ هامتَه وهذا ناظم عالم فلا ندخل هذا في هذا، ففرق بين النظم وبين الشعر، ولذلك نسمع صحفنا دائماً والمجلات، خاصة مجلة اليمامة أكثر المجلات اعتذاراً كلما ضاق بها الحال، قالوا نعتذر لسوء أو لعدم إقامة الوزن وربما تكون من أبدع ما يكون لكن ما ندري عنهم، وعلى كل حال شكر الله سعيهم، ولكن ربما أنهم يصدقون في كثير مما يقولون إنها مكسرة الأضلاع، فكثير من القصائد موجودة غير موزونة ولا مقفاة. أيها الإخوة الكرام! دور الأدب: أنه كلمة مؤثرة تصل إلى القلوب وتعيش على المبادئ، وعندنا الكلمة الأدبية، وعندنا إيمان وخلود ويدعو إلى المسجد وإلى الفضيلة وإلى المصحف، وليس ضياع وقت ولا ترضية خواطر ولا استجابة لنزوات المغرضين، ولكنها وقوف مع الحق أينما وقف. وانتهت محاضرة: (دور الأدب في معايشة النكبات). وأشكر رئيس النادي مرة ثانية وأشكركم والآن يفتح المجال للتعليق والمداخلات. وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

مداخلات

مداخلات

مشاركة الأستاذ يحيى المعلمي

مشاركة الأستاذ يحيى المعلمي بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فقد فاجأتني هذه الدعوة الكريمة من أخي وزميلي الأستاذ أحمد بن يحيى البحكلي ولعله قد لاحظ أني أثناء استماعي للمحاضرة كنت أستمع بقلبي وبعقلي، وكنت أتمتم بيني وبين نفسي مردداً كلمات الإعجاب لهذا السيل الدافئ من العبارة البليغة الفصيحة المؤمنة؛ التي شنف أسماعَنا بها فضيلةُ الأستاذ الكريم الأخ عائض القرني، الذي ألوم نفسي كثيراً على أني لم أسْعَ إلى التعرف عليه قبل الآن، وإن كنت قد عرفته وقد قرأت كثيراً من أقواله وكلامه وأحاديثه. وقد استمعت إلى كثير من الأشرطة التي تفضل بتسجيلها وعمت فائدتها الناس جميعاً، ولقد أعجبني كثيراً تدفقه في الاستشهاد بالآيات الكريمة وبالأحاديث النبوية الشريفة وبالأشعار الطريفة الجميلة، ولقد كنت أظن أنه بعيدٌ عن مجال الأدب والشعر ككثيرٍ من أساتذتنا الأفاضل العلماء الكرام، ولكن ثبت لي ما قدمه به أستاذنا الكبير الشيخ عبد الله بن إدريس إذ قال عنه إنه يملك ناصية البيان، فعلاً إنه يملك ناصية البيان الأدبي كما ملك ناصية البيان الديني، فزاده الله توفيقاً، وشكر له مسعاه، ونفع بعلمه وبأدبه لنا جميعاً. وشكراً لكم والسلام عليكم.

مشاركة الدكتور ناصر بن سعد الرشيد

مشاركة الدكتور ناصر بن سعد الرشيد بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد: فلقد قدمت طلباً للتعليق قبل أن أسمع الكلمة التي قالها محاضرنا الليلة وهي: من أراد أن يعلق فليسمع، فكأن الشيخ يتحداني ولو علمت ذلك لما تقدمت، لكني سأحتال لنفسي وأتجنب غضب الشيخ عليَّ؛ لأني لن أتحداه هذه المرة، وإنما هناك نقطتان أشار إليهما الشيخ ويبدو أن الوقت لم يسعفه لأن يبلورهما؛ فبراءة للذمة أردت فقط أن أوضحهما. النقطة الأولى: تتعلق بشخصية المعتمد بن عبَّاد: والحقيقة أن المعتمد بن عبَّاد تعرضه كتب النصوص الأدبية على أنه رجلٌ مترف فقط، وتقدمه لنا من خلال زوجته اعتماد البرمكية، ومن خلال نكبته، وقد يكون هذا صحيحاً، وقد قدمت النصوص جوانب غير مضيئة من شخصيات إسلامية مضيئة، كما قدمت لنا بعض الجوانب من حياة الرشيد، وكما قدمت لنا بعض الجوانب من حياة عبد الحميد السلطان، وقد ظلم الأدب كثيراً من الشخصيات الإسلامية العظيمة، وقد عظَّم كثيراً من الشخصيات الإسلامية التي ليست بعظيمة. وقد أشار الشيخ جزاه الله خيراً إلى تخليد المتنبي لـ سيف الدولة الحمداني، والحقيقة التاريخية أنه لا مقارنة بين سيف الدولة الحمداني وكافور الإخشيدي مطلقاً، فـ كافور الإخشيدي كان رجلاً مشهوراً بالعدل والشجاعة وبغير ذلك، وسيف الدولة الحمداني له ما له وعليه ما عليه، ولن أتعرض لهذا الرجل لأني لا أحب أن أشوه سمعة أحدٍ من علمائنا أو قوادنا أو شخصياتنا. لكن المعتمد بن عبَّاد من الرجال الذين لم يعرضوا العرض المطلوب، وأنا أردت فقط أن أنبه على ذلك؛ لأن شخصية المعتمد بن عبَّاد لا نحتاجها، ولا نحتاج أن نعرف حقيقته مثلما نحتاج أن نعرفها اليوم، وما أريد أن أقوله عن هذه الشخصية أني أحيلكم على النصوص التاريخية حتى تروا موقف هذا الرجل من الأزمات، ولا أريد أن أقول أكثر من هذا حول شخصية المعتمد بن عبَّاد إلا أن المؤرخين لهذه الشخصية أثنوا عليه ثناءً كبيراً، ووصفوه بأنه البطل الصنديد الغيور على الإسلام، والذي رفض العروض التي انهالت عليه من هنا وهناك لتحمي عرشه، ولا أريد في حقيقة الأمر أن أستشهد لكم لعظمة هذا الرجل، لكني أتمنى أن ترجعوا إلى الكتب والمصادر الأصيلة التي كتَبَت عن ابن عبَّاد هذا وسترون فيه رجلاً مسلماً عظيماً. وأرجو هذه المرة ألا تسألني عما قصدت؛ لأني لا أستطيع أن أقوله حقيقة لهذا الموقف؛ ولكن من أراده فسيجده. النقطة الثانية: هي أيضاً لست أدري عتاب للشيخ أم لا! لأنه في حقيقة الأمر قارن بين نص للمتنبي ونص لـ ابن القيم، لا شك أنه لا مقارنة بينهما، ولكن أيضاً سنداعبك أيها الشيخ الجليل وأنت شاعر وعجيب، أنك في حقيقة الأمر لم تنصف الرجل؛ لأنك قارنت بين قصيدة وجدانية للمتنبي وهي قصيدة في وصف الحمَّى بأبيات مِن الكافية الشافية ابن القيم وشافيته التي قالها في العقيدة ولا أظن أن في هذا إنصاف لـ ابن القيم، فيجب علينا أن نتحرى الإنصاف والعدل حينما نقارن بينهما، وأنا في حقيقة الأمر لا أرى أن ابن القيم يرقى إلى المتنبي، ولكن ابن القيم أيضاً رجلٌ جدير بأن يُدْرَس أديباً، ويُدْرَس ناقداً، ويُدْرَس بلاغياً، ولو لم يكن له سوى البيت المشهور الذي سرى بين الناس دون أن يعلموا مَن القائل: إذا طلعت شمس النهار فسلمي فإنها إشارة تسليمي عليكم فسلموا أي: أنها أمارة تسليمي فسلموا، ولو لم يكن إلا هذا البيت لكفى. وصلى الله على محمد. الرد: أولاً: أشكر الأستاذ الأديب يحيى المعلمي، وأسأل الله عز وجل أن يغفر لي تقصيري، وأعرف أن مقصده تربوي، وحث الهمم على الاستزادة، وإلا فأنا أصغر مما قال. ثانياً: أشكر فضيلة الدكتور ناصر الرشيد وأقول له كما قال ابن القيم في قصيدته التي أستشهدُ منها ببيت: أما والذي شق القلوب وأوجد المحبة فيها حيث لا تتصرمُ وحملها جهد المحب وإنه ليضعف عن حمل القميص ويعلمُ لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتنا إن غبتمُ أو حضرتمُ أنت من أحباب قلوبنا، وقد جلست معه وسعدت بالمجلس وعرفت غيرته على دين الله، وانتماؤه لـ (لا إله إلى الله) فأنا أتحمل عنه ما قال، وأعفو عنه إن كان خطر شيء ما وإذا الحبيب أتى بذنت واحدٍ جاءت محاسنه بألف شفيع وسوف أراجع -إن شاء الله- ترجمة ابن عبَّاد، وأما المقارنة فلي وجهة نظر وله وجهة نظر، والمسألة ديموقراطية.

مشاركة الشيخ عبد الوهاب الطريري

مشاركة الشيخ عبد الوهاب الطريري الحمد لله وبعد: أولاً: إن كلماتك شيخنا -أمتع الله عمرك كما أمتعت ليلتنا هذه، وأسعد الله حياتك كما أسعدت ساعاتنا هذه- روعة أدبية في الحديث عن الأدب، ورحلة تاريخية محفوفة بشوارد الأبيات وبديع الكلمات، ومليح القصص، وسداد الرأي، وحسن التوجيه، وإن كنت أرى أنه ينبغي أن يكون لهذه الكلمة عنواناً آخراً غير عنوانها الذي أتينا نسمع الموضوع تحته. ثانياً: القضية الأخرى قضية الشعر الغث الرث؛ الشعر النبطي المشحون بالإطراء الساذج والمديح الرخيص شحناً، إنه محرمٌ شرعاً، ممجوجٌ ذوقاً، مردودٌ عقلاً، وهو طرح غير حضاري في زمن غير زمن النقائض والمعلقات، فمسئولية مَن تخليصنا من هذا النوع؟ هذا النوع من القصائد التي ينْظُمها ناظِمُها ويعلم أنها كذب، وينشرها ناشرها ويعلم أنها تزلفٌ فارغ. أما نحن فنعرض عنها ونستغفر الله، وإن مسئولية ذلك على الذين بسط الله أقلامهم وألسنتهم على ساحتنا الفكرية، فعليهم أن يجعلوا في سلة المهملات متسعاً لهذا النوع من الثقافة الفكرية. ثالثاً: إلى متى تظل عقولنا تخادع أو تفتن من خلال غتامة التعبير والغموض المطلسم في مقالات تظلم أمام عيوننا، لا يتغير فهمك لها إن بدأتها من أولها أو آخرها، ربما يشعرك غموضها وعجزك عن فهمها بالرهبة، لكن إذا أدركتها أصابع النقد تبين أن وزنها قشة، وقيمتها صفر. أسأل من يكتب هذا النوع إذا كان من أصحاب الشهادات الجامعية فما فوق أن يعلنوا عجزهم عن فهم هذا الكلام؟ وأعجب كيف يكتب كاتب مقالة سريرية في مجلة لنا كبرى، حتى إذا استنكرَتْ قارئة عليه مقالَهُ، ردَّ بأنه يرمز بكتابته لها إلى الوطن، عجباً لمثل هذا النوع من الأدب! أيعلن هوية هذا الوطن ويعبر عن عشقه! أي مبادئ تعلن لها بمثل هذا الكلام؟! والسلام عليكم.

مشاركة الشيخ محمد القحطاني

مشاركة الشيخ محمد القحطاني قبل البداية أنا كتبت في ورقة التعليق اسمي بدون لقب وأنا في هذا المكان وفي هذه الدرجة، كتبت محمد بن دريم القحطاني ولم أكتب الشيخ فالألقاب نؤمن بأنها وسيلة للدفاع، أو لحث الإنسان أن يرتقي بمستوى الدفاع عن القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى درجة التضحية في زمنٍ افتقدنا فيه التضحية خاصة من أصحاب هذه الألقاب. وما أودُّ قوله باختصار: نحن لا نؤمن في زمن التقنية والتكنلوجيا والصناعة والذرة والرقي بكل مفاهيم الرقي والتقدم لـ أوروبا وأمريكا؛ أن نلتزم بالثرثرة، وتركيب الجمل، وزخرفة الكلمات، في وقت يُداس فيه شرف الأمة، ويُطعن فيه القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحطم قيمة الأخلاق إلى درك الحضيض إلخ. أقول: أنا أسأل الأدب الملتزم واللا ملتزم، الأدب بكل الصفات التي يحلو لكثيرٍ من الإخوان أن يعلقوها على الأدب المعاصر: ماذا قدم لهذه الأمة؟ فالعلم والثقافة سببان رئيسيان للارتقاء بمستوى الإنسان والمجتمع والفرد والأمة والعالم من درك الحضيض إلى قمة الفضيلة، ومن قاع التبعية والاستعباد والذل إلى قمة القيادة والريادة والسمو. ففي عام: (1914م) حتى عام (1919م) قضى طه حسين فترة نقاهة في باريس وعاد من بعدها بالثقافة الفرنسية كتبعية مطلقة للاستشراق والتغيير، ثم إلى هذه اللحظة نحن نتكلم في الندوات، نتكلم في بطون الكتب، ونتكلم بالألفاظ الطيبة النقية الطاهرة، لكن تصاغ المناهج التعليمية والتربوية عكس ما نسمعه في مثل هذه اللقاءات، فالذي يدرس الآن في كثير من المناهج التعليمية وخاصة على مستوى الجامعات هو الأدب التغريبي والاستشراق. وأنا لا أحتاج لأن أستشهد بكثير من هذه الأمور، إنما مما قاله أحد دكاترة الأدب في جامعة الملك سعود: إذا لم يكن المثقف حداثياً فلا يستطيع أن يكون مثقفاً هذا أمر، فالذي نريده من هذه الأمور أن نرتقي من مستوى الكلمة الطيبة إلى مستوى العمل، وأن يكون لنا منبراً، وأن تكون هي اللفظة الدارجة على ألسنتنا عندما ندرس هذا الجيل معنى الأدب، وأن تستفيد هذه الأجيال من الأدب، فنحن نسمع كثيراً لكن الواقع يشهد عكس ذلك. إن المناهج التربوية والتعليمية لا تعكس على الإطلاق أدباً رفيعاً وإن كان هناك قلة في مثل هذه المناهج أو الأماكن التربوية، الحكم بالشريعة للعموم وليس للخصوص، ما صنع الأجيال المعاصرة الآن يجعل لي الحق في الاستشهاد، الثقافة والعلم والأدب المعاصر هو الذي أحط وأوصل الأمة إلى درجة السقوط، ونحن مررنا بمرتبة الخواء الفكري ومرحلة الانبهار والإعجاب، ثم مرحلة التقليد للغرب ولثقافة أوروبا التي أتت من بعد القرن الرابع عشر حتى هذه اللحظات، لوثة بعد لوثة كما ذكر سيد قطب رحمه الله، ثم مرحلة السقوط ونحن نعيشها الآن، فمن المسئول عنها؟ هل هو الأدب الذي ارتبط ونسمع أنه مرتبطٌ بالقرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ كلا. إنه الذي ارتبط بجميع المذاهب والنظريات الأدبية المستوردة من الغرب، ففي هذا المقام نسأل القائمين على النادي الأدبي بوجه خاص والقائمين على النواحي الأدبية أن يوجهوا الكلمة الصالحة الطيبة الطاهرة المرتبطة بالقرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم توجيهاً عملياً صادقاً مخلصاً عبر المناهج التعليمية، أما أن يُدرَّس بدر شاكر السياب، وطه حسين فلا. أنتم تعلمون وقائع وشواهد التاريخ، فضلاً عن شواهد التاريخ والأحداث المعاصرة على رداءة الأدب المعاصر ممثلاً بـ الحداثة أو الرجعية. وأن نجلس نتسلَّى بالعبارات الطيبة فقط في المحاضرات وفي الندوات هذا أمر لا يسكت عليه على الإطلاق، فنحن نعيش في مرحلة يجب أن تتكافأ فيها الجهود حتى نكون كلنا عمليين بالقرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم ننبثق في جميع تصوراتنا كلها من القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم سواءٌ في الأدب، أو التقنية أو التكنولوجيا أو أي صناعة فكرية أساسها كلمة، ثم تأتي بكلمة ترفع من مستوى الأمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله). الرد: أولاً: أشكر فضيلة الشيخ عبد الوهاب بن ناصر على تعقيبه، وعلى جمله المفيدة والمتوعية والبصيرة، وهكذا عودنا -لا نقولها مجاملة- ووددت أن النص الذي معه كان في محاضرتي، لكن سبقني. وكذلك الأخ محمد القحطاني أشكره كذلك، وأقول له: ماذا بيدك وبيدي؟! ما نملك إلا الكلمة، أتريد مني أن أغير مجال الأدب أو المقررات أو الإعلام؟! أتريد أن نلغي المحاضرات؟! أتريد أن أذهب بالبندقية لأقتل صدام حسين أو أصنع حنفية أو طائرة أو صاروخاً، فأنا أملك الكلمة وغيري يملك الهندسة، والثالث يملك الإعلام، والرابع يملك الأدب، على كل حال قد علم كل أناس مشربهم، فإن كان عندك تغيير أنت فتفضل. واعذر حبيبك إن فيه فهاهة نبطية ولك العراق وماؤها

الأسئلة

الأسئلة

الأدب وشخصية صدام

الأدب وشخصية صدَّام Q إن أدباء الأمة الإسلامية كثيرون -ولله الحمد- ولكنهم لم يتبينوا حقيقة شخص طاغية كـ صدام حسين إلا بعد أن غزى الكويت، فعلى من تقع المسئولية في هذا التضليل أو هذا الجهل الذي ساد هذه القضية؟ A تقع المسئولية على من يملك المسئولية، على من أظهر صدَّاماً قبل اليوم ومدحه وجعله فاتحاً عظيماً وعبقرياًَ، ثم حطه وسفَّه به هذه الأيام، فهي تقع على من يستمع له من الناس، وتقع على من يحسن أن يتكلم وأن يقول؛ وسوف يسأله الله عن فعله، وقد أشرت أنا إلى أن حَمَلة المبادئ لا يتغيرون، هم يموتون ويقدمون جماجمهم عن مبادئهم. بعض الناس لو صادقه صدَّام عاد إليه وسلم على رأسه في المربد، وقبَّل يده ونسي أنه بعثي علماني كافر ملحد بالله، أما أهل الخير فمواقفهم من قبل الغزو وما بعده واحدة، والله كنا نعلم أنه عفلقي مجرم، وأنه عدو لله وأنه لا يؤْمَن جانبُه، وأنه خائن قبل أن يدخل الكويت، وما زادتنا فيه الأيام إلا بصيرة لأنا عرفنا لا إله إلا الله وعرفنا الولاء والبراء.

موقف الشيخ عائض من الشعر النبطي

موقف الشيخ عائض من الشعر النبطي Q موقف الشيخ عائض من الشعر النبطي فيه بعض القسوة، رغم وجود كثير من نماذج هذا الشعر فيها دعوة إلى الله وسمو بالأخلاق، ودعوة إلى مكارم الأخلاق، فكيف يرى الشيخ عائض هذا الجانب من هذا النوع من الشعر؟ A على كلٍّ أنا لا أنكر أن فيه بعض الإبداع والفضائل، فحتى كلام العجائز فيه دعوة إلى الفضائل والمبادئ، لكني أنكر أن يكون هذا أدباً خالداً للأمة وأن يكون مرآة لها، وأن يكون طموحاً وأملاً لها ولأدبائها وأقلامها وإعلامها وصحفها، فلا يصلح أن نبيع أفكارنا بهذا المستوى. أوليس في الأمة علماء وأدباء ومفكرون حتى نأتي برجل لا يعرف الفاتحة ولا {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ولم يصلِّ في الشهر إلا مرتين أحياناً، ونقول: تفضل يا شاعر الأمة ويا أستاذها فيخلط علينا أفكارنا وأمتنا ومقدراتنا، فهو بعشر ريال يمدح وبسحب عشرة ريال يذم، لا يحمل مبدأ ولا عنده فكر ولا قلم وأنا لا أستصغر أحداً، وإلا فأنا أحفظ شعراً نبطياً، وقلت قصيدتين لكني استغفرت الله عز وجل، ففيه الطيب وفيه كلمات تعجب. أقول: الله الله في رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام وفي هذه اللغة الحية التي أثبتت وجودها وخلودها أن تطفأ بهذا الشعر النبطي، وأن تتحول الأمة إلى أمة لا تعي الشعر ولا تفهمه ولا تستسيغه، حتى لو ألقيت على جمهور من الناس قصيدة للمتنبي فلن يتفاعلوا وسينامون، ولو أتيت برجل من البادية وألقيت من خزعبلاته كل عشرة أبيات بقرش أصغوا وبكوا وسبحوا وحَمَدوا، وهذا من فساد الأمزجة؛ لأننا نحن أطعنا طه حسين فتحولت مقدرات الناس إلى شعر نبطي، حتى الدكاترة الذين في الجامعات أصبحوا يشعرون، فالحمد لله الذي حولهم من عربية إلى نبطية، أصبح في جريدة عكاظ يفتتحها بقصيدة نبطية بتوقيع الدكتور فلان متخصص في قسم اللغة والبيان والأدب، على كل حال هذا ما تم توقيعه. وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومعذرة. سامحن بالقليل من غير عذل ربما أقنع القليل وأرضى سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وقفات مع حديث الولي

وقفات مع حديث الولي حديث الولي اهتم به العلماء شرحاً واستنباطاً لما فيه من الأحكام والفوائد الجمة. والشيخ في هذا الدرس ذكر مسائل وأحكام كثيرة تتعلق بهذا الحديث، ومن أهم مسائله: أهمية الفرائض، فضل النوافل، وحكم تركها، حكم السنن القبلية والبعدية، وتطرق إلى حكم بعض الصلوات كصلاة الوتر، والتسابيح، ركعتا الوضوء.

حديث الولي

حديث الولي الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. معنا في هذا اللقاء حديث الولي، وهذا الحديث من أعظم الأحاديث في الإسلام وسوف نتعرض للقضايا التي فيه بإذن الله، وقد أفرده الإمام الشوكاني بمصنف منفرد، وبحث فيه أهل العلم، وأُورد نصه في هذه الجلسة لنسمع هديه صلى الله عليه وسلم، وكلامه العذب: عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال الله تبارك وتعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب عبدي إليَّ بأحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه} متفق عليه. هذا حديث قدسي يسمى حديثاً إلهياً، والحديث القدسي تعريفه عند أهل المصطلح: هو ما كان لفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله جل وعلا، فالذي تلفظ وتكلم به هو رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وأما المعنى فهو من الواحد الأحد، وهو يختلف عن القرآن، فالقرآن لفظه ومعناه من الله تبارك وتعالى، والحديث النبوي لفظه من الرسول صلى الله عليه وسلم. إذاً الوحي على ثلاثة أقسام: قرآن، وحديث قدسي، وحديث نبوي. - فالقرآن: لفظه ومعناه من الواحد الأحد. - والحديث القدسي: معناه من الله ولفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. - والحديث النبوي: معناه ولفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. القرآن معجز، والحديث القدسي ليس بمعجز فلا نتعجز به ولا نتعبد به ولا يتلى في الصلاة، ولفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعناه من الله. حديث الولي فيه مسائل، وأعظم مسألة هي مسألة النوافل التي سوف نتعرض لها.

النوافل مهمة للولاية

النوافل مهمة للولاية ما هي النوافل التي وقتها عليه الصلاة والسلام، وهل تصلى كلها في البيت أم لا؟ وهل هناك سنن تقضى إذا فاتت أم لا؟ وما درجة أحاديث السنن التي وردت عنه صلى الله عليه وسلم؟ وما هي السنن التي خالف فيها العلماء: كـ ابن تيمية وابن القيم، وأنكروا أن تكون سنة؟ هذه المسائل تقارب اثنتي عشرة مسألة، ويدخل فيها الوتر وصلاة الضحى، وقبل ذلك يقول الله عز وجل: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] فما هو الحسن في العمل يا ترى؟ قال أهل العلم: الحسن في الذوات: الجودة، والحسن في المعاني: الجمال.

العمل المقبول سبيل الولاية

العمل المقبول سبيل الولاية وهذا كلام لا نحتاجه كثيراً، ولكنا نحتاج إلى تفسير الآية قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] قال أهل العلم: أحسن العمل ما توفر فيه شرطان اثنان: الشرط الأول: أن يكون خالصاً لوجه الله. الشرط الثاني: أن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن أخلص لله في عمله ولم يتابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مبتدع، ففي المبتدعة من هو مخلص، ففي الرافضة من هو مخلص، وفي المرجئة من هو مخلص، وفي المعتزلة من هو مخلص، وفي القدرية من هو مخلص، ولكنه ضال مبتدع. ومن تابع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمله ولم يخلص فهو منافق مُراءٍ، في المنافقين من يقتدي بالرسول عليه الصلاة والسلام، وفي المنافقين من يتبع السنة، ولكنه لا يقصد بعمله وجه الله. وابن تيمية له كلام طويل يقع في أكثر من مائة صفحة في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. ، وسبب تفسير هذه الآية: أن ابن تيمية رحمه الله أُتي به مقيداً من بلاد الشام قيده النفعيون الماديون، وسجنه الأشاعرة، والمعتزلة المبتدعة، وأهل التصوف المنحرف، وسجنه كذلك النصيريون، سجنه أعداء الإسلام، فهذا الرجل فتح جبهات على أعداء الإسلام، فلما أُتي به مقيداً إلى مصر، دخل المسجد وهو مقيد وكان من أعلم علماء الدنيا، بل هو من أذكى أذكياء العالم، يقول المزي: ما قبل ابن تيمية بخمسمائة سنة أعلم منه! ونحن نقول: ما بعد ابن تيمية إلى الآن أعلم منه!! فدخل فلما فكوا الوثاق من يديه سأله العلماء في مصر أن يتكلم لهم كلمة بعد صلاة العصر. وكان كما يقول ابن كثير: كان العلماء إذا جلسوا، أصبحوا تلامذة عند ابن تيمية، قال: واجتمع علماء مصر وما كانوا والله إلا ذرات صادفت جبلاً، أو قطيرات صغيرة صادفت بحراً، فابتدأ بعد صلاة العصر في {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة:5] ما تلعثم ولا توقف، ولا انتظر حتى صلاة المغرب، وهذه المقامة تسمى (مقامة الاستعانة) فيقول: من عبد الله ولم يستعن به فهو مشرك في عمله، ومن استعان بالله ولم يعبده فهو ضال مضل كذلك، والناس في ذلك على أربعة أقسام: - قسم يعبد الله ويستعين به وهم المؤمنون. - وقسم يعبد الله ولا يستعين به، وهم أهل الدنيا، وأهل الهوى والشهوات. - وقسم يستعين بالله ويعبد غيره وهم المشركون. - وقسم لا يعبد الله ولا يستعين به، وهم الملاحدة الذين ينكرون الصانع والخالق تبارك وتعالى. إذاً الحسن في العبادة يتركز على الإخلاص وعلى متابعة سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام. يقول صلى الله عليه وسلم: {يقول الله: من عادى لي وليا ً} سبق معنا في مناسبات ولا نقف كثيراً عند لفظ الولي، وأحسن تعريف هو ما ذكره الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في قوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63] فهذا تعريف الأولياء في الكتاب والسنة. ولـ ابن تيمية كتاب اسمه (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) عرف الأولياء، وقال: ليس لهم لباس ولا رداء خاص، ولا مراسيم ولا طقوس خاصة، وإنما قد يوجد الولي مع الفلاحين فهو فلاح، ومع التجار ومع الجند، ومع الحرس، ومع الطلاب، ومع الحكام، ومع المسئولين، بل هو موجود في كل طبقات الناس، الذي يؤمن بالله ثم يتقي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

في فقه النوافل

في فقه النوافل

الفرائض قبل النوافل

الفرائض قبل النوافل فيقول عليه الصلاة والسلام: قال الله تبارك وتعالى: {من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بأحب إلي مما افترضته عليه} من الخطأ وقلة الفقه أن يُهتم بالنوافل أكثر من الفرائض، ولذلك تجد بعض الناس يهتم بقيام الليل ويخشع فيه أكثر من اهتمامه وخشوعه في صلاة الفجر، ويهتم بصلاة الضحى أكثر من صلاة الظهر، ويهتم بنوافل الصيام أكثر من صيام رمضان، وهذا من قلة الفقه، ونحن لا نقول بألا يكثر المسلمون من النوافل، لا بل الكثرة مع الجودة بلاغ وتمام كمال وجمال، بل المطلوب الجودة والحسن، ولذلك يقص ابن الجوزي في كتاب (تلبيس إبليس) أن كثيراً من غلاة الصوفية كانوا يصلون في النهار أربعمائة ركعة، فإذا أتت صلاة الظهر صلوا وهم في نعاس ونوم، لأنهم فتروا بعد صلاتهم أربعمائة ركعة من الضحى، وهو عمل شاق في هذه الصلاة حتى صلاة الظهر، فإذا دخلت عليه الفريضة إذا به قد تعب وكلَّ وملَّ، وهذه الفريضة هي التي خاطب الله بها الناس، ونادى إليها، ومدحهم بالخشوع والخضوع فيها، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ أبي هريرة: {أدِّ الفرائض تكن أعبد الناس وفي لفظ: اتق المحارم تكن أعبد الناس} وكلا اللفظين صحيح موجه، ومعناهما مقبول عند أهل السنة والجماعة. قوله: {ولا يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به}.

أفضل النوافل

أفضل النوافل أما النوافل: فهي ما سوى الفرائض، فللصلاة وللصيام وللزكاة وللحج نوافل، والذي أريد أن أتحدث عنه في هذا اللقاء نوافل الصلاة، لنكون على بينة. ولنعرف ما هي النوافل التي كان يصليها النبي صلى الله عليه وسلم؟ ثم ما هي الأحاديث والنوافل التي لم يصح فيها حديث أو حديثها ضعيف، أو أبطل أهل العلم العمل بتلك الأحاديث؟ أولاً: يدور حول هذه المسألة اثنان وثلاثون حديثاً، هي بين صحيح وحسن، أما الأحاديث الضعيفة فهي تربو عن السبعين، ونذكر بعض هذه الأحاديث: {يقول ربيعة بن مالك الأسلمي: وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهذه القصة في مسند أحمد وأصل الحديث في صحيح مسلم، لأن البخاري ومسلم، يأخذون أصل الحديث والرواية، والإمام أحمد يفصل فيورد القصة، وقد يفعله البخاري - قال: فلما انتهينا إليه صلى الله عليه وسلم، قال: ألكم حاجة؟ قال: فأما إخواني فقد سألوا رسول الله حوائجهم فقضاها -كانت حوائجهم في الدنيا، طلبوا لباساً وطعاماً، وطلبوا أموراً أخرى- قال: وأنت؟ قلت: أريد أن تناجيني يا رسول الله -يعني تسرني بالكلام- قال: خلوت به عليه الصلاة والسلام، فقال: ألك حاجة؟ قلت: نعم يا رسول الله! قال: وما هي؟ قلت: أريد مرافقتك في الجنة -هذه أعظم حاجة في تاريخ الإنسان، ولم يسمع الإنسان بمثل هذه الحاجة، ومن لم تكن هذه حاجته فليست له حاجة، وليس لله فيه حاجة- قال: مرافقتك في الجنة يا رسول الله! قال: أوغير ذلك؟ -يريد أن يرى عليه الصلاة والسلام هل هو عازم ومصمم على هذا الطريق- قال: لا والله يا رسول الله! قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود} وهذه رواية مسلم، وعنده من حديث ثوبان: {فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة} فكان هذا الصحابي العظيم لا يركب ناقته إلا متوضئاً فإذا نزل من ظهر ناقته صلى ركعتين، فلما سئل عن ذلك قال: {إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: أعني على نفسك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة}. وكثير من أهل العلم من المحدثين والفقهاء يقولون: إن أفضل النوافل هي الصلاة، وهذا سؤال يطرح: ما هي أفضل النوافل عند أهل السنة والجماعة؟ هل هي نافلة الجهاد، أم الصيام أم نوافل الصدقة أم نوافل الذكر أم غيرها؟ اختلف أهل العلم في ذلك: ذهبت طائفة إلى أن أفضل النوافل هي الجهاد، واستدلوا بحديث ابن عباس: {إلا رجلاً خرج بماله ونفسه ثم لم يرجع منهما بشيء} في العشر من ذي الحجة، فقالوا: الجهاد أفضل نافلة. وقال قوم: الصيام أفضل عمل، واستدلوا بحديث أبي أمامة عند أحمد بسند جيد، قال: {عليك بالصيام فإنه لا عدلَ له} أي لا مثيل له. وقال قوم: أفضل عمل: صلاة النافلة، واستدلوا على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: {اعملوا ولن تحصوا، واعلموا أن أفضل أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن} والحديث صحيح، قالوا: فالصلاة هنا أفضل النوافل. وقال قوم: بل أفضلها الذكر. فما هو تحقيق المسألة إذاً؟ يرى ابن القيم ويستشف أن الله عز وجل يفتح على بعض الناس ما لا يفتحه على البعض الآخر، وقد يفتح على أحد الناس في الصلاة ما لا يفتحه على من يصوم، ويفتح على الذاكر ما لا يفتح على المجاهد، قال: وأبواب الجنة ثمانية، ويدعى كل أهل عمل من باب ذلك العمل الذي عملوا به، فمن كان من أهل الجهاد دعى من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصلاة فمن باب الصلاة، ومن كان من أهل الصوم فمن باب الصوم، فهو يرى أن الله يفتح على بعض الناس، ولذلك تجد بعض الناس قد فتح الله عليه بالمال، فهو يتصدق ليلاً ونهاراً، سراً وعلانية، لا يفتر من الصدقة، فهذا من باب الصدقة، وبعضهم في الجهاد وحديثه في الجهاد وأشواقه في الجهاد، وبعضهم في الذكر جالساً وقائماً، فهو على ذكر دائماً. ولكن ابن تيمية العالم العبقري العملاق، يرى غير ما يرى ابن القيم: ففي المجلد العاشر من الفتاوى يُسأل عن هذا وكأن رأيه إن شاء الله هو الأقوم وهو المحقق. يقول: شبه إجماع بين أهل العلم أن أفضل نافلة هي ذكر الله عز وجل، بل هي أفضل من نوافل الصيام ومن نوافل الجهاد، ومن نوافل الصدقة، واستدل على ذلك بأدلة منها: قال تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَر} [العنكبوت:45] وقال: هذه قد أخطأ فيها طائفة من المفسرين، لأن للصلاة فائدتين، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45] والفائدتان هما: - أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر. - وتعينك على ذكر الله. قال: وإعانة الصلاة على ذكر الله أعظم من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر، وهذا رأي سديد، يقول: ولم أجد من المفسرين أحداً يقول هذا الكلام، فـ ابن تيمية يقول هذا بعد أن قرأ أربعمائة تفسير، فلم يجد هذا الكلام في أحدها لأنه كان قبل أن يقرأ المصحف يستغفر الله أكثر من ألف مرة، ثم يسأل الله الفتح فيفتح الله عليه ما لا يخطر بالخيال ولا يدور بالبال، فيأتي بهذا الفهم، إذاً فهو يقول: نوافل الذكر أو المداومة على الذكر شبه إجماع بين أهل العلم أنها أفضل عمل.

السنن الرواتب

السنن الرواتب {يقول ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه: حفظت من رسول الله عليه وسلم عشر ركعات} الصحابة حياتهم خصصوها للحفظ من الرسول والتلقي منه عليه الصلاة والسلام، بل كان الواحد منهم لا يعيش مع الرسول عليه الصلاة والسلام إلا ساعة واحدة قبل الوفاة، أو رآه في غزوة، أو رآه في سفر أو مر به الرسول عليه الصلاة والسلام في قريته أو في باديته، ففي هذه الساعة حاول أن يحفظ شيئاً ولو حركة ليبلغها إلى الأمة، والذي نقل عنه من الحديث صلى الله عليه وسلم مائة وأربعة وعشرين ألف حديث، نقل إلينا كل واحد منهم جزءاً، حتى إن الواحد منهم، رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: {رأيته وفي يده خاتم أبيض} فنقل إلينا بالسند، حدثنا فلان عن فلان عن فلان إلى الصحابي أنه رأى في يده صلى الله عليه وسلم خاتماً. ويأتي أحدهم ويقول: {رأيت رسول لله صلى الله عليه وسلم وفي لحيته شعرات بيض} وهو شاب كانت في لحيته شعرات بيض، وقال أحدهم: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع يده على عمامته هكذا} هكذا نقلت إلينا، ولذلك يقول جولد زيهر المجري المستشرق: يكفي المسلمين معجزة هذا الحديث، أن يقدموه للبشرية لتدخل في الإسلام، يكفي الحديث النبوي هذا أن يقدم معجزة للناس ليدخلوا في دين الله زرافات ووحداناً، لأننا نقول الآن لليهود: ائتوا لنا بحديث واحد أو بقصة أو بكلمة أو بموقف لموسى عليه السلام بالسند، أعطونا عن فلان عن فلان، وعن فلان، أعطونا عن إسحاق رابين وعن ريجن وعن فلان، حتى تصلوا إلى موسى عليه السلام، فلا يأتون ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً. بل علومهم ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور. ونقول للمسيحيين: أعطونا عن عيسى عليه السلام فلا يأتون عنه بشيء، أما نحن فإن الإنسان إذا تحدث منا يوم الجمعة وأتى بحديث فللمصلين أن يحبسوه عند درجات المنبر ويقولون من أين هذا الحديث؟ ومن أين نقلته؟ وفي أي كتاب؟ ومن رواه ومن خرجه وما درجته؟ وهذا حق شرعي لكل واحد منا أن يوقف الإمام أو العالم مهما بلغ علمه. لأننا أمة حفظ الله وحيها من السماء قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] وحديث ابن عمر: {حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات} في الصحيحين، وحديث الصحيحين يقول عنه ابن تيمية: إذا اتفق الشيخان على حديث، فيفيد جزماً أنه صحيح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا غالب الظن، وربما أفاد القطع {حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر وفي لفظ للشيخين: في بيته -وزاد مسلم - وركعتان بعد الجمعة في بيته عليه الصلاة والسلام} هذه عشر ركعات كان يحافظ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فائدة النوافل وحكم تركها

فائدة النوافل وحكم تركها سئل شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الثالث والعشرين من الفتاوى: ما حكم من داوم على ترك السنن الرواتب؟ قال: فاسق ترد شهادته. والنوافل هي عشر ركعات، وما فائدتها؟ قال أهل العلم: فائدة النوافل قبل الصلاة، أن تكون قدوماً على الله عز وجل كالهدية بين يدي السلطان، ولله المثل الأعلى، فإنك إذا أردت أن تطلب من مسئول أو رئيس طلباً ما فإنك تحضر بعض الأشياء من الهدايا وغيرها، والذي لا يملك هدايا ينظم له قصيدة عصماء وهذا هو الممدوح بها، ويطريه ويثني عليه ثم يقدم طلبه كما يفعل العرب، يأتي أحدهم بمائة وخمسين بيتاً، ويجعل للممدوح بيتين في آخر القصيدة وأما مائة وثمانية وأربعون بيتاً فيصف بها ناقته، ويصف المشارب والأرض التي مر بها، ثم يمدحه وفي الأخير يقول: أعطني. فلله المثل الأعلى فإنك حين تدخل عليه، لا بد أن تصلي له ركعتين أو أربعاً، لتدخل عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وقال بعضهم: لا. بل جعل الله السنن الرواتب ليجبر عمل العبد يوم القيامة وقيل: في القبر، فإذا نقص عمله في الفريضة، قال الله عز وجل: انظروا هل له من نافلة؟ فيُنظر فإن كان له من نافلة جبر الله كسره ونَقْصَ صلاته بتلك النافلة، فالله الله في النوافل. قال: (ركعتان قبل الظهر) فهل سنة الظهر ركعتان قبلها، أم أربع؟ وكيف نجمع بين هذا الحديث وحديث أم حبيبة عند مسلم قالت: {قال صلى الله عليه وسلم: من صلى في يومه وليلته ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصراً في الجنة، ثم قالت وهي تحسب، أربع ركعات قبل الظهر} وحديث عائشة عند الخمسة، والخمسة هم: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأحمد، قالت: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع ركعات بعدها حرمه الله على النار} فكيف يقول ابن عمر: ركعتان قبل الظهر، وأم حبيبة تقول: أربع قبل الظهر، وعائشة تقول: أربع، فتحقيق المسألة أن يقال: الذي داوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ركعتان، قبل الظهر، وربما نشط عليه الصلاة والسلام فصلى أربع ركعات قبل الظهر، أما سنته الدائمة فإنه داوم على ركعتين. فسنة الظهر ركعتان قبلها ولك أن تزيد، بل أكثر السنن التي يزاد فيها أربع ركعات قبل الظهر، لحديث أم حبيبة: {ثنتي عشرة ركعة} لأنها قالت: {أربع قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر} وقالت عائشة: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى أربع ركعات قبل الظهر وأربع ركعات بعدها حرمه الله على النار}. إذاً فالذي داوم عليه صلى الله عليه وسلم ركعتان قبل الظهر، وربما زاد عليه الصلاة والسلام، وأورد صاحب المنتقى، أبو البركات ابن تيمية، هذا جد شيخ الإسلام ابن تيمية، فـ ابن تيمية اسمه أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، فـ عبد السلام هذا هو صاحب المنتقى. وأبو شيخ الإسلام كان عالماً، ولكن يقول الذهبي: جده كان قمراً، وأبوه كان نجماً، وابن تيمية شمس، فمحونا آية الليل وجعلنا آيه النهار مبصرة، فلذلك كانوا علماء. داهية الدواهي والطامة الكبرى أنساهم جميعاً، فاقتضى أننا إذا أتينا نعرف الجد نقول: صاحب المنتقى أبو البركات، جد شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول جده: ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام دخل إلى المسجد في الظهر وصلى ولم يتنفل، شغل بعض الأوقات عليه الصلاة والسلام، فدخل وإذا الوقت قد حان، فقال لـ بلال: أقم وقام بلال فأقام الصلاة ودخل في الفريضة عليه الصلاة والسلام، وابن تيمية يرى أن من فاتته النافلة قبل صلاة الظهر فله أن يقضيها بعد صلاة الظهر، على قاعدة قضاء النوافل، وسوف نأتي بها إن شاء الله، لكن ابن القيم يقول في زاد المعاد: كان عليه الصلاة والسلام يحافظ على أربعين ركعة، ليلاً ونهاراً، ومن داوم على قرع الباب أربعين مرة يوشك أن يفتح له، فالاستئذان ثلاث مرات، فإذا لم يفتح لك فعد، فكيف بك وأنت تقرع باب الواحد الأحد أربعين مرة. والأربعون التي داوم عليها صلى الله عليه وسلم: فالفرائض سبع عشرة ركعة، وغيرها العشر التي ذكرها ابن عمر من الرواتب، فمجموعها سبع وعشرون، وثلاث عشرة ركعة في صلاة الليل، ففي رواية أنها ثلاث عشرة ركعة، فهذه أربعون ركعة كان يصليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الركعة الواحدة تعادل آلاف الآلاف من ركعات كثير من الناس. وأتى بعده صلى الله عليه وسلم قوم غلو في العبادة فأسرفوا وأكثروا على أنفسهم، فكان يصلي الواحد منهم ثمانمائة ركعة. ولذلك لامهم كثير من أهل العلم، وقالوا: أين سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الاقتصاد في العبادة وفي الحسن؟ ابن القيم يقول في مدارج السالكين -المسألة ليست كثرة-: وجرب على نفسك إذا صليت ركعتين، وأحضرت قلبك فيها وخشعت وخضعت، كيف أنها تكون شاقة عليك، لا تستطيع أن تأتي بركعتين بعدها، لكن إذا بقيت المسألة سجود وركوع وقيام بلا خشوع، وقلب الإنسان في السوق أو في الدكان أو في الفصل، فإنه يستطيع أن يأتي بمائة ركعة، فهي أبسط من الماء. قال: وجرب إذا أخذت المصحف وقرأته وألزمت نفسك أن تتبع كل آية، وتتدبر ماذا يراد من مقاصدها، أو كما قال، كيف تكون عليك الختمة شاقة!! لا تختم القرآن إلا بكل كلفة! أما إذا بقي الإنسان يقرأ هذرمة فإنه يختم والحمد لله في أيام معدودة ويعود ليقرأ من جديد. فالمسألة بالحسن والتدبر والتعقل والفقه في الدين، وكان عليه الصلاة والسلام يصلي ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، وربما قضى عليه الصلاة والسلام النوافل التي تفوته. والسؤال الذي نطرحه الآن: من فاتته نافلة الظهر حتى أتت صلاة العصر فهل له أن يصلي النافلة بعد صلاة العصر، مع أن بعد صلاة العصر إلى المغرب وقت نهي، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس}؟ والصحيح في هذه المسألة إن شاء الله أن من فاتته سنة الظهر أو بعض النوافل، فله أن يصليها بعد العصر، فإنها من ذوات الأسباب. ثانياً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قضى النافلة. ثالثاً: أن من تعود على ترك النوافل، ربما خدشت فريضته، فكان عليه أن يقضي النافلة في هذا الوقت، وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن تحري الصلاة وهذا ليس من التحري، لكن لا يداوم الإنسان على صلاة النافلة بعد العصر لكن يفعلها مرة. وقد فاتت النافلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ركعتين بعد العصر، فسأله بعض الصحابة عن هاتين الركعتين، قال: {شغلني وفد عبد القيس عن الركعتين بعد صلاة الظهر فقضيتهما الآن} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فهذا الأمر وارد.

فضيلة النافلة في البيت

فضيلة النافلة في البيت وركعتان بعد صلاة الظهر، وربما صلى صلى الله عليه وسلم أربع ركعات بعد صلاة الظهر، فهل هي في بيته أم لا؟ يقول ابن عمر: كانت في بيته، والسنة في صلاة النافلة أن تكون في البيت لبعض الأمور وهي: يقول عليه الصلاة والسلام: وهذا لفظ مسلم، {اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تجعلوها قبوراً} وهذا من حديث جابر، وفي حديث عند مسلم {فإن الله جاعل فيها خيراً} أي: من صلاتكم. إذا علم هذا فإن كانت المصلحة أن تصلي في بيتك السنة، فهو أفرغ لقلبك وتطبيق للسنة فافعل، وإذا كنت إماماً يقتدي بك الناس فإذا انصرفت إلى بيتك ولم يحملوا أنك سوف تتنفل في بيتك، فخرجوا من المسجد وقالوا: الحمد لله ليس علينا نافلة ما دام أن الإمام لم يصل، والله عز وجل نسخ السنة، فهذا ليس بصحيح وليس بوارد. ولذلك يقول الشافعي: أستحب النوافل في المسجد من أجل الناس، فإذا كان هذا فصلِّ في المسجد ليراك الناس، وليس هذا من الرياء ولكنه من الدعوة إلى الخير. فهذه السنة التي كان يصليها الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، لكن الإمام أحمد سئل عن سنة المغرب، هل تكون في المسجد؟ قال: لا أظن أنها تجزئ في المسجد، وشدد فيها كثيراً، وقال: السنة أن يسن المغرب في البيت، فأما المغرب فهي من أكثر السنن التي أتت فيها النصوص أن تصلى في البيت، وأما غيرها فلك أن تصلي في المسجد، وافعل الأروح لقلبك والأخشع لك، فإن بعض الناس قد يخشع في المسجد أكثر من بيته فليفعل الأخشع له.

حكم سنة العصر والمغرب القبلية، وبعدية المغرب والعشاء

حكم سنة العصر والمغرب القبلية، وبعدية المغرب والعشاء وأما سنة العصر، فذكر أبو داود، والترمذي، والإمام أحمد، وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله من صلى أربع ركعات قبل العصر}. وهذا الحديث تكلم فيه أهل العلم وقالوا: فيه محمد بن مهران وهو ضعيف لا تقوم به الحجة، ودفع هذا الحديث ابن تيمية دفعاً عجيباً، وقال: لا يصح، وقال: هو من فعل علي وأيده ابن القيم على هذا، ولكن الأستاذ الشيخ الألباني صحح هذا الحديث، وهو حجة في تصحيحه إلا في بعض الأمور التي خالف بها أهل العلم وجل من لا يخطئ، لكنه محدث، وبعد أن عُلم ذلك فمن صلى لقصد أن تصيبه الدعوة هذه فهو مأجور مشكور، ويكتب الله له الأجر ولو لم يرد فيها حديث لدخل في العموم {إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة} و {أعني على نفسك بكثرة السجود} لكن أن تكون سنة راتبة فليست بسنة راتبة قبل العصر. أما المغرب، فعن عبد الله بن مغفل المزني، قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، ثم قال في الثالثة: لمن شاء} كراهية أن يتخذها الناس سنة، فأما قبل المغرب قد سُئل الحسن البصري عن ركعتين قبل المغرب، فقال: حسنتين لمن أراد الله بهما، وقال سلمة بن الأكوع لما صلى عند المصاحف في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم: كان عليه الصلاة والسلام يتوخى هذا المكان قبل صلاة المغرب فيصلي فيه. إذاً المغرب ورد فيها حديث ولكنها ليست بسنة راتبة، لأن ابن مغفل من الصحابة الذين يعرفون مدلولات الحديث يقول: يقول صلى الله عليه وسلم في الثالثة: لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة، ولو سكت عليه الصلاة والسلام لداوم عليها الناس فصارت سنه. والعجيب كثرة التحفظ في النوافل، حتى يقول: نخاف أن تكون سنة، وبعض الناس يقول: لماذا لا يترك الرسول صلى الله عليه وسلم الباب مفتوحاً، حتى يتنفل الناس ويكثروا؟ نقول: لا ليبقى الدين توقيفياً وليبقى على الوحي، وليبقى على التشريع لا على التبديع! لأنه لو فتح الباب لصلى الناس قبل المغرب وبعده، وبعد العصر، وبعد الفجر وفي كل وقت، وقالوا: لا نتقيد ما دام قال عليه الصلاة والسلام: {إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة} فعلينا أن نصلي في كل وقت، فأوصد صلى الله عليه وسلم هذا الباب، ثم قال ابن تيمية، في سبب آخر: ولتبقى بعض الأوقات مريحة للعبد، ليرتاح فيها ويهدأ لئلا يسأم ويمل من العبادة. لأنك إذا صليت الفجر فإنك تنتظر الظهر، فتبقى في عملك حتى يأتي الظهر، ثم العصر، ثم المغرب وهكذا. بعد المغرب فقد ورد أنه كان يصلي ركعتين بعد المغرب في بيته عليه الصلاة والسلام، وكان يقرأ فيهما: قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، ,وأمَّا بَعْد العشاء فركعتان، وورد أربع، وورد ست ولك أن تصلي ركعتين أو أربعاً أو ستاً، فقد صحت بذلك الأحاديث، والغالب ركعتان.

نوافل غير متعلقة بالفرائض

نوافل غير متعلقة بالفرائض

سنة الوضوء

سنة الوضوء من توضأ في أي وقت، فهل له أن يصلي ركعتين؟ A يقول شيخ الإسلام: لمن توضأ بعد الفجر أو بعد العصر أن يصلي ركعتين، والدليل على ذلك حديث معاذ ولفظه عند الترمذي يقول صلى الله عليه وسلم: {دخلت الجنة، فسمعت دفي نعلك يا بلال! في الجنة، ورأيت قصراً أبيض، قلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من العرب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا من العرب، قالوا: من قريش، قال صلى الله عليه وسلم: أنا من قريش، قالوا: لـ عمر بن الخطاب فقال -في الصحيح- فأردت أن أدخله فذكرت غيرتك يا عمر! فدمعت عينا عمر رضي الله عنه، وقال: أمنك أغار يا رسول الله!!} قال الترمذي: حديث صحيح، والحديث في البخاري ومسلم، ولكن تصحيح الترمذي يستأنس به في هذه القصة الطويلة، وإنما قال صلى الله عليه وسلم لـ بلال: {فما الذي أدخلك الجنة؟ قال: يا رسول الله! والله ما توضأت وضوءاً في ساعة من ليل أو نهار، إلا صليت ركعتين} فمن توضأ فله أن يصلي ركعتين في أي ساعة.

ركعتا التوبة

ركعتا التوبة إذا أذنب العبد فنظر إلى منظر لا يحل له، أو تكلم بغيبة، أو أتى بفحش من القول، أو عصى الله بمعصية. إن مخرجه التوبة والاستغفار، لكن هناك حديث: {أن عليه أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويستغفر الله، فإن الله سيغفر له ذلك} وهذا الحديث في مسند أحمد بسند صحيح. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: كان الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حدثني حديثاً استحلفته، فإذا حلف صدقته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر، لا أستحلف أبا بكر. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ما من عبد يذنب فيتوضأ ويصلي ركعتين ويستغفر الله إلا غفر الله له ذلك الذنب} ثم قرأ رضي الله عنه وأرضاه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:136]. فعلم من هذا الحديث أن للتوبة صلاة، فمن أذنب ذنباً فليتوضأ وليصلِّ ركعتين، وليستغفر الله على ذلك الذنب علَّ الله أن يغفر له ويتوب عليه.

صلاة التسابيح

صلاة التسابيح وهناك صلاة التسابيح ولكن ما هو موقف أهل السنة، أو المحدثين من هذه الصلاة؟ ورد عند الترمذي وعند غيره من المحدثين: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لعمه العباس بن عبد المطلب: {يا عم! ألا أحبوك، ألا أمنحك، ألا أعطيك -أحبوك: أهدي لك، وأمنحك: أبذل لك- قال: بلى. يا رسول الله! قال: إذا أردت فتوضأ وصل ركعتين -ثم وصف له صلى الله عليه وسلم التسبيحات- قال: بعد أن تكبر تكبيرة الإحرام، قل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله خمس عشرة مرة، وقل بعد أن تركع خمس عشرة مرة، وبعد أن ترفع خمس عشرة مرة -في كل انتقال خمس عشرة مرة من هذا الذكر ففي الركعة خمسة وسبعون تكبيرة وتهليلة وتحميدة. في الصلاة ثلاثمائة من هذه الكلمات الطيبات- افعل ذلك في عمرك مرة أو قال: في اليوم مرة، أو في الأسبوع مرة، أو في الشهر مرة أو في العام مرة، فإن لم تستطع، ففي العمر مرة، يغفر الله لك ذنبك} وقد ألف ابن ناصر الدين وهو محدث في القرن السابع رسالة اسمها (الترجيح في صلاة التسابيح) وأتى بهذا الحديث وقال المحقق: انقسم أهل العلم إلى أربعة أقسام في هذا الحديث: قسم صححوه، وهذا موجود، وقسم حسنوه، وقسم ضعفوه، وقسم قالوا بوضعه. فأما ابن تيمية فقال في سند الحديث ظلمات بعضها فوق بعض، وتبعه في ذلك أئمة كبار، وحسنه بعضهم وضعفه الآخرون، وصححه البعض الثالث، والصحيح أن هذا الحديث ليس بصحيح. وليتنا نقوم بما صح عنه صلى الله عليه وسلم حتى نأتي لهذا الحديث، وذلك لثلاثة أمور: أولاً: في سنده رجال تُكُلِّم فيهم. ثانياً: كيف لا تشتهر السنة، بين الناس وتنشر بين الملأ، ويتناقلها الجيل بعد الجيل، وهي مما تتوفر الهمم والدواعي على نقلها. ثالثاً: إن في الأحاديث الصحيحة غنى عن الأحاديث الضعيفة على فرض أنه ضعيف فكيف إذا كان موضوعاً، ففي الحديث الصحيح غنية، وهل قمنا بالأحاديث الصحيحة التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم كصلاة الليل، وكركعتي الضحى، والنوافل التي سنها صلى الله عليه وسلم!! فكيف نذهب إلى هذا؟ وما أظنه إلا عند خواص الناس، فهذه تسمى صلاة التسابيح وليعلم أن الحديث لا يصح فيها بحال، فلا تفعل، وليكتف العبد بما صح.

قاعدة الإمام أحمد في الحديث الضعيف

قاعدة الإمام أحمد في الحديث الضعيف وعلى سبيل الفائدة فهناك كلمة تقال من كثير من المحدثين وقد قيلت في مناسبات: أن الحديث الضعيف إذا كان في الفضائل، قالوا: نتساهل فيه، وهذه كلمة منقولة عن الإمام أحمد، يقول: إذا جاء الحديث في الحلال والحرام تشددنا، وإذا جاء الحديث في الترغيب والترهيب والفضائل تساهلنا، فما معنى هذا الكلام؟ يشرحه ابن تيمية، يقول: ليس المعنى أننا نقول في الفضائل والترغيب والترهيب هذه سنة، فنسنن للناس بأحاديث ضعيفة، فلا يقوم بالحديث الضعيف مستحب ولا سنة، فهذه القاعدة شريفة ومن أعظم قواعد مصطلح الحديث. ومعنى ذلك أن نقول: إن الحديث إذا كان في فضائل الأعمال، إن عمل به لا على أنه سنة؛ وله أصلٌ من أصول الدين الصحيحة يندرج تحتها فيدخل فيها، مثال ذلك: في الكلم الطيب ذكر حديثاً، يقول صلى الله عليه وسلم فيه: {من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتبت له: ألف ألف حسنة، ومحيت عنه: ألف ألف سيئة} هذا حديث ضعيف، والمخرج أن نقول: إذا كان الحديث ضعيفاً، فلا يكون العمل به مسنوناً، ولا يكون من السنة أن إذا دخلت السوق أن تقول: لا إله إلا الله الدعاء. فليس هذا من المستحب، لكن يقال: إن من فضائل الأعمال إذا دخلت السوق لتؤجر، أن تقول: لا إله إلا الله الدعاء، وذلك لأن قواعد الدين وأصوله تحبذ الذكر، قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وقال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35]. فإذا دخلت السوق فقل: لا إله إلا الله واطمع في أجر الله ليكتب لك ألف ألف حسنة، ويمحو عنك ألف ألف سيئة، لا لأنه سنة، أو مستحب، لأن السنة لا بد أن يكون فيها حديث صحيح أو حسن.

أنواع السنن

أنواع السنن السنة الراتبة: هي المرتبة التي تفعل وقتياً وزمنياً، بالترتيب أو بالمداومة، فهذه تسمى راتبة لأنها مرتبة. وأما السنن الطارئة التي كان يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، فمنها سنن كمالية ومنها سنن ناقصة: السنن الكمالية: كسنَّة ركعتي الاستخارة. وسميت كمالية؛ لأن فيها ركوعاً وسجوداً وقراءةً وذكراً، وأما السنن الناقصة: فكسجود التلاوة وسجود الشكر، فهذه سنن ناقصة، لأنه ليس فيها قراءة ولا ركوع، وإنما هي سجود فحسب. وفي صحيح البخاري في كتاب الذكر: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم الصحابة دعاء الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن، وقال إذا عزم أحدكم على أمر إلخ ثم علمهم الدعاء: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب ثم يذكر حاجته إلى آخر الحديث} فيحفظ هذا الحديث ويعمل به متى ما اشتبه على المرء أمران كلاهما حسن، أما أن يشتبه أمر محرم وأمر واجب ويقول: لا أدري. أستخير الله عز وجل، هل أصلي العشاء في البيت أو أصلي في المسجد؟ هذا الأمر ظاهر لا يحتاج إلى استخارة، أو يقول: أستخير الله عز وجل هل أحضر مجلس الذكر أو أبقى في بيتي؟ أو أستخير الله عز وجل هل أصلي الفجر أو أنام حتى طلوع الشمس؟ لا. لا خيرة بين عمل واجب وعمل محرم. وكذلك لا خيرة بين عمل فاضل وعمل مفضول، كأن تستخير الله عز وجل في أن تقرأ القرآن!! أو أن تجلس مع أناس يتحدثون في حديث عام!! لا. بل اقرأ القرآن. إذاً فالاستخارة تأتي في عمل اشتبه فلا تدري ما الأصوب فيه، مثل أن تذهب لحج النافلة أو تذهب إلى الجهاد مثلاً!! وأنت لا تدري؛ هل الخيرة في هذا أو هذا؟ ومثل أن تدرس في هذا القسم أو في هذا القسم، ومثل أن تقرأ في هذا الكتاب أو في هذا الكتاب، فتستخير الله عز وجل، فالاستخارة هذا بابها، مثلاً: اضطربت في أمر أو أتاك ارتباك في بعض الأحوال فعليك أن تستخير الله عز وجل، والاستخارة تأتي بعد السلام من التشهد أو بعد التشهد وقبل السلام وقيل في السجود، والأفضل أن تأتي بعد التحية إذا صليت وتشهدت، فتأتي بدعاء الاستخارة، ثم ما توجه قلبك إليه فافعله. وبعض الناس يشتكي ويقول: أنا أستخير الله ولا يظهر لي شيء!! A استخر الله واستشر الناس، لأنه ما ندم من استخار الله وشاور المخلوقين، فإذا استخرت الله عز وجل فافعل الأمر الذي أنت تفعله، فهو الذي اختاره الله لك ولو لم يظهر لك شيء؛ لأن هذا هو القدر والقضاء في الأفعال، والله عز وجل إذا علم أنك استخرته سوف يصوبك ولو لم يظهر لك رجحان، والعمل الذي فعلته هو الذي أراده الله -إن شاء الله- هذا هو الذي يظهر من هذه النصوص.

صلاة الوتر وأهميتها

صلاة الوتر وأهميتها ومسألة الوتر قد مرت فيها مسألة، وهناك أمور يحسن أن نذكر بها لبعض النصوص التي وردت؛ لأنها في صلاة التطوع، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أوتروا يا أهل القرآن} ويقول عليه الصلاة والسلام: {لا وتران في ليلة} ويقول: {صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة} إذا علم هذا فلك أن تصلي الوتر بعد العشاء مباشرة. والدليل على ذلك ما أورد ابن حزم في المحلى أن بعض الصحابة كانوا يصلونه بعد العشاء منهم معاوية روي أنه صلى ركعة بعد العشاء، وسئل ابن عباس عنه فقال: إنه فقيه. ولك أن تصليها قبل النوم إذا خشيت ألا تقوم من الليل، ودليلها ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام} ولك أن تصليها في الليل، في جوفه أو آخره، وهذا أجملها وأحسنها، وهو وقت نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا، فينادي هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟ وأقل الوتر ركعة، ولا حد لأكثره، وكره بعض أهل العلم الوتر بركعة، وقالوا: لا بد أن يكون قبلها ركعات، ولكن الأولى أن يكون قبلها أربع ركعات، أو ست ثم تأتي بركعة، أما أن يصلي الإنسان العشاء ثم يصلي ركعة، فهذا خلاف الأولى، وإن فعله بعض الصحابة فهو لبيان الجواز. وفرق بين الأولى وبين بيان الجواز: فبيان الجواز أن يأتي إلى أمر يُفعل مرة كما يفعله صلى الله عليه وسلم فيبين أنه جائز، والأولى الذي داوم عليه صلى الله عليه وسلم، إذاً فالأحسن أن تصلي ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، أو أكثر.

قضاء الوتر

قضاء الوتر ومن فاته الوتر فليقضه من النهار، يقول عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من فاته حزبه أو شيء من حزبه من الليل فصلاه من بعد طلوع الشمس إلى صلاة الظهر كتب الله له كأنما صلاه من الليل}. فإذا فاتك وردك من قراءة القرآن في الليل أو ذكر أو صلاة فافعله من بعد طلوع الشمس إلى وقت صلاة الظهر. وأما قضاء الوتر: عند الخمسة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقضاء الوتر على حالته، فقال: {من لم يصله في الليل فليصله في النهار}. ولكن في صحيح مسلم عن عائشة قالت: {كان صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا نام من سفر أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة} فكيف نجمع بين الحديثين؟ هناك حديث يأمر بأن نصلي الوتر على هيئته، فإن كان يصلي ثلاث ركعات ونام فيصلي في النهار ثلاث ركعات أو خمس، وحديث عائشة يقول: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها شفعاً} كان وتره إحدى عشرة ركعة، فيصليها ثنتى عشرة ركعة، فما المخرج من هذا. تحقيق المسألة -إن شاء الله-: أن من فاته وتره فعليه أن يصليه شفعاً في النهار، ولا يصليه وتراً لثلاثة أمور: أولها: أن الحديث الذي يقول بقضائه وتراً عند الخمسة لا يبلغ صحة الحديث الذي رواه مسلم عن عائشة. ثانيها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا وتران في ليلة} لكي لا يجتمع وتران في ليلة واحدة، وكذلك وتر اليوم صلاة المغرب، فإذا أوترت أنت ضحى فقد أوترت في اليوم وترين، لأن صلاة المغرب وتر النهار. ثالثها: لفعله عليه الصلاة والسلام، وصرحت به عائشة، فكان يصلي ثنتي عشرة ركعة، إذاً من فاته وتره فليقضه في النهار، ولو لم يتذكر الوتر إلا بعد شهر فلك أن توتر. الليلة عند العرب إذا أطلقت، فهي من غروب الشمس إلى الصباح، أي: إلى صلاة الفجر أو إلى طلوع الصبح، هذه هي الليلة {لا وتران في ليلية} هذا هو اللفظ الصحيح، وإنما اختلف أهل العلم في قوله صلى الله عليه وسلم: {صلاة الليل مثنى مثنى} واختلفوا في لفظ: {صلاة النهار مثنى مثنى} هل هو صحيح أم لا؟ ادعى ابن حبان والحاكم وابن سيرين، وغيرهم من أهل العلم أنها صحيحة، وقال غيرهم: لا يصح هذا اللفظ وهو شاذ. قال الخطابي في سنن أبي داود: وهي زيادة ثقة فتقبل، إذا علم هذا فإن صلاة النهار مثنى مثنى، ولكن تبقى مثنى مثنى، ولا يوتر لها، فوترها صلاة المغرب، وأما صلاة الليل مثنى مثنى، وزيادة إذا خشيت الصبح فأوتر بركعة، ولم يقل إذا خشيت الظهر أو العصر.

الأسئلة

الأسئلة

حكم صلاة الوتر

حكم صلاة الوتر Q هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يترك الوتر أحياناً؟ A لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم الوتر حضراً ولا سفراً، بل كان يوتر على راحلته عليه الصلاة والسلام، وإنما اختلف أهل العلم هل ترك صلى الله عليه وسلم الوتر ليلة المزدلفة، لما نام عليه الصلاة والسلام في المزدلفة بعد عرفة؟ والصحيح أنه ترك الوتر تلك الليلة. وذلك أنه قبل العشاء صلى ركعتين ثم نام ولم يقم إلا في صلاة الفجر، فأما في السفر، يقول ابن القيم: ما تركه صلى الله عليه وسلم حضراً ولا سفراً، فكان يقصر الصلاة صلى الله عليه وسلم ركعتين ركعتين، وكان يترك النوافل العشر التي ذكرنا، لكن في الليل كان يقوم فيصلي صلى الله عليه وسلم، وربما صلى على الراحلة تتجه به في أي اتجاه، ولو كان مستدبراً القبلة، فعلى المسلم ألا يترك الوتر في السفر، فإنه ما تركه عليه الصلاة والسلام، ولذلك أوجبه الأحناف والصحيح أنه ليس بواجب، ولو كان واجباً لعد مع الصلوات الخمس، والأعرابي الذي أتى من نجد وسأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن الصلوات: {قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا. إلا أن تطوع} ولو كان غيرها واجباً لذكره، فلا يترك الوتر حضراً ولا سفراً.

حكم صلاة الوتر بعد أذان الفجر

حكم صلاة الوتر بعد أذان الفجر Q هل يجوز الوتر بعد أذان الفجر؟ A هذه المسألة بحثت، وأهل العلم فيها على قولين اثنين: القول الأول: إنه ليس لك أن تصلى الوتر؛ لأنه إذا طلع الفجر فلا نافلة إلا ركعتي الفجر. وتستقبل صلاة الفجر، ووقت الوتر قد انتهى في الليل، ثم استدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: إذا خشيت الصبح فأوتر بركعة، فأنت قد حل بك الصبح، فليس عليك وتر الآن إلا أن تقضيه في النهار. والقول الثاني: عليك أن تصلي لأنه وقت، ولأنه قضاء، ولأنه من ذوات الأسباب وهذا الذي رجحه ابن تيمية فقال: ليس هناك مانع، وهذا يفعل في الندور، لكن من تعود يمنع منه، كإنسان يتعود دائماً كلما طلع الفجر وأذن يوتر يومياً فلا. لكن نادراً في الأسبوع أو في الشهر مرة فيفعله، ولا شيء عليه.

بيان وقت صيام الثلاث الأيام البيض

بيان وقت صيام الثلاث الأيام البيض Q ما هي الثلاث البيض؟ A الثلاثة الأيام في حديث أبي هريرة وحديث أبي الدرداء وحديث أبي ذر، ليست الأيام البيض، بل الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق القول فيها، ولذلك ذكر ابن حجر فيها أحد عشر قولاً لأهل العلم في الثلاثة الأيام البيض، منهم من قال هي في وسط الشهر، ومنهم من قال: في أول الشهر، ومنهم من قال: في آخر الشهر، ومنهم من قال: من كل عشرة أيام يوم، والصحيح أنها لا تتقيد ولو صمتها في أيام البيض لكان أفضل، ولو طرأ لك سفر أو عارض، أو أمر فلك أن تنثرها في أي وقت شئت.

البدعة والتحذير منها

البدعة والتحذير منها Q ما حكم الزيادة في الدين من غير دليل؟ A إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا يتعبد بالهوى أو بتشريع من أنفسنا، فإن الإسلام مبني على الاتباع لا على الابتداع، فما أتانا به النص نعمل به، وما لم يأتنا نتوقف فيه. ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد} وقد جاء رجل عند سعيد بن المسيب -أحد العلماء التابعين- وإذا به يصلى قبل الفجر، فصلى ركعتين ثم سلم، ثم صلىْ ركعتين، ثم صلىَ ركعتين، فقال سعيد بن المسيب رحمه الله: [[والله إني أخشى أن يعذبك الله بالنار، فقال الرجل: يا سبحان الله! يعذبني الله على أني صليت له، قال: لا يعذبك الله لأنك تصلي له، ولكن يعذبك على البدعة]]. لأنه زاد صلاة ليست في وقتها، فلو كان الدين بالرأي لقلنا ماذا كان في صلاة التسابيح؟ فنحن نقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، وكلها حسن، ولكن المسألة توقيفية، لا يتحرك الإنسان فيها خطوة، إلا بأمر من الله، وأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حكم تحية المسجد

حكم تحية المسجد Q هل للخطيب أن يصعد المنبر دون أن يصلي ركعتين؟ A إذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال. تقول للناس مثلاً -وهذه أمثلة يضربها ابن تيمية - فنقول مثلاً: لو لم يخطب الخطيب الخطبة الثانية؟ فنقول: الخطبة الثانية سنة، فتقول أنت: يحتمل أنه سقط يوم الجمعة من المنبر، فهذا احتمال، لكن أين الدليل؟ أبو البركات جد ابن تيمية في المنتقى يقول: لما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم، قال لـ بلال: أقم الصلاة فلم يصلِّ، وأتى بهذا السؤال، وقال أهل العلم: ربما صلى في بيته، فإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال، وليس هناك دليل في الاحتمال، فنبقى على الأصل.

حكم الصلاة في أوقات الكراهة لغير سبب

حكم الصلاة في أوقات الكراهة لغير سبب Q لماذا اعترض ابن المسيب على الرجل مع أنه قد يكون صلى لسبب؟ A لا. لأن سعيد بن المسيب رحمه الله لما صلى هذا الرجل لم يصلّ لسبب فقد صلى ثمان ركعات أو عشر ركعات ليست لأسباب، فالداخل يصلي ركعتين سببها تحية المسجد، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من دخل المسجد فليصل ركعتين} فعندك سبب ومعك حديث بيدك، ولك أن ترد على سعيد بن المسيب تقول: حديث أبي قتادة في الصحيحين كذا وكذا وتأتي به، لكن الرجل ليس عنده حديث، يصلي ثمان ركعات فيقول ابن المسيب: [[أخشى أن يعذبك الله في النار]] فما استطاع أن يأتي بدليل، قال: لا. لا يعذبني الله في النار لأنني أعبده، ثم إن ابن حزم في المحلى يقول: من أتى المسجد في الفجر فليصل ركعتين تحية المسجد وركعتين سنة الصبح. فرد عليه العلماء وقالوا: لا. النوافل تتداخل، فالتحية تدخل في سنة الصبح.

صلاة الوتر

صلاة الوتر Q قلت: إن بعد صلاة العشاء ركعتين وخمساً فهل علينا شيء إذا صلينا ركعتين دون الثلاث الأخرى، وهل تكفي الركعتان؟ A قلت: إنما السنة ركعتان بعد العشاء، كان يصليها صلى الله عليه وسلم من غير صلاة الليل، وليس معنى ذلك أن تصلي ركعتين ثم تنام ويكفيك ذلك، فإن الوتر شيء والسنة بعد صلاة العشاء شيء آخر، فأنا أذكر هنا السنة التي بعد العشاء فهي ركعتان، وأما الوتر وقيام الليل فهو شيء آخر.

صفة الوتر في السفر

صفة الوتر في السفر Q كيف تكون صفة الوتر في السفر؟ A الوتر في السفر على هيئة الحضر إن كان خمساً فخمس، أو كان ركعة فركعة فهو على هيئة الحضر.

قراءة سور مخصصة في الوتر

قراءة سور مخصصة في الوتر Q هل هناك سور معينة في الوتر؟ A ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ السور الثلاث في الركعات الثلاث، في الركعة الأولى: سبح اسم ربك الأعلى، وفي الركعة الثانية: قل يا أيها الكافرون، وفي الركعة الثالثة: قل هو الله أحد. وفي حديث ضعيف عند الطبراني {أنه كان يقرأ المعوذتين} كان يزيدهما مع الإخلاص، ولكن الصحيح أنه كان يقرأ: (قل هو الله أحد) وحدها، والأفضل أن توتر بهذه لأنها السنة التي سنها صلى الله عليه وسلم.

موضع دعاء الاستخارة

موضع دعاء الاستخارة Q ما هو وقت دعاء الاستخارة؟ A دعاء الاستخارة له ثلاثة مواطن، إما في السجود، وإما بعد التشهد قبل السلام، وإما بعد السلام إذا رفعت يديك، وأولاها وأحسنها وأجلها بعد التشهد قبل السلام.

الصلاة بعد الوتر

الصلاة بعد الوتر Q ما حكم الصلاة بعد الوتر؟ A هذا أورده ابن القيم وتحدث عنه ابن تيمية فقال: الركعتان اللتان وردتا بعد الوتر هما بمنزلة اللتين بعد صلاة المغرب جبراً للوتر، فكان يفعلها صلى الله عليه وسلم أحياناً جالساً، فللإنسان أن يصلى ركعتين بعد الوتر لتجبر الوتر ولا يحتسبها من صلاة الليل، ولا يداوم عليها، ولا تنقض الوتر بإذن الله.

حد التشهد الأوسط

حد التشهد الأوسط Q ما حكم من توقف في التشهد الأوسط على (أشهد أن لا إله إلا الله)؟ A السنة في هذا أنه يكمل التشهد الذي ورد وصح عنه صلى الله عليه وسلم، وبعض الناس يزيد الصلاة الإبراهمية على الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا ليس بصحيح، فالسنة أنه يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بتر الشهادة فهو خلاف السنة، لكن إن شاء الله لا تبطل شهادته إن كان جاهلاً.

دعاء القنوت في الصلوات

دعاء القنوت في الصلوات Q ما حكم ترك دعاء القنوت؟ A دعاء القنوت هو: الدعاء في الركعة الأخيرة بعد الوتر، وهو دعاء الوتر، هذا الدعاء ورد في الترمذي من حديث الحسن بن علي، قال: {علمني رسول الله دعاء الوتر، أن إذا قلت: سمع الله لمن حمده أقول: اللهم اهدنا فيمن هديت} وهذا الحديث فيه ضعف. لكن السنة لك أن تدعو وأن تترك، والرسول صلى الله عليه وسلم ما داوم في الوتر دائماً بالدعاء حتى في رمضان، ولا يظن بعض الناس أنه إذا صلى الإمام في رمضان ثم سجد ولم يدع بهم؛ أنه خالف السنة، بل قد أتى بالسنة، حيث دعا بعض الليالي وترك في بعضها، ومن ادعى المداومة فقد أخطأ السنة، وبعض الناس يرتاح للدعاء في السجود، فيطيل السجود ويكون أروح لقلبه، فله أن يدعو في السجود ويترك القنوت.

حديث: أفعمياوان أنتما

حديث: أفعمياوان أنتما Q هل هذا حديث (أفعمياوان أنتما؟) وما صحته؟ A هذا حديث: {أفعمياوان أنتما} وهو عند الترمذي، وعند غيره من أصحاب السنن {أن عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه وأرضاه، دخل على أم سلمة، ومعها إحدى نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: احتجبن عنه، فقالتا: يا رسول الله إنه أعمى، قال: أفعمياوان أنتما}. هذا الحديث صححه بعض أهل العلم وضعفه البعض الآخر، والذين ضعفوه لهم فيه علل ثلاث، قالوا: فيه انقطاع، وفيه سعيد بن مدرك، وفيه ابن المنصور كذلك، والراوي الذي روى عن عائشة لم يدركها، فهي علل ثلاث، وقد رأيت كلام الألباني في إرواء الغليل يقول: القصة صحيحة، لكن هذا اللفظ ليس بصحيح، هذا كلام الألباني، والذين صححوه، صححوه لمجموع طرقه، والذي يظهر والمرجح، ولكل إنسان وجهة نظر ونظرة خاصة لأنها قاعدة في مصطلح الحديث (التصحيح والتضعيف يقبل الاجتهاد) فلا يُلام إنسان أن يصحح حديثاً يوم الجمعة، ثم يأتي خطيب ويقول: هذا حديث ضعيف، فإنه يقبل الاجتهاد، كما يجتهد الإنسان في الفروع، ومدارك الناس تختلف، ومشاربهم تتفرق، ثم إن بعض الناس يصل عندهم من العلم وجمع الطرق، ما لا يصل عند الآخر. إذا علم هذا فإن الظاهر في هذا الحديث الضعف، وهو ضعيف بلا شك، ودل على ضعفه حديث صحيح وفيه يقول صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة بنت قيس لما أمرها أن تعتد من زوجها: {اعتدي عند أم شريك ثم قال: إنها امرأة يغشاها الناس -أي: يأتيها الناس وكانت كبيرة- فقال: اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين عنده ثيابك ولا يراك}. فدل على أنه لا يلزم المرأة أن تحتجب عن الأعمى؛ لأنه يترتب على ذلك مسائل، منها: أن الأعمى له أن يدرس النساء ويخاطبهن ويعلمهن، وله أن يجلس بينهن لمصلحة بوجود المحارم، ولا يحتجبن عنه، فهذا هو الذي دلت عليه المسألة وهذا الذي يستفاد من الحديث.

الاجتهاد وشروطه

الاجتهاد وشروطه Q ما هي شروط الاجتهاد؟ A هذه مسألة تدخل الإنسان في حيص بيص، وأتى بها أهل العلم في كتب كبار وصغار، ومجلدات ورسائل، وهذا ليس أوان بحثها، والذين وضعوا شروط الاجتهاد دخلوا في الاجتهاد، فشروط الاجتهاد بالاجتهاد، حتى قال بعض العلماء: كيف يضعون شروط الاجتهاد وهم قد اجتهدوا أصلاً في وضع هذه الشروط، ومن الذي قال لهم هذه الشروط، ويقول ابن الوزير اليمني العالم الكبير، صاحب كتاب العواصم والقواصم: بعض الناس يشترط في شروط الاجتهاد شروطاً لو طبقت على أبي بكر وعمر لما انطبقت عليهم، قالوا: يحفظ متناً في الفقه ومتناً في أصول الفقه، ومتناً في المصطلح ومنظومة في كذا وكذا، ويحفظ لا أعلم كم ألف من الحديث، ثم بعدها يصبح مجتهداً، فلو طبقت هذه الشروط على أبي بكر لما انطبقت، فهو لا يحفظ منظومات، وإنما أعطاه الله تعالى نوراً من عنده. إذاً فشروط الاجتهاد تختلف، وليس هذا أوان بحثها، لكن الذي عنده شيء من اللغة وشيء من النحو، وفتح الله عليه في معرفة الشريعة، وأصبح يعرف صحة الحديث من ضعفه، وترك كلام الأئمة فله أن يوازن بين الأدلة لا أنه مجتهد لكن يتبع الدليل، أما أن يأتي إنسان متهور، فيقول: هذا الحديث قاله مالك، فهل ما دام أنه قاله مالك فقد انتهى الأمر؟ وما هو دليل مالك؟ فليست مسألة اجتهاد وتقليد، لكن مسألة الدليل، أما عوام الناس فيسألون العلماء، والعامي دليله مفتيه، وللبحث بقية، ومجاله واسع، كما يقول بعض أهل العلم: تساقطت فيه عمائم الأبطال وتكسرت النصال على النصال.

التوازن في حياة الشباب

التوازن في حياة الشباب طلب العلم أمر مهم، وفرض محتم، ولكن قد تشوبه بعض الأمراض التي ينبغي التنبه لها؛ منها عدم الاهتمام بتزكية القلب وخشوعه، أو عدم الاهتمام بما يخدش المروءة، أو يفتي المرء بما لا يعلم، أو يطغى جانب العلم أو الدعوة على بقية مناحي الحياة، وهذا الدرس معالجة لذلك.

أهمية التوازن

أهمية التوازن إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ سلاماً أزكى من المسك، وأنقى من ماء الغمام، وأبيض من الفجر، سلاماً ثابتاً ثبات مبادئكم، صادقاً صدق إيمانكم، راسخاً رسوخ معتقدكم. ما أسعدني هذه الليلة أن أجلس بين أيديكم، أشكر أخي وزميلي الشيخ/ عبد الله الشهراني على مقدمته، وأشكركم على حضوركم. سبب السعادة أمران: الأمر الأول: أنني ألتقي أنا وإياكم هذه الليلة تحت النسب الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، نسب لا إله إلا الله محمد رسول الله، فنحن وإياكم نزاع من القبائل، التقينا لا على سبب ولا على حسب ولا على نسب إلا نسب لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62 - 63]. لما جلست ورأيت الجمع تذكرت بعض الاجتماعات في مثل ليالي رمضان لكنها من نوع آخر، هناك شباب يجتمعون مثلما تجتمعون، لكنهم يجتمعون على سهرات حمراء، وموسيقى حالمة وبلوت وضياع، فقلت: يا سبحان الله! كم بين الواديين والفريقين والحزبين!! فأسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن سلك بهم طريق الهدى وهم أتباع محمدٍ عليه الصلاة والسلام. نعم. كما سمعتم عنوان المحاضرة: التوازن في حياة الشاب المسلم. نحن بحاجة إلى هذا الموضوع نزن به أعمالنا وأقوالنا ونشاطنا، نحن بحاجة إلى أن يكون الشاب فقيهاً قبل أن يكون مندفعاً ذا عاطفة، أن يكون فقيهاً في دين الله عز وجل، وصحيحٌ أن في أول الطريق يحدث للإنسان شيء من العاطفة أو عدم الاتزان، أو تغليب جانب على جانب، وسوف أدور في هذه الليلة في مسائل: منها الروحانية في حياة الشاب، وجذوة القلب، وتوقد الروح، أن يعيش هذا الدين. ومنها طلب العلم وطرق تحصيله ومحاذيره. ومنها الجرأة على الفتيا وتغليط أهل العلم، والتشنيع بالزملاء والإخوة. ومنها التوازن وهو لب المحاضرة، كيف توازن بين العبادة: النوافل كقراءة القرآن، وبين أن تكون داعية، وبين حضور المراكز الإسلامية، وبين حقوق الوالدين وحقوق الأصدقاء والحقوق العامة. أتحدث لكم عن مسائل نعيشها، كخوارم المروءة التي لا يسلم منها إلا الفطناء، وأخطاء في منهج طلب العلم، والالتزام الظاهر على حساب التزام الباطن، ومنها الآداب العامة التي يخل بها كثير من الناس. أيها الإخوة الفضلاء الرسول عليه الصلاة والسلام ربى أصحابه، ووجد في المنهج الأول الذي عاشه النبي صلى الله عليه وسلم أخطاء من هؤلاء في أول الطريق فبَصَّرهُم الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد وجد شباب أرادوا أن يغلبوا جانب العبادة على جانب طلب العلم، وعلى جانب التفكر والتأمل، والدعوة؟ ووجد من يقول: والله لأصومن النهار ولا أفطره، وآخر يقول: لأقومن الليل ولا أنامه، وثالث يقول: لا أتزوج النساء، ورابع يقول: لا آكل اللحم، فاستدعهام صلى الله عليه وسلم لأنهم أرادوا تنظيم مبدأ جديد؛ لأنه هو المنظم وحده عليه الصلاة والسلام، ليس للإنسان أن يقترح بين يدي الله عز وجل ولابين يدي رسوله عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1]. فليس لك أن تقترح أو تأتي بشيء؛ إنما عليك أن تتوقف أمام الشرع، فأخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم: {أن من رغب عن سنتي فليس مني} أولاً هو القدوة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. يصلي فيقول: {صلوا كما رأيتموني أصلي} يحج عليه الصلاة والسلام فيقول: {خذوا عني مناسككم} إذاً لا بد أن يتبع. وعند الدارقطني وقال النووي: رويناه في كتاب الحجة بسند صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به} إذا علم هذا فالواجب علينا أن نتقيد بالشرع، وتقيدنا بالشرع يجعلنا نفكر في حركاتنا وسكناتنا، هل توافق الشرع أم لا.

أسباب فقد الروحانية في حياة الشباب

أسباب فقد الروحانية في حياة الشباب من المسائل التي نعيشها مثلاً: فقد الروحانية من القلوب، قلة البكاء والخشية، عندنا علم كثير وكلام وخطب؛ لكن ليست عندنا خشية لله إلا في القليل النادر، من علامات الساعة عند كثير من أهل العلم؛ أن ينزع الخشوع حتى لا ترى خاشعاً، ولها أسباب.

المعاصي تضعف الخشوع

المعاصي تضعف الخشوع ومن أعظم أسبابها المعاصي، فإن الناس خاصة في الأزمان المتأخرة بعد انكماش نور النبوة وقلة العلماء والمربين يقعون في المعاصي، حتى أنك تفاجأ بشاب ملتزم يخبرك بأمره ثم يتحسر ويتقطع لبوادر بدرت منه. أولاً: لا نقول إن الناس معصومون. ثانياً: نقول لمن أخطأ: تب إلى الله. ثالثاً: ولا نقر الناس على خطئهم نقول: إذا أخطأت فالبشر يخطئ ولست بمعصوم والله غفور رحيم، وإذا أخطأت فعد إلى الله لكن هذا تقرير، والواجب أن يزجر، فسبب عدم الروحانية: قسوة القلوب، أعني المعاصي: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13]. ورأيت عبد الغني المقدسي، وذكره صاحب طبقات الحنابلة، أنه ذكر حديثاً عن أبي بكر الصديق يقول: [[مر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه برجل يقرأ القرآن ويبكي، فقال أبو بكر: هكذا كنا حتى قست قلوبنا]] فالذي يظهر أنه لابد أن يقسو القلب أحياناً، ولكن ذلك لا يكون مستمراً ولا دائماً، حتى أنك تعلم أن بعض الناس تمر به السنة ولا يبكي، ويسمع القرآن فلا يتأثر، بل بعضهم أصابته روحانية غريبة؛ يبكي وقت الأناشيد ولا يبكي من القرآن، ويهتز إذا سمع بيت شعر وتسيل دموعه، بينما يسمع القوارع من كتاب الله عز وجل صباح مساء فلا يتأثر. ترجم الذهبي لرجل من أهل خراسان عالم عجمي يقول: قرأ القرآن من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس فما تأثر، فلما ذهب إلى بيته سمع طفلاً لجيرانه ينشد قصيدة فبكى وقال لنفسه: صدق أهل خراسان حين اتهموني بأنني زنديق، وهذا من التواضع، وهو ليس بزنديق إن شاء الله، بل هو من المؤمنين، لكن اتهم نفسه عندما قال: كيف أبكي من هذه الأنشودة ولا أبكي من القرآن؟!

كثرة المباحات تنزع الخشوع

كثرة المباحات تنزع الخشوع من أسباب فقد هذه الروحانية: كثرة المباحات؛ فإننا نكثر من المزاح على حساب الجد، وهذه ظاهرة في الشباب، المزح اليدوي والمزح باللسان، وكثرة الزيارات من غير طائل، وكثرة الكلام الفارغ، ومجريات الحياة، وأخبار الناس، حتى أنك تجد طالب العلم إذا زارك في بيتك وفتحت له كتاباً وقلت: هيا بنا نقرأ، لم يزرك مرةً ثانية، وجرب أي شاب يأتي في سبيل البسطة، وعلى سبيل السعة والترويح، يأتيك ليزورك ليوسع صدره ويضيق عليك صدرك، أي أنه يعمل أعماله ويقرأ فيرى أن يجعلك فرجة له، فيطرق عليك الباب ويدخل، يريد منك أن تخبره بالقصص، وأن تمازحه، وأن تمضي معه الوقت؛ لكن جهز له موضوعاً قبل أن يدخل من فتح الباري وتقرأ ثلاث صفحات متواصلة، وناقشه، مرة ثانية يتثاقل من زيارتك، وهذا من طبيعة النفوس، ودليل على عدم الجدية لا في التحصيل ولا في ضبط الوقت.

كثرة الخلطة وتأثيرها على الخشوع

كثرة الخلطة وتأثيرها على الخشوع من أسباب فقد الروحانية كذلك: كثرة الخلطة؛ فإن ابن القيم جعلها داءً؛ إلا خلطة الصالحين وطلبة العلم والإخوة والأخيار، فإن كثيراً ما يختلط الناس على غير طاعة، بل والله إن خلطة كثير منهم تظلم القلب، بل رؤية بعض الناس تجعل قلبك قاسياً؛ مر الحسن البصري فرأى قصور المترفين فغمض عينيه فقالوا: مالك؟ قال: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:131]. وقرأت أن أحد الصالحين رأى سلطاناً مترفاً يمر على فرس فغض بصره وقال: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَار} [هود:113]. قال أحد حاشية الظلمة لـ سفيان الثوري: يا أبا سعيد! هل أنا من أتباع الظلمة والله يقول: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [هود:113] قال: لا. أنت لست من الحاشية، قال: ممن؟ قال: أنت منهم. أنت من الظلمة مباشرة، لست من الحاشية لأن الحاشية هم المشجعون والمطبلون، والمتعاطفون، فالمقصود أن هذه الأسباب تجتمع على القلب حتى يصير قاسياً.

طلب العلم

طلب العلم المسألة الثانية طلب العلم: وأنا أنهى وأحذر الإخوة من أن يستجيبوا لكل من ثبطهم عن العلم، يقولون: إنما نحن دعاة لا علماء، وكيف يدعو الإنسان بدون علم، وهل هناك أشرف من طلب العلم، هل كان محمد صلى الله عليه وسلم إلا عالماً معلماً، وهل أنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى قوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] وقوله: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] وقوله تعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] إلا على النبي صلى الله عليه وسلم.

فضل طلب العلم وشرفه

فضل طلب العلم وشرفه أيها الإخوة: طلب العلم أفضل ما يكون، وإنما يشرف المركز الصيفي بكثرة الدروس فيه وكثرة تحصيل الطلبة. قال أحد الأدباء من المدن القريبة: أذهب أربعين سنة في طلب الأدب، هذا الأدب والشعر والدواوين، يقول: والله فاتت مني أربعين سنة كما يفوت خاتم الشحيح إذا سقط في الأرض، قال: ثم عدت فأتهنى لشباب هم الآن في الثانويات والجامعات بدءوا يطلبون الحديث ويخرجون الأحاديث، يقول: يا ليتني أدركت الأربعين وجعلتها في طلب الحديث وتخريجه، وترجم الذهبي لـ ابن عبد الباقي الأنصاري العالم في القرن الرابع، يقول: كان محدثاً مفكراً نحوياً، خطيباً، أديباً، عنده علم الفلسفة يقول ابن عبد الباقي: تبت من كل علم إلا من علم الحديث. ومقصودي: أن العلم هو علم قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، ويعجب الإنسان في نفسه -ولا يريد الإنسان أن يتحدث عن نفسه- لكن قبل سنوات كنت أظن أن العلم هو دواوين الشعر، اثنان وعشرون ديواناً كانت عندي، وكنت أظن أن العلماء هم الشعراء، في الليل والنهار قصائد، حتى أكتشف في الأخير أن هناك رجلاً اسمه البخاري، وابن تيمية، وأحمد، وأن هؤلاء الشعراء لا يساوون شيئاً. فطلب العلم أشرف شيء، والأمة إنما تنتهي إذا لم يبق فيها علماء.

مدلول كلمة (المفكرين)

مدلول كلمة (المفكرين) ما معنى كلمة (مفكرون)؟ هل سمعتم في القرآن كلمة (مفكرين) إلا اشتقاق يتفكرون أو التفكر؛ لكن (مفكرون) من أين أتتنا؟! في الإسلام علماء وجهلة فقط أما كلمة فكر فدخيلة علينا، تجد المفكر الآن يتكلم ست ساعات لا قال الله ولا قال الرسول عليه الصلاة والسلام هذا يسمى مفكراً، والمفكر أحياناً لا يصلي صلاة الجماعة مع الناس، وإذا قلت له: صل صلاة الجماعة مع الناس، يقول: أنا أنظر للأمة، قلنا: لماذا لا تقوم الليل يا فضيلة المفكر؟ قال: القضية ليست قضية قيام الليل. قلنا: ما هي القضية؟ قال: هي قضية حياة الإسلام ورسوخه في الأرض. قلنا: ولماذا لا تطلق لحيتك؟ قال: القضية ليست إطلاق اللحية. قلنا ماهي القضية؟! قال: القضية أكبر من ذلك، عموم الدين وشموله في مناح الحياة. يلبس دبلة الذهب، ويترك صلاة الجماعة، ويحلق لحيته، ويسدل ثوبه، فإذا حدثته في هذه القضايا، قال: لا، هذه قضايا تسمى قشور الدين، وإذا كلمك فلا تفهم كلامه، مثل كلام المناطقة، الذين يقول فيهم الإمام الشافعي: رأيي فيهم أن يطاف بهم في القبائل والعشائر ويجلدوا بالجريد والنعال ويقال: هذا جزاء الذين تركوا علم الكتاب والسنة وأتوا إلى هذا. ثم إن العلم شيء، والثقافة العامة شيء آخر، بعض الإخوة يدرس الجرائد اليومية ويحفظها ويتدبرها وقد يبكي منها، ثم يظن أنه من العلماء الراسخين في العلم، وبعضهم ليس عنده في المكتبة إلا دوريات ومجلات وجرائد، هذه ليست علمية، ثقافة عامة تصلح، للأمي وللعالم؛ لكن ما تكسبك علماً، العلم قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، ولذلك يراد الآن بالعالم الإسلامي كما يقول أحد المفكرين: أن يكون هناك لطلبة العلم مستوى من الثقافة يشتركون فيه جميعاً، لذلك تجد في الجامعات الحذف في المقررات، أحياناً تجد الفقه مجرد عشرين ورقة أو ثلاثين فقط، يحذف باب كامل، والأحاديث المخرجة، ويحذف منه نقاط، حتى يخرج الشباب مثقفين فقط، أما علماء فهذا ليس مقصوداً، وربما صُرح في بعض المناهج بذلك حتى يكون عند الناس طبقة واحدة من المثقفين جرياً على عادة الغرب.

أخطاء في الطلب

أخطاء في الطلب ومما يقع فيه كثير من الشباب وهو أمر غير محمود أنهم قدموا على القرآن غير القرآن، الآن يحفظ بعضهم الرحبية، والبيقونية، ولا يحفظ كتاب الله بل بعضهم حفظ القرآن، ثم انشغل بالمتون، حتى ترك القرآن، وترك أم المتون وأباها ورأسها وتاجها كتاب الله، فالله الله في حفظ القرآن، وأقول: إن كتاب الله عز وجل يغني عن غيره، فإن كان ولا بد أن تحفظ متناً واحداً فعليك بكتاب الله، ثم تزود بعد ذلك، فالخطأ الشنيع -يا أيها الإخوة- أن يهدر كتاب الله عز وجل بسبب متون أخرى، أو بحفظ أشياء أخرى، وأنا أرشح كتاب الله عز وجل للحفظ ومختصر البخاري للزبيدي، ومختصر مسلم للإمام المنذري، فهذه هي المتعة وهي الحياة، وأنا أعتقد أن من حفظ هذا وتدبر وتأمل سوف يصبح عالماً له أثر وله مستقبل بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

عدم الانضباط في فن واحد من العلم

عدم الانضباط في فن واحد من العلم من الأخطاء كذلك في طلب العلم: عدم الانضباط في فن واحد، وعدم المسار الصحيح في التلقي، تجده يدرس اليوم فقهاً وغداً حديثاً، ينتقل من كتاب إلى كتاب، فيحصل معلومات عامة من كل بحر قطرة، عنده حديث من فتح الباري، وعنده مسألة من المغني وعنده تحقيق وخلاف من نيل الأوطار، وعنده حفظ يحفظه في بلوغ المرام، وعنده مراجعة في رياض الصالحين؛ يقول ابن القيم في الفوائد كما قال الأول: ومشتت العزمات ينفق عمره حيران لا ظفر ولا إخفاق وكثير من الشباب حيران لا ظفر ولا إخفاق، لارسب رسب، ولا نجح نجح إنما هو بين بين، ليس متأكداً أن يكون عالماً، وليس متأكداً من أن يكون جاهلاً، يقول: إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا قرأت في السير في المجلد التاسع عشر، وجعلت على ذلك علامة حتى لمن أراد أن يراجع في سير أعلام النبلاء أن جد ابن العربي قرأ صحيح البخاري سبعمائة مرة ذكره الذهبي وكان أحد النظار في النحو لا أدري أهو ابن الشجري أم ابن الخشاب يقولون: كنا ندخل عليه البيت وهو يقرأ في كتاب سيبويه ونخرج وهو يقرأ، وكان إذا سافر أخذه معه، وإذا نزل، أو حل أو ارتحل أخذه معه، حتى كاد يحفظه عن ظهر قلب، هذا هو الصبر والجلد، أعرف شخصاً في الرياض عالماً قرأ المحلى لـ ابن حزم بتركيز وتأمل وعمق خمس مرات، وهذه تخرج علماء، قضية الصبر والإلحاح والجلد على التحصيل، وانظر لمن يشتغل في الأمور العامة، كصانع الطوب مثلاً، والفلاح والنجار والخباز والغسال، عندهم من الجلد والصبر، وعندهم من الجهد والعرق ما ليس عند طلبة العلم. فيا أيها الإخوة: الله الله في عدم الملل: اطلب ولا تضجر من مطلبٍ فآفة الطالب أن يضجرا أما ترى الحبل بطول المدى على صميم الصخر قد أثرا وقرأت في ترجمة أبي إسحاق الشيرازي من الشافعية، صاحب المهذب، أنه يقول: كنت إذا أردت أن ألقي درساً على تلاميذي كررت الدرس مائة مرة، وقال: كنت أحفظ القياس في شبابي فأكرر القياس الواحد ألف مرة، هكذا ذكره النووي وذكره عنه كذلك الذهبي؛ هذه مسألة.

التعجل في الفتيا

التعجل في الفتيا المسألة المهمة كذلك ألا يتعجل طالب العلم في الفتيا، فإنها مهلكة، وكان الصحابة يتدافعونها يقول تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116] وفي حديث مرسل: {أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار}. فيا أيها الإخوة: الله الله في التوقي في شأن الفتيا، و (لا أدري) نصف العلم، وقال علي بن أبي طالب: [[من فاتته (لا أدري) أصيبت مقاتله]] وقال الشعبي: من أجاب الناس عن كل ما يسألونه فإنما هو مجنون، وذكر ابن القيم في إعلام الموقعين أن الإمام مالكاً كان إذا سُئل عن مسألة تأمَّل وجلس وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وكان بعض العلماء إذا سُئل عن مسألة جلس وقرأ الفاتحة، وبعضهم يقول: الله المستعان، وبعضهم يؤجل السائل يوماً حتى يتأمل المسألة، هذا من باب عدم السرعة في الفتيا. وكان الصحابة يتدافعون الفتيا؛ يقول أحد التابعين لبعض التابعين: إنكم لتفتون في مسائل لو عرضت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر. فيا أيها الإخوة! الحذر الحذر من الفتيا، أنا أعرف بعض الشباب يفتون في الطلاق بالثلاث، وأنا لا أتوقع مجلساً من الشباب فيه ثلاثون شاباً، أو أربعون شاباً تعرض عليهم المسألة ويسكتون جميعاً ويقولون لا ندري؛ لا بد أن يتبرع منهم رجل ويصرمها تصيب أو تخطئ، وقد حذر ابن الجوزي في كتاب صيد الخاطر من خوف طالب العلم على جاهه، فإنه يأتيه الشيطان ويقول له: جاهك سوف ينسحق أمام العامة، فاحذر فيقال: ما رأيك يا فضيلة الشيخ في مسألة الطلاق ثلاثاً في دفعة واحدة وفي مجلس واحد؟ وهذه مسألة حيص بيص، المسألة أوقفت ابن تيمية في السجن أشهراً، وجرى عليها خلاف طويل عريض، ابن تيمية يقول في أول كتاب الطلاق في الفتاوى، فيها أربعة أقوال: وقرأتها في كتاب هيئة كبار العلماء، وجدت فيها بحثاً يقارب ثلاثمائة صفحة، ثم خلصت الهيئة العامة لهيئة كبار العلماء بعد أن اجتمعت ودرست الأمر وخرجت بنتيجة فيما يقارب خمس صفحات، ومع ذلك يأتي الطالب ويفتي بسهولة. وكذلك مسائل الدماء والأنساب والأبناء صعبة؛ فحذار حذار من التسرع وماذا عليك؟ يقول ابن عمر: لرجل لا أدري، لا أدري، فقال الرجل: كيف أنت ابن عمر وأنت لا تدري؟ قال: اذهب إلى الناس وكل من لقيته فقل: ابن عمر لا يحسن شيئاً، ووفدوا إلى مالك فسئل أربعين مسألة فأجاب عن ثمان في رواية، وقال في ثنتين وثلاثين: لا أدري، وكان علي بن أبي طالب يقول: [[ما أبردها على قلبي إذا سئلت عما لا أدري، فقلت لا أدري]] وأمر الله رسوله بأن يقول: لا أدري أما قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لرسوله {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86] المتكلف: هو الذي يكلف نفسه بما لا يستطيع.

الوسوسة في الفتيا

الوسوسة في الفتيا وهناك الوسوسة؛ فغير مطلوب من الإنسان أن يوسوس في الفتيا التي هي من البديهيات والفتيا فيها تنفع العامة، كرجل يسأله بدوي كم أتوضأ الوضوء فيقول له: الله ورسوله أعلم، لماذا لا تفتيه يا فضيلة الشيخ؟ يقول: الورع، وقد كان الصحابة يتدافعون الفتيا، هذه مسألة جاهزة وسهلة، كتمت علمك، لأن الحذر من طرفين اثنين: الطرف الأول: التسرع، وهو القول على الله بغير علم قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم}) [الإسراء:36] {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ} [النحل:116]. الطرف الثاني: طرف الكتمان: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160]. {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187]. وفي السنن بسند صحيح: {من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار}.

التوازن في الحياة

التوازن في الحياة من المسائل التي يمر بها الشباب وما استطاع إلا القليل أن ينضبط فيها مسألة التوازن في الحياة، أن يوفق بين متطلبات الدين والدنيا، أن يكون وسطاً، ألا ينقص جانبٌ من حياته جانباً آخر، الآن علماء الفلسفة يرون أن الدخول إلى الجنة من باب النظر والتأمل، والصوفية يرون أنها في الزوايا فقط، والمجاهدون يرون بأخذ السيف فقط، وطلبة العلم يرون بالتحصيل، والفقهاء يرون بالفتيا. وانظر إلى أهل البضائع: إذا جئت إلى مفكرٍ أو داعيةٍ يهتم بالجهاد والذهاب إلى أفغانستان، تجد خطبه في الجمعة ومحاضراته عن الجهاد والمجاهدين، وعن الشهداء وكراماتهم وما وقع في أرض الجهاد، ويرى أن الإسلام هو الجهاد، ويأتي طالب علم عاشق للعلم، وحديثه ودروسه وخطبه في طلب العلم، تناقشه في الجهاد فيسكت ولا يتفاعل معك، تأتيه في العبادة فلا يتفاعل معك، إنما في طلب العلم ليلَ نهار، وتأتي إلى العابد في النوافل يريد الحديث أن يكون فيه، والذي جمع الجميع هو محمد عليه الصلاة والسلام، وأعتقد أن تغليب جانب على حساب الجوانب الأخرى نقص ربما في الإنجاز وربما في القدرة العلمية، وربما في الطاقة، كلٌّ ميسر لما خلق له: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً} [الرعد:17] فكل شيء بقدر. لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال إذا علم هذا -أيها الإخوة- فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى بحياة وسطية، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] وأنا ذكرت قصة الشباب الذين أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأرادوا أن يجعلوها صلاةً وصياماً وقراءة قرآن ويتركون جميع الحقوق، حق الضيف، وحق العين، وحق الأهل، وربما يجعلون الحق كله لله ويتركون هذه الحقوق، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأحدهم وهو ابن عمرو: {إن لربك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حق حقه} هل سمعت أحسن من هذا التوازن؟!

أفضلية العبادة وعلاقتها بالزمان والمكان

أفضلية العبادة وعلاقتها بالزمان والمكان رأيت لـ ابن القيم في مدارج السالكين منزلة الوقت أو منزلة تشبهها لعلكم مررتم بها، يقول: الواجب على المسلم أن يعطي كل وقت حقه، إذا نزل بك ضيف لا تتشاغل إلا بالضيف؛ لأن عبادتك وقت نزول الضيف الضيافة، أما أن تأتي بالضيف وتدخله في المجلس وتذهب أنت إلى المصلى تتنفل، فقد قصرت في حقوق الضيف، تقول: لا. صلاة النافلة أفضل من جلوسي مع الضيف، المطلوب منك أن تضيف الضيف، ويقول صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه} سمعت الأذان، فواجبك أن تردد مع المؤذن، فإذا قلت: قراءة القرآن أفضل، قلنا: هي في العموم أفضل، لكن في هذا الوقت بخصوصه الأفضل متابعة المؤذن، كما أن قراءة الفاتحة في القيام أفضل، وأما الركوع فأفضل أن تقول: سبحان ربي العظيم. فالحكمة أن تؤدي كل عبادة في وقتها، لكن المشكلة أن كثيراً من الشباب لم يعرفوا كيف يوازنون بين هذه الأمور، تجد أحدهم إن أراد الدعوة ترك بيته وراءه، وترك والديه وخرج للناس في كل مكان، ولننظر -مثلاً- في المشاكل التي بسبب المركز الصيفي يقول الأب: مادام الابن يذهب إلى المركز الصيفي ويترك طاعتي وطاعة أمه وإخوانه، ويترك أغراضه وأعماله ولا يقوم معنا، فلا أريد المركز ولا أريد أن يسجل فيه، لأنه إذا كان ناتج المركز الصيفي العقوق فلانريده.

التوازن في الحب والبغض وإعطاء كل ذي حق حقه

التوازن في الحب والبغض وإعطاء كل ذي حق حقه بعض الإخوة إذا أحب زميلاً تعلق به وحبه كحب مجنون ليلى ل ليلى يزوره في كل يوم، ويركب معه في السيارة، ويتصل به، ويرتحل معه، ويضيفه حتى يمله، ثم تكون القطيعة، يقول علي بن أبي طالب -ولو أن الألباني يجعل هذا حديثاً ويصححه، وفيه نظر، ولسنا بأعلم من الشيخ لكن البخاري جعله في الأدب المفرد من كلام علي رضي الله عنه لا من كلام الرسول [[أحبب حبيبك هوناً ما، فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك يوماً ما؛ فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما]] وهذا أمر معلوم تجد بعض الناس إذا أحب زميلاً له تعلق به تعلقاً شديداً، ثم إذا حصلت بينهما جفوة كان من أعدى الناس عليه، ولو أنه خفف في الأول لما كان أحرج في الثاني، وهكذا العكس. بعض الشباب يقدم حقوق زملائه على حقوق والديه، يقول أحد الآباء لابنه: قدرني على الأقل مثل أحد زملائك أو ربع ما تقدر زملاءك، أنت تضيفهم وتسافر معهم، وتبذل مالك لهم وتقول الحب في الله، الحب في الله، صحيح لكن له حدود، ويجب أن تحب والديك أكثر، وأن تطيع والديك أكثر، وأن تقوم بأعمالهم. فمن المشاكل عند كثير من الشباب أن الوالدين لا يستجيبون للشاب إذا دعاهم إلى الله عز وجل ورسوله وإصلاح الأخطاء، وذلك لأنهم لا يجدون له أيادي بيضاء في البيت، يقول له أبوه: كيف أستجيب لك وأنت ما أوصلتني المستشفى، ولا قضيت أغراضي ولا حضرت ضيفي، ولا قمت بدعوة فلان ولا وقفت معنا؟ والرسول إنما قيد الناس بالجميل، وبالمعروف وبالأيادي البيضاء فكان له أعظم الأثر عليه الصلاة والسلام فيهم. أرى -أيها الإخوة- أن طالب العلم يقتصر على ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام من النوافل؛ قيام الليل مع الوتر، صلاة الضحى، أما ما وجد من قصص العباد وكتب التراجم من القرن السادس إلى الآن فأخاف أن تكون حجر عثرة في تربية الشباب، قرأت في صفة الصفوة أن عابداًَ كان يصلي في اليوم ثمانمائة ركعة ويمدحه ابن الجوزي، وذكر ابن القيم في مدارج السالكين. قال: كان فلان يصلي خمسمائة ركعة في اليوم، ومدحه، وعلق على ذلك الشيخ محمد حامد فقي -لا شلت يده- فقال: فأين عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم حسبها بالدقائق، وقال: وأين حقوق الأهل؟! وأين التأمل؟! وأين تدبر القرآن والصدقة؟! وأنا رأيت المحدثين دائماً يفعلون كما يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم مثل شيخ الإسلام ابن تيمية فهل سمع أحد أنه يزيد على هذه النوافل! هذا مع أن العبد لا يستطيع أن يقوم بما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم.

الموازنة بين العلم التعليم الدعوة كآفة الحقوق

الموازنة بين العلم التعليم الدعوة كآفة الحقوق إنه ينبغي عدم إرهاق النفس وتكليفها ما لا تطيق حتى تفرط في بعض الواجبات؛ فمثلاً الدعوة إلى الله عز وجل من أحسن الأعمال، وليس معنى الدعوة أن تترك بر الوالدين، وصلة الرحم وحقوق نفسك وأهلك وزوجتك. بعض الدعاة الذين لهم أهل وأطفال تتصل زوجته وتشكو أنها لا تراه ليلاً ولا نهاراً، وكلما سألته أن يقف معها يقول: أنا مشغول بالدعوة، فما هي هذه الدعوة؟ وإلى متى تظل هذه الدعوة؟ وما هي النتائج؟ كان أكثر الناس شغلاً بالدعوة هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكبر من كان له أثر في الدعوة محمد عليه الصلاة والسلام، والذي أصلح أكثر البشر هو محمد صلى الله عليه وسلم، مع ذلك كان له تسع نساء، وكان يلاعب الأطفال، وينام في وقت النوم، ويصحو في وقت اليقظة، ويمازح الصحابة، ويستقبل الضيف، ويجاهد ويفتي، وهذا هو التكامل في الحياة. ومن كان كل يومه دعوة، فليرنا الناس الذين استجابوا لدعوته، وهل قد استجاب له الشرق الأوسط كلهم أم أنه منشغل بشابين أو ثلاثة منذ عهد السلطان عبد الحميد، وكلما قلت له: يا أخي لماذا لا توازن في حياتك، فتجلس مع والديك، يقول: تربية الشباب، فإذا قلت له: كم معك من الشباب؟ قال: عندي اثنان والحمد الله! وأنا لا أسخر، فإن نوحاً عليه السلام استجاب له رجل، وبعض الأنبياء لم يستجب لهم أحد، ولست عليهم بمسيطر، ولست مكلفاً بإصلاح الكرة الأرضية ولا حتى أهل أبها، وإنما عليك البلاغ بقدر جهدك واستطاعتك مع مراعاة التوازن في الحياة حتى لا يطغى جانب على جانب. وقد سمعت بعض الشباب يقول: أنا لا أتزوج، قلت له: لماذا؟ قال: تزوجت الدعوة الله الله!! وهل الدعوة تتزوج، زواج الدعوة حرام، ولا يجوز الخلوة بها إلا مع ذي محرم، وبعضهم إذا قلت له: مالك يا أخي ما تزوجت وقد بلغ عمرك أربعة وعشرين قال: تزوجت أفغانستان، الله أكبر! فالمقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّة} [الرعد:38]. قال الإمام أحمد لبعض تلاميذه: لماذا لا تتزوج؟ قال: إبراهيم بن أدهم مات ولم يتزوج -انظر كيف قفز إلى إبراهيم مباشرة، وخلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكره- فقال له الإمام أحمد: أُوَّه والله يقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّة} [الرعد:38]. وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم ومعجم الطبراني، ومسند أحمد: {كان صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها} بينما بعضهم يقول ما هؤلاء الأطفال؟ يشغلونا عن الدعوة والجهاد!! فلابد أن تتزوج، ولابد أن تعبد، ولا بد أن تدعو، ولا بد أن تجاهد، هذه هي وسطية هذه الأمة. وطلب العلم الآن بين إفراط وتفريط، إما طالب علم أغلق عليه بيته فلا يرى الشمس في الشهر إلا مرة، فهو دائماً في الحواشي، وهو مأجور على كل حال؛ لكن ماهي ثمرة العلم؟ هل أثر في أحد؟ يمكن أن يموت ولم ينفع أحداً، فإذا قيل له: شارك الناس في الدعوة ولو يسيراً، قال: لا طلب العلم فريضة، قلت: يا أخي! هؤلاء فيهم خير، قال: هؤلاء يضيعون الأوقات، ثم يموت فيموت علمه معه: لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار فالمقصود من العلم النفع المتعدي، ولذلك كان أحسن من النافلة، لأنك تنفع به الناس: هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مضارب من أردت وكنزٌ لا تخاف عليه لصاً خفيفُ الحمل يوجد حيث كنتا يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا أنا جربت في نفسي إذا وقف الإنسان عن المحاضرات والدروس شهراً نسي الآية التي كان يستشهد بها. أحد الدعاة وقف عن الدعوة أربعة سنوات، قال: نسيت القرآن ونسيت الأحاديث، ونسيت المواعظ التي كنت أقولها، قال: وجربوني مرة في مجلس فتكلمت خمس دقائق ثم حممت ثم توقفت، ولذلك تجد الذي لا يدعو ولو كان عالماً كبيراً في السبعين من عمره فإنه لا يستطيع أن يتكلم، يقول: (الحمد الله) ثم يقف ربع ساعة (والصلاة والسلام على رسول الله) ثم يتوقف، لأنه ما عاش تبليغ هذا الدين للناس. ومن الناس وهو الطرف الآخر من ترك العلم ظهرياً، وقال: المقصود الدعوة، فنقول: يا أخي! احفظ مختصر مسلم للمنذري، قال: لا إذا حفظنا مختصر مسلم فقد زادت نسخة في البلد، عجيب! كيف زادت نسخة في البلد؟! قال: إنَّ حفظ هذه المتون تربك الدعوة إلى الله عز وجل ونحن دعاة لا علماء. وهذا خطأ، بل زاد عالم من علماء المسلمين وهذه الأسماء اللامعة: ابن حجر، ابن تيمية، ابن القيم، ابن رجب، أبو إسماعيل الهروي، وأمثالهم يحفظون المتون. فما هو التوازن؟ هو التحصيل في وقت يكون منضبطاً لا يطغى على الحقوق والواجبات، فلابد من وقت لأهلك تجلس معهم ووقت لوالديك تقضي فيه حوائجهم وتجلس معهم، وتزورهم وتسمع كلامهم ويسمعون كلامك؛ هذا في الأربع وعشرين ساعة. واعلموا أن المشكلة ليست من قلة الوقت ولكن من عدم ترتيب الوقت، الآن تقول لأحد الشباب: لماذا يا أخي لا تحفظ القرآن؟ قال: يا أخي! والله ما وجدت وقتاً، هذا خطأ، لأنني أعرف من المخالطة أن البعض يجلسون من بعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب على إبريق من الشاي، يأخذون أخبار البلد، من طلق من النساء، وبمن تزوج ومن مات، وهذا الوقت يحفظ بعض الحفاظ فيه ثلاثين حديثاً، وكان الإمام الدارقطني يحفظ في الجلسة ثلاثين حديثاً، بينما هذا الشاب يقول: يا أخي! والله ما وجدت وقتاً لمراجعة القرآن. والبعض إذا قيل له: لماذا لا تراجع القرآن؟ قال: انشغلنا بالدعوة عن القرآن، وهل الصحابة ما حفظوا القرآن لأنهم انشغلوا بالدعوة، وكلمة الدعوة أصبحت كلمة (مطاطية) أصبحت مظلة يتظلل بها كل أحد، حتى من أراد أن يفر من والديه ويترك البيت قال: لا. يا والدي لا تكن حجر عثرة في طريق الدعوة، يا والدي! اتقِ الله، دعني داعية أصلح هذه الأمة، هذه حفظكم الله الحقوق العامة.

التخصص وأهميته

التخصص وأهميته الوقت عندنا رخيص يصرف بدون ثمن، تجد الناس يحرصون على الدراهم والدنانير، هل رأيت من حين خلقك الله عشرة ريالات في الطريق وأنت تمشي؟ الآن لو نظفت أبها في هذه الليلة من أولها إلى آخرها ما عثرت على ريال واحد في الطريق، بينما تجد من يقضي الساعات الطوال في غير طائل، وفي غير طاعة وذكر. والوقت -يا أيها الإخوة- أغلى من الذهب والفضة، وهو الحياة؛ فحذار حذار من ضياعه، اعلموا أن الله خلقنا وإياكم بصفات كل صفة لا تشابه صفات الآخرين، والحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق بها، وهي كلام لـ علي رضي الله عنه ولو أن بعض العلماء رفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويغنينا حديث الترمذي: {لا يكون أحدكم إمَّعة} نحن الذين في الصالة عددنا يقارب مائة وخمسين إلى مائتين، اعلموا أنه لا أحد منا يشابه الآخر في صفاته جميعا أبداً، ومنذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة لا تجد اثنين يتشابهان في الصفات والمقومات والخصائص: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة:148] {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] {كل ميسر لما خلق له} فانظر استعدادك للدعوة وهل تريد أن تكون خطيباً أو أنك مؤهل لتكون كاتباً، ولذلك تجد بعض الشباب يقحم نفسه في أمور ما خلق لها أصلاً، ثم لا يكشف ذلك إلا في سن الثلاثين، فالشاب يريد أن يكون مفتياً وخطيباً وأديباً وكذلك داعية، فإذا وصل إلى الثلاثين تبين له أنه لا يستطيع أن يخطب ولا يستطيع أن يؤلِّف ويستطيع أن يفتي. تعال اليوم إلى بعض المفتين في بلادنا ودعه يعظ الناس ربما لو تلكم ساعتين ما بكت عينك، لأنه ليس بخطيب، تعال إلى بعض الخطباء في أصقاع العالم الإسلامي يريد أن يفتيك في مسألةٍِ فلا يستطيع. الرسول صلى الله عليه وسلم آمن بهذا وجعله منهاجاً لأصحابه، فـ خالد بن الوليد، لا يفتي في الفرائض، وما سمعت في حياتي أن خالد بن الوليد شارك في مسألة، لم يقل للجدة كذا، ولا لبنت الابن كذا، ولا لابن الابن، شارك في قتل بعض النفوس، وفي فصل الرءوس عن الأكتاف، فإذا ذبح الكفار ترك الميراث والتركة لـ زيد بن ثابت يقسمها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أفرضكم زيد} وخالد بن الوليد سيف سله الله على المشركين، وعلي بن أبي طالب قاض، ومعاذ بن جبل أعلم الأمة بالحلال والحرام، حسان، هل سمعت أن حسان يفسر القرآن، كيف يدخل الجنة حسان؟ يدخل بطريق القافية، والشعر الجميل: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد فأنا أقول -أيها الإخوة! - من أجاد منكم في باب، ومن نفع الله به الدعوة في باب، فليمسك هذا الباب وليحرص على تنمية موهبته، أنا أعرف بعض الإخوة خطاطين -مثلاً- أنا أوصي الخطاط أن ينظم وقته، وأن يكون له وقت محدد لهذه الموهبة التي فتح الله عليه بها، لينفع الإسلام من هذه الطريق، أحد الإخوة شاعرٌ فلا يميت هذه الموهبة، باب فتحه الله عليك لا تغلقه، اشتغل بهذه الموهبة لكن لا تجعلها تأخذ عمرك، وعليك بتنسيق كلماتك، وحاول أن تطالع وتقرأ حتى تكون شاعراً يخدم لا إله إلا الله محمد رسول الله. بعض الإخوة خطيب؛ فعليه أن يتصدر ويخطب وأنا أقترح على المركز وربما فعل ذلك أن تكون هناك حصةٌ لأهل المواهب، تسمى حصة المواهب، محاضرة ودرس عام، فيصنف الشباب في كل فصل إلى أهل المواعظ وأهل الأدب وأهل التحصيل المبرزين، وأهل الخط. وهناك قضية أخرى، ولا أظنها في هذا المركز وأنا قد شاركت في بعض المراكز فوجدتها فيه: فالنشارة والنجارة مضيعة للوقت، نحن لا نريد نجارين وخشابين، نحن دعاةٌ وطلبةُ علم، يبقى الواحد يصنع دولاباً في شهرٍ فيضيع القرآن والحديث، وتسمع الأصوات وكأنك في منجرة من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، وهذا ينصب الخشب وهذا يسحب المنشار، ويقولون: (مهنة في اليد أمان من الفقر) قلنا: لماذا؟! قال: الإسلام دين علم، دين نجارة، ودين خشابة، ودين نظافة، ودين خبازة، وهذا فن، لا. أنتم تعرفون ونحن نعرف أن المراكز الصيفية اشتغلت كثيراً بهذه الدواليب، وأنا أقول: الحمد لله والشكر لله نذهب إلى المنجرة ونشتري دولاباً بخمسين ريالاً، ولا نشغل الشاب شهراً كاملاً ويخرج نجاراً، لا نريد هذا، وكذلك الاعتناء بالخياطة. أما صنع الطعام فإلى الآن ما رأيت شيئاً، ولو أنهم في المدارس الابتدائية يعلمونهم صنع الطعام، أحضر حفنة من البيض مع قليل من الزيتون مع قليل من الملح مع أشياء أخرى! هذا للنساء ليس للرجال، فاقتراحي أن يكون في المركز أهل المواهب، فكل من عنده موهبة ننميه ونلاحقه ويكون له درس محدد حتى نخرج للناس، الأمة لم تخرج خطباء، كل الخطباء الموجودون بجهدهم الشخصي، لكن في بعض البلدان مثل تركيا عندهم معهد الخطباء، وهناك معهد الأدباء، ومعهد الخطاطين، والواجب أن نقوم بهذا نحن أنفسنا فنعتني بهذه المواهب ونركز عليها، ثم لا نزدري موهبة الآخر، وبعض الناس يجمع الله له مواهب يضرب في كل غنيمة بسهم، فتجده أديباً، كاتباً، خطاطاً، مؤلفاً، مفتياً.

تنبيهات مهمة

تنبيهات مهمة

بعض الأخطاء التي يقع فيها الشباب

بعض الأخطاء التي يقع فيها الشباب نحن عندنا خير والحمد لله لكن الالتزام أحياناً قد يكون ظاهراً في تربية اللحى وتقصير الثياب، وفي السواك، وبعض السنن، وهذا شيء جميل ويا مرحباً به، لكن -يا أيها الإخوة- أعمال القلوب مهملة كالخوف والرهبة والرجاء والخشية والخشوع والتأمل، قد تفاجأ حين تجد شاباً ملتزماً في الظاهر، مطيلٌ لحيته مقصر ثوبه لكن فيه عجب، وتفاجأ بشاب آخر متكبر، ولذلك يشكو إلينا بعض الشباب يقولون: فلان من أكبر الناس وجربناه حتى إذا جلس معك في المجلس كأنه يتصور أنه مالك بن أنس حتى يقول: لا يا شيخ! أنا طالعت هذه المسألة والذي ظهر لي والله أعلم أن رأي أهل العلم خطأ فيها، قال: وقد قرأت بنفسي وعقبت وعندي بحثٌ قد حققته في تلك المسألة، ولذلك تجده يقول: (قلت، وأنا، وعندي، ولي) وهذا من العجب. وقد رأيت رسالة موجودة في الأسواق في بعض تصحيحات الحديث لشباب نعرفهم يقول في أولها: وقد استدركت على الشيخ الألباني هذه المسألة وخطأته من ثلاثة أوجه، قال وَهِمَ ابن حجر وقد وقع لي أن سبب وهم الحافظ كذا وكذا! من أنت؟! يقولون: وقعت البعوضة على النخلة، ثم أرادت أن تطير فقالت للنخلة: تماسكي أنا أريد أن أطير قالت: والله ما أحسست بكِ حين وقعتي فكيف أحس بكِ إذا طرتي؟ أناس يفنون أعمارهم مثل الألباني وابن حجر في علم الحديث، ويأتي شاب في يوم واحد ويدرك خطأً، فيبقى في المجالس يقول: الشيخ الألباني أخطأ في الحديث ونبهت عليه، وقد كتبت في ذلك بحثاً، وكلما جلس بعض الشباب وهو يعرف شهر بن حوشب، أنه راوية ضعيف، فكلما جلس يقول: أيها الإخوة! ما رأيكم في شهر بن حوشب ثقه أم ضعيف؟ قالوا: لا ندري، قال: لا. قال فيه ابن حجر كذا وقال ابن حبان: فيه كذا، فينتقل إلى المجلس الثاني، يسرح لحيته ويقول: ما رأي الإخوة في شهر بن حوشب، فيسمونه شهر بن حوشب، مثل حماد الراوية أديب في عهد هارون الرشيد، قالوا: كان لا يعرف إلا داحس والغبراء، يتفاوض أهل العلم والفتيا في المجلس، فيأتي هو ويقول: ما رأيكم في داحس والغبراء؟! من الذي يجيد خبر داحس والغبراء؟! فسموه داحس والغبراء، وقال هارون الرشيد: أما حماد الراوية فإذا خرجتم به من داحس والغبراء فلا يعرف شيئاً، وهذا يسمى التقوقع على مسائل محددة. وقد مرت بنا فترة كان فيها كثير من الشباب لا يعرفون إلا تحريك الإصبع، ولقد جلست مع شاب أكثر من ساعة وهو يسألني في هذا البحث ويتصل وهو حريص على ذلك، وكأنه يسأل عن ركن من أركان الإيمان، أو معتقد يدخل به الجنة أو النار وأنا لا أهوِّن من شأن هذه المسألة، لكن نعطيها حجمها، كما أعطاها الرسول صلى الله عليه وسلم من وقته حديثين حديث ابن الزبير وحديث وائل بن حجر ومع ذلك يقول: ما أدري يا أخي هل أحركها في التشهد أو في الدعاء؟ قلت: الذي يظهر في التشهد، قال: في نفسي شيء، ولو حركتها في التشهد ولم أحركها في الدعاء ما أخذت بعموم الحديث؟ ثم يستحدث لك مسائل، ويخرج ويدخل ويجعلها مثار بحث في المجلس، وهذا خطأ. والذي يظهر الآن من علم الشباب أنهم يبدءون بالطهارة إلى باب الحج فقط، ومنهم من يبدأ بالطهارة إلى نواقض الوضوء، الآن ثلاثة أرباع أبواب الفقه لا يعتني بها، اسأله مثلاً في المساقاة، اسأله في الإجارة، اسأله في الربا، اسأله في البيع، اسأله في الجنايات، في الحدود، فلن يجيبك بمسألة، وهذا تقصير. أيها الإخوة: لا بد لمن أراد أن يدرس الفقه أن يكمل هذه الأبواب جميعاً.

المروءة وبعض خوارمها

المروءة وبعض خوارمها هناك بعض الأمور أنبه عليها حتى نكون مظهراً من مظاهر الخير للأمة. أيها الإخوة: مسألة خوارم المروءة -أعاذنا الله وإياكم من خوارم المروءة- يظن بعض الناس أن الإسلام فقط أن تجتنب المحرم وتفعل الواجب، وهناك أمور أخرى من يفعلها قد تخرم مروءته، الآن على سبيل المثال تجد بعض الشباب يأكل في السوق، هل هناك نهي عن الأكل في السوق، أنا لا أعرف تحريم الأكل في السوق، بل بعض الشافعية أخذوا من قوله سبحانه: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان:7] جواز الأكل في السوق، وهذا فيه نظر؛ لأن الواو في الآية ليست واو حال إنما هي واو عاطفة، يعني يأكل الطعام، وكذلك يمشي في الأسواق، لكنه من خوارم المروءة عندنا. قد تمر بشاب يمثل الصحوة الإسلامية والناس ينظرون للملتزمين نظر اعتبار، ولو أن بعض الفسقة لا يقدر؛ لكن ينظر باعتبار، حتى إذا قطعت شيئاً فإنه يقول: تقطع وأنت مطوع!! يعني لو كان فاسقاً كان معذوراً وترمي من نافذة السيارة الفاين فيقول: ترمي الفاين وأنت مطوع أي: ما كان ينبغي لك، دليل على أن المجتمع يقدر هؤلاء وأن لهم اعتباراً خاصاً، ومع ذلك ترى بعض الشباب يستهين بخوارم المروءة، أنا أعرف بعض الشباب يأتي مثلاً بلا غترة؛ يأتي هكذا مع الشباب رائحاً غادياً ولحيته طويلة، ويركب معهم، صحيح هذا ليس محرماً لكن في عرفنا نحن في البلد هنا أنه لا بد أن تلبس غترة حتى تصلح من هندامك، فلا تأت بهيئة درويش، هذه الجهة عند الأذن والجهة الأخرى عند القدم، والبعض إذا قلت له: مالك يا أخي لا تصلح من هيئتك! قال: {البذاذة من الإيمان} حديث حسن، فإذا الغترة مطوية بغير نظام والأزرار مقطعة ما فيها إلا واحد ويشبكه مع الأعلى!! هذ لا يصلح وجاء في في حديث حسن: {أصلحوا لباسكم حتى تكونوا شامة في الناس} {والله جميل يحب الجمال} أما أن يأتي الطالب بهيئة مزرية ويقول: إنه من الشباب الملتزم والله -يا إخواني- نخشى أن المنافقين يضحكون عليه، أنا رأيت بعض المنافقين يستهزئ، يقول: انظر الثياب، انظروا الغتر، انظر كذا وكذا. إن سيد المتجملين هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان إذا مر من مكان عرف من ريح الطيب أنه مر وكان يلبس الجميل، وكان صلى الله عليه وسلم يعتني بمظهره وينظر إلى المرآة كما جاء في كثير من الأحاديث فلماذا لا نتبعه؟!

نماذج من خوارم المروءة

نماذج من خوارم المروءة وحذار من أن الإنسان يأتي بهذه الخوارم، منها: أن البعض في صلاة الفجر يأتون بثوب النوم المخطط، هذا الذي كأنه من نيجيريا، يأتي بثوب النوم، ولو دعاه سلطان من الناس لتجمل قبل الدعوة بيوم، والبعض في الأعراس يأتي كأنه تحفة، الإنسان لابد أن يعتني بمظهره. منها أنه يشاهد بعض الإخوة وهو يمشي في الطريق يبصق عن اليمين وعن اليسار في طريق المارة، وهذا شاب يمثل الإسلام! أحياناً تجده يدخل عجولاً مهرولاً في مشيته، وهذا لا يليق؛ لأن الإنسان يقدر بالعقل والاتزان، وليس كل ما لم يذكر في القرآن ولا في السنة معناه أن يترك ويهمل، لا. قد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم من سيرته الكثير. وأعرف كذلك نماذج كثيرة من خوارم المروءة كما قلت في المثل، كثير من الناس يشرب الماء وهو ماش في السيارة، أو يشرب الببسي ثم يرمي العلبة وراءه فتقع على سيارات الناس، ثم يكتشفون هذا الوجه النير الطاهر فيقولون: كيف تفعل هذا؟ أليس هذا خطأ؟ بلى. منهم من يقطع الإشارة -مثلاً- ويقول هذه إشارة المرور لم تذكر في الكتاب ولا في السنة، ما هذا الفقه؟! وقس على ذلك. والذكي يعرف وإلا فهناك نماذج كثيرة من خوارم المروءة يقع فيها كثير من الناس، ومنها ما هو سوء أدب كأن تجد بعض الشباب ولو كانوا طلبة علم وشاركوا في المراكز وهم دعاة في نفس الوقت لا يقدرون الكبير، أنا حضرت مجالس يدخل طالب علم مشهور بطلب العلم أو قاضي أو عالم أكبر منه سناً، فيجلس الطالب لا يقوم أبداً تقول: لماذا لا تقوم للشيخ يا أخي؟ قال: الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن في هذا الموقف لا أدري يتسنى للإنسان أن يبقى في صدر المجلس وتنظر إلى رئيس المحاكم -مثلاً- أو إلى عالم من العلماء وهو عند الأحذية بين الأطفال. أنا رأيت بعض الشباب كذلك يدخل بعض الشيوخ الكبار فيقوم المجلس كله ويبقى هو جالس، وهذا والله لا يصلح، أنا أدري أن عندهم أدلة لكن الأدلة على خلاف ما يقولون، وربما المسألة اجتهادية، وفرضاً أنه مصيب وأنا مخطئ في الدليل؛ لكن هل من اللائق أن يقوم مجلس فيه خمسون لشيخ من المشايخ الكبار، ولا يقوم طالب العلم معهم؟! ليس بالصحيح. ولـ ابن تيمية إشارة إلى هذه المسألة وأن حق المسلم مقدر، وأن المسائل المرجوحة هذه قد يكون المرجوح أعظم في بعض المناسبات -مثلاً- في المسجد إذا أتت محاضرة أتينا لبعض المشايخ في بعض المحاضرات والصف الأول فيه شباب، قلت: يا أخي! من فضلك مشايخ وضيوف أتوا قال: من العصر وأنا هنا، ما أقوم من هنا أبداً قلت: يا أخي! بالتي هي أحسن، قال: ولا أقوم، فجعلنا بعض الضيوف في الصف الثاني، انظر إلى الشكل والمظهر. كذلك كثير من الشباب لا يعطي المشايخ الكبار قدرهم كالتقبيل على الرأس -لا تظنوا سوء نحن كلنا شباب، لكن أقصد العلماء الكبار- يقبل أحدهم على رأسه ويحترمه وألا تتكلم بين يديه. من سوء الأدب أن تعرض المسألة في المجلس وفيه من هو أعلم منك، فلا تتلكم حتى يتكلم هو، ويقفز لك شاب من الثانوية بينما المشايخ موجودون، قال: الذي تطمئن إليه نفسي في هذه المسألة بعد ما رجعت إلى ابن تيمية وابن القيم أن فيها كذا وكذا، هذا لو سكت ولو مات كان أحسن، ثم الناس لن يقبلوا بكلامه أولاً، والأمر الثاني: أنه تعدى على حرمة ومكانة هؤلاء، وقس على ذلك. أيها الإخوة الكرام: المقصود من هذا كله أن نكون متزنين في حركاتنا وسكناتنا ولا تأتي هذه إلا بتربية، وأرى أن أحسن ما يربي بعد تدبر كتاب الله عز وجل مطالعة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتراجم العلماء، وأنا أرشح سير أعلام النبلاء للذهبي أن تتأملوا آداب العقلاء والفطناء والعلماء حتى يعرف الشاب كيف يتعامل مع الناس، كيف يزور وكيف يجلس، العقل، الأدب، الهدوء، الاتزان، حسن التصرف. أنا أذكر لكم مثلاً حياً: قبل البارحة اتصل بنا شاب -والمؤذن يؤذِّن- يسألني في مسألة، فلم يجد من أربعة وعشرين ساعة إلا وقت الأذان يقول: ما رأيك في نزيف الأنف، يفطر أم لا؟! فلا بد أن يعرف الإنسان كيف يتصل، ومتى يزور ومتى يأتي. إنسان يزورك قبل صلاة المغرب، ويوقفك عند الباب، وتقول تفضل ويقول: لا أنا مستعجل، فلماذا توقفه الآن في هذا الوقت، أو إنسان يتصل بك مع الأذان، أو عند النوم في الهاتف، لا بد أن يكون الإنسان محافظاً على نفسه ويعتني بتصرفاته، وبزياراته وباتصالاته، وقد كررت كثيراً. مما يقول الإنسان من كثرة الإحراج الذي يواجهه من الشباب أن لو كان ذلك من العامة والجهلة لكانوا معذورين، لكن ما بالك بهذه الصفوة المختارة، النخبة التي تربي الناس فتأتي منهم هذه الأخطاء. على كل حال أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية والرشد والسداد، وأن يزيدنا وإياكم بصيرة وتقوى، وهداية، وأن يجعلنا وإياكم من المقبولين، وأن ينفعنا بما سمعنا، وأكرر شكري لكم، ونطلب منكم الدعاء في ظهر الغيب، وصلى الله على محمد وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

ظاهرة ضعف حفظ القرآن وعلاجها

ظاهرة ضعف حفظ القرآن وعلاجها Q بعد أن هداني الله تعالى إلى طريق الحق والحمد لله، أعاني من مشكلة حفظ القرآن الكريم فبماذا تنصحني حفظك الله؟ A أولاً: إنني أبشركم أن هناك بحثاً لأحد طلبة العلم سوف يخرج بعنوان (كيف تحفظ القرآن) وهو بحث قيم بإذن الله عز وجل؛ أسأل الله عز وجل أن ينفع به، وهذا الأخ طالب علم في المدينة المنورة، ولكن مما يعرف بالاستقراء والتجربة وسماع بعض الحفاظ، أن مهمة حفظ القرآن ليست بالسهلة. ثانياً: تريد من الإنسان إخلاصاً وتجرداً لله، ثم أن تبتهل إلى الله في سجودك وأدبار الصلوات أن يزيدك وأن يوفقك ويعينك على حفظ كتابه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. الأمر الثاني: أن تقتصد في الحفظ فتأخذ آيتين، فإن زدت فخمس آيات في اليوم، كرر عليها كثيراً كثيراً حتى تتصورها كالفاتحة. الأمر الثالث: أن يكون لك زميل تحفظان معاً. الأمر الرابع: أن يكون لك وقت للمراجعة، وحبذا لو راجعت في النوافل. الأمر الخامس: أرى أن تطالع التفسير ولو مختصراً حتى تفهم معنى الآية؛ لأن فهم معنى الآية يعنيك على حفظها. ثم منها: كثرةُ الاستغفار، ثم أن يكون لك مصحف واحد. ثم منها أن تختار الوقت المناسب كوقت السحر أو بعد الفجر، ثم منها: أن يكون المكان الذي تحفظ فيه هادئاً ومغلقاً، أي ألا تكون فيه مناظر مزعجة وملفتة للنظر، إلى غير ذلك والله والموفق.

الحوار والفتيا والفرق بينهما

الحوار والفتيا والفرق بينهما Q يقول السائل: ما رأيكم أن بعض طلبة العلم في مجلس، ثم تعرض قضية في الفقه أو غيره ثم يعطي كل منهم ما يعرف في المسألة، وتناقش حتى يظهر الحقُّ أو تبحث؛ فهل هذه هي الفتيا والقول على الله بغير علم؟ A يختلف النقاش العلمي عن مسألة الفتيا، فالفتيا: أن يأخذ منك سائل ما تدلي به من علم، أي أن يعتمد عليك فيحلل ويحرم بسببك وبفتياك، أما المناقشة فلو أخطأت مع زملائك فهم لا يأخذون قولك لأنها وجهة نظر ولا بأس بذلك، فإنه مما ينمي العلم، وهي المذاكرة، ولو أوردت حديثاً ضعيفاً وبان أن رأيك خطأ، لكان لا ينبني على كلامك شيء، سوف يرد عليك زميلك ويلاحظ عليك؛ فالمباحثة مطلوبة، وهي إحياء العلم، وكان الإمام أحمد، يباحث أبا زرعة -حسب ظني- حتى طلع الفجر، وقالوا تماسك الفضيل وابن المبارك يتساءلان عند باب الحرم حتى أذن الفجر، فالمذاكرة واردة وهي طيبة، وخاصة إذا كانت في مكتبة، وكانت الكتب قريبةً حتى تبحثون بقرب من كلام أهل العلم.

ضابط الحكم الشرعي على المسائل

ضابط الحكم الشرعي على المسائل Q هل التسرع في إصدار حكم كقول القائل: حلال أو حرام أو جائز ونحوه هل هذا قول على الله بغير علم مع أن مصدر الحكم ليس عليه دليل، أو مصدر الحكم ليس عن دليل، بل قد يكون هناك خلاف أو أدلة أخرى لا علم له بها، وما ضابط إصدار الأحكام الشرعية على المسائل الملقاة على السائل. A أيها الإخوة: أدعوا نفسي وطلاب العلم ألا يتسرعوا في كلمتين؛ في قول: حلال، وفي قول: حرام. يقول سبحانه: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل:116]. لأنَّ تَسرعك وقولك هذه الكلمة توقيع عن رب العالمين، ولذلك سمى ابن القيم كتابه: إعلام الموقعين عن رب العالمين أي أفهم يوقعون ويمضون عن الله عز وجل، ثم إذا لم يكن هناك نص يحرم المسألة، فلا يجوز لك أنت حتى تتيقن وتبلغ درجة الإفتاء في المسائل المختلف فيها، أما مسائل ظاهرة التحريم مثل الزنا وشرب الخمر، والسرقة، فإنك تقول: حرام ولا تتلافى، كما تقول شرب الماء حلال، مصافحة الرجل للرجل حلال، فهذه بائنة لكن هناك مسائل مختلف فيها هي التي أحذر كل التحذير أن تتسرع في التحليل والتحريم، كان الإمام أحمد لخوفه من الله يقول: أرجو، أكره، أخشى، لا أدري، وكذلك مالك، وذكر ابن القيم فصلاً في إعلام الموقعين عن تحرزهم في الفتيا، وصعب أن تقول: حلال، وصعب أن تقول: حرام، حتى رأيت بعض المنافقين يهاجمون كثيراً من طلبة العلم أنهم يقولون: حرام، يقول أحدهم: كل شيء حرام ويعلم الله أنه ما قاله أحد، ولا يقوله طالب العلم، لكن من التجريح، سمعت أحدهم يضحك مع زملاء له ويقول: خطيب قام فقال: الدخان حرام، والموسيقى حرام، والتبرج حرام، كل شيء حرام!! وهل يقول هذا عاقل؟ فمثل المسائل الظاهرة يتكلم طلبة العلم، وأرى أن الذين في المنطقة يجتمعون حتى يتحد رأيهم على كلمة، وأما المختلف فيها فيحيلونها إلى العلماء، حتى لا تتضارب الأقوال ويهتز موقف الشباب أمام الناس.

الفتوى بغير دليل ولا برهان

الفتوى بغير دليل ولا برهان Q يسألني بعض الشباب عن بعض المسائل وأنا أعرفها، ولكن لا أحفظ الدليل فهل أجيب أم لا؟ وشكراً. A إذا بلغ طالب العلم إلى الدرجة أنه بحث المسألة وقتلها بحثاً وتأكد واطمأن قلبه فلا بأس، وذكر النووي في أول مجموعه أنه لا يلزم المفتي أن يذكر الدليل للعامي أو الذي لا يسأل الدليل لا يلزمك، لكن إذا طلب طالب علم منك أن تذكر له الدليل فتبحث، الكثير من المسائل قد لا يستحضر طالب العلم الدليل فيها، نعلم -مثلاً- نحن الآن جميعاً أن قدر المضمضة في الوضوء ثلاث مرات، لكن أعرف أن كثيراً ممن هو جالس الآن لو قلت له: ما هو دليل المضمضة ثلاث مرات من الأحاديث النبوية لا يستحضر أن يقول حديث عثمان في البخاري ومسلم وهو برواية: وتمضمض ثلاث مرات واستنثر، وحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وحديث أبي هريرة وحديث عائشة؛ لا يستطيع لكن يعرف الجميع أنها ثلاث مرات.

مشكلة النسيان

مشكلة النسيان Q يقول أنا شاب كثير القراءة وأحبها كثيراً حتى أنني قد أقرأ الكتاب المكون من مائتي صفحة في الصباح وأنتهي منه بالليل دون أن أترك كلمة واحدة، وأحس بعد الانتهاء أني قد فهمته، ولكن بعد مرور الوقت أنسى كل ما قرأت ماذا أفعل؟ A أولاً -يا أخي- تشكر على القراءة، وأنا أوصيكم بكثرة القراءة، من أراد العلم والتوسع فليقرأ أكبر قدر من الكتب التي يجدها، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: إنه قرأ في وقت الشباب ما يقارب من عشرين ألف مجلد؟ ويقول: إذا رأيت كتاباً جديداً كأني ظفرت بكنز، فكثرة المطالعة مطلوبة ولا يخلو كتاب من فائدة. الأمر الثاني: سرعة القراءة تكون موهبة وأنا رأيت مقالة في مجلة البيان عن القراءة السريعة، وعن مالها وما عليها، أو فن القراءة السريعة، أو شبه هذا، فأعجبني الموضوع، وهو جيد، والقراءة السريعة موهبة وممن كان سريع القراءة ابن حجر، لأنها ولو لم تفهم لكنها تجمع لك شتات الموضوع وتكون عندك موهبة وملكة، والذي يقول: ما فهمت شيئاً، ليس بصحيح، يأتي يوم تسأل في مسألة تعرف أنها في الكتاب أو تبحث عن حديث أو عن رجل تعرف أنه مر بك، وعلى كل حال قل إنك فهمت (1%) من الكتاب، فكم في الكتاب من مسألة قد تكون ألف مسألة، فإذا فهمت عشر مسائل فهو خير كثير، لكن على كل حال: أرى أن تكثر من الاستغفار حتى لا تنسى كثيراً، وأن يكون عندك قلم وقت القراءة، لتلخص ما قرأت أو تكتب بعض الفوائد أو تفهرس المقروء.

الملل من القراءة

الملل من القراءة Q إني أجد في نفسي تحمساً للقراءة، ولكني عندما أفتح كتاباً وأقرأ فيه شيئاً قليلاً أمله ولا أستطيع إكماله فما الحل؟ A كثير من الإخوة يرى أن القراءة أمر سهل، فإذا ناسب نفسه يجعلها متعة؛ فإن استطاع أن يقرأ فبها ونعمت، وإن لم يستطع تركها، ولذلك تجد بعض الإخوة عنده مكتبة كاملة ما قرأها، ويعرف المؤلف والعنوان، والطبعة، طبعة دار الشروق أو بولاق، ويمسح بيده هكذا، ينظر هل هذا مصور أم مخطوط؟! هذه ما تنفع، قراءة العناوين والمؤلفات ما تنفع حتى تدخل أنت في صلب الكتاب، ولا يحصل المسلم على خير الدنيا والآخرة إلا بالصبر، فلا بد أن تجاهد نفسك، علماً أن النفس إذا دعوتها لتقرأ فتح الباري -مثلاً- دعتك إلى قراءة العقد الفريد، أخبار وأسمار وأشعار وأحياناً ترهات تنفعه في وقت الملل، لكن النفس أمارة بالسوء، والنفس تهوى لا تريد أن تجالد؛ فما معك إلا الصبر، واصبر لأنك سوف تصل بقراءتك هذه إلى ما تتمنى إن شاء الله، ورحم الله من يقول: اطلب العلم وحصله فمن يعرف المطلوب يحقر ما بذل تصور الآن الذين صبروا في شبابهم، كيف تجدهم الآن، تجد كبار الناس يسلمون على رءوسهم، العالم إذا مر أو جلس لا ينظرون لنسبه، أنا رأيت علماء من الموالي، ومر في التاريخ مثل عطاء بن أبي رباح مولى عبد، وكلنا عبيد الله، أسود، مهلهل الشعر، أهنس، ما عنده من الدنيا درهم، وقف سليمان بن عبد الملك يريد أن يستفتيه في الحرم فقال لـ سليمان: لا أفتيك خذ دورك مع الناس فقال سليمان لأبنائه وهم خلفاء ملوك: يا أبنائي! عليكم بطلب العلم، والله ما ذللت في الحياة إلا لهذا العبد، بسبب العلم. إذا تصور الإنسان أنه سوف ينفع الله به لا لرئاسة الدنيا لكن ينفع الله به ويصلح على يديه، ويكون مرجعاً للناس ثقة. الآن أضرب مثلاً: الشيخ عبد العزيز بن باز، الآن تجد في البادية في تهامة في القرى، بل في أمريكا في المراكز الإسلامية رأيت الخلاف في مسائل محتدماً على أشده، والناس من نواحي الكرة الأرضية من بلاد الإسلام، فيقوم شاب عند المايكروفون، يقول: قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فيقولون: اسكتوا نسمع ما يقول، فإذا سمعوا لقوله سلموا له وارتفع الخلاف، وهذا أمر حصل عليه بالسهر، وكذلك غيره من كبار أهل العلم الذين مروا في التاريخ.

الفكر والمفكرون

الفكر والمفكرون Q فضيلة الشيخ: هل يعني كلامك عن الفكر والمفكرين وقراءة الصحف أن نقرأ المتون والمطولات والمختصرات، ونترك الواقع وما يحدث حولنا، وكيف نحصل فقه الواقع، ثم ما قولك في أقوال سيد ومحمد قطب وغيرهم؟ A أنا لا أعني هذا حفظك الله لا من قليل ولا من كثير، وأنا أهتم بهذه الكتب التي ذكرت ولا بد للإنسان أن يطالع ما يكتب، ويطالع الصحف، لكن ما أقصد أن يكون متخصصاً في فن الصحافة، يحفظه من أوله إلى آخره ويترك القرآن والحديث؛ لأنه طغى هذا الجانب على بعض الناس، وأنا ما قصدت هذا، لا بد من معرفة الواقع: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]. والداعية إذا ما عرف الواقع أخطأ وأساء في تصرفه، أما كتب من ذكرت من سيد ومحمد، فأثابهم الله فقد أحسنوا كل الإحسان، وليسوا بمعصومين، وأعرف أنه لا يسلم عالم من خطأ أو زلل، وهم أرادوا الخير فيما ظهر لنا، وهذا ما نعتقده وندين الله به أنهم ما قصدوا إلا الخير وما قصدوا الإساءة للإسلام والمسلمين، وإن أتى خطأ فهم بشر، فعلى كل حال نرى أن يستفاد منهم، وأن يدعى لهم في ظهر الغيب، وأن ينبه على الخطأ الذي يوجد في كتبهم، حتى يكون الإنسان على بصيرة، ويكون طالب العلم على برهان.

النعي وحكمه في الإسلام

النعي وحكمه في الإسلام في هذه المادة تعرض الشيخ لحديث نعي النبي صلى الله عليه وسلم للنجاشي، واستخرج منه عدة فوائد، وتطرق إلى بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بأحكام النعي والبكاء على الميت؛ كمثل حكم الصلاة على الميت في المسجد وفي المقبرة، وحكم الصلاة على الغائب، ومسائل أخرى.

الحديث في نعي النجاشي

الحديث في نعي النجاشي إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. لا زلنا في كتاب الجنائز من صحيح البخاري ولا زلنا نعيش مع البخاري وهو يثلج الصدور، ويشنف الآذان، ويعطر الأنفاس بتبويباته الشائقة، وبتدبيجاته الرائعة، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. يقول رحمه الله تعالى: باب الصفوف على الجنائز، أو بابٌ: الصفوف على الجنازة (على القطع) قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال حدثنا معمر، عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {نعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه النجاشي، ثم تقدم فصفوا خلفه فكبر أربعاً}. هذا الحديث في كتاب الجنائز فيه مسائل: الأولى: فائدة ترجمة البخاري. الثانية: بعض رجال السند ولطائف الإسناد. الثالثة: علم من أعلام النبوة في إخباره صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي. الرابع: حكم الصلاة على الميت في المسجد ويأتي هذا عرضاً. الخامس: الصلاة على الغائب وفيه سبعة مذاهب لأهل العلم. السادس: النعي وحكمه في الإسلام؛ محذوره وممدوحه، وجائزه ومكروهه. السابع: البكاء وأقسامه. الثامن: نختم بمسألة البكاء على الميت وهل يعذب بها، وفيها ستة مذاهب لأهل العلم، وعلى الطريق مناظرة بين ابن عمر أوردها البخاري وبين ابن عباس، وتشترك عائشة رضي الله عنها وأرضاها بحديث من المعصوم صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال حديث نعي النجاشي

تراجم رجال حديث نعي النجاشي قال البخاري: باب (الصفوف على الجنائز) أو على الجنازة.

ترجمة مسدد بن مسرهد

ترجمة مسدد بن مسرهد مسدد هذا مر معنا في مناسبات كثيرة وأكثركم يعرفه، أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء بسند فيه ما فيه أن اسم مسدد شيخ البخاري: مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل. يعني: أنه مولى، والاسم عجمي، قال الحافظ أبو نعيم الفضل بن دكين: هذا الاسم يضاف له بسم الله ويرقى بها الملدوغ من العقرب، وهو من الشيوخ الأجلاء للبخاري، بل البخاري من المكثرين عنه، وقال عنه في الصحيح: مسدد كاسمه -أي: أن الله سدده في حياته وفي روايته- وللاسم أثر على المسمى، والله عز وجل -كما أتى رسوله صلى الله عليه وسلم بتلك الشريعة- أمر أن يحسن الاسم، وكره صلى الله عليه وسلم المكروه من الأسماء.

ترجمة يزيد بن زريع

ترجمة يزيد بن زريع يزيد بن زريع من الرواة المقلين، اي: من لم يرو عنهم مسدد إلا قليلاً.

ترجمة معمر بن راشد

ترجمة معمر بن راشد معمر بن راشد الصنعاني وهو شيخ عبد الرزاق قال عنه: أصبح معمر على لساني كالماء.

ترجمة الزهري

ترجمة الزهري الزهري هو: الإمام العلم محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الحافظ شيخ مالك، والنجم إذا ذكر في الرواية فهو مالك.

ترجمة سيد التابعين سعيد بن المسيب

ترجمة سيد التابعين سعيد بن المسيب قال: عن سعيد بن المسيب سيد التابعين، كما قال ابن كثير في البداية في ترجمته، والإمام أحمد كما روي عنه متوقف في سادات التابعين قال: هم ثلاثة: سعيد بن المسيب وأويس القرني، والحسن البصري. وأتى بعض أهل العلم فقال: أما في العلم فـ سعيد، وأما في الرقائق والمواعظ فـ الحسن، وأما في الزهد فـ أويس القرني. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {نعي النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه النجاشي ثم تقدم فصفوا خلفه فكبر أربعاً}.

فوائد من ترجمة البخاري للحديث

فوائد من ترجمة البخاري للحديث أما فائدة تبويب البخاري فظهر لأهل العلم فائدتان من هذا التبويب: (الصفوف على الجنازة) وهما:

الإبهام من أجل لفت الأنظار

الإبهام من أجل لفت الأنظار البخاري رحمه الله كما يقول الزين بن المنير: يبهم الإجابة على الأبواب لفائدة، ليترك الأنظار لأهل العلم لتتحرك ولتجيد السر في التبويب، وهذا من فقهه رحمه الله، أو لأن المسألة خلافية لم يتحقق رأي راجح له أو لغيره. قال: الصفوف على الجنازة، أي فضلها وثوابها، أو ما ورد فيها، أو الآثار التي وردت في فضل الصفوف على الجنائز، أو ثَوابٌ ذَكَره صلى الله عليه وسلم للصفوف على الجنازة. كل هذه محتملة من تبويب البخاري قال ابن حجر: يشير البخاري رحمه الله إلى قولٍ أثر عن عطاء [[أنه سئل هل نصف على الجنائز؟ قال: لا. بل تستغفرون وتدعون له]] روى هذا الأثر عبد الرزاق في مصنفه، قال البخاري راداً عليه: الصفوف على الجنازة؛ وذلك لورود أحاديث تنص على أن الصفوف على الجنازة سنة.

التنبيه على أن المسألة خلافية

التنبيه على أن المسألة خلافية والأمر الثاني: كأنه يشير إلى الحديث الذي ليس على شرطه من حديث مالك بن هبيرة مرفوعاً: {من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب} حسن هذا الحديث الترمذي، ورواه أبو داود وصححه الحاكم، ومعناه: وجبت له الجنة والحالة المسكوت عنها تعني: من المسلمين كما هو معروف. وفي تصحيح الحاكم له نظر، فهو من رواية محمد بن إسحاق صاحب السيرة وهو مدلس، وقد عنعن في هذا السند عند الحاكم فكيف يصححه الحاكم، وتصحيحه ليس بجيد كما أشار بعض أهل العلم إلى ذلك؟! فهذا تبويب البخاري ينص على المسألتين، وهناك أحاديث تغني عن هذا الحديث الذي أورده ابن حجر في الشرح وهو حديث جابر في صحيح البخاري: {فصفنا صلى الله عليه وسلم فكنت في الصف الثاني} وفي رواية {كنت في الصف الثالث} فدل على أنه صلى الله عليه وسلم صفهم صفوفاً. وتوفي ابن لـ ابن عباس رضي الله عنهما في عسفان، فقال لـ عكرمة: ناد الناس، فلما ناداهم صفهم رضي الله عنه ثلاثة صفوف، فعلم أنه على أثر رضي الله عنه، وكأنه يعتضد بحديث مالك بن هبيرة في ثلاثة صفوف، فالأجر والمثوبة في تعداد الصفوف، وهو مقصود في الإسلام لهذا الحديث ولحديث جابر، ولأن فيه تكثيراً للصفوف وحكماً أخرى. وهنا مسألة: هل الأفضل إذا كان الناس في صحراء أن يكونوا صفاً واحداً أم يتوزعوا صفوفاً؟ الذي يميل إليه أهل العلم من المحدثين وأورده ابن حجر أن الصفوف أولى ولو اتسع المكان للناس.

من علامات النبوة الإخبار ببعض الغيبيات

من علامات النبوة الإخبار ببعض الغيبيات العنصر الثالث: علم من أعلام النبوة في إخباره صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي كما يأتي بيانه.

الإخبار بموت النجاشي

الإخبار بموت النجاشي كان عليه الصلاة والسلام في المدينة، والنجاشي في الحبشة، فلما توفي قال عليه الصلاة والسلام: {لقد توفي اليوم رجل صالح في الحبشة، فقوموا بنا لنصلي عليه} والحبشة كما تعلمون تبعد عن المدينة أميالاً كثيرة، ولا يخبر به صلى الله عليه وسلم إلا بإخبار الله من علم الغيب، فهو علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، وهذه معجزة.

موت زيد وجعفر وابن رواحة

موت زيد وجعفر وابن رواحة وقد تكررت له صلى الله عليه وسلم هذه المعجزة في أكثر من مرة، فيخبر بموت أناس في نفس اليوم الذي ماتوا فيه، ففي الصحيحين عن أنس وابن عمر وعائشة قالا: {لما قتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة في معركة مؤتة، أخبر عليه الصلاة والسلام بهم في ذلك اليوم وهو بالمسجد، وكان يتكلم للناس، وجلى الله عز وجل له المكان فكان ينظر إلى المعركة ويحدث الناس عن المعركة حركة حركة وسكنة سكنة، فيقول: أخذ الراية الآن زيد فقتل، ثم انتحب صلى الله عليه وسلم قال: أخذها جعفر وقتل، ثم أخذها ابن رواحة فقتل، ثم جمع صلى الله عليه وسلم الناس وقام خطيباً على المنبر فحدثهم بقصة قتلهم في سبيل الله، ثم قال: رأيتهم عرضوا علي وقد أدخلوا إلى الجنة على أسرّة، وفي سرير عبد الله بن رواحة ازوراراً لأنه تلبث قليلاً} رضي الله عنه، وكان صائماً آنذاك وقد دنت الشمس إلى الغروب، وأراد أن يفطر بشيء لكي يتقوى به في المعركة فسمع الدعاء من أطراف الصفوف -لأنه الأمير الثالث- وقالوا: حي هلاً يـ ابن رواحة! خذ الراية فتلعثم لا يدري هل يأكل شيئاً ليتقوى به في سبيل الله أو يقدم على الموت، فأخذ عرقاً من لحم فلاكه فما وجد له طعماً لأنه يسمع السيوف تتكسر، والرماح تسقط على رءوس الأبطال، ويسمع الناس في غمغمة، وقد قتل القائدان المقدامان جعفر وزيد، فنزل -وكان شاعراً رضي الله عنه- وأخذ سيفه فسله وقال: أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أقبل الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة هل أنت إلا نطفة في شنة ثم تقدم فأخذ الراية فقتل مع الغروب رضي الله عنه، وأما جعفر فإنه استمات في سبيل الله وقد تقدم بالراية وهو يقول: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها علي إن لاقيتها ضرابها فضربت يمينه حتى قطعت، فأخذ الراية بشماله فقطعت، فضم الراية إلى صدره بعضديه فكسرت الرماح في صدره فهوى شهيداً في سبيل الله، فأبدله الله جناحين يطير بهما في شجر الجنة من شجرة إلى شجرة في مقعد صدق عند مليك مقتدر: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171]. وأما زيد فكان قائدهم في أول المعركة فقتل رضي الله عنه، وهو من الشهداء الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، الشهداء منهم من كلمهم الله كفاحاً كما في الحديث الصحيح الذي استحسن سنده ابن كثير: {أن الله جمعهم فقال: تمنوا علي قالوا: نتمنى أن تعيدنا إلى الدنيا فنقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمنوا قالوا: نتمنى أن ترضى عنا فإنا قد رضينا عنك، فجعل الله أرواحهم في حواصل طير خضر ترد الجنة فتشرب من مائها وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش حتى يرث الله الأرض ومن عليها}.

موت معاوية بن معاوية الليثي

موت معاوية بن معاوية الليثي ومعجزة له صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية بن معاوية الليثي، وضعف هذا الحديث بعض أهل العلم، وقواه ابن حجر في الإصابة في ترجمة معاوية بن معاوية الليثي، ومفاد القصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج بالجيش إلى تبوك وخلف معاوية بن معاوية الليثي في المدينة لأنه مريض، فلما أصبح صلى الله عليه وسلم في تبوك أتاه الخبر أن معاوية بن معاوية الليثي قد توفي فقام صلى الله عليه وسلم فصف الناس وصلى بالجيش من تبوك على معاوية وهو في المدينة ثم سلم صلى الله عليه وسلم ثم قال: {لقد صلى على معاوية بن معاوية الليثي سبعون ألف ملك، فقالوا: يا رسول الله! لماذا؟ قال: كان يقرأ قل هو الله أحد قاعداً وقائماً وعلى جنبه} قوى ابن حجر هذا الحديث واستحسنه وعضده بطرق له، وضعفه على انفراد بعض أهل العلم وذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة فبتر الحديث، وأصل الحديث عند أبي نعيم في الحلية ولكن حديثه في الحلية لا يستقيم والعهدة على ابن حجر ومن أحيل على ملء فليحتل.

بعض كرامات عمر بن الخطاب

بعض كرامات عمر بن الخطاب وأما غير الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأخبار فهي من باب الكرامة، إذا أخبر أحد الصحابة أنه رأى خبراً وكان هذا الخبر صحيحاً فهي كرامة، ففي تاريخ داريا للمؤرخ الداري بسند جيد قال: كان عمر رضي الله عنه يصلي بالناس يوم الجمعة على المنبر، فلما كان في أثناء الخطبة، قطع الخطبة مباشرة وقال: يا ساريةُ! الجبلَ، يا ساريةُ! الجبلَ، يا ساريةُ! الجبلَ، فلما نزل سأله الناس: مالك يا أمير المؤمنين؟ قال: جلَّى لي الله الأرض فرأيت سارية وقد أحيط به، فقلت: اعتصم بعد الله بالجبل، فالتجأ إلى الجبل فنجاهم الله هو وأصحابه، ولما قدم سارية سألوه فقال: كدنا نهلك وأحيط بنا حتى سمعت صوت عمر يوم الجمعة يقول: يا ساريةُ! الجبلَ، فعمدت إلى الجبل فنجانا الله، وهذه الكرامة أوردها صاحب تاريخ داريا بسند جيد. هذا علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم.

الصلاة على النجاشي

الصلاة على النجاشي من هو النجاشي؟ النجاشي هو ملك الحبشة، وكل من ملك الحبشة لقبه النجاشي، وكل من ملك اليمن لقبه: قَيْل، وجمعه أَقْيال أو قِيل بالكسر، ومن ملك الروم لقبه: قيصر، ومن ملك بلاد فارس لقبه: كسرى، إلى آخر تلك الأسماء للملوك الذين يملكون تلك البلاد، اسم هذا النجاشي أصحمة. وإنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي لثلاثة أسباب: السبب الأول: لأنه لم يصل عليه في الحبشة، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب. السبب الثاني: قيل فيه تأليف لقلوب ملوك العرب؛ لأنه ما دام صلى الله عليه وسلم يصلي على أولئك؛ فمن باب أولى أن يصلي أو يترحم على هؤلاء. السبب الثالث: لموقفه الكريم الشريف الماجد من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم لما هاجروا إلى الحبشة، فكان حقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه صلاة الغائب، وتجتمع هذه الأسباب أو تفترق إنما المقصود: أنه صلى عليه صلى الله عليه وسلم. وعند البزار بسند فيه ضعف تقويه رواية الدارقطني في كتاب الأفراد: أن رجلاً قال: انظروا ينعى إلينا علجاً من علوج الحبشة أي: يخبرنا بموت علج وهي صفة فيها رذالة وتحقير، والعلج مفرد علوج، وقد تجمع جمع قلة على أعلاج كأسياف، فقام عليه الصلاة والسلام فصلى عليه، فأنزل الله عز وجل: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء:159] رواية البزار ضعيفة كما قلت لكم، لكن قد تكفي بعض هذه الأسباب الثلاثة في أن يصلي الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما المقصود: أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى عليه.

حكم الصلاة على الميت في المسجد

حكم الصلاة على الميت في المسجد العنصر الرابع: ما حكم الصلاة على الميت في المسجد؟ وما مناسبة إيراد هذه المسألة في هذا الباب وفي هذا الحديث الذي أتى به البخاري؟ وهل في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر المسجد من غيره أو قال: اخرجوا بنا من المسجد إلى الصحراء؟ نقول: وردت لأن في الرواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {اخرجوا بنا أو هيا بنا نصلي على هذا} فعلم أن الخروج من المدينة، ومن روايات أخرى عند غير البخاري أنه كان في الصحراء، فقام عليه الصلاة والسلام في الصحراء فصلى بهم، والمسألة: هل يجوز أن نصلي على الميت في المسجد؟ لأهل العلم أقوال:

قول الحنفية والمالكية في الصلاة على الغائب

قول الحنفية والمالكية في الصلاة على الغائب ذهبت الحنفية والمالكية إلى أنه لا يصلى عليه في المسجد، وأن الصلاة في المسجد إنما هي صلاة الأحياء، وأن الذي ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه يصلي في الصحراء ليقترب من المقبرة، وليكثر الجمع، وليتعظ في الصحراء بالميت، ولئلا يدخل بالميت المسجد، ربما لا يعلم حال الميت فلا يكون المسجد ذريعة لدخول أموات كثيرين ربما كانوا غير مسلمين، أو ربما غير مستقيمين -من الفسقة- وغيرهم إلى غير تلك الأسباب.

أرجحية مذهب الإمام أحمد والشافعي وجمهور العلماء في حكم صلاة الغائب

أرجحية مذهب الإمام أحمد والشافعي وجمهور العلماء في حكم صلاة الغائب وذهب الإمام أحمد والشافعي وجمهور السلف، وقال ابن حزم في المحلى: لا أعلم مخالفاً من الصحابة، إلى أنه يصلى عليه في المسجد، والجبانة والصحراء أفضل، ودليلهم: ما روي عند أبي داود وعند بعض أهل السنن: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على سهيل وسهل ابني بيضاء في المسجد} قال القرطبي: لا تلبسوا علينا ما دام أن الحديث ورد؛ فبطلت الآراء المضادة للحديث، وصدق، فإنه إذا أتى الحديث فحسبك به، فما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على هذين الرجلين في المسجد؛ فهو دليل على جواز الصلاة المسجد، في وهو مذهب الشافعي وأحمد وجمهور السلف وهو الصحيح في هذه المسألة.

وقفة مع سعد بن أبي وقاص

وقفة مع سعد بن أبي وقاص ثم ورد من حديث عائشة أنها قالت -لما توفي سعد رضي الله عنه وأرضاه-: [[مروا به علينا لندعو له]]. p=1000193>> سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد المبشرين بالجنة، وأحد أهل بيعة الرضوان ومن أهل بدر ومن الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، توفي كما يقول أبو يعلى في مسنده في بادية قلهى، فلما توفي هناك حمل إلى الصحراء فصلي عليه، فقالت عائشة: مروا بـ سعد علينا لندعو له، يعني: على حجر نساء الرسول صلى الله عليه وسلم. وعند الذهبي في سير أعلام النبلاء: أنه لما توفي سعد قالت له ابنته وأظنها عائشة: يا أبتاه! أتموت في الصحراء بعد أن صاحبت الرسول صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته؟ قال: اسكتي لا تبكي علي، فوالله إني من أهل الجنة، قال الذهبي رحمه الله: صدق فهنيئاً له ومريئاً إنه من أهل الجنة. وقد اعتزل الفتنة -من باب الاستطراد للفائدة- وخرج لما اختلف علي ومعاوية -رضي الله عن الجميع- إلى الصحراء, فجاءه ابنه عمر وقال: يا أبتاه! أتتبع الضأن في هذه الرءوس وتترك الأمة تختلف في الملك، قال: اغرب عني فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يحب العبد الغني الخفي التقي} والحديث في صحيح مسلم بهذا اللفظ بدون قصة: {إن الله يحب العبد الغني الخفي التقي} من حديث سعد. فمروا بـ سعد رضي الله عنه فقال بعض الصحابة: لا تصلوا عليه في المسجد، فقالت عائشة: {ما أسرع ما نسي الناس! والله، لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهل وسهيل ابني بيضاء في المسجد} وصدقت رضي الله عنها وأرضاها، فالصلاة في المسجد جائزة، والأولى أن يصلى عليه في الصحراء؛ لأنه النبي صلى الله عليه وسلم داوم في الصلاة على الناس في الصحراء وخرج بهم إلا في بعض المواطن التي تقتضي الجواز، والسنة إذا وردت مطلقة ثم ورد ما يخالفها من أمر فإنما يحمل على الجواز إذا فعله صلى الله عليه وسلم على مذهب من يخصص القول الصريح بالفعل الخاص به صلى الله عليه وسلم، وهنا أحيل طلبة العلم إلى كتاب اسمه: أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام لأستاذ جليل في جامعة أم القرى وهو مطبوع وموجود بالأسواق.

الترجيح في حكم الصلاة على الغائب

الترجيح في حكم الصلاة على الغائب العنصر الخامس: هل يصلى على الغائب؟ لأهل العلم فيه سبعة مذاهب أوردها، ثم أذكر الراجح منها، إن شاء الله. الول: الجواز مطلقاً: وهو قول الشافعي وأحمد. الثاني: المنع مطلقاً وهو قول المالكية والحنفية. والثالث: ابن عبد البر قال: يجوز أن يصلى على الغائب في اليوم الذي يموت فيه. والرابع: قال ابن حبان: إن كان في جهة القبلة صلي عليه وإن لم يكن فلا يصلى عليه، لأن النجاشي في جهة قبلته صلى الله عليه وسلم وهذا كما قال ابن حجر جمود. والخامس: لا يصلى عليه إلا إذا مات في أرض لا يصلى عليه فيها، وهذا رأي أبي داود صاحب السنن، والروياني من الشافعية، والخطابي منهم أيضاً، وسوف يأتي توجيه كلامهم. والسادس: خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم يقولون: لأن الله جلَّى له الأرض فرأى النجاشي، أما غيره فمن يجلي له المكان حتى يرى الميت؟ واعتمدوا على حديث لـ ابن عباس عند الواقدي بسند ضعيف لا يصح: {إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى جلى لرسوله صلى الله عليه وسلم عن النجاشي حتى رآه} وعند ابن حبان عن جابر: {لقد صلى صلى الله عليه وسلم على النجاشي وإنه ليراه} وعند أبي عوانة: {صلى صلى الله عليه وسلم وقد جلى له الله جنازة النجاشي} أو كما قال، فقال هؤلاء: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم. والسابع: خاص بـ النجاشي -أي أن صلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي ليس فيها عموم- لأن الفعل لا يعم إذا لم يقارنه القول، وهو مذهب لبعض الأصوليين كما قاله الشوكاني في إرشاد الفحول: الفعل لا يعم ما لم يقترن بالقول، فأي الأقوال أرجح وما دليل كل قول؟

مذهب الإمام أحمد والشافعي في الصلاة على الغائب

مذهب الإمام أحمد والشافعي في الصلاة على الغائب أما قول الإمام أحمد والشافعي: أنها مشروعة، فاستدلوا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي وصلى على معاوية بن معاوية الليثي، وقال عليه الصلاة والسلام: {قوموا نصلي على هذا} فاقترن قوله بفعله صلى الله عليه وسلم ولم يرد مانع فيبقى العموم، وقاعدة حمل العموم على وجهه أقرب من تخصيصه ببعض المخصصات الفعلية، وهذا هو المذهب الصحيح، بل من فقه وفهم المحدثين أن يحملوا العموم دائماً على أصله، وهذا قول وسوف يأتي كلام عنه.

مذهب الحنفية والمالكية في الصلاة على الغائب

مذهب الحنفية والمالكية في الصلاة على الغائب وأما الحنفية والمالكية قالوا: لا يشرع ذلك، ولكن هذا فيه ضعف، واستدلوا على ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: صلوا على الغائب، وإنما فعل هذا في ظرف من الظروف أو في حالة من الحالات فلا تعم، وإلا لبين للناس بياناً عاماً على كثرة من يموت من الصحابة، وكثرة ما فعل الصحابة وصلوا فلم يصلوا على الغائب، فإن هذا خاص، وربما يشارك المذهب السابع، لكنهم قالوا: لا يشرع مطلقاً وسكتوا عن قضية النجاشي.

قول ابن عبد البر في الصلاة على الغائب

قول ابن عبد البر في الصلاة على الغائب وأما ابن عبد البر فقال: في اليوم الذي يموت فيه، ولكن يرد عليه بأن العلة مجهولة، فنقول له: ما علة تخصيصه باليوم الذي يموت فيه؟ أو ما هي العلة لنجعل هذا يوماً خاصاً بالصلاة فيه، فإذا تجاوزت الأيام أو زادت لا نصلي عليه؟ فالعلة مجهولة، ولابد من استحضار العلل إن كانت عند الاحتجاج معقولة فتقبل.

قول ابن حبان في الصلاة على الغائب

قول ابن حبان في الصلاة على الغائب وأما ابن حبان فقال: لمن كان في جهة القبلة، قلنا: وليس عليه دليل وهذا كما قال ابن حجر جمود، ولا تكفي الواقعة التي وقعت ما لم يقرنها بعلة معقولة، أو بدليل صريح وإلا فالعبرة بالعموم.

مذهب أبي داود والروياني وغيرهما في الصلاة على الغائب

مذهب أبي داود والروياني وغيرهما في الصلاة على الغائب وأما من قال: لا يصلى عليه إلا إذا مات في أرض لا يصلى عليه فيها فهذا له وجه من النظر، وقرائن الحال والسياقات تؤيد ما ذهبوا إليه، وهذا مذهب الروياني والخطابي وأبي داود فكأن هذا مذهب طيب، لكن نقول: هل نقل لكم أن الحبشة ليس فيها مسلمون ولم يصلوا على النجاشي أم لا؟ وأما من قال: خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فليس بظاهر؛ لأن الأحاديث ضعيفة وليست بقائمة، ولأنه لا يؤخذ من دلالتها الخصوصية له صلى الله عليه وسلم ولو جلي له عن النجاشي.

مذهب بعض الأصوليين في الصلاة على الغائب

مذهب بعض الأصوليين في الصلاة على الغائب وأما من قال: خاص بـ النجاشي، فيرد عليهم بما رد على ابن حبان وذلك بأنه جمود، والصحيح أن يقال: الصلاة على الغائب المسلم مشروعة وتتأكد إذا لم يصل عليه في المكان الذي توفي فيه، وتتأكد إذا كان له خطب وله بلاء حسن في الإسلام، كأن يكون مجاهداً، أو مدافعاً أو مسئولاً له مكانة في الدين وفي نصرته، أو عالماً من العلماء، أو داعيةً من الدعاة أو شيخاً جليلاً، فيتأكد هذا، فهي مشروعة في الأصل وتتأكد بهذه الأمور إذا لم يصل عليه في بلاده، وإذا كان له بلاء حسن وكان له مقام، ولا نريد أن نتوقف عند هذه المسألة لأنها وردت عرضاً وسوف تتكرر معنا عند الصلاة على الميت الغائب.

الصلاة على الغائب فرض كفاية

الصلاة على الغائب فرض كفاية وهنا مسألة: هل من صلى على الغائب يسقط فرض الكفاية؟ ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يسقط فرض الكفاية، وذهب الآخرون إلى أنه لا يسقط، والصحيح أنه يسقط فرض الكفاية؛ لأن المصلين ولو كانوا غائبين فهم مسلمون، ويقوم بعضهم بهذا العمل الشرعي فيسقط عن البعض الآخر، ولأن الصلاة فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين ولم يلزم الرسول صلى الله عليه وسلم بقية الصحابة الذين يتخلفون عن الجنائز أن يصلوا على الميت إذا لم يحضروا الصلاة عليه، فعلم أنها فرض كفاية تسقط بمن صلى عليه.

مسائل النعي

مسائل النعي العنصر السادس: ماذا يؤخذ من قوله: {نعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه النجاشي ثم تقدم فصفوا خلفه فكبر أربعاً} النعي إذا أطلق في الشريعة فهو على قسمين: بمعنى: الإخبار وبمعنى: التضجر. فأما إن كان معنى نعى: أخبر، وهذه اللغة تحتمل هذا وهذا، يقال: نعى فلان فلاناً -أي: أخبره وقد تعدى إلى فعلين- ويقال: نعى فلان على فلان -أي: بكى عليه وتضجر من موته- فأما بمعنى: الإخبار فينقسم إلى قسمين: ممدوح ومذموم.

الإخبار الممدوح

الإخبار الممدوح النعي الممدوح في الإسلام: هو الذي يخبر بموت صالح أو مسلم لقصد الصلاة عليه، والدعاء له، وحضور جنازته، ودفنه والاتعاظ بموته، هذا هو النعي الممدوح في الإسلام، وهو الذي عهد عنده صلى الله عليه وسلم ومن أفعال الصحابة، فكان ينعى -أي: يدعو الصحابة ليصلوا عليه- فهذا هو الممدوح.

النعي المذموم والنهي عنه

النعي المذموم والنهي عنه والنعي المذموم: هو ما كان لتشهير الميت، ولتزكيته، ولرفع صيته، ولتأبينه، ولإشغال الناس به، كما يحدث في بعض الصحف وبعض وكالات الأنباء، إذا مات رجل ولو كان كافراً عدواً لله، أشغلوا الناس بموته وأخبروا وأبرقوا وأعلنوا فهذا مذموم؛ لأن فيه إشهاراً لهذا الرجل؛ ولأن فيه فعلاً من أفعال الجاهلية، فأما فعل أهل الإسلام فإنه من الباب الأول، وكانوا في الجاهلية إذا مات الميت يخبرون بهذا من باب النعي، فيذكرون الناس بموت الرجل وعلى المنائر ويعلنون في الأسواق لرفع صيته ولذلك يقول الأول: ألا أصبح الناعي بخير بني أسد بـ عمرو بن مسعود وبـ السيد الصمد يقول: أخبرنا هذا الناعي بموت هذين السيدين الجليلين المذكورين وهما جاهليان، والصمد من تصمد إليه الناس- أي: تتجه إليه، وهذه من المعاني في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:1 - 2] فإن من المعاني عند أهل التفسير -كما قال الرازي - أنه هو الذي تصمد إليه الكائنات سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في حاجاتها وقيل: هو معنى آخر أي: أصم لا جوف له، والصمد هنا: أنه سيد معروف يقصده الناس. وفي تاريخ ابن عساكر أن جحدر بن عدي لما حكم عليه الحجاج بالقتل، استدعاه من اليمامة، وجحدر بن عدي هذا كان فتاكاً، ينصب الكمائن للقوافل، كلما مرت قافلة في نجد من اليمامة سلبها وأخذها، فأرسل الحجاج كذلك عصابة من جنوده فاستولوا على جحدر وربطوه وأركبوه جملاً واتجهوا به إلى الحجاج ليعدمه، فلما مر جحدر بن عدي في طريقه وإذا بحمامتين على نخلتين تتجاوبان قال: وإني شاقني فازددت شوقاً بكاء حمامتين تجاوبان تجاوبتا بصوت أعجمي على غصنين من غرب دان فكان البان أن بانت سليمى وفي الغرب اغتراب غير داني إذا جاوزتما صخرات نجد ونخلاً باليمامة فانعياني فقولا جحدرٌ أمسى عتيقاً يحاذر ضرب مسلول يماني أي فأخبرا الناس بموتي وشهرا بموتي لأنني كنت سيداً من سادات العرب. وقال طرفة بن العبد لابنته لما حضرته الوفاة: إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يابنة معبد هذا النعي المذموم للشهرة.

النعي بمعنى البكاء والنياحة

النعي بمعنى البكاء والنياحة وأما النعي بمعنى النياحة ودعاء الويل والثبور والتأسف فهو على قسمين: القسم الأول: بكاء، وهذا لا شيء فيه، بل هو من الرحمة والرقة، وأدخله بعض أهل العلم في السنة، وأما بكاء فيه تضجر وتسخط ومخالفة لأمر الشارع فهذا هو المذمة. أما البكاء من الرحمة فقد بكى عليه الصلاة والسلام في أكثر من واقعة، ففي الصحيح: {أنه صلى الله عليه وسلم ذهب ليزور سعد بن عبادة فأتى فإذا هو مغمى عليه فقال: أمات أخي؟! وبكى صلى الله عليه وسلم}. وكذلك في الصحيح عن أنس: {أن بنت الرسول صلى الله عليه وسلم زينب دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحضر ابنها وقد حضرته الوفاة، فأرسل إليها وقال: مروها فلتصبر ولتحتسب، فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فذهبت فأرسلت إليه أو عزمت عليه ليأتين، وكان صلى الله عليه وسلم كما في كتاب الحج -رجلاً سهلاً- فأجابها خاصة أنها ابنته وفلذة كبده رضي الله عنها، وصلى الله عليه وسلم، فقام وقام معه الصحابة فسلمت له ابنها فأخذت نفسه تقعقع كما تقعقع الشنة بيده صلى الله عليه وسلم فأخذ يبكي وقال له ابن عوف: ما لك يا رسول الله قال: هذه رحمة يجعلها الله في قلب من يشاء من عباده}. وفي الصحيح أيضاً من حديث أنس لما توفي ابنه إبراهيم قال: {تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون} فهذا البكاء عند بعض أهل العلم جائز وهو من رقة القلب، ومن الرحمة، ومن تذكر الوفاة، وبكى عليه الصلاة والسلام في أكثر من حديث، إنما هذا شاهد على جواز البكاء بل هو مطلوب.

أصناف الناس في البكاء

أصناف الناس في البكاء والناس ثلاثة أقسام في هذه المسألة: طرفان ووسط. الطرف الأول: من يبكي فيدعو بالويل والثبور ويولول ويصيح ويتسخط؛ فهذا مذموم ومأزور غير مأجور ولا مشكور، والطرف الذي يقابله: طرف لا يبكي، فتجف عينه ويقسو قلبه فهذا مذموم أيضاً، والطرف الثالث المتوسط: هو الذي يبكي البكاء الوارد، فيحزن قلبه، وتدمع عينه، ولا يقول إلا ما يرضي الله عز وجل، فإن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا اللسان كما قال عليه الصلاة والسلام. قال ابن تيمية لما تعرض للكلام عن أن الفضيل بن عياض ضحك على القبر لما دفن ابنه علي، فتكلم ابن تيمية في هذه المسألة وقال: هل مقامه هو المقام المطلوب؟ أو حاله هي الحالة المطلوبة؟ يعني: أن الإنسان يضحك إذا مات ابنه أو لا؟ قال بكلام ما معناه: ورد على الفضيل واردان، وارد الخوف والبكاء والرقة لموت ابنه، ووارد الرضا والتسليم لله عز وجل، فلم يحتمل قلبه إلا وارداً واحداً، ففضل وارد الرضا فتبسم وضحك على قبر ابنه، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فكان قلبه أكبر وصدره أوسع، وهو أعلم بربه، فاحتمل الواردين الاثنين: وارد الرقة والبكاء ووارد الرضا فجمعهما في قوله: {تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا -هذا الرضا- وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون} فجمع البكاء وجمع الرضا عليه الصلاة والسلام ومقامه أشرف.

البكاء المذموم

البكاء المذموم وأما القسم الثاني من أقسام البكاء: قسم النياحة والتضجر والسخط، وهذا هو المذموم وصاحبه مأزور غير مأجور ولا مشكور، وفي حديث أنس في البخاري: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على قبر وعليه امرأة تبكي فقال لها صلى الله عليه وسلم: اتقي الله واصبري، قالت: إليك عني فإنك لم تصب كمصيبتي، ولم تعرفه صلى الله عليه وسلم، فلما ذهب صلى الله عليه وسلم قالوا لها: إن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلحقته -فلم تجد عنده بوابين- فقالت: يا رسول الله! إني لم أعرفك -كالمعتذرة- فقال صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى} يعني: ليس هذا وقت الصبر، ولو صبرتي عند الصدمة الأولى كان أأجر وأفضل، فما أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم عند بكائها لما بكت.

معنى عذاب الميت ببكاء أهله

معنى عذاب الميت ببكاء أهله في الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه لما حضرته الوفاة قال لأهله: {إني أحذركم أن تنوح علي نائحة، فإني أبرأ مما برئ منه صلى الله عليه وسلم، قالوا: وما الذي برئ منه صلى الله عليه وسلم؟ قال: برئ من النائحة والصالقة والحالقة والشاقة} وفي حديث: {النائحة إذا لم تتب توقف يوم القيامة وعليها درع من قطران وسربال من جرب} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وفي حديث ابن عمر: {الميت يعذب ببكاء أهله عليه} وسوف تأتي مسألة: هل الميت يعذب ببكاء أهله إذا بكوا عليه، وما هو هذا العذاب، وما هي أقوال أهل العلم والراجح؟ أما مسألة هل الميت يعذب ببكاء أهل عليه؟ فقد ورد من حديث عمر وابن عمر والمغيرة بن شعبة وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم بألفاظ متقاربة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه} وهذا الحديث أصل في المسألة، وقابل أهل العلم هذا النص وغيره من النصوص بأقوال، كلهم يريد الخير والحق والصواب لكن بعضهم مصيب له أجران، وبعضهم مخطئ له أجر واحد، فهي ستة أقوال. القول الأول: قول من قال: الباء هنا حالية فمعنى، ببكاء أهله عليه أي: في حالة بكائهم عليه، أي: يعذب الوقت الذي يبكون عليه، نسأل الله العافية والسلامة، وأن يثبتنا الله يوم يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة والدنيا والآخرة، ففهم أنه ما أن يوضع في القبر ويبتدئ بكاء أهله عليه إلا ويعذب، فالباء هنا حالية، أي: حالة كونهم يبكون فهو يعذب، وهو رأي متأخر. والقول الثاني: أن هذا خاص بالكافر، أن الكافر هو الذي يعذب ببكاء أهله عليه، وأما المؤمن فلا يدخل في ذلك، وهذا رأي لـ عائشة رضي الله عنها، ولها كلام آخر يخالف هذا الكلام في عمومه، تقول: [[والله ما كذب ابن عمر، ولا كذب أبوه ولكنهم أخطئوا]] لأنهم يقولون بهذا الحديث: {إن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بقبر من قبور اليهود فإذا به يعذب فقال: إنه يعذب ببكاء أهله عليه -وفي لفظ- مر على يهودية يبكي عليها أهلها فقال: إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها}. فعلى هذا الرأي يكون العذاب خاصاً بالكفار ولا يدخل فيه المسلمون. القول الثالث: يعذب الميت مطلقاً سواء كان مسلماً أو كافراً إذا بكى عليه أهله، وهو رأي لـ أبي هريرة كما في مسند أبي يعلى بسند مقبول قال: يقول أبو هريرة: [[والذي نفسي بيده، إن الشهيد ليخرج في سبيل الله أهريق دمه، وقتل جواده، فتبكي عليه سفيهة فيعذبه الله ببكاء هذه السفيهة]] هذا رأي لـ أبي هريرة. القول الرابع: يعذب إذا أمر بذلك وأقره ولا يعذب إذا نهى، وسوف يأتي الترجيح. القول الخامس: العذاب توبيخ من الملائكة لحديث أبي رافع عند أحمد: أن رجلاً أغمي عليه فأخذت أخته تصيح تقول: وا عضداه! وا ناصراه! وا حبيباه! وا سنداه! وا كاسياه! وا مطعماه! فلما استفاق قال: والله ما قلت كلمة إلا قال لي الملك: أأنت تطعمها؟ أأنت تسقيها؟ أأنت تتكفل برزقها؟ يوبخه الملك فمعنى العذاب هنا: التوبيخ. القول السادس: يتألم الميت لبكائهم، فهو لا يعذب وإنما يتألم ويصيبه مرارة وألم ولا يرتاح في قبره لأنهم يبكون عليه، وهذا رأي الطبري والقاضي عياض وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن تيمية صرح بهذا وقال: إنما ألم لا عذاب. والراجح هو الرأي الرابع: وهو الذي دلت عليه النصوص ورجحه كثير من المحدثين، وعليه سياقات الأحاديث والاعتبارات والشواهد التي تسانده في صحيح البخاري وصحيح مسلم وهو الذي يقول: يعذب بالميت إذا أمر بذلك أو أقر ولم ينه، وأما إذا نهى ولم يقر فلا يعذب إن شاء الله، ولذلك كان الصحابة إذا حضرتهم الوفاة ينهون أهلهم وأصدقاءهم أن يبكوا عليهم، ويمنعونهم من ذلك لئلا يعذبوا ببكاء هذا الحي، هذا هو الرأي الراجح في هذه المسألة وهو ما إذا أقر ورضي ولم ينه وهو يعلم أنهم سوف يعملون ذلك، وأما إذا نهى ولم يرض بذلك ولم يقره فإنه لا يعذب ولو بكي عليه أو نعي بعده، هذا هو خلاصة ما أتى في هذه المسألة. وأما كلام ابن تيمية أنه يتألم، فإن نصوص الأحاديث تدل على أنه يعذب فأي قرينة تصرف اللفظ الظاهر الصريح، واللغة تؤيد أن العذاب عذاب؛ أعني أنه قد عرف من اللغة أنه يعذب؛ فنحمله كما حمله ابن عمر وعمر والمغيرة وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم.

الأسئلة

الأسئلة .

حكم الصلاة على الميت داخل المقبرة

حكم الصلاة على الميت داخل المقبرة Q ما حكم الصلاة على الميت داخل المقبرة؟ A لأهل العلم في هذه المسألة أقوال وكل له دليل، منهم من قال: لا يصلى عليه إذا انتهى، وأخذوا بعموم النهى عن الصلاة على المقابر، ومنهم من قال: يصلى عليه لمدة شهر، واستدلوا بحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر منبوذ إلى شهر فصفنا خلفه} أو كما قال رضي الله عنه. ومنهم قال: يدعى له ولا يصلى عليه صلاة الجنازة لأنه قد أصبح في قبره. والصحيح ما قال ابن عباس ونتقيد بالمدة الزمنية وهي إلى شهر؛ فإن إيرادها له فائدة، وإيراد التقنين والتحديد في الشرع إنما هي لفائدة، لابد إذا علمت العلة وكانت معقولة فإنا نأخذ بها، والعلة معقولة في تحديد ابن عباس بشهر، لأن ما بعد الشهر إما زيادة في إصابة المصاب، وإما أنه فتح باب للناس ليجعلوا المقابر مساجد يصلون دائماً على موتاهم فيها، فتحديد شهر جيد لمن غاب عن الجنازة، فمن غاب وأتى وقد مات حبيبه أو قريبه أو أحد المسلمين فله أن يصلي عليه صلاة الجنازة. وأما النهي العام عن الصلاة على الجنائز وقول مرثد الغنوي في حديثه: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصلى إلى القبور ولا يجلس عليها} [[وقول عمر -في الصحيح- لـ أنس وهو يصلي إلى القبر: القبر القبر]] أي: لا تصل إليه أو لا تصل عليه، فهذا فيما له سجود لأنه يخشى أن تكون فيه عبادة أو شبه تقرب إلى الأموات، أما صلاة الجنازة فإنها دعاء لا ركوع لها ولا سجود، فالصحيح أنه يصلي عليه صلاة جنازة إلى شهر إذا لم يصل على هذا الميت لأمر ما، أما إذا صلى فيكفي وإذا مر عليه فليدع له وإن دعا له بلا صلاة فحسن.

مدة الصلاة على الغائب

مدة الصلاة على الغائب Q هل لصلاة الغائب مدة محددة ثم لا تجوز بعد هذه المدة؟ A ما علمت لصلاة الغائب تحديداً، ولو حدد لألزمنا ابن عبد البر ولقال: وأنتم من أين أخذتم الشهر؟ فإن فعله صلى الله عليه وسلم في الصلاة على القبر المنبوذ غير الصلاة على الغائب، لأن هذه حادثة عين وهذه حادثة عين، ولا يقتضي العموم في هذه المسألة أن تعمم في الأخرى، فصلاة الغائب صورة تختلف عن الصلاة على القبر المنبوذ وابن عبد البر يقول بيوم للغائب ولو قلنا: شهراً لقال: من أين لكم إلى شهر؟ ونحن قلنا: لـ ابن عبد البر: من أين لك إلى يوم؟ فيبقى على المطلق حتى يأتي مخصص أو حديث أو سياق يبين المدة فلا أعرف في ذلك شيئاً.

مسألة تعذيب الميت ببكاء أهله كما في فتح الباري

مسألة تعذيب الميت ببكاء أهله كما في فتح الباري Q في أي كتاب نجد تفصيل مسألة تعذيب الميت ببكاء أهله عليه؟ A أورد هذا ابن حجر في صفحة (155) من الفتح وذكر هذه الاحتمالات وقال: يحمل على أمرين: إن كان علم من أهله أنهم سوف يضجون ويصجون ويبكون وينوحون ويندبون فالأولى أن ينهاهم، فإن لم ينههم اشتمل له العذاب، وإن علم أن فيهم صبراً وسكينة فلم يأمر ولم ينه فإنه يحمل على السلامة فلا يعذب إن شاء الله.

حكم قراءة القرآن عند القبر

حكم قراءة القرآن عند القبر Q ما حكم قراءة القرآن عند القبر؟ A لا أعلم في قراءة القرآن عند القبر حديثاً صحيحاً، وقد أسلفنا في الدرس الماضي أن سورة (يس) وما ورد فيها عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {اقرءوا على موتاكم ياسين} ولهذا الحديث شواهد لكن الصحيح أنه ضعيف، فلا يعمل به في مثل هذه المسألة الخطيرة، بل يتوقف، وما أعلم في القراءة على القبر أنها واردة إلا من فعل ابن عمر، ولكن لا يؤخذ بمثل هذا الفعل خاصة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا أحد من أصحابه، ويتوقف فيها، ولابد من حديث صحيح صريح يدل على سنية أو جواز القراءة على القبر، فإذا لم يرد فلنتوقف ولا نقرأ على القبر لقوله عليه الصلاة والسلام: {من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد}.

مناظرة بين ابن عمر وابن عباس

مناظرة بين ابن عمر وابن عباس Q اذكر لنا المناظرة التي حدثت بين ابن عباس وابن عمر؟ A ابن عمر وابن عباس رضي الله عنها في جنازة بنت لـ عثمان بن عفان في مكة قال: جلسوا على شفير القبر فأخذ بنات عثمان يبكين على أختهن وعمر بن عثمان جالس، فقال ابن عمر لـ عمر بن عثمان: انه هؤلاء النسوة فإن الميتة تعذب ببكائهن. قال ابن عباس معترضاً: قد كنا نقول بهذا القول وكان أبوك -يعني عمر رضي الله عنه- يقول بهذا القول، فجئت معه لما اعتمر حتى أصبحنا من قرب من المدينة، فإذا بـ صهيب بن سنان رضي الله عنه؛ فسلم عليه عمر، فدخلنا المدينة فما لبث عمر إلا أن طعن رضي الله عنه فدخل صهيب يبكي على عمر ويقول: وا حبيباه! وا صفياه! وا قرة عيناه! فقال عمر رضي الله عنه: لا تفعل يا صهيب! فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه}. هذا الكلام لـ ابن عباس موافق إلى الآن مع ابن عمر، ثم قال ابن عباس: فأخبرت عائشة بذلك، فقالت: والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، ولا كذب عمر رضي الله عنه، ولكنه وهم، وإنما مر صلى الله عليه وسلم بقبر يهودية، وأتت بالحديث الذي سلف معنا، أن أهلها بكوا على قبرها فقال: {إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه} ثم قال: قالت رضي الله عنها: كيف يعذب ببكاء أهله والله يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر:18]؟! ثم أخذ ابن عباس يساعد رأي عائشة ويقول: وقال الله عز وجل: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:43] يعني: أن الضحك مقدر على العبد وأنه من جبلاته ومفطور عليه، فما هو ملك العبد في أن يملك الضحك والبكاء؟ والشاهد هنا: أن ابن عباس وعائشة يقولان: لا يعذب، وأوردناه؛ لأنها مناظرة ومن باب إيراد عائشة رضي الله عنها قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر:18] فنقول: هذا عموم ويخصصه حديث عمر وابن عمر والأحاديث التي قالت: {إن الميت يعذب ببكاء أهله} والعموم إذا خصص بقي عمومه في الأفراد التي لم تخصص، والفرد هنا هو الميت الذي ذكر. في الجملة لا يعذب هذا ولا هذا ولا تزر وازرة وزر أخرى من حيث المبدأ، لكن هذا الحديث خصص، وهذا أحد الردود. والأمر الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بكى، وبكاؤه عليه الصلاة والسلام من الأمر الجائز الذي ليس فيه نياحة، وكأن هذا لا يستقيم ولا يظهر منه فرد، لكن زيادة أن اليهودية تعذب من الزيادات التي لم تنقل لأهل العلم بل جمهور الصحابة أو أكثرهم لم يعلموا هذه الزيادة فبقي على الأصل، وأما قول ابن عباس: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:43] فإن البكاء في أصله جائز، ولكنه قد يقترن بأمر يجعله من غير الجائز أو من المكروه أو المحرم، ومنه: البكاء بالويل والثبور على الميت فيعذب به، هذه مسألة اختصرنا الكلام فيها، وهناك ردود على عائشة رضي الله عنها في باب أصول الفقه لا يدخل في باب الحديث؛ أو لا نريد أن نستطرد لأنه سوف يمر معنا تكراراً إن شاء الله.

قاعدة جلية في المطعومات والمشروبات

قاعدة جلية في المطعومات والمشروبات Q نسمع بعض أهل العلم يقول: الأصل في الأشياء الإباحة والحل، فهل الأصل في جميع الأمور هو الإباحة؟ A ما أصله الحل هو ما لم يرد شيء يحرمه، قد تكون في المطعومات والمشروبات، أما في العبادات فإن الأصل فيها الشرع يعني: الأمور التكليفية أو الأمور التعبدية التي أتى بها صلى الله عليه وسلم فالأصل فيها: أننا لا نتعبد الله إلا بنص منه صلى الله عليه وسلم من الكتاب أو السنة أو ما أجمعت عليه الأمة، والإجماع لا بد أن يستند كذلك إلى نص، فأما الأصل في الحل فهذا في المطعومات والمشروبات، أما العبادة والأمور التكليفية فأمرها ضيق، ولابد من دليل من المعصوم عليه الصلاة والسلام، فلا ترتفع إصبع ولا توضع يد إلا بدليل، حتى إشارة السبابة في الصلاة ما فعلناها إلا بدليل منه صلى الله عليه وسلم، وإلا لأصبح الأمر فوضى، ودخل من دخل فهذا أمر ضيق وقد تكلم ابن تيمية عن هذه القواعد وعن الجمع بينها في المجلد التاسع عشر والمجلد العشرين من فتاويه بأحسن كلام، ويأتي بكلام القاعدة في المطعومات والمشروبات وقاعدة في الطهارة وقاعدة في الأمور التعبدية فليعلم ذلك.

معنى (الألم) عند شيخ الإسلام ابن تيمية

معنى (الألم) عند شيخ الإسلام ابن تيمية Q هل مقصود ابن تيمية بالألم العذاب؟ A لكن ابن تيمية يقول: إنه كالمغتاظ أو المتأسف، لأن ابن جرير الطبري هو وابن تيمية والقاضي عياض يقولون: متألم -يعني: أنه لا يريد ذلك ويتأسف على ذلك الفعل- ولو كان بمعنى: أنه العذاب المعروف المحسوس الذي يحس فإنه يكون موافقاً لمن ذهب إلى ذلك، وابن تيمية أتى بهذا في المجلد الحادي عشر -وأظنه أشار إليه في المجلد العاشر- ومقصده: أن يكون من باب الحزن والهم والغم الذي يمر على القلوب لا من باب التعذيب الذي يصل الجسم ويذوقه العبد فيتألم من التعذيب المحسوس، لكن يقصد من باب الأمور التي يتألم منها القلب كأنك ترى منظراً يشغلك ولا ترتاح إليه فتتألم، لكن الحديث نص صريح في التعذيب.

حكم زيارة النساء للقبور

حكم زيارة النساء للقبور Q مسألة زيارة النساء للقبور؟ A مسألة زيارة النساء للقبور مسألة طويلة اختلف فيها أهل العلم على رأيين: رأي يرى أن للمرأة أن تزور القبر، واستدلوا بأدلة: منها: أن النسخ عام من مخصص فليس للرجال دون النساء فقال: {ألا فزوروها} فاقتضى دخول المرأة مع الرجال في هذا النسخ العام. ومنها: أدلة {لعن الرسول صلى الله عليه وسلم -في رواية- زوارات القبور} قالوا: المكثرات، أما زائرات: فإن هذا على القلة، فلها أن تزور على القلة. ومنها: حديث أنس في البخاري: {مر صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي على قبر فقال: اتقي الله واصبري} فنهاها عن البكاء ولم ينهها عن الزيارة. ومنها: حديث عند الترمذي من طريق عطاء: [[أن عائشة مرت بقبر أخيها عبد الرحمن فبكت وقالت: وكنا كندماني جذيمة برهة من الدهر حتى قيل لن يتصدعَا وعشنا بخير في الحياة وقبلنا أصاب المنايا رهط كسرى وتبعَا فلما تفرقنا كأني ومالكاً لطول اجتماع لم نبت ليلة معَا ومنها: حديث عند مسلم تقول عائشة: {كيف أقول يا رسول الله إذا زرت المقابر؟ فأخبرها صلى الله عليه وسلم} فلو أنه كان ينهاها لكان قال: لا تقولي ذلك ولا تقولي شيئاً ولا تزوري المقابر. ومنها: حديث عن أم عطية في البخاري في الجنائز: {نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا}. وقابلهم فريق من أهل العلم وقالوا: لا تزور المرأة، واستدلوا بأدلة منها: خوطب بحديث بريدة وغيره الرجال فقال: "فزوروها" والنهي كان للرجال في أول الحين أما النساء فلهن أحاديث تخصهن. ومنها: أن المرأة التي قال لها صلى الله عليه وسلم: اتقي الله واصبري قالوا: إنه نهاها عما فعلت، فنهيها عن زيارة القبور من أجل الندبة، فنهاها صلى الله عليه وسلم وقال: اتقي الله، فاتقي الله تقتضي اتقي الله ولا تزوري، واتقي الله ولا تفعلي هذا، وما هو المقصود إذاً من نهي المرأة إلا مثل هذا الأمر، ومن الأدلة -أيضاً- حديث: {ارجعن مأزورات غير مأجورات} على ما قيل فيه، ثم إن المرأة لم يعهد في عهد الصحابة أنها كانت تذهب مع الرجال، والرسول صلى الله عليه وسلم قال من حديث أم عطية: {نهينها عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا} قالوا: لم يعزم لأن هناك عجائز أو كبار السن أو ثابتات قلوب لا يندبن ولا يصرخن. ولست أرجح، هذه المسألة معروضة للأمة ولطلبة العلم وكل يجتهد في هذه المسألة إن استطاع أن يجتهد أو يوفق ويبني على النصوص، لكن الذي أرى والله أعلم على فهمي القاصر بعد أن رأيت كلام أهل العلم أن المرأة تمنع من زيارة القبور لثلاثة أسباب: السبب الأول: النهي ورد عاماً ثم أتى التخصيص للرجال. السبب الثاني: لما يخشى عليهن من الفتنة -فتنة النساء- لأنهن أرق قلوباً وأكثر تضجراً. السبب الثالث: للأحاديث التي وردت منها: {اتقي الله} ومنها: {ارجعن مأزورات غير مأجورات} هذا الذي تميل إليه النفس. وفي الختام أتوجه إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتجاوز عنا وعنكم سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون، وسوف نصلي العشاء إن شاء الله ثم نصلي صلاة الغائب إن شاء الله الذي وافته المنية صباح هذا اليوم فرحمه الله وأسكنه الله فسيح جناته، وسوف يصلي بنا فضيلة الشيخ سعيد شعلان جزاه الله خيراً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

من مهبط الوحي

من مهبط الوحي مجال التربية والتعليم هو مجال بناء الرجال، ولم يشهد التاريخ منذ بزوغه معلم ومربِّ مثل النبي صلى الله عليه وسلم، ونجاح تربيته عليه الصلاة والسلام لعوامل وأسباب منها: أنه كان داعية قولاً وعملاً فكان المتأثر بدعوته أولاً هو نفسه، وأن دعوته ارتكزت على أسلوب اللين والحكمة، وبث روح الألفة والمحبة بين أتباعه المدعوين

فضل مهبط الوحي

فضل مهبط الوحي إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته: سلام الله عليكم يا جيران بيت الله! سلام الله عليكم يا سكان الحرم! سلام الله عليكم يا من سكن هذه البقعة الطاهرة! سلام الله عليكم يوم اجتمعت قلوبكم على محبة لا إله إلا الله، وتوحدت أرواحكم في السير في منهج لا إله إلا الله، وأُشْرِبت قلوبكم محبة لا إله إلا الله! من مهبط الوحي من هنا سارت لا إله إلا الله قوية، ومن هنا انبعثت لا إله إلا الله متوهجة، ومن هنا غرست لا إله إلا الله في قلب كل موحد، وإن كان لي من شكر في أول اللقاء فإني أشكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى على أن أجلسني مع هؤلاء الأخيار الأبرار، ثم أشكر مدير هذا المعهد، فضيلة الشيخ/ حمدان السُلمي على تفضله ودعوته للحضور إلى هذا المكان، ثم أشكر الأساتذة وأشكركم يا معشر الطلاب! من مهبط الوحي، من هنا، من قلوبكم الصادقة، من أرضكم المنيبة المخبتة سارت لا إله إلا الله، ولا يجدد مسيرة لا إله إلا الله إلا من أتى من مثل هذه البقعة ومن أمثالها، ومن مهبط الوحي بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم للعالمين بشيراً ونذيراً، ومن مهبط الوحي قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] ومن مهبط الوحي وقف أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه خليفةً المسلمين زاهداً وعابداً يبكي الليل والنهار، ليجدد المسيرة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن مهبط الوحي كان الخليفة عمر رضي الله عنه يقف على المنبر، وعليه برد مرقع بأربعة عشر رقعة، يبكي ويقول لبطنه وهو يقرقر من الجوع: [[قرقر أو لا تقرقر، فوالله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]]. يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدمٌ له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه عمر الذي كان يضرب أقدامه بالعصا ويقول: [[يا عمر! والله الذي لا إله إلا هو لئن لم تتق ربك ليعذبنك الله عذاباً لم يعذبه أحداً من العالمين]]. ومن مهبط الوحي نشأ عثمان بن عفان، قال صلى الله عليه وسلم قبل غزوة تبوك: {من يجهز جيش العُسرة وأضمن له الجنة؟ فيقول عثمان: أنا، فتنهار دموعه صلى الله عليه وسلم على خديه، ويقول: اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، اللهم اغفر لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم}. ومن مهبط الوحي نشأ علي بن أبي طالب يقف في ظلام الليل يبكي ويتململ تململ اليتيم ويبكي بكاء الثليم، ويقول: [[يا دنيا يا دنية! طلقتك ثلاثاً لا رجعة بعدها، غري غيري، زادك حقير، وسفرك قصير، وغربتك موحشة، آه من لقاء الموت وبعد السفر ووحشة الطريق]]. فيا أبناء أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي: يا من سكن في مهبط الوحي! يا جيران بيت الله! إن لبيت الله حقوقاً من الجيرة: الحياء من الله عز وجل، والحياء من الله هو: حفظه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وإنكم أهل المنزل وأهل الدار، إنكم أول من يُطالب من الناس بحفظ ورعاية بيت الله، إنكم جيران بيت الله، وللجار حقوق. أولها: الحياء. حياء من إلهي أن يراني وقد ودعت صحبك واصطفاكا فما دام أن الله جعلكم سكان هذا البيت في مهبط الوحي، أفليس عليكم حقوق أعظم من حقوق العامة من الناس، ومن حقوق البشرية؟ إي والله! إنه حفظ الله تبارك وتعالى في السر والعلن، وكلمتي هذه توجه إلى مدير المعهد، ثم إلى الأساتذة، ثم إلى الطلاب.

مسئولية المدراء

مسئولية المدراء فأقول لمدير المعهد: سلام الله عليك، إنك كما تعرف أنك مسئول عن هذا الجيل أمام الله، وإنه لا خير فيَّ إذا لم أقل: اتق الله، ولا خير في المنصوح إذا لم يقبلها. قال رجل لـ عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[يا أمير المؤمنين! اتق الله، فوالله إن لم تتق الله ليعذبَّنك، فجلس عمر يبكي، ويقول: لا خير فيَّ إذا لم أقبل قولك -اتق الله- ولا خير فيك إذا لم تقل لي: اتق الله]]. وهذه هي المسئولية وهي الوصية العامة، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] وإنما أقول ذلك لمدير المعهد؛ لأنه هو الموجِّه والمربي والأب لهذا الصَّرح، فحيثما يتجه وحيثما يجعل من نفسه قدوة، سوف يراه هذا الجيل، وسوف يكونون في ميزان حسناته، فوالله الذي لا إله إلا هو لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم. ما يساوي ذهب الدنيا! ومال الدنيا! وسيارات الدنيا! وكنوز الدنيا؟! كلها والله هباء منثور في جنب هداية هذا الجيل، وهداية شاب واحد إلى الله بالقدوة، وبالكلمة المؤثرة النفَّاذة، وبالتصرف السليم، وبالتربية التي تنتهج تربيته صلى الله عليه وسلم، فحي هلاً بك مديراً تقود هذا الجيل، وتغرس في نفسه لا إله إلا الله، فإن الله سوف يسألك يوم القيامة عن هؤلاء، والله ليست القضية قضية إدارة ومدير فحسب، وليست القضية أنظمة ولوائح فحسب، لكنها مسئوليةٌ مِنَ الذي رفع السماوات بلا عمد، ومسئوليةٌ مِن الذي بسط الأرض على مدد، ومسئوليةٌ مِنَ الذي خلق الإنسان في كبد.

مسئولية الأساتذة

مسئولية الأساتذة وأنتم أيها الأساتذة: يا قادة الجيل! يا معلمي أبناء المسلمين! أما علمتم أن آباءنا جعلوا الأبناء بين أيديكم أمانة؟ أما علمتم أن فلذات أكبادنا أرواحنا جلسوا على الكراسي ينظرون ماذا تقولون وما تتصرفون؟ أما علمتم أنكم ورَّاث المصطفى عليه الصلاة والسلام؟ فلا إله إلا الله كم هي المسئولية! ولا إله إلا الله كم هي الأمانة! ولا إله إلا الله ما أعظم التبعة! فيا إخوتي الأساتذة! اتقوا الله في أجيالنا وأكبادنا، فوالله إنهم بكم؛ إن استقمتم استقاموا، وإن اعوججتم اعوجوا، فليست المسئولية أن تلقي درساً، أو حصةً، أو محاضرةً وتخرج، لا. إن فوق ذلك أمراً عظيماً، إنك أتيت خليفة لمحمد صلى الله عليه وسلم لتعلمهم الإيمان، وتغرس في قلوبهم الحب والطموح، فالإيمان تسكبه قبل أن تسكب هذه الحصة، ولو كنت أُستاذاً في أي فن؛ في التفسير أو في الفقه أو في الحديث، أو في التاريخ أو في الجغرافيا، إن الله سوف يسألك يوم القيامة {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. إذا قيل أنتم قد علمتم فما الذي عملتم وكل في الكتاب مرتب فيا ليت شعري ما نقول وما الذي نجيب به إذ ذاك والأمر أصعب إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندب {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]. يا أساتذة المسلمين: يا مدرسي المسلمين! يا مربي أجيال المسلمين! أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم، وتسكبون لا إله إلا الله في القلوب وما دخلت قلوبكم؟! أتحبون الإيمان أن ينتشر وما نشرتموه في الفصول؟! أتريدون الدعوة المؤثرة في الأجيال وما تأثرت بها نفوسكم؟! عجيب! إن هذه الآية صارت قارعة لبني إسرائيل تقرعهم على رءوسهم؛ لأنهم يأمرون ولا يأتمرون، يوجهون ولا يتوجهون، يأمرون بالسنة، ولكن لا تظهر السنة عليهم، فقال الله لهم: ({أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ} [البقرة:44]. أنتم أساتذة، وأنتم معلمون، وأنتم مربون وتنسون القرآن أفلا تعقلون! أليس هناك عقول تعرف هذه المسئولية! والله- عز وجل- يقول في بني إسرائيل: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5]. سبحان الله! إن الذي يحمل المعلومات في رأسه، ثم لا يطبقها في دنيا الواقع، ثم لا يكون داعية مؤثراً، ثم لا يكون مستقيماً، ثم لا يكون سنياً على منهج محمد صلى الله عليه وسلم فهذا ذهنه سلة مهملات، وتموت المعلومات في ذهنه، ويطفأ النور في قلبه، وتموت الإرادة في روحه؛ ولا يستفيد من علمه أبداً؛ قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176]. ما أكذب الكلمة التي لا يصدقها العمل! وكثير من الناس يجيدون الأقوال، لكن أين الأعمال؟! كيف نريد أن تستقيم بيوتنا؟ كيف نريد أن يهتدي شبابنا ونحن ما أقمنا الإسلام في أشخاصنا؟! فيا أيها الأساتذة: سامحوني -لطف الله بكم- إذا كنت قوي العبارة، أو صعب الأسلوب، فوالله إن هذا الكلام موجه إليَّ قبل أن يوجَّه إليكم. أيها الأساتذة الأبرار: أنتم صفوة المجتمع، فإذا أقمتم الإسلام في قلوبكم؛ قام في تلاميذكم وفي طلابكم. فالأستاذ هو القدوة. سبحان الله! كيف يتجه الطلاب إلى الخير إذا اتجه الاستاذ إلى الخير، وكيف ينحرفون إلى الشر إذا انحرف إلى الشر، يقول: كونوا صادقين ثم يكذب! يقول: كونوا متبعين لمحمد صلى الله عليه وسلم ثم يخالف! يأمر بالمحافظة على الصلاة ثم لا يحافظ! يأمر بتلاوة القرآن ثم لا يتلو! أي أسلوب هذا؟! إنه الأسلوب الجاف الذي أعلن إخفاقه عند الأمم جميعاً حتى عند الكفار، فهذا الأمريكي الذي كان من أكبر دعاتهم دايل كارنيجي في كتاب دع القلق وابدأ الحياة يقول: إنك لا تعلم تلميذاً من التلاميذ ما لم تقم بعملك. سبحان الله! حتى الكافر عدو الله وحتى الخواجة يعرف أن هذا العلم لا يسري في الناس حتى يكون المعلم متمثلاً لذلك. أرأيتم أعظم من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أسمعتم بأهدى منه؟! أطرق أذهانكم أعظم منه في التاريخ؟! أطرق العالم أشرف منه؟! لا والله. دعها سماوية تجري على قدرٍ لا تفسدنها برأي منك منكوس {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63].

الرسول المعلم

الرسول المعلم كان تدريسه عليه الصلاة والسلام وتعليمه على ثلاثة أضرب:

النبي صلى الله عليه وسلم هو المتأثر الأول بدعوته

النبي صلى الله عليه وسلم هو المتأثر الأول بدعوته أولها: أنه كان هو المتأثر بدعوته صلى الله عليه وسلم لا يأمر الناس بشيء إلا وهو أقرب الناس إليه، وأكثر الناس تمثلاً بهذا الأمر، يقول: يا أيها الناس! اتقوا الله! خافوا الله! اخشوا من الله! فيكون أخوف الناس لربه صلى الله عليه وسلم. يقول مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي ولصدره أزيز من البكاء كأزيز المرجل} وهو القدر إذا اجتمع غلياناً، ويقول ابن مسعود في الصحيح: قال لي صلى الله عليه وسلم: {اقرأ عليَّ القرآن، قلت: كيف أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فاندفعت أقرأ القرآن، فلما بلغت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال: حسبك الآن، فنظرت فإذا عيناه تذرفان}. هكذا يكون التأثير بالدعوة، هكذا يكون القيام بحق الدعوة، يقول ابن أبي حاتم: {كان عليه الصلاة والسلام يدور على بيوت الأنصار في الليل الدامس، فسمع امرأة عجوزاً تقرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] فأخذ يبكي عليه الصلاة والسلام! وهي لا تدري أنه يستمع إليها، ويقول: نعم أتاني، نعم أتاني}.

كان أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم باللين والحكمة

كان أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم باللين والحكمة والأسلوب الذي استخدمه صلى الله عليه وسلم في الدعوة -وأنتم أيها الدعاة والأساتذة والمعلمون! - اللين والحكمة، أرسل الله موسى عليه السلام لفرعون شيخ الطغاة، والدجال الكبير، والأفاك الأثيم، فقال له ولهارون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. إن العصا لا تغرس الإيمان والحب والطموح، إن العصا ليست وحدها التي تهدي إلى الصراط المستقيم، إن العصا ليست التي تخرج العصاة من الدمار والعار والشنار إلى الإيمان والسلام، والعدل والحب والطموح {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} [طه:44] القول اللين يغرس لا إله إلا الله في القلوب، القول اللين يسكب الدعوة في الأرواح، القول اللين تحبه القلوب وتعشقه النفوس. فيا أيها الأساتذة: أسلوبه عليه الصلاة والسلام كما تعرفون: اللين، يعرض الدعوة لا يجرح الشعور، يحب للناس ما يحب لنفسه، رفيقاً رحيماً قريباً من القلوب صلى الله عليه وسلم، يريد أن ينقذ الإنسان، وأنت بمقامك في الفصل اجعل من أكبر مهماتك أن تنقذ أبناء المسلمين من النار، قبل أن ينجحوا في الامتحان ينقذوا من غضب الواحد القهار، ولا يتحصَّل ذلك إلا إذا أحببت لهم ما تحب لنفسك، ومن الأساتذة من يتشفَّى في طلابه، ومنهم مَن ترك الأمانة وراء ظهره، ومنهم من جعل عباد الله خَوَلاً، واستهان بالرسالة، وهذا إن شاء الله قليل، أو لا يوجد في هذا المجتمع، وهذا الصرح مشيد، لكن ينبه خوفاً من أن يقع هذا في بعض الفترات، أو بعض الأزمنة.

بث النبي صلى الله عليه وسلم روح الألفة والإخاء بين الناس

بث النبي صلى الله عليه وسلم روح الألفة والإخاء بين الناس والأسلوب الثالث الذي فعله صلى الله عليه وسلم في الأمة أنه بثَّ روح الأُلفة والإخاء، وروح التواد في الناس، يقول الله له: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] والعرب كقرون الثور كلما كسرت قرناً ظهر لك قرن، العرب قبل الإسلام كانوا قتلة متمردين مشاغبين لا يجمعهم ملك ولا إدارة، ولا حضارة ولا ثقافة، فلما جاء عليه الصلاة والسلام وحَّد بين القلوب. فجعل أبا بكر! أخاً لـ بلال الحبشي، وجعل عمر القرشي أخاً لـ صهيب الرومي، وعثمان العبشمي! أخاً لـ سلمان الفارسي، فاجتمعت والله القلوب. فمهمة الأستاذ أن يجمع هذه الأرواح تحت مظلة لا إله إلا الله. إن كيد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسبٌ يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد إي والله! ليست مبادئ أبي جهل، ولا أبي لهب الذين وقفوا عند الركن والحطيم وزمزم فكفروا بلا إله إلا الله، فأدخلوا النار، أما بلال فأتى من أثيوبيا (الحبشة) يحمل لا إله إلا الله، فدخل الجنة. دين أساسه التقوى، وفاعليته لا إله إلا الله، ومظلته الإخاء، هذا أمر لا يغيب، والأساتذة يوم يخرجون من بيوتهم متوضئين قاصدين بعملهم وجه الله، متوكلين على الله -الله أكبر! - كم يجعل الله على أيديهم من الفتوح؟! الله أكبر كيف يغرس الله بأيديهم شجرات الإيمان؟! الله أكبر كيف تلين لهم القلوب وتنقاد لهم النفوس؟! الله أكبر كيف يجعل الله عز وجل هداية الأجيال على أيديهم؟! هذا في جانب الأساتذة؛ القدوة والأسوة، وضع التكلف، ومعرفة الأمانة وحمل الرسالة، وبث الإخاء وغرس الإيمان، وهذا لا يخفى عليهم إن شاء الله أبداً.

خطاب إلى طلاب العلم

خطاب إلى طلاب العلم أما أنتم إخوتي الطلاب: أما أنتم يا زرع المستقبل! أما أنتم يا أيها الأمل المشرق للأمة الإسلامية! يا من على أكتافكم تقام معالم لا إله إلا الله محمد رسول الله! فإني أسألكم بالله الذي لا إله إلا هو بحمل الإيمان، أن نحمل قبل العلم الإيمان {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَاْلإيمَانَ} [الروم:56].

التلازم بين العلم والإيمان

التلازم بين العلم والإيمان أيها الإخوة الطلاب: علم بلا إيمان هباء منثور، كتاب بلا إيمان كلام مصفَّف، قصيدة بلا إيمان هذر مذر، طالب بلا إيمان جثة من اللحم، فصل بلا إيمان قطيع من البهائم. إخوتي في الله: الإيمان يوم تخرج من بيتك يكون في ذهنك وفي قلبك، إن أكبر الرسائل التي تحملها في الحياة الإيمان؛ الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر وبما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم. يا إخوتي في الله: إننا يوم نحمل الإيمان يفتح الله لنا كل باب خير ويغلق عنا كل باب شر، ومعنى ذلك: ألا نطلب العلم- كما يفعل الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، يقول عز من قائل: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم:7] لا يهم إلا علم البطون وعلم القدور، وعلم الفروج وعلم المتع الدنيوية، وعلم الوظائف والمناصب، وعلم السيارات والموديلات، هذا علم لا يوصل صاحبه إلا إلى القبر، ثم يتركه ويعود، لكن أنت يُطلب منك أن تأخذ علماً يوصلك إلى رضوان الله، إن علماً لا يدخل معك القبر ليس بعلم، علم لا يمرُّ بك على الصراط ليس بعلم، علم لا يسقيك من الحوض المورود ليس بعلم؛ لأن الله ذكر العلم في القرآن على ثلاثة أضرب: علم ضار. علم شرير. علم النهي. {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة:102] وهؤلاء الذين يتعلمون للدنيا وللشهادات وللمناصب وللوظائف، والله يعطيهم من المناصب والوظائف والشهادات ما أرادوا، لكن لا يعطيهم من حرث الآخرة شيئاً {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:16]. هذا العلم ليس بنافع، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله تبارك وتعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من أعراض الدنيا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً} وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من تعلَّم العلم ليماري به السفهاء أو ليجاري به العلماء، فليتبوأ مقعده من النار} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. إذا ما لم يفدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا وإن ألقاك فهمك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا فناده إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا فيا طالب العلم: الإيمان الإيمان! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم:7] وقال عنهم: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66].

تقوى الله ومراقبته

تقوى الله ومراقبته المسألة الثانية يا إخوتي في الله: رقابة الله تبارك وتعالى، وهي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لطلبة العلم، يقول في الترمذي بسند حسن لـ ابن عباس: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدَّة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} ورقابة الله معناها: أن تجعل من الله رقيباً عليك، وهذه هي درجة الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك. إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب يا من تستر بالجدران بالمعاصي! الله يراك وهو الواحد الديان، يا من وقف وراء الحيطان وظن أنه يخفى عن نظر الرحمن! الله يراك آناء الليل وأطراف النهار. فيا أخي في الله: يا طالب العلم! لا تدنِّس عملك ولا علمك بالمعاصي فالمعاصي تدنيس للعلم، قال أحد الصالحين: نظرت نظرة لا تحل لي فقال أحد العلماء: أتنظر هذه النظرة، والله ليعاقبنَّك الله بها ولو بعد حين، قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة. {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13] هذا في بني إسرائيل، طلبوا العلم ونقضوا ميثاق الله، وجاهروا الله بالمعاصي، خلوا فانتهكوا المعاصي، واقترفوا حدود الله، وانتهكوا حرماته؛ فلعنهم الله وطبع على قلوبهم، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. أتدري ما هو الذكاء؟ أتدري ما هو التفوُّق العلمي؟ إنه تقوى الله عز وجل. ترجم الذهبي لـ ابن الراوندي الملحد الزنديق، الفيلسوف الخبيث، قال: كان ذكياً ولم يكن زكياً كان يتوقد ذكاءً لكن ذهنه مظلم، وقلبه موحش، ولم تسكن لا إله إلا الله ومحمد رسول الله في قلبه، ثم قال الذهبي: فلعن الله الذكاء بلا إيمان، وحيا الله البلادة بالتقوى. ماذا يستفيد الإنسان من ذكاء لا يوصله إلى رضوان الله؟ ماذا يستفيد من شهادة لا تبلغه رضوان الله، ولا تدخله الجنة؟. فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها فرقابة الله -يا إخوتي! - وتقوى الله هي التي تراد من هذا العلم.

تحصيل العلم الشرعي وثمرته

تحصيل العلم الشرعي وثمرته المسألة الثالثة لطلبة العلم: هو التحصيل العلمي للعلم الشرعي، لا أشرف في الحياة بعد الفرائض من طلب العلم الشرعي! والتحصيل وتحقيق المسائل هو الهدف الأكبر والنبيل الذي يشغف له طلبة العلم. ولو كان هناك أشرف من طلبة العلم العاملين لاستشهدهم الله سبحانه على ألوهيته {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]. فيا طلبة العلم: استشهدكم الله على وحدانيته وعلى ألوهيته؛ فقوموا بالشهادة بحقها وهو العمل والتحصيل، والتحصيل معناه: أن تبذل وقتك وجهدك في تحصيل العلم الشرعي، في تقييد الفوائد، وفي حضور مجالس العلم، وفي استصحاب الكتاب الإسلامي، والشريط الإسلامي، وأن يكون وقتك ويومك، وليلك ونهارك، كله تحصيلاً علمياً. إن الوقت رخيص عند المسلمين إلا من رحم الله، لكن عند أعداء الله غالٍ وعزيز، كيف يرخص الوقت عندنا؟! أليس عندنا قرآن وسنة، أما عندنا فرائض ونوافل؟! {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] تعالى الله أن يخلقنا للعبث. {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] فيا من سار وراء المجلة الخليعة! أفحسبتم أنما خلقنكم عبثاً؟! ويا من سارت حياته وراء الأغنية الماجنة! أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً؟! ويا من قضى ليله ونهاره في الجلسات التي لا تنفع ولا تجدي! أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً؟! ويا من جلس في المقاهي والملاهي التي تصُدُّ عن ذكر الواحد القهار! أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً؟! أنت مسلم، أنت طالب علم ومعنى ذلك: أن تحفظ لحظاتك وسكناتك مع الله، يقول ابن تيمية: إنه لا يحق لي أن أضيع وقتاً من حياتي، إذا فترت بدأت في الذكر - أي من العبادة- ويقول: إنها لتعجم علي المسألة الواحدة فأسبح وأذكر الله وأستغفره أكثر من ألف مرة، فيفتحها الله عليَّ. سبحان الله! الله هو الفتاح العليم، فمسألة التحصيل وحفظ الوقت من أعظم القضايا التي ينبغي أن تغرسها في ذهنك، نحن أمة ليست عاطلة، لا ينبغي أن نشكو العطالة والبطالة وأين نقضي الوقت؟! نسمع الشاب يقول: تعال نقضي الوقت، تعال نقطع هذا اليوم، تعال نمضي هذه الساعات، سبحان الله! أمسلم وطالب علم يشتكي من طول الوقت؟ لا والله! يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ}.

الاستغفار والتوبة

الاستغفار والتوبة والمسألة الرابعة التي ينبغي أن يلاحظها طالب العلم هي: مسألة الاستغفار والتوبة دائماً وأبداًَ {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] ثم إن كثرة الاستغفار معناها: أن تشعر دائماً أنك مذنب، وهذا يحتاج إلى كلام طويل وبسط مديد.

مسائل لابد من التنبيه إليها

مسائل لابد من التنبيه إليها لكن أنبه إلى أربع مسائل وجدت في الساحة الإسلامية بين شباب الصحوة، ولا بد أن ينبه عليها باستمرار.

أهمية الاهتمام بالنوافل بعد الفرائض

أهمية الاهتمام بالنوافل بعد الفرائض مسألة عدم الاهتمام بالنوافل بعد الفرائض، لقد وجد شباب مسلم متجه إلى الله، يعمل بالسنة حتى في الثوب واللحية والسواك، وهذا أمر يبشر بالخير ويرفع الرأس، فنحمد الله على ذلك، لكنَّ هذه الاستقامة الظاهرية تحتاج إلى نوافل وإلى وقود، وإلى تربية روحية، فيا طلبة العلم! هل سألنا أنفسنا عن قيام الليل؟ هل سألنا أنفسنا عن ركعتين في السحر حين ينزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى السماء الدنيا؛ نزولاً يليق بجلاله، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟ هل قلنا لأنفسنا: هل قمنا في السحر فرفعنا أيدينا وكفينا وقلنا: يا رب: يا فتاح يا عليم! افتح علينا وعلمنا؟ هل شكونا على الله ما نلاقي من صعوبات؟ هل شكونا عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ذنوبنا وخطايانا؟ هل سألناه العفو والمغفرة؟ قلت لليل هل بجوفك سرٌ عامرٌ بالحديث والأسرار قال: لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسمار ركعتا الضحى، فهاتان الركعتان كانتا من أحب شيء عند السلف الصالح، ولا تأخذ منا إلا دقائق، وهي صلاة الأوابين، وهي تعادل ثلاثمائة وستين حسنة، وتكفِّر من الذنوب ما الله به عليم، هل توضأنا في الضحى يوم يشتغل أهل الوظائف في وظائفهم، وأهل الدور بدورهم، وأهل الأعمال بأعمالهم، فتوضأنا وصلينا ركعتي الضحى؟ القرآن كلام الله عز وجل، هذا الكتاب الخالد، بالله هل سألنا أنفسنا كم لنا من ورد في اليوم والليلة؟ سمعنا أن طالب علم يقول: والله لقد مرت بي ستة أشهر ما قرأت في المصحف، سبحان الله! ستة أشهر ما وقعت عيناك على النور وعلى الصراط المستقيم! ستة أشهر ما وقعت عيناك على كلام الله! وعلى الدواء والبلسم الشافي! ستة أشهر وأنت ما أوردت نفسك وأدخلت في قلبك هذا النور الوهاج! ستة أشهر وأنت تعيش الحرمان والوحشة! نعم. وجد من يغلِّب المجلات الإسلامية وأنا أقول: المجلات الإسلامية، وما بالكم إذا كانت المجلات الخليعة، مجلة المرأة الخليعة الماجنة، مجلة البعد والفحش والشر والخبث، هذا لا يتكلم معه في مثل هذه الجلسة؛ لأنني أتكلم في المعهد العلمي في مهبط الوحي في مكة لا أتكلم في هذه الناحية أنه بعيد أن يوجد منا من يغلِّب المجلة الخليعة على القرآن! لكن وجد من يأتي بالمجلة الإسلامية، فتأخذ من وقته الساعات، ثم ينام وما قرأ شيئاً من كتاب الله، سبحان الله! روحك القرآن وهو نورك وطريقك. سمعتك يا قرآن والليل سابح سريت تهز الكون سبحان من أسرى! فتحنا بك الدنيا فأشرق نورها وسرنا على الأفلاك نملؤها أجرا فيا سبحان الله! ما هو واقعنا إذا تركنا القرآن؟ وما هي بيوتنا؟ والله تصبح بيوتنا أرخص من الرخص، تصبح بيوتاً ماجنة وحقيرة وهزيلة وصغيرة، وتصبح قلوبنا كتلة من اللحم. فالقلب إذا لم تدخل فيه القرآن أصبح كالبيت الخرب. في الترمذي عن ابن عباس مرفوعاً: {إن الذي ليس في قلبه شيء من القرآن كالبيت الخرب} يقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا البقرة وآل عمران، اقرءوا الزهراوين؛ فإنهما يأتيان، أو تأتيان كغمامتين، أو غيايتين، أو فرقان من طير صواف}. فالله الله في الإقبال على العلم الشرعي، فهذا من التحصيل العلمي الشرعي وحفظ الأوقات، ووجد كذلك في الساحة الإسلامية تغليب النوافل وكثرة الذكر والأوراد الصباحية التي صح عن الرسول عليه الصلاة والسلام قولها بعد الفجر وبعد المغرب وعند دخول المسجد وعند الخروج. أطالب علم وفي المعهد العلمي وليس له أوراد من الذكر؟! نام طالب عند الإمام أحمد، وكان هذا الطالب مسافراً، فوضع له الإمام أحمد ماءً عند الباب؛ ليستيقظ ويصلي في الليل، فقام الإمام أحمد ورأى الماء ولم يصل هذا الطالب، قال الإمام أحمد: سبحان الله! ما صليت البارحة؟! قال: أنا مسافر، قال: سبحان الله! طالب علم ليس لك ورد بالليل! مسروق بن الأجدع العالم العراقي، من يوم خرج من العراق إلى أن حج ورجع من مكة ما نام مضطجعاً، إنما إذا أراد أن ينام صلَّى ثم نام ساجداً. لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعةٍ فما سقطنا لأن الحافظ الله

خطر النفرة والتباغض بين شباب الإسلام

خطر النفرة والتباغض بين شباب الإسلام ومما وجد في الساحة الإسلامية بين الشباب النفرة والتباغض إلا عند من رحم الله، من حسد وضغينة وحمل ونميمة في المجالس واستهتار البعض بالبعض والسخرية والاستهزاء، وهذا يخالف كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103] وفي الحديث الذي يروى عنه صلى الله عليه وسلم: أنه نظر إلى الكعبة، فقال: {ما أجلك! وما أعظمك! وما أشد حرمتك! والذي نفسي بيده للمؤمن عند الله أشد حرمةً منك} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم}. فيا إخوتي في الله: نزع الضغينة واجب شرعي، أن نتآخى ونتآلف وأن يصل بعضنا بعضاً وأن نتزاور في الله وأن نتحاب في الله، وأعظم مهمة بيننا معشر الطلاب! أن إذا رأينا المخطئ أخطأ أن نقول له أخطأت، هل ذهب أحد منا إلى أخيه، فأخذه بينه وبينه وسدده ودعاه ونصحه لينقذه من النار؟. تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوعٌ من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة

نصائح للشباب

نصائح للشباب إخوتي في الله! ومع هذه الأمور أنصح نفسي وإياكم بالتخلي عن المعاصي التي وجدت في الساحة؛ الشريط الغنائي الماجن، فالأغنية الماجنة أفسدت الجيل وحببت الفواحش إلى الشباب، ودلتهم إلى طريق المرأة الماجنة وإلى الزنا والعياذ بالله. الغناء بريد الزنا، ويوم يسمع الشاب الأغنية الماجنة معنى ذلك: أن حب كتاب الله سيخرج من قلبه، ويوم يسمع الأغنية معناه: يتخلَّى عن مبادئه الأصيلة، ويوم يسمع الأغنية معناه: أن نفسه ترغب في الفواحش، إلا من رحم الله. والأغنية الماجنة ليس لها مكان في مجتمعنا، والأغنية الماجنة حرام أن تدخل بيوتنا، الأغنية الماجنة هدَّمت من الجيل ومن الشباب ما لم تهدمه قنابل الاستعمار وصواريخه وطائراته في سنوات كثيرة. فما هو الحل؟ الحل الشريط الإسلامي أن يدخل البيت وأن يسمع ويشجع وينشر بين الناس، وقد علمت أن هذا المعهد المشيد اهتم بهذه الناحية، فلله الحمد وله الشكر والثناء الحسن، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن القائمين عليه دعاة قبل أن يكونوا مديرين، وقبل أن يكونوا كذلك مسئولين كانوا علماء يقودون النشء والجيل، هذا أمر ينبه عليه. وكذلك مما ينبه عليه: المجلة الخليعة التي أخذت مكان صحيح البخاري وصحيح مسلم، وبيت علم ليس فيه صحيح البخاري وصحيح مسلم، أو يتدارس هذا الميراث، ليس بيتاً على المستوى الذي يراد به في الإسلام. إن الأصالة في علومنا هي قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، إن العمق في رسالتنا أن تأتي الآية والحديث في الجلسة وفي الدرس. العلم ما قيل فيه قال حدثنا وما سوى ذاك وسواس الشياطين فأدخل بيتك قال الله، وأدخل بيتك قال رسول الله، وأدخل قلبك قال الله، وأدخل قلبك قال رسول الله حينها تسعد وتفلح تنجو من غضب الله. أسأل الله لي ولكم توفيقاً وهدايةً ورشداً، أشكر الله تبارك وتعالى على أن أراني الوجوه وجوه سكان الحرم، أهل مهبط الوحي الذين أجدادهم حملوا الرسالة العالمية إلى الإنسان إلى أن بلغوها سمرقند وطاشقند ونهر اللوار وأسبانيا الأندلس المفقود، سلام عليكم مرة ثانية، وشكراً لمديركم ولأساتذتكم، وشكراً لكم، وأسأل الله أن يجمعني بكم مرة أخرى، وإن عز اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم وفي جنة عرضها السماوات والأرض إن شاء الله نسعد بكم، يوم يتقبل الله عنا أحسن ما عملنا، ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شِبْتُ في الرق فاعتقني من النار سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

مقولة: (هذه سنن يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها) والرد عليها

مقولة: (هذه سنن يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها) والرد عليها Q بماذا أرد على من أقول له: اتق الله وتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ويرد بقوله: إن هذه سنن يثاب فاعلها ولا يُؤثَم تاركها، وجزاكم الله خيراً؟ A الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، هذا يتبع الرسول في أمور ولكنه لا يتبعه في أمور أخرى، فيأخذ شيئاً ويترك شيئاً وهذا من الخطأ البين. يا مدَّعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا خذها جميعاً تجد خيراً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا إن على المسلم الذي رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً أن يتبع هذا الرسول عليه الصلاة والسلام، فوالله الذي لا إله إلا هو لا نجاة لك، ولا فلاح، ولا سعادة، ولا تفوق، ولا اتجاه، ولا استقامة إلا أن تتبع هذا الرسول عليه الصلاة والسلام {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] نسب إلى ابن تيمية أنه قال: من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدى غير هدى الله الذي أرسل الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. يا إخوتي في الله! إن علامة من يترخص في السنن أنه سوف يقع في الترخص في الفرائض، وفي الإسلام خطوط ودفاعات ثلاث: الدفاع الأول: الفرائض، والدفاع الثاني: السنن، والدفاع الثالث: الآداب، فمن ترك الآداب عاقبه الله بترك السنن، ومن ترك السنن عاقبه الله بترك الفرائض، ومن ترك الفرائض ابتلاه الله بالكفر، فإذا رأيت إنساناً يخل بالسنن فاعلم أنه سوف يخل بالفرائض، وهذا معناه الترخص وهو شعبة من الفسق -نسأل الله العافية- أما أنت -يا أخي الداعية! - فعليك أن ترفق وأن تلين في دعوتك، وأن تسأل الله الهداية للمدعو، وأن تخبره أن من أتى بالصلاة هو الذي أتى -مثلاً- بتربية اللحية، وأن من أتى بالزكاة هو الذي أتى بتطهير الثوب، فليأخذ الإسلام جملة.

الفتور وسلبياته

الفتور وسلبياته Q فضيلة الشيخ/ عائض! والله إني أحبك في الله الواحد الأحد وبعد: فإني الآن صرت في فترة أعاني فيها من الفتور في كل شيء؛ في الدعوة والعبادة والزيادة في طلب العلم، وصرت أقترف من الذنوب ما الله به عليم، فما هي النصيحة التي توجهها إليَّ؟ A أحبك الله الذي أحببتنا فيه، أولاً: كلنا ذاك الرجل الذي تشكو منه أنت، وحلنا جميعاً أن نتوب ونستغفر الله عز وجل، ومما أوصيك به ونفسي ثلاثة أمور: أولها: هذا القرآن أن تشفي به مرضك، وأن تجعله خدنك وأنيسك دائماً وأبداً، وأن يكون المصحف في جيبك، تقرأ منه صباح مساء، آناء الليل وأطراف النهار. ثانيها: أن تبتهل إلى الله فإنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الفتاح العليم، وأن إذا سجدت تنادي بصوت خافت أن يفتح عليك، وأن تقول: يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب! صرف قلبي على طاعتك، وأن تدعوه بحرارة وبصدق، وبخشوع وبخضوع فسوف يفتح الله عليك، وتدعو في أدبار الصلوات وفي السحر وفي كل وقت، فسوف ترى الفتح من الله. ثالثها: أوصيك بقراءة الحديث النبوي، وقراءة سير الصالحين من الصحابة والتابعين والأئمة كالإمام أحمد، وسفيان الثوري، وابن تيمية، وغير هؤلاء فإنهم سوف يشحذون - إن شاء الله - دينك ويوقدون جذوة الإيمان في قلبك، ويقودونك إلى صراط مستقيم. ومن الأمور التي أوصيك بها: ألا ترافق الأشرار وأن تتخذ لك من الأخيار صحبة ترافقهم، فإن رفقة الشرير كالأجرب، فإن الجرباء تعدي الصحيحة، لكن ما سمعنا أن الصحيحة تعدي، أو تجعل الجرباء صحيحة. أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سوياً في البضاعة ثم قلل من كثرة المباحات التي تصرفك عن الطاعات، فكثرة المزاح وكثرة الخلطة وكثرة الكلام بغير ذكر الله تشغل القلب، وما دام أنك اعترفت بالذنب فأنت على صراط مستقيم. في الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم: {يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ذلك ولا أبالي، يابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} غفر الله لي ولك ولكل مسلم.

معنى قول الله تعالى: وما قدروا الله حق قدره

معنى قول الله تعالى: وما قدروا الله حق قدره Q ما معنى قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:91]؟ A معنى هذه الآية: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:91]: أي ما أقاموا لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وقاراً وتقديراً كما ينبغي لجلاله ولعظيم سلطانه ولعظيم قدره، ونوح عليه السلام لام قومه على ذلك، قال: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13] يعني: ما لكم لا توقرون الله، والتقدير والوقار معناهما: أن يكون لله عز وجل في قلبك من الهيبة والجلال والقداسة ما يستحقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنه أعظم عظيم، وأجل جليل، فحق الله عليك أن تقدره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حق قدره، وأن توقره حق توقيره {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:30] {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] وهذا التقدير معناه: أن تقدر كل ما يتصل به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فتقدر وتحترم رسوله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأسماء الله وكتابه وبيته، والمسجد وأولياء الله، وكل من له نسبة بالله عز وجل تقدره وتوقره؛ ليحبك الله وليجلك، ومن عظم الله عظمه الله، ومن استهان بشيء من حدود الله، أو بأسمائه، أو بصفاته؛ أهانه الله وأذله وقمعه وخسأه، نسأل الله العافية والسلامة.

التوبة النصوح والنجاة من الرياء

التوبة النصوح والنجاة من الرياء Q فضيلة الشيخ: كيف يتوب الشاب إلى الله التوبة النصوح، وكيف النجاة من الرياء؟ A أما التوبة النصوح فقد مر حديث عنها في الكلمة، لكن عليك إن تبت أن تكثر من الدعاء والنوافل وقراءة القرآن، وأن تشغل فراغك بالطاعات، فلا تأتي المعصية إلا في الفراغ. والأمر الثاني: بالتخلية، ألا تنظر بعينيك إلى حرام، ولا تسمع أذنيك حراماً، ولا ترافق رفقة يقودونك إلى الحرام. والأمر الثالث: عليك أن إذا استقمت وتوجهت أن تدعو الله كثيراً بالثبات، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم. أما الرياء فلك فيه حلان: الأول: أن تعتقد أنه لا ينفع ولا يضر إلا الله، لا يحيي ولا يميت إلا الله، ولا يرزق ولا يعدم إلا الله، ولا يحبب ولا يبغض إلا الله، ولا يقرب ولا يبعد إلا الله، فهو بيده النفع والضر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فتتجه بعبوديتك إليه، وتطلب الأجر منه {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] وصح عنه صلى الله عليه وسلم: {أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: عالم، وجواد، وشجاع، يؤتى بالعالم، فيقول: لم تعلمت العلم؟ أما علمتك العلم؟ قال: نعم يا رب! قال: فما عملت فيه؟ قال: تعلمته لوجهك وعلمت الجاهل وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: إنما تعلمت ليقال عالم، وقد قيل خذوه إلى النار، فيجرجر على وجهه حتى يوضع في النار} فنعوذ بالله من ذلك، فهذا مبدأ لا بد أن يفهم. الثاني: عليك بدعاء الكفارة الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم لما شكا له الصحابة الشرك والخوف من الرياء، قال: {ليقل أحدكم: اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم}.

نسيان القرآن وعقوبة ذلك

نسيان القرآن وعقوبة ذلك Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: ما مصير من حفظ أجزاء من القرآن ونسي منه بعض السور، أفيدونا أفادكم الله؟ A حفظ القرآن من أشرف الأعمال {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49] وفي أثر إلى عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي: [[من حفظ القرآن فقد استدرج النبوة غير أنه لا يوحى إليه]] وعنه صلى الله عليه وسلم في حديث يقبل التحسين: {عرضت علي ذنوب العباد، فلم أجد أعظم ذنباً من رجل أوتي سورة من القرآن فنسيها، لا يقل أحدكم نسيت القرآن، ولكن يقول: نُسِّيت، فإن الشيطان هو الذي أنساه} وفي حديث في سنده نظر {من حفظ القرآن ثم نسيه، لقي الله وهو أجذم} قال أبو عبيد القاسم بن سلام: معناه: أقطع لا حجة له. إخوتي في الله النسيان له أسباب إما أن يكون جبلي، وإما أن يكون كسبي، وأكثر ما نشكو حالنا إلى الله في الكسبي، وأكبر أسباب نسيان القرآن الذنوب والخطايا والمعاصي، ومنها: ترك مراجعة القرآن، وعليك بأربع وسائل في حفظ القرآن: أولها: أن تتقي الله وتكثر من التوبة والاستغفار. ثانيها: أن تقلل من المحفوظ الذي تحفظه. ثالثها: أن تراجع هذا القرآن. رابعها: أن تعمل به، وتصلي به في نوافلك وفي فرائضك، وتطبق ما سمعت من القرآن فإنه لم ينزل إلا للعمل، ولم ينزل لقضية السمر، أو للمتعة، حاشا وكلا.

تطبيق أمور الشريعة مع ضيق الوقت

تطبيق أمور الشريعة مع ضيق الوقت Q فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: إن طلبة العلم في هذا اليوم فيهم رغبة للعمل الصالح ولله الحمد، لكن لا يستطيعون أن يطبقوا كثيراً من الأمور التي يتعلمونها من أمور الشريعة لأسباب منها ضيق الوقت، وأنه لو عمل جميع ما علمه لما بقي وقت للطلب، فما هو العمل؟ A أولاً: مسألة الفرائض لا يعذر العبد على تركها أبداً، بل لا بد من القيام بالفرائض، ومن تركها فحكمه معروف لديكم ومفهوم. يقول عمر فيما صح عنه: [[إذا أقبلت قلوبكم، فأكثروا من النوافل، وإذا أدبرت فألزموها الفرائض]]. والسنن الظاهرة لا يعذر طالب العلم ولا المسلم في التمسك بها، لأنها لا تحتاج إلى وقت، والسنن الظاهرة التي كان يقوم بها صلى الله عليه وسلم، أما مسألة النوافل فهي على الطاقة والجهد والوقت، لكن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه} فأنا أدعوكم إلى الاقتصاد في العمل الصالح والمداومة عليه، فأنت لا تكلف نفسك فوق طاقتها {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2] لكن عليك بالقليل، وداوم وسوف تلقى الفتح والنجاح، والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، قال أبو هريرة: {أوصاني صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهم حتى أموت: أن أوتر قبل أن أنام، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى}. فعليك بالقصد والمداومة وسوف تلقى خيراً منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

صفة المكر في القرآن

صفة المكر في القرآن Q بسم الله الرحمن الرحيم: ما معنى قول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54] مع علمنا بأن صفة المكر ليست من الصفات الحميدة، وجزاكم الله خيراً؟ A ورد في القرآن وفي السنة آيات وأحاديث فيها بعض الصفات التي أتت على المقابلة، كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ المَاكِرِين} [آل عمران:54] وقوله صلى الله عليه وسلم: {لا يمل الله حتى تملوا} وهذه فيها أقوال لأهل العلم منها: أن هذا على المقابلة، وليس معناها المكر الذي يعرف عند الناس، لأنه صفة مكر، ولا تنسب إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى صفة المكر، بل له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعلى كل صفة وأحسنها، صفات الأولى من صفات الكمال والجلال والعظمة، قالوا: على المقابلة يعني لا يمل: لا يقطع ثوابه. {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران:54] قالوا: ليس إلا للمقابلة، وليس مرادفه، لكن يحمل على المجاز، أما هذه الآية وغيرها فإني أكل علمها إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فهو الأعلم به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن الذي أعتقده ويعتقده أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل تنسب له صفات الكمال والجمال، لا نكيف ولا نمثل، ولا نعطل ولا نشبه، أما صفات النقص فننفيها عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأما مالا نعلمه فنكل علمه إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ونؤمن به، فنعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه.

الطريقة المثلى للإخلاص

الطريقة المثلى للإخلاص Q ما هي الطريقة المثلى للإخلاص؟ A مر في مبحث الرياء: أن عليك أن تعرف أن الله هو النافع الضار، الخلاق العليم، الرازق المعدم، المحيي المميت، فتطلب الثواب من عنده، وفي صحيح مسلم: {أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا جمع الخلائق، قال: أين الذين أشركوا معي في عملهم لي؟ -أو كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون فخذوا أجوركم منهم}. ومر بالدعاء {اللهم إني أعوذ بك من أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم} لكن عليك أن تعتقد هذا اعتقاداً جازماً، وأن تطالب نفسك بالإخلاص مع قراءة سيرة المخلصين كالأئمة والصحابة والتابعين وغيرهم.

حكم الغناء الماجن

حكم الغناء الماجن Q ما رأي فضيلتكم في الغناء الغير ماجن؟ A الغير ماجن! ما هو الغناء الغير ماجن؟! ما أسكر كثيره فقليله حرام، كل هذا إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، بل هذا بلغ أكثر من قلتين وهو خبث من أصله فهو خبيث من أصله، أما أن يقسم الغناء، ما بقي علينا إلا أن يؤتى غناء إسلامي وغناء غير إسلامي، ثم يتطور الحال نعوذ بالله من ذلك، فيأتي خمر إسلامي، وخمر غير إسلامي. ليس في الغناء إلا غناء معروف، والغناء هو: ما أطرب وما هيج وما شجن، فالغناء كله حرام، ولا أعرف أن فيه حلالاً، لكن بعض الناس ترخص فيه، حتى بعض من تنسب إليه الفتيا ترخص في هذا الأمر وهو محجوج بالسنة، وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب ذاك القبر عليه الصلاة والسلام فهو المعصوم، وبضاعة لم تخرج من كيسه فيها شيء من غشش، ودراهم لم تخرج من مكانه، أو من داره عليه الصلاة والسلام فيها بهرج، فأنت عليك ألا تأخذ الكلام إلا من المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، ففي صحيح البخاري عن أبي مالك الأشعري قال: يقول عليه الصلاة والسلام: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} واستحلالها معناه: كان محرماً فحللوه، والغناء محرم. قال ابن القيم: قال ابن عباس: ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خبية الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان إلى آخر ما قال فمن سمع الغناء في الدنيا، حرمه الله الغناء في الجنة، وقد ثبت في مسند أحمد رحمه الله مرفوعاً: {إن في الجنة جواري يغنين يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، نحن الناعمات لا نبأس، طوبى لمن كنا له وكان لنا}. ومضار الغناء أولاً: أنه ينزع محبة الله عز وجل ومحبة رسولنا من القلب، ويأخذ وقت الذكر والقرآن، ويؤخر عن وقت الصلاة، ويحبب الفواحش، ويأتي بالوحشة، ويهيج الخيال عن الواقعية، حتى إن أهل الغناء دائماً يعيشون في خيال، تجد الناس مهمومين بمصيبة وهو يضحك ويطرب، تجد الناس مسرورين بمناسبة وهو في هم وغم؛ لأن عقله أصبح مثل عقل الفلاسفة، كما يقول الذهبي في عقل واحد من غلاة الصوفية ترك الطعام ثلاثة أيام -مثل أهل الغناء- قال: فرأيت صوراً جميلةً أمامي ما أدري أظنها صورة ملائكة، قال الذهبي: والله ما رأيت ملائكة، ولكن عقلك طاش وخاش وفاش. فهؤلاء الذين يعيشون على الوتر والغناء والشريط الماجن والأغنية عقولهم خاشت وفاشت وطاشت، لا علم، لا أصالة، لا عمق، لا توجه، لا إدراك، لا فهم فقط المعشوقة والعشيقة وليلة كذا وليلة حمراء، وعلى جفون القمر، ومع النجم اللامع، ويوم تغرب الشمس، هذا الكلام المنفوش الذي لا يعتمد على أصالة، {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرض} [الرعد:17].

الاستهزاء والسخرية بالشباب الملتزم

الاستهزاء والسخرية بالشباب الملتزم Q فضيلة الشيخ: هناك أمر خطير يقع به بعض الشباب هداهم الله، وهو الاستهزاء بإخوانهم المتبعين لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والملتزمين لمنهجه الصحيح فما هي نصيحتك لهؤلاء الشباب؟ A أنا أحيلهم على كتاب الله عز وجل، فإن الذي يستهزئ بالشباب الملتزم والمستقيم معناه يستهزئ بالإسلام، أتدري أيها المستهزئ بماذا تستهزئ؟ أنت تستهزئ بلا إله إلا الله محمد رسول الله، أنت تستهزئ بالقرآن، أنت تستهزئ بالرسالة الخالدة التي انبعثت من مكة، يعني كأنك تأتي بمعولك لتهدم صرح الإسلام، {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] كل شيء يُضحك منه إلا الإسلام حاشا وكلا، اقترب من كل شيء، أو داعب في كل شيء إلا في الدين، وفي هذه الرسالة، وفي هذا الصرح المنيع، وفي هذا الكتاب الخالد، وفي هذه السنة النبوية، وفي العلماء والدعاة والمتقين، حذار حذار! فهو العار والنار واللعنة {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] أناس في معركة تبوك أخذوا يضحكون ويمزحون ويستهزئون بالقراء، فأنزل الله على رسوله هذه الآية. يا أيها الإخوة الأبرار! كلنا مجتمع واحد، نحن في الإسلام جمعية كبرى عضوها كل فاضل يتقي الله عز وجل، ليس ما عندنا مطاوعة وعصاة، ليس عندنا رجال دين ورجال دنيا، نحن كلنا ينبغي أن نطيع الله عز وجل، أما مسألة متطرفون، فهذه أنتجتها الصهيونية العالمية، رابين وشامير وموشي ديان، ووزعتها هيئة الإذاعة البريطانية العميلة للصهيونية، وقال: هؤلاء المتطرفون المتزمتون. عجيب! متى كان شامير مفتياً يحلل ويحرم وتقبل فتواه، وأخذها السذج عندنا فكتبوها ونشروها، ووزعوها وبرمجوها، وقالوا: هؤلاء مطاوعة، وهؤلاء متزمتون، أئذا تمسك الإنسان واستنار صار متزمتاً؟! أئذا اهتدى صار متطرفاً؟! أئذا اتبع محمداً صلى الله عليه وسلم تطرف؟! أإذا أشرق قلبه وأشرقت روحه واهتدى وعرف الله تطرف؟! أما قبل كان متوسطاً، لا والله! بل المتطرف كل التطرف والهاوي على جرف هارٍ فانهار به في نار جهنم هم الذي لا يعرفون الله، ولا يعرفون القرآن، ولا يعرفون المسجد، وسوف يرون غداً. سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار

حكم ضرب الطلاب في المدارس

حكم ضرب الطلاب في المدارس Q فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا طالب علم ومدرس للقرآن الكريم، هل يجوز لي أن أضرب الطلبة الصغار للتعليم والأدب حيث قال لي بعض الإخوة: لا يجوز ضربهم. وإذا قلت يجوز فما دليلكم؟ A أما مسألة أنك أستاذ قرآن فهذا شرف لك في الحياة الدنيا وفي الآخرة، حياك الله وحيا الله مهمتك، وأنت الآن في المقدمة وفي الدرجة الأولى في المسيرة إلى الله عز وجل {خيركم من تعلم القرآن وعلمه} وأما مسألة ضرب بعض الطلبة فلك ذلك، وهذا من باب التعزير، وهو باب مستقل بعد أبواب الحدود عند المحدثين والمفسرين والفقهاء، لكن لا بد في هذا التعزير من حكمة. ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى والتعزير يكون في حالة أن تكون المصلحة المترتبة عليه أكبر من المفسدة الجالب لها، وأنت لك أن تعزر هذا الطالب بشيء من الأدب، ولكن باختلاف الطلبة عندك، ولا تجعلهم في مقياس واحد، طالب مهذب مؤدب يخاف الله ويريد الله وما عند الله، وهو صادق في تعلمه، لكن أخطأ مرة، عثر جواده ونبأ سيفه، فلا تضربه ضرباً مبرحاً كضرب الحمير، هذا ليس من الأدب، وفي حديث حسن يقول عليه الصلاة والسلام: {أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم}. قال ابن القيم: ليس في الحدود. وذوي الهيئات هم: أهل القيم والأصالة والإبداع، والخير والهدي المستقيم، هذا إذا أخطأ مرة فقل: عفا الله عنك أأنت تفعل هذا؟! تأخر عثمان رضي الله عنه وأرضاه يوم الجمعة، فقال له عمر: عثمان وتأتي في هذا الوقت! يقول: ليس غير عثمان! أنت عثمان على جلالتك وقوتك ومكانتك وتأتي في هذا الوقت، قال ابن القيم في مدارج السالكين: موسى عليه السلام أتى بالألواح فألقاها وفيها كلام الله- وهذا خطأ- وأتى إلى أخيه فجره بلحيته وهو نبي- وهذا خطأ- فالله غفر له ذلك، على حد قول الشاعر: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع أما طالب متهتك متهوك، مستهتر مستهزئ، فلك أن تؤدبه بشيء من التعزيز، لكن قد جعل الله لكل شيء قدراً. القاضي يختار في تأديب الطلاب ألا تزيد عن أربعة أسواط، فلا يضربه أربعين سوطاً كأننا في حدود زنا أو خمر، بل يضرب سوطاً أو سوطين إلى ثلاثة أو إلى أربعة، فإذا وصلت إلى أربعة فأمسك، لكن بعضهم إذا ضرب سوطاً عن عشرة فله أجر عشرة أسواط يعني يضرب بنية صادقة وبإخلاص وبشجاعة وبإقدام كأنه يجاهد مع المجاهدين الأفغان، لكن عليك أربعة أسواط، لكن أسواط ليست على كيفك!

قصيدة للشيخ/ عائض

قصيدة للشيخ/ عائض Q بسم الله الرحمن الرحيم، فضيلة الشيخ: هل تذكر لنا من قصائدك ما تروح به عن أنفسنا قليلاً وجزاكم الله خيراً؟ A من القصائد قصيدة المجاهدين الأفغان -على ذكر المجاهدين الأفغان- وقصيدة لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز، لأنه في صرح علمي، وإلا فهناك قصائد أخرى، لكن لما وجدنا في الصرح العلمي هذا حبذا أن نذكر قصيدة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز فهو علم ولا تحتاج الأعلام إلى تعريف، ونحن نتقرب إلى الله بحبه، وقد مدحه كثير من الشعراء والأدباء، وبعض طلبة العلم قال لي: سوف يصنف كتاباً اسمه الممتاز في مدائح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وممن مدحه تقي الدين الهلالي عالم المغرب والمحدث الكبير حيث يقول: خليلي عوجا بي لنغتنم الأجرا على آل باز إنهم بالثنا أحرى وزهدك في الدنيا لو أن ابن أدهم رآه رأى فيه المشقة والعسرا ومن مدح المجذوب يقول: روى عنك أهل الفضل كل فضيلة فقلنا حديث الحب ضرب من الوهم فلما تلاقينا وجدناك فوق ما سمعنا به في العلم والأدب الجم فلم أر بازاً قط من قبل شيخنا يصيد فلا يؤذي المصيد ولا يدمي ولي قصيدة فيه جزاه الله خيراً اسمها" البازية" قلت: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً لك الله قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي أغراهم المال والدنيا تجاذبهم ما بين منتعلٍ منهم ومن حافي مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعالي ولم تولع بإرجافي بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطلُّ في إشراقها الضافي تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصدافِ وبالمناسبة هناك أرجوزة أريد ذكرها، لأن الشباب موجودون ونضع في كل مقام ما يناسبه، وأرواح الشباب لطيفة خفيفة ظريفة وهي تحتاج إلى بحر الرجز، وبحر الرجز خفيف ظريف لطيف، هذه الأرجوزة كانت في سفري إلى أمريكا اسمها أمريكا التي رأيت، سمعها الكثير منكم، لكن نعيدها ففيها معانٍ إسلامية - إن شاء الله - يستفاد منها: يقول عائض هو القرني أحمد ربي وهو لي ولي مصلياً على رسول الله مذكراً بالله كل لاهي قد جئت من أبها صباحاً باكرا مشاركاً لحفلكم وشاكرا وحملتنا في السما طيارة تطفح تارة وتهوي تارة قائدها أظنه أمريكي تراه في هيئته كالديك يا سائل الأخبار عن أمريكا اسمع رعاك الله من يفتيكا وهذه أخبار هذي النشرة مسافة السير ثلاث عشرة من الرياض عفشنا ربطنا وفي نيويورك ضحىً هبطنا أنزلنا في سرعة وحطنا وقد قصدنا بعدها واشنطنا ثم ركبنا بعدها سيارة مستقبلين جهة السفارة منزلنا في القصر أعني ريديسون يا كم لقينا من قبيح وحسن في بلد أفكاره منكوسة تثقله بصائر مطموسة يقدسون الكلب والخنزيرا ويبصرون غيرهم حقيرا ما عرفوا الله بطرف ساعة وما أعدوا لقيام الساعة فهم قطيع كشويهات الغنم جد وهزل وضياع ونغم فواحش قد أظلمت منها السما والأرض منها أوشكت أن تقصما من قتل العمال في بولندا ومن أتى بالرق في يوغندا من دمر البيوت في نزاكي من ضرب اليونان بالأتراك من الذي ناصر إسرائيلا حتى تصب عنفها الوبيلا استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا نصنع السيارة أما القبائح فأخذت إلى الشرق، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ما صنعنا طائرة ولا سيارة ولا دفاية ولا ثلاجة. أحد العلماء في مجلس يشرح الروض المربع في الفقه الحنبلي، بعض الشباب المتطور -المتدهور وليس المتطور- قال: يا شيخ! الناس صعدوا على سطح القمر وأنت تشرح الروض المربع، قال: نعم، لكنك الحمد لله لا درست الروض المربع ولا صعدت على سطح القمر، لأنه ما جلس معنا على الأرض ولا صعد معهم إلى القمر {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} [النساء:143]. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه صحبه أجمعين.

نداء من نادي الشهيد

نداء من نادي الشهيد هذا الدرس خطاب إلى أصناف ثلاثة من الناس: الشيوخ، والشباب، والنساء، مخصصاً لكل صنف نصائح عظيمة، وفيه بيان ضرورة الإيمان في الحياة وحال الأمة بلا إيمان، وأن العلم والأدب والشعر لا ينفع بلا إيمان.

حقيقة الشهيد

حقيقة الشهيد الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وسلم، حامل لواء العز في بني لؤي، وصَاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيد بجبريل، المعلم الجليل، صلى الله وسلم عليه كلما تضوَّع مسك وفاح، وما غرد حمام وصاح، وكلما سجى بلبلٌ وناح، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. إن السلام وإن أهداه مرسله وزاده رونقاً منه وتحسيناً لم يبلغ العشر من قول يبلغه أذن الأحبة أفواه المحبينا أكرر سلامي ثانية وثالثة ورابعة بلا انتهاء؛ لماذا؟ لأنكم تركتم بيوتكم ووظائفكم وأعمالكم وتركتم كل ما يلهيكم وأتيتم إلى مجلس من مجالس الذكر؛ لأنكم جلستم تستمعون لـ (لا إله إلا الله) ولـ (قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم)؛ لأنكم جلستم هنا تعلنون أن الانتصار للإسلام، وأن البقاء للإسلام، وأن الفجر والمستقبل للإسلام، ثم لي عطفة وشكر لنادي الشهيد، ولي معهم وقفة، فشكر الله لهم أن فعلوا هذا وليس بغريب عليهم، فالأصل فيهم أن يفعلوا هذا، هم وجدوا من أبناء أناس يحملون لا إله إلا الله، هم أبناء قوم يسجدون لله، هم من أصلاب قوم شهدوا أن لا إله إلا الله، وزعوا لا إله إلا الله على البشرية، فهم أبناء خالد وصلاح الدين وطارق. نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عموداًَ فليس بغريب أن يجمعونا ليسمعوا قول ربنا تبارك وتعالى، فلا والله ما خلقنا للعب، وما خلقنا للهراء، وما خلقنا للضياع، خلقنا أمة رسالة، ومبدأ، ومنهج. أقول لأهل نادي الشهيد: مَن هو الشهيد؟ من هو الشهيد الذي جعلتموه عنواناً لناديكم ونسبتم ناديكم إليه؛ لأن الشهداء في الساحة كثير، أنا سمعت إذاعة شيوعية ملحدة تتبع لإذاعة موسكو -إذاعة استالين وماركس ولينين وهرتزل - أعداء البشر، سحقت الإنسان، وأكلته وقتلته، والمذيع يقول في أحد الشيوعيين لما قُتِل اغتيالاً: لقد ذهب الشهيد وحُمِل على الأكتاف إلى مثواه الأخير. وسمعنا وقرأنا في بضع الصحف أن فناناً سَقَط من مكان فقالوا: شهيد الفن، وآخر سموه شهيد الأغنية، وثالث سموه شهيد المرأة، وشهيد الحب، وشهيد الجمال. فمَن هو الشهيد يا أهل نادي الشهيد؟ الشهيد: هو الذي بذل مهجته لله، الشهيد هو الذي باع روحه من الله، الشهيد هو الذي سكب دمه في سبيل الله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الشهداء: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69] فأنتم -يا أهل نادي الشهيد- كأنكم تريدون أن الشهيد هو الذي يرفع دينه، ويسجد لربه، ويبذل نفسه، ويبيعها من الله. ثم أشكركم ثالثة لأنكم جعلتم هذا الجمع تحت سقف السماء ما أدخلتمونا بيتاً ولا صالة ولا قاعة، أجلستمونا هنا لنتفكر في آيات الله: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] فنحن نتأمل في هذه الليلة عظمة الباري، نحن نقرأ التوحيد هذه الليلة في النجوم وفي القمر في النسيم العليل وفي خضرة الأرض وفي الجبال التي تلوح يمنة ويسرة في كل شيء. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحدُ فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحدُ فالآن أنا أدعوكم أن تأخذوا من بيوتكم درساً في التوحيد، وأن تنظروا إلى مَن رَفَع السماء، مَن زينها بهذه النجوم! مَن جملها! مَن أبدعها! مَن ركَّبها بلا عمد! وانظروا إلى الجبال مَن أرساها! مَن سواها، مَن صبَّها في أمكنتها! تبارك الله. وانظروا إلى الخضرة مِن حولكم، فوالله إنها لآيات عجيبة! وإنها لفرصة أن تجددوا توحيدكم وإيمانكم وإخلاصكم وعقيدتكم. في الصحيحين عن أنس قال: {قدم رجل من العرب - ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه، قدم يريد توحيداً وإيماناً، ويريد أن ينجو بنفسه من النار- فلما تخطى الصفوف والرسول صلى الله عليه وسلم جالس بين الناس متكئاً قال: أين ابن عبد المطلب؟ - أي: الرسول عليه الصلاة والسلام - قالوا: هو ذاك الأبيض الأمهق المرتفق، قال: يا ابن عبد المطلب! قال: قد أجبتك، قال: إني سائلك ومشدد عليك في المسألة، قال: سل ما بدا لك. قال: يا رسول الله! مَن رفع السماء؟ قال: الله، قال: مَن بسط الأرض؟ قال: الله، قال: مَن نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمَن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ فتربع وقال: اللهم نعم. قال: أسألك بمَن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم. قال: أسألك بمَن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأخذ من أغنيائنا صدقة فتردها على فقرائنا؟ قال: اللهم نعم. فلما انتهى من أركان الإسلام، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، أنا ضمام بن ثعلبة أخو سعد بن بكر، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص ثم وَلَّى، فقال عليه الصلاة والسلام: مَن سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا. وفي لفظ: أفلح ودخل الجنة إن صدق}. يا حبذا الجنة واقترابُها طيبة وبارد شرابُها ويا حبذا النفوس المؤمنة، ويا حبذا الذين عرفوا الله ولقاء الله. وكلمتي هذه الليلة أوجهها إلى ثلاثة أصناف: إلى الشيوخ الكبار، وإلى الشباب، وإلى النساء. إلى الشيوخ، كبار السن، أهل الشيب، من انحنت ظهورهم، من امتدت فقراتهم، وتعبوا من الحياة، وملوا منها، ومن سئموا من أيامها. وإلى الشباب، إلى الذين هم في أول الطريق، إلى الذين ترفرف نفوسهم، إلى الذين تلمح نفوسهم الشهوات، ويريدون أي شيء في الحياة. وإلى النساء، إلى إماء الله في بيوت الله، لعل هذا الشريط أن يبلغ النساء، ولعل المرأة المسلمة أن تسمع هذا الشريط.

نصائح للشيوخ

نصائح للشيوخ أما الشيوخ من آبائي، وأنا أراهم أمامي: فشكر الله لهم نفوسهم الشابة يوم جلسوا يجددون العهد مع الله وقد اقتربوا من القبور: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] قال ابن عباس: [[هو الشيب]].

التوبة إلى الله

التوبة إلى الله فيا من أتاه نذيره في لحيته وفي رأسه! أما أتاك النذير؟ أما اقتربت من القبر؟ أما أصبحت قاب قوسين أو أدنى من حفرة مظلمة؟ ماذا فعلت في آخر الحياة؟ بماذا تختم صحيفتك؟ بماذا تلقى الله يوم العرض الأكبر؟ يا أيها الشيخ الكبير! ألا راجعت سجلاتك مع الله؟ ألا عدت إلى صحائفك مع الواحد الأحد؟ هل علمت أنك أخطأت في أول العهد؟ هل علمت أنك كذبت أو غششت أو زنيت أو قتلت أو رابيت؟ هل تبت إلى الله توبة نصوحاً؟ يقول سفيان الثوري أحد علماء الإسلام: [[من بلغ الستين سنة فليشترٍ كفناً]] ويقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {من بلغه الله ستين سنة فقد أعذر الله إليه} أي: قطع عذره وحجته، ما حجتك عند الله أيها الشيخ إذا لقيت الله؟ أتقول: يا رب! لو أمهلتني أتوب، إلى متى يمهلك؟! تقول: يا رب! لو أخرتني لعدت إليك، إلا متى يؤخرك؟! فيا أيها الشيخ الكبير! اتقِ الله، واستغفر الله، وتب إلى الله واشتر لك كفناً. يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ ويا حريصاً على الأموال يجمعها أقصر فإن سرور المال أحزانُ من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفه شر من عزوا ومن هانوا فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركانُ وقف شيخ كبير السن من بني إسرائيل أمام المرآة -وكان في عهد بعض الأنبياء- وقد عَبَدَ الله أربعين سنة، ثم أدركه الخذلان، فانحرف وعصى الله أربعين سنة، فلما أصبح في الثمانين نظر إلى المرآة فرأى شيبة في لحيته، قال: يا رب! أطعتك أربعين سنة، ثم عصيتك أربعين سنة، فهل تقبلني إذا عدت إليك؟ سبحان من عطاؤه ممنوح! سبحان من رزقه يغدو ويروح! سبحان من بابه مفتوح! سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزال مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا عند الترمذي بسند صحيح: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} فأتى هذا الشيخ وقال: يا رب! أطعتك أربعين سنة ثم عصيتك أربعين سنة فهل تقبلني إذا عدت؟ فسمع قائلاً يقول: أطعتنا فقربناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإذا عدت إلينا قبلناك. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرارِ وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبتُ في الرق فاعتقني من النارِ هل من شائب وشيخ كبير رأى لحيتَه؟ والله إن من أعظم النُّذُر ومن أعظم ما ينذركم بالموت والفراق: هذا الشيب. مر الإمام أحمد، إمام أهل السنة والجماعة -رضي الله عنه، يحفظ ألف ألف حديث (مليون) - مر على شباب فقالوا: ما هذا الشيب يا أبا عبد الله؟ قال: والله ما مثَّلْتُ الشبابَ إلا بشيءٍ كان في إبطي أو في يدي ثم سقط مني. وأبو العتاهية نظر إلى لحيته -هذا الزاهد الشاعر- فوجد الشيب قد غطاها فقال: بكيت على الشباب بدمع عينٍ فلم يغن البكاء ولا النحيبُ ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيبُ ماذا فعل بك؟! أرقد روحك وأسكت قلبك، تشرب الماء لكن ليس له حلاوة وطلاوة كالماء الذي تشربه في الصبا، ترى الجمال فلا تهش للجمال، يومك قليل، وأكلك قليل، منزوي الظهر، محدودب الفقرات، فهل فكرت في تلك الحفر؟! ومر شيخ كبير على شباب ولحيته بيضاء، فقال له بعض الشباب: مَن باعك هذا القوس؟ - يعني: اللحية البيضاء - قال: أعطانيه الدهر بلا ثمن، وسوف يعطيكم مثله بلا ثمن. فيا أيها الشيخ الكبير: وصيتي لك تدور على أمور: الأمر الأول: أكثر من التوبة والاستغفار، اجعل حياتك ونهارك وليلك توبة واستغفاراً، إذا اقتربت الركاب من مكة للحجاج هشت وبشت وأسرعت، وأنت اقتربت من وادي المنحنى، ومن الحفرة المظلمة، ومن لقاء الله، إذا اقترب أهل الوفادة من بيوتهم رأت رواحلهم بيوتهم فأسرعت، وكان صلى الله عليه وسلم إذا اقترب من المدينة آيباً هش وأسرع حتى يدخل المدينة فأنت على أبواب المدينة، اقتربت من دخول المدينة، إما جنة وإما نار {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7].

الزهد في الدنيا

الزهد في الدنيا الأمر الثاني: أن تقلل رغبتك في الحياة الدنيا، سلبت سمعك وبصرك وقوتك وأنت لا تزال تعمر حياتك: يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ جربت الفقر والغنى، وجربت الجوع والشبع، فلم تجد كطاعة المولى، والله مهما أكلت وشربت ولبست لن تجد كتقوى الله، قال أحد الخلفاء من بني العباس: " أكلت الأكل بأنواعه، وشربت الشرب بأنواعه، ونكحت الحلال، وجلست في صدور المجالس، وطَقْطَقَتْ بي البغال، وصُفَّ الجيشُ أمامي، وافترحتُ بالنصر، وخَفََقَت البنودُ على رأسي، فما وجدت كتقوى الله تبارك وتعالى ". فأوصيك أن تقلل وأن تخفف فإن وراءك عقبة كئوداً، وإن أمامك منحنىً خطيراً. دُخِل على أبي ذر وهو شيخ كبير فما وجد في بيته ما عنده إلا شملة وعصاً وقعباً كالصَّحْفَة. لكن انظروا إلى بيوتنا الآن! انظروا ماذا فعلنا في البيوت؟! كنبات، ومأكولات، ومشروبات، وثلاجات، وبرادات، وسيارات، ومفروشات، والعمل لا يرضي رب الأرض والسماوات، زَيَّنا الجدران، ولَمَّعنا الحيطان، وأكثرنا من النمارق، ولكن عملنا قليل: صلاة مغشوشة، وأموالنا - إلا من رحم الله - في الربا، والزنا فاشٍ، والغناء منتشر. فوصيتي لك -أيها الشيخ الكبير- أن تتوب، وأن تقلل من الحطام.

الحذر من شهادة الزور

الحذر من شهادة الزور الأمر الثالث: ألا تقرب شهادة زور من قبرك، فإنا رأينا وسمعنا بعض الشيوخ -نسأل الله العافية والسلامة- أنه لما اقترب من القبر ختم صحيفته بشهادة زور، بعضهم الآن أصبح في المحاكم الشرعية للبيع والشراء، يبيع دينه وذمته بألف ريال، يشترون شهادته، وهو ما حضر ولا نَظََرَ، ولا شَهِدَ ولا رَأَى، فيشهد بالله العظيم؛ فيحلل أموالاً حراماً لقوم، ويحرم أموالاً حلالاً لقوم، فأين الذمم؟! وأين الإيمان؟! شيخ كبير يفعل هذا؟! وبعضهم جعل مجلسه للغيبة والنميمة، إذا قلت له: قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، قال: ساعة وساعة. لا. ليست ساعة وساعة، بل ساعة وثلاث وعشرون ساعة، فيجعلون ساعة للصلوات وللعبادة لكنها مغشوشة، وثلاث وعشرون ساعة للمعاصي، كثير من المجالس غيبة ونميمة وزور وبهتان وتعرض لأعراض المسلمين، فنعوذ بالله من الخذلان في آخر العمر. فيا شيوخنا! ويا كبارنا في السن! بمن نقتدي؟ وإلى من ننظر؟ أما رأيتم ما فعلت ذنوبنا وخطايانا ومعاصينا! ما نزل القطر ولا هطل المطر! بل جفت الآبار، وانقطعت الأمطار، وماتت الأشجار، وذبلت الأزهار، وغضب الواحد الجبار، كل يوم نخرج نستسقي ونجرب تجارباً كلها تبوء بالفشل؛ لأننا خرجنا إلى المصلى بقلوب قاسية، وثياب مبهرجة، سياراتنا من الربا، وملابسنا من الربا، وقصورنا ودورنا من الربا، ونسمع الغناء، ونهرج مع الغيبة والنميمة والفحش إلا من عصم ربنا، فعودة نصوحاً يا شيوخ الإسلام.

نصائح للشباب

نصائح للشباب أنتم يا شباب الإسلام، وأنتم يا حفظة العقيدة، وأنتم يا أحفاد مصعب وسعد بن معاذ وسعد بن أبي وقاص وطارق وخالد، سلام الله عليكم، وشكراً لكم هذه الطلعات الإيمانية، لك الحمد يا رب أنْ أوجدت من شبابنا شباباً رفضوا الجاهلية، وقالوا لأهل الكرة: عندنا خير من الكرة؛ أن نسمع: (قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم) قالوا لأهل الغناء: عندنا خير من الغناء، أن نجلس في ذكر ما أنزله رب الأرض والسماء، قالوا لأهل الساعات الحمراء: عندنا خير من الساعات الحمراء؛ أن نجلس مع معلم الخير صلى الله عليه وسلم، فلك الحمد. شباب الحق للإسلام عودوا فأنتم مجدُه وبكم يسودُ وأنتم سر نهضته قديماً وأنتم فجرُه الباهي الجديدُ أتى خالد بن الوليد وهو شاب فامتطى سيفه ليحطم رأس كل من لا يقول لا إله إلا الله، شاب جرى الإيمان في لحمه ودمه، شاب خاض مائة معركة، يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم في خالد: تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها وما أتت بقعة إلا سمعت بها الله أكبر تجري في نواحيها ما نازل الفرس إلا فر نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها فأنتم أبناء خالد بن الوليد وتعرفون في المساجد وفي الدروس وفي الندوات وفي حمل لا إله إلا الله، أما أتباع شامير ورابين وموشي ديان أعداء البشر فيعرفون في المسارح وفي الزنا وفي الربا وفي غضب الله ولعنته ومكره.

وقفة مع الشباب

وقفة مع الشباب لي وقفة مع الشباب: أولاً: أقول للشباب: ماذا تنتظرون؟ هل تنتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم؟ هل تنتظرون إلا لعنة الله، وغضبه، وأخْذ الله، ومقته، وعذابه؟ أقول لهم: ما لهم؟ أي حياة يعيشونها؟ أين يسيرون؟ في ماذا يقضون ليلهم ونهارهم؟ أقول لهم: ألا يتقون الله؟ جعلوا مصحفهم المجلة الخليعة! وتلاوتهم الأغنية الماجنة! ومسجدهم ملعب الكرة! أنا لا أحرم ملعب الكرة، ولا أحرم الكرة؛ لكن إذا بلغت إلى حدٍ تعارض فيه الصلاة وتلغي الصلاة وتكون تحزبات وولاءً لغير الله فإنها تكون غضباً وسحقاً ومحقاً. إذاًَ فيا أولئك الشباب الغائبين الذين ما حضر منهم أحد: اتقو الله في مستقبلكم، اتقو الله في أمتكم، أما قرأتم التاريخ؟ مصعب بن عمير يأتي في جبة فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فتدمع عيناه، ترك الدنيا وزهرتها ومناصبها، وسكب روحه في سبيل الله. أنس بن النضر يقول له أحد الأنصار، وهو سعد بن معاذ: [[عُدْ إن الناس فروا، فقال: إليك عني يا سعد! والذي نفسي بيده! إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]] ويُضرَب بثمانين ضربة في سبيل الله. أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وثوابا كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لصاغها حلياً وصاغ الكنز والدينارا ويأتي جعفر بن أبي طالب شاب قاتل الروم، فيأخذ الراية بيده اليمنى فتُقطع، فيأخذها باليسرى فتقطع، فيضم جناحيه على الراية وهو يقول: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها فيا شبابنا! يا أمل المستقبل! يا زهرة الغد! يا بسمة الفجر! لماذا هذا الإعراض عن (قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم)؟ أما رأينا ماذا فعل الله بالشباب الذين أعرضوا عنه؟ أصابهم بمقت من عنده وأصابهم بمرض، قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5]. فيا شباب الإسلام! أوصيكم بثلاث وصايا:

طلب العلم وأهميته

طلب العلم وأهميته الوصية الأولى: علم الكتاب والسنة: أن تقبلوا على العلم جادِّين، مثابرين، لا يفوتكم درس ولا محاضرة ولا كتاب إسلامي ولا شريط إسلامي، تحفظون أيامكم ولياليكم وساعاتكم مع الواحد الأحد، فإذا حفظتم أوقاتكم حفظكم الله من فوق سبع سماوات، ومن حفظ الله حفظه الله، ففي سنن الترمذي ومسند أحمد بسند صحيح: أنه صلى الله عليه وسلم قال لـ ابن عباس: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام وجفَّت الصحف}. فيا إخوتي في الله، حفظ العلم وحفظ الوقت إنما يكون مع الله الواحد الأحد.

الإقلاع عن المعاصي والتوبة من ذلك

الإقلاع عن المعاصي والتوبة من ذلك الوصية الثانية: أوصيكم ونفسي بالتوبة من المعاصي، وبالرجوع عن الخطايا والذنوب، وباستغفار الواحد الأحد من السيئات؛ فإن الذنوب موبقات ومحبطات ولعنات والعياذ بالله، يقول الله في بني إسرائيل: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] ابتلاهم الله بقسوة القلوب وباللعنة وبأنهم نسوا حظاً مما ذكروا به من العلم بسبب معاصيهم: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]. فالله الله في حفظ الله والانتهاء عن المعاصي، حفظ الله في السمع والبصر، والفرج والبطن، واليد والرجل والجوارح، لا يزال العبد حافظاً لله حتى يحفظه الله، لا يزال العبد يتقي الله حتى ينجيه الله عز وجل، عين تنظر إلى الحرام لا تحرم عليها النار، أذن تستمع إلى الغناء قد يحرم عليها دخول تلك الجنة التي فيها كل خير وكل فضل وكل بركة. فيا إخوتي في الله! عاقبة المعاصي وخيمة، وانظروا فعلها في كثير من الشباب الذين انحرفوا، الذين كثير منهم يسكن في مدننا وقُرانا وفي أريافنا، كثير منهم تركوا المساجد، تركوا الصلوات الخمس، عقوا الوالدين، وقطعوا الرحم، واستمعوا إلى الغناء، زنوا، ورابوا، وفَجَروا، حينها ضيَّع الله مستقبلهم، وأطفأ نورهم، وأذهب بركتهم، قال تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16].

الاعتناء بالجليس الصالح

الاعتناء بالجليس الصالح الوصية الثالثة التي أوصي بها شبابنا: اختيار الجليس الصالح، يقول عليه الصلاة والسلام: {مثل الجليس الصالح والجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير، فبائع المسك إما أن يحذيك من طيبه أو تشتري منه، ونافخ الكير إما أن تكسب منه رائحة منتنة أو يحرق ثيابك} وهذا الجليس الصالح، الشاب الصالح الداعية العالِم العابد الزاهد تكتسب منه خلقاً، وتكتسب منه ديناً، وتكتسب منه فضلاً، أما الشقي -والعياذ بالله- فلن تكتسب منه إلا بُعداً من الله، ولن تكتسب منه إلا غضباً من الواحد الأحد -نعوذ بالله- يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:100 - 101]. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: [[تزودوا من الإخوان فإنهم ذخر في الحياة وفي الآخرة، قالوا: في الحياة صدقت، أما في الآخرة فكيف؟ قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الكافرين والمنافقين والفجرة: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:100 - 101] فلو كان له صديق صالح لنفعه]] وهذا استشهاد عجيب. قال الشافعي وقد كتب للإمام أحمد مقطوعة من أحسن ما يكتب من الشعر يقول: أحب الصالحين ولستُ منهم لعلِّي أنال بهم شفاعة الشافعي يتواضع وهو العابد الزاهد يقول للإمام أحمد: إن من نعمة الله علي أني أحب الصالحين لكني لست من الصالحين، أما نحن فبإساءتنا وذنوبنا ومعاصينا نبرئ أنفسنا، يغضب أحدُنا إذ قيل له: يا بعيداً عن الله، والفَسَقَة يغضبون إذا قلت لأحدهم: يا فاسق، وقد فَسَقَ من سنوات، والفاجر فَجَرَ من عشرات السنوات، إذا قلت له: يا فاجر ذابَحَك وحاربك، والشافعي يقول: أحب الصالحين ولستُ منهم لعلِّي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة يقول: والحمد لله أنا أكره العصاة ولو كنتُ من العصاة؛ أكره من يتعدى حدود الله، ومن ينتهك حرمات الله، ومن يستهزئ بشرع الله، إلى أن يقول في شعره: تعمدني بنصحك في انفرادٍ وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تُعْطَ طاعة فرد عليه الإمام أحمد وقال: تحب الصالحين وأنت منهم وهم بك يرجون الشفاعة لأنه قرشي هاشمي ينتمي إلى لرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: من داركم خرج البز الأبيض، ومن نهركم جرى ماء الحياة، ومن عُمْلتكم أتى الصيرفي الممتاز محمد عليه الصلاة والسلام، أنت تحب الصالحين وأنت من الصالحين، ومنكم قد أتتنا الشفاعة، من محمد صلى الله عليه وسلم. يا إخوتي! لا يغتر مغتر بجلساء السوء -والعياذ بالله- أو الرضا بأفعالهم أو بزياراتهم، لا بهدف دعوتهم ولا بهدف التأثير فيهم، هذه كلمتي للشباب وسوف يكون لنا عودة معهم في دقائق.

نصائح للنساء

نصائح للنساء أما النساء: فانظروا إلى واقعنا وواقع نسائنا، ونحن نشكو من واقعنا تجاه النساء، فما بلغتهن الدعوة كما ينبغي؛ لأن المرأة لا زالت تعيش جهلاً، والمرأة ما سمعت كثيراً: (قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم) الشباب والرجال يجدون دروساً ومحاضرات ودعوات وكتباً وأشرطة، لكن نشكو حالنا إلى الله من جانب النساء أنهن - إلا من رحم ربك - في عزلة وضيق، في بُعد عن سماع النور أو عن كلمة الحق، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. وأنا أنادي أختي المسلمة بثلاثة أمور:

تقوى الله في السر والعلن

تقوى الله في السر والعلن الأمر الأول: أن تتقي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الصلوات الخمس، وأن تحسن صلاتها خشوعاً وخضوعاً وركوعاً، وأن تتقي الله في عينها وفي سمعها وفي كل عضوٍ من أعضائها، وأن تعلم أنه سوف يعرضها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للحساب: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95].

طاعة الزوج

طاعة الزوج الأمر الثاني: أطالبها أن تطيع زوجها وأن تتقي الله في زوجها، وواجب زوجها عليها أن تحفظه في الغيب في نفسها وماله، وأن تتقي الله في غيابه وحضوره، وأن تطيعه في طاعة الله، وأن تقوم بخدمته، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، دخلت جنة ربها} فهنيئاً لتلك المرأة المسلمة.

تربية الأبناء على الإيمان

تربية الأبناء على الإيمان الأمر الثالث: أسألها بالله العظيم أن تحسن تربية أبنائها، وأن تحسن تربية الجيل المسلم، وأن تربي أبناءها على طاعة الله وعلى ما يرضي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يقول شوقي: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباًَ طيب الأعراقِ الأم روض إن تعاهده الحيا بِريٍّ أورق أيما إيراقِ فالمرأة المسلمة أُرْسِل إليها هذه الكلمة: أن تتقي الله في هذا الجيل الذي تربيه في البيت، ما هو واجبها؟ واجبها: أن تسقي ابنها (لا إله إلا الله) مع اللبن، واجبها أن تجعله ابناً مولوداً على الفطرة وعلى الإسلام، على التوجه إلى الواحد الأحد؛ لأننا في حاجة ماسة للإيمان.

أهمية الإيمان في الحياة

أهمية الإيمان في الحياة أيها الإخوة الكرام! نحن أخذنا ملاذَّ الحياة، ولا ينقصنا من التقدم المادي شيء لكننا بحاجة إلى الإيمان، وإن كنا نحن الذين نهدي للناس الإيمان، ونحن الذين يخرج من أكياسنا ومن عملتنا ومن دارنا ومن جزيرتنا ومن مقدساتنا الإيمان؛ لكننا بحاجة إلى الإيمان وليس العلم فحسب.

العلم بلا إيمان وخطره

العلم بلا إيمان وخطره فإن العلم بلا إيمان كفر وإلحاد، جاء أتاتورك في تركيا فأبطل الخلافة، أتى بالعلم ولكنه كفر بالإيمان والقرآن، واعتدى على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم في أول خطاب ألقاه على الجماهير، وأتى بـ العلمانية، علم وإلحاد ينقصه إيمان يساوي أتاتورك. غاندي في الهند أتى بالعلم لكنه كفر بالإيمان فأبطل الله مسعاه، وأصبح ممقوتاً من الصف الإسلامي. وغيره وغيره كثير كـ هتلر قاتلِ الشعوب وعَدُوِّ الإنسانية، ونابليون. أما محمد عليه الصلاة والسلام فأتى بالإيمان والعلم: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19]. الأعرابي البدوي الذي يرعى ناقته في الصحراء علمه صلى الله عليه وسلم أن لا إله إلا الله، مرُّوا بأعرابي يصلي في الصحراء فقال له أحد الملحدين: لمن تصلي؟ قال: لله، قال: هل رأيته؟ قال: سبحان الله! الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، وسماء ذات أبراج، وليل داج، ألا تدل على السميع البصير؟! إي والله تدل على السميع البصير. إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد يقول له أحد الزنادقة الملاحدة: دلنا على دليل قدرة الباري، قال: بيضة الدجاجة -قاتلك الله- أما سطحها ففضة بيضاء، وأما باطنها فذهب الإبريز، تفقس فيخرج منها حيوان سميع بصير ألا تدل على السميع البصير؟! بلى. تدل على السميع البصير. سَلِ الليلَ: مَن كساه الجلباب؟ وسَلِ النجومَ: مَن جمَّلها؟ وسَلِ السماءَ: مَن رفعها؟ وسَلِ الزهرةَ: مَن أنبتها وشذَّاها؟ سَلْ كلَّ شيء. اسمع إلى شاعر السودان، والحمد لله أن وجد في ساحتنا الإسلامية من الشعراء المؤمنين الذين يحملون لا إله إلا الله، شاعر السودان إبراهيم بدوي كان عبداً صالحاً لله، يصلي الصلوات الخمس، عرف طريقه إلى الله؛ لأنه يوجد في الساحة شعراء فجرة استخدموا الأدب لكن في عداء الإسلام، وفي عداء محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الاستهزاء بالقرآن وبالمقدسات، أما شاعر السودان فيقول في ابتهالاته: بك أستجير ومن يجير سواكا فأجر ضعيفاً يحتمي بحماكا أذنبت يا ربي داهمتني ذنوب ما لها من غافر إلاَّكا إبليس يخدعني ونفسي والهوى ما حيلتي في هذه أو ذاكا ثم نظر إلى الكون وتأمل الحياة وقال وهو يعلن التوحيد: قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطِبِّه أرداكا من؟! اللهَ! قل للمريض نجى وعوفي بعد ما عجزت فنون الطب من عافكا من؟! الله! وقل للنحل يا طير البوادي ما الذي بالشهد قد حلاكا الله ضرب النحل مثلاً، والنمل مثلاً، والبعوضة مثلاً، قال سبحان وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:26] وقال في النمل: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18] وقال الله للنحل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68]. يقول كيريسي موريسون العالِم الأمريكي في كتاب الإنسان لا يقوم وحده وهو مترجَم ونَقََلَ منه سيد قطب مقطوعات يقول: ما للنحلة تخرج من خليتها وتعود في الظهيرة بشذا الزهر؟! مَن علَّمها الخلية؟! أعندها جهاز أو إيريال؟! قال سيد قطب: لا ليس عندها جهاز ولا إيريال، ولكن الذي خلقها أوحى إليها ودلَّها وعلَّمها {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68]. فيقول شاعر السودان: وقل للنحل يا طير البوادي ما الذي بالشهد قد حلاكا الله! وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله: كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا فالحمد لله الجليل لذاته حمداً وليس لواحد إلاَّكا

الوصية بحفظ الله تعالى

الوصية بحفظ الله تعالى وطلبنا لجميع الثلاثة الأصناف الذين تكلمت معهم الليلة وهم الشيوخ الكبار في السن، والشباب، والنساء، طلبُنا لهم أن يحفظوا الله، فالله يقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم:24] ثم قال بعدها: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27].

احفظ الله يحفظك

احفظ الله يحفظك إن الذي يحفظ الله في شبابه يحفظه الله في شيخوخته. يروى أن أبو الطيب الطبري عالم شافعي بلغ الثمانين من عمره، أتى إلى السفينة فقفز من السفينة إلى الشاطئ، فأتى الشباب ليقفزوا فما استطاعوا، قالوا: كيف تستطيع وأنت شيخ ولا نستطيع ونحن شباب؟! قال: هذه أعضاء حفظناها في الصغر فحفظها الله لنا في الكبر. وحدثنا بعض دعاة الجزائر - البلد المسلم التي قدمت مليوناً من قتلاها يوم سحقت مليوناً من أعداء البشر من الفرنسيين -أن داعية من المسيلة وهي بلد في الجزائر شاب عرف الله، شاب اهتدى إلى الله، لا يغادر مصحفُه جيبَه، الصلوات الخمس ما يفارقها ولو يفارق رأسُه جثتَه، انقلبت به سيارته وهو في طريق من مدينة إلى مدينة، وأصبح في الرمق الأخير وهو في سكرات الموت أغمي عليه أربعة أيام، قال: والله الذي لا إله إلا هو ما ترك قراءة الفاتحة لحظة واحدة ليلاً ونهارًا مدة أربعة أيام ثم توفي، لأنه عاش على الفاتحة، ومات بمعاني الفاتحة، ويدخل قبره على الفاتحة، ويحشر يوم يُحشر الناس على الفاتحة.

جزاء من لم يحفظ الله

جزاء من لم يحفظ الله في مناطقنا شاب -وقد شهدها شهود عيان- وُجِد في حادث انقلاب سيارة ومسجلته تصدح بأغنية، والمغنية تقول: هل رأى الحبُ سكارى مثلَنا؟ وهو في الرمق الأخير يردد: هل رأى الحبُ سكارى مثلَنا؟ ما رأى الحب أفشل منكم في الحياة، ولا رأى مثلكم سكارى: {سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]. يقول ابن القيم في كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: أتوا إلى رجل ماجن في سكرات الموات يقولون له: قل لا إله إلا الله، قال: يارب سائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجابِ قالوا: قل لا إله إلا الله، قال: يارُب قائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجابِ وقال ابن أبي الدنيا: قيل لأحد التجار: قل لا إله إلا الله، قال: خمسة في ستة كم تصير؟ سوف تعرفها إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور. القضية: كيف نحفظ الله؟ وكيف نتوصل إلى أن نعيش؟ لأن المسألة ليست مسألة مناصب ولا وظائف ولا مسألة مال، إن كانت المسألة مسألة مناصب ففرعون طَمَّ وعَمَّ في المنصب العالي فقال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] فأجراها الله من فوق رأسه. وإن كانت المسألة مسألة مال، فـ قارون أخذ أموال الدنيا وأخذ مفاتيح الدنيا قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} [القصص:81]. إذاً: المسألة التي أتى بها صلى الله عليه وسلم مسألة إيمان، أوصلها إلى القلوب، بالله عليكم من يستطيع بغير إيمان أن يفعل كفعل الصحابة؟ عمير بن الحُمام، أحد شباب محمد صلى الله عليه وسلم يأتي في معركة بدر فيرى الكفار ويأخذ تمرات يأكلها من الجوع، فيقول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده! -يا أهل بدر - قد اطلع الله عليكم، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، والذي نفسي بيده! ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة، قال: يا رسول الله! ما بيننا وبين الجنة إلا أن يقتلنا هؤلاء وندخل الجنة؟ قال: إي والذي نفسي بيده، فألقى التمرات وقال: والله إنها لحياة طويلة لو بقيت لآكل التمرات، ثم أخذ غمد سيفه وكسره على ركبته وقال: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى} فأخذ الله من دمه. يجود بالنفس إن ظن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود ننتصر بالإيمان، ونثبُت في الساحة بالإيمان، ونقاوم الأعاصير والأحداث بالإيمان، ونحمي مقدساتنا بالإيمان. أمَا رأيت الدب الأحمر كيف يزحف منخسئاً خاسراً ذليلاً؟! أما رأيت كيف تنهزم طائراته وصواريخه ودباباته وقنابله أمام الكلاشنكوف؟! لماذا؟ لأنهم قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. فرَّ موسى عليه السلام من فرعون ووراءه ما يقارب مليوناً من جيش فرعون، والبحر أمامه، الموت الموت، قالوا: أمامك البحر وخلفك فرعون، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فشق الله له طريقاً في البحر يبساً. إبراهيم عليه السلام، أتوا به إلى النار المحرقة فألقوه فيها، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فما أصابه شيء. محمد صلى الله عليه وسلم أتاه الأعداء من كل جانب فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:174]. والآن يشهد العالَم انتصار المجاهدين الأفغان، وانتصارهم انتصارٌ لشعبنا ولأمتنا ولبلادنا، ويشهد العالَم كل العالَم هزيمة روسيا، لماذا؟! لأن المجاهدين خرجوا متوضئين صائمين مصلين، قيل لهم: تعالوا إلى هيئة الأمم المتحدة، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـ هيئة الأمم المتحدة، قيل: تعالوا إلى مجلس الأمن، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـ مجلس الأمن، قيل: تعالوا إلى جنيف، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـ جنيف، ونزلوا يقاتلون ويصبرون ويجاهدون. في جحفل من بني الأفغان ما تركت كراتهم للعدا صوتاً ولا صيتاً قوم إذا قابلوا كانوا ملائكة حسناً وإن قاتلوا كانوا عفاريتاً وانسحب الملحد يضحك على نفسه، واقترب فتح كابول {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:97] فمن أراد أن ينتصر فلينتصر بالإيمان: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] وإسرائيل لما افتقرت الساحة لجيش مؤمن عربدت يميناً وشمالاً. وإن شاء الله أن هذه الانتفاضة مؤمنة مسلمة تشهد أن لا إله إلا الله، لكن ثلاثين سنة ما عرف شامير الكلاشنكوف الموحِّدة والسجدات المفردة واللمعات المؤمنة والوضوء واللجوء إلى الله: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] وقال تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. قد كنت في مناسبة أدعو كل فلسطيني على وجه الأرض أن يأخذ من أفغانستان درساً لا ينساه؛ فإن فلسطين لن تتحرر إلا بـ (لا إله إلا الله) وبيت المقدس لا يعود إلا بـ (لا إله إلا الله) ولا يعود لحظيرة الإسلام ومجد الإسلام إلا يوم يأتي أبناؤه يرفعون علم لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن الذي باع الحياة رخيصةً ورأى رضاك أعز شيء فاشترى أمْ مَن رمى نار المجوس فأطفأت وأبان وجه الصبح أبيض نيِّرا

حفظ الله في الصلاة

حفظ الله في الصلاة أقول: إن من أعظم ما نحفظ الله به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الصلوات الخمس، وفي بعض المذكرات الموجودة في الساحة أن بعض الجيوش العربية لما دخلوا فلسطين لقتال إسرائيل قال أحد القادة المشهورين في الدول العربية - لما قيل له: نصلي الظهر قبل المعركة -: لا. الظهر إذا رجعنا إلى بلادنا، بَلاش رجعية في هذا المكان، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، والذي لا يعرف الله يسلط الله عليه من لا يعرفه، فر هذا القائد بنفسه وترك جزمته في إسرائيل. يقول شاعر اليمن أعمى القلب والبصر: فأطفأت شهبَ الميراج أنجمُنا وشمسُنا وتحدت نارَها الخطبُ

حالة الأمة بلا إيمان

حالة الأمة بلا إيمان لا نصر لنا ولا بقاء ولا استمرار إلا بالإيمان، بحث الناس عن السعادة ووالله لن يجدوها إلا في كتاب الله وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. وقال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35]. أمة بلا إيمان قطيع من الضأن، وعين بلا إيمان مقلة عمياء، وقلب بلا إيمان كتلة لحم، وكتاب بلا إيمان كلام مصنف، ولذلك لا يستنفع المواهب بلا إيمان، نحن لا نريد شعراء فحسب لكن نريد شعراء مؤمنين، ولا نريد علماء فحسب لكن نريد علماء مؤمنين، العالم إذا لم يكن خاشياً لله كان مثل ابن باعوراء عالم اليهود: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176] يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في علماء بني إسرائيل مَثَلُهُم {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] حمارٌ عليه مجلدات على ظهره، يقول شاعر على لسان حمار توما الفيلسوف الأحمق: قال حمار الحكيم توما لو أنصف الدهر كنت أُرْكَبُ لأنني جاهل بسيط وصا حبي جاهل مُرَكَّبُ

الإيمان والأدب والشعر

الإيمان والأدب والشعر إذا عُلِم هذا فلا ينفع العلم إلا بإيمان، والشعر والأدب لا ينفع إلا بإيمان، ولذلك أتى شعراء فطاحل من أقوى الشعراء في العلم لكن ملاحدة زنادقة. أبو العلاء المعري من أكبر الشعراء- اسمه سليمان بن أحمد- يناجي الليل، شعره كالسحر الحلال يقول في منظومة استلطفها ابن القيم والذهبي: يا راقد الليل أيقظ راقد السمر لعل في القوم أعوان على السهر يود أن ظلام الليل دام له وزِيدَ فيه سواد السمع والبصر ليته اكتفى بهذا الجمال وليته سكت؛ لكنه اعترض على الشريعة يقول وهو يستهزئ بالقرآن والسنة: يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار تناقض مالنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار بعد ماذا يا ملحد تستجير بمولاك؟ بعد أن استهزأت بالشريعة؟ يقول: كم دية اليد؟ قالوا: خمسمائة دينار ذهباً، قال: في كم تُقَْطَع؟ قالوا: في ربع دينار، قال: يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار تناقض مالنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار فرد عليه علماء السنة وشعراء أهل السنة بيَّض الله وجوهَهم. يقول الشاعر عبد الوهاب المالكي راداًَ عليه بِرَدٍّ يدمغه ويسحقه يقول: قل للمعري عار أيما عاري جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عار لا تقدحن بنود الشرع عن شبهٍ شرائع الدين لم تقدح بأشعار فأخذ الله أبا العلاء أخذ عزيز مقتدر: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16] لكن تعال إلى الشاعر الموحد أبي نواس، وحَّد الله في شعره، رؤي في المنام بعد أن مات، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: بثلاثة أبيات قلتها في النرجِسة - النرجِسة: زهرة جميلة تأتي في الحدائق - يقول أبو نواس: تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك فغفر الله له بذلك وأدخله الله الجنة. يقول كعب بن مالك في قصيدة له وقيل: هي لـ ابن رواحة يسب قريشاً وينتصر للإسلام: زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغلب الغلاب قريش إذا أرادت العرب أن تسبها تسميها سخينة، فيقول كعب بن مالك: يا سخينة! أتغلبين الله؟! زعمت سخينة أن ستغلب ربها فليغلبن مغلب الغلاب {فتبسم صلى الله عليه وسلم بعد حين وقال: يا كعب! نزل جبريل يقول: إن الله يشكرك على ذاك البيت}. فيا أهل الإبداع! ويا أهل الأدب! ويا أهل القصص! ويا أهل الشعر! ألا تريدون أن تدخلون الجنة بالشعر؟ حسان يقرب له صلى الله عليه وسلم المنبر ويقول له: {اهجهم وروح القدس معك} أي: جبريل، فيقول حسان: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد فيشكر الله له ويكون قائد الشعراء إلى الجنة. لكن حداثي مستهتر من أبناء بلدنا وأمتنا، استنشق هواء جزيرتنا، وشرب ماءها، وجلس تحت سمائها، وتظلل تحت أشجارها، يقول في المربد في بغداد سافر إلى هناك يقول في معنى قصيدته: جزيرتنا ما رأت النور منذ ألقى عليها رداءه الهاشمي، من هو الهاشمي يا عدو الله؟ الهاشمي: هو الذي أخرج الجزيرة من الظلمات إلى النور، الهاشمي: هو الذي رفع لا إله إلا الله في الأرض، الهاشمي: هو الذي مرت كتائبه إلى المحيط الأطلنطي، الهاشمي: هو الذي قُتِل أصحابُه في طاشقند وسمرقند ليرفع العدل والسلام في العالم، الهاشمي: هو الذي أتى إلينا نحن الأمة الأعرابية المتخلفة الرجعية البدوية، طويلة الأظفار منتنة الرائحة فأخرجنا إلى النور فأصبحنا ملوكاً للدنيا: إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار مِن خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لم تبتغِ إلا رضاه سعى لها فأمدها مدداً وأعلا شانها وأزال شانئها وأصلح بالها {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. قال الأستاذ النبيل البارع علي الطنطاوي بيض الله وجهه في كتابه قصص من التاريخ فصلاً يبكي القلوب قبل العيون يرد به على الملاحدة، يقول: " نحن المسلمين، سلوا كل سماء في السماء عنا، وسلوا كل أرض في الأرض عنا، نحن المسلمين، سلوا عنا نهر الجانج واللوار، وصحراء سيبيريا من بنى منبر العدل، من أطلق عنان الإنسانية، من حطم كيان الطاغوت، من نشر البراء في العالَم، نحن المسلمين، منا أحمد ومالك والشافعي وأبو حنيفة وابن تيمية وابن القيم، نحن المسلمين، منا حسان وابن رواحة وأبو تمام والمتنبي ومحمد إقبال، نحن المسلمين، منا خالد وسعد وطارق وصلاح الدين وعقبة بن نافع ". إلى آخر تلك المقالة التي تكتب بماء الذهب، وهو رجل إذا كتب فكتابته سحر حلال، وهي أقوى من كلامه إذا تكلم، بل هو أديب العربية لا طه حسين، فعدو الله ذاك ليس بأديب العربية؛ لأنه تزندق في كتاباته ويقول: بدر وأحد وقعت بين قبائل عربية لأحقاد بينها في الجاهلية، واستهزأ بكثير من معاني الإسلام، فليس بـ عميد الأدب العربي ولا كرامة؛ بل عميده مثل هذا الأديب الصادق، مثل سيد قطب ومحمد قطب وأبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي، أولئك الصفوة المختارة التي عرفت الكتاب والسنة وسجدت لله الواحد الأحد. فأنا أدعو نفسي وإياكم بالإيمان، اصدقوا الله في قلوبكم وفي أفكاركم وفي أقلامكم وفي منشوراتكم وفي خطبكم، ويوم نوفق إلى الطريق ويوم يرزقنا الله إيماناً ملوكاًَ ومملوكين، ورؤساء ومرؤسين، وأمراء ومؤتَمِرين، وأدباء ومتأدبين؛ حينها تسعد الحياة ونكون خير أمة أخرجت للناس، حينها نكون مجتمعاً مثالياً: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. أيها الإخوة! أكرر شكري لكم وأسأل الله أن يحفظني وإياكم بحفظه وأكرر شكري ثانية لنادي الشهيد الذي استضاف هذا الجمع هذه الليلة، وشكراً لأمير هذه المنقطة الذي حضر، ومعنى حضوره أنه شجع انتصار الكلمة المؤمنة والدعوة الصادقة والرسالة القائمة لتسعد هذه البلاد ويسعد هذا الشعب، ويكون هذا الجيل جيلاً موحداً، جيلاً يعرف الله ويسجد لله ويحمي مقدسات الله عز وجل، فإن نجاتنا بالإيمان وسعادتنا بالإيمان. آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا إن السلام وإن أهداه مرسله وزاده رونقاً منه وتحسينا لم يبلغ العشر من قول يبلغه أذن الأحبة أفواه المحبينا سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وما بقي من وقت فلبعض الأسئلة، ثم نقوم للصلاة، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة .

سلمان رشدي وكتابه آيات شيطانية

سلمان رشدي وكتابه آيات شيطانية Q ما رأيك في كتاب سلمان رشدي المسمى: آيات شيطانية وذلك أن الخميني أباح دمه والأزهر يرفض هذا إلا بعد المناقشة والبينة؟ A سلمان رشدي هندي، وهو يحمل الجنسية البريطانية ويقيم في لندن، وله مقالات ومنشورات وهو أديب وله لغات، وقد كتب هذا الكتاب لكن علماء أهل السنة لا يزالون يتوقفون حتى تأتيهم البينة؛ لأن مصادر الأخبار هي: هيئة الإذاعة البريطانية، والإذاعات العالمية، وسمعتم أن الخميني أباح دمه، وهذا لا يعني أن ذلك بسبب استهزائه بالرسول صلى الله عليه وسلم في الكتاب، فقد يستهزئ بأهل البدعة وأهل الرفض، وهذا أمر آخر، وقد يكون استهزأ بالرسول صلى الله عليه وسلم والملائكة والدين فهذا أمر آخر، كذلك علماء الأزهر توقفوا ليقرءوا الكتاب ويَرَوه، وكذلك علماء السنة حتى يروا ما هي المداخل على هذا الكتاب، ولذلك في آخر جمعة خطبها الرئيس علي خامنئي يقول: إنه سوف يعفي عنه إذا رجع عن كتابه. لكن نقول: كل منشور وكتاب وكل مقالة لا بد أن تُرَى وتُبْصر، ولا يؤخذ بالأخبار الشائعة والإعلام حتى يُقرأ ويُنظر ما فيه، وهو الآن يسحب من المكتبات العالمية لكن لا يكفي سحبه، إنما يحاكَم هذا الرجل بعد أن يدرَك ما في هذا الكتاب، وماذا قال فيه، وهنا مسألتان: 1 - مسألة التثبت فيما قيل. 2 - مسألة ما هي مصادر التثبت؟ فالتثبت قال فيه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] ومصادر التثبت الشهادة والرؤية والثقة، وأما هذه الهيئات في العالم فإنما هي مجرد أخبار ولها مصالح، ولكن إذا تواترت قد يُسْتأنس بأخبارهم، هذا أمر.

حكم الغناء في الإسلام

حكم الغناء في الإسلام Q ما حكم الغناء في الإسلام؟ وما هو الغناء الماجن؟ A الغناء في الإسلام على القول الصحيح من كلام أهل العلم - وهم الجمهور الذين يمتلكون أدلة - أنه محرم، وقد استدلوا بآيات وأحاديث منها: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان:6] واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف} واستحلالها يكون بعد التحريم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم عند ابن خزيمة وغيره أنه قال: {إني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة، وصوت عند مصيبة} قالوا: الصوت عند النعمة هو: الغناء، والصوت عند المصيبة هو: النياحة، قال ابن القيم في غناء أهل الجنة لأنه في مسند الإمام أحمد بسند جيد: {إن في الجنة نساء يغنين يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، طوبى لمن كنا له وكان لنا} قال ابن القيم ناظماً هذه في المنظومة الطريفة: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإ نسان كالنغمات في الأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان يقول ابن تيمية: الغناء بريد الزنا، وهو يحبب الفاحشة ويكره إلى العبد ذكر الله، وتلاوة كلامه، والأنس بالدعاء، ومناجاة الله، وأثبت ابن القيم في إغاثة اللهفان أنه من أخطر ما يكون على القلوب، وأنه يؤسس الجريمة في القلب، نسأل الله العافية والسلامة.

صلاة الجماعة حكمها وأهميتها

صلاة الجماعة حكمها وأهميتها Q الصلاة في المساجد وصلاة الفجر هل من كلمة حولها؟ A نعم. قد اتفقنا من قبل أن أكبر ما نحفظ به الله الصلوات الخمس: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45] ويوم يُتهاون بالصلوات؛ حينها يعم الربا والزنا والفحش والجريمة وتعاطي الحبوب المخدرة والسكر والبعد والفجور عن الله عز وجل. فالصلوات الخمس جماعة هي التي تنجيك وتصفي قلبك وتحفظك مع الله، وأولها صلاة الفجر يوم يستيقظ الناس، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم عند مسلم أنه قال: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه في ذمته بشيء فأدركه كبه على وجهه في النار} الحديث، الله الله في الصلوات جماعة، فإنها من أعظم الأعمال ومن ترك الصلاة فقد كفر: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} وبرئت منه الذمة وأصبح دمه حلالاً.

التوبة وعدم اليأس

التوبة وعدم اليأس Q هل من تعليق على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53]؟ A جزى الله خيراً من ذكَّر بالتوبة، فنحن جلسنا هنا مذنبين ونقوم مذنبين، ونمسي مخطئين ونصبح مخطئين: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] فيا من عطاؤه ممنوح، ويا من نواله يغدو ويروح، ويا من بابه مفتوح، جلسنا مذنبين مخطئين معترفين بالتقصير؛ فاغفر لنا، فإنك أنت السميع البصير، نسأل الله لنا ولكم غفرانه فإنه يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136].

واجب المعلمين نحو المتعلمين

واجب المعلمين نحو المتعلمين Q ما هو واجبنا كمعلمين نعلم أطفال المسلمين؟ A حياك الله، وما أعظمها من قضية! فهي تحتاج إلى محاضرات، كيف نحمل الإيمان لأبناء المسلمين في الفصل؟ كيف نلقن أبناء المسلمين وأطفالهم الإيمان في الفصل؟ نحمل رسالة لا إله إلا الله ونلقنهم على الكراسي، هذه ذمة المسلمين، وجيلهم وضعوهم بين أيديكم. أيها الأستاذ! واجبك أن تدخل وأنت تحمل الإيمان وتزرع لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوب هذا الجيل، حينها يتقبل الله منك، ويرفع الله درجتك. نقل لي أحد الدعاة أنه قرأ في بعض المقالات أن داعية في إحدى البلاد العربية دخل مدرسة وهو يحمل رسالة وإيماناً، ومدير المدرسة لا يحمل رسالة ولا إيماناً، فأراد أن يقلص من جهود هذا الأستاذ فأعطاه حصة الرسم لأن الرسم ضياع، يرسم بطة ودجاجة على السبورة، ويضيع أوقات الناس لكن إذا استخدم الرسم فيما وضع له لكان جيداً، فقال: أما هناك حصة غير الرسم؟ قال: ما معك إلا الرسم، فدخل الفصل فرسم زهرة على السبورة، ثم نظر إلى الطلاب فألقى محاضرة عن التوحيد، مَن خلق الزهرة؟ ومن سواها؟ حتى بكى الطلبة أمامه. وأستاذ آخر -وهذا واقع- دخل فصلاً، فقال: ما هي الحصة لديكم؟ فقالوا: قرآن. قال: القرآن تدرسونه في المسجد، هذه حصة رياضة، فانظر إلى البون بين هذا وذاك، ذاك يحمل إيماناً جعل من الرسم طريقاً إلى الجنة، وهذا لا يحمل رسالة ولا إيماناً فترك القرآن من ساحته وقلبه. إذاً: اتقوا الله -يا أساتذة الإسلام- في أبناء المسلمين، في تحفيظهم كتاب الله، وغرس شجرة الإيمان في قلوبهم.

أفضل الأوقات لاستغلال قراءة القرآن

أفضل الأوقات لاستغلال قراءة القرآن Q ما هي أفضل الأوقات لقراءة القرآن؟ A أفضل أوقات لقراءة القرآن: بعد صلاة الفجر، وهذا محمد إقبال شاعر ال الباكستان دخل على ظهير الدين شاه أو أسد الدين شاه الأفغاني -وهي موجودة في روائع إقبال - فقال له: أوصيك بتقوى الله وأن تقرأ القرآن مع الفجر. وذكر سيد قطب في الظلال أن أحسن أوقات قراءة القرآن: في الفجر. وقبل هذا وأحسن من هذا: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] يوم أن تتنسم الزهور ويطل الفجر وتذهب النجوم، ويعلو النسيم، حينها تقرأ القرآن فتنشرح روحك للقرآن، يقول ابن الصلاح: إن من قرأ القرآن في الفجر سدده الله في حركاته وسكناته في النهار، هو روحك وتأملك وحياتك وإشراقك، وبعد الفجر لا بد أن يكون لك ولو صفحات من المصحف.

الاستهزاء بأمور الدين

الاستهزاء بأمور الدين Q ماذا تنصح شباباً يستهزئون بالشباب الملتزمين ويستهزئون ببعض أمور الدين؟ A عالجتُ مثل هذه القضايا؛ لأنها انتشرت كثيراً، وأسأل الله أن يكف هذا المرض الخطير وأن يصلح شباب المسلمين ويوفقهم للاستقامة: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]. فيا أيها الإخوة! ليس معنا إلا الدين، ما هو الذي نمتلكه في الحياة إلا (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ما هي أصالتنا؟ ما هو تاريخنا؟ ما عمقنا؟ ما هو منهجنا إلا الكتاب والسنة فإذا أتينا نحارب الملتزمين به والمستقيمين معه فكأننا نهدم بمعول من غضب ومن سحق ومحق في هذا البناء الذي بناه محمد عليه الصلاة والسلام، فنسأل الله أن يهدي أولئك، وأن يردهم إليه رداً جميلاً، وأن يتقبل منا ومنكم خالص الأعمال. شكراً لكم أولاً وآخراً. وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وإذا مرضت فهو يشفين

وإذا مرضت فهو يشفين المرض ابتلاء من الله للمؤمن يكفر به الخطايا والذنوب كما دلت على ذلك أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأمراض القلوب أعظم من أمراض الأبدان. وهذا الدرس تفصيل لأحكام تتعلق بالمريض.

المرض كفارة للذنوب والخطايا

المرض كفارة للذنوب والخطايا إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران:190 - 193]. سلام الله عليكم ورحمته الله وبركاته ولا نزال مع حديثه صلى الله عليه وسلم وكلامه العذب وسيرته العطرة ومع ميراثه الضخم وتراثه الفذ، فعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، جزاء ما قدم للإنسانية وما أعطى للبشرية وما أهدى للإنسان. يستفتح البخاري رحمه الله تعالى كتاباً آخر وهو كتاب المرضى، وقد انتهينا من كتاب الأدب ولم يبق فيه إلا ما يندرج فيما قبله، أو أحاديث مكررات. يقول البخاري رحمه الله تعالى: كتاب المرضى -شافاكم الله من المرض- قال تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. ونحن نسأل الله لنا ولكم العافية ففي مسند الإمام أحمد بسند جيد عن العباس أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال له: {يا عمي يا عباس! سل الله العفو والعافية} وكان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه -في المسند - يقول: [[اسألوا الله العفو والعافية فإنه لم يؤت أحد بعد اليقين خيراً من العافية]] والعافية في الأبدان والأديان والبلدان، فالعافية في الأبدان: صحة وقوة ونشاط، والعافية في الأديان: سلامة ونجاة ومنهج، والعافية في البلدان: أمن ورخاء وازدهار. باب ما جاء في كفارة المرض، والمسلم لا يأتيه شيء يصيبه إلا كفَّر الله به من خطاياه كضربة الشمس والجوع والظمأ والهم والغم فكل ما أصابك فهو كفارة لك فاحتسبه في ميزان الواحد الأحد، وقول الله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء:123] هذه الآية أبكت أبا بكر الصديق فعندما نزلت هذه الآية تفصم ظهر أبي بكر وهو بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تماط فقال له صلى الله عليه وسلم: {مالك؟! قال: يا رسول الله! يقول الله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء:123] وكيف العمل بعد هذه الآية، كلفنا من الأعمال ما نطيق ولكن كيف نعمل بعد هذه الآية أإذا وقع منا كل سوء عاقبنا الله {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِه}) [النساء:123] قال صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك يا أبا بكر! ألست تمرض؟ ألست تحزن؟ ألست تهتم؟ ألست تغتم؟ قال: بلى. يا رسول الله! قال: فذلك كفارة}. فالحمد لله الذي جعل لنا هذه الأمور كفارة وإلا فخطايانا ملأت السهل والجبل، وإذا لم تدركنا رحمة الله وعفوه وكرمه فقد هلكنا، إذاً كل ما يصيب المسلم فهو كفارة. وابن عباس عاش ليلة طويلة بطيئة النجوم هادئة السحر يبكي حتى الصباح من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123].

شرح حديث عائشة في أن المصائب تكفر الذنوب

شرح حديث عائشة في أن المصائب تكفر الذنوب قال البخاري رحمه الله حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع هذا الرجل شيخ البخاري وهذا الحديث لا يتلقى إلا بالسند: أصح وأعلى ما سمعناه في الندى من الزمن المعروف منذ قديم أحاديث ترويها السيول عن الحيا عن الغيث عن كف الأمير تميم وهذا البخاري سنده كنجوم الليل كل رجل فيه ولي من أولياء الله إن شاء الله، فشيخ البخاري هذا كان من العباد الكبار بكى من خشية الله حتى عمي، ووجد في السلف الصالح من بكى من خشية الله حتى عمي، منهم: الترمذي صاحب السنن بقي يبكي في الليل من العبادة حتى عمي، ومنهم: يزيد بن هارون الواسطي بكى حتى ذهبت عينه اليمنى ثم بكى حتى ذهبت عينه اليسرى فقال له تلاميذه: أين العينان الجميلتان؟ -كما في سير أعلام النبلاء للذهبي - قال: أذهبهما والله بكاء السحر. من تلظي لموعه كاد يعمى كاد من شهرة اسمه لا يسمى وقال سعيد بن المسيب سيد التابعين: لا خير في عين لا تعمى من كثرة البكاء. وبكى حتى عميت عينه وبقي على عين واحدة؛ لأن الحياة مرحلة: طول الحياة إذا مضى كقصيرها والفقر للإنسان كالإعصار ولكن الحياة الأبدية التي فيها لذة وسعادة هي دار القرار، وأتفه الناس وأحقرهم وأصغر الناس وأجهلهم من جعل هذه الحياة متاعاً قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. قال أخبرنا شعيب، وهو شعيب بن حمزة الحمصي أحد الثقات الأعلام وكذلك العباد؛ لأن الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان كانوا يتعلمون العلم للعمل، يقول الإمام أحمد: كتبت المسند -أربعين ألف حديث يعني: بالمكرر- ما من حديث فيه يقبل العمل إلا عملت به إن شاء الله حتى أنني وجدت حديثاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختفى في غار ثور ثلاثة أيام، فاختفيت في غار في الكرخ ثلاثة أيام، هذا الاتباع وهذه الأصالة والنبل حتى لحقوا بركبه صلى الله عليه وسلم. قال الزهري محمد بن شهاب الزهري القرشي العلامة الكبير، حافظ الدنيا، كان من أتقى عباد الله لله، كان صادقاً لا يكذب، حلف بالله الذي لا إله إلا هو لو نادى منادٍ من السماء: إن الكذب حلال ما كذبت في حياتي، وفي الناس من لو نادى منادي من السماء وقد نادى منادي من السماء وهو القرآن والسنة أن الكذب حرام ويكذبون، ونعوذ بالله من الكذب. له مع السلطان مواقف أثبت فيها صدقه وشجاعته، جلس الناس عند الخليفة الأموي الذي يلقب الأحول هشام بن عبد الملك الذي يقول فيه الفرزدق: يقلب رأساً لم يكن رأس سيد وعينان حولاوان بادٍ عيوبها هذا هشام سجن الفرزدق لما مدح زين العابدين علي بن الحسين لما قال أهل الشام وهم حول الكعبة وعلي بن الحسين يطوف، فأراد هشام أن يطوف فما استطاع من الازدحام فوقف معه الأمراء والوزراء حتى ينتهي الناس وهم كالبحر حول الكعبة، فأتى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين -الذي يقول عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: كان يسجد كل ليلة ألف سجدة- فأتى وفي يده خيزران وكان وجهه كالقمر ليلة أربعة عشر والمسك يفوح من ثيابه وهو ابن بنت رسول الله: نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا فلما رآه الناس انقشعوا من حول الكعبة، وأخذ بعضهم يحطم بعضاً يفسحوا له الطريق، ليس عنده حرس ولا جند لكن أصالته تأتي من قلبه الكبير ومكانته في الأمة، فأخذ يطوف وهو يتبسم للناس وهم يحاولون تقبيل يده، فيسحبها من الناس فقال أهل الشام لـ هشام بن عبد الملك: من هذا؟ فـ هشام أخذه الحسد والغيرة وقال: ما أعرفه! سبحان الله! ما تعرفه: بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر قلن تعرفن الفتى قلن نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر فقام الفرزدق وهو جالس فعرفه بقصيدة ما طرق التاريخ في المدح مثلها، يقول: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم بكفه خيزران ريحها من عبق من كف أروع في عِرْنِيْنِه شمم ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم فأسكته وسجنه. فالمقصود: أن الزهري دخل على هشام هذا وهو في دمشق، فقال هشام بن عبد الملك وكان بطاشاً يبطش بالرجال عنده سيف وسلطة وقوة، الخلافة تحت يديه وهو يحمل على علي بن أبي طالب لأن بني أمية فيهم نواصب يحملون على علي رضي الله عنه وأرضاه، والنصب: بغض أهل البيت، ويقول بعض بني أمية: إن الذي تولى كبره في فتنة الإفك هو علي بن أبي طالب سبحان الله! أتقى الناس وأزهد الناس وأخشى الناس أبو الحسن يتولى كبره! والذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول ذاك المنافق الخبيث، لكن بعض بني أمية يقولون: لا. الذي تولى كبره علي بن أبي طالب. فأتى عالم فقال له هشام: من الذي تولى كبره؟ قال: عبد الله بن أبي بن سلول، قال: كذبت. الذي تولى كبره علي بن أبي طالب فقال العالم: الخليفة أعلم بما يقول، وجلس، قام الثاني فقال له الخليفة: من الذي تولى كبره؟ قال: عبد الله بن أبي، قال: كذبت، وقال: الخليفة أعلم بما يقول، معنى ذلك السيف الأملح، فقام الزهري فقال له هشام بن عبد الملك: من الذي تولى كبره؟ قال: عبد الله بن أبي بن سلول، قال: كذبت، قال: بل كذبت أنت وأبوك وجدك، حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة صاحبة الإفك: أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول، وحدثني عروة عن عائشة: أن الذي تولى كبره كذا ووالله لو نادى منادٍ من السماء أن الكذب حلال ما كذبت، فتزلزل الملك وقال: لعلنا هيجنا الشيخ اجلس اجلس. إن الصادق يظهر في هذه المواقف، وهذا الزهري قال له هشام: اكتب لي أحاديث، فكتب له أربعمائة حديث وبعد سنة استدعاه وقال: ضاع ذاك الدفتر الذي أمليت علينا من الأحاديث، أعد عليَّ تلك الأحاديث، فأملاه، فأخرج ذاك الدفتر وهذا الدفتر الجديد فقارنوا بينهما قالوا: فوالله ما أسقط حرفاً واحداً. قال: أخبرني عروة بن الزبير من ذاك البيت الأصيل ابن حواري الرسول صلى الله عليه وسلم كان عالماً بحراً يقولون: يلف حبوته في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فما ينزل حبوته حتى يقرأ ربع القرآن، ونحن إذا قرأ الواحد منا جزءاً أو حزباً قال: يا رأسي! يا بطني! يا رجلي! إن لعينك عليك حقاً وإن لنفسك عليك حقاً، الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، أما أحاديث الرخص وأحاديث الطعام والطب فنحفظها، فنحن برحمة الله عز وجل لا من عملنا ولا من قوتنا. قالت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها} وهذه بشرى تزف لكل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر.

مسائل في قوله تعالى: (من يعمل سوءا يجز به)

مسائل في قوله تعالى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) ومن الآية {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123] فيها قضايا: القضية الأولى: هل كل من عمل سوءاً يجزَ به؟ القضية الثانية: ما مناسبة قوله تعالى: {وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123]. القضية الثالثة: هل الجزاء أو النكال أو العذاب كفارة أو رفع في الدرجات؟

هل كل من عمل سوءا يجز به

هل كل من عمل سوءاً يجز به Q هل كل من عمل سوءاً يجزى به؟ A لا. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بعد آية الجزاء: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] فكثير من السيئات تستوجب النكال والعذاب في الدنيا والآخرة لكن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يعفو، فلسنا نجازى بكل إساءاتنا بل يعفو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهذا ملموس، يقول ابن القيم في الفوائد: احذر المعاصي فإنها في الطريق. يعني: أنها لك كميناً في طريقك تثور عليك بعد أيام ولو بعد أربعين أو خمسين سنة. قال بعض أهل السير والتراجم وهي من الإسرائيليات: أن يعقوب عليه السلام لما فات يوسف عليه أربعين سنة كان ذلك جزاء له لما قال لأبنائه: أخاف أن يأكله الذئب، ولم يقل أتوكل على الله، ففقده أربعين سنة يبكي عليه، وقال أحد التابعين: نظرت نظرة لا تحل لي فقال لي أحد المشايخ والعلماء: أتنظر إلى الحرام؟! والله لتجدن غبها -أي: نتيجتها- ولو بعد حين، قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة. وجاء الإمام الشافعي كما في ترجمة وكيع بن الجراح المحدث صاحب كتاب الزهد، وكان يسمى شيخ الإسلام من رجال البخاري ومسلم، جاء إليه الشافعي فقال: سمعت أنك من أحفظ الناس، يقول ابن المبارك: حفظنا تكلف أما حفظ وكيع فهو جبلة فطرة، قال: فما هو أحسن شيء في الحفظ؟ قال وكيع: جربت الأدوية وجربت كل شيء فوجدت أحسنها ترك المعاصي، فقال الشافعي: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي

مناسبة قوله تعالى: (ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا)

مناسبة قوله تعالى: (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) القضية الثانية: ما مناسبة قوله تعالى: {وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123] الولي: من تولاك وتوليته، والنصير: قد لا يكون ولياً بل قد يكون ناصراً ولو كان كافراً، ولذلك قد يستنصر المسلم بالكافر فلا يسمى ولياً ويسمى نصيراً، فإذا استنصر المسلم بالمسلم كان ولياً نصيراً فإذا فصل ينتهي بالواو فهي للمغايرة، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] لم يقل ولياً لأنه والياً في الأمور وهذا معلوم، وإنما قال هادياً للقلب ونصيراً للحياة، قالوا: هداية القلب وهداية السيف، فالله سبحانه وتعالى ينصر أهل المناهج السديدة في الهداية وينصر أهل المبادئ الرشيدة في النصرة والولاية. ولـ ابن تيمية طوفان وكلام بديع في هذا المعنى لا يحسنه إلا هو لكن وقته يطول.

الراجح أن المرض كفارة ولا يرفع الدرجات

الراجح أن المرض كفارة ولا يرفع الدرجات القضية الثالثة: الذي يعلم عند الجمهور أن المرض كفارة وليس رفعاً للدرجات واستدلوا على ذلك بأحاديث وآيات منها هذه الآية: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء:123] ولم يقل يرفع درجته ويثاب، ومنها الحديث الصحيح: {ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها من خطاياه حتى الشوكة} والحديث الصحيح الآخر: {ما يصيب المسلم من هم ولا غم ولا وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه} والحديث الثالث الصحيح: {يا أبا بكر! ألست تمرض وتهتم وتغتم فإن ذلك كفارة} إذاً: هذا الراجح إن شاء الله. قيل لـ أبي عبيدة وهو مريض: هنيئاً لك رفع الدرجات -هذا في مسند أبي يعلى - قال: لا والله، لكنه حط للسيئات. فيظهر والله أعلم وهو الراجح أن من أصابه مرض فقد حط الله عنه سيئاته بحسب هذا المرض، ولذلك فرح الصالحون بالمرض. قال أبو الدرداء: أحب ثلاثاً يكرهها الناس: أحب الفقر؛ لأن فيه مسكنة لربي، وأحب المرض؛ لأن فيه كفارة لخطيئتي، وأحب الموت؛ لأن فيه لقاء لربي. وفي الحديث الصحيح: {من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه} اتفق الشيخان على إخراجه. قال حافظ الحكمي رحمه الله في منظومته البديعة الرائعة: ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حبا وعكسه الكاره فالله اسأل رحمته فضلاً ولا تتكل والموت فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءه وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها}. وورد عن أبي بكر عند الترمذي رفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام: {كل شيء يصاب به العبد فهو كفارة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ومن كلام أبي بكر عند بعض المحدثين: [[حتى الحاجة يضعها أحدكم تحت إبطه فيفقدها فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون]]. والمصيبة إذا أتت من مرض أو غيره فعلينا فيها ثلاث واجبات: الأول: أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157]. الثاني: أن نحتسبها في ميزان الكفارة عند الله عز وجل. الثالث: أن نحمد الله عز وجل على أنه لم يجعلها في ديننا ومعتقدنا وجعلها في أبداننا ومالنا: إذا أبقت الدنيا على المرء دينه فما فاته فيها فليس بضائر فما رضي الدنيا ثواباً لمؤمن وما رضي الدنيا عقاباً لكافر كل شيء إلا الدين والمعتقد، فإذا كنت تفقر وتمرض ويموت أبناؤك ويهدم بيتك وتسحق سحقاً وتمزق ويفصل أعضاؤك، لكن قلبك فيه لا إله إلا الله وأنت تحب الله ورسوله فلا والله ما فاتك شيء.

أقسام المرض

أقسام المرض والمرض قسمان: 1/ مرض قلوب. 2/ مرض الأجسام.

أمراض القلوب

أمراض القلوب ولـ ابن تيمية في أول المجلد العاشر من فتاويه رسالة القاعدة العراقية في الأعمال القلبية تحدث بحديث كأنه الشهد إذا انسل أو كأنه الماء الزلال أو كأنه النسيم العليل أو كأنه الحب إذا سرى من قلب محب إلى قلب محب، وفصل المسألة وقال: القلوب تمرض أعظم من مرض الأبدان، لكن بعض الناس يمرض قلبه فلا يحس إلا إذا أصابه زكام أو حرارة أو التهاب لأن حياته حياة الأجسام أما القلب فميت. يقول المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام إذا مات الميت وأتيت تطعنه بالخنجر أو تفصل من يده فماذا يضره؟ يقول عبد الله بن الزبير لأمه أسماء العظيمة الرائدة المربية: يا أماه! ما علي من الحجاج إذا قتلني -فالقتل سنة وشهادة- لكن أخاف أن أقطع ويمثل بي، فضحكت وتبسمت تبسم الشجاعة التي تجيد تربية الأبناء، وقالت: وما عليك، لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها، فاستبسل بنفسه وقتل، ورفع على مشنقة الموت وأصبح عالياً كأنه العلم، وسفل الذين عادوه في الله عز وجل. فمرض القلوب خطير وله أسباب: السبب الأول: وهو أفتكها وأعظمها وهو الذي يدمر البيوت والدور والعمار والقصور والشعوب والأمم، ويهلك المجتمعات، ويجعل الذكي غبياً، والوجيه متأخراً، والرائد متخلفاً، والمحب مكروهاً، والمقرب مطروداً، والمنعم عليه بائساً، والغني فقيراً، والكبير صغيراً، إنها الذنوب والخطايا أعاذنا الله وإياكم من الذنوب والخطايا، وأول مصائب الذنوب والخطايا: أنها تميت القلب، وهذا أعظم مرض فيصبح لا يشعر ولا يحس، تفوته صلاة الجماعة أمر عادي لكن لو فاتته عشرة ريال لأقام الدنيا وأقعدها وبحث وقلب البيت ظهراً على عقب، أما مصيبة الدين فلا يحس بها؛ لأنه مات قلبه، فتراه لا يقرأ في اليوم في الأربع والعشرين ساعة شيئاً من القرآن، ولكن الأخبار اليومية لا تفوته، أبداً، ودرجات الحرارة والصيدليات المناوبة لا تفوته أما سورة الأنعام والأعراف وطه وهذه الأسس والمبادئ التي أتى بها محمد عليه الصلاة والسلام من فوق سبع سماوات، فيقول: نقرأ يوم الجمعة إن شاء الله إذا فرغنا أو في رمضان أو إذا مات أحد الجيران. إن اليوم الذي يمر عليك دون أن تقرأ فيه قرآناً هو من أشد الأيام بؤساً عليك، وقد خسرته من عمرك، تمر علينا الساعات ولا نسبح ولا نهلل إلا من رحم الله أنا أتكلم عن القاصرين، ولكن إذا أتى الغروب فلا نعد الساعات التي فاتتنا بلا تسبيح، لكن كم تكلمنا من هذر ومذر وشذر؟ ومن هذا الكلام الذي ليس تحته طائل في الأسعار والأشجار والأمطار، وتزوج فلان وطلق فلان، وأحاديث مشبوهة كأن عليها ظلام بهيم فنشكو حالنا إلى الله، فأعظم الأسباب في أمراض القلوب المعاصي. السبب الثاني: كثرة المباحات، وقد ذكرها ابن القيم في مدارج السالكين بكلام عطر صدي شجي، والمباحات إذا كثرت أبطلت الإحساس في القلب. ما هي المباحات؟ كثرة النوم، وكثرة الأكل، وكثرة الخلطة في الناس، وكثرة المزاح، وكثرة الكلام، فإذا زادت هذه كلها عن حدها؛ أتتك كآبة وضيق وقسا قلبك من هذه الكلمات والأمور الواردة.

مرض الأجسام

مرض الأجسام والمرض الثاني: مرض الأجسام وهو سهل بسيط بجانب مرض القلوب، ومرض الأجسام لا يعد بالمقارنة مع مرض القلوب شيئاً. بعض الناس على السرير الأبيض مريض ولكن قلبه حي، وبعض الناس يمشي ويسعى على أقدامه وقلبه ميت؛ لأن هذه حياة بهيمية وتلك حياة إسلامية وفرق بين الحياتين. لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتم والمرض في القرآن إذا أطلق فهو على نوعين: 1/ مرض الأجسام. 2/ ومرض القلوب. {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح:7] فالمرض هنا مرض الأجسام وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في مرض القلوب: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10] وقال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ * أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} [التوبة:124 - 127] ومرض القلوب في القرآن قسمان: 1/ مرض الشهوة. 2/ مرض النفاق. مرض النفاق مثل هذه الآية: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:125]. ومرض الشهوة مثل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] قالوا: مرض شهوة وهذا من تقسيمات وإفادات محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسيره أضواء البيان وهي من أحسن ما يقال.

حديث آخر للبخاري في تكفير المرض للذنوب

حديث آخر للبخاري في تكفير المرض للذنوب قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا زهير بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه}.

حال المؤمن والمنافق مع الشدائد

حال المؤمن والمنافق مع الشدائد وعنه صلى الله عليه وسلم قال: {مثل المؤمن كالخامة من الزرع تُفَيِّئُها الريح مرة وتعدلها مرة، ومثل المنافق كالأرزة لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة} يضرب الرسول عليه الصلاة والسلام مثلاً للمؤمن والمنافق في باب المرض فالمؤمن كالخامة: قيل هي وليدة الزرع المائسة الرطبة الراوية كالزرع، التي تقبل التمايل؛ لأن الزرعة دائماً تقبل الميلان وهي كسنبلة البر؛ لأن ساقها رقيق فهي تميل من الريح يمنة ويسرة وأي شيء يؤثر عليها. وقد قرأت في كتاب أن ملكاً من ملوك الهند استدعى الرسامين في عهده وقال: أريد رسمة بديعة لا أحسن منها، فرسموا له رسومات، وكان من أبدع الرسامين رجل هندي رسم سنبلة زرعة من القمح وقد هبط عليها عصفور فأتى بهذه اللوحة فأعجبت أهل الهند جميعاً، فوضعها على قصره فمر رجل أعور قال: هذه الصورة فيها عيب، قال الحرس: ويلك، فقادوه -بعدما أقر أهل الهند أنها أحسن رسمة- إلى الملك، فقال الملك: ما هو العيب؟ قال: العيب فيها أنه ما أمال الزرعة لما رسمها؛ لأن العصفور إذا هبط عليها مالت ولا تبقى منتصبة، قال: صدقت ثم شطب اللوحة. فالمقصود: أن هذه الزرعة أدنى شيء يؤثر فيها، فالمؤمن دائماً بين الأمراض والحسرات والنكبات، دائماً يمنة ويسرة في كبد، تراه دائماً إما طفله يموت، أو بنته تمرض، أو ولده يرسب، أو سيارته تصدم، أو هم أو غم ليحتحت الله عنه الخطايا، أما المنافق فتجمع وتحمل عليه المواد مادة على مادة حتى يسلخ مرة واحدة فما يأتيه إلا كير جهنم، فهذا مثل المؤمن ومثل المنافق.

حال المؤمنين وقت الشدائد

حال المؤمنين وقت الشدائد كان خالد بن الوليد يستبشر بالصداع وبالحمى، وهي علامة الخير في الرجل؛ لأن المنافق دائماً بدين سمين لا يتأثر أبداً، تجده في الحياة منعماً يعيش في رغد لكنها في الحقيقة عذاب، وحياة ضنك ولو أنها في الظاهر رغد يقول أبو تمام: قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم والحمى تأتي الصالحين كثيراً، وسبب موت أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالحمى فقد دخل عليه الصحابة وقالوا له: [[يا خليفة رسول الله! ماذا يوجعك؟ قال: الطبيب يدري، قالوا: أشكيت أمرك إلى الطبيب؟ قال: نعم. قالوا: ماذا قال؟ قال: إني فعال لما أريد]] هو الله عز وجل، فأخذها أحد الناظمين وقال: كيف أشكو إلى طبيبي ما بي والذي قد أصابني من طبيبي وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم على الذي لا يرحم وبعض الناس يقول أمام الناس: أنا مريض من عشرين سنة سبحان الله! تشكو الله الذي فوق سبع سماوات أنه أمرضك وإذا عافاك لا تخبر الناس! والله أمر بكتم الأمراض لتبقى سراً بين العبد وبينه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأما النعمة فقال: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] وفي سنن البيهقي بسند حسن: {إن الله إذا أنعم على عبد أحب أن يرى أثر نعمته عليه}. وهذا الوزير ابن هبيرة الحنبلي الكبير وهو ولي من أولياء الله صاحب كتاب الإفصاح يقول لما حضرته سكرات الموت: فقدت عيني هذه من أربعين سنة والله ما علمت زوجتي وهي معي في البيت، لأن الشكوى على الله، عجيبة سيرته أوردها صاحب طبقات الحنابلة وسير أعلام النبلاء وهو من الحفاظ الكبار، حج بالناس وهو وزير الدولة العباسية فانقطع الماء في منى فرفع يديه يستسقي فنزل الماء والغيث من السماء وفيه ثلج، فبكى وقال: يا ليتني سألت الله المغفرة. والخليفة المستنجد أعجب بوزيره فقال: صفت نعمتان عمتاك وخصتا فخيرهما حتى القيامة يذكر وزهدك والدنيا إليك فقيرة وزهدك والمعروف في الناس ينكر ثم يقول: ولم أر من ينوي لك السوء يا أبا الـ مظفر إلا كنت أنت المظفر كل ما نوى له أحد من المبتدعة أتى من تحته؛ لأن الله ينصر أولياءه، ومما يجدر أن نشير إليه أن الأحنف بن قيس ذكر الذهبي في ترجمته أنه فقد عينه ثلاثين سنة وما أخبر بها أحداً لكن من يستطيع هذا! الزكام إذا أصاب بعض الناس اليوم أخبر أهل الحي وعطس في المسجد وشكا وبكى وناح وقال: ثلاثة أيام وأنا في هذا الزكام، اللهم ارفعه عنا اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر، تقوم القيامة من أجل الزكام فقد جعلنا مستوياتنا وقلوبنا في هذه الدرجة!!! وعمران بن حصين ذكر عنه ابن حجر في الإصابة أنه مرض أربعين سنة، فما قام من على الفراش حتى كانت الملائكة تصافحه في السحر بأيديها، قال ابن تيمية: نعم. صافحته في السحر بأيديها فلما اكتوى تركت مصافحته. وقالوا عن أيوب عليه السلام أنه مرض ثمانية عشر سنة فقالوا له: ادع الله بالشفاء، قال: أنا تشافيت خمسين سنة فإذا تساوى المرض والعافية دعوت الله، بقيت سنوات كثيرة، لكن من يستطيع هذا إلا أهل الصدق عند الله! أما نحن فكما قال الفضيل بن عياض لما قرأ قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31] قال: اللهم لا تبلونا فتفضحنا. الستر الستر فإن العملة إذا عرضت على الصراف أخرج البهرج منها، ما كل شيء يدخل النار فيخرج ذهباً أحمر فإن بعضها يخرج فحماً فنحن نسأل الله العافية ألا يبلونا فيفضحنا. وقالوا عن الإمام أحمد كان ذهباً فدخل النار فخرج ذهباً أحمر في فتنة القول في خلق القرآن، على أنه نحيف هزيل لا يجد اللحم إلا من الأضحية إلى الأضحية، عنده بقشة فيها كسار شعير، يطوف الدنيا ويسعى الفراسخ في جمع الأحاديث من اليمن وخراسان ومصر وبغداد ودمشق حتى يقول ابنه: لقد رأيته أحياناً تكاد هذه -أي: اللحم الذي تحت خذيه- تلتصق بهذه من الضعف، كان يصبغ لحيته بالحناء وكان ربما انحنى من الهزال والتعب، يخرج إلى السوق يقتضي الحطب على يديه فيأتي أهل السوق وبعض الوزراء من بني العباس يأخذون الحطب لأنه إمام أهل السنة والجماعة فيقول: نحن قوم مساكين، لولا فضل الله لا فتضحنا، فلما أتت فتنة القول بخلق القرآن وجاء الحزب البدعي التحالفي ضد أهل السنة؛ كان هو الإمام المعتبر وكان أسداً هصوراً مثل الليث إذا غضب، قامت الدنيا وقعدت وطوق بيته بالجيش وبالحرس وسلت السيوف عند أذنيه وهدد بالموت فقال: لا. ولا يكون هذا، وفي الأخير رفع الله منزلته لما صبر: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]: علو في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات هذا يقال في الإمام أحمد وفي أمثاله.

حال المنافقين وقت الشدائد

حال المنافقين وقت الشدائد وأما المنافق فقليلة أوصابه وأحزانه لأن رَغَدَه الحياةُ، والله عز وجل لا يجمع للعبد سعادتين وراحتين في الدنيا والآخرة إلا النادر، ولا يجمع شقوتين على العبد إلا النادر، قال يهودي للشافعي: ما بالنا نحن أقل منكم أمراضاً وأنتم تمرضون وأنتم مسلمون؟! قال الشافعي: لأن هذه هي جنتكم وهذا سجننا، فإذا خرجنا منها خرجنا إلى الجنة وخرجت أنت إلى النار، وهذا رد بديع مليح، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4]: لا بأس بالقوم من طول ومن عرض جسم البغال وأحلام العصافير أما الأجسام فممتلئة، والشخصيات فارهة لكن لا قلوب لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار والقلب إنما يكون لأهل القلوب الذين يسكبون فيها القرآن والسنة، قال: {ومثل المنافق كالأرزة لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة} الأرزة هذه هي: الأرز الذي ينبت في لبنان هذه الشجرة المتينة وقيل الصنوبر لكن لا يهمنا هذه أو تلك إنما هي شجرة متينة لا تؤثر فيها الريح، ولذلك تمر المصائب بالناس، والمؤمن دائماً مصاب وأما المنافق فلا يمر به شيء في الغالب، حتى إن بعض المنافقين وبعض الفجرة يستهزئ بمصائب المؤمنين ويشمت بهم، ويقول: فلان نسأل الله العافية نظن من ذنوبه مات ابنه ورسب أولاده، وهو لا يفكر في نفسه. وعروة بن الزبير قطعت رجله من الفخذ فقال الناس الذين إيمانهم ضعيف: أظن عروة ما قطعت رجله إلا لذنب أصابه، ولم يدر أنها رفعة في الميزان، وأنها حط من الخطايا، فقال عروة: لعمرك ما مديت رجلي لريبة ولا حملتني نحو فاحشة رجلي ولا قادني فكري ولا نظري لها ولا دلني فكري إليها ولا عقلي وأعلم أني لم تصبني مصيبة من الله إلا قد أصابت فتى قبلي ثم قال البخاري رحمه الله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع من حيث أتتها الريح كفأتها فإذا اعتدلت تكفأً بالبلاء، والفاجر كالأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء} هذا بلفظ آخر وهو من سياق هذا الحديث ومعانيها واحدة. وقد أكثر الأدباء في المرض وفي التكلم عنه، وأكثروا من ذكر محمدتهم من مكث الأمراض وصبرهم على ذلك، ويقول بعضهم في أبيات معناها: إنه إذا مرض حبيبي وزرته مرضت أنا من النظر إليه، وإذا زارني وأنا مريض تشافيت من النظر إليه يقول: مرض الحبيب فزرته فمرضت من خوفي عليه وأتى الحبيب يزورني فشفيت من نظري إليه واستدل بها ابن القيم وهي من أحسن ما يقال، يقول أبو تمام حبيب بن أوس: إذا مرضنا أتيناكم نعودكم وتذنبون فنأتيكم ونعتذر

واجب المسلم تجاه المريض

واجب المسلم تجاه المريض وواجبنا نحو المريض: الزيارة الشرعية طلباً للثواب من الله ففي صحيح مسلم: {من زار أخاه المسلم إذا مرض لا يزال في خرفة الجنة حتى يمسي} وفي لفظ صحيح آخر: {شيعه سبعون ألف ملك حتى يمسي} وفي الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {حق المسلم على المسلم ست -وفي رواية خمس- ومنها: وإذا مرض فعده}. وللزيارة آداب منها: 1/ أن تتوخى الوقت المناسب لزيارته، وتختار أحسن وقت لزيارته كالعصر أو المغرب أو الصباح بحسب المريض وظروفه، وأما أن تفاجئه في وقت لا يزار فيه فهذا ليس بصحيح، وهو تعكير للصفو، وربما يذهب الإثم بالأجر وبعضهم يطرق عليك وسط الليل، فتقول ماذا؟! فيقول: سمعت أنك مزكوم فأتيت أزورك في الله عز وجل، أهذه زيارة؟! 2/ أن يخفف الجلوس لديه إذا زاره، ولا يتأخر طويلاً في الجلوس، وإنما يبقى عنده بقدر ما يسأل عن حاله، ويدعو له، فإن بعض الناس ربما يطيل على المريض حتى يزداد مرضاً إلى مرضه، إلا إن علم بارتياح المريض لبقائه معه. 3/ أن يكون كلامه مناسباً للموقف، فإذا مرض أحد الناس فلا يأتي بكلمة عن القبر، أو رجل مزكوم أو أصابه جرح بسيط في يده فيقول: نسأل الله العافية، فلان بن فلان أصابه الزكام فما زال به الزكام حتى أرداه في القبر، وفلان أصابه جرح فتسمم من الجرح حتى بترت يده! وإن كان من أهل الآخرة فيرجيه برحمة الله عز وجل ويقربه من النعيم ويحسن ظنه بالله تبارك وتعالى. ولا يزال الحديث مستمراً مع أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من يرد الله به خيراً يصب منه} في الصحيحين عن معاوية: {من يرد الله به خيراً يفقه في الدين} ومفهوم المخالفة أن الذي لا يريد الله به خيراً لا يفقه في الدين، وهنا: {من يرد الله به خير يصب منه} أي: تصيبه مصيبة من مرض أو نصب أو غيرهما.

باب: أشد الناس بلاء الأنبياء

باب: أشد الناس بلاءً الأنبياء قال البخاري رحمه الله: عن عبد الله بن مسعود قال: {دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله! إنك توعك وعكاً شديداً، قال: أجل، أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي ذلك لأن لك الأجر مرتين؟ قال: أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى أو نصب أو غم أو حزن أو مرض إلا كفر الله به من خطاياه}.

باب: عيادة الأعراب

باب: عيادة الأعراب وبعض الناس لا يصبر للمرض. ذكر البخاري في كتاب المرض: أن الرسول عليه الصلاة والسلام زار أعرابياً من الأعراب من البادية وكان مريضاً بالحمى، فوضع صلى الله عليه وسلم يده عليه وقال: {لا بأس طهور إن شاء الله} يعني: الحمى طهور لك من الذنوب والخطايا، فقال الأعرابي: ليس بطهور بل حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور، يقول: أهذه الحمى طهور إنها تهزني هزاً عنيفاً؛ لأنه ما تمكن في الإسلام قلبه. يقولون: دخل ثعلبان في غرفة فأكلا من الدجاجة حتى تنعما وشبعا فانتفخت بطونهما، فقاما يخرجان من المكان الذي دخلا منه فما استطاعا فوقف أحدهم يشكو على الآخر يقول: من أين نخرج، وما هو المصير؟ قال: غداً في الزبالة -يعني: إن صاحب البيت سوف يأخذهم ويقتلهم ويرميهم- جاء بها ابن القيم في كتاب الفوائد مثلاً لمن نسي الله وموعوده ولقاءه وأكل وتنعم على حساب دينه واستقامته وسلوكه، فقال صلى الله عليه وسلم: نعم إذاً. فمات الأعرابي من تلك الحمى، فمن سخط فله السخط ومن رضي فله الرضى.

باب: عيادة الصبيان

باب: عيادة الصبيان وقال البخاري: باب عيادة الصبيان. هل يزار الطفل؟ وذكر رضي الله عنه وأرضاه أن الرسول عليه الصلاة والسلام زار ابن ابنته زينب رضي الله عنها وأرضاها وسلم عليه وأخذه وهو يقعقع في سكرات الموت فبكى صلى الله عليه وسلم فزيارة الطفل واردة وهل يزار من الرمد؟ قال أهل العلم: لا يزار من رمد العينين، وبعض الأمراض لا يزار منها مثل الزكام الخفيف، ومثل الأمراض التي لا تعطل المسلم على فراشه وإنما يسأل المسلم عرضاً إذا لقي وإذا وجد.

باب: وضع اليد على المريض

باب: وضع اليد على المريض ثم قال البخاري: باب وضع اليد على المريض: هل توضع اليد على المريض أم لا؟ هذا من الأنس واللطافة، وهي من أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم، أتى إلى سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة وقائد المسلمين في القادسية ووجده مريضاً في مكة بعد الهجرة فوضع يده عليه، ودعا له بالبركة والصحة والعافية. قال جابر أغمي علي من المرض، فما وعيت بنفسي إلا والرسول عليه الصلاة والسلام تمضمض ومج في وجهي، فانتبهت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، ووضع صلى الله عليه وسلم يده. قال سعد بن أبي وقاص: والله الذي لا إله إلا هو ما زال برد يده صلى الله عليه وسلم على صدري حتى بعد عشرين أو ثلاثين سنة، لما جعل الله فيه من البر والبركة والطيب لكن ليس لأحد غيره صلى الله عليه وسلم. كان يُفْلت يده للأعراب وهو حاج فيأخذ الأعرابي يده فيمسح بها وجهه وبعضهم يبل يده في الماء ويشرب الماء، وفي المسند للإمام أحمد في ترجمته التي أوردها أحمد شاكر وهي موجودة عند الذهبي وغيره أن الإمام أحمد وجد شعرة من شعره صلى الله عليه وسلم فأخذ يبلها في الماء ويضعها على عينه ويبلها في الماء ويستنشقها ويشمها ويضعها في الماء ويمص ماءها، قال الذهبي: والهف نفسه على شعرة من شعره صلى الله عليه وسلم، وهذا لكمال الحب الذي أوجدته سيرته صلى الله عليه وسلم في القلوب.

باب: وجوب عيادة المريض

باب: وجوب عيادة المريض قال البخاري: باب وجوب عيادة المريض. وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أطعموا الجائع، وعودوا المريض وفكوا العاني} وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: {يقول الله يوم القيامة لابن آدم: يابن آدم! جعت فلم تطعمني، قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان جاع فما أطعمته أما علمت أنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي؟ يابن آدم! مرضت ولم تعدني، قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده؟ أما أنك لو عدته وجدت ذلك عندي} وفي حديث يقبل التحسين أورده صاحب كشف الخفا ومزيل الإلباس: {الناس عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم إلى عياله}. ولو أن في سند الحديث ضعفاً عند بعض أهل العلم لكن بعضهم يحسنه بشواهده، والجزاء من جنس العمل. قال البخاري: وعن البراء بن عازب أحد الصحابة الشباب رضي الله عنهما قال: {أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع، نهانا عن خاتم الذهب} خاتم الذهب ودبلة الذهب للرجال حرام لا يقبل أي فتية هزيلة، أو أي ترخص في دين الله عز وجل، ومن لبس خاتماً في يده أو دبلة فإنما تقلد جمرة من نار فليلبسها أو يتركها، وإذا رأيت إنساناً يفعل هذا ويماحر النصوص فاعلم أنه مسلوب العلم أو واهم أو جاهل يعلم، ويلحق بذلك الأقلام المذهبة التي هي من ذهبٍ خالص، والسلاسل والميداليات فهذه حكمها التحريم لأنها تبذل للنقدين، ولأن فيها علواً، ولأن استخدامها للزينة التي حرمها الرسول صلى الله عليه وسلم للرجال، وأما المموه بالذهب فهو موضوع آخر، لكن الذهب الخالص الذي يستخدم في السلاسل والأقلام والدبل والخواتم حرام، فينبه على الناس لأن هذه العادة انتشرت وصادمو النصوص بعاداتهم واستقراءاتهم الهزيلة التي لا تنفعهم عند الله عز وجل. ولبس الحرير حرام على الرجال فعند أحمد في مسنده بسند صحيح عن علي رضي الله عنه وأرضاه، قال: {أخذ صلى الله عليه وسلم قطعة من ذهب في يده وقطعة من حرير وصعد المنبر وقال: هذان حلال لإناث أمتي حرام على ذكورها} وهو نص في أن الذهب والحرير للنساء ليس فيه تحريم حتى الذهب المحلق لا كما قال بعض الناس أنه محرم؛ بل الصحيح للعموم في الأحاديث هذه وفي غيرها أنه حلال المحلق والمسلسل والمقطع وغيره، وهذا شبه إجماع ينقضه ابن الجصاص في كتاب الأحكام وهو حنفي، وقد قاله كثير من العلماء في هذا العصر. {نهانا عن خاتم الذهب، ولبس الحرير، والدِّيباج، والإستبرق، وعن القسي والميثرة} فالحرير لا يلبسه الرجال إلا في حالتين: إما مرض شديد مثل شدة حكة، أو مرض جسمي يرى أهل الطب أن علاجه أن يلبس الحرير فليلبس ذلك، ففي الصحيحين من حديث أنس وغيره: {أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكيا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حكة في جلودهما فأمرهما صلى الله عليه وسلم بلبس الحرير} والناحية الثانية أن يلبس لإرهاب العدو وقت مصافة الأعداء في وقت الحرب فلا بأس بذلك، فقد شكي لـ عمر أن أهل الروم يأتون بلباس من حرير فيفتنون المسلمين قال: البسوا ذلك، أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه، وبعض الأمور المحرمة قد تحل لأمور أو لمناسبات أو مصالح أعظم منها مثل مشية الخيلاء حرام، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أباحها لـ أبي دجانة لما اختال بين الصفين وقال: {إن هذه مشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموضع}. والإستبرق نوع من الحرير وقيل أجود منه وهو نوع آخر أملس أغلى، والقسي ثياب من اليمن تأتي مخططة. والميثرة يقولون كذلك: لحاف يأتي من اليمن يأتي مخططاً يوضع قيل من حرير أو من غيره ويركب عليه. {وأمرنا أن نتبع الجنائز ونعود المريض} وهو الشاهد {ونفشي السلام} وترك بقية الحديث لأن الشاهد عيادة المريض فليحتسب المسلم في عيادة المريض.

باب: عيادة المغمى عليه

باب: عيادة المغمى عليه قال: باب عيادة المغمى عليه: انظر إلى البخاري يأتي بأمور لا ينتبه إليها إلا من فقه ودقَّقَّ، هل الإنسان الذي أغمي عليه وأغشي وفقد وعيه بأمر ما هل يعاد أم لا؟ عن ابن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: {مرضت مرضاً فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان -من الحفاوة أنهما ماشيان إما قصداً وإما توافق- فوجداني أغمي علي، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علي، فأفقت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! كيف أصنع في مالي، كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث}. يقول أبو ذر فيما صح عنه: {كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأتيني في بيتي فيصافحني إذا رآني قال: فأتاني مرة فلم يجدني فجلس على السرير، فلما أتيت التزمني فكانت أحسن} كان الغالب أن يصافحه مصافحة فأتى مرة فلم يجده فجلس على السرير ينتظره، ينتظر أحد تلاميذه وطلابه وحسنة من حسناته، فلما أتى صلى الله عليه وسلم صافح أبا ذر والتزمه فكانت أحسن يعني: من كثرة الحفاوة، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يكرم أحداً من أصحابه يلتزمه أو يشبك أصابعه في أصابعه كما في سنن أبي داود بسند صحيح، قال معاذ رضي الله عنه وأرضاه: {خرجت من المسجد فأخذ صلى الله عليه وسلم يدي فشبك أصابعه بأصابعي وقال يا معاذ: والله إني لأحبك لا تدع دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك}. هل تشبك الأصابع في المسجد، البخاري من يقظته وفطنته يأتي بهذا الباب لأنه عند الترمذي في حديث كعب بن عجرة في سنده كلام وفيه ضعف، قال صلى الله عليه وسلم: {إذا ذهب أحدكم متوضأ إلى المسجد فلا يشبك بين أصابعه} لكن البخاري يقول: باب تشبيك الأصابع في المسجد، ثم من أين يأتي لنا بحديث قال: {قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العشاء وقال: المؤمن للمؤمن كالبنيان وشبك بين أصابعه} فهو في المسجد صلى الله عليه وسلم متوضأ، فلا بأس بتشبيك الأصابع، فبعض الاتحافات منه صلى الله عليه وسلم من باب التكريم لأصحابه يكرمهم بهذا العمل عليه الصلاة والسلام.

باب: فضل من يصرع من الريح

باب: فضل من يصرع من الريح من يصيبه الصرع من الجان ما جزاؤه عند الله إذا كان مسلماً؟ هل يذهب عقله هدراً؟ هل ليس له مثوبة؟ هل يساويه الله بمن تمتع بالعقل؟ فإن من أعظم النعم نعمة العقل ونعمة الإدراك فيأتي البخاري بحديث ابن عباس قال لـ عطاء بن أبي رباح: {ألا أريك امرأة من أهل الجنة تمشي على الأرض- أريك امرأة أصبح مكانها وموقعها في الجنة تمشي في الأرض- قال: بلى. قال: تلك المرأة السوداء أتت الرسول عليه الصلاة والسلام فقالت: يا رسول الله! إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي} يصيبها الصرع فتفقد عقلها ووعيها وقد انتشر هذا الصرع في هذا الزمن لقلة الأذكار، وقلة الوضوء، وقلة قراءة القرآن في البيت، فالبيت الذي يدندن فيه المغني والمغنية كيف لا يصرع أهله، والبيت الذي لا يجيد تلاوة القرآن، والأذكار الصباحية والمسائية، كيف لا يصرع؟ ولكن هل سمعتم بإنسان يحافظ على أذكار الصباح والمساء وآية الكرسي والمعوذات وسورة الإخلاص والتهليل والتكبير يصرع أهله؟ لا. ولذلك لو ربي الأطفال على هذا فإنهم لا يصرعون إن شاء الله، {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر:42] ولا جنده {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175] أما أولياء الله فلا، لكن لما قلت الأذكار وقراءة القرآن وكثر الغناء والكلمات البذيئة أتى هذا الأمر. تقول: {يا رسول الله! إني أصرع فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، قالت: بل أصبر، لكن أدع الله ألا أتكشف فدعا لها} فهي من أهل الجنة.

باب: فضل من ذهب بصره

باب: فضل من ذهب بصره وذكر البخاري في أهل المصائب في أعضائهم جوارحهم أبواباً منها: فضل من ذهب بصره: وقد أورد حديث أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله عز وجل يقول: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة} والحبيبتان: العينان، لأنهما من أحب الأعضاء عند الإنسان وهما النوران والجوهران، ولقد ابتلى الله بذهاب العينين كثيراً من الناس لرفع الدرجات منهم: ابن عباس الحافظ العالم صاحب الدراية والرواية المفسر الكبير رضي الله عنه وأرضاه، فقد ذهب بصره في آخر حياته، فدخل على قوم فكأن بضعهم شمت به، وقال: لا تصاب بمكروه يا ابن عباس! ففهم ابن عباس، فقال: إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور قلبي ذكي وعقلي غير ذي عوج وفي فمي صارم كالسيف مشهور يقول: إذا أخذ الله هاتين الحبيبتين فقد عوضني الله خيراً منهما، والله إذا أخذ شيئاً عوض خيراً منه، قالوا لأحد العمي وكان مزاحاً: ما الذي عوضك الله يوم أخذ بصرك؟ قال: لئلا أرى من أمثالك أحداً، فمما يعوض الله الأعمى: الحافظة . ومنها: أن الله عز وجل قد يعلم أن هذا العبد خير له أن يذهب بصره لئلا يرى المفاتن والمحرمات وينتهك حدود الله عز وجل، ولكي تزهد نفسه في الدنيا وليبني له الله قصراً مشيداً في الجنة، وليكفر عنه سيئاته والعوض العظيم هو الجنة: {إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة} وورد عند الترمذي في الإصابة بالولد، قال صلى الله عليه وسلم: {يقول الله عز وجل لملائكته وهو أعلم: قبضتم ابن عبدي فلان؟ قالوا: قبضناه، قال: قبضتم ثمرة فؤاده؟ قالوا: نعم. يا رب، قال: فماذا قال عبدي؟ وهو أعلم. قالوا: حمدك واسترجع -أي قال: الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون- فقال الله عز وجل لهم: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد} جزاء ما صبر وحمد الله عز وجل.

باب: عيادة النساء للرجال

باب: عيادة النساء للرجال عادت أم الدرداء رجلاً من الأنصار. هل تعود المرأة الرجل إذا مرض، ويعود الرجل المرأة إذا مرضت أم لا؟! في الأمر تفصيل: إذا كانت من المحارم فلا بأس بعيادتها، أو من غير المحارم إذا انتفت الشبهة بأن تكون طاعنة في السن كسن والدته أو أكبر، ولم يكن هناك ريبة، فلا بأس بالسؤال عنها وإغلاق هذا الباب أولى، أما المحارم فإن عيادتهم واجبة كالخالة أو العمة أو البنت أو الأخت كما فعل عليه الصلاة والسلام، أما إذا سمع الإنسان ببنات الناس يمرضن فيطرق بيوتهن أريد زيارة فلانة بنت فلان! فلا زيارة ولا قدوم ولا أجر ولا مثوبة، وقيل للإمام أحمد: عطست امرأة أفؤشمتها؟ قال: رجل أحمق، ما بقي يشمت هذه المرأة إلا هو! وتوقف الإمام أحمد في الرد على المرأة إذا سلمت، ولكن الصحيح أنها إذا سلمت ولم يكن هناك فتنة فرد عليها رداً موجزاً وعليكم السلام، أو إذا لم يكن هناك فتنة فسلم أنت وقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورضاه ومرضاته وكيف أصبحتم، وكيف حالكم، وأهلاً وسهلاً، وصبحكم الله بالخير، وكيف حال الإخوان والجيران، فيستمر ساعة إلا خمس دقائق فهذا من الحمق، وهذا من مداخل الفتنة والريبة.

الأسئلة

الأسئلة هنا سؤال يلفت الانتباه لأنها قضية كبرى يقول:

نصيحة لطلاب العلم

نصيحة لطلاب العلم Q بعض من تسموا بطلبة العلم، وهيأت لهم الدولة كل الوسائل، ومع ذلك نائمون في سباتهم لا يعملون لطلب العلم ولا التحصيل، وهم أصبحوا عالة على مجتمعاتهم، ووبالاً على أمتهم فما حكم الشرع فيهم؟ A أنا أشاركك في الفكرة أنه وجد في المجتمع من أهل التقصير كثير ممن هيئت لهم الأسباب، وتهيئة الأسباب توفيق من الله عز وجل ثم من أهل الخير القائمين على ذلك فنحمد الله عز وجل على ذلك، ووجد أن هناك كسلاً، يعرف ذلك من يعايش التدريس، أو من يصحح في الامتحانات أو يرى في المقابلات المستوى العلمي الهابط، والسبب في ذلك الزهد في طلب العلم وكثرة المثبطات، ربما يرتاح كثير من طلبة العلم بالجلوس ساعة أو ساعتين على شرب إبريق من الشاي، وفي هذا الوقت ألف ابن تيمية كتاباً كاملاً وقد سلف في مناسبات أنه ألف كتاب التدمرية من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، وقرأناه سنة فما فهمناه لأنها {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25] فالوقت الضائع هذا سببه الخمول والكسل وعدم معرفة طرق التحصيل، وهذه الكليات والمعاهد والمؤسسات العلمية إنما تعطي الإنسان أموراً تجريبية واستقرائية ومفاتيح لطلب العلم، أما العلم الغزير، والتحصيل العلمي، وتحقيق المسائل فلا يحصل إلا بمدارسة الكتب ومراجعة طلبة العلم والعكوف في البيت مع المكتبة، وحضور الجلسات وندوات الخير والمحاضرات والدروس وكثرة التعليم والتحقيق والمسائلة والمذاكرة، أما أن يبقى الإنسان هكذا! فلا يمكن أن يحصل على طائل من العلم، وقد يكون عنده نسبة من العلم، لكن قال أحد الحكماء: يُهلك الأجسام نصف طبيب، ويهلك الأديان نصف عالم، ويهلك الجيل نصف مربي، لأنه يريد أن يوجههم وما عنده إلا نصف فقط فلو كان جاهلاً لاعتذر وقال سامحوني ما عندي تربية. ونصف عالم يهلك الناس ولو كان جاهلاً لتعلم أو لتواضع وعرف نفسه، ولو كان عالماً لأفاد لكن يرى أنه عالم وهو ليس بعالم هذه هي المشكلة. وأسباب التحصيل تندرج في أمور: الأمر الأول: تقوى الله الواحد الأحد، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم تقواه. الأمر الثاني: كثرة التوبة والاستغفار. الأمر الثالث: أن يكون لك همة في طلب العلم ولا تقل كبرت ولا شخت ولا شبت فأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام تعلموا العلم كباراً. الأمر الرابع: أن يكون لك مكتبة سمعية ونظرية تقرأ وتسمع، ويكون شغلك الشاغل هذا، ثم يكون لك مذاكرة مع طلبة العلم واستحضار، ولا تفوتك أي فائدة، ولا بد أن تعلق وتقول دائماً: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114]. وأسباب حفظ العلم كما يقول ابن هبيرة الحنبلي صاحب الإفصاح: أسباب تحصيل العلم وحفظه ثلاثة: السبب الأول: العمل بالعلم: فإذا عملت أنت بالأحاديث حفَّظك الله الحديث، والذي يريد أن يحفظ كتاباً في الذكر لكنه لا يقرأ الأذكار الصباحية والمسائية وعند النوم وعند القيام فإنه لن يحفظه بل ينساه. السبب الثاني: التصنيف: إذا بلغت إلى درجة أن تبحث المسألة وتحققها فهذا يثبت معك العلم لأنك تخرج الحديث وتراجعه وتحققه وتسأل عنه وتبحث فيثبت ويرسخ. السبب الثالث: التعليم: تعليم الناس نحن نقول إننا لسنا أهلاً لأن نجلس أمام هذه الوجوه لأن في الجمع من هو أعلم منا؛ لكن ليثبت العلم ولأن الإنسان يشحذ نفسه إذا علم أن عنده درس أو عنده إلقاء أو محاضرة أو كلمة فتراه راجع المسائل وحقق الأحاديث ورجع إلى التراجم، وأما إذا لم يعلم أن وراءه طلب ولا كلمة ولا درس فقد لا يهتم بهذا، فالعلم يحفظ بالتعليم والتصنيف والعمل به، فيدعو طلبة العلم إلى أن ينفقوا مما أعطاهم الله عز وجل ويزكوا هذا الميراث وهذا الكنز الذي معهم وهو الدعوة إلى الله عز وجل، ومن كان في قرية أو مدينة أو بادية أو ضاحية فإذا ذهب إلى أهله فليكن رسول خير وداعية إسلام يتحدث بما سهل الله عز وجل، فإن الناس لا يريدون كثرة علم، يريدون أي حديث بشرط أن تكون مخلصاً صادقاً متمكناً مما تقول، تسأل الله منه المثوبة وحسن العرض وحسن الخلق للناس فسوف يستفيدون: {بلغوا عني ولو آية} {نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع}. أسأل الله لي ولكم القبول والهداية والرشد، وأن يعيننا وإياكم على الدنيا والآخرة، ويسهل لنا أمورنا جميعًا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

صحيح الأخبار في وصف النار

صحيح الأخبار في وصف النار وردت آيات وأحاديث صحيحة كثيرة في صفة النار، وعذابها، وجحيمها، وطعامها وشرابها. وقد أورد الشيخ حفظه الله في هذا الدرس المبارك طائفة كبيرة منها، وختم بذكر بعض الأذكار التي تقي قائلها من عذاب النار.

خوف السلف من النار

خوف السلف من النار الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وإمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. وأسعد الله لياليكم بالمسرات، درسنا هذه الليلة بعنوان: (صحيح الأخبار في وصف النار) نعوذ بالله من النار، وقد سبق معنا في الدرس الماضي، وصف الجنة في الكتاب والسنة، وقد ذُكر هناك ما أعد الله عز وجل لأوليائه في الجنة من نعيم خالد، وما هيأ لهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى من نعيم مقيم، فوصف أبواب الجنة وسررها، ولباسها وما فيها من خير عميم، وكيف يدخلها أهل الجنة، وكم صفوفهم، وما هي أزواجهم، وما هو طعامهم، وشرابهم، ومن أول من يدخل الجنة، ورؤية الله عز وجل إلى مسائل أخرى. وفي هذه الليلة نأتي إلى بحث عن النار أعاذنا الله وإياكم من النار، وجنبنا كل قول أو عمل أو فعل يدلنا على النار. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن آحاد المجرمين: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:30 - 37]. {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:30]: الغل جمع اليدين وراء الظهر، وقيل: جمعها عند الذقن بالسلاسل. {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} [الحاقة:31] أي: أصلوه نار جهنم التي تتلظى، لا يراها راء أو يدخلها داخل إلا سقطت فروة وجهه في النار. {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:32]: يسلك فيها سلكاً حتى تخرج -والعياذ بالله- من فمه ودبره، فتمر مروراً كلما انتهت تعود من أوله. وقال سبحانه: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:66] فتقلب يمنة ويسرة: {يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب:66 - 67] وقال سبحانه: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:74 - 75]. والخلود هنا لغير الموحدين، أما عصاة الموحدين فلا يخلدون في النار، فقد يدخلون النار فمنهم من يمكث ألف سنة ومنهم من يمكث مائة سنة، ومنه من يمكث سنة، نعوذ بالله من النار. وعقيدة أهل السنة -كما مر معنا في درس بعنوان: (عقيدتنا) أنهم لا يقولون بتخليد أهل الكبائر في النار، بل ربما دخلوها ثم أخرجوا، كما سوف يأتي معنا في بحثنا هذه الليلة إن شاء الله. وقال سبحانه: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً * لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً * جَزَاءً وِفَاقاً * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً} [النبأ:21 - 30]. وهناك أمور تصرفنا عن نار جهنم أذكرها بحول الله: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] وقال سبحانه: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:6 - 11]. أيها المسلمون! اسمعوا إلى أخبار الصالحين وهم يتعوذون من النار: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان:65 - 66] فقد وصف الله الصالحين بأنهم يتعوذون من عذاب النار، وأنهم يسألون الله أن يصرف عنهم عذاب النار، فوالله لا ضنك ولا أسى ولا لوعة إلا في النار، والفائز من زحزح نفسه وأنجى نفسه من النار، اللهم نجنا من النار. ذكر أهل العلم بأسانيد جيدة أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام كانت تردد الآية من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:27 - 28] قال أحد الرواة أظنه مسروق أو الأسود بن يزيد يقول: [[سمعت عائشة ترددها في صلاة الضحى وتبكي فذهبت إلى السوق وعدت، فأتيت وهي تبكي وترددها]]. وأما ابن عمر فذكر عنه صاحب الزهد وكيع بن الجراح، أنه قرأ قوله سبحانه وتعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54] فبكى حتى أُغمي عليه ورش بالماء. وابن وهب ذكر عنه الذهبي في المجلد الثامن في السير أنه سمع ابنه يقرأ: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} [غافر:47] فأغمي عليه حتى حمل على أكتاف الرجال. أما ابن تيمية فيذكر عن علي بن الفضيل بن عياض أحد الصالحين الزهاد الكبار، قام أبوه يصلي بهم في الحرم فقرأ سورة الصافات، وكان ابنه علي من أخشى الناس لله، وكان وراءه في الصف فقرأ الفضيل: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:24 - 26] فأغمي على ابنه وحمل إلى البيت، فحركوه فإذا هو قد مات، وقد ذكرها ابن كثير وشيخ الإسلام ابن تيمية وهي قصة صحيحة، فهذا خوف السلف. جاء رجل من الأعراب إلى عمر، قال: يا عمر! الخير لتفعلنه قال: فإن لم أفعل؟! قال: لتفعلنه أو لتكرهنه، قال: فإن أكرهت، قال: أما تخاف النار؟ -وهذا في كلمة طويلة في أبيات ذكرها أهل التاريخ، فبكى عمر - وقال: بلى والله أخاف النار. وأبو بكر وعثمان وعلي، كانوا من أخشى الناس لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وكان أحدهم إذا ذكر النار زفر زفرة، ولاع لوعة، وتذكر ذكرى وكان لذكرهم فائدة في عملهم وخشيتهم وصدقهم لله، ونريد من هذه الأمور أن تتحول إلى أعمال صالحة في حياتنا ومراقبتنا لله تبارك وتعالى.

مسائل في وصف النار

مسائل في وصف النار وبقي علينا مسائل في هذا الدرس:

الاستعاذة من عذاب النار

الاستعاذة من عذاب النار أولها: الاستعاذة من النار، أوصي نفسي وإياكم بكثرة الاستعاذة من النار، فعند مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قل أعوذ بالله من عذاب النار وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال} فمن استعاذ من عذاب النار سبع مرات -كما يأتي معنا بحديث- قالت النار: اللهم أجره مني، وفي حديث صحيح ثلاث مرات، وفي حديث الحارث بن مسلم لما أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {ألا أدلك على عمل؟ قال: بلى. قال: إذا صليت الصبح فقل: ربِّ أجرني من النار سبع مرات، وإذا صليت المغرب فقل: ربِّ أجرني من النار سبع مرات} وهو حديث صحيح نص على صحته ابن القيم. إذاً فأوصي نفسي وإياكم بعد الفجر والمغرب بترداد (ربِّ أجرني من النار) سبع مرات، قال صلى الله عليه وسلم: {قل اللهم أني أعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر وإنه لعذاب بئيس} قال الله عن فرعون وأهله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غافر:46] أي: في القبر: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] فالنار يعرضون عليها وهم في القبور، فإذا قبر الإنسان فهو -والله- إما في روضة من رياض الجنة، أو في حفرة من حفر النار. فالقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ فليعلم هذا، ولذلك يفتح له روزنة -أو نافذة- فيرى مقعده في الجنة إذا كان من أهل النار، ويقال له هذا مقعدك في الجنة لو كنت من أهل الجنة، فيزداد بؤساً وندامة، ويفتح له لهيب ونار وحرقة إلى النار حتى يبعث؛ ولذلك المجرم يقول: اللهم لا تقم الساعة، فيستمر في ندم وحسرة حتى يقيم الله الساعة. وعند مسلم عن أم حبيبة وهي زوجة المصطفى عليه الصلاة والسلام وهي ابنة أبي سفيان قالت: {اللهم متعني بأبي أبي سفيان وبأخي معاوية، فقال لها عليه الصلاة والسلام: لقد سألت الله لآجال معدودة، ولأرزاق مقسومة، ولأيام مضروبة، ولوسألت الله لأخيك ولأبيك أن يعيذهما الله من عذاب القبر وعذاب النار كان أفضل} أي: تقول: متعني بأبي وأخي وطوّل أعمارهما، كما يقول أحدنا للآخر: طوَّل الله عمرك، وعمره لا يطول، إنما الأفضل أن يقول: وقاك الله من عذاب النار، بيّض الله وجهك، غفر الله لك، زحزحك الله عن النار، فسألت ربها فقال عليه الصلاة والسلام: {لقد سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة - أي: انتهى- ولو سألت الله أن يعيذهما الله من عذاب النار وعذاب القبر كان أفضل} فنسأل الله أن يعيذنا وإياكم من عذاب القبر وعذاب النار. وصح عند أبي يعلى من قوله عليه الصلاة والسلام أنه قال: {ما استجار عبد من النار في يوم سبع مرات، فقال: اللهم أجرني من النار إلا قالت النار: يا رب! أجره مني} فالاستعاذة سنة واردة وأوصيكم بها بعد التشهد وفي أدبار الصلوات، وفي السجود وفي آخر الليل وفي كل مناسبة، أن تستعيذوا وتستجيروا بالله من النار.

الترهيب من النار

الترهيب من النار المسألة الثانية: الترهيب من النار، مهما وصف الواصفون فوالله لا يأتون على وصف النار، ومهما حسبوا، ومهما نسبوا إن أجسامنا لا تقوى على النار. كان عمر بن عبد العزيز الخليفة إذا ذكر النار أغمي عليه على المنبر، وكان عمر رضي الله عنه كما قالت عاتكة زوجته لما سئلت: كيف كان ليل عمر؟ قالت: ما كان ينام كما ينام الناس، عنده ماء بارد فإذا اقترب منه النوم غسل وجهه ثم ذكر الله، فإذا أغفى إغفاءة غسل وجهه وذكر الله، ثم إذا انتصف الليل توضأ وقام يصلي حتى الفجر، قالت له زوجته: لو نمت يا أمير المؤمنين! أمتعب في الليل ومتعب في النهار؟! قال: [[لو نمت في النهار لضاعت رعيتي، ولو نمت في الليل لضاعت نفسي]] رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك سعد في الدنيا والآخرة، ويروى أن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى عمر عليه ثوب أبيض قال: {البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً} فلبس جديداً، وعاش حميداً على فطرة الله التي فطر الناس عليها، وعلى الإسلام، ومات مطعوناً شهيداً. قال عدي بن حاتم الطائي والحديث متفق عليه {قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعيذوا بالله من النار، ثم قال: اتقوا النار، ثم أشاح بوجهه عليه الصلاة والسلام ثم قال: اتقوا النار، ثم أعرض بوجهه وأشاح، قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة}. يا أيها المسلمون! شق التمرة، الريال، الدرهم، البسمة، المنفعة، كلها صدقة ووقاية من النار، من أراد أن يجعل بينه وبين النار وقاية فالعمل الصالح: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281] فالاتقاء أن تجعل شيئاً من العمل يقيك عذاب الله وغضبه ولعنته. وقال أبو هريرة -والحديث متفق عليه- قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا، لما أنزل الله عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] فنادى عليه الصلاة والسلام بطون مكة: يا بني عبد مناف! يا بني هاشم! يا بني عبد المطلب! يا عباس عم رسول الله! يا فاطمة بنت محمد! ناداهم بطناً بطناًَ، وقرابة قرابة، فاجتمعوا فقال: {إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، يا بني عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد المطلب! أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئاً، ثم قال: يا عباس! أنقذ نفسك من النار لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد! أنقذي نفسك من النار لا أغني عنك من الله شيئاً} ثم قال أبو لهب: تباً لك! ألهذا دعوتنا؟ فأنزل الله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1 - 5]. وأما قوله عليه الصلاة والسلام عند مسلم من حديث ابن مسعود {يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك} تصور النار تقاد بسبعين ألف زمام والزمام لا يعلم قوته إلا الله، وهي تموج وتهيج على الناس في الموقف، يحطم بعضها بعضاً وتتميز من الغيظ، وتسطو على الناس في الموقف فيفر منها الناس، ومع كل زمام سبعون ألف ملك فكيف بها؟! نعوذ بالله من النار، وأما أبواب جهنم فصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الجنة لها ثمانية أبواب والنار لها سبعة أبواب} رواه أحمد بسند صحيح. فهذه حكمة بالغة أن جعل الله للجنة -كما سلف- ثمانية أبواب، ورضوان خازنها، وجعل للنار سبعة أبواب ومالك خازنها يقول أهل النار: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77] وقد مر معنا أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، ويأتي عليه يوم وهو كضيض من الزحام، نسأل الله من فضله. وأما النار فسبعة أبواب، لا يعلم ما بين المصراعين إلا الله، فلهذه ملؤها ولهذه ملؤها، حكمة بالغة من الواحد الأحد، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الجنة لها ثمانية أبواب، والنار لها سبعة أبواب} رواه أحمد بسند صحيح. وعلى كل باب -في الصحيح- خزنة وحجاب وحراس في الجنة والنار، وورد أن النار لما ذكر سبحانه عليها تسعة عشر، قال أبو جهل: أنا أكفيكم بعشرة واكفوني بتسعة، عليه لعنة الله، وقد قال الله بعدها: {لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً} [المدثر:28 - 31] فقال: ليسوا ببشر وإنما ملائكة، الواحد منهم قد يحيط بالناس، وقال أبو جهل: أتدرون ما هو الزقوم؟ قالوا: لا ندري، قال: التمر والزبد -التمر والدهن- عليه لعنة الله، فيقول: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49] يقول: ذق من هذا التمر والزبد، إنك أنت العزيز الكريم، قال: أتدرون ماذا يمنينا محمد؟ قالوا: نعم. قال: سحر، فيرده الله على وجهه إلى النار ويقول له: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] أهذا هو السحر أم لا؟

شدة حر نار جهنم

شدة حر نار جهنم ومنها شدة حر جنهم نعوذ بالله من حر جهنم، قال عليه الصلاة والسلام -والحديث متفق عليه عند البخاري -: {ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم، قالوا: يارسول الله! إنها كانت كافية، قال: فإن نار جهنم فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً} فهذه نار الدنيا وهذه نار جهنم والعياذ بالله، نارنا هذه جزءاً من سبعين جزءاً من نار جهنم، وفي بعض الروايات: {أنها غمست في البحر سبعين مرة، حتى بردت ولولاها ما طاقها الناس} نعوذ بالله من النار التي أعدها الله للمعرضين. لون جهنم: في الحقائق والنظريات العلمية التي وصل إليها العلم المتطور اليوم هو أن آخر درجات الحرارة تسود فيها النار، ولذلك في محاضرة مع عالم مسلم وعالم كافر، قال له المسلم: ما هي آخر نظرية توصل لها العلم الحديث؟ قال: توصلنا في العلم الحديث أننا إذا أشعلنا النار وبلغت درجة الحرارة ألفاً، بعد أن تحمر النار، فإنها تبيض، قال: فإذا ابيضت قال: ترتفع ألف درجة، قال: فماذا يحدث؟ قال: تسود النار تماماً، قال عندنا هذا في السنة، قال: في أي كلام؟ قال: روى الترمذي بسند صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، وأوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، وأوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة} فقال الرجل: لا إله إلا الله محمد رسول الله! وقصته معروفه وإسلامه منظور مشهود، والحق ما شهدت به الأعداء. وإننا نعرض هذا ليعلم الناس أن الناس غاية ما يصلون إليه من العلم إنما هو موجود في كتابنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد أعطاني أحد الفضلاء قبل أيام كتاب الأوائل وفيه مائة عظيم في العالم، وقد ألفه مايكل هارف، أَلَّف مائة عظيم، أتدرون من هو الأول؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا الأمريكي حاقد وغاضب وخصم وعدو ولكن يقول: الحقيقة هي التي فرضت نفسها، حيث أني لم أجد في المرتبة الأولى في عظماء العالم على مر التاريخ وفي بقاع الدنيا والقارات الخمس كمحمد عليه الصلاة والسلام، فيقول المترجم العربي: على رغم أنفك، فهو سيد الخلق، فهو الأول. وهذه نأخذها حقائق ليظهر للذين انبهروا بحضارة الغرب، وقال أحدهم -كما عرض علينا في أحد الدروس- قال: لو حملنا الأمريكان على ظهورنا لما أنصفناهم، جعلك أنت تحملهم على ظهرك، أما نحن فنبرأ إلى الله أن نحمل أحداً منهم، لماذا؟ إن قدموا شيئاً فالذي خلق أدمغتهم هو الله، والعلم ليس حِجْراً عليهم، لكن انظر إلى محمد عليه الصلاة والسلام الذي يقول شوقي فيه: المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء يمدح الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول محمود غنيم: أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه إحياء القلوب أعظم من اكتشاف الذرة والكهرباء والسيارة والطائرة، أحيا شعوباً، ثم ترك هذه العقول تكتشف وتخترع وتقدم للناس، فهذا هو الفرق بين هذا العلم. وللعلم فإن الرجل الواحد والخمسين في عظماء العالم هو عمر بن الخطاب، وأتى بـ هتلر في العظماء وكان رقمه أربعة وسبعين، فهذا هتلر الذي دمر الناس، أتدرون كم قتل هتلر؟ قتل خمسة وثلاثين مليوناً في الحرب العالمية الثانية، أكبر من قتل من ذرية آدم الأحياء هو هتلر، وأتى باليهود الذين سحقوا البشرية فجعلهم من العظماء، وقد ظل سعيه، وإنما نأخذ الشاهد: أن محمداً عليه الصلاة والسلام في المرتبة الأولى. ومن لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول

وصف عمق جهنم

وصف عمق جهنم وأما قعر جهنم نعوذ بالله من جهنم، قال: أبو هريرة: {كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: فسمعنا وجبة -يعني: وقعة حجر، أو سمعوا صوتاً هائلاً- فقال صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما هذا؟ -ولم يخبرهم بل سمعوا بآذانهم- قالوا: لا ندري، قال عليه الصلاة والسلام: هذه صخرة أُلقيت من سماء النار ومكثت سبعين خريفاً ووصلت الآن إلى قعر جهنم} وجهنم عند أهل السنة والجماعة دركات، والجنة درجات، قال ابن قتيبة: الدرجات مرتفعة، والدركات نازلة، فلا تقل للدرج العالي: دركات، ولا تقل للدرج النازل: درجاً، بل قل: دركات، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا} [النساء:145] فهم في الدرك الأسفل، فهي دركات نعوذ بالله منها. أبو طالب ذب عن الرسول عليه الصلاة والسلام وحماه، ووقاه وحفظه، ودافع عنه، فماذا كان جزاؤه؟ شفع له الرسول صلى الله عليه وسلم: فجعله الله في ضحضاح من النار، وأبو طالب لا يخرج من النار وهو خالد مخلد في النار، فجعله الله في ضحضاح من النار، في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه، وهو أخف الناس عذاباً، وقد ورد في الصحيح: {إن أخف الناس عذاباً رجل يوضع بين أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه} فنعوذ بالله من النار.

سلاسل جهنم

سلاسل جهنم ورد عند أحمد والترمذي بأسانيد صحيحة، أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر السلسلة من سلاسل جهنم، فقال عليه الصلاة والسلام {لو أن حديدة -وأشار إلى الجمجمة- وقعت من السماء وما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وقعت هذه السلسلة قبل الليل لوضعت في الصباح، وإن هذه الجمجمة لتوضع في سلسلة في جهنم من أولها إلى آخرها، فلا تقطعها إلا في أربعين خريفاً}.

حيات جهنم وعقاربها

حيات جهنم وعقاربها أما حيات جهنم وعقاربها: فقال عليه الصلاة والسلام: {إن في النار حيات كأمثال أعناق البخت} والبخت: نوع من الجمال تأتي في السودان وشمال ليبيا، وفي أمثالها من بلاد أفريقيا، قالوا: هي الجمال التي لها سنامان، لكن الحية كأعناق البخت، وفيها ما هي كأعناق البغال، وحسبك إذا كانت الحية كذلك، ولكننا نسأل الله ألا يرينا تلك فإن أجسامنا على النار لا تقوى، ونسأله أن يزحزحنا عن النار.

المرور على الصراط

المرور على الصراط ابن رواحة الشجاع البطل هذا أحد أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام الذي قتل في مؤتة، وقد تقدم معنا يوم باع نفسه من الله، وقال: {يا رسول الله! ماذا علينا؟ فقال: أن تحموني مما تحمون منه نساءكم وأطفالكم وأموالكم قال: فإذا فعلنا ذلك؟ قال: لكم الجنة، قال: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل} فقام من مجلس العقد، قال ابن القيم: والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا فقد وجب البيع، ماذا حدث؟ ذهب فقتل شيهداً في سبيل الله في مؤتة في أرض الأردن، وكان قبلها قد أخذ المصحف وزوجته معه، وأطفاله حوله فوضع رأسه في حجر زوجته ورفع المصحف وقرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} [مريم:71] فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، وهو شاب، قالت امرأته: مالك؟ قال: [[أخبرنا الله بالورود ولم يخبرنا بالصدور]] أي: أخبرنا يقيناً أننا نرد {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} [مريم:71] لكن {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:72] فنحن لا ندري، أما الورود فيقيناً أننا نرد جميعاً، أما الصدور فنسأل الله من فضله، والصحيح عند أهل العلم أن هذا الورود على الصراط، وليس هو دخول النار، يعني: تمرون عليها، فالأنبياء والرسل والصالحون والأولياء والعلماء والملوك والأغنياء والفقراء كلهم يمرون على متن النار، على الصراط، طوله شهر وهو أدق من الشعر وأحر من الجمر وأحد من السيف، يمر أناس كالبرق، وكلمح الطرف، وآخرون كالفرس المضمر الجواد، وبعضهم كمن يمشي، وكمن يحبو، ثم من يكردس على وجهه في النار.

شراب أهل النار

شراب أهل النار أما شراب أهل النار فهو كالمهل، فسره عليه الصلاة والسلام بأنه عكر الزيت، وهو الحار الذي يغلي من الزيت، يشربه الشارب غصباً، من وراء أنفه يشربه، فتنخلع أمعاؤه وتتقطع في الأرض من دبره، وكلما تقطعت أنشأ الله له أمعاء، فيشرب وتتقطع وهكذا أبد الآبدين، نعوذ بالله من ذلك، وهذا عند أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم بأسانيد صحيحه، أنه كعكر الزيت إذا قرب وجهه سقطت فروة وجهه في هذا الزيت أو في الإناء. قر السم حتى امتار فروة رأسه من السم صلٌّ قاتل اللسع مارده وهذا ذو الرمة يصف حية تلدغ، والحيات السود إذا لدغت عند العرب سقطت الجفون من سمها في الأرض، ووصفوا عذاب جهنم في بعض كتب المفسرين بذلك، ولكن أين جهنم من عذاب الدنيا؟ عذاب الدنيا سهل وبسيط. يقول سعيد بن جبير للحجاج: قال له الحجاج في مناظرة حارة ساخنة بينه وبين سعيد بن جبير، عالم المسلمين المحدث الزاهد العابد، وقد أتي به إلى الحجاج بن يوسف السفَّاك فأجلسه أمامه، قال: يا سعيد بن جبير! والله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً من الناس، قال: يا حجاج! اختر لنفسك أي قتلة أردت، والله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله بمثلها، فقتله، ثم نام الحجاج في تلك الليلة فرأى كأنه يسبح في الدم، وكان في الصباح يبكي ويقول: رأيت كأن القيامة قامت، وكأني أوقفت عند الصراط، فقتلني الله بكل رجل قتلته قتلة واحدة، وهو قد قتل مائة ألفٍ، وقتلني بـ سعيد بن جبير سبعين مرة. وهذا الجزاء من جنس العمل، يقول له سعيد بن جبير لما أراد قتله: لا إله إلا الله محمد رسول الله خذها يا حجاج حتى تلقاني بها عند الله يوم القيامة، ولذلك لما مروا على الحجاج -كما عند المؤرخين- سمعوه يعذب في القبر ويصيح في الليل، فيقول أخوه محمد: رحمك الله يا أبا محمد! تقرأ القرآن في الحياة وتقرؤه في القبر، فهو يعتذر له أمام الناس، ماأحسن ذاك القرآن في القبر! ونحن نقول: الله يتولى الأمور، ولا نشهد لأحد بجنة ولا نار، لكن نقول: الحجاج نبغضه ونعتقد أن بغضه من أوثق عرى الدين.

طعام أهل النار

طعام أهل النار أما طعام أهل النار فالزقوم، {لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا لأفسدت طعام أهل الدنيا عليهم، فكيف بمن كان طعامه الزقوم} رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة، بأسانيد صحيحة، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنها: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات:65] قال الأصمعي: جمع هارون الرشيد العلماء والأدباء قال لهم: كيف يصف الله لنا طلع الزقوم بأنه كرءوس الشياطين ونحن ما رأينا رءوس الشياطين؟ فسكتوا جميعاً فدخل أحد الأعراب من أهل اللغة، فقال: فيم تتحاورون؟ أعرضوها علي، قالوا: وصف الله لنا طلع الزقوم بأن طلعها كأنه رءوس الشياطين، فكيف يصف لنا شيئاً ما رأيناه؟ قال: إن العرب تصف شيئاً معلوماً بشيء مجهول تسمع به، قالوا: أتحفظ شيئاً؟ قال: أحفظ قول امرئ القيس: أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسْنُونَة زرق كأنياب أغوال والأغوال مارأيناها، فيصف المسنونة الزرق، كأنيابها يعني: الرماح، يقول هذا امرؤ القيس الفاجر، وقد دخل على امرأة غير محرم له ويقول: حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموا فما إن من حديث ولا صال فقالت: لحاك الله إنك فاضحي ألست ترى السمار والناس أحوالي ثم تهدده بزوجها، وتقول: زوجي سوف يقتلك، قال -وهو قائد الشعراء إلى النار، وقائد الحداثة، وبالمناسبة قد يأتي من شعرهم شعر مليح وفصيح وجميل، لكنهم مفسدون في قلوبهم المظلمة التي ما رأت النور- قال: يقتلني والمشرفي مضاجعي أي: سيف أو رمح يصنع في بلاد مُشْرَف. المشرفي: رمح وقيل: سيف، و (مضاجعي مسنونة زرق كأنياب أغوال) يعني: ما يستطيع قتلي، فأحالهم على شيء مجهول تسمع به العرب. إذاً: العجيب أن الزقوم شجر يحيا وسط النار، وهذه حكمة بالغة، وقدرة نافذة، فسبحان من أخرج الحي من الميت! وأخرج الميت من الحي! لا أرانا الله تلك الأماكن ولا تلك البقاع، وزحزحنا الله وإياكم عن النار.

غلظ أجسام أهل النار

غلظ أجسام أهل النار أما غلظ أجسامهم: فعند مسلم في صحيحه والترمذي قال عليه الصلاة والسلام: {ضرس الكافر في النار مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث} ونقول: آمنا وصدقنا، قال الشافعي: آمنا بما جاء عن الله على مراد الله، وآمنا بما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله، ومن كذّب بهذه الأخبار فهو ملعون زنديق مارد حظه السيف، من كذب بشيء مما صح عن المعصوم عليه الصلاة والسلام فالنار مثواه خالداً مخلداً فيها، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً ولا ينظر إليه، ولا يزكيه وله عذاب أليم.

الغمس في النار

الغمس في النار أما الغمس في النار: فصح عنه صلى الله عليه وسلم عند مسلم أنه {يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار -تظن أن أهل النار ما كانوا منعمين، والله كانوا منعمين، كانوا في الفلل البهية والقصور الرضية، والمطاعم الشهية، والملابس الثرية، في كل ما يريدون لكنهم فجروا مع الله فما وجودوا السعادة، وتجد بعض المؤمنين لا يجد كسرة الخبر في اليوم، فيأتي الله بذاك المجرم- فيغمسه غمسة في النار ثم يخرجه، فيقول: هل رأيت نعيماً قط، هل مر بك نعيم قط؟ قال: لا -والله- يارب ما مر بي نعيم قط، ويؤتى بأهل البؤس في الدنيا من أهل الجنة، فيغمس غمسة في الجنة} هذا الفقير المطرود بالأبواب الذي لا يزوج إذا خطب، ولا يشفع ولا يقبل ولا يعطى ولا يقدم ولا يصدر، فيغمسه الله في الجنة غمسة {فيقول: هل مر بك بؤس قط؟ فيقول: لا -والله- يارب! ما مر بي بؤس قط} وهذا من أهل الجنة. أتي بـ البراء بن مالك، وهو البطل أخو أنس بن مالك أحد الأنصار كان عليه ثوبان ممزقان من أفقر الناس، شاب لا يملك درهماً ولا ديناراً وعنده أسرة كبيرة، دخل على الرسول عليه الصلاة والسلام فقال عليه الصلاة والسلام: {رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك} يعني: لو حلف على الله لأبر يمينه. ولذلك كان المسلمون إذا حضروا في غزوة قالوا: يا براء! نسألك أن تقسم على الله -أن تحلف على الله- أن ينصرنا، أي: بلغ من الولاية وحب الله والرسول له أنه يحلف ويقسم على الله فيجري الله قسمه، وهذه خصوصية لبعض الناس. حضروا في تستر، وكان القائد أبا موسى مع أهل فارس، فلما حاصروا الحصن، قالوا: يا براء! أقسم على الله أن ينصرنا هذا اليوم، قال: أنظروني قليلاً، فذهب واغتسل وتحنط ولبس أكفانه، وأتى بغمد السيف فكسره على ركبته، وقال: يارب! أقسم عليك هذا اليوم أن تنصرنا وأن تجعلني أول شهيد، وبدأت المعركة، فقتل أول الناس وانتصر المسلمون. بعنا النفوس فلا خيار ببيعنا أعظم بقوم بايعوا الغفارا فأعضنا ثمناً ألذ من المنى جنات عدن تتحف الأبرارا فلمثل هذا قم طروباً منشداً يروي القريض وينظم الأشعارا ويقول محمد إقبال وقد مرت كثيراً: - نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى حتى هوت صور المعابد سجداًَ لجلال من خلق الوجود وصورا ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا أَم من رمى نار المجوس فأُطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى هم أصحاب محمد عليهم الصلاة والسلام.

الشفاعة في خروج عصاة الموحدين من النار

الشفاعة في خروج عصاة الموحدين من النار خروج أناس من النار بالشفاعة، فمن معتقدنا نحن أهل السنة والجماعة أن الموحدين لا يخلدون في النار، قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله في منظومته العقدية: لكن عصاة من أولي التوحيد قد يدخلونها بلا تخليد فمن مات وهو صاحب كبائر قد يدخل النار أو قد تدركه شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن لو دخل النار وهو موحد فلا يخلد في النار، فالسارق والزاني وشارب الخمر ومن أحدث كبائر والقاتل، قد يدخل النار ولكن لا يخلد في النار، والدليل على ذلك ما في الصحيح من حديث أبي موسى، قال: قال سول الله صلى الله عليه وسلم: {يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فيقول الله: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان -هذه رحمة أرحم الراحمين- فيخرجون من النار وقد امتحشوا واسودوا وتغيرت ألوانهم، فيغمسون في نهر الحياة، نهر عند باب الجنة فيدخلون صفر الألوان مكتوب عليهم الجهنميون، عتقاء الله من النار، وهؤلاء هم آخر من يدخل الجنة من أهل الجنة} ولعلمكم أن آخر من يدخل الجنة، رجل من هؤلاء، يقول: يارب -هذا الموحد أما المشرك فلا يطمع أبداً في الدخول وهو خالد مخلد في النار: {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة:72] {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] فالمشرك الجنة محرمة عليه أبداً، فآخرهم كما في الصحيحين برواية طويلة من حديث أبي هريرة، يخرجه الله، يقول: {يا رب! أخرجني من النار، قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، قال الله: يابن آدم! إن أخرجتك من النار أتسأل غير ذلك؟ قال: لا يا رب! فيعطي ربه من الوعود والمواثيق ما الله به عليم فيخرجه، فإذا أخرجه رأى الجنة، قال: يا رب! قربني من باب الجنة، قال: ما أغدرك يابن آدم! أتسألني غير ذلك؟ قال: لا والله يا رب -الحديث في الصحيحين - فيقربه الله فيرى نعيم الجنة، قال: يا رب! أدخلني الجنة، فيضحك الله} وهذا معتقد أهل السنة والجماعة أن الله يضحك ضحكاً يليق بجلاله، لا نكيفه ولا نمثله ولا نشبهه ولا نعطله، ولما قال صلى الله عليه وسلم: {يضحك ربنا، قال أعرابي بدوي عنده: لا نعدم من رب يضحك خيراً} الأعراب لهم دواهي، يقول: لا نعدم من رب يضحك خيراً، وصدق أنه مادام أن الله يرحم ويضحك فنرجو رحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ونسأله فضله {فيدخله الله الجنة، فيقول: تمن، فيتمنى، فيقول: لك ذلك وعشرة أمثال من ملك أهل الدنيا} لكن موضع سوط فيها خير من الدنيا وما عليها. أقلهم ملكاً من الدنيا ملك وعشرة أمثالها من دون شك لكنما موطن سوط فيها خير من الدنيا وما عليها

بعض مكفرات الذنوب والخطايا

بعض مكفرات الذنوب والخطايا فمعتقدنا أن الموحدين قد يدخلون النار، لكنهم يخرجون برحمة أرحم الراحمين، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مكفرات الذنوب والخطايا عشرة، من فاتته ولم يدرك ولا واحدة، فليبكِ على نفسه ولا يلومن إلا نفسه، وقد شرد على الله شرود الجمل الشارد على أهله، وقد ذكرها في المجلد العاشر والحادي عشر من مجموع الفتاوى. أولها: المصائب المكفرة. ثانيها: الحسنات الماحية. ثالثها: دعوات المؤمنين له. رابعها: ما يجد في سكرات الموت. خامسها: شفاعة المسلمين في صلاة الجنازة له. سادسها: ما يلقى في القبر. سابعها: هول العرصات، والهول يوم العرض الأكبر. ثامنها: شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام. تاسعها: شفاعة الولي، أو شفاعة الصالح من أقاربه. عاشرها: رحمة أرحم الراحمين. فإذا فاتته فليبكِ على نفسه. وأما بعث النار، فإذا جمع الله الأولين والآخرين كما في الصحيحين، قال الله: {يا آدم! أخرج بعث النار قال: يا رب! من كم؟ -أي: من أمته- قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون} فذلك يوم يشيب الولدان {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]. نور الدين محمود زنكي، السلطان الكردي الأيوبي الذي فتح الله به البلاد، وجمع الله به كلمة العباد، كان من أولياء الله الكبار، كان يصلي في الليل، وهو عم صلاح الدين الأيوبي، يقول الحارس إذا أتى نصف الليل أيقظني للصلاة، فأيقظ أطفاله وزوجاته، وجواريه وجنوده، فقاموا يصلون حتى الصباح، استعرض جيشه وهو أكثر من مائة ألف في دمشق، فيه العساكر والدساكر والجنود المجندة، والبنود والأعلام، وكان يعدها لفتح بيت المقدس لكن مات قبل ذلك، فلما كان في يوم المهرجان دخل عليه عالم من العلماء فقال له في قصيدة للسلطان: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إن قيل نور الدين جاء مُسلِّماً فحذار أن تأتي وما لك نور حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور فغشي على السلطان حتى رش بالماء. ففي ذاك اليوم، يقول آدم: كم يا رب؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، {فذهل الصحابة وقامت شعور رءوسهم، وقالوا: يا رسول الله! كيف العمل؟ قال: أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، ثم قال عليه الصلاة والسلام ألا ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: الله أكبر، قال: أما ترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ قالوا: الله أكبر، قال: فأبشروا فإنكم في الأمم التي قبلكم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض} نسأل الله من رحمته. أما أعمالنا فو الله نحن نعرف أنفسنا، لا أعمال، وهي مدخولة ومشكوكة، وهي عرجاء، ولكن نحن نضع أنفسنا تحت رحمة أرحم الراحمين، أن يتغمدنا برحمته، فلن يدخل أحد الجنة بعمله، ولكن برحمة أرحم الراحمين!

أهل الكبائر تحت المشيئة

أهل الكبائر تحت المشيئة ومن معتقد أهل السنة أن أهل الكبائر قد يدخلون النار، وإذا تابوا تاب الله عليهم، وقد يشفع فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن قد يدخل شارب الخمر النار، قال أهل العلم: يقاس على شارب الخمر في الكبائر متعاطي المخدرات، والحشيشة وما في حكمها، بل قال ابن تيمية: الحشيشة أضر وأعظم، ووجد من الأنواع هذه الفتاكة أنها أعظم ضرراً من الخمر؛ لأنها قد تسبب هيجاناً وجنوناً وصرعاً وانقطاع نسل وقتلاً وتأبيداً في شرود العقل، فهي أشد وأنكى من الخمر. وقد قال عليه الصلاة والسلام والحديث عند أحمد بسند حسن: {من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة} شربها مرة يبقى الله غضباناً عليه أربعين ليلة، ويقاس به متعاطي -ولو حبة- المخدرات: {فإن عاد كان على الله حقاً أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: وما طينة الخبال يارسول الله؟ قال: صديد أهل النار} وفي ألفاظ: {عصارة أهل النار} قيح أهل النار، ودمهم وصديدهم، فهذا شارب الخمر. والزناة ولو كانوا موحدين قد يدخلون النار ولهم أفران إذا لم يتوبوا وهي قدور هائلة محماة تضطرم بأهلها، يجمع الله الزناة من الرجال والنساء فيها، فتتمصخ جلودهم. والسارق له حظه، والقاتل له حظه، وقد يدخل أهل العصاة بمعاص أقل كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح لما قال لـ معاذ: {ألا أدلك على ملاك ذلك كله، قال: بلى يا رسول الله! قال: كف عليك هذا، وأشار إلى لسانه، قال: وإنا لمآخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟! قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم -أو قال: على أنوفهم- إلا حصائد ألسنتهم}. رب كلمة يقولها الإنسان لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً، أو نظرة أو همزة أو إشارة معها استخفاف بمحارم الله وتعد على حدود الله، فنسأل الله أن يتوب علينا وعليكم. سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزال مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا ومر معنا أن النار دركات، وأن الجنة درجات، وأن من الناس من يدخل دركات النار بحسب أعمالهم، والجنة درجات كما في الدرس السابق.

أول من تسعر بهم النار

أول من تسعر بهم النار أما المسألة الثامنة عشرة: أول من تسعر بهم النار ثلاثة، نعوذ بالله من أعمالهم: عالم ومجاهد وكريم: يؤتى بعالم فيقول الله: أما علمتك العلم؟ قال: بلى يا رب! فيقول: ماذا فعلت، والله أعلم؟ قال: علمت الجاهل وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: إنما تعلمت ليقال عالم، خذوه إلى النار، فيسحبونه على وجهه حتى يلقى في النار، ويفعل بالمجاهد المرائي والكريم المرائي كذلك، ولما سمع معاوية الحديث بكى حتى مرّغ وجهه في التراب، وقال صدق الله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. أما تفسير قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} [مريم:71] فقد مر والصحيح عند أهل العلم أن جميع الناس يمرون على النار، من على الصراط، وهو الورود، ثم ينجي الله المتقين من على الصراط، ويذر الظالمين ومن استحق العذاب فيها جثياً، نسأل الله السلامة.

الحروز من النار

الحروز من النار أيها المسلمون! هذا الدرس بعنوان: صحيح الأخبار في وصف النار، وهو مجمل لما ورد من صحيح الأخبار، أما الضعيفة أو الواهية فتجنبتها، وهناك أخبار تشيب لها الرءوس، لكننا نخبركم بحروز عن النار، إذا فعلتموها أحرزتم أنفسكم، علّ الله أن يتولانا وإياكم:

التوبة النصوح

التوبة النصوح أولها وأعظمها: التوبة النصوح، أن نمسي وإياكم تائبين ونصبح تائبين: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. وباب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، ولا يزال كل يوم كلما برق بارق، وكلما سطع نجم وأضاء، ونزل قطر من السماء، وكلما لمع ضياء، وترقرق الماء، فلله تائب من الأولياء يعود. هذا اليوم أتت رسالة من رجل اسمه المطبقاني من المدينة، أعلن توبته، ويريد أن تُقص توبته ولا يخبر باسمه، وأموره عجيبة فقد كان من الأثرياء التجار الكبار -أنا لا أذكر اسمه لكن أسرته معروفة- وقد سافر إلى أوروبا فأنفق مليوناً في عطلة من العطل في الفجور والإجرام والخسارة، وفي الأخير عاد وصلَّى صلاة التراويح في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام المسجد النبوي وسمع المقرئ وهو يقرأ: {إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتْ الأَرْضُ رَجّاً} [الواقعة:1 - 4] فَرُج قلبه وبعد الصلاة أتي عليه وهو مغمى، وحمل وأعلن توبته. وقد وعدني أحد الإخوة بقصص كثيرة سوف نسمع إليها ونعرض لها في دروس ممن تاب وأناب، فحلنا من الورطة وخروجنا من هذه المدلهمة والنار التوبة النصوح. {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها}.

المحافظة على الفرائض

المحافظة على الفرائض الأمر الثاني: المحافظة على الفرائض بخشوع وخضوع ووضوء، بتفكر وتدبر، جماعة، فأعظم ما ينجيك من المعاصي الصلوات الخمس جماعة، وأعظم ما يردك عن المخالفات الصلوات الخمس جماعة، وأعظم ما يجعلك مؤمناً حاراً حياً الصلوات الخمس جماعة: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45]. ابن تيمية يسأله رجل يقول: أصبت بسهم مسموم -يعني: عشق- وبعض العشق يقتل، وبعضه يخرج الإيمان والقرآن وحب الله من القلب، وبعض العشق يترك الإنسان كالدابة بهيمة- قال: ماذا أفعل؟ قال: عليك بالصلوات الخمس جماعة، وأكثر من الدعاء أدبار الصلوات، وفي السجود، وفي آخر الليل.

ذكر الله دائما

ذكر الله دائماً ومنها: ذكر الله دائماً وأبداً، فلا ينجي من عذاب الله كذكر الله، ومنها -أيها الأحباب- قرآن الله وكتابه وكلامه، بالقراءة بتدبر وتلاوة وحرارة، وبحفظ ما يستطاع من القرآن. ومنها الانتهاء عن المعاصي. اتقِ الله الذي عز وجل واستمع قولاً به ضرب المثل اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل كم أطعت النفس إذ أغويتها وعلى فعل الخنا ربيتها إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل كيف يستفيق قلب ينام على الأغنية ويستيقظ عليها، قرآنه المجلة الخليعة، والفيديو المهدم، والمسلسل المخرب؟! كيف يستفيق ميت؟ فلذلك لا يرى النور. فأوصي نفسي وإخواني أن يستجيبوا لله وللرسول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24] ما هي الاستجابة؟ هي أن تدخل الإيمان قلبك وإلا سوف تكون ميتاً: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] ظلمات الشهوة والمعصية، الانتهاء عن المعاصي، الغناء الماجن، وتسمعون كثيراً من التركيز عن الغناء؛ لأن ابن تيمية قال: هوبريد الزنا، وقال بعض أهل العلم: هو الذي يحبب النفاق ويزرعه ويغرسه، وقال غيرهم: ما أدمن عبد على سماعه إلا وقع في الفاحشة الكبرى، ومنها: إطلاق النظر في المحرمات، ومنها: سفور المرأة، وتبرجها وذهابها مع السائق بلا محرم، ومرورها على الخياطين والمغرضين والباعة بلا محرم، كل ذلك سبب للفساد والجريمة التي وقعت وتقع، إذا لم يتب التائبون ويعود المعرضون إلى الواحد الأحد، فهذه مسائل تنجي صاحبها من النار.

المحافظة على صلاة الفجر

المحافظة على صلاة الفجر ومن أعظم ما أقول لكم: صلاة الفجر جماعة، قال عليه الصلاة والسلام: {من صلَّى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه أدركه ومن أدركه كبه على وجهه في النار} والحديث عند مسلم، وقال بعض العلماء: المعهود أن من صلَّى الفجر في جماعة لا يصاب بكبيرة ذاك اليوم، ولذلك لا تجد مصلياً صلى الفجر في جماعة يتناول المخدرات أو يزني أو يسرق أو يقتل، لهذا بإذن الله يحفظه الله ويسدده لأن حرزه صلاة الفجر.

التهليل وفضله

التهليل وفضله ومن الحروز أيضاً: تهليل مائة تهليلة، بصيغة: {لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، من قالها في يوم مائة مرة غفرت له مائة سيئة وكتبت له مائة حسنة، وكانت له عدل عشر رقاب -كأنما أعتقها- وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل بعمله أو زاد عليه} رواه البخاري عن أبي هريرة. وهذه حروز ومن شاء فليعتبر، ولعل الله عز وجل أن يجعل لنا ولكم سبيلاً إلى رضوانه، وباباً إلى رحمته، نسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجنبنا وإياكم النار والعار والشنار والدمار. {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران:192 - 193] {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان:65 - 66] {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185].

الأسئلة

الأسئلة

من عقائد أهل السنة: الإيمان بوجود النار الآن

من عقائد أهل السنة: الإيمان بوجود النار الآن Q هل النار موجودة الآن؟ وما معتقد أهل السنة والجماعة في ذلك؟ A معتقد أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار موجودتان الآن، ومخلوقتان وأنهما لا تفنيان، قال الشيخ حافظ الحكمي والنار والجنة حقاً وهما موجودتان لا فناء لهما أي: موجودتان الآن ومخلوقتان، فالصحيح أن النار مخلوقة، وخالف في ذلك الفلاسفة أذناب الصابئة وفروخ المعرضين والملحدين الزنادقة، فقالوا: تخلق يوم القيامة وأنكروا خلقها، فقالوا: تخلق على صورة تعذيب تمثيل، فعليهم لعنة الله، بل هي مخلوقة اليوم وموجودة، ولا تخلق فيما يأتي بل هي الآن موجودة. هذا معتقد أهل السنة والجماعة، والنار لا تفنى ولو نقل هذا عن بعض أهل العلم فهي مقولة، إما لا تثبت عنه وإما أنه واهم، والصحيح أن من في الجنة خالدون فيها أبداً، ومن في النار خالدون فيها أبداً.

الجن وأحكامهم في الآخرة

الجن وأحكامهم في الآخرة Q هل يدخل الجن النار؟ A سبق في الدرس الماضي أنه عرض سؤال هل يدخل الجن الجنة؟ قال ابن تيمية يجيب على هذا Q ليس في الكتاب والسنة تصريح أن الجن يدخلون الجنة، لكن ورد في سورة الرحمن ما يشير إلى أنهم سوف يدخلون لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن الحور العين: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] فدل على أن الجن يدخلون. أما دخول الجن النار فقد ورد صريحاً، قال سبحانه: ويقول الجن عن أنفسهم: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} [الجن:14 - 15] فعصاتهم يدخلون النار، فهذه من المسائل.

حكم سفك الدم في البلد الحرام

حكم سفك الدم في البلد الحرام Q طالعتنا جريدة المدينة اليوم بفتاوى بعض العلماء المخالفين، يستنكرون فيها عمل الطغمة الفاسدة في بيت الله الحرام، في الحج العام الماضي، نرجو التوضيح؟ وهل علينا واجب نحو ذلك؟ وماهو موقفنا من هذه الطغمة؟ A أولاً: أيها الأخ: قتل هؤلاء المجرمين عدالة، وسوف يكون هناك محاضرة يوم الأربعاء -إن شاء الله- في الرياض بعنوان: قتل المجرمين عدالة، وسوف يؤتى بالنصوص من الكتاب والسنة، ومواقف أهل العلم والنقولات من بعض المشايخ عن هذه المسألة وسوف تصلكم الأشرطة، وموقفنا أن نقول: إن قتلهم من العدالة، وهؤلاء زنادقة، وارتكبوا أعظم جرائم في الدنيا، فإنهم لم يسرقوا ويزنوا، بل فعلوا أعظم من السرقة، والزنا، ماذا فعلوا؟ سفكوا الدم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام. وهؤلاء في قتلهم دروس: أولها: أن إقامة شرع الله في الأرض سلام وأمان للبلاد والعباد وأنها سعادة، وأن من لم يقم شرع الله فسوف يقع في مدلهمات وتمزق وويلات، وفي انحراف وإرهاب وفي قتل وإعدامات، كما فعلت الشعوب من حولنا، لمَّا لم يطبقوا شرع الله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. يقتل القاتل عندهم ثم يتركونه سبع سنوات، ثم يخرج اليوم الثاني، يزني الزاني ويفجر الفاجر، ويرهب الراهب، ويأتون بمدلهمات ويقتلون قتلاً ذريعاً، وفي الأخير تطلمس الفتاوى وتخرج وتميع القضايا فيخرجون من الباب الثاني للسجن، فيقعون في خوف عظيم. أين الرواية أم أين الدراية كم صاغوه من زخرف فيها ومن كذب بهارج وأحاديث منمقة ليست بنبع إذا عدت ولا غرب فالنصر في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب وفيها الدرس الثاني: أن الله يحمي المقدسات ومهما حاول مختف أن يختفي، فإن الله سوف يفضحه على رءوس الأشهاد. والثالث: أن هذه البلاد قامت على الكتاب والسيف: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] كتاب وسنة وسيف ينصر، ودرس للزنادقة من أهل الحداثة، أن سيفاً قطف تلك الرءوس لجدير أن يمر على رءوسهم مرة ثانية ليقطفها؛ لأنهم يعادون الإسلام والكتاب والسنة، والمقدسات وولاة الأمر، فجدير على سيف أخذ دماء أولئك أو قطف رءوسهم يوم الخميس أن يقطف رءوسهم يوم الجمعة، أليس الصبح بقريب! كذا مضت الأيام في الناس عبرة مصائب قوم عند قوم فوائد

حكم السكنى في بلد اسمه: الزقوم ونحوه

حكم السكنى في بلد اسمه: الزقوم ونحوه Q أنا شاب أسكن في قرية، واسم هذه القرية: الزقوم، فهل أنتقل من هذه القرية أو عليَّ خوف؟ A لا عليك، باسم الله عليك، تبقى في القرية وأعيذك بكلمات الله التامات من شر ما خلق، نسأل الله أن يحميك من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك، وما عليك -إن شاء الله- خوف، وأن تبقى في القرية، وتسكن فيها، وما عليك خوف منها، لكن إذا أردت أن تدخل فقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. يقولون: في قرية اسمها: جهنم، حتى يقول صاحبها وهو بدوي أعرابي شاعر سكن في هجرة من الهجر، قال: قال يا ديرتي جعلش من العام تسعين عام ولا حل الحياة وسط جنات جعلش جهنم من جهنم تصيرين حشائش تأكلني أدناش وأولاش هذا أنا ما أنطق الكاف؛ لأن الكاف ينطق عندهم بلهجة ثانية.

قصيدة اللحية والتعليق عليها

قصيدة اللحية والتعليق عليها Q أحد الإخوة طلب مني قصيدة اللحية؟ A أنا كررتها كثيراً لكن أوردها: كرر العلم يا كريم المحلى وتدبره فالمكرر أحلى وهذا شاعر حربي بطل، وهو داعية من الدعاة، وهو شاعر بالعربي وبالنبطي، وقد دخل على مجموعة فرآهم حالقين لحاهم، وهو من قبيلة الحروب، والحروب حرب على أعداء الله، فيقول في الحالقين: ياربعنا ياللي حلقتم لحاكم ويش ترمونها في القمامة ذي سنة ما سنها مصطفاكم علامة ياشينها من علامة ترى اللحى زيناتكم هي حلالكم لها مع الخير وقار وشهامة وترى اللحى يوصي بها مصطفاكم صفوة قريش اللي رفيع مقامه شابهتم الكفار شغلة عداكم ومن شابه الكافر عليه الملامة عفواً لعل الله يغفر خطاكم وتفوزوا يوم اللقاء في القيامة هذه وصيتي كان ربي هداكم أقولها يالربع ومع السلامة هذا من أحسن ما قيل في هذه القصيدة، فلا ضرر عليك بتسمية القرية حفظك الله، لكن إذا حصل أن اجتمع أهل القرية والمسئول والإمام ومشائخها وحولوا الاسم فيجوز لهم ذلك، ولا يسجدوا سجدتي السهو، لا عند المالكية ولا الحنابلة ولا الشافعية ولا حتى الأحناف، بل يغيرون اسمها والحمد لله.

حديث (ليس منا من استنجى من ريح)

حديث (ليس منا من استنجى من ريح) Q ما صحة الحديث {ليس منا من استنجى من ريح}؟ A الحديث سنده غير صحيح ومعناه صحيح، فلا يستنجى من الريح، وإنما يستنجي أهل البدع، والريح لا يستنجى منه، إنما يستنجى من الغائط والبول، لكن الحديث لا يصح سنداً.

حكم الاستهزاء بعذاب القبر والنار

حكم الاستهزاء بعذاب القبر والنار Q بعض الناس إذا ذكرتهم باليوم الآخر، والنار والجنة وعذاب القبر، استهزءوا وتجاهلوا ويأتون بفكاهات على أهل النار؟ A هؤلاء إذا فعلوا ذلك ولم يعلنوا توبتهم إلى الله، فهؤلاء زنادقة منافقون كفرة والعياذ بالله: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] ومن ثبت عنه أنه استهزأ بالجنة أو بالنار أو بالرسول صلى الله عليه وسلم أو بالقرآن، فيشهد عليه ويرفع أمره إلى السلطان أو القاضي، ليرى حكم الله فيه ويقطف رأسه، فهو حلال الدم ويتقرب بدمه إلى الله. وأنا قد ذكرت لكم أن بعض الفجرة من أهل الحداثة، في بلد من البلدان يقولون: كان يدرس في الكلية فيخرج في الفسحة، فيجمع معه فروخ الماسونية، وأذناب استالين ولينين، ويجلس معهم يشربون الببسي في الفسحة، فيقولون: حدثنا بالحديث النبوي، قال: حدثتني عمتي قالت: حدثتها جدتها، أن خالتها قالت: قال أبو هريرة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة: أتدرون ما الببسي؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: سبحان الله ما تدرون ما الببسي! قوموا عني، فيضحكون، فهذا قد أُفتي فيه أنه زنديق مارد ملحد. ولذلك قصائدهم التي تنشر الرموز هم يريدون فيها الاستهزاء، حتى يقول أحدهم: إن ابن أبي هاشم -يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم- نشر رداءه، وقد سبق أن عُرفوا -لعنهم الله لعنة تحيط بهم إن لم يتوبوا- وأنا أركز عليهم دائماً، وذلك مما رأينا من إصرارهم والمحاربة للكتاب والسنة في بلد قام على الكتاب والسنة، بلد المقدسات والحرمين، ثم يأتون من أبنائنا ممن يستنشقون هواءنا، ويشربون ماءنا، فيأتون بهذا الكلام الإلحادي، فحسبنا الله عليهم ونعم الوكيل! فيا أيها الأخ! عليك أن تدعوهم بالتي هي أحسن، وإن كانوا سوف يستهزئون ويستمرون فلا تكلمهم ولا تجلس معهم: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68] فتقطع المجلس وتظهر الغضب، ولا تجاريهم في كلامهم.

حكم المنافق في الآخرة

حكم المنافق في الآخرة Q أنا شخص أخشى على نفسي النفاق، فهل المنافقون مخلدون في النار؟ A نعم. المنافق مخلد في النار، والنفاق قسمان: نفاق عملي ونفاق اعتقادي. النفاق الاعتقادي: كأن ينكر اليوم الآخر، أو يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم في الباطن. النفاق العملي مثل: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان، والنفاق العملي: لا يخرج من الملة، لكنه نقص في الإيمان وذم. والنفاق الاعتقادي مخرج من الملة، وصاحبه كافر، وخوفك من النفاق علامة إيمانك وخيرك وإخلاصك، فلا يخاف النفاق إلا مؤمن، ولا يأمن النفاق إلا منافق، هذا كلام الحسن البصري معلقاً في البخاري.

حكم توبة من أصاب حدا ولم يرفعه إلى القاضي

حكم توبة من أصاب حداً ولم يرفعه إلى القاضي Q رجل ارتكب حداً من الحدود، لكن لم يذهب إلى القاضي ليقيم عليه الحد، فتاب بينه وبين نفسه هل تقبل توبته؟ A نعم تقبل توبته، وقد أصاب كل الإصابة، وعند الحاكم من حديث ابن عباس، وأورده ابن حجر في بلوغ المرام: {من ابتلي بشيء من هذه القاذورات، فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم فيه حد الله} فالصحيح من ابتلي بحد، فعليه أن يستتر ويتوب بينه وبين الله، ولا يذهب إلى القاضي أو المسئول ليخبره بما أصاب، وقد تقول: إن ماعزاً والغامدية والجهنية ذهبوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، أقول: حدث هذا، وقد رجموا وقتلوا وكان جزاؤهم أنهم في الجنة، حتى قال عليه الصلاة والسلام في الغامدية: {إني لأراها تنغمس في أنهار الجنة} وقال: {لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم} فحصل هذا. أما المسلم لو أتى كبيرة فعليه أن يتوب ولا يذهب إلى الحاكم، وإنما يتوب بينه وبين الله، والله يتوب على من تاب.

كيفية طلب العلم

كيفية طلب العلم السؤال يقول: أريد أن أطلب العلم فكيف أطلب العلم؟ A هذا كلام طويل، وسوف يخرج كتيب بعد أسبوعين أو ثلاثة اسمه: كيف تطلب العلم، يخبرك هذا الكتاب بطريقة طلب العلم حفظاً ومطالعة وقراءة ومذاكرة ومناقشة فانتظره قريباً، وسوف يأتي إن شاء الله.

كيف يكون التخفيف في الصلاة

كيف يكون التخفيف في الصلاة Q يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف} كيف يكون التخفيف؟ وكيف يكون الإمام فقيهاً في الإمامة؟ A التخفيف هو شبه صلاته عليه الصلاة والسلام، لا يذهب روعتها وروحها، ولا خشوعها وخضوعها، كأن ينقرها نقراً، بعض الناس إذا صليت معهم كأنك في تمارين رياضية، حتى ما تنتهي الصلاة وقد انقطع قلبك، فما تقول: سبحان ربي الأعلى وإذا هو قد وقف، سبحان ربي العظيم إلا وقد وقام، وهذه ليست بصلاة، وبعضهم إذا صلى أطال حتى يتوب الناس من الصلاة خلفه، فتجد بعض المهتدين يأتي الفريضة فيبقى يطيل ويطيل فيها حتى يذهب الخشوع والخضوع. أحد الناس العوام أخبرني أنه سافر مرة إلى الرياض فمرَّ بطريقه بمسجد، فترك أهله -امرأته وأخواته وبناته- في السيارة في الشمس ودخل مع إمام مشهور بالإطالة، حتى إن هذا الإمام صلَّى معه رجل آخر من المنطقة الجنوبية، قال عنه: يجلس في السجود حتى تنسى أين أنت، هل أنت في المملكة أو في مدغشقر، أي: في السجود دماغك ينقلب، حتى لا تتذكر هل أنت ساجد أو نائم، فلما سلم -هذا الرجل الثاني- قام وقال: يا شيخ! مبروك، قال: على ماذا؟ قال: والله الفريضة الواحدة معك مثل حجة كاملة كاملة. فالرجل الأول ترك أطفاله في السيارة في الشمس، قال: فدخلت معه في أول ركعة في الصف الأول، وأتت الصفوف وراءنا، قال: فقرأت الفاتحة وما أحفظ من سور -كل ما يحفظ من سور قرأها- قال: ثم قرأت التحيات، ثم صليت على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم استغفرت ثم سبحت، ثم دعوت الله، قال: في الأخير كنت أنظر في المحراب هل الإمام موجود، -أي: خاف لو يكون راح يتغدى أو ينام- قال: فلما رأيته أطال قلت: هذه الركعة الأولى فكيف بالركعة الثانية والثالثة والرابعة، وأهله حموا في السيارة، فقطع الصفوف، قال: وصليت أربع ركعات وهو لا يزال في الأولى. ولذلك هذا الإمام نحي عن الإمامة. فالصحيح أن تصلي صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم التي علمها لـ معاذ في صلاة العشاء، حيث كان يصلي بهم بعد الفاتحة، بمثل: سبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والضحى والليل إذا سجى، وأمثالها وأشباهها، فلا هذا ولا هذا، والإنسان عليه أن يكون فقيهاً، ويعرف أحوال الناس، لأن بعض الناس يقول: ما علي منهم والله لا أجامل أحداً، ولا أريد إلا الله، وهذا جيد لكن والجماعة التي وراءك، شيخ كبير: طفل صغير، مريض، وذو حاجة، هل تحبس الناس؟ لا. وكذلك لا تذهب خشوع الصلاة، فكن فقيهاً واقرأ هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة، كما في زاد المعاد، لـ ابن القيم. وفي ختام هذا الدرس: نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية، وأستبيحكم عذراً على من لم أجب على سؤاله؛ لضيق الوقت، ولها -إن شاء الله- مواقف أخرى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

معركة بين التوحيد والإلحاد

معركة بين التوحيد والإلحاد إن توحيد الله وإفراده بالعبودية والبراءة من الكفر هي أهم ركيزة في دين الإسلام، وهي دعوة الرسل أجمعين، وهي تمثل صراعاً ومعركة منذ أن خلق الله البسيطة وما عليها، صراعاً بين الحق والباطل، بين الخير والشر، وهذا الصراع سنة من سنن الله الكونية، فما هي أسباب هذا الصراع؟ وما هي فوائده؟ والصراع موجود حتى في الأدب والمقالات والكلمات، وللإلحاد مدارس خاصة مثل مدرسة التلمساني وأبي العلاء المعري، وليس لنا سعادة إلا بالرجوع إلى التوحيد والالتزام بدين الله لنحيا حياة هادئة مطمئنة بعيدة عن ضنك العيش؟ لكن ما هو الواجب المتحتم علينا في هذا الصراع؟

الصراع بين الحق والباطل

الصراع بين الحق والباطل إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. رفيقي من بعد اللظى والأسى قفا ولا تريا جنح الظلام الملازم فهيا فهذا معبق الشيخ عائض وحسب الحجى إن قلت معبق عالم ألم تريا الأزمان كيف ظلمننا فما مقسط فيها بواهي الدعائم أعائض للخلان فيك منازل لدينا ولكن يوم عمرو وحاتم إذا ارتاد بيت الله في حي صفونا سعادتنا فيمن بباب الحوائم ألست ترى هذي الوجوه برفعة فليس لها الكفر العنيد بهادم أعائض بات السعد حوزة عالم وما كان لولا أنت ضربة جاثم فيا رب فاحفظ شيخنا من بعلمه مدينتنا تزهو لفضل الغنائم هذه مقدمة كتبها أحد إخوانكم في حي السعادة، مرحباً بأخينا الحبيب وشيخنا الفاضل: الشيخ عائض بن عبد الله القرني الذي سوف يتحفنا هذه الليلة بما وهبه ربه جل وعلا، ونسأل الله عز وجل أن يجعل هذه المحاضرة في ميزان حسناته يوم القيامة، وألا يحرمكم الأجر الذي حدى بكم إلى الحضور إلى هذه المجالس الطيبة العطرة، وأسأل الله جل وعلا أن يكون هذا العلم الذي أعطيه الشيخ عائض حجة له يوم القيامة لا حجة عليه، وأسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم ويجعلنا وإياكم ممن يستمع فيتبع أحسن الكلام وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، عنوان المحاضرة: معركة بين التوحيد والإلحاد. الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكوراً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، لـ جدة حشد من شباب محمد لها من بني الإسلام كل موحد أضاءت لياليها بنور أحبة وكبرت الدنيا على كل مفسد أنا من رسول الله أروي قصائدي فأتحف ربوع القلب يا خير منشد بعثت له دمعي وأهديته دمي وأسلمت للرحمن وجهي ومقصدي عندي تحيتان: الأولى: خاصة لفضيلة الشيخ عبد العزيز الحمدان أثابه الله وبارك الله في جهوده ودعوته، وقد لبيت دعوته ولسان حالي يقول: أتاني رسولك مستعجلاً فلباه شعري الذي أذخر ولو كان يوم وغىً قاتماً للباه سيفي والأشقر أصرف نفسي كما اشتهي وأملكها والقنا أحمر وتحية عامة لكم يا أهل الصحوة في مدينة جدة، يا حملة لا إله إلا الله، يا من رفعوا لافتة: (إياك نعبد وإياك نستعين). هذه ليلة لا تغيب نجومها لأنكم حضرتم هنا، تعلنون بحضوركم أن البقاء للتوحيد وللإسلام، وأن الانتصار للا إله إلا الله، قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. نعم. عنوان المحاضرة: (معركة بين التوحيد والإلحاد) وهي معركة قديمة منذ وجد آدم وإبليس، ومروراً بموسى وفرعون، وإبراهيم والنمرود، ومحمد صلى الله عليه وسلم وأبي جهل، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. معركة بين (لا إله إلا الله) و (لا إله والحياة مادة) بين المسجد والخمارة، بين المصحف المرتل والمجلة الخليعة، بين التلاوة الحسنه والأغنية الماجنة، بين تجمع المساجد وبين الشاطئ البعيد، بين المرأة الملتزمة المتحجبة وبين المرآة العلمانية السافرة، بين الكاتب المبدع المؤمن والكاتب الزنديق الملحد، وبين الصحفي الذي يرجو الله ويخاف الله ويأمل لقاء الله وبين الصحفي المتهتك الذي ينشر الجنس والفحش والتمرد على آيات الله، بين العالم المؤمن والعالم المجرم.

النور من الله

النور من الله أنا أروي في هذه الليلة صراعاً بين التوحيد والإلحاد، يبدأ هذا الصراع بوسط التاريخ، ولا أعتني أن أبدأ من أول التاريخ، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، يقول سبحانه: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26] يقف فرعون واعظاً في الجماهير، هذا المجرم السفاك الذي أدخل المجلة الخليعة، والأغنية الماجنة، شارب الخمر، صاحب الليلة الحمراء، يقول لموسى الصحوة، موسى الإيمان، موسى الإمام، موسى النور. أين ما يدعى ظلام يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحذوه خطاه قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] من يعطيه النور؟ الشاطئ!! الأغنية!! الكأس!! المجلة الخليعة!! الفيديو المهدم!! ريفر سايد!! لوس أنجلوس!! باريس!! بانكوك؟!! لا. لا يعطيه النور إلا من أنزل النور، القائل: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257] ويقول سبحانه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:122] كثير من الناس أموات، يأكلون ويشربون ويغنون ويرقصون، ويسمرون ويسهرون، ولكنهم أموات غير أحياء، لم يروا النور ولا عرفوا الرسالة، ولا سجدوا لله، فهم في عالم الأموات، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. يسمع الأغنية لكن لا يسمع الله أكبر، ويسمع الكلمة الماجنة ولا يسمع حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] وقال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} [غافر:26]. قال سيد قطب: يظهر أن الرأي العام يضغط على فرعون، فيريد فرعون أن يستأذن الرأي العام في أن يذبح موسى.

أسباب الصراع بين الحق والباطل

أسباب الصراع بين الحق والباطل والصراع سنة من سنن الله لثلاثة أسباب: أولاً: الصراع دائم: والله عز وجل خلق الخير والشر بجانبه، والليل والنهار، والرشد والضلال، والنور والظلمة، هكذا قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] وفي هذه الآية قراءة مشهورة، قال تعالى: (ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) ويقول سبحانه: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان:20]. أتظن أنك تعيش وحيداً في المسجد والصلاة وليس لك عدو؟! لا. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] ما أحسن الختام، قال: هادياً: يهديه بالعلم. ونصيراً: ينصره بالسيف أو بما يقوم مقام السيف. قال سبحانه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3]. ثانياً: إن العاقبة للمتقين: يا من يظن أنه سوف يلغي المسجد فالمسجد سوف يبقى، والقرآن سوف يعيش، ومكة، وزمزم، والحجر الأسود، وشباب الصحوة، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ. يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52]. العاقبة للمتقين يمر الباطل بالحق، وينتصر الحق بإذن الله. ما هي فوائد هذا الصراع؟ من فوائد هذا الصراع: 1 - يمحص الله أولياءه ويظهر الصادقين، ويبطل كيد المنافقين , ويخزي الظالمين. أجر ومثوبة لأولياء الله. 2 - ويتخذ منكم شهداء، تقطع الرءوس، وتضرب الأعناق، وتسيل الدماء في سبيل الله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

نماذج من الإلحاد عبر التاريخ

نماذج من الإلحاد عبر التاريخ

قصة موسى وفرعون

قصة موسى وفرعون أعود إلى موسى وفرعون: قوله: (وليدع ربه) أي: أتحداه وأتحدى ربه، وهذا منطق الكفر والإلحاد، وسوف أذكر لكم نماذج من الإلحاد المتطور الذي دخلت عليه التكنولوجيا، الإلحاد الذي بلغ النجوم وتطور مع الأصل. {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} [غافر:26] عجيب! أصبح فرعون واعظاً! أصبح حليماً حكيماً ويخاف أن يبدل دينكم؛ أتظن يا فرعون أن موسى حداثياً أو علمانياً، أو مطرباً. قال: {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26] يخاف أن يزعزع الأمن؛ فزعزة الأمن تأتي من موسى وأمثاله، أما مروج المخدرات فلا يزعزع الأمن! أما الذي يكتب الكفر في الصحف ويشتري الزندقة ويرسلها في البلاد طولاً وعرضاً، ويأتي بصور الجنس والفيديو المهدم فلا يزعزع الأمن! لكن موسى لأنه يخطب الجمعة، وتخاف أن يظهر في الأرض الفساد تخاف على الأمة منه. متى كان فرعون حكيماً ومتى كان المجرم حليماً؟ الذي يقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] فأجراها الله من فوق رأسه. ويقول كما قال تعالى: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38]. قال ابن تيمية: "ولم ينكر الصانع ممن سبق إلا فرعون" أنكره في الظاهر وأما في الباطن فإنه اعترف به، ولذلك قال له موسى كما قال الله تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] لقد علمت أيها المجرم! أيها الخسيس الملحد! أن ما أنزل هذه الآيات إلا الله، الليل والنهار، الشمس والقمر، الهواء والماء والضياء؛ كلها من رب الأرض والسماء. دخل موسى يدعو إلى لا إله إلا الله، إلى التوحيد، فقال له المجرم وهذا من رعونته وفشله: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49] قال الزمخشري: لله در موسى من جواب: قال موسى كما قال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] ولو قال موسى: ربنا حكيم: لقال أنا حكيم، لأنها صفة نسبية مشتركة، ولو قال: ربي عليم، لقال: أنا عليم، لأنها أيضاً صفة نسبية مشتركة، ولو قال: ربي قدير، لقال فرعون: أنا قدير، لأنها صفة مشتركة، لكن قال: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] قال: فلكمه على وجهه، أي أعطاه كفاً حاراً على وجهه وهذا فعل طائش. وانظر إلى A أعطى كل شيء خلقة، أعطى النملة خلقها، مع النملة قلب وعينان، وأذن وسمع وبصر، تأخذ الحبة وتدخرها للشتاء، من علمها أنه سوف يأتي الشتاء؟! من علَّم النحل أن تجتني الثمرة وتجمعه في الخلية، فيخرج عسلاً، ومن علَّم الطفل يوم خرج من بطن أمه أن يرضَع من ثدي أمه ويتناول اللبن؟ ذاك هو الله. والنحل قل للنحل يا طير البوا دي ما الذي بالشهد قد حلاكا وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله: كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا وينتهي الصراع مع موسى وفرعون بنتيجة مخزية لفرعون، يقول الله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص:8]. لقد أخطئوا كثيراً ولقد أساءوا في الحسبان، عندما تمردوا على الله، وحاربوا المساجد، وأدخلوا الجنس البلاد، لقد دعوا إلى نزع الحجاب عن المرأة، والعلمنة والحداثة سفاحاً جهاراً نهاراً، إنهم كانوا خاطئين، فأغرقه الله في البحر، وانتصر موسى وبقي التوحيد، واستمر العهد، ولكن الصراع لم ينته بعد، وينتهي الصراع يوم يقول الله: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7]. فيا شباب الصحوة! ربما تذَّمر متذمر، وخاف خائف من كثرة المفاسد وهذه هي الحياة، فالرسول عليه الصلاة والسلام أخلص الناس، وأصدقهم وأبرهم، لم ينه المفاسد في عهده، وما زال الفساد موجود. جلد صلى الله عليه وسلم الزاني، ورجم الزاني الثيب، وجلد شارب الخمر، وقطع يد السارق، وقتل القاتل، وهذا دليل على وجود الفساد في ذاك المجتمع، لأن سنة الله وحكمته وأمره نفذ، وهي سنة كونية أن يكون هناك صراع عالمي بين الخير والشر، وتستمر الملحمة.

قصة إبراهيم عليه السلام مع النمرود

قصة إبراهيم عليه السلام مع النمرود يدخل إبراهيم عليه السلام إمام التوحيد وأستاذ العقيدة، شيخ لا إله إلا الله، الذي أتى بالتوحيد الصادق، يدخل على النمرود، فيقص الله لنا القصة في قالب جميل بديع أخّاذ، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة:258] من أخص خصائص الله أنه يحي ويميت. ولا يحيي ويميت إلا الله، والملوك يموتون، والأطباء يفنون: مات المداوي والمداوى والذي صنع الدواء وباعه ومن اشترى وبقى الله!! تقضون والقدر المسيّر ضاحك وتقدرون فتضحك الأقدار ولا يدري الإنسان متى يموت، قال: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:58] كذاب ملحد مجرم، ولا يريد إبراهيم أن يسيره في الزندقة ويضيع الوقت معه، قال: كيف تحيي وتميت، فدعا أسيرين، فأطلق أحدهما، قال: هذا أحييته وهذا أمته؛ وهذا خطأ، فتركه إبراهيم فرضاً وجدلاً، وقال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258] فانظر أمامك إن الذي أتى بها من المشرق هو الله. تتبدى كل يوم وترسل أشعتها، والذي كلفها هو الله، فبهت وانهزم وانتصر التوحيد، ولكن بقي الصراع بين التوحيد والإلحاد.

قصة صاحب الجنة

قصة صاحب الجنة يقول سبحانه عن ملحد ومؤمن دخلا بستاناً جميلاً وحديقة غناء بين الشجر والماء، فالشجر يدلك على الله، والماء يدلك على الله: وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد تأمل درس التوحيد في النبات والحيوان، درس التوحيد في الأفلاك. تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65] قال تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} [الكهف:37]. قال أهل العلم: ترك الحديقة واستدل بخلقه يقول: أنت كيانك، وهيكلك، وقلبك وعيناك من الذي خلقها وأبدعها؟ قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] نومك ويقظتك دروس في التوحيد لو أبصرت ولكن قليل من يبصر. وهزمه ولكن بقي الصراع بين التوحيد وبين الإلحاد، بين الإسلام والعلمنة، وبين أولياء الله وأعدائه، والخاتمة لأولياء الله.

قصة العاص بن وائل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

قصة العاص بن وائل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} [مريم:77]. العاص بن وائل هذا المجرم أتى بعظم بالٍ وحته أمام الرسول عليه الصلاة والسلام في تحدٍ سافر، فيه سوء أدب أمام معلم الخير عليه الصلاة والسلام، أمام من أتى بلا إله إلا الله كما أتى بسعادة الإنسان. قال: يا محمد! أتزعم أن الله يحيي هذا العظم بعد أن يميته، قال: {نعم. ويدخلك النار}. لا يحييه فقط، لكن يحييه ويدخلك النار، فأنزل الله وثيقة العقيدة فقال: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78] قال: وأغفل الله اسمه، وهذا من عدم تعظيمه وتشريفه، من هذا الذي أتى ليضرب لنا مثلاً؟! من هذا الحقير الذي أتى ليتفلسف علينا بعد أن كبرناه وأطعمناه وسقيناه وأشبعناه؟ قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79] وانتهى الصراع، ولكنه لم ينته ويستمر مع الخلفاء والوزراء والعلماء والزعماء والفقهاء والكتّاب والصحفيين والشعراء حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

قصة الوليد بن يزيد مع المصحف

قصة الوليد بن يزيد مع المصحف قال ابن الأثير في التاريخ، 5/ 289: تولى الوليد بن يزيد الأموي الخلافة متأخراً، فلما تولى الخلافة كان فاجراً، ونسب إليه في التاريخ أنه كان ملحداً -والعياذ بالله- قال: ملأ بركة من الطيب (عطراً) وكان يشرب الخمر، فإذا سكر قفز في البركة، وقال: أطير إلى أين أطير -قل: إلى جهنم- فيطير على وجهه. وأخذ المصحف -كما يقول ابن كثير وابن الأثير والذهبي وغيرهم- ونصبه ليرى أي آية تخرج له، يرى هل هو سعيد أو شقي؟ يرى هل هو موحد أو ملحد؟ ففتح المصحف، فخرج له قوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم:15] فتح المصحف فأخرج الله له آية تؤدبه، فألقى المصحف وعلقه ورماه بالسهام، وقال: تهددني بجبار عنيد فهأنذا جبار عنيد إذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يا رب مزقني الوليد هذا الوليد بن يزيد المجرم الذي تهتك وأبكى عيون العلماء، وهو قريب من عصر النبوة، وبعض الحفاظ يقول: ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام في الأحاديث -قال تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134] لكن أريد أن أبين لكم أن الشر من قديم، والعداء على المسجد من قديم، والعداء على الصالحين والمصحف والعلماء والأولياء من قديم. أتى وأخذ قروداً وكلاباً معه وأراد أن يشرب الخمر على ظهر الكعبة، فقتله الله في الطريق، من يقول هذا، راجعوا التاريخ وكتب الحديث، يقول: أنت يا قرآن تهددني بجبار عنيد، وهأنذا جبار عنيد، أنا في الأرض. إذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يا رب مزقني الوليد هذه كلمة جرحت مشاعر المسلمين، ومع العلم أنه خليفة المسلمين وما كان له أن يفعل ذلك، لكنه الصراع بين الحق والباطل. وقبله بسنوات كان عمر بن عبد العزيز، فانظر الفرق بين الطائفتين، ذاك يحمل التوحيد والإيمان، ويبكي يوم الجمعة ويصلي الليل كله، ويوزع الأموال، ويقف على الأرملة ويتقلب بالليل باكياً فتقول له زوجته فاطمة: مالك لا تنام؟ فيقول: كيف أنام وأمة محمد عليه الصلاة والسلام في عنقي؟ ذاك العظيم عزل كل الوزراء الخونة في حكومة سليمان بن عبد الملك وأخذ الصالحين والعلماء وجعلهم جلاسه، اختار سبعة من العلماء للاستشارة، وقال: إياكم وثلاث: لا تغتابون في مجلسي، ولا توشون بمسلم إليَّ -يعني لا تخربون بيني وبين الناس- ولا تمزحون، وكانوا يحدثونه ويحدثهم في الآخرة فيقومون وكأنهم قاموا عن جنازة، لا إله إلا الله!

الإلحاد في الأدب

الإلحاد في الأدب دخل الإلحاد حتى في الأدب، عندنا أدب ملحد، وأدب مؤمن، وهناك أدب يبث، وباستطاعتنا بالوثائق أن نثبت أنه فجور، وقد أثبت من قبل كما تعرفون، وسوف يثبت إلى قيام الساعة، لأن الله يأبى إلا أن يكون صراع في القصائد القصص، المسرحيات، الخطب.

أدب أحد الشعراء الملاحدة

أدب أحد الشعراء الملاحدة يأتيك أحد الشعراء الملاحدة كما ذكر ذلك ابن الجوزي في صيد الخاطر يقول: أيا رب تخلق أغصان رند وألحاظ حور وكثبان رمل وتنهى عبادك أن يعشقوا أيا حاكم العدل ذا حكم عدل سبحانك اللهم؛ تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. يقول ابن الجوزي: هذا المفضوح أصابه الله بقارعة، ودائماً الملاحدة يلطمهم الله لطمات، قال تعالى: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة:126] يقولون: إن أحد الشباب الملاحدة دخل مستشفى، ودخل عليه الدعاة، فقالوا: تب، كم يأتيك من الحوادث، كم يأتيك من الأمراض، كم يأتيك من اللطمات، فيتوب إذا عاد على السرير، فإذا خرج نفث علينا بقلمه وبكفره وبزندقته. يقول: أيا رب تخلق أغصان رند أي: كيف تخلق الشجر الجميل. وألحاظ حور: نساء جميلات. وكثبان رمل وتنهى عبادك أن يعشقوا: وتقول العشق حرام، أيا خالق العدل! ذا حكم عدل؟ فيأخذه الله. والحسن بن هانئ: دخل هذا المجرم على سلطان فنسي الله، ونسى رهبة الله وعظمته، نسي ملك الملوك الذي نواصي الملوك بيده. وابن أبي ذئب دخل عليه الخليفة المهدي في مسجد المدينة، وابن أبي ذئب المحدث قرين الإمام مالك، الزاهد العابد يحدث فقام أهل المسجد جميعاً إلا ابن أبي ذئب لم يقم، فقال له: لماذا لا تقوم لي كما يقوم الناس؟ قال: أردت أن أقوم لك، فتذكرت قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فتركت القيام لذاك اليوم. قال: اجلس، والله ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت. يقول الأوزاعي لما سألوه: كيف وجد عبد الله بن علي العباسي. عبد الله بن علي العباسي عم أبي جعفر المنصور، الذي قتل في ساعة واحدة في دمشق ستة وثلاثين ألف مسلم، دخل عليه والسيوف مسلولة على رءوس الجنود، فزجره ونهاه وأمره، قالوا: كيف تجرأت عليه، قال: والله لما دخلت عليه صوره الله لي كأنه ذباب، وتصورت كأن عرش الله بارزٌ على الناس. قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51] والمقصود أن هذا تهتك على شرع الله.

أدب الحسن بن هانئ

أدب الحسن بن هانئ الحسن بن هانئ دخل على السلطان فقال: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار فصرعه الله كما يصرع أعداءه، وأخذه أخذ عزيز مقتدر، وأصابه مرض عضال، كان ينبح منه كما ينبح الكلب، ويقول في سكرات الموت: أبعين مفتقر إليك نظرت لي فأهنتني وقذفتني من حالقِ لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق أي: أنا لا ألومك، أنا ألوم نفسي، لأني ادعيت لك الألوهية وتعلقت بغير الله، قال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65] وقال تعالى: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص:5] وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} [الفرقان:60] الرحمن سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الذي تقطع جماجمنا لتبقى العقيدة من أجله والعبادة له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو تشريف لنا ليس لغيرنا.

أدب أبي العلاء المعري

أدب أبي العلاء المعري أبو العلاء المعري أسرف على نفسه، وكان يكتب أدب الإلحاد، وليس الإلحاد جديداً، الإلحاد في الأدب قديم، ولا تستغربوا إذا قرأتم بعض المقطوعات في المنشورات وهي إلحادية فإن شيخهم أبو العلاء المعري. يخاطب الله، سبحان الله! وإنما أذكر هذا لنبين الكفر والإلحاد: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]. عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه يخاطب الله عز وجل فيقول: ونهيت عن قتل النفوس تعمداً حتى بعثت لقتلها ملكين وزعمت أن لها معاداً ثانياً ما كان أغناها عن الحالين يقول: يا رب! كيف تحرم قتل النفس العمد، وأنت ترسل ملكين وقت سكرات الموت تقتل الناس؟! ولماذا تخلق الإنسان إذا أردت أن تميته؟! أعوذ بالله، وتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64] هذا هو الإلحاد، مدرسة الأدب المدبلجة التي تتظاهر لنا بالإسلام وفي باطنها سم مدفون من الإلحاد والفجور والعياذ بالله.

أدب التلمساني

أدب التلمساني قال ابن تيمية في الفتاوى (2/ 471) عن الفاجر التلمساني: أما هو فأخبث القوم وأعمقهم في الكفر، ثم قال: ولهذا كان يستحل جميع المحرمات حتى حكى عنه بعض الثقات أنه قال: البنت والأم والأجنبية شيء واحد، وليس في ذلك حرام علينا، وإنما هؤلاء المحجوبون قالوا: حرام، فقلنا: حرام عليكم. وكان يقول: القرآن كله شرك، ليس فيه توحيد، وإنما التوحيد في كلامنا. هذا الفاجر التلمساني -يسمونه عفيف التلمساني - عنده مدرسة وكتب منشورة في العالم الإسلامي تطبع، هذا المجرم يقول هذا الكلام، وله صحف تؤيده وتؤيد مساره، وآخر ما رأيت هذه الليلة مقالة على مقالة الفاجر التلمساني في صحيفة جنس فاضح، فيها تحليل ما حرم الله، دعوة إلى تهتك الأمة وعدم وجود شريعة، والقائل صاحب الصحيفة يقول فيها: "إلى متى تظل الركائز المعرفية للإنسان حكراً على شيء يمكن أن يكون ويمكن ألا يكون". معنى الكلام: لماذا يبقى الدين هذا؟ لماذا تبقى لا إله إلا الله؟ هل رأيتم الله؟ مكن أن يكون ويمكن ألا يكون؟ هذه كلمة عصرية كتبت قبل أسبوع هنا في البلاد، أليس هذا هو الإلحاد، أصبحت الأمة مثل الأبقار لا يعرفون ولا يفهمون مقاصد اللغة. حدثنا بعض الدعاة: أن بعض العرب ذهبوا للدراسة في أمريكا، وبعضهم إذا ذهب يظن أن الله في الجزيرة فقط فيقول: كانوا يجتمعون، ويتبادلون الزوجات والعياذ بالله. وهذا ثابت عنهم، والناقل داعية بصير يعرف ذلك، وهذه تسمى طريقة التلمساني التي يقول فيها ابن تيمية في المجلد الثاني: "ويرى هذا أن البنت والأم والأجنبية شيء واحد" يقولون: كان يستخدم بناته -عليه غضب الله- ويريد الذين لا يؤمنون بالله من أفراخ العلمنة أن يوصلوا الأمة إلى هذه المأساة وإلى هذه النهاية. والمصيبة والضربة القاصمة أنهم يقولون: الدين شيء خاص بك، صلاة الضحى والاستسقاء لك، لكن لا تأمر بالمعروف ولا تنه عن المنكر، يزعجهم أن تخرج إلى الشاطئ وتنهى وتغضب ويتمعر وجهك، فوالله ثم والله ثم والله إن لم نخرج إلى الشواطئ والسكك والشوارع؛ فنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ليغضبن الله علينا، ثم ندعوه فلا يستجيب لنا، ثم يلعنا كما لعن الذين من قبلنا، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. إن الإسلام السلبي هو إسلام النوافل الخاصة، ورسول الهدى عليه الصلاة والسلام لا يعترف بهذا، وهذه الفلسفة التي ينثرها بعض الناس يقول: هذا وقت الفتن فر منه فرراك من الأسد، ويأتون بحديث أبي سعيد الصحيح عند البخاري: {يوشك أن يكون خير مال المرء المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر؛ يفر به من الفتن} فينزوي في شقته ويغلق بابه، ويترك الأمة تمور -والعياذ بالله- في الفجور والخمر والسفور، واختلاط الأجانب بالأجنبيات وانهداد الأمة، هذا أول ما يُبدأ به، أول ما تأتي المصيبة على هذا المتخلي. وقد ورد في الإسرائيليات: أن جبريل عليه السلام، نزل يدمر قرية وفيها عابد، فأخبر ربه بالعابد والله يعلم، قال: به فابدأ، أسمعني صوته لكنه لم يتمعر وجهه غضباً لي. ما للأمة؟! ماذا أصاب الجيل؟! ماذا أصاب الشباب؟! ماذا أصاب العلماء؟! المنكرات صباح مساء، لا نطالبهم بالضرب ولا بمد الأيدي، مد الأيدي له جهات مسئولة، لكن اتقوا الله، كلمة: اتق الله، كلمة: تحجبي يا أمة الله، كلمة: حرام، لا يجوز، كلمة: خافوا من الله، ما للأمة سكتت؟! يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح وهذا عند أحمد: {لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليخالفن الله بين قلوبكم} الحديث. يقول سفيان الثوري: أنا إن لم آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر أغمي عليَّ، وقد ذكروا ذلك عنه. ولكم أن تعودا إلى ترجمته. يغمى عليه ويفقد شعوره، لا أن يصل إحساس الإنسان إلى أن يتبلد ويموت: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام إنما يريد هؤلاء الشباب أن ينقذوا الشباب ويحفظوا أمن الأمة، وأمن الصحوة، وأما لو تركناها لمسيرة التلمساني وفروخه وأتباعه، ضربوا الأمة على دماغها ضربة لا تفلح بعدها أبداً. وكان ابن تيمية إذا صلى الفجر سبح إلى طلوع الشمس، ثم يصلى ركعتين وينزل إلى السوق، وعنده مقص في جيبه يقص به شوارب البطائحية الفرقة المبتدعة، وعنده عصا يجلد ويؤدب ويقيم الموازين، ويتكلم للبقالين ومعه تلاميذه، ويأمر بالحجاب، ويأمر من أسبل إزاره أن يرفعه، والحليق أن يربي لحيته، هذا هو الإسلام وهذا هو الدين، ليس الجلوس تحت المكيف، وتأليف الرسائل التي كأنها قطع السندوتش، وليس التفكير من أدب راقي أو من برج عاجي، والإسلام لا يعترف بالمفكرين ويعترف بالعلماء الذين يحملون قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء العلماء يقول سبحانه فيمن كتم علمه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187]. من منا لا يحفظ الفاتحة؟! {بلغوا عني ولو آية} {نضر الله امرأً سمع مقالتي فأداها كما سمعها} لا نريد عواطف ولا حماساً هائجاً، ولا نريد تصرفات بالكلام، نريد فعلاً منضبطاً ينهي المفاسد بالبلد وينهي الإجرام ويحد من الفواحش، ينهي تسجيلات الجنس والكاسيت والفيديو المهدم والمجلات الخليعة، وتبرج النساء وانحطاط العلمنة، نريد فعلاً حكيماً منضبطاً حتى يؤدي ثمرته. وقد ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى، قال: ولهذا حدثني الثقة، أن ابن سبعين كان يريد الذهاب إلى الهند وقال: "إن أرض الإسلام لا تسعه، لأن الهند مشركون يعبدون كل شيء حتى النبات والحيوان". وابن سبعين من الملاعين وله مدرسة موجودة إلى الآن، قال: أريد أن أخرج إلى الهند، لأن عندهم حرية فكر وعندنا إرهاب فكر، عندنا نحن المسلمون إرهاب فكر، لكن الهند عندهم حرية فكر، لأنهم يعبدون النبات والحيوان. يريد أن يتفسخ مثلما يفعل بعض الناس بالذهاب إلى بانكوك، يحج أو يعتمر ليهدم لا إله إلا الله هناك، وليلغي إياك نعبد وإياك نستعين. إذاً فالضياع من قديم، وإذا نظرت تجد ذاك حتى في العهد البدائي من العهد الإسلامي، كان يريد أن يذهب إلى الهند أما هنا فيوجد فقهاء وعلماء وأخيار ودعاة وصالحون، ويريد أن يأخذ حريته ونفسه هناك، مثلما يفعل بعض الناس اليوم، يذهب يعربد ويعود لاغياً ملهياً، هداه الله ورده إلى صوابه. وأنا أعرف رجلاً ألف كتاب صراع بين الإسلام والوثنية، في مجلدين، ومن يقرؤه كأنه يقرأ لـ ابن تيمية، وهو من أهل هذه البلاد. هذا الرجل فيه ذكاء عجيب، ولكن قبل أن يلحد هذا الرجل يشم رائحة الإلحاد من هذا الكتاب، وما كانت الخاتمة؟ ألحد وكفر بالله. ثم خرج من البلاد وألف كتاب الأغلال ويعني بالأغلال المسجد ومكة وزمزم والحجر الأسود، وخرج وهو الآن في سن الثمانيين، ومن رآه يقول: كأن الليل أظلم في وجهه، وأصابه الله بالتعاسة والتعب والاضطراب، حتى ذهب إلى مدينة عربية، ثم انتقل إلى الأخرى، وهو بين الفينة والأخرى يكاد ينحر نفسه. قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. رأيت يوم الخميس الماضي جريدة الظهيرة، وفي افتتاحيتها خطٌ كبير تقول فيه: طبيب السرطان ينحر نفسه، هذا أشهر طبيب في العالم كان يعالج المرضى من السرطان، أصابه فراغ داخلي، عالج المرضى ولكن لم يعالج روحه، يعيش في ضنك، والله كتب عليه ذلك، فأخذ السكين ثم دخل المطبخ وذبح نفسه ومات، وصورته موجودة، وهذا مثبت في وكالات الأنباء. وهذا يدلنا على أن التعاسة موجودة حتى يسلم الإنسان وجهه لله ويعود إلى الله، ووالله لا يرى النور ولا يرى السعادة، ولو ملك الدور والقصور والمناصب، والسيارة الفخمة، حتى ينهج منهج الصالحين. وبعض الملاحدة إذا أرادوا أن يجتمعوا بـ المقالح والبياتي خرجوا سراً بينهم، وعندهم مدن معروفة بفنادق يجتمعون فيها، ويوزعون أدوارهم كيف يكتبون؟ ما هي طريقة العرض في الصحف؟ وما هي المرحلة القادمة لكي نبث سمومنا وأفكارنا؟ فيأتوننا كل يوم بدبلجة وكل يوم بتخطيط، وكل يوم بثوب جديد.

طريقة الملاحدة في التوفيق بين الإيمان والإلحاد

طريقة الملاحدة في التوفيق بين الإيمان والإلحاد وقد ذكر ابن تيمية في الجزء الثاني من الفتاوى قال: فيقول هذا ليس بين التوحيد والإلحاد إلا فرق لطيف. اسمع: يقول: من هؤلاء الذين يفرقون بين الإلحاد، هذا منطق الإلحاد، هذا منطق النفاق: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء:62] هؤلاء يقولون: لماذا تكفرون الناس؟ إنسان يسب الله ويسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسب الإسلام، ويسب الكعبة، ويسب أبا بكر وعمر، فإذا كفرناه قالوا: متعجلون متهورون متطرفون متزمتون، لا يحق لكم ذلك. وقالوا: لا تكفروا الناس، ولا تثوروا الناس علينا، الناس فيهم خير وأنتم تسيئون ظن الناس بنا، ولقد جلست مع أحد الأدباء النفعيين، أدب البطن والنفع، أدب الباذنجان والجرجير الذي لا يرضاه ابن الدين، تنصب له اللافتات لكنه لا يحمل إياك نعبد وإياك نستعين؛ فهو متهالك ميت ليس عنده جذوة إيمان، ومنذ أن خلقة الله لم يتمعر وجهه لله، قلت له: لماذا هذا المجال يفتح؟ لماذا أنت تكون سبباً ولافتة يعملون المفاسد من تحتها؟ قال: لا تسيء الظن بشبابنا، فهل نقرأ الكفر ولا نسيء الظن؟! قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء:62]. يقول ابن تيمية: فيقول هذا: ليس بين التوحيد والإلحاد إلا فرق لطيف، مثلما تعرفون، يقول: يمكن ألا نتوافق بالآراء ولا نختلف بدون إزعاج واستثارة. قال سيد قطب: "لا. إنه التوحيد لا يقبل أنصاف الحلول، إنه التوحيد لا يرضى بالخلط بين الأمزجة والأفكار، إنه التوحيد لا يرضى بالجمع بين المتناقضات. {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1 - 6] توحيد خالص أو كفر خالص. وتقريب وجهات النظر واللعب بدين الله حرام، وإنما ذكرت هذا لأن بعض الناس قد يأتي بحسن نية أو بضعف أو بجهل في الإرادة أو بسوء نية فيقرب بين الأفكار، ولا بأس أن يكتب هنا من الإيمان، ولك مجال، واترك هؤلاء مالك ولهم، الله يحاسبهم. ويكون منطقنا نفسي نفسي إننا في الآخرة مسئولون عنهم، نحن نتكلم لهم. أعجبني كاتب مسلم يقول في كتاب له: من أتانا في كتاب مليح يتوافق مع القرآن والسنة قبّلنا رأسه، ومن أتانا بكلام كفر ملأنا فمه تراباً. قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]. قال ابن دقيق العيد: إنما استولى التتار على بلاد المشرق لظهور الفلسفة فيهم وضعف الشريعة. وصدق فقد وقع هذا، فإنه إذا ضعفت معالم الشريعة في الأدب، والعلم، والسوق الشارع؛ انهزمت الأمة. والأمة لا تهزم بعددها وقلتها، وإنما تهزم بمعاصيها وذنوبها، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112].

السلاجقة والتوفيق بين الشرع والإلحاد

السلاجقة والتوفيق بين الشرع والإلحاد السلاجقة كانوا يقودون المسلمين مع التتار، لكن السلجوقي يصلى في المسجد ويشرب الخمر، لا يعرف حتى الفاتحة، إسلام شكلي عليه وصايا. يقول ابن دقيق العيد: استولى التتار علينا بذنوب هؤلاء الذين لا يفهمون الإسلام، ويريدون إحساناً وتوفيقاً، ويريدون مزج المجتمع والأمزجة، العلماني مع المسلم، والمصلي مع الفاجر، والشاطئ الأحمر مع المسجد، المصحف مع المجلة الخليعة، هذا لا يصلح، ولا يقر، قال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] الخالص: الغير مشوب بشيء من المعاصي، ومن الرياء والسمعة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [يونس:22]. وما فعلته العلمانية بالعالم الإسلامي مثلما فعل التتار ببلاد المشرق، وهو الصراع بين التوحيد والإلحاد، وسوف يستمر هذا الصراع.

التوفيق بين الشرع والإلحاد عند أتاتورك وبيلا ومحمد علي

التوفيق بين الشرع والإلحاد عند أتاتورك وبيلا ومحمد علي أتى الأتراك أولئك المساكين الأحباب سلام الله عليهم، قدموا دماءهم، ويوم انتصر مصطفى كمال أتاتورك وتولى الرئاسة مزق المصحف، وألغى الإسلام، أين إيمان الأتراك؟! أين إسلام الأتراك؟! قدموا دماءهم من أجل هذا المجرم، وهم أهل الخلافة. وأتى أهل الجزائر فقدموا أكثر من مليون قتيل، حتى طردوا الفرنسية وأتى أحمد بن بيلا هذا المتشدق بالإسلام الذي حفظ القرآن في السجن، وأتى ليستجلب شباب الصحوة وأصحاب الرأي العام، حتى يؤيدوه. قال تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:14 - 16]. أتى أحمد بن بيلا فألقى الإسلام، ويسميه إسلام الحيض، وإسلام الغسل من الجنابة، ويقول: صلوا صلاة الاستسقاء، وربما صلى الجمعة أحيانا بموكبه، ولكن السذج صدقوه، ولكن أين تحقيق الإسلام؟ أين الإعلام المسلم؟ أين تحكيم القرآن والسنة في حياة الناس؟ وأتى محمد علي جناح، وصدقه أهل باكستان، وأيدوه، ولما تولى أول مرسوم، جعل دين البلاد العلمنة، فأين الإسلام والإيمان والكعبة؟ وهكذا قال تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذريات:53] الطغاة لم يتواصوا، فلم يوصِ أتاتورك ابن بلا ولا أوصى ابن بلا محمد علي جناح، ولكنهم قوم طاغون، ويستمر الطغيان في الطاغين حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

من أخبار الضلال عند الموت

من أخبار الضُلاّل عند الموت

أخبار ابن الفارض

أخبار ابن الفارض أحد هؤلاء الموسوسين المهلوسين وهو ابن الفارض حضرته سكرات الموت، فرأى أهوالاً في سكرات الموت فقال: إن كان منزلتي في الحب عندكم ما قد لقيت فقد ضيعت أيامي أمنية ظفرت نفسي بها زمناً واليوم أحسبها أضغاث أحلام يقول: كنت أظن أنني مهتدي وأنا ضايع: قال تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] يقول أهل العلم: بدا لهم في سكرات الموت. ويقول بعضهم: بل بدا لهم في القبر. وقال فريق من أهل العلم: بل بدا لهم في الآخرة، وأنا أظن والله أعلم أنه بدا لهم في سكرات الموت، فإن الله يظهر للفاجر فجوره وللموحد توحيده. وكان ابن المبارك وهو في سكرات الموت يتبسم قالوا: مالك يا أبا عبد الرحمن تتبسم؟ قال: لمثل هذا فليعمل العاملون، وهي بشرى المؤمنين، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} [فصلت:30] قالوا: عند سكرات الموت، وهي بشرى المؤمن، تقول له الملائكة: لا تخف ولا تحزن، وأما الفاجر والملحد والمتهتك، فتقول له الملائكة: ويلٌ لك، ويل لك يا عدو الله، فيأتيه الحزن والرعب، ويأتيه قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]. ذكر وكيع في كتاب الزهد أن ابن عمر قرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] فبكى حتى كادت أضلعه تختلف، قالوا: مالك يا أبا عبد الرحمن، قال: أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الإيمان، ونعوذ بالله أن يظهر لنا ما لم نكن نحتسب وما لم يكن ببالنا يخطر. إن المؤمن في هذا العصر الفاسد المفسد على خطر عظيم، ولولا الله ثم هؤلاء الأخيار الأبرار الذين يحفظ بهم البلاد وأمنها وسكينتها ورشدها وإسلامها، لذهبت الأمة سدى.

التلمساني في نزعه الأخير

التلمساني في نزعه الأخير الفاجر التلمساني وهو في سكرات الموت، قالوا: تغير واضطرب، وأخذ يهذي بكلام، فقالوا: قل لا إله إلا الله، قال: لا أعرف، قل لا إله إلا الله، قال: لا أعرف، قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. يقول ابن القيم في كتاب الجواب الكافي: حضّروا رجلاً عاشقاً، يعني فناناً مطرباً، والأمة مصدرة للفنانين والمطربين، ولا ينقصها مطرب ولا فنان، بل ينقصها مهندس وطبيب، أما الفنانون فبكثرة كاثرة أسأل الله أن يهديهم، هذا المطرب حضرته سكرات الموت، وكان يعرف تن، تن، تن ولا يعرف (قل هو الله أحد) ولا يعرف (حم. تنزيل الكتاب) يعيش على الأغنية الماجنة، قالوا: قل لا إله إلا الله، قال: أين الطريق إلى حمام منجاب يعني أغنيته في الحياة كانت هذه. وسمعت مقطوعة للشباب هي كفر، يقول: الله الأول أحبك يالوطن ثاني. هل سمعت الشعر الحديث المطور التكنولوجي، تعالى الله بل تفرد الله، وتعالى الله عما يقول الفسقة علواً كبيراً.

احتضار أحد التجار

احتضار أحد التجار وقال ابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين، حضّرنا رجلاً من التجار، كان يضرب على وتره، وبعض التجار ساقط في تجارته يعبد الدرهم والدينار {تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة} والحديث في صحيح البخاري، وبعضهم يعبد الموديل الجديد من السيارات, وبعضهم يعبد الوظيفة وبإمكانه أن يسجد حتى يحصل على الوظيفة، وبعضهم يعبد الشهوة، وهناك أناس يعبدون الواحد الأحد، نعم وهم أنتم أيها الأخيار الأبرار، وهم أنتم يا من رفع التوحيد: فإما حياة نظَّم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا رضينا بك اللهم رباً وخالقاً وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى للمطايا طيب ذكراك حادياً يقول إذا سرينا في ظلام الليل وأنت قائد المسيرة فلا نخاف، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] وفي ذات مرة كلمني أحد الشباب، قال: أنا مصروع، قلت: من جان؟ قال: لا. ذهب بلبي حب فتاة. أعوذ بالله، قلت له: هل تصلى الفجر في المسجد؟ قال: لا أصلى الفجر. وابن تيمية يصلى صلاة الفجر في المسجد، وهذا مرهم يعالج القلوب، ولا يعرفه إلا أهل الفجر في المسجد، أما الذين ينامون أو يلعبون الكيرم إلى صلاة الفجر فلا يجدون مرهماً ولا طباً، وفي الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: {من صلى الفجر في جماعة، فهو في ذمة الله؛ فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار} يسقط أهل المخدرات في المخدرات لأنهم لم يصلوا الفجر في جماعة، ويجلس السفهاء في الشارع يتهتكون على بنات المسلمين لأنهم لم يصلوا الفجر في جماعة، ويفسدون في البلد وينشرون الإلحاد لأنهم لم يصلوا الفجر في جماعة، وقس على ذلك. هذا التاجر ذكره ابن أبي الدنيا: قلنا له: قل لا إله إلا الله، قال: خمسه في ستة، كم تصير؟ قلنا قل لا إله إلا الله، قال: خمسة في ستة كم تصير؟ تصير إلى سوء المصير. وذكر ابن تيمية أن الشيخ إبراهيم الجعبري -أحد المشايخ الصالحين- قال: رأيت في منامي ابن عربي وابن الفارض وهما شيخان، وابن تيمية يؤيد هذه الرؤيا. ابن عربي هذا صاحب الفصوص الذي أبطل النصوص، وصاحب الفتوحات المكية، وهو ظلم وظلام والعياذ بالله، وابن الفارض. يقصد ابن تيمية أن الشيخ الجعبري رأى ابن عربي وابن الفارض في المنام وهما شيخان أعميان يمشيان ويتعثران، ويقولان: كيف الطريق؟ أين الطريق (اهدنا الصراط المستقيم)؟ أين طريق المسجد؟ أين طريق الاستقامة؟ أين طريق التوبة؟ وانتهيا وهما لا يعرفان (إياك نعبد وإياك نستعين) لا يعرفان لا إله إلا الله. وأنا أعرف أن هناك فرقاً في العالم تتبع ابن عربي، وقد كشف زيفها ابن تيمية وفضحها على رءوس الأشهاد، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن هؤلاء: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. والأستاذ الشهرستاني -يسمى الأستاذ من ذكائه- ذكي متوقد، لكن ليس كل ذكي زكي بعضهم ذكي، لكن يستخدم ذكاءه في الإلحاد والكفر والتعرض للصالحين، وعداوة أولياء الله، والطعن في الدين. هذا الشهرستاني ينسب إليه أنه قال: لعمري لقد طفت المعاهد كلها وطوفت طرفي بين تلك المعالم فلم أرَ إلا واضعاً كف حائرٍ على ذقن أو قارعاً سن نادم ما معنى الأبيات: يقول: أنا بحثت في الجامعات والمؤسسات عن الهداية فلم أجدت إلا محتارين، وجدت الناس حيارى، أين الهداية هذه. فرددت عليه ببيتين، قلت: لعلك يا أستاذ ما زرت أحمداً رسول الهدى المبعوث من خير هاشم فوالله لو قد زرته الدهر مرة لما كنت نهباً للصقور القشاعم أنت لم تعرف طيبة، ولم تعرف القرآن ولا زمزم، ولا عرفت الحديث، وذهبت تلتمس الهداية عند الرازي وعند ابن سبعين، وعند ابن عربي، فتقول: كلهم حيارى، نعم حيارى، لكن اذهب إلى أبي بن كعب، وابن عباس، ومعاذ وابن تيمية، ومالك، وأحمد والشافعي، وأبي حنيفة فكلهم والله مبصرون، على هدىً من ربهم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

أبو العلاء المعري بعد الموت

أبو العلاء المعري بعد الموت ذكر ابن كثير عن أبي العلاء المعري الملحد الزنديق -لا ندري ما الله صانع به، أما كلامه فإلحاد وزندقة- قال: لما توفى وضعوه في قبره فجاءته حية -وهذا في البداية - قال: فأخذت فرجه بفمها، وأخذت لسانه بذنبها، قال تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16] وعذاب القبر نقره ونشهد به، ولو لم ينقل لنا لعلمنا أن عذاب القبر موجود قطعي عند أهل السنة والجماعة، لكن قصدي أن مثل هذه القصة ينقلها حافظ، وهي مصير هؤلاء الخونة المعرضين عن الله، ووالله إن القلق لعذاب الله لهم في الحياة الدنيا شديد، وإنهم ليعيشون حياة الضنك. يقول أحد الدعاة سافر إلى روسيا ومر بـ موسكو: قال: ورأيت هناك معسكراً يجتمع فيه البشر -وهذا في عهد جرباتشوف - فذكرت قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] قال: والله إنهم مثل الحمير، لا يجدون الخبز، جعلوا لهم الماء في صحون، مثل الحيوانات يشربون في صحن واحد. وفي ذات يوم سافرت إلى واشنطن والتقينا بأحد الدكاترة، رئيس معهد الفكر الإسلامي، وقد رأينا أن نسأله مال هذا الشعب المبهوت؟! الشعب الأمريكي، لا رقي في الروح ولا اطمئنان، ولا سكنية، كل يلهث، عليهم البهت والاضطراب، قلنا: ما لهم؟ تبسم وقال: والله الذي لا إله إلا هو منذ أن وصلت إلى أمريكا وأنا أتذكر قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} [الأنعام:110] لا يصبحون مطمئنين أبداً، يصبح يلهث ويملك المادة، ويملك كل شيء لكن السعادة لا يملكها، والله لن ينالها {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون} [الأنعام:110].

كونوا أنصار الله

كونوا أنصار الله إنها مسيرة من الصراع العالمي كما أسلفت، ونحن في هذه اللحظة نعيش هذا الصراع وسوف يعيشه من بعدنا، ولكني أقول لكم: {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} [الصف:14] كونوا في صف حزب الله، كونوا مع الله، أيدوا لا إله إلا الله، فوالله إن الساكت لشيطان أخرس، وإنما افترى على نفسه وكتم ما آتاه الله من علم معرفة، وأساء إلى مصيره ومستقبله مع الله، إن دعاة العلمنة يدعون إلى العلمانية والإلحادية والبعثية والشيوعية والنصرانية واليهودية فأين أنت يا موحد؟ أين أنت وأنت رجل الكلمة الحقة؟ أين أنت وأنت الثابت على الكلمة الأصيلة؟ أين كلمتك؟

الإصلاح في جانب النساء

الإصلاح في جانب النساء الصراع في جانب النساء: صراع بين المرأة الوقورة المتحشمة المتحجبة، والمرأة المتهتكة المعرضة عن منهج الله، المرأة التي تدوس الحجاب وتتشدق على الصالحين، المرأة التي لا تستحي على شرفها وعرضها وشرف أبيها وأمها. يريدون أن تنقلب المرأة من عاقلة متحجبة أرادها الإسلام: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] يريدون أن تكون المرأة عارضة أزياء، ودعاية للصابون وللصحف والمجلات والميراندا والببسي والشركات، يريدون أن تكون المرأة كالحذاء، سافرة في الفنادق والمنتديات والمنتزهات، يريدون أن تكون جندية مرور أو في الجيش تصارع الأبطال. أي مصيبة هذه؟ وكيف يصبح المجتمع وهذا حاله؟ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19]. وواجب المرأة هنا أن تجاهد وتدعو وتتحرك بلا إله إلا الله، وأن تنشر دعوة الله في صفوف النساء، وأن تكون قائمة على منهج الله، يقول عليه الصلاة والسلام: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} هذا والله المكسب. فيا أمة الله كوني داعية، وجهي جيل النساء والأمهات أن يعتصمن بالحجاب، وبتقوى الله والستر والعفاف، وأن يكن كما أراد صلى الله عليه وسلم. من هو الذي أعلن حقوق المرأة هو زولا الفرنسي، الذي يقول: أنا أشك في المرأة أنها إنسانة، وألف كتاباً في الجنس؟ أهو نزار قباني الذي ألف ديوان العاشقين عليه غضب الله؟ وأنا أنصحكم لا تدخلوا شعره بيوتكم، أخرجوا دواوينه وشعره من بيوتكم، وليقل كل واحد منكم: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثاً. يقول في سمير العاشقين وهو يخاطب المرأة: يجوز أن تثوري يجوز أن تعربدي يجوز أن تخرجي عارية أمام الناس هذا من شعره، وهناك شعر أطم، أجلل هذا المنبر، وأقدس هذا المكان أن أذكره فيه، وأحترم هذه الوجوه الغالية والقلوب المؤمنة أن يذكر أمامها مثل هذا الكلام على صاحبه غضب الله اللهم انتقم لنا منه. وشعره هذا يسري في البيوت، والله لقد بلغ بعض القرى، وله ثلاثة دواوين كبرى ديوان واحد يستطيع أن يدمر به مدينة كاملة، بل شعباً كاملاً. ماذا نقول للمرأة؟ أين كتاب الله؟ أين سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أين كتب أهل العلم؟ أين من ينشرها في الناس؟ تترك الساحة لمثل هؤلاء الفجرة الذين لا يؤمنون بالله، قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] إن تطعهم والله يلغون المسجد، ولا إله إلا الله! وغداً إذا أطعتهم ووافقتهم تخرج بنتك، ثم لا تستطيع أن تخرج عليها ولا أن تأمرها ولا أن تنهاها. فيا رب احفظ علينا عرضنا، وشرفنا، وديننا، وكرامتنا في ظل لا إله إلا الله. قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] معاذ الله أن نرضى بغير حكم الله، ما دام أن لنا قراراً في الأرض ونريد شرعة الله، وأن نحيا حياة سعيدة. ويوم نتخلى عن الدين، والله لتضيع مقدساتنا وسعادتنا، والصراع سوف يستمر، ومن لم يعش هذا الصراع فهو مدفون وسوف يعيش في عالم الأموات وهو مكفن، يأكل ويشرب لكنه لا يصارع.

المجاهدة بالنصيحة

المجاهدة بالنصيحة والله يحب من أوليائه المجاهد والدفاع، قال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} [المائدة:35] ويقول سبحانه: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54] ويقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة:111]. ذكر الإمام أحمد بسند جيد عن أبي ذر قال: {بايعني صلى الله عليه وسلم خمساً وأشهد عليها سبعاً، وعرف بي تسعاً أو -كما قال- أن لا أخاف في الله لومه لائم}. وروى ابن حبان عن أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه قال: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخمس -وفي رواية بثمان- أن أقول الحق ولو كان مراً} وذكره ابن حجر وصححه في بلوغ المرام قل الحق ولو ذهب رأسك. وعند البخاري من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه وأرضاه قال: {بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شهادة أن لا إله إلا الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم -وفي لفظ- واشترط علي النصح لكل مسلم} فالله الله في النصح: {الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة} إنها لوصيتي وإن واجبنا أن نأمر بالمعروف وننهي عن المنكر وهو الصراع الذي يعيشه الإنسان في الشارع، وفي المقهى والمدرسة وفي ملعب الكرة، وفي الصحيفة والمجلة. أنا أمامي مئات من الشباب الأخيار صفوة المجتمع صفوة هذه المدينة حضروا هنا: فيهم الطبيب وصراعه مع الوثنية في عيادته، فيهم الأستاذ وصراعه مع الوثنية في فصله، وفيهم الأديب وصراعه مع الوثنية مع أدبه، وفيهم الصحفي وصراعه مع الوثنية في الصحافة، فالله الله {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] وقال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] أسأل الله أن ينصرنا وإياكم، وأن يرعانا وإياكم، وأن يتولانا وإياكم، وأن ينصر دينه وكتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Q شاب يحلق اللحية فيجد الغلظة والفظاظة من الملتزمين فنرجو النصيحة؟ A وأنت في توبة طيبة كأنك تريد الهداية الكاملة المطلقة، وما قلته يا أخي فنحاكم هؤلاء جميعاً إلى شرع الرسول عليه الصلاة والسلام، ونقول: إن الله تعالى يقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ويقول: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:159] ويقول: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فالفضاضة ليست واردة حتى مع طاغية الدنيا فرعون، أرسل الله موسى وهارون فقال تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. يا أخي: إن وجدت إنساناً أغلظ عليك بهذا فاعلم أن الكل لا يفعلون هذا، إن عندنا حكماء فطناء ألباء، لا يظن السامع أن الناس كلهم متطرفون كما يقولون، والله ما سمعنا أنهم أزعجوا أو أنهم روعوا الأمن، وما سمعنا أنهم أحدثوا في البلد فتنة، ولا زلزلوا الكيان، وإنما سمعنا الانضباط والحكمة والرشد والحمد لله، فأنت تحمّل هذه منا، ونضمن إن شاء الله ألا تعود إليك، ولكن نطالبك أمام هذا الجمع الحافل أن تطلق لحيتك كما أطلقها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فهو حبيبك وما حضرت هنا إلا لتحيي سنته، وترحب بدعوته وشرعته، وما حضرت هنا إلا لصلاح فيك وإشراق في قلبك، غيرك يوم أن حضر الناس هنا حضر في الشاطئ، وغيرك يوم أن أتى الناس يسمع المحاضرة هنا بقى يسمع الأغنية الماجنة، وغيرك يوم رفع الناس المصحف رفع المجلة الخليعة، فإنها ليلة أنت تولد فيها إن شاء الله بدعوات المؤمنين. هي ليلة فيها ولدت وشاهدي فيما رأيت الأرض والمريخ فنسأل الله أن نكون شهداء لك، وأن تكون شهيداً لنا عند الله على الهداية والاستقامة، ونسأل الله أن يثبتك وشباب الأمة، وأن يزيد فيكم من الصلاح.

فضل جيل الصحوة

فضل جيل الصحوة Q ما رأيك في شباب الصحوة؟ A الجواب واضح، وماذا تتوقع مني أن أقول: قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36] ماذا تريد مني أن أقول في أناس سجدوا لله يوم سجد غيرهم للكيرم والبلوت وكأس الخمر والمجلة الخليعة؟ ماذا تريد مني أن أقول في أناس جددوا هويتهم لله، يوم هوى غيرهم المذاهب الهدامة؟ ماذا تريد مني أن أقول في أناس شرفت بهم البلاد والعالم الإسلامي وأصبحوا تاجاً على رأس أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ والله إن القلب لينتعش إذا رأى هذه الوجوه الغالية الثمينة عند الله، يأتي الإنسان بلا كلام، فكأنه يتلقن من وجوههم الكلام فيندفع قوياً متكلماً، ماذا يقول في شباب الصحوة. شباب الصحوة الأمن والطمأنينة والسعادة. شباب الصحوة القوة والمناعة والحكمة. شباب الصحوة الهداية والاستقامة والالتزام. شباب الصحوة الإشراق والإبداع والكنز للأمة. أتظن أنا سوف نساويهم الليلة بمروج المخدرات، أو بفروخ العلمنة، أو بأذناب الحداثة، أو بالمتهتكين، أو بالنفعيين، أو بأكلة الرز الذين لا يعرفون (إياك نعبد وإياك نستعين) أو بالمردة الذين يريدون تلصيق الأمزجة والأقوال وجمعها في بوتقة واحدة كما يقولون، لا. يا أمة المجد قومي مزقي الحجبا وأشعلي في ليالي دهرك الشهبا أتذكرين صلاح الدين سفسطة من غير بذل صلاح الدين قد ذهبا قبر العظيم إذا ما زاره ذنب رغا وأزبد لا حييت يا ذنبا لو أخبروا عمر الفاروق نسبتهم واسمعوه الرزايا أنكر النسبا أبواب أجدادنا منحوتة ذهباً فما لها كلها قد أصبحت خشبا من زمزم قد سقينا الناس قاطبة وجيلنا اليوم من أعدائنا شربا لكن أبشر هذا الكون أجمعه أنا صحونا وسرنا للعلا عجبا بفتية طهر القرآن أنفسهم كالأسد تزأر في غابتها غضبا عافوا حياة الخنى والرجس فاغتسلوا بتوبة لا ترى في صفهم جنبا

نصيحة للشباب

نصيحة للشباب Q نريد كلمة للشباب؟ A أوصي الشباب في هذه المرحلة أن يحملوا الغيرة، ويجيدوا الوسيلة في تبليغ هذه الغيرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تكون الوسيلة خطأ، مقصدكم جليل وممتاز. والطريقة هي: العودة إلى العلماء والمشايخ والدعاة الكبار، ونوصيكم بالشورى ولا ندعو إلى عمل عجول طائش تكون مفسدته على الشباب، وردة فعله على شباب الصحوة سيئة، فليسأل الإنسان نفسه، وليتق ربه، لا نقول للإنسان مت، لا تحمل غيرة، هذا يصبح ميتاً ويصبح حيواناً، اشتعل بالغيرة في داخلك، ولكن نفذها في تصريف حكيم ينهى المنكر. يقول ابن تيمية في المجلد الثامن والعشرين: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر بلا منكر. بعض الناس إذا نهى عن منكر يأتي بمنكر أطم، ويأتي بمصيبة أعم، ولكن العلم وشورى الإخوة، وخطباء المساجد، والأئمة المشايخ، هي الطريقة السليمة لإنكار هذا المنكر وهذا هو المطلوب. وندعو الشباب إلى إنكار المنكر مع العلماء والمشايخ متى قاموا بإنكار المنكر، وإلا ماذا ننتظر، هل ننتظر أن يحل بنا ما حل بالقرى التي كانت من قبلنا لما أعرضت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ هل ننتظر قارعة من قوارع الله عز وجل؟ قبل فترة كنت في القويعية وبعد المحاضرة قام القاضي وأعلن في الناس أنه من غدٍ لا يباع أي شريط للغناء في هذا البلد أبداً، قال: وأخبرنا أنه اجتمع التجار في هذا البلد واشتروا تسجيلات الغناء وحوّلوها إلى تسجيلات إسلامية، وقبلهم بفترة اجتمع أهل الزلفي وفعلوا ذلك، وحوّلوا تسجيلات الغناء إلى تسجيلات إسلامية، وقام قاضيهم، وقال: من بعد هذا لا يباع شريط غناء أبداً. وهل هذا إلا النور، وهل هذا إلا الصلاح، وهل واجب القضاة والدعاة وطلبة العلم إلا أن يفعلوا هذا، أما أن يبقى الإنسان على وضع، ويفضي أسراره في هيجان وعواطف وسب وشتم في المجالس ليس بصحيح، ندعو إلى الحكمة الحية المنفذة المؤثرة التي تنفع، وكم أعجبنا ورفع رءوسنا ما فعلتم أيها الأخيار، فسلام الله عليكم. أيها الإخوة: يظهر من بعض الأسئلة أن بعض الناس يريد أن نظهر له عيوباً من عيوب الصحوة، ولا أدري ماله: أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا ويقول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث} يريدكم معصومين لا تخطئون أبداً ولا تذنبون، لا لكنهم يصلون الجماعة خمس صلوات، ويحملون القرآن والسنة، ويتمنون الشهادة صباح مساء، ويحافظون على أمن البلاد، لكنهم حكماء يريدون تثبيت المعروف وإنهاء المنكر وإنقاذ الأمة، لكنهم يريدون إسعاد المرأة في الدنيا والآخرة، هذه تكفيهم، الواحدة منها خير من الدنيا وما فيها، أما أنك تريد عيوباً فليس عندنا شيء، كلهم بركة ونور وهداية. أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا وإن وعدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا

كيفية تغيير المنكرات

كيفية تغيير المنكرات Q يخبرنا الأخ بالمنكرات التي تقع في جدة؟ A أيها الأخ الكريم: تكاثرت الظباء على خراشٍ فما يدري خراش ما يصيد وأنا أعرف أنها من اليمين والشمال ومن فوق ومن تحت، لكن بجهودك أنت وإخوانك وإخلاصك -بإذن الله- وتنوركم وتحمسكم -وأمامي حشد هائل- وجه الوجهة الصحيحة، لأن الشعب مسلم، الشعب لا يريد إلا لا إله إلا الله، والأمة تريد (إياك نعبد وإياك نستعين) هؤلاء الذين يدندنون بالعلمنة ليس لهم نصيب، أنا أعرف والله لو قام علماني في مسجد يريد أن يلقي خطبه لضربة الناس بالأحذية وأخرجوه، فلماذا الأمة كلها تريد الله والدار الآخرة، والناس يرحبون بالكلمة اللينة الهادئة الوقورة، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. يحيون الابتسامة، يحيون من يدخل إلى قلوبهم، ما سمعت أنا نصحنا رجلاً فأنكر علينا النصيحة أو رد علينا رداً لأنه على الفطرة، قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} [الروم:30] مؤمن في الأصل، ونريد أن تخاطبوهم بالفطرة وأن تدعوهم إلى العودة والله معكم.

أثر خطبة الجمعة على الناس

أثر خطبة الجمعة على الناس Q شخص يتحدث عن خطب الجمعة، وما لها من أثر في الناس، ويريد توجيههم؟ A يا إخوة! خطب الجمعة تكون حكيمة لا تكون ميتة، لا تكون دائماً في الحيض والغسل من الجنابة، والمسح على الخفين، بل تكون في شئون الحياة، لكن بدون تعرض أو جرح أو شتم، وتكون في الإيمان والسياسة، والاقتصاد والإعلام والأدب، تخاطب مشاكل الأمة، لكن بقالب من الحكمة والاتزان، والكلام الهادف الصادق، الذي لا يثير شغباً ولا مشاكل ولا يهيج الناس هيجاناً منحرفاً، إنما يفهم الناس بالواقع ويبصرهم بالعلاج، ويبصرهم الصواب ويعرفهم بالخطأ، هذه هي خطبة الجمعة. وأبو بكر رضي الله عنه كان يخطب الجمعة في حروب الردة في شئون الساعة، يتكلم ماذا فعل أهل الردة، وعمر يتكلم عن الجيوش، وعن أخبار المعارك التي تقع في الأقاليم والجبهات، ويتكلم عن الاقتصاد الذي في دولته، ويتكلم عن عام الرمادة، وماذا حل بالأمة، فأنت تكلم عن الأحداث، الناس في أزمة في الخليج، وأنت تتكلم في كل جمعة عن المسح عن الخفين وبيع العينة، ينامون في المسجد وينتقض وضوءهم، فعليك أن تتكلم عن أحداث الخليج بمنطق القرآن: التوكل على الله، إخلاص التوحيد، التضرع إلى الله، بماذا تصاب الأمم، تدمير الشعوب بالذنوب والخطايا، قال تعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:43].

اختلاط العلماء بالشباب

اختلاط العلماء بالشباب Q شكوى من عدم نزول العلماء إلى الشباب؟ A هذا يوجد، ولكن الآن بدأ التنبيه على العلماء والدعاة والقضاة في النزول إلى الشباب، أن يكونوا علماء عامة، مثل علماء أهل السنة والجماعة. ابن تيمية كان عالم عامة، كان يجلس في المسجد والشارع وفي السكة، وكان الإمام أحمد مع الشباب دائماً، والعالم لا يصنع من فراغ، العالم لا يعترف به أن يكون في برج عاجي تحت مكيف يأتي بأفكاره من فوق، لا. بل لا بد أن يخالط الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم كان رجلاً يمشي بين الناس، قال تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان:7]. فأنا أطلب من العلماء أن يأكلوا الطعام ويمشوا في الأسواق، ويجلسوا مع الشباب، وهذا أمر معلوم وفيه بركة، لكن البقية الباقية ينزلون مع الشباب ويسمعون همومهم وطموح الشباب، لا بد أن نجمع بين أمرين: بين حماس واندفاع الشباب، وبين حكمة الشيوخ والعلماء، لأن العالم بدون حماس خيشة، والشاب بدون حكمة وعلم سيل جارف، فلا تضبط هذا إلا بهذا، فعلى العالم أن ينزل خطوة، والشباب أن يتقدموا خطوة، وتلتقي المسيرة وتصلح بإذن الله، والحمد لله قد سمعنا أن حصل هذا وهناك ملتقى ويحضره الخطباء والدعاة في هذا المكان.

واجب الشباب في تغيير المنكر والأمر بالمعروف

واجب الشباب في تغيير المنكر والأمر بالمعروف Q لماذا لا ينزل الشباب إلى الأسواق والشواطئ، للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن هذا يجتمع فيه الصغير والكبير ويحدث فيه من المفاسد ما الله به عليم؟ A أنا قلت هذا وأنبه إليه وأطلب من الشباب أن ينزلوا لكن بالكلمة وبالقول، لا بمد اليد والإزعاج، يأمرون وينهون، بل وجود كثرة من الشباب الأتقياء الأخيار بشكلهم ومظهرهم الإسلامي؛ ينهي ويحرج أهل الفواحش وأهل المعاصي، وكم رأينا من أناس يشرب أحدهم الدخان ويشيش ويختلط بالأجنبيات فإذا رأى الشباب ارتدع وخاف، وصاحب المعصية ذليل، كما يقول الحسن البصري: والله إن ذل المعصية في قلوبهم ولو طقطقت بهم البراذين. فمهما كان صاحب المعصية فهو ذليل ينهار سريعاً.

طلب الدعاء بالغيث

طلب الدعاء بالغيث نسأل الله عز وجل أن يسقينا وإياكم غيث القلوب وغيث الأرض فإن الله قرن بينهما، يقول سبحانه وتعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]. وغيث الأرض: المطر ونحن بحاجة إليه، فأما غيث الأرواح والقلوب فقد أتى به عليه الصلاة والسلام، يقول في الصحيحين: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً} فهذا الغيث ننتظره وقد سمعناه، وننتظر من الله أن يغيثنا، وعسى ألا تكون معاصينا وتخلفنا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقاعسنا وسكوتنا ألا تكون هذه من النكبات التي جربناها في القحط. أيها الإخوة: أنا أذكر أننا استسقينا ما يقارب أربع مرات أو خمس مرات وما نزلت قطرة، لأننا يوم خرجنا المصلى خرج منا أناس أموالهم في البنوك الربوية، وخرج أناس بيوتهم مليئة بالأشرطة الغنائية، وخرج أناس عند مخداتهم المجلات الخليعة، وخرج أناس لا يصلون في المسجد، وخرج أناس يتنكرون للسنة، وخرج أناس يغتابون وينمون ويشهدون الزور ويعصون الله ولا نبرأ أنفسنا كلنا ذاك الرجل، فدعونا ولكن سددنا باب الإجابة بالذنوب: {يا رب! يا رب! يا رب! ومطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام فأنى يستجاب له!} فنريد من الأخيار أن يسارعوا في إنقاذ الأمة، والنهي عن المنكرات قال تعالى: {لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63]. لماذا لا ينهون؟ أين المتكلم؟ أين الدعاة؟ أين الخطباء؟ أين العلماء؟ الله يلوم أولئك يقول: أين هم يتكلمون للأمة ويتكلمون للجيل وينهون عن المنكرات ويأمرون بالمعروف. يا أيها الإخوة: إن الأمانة أمانة في أعناق الدعاة وطلبة العلم وشباب الصحوة أن يجعلوا للفساد حداً لئلا ندمر تدميراً ما بعده تدمير قال تعالى: {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} [الطلاق:9]. يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله ربنا إننا سمعنا منادياً للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً، ربنا إن الناس اتجهوا إلى المناهج الأرضية واتجهنا إليك فلا تحرمنا رحمتك وعفوك ورشدك ونورك. اللهم إن أعطيت الناس من أسباب الدنيا فاعطنا من أسباب تقواك، ومن الإيمان بك أعظم الأسباب. اللهم إن الناس تعلقوا بحبال الدنيا ومناهج الدنيا وتعلقنا بحبلك ومنهجك فلا تسلمنا لغيرك يا رب العالمين! نسألك توفيقاً وهداية ورشداً ونوراً وبصيرة، ونسألك أن تهدي ولاة الأمر وأن تصلحهم وأن تريهم الحق حقاً وترزقهم اتباعه، وتريهم الباطل باطلاً وترزقهم اجتنابه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

من ميراث الرسول عليه الصلاة والسلام

من ميراث الرسول عليه الصلاة والسلام ابتدأ الدرس بمقدمة عن معجزات الرسول وحسن أخلاقه، ثم ذكر بعض الأوامر التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم كالصلاة جماعة، والتوبة والاستغفار، والاستزادة من النوافل من قيام ليل وصدقة، وعقب بالتحذير من السفور والأغاني وضياع الوقت، ذاكراً وسائل حفظ الوقت والمكفرات العشر للذنوب والمعاصي، واختتم الدرس بالإجابة عن الأسئلة.

مفتاح التغيير في حياة العرب

مفتاح التغيير في حياة العرب

ثناء وابتهال

ثناء وابتهال الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض، ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً. اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول ومثلما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك. لا إله إلا أنت، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي النار سطوتك، وفي الجنة رحمتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، أنت رب الطيبين، وأنت سند المضطهدين، وأنت عضد المهضومين، وأنت ملجأ العابدين، لا إله إلا أنت، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. اللهم صل وسلم على من أرسلته هدايةً ورحمةً للعالمين، بلغت به الرسالة، وأديت به الأمانة، ونصحت به الأمة، وهديت به الإنسانية، وأنرت به أفكار البشرية، وزعزعت به كيان الوثنية، صلى الله وسلم على صاحب الحوض المورود، صلى الله وسلم على صاحب الصراط الممدود، صلى الله وسلم على من كسر الله به ظهور الأكاسرة، وقصر به آمال القياصرة، الذين طغوا وبغوا حتى أرداهم ظلمهم في الحافرة، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. لا إله إلا الله، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون. لا إله إلا الله كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. لا إله إلا الله خالق الليل والنهار. لا إله إلا الله تسبح له الحيتان في البحار. لا إله إلا الله تقدسه الأسماك في الأنهار. لا إله إلا الله تفوح باسمه الأزهار. لا إله إلا الله يحمل دعوته النبي المختار. أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الذي أنزل هذا الغيث، أن ينزل على قلوبنا غيثاً كهذا الغيث، فإنه إذا رحم رحم، وإذا عفا عفا، وإذا منّ منّ، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] ثم قال: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد:17]. فيا من أحييت الأرض بعد موتها، بعد أن ذبلت الأزهار، وتقطعت الأشجار، وفلت الحدائق، وماتت البساتين، أنزلت غيثاً مريعاً من السماء فأحييتها فإذا هي مزهرة، نسألك يا أحد، يا فرد يا صمد، يا من له الملك في الدنيا والآخرة، يا قيوم! من يرحمنا إذا لم ترحمنا! ومن يغفر لنا إذا لم تغفر لنا! ومن يسترنا إذا لم تسترنا! اجتمعنا والله في مرضاتك، وجلسنا والله في بيتك، إن الملك من ملوك الدنيا لو طرقه الناس للبى دعواتهم، وأنت ملك الملوك. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار اللهم كما جمعت بيننا في هذا المجلس فاجمع بيننا في جنة عرضها السماوات والأرض، مع النبي محمد، مع نوح وإبراهيم وموسى، مع أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]. عباد الله! إن الرسول عليه الصلاة والسلام يوم أراد الله أن يحيي به القلوب، أرسله فأيقظ الأرواح، كان العرب قبل الإسلام أمواتاً، كانوا يعبدون الحجر والشجر والأوثان، يزنون، يغشون، يكذبون، يقطعون الأرحام، يتلاعنون، فلما أراد الله أن يحيي قلوبهم بعث محمداً عليه الصلاة والسلام: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها

فضل لا إله إلا الله

فضل لا إله إلا الله أتى عليه الصلاة والسلام بكلمتين من أتى بهما يوم القيامة وعمل بمقتضاهما؛ فتح الله له باب الجنة، ومن لم يأت بهما؛ فلن يفتح له باب الجنة وهو من الخاسرين، أتى بـ (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) فمن طرق بهما باب الجنة؛ فتح الله له. يقول عمر بن الخطاب وهو في سكرات الموت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول؛ فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء} فأبواب الجنة الثمانية تفتح لك أيها العبد الصالح، يابن من سجدوا لله، يابن من رفعوا لا إله إلا الله، يابن من ماتوا على علم لا إله إلا الله، فليس بغريب أن تهتدي لكن الغريب أن تضل عن سبيل الله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125]. جلس عليه الصلاة والسلام في مسجده في المدينة، المسجد الذي خرج علماء الدنيا، وقادتها، جلس بين الصحابة، فأتاه رجل من البادية يريد الإسلام، فلما تخطى الصفوف قال: أين ابن عبد المطلب؟ يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ابن عبد الله لكن جده عبد المطلب أشهر في العرب من أبيه، حتى يقول عليه الصلاة والسلام وهو يقاتل الأبطال في المعركة: {أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب} قال: {أين ابن عبد المطلب؟ قال عليه الصلاة والسلام: قد أجبتك، قال: أسألك مسألة فلا تغضب علي، قال: سل ما بدا لك، قال: من رفع السماء؟ قال: الله، قال: من بسط الأرض؟ قال: الله، قال: من نصب الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال وجعل فيها ما فيها، آلله أرسلك؟ قال: اللهم نعم، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، فأخذ يسأله حتى انتهى من أركان الإسلام، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، أنا ضمام بن ثعلبة، أخو بني سعد بن بكر، ثم ولى وفك عقال ناقته، وركبها، فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا}. هذا طريق الجنة أيها المسلمون، هذا طريق السعادة أيها الأبرار، هذا طريق النجاة أيها الأخيار: فقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترقَ أبواب الجنان الثمانيا

من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وقف عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة على المنبر في مسجده في عز الصيف، وفي شدة الحرارة، يقول أنس: والله ما في السماء من سحابة ولا غيم ولا قزعة، وبينما هو يخطب عليه الصلاة والسلام، بين يديه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، والشهداء والأخيار، وهو في أثناء الخطبة دخل أعرابي من البادية، من الباب الغربي للمسجد، فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يغيثنا؛ فقد تقطعت السبل وجاع العيال وضاع المال، فوالله ماتلعثم عليه الصلاة والسلام الصلاة، ولا توقف ولا فكر، وإنما رفع يديه في أثناء الخطبة، ثم قال: {اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا} قال أنس رضي الله عنه وأرضاه: والله الذي لا إله إلا هو، ما في السماء سحاب ولا غيم، ولقد أزبدت السماء وأرعدت في لحظات، ثم أمطرت والله ما نزل عن منبره إلا والمطر يتحدر على وجهه الشريف، وهو يتبسم من هذه النعمة ويقول: {أشهد أني رسول الله}. ونحن نشهد أنك رسول الله، ونشهد أنك بلغت الرسالة، ونحن نشهد أنك أديت الأمانة، وأنك دللتنا على طريق الجنة، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً، وفي الجمعة الثانية قام عليه الصلاة والسلام يخطب، فدخل ذاك الأعرابي من نفس الباب، فقال: يا رسول الله! جاع العيال، وضاع المال، وتقطعت السبل من كثرة الأمطار، فادع الله أن يكف عنا الغيث، فرفع صلى الله عليه وسلم وعليه وسلم يديه وهو يتبسم من هذا الأعرابي الذي أتى أولاً يطلب الغيث ثم هو يريد رفع الغيث، وهو يقول: {اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر} قال الصحابة: والله الذي لا إله إلا هو ما أشار إلى مكان إلا وقع فيه الغيث. معجزاته عليه الصلاة والسلام عند أهل العلم في الإسلام ألف معجزة وأكثر، كل معجزة تكفي إلى أن يسلم بها الكافر، ويذعن لها المتكبر، ويدخل بها الفاجر في الدين. وكان له جذع نخلة يخطب عليه يوم الجمعة بأبي هو وأمي عليه أفضل الصلاة والسلام فقال للأنصار: اصنعوا لي منبراً أخطب عليه، فأتوا بمنبر من خشب، فلما قام يخطب عليه وترك الجذع الأول -جذع النخلة- قال جابر بن عبد الله: فلما تركه سمعنا للجذع حنيناً كحنين الإبل، وبكاءً كبكاء الأطفال، حتى سمعه أهل المسجد. جذع من خشب يبكي للرسول عليه الصلاة والسلام، هذا الحديث في البخاري ومسلم، قال: فانحدرت دموعه عليه الصلاة والسلام ونزل إلى الجذع يدهدهه، ويسكته: يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم أخذ يدهده العود ويقول: اسكت بإذن الله أنا رسول الله حتى سكت. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:1 - 3] خرج عليه الصلاة والسلام على كفار قريش وهم في الحرم، فقال: {يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، يا أيها الناس! لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا أيها الناس! إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قال أبو جهل: لا أسلم لك، ولا أومن لك، ولا أصدقك حتى تشق لي القمر ليلة أربعة عشر، والقمر في سماء مكة، فقال عليه الصلاة والسلام: إن شققته أتسلم وتؤمن؟ قال: نعم، فدعا ربه صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم شق هذا القمر، ثم أشار بيده فانشق القمر فلقتين، فلقة ذهبت إلى عرفات، وفلقة ذهبت إلى جبل أبي قبيس، قال: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، فقاموا ينفضون ثيابهم ويقولون: سحرنا محمد، سحرنا محمد}. فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} [القمر:1 - 4] جاءهم والله بآيات يشيب منها الوليد، ويسلم منها الكافر، جاءهم والله ببينات ومواعظ تتدكدك منها الجبال، لكن أين القلوب؟ فما أسلم إلا القليل.

صاحب الخلق العظيم

صاحب الخلق العظيم هذا الرسول الذي بعثه سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالقرآن قال له مرة من المرات: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] أعظم الناس خلقاً، وأجل الناس، وأفضل الناس، وأحلم الناس، وواجبك أيها المسلم أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم قدوتك، وأن يكون إمامك ليقودك إلى الجنة: ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخصمي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا مدحه الله في القرآن فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] عاداه قرابته، وأبناء عمه وأعمامه وجيرانه، وأخرجوه من مكة، فطاردوه في كل مكان، آذوه، هدموا بيته، ضربوا بناته، وهاجر إلى المدينة، وبعد أن عاد منتصراً إلى مكة جمعهم والسيف على رءوسهم قال: {ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء} أي: عفا الله عنكم، سامحكم الله، غفر الله لكم ذنوبكم، فتباكوا بين يديه وقال أبو سفيان: لا إله إلا الله ما أرحمك! ولا إله إلا الله ما أوصلك! ولا إله إلا الله ما أبرك! فقال الله له: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128].

تواضع الرسول

تواضع الرسول هذا الرسول عليه الصلاة والسلام كان من أشد الناس تواضعاً، مرت به عجوز وهو يأكل على التراب تمرات عليه الصلاة والسلام، أفضل وأروع وأشرف من خلق الله، والعجوز مشركة، قالت: انظروا إليه يأكل كما يأكل العبد، ويجلس كما يجلس العبد، فقال: {إنما أنا عبد لله} {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1] {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19] {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1].

حلم يفوق الخيال

حلم يفوق الخيال أتاه أعرابي من البادية، فسحب جبته عليه الصلاة والسلام حتى أثرت الحاشية في عنقه، فالتفت إلى الأعرابي قال: {ماتريد؟ قال: أعطني من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا من مال أمك، فأراد الصحابة أن يضربوا هذا الأعرابي، قال: اتركوه، وأخذه عليه الصلاة والسلام وشبك أصابعه بأصابعه، وذهب به إلى بيته، فأعطاه مما أعطاه الله، فيقول الأعرابي: جزاك الله من أهل وعشيرة خير الجزاء}. أي خلق هذا الخلق؟! كان عليه الصلاة والسلام يأبى أن يعظم وأن يمدح، يقول: {لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله}. حضرته سكرات الموت، فتواضع لله وسكرات الموت تلاحقه، وهو يبل خميصة بيده ويضعها على وجهه ويقول: {لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، اللهم أعني على سكرات الموت} ثم قال: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}.

من أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم

من أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمور، وأعظم ما أمرنا به بعد التوحيد -بعد شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله- الصلوات الخمس، إنها العهد الذي بين العبد وبين الله، إنها ذمة الله، إنها حبل الله، إنها مفتاح لجنة عرضها السماوات والأرض أعدها الله للمتقين.

الصلاة عماد الدين

الصلاة عماد الدين من أتى بالصلوات الخمس في يوم القيامة بيض الله وجهه، وأسعده في الدنيا والآخرة، وما تعرض للجحيم، ولا تردى في النار، ومن تهاون بالصلاة شقي في الدنيا والآخرة، وكانت معيشته ضنكاً وداره جحيماً، فهو يصلى عذاباً دائماً أبداً في الدنيا والآخرة، من أراد أن ينقطع من حبل الله انقطع من الصلوات الخمس، من أراد أن تحيط به لعنة الله ترك الصلاة، فتارك الصلاة يرتكب أكبر جريمة في تاريخ الإنسان، تارك الصلاة -يا عباد الله- كافر، يقول عليه الصلاة والسلام: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} يقول عليه الصلاة والسلام: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} فإذا تركها فقد خرج من الدين , وقد باء بغضب الله ولعنته. قال بعض أهل العلم: من ترك صلاة فرض واحد عامداً متعمداً؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا يزكيه ولا ينظر إليه وله عذاب أليم. تارك الصلاة تستجير منه الحيتان في البحر، تارك الصلاة تشكو منه الأسماك في الأنهار، تارك الصلاة تبكي منه النملة في جحرها. تقول الببغاوات والعجماوات لرب الأرض والسماوات: يا رب منعنا القطر بتارك الصلوات، والله يقول من فوق سبع سماوات: {أبي تغترون؟ أم عليّ تجترئون؟! فبي حلفت لأنزلن فتنة تدع الحليم حيراناً} رواه الترمذي، ويقول: {وعزتي وجلالي لولا الشيوخ الركع والأطفال الرضع لخسفت بكم الأرض خسفاً}.

المحافظة على صلاة الجماعة

المحافظة على صلاة الجماعة والصلاة -يا عباد الله- لا تقبل إلا جماعة إلا من عذر يبيح للمسلم أن يتخلف عنها، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء:102] ويقول: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] ويقول عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بالصلاة، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا، فأحرق عليه بيوتهم بالنار، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء معنا} ويقول عليه الصلاة والسلام: {بيننا وبين المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر لا يستطيعونها} {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات:35]. يقول عليه الصلاة والسلام للأعمى وقد سأله هل يجد له رخصة قال: {أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ قال: نعم. قال: فأجب فإني لا أجد لك رخصة} حديث صحيح. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من سمع النداء فلم يأت؛ فلا صلاة له إلا من عذر} ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث فيه نظر: {من رأيتموه يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان} وذلك لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:18] والصلاة في الجماعة من أوجب الواجبات، ولا يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق.

صلة الرحم

صلة الرحم ومن الأمور التي ينبه عليها صلة الرحم: يوم يقطع الإنسان رحمه يقطعه الله من فوق سبع سماوات وفي الحديث الصحيح: {خلق الرحم ضعيفة فتعلقت بالعرش، قالت: يا رب! هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، قالت: نعم يارب قال: فذلك لك} قال: فأنزلها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى الأرض، فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23] فقاطع الرحم أصم أبكم أعمى لا يفهم شيئاً، قاطع الرحم تلحقه اللعنة في كتاب الله عز وجل، وقاطع الرحم يقترف أكبر جريمة في التاريخ بعد ترك الصلاة، ولو نزل غيث من السماء لعم الناس إلا قاطع الرحم، ولو نزلت رحمة من عند الواحد الأحد لنالها كل أحد إلا قاطع الرحم، ولذلك كان أوصل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما عاداه قرابته وقاطعوه، ودخل مكة منتصراً، أتاه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث، فأخذ أطفاله وخرج في الصحراء، لأنه آذى الرسول عليه الصلاة والسلام، وحاربه وقاتله وشتمه، قال الصحابة: أين تذهب يا أبا سفيان؟ قال: أذهب بأطفالي أموت بهم جوعاً وعرياً وظمأً في الصحراء، قالوا: عد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقل له كما قال إخوة يوسف ليوسف: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91] فأقبل بأطفاله، وقال: يارسول الله! سلام الله عليك: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91] فبكى عليه الصلاة والسلام، وقال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:92] وصلة الرحم، ليس معناها أن تصل من وصلك بل وأن تصل من قطعك، وأن تعفو عمن ظلمك، وأن تعطي من حرمك: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الرعد:21] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] وفي الحديث: {إذا جمع الله الأولين ليوم القيامة اجتمعوا جرداً مرداً حفاة عراة غرلاً بهماً، فينادي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في ذلك اليوم بصوت يسمعه من قرب ومن بعد: لمن الملك اليوم، فلا يجيبه ملك مقرب ولا نبي مرسل، فيجيب نفسه بنفسه: لله الواحد القهار، فيقول: أين الكاظمون الغيظ والعافون عن الناس؟ فيقومون يتخطون رقاب الناس، حتى يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ثم ينادي: أين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون؟ فيقومون يتخطون الناس، حتى يظلهم الله في عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ثم ينادي: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي، فيقومون يتخطون الناس حتى يظلهم الله في عرشه يوم لا ظل إلا ظله}. يا عباد الله! صلة الرحم من أعظم الأعمال، بالزيارة، بالمواصلة، بالهدية، بالدعاء؛ عل الله عز وجل أن يرحمنا من فوق سبع سماوات، ما تأخر القطر إلا بالذنوب، وما جف الماء إلا بالعيوب، وإذا رجعنا وتبنا إلى الله؛ غفر الله لنا ذنوبنا ظاهرها وباطنها.

الصدق مع الله

الصدق مع الله ومن الأمور التي ينبه عليها -عباد الله- الصدق مع الواحد الأحد، الصدق مع الله (الإخلاص) وهذا عمر وهو من المخلصين الكبار، يمرغ وجهه في التراب، ويبكي وهو خليفة المسلمين، وقائد الأمة الإسلامية بعد أبي بكر، تولى الخلافة الراشدة، وكان يصلي الجمعة وفي جبته أربع عشرة رقعة، وذهب الدنيا وفضتها وكنوزها تحت يديه يقرقر بطنه من الجوع فيقول: [[قرقر أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]]. يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه

سؤال عمر ربه الشهادة

سؤال عمر ربه الشهادة أتي رضي الله عنه وأرضاه في آخر حجة حجها، فوقف عند الجمرات، ورفع يديه وهو صادق، لأن الله إذا علم الصادق؛ أعطاه ما تمنى قال تعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] فرفع يديه وقال: [[اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتة في بلد رسولك]]. يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود

رؤيا عمر قبل استشهاده

رؤيا عمر قبل استشهاده فعاد رضي الله عنه والصحابة يقولون: كيف تطلب الشهادة في المدينة؟! إن الذي يطلب الشهادة يخرج إلى الثغور، إلى بلاد الكفار يقاتل، قال: [[هكذا سألت الله وأسأل الله أن يلبي لي ما سألت]] فعاد إلى المدينة وفي أول ليلة نامها رأى في المنام كأن ديكاً ينقره ثلاث نقرات، فخرج في الصباح وذهب إلى امرأة صالحة تفسر الأحلام اسمها أسماء بنت عميس، فسألها ما هو تعبير الرؤيا والأحلام، فبكت، قال: مالك تبكين؟ قالت: أستودع الله نفسك الذي لا تضيع ودائعه، يقتلك رجل من العجم ويطعنك بالخنجر، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، حسبي الله، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، الله المستعان: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157].

استشهاد عمر

استشهاد عمر بينما عمر في صلاة الفجر يصلي، أراد الله أن يشرفه بالشهادة، في أحسن فريضة (صلاة الفجر) وفي أحسن مكان (مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام) فلما كبر وركع تقدم له أبو لؤلؤة المجوسي من فارس، رجل مجرم، حاقد على الإسلام، فأخذ خنجراً سمها بالسم شهراً كاملاً حتى أصبحت زرقاء، ثم ضربه بحدين ثلاث ضربات، ست طعنات، فوقع على وجهه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، الله أكبر، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، ثم التفت بعد الركعة الأولى قال: من قتلني؟ وتقدم ابن عوف أحد الصحابة فأكمل الصلاة، قالوا: قتلك أبو لؤلؤة المجوسي، قال: [[الحمد لله الذي جعل منيتي على يد رجل ما سجد لله سجدة]] قال أنس: فرفعناه على أكتافنا، ودماؤه تثعب على ثيابنا، وكأن القيامة قامت، قال: فوالله ما ذكر مالاً ولا ولداً، ولا زوجة ولا ميراثاً، وإنما يقول: هل أكملت الصلاة؟ قالوا: لا. قال: هل صليت؟ قالوا: لا. قال: الله المستعان! فذهبوا به إلى البيت فوضعوه على حصير عنده، فرفع الحصير عن التراب، ومرغ وجهه وهو يبكي والناس يبكون حوله ويقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه، يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه، ثم قال: صدق الله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] فوضعوه على الفراش، ووضعوا تحت رأسه مخدة قال: انزعوا المخدة عن رأسي، عل الله أن يرحمني، فقال علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين! طوبى لك الجنة، توليت فكانت ولايتك رحمة، وأسلمت فكان إسلامك نصراً، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، قال: [[ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا علي]] ثم قال: يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني كنت شجرة تعضد، يا ليتني ما عرفت الحياة، وهو من الصادقين الكبار، وهو من الزاهدين الأخيار، وهو من أعظم من صام بعد أبي بكر وبعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. عمر بن الخطاب رضي الله وأرضاه، كان يطوف على رعيته في الظلام الدامس، ويقول: يا رب أتحاسبني بكل طفل، وبكل يتيم وبكل مسكين، وكان يبكي ويقول: كم قتلت يا عمر من أطفال المسلمين! فرضي الله عن تلك الروح الطاهرة، وسقى الله تلك العظام شآبيب الرحمة، وألحقنا بهم في دار الصدق. والمقصود من هذا الكلام: هو الصدق مع الله والإخلاص فإن من أخلص لله في عبادته، رزقه الله بالصدق صدقاً، وبالإخلاص إخلاصاً.

عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري تظله الملائكة

عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري تظله الملائكة لما حضرت معركة أحد بين الكفار والمسلمين، بين قريش والمهاجرين والأنصار، خرج عبد الله بن عمرو الأنصاري فقال: يارب اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى، ثم اغتسل ولبس أكفانه، فلما أتى المعركة، قاتل حتى صلاة الظهر، ثم قتل، قالت أخته: والله لقد وجدت فيه أكثر من ثمانين ضربة بالسيف، قالت: فرأيت الرسول عليه الصلاة والسلام فأتيته فقلت: يا رسول الله، هل أخي في الجنة فأصبر وأحتسب أم في غير ذلك، فسوف ترى ماذا أصنع؟ قال: تبكين أو لا تبكين، فما زالت الملائكة تظلله حتى رفعتموه، والذي نفسي بيده، لقد كلم الله أخاك بلا ترجمان، قال: يا عبدي تمن، قال: أتمنى أن تردني إلى الدنيا، فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمن، قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً، فجعل الله روحه وأرواح إخوانه الشهداء السبعين في حواصل طير، ترد الجنة فتشرب من مائها، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش حتى يرث الله الأرض ومن عليها. هذا ثواب الصدق يوم يصدق الإنسان مع الله، يوم يعلم الله عز وجل أنه صادق يرزقه هذا الثواب العظيم في الدنيا وفي الآخرة، فنسأل الله لنا ولكم الصدق.

حقوق الجيران

حقوق الجيران ومن الأمور التي ينبه عليها، والتي قصرنا فيها جميعاً: حقوق الجيران، من أكبر نعيم الدنيا أن يوفق الله بينك وبين جار صالح، وإذا كتب الله عليك تنغيص الحياة، جعل لك جار سوء لا يستر زلتك، ولا يعفو عن خطيئتك، ولا يسامحك، يلاحقك في الليل والنهار. آسية امرأة فرعون عليها السلام لما حضرتها الوفاة قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] قال ابن القيم: انظر كيف طلبت الجار قبل الدار، الجار قبل الدار، وكانت العرب تقول: الجار قبل الدار، ولا تنزل الدار إلا بالجار، حديث الوصية بالجار يقول أبو ذر: {خرجت مع الرسول عليه الصلاة والسلام في ليلة من الليالي والقمر متمكن من السماء، خط لي خطاً وقال: لا تخرج من هذا الخط حتى آتيك، قال: فخرج فسمعت خطيفاً كالحدأة وكالصقور والنسور، وعلمت أنها الجن، اجتمع بهم صلى الله عليه وسلم: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33] فهو رسول الإنس والجن، والله أرسله في تلك الليلة ليتكلم مع الجن قال: فإذا كالحدايا وكالصقور والنسور تخاطف من حولي، فأردت أن أخرج فتذكرت قوله صلى الله عليه وسلم: لا تخرج من هذا الخط حتى آتيك، قال: فمكثت مكاني حتى آخر الليل، فأقبل عليه الصلاة والسلام وإذا رجل معه يكلمه طويلاً، كلما مشى كلمه، وأخذ بتلابيب ثيابه، فلما انتهى إلي صلى الله عليه وسلم قال: كيف أنت يا أبا ذر؟ قلت: هممت أن أخرج يا رسول الله! فتذكرت وصيتك، أبطأت عليّ، قال: لو خرجت من هذا الخط ما عدت أبداً حياً، أتدري من هؤلاء الذين أتوا إلي؟ قلت: لا والله يا رسول الله! قال: هؤلاء الجن، خاطبتهم، وأسلم منهم نفر كثير وأصلحت فيما بين قبيلتين منهم، وجعلت لهم كل عظم لم يذكر اسم الله عليه، وكل روث يوضع في الأرض، فهذا طعام لهم وذاك طعام لدوابهم، ثم قال: يا أبا ذر أرأيت الذي يكلمني في صفد القمر؟ قلت: نعم يا رسول الله! قال: ذاك جبريل، والذي نفسي بيده ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه} أي: يجعل له حقاً في الميراث.

شكوى أحد الصحابة أذى جاره

شكوى أحد الصحابة أذى جاره ورد في السنن أن رجلاً أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {يا رسول الله! جاري آذاني، ما يترك عورة إلا اقتنصها، ولا محرماً إلا انتهكه، إن غبت ما أمنته على أهلي، وإن حضرت سبني وشتمني، ماذا أفعل يا رسول الله؟ قال: اصبر واحتسب، فإن الله يأجر الصابرين، فعاد فصبر واحتسب لكن نفد الصبر -لأن الإيمان إذا لم يسكن في القلوب لم تدخل الرحمة- فعاد إليه صلى الله عليه وسلم فقال له: اصبر واحتسب فقال: يا رسول الله! ولكن نفد الصبر، قال: خذ متاعك واخرج في الطريق واجلس في السكة أمام الناس، فأخذ زوجته وأطفاله، وأخذ متاعه من البيت، وجلس في طريق الناس، فكان المصبح إذا أصبح قال: مالك يا فلان؟ قال: آذاني جاري، قال: لعنه الله، والممسي إذا أمسى قال: مالك يا فلان؟ قال: آذاني جاري قال: لعنه الله، فلما استحق اللعنة سمع الرجل فأتى إلى جاره فقال: عد والله لا أوذيك أبداً} لكن بعد ماذا؟ بعد الأذية.

تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من أذية الجار

تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من أذية الجار يقول عليه الصلاة والسلام: {والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا: من يا رسول الله؟ خاب وخسر، قال: من لا يأمن جاره بوائقه} أي: آذاه. أين الإيمان؟ أين الصلوات الخمس؟ أين مفهوم لا إله إلا الله؟ أين أثر القرآن في القلوب؟ أين تأثير الإيمان في النفوس؟ لو كان مؤمناً ما آذى جاره، لكن ما دخل الإيمان في قلبه، فتعدى على الجيران، ينتهك المحرمات، ويتعدى بشتى التصرفات، ولا يخاف من رب الأرض والسماوات، سبحان الله! ألا يرتدع العبد كلما ذكر القبر، والله إنها حفرة من أظلم الحفر، وإنها ضيقة وموحشة. يقول عثمان رضي الله عنه وقد رأى القبر: [[ما أضيقه وما أظلمه وما أوحشه]]. والقبر فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءه وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ العار كل العار على من لم ينجه الله من النار، والندامة كل الندامة لمن دخل القبر بلا زاد، والخسران كل الخسران، والخذلان كل الخذلان، والحرمان كل الحرمان لمن طرح في القبر، ثم تولى عنه الأصحاب والأحباب والأولاد والأحبة، وبقي مرتهناً بعمله. يقول عمر بن عبد العزيز: [[ويلكم أيها الناس! أتدرون ماذا يقول الموت؟ قالوا: ما ندري، قال يقول: ذهبت بالعينين، وأكلت الحدقتين، وفصلت الكفين من الساعدين، والساعدين من العضدين، والقدمين من الساقين، يا أيها الناس! كم من غادٍ ورائح إلى الموت! قد وسد التراب، وترك الأحباب، وفارق الأصحاب، غنياً عما ترك، فقيراً إلى ما قدم]] يتمنى الميت أن يستطيع أن يقول في القبر: لا إله إلا الله، فما يستطيع أن يقول: لا إله إلا الله؛ يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54]. مر أحد الصالحين بالمقبرة في ظلام الليل، والسماء تمطر فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ آنس الله وحشتكم، ونور الله ظلمتكم، ثم تولى، فنام تلك الليلة، فرأى أحد الأموات في المنام، قال: يا فلان، أتدري ماذا فعل الله بنا؟ قال: ما أدري؟ قال: والله لقد نور علينا قبورنا هذه الليلة بسبب قولك: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آنس الله وحشتكم ونور الله ظلمتكم، يا فلان! والله لقد حيل بيننا وبين لا إله إلا الله، نريد أن نقول: لا إله إلا الله، فما نستطيع أن نقول لا إله إلا الله، يا فلان! والله لو تدري بعظم لا إله إلا الله لقطعت بها عمرك جميعاً، وإنما يكون ذلك في هذه الدار. لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها أين الملوك التي كانت مسلطة حتى سقاها بكأس الموت ساقيها اعمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها أبيض الوجه من لقي الله بعمل صالح، الفائز يوم القيامة من زحزح عن النار، السعيد من سعد في بطن أمه وسعد في الأرض، وسعد في القبر وسعد على الصراط، فنسأل الله أن يسعدنا وإياكم يوم العرض الأكبر، يوم الحسرات، والندامات، يوم البكاء والصرخات، نسأل الله ألا يعرضنا وإياكم على النار.

حق المسلم على أخيه

حق المسلم على أخيه ومن المسائل التي يجدر الإشارة إليها: حق المسلم على المسلم، نظر عليه الصلاة والسلام إلى الكعبة فقال: {ما أعظمك وما أجلك! والذي نفسي بيده للمسلم أعظم منك حرمة عند الله} {المسلم دمه حرام، وماله حرام، وعرضه حرام} المسلم أطهر من ماء الغمام، المسلم أحب إلى الله من أي بقعة في الأرض، المسلم يدافع الله عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:38]. إذا اعتدي على المسلم في ماله، دافع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنه. وحق المسلم أن إذا مرض فعده، وإذا مات فاتبع جنازته، وإذا عطس فشمته، وإذا استنصحك فانصحه، وإذا أراد منك خيراً فقدمه له، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله يوم القيامة وهو يحاسب العبد: {يابن آدم! مرضت فلم تعدني أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدت ذلك عندي، يابن آدم! جعت فلم تطعمني، قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان جاع فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي} والجزاء من جنس العمل.

التوبة والاستغفار

التوبة والاستغفار ومن المسائل التي ينبه عليها: التوبة والاستغفار والعودة إلى الله، ونحن نشكو حالنا وتقصيرنا وذنوبنا إلى الواحد الأحد، فلا يغفر الذنوب إلا الله، ولا يستر العيوب إلا الله، ولا يكشف الضر إلا الله، ولا يبرئ ولا يعافي، ولا يرحم إلا الله، فنسأل وهو الذي فوق سبع سماوات أن يعفو عنا وعنكم، وأن يغفر لنا ولكم قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] وقال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. يا من أذنب وأخطأ! يا من أسرف وتمرد! يا من بعد عن الواحد الأحد! يا من شرد عن الفرد الصمد! عد إلى الله، فباب الله مفتوح، ونواله ممنوح، وعطاؤه يغدو ويروح: {يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها} فنسأل الله أن يتوب علينا وعليكم. يارب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي نسيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله فيا حافظ النفوس، ويا بارئ الأرواح، أسألك أن ترحمنا رحمةً ظاهرة وباطنة.

توبة قاتل المائة

توبة قاتل المائة يقول عليه الصلاة والسلام: {كان في من كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً} أخذ سيفه وهو ظالم فاجر، فأخذ تسعة وتسعين من الأنفس المعصومة فقتلها، فلما تلطخ بالدماء، وتلطخ سيفه بسفك الأبرياء، تذكر رب الأرض والسماء، وتذكر العرض على الواحد الأحد يوم القيامة، فذهب إلى الناس فقال: هل لي من توبة؟ قالوا: اذهب إلى ذاك الرجل الذي يعبد الله في هذا الغار، فاسأله هل لك من توبة، فذهب إلى رجل عابد ما عنده من العلم شيء، عابد لكنه جاهل، فدخل عليه فطرق عليه الغار، فخرج هذا الرجل، فقال: يا فلان! قال: نعم. قال: قتلت تسعة وتسعين نفساً، فصرف وجهه عنه، وقد أخطأ في هذا العمل، لأنه يغلق باباً فتحه الله، ويقطع حبلاً مده الله، قال: هل لي من توبة؟ قال: لا توبة لك، فأخذ سيفه فقتله، فوفى به المائة، ثم رجع إلى الناس فقال: أيها الناس! هل لي من توبة؟ قالوا: اذهب إلى ذاك العالم، عالم بصير بالأحكام فقيه في الدين: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] قال: يا أيها الرجل! هل لي من توبة؟ قال: ماذا فعلت؟ قال: قتلت مائة نفس، قال: من يغلق عليك باب التوبة؟ باب التوبة مفتوح، حتى تطلع الشمس من مغربها، فأتى هذا الرجل فقال: تب إلى الله واستغفر الله، قال: أين أذهب؟ قال: القرية التي عصيت الله فيها هي قرية ظلم وأهلها فجرة، يعينونك على المعصية، فتب إلى الله، وهاجر من قريتك إلى قرية بني فلان، بعض القرى تعين على الصلاح، بعض القرى تعين على إقامة لا إله إلا الله، بعض القرى يتواصى أهلها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن بعض القرى ظالم أهلها، يتعاونون على الإثم والعدوان والفساد، وانتهاك الحرمات وتعدي حدود الله الواحد القهار، فذهب هذا الرجل تائباً إلى الله الواحد الأحد، فلما مشى في الطريق، أدركه الموت فمات وما سجد لله سجدة، ولا ركع لله ركعة، ولا تصدق بصدقة، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، نزلوا من فوق سبع سماوات، أما ملائكة الرحمة فتقول: يا رب! هذا العبد خرج تائباً يريدك ويريد المغفرة، فجزاؤه أن تغفر له، وأما ملائكة العذاب، فتقول: يا رب! هذا الرجل ما سجد لله سجدة، ولا ركع ركعة، ولا تصدق بصدقة، فجزاؤه النار، قال الله تبارك وتعالى: إنني الحكم العدل ولست بظلام للعبيد، قيسوا ما بين المسافتين من المكان الذي مات فيه والقرية التي خرج منها، وما بين المكان الذي مات فيه والقرية التي خرج إليها، فما وجدتموه أقرب إليها فهو من أهلها، إن كان أقرب إلى الصالحة فهو صالح، وإن كان أقرب إلى الفاجرة فهو فاجر، ثم أوحى الله من رحمته وفضله إلى تلك القرية الصالحة أن تقاربي، وأوحى إلى تلك أن تباعدي، فتقربت بجبالها، ومهادها وصخورها، فقاسوا ما بين المسافتين، فوجدوه أقرب إلى تلك القرية، قال: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة. هذه رحمة الله، قتل مائة نفس معصومة، سفك دماءهم، ثم تاب الله عليه.

قصة أصحاب الغار الثلاثة

قصة أصحاب الغار الثلاثة يقول عليه الصلاة والسلام: {كان في من كان قبلكم -والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم - ثلاثة أواهم المبيت إلى غار} ثلاثة من بني اسرائيل، ذهبوا يطلبون إبلاً لهم ضلت، وقيل غنماً وقيل غير ذلك، فأدركهم المبيت في الليل، إلى غار في الجبل، فدخلوا الغار في ظلام الليل؛ لأن بيوتهم بعيدة فلما دخلوا الغار، أنزل الله القطر من السماء، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليه فم الغار، في مكان لا أنيس فيه إلا الله، ولا حافظ إلا الله، ولا قريب إلا الله، ولا مسدد ولا هادي إلا الله، فحاولوا أن يصرفوها عن فم الغار فما استطاعوا، وهم بعيد عن الأهل والدار؛ لا زوجة ولاولد، ولا أخ ولا صديق ولا حميم، ولكن الله فوق سبع سماوات، فجلسوا يتباكون، فقال أحدهم: ما لكم؟ قالوا: أهلنا حجزنا دونهم وأطفالنا {قال أحدهم: والله لا ينجيكم هذه الليلة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم} أي: فكل من كان منكم عنده عمل وسريرة بينه وبين الله، أو فعل حسنة في الدهر فليذكره هذا اليوم عل الله أن يرحمنا بها، قال الأول: أنا أتكلم، قالوا: تكلم، قال: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وإني كنت لا أقدم عليهم أهلاً ولا مالاً، وإنه قد نأى بي طلب الشجر، فلم أرح عليهما إلا وقد ناما فحلبت إبلي وأتيت إلى والدي ليشربا، فوجدتهما نائمين، قال: فأخذت الإناء بيدي وصبيتي وأطفالي يتضاغون من شدة الجوع عند أقدامي، فما سقيتهم قبل والدي، وما أيقظت والدي لئلا أزعجهم من النوم، فبقيت حتى طلع الفجر، والإناء في يدي، وأبنائي يتباكون عند قدمي، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك؛ فافرج عنا ما نحن فيه، قال: فانفرجت الصخرة، لكنهم لا يستطيعون الخروج، وقام الثاني وقال: اللهم إنك تعلم أنه كان لي ابنة عم جميلة من أجمل النساء، راودتها عن نفسها فأبت، فلما ألم بها الفقر، أتيت إليها فذكرتني الله عز وجل فانصرفت عنها، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك؛ ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج، وقال الثالث: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أجراء يعملون عندي فأعطيتهم أجرتهم إلا رجلاً واحد أردت أن أعطيه فغضب فترك أجرته، فأخذت أجرته فثمرتها حتى أصبحت إبلاً وغنماً وبقراً وشيئاً كثيراً من المال فلما أتى قلت: خذ هذا المال أجرتك، قال: لا تستهزئ بي، قلت: هذا مالك، فأخذه فما ترك لي شيئاً، اللهم إن كنت فعلت هذا ابتغاء وجهك وما عندك؛ ففرج عنا ما نحن فيه، قال: فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون، وفيه دليل على أنه لا ينجي العبد إلا العمل الصالح، لا يحفظه الله عز وجل إلا بالعمل الصالح، وهذا مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}.

قصة صاحب المحرقة

قصة صاحب المحرقة في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: {كان رجل من بني إسرائيل أسرف على نفسه في الخطايا والذنوب، فلما أدركته الوفاة، قال لأبنائه: كيف أنا لكم؟ قالوا: من خيرة الآباء، قال: فإني ما فعلت مع الله جميلاً أبداً، ما تركت منكراً إلا أتيته، فإذا مت فاجمعوا لي حطباً، ثم حرقوني بالنار، ثم اسحقوني ثم ذروني، عل الريح أن تذهب بي في كل مكان} سبحان الله! ظن أن الله لا يحييه، كما بدأه أول مرة: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراًى * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:1 - 2] وقال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79]. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا {فلما مات جمع له أبناؤه الحطب، وأحرقوه بالنار، ثم أشعلوا جثمانه، ثم سحقوه، ثم ذروه في الريح، فأخذته في كل مكان، فقال الله له: كن، فكان رجلاً} {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40] {فلما أصبح أمامه رجلاً قال: يا عبدي ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رب خفتك وخشيت ذنوبي، قال الله عز وجل: أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة}. فيا أيها الناس! التوبة التوبة، والاستغفار الاستغفار إلى الواحد الأحد، فإنه لا يهلك على الله إلا هالك، والمكفرات كثيرة، نسأل الله أن يغفر لنا ولكم الذنوب والخطايا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا هو، ولا يستر العيوب إلا هو. بعض الناس يقاطع أخاه وقريبه وجاره المسلم، وتمر عليه السنوات الطوال لا يسلم عليه؛ وهذا من أعظم المنكرات، ولا يفعله إلا من قسا قلبه، وأصبح من الفجور بمكان، ونسي الله واليوم الآخر، فإن كانت القطيعة من أجل الدنيا، فهذا يحرم -كما في الحديث الصحيح-: {ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام}. ويوم يلقى المسلم المسلم، ويصافحه تتحات خطاياهما كما تحات ورق الشجر في الشتاء، ويوم يصد عنه يصد الله عنه يوم القيامة، وهذا من أعظم الإجرام، فوصيتي لكل مسلم أن يتقي الله في إخوانه المسلمين، وألا يهجرهم خاصة الأرحام، خاصة من جعل الله بينك وبينهم قرابة في الحياة الدنيا، فإن الله يسألك يوم القيامة: ماذا فعلت فيهم؟ من أعظم وأكبر المعاصي أن تقطعهم، ولذلك من قطع رحمه، قطعه الله عز وجل، فهذا ينبه عليه أنه من المنكرات ومن الفواحش الكبار التي ينبغي أن نعي أمرها وحكمها، لنتوب إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عل الله أن يرحمنا: {الخلق عيال الله، أقربهم إلى الله أنفعهم لعياله} وهذا أمر يعلم.

الاستزادة من النوافل

الاستزادة من النوافل من المسائل التي يجدر التنبيه إليها، مسائل النوافل -يا عباد الله- أحد الصحابة أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: {يا رسول! أريد مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال: لا. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة}. فالذي أوصي به نفسي وإياكم كثرة النوافل، والتقرب إلى الله عز وجل، إنك ما سجدت لله سجدة إلا رفعك بها درجة، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: {وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه}.

النوافل وأنواعها

النوافل وأنواعها والنوافل أنواع، أولها: نوافل الصلاة، وفيها سنن الرواتب وسنن مطلقة، ومن أعظمها عشر ركعات بعد الفرائض: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، قال ابن تيمية: "من داوم على ترك هذا النوافل كان فاسقاً ترد شهادته" العشر هذه لا بد منها، إلا من مرض أو سفر، فهذا عذر. والسنن المطلقة منها الضحى وهي صلاة الأوابين، ويوم تركع ركعتي الضحى، يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك، وفي بعض الآثار فيها نظر: {انظروا لعبدي ترك أشغاله وأعماله وأتى يتملقني ويدعوني، أشهدكم أني غفرت له} يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {يصبح على كل سلامى من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس؛ تصلح بين اثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته، فتحمله عليها أو تحمل متاعه عليها صدقة، وكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان من الضحى}.

فضيلة قيام الليل

فضيلة قيام الليل ومن السنن كذلك: قيام الليل، ومن استطاع قيام الليل؛ فقد فاز بأسعد اللحظات، وهو من أجل القربات إلى الواحد الأحد، وخاصة في الثلث الأخير من الليل حين: يتجلى الله إلى سماء الدنيا، وينزل إلى سماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله فيقول: {هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟} فيجيب الله دعوة المضطر في تلك الساعة، فأوصيكم ونفسي بهذه الساعة ولو بركعتين يداوم عليها العبد دائماً وأبداً. فمن استطاع أن يقوم من آخر الليل، فليؤخر الوتر حتى يصليه من آخر الليل، ومن خاف على نفسه ألا يوتر، فليوتر قبل أن ينام، يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه: {أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت: بركعتي الضحى، وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام} فهذه وصيته صلى الله عليه وسلم.

الصدقة

الصدقة ومن النوافل: الصدقة، يوم يضم عليك القبر لا يوسعه عليك إلا الصدقة، يوم تدنو الشمس من الرءوس ويبلغ الكرب النفوس، لا يظلك يوم القيامة إلا صدقتك، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261]. يقول عليه الصلاة والسلام: {كل إنسان في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس} ويقول عليه الصلاة والسلام: {ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وملكان يناديان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، والآخر يقول: اللهم أعط ممسكاً تلفاً} فالله الله في الصدقة، والتقرب بها بالقليل والكثير، فإنها لا تضيع عند الله الذي لا تضيع ودائعه، في خزائن عند الله يوم العرض الأكبر، يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا تصدق العبد بصدقة، فإن الله يقبلها بيمينه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه، حتى تبلغ مثل جبل أحد}.

كثرة الذكر والاستغفار

كثرة الذكر والاستغفار ومن النوافل: كثرة الذكر والاستغفار، فأوصيكم ونفسي بكثرة الذكر قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191] وقال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35] وقال: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45] وقال: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. أتى شيخ كبير إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال: {يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ؛ فدلني على عمل أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} يقول عليه الصلاة والسلام: {لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس} وفي لفظ: {أو غربت} فالله الله في كثرة الذكر والتهليل والتكبير صباح مساء، عند الترمذي بسند حسن: {من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة} ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {ألا أدلكم على ما هو أرفع لكم في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله}.

منكرات شائعة

منكرات شائعة ومن الأمور التي أنبه عليها مما انتشر في المجتمعات يأتي:

سفور المرأة

سفور المرأة فإن الله عز وجل حرم على الرجل أن ينظر إلى زينة المرأة الأجنبية، التي لا تحل له، وهذه قد يتهاون فيها في بعض الأماكن وخاصة في القرى، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول من فوق سبع سماوات: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30]. فعلى المسلم أن يحجب أهله ومن له سلطة عليهم من الأجانب، فإن النظر إلى الأجنبيات المحرمات لا يحل، ومن استتر بستر الله ستره الله، ومن استظل بظل الله أظله الله، فعلى المسلم ألا يتساهل في هذه القضية. وقد يتساهل في الخلطة بين الأقارب، كبنت العم وبنت الخال، وأخو الزوج لزوجة أخيه، وقد يتساهل ويجلس مع بعض المتبرجات، وهو أمر منكر يلاحظ، ولا بد أن ينهى عنه؛ لأنه يغضب الله الواحد الأحد.

مسألة الغناء

مسألة الغناء ومن تلك الأمور مسألة الغناء الماجن الرخيص الذي يحبب الفاحشة والزنا، ويحبب العشق والوله، ما دخل الغناء في بيت إلا خرج منه القرآن، ولا دخل الغناء في قلب إلا خرج منه القرآن، ولا دخل الغناء في نفس ِإلا خرج من هذه النفس حب الله ورسوله، وجزاء من ترك الغناء مخافة لله أن يسمعه غناء الجنة، قيل لـ ابن عباس: ما هو غناء الجنة؟ قال: إذا اشتهى أهل الجنة الغناء، أرسل الله عليهم ريحاً باردة تهب فتصطك أغصان الجنة، فتحدث أصواتاً عجيبة، قال ابن القيم: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان

حفظ الوقت

حفظ الوقت بقيت مسألة، وهي مسألة حفظ الوقت عند المسلم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. والوقت -يا عباد الله- من أغلى ما يصان، وهو أغلى من الذهب والفضة، يقول عليه الصلاة والسلام: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} وهذا حديث صحيح، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع} وذكر من هذه الأربع: {وعمره فيما أبلاه} فوالله لا يغادر الإنسان يوم العرض الأكبر الموقف وهو أجرد أمرد أغرل أبهم عريان حتى يسأله عز وجل عن هذا العمر، عن الدقائق والثواني، عن الساعات والأيام والليالي. دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني والذكر هو العمل الصالح، وهو أفضل ما يتقرب به إلى الله عز وجل.

وسائل حفظ الوقت

وسائل حفظ الوقت والوقت يحفظ بأمور:- أعظمها ذكر الله عز وجل، ثم التنفل لمن وجد فسحة في الوقت؛ لأن الله يحاسب العبد يوم القيامة على هذه النعمة، يقول: أما فرغتك من أشغال الدنيا؟ أما جعلتك تتسود وتتربع وتتخول في الأرض؟ فيقول: نعم يا رب! قال: فماذا فعلت؟ فإني أرشد نفسي وإياكم من وجد فراغاً، وعدم شغل أو لم يجد عملاً يشغله، أن يتقرب إلى الله بالنوافل، وبكثرة التهليل والاستغفار، ومن كان تالياً لكتاب الله فليستصحب هذا الكتاب العظيم، فإنه زاد القبر، ولا زاد للإنسان إلا ما وعاه من هذا العمل الصالح، فلا ينفع يوم القيامة إلا ما قدمه العبد لنفسه. حضرت معاذاً الوفاة رضي الله عنه وأرضاه قال: [[مرحباً بالموت، حبيب جاء على فاقة، ما أفلح من ندم، اللهم إنك تعلم أني لم أحب الحياة لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، ولا لعمارة الدور، ولا لرفع القصور، ولكن كنت أحب الحياة لثلاثة أمور: لأمرغ وجهي في التراب ساجداً لك، ولأزاحم العلماء بالركب في حلق الذكر، ولصوم الهواجر في شدة الحر، طلباً لما عندك يا رب العالمين]] وهذا هو العمل الصالح الذي يقرب العبد يوم القيامة. يا خادم الجسم كم تسعى لراحته أتعبت نفسك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان وأكثر ما يمكن أن يخشى على الإنسان منه أن يضيع وقته بالمعاصي، فإن كثيراً من المجالس غيبة ونميمة وشهادة زور، تنتهك فيها المحرمات، ويغضب فيها رب الأرض والسماوات، وتتنزل اللعنات، نعوذ بالله من ذلك، هذه المجالس تقرب من النار، ومن غضب الواحد القهار، ومن الدمار والعار، والشنار في الدنيا والآخرة، فعلى المسلم أن يصون سمعه وبصره، وأن يتقي الله في شيخوخته وشبابه، لا يختم لنفسه بخاتمة لا تحمد عند الله؛ فإن الأعمال بالخواتيم، فإن بعض الناس يسدده الله فيصلي ويصوم ويحج ويعتمر، ثم تكون خاتمته خاتمة سوء، فيدهده على وجهه في النار؛ لأنه بعد الطاعة ينتهك محرمات الله عز وجل، كأن يغتصب قطعة أرض لا تحل له، كل هذا يحاسبه عليه الله يوم العرض الأكبر، يقول عليه الصلاة والسلام: {من اغتصب شبراً من أرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة} يطوقه: أي في حلقه، وقال أهل العلم: يخسف به في الأرض سبع مرات، كما أخذ هذا الشبر بحده من سبع أرضين، فنسأل الله العافية والسلامة.

مكفرات الذنوب والخطايا

مكفرات الذنوب والخطايا والمكفرات التي يمكن أن تغسلنا من الذنوب والخطايا، ويمكن أن نستظل بها وأن نتعالج من أمراضنا بها، عشر مكفرات: أولاً: المصائب المكفرة، كلما أصابتك مصبية؛ فاحتسبها في جنب الله، من جوع ومن ظمأ، من هم، أو غم أو موت ولد أو مصيبة، يكفر الله بها من خطاياك. المسألة الثانية: الحسنات والصالحات؛ فإنها ترفع الدرجات عند الواحد الأحد. الأمر الثالث: دعوات المسلمين لك، فكن حسن الخلق قريباً من المسلمين؛ فإنهم سوف يحبونك ثم يدعون لك بظهر الغيب. الأمر الرابع: دعوة المسلمين لك إذا كنت جنازة، إذا أحضرت أمام الصفوف، وقام عليك التكبير، وفارقت الأخت والأم، والزوجة والولد والأحفاد والأجداد، والدور والقصور، وتخلى عنك القريب والبعيد، فإذا دعوا لك في الجنازة بصدق؛ شفعهم الله فيك. الأمر الخامس: سكرات الموت، وما نلقاه فيها من شدة وكرب، ومن عرق. السادسة: ما تجده في القبر؛ فإن للقبر ضائقة وضمة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ الذي اهتز له عرش الله من فوق سبع سماوات، ما سلم من ضمة القبر كما في بعض الآثار إلا سعد بن معاذ الذي شيعه ألف ملك، فالقبر يخفف عنك من السيئات، وبعضهم ينجو بعمله الصالح من عذاب القبر. السابعة: هول الطلوع والخروج من القبر، يوم يبعث ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، فإذا خفت كان لك كفارة. الثامنة: شفاعة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام؛ نسأل الله ألا يحرمنا وإياكم شفاعته، وأن يدخلنا في ظل شفاعته، وأن يجعلنا ممن يشرب من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبداً، فإذا انتهت هذه التسع ولم يجد إحدى هذه التسع في نفسه؛ جاءت العاشرة، وهي رحمة أرحم الراحمين، فإذا لم تدركه رحمة أرحم الراحمين كب على وجهه في النار، فنعوذ بالله من النار.

الأسئلة

الأسئلة

الصدقة على السؤال

الصدقة على السؤال Q هل يؤجر المتصدق على أي سائل؛ خصوصاً أن بعضاً من السؤَّال يحتالون على الناس؟ A قد أمر الله ألا ينهر السائل، بل يستمع منه، فإن كان عندك قرائن ودلائل، وعندك شواهد على أنه ليس بصادق، فانظر فإن تصدقت فأعطيت؛ فلن تضيع عند الله عز وجل، وإن أمسكت فلا عليك حرج، أما إذا ظهر لك بمظهر، وليس لديك دلائل أنه فقير، أو صادق أو كاذب، فأعطه، ففي بعض الآثار ولو أن فيها ضعفاً: {أعط السائل ولو جاء على فرس} فإنها لا تضيع عند الله عز وجل، فهذا السائل ما قام وسكب ماء وجهه أمام الناس إلا وهو يحتاج إلى معونة المسلمين، فعليهم مساعدته، فمن يتصدق فهو مأجور ومشكور، ولاينتهر السائل في المساجد، بل يترك إلا إنسان ظهر كذبه، وتكرر هذا الكذب، فتنبه عليه السلطة، ويؤخذ ويزجر، وينصح.

كفارة الصلاة بلا خشوع

كفارة الصلاة بلا خشوع Q ما هي كفارة الصلاة من غير خشوع؟ A ليس هناك كفارة إلا محاولة العودة إلى الخشوع؛ يقول عليه الصلاة والسلام: {إن من الناس من ينفتل من صلاته وماكتب له إلا عشرها، إلا تسعها، إلا ثمنها} وبعضهم تكتب صلاته كلها، بحسب مراقبة الله في الصلاة والخشوع، فالإنسان إذا سها وخرج قلبه، أو فات فعليه أن يعود وليس عليه كفارة، لكن قال أهل العلم: من سها في صلاته، وما درى هل قرأ الفاتحة أو لا، فعليه أن يعيد هذه الركعة، أما من شرد ذهنه قليلاً، فهذا ليس عليه كفارة، وعليه أن يستغفر ربه، وأن يحاول الخشوع في الصلاة، ولا يسلم من هذا الذهول، والهواجس والخطرات، أحد من الناس.

حكم اللعن

حكم اللعن Q ما حكم اللعن والدعاء على الآخرين، وما حكم التهاري؟ A هذا السؤال فيه ثلاث مسائل، التهرية واللعن والدعاء، أما الدعاء فيقول صلى الله عليه وسلم: {لا تدعوا على أموالكم ولا على أنفسكم، لا تصادفوا ساعة من الله يستجاب فيها فيجيب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى} فعلى المسلم أن يتقي الله في أهله، وفي ماله وولده، فإن بعض الناس يدعو على أطفاله من غير تعمد؛ فتصادف من الله وقتاً إجابة فتعمد إلى هذا الطفل أو هذا المال أو هذه الزوجة، فتكون خسارته في الدنيا والآخرة، ولا يستخدم هذه الألفاظ، إلا من قل إيمانه ومراقبته لله عز وجل، ولا بأس أن يتكلم المرء بعض الكلام الذي يؤدب، أما الدعاء فأجرح ما يكون. أما التهاري ودعوة الجن فهي على قسمين: من قصد أن الجن يضرون وينفعون من دون الله وأن لهم تأثير، أو أنهم يخلقون ويميتون، وينفعون أو يضرون، ويرزقون أو يفقرون فهذا مشرك، عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأما أن يكون قالها كلمة ولا يعتقد ما فيها، إنما دعا الجن، فهذا مذنب وعليه إثم من الله؛ لكنه ما أشرك وهو على نيته. وأما اللعن: فإن اللعن معناه الطرد والإبعاد من رحمة الله، وإذا لعن المال قلت بركته، وقل حاله، مرت امرأة مع الرسول صلى الله عليه وسلم معها ناقة فقالت للناقة: لعنها الله، قال عليه الصلاة والسلام: {خذي ما عليها واتركيها فإنها ملعونة، لا تصحبونا بملعون} فمن لعن شيئاً من ماله قلت بركته، ولا يستفيد من هذا المال، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش البذيء} فأوصي نفسي وإياكم بترك اللعن ونظافة اللسان، فإن الله طيب يحب الطيب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

ولائم العزاء وحكمها

ولائم العزاء وحكمها Q ما حكم التجمعات والولائم في عادات العزاء؟ A تجمعات وولائم العزاء كما علمتم من المنشورات التي نشرتها هيئة كبار العلماء كالشيخ عبد العزيز بن باز، وغيره من العلماء أنها أمر مبتدع، الذي يقع بين القبائل وفي القرى من ذهاب جماعة إلى جماعة، واستقبال أولئك لهم، ثم السلام عليهم وتعزيتهم في الميت ما فعلها الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه، وقد قال: {من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد} يقول جرير بن عبد الله: [[كنا نعد الاجتماع على المآتم من النياحة]] فلذلك نهى علماؤنا عن ذلك بهذه الأدلة، فأنا أقول بعد هذه النصوص: إن هذا أمر لا يجوز، وأن على المسلمين أن يتبعوا سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ويتركوا البدعة، فلا فلاح لهم إلا باتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أما أن نقول: هذه عادتنا، وهذه تقاليدنا، ونشأنا عليها نحن وآباؤنا وأجدادنا فلا يصح لأنه معارضة للشريعة، وشريعة الله تنزل على الناس ليحكموا بها، لا ليتحكموا فيها، فإذا عرف ذلك فالأولى للإنسان أن يترك تلك التجمعات ونصب الخيام، أو استقبال وافد من كل قبيلة في مجلس استقبال، فهذا ليس بوارد ولا عليه دليل، وقد نبه علماؤنا عليه، لكن يكتب رسالة أو يتصل أو يذهب بنفسه وحده إذا كان قريباً أو بينه وبينه صلة، أما التجمع هذا فإنه منكر، من أين لنا دليل على هذا التجمع؟ ونحن لا نحكم إلا بالشريعة. وهذه التجمعات من النياحة؛ لأنها من شعارات الجاهلية، وشعارات أهل الأوثان من قريش قبل الإسلام.

التعزية الشرعية

التعزية الشرعية Q ما هي السنة في العزاء؟ A سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الميت أنه إذا مات أن يأتي الناس فيحضرون مراسيم غسله، والصلاة عليه ودفنه، ولا بأس أن يجلسوا في المجلس، لا بأس أن يجلسوا في القرية، ويقرءوا ما يسر الله من القرآن والذكر الطيب والحديث، لكن أن يستقبلوا الناس وتذهب جماعات وتأتي جماعات ووفود، هذا ليس من السنة. والناس إذا حكموا السنة، فإن الله سوف يهديهم سواء السبيل، وينهى عن مجالس العزاء؛ لأنها تُوهم أن هناك نقصاً في شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، والأمر الثاني: لم يرد فيها دليل من الكتاب ولا من السنة {ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} لم يفعلها صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة الأخيار، فنحن لا نفعل إلا ما فعلوا، ونترك ما تركوا. وفي الختام أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية والنجاة من النار، اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك علىالخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

استثمار الأدب في خدمة الدعوة

استثمار الأدب في خدمة الدعوة الأدب في الإسلام له دوره ومجاله في نشر الإسلام والدعوة إليه، وقد شجع الرسول الصحابة على الشعر المحمود في موطنه. فأمتنا هي أمة الأدب والعلم والفكر والجمال.

الأمة الإسلامية أمة العلم والأدب

الأمة الإسلامية أمة العلم والأدب الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، كانت أعيننا عمياً ففتحها بإذن الله، وكانت رءوسنا مخفوضة فرفعها بعون الله: إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبتِ الكنوزَ فكسَّرت أغلالها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فإنها سعادة لي أن ألتقي بهذه الوجوه الباسمة الغانمة في هذا النادي، الذي أتى القائمون عليه ليثبتوا للناس أننا أمة العلم، يوم كانت الجاهلية تُخيِّم على الأذهان، وأننا أمة الفكر يوم سيطرت الهلوسة والهوج على عقول الناس. وأننا أمة العلم والجمال والفن العفيف المسير بطاعة الله على نور من لا إله إلا الله، يوم عرف الناس أن الفن والجمال بالمعصية والصد عن سبيل الله، فنحن أمة علم، وأمة أدب نثراً وشعراً، ندل به على الله، ونسير به إلى الله، نحتسب بالبيت الشعري ما نحتسبه بالكلمة، ونحتسب في البيت الشعري ما نحتسبه بالتسبيحة التي يسبحها العابد في المسجد؛ لأن الله أرسل رسل هداية، كما يقول ربعي بن عامر يوم أن دخل على رستم فهز إيوانه، فقال له رستم: ماذا جاء بكم؟ قال ربعي: [[جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]]. فالرسول صلى الله عليه وسلم يوم أتى لنا -نحن أمة العرب- قبل الأمم الأخرى: ماذا كان مجدنا؟ وماذا كان تاريخنا؟ وما هي ثقافتنا؟ وما هي معرفتنا؟ لا شيء قال الله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] فأخرج أعراباً كان أحدهم يطارد الضبع، ولا يدري ما تاريخه، ولا ما مصيره! ولا لماذا خلقه الله! فوضأهم بماء التوبة، وأسمعهم أذان بلال، وأسجدهم لله على الصحراء، ونفض كل ذرة من ذرات الشرك من قلوبهم؛ فانطلقوا يهللون ويكبرون، أخذوا سيف الله تحت لا إله إلا الله، وساروا على أمواج بحر الله يُعلون لا إلا الله في المعمورة، فمات بعض الصحابة في طاشقند، ومات بعضهم في نهاوند، على أبواب القسطنطينية، وماتوا على مشارف أسبانيا، وفي رُبَى نهر الجانج، حتى قيل لـ عمر حين قال: مَن الذي قُتل في نهاوند؟ قال الأحنف: قتل فلان وفلان وفلان، وأناس لا نعرفهم، فدمعت عينا عمر وقال: [[لكن الله يعرفهم]] الله يعرف الذين قتلوا من أجله وبسببه لينشروا راية لا إله إلا الله، يعرفهم يوم يجمع الأولين والآخرين.

شهيد القسطنطينية

شهيد القسطنطينية ولذلك يقول الشيخ الكبير أبو أيوب الأنصاري الذي استضاف النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن نزل إلى المدينة، فكان له شرف مقدمه عليه الصلاة والسلام؛ يوم أتى إلى أهل المدينة، كما يأتي النسيم العليل إلى صدر المريض، أو كما يأتي الماء البارد إلى كبد الظمآن الشديد الظمأ أو كما تأتي العافية إلى المحموم، دخل عليه الصلاة والسلام إلى المدينة. فاستفاقت على صباح جديد ملء آذانَها أذانُ بلال فتسابق الصحابة ليأخذوا رحله عليه الصلاة والسلام، وليكون لهم شرف استضافته صلى الله عليه وسلم، ليتشرفوا برؤيته عليه الصلاة والسلام، ولكن كان ذلك السبق لـ أبي أيوب. أتى فأخذ بزمام ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {دعوها فإنها مأمورة} لأنها مسيَّرة في خدمة دعوة لا إله إلا الله، فلما نزل صلى الله عليه وسلم، سبق أبو أيوب إلى رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم للناس وهو يبتسم: {المرء مع رحله} ثم قام باستضافته، وانتهت حياة أبي أيوب، لكن إيمانه لم ينتهِ، وحين كَبُر وشاخ، وأصبح يدبُّ على عصا كان إيمانه وقلبه شابين لم يهرما ولم يشيبا، فكثير من الناس شابٌّ، ولكنه كهل في تفكيره وإيمانه، وكثير من الناس قوي في جسمه، ولكنه هزيل ضعيف في يقينه وإيمانه: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4]. فقال أبو أيوب للصحابة - وهو في دمشق -: [[خذوني فوالله لأقاتلنَّ معكم الروم - وقد نيف على مائة عام - قالوا: كيف نأخذك وقد عفا الله عنك وعذرك عن الجهاد، قال: لا. إني سمعت الله يقول: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41] وأنا ثقيل فوالله لأنفرنَّ]] فلما وصل إلى أبواب القسطنطينية، قال: [[اللهم لا ترجعني من هنا وادفني في هذا المكان، حتى تبعثني يوم القيامة، بين قوم كفار، أقول بينهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك]] ولبَّى الله له ما سأل؛ لأنه كان صادقاً، فلما انتهت المعركة، مات ودفن عند أبواب القسطنطينية، وهو مدفون هناك، وأرضه ومنزله في طيبة الطَّيِّبة؛ لكنه دفن في القسطنطينية ليشهد الإنسانية أننا حملة رسالة.

محمد إقبال يصف حال المسلمين

محمد إقبال يصف حال المسلمين من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسـ ـمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا فهذا شاعر الباكستان - محمد إقبال - أعجمي في لغته، لكنه متيقظ متنور، عربي في قلبه وفي فطرته، أتى يحج في مكة قبل خمسين سنة، وظن أنه سوف يلقى أبناء الصحابة، وأحفاد التابعين، حملة الرسالة الذين رفعوا لا إله إلا الله، ودوخوا كسرى وقيصر، وبنوا المساجد في المعمورة، حتى أصبحت مآذنها سبابات، كما يقول الأستاذ علي الطنطاوي في قصص من التاريخ، يقول: دخلت أسبانيا، فرأيت المآذن كأنها سبابات فبكيت والله؛ لأن المساجد حولت إلى خمارات. حين تحولنا نحن من لا إله إلا الله إلى غيرها، حولت مساجدنا التي بناها أجدادنا إلى خمارات، وإلى أرض للدعارات، وإلى حانات للفسق والخيانة والعهر، مات أصحاب الرسالة، ومات حملة لا إله إلا الله، فحج محمد إقبال شاعر الباكستان، فأخذ يتلمح في وجوه الناس، فإذا أناس لا يعيشون لله - إلا من رحم الله - الوجوه كأنها أتت من باريس، أين السنة التي تظهر على الوجوه؟ القلوب كأنها مستوردة، فهمُّ أحدهم قصر وسيارة، ووظيفة ومنصب، فأين حملة الرسالة؟ فبكى، وسجل قصيدته شكوى وجواب، يقول وهو يبتهل إلى الله ويطوف: من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسـ ـمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا أما سار خالد بن الوليد على موج النهر؟! أما ركب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقال للخيل -وكانت ثلاثين ألفاً-: [[يا خيل الله اركبي]] فسمعت الصوت فاقتحمت النهر، فجمد الله لهم النهر فساروا عليه، كما جمد الله البحر لموسى عليه السلام؟! أما وصل عقبة بن نافع إلى أطراف المحيط وقال: [[والله لو كنت أعلم أن وراءك أرضاً لخضت بفرسي هذا المحيط، حتى أبلغ دعوة الله في تلك الأرض؟!]] . أما وقف عقبة بن نافع وهو في أرض أفريقيا، يتكلم في الغابات ويقول: [[يا أيتها الغابات! أخرجي وحوشك، وثعابينك، وذئابك، وسباعك، فإن معي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم]]؟! فوالله لقد خرجت الأسود من الغابة، وخرجت الثعابين، وزحفت الحيات، ثم سار بجيشه. ولذلك يقول محمد إقبال: بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا دخلنا قبرص لا بجيش ولا بكتائب، أذن مؤذن المسلمين، فانقشعت كل قلاع قبرص، وأعلنوا الإستسلام ورفعوا أيديهم؛ لأنهم سمعوا الأذان. بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا كم سجدنا في أفريقيا! وكم سجد أجدادنا في سيبيريا وفي آسيا! ولكن حين تغير الحال وأتى أناس لا يسجدون لله، ولا يعرفون الله؛ فسلط الله عليهم أعداءهم، فساموهم سوء العذاب، واستذلوهم، وأهانوهم ومقتوهم أمام العال؛ لأن من لم يعرف الله يسلط الله عليه إنساناً لا يعرف الله سبحانه وتعالى، والذي لا يخاف الله يسلط الله عليه مجرماً لا يخاف الله عز وجل، فالله عز وجل يبتلي من لا يعرفه ولا يتقرب إليه بمن لا يعرفه ولا يتقرب إليه.

مكانة الأدب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

مكانة الأدب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا النادي نادي أدب، والأدب عندنا نحن المسلمين، ليس أدب غناء، وليس بأن يأتي المسلم القوي العاقل فيتماجن كما تتماجن المغنية، ويذهب بعقله كما تذهب الممثلة السافرة! نحن أمة رجولة ودعوة، وأمة رسالة، نجيد الشعر، لكن في مواضعه، فرسولنا ومعلمنا صلى الله عليه وسلم أجاز الشعر، واستمعه؛ ومع أنه لم يقله عليه الصلاة والسلام، لكنه هش وبش وحيَّا شعراءه في مسجده، ألم بقرِّب المنبر لـ حسان وقال: {اهجهم وروح القدس يؤيدك}؟ أما جمع الشعراء في مسجده صلى الله عليه وسلم، وقال: {اهجوهم وانتصروا؛ فإن الله عز وجل يحب من المؤمن أن ينصره بكنانِه، وينصره بلسانِه} فجهاد الكلمة، وجهاد اليد، وجهاد القلب، وجهاد المال مطلوب. ويقول إقبال كذلك في المقطوعة نفسها - ولا أظن أنه نُظَم مثلها -: أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا كنا نرى الأصنام من ذهب فنهـ ـدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا أتى محمود بن سبكتكين أحد سلاطين الإسلام، الذي كان يملك المشرق، وسجادته ومصحفه بشماله -كما يقول الذهبي - ومسواكه دائماً بيمينه، والذي يراه يقول: عابد من العُباد، ثوبه بسبعة دراهم، وعنده من الجيوش التي يقول فيها أحد الشعراء: ففي جيشه خمسون ألفاً كـ عنتر وأمضى وفي خُزَّانه ألف حاتم مضى بالجيش، فلما عبر نهر السند، أتى إلى بعض ملوك الهند، وإذا صنم هناك، فقال له الملك: " خذ هذا الصنم -رشوة - واتركنا في بلادنا، قال: هذا الصنم من ذهب، والله لا آخذه مالاً ولا أحوزه كنزاً؛ لأنه عُبد من دون الله " فأتى بالملك فقتله، ثم جعله فوق الصنم، ثم أشعل النار في الصنم وفي الملك، ولذلك يقول محمد إقبال: كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاًَ وصاغ الحلي والدينارا

أدبنا وأدب الأعداء

أدبنا وأدب الأعداء فنحن إنما نجتمع في مثل هذه الجلسة، لنتطلع على أخبارنا وعلى سيرنا وعلى قصصنا، لأن أعداءنا يقولون: إنه ليس عندنا أدب، والأدب كل الأدب في مجدنا وتاريخنا، فهم ماذا قدموا للبشرية من أدبهم، ومن سخفهم، ومن قبحهم، ومن حقارتهم؟ قدموا المرأة الخليعة، قدموا كأس الخمر، قدموا المجلة الممسوخة من مراقبة الله، قدموا الأغنية الماجنة، قدموا الملهى والمرقص، قدموا الضلال، قدموا الصد عن الله عز وجل وهدم دين الله في أرضه، ونحن قدمنا لا إله إلا الله، ورفعنا لا إله إلا الله، وعلمنا الناس أن يقولوا: لا إله إلا الله، بنينا مساجد يُسبح فيها بحمد الله صباح مساء، وتخرج من مسجده صلى الله عليه وسلم ألف شهيد وشهيد، وألف عالِم وعالِم، وألف عابد وعابد، وألف مفكر ومفكر، كان ينطلق الصحابي الواحد، وليس عنده من الخبز إلا ما يسد جوعته، وجبة واحدة، كسرة من الخبز وسيف في غماد، ثم ينطلق مهللاً ومكبراً، يريد أن يرفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله. فيا إخوتي في الله! تعالوا لنرى كيف عاش صلى الله عليه وسلم بالأدب، وكيف كان يعيش مع النوادي الأدبية، التي يجب أن تتحول -وهي الآن في طريقها- إلى أن تؤدي للأمة رسالتها الحقيقية، وتؤدي كلمة الحق، وتنفع شباب الإسلام، وتردهم إلى الله عز وجل، مسجده صلى الله عليه وسلم في المدينة بُني من طين، ليس من (بُلُك) ولا من حديد، ولا فيه زخرفة، وليس فيه كهرباء، وليس فيه (زل شيرازي) وليس فيه (كنبات) ولا زينات ولا زخارف، بل لُبينات من طين، لكنه منارة من منارات الأرض تتلقى نور السماء، كان إمامه محمد صلى الله عليه وسلم تلتقي به القلوب كل يوم خمس مرات، وفكر في ذهنك أنت: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يصلي بك العشاء الليلة، وسوف تسمعه يقرأ، ثم يسلم، ثم تصافحه وتسلم عليه , وتجلس معه، أي شعور وأي كرامة! وأي نعمة فوق هذه النعمة! عاش الصحابة هذا الشعور، فكان صلى الله عليه وسلم، يصلي بهم وهو رسول الله، وأكرم مَن خَلَقَ الله، وأرفع من أوجد الله عز وجل، فيلتفت إليهم، ووجهُهُ كالقمر ليلة البدر: لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر فيتحدث معهم، فإذا هو مفتي الأمة، وليس في فن خاص؛ في الفرائض دون الفقه، أو في الفقه دون الفرائض، أو في التفسير بلا حديث، لكنَّ الله أفاض عليه من نعمته، فهو بحر لا ساحل له، يأتي إليه ملوك العرب فيعلمهم ويعطيهم، وتأتي المرأة بطفلها تستفتيه، فيأخذ طفلها -شفقة ورحمة ورقة- فيُقَبِّل طفلها ويضمه بين يديه، حتى يقول الله له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] أي: عظيم هذا الخلق الذي تتعامل مع الناس به، عظيم هذا التحمل الذي تسري في الأمة به، ويقول له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:159] أي: أنت لَيِّن، وأنت سهل، وأنت حبيب للقلوب، تحبك الأرواح، ولذلك يقول أحد المفكرين: " نحن العرب قبل أن يبعث الله فينا محمداً صلى الله عليه وسلم، لا يجمعنا أحد، لا سيف عنترة، ولا صحفة حاتم ولا جود هرم بن سنان أبداً؛ لأننا -كما يقولون- كقرون الثوم، كلما كَسَرتَ قرناً، وجدتَ داخله قروناً، فلمَّا أتى عليه الصلاة والسلام، تسامح كل التسامح، نسي الحقد والغضب، كظم غيظه، بش للناس، كان قريباً إلى الأرواح والقلوب، فكيف لا يحبونه؟! وكيف لا يتمنون الجلوس معه؟! يقوم في الصلاة -وانظروا إلى هذا المشهد- فيريد أن يطمئن ويقر عينه بالصلاة مع الله؛ لأنها قرة عينه، يريد أن يطيل الصلاة وأن يتدبر الآيات في الصلاة، وهو يصلي بالناس، فيسمع بكاء الطفل، فيعلم أن أمه تجد مشقةً وهي تصلي، فيتجوز في الصلاة ويسلِّم، ثم يلتفت إلى الناس فيقول: {أيها الناس! إني أريد أن أطيل الصلاة، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه} صلى الله عليك وسلم يا صاحب الخلق العظيم! {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. ويأتي في صلاة العصر بطفلة -وهي بنت ابنته صلى الله عليه وسلم-: {فيحملها على كتفه، ويصلي إماماً بالناس، فإذا سجد وضعها في الأرض، وإذا قام رفعها} من يفعل ذلك؟! إنه صلى الله عليه وسلم، يريد أن يكون قدوة للناس أجمعين.

الأدب في مسجد الرسول

الأدب في مسجد الرسول جانب الأدب في مسجده صلى الله عليه وسلم، كان دوره أن يستمع إلى ما جمل وطاب من الكلمات، والخطب والمواعظ، فهو أفصح من نطق بالضاد، وأفصح من استخدم العبارة وأجاد الكلام صلى الله عليه وسلم، يرتقي المنبر يوم الجمعة، لا يُحضِّر الكلمة، ولا يكتب الخطبة؛ لأنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، يقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] فهو لم يدرس، ولم يكتب ولم يتعلم، بعث بعد أربعين سنة، فإذا هو أفصح خطيب، وإذا هو أكبر مفتي، وإذا هو أعظم قائد، وإذا هو أجل مُرَبٍّ في المعمورة صلى الله عليه وسلم، يندفع يوم الجمعة يتكلم فلا يتلعثم بحرف، فما تسمع في المسجد إلا البكاء، يقول أحمد شوقي: وإذا خطبتَ فللمنابر هزة تعرو الندي وللقلوب بكاء يقول أنس: والله إني كنت ألتفتُ يوم الجمعة، فإذا الناس لهم خنين في المسجد، وكل وضع رأسه على ركبتيه من البكاء؛ لأنه كان يوصل القلوب بالله عز وجل.

الأعشى يمدح الرسول

الأعشى يمدح الرسول ومِن الطُّرف أن الأعشى -ونحن في مقام الأدب، وسوف نأخذ من هذه القصة عبراً- وكان الأعشى شاعر بكر بن وائل، يقول عن قبيلته وهو يمدحها: لما التقينا كشفنا عن جماجمنا ليعلموا أننا بَكر فينصرفوا قال البقية والهندي يحصدهم ولا بقيةَ إلا السيف فانكشَفوا أتى يريد أن يسلم، ويريد أن يهديه الله عز وجل، ولكن كأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى علم عدم محبة الهداية من قلبه، والله سبحانه إذا علم منك حب الخير والهداية، والمسير إليه هداك وتولاك ورعاك: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:23 - 24] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وقال سبحانه: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5] هم الذين زاغوا، فأزاغ قلوبهم بعد أن زاغوا. فأتى هذا الرجل من اليمامة وأراد المال والدنيا، ولم يرد الهداية، فركب ناقته وكان أعْشَى لا يبصر إلا قليلاً، فلما ركب ناقته نظم قصيدة عصماء من أجلِّ القصائد عند العرب، يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويريد أن يعطيه من مال الدنيا وذهَبِها وفضَّتِها، وجهل هذا الشاعر أن نعمة الله ورحمته أجلُّ: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] فالسعادة عند المسلم ليست ذهباً وفضة، أو سيارة أو قصراً، أو منصباً أو وظيفة، فهذه والله أتفه من الحذاء الذي في أرجلنا! وكل هذه الأمور لا تساوي جلوسك في المسجد ساعة تسبح وتقرأ القرآن، أو تدعو الله عز وجل! والله لو طلعت الشمس على كنوز الدنيا وذهبها وفضتها، ثم قلت -كما صح في صحيح مسلم. سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر -وهن أربع كلمات- لما كانت الدنيا كلها تعدل هذه الكلمات الأربع، يقول صلى الله عليه وسلم: {لأن أقول: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) أحب إلي مما طلعت عليه الشمس} فهذه الدنيا زهيدة رخيصة، وسخيفة لا يعشقها إلا السخفاء، إنما نحن نتمول منها، نأكل ونشرب، ونسكن ونتعاطها؛ لأننا نمتهنها، أما إذا دخلت قلوبنا فنعوذ بالله منها. فأتى الأعشى يريد الدنيا، يقول عَزَّ مِن قائلٍ: {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء:20] من أراد الدنيا يؤتيه الله من الدنيا، ومن أراد منصبها يعطيه من مناصبها، ومن أراد ذهبها وفضتها فليأخذ من ذهبها وفضتها، ولكن من أراد التقوى أعطاه الله من التقوى، ومن أراد العلم والفقه في الدين أعطاه الله من العلم والفقه في الدين: {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء:20] فركب الأعشى ناقته، وأخذ يترنَّم على الناقة، يجهِّز قصيدة؛ ليعرضها على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وعادك ما عاد السليم مسهدا شباب وشيب وافتقار وثروة فللَّه هذا الدهر كيف ترددا فآليت لا أرثي لها من كلالة ولا من وجى حتى تزور محمدا متى ما تناخي عن باب ابن هاشم تراحي وتلقي من فواضله يدا ثم أتى ببيتين من أحسن الأبيات، ويا ليته نفع نفسه بها واتعظ بها وأفادته في الحياة! لكن لم تنفعه، يقول: إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على ألاَّ تكون كمثله وأنك لم ترصد لما كان أرصدا فهذه موعظة؛ لكن ما اتعظ بها صاحبها، وكم من واعظ لا يتعظ، وكم من ناصح لا ينتصح، وكم من إنسان يرى الحق ولكن لا يتبعه! يقول الله عز وجل للإنسان: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] أي: فلماذا لا يهتدي؟! ولماذا لا يسلك الطريق الصواب؟! فذهب هذا الرجل فلقيه أبو سفيان - وكان أبو سفيان عدواً للرسول في تلك الفترة - فقال: إلى أين يا أعشى؟ قال: أذهب إلى محمد الذي يزعم أنه نبي صلى الله عليه وسلم قال: ماذا تريد؟ قال: أريد أن أمدحه بقصيدة؛ كما أمدح ملوك العرب، فيعطيني مائة ناقة، هذا مراده، وهذا مقصده، ولو كان يريد الهداية لسهل الله له الهداية، ولو كان يريد الاستقامة لأعطاه الله الاستقامة، لكن أراد الدنيا، فقال له أبو سفيان: أنا أعطيك مائة ناقة وعد من هنا؛ لأن أبا سفيان خاف أن يسلم هذا الشاعر -وقد كان وزارة إعلام متنقلة- فيفضح الجاهلية، ويندد بها في شعره، فرده بمائة ناقة فعاد، ولما قرب من الرياض، في ديراب - المكان المعروف الذي ذكره المؤرخون -وقصته ناقته، فإذا هو ميت، فلا دين ولا دنيا، لا ناقات سلمت له ولا حياة سعد بها، ولا (لا إله إلا الله) تمكنت في قلبه، ولا توجَّه إلى الله، فهذا هو التباب والخسار، وبقي هذان البيتان شاهدين عليه، يشهد كل بيت عليه، لأنه لم يتعظ. فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يستمع للشعر وكان يقبله.

ابتسام الرسول صلى الله عليه وسلم عند إلقاء بعض القصائد عنده

ابتسام الرسول صلى الله عليه وسلم عند إلقاء بعض القصائد عنده يقول الأسود بن شريح: {وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إني مدحت الله بقصيدة}. و Q هل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يحب المدح؟ نعم: {لا أحد أحب إليه المدح من الله} لأن الله يستحق المدح، وهو أهل للثناء والمدح، وكل مخلوق تمدحه، فربما قد تبالغ في مدحه أو تزيد، إلا الله تبارك وتعالى، وهو يحب المدح، أمَا مدحَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى نفسَه في القرآن؟ أمَا قال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]؟ أمَا قال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]؟ أمَا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]؟ بلى. تبسَّم صلى الله عليه وسلم لما سمع أن هذا الشاعر له قصيدة يمدح الله عز وجل، فقال: {إن ربك يحب المدح} ثم أنشده ما تيسر.

توجيه طاقات الأمة إلى الله

توجيه طاقات الأمة إلى الله ولذلك كان عليه الصلاة والسلام، يريد أن يوجه طاقات الأمة إلى الله، فنحن في الإسلام لا نطرد الشاعر لأنه شاعر، ولا نقول له: لا مجال لك عندنا في الإسلام، بل نرحب به ونقول: ديننا يحيي هذا الفن، ولك مكان بيننا، فانصر الله بكلمة الشعر، بدلاً من أن تصف به حسناء، أو تتغزل بامرأة معصومة موقرة عفيفة، أو تتطلع بالشعر على عورات المحصنات الغافلات المؤمنات، فتوجه بالشعر إلى الله واخدم هذه الرسالة الطاهرة، وارفع من قيمة الدين، وتحدَّث عن كل شيء في الحياة، لكن بشرط أن تتقي الله. يقول ابن كثير في البداية والنهاية: " لما توفي أبو نواس، وكان أبو نواس من شعراء الدولة العباسية - وكان من الفساق في شعره وفي حياته، وعلمه عند الله -فلما توفي رئي في المنام، قيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: نظمت قصيدة وصفت فيها الوردة، ثم رددتها إلى قدرة الله عز وجل ". فانظر كيف دخل الجنة من هذا الباب، فقد أتى إلى وردة باسقة في بستان، فوصفها، فأدخله الله الجنة، وقد أورد هذه الأبيات ابن كثير في تفسير سورة البقرة، ومنها: تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليكُ عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيكُ على قضب الزبرجد شاهداتٌ بأن الله ليس له شريكُ فأدخله الله بهذه المقطوعة الجنة. ثم يقول ابن كثير في ترجمة جرير الشاعر قال: " رئي في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قالوا: بماذا؟ قال: أذَّنتُ وحدي في البادية حيث لا يراني إلا الله؛ فغفر الله لي بذلك الأذان ". هل أعظم من المسلم حين يكون في سفر ويصبح وحده في الصحراء لا يراه إلا الله، ولا يطلع عليه إلا الله، فينزل من سيارته، أو من مركوبه، ويقف ويتوضأ ثم يؤذن في الصحراء، يرفع كلمة التوحيد في الصحراء، حيث لا يسمعه إلا الشجر أو الحجر أو المدر، لأن هذه تشهد له يوم القيامة، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يريد أن يدخل الإنسان إلى هذا الدين وإلى أبواب الجنة، إن كنت متكلماً خطيباً فاتقِ الله في خطابتك، واخدم بها هذا الدين، وإن كنت شاعراً مطبقاً مصقعاً فادخل أبواب الجنة بشعرك، وارفع به راية الإسلام، وإن كنت راسماً فناناً فاتقِ الله في رسمك واخدم به دينك، ارسم ما يقرب قدره إلى الأذهان، ممَّا لا روح فيه، ولا تضاه خلق الله، ولكن قرب الطبيعة إلى الناس، علمهم قدرة الله، بين لهم كيف خلق الله الزهرة، وكيف أبدع لونها، وكيف أرسل شذاها، وكيف جمل مرآها، وكيف سوَّى معناها؛ لتنال المحبة من الله عز وجل والرضا. إن من أراد دخول الجنة ما عليه إلا أن يصدق مع الله، ثم ليفتح باباً له، فإن الأبواب بعدد الأنفاس.

قول الصحابة للأدب والشعر

قول الصحابة للأدب والشعر ضكان عليه الصلاة والسلام يعلم الصحابة أن يقولوا الشعر والأدب -لأننا في ناد للأدب والشعر والثقافة- فكانوا يرتجزون، ليسوا كمثلنا على الكراسي الآن، نقول القصائد العصماء، ونقول القصائد التي نكسر بها رءوس اليهود لكن في الواقع ما كسرنا رأس أحد، أما هم فإن عبد الله بن رواحة يقول - وهو يحمل الراية في مؤتة، وهو يحمل سيفه وقد كسر غمد سيفه على ركبته - يقول: والله لا أعود إلى الدنيا، ثم يقول: أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أقبل الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة هل أنت إلا نطفة في شنة فهو يحلف على نفسه أن تنزل إلى المعركة. فنزل مع الغروب، وأدركته الراية، لأنه هو القائد الثالث من القواد الذين عيَّنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا ثلاثة آلاف في مقابل مائتي ألف، فلما أتى الغروب قال للناس: إني صائم ولا أستطيع المقاتلة، فناولوني شيئاً آكله، فناولوه عرق لحم، فأخذ منه قطعة - لقمة - فأراد أن يستسيغها وأن يبتلعها فما استطاع - فهو يسمع مع الغروب تحطيم السيوف، ويسمع الرماح وهي تتكسر على رءوس الأبطال، ومعه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم - قال: والله لا آكل من هذا ولا آكل إلا في الجنة - إن شاء الله - ثم رمى بالعرق من يده، ثم أقبل وهو يقول: أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أقبل الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة هل أنت إلا نطفة في شنة يقول: أما تسمعين حَطَمَة السيوف؟ من يكره الجنة؟! الذي يبقى في الحياة، ويحب أن يحيا بلا طاعة ولا عبادة، ولا اتصال بالله يكره الجنة. وقبله أتى الشاب جعفر رضي الله عنه وأرضاه، فأتى يقول: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها إي والله، أمَّا الدنيا فليست بطيبة، لأنك إذا شبعتَ في الدنيا تنغصتَ بذلك، وإذا سررت وفرحت بأبنائك نغص عليك الموت هذه الفرحة، وإذا اجتمع أهلك فرقهم هاذم اللذات، وإذا صحَّ جسمك أتاه الهرم والأمراض والتعاسة، وإذا رأيت ببصرك، وأمعنت النظر، أتاك العمى والعمش، وإذا سمعت الصوت الجميل بأذنَيك، فهي مرحلة ويصيبك بعدها الصمم أو تموت، فهي دنيا منغصة، يقول الحسن البصري: [[ابتغوا لأنفسكم داراً غير هذه الدار، فإن الموت قد فضح هذه الدار]]. حتى يقول عبد الملك بن مروان لما حضرته الوفاة -كما ذكر عنه الذهبي في المجلد الرابع من سير أعلام النبلاء - يقول: [[أنزلوني من على عرش الملك وسريره، فأنزلوه، فأخذ يمرغ وجهه في التراب ويبكي، ويقول: يا من لا يزول ملكه! ارحم من زال ملكه، وسمع وهو في سكرات الموت غسالاً ينشد، فقال: يا ليت أمي لم تلدني! يا ليتني كنت غسالاً! يا ليتني ما توليت أمر الأمة!]] قال سعيد بن المسيب: [[الحمد الذي جعلهم يفرون عند الموت إلينا، ولا نفر إليهم]] ولذلك يقول علي فيما حُفِظ عنه رضي الله عنه وأرضاه وهو يبكي على منبر الكوفة يوم الجمعة: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدار نبنيها أين الملوك التي كانت مسلطنة حتى سقاها بكأس الموت ساقيها فاعمل لدار غداً رضوانُ خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها فلذلك كان من المهم عند المسلم أن يعمل لتلك الدار. والشاهد من هذه القصة، أن العمل والاتجاه إنما يكون لدار البقاء لا لدار الفناء. التي لا بقاء فيها، فهي دار ذاهبة مرتحلة.

مساجلة شعرية بين يدي الرسول

مساجلة شعرية بين يدي الرسول وحين أتى وفد بني تميم يريدون أن يسلموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم اختاروا سبعة من رؤسائهم، اختاروا أحلمهم، وخطيبهم، وشاعرهم، وسيدهم، وشجاعهم، وكريمهم، ثم وفدوا، وأتوا بُحلة من الديباج اشتروها بستين ناقة، ولما وفدوا قالوا: يا رسول الله! قال: نعم، قالوا: قبل أن نسلم بين يديك لا بد أن نفاخرك، قال: بماذا تفاخروني؟ قالوا: عندنا شاعر العرب الزبرقان بن بدر، وعندنا الخطيب حاجب بن زرارة، فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس، فجمع صلى الله عليه وسلم الناس في المسجد، ليريهم سهولة الدين، ويريهم سماحة الدين فاجتمعوا جميعاً، فقام خطيبهم يتكلم ويمدح بني تميم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتهوا قال: انتهى خطيبكم؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: أين ثابت بن قيس بن شماس؟ -خطيب الصحابة- فقال: هأنذا يا رسول الله! فقال رسول الله: قم، اللهم أيده، وثبِّت جنانه، وسدِّد لسانه، وهذه دعوات الرسول صلى الله عليه وسلم تكفي له أبداً، فقام على المنبر وافتتح خطبةً ما سمع الناس بمثلها، كأنها صواعق، حتى أنزل العرق من جبين كل أحد منهم، وأعلنوا الاستسلام بين يدي خطيب الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قام الزبرقان بن بدر شاعر بني تميم، فقام يمدح بني تميم: نحن الملوك فلا حي يغالبنا منا الملوك وفينا تنصب البِيَعُ فألقى حوالي خمسين بيتاًَ في مدح بني تميم، وسكت عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أنت يا حسان؟ قال: عندك يا رسول الله! -وحسان بن ثابت شاعر الإسلام، شاعر الدعوة - قال: أتستطيع أن ترد على هذا؟ - لأن هذا بهت الناس، جاء بقصيدة جزلة قوية، ارتجلها وأعد لها، ومحص كلماتها، والموقف عجل، لا يتحمل أن يعد حسان، بل يَرُد في الحال، فقال حسان عندي رد لهم يا رسول الله! عندي لسان لو وضعتُه على شعر لحلقه، ولو وضعتُه على حجر لفلقه، ثم أخرج لسانه وضرب أرنبة أنفه، ثم ألقى قصيدة عصماء، فكانت أعظم من قصيدتهم، وقالوا: غلب خطيبك خطيبنا، وشاعرك شاعرنا، مدَّ يدك نبايعك على لا إله إلا الله، فدخلوا في دين الله.

تنوع تخصصات الصحابة

تنوع تخصصات الصحابة والرسول عليه الصلاة والسلام كانت لديه الاستعدادات الدعوية، فكان يوظف المؤهلين والمتخصصين في وظائفهم، فـ أبو بكر رجل الخلافة بعد موته صلى الله عليه وسلم، لأنه يجيد إدارة الأمة، وتصريف الأمور، وعمر رجل الحزم والمواقف الجادة، وعثمان رجل السكينة والحياء، وعلي رجل المنبر والكلمة النافذة في الأجيال، الصانعة للقلوب، وابن مسعود رجل الدعوة، والسريان في الناس وتخريج الأجيال، وابن عباس رجل القرآن، يستخرج كنوزه ودرره، وزيد بن ثابت فرضي، وخالد بن الوليد ضارب الأعناق في سبيل الله، وسعد بن أبي وقاص الذي حطم إيوان كسرى وزلزل امبراطورية الظلمة الخونة، أعداء الله في الأرض، قد علم كل أناس مشربهم، {أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد:17] فمن كان واديه علم، فليصل بالعلم إلى طاعة الله، ومن كان واديه عبادة، فليصل بعبادته إلى الله، ومن كان عنده مهنة أو تجارة، فليخدم بتجارته شريعة الله، ومن كان عنده أدب وفن وخطابة، فليخدم بأدبه دعوة الله، ومن كان جندياً فليحمل راية الله، ومن كان فلاحاً فليتق الله في زراعته وليرفع من مستواه عند الله، فالمراد منا أن نكون عبيداً لله، وما عندنا رجال دين، ورجال آخرون لا يشتغلون بالدين، الذي لا يشتغل بالدين يشتغل بالباطل، وبالسخف، وباللهو، وباللعب، يقول عز من قائل: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122].

الاجتماع من أجل مدارسة أمر الأمة

الاجتماع من أجل مدارسة أمر الأمة اعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوقف حياته وحياة أصحابه لخدمة هذا الدين، يقول ابن القيم: " ما كانت تمر به لحظة صلى الله عليه وسلم، إلا ويصرفها في طاعة الله " ونحن في هذا النادي نجتمع لنتدارس أمر أمتنا، كيف كنا بالأمس! وكيف أصبحنا اليوم! يا سبحان الله! يقول الأول لما رأى مجدنا، ورأى مساجد طويلة عريضة ولا يصلي فيها إلا صف، والحارات والأحياء مكتظة بالسكان! فأين الأمة الحية؟! أين أمة الرسالة؟! أين أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وطارق؟! أين هم؟! أماتوا؟! أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي منائركم علت في كل ساحٍ ومسجدكم من العباد خالي اتقوا الله، زخرفنا المنائر، جملنا المساجد، تباهينا بالعمران، لكن القلوب ميتة. وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال أما الأذان والمؤذنون فإنهم على الأوقات، لأن هناك أجراً، ولكن لا مصلين، لا علم يُدرس في المساجد، لا فقه في الدين، لا تحمس لرسالة الله عز وجل، فموقفنا هذا ينبغي أن يكون أحسن وأحسن، أقرب إلى الله وأقرب وأجد، لأن الأمة التي تحمل الرسالة، لا تشتغل من الدنيا إلا بما تقوم به حياتها، ولا تأخذ من الدنيا إلا حاجتها، فليُعْلم ذلك، فإنه من العلم الذي لا بد أن يعلمه الناس، وهو معلوم عند الكثير.

معايشة الرسول والجلوس معه

معايشة الرسول والجلوس معه إن واجبنا -أيها الإخوة الفضلاء! - أن نستقرئ تاريخ رسولنا صلى الله عليه وسلم، وأيامه ولياليه، فإن العيش معه هو والله عيش السعادة، وإن حلاوة الإيمان لا تحصل حتى تتعرف على أحاديثه، وعلى أسرار كلامه، وتستقرئ سيرته، كيف كان يأكل ويشرب، كيف كان يصلي ويجلس ويصوم ويزكي ويعتمر، لأن الله يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. نسينا في ودادك كل غالٍ فأنت الآن أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا ولمَّا نلقكم لكنَّ شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا الذي يريد أن يهديه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الصراط المستقيم، فليجعل من حياته عملاً صالحاً وليجعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة له. قيل لـ ابن المبارك: [[كيف تذهب وتتركنا، وتجلس وحدك في البيت؟ قال: أنتم لا خير فيكم، أنتم تغتابون الناس، وأنا أجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع الصحابة، قالوا: كيف تجلس وبينك وبينهم مائة وعشرين سنة؟ قال: إني أقرأ في الكتب أخبارهم وأعلامهم، فكأني جالس معهم]] جلوسك من صحيح البخاري، وصحيح مسلم جنة إن كان في الدنيا جنة، وسعادة إن كانت في الدنيا سعادة، أحسن لك وأولى من أن تجلس مع المعرضين الصادين عن الله عز وجل. وأسأل الله عز وجل -كما جمعنا في هذا المجلس الطيب العامر، والنادي القوي الموجَّه- أن يجمعنا في مستقر رحمته، يوم يتقبل الله عنا أحسن ما عملنا، ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون، اللهم بعلمك الغيب , وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى على محمد وعلى آله وصبحه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة .

من قصائد الشيخ عائض

من قصائد الشيخ عائض Q فضيلة الشيخ هل يمكن أن تسمعنا قصيدة من قصائدك؟ A لا بأس بذلك، سبق في الكلمة أنني ذكرت أنه نسب إلى علي رضي الله عنه قوله: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها ولي قصيدة على تلك القصيدة اسميتها: دمعة الخنساء: دنياك تزهو ولا تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها عاريّة المال قد ردت لصاحبها وأكنف البيت قد عادت لبانيها والأينق العشر قد هضت أجنتها وثلة الورق قد ضجت بواكيها يا رب نفسي كبت مما ألم بها فزكها يا كريم أنت هاديها هامت إليك فلما أجهدت تعباً رنت إليك فحنت قبل حاديها إذا تشكت كلال السير أسعدها شوق القدوم فتعدو في تدانيها حتى إذا ما كبت خوفاً لخالقها ترقرق الدمع حزناً من مآقيها فإن عفوت فظني فيك يا أملي وإن سطوت فقد حلت بجانيها إن لم تجرني برشد منك في سفري فسوف أبقى ضليلاً في الفلا فيها وهنا أبيات من قصيدة نظمتها في موسم الحج، في الدعاة: يا مجمع الخير حيوا لي محياه نداء حق من الفصحى سمعناه قد أطرب الأذن فانصاغت لنغمته وأطرقت برهة تصغي لفحواه يقول للجيل والإيمان رافده عودوا إلى الله فقد ناداكم الله يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي نسيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله فلا تغرنك الدنيا وزينتها فإنها طلل قد هد أعلاه كن كالصحابة في زهد وفي ورع القوم هم ما لهم في الناس أشباه عُبَّاد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غاب إذا نادى الجهاد به هبوا إلى الموت يستجدون لقياه يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدوا لنا مجداً أضعناه

أثر المدارس الأوروبية الأدبية على فكر الشباب المعاصر

أثر المدارس الأوروبية الأدبية على فكر الشباب المعاصر Q فضيلة الشيخ لقد اتجه الأدباء في هذا العصور الحديثة إلى المدارس الأدبية الأوروبية الكافرة، وأصبحوا ينهجون منهجهم، ويتبعون بعض أفكارهم، مما أثر على فكر الشباب المعاصر، فما رأيكم في هذا؟ A هذا الكلام واقع، والشيوعية الماركسية جربت نشر الإلحاد بالمادة وبالاقتصاد قبل ما يقارب أربعين سنة، فنجحت بعض النجاح، فلما أتى الأدب واشتغل الناس بالثقافة، وردت إلى السوق بالأدب، وهذا الأدب الإلحادي يصد الإنسان ويجعله أديباً منسلخاً عن قيمه ورسالته ومبادئه، ولذلك وجد في العالم العربي شعراء ألحدوا بالله عز وجل، وكفروا به؛ لأنهم اتجهوا إلى الفن، وظنوا أن معنى الأدب أن ينسلخ الإنسان عن إيمانه، وأتوا بقصائد الكفر والإلحاد، مثل قصيدة بشارة الخوري، المسيحي، الذي يقول عن القومية العربية مهاجماً بها الدين: بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم هبوا لي دينا يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم يقول: سيروا بجثماني على دين برهمٍ، ولا تذكروا لي الإسلام، إذا كان يفرق بين العروبة، فكفر بهذه الكلمة، وأتى السياب في العراق بقصائد يستحي الإنسان أن يقولها، وأتى أدونيس وهو شاعر فلسطيني، سمى نفسه باسم صنم من أصنام اليونان التي كانت تعبد من دون الله، ثم ألحد بشعره، فأتت هذه الموجة تدعو الناس أن يتجهوا إلى هذا المذهب الفكري المنسلخ من لا إله إلا الله، ولكن بقي الحق في الساحة، لأن سنة الله تعالى في الخلق أن تبقى عصابة تدافع عن الدين بالأدب وبالشعر وبالنثر وبالخطابة وبالقصة وبالموعظة وبالعلم وبالعبادة، فأبقى الله عز وجل من يذب عن دينه من الأدباء الصالحين، ومن التمس أدبهم وجده، لكن هذا السؤال يحتاج إلى محاضرة واستقراءٍ لما قالوا في الساحة، ولما تكلموا به ولما كفروا في شعرهم به -نعوذ بالله من ذلك- فإن بعض الكلام يُسْتَحيا أن يُذْكَر في مثل هذا المجلس، ونكرم مجلسنا أن نذكر كلامهم فيه.

التشكيك في قدرة كعب بن زهير الشعرية

التشكيك في قدرة كعب بن زهير الشعرية Q بعض أدباء الشعر يشكك في قدرة كعب بن زهير الشاعرية، ويخبر أحدهم أنه في قصيدته البردة بنى منها خمسة عشر بيتاً على وزن أبياتٍ لـ كعب بن مالك. A أولاً هذا الكلام الوارد عارٍ من الدليل، وما أعرف أحداً من أهل العلم ولا أهل السير، ولا أهل التاريخ، ذكر هذه القضية. أولاً: كان كعب بن زهير مزنياً من مُزَينة، وكعب بن مالك أنصاري، رضي الله عنه أورضاه. ثانياً: كيف يُنكَر أن القصيدة لذاك الرجل، وهو فحل في الشعر لا يقارَن، وهو ابن زهير بن أبي سلمى، الذي كان من شعراء العرب، فما هو دليله على إيراد هذه الكلمة؟ على أن حديث بانت سعاد، ضعيف عند المحدثين، بأنه ألقاه عند الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لكنه يستند أولاً إلى أن القصيدة في جودتها وفي أصالتها، لا بد أن لها أصلاً، ولا يقولها إلاً مثل كعب، أما هذا الكلام فليس بصحيح، من ثلاثة واجهات: أولاً: بُعْدُ ما بين الرجلين. ثانياً: شاعرية كعب بن زهير، فهو أقوى من شاعرية كعب بن مالك فكيف يحتاج إليه؟! ثالثاً: أنه ذكر التوبة والإنابة فيها، والرجوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما كعب بن مالك فلم يقع منه ذلك في تلك الفترة حتى يذكر هذا.

حكم الإسلام في الهجاء بالشعر

حكم الإسلام في الهجاء بالشعر Q من المعروف أنه حدث في عصر من عصور الإسلام معركة كانت بين جرير والفرزدق، بالشعر يهجو بعضهم بعضاً، فما هو رأي الإسلام في مثل هذا الهجاء بين الأخ وأخيه المسلم؟ A نعم، هذا الكلام ورد، ولذلك ألفت النقائض، والعجيب أن مطابع النصارى، مثل مطابع لبنان، لا تخرج إلا النقائض، أمسكت عن الشعر الإسلامي الذي يستفاد منه، وديوان حسان وأمثاله، ثم أخذت النقائض ونشرتها بين الناس وبين الأمة العربية الإسلامية، لتثير الدخيلة بينهم والضغائن والحقد والغش، كما وقع بين جرير والفرزدق، وكلاهما من بني تميم. النقائض: هذا يهجو هذا، وهذا يرد عليه، وربما تطرق للقبيلة بأسرها فهجاها، وصح عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: {إن من أفرى الفرى أن يهجو الشاعر القبيلة بأسرها} وهذه فرية على الله عز وجل، فرأي الإسلام أن هذا الأمر حرام، وسب المسلم أو شتمه أو لعنه كقتله، نعوذ بالله من ذلك، فليُعْلم - بارك الله فيكم - أن هذا فرى، وأنه دجل وضياع للعمر، وأنه صد عن طاعة الله عز وجل، ولا يفعل ذلك إلا من سفه نفسه، وليس له رسالة في الحياة، وهؤلاء نأخذ شعرهم مثل جرير والفرزدق في جانب الأدب والاستشهاد، أما في جانب القضايا الاجتماعية والأخلاق، فلا نأخذ ديننا إلا من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الأمنية العذبة في شرح حديث الغربة

الأمنية العذبة في شرح حديث الغربة إن الغربة سنة كونية شعر بها الإنسان أم لم يشعر، فلها مفهوم عام وخاص، ولها أنواع وحالات، بل ولها أناس يتصفون بها. فما معنى الغربة؟ وما هي حقيقتها؟ وما هي أنواعها؟ ومن هم الغرباء؟ وما هي صفاتهم؟ وما هي أحوالهم؟ هذا ما أجاب عليه الشيخ حفظه الله في هذا الدرس بالشرح والتفصيل والتوضيح بالأمثلة من التاريخ والواقع.

ابن عمر وحديثه عن الغربة

ابن عمر وحديثه عن الغربة الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير، الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً. والصلاة والسلام على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المعلم الجليل، الهادي النبيل، وعلى آله وصحبه أجمعين. وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة تكون لي ولكم حجة عند الله {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بين يدي الحديث: أتيتُ من أبها بلاد الجمال أقول: أهلاً مرحباً بالرجال تعالَ يا من قلبه في العلا يهوى المعالي ويحب الجلال أحبكم في الله سبحانه يجمعنا الله بدار الكمال روض النبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال ميراثه فينا جميل الحلى وأنتم أحفاده يا رجال نعم فهذا الحديث عن الغربة، يوم يعيش المسلم غريباً بين أهله، غريباً في حَيِّه، غريباً في مجتمعه، غريباً في أمته. ولنستمع خاشعين إلى حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يفيض روحانية وهداية ونوراً، وكأن لسان الحال للقارئ يقول للمصطفى صلى الله عليه وسلم: بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا أم المعاني اللواتي قد أتيتَ بها أرى بها الدر والياقوت متصلا لو ذاقها مذنف قامت حشاشتُه ولو رآها غريبٌ دارُه لسلا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، وقال: {كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل} كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: [[إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك]] رواه الإمام البخاري وابن ماجة والإمام أحمد والبيهقي وأبو نعيم، وجَمٌّ غفير من أهل العلم والحديث صحيح وفيه قضايا: القضية الأولى: من هو ابن عمر، صاحبنا هذه الليلة، حياه الله وبياه وحيا الله جهده وإيمانه وإخلاصه، إنه تلميذ من مدرسة المعلم الكبير محمد صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي من معلم. ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا عاش مع الرسول عليه الصلاة والسلام الإيمان والحب والطموح، وتعلم في مدرسته، وله أحاديث ذكر صاحب كتاب الزهد الإمام وكيع بسند حسن، أن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه من كثرة خشيته لله عزَّ وجلَّ ومن كثرة بكائه، قرأ من سورة المطففين حتى بلغ قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فبكى حتى أغمي عليه، وهي والله من أعظم الكلمات، وهي والله عبرة للمعتبر، يوم يتصور المسلم والمسلمة، والذكر والأنثى يوم يقوم من القبر لرب العالمين! أيُّ منظرٍ هذا؟ أيُّ هَولٍ هذا؟ أيُّ دهشٍ هذا؟ وهذا استطراد ولكن لحكمة! ولذلك روى ابن كثير أن الخليفة العباسي المهدي دخل المسجد النبوي على صاحبه الصلاة والسلام، فقام له الناس جميعاً إلا ابن أبي ذئب فقال له المهدي: قام لي الناس إلا أنت، قال: كِدت أقوم، فذكرت قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] فتركت هذا القيام لذاك اليوم، قال المهدي: اجلس فوالله ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت. ابن عمر في صحيح البخاري أنه رضي الله عنه وأرضاه قال: {كنتُ عَزَباً، وكنتُ أنام في المسجد، وكان الناس يرون الرؤى فيعرضونها على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الصبح -فأراد ابن عمر أن يشارك الناس، ويرى رؤيا، فكان يتمنى أن يرى رؤيا في المنام علَّه يظفر بعرضها على المصطفى عليه الصلاة والسلام- فرأيتُ في المنام كأن رجلين أتياني فأخذا بيديَّ -باليمنى واليسرى- فذهبا بي إلى بئر مطوية، فإذا بها بئر مطوية، ولها قرنان، فخفتُ، وفزعت، فقال لي الملكان: لَمْ تُرَعْ، لَمْ تُرَعْ -أي: لا تخف، لا تخف- قال: ثم أعطياني قطعة من حرير، لا أُشير بها إلى روضة في الجنة إلا طارت بي إلى تلك الروضة، فلما أصبحتُ في الصباح، استحيت أن أعرض الرؤيا على رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فعرضهتا على حفصة، فعرضتها على الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: نِعْم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل، قال نافع: فوالله الذي لا إله إلا هو ما كان عبد الله ينام من الليل إلا قليلاً} كان يسجد في الحرم، ويبكي، ويقول في سجوده: اللهم إنك تعلم أني ما تركت الخلافة لقريش إلا من مخافتك، أي نعم والله: {كن في الدنيا كأنك غريب} بقي هذا الحديث يرن في ذهنه صباح مساء، لا ينساه أبداً إنها وصية محمد عليه الصلاة والسلام. كان زاهداً بمعنى الزهد، ثيابه وماله وبيته كثياب ومال وبيت من ترك الدنيا لوجه الله عزَّ وجلَّ. ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه كان ذكياً في مجلسه صلى الله عليه وسلم، كان يقول: قال صلى الله عليه وسلم مرة من المرات: {شجرةٌ مَثَلُها كمَثَلِ المسلم، حدثوني ما هي؟ -والحديث في الصحيحين - فوقع الناس في شجر البوادي، ووقع في نفسي: أنها النخلة، فاستحييت، فقال عليه الصلاة والسلام: هي النخلة، فأخبرت أبي فقال: ودِدْتُ أنكَ قلتَ ذلك، وأنها بكذا وكذا من الدنيا} أو كما قال. كان يقرأ كل ليلة: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] ويبكي ويقول: [[هو عثمان بن عفان]] مضى لسبيلِه وما تدنس من الدنيا بشيء، بقي إيمانه وإخلاصه وزهده وعبادته.

فضايا في حديث الغربة

فضايا في حديث الغربة أما قضايا الحديث: فأولها: ما هو المعنى المتجه للحديث، عند الفقهاء من المحدثين؟ والقضية الثانية: ما هية الغربة التي أشار إليها الحديث؟ وأول ما نتناول بالدراسة في هذه الليلة: الغربة الأولى: غربة أهل السنة بين أهل البدعة. الغربة الثانية: غربة المسلمين بين الكفار. الغربة الثالثة: غربة المستقيمين بين المتفلتين، والعصاة. وغربة أهل السنة، هي أهم ما ندرسه في هذه الليلة، حيث: نعرِّج بمبدأ البدعة، كيف انتشرت، وكيف حاربها صلى الله عليه وسلم. ثم نمر بـ عمر بن الخطاب حصن الإسلام رضي الله عنه وأرضاه، ونقف مع مبتدع يجلده عمر، ويؤدبه. ثم نمضي إلى علي بن أبي طالب وهو يصارع البدع، ويلاحق المبتدعة، ويحرقهم بالنار. ثم مدرسة واصل بن عطاء الابتداعية، وموقف الحسن من ذلك. ثم المأمون وما أدخل في ديار الإسلام من بدع، وموقف أهل السنة والجماعة على رأسهم الإمام الموفق الجهبذ العظيم أحمد بن حنبل. ثم نمُرُّ بـ أحمد بن نصر الخزاعي يوم ذُبِح كما تذبح الشاة من أجل نصرة السنة، شهيداً في سبيل الله. ثم المدرسة الكبرى التنظيرية العلمية العملية، الميدانية، التي أسس كيانها شيخ الإسلام ابن تيمية. ثم التفوق السني العجيب الذي حققه الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وموقف الدنيا في تلك الفترة منه ومن دعوته. ثم مسائل في الحديث، تمر معنا إن شاء الله.

شرح صدر حديث الغربة

شرح صدر حديث الغربة يقول ابن عمر رضي الله عنهما: {أخذ صلى الله عليه وسلم بمنكبيَّ، وفي لفظ: بمنكبِي}. ولكن الأخذ بالمنكب فيه دلالة وأي دلالة، فقد كان عليه الصلاة والسلام حبيباً إلى القلوب كان سهلاً إلى الأرواح كان ليناً كما وصفه الله بقوله سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. وقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. وقوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]. كان ربما شبك أصابعه بأصابع أحد الصحابة، ليُظهِر الأُنس والوداد والقرب، يقول معاذ كما في: سنن أبي داود بسند صحيح: {أخذ صلى الله عليه وسلم بيَدِي، فقال: يا معاذ! والله إني لأحبك} انظر! ما أحسن القسم! {والله إني لأحبك، لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك} جاءه جرير بن عبد الله البجلي، فقال: {يا رسول الله! أنا رجل لا أثبت على الخيل، فضرب في صدره، وقال: اللهم اجعله هادياً مهدياً} فثبت على الخيل بإذن الله، أيُّ حبٍّ؟ وأيُّ سِعَةِ خاطرٍِ؟ وأيُّ فيضٍ من الحنانِ تركه في الدنيا عليه الصلاة والسلام؟! كان ابن عمر في تلك الفترة شاباً، والشاب تضره نفسه عُجْبٌ وزَهْوٌ ولِبْسٌ وعطرٌ وطِيبٌ وأخذٌ وعطاءٌ وتناولٌ وتداولٌ لكن لقنه صلى الله عليه وسلم درساً لا ينساه، قال: {أخذ بمنكبَيَّ، فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} وهذا ترقٍ عند المحدِّثين.

الغربة والغرباء

الغربة والغرباء يقول له: {كن في الدنيا كأنك غريب}: أرأيتَ الغريبَ الذي نزل في بلدة ليس له زوجة، ولا ولد، ولا والدة، ولا أحباب ولا أصحاب، ولا أصدقاء، ليس له دار، ولا قصر، ولا مزرعة ولا بستان، يريد صلى الله عليه وسلم من ابن عمر ومن المسلم أن يكون هكذا. أرأيت الغريب المضطهد، الذي لا يُنظَر إليه بعين الرأفة والرحمة بين قوم غرباء، يرون أنه نزل ليرتحل؟! يريد صلى الله عليه وسلم من ابن عمر ومنا أن نكون ذلك. أرأيتَ الغريبَ الذي لا يدري متى يرتحل، لا يعرف البلدة، ولا يعرف في البلدة معروفاً؟ غريبٌ من الخلان في كل بلدة إذا عَظُمَ المطلوبُ قلَّ المُساعِدُ فقال له صلى الله عليه وسلم: {كن في الدنيا كأنك غريب} أرأيت هذه الدنيا، إنها دنيا، ويكفي أنه اشتق اسمها من الدنو، أو من الدناءة، من الدنوِّ: من قرب تصَرُّمِها وانتهائها ولقائنا بالله عزَّ وجلَّ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] هذه الدنيا يريد صلى الله عليه وسلم منا أن نكون فيها غرباء.

غربة أهل الاستقامة بين أهل المعاصي

غربة أهل الاستقامة بين أهل المعاصي والغربة على أنواع: غربة الرجل في أهله وفي بيته: يوم يريد الإسلام أن يدخل بيته، ولكن زوجته وأطفاله وجيرانه لا يريدون الإسلام، فهو غريب يُدخل السنة؛ فيُخرجونها يتكلم بالسنة فيُسكتونه، يفعل السنة فيُحاربونه فهو غريب. وغربة الشاب في أسرته: يوم يهديه الله عزَّ وجلَّ صراطاً مستقيماً، يوم يدله على سبيل النجاة، فيجد أول من يحاربه في البيت أبوه وأمه، وأخوه وأخته، فيقف غريباً، وهذه والله غربة من أعظم الغرب! وغربة المرأة الصالحة في بيت لا يدين بالولاء للسنة، تبقى غريبة تصارع الأحداث بضعفها، تريد من بيتها أن يكون بيتاً إسلامياً مستقيماً على هدي محمد صلى الله عليه وسلم فتفاجأ! فإذا البيت يحاربها، والزوج والأب والابن، حينها تكون غريبة في بيتها، ولها ما للغرباء! والغرباء جزاؤهم جيرة محمد عليه الصلاة والسلام في الجنة، والغرباء جزاؤهم أن يرفع الله مقامهم عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ هذا أمر. {كن في الدنيا كأنك غريب} تشبيه وإلا فالحقيقة أنه ليس بغريب؛ ولو قال: كن في الدنيا غريباً، لاقتضى أن يكون هناك معنىً آخر؛ لكن قال: {كن في الدنيا كأنك غريب} ولو أنك في الواقع لستَ بغريب: أبوك موجود، وأخوك، وزوجتك، وأطفالك، وبيتك؛ لكن تخلص من هذا لتكون غريباً.

من صفات الغرباء

من صفات الغرباء والغرباء من صفاتهم: أولاً: قوم يعتقدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويعتقدون ما يعتقده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. والغرباء: لا يفارقون الصلوات الخمس جماعة، إلا من عذر شرعي قاهر. والغرباء: يُظهرون السنةَ على محيَّاهم وفي ملابسهم وفي حركاتهم وسكناتهم. والغرباء: دَيْدَنُهم: قراءة كتاب الله عزَّ وجلَّ، وتدبر القرآن. والغرباء: يتدارسون السنة، ويعملون بها ويحبون بها. والغرباء: لا يجدون ضغينة على عباد الله وعلى المسلمين كافة جماعات وأفراداً وأحزاباً وانتماءات، ما داموا في مظلة الإسلام، ومظلة (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) وقد ذكر الذين صنفوا كـ أبي عثمان الصابوني، وابن بطة، من الحنابلة، وأبي الوفاء وابن الجوزي من صفات الغرباء وصفاً عجيباً، فإن وصف الغرباء لا يقتضي أن يحملوا شهادات، ولا يقتضي أن يتَوَلَّوا مناصب، ولا يقتضي أن يكون لهم وظائف، ولا يقتضي أن يكونوا بيضاً أو حمراً أو سوداً، وإنما أن يكونوا أتقياء، أولياء لله تبارك وتعالى. {كن في الدنيا كأنك غريب} هذا الذي يريده صلى الله عليه وسلم. ولدتك أمك يا ابن آدم باكيا والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا

بداية الغربة

بداية الغربة أول ما تقع على التراب: تقع غريباً لا ثياب، ولا مال، ولا جاه، ولا أسرة، ولا منصب، ولا بيت، ولا وظيفة، ولا أي شيء؟! فيوم تقع تبكي، وهذا البكاء، بعضهم يفلسفه، ويقول: (لأنك خرجت من السعة إلى الضيق) بطن أمك أوسع من الدنيا وما فيها. دنيا الطغيان دنيا الفجور دنيا المعاصي دنيا الشهوات دنيا الشبهات ولكن صحَّ عند البخاري: أن أول ما يولد المولود يغمزه الشيطان وينغزه، إلا عيسى بن مريم عليه السلام فسلم من ذلك، فيبكي المولود يوم ينْغَزُه الشيطان، وكأنه يقول لهذا المولود: تَحَرَّ وانتظرْ حرباً شعواء، فسوف أحاربك إلى آخر ساعة. يوم يقول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:30 - 31]. حضرت الوفاة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ورحم الله تلك العظام، فهو الشاب الذي قاد الأمة، وجدد أمرها في القرن الأول، حضرته الوفاة، فأصبح في سكرات الموت، فدخلت زوجته فاطمة بنت عبد الملك، فقال: [[يا فاطمة! اخرجي من بيتي، فإني أرى نفراً ليسوا بإنس ولا جن]] قال أهل العلم: هم ملائكة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء:102]. وذكر عن الإمام أحمد الزاهد العابد، الذي أصبح جسمه كالعود من كثرة الصيام والعبادة، وكثرة الإنابة والدعاء، الذي كتب أربعين ألفاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظ ما يقارب ألف ألف حديث بالآثار والموقوفات والمقطوعات، الذي وقف حصناً مع أهل السنة في وجه البدعة، جُلِد بالسياط، ومع ذلك حضره الموت، وجاء إبليس يصارعه حتى في سكرات الموت، يا إبليس، ما وجدت إلا الإمام أحمد، إمام أهل السنة والجماعة تصارعه؟ أما علمت أنه رجل تربى وخلط دمه ولحمه بالسنة، فأخذ يعظ أنامله ويقول الإمام أحمد: [[لا بَعْدُ، لا بَعْدُ]] أي: ما نجوتُ من مكيدتك أيها الكائد الخبيث، هذه فتن، يتعرض لها المغترب يوم يسافر بغربته وإيمانه وسنته، إلى الله عزَّ وجلَّ.

حقيقة الغربة وأحوال الغرباء

حقيقة الغربة وأحوال الغرباء قال صلى الله عليه وسلم: {كن في الدنيا كأنك غريب} ثم ترقى عليه الصلاة والسلام إلى درجة أعلى فقال: {أو عابر سبيل} وعابر السبيل: أعظم من الغريب الغريب: يقيم يوماً أو يومين أو ثلاثة أو شهراً أو سنة، لكن عابر السبيل: لا يقيم. وأعرف الناس بالدنيا، وحقيقتها: محمد عليه الصلاة والسلام، كان يقول: {ما لي وللدنيا، وإنما مثلي ومثل الدنيا كراكب، قال في ظل شجرة ثم سار وتركها} حديث صحيح. الرسول صلى الله عليه وسلم تتوالى عليه ثلاثة أيام لا يجد فيها كسرة خبز. فما لنا نشبع من الموائد الشهية؟ ونركب المراكب الوطية؟ ونسكن في المنازل البهية؟ كفاك عن كل قصر شاهق عمداً بيت من الطين أو كهف من العلم تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم إذا ملوك الورى صفوا موائدهم على شهي من الأكلات والأدم صففت مائدة للروح مطعمها عذب من الوحي أو هدي من الكلم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بيتُه من طين، إذا نام وصل رأسه إلى الجدار، وأرجله إلى الجدار الآخر، أظهر الناس عن حجر واحد يوم يحفرون الخندق يربطون بطونهم من الجوع، وأظهره على حجرين صلى الله عليه وسلم، عاش عبداً رسولاً لكن ادخر الله له الرضوان، فقال عز وجل: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5] يقول وهو يتلو هذه الآية، ويبكي: {والذي نفسي بيده لا أرضى وأحد من أمتي في النار، والذي نفسي بيده لا أرضى وأحد من أمتي في النار} فصلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً. فعابر السبيل: لا يأخذ إلا ما يكفيه في الطريق دخلوا على أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه وهو في سكرات الموت يبكي، قالوا: [[ما لك؟ قال: استثقلت من الدنيا، وأكثرت منها، وورائي عقبة كئود، لا يجوزها إلا المُخِِفّ، قالوا: ما هي دنياك يا أبا ذر؟ فنظروا في بيته، فوجدوا شملة: (فراشاً يفترشه) ووجدوا قعباً، ووجدوا صَحفة وعصا!! أهذا استكثار من الدنيا؟ قالوا: ما معك شيء، قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم قال لي: {ليكن زادك من الدنيا كزاد الراكب} ليكن متاعك من الدنيا كمتاع الراكب]] رضي الله عنه وأرضاه. أرسل عمر رضي الله عنه وأرضاه سلمان الفارسي، الذي استجاب لـ (لا إله إلا الله). سلمان الذي كفر بالطاغوت سلمان الذي ترك النار وعَبَدة النار وأباه وأهله وأجداده وزوجته وأطفاله، وأتى يركب القفار والبحار حتى وصل إلى المدينة، فكان جزاؤه أن يقول له صلى الله عليه وسلم فيما يُروى عنه: {سلمان منا آل البيت} وهي والله وسام من أعظم الأوسمة، يوم يُترك أبو لهب، وأبو طالب، المدهدهان على رءوسهما في النار، أما سلمان الفارسي فهو من أهل البيت. يجلس العرب في حلقة، فينتسبون لأجدادهم، وترابهم، فيقولون لـ سلمان: من أبوك؟ قال: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم رضي الله عنك وأرضاك. أرسله عمر رضي الله عنه وأرضاه أميراً إلى العراق، فذهب على حمار انظر إلى صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين فتحوا الدنيا! يركبون الحمير! الذين أسسوا حضارةً عالميةً مشرقةً وضَّاءةً يركبون الحمير! فوصل، فلما خرج أهل العراق، لاستقباله، قالوا لـ سلمان: أرأيت أميراً أرسله عمر إلينا اسمه سلمان الفارسي؟ قال: أنا سلمان الفارسي، قالوا: لا تضحك علينا، قال: أنا والله الذي لا إله إلا هو سلمان الفارسي!! فعجبوا وذهلوا من هذا الدين، الذي الأمير فيه كأنه أفقر فقير في الناس!! فسكن هناك، وأخذ راتبه، فوزعه على ثلاثة أنحاء: قسم يتصدق به، وقسم يهديه لإخوانه، وقسم يتقوت به وقيل: كان يتصدق بكل المال، ويتقوت من خصفه الذي يخصفه بيده رضي الله عنه وأرضاه. يأتي عمر رضي الله عنه وأرضاه، وهؤلاء عالم الغربة، وأهل الغربة والاستقامة، فيرسل سعيد بن عامر الصحابي الجليل إلى حمص، فيبعثه فيقول: اعفني يا أمير المؤمنين، قال: [[أتولونني الخلافة في عنقي، ثم تتركونني؟ والله لتتولين الإمرة لي]] فذهب رضي الله عنه وأرضاه، ولما سافر من المدينة، قالت زوجته: [[عندي مال كثير، أعطيك إياه تستنفقه لك، أو تضعه في تجارة بيني وبينك، فأخد المال فتصدق به في سبيل الله، فقالت: أين المال؟! قال: أعطيناه شريكاً، يضاعف لنا به أضعافاً على الدرهم الواحد إلى سبعمائة درهم]] فصدقت وسكتت. دخل حمص، وأخذ هذا الغريب يَعْدِل في الناس ويصلي بهم، حتى مرَّ عمر رضي الله عنه وأرضاه على أمرائه وولاته في الأقاليم، فأخذ سعيد بن عامر وسأل أهل حمص عنه: كيف سعيد بن عامر؟ أي: كيف مسيرته فيكم؟ كيف عدله؟ كيف زهده وورعه؟ فكلهم أثنوا خيراً، لكن أخذوا عليه أربعاً من الخصال: ما هي الأربع؟ قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[اللهم إني ما علمت فيه إلا خيراً، اللهم لا تخيب ظني فيه، قالوا: أما الأولى: فيُصرع بين أيدينا، وأما الثانية: فلا يخرج لنا يوماً من أيامه من الأسبوع، فلا نراه ولا يرانا، وأما الثالثة: فإنه لا يخرج حتى يرتفع النهار، وأما الرابعة: فإنه لا يخرج في الليل، مهما طرقنا عليه بابه]]. لا يخرج علينا في الليل، قال عمر رضي الله عنه وأرضاه، وقد نكس رأسه، ودموعه تهراق على خديه: [[اللهم لا تخيب ظني في سعيد بن عامر، قم يا سعيد، فقام يتكلم، فقال: يا أمير المؤمنين، والله لوددت أن أكتم هذا الأمر، فأما والحالة هذه فسأتكلم، فأمَّا قولهم: أني أصرع، فقد حضرتُ مشهداً ما وددت أني حضرته: رأيت خبيب بن عدي وهو يُقتل في مكة، وأنا مع المشركين آنذاك، فسمعته يقول للكفار: اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، فكلما تذكرت ذاك المشهد صرعت، ووددت أنني نصرته، وأما اليوم الذي لا أخرج فيه للناس: فأنا رجل ليس لي خادم، وزوجتي مريضة، أغسل ثيابي، وأنتظر جفافها، أو أغسل ثيابي وثياب أهلي في هذا اليوم -سبحان الله! أيُّ حياةٍ هذه الحياة، حياة الغرباء؟ - وأما الليل لا أخرج إليهم: فقد جعلت النهار لهم، والليل لربي تبارك وتعالى: قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار لَمْ ألْقَ في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحارِ وأما قولهم: لا أخرج حتى يرتفع النهار، فزوجتي مريضة، فأنا أصنع إفطاري بنفسي، فإذا أفطرتُ خرجتُ إليهم، فرفع عمر يديه إلى السماء يبكي، ويقول: الحمد لله الذي لم يخيب ظني في سعيد بن عامر]] سلام على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورحمة الله وبركاته. إن لم تؤخذ السيرة والعقيدة، والمبادئ الأصيلة والسلوك منهم، فمن أين تُؤخذ؟ إنهم من {الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90].

غربة أهل السنة بين أهل البدعة

غربة أهل السنة بين أهل البدعة الغربة كما أسلفت على ثلاثة عناصر، أو ثلاث مسائل: أولها: غربة أهل السنة بين أهل البدعة: يوم تجد المسلم العالم يتسنن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء: في المعتقد، وفي حمل (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) وفي الحضور في الجماعات، وفي المحافظة على الفرائض والنوافل، وفي مضاعفة الحسنات ورفع الدرجات، وفي اللحية، والثوب، والسواك، والهدي الظاهرِ والباطن؛ لأنه ليس في الإسلام قشور، وليس في الإسلام تنافر، كله سنة، وكله يؤخذ جملة، وكله عبادة وشريعة من الله الذي لا إله إلا هو، لكن أهل البدع يأبون إلا أن يجعلوا أهل السنة يَحْيَون معهم غرباء.

الغربة في عهده صلى الله عليه وسلم

الغربة في عهده صلى الله عليه وسلم هل علمتم أعدل من محمد عليه الصلاة والسلام؟ , هل عرفتم أنصف منه؟ , هل عرفتم أجل منه؟ لا والله! ومن زعم أن هناك في العالم -قديماً أو حديثاً- رجلاً أعظم من الرسول عليه الصلاة والسلام وأعدلَ منه، أو أكرم منه، فقد افترى على الله، وعليه دائرة السَّوء -من قال هذا القول-. أتى يقسِّم الغنائم بين الناس، فلما قسم الغنائم صلى الله عليه وسلم، تألف بها أناساً يحبون الدنيا، قوم لا يحبون الإسلام إلا لوسائل، أعطاهم صلى الله عليه وسلم ليتألف قلوبَهم، أعطى عيينة بن حصن: مائة ناقة، والأقرع بن حابس: مائة ناقة، وأبا سفيان مائة ناقة، وصفوان بن أمية: مائة ناقة، وترك الأنصار سبحان الله! الأنصارُ يُتْرَكون! الذين قُتِل منهم في المعارك: (80%) والذين قدَّموا دماءهم رخيصة في سبيل الله، تُرِكُوا! لكن المؤمن يوم يظهر له شيء من أخيه، أو من قريبه، أو من صديقه في طريقه إلى الله يستفسر ولا يحمل ضغينة فاجتمع الأنصار، وقالوا: {غفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أعطى هؤلاء وتركنا، وسيوفنا تسيل من دمائهم} فبلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمعهم؛ فلما جمعهم أشرف عليهم، وقال كلمات كلها حرارة، وكلها صدق وإخلاص، وكلها حب ومودة، قال: {يا معشر الأنصار! ما مقالة بلغتني عنكم؟ قالوا: هو كما سمعتَ، يا رسول الله! قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار! أما أتيتكم ضلالاً فهداكم الله؟ أما أتيتكم فقراء فأغناكم الله؟ أما أتيتكم مشتتين فجمعكم الله؟ فنكَّسوا رءوسهم، يبكون، ويقولون: لله المنةُ ولرسوله، قال: يا معشر الأنصار! والله لو شئتُم لقُلْتُم؛ فلَصَدَقْتُم، ولصُدِّقْتُم: أتيتَنا طريداً فآويناك، وفقيراً فواسيناك، ومظلوماً فنصرناك، قالوا: لله المنة ولرسوله، فرفع صوته، وقال: والذي نفسي بيده! لو سلكَ الناسُ وادياً وشِِعباً، لسلكتُ وادي الأنصار، وشِعب الأنصار، الأنصار شعار، والناس دثار، اللهم اغفر للأنصار وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار} فأخذوا يبكون حتى سالت دموعهم من لحاهم رضي الله عنهم وأرضاهم. لكن اسمع إلى المبتدع، يأتي ويقول للرسول عليه الصلاة والسلام: اعدل يا محمد! أي: في القسمة! قال صلى الله عليه وسلم: {ويلك! خِبْتَ وخَسِرْتَ إن لم أعدل} وضبط: {خِبْتُ وخَسِرْتُ إن لم أعدل} فمن يعدل إذا لم يعدل عليه الصلاة والسلام فقام خالد رضي الله عنه وأرضاه وسَلَّّ سيفه، وأراد أن يقتل هذا المجرم، فقال عليه الصلاة والسلام: {دَعْهُ، يا خالد! لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، سوف يخرج من ضِئْضِئ هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، وقراءتكم إلى قراءتهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية} وفي لفظٍ في: صحيح مسلم: {لئن أدركتُهم؛ لأقتلنهم قتل عاد} وبالفعل: ظهر هذا المسرح فيما بعد.

الغربة في عهد الصحابة رضوان الله عليهم

الغربة في عهد الصحابة رضوان الله عليهم تنتهي هذه الكلمة في مهدها، ولكنها تشب مبدءاً وتغييراً في محاربة السنة. ويموت عليه الصلاة والسلام، ويأتي أبو بكر وحربه العَقََدِية شاملة لكل جانب، حربه رضي الله عنه وأرضاه حربٌ ظاهرة تمردٌ على الإسلام أناس يرفضون من قيام (لا إله إلا الله) وأناس يرفضون أداء الزكاة، وبالفعل حاربهم وانتصر عليهم رضي الله عنه وأرضاه. ويأتي عمر بن الخطاب عمر الذي حمى الله به الإسلام لما طُعِن عمر بكى عليٌّ رضي الله عنه وأرضاه وقال: [[والله ما أريد أن ألقى الله بعملِ رجل إلا بعمل كعملك]] وقال أحد العلماء: " كفنت سعادة الإسلام في أكفان عمر فلما أتى عمر بخلافته الراشدة رضي الله عنه وأرضاه كان يحارب الزيادة والابتداع في دين الله، حتى كثرة الحديث لا يريدها؛ لأنها تشغل في نظره عن القرآن، فلما سمع أبا هريرة يحدث كثيراً كثيراً، قال: [يا أبا هريرة: والذي نفسي بيده إما أن تمسك عن الحديث، أو لألحقنك بأرض القردة، أرض دوس]] يعني: في بلاد الزهران. طرق عليه أبو موسى رضي الله عنه وأرضاه، كما في: الصحيح فلم يأذن له؛ فطرق مرة ثانية؛ فلم يأذن له، فطرق ثالثة؛ فلم يأذن له، فذهب أبو موسى، وفتح عمر البابَ رضي الله عنه وأرضاه، وقال: [[يا أبا موسى: تعال، لماذا عدتَ؟ قال: سمعتُ الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليعُد} قال: والذي لا إله إلا هو لتأتيني بشاهد على هذا أو لأوجعنك ضرباً]] لا يريد الزيادة في دين الله؛ يريد التثبت، ولو أن أبا موسى ثقةٌ ثَبْتٌ، عدلٌ مُرتضى من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فذهب أبو موسى يرجف فؤاده إلى الصحابة، ويقول: [[أنقذوني، أنقذوني]] يريد شاهداً، قال الأنصار: [[والله لا يقوم معك إلا أصغرنا]] فشهد له، فأمضى عمر هذه السنة في الناس. وفي يوم من الأيام جلس عمر رضي الله عنه وأرضاه وليت عمر يحضر مجالسنا، أو ليته رأى بعض مجالسنا ونحن الذين ندَّعي الغربة؛ مجالس الخلافيات الفكرية، والجزئيات التنظيرية التي لا تنفع ولا تُجْدي، مجالس التهجم على المسلمين إذا أخطأوا في جزيئات، أو خالفونا في أساليب أو فرعيات، يكيل الصاع صاعين، ولو أننا أردنا وجه الله والدار الآخرة لسعينا لجمع كلمة الإسلام، هذا يعمل على أسلوب، وهذا له مظلة، وهذا له اتجاه، نحمي عرضَه، ونُعِدُّ أنه مِن الذين أنتجوا في الساحة الإسلامية، ولهم دور في إنقاذ الهمم، وفي إمضاء هذه الصحوة وتوجيهها إلى الله عزَّ وجلَّ، وهذا له حسنة في المحافظة على معتقد السلف، هذا له حسنة في الرد على الشبه، هذا له حسنة في تعليم العوام فلماذا نصادر جهود الناس؟ لماذا نتهجم على بعضهم في المجالس؟ إسرائيل تقصفنا بالطائرات، وتغطي شمسنا بطيرانها، ونحن بيننا نتحارب؟! وأطفأتْ شهبُ الميراجِ أنجمَنا وشمسَنا، وتحدَّت نارها الخُطَبُ شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا قالوا: هم البشر الأرقى، وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا تسرُّعٌ في الفتيا موجودة في الساحة، يقول أحد التابعين للتابعين: [[والذي نفسي بيده إنكم لتفتون في مسائل، لو عرضت على عمر بن الخطاب، لجمع لها أهل بدر]]. نحن تناحرنا إلاَّ من رحم الله فيما بيننا، ردود، ومسائل جزئية؛ لكن الكفار لا يعرفون هذا، الكفار ليس بينهم ردود، فكلهم يختلفون؛ لكنهم في حرب الإسلام يتفقون. فأتى رجلٌ عمر، فقال: يا أمير المؤمنين! قال: نعم قال: في المعسكر رجل يعارض بين الآيات قال: ماذا يقول؟ قال: يقول: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً} [الذاريات:1 - 2] كيف نجمع بينه وبين قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:1] قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: تعال به {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} [الذاريات:1] {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:1]: كلام كبير، من حكيم بصير، لو وقعت على الجبال، لتشققت الجبال، كلام الله، لا كلام مسيلمة، فجلده عمر حتى تاب.

حقيقة الغربة والغرباء

حقيقة الغربة والغرباء الذي ذكرتُه في هذا العنصر: هو عنصر واحد من ثلاثة عناصر، سبق أن أسلفتُ الحديث عنه. غربة أهل الإسلام بين سائر الأديان: وهذا أمر معلوم، موجود، وكثير مشهور، لا يحتاج إلى كثرة كلام. وغربة أهل السنة بين أهل البدع: وهو هذا الذي يحتاج إلى غربلة وحديث كثير. وغربة أهل الاستقامة بين أهل المعاصي: وأهل الفجور، والتفلُّت على أوامر الله، وتعدي حدود الله، وهو أمر لا بد أن يُتَنَبَّه إليه، وأن على المسلم -خاصةً المستقيم، الملتزم، طالب العلم، الداعية- أن يصبر، وأن يعرف أنه غريب، وأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يجزل له أجره، كما قال صلى الله عليه وسلم: {بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء} وفي لفظ: {قالوا: من هم، يا رسول الله؟ قال: النُّزَّاع مِن القبائل} ولكن هذه الرواية ضعيفة، وفي لفظ آخر: {هم الذين يتحابون في الله عزَّ وجلَّ لا على أي سبب من أسباب الدنيا} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وقد وجد الغرباء في هذا العصر؛ غرباء في العالم دول العالم كافرة؛ إلا من رحم الله؛ وغرباء بين المبادئ الموجودة المطروحة في الساحة فهم غرباء من هنا ومن هنا، غرباء في أفكارهم لسوء أفكار أهل الضلالة، وغرباء في صلاتهم لسوء صلاة المنحرفين، وغرباء في استقامتهم لتدهور استقامة السيئين، وغرباء في كتبهم التي يقرءونها؛ لأن كتب أهل الضلال غير الكتب التي يقرءونها، وغرباء في مسيرتهم، وفي اتجاههم، وفي عقائدهم وتفكيرهم؛ لأنهم أهل الخير. أنبه على مسائل: أولها: أن الغريب قد يكون واحداً، وأهل السنة والجماعة قد يكونوا شخصاً واحداً أو أشخاصاً قلة، ولا يشترط الكثرة، وأهل السنة كلهم: كل مَن رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً صلى الله عليه وسلم، وكل من دان لله بالولاء، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالاتباع، وليست حكراً لأحد، أو لطائفة من الناس وإن ادعوا ذلك. وكلٌّ يدَّعي وصلاًَ بليلى وليلَى لا تُقِرُّ لهم بِذاكا فكل من حمل هذه المبادئ؛ فهو من أهل السنة والجماعة خفي أم ظهر، لبس لباساً يختلف عن لباس الناس، إن لم يكن محرماً أو لم يلبس؛ إنما المهم: أن يعتقد، وأن يعمل بما يعمله ويعتقده أهل السنة والجماعة، هذا أمر. الأمر الثاني: أن الغربة تختلف نسبياً من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، وفي صور عن صور، وقد تكون في بعض الأزمنة غربة الإسلام: في الحاكمية: ألا يُحَكَّم شرعُ الله في الأرض فهذه غربة في الحكم. تكون غربة في الجهاد: ألا تُرفع رايةُ أن لا إله إلا الله في الجهاد هذه غربة في الجهاد. فترة من الفترات: تكون غربة تطبيق السنة في حياة الأفراد هذه غربة السنة في حياة الناس. فترة من الفترات: غربة في العلم، ونشر العلم، وهذه الغربة العلمية يوم لا ينشر العلم. غربة مكانية: تنتشر السنة في مكان من الأمكنة؛ ولكن لا تنتشر في المكان الآخر. في زمن تتقوى فيه السنة وتظهر؛ وتنهزم وتفشل في زمن آخر وهذه: غربة نسبية إضافية في زمن من الأزمنة. إخوتي في الله! إن أعظم قضايا الحديث، هي: قضيةٌ رقيقةٌ من الرقائق: أن تكون غريباً، عن (إذا أصبحتَ لا تنتظر المساء، وإذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح). والموتَ فاذكره وما وراءَهْ فمنه ما لأحدٍِ براءَةْ وإنه للفيصل الذي بِه ينكشفُ الحالُ، فلا يشتبِهِ والقبرُ روضةٌ من الجنانِ أو حفرةٌ من حُفَر النيرانِ إن يكُ خيراً فالذي مِن بعدِهِ أفضلُ عند ربنا لعبدِهِ وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وإن كان لي من شكر، فإني أشكر الله تبارك وتعالى، ثم أشكر القائمين على هذا المسجد؛ لدعوتهم، ولتسببهم في هذا الحضور، ثم أشكركم، أيها المسلمون الفضلاء النبلاء. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

المحبة في الله

المحبة في الله Q من الأشياء المشتركة في هذه الأسئلة: أن كثيراً من الإخوة السائلين يشعرون فضيلة الشيخ بحبهم في الله عزَّ وجلَّّ، ويرجون منه دعاءً لهذا الجمع المبارك. A الحمد لله، والصلاة على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً. وأنا أشهدكم أني أحبكم جميعاً في الله تبارك وتعالى، وأسأل الله عزَّ وجلَّ كما جمعنا في هذا الجامع؛ أن يجمعنا في دار كرامته في الجنة، وأن يجمع كلمتنا وقلوبنا وصفوفنا وأن يرفع رايتنا، وينصر هذه الأمة الإسلامية أمة (لا إله إلا الله) وأن يعيد لها مجدها، وعظمتها، وسؤددها، وكرامتها، وأن ينصر كل من جاهد لإعلاء هذه الكلمة (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) في فلسطين، وفي أفغانستان، وأن يجعلنا كما كنا قادة للأمم موجهين للشعوب مؤسسين للحضارة.

مؤلفات وتصانيف في الغربة

مؤلفات وتصانيف في الغربة Q أخٌ يسأل ويقول: لو ذكرتم بعض ما أُلِّف وصُنِّف في بيان الغربة، خصوصاً من كتب السلف. A هناك كتاب الغربة للآجري صاحب (الشريعة) وكتابه الغربة من أحسن ما كُتِب وكتاب: (العزلة) لـ أبي سليمان الخطابي، يتكلم عن الغربة، وكتاب: (كشف الكربة في شرح حديث الغربة) لـ ابن رجب الحنبلي، ومقالة لـ ابن تيمية شيخ الإسلام، في المجلد العاشر من: (فتاويه) وهناك رسالة ماجستير في الغربة، وهي من أجمع ما جُمع قديماً وحديثاًَ للشيخ سلمان العودة، جمع المراجع القديمة والحديثة، وصنفها تصنيفاً باهراً، وهي تطبع إن شاء الله قريباً.

أنواع البدعة وصفات أهلها

أنواع البدعة وصفات أهلها Q أخٌ يسأل ويقول: ما أنواع البدعة؟ وكيف نعرف أهلها؟ وما صفاتهم؟ A لسنا بحاجة ماسة إلى أن نعرف هذه الأقسام التنظيرية للبدعة، حاجتنا إلى أن نعرف أثرها على الناس. البدعة قسمها بعض الأساتذة الذين ألفوا، كصاحب كتاب: (البدعة: أثرها، مصادرها، آثارها) قسمها إلى (15) قسماً، منها: القسم الأول: بدعة حسنة، وسيئة. القسم الثاني: مكفِّرة، ومفسقة. القسم الثالث: كبرى، وصغرى. القسم الرابع: بدعة كذلك عبادية، وعادية. القسم الخامس: بدعة اعتقادية، وعملية. إلى غير ذلك من التقسيم وبعض التقاسيم يوافَق عليها، وبعضها يخالَف: كبدعة حسنة، وسيئة: ليس بصحيح، أو بدعة واجبة، ومستحبة أي: خمسة أقسام على الأمور التكليفية عند أهل الأصول: فهذا ليس بصحيح؛ بل كلها محرمة ومذمومة، ولا خير فيها أبداً.

مرض الشهوة والنظر الحرام وعلاجها

مرض الشهوة والنظر الحرام وعلاجها Q أخٌ يقول: من أخطر ما يتعرض له الشاب الصالح مرض الشهوة! فنرجو منكم إلقاء الضوء على هذا المرض، خصوصاً: معصية النظر إلى النساء, والنظر إلى المُرْدان. A مرض الشهوة! من الأمراض أو من الأمور التي حارب بها أعداءُ الإسلامِ الإسلامَ؛ لأن مركب الإلحاد أو مدرسة الإلحاد التي كان شيخها وأستاذها فرعون عليه لعنة الله الذي قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] موجودة، وركبت مركب الاقتصاد قبل عشرات السنوات، ثم أتت إلى الأدب على مركب الحداثة، فبثَّت سمومها بأقلام مأجورة مرتزقة في الساحة تعتقد اعتقادهم، أو تشرب من مشاربهم، وهو مشرب زندقة، وإفكٍ، وإلحاد، وقد تولى كثير من الدعاة والمشايخ جزاهم الله عن الإسلام خيراً الردود على هذه الافتراءات بردود قوية عميقة أصيلة. وأما مرض الشهوات: فهو مرض بَقَرَ بطنَ الأمة، يتمثل في: كأس الخمر، ويتمثل في: المرأة الفتانة المتبرجة، ويتمثل في: المجلة الخليعة، ويتمثل في: الأغنية الماجنة كلها صُبت وطُرِحَت أمام الشباب لتصدهم عن طاعة الله عزَّ وجلَّ. ودواء مرض الشبهات: اليقين. ودواء مرض الشهوات: الصبر قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] قال ابن تيمية: تنالُ الإمامةُ في الدين بالصبر، واليقين. فالصبر عن الشهوات، واليقين وقت توارد الشبهات. وأما الشهوات: فمنها النظر، الذي أشار إليه الأخ، وهو مرض فتاك، ومن أعجب ما فتك بالأمة هذا المرض، يوم يرسل الرجل نظره إلى المرأة، أو إلى الأمرد، أو ترسل نظرها إليه، حينها يَعْتَوِرُ القلب من الشبهات والشهوات، والأمراض والهموم والأسقام ما الله به عليم. وأنا الذي جلب المنيةَ طرفُه فمن المطالَب والقتيل القاتلُ والواجب للقلب أن يُصرف إلى المحبوب الذي يستحق الحب، وهو الله تبارك وتعالى، فإن الناس الذين في الساحة، وكثير منهم، يحملون الحب على غير محامله، شوقي يقول على نظريته: الحياة الحب، والحب الحياة لكن إذا سألناه وسألنا غيره، كأنه يقول بلسان حاله: إنه حبُّ المرأة، أو الوَلَهُ، والغرامُ، أو العشقُ، والشرود، والهُيامُ، وهذا الإسلام منه برئ، وقد أسلفتُ أن حديث: {من أحب، فعفَّ، فكتم، فمات، مات شهيداً} حديثٌ باطلٌ، كَذِبٌ، موضوعٌ، لا يمكن أن يقال ولا يصح، كما قال ابن القيم ولو كان سنده كالشمس، نحن أهل الحب، وغيرنا لا يعرف الحب. الحب: حب الله ورسوله، والجمال: هو التملي بجمال الله المباح الذي جعله في الكون سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أما دعاة الفن، والحب، والجمال، فهم قتلة الحب والفن والجمال. إذاًَ فأنا أدعو أخي ألا يرسل نظره، وأن يتقي الله في عينيه قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] وعليه بأمور: الأمر الأول: كثرة الدعاء، والتبتل إلى الله في أدبار الصلوات أن يهديه الله وأن يسدده. الأمر الثاني: أن يتذكر لقاء الله وموعوده. الأمر الثالث: أن يستظل بحفظ الله، وهي الرقابة التي يقولها صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: {احفظ الله يحفظك} وهذه تكتب على أجنحة القلوب (احفظ الله يحفظك).

حكم العادة السرية

حكم العادة السرية Q ما حكم العادة السرية؟ وما الأدلة على حكمها؟ وهل لها من آثار سلبية على الإنسان؟ وكيف يتخلص المبتلى بها؟ A العادة السرية: الذي أعرفه في المسألة: هي نقولات لأهل العلم؛ لأنني لا أعرف نصوصاً صريحة بالتحريم ولا بالإباحة، لكن هناك نصوص محتملة، ظنية الدلالة في المسألة، كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:7] أُخِذَ منها تحريم العادة السرية عند بعض الشافعية، وابن تيمية سئل عنها، قال: الواجب اجتنابها، ويحرم استعمال هذا الشيء أما الحديث الذي يقول: {ملعونٌ مَن نكح يده} فلا يصح عنه صلى الله عليه وسلم، لكن مما هو معلوم من مقاصد الإسلام أنها محرمة، وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله فعلى المسلم اجتناب هذا الشيء، وكذلك ما يضيع قلبه أو وقته في ما يقربه من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من طاعة، وذكر، وعبادة، ومطالعة، وإذا وجد للزواج سبيلاً فليفعل، قال صلى الله عليه وسلم: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء}.

معنى حديث: (سيأتي زمان التمسك)

معنى حديث: (سيأتي زمان التمسك) Q ورد في الحديث: أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: {سيأتي زمان يكون أجر المتمسك أجر خمسين قالوا: مِنْهُم، يا رسول الله؟ قال: لا؛ بل منكم} أو كما ورد في الحديث. فهل وقع هذا الحديث في هذا الزمان؟ A هذا الحديث أولاً: صحيح، حديث الخمسين، أو الرجل الغريب في آخر الزمان أجره أجر خمسين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديث صحيح، وقد صححه جماعة من أهل العلم، ولا عبرة بمن خالف في تصحيحه أو ضعفه. وأما معناه: فقال أهل العلم: معناه: كثرة الأجر، لا درجة الأفضلية، فإن للصحابة درجة من الأفضلية والسمو لا يبلغها أحد من الناس، يقول صلى الله عليه وسلم: {الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً، فمن أحبَّهم فبِحُبِّي أحبهم، ومن أبغضهم فبِبُغْضِي أبغضهم} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحُدٍ ذهباً وفضة ما بلغ مُدَّ أحدهم، ولا نصِيْفَه} إذا عُلِم هذا؛ فدرجة الفضل والصحبة لا يمكن أن يخترقها أو يتسلقها أحد؛ لكن كثرة الأجر والحصيلة في الأجر على الأعمال: المتأخر يفضل المتقدم بخمسين أجراً، أو بخمسين ضِعْفاً كأجرهم؛ وهذه واقعة في هذا الزمن، وإن لم يكن هذا الزمن زمن غربة فمتى يكون ذلك؟ يوم يوضع الكتاب والسنة، فيكون غريباً عند الناس، غربة على مستوى كبار الناس وصغار الناس، غربة في الجهاد غربة في نواحي الحياة: في السلوك، وفي الأدب وفي تنفيذ الأوامر التي أمر الله بتنفيذها غربة في الأخلاق والآداب من محبة، وصفاء، وتآخٍ كان عليه السلف؛ وجدت في هذا العصر، فمن حافظ على ضميمته في الخير كان غريباً وله ذاك الأجر إن شاء الله.

ابتلاء الشباب وأسباب انتكاستهم

ابتلاء الشباب وأسباب انتكاستهم Q كثير من الشباب يتعرض للابتلاء بصوره المتعددة، منهم مَن يَثْبُتُ على طريقه، ومنهم من يَنْكُصُ على عَقِبَيْه، فما نصيحتكم لكل من الفريقين؟ A أنصح إخواني بأن يتقوا الله عزَّ وجلَّ، وهذا السؤال مطروح في أي زمان ومكان. وأما قضية من يقول: أنه يهتدي، ثم يرتد على عقبَيه، فيأتي من أسباب: إما: أن مرض الشبهة متمكن في قلبه، لم يخرج ولو بالدعوة. أو: أن الدعوة التي أخذته واستنقذته وجذبته؛ دعوة ضعيفة، لا تقوم على كثرة نوافل، أو عبادات، أو أوراد، أو أذكار، أو اتجاه القوة، فيمكن أن يستمر معهم فترة، ثم يترك هذا، وهذا إما من نفسه لوجود الشبهة العارمة الجياشة في قلبه، أو لأن الذين دعوه لم يكن عندهم ذاك التوجه، وتلك التربية القوية في الروح التي تجعله يصمد أمام الشبهات والشهوات. فنصيحتي للأخ إذا اهتدى أن يكثر من النوافل، ومن الدعاء، ومن الأذكار، ومن قراءة القرآن، ومن قيام الليل، من صلاة الضحى، حتى يستمر على النهج. أقْوَمُ ما يمكن أن يتقرب به العبد إلى الله، وأقرب الطرق إليه العبادة، قال الله للأنبياء: {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:73] وقال في زكريا: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90].

حقوق المرأة على الرجل

حقوق المرأة على الرجل Q أخت تقول: نرجو من شيخنا الفاضل أن يلقي ولو كلمة بسيطة عن معاملة الرجل لأهله، ولو لم يكن ذلك مقاماً له، ولكن الحاجة ماسة لذلك، وخاصة في هذا الجمع A كلكم أو غالبكم يعلم حق المرأة على الرجل، والله عزَّ وجلَّ ذكر ذلك في كتابه: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229] هناك نصوص كثيرة، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: {الله الله في النساء! إنهن عَوان عندكم} أي: أسيرات، وقال صلى الله عليه وسلم: {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} وقال في حَجة الوداع: {استوصوا بالنساء خيراً} إلى غير ذلك من النصوص، إذا عُلِمَ هذا، فحق المرأة على الرجل حقوق كثيرة: أول الحقوق: أن يعينها على طاعة الله عزَّ وجلَّ، وأن يسلك بها الطريق المستقيم، وأن يوفر لها الإسلام الذي يريده الله في البيت، وألا يضيق عليها في عبادتها وفي سلوكها إذا أرادت الله عزَّ وجلَّ والدار الآخرة. ومن الحقوق: حق الإنفاق أن ينفق بالتي هي أحسن؛ من كسوة، ومطعم، ومسكن طيب. ومن الحقوق: أن يعطيها شيئاً من وقته، ومن سماحته وخُلُقه ووجهه وبذله وعطائه، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم تُسأل عائشة عنه، فتقول رضي الله عنها وأرضاها: {كان إذا دخل علينا، دخل بسَّاماً، ضحاكاً، دعوباً، قريباً}. في: (صحيح البخاري) في الأدب يقول صلى الله عليه وسلم: {إني لأعلم رضاكِ من غضبكِ قالت: بماذا، يا رسول الله؟ قال: إذا غضبتِ قلتِ: لا ورب إبراهيم، وإذا رضيتِ قلتِ: لا ورب محمد قالت: والله ما أهجر إلا اسمك}. لا تحسبوا نأيَكم عنا يغيرنا إذ طالما غير النأي المحبينا بِنْتُم وبِنَّا فما ابتلت جوانِحُنا شوقاً إليكم ولا جفَّت مآقينا هذا بيته صلى الله عليه وسلم يقيمه على هذا المستوى الرفيع من حسن التعامل، يأتي صلى الله عليه سلم، فيقطع اللحم مع زوجته، يَقُمُّ البيت، ويخصف النعل، ويقف معهن في حوائجهن، ويسأل عن المريضة من نسائه صلى الله عليه وسلم، قريباً حبيباً كأن اختصاصه تربية الأسرة؛ مع العلم أنه متكامل في كل اتجاهات الحياة، وأبوابها صلى الله عليه وسلم. فهذه وصيتي لإخواني، ولعلها أن تكون بالغة منتهاها.

عقبات الالتزام بعد الزواج

عقبات الالتزام بعد الزواج Q هذا سؤال أيضاً له علاقة بالسؤال السابق، يقول سائِلُهْ: تزوجت حديثاً، وقد كنت قبل الزواج أعيش أعزب، يقول: لا أعيش إلا على طاعة الله، وحضور المحاضرات، وبعد الزواج ظهرت بعض المشكلات مع زوجتي، منها: أنها تقول: لقد تزوَّجَتْ متطرفاً أو متصوفاً فأسألك أن تنصحها جزاكم الله خيراً. A فُهِمَ السؤالُ، وربما يكون الخطأ منك أو منها، إما أنك حملتها على الأمور التي لا تتحملها من المشقة، أو أنك نَفَّرْتَ ولَمْ تُبَشِّرْ، وعَسَّرْتَ ولَمْ تُيَسِّرْ، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {بشِّروا ولا تنفِّروا، ويسِّروا ولا تعسِّروا} وأرسل أبا موسى ومعاذاً إلى اليمن، فقال: {بشِّرا ولا تنفِّرا، ويسِّرا ولا تعسِّرا} فربما أنك تريد إقامة أمور ليس هذا وقتها، أو أنك تريد أموراً متأخرة في الدعوة، أو في التنفيذ، جعلتها أولويات، ينبغي لك التدرج والحكمة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرسل معاذاً إلى اليمن، فأمره بالتدرج في الدعوة، فكان الواجب عليك وأظنك لا يفوتك هذا أن تتدرج وأن تبدأ معها بالأصول في الإسلام والفرائض، ثم تأتي إلى هذه الجزئيات والنوافل والآداب، والسلوك، فتأخذها تدريجياً على مر الأيام، أمَّا أن تجرعها التكاليف دفعة واحدة وتريد تنفيذها مرة واحدة، فليس هذا بصحيح، قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله في مقالة -شائقة رائقة، وهي في مقدمة (الظلال) معناها: أن هذا الدين كالشجرة العظيمة، تَنْبُتُ شيئاً فشيئاً، صحيحٌ: أنها تمر عليها الريح، والشمس، وتلفحها الشمس، وربما يعتدي عليها الماء، لكنها تؤسس جذورها، هذا أشبه بالإسلام، ولكن الباطل: كالزرعة التي تنبت كنبت الربيع، تقتلها الشمس، أو يجترفها السيل، أو تحطمها الريح. فأنت في دعوتك وفي غرس الإسلام في بيتك ينبغي أن تغرسه كالشجرة رويداً رويداً حتى ينمو ويترعرع، ويؤتي أكله. أو يكون الخطأ منها، وهذا محتمل فقد تكون هي من بيت ما كان يعرف الإسلام إلا صلاة وعمرة وغسلاً من جنابة، ثم أتت إليك ورأت وضعك إسلامياً، وقرباً من الله عزَّ وجلَّ، فأنكرت هذا، فيكون الخطأ منها، فعليها أن تتقي الله، وأن تعينك على نفسها، وأن تتمثل الإسلام، وأن تحمد الله عزَّ وجلَّ أن الله لم يزوجها سكَّاراً مكَّاراً عربيداً، فيشقيها في الدنيا والآخرة، وهذه هي والله الخسارة أن تتزوج من يصدها عن طاعة الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

حكم مجلات الأزياء اقتناؤها واستخدامها

حكم مجلات الأزياء اقتناؤها واستخدامها Q هذا سؤال وجَّهَتْهُ إحدى الأخوات تقول: ما حكم تصفح مجلات الأزياء، وتقليد ما بها من موديلات، علماً بأن هذه المجلات تأتي من بلاد الكفر؟ A الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً. ليس المحظور أن تأتي هذه المجلات من بلاد الكفر، لكن المحظور مضمون هذه المجلات، وما تحمله من عري، ومن عهر، ومن فجور نسأل الله العافية والسلامة، وإدخال هذه المجلات التي تحمل صور البنات الخليعات بهذه الموديلات من أعظم المنكرات، ومن أعظم الفجور، فلا يجوز إدخالها البيوت. وأما المرأة: فلها بأي نوع آخر أن تأخذ شيئاً، شرط أن يكون مباحاً وحلالاً، ولا يكون محظوراً من الألبسة، كالذي فيه تشبه بالرجال، أو فيه كشف لشيء من العورة، أو تشخيص للجسم بأن يكون شفافاً، فلها ذلك؛ لكن هذه الصور لا تدخلها بيتها، ولا تصطحبها؛ لأنها صور محرمة.

الجهاد في أفغانستان

الجهاد في أفغانستان Q وردت مجموعة من الأسئلة تسأل عن: حكم الجهاد في سبيل الله، خصوصاً في أفغانستان، أهو واجبٌ أم فرض عين؟ يقول: وإن كان واجباً فإن والدي لم يسمح لي بالذهاب، فهل أذهب بغير إذنه أم ماذا؟ A أما مسألة الجهاد في أفغانستان، قبل أن أتكلم في الجهاد في أفغانستان وجوباً أو فرض عين، أو فرض كفاية، أقول: على المسلم أن يتنبه لهذه القضية الكبرى، قضية المجاهدين الأفغان، هذه الأمة، الحفنة من الرجال التي خرجت ترفع السيوف؛ لترفع اسم الله على هامات النجوم، ولترغم أنف الكافر بالتراب، على المسلم أن يعيش قضيتهم، كما يعيش قضية الفلسطينيين المسلمين في أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، يعيشها بكيانه، وبدعواته، وبماله، وبتحمسه، وبتوعية الناس لهذا الجهاد المقدس الذي نُفِخَ في الأمة؛ لتعود إلى كرامتها، ومجدها. المجاهدون الأفغان أثبتوا جدارتهم في أكثر من معركة لما استعانوا بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهم مشكورون ومأجورون، فمشكورون منا شكراً جزيلاً؛ رفعوا رءوسنا بعد أن خجلنا واستحيينا كثيراً، من تَمَهُّن الكافر بنا، واستعباد الكافر لنا، الآن يرفعون (لا إله إلا الله) ويعلنون أنَّ (لا إله إلا الله) لا تزال تتفوق، ولا تزال بإذن الله تعلن انتصارها كلما أُذِّنَ أن (لا إله إلا الله). أما قضية الجهاد في أفغانستان، وهل هو فرض كفاية أم فرض عين؟ فأحيلكم إلى سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبد الله عزام، ومن أحيل على مليء فليَحْتَل.

معنى التطرف والاعتدال

معنى التطرف والاعتدال Q وردت أسئلة تريد توضيح معنى التطرف والاعتدال، وتطلب نصيحة للشباب الملتزمين الذين تُلْحَظُ عليهم بعضُ مظاهر التشدد. A التطرف: له حقٌ وباطلٌ: حقه: أن هناك صوراً من صور التطرف وجدت في صدر الإسلام، وهي الخروج عن السنة، وكلما زاد أحد الناس على السنة خرج، فالسنة بين الغالي والجافي، والخوارج خرجوا عن السنة؛ لأنهم زادوا. أولاً: ما أخذوا إلا بما يوافق ظاهر القرآن من السنة. الأمر الثاني: في قضية الولاء والبراء: والوا أعداء الله، وتبرأوا من أولياء الله، يكفرون علي بن أبي طالب، أحد العشرة المبشَّرين والمشهود لهم بالجنة، ويذبحون عبد الله بن خبيب، ويبقرون بطن امرأته، فيخرج جنينها، ويذبحونه، ويعتذر أحد الخوارج من نصراني أخذ له تمراً من نخلته، يقول: سامحني تمرة لنصراني، ولكنه لا يعتذر من قتل مسلم، ومن تكفير علي بن أبي طالب قدم أهل العراق في عهد ابن عمر، فقالوا: [[يا بن عمر! إذا قتل المحرم بعوضة؟!]] قال: من أين أنت؟ قال: من العراق قال: قاتلكم الله! يا أهل العراق، ذبحتم الحسين بن علي، ابن بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، وتسألونني في بعوضة؟]] فقلة الفكر في دين الله، أو أخذ العبادة منهجاً عملياً بلا علم هو تطرف؛ ولذلك الخوارج لم يدركوا حقائق العلم؛ لمن يكن عندهم فقه في الدين، يصلون ويصومون ويقرءون القرآن؛ لكن ليس عندهم فَهْمٌ ولا فقهٌ ولا حقائق، {تَحْقِرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، وقراءتكم إلى قراءتهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية} إذاً وُجِد هذا؛ لكنه مَحْمَلٌ باطلٌ للتطرف، وهو ما يشُنُّه علينا أعداء الإسلام، أي: لو استقام شباب الإسلام، وأحبوا المساجد، وقاموا يحملون الدعوة الجماعية والفردية، وينشرون كتب الإسلام، وعظمة الإسلام ومَكْرُمات الإسلام يقولون: متطرفون، وهذا خطأ وباطل، وهذه تهمة لا يمكن أن يُرضى بها، والذين وجهوا التهمة، هم اليهود وأذناب اليهود. ولو أني بُليتُ بهاشميٍّ خئولته بنو عبد المدان لهان عليَّ ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني أما الموجود الآن في الصحوة الإسلامية: فصور التطرف قليلة، يلمحها الإنسان من بادئة من الشباب في الاستقامة، يجده أن السنة: وضع اليدين على الصدر؛ لكن هو يريد أن يزيد على السنة، فيضعها على حلقه، وهذا يُخاف عليه أن يختنق، ثم يموت. آخَرٌ: يريد أن يرصَّ قدميه بجانب صاحبه، فيرصعه رَصْعاً، ليس رَصْاً! والرص شيء، والرصع شيءٌ آخر. رجل يُحَاجُّ في البسملة، ويقيم الدنيا في الجهر بها، وبالخفوت بها، وفي الإشارة بالأصبع، والأمهات ذُبِحت في كل مكان. لا نقول لك: تنازل عن الإشارة، فهي سنة، ولا عن البسملة فالإخفات بها سنة؛ لكن أعط كل قضية حجمها، تحجيم القضايا، ومعرفة منازل القضايا من فقه أهل الإسلام، ومن فقه الدعاة، ومن فقه العلماء. وُجِدَت هذه الأمور! وجد شباب يدخلون البيت، وبيوتهم كانت متخلية عن تعاليم الإسلام، فيريد أن يطبق الإسلام بين صلاة الظهر والعصر، فيقاطع أهله، ويتبرأ من أبيه وأمه من أجل سنة من السنن، حق أبيك وأمك أعظم من هذه السنة، فلا بد من إنزال هذه القضايا منازلها، لكن لا تؤخذ أنها صور (متطرفون، متزمتون، مطاوعة) حتى تغطي، لا. إن هذه صور نادرة، ولكن الساحة والحمد لله فيها طلبة علم، ودعاة، وفقهاء، وخير كثير.

زواج الملتزمة من غير الملتزم

زواج الملتزمة من غير الملتزم Q سائلة تقول: ما رأيك في زواج الملتزمة من غير الملتزم؟ وهل تؤيده؟ A غير الملتزم كلمة عامة، يعني: أن تقصد بأنه فاجر لا يصلي، فهذا أمر آخر، هذا خارج عن أبعد حدود الالتزام، وهذا لا يُقبل، فليس ممن يُرضى دينُه وأمانتُه، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح في: (الترمذي): {إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد كبير} وفي لفظ: {فساد عريض}. أما غير الملتزم: إن كانت تقصد أنه مُخِِلٌّ ببعض السنة، وتعلم أنها تؤثر عليه إن شاء الله، فتتزوجه ولا بأس، بشرط أن يؤدي الفرائض، وأن يكون من المسلمين، فهذا لا بأس أن تتزوج به لتؤثر عليه، وإن شاء الله يكتُب الله النفعَ على يديها بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

الغربة في طلب العلم بدون إذن الوالدين

الغربة في طلب العلم بدون إذن الوالدين Q هل تجوز الغربة لطلب العلم، ووالدي لم يوافق على هذا؟ A إذا كان الجهاد لا يُوافَق عليه في أحاديث إلا بإذن الوالدين، فمن باب أولى العلم، فإذا لم يأذن لك أبوك في طلب العلم، فلا تذهب؛ بل اطلب ما حصل لك من العلم، وابْقَ مع والدك؛ لأنه لم يأذن لك، وبرُّ الوالد أعظم من طلب العلم؛ لأن طلب العلم الزائد على الحد الأدنى نافلة، أما علمك الذي تقوم به: صلاتك، وصيامك، فهو واجب، وقد حصل لك إن شاء الله.

طرق الهداية كثيرة

طرق الهداية كثيرة Q يقول: هو إنسان يريد الهداية، لكن لم يجد أحداً يساعده في الهداية، فماذا يفعل؟ A سبحان الله! وما لهذه الوجوه، وهذه المساجد، وهؤلاء العلماء والدعاة والمفكرون والمصلحون، لماذا وُضعوا؟ بل سوف تجد إذا وضعت يمينك في يمين أخيك، أو سألت الله الهداية، أو زرت أخاً صالحاً، أو تعرفت على الأخيار والطيبين سوف تجد من يعضدك وينصرك، ويأخذ بناصيتك، ويوجهك توجيهاً سليماً؛ لكنك يمكن أنك وقعت على أناس ليس لهم حظ في هذا الصلاح؛ فتظن أن الناس مثل ذلك، و (الطيور على أشباهها تقع) وبعض الناس لا يوفَّق إلا بأمثاله؛ ولذلك يقولون: دخلت امرأة المدينة المنورة، أظنه في عهد عمر، فرجعت مكة، فقالوا: كيف المدينة؟ قالت: صالحة، وأهلها صالحون؛ يقومون الليل، ويصومون النهار، ويصلون الضحى، وذَكَرَتْ كذا وكذا، وذهبت امرأة أخرى فسألوها عن المدينة، فقالت: ما رأيتُ في المدينة خيراً؛ أهل غناء، ومجون، وعزف، وأهل بُعد عن الله، فسألوا أحد العلماء، فقال: (الطيور على أشباهها تقع) هذه ذهبت إلى صديقاتها من المؤمنات والصالحات، فرأت الناس صلحاء، وهذه ذهبت إلى أمثالها، فرأت من مثيلاتها، فظنت أن الناس كذلك؛ فعليك أن تغير مسارك؛ لترى الهداية والنور إن شاء الله.

مفهوم الغربة الحقيقي

مفهوم الغربة الحقيقي Q ما المقصود بالغربة في قوله صلى الله عليه وسلم: {بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ}؟ A أولاً: كلمة بدأ نُطِقَت عند المحدِّثين: بدأ، بالهمز، ونطِقَت بألفاظ صحيحة: بدا، من الظهور، وبدأ: من الابتداء شيئاً فشيئاً، والبدوّ من الظهور، كما قال عمر بن أبي ربيعة: ولَمَّا قطعنا المِيلَ من بطن رابغٍ بَدَتْ نارُها بيضاء للمتنوِّرِ فإن كان معنى بدا: يعني: ظهر للناس فجأة فكان غريباً، أي: غريب على الأنفس، وغريب على الناس، وغريب في الآفاق؛ لأنهم ما عهدوه، غريب في حكمهم، وفي اعتقادهم وعبادتهم، وفي أدبهم وسلوكهم. وإن كان بدأ، بالهمز، فمعناه: بدأ قليلاً قليلاً، فكان غريباً وأصحابه غرباء، فابتدأوا غرباء مساكين، واحداً فواحداً، حتى اجتمعوا جماعة، فانتهت الغربة. والغربة في أول الإسلام غربة استمرت نسبية حتى قضى عليها النبي عليه الصلاة والسلام وأنهاها، وما مات إلا والإسلام عزيز، والكفر هو الغريب، فلما مات بدأ الكفر يمد جذوره. ولا بد أن يتنبه دعاة الإسلام لأمرين اثنين: أولاً: قضية أن الساحة تصفى للإسلام، وأن العالم سوف يكون للمسلمين؛ ليس بصحيح، الكفر لا بد من وجوده، وهذه من السنن الكونية القَدَرية، قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] أي: أن الكثير لا يشكرون الله، لكن لا بد للإسلام من أرض، فلا ينمو في أذهانهم نهاية الكفر كله، ولو أن هذا ما نتمناه ونريده. القضية الثانية: لا يحمل دعاة الإسلام على وجود الغربة أن ينزوون، ويلتفون على أنفسهم، ويقبعون في بيوتهم ويقولون: الله المستعان! ما دام أنَّا غرباء؛ فقد اغترب هذا الدين، ولا نصر لهذا الدين وانزوى هذا الدين، لا هذه نظرية خاطئة؛ لا بد أن يبذلوا جهدهم وجاههم ومالهم وكلماتهم؛ فإن الحق سينتصر بإذن الله.

قول الشيخ في تفسير (الظلال)

قول الشيخ في تفسير (الظلال) Q أخٌ يقول: سمعنا لكم قولاً في تفسير (الظلال) نرجو توضيح هذا القول. A كتاب (في ظلال القرآن) للأستاذ سيد قطب: من أحسن الكتب، في ربط القرآن بالواقع، والواقع بالقرآن، وهو يقول عن نفسه: هو لم يرد أن يفسر القرآن، كـ تفسير ابن كثير، لكن أحاسيس ونسمات وخواطر عاشها هذا الرجل؛ ولا بد أن نعرف للمحسن إحسانه فنقول: أحسنت، وللمسيء إساءته فنقول: أسأت، هذا الرجل كتب كتابه وهو يتدفق معانياً كأنه يقطر من دمه، أو كأنه يكتبه برَوح وريحان، يعرف ذلك من يقرأ الكتاب، شهد له علماء الإسلام بقوته وحرارته، وشهدت قلوبنا بصدقه في كلماته، فقد عاش مجاهداً وصادقاً وداعية، أما من حيث الكلمات التي وردت في الكتاب، فليعلم السائل أن كل كتاب غير كتاب الله لا بد أن يدخله النقص، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] قرئت الرسالة على الإمام الشافعي خمسين مرة قال: [[خمسين مرة ما من مرة إلا أزيد وأنقص في هذا الكتاب؛ لأن الله يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]]] فالعصمة لكتاب الله، أما كتب البشر فكتبها بشر؛ وهناك مواضع نَبَّه عليها بعض المحدثين وقع فيها الأستاذ سيد قطب بشيء من عمد أو بغير عمد فغفر الله له؛ لكن محاسنه كثيرة. وإذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ جاءت محاسنُه بألفِ شفيعِ فمن الناس من تنغمر سيئاتهم في بحار حسناتهم، ومن الناس من تنغمر حسناتهم في بحار سيئاتهم؛ فهذا الرجل أسأل الله أن ينغمر في بحار حسناته، وأن نحكم على الناس بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. أقِلُّوا عليهمُ لا أباً لأبيكمُ مِن اللوم، أو سُّدوا المكان الذي سَدوا

الاستهزاء بالدين وكيفية مواجهته

الاستهزاء بالدين وكيفية مواجهته Q يقول السائل: كثر الغرباء، وكثر المستهزئون بالدين كما ذكرتُم، كيف لنا أن نواجه المستهزئين، خصوصاً وأنهم إما إخوة، أو آباء أو أمهات؟ وهل يجوز أن نستخدم الشدة معهم إلى أن يستجيبوا لنا؟ A أولاً: مما يُطرح للدعاة -وهذا أمر معروف- أن اللين مطلوب، كلُّ حكمةٍ لِيناً، ولا كلُّ لِيْنٍ حكمةً، فالله يرسل موسى عليه السلام إلى أكبر طغاة الأرض، (إلى فرعون) فيقول له: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} [طه:44] أي: لفرعون الذي مزق الأعراض، وداس التاريخ {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] قولاً ليناً أي: أن تكنيه بكنيته، وكنية فرعون -كما قال سفيان الثوري، عند ابن كثير - أبو مُرَّة مرر الله وجهه في النار، فيقول موسى: يا أبا مُرَّة ذلك لفرعون، فما دام هذا الخطاب لفرعون فكيف بأحبابنا، وأهلنا، وجيراننا؟ أما مسألة الاستهزاء: فهذه حقيقة من الحقائق، وهي سنة من سنن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوجد من يستهزئ بالمستقيمين، وبالملتزمين قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] قال ابن تيمية: هادياً يهدي قلبه، ونصيراً ينصره في شريعته، أو في سيرته أو كما قال. هذا أمر، فإذا تكفل الله لك بالهداية والنصرة، فما عليك ممن يستهزئ بك من الناس، فإنك على خير، لكن ليعلم هذا المستهتر أن هذا الاستهزاء يؤدي به إلى الكفر كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] لأنك تستهزئ أيها المستهزئ بالإسلام بمحمد صلى الله عليه وسلم، بالرسالة الخالدة، بـ الكعبة المطهرة، بهذا الكيان العالمي الذي تركه صلى الله عليه وسلم. ثم أنبه الإخوة ألا يجعلوا للناس طرقاً إلى أن يستهزئوا بنا؛ السنة معروفة، وهي جمال وكمال وجلال؛ لكن إذا تجاوزنا السنة، أو زدنا على السنة، أو نزلنا عن السنة، استهزأ بنا الناس، الثوب كما تعرفون إلى نصف الساق، ولك إلى ما فوق الكعبين، لكن أن تجعله إلى الركبة فهو فَنِيْلَة، وليس بثوب فيُعذَرُ الناسُ إن استهزءوا، وهذا معروف فالسنة لا يستهزئ بها أحدٌ، لكنك لا تجد من يستهزئ إلا إذا تجاوز الإنسان، إما خرج طولاً أو عرضاً.

الحث على التبرع للمجاهدين في أفغانستان

الحث على التبرع للمجاهدين في أفغانستان Q نرجو من فضيلة الشيخ حث الإخوة على التبرع، للإخوة المجاهدين في أفغانستان، خصوصاً وأنه يوجد الآن على الأبواب بعض الإخوة المستعدين لاستقبال التبرعات. A وأنا بدوري أسأل الله أن تكون في ميزان الحسنات؛ لأن أولئك جاهدوا بدمائهم، وجاهدوا تحت حرارة الشمس، وعلى الرمضاء، ومع الجوع والظمأ، ونحن إذا تكلمنا تكلمنا في مكان طيَّب نقي نزيه، فنحن ندعو أنفسنا وإياكم إلى التبرع لهؤلاء المسلمين المجاهدين في أفغانستان، علَّ دراهمك هذه أن تقتل عميلاً شيوعياً، أو معادياً لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أو ترفع كلمة (لا إله إلا الله) وما يدريك لعلها نجاتك إن شاء الله.

حكم المساهمة في الشركات

حكم المساهمة في الشركات Q يقول السائل: كما تعلمون كَثُرَتِ الشركاتُ والمؤسساتُ، سؤالُنا: ما حكم المساهمة في تلك الشركات والبنوك والمؤسسات؟ A هذا سؤال مركب، ليس بسيطاً. أما البنوك: فإن كانت ربوية؛ فلا يجوز التعامل معها. وأما الشركات: فإن كانت مساهِمة على نظام المضارَبة في الإسلام؛ فجائز، وإن كان على النظام الربوي فحرام، والفرق بين المضاربة والربا: أن الربا يشرط لك الفائدة والربح، والمضاربة: أنت وحظك، أو أنت ورزق الله لك، إن خَسِرَتِ الشركةُ خَسِرْتَ، وإن رَبِحَتْ رَبِحْتَ، وهذا نظام المضاربة، ولا بأس بالمشاركة فيها.

ترحيب بالشيخ وقصيدة في الشيخ/ ابن باز

ترحيب بالشيخ وقصيدة في الشيخ/ ابن باز Q أخٌ عَبَّر عن مشاعره بحضور الشيخ إلى هذا المسجد، بقوله شعراً: حللت أهلاً يا أُخَيَّ ومرحباً في مسجد الفاروق (قد) حققت المنى في كِلْمة للنصح قد أهديتَها لقلوبِ قومٍ زادها حُبُّ لنا فجزاك ربُّ العالمين بعدلِه وجزاك عن قولٍ فصيحٍ قد سنا وأخٌ يطلب القصيدة التي قلتموها في فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز أطال الله عمره في طاعة الله. A أما الأخ هذا الذي رحَّب، فحياه الله وبياه، وقد زاد في البيت الأول قد, وهي تحذف؛ لأنها كسرت البيت، فأصبحت كالآجرة أو كالصخرة وسط الجدار، فعليه أن يحدف (قد). وأنا أرد عليه أقول: يا رياض الخير قد جئتُ وفي جُعبتي أبها بلقياكِ تسامى حَلَفَتْ لا تشرب الماءَ ولا تأكل الزادَ ولا تلقى مناما أو ترى الأحبابَ في نجد فإن لم تجدْهم صار ممساها حراما أنا قد أحببتُكم في الله ما كان حبي في سواه يتعامى وأما قصيدة سماحة الشيخ فتكررت كثيراً، لكن: كرِّرِ الفن يا جميلَ المُحَيَّا وتدبَّره فالمكرَّرُ أحلى أو العلم، هذا فن الإسلاميين، لا فنُّ المغنِّين والمغنيات، والماجنين والماجنات، فهم لا يعرفون الفن، ولا الجمال، ولا الحب، ولا الطموح. قاسمتُك الحبَّ مِن ينبوعِه الصافي فقمتُ أنشدُ أشواقي، وألطافي لا أبتغي الأجرَ إلا مِن كريمِ عَطاً فهو الغفورُ لزلاَّتي، وإسرافي عفواً لكَ اللهُ قد أحببتُ طلعتَكم لأنها ذكَّرَتْني سَيْرَ أسلافي يا دَمْعُ، حَسْبُك بُخلاً لا تجودُ لِمَنْ أجرى الدموعَ كِمِثْلِ الوابِلِ السافي يا شيخُ يكفيكَ أن الناس قد شغلوا بالمغرياتِ وأنتَ الثابتُ الوافي أغراهمُ المالُ، والدنيا تجاذبُهم ما بين منتعِلٍ منهم ومِن حافِ مجالسُ اللغو ذكراهم وروضتُهم أكلُ اللحوم كأكلِ الأغطف العافي وأنتَ جالستَ أهلَ العلم، فانتظَمَتْ لكَ المعالي، ولَمْ تُولَعْ بإرجافِ بين (الصحيحين) تغدو في خمائلها كما غدا الطَّلُّ في الرافي تشفي بفُتياكَ جَهْلاً مُطْبِقاً وترى من دقَّةِ الفهمِ دُرَّاً غير أصدافِ إلى آخرها.

فضل العلم وطلبه

فضل العلم وطلبه Q أخٌ يقول: من المعروف فضل العلم، وفضل طلبه والإخلاص فيه؛ لذا نريد منكم التكرم بإلقاء كلمة في ذلك، وذكر بعض مذاكرة السلف للعلم ومراجعته، وكذلك مذاكرتكم أنتم للعلم، ومن دل على خير فله أجر فاعله. A هذا السؤال يحتاج إلى محاضرة كاملة، ولكن يُجاب عليه بمجمله، وهو أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حث على فضل العلم، ويكفي شرفاًَ لطلبة العلم أن يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] ويقول: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ} [القصص:80] وقال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] إذا علم هذا؛ فطلب العلم من أعظم القربات بعد الفرائض إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] وحق على المسلم أن يبذل جهده وطاقته في طلب العلم، وخاصة الدعاة الذين يتصدون إلى دعوة عباد الله عزَّ وجلَّ، يقول أبو إسحاق الألبيري يوصي ابنه بطلب العلم فقال: هو العضب المهنَّدُ ليس يَنْبُو تصيبُ به مضاربَ مَن أردتا وكنزٌ لا تَخاف عليه لِصاًَ خفيفُ الحملِ، يوجَد حيثُ كنتا يزيدُ بكثرة الإنفاق منهُ وينقُص إن بِه كفَّاً شددتا فبادِرْه، وخذْ بالجُهد فيهِ فإن أعطاكَهُ الله انتفعتا وإن أوتيتَ فيه طويلَ باعٍ وقال الناس: إنك قد رأستا فلا تأمن سؤالَ الله عنهُ بتوبيخٍ: عَلِمْتَ فهل عَمِلْتا ثم يقول: إذا أرداكَ فَهْمُكَ في مَغاوٍ فليتَك ثم ليتَك ما فَهمتا

نصيحة لولاة الأمور لتسهيل الزواج

نصيحة لولاة الأمور لتسهيل الزواج Q أخٌ يقول: لو أسديتم نصحاً لولاة الأمر لتسهيل أمور الزواج؛ لأن غلاء المهور يُعْتَبر من الأسس التي تثقل كواهل الشباب فالشاب يحتاج إلى عمر طويل لبناء بيت الزوجية. A وأنا أشارك السائل في دعوة ولاة الأمور أن ينتبهوا لهذه المسألة بوسائل، إلى أن يخفف على الشباب، وعن كواهلهم هذه المبالغ الباهضة التي أحبطت المسعى، وكان من نتائجها: أن تنتشر الفاحشةُ والانحرافُ بين الشباب والشابات، فحُق على كل مسئول أن يسعى في تسهيل هذه المهمة ليكون الزواج مُيَسراً ومُسَهَّلاً، والله من وراء القصد.

سنة صلاة العشاء

سنة صلاة العشاء Q السائلة تقول: لاحظَت أن بعض النساء في المسجد، بعد أذان العشاء مباشرةً قُمْنَ وصَلَّيْنَ، فنحن نعلم أنه ليس قبل العشاء سنَّة، ولكنا لا حظنا هذه الظاهرة كثيراً. فنرجو توضيح الأمر منكم للسائلة ولَهُنَّ. A قبل صلاة العشاء، ليس هناك سنة راتبة، لكن حديث عبد الله بن مغفل المزني في: (صحيح البخاري): يقول صلى الله عليه وسلم: {بين كلِّ أذانَين صلاة، بين كلِّ أذانَين صلاة، بين كلِّ أذانَين صلاة لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة} فالمرأة التي قامت لا يُعنَّف عليها، ولا يُعابُ عليها، فهي على سنة، لكن ليست هذه السنة الراتبة، وإنما هي نافلة تَنَفَّلَتْها، وقد أصابت على حسب الحديث، ولو جَلَسَتْ تستمع الذكر أو العلم كان أحسن لها وأنفع.

الفرق بين غربة الدين وغربة الوطن

الفرق بين غربة الدين وغربة الوطن Q يقول: ما الفرق بين غربة الدين وغربة الوطن والأهل؟ وما معنى الإسلام بين غربتين؟ A غربة الوطن، هي غربة الترابيين الماديين؛ أهل الطين والحجارة، وأما المسلم وطنه كل وطن للإسلام. وأينَما ذُكِرَ اسمُ الله في وطنٍ عَدَدْتُ ذاك الحمى مِن صُلبِ أوطاني كل سماء في السماء لنا، وكل أرض في الأرض لنا نحن المسلمين، فليس هناك غربة وطن، ولو أنها تسمى لغوياً، وتداولت بين السلف، وبكاها الشعراء؛ لكنها غربة تنبي عن قلة الهمم. أما غربة الدين: فهي التي يتوقد لها الإنسان حماسة، ويقوم بمواصفات هذه الغربة، وكيف يعيش الغربة وغربة الأهل: غربة الأهل وردت؛ لكنها غربةٌ نسبيةٌ بسيطةٌ، تطلَقُ في اللغة، أما الغربة إذا أطلقت إطلاقاً عاماً فهي غربة الإسلام، القضية الكبرى، رسالتك في الحياة، دمك، ومجدك، وعظمتك هو هذا الدين.

الزواج برجل تارك للصلاة

الزواج برجل تارك للصلاة Q أختٌ تقول: تزوَّجَتْ من رجل ترك الصلاة، وعلمت بعد ذلك أن عقدها باطل، وقد أرادت تجديد العقد، فلما طلبت من ولي أمرها رفض ذلك، وقال لها: هؤلاء الأولاد الذين جاءوا منكما ما الحكم فيهم؟ زاعماً عدم صحة الحكم، فماذا تفعل؟ هل يكفي أن تجدد عقدها بولاية ابنها، وعمره: (19) عاماً؟ ثم ما الحكم فيما مضى من عمرها معه؟ هل عليها شيء ما إذ أن زوجها تاركٌ للصلاة طوال تلك المدة، ولم تنفصل عنه؟ والآن صار يصلي والحمد لله؟ A هذه المسألة خلافية، وأنا أعتذر من الإجابة عن هذا السؤال؛ لأن فيه خلافاً كثيراً، وهو يعود إلى أصل أصيل في التفسير، وقد علمَ من فتاوى كثير من أهل العلم أنه مضطرب، لكنه يحتاج إلى تحرير، وإلى إجالة نظر، وإلى ترتيب في الأفكار، حتى لا يجابَ على عجالة، فيترب على ذلك إلزامات قد تضر.

اختيار الزوج من قبل أولياء الأمور

اختيار الزوج من قبل أولياء الأمور Q ما توجيهكم لأولياء الأمور من حيث الحرص والتأكد من استقامة الدين؛ من حيث الصلاة خصوصاً؟ A مرَّ هذا {إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} مرَّ هذا، وأن عليه -ولي الأمر- أن يتقي الله في ابنته، ألا يزوجها إلا مسلماً يريد الله والدار الآخرة.

حكم وجود الخادمة الكافرة في المنزل

حكم وجود الخادمة الكافرة في المنزل Q ما حكم وجود الخادمة في المنزل؟ A المسلمة: أمرها سهل، لكن بشرط ألا يُنظر إليها، وتكون محجبة مع وجود ذي محرم لها، فإذا تعذر ذلك، كانت في مكان خاص لا يكشف عليها الرجل أبداً، وهذه الخادمة لا تدخل إلا لضرورة، كأن تكون المرأة مريضة، أو لا تستطيع الخدمة في البيت من طبخ ونحوه، أو مشغولة بتدريس أو تعليم، فللزوج ذلك، وحبذا أن تكون مسلمة. والكافرة: لا أعلم تفريقاً، خاصةً إذا كانت كتابية، لا أعلم تفريقاً بينها وبين المسلمة؛ لأنه يتزوج بها، والزواج أعظم، لكن في الخدمة تأخذ حكم المسلمة -فيما أعرفه- وتدخل بشرط الحجاب، والتستر عن عين هذا الرجل؛ لأنه أجنبي عنها، وإذا وُجد المحرم فهو جيد، بشرط الضرورة.

استخدام اليهود والنصارى

استخدام اليهود والنصارى Q فضيلة الشيخ! هذا الحديث خاص باليهود والنصارى في الاستخدام، ولكن هناك ناس يستخدمون غيرهم من الكفار. A لا يجتمعان ديناً، لكن استخدام أهل الكتاب وارد، والزواج من أهل الكتاب وارد، وأكل لحوم أهل الكتاب وارد، وقد ورد أن كثيراً من الصالحين، من السلف استخدموا أهل الكتاب.

الانتقادات الخاطئة عند الشباب

الانتقادات الخاطئة عند الشباب Q مِن الناس مَن إذا رأى اهتمام الشباب بكتب السلف قال: تريدون أن تخرجوا ديناً جديداً، ومِنهم مَن يُشَكِّك في دُور النشر، وأنها للتجارة، ويقول لأصحاب التسجيلات: غرضهم للتجارة، ما نصيحتكم لهؤلاء؟ A أما الذي يُشَنِّع على الشباب إن عادوا إلى كتب السلف: فهو المشَنَّع عليه (رمَتْنِي بدائها وانسَلَّتْ) بل من أصالة طالب العلم أن يعود إلى كتب السلف، والضعف، في بعض شباب الإسلام: إما أن يتجه إلى العلم المؤصَّل، وهو مطلوبٌ في أي زمان ومكان، لكنه ينفصل عن الواقع تماماً، فلا يعيش مشكلات العصر، ولا ما يُطرح في الساحة، ولا ما يُورَد على المسلمين، فيبقى مبتوراً من المجتمع، أو يعيش في معرفة الواقع، وينقطع عن كتب السلف، فيبقى ضعيفاً هزيلاً، لا يمكن أن يجد الحلول لهذه المشكلات. أما كتب دُور النشر والطباعة، وأنها تريد المال: فإنما الأعمال بالنيات، وإذا أرادت المال: فمَن مَنَعَها؟ المال تجارة ويُطلب، لكنه ليس لهم أجر عند الله عزَّ وجلَّ حصل أجرهم بكتبهم هذه، وبيعها، والمؤلف الذي يؤلف ليحصل مالاً حصل له المال ولا يحصل له أجرا. كذلك التسجيل: فالأعمال بالنيات، إن أرادوا نشر الشريط الإسلامي والدعوة وتسهيل العلم؛ فلهم مرادهم وأجرهم، وإن أرادوا التكسُّب فلهم كسبهم، لكن ليس لهم أجر إلا بنسبة ما أرادوا به الأجر من الله عزَّ وجلَّ.

الرد على من يقول: إن الإسلام دين رجعي

الرد على من يقول: إن الإسلام دين رجعي Q فضيلة الشيخ، بعضهم يقول: إن الإسلام رجعي، فبم نرد عليه؟ A يقول الأخ: إنهم يقولون: الإسلام دين رجعية؛ لا يقول هذا إلا المتخلف، صاحب الفكر العفن، وإلا فهو لا يعرف الإسلامَ، وما درى عن الإسلامَ، وأكثر من يشنع على الإسلام الآن: نعرفهم والله، أحدهم لا يجيد قراءة الفاتحة، ولا يعرف كتاباً، يقرأ فيه على حله وترحاله، ولا يعرف حتى سيرة كثير من عظماء الإسلام، ولا يعرف أثر الإسلام في سلوكه وأدبه ومعتقداته وعبادته هذا بدائيُّ، يَهْرِفُ بما لا يَعْرِف، وعليه أن يتعلم قبل أن يتكلم.

كثرة الوقوع في المعاصي وعلاج ذلك

كثرة الوقوع في المعاصي وعلاج ذلك Q شابٌّ يشكو من كثرة وقوعه في المعاصي، كلما هرب منها رجع إليها مرة أخرى، خصوصاً مشاهدة المسلسلات التمثيلية في التلفزيون، وغير ذلك. A الأخُ يشكو من كثرة المعاصي، وكلنا ذاك الرجل، ونحن مبتلَون بالمعاصي؛ لكن يجب أن نتقي الله عزَّ وجلَّ، وهناك حصون، منها: الحصن الأول: كثرة النوافل كما أسلفتُ. الحصن الثاني: التوبة. الحصن الثالث: الاستغفار. الحصن الرابع: صحبة الصالحين. الحصن الخامس: التخلي عن المعاصي، كالنظر، وسماع الغناء، ورفقة الأشرار. لكنني أنصحك كثيراً بالابتهال إلى الله أن يهديك سواء السبيل، والإكثار من قراءة القرآن.

قصائد للشيخ

قصائد للشيخ Q خاتمة المطاف في هذه الأسئلة: سؤالٌ موجَّهٌ، أو طلبٌ موجَّهٌ إلى فضيلة الشيخ بإلقاء القصيدة التي قالها أثناء سفره إلى أمريكا، أو القصيدة التي قالها في المجاهدين الأفغان. A القصيدة التي في أمريكا: قصيدتان، جِدِّيَّة، وهزْليَّة، الجِدِّيَّة تخاطب الأمة الإسلامية، كانت في مؤتمر أوكلاهوما للشباب العربي المسلم: يا أمة ضرب الزمان بها جموح المستحيل وتوقف التاريخ في خطواتها قبل الرحيل سكبت لحون المجد في أذن المجرة والأصيل وسقت شفاه الوالهين سلافة من سلسبيل يا أمة ضرب الزمان بها جموح الكبرياء رأس الدعي على التراب ورأس عزمك في السماء لو كان مهرك يا مليحة من براكين الدماء لهفا إليك اللامعون وفر منك الأدعياء يا أمة كم علقوا بكيانها خيط الخيال وهي البريئة خدرها فيض عميم من جلال شاهت وجوه الحاقدين بكف خسف من رمال موتاً أتاتورك الدعي كموت تيتو أو جمال يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلي الإنسان خابوا ما لهم إلا الرماد جثث البرايا منهم في كل رابية وواد ما زرت أمريكا فليـ ست في الورى أهل المزار بل جئت أنظر كيف ند خل بالكتائب والشعار لنحرر الإنسان من رق المذلة والصغار وقرارنا فتح مجيد نحن أصحاب القرار ورأيت أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسام قد زادني مرأى الضلا ل هوىً إلى البيت الحرام وتطاولت تلك السنون فصار يومي مثل عام ما أرضهم أرض رأيت ولا غمامهم غمام أما الهزلية: فأذكر بعض الأبيات لأنها لا تخلو من فوائد! إن شاء الله: يقول عائض هو القرني أحمد ربي وهو لي ولي مصلياً على رسول الله مذكراً بالله كل لاهي قد جئت من أبها صباحاً باكراً مشاركاً لحفلكم وشاكراً وحملتنا في السماء طيارة تطفح تارة وتهوي تارة قائدها أظنه أمريكي تراه في هيئته كالديك يا سائل الأخبار عن أمريكا اسمع رعاك الله من يفتيكا وهذه أخبار هذى النشرة مسافة السير ثلاث عشرة من الرياض عفشنا ربطنا وفي نيويورك ضحىً هبطنا أنزلنا في سرعة وحطنا وقد قصدنا بعدها واشنطنا ثم ركبنا بعدها سيارة مستقبلين جهة السفارة منزلنا في القصر أعني ريديسون يا كم لقينا من قبيح وحسن وبعدها زرنا مباني الكونغرس ولم نجد مستقبلاً ولا حَرَسْ بها ملايين حوت من الكتب في كل فن إنه هو العجب في بلد أفكاره منكوسة تثقله بصائر مطموسة يقدسون الكلب والخنزيرا ويبصرون غيرهم حقيرا ما عرفوا الله بطرف ساعة وما أعدوا لقيام الساعة فهم قطيع كشويهات الغنم جد وهزل وضياع ونغم فواحش قد أظلمت منها السما والأرض منها أوشكت أن تقصما من دمر العمال في بولندا ومن أتى بالرق في يوغندا من دمر البيوت في نزاكي من ضرب اليونان بالأتراك من الذي ناصر إسرائيلا حتى تصب عنفها الوبيلا استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا نصنع السيارة ومنها: ومعنا في صحبنا العجلان أكرم به مع العلا جذلان وصالح المنصور من بريدة يشبه سعداً وأبا عبيدة والشهم عبد القادر بن طاشي ذو القلم السيال في انتعاش فهو أبونا في مقام الترجمة لأننا صرنا صخوراً معجمة وأما قصيدة الأفغان فمن أبياتها: يا أمة النصر والأرواح أثمان في سدّة الرّعب ما هانوا وما لانوا هم الرعود ولكن لا خفوت لهم خسف ونسف وتدمير وبركان كم ملحد ماجن ظن الحقوق له زفوا له الموت مرا وهو مجان وبلشفي أتى كالعير منتخيا رأى المنايا فأضحى وهو جعلان ردوه كالقرد لو بيعت سلامته بشعبه لشراها وهو جذلان فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ

الاعتصام بالكتاب والسنة

الاعتصام بالكتاب والسنة الاعتصام بالكتاب والسنة طريق واحد يوصل إلى الجنة، ومن حاد عنهما أو عن أحدهما خاب وخسر في الدنيا والآخرة، وقد دلت الأدلة والآثار على تلازمهما معاً ووجوب الاعتصام والتمسك بهما، ولا يجوز بأي حال من الأحوال التقديم على قول الله وقول رسوله.

الحث على اتباع الكتاب والسنة

الحث على اتباع الكتاب والسنة الحمد لله الهادي، والصلاة والسلام على خيرة الحواضر والبوادي، أفصح من تكلم بالنوادي، ما هطلت الغوادي، وما صارت بذكره الأفئدة من كل مسلم إلى شريعته حادي. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته: ولما جلسنا مجلساً طله الندى جميلاً وبستاناً من الحب دانيا أثار لنا طيب المكان وحسنه منىً فتمنينا فكنت الأمانيا وأمانينا معكم هذه الليلة أن يجمعنا الله بكم في دار الكرامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر، يوم يتقبل الله منا أحسن ما عملنا، ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. وعنوان هذه المحاضرة: الاعتصام بالكتاب والسنة وهذا موضوع خطير وكبير، أما خطورته فلأنه يتعرض لضربات من أهل البدع والضلال على مر العصور والدهور والأعوام والأيام، وأما كونه كبيراً فلأنه شغل كثيراً من علماء الإسلام حتى خصصوه بالتأليف، وكتبوا فيه مجلدات، وكانت مجالسهم تدار فيها مواضيع مسألة الاعتصام بالكتاب والسنة. وفي هذا الموضوع ثلاثة عناصر: العنصر الأول: الحث على اتباع الكتاب والسنة. العنصر الثاني: حرص السلف الصالح على الاقتداء بسنته صلى الله عليه وسلم. العنصر الثالث: النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله، والتكلف والتعمق والتنطع، ووجوب الاكتفاء بالكتاب والسنة. فإلى هذا الحديث الشائق الذي بكم يشوق، وإلى هذا المجلس الرائد الذي بكم يرود؛ نتكلم عن مسائل هذا الموضوع سائلين المولى أن يثبتنا وإياكم، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل، إنه ولي ذلك والقادر عليه. إن الله يمدح الذين يتمسكون بالكتاب والسنة، وسر أصالة هذه الأمة وعمقها وتوجهها هو الكتاب والسنة ولذلك عندما كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم مكتفين بثقافة محدودة مضبوطة معينة؛ كانوا مرشدين مسددين مهديين، فلما كثرت الثقافات على القرون التي بعدهم، ودخلت البدع، وترجمت كثير من المقالات والكتب؛ دخل الزيف والدخن والدخل، ويظن كثير من الناس أن كثرة الثقافات الغريبة الوافدة بركة ونور، ولم يعلموا أنه تدهور وتورط للأمة إذا صدفت عن كتاب الله عز وجل.

بيان اقتران القرآن والسنة معا

بيان اقتران القرآن والسنة معاً وقد بدأت الأمة مع محمد صلى الله عليه وسلم بالكتاب والسنة، ثم وصلت إلى عهد المأمون يوم ترجمت الكتب؛ فأتت البدعة، قال الله: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} [الأعراف:170] قال أهل العلم: يمسِّكون صيغة مبالغة، ومعناها: يتقيدون بأوامر الكتاب -وللفائدة: يقول أهل العلم: إذا ذكر الكتاب مجرداً فالسنة تدخل معه تبعاً، وإذا ذكرت السنة أصلاً فالكتاب يدخل معها دخولاً أولياً-. وقد قيل للإمام مالك: ما النجاة؟ قال: السنة، سفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها هلك. وقالوا لـ علي وهو على منبر الكوفة: [[ما النجاة؟ قال: الكتاب]] يعني القرآن قال ابن تيمية: لا يعنى بالكتاب إذا عني به أو قصد أو تكلم فيه أن يقتصر عليه، فإنه لو اقتصر عليه كان ضلالاً لمن اقتصر عليه -أعني وترك السنة- أي: تركه للسنة ضلالاً لا تقيده بالقرآن ولذلك يأتي من أمثال الخوارج، وصاحب الكتاب الأخضر من يدعون إلى التقيد بالكتاب لا بالسنة. قال ابن تيمية: الخوارج يأخذون بظواهر القرآن ولا يأخذون بالسنة التي ليست في القرآن ودخل رجل من أجدادهم وأسيادهم وعملائهم مع عمران بن حصين -والحديث في السنن فقال: [[يا عمران! من أين هذه الأحاديث التي تتحدثون بها، ونحن لا نجدها في القرآن؟ قال عمران: أتجد في القرآن أن صلاة الظهر أربعاً؟ قال: لا. قال: أتجد أنصبة الزكاة في القرآن؟ قال: لا. قال: أتجد أحكام الصيام في القرآن؟ قال: لا. قال: ما أسمعنا الرسول صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما تركه صلى الله عليه وسلم تركناه، وما كان ربك نسياً]] وهذه المقولة لـ ابن عباس ولـ عمران بألفاظ مختلفة.

الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة المصطفاة

الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة المصطفاة يقول تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12] قال أهل العلم: أي بحزم وجد وصرامة، وهي جدية الالتزام في أخذ التلقي من الكتاب والسنة؛ لنكون أمة جادة في أخذ تعاليمها من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم والله يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فهو كتابٌ يتكلم، ونبي يترجم، ولو كان الكتاب يكفي لنزل ووزع نسخاً على الناس، ولو كان الرسول يكفي بلا كتاب لتكلم بما في ذهنه، ولكن: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:4 - 6] فإمامنا وقدوتنا محمد رسول الله. إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا فهو صلى الله عليه وسلم معصوم، حتى يقول الإمام مالك لتلاميذه وهم يعرضون عليه الأقوال: كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام وقال الإمام أحمد لما سئل: يا أبا عبد الله! أيهما أفضل: التبتل أو الزواج؟ والله عز وجل يقول: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:39]؟ أي: يحيى. فيمدح الله يحيى، ويقول: سيداً، أي: الذي اكتملت فيه المروءة والسؤدد، وحصوراً أي: لا يأتي النساء. قال ابن عباس: لم يكن مع يحيى إلا مثل هذا -يعني: آلة الجماع- ورفع شقصاً من الأرض. فهذه الآية تدل على أن التبتل أفضل، قال الإمام أحمد: لا. يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] فقال السائل: إن إبراهيم بن أدهم يقول: ترك الزواج أفضل، فقال الإمام أحمد: أوه! وقعنا في بنيات الطريق، عليك بالمشرب الأول أي بمحمد عليه الصلاة والسلام، فإذا ما أتى الدرهم على سكته مختوماً بخاتم محمد صلى الله عليه وسلم وإلا فهو درهم زائف لا يباع به ولا يشترى؛ لأنه صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، فالله جعل القدوة به.

أنواع الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم

أنواع الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعض العلماء من أهل السلوك: الاقتداء به صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أضرب: أولاً: اقتداء به في المعتقد وقد ضل فيه أهل الأهواء في العقيدة؛ كـ الخوارج والرافضة والأشاعرة والمعتزلة. ثانياً: الاقتداء به في السلوك وقد ضل فيه قوم؛ كضلال أهل الرهبنة من غلاة الصوفية وأمثالهم. ثالثاً: الاقتداء به في الأحكام وقد ضل فيه قوم من أهل السياسات الذين خالفوا فيها سياسته الشرعية. وربما ندخل على ذلك: الاقتداء بالأقوال، وقد ضل فيها بعض المتفقهة الذين جانبوا النصوص عن غير عمدٍ، وإنما تأول يؤجرون عليه أجراً واحداً، لكن لا يسوغ أن نقلدهم في خطئهم، كما بين ذلك شيخ الإسلام في رسالة رفع الملام عن الأئمة الأعلام: قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] ومعنى الآية: إن الأمر إذا أتى من الله عز وجل، ومن رسوله عليه الصلاة والسلام ظاهراً لا يقبل التأويل، أو لا يحتمل أوجهاً غير وجه واحد؛ فإنه لا يسع المسلم أن يميل عن الوجه الذي يقصده الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم.

الاتباع والتسليم دليل التصديق والمحبة

الاتباع والتسليم دليل التصديق والمحبة دعي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام ليفصل خصومة بين أنصاري والزبير، فذهب صلى الله عليه وسلم، ووقف على الماء فقال الأنصاري: {يا رسول الله! إن الزبير يحبس الماء عن مزرعتي، فأمر الزبير أن يترك الماء يمر على مزرعتي. فقال: يا زبير! اترك الماء حتى تروى مزرعتك، ثم أطلقه للأنصاري فغضب الأنصاري -وأتته نعرة الجاهلية، وتكلم مع سيد البشرية- وقال: أإن كان ابن عمتك؟!} لا إله إلا الله! أعدل وأبر أهل الأرض، وأخشى أهل الأرض يميل مع ابن العمة وابن الخالة! وهو الذي يعلنها صريحة أمام العالم من على منبره في المدينة: {والذي نفسي بيده! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها} قال الزهري: وحاشاها أن تسرق. لكنه العدل. وليته يوم قال الكلام كان صحيحاً؛ غير أنه ظلم وحاد. فغضب عليه الصلاة والسلام فقال: {يا زبير! اسقِ حتى يعود الماء إلى الجدر، ثم اترك الماء يمر} قال أهل العلم: أول كلامه صلى الله عليه وسلم كان صلحاً يصالح بينهما، والثاني كان حكماً أنزله الله على لسانه والحديث عند البخاري فنزل قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] فمن حكمك في لا إله إلا الله؛ فعليه أن يحكمك في كل مسألة أتيت بها؛ لأنك عدل لا تظلم عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. وقال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] قال ابن كثير، وابن جرير: نزلت هذه الآية في قوم ادعوا محبة الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] يا مدَّعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا إما شريعة مقدسة، واتباع خالد، وإلا فانتهاء وارتداد ونكوص عن الطريق المستقيم، ولذلك لم يقبل الله دعواهم ولم يرض قولهم، ولم يعجبه حبهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} [المائدة:18].

وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في الحث على التمسك بالكتاب والسنة

وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في الحث على التمسك بالكتاب والسنة قال الإمام مالك: بلغني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي} وهذا الحديث من بلاغات مالك بسند منقطع، وكل موطأ الإمام مالك موصول -كما قال ابن عبد البر - إلا ثلاثة أحاديث، منها هذا الحديث، فقد انقطع على ابن عبد البر، وهو جهبذ حاذق علامة، لكن أعيته الحيل أن يصله، فما وجد حبلاً يشدها إليها، فقال: ما وجدت ما أصل به هذه الآثار، منها هذا، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: {إني لأنسى لأسن} وفي لفظ: {إني لأنسى أو أنسى لأشرع} وهذه ضبطها ابن الأثير، (أُنسى) أي: أنه ينسيه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ليشرع والمقصود أن هذا الحديث ضعيف، لكن له شاهد عند الحاكم بسند صحيح، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يا أيها الناس! تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً؛ كتاب الله وسنتي} وعند الترمذي بسند ضعيف أيضاً عن جابر: {إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي} قال الخطابي: عترته صلى الله عليه وسلم يؤخذ منهم العلم، وقيل يقدرون ويوقرون، فهو من أسباب النجاة التي ينجو بها العبد: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23]. أما التمسك بالكتاب فمفهوم، لكن قوله: (عترتي أهل بيتي) معناه: أن تأخذوا العلم من علمائهم، وإلا فلو ضلوا فإنهم لا ينجيهم عند الله قربهم من الرسول صلى الله عليه وسلم. قال الله: {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124]. إذا فخرت بأقوام لهم شرف نعم صدقت ولكن بئسما ولدوا فعلم بذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بكتاب الله عز وجل وبسنته صلى الله عليه وسلم. قال العرباض بن سارية -وهذه ساعة الوداع، ولحظة من آخر لحظات الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو يريد أن يترك الدنيا بعد حياة السهاد والجهاد والجلاد والسهر، فأراد أن يودع أصحابه بكلمة من فيض القلب، ومن شجا الروح، قال: {جلسنا عند الرسول صلى الله عليه وسلم فوعظنا موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب}. بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفَّت مآقينا نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا أرانا الله وجهه وأجلسنا الله معه وبلغنا شفاعته وثبتنا على سنته ثم قال: {فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي} قال ابن تيمية: أمر صلى الله عليه وسلم باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده أمراً عاماً، ثم خصص كما عند الترمذي من حديث حذيفة فقال: {اقتدوا باللَّذَين من بعدي: أبي بكر وعمر} فلماذا عمم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالخلفاء الراشدين، وفي حديث حذيفة قال: {اقتدوا باللَّذّين من بعدي: أبي بكر وعمر} وذلك لأنهما الشيخان، وعلامتا الدنيا، وهما القائدان العظيمان. قال ابن تيمية رحمه الله في كتاب الجهاد: لأن أبا بكر وعمر لم يتأولا في الدماء، ولا في الأموال، وأما علي فتأول في الدماء، وعثمان تأول في الأموال، فكان أبو بكر وعمر أقرب إلى هديه صلى الله عليه وسلم وإلى سنته، وكلهم مأجور ومشكور، لكن الأمر المقيد هو بـ أبي بكر وعمر، والأمر المطلق بالخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم وأرضاهم. {فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ} وهي ما يقارب الثنايا من الأنياب، وهي أكثر عضاً على ما تمسك به: {عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة} وقد روى هذا الحديث أبو داود والترمذي بسند صحيح. وقال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} وفي لفظ: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} فالرسول صلى الله عليه وسلم يحرص دائماً على أن يربط بين الكتاب والسنة، فهو كما في حديث المقداد بن معد يكرب: {يوشك أن يأتي رجل شبعان ريان متكئ على أريكته، يقول: هذا كتاب الله، ما أحل فأحلوه، وما حرم فحرموه، وإني قد أوتيت الكتاب ومثله معه} قال الخطابي: معنى (أوتيت مثل الكتاب) أي: بما هدي به صلى الله عليه وسلم في الباطن ظهر به في ظاهر القرآن. وهذه الكلمة لم تتضح لي، ولكن يقول الشافعي: السنة مثل القرآن أو مثليه، على رواية: {أوتيت القرآن ومثله معه}. والمعنى الظاهر: أوتيت القرآن ومثل القرآن من السنة فإذا عُلم هذا فعلى المسلم أن يعلم أنه لا ينجو إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة، ويوم يترك الكتاب والسنة، أو يتخاذل في الالتزام بهما؛ ينهار قوامه، ويتردى سلوكه، وليس معنا من وصية نوصي بها إخواننا إلا الالتزام بالكتاب والسنة، ولكن على فهم الصحابة؛ لأن الخوارج يقولون هم ألزم الناس بالكتاب والسنة، والمعتزلة وضُلال الأمة والرافضة، بل الباطنية يرون أنهم من ألزم الناس بالمنهج الحق وأنهم أهل الطريقة المرضية، ولكن: والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء

أقسام الناس في تلقي الكتاب والسنة

أقسام الناس في تلقي الكتاب والسنة قال عليه الصلاة والسلام في حديث أبي موسى عند البخاري ومسلم: {مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث} ولم يقل صلى الله عليه وسلم: مثل المطر؛ لأن المطر إذا أطلق غالباً أطلق على العذاب، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [النمل:58] ولماذا قال: (مثل ما بعثني) ولم يقل: أرسلني؛ لأنه إذا ذكر المعتقد في الغالب ذكر البعث، وإذا ذكرت العبادات التفصيلية ذكر الإرسال. وقال: (مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم) فذكر العلم والهدى، مع أن العلم يشمل الهدى والهدى يشمل العلم؛ لأن الهدى هنا هو العمل، والعلم هو القول: واليهود أهل قول بلا عمل، والنصارى أهل عمل بلا اقتداء؛ ولذلك غضب الله على من تعلم ولم يعمل، وأضل الله من عمل بلا علم، قال الله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7]. فالرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين الطريقتين فقال: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً} قال القرطبي: إنما شبه صلى الله عليه وسلم -وهذا في فتح الباري - إنما شبه صلى الله عليه وسلم الوحي بالغيث بجامع وجه الشبه وهو الصفاء، والأمر الثاني أن الأرض تحتاج إلى الغيث، فحاجة القلوب إلى الوحي كحاجة الأرض إلى الغيث بل أحوج ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:16 - 17]. ثم عُلم من هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قسم الناس ثلاثة أصناف: قال: {فكان منها أرض طيبة نقية، قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أرض حبست الماء؛ فنفع الله بها الناس؛ فسقوا وزرعوا، وكان منها أرض إنما هي أجادب، لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من نفعه الله بما بعثني به، فعلم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به} وقد سبق شرح هذا الحديث، وشاهدنا منه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الناس ثلاثة أقسام: قسم استفاد وأفاد، وقسم استفاد ولم يؤثر، وقسم لا استفاد ولم يؤثر، وإنما هو كالخشب المسندة لا تعي ولا تعقل. فقل للعيون الرمد للشمس أعين تراها بحق في مغيب ومطلعِ وسامح عيوناً أطفأ الله نورها بأبصارها لا تستفيق ولا تعي أما ابن مسعود رضي الله عنه -كما في صحيح البخاري - يفتتح كلامه بقوله: إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. فالهدي عمل، والحديث قولٌ، فجمعت طريقته صلى الله عليه وسلم فصارت قولاً مهدياً مسدداً، وعملاً مرضياً متقرباً به إلى الله تبارك وتعالى.

حرص السلف على الاقتداء بسنته صلى الله عليه وسلم

حرص السلف على الاقتداء بسنته صلى الله عليه وسلم العنصر الثاني: حرص السلف الصالح على الاقتداء بسنته صلى الله عليه وسلم.

شرح قول البخاري: باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم

شرح قول البخاري: باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البخاري في الصحيح: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] قال البخاري: إماماً نقتدي بغيرنا، ويقتدي غيرنا بنا سبحان الله! ما أحسن كلام البخاري! كلام قليل لكنه كالكبريت الأحمر، وكالإكسير -إكسير الحياة- يأتي بالكلمة ويبوب لها، ولكنه يُعجز أذهان الجهابذة من العلماء أن يأتوا بمثلها ولذلك ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين لما جاء إلى كتاب البيع أتى بتبويب للمالكية والشافعية، ثم قال: وبوب عالم جهبذ بباب أذهل به المبوبين، ثم أتى بكلام البخاري فهو يسكت الناس بالتبويب، ويشرح الآيات شرحاً راقياً، رحمه الله رحمة وافية: سامحن بالقليل من غير عدل ربما أقنع القليل وأرضى وأبوابه قليلة لكنها درر، والدرر قليلة في العالم، وإنما أشير بذلك إلى العودة إلى الكنوز الأصيلة، والتخفيف من ضياع الوقت، أو التقليل من صرف الجهد في معلومات، أو مصادر للتلقي ليست أصيلة في منهجية المسلم، وفي حياته المرضية التي يريدها الله منه، كـ البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود، أهل الأصالة والعمق والريادة، والعلم الباقي الذي خلده الله لهم في الخالدين. يقول: وقال ابن عون وهو عبد الله بن عون، راوي البخاري ومسلم، وهذا الرجل كان يتمنى رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً، فسقط من درجة وقبل وفاته بليلة رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام ثم مات. يقول: ثلاث أحبهن لإخواني، وأوصي بها إخواني: هذا القرآن أن يقرءوه ويتدبروه، وهذه السنة أن يتعلموها، ويدعوا الناس إلى الخير. سلَّم الله حالك، ولا فض فوك، ما أحسن الوصايا. وقد أتى بها البخاري موقوفة على ابن عون رضي الله عنه.

حرص شيبة الحجبي على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم

حرص شيبة الحجبي على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم قال أبو وائل: جلست إلى شيبة الحجبي. وهو من عبد الدار فهو عبدلي، وهو صاحب مفاتيح الكعبة، أراد أن يغتال الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فأخذ خنجراً مسموماً، وسمه بالسم حتى أصبح أزرق اللون، وأراد أن يسطر أعظم جريمة في تاريخ البشرية، وأن يغتال أعظم رائد من رواد إنقاذ الإنسان إلى الله وإلى الدار الآخرة قال: فأخفيته تحت إبطي، فأتى صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فاقترب من شيبة، فأراد شيبة أن يوكزه بالخنجر، فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى شيبة ووضع يده عليه، وقال: {مالك يا شيبة؟ ماذا تريد؟ قال: أستغفر الله وأتوب إليه. قال: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم وضع يده على صدر شيبة، قال شيبة: والله ما رفعها إلا كان أحب الناس إلي} محاسنه هيولى كل حسنٍ ومغناطيس أفئدة القلوب وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل البيت في الفتح، وقال لـ شيبة: سلِّم المفاتيح، قال: المفاتيح عند العجوز -وأمه هذه كانت المسئولة عن المفاتيح، تنام وتقوم وهي معها- قالت: لن أعطيك المفاتيح، قال: يا أماه! والله الذي لا إله إلا هو إما أن تعطيني مفاتيح الكعبة أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري، ثم سل سيفه، فقالت: خذ المفاتيح فأخذها صلى الله عليه وسلم، فلما هزها بيده وفتح الباب قال العباس: يا رسول الله! أعطنا المفاتيح لنجمع بين السقاية وبين مفاتيح الكعبة. فقال عليه الصلاة والسلام: {لا. خذها يا شيبة! تالدةً والدةً فيك وفي ذريتك} فالمفاتيح لا زالت عندهم إلى اليوم. الشاهد: أنه فتح الكعبة لـ عمر وهو خليفة، فدخل عمر فرأى الذهب والفضة، ففكر، وكان كثير الفكر، متوقد الذهن، ميمون النقيبة، دائم الاستكشافات من ذهنه، يقترح دائماً؛ لأنه حي الإحساس، قوي العاطفة، مقترح جنَّد الأجناد، ودون الدواوين، ونظم الجيوش قال: لقد هممت أن أوزع هذه الثروة على فقراء المسلمين. قال شيبة: والله لا تفعل، والله لا تفعل، والله لا تفعل، قال: ولمه؟ قال: ما فعلها صاحباك. فنكص عمر وقال: هما المرءان يقتدى بهما. فما دام أنه قد ذكره بمحمد صلى الله عليه وسلم. وأبي بكر؛ فقد أوقفه عند حده، وإلا لو ذكره برجل آخر لبطحه أرضاً؛ لأن عمر يبطح الرجال، ويبطح الزعماء، لكن إذا أوقف عند محمد صلى الله عليه وسلم يقف.

قصة عمر مع ميزاب العباس

قصة عمر مع ميزاب العباس ويذكر أهل السير أن عمر رضي الله عنه خرج متلبساً قاصداً الجمعة، ومعه الدرة يخرج بها الشياطين من الرءوس، فهي علاج خاص لا يصرف إلا من صيدلية عمر، وإذا خرج بالدرة فخطر ممنوع الاقتراب، فأتى فرأى ميزاباً للعباس قطر عليه دماً، وكان قد ذبح قبل صلاة الجمعة دجاجة، فنزل الدم على ثياب عمر، وليس عنده إلا ثوب واحد، وهو خليفة المسلمين، وكنوز الدنيا تحت يديه. يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه فلما سال الدم على ثيابه ضرب الميزاب بالدرة فأوقعه على الأرض، ثم عاد إلى بيته فغسل الدم، وأتى العباس، فقال: من قلع الميزاب؟ قالوا: عمر. قال: والله الذي لا إله إلا هو! لقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده عمر فأخبره، فقال عمر: سبحان الله! أسألك بالله أوضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده؟ قال: إي والله. قال: والله الذي لا إله إلا هو لأتكئن لك على الأرض، ولتصعدن على ظهري، ولتردن الميزاب مكانه. فجلس عمر، وقام العباس على ظهره، ورد الميزاب مكانه وهذا كله إكرام لصاحب تلك العين؛ ومن أجل عين تكرم ألف عين.

عمر والوقوف عند كتاب الله

عمر والوقوف عند كتاب الله وكان الحر بن قيس من حفاظ كتاب الله، وكان دائماً عند عمر، وجلاس عمر هم حفظة القرآن، ولو كانوا صغاراً وشباباً، فأتى عيينة بن حصن بن حمل بن بدر، وهو من بني بدر، الذي يقول فيهم حاتم الطائي عندما ضرب زوجته فغضبت عليه وحلفت باللات والعزى لتذهبن عند أجمل بيوت العرب فقال لها: إن كنت كارهة معيشتنا هاتي فحلي في بني بدر الضاربون بكل معترك والطاعنون وخيلهم تجري فـ عيينة هذا كان منهم، لكنه لم يشبه آباءه، بل كان متخلساً متملقاً، دخل فطرق الباب على عمر، فخرج عمر وقال: من؟ قال: أنا الأكرم بن الأكرم بن الأكرم. قال عمر: كذبت يا عدو الله، بل أنت الأخس بن الأخس بن الأخس والأكرم بن الأكرم بن الأكرم هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق، ففتح له الباب -وليتها كفت- فجلس، وقال: هيه يا بن الخطاب، والله إنك ما تعطينا الجزل، وما تحكم فينا بالعدل. فقام عمر بالدرة يريد أن يؤدبه ويلقنه درساً لا ينساه حتى يموت، فأخذه الحر بن قيس وقال: يا أمير المؤمنين! إن الله يقول: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] فوقف عمر، وأنزل عصاه، وذهبت حرارته وتوقده وقد استدل بها البخاري بهذه القصة تحت هذا الباب، في مسألة التوقف إذا ذكر كتاب الله عز وجل، قال ابن عباس: [[وكان عمر رضي الله عنه وقافاً عند كتاب الله]].

النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله

النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله قال ابن أبي مليكة وقد كان رحمه الله مؤذن أهل مكة، ونسبوا له قصة في ترجمة الإمام مالك، وهي أنه كان يؤذن بـ مكة، وكان صوته جميلاً، فسمع بجانب المسجد مغنياً مطبلاً مزمراً يقول: صغيران نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم وهذا بيت لمجنون ليلى، يقول: يا ليته وليلى كانا يرعيان البهم، ولم يكبروا ولم تكبر البهم، ويلعب معها حياة الضياع والهيام والعشق، وجمع الطوابع والمراسلة، وصيد الدجاج والحمام فلما سمعها ابن أبي مليكة وكان قد وصل في الأذان إلى قوله: حيَّ على الفلاح، فقال: حيَّ على البهم وهو إمام معتبر، وقد ذكر البخاري أنه قال: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً لأنه كان يعظ الناس. قال: كاد الخيران أن يهلكا والخيران: أبو بكر وعمر؛ لأنهما رفعا صوتيهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] فرفعا أصواتهما، فلما أتاهما الخبر؛ قال عمر: والله ما كلمت الرسول صلى الله عليه وسلم إلا كأخ السرار. وهذا هو التوقف عند كتاب الله، وأخو السرار يعني: اللين، وعدم رفع الصوت وكان خطيب الأنصار ثابت بن قيس بن شماس يخطب بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما نزلت هذه الآية ذهب، فبقي في بيته يبكي صباح مساء، ليلاً ونهاراً، حتى قال صلى الله عليه وسلم: {يا معاذ! أين ثابت بن قيس بن شماس؟ قال: اعتزلنا يا رسول الله، ما ندري ماذا حدث له. فذهبوا إليه وقالوا: مالك؟ قال أنزل الله تلك الآية، وأنا أرفع صوتي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا المقصود بها، فأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: أخبروه أنه من أهل الجنة} وقد قتل ثابت بن قيس في اليمامة -وهو من أشجع شجعان الناس- في القتال مع مسيلمة الكذاب دهدهه الله في النار، وكان من المقاتلين المجدين الشهداء العباقرة قتل في سبيل الله؛ فكان من أهل الجنة والحمد لله. فالتقيد بكتاب الله عز وجل، وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بالتوقف، ولذلك ذكر بعض أهل العلم في كتبهم، كـ ابن عبد البر وأهل السنن قالوا: قام صلى الله عليه وسلم يوماً خطيباً فقال للناس: {يا أيها الناس اجلسوا} فسمع ذلك ابن رواحة وهو خارج المسجد فجلس رضي الله عنه في السكة، فقال له الناس: مالك؟ قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: اجلسوا؛ فجلست. وهذا هو الامتثال. ولذلك يأتي الباب الثالث الذي بوب له البخاري بقوله: النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله -وقد حصل في التبويب تقديم وتأخير- فالواجب الاكتفاء بالكتاب والسنة، وترك التكلف والتنطع، قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} [المائدة:101 - 102] وهذا التقدم بين يدي الله ورسوله هو الاقتراح كما يقول سيد قطب، وهو أن تعرض أموراً من عندك ومن ذهنك تريد أن تسيَّر بها الأمة، وهي ليست في الكتاب ولا في السنة فهذا ملغي، ولا يجوز، وهو أمر محرم، واستحداث في الدين. وسعيد بن المسيب دخل المسجد -وهذه القصة يصححها الشيخ الألباني وغيره- فدخل رضي الله عنه فوجد بعد أذان الفجر رجلاً من المسلمين يصلي ركعتين ويسلم ثم يصلي ركعتين ويسلم والسنة بعد أذان الفجر ألا يصلي إلا ركعتي الفجر، ثم صلاة الفجر، وهناك حديث يستدل به الزيدية، ويجعلون وقت بعد طلوع الفجر وقتاً سادساً من أوقات النهي، فقال سعيد بن المسيب: "يا فلان! لا تصلَّ إلا ركعتين، إني أخشى أن يعذبك الله. فقال الرجل -بسوء فهمه-: والله لا يعذبني الله لأنني أصلي له. قال: والله لا يعذبك الله لأنك تصلي له، ولكنه يعذبك لأنك خالفت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس العذاب لأنك تصلي، لكن العذاب لأنك خالفت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والعبادة تكون بلا زيادة ولا نقصان، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه}.

النهي عن كثرة السؤال

النهي عن كثرة السؤال يقول سعد بن أبي وقاص فيما رواه البخاري وغيره: [[إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته]] وهذا في عهد تنزيل الوحي، أما الآن فللإنسان أن يسأل. والإمام مالك يرى أن الحديث الصحيح الذي نهى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثرة السؤال، وإضاعة المال، وقيل وقال؛ أن المقصود بالسؤال هو السؤال عن الأغلوطات والتعجيز، أي: أن تعجز العلماء، فتسأل عن سؤال ليس بوارد، وفيه تعجيز للعلماء، وليس فيه نفع ولا فائدة، مثلما ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب أدب الدنيا والدين: أن رجلاً من العوام أتى إليه فقال: أخبرنا العلماء أن نجماً إذا ظهر بعد سهيل مات الذين في الأرض جميعاً، فهل هذا صحيح؟ قال ابن أبي الدنيا: فكرهت أن أكرهه بالجواب، أو أن أكفهر في وجهه بالجواب، فقلت: أتأمل المسألة وأجد لك جواباً. وهو يريد أن يتخلص منه. ولذلك تجد بعض الناس يسأل عن أمور وهو في حاجة ماسة إلى معرفة أمور دينه، مثل أن يسأل بعضهم: هل تدور الشمس حول الأرض أم الأرض حول الشمس؟ أو يسأل عن أطفال أهل الفترة، أو عن أطفال المشركين وغيرها من المسائل التي لا يعقد عليها كثير فائدة، ولا يستفاد منها لا في الدنيا ولا في الآخرة، والله لن يسألنا عن دوران الأرض حول الشمس، ولكن يسألنا عن دوراننا حول سنة محمد صلى الله عليه وسلم، فليدر المسلم حول سنته صلى الله عليه وسلم، وليترك الخزعبلات والتراهات التي تضيع عليه وقته، ولا تأتي هذه الأسئلة إلا من قلة العلم، أما العلماء وطلبة العلم والجادون في حياتهم فهم أضبط الناس أسئلةً. وقيل: كثرة Q هو أن يسأل في عهد الوحي فيُحرَّم شيء، لأن الناس كلما سألوا نزل حكم، والسكوت أحسن. وقيل: كثرة Q هو سؤال المال، كما ذهب إليه بعض المحدثين، ولكن هذا لا يتسنى؛ لأن سؤال المال مذموم قليله وكثيره إلا للحاجة. والصحيح: أن السؤال المنهي عنه هو السؤال عن الأغلوطات، أو عما لا ينفع في الدين.

النهي عن الغلو والتشدد في الدين

النهي عن الغلو والتشدد في الدين قال زيد بن ثابت: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليالٍ نصلي، وتنحنحنا ليلة لما نام صلى الله عليه وسلم عله أن يسمعنا، فلما أصبح الصباح قال صلى الله عليه وسلم: {إنه لم يخف علي مكانكم البارحة، ولكن خشيت أن تفرض عليكم فلا تستطيعوها} رواه البخاري ومعنى ذلك: عدم التقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاكتفاء بما أتى به صلى الله عليه وسلم. وأهل الحديث والفقه إذا ذكروا باب الاعتصام بالكتاب والسنة أتوا بعده بباب الاقتصاد في العمل، لأن بعض الناس إذا اعتصم بالكتاب والسنة حاول ألا يقصر فزاد؛ فيخرج من السنة، لأن بعض الناس يخرج من السطح، أو يخرج من السقف، فقد تجد بعض الناس يتشدد في تطبيق السنة حتى يخرج من السنة، أو يترك السنة حتى يجفو السنة، والمقصود: هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. يقول ابن المنير الزين شارح البخاري -وهو مغربي-: وقد رأينا ممن تشدد في تطبيق السنة من ترك السنة. ففي الأخير أودى به تشدده إلى ترك السنة، فتجده على قلامة الظفر، وعلى الشعرة، لا يتغاضى، ولا يعفو، ولا يصفح، ولا يتجاوز، ولا يهادن؛ وفي الأخير تجده يخرج عن السنة، وما أخرج الخوارج من السنة إلا تعمقهم وتنطعهم؛ حتى خرجوا من السنة. وبعض الناس لا يكتفي بالنوافل، بل يزيد ويرهق نفسه حتى يترك الفرائض، يقول ابن الجوزي كما في تلبيس إبليس عن الصوفية: يقوم أحدهم يصلي الليل كله فإذا اقترب الفجر نام، فنام عن صلاة الفجر، قال: وقد رأيت أحدهم يصلي الفجر في الضحى، فقلت: يا فلان، مالك؟ قال: قمت البارحة أصلي حتى قرب الفجر؛ فنمت عن صلاة الفجر سبحان الله! ككافلِة الأيتام من كد فرجها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي صلاة الفجر في جماعة أفضل من قيام ألف ليلة نافلة. وروى الإمام مالك في الموطأ أن عمر مر بأهل صفوان بن المعطل فقال: [[أين صفوان؟ قالوا: ولمَ؟ قال: ما صلى معنا الفجر. قالوا: قام البارحة حتى اقترب وقت صلاة الفجر فنام عنها. قال عمر: لئن أشهد الصلاة مع المسلمين جماعة أحب إلي من أن أقوم الليل كله]] هذا هو الفقه، وهذه هي المعرفة، وهذا هو الانضباط والاقتصاد في العمل لكن بفهم. وذكر الخطابي في كتاب العزلة قال: مررت بصوفي من غلاتهم وقد ألصق شيئاً على عينه فحجبها. -أخذ لصقة فحجب عينه- فقلت: مالك؟ قال: إسراف أن أنظر في الدنيا بعينين! والله يقول: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] وهو يقول: إسراف! فانظر إلى الجهل إلى أين بلغ به، ولذلك يمدح ابن الجوزي هؤلاء ويقول: فلان قام أربعين سنة فصلى صلاة الفجر بوضوء العشاء. أولاً: نسأل ابن الجوزي: من أخبرك أنه قام أربعين سنة؟ هل راقبه أحد ليل نهار أربعين سنة؟ وإن كان هو أخبر الناس فقد راءى بعمله، وإن كانت زوجته أو صديقه فما صدقوا؛ لأنه لا يمكن أن يكون أحد ملصوق به لا يفارقه لا ليلاً ولا نهاراً، ألم يحج؟ ألم يعتمر؟ ألم ينم؟ ألم يسافر؟! والأمر الثاني: هل هذا موافق للكتاب والسنة أم مخالف؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أما أنا فأقوم وأنام وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني}. ويأتي ابن الجوزي رحمه الله في صفة الصفوة ويقول: مر فلان بـ عسقلان في فلسطين فرأى رطباً على نخلة، فقال: يا رطب ما أشهاك! وما أحسنك! وما أدناك! والله لا أذوقك حتى ألقى الله، سبحان الله! لماذا ما أكلت الرطب، فرج الله عنك وعنا كل كربة؟ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل الرطب والخيار واللحم والعسل وهو أفضل الناس، وهل تركك للرطب يجعلك من العشرة المبشرين بالجنة؟! ويقول عن رجلٍ آخرَ عابدٍ لكنه جاهل، يقول: "الحمد لله، والله الذي لا إله إلا هو ما أكلت الرطب أربعين سنة فهل هذا فتح بدراً؟! أو رفع اللواء في حنين؟! أشرف الخلق عليه الصلاة والسلام أكل من هذا. وهذه التراجم إيرادها إنما هو من باب التشويه لبعض السير ولا تمر هذه إلا بتعليق: هل هي موافقة للكتاب والسنة أم لا؟ لأن بعض الناس أصابهم الفالج، وأصابهم اليبس، حتى ترك بعضهم الطعام -كما يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر - ثلاثين يوماً، قال: فأجبره العلماء على أن يأكل؛ فشرب شربة فوقعت كرش الماء على الحصى فمات سبحان الله! {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]. فلا بد من الاقتصاد ومعرفة السنة في ذلك؛ لأن بعض الناس يتوهم أن السنة معناها: أن تتبذل، وتضرب عن الطعام، وأن تعمل لنفسك أسابيع من التجويع، وتسهر، وتبتعد عن ملاذ الحياة، وأن تصبح كأنك في رهبنة، والرهبنة ليست بواردة، بل قد ذمها الله عز وجل فقال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27].

بعض الأمثلة على كثرة السؤال

بعض الأمثلة على كثرة السؤال أتى أعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم -وهذا من باب التعدي على الكتاب والسنة- فربط ناقته في وادي وأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أين ناقتي يا رسول الله؟ -ومن أدرى الرسول عنك وعن ناقتك؟! وهل بعث صلى الله عليه وسلم ليخبرك بناقتك وزوجتك وأطفالك؟! - فسكت صلى الله عليه وسلم، فقال: {أين ناقتي يا رسول الله؟ -هو يريد أن يسلم ويعرف هل الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب أم لا، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم، وسكت الأعرابي، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يستهديه ويتألف قلبه- فقال: ناقتك في الوادي الفلاني مربوطة بشجرة سلم -أو كما قال صلى الله عليه وسلم- فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله}. وأورد ابن كثير أثراً في كتاب الشمائل، يقول: {أتى أعرابي يبيع ضباً في السوق -رأس ماله الضب هذا- فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه -الرسول صلى الله عليه وسلم يستغل المناسبات في سوق عكاظ، وفي المجمع والنادي ومكان التجمع، فهو داعية يجوب كل مكان -قال: يا أعرابي! إني رسول الله إلى الناس، أسلم، واشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. قال: أنت رسول الله؟ قال: أنا رسول الله. قال: من أرسلك؟ قال: الله. قال: والله لا أسلم لك حتى يسلم لك هذا الضب. قال: فإن أسلم الضب أتسلم؟ قال: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم: يا ضب! أتشهد أني رسول الله؟ قال الضب: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله} والحديث في سنده نظر، لكن أورده البيهقي في الدلائل، وابن كثير في الشمائل. أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل لكن على كل حال؛ إنما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتألف قلب هذا الرجل حين قال: ناقتك مربوطة وإلا فهو عليه الصلاة والسلام ليس مسئولاً عن هذه الأسئلة. وفي صحيح البخاري، قال أنس: {سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكثروا عليه؛ فغضب؛ فجلس، فقال أبو حذافة: من أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك فلان. فجلس عمر على ركبتيه لما رأى غضب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً} وإنما غضب صلى الله عليه وسلم من كثرة الأسئلة التي ليس لها داعي، وإنما هي من باب التقدم على الكتاب والسنة، فأنزل الله في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة:101] فاسكتوا حتى يأتي القرآن والسنة، ثم سيبين لكم الأمر، ولا تتقدموا بين يدي الله ورسوله. قال الدارمي: ثبت بسند صحيح عن عمر أن عمرو بن العاص أتى إليه، فقال: يا أمير المؤمنين! معي في الجيش رجل يأتي إلينا فيسألنا، قال عمر: عن ماذا يسألكم؟ قال: يقول: يقول الله عز وجل: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} [الذاريات:1] قال عمر: هيه. قال: ويقول: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} [المرسلات:1] قال عمر: هيه. قال: ويقول: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:1] قال عمر: هيه. قال: فيقول الرجل: كيف يقول الله هناك (والذاريات) وهنا (والمرسلات) وهناك (والنازعات)؟ فأنصت عمر، وقال: علي بالرجل، يا عمرو بن العاص! لا يفوت الرجل، والذي نفسي بيده! لئن فات الرجل ليمسنك مني عقوبة عمر ما عليه من أحد كبير أو صغير، ما يحميه من العدل حامي فذهب عمرو وأتى بالرجل، وقد تهيأ له عمر بضيافة ما بعدها ضيافة، فهيأ له عراجين النخل، ورشها بالماء لتليق بجسمه أحسن، فقال عمر: أنت الرجل الذي يقول كيت وكيت، قال: نعم يا أمير المؤمنين، وما أردت إلا الخير. سبحان الله! ما أحسن هذا الخير! قال: ابطحوه أرضاً، فاعتلاه أمير المؤمنين، ثم ضربه وجهاً لبطن من نية وإخلاص لله عز وجل، يحتسب أجره على الله، فأغمي على الرجل فقال: رشوه بالماء، فرشوه بالماء فأفاق ولسان حاله يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله! قال عمر: ادنوه، فأدنوه فبطحه، قال: رشوه بالماء، فرشوه فأصبح، ومرة ثالثة فقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد دوائي فقد برئت والله انتهى المرض، علاج ما بعده علاج في غرفة عمليات عمر! ثم قال: احملوه إلى الجيش ولا يكلمه أحد. فحجزوا عنه الكلام، وأضربوا عن الحديث معه سنة كاملة، وبعد سنة قالوا: يا أمير المؤمنين! صلح حاله، أصبح مستقيماً على أمر الله. قال: اتركوه يحدث الناس. هذا التقيد بالكتاب والسنة: أما أن يتلاعب الإنسان ويأتي يخرص تخريصات، ويضلل الأمة، ويشوه معالم الكتاب والسنة بحجة الثقافة العامة فلا هذه قداسة {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] هذا دين خالد لا يقبل اللبس، ولذلك جاء في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا يزال الناس يسألون، حتى يقولوا: هذا الله، فمن خلق الله؟!} ومن وجد هذا في نفسه فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا يعبث بالكتاب والسنة، فإن معنى ذلك فتح الباب لكل مهرج وموسوس ومهلوس والعياذ بالله. وفي السير في ترجمة عمر: أن رجلاً أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسأله سؤالاً وقال: {يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف. قال صلى الله عليه وسلم: افعل ولا حرج} وهذا الحديث متنه في سنن أبي داود عن أسامة بن شريك قال: {يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف. فقال صلى الله عليه وسلم: افعل ولا حرج، فأتى الرجل إلى عمر وقال: يا عمر! سعيت قبل أن أطوف. قال: افعل ولا حرج. قال: صدقت، سألت الرسول صلى الله عليه وسلم قبل قليل فقال لي مثل ما قلت. فقال عمر: خررت من يديك، تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تسألني} ولو كان في غير حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لأدبه عمر تأديباً يردعه وأمثاله، وهذا فتح الباب للهلوسة والتخرص في دين الله.

مسائل في الاعتصام بالكتاب والسنة ومحاربة البدع

مسائل في الاعتصام بالكتاب والسنة ومحاربة البدع من المسائل التي بقيت: أن أبا بكر رضي الله عنه قال في خطبة خطبها: [[يا أيها الناس! إني متبع ولست بمبتدع]]. ومن المسائل التي تهمنا أيضاً: أن عداوة إبليس تصل بالعبد إلى الشرك، فإن لم يستطع فإلى البدعة، والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية في الغالب يتاب منها، والبدعة في الغالب لا يتاب منها، وهذا الكلام ينسب لـ سفيان بن عيينة: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية".

الهجر وتشويه المبتدعة

الهجر وتشويه المبتدعة وكان للسلف الصالح مناهج في محاربة البدعة، منها: ترك الكلام مع صاحبها، كما فعل سفيان الثوري مع ثور بن يزيد، فما كلمه حتى مات، ومنها: تشويه صورته أمام الناس، كما فعل واعظ بـ أحمد بن أبي دؤاد، فـ أحمد بن حنبل أحمدنا نحن، وأحمد المعتزلة وأهل البدعة أحمد بن أبي دؤاد، وكان كريماً قاضياً، لكن كرمه كان رياءً وسمعةً، كان يضيف الناس ويعطي الأعطيات، وكان يعطي في المجلس الواحد آلاف الدنانير، حتى يقول أبو تمام في أحسن قصيدة له: لقد أنست محاسن كل حسنٍ محاسن أحمد بن أبي دؤاد ِ وما سافرت في الآفاق إلا ومن جدواه راحلتي وزادي ولكن أتى أحمد بن أبي دؤاد وابتدع في دين الله القول بخلق القرآن، فكان الوعاظ ينهون عنه ويزجرونه، قال الإمام أحمد وهو يبتسم: "ما أحسن هؤلاء للعامة! يريد أن يندد بهؤلاء المبتدعة فمن مذاهب أهل السنة: التشهير بالمبتدع علناً إذا شهر ببدعته، كأن كتب في صحيفة، أو تكلم في إذاعة، أو كتب كتاباً، فواجب علماء السنة أن يردوا عليه، أما إذا سكت فيوصى في خاصة نفسه إذا لم يكن له تلاميذ وأتباع، ولا يشهر بالرد عليه؛ لأنه قد تأخذه العزة بالإثم وينحرف عن منهج الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

نشر السنة والفرح بها

نشر السنة والفرح بها ومن هدي أهل السنة: أنهم ينشرون السنة في مجالسهم، ويفرحون بنشرها، فقد رأى الإمام أحمد شيخاً مخضوب اللحية؛ فتبسم وفرح، وقال: إني لأرى الرجل يحيي شيئاً من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فأفرح بذلك. فثبته الله على السنة فصار إمام أهل السنة. وفي سكرات الموت تراءى له إبليس، فكان الإمام أحمد يقول: لا. بعد، لا. بعد، لا. بعد. أي: ما نجوت منك يا إبليس، فإن إبليس كان يقول: نجوت مني، كلٌ أدركت منه إلا أنت نجوت مني، فيقول الإمام أحمد: أخاف منك، وأتوكل على الله. فلما أصبح يردد (لا إله إلا الله) في سكرات الموت أخذوا يوضئونه، فكان يشير إلى لحيته، ويقول: خللوا لحيتي رحمك الله! وسقى الله عظامك شآبيب الرضوان، حتى تخليل اللحية في ساعة يذهل الولد عن والده، والزوجة عن زوجها، والحبيب عن حبيبه، لا تنسى هذه السنة، ويشير بأصابعه، أي: خللوا أصابعي؛ ولذلك رفعه الله مكاناً علياً بصدقه مع الله عز وجل.

أهمية تعليم السنة ونشرها

أهمية تعليم السنة ونشرها ومن مذهب أهل السنة: أنهم لا يرتضون بديلاً عن السنة في تدريسها مهما كانت الفائدة؛ لأنه قد يوجد في بعض الأماكن أن ترد على المسلمين مصنفات أو مؤلفات أو أطروحات أو خيارات؛ فيستعاض بهذه الكتب عن السنة، وهذا شيء خطير جد خطير، فينشأ ناشئة لا يعرفون السنة، ولا يعرفون الأحاديث يعرفون ثقافة عامة، لكنها ليست منضبطة بالسنة، فالذي أوصي به إخواني: أن يكون لهم جلسات مع إخوانهم وأهلهم وزملائهم يرددون كتب الحديث كما فعل السلف الصالح؛ الصحيحين، والسنن الأربع، ومسند أحمد، ورياض الصالحين، وبلوغ المرام، والترغيب والترهيب، ترديداً دائماً في كل مجلس لتحيا السنة، فإن حياة السنة مدارستها في الأوساط.

أصناف أهل البدع

أصناف أهل البدع ومما أريد أن أشير إليه في هذا المجلس أن المبتدعة أصناف: منهم مبتدع كافر ببدعته، لكن يسمى ويطلق عليه مبتدع، كما يكفر بعض الناس الذين قالوا بنقص القرآن، أو لعنوا عائشة، أو لعنوا الشيخين، وتبرءوا منهما، أو قالوا: إن جبريل خان الرسالة، فهؤلاء يكفرون بهذه المقالات وقد يفسق الرجل بالبدعة، فيبقى فاسقاً على بدعته؛ فيدخل النار على الأجناس لا على الأشخاص، لكن لا ندري هل يخلد أم لا، فإذا كان موحداً فلا يخلد وعلى كلٍ يصبح فاسقاً ببدعته، وهناك بدع طفيفة وبدع كبيرة، فالبدع الكبيرة مثل: بدع الخوارج والرافضة، والبدع الطفيفة مثل: بدع الأحكام العملية، كالأذكار والتسبيح، وهذه لها مباحث، وإنما مقصود الكلام: الاعتصام بالكتاب والسنة.

طرق الاعتصام بالكتاب والسنة

طرق الاعتصام بالكتاب والسنة والسؤال المطروح: ما هي طريقتنا للاعتصام بالكتاب والسنة؟ هناك ثلاثة طرق:

دراسة السنة وتعليمها

دراسة السنة وتعليمها أولاً: تدريسها وتعليمها، وتقريرها في مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا، وقيام الدعاة ببثها بين الناس، وإعادة الناس إلى المشرب الأول، مشرب محمد عليه الصلاة والسلام.

العمل بالسنة في الحياة

العمل بالسنة في الحياة ثانياً: العمل بها، وتطبيقها في دنيا الواقع، وعلى السلوك، والهدي، فقد ذكر عن الإمام محمد بن نصر المروزي أو غيره: أنه ما قرأ حديثاً من الأحاديث العملية إلا عمل به. وقيل عن الإمام أحمد: أنه كتب المسند أربعين ألف حديث بالمكرر، وقال: ما من حديث مما يعمل به إلا عملت به، قال له بعض تلاميذه: وحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس في الغار ثلاثة أيام؟ قال: جلست في غار بـ الكرخ ثلاثة أيام، يوم فتنة القول بخلق القرآن، ليقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم. يأتي ابن عمر بناقته في المشاعر في منى ومزدلفة فيميل بها ويدور بها، قالوا: مالك؟ قال: لعل خفاً يوافق خف ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا من شدة الحرص على اتباع السنة، وإلا فالأمور العامة ليست مطلوبة، لأنها تسمى عند أهل العلم أمور اتفاقية، مثل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل المدينة يوم الإثنين، فهذا اتفاق، ومثل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل أكلة في الضحى، أو خرج من مكة من أعلى مكة، لأن بعض أهل العلم يقول: هذه سنة، وبعضهم يقول: أمور اتفاقية. وقال ابن تيمية في ذلك: "كان عمر أعرف بالسنة من ابنه ابن عمر، فـ ابن عمر كان يصلي عند شجر كما في صحيح البخاري مثل عقبة هرشا، وشجرة كذا وكذا، وأما عمر فنهى عن الصلاة عند هذه الشجر، وقال: إذا أتت أحدكم الصلاة فليصل وإلا فليذهب. فـ عمر كان أبصر وأعلم؛ ولذلك قطع تلك الشجرة لأن هذه أمور اتفاقية، وهناك فرق بين الأمر الاتفاقي العام وبين الأمر المسنون الذي ورد عنه صلى الله عليه وسلم، ومقصود به الاتباع، فليعلم ذلك.

تبليغ الكتاب والسنة للناس

تبليغ الكتاب والسنة للناس ومن أمور الاعتصام بالكتاب والسنة: تبليغ الكتاب والسنة للناس، قال عليه الصلاة والسلام: {بلغوا عني ولو آية} وهي أمور سهلة، وفي سنن أبي داود عن عبد خير قال: أتى علي بن أبي طالب فصلى بنا، ثم خرج إلى الرحبة، فأتى بماء فتوضأ، ثم قال للناس: {هكذا رأيت رسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ} وتطبيق الوضوء للناس سنة، وتعليم هذه الأمور، لأنه قد يلقي الإنسان محاضرات ولكن ليس فيها امتثال ولا تطبيق ولا روح فلا تنفع، بينما لو طبق مسألة كأن يصلي أمام الناس، أو يتوضأ أمامهم، كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام بأصحابه؛ لكان أجدى وأنفع، وهذا هو الأمر المطلوب في تبليغ السنة، وهو اليسر في تبليغها للناس، وهذا عهد من الله وميثاق أخذه على طلبة العلم، قال الله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] هذا باب الاعتصام بالكتاب والسنة، وأحسن من كتب عن هذا الموضوع لمن أراد أن يتوسع: الشاطبي في كتاب الاعتصام، وشيخ الإسلام في المجلد العاشر والحادي عشر، ومجلد الجهاد في الفتاوى، وابن القيم في زاد المعاد، والإمام البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، والقرطبي، وغيرهم من أهل العلم الذين كتبوا كتابات طيبة ومفيدة يحسن الرجوع إليها. ولكن قد ترد بعض الأسئلة، مثل من يقول فعل بعض الصحابة أفعالاً ما فعلها صلى الله عليه وسلم؟ وهذا سؤال مطروح، وقد ناقشه الشوكاني في إرشاد الفحول، وغيره من العلماء، والفعل إذا فعله الصحابي وقد خالف الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا لا يلتفت إليه أبداً، وإذا فعل الصحابي فعلاً ودل عليه عموم؛ فإن هذا أمر اجتهادي من الصحابي قد يخطئ وقد يصيب، وإذا فعل الصحابي فعلاً وفعل صحابي آخر فعلاً ولم يتضح وجه السنة من فعليهما فهو أمر كذلك اجتهادي، ولكن على كل حال؛ الشوكاني وأبو زهرة لا يأخذون باجتهاد الصحابي إذا كان له اجتهاد خاص، مثل أقوال ابن عباس التي ينفصل بها في الفتيا، وهذا له مبحث، ولكن أريد أن أبين أن بعض الشواذ من أفعال الصحابة لا يقتدى بها، مثل: أن ابن عمر كان يغسل داخل عينيه في الوضوء حتى عمي، ومثل ما جاء أن ابن مسعود كان يصلي وسط الصف، يجعل جماعة عن يمينه وأخرى عن يساره ويكون الإمام في الوسط. ويطبق بين كفيه في الركوع ويجعلهما بين ركبتيه ومثل: أن أبا هريرة كان يتوضأ إلى المنكب أو إلى الإبط، وهذا لم يفعله صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من الأفعال التي شذت من بعض الصحابة، فهذه لا يلتفت إليها، وندعو لهم، ونقول: هم مأجورون على كل حال، ولكن الرسول هو القدوة، ولا بد لأفعالهم من أدلة من الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن أفعاله صلى الله عليه وسلم لا تفتقر إلى أدلة؛ لأنها دليل بذاتها. وربما نسمع في الأسئلة ما خفي علينا في هذا الدرس، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم كشف الطبيب على المرأة

حكم كشف الطبيب على المرأة Q هل يجوز للطبيب أن يكشف على المرأة؟ A يجوز للطبيب أن يكشف على المرأة بثلاثة شروط: أولها: ألا توجد طبيبة مسلمة. ثانيها: أن يكون هذا المرض يدعو ضرورةً إلى كشف الطبيب فلا يكون زكاماً ولا من الأمراض المعهودة، فدائماً تكشف وجهها أو قفاها، فهذا ليس بوارد ولا يجوز ذلك، وقد أخلت بالأدب وبدين الله، وانتهكت حدود الله، فلا بد من ضرورة ملحة تدعو لكشف الطبيب. الثالث: وجود المحرم معها في المكان الذي يكشف عليها الطبيب، فلا ترسلها على بركة الله وتنتظرها بعد ثلاث ساعات، فهذا خطأ، ولا يجوز أن يخلو بها الطبيب إلا ومحرمها معها ابنها أو زوجها أو أخوها أو أبوها، أو أي شخص من محارمها.

حكم حلق اللحية

حكم حلق اللحية Q ما حكم حلق اللحية؟ A حلق اللحية حرام بالإجماع، ومن ترخص فيه فإنما اتبع هواه، وقدوته في ذلك بيجن وريجن وبوش، أما محمد صلى الله عليه وسلم فربى لحيته، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فليختر هؤلاء أو هؤلاء، وهناك أدلة دلت عليها كقوله صلى الله عليه وسلم: {خالفوا المجوس} {أطلقوا اللحى} {ربوا اللحى} {قصوا الشوارب} {احفوا الشوارب} {جزوا الشوارب} كلها ألفاظ منضبطة تقرب من خمسة ألفاظ.

حكم استماع الأغاني

حكم استماع الأغاني Q ما حكم الاستماع إلى الأغاني؟ A يحرم الاستماع إلى الأغاني، ويحرم كذلك أن يغني الإنسان، أو يكون نجماً فناناً ويترك الدراسة، ويذهب يأخذ عوداً وفرقةً، فهذا يصبح ضائعاً في الدنيا والآخرة، فحرام فعله، وحرام أن يستمع الغناء؛ لأدلة كثيرة، وقد بسطت في أكثر من مناسبة، وإنما أجيب بجمل جامعة.

حكم اختلاط الأقارب

حكم اختلاط الأقارب Q ما حكم اختلاط الأقارب؟ A المحارم يختلطون، لكن الأقارب التي يقصدها الأخ: كالحمو -أخي الزوج- أن يختلط بزوجة أخيه، فهذا أمر محرم، وهو منتشر في بعض المناطق، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الحمو؟ فقال: {الحمو الموت}.

حكم كشف الخادمات على أهل البيت

حكم كشف الخادمات على أهل البيت Q ما حكم كشف الخادمات لأهل البيت؟ A كشف الخادمة على الرجال الأجانب من أهل البيت وغيرهم لا يجوز، لأنها أجنبية وهم أجانب، ولا يسوغ كونها خادمة في البيت أن يكشف عليها، وهذا أمر منتشر، وقد أورث ذلك فاحشةً كبرى، نسأل الله لنا ولكم الطهر والسلامة.

كيف نرد على الغزالي في نقده لشباب الصحوة

كيف نرد على الغزالي في نقده لشباب الصحوة Q الغزالي تعرض لشباب الصحوة ببعض الأمور النقدية، فكيف نرد عليه؟ A أولاً: الغزالي سبق في الدرس الماضي أن وقفنا معه دقائق، والرجل هذا مفكر مسلم لا ينكر ذلك ولا يدفع، وقد رد عليه كثير من طلبة العلم والمشايخ والعلماء، ومن أحسن الردود: رد الشيخ سلمان العودة عليه في الكتاب والمطبوع الموجود في الأسواق وفي الأشرطة، ورد الطحان بمقالة لكنها سهلة يسيرة، إنما أشار إلى بعض الجمل، ورد بعض الإخوة كالشيخ عبد الوهاب بن ناصر بشريط مجيد في هذا الباب، ورد بعض المحاضرين ممن أعرفهم بردود مكتوبة يريدون طبعها، ولكن على كل حال الرجل سحب على وجهه وقفاه حتى ما يدري أين القبلة، لأنه أراد أن يفتح باباً فما أغلق عليه، والحقيقة أن الأمور والمسائل التي لوحظت عليه -كما مر معنا- وقد ذكرت من بعض المسائل: تقديم العقل على النقل، والتردي في الأسماء والصفات، والحجاب وما قال فيه، ورد الأحاديث الصحيحة بالرأي، والاستهزاء بشباب الصحوة والمستقيمين وما في حكمها، وعباراته النابية التي لا تليق به، وقوله أن المرأة تشارك في الحكم والبرلمان إلى غير ذلك. أما مسألة أهل الصحوة فإنه بمناسبة أو بغير مناسبة يأتي إلى اللحى والثياب، حتى إن أحد المشايخ أوقفه في مكة وقال: أسألك بالله يا الغزالي هل سألناك وناقشناك في اللحى؟ قال: لا ما ناقشتموني، قال: نسألك بالله هل الرسول صلى الله عليه وسلم كان مربياً للحيته وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟ قال: نعم. قال: نسألك بالله هل الأصل التربية أو عدمها؟ قال: الأصل التربية. قال: نسألك بالله الذي يدعو إلى الأصل هو المصيب أو الذي يدعو إلى غير الأصل؟ قال: المصيب هو الذي يدعو إلى الأصل. فلذلك ما أدري هل أتاه موقف اعتراضي مع بعض الشباب، أو ضرب في مكان، أو نزل من سيارة، أو طرد من مطعم، فأخذ يأخذ على الشباب دائماً ويقول: أهل تطرف وأهل تزمت. والحمد لله انظروا إليهم ما أحسن أخلاقهم! وما أحسن سيماء الإيمان في وجوههم! ملئوا الدنيا بالقرآن والإيمان والفهم، أيريد الغزالي أن يتخلى الشباب عن السنة؟! يريد أن يطبق الشباب مثله في السنة؟ أن يقول: صوت هذا المقرئ كصوت فيروز! أو يريد أن يسهر الشباب على شادية -إن كانت تابت تاب الله عليها- أو يريد أن يكون وردهم ورد أم كلثوم؟! أو أم يحلقوا لحاهم حتى لا يعرف هل أتوا من مكة أو من باريس أو من واشنطن؟! أو يسربلوا ثيابهم حتى نقول: الإسلام يتطور مع الزمن وليس فيه تعقيد ولا تزمت! هذا ليس بصحيح، ونسأل الله أن يهديه سواء السبيل، فإنه لو أبصر ما أبصرنا وما عشنا مع إخواننا وشبابنا شباب الصحوة لرأى ما يثلج الصدر ويرفع الرأس. لكن أبشر هذا الكون أجمعه أنا صحونا وسرنا للعلا عجبا بفتية طهر القرآن أنفسهم كالأسد تزأر في غاباتها غضبا عافوا حياة الخنا والرجس فاغتسلوا بتوبة لا ترى في صفهم جنبا شاب يقوم الليل، ويصوم النهار، ويبر والديه، وينشر الدعوة، أهذا ينتقد عليه؟! لماذا لا توجه هذه التهم لأهل العربدة، ومروجي المخدرات، وباعة المجلات الخليعات، وأهل الصفير والزفير والشهيق والتشجيع، الذين كسروا على رءوسنا الشجر والزجاج والنوافذ؟! لماذا لا يرد عليهم؟! أما هؤلاء الشباب فلا يعقل. وقد تكرر هذا السؤال كثيراً، وكلمني بعض الإخوة في مثل هذه القضية لكن ما نريد أن نثير على الناس، وقد أتاه ما يكفيه، والذي نسأل الله أن يغفر لنا وله، وأن يتجاوز عنه، وإنه يدعى وإنا ندعوه أن يكتب كتاباً، أو يقول مقولة يتبرأ فيها مما فعل فقد أخطأ، والله هو المحاسب والموعد، فإنه قد أخطأ كثيراً مع شباب الإسلام، نسأل الله لنا وله المغفرة؛ لأن الرجل له حسنات، ونحن أمرنا أن نكون شهداء على الناس، وأن نكون عادلين في الحكم، ولا يحملنا شنآن الأقوام على التشفي بأعراضهم، فله حسنات، ومن حسناته أنه رد على الشيوعيين في وقت ما كان ينبس أحد من الناس بكلمة، وقام على كثير من الطغاة كـ عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وأمثالهما فشلحهم على المنابر تشليحاً، ومنها: أنه وجه الفكر وأتى بدرر من بنيات فكره فتح الله فيها عليه، ومنها: أن الرجل لا ينكر أنه مفسر وخطيب ومتكلم، لكن ما كل من قصد شيئاً أصاب فيه، ولا كل من أراد أمراً يترك لهذا الأمر؛ حتى يقوَّم بالكتاب والسنة. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وصية ابن تيمية

وصية ابن تيمية شيخ الإسلام ابن تيميه هو أحد العلماء الذين بذلوا أنفسهم لخدمة هذا الدين، ولإعلاء كلمته على جميع الأديان، فقد قام بنشر العلم بين المسلمين، وقد تخرج على يديه الكثير من العلماء الذين خدموا الدين بكتبهم ومؤلفاتهم العديدة، فمنهم ابن القيم وابن كثير والذهبي وغيرهم من العلماء ممن تعلموا على يديه، وقد كان المفتي الأول في زمانه والمرجع لكثير من العلماء، وقد كتب له أحد علماء المغرب رسالة يطلب فيها أن يوصيه بما فيه صلاح دينه ودنياه، وأن يدله على كتاب يعتمد عليه في علم الحديث، وأن يدله على أفضل الأعمال بعد الواجبات، وأن يرشده إلى أفضل المكاسب، فكتب له وصية جامعة، وفي هذا الدرس شرح لهذه الوصية.

التعريف بشيخ الإسلام ابن تيمية وبعض صفاته

التعريف بشيخ الإسلام ابن تيمية وبعض صفاته الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، أمَّا بَعْد: فعنوان هذه المحاضرة، وصية ابن تيمية: شيخ الإسلام، ابن تيمية يشاركنا جلستنا هذه الليلة، ويتحفكم بهدية. أبو العباس ابن تيمية البطل المجاهد الزاهد العابد، العلامة النحرير، الكاتب العبقري. ابن تيمية يهدي لكم هدية، ويوصي كل مسلمٍ في هذه الليلة، وصية ولسان حال ابن تيمية يقول: أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم وحمّلها جُهد المُحب وإنه ليضعف عن حمل القميص ويألمُ لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتنا إن غبتمُ أو حضرتمُ من هو ابن تيمية؟ بين يدي الآن المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، التي شريناها وما قرأناها، إلا القليل. الفتاوى التي فيها ما هو أغلى من الدنيا، وأغلى من الذهب والفضة. فيها المنهج الرباني، والفهم السلفي الصحيح للعقيدة، وفهم الكتاب والسنة. في المجلد العاشر في الصفحة (653) يسأله سائلٌ عن مسألة ويجيب عليه ابن تيمية، لكن قبل أن أذكر السؤال، وأذكر وصية ابن تيمية، أقف دقائق مع شيخ الإسلام. أنا لن أترجم له فقد ترجم له الأئمة، والذين ترجموا له من العلماء وصنفوا فيه أكثر من ستين عالماً، وشيخ الإسلام مجدد، حتى إن بعضهم تجاوز القنطرة فقال: ابن تيمية ليس مجدد مائة سنة، بل مجدد ألف سنة. تقدم شاعراً فيهم خطيباً ولولاه لما ركبوا وراءه أحد المستشرقين يقول: وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض -يعني: ديناميت- فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن. والديناميت كتب حياة، ليست الثقافة السخيفة، أو الكتابات الميتة، كتابات البيع والشراء، عليها حقوق الطبع محفوظة، وليس فيها حفظ ولا فهم، ولا وعي ولا شيء يستفاد منه، ولكن من أراد أن ينظر إلى الإبداع والروعة، وإلى العبقرية، والإشراق، وإلى الفهم، فليطالع كتب ابن تيمية. يقول ابن القيم: كان شيخنا يكتب في اليوم كراريس. ماذا يفعل ابن تيمية؟ يصلي الفجر ثم يجلس في مصلاه يقرأ ويردد سورة الفاتحة حتى يرتفع النهار، ثم يلتفت إلى تلاميذه ويقول: "هذه غدوتي -يعني: فطوره، غدوته الروحية- ولولاها لسقطت قواي، ثم يأخذ القلم، فيمتشقه ويسله فيكتب مما أعطاه الله بدون مرجع ولا شيء، مرجعه ما أعطاه الله في رأسه، يطالع في الآية الواحدة أكثر من مائة تفسير ثم لا يعجبه ما كتب المفسرون، يقول: فأمرغ وجهي في التراب وأبكي وأقول: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني. فيعلمه معلم إبراهيم، ويفهمه مفهم سليمان، فيأتي بعلم ما سمع به الأولون ولا الآخرون. كان يلوي رجلاً على رجل، ويكتب كراريس في يوم، كتب التدمرية، من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، وقررت علينا في أصول الدين فرسب كثيرٌ منا، لأن اسمها التدمرية تدمر كل شيء بأمر ربها، كتبها في ساعة، ودرست في سنة، وشرحها الأساتذة والدكاترة، وامتحن فيها، ومع ذلك ما أفلح الكثير، وما فهمها الكثير، ابن تيمية كان متصلاً بالله، ليس عنده أحد. دخل الإسكندرية والسيوف مصلتة في الشارع، يريدون ذبحه، قالوا: يا ابن تيمية خفف، عُد عن أقوالك، لأنه كان يهاجم المبتدعة القرامطة والباطنية والرافضة والملاحدة والذين خالفوا السياسة الشرعية، ويقولون: كلهم أعداؤك يريدون ذبحك، فيتبسم ويقول: تهددوني بالناس، والله كأنهم الذباب، وينفخ في كفه. لأنه اتصل بالله عز وجل، ولذلك كان قوي الإرادة. وابن دقيق العيد عالم القرن السادس، لما رأى ابن تيمية يتدفق من العلم، قال: رأيته يغلق عينيه ويتكلم، فلما فتح عينيه وسلم عليه ابن دقيق العيد، قال له: والله ما أرى أن الله يخلق مثلك، فغضب ابن تيمية من هذه الكلمة، لكن ابن دقيق العيد رأى شيئاً أذهله، رأى رجلاً يتفجر بالعلم، يجلس مع علماء الأصول، وعلماء النحو، والتوحيد، والمنطق، والفقه، والفرائض، فيشبع كلاً من علمه، وما أتى له رجلاً ينافسه إلا غلبه، وذلك بالحجة والبرهان. كان خطيباً ومفتياً، وواعظاً وزاهداً، ومجاهداً.

من صفات شيخ الإسلام ابن تيمية

من صفات شيخ الإسلام ابن تيمية أخذ السيف يوم وقعة شقحب، وهكذا هم علماء أهل السنة أتى التتار يزحفون كالجبال على العالم الإسلامي، فلما وصلوا إلى مشارف دمشق، خرج ابن تيمية خطيباً في الناس فجمعهم في دمشق في رمضان، وأخذ كوباً من الماء أمام الناس، وقال: يا أيها الناس! أنا مفطرٌ فأفطروا، فأفطر الناس، وقال: خذوا السلاح، فأخذوا السلاح، ودخل على السلطان، وقال: انزل قاتل: قال: السلطان أخاف أن يغلبني التتار -والتتار قد اجتاح العالم الإسلامي، وجاءوا من الصين مثل الجراد، ومن سيبريا لا يمرون بشيء إلا اقتلعوه وأزالوه، أخذوا مكتبة دار الحكمة ودمروها في النهر ومشوا بالفرسان والخيول على الكتب داخل النهر، دخلوا البيوت فجعلوها قاعاً صفصفاً- قال السلطان: لا أستطيع، قال: والله لتنصرن، قال: قل إن شاء الله، قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، قال: واستل سيف السلطان من يده وقال: أنت حامي شريعة محمد عليه الصلاة والسلام انزل وقُد الناس، فأنزله، وأخذ ابن تيمية يقرأ سورة الأنفال والناس يبكون من قراءته، ووقف في المعركة عليه الثياب البيض، وهو آخذ بسيفه، فكان يضرب به فتتطاير شظايا السيف وتتكسر على رءوس التتار. وكان من أقوى الناس جسماً، السبب: كثرة الذكر وكثرة الاتصال بالله عز وجل، معه وجبة في اليوم هذا إن لم يكن صائماً. يقولون: إنه كان يأكل رغيفاً من الخبز وخيارة، وربما أكل اللحم في الأسبوع مرة، لكن ذكره هو الذي قوّاه بإذن الله، ولكن نحن ما فعلت لنا الكبسات؟! لا شيء. عددنا اليوم مليار والحمد لله، وإسرائيل ثلاثة ملايين وقد لعبت بنا شرقاً وغرباً حتى إننا نراها في المنام. خرج ابن تيمية وقال: لننتصرن وحضر معركة شقحب وانتصر المسلمون بإذن الله. وكان ابن تيمية عابداً في الليل، يقول: أما الليل فقد جعلته لربي، ينام بعد العشاء قليلاً ثم يقوم يصلي إلى الفجر. وكان وجهه عليه نور. ولم يتزوج ابن تيمية لكن الله يقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]. حتى لا يأتينا شاب اليوم ويقول: أنا لا أتزوج لأن ابن تيمية لم يتزوج، نقول له: إن الله أرسل محمداً عليه الصلاة والسلام ولم يرسل ابن تيمية، وابن تيمية من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، ولابد أن ننظر في ذاك. وقد ورد أن الإمام أحمد قال لأحد الشباب: لماذا لا تتزوج؟ قال: ما تزوج إبراهيم بن أدهم، قال: أوه!! وقعنا في بنيات الطريق!! الله يقول: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] وعلى كل حال، الله أعلم بالسبب. وميراث ابن تيمية هي كتبه، وقد ألف أكثر من ثلاثمائة مصنف، كل مصنف يشترى بالدماء، ولو كتب بالدم أو بماء الذهب ما أنصفه لأن كتبه مثل الذهب الإبريز، ولذلك يهاجمه النبهاني والنبهاني هذا أعمى القلب والبصر، صوفي ضال، يقول: أما كتب ابن القيم وابن تيمية فلم يرزقها الله القبول، ولا انتشرت في الأرض. فتصدى له محمود الألوسي، وقال: أفكتبك وكتب أشياخك هي التي رزقت القبول، لا والله، لقد رزقت كتب ابن تيمية وابن القيم القبول في الدنيا، وإنها كالعسل المصفى، والذهب الإبريز، أما كتبك وكتب أشياخك فتصلح أحذية للناس. ومخالٍ يوضع فيها الشعير للحمير. أما هذه الكتب فنورٌ على نور، وقد جابت العالم، والآن في أمريكا تترجم فتاوى ابن تيمية، ووالله كما أخبرنا علماؤهم أنهم ذهلوا منها في الاجتماع والتربية، كيف يتكلم هذا في الاجتماع؟ من الذي فتح عليه إلا الله الواحد الأحد. هو الفتاح. {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] كانت يديه دائماً مرفوعة إلى السماء يسأل الواحد الأحد. دخل على ابن قطلوبك فقال ابن قطلوبك: يا ابن تيمية! يقول الناس: إنك تريد ملكنا، قال: هيه ملكك!!، والله ما ملكك وملك آبائك يساوي عندي فلساً واحداً، إني أريد جنةً عرضها السماوات والأرض. وترجمة ابن تيمية طويلة جداً وهو عظيمٌ عظيم يقول المزي -من زملائه وتتلمذ عليه-: ما أعرف قبله بأربعمائة سنة مثله، ونحن نقول ما جاء من عهد ابن تيمية وقد توفي عام (728) إلى الآن مثله، واقرءوا التاريخ إن شئتم، ولا نغالي في الرجال، لكن نحب هذا الرجل حباً عجيباً. ونسأل الله أن يرينا وجهه في الجنة، وأن يجمعنا به في دار كرامته، إنه على كل شيءٍ قدير.

وصية شيخ الإسلام ابن تيمية

وصية شيخ الإسلام ابن تيمية جاء عالمٌ من علماء المغرب -حاجاً- يريد البيت، فمرَّ على دمشق؛ لأنه يسمع بـ ابن تيمية، وابن تيمية ذكره في أسبانيا وفي بلاد الإسلام، فوصل هذا العالم، والعلماء يقولون: كان العلماء إذا وصلوا إلى ابن تيمية أصبحوا تلاميذه فإنك شمسٌ والملوك كواكبٌ إذا ظهرت لم يبدُ منهن كوكبُ فوصل هذا العالم، فلما رأى ابن تيمية كتب له سؤالاً يقول فيه: الشيخ الإمام بقية السلف وقدوة الخلف، أعلم من لقيت بباد المشرق والمغرب -ونقول له: حتى لو ذهبت الشمال، أو الجنوب فلن تجد مثله، ولا القارات الخمس- قال الذهبي فيما ينقل عنه: كان أبوه نجماً في العلم -يعني مثل النجم- وكان جده قمراً، أما ابن تيمية فكان شمساً: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء:12]. ذاك نجم وهذا قمر، وهذا شمس، وإذا أتت الشمس، ذهب القمر والنجم. قال السائل: أن يوصيني بما يكون فيه صلاح ديني ودنياي، ويرشدني إلى كتابٍ يكون عليه اعتمادي، في علم الحديث، وينبهني على أفضل الأعمال الصالحة بعد الواجبات، ويبين لي أرجح المكاسب. -علمني بمكسب يكون منه رزقي ودخلي، لأن الإسلام جمع بين الدين والدنيا، علمني هل أكون نجاراً أو خشاباً، أو مزارعاً، أو بائعاً، ما هي أفضل المكاسب يا شيخ الإسلام - ويقول: كل ذلك على قصد الإيماء والاختصار. يقول: انتبه يا ابن تيمية! لا تسهو من قلمك، فتملأ لنا الصفحات وتكتب مجلداً في هذه الوصية؛ لأن ابن تيمية إذا نسي نفسه ذكر من العلم الكثير وكتب في المسألة الواحدة مجلداً كاملاً. وقد أتاه يهودي بثمانية أبيات ينتقد فيها الشريعة وكان ذلك بعد صلاة الظهر، فقرأ ابن تيمية الأبيات، ثم لف الورقة وجعلها في جيبه، ثم أخرج دفتراً كبيراً وكتب فيه مائتين وأربعين بيتاً، وهي موجودة. يقول الذهبي: كانت عين ابن تيمية كاللسانين الناطقين من الذكاء والعبقرية، حتى يقول شاعر اليمن في ابن تيمية: وقاد ذهنٍ إذا سالت قريحته يكاد يُخشى عليه من تلهُبِهِ فيقول السائل: يا ابن تيمية اختصر لنا في الإجابة، فالرجل مسافر وعالم ويريد أن يعود، فاكتب كلاماً بسيطاً قال: "والله تعالى يحفظه" -يعني يحفظ ابن تيمية - "والسلام الكريم عليه ورحمة الله وبركاته" فأجاب ابن تيمية فقال: "الحمد لله رب العالمين" -لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ورد عنه أنه قال: {كلُ أمرٍ ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله، فهو أبتر} وفي لفظٍ: {بذكر الله} وفي لفظٍ: {باسم الله} وقد ضعفت بعض الروايات لكن في مجموعها تصل إلى درجة الحسن، فهو دائماً يستفتح بحمد الواحد الأحد، وهي مناسبة جيدة، فإنه يحمد الله على نعمة العلم والفهم، ونعمة الفقه في الدين. ومن هديه عليه الصلاة والسلام في الخطب -كما مر معنا- أنه كان يستفتحها بالحمد لله، والرسائل بالبسملة، فكأن ابن تيمية يخطب الآن بقلمه فيقول الحمد لله رب العالمين، ويقف ويضع نقطة. أما الوصية: فسوف يفصلها شيخ الإسلام كما وردت في السؤال يقول: الوصية الأولى: أوصني لصلاح ديني ودنياي. الوصية الثانية: أرشدني إلى كتاب أقرأ فيه، يكون عليه اعتمادي في علم الحديث. الوصية الثالثة: نبهني على أفضل الأعمال الصالحة بعد الواجبات. الوصية الرابعة: أرشدني إلى أفضل المكاسب التي أستغلها في كسب رزقي، أو ما يدر علي الخير من المكاسب.

تقوى الله وأهميتها

تقوى الله وأهميتها قال: الحمد لله رب العالمين، أما الوصية، فما أعلم وصيةٍ أنفع من وصية الله ورسوله لمن عقلها واتبعها، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] هذه وصية الله، التي أوصى الله بها في كتابه، وأوصى بها الرسول عليه الصلاة والسلام في سنته، فلا وصية لله أعظم من وصيته بالتقوى، أن اتقوا الله، وهي وصيته للأولين والآخرين. قال ابن القيم في كتاب الفوائد: قال سليمان عليه السلام: تعلمنا مما تعلم الناس، ومما لم يتعلم الناس، فما وجدنا كتقوى الله، فإذا أردت أن توصي حبيبك أو ابنك أو جارك، فأوصه بتقوى الله. وما هي تقوى الله؟ علماء أهل السنة يعرفونها: يقول طلق بن حبيب: تقوى الله، هي: أن تعمل الحسنة على نورٍ من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك السيئة على نورٍ من الله، تخشى عقاب الله. ويقول ابن تيمية: تقوى الله هي: العمل بالمأمور وترك المحذور. ويقول علي بن أبي طالب: تقوى الله: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. الخوف من الجليل: الذي لا أجل منه، فمن لم يخف الله فليس بمتق، والعمل بالتنزيل: بالكتاب والسنة، والرضا بالقليل: من الدنيا، والاستعداد ليوم الرحيل. وعرفها بعض علماء أهل السنة فقالوا: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية. ثم قال ابن تيمية: "ووصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما بعثه إلى اليمن ". معاذ بن جبل علامة الصحابة رضي الله عنه وأرضاه، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل} وفي حديثٍ سعد: {يأتي معاذ أمام العلماء يوم القيامة برتوة} برمية حجر، يعني يمشي معاذ أمام العلماء برمية حجر، وتوفي معاذ وعمره اثنتان وثلاثون سنة فقط، وكل هذا العلم في اثنتين وثلاثين سنة، وهو مجاهدٌ وزاهدٌ وعابد، وداعية اليمن، كان يحبه عليه الصلاة والسلام كثيراً، صلى معه العصر فلما خرج من صلاة العصر، أخذ الحبيب عليه الصلاة والسلام أصابعه فأشبكها في أصابع معاذ وقال: {يا معاذ! والله إني لأحبك -ما أحسن الكلمة تصور أن الرسول عليه الصلاة والسلام يصلي بك العصر، ثم يمسك بيدك ويقول والله إني لأحبك- قال معاذ: والله إني لأحبك يا رسول الله! قال عليه الصلاة والسلام: يا معاذ! لا تدع في دبر كل صلاةٍ أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك} وهذا الحديث صحيح، رواه أبو داود وغيره، كان يحبه عليه الصلاة والسلام كثيراً، ولو أنه أخذ عليه بعض المواقف. مثل تطويله بالناس عندما صلى بهم في صلاة العشاء بسورة البقرة، والأنصار كانوا أهل عمل، يحرثون من الصباح إلى المساء، لا يقيلون ولا يرتاحون. {وأتى رجل كدَّ على جمله يسقي نخله إلى صلاة المغرب، فلما دخل في صلاة العشاء، ومعاذ مرتاح يطلب العلم يحضر الدروس ويقرأ، فظن أن مستوى الناس مثله، فبدأ يقرا في سورة البقرة، وانتظر الرجل، وانتظر وانتظر وفي الأخير قطع الصلاة وصلى أربع ركعات، وذهب إلى البيت، قال معاذ: أين فلان؟ قالوا: ترك الصلاة وصلى وحده. قال: منافق} ولما سمع الرجل أراد أن تكون المسألة خفيفة، لكن ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في الصباح، وأخبره، وقال: معاذ طول بنا حتى تركنا صلاة الجماعة، فدعاه صلى الله عليه وسلم وغضب عليه وقال: {أفتانٌ أنت يا معاذ! أفتانٌ أنت يا معاذ!!} قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {من صلى منكم بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف والكبير وذا الحاجة}. والتخفيف هنا نسبي، لأن في سنن أبي داود بسندٍ صحيح عن عمرو بن سلمة، قال: {يا رسول الله! اجعلني إمام قومي، قال: أنت إمامهم واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً} يعني اقتد بالضعيف من الناس، ولا تنظر إلى الشباب ففي الناس شيوخ معك في الصلاة، ومن الناس من عنده حاجة ووراءه ضيوف، وارتباطات، وفي الناس طفل صغير، وفيهم مريض، لكن هذا التخفيف نسبي. فلا يجعلها تخفيفاً، حتى كأنها التمارين الرياضية فلا تستطيع أن تلحقه، في الركوع ولا في السجود، فهذا ليس بصحيح، بل الوسط هو السنة. قال شيخ الإسلام، وهو يعرض وصيته، ووصى بها: يعني تقوى الله وصى بها النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما بعثه إلى اليمن، وكان مبعث معاذ إلى اليمن في التاسعة، وقيل في العاشرة، بعد غزوة تبوك، بعثه عليه الصلاة والسلام معلماً وقال: {إنك تأتي قوماً أهل كتاب -واسمعوا يا دعاة الإسلام إلى منهج الدعوة- فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليم زكاةً تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، واتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} وفي لفظٍ: {وإياك وكرائم أموالهم} والحديث متفقٌ عليه، لكن الشاهد هنا، قوله صلى الله عليه وسلم لـ معاذ: {اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} هذا الحديث حسن، رواه الترمذي وغيره، وابن تيمية يفيض في هذا، وقد خرج عن الإجابة قليلاً، وقد قال له السائل أوجز واختصر، ومع ذلك أوجز واختصر، ولكن نسي، أحياناً يتعرض لمسألة فيكتب فيها خمسين صفحة!! وكلها علمٌ منقح ليس فيها إنشاء، ولا كلام ملفف، كلها علم مؤصل مبني على قواعد، فلذلك أسهب قليلاً بقلمه، ثم انطلق يتكلم عن الوصايا. ثم قال: أما بيان جمعها -يعني جمع هذه الوصية- اتقِ الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. والعبد عليه حقان، حقٌ لله تبارك وتعالى، وحقٌ للناس. والحق الذي لله، كأنه يقصر فيه، فقال: {اتقِ الله حيثما كنت} وقوله: {حيثما كنت} أي: في أي مكان، في السر والعلن، فإنك تحتاج لتقوى الله، أحوج من الماء البارد، أو من الهواء، والذي لا يتقي الله يصيبه الخذلان كثيراً، وتضل أموره، حتى أنه ما تعكر أمرٌ ولا عسر ولا منع رزقٌ ولا جفت عينٌ ولا قسى قلبٌ إلا بالمعصية، أحد السلف يقول: أنظر كل يوم في المرآة هل أسود وجهي من الخطايا أم لا؟ وهو من التابعين الكبار. ويقول أبو سليمان الداراني: والله إني أعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وامرأتي. حتى الدابة ما توافقك، بل الحذاء إذا ما ركب لك فكأنه من الذنوب والخطايا!! فإنها تقلقل حال العبد، واضطراب حال العبد من قلة تقواه لله عز وجل. قال: "فيمكن أن يقصر في التقوى، ومن منا معصوم، فالمتكلم والسامع أهل ذنبٍ وخطيئة. من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه قال شيخ الإسلام، وهو يعرض وصيته رضي الله عنه وأرضاه، ووصى به: يعني هذه تقوى الله وصى بها النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما بعثه إلى اليمن، كان مبعث معاذ إلى اليمن في التاسعة، وقيل في العاشرة، بعد غزوة تبوك، بعثه عليه الصلاة والسلام معلماً وقال: {إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم -اسمعوا يا دعاة الإسلام اسمعوا إلى منهج الدعوة- فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليم زكاةً تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، واتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} وفي لفظٍ: {وإياك وكرائم أموالهم} والحديث متفقٌ عليه، لكن الشاهد هنا، قوله صلى الله عليه وسلم لـ معاذ: {اتقِ الله حيث ما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} هذا الحديث حسن، رواه الترمذي وغيره، وابن تيمية يفيض في هذا، وقد خرج عن الإجابة قليلاً، يعني نسي الوصية وقد قال له السائل أوجز واختصر، مع ذلك أوجز واختصر، ولكن نسي، أحياناً يتعرض لمسألة فيكتب فيها خمسين صفحة!! كلها علمٌ منقح ليس فيها إنشاء، ولا كلام ملفف، الإسلام دين عدالة، ودين قوة، ودين تآخي ودين كرم، لا، كلها علم مؤصل مبني، فلذلك أسهب قليلاً بقلمه، نسي نفسه، ثم انطلق يتكلم عن الوصايا. ثم قال: أما بيان جمعها -يعني جمع هذه الوصية- اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن، والعبد عليه حقان، حقٌ لله تبارك وتعالى، وحقٌ للناس. والحق الذي لله، كأن يقصر فيه، فقال: {اتقِ الله حيثما كنت} وقوله: {حيثما كنت} في أي مكان، في السر والعلن، فإنك تحتاج لتقوى الله، أحوج من الماء البارد، أو من الهواء، والذي لا يتقي الله يصيبه الخذلان كثيراً، وتظل أموره، حتى ما تعكر أمرٌ ولا تمشكلَ أمرٌ ولا منع رزقٌ ولا جفت عينٌ ولا قسى قلبٌ إلا بالمعصية، أحد السلف يقول: أنظر كل يوم في المرآة هل وجهي أسود من الخطايا أم لا؟ وهو من التابعين الكبار. ويقول أبو سليمان الداراني: والله إني أعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وخلق امرأتي. حتى الدابة ما توافقك، بل الحذاء إذا ما ركب لك فكأنه من الذنوب والخطايا!! يعني تقلقل واضطراب حال العبد من قلة تقواه لله عز وجل، قال: فيمكن أن يقصر في التقوى، ومن منا معصوم، فالمتكلم والسامع أهل ذنبٍ وخطيئة: من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للمذنبين

معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للمذنبين وعند مسلم في الصحيح مرفوعاً: {والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ آخرين يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم} وعند الترمذي بسندٍ حسن: {كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون} كلنا أهل خطيئة، ومن أقسم أنه ما أذنب فقد كذب وافترى على الله؛ لأن ابن تيمية يقول: والذنب كالحتم على العبد، مكتوب عليه أن يذنب، لكن يستغفر ويعود إلى الله، فلما علم عليه الصلاة والسلام، أن العبد سوف يخطئ لا محالة، قال: {وأتبع السيئة الحسنة تمحها} إذا فعلت سيئة فافعل حسنة قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]. وسبب نزول هذه الآية كما في الصحيح، أن رجلاً من الأنصار، نظر إلى امرأة -مجرد نظر- فذهب يبكي ويولول إلى محمد صلى الله عليه وسلم، انظر إلى الأبطال، وانظر إلى من عرفوا طريقهم إلى الله، أخطأ خطأً فشكى حاله إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو مستعد أن يتحمل أي شيء من أجل التطهر من هذه السيئة إما النظرة أو القبلة، ولو ذهبت نفسه من أجل ذلك. والمرأة تزني وتأتي إلى محمد عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح فتقول: طهرني فترجم بالحجارة حتى تموت وتغمس في أنهار الجنة. وماعز يقول: طهرني يا رسول الله! فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد ألا يعترف، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يفضح الناس، يقول كما عند الحاكم بسندٍ حسن: {يا أيها الناس! من ابتلى منكم بهذه القاذورات فليستتر بستر الله} فمن السنة أنك إذا ابتليت ببلاء فاستتر وتب إلى الله، فأتى ماعز من أمامه فاعترف بالزنا، فولى الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه لا يريد أن يفضح الناس، ويقول: {ادرأوا الحدود بالشبهات} وهو حديث حسن، فأتى ماعز من على اليمين فكلمه، فمال الرسول صلى الله عليه وسلم عن اليسار برأسه، فأتى من يساره فكلمه. فقال في الرابعة: {أبك جنون؟ قال: لا، قال: استنهكوه -يعني شموه هل هو سكران قد شرب خمراً؟ - قالوا: ما به بأس، قال: هل أحصنت؟ قال: نعم، فأمر به فرجم، فقال: صلى الله عليه وسلم رأيته في الجنة} أو كما قال، إلى غيرها من القصص. {وجاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يشكو قال: قبلت امرأة فماذا عليَّ؟ قال عليه الصلاة والسلام: لا أدري ما هي الكفارة} والرسول عليه الصلاة والسلام قال في حياته، لا أدري ثلاث مرات، يقول: {لا أدري تبعٌ نبيٌ أو لا} والحديث صحيح، {ولا أدري هل هو ذو القرنين أو لا} {وهل الحدود كفارات أم لا} ثلاث لا أدري، وصححها كثير من علماء السلف وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني وهو من المتأخرين، قال علي بن أبي طالب: [[من فاتته لا أدري أصيبت مقاتله]] وقالوا: من أجاب الناس على كل سؤال فهو مجنون. ولا أدري نصف العلم، فعليك بلا أدري إذا لم تعرف، وما عليك من غضب الناس، فإذا سئلت في مجلس، أو في مجمع، وأنت لا تعرف فقل: لا أدري، اسألوا العلماء. فهنا الشاهد قال صلى الله عليه وسلم: لا أدري!! فأنزل الله عليه بعد ساعات: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] فدعا الرجل وتلا عليه هذه الآية وهذه فتوى، قال له: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] قيل: صلاة الفرائض، وقيل: تنفل في أول الليل وفي آخره، قال: علي هذه -يا رسول الله- خاصة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {بل لأمتي إلى يوم القيامة}. بشرى لنا معشر الإسلام إنا لنا من العناية ركناً غير منهدمِ لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأممِ جئنا متأخرين في آخر الزمن ولكن أول من يدخل الجنة من الأمم أمة محمد صلى الله عليه وسلم {سمع موسى يوم أسري بالرسول عليه الصلاة والسلام، بأجور الأمة المحمدية، فقال: يا رب! اجعلني من أمة محمد -منافسة في الخير لما رأى الأجور- قال يا ليتني من أمة محمد} والحديث صحيح. وصح عند النسائي وأحمد، أن عمر وجد ورقة صفراء في مدراسٍ لليهود -عليهم غضب الله؛ فهم ممن خالف شرع الله فاستبشر بها؛ لأن العرب أمة أمية، ليس عندهم أقلام، ولا مكتبات، ولا صحف، ولا جرائد ولا مجلات، ولا أشرطة، أمة من الصحراء: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:2]. وفي الحديث: {نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب} فاستبشر بها عمر فقال: سأعطيها الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: خذ يا رسول الله! ورقة من التوراة وجدتها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغير وجهه، حتى كأن حب الرمان فقئ في وجهه من الغضب، ونظر إلى عمر وقال: {أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! أمتهوكون؟ -يعني: متساقطون في الشريعة- وقيل: أفي شكٍ أنت!! والذي نفسي بيده! لو كان موسى حياً، لما وسعه إلا اتباعي، أما أتيتُ بها بيضاء} يعني: لا نحتاج إلى شرائع من الثقافات ولا إلى علم من غير الكتاب والسنة، وقد فصلا كل شيء من لا إله إلا الله، إلى إماطة الأذى عن الطريق. وكيفية الاستنشاق والاستجمار، والمضمضة، وكيف تعفي لحيتك، وتأخذ شاربك، وتقلم أظفارك، وتحلق عانتك وإبطك، وبعدها نقول: نريد ثقافة حتى نتوسع في العلوم!! هذه شريعته عليه الصلاة والسلام، والشاهد أنه لابد للعبد أن يذنب، ولكن الحسنات يذهبن السيئات؟

الخلق الحسن

الخلق الحسن قال ابن تيمية: "وحق لعباده" ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {وخالق الناس بخلقٍ حسن} فما تعريف الخلق الحسن؟ قال الإمام أحمد: الخلق الحسن: ألا تغضب، والصحيح أنه لابد للإنسان أن يغضب لأنه لا يوجد أحد لا يغضب. يقول الشافعي: من استغضب فلم يغضب فهو حمار، يعني إنسان تنتهك محارم الله أمام عينيه، ولا يغضب بل هو حليم ما شاء الله، ويتبسم، ويقول: أعطانا الله حلماً، فنقول: بل هذه بلادة وغباوة، وإذا لم تغضب في هذا الوضع فمتى تغضب؟! والغضب ما يطلب إلا هنا، لكن لو أن أحداً أخطأ عليه بخطأ واحد، فهل ترى من حلمه شيئاً؟! وبعضهم كثير الغضب، يشتعل، فلو قلت له كلمة غضب سريعاً، حتى قال عليه الصلاة والسلام -في الصحيح- لـ أبي ذر، وقيل لغيره لما قال له: أوصني {لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب} فالغضب هذا من أبواب الشيطان في دخوله على العبد. والخلق الحسن، قالوا: وجهٌ طليق، وكلامٌ سهل. وقالوا: هو بذل الندى وكف الأذى. وقالوا: هو أن تعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك. وهذا يروى في حديث عنه عليه الصلاة والسلام، لكن في سنده نظر: {إن الله أمرني أن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني} وقد طبقه عليه الصلاة والسلام في حياته، فوصل من قطعه، وعفا عمن ظلمه، وأعطى من حرمه. وأما في الحديث الصحيح، فيقول عليه الصلاة والسلام في البخاري: {ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها} أما أنك تصل من وصلك فما فعلت شيئاً، أنت مكافئ بالحساب، وبعضهم يقول: لم يصلنا فلان فلا نصله، ولم يزرنا فلا نزوره ولم يعزمنا فلا نعزمه، وما أدانني قبل أربع سنوات، والله لا أدينه، وما شهد لي شهادة زور، والله لا أشهد له شهادة زور، ولكن لو شهد له شهادة زور، لشهد له شهادة زور. إذاً أيها المسلمون، هذا جماع الخلق الحسن، قال سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. فما هو الخلق العظيم؟ قال مجاهد: [[الدين العظيم]] ومن العجيب أن هذا خلقه صلى الله عليه وسلم في الدين والمعاملة والاعتقاد، والأحوال والصفات.

مكفرات الذنوب

مكفرات الذنوب ثم قال ابن تيمية واستطرد في الجواب وأسهب، لكني آخذ رءوس الجمل، ولب الإجابة بلفظه إن شاء الله. قال: "وينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات، فإنه أبلغ في المحو، والذنوب يزول موجبها بأشياء" أي: يقول: ينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات، مثل ماذا؟ مثل إنسان كان يستمع الغناء، فكيف يكون المكفر له إذا تاب؟ أن يكثر من سماع القرآن والأشرطة الإسلامية، وإنسان كان ينظر إلى الحرام فعليه أن يكثر النظر في المصحف! وإنسان كان يجالس البطالين والعاطلين والفجرة فعليه أن يكثر من مجالسة الصالحين، هذا مقصود ابن تيمية، فإنها أبلغ في المحو وتزول بإذن الله الواحد الأحد. قال: والذنوب يزيل موجبها بأشياء -وقد عدها في عشرة مواطن، وألقيتها في درس اسمه (مكفرات الذنوب العشرة) وقد ذكر العشرة المكفرات- قال أحدها التوبة: فإن التوبة كما صح عند مسلم: {تجب ما قبلها} فإن الله عز وجل يغفر ذنوب العبد إذا تاب وأناب ولو كانت ذنوبه ملء السماء والأرض، لكن إذا صدق في التوبة وأخلص، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] وقال: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. ولكن من أصر على صغيرة فهي كبيرة، ويخشى عليه، ولذلك ورد عن بعض الشعراء أنهم أصروا على الصغائر، وقد لامَ كثيرٌ من العلماء مجنون ليلى الذي يقول في بيتٍ له: أتوبُ إليك يا رحمن مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوبي وأما من هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوبُ أستغفر الله! يقول: كل شيء أتوب منه، إلا ليلى هذه، فقالوا: إن كان ثبت عنه ما يقول، فهو من الذين أصروا على الذنب وهم يعلمون، ولا ينبغي للعبد أن يصر على ذنب، وتجد بعضهم يصر على صغيرة من الصغائر، تناصحه فيقول: لا أستطيع تركها، وهذا هو الإصرار بعينه، والذي يُخشى على العبد هو أن تأتيه المنية وقلبه معقودٌ على الذنب والخطيئة، فيهلك والعياذ بالله! قال: والثاني مما يمحو الذنوب والخطايا: الاستغفار، وإن كان من غير توبة، فإن الله تعالى قد يغفر له إجابة لدعائه وإن لم يتب، فإذا اجتمعت التوبة والاستغفار فهو الكمال. فانظر ما أحسن الكلام! إنه كلام محسوب، وكلامٌ عجيب، لا يأتي به إلا مثل ابن تيمية يقول: قد ينفع الاستغفار بلا توبة، لإنه دعاء، وقد يغفر الله لك ولو لم تتب، لكن بقولك: أستغفر الله والاستغفار له فوائد ثلاث: الأولى: ألا يقدم الله هلاكك في الدنيا، يقول جعفر الصادق: لو نزلت صاعقةٌ من السماء؛ لأصابت كل عبدٍ إلا المستغفر، لأن الله يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33]. الثاني: أنها متاع حسن في الجسم والولد، قال سبحانه: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود:90]. الثالث: أنها زيادة في المال والولد، قال نوحٌ عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10 - 12] هذه فائدة الاستغفار. قالوا: لـ خالد بن معدان الزاهد العالم الكبير، كم تستغفر في اليوم؟ قال: مائة ألف إن لم تخطئ الأصابع، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال: {يا أيها الناس استغفروا الله وتوبوا إليه، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة} وفي رواية: {مائة مرة}. الثالث: من المكفرات التي تكفر الذنوب: الأعمال الصالحة: فوضوءك، وصلاتك، وذكرك لله واستغفارك، ودعاؤك، وحضورك مجالس العلم، واستفادتك من طلبة العلم، وحبك للصالحين، ودعاؤك بالسحر، وقيامك لليل، وصدقتك، كلها كفارة، ولن يهلك على الله إلا هالك، لأن أبواب الخير عدة الأنفاس، ولكن من يعمل؟ ثم مضى في المكفرات حتى أتى إلى كفارة المجامع في رمضان، والمظاهر، والمرتكب لبعض محظورات الحج، أو التارك لبعض واجباته، وذكر أنواع الكفارات، وهي أربعة أجناس: هديٌ وعتقٌ وصدقةٌ وصيام، ثم أسهب في هذه الأمور. والسائل لا يريد هذا. لكن يقول ابن القيم: لام بعض الناس شيخنا أنه يسهب في الجواب، ولكنه يريد نفع السائل، بهذا العلم، لأن السائل قد تخفى عليه أمور، فيريد ابن تيمية أن ينفعه، وهذا منهج الرسول عليه الصلاة والسلام. عند الخمسة، ومالك والشافعي وابن أبي شيبة، بسندٍ صحيح: أن سائلاً أتى فقال: {يا رسول الله! إنا نركب البحر، وليس معنا إلا الماء القليل، فإن توضئنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟! فأجابه عليه الصلاة والسلام وقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته}. هل يستطيع أحد أن يجيبك بمثل هذه الكلمة: هو الطهور ماؤه الحل ميتته، عرفها بمعرفتين، واختصرها في ثلث سطر، وبعضهم شرحها في مجلد، والله عز وجل ذكر مثل ذلك في القرآن، يقول سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ} [البقرة:189] أهل قريش يقولون: يا محمد! كيف يبدو الهلال صغيراً ثم يكبر ثم يصغر! هذا أسئلة تافهة مثل أسئلة الأطفال وليست أسئلة عقلاء، فهل تنتظر من القرآن أن يقول: يكبر الهلال، لأن الله يكبره ثم يصغر لأن الله يصغره، لا، بل أجاب بجواب الحكيم عند أهل البلاغة، وجواب الحكيم عند أهل البلاغة أن يسمع السؤال، فيجيبه بجوابٍ لسؤالٍ آخر قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ} [البقرة:189] يعني كيف يبدو الهلال صغيراً ثم يكبر ثم يصغر، فقال: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189] يقول: لماذا لم يسألوا. ما الفائدة من الهلال؟ ولماذا يسألون عن كبر الهلال وصغره؟! فـ ابن تيمية استطرد ليفيد السائل، لكن نحن في عجالة وفي درس موجه للناس، فنريد أن نأخذ الجمل التي على السؤال نفسه، لنربطه بالعنوان إن شاء الله. قال: "وجماع الخلق الحسن مع الناس أن تصل من قطعك -ومر هذا بالسلام والإكرام والدعاء له، والاستغفار والثناء عليه والزيارة له- وتعطي من حرمك -من التعليم والمنفعة والمال- وتعفو عمن ظلمك في مالٍ أو دمٍ أو عرض، وبعض هذا واجبٌ وبعضه مستحب". وهذا قليلاً ما يطبق في المجتمع، ولا يطبقه في المجتمع إلا واحد في الألف، أما بقية الناس فبالمقاصة، يقولون: من نكد علينا؛ نكدنا عليه، ومن سبنا سببناه، ومن قاتلنا قاتلناه، ومن أخذ مالنا أخذنا ماله، وهذا ليس هو الأفضل، بل الأفضل: أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك، وقد فعلها محمد عليه الصلاة والسلام. وابن تيمية نفسه فعل ذلك، وقد ذكروا عنه أنه بشر بموت أحد حساده لما توفي فدمعت عينا شيخ الإسلام، وقال: تبشروني بموت مسلم! قوموا بنا نعزي أهله، ثم ذهبوا إلى أهل ذاك العدو لـ ابن تيمية فعزوا أهله، فبكى أطفال ذلك العدو لما رأوا ابن تيمية، وقال: أنا أبوكم بعد أبيكم!! وهذا هو تطبيق الإسلام قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] ويذكر ابن كثير وأمثاله -استطراداً- على هذه الآية، أن هارون الرشيد، كان عنده مولى يصب عليه الماء، وكان الماء حاراً، فصب عليه الماء، فسقط الإناء بحرارته من يد الرجل، على هارون الرشيد -الذي يعرفه الناس شرقاً وغرباً، فقد كان يملك ثلاثة أرباع البلاد الإسلامية ويجبى إليه الخراج، حتى إنه وقف على قصره في بغداد، ورأى سحابة فقال: امطري حيث شئت فإن خراجك سوف يأتيني، إن ذهبت إلى المغرب فـ المغرب في دولته، وإن ذهبت إلى الهند، فـ الهند في دولته، فكلها في دولته فاذهبي حيث شئت فإن زكاة الحبوب والثمار الذي نبت بسببك سوف يأتيني إن شاء الله، هذا هارون الرشيد - فعندما سقط عليه الإناء وهو حار التفت مغضباً إلى غلامه، فقال الغلام: والكاظمين الغيظ، قال: قد كظمته قال: والعافين عن الناس، قال: عفوت عنك، قال: والله يحب المحسنين، قال: أعتقتك لوجه الله. وهذه مواقف جيدة من سيرهم الطيبة، فهم لمعٌ في الإسلام، وهم أهل دين واستقامة، ولو أن فيهم بعض الأمور، لكن على كل حال. هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا

أفضل الأعمال

أفضل الأعمال قال ابن تيمية: وأما ما سألت عنه، من أفضل الأعمال -وبدأ يجيب عن الفقرة الثانية، بعد صفحات - قال: "وأما ما سألت عنه من أفضل الأعمال بعد الفرائض، فإنه يختلف باختلاف الناس، وصدق رحمه الله، فإن بعض الناس يناسبهم الذكر، وبعضهم الصيام، وبعضهم الجهاد، وبعضهم الإنفاق في سبيل الله، وبعضهم التعليم، وبعضهم نفع الناس، إلى غير ذلك من الأعمال، ولذلك لابد أن تعرف مستويات الناس، وترشد كل إنسان لما يصلح نفسه، كما فعل عليه الصلاة والسلام. عندما جاءه عبد الله بن بسر -كما في سنن الترمذي بسند صحيح- عبد الله شيحٌ كبير عمره فوق السبعين، فقال: {يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ فدلني على شيءٍ أتشبث به -وقد جاء بعصاه متوكئاً عليها، منحني الظهر، أبيض اللحية والرأس، فماذا تتوقع أن يقول له الرسول عليه الصلاة والسلام؟ يقول: عليك بقيام الليل، وهل هذا يقوم الليل، أو عليك بالجهاد في أفغانستان لا- قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} هذا هو جوابه، فإذا رأيت الشيوخ الكبار، والعاجزين والمرضى فقل لهم: عليكم بذكر الله. {جاءه غيلان الثقفي -وكان قوي البنية- وكان عنده تسع نسوة، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعاً، وأن يطلق سائرهن، فقال: دلني على عمل؟ قال: عليك بالجهاد في سبيل الله} لأن هذا فارس، يذبح القوم وهو بطل، يستحق هذا المستوى، وجاءه عليه الصلاة والسلام أبو أمامة فلما رآه قال: {عليك بالصيام} وجاؤه أبو ذر، قال: {أوصني قال: لا تغضب}. لأن أبا ذر يغضب، رضي الله عنه وأرضاه وكانت فيه حده. وجاءه رجلٌ من أهل اليمن فقال له صلى الله عليه وسلم: {أعندك من والديك أحد قال: أمي في اليمن، قال: ماذا تريد؟ قال: أريد الجهاد في سبيل الله. قال: ففيها فجاهد} وأصل الرواية في الصحيحين بلفظ:: {ففيهما فجاهد} وعند النسائي: {أمسك رجلها فإن الجنة عند رجلها} أيترك والدته تموت جوعاً وعرياً في البيت ويذهب يقاتل!! هذا ليس بصحيح، ولذلك لابد للمسئول إذا سئل أن يسأل عن حال السائل. والآن إذا أتيت إلى تاجر، عنده ملايين في البنوك، أتخاطبه بقيام الليل، قيام الليل من أسهل الأمور عند التجار، وهم يريدون أن يسمعوا دائماً الحديث في قيام الليل، لكن لا يريد كثير منهم أن يسمع ذكر الربا، والصدقة، وسيرة عثمان، وابن عوف، وكيف أنفقوا، وكيف أعطوا، ولا تأتي في سيرة النوافل الأخرى إلا عرضة. وإذا جلست مع طالب علم فقير فلا تكلمه عن الإنفاق؛ لأنه ليس عنده إلا ثوبه الذي عليه، فمن أين ينفق؟! لكن كلمه في بذل العلم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ} [البقرة:159] أعطه من هذه الأمور، وإذا أتيت إلى السلطان وجلست معه في المجلس، فلا تتكلم عن البيع والشراء!! وتكلم عن العدل، وسيرة داود عليه السلام، وسيرة محمد صلى الله عليه وسلم وسليمان عليه السلام وعمر بن الخطاب: البس لكل حالةٍ لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها هذا هو المطلوب. قال: "يختلف باختلاف الناس فيما يقدرون عليه، وما يناسب أوقاتهم" لأن الذي يناسبني قد لا يناسبك، فأنت موظف وأنا طالب، أو أنت تاجر، وأنا مزارع، فيختلف باختلاف الناس، "فلا يمكن فيه جوابٌ جامعٌ مفصلٌ لكل أحد، لكن مما هو كالإجماع بين العلماء بالله وأمره، أن ملازمة ذكر الله عز وجل دائماً هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة" يقول: شبه إجماع بين أهل العلم أن أفضل نافلة بعد الفرائض ذكر الله عز وجل، وهذا قدر مشترك يشترك فيه الناس جميعاً، من تاجر ومسئول وموظف ومزارع وطالب وأستاذ، فكلهم يشتركون في هذه المسألة. ولا أفضل من الذكر، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام، من حديث أبي الدرداء، أنه قال: {ألا أنبئكم بأفضل أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والورق، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله}. وصح عنه عليه الصلاة والسلام عند مسلم أنه قال: {سيروا هذا جَمَدَانْ} وهو الجبل الذي مر عليه عليه الصلاة والسلام، وكان أمامه، فلما رأى جمدان هذا الجبل العظيم، قال للصحابة: {سيروا هذا جمدان، سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات}. هذا أسبق من يسبق، وصح عنه عليه الصلاة والسلام عند البخاري من حديث أبي موسى، أنه قال: {مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره، كمثل الحي والميت} الذي لا يذكر الله ميت، تراه في المجالس ثلاث ساعات أو أربع لا تتحرك شفته يذكر الله لأنه ميت! والذي يذكر الله حي، وقال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم: {لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس} وفي لفظٍ: {أو غربت}. وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه -وهذا الحديث عند الترمذي بسندٍ صحيح، وصححه الأئمة- قال: {من قال: سبحان الله العظيم وبحمده؛ غرست له نخلةٌ في الجنة}. وللفائدة -يا أيها الإخوة- أذكركم ببعض الأحاديث أقدمها هدية لكم، وهي صحيحة، كلها على شرط الصحة، لا أذكر حديثاً إلا صحيحاً، وإن ذكرتُ حديثاً في سنده شيء بينته إن شاء الله. صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {سورة تبارك المانعة من عذاب القبر} وعند أحمد بسندٍ صحيح، {ثلاثون آية -هي سورة تبارك- شفعت لرجلٍ حتى دخل الجنة} وهي تنجي من عذاب القبر، فأوصيكم بقراءة سورة تبارك مرة في اليوم والليلة. وصح عنه عليه الصلاة والسلام، عند الحاكم والدارقطني أنه قال: {من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له نورٌ إلى الجمعة الثانية} وفي روايةٍ عند الحاكم صحيحة أنه قال: {أضيء له نورٌ إلى البيت العتيق} وصح عنه عليه الصلاة والسلام عند ابن حبان والطبراني والنسائي في السنن الكبرى أنه قال: {من قرأ آية الكرسي بعد كل صلاة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، عشر مرات، بني له بيتٌ في الجنة} فهذه من الأحاديث التي أقدمها لكم في هذه الليلة، وسوف تكون مجالاً للحديث إن شاء الله في الدروس المقبلة. والشاهد أن ابن تيمية يرى أن الذكر -وهو شبه إجماع- أفضل الأعمال، وأنا أوصيكم بالذكر، وأن تسبح الله وتحمده، وأنت في المجلس وفي السيارة والطائرة، والمكتب، علَّ الله أن يرفع درجتك في الجنة. وهناك حديث في سنده ضعف، عند الترمذي: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما عرج به مر بإبراهيم، قال إبراهيم عليه السلام: يا محمد! أقرء أمتك مني السلام -عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام، وعلى سائر الأنبياء والرسل- وأخبرهم أن الجنة قيعان، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر}. والمطلوب من المسلم أن يحيي بيته بهذه الأذكار، وأن يدخل القرآن والدعوة ويدخل الإيمان بيته، وأن يخرج كل ما يعرضه لغضب الله، وعذاب الله، ليكون بيته من بيوت أهل الإيمان، وأهل الاستقامة.

أرجح المكاسب

أرجح المكاسب ثم مضى ابن تيمية يتكلم إلى أن قال: "وأما أرجح المكاسب -هذه الفقرة الثالثة- أما أرجح المكاسب" أيها الإخوة! ورد عند الحاكم والبزار بسندٍ صحيح عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه وأرضاه {أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أطيب الكسب؟ فقال عليه الصلاة والسلام: عمل الرجل بيده، وكل بيعٍ مبرور} واختلف أهل العلم في أشرف المكاسب، فقال بعضهم: الزراعة، وهذا القول للشافعية، وبعضهم قال: التجارة، فإن تسعة أعشار الرزق من التجارة، وبعضهم قال: بل من عمل اليد، لقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {ما أكل أحد أفضل ممن يأكل من كد يده، وإنَّ نبي الله داود كان يأكل من عمل يده}. فقد كان داود عليه السلام حداداً، يحد، ويصنع السروج، حتى قال كعب بن زيد في قصيدته، كان ينسج دروعاً: شم العرانين أبطال لبوسهم من نسج داود في الهيجا سرابيلُ قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ:10] يقولون: كان الحديد بيد داود -بقدرة الواحد الأحد- مثل العجين، يأتي بالحديد الفولاذ فيلفه كالعجين، يفعل به ما أراد {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنْ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ:10 - 11] ما معنى "وقدر في السرد؟ " قالوا: اجعل المسمار على قدر الحلقة، لأنه يجعل المسامير في الحلق، يقول: لا تكبر المسمار فلا يدخل في الحلقة، ولا تصغره فتقضمه الحلقة وينكسر. وكان آل داود عددهم ستة وثلاثون ألفاً، كلهم لا يأكلون إلا من كسب أيديهم، داود كان ملك الدنيا، وأكثر ملك الدنيا له، لكن لا يأكل إلا من كسب يده، من الحدادة، وكان زكريا عليه السلام نجاراً، وكان إدريس خياطاً، يقولون: كان إدريس لا يدخل الإبرة ويخرجها إلا يقول أربع كلمات، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، حتى قال له الله: {يا إدريس أما تدري لماذا رفعتك مكاناً علياً؟ -لأن الله يقول: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} [مريم:57]- قال: ما أدري يا رب! قال: يرتفع إليَّ من عملك كل يوم، مثل نصف أعمال أهل الدنيا، من كثرة الذكر} وهو جالس يخيط ويقول: سبحان الله فترتفع أعماله، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10] وقال الحافظ ابن حجر: وأرجح المكاسب وأحسنها هو الجهاد في سبيل الله والغنائم، وأكثر رزق الرسول عليه الصلاة والسلام من الغنائم في سبيل الله، وأكثر ميزانيته في الدولة الإسلامية من الجهاد في سبيل الله، وعند أحمد بسندٍ صحيح، أنه صلى الله عليه وسلم قال: {بعثتُ بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم} حديثٌ صحيح، والشاهد {وجعل رزقي تحت ظل رمحي}. فالجهاد أشرف ما يمكن أن تكسبه، ولكن يقول ابن تيمية: "أما أرجح المكاسب فالتوكل على الله" ما شاء الله، جاء بجواب لأهل القلوب، يقول: "التوكل على الله، فإنه يرزق من يشاء سبحانه" مثل ابن تيمية كان فقيراً ليس عنده مرتب، ولا إعاشه، ولا سيارة، ولا بيت، ليس عنده إلا غرفة في طرف المسجد فيها مكتبته، وعنده ثوبان، إذا اتسخ أحد الأثواب غسله وغير بالثوب الثاني، وطول يومه وهو في الجهاد والدعوة، والنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخطابة والإفتاء، وإقامة الحدود وقمع أهل البدع والمشركين، فلذلك قال: التوكل على الله، والثقة بكفايته، يقول تعالى: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} [العنكبوت:17] لا يرزق إلا الله. قال ابن الجوزي في صفة الصفوة: رأى أحد العباد عصفوراً يقبل بقطعة لحم كل يوم، ويدخل بها في نخلة، قال: فعجبت، لأن العصفور في العادة لا يعشعش في النخل!! قال: فتسلقت النخلة، فرأيت فيها حيةً عمياء، فإذا اقترب العصفور، أحدث لها صوتاً، يخبرها به لأنها عمياء -أعطاها إنذار مبكر أنه اقترب- فتفتح فمها، فيضع اللحم في فمها ويعود، فمن الذي علم العصفور أن يعطي الحية إلا الواحد الأحد حية عمياء في رأس نخلة، سخر لها عصفوراً يأتي برزقها: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6]. ودل النملة أن تدخر قوت الشتاء في الصيف، فتجدها في الصيف لها مخازن في بيتها، تكدس ولا تأكل من هذه المخازن، ومملكة النمل مثل مملكة النحل، لها عاملات وملكة وشغالات، هذه الشغالات مهمتها نقل الحبوب يقولون: وخوفاً من أن تنبت الحبة، علمها الله الذي علم كل شيءٍ خلقه ثم هداه أن تخرم الحبة، فتحدث خرماً في وسط الحبة فلا تنبت، ولذلك حب النمل لا ينبت أبداً، فلو أخرجته من جحرها وذريت به الأرض فإنه لا ينبت، لأنه أصبح غير صالح للإنبات، بل للإدخار. وللفائدة يذكر ابن القيم في كتاب مفتاح دار السعادة: أن نملةً كانت تخرج مع النمل تأخذ رزقها فرأت رجل الجرادة مرمية في الأرض، فأخذت تسحب رجل الجرادة فما استطاعت، فذهبت -وهذا من كلام ابن القيم والعهدة عليه- فذهبت إلى بيتها وأخبرت الشغالات ليعاوننَّها فجاء النمل وكان هناك رجل جالس يتدبر في خلق الله، فأخذ رجل الجرادة، فأتوا فبحثوا في المنطقة فلم يجدوا رجل الجرادة، فعادوا، فلما عادوا وقفت هي، فرد رجل الجرادة، فأتت تزعزعها فما استطاعت، فذهبت فأخبرت الشغالات فرفع الرجل الجرادة، فذهبوا ووقفت فردها، فزعزعتها فما استطاعت، فذهبت فأعطتهم خبراً، فأتوا فرفع رجل الجرادة، فاجتمعوا عليها جميعاً فقطعوها قطعةً قطعة، لأنها كذبت ثلاث مرات، وهذه القصة في مفتاح دار السعادة راجعوها إن شئتم وهي لـ ابن القيم رفع الله منزلته، والله يقول: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50]. يقول الزمخشري: لله دره من جواب! من صاحب الجواب هذا؟ إنه موسى رد بها على أحد الطغاة، يقول: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:49 - 50] يقول: أنت يا ضعيف! يا خسيس! يا مجرم! تعطي كل شيءٍ خلقه، وتهدي!!! ولذلك سيد قطب نسي نفسه عند قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى:1 - 3]. وأتى ينقل من كتب كريسي موريسون وغيره، عن أمور عجيبة لا أحب أن أطيل فيها، وللإنسان أن يراجعها في المجلد السادس في الظلال، عند هذه السورة. يقول ابن تيمية: "وأما أرجح المكاسب فالتوكل على الله، والثقة بكفايته، وحسن الظن به" لكن يا أيها الإخوة وقد نُبه كثيراً، أن بعض الناس يفعل مثل توكل الصوفية، يأخذون لفائف ولا يغتسلون ولا يبحثون ولا يطلبون الرزق ويجلسون في المسجد، ويقولون: الرزاق هو الله، هذه حطمها عمر بن الخطاب، لأنها أسطورة كاذبة. [[دخل عمر رضي الله عنه -والقصة مشهورة- المسجد فوجد شباباً يتعبدون وعمر ليل نهار وهو يبحث ويرتب الجيش للجهاد، ويعدل بين الناس، ويقيم الموازين، ويصلي ويحكم بين الناس، ويفض في النزاع، فقال للشباب: من أنتم؟ قالوا: عبادٌ نعبد الله، قال: من أين يأتيكم الرزق. ؟ قالوا: الله يرزقنا. قال: أدري أن الله يرزق لكن من الذي يقدم لكم الطعام والشراب؟ قالوا: جيرانٌ لنا ومحسنون، قال: انتظروا -لم تكن عصاه معه، وكانت قريبة في البيت، فذهب وهي جاهزة عند الباب- فذهب إلى الدرة فأخذها -سلم الله الدرة- فأخرجها وأتى -يظنون أنه سوف يأتي بكبسة رضي الله عنه- فلما دخل أغلق باب المسجد، ثم نزل عليهم ضرباً، وقال: اخرجوا إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة]] أما أن تتكدس المساجد بعشرات من أهل العطالة والبطالة، ومئات الشباب، وتبقى الورش والمكاتب والوظائف والمصانع والمزارع والمتاجر والدكاكين فوضى، فهذا لا يصلح؟ ولذلك بعض الآباء يشكون يقول أحدهم: ابني صالح، مع زملائه يزورهم في الله، لكن الدكان ليس فيه أحد، وعندي مزرعة، وسيارة، ومقاضٍ وعندي أبناء وبنات يريدون المدرسة لا يوصلهم، ولا يجلس في الدكان، ولا يساعدني في المزرعة، يعبد الله فقط. ونقول: ليست هذه عبادة، أن تزور زملاءك بعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء وبعد الصبح!! بل هذا ضياع للوقت فاجلس مع أبيك، واستقم معه، وعاونه، واجعل لحضور الدروس وقتاً، ولمعاونة والدك وقتاً، فالإسلام لا يعترف بالبطالة. قال: "وأرجح المكاسب التوكل على الله، والثقة بكفايته، وحسن الظن به -ثم أتى بالحديث-: {يا عبادي! كلكم جائعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم}. ثم نأتي إلى الفقرة الرابعة:

ما يعتمد من الكتب في العلوم

ما يعتمد من الكتب في العلوم قال شيخ الإسلام وهو يواصل وصيته وجوابه على سؤال السائل، في الفقرة الرابعة عن كتاب مفيد في علم الحديث، وفي العلوم الشرعية، "وأما ما تعتمد عليه من الكتب في العلوم فهذا بابٌ واسع، وهو أيضاً يختلف باختلاف الناس في البلاد" فقد يتيسر له في البلاد من العمل أو من طريقه ومذهبه ما لا يتيسر له في بلدٍ آخر، "لكن جماع الخير أن يستعين العبد بربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، في تلقي العلم الموروث عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام"، وأقول: العلم صراحةً هو علم الكتاب والسنة الذي تنجو به في الآخرة، ولكن للإنسان أن يكون له حدٌ أدنى من هذا العلم، ينفع به نفسه، ولا يعذر معتذرٌ بتخصصه أو بعمله، فلا بد أن يأخذ ما تقوم به عبادته، ليلقى الله وقد عبده على بصيرة. قال: "وأما وصف الكتب والمصنفين فقد سمع منا في أثناء المذاكرة ما يسره الله"، يقول: ربما سمعت في أثناء الدروس منا ما يسره الله، وما في الكتب المصنفة المبوبة مثل كتاب محمد بن إسماعيل البخاري -لله دره، وما أحسن ذاك الكتاب- لكن هو وحده لا يقوم بأصول العلم، ولا يقوم بتمام المقصود للمتبحر في أبواب العلم إذ لابد من معرفة أحاديث أخر" فلابد أن تطلع على السنن، والمسانيد، وخاصةً مسند الإمام أحمد الذي جمع الستة إلا القليل وزاد، وهو كتابٌ عظيم، وبحرٌ واسع، ودرٌ وجوهر. قال: "ولا يقوم بتمام المقصود للمتبحر في أبواب العلم، إذ لابد من معرفة أحاديث أخر، وكلام أهل العلم وأهل الفقه في الأمور التي يختص بها بعض العلماء، وقد أوعبت الأمة -يعني أكثرت في كل فنٍ من فنون العلم إيعاباً- فمن نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرةً وضلالاً" بعض الناس عنده مكتبة في بيته ملء المجلس، ولا يصلي الفجر جماعة، وبعضهم عنده مكتبة، ويعصي والديه، وبعضهم عنده مكتبة ويرتكب الكبائر: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176]. وليس العلم بالكثرة، لكن العلم نورٌ يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده، فرأس العلم خشية الله، ومن قام بأمور الإسلام فهو العالم، قال: ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرةً وضلالاً، القرآن وهو القرآن قال الله عز وجل: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت:44] يقول: المنافق إذا قرأ القرآن يزداد عمى، مثل الناظر الأعشى إذا نظر إلى الشمس، لا تستطيع عيونه أن تثبت في الشمس، لكن صاحب البصيرة، يزيده الله بالكتب وسماع الأشرطة، والجلوس في مجالس أهل الفضل والعلم والمحاضرات والدروس بصيرة ونوراً ويزيده أجراً ومثوبة. ويا أيها الإخوة! أنا أدري أن مثل هذه المجامع العامة، قد يقول قائل: لو جلست في بيتي وقرأت بنفسي، ولخصتُ وخرجت وحققت لكان أنفع لي، فأقول: قد يكون هذا، لكنك لن تنال الأجور إلا بالجلوس في هذه المجالس بغض النظر عن هذه الفائدة المباشرة. أولاً: يذكرك الله فيمن عنده. ثانياً: يباهي بك ملائكته. ثالثاً: تغشاك السكينة، وتحفك الرحمة، وتنزل عليك الملائكة. رابعاً: في آخر المجلس، يقول الله لمن جلس على ذكره: {قوموا مغفوراً لكم فقد أرضيتموني ورضيت عنكم}. وأنا أطلب من الإخوة الكرام وأنا أعرف أنكم صفوة الناس، والجالسون أمامي هم الزبدة من المجتمع، والله يحفظ العباد والبلاد بكم وبأمثالكم، فأقول لكل أخٍ يريد الله والدار الآخرة، إذا أراد حضور محاضرة، أو درس، لأي طالبٍ أو داعية أن يأخذ معه أخاً آخر، فقط أن يدعوه في محاضرة واحدة لأنه قد يستقيم منهجه ويهتدي، ويكفي الأخ أن يحضر وينظر إلى هذه الوجوه، وهذا الجمع، فيتحول مسار حياته، وبعض الشباب كان مدمن مخدرات، وأخذه بعض الشباب، وحضروا به بعض المحاضرات واهتدى، وأصبح عبداً لله، فكل واحد عليه أن يأتي بواحد فقط وتذكروا دائماً: {لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم}. يعني أدعه إلى درس أو محاضرة، ثم أدعه إلى العشاء عندك، تكون هذه ضريبة إن استطعت ذلك، وإن لم تستطع، فالله المستعان: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَه} [البقرة:286]. قال: ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرةً وضلالاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي لبيد الأنصاري: {أوليس التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى؟ فماذا تغني عنهم؟} هذا الحديث عند أحمد بسندٍ صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام {نظر في السماء وقال: هذا أوان قبض العلم} قال أبو لبيد الأنصاري: {يا رسول الله! كيف يقبض العلم؟!! والله لنقرئن القرآن أبناءنا، وليقرئنه أبناؤنا أبناءهم، قال: ثكلتك أمك يا زياد! كنتُ أظنك أفقه رجل من أهل المدينة، هذه التوراة، وهذا الإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا نفعتهم؟!} يعني ما نفعتهم زيادة الكتب، إذا لم تكن بعملٍ صالح، بل إنها لا تكون إلا خيبة وحيرة وضلالاً، وحسابهم على الله. لقد زرت كثيراً من الإخوة، وعند كل واحد منهم مكتبة في بيته، لكنه لا يقرأ إلا اليسير منها، أو ما يستطيع أن يلم بالكثير بها، وهي تبقى معطلة، كأنها مختوم عليها، وابن تيمية يجعل رصد الكتب وتخزينها بلا استفادة من كتمان العلم. افتتحت عندنا مكتبة في المسجد هنا طولها ستة عشر متراً في أربعة تأخذ مئات الكتب والمجلدات، وقلت للناس: من كانت عنده كتب فليوقفها باسمه، وإذا احتاجها في أي يوم فليخرجها، وهي لا تخرج من المكتبة، لكن يستفيد منها شباب الإسلام الذين يدرسون في الصيف، وكلما قرأوا حرفاً كان لك أجر، وكنت أنت المنفق، وكان ميراثاً لك: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له} هذه وصية ابن تيمية رضي الله عنه وأرضاه، ورحمه الله، وجمعنا به في دار الكرامة، وهي من أعظم الوصايا، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن إذا استمع القول اتبع أحسنه.

الأسئلة

الأسئلة

الطريقة المثلى للتخلص من المعاصي

الطريقة المثلى للتخلص من المعاصي Q أنا أشرب الدخان، وأحلق لحيتي، وأنا في حرج، وأنا أبكي الليل والنهار، غلبني الشيطان، أرى الشاب الملتزم لكن لا أستطيع أن أنتصر على شيطاني، وعندي جلساء سوء، وتأتيني حالات من الهم والغم وأقدم والله على الانتحار أحياناً، فدلوني على الطريق، أنقذوا ابنكم المسكين، وادع لي بالشفاء؟ A أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يهديك سواء السبيل، وأن يمن عليك بتوبة نصوح، وأن يرسل عليك من شآبيب الرحمة والرضوان ما يمسي في قلبك ويدلك على الصراط المستقيم، وأن يحبب إليك الإيمان، وأن يزينه في قلبك وفي قلب كل مسلم، وأسأل الله أن يثبتك على الحق حتى تلقاه. أما ما سألت عن شرب الدخان فهو محرم، وقد نص أهل العلم على تحريمه، وحلق اللحية أدهى وأمر، وهي من الأمور الخطيرة، بل هي من الكبائر عند أهل السنة، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربى لحيته، وأنه قال: {خالفوا المجوس، اعفوا اللحى، وقصوا الشوارب} وغيرها من الألفاظ الصحيحة، وأما قولك: يصيبك همٌ وغم، فأوصيك بأمور: أولها: المحافظة على الصلوات الخمس جماعة، ثم أكثر من ذكر الله، وعليك بالقرآن والدعاء وإذا استطعت أن تشرب من ماء زمزم فاشرب وادع الله أن يريح قلبك، وأن يوسع صدرك، ثم أدعوك أن تهجر جلساء السوء، فهؤلاء أعداء الأنبياء والرسل، وهم المجرمون الذين أفسدوا شباب الإسلام، وأدعوك لحضور المحاضرات والدروس والسماع، لأن السكينة تغشى أهلها، وقد يأتيك حظك من نفحات الواحد الأحد، فتخرج وقد انغسل قلبك من أدران السوء ومن الشبهات والواردات، وإن كان لك والدة ووالد، فاسألهم الدعاء لك بالسحر، وفي أدبار الصلوات، ونحن دعونا لك بما فيه الكفاية هذه الليلة، وأما الانتحار فاعلم أن هذا لا يفعله مسلم، وأن من فعل ذلك أدخله الله النار، فمن انتحر أصبح خالداً مخلداً في النار، ولا ينتحر إلا أعداء الله، إلا الذين لا يعرفون الكتاب والسنة، ولا يعرفون المسجد، ولا ينتحر إلا الذي لا يعرف القرآن، ولا الهداية التي أتى بها محمد عليه الصلاة والسلام. فعد إلى الله، وعليك أن تفكر في أمرك، واعلم أنها حياة ستون أو سبعون سنة ثم تنتهي بك إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض، أو نار تلظى، فأنقد نفسك قبل أن يأتيك اليقين، وفقنا الله وإياك.

صلاة التسابيح

صلاة التسابيح Q صلاة التسابيح يسأل عنها، يقول: إني ذكرت في الركعة خمسة وستين تسبيحة؟ A والصحيح أنها خمسة وسبعون، ولذلك هو لما حسبها في أربع ركعات، وجد أنها مائتين وستين، لأنه حسب على خمسة وستين، وأقول هي خمسة وسبعون في كل ركعة، لأن خمسة وسبعين ضرب أربعة يساوي ثلاثمائة، والحمد لله، وهذا أمر معلوم لا يختلف فيه أهل العلم، وأنت لك أن تجمع وأن تسأل من أردت من أهل العلم.

صلاة النوافل

صلاة النوافل Q يسأل عن النوافل التي أوصيه بها وأدله على بعضها؟ A أقول: عليك بالنوافل التي صحت عنه عليه الصلاة والسلام، مثل العشر النوافل التي ذكرها عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر: {ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر} بالإضافة إلى ركعتي الضحى إلى أربع إلى ست، إلى ثمان، والوتر قبل النوم، وإن استطعت في آخر الليل فهو أحسن وأفضل وأجمل، وتلاوة القرآن بكثرة، وذكر الله، والصدقة والإنفاق وبذل الدعوة والنصيحة، كلها من أعظم ما يقربك إلى الله عز وجل.

حكم رسم أو تصوير المناظر الطبيعية

حكم رسم أو تصوير المناظر الطبيعية Q ماذا ترون في المناظر الطبيعية سواء كانت مرسومة، أو مصورة، بالصور الفوتوغرافية؟ A المناظر الطبيعية مثل الشجر، والجبال، والسهول، والأودية، الأمور التي ليس فيها أرواح لا بأس بها، لك أن تنظر إليها، ولك أن تعلقها، وأنت بالخيار، ليس فيها بأس إن شاء الله، بل قد تدلك على عظمة الواحد الأحد. وقد سمعت عالماً من العلماء يقول: نظرت إلى منظر خضرة وماء وشجر فبكيت، والحقيقة أنها تذكر بقدرة الواحد الأحد، وإذا أردت أن تتذكر قدرة الله، فانزل إلى إحدى الحدائق وانظر إلى الزهر: {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [قّ:7]. وانظر إلى الشجر، وإلى الريح، والسحاب، والجبال والوهاد، وإلى النجم، وإلى كل شيء: وفي كل شيءٍ له آيةٌ تدل أنه واحدُ فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد

الإسراف

الإسراف Q أشكو أن قرابتي أهل إسراف، في ولائمهم، وفي عزائمهم، وأنا يظهر لي من فعل والدي وإخواني أنهم يريدون الرياء والسمعة -والعياذ بالله- فهم لا يرضون إلا بكثير من الذبائح، والأرز، وكثير من الفواكه، فلا أدري ماذا أفعل معهم؟ A أيها الإخوة! الإسراف أصبح ظاهرة، وأصبحت أكثر عزائم الناس من أجل الرياء والسمعة، والتمادح والعياذ بالله! والله يقول: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141] ويقول تعالى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:26 - 27]. يموت ألوف من المسلمين جوعاً، وكثير من الناس يموتون شبعاً، فلا أدري ماذا يقول هؤلاء لربهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يوم القيامة؟ أحدهم يقدم من الولائم والذبائح، ما لا يعلمه إلا الله فيعرضها للناس، فلا يأكلون إلا عشر معشار ما قدم لهم، فماذا يفعل في النهاية؟ يصبها في الزبالة، فهؤلاء محاسبون عند الله، وهؤلاء لو اتقوا الله، ما ضيفوا من أجل الرياء والسمعة، يقول عليه الصلاة والسلام: {أول من تسعر بهم النار ثلاثة منهم كريم -كان ينفق مثل بعض الناس، يحب مسألة الرياء والسمعة، حتى يتمادح الناس به، مثل حاتم الطائي - فيقول الله: أما أعطيتك المال؟ قال: بلى يا رب! قال: فماذا فعلت فيه؟ قال: أطعمت الجائع وكسوت العاري، فيقول الله: كذبت! وتقول الملائكة: كذبت! ويقول الله: إنما فعلت، ليقال: كريم، وقد قيل خذوه إلى النار} فيسحب على وجهه إلى النار، لقمةٌ أو وجبة قد تدخل صاحبها إلى النار لكن اذبح على قدر الحضور، وما عليك من أحد، ومن تكلم فليتكلم، ومن سب فليسب: فليتك تحلو والحياةُ مريرةٌ وليتك ترضى والأنامُ غضابُ إذا صح منك الود فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب ترابُ وهذا لا يعني أن تجعل العزومة على مقدار الضيوف للناس، ولا تبقي لأهلك شيئاً، لا، بل لابد أن تبقي لأهلك شيئاً. ولابد أن يشعر الضيف أنك قدمت له شيئاً، أما أن تأتي وقد رزقك الله النعم والخيرات، والله يريد أن يرى أثر نعمته، فتغدي ضيفك تميزاً، وتقول: هذا فضل الله ونعمه والناس يموتون جوعاً في أفريقيا، فكل وسم الله! هذا صحيح لكنه ليس في أفريقيا ولا في أفغانستان، فأطعمه لحماً ورزاً وإداماً وكثف من الخير الذي يكفي الناس، لا يزيد عن حاجتهم ولا ينقص، أما أن يكون الإنسان بخيلاً فلا، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67]. اقتصد في كل أمرٍ جيدٍ فكلا الأمرين إن زاد قتل إن زاد قتل، وإن نقص قتل فعليك بالوسط: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143].

بر الوالدين

بر الوالدين Q أمي عصبية المزاج، لا أدري ماذا أفعل بها، كلما بررتها سبتني ودعت عليّ، وأنا أتقرب إليها بكل خير، ولكنها تغضب وتشتعل بسرعة؟ A نسأل الله أولاً أن يلين قلبها لك، وأن يهديها سواء السبيل، وأنت إذا علم الله أنك أوفيت معها وبررتها فلا يؤاخذك، ولو دعت عليك، فإن دعاءها ليس بصحيح، ما دام أنك بار بها، وتخدمها وتقوم بطاعتها، ثم هي تدعو عليك، فالله يعلم أنك صادق، فعليك أن تصدق الله فيها، وأن تحترمها، مهما فعلت بك، ولو ضربتك على وجهك ضرباً، أن تقابلها بالتقبيل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 - 24]. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

من نفس عن مؤمن كربة

من نفس عن مؤمن كربة المؤمن يمر بكرب وابتلاءات، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم حث على التعاون والمؤانسة بين المسلمين في النوازل والكرب، وقد ذكر الشيخ في هذا الدرس حديث: (من نفس عن مؤمن كربة) وتحدث عن أسباب حدوث الكربة للمؤمن، وذكر بعض أدعية الكرب، وكيف كانت خدمة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، كما يوجد في هذا الدرس قصص لمن فرج الله عنهم بسبب تفريجهم لكرب إخوانهم.

وقفات مع مسلم وصحيحه

وقفات مع مسلم وصحيحه الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بمحمد صلى الله عليه وسلم، عزَّ جاهك، وجلَّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك ولا إله إلا أنت، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، والصلاة والسلام على لسان الحق الذي بلغ الدعوة كاملة فما كتم منها من شيء، وما بخل بها صلى الله عليه وسلم. والصلاة والسلام على أذن الخير، خير أذن وعت وحي الله وبلغته للناس، نشهد أنه بلغ الأمانة، وأدى الرسالة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فلقد رأيت كما رأى بعض الإخوة أن يكون هذا الدرس عاماً لا يتقيد بـ صحيح البخاري؛ لأن هناك قطوفاً في السنة وأحاديث جمة غالية، أي غالية في التوحيد والإيمان والسلوك والأحكام والأخلاق، لا توجد في صحيح البخاري، فليكن هذا الدرس مطلقاً في السنة، مرة نعيش مع البخاري في صحيحه العالي، ومرة مع مسلم، ومرة مع الترمذي في تصحيحاته وتضعيفاته، ومرة مع أبي داود في جمعه المحكم لأحاديث الأحكام، ومرة في الموطأ إلى غير ذلك من الرياض الجامعة التي تركها محمد صلى الله عليه وسلم وهي ميراثه، فمن أراد سهمه ونصيبه فليأخذه، فإن الميراث الذي تركه محمد صلى الله عليه وسلم هو هذا الحديث النبوي. من زار بابك لم تبرح جوانبه تروي أحاديث ما أوليت من منن فالعين عن قرة والكف عن صلة والقلب عن جابر والسمع عن حسن

حديث: من نفس عن مؤمن كربة

حديث: من نفس عن مؤمن كربة وقبل البدء بالحديث نقول: إن المهم أن يجتمع مثل هؤلاء النفر ليذكروا الله ويشهدوا بيوته لتتنزل عليهم رحمة الله وسكينة الله وتحفهم ملائكة الله، وهذا الحديث الذي معنا هذه الليلة يدور حول هذه القضايا، وحول هذه المقدمة والديباجة، وهو حديث من قواعد الإسلام، ولكنه لم يروه الإمام البخاري بل رواه العالم الرباني أبو الحسين مسلم بن الحجاج في صحيحه فقال: عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه -استمعوا إلى كلامه صلى الله عليه وسلم يوم يلقى على الأسماع فيربي القلوب- يقول: قال صلى الله عليه وسلم: {من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه إلا نزلت عليهم الرحمة، وغشيتهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه} رواه مسلم. ومسلم هذا الذي نسمع اسمه يدوي على منابر المسلمين، وفي حلقات العلم، وفي فصول الدراسة، وفي المجامع العامة، من هو؟ إنه علم ونجم من نجوم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أخلص لهذا الدين، وسعى لمشروع باهر وهو جمع الأحاديث الصحيحة كما فعل البخاري، فلما اطلع الله عز وجل على نيته وإخلاصه رفعه وحفظ كتابه: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] إن من يتكلم لله يحفظ الله كلامه، ومن يكتب لله يحفظ الله كتابته، ومن يعمل لله يحفظ الله عمله، وأما المراءون والمفترون والدجالون فلا حظ لهم في سنة محمد صلى الله عليه وسلم. جاء أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري فعمل هذا الكتاب العظيم الذي أُرشدكم لمطالعته لتزدادوا إيماناً ويقيناً وعلماً وفهماً وفقهاً في الدين، فلقد أخذت منا الكتب البيضاء -ولا أهاجم كل الكتب البيضاء، لكن الكتب الرخيصة التي لا تساوى حبرها الذي كتبت به- أخذت منا الساعات الثمينة وصدتنا عن كتب السلف فأصبح علمنا محجوزاً وفهمنا للدين ضعيفاً هزيلاً. فهل من عودة إلى كتب السنة؟ وهل من جلسة مع صحيح البخاري أو مع صحيح مسلم في الرياض اليانعة، في تلك البساتين الوارفة التي تقودك إلى جنات النعيم.

بعض صفات الإمام مسلم

بعض صفات الإمام مسلم الإمام مسلم ألف كتابه هذا طيلة عشرين سنة ثم قدَّمه للأمة فتقبله الله؛ لأن الله يتقبل من المتقين، وعاش حياته ما بين استغفار وذكر وما بين صلاة وعبادة متقللاً من الدنيا لا يعرف إلا بيته ومسجده، كان خفيفاً لطيفاً كما هي ثياب أهل الحديث ورائحته مسك كما هي رائحة المعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم، يجلس إلى تلاميذه لا كما يُحاضَرُ تلك المحاضرات الرنانة الطنانة، إنما هو حدثنا فلان عن فلان عن أبيه عن أبي هريرة فيقوم تلاميذه وقد امتلئوا إيماناً ويقيناً بالله الواحد الأحد.

سبب موت الإمام مسلم

سبب موت الإمام مسلم ولا بأس أن نورد لطيفة في سبب موته، يقول ابن كثير في كتاب " البداية والنهاية " و" الذهبي في سير أعلام النبلاء " كان سبب موت مسلم رحمه الله: أنه تحاج وتجادل هو وعالم من علماء الحديث في حديث واحد، فذهب مسلم إلى البيت بعد صلاة العشاء ليبحث عن هذا الحديث، فوضع السراج بجانبه ووضع سلة من التمر أمامه وفتح الكتاب فكان يفتح صفحة ويأكل تمرة وكلما فتح صفحة أكل تمرة ونسي نفسه، والكتاب كان كثير الأوراق ومن كثرة استغراقه في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم نسي أنه يأكل مع كل صفحة تمرة، وهذا التمر الذي يأكله سلق حار جداً من أكثر منه قتله، فلما عثر على الحديث نظر وإذا المجلد قد انتهى وإذا السلة قد انتهت من التمر، فقال: الله المستعان! فتوضأ وصلى الفجر وأتته منيته بعد صلاة الفجر، فرحمه الله رحمة واسعة، وإن كانت الشهادة بالسيف أو بالبندق أو بالعسل أو بتمر السلق فإنما يكون العمل خالصاً لله عز وجل في مرضاته تبارك وتعالى، نسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحشرنا في زمرة الصالحين.

النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم

النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم وهذا الحديث الذي معنا اعترض عليه أبو الحسن الدارقطني حافظ الدنيا، وعبقري الحديث في المعمورة، ولا بأس أن نورد اعتراضه بسهولة، يقول: إن الأعمش عنعن فيه - الأعمش: سليمان بن مهران - إذا قال عن فمعناه مدلس، كأنه سمع ولم يسمع، ورد الحفاظ على الدارقطني في هذا الحديث وقالوا: هو صحيح، ويكفي أن مسلماً ارتضاه، وأن الناس قبلوا كتاب مسلم، فهو صحيح. وهذا الكلام نفاذ أخاذ حار، تعرف كلام الرسول صلى الله عليه وسلم من كلام غيره، تجد الأعرابي في الصحراء يسمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من الراوي فيميز بين حديثه وحديث الناس؛ لأن حديثه صلى الله عليه وسلم أغلى من الدر، أو كأنه جواهر تتصبب على الآذان، أو كأنه قطر الغمام صافياً مصفى من السماء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: {أوتيت جوامع الكلم} قال النووي: هي أن يجمع له الله الكلمات الطويلة في جمل صغيرة، وعند الدارقطني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أوتيت جوامع الكلم وخواتمه وفواتحه} وعند أبي يعلى الموصلي عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أوتيت جوامع الكلم وفواتحه وخواتمه، واختصر لي الكلام اختصاراً} عليه الصلاة والسلام. فهو أفصح من نطق بالضاد، وأنتم تعرفون أنه ما تعلم في شبابه عليه الصلاة والسلام، فقد عاش حتى بلغ الأربعين من عمره ثم قال له الله تعالى: اخرج إلى البشرية فتكلم إليهم، اخرج إلى المعمورة فحدثهم بلا إله إلا الله، فخرج يحدثهم فإذا هو أفصح خطيب وأكبر قاض وأفتى مفتٍ وأبلغ بليغ، ما تلعثم في حياته كلها في كلمة واحدة، وما أراد أن يقول حرفاً فقال الحرف الذي بعده، يبقى في بيته حتى يجتمع الناس، فيقوم فيلقي خطبة تكاد الجدران أن تتباكى، وكذلك الصحابة إذا ألقاها صلى الله عليه وسلم عليهم، ويأتي عليه الصلاة والسلام فيسأله السائلون فيفتيهم في اللحظة؛ لأن كلامه وحي: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:5].

ذكر كرب يوم القيامة

ذكر كرب يوم القيامة يقول في هذا الحديث العظيم الجليل الذي ما سمع الناس به -وإني أوصي نفسي وإياكم لمن وجد في نفسه سعة أن يردد هذا الحديث طويلاً على مسمعه، وأن يعيش معه فإنه أخاذ ومؤثر في قلوب الموحدين- يقول عليه الصلاة والسلام: {من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة}. إن يوم القيامة له كرب كما في الصحيح، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {يخرج الناس من قبورهم فيصيبهم العرق، فمنهم من يصيبه العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ حقويه، ومنهم من يبلغ حلقه أو حنجرته ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً} نسأل الله السلامة، فإن هذا من الكرب، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا جمع الله الأولين والآخرين دنت الشمس من الرءوس واشتد الكرب بالنفوس وبلغ بهم الكرب أيما مبلغ، فذهبوا إلى آدم عليه السلام فقالوا: أما ترى ما نحن فيه؟ اذهب إلى ربك فاستشفع لنا فأنت من أنبياء الله ورسله، أنت أبونا، فيقول: نفسي نفسي، فتأخذ النوبة النبي بعد النبي حتى تصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقوم ويقول: أنا لها الحديث}. واستشفع الناس بأهل العزم في إراحة العباد من ذا الموقف وليس فيهم من رسول نالها حتى يقول المصطفى أنا لها

الهموم والغموم في الدنيا وأسباب حدوثها

الهموم والغموم في الدنيا وأسباب حدوثها الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من نفس عن مسلم كربة} ما أكثر الكرب التي تصيب المسلمين، ولذلك شرع لنا الرسول صلى الله عليه وسلم دعاء الكرب وعلمه أصحابه، وكان يأتيه صلى الله عليه وسلم الكرب كما يأتي الإنسان، والله يقدر على الناس الهموم والغموم لأسباب، وأسباب هذه الهموم والغموم قد تندرج في ثلاثة أسباب، إذا أتاك هم أو غم أو حزن فاعلم أنها لأسباب ثلاثة:

الهموم والغموم من أجل تكفير السيئات

الهموم والغموم من أجل تكفير السيئات أولاً: إما لذنب أصبته، فأراد الله أن يبتليك بالهم والغم لينقيك من الذنوب والخطايا، فإن كثيراً من الناس لا يريد الله عز وجل أن يعذبهم في القبور، فيعذبهم في الدنيا بالهموم والغموم والأحزان، وعلى ذلك ورد حديث في مسند الإمام أحمد بسند صحيح: {أن الله عز وجل لما أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم قوله: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123] لما سمع أبو بكر هذه الآية تمَّاط رضي الله عنه حتى سمع أطيط لظهره، ثم قال: يا رسول الله! كيف العمل بعد هذه الآية: من يعمل سوءاً يجز به؟! ومن منا لم يعمل سوءاً؟ قال: غفر الله لك يا أبا بكر! ألست تغتم؟ ألست تمرض؟ ألست تصيبك الأمراض؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: فذلك مما تجزون به من الخطايا، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ما من مسلم يصيبه هم أو حزن أو غم أو مرض إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها}. فهذا السبب الأول: إن الله قد يبتليك من الهموم والغموم والهم والتعب ما لا يعلمه إلا الله، وفي هذا يحت خطاياك كما تحت الشجرة بالشتاء، فاحمد ربك على هذا؛ لأنه لو تركك بلا هم ولا غم لكان النصف هناك، إما في القبر أو يوم العرض أو في جهنم.

الهموم والغموم بسبب الذنوب والمعاصي

الهموم والغموم بسبب الذنوب والمعاصي السبب الثاني: الإعراض عن الله عز وجل: فإن الله عز وجل جعل لمن أعرض عنه هماً وغماً لازماً: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. يسكن في القصر ويركب السيارة الفاخرة، ويأكل في أحسن المطاعم، ولكن همه معقود على جبينه، لا يعرف ما هو السر، يعرض نفسه على الكتب فيقرأ ويطالع ويبحث ويستذكر، ولكن حقاً ولزاماً من الحي القيوم أنه من أعرض عنه فإنه يرميه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالهم والقلق والضنك فلا يهدأ حتى يعود إلى لا إله إلا الله وإلى بيوت الله وإلى كتابه، ولذلك الهم لازم جد لازم للمعرضين عن الله عز وجل ولا دواء لهم إلا بالعودة.

الهموم والغموم من أجل رفع الدرجات

الهموم والغموم من أجل رفع الدرجات الأمر الثالث: من أسباب الهموم والغموم قال أهل العلم: إنها رفع للدرجات عند الحي القيوم، فالله وضع لكثير من المؤمنين درجات في الجنة قد لا يبلغها العبد بصلاته أو ذكره واستغفاره فيبلغه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ذلك إما بالمصائب وإما بالهموم والغموم فيبتليه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالهموم والغموم فيزيد من درجاته حتى يرتفع إلى تلك المنزلة. فاعلم أن كل ما وصلك أنه بقضاء الله وقدره.

تكشف الكرب بأمور وأعظمها الاستغفار

تكشف الكرب بأمور وأعظمها الاستغفار يلتفت الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الأمة ويقول: {من نفس عن مؤمن كربة} وكيف يكرب المؤمن؟ نعم يكرب المؤمن وقد كرب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأفضلهم محمد عليه الصلاة والسلام، فقد أصابته الكرب يقول الصحابة: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصابته كربة أكثر من مس لحيته، وأكثر من المطالعة في السماء وأكثر الاستغفار}.

أذكار وأدعية الكرب

أذكار وأدعية الكرب صادفت الكربة يونس بن متى عليه السلام في ظلامات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الحوت، فانقطعت الأسباب والوسائل إلا من الحي القيوم، وانقطعت كل وسائل القربى من الناس إلا من الواحد الأحد، فالتفت قلبه إلى محيي القلوب: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] فاستجاب الله له، وكشف غمه وفي سنن أبي داود بسند جيد وبعض أهل الحديث يضعف هذا الحديث يقول: {دعوة أخي ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ما دعا بها مكروب إلا كشف الله بها كربته}. وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {دعاء الكرب أن تقول: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض رب العرش الكريم} إن من يقول هذا الدعاء يكاد ينخلع قلب السامع له؛ لأنه اتصال بالوحدانية بالله عز وجل، فعلَّم الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحديث ابن عباس وللأمة جمعاء. فجدير بنا أن نأخذ علاجاتنا من الكتاب والسنة، لا أن يأتي رجل أصابه قلق وهجس نفس فيذهب إلى أناس لا يصلون ويعرض أمراضه عليهم، كيف تطلب الصحة من مريض؟! وكيف تطلب الشفاء من سقيم؟! إن الدواء والبلسم في سنة محمد صلى الله عليه وسلم.

الاستغفار وفوائده

الاستغفار وفوائده في سنن أبي داود قال صلى الله عليه وسلم {من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب} فأوصي نفسي وإياكم أن من أصابه هم أو حزن أو غم بأن يكثر من الاستغفار، فإن فوائد الاستغفار وردت في كتاب الله عز وجل. فمن فوائده كما في الكتاب بالاستقراء ثلاث فوائد:- أولها: أن الكوارث والحوادث المؤذية لا تصيب المستغفر بإذن الله، قال جعفر الصادق: لو نزلت صاعقة من السماء لأصابت كل الناس إلا المستغفر. فالكوارث الشنيعة والمحن والفتن لا تصيب المستغفر، مصداق ذلك في سورة الأنفال في قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] فالاستغفار كشف للبلايا والحوادث والأزمات. ثانيها: من أراد سعة الرزق والعافية والمتاع الحسن فعليه بالاستغفار، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن المتاع الحسن والرزق والسعة في الاستغفار، وذلك أنه من داوم على الاستغفار فتح الله له فتحاً لا يخطر بالبال ولا في الخيال، ومصداق ذلك قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على لسان نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:10 - 13]. الأمر الثالث: جاء على لسان هود، يقول لقومه وهو يعظهم: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:3]. فإن مما يكشف الكرب ويحطها بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الاستغفار، واعلموا أنه قد وقع أناس كثيرون في الكرب والله عز وجل يكشفها عنهم. فمن الكرب: القحط وما ينزل في الديار والبلاد ولا يكشفه إلا الاستغفار. قالوا لأعرابي: ما للقطر لا ينزل في بلادكم؟ قال: هدأنا من الاستغفار فجف القطار، أي المطر. [[وأنس رضي الله عنه وأرضاه مزرعته في البصرة - مزرعة من النخل- أصابها قحط، فقام فصلى ركعتين واستغفر قالوا: مالك؟ قال: أما سمعتم قول الله تعالى على لسان نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} [نوح:10] قال الرواة: فوالله إنه ما قام من مجلسه حتى أتت غمامة فطوقت على مزرعته وأمطرت حتى سالت جداولها، فنظرنا فإذا الماء داخل المزرعة ولا يوجد في خارج حدودها قطرة واحدة]] وهذا من الاستغفار والالتجاء. وفي ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه وجعلها في الجنة إنه يقول: إنها لتعجم علي المسألة الواحدة فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر فيفتحها الله علي. فبالله ما للذين يهتمون في قاعات الامتحان -وهم يجلسون كأنهم في ساحات الإعدام- لا يلتجئون إلى علام الغيوب؟ ما لهم لا يلتجئون إلى من عنده الفرج ومن بيده تسهيل القضايا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويستغفرون كثيراً ليفتح الله عليهم من فتوحاته؟ ابن تيمية -بالمناسبة- يقول عنه تقي الدين بن شقير: رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية ما تفتر لسانه عن ذكر الله، فقلنا له: يا أبا العباس! نراك لا تهدأ لسانك أبداً؟ قال: قلبي مثل السمكة، إذا خرجت من الماء ماتت، وأنا قلبي إذا سكت عن الذكر مات، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] قال تقي الدين بن شقير تلميذه: فخرجت وراء شيخ الإسلام مرة من المرات في حديقة من الحدائق بحيث أراه ولا يراني في غوطة دمشق، وقد كان شيخ الإسلام في الشام في سوريا في تلك الفترة؛ لأن دمشق هي العاصمة، فكان يرسل قذائف الحق من دمشق وقد أيده الله ورفع رايته، وقد أوذي في الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أيما إيذاء، ولكن بقي اسمه وذهب أعداؤه وخصومه فيقول: ذهبت خلفه فلما أصبح خالياً رفع طرفه ودمعت عيناه وقال: لا إله إلا الله. وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا وهذا البيت لـ مجنون ليلى، وهو يقوله لمحبوبته، ولكن فرق بين الودادين وما بين المحبوبين والمقصودين، فمقصود ابن تيمية: الواحد الأحد الفرد الصمد الحي القيوم ذو الغنى والقوة والعظمة، ومقصود ذلك عبد هزيل فقير لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً. يقول ابن القيم في روضة المحبين سئل ابن تيمية رحمه الله: لماذا يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45] لماذا أوصاهم الله بالذكر وقت المعركة، لماذا لم يوصهم قبل المعركة أو بعدها، فهو يقول: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال:45] أي: وقت ما يصل المؤمنون تجاه الكفار. فقال ابن تيمية: إن العرب على عادتهم يفتخرون بذكر المحبوب وقت الأزمات، أما سمعت عنترة يقول: ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم قال: فعوَّض الله المؤمنين بذكره وقت الأزمات، قال: يقول عنترة إنه يذكر محبوبته يوم يضارب ويوم تشجي السيوف وتتقطع على رءوس الأبطال، فيقول الله عز وجل: عوضاً عما يفعل أهل الضلالة والجهالة وأهل البغي والعدوان: عودوا أنتم إلى محبوبكم، ولذلك فعل الصحابة رضوان الله عليهم، حضروا في اليرموك فقال معاذ -وقد قرأ سورة الأنفال على رءوس الأشهاد فما بقى أحد إلا بكى -قال: [[قولوا: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقالوا: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله]] ثم هزموا جيشاً قوامه ثلاثمائة ألف، لكن من كان الله في ميزانه وفي حزبه فأنى يغلب، فهو القوة العظمى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟!

نماذج من مؤانسة المكروب

نماذج من مؤانسة المكروب يقول عليه الصلاة والسلام: {من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة} وبعض الناس يغرق في الكوب الصغير، أي مشكلة تأتى تدمره تدميراً عظيماً، لو انقطعت حذاؤه رأيت الهم والغم في وجهه، كأنها قامت الحرب العالمية الثالثة، فما هو المطلوب منك؟ المطلوب منك أن تجلس معه فإذا انقطعت حذاؤه وأنت تجلس بجانبه فعليك أن تواسيه: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157]. وتقول له: أسأل الله أن يحسن عزاءك وأن يكفر خطاياك، وأن يجبر ما أصابك فهو يتسلى ويرتاح ويفرح.

تفريج الكربات من أفضل العبادات

تفريج الكربات من أفضل العبادات قال الحسن البصري: [[يقول أحدكم: أحج، أعتمر، أصلي، أصوم، أزكي هل هذه هي العبادة فحسب؟ لا. فرج عن مكروب صل منقطعاً صل رحماً فهذه هي العبادة]] وقد صدق، وبعض الناس ما له هم ولا غم إلا الصلاة في كل وقت، لكن إذا رآه الناس كشر بأنيابه في وجوههم، عبس وانقبض، لا يعرف صلة ولا براً ولا خلقاً ولا مساعدة ولا معاونة، أيظن العبد أن الأجور فقط في: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد؟ بل الأجور عدد الأنفاس. أرسل الحسن البصري إلى ثابت البناني العابد الكبير، حيث جاءه رجل يريد أن يشفع له ثابت إلى رجل -لأن هذا الرجل يريد مالاً- فذهب إلى الحسن البصري، فقال: أريد من فلان أن يقرضني مالاً، وأريد أن ترسل معي ثابتاً البناني؛ لأن عنده وجهاً -صاحب وجه وجاه- قال الحسن البصري: اذهبوا إلى ثابت في المسجد ليذهب مع هذا الرجل، فذهبوا إلى ثابت فوجدوه يصلي في المسجد فأخبروه الخبر، فقال: لا. أنا أصلي في بيت الله فلا تخرجوني منه، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه، قال: اذهبوا إليه وقولوا له: [[يا أعيمش! -أعيمش تصغير أعمش- يا أعيمش! أظننت أن صلاتك هي العبادة كلها؟ والله لذهابك مع أخيك المسلم لقضاء حاجته خير من ألف ركعة]] فلما أخبروه ترك وذهب معهم ليشفع. ولذلك من كان عنده جاه فليفرج به الكرب عن المسلمين، وليتوسط ويتوسل في غير حرام، وليشفع بتقديم كلمة أو يذهب بنفسه إلى المسئول ليعرض حاجة من لا يستطيع رفع حاجته، أتظنون أن الناس يستطيعون رفع حوائجهم إلى المسئولين؟ لا. إنهم يبكون على الأرصفة لا يجدون من يرفع حوائجهم واستفساراتهم ومطالبهم، فيموتون وهي في صدورهم. يقول صلى الله عليه وسلم: {أولئك جدد القلوب، خلقان الثياب إذا شفعوا لم يشفعوا، وإذا نكحوا لم ينكحوا، وإذا سألوا لم يعطوا، يموت أحدهم وحاجته في صدره} هؤلاء بحاجة إلى أن يمد الإنسان يد العون إليهم.

رجل يطلب الإمارة ليخدم إخوانه

رجل يطلب الإمارة ليخدم إخوانه قال ابن رجب الحنبلي في كتاب جامع العلوم والحكم: كان أحد الصالحين إذا سافر مع أحبابه وأصحابه في الغزو قال: أشترط عليكم، قالوا: ماذا؟ قال: أن أكون أميركم في هذا السفر، ما يطلب الإمارة إلا إنسان لا يريد بها خيراً، لكن هذا يريد الخير، فقالوا: أنت أميرنا، فكان إذا ذهب معهم قام فقال: لا يقوم أحد منكم، فقام ليصنع الطعام وقام ليجمع الحطب فيقول: أنا الأمير اجلسوا، قال: فإذا أتوا ينامون قام يصلي وكان يحرسهم في الليل فإذا انكشف غطاء أحدهم عن رأسه وجسمه رد غطاءه عليه، فإذا أتوا ليركبوا قرب مركوب كل أحد إليه فأركبه عليه، قال: فلما توفي -وقد ذكر هذا في جامع العلوم والحكم في شرح هذا الحديث- قال: فلما توفي وجدوا على جسمه مكتوباً: براءة له من النار، قال: فأخذه المغسل وهو على جنازة الموت ووجد هذا الكتاب تحت الجلد -بين الجلد واللحم- مكتوب عليه: براءة له من النار. فهذا العمل صالح، علمه الله من العبد حيث كان يقدم هذا العمل العظيم، ولكن لا يغفل الله عن أي عمل، ولذلك ورد في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة قال: {مرَّ رجل من بني إسرائيل بشجرة كان غصنها في الطريق، فقال: أرفعه لا يؤذي المسلمين -كم من المشقة وجدها وكم من التعب؟! فكسر الغصن وحوله عن الطريق- فشكر الله له وأدخله الجنة}.

النبي صلى الله عليه وسلم مع بيت خباب

النبي صلى الله عليه وسلم مع بيت خباب وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله الجنة} يعني: أعلى الأمور، ويدخل فيها: الابتسام والمصافحة والكلمة الطيبة وأن تفرغ بدلوك في إناء المستقي، وأن تعين أخاك المسلم فتمسك له دابته ليركب عليها، فهذا من المعاونة أو من تنفيس الكرب، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما سافر خباب بن الأرت -أحد الصحابة- في غزوة، وكان الصحابة من عادتهم ومن عادة العرب جميعاً: أنه لا يحلب الشاة ولا البقرة ولا الناقة إلا الرجل، فالمرأة لا تحلب، فلما سافر خباب بن الأرت في الغزوة أتى صلى الله عليه وسلم إلى أهل خباب يحلب لهم الشياه- أوردها ابن رجب فما وجد عليه الصلاة والسلام إلا شاة واحدة وباقي الشياه كانت حوامل، فأخذ يحلب لهم هذه الشاة، فكانت تملأ إناءً فضفاضاً كبيراً، وكانت تكفي أهل هذا البيت وتكفي جيرانها من بركة يده صلى الله عليه وسلم، فلما عاد خباب أخبروه الخبر فعمد إلى الشاة ليحلبها فوجد حليبها أول مرة قد نقص، وذلك للفرق بين يديه وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أبو بكر الصديق والعجوز العمياء

أبو بكر الصديق والعجوز العمياء وأبو بكر لما توفي الرسول عليه الصلاة والسلام -وهذه قصة مشهورة قد ذكرها ابن القيم وأهل العلم- كان يصلي الفجر في مسجده صلى الله عليه وسلم ثم يخرج إلى ضاحية من ضواحي المدينة فتبعه عمر. وعمر هو المستساغ عند أبي بكر وهو الرجل الذي يستمع له أبو بكر دائماً، حتى لما كان في سكرات الموت قال لـ عثمان: اكتب: والخليفة من بعدي، فسكت، فكتب عثمان -خاف أن تختلف الأمة- عمر بن الخطاب. فأفاق أبو بكر وقال: من كتبت؟ قال: عمر، قال: صدقت، ولو كتبت غيره لأنبتك، حتى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم يعرفون منزلته. فهذا علي أبو الحسن -أمير المؤمنين الذي تقول الرافضة: أن الخلافة كانت له ولكن هضمها وحرمها- يقول على منبر الكوفة: لا يأتي رجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري. ويقول علي رضي الله عنه وأرضاه: لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر عمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر. فالمسألة مكشوفة للعيان عند أهل السنة والجماعة، أن الرجلين هما أهل الخلافة ثم يأتي عثمان وعلي. قال الإمام أحمد: من لم يثلث بـ عثمان ويربع بـ علي فهو أجهل من حمار أهله -بليد- وهذه تنطبق على الذين فضلوا علياً على الثلاثة، رضي الله عنهم جميعاً ونسأل الله أن يحشرنا معهم جميعاً. الشاهد: فـ عمر كان يسأل نفسه: مالـ أبي بكر يخرج من المسجد كل صباح؟! فقال: لأمشين وراءه هذا اليوم، فمشى وراء أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه -أتظنون أن أبا بكر يذهب للسياحة أو للنزهة أو يلعب كرة رضي الله عنه وأرضاه- قال عمر: فدخل في خيمة لأعرابية في ناحية من نواحي المدينة -وعمر في الجبل لا يعلم به أبو بكر - فلما خرج من الخيمة دخلت وراءه فوجدت عجوزاً عمياء حسيرة كسيرة عندها جوارٍ صغار -بنات- وعندها نوق وشياه وشيء من الغنم، فدخل عمر وقال: يا أمة الله! من أنت؟ قالت: أنا عجوز عمياء حسيرة. قال: ومن هذا الرجل الذي يأتيكم؟ قالت: لا أعرفه -ما أعلمها أنه أبو بكر أو قال لها: أعلمي الناس أن أبا بكر يأتيك كل صباح مثلما يفعل بعض الناس حيث يدفع للفقير ريالاً ثم يتنحنح ليراه جماعة المسجد- فقال: من هذا الرجل؟ قالت: لا أعرفه. قال: فماذا يفعل إذا أتى؟ قالت: يأتي فيقمّ البيت -أي: يكنس البيت- ويصنع لنا إفطارنا ويغسل لنا أشياءنا وينظف لنا ملابسنا، فبكى عمر وقال: أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر. إي والله، أتعب الخلفاء بعده، وهذا هو الإسلام وهذا هو الإيمان وهذا هو القرآن الذي يمشي على الأرض، يوم جعلهم الله خير أمة أخرجت على وجه الأرض، أولها الصحابة. ويأتي من بعدهم إنسان ينام عن صلاة الفجر يقال له: لماذا لا تصلي؟ قال: الحمد لله نحن بخير، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]. إن خير أمة أخرجت للناس الذين قطعت لحومهم في سبيل الله، وسكبت دماؤهم في رفع لا إله إلا الله وفي حفظها، خير أمة أخرجت للناس من بلغوا دين الله في أخلاقهم، كان التاجر يذهب إلى جاكرتا في إندونيسيا فلا يدعو ولا يجمع الناس يوم السبت ليلقي عليهم من صحيح البخاري ولا يلقي محاضرة، إنما يتعامل بالصدق والأمانة، يمر من الشارع في جاكرتا وهو تاجر لا يحفظ إلا الفاتحة وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، فيرون وجهه فإذا عليه النور ويرون معاملته فإذا هي الصدق والوفاء، ويرون معاملته فإذا هو قرآن يمشي فوق الأرض، فيدخلون في دين الله أفواجاً، فلم يدخل جيش جرار ماليزيا ولا إندونيسيا بل دخلها تجار يبيعون ويشترون، فلما علم الله الصدق منهم بلغ دينه ودعوته بهذا. فيقول عليه الصلاة والسلام: {من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة} يوم يجتمع الناس في يوم العرض الأكبر فتشتد الكرب عليهم فيكشف الله عن كل من كشف عن المسلمين كربة، كربة بكربة حتى يزيل الله الهم والغم عمن قدم، وهذا واقع، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح مسلم: {كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس} وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم الطائي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {يدني الله عبده فيكلمه ليس بينه وبينه ترجمان يوم القيامة، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار، فاتقو النار ولو بشق تمرة}. ولكن بماذا يكون تنفيس الكرب؟ قال أهل العلم: تنفيس الكرب بأنواع وأصناف منها: إطعام الجائع، فهو تنفيس كربة؛ لأنه ليس كل الناس يستطيعون الطعام أو يجدونه. وبعض الناس إذا شبع وأصيب بالتخمة من الكبسات وشرب الشاهي بالنعناع، قال: الحمد لله نحن في نعمة من الله جزيلة، والناس في جنوب أفريقيا وفي موزنبيق يموتون جوعاً، ومن معه ومن في عمارته ويسكن بجانبه يموت جوعاً أو لا يجد هذا النعيم، فلذلك ورد عن أبي هريرة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {يقول الله عز وجل: يا بن آدم! جعت فلم تطعمني قال: وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: إن عبدي فلاناً جاع فما أطعمته، أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي. يا بن آدم! ضمئت فلم تسقني. قال: كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: ألم تعلم أن عبدي فلاناً ضمئ ولم تسقه، أما لو سقيته لوجدت ذلك عندي. يا بن آدم! مرضت فلم تعدني. قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض، أما إنك لو زرته لوجدت ذلك عندي، فيتمنى الناس بعد ذلك أنهم يعودون إلى الدنيا} وأنهم ملئوا أوقاتهم من الأعمال الصالحة.

شجاعة وكرم إبراهيم عليه السلام

شجاعة وكرم إبراهيم عليه السلام وفي سيرة إبراهيم عليه السلام، وقد كان إبراهيم كريماً شجاعاً، وفي القرآن كان لإبراهيم روغتان، فأما الروغة الأولى: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} [الصافات:93] هذه روغه الشجاعة، وهناك: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26] فذكره الله بالشجاعة في القرآن وذكره بالكرم وكلها يقصد بها وجه الله؛ لأن بعض الشجعان يقصدون بها الرياء والسمعة، وأما إبراهيم فهو الشجاع الكريم الذي يريد بشجاعته وجه الله؛ لأنه ما كل إنسان شجاع يكون في الجنة سالماً مسلماً، ولا كل إنسان ينفق أمواله ويفرش السرادقات والمخيمات أنه في الجنة، فمن الذين يؤتى بهم يوم القيامة لتسعر بهم النار العالم والمنفق والشجاع. فإبراهيم عليه السلام كانت شجاعته وكرمه لله، حتى يقول عز من قائل: {فَرَاغَ} [الذاريات:26] يعني: من كرمه ومن سماحته ومن جوده راغ، يعني: اختفى أو ذهب بروغان ليس صمداً عمداً، لم يذهب أمام الضيف، إنما اندس وذهب فذبح عجلاً كبيراً حينئذٍ، ثم حنذه كما في سورة الذاريات أنه سمين، فهو سمين حنيذ، ثم قدمه للضيف؛ لأن البخيل لا يروغ ولا يندس، بل يأخذ شفرته أمام الضيف ثم يسنها ويحدها ويصلي ركعتي الاستخارة ويدعو الله عز وجل إن كان الخير في أن يذبح هذا الكبش إن الله يسهل له أن يذبحه، وإن كان الشر في أن يذبح هذا الكبش فإنه يدعو الله أن يصرف عنه هذا الشر، ثم يقوم ويشاور ويعوذ بالله من الكرب فما يأتي هذا الكبش إلا وعليه من الندامة والأسف كأنك لا تأكل لحماً، بل كأنك تأكل علقماً، لأنهم يقولون: وليمة اللئيم إنما هي سقم يعني: لا يجد الإنسان فيها إلا سقماً، يعني: لا يجد الإنسان فيه شفاءً إنما هي سقم، ولذلك العرب تفتخر بأنها تبش وتهش للضيف قبل أن يصل، ولذلك ليس الكرم في كثرة الضيافة، فبعض الناس يقدم من الأطعمة شيئاً كثيراً لكنه غضبان؛ لأنهم ملئوا المجلس عليه وافترسوا أكله، لكن الكريم من العرب من يهش ويبش، يقول الأزدي: أحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب فما عندي في البيت شيء، ولكن قبل أن ينزل من راحلته أحادثه وأمازحه: وما الجود للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب فإبراهيم عليه السلام كان له قصر في فلسطين، وكان هذا القصر له بابان فقال لغلمانه وخدمه: من أتى منكم بضيف فهو حر لوجه الله، فكان هؤلاء العبيد يقفزون الجبال ويذهبون إلى أماكن الفقراء والمساكين ليأتوا بالضيوف، ووصفه الله أنه كريم في القرآن فأوتي بضيف مرة فدخل عليه وإذا بهذا الضيف كافر، يظن إبراهيم أنه موحد، فضيوف إبراهيم خصصهم أنهم موحدون، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام -كما في الترمذي - قال: {لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي} فإبراهيم عليه السلام يرسل ويقول: تعالوا لي بموحدين، فدخلوا برجل فما سأله إبراهيم عليه السلام فلما قرب العشاء له قال إبراهيم: قل باسم الله، قال له: لا. لا أقول بسم الله ولا أعرف الله، قال: والله لا تتعشى، فالولاء والبراء حتى في الطعام. كيف لا تقول بسم الله؟ هل علمت إلهاً غير الله، هل لك إله أكبر من الله؟ قال: والله لا تتعشى، فقام هذا الضيف بجوعه فأوحى الله إلى إبراهيم: كم عمر هذا الرجل؟ قال: لا أدري يا رب، قال: عمره خمسون -وقيل: ستون- أطعمه منذ ولدته أمه، وأنت استطعمك ليلة فما أطعمته! ولذلك كم من كافر يهد الجدار اليوم أو فاجر أو معرض عن الله عز وجل لا يعرف المسجد ولا يركع لله ركعة، والله يرزقه ويلبسه ويعطيه سيارة أمريكية فاخرة ويسكنه في القصور؛ لأن الله عز وجل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سوف يرجع إليه الناس حتى يقول أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يؤتى بأنعم أهل الأرض -يعني: من أهل الضلال- فيغمس في النار غمسة واحدة -في ثوان- ثم يخرج من النار، فيقول الله: هل رأيت نعيماً قط؟ قال: ما رأيت نعيماً قط -نسي كل نعيم- ويؤتى بأهل الخير وأهل الإيمان، من أهل البؤس فيغمسون في الجنة غمسة، فيقول الله: هل رأيت بؤساً قط؟ قال: ما رأيت بؤساً قط} فهذا من كشف الكرب التي جعلها الله عز وجل.

صنائع المعروف تقي مصارع السوء

صنائع المعروف تقي مصارع السوء ومن كشف الكرب ذكر ابن كثير في البداية والنهاية بين ترجمة الرشيد والمأمون:

قصة رغيف الخبز

قصة رغيف الخبز أن رجلاً من الصالحين عرض له وزير فاجر -وزير من وزراء بني العباس- فحكم عليه بعذاب مهين، فلما كان الوزير ينام في الليل قبل أن ينفذ هذا الحكم كان ينتفض خائفاً من المنام، فينام وإذا بامرأة تشير أمامه في المنام بقطعة خبز، وإذا بهذا الرجل الذي حكم عليه الوزير جالس هناك، كلما أراد الوزير أن يعمد إليه وإذا بهذه المرأة تمنع الوزير بقرص من الرغيف، وبعد ثلاث ليال ما كان ينام فيها، استدعى الرجل وقال: أسألك بالله! قال: لماذا؟ قال: رأيت رؤيا أريدك أن تخبرني بها؟ قال: قلي، قال: بعدما حكمت عليك وأودعتك السجن وأردت أن أنفذ عليك العقوبة رأيت كأن عجوزاً تحول بيني وبينك برغيف وكأنك جالس هناك، قال: أما وقد سألتني فوالله ما نمت ليلة إلا وقرص خبز عند رأسي كانت تصنعه أمي وتجعله عند رأسي، فإذا أتى الصباح تصدقت به على المساكين، فلما كبرت وحضر أمي الموت، قالت: يا بني! لا تترك الوصية، قلت: ماذا؟ قالت: هذا الرغيف لا تتركه أبداً، اصنع رغيفاً واجعله عند رأسك وأعطه المساكين، فإن الله يمنعك [[فإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء]] قال: فوالله ما مرت عليَّ ليلة وأردت أن أنام إلا ووضعت هذا الرغيف عند رأسي وأعطيه المساكين، قال الوزير: والله لا تمسك مني عقوبة أبداً، ثم عفا عنه. وقد ذكرها ابن كثير لمن أراد أن يعود إليها: [[فصنائع المعروف تقي مصارع السوء]] كما قال أبو بكر وصحت عنه هذه الكلمة.

التيسير سبب لدخول الجنة

التيسير سبب لدخول الجنة قال عليه الصلاة والسلام: {ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة} المعسر: الذي لا يجد سداد الدين أو سداد حقوق الناس، والتيسير: من صاحب دين. فمثلاً: هو أن تؤجله أو أن تنقص من هذا الحق أو أن تسامح فيه، فالرسول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه قال: {كان فيمن كان قبلكم رجل أتي به إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ليحاكمه، فلما عرضه أمامه قال: خذوه إلى النار، فأخذته الملائكة إلى النار، فقال عز وجل: ردوه، فلما ردوه قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: هل لك من عمل صالح؟ قال: يا رب! والله ما أتذكر شيئاً إلا أنه كان لي تجارة في الدنيا، فكان إذا أتى لي إنسان أو طلب مني حاجة أتجاوز عنه لعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتجاوز عني، فقال الله: -في غير رواية الصحيحين - فقال الله: ليس أكرم منا هذا اليوم، أدخلوه الجنة} وهذا بسبب أنه يتجاوز عن الناس وقال عز من قائل: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] فبعض الناس إذا كان له دين على الناس، شق عليهم وأخرج لهم النجوم وسط النهار صباح مساء، بعد كل صلاة وهو عند الباب: أعطوني حقي، أخذتم حقي، وهي مائة ريال أو ألف ريال، وهذا من الذين لا يريدون إنظار المعسرين، وهو في غنى وسعة، وقد جهل هذا أجر الله عز وجل، وقد فاته أجر الثواب من الله عز وجل، وهذا ليس إلا فعل اليهود. يقولون: اليهود يدينونك ثلاثة أشهر ويأتون ليأخذوا منك بعد شهرين، ولذلك قال ابن جرير في التفسير: " لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم -حول قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89] قال ابن سعية: رأيت علامات الرسول صلى الله عليه وسلم -هذا ابن سعية يهودي وقد رأى العلامات في التوراة، رأى العلامات كلها أمام العين في الرسول صلى الله عليه وسلم- إلا في مسألة واحدة، أنه إذا غضِب يزداد حلماً، فما عرف هذه الخصلة فيه صلى الله عليه وسلم، فأراد هذا اليهودي أن يكتشف خصلة أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا غضب يزداد حلماً فماذا فعل؟ ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا أبا القاسم! - لماذا يقولون: يا أبا القاسم؟ لأنهم لا يعترفون برسالته، إن قال: يا محمد! ليس هذا من الأدب وإن قال: يا رسول الله! شهدوا على أنفسهم، فيقولون: يا أبا القاسم- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قال: علمت أنك وفدت المدينة وأنا تاجر من تجار اليهود عندي مال فخذ هذا المال حتى يفتح الله عليك، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم المال، وظن أن هذا صادق وأنه سوف يؤجله حتى يفتح الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليه، وبعد أربعة أيام أو خمسة إذا باليهودي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر فقام اليهودي وقال: يا بني عبد المطلب! أعطوني مالي إنكم قوم مطل -يعني: أنكم تماطلون وتلعبون بصاحب الدين، انظر إلى الدهاء- فقال صلى الله عليه وسلم: إنك أجلتني حتى يفتح الله علي، قال: لا تماطلني ديني، أعطني حقي يا محمد! إنكم يا بني عبد المطلب قوم مطل، قال في الرواية: فقام عمر بن الخطاب -يقول ابن سعية: فرأيت عيناه تتدحرج في رأسه- وقال: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا، فقال صلى الله عليه وسلم: اجلس يا عمر! أنت أولى بأن تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن الطلب، ولذلك كان خلق رسول الله جليل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] فجلس عمر فقام عليه الصلاة والسلام إلى هذا اليهودي، وأخذ اليهودي يرفع صوته في المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم، كلما رفع اليهودي صوته كلما تبسم عليه السلام وكلما زاد حلمه، ثم أعطاه فلما أعطاه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله! ما قرأت صفة لك في التوراة إلا وجدتها إلا هذه الخصلة، فوجدت أنها ستثبت هذا اليوم فقد ثبتت. فأتى إلى اليهود ليخبرهم، قالوا: لا. أصبح داعية إليهم، فقالوا: ليس بهذا، فقال الله: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]. والرسول عليه الصلاة والسلام عندما قدم المدينة، قال عبد الله بن سلام -أحد اليهود الذين أسلموا، وهو من فقرائهم وعلمائهم وأهل الصدارة فيهم- قال: {فلما رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في السوق انجفل الناس إليه، فانجفلت مع من انجفل من الناس -أي: أسرع الناس إليه، وأخذ يدخل بين الناس حتى رأى وجه الرسول عليه الصلاة والسلام- قال: فلما استثبت منه وإذا بوجهه ليس بوجه كذاب، قال: فدنوت منه، وإذا به يقول للناس -اسمع حتى الكلام كلام رسول، لا يوجد كلام ساقط بل كله كأنه الدر- قال: يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا في الليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام، قال: فوقع الإسلام في قلبي، فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ووضعت يدي في يده وقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله} ما أسلم من اليهود إلا ثلاثة هذا وكعب، وابن سعية قال صلى الله عليه وسلم: {لو أسلم عشرة من أحبار اليهود لأسلم اليهود عن بكرة أبيهم} لكن ما أسلم إلا ثلاثة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأحقاف:10]. فالشاهد من بني إسرائيل عبد الله بن سلام {فأسلم عبد الله بن سلام وقال: يا رسول الله! إن اليهود قوم بهت -أي: يبهتون الإنسان ولذلك بهتوا مريم البتول عليها السلام- فقال: إن اليهود قوم بهت، وإذا سمعوا بإسلامي بهتوني، فاستدعهم يا رسول الله واسألهم عني، فاستدعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم ووضعهم أمامه، وابن سلام في مشربة -في غرفة- خلف الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال الرسول لهم: كيف ابن سلام فيكم؟ -وهم لا يدرون أنه أسلم- قالوا: سيدنا وابن سيدنا وعالمنا وابن عالمنا وفقيهنا وابن فقيهنا -وألقوا عليه محاضرة في المجلس- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أسلم ورزقه الله الإسلام؟ فقالوا: أعاذه الله من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج يـ ابن سلام، فخرج وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا، وأحمقنا وابن أحمقنا، فقال ابن سلام: أما قلت لك يا رسول الله؟ قال: نعم. إنهم قوم بهت} فالتيسير على المعسر هي أن تؤجل له في المدة، أو أن تنقص له من القيمة، أو أن تسامحه، وفي الحديث: {أن أبا قتادة رضي الله عنه وأرضاه -هذا في البخاري - وفد إلى رجل فقال: أعندك سداد لمالك؟ قال: والله ما عندي سداد، قال: أسألك بالله ما عندك من سداد؟ قال: والله ما عندي من سداد، قال: والله لقد عفوت عنك لما لا يوجد عندك من سداد، قال: وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يسَّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة}.

من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة

من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ثم قال عليه الصلاة والسلام: {ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة} وفي سنن ابن ماجة قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من ستر عورة مسلم ستر الله عورته يوم القيامة} فما المقصود بالستر في الحديث؟ الستر على نوعين: أولها: ستر أهل الخير والصلاح وأهل الطاعة الذين تكبو بهم أقدامهم أو تنزل بهم ألسنتهم أو تجد منهم هفوة أو يأتي منهم أمر، فسترهم: أن تقيل عثراتهم ولا تبديها للناس، يقول عليه الصلاة والسلام -كما عند أحمد وغيره-: {أقيلوا لذوي الهيئات عثراتهم} وذوي الهيئات: أهل الصلاح والاستقامة وأهل الخير وأهل المعروف الذين تبدر منهم بادرات أو هفوات أو زلات: من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط من ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه تريد مهذباً لا عيب فيه وهل عود يفوح بلا دخان أتريد من الإنسان أن يكون معصوماً؟ فإذا كان الإنسان ظاهره الصلاح ويريد الخير، وحسناته أكثر من سيئاته قال: ابن المبارك رحمه الله -كما في كتاب الكفاية عند الخطيب البغدادي -: العدل عندنا -أي: عند أهل السنة والجماعة -: هو الذي زادت حسناته على سيئاته. وقال سعيد بن المسيب -كما في ذلك-: ليس مسلم يخلو من ذنب، لكن من زاد صلاحه على فساده فهو المقبول الثقة. فهذا هو الذي يزيد خيره على شره، فإذا كان هذا الخيِّر بدرت منه بادرة فاسكت ولا تخبر واكتم واستر واطلب من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يسترك بهذا، كأن يفعل ذنباً لكن هو صالح، لكنه كتب الله عليه بعض الأفعال من المعاصي والجرائم كتأخير الصلاة يوماً من الأيام بتشاغله بشيء، بدرت منه كلمة ليست بلائقة، أو غضب غضبة فأخرجت منه بعض البذاء أو بعض الفحش، فهذا تستره وتكتم عنه ولا تخبر به، أما أن تجلس إلى الناس وتخبر وتقول: الله المستعان! ظاهرك كأنك تريد أن ترقق له وأنت تريد أن توخزه وتطعنه، ولذلك بعض الناس -كما يقول الغزالي - أذكياء في الغيبة لا يأتون ليجرحوا الناس أمام العين، ولكن يأتون أمام المجلس ويقولون: غفر الله لفلان، ليته ما وقع فيما وقع فيه، نسأل الله أن يغفر له ولنا، وهم يريدون أن يجرحوه ويقطعوا لحمه ويشربوا دمه لا يريدون إلا ذلك ويقول أحدهم: عافانا الله مما ابتلى به فلاناً ويأتي الثالث ويقول: بت البارحة مهموماً ومغموماً، قالوا: ما هو الشيء الذي همك وغمك؟ قال: مما وقع فيه فلان، وهو لا غم ولا هم ولا سهر لكن أراد أن يقطع لحمه في المجلس، فهؤلاء هم الذين يفضحهم الله على رءوس الأشهاد.

الجزاء من جنس العمل

الجزاء من جنس العمل يقول ابن رجب: أثر عن بعض الصالحين قال: والله الذي لا إله إلا هو! إنه كان عندنا قوم ستروا عيوب الناس فستر الله عيوبهم، وكانت لهم عيوب، فلما ستروا عيوب الناس ستر الله عيوبهم، وإنه كان عندنا قوم ليس لهم عيوب فكشفوا عيوب الناس فأحدث الله لهم عيوباً، فالجزاء من جنس العمل. إذا وجدت الإنسان يُغتاب بكثرة فاعرف أنه هو أيضاً يغتاب، وإذا وجدت أنه يطعن فاعرف أنه طاعن: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ} [آل عمران:185]. فهذا الجزاء من جنس العمل، كمن يستر على المسلمين فيستره الله، يقول ابن مسعود كما في الزهد للإمام أحمد وقد تبعه الناس يمشون وراءه: [[والله لو علمتم ما عندي من الذنوب لحثوتم التراب على رأسي]] هذا هو صحابي وهو صاحب أيادٍ وصدق في الإسلام، فكيف بنا أهل المعاصي والذنوب؟! فالواجب على المسلم أن يستر أهل الخير وأهل الصلاح. وأما القسم الثاني: فهم المجاهرون بالمعاصي المنتهكون لحرمات الله، المعتدون لحدوده، فهؤلاء لا يستر عليهم وإنما يخبر بهم السلطان والمسئول والقاضي ليكون ردعاً لهم، وحداً للجريمة، وتبكيتاً للمعصية، فإنهم لو تركوا لحملوا الناس على المعاصي. ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها -في حديث الضحاك بن قيس - فلما ذهب إليها أنيس فاعترفت فرجمها} وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بكثير من الناس فأقام عليهم الحد، لأنهم شهروا بأنفسهم أو لأنهم أعلنوا وتقدموا إليه صلى الله عليه وسلم، ولو أنهم استتروا لسترهم الله ولما أقام عليهم صلى الله عليه وسلم حداً، يقول صلى الله عليه وسلم: {من ابتلي من هذه القاذورات بشيء فليستتر بستر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى}. والواجب على المسلم نحو الذنوب والخطايا التي لا يسلم منها أحد: أن يتوب ويستغفر وأن يفعل من الحسنات الماحية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] وقال عز وجل: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] وقال: {وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:22] وقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. فالواجب على المسلم أن يستتر بستتر الله ولا يبدي نفسه وإنما يستتر حتى يتوب الله عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، إلا من جاهر فهذا يخبر به.

طريق طلب العلم

طريق طلب العلم بقي في الحديث مسائل ولكن الوقت لا يكفي وهناك مسألة عظيمة من أعظم مسائل الحديث، وهي قوله عليه الصلاة والسلام: {وإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه} ثم قال: {ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة} أو {من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة} أسأل الله أن يجعل طريقكم هذا وجلوسكم هذا باباً من أبواب الجنة، فإنه قد يكفر بجلسة واحدة الخطايا والذنوب، ولذلك قال عطاء: [[مجلس الذكر يكفِّر سبعين مجلساً من مجالس اللغو]] يعني: مجالس الذنوب. فهذا المجلس أو الجلسة الواحدة يكفر الله بها الذنوب أو الخطايا ويكفي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: {هم القوم لا يشقى بهم جليسهم} قال ابن رجب: {ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً} قال: إما يلتمس بالمعنى أو يلتمس بنفسه كأن يذهب إلى حلقات الذكر، إلى محاضرات الخير والدروس العلمية، لأنه ليس العجيب أن نسمع إلى الدروس العلمية أو أن نحفظها، أو أن نسمع حديثاً أو نحفظه، لأنه كان بالإمكان أن يقرأ كثير من الناس رياض الصالحين وهو في البيت أو يقرأ صحيح البخاري وصحيح مسلم وهو جالس على أريكته في البيت، ليس هذا هو سر الإسلام ولا سر العلم عند السلف الصالح، بل السر أن يجتمع السلف في بيت من بيوت الله، فيسمعون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ويسمعون (قال الله، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم) {فيباهي الله بهم الملائكة، وتتنزل عليهم الرحمة، وتغشاهم السكينة، وتحفهم الملائكة، ويذكرهم الله فيمن عنده} وإلا فإن الإنسان قد يقرأ أكثر من هذه الأحاديث، لكن وحده قد لا يحصل على مثل هذه الأجور، واجتماع القلوب سبب في إجابة الدعوة، وأغيظ ما يكون لأهل الباطل وأهل البدع مثل هذه المجالس، فهم يموتون منها. فمن سلك طريقاً يلتمس به علماً يريد به وجه الله جعل الله هذا الطريق سبيله إلى الجنة، وجعله في حفظه ورعايته. قال أهل العلم: الجلوس في مجلس العلم أفضل من الصلاة النافلة، ومن قراءة القرآن. فمن جلس في المسجد أو وقف يصلى ويركع ويقوم فمن جلس هنا أفضل منه بلا شك ففي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم: {أنه عليه الصلاة والسلام دخل وإذا بحلقتين في المسجد قوم يسبحون ويستغفرون وقوم يتدارسون حديثه والعلم، فقال: أما هؤلاء فيدعون الله فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وهؤلاء يتعلمون فإنما بعثت معلماً ثم جلس معهم}. وورد عند الطبراني: [[لئن أتعلم حديثاً واحداً أو باباً من أبواب العلم خير من أن أصلي مائة ركعة]] قال الإمام أحمد: سماع الحديث وقراءة الحديث خير عندنا من الصلاة النافلة، وقال الشافعي: الجلوس في مجالس العلم خير من الصلاة النافلة. أسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى كما جمعنا في هذا المجلس أن يجمعنا في مستقر رحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالى في جنة النعيم عنده على سندس خضر، وأن يجعلنا من الذين يرون وجهه يوم الزيادة إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم، وأن يجعل هذه المحاضرات والدروس والكلمات في ميزان الحسنات، وأن يجعلها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى مذكورة عنده. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وسلم تسليماً كثيراً.

الذين بدلوا نعمة الله كفرا

الذين بدلوا نعمة الله كفراً نعم الله جل وعلا تغمرنا من كل حدب وصوب، ولكن هناك من يبدل هذه النعمة إلى نقمة بسبب كفره وإعراضه وفسقه، وفي هذا الدرس بعض أخبار من بدلوا نعمة الله كفراً؛ وأخرى عمن قيدوا هذه النعم بشكرهم الله عليها، فإذا أنعم الله على الإنسان بالمال والبنين والأمن والاستقرار، فقد تزول وقد تبقى، وهناك أسباب لبقاء النعم وأسباب لزوالها.

حقيقة الذين بدلوا نعمة الله كفرا

حقيقة الذين بدلوا نعمة الله كفراً الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، والصلاة والسلام على معلم الخير وهادي البشر، ما اتصلت أذن بخبر، وعين بنظر، وما تألق ورق على شجر، وما هطل مطر وانهمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فعنوان هذا الدرس: (الذين بدلوا نعمة الله كفراً). من هم الذين بدلوا نعمة الله كفراً؟ هو الذي ترك النعمة وراء ظهره، وارتكس على رأسه، واستدبر الصراط المستقيم، واتخذ كتاب الله ظهريا، إنه صنف من الناس يتكرر، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28]. والخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، وصح عن ابن عباس أنه قال: [[الذين بدلوا نعمة الله كفراً هم قريش؛ أتاهم محمد عليه الصلاة والسلام، فكذبوه ولم يطيعوه، فبدلوا نعمة الله كفراً]]. وأقول: بل قال كثير من العلماء: كل من أعرض عن كتاب الله عز وجل وعن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام فهو من الذين بدلوا نعمة الله كفراً. وانظر إلى أسلوب القرآن الجميل الرائع؛ رؤى وأشواق ومرئيات، ألم تر يا محمد إلى الذين بدلوا نعمت الله كفراً، ولم يقل نعم الله؛ لأن نعمة الله لا يؤدى شكرها، فكيف إذا ذكرت النعم، ولذلك قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18] ولم يقل: نعم الله؛ لأن الناس إذا لم يستطيعوا لنعمة واحدة فما بالك إذا كانت نعماً. وعند أحمد في كتاب الزهد بسند جيد مرفوعاً إلى رب العزة تبارك وتعالى أنه قال: {عجباً لك يا بن آدم، خلقتك وتعبد غيري! ورزقتك وتشكر سواي! أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إليَّ بالمعاصي وأنت فقير إليَّ، خيري إليك نازل، وشرُّك إلي صاعد} وهذا شأن العبد يوم يترك منهج الله عز وجل، ويرتكس ويعرض عن الطريق المستقيم الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام. يا مسلمون! يا صادقون! أبواب الجنة أغلقت من يوم بعث محمد عليه الصلاة والسلام، أغلقت فلا يدخل الداخل إلا من طريقه: إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً إلى محمد عليه الصلاة والسلام: قال: {قال الله تعالى: يسبني ابن آدم} سبحان الله! للحديث قصة لكن قصتها لم يوردها البخاري أوردها أهل السير: موسى بن عمران عليه السلام كان جريئاً شجاعاً في الأسئلة هو الذي يقول: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] لم يقلها أحد من الناس، ولكن قالها موسى عليه السلام. يقول في Q يا رب! أسألك مسألة، قال: ما هي يا موسى؟ قال: أن تمنع ألسنة الناس أن يتكلموا في أي: ألا يغتابوني، قال الله عز وجل: يا موسى! ما اتخذت ذلك لنفسي، إني أرزقهم وقد خلقتهم وأعافيهم ويقولون: إني اتخذت صاحبة وولداً، وأنا الله لا إله إلا أنا لم أتخذ صاحبة ولا ولداً، ولكن لفظ البخاري {يسبني ابن آدم وما كان له ذلك، ويشتمني ابن آدم وما كان له ذلك، أما سبه إياي، فيسب الدهر وأنا الدهر أقلِّب الليل والنهار كيف أشاء، وأما شتمه إياي فيقول: إني اتخذت صاحبة وولداً، ولم أتخذ صاحبة ولا ولداً} هذا بلفظ. أيها المسلمون! كثر الكفران بالنعم، ولكن في هذه المحاضرة مسائل منها: العنصر الأول: آثار. والعنصر الثاني: نداءات. والعنصر الثالث: شكر النعم. والعنصر الرابع: النعمة الحقيقة. والعنصر الخامس: كفران النعم.

آثار الكفر بأنعم الله

آثار الكفر بأنعم الله أما الآثار: فقد ورد بعضها عن عمر رضي الله عنه وأرضاه وسند الحديث إليه حسن أنه دخل على إبل الصدقة، فقال له أحد الناس: يا أمير المؤمنين! صدق الله، يوم يقول: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] وقال عمر: أتظن أن الرحمة هي الإبل، لا والله، أتدري ما رحمة الله؟ قال: لا. قال: هي العمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو رحمة الله. ترك المعصية بنور من الله: أي تخاف عذاب الله، الرحمة والنعمة ليست السيارات والقصور، لأننا رأينا الناس يوم أعرضوا عن الله تحولوا إلى عصاة. سل الشواطئ: أرى شطآنكم أضحت خراباً وعرضاً للمفاسد والمعاصي سل الشطآن ماذا يفعل فيها، وإنه ليؤسفني ويؤسف كل مسلم، أن تكون هذه الشطآن في الجزيرة في بلاد مهبط الوحي، أرض المقدسات وبلاد الرسالات الخالدة، لتختلط المرأة بالرجل، ولتتعرى المرأة في الماء، ولتبدي مفاتنها، ولتضيع أو تؤخر الصلوات، ولترتفع النغمة البائسة الحقيرة من الأغاني، ولتنتشر الفاحشة في جيل صحا وعاد إلى الله، أليس هذا من كفران النعم، بلى.

الكفر بالنعم يزيلها

الكفر بالنعم يزيلها قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. ونعود إلى ابن عباس رضي الله عنهما، قال: القرية الآمنة المطمئنة هي مكة، (كانت آمنة مطمئنة) يسوق الله لها أرزاقها من أنحاء الدنيا، فكفرت برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، فجعلهم الله شذر مذر، ونقول: يا أبا العباس نقبل رأسك، ويدخل في ذلك كل قرية أعرضت عن منهج الله، أبها أو جدة أو الطائف، أو باريس، أو واشنطن. كل قرية لم تعرف نعمة الله ولم تقدر لا إله إلا الله، ولم تنضو تحت مظلة (الله أكبر) فهي قرية أعلنت فسقها وعصيانها. ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] قال أهل التفسير: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء:16] كثرنا مترفيها، يضرب العود، وتشتغل الشاشة، ويدار كأس الخمر، وتتبرج الفتاة بلا حجاب، وتضيِّع قرآنها وحجابها، ودينها وعفافها، وزوجها وبيتها، وتجوب الأسواق مع الخياطين والباعة، وتصل إلى الشاطئ، نظر العربي الأول إلى امرأته فرآها تنظر إلى رجل، فقال: عجيب! أتنظرين إلى رجل؟ والله لا تحلين لي امرأة ونظم قصيدة رائعة، يقول: إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كن الكلاب ولغن فيه فكيف لو رأى هذا العربي الشواطئ؟ كيف لو رأى الساحل السافل؟ كيف لو رأى الأسواق؟ كيف لو رأى الفتات التي تخرج بثياب يستحي الرجل والله من لبسها، فمن الرجال من يستحي أن يلبس لباس بعض النساء، تذهب ولكنها خلَّفت إيمانها، تذهب ولكنها خلَّفت حجابها، والشاهد قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} [الإسراء:16] يدمرها ربها ويفنيها، ويقسي قلوب أصحابها: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] ويقول سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} [الطلاق:8] هنا كأين عند النحاة للتكثير النسبي {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً} [الطلاق:8].

لبنان كفرت بأنعم الله

لبنان كفرت بأنعم الله لبنان عاشت الظلال والبساتين، لبنان عاشت الندى والطل، لبنان عاشت الثلج والزهر، عاشت الفجر والنسيم، لكنها أعرضت عن منهج الله، ما كان يؤذن في مساجدها، ما كان هناك طلبة علم يقولون: هذا منكر وهذه فاحشة، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79]. فغضب الله، وإذا غضب الله فإن غضبه أليم شديد، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود:102] عجيب أمر القرى! القرى الظالمة إذا أخذها الله فإن أخذه أليم شديد، فأخذهم الله؛ حرب وسلب، وتقتيل وخوف ومجاعة؛ حتى سمع العالم بمآسي لبنان ودموعها وجراحتها. لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب

سبأ كفروا بأنعم الله

سبأ كفروا بأنعم الله وينتقل بنا القرآن مباشرة إلى اليمن، لنعيش قصة هائلة محزنة هناك، وقعت لأمة أعرضت عن منهج الله قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ. فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:17]. زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير نقصان وكل وجدان قوم لا ثبات له فإنما هو في التحقيق خسران أعرض عن منهج الله، قال ابن كثير وغيره من المفسرين: آتى الله كل رجل من سبأ بجانب بيته بستانين وجنتين، عن يمين وعن شمال، يخرج من بيته وبستان عن يمينه وبستان عن شماله، شجر متدلٍ ونعيم خالد، ظل وارف، وماء بارد، وطيور ترفرف، وحياة رغيدة، ولكن القلوب أعرضت عن منهج الله، مثلما يفعل الآن: بيوت وقصور وفلل وسيارات ورغد ومطاعم ومشارب، ولكن هناك من يفسد ويريد ألا ينكر عليه، ومن يفجر ويريد أن يسكت عنه، ومن يتخلع عن الدين، ويقيم المنكر ويستهزئ بالرسالة، ومن يعارض المسجد، ويقاطع لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً} [نوح:5 - 7]. أيها الإخوة الذين جلسوا على الخشب والحديد: انتبهوا لا يسقط بكم كما يسقط بعض الناس برسالته ومبادئه وبإيمانه، وسقوطكم أهون؛ لأن مؤداه ينحصر بالموت، وسقوط بعض الناس إلى جهنم، يقول ابن القيم: "مرض الجسم سهل بسيط، وكسر الجسم يُجبر، لكن كسر الدين لا يجبر أبداً، وسقوط الاستقامة إنما يؤدي بصاحبه إلى نار جهنم". فأعرضت قرية سبأ يقول ابن كثير: كانت المرأة تذهب بسلة على رأسها فتمتلئ السلة من الثمار التي تتساقط على السَّلة، ولكنهم ما قدروا هذه النعم، بل أعرضوا تماماً وفحشوا بأسلوبهم مع الله، بعض الناس يحارب الله جهراً؛ يقاطع المسجد، فلا يعرف الصلاة، ليله ونهاره غناء وتطبل متى يهديك قلبك وهو غافٍ إذا الحسنات قد أضحت خطايا ونحن نقول: ليت السيئة تنحصر فيهم وتتركنا، لكنَّ الشر يعم والخير يخص. نعم إذا لم ننه وننكر، ولم ندع وننزجر؛ فإن معنى ذلك أننا سوف نُجتاح كلنا ونعوذ بالله من غضب الله. قرية سبأ أغضبوا الله، فما حاربهم الله بجيش أو أنزل عليهم ملائكة؛ لأنهم أصغر وأذل، قال بعض العلماء: يا ضعيف العزم! يا فقير الإرادة! أتحارب الله؟ الله لما حاربه نمرود بن كنعان، أرسل له بعوضه فقتلته، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:73 - 74] ويقول سبحانه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [سبأ:22] ويقول سبحانه: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:41] أرسل الله عليهم فأرة، يقول سحبان بن وائل ليمني عند معاوية: " أيها اليمني! أخبر بكم هدهد، ونقض سدكم فأر، وتكلمت عليكم وزغة فلا تفخر، الهدهد نم عليهم عند سليمان، والفأر نقَّض عليهم جسرهم وسدهم، ولا نستنقص منهم، لأن معالم الإقبال في اليمن {فالإيمان يمان والحكمة يمانية} ولكن ذاك الجد البائس الذي ما عرف الله، جدنا جميعاً. غيري جنى وأنا المعاقب فيكم فكأنني سبابة المتندم غضب الله عليهم؛ فأرسل عليهم فأرة فنحت السد، فهوى السد، فاجتاحهم الماء، فصاروا شذر مذر، بكى الأطفال والشيوخ وولولت، النساء، ولكن ولات ساعة مندم! كذلك من يخرج عن شريعة الله ومن يتذمر عن رسالة الله ويغضب الله.

قيدوا النعم بالشكر

قيدوا النعم بالشكر إخوتي في الله: نعم الله لا تقيد إلا بالشكر يقول الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]. البرامكة أسرة عاشت في عصر العباسيين وزراء، وكانوا يُطْلون قصورهم بماء الذهب، لكن هل أرضوا الله؟ ما عدلوا ولا خافوا الله، وكان كأس الخمر والفتيات والغانيات في قصورهم، وتر ونغم في قصورهم، فحذرهم أحد العلماء وقال لهم: انتبهوا إن النعم لا تقيد إلا بالشكر. إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم وحافظ عليها بتقوى الإله فإن الإله سريع النقم قال: قيدوها بالشكر، لكن لم يفعلوا، وفي لحظة من اللحظات أغضب الله عليهم أقرب الناس إليهم هارون الرشيد فاجتاحهم بالسيف، قتل شبابهم ضحى، وأخذ شيوخهم وقادهم وهم يتباكون إلى السجن، حبسهم حبساً عظيماً، وقد بكى خالد بن يحيى البرمكي في السجن سبع سنوات، وطالت أظفاره؛ وما وجد ما يقلم أظفاره بعد النعيم، وطال شاربه وما وجد مقصاً، وعميت عيناه، قال له أحد الناس وقد زاره في السجن: ما هذا البلاء يا خالد؟ قال: دعوة مظلوم سرت بليل، غفلنا عنها وما غفل الله عنها! قيل لـ علي بن أبي طالب: ما بين التراب والعرش؟ قال: [[دعوة مستجابة]]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:145] قيل لأحد علماء السلف: ما هو الشكر؟ قال: شكر العين البكاء من خشية الله -لأن بعض الناس إذا سمع الموسيقى بكى؛ لكنه لا يبكى عند تلاوة القرآن وسماع الذكر! كان أبو بكر وعمر تبتل لحاهما بالدموع إذا سمعوا آيات الله تتلى- قال: شكر العين البكاء، وشكر القلب الحياء من الواحد الأحد؛ إذا استحى القلب من الله فقد سَعُد في الدنيا والآخرة، والحياء لا يأتي إلا بخير، يقول الشافعي: " والله الذي لا إله إلا هو لو علمت أن شرب الماء ينقص من مروءتي وحيائي ما شربته أمام الناس " قلنا: يا شافعي لله درك! والله لقد وجد من الجيل من تفسخ عن شريعة الله بلا حياء، وأدبر عن المسجد بلا حياء، وكفر بالله بلا حياء، وسبَّ الرسول بلا حياء، وهجر القرآن بلا حياء. إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي فاصنع ما تشاء فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء الحياء جلباب وضعه الله على وجه العبد، يستحي العبد من الله إذا هم بمعصية فعينه تقول: انظر، والحياء يقول: لا تنظر، أذنه تقول: اسمع، والحياء يقول: لا تسمع، رجله تقول: امش، والحياء يقول له: لا تمش في معصية الله، قال الشافعي في نظم: لسانك لا تذكر بها عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن وعينك إن أبدت إليك معايباً لقوم فقل يا عين للناس أعين

النعمة قسمان

النعمة قسمان قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28] قال بعض العلماء: النعمة قسمان: نَعمة -بالفتح- سميت في سورة الدخان، ونِعمة بالكسر. فالنِّعمة يدخل فيها ما قربك إلى الواحد الأحد، والنعمة بالفتح هي نعمة يشترك فيها الناس، وتشترك فيها البهيمة، الثور والحمار والخواجة الأحمق، والبلشفي الأشقر، والوثني، كل هؤلاء يدخل في هذه النعمة، وقال الله عن النعمة: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3]. والله عز وجل جعل لهؤلاء أكلاً وشرباً، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] كالأنعام في أكلهم وشربهم، وفي خروجهم ودخولهم، ولذلك لما وصفهم الله في موضع آخر أخبر أنه أعطاهم الجوارح والأعضاء، ولكن ما استغلوها، عين وأذن ويد ورجل قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. فليس أعمى من عميت عيناه، بل من عمي قلبه قال تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] وقال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19] أفمن يعلم أن المسجد خير من المقهى، وأن المصحف خير من المجلة الخليعة، وأن التلاوة خير من الأغنية الماجنة، وأن صحبة الأخيار خير من الأشرار، كمن ارتكس على رأسه وأعرض عن طاعة الله وأصبح شيطاناً، يقول أحد شياطين الإنس الذين يدمرون الأجيال: وكنت امرءاً من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي يقول: كنت في فترة من الفترات أطيع إبليس في الحاشية فقربني إبليس، ثم زاد بي الحال فتَرقيتُ حتى أصبحت أسيِّرهُ، لذلك يسمى هذا المارد الإنسي، والمارد الإنسي هو الذي يتعدى ضرره إلى الناس، بعض الناس فاسد في نفسه، لكن بعضهم يفسد مجتمعه وإخوانه، ملطخ في السر والعلانية، أينما ذهب أفسد، بينما يقول الله سبحانه عن أحد الصالحين من الأنبياء والمرسلين: {مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:31] قالوا: كلما حل في بلدة كان مباركاً، قال المتنبي: وكذا الكريم إذا أقام ببلدة سال النضار بها وقام الماء الكريم عبد الله إذا حل في مجلس تحول المجلس إلى روضة من رياض الجنة، إذا سافر معك أسعدك، وإذا صحبك آنسك، وإذا فارقك دعا لك، وإذا فارقته بكيت عليه، , وأما الفاسد فشؤم عليك؛ يحل معك فتحل معه الشياطين، وتحل معه المعصية والغضب من الله، قال جعفر الصادق لابنه: لا تصاحب ثلاثة قد غضب الله عليهم: لا تصاحب من عصى الله، فقد قطع حبل ما بينه وبين الله، ولا تصاحب عاق الوالدين فهو ملعون، ولا تصاحب كذاباً، فإنه يقرب لك البعيد ويبعد منك القريب.

النعمة بالفتح

النعمة بالفتح من نِعم الله نِعم يشترك فيها الناس جميعاً، ولذلك يقول ابن تيمية في الفتاوى: لابد للإنسان من ميلادين اثنين: ميلاد يوم أتت به أمه، وهذا يشترك فيه كل الناس والبهائم والعجماوات، والطيور والزواحف والأناسي فالكل يولدون هذا الميلاد تماماً. الميلاد الثاني: يوم تدخل في الإسلام وتخلع جلباب المعصية وتأتي إلى الله مستقيماً سالكاً سبيل الهدى يقول ابن كثير في البداية: ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سروراً فاعمل لنفسك إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً ذكرت أن الميلاد الأول يشترك فيه الناس، لكن ميلاد الشكر الثاني هو يوم أن تكون عبداً للواحد الأحد، قيل لأحد الصالحين: كم عمرك؟ قال: عشر سنوات، قال: وأنت في الستين، قال: أما خمسون سنة فضاعت من عمري، فكانت في معصية، والعمى عمى القلب، ولو أن الله سمى العمى في سورة عبس: عمى العينين {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس:1 - 2] وهذا في مقام العتاب، إن ابن أم مكتوم ليس بأعمى في الحقيقة، قال الله له: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس:3] قال أحد العلماء: " وما يدريك يا محمد -عليه الصلاة والسلام- أن هذا الأعمى سوف يكون منارة من منارات الأرض تستقبل نور السماء " وبالفعل كان منارة تستقبل نور السماء، ووقف هذا الأعمى بنفسه في معركة القادسية يقاتل والمسلمون يقولون: عذرك الله، أنت معذور، قال: لا والله، لقد سمعت أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41] فلبث مع المسلمين وأعطوه الراية وهو أعمى لا يبصر، فقتل ودفن مكانه، يقول ابن عباس: وقد عميت عيناه ولكن ما عمي قلبه، ولا عمي دليله ولا انطمست مواعظ الله من قلبه، وقد استهزأ به بعض الناس، مستهزئ يقول: " لا بأس عليك يا ابن عباس، أحسن الله عزاءك في عينيك " قال ابن عباس: إن أذهب الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور عقلي ذكي وقلبي غير ذي عوج وفي فمي صارم كالسيف مشهور إسلام وإيمان، ورسالة خالدة، واتصال بالله، ينام المؤمن على الرصيف والسعادة بيده، وينام الفاجر في القصور المذهبة المفضفضة واللعنة تطارده. سبحانك! تعطي من تشاء وتمنع من تشاء، أما عطية الإيمان فتعطيها من تحب، ولذلك في الحديث الصحيح {إن الدنيا يعطيها الله من يحب ومن لا يحب وأما الدين فلا يعطيه الله إلا من يحب} وفي الصحيحين: {من يرد الله به خيراً، يفقهه في الدين} ارتفعت راية لا إله إلا الله من على الصفا، قال: فأذن مؤذن الفتح للقلوب على الصفا، فأتى التوفيق يطفح، فقال أبو جهل: كفرت بلا إله إلا الله، وقال أبو لهب: أعرضت عن لا إله إلا الله، وقال سلمان الفارسي في أرض فارس: لبيك اللهم لبيك، وأتى بلال من أرض الحبشة يقول الله أكبر؛ فأقم الصلاة يا بلال! أرحنا بها يا بلال! أرحنا بها يا بلال. وأتى صهيب فباع نفسه من الله، واشترى نفسه من الواحد الأحد، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:207] وأتى خباب بن الأرت وهو يصلح السيوف ويصقلها وهو مولى فأعاده الله ليصقل القلوب، حكمة بالغة. أبو جهل بأُسرته تدكدك في النار، وبلال أنقذ نفسه فقصره كالربابة في الجنة. وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حق مصلياً توضأ بماء الحق إن كنت مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا دخل ابن أبي حازم على الخليفة سليمان بن عبد الملك، هو الخليفة الذي تولى بعد الوليد مباشرة، وكانت من حسناته أن ولى عمر بن عبد العزيز، فقال لـ قيس بن أبي حازم، وهو أحد التابعين الزهاد: [[يا قيس، ما لنا نكره الآخرة، ونحب الدنيا؟ قال: لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم، فتكرهون الانتقال من العمار إلى الخراب]] نعم بعضهم عمر دنياه لكن خرب آخرته، فأخفق إخفاقاً تاماً. بعض الناس لا يملك شيئاً من الدنيا، لكن يملك إيماناً وصدقاً مع الله، هشام بن عبد الملك دخل الحرم ورأى سالم بن عبد الله بن عمر أحد الفقهاء السبعة يحمل حذاءه بيديه، قيل كانت عمامته وثوبه بثلاثة عشر درهماً، فرآه الخليفة هشام ومعه الأمراء والوزراء والحاشية، فقال: يا سالم ألك إليَّ حاجة؟ قال سالم: أما تستحي أن تقول لي هذا في بيت الله؟ فانتظره هشام حتى خرج من الحرم ثم قال له: سألتك يا سالم! داخل الحرم فقلت نحن في الحرم، فقد خرجنا، هل لك إلي حاجة؟ قال: من حوائج الدنيا أو من حوائج الآخرة؟ قال: بل من حوائج الدنيا، قال: والله الذي لا إله إلا هو ما سألت الدنيا من الذي يملكها فكيف أسألها منك؟! أنت فقير مسكين يظن أن الإنسان إذا ملك ملايين أو قصوراً أو دوراً أو بساتين أنه ملك الدنيا. أنا دائماً أكرر المناظرة الحارة الساخنة؛ السكين المشحوذة بين ابن تيمية وبين ابن قطلوبك وقيل قطلوبغا، هذا سلجوقي يقرأ الفاتحة لكن ما يعرف كوعه من بوعه! دخل عليه ابن تيمية يريد أن يقوده إلى الله، ويلقنه درس في لا إله إلا الله لا ينساه، سلطان فيه خير؛ لكن يريده ابن تيمية أن يصحو من بعض الأمور، فدخل عليه، فقال السلطان: وددنا أن نزورك في بيتك؛ فإنه من حقك، قال: دعنا من كدوراتك يا ابن قطلوبك موسى كان يزور فرعون في اليوم مراراًُ، قال هذا السلطان: يزعم الناس أنك تريد ملكنا يا ابن تيمية! فضحك ابن تيمية، قال: ملكك؟! قال: نعم، قال: والله الذي لا إله إلا هو ما ملكك ولا ملك آبائك ولا أجدادك يساوي عندي فلساً واحداً، إني أريد جنة عرضها السموات والأرض. خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريباً فإني أعظمكم ثروةً وإن خلتموني وحيداً سليباً الآن وجد من اهتدى وطعم الهداية، قلت وقال غيري من طلبة العلم والدعاة محاضرة بعنوان (رسالة إلى المغنيين والمغنيات) وقرئت نشرات في الجزيرة وعكاظ اعترافات سبعة أو ثمانية من أبنائنا الذين عاشوا الفن: وهو الغواية، والوتر: وهو الضياع، والكمنجة: وهي طريق إلى النار، والموسيقى: وهي سقر، فعادوا فطعموا الإيمان وسجدوا للواحد الديان فقالوا: نستغفر الله، ولا نريد أطفالنا أن ينشئوا على ذلك، وذلك أنهم ذاقوا الهداية، أحدهم اعترف بعد الهداية، وهو يحيى أبو الكرم وأبكى الناس حتى ارتج المسجد وأنتم سمعتم بهذا، قام يقرأ علينا {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] وكان يغني في المحافل الدولية، وجمهوره يا ليل يا عين، رايحين من أين، رايحين من فين، ولا نحن عارفين عاوزين إيه. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8] وقال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] كأنه -ولله المثل الأعلى- إيقاف أمام الإنسان، أين عيناك، وأين لسانك، وأين شفتاك؟ هذا الوليد بن المغيرة في النار لم ينفعه ذهبه، كان يكسر ذهبه بالفئوس كان يكسو الكعبة مرة وقريش مرة، كان يمشي في الديباج وعنده عشرة أبناء، في اليمين خمسة وفي اليسار خمسة، لكن لما أتت لا إله إلا الله كفر بلا إله إلا الله، قال سبحانه وتعالى عنه: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} [المدثر:11] ذرني وهذا الحقير، يمتن على الله بقصوره، يتمن على الله بدوره ويتكبر على الله بذهبه وفضته: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * جَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً} [المدثر:11 - 16]. يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزان نشرت بعض الصحف مقابله لأحد التجار على مستوى العالم فاكتشف أن مرضه من سوء التغذية، وعنده التصاق في الأمعاء، ما وجد أكلاً ولا طعاماً، عنده شيكات واتصالات بالهاتف إلى آخر الليل ولكن نسي نفسه، يأكل بعض الخبز على الشاهي الحار الساخن الذي يقطع الأكباد، لا يعرف المفطح ولا الدجاج المقلي ولا السلطة، ولا الأكل والشرب، فأصيب بسوء التغذية فتدكدك، فقال بعض الزهاد في مجلس: " يا ليته يوم أخفق في الدين نجح للدنيا أي: ليته قيم غذاءه، ليته نجح لنفسه، يا حسرة على هذه الدنيا إذا لم تكن في طاعة الواحد الأحد. تزود للذي لا بد منه فإن الموت ميقات العباد أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد خرج الصحابة إلى الدنيا بثياب ممزقة، ودخلوا قصور كسرى وقيصر والذهب يلوح، فلما رأى سعد الذهب في قصر كسرى، قال: الله أكبر! قيل في بعض الروايات أن القصر انصدع، فقال سعد وعيونه تدمع من هذا النعيم الذي كفر أهله وأعرضوا عنه قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28] نعيم، لكن ما شكر الله فيه، قال سعد وهو يبكي: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29]. ذكر الذهبي: أنه لما فتح قتيبة بن مسلم المشرق، أتى إليه بغنيمة كرأس الثور ذهب خالص، وقيل: در وقيل: جوهر، إنما هو ذهب أو در أو جوهر، فقال للقادة حوله: أترون أن مسلماً يدفع له هذا الذهب فيقول: لا أريده، قالوا: لا. ما نرى في الجيش أحداً يزهد في هذا الذهب أبداً، وكان قتيبة بن مسلم عبداً صادقاً حنيفاً ولم يكن من المشركين شاكراً لأنعمه، قال: والله لأرينكم أناساً من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، الذهب عندهم مثل التراب، ثم أرسل لـ محمد بن واسع الأزدي العالم العابد الذي كان معه في الجيش، وكان يرى محمد بن واسع يدعو بإصبعه وهو يقول: يا حي يا قيوم انصرنا، فيقول قتيبة: والله الذي لا إله إلا هو، لأصبع محمد بن واسع، خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير، أرسل بالذهب إلى محمد بن واسع، فلما وصلوا بهذا الذهب الكتلة، أخذها محمد بن واسع، فعادوا إلى قتيبة، فقالوا: أخذها محمد بن واسع، فقال: الله المستعان! اللهم لا تخيب ظني فيه، فمر فقير بـ محمد بن واسع، يقول: من مال الله، من مال الله، فأعطاه الذهب كله، قال قتيبة: هكذا فلتكن الدنيا. ولما عبدنا الدنيا ضاع منا الدين، واستحوذ علينا أهل الدنيا، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28].

(نعمة) بالكسر

(نِعمَة) بالكسر النِعمة بالكسر: هي ما أعانك على طاعة الواحد الأحد، وهي ما ساعدك في طريقك إلى الجنة، ولذلك جعل صلى الله عليه وسلم المال مشترك، وتألف به القلوب، لكن الإيمان جعله لناس من البشر لا يشاركهم فيه أحد، فتح صلى الله عليه وسلم حنين، والحديث صحيح -فلما أتت الغنائم لم يعط الأنصار، وهم أهل بدر وأحد، الأنصار سيوف تقطر من دماء أعداء الله، الأنصار الذين قتل منهم في المعارك (80%) الأنصار أهل الشهداء والقرَّاء، تركهم عليه الصلاة والسلام، وأعطى الغنائم صناديد العرب ممن بعضهم أسلم البارحة وبعضهم قبل البارحة، فالأنصار وجدوا في أنفسهم شأنهم في ذلك شأن البشر، وقالوا: غفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطي الناس ويتركنا ونحن نصرناه وآويناه وحميناه، ما قالوا إلا هذا! ومضت المقالة وارتفعت إلى محمد عليه الصلاة والسلام، فدعا سعد بن عبادة، سيد الأنصار وقال: {ما قالة بلغتني عنكم؟ قال: هو كما قيل: قال وأنت؟ قال: ما أنا إلا من قومي، أقول مثلما يقول قومي} كقول الشاعر: وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد قال عليه الصلاة والسلام: اجمع لي قومك، فجمعهم في حظيرة، فأطل محمد عليه الصلاة والسلام كالبدر ليلة أربعة عشر، وقال: {يا معشر الأنصار! ما قالة بلغتني عنكم؟ قالوا: هو كما سمعت يا رسول الله! قال: يا معشر الأنصار أما أتيتكم متفرقين فجمع الله شملكم بي؟ قالوا: المنة لله ولرسوله، قال: ألم آتكم فقراء فأغناكم الله بي؟ قالوا: المنة لله ورسوله، فرفع صوته، وقال: يا معشر الأنصار، والذي نفسي بيده لو شئتم لقلتم؛ فلصدقتم ولصدقتم: أتيتنا طريداً فآويناك، وفقيراً فواسيناك، وشريداً فنصرناك، قالوا: المنة لله ولرسوله، فرفع صوته وقال: يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ فوالله لما تذهبون به خير مما يذهب به الناس، غفر الله للأنصار ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار، الناس دثار، والأنصار شعار، ولو سلك الناس شعباً ووادياً، لسلكت شعب الأنصار، ووادي الأنصار ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، فأجابته دموع الأنصار حتى اختضبت لحاهم} ولماذا؟ لأنه عليه الصلاة والسلام يقول: إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب، وفي البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: {يا أيها الناس، إني أعطي بعض الناس، لما جعل الله في قلوبهم من الجشع والهلع، وأدع بعض الناس لما جعل الله في قلوبهم من الخير والإيمان؛ منهم عمرو بن تغلب} قال: عمرو بن تغلب: كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما فيها.

نداءات

نداءات يا مسلماً! أجزاء نعمة الله من الشباب وصحة الأعضاء، وسلامة البدن والأمن في الوطن، أن تنهار أمام مغريات الدنيا؟ أجزاء هذه النعمة، أن تنقض العهد بينك وبين الله؟ أجزاء هذه النعمة، أن تقطع هذه الصلة مع الله؟ يا فتاة مسلمة يا امرأة مسلمة! حفظها الله ورعاها، وحلاها وحماها، ثم تخرج على منهج الله، تخرج ولكن سافرة، تخرج غير محتشمة إلا من رحم ربك، فتنه العالم اليوم النساء، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء}. النساء فتنة لكل مفتون، وسبب لإعراض كثير من الشباب عن الدين، امرأة تخرج من بيت زوجها متجملة متطيبة متعطرة بلا إذن، تمر على الخياط البوذي السيخي، الهندوكي الملحد، أين إيمانها؟!! ونساء المسلمين أصبحن في معرض الأزياء على الموضات الجديدة، كان المرأة في عهده عليه الصلاة والسلام محجبة تتلو القرآن وتدارسه وتتفقه في الدين، وطائعة لزوجها، تحب الله ورسوله إليك نشكو حالنا يا رب! وإنا لا نزال نكرر للمرأة أن تعود، وأن تعرف أن في السنن: {إذا خرجت المرأة متعطرة متجملة من بيت زوجها بدون إذنه فهي زانية} ونقول لها أيضاً: إن التوبة بابها مفتوح، وإن الله لا يزال ينادي، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.

الصحابة ينفقون في سبيل الله

الصحابة ينفقون في سبيل الله أيها الإخوة: النعم كثيرة وهي على أقسام: منها نعم ظاهرة؛ كنعمة المال، إن صرفته في مرضاة الله؛ أسعدك الله في الدنيا والآخرة، عبد الرحمن بن عوف دخل الجنة بماله، ولذلك لا يأتينا شاب يتزهد تزهد الهندوكية ويقول: الدين أن تبقى في المسجد ولا تطلب المال، ومن نام في الرصيف أفضل عند الله ممن نام في القصر! سئل ابن تيمية: أيهما أفضل الفقير الصابر أم الغني الشاكر؟ قال سماحته: بل أفضلهما أتقاهما لله، وقد ألفوا فيهما مجلدات، فأتى هو في نصف سطر، فحسم النزاع، الشافعية يقولون في بعض رسائلهم: الفقير الصابر، والأحناف يقولون: الغني الشاكر. قال ابن تيمية: أتقاهما لله، ما عندنا الغني مذموم ولا الفقير مذموم، المذموم عدو الله غنياً كان أو فقيراً، إذا تعدَّى حرمات الله وانتهك، فهذا هو عدو الله، وإلا فـ عثمان غني، ولكن ماذا فعل بغناه؟! قام عليه الصلاة والسلام على المنبر، وقال: {من يجهز جيش العسرة وله الجنة} هذا ضمان من محمد عليه الصلاة والسلام، أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أديت في هول الردئ أبطالها لست الذي ينهى ويأتي نهيه لا من يكذب فعلها أقوالها فقام عثمان وسط الناس، وقال: أنا أجهزه يا رسول الله! بماله وأحلاسه وأقتابه، فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام، وقال: {غفر الله لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم}. ابن عوف جاءته قافلة كاملة تريد المدينة -وكان تاجراً- سبعمائة جمل محملة بالحبوب والأكسية، فدخلت المدينة، فأعلن في التجار فاجتمعوا ليشتروها، قال ابن عوف: [[كم تدفعون؟ قالوا: ندفع في الدرهم ربح درهم، قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك في الدرهم درهمين، قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك في الدرهم ثلاثة، قال: وجدت من زادني، قالوا: نحن تجار المدينة، وما زادك أحد، قال: وجدت من أعطاني في الدرهم عشرة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261]. أشهد الله ثم ملائكته وحملة عرشه ثم أشهدكم أنها في فقراء المدينة، فقام الفقراء على ما عليها فتقاسموها، وتولى الصحابة يبكون ويقولون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة، أليس هذا يدخل الجنة؟! أليس هذا طريق إلى الإحسان والعظمة؟! أليس هذا فوز بالدنيا والآخرة؟! بلى. وهذا هو الكنز الثمين، والمنصب قد يكون نصرة للإسلام، وقد يكون ضد الإسلام، وقد يكون عقبة كئوداً في طريق الدعوة والدعاة. عمر بن عبد العزيز تولى الخلافة فكان راشداً، قاد الأمة إلى بر النجاة، وأبو مسلم الخراساني تولى الإمارة، فقتل من المسلمين ألف ألف، أي: مليون، والحجاج قتل مائة ألف. وما شر الثلاثة أمَّ عمروٍ بصاحبك الذي لا تصحبينا قال تعالى: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52].

ثلاثة من بني إسرائيل يكفرون النعمة

ثلاثة من بني إسرائيل يكفرون النعمة وفي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام: {أن ثلاثة من بني إسرائيل} انظر إلى الشؤم واللؤم وانظر إلى حفظ النعم، وشكر الواحد الأحد، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28] ثلاثة من بني إسرائيل أقرع وأبرص وأعمى، أراد الله أن يبتليهم، فأرسل إليهم ملكاً، فذهب إلى الأقرع، فقال: ماذا تريد؟ قال: أريد شعراً على رأسي يجمله، فقد قذرني الناس، فسأل الله أن يعطيه شعراً، فجمل الله رأسه بالشعر في لحظة، -إنما أمره إذا أراد شيئاً، أن يقول له: كن فيكون- قال: ماذا تريد من العطايا؟ قال: أريد الإبل، فدعا الله له فأعطاه الله ناقة فولدت حتى ملأت الواديان، وذهب إلى الأبرص، قال: ماذا تتمنى؟ قال: أريد من الله أن يجمِّل جلدي ويذهب هذا العوار في جسدي لأكون جميلاً، فسأل الله فرد الله عليه جلده الجميل في لحظة، قال: ماذا تريد من المال؟ قال: أريد البقر، قال: فسأل الله أن يعطيه بقرة، فولدت حتى ملأت الوديان، وذهب إلى الأعمى، قال: ماذا تريد؟ قال: أمنيتي أن يرد الله علي بصري لأرى، قال: اللهم رد عليه بصره، فعاد البصر: ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال ويقول آخر: سهرت أعين ونامت عيون في شئون تكون أولا تكون إن ربا كفاك ما كان بالأمس سيكفيك في غدٍ ما يكون فرد عليه البصر في لحظة، قال: ماذا تريد؟ قال: الغنم، قال: اللهم ارزقه الغنم، فأعطاه الله شاة فولدت فملأت الوديان، ثم عاد المَلَك فحول الله صورته إلى صورة فقير -ولله الحكمة البالغة- فأتى هذا المَلَك صاحب المقامات الأُوَل، في صورة فقير عليه ثياب بالية. فذهب إلى الأبرص أو الأقرع وقال: أنا فقير منقطع، انقطعت بي السبل والحبال، فلا مغني إلا الله، أعطني مما عندك، قال هذا الأقرع: الحقوق كثيرة، والمال ورثته كابراً عن كابر، ولا عندي لك شيء، قال: كأنك كنت أقرع قبل؟ قال: لا. المال ورثته كابراً عن كابر، -يعني ورثته بجدارة- قال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت عليه، فسلب الله نعمه، فعاد إلى حالته الأولى. وذهب إلى الأبرص، وقال: أنا فقير منقطع فأعطني مما أعطاك الله -أو كما قال- قال: ما عندي شيء، والحقوق كثيرة، قال: كأنك كنت من قبل أبرص فقيراً؟ قال: لا. ورثت المال كابراً عن كابر، قال: إن كنت كاذباً، فصيرك الله إلى ما كنت عليه، فرده الله القهقرى وعاد إلى حاله، ثم سار إلى الأعمى -وكان الأعمى عاقلاً، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، رأى نعم الواحد الأحد فشكرها: إذا كان شكري نعمة الله نعمةً فأين يطاق الشكر أم كيف يشكر إذا كان شكرك نعمة على النعمة، فكيف تشكر نعمة الواحد الأحد. قال الغزالي في الإحياء: " أتى رجل من الفقراء لينام، فقال: يا رب، أفقرتني وأعطيت فلاناً، سلبتني وأعطيت فلاناً، هذا الفقير مؤمن ولكن ينظر إلى الأموال والذهب، والفضة والدنيا ولم ينظر إلى نعمة الله، فنام تلك الليلة فأتى رجل صالح في المنام فقال له: يا فلان، أتبيعني بصرك بمائة ألف دينار؟ قال: لا. قال: أتبيعني سمعك بمائة ألف دينار؟ قال: لا، قال: يدك بمائة ألف دينار؟ قال: لا. قال: رجلك بمائة ألف دينار؟ قال: لا فأخذ يعدد له عضواً عضواً، قال: سبحان الله! لله عندك مئات من الألوف من الدنانير وما شكرته وأنت تمنن عليه أن سلبك بعض المال الذي قد يغويك؟ أو كما قال، فهب من المنام يبكي ويقول: لك الحمد يا رب. لك الحمد والشكر الذي أنت أهله فخيرك مغمور وفضلك منزل {{فقال للأعمى: أنا رجل فقير منقطع وليس لي بلاغ إلا الله! ثم ما تعطيني، قال هذا الأعمى الذي عرف الله: أما أنا فقد كنت أعمى فرد الله علي بصري، وقد كنت فقيراً فأغناني الله، فخذ ما شئت واترك ما شئت، والله لا أمنعك اليوم شيئاً أخذته، ولا أحمدك على شيء تركته، قال: أخبرك أن الله رضي عليك وسخط على صاحبيك}. وأخبركم أن من قدر نعمة الله في شبابه وفي بصره وفي بيته وفي مدخله ومخرجه فقد رضي الله عليه، وأن من تسخط نعمة الله واستخدمها في الفجور، وأصبح عربيداً متمرداً على آيات الله؛ فقد غضب الله عليه، حكمة بالغة وقدرة نافذة فما تغني النذر. هذه النعم تحتاج إلى شكر، وإلا فالأصل عند أهل العلم أن العبادة لا تكافئ النعم.

لا أحد يدخل الجنة بعمله

لا أحد يدخل الجنة بعمله بل أورد بعضهم في كتب الآثار: أن رجلاً من بني إسرائيل، عبد الله في جزيرة من الجزر، ومعه رمانة، منقطع عن كل شيء -المنقطع لا يعرف الكذب ولا يزني ولا يغش ولا يغتاب؛ فليس عنده إلا حجارة وحطب- فجلس على هذه الجزيرة عنده رمانة يعبد الله خمسمائة عام، فلما توفاه الله، قال: يا عبدي، ألك ذنوب؟ قال: لا. ما أظن أني أذنبت ولا أسأت ولا عصيتك يا رب! قال: هل تريد تدخل الجنة بعملك أو برحمتي؟ قال: بل بعملي -يعني تكاثر الخمسمائة عام- قال الله عز وجل: يا ملائكتي أحصوا عمله ونعمتي عنده، فأحصوها، فوجدوا أن صلاته وعبادته وشكره في خمسمائة عام لا تعادل إلا نعمة البصر، والبقية هالك فيها، قال: خذوه إلى النار، فصاح وقال: يا رب أدخلني الجنة برحمتك. فيقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {لن يدخل الجنة أحد بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته} لا يُعرف أحد أبداً عنده يد عند الواحد الأحد، كلنا عنده فقراء ومخطئون، كلنا مسيئون ومقصرون. يا من تمنن بركعتين اثنتين أو بعشرة ريال دفعتها إلى فقير، أو بقراءة بعض الآيات، أو بعض التسبيحات، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قدموا أنفسهم في سبيل الله، أصحاب محمد أصبحت أجسامهم جراحات، يقول عروة بن الزبير: [[والله إني كنت ألعب في جسم أبي بعدما كبرت من آثار جراحات المعارك في الإسلام]] كان الزبير جسمه مغارات، جسم الزبير جرح هنا وهناك، وفي ظهره وفي رأسه، وفي وجهه من ضربات السيوف في سبيل الله. ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهنّ فلول من قراع الكتائب رحماك يا رب! لم نقدم للإسلام شيئاً، نريد فقط منا يا جلوس، ويا أمثالكم من الصالحين أن ننزل إلى الشارع الإسلامي، ننزل إلى الشاطئ، ننزل إلى المقهى بحكمة، ننزل إلى مجمع الناس، ليأتي كل واحد منا بعاص واحد إلى المسجد، أنا أسألك بالله أن تذهب وتدل عاصياً أو تأتي به إلى محاضرة، أو إلى درس، أو تهدي له شريطاً أو كتيباً أو كلمة نافعة: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من حمر النعم} نريد أن ندل الناس على منهج الله؛ لأننا إن سكتنا وداهنا وتركنا العصاة؛ زاد الحال وتحول إلى سوء المنقلب {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] ونعمة الجوارح من أعظم النعم، وعند الترمذي بسند يحسنه بعض العلماء، يقول عليه الصلاة والسلام: {استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: يا رسول الله! إنَّا نستحي من الله حق الحياء، قال: ليس ذلك بحق الحياء، حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى} نظر رجل من الصحابة إلى امرأة جميلة فبكى وذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: {يا رسول الله! نظرت إلى امرأة فما كفارة ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: اصبر فإني لا أعلم في ذلك كفارة حتى ينزل عليَّ، فأنزل الله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]-وقيل بدل النظرة قبلة- قال: ألي يا رسول الله خاصة، قال: لك ولكل من عمل بعملك إلى يوم القيامة}. أيها الصحابي الجليل! ليتك تدري أن من الشباب من أطلقها نظرات وفاحشات ومنكرات، سافر بعضهم إلى بلاد الكفر، سافر بعضهم وترك مهبط الوحي إلى بانكوك، هل ليعتمر أو يحج، أو ليطلب العلم؟ بل ليضيع رسالته الخالدة، وليبيع إيمانه وليتحول إلى بهيمة أو دابة، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] تنَّزل بهم الحال، وساء بهم المنقلب إلى أن أصبح الإنسان يطارد معصيته وفجوره، ويعلن تمرده على الله، فأحدهم خرج من الجزيرة إلى بلاد الغرب، قال له أحد الدعاة: اتق الله، قال: الله في الجزيرة أما هنا فلا سبحان الله! قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219] يعلم السر وأخفى. في كتاب الزهد لـ أحمد: " أن أبا بكر الصديق يقول: [[يا أيها الناس، استحيوا من الله حق الحياء، والله الذي لا إله إلا هو أني لأذهب إلى الخلاء لأقضي حاجتي، فأضع ثوبي على وجهي حياء من الله]]. جزاك الله عن الإسلام مغفرة؛ حياء من الله حتى في هذا الحال! ولذلك يقول مُطرف [[ما غلبهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صدقة ولا صلاة، ولكن بإيمان وقر في صدره]] ويقول عثمان: [[لم أغتسل قائماً منذ أن أسلمت حياء]] وإلا فالغسل قائماً جائز ووارد، لكن يستحي من الله، فتستحي منه الملائكة. ونريد هذا الحياء أن يتحول إلى مجتمعاتنا وبيوتنا، إلى قلوبنا، مع زوجاتنا وأخواتنا وبناتنا.

شكر النعم يكون بأمور

شكر النعم يكون بأمور يا مسلماً! يا شاباً! يا شيخاً كبيراً! خذ لك ذرة من الحياء تسعدك في الدنيا والآخرة، الحياء من الواحد، فإذا فعلت ذلك فقد شكرت النعم، وشكر النعم يأتي بأمور: أولها: إقامة الفرائض في جماعة. ثانيها: كثرة ذكر الواحد الأحد: فالله كلما ذكر وشكر كلما زاد قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد} [إبراهيم:7] نعوذ بالله من الكفران. ثالثها: أن تكون داعية مصلحاً وأن تكوني -أيتها المرأة- داعية، توجه الكلمة الطيبة، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:25]. رابعها: بأن تمتنع من المعاصي، بأن تغض الطرف، تتحكم في الأذنين؛ تحفظ سمعك وجوارحك عن المعصية، هذا هو حفظ الواحد الأحد، فإذا علم هذا الشكر وكان؛ فأبشر بالزيادة من الواحد الأحد، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى جعل درجة الشكر أعظم الدرجات، ولذلك عند أهل السنة، أن درجة الشكر أعظم الدرجات، وتسمى ذخيرة الشاكرين، وقالوا: الطاعم الشاكر، كالصائم الصابر، أو كما قالوا، فإذا شكرت الله فقد زادك وحباك.

فوائد الشكر

فوائد الشكر فوائد الشكر ثلاث: 1 - رضا الواحد الأحد، إذا رضى الله عنك أسعدك في الدارين. 2 - كفاية السؤال في الآخرة (سؤال التوبيخ) أما سؤال التقرير فلا بد منه. قال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:1 - 8] قال بعض العلماء: والله لتسألن عن الماء البارد، فكيف بمن أخذ الدور والأموال، وكفر بنعم الله؟ رأينا بعض الناس يملك من الدنيا أموراً لا يعلمها إلا الله، باستطاعته أن يدخل الجنة بشيء يسير من هذا المال. وهو جار للمسجد يسمع الآذان يطرق ذهنه وأذنه بحي على الصلاة وحي على الفلاح، ويتقلب على فراشه كالبهيمة، حسيبه الله، ما عرف طريق قلبه ولا زاد روحه، عرف طريق البطن، أما طريق الجنة فما عرفه، ارتكس على وجهه والعياذ بالله. 3 - ومن فوائد الشكر كذلك: يدعى لك بخير، فإن الشاكرين يدعى لهم ممن يحسنون إليهم في ظهر الغيب، ومما يكتسب العبد دعاء الإخوة والخلان. يا أيها المسلمون! إن علينا قضية كبرى وهي أن نستلهم هذا الشكر، شكر النعم، وأن نحتفظ به، وأن ننظر في القرى من حولنا كيف غضب الله عليهم، فجعلهم أثراً بعد عين، حول أمنهم إلى رعب، واستقرارهم إلى فزع، وشبعهم إلى جوع، وحول نهارهم إلى ليل، فلنحافظ على النعم، ولنشكر الواحد الأحد، ولننطلق داعين، لا يكفي أن تكون ملتزماً في نفسك حتى تدعو إخوانك أينما تسير، داعية في المقهى أو على الشاطئ أو في السوق؛ لأنك تحمل الخير للعالمين، فإذا لم تفعل فقد كتمت، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:160] {نظر الله امرأ سمع مني مقالة فوعاها فبلغها كما سمعها؛ فرب مبلغ أوعى من سامع} لكن دعوة بلين، دعوة بلا عنف؛ نحن ما أتينا لنكسر رءوس الناس، بل لنهدي قلوبهم، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] كلمة طيبة، هدية، بسمة حانية، عطف، معانقة حارة تقود العصاة إلى المسجد، ومن المسجد إلى الجنة. وكلمة أخيرة إلى النساء: سلام من الله عليكن أيها النساء! دائماً النساء شقائق الرجال، لا بد أن يكون للنساء نصيب من الكلام، علَّ سامعة أن تسمع، وعلَّ داعية أن تفقه كثيراً، وعل معرضة أن تعود إلى الله. إن القضايا التي تتكرر في مواضيع النساء هي قضايا التبرج دائماً وأبداً، وقد عظم بنا الحال حتى قال بعض الناس: والله لقد رأيت من المناظر ما أفزعني في هذه الشواطئ حتى ظننت أنه سوف ينزل بنا خسف أو قذف -نعوذ بالله من الخذلان- فحذار حذار أن يذهب مسلم أو مسلمة فيعرض قريبته، فتكون عرضة لأنظار الذين أعرضوا عن منهج الله! والأمر الثاني: مجالس النساء، تشغل ربما بالغيبة والبعد عن الله والكلام الذي لا ينفع، فلتشغل بطاعة الواحد الأحد أو ما يقربهن من الله. الأمر الثالث: المرأة داعية، فلا بد أن تدعو أخواتها بالهاتف، وبالكلمة والشريط، وبالكتيب؛ علَّ الله أن ينفع بها، وأن يزيدها توفيقاً وهداية. الأمر الرابع: غرس لا إله إلا الله في قلوب الأطفال، وطاعة الزوج في طاعة الله، وغض البصر، وحفظ النفس؛ حافظات للغيب بما حفظ الله. وشكراً لكم، وأسأل الله أن يجمعني بكم في دار الكرامة، وأن يغفر لنا ولكم ذنوبنا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

واجبنا مع التبرج في المجتمع

واجبنا مع التبرج في المجتمع Q إن التبرج كثر هذه الأيام على الشواطئ، ويحصل فيها من العرى والاختلاط الشيء الكثير، والرقص والغناء، فنرجو توجيه نصيحة عامة، وتذكير الإخوة بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مثل هذه الظروف وفق الله الجميع! A نعم سلف في المحاضرة شيء من هذا، تفسخ في بعض النواحي بعضُ الناس هداهم الله كأنهم ما سمعوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، كأنهم ما قرءوا القرآن، كأنهم ما عرفوا أن هناك رباً يحلل ويحرم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، خرجوا حتى على أبسط القيم، امرأة تتكشف! امرأة تسبح في الشاطئ أمام الناس! امرأة تجلس وتشيش وتدخن وهي على كرسي بين الرجال! امرأة ترقص وتغني وتنظر إلى الأجانب! بعضهم والله ما أدري أوافقه أو لا أوافقه، يقول: إنه وقعت هنا أمور ما وقعت في باريس ولا وقعت في واشنطن! وهذا قاله بعض الناس الذين رأوا وأبصروا وهم من الثقات العقلاء. فيا أخوتي في الله! ماذا ننتظر؟ نحن بين يدي ثلاثة أمور واحتمالات: إما أن نسكت ونأتي إلى المسجد هنا ونقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، نسأل الله أن يكفينا شرهم، وهذه كلمة أكل عليها الدهر وشرب، هذه قالها رجل من بني إسرائيل فخسف به قبل العصاة، لأنه لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79]. والاحتمال الثاني: وهو أن نخرج ونضارب هؤلاء ونكسر أدواتهم، وأن نسب ونشتم وهذا ليس بصحيح: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ولم يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشعاب ولا بالهراوة ولا بالكرباج، وإنما بُعث بالبسمة الحانية والرضا {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. والاحتمال الثالث: وهو الصحيح أن ننزل إلى هؤلاء وهم إخواننا وأخواتنا وقريباتنا، وهذا مجتمعنا على الشواطئ، ننزل إليهم بحب ونصلهم بشفقة، لأمور: أن نبلغ دعوة الله، والأمر الثاني: نقول معذرة إليكم لئلا يأخذنا الله سواء، الأمر الثالث: هو شفقة بهم، ورحمة لهم، شارب الخمر يشرب الخمر والكأس بيده! فإذا ذكرته بلا إله إلا الله تحركت الفطرة في قلبه، فطرة الله التي فطر الناس عليها، الزاني وهو يزني، تحدثه وترسل عليه حرارة الإيمان فيحيا ويحيا قلبه ويعود إلى الله الواحد الأحد، ولكن من يوصل هذه الدعوة؟ من يحيي لا إله إلا الله؟ الإحجام ليس بصحيح. الأمر بالمعروف والاحتساب، ليس عندنا في الإسلام أن الهيئة هي المسئولة وحدها، الهيئة مكلفة تنسيقاً، لكن كل مسلم داعية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بلغوا عني ولو آية} وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110] لكن بلا عنف، ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر بلا منكر، بكلمة طيبة، فإن استمع فبها ونعمت وإلا فلا، فقد أعذرت وأنذرت وبلغت، إني أدعوكم من هذا المكان إلى أن يذهب كل واحد منكم إلى أن يستنقذ رجلاً أو يهدي أسرة، أو يكسب اثنين؛ فإنهم في ميزان الحسنات يوم القيامة والله يقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].

عتاب من أهل رابغ

عتاب من أهل رابغ Q هديه من إخواننا في رابغ. المشاركة: يقولون: قف لنا في الطريق إن لم تزرنا وقفة في الطريق نصف الزيارة A وبيني وبينهم إن شاء الله بعض الشجون، وبعض الشئون وأقول لأهل رابغ: يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا أن لا تفارقهم فالراحلون هم وسبب عتابهم أنني وصلت إلى خليص ولم أزرهم، فليغضبوا على أهل خليص ولا يلوموني وليلوموا أنفسهم إن كانوا صادقين.

الحياء والمجاملة

الحياء والمجاملة Q هل هناك فرق بين الحياء وبين المجاملة؟ A هذا الأخ أتى بكلمة ربما تكون مبتذلة عند بعض العلماء؛ لأن علماء السنة يأتون بجمل كأنها من جمل القرآن، يقولون: مداهنة ومداراة، وهو يأتي بحياء ويأتي بمجاملة وأقول: أنا أشرح هذا سواء أراده السائل أم لم يرده، للفائدة يقول أهل العلم: المداراة والمداهنة أمران مختلفان: المدارة: هي أن تدفع شيئاً من الدنيا أو تبذل شيئاً من الدنيا من أجل أن يبقى لك الدين. والمداهنة: أن تدفع شيئاً من الدين من أجل أن يبقى لك شيء من الدنيا. والأدلة على المداراة ما في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان جالساً في بيته، وأتى عيينة بن حصن وهو فزاري من بني بدر، وهي أسرة شاهقة في التاريخ، هم الذين يقول فيهم حاتم الطائي: إن كنت كارهة معيشتنا هاتي فحلي في بني بدر وأتى عيينة هذا وراءه آلاف من الناس، لو آذاه صلى الله عليه وسلم بكلمة انجرحت مشاعره وذهب فأفسد عليه القبائل وردهم عن الإسلام، وكان عيينة سيئاً كما في السير، استأذن الرسول عليه الصلاة والسلام والحديث عن عائشة: {فقال صلى الله عليه وسلم: من، قال: عيينة بن حصن، فقال رسول الله: ائذنوا له بئس أخو العشيرة، فأذنوا له فدخل، فلما دخل، هش محمد صلى الله عليه وسلم وعانقه وأجلسه وحياه، فأكرمه وانبسط له، فلما خرج، قالت عائشة: يا رسول الله! قلت: كيت وكيت، فلما دخل انبسطت له، قال: يا عائشة! إن من شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه} البخاري علق أثراً في الصحيح فقال: وقال أبو الدرداء: [[إنا لنبتسم في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم]] من أجل ماذا؟ من أجل الدين والرسالة، بعض الفسقة إن لم تلن له في الخطاب يضيع عليك رسالتك وإيمانك. والعامة يقولون: أضع من مالي ولا يرمي خيالي، وهذا من المداراة لا من المداهنة، وقد قال الله: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] موسى يقول لفرعون: يا أبا مرة! -مرر الله وجهه في النار- فرعون كنيته أبو مرة كما في تفسير ابن كثير عن أبي أيوب، وما يضرك أن تلين بالخطاب، ما يضرك أن تأتي وتقول لمجرم: أرى عليك آثار الطاعة وهي آثار الخيبة، أو تقول: وجهك المشرق هذا ينبئ أن وراءك مصدراً من الخير الله أعلم به، من هذه الكلمات، هذه مداراة، أما المداهنة فهي طلب الدنيا بالدين، أن تذهب لتبذل دينك من أجل أخذ دنيا من الناس، تجامل وتكذب على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين من أجل الدنيا، تذهب إلى فاجر تقول: أنت علاّمة الزمن!! وبك يحفظ الله البلاد والعباد، وأنت مجدد العصر وهذا القرن، ورأيتك البارحة بجانب الرسول عليه الصلاة والسلام وأنت ما رأيت في المنام شيئاً! حتى تحصل على دنيا، فأنت مفلس في هذا، وقد أخطأت وهذه مداهنة.

خطر الخمور والمخدرات

خطر الخمور والمخدرات Q في عصرنا الحاضر، انتشر داء المخدرات والخمور وراجت عند كثير من الناس فنرجو التنبيه لهذا الخطر الفتاك، وحث المسلمين لمحاربتهم ووفقكم الله A تعرفون أن هناك كلاماً كثيراً ومنشورات ولقاءات وندوات ومحاضرات عن المخدرات، وهذا أمر معلوم لديكم، حتى قال بعض الناس المهلوسين: أخذت أكبر من حجمها، ولم تأخذ إلا أقل بكثير من حجمها، والمخدرات ما هي إلا سبب من أسباب كفران النعم، يوم جحد المرء الإيمان وأعرض عن المسجد وقع في المخدرات، شاب لا يصلي الفجر، أتتحرى منه أن يحجم عن المخدرات؟ أعرف بعض الإخوة؛ دخلت أنا وإياهم بعض السجون ووجدت في سجن واحد سبعة وعشرين شاباً، لكن اهتدوا بعد ما دخلوا السجن، كلهم مجموعون على أنهم ما كانوا يصلون الفجر جماعة في المسجد وإنما أقول الفجر؛ لأن في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله، لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من طلبه أدركه ومن أدركه كبه على وجهه في النار>/ وإني أقول: ليس السجن ولا السوط كفيلاً بردع هؤلاء، ولا بد من إيمان ليقتنعوا، ولا بد من وصول كلمات طيبة إلى قلوبهم حتى يهديهم الله سواء السبيل، وأسأل الله أن يردهم إليه رداً كريماً جميلاً، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].

محلات تدليك النساء

محلات تدليك النساء Q انتشرت هذه الأيام أماكن خاصة بتدليك النساء وعمل ما يسمى بالمساج، مما يجعل المرأة تخلع ثيابها في ذلك المحل، نرجو توجيه كلمة بهذا الخصوص؟ A قد أتت أمور أصبح الإنسان يستحي أن يتكلم بها في المجالس الخاصة فكيف بالعامة! تدليك النساء والمساج وهذه الأمور، وما عليك لو كانت في بيت أهلها، لكن تذهب إلى بعض الأماكن لتدلك جسمها، في المستشفيات في بعض الأماكن، ماذا يقول الإنسان! حرام، كلمة حرام أصغر! كلمة حرام لا تغطي! وأظن المسلم الذي في قلبه غيرة يقف لها بالمرصاد، التدليك معناه أنها بلغت درجة البهيمة والعياذ بالله، وعرض الزينة وعرض الجمال على المتبذلين من الناس، النفس تحبط، النفس تشتهي جمالاً موقراً أتى به الإسلام، جمالاً محشماً محجباً، ولذلك بعض الزائغين يقول: لا تحجبوا المرأة هي مرأة، وإذا ملئت منها العيون فلن تأكلها. قلنا له: قاتلك الله، أتريد أن تتحول النساء والبنات إلى سلع بأيدي كل مشترٍ؟! عندنا الفتاه أجمل بكثير من الذهب والفضة، الفتاة عندنا درة في صدف، وشمس في غمامة، كنانة ريحان في باقة، لا نريد أن يخرج الجمال يتبذل هكذا، أما أن تشرب وتمص وتقبل وتمسج وتدلك، فما عدنا نحبها أبداً، مهما أتت. وبعض النساء وإن تابت فإنها بماضيها قد كلَّت القلوب. ماذا أقول؟! أقول: إنهن قد سمعن البيان، ومسئولية النساء أن يبلغن هذا، الدعوة في صفوف الرجال واردة، لكن في صفوف النساء كأنها ضعيفة بها حمَّى، فما عليهن إلا أن ينقلن هذا الكلام وأمثاله، وأن تقرأ ما ينفع من كتيبات، وأن تعرف حكم الله في ذلك، ولعلَّ القلوب أن تعود، وأنا أعرف أن المرأة إذا حافظت على الصلوات الخمس، وتقيدت بالحجاب؛ فسوف تنتهي هذه الجروح في وجهها، جروح ووصمة عار، في وجه المرأة المسلمة، هذا الكلام وصمة عار أن نبثه في أرض الرسالات، يصبح هذا الكلام لدور الدعارة في باريس وإلا في الخفايا في نيويورك وأمثالها، أما هنا فلا، هنا طهر وعفاف، هنا جمال مصون، هنا حشمة وحجاب.

حكم المعازف والغناء

حكم المعازف والغناء Q دار نقاش حول تحريم المعازف والغناء الماجن، فكانت مكَلِّمتها تحتج بما بثه بعض الدعاة في هذه الأيام، من جواز سماع الغناء حتى وصل الحال إلى أنها تقول: واجهت الموت مرتين، وعندما كانت في غرفة العمليات أتت تحت تأثير مخدر كانت تردد إحدى الأغنيات الغربية، فنرجو توجيه نصيحة لمثل هذا؟ A لا يعاد الكلام، وقد جمعت فتاوى أهل العلم الذين تكلموا في الغناء في عنوان (رسالة للمغنين والمغنيات) وذكرت فتاوى أهل العلم بل نقل الشوكاني إجماع العلماء من أهل السنة على تحريم الغناء، ونقل الآجرَّي إجماع أهل العلم على تحريم الغناء، وقال ابن مسعود: [[والله الذي لا إله إلا هو، والله الذي لا إله إلا هو، والله الذي لا إله إلا هو، إن لهو الحديث في القرآن هو الغناء]] وقال مجاهد: هو الغناء، وقال مالك: لا يستمع الغناء عندنا إلا الفساق، واتفق أهل المذاهب الأربعة على تحريمه، وقال الشافعي: خلفت في بغداد شيئاً يدعى التغبير تركة الصوفية هو أضر من الخمر، وذكرت كلام ابن تيمية في (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) وفتوى ابن القيم التي قال فيها: [[الغناء عصارة الزنا، وباب اللواط، ورقية العاشق للمعشوق، وهو باب من أبواب الفاحشة]] ثم فتوى سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز، والإفتاء بتحريمه عند أهل العلم سلفاً وخلفاً، ثم فتوى العلامة محمد ناصر الدين الألباني، وبعدها ذكرت أضرار الغناء منها كما قال عقبة بن نافع لأبنائه: إياكم والغناء فإنه طريق إلى الفاحشة، ومنها أنه ينسي القرآن، ومنها أنه يقطع الحبل بين العبد وبين الله، ومنها أنه ينسى ذكر الله، ومنها أن صاحبه يحرم الغناء المباح في الجنة الذي ذكره ابن القيم، ومنها أنه يدعو للجريمة بشكل شديد جداً، ومنها أنه قسوة للقلب. أخوتي في الله! أما هذه الفتوى فأنا أسال من أفتى بها أمام الله عز وجل، ثم أمامكم: أولاً: ما هو دليلك أيها العلامة فيما أفتيت به، ويطالعنا يقول الحديث ضعيف، قلت الحديث في صحيح البخاري سنده كالشمس، وأنت لست بمحدث. أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل الذي يقول هذا القول -وأنا لا أغتاب أحداً- لكن أقول من هذا المكان، طالب في أولى من أصول الدين أحسن منه في الحديث، وأقوى منه في التخريج، ونسبته في الأحاديث أقوى منه، ضعَّف سبعة أحاديث في صحيح البخاري وأربعة في صحيح مسلم وصحح أحاديث موضوعة شهد العلماء أنها موضوعة، بل قال: أتى بشروط خمسة في قبول الرواية ثم لم يعمل بشرط منها، وقال في قاعدة له: يقبل الحديث إذا وافق معناه العقل ولو كان سنده ضعيفاً، ويرد الحديث إذا خالف معناه العقل ولو كان سنده صحيحاً. ثانياً: من وافقك على هذه الفتوى ولو صحابي، وأنا أتحدَّى وهذه كتب التفسير لـ ابن جرير وابن كثير، والكتب الستة المسانيد والمعاجم وكتب الفقهاء التابعين، الفقهاء السبعة، وتابعي التابعين، كلهم مجمعون على تحريم الغناء، لا يعرف بل ذكر الذهبي في ترجمة ابن الطاهر المقدسي أنه زل زلة شنيعة يوم قال: بإباحة الغناء، وأنه سقط على وجهه، وابن حزم الظاهري يقول به؛ لأنه ضعف حديث البخاري. قال: البخاري ما سمع الحديث من هشام بن عمار، مع العلم أن ابن حزم لو رأى الغناء هذا كبر أربع تكبيرات وصاح وقال: حرام، حرام، حرام. الغناء عند السلف كان بدفوف وتنك، لكن الغناء هنا مركب، خمر يدوخ العقول، يجعل الإنسان لا يدري أين هو، يضيع إيمانه، فلا تغتروا بمن أفتى بفتيا يسأله الله عنها: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116] ولو عدتم إلى شريط (رسالة إلى المغنين والمغنيات) لوجدتم الكلام بالتفصيل، وسبعة أحاديث، وما يقارب ثمان آيات، ونقولات من كتب عشرة من العلماء عل الله أن ينفع به.

علاج قسوة القلوب

علاج قسوة القلوب السؤال يقول: القلوب إذا قست بسبب حب الدنيا، فما هو الأمر الذي يلينها؟ A ذكر الله عز وجل قسوة القلوب في مواضع من القرآن، أذكر ثلاثة مواضع: 1 - {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]. 2 - قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13]. 3 - وقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد:16] ولـ ابن القيم كلام جيد في ذلك: تقسو القلوب أعظم قسوة وذلك بالكفر كترك الصلاة. الأمر الثاني: المعاصي تقسي القلب حتى يكون كالحجر. الأمر الثالث: كثرة المباحات من نوم وكلام بغير ذكر الله وخلطة، ويلين القلوب الصلوات الخمس واعتزال الغناء، وذكر الله عز وجل، والصحبة الصالحة، وكثرة الاستغفار، والتقليل من الضحك والمزاح، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام: {لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وصلى الله على سيدنا محمد آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

حرب طاحنة بين السنة والبدعة

حرب طاحنة بين السنة والبدعة في ثنايا هذا الدرس: ذكر مسار البدعة، وكيف واجهها الإسلام، وكيف حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، وتوضيح أنواع البدع، ومواقف للعلماء وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والأئمة من بعدهم في التصدي لأهل البدع، ولو اقتضى الأمر السجن أو ما هو أكبر منه.

مسار البدعة

مسار البدعة الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير، الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، والصلاة والسلام على معلم الخير، وهادي البشر، ما اتصلت أذن بخبر وعين بنظر، وما تألق ورق على شجر، وما همل مطر وانهمر. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الأبرار: أيها الأخيار! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، عنوان هذه المحاضرة (حرب طاحنة بين السنة والبدعة) وهي حرب ضروس وجدت منذ أن خلق الإنسان، حرب بين الخير والشر، والهدى والضلال، والحق والباطل، وهذه الحرب نتكلم عنها منذ فجر النبوة وسوف نتكلم عن: - مسار البدعة وكيف واجهها علماء الإسلام؟ وكيف انتصروا عليها في أكثر من موقف؟ - وما هي أسباب انتشار البدعة؟ - وما هي أسباب الانتصار على البدع؟ - ثم نعرض إلى بعض الوقائع والمقولات التي عاشها علماء الإسلام منذ فجر الدعوة، وعلى رأسهم وقدوتهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. - ثم نعرج على بعض العناوين ومنها: - التحذير من البدع. - صراع البدعة مع السنة. - الخوارج وموقفهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. - الجدال الذي كان ثمرته التعزير. - المبتدع مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه. - علي بن أبي طالب أمير المؤمنين يندد بالبدعة ويلاحق ابن سبأ في كل مكان. - عمارة بن رؤيبة وموقفه من البدعة. - أحد الصحابة يتهم بشر بن مروان بالبدعة على المنبر. - الحسن البصري يتبرأ من واصل بن عطاء المعتزلي. - خالد القسري يذبح الجعد بن درهم المبتدع كذبح الشاة يوم عيد الأضحى. - الإمام مالك يتكلم عن السنة، ويعارض البدعة، ويندد بها في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام. - الإمام أحمد يقود الحلف السني الشهير ضد الحلف المبتدع الصغير الحقير، ومن وإلى المأمون الخليفة العباسي المبتدع. - أحمد بن نصر الخزاعي يذبح شهيداً في سبيل الله. - ابن تيمية يتصدَّى للبدع ويحاربها بقلمه السيال، ولسانه المعطاء، وبفكره وعطائه وتأليفه، وينزل للبدع في الميدان، ثم تعلن النتيجة لصالحه. - الإمام محمد بن عبد الوهاب يؤسس الدولة السنية التي قامت على الكتاب والسنة، وينصرها بالسيف والقلم، وهو مسئول عن فترته، ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها، ونحن نسأل عن هذه الفترة ولا يسأل عنها محمد بن عبد الوهاب. ثم الخلافة العثمانية وموقفها من البدع. - ثم نعرج على القضايا العصرية وعلى بعض الأمور بدون أن نتعرض لأشخاص ولا لحكومات ولا لهيئات، فإن موقفنا هنا أن نبين الإسلام، ولا نتعرض لأحد مهما كان إلا أن يقدح في الإسلام؛ حينها نبين خطأه وظلمه وضلاله، وهذه أمانة الله عز وجل على طلبة العلم والدعاة.

البدعة في اللغة

البدعة في اللغة البدعة في اللغة: تدل على أمور، منها: الاختراع، والإنشاء، والإبداع، يقول: أبدعت الشيء أي: اخترعته، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في القرآن، فقال: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} [الحديد:27] أي: النصارى الجهلة الضلال عبدوا الله، لكن عبدوه بجهل، فأخذوا لأنفسهم طقوساً وأحداثاً وأرقاماً ما أنزل الله بها من سلطان؛ فوقعوا في الضلال والبدعة والارتباك.

أدلة تحريم الابتداع في الدين

أدلة تحريم الابتداع في الدين قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد:27] وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف:3]. فنحن أمة نتبع ولا نبتدع، أمة نقتدي ولا ننتج من أنفسنا أموراً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1] الشريعة تتلقى من السماء ولا نتدخل فيها إلا باستنباط وفقه في النصوص، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:8]. قال بعض المفسرين: هؤلاء المبتدعة زين الله لهم سوء أعمالهم فرأوها حسنة، وزين لهم الشيطان المسلك والسبيل، فرأوا البدعة حسنة.

موقف السلف الصالح من البدع

موقف السلف الصالح من البدع قال سفيان الثوري: [[البدعة أحب إلى إبليس من المعصية]] علق ابن تيمية على هذا المقال بقوله: لأن البدعة قليل من يتوب منها، أما المعصية فكثير من يتوب منها؛ ولأن المبتدع يرى أنه محق ويرى أنه على صراط مستقيم وأنه مهتدٍ، فلا داعي لأن يتوب وهو على صراط سوي. قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث عائشة مرفوعاً وهذا الحديث عمدة من عمد الدين، وقاعدة قوية، وصخرة تتكسر عليها رءوس المبتدعة قال صلى الله عليه وسلم: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} وفي لفظ: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} لكن تعالوا إلى كلام السلف في البدعة، قال بعض السلف في البدعة: لا تجالسوا مبتدعاً ولا تؤاكلوه ولا تشاربوه، فإنه أعدى من الجرباء. وقال ميمون بن مهران: ثلاث لا تسلم لنفسك فيها انقياد: الأولى: لا تخلو بامرأة ولو أن تقول: إني أعلِّمها القرآن، أو أعظها، فإنه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما}. والمسألة الثانية: لا تقبل على السلطان ولو أن تعظه، فإنك لا تدري ماذا تفعل، أي: تتنازل عن دينك. والمسألة الثالثة: لا تستمع لصاحب بدعة، فإنك لا تدري ماذا يقذف في قلبك من بدعته. فالأهواء أسرع إلى أهل البدع، وهي السم الزعاف، وهي أعدى من الجرب للأمة إن لم يتداركها الله برحمته تبارك وتعالى.

أسباب البدعة

أسباب البدعة لماذا يبتدع المبتدع بدعته؟ وعند الإجابة على هذا السؤال سوف نتعرض إلى: - بدع العقائد. -بدع العبادات. -بدع الآداب والسلوك. ما هي الأسباب التي تجعل كثيراً من الناس يبتدعون في دين الله وهو الشريعة كاملة، قال سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]؟ A لا يبتدع مبتدع إلا لأحد أسباب ثلاثة:

السبب الأول: الجهل بالأثر

السبب الأول: الجهل بالأثر ليس هناك معصية أعظم من الجهل، فإذا وجد الجهل في أمة فمعنى ذلك: أنها قد سحقت وأزيل مجدها، ودكت عظمتها، واستولى عليها العدو الباطن والظاهر من كل جانب، والجهل تبعية وخرافة ورجعية وتأخر، وهو عند أصحابه طاغوت من الطواغيت. أتى عبد الحميد بن باديس العالم الجزائري الكبير، وأراد أن يطرد الفرنسيين من بلاده، ومن تراب وطنه، فأتى إلى الشعب الجزائري فوجده جاهلاً، فقال: كيف تريدون أن تطردوا الفرنسيين بأناس جهلة؟! فلما عَلَّم الشعب الجزائري عشرين سنة تقريباً، بدأ الزحف، فما مضت سنوات إلا وقد مُزق جيش فرنسا تمزيقاً تاماً على تراب الجزائر. ولذلك فإن الجهل بالأثر -أي: بالكتاب والسنة- هو سبب كبير من أسباب البدعة، وإذا رأيت الإنسان يعيش وهو لا يتصل بالقرآن والسنة مباشرة، ولا تكن مادته ومكتبته السنة والقرآن، ولا يكون حديثه في المجالس ودروسه وتلقيه وإشراقاته من الكتاب والسنة -لا أعني في ذلك: أنه لا ينصرف إلى تخصص غير تخصص الكتاب والسنة، لكن ليكن محوره الكتاب والسنة- إذا رأيت ذلك فاعرف أن البدعة منه قريبة، وأنه أحد شخصين: إما مبتدع سوف يكون منظراً كبيراً للمبتدعة، وإما جاهل يقلد من رأى، إن رأى سُنياً قلَّده، وإن رأى خارجياً قلَّده، أو مرجئاً، أو قدرياً، فهو يقلد كل إنسان! يوم يمان إذا لاقيت ذا يمن وإن لقيت معدياً فعدناني هذا عمران بن حطان يقول: أنا رجل داهية ألعب على الرجال، إذا جلست مع اليمني قلت: أنا يمني، وإن جلست مع العدناني، قلت: أنا عدناني، هذا الذي يعيش على هامش الأحداث، الذي لا يتصل بالعلم.

السبب الثاني: الغلو

السبب الثاني: الغلو ولا يوجد الغلو في أمة إلا وزحفت إلى الابتداع مباشرة، والغلو ليس مطلوباً في الإسلام، قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [المائدة:77] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {هلك المتنطعون، هلك المتنطعون} -وفي رواية- {المتفيهقون والمتشدقون} هؤلاء الذين يحكحكون في الدين، أو يتعمقون عمقاً ليس من السنة، وسوف أبين ذلك؛ لأن هذه الكلمة استخدمت على مستويين اثنين: أناس فجرة -والعياذ بالله- دخلوا على أهل الخير والصلاح من هذا الباب، يهاجمونهم بالتعمق والتطرف، وأنهم يأخذون الدين بقشوره وأوراقه وجذوره، وقد يكون سبباً صحيحاً؛ لأن هناك أناس وجدوا في الساحة تعمقوا وتنطعوا في دين الله، ودين الله وسط بين الغالي والجافي، من يصعد برأسه حتى يصل إلى السطح ثم يريد أن يخرج من البيت، ومن يريد أن يهبط ثم رسخ في الأرض ويرسخ في التراب {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143] وسوف أبين ما هو الغلو في المعتقد: الغلو في المعتقد هو كما فعلت بعض الطوائف كبعض أهل الرفض الذين غلو في علي رضي الله عنه حتى ادعوا له الألوهية. وغلت الخوارج في العبادات حتى غلبتها على الفهم والفقه في الدين، وأخرجت المسلمين عن الإسلام، وكفرت الناس بالمعاصي. وغلت المرجئة في باب الإيمان حتى قالت: من آمن بقلبه كفاه ذلك عن العمل. وغلت القدرية وقالت: لا قدر، ولم يكتب الله عز وجل قدراً إلى غير ذلك من الطوائف.

السبب الثالث: اتباع المتشابه

السبب الثالث: اتباع المتشابه في النصوص القرآنية والسنة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام: نصوص تحتمل التأويل، تحتمل هذا وذاك، تحتمل الاستنباط وغيره، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران:7]. والمحكم في آيات القرآن كثير، والمتشابه ما يحتمل وجوهاً. أو ما لا يدرك علمه، فعلماء الإسلام وأهل السنة، يقولون: آمنا به ووكلنا علمه إلى عالمه، أما المحكم: فنؤمن به ونعمل به، والمتشابه نؤمن به ونكل علمه إلى الله. لكن أهل البدع يأخذون المتشابه، فيدخلون من هذا المدخل؛ لأنه يحتمل وجوهاً، وسوف نضرب على هذا أمثلة.

واقعة الخوارج

واقعة الخوارج نستمع الآن إلى أمثلة من تاريخ الإسلام، وأنت بإمكانك أن تقيس الأحداث والوقائع والأسماء على هذه النوازع. هل تعلمون أعدل من رسول عليه الصلاة والسلام في البشر؟ هل تعلمون أكرم منه في البشر؟ هل تعلمون أنصف منه في الحكم؟ A لا يوجد أحد والله أتى يوزع الغنائم بين الناس؛ لأنه القاسم والله المعطي، فلا يوزع من نفسه ولا يسبقه الهوى؛ لأنه أخوف الناس لله، أتى يعطي هذا ويعطي هذا، فأتى رجل من الخوارج. والخوارج لهم سمات منها:

بعض سمات الخوارج

بعض سمات الخوارج أولها: أنهم يغلبون العبادة على العلم كالنصارى، فهم جهلة. ثانيها: يأخذون بظاهر القرآن والسنة، ولا يأخذون بما خرج عن القرآن من السنة، أو ما كان زائداً من القرآن عن السنة. ثالثها: أنهم يكفرون أصحاب الكبائر، ويخرجون أهل المعاصي من الإسلام، ويستحلون قتال أهل القبلة، ويقتلون المسلمين، هؤلاء هم الخوارج. جلس عليه الصلاة والسلام يوزع الغنائم، فأعطى هذا مائة ناقة؛ لأنه يريد أن يتألفهم للإسلام، فيعطي مشايخ القبائل ورءوس الناس من مائة مائة؛ لأن هذا الرجل إذا أسلم كان فيه نصر للإسلام، فأتى خارجي من الخوارج، وبين عينيه كركبة البعير من كثرة السجود، قال: اعدل يا محمد! سبحان الله! هذه الكلمة تملأ الفم: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً} [مريم:90] قال صلى الله عليه وسلم: {خبتَ وخسرتَ -وفي لفظ- خبتَ وخسرتُ إن لم أعدل} أي: إن كنت أنا أظلم فقد خبت في الدنيا وخسرتَ، وحاشاه! فهو أعدل الناس. فقام عمر رضي الله عنه وأرضاه، وقال: {يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال عليه الصلاة والسلام: لا يا عمر! لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه} وفي لفظ: {لا يا عمر! إنه يخرج من ضئضئ هذا أناس تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، وقراءتكم إلى قراءتهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية} وفي لفظ لـ مسلم: {لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد}. فأتوا وكان الموفق للانتصار عليهم هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، حضر معركة النهروان، وخرجوا مع الأمة يصلون الليل، ويصومون النهار، ومنهم من يقرأ القرآن ويختمه في يومه وليلته لكن لا يفقهون، فناداهم علي إلى الطاعة، وإلى الدخول في خلافة الإسلام وفي الإمرة ولكنهم أبوا إلا الفقه الأعوج. مروا برجل نصراني عنده نخل مزرعة، فأخذ رجل منهم رطبةً واحدة من رطبه، فقالوا له: آستأذنت النصراني؟ قال: لا والله. قالوا: عد إليه ولا تأكل حتى تستأذن منه.

قتال علي بن أبي طالب الخوارج

قتال علي بن أبي طالب الخوارج مروا بصحابي من صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام، اسمه عبد الله بن حبيب من الأتقياء الزهاد على نهر دجلة، فقالوا: يا عبد الله ممن أنت؟ قال: أنا من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام. قالوا: سمعت منه شيئاً؟ قال: سمعت منه صلى الله عليه وسلم أنه قال لي: {يا عبد الله! تكون فتنه، فكن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل} فأخذوا امرأته وهي حامل، ففقئوا بطنها بالخنجر فإذا هي وجنينها في الأرض!! ثم اجتمعوا على الصحابي فذبحوه على النهر. فوصل الخبر إلى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه، قال: [[الله المستعان! اذهب يا بن عباس إليهم، علَّ الله أن يهدي بك منهم نفراً كثيراً]] فلبس ابن عباس لباساً جميلاً وتطيب؛ لأن الله جميل يحب الجمال، وهو من أتقى الناس، فلما رأوه مقبلاً قالوا: من هذا؟ كأنه البدر، إنه ابن عباس ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: أنا ابن عباس، قالوا: ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: الله أعلم حيث يجعل رسالته، فقالوا: يا بن عباس! كيف تلبس هذا اللباس، قال: هذا حلال أتجمل به، أأنا أعرف بالسنة أم أنتم؟ قالوا: أنت. فأخذ يفاوضهم، فعاد منهم ما يقارب أربعة آلاف، وقيل: ما يقارب ألفين، ورفض البقية العودة إلى دائرة أهل السنة، فاستعان علي بن أبي طالب بالله، وخرج بجيشه المسلم، ووافقهم في النهروان واقتتلوا قتالاً ذريعاً، وما قتل من أهل السنة إلا ثلاثة, وقُتل منهم أربعه آلاف. فقال علي رضي الله عنه: ابحثوا عن رجل وصفه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، مخدج، ناتئ الجبهة، مغرورق العينين، مقطوع اليد اليسرى عليها كثدي المرأة، وعليها شعرات، فهذا منهم. فبحثوا في القتلى، قالوا: ما وجدنا، قال علي: والله ما كذبت ولا كذبت، وإنه معهم. فبحثوا ومع الغروب وجدوه في آخر القتلى، فرفعوه؛ فإذا هو كالوصف الذي وصفه صلَّى الله عليه وسلم، فسجد علي وقال: الحمد لله رب العالمين.

خيوط الخوارج في هذا العصر

خيوط الخوارج في هذا العصر هذا الخط الخارجي الابتداعي ظل في العالم الإسلامي قروناً وحقباً، وهو يعتمد في تصوره على أمور: أولها: طرح السنة، وهي مسألة لا يزال كثير من الناس يقول بها اليوم، كما ينادي بها رجل عميل مخرف في أمريكا اسمه رشاد خليفة، وهذا الرجل له هناك مسجد كبير في ولاية متشجن، وهذا الرجل يقدم امرأته لتصلي بالرجال، والذين وراءها ضلال مثلها. فرد عليه العلماء وأرسلوا له كلاماً، فقال: أنا لا أعترف إلا بالقرآن، والله سوف يرسل رسلاً مصلحين -يريد أن يمهد لنفسه ليدعي النبوة- وقال: من يمنع المرأة أن تصلي بالناس، بل المرأة أفضل من كثير من علماء الناس، وهذا الضال لا يزال ينشر منشورات وهو على النفس الخارجي في ترك السنة، وكذلك نشأ بعض الناس في الشرق الأوسط، وأنكروا سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وادعوا أنها ليست بثابتة، ورددت عليهم بكتب موجودة في الساحة، وهذا نفس خارجي. ويقول أحد العملاء من هؤلاء الضلال الفجرة، وهو في التلفاز يشرب كأس الماء في نهار رمضان قال: إن محمداً رجل بادية، وإنه جاء بتعاليم من البدو والأعراب ينشرها بين الناس إلى آخر ما قال!! وهذا نفس خارجي، لكنه زاد على الخوارج عدم توقير الإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم. وتوفي عليه الصلاة والسلام، والصحابة لا زالوا في ضميمة من الهدي المستقيم، يشعرون بحلاوة العبادة والاستمرار على القوة والتكاتف على طاعة الله تحت مظلة القرآن والسنة، وأتى أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فما كانت حربه ابتداعية بل كانت تمرداً ضد الحكومة الإسلامية، أولئك الثوار أعلنوا تمردهم على الإسلام وما كانوا إلا فريقين: فريق قال: قد انتهى الإسلام بموته صلى الله عليه وسلم، ويقول شاعرهم: رضينا بحكم رسول الله إذ كان بيننا فما بالنا نرضى بحكم أبي بكر أيملكها بكر إذا مات بعده فتلك لعمر الله قاصمة الظهر والفريق الثاني قالوا: لا زكاة في الإسلام، انتهت الزكاة بموته صلى الله عليه وسلم، فأعلن أبو بكر الحرب عليهم، ودمرهم تدميراً، وأخذهم بالسيف، وقادهم، فمنهم من قتلهم، ومنهم أخذوا أسارى حتى أذعنوا.

قصة صبيغ بن عسل مع عمر بن الخطاب

قصة صبيغ بن عسل مع عمر بن الخطاب جاء عمر رضي الله عنه وأرضاه فوقف للناس كالحصن. قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها يقول لـ أبي موسى: [[إنك سوف تذهب إلى أهل الكوفة، فلا تشغلهم بفتياك عن قراءة القرآن، فإنك سوف تسمع لهم دوياً كدوي النحل بالقرآن]] يأتي أبو هريرة فيحدث حديثاً طويلاً، فيقوم عمر ويقول: [[والله إما تركت الحديث يا أبا هريرة! وإلا فوالذي نفسي بيده لألحقنك بأرض القردة، أرض الدوس -يعني بلاد زهران - فسكت]]. يأتي أبو موسى فيطرق عليه الباب، فيقول عمر: من؟ فلا يسمع إلا الطرق، من؟ فلا يسمع إلا الطرق، فرجع أبو موسى لأنه لم يسمع الإذن بالدخول، فلحقه عمر، وقال: [[تعال، لماذا لم تدخل؟ فقال: أمرنا صلى الله عليه وسلم إذا استأذنا ثلاثاً، فلم يؤذن لنا أن نرجع. فقال عمر: والذي نفسي بيده لتأتيني بشاهد على هذا الحديث أو لأوجعنك ضرباً]] واقفٌ كالحصن وكالجبل ضد كل ابتداع في اللفظ والأخلاق والسلوك، فذهب أبو موسى وهو يرتجف ويرتعد إلى مجلس الأنصار، فشكا عليهم الحال، فأرسلوا معه أصغرهم، فشهد له بذلك فمرَّت سُنَّة. وأتاه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين! قال: نعم. قال: في الجيش -جيش الإسلام الذي يزحف إلى القادسية - رجل يقول: كيف تجمعون بين هذه الآيات، يقول الله عز وجل: (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً} [الذاريات:1 - 3] ويقول الله عز وجل: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} [المرسلات:1] ويقول عز وجل: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:1]؟! قال عمر: أهو موجود في الجيش؟ قال: نعم، قال: عليَّ به؟ ثم دعا سعد بن أبي وقاص، وقال: يا سعد! -والذي نفسي بيده- إن أفلت هذا الرجل ليكون لي ولك شأن. فذهبوا إلى الرجل، وأتوا به إلى عمر -وفي هذه الفترة جهز عمر عراجين النخل، وهي: عصي لدان، لا يضرب بها إنسان إلا رأى رشده، أو إنسان موسوس إلا خرجت الوسوسة من ذهنه، أو إنسان مصروع إلا خرج الجانُّ من قلبه وفؤاده، فرشها عمر بالماء وتركها، ثم قال عمر: عليَّ بالرجل. فأُدخل، فقال للرجل: من أنا؟ قال: أنت أمير المؤمنين. قال: أمسكوه، فأمسكوه بأيديه وأرجله؛ لأن هذا علاجه لا فتيا ولا مناقشة، فدبغه ظهراً لبطن. كل بطاح من الناس له يوم بطوح لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح فلما بطحه ظهراً لبطن حتى أغمي عليه، فرشوه بالماء؛ فاستفاق -أصبحنا وأصبح الملك لله- فأخذه فبطحه حتى أصبحت دماؤه في الأرض، ثم استيقظ، قال عمر: أعرفتني؟ قال: أنت أمير المؤمنين!! فقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد علاجي فقد شُفيت -والحمد لله- قال عمر: اذهب ولا تكلم أحداً، ولا يكلمك أحد أبداً. فكان لا يسلم على أحد ولا يسلم عليه أحد، حتى كُتب إلى عمر أن الرجل قد صلح واستقام، فقال عمر: كلموه. بهذا الأسلوب منع عمر قضية التكلم في كتاب الله عز وجل، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فمنع الكلام الغير مسئول والتمحل والابتداع لأنه يريد أن يقيم الأمة على كتاب وسنة.

موقف السلف الصالح من أهل البدع

موقف السلف الصالح من أهل البدع

علي بن أبي طالب يندد بالبدعة ويلاحق ابن سبأ

علي بن أبي طالب يندد بالبدعة ويلاحق ابن سبأ توفي عمر وأتى عثمان، وأخذت الصابئة وأفراخ المبتدعة من كل مكان، ويهود اليمن وعلى رأسهم عبد الله بن سبأ يهاجرون، لكن هجرة من اللعنة إلى اللعنة، ومن الغضب إلى الغضب، وأخذوا يبثون سمومهم، توفي عثمان رضي الله عنه، وقام علي بن أبي طالب في حرب ضروس لا تعرف الهوادة، يريد أن يقيم الأمة على الكتاب والسنة {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134]. جاءوا لـ علي بن أبي طالب فقالوا: إن ابن سبأ يقول: إنك إله من دون الله، قال: سبحان الله! أقال هذا؟! قالوا: نعم، قال: أله أتباع؟ قالوا: فلان وفلان، فأخذ علي رضي الله عنه يحفر حُفراً، وخدوداً في الأرض، أشعلها بالنار ودعا جنوده وأصحابه ليسقطوا في هذا المكان الملاحدة الزنادقة، حتى يقول علي وهو يسل السيف: لما رأيت الأمر أمراً منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا وقنبر هو خادمه الذي كان يرافقه، يقول علي: رأيت الأمر أمراً فوق الطاقة، فأججت ناري ودعوت قنبراً، ففر ابن سبأ، وخرج إلى غير عودة، ولكن ترك في الأمة رجساً وفسقاً وخيانة إلى اليوم.

عمارة بن رؤيبة وموقفه من البدعة

عمارة بن رؤيبة وموقفه من البدعة ثم كان من المواقف للسلف الصالح كما في صحيح مسلم أن يأتي بعض الناس فيزيدون شيئاً لم يأتِ به النبي صلى الله عليه وسلم، لا نقول كما يقول بعض الناس إذا قلنا لهم: هذه بدعة، قالوا: زيادة خير، من أين كانت زيادة خير؟! لو كانت زيادة خير لأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وشيء لم يأتِ من بضاعته ودراهم ولا تخرج من كيسه؛ فهي مغشوشة مبهرجة، مزخرفة ليست أصلية. أتى بشر بن مروان -وهو أخو عبد الملك - إلى العراق واستولى عليها، يقول الشاعر فيه: قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق فصعد يوم الجمعة ورفع يديه على المنبر في غير استسقاء، ورفع اليدين من الخطيب بدعة في غير دعاء الاستسقاء؛ لأنه لم يأتِ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدخل الصحابي عمارة بن رؤيبة فرآه، فقال: [[مال هاتين الكفين الخبيثتين ترتفعان على المنبر، والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بنا على المنبر فما يرفع يديه]] لكن هذا النفي العام يخصصه قول أنس يوم استسقى النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر، كما في حديث الأعرابي الذي دخل من نحو دار القضاء، وقال: {يا رسول الله! جاع العيال، وهلك المال، وتقطعت السبل؛ فادع الله أن يغيثنا. فرفع صلى الله عليه وسلم يديه ودعا}. إذاً لا يجوز للخطيب أن يرفع يديه إلا في الاستسقاء، وإن رفعها في غير الاستسقاء فقد ابتدع في دين الله. وللفائدة: ما هو موقف المأمومين يوم الجمعة إذا دعا الخطيب، وقال: اللهم صلِّ على رسولك محمد، أو اللهم أصلح إمام المسلمين، أو اللهم اجمع كلمة المسلمين؟! الصحيح في هذا: أن يتوقفوا عن رفع الأيدي؛ لأن رفعها أقرب إلى البدعة لأنه لم يأتِ فيه نص فيما أعلم، وما عملها السلف، ولا يُعمل بمثل هذا إلا بدليل عن المعصوم عليه الصلاة والسلام، وإتباع ذلك بالتأمين -أيضاً- يلحق بهذه المسألة، لأننا -بحد علمنا القاصر ما وجدنا ما يدل من السنة- أن هناك دليلاً يخول لنا أن نفعل هذا، وهذه من المسائل المشهورة، وحاجة الأمة إليها حاجة ماسة، فكيف تخفى على طلبة العلم والمبتدئين من طلبة العلم. إذاً فالأصل هو التوقف في هذه المسائل حتى يرد دليل من المعصوم صلى الله عليه وسلم. وللفائدة فإن من المسائل التي تلحق بذلك ما ذكره الإمام الشاطبي صاحب الموافقات: قال: كنت خطيباً! فأنكر عليَّ الناس بعض الأمور التي كنت أفعلها؛ لأنهم تعودوا السير على البدع، من بعض الأمور التي يتوهم الناس أنها من السنة، ولا بأس بها أحياناً، لكن المداومة عليها بدعة، كأن يقول: وارض اللهم عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فبعضهم يقول: هذه لا بد منها في الخطبة، وإذا تركتها فالخطبة باطلة، ومن لم يفعل ذلك فقد ابتدع، فله أن يفعلها أحياناً ويتركها أحياناً، ومن يفعلها دائماً معتقداً أنها من السنة فقد ابتدع، ومن ذلك أن يحافظ على أدعية مخصصة في الخطبة الثانية لا يتجاوزها، وأنا أتحدث عن البدع التي تنتشر في أوساطنا وإلا -لا نقول هذا تعصباً محضاً- في أوساطنا البدع قلت والحمد لله؛ لأن السنة منتشرة، ولأن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب لا زالت حية في كثير من الأماكن، ولكثرة طلبة العلم، لكن في كثير من البلاد يرى الإنسان عشرات من البدع. ومن البدع التي توجد: أنه عندما يقول الإمام لمن هو موجود: (استووا) فإنهم يقولون: (استوينا لله وأطعنا) وهذا لم يرد في السنة، من قال لك: استوينا بالله، أو توكلنا على الله، صحيح أنها دعاء، لكنها لم ترد. رأى سعيد بن المسيب -رحمه الله- رجلاً يصلي قبل صلاة الفجر ست ركعات أو أربع ركعات، والسنة ركعتان، قال سعيد: [[خالفت السنة، قال الرجل: والله ما خالفت السنة لأني أريد الخير، والله لا يعذبني لأني أصلي له، فقال له سعيد بن المسيب: والله ليعذبنك الله، لا يعذبك للصلاة لكن يعذبك لأنك خالفت السنة]]. قيل لأحد علماء السلف: من هم أهل السنة؟ قال: أهل السنة هم الذين ليس لهم اسم إلا أهل السنة. بعض الناس إذا قرأ الإمام: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] قال: " اللهم اهدنا " وإذا قرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: " استعنا بالله " لماذا تدخل هذا الكلام؟ من أعطاك هذا الكلام؟ هذه شريعة لا تقبل الاجتهادات، خاصة في الصلوات، وسوف يمر بنا أمثلة إن شاء الله. المقصود أن هذا الرجل عندما رفع يديه أنكر عليه الصحابي الشهير ليدافع عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

موقف الحسن البصري من واصل بن عطاء المعتزلي

موقف الحسن البصري من واصل بن عطاء المعتزلي الحسن البصري وواصل بن عطاء: الحسن البصري من أئمة أهل السنة والجماعة وهو من الذين لهم قدم صدق في الإسلام. جلس في البصرة يُعلِّم الناس، ومن معتقد أهل السنة والجماعة أن الناس قسمان: مسلم وكافر، وهناك المنافق، والفاسق نفاقاً وفسقاً أصغر داخل في الإسلام عند أهل السنة والجماعة، لأن الكبيرة عند أهل السنة والجماعة لا تخرج مرتكبها من الإسلام، فشارب الخمر لا يخرج من الإسلام، لكننا نخاف عليه العذاب، وإن لم يتداركه الله برحمته هلك، وكذلك السارق لا يخرج من الإسلام ولو أنه صاحب كبيرة، والزاني وهو مؤمن لا يخرج من الإسلام ولو أنه صاحب كبيرة. قال الحسن البصري [[الفاسق مؤمن في الأصل]] وقال واصل بن عطاء: " الفاسق ليس بكافر ولا مؤمن، ولكنه في منزلة بين المنزلتين " فانفصل عن مجلس الحسن البصري وكوَّن مدرسة الاعتزال. وأكبر ذنوب الاعتزال: أنهم قدموا عقولهم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية بكتاب العظيم درء تعارض العقل والنقل، فأتى بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم، فجزاه الله خيراً، وبيَّض الله وجهه في تلك الردود، وحبذا لطلبة العلم أن يقرءوا ولو مقدمة الكتاب ليتصور العمق والأصالة في الرد على المبتدعة من كلام ابن تيمية. فـ المعتزلة لهم سمات منها: أنهم قدموا العقل على النقل، وهذه أكبر ذنوبهم وخطاياهم، والمعتزلة فرقة ضالة مبتدعة نفت الصفات وأثبتت الأسماء، ومنهم -انتبهوا له واغسلوا أيديكم من مقالاته، والاستفادة من لغوياته وأدبياته- الزمخشري صاحب الكشاف. هذا الرجل ضليع في اللغة، بحر في الأدب، بارع في النحو، لكنه متورط إلى أذنيه في الاعتزال، يدافع عن مدرسة الاعتزال، ويتهم أهل السنة، فيقول في قصيدة آثمة كاذبة خاطئة: لجماعة سموا هواهم سنة الجماعة حُمر اللعين الموكفة ورد عليه أهل السنة بقصائد عظيمة. وكتابه الكشاف يُنتبه له، فقد بدأ بالاعتزال من المقدمة الأولى من الكتاب، لكن يستفاد منه في براعته في النحو، واللغة، ودلالته في إيجاد علم البيان والبديع، لكنه معتزلي.

موقف خالد القسري من الجعد بن درهم

موقف خالد القسري من الجعد بن درهم خالد القسري والجعد بن درهم: الجعد بن درهم أسس مدرسة نفي الأسماء والصفات، وهي أقرب إلى الإلحاد في دين الله عز وجل، ويقول بعض الناظرين في العقائد: إنها أساس لـ مدرسة الحلول والاتحاد. يقول الجعد: إن الله لم يكلم موسى، سبحان الله! يقول تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] قال الجعد بن درهم: " وددت أني أحك آية في كتاب الله بدمي" قالوا: ما هي، قال:" {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] ". رآه بعض أهل العلم بعد أن توفي في صورة كلب ممسوخ، أتي به يوم عيد الأضحى -وهو الصحيح- يقول: "لم يتخذ الله إبراهيم خليلاً، ولم يكلم الله موسى تكليماً " قال له خالد القسري -حاكم العراق -: تب إلى الله، فحفظ مبدأه ورفض أن يتوب، قال: " سأذبحك اليوم بيدي إن لم تتب"، قال: " لن أتراجع عن مبدئي أبداً " -انظر إلى الصلابة قوة أهل الباطل على باطلهم، وفشل بعض أهل الحق عن حقهم، مبتدع ضال، يعارض أهل السنة والجماعة ويعارض الملايين منهم، والحاكم ضده والوزراء والأمراء، والجيش والعامة والأطفال، وهو يقول: " لا "- وفي الأخير خطب خالد القسري بالناس، ثم نزل وقال: " يا أيها الناس! ضحوا تقبل الله منكم فإني مضحٍ بـ الجعد بن درهم " فنزل إليه في أصل المنبر فذبحه. تقبل الله منا ومنك، والبدنة عن سبعة، قال تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج:36] قال ابن القيم: ولذاك ضحى خالد بـ الجعد في يوم ذبائح القربان إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان ذبحه ورفع جثمانه، ووري التراب، وسكنت وفترت البدعة، لكنها نشأت فيما بعد، وأججها الخليفة المأمون العباسي.

موقف الإمام أحمد من فتنة خلق القرآن

موقف الإمام أحمد من فتنة خلق القرآن

موقف الإمام أحمد مع المأمون

موقف الإمام أحمد مع المأمون المأمون العباسي داهية من الدهاة، وطالب علم من العلماء، لكنَّ علمه مشوب بالبدعة، نشأ على أساتذة من أهل البدعة في خراسان وما جاور خراسان، وأتى بغداد ليأخذ الحكم من الأمين والأمين قرشي، أقرب إلى السنة من المأمون، والمأمون أقرب إلى تصريف الأمور من الأمين لأن الأمين صاحب غناء ومجون وسفه، ولكنه من أهل السنة الذين يرجى لهم رحمة الله عز وجل. أمه زبيدة قرشية، وذاك أمه مولاة من السبي أعجمية، فكتب لهم هارون الرشيد كتاباً، وجعل الأمر بينهم، وجعل الخليفة الأول الأمين، وبعده المأمون، فلما تولى الأمين، وسوست له نفسه خلع أخيه المأمون، وأخذ الكتاب المعلق في الكعبة ومزقه، فدخل ذاك واستولى على بغداد، وبدأ ينشر مذهب الاعتزال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الله لن يغفل عن المأمون فيما أدخله في بلاد المسلمين من كتب الفلاسفة. قال المأمون: من ترجم كتاباً من كتب اليونان وزنت له الكتاب المترجم ذهباً وفضة، وأنشأ دار الحكمة وملأها بالألوف المؤلفة من الكتب، وكان له يوم مع المفسرين، ويوم مع المحدثين، ويوم مع الأدباء، ويوم مع الفرضيين، ويوم مع الفلاسفة، ويوم مع أهل علم الكلام، وكان من أخطب الناس، وأسس (دار الحكمة) لينشر ضلاله، في كيسه سم زعاف وعقارب، وفي الأخير بدأ يبث القول بأن القرآن مخلوق -جل الله وتعالى عما يقولون علواً كبيراً- بل كلامه صفة من صفاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة، يتكلم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بما يشاء متى شاء، قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] وقال سبحانه: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] فبدأ يبث هذا المذهب وفي الأخير انسحق الكثير أمام هذا الزحف، لأن المأمون بيده السلطة، وبيده السيف والسوط، وعنده الحبس والسجن، وعنده القتل والإبادة، فأظهر الله الإمام أحمد بن حنبل، حياك الله يا أبا عبد الله! وحيا الله اللموع والإشراق، وحيا الله العظمة والقوة. من تلظي لموعه كاد يعمى كاد من شهرة اسمه لا يسمى عرضوا عليه الأكياس من الذهب والفضة ليسكت، قالوا له: " لا تتكلم ونعطيك كل شيء؟ قال: لا، قالوا: نوليك ولاية الوزراء وتكون تحت يديك، تعزل من شئت وتولي من شئت؟ قال: لا، قالوا: أنت عالم الدنيا، ولك ما شئت؟ قال: لا، قالوا: إذاً نقتلك؟ قال: القتل أهون، قالوا: نحبسك؟ قال: الحبس أهون، قالوا: الجلد؟ قال: الجلد أهون. لاطفوني هددتهم هددوني بالمنايا لاطفت حتى أحسا أركبوني نزلت أركب عزمي أنزلوني ركبت بالحق نفسا أطردُ الموت مقدماً فيولي والمنايا أجتاحها وهي نعسى لوحوا بالكنوز راموا محالاً وأروني تلك الدنانير ملسا كلها لا أريد فكوا عناني أطلقوا مهجتي فرأسي أقسى رجل فقير يحفظ ألف ألف حديث، رجل فقير يتكلم بالحكمة، رجل فقير إذا رئي ذُكر الله عز وجل، يدخل السوق وهو نحيل الجسم، منحنٍ من ضعفه وهزاله، وعليه بردة بقيت عليه سنوات لكنه جميل المنهج والمظهر، طيبة رائحته تفوح بالسوق، فإذا رآه أهل السوق باعة الزبيب والتمر والفستق والحمبص، رفعوا أيديهم يقولون: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله. استدعي إلى الخلافة، فذهب ولكن وهو في الطريق مات المأمون، وهذا أول انتصار.

موقف الإمام أحمد مع المعتصم

موقف الإمام أحمد مع المعتصم لما مات المأمون تولى الخلافة بعده المعتصم الخليفة العسكري الرهيب الفولاذ، الذي كان من أقوى الناس في التاريخ. يقول أهل التاريخ: كان ينصب له أوتاد في الأرض، ثم يربط رجليه بالأوتاد، ويأتي بالفرس ويقفز من على الأرض على الفرس، لأنه مدرب منذ نشأته على الفروسية، فيقفز فيقتلع الربط، أو يقطع الخيوط، فإذا هو على ظهر الفرس، هو صاحب عمورية وهي من حسناته، وهو القائد الذي زحف بتسعين ألفاً، يقول أبو تمام: تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب وهنا أذكر القصة باختصار رغم أنها مكرره: كرر العلم يا جميل المحيا وتدبره فالمكرر أحلى امرأة في عمورية في بلاد الروم، بينها وبين المعتصم فيافي وقفار، لعب عليها رومي وضربها، وقيل: شبك ثوبها بإزارها، فقامت فانكشفت عورتها؛ فقامت وصاحت: وامعتصماه! فتضاحك أهل الروم، وقالوا: انتظري المعتصم حتى يأتي على فرسه الأبلق ينصرك، فسمعها مسلم، فركب البحر، ووصل إلى المعتصم وهو في سامرا، وهي عاصمة بجانب بغداد وكانت تقع على شق من نهر دجلة ونهر الفرات وكان في قلبها المعتصم. فدخل الرجل عليه، وقال: عندي رسالة؟ قال: ما هي؟ وكان المعتصم جالس مع أمرائه وعلمائه ووزرائه، قال: رأيت امرأة أهينت، وقالت: "وامعتصماه " فقفز من على سريره، قال: والذي لا إله إلا هو لا يغشى رأسي ماء من جنابة حتى أدوس أرضهم بالخيل، وأحرق مدنهم وقصورهم، وكان إذا حلف حلف، وإذا أقسم أقسم، ثم استنفر الناس يوم الجمعة، وقال: من تخلف وهو قادر فاضربوا رأسه بالسيف، وأما المفتي للجيش فهو محمد بن الحسن الشيباني، وقواد الجيش فلان وفلان وفلان، وعليكم أن تصوموا هذه الأيام ونحن متوكلون على الله عز وجل، وأكثروا من التوبة والاستغفار، وجاء الخبر إلى بلاد الروم فقامت قيامتهم، وأخذوا يتحصنون بالمتاريس والدروع، وينصبون الكمائن، ويسدون خطوط الرجعة، وينزلون الكتائب تتدرب يوماً بعد يوم؛ لكن قال تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18] وقال سبحانه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] زحف ووصل إلى بلاد الروم، واستقبلته أول مدينة فأحرقها عن بكرة أبيها، قال: لا تهاجموا كل مدينة، ولكن أحرقوها إحراقاً، فأخذت تلتهب فأدخل الرعب في قلوبهم، حتى قال للمنجمين الخرافيين المتخلفين: أأذهب هذا الشهر أم الذي يليه؟ فقال بعض المنجمين: نخاف إذا ذهبت هذه السنة -لأن بعضهم أعاجم يخافون، لا يريدون أن يذهب إلى الروم- ألا تنتصر فنخاف أن تفشل، قال: والله الذي لا إله إلا هو إني متوكل على الله، فزحف، فلما انتصر؛ قام أبو تمام الشاعر، وقال: أين الرواية أم أين العلوم وما صاغوه من دجل فيها ومن كذب رواية وأحاديث مطلسمة ليست بنبع إذا عدت ولا غرب فالنصر في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا بالسبعة الشهب يقول: النصر في الرماح والسيوف ليست بالسبعة؛ لأن المنجمين يعدون السبعة الشهب. فلما قاتل انتصر وإذا بالمدن تنهزم أمامه حتى وصل إلى عمورية، هذه العاصمة، ثم قال لقاداتهم: انزلوا إلينا فنزلوا، فأخذ قائد منهم يقتل الواحد من المسلمين تلو الواحد حتى قتل سبعة، وفي الأخير قال المعتصم: كيف يقتلنا؟! فخرج له الخليفة المعتصم فتناوله فقطع رأسه حتى كأنه وليس خلق له رأس، ثم أخذ يزحف حتى استولى على المدينة، وقال: أين المرأة؟ فبحث عنها وأُتي بها، قال: أين الرجل؟ قالوا: لا نعرفه، قال: لتخرجنه أو لندوسنكم دوساً، فأتوا بالرجل، وقدموه له. فقال للمرأة: هذا لك رقيق، وأنا المعتصم، وهذا فرسي الأبلق، قالت: قد أعتقته لوجه الله، وجزاك الله خيراً عن الإسلام والمسلمين، قال أبو ريشة عن فلسطين التي فيها كم من امرأة وطفل يقولون صباح مساء: وامعتصماه، لكن الله الناصر. رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم ألإسرائيل تعلو راية في حمى المهد وظل الحرم أو ما كنت إذا البغي اعتدى موجة من لهب أو من دم هذا المعتصم لا يعرف في العلم شيئاً، يعرف السيف، وكسر الرءوس، وضرب الأكتاف. قال ذات يوم: عليَّ بـ أحمد بن حنبل، فخرج الإمام أحمد بن حنبل من داره في برد الشتاء وركب على فرس، رجل هزيل أنهكته العبادة والدموع في الليل، وخشية الله ومناجاته، وتلاوة كتابه، قال الإمام أحمد: [[والله ركبوا عليَّ من الحديد ما كان يعادلني وزناً]] أي: لو وزن الحديد والإمام أحمد بن حنبل لكان الحديد أكثر، جعلوه في يديه وفي عنقه وفي قدميه، ماذا فعل؟ أسرق أموال المسلمين؟! أسفك دماء المسلمين؟! لا. لكنه وقف ليقود السنة في وجه البدعة، قال: ذهبت فكدت أسقط عن الفرس، وكان يقول الإمام أحمد: يا حافظ! يا حافظ! الله الحافظ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال: فأدخلت السجن في المحبس، فما دريت أوجهني الله للوجهة -أظنها القبلة- قال: والتمست فوجدت في الظلام ماء فتوضأت، انظر! يريد أن يصلي في الليل، لو كان بعض الناس في مثل هذا الموطن لترك المغرب والعشاء والعيد والتراويح، وقال: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أصلي زيادة؟! لكن الإمام أحمد توضأ وأخذ يصلي إلى الفجر. ويوم طلع الفجر يقول للسجان: أطلع الفجر؟ قال: نعم، فأخذ يتسحر من سواق عنده -حب شعير مطحون- كان يأخذ حفنة ويجعله في الماء ثم يخوضه ويأكله وفي الصباح قدموا له الإفطار، والمعتصم يعرف أنه الإمام أحمد ويعرف مكانته، يقول المعتصم: والله لا أفطر ولا أتغدى ولا أتعشى، إلا بعد الإمام أحمد، فيمر بالموائد، ويقال للإمام أحمد: تفضل! فيقول: لا آكل لكم شيئاً، فيذهبون إلى المعتصم ويخبرونه، فيقول: اتركوه ما دام عرضتم عليه الأمر، ومكث ستة أشهر وهو في السجن. وفي الأخير أحضره المعتصم فقال: يا أمير المؤمنين! ائتني بآية أو حديث، ائتني بأثر، فما وجد شيئاً. وقاد هذه البدعة أحمد بن أبي دؤاد فهو أحمد أهل البدعة وأحمدنا من أهل السنة: لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتم ففاوضوه، وفي الأخير جُلِدَ جلداً عنيفاً، وقد ذكر الذهبي في بعض الغرائب التي نقلها ابن الجوزي أنه كان عليه ثيابه، وسأل الله ألا يتكشف، فما تكشف أبداً، وكانوا يقولون: كأنما أمسكت عليه ثيابه، وجُلِدَ وأغمي عليه، قال الإمام أحمد: ما نفعني الله إلا بكلمة عيار -سارق- في السجن، قال لي: يا أحمد! أخذوني في السرقة، وفي أمور النهب، وسجنت سبع مرات، وجلدوني أكثر من خمسة عشر ألف سوط، وأنت على الحق فاصبر. فـ أحمد يجلد لتنتصر لا إله إلا الله والإسلام، وفي الأخير حاولوا معه فرفض، قالوا: قل: كلمة، قال: ولا أقول كلمة. وكان الذين ساسوا له العذاب ثلاثة وزراء: أحمد بن أبي دؤاد، وأحمد الزيات، ورجل آخر اسمه: ابن هرمة فدعا على الثلاثة، أما أحمد بن أبي دؤاد فدعا عليه وقال: اللهم عذبه في جسده، والإمام أحمد دعوته مستجابة، ودعا على ابن الزيات اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر، وقال للثالث: اللهم امحقه. فأما أحمد بن أبي دؤاد: فشل نصفه، ويبس نصفه، حتى كان يقول للناس: أما نصفي فوالله لو وقع عليه ذباب كأن القيامة قامت، وأما النصف الآخر: فوالله لو قطع بالمناشير أو قرض بالمقاريض ما أحسست به أبداً. وأما أحمد الزيات، فقد أخذ فجعل في فرن من جمر، وضربت على رأسه المسامير حتى مات. وأما الثالث: فأخذ وطرح للفيلة، وقيل: للأسود فأكلته وجعل شذر مذر.

موقف الإمام أحمد مع المتوكل

موقف الإمام أحمد مع المتوكل وأتى المتوكل الخليفة السني رحمه الله، فأعطى الإمام أحمد الذهب فرفض الإمام أحمد: وقال لا أريد درهماً أبداً، وانتصرت السنة بموقفه العظيم، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، هذا هو الإمام أحمد، هذا هو الأمة الذي كان قانتاً لله، وما كان من المشركين، شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه وجعله من الصالحين. هذا الإمام أحمد بن حنبل وفتنة القول بخلق القرآن، فالقرآن ليس من خلق الله بل هو من صفاته، يتكلم الله بما شاء متى شاء.

الإمام مالك يندد بالبدعة

الإمام مالك يندد بالبدعة كان الإمام مالك يُدرس السنة في مسجده، ويأبى الإمام مالك البدعة -لا يريد أي بدعة- يتحفظ في كل شيء؛ لأنه لا زيادة في الدين، فدين الله كامل قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] وكان الإمام مالك رجلاً مهاباً كالسلطان، يخاف منه الناس ولا يستطيعون الكلام معه ولا المفاوضة. هارون الرشيد الخليفة العباسي الذي يقف في بغداد في القصر ويقول للسحابة: " أمطري حيث شئتِ فإن خراجك سوف يأتيني" يدخل على الإمام مالك في المدينة في بيته، فيأتي أطفال الخليفة: الأمين والمأمون فيرون الإمام مالك فيهربون! قال هارون الرشيد: " أتدري يا أبا عبد الله! لماذا يهرب أبنائي؟ قال: " لا أدري. قال: هيبةً منك والله ". قال أبو جعفر المنصور لوزرائه: ما هي عجائب الدنيا؟ قال بعضهم: الحدائق المعلقة، وقال البعض الآخر: حوطة دمشق. قال: عجائب الدنيا هي: عقل الإمام مالك. أتى يدرس في المسجد، فدخل رجل فقال: " يا أبا عبد الله! -يسأل الإمام مالك - {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟! " فنكس الإمام مالك رأسه؛ لأنه لم يعرف هذا السؤال من ذي قبل، ولم يكن معهوداً إلا التلقي وعدم الأسئلة البدعية، حتى تصبب العرق من على جبينه، ثم قال: " الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، أخرجوا هذا المبتدع ". فقام التلاميذ فسحبوه بأيديه وأرجله حتى وضعوه في بقيع الغرقد؛ لأنه مبتدع. وهذا جواب أهل الإسلام ضد من يريد أن يبتدع ولا يدخل معه في حوار، بل يتوقف على السنة والأثر. ثم استمر الحال على ذلك، والبدعة مرة تخبو، ومرة تنشط، وسبب نشوئها حينما يجهل الناس بالأثر، حينما تعطل الصحاح والأسانيد والسنن، إذا رأيت أمة لا يدرَّس فيهم القرآن والسنة، فاعلم أن البدعة سوف تخترقهم، ولو كانوا مثقفين؛ لأن الثقافة شيء، والعلم شيء آخر، وسوف أبين ما هي الأسباب التي تطرد بها البدعة.

أحمد بن نصر الخزاعي وموقفه من أهل البدع

أحمد بن نصر الخزاعي وموقفه من أهل البدع أتى الواثق بعد المعتصم، وأصر على الابتداع بالقول بخلق القرآن، وفي الأخير أتى أحمد بن نصر الخزاعي وأراد أن يقلب الدولة العباسية عن بكرة أبيها، عالم جليل سني، جمع الناس فاكتشف، فأتي به وكان من أزهد وأعبد الناس، فدخل على الواثق فقال الواثق: عُدْ عن كفارتك؟ قال: لا أعود؛ لأنه على الحق، فقام الواثق فأخذ الخنجر، وقال: والله إني لأحتسب عند الله أجري في ذبحك، فذبح هذا العالم الجليل، فهو العالم الشهيد أحمد بن نصر الخزاعي.

ابن تيمية يتصدى للبدع ويحاربها

ابن تيمية يتصدى للبدع ويحاربها ثم جاء ابن تيمية رحمه الله في أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع، وهذا الرجل أيقظ الله به الهمم، وأصلح الله به الشأن، وهو رجل لا كالرجال، هو عظيم من العظماء، ولا نغلو فيه، لكننا نتقرب إلى الله بحبه، أوتي أموراً قل أن تجتمع في الإنسان، منها ذكاء خارق وعبقرية فياضة مشرقة مطلقة، يقول: أقرأ المجلد الكامل مرة، فينتقش في ذهني حفظاً، تعجم عليه المسألة فيستغفر الله ألف مرة فيفتحها الله عليه. قرأ كتب الفلاسفة ففهمها ورد عليها، وكان يؤلف المذكرة أو الكتاب من بين صلاة الظهر إلى العصر، فيقرأها الناس سنَةً فلا يفهمونها. كان عمره ما يقارب الثلاثة والستين سنة، لم يتزوج ولو أن الزواج أفضل، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] لكن شغل ليله ونهاره وأوقاته في خدمة الإسلام. أما ليله فجعله لله عز وجل، من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر وهو بين تلاوة وتسبيح، ونوم قليل، وتهليل وقراءة قرآن. أما نهاره فكان بين أمور، يجلس بعد صلاة الفجر يذكر الله حتى يتعالى النهار، فيتنفل صلاة الضحى، ثم يتوزع في الحلقات يدرس الناس، ما بين تفسير، وفقه، وحديث، وعلوم أخرى، ثم ينزل إلى السوق، فيأمر الناس بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، فيسأل عن الأيتام والأرمل والمساكين، ثم ينطلق إلى (المارستان) وهو مستشفى الأمراض العقلية، فيسلم عليهم ويدعو لهم ويرقيهم، ثم يذهب إلى مستشفى المرضى -الأمراض العضوية- هناك حيث وضع السلاجقة، فيسلم عليهم ويدعو لهم، وربما وقف عليهم وبكى، ثم يعود ويمر بالمقبرة فيعود ويسلم ويزور أياماً بعد أيام. كان إذا مر سلم عليه الناس؛ ودعا لهم، ودعوا له. يقول البزار أحد تلاميذه: مررت بـ ابن تيمية فسأله فقير فلم يجد شيئاً فخلع له أحد ثوبيه، وكان عنده ثوبان، قال: ومررنا مرة أخرى فلم يجد ابن تيمية شيئاً إلا ثوباً واحداً، ولم يجد شيئاً غيره، فأخذ عمامته، وشقها نصفين، وأعطى الفقير نصفها. كان يفسر القرآن كالبحر، مكث في سورة نوح ثلاثين سنة يفسرها، أخبرنا بعض طلبة العلم الثقات أنه يوجد في ألمانيا في مدينة بون تفسير لـ ابن تيمية يبلغ خمسمائة مجلد، فإن وصل فإنه العجب العجاب. يطوي رجله ليرد على ثمانية أبيات ليهودي، فيرد عليها بما يقارب المائتين والثمانين بيتاً في جلسة واحدة. يذكر الله فتكاد القلوب تنخلع من قوة ذكره، أوتي صحة في الجسم، وبراعة في القتال، قاتل التتار وكان يأخذ السيف ويضرب به، فكان فلال السيف وكسر السيف له دوي وحنين على رءوس الناس، هو رجل عملاق، مجاهد ومفتي ومعلم ومربي ومدرس وآمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر ومتصدق؛ رحم الله تلك العظام. واجهته بدعة الاعتزال، فأتى عليها بمجموعة من القواعد فسحقها. وأما بدعة الأشاعرة فقد أخذوا شيخ الإسلام وأخذهم حتى سجنه الأشاعرة، لكنه انتصر عليهم بمؤلفاته، ولو أن الأشاعرة أقرب الناس إلى السنة من غيرهم. أتى إلى غلاة الصوفية فنازلهم وشكاهم إلى السلطان حتى جلدهم السلطان بالخيزران، ثم ألف كتباً واستتابهم، وقصَّ شعورهم بالمقص حتى نصر الله الإسلام على يديه. طارد النصيرية في جبال كسروان، ودخل بالجيش عليهم حتى هدم بيوتهم على رءوسهم، وقال: حكمي فيهم أن يُصب السم في آبارهم، وأن تحرق أشجارهم، وأن تهدم بيوتهم. أتى التتار فزحفوا من جنوب الصين ومن شرقها، ومن سيبيريا، فتصدى لهم وأفطر الناس في نهار رمضان ووافاهم في معركة شقحب، وأخذ يقول: والله لننتصرن اليوم، والله لننتصرن اليوم، فقال له بعض الأمراء: قل: إن شاء الله، فقال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، فكان كما قال. قال ابن كثير: وما أتى وقت العصر إلا وقد خرجت النساء والأطفال في دمشق يتباكون؛ لأن هذا سيل جارف إذا دخل دمشق فعل بها كما فعل بـ بغداد فسوف يحطمها ويعدمها تماماً، قال: فأخذ النساء والأطفال يخرجون على أسقف المنازل يتباكون، وسيوف أهل الإسلام مع ابن تيمية تلمع ولها صريف على رءوس الناس، وخنين ودوي وانكسار على رءوسهم، وما أتت صلاة العصر إلا وابن تيمية والأبطال يلاحقون التتار، وكانوا ألوفاً مؤلفه، يلاحقونهم تحت الشجر، ويذبحونهم ذبحاً. وابن تيمية لا يستوفى بمحاضرة ولا محاضرات، حتى إن كتباً في الأسواق موجودة كتبها أعداء الإسلام من الفرنسيين، والأمريكان والإنجليز يقولون: ابن تيمية أيضاً، ويسأل أحدهم ويقول: ليس في الإسلام معجزة بعد القرون الثلاثة غير ابن تيمية! رحم الله ذاك الرجل. استمر على هذا وله مدرسة فكرية منظرة، ومعه الذهبي وابن كثير والمزي وابن مفلح، وهذه الطائفة من أهل الحديث استمرت.

الإمام محمد بن عبد الوهاب والدولة العثمانية

الإمام محمد بن عبد الوهاب والدولة العثمانية ثم أتت البدع تجوب وتنتشر في الجزيرة العربية، فقيض الله محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فهو شيخ الإسلام، وهو تلميذ لكتب ابن تيمية حتى يقول أحد المستشرقين: مع ابن تيمية ألغام في الأرض فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب، وبقي بعضها لم يفجر حتى اليوم. وكانت رسالة محمد بن عبد الوهاب على شقين: شق علمي تدريسي تنظيري منهجي للناس، وشق عامري ميداني بالسيف. وكان ناصره العالم السني محمد بن سعود، وهذه الجهود تحسب له، والمحسن نقول له: أحسنت، والمسيء نقول له: أسأت، وقام على دحض البدع، وكان من عواملهم: تعليم وتفهيم الناس، وبث الأمهات في الناس، وتعليم كتب ابن تيمية وابن القيم في المساجد، وفي المهاجر والقرى، حتى وصلت دعوته إلى الهند وزنجبار وغرب إفريقيا {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69]. ومن الخصوم الذين قاموا عليه: الدولة العثمانية، وهذه الخلافة خيرها -إن شاء الله- أكثر من شرها، ولها حسنات، ولكنها أخفقت في هذا الجانب يوم أن سمحت للبدع أن تنتشر، بل وجد من حكامها خرافيون، ونحن نقول الحقيقة والتاريخ، والإنسان عليه أن يتلقى الحقيقة. نحن نقول: إن هذه الخلافة أمسكت على ضميمة المسلمين، وجمعت شملهم، وجاهدت في سبيل الله، ورفعت لا إله إلا الله، وردت اليهود عن فلسطين في فترة السلطان عبد الحميد، وقاتلت روسيا في سيبيريا وغيرها، ولكنها أخفقت يوم أن سمحت للرأي الفكري الابتداعي أن ينتشر في بلاد المسلمين، وكانت بعض الكتب التي استهزأت بـ أهل السنة، وبـ السلف الصالح والمحدثين كانت تطبعها الدولة العثمانية، وتولي هؤلاء العلماء القضاء والمدارس والمظالم، فكان هذا جانباً مخفقاً ومظلماً في الخلافة العثمانية.

ثلاث قضايا مهمة

ثلاث قضايا مهمة بدأ في الساحة الكثير من الدعاة ومن الجماعات، منهم محسن مصيب له أجران، ومحسن مخطئ له أجر واحد، وصاحب هوى يريد هواه ظالم لنفسه. والأمة الآن تعيش في خير وشر، وإرباك وهدوء، والمباشرات الآن في الساحة الإسلامية في تخوف ومحاذير تتوقف على ثلاثة أمور: في الساحة الإسلامية صحوة واتجاه إلى الله وبالخصوص في الشباب المسلم. والقضية الأولى أن هذه الصحوة يخاف عليها من ثلاثة أمور: أولاً: من قلة العلم الشرعي بأن يستقيم الشباب على الحماس والهيجان، ولا يكون عندهم علم شرعي، ولا حديث ولا تفسير ولا فقه وهذا خوف. ثانياً: من تمزق واضطراب وانتماءات كل يحمل على الآخر، وهذا يورث العداء والضغينة والبغض والحسد، ولا حل إلا بالعودة إلى الإخاء: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]. ثالثاً: من أن يكون الفكر مقدماً على الروح، أو يأخذ مساحة الروح، فلا يكون هناك نوافل، ولا أوراد ولا أذكار، ولا كثرة صلاة، فتقسو القلوب، وقسوتها داء عضال، فحلها كثرة النوافل، وكثرة قراءة القرآن. ويخاف كذلك من التسرع في الفتيا بين الشباب، وأن هناك مداً ابتداعياً يريد أن يسيطر على العالم وأنتم تعرفونه، ولكن حله أن ينزل علماء الإسلام، وفقهاء السنة ودعاتهم، فيدرسون القرآن، وكتب السنة، كـ الصحيحين والمسانيد، حينها ينتصر الإسلام، وتنتصر السنة. القضية الثانية: قضية توحيد المصير القادم في الكتاب والسنة. القضية الثالثة: التحذير من المبتدعة والمبتدعين بالخطابة والصحف، وسائر وسائل الإعلام، بالدروس والندوات، ونشر الفكر الإسلامي السني في البوادي والقرى؛ حينها ينتشر الإسلام ويعم الخير.

الأسئلة

الأسئلة

حكم التنفل قبل الجمعة

حكم التنفل قبل الجمعة Q هل كثرة الصلاة يوم الجمعة قبل صعود الإمام على المنبر من البدع؛ لأننا نلاحظ بعض الناس يكثر من الصلاة في ذلك الوقت، وبعضهم يقول: إني لا أكثر الصلاة في ذلك الوقت إلا لزيادة النشاط وطرد النعاس؟ A أولاً: ليس هناك سنة راتبة قبل صلاة الجمعة؛ فالسنن الرواتب في الإسلام عشر ركعات، لحديث ابن عمر في الصحيحين قال: {حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر} هذه هي السنن الرواتب، وليس قبل الجمعة سنة راتبة. لكن من أتى إلى المسجد وأراد أن يتنفل فله ذلك، له أن يصلي إلى أن يدخل الإمام، وليس الوقت وقت نهي والحمد لله، ولو أنه قبل صلاة الظهر وقت زوال، ولكن لا يشمل الجمعة، كما قال ابن تيمية وابن القيم، بل عليه أن يصلي حتى يدخل الإمام ما استطاع، يصلي ركعتين أو أربعاً أو ستاً، أو ثماناً، أو عشراً قدر طاقته، وقد فعل ذلك الكثير من السلف، لكن لا يقل: إنها سنه من السنن، بل هو وقت مطلق للتنفل والحمد لله.

كتب تكشف البدعة

كتبٌ تكشف البدعة Q ما هي الكتب التي تساعد على كشف البدع في الدين؟ A أعظم الكتب التي تساعد على كشف البدع والخرافات والدجل هو: كتاب الله عز وجل؛ فهو شفاء لما في الصدور، ثم كتب السنة، كـ صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وأبي داود، وابن ماجة، ومسند أحمد وغيرها من كتب أهل العلم. وهناك كتب فريدة، مثل: كتاب الاعتصام وكتاب الموافقات كلاهما للشاطبي، فهذه التي تحضرني مع بعض الرسائل في هذا الباب، كرسالة لـ ابن الظاهري في السنة، ورسالة لـ ابن بطة الحنبلي في السنة، حققها أحد الأساتذة في جامعة أم القرى، وغيرها من الرسائل لكن هذا هو أهم ما يقال.

جزاء مرتكب البدعة

جزاء مرتكب البدعة Q كثرت البدع فما جزاء من يفعلها عمداً؟ A إذا فعلها عمداً فهو فاسق، وبعض المبتدعة كافر ببدعته؛ لأن من البدع بدع مكفرة ومنها مفسقة، فمن أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة فهو كافر، ومن أتى بمكفر كأن يقول: إن القرآن ناقص أو يعتقد ذلك، أو يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر، أو يلعن الصحابة، ويعتقد أنهم ابتعدوا عن الإسلام فهذا كافر، وأما بعض البدع فمفسقة في الإسلام، مثل أن يعتقد أن علياً أفضل من عمر وعثمان، فهذه بدعة مفسقة، لا مكفرة. وأما من يفعلها جهلاً فيبصر بها؛ لأنه ليس معذوراً بالجهل، وعليه أن يتعلم.

البدعة كلها محرمة

البدعة كلها محرمة Q هل للبدع أقسام؟ A بعض الناس يقول: إن البدع فيها واجب، ومندوب، ومحرم، وهذا ليس بصحيح، وهو تقسيم خاطئ. وقد قسمه بعض الناس في الرسائل؛ كصاحب رسالة دكتوراه موجود له كتاب في البدعة، وقد قسم هذه التقسيمات الخمسة، وليس بصحيح، بل البدعة كلها محرمة، وهذا مثل سؤال بعض الإخوة، يقول: هل فيها مكروه أو محرم {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} كما في الحديث: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}.

طاعة الوالدين

طاعة الوالدين Q أبي يمنعني من حضور الدروس بحجة حفظ القرآن في المسجد بعد صلاة المغرب ومعي إخواني أيضاً، فهل أطيعه؟ A أبوك يدعوك لطاعة، لكن حبذا أن أباك وفَّق بين الأمرين، بحيث يجعل حفظ القرآن في وقت لا تفوتك فيه المحاضرة والدرس لتحصل على خيرين، خير التلاوة والحفظ، وخير الدروس ومجالس العلم، ففيها حفوف الملائكة، وتنزل الرحمة، وغشيان السكينة، فحبذا أن تطيعه بالتي هي أحسن، حتى يحصل لك الخير علّ الله عز وجل أن يتقبل منا ومنك، أما إذا رفض، فعليك أن تطيعه وتحفظ معه القرآن، ولو أنه أجاز لك الخروج ثم بدلك بوقت آخر كان أحسن وأنفع.

مدى صحة حديث: (المؤمن واه راقع)

مدى صحة حديث: (المؤمن واه راقع) Q ما مدى صحة الحديث القائل: {المؤمن واه راقع}؟ A هذا الحديث أتى عن علي رضي الله عنه بلفظ آخر: {أنه يوهن ويرقع} معناه أنه يذنب ويستغفر، يخطئ ويعود، وهذا الحديث أورده العجلوني وقال أسانيده ضعاف، وبعض أهل العلم حسنه، لكن الذي أعرفه الآن أنه ضعيف لكن يحتاج إلى أن نسأل ما هي علة الضعف فيه؟ فكتاب العجلوني كشف الخفاء ينبيك عن هذا.

مدى صحة حديث: (يا عائش)

مدى صحة حديث: (يا عائش) Q ما مدى صحة الحديث القائل: {يا عائش! -يعني عائشة - إني حبك -يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم- في قلبي كالعروة الوثقى لا انفصام لها}؟ A هذا الحديث لا يصح عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم، وهو حديث باطل موضوع، وهو ليس من لفظه، وفيه ركاكة ومثل هذا لا يستشهد به، ولا يورد للناس، بل يجنب الناس الأحاديث الموضوعة، والأحاديث الموضوعة كثيرة؛ لأسباب، وسوف يكون هناك دروس لهذه الأسباب، وسوف يكون هناك سلسلة للأحاديث الموضوعة في الإسلام؛ ليتبين الناس كثيراً من هذه الأحاديث الموضوعة، وحبذا أن يكون لطالب العلم الكثير من كتب الموضوعات، ككتاب الموضوعات لـ ابن الجوزي واللآلئ المصنوعة للسيوطي والفوائد المجموعة للشوكاني، وتمييز الطيب من الخبيث لـ ابن الديبع، وكشف الخفاء للعجلوني هذه الكتب يستطيع أن يكشف عنها في لحظات عن الحديث، أما هذا الحديث فلا يصح.

حكم الصلاة خلف من لا يجود القرآن

حكم الصلاة خلف من لا يُجوِّد القرآن Q هل يجوز الصلاة خلف من لا يجيد أحكام التجويد مع أنه لا يلحن ولا يخطئ في القراءة؟ A نعم. يجوز الصلاة خلف من لا يجيد التجويد وبشرط ألا يلحن في النحو، وفي اللغة العربية، وألا ينصب المرفوع ويرفع المنصوب، فالصلاة تجوز وراءه، وهذا أمر معلوم، ولو أنه كان لا يجوز لبينت هذه المسألة لشهرتها، فيصلى وراءه خاصة إذا كان عالماً جليلاً محدثاً سنياً، عنده فقه في الدين، فيصلي وراءه، ولكن إذا وجد من لا يجود ومن يجود فيقدم المجود؛ لأنه أحسن وأمكن في القرآن، وبعض أهل العلم يقولون: التجويد واجب، وهذه اسألوا عنها الشيخ عبيد الله الأفغاني ومن أحال إلى مليء فليحتل.

حكم الاستهزاء بالحديث النبوي

حكم الاستهزاء بالحديث النبوي Q ما الحكم فيمن قيل له: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أورد حديثاً) فقال: دعونا من هذا الهراء أو الدجل؟ A يُستبان منه، فإن قال هذه الكلمة بعقله وتمكنه ومعرفته وعمده فهو زنديق ملحد، حده السيف الأبتر الأبيض، تقص رقبته من تحت أذنيه بأربعة أصابع، واغسل يديك منه، ولا تصلي عليه، فهذا هو الدجل، ففي سير أعلام النبلاء، قيل للإمام أحمد: إن رجلاً يسب أهل الحديث، قال: زنديق زنديق، والزنديق معناه: الملحد، وهذا عليه أن يتوب ويراجع حسابه مع الله عز وجل، فقد أصبح على شفا حفرة من النار، نسأل الله العافية.

ضعف حديث: (من علمني حرفا صرت له عبدا)

ضعف حديث: (من علمني حرفاً صرت له عبداً) Q هل هذا حديث: من علمني حرفاً صرت له عبداً؟ A لا يصح هذا عن المعصوم عليه الصلاة والسلام، وليس بحديث، ولكنه مثلٌ من الأمثلة التي اشتهرت على ألسن الناس، مثل (المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء) فهذا ليس بحديث، بل هذا من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب، كما قال صاحب كشف الخفاء. ومما اشتهر على ألسنة الناس: (قيدوا العلم بالكتابة) وهذا من كلام عبد الله بن عمر، وقيل: من كلام أنس وهو الصحيح، وليس من كلامه صلى الله عليه وسلم. ومما اشتهر على ألسنة الناس: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) وليس هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هذا من كلام عمرو بن العاص، وقيل: من كلام عبد الله ابنه إلخ

الدعاء بعد التشهد الأوسط

الدعاء بعد التشهد الأوسط Q إذا انتهى المأموم في التشهد الأول وبقي الأمام فهل يبدأ في التشهد الثاني ويدعو الله؟ A الأحسن له أن يكون له ذلك؛ لأن بعض العلماء يقول: يتشهد التشهد الثاني، فعلى كلٍ الأحوط له أن يفعل إذا تأخر ولا يسكت، لأنه ليس هناك سكوت، ولأن الكلام بالذكر الذي ورد في الصلاة أفضل من السكوت.

أماكن رفع اليدين في الصلاة

أماكن رفع اليدين في الصلاة Q ما هي الأماكن التي ترفع فيها الأيدي في الصلاة؟ A صح في صحيح البخاري، وسنن أبي داود ومسند أحمد، والحديث صحيح: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في أربعة مواضع في الصلاة: إذا ابتدأ تكبيرة الإحرام، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع من الركوع، وإذا قام من التشهد} هذه أربع حالات في السنة، وخالف فيها بعض الناس وقال الأحناف في رواية عنهم، ونسبت لـ أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا يرفع إلا مرة واحدة، واستدل بحديث ضعيف، يقول الصحابي فيه: {فرفع صلى الله عليه وسلم مرة عند تكبيرة الإحرام ثم لم يعد إلى ذلك} وهذا الحديث ضعيف، واستدل ابن المبارك على الإمام أبي حنيفة بحديث أبي هريرة وابن عمر: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرفع إذا بدأ في الصلاة، وإذا أراد أن يركع، وإذا أراد أن يرفع} وفي رواية صحيحة كما أسلفت {وإذا قام من التشهد للركعة}. أبو حنيفة صلى معه عبد الله بن المبارك فكبر أبو حنيفة وهو الإمام وكبر عبد الله بن المبارك ورفع يديه، فأراد أن يركع فرفع ابن المبارك يديه، ورفع أبو حنيفة من الركوع، فرفع ابن المبارك يديه، فلما سلَّم قال أبو حنيفة لـ ابن المبارك: "والله لقد خشيت أن تطير من جانبي " يعني: من كثرة ما رفع يديه -أي: أجنحة- قال ابن المبارك -والحق مع ابن المبارك -: " لو أردت أن أطير لطرت من أول مرة " أي: مع تكبيرة الإحرام، ولكن ما طرنا في التكبيرة الأولى، وهذا مأجور له أجر واحد، وهذا مصيب له أجران؛ لأن كلاً منهم أراد خيراً. في العيدين والاستسقاء: التكبيرات ترفع الأيدي فيها؛ لأن عموم رفع الأيدي في التكبير يشمل هذا، وأهل العلم وجدوا نصوصاً في هذا، والإمام أحمد ألحقها بحديث ابن عمر، لما سئل هل في الجنازة يرفع يديه؟ قال: على حديث ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما افتتح رفع، فالرفع وارد مع كل تكبير، إلا ما لم يرد فيه الرفع مثل السجود، وفي بعض الهيئات وبعض الركوعات التي لم يرد فيها الأثر، أما هذه التي ذكرت فيرفع فيها الأيدي. وفي الوتر إذا رفع يقول: سمع الله لمن حمده، وفي الدعاء لا بأس أن يرفع يديه، وقد ورد الحديث في مستدرك الحاكم وأشار إليه ابن القيم في زاد المعاد، وفي سنن الترمذي وهذا الحديث يضعفه ابن حجر قليلاً ويصححه أهل العلم، أن الرسول عليه الصلاة والسلام علم الحسن أن يدعو بدعاء القنوت في الوتر، والدعاء يكون برفع الأيدي، والمسح هو الذي فيه خلاف بين أهل العلم، لكن الصحيح ألا يمسح في الصلاة، أما خارج الصلاة فيمسح تارة، ويترك تارة مع العلم أن الحديث حسن، حتى خارج الصلاة لحديث ابن عباس، وحديث عمر في سنن الترمذي أوردها صاحب جامع الأصول، وحسَّن أسانيدها المخرج. فالمقصود أن من مسح خارج الصلاة ليس عليه شيء، لكن لو تركها لضعف الأحاديث فنعم ما فعل، أما داخل الصلاة فاختار ابن تيمية ألا يمسح وجهه بيديه إذا انتهى من الدعاء مع الإمام؛ لأنه لم يرد فيها حديث صحيح، أما خارج الصلاة فيمسح تارة، ويترك تارة، مع العلم أن من العلماء من حسن هذا الحديث، وتجدونه في المجلد السابع أو الثامن من جامع الأصول في أدعيته صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك.

الزيادة في الدعاء الثابت

الزيادة في الدعاء الثابت Q هل من البدعة قول الرجل بعد الرفع من الركوع: ربنا ولك الحمد والشكر، أي: هل كلمة الشكر بدعة؟ A نعم. كلمة الشكر هنا بدعة، فيما أعرف؛ لأنها لم ترد في السنة، والإنسان لا يزيد كأن يقول: (الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، الله أكبر أستغفر الله، الله أكبر توكلنا على الله) نعم يتوكل على الله، لكن هذه الشريعة تلقيت من الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يزيد فيها كلاماً وعند قوله: (استووا) قولهم: استوينا واعتدلنا. وإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] يقول: اللهم اهدنا وتولنا. وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] يقول: استعنا بالله. هذه كلها من البدع؛ لأن الزيادة معناها النقصان، وسوف تكون على الضد، وتعكس المقاصد على صاحبها.

جواز التداوي بالطيب

جواز التداوي بالطيب Q ما حكم من وضع نوعاً من الطعام على الوجه بغرض علاج البشَرة؟ A الأطعمة إذا كانت حلالاً فلا بأس إذا أشار الطبيب المسلم بهذا، أو علم بالتجربة أنها من الدواء فلا بأس بالتداوي بها، وطلب النفع من الله بواسطة هذه العلاجات كعسل أو غيره، أما المحرمة فلا يجوز، كالخمر وما يدخل في الخمر، والعلاج به؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال له رجل كما في السنن: {يا رسول الله! إني أصنع الخمر للدواء. قال: إنها داء وليست بدواء} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها} فالعسل فيه دواء وغيره من الحبوب أو الأطعمة أو الأشربة فما عليك إلا أن تستخدمه، وكثير من هذه العقاقير مركبة من الحبوب والسيلان، كلها من الأطعمة والأشربة، فتستخدمه إذا كان لعلاج أو كان غير ذلك، والحمد لله.

حكم لبس الخاتم

حكم لبس الخاتم Q ما حكم لبس الخاتم، هل هو سنة أم لا؟ A لبس صلى الله عليه وسلم الخاتم في يمناه وفي يسراه، ولكن هل هو سنة؟ وهل لابد من لبسه؟ أورد ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الخاتم إلا لذي سلطان، لكن الصحيح أنه يلبس، ولبسه كثير من الصحابة ولم يكونوا سلاطين، فيلبس الخاتم، لكن لا يكون من ذهب، ولا من حديد، حتى النحاس، ولكن يكون من فضة، فهو أحسن ما يكون، ومن لبسه على أنه لا بد من لبسه، فهذا خطأ بل يلبسه لأنه وارد.

أقسام البدعة

أقسام البدعة Q ما هي أقسام البدعة؟ A البدعة قسمت بحسب الاعتبارات إلى أقسام عديدة منها: بدعة فعليه، وتركية، وقوليه، وعملية، واعتقاديه، وحسنة، وسيئة، ونسبية، ومكفرة، ومفسقة، وكبرى، وصغرى، كل هذه التقسيمات واردة. لكن البدعة الإضافية: ما كان أصلها سنة هذا مفهوم عند بعض أهل العلم، أي: لها شيء من السنة لكن أضيف شيء من البدعة إليها، مثل: الجلوس بعد صلاة الفجر، والذكر إلى ما بعد طلوع الشمس هذا سنة، لكن إذا ركب على ذلك بدعة وأضاف عليها شيئاً من البدع، كأن يقول: سنة أن يتحلق الناس بعد صلاة الفجر، ووردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويداوم عليها، فقد أضاف. من أهل العلم من قال: إن البدعة الإضافية ما تضاف إلى بدعة أخرى فتصير مركبة، كأن يأتي بعد الصلاة ويستقبل -على سبيل المثال- مكاناً من الأمكنة، ويقول: هذا من السنة، ويضيف إلى ذلك نشيداً ويقول: هذا من السنة، فأضاف بدعتين. ومن البدع أيضاً أن يأتي بعد الصلاة بمسبحة -المسبحة فيها كلام آخر- دائماً، ويزيد على ذلك فيقول: (هو هو) ولا يقول: سبحان الله، والحمد لله، كما يفعل غلاة الصوفية أتباع ابن عربي، فهذا ركب البدعة من بدعة بسيطة وبسيطة فأصبحت بدعة مركبة، هذا ما يعرف عنه. أما البدعة التركية: فتعتبر نقصاً عند العلماء من السنة، مثلاً أن الإنسان إذا سلم أن يستغفر، ويهلل، ويكبر فيتركه دائماً، ويقول: ليست من السنة، فهذا ابتدع في هذا. ومن السنة أن يرفع يديه كما أسلفنا، وهو يعلم أنه وردت أحاديث في هذا ويتركها عمداً فهذه بدعة تركية، وقس ما شئت من الأمثلة على هذا.

حكم إسبال الثياب

حكم إسبال الثياب Q ما حكم إسبال الثياب؟ وما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء}؟ A لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء، الصحيح في هذا أنه على قسمين: يقول ابن تيمية: النظر كالكلام، ينظر متى شاء ويتكلم متى شاء، والصحيح في هذا أنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ينظر حقيقة لا تأويلاً، وربما قلت: لا يرحمهم، مثل ما ورد عند بعض أهل السنة أنه سبب للرحمة، والله إذا نظر إلى عبد رحمه، لكنه لم يجعل النظر بمعنى الرحمة؛ لأن هذا تأويل وخلاف ظاهر النص، فإن فهم مني هذا أو قلته فأنا أقول الآن: النظر صفة من صفاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كالكلام، ينظر الله متى شاء، ويعرض عمن شاء سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذا هو الصحيح، وللفائدة وردت الأحاديث في إسبال الإزار مثل حديث يقول: {ما أسفل من الكعب فهو في النار} وحديث آخر صحيح: {لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء} فيقال: التفصيل في المسألة: أن من جر ثوبه خيلاء فعقوبته عقوبتان: لا ينظر الله إليه، وما أسفل من الكعب ففي النار. وأما من جر ثوبه وليس خيلاء فعقوبته أن ما أسفل من الكعبين ففي النار، لكنه لا يشمله وعيد أنه لا ينظر الله إليه فليتنبه إلى هذه المسألة.

تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة

تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة Q هل يصح تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة؟ A أخطأ من قسَّم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة، واغتروا بقول عمر: [[نعمة البدعة هذه]] لما رأى الصحابة يصلون التراويح، وما قصده إلا البدعة في اللغة، وإلا فلها أصل في السنة، فليست ببدعة بل سنة وردت عنه صلى الله عليه وسلم، فليس في البدع بدعة صحيحة ولا بدعة حسنة.

صحة حديث: (من نظر إلى امرأة …)

صحة حديث: (من نظر إلى امرأة …) Q ما هو صحة هذا الحديث: {من نظر إلى امرأة فأحصى عظامها فليتبوأ مقعده من النار}؟ A ليس هذا بحديث، بل هو من الأحاديث الموضوعة على الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يباع ولا يشترى.

حكم وصف الإنسان بالدابة

حكم وصف الإنسان بالدابة Q ما حكم وصف الإنسان بالدابة -بالحمار- مثلاً أو الثور أو الأسد؟ A تختلف هذه الأوصاف، إن كان هذا الحيوان مما كانت العرب تنسب إليه، مثل قولهم: فلان أسد فيصفونه في الشجاعة كالأسد، فهذا أمر نسبي، فإن شاء الله ليس فيه ضرر، وإن كان من الحيوانات البهيمية التي يوصف بها الإنسان سباً، وشتماً، فلا يجوز إلا للفاسق أو الكافر، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176] ويقول: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:6]. لكن بعض الناس لجهله يظن أنه إذا وصف صديقه بالحمار قد أجاد فيقول: هو في الصبر كالحمار، وفي الصراع كالثور، مثل ما فعل علي بن الجهم الشاعر العباسي مع الخليفة المتوكل عندما دخل داره في بغداد إذ أنشد قصيدة يقول فيها مادحاً للخليفة: أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب فأراد الناس أن يبطشوا به أرضاً، فقال: دعوه، هذا رجل نشأ في البادية لم ير إلا التيس والكلب، وأتى يمدحنا، لكن أنزلوه في الرصافة عند النهر عله يرى الجمال والطبيعة فيتحدث بعد سنة، فأنزلوه فرأى النهر ورأى القصور ورأى الحدائق الغناء، فأتى بعد سنة فقال: عيون المها بين الرصافة والجسر جلبت الهوى من حيث أدري ولا أدري ثم قال: أما رأيتم؛ لأنه عاش مع التيس والكلب، فالناس يأخذون بمقاصدهم لا بكلماتهم، والله الحافظ.

حديث الأربعين عالما

حديث الأربعين عالماً Q هل ورد حديث أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جعل أربعين عالماً، وكلما مات عالم أبدل الله عالماً غيره، وأن الأمة يرحمون بهم؟ A أحاديث الأربعين باطلة، ولو أن بعضهم يحسن حديث الأبدال الأربعين -لكن لا أتدخل في الأبدال- لكن حديث الأقطاب والأغواث هذا كذب، وأن في الدنيا أربعين كلما مات أبدل منهم واحداً، لا يصح مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم.

حكم التصدق للميت

حكم التصدق للميت Q هل يصل ثواب الصدقة إلى الميت؟ A إذا تصدق على الميت وهو مسلم من مسلم نفعت عنه ووصلت بإذن الله قال عليه الصلاة والسلام: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له}. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

باقة ورد إلى فتاة الإسلام

باقة ورد إلى فتاة الإسلام جمال المرأة، وحسن المرأة، وروعة المرأة ليس في ذهبها وثيابها، إنما جمالها وحسنها وروعتها في تقواها لربها، فَنِعْمَ الجمال جمال التقوى. ونعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين، فالمرأة داعية بخلقها وبكلمتها اللينة، ولها عبرة بنساء سبقنها كفاطمة وعائشة وأسماء، والحذر الحذر! من أن تسمع المرأة لدعاة التخريب، والحذر الحذر! ان تنهمك بمغرياتها، بل عليها أن تعمل لآخرتها، هذا جزء من باقة الورد، والتكملة أروع وأبهى.

موقف المرأة المسلمة من الإيمان

موقف المرأة المسلمة من الإيمان الحمد لله، والصلاة على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيتها الأخوات المسلمات! سلام الله عليكن ورحمته وبركاته، وأسعد الله مساءكن بكل خير ويمن وبركة. وإنها لفرصة سعيدة أن تسمع المسلمة دعوة الله، وكلام الله، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. أيتها الأم! أيتها الأخت! يا صانعة الأجيال! ويا أم شباب الإسلام والأبطال! ويا أم القواد والعلماء والزعماء! إنك مسئولة أمام الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن دورك في الحياة، لماذا خلقت؟ ولماذا وجدت؟ ولماذا سرت على وجه الأرض؟ والرسول -عليه الصلاة والسلام- هو الذي أتى بمهمة المرأة في الحياة، فجعلها أماً وزوجة وأختاً ومعلمة ومربية وراعية وحافظة. الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيّب الأعراقِ الأم نبت إن تعاهده الحيا بالريِّ أوْرق أيما إيراقِ إذا عُلم هذا! فإنني سوف أتحدث في هذه المحاضرة بعنوان: (باقة ورد إلى فتاة الإسلام) وباقة الورد إنما هي محبة في الله عز وجل، أنثرها على رءوسكن، وعلى رأس كل امرأة مسلمة تريد الله والدار الآخرة، وهي مسائل: أولاً: ما هو موقف المرأة المسلمة من الإيمان؟ وكيف تكون مؤمنة؟ إن الله عز وجل خاطب الناس بأوامر ونواهي، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى بعد أن ذكر الصالحين الأبرار وذكر الفسقة الأشرار: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [الأحزاب:35] الآيات، فالله عز وجل ذكر المرأة المسلمة الصالحة القانتة الحافظة للغيب بما حفظ الله -سُبحَانَهُ وَتَعَالى- وأتى رسولنا صلى الله عليه وسلم فتحدث إلى المرأة المسلمة وحدد لها دورها في الحياة، وأوصى بها خيراً؛ لأنه يعلم أنها شقيقة الرجل، وأنها هي التي تقوم على المثل، وتربي الأطفال والعلماء والأدباء والشهداء. يقول صلى الله عليه وسلم يوم الحج الأكبر: {الله الله في النساء؛ فإنهن عوان عندكم} ويقول صلى الله عليه وسلم: {استوصوا بالنساء خيراً} وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} فصلَّى الله على معلم الخير.

أسماء بنت عميس وطلبها الاستزادة من الإيمان

أسماء بنت عميس وطلبها الاستزادة من الإيمان جاء في صحيح البخاري أن امرأة مجيدة، علَّمها النبي صلى الله عليه وسلم ورباَّها، فرضعت القرآن، وتعلمت الإيمان، وخافت الواحد الديان، وهي أسماء بنت عميس، أتت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت: {يا رسول الله! غلبنا عليك الرجال، يحجون معك، ويجاهدون معك، ويصلون معك، فاجعل لنا يوماً من نفسك} وقد بوب الإمام البخاري لذلك: (باب: هل يجعل العالم للنساء يوماً من نفسه؟) فأعطاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، وما أدراك ما يوم الإثنين؟ يوم يجتمع فيه صلى الله عليه وسلم بالنساء، فيربيهن ويعلمهن ويجلس معهنَّ.

إيمان فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم

إيمان فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة، عاش أباً فرزق أربعاً من البنات كالنجوم، حافظات للغيب بما حفظ الله، أربعاً من البنات عايشن القرآن والإيمان، وطاعة الواحد الديان، فاطمة، وأم كلثوم، وزينب، ورقية. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً ودعهن، وإذا أتى من سفر بدأ بهنَّ، كان رحمة مهداة عليه الصلاة والسلام، يأتي إلى فاطمة ابنته صلى الله عليه وسلم في الليل الدامس فيزورها ويقول لها ولـ علي {ألا تصليان؟! ألا أدلكما على خير لكما من خادم؟! تسبحان الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدان الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبران الله أربعاً وثلاثين} لقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة على تقوى الله، على التسبيح والعبادة والتحميد، وعلى الاتصال بالحي القيوم، وكل من لم يجد الله فقد فَقَدَ كل شيء، ومن وجد الله فقد وجد كل شيء. إن الذهب والفضة والحلي، والقصور والفلل، والخدم والملابس -والله- لا تساوي شيئاً، بل تكون مع المعصية لعنة وغضباً وسخطة منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أما مع التقوى فحيَّا الله الفقر، ومع طاعة الله عز وجل حيا الله المسكنة. يقول محمد إقبال في فاطمة بنت الرسول عليه الصلاة والسلام: هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟ من ذا يساوي في الأنام علاها أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد ربَّاها وعلي زوج لا تسل عنه سوى سيف غدا بيمينه سيَّافا عاشت في بيت النبوة، فرضعت الإيمان والإسلام، ولدت على لا إله إلا الله، وتربت عليها، وأنبتت أبناءها، وربت جيلها على لا إله إلا الله. فأنت -أيتها الأخت المسلمة- تطالبين بالإيمان، املئي قلبك بالإيمان، فوالله لقد تحلَّى كثير من النساء بالذهب والفضة، وفقدوا الفضيلة والعفاف، وغض البصر والإيمان، ففقدن كل شيء، فقدن رضا الله ومحبته وستره، ثم فقدن الحياة الرغيدة؛ لأنه لا أمن ولا استقرار للمسلم ولا المسلمة إلا بهذا الدين {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126].

إيمان آسية يصمد أمام فرعون

إيمان آسية يصمد أمام فرعون امرأة فرعون آسية رضي الله عنها وأرضاها عرفت لا إله إلا الله، وآمنت بالله، فملأت قلبها بالإيمان، وأطاعت الرحمن، وزوجها دجَّال فاجر كافر، انحرف ودُهْدِه على وجهه في النار، تقول امرأته في نجاء حبيب، وفي دعاء عجيب: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11] قال ابن القيم: انظر إليها طلبت الجار قبل الدار" جوار الواحد الأحد، سكنها: جنة عرضها السماوات والأرض، ملت قصور فرعون؛ لأنها قصور ملعونة، ودار ملعونة، ورجل ملعون، وأرادت جوار الله -عز وجل- فسجَّل اسمها في الخالدين، وذكرها في العارفين، وبقي اسمها في العالمين يدوي في كتاب رب العالمين تبارك وتعالى. فيا أختي المسلمة! أما لك قدوة في امرأة الرجل الطاغية الدجال المجرم، يوم عاشت في بيت الكفر؛ فآمنت بالله الواحد الأحد، فصلبها وعذَّبها. قال بعض المفسرين: "سمَّر أياديها بالجدار فما وجدت ألماً، وجاءت الملائكة تظللها بالأجنحة". سلام على تلك المرأة المؤمنة، سلام عليها يوم عرفت الله، وغضت طرفها عن محارم الله، وحصَّنت فرجها عن المعصية التي تغضب الله تبارك وتعالى.

إيمان أم سليم والمهر العظيم

إيمان أم سليم والمهر العظيم وأم سليم امرأة من الأنصار، أم أنس بن مالك رضي الله عنه، لما أتى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة؛ بحثت عن هدية تهديها إلى أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، فما وجدت إلا ابنها وحبيبها، وفلذة كبدها، فغسلته ولبسته وطيبته وذهبت به وكان عمره عشر سنوات، وقالت: {يا رسول الله أنس ابني أحب الناس إليَّ أهديه لك؛ يخدمك طيلة الحياة، فادع الله له فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم أطل عمره، وكثِّر ماله وولده، واغفر ذنبه} فتقبل الله دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، والشاهد من هذا: أن هذه المرأة المؤمنة التي كان مهرها في الإسلام أعظم مهر ليس كمهور اليوم، فقد أصبحت المرأة تعرض في الأسواق، وأصبحت سلعة تباع وتشترى في الأسواق، وفي المضاربة والأسهم. هل كان مهرها قطعة أرض أو سيارة؟ لا، بل مهرها أغلى من الدنيا وما فيها، إن مهرها هو الإسلام. تقدم لها أبو طلحة وهو مشرك يريد أن يتزوجها، قالت: [[أنت مشرك وأنا مسلمة والله لا أتزوج بك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله]] وسجد لله، فتزوجته، فكان مهرها الإسلام، والإسلام ثمنها، قالوا: ما سمعنا بمهر في الجاهلية ولا في الإسلام أعظم من مهر أم سليم رضي الله عنها وأرضاها. وأدخلت على أبي طلحة الإيمان فحثته على قيام الليل، وعلى الزهد والعبادة، فرزقها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى تسعة أبناء كلهم حفظوا القرآن، فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين.

إيمان الخنساء وموقفها العظيم

إيمان الخنساء وموقفها العظيم والخنساء ربت أربعة من أبنائها على طاعة الله، حفظتهم القرآن، وعلَّمتهم السنة، وقادتهم إلى المسجد، فلما أتت معركة القادسية ذهبت بأبنائها الأربعة، وقالت لهم: [[البسوا أكفانكم فاغتسلوا ولبسوا أكفانهم، وأوصتهم وقالت: يا أبنائي! والله ما خدعت أباكم، ولا غررت خالكم، إذا حضرتم المعركة فتيمموا أبطالها، ويمموا وطيسها، وقاتلوا في سبيل الله، علَّ الله أن يقر عيني بشهادتكم في سبيله]] وبالفعل حضروا؛ لأنهم تربوا على الإيمان، وهذا فعل المرأة الصالحة التي تربي أبناءها على القرآن، وعلى طاعة الواحد الأحد، وتربي بناتها على الحجاب، وعلى أداء الصلاة، وعلى خشية الله ومراقبته، وعلى التأسي بسيرة محمد صلى الله عليه وسلم لا كما يفعل بعض النساء -هداهن الله وسامحهن- يوم تربي ابنها وابنتها على الأغنية الساقطة الهابطة الماجنة السخيفة، أو على المجلة الخليعة. ما هذا الدين؟! وما هذه العبادة؟! وما هذا الاتصال؟! وما هذه المراقبة؟! أينقصنا غناء ومجون؟! أينقصنا معصية من المعاصي التي كثرت في بيوتنا؟! ولما حضر أبناء الخنساء الأربعة المعركة قتلوا في سبيل الله فبشروا الخنساء، فتبسمت، وقالت: الحمد لله الذي أقر عيني بقتلهم في سبيل الله. فيا أختي المسلمة! حاجتنا إلى الإيمان شديدة، فإن أحوج ما نحتاج إليه أن ندخل الإيمان بيوتنا، والإيمان يكمل في الصلوات الخمس للأبناء والبنات، وأن نلاحقهن بالتربية، وأن نرضعهن مع اللبن لا إله إلا الله محمد رسول الله. الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق الأم جامعة كبرى يوم تصلح الأم؛ يصلح الله بها الجيل، ويربى بها الأخيار والأبرار، ويوم تفسد؛ يفسد بها المجتمع ويأتي هذا الاعوجاج الخطير الذي نعيشه في مجتمعاتنا. فيا أمة الله! أسألك بالله أن تتقي الله في هذا الجيل، وأن تتقي الله في بيت المسلمين، وأن تتقي الله في دين رب العالمين، وفي رسالة محمد سيد المرسلين. يا أمة الله! الحجاب الحجاب، سترك بيتك وطاعة ربك. يا أمة الله! اتقي الله في الأبناء والبنات. يا أمة الله! اتقي الله في الزوج، إنك المؤثرة العظيمة، والرائدة يوم تربين في تقوى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وتربين في طاعته؛ حينها يرضى الله عنك، ويملأ قلبك وبيتك رضا، وسكينة، وطمأنينة.

حقوق الزوج وحقوق الزوجة

حقوق الزوج وحقوق الزوجة ثم اعلمي -أختي المسلمة- أن هناك قضية لا بد من تدارسها ولا بد من الإلمام بها: أولها: حقوق الزوج وحقوق الزوجة، فهذه الحقوق سنها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وذكر الله أصولها في القرآن، فأما حقوق الزوج: فطاعته في طاعة الله، وإرضاؤه في إرضاء الله عز وجل، وحفظه بالغيب يوم يسافر ويوم يغيب عن البيت، حفظه في السمع والبصر، وحفظه في الفرج وما استحفظ الله عز وجل، وإن أمانة الله على المرأة أمانة عظيمة قال سبحانه: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] الإنسان ظلوم جهول فما هي أمانة المرأة يا ترى؟ أمانتها أن تحفظ زوجها إذا غاب من بيتها، فتتقي الله في غيابه قال سبحانه: {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34] ومن حفظه ألَّا تتطلع بعينها للأجانب، ولا تنظر للمحرمات، قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31] وعيناك إن أبدت إليك معايباً لقوم فقل يا عين للناس أعين فأسألكن بالله ما هو موقف هذه المرأة يوم العرض الأكبر؟ هذه المرأة التي تجوب الأسواق، وتنزل إلى الباعة، وتخالط الخياطين وتجلس مع الباعة والمشترين بالأعراض، الذين باعوا الذمم، واشتروا أعراض الناس فبئس ما يشترون! اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، واشتروا بدين الله رخصاً ومحقاً في سوق البوار، وتلك المرأة يوم باعت عرضها إنما باعت دينها قبل ذلك، وسوف يحشرها الله في يوم الحشر الأكبر {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] الأجساد عارية، والتاريخ عارٍ، والضمائر والسجلات عارية، كل شيء مكشوف، فقولي لي بالله ماذا تقول المرأة؟ ماذا تقول التي خانت زوجها فخرجت مع السائق والخياط والبائع والمشتري وكل رعديد وفاجر وكل بائع ذمم؟! ماذا تقول لله عز وجل؟ أختاه: إن الفجرة كثر، إنهم يجوبون الأسواق يبحثون عن السلع، إنهم يريدون المرأة ليفتكوا بها، فأسألك بالله أن تتقي الله في زوجك، وقبل ذلك أن تراقبي ربك. وإذا خلوت بريبة في ظلمةٍ والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني من ناحية أخرى! اعلمي -أيتها الأخت المسلمة- أن جمال المرأة وروعتها وحسنها هو في تقواها لله -والله- لا في ذهبها ولا في ثيابها، ولا في حليها ولا في بيتها، وإنما الجمال كل الجمال في أن تتقي الله، وتغض طرفها، وتحفظ ما استحفظها الله عليه تبارك وتعالى، حينها تعيش الأمن والسكينة. وأما حق الزوجة على زوجها، فأن يتقي الله فيها، فهي ضعيفة لطيفة تريد الحنان، والرحمة والبر، وإنما أقول ذلك؛ لأنه سوف يسمع صوتي الرجال، وسوف يهتدون أو يتأثرون أو يستفيدون -بإذن الله- فوصيتي إلى أولئك الرجال: أن يتقوا الله في أمهات الأجيال والأبطال، أمهات العلماء والأدباء، والزعماء والشهداء. رحمة وحناناً، ورقة ومحافظة، ونفقة وكسوة وتعاهداً، كما قاله صلى الله عليه وسلم في الموقف الأكبر، يوم أعلن حقوق المرأة وحقوق الإنسان.

احذري دعاة التحرر

احذري دعاة التحرر لقد وجد في الساحة من ينادي بتحرر المرأة، ما هو تحرر المرأة التي يريدونه؟ إن معنى تحرر المرأة عندهم: أن تخرج سافرة متبرجة، ومعنى تحرر المرأة عندهم: أن تبيع عرضها من كل مشترٍ، وتبيع قيمها وأخلاقها وسلوكها، وأن تفتك بعرضها أمام الباعة من الفجرة والمتمردين على أمر الله، فهذا -والله- خيانة عظمى لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم. إن تحرر المرأة دينها، وأصالتها، وحجابها، وسترها. إذاً فالسفور جريمة لا تغتفر، ومن ينادي بنزع الحجاب إنما ينادي بهدم سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وينادي بهدم القيم التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيا أختي المسلمة! إياك إياك أن تسمعي لهذا الناعق الشرير! وحذارِ حذارِ أن تصغي بسمعك إلى هذا المارد الجبار! إنه يريد أن يقضي على ديننا، وكرامتنا، وأعراض أخواتنا وأمهاتنا، وبناتنا وزوجاتنا {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:30].

مجالس المرأة وما يدار فيها

مجالس المرأة وما يدار فيها ما هي مجالس المرأة؟ وماذا ينبغي أن يدار في مجالس المرأة؟ والذي ينبغي ويلاحظ على كثير من النساء قبل ذلك هو: كثرة الغيبة والنميمة والزور، إلا من عصم الله، ولسان المرأة -إلا من رحم ربك- سريع في قذف الأعراض، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم للنساء في يوم العيد: {تصدقن! فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة: يا رسول الله! ما بالنا أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن، والله ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن} فوصيتي -يا أختي المسلمة- أن تتقي الله في مجالسك، وأن تعرفي من تجالسين، فإنه كما يوجد في الرجال أخيار فإنه كذلك يوجد في النساء خيرات وشريرات، وفيهن مغتابات ومزورات وسافلات وحقيرات. فاتقي الله، وأحبي الصالحات، واعمري وقتك بذكر الله، وبتلاوة القرآن، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ماذا يدار في المجلس؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] هل أدخلت الكتاب الإسلامي بيتك؟ أم هل أدخلت الشريط الإسلامي في دويرتك؟ هل استمعت إلى الدعوة والتلاوة والمحاضرة والدرس؟ هل سبحت الله كثيراً؟ هل هدى الله على يدك امرأة مسلمة أو فتاة مؤمنة فكانت ميزان حسناتك عند الله؟

حرص المرأة على طلب العلم

حرص المرأة على طلب العلم أريد التنبيه على قضية الحرص على العلم الشرعي كما قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] وقال سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] وقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] وقال سبحانه: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] وقال عز من قائل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]. العلم! ما هو العلم الذي يُنادى به الرجال والنساء؟ إنه علم الشريعة، الذي يدلكِ على الله عز وجل، وعلى طريق الجنة، وعلى الحياة الأبدية السرمدية في جنة عرضها السماوات والأرض، العلم الذي يدلكِ على حسن الصلاة والصيام والحج، وعلى مخافة الله ومراقبته وتقواه، فنحن بحاجة إلى علمٍ شرعي ننادي به المرأة، لا علم الفضلات، والحواشي، ولا العلم المضيع للعمر، إنما علم يدلك على تقوى الله عز وجل كيف تربين أبناءك؟ وكيف تتقين الله وتحرصين على حفظ الوقت؟ لقد عاش الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً للمرأة ومفقهاً لها، وكانت المرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تأتي فتسأله عن أمر دينها، قالت عائشة: [[نِعمَ النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين]] الحياء لا يمنع المرأة المسلمة أن تسأل عن أمر دينها، فتسأل العلماء والدعاة وطلبة العلم لتكون على بصيرة، وتتعلم كتاب الله وتجلس في مجالس الخير، لتحفظ سور القرآن، وتلم إلماماً مجملاً بالفقه الإسلامي لتعبد الله على بصيرة قال سبحانه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122].

إياك وهذه المغريات

إياك وهذه المغريات إن هناك بعض المغريات طرحت في الساحة الإسلامية، وفتكت بالمرأة المسلمة فتكاً ذريعاً، وظل بسببها كثير من الفتيات، هداهن الله سواء السبيل.

الأغنية الماجنة ذريعة الجريمة

الأغنية الماجنة ذريعة الجريمة إن الأغنية الماجنة التي انتشرت في أوساط الناس والتي كانت ذريعة إلى ارتكاب الجريمة والفاحشة والزنا، لأن أهل العلم يقولون: الغناء بريد الزنا، وعقوبات الغناء أربع عقوبات: العقوبة الأولى: قسوة القلب وإعراضه عن ذكر الله عز وجل، فلا تجد رجلاً أو امرأة تدمن استماع الغناء إلا وقلبه أو قلبها قاسٍ لا يستفيق كما قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13]. العقوبة الثانية: أن يجد العبد وحشة بينه وبين الله، لا يجد رقة ولا حباً ولا خشوعاً، لأنه قطع الصلة بينه وبين الله. السماع الشرعي: القرآن، والسماع الإبليسي: الغناء، فمن استعاض بالقرآن الغناء فلا عوضه الله، ومن استكفى بالغناء فلا أغناه الله، ومن استشفى بالغناء فلا شفاه الله. العقوبة الثالثة: أنه يُحْرَمُ في الجنة من سماع الغناء، وفي الجنة غناء يجعله الله للمتقين وللأبرار الصالحين، ولذلك جاء عند الإمام أحمد في المسند عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن في الجنة جواريَ يغنين، يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا} وقال ابن عباس في غناء أهل الجنة ونظم هذا القول ابن القيم: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان فحذار حذار من الأغنية، وحذار حذار من السماع لها. العقوبة الرابعة: ومما تورثه الأغنية كذلك أنها تحبب الفاحشة والجريمة، وقد قال كثير من أهل العلم والفضلاء والنبلاء ممن لهم خبرة وسبر واستقراء للمجتمعات: "إن أكثر من يقع في جريمة الزنا هم: الذين يستمعون الغناء من الرجال والنساء" فالله الله في مقاطعة هذا الغناء الماجن؛ فإنه -والله- محرم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان:6] ويقول عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري عن أبي مالك الأشعري: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة -وفي لفظ: صوت عند نغمة- وصوت عند مصيبة}.

المجلة الخليعة الآثمة والفيديو الهدام

المجلة الخليعة الآثمة والفيديو الهدام ثم المجلة الخليعة التي راجت كمجلة "سيدتهم" والمجلات الأخرى التي لها أسماء لا أريد استعراضها فقد يفهمها من عاشها، ونسأل الله أن يتوب على من وقع في هذا الذنب الخطير، ولا فائدة لمن لم يعرفها؛ فإن معرفة الشر يكفي فيه الجزء. إن هذه المجلات هدمت جيلنا، وأظلمت قلوب شبابنا، وخربت بيوتنا، وصرفت هممنا عن طريق ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ثم مما وجد كذلك الفيديو الهدام، وما أحدثه في البيوت من إرباك، وضلالات، وسخافات، وما أحدثه من جرائم ومشكلات، فوصيتي بتقوى الله، ثم اجتناب هذا الجهاز إلا بما ينفع ويفيد في الدار الآخرة. فهذه الأطروحات أحببت التنبيه عليها.

خروج المرأة من بيتها بلا استئذان

خروج المرأة من بيتها بلا استئذان مما عرض من أسئلة واستفسارات واستقراءات لأحوال كثير من النساء وجد أن في المجتمعات بعض النساء اللاتي يخرجن بلا استئذان من أزواجهن؛ متبرجات متحليات سافرات متجملات متطيبات يجلن بالأسواق، ويلهن من الله، أما علمن أن الله يراهن حين يقمن وتقلبهن في الساجدين؟ أما علمن أن الله يراقبهن؟ أما علمن أن لهن رباً سبحانه وتعالى سوف يحاسبهن يوم العرض الأكبر، نسأل الله لنا ولكن التوفيق والهداية، هذا أمر يلاحظ فاجتنبنه.

العزوف عن الزواج عند المرأة

العزوف عن الزواج عند المرأة ثم إن هناك من المسائل التي ينبغي التنبيه عليها: أن بعض النساء أو الشابات أو الفتيات قد جمحن، ورفضن الزواج بحجج واهية، منها: مواصلة الدراسة. ومنها: أنها لا تريد الإضرار بضرائر قبلها وشريكات. ومنها: أنها تريد أن تختار زوجاً فيه مواصفات قد لا توجد في الناس، تريده مثلاً: زاهداً، عالماً، عابداً، حافظاً، قائماً لليل، مجاهداً، زعيماً، ولتنتظر هذه حتى يخلق إنسان بهذه المواصفات وقد لا يأتي، حتى الخضر -عليه السلام- قد لا تجتمع فيه هذه المواصفات وهذا أمر مربك. ولو ذهب الرجل يشترط زوجة عاقلة، زاهدة، أديبة، عالمة، حافظة، ما وجد إلا من الحور العين، لا استنقاصاً في نسائنا وأخواتنا وبناتنا ففيهن الخير. سامحن بالقليل من غير عذل ربما أقنع القليل وأرضى فكما رضي الزوج بما يعرض بالسوق، فلترضى هي كذلك بما يعرض، فإن الله خلق لكل شيء شيئاً، وخلق لكل ضد ضداً، حتى الحديد سطا عليه مبرد. إذا علم هذا فوصيتي لبنات الإسلام أن يعلمن أن الزواج حفظ ورعاية وحياة، وامرأة بلا زوج ما كأنها تعيش الحياة إلا ناقصة، ورجل بلا امرأة لا يذوق عيش الحياة، ولا طموحها، ولا حبها، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] الحب والحنان والعطف لا يأتي إلا بالزواج، بل أثر عنه صلى الله عليه وسلم في حديث لا يثبت أنه قال: {مسكين مسكين مسكين! قالوا: من يا رسول الله؟ قال: رجل بلا امرأة، مسكينة مسكينة مسكينة! قالوا: من يا رسول الله؟ قال: امرأة بلا زوج} ومن سنة الله في الحياة أن هيأ المرأة لتكون زوجة، وهيأ الرجل ليكون زوجاً، وما علمنا الصدوف عن الزواج إلا عند غلاة الصوفية يعيش أحدهم بلا زوجة وتراه يتمدح ويقول أمام الناس: ما تزوجت! وتقول الصوفية الغالية: ما عرفت الزواج، من أين هذا؟ والرسول صلى الله عليه وسلم تزوج وسمع عن أحد الناس يتبتل يقول: ما أريد الزواج، فقال صلى الله عليه وسلم: {إني أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني}. وأما مواصلة الدراسة فهذا ليس بعذر، إذا أخذت المرأة قدراً يكفيها من العلم فلا بأس أن تتزوج، وإذا أرادت أن تواصل مع زوجها، فلا بأس بشرط ألا تعطلها هذه الدراسة عن حقوق الزوج، هذه أمور ينبه عليها ويتقى الله فيها. فيا أيتها المسلمة! بادري إلى الزواج إذا تقدم الكفء المؤمن، يقول عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي فيما صح عنه: {إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، وإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} إذا تقدم الرجل الصالح العابد الزاهد، الذي يرضى خلقة ودينه فلا يتأخر، وأظن أن الله يعاقب كثيراً من البنات بسبب رفضهن ألا يجدن زوجاً أبداً، يوم ترفض الرجل الصالح وتريد مواصفات خاصة يعاقبها سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فلا تجد زوجاً حتى لو أعلنت في الصحف، فإنها لا تجد!! وجد -الآن- في بعض المجتمعات أن بعض النساء -وقد رأيت بعضهن فعلاً- تعرض في الصحيفة أنها تريد زوجاً، حملت شهادة الدكتوراة، وتولت منصباً، فكانت طبيبة، أخذت مرفهات وملابس الحياة ومطاعمها، لكنها ما وجدت الزوج والحياة الزوجية، فأخذت تعلن في الصحف أنها تريد زوجاً، وفي الأخير لم تجد زوجاً؛ لأنها رفضت في شبيبتها، ولم تأخذ الفأل الذي تقدم لها، هذه أمور أحب التنبيه عليها ولو أنها من باب الذكرى فليست بغائبة عن الأذهان.

المرأة والإسراف

المرأة والإسراف أخواتي في الله عز وجل! اعلمن أن الإسراف ظاهرة شائعة عند كثير من النساء إلا من رحم ربي، إسراف في الملابس، وفي الأطعمة والأشربة، وإسراف في أثاث البيت، تريد أن تكون في كل حفلة بزي جديد ولبس جديد، أين الدين؟! وأين تقوى الله؟ وأين مراقبة الله عز وجل؟ أين مال الزوج الذي يغطي هذه التكاليف؟! بل وجد من بعض النساء الجاهلات السفيهات أنها تلزم زوجها في كل مناسبة وفي كل حفل وزواج بحلي جديد ولباس جديد، حينها يفتقر ويملق، ويغضب عليها، وتنقطع العلاقة بين الزوج والزوجة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:27] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67] فالاقتصاد الاقتصاد! واعلمن أن جمال المرأة في عفافها وزهدها، وفي طاعة ربها ورضا زوجها. فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا صلّتْ المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، دخلت جنة ربها} فهنيئاً لك يا أم الأبطال! ويا أم العلماء والشهداء! هنيئاً لك الصلاة، وهنيئاً لك تقوى الله، وهنيئاً لك القرآن! إنها دعوة من القلب، وباقة ورد إلى فتاة الإسلام، أُهديها ثانية وثالثة علَّها أن تجد آذاناً صاغية، وقلوباً واعية، وعلَّها تجد من يستمع لها ويعمل بها. لقد جاءت الذكرى، ولقد وصلت، فهل من مستجيب؟ وهل من سامع؟ وهل من عالم؟ وهل من داعية مسلمة؟ بارك الله فيكن وجمعكن في مستقر الرحمة {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55] يوم يتقبل الله منا أحسن ما عملنا ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

الأسئلة

الأسئلة نجيب على ما استطعنا منها والله المستعان.

الوجه سر جمال المرأة

الوجه سر جمال المرأة Q انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تهاون بعض النساء في الحجاب، حيث أصبحنا نرى المرأة حين تركب السيارة مع زوجها ترفع الحجاب، فيراها الرجال من مسافة ليست بالبعيدة، فما توجيهكم لهؤلاء النسوة علَّهن أن يستفقن ويتبن؟ A سلف في غضون الكلمة التحدث عن الحجاب، وأمره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بارتداء الحجاب وغض البصر، والحجاب يكون للوجه والكفين، وأما الدعوة العقيمة، والناعق الشرير الذي يوجد في المجتمعات، فإنه يقول: لا حجاب في الوجه!!! فأي زينة تستر إذا لم يستر الوجه، أيستر القفا أو بطن الرجل أم ماذا؟ إذا لم يُستر الوجه ويُغطى فإن المسألة تصبح فوضى، هذه فتوى جاءت من واشنطن أو لندن، أما فتوى محمد صلى الله عليه وسلم فيرى أن الوجه هو سر جمال المرأة. ولذلك فإن شعراء العرب لم يتغنوا إلا بجمال وجه المرأة، لم يتغنوا برءوس أصابعها، ولا بطول أرجلها، ولا بقفاها، بل بوجهها، يقول أحدهم: والله لا حدثتها لو أنها كالبدر أو كالشمس أو ك المكتفي إذا علم ذلك! فقد سلف الحديث عن الحجاب، أما حجاب التمييع والاستعراض، حجاب الدجل الخفيف الذي تبرق العينان من تحته، ويشخص الوجه، فهذا كذب، هذا مثل الفجر الكاذب الذي يجعل الناس يصومون، وهو فجر كاذب ليس بصادق، أما الفجر الصادق والحجاب الصادق فهو الذي يُغطِّي محاسن الوجه، ويغطي العينين، ولا يدخل في الحجاب البراقع، فإنها ليست من الحجاب، بل قال بعض أهل العلم: إنه أفتن للمرأة. أما أن تخرج عيناها مسمومتين ناظرتين من تحت البراقع؛ فهذا ليس بحجاب بل هو تمويه.

ثلاث وصايا للمرأة المسلمة

ثلاث وصايا للمرأة المسلمة Q ما الذي توصي به المرأة المسلمة في بيتها؟ A المرأة المسلمة -في العموم- لن تُقصِّر في الطبخ، والفرش، والحلي والزهور، والموائد، والمشهيات والمرطبات، والمسهرات، والعطورات، كل هذا موجود -والحمد لله- إنما القصور كل القصور، في تربية الجيل، وفي حقوق الزوج، وفي تقوى الله في البيت، لذلك أوصيها بثلاث وصايا: أولاها: تقوى الله في البيت، بأن تجعل البيت بيتاً إسلامياً قرآنياً، يعيش على السنة والحديث، بيتاً يُربَّى فيه الأجيال، ويخرج منه طلبة العلم والعلماء. ثانيها: أن تتقي الله في زوجها، فتكرمه، وتحترمه، وتطيعه في طاعة الله، وتحفظه بظهر الغيب في ماله وفي عرضها. ثالثها: أوصيها أن تكون داعية في بيتها، تستقبل المؤمنات، وتنثر عليهن الآيات، وتقودهن إلى رضا رب الأرض والسماوات، وتضعيف الحسنات واجتناب السيئات. تكون داعية تنطلق إلى جارتها وهي تحمل الدعوة الإسلامية، فتحمل آية أو حديثاً أو سيرة أو قصة، أو كتيباً أو شريطاً إسلامياً، تدعوها إلى ترك الغيبة والنميمة والسفور وما في حكم ذلك والله ولي التوفيق.

حكم اقتناء مجلات الأزياء

حكم اقتناء مجلات الأزياء Q ما موقف المرأة أمام مجلات الأزياء؟ A هذه من الشكوى والمرض المزمن، إذا كانت هذه المجلات الموجودة، في الأسواق، في السوبر ماركت، أو في غيرها من المجامع، أو المكتبات اللاهية اللاغية، مجلات تحمل الأزياء، وتحمل الفتاة العارية، فهي شر مستطير، حتى إنه وجد من النساء من أخذت هذه المجلة إلى بيتها بحجة أنها سوف تجعل هذا مقاساً لزيها، ولفستانها، ولثوبها، ولقميصها، وهذا شر مستطير، معناه: تربية الأبناء على النظر إلى هذا الفحش والعري الذي يُغضب الله والملائكة تخرج من البيت، فالملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، فكيف إذا كانت عارية، فإن الله يغضب وتُنزع البركة. وإن هذه المرأة تكون سبباً في الجريمة والزنا وانتشار الفاحشة في المجتمعات، وأنها تعين على تسهيل الجريمة الكبرى، وتساعد الشباب المراهقين من الرجال على التقحم في المعصية، يوم يرى صباحاً ومساءً هذه الصورة العارية. لماذا تعرض هذه اللحوم؟ ولماذا تقدم صورة امرأة من الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر أو ليس في قلوبهم إيمان؟! فلتتقي الله المرأة في هذه المجلات؛ فتقاطعها، وتهجرها، وتضيق عليها، وتندد بها، وتحاول أن تحاصرها بالكلمة والتنديد والاستنكار.

رفقا بالقوارير

رفقاً بالقوارير Q نسمع من أدعياء تحرير المرأة: أن المرأة لا بد لها أن تخرج للعمل وتتوظف، ونحن نقول: إن كان الرجال يصنعون في المصانع ويعملون في المعامل، فإن المرأة هي صانعة الرجال، ومربية الأجيال، ولكن -وللأسف- فكثير من النساء لا تفقه هذا الدور، ولا تقوم على تربية أبنائها التربية الإسلامية، فهل من نصيحة في هذا الموضوع؟ A هذه السائلة سألت وأجابت، وهو سؤال عبارة عن محاضرة مصغرة! أما قولها: إن المرأة مربية الرجال؟ فصدقت وما أتى بـ خالد بن الوليد إلا امرأة، وما أتى بـ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحسان، ومعاذ، وسعد بن معاذ إلا امرأة، فاتحو الدنيا علماء المعمورة شهداء الإسلام هم أبناء النساء، فحيا الله المرأة يوم تخرج الرجال، وتُربِّي الأبطال، وتُعلِّم العلماء والأدباء، وتنجب الشهداء، ولا حيَّاها الله يوم تكون سافرة في الأسواق، خادمة في الأماكن والمطاعم والفنادق وفي كل مكان تلمحها العيون، وتتبذلها الأيدي، وتنتهكها القيم، ما هذه الحياة؟! الإسلام جعل المرأة درة مصونة ولم يجعلها منشفة للأيدي، أو وردة تشم وتعك في كل مكان، بل جعلها درة مصونة محمية عن العيون، محببة إلى النفوس، كالشمس تنظر ولكنها لا تنال، هذه هي المرأة في الإسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {رفقاً بالقوارير} رفقاً بهن في العمل والخدمة، ورفقاً بهن في كل شئون الحياة، هي امرأة ضعيفة لا تصلح إلا للبيت، عاطفة جياشة تصلح لتربية الأبناء، وتصلح أن تكون وراء الستار، تكون درة في صدف، أما أن تصارع العمال في المصانع، وتتحدث مع كل عامل رعديد وكل فاجر؛ فهذا ليس بصحيح. الآن الاستقراءات التي في الساحة مثل ما يكتب كريسي مريسون الأمريكي عن المرأة، وكتابة كارنيجي الأمريكي الآخر المجرم؛ الذي ينظر إلى المرأة أنها لا بد لها أن تشارك الرجل، فنسألهم: متى شاركت المرأة الرجل في العالم؟ شاركت المرأة الرجل في العالم بعد الحرب العالمية الثانية يوم سحق الرجال، واحتاج الأمريكان إلى النساء، فزجوا بهن في المصانع، فأصبحت تهرول الفتاة الصباح كالعامل أو كالحمار، تهرول إلى مصنعها ولا تعود إلا في الظهيرة، وقد قسا قلبها وضاع عرضها، وذهب جمالها وعفافها. شاركت في الصين في عهد ينج شاركت في الحروب، وحملت السلاح وما كان لها أن تحمل السلاح، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنها لا تقاتل، وأنها ضعيفة ومسكينة، كل الناس يعرفون ذلك حتى أن لينين الخبيث الملحد الملعون يعرف أن المرأة لا تنفع، ولذلك أراد انتزاعها من المصنع في موسكو ولكنها دخلت المصنع، فأراد دعاة تحرير المرأة أو تخريب المرأة في الشرق أن ينحوا بالمرأة منحا أمريكا، والصين، وموسكو وهذا خطأ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50].

التحاق المرأة بمدارس التحفيظ

التحاق المرأة بمدارس التحفيظ Q مدارس تحفيظ القرآن الكريم الخاصة بالنساء كثيرة -ولله الحمد- فهل من نصيحة تُوجه للأخوات في استثمار أوقات فراغهن بذلك من الالتحاق بهذه المدارس مع المسلمات؟ A نعم. دعوة طيبة مجيدة وحارة ومخلصة، وأتضامن مع صاحبة هذه الدعوة جزاها الله خيراً، وهل بيت المرأة إلا في الدراسة والتعليم؟ وهل بيتها إلا في جلوسها مع أخواتها في حفظ كتاب الله عز وجل؟ أما قصص عجائز نيسابور، وخدمة البربر، وفلانة فعلت، وفلانة طلقت وتزوجت، وفلانة صنعت وفعلت ومرضت، فهذه قد انتهت، وعفا عليها الزمن، نعم! هي تناسب عجائز نيسابور كما أسلفت، وليست من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. كل دقيقة تمر على المرأة لا بد أن تستثمرها في حفظ القرآن، يوجد في مجتمعاتنا كثير من العجائز تحفظ من القصص ما لا نهاية لها ولا بداية، وهي قصص خيالية لا أساس لها من الصحة، فلو وجهت هذه الطاقة في حفظ كتاب الله وحفظ الأحاديث والسيرة المطهرة لكان أجدى وأروع، وأنفع وأحسن، بارك الله في الجهود. ولا زلت أكرر أن هذه المجالس لا بد أن تنتشر، ولا بد من حافظات واعيات مدرسات ينشرن الفضيلة وينشرن العلم في البيوت، ويكن قدوة صالحة، لأن دعاة تخريب المرأة يقولون: إن المرأة أصبحت عندكم جاهلة أمية، نحن نقول: لا، عندنا المرأة الآن عالمة، وعندنا عالمات فقيهات زاهدات، ينادين بالدعوة والإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الدعوة عامة للرجال والنساء

الدعوة عامة للرجال والنساء Q هل على المرأة من دعوة أم هي خاصة بالرجال؟ وهل يلزم من الدعوة أن تبلغ المرأة درجة من العلم أم يكفي ما تعلمته؟ A أولاً المرأة داعية في النساء ليس في الرجال، فلا يلزمها أن تتصل بالتلفون بالناس صباح مساء تدعوهم إلى طاعة الله، حنانيك بيتك، وطاعتك، وأخواتك، وأبناء جنسك، أما الفتيان والرجال فلهم دعاة قد كفوك الأمر، فأنت ميدانك أخواتك وقريباتك في دعوتهن إلى الله، فإنهن يستمعن منك، ويتقين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا سمعن الكلام الطيب، والمرأة تؤثر في المرأة، والمرأة تسمع من المرأة؛ لأن المرأة تعيش آمال المرأة، وطموحها وإيمانها، فعليكِ أن تكوني داعية، ولا يلزم من المرأة دائماً أن تكون محاضرة، أو خطيبة، لها أن تستصحب كتيباً أو شريطاً إسلامياً، أو تحفظ كلمة أو تؤثر بعملها. أما قول السائلة: هل يلزم من الداعية أن تبلغ منزلة من العلم؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {بلغوا عني ولو آية} حدها آية واحدة، أما أن نقول: لابد أن تكون كالفقيهة فاطمة بنت أحمد أو زينب بنت سعيد بن المسيب أو فلانة أو فلانة فلا، لا يوجد هذا، إلا نادراً، لكن عليها تبلغ ما معها، إن حفظت الفاتحة، فتبلغ الفاتحة، وإذا أجادت التحيات فعليها أن تعلم التحيات {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] ولعل الله يدخل المرأة المسلمة بتعليمها الفاتحة الجنة ببنات جنسها وأخواتها وعماتها وقريباتها، هذا أمر لا يفوت.

حكم مخالطة المرأة للأجنبي

حكم مخالطة المرأة للأجنبي Q يوجد تساهل عند بعض النساء في مرافقة بعض السائقين الأجانب والركوب معهم، فما هو حكم ذلك؟ A السائقون سواء، كل السائقين أجانب، سواء أكانوا سعوديين، أو فلبينيين، أو كوريين، أو من أي مكان كانوا، والخطأ كل الخطأ أن تركب معه وحدها، وأن تمشي معه بلا محرم، معنى ذلك: أنها هتكت ستر الله واستوجبت غضبه ولعنته، ووصيتي للأخت المسلمة أن تتقي الله في عرضها. ومن هذه الظاهرة أنها -مثلاً- تذهب إلى صلاة الفريضة أو التراويح فترافق السائق، لقد اكتسبت من الوزر، والإثم، والذنب أعظم مما تحصل من الأجر في صلاة التراويح، فما هذا الفقه؟! ترافق سائقاً لا تدري عن دينه وأمانته، قد يكون زنديقاً أو مجوسياً أو ماسونياً عميلاً، هذا رجل ليس بمحرم لها فلتتقي الله في ذلك.

دعوة المرأة زوجها في بيتها

دعوة المرأة زوجها في بيتها Q يرفض زوجي وأولادي الامتناع عندما أمنعهم من سماع الأغاني، وتحدث مشاكل بيننا، كذلك هل أتخلص من أشرطة الغناء التي في المنزل مع احتمال حدوث مشاكل بيني وبين زوجي؟ A الدعوة تكون بالحكمة قال تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] قال سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] ويقول عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في رسوله في رقته ودعوته وحبه، يقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. فيا أختي! لا تبدئين بمجابهة من أول الطريق، لكن خذي الأمر بليونة يوماً بعد يوم، وكلمة بعد كلمة، علَّ الله أن يهدي، وعلَّ القلوب أن تلين، وعلَّ الأمور أن تتضح، وأدخلي الشريط الإسلامي والكتاب الإسلامي، أشرطة القرآن، والمحاضرات، والدروس، هذا الذي ينفع، فإنها سوف تكون بديلاً بإذن الله.

حكم المحادثة الهاتفية مع المخطوبة

حكم المحادثة الهاتفية مع المخطوبة Q ما حكم المحادثات الهاتفية بين الخطيب وخطيبته وهو لم يعقد عليها بعد؟ A أما في حدود استفسار من بعض الأسئلة للضرورة فلا بأس أن يسألها ولو قبل العقد، بشرط ألا يكون هناك ريبة ولا تهمة، يسألها -مثلاً- في بعض الأمور التي يتفق عليها هو وإياها، مكالمة واحدة فلا بأس، كالحياة الزوجية بينهما، ومواصلة الدراسة، واكتشاف رأيها في بعض الأمور المعيشية، وأما غيرها من المكالمات فلا تجوز قبل العقد، إنما مكالمة للضرورة من باب النظر الذي رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم وإنما رخص فيه لحكمة، وكذلك المكالمة. وقد كان السلف يكلمون النساء من وراء حجاب، والله تعالى يقول: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32] فمعنى ذلك: أن تتكلم، لكن لا بخشونة، ولا بميوعة فيطمع الفاجر فيها. وأخيراً: سلام الله عليكن، وأسعد الله أوقاتكن، وإلى لقاء ومجلس آخر، ومسيرة أخرى إلى جنة عرضها السماوات والأرض. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الرجل الممتاز

الرجل الممتاز من هو هذا الرجل الممتاز؟ إنه عمر بن الخطاب تلك الشخصية العظيمة، وكم هي عظيمة مواقف عمر بن الخطاب. من يبلغ منزلته في عدله، وذكائه، وخشيته لله وقوته، وحبه للمصطفى صلى الله عليه وسلم، وإخلاصه، وصدقه

شائعة تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه

شائعة تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،، معنا في هذا الدرس جلسة طيبة بإذن الله، ومجلس مبارك بعون الله مع أصحاب رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، مع الذين فتحوا الدنيا، مع الذين بذلوا دماءهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله، واشتروا رضوان الله وجنة عرضها السماوات والأرض بكلمة لا إله إلا الله، مع الذين صدقوا الله فصدقهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} [الفتح:18]. اتفق الشيخان واللفظ للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سافرت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يحدث بالقصة مكة، فبينما نحن في الطريق عدل رضي الله عنه وأرضاه يقضي حاجته، فقال: اتبعني بماء أتوضأ به، قال: فحملت إداوة ولحقته، فلما انتهى من قضاء حاجته أخذت أصب عليه ثم سألته قلت: يا أمير المؤمنين!! من هما المرأتان اللتان أنزل الله فيهما: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4] قال عمر: عجباً لك يا بن عباس! قال الزهري: كره عمر سؤال ابن عباس وكره أن يكتم العلم الذي أعطاه الله إياه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ثم اندفع عمر رضي الله عنه وأرضاه وقال: لما قدمنا المدينة مهاجرين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت في عوالي المدينة عند رجل من الأنصار؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يؤاخي بين المهاجرين الأنصار. قال عمر: فنزلت في العوالي عند أخٍ لي من الأنصار، فكنت أتناوب وإياه النزول إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة. أي: هذا ينزل ليلة وهذا ليلة وهكذا لأنهم كانوا يكدحون وسوف يأتي مجمل الحديث، قال: فنزل صاحبي في الليلة التي بقيت فيها، وكنا نتحدث أن غسان -قبيلة من القبائل العربية بـ الشام - تريد أن تغزو المدينة، قال: فقدم صاحبي علي في الليل فطرق الباب طرقاً شديداً، وضربه ضرباً، فقلت: ماذا حدث؟ قال: حدث أمر عظيم. قال عمر: أغزت غسان المدينة المنورة؟ قال صاحبي: لا، أمر عظيم. قلت: ما هو؟ قال: طلق الرسول صلى الله عليه وسلم نساءه. فقال عمر: الله أكبر. ثم قال: ويحاً لـ حفصة، أما نهيتها عن معاندته صلى الله عليه وسلم حتى وقع ما وقع، ولكن عمر كان صبوراً وحازماً وكان صارماً رضي الله عنه كالجبل. قال عمر: فأخذت علي ثيابي، ثم أخذت حذائي فلبستها فنزلت فصليت الصبح. انظر ما أحسن سياق القصة! وما أحسن هذا التصرف الحكيم من عمر رضي الله عنه وأرضاه! لم يأتِ وسط الليل يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن تركه حتى صلى الصبح. قال: ثم أتيت مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فوجدت الناس يبكون حول المنبر؛ وذلك لأنهم سمعوا بالخبر، وهم يعيشون أحداث الرسول عليه الصلاة والسلام وقضاياه. قال: فقلت للناس: أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم نساءه؟ قالوا: لا ندري.

عمر يستأذن للدخول على النبي صلى الله عليه وسلم

عمر يستأذن للدخول على النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذهبت إلى حفصة في بيتها فدخلت عليها فوجدتها تبكي. فقد أتاها الخبر ولكن ما تثبتت منه فقلت: أطلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري. قلت: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هو في المشربة قال: فانطلقت فإذا على المشربة غلام أسود يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: استأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فذهب فاستأذن فلم يأذن؛ فرجع الغلام فقلت: أستأذنت لي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، حدثته أنك بالباب فلم يرد علي كلاماً. قال: فذهبت إلى المسجد وغلبني ما أجده في صدري فعدت فقلت للغلام: استأذن لي؛ فاستأذن مرة ثانية فلم يأذن له. قلت للغلام: أستأذنت لي؟ قال: نعم، ولكنه لم يرد عليَّ جواباً. قال: فذهبت إلى المسجد. انظر إلى هذا الصابر والجبل العظيم والعملاق، سوف يتحدث في مناظرة شفوية حارة مع الرسول صلى الله عليه وسلم عن السبب، وما هو الداعي، وسوف يكون من صف الرسول صلى الله عليه وسلم لا من صف ابنته؛ لأن بعض الناس إذا طلقت ابنته؛ قام معها ظالمة كانت أو مظلومة، شاكية أو مشكوة، والله يقول: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4] يعني حفصة وعائشة. كأنه يقول: لا تنخدعا، لا تظنا أن أبا بكر وعمر سوف يكونا في صفيكما؛ بل سيكونا مع الرسول صلى الله عليه وسلم. قال: فرجعت مرة ثالثة، وقلت للغلام: استأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاستأذن فقال: دعه يدخل. قال عمر: فتسلقت درجة المشربة -درجة من عود منحوتة تصل إلى المشربة- قال: فدخلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع وقد أثر الحصير في جنبه -لأنه لم يكن بينه وبين الحصير الذي هو من خصف النخل وطاء ولا غطاء- قال: فلما رآني صلى الله عليه وسلم تربع في مجلسه، فعرفت الغضب في وجهه، فجلس صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان حساساً، وكان يتأثر بالمثيرات فتظهر في وجهه صلى الله عليه وسلم. كان المنكر يظهر في وجهه، وكان سيما البشريات تظهر في وجهه، تقول عائشة: [[إذا سر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأسارير وجهه كانت تبرق كالعارض البارق]] أي: كالبرق إذا عرض، ولذلك قالت: كنت أتذكر قول أبي كاهل يوم قال: وإذا أستسر ترى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل

عمر يتأكد من الخبر

عمر يتأكد من الخبر قال عمر: فتربع في مجلسه، فأراد عمر أن يدخل بالدعابة إلى قلب الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يتكلم معه. بماذا يدخل من المزح حتى يتبسم صلى الله عليه وسلم؟ اسمع ماذا يقول فاروق الإسلام أبو حفص، الذي دكَّ دولة الباطل وإمبراطورية كسرى وقيصر، والذي كان كما يقول الأول: يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه قال: يا رسول الله! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قال: لو رأيتنا كنا رجالاً -يقصد قريشاً- تخافنا النساء ونحن في بكة، فقدمنا إلى أناس في المدينة فوجدنا نساءهم تخيفهم، فأصبحنا نخاف النساء، لو رأيت بنت زيد -يقصد عاتكة زوجته- تطلبني النفقة يا رسول الله -رجل مهاجر فقير مسكين ليس عنده ما يتغدى منه ويتعشى، وهي تطلب الحلي الذهب والفضة- تطلبني النفقة يا رسول الله وتغاضبني؛ فتبسم صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، ثم جلس. كان ذلك الكلام توطئة، فلما تبسَّم صلى الله عليه وسلم جلس بين يديه. انظر إلى الحكمة! وإلى الدخول إلى قلوب العظماء والزعماء والقادة! فلما جلس قال: فنظرت فإذا أثر الحصير في جنبه صلى الله عليه وسلم. قال: فلمحت المشربة، والله ما رأيت شيئاً يرد البصر إلا شيئاً من شعير كان معلقاً في جانب البيت، فدمعت عيناي. من قال من المؤرخين: إن عين عمر سوف تدمع لولا الإسلام؟ ومن قال: إن قلبه سوف يرق لولا (لا إله إلا الله) ومن قال: إن روحه سوف تلين برهة من الدهر لولا عظمة هذا الدين، كان لا يعرف الدمعة من الرحمة، ولا يعرف اللين، ولا المسامحة، إنه رجل عملاق؛ ولذلك جعلته قريش السفير لها مع قبائل العرب، فهو الواجهة العظمى التي لا تلين، وكان الناس يخافونه. لكن لما دخلت لا إله إلا الله في هذا القلب الكبير؛ أصبح يتأثر تأثراً عظيماً، من يصدق أنه يصعد المنبر يوم الجمعة، فينقطع صوته من البكاء على المنبر؟! ومن يصدق أنه يرى الأثر الذي يثير الخشية فيبكي؟! فلما رأى حفنة الشعير ورأى الحصير يؤثر في جنب المصطفى صلى الله عليه وسلم، يا عجباً ألا يجد اللحم! ألا يجد الخبز! ألا يجد اللذائذ والطبيات، والفواكه والخضروات!! فلماذا يجدها كسرى وقيصر؟! وتدمع عيناه رضي الله عنه؛ فيلتفت صلى الله عليه وسلم ويقول: ما لك يـ ابن الخطاب؟ فقال عمر: يتنبأ بالأحداث، وأنه سوف يدكدك بقدميه تلك الدولتين الظالمتين- قال: يا رسول الله كسرى وقيصر وهما ما هما -أي: أعداء الله- وهما في العيش الرغيد، وأنت رسول الله وأحب الناس إلى الله، وأنت في هذا الحال! فجلس صلى الله عليه وسلم مستوفزاً، وقال: أفي شك أنت يـ ابن الخطاب؟ أي: أفي شك من عدل الله؟ أو في شك من ميزان الله في الأرض؟ أوفي شك من رسالة الله؟ أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم.

النبي صلى الله عليه وسلم ينفي هذه الشائعة

النبي صلى الله عليه وسلم ينفي هذه الشائعة ثم أتى عمر فقال: يا رسول الله أطلقت نساءك؟ قال: لا. قال عمر: الله أكبر! ارتاح وهدأ باله وارتاح ضميره؛ لأنه لا يريد أن يخسر بنته من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويريد أن يأتي يوم القيامة وصهره ورحيمه هو رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، ويريد إذا دخل الجنة أن يزور رحيمه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فخرج عمر رضي الله عنه إلى الناس وبشرهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلق نساءه، وإنما حلف ألا يدخل عليهن شهراً كاملاً، فلما انقضت تسعة وعشرون يوماً؛ نزل صلى الله عليه وسلم فطاف على نسائه، وبدأ بـ عائشة فقالت عائشة: يا رسول الله، بقي ليلة، الشهر ثلاثون يوماً، قال صلى الله عليه وسلم: لا، الشهر تسعة وعشرون يوماً. ولذلك يقول: {نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا} يعني أمة ذكية بليغة، عبقريتها مستوحاة من الصحراء، فنحن لا نعرف الجبر ولا الهندسة ولا نعرف الجمع ولا الطرح وإنما نحسب هكذا، ثم نزل صلى الله عليه وسلم وقد آلى من نسائه ثم عاد. هذا مجمل الحديث أو نحو هذا أو شبه هذا، ونستغفر الله إن زدنا أو نقصنا، لكن هذا الحديث أو نحوه هو الذي أورده البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب السنن والمسانيد.

من فوائد حديث هجر النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته

من فوائد حديث هجر النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته وفي هذا الحديث مسائل:

الحرص على طلب العلم

الحرص على طلب العلم حرص ابن عباس على طلب العلم؛ ولذلك قال عنه ابن تيمية: أما ابن عباس فعلمه كالبحر {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4] لكنه لقي أعلم منه وهو عمر بن الخطاب فأصبح ذرة صادفت جبلاً، فأعلم الناس في هذه الأمة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ولذلك طرح سؤال في كتاب المنطق لـ ابن تيمية المجلد التاسع يقول: يدعي بعض المتأخرين أنهم لكثرة معلوماتهم في أصول الفقه وعلم المنطق وعلم المساحة والفلسفة وعلم الكلام، يظنون أنهم أعلم من أبي بكر وعمر! هذا وسواس ورد إلى بعض الناس، لأن أبا بكر وعمر ما كانا يعرفان المنطق، ولا علم الكلام ولا الفلسفة، فأتى ابن تيمية يرد برد قوي جازم قال: كذب أفراخ الفلسفة وأفراخ علم الكلام وأفراخ النصارى واليهود، بل أعلم الناس وأتقاهم وأخشاهم وأصدقهم -وكلاماً نحو هذا- أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي فـ أبو بكر، وعمر من أعلم الناس. فلما أتى ابن عباس وسافر مع عمر أخذها فرصة أن يتعلم من هذا الرجل الملهم، والبحر الخضم، الذي تنساح وتنداح الفوائد من على لسانه ومن جنباته كالدرر من البحر، أو كمكنوزات الجواهر من كنوزها.

فضل عمر رضي الله عنه وكراماته

فضل عمر رضي الله عنه وكراماته عمر رضي الله عنه فاق الناس بعلمين اثنين: علم النظر وعلم الإلهام، علم النظر: هو الحاصل المحصل بالتحصيل، والأسئلة من الرسول صلى الله عليه وسلم. والعلم الآخر: علم الإلهام الذي ألهمه الله عز وجل، فإنه يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب} وفي لفظ آخر: {لو بعث بعدي نبي لبعث عمر بن الخطاب} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن يكن منكم محدثون فإنه عمر بن الخطاب} وقال علي رضي الله عنه وأرضاه: [[كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر]] وقال ابن عمر رضي الله عنهما: [[ما كنا نبعد أن السكنية كانت تنطق على لسان عمر رضي الله عنه وأرضاه]] والسبب:- أولاً: الإخلاص والصدق مع الله قال الله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] فلما علم الله صدقه وإخلاصه وإنابته وعبوديته؛ رزقه الله الإلهام فكان يفيض عليه العلم فيضاً. وفي صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم: {رأيت البارحة كأني أتيت بقدح من لبن فشربت منه، حتى رأيت الري يدخل في أظفاري قال: ثم أعطيت فضلتي عمر بن الخطاب، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم} ويقول في حديث آخر في البخاري: {رأيت في المنام الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره في الأرض قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين} فكان من أعظم الناس ديناً وعلماً. رجل ملهم كان يتحدث بالكلام فيأتي كما يتحدث بإذن الله، ينطق والسكينة عليه، يقول مثلاً: ليت الله أنزل لنا في الخمر شيئاً شافياً، فأنزل الله في الخمر شيئاً، ويقول: لو حجبت نساءك يا رسول الله، وبعدها بأيام ينزل الحجاب، ويقول: يا رسول الله! لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى في الحرم، فأنزل الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125]. أصبح إنساناً يتحرك بنور من الله عز وجل، يخطب المسلمين يوم الجمعة والصفوف وراءه، وعظماء الإسلام وقواده وزعماؤه بين يديه، وفجأة يقطع الخطبة مباشرة وينادي في المسجد: يا ساريةُ الجبل، يا ساريةُ الجبل، يا سارية الجبل. فينزل وينتهي من الصلاة فيقول الصحابة: ما لك يا أمير المؤمنين، ماذا حدث؟ قال: كشف الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لي فرأيت سارية -قائد من القواد أرسله في جنوب إيران ليقاتل أعداء الله عز وجل- فأحاط به الأعداء من كل جانب وقت صلاة الجمعة وعمر على المنبر في المدينة، فكشف الله الغطاء لـ عمر كرامة من كرامات الأولياء، فرأى سارية وهو يحاصر من كل جانب فيناديه عمر ويقول: التجئ بعد الله بالجبل. فيسمع سارية صوت عمر وهمسات عمر ونداء عمر، فيأتي ويلتجئ بإذن الله إلى الجبل فيعصمه الله ذاك اليوم! فيأتي سارية بعد أن انتصر فقال له المسلمون: أحدث لكم شيء؟ قال: كدنا نهلك في يوم كذا يوم الجمعة، فسمعت صوت عمر الذي لا أنكره وهو يقول: يا سارية الجبل؛ فالتجأت إلى الجبل فعصمني الله. هذا سند صحيح رواه صاحب تاريخ داريا. فـ عمر رضي الله عنه يكشف الله له؛ لأنه صادق مع الله، وقد علم الله سريرته، وعلم أنه يريد الخير لهذا الدين، وهو يتكلم من اعتزازٍ قوة؛ فأعطاه الله القوة والاعتزاز؛ ولذلك فالمهزوم في داخل نفسه لا يمكن أن تستفيد منه شيئاً؛ الذي لا يعتز بالإسلام، ولا يعتز بالسنة، ولا بالاستقامة إنسان مهزوم، فاشل في الحياة، فكيف تطلب الماء من الظمآن؟! وكيف تطلب الشبع من الجائع؟! هذا إنسان ولو صلى وصام لكن لا يعتز بالإسلام، لا يعتز بالرسالة الخالدة. عجباً الأمريكي يعتز بـ النصرانية المحرفة، واليهودي ابن القرد والخنزير يعتز بـ اليهودية المحرفة، والشيوعي البلشفي يعتز بـ الشيوعية، والمسلم الذي بعثه الله للناس كما بعث رسوله صلى الله عليه وسلم في أمة رائدة خالدة خاتمة لا يعتز بالإسلام! كيف لا نعتز بهذا الدين كما اعتز به عمر رضي الله عنه وأرضاه، وصلى الله وسلم على صاحب الدعوة وعلى آله وصحبه. يأتي عمر ليفتح بيت المقدس فيلبسه بعض الصحابة بعض اللباس الجميل حتى يظهر أمام الأحبار والرهبان بمظهر جميل، ويستعرض الصحابة القواد، وتستعرض الجيوش أمامه والخيول والفرسان، فيخلع لباسه ويلبس بردته الممزقة التي فيها أربع عشرة رقعة، ويأخذ عصاه ويقول للجيوش: [[انصرفوا عني، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]]. نحن قوم بنينا ثقافتنا وحضارتنا ودولتنا ومعرفتنا من (لا إله إلا الله) أي: لولا (لا إله إلا الله) ما كانت لنا حضارة ولا ثقافة ولا معرفة، فالآن تريدون أن نتزين للناس ونتجمل بالأرض، فلما علم الله أنه يريد نصرة هذا الدين عزه عزاً ما بعده عز، ولذلك يذكر في كل مجلس، وفي كل دولة، وكل مقاطعة، وإقليم، وعرفه الناس كافة مؤمنهم وكافرهم، ويهوديهم ونصرانيهم وشيوعيهم: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4].

سبب قلة مرويات عمر مع وفور علمه

سبب قلة مرويات عمر مع وفور علمه فـ ابن عباس سأل عمر عن هذا، فأخبره عمر رضي الله عنه. ولسائل أن يقول: كيف تقول أن عمر أعلم من ابن عباس وأحاديث ابن عباس أضعاف مضاعفة على أحاديث عمر؟ أقول: نعم. أحاديث ابن عباس من ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف حديث، ولـ عمر ما يقارب من سبعمائة حديث أو نحو هذا في السنن والمسانيد التي جمعت فكيف يكون أعلم؟ والسؤال الثاني: كيف تقول: إن عمر أعلم من ابن عباس، وابن عباس تكلم في جل آيات التفسير وعمر لم يتكلم إلا في آيات معدودة؟ و A أن يقال إن عمر أعلم بلا شك، لكن شغله عن الرواية الخلافة والإدارة والسياسة، كان رجلاً إدارياً من الدرجة الأولى، والعجيب أنه قد كتب عن حياته كتاب إنجليزيون وفرنسيون وأمريكان؛ ألفوا في سياسته وإدارته وعلم الاجتماع عنده وعلم العمران؛ لأنه رجل فذ، هو الذي دون الدواوين وجند الجيوش، وأسس الأسس، وسن للدولة الإسلامية على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم معالم خالدة، فشغل بهذا الأمر فأصبحت روايته قليلة، فهذا من جانب. ومسألة الحرص على طلب العلم من أعظم خصال المؤمن، وإذا رأيت المؤمن يحرص على طلب العلم والتفقه في الدين، فاعلم أن الله أراد به خيراً قال صلى الله عليه وسلم: {من يرد الله به خيراً يفقه في الدين} متفق عليه. والذي لا يريد الله به خيراً لا يفقهه في الدين، يعيش هملاً سواء استفاد أم لم يستفد، عرف شيئاً من القرآن أم لم يعرف، تدبر السنة أم لم يتدبرها، حصل على فائدة أم لم يحصل عليها، فالأمر عنده سيان، فإرادة الله للعبد الخيّر هو أن يفقهه في الدين.

الرحلة في طلب العلم

الرحلة في طلب العلم موسى عليه السلام؛ رسول المناظرة وأستاذ العقيدة الذي وقف في أعظم المواقف مع فرعون، يقف في بني إسرائيل خطيباً فينطق بالحكمة، ويسمعون الموعظة الحسنة وهي تنساب على لسانه فيقول بنو إسرائيل: أتعلم يا موسى أن الله خلق أعلم منك؟ فيقول: لا. وصدق عليه السلام، هو نبي وعنده رسالة، والتوراة كتبها الله بيده وأعطاها موسى، فهو لا يعلم أعلم منه؛ فأوحى الله إليه أن عبدي الخضر بأرض كذا هو أعلم منك. قالوا: في العلم الباطن أما علم الظاهر فأنت أعلم. لماذا؟ ليتواضع أولاً- وهو متواضع عليه السلام- والأمر الثاني: ليطلب العلم ويحرص عليه. وقد عقد البخاري في كتاب العلم باب (الرحلة في طلب العلم) ثم أتى برحلة موسى إلى الخضر عليهما السلام، فارتحل وطلب العلم، وانظر إلى قول موسى لفتاه وهو يقدم له السمك وقت الغداء بعد أن تعب وارتاح وبدأ يتأوه وعرقه يتصبب وهو يقول: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [الكهف:62] يعني: تعبنا في هذا السفر، ولذلك يقول: {أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} [الكهف:60] يقول: سوف أسافر في طلب العلم أياماً أو سنوات حتى أصل، فلما وصل إلى الخضر عليه السلام بدأ معه، وموسى فيه جرأة وشجاعة وصراحة، وكان عمر بن الخطاب يشبه موسى عليه السلام، وفي الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: {أما أنت يا عمر فأشبهت موسى عليه السلام} فهو صريح. ولذلك لما ركب مع الخضر في السفينة ركب كالتلميذ، لكن الخضر اشترط عليه ألا يتكلم في القضايا، يعني: يصبر قليلاً ولا يناقشه في الأسئلة، لكن لما خرب ذاك السفينة قفز موسى عليه السلام قال: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} [الكهف:71] التلميذ يقول للشيخ: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} [الكهف:74]. ثم لما قتل الغلام قال: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} [الكهف:74] وقبل سامحه الخضر يقول له أول مرة: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:72] وبعدها يقول: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:75] فزاد (لك) هنا تأكيداً له. وفي الثالثة جاءا جائعين ساهرين متعبين فينزلان في قرية، فيسألان أهل القرية أن يضيفوهما ببعض الطعام، فرفضوا، شد الله على قلوبهم البخل، نظر في الجيران فلم يجد جاراً ولا أخاً ولا صاحباً، فلما تركوهم ذهب الخضر وقال لموسى: تعال نبني هذا الجدار. قال: سبحان الله! قوم لم يضيفونا وتريد أن تبني جدارهم؟! ركبنا مع صاحب السفينة وتخرق السفينة وكان أولى بالمعروف، ومررنا بغلام من الصبيان فقتلته، والآن هؤلاء طردونا وتريد أن تبني جدارهم؟! فقال الخضر قبل أن يتكلم: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] لا أتحمل إلى هذا المستوى، يعني: أنا في جدال وفي نقاش حتى هذه اللحظة، أنا أريد تلميذاً لا يسأل؛ ولذلك غلاة الصوفية يقولون: لا يفلح التلميذ إذا قال لشيخه: لماذا تفعل كذا أو لماذا تقول كذا. قال الذهبي: [[والله يفلح ثم يفلح والسلام]] يفلح عشرين مرة، لأن هذا الدين ليس إلغاءً للعقل كـ النصرانية بل لك أن تناقش ولكن بأدب، ولكن أن تقول للأستاذ ولو كان من أساتذة الدنيا وعلماء المعمورة، ولو كان أمامك أحمد بن حنبل أو مالك أو ابن تيمية تقول: لماذا تأتي بهذه المسألة وما هو دليلك؛ لأن المعصوم هو محمد صلى الله عليه وسلم. فقال الخضر: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:78] لكن قبل أن تذهب سوف أعطيك الحكم؛ لأن هذه فائدة الرحلة، وإلا لو قال له: لا أخبرك بشيء ذهب موسى يعلم بني إسرائيل ويقول لهم: خرب السفينة وقتل الغلام وبنى جداراً بلا أجرة!

استطراد

استطراد وذكر في الآيات أربع إرادات قال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف:79] انظر هنا كيف قال: (فأردت) ولم يقل (فأردنا) وسوف يأتي (فأردنا) وسوف يأتي (فأراد ربك) وسوف يأتي في الجدار (فأراد أن ينقض) هذه أربع إرادات، لكن هنا في الضمير قال: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف:79] بضمير المتكلم، {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْما * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ} [الكهف:80 - 82] ولم يقل (فأردت) مثل الأول ولم يقل (فأردنا) {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:82]. الآن نعود إلى الإرادة الأولى قال: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:79] الذي أمره أن يعيب السفينة هو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فليس من الأدب أن يقول: فأردنا أو أراد ربك أن أخرب السفينة والله هو الذي قدر الخير والشر -هذا معتقد أهل السنة والجماعة لكننا نتأدب مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في ذكر الشرور والخراب، فلا نقول: إن الله الذي فعل كذا وكذا من باب التأدب؛ لأن خراب السفينة ظاهر عند الناس أحاله على نفسه تأدباً مع الله، وهذا من الوقار والخشية. قال: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبا}) [الكهف:79] فإذا رآها فسدت لا يأخذها وإذا رآها تكسرت لا يأخذها، لا يأخذ إلا شيئاً صحيحاً، ولا يأخذ إلا آخر موديل، فإذا رآها مكسرة الأخشاب قال: ردوها على اليتامى. فهذا من الحكمة. {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً} [الكهف:80 - 81] جمع هنا الضمير لأن في قتل الغلام خراباً ظاهراً ومصلحة باطنة، فالمصلحة الباطنة أن الله يبدلهما خيراً منه، والمفسدة الظاهرة: قتل نفس معصومة، فكأنه يقول: إن كان هناك شيء من الخراب؛ فهو من جانبي وأما الصلاح فهو لله عز وجل فجمع الضمير. ولما أتى إلى الجدار قال: {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف:77] والعرب تنسب الإرادة من باب المجاز أو غيره على قول من قال: أن في القرآن مجازاً، وابن تيمية يقول: ليس في القرآن مجاز. والعرب تنسب الإرادة أحياناً إلى الجماد، يقول الله عز وجل في سورة يوسف: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف:82] والقرية لا تُسأل، لكن من عادة العرب أنهم يمرون على الأطلال فيقول الشاعر إذا مر على الأطلال: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوب وشمألِ وذاك يقول: وقفت على الأطلال أسألها هل في المحبة والأوطان أحباب فعلى تلك اللغة كان الله يسأل أهل القرية. ولما أتى إلى الأخير قال: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ} [الكهف:82] لأنها مصلحة ليس فيها مفسدة، أناس لم يضيفوك؛ فبنيت لهم الجدار فلا فساد، بل صلاح محض، فكانت الحكمة لله، ولذلك انظر إلى تلطف الجن عندما أتوا ليأخذوا الأخبار وقت نزول الوحي، أرصدهم الله عز وجل بالشهب والأجرام السماوية حين تغيرت الأرض والسماء لمبعث الرسالة، فذهبوا يلتمسون الوحي؛ فوجدوا أن السموات قد أغلقت بالحرس، كلما أتى واحد منهم ضرب بشهاب في قفاه وقتله، فأخذوا يتجمعون خائفين ثم أخذوا يقولون: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن:10] (أريد) وما قالوا (أراد) فبنوا الفعل (أريد) للمجهول تأدباً مع الله، ولما أتوا إلى الخير قالوا: {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن:10] فأظهروا الفاعل هنا، وإبراهيم عليه السلام يقول: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:78 - 80] وإلا فالصحيح أن الله هو الذي أمرضه، ولكن ما قال: والذي يمرضني ويشفين، ولكن قال: إذا مرضت أنا تأدباً مع الله عز وجل. والله عز وجل ما طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أمراً أن يتزود منه إلا العلم فقال له: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] ولذلك فمن الصحابة من سافر شهراً كاملاً في طلب حديث واحدٍ، كـ جابر بن عبد الله الذي سافر شهراً كاملاً لطلب حديث من مصر، وسعيد بن المسيب سافر ثلاثة أيام لطلب حديث واحد، أما نحن والحمد لله ففي بيوتنا مئات الألوف من الأحاديث والمسانيد والمعجمات والمستخرجات، ولكن قلّت الهمم في القراءة، الإمام أحمد يطوف الدنيا أربعين سنة ويجمع أربعين ألف حديث، وهي مطبوعة ومحققة ومجلدة وموضحة في أدراجنا، فمن يقرأ ومن يستنبط ومن يفهم؟

جوانب من عظمة عمر

جوانب من عظمة عمر

علمه

علمه علم عمر رضي الله عنه، وقد سبق أن قلنا: إن علمه نظري استنباطي وإلهامي، فهو محدث من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا بسبب إخلاصه وإنابته إلى الله عز وجل. وكان من مواصفات علم الصحابة أنه كان قليلاً لكنه مبارك، وكلام المتأخرين أكثر من علمهم، الآن إذا سألت شيخاً في مسألة أعطاك محاضرة! بينما لو تسأل عمر بن الخطاب مسألة لقال: نعم أو لا. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتي بسطر أو بسطرين، ويخطب يوم الجمعة ما يقارب ست دقائق -كما حسبها بعض الناس الآن- أما نحن فإننا نحتاج إلى إفهام الناس وتفهيم أنفسنا أوقاتاً طويلة، وإلا لو وقف الخطيب الآن ست دقائق ما استطاع أن يكمل مقدمة الخطبة أن يقول: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نفعني الله وإياكم بالآيات والذكر الحكيم. ومن الفائدة العطرة، والموعظة البليغة: ألا ضرر ولا ضرار، ولا يطلب من الخطيب أو من الواعظ أن يأخذ الناس على حسابه فلا يطلقهم إلا لصلاة العصر! لماذا؟ أخذ عليهم صكاً شرعياً أن يبقوا في مسجده حتى يقطع ظهورهم بالكلام، ولا يطلب منه كذلك أن يأخذ دقائق فلا يوفي الكلام حقه، فكن بين بين.

هيبة عمر رضي الله عنه

هيبة عمر رضي الله عنه رغم جلالة ابن عباس ومكانتة في الإسلام؛ فإنه كان يهاب عمر، وكان كبار الصحابة يهابون عمر بن الخطاب، ومن عادة الناس أنك إذا خالطت الإنسان كأبيك وأخيك ومعلمك دائماً أن تقل هيبته، لكن عمر بخلاف ذلك، يخالطه الصحابة دائماً في مجالسهم وفي منتدياتهم ومجتمعاتهم وما يزداد مع ذلك إلا هيبة، رضي الله عنه وأرضاه. من مواصفات شخصيته أنها كانت قوية جداً، كان فيه شدة لكن في الحق، يقول ابن كثير: ما كان يضحك ولا يمزح، عمر في خلافته لا يضحك ولا يمزح أبداًَ، صارم كالسيف؛ ولذلك أرهب الله به أعداء الله من الإنس والجن، حتى الجن كانوا يخافون منه، وثبت في الحديث أنه صارع جنياً فصرعه على الأرض، قال عمر: [[كيف أنت في الجن؟ قال: لقد علم الجن أني من أقواهم]] لكن واجه رجلاً قوياً فصرعه. وعمر حتى من حيث تكوينه الجسمي كان من أقوى وأعتى الناس، كان إذا مشى كأنه راكب على فرس. وبعض الأمور والطرائف وضعها بعض أهل السير وما أظنها تثبت، لكن يذكر أن حلاقاً كان يحلق رأس عمر فعطس عمر فأغمي على الحلاق حتى رش بالماء، فكيف إذا تكلم عمر أو نهره! وأنا سمعت من بعض الدعاة المفكرين يذكر في خطبته يقول: لما دفن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه في القبر أيقظه المنكر والنكير -الفتان- ليسألاه، فلما استيقظ بدأ بهما وقال: من ربكما؟ من نبيكما؟ ما دينكما؟ لقوته رضي الله عنه وأرضاه. فيذكر عن عمر رضي الله عنه وتركب عليه مثل هذه الدعابات؛ لأنه كان من القوة بمكان لا يعلمه إلا الله عز وجل. تصور أن الهرمزان رسول إمبراطورية كسرى جاء يفاوض عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فيأتي في حشم وحاشية، يلبس الحرير والديباج، ومعه من الأكسية والذهب والفضة ما يريد أن يرعب به الأمة العربية، والبدوي إذا رأى شيئاً من ذهب ربما يصرع، أو رأى شيئاًَ من الفضة يغمى عليه؛ لأنهم لا يعرفون الفضة ولا الذهب، دائماً مع الغنم والإبل، ودائماً مع الخيام والثياب والسيوف المثلمة والرماح، في حياة بدائية. أما أولئك فأهل حضارة، ولذلك هم يعدون الآن مثل أمريكا وروسيا، أنزلهم الله في النار جميعاً: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:38]. فالمقصود أن الهرمزان اختاره الملك فقد كان ذكياً وصاحب هيبة، فدخل المدينة بالموكب، فأتى يسأل الناس: أين قصر الخليفة؟ عمر هذا الذي دوخ الدنيا، أخذت نساء فارس يسقطن الحمل من هيبته وهو في المدينة جالس على عباءته المرقعة وخبز الشعير أمامه والزيت معه، ليس عنده من الحرس ولا من الهيلمان والقصور شيء. فيقول الهرمزان: أين قصر الخليفة؟ قال الصحابة: ليس له قصر. قال: أين مجلس الشورى الذي يجتمع بالناس فيه؟ قالوا: ليس له مجلس شورى، بل في المسجد. قال: دلوني على المسجد. وأخذ يذهب معهم ويظن أنه سيلقى ناطحات سحاب أو قصوراً مثل قصور كسرى مطلية بالذهب. فأخذ يسأل قالوا: في المسجد، فمر في سكك المدينة، وتخيل قرية صغيرة، بيوت الطين منها مبنية، طرقها متلاصقة ومتواضعة، حتى إذا مددت يدك لحقت السقف في كل بيت، لكن من هنا انبعثت (لا إله إلا الله) ومن هنا أتت حضارة الإنسان، ومن هنا رفعت راية لا إله إلا الله، ومن هنا أعيدت معالم البشرية مرة ثانية، ومن هنا خرج أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وحسان والزبير وطلحة وزعماء الإسلام وأدباؤه وشعراؤه وعلماؤه. فذهب إلى المسجد والناس وراءه، منظر عجيب! من هذا الذي يلبس هذا اللباس، والشمس تلمح مع الحرير والديباج والفضة، كلما ذهب في حارة ذهبوا معه في الطريق. فدخل في المسجد والتفت وقال: أين عمر بن الخطاب؟ قالوا: ما وجدناه. خليفة الدولة الإسلامية لا يوجد ويبحث عنه بالملاقيط؟! قالوا: ما وجدناه. في الأخير، قال رجل: أبشركم، وجدت عمر بن الخطاب. قالوا: أين؟ قال: نائم تحت شجرة في ضاحية من ضواحي المدينة، فذهب الهرمزان وذهب وراءه الناس، وأتوا إلى عمر رضي الله عنه في آخر نومه قبل صلاة الظهر، فوقف على رأسه، وكان أهل فارس أهل عقول ودهاء؛ ولذلك يقول عمر: [[إن لأهل فارس عقولاً ملكوا بها الدنيا]]. انظر ما استهزأ بـ عمر، ولا سخر، ولا قال: هذا ملك وخليفة المسلمين في هذا الزي المقطع؟! لا، أخذ يرتعد، فيقول له الناس: ما لك؟ فيقول للترجمان وهو يشير إلى عمر: حكمت فعدلت فأمنت فنمت، ولذلك حافظ إبراهيم شاعر وادي النيل في محفل في القاهرة حضره ألوف مؤلفة أتى بهذه الكلمات: حكمت فعدلت فأمنت فنمت، يقول حافظ إبراهيم في أول القصيدة: حسبي وحسب في حين أرويها أني إلى ساحة الفاروق أهديها يا رب هب لي بياناً أستعين به على حقوق ديون نام قاضيها إلى أن يقول: قل للملوك تنحوا عن مراتبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها إلى أن يقول: وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها يقول: ذهل واندهش صاحب كسرى لما أتى وعمر وهو صاحب الرعية عطلاً أي: أنه جالس بلا حلي وعليه ثوب ممزق. رآه مستغرقاً في نومه فرأى فيه الجلالة في أسمى معانيها فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها لبسها من أول الخلافة إلى آخر الخلافة، ما خلعها إلا ولبس الأكفان بعدها، كان يرقعها كل يوم، تنشق من هنا فيرقعها من هنا والذهب والفضة تحت يديه! لكن أولئك قوم اختارهم الله للآخرة، قال: رآه مستغرقاً في نومه فرأى فيه الجلالة في أسمى معانيها فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها فقال قولة حق أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها وقام عمر رضي الله عنه وأرضاه وفاوضه، وما يزداد هذا إلا رعباً وخوفاً، أنزل الله الخوف والرعب فيه فهو يرتعد بجانب عمر، وقد كانت قوة الأرض مع أولئك؛ لكن قوة (لا إله إلا الله) مع عمر، فـ عمر بلا شك كان من أهيب الناس، الرسول صلى الله عليه وسلم يجلس مع النساء؛ لأنه معلم ومربِ ولين وحكيم، وقد كان عمر حسنة من حسناته صلى الله عليه وسلم، بل هو ورقة من شجرته، فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم مثل عمر في القوة والصرامة ما تعلم الناس كثيراً، ولا جلس معه الأطفال، ولا سألته النساء، لكن النبي هو معلم البشرية، فهو لين، يقول الله عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ويقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. {فجلس مع النساء، وأخذ بعض النساء يتمازحن في مجلسه صلى الله عليه وسلم، فلا إله إلا الله ما أبره! ولا إله إلا الله ما أرحمه وما أحلمه! ولكن فجأة جاء عمر بن الخطاب، فسمع النساء جلبة عمر فأخذن يتسابقن إلى الحجاب بعضهن تركب بعضاً! ودخل عمر، فقال: يا عدوات أنفسكن -وهذا في الصحيح- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تهبن منه (أو كما قال رضي الله عنه) لكن ردت امرأة عاقلة، قالت من وراء الحجاب: أنت فظ غليظ القلب ورسول الله صلى الله عليه وسلم رحيم لين} أو كما قالت. فهو صارم رضي الله عنه، فأخزى الله الشياطين من الجن والإنس بصرامته؛ لأنه لو كان ليناً وكان أبو بكر ليناً ما صلح اللين مع اللين، أبو بكر تولى بعد الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة في مرحلة تستحق اللين سنتين وستة أشهر، لكن تمردت بعض القبائل وتمردت بعض الشعوب وبعض الدول، فأتى هذا الداهية العملاق يقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {رأيت في المنام كأن أبا بكر أخذ الدلو فدلى دلوين أو ثلاثة وفي نزعه ضعف والله يغفر له، ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت، فما رأيت عبقرياً يفري فريه} أو كما قال.

فوائد في الحديث تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم

فوائد في الحديث تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم

التشديد في كتمان العلم

التشديد في كتمان العلم عمر كره مسألة ابن عباس رضي الله عنهما ولكنه لم يكتم العلم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] ومن اعتقد أن الصحابة قد كتموا شيئاً من العلم أو أنهم سكتوا على شيء من العلم الذي تحتاجه الأمة؛ فغضب الله عليه وله من الله ما يستحقه، بل بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم الرسالة فصيحة ناصعة بليغة مطبقة لكل شئون الحياة قليلها وكثيرها، وبعض فرق المبتدعة تقول: الرسول صلى الله عليه وسلم ما أخبرنا بالأسماء والصفات، أخبرنا بالوضوء والحيض، وأخبرنا بالصلاة والصيام والزكاة والحج، أما الأسماء والصفات فما أخبرنا، هذه خيانة منهم، بل هذا من أعظم المطالب وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بكل دقيقة وجليلة ومن أعظمها الأسماء والصفات؛ فقد بينها بياناً شافياً.

سبب نزول الآية وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه

سبب نزول الآية وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه في آية: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4] ينتقل بنا القرآن إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم لنعيش مع الأب المربي الحاني في بيته، رسول الهداية وأستاذ البشرية ومعلم الإنسانية، وهو يعيش مع المرأة زوجاً، فالقرآن يتابع الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شأن من شئون الحياة، يتابعه قائداً عملاقاً، وإدارياً بارعاً، وخطيباً مصقعاً، ومفتياً فطناً، ويتابعه مجاهداً وقائداً، ويتابعه مربياً في البيت ومعلماً، فتعالوا مع القرآن في لمحة من اللمحات وفي سورة من السور والرسول صلى الله عليه وسلم في البيت مع زوجاته. سبب نزول هذه الآية عند كثير من أهل العلم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى زوجته زينب بنت جحش، فقدمت له عسلاً فأكل العسل، سمعت عائشة وهي ضرة لـ زينب بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل عسلاً عند زينب فأخذتها الغيرة، فذهبت إلى حفصة وطرقت عليها بيتها. حفصة بنت عمر وعائشة بنت أبي بكر يتظاهران أي: تقومان صفاً واحداً في مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم فقوله: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم:4] أي: تعاونا عليه، فإن الله هو عونه وجبريل وصالح المؤمنين، فالله معه في حزبه، فقالت عائشة لـ حفصة: [[سمعنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل عسلاً عند زنيب، فإذا دخل عندك فقولي: يا رسول الله إني أشم منك ريح مغافير]] والمغافير نبت رائحته ليست بذاك، تأكله النحل ثم تأتي منه العسل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصعب عليه أن يوجد منه رائحة، كل شيء يتحمل منه إلا الرائحة، رائحته دائماً مسك، حتى إذا مر من الشارع يعلم الناس أنه مر ولو لم يروه، وكان عرقه يتصبب مسكاً أذفر من أغلى المسك، وكان الأعراب يوم حجه يأخذون كفه صلى الله عليه وسلم فيرسل كفه للحجيج فيأخذون كفه فيمسحون على وجوههم، فيبقى الأعرابي سنة كاملة أو أكثر يجد ريح المسك، ويقول أحدهم: {صافحت الرسول صلى الله عليه وسلم فوالله ما زالت أثر الرائحة إلى اليوم في يدي} كل العرق الذي يتصبب منه والآثار مسك أذفر، ولذلك ما كان يأكل الثوم والبصل، يقول لـ أبي أيوب وقد قدم له من أحد الأنصار هدية (ثوم وبصل) قال: {كل يا رسول الله. قال: لا. وقال لـ أبي أيوب: كل. قال: لا، لم تأكل يا رسول الله. قال: كل فإني أناجي من لا تناجي. يناجي الملائكة: جبريل وميكائيل وإسرافيل، يتكلم معهم، فأكله أبو أيوب}. فدخل صلى الله عليه وسلم على عائشة، فقالت: يا رسول الله إني أجد منك ريح مغافير، أظن أن نحله أكل العرفط (وهو شجر آخر) فسكت صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى حفصة فقامت حفصة وقالت: يا رسول الله أجد منك رائحة مغافير، أظن أن نحله أكل العرفط؛ فحلف صلى الله عليه وسلم ألا يأكل العسل بعدها، ما دام أن العسل يسبب هذه الرائحة التي لا تليق فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم:1] شيء أحله الله لك من فوق سبع سماوات، اتركهن فالله هو مولاك وجبريل وصالح المؤمنين. وسبب آخر وكأنه الصحيح عند بعض أهل العلم، وقد أورده ابن جرير وابن كثير أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل في بيت حفصة وقيل في بيت عائشة بجاريته مارية القبطية وهي ما زالت جارية، ثم خرج صلى الله عليه وسلم، فكبر عند حفصة كيف يدخل بها في بيتها، فذهبت إلى عائشة فأخبرتها، فقامت عائشة واتحدت مع حفصة ضد الرسول صلى الله عليه وسلم، فحرم صلى الله عليه وسلم عليه مارية القبطية فقال الله له: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم:1]. إذاً هذا الخير هو السبب فجعل الله له كفارة من أيمانه، وقال الله للنساء: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} [التحريم:4 - 5] أي: وهل لا يوجد في الدنيا نساء إلا أنتن؟! انظر إلى التهديد والوعيد. فلما سمعن الخطاب أخذن يتباكين وأتين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تعلن كل واحدة منهن التوبة، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم:3] وهذا سبب من الأسباب، وهو الصحيح إن شاء الله.

حياة النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لكل مسلم

حياة النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لكل مسلم الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته كان يصارع الأحداث التي لا يسلم منها أحد، ولذلك لا يتعاظم أحدكم أن يعيش مع أهله في البيت قضية اختلاف أو طلب نفقة أو جدل، فالرسول صلى الله عليه وسلم عاش هذه الأحداث، ليكون أسوة لكل مسلم، إن كنت راعي غنم فالرسول صلى الله عليه وسلم كان راعي غنم، وإن كنت تاجراً فالرسول صلى الله عليه وسلم كان تاجراً، وإن كنت معلماً فالرسول صلى الله عليه وسلم كان معلماً، وإن كنت إدارياً فالرسول صلى الله عليه وسلم كان إدارياً، ومفتياً فهو مفتي، أو خطيباً فقد كان خطيباً، وكل صورة تمر بالإنسان سوف يجد في الرسول صلى الله عليه وسلم لها ما يناسبها، ولذلك كان بالإمكان أن يستغني صلى الله عليه وسلم عن الزواج وعن مراعاة الأهل، والقيام مع المرأة والأخذ والعطاء، وتضييع الوقت في الكلام والجدل؛ لكن الله أراد منه أن يكون إنساناً يعيش أحداث الأمة، ويعيش آلامها وآمالها، ويكون رباً للأسرة عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك يقول الله له: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] فكان يحمل الأطفال صلى الله عليه وسلم. أفضل من خلق الله يأتي في صلاة العصر يحمل أمامة بنت بنته، فإذا سجد وضعها في الأرض وإذا قام حملها، والآن بعض الناس يأنف أن يحمل طفلته أمام الناس حتى في الشارع، ويتكبر أن يأتي بها في المجالس، يقول: ما هي هذه الأطفال؟ (هذه غلابة) كما يقولون: غلبونا وضيعوا أوقاتنا؛ لكن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يحمل الأطفال. تأتي المرأة السائلة وطفلها بين يديها، فيأخذ الطفل صلى الله عليه وسلم إلى حضنه، أي خلق هذا؟! ولذلك يقول الله من فوق سبع سماوات: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وهو حقاً عظيم ما سمع الناس بمثله! يبول الطفل على ثيابه صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح مسلم - فيأتي بماء ويتبعه به، فانظر كيف يعيش هذه الأحداث، فغسله لهذا الأمر سنة، وأخذه للطفل سنة، وإفتاؤه لوالدته سنة، فكلامه وفعله وحركاته وسكناته سنة يقتدى به صلى الله عليه وسلم إلا ما خصه الدليل هذا في بيته. كان في بيته كما تقول عائشة: {ضحاكاً بساماً} إذا دخل ملأ البيت سكينة وارتياحاً، وسروراً وحبوراً ودعابة، وكان يقطع مع نسائه اللحم، يمسك اللحم وهي تقطع بالسكين، أو يأخذ ويقطع وهي تمسك اللحم، وهو شفيع الأولين والآخرين يوم القيامة، والذي جاء برسالة سوف تبقى أبد الدهر، كل قائد من قواد المسلمين حسنة من حسناته، وكل عالم من علماء المسلمين حسنة من حسناته، كان يخصف النعل صلى الله عليه وسلم، ويرقع الثوب، ويكنس البيت ويكون في الخدمة، وما يزيده الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلا شرفاً ومكرمةً.

ما قال الأعداء في النبي صلى الله عليه وسلم

ما قال الأعداء في النبي صلى الله عليه وسلم يقول المستشرق كريسي موريسون: لقد كان محمدٌ عجباً، يصلح مشاكل العالم وهو يشرب القهوة في بيته في المدينة. كتاب عظماء العالم المترجم فيه مائة عظيم، أخذوا عظماء الصين، وعظماء العرب واليونان، وعظماء الأمريكان والفرنسيين والإنجليز فكانت المرتبة الأولى -والحق ما شهدت به الأعداء- لمحمد صلى الله عليه وسلم، والثاني: عيسى عليه السلام، والثالث مكتشف الكهرباء أديسون، والرابع عمر بن الخطاب، وأخذوا مكتشفين آخرين وأجمعوا على الكتاب، ولذلك صدر الكتاب هذا من هيئة الأمم، فنحن نستشهد ونقول: الحمد لله ما دام أنهم قالوا إن الرسول صلى الله عليه وسلم أول عظيم فهو فضل من الله

جواز احتجاب صاحب السلطان لمصلحة

جواز احتجاب صاحب السلطان لمصلحة للمرء أن يمنع الزيارة عن بيته حين تحصل مشاغل أو ظروف، وهذا لأهل المسئوليات، للمسئول في الدائرة أو في المؤسسة أو في شركة أن يمنع الزوار في فترة من الفترات للمصلحة، لكن أن يبقى بابه مغلقاً من أول الدوام إلى آخر الدوام فهذا خطأ وباطل، وهذا ظلم، أو من لايدوام ثم يقول للحارس أو الفراش: لا تجعل أحداً يدخل عليَّ ثم يخرج من الباب الآخر، وكل ما أتى مسكين أو صاحب حاجة قال: لا، عنده شغل، هو مرهق بالأعمال والمعاملات (وهو في بيته) فأما في فترة من الفترات فلا بأس بها لأمر؛ لاجتماع، لسر، فكان صلى الله عليه وسلم يأخذ حاجباً على بابه للمصلحة. مالك بن أنس، وهو إمام دار الهجرة في عهده كان على بابه حجاب رضي الله عنه وأرضاه، فللمصلحة لا بأس، يأذن لمن شاء ويدخل من شاء، والعرب كما قال ابن قتيبة: يتفاءلون ويتشاءمون بالحاجب عند الباب، إذا رأوا الحاجب يتبسم وفيه الخير استبشروا خيراً، وإذا رأوه غضبان استبشروا شراً، فهذا أمر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك قالوا: إن المغيرة بن شعبة جعل حاجباً على بابه وقال: لا يدخل أحد علي اليوم. فوقف الحاجب وأدخل جماعة من الناس، قال: أما قلت لك: لا تدخل أحداً؟ قال: هؤلاء أرحامي وأصهاري وجيراني. قال: صدقت والله، إنك حافظ للود، والله إن الكلب إذا فعلت له معروفاً يحفظ ودك فأنت الحاجب. هذا حفظ الود في الناس، فالعدل العدل في مثل هذه الأمور، إذا كلف الإنسان بمسئولية ينبغي أن يعدل بين الناس، وله أن يود بعض الناس لشفاعة ولمنزلة أو لأمر؛ بشرط ألا يأخذ هذا من حق هذا، ولا يجور هذا على هذا.

ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من شظف العيش

ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من شظف العيش الله عز وجل جعل نعيمه وقرة عينه وسروره وحبوره في الآخرة، فلم يعطه الدنيا حتى لا يأخذ من ثمرته في الآخرة، بل ادخر الله له النعيم المقيم في الآخرة عليه الصلاة والسلام، فعاش شظف العيش، يسكن في بيت من طين ويعيش هذا ليكون قدوة للناس، وإلا فمن وسع الله عليه فعليه أن يتوسع كما فعل بعض الصحابة، ومن استعان بنعمة الله على طاعته فهو مأجور، وهذا غني شاكر، وذاك فقير صابر، وأكرمهما عند الله أتقاهما.

فوائد مستنبطة من الحديث

فوائد مستنبطة من الحديث

تعجيل الطيبات للكفار في الدنيا

تعجيل الطيبات للكفار في الدنيا لا يجمع الله على الكافرين نارين ولا خزيين ولا لعنتين ولا غضبين في الدنيا والآخرة، على الأقل يأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم، فالله أعطاهم في الدنيا النعيم، من اللحوم والطيبات يتنعمون كما تأكل الكلاب والثيران والحمير، ثم يأتون يوم القيامة وليس لهم عند الله من خلاق. لكن المؤمن قد يتمتع في الطيبات في الدنيا وفي الآخرة كذلك قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة:93] وقال: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:32] هذا لحزب الله وجند الله، فمن رزقه الله نعيماً؛ فالله الله أن يستخدمه في طاعته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لبساً، مالاً، مسكناً، مركوباً جيداً، وأن يسخره في خدمة هذا الدين وفي طاعته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. أما الكفار فلو سكنوا القصور من ذهب ومن فضة؛ فوالله إن مأواهم نار تلظى يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُون * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:31 - 35] {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:18 - 21] فسبحان من فضل الناس بالأعمال! وسبحان من أعطى بعض الناس جنته في الدنيا؛ ليخزيه خزياً ما بعده خزي في الآخرة! فنعوذ بالله أن يكون نعيمنا وإياكم في الدنيا ثم لا يكون لنا في الآخرة من خلاق.

الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوما

الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوماً والشاهد فيه: {نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب} أي: لا نسير على علم الفلك وعلم الهيئة، إنما علمنا بالرؤية ولا نتكلف الأمور، وعلمنا نظري بحت مسهل مقرب، وليس استقرائياً معقداً، ولذلك لا توجد أي آية في القرآن تشكل عليك إلا في النادر، والحديث النبوي سهل، وإنما عقد العلم في القرون المتأخرة، أتوا فجمعوا الكلمات فشروحها فأعجموها وألجموها، ثم أتوا بالحواشي على المتون فزادوها غباء على غباء، ثم جاءوا بالحواشي على الحواشي فأظلموا، فيأتي الإنسان يقرأ في بعض الكتب فإذا هي طلاسم. لكن افتح رياض الصالحين، أو صحيح البخاري واقرأ: {إنما الأعمال بالنيات} فيفهمها كل الناس حتى العجائز، تقرأ القرآن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] من الذي لا يفهم هذا؟! تقرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] فإذا هو مفهوم، ولكن مع سهولة القرآن ويسره فهو أعمق ما يكون، وفيه علم الأولين والآخرين، الأصالة والعمق في القرآن، والله ثم والله إن الإنسان ليشده حتى يقف مندهشاً مذهولاً إذا قرأ لمثل ابن تيمية وهو يتكلم عن القرآن، يأتي بأمور لا تخطر لك على بال، وربما تخطر لك لكن لا تخطر لي أنا، وما فكرت فيها في حياتي، يقول مثلاً: إن آيات الربوبية يوم يتكلم عنها بدليل المناظرة الربانية يتكلم فيها موسى مع فرعون، لكن الأدلة الاستقرائية في الألوهية يتكلم بها إبراهيم مع قومه، ثم يأتي بقواعد منضبطة في القرآن قال: الله إذا أتى بهذا ختم بهذا، شيء يذهل العقول! فسبحان من أنزل هذا الكتاب!

كفارة اليمين

كفارة اليمين يقول الله للرسول صلى الله عليه وسلم: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2] فما هي تحلة اليمين؟ الرسول صلى الله عليه وسلم حلف وآلى من نسائه، وبعد أن آلى كفر فما هي كفارة اليمين؟ الإيلاء له كفارة، لكن كفارة اليمين يوم حلف الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يأكل العسل، كفارة يمين: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة أو صيام ثلاثة أيام، فإذا علم هذا؛ فمن حلف منكم على طعام أو حرم طعاماً أو حرم شيئاً من الحلال؛ فعليه أن يكفر كفارة يمين، ويلحق بذلك لفظ "الحرام" هذا مستخدم خاصة في هذا الإقليم وهذه المنطقة، إنسان يريد أن يغديه أحد الناس أو يعشيه فيحرم، فهي على طرف لسانه أعظم من "والله" ثم يحرم نفسه وأهله هذه الذبيحة فماذا يفعل لكي يكفر؟ يأكل ثم يكفر كفارة يمين ويستغفر الله ولا يعود لمثل هذا.

العلم الخشية

العلم الخشية أعظم ثمرة في الإسلام للعلم وللمعرفة وللثقافة وللاطلاع: خشية الله عز وجل، فالذي لا يخشى الله عز وجل؛ فليس لعلمه ولا لثقافته ولا لاطلاعه نفع ولا فائدة، وإنما يزيده كثرة العلم عمى وضلالة كما زاد اليهود والنصارى، فالذي لا يستفيد من علمه ولا من تحصيله واطلاعه، ولا من ثقافته ومعرفته، ولا من شهادته خشية لله عز وجل فكأنه يتأخر، وكأنه ينقطع من حبل الله عز وجل، وكأنه نقض الميثاق مع الله عز وجل، ولذلك يقول جل ذكره: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] فالذي لا يخشى الله ليس بعالم ولو كان يحفظ نصوص الدنيا، ولذلك يوجد منافقون في هذه الأمة يحفظون القرآن كالماء، كما ذكر ذلك ابن تيمية وغيره. يوجد من المستشرقين الكفرة من يحفظ القرآن، حفظوا القرآن ليعرفوا الثقافة الشرقية ويردوا على رسالة الإسلام، ويوجد بعض الفسقة والفجار يحفظون القرآن والحديث؛ لكن أثر الخشية المطلوب ليس فيهم؛ لأنهم لا يريدون الاستقامة، ويوجد في أهل الصلاح وفي أهل الخير وولاية الله عز وجل من الذين هم السابقون الأبرار من لا يحفظ إلا سوراً من القرآن، ولذلك يذكر ابن القيم: أن حفظ القرآن هو العمل به، وهو أعظم مدلول للحفظ ولو لم تحفظ نصوصه، وأن أعظم تضييع له هو تضييع العمل به، لأن ابن مسعود رضي الله عنه يقول كما في الموطأ: [[إنكم في زمان كثير فقهاؤه، قليل خطباؤه، كثير من يعطي، قليل من يسأل، يحفظون حدود القرآن ويضيعون حروفه، وسوف يأتي زمان كثير خطباؤه، قليل فقهاؤه، كثير من يسأل، قليل من يعطي، يحفظون حروف القرآن ويضيعون حدوده]]. ولذلك تجد من بعض الناشئة من يحفظ كثيراً من القرآن أو كل القرآن ولا يصلي مع الناس في المسجد، وتجد منهم من يحفظ كثيراً من القرآن ويعق والديه، ويقطع رحمه، ويلعن ويشتم، ويتعدى حدود الله، ويقترف المعاصي والذنوب بلا حدود ولا انتهاء، فثمرة العلم هي الخشية. وإنما قلت هذا لأن أعظم ما يجعلنا نسوق قصص السلف الصالح سلام الله عليهم أننا نأخذ منهم أنهم عملوا بعلمهم، وقصصهم بلسم للقلوب ودواء وشفاء بإذن الله وراحة، مثل عمر وابن عباس يوم ذكرناهما رضي الله عنهما، العامل الكبير الذي يقدمهم على كثير من الناس هو الخشية لله عز وجل وليس كثرة العلم. تصور عمر بن الخطاب يوم يظلم عليه الليل وهو في الليل الدامس فيأتي رضي الله عنه وأرضاه -كما تقول عاتكة بنت زيد: [[فلا ينام الليل، يأخذ عنده تور من ماء فيغسل وجهه كلما ضمه النوم كالطائر، ثم يهلل ويكبر حتى ينتصف الليل فيقوم يصلي ويبكي حتى الصباح، فتقول له زوجته: يا أمير المؤمنين لو ارتحت! أفي النهار مكدود متعوب وفي الليل مكدود متعوب؟ قال: لو نمت النهار لضاعت رعيتي ولو نمت الليل لضاعت نفسي]] عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمع سورة الصافات من أبي بن كعب وهو يقرأ على الناس: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:25 - 26] فيهوي على وجهه حتى يحمل من المسجد ويبقى شهراً كاملاً، يقول ابن كثير: فيزار في البيت. يقول عطاء: [[والله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت ابن عباس جفناه كالشراكين الباليين من كثرة البكاء، ولقد رأيته ليلة من الليالي يصلي من صلاة العشاء إلى الفجر وهو يبكي ويردد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123]] فأعظم ما نستفيد منه في هذه الجلسات ومن الدراسة والمحاضرات ومن الاطلاع في الكتب الخشية، وإلا فوالله لو كان الأمر فقط بزيادة معلومات فلقد غلبتنا أمم كثيرة عندهم ثقافات ويقرأون من الكتب أكثر مما نقرأ، ولذلك تجد بعض الأمم كالأمريكان يقرأون الساعات الطويلة، العجوز منهم يركب الحافلة والطائرة والقطار وهو يقرأ كتاباً في يده، ينتظر زميله وهو يقرأ كأنه يعد للجنة بينما هو يعد للنار ويهوي في النار على وجهه، ونحن أمة الرسالة والمعرفة والتي أراد الله أن نكون أمة الخشية والإنابة ليس هناك إلا من رحم ربك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فالذي ندعو أنفسنا وإياكم إليه أن تكون ثمرة هذا الجلوس والتراجم والأحاديث والندوات والدروس خشية لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، واتصال به، وزيادة في العمل الصالح وتوبة من السيئات وإنابة إليه. أسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يثبتني وإياكم على الحق، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، ربنا تقبل منا أحسن ما عملنا، وتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. وصلِّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الممتاز في مناقب ابن باز

الممتاز في مناقب ابن باز في هذا الدرس بعض صفات العلامة ابن باز، وبديعات مناقبه، وغزارة علمه، وعليات أخلاقه وسماته، وأعماله ومجالاته، مروراً بالتعريف بشخصه ونشأته وطلبه للعلم، خالصاً من ذلك أن شخص الإمام ابن باز يتمثل فيه شخصية الرجل العالم بدينه، العارف بأحول عصره ومصره، الشفيق على أمته، القريب منهم، فحقاً إنه لبقية السلف فلا زالت رحمات الله عليه وابلة ونفحاته إليه واصلة.

تعريف بالإمام ابن باز

تعريف بالإمام ابن باز الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وسيد المتقين، وعلى آله وصحبه والتابعين. عنوان هذه المحاضرة: الممتاز في مناقب ابن باز " وكانت آخر محاضرة بعنوان أبو بكر في عصر الذرة، رضي الله عنه وأرضاه.

أسباب اختيار موضوع التعريف بابن باز

أسباب اختيار موضوع التعريف بابن باز وأنطلق في هذه المحاضرة" الممتاز في مناقب الشيخ/ ابن باز " من خمس قواعد: القاعدة الأولى: قاعدة {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] فنثبت الليلة فضل أهل العلم، ومالهم من مكانة بما ورثوه من معلم الخير عليه الصلاة والسلام. القاعدة الثانية: قاعدة {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] لنرد الأمة إلى علمائها وإلى مثقفيها ومفكريها. القاعدة الثالثة: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] ونثبت للناس أنهم أقرب الناس إلى الله إذا عرفوا الكتاب والسنة، وكلما ازداد الإنسان علماً ازداد من الله قرباً. القاعدة الرابعة: العلماء ورثة الأنبياء، فإذا هم الذين يحملون ميراث محمد عليه الصلاة والسلام، ويبلغونه للناس، وهم أمناء على رسالته، وعلى ميراثه وعلى تركته عليه الصلاة والسلام. القاعدة الخامسة: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] فإذا هم أهل الفقه والاستنباط، وأهل الفهم الدقيق لمعاني (قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام). وقد يسأل سائل -وقد حدث هذا السؤال قبل المحاضرة-: ما الفائدة أن تخبرنا بسيرة شيخ شهير وخطير وكبير عرفناه وعرفه الأطفال والنساء والكبار؟ قلت: الفائدة من ذلك ثلاثة أشياء: أولاً: نحن نعيش فترة حرجة يجب علينا أن نلتف فيها حول علمائنا، وأن نعرف قدرهم ومكانتهم، ومن أئمتهم سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. ثانياً: توثيق الصلة بين الجيل وبين العلماء فجيل بلا علماء جيل ضائع متهور طائش، وعلماء بلا جيل لا مكانة لهم، فإذا التقى العلماء والجيل كونوا مسيرة خالدة وصحوة مباركة، وهي المقصودة بإذن الله. ثالثاً: الذب عن أعراض الصالحين، فأنا أحتسبها هذه الليلة لترم بي المنايا حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتين أحتسب ذلك ذباً عن الشيخ وعن عرضه؛ لما سمعت من بعض المتعجلين الذين ما أوتوا بصيرة ولا تقوى إذ وقعوا فيه، ومعنى ذلك: أن نضرب على الدماغ مباشرة، وألا يبقى لعلمائنا مكانة فأنا محتسب أجرها على الله، عل الله أن يكتبها في الحسنات. وسوف أبحر بكم هذه الليلة مع ربان العلم والحكمة، وأستاذه سماحة الشيخ؛ لنعرف؛ لا عرفان من يعرف مجملاً من حياته، ولا أين ولد ومتى ولد، وماذا يأكل وماذا يشرب فهذا تاريخ الأموات، لكني سوف أتحدث هذه الليلة عن تاريخ الأحياء. ومن الأسباب التي دعتني لهذه المحاضرة: ألا يقول قائل: ذهب العلماء والصالحون، ولم يبق في الناس بركة فنقول: لا. بل بقي فيهم خير، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام عند أحمد وغيره أنه قال: {أمتي كالسيل لا يدرى الخير في أوله، أو في آخره} فلا زال فينا علماء وأدباء وشهداء وشعراء وصالحون وأخيار، فهي أمة معطاءة تنتج كل حين ما دامت متمسكة بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

نسب الشيخ وأسرته

نسب الشيخ وأسرته كنية الشيخ: أبو عبد الله وهي كنية المحدثين، وكان البخاري والشافعي ومالك وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل كلهم أبو عبد الله. واسمه: عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن باز؛ أحد الثلة المتقدمة في العلم بالشرع الإسلامي المنزل على خاتم الرسل عليهم الصلاة والسلام، والممثل في شخصه الكريم مشيخة الإسلام في هذا العصر، والذي وصف بإمام أهل السنة في هذه الفترة؛ المحدث الأثري الفقيه النابغة، مفتي الديار أثابه الله وحفظه. ولد في الرياض عاصمة المملكة، في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة عام ثلاثين وثلاثمائة وألف للهجرة، في أسرة في مجموعها صلاح، ويغلب على بعضها الاشتغال بالزراعة، وبعضها بالحرف، وبعضها علماء. هم القوم يروون المكارم عن أبٍ وجدٍ كريمٍ سيدٍ وابن سيد وهزتهم يوم الندى أريحية كأن شربوا من طعم صهباء صرخد ومن أسرته -حفظه الله- الشيخ/ عبد المحسن بن أحمد آل باز؛ تولى القضاء بـ الحلوة، والإرشاد في هجرة الأرطاوية في قبيلة مطير، ومنهم الشيخ المبارك/ ابن عبد المحسن؛ تولى القضاء في بلدان كثيرة كـ الطائف وبيشة وحريملة والحلوة.

نشأته وطلبه للعلم

نشأته وطلبه للعلم نشأ الشيخ على رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، ورضع ثدي النبوة على لا إله إلا الله، وأشرقت نفسه على رسالة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب مجدد التوحيد في الجزيرة وفي كثير من أنحاء العالم الإسلامي، فأخذ العلم أولاً على يد المشيخة، فحفظ كتاب الله عز وجل، وأتاه عمى العينين فازداد قلبه بصيرة، وما ضره عمى عينيه بل زاد حفظاً وورعاً وعلماً يقول أحد الشعراء العرب وقد عمي صغيراً: عميت صغيراً والذكاء من العمى فجئت همام القلب جم المشاعر وأنزلت في قلبي سواد محاجري فما خفت في الدنيا سواد المخاطر يقول: السواد الذي في عيني أنزلته في قلبي واستفاد الشيخ من العمى أموراً أربعةً: أولها: الأجر والمثوبة من الله إن شاء الله ففي صحيح البخاري في الحديث القدسي أن الله يقول: {من ابتليته بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة} والمقصود بالحبيبتين: العينين، وكانوا يقولون لـ يزيد بن هارون الواسطي -وهو سيد المحدثين، وقد سئل عنه ابن تيمية فقال: هو أشهر من أن يذكر، وأكبر من أن يتكلم فيه- قيل له: أين العينان الجميلتان؟ قال: أذهبهما -والله- بكاء الأسحار. ثانيها: الذكاء المفرط فالشيخ حافظ العصر في علم الحديث، واسأله في حديث عند الستة أو عند غيرهم؛ فستجده في الغالب مذياعاً فصيحاً يستحضر سنده ومن تكلم فيه ورجاله وشرحه. فأتوني من أهل العيون المبصرة من يكون كالشيخ في علمه وابن اللبون إذا ما شد في قرنٍ لم يستطع صولة البزل القناعيس عذرت البزل إن هي قارعتني فما بالي وبال ابن اللبون ثالثها: استفاد الشيخ من عمى عينيه إغفاله مباهج الدنيا وفتنتها وزينتها، فزهد وجمع قلبه على الدار الآخرة، وعلى التواضع والاستكانة لله، ولم يتشتت قلبه. رابعها: استفاد من مركب النقص في العينين أن ألح على نفسه وحطم نفسه بالجد والمثابرة حتى أصبح من العلماء، وهذه قضية معروفة، ومن قرأ منكم كتاب" دع القلق وابدأ الحياة " لـ دايل كارنيجي وهو يتحدث عن ماذا فعل من أصيبوا بعاهات في الدنيا، وكيف أنتجوا؛ أخبرك أن مكتشف علم كذا وكذا كان أصم، ومكتشف علم كذا كان أعمى، ولك أن تراجع الفصل الثالث عشر في هذا الكتاب. واستمر الشيخ يطلب العلم بعد أن فقد عينيه، ولكن قلبه يزداد نوراً، وعوضه الله بذكاء في القلب يقول أحد الشعراء: رأيتك أعمى العين صار ضياؤها بقلبك حتى صرت فجراً مبلجاً فصار سواد العين في القلب فاغتدى ينظم من نور الشريعة منهجاً وقيل لـ ابن عباس -عالم الدنيا- وقد عمي: أحسن الله عزاءك في عينيك. إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور عقلي ذكي وقلبي غير ذي عوج وفي فمي صارم كالسيف مشهور وقد تقلى الشيخ علومه على يد مشايخ فضلاء، ومن أبرز مشايخه -حفظه الله ورعاه- الشيخ/ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ؛ من الأسرة العامرة الموجهة الخيرة، والشيخ/ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ قاضي الرياض، والشيخ/ سعد بن حمد بن عتيق قاضي الرياض؛ العز بن عبد السلام في هذا العصر، والشيخ/ حمد بن فارس وكيل بيت المال في الرياض، والشيخ/ سعد وقاص البخاري؛ من علماء مكة أخذ عنه التجويد، وسماحة الشيخ العظيم الجليل/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ؛ المفتي الأجل، لازمه عشر سنوات، واستفاد منه فوائد باهرة. هؤلاء مشيخة الشيخ، وتستمر الحال بالشيخ، فلا يفتر ليل نهار يبحث عن العلم ويطلبه من مظانه، وفي حياته درس على أن الإنسان بإمكانه مع الفقر والعمى والعوز -إذا صدق مع الله- أن يحصل علماً، وأن يستفيد إذا صدق قلبه {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. يقول الشوكاني عالم اليمن: كنت في أثناء الطلب متهاوناً، فقرأت أبياتاً للشريف الرضى يمدح فيها الهمة العالية، فزادتني همة يقول الشريف الرضى متحدثاً عن نفسه: أقسمت أن أوردها مرةً وقاحةً تحت غلامٍ وقاح إما فتىً نال المنى فاشتفى أو فارس زار الردى فاستراح وقد قلت في بيتين على بيتي الشريف الرضى: إذا سألت الله في كل ما أملته نلت المنى والفلاح بهمةٍ تخرج ماء الصفا وعزمةٍ ما شابها قول آح ومما يذكر في الهمم والإصرار والجد والمثابرة: أن عنترة بن شداد كان يغلب الفرسان، وكان يبطح الأبطال، وكان يذبح الكماة فقيل له: كيف تصبر؟ كيف تكون مقداماً؟ فقال للقائل: أعطني إصبعك فأعطاه إصبعه، فأخذها في فمه، وأعطاه عنترة إصبعه فوضعها في فمه، ثم قال: عض إصبعي وأعض إصبعك، والصابر منا من يثبت. فعض هذا وعض هذا، فقال ذلك: آه، فانطلقت إصبع عنترة، فقال: بهذا غلبت الناس. قال الله: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] وقال: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140]. سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا والذي يريد أن يحصِّل عليه أن يقرأ سيرة الشيخ وأنا أعلم أن من السلف الصالح من هو أعلم بكثير، لكن علينا أن ننظر إلى رجل حي بين أظهرنا يمثل العلم في القمة، وقد حصل عليه مع فقر وعوز، والكتب ليست متوفرة، والطباعة كانت ضعيفة، ووسائل التنقل ما كانت بذاك، والرجل أعمى؛ ومع ذلك حصَّل وحصَّل حتى وصل إلى ما وصل إليه فأين الشباب؟ مع أن العلم متوفر، والطباعة سهلة، والمجلدات كثيرة، والجامعات مفتوحة، والأساتذة كثر، والعلماء متوفرون، وفي الثقافة غزارة فأين من يطلب العلم؟ خرج القفال الشاشي، وفي الطريق أراد أن يطلب العلم وعمره أربعين سنة فنحن نطلب العلم في الأربعين وفي الخمسين وفي الستين، وعلينا ألا نصدِّق كانت ولا ديكارت الذين قالوا: لا. العلم في الصغر فحسب يقول البخاري في الصحيح في كتاب العلم: وتعلم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام في الكبر فنتعلم ولو كنا كباراً. ذهب القفال وعمره أربعون، فقال: كيف أطلب العلم؟ ومتى أحفظ؟ ومتى أفهم؟ ومتى أعلم الناس؟ فرجع، فمر بصاحب سانية يسوق على البقر، وكان هذا الحبل يقطع الصخر من كثرة ما مر، فقال: اطلب ولا تضجر من مطلبٍ فآفة الطالب أن يضجرا أما ترى الحبل بطول المدى على صليب الصخر قد أثرا واستمر يطلب العلم وأصبح إماماً شافعياً من جهابذة الدنيا. فلا بد من الطموح والهمة العالية، واستعذاب المنايا، والمخاطرة بالنفس؛ حتى تصل إلى المطلوب وإلى الهدف السامي. حفظ الشيخ -جزاه الله خيراً- القرآن، وتعلم كتب العقيدة على مذهب السلف الصالح، وهو الذي يمثل الآن من العلماء الوجهة الصحيحة لمذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات وفي مجمل وتفاصيل المعتقد، وأكب الشيخ على كتب شيخ الإسلام/ ابن تيمية وابن القيم وفيهما النفع الكثير، وهي تغذي طالب العلم غذاءً هائلاً، وهي تختصر المسافات، وفيها بركة من رجلين خطيرين عبقريين أثريا المكتبة الإسلامية والثقافة المؤمنة. وكان الشيخ يعتمد على كتب الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب، وينثرها في محاضراته وخطبه وكلامه، ويدعو إلى المنهج السديد.

الأعمال التي تولاها ابن باز وأخلاقه ومكانته

الأعمال التي تولاها ابن باز وأخلاقه ومكانته

أعماله

أعماله أما أعمال الشيخ فألخصها في هذا الموجز: - ولي القضاء في منطقة الخرج مدة أربعة عشر عاماً من عام (1357 - 1371هـ). - عمل في التدريس في معهد الرياض العلمي، وفي كلية الشريعة في الرياض، إلى عام (1380هـ). - عين نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية بـ المدينة المنورة إلى عام (1390هـ). - عين رئيساً للجامعة الإسلامية بعد وفاة رئيسها، رحمه الله. - عين في منصب الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برتبة وزير، ولا يزال في هذا العمل إلى الوقت الحالي، حفظه الله ورعاه وبارك فيه. وأما أعماله التي يشغلها الآن فهي: - رئيس هيئة كبار العلماء، وهو عالم المسلمين اليوم رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. - رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي. - رئيس المجمع الفقهي الإسلامي بـ مكة المكرمة. - رئيس المجلس الأعلى العالمي للمساجد بـ مكة المكرمة. - عضو المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. - عضو الهيئة العليا للدعوة الإسلامية في المملكة. إلى جانب الكثير من الأعمال الخيرة في جميع أنحاء العالم. ومن أحسن من ترجم له: المجذوب في كتاب" علماء ومفكرون عرفتهم " وترجم له الأخوان النبيلان: فهد البدراني وفهد البراك، لكنهما -أثابهما الله- أوجزا كثيراً في سيرة العلماء إيجازاً فيه ما فيه، ولكنهما أجادا في إبراز هؤلاء العلماء، فجزاهما الله خيراً وحفظهما الله. عمل الشيخ قاضياً في الخرج، فكان الأب المعلم، وكان القريب من قلوب الناس، وكان يجلس بعد الدوام للناس، فيعلمهم في الحديث النبوي والعقيدة، فيأتيه العامي فيتعلم منه الخلق والسماحة، ويجلس معه الأطفال، ويقضي حوائج الناس، وكان كريماً منذ صغره، كان بيته مضيافاً على قلة ذات اليد، ولكن الله بارك في نفقته لكرمه ولصدق نيته وإخلاصه، ولما انتقل من الخرج، بكى عليه الناس، وأكثروا من الهلع على انتقاله وفقدوه، أثابه الله وبارك في وقته. ثم انتقل الشيخ وعمل في التدريس من أجل إشاعة العلم، ورأى أن القضاء قد يحبسه عن ذلك، فذهب إلى معهد الرياض، وكلية الشريعة، فكان يلقي الدروس ارتجالاً لحافظته القوية، وكان محبباً للطلاب.

مميزاته

مميزاته وكان الشيخ -كما تعرفون- واسع الحلم، لا يكاد يغضب، بل سجيته السهولة والرضا واليسر، فكان الأب القريب من طلبته، الذي يعرف متطلباتهم ويقرب منهم، وهذه خاصية يفتقدها كثير من الناس، وهي المؤهلة -بإذن الله- للعالم وللداعية ولطالب العلم أن يؤثر في بيئته {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. وإن من أعظم ما يميز الشيخ: الحلم وقد رأيناه وجلسنا معه كثيراً، وأخبرنا محبوه وتلاميذه بحلمه الواسع، فهو قليلاً ما يغضب، وإذا غضب، كتم أنفاسه ولم يتكلم. ولا يجرح المشاعر أبداً، وهو كمر النسيم على القلوب؛ ولذلك جعل الله له محبة في القلوب، وهو لا يشهِّر بالطوائف، ولا ينال من الأشخاص، ولا يتهكم الناس، ويحفظ للناس قدرهم وللهيئات قدرها، لأنه رضع من ميراث نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، وتعلم في جامعته الغراء التي أخرجت أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وأبياًَ ومعاذ بن جبل وأمثالهم. وحين انتقل الشيخ إلى الجامعة الإسلامية كان مثلاً أعلى في حسن الإدارة، وبعد توفيق الله نعزو كثيراً من نجاح الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة إلى سيرة الشيخ الجليلة وإلى عطاياه السمحة، وإلى ملاحظاته الكيِّسة الفطنة وقد كان الشيخ يحضر في إدارة الجامعة ويجتمع بالأساتذة في وقت الفسح، ويوجههم التوجيه السليم، ويدعوهم من منطلق رسالته العلمية إلى الحكمة، وإلى اللين في التعامل، وإلى الاهتمام في التحصيل العلمي، وكان لا يفوت من وقته دقيقة إلا في الخير وكان الشيخ يمر على الطلبة في الفصول، فيسلم عليهم، ويسمع ما عندهم، ويفيض في الحديث معهم، وربما ألقى بعض المحاضرات، وكان يفتح مكتبه للطلبة وهذه ميزة يفتقدها كثير من المسئولين والموظفين؛ فتراهم يغلقون الأبواب في وجوه المسلمين من ذوي الحاجات. وأما الشيخ فقد كان يفتح مكتبه، ويستقبل المعاريض، ويسمع من الناس، ويأخذ ويعطي معهم حتى يقضي حاجتهم، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من ولي من أمر أمتي شيئاً فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم احتجب الله يوم القيامة دون حاجته وخلته}. فكان الشيخ يرى أنه ليس من الحكمة أن يغلق بابه؛ بل يفتحه للطلبة وللموظفين ولمن يأتي من الزائرين والضيوف، فكان يمتلئ بالناس، ويحاورهم الشيخ فيما ينفع، وقد رتب أوقاته بما هو حسن وجميل. وذكر المجذوب أن أحد العلماء علق على محاضرة للشيخ كان عنوانها" الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب " وقد ألقاها الشيخ عبد العزيز بن باز وعلق هذا المعلق فقال: وفي العقائد كان الشيخ ابن باز مثل الاعتدال، لا هو من أولئك المتطرفين الذين يطلقون عبارات الشرك على كل صغيرة وكبيرة، ولا هو من المتساهلين الذين يغضون النظر عن صغار الأمور، بل إنه لينبه على الصغيرة والكبيرة ويضع كل شيء في موضعه، وهي الوسطية التي كسبها علماء السنة وسطية في الفكر وفي العلم، ووسطية في إلقاء الأحكام، ووسطية في الأخلاق والسلوك لا إفراط ولا تفريط.

مكانته في العالم الإسلامي

مكانته في العالم الإسلامي أما مكانته في العالم الإسلامي، فقد حظي الشيخ بحب العالم الإسلامي، وحمل حبه في جوانحه، وسار الشيخ مثلاً للعالم الذي يمثل العلم في طول العالم الإسلامي وعرضه، ولا أقولها من باب التعصب ولا العاطفة، فلقد رأيت فيما يقارب إحدى عشرة ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية في المراكز والمدارس الإسلامية، وفي الأكاديمية والمساجد أن الثقة عندهم هو الشيخ عبد العزيز بن باز، وله ممثلون في كل ولاية -في الغالب- يمثلون فكره وفتواه ودعوته، وإذا أتت الفتيا منه قبلوها، على حد قول القائل: إذا قالت حذامِ فصدقوها فإن القول ما قالت حذامِ وأخبرنا كثير من الدعاة ممن ذهب إلى آسيا وأفريقيا أن الشيخ يلقى احتراماً واسعاً، وفتواه تقبل في العموم الغالب، ويقدر ويجل من عموم الناس بحمله للعلم الشرعي، وقربه من القلوب، وعدم جرحه للمشاعر، ولما أكسبه الله من القبول والقبول بيد الله وليس بيد أحد من الناس، فالشيخ لم يؤت هذه المكانة على كسب الناس في منصبه، فالناس يعرفون ابن باز أعظم من عرفانهم لمنصبه، ولا أوتيها من أسرته فإن أكرمكم عند الله أتقاكم، ولكن من علمه وتقواه وإخلاصه، وفي الصحيح: {إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل: إني أحب فلاناً فأحبَّه؛ فيحبه، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبونه، ثم يوضع له القبول في الأرض} وبالعكس من أبغضه الله حتى أن الناس ليشربون مع الماء قبول بعض الناس، ويشربون مع الماء بغض بعض الناس، ونعوذ بالله أن تبغضنا قلوب الناس، فأنتم شهداء الله في أرضه. وأثر الشيخ في العالم الإسلامي ينطلق من أمور: أولاً: أنه في بلاد الحرمين مهبط الوحي، ومسرى الرسالة، وفيها منارة التوحيد، ومنها الخلفاء الراشدون، وعلى أرضها نزلت لا إله إلا الله. ثانياً: أن علمه موثوق؛ إذ هو يمثل علم السلف الصالح أهل السنة والجماعة. ثالثاً: للشيخ قبول أعطاه الله عز وجل. رابعاً: الشيخ معطاء يستقبل الوفود، ويقضي حوائجهم، ويراجع مسائلهم، وقد سمعت من بعض المشايخ أن الشيخ في بعض المجالس يذكر له الجهاد الأفغاني وما يصيب المجاهدين من برد هناك وجوع، فتدمع عيونه. إذا اشتبكت دموعٌ في خدودٍ تبين من بكى ممن تباكى قد استشفيت من داءٍ بداءٍ فأقتل ما أعلك ما شفاك وقال أحدهم: وعرض للشيخ مرة مجزرة الفلبين التي صرع على يد الطغاة هناك ألوف المسلمين، فبكى الشيخ حتى اهتز من كثرة البكاء. وبيت الشيخ -كما تعرفون- في الرياض بفلله مفتوح للضيافة، ومن الغرباء من ينام هناك الأيام الطويلة، وقد رأينا ذلك عياناً لا نقلاً، من يأتي فيجلس على مائدة الشيخ، وسوف أتكلم عنه في فصل:" كرم الشيخ". والشيخ ملم بأحوال العالم الإسلامي؛ إذ تأتيه البرقيات والرسائل والملحقات والنشرات والكتب والمجلات والصحف، وقد دخلت عليه مرة من المرات فوجدت عنده أحد النواب الرؤساء الأفارقة، والمترجم عنده يترجم، وهو يتكلم عن بلاده وعن وضع الإسلام هناك، وأخبره الشيخ بالوسائل المجدية في نشر الدين، ولما انتهى وإذا بزمرة من الناس ما يقارب العشرة من جاليات غير مسلمة يعلنون إسلامهم بين يدي الشيخ.

تواضع الشيخ وقضاؤه لحوائج الناس

تواضع الشيخ وقضاؤه لحوائج الناس فهو لا يفرغ من فتوى، أو كتابة شفاعة، أو تعليم، أو إصلاح بين الناس، أو اتصال، أو مساعدة إنسان، أو وقوف مع محتاج وهذا والله هو العمر المبارك، ولعلك إذا داومت معه من الصباح لا تأتي في الظهر إلا وقد أنهى مئات المعاملات. فحقاً إنه بقية السلف، والحديث عن هذا الشيخ الجليل يذكرنا بالصنف الأصلي والطراز الجميل من أمثال: البخاري ومسلم وأحمد وابن تيمية وابن القيم، فهو يحمل قربى السجية السمحة، ويحمل العلم الوقاد، ويحمل معه السكينة والتواضع، ويروى في الحديث وفي سنده نظر: {تعلموا العلم وتعلموا له السكينة والوقار، وتواضعوا لمن تتعلمون منه، ولا تكونوا جبابرة العلماء} والشيخ يمثل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63]. ومن تواضع الشيخ: أنه يجيب الدعوة، وكثيراً ما يذهب مع تلاميذه يجيب دعوتهم في بيوتهم , وإلا فالشيخ -كما تعرفون- أعظم من الزعماء، فيجلس معهم، ويزور بعض العزاب، ويتغدى معهم، ويسمع أغراضهم ويوقفه الإنسان في الشمس فيقف معه، وكم رأيناه من مرة عند باب السيارة إذا فتحت يقف للناس في الشمس، ويحاول محبوه أن يدخلوه سيارته، ولكنه يرفض حتى يسمع ويفتي وحتى يقضي حوائج الناس، حتى تظن أنه لا يعرف إلا إياك، أو أنه لا يعرفه إلا أنت. يقول أحد الشعراء، ويستحقها الشيخ/ عبد العزيز: يا من له ألف خلٍ من عاشقٍ وصديق أراك خليت للناس منزلاً في الطريق فالشيخ له ألوف مؤلفة من الأحباب والأصدقاء, ومن سماحته -وأنتم تعرفون ذلك- أنه إذا دخل عليه ضيوف في المكتب، قال: من أنتم؟ أخبرونا بأسمائكم فيبدأ باليمين أخذاً بالسنة، لقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم، لما أتاه وفد عبد القيس: {من القوم؟ أو من الوفد؟ قالوا: من ربيعة. قال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى}. وعند الترمذي بسند فيه ضعف: {إذا عرف أحدكم أخاه، فليسأله عن اسمه وعن نسبه، فإنه واصل المودة}. والشيخ إذا جلست عنده سألك عن اسمك وعن نسبك ومن أي قبيلة ومن أي بلد، وهل أتاكم أمطار، وكيف أحوال الصالحين في تلك البلدة. أحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب ويستمر الشيخ على هذا الحال النادر صابراً محتسباً يعيش قضايا الأمة الإسلامية، ولعل من أعظم المعالم البارزة في حياته الشخصية ما ترونه في أيام منى أيام الحج يوم يفتح خيمته، فتنهال الأمة عليه ألوف مؤلفة كالسيل وكالغمام، يستفتونه ويقبلون رأسه، ويدعون له ويدعو لهم، ويجلسون معه في سكينة، فإذا حضر غداؤه مد سفرته وأحضر الناس على غدائه، وأكل معهم. رفع الله منزلته.

كرمه

كرمه وأما كرم الشيخ فحدث ولا حرج، وأنا لا أقول هذا من دافع العصبية والعاطفة، لكني أقول: لا أعرف في هذا العصر أكرم منه، وقد سماه بعض محبيه حاتم الطائي في هذا العصر، وهو لا يمسك قليلاً ولا كثيراً، وربما مرت عليه بعض الأشهر وقد استدان على راتبه لكثرة ما ينفق ويعطي. هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله وكرمه يتمثل في أمور: أولاً: عطاؤه المستمر للفقراء والمحتاجين والمساكين فهو لا يرد طالباً، وقد حدثنا بعض طلبة العلم الثقات: أن أحد المجاهدين وفد على الشيخ مرة من المرات، وما وجد الشيخ إلا غرضاً مهماً له فباعه وأعطاه قيمته في سبيل الله عز وجل. ثانياً: أنه ما يدنو وحده على طعام، ولا يعرف أن يكون وحيداً، وإنما إذا حضر طعامه أحضر الناس على طعامه دائماً، وسفرته طويلة، ويحضر طلبة العلم والمفكرون والأدباء والعامة والفقراء والمساكين والمسئولون، فيحيي الجميع ويرحب بهم، وهذا أمر معلوم لا يحتاج أن أثبته لكم، لأن كثيراً منكم رأى ذلك. يقول حاتم الطائي لامرأته: إذا ما صنعتي الزاد فالتمسي له أكيلاً فإني لست آكله وحدي أخا سفرٍ أو جار بيتٍ فإنني أخاف مذمات الحوادث من بعدي وحاتم الطائي من حائل، وقد مات جاهلياً وثنيا، يقول لأمرته: إذا صنعت الطعام وأحضرتيه، فلن أتقدم ولن أغسل يدي ولن آكل حتى تأتي بفقير يأكل معي. وقالوا: كان إبراهيم عليه السلام من أكرم الناس، فإذا قدموا له الطعام قال لخدمه ومواليه: من أتى منكم بضيف فهو حر لوجه الله، فكيف سيكون حرص المولى أن يأتي بضيف ليتحرر؟! وقد ذكر الله كرم إبراهيم عليه السلام، فقال: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26] راغ من الكرم سريعاً، وأتى بعجل سمين، أي: تبيع وهو ولد البقرة، فذبحه، وسمين أي: أنه اختار الأجود، ولم يأخذ نحيفاً لا يساوي ثلاثين ريالاً. وقال في سورة هود: (حنيذ) فلم يطبخه طبخاً، بل حنَّذه وقدمه مشوياً، وهذا غاية الكرم، (فقربه إليهم) ولم يقل: قربهم إليه، وقال: (ألا تأكلون) وهذه شيمة الكريم الرحيم القريب المستأنس بالناس. يقول عروة بن ورد وهو شاعر جاهلي: أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى بوجهي شحوب الحق والحق جاهد أوزع جسمي في جسوم كثيرةٍ وأحسو قراح الماء والماء بارد ويقول عبد الملك بن مروان لوزرائه: من تريدون أن أباكم؟ أي: هل منكم من يريد أن أباه غير أبيه؟ قال كلٌ: لا. ما أريد إلا أبي. قال: أما أنا فأريد أن أبي عروة بن الورد، لأنه يقول: أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى بوجهي شحوب الحق والحق جاهد معنى البيتين: كيف تضحك مني لأني نحيل وأنت سمين؟ وما ذاك إلا لأني أوزع جسمي وطعامي، فغدائي وعشائي في بطون المساكين والفقراء، وأنت تأكل وحدك وتغلق الباب، وتقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. وهذه شيمة البخلاء؛ أنهم يوصدون أبوابهم ويغلقون النوافذ ويكتمون البوابات حتى لا يخرج الدخان، ويكتمون قدر الضغط حتى لا يوصوص على المارة فيقول: أوزع جسمي في جسوم كثيرةٍ وأحسو قراح الماء والماء بارد يقول: أشرب الماء والضيوف يأكلون الطعام. وبهذه الخلائق الرضية استجيب للشيخ في دعوته للآخرين، وأثر أثراً عظيماً، وأصبح تلاميذه مئات، وأصبح له الأثر لا في الرياض وحدها، ولا في المملكة بذاتها، ولا في العالم العربي، ولكن في العالم كل العالم، وأصبح الناس كلمةً موحدةً وإجماعاً، أو شبه إجماع على حبه وعلى أنه من البقية الباقية من علماء السلف الصالح.

برنامجه اليومي

برنامجه اليومي عمل اليوم والليلة في حياة الشيخ وبرنامجه اليومي: يبدأ الشيخ بصلاة الفجر، وغالباً هو الذي يصلي بالناس، ثم يذكر الأذكار الموروثة عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام، وشيء عرفته منه، وعرفته من تلاميذه ومن محبيه وهو: أنه لا يترك بعد الأذكار أن يقول مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير وغالباً ما يكون عنده درس من الفجر إلى طلوع الشمس، وأعظم ما يدرس الشيخ (كتاب فتح الباري وفتاوى ابن تيمية وبلوغ المرام والكتب الستة والطحاوية ونحوها من العلوم) فإذا انتهى الشيخ صلى ركعتين وعاد إلى بيته وأفطر إفطاراً سهلاً ميسراً، وربما ارتاح قليلاً؛ إذ هو يصارع الحوادث وعنده من الهموم والأشغال والمشاغل ما الله به عليم، ويرتحل الشيخ إلى مكتبه، وهو دائماً -كما تعرفون- حريص على هذا؛ لينهي أوامر المسلمين، ويسهل مشكلاتهم سهل الله عليه يوم العرض الأكبر. ويبدأ دوام الشيخ الرسمي قرابة الساعة التاسعة من ضحى كل يوم، فإذا وافى مقر الرئاسة وجد المراجعين يملئون الأمكنة المعدة لهم بانتظاره، فيحييهم ويسلم عليهم ويستقبلهم ويصافحهم ويعانق منهم القادم، ثم يأخذ مجلسه وإلى جانبيه كاتبان، وهذا أمر معلوم، عنده في اليمين كاتب وفي اليسار كاتب. لعظمك في النفوس تبيت ترعى بحفاظٍ وحراسٍ ثقاتِ ويأخذ هذا كثيراً من وقت الشيخ، ويرد على المكالمة التي ما تنقطع من القارات الخمس، وإن شئت قلت: الست، فتلفونه نوعان: تلفون داخلي يرد عليه الشيخ، وتلفون خارجي تتصل به الهيئات والجامعات والمؤسسات من أنحاء العالم، ويفتيهم ويرد عليهم الواحد تلو الآخر، وربما صودفت الفتوى عشر مرات، أو صودفت المكالمة عشر مرات، فجزأها الشيخ وانتظر الأول فالأول. ويبدأ الشيخ في استعراض المعاملات، وعنده الكتبة الذين يهمس في آذانهم بما يمكن أن يكتب وبما يمكن أن يوجه لما فيه المصلحة، ويستحضر الشيخ النية عند كل فتوى وكل معاملة لتنفعه في الآخرة {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] ثم يصلي صلاة الظهر، ويعود إلى عمله الذي ينتهي في الثانية والنصف يومياً، ويرتحل وقد سبقه ضيوفه في البيت فيتغدى معهم غداءً جماعياً، ثم تدار -هكذا أنقل من المجذوب - تدار القهوة والشاي والطيب وحسن الحديث الذي لا يفارق محيا الشيخ، ثم يرتحل مع ضيوفه ليصلي العصر، وربما ألقى كلمة بعد صلاة العصر، ويعود بعد الصلاة وهذا الوقت غال، فالدقائق محسوبة {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115]. دقات قلب المرء قائلةً له إن الحياة دقائقٌ وثواني فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني وربما استراح الشيخ بعد صلاة العصر لما يلقى من أعمال شاقة، ومن إعياء كثير ومن كبر السن، فهو يصارع الآن أكثر من الثمانين، وربما طعن في الثانية أو الثالثة والثمانين يقيناً، فهو مولود عام (1330هـ) ومع ذلك يزداد عمره بركة {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء:71] وهو من أئمة هذا الدين، وقد بارك الله في عمره لاتباعه السنة، ولإخلاصه وصدقه، ولنفعه للناس. ثم يصلي صلاة المغرب، ثم يعود إلى المنزل للقراءة والنظر في شئون الناس حتى وقت العشاء، وبعد أداء الصلاة يتناول مع الحضور طعام العشاء، ولا ينتهي مجلسه من الزوار والرواد، ولا يزال بين قراءة وإملاء وحديث نافع حتى وقت متأخر، وقلما يتاح له الإخلاد إلى النوم قبل منتصف الليل، وربما ينام الشيخ بين الحادية عشرة إلى الثانية عشرة؛ من أجل أن يستغل هذه الأمور في أعمال الناس، ثم ينام الشيخ ويستيقظ قبل الفجر بوقت طويل فيتهجد {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79]. يقول بعض الفضلاء: رأيت أثر قيام الليل في وجه سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز فيقوم يصلي ويدعو، وربما غلبه البكاء في صلاة الليل لخشيته ولتقواه، ثم يأتي لصلاة الفجر، ونراه ينتقل من بيته بواسطة سيارة حتى يصل إلى الجامع الكبير فيصلي بالناس، وعلى قراءته خشوع وسكينة، ثم يعود إلى برنامجه اليومي. وهناك بعض الأمور كحضور المؤتمرات، وبعض المهمات العلمية التي يقضيها الشيخ قد تغير من هذا البرنامج قليلاً.

الشورى في حياة الشيخ

الشورى في حياة الشيخ وصف الله المؤمنين بأنهم يتشاورون، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38] وقال لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] ولقد أخذ بذلك سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز، فأخذ يشاور محبيه وطلابه وإخوانه في القضايا، وهذا من تواضعه وقربه من القلوب، فلا يبدأ بقضية إلا بعد أن يشاور، فإذا عزم توكل على الله- عز وجل- وأمضى ما عنده، وكان لا يفض في كثير من المسائل خاصة العلمية إلا بعد أن يشاور أصحاب الفضيلة العلماء، ويراجعهم متثبتاً ورعاً صادقاً.

الشيخ والفتاوى

الشيخ والفتاوى نحن نعلم أن أعظم المفتين الآن هو سماحته، وهو يفتي بالدليل (قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام) وهو أثري النزعة، وقد ذكر عنه أنه يأخذ بأصول أحمد بن حنبل، ولكنه قد يخرج عن المذهب الحنبلي إذا خالف الدليل، فهو يستمسك بالأثر كتاباً وسنةً، ويفتي بما وافق الكتاب والسنة مستدلاً على فتواه، ومن لاحظ الشيخ يسمع منه الفينة بعد الأخرى (قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم) ويخرج الحديث ويصححه ويضعفه.

الشيخ محدثا وفقيها

الشيخ محدثاً وفقيهاً وأكبر ميزة للشيخ/ عبد العزيز أنه محدث، بل هو محدث العصر، ولا أعلم أحفظ منه للمتون، ولو أن بعض العلماء قد يتفوق في علم الرجال وعلم الجرح والتعديل، أو التخريج، لكن الشيخ يستحضر المتون، وهو فقيه؛ جد فقيه يستنبط من النص ويستشرب من النصوص، وينثر علمه على الناس بسهولة ويسر. ومما يميز سماحة الشيخ أنه لا يتكلف في الحديث، ولا يتكلف في الفتوى، ولا يتنطع في الكلام، ولا يتعمق في المسائل، وهو مذهب أهل السنة والجماعة أنهم لا يتنطعون، ولا يتعمقون، ولا يتكلفون، وإنما يرسل الكلام على سجيته، فيجعل الله له قبولاً في قلوب الناس لصدقه ولبركة أنفاسه ولطيب نواياه غفر الله له ورفع درجته. وفقه الشيخ من السنة مباشرة، وهو أشبه ما يكون بمدرسة ابن تيمية وابن القيم، فليسوا بالفقهاء الذين أهملوا النصوص، وليسوا بأهل الظاهر الذين أهملوا كلام أهل العلم وأخذوا بظواهر النصوص، لكنهم يأخذون من النصوص الفقه الجميل الموافق لقواعد الشريعة، وإن أُعدموا ذلك رجعوا إلى كبار علماء السنة، فأخذوا منهم ما يستفيدون.

مواقف للشيخ ابن باز ومواهبه الفذة

مواقف للشيخ ابن باز ومواهبه الفذة

شجاعة الشيخ في قول الحق

شجاعة الشيخ في قول الحق إن من أعظم ما يميز العالم أن يقول كلمة الحق صادعةً قويةً بحكمة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول لـ أبي ذر كما روى ابن حبان: {قل الحق ولو كان مراً} والعالم يوم تسلب منه ميزة قول الحق يصبح ضعيفاً وجباناً لا أثر له، ولا يستفاد من طالب العلم أن يحفظ الصحيحين والكتب الستة، ثم لا يقول كلمة الحق، ولا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر. وقد تجلت شجاعة الشيخ في كثير، فبينما هو الرجل السمح السهل القريب الحليم المحب للفقراء؛ سرعان ما ينقلب أسداً لا يرده عن إقامة أمر الله شيء إذا علم بظلم يقع على المسلمين، أو عدوان يقع على شريعة الله عز وجل في الأرض. ومن أعظم مواقف الشيخ موقفه مع الأستاذ/ سيد قطب رحمه الله؛ فقد قتل هذا الأستاذ المفكر العبقري الفذ ظلماً وعدواناً وطغياناً، فقام الشيخ وغضب لذلك، وقد ارتج العالم الإسلامي لمقتل سيد قطب، وأثر أن سيد قطب لما قرب ليشنق شنقاً وإعداماً تبسم، فقال أحد الشعراء: يا شهيداً رفع الله به جبهة الحق على طول المدى سوف تبقى في الحنايا علماً قائداً للجيل رمزاً للفدا ما بكينا أنت قد علمتنا بسمة المؤمن في وجه الردى فغضب الشيخ وأزبد وأرعد تلك الأيام، وأرسل خطاباً، يقول مترجم الشيخ: عندما أصدرت محكمة البغي والعدوان قرارها بإعدام سيد قطب وإخوانه، اعترى الشيخ ما يعتري كل مؤمن من الغم في مثل هذه النازلة، وتأثر الشيخ تأثراً عظيماً، وكلف الشيخ أحد محبيه بصياغة البرقية المناسبة لهذا الموقف، حتى يشهد الله أنه غضب وأنه تعامل مع إخوانه، وأنه قام في ذلك قال: وصيغت البرقية، فزاد الشيخ في آخر البرقية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93]. وأنا أذكر في الصغر ارتجاج العالم الإسلامي، والمذياع يعلن إعدام ذاك الهمام البطل، صاحب في ظلال القرآن، الذي تعرفونه غفر الله له وجمعنا به في الجنة. وقد رأيت للشيخ خطابات لبعض الزعماء ينكر عليهم أشد النكير عدم تحكيمهم لشرع الله، ورأيت له كتاباً لبعض الزعماء في بعض البلاد الإسلامية ينكر عليه تهجمه على السنة المطهرة وعلى صاحبها عليه الصلاة والسلام. فالشيخ يقول كلمة الحق، ويتشجع في الإدلاء بها، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ونعرف من سيرته صدقه مع الله وتحمسه وتمعر وجهه إذا انتهكت محارم الله عز وجل.

الشيخ خطيبا

الشيخ خطيباً ربما قال قائل: وهل الشيخ يجيد الخطابة؟ والذي يسمع الشيخ ويسمع محاضراته يدرك أن الرجل لا يتكلف الكلام؛ إذ أنه لما فقد بصره ركز على ذهنه وعلى ذاكرته، فكان يرتب الألفاظ والمعاني ويرتب المسائل، وإذا بدأ في محاضرة من ساعتين لا تجده يدخل في مسألة قبل مسألة، بل يوردها سهلة ميسرة يبنيها باباً باباً؛ مستدلاً بالكتاب والسنة وأقوال أهل العلم، ولا يجرح المشاعر، ولا يأتي بكلمة غليظة، ومما يميز الشيخ أنه بعيد عن التقعر، وهو: طلب وحشي الكلام الذي لا يفهمه الناس، وهذا يأخذه بعض الناس رياء وسمعة ليقال: واعظ. أما الشيخ فقد كان يبتعد عن التقعر في الكلام، بل يأتي بالكلام المعهود السهل القريب الذي يفهمه الناس، ولكن بأسلوبه السهل الممتع رفع الله منزلته. ومن خصائصه الخطابية: قدرته على ترتيب أفكاره حتى لا تتشتت، وضبطه لعواطفه حتى لا تغلب عقله، ثم سلامة أسلوبه الذي لا يكاد يعتريه اللحن في صغير من القول أو كبير. وأخيراً: تحرره من كل أثر للتكلف، أو التملق، أو التنطع، أو التعمق، كما سلف.

منهج الشيخ في البحث

منهج الشيخ في البحث والشيخ واسع المعرفة يحب الحوار الهادئ، ولا يغضب من الجدل الحق، ويرحب بالأفكار المدعومة بالدليل، ويتراجع عن قوله إذا كان على خلاف الدليل، ويرحب بالأقوال، ولا يتعمد تخطئة الناس، بل يرى أن الخلاف في المسائل كما يرى شيخ الإسلام/ ابن تيمية على قسمين: 1) خلاف التضاد. 2) خلاف التنوع. فأما خلاف التنوع فالمسألة فيها سعة؛ لأن كلاهما على حق، وقد اختلف الأئمة، والشيخ يعول كثيراً على الدليل من الكتاب والسنة، وقد عرضت للشيخ مسألة دوران الأرض حول الشمس، يقول المترجم: وسئل الشيخ عن رأيه في دوران الأرض، وأصر على أن الأرض لا تدور، ورُد على الشيخ بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس:40] فقال الشيخ: إن الأرض في كلا الموضعين من كتاب الله مذكورة على بعد من السبح، أي: أنها لا تسبح مع الأفلاك ولا أدري هل رجع الشيخ عن رأيه هذا أم لا، وليس معنى ذلك أن الشيخ معصوم، وهذه قضية أسديها للشباب وطلبة العلم، وهو أمر تعلمونه وهو أن العالم لا يشترط فيه أن يكون معصوماً، فقد يفتي فتوى تكون خطأً، وقد يهم في مسألة، وقد يسهو والله يغفر له. وفي الصحيح: {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد} وقد عذر ابن تيمية الأئمة في كتابه الجليل" رفع الملام عن الأئمة الأعلام " وذكر أسباب اختلافهم، وبين أنهم معذورون في اختلافهم، ومنهم وعلى طريقتهم سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز. وله أقوال يوافق فيها شيخ الإسلام ابن تيمية في مسائل الطلاق، مثل: طلاق الثلاث بلفظ واحد أنها لا تقع إلا واحدة، والطلاق إذا قصد به اليمين والمنع والخطر بقصد اليمين، ففيه كفارة اليمين، وهذه مسائل يسندها الدليل وهي الراجحة، وعليها فتوى ابن تيمية وابن القيم وابن عبد البر وأمثالهم من أهل العلم.

الشيخ والنشاط العلمي

الشيخ والنشاط العلمي للشيخ مؤلفات كثيرة، ولكنه ما تفرغ للتأليف، وإنما يرى أن تعليم الناس وقضاء حوائجهم وفتواهم قد تكون أهم، في عصر كثرت فيه المؤلفات والمجلدات. أما مؤلفات الشيخ فمنها: الفوائد الجلية في المباحث الفرضية، والشيخ فرضي من الدرجة الأولى، وعالم في الفرائض. ومنها: " التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة " وأنا أعتبر هذا الكتاب أحسن كتاب للشيخ، ويرى هو أنه أحسن كتاب له. ثالثاً: " التحذير من البدع ". رابعاً: " رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام ". خامساً: " العقيدة الصحيحة وما يضادها ". سادساً: " وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها ". سابعاً: " الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ". ثامناً: " وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه ". تاسعاً: " حكم السفور والحجاب ونكاح الشغار ". عاشراً: " نقد القومية العربية ". حادي عشر: " الجواب المفيد في حكم التصوير ". ثاني عشر: " الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته ". إلى غير ذلك من الرسائل التي تصل إلى العشرات، ولو فرغت الأشرطة المسجلة من محاضرات الشيخ وفتاويه وكلماته وخطبه، لبلغت المجلدات، وأرى الدكتور/ الشويعر قد مضى في هذا المشروع، نسأل الله أن يعينه وأن يتمم له الخير. ولا يقتصر نشاط الشيخ في التأليف؛ بل هو مهتم بإلقاء المحاضرات في العامة ويرتاح لذلك، ودائماً يشحذ همم طلبة العلم ويدعوهم إلى كثرة المحاضرات وإلى تنوير الطلبة، ويدعو إلى أن يجتهد الطلاب في تعليم الناس، والشيخ مما يميزه أنه داعية عامة، عالم عامة مثل علماء السلف؛ يجلس مع العامة ويعلمهم ويربيهم، وأنا أرى أن العلم القليل المبارك الذي يستفاد منه، خير من الكثير المتخصص الذي نفعه قليل، وبعض الناس قد يتشاغل بجزئيات العلم ونوافله ويترك أصول العلم وتعليمها للناس، فيفقد كثيراً من بركة العلم.

مجالات الشيخ العلمية

مجالات الشيخ العلمية الشيخ مفتِ، وأعظم ما يميزه الفتاوى، فهو مفتي البلاد كما تعرفون، وقد سدد الله فتواه لتقواه، وأحياناً إذا أشكلت عليه المسألة طلب من السائل أن ينتظر، وربما قال في هدوء وتواضع وشجاعة: لا أدري يسأل عن كثير من المسائل، ويقول: لا أدري وهي سيرة السلف الصالح فإنهم لا يقتحمون بجهل، وكان ابن سيرين يقول: لا أدري وقال علي: [[من أغفل كلمة لا أدري أصيبت مقاتله]] وكان عمر رضي الله عنه وأرضاه يجمع الصحابة لبعض المسائل، واعتذر الإمام مالك من عشرات المسائل لم يعرفها فمن حكمة الشيخ أنه يعتذر -أحياناً- عن بعض المسائل حتى يبحثها بحثاً وافياً. وقد قلت: مما يميز الشيخ أنه يقيم الدليل وهذه ميزة المفتي، وأما الكلام المطروح الإنشائي فإنه لا يميز المثقف عن العالم عن السامع المقلد للمسألة. وميزة العالم أن يستحضر الدليل ووجه الدلالة، ويستنبط منه، ويعرف الدليل صحة وضعفاً ناسخاً ومنسوخاً مطلقاً ومقيداً عاماً وخاصاً، وهذه كلها يحملها الشيخ.

أدوات الشيخ العلمية

أدوات الشيخ العلمية الشيخ -فيما أعلم- نحوي يجيد اللغة العربية الفصحى، ويشرحها ويمليها على طلابه ويبدع فيها -بارك الله فيه- والشيخ فرضي ماهر، وأما في الحديث فهو محدث جهبذ، يعرف الرجال، وقد سألته قبل أربع سنوات عن حجاج بن أرطأة، فقال: ضعيف ومدلس، وغيره من الرجال فهو يحفظ مئات بل آلاف الرجال في ذهنه، فإذا سألته عن الرجل أخبرك به وبما قيل فيه، وهو مغرم بعلم الرجال، يطالع كثيراً في" تهذيب التهذيب " لـ ابن حجر، وكتابه المفضل فيما أعلم " فتح الباري "، وقد قرأه مرات من وقت الطلب إلى الآن، وهو الذي تولى الإشراف على إخراجه للناس، وقد مكث فيه ابن حجر يؤلفه مع المقدمة اثنين وثلاثين سنة، ولو كان في العصر معجزة لكان هذا الكتاب، وهو من أبدع ما رأينا في المكتبات، ومن ركز عليه من طلبة العلم وعرف ما فيه وفهمه؛ فهو عالمٌ حقاً إن شاء الله. والشيخ يحفظ -فيما أعلم- بلوغ المرام وكثيراً من المتون، كـ ألفية ابن مالك، وبعض كتب ابن حجر المختصرة، وكتب الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب، فعنده مختصرات يحفظها ويكررها، مع حفظه للقرآن، وحدثنا بعض الطلبة: أنه سمَّع للشيخ قبل سنوات في بعض السور، قال: فما أخطأ في حرف واحد، فهو يحفظ القرآن ويقرؤه قائماً وقاعداً وعلى جنبه، وفي سيارته وفي مكتبه، لأنه لا يرى بعينيه كما تعرفون، ولكنه يستحضر كتاب الله، وما سمعت -والله- من العلماء الأحياء أسرع استحضاراً للدليل من كتاب الله عز وجل من سماحة الشيخ/ عبد العزيز. أنا أعرف من يستحضر الأبيات والقصص والأحاديث، أما الآيات فما أعرف مثل سماحته فيما أعلم.

مشهد لا ينسى

مشهد لا ينسى يذكرون في سيرة الشيخ أنه لما ودع من الرياض ليذهب إلى منصبه الجديد في المدينة؛ قام أهل الرياض بعد صلاة العصر وألقوا كلمة واحتشدوا عليه وودعوه وبكوا بكاءً عظيماً، وقام الشيخ فودعهم، ولكن غلبه البكاء، وسمع بكاء الشيخ -كما ينقل المجذوب ولما التقينا للوداع عشيةً سفكنا دموعاً واستثرنا مآقيا وقفنا وفي العذال منا ملامةٌ وكنا نرى أن ليس بعد تلاقيا فودعوه وبكوا عليه، ومن يعاشر الشيخ ويماشيه ويمكث معه فترة لا يطيق فراقه، وهذه هي ميزة المسلم الذي لا يؤذي، المتواضع المحب لا يستطاع فراقه، ولذلك كل من صحبه وجد فيه الخير، قال المجذوب: وكنت فيمن حضر وذكر تأثره وبكاءه، قال: وقلت بيتين بتلك المناسبة لما ودعوه في الجامع الكبير وبكوا وبكى الشيخ: بكينا وفاءً لامرئٍ قل أن يُرى له في الدعاة العاملين نظير فخلوا ملامي إن ألح بي البكا فإن فراق الصالحين عسير والشيخ يُمدح من كثير من الناس، وقد مدحه كبار الناس وصغارهم وشعراؤهم وأدباؤهم وعلماؤهم، يقول تقي الدين الهلالي محدث المغرب -وقد توفي من سنوات رحمه الله- في قصيدة عامرة طويلة تقارب الستين بيتاً: خليلي عوجا بي لنغتنم الأجرا على آل بازٍ إنهم بالثنا أحرى وزهدك في الدنيا لو أن ابن أدهم رآه رأى فيه المشقة والعسرا ولـ أبي هلالة الشاعر الكبير قصيدة هائلة مبدعة رنانة في سماحة الشيخ وللمجذوب قصيدة بديعة من أبياتها: روى عنك أهل الفضل كل فضيلةٍ فقلنا حديث الحب ضربٌ من الوهم فلما تلاقينا وجدناك فوق ما سمعنا به في العلم والأدب الجم فلم أر بازاً قط من قبل شيخنا يصيد فلا يؤذي المصيد ولا يدمي والباز هو الصقر، والشيخ اسمه ابن باز. ولي فيه قصيدة تقارب خمسين بيتاً، من أبياتها: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً لك الله قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي أغراهم المال والدنيا تجاذبهم ما بين منتعلٍ منهم ومن حافي مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعالي ولم تولع بإرجاف بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطلُّ في إشراقه الضافي تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصداف ومنها: أراك كالضوء تجري في محاجرنا فلا تراك عيون الأغلف الجافي كالشدو تملك أشواقي وتأسرها بنغمة الوحي من طه ومن قاف ما أنصفتكَ القوافي وهي عاجزة وعذرها أنها في عصر أنصاف يكفي محياك أن القلب يعمره من حبكم والدي أضعاف أضعافِ يفديك من جعل الدنيا رسالته من كل أشكاله تفدى بآلاف والشيخ محبوب إلينا، نحبه في الله، ونتقرب إلى الله بحبه، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

محاولة تشويه صورة الشيخ

محاولة تشويه صورة الشيخ Q لماذا يطعن بعض الملحدين والضالين في فضيلة الشيخ ويحاولون تشويه صورته؟ A سنة الله عز وجل في الصالحين قال الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان:20] وأكرم الناس وأجلهم وأشرفهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك قالوا: ساحر، وكاهن، ومجنون، وافتروا عليه.

البيع في المساجد

البيع في المساجد Q أرجو أن توجه نداءً سريعاً إلى الإخوة الذين يبيعون المساويك داخل المسجد بالخروج؟ A أرجو من الإخوة الذي يبيعون المساويك داخل المسجد أن يخرجوا من المسجد وينسحبوا بدون قيد ولا شرط، ولهم خمس دقائق فترة الانسحاب، لأن المسجد ليس للبيع والشراء، يقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {من رأيتموه يبيع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك، فإن المساجد لم تبن لهذا}.

كلمة عن سيد قطب

كلمة عن سيد قطب Q أرجو أن تفيدنا بكلمة عن الشيخ الأستاذ سيد قطب؟ A هو صاحب الظلال، نسأل الله أن يجعله شهيداً، وهو ممن نشر الفكر الإسلامي العامر في كتبه ورسائله وفي دعواته، والرجل يظهر منه الصدق والإخلاص في كلامه، وهو رجل بصر الواقع وعرفه ودرس الثقافة الغربية والشرقية ما يقارب أربعين سنة، ثم جاء يكتب عن من فهم عميق، وهو أكثر من أثر على الغربيين في نسف حضارتهم بقلمه، لأنه يكتب من واقع القوة -رحمه الله- وقد رأيت له مقالة نقلها الخالدي وهو يرى الحضارة الغربية، قال: والله لقد تحقق في الغرب قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:110] وفي الظلال ثروة، على أن فيه بعض الملاحظات التي لا يخلو منها بشر، فنسأل الله أن يتغمده بالرحمة، وأن يجمعنا به في دار الكرامة، وله كتب كثيرة منها" معالم في الطريق " وهو من أقوى كتبه على الإطلاق، و" الإسلام والعدالة الاجتماعية "، و" هذا الدين "، و" المستقبل لهذا الدين "، و" مقومات الحضارة " وغيرها من الرسائل.

الاختلاف سنة كونية

الاختلاف سنة كونية Q لماذا يختلف الشيخ مع بعض العلماء في الفتاوى؟ A الاختلاف رحمة واسعة، والإجماع حجة قاطعة، والاختلاف في الفرعيات من عهد الصحابة رضوان الله عليهم، ولم يعنف أحدهم على الآخر، والاختلاف في الفرعيات موجود، وهذه من سعة الدين، فـ أبو حنيفة يخالف مالكاً في بعض المسائل، وأحمد يخالف مالكاً لما رأوه من الدليل، وكما ذكر ابن تيمية أن لهم أعذاراً أربعة: الأول: أنه قد يبلغ الدليل أحدهم ولا يبلغ الآخر. الثاني: أن يصح عنده الدليل ولا يصح عند الآخر. الثالث: أن يكون منسوخاً عنده وثابتاً عند الآخر. الرابع: أن يفهم منه ما لا يفهم الآخر. وأما أصول العلم فإن العلماء مجمعون عليها، والحمد لله.

كثرة أعمال الشيخ

كثرة أعمال الشيخ Q لماذا لا يزورنا الشيخ/ عبد العزيز بن باز في أبها؟ A الشيخ أمور العالم الإسلامي على رأسه، وهو لا يستطيع أن ينتقل من مكان إلى مكان إلا بمهمات، وأما الدعاة المحتسبون فكثير، وهم يقومون بالنيابة عن الشيخ في إلقاء الدروس العلمية، والشيخ دائماً -حفظه الله- يدعو، وكم حرضنا وحرض كثيراً من الإخوة طلبة العلم بالإكثار من المحاضرات والدعوة وتبليغ دين الله، فغفر الله له.

جمع الشويعر لفتاوى الشيخ

جمع الشويعر لفتاوى الشيخ Q هل هناك كتاب يجمع فتاوى الشيخ؟ A له رسائل كثيرة، لكن بدأ الدكتور الشويعر يجمع فتاوى الشيخ وكلماته في كتب، وأظنه قد أخرج منها ثلاثة أجزاء.

أهل جيزان

أهل جيزان Q كيف وجدت أهل جيزان؟ A وجدت فيهم ما يرفع الرأس، ويثلج الصدر، بل شيء ما أستطيع أن أتحدث عنه، ولكن اسألوا عنهم الركبان. أسائل عنهم كل غادٍ ورائحٍ وأومي إلى أوطانهم وأسلم أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتنا إن غبتم أو حضرتم

تعريف بمحاضرة: (أبو ذر في عصر الكمبيوتر)

تعريف بمحاضرة: (أبو ذر في عصر الكمبيوتر) Q ما عنوان المحاضرة المقبلة يوم السبت؟ A عنوان المحاضرة المقبلة إن شاء الله: " أبو ذر في عصر الكمبيوتر"، وسوف أتحدث فيها عن علاقة أبي ذر بالكمبيوتر، وهي ثلاث علاقات: أولاً: سوف أتحدث عن أبي ذر مع البروستريك التي أتى بها جرباتشوف، لأن كارل ماركس أتى ببعض نظرياته، وظنوا أن أبا ذر يوافقهم في ذلك في قضية الانفتاح في عالم المال، وألفوا رسالة في موسكو في عهد برجنيف تتكلم عن أبي ذر، وصوروه بلحيته وبعكازه وعليه عمامة، وقالوا: وافقنا في مبدأ الماركسية وشيوع المال، وسوف أورد هذا. الأمر الثاني: هل جرباتشوف لما عارض برجنيف واستالين ولينين وماركس في قضية البروستريكا (أي: الانفتاح) هل يعارض أبا ذر؟ ومن المصيب والمخطئ؟. الأمر الثالث: ما الذي استفدناه من الكمبيوتر بعد أن مات أبو ذر؟ وهل نقص على أبي ذر شيء من معالم الحياة ومعالم التقنية والعطاء في الدنيا يوم لم يكن عنده كمبيوتر أم لا؟. وإنما جعلت الكمبيوتر رمزاً سوف أشرحه، إلى قضايا أخرى تنتظرنا إن شاء الله محققة بإذن الباري، فتكون يوم (28/ 5/1411هـ) في هذا الجامع بعد صلاة المغرب، ويوجد مكان خاص بالنساء، وخاصة أنه يهم النساء أن يسمعن عن الكمبيوتر شيئاً. وهناك درس مساء الجمعة في" مسند الإمام أحمد " لطلبة العلم بعد صلاة المغرب، مساء كل يوم جمعة، يجدر بالإخوة حضوره لعموم الفائدة.

سبب اختيار ابن باز للترجمة

سبب اختيار ابن باز للترجمة Q عندنا علماء كثير، فلماذا ميزت الشيخ/ عبد العزيز بن باز؟ A لأنه أكبر علمائنا، ولأسباب ذكرتها في أول المحاضرة، وإلا فكلهم فضلاء وكلهم أخيار، والذب عنه ذبٌ عن غيره، والله الموفق إلى سواء السبيل.

نصيحة لمن يتأخر عن المحاضرات

نصيحة لمن يتأخر عن المحاضرات Q يلاحظ في الناس التأخر عن المحاضرات العامة المفيدة؟ A عليك أن تبلغ ما استطعت، ونحن نحبذ أن يحضروا علَّ الله أن ينفع، وأن ينصر بهم الحق، وأن يوضح بهم، فإنهم لا يخلون في هذا المجلس من أربع فوائد: 1 - رحمة من الله عامة. 2 - وتنزل السكينة. 3 - وحفوف الملائكة. 4 - ويذكرهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيمن عنده ورب مجلس واحد يغفر به سبعون مجلساً من مجالس اللغو، وربما سعادة الإنسان تبدأ من هذه الجلسة، وعلى المسلم إذا حضر مجالس الخير والمحاضرات أن يستدعي إخوانه وأصدقاءه وجيرانه حتى يدعوهم إلى الخير كما قال صلى الله عليه وسلم: {من دل على هدى، فله مثل أجر فاعله} ثم إن وقت المغرب والعشاء مستهلك، لكن من يحضر هنا يحصل على الفوائد التي ذكرت وأعظم منها، وما عند الله خيرٌ وأبقى.

أبناء الشيخ

أبناء الشيخ Q هل يوجد لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز أبناء؟ A نعم، له أبناء كبار، منهم: ابنه الكبير عبد الله ومنهم: أحمد طالب علم في كلية الشريعة وغيرهم والشيخ مبارك ونحن أبناؤه، وكل شاب يحمل لا إله إلا الله من أبناء الشيخ، والشيخ له تلاميذ جهابذة من طلبة العلم الأخيار الدعاة، منهم الشيخ/ عبد العزيز المشعل، والشيخ الفاضل العلامة/ عبد العزيز الراجحي، والشيخ/ عمر العيد، وكثير من طلبة العلم الأخيار حفظهم الله ونفع بهم الأمة.

اهتمام الشيخ بمشاكل الناس

اهتمام الشيخ بمشاكل الناس Q من ميزات سماحة الشيخ أنه إذا بُلغ عن مشكلة مع أنها لا تخصه يقول: سنعمل على حل هذه المشكلة والله المستعان نرجو شرح هذه العبارة؟ A يقصد الشيخ أنه سوف يبذل جهده وشفاعته وطاقته، والشيخ دائماً يبذل جاهه للناس ويشفع ويقدم رسائله ووصاياه، ويقوم مع الفقير والمسكين، وهذه ميزة علماء السنة؛ أنهم لا يجلسون تحت المكيفات ويغلقون الأبواب ويتركون الجيل، ولا يقضون حوائج الناس، لا. بل العالم يتواضع، ويجلس مع الكبير والصغير، ويقضي حوائج الأمة والفقراء، ويسأل عن أحوال الناس، وقد حدثت عن الشيخ: أنه كان إذا مرض أحد الكبار من العوام اتصل به في الهاتف وسأل عن أحواله وربما زاره، وقال لي بعض طلبة العلم: كان الشيخ ساكناً في بيت له قديم وحوله جيران، فلما انتقل الشيخ إلى بيته الجديد في حي آخر كان يزور جيرانه هناك الفينة بعد الفينة، ويتفقد أحوالهم ويسأل عنهم باستمرار، وهذه ميزة العلم الشرعي الذي وفق له الشيخ.

الشيخ والشعر

الشيخ والشعر Q هل يقول الشيخ الشعر؟ A ذكر المجذوب: أنه في أول حياته كان يقول الأبيات الشعرية الجميلة، ولكنه اهتم بالعلم وترك الشعر جانباً، فالشيخ عنده ملكة في الشعر والقصائد، وهو يستمع لها ويثني على من قالها إذا أصاب الحق.

الطريق إلى ما وصل إليه الشيخ

الطريق إلى ما وصل إليه الشيخ Q كيف نصل إلى ما وصل إليه الشيخ؟ A ليس هناك حاجب يحجبك أن تصل إلى مثل ما وصل إليه وأحسن وأكثر؛ إذا صدقت وبذلت وتعلمت ودعوت الله كثيراً، فسوف تصل بإذن الله. والحمد لله رب العالمين.

حديث أم زرع

حديث أم زرع ما أعظم خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأزواجه صلى الله عليه وسلم، وما أعظم لغة العرب وما أجملها! ففي حديث أم زرع تجد العجب العجاب من الوصف، إحدى عشرة امرأة، كل واحدة تصف أخلاق زوجها، والنبي يسمع عائشة وهي تذكر كلام هؤلاء النسوة، وفي آخر المطاف يعلق النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة فيها منهج لكيفية معاملاته لنسائه وقد آتاه الله جوامع الكلم فقال: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع) تصفح هذه المادة؛ لترى قصة أبي زرع وأم زرع.

نص حديث أم زرع

نص حديث أم زرع إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته معنا في هذه الليلة ومع صحيح البخاري حديث عجيب غريب، وهو ندوة حوار بين إحدى عشرة امرأة، اجتمعن يوماً من الدهر وتعاقدن وتعاهدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، وتكلمت كل امرأة منهن بمعاملتها مع زوجها ومعاملة زوجها معها، وفي يوم من الأيام جلس رسول الهدى صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها وأرضاها مداعباً ومؤانساً ومحدثاً، فقصت عليه خبر النسوة، عليه أفضل الصلاة والسلام. فلنستمع إلى هذا الحديث الذي رواه البخاري في (باب حسن المعاشرة مع الأهل). قال رحمه الله تعالى: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن وعلي بن حجر قالا: أخبرنا عيسى بن يونس قال: حدثنا هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: {جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف ألا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثالثة: زوجي العَشَنَّق، إن أَنْطِق أُطَلَّق، وإن أسكت أُعلَّق. قالت الرابعة: زوجي كلَيْلِ تهامة، لا حَرَّ ولا قَرَّ ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فَهِدَ، وإن خرج أَسِدَ، ولا يسأل عما عهد. قالت السادسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث. وقالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياء، طباقاء، كل داءٍ له داء، شجَّكِ أو فلَّكِ أو جمع كلاًّ لكِ. قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب. قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد. قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك؟! مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر، أيقن أنهن هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع؟ أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلي نفسي وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح. أم أبي زرع فما أم أبي زرع؟ عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها، وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثاً، ولا تنقث ميرتنا تنقيثاً، ولا تملأ بيتنا تعشيشاً قالت: فخرج أبو زرع ذات يوم والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلاً سرياً، ركب شرياً، وأخذ خَطِياً، وأراح علي نعماً ثرياً، وأعطاني من كل رائحة زوجاً، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك، فلو جمعت كل شيء أعطانيه، ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كـ أبي زرع لـ أم زرع}. هذا الحديث من أعقد وأغرب الأحاديث في كتب السنة، وقد شرحه ما يقارب عشرة من العلماء، كل شرح في مجلد، وأعظم من شرحه القاضي عياض، قاضي المغرب وعالمها، وابن حجر شرحه فيما يقارب ثلاثين صفحة وهو حديث عجيب، فيه أكثر من خمس وعشرين فائدة، سوف تمر بنا بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، والآن نأتي إلى الشرح.

عائشة تتكلم والنبي صلى الله عليه وسلم ينصت

عائشة تتكلم والنبي صلى الله عليه وسلم ينصت يقول البخاري: (باب حسن المعاشرة مع الأهل) يقول: كيف يكون المسلم مع أهله في حسن المعاشرة، وفي وطء الكنف ولين الجانب وفي السهولة كيف يكون؟ ثم يأتي بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم مع عائشة، ويظهر لنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام مع كثرة أشغاله وأعماله وارتباطاته وما يأتيه من نوائب، بل أمور الأمة تدار على كفه عليه أفضل الصلاة والسلام، وأحداث الأمة وجهادها وإدارتها وقيادتها؛ ومع ذلك وجد وقتاً يستمع إلى مثل هذا الكلام، وهذا من لين جانبه وحلمه ومن بره عليه أفضل الصلاة والسلام، كما قال تبارك وتعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. ثم أتى البخاري يتكلم بهذه القصة العجيبة الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحب عائشة أكثر من سائر نسائه، وكانت عائشة مع ذلك بنت أبيها، فـ أبو بكر أحفظ الناس وأفصحهم وأصفحهم يحفظ السير والأنساب والأخبار والأشعار، وإذا تكلم أبو بكر في مجلسٍ من مجالس العرب سكتوا جميعاً، فأتت ابنته عائشة تشبهه، ومن يشابه أبه فما ظلم. تلك العصا من هذه العُصية لا تلد الحية إلا حية فكان عليه الصلاة والسلام يأنس لحديث عائشة، ويسألها عن أخبار الناس؛ لأنها -كما قال الزهري: كانت تحفظ ثمانية عشر ألف بيت شعر، وكانت تحفظ أخبار العرب، وما وقع أيام العرب وقصص العرب، وفي غدوة من الغدوات جلس عليه الصلاة والسلام مستريحاً هادئ البال مطمئن النفس، فأخذ يداعب ويمازح زوجته المبرأة الطاهرة الصديقة بنت الصديق، فأخذت تقول: يا رسول الله! جلس نسوة تلف بهم الدهر وهؤلاء النساء قال أبو محمد بن حزم الظاهري: هن من خثعم، وهي من قبائل الجنوب الشهيرة في التاريخ، ومن هذه القبيلة الخثعمي الذي يقول: ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد لقد زادني مسراك وجداً على وجدي ومنها الشنفرى الأزدي صاحب لامية العرب، وكثير من الأخيار والشعراء. فقال أبو محمد بن حزم، قال: هن من خثعم وقال بعضهم: هن من اليمن. ولا يهمنا أن يَكُنَّ من اليمن أو من غطفان أو من خثعم أو مدغشقر، إنما الفائدة أنهن جلسن فاسمع الكلام. فتقول عائشة والرسول ينصت، معلم الخير ومربي الإنسانية ينصت إلى الكلام، وفي الأخير سوف يعلق عليه الصلاة والسلام بكلام. قالت تخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم: {جلس إحدى عشرة امرأة فتعاقدن وتعاهدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً} إحدى عشرة امرأة خلا لهن الجو خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري خرجن من البيوت واجتمعن، قال أهل العلم كما قال ابن حجر: إذا اجتمع النساء فأكثر حديثهن في الرجال، وإذا اجتمع الرجال فأكثر حديثهم في المعاش. أي: في الدخل والكسب والراتب والتقاعد والزيادات والعلاوات، وربما يخلطون كلاماً من كلام النساء، أي: يتحدثوا في النساء، لكن هذا في النادر، أما إذا اجتمعت اثنتان من النساء المتزوجات، فأكثر كلامهن في الرجال، ماذا فعل زوجها وماذا صنع؟ أخلاقه معاملته زياراته صلته.

صفة زوج الأولى

صفة زوج الأولى قالت: فتعاهدن عهداً بالله ألا تكذب الواحدة على أخواتها في هذا الأمر {وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً}.

زوج الأولى سيئ الخلق وبخيل

زوج الأولى سيئ الخلق وبخيل {قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل} وصمته وصدعته في رأسه؛ لأنها عاهدتهن أن تخبرهن، فوصفته بأقبح الأوصاف، لحم الجمل يقولون: من أردأ اللحوم، ويقولون: إنه يدمي القلوب، ومن داوم عليه أثر عليه مرضاً، وهو من أقسى لحوم الحيوانات على الإطلاق، وحذر كثير من الأطباء من المداومة عليه فتقول: زوجها لحم جمل، وليتها قالت: لحم جمل وسكتت ولكنها قالت: لحم جمل غث، أي: هزيل ضعيف، جمل منحور معقور ليس فيه خير، فهو لحم جمل، ومع ذلك فهو غث هزيل، قيل: إنها تعني أنه سيئ الخلق وليس بكريم. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {لا يجتمع في المؤمن خصلتان: سوء الخلق والبخل} ربما تجد بعض الناس من المؤمنين سيئ الخلق لكنه كريم اليد، وتجد بعض المؤمنين بخيلاً، لكنه حسن الخلق، أما أن يجتمع بخل وسوء خلق فلا يكون ذلك في المؤمن، فهي تقول: لحم جمل غث.

زوج الأولى أيضا يصعب نيل الشيء منه

زوج الأولى أيضاً يصعب نيل الشيء منه وتقول: {(على رأس جبل)} وهذا وعورة خلقه، فليت هذا اللحم الذي فيه بعض الخُلق قريب منا، لكنه على رأس جبل، أي أنه لا يتحقق الطلب منه إلا بعد شق الأنفس، إذا طلبت منه شيئاً تظل تراجعه وتمدحه بمحاضرات وتدعو له في أدبار الصلوات، وتبكي بين يديه حتى يأتي بهذا الطلب، فطلبه كلحم الجمل الغث على رأس الجبل. {قالت: (لا سهل فيرتقى)} أي: ليس الجبل سهلاً فنرتقي ونأخذ هذا الغث، وليس اللحم سميناً حتى ننقله وهذا من أبلغ الأوصاف، وهذا يسمى اللف والنشر عند أهل العلم، فهي قد لفت الكلام ثم نشرته، كما قال الحفاظ وقد سئل ابن تيمية عن الفلسفة وعلم المنطق فقال: (علم المنطق والفلسفة لحم جمل غث على رأس جبل، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل) وهذا من أحسن ما يستشهد به في مثل هذه المواضع، فإذا سئلت عن علم من العلوم لا ينفع ولا يفيد ولا يقدم شيئاً فوصفه هذا، وذلك مثل بعض العلوم العصرية التي لا تنفعك في الدنيا ولا في الآخرة، مثل علم الفلسفة، علم الكلام، وعلم المنطق لحم جمل غث على رأس جبل، لا الجبل سهل فيرتقى فيه ويؤخذ اللحم، وليس اللحم مع صعوبة الجبل يستحق الحمل. إذاً الأولى ذمت زوجها باللف والنشر، أوجزت ثم نشرت خبره؛ لأنها عاهدتهم ألا تكتم، فهو من أسوأ الرجال خلقاً نعوذ بالله من ذلك، وسوف تأتي فائدة هذا الكلام في آخر الدرس.

الثانية زوجها كثير العيوب

الثانية زوجها كثير العيوب {قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره} تقول: السكوت أحسن، أي: لا أريد أن أخبركم بأشياء، لكن اسمعوا مني موجزاً فهو أشر مما أتكلم به عنه، فالرجل فوق ما أتكلم، وأنا لا أستطيع أن أصف السوء الذي فيه من كثرة سوئه وفحشه {لا أبث خبره، إني أخاف ألا أذره} لا أترك شيئاً، أخاف إذا بدأت في الكلام ألا أسكت حتى غروب الشمس مما فيه من القبائح والمعايب، لكن السكوت أحسن.

معنى عجره وبجره

معنى عجره وبجره {إن أذكره أذكر عجره وبجره} العجر: عروق في البطن، والبجر: عروق في الظهر، ومعنى الكلام العجر والبجر: الهموم والأحزان والعيوب والقبائح. تقول: فيه عجر وبجر، فهو على الهموم والأحزان، ويورث الإنسان هموماً وأحزاناً، أي أنه يأتي بالحمى الشوكية. علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه لما قُتِل طلحة في معركة الجمل بكى كثيراً وقال: [[اللهم إني أشكو إليك عجري وبجري]] وهذا في خطبته المشهورة الصحيحة، ومعناه: يا رب أشكو إليك همومي وأحزاني وما جرى لي، وما عندي من المصائب والكوارث؛ لأنه فقد الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ماتت زوجته فاطمة، وفقد أبا بكر وعمر وعثمان، ثم قتل الصحابة ثم اختلفت الأمة بين يديه، ثم أتت عليه الخوارج وتكالبت عليه الدنيا من كل مكان، فقال: [[اللهم إني أشكو إليك عجري وبجري]] ويعلق ابن كثير على هذا الكلام فيقول: عجيب يختلفون على أبي الحسن علي بن أبي طالب وهو أخشى أهل الأرض، وأعلم أهل الأرض، وأزهد أهل الأرض في عهده، يقول: لا يعطونه الخلافة، ويختلفون عليه وهو في عهده أخشى أهل الأرض وأزهد أهل الأرض فالشاهد أنه ضاقت به أيامه ولياليه رضي الله عنه فقال: [[اللهم إني أشكو إليك عجري وبجري]] أي: دسائسي وغلائلي وهمومي وأحزاني ويقال: إنه سأل الله الشهادة فوفقه الله للشهادة. فتقول المرأة: أنا لا أتكلم في هذا الرجل يكفي أني أعطيتكم موجزاً، والأحسن أني لا أتكلم؛ لأن الكلام لا يفي، وسوف آخذ عليكم الوقت لو تكلمت فيه.

الثالثة تصف زوجها بأوصاف عجيبة

الثالثة تصف زوجها بأوصاف عجيبة {قالت الثالثة: زوجي العَشَنَّق}

من أوصافه العشنق

من أوصافه العَشَنَّق العَشَنَّق: قيل: هو الطويل المفرط في الطول، والعرب تقول: الطويل المفرط في الطول فيه خبل وهبل. واسمحوا لي إذا كان هناك أناس طوال، لكن أنا أنقل الشرح، فإنه يوجد من الناس من هو طويل وعنده عقل، لكنه نادر، لكن ليس عندنا طوال مثل (العَشَنَّق) فإن العَشَنَّق هو: الطويل المفرط في الطول، قال ابن حجر: والسبب هو لبعد دماغه عن قلبه. فلبعد المسافة لم يصبح هناك اتصال في التيار، فإن العرق ينقطع أحياناً، فلا يكون هناك توصيل بين العقل والقلب، فيفقد عقله أحياناً، هذا الطويل المفرط في الطول. وقيل: إنه سيئ الخلق، شرس الأخلاق، فإذا سلمت عليه أقام الدنيا وأقعدها، فهو يغضب مما لا يُغضب منه، قال أهل العلم والأدب: (من غضب بما ليس بمغضب فهو أحمق) فتقول: إنه أحمق، كريه المنظر، شرس الخلق (عشنق) وأنا أميل إلى هذا؛ لكي لا يتأثر من فيه طول.

إن أنطق أطلق

إن أَنْطِق أُطَلَّق {قالت: زوجي العشنق، إن أَنْطِق أُطَلَّق} أي: إذا تكلمت فالطلاق جاهز على طرف اللسان، فهو لا يتعب ويبحث عن الطلاق أو يسأل نفسه، ولكن هو لا يرد إلا بالطلاق.

إن أسكت أعلق

إن أسكت أُعَلَّق تقول: {وإن أسكت أعلق} أي: وإن أسكت عن الكلام معه فأنا معلقة. كما قال سبحانه: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء:129] والمعلقة: هي التي ليست مطلقة فتعرف طريقها، ولا عندها زوج يحفظها، إنما هي في البيت متزوجة، لكنها منتسبة وليست منتظمة في الزواج، فهي معلقة في البيت، وإذا تكلمت فالطلاق جاهز ولقد وصفته بأبلغ الأوصاف وذلك من جهة المعنى، وإلا فهي أقبح الأوصاف إرادةً وقصداً.

وقفة مع زوج الرابعة

وقفة مع زوج الرابعة {قالت الرابعة: زوجي كَلَيْلِ تهامة لا حَرَّ ولا قَرّ ولا مخافة ولا سآمة}.

زوجها كليل تهامة

زوجها كليل تهامة تقول: أما زوجها فمثل ليل تهامة، من ألطف الأجواء، يقولون: لشدة وهج النهار وحرارته يهدأ الليل في تهامة، فيكون من أحسن الليالي، وهو أحسن من ليالي الحجاز، فيهب فيه النسيم العليل، وتبرد فيه الأكناف، وتتوطأ فيه الأردان، فهو بهدوئه وصلاحه وخيره وقربه وتواضعه مثل ليل تهامة، (لا حر ولا قر) ليس بشديد الحر، وليس بقر أي: ليس ببارد، فهو ليس بالبارد البليد، وليس بالحار؛ فإن بعض الناس يبلغ به إلى أن يتبلد حسه فلا يغضب أبداً ويقول: هذا حلم.

الوسطية في الأخلاق من الصفات الحسنة

الوسطية في الأخلاق من الصفات الحسنة يقول الشافعي: (من استغضب فلم يغضب فهو حمار) أي: أنه يرى المحرمات تنتهك فيقول: الحمد لله الذي رزقني هذا الحلم الواسع، اللهم زدنا من الحلم. وهذا -والعياذ بالله- يسمى دياثة، أن يرى محارم الله في بيته تنتهك، ويرى حدود الله تتعدى، ويرى الحرمات تقطع، وهو لا يغضب!! ورجل آخر يغضب بدون سبب، فهو أحمق فذاك يبلغ به التبلد إلى الغباء، وهذا يبلغ به درجة الغضب إلى الحمق، لكن هذا وسط، يغضب في موطن الغضب ويرضى في موطن الرضا. ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى (لا حر ولا قر) القر: شدة البرد، يقول علي رضي الله عنه وهو يخطب في أهل العراق: [[يا أشباه الرجال ولا رجال، أحلام الأطفال وعقول ربات الحجال إن قلت: انفروا في الحر، قلتم: حر، وإن قلت: انفروا في البرد، قلتم: قر، فإلى متى حر وقر؟!]] وهو يعلن النفير للجهاد، فالحر شدة الحر، والقر شدة البرد.

وصف الخامسة لزوجها

وصف الخامسة لزوجها {قالت الخامسة: زوجي إذا دخل فِهِدَ، وإذا خرج أَسِدَ، ولا يسأل عما عَهِد} فَهِدَ: مشتق من الفهد، والفهد حيوان معروف أصغر من الأسد وقد احتار كثير من أهل العلم في وصف الخامسة لزوجها. ولا تقولوا: هذا الكلام ماذا نستفيد منه، فقد استمعه سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، وأشرف الخلق، وأكرم من مشى على الأرض. تقول: زوجها (إذا دخل فهد) إذا دخل فهو يشبه الفهد، كأنه فهد، قيل: إما أنها تسبه أو تمدحه، فإن سبته قالت: كثير النوم مثل الفهد، أي: لا يستفاد منه، يقدم له العشاء وهو ينعس، فتقول: كثير النوم وكثير الاستغراق في النعاس، يقول الجاحظ: أكثر الحيوانات نوماً الفهد فإنه ينام أكثر مما يستيقظ، وإذا تعب قليلاً ألقى رأسه وأتاه النوم، حتى ربما تأتي عليه الفئران وتعتدي على رأسه وهو لا يشعر.

مواصفات الفهد

مواصفات الفهد وهو حيوان له مواصفات: منها: أنه أسرع الحيوانات على الإطلاق ولا يدركه أحد إلا أن يشاء الله ومنها: أنه منتن الرائحة، ومنها: أنه يصارع بجدارة، حتى أنه ربما أدرك الأسد وقاتله، وهو صغير الجسم، فإن كانت تسبه فمعنى ذلك أنه كثير النوم، وإن كانت تمدحه فلأن الفهد يمتاز عن سائر الحيوانات بالحياء وبالخجل، والعجيب أنهم ذكروا أن الفهد إذا رأى المرأة صدف عنها، وقالوا: إذا رأى المرأة كاشفة عن وجهها غض بصره حياء وهذا يذكره الجاحظ وغيره من العلماء، ويقولون: إنه هو والنمر وهذه الفصائل تغض عن المرأة ولا تعدو عليها لكرمها، فكأنها تصف زوجها بأنه كريم الجانب، وهذا على المدح.

وقفة مع الأسد

وقفة مع الأسد (وإذا خرج أسد) أي: كالأسد في شجاعته، وأشجع الحيوانات بالإجماع هو الأسد، والله قد ذكره في القرآن في سورة المدثر في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:51] وقسورة: هو الأسد، والأسد له تسعة وتسعون اسماً منها: الهزبر، والليث، والغضنفر، وقسورة، وغير ذلك، وهو ملك الحيوانات. يذكر عن علي بن أبي طالب أنه قال لما قتل عثمان: [[أكلتُ يوم أكل الثور الأبيض، قالوا: وما أصل الثور الأبيض يا أمير المؤمنين؟ قال: كان هناك ثلاثة ثيران، أبيض وأحمر وأسود، فأتى الأسد، فاجتمع على الثيران يريد أكلها، فاجتمعت عليه فناطحته حتى شرد، فأتى الأسد بحكمة فنادى الثور الأسود وقال: تعال، ثم قال له: إن هذا الثور الأبيض عدو لكم أراه دائماً يزاحمكم على المرعى، ألا تريد قتله؟ قال: نعم. قال: تعال معي، فنزل الثور الأبيض إلى الوادي، فهجم الثور الأسود والأسد على الأبيض فقتلوه، ثم أتى إلى الثور الأسود وقال: والأحمر كذلك نغص عليك حياتك، تعال نقتله قال: نقتله فاجتمعوا فقتلوه، فقال الأسد: بقيت أنت يا عدو الله، فأكله]] فيقول علي رضي الله عنه لذكائه وفطنته ودهائه: أكلت يوم أكل الثور الأبيض. يقول: إن الناس يظنون أنني أريد قتل عثمان رضي الله عنه وأرضاه، حتى كان يقول على المنبر: [[لعن الله من قتل عثمان، لعن الله من أشار بقتل عثمان لعن الله من رضي بقتل عثمان. ويقول رضي الله عنه وأرضاه: كيف أنا أشاور وأمالئ؟!]] لأن الخوارج والنواصب اتهموه بأنه مالأ، فقال كيف أمالئ وقتلي سوف يكون بسبب قتل عثمان، وسوف يقتلونني، فهذا مثل قصة الثور الأبيض.

طرفة من كتاب كليلة ودمنة

طرفة من كتاب كليلة ودمنة ومما ذكر صاحب كتاب كليلة ودمنة وهذه نوردها وهي مثل الوردة تشم ولا تؤكل يقول: ذهب الثعلب يبحث عن صيد؛ لأنه جائع، فاجتمع الأسد بالحيوانات اجتماعاً طارئاً، فاجتمعوا فلما جلسوا قال: أين الثعلب؟ أين أبو معاوية؟ -والثعلب اسمه: أبو معاوية- فقال الذئب -والذئب نمام حرش عليه- قال: ذهب وعصاك، وقد أخبرته أنك تريدنا فأبى فقال: سوف يأتي عدو الله -أو كما قال- فلما أتى قال: أين أنت؟ وكشر في وجهه، فقال: سمعت أنك مريض -وقد كان الأسد مريضاً- فذهبت أبحث لك عن علاج -وقد سمع أن الذي نم عليه الذئب- قال: أين وجدت علاجي؟ قال: وجدت علاجك في خصية الذئب قال: عليَّ بالذئب، تعال يا أبا حُصين- والذئب اسمه: أبو حُصين فاقترب فأخذ خصيته بكفه، فنزل الذئب ودماؤه تثعب، فقال الذئب للثعلب: لماذا تفعل هكذا؟ قال: لتتعلم كيف تجلس عند الملوك. وهذه فيها عبرة، والذي كتب كليلة ودمنة من الحكماء، وكتبها حتى يعرف الناس شر النميمة، ونقل الكلام، فإنه {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر:43].

زوج الخامسة لا يسأل عما عهد

زوج الخامسة لا يسأل عما عهد تقول: (ولا يَسأل عما عَهِد) فهي تمدحه وتقول: نحن في خير وفي نعيم لا يسأل لماذا أكلنا كثيراً، ولا لماذا صرفنا هذا، ولا لماذا لبسنا كثيراً فإن الكريم من الرجال لا يَسأل عن المصروفات عنها من كرمه.

زوج السادسة كثير الأكل والشرب

زوج السادسة كثير الأكل والشرب {قالت السادسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث} فهي تصف زوجها بالنهمة في الأكل، والعرب تعيب ذلك، فهي تقول: أكل الطعام عليها، الغداء والعشاء والفطور، ولم يبقِ لها شيئاً، تقول: إذا أكل لف ما يعرف الأكل بالأصابع، والسنة الأكل بثلاثة أصابع قبل وجود الملاعق، فلما اكتشفت الملاعق في هذا القرن جاز أن يؤكل بالملاعق، فكان الصحابة يأكلون بثلاث، لكن هذا فيما يقبل الأكل بالثلاث، أما الأرز وما يدخل في حكمها فلك أن تأكل بالأربع والخمس. فهو إن أكل لف أي: يلف الأكل لفاً، ويقولون: يجمعه جمعاً (وإن شرب اشتف) أي: يبتلعه حتى يجرجر نحره كأنه ثور وما يمصه مصاً، ونحن نؤمر في السنة أن نمص الماء مصاً، لا نبتلعه بلعاً حتى يجرجر؛ لأن هذا يؤذي الحلق. (وإن اضطجع التف) تقول: من وحشته أنه إذا اضطجع أخذ فراشاً وحده، ولا يقترب من زوجته، فهو شرس الخلق لا يُقترب منه (ولا يولج الكف) الكف معروف، (ليعلم البث) تقول: أمرض كثيراً وتصيبني الحمى لكن ليس عنده لطف، ومن لطف الرجل مع أهله، مع أخته أو مع زوجته أن يقترب -كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم- ويضع يده على كتفها أو على رأسها أو على كفها ويرى حرارتها، وهذا من اللطف والأنس، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا وجد بعض أصحابه ربما شبك أصابعه بأصابعه أنساً له، وربما داعبهم فضرب في صدورهم، وربما أخذ أحدهم يمازح بكتفه وبعنقه عليه الصلاة والسلام. فهذه المرأة تقول: هذا ليس عنده من اللطف شيء يأكل الأكل علينا، ويشرب الشراب علينا، ويبتعد بنومه، ولا يمرِّضنا ولا يسأل عنا.

كثرة الأكل

كثرة الأكل وكثرة الأكل أمر موجود، وقد يكون جبلة، وقد يأتي بالكسب والتدريب والرياضة، فإن بعضهم يبدأ قليل الأكل ثم يفتح الله عليه ويهديه، فيصبح من أكثر الناس أكلاً، ولذلك روى ابن قتيبة وابن عبد ربه وابن كثير وابن جرير عن p=1000258> عمرو بن معد يكرب الزبيدي أنه كان من أكثر الناس أكلاً، وهو الذي يذكره أبو تمام في قوله: إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس

صفات زوج السابعة

صفات زوج السابعة {قالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياء، طباقاء، كل داء له داء، شَجَّكِ أو فَلَّكِ أو جمع كلاً لكِ}.

زوجها عياياء

زوجها عياياء هذه السابعة تصف زوجها وتقول: (غياياء) وفي لفظ: (عياياء) فإن كان اللفظ (غياياء) فإن معناه: أنه بلغ منتهى الغي، أي: أنه بلغ منتهى الفجور، فهو فاجر إلى آخر درجة وهذه صيغة مبالغة استخدمت بهذا اللفظ، فهو غاوٍ أدركه الغي ولم يهتد ولم يسدد في أموره. وإن كان اللفظ (عياياء) فهو بمعنى: عيي، والعييُّ هو البليد الغبي الذي لا يفقه شيئاً، فهو عييُّ غبي بليد ثقيل النفس لا يفهم، قلبه مكتم عليه.

معنى طباقاء

معنى طباقاء (طباقاء) الطباقاء: هو الذي طبق على ذهنه الجهل من أخمص قدميه إلى مشاش رأسه، فقد أصبح مطبقاً عليه بالجهل والغباء والتخلف وفساد الذهن. (كل داء له داء) أي: أن كل وصف قبيح فألحقه به؛ فإنه يتصف به، فكل ما تعلم في الناس من مقت أومن معيبة، أو قبيحة؛ فهو في هذا الرجل. والله عز وجل هو الذي خلق وقسم؛ وفي بعض الآثار "أن الله لما خلق آدم جمع طينته من كل بقاع الأرض" من الجبال والسهول والأودية، فأسهل الناس خلقاً من السهل، وأناس من الوعر، وأناس من التربة الطيبة، وأناس من السباخ، فأتت أخلاقهم هكذا، فنسأل الله حسن الخلق، ونسأل الله استقامة الدين، ونسأل الله التسديد في الأمور.

معنى قولها: شجك أو فلك

معنى قولها: شجك أو فلك {شَجَّكِ أو فَلَّكِ أو جمع كلاً لك} شجك أي: لا يضرب إلا ويشج، فإذا ضرب كسر شيئاً من العظام، فهو لا يعرف المهادنة (أو فلك) قيل: الشج في الجلد والفل في العظم، وبعض أهل اللغة -كما قال ابن حجر - عكس ذلك، وقال: الشج في العظم والفل في الجلد فهي تقول: هو لا يعرف المهادنة دائماً، فإذا ضرب إما أن يجرح وإما أن يكسر شيئاً إما أن يكسر السن أو يجرح اليد أو يكسر الإصبع؛ فهو لجهله ولسوء خلقه يفعل ذلك (أو جمع كلاً لك) وفي بعض المرات يفتح الله عليه فيجمع الشج والفل، يجرح ويكسر مرة يكسر، ومرة يجرح، ولكن في بعض الأوقات يجرح ويكسر.

الثامنة زوجها لطيف الخلق طيب الرائحة

الثامنة زوجها لطيف الخلق طيب الرائحة {قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب} تقول: لطيف الخلق مثل شعر الأرنب، دعوب قريب من النفوس!

الزرنب شجر طيب الرائحة

الزرنب شجر طيب الرائحة والزرنب شجر طيب الرائحة ينبت في نجد، واستشهدوا على ذلك بقول الأول: بأبي أنت وفوك الأشنب كأنما ذر عليه الزرنب امرأة تمدح زوجها وتقول: أفديك بأبي وأفدي فمك الأشنب، أي: المليح والرقيق الأسنان، (كأنما ذر عليه الزرنب) وهو نبت طيب الرائحة. قالت: والريح ريح زرنب. أي: أنه من مسكه وطيبه مثل الزرنب، وهذا مطلوب في الرجل؛ أن يكون طيب الرائحة؛ لأن المرأة تطلب من الرجل كما يطلب هو منها، فلا يقترب منها إلا طيب الفم، طيب الرائحة، طيب الخلق ومن حقوق المرأة أن يكون الزوج طيب الرائحة.

التاسعة تصف زوجها بالكرم

التاسعة تصف زوجها بالكرم {قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد} رفيع العماد، تقول: عماد البيت، أنه من كرمه وسؤدده يرفع بيته ويبنيه على شرفات الطرق، لا يذهب وينزوي في الحارات ويختفي، وإذا سألوه عن بيته قال: إذا أخذت الشارع إلى اليمين، لف إلى اليسار، فإذا أخذت اليسار لف إلى اليمين، فإذا فعلت ذلك لف لليسار حتى يضيع الذي يستدل، أما الكرماء فإن بيوتهم مشهورة، ولذلك يقول الأول: ولست بحلَّال التلاع مخافة ولكن متى ما يسترفد القوم أرفد فهو يمدح نفسه يقول: أنا ما أنزوي في المزابل وفي القمائم وفي آخر الحارات، أنا بيتي كأنه علم في رأسه نار، قالت: رفيع العماد أي: بيته مشهور، ولذلك ذكروا عن إبراهيم عليه السلام أن بيته كان باليفاع، أي بالصحراء وكان له قصر له بابان، يقول: من يدخل من هنا يتغدى ويخرج من هنا، فلكرمه كان دائماً يقول لعبيده ورقيقه: من يأتي منكم اليوم بضيف فهو حر لوجه الله، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر -وسوف تجدونه في باب الصوفية - يقول: عجباً للصوفية يقولون: حرام جمع المال! وإبراهيم عليه السلام اختلطت مواشيه وإبله وبقره وغنمه بإبل لوط عليهما السلام حتى انتقل بعضهم من بعض من كثرة المواشي.

المحلق وقصته مع الأعشى

المحلِّق وقصته مع الأعشى المُحَلِّق: رجل من أبخل العرب، وكان ساكناً في قرية مغموصة ما يمر عليه أحد، وكان له سبع من البنات، فما تقدم لهن أحد من الناس، فذهب واستشار الناس، فقالوا: نرى أن تنقل بخيمتك وسط الصحراء حتى يراك الناس، وأن تدعو لك شاعراً من الشعراء، وتذبح له ناقة وتكرمه وتكسوه، فسوف يمدحك بالكرم، وإذا سمع العرب بالكرم، فلا تمسي بناتك عندك أبداً، فأتى هذا المحلِّق البخيل، فنقل خيمته وبناته وزوجته وسكن في الصحراء ورفع خيمته، ودعا الأعشى شاعر نجد p=1000008> الأعشى الذي مات قرب منفوحة، وقد أراد أن يسلم لكن طبع الله على قلبه فكفر، وقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقيه أبو سفيان فقال: إلى أين تذهب؟ قال: أذهب إلى محمد عليه الصلاة والسلام. قال: ماذا فعلت؟ قال: أعددت قصيدة. قال: أسمعني. فقال: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وعادك ما عاد السليم مسهدا وما ذاك من عشق النساء وإنما تناسيت قبل اليوم خلة مهددا شباب وشيب وافتقار وثروة فلله هذا الدهر كيف ترددا وقد كان من أفحل وأكبر الشعراء على الإطلاق، وهو من أصحاب المعلقات يقول: فآليت لا أرثي لها من كلالة ولا من وجى حتى تزور محمدا يخاطب الناقة ويقول: حلفت أن أجعل الناقة تكل وتدأب في الأرض حتى تزور محمداً صلى الله عليه وسلم. متى ما تناخي عند باب ابن هاشم تراحي وتلقي من فواضله يدا نبي يرى مالا يرون وذكره أغار لعمري في البلاد وأنجدا إلى أن يقول: -وهما من أعظم الأبيات في الإسلام-: إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد لما كان أرصدا قال أبو سفيان: فما تطمع أن يعطيك؟ قال: مائة ناقة لا أنقص عنها ناقة واحدة، قال: خذ مائة ناقة وعد فأخذ مائة ناقة وعاد، وركب واحدة منها فسقط عنها فلوت عنقه وكسرته ودقته فمات كافراً. فهذا المحلِّق دعا الأعشى وعزمه وضيفه، فلما عشاه وكساه وأعطاه شيئاً من المال، قام الأعشى، وعرف المحلق أنه سوف يمدحه، فقال: في قصيدة له يمدح هذا المحلق أبخل العرب: لعمري لقد لاحت عيون كثيرة إلى ضوء نار باليفاع تحرق تبيت لمقرورين يصطليانها وبات على النار الندى والمحلق فيقولون ما مرت سبعة أيام إلا وتزوجت بناته من أشراف العرب.

من صفات زوج التاسعة أنه طويل النجاد

من صفات زوج التاسعة أنه طويل النجاد قالت: (طويل النجاد) النجاد قيل: هو ممسك السيف، وقيل: خباء السيف وقيل: غمده، فهو من شجاعته طويل النجاد، وهو طويل الجسم كذلك (عظيم الرماد) عظيم الرماد معناه: أنه كريم، وليس معناه أن عنده كيراً، ولكنه من كثرة ما يحرق ويطبخ كان من أعظم الناس رماداً (قريب البيت من الناد) أي: أن بيته في متناول اليد فإذا سألت عنه وجدته قريباً من الناس.

العاشرة تصف زوجها بقمة الكرم

العاشرة تصف زوجها بقمة الكرم {قالت العاشرة: زوجي مالك! وما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك} تمدح زوجها بالكرم، وتقول: له إبل كثيرة، وإذا أتاه الضيف حرك السكين فتعرف الإبل أنهن هوالك، فتمد الناقة عنقها، وتتهيأ على الأرض لتنحر، فهو قد تعود على ذلك. تعود بسط الكف حتى لو انه أراد انقباضاً لم تطعه أنامله هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله تقول: من كرمه أن عنده نوقاً كثيرة وإبلاً، فما يأتي الضيف إلا ويحرك المزهر قيل: المزهر الآلة التي تنحر بها الإبل، وقيل: عود يجمع به الإبل، ولكن كأنه -والله أعلم- آلة نحر للإبل. (قليلات المسارح) أي: لا يسرح إبله إلى المرعى، بل هي جاهزة، بجانب البيت حتى يأتي الضيوف فينحرهن لهم، وأما البخيل فإنه يسرحها إلى المرعى، والكريم يجهزها للضيوف، ومن عادة العرب.

قصة أم زرع

قصة أم زرع والآن مع أم زرع وسوف تتكلم كثيراً.

صفات أبي زرع

صفات أبي زرع قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع - اسمه أبو زرع - فما أبو زرع؟ ما أدراك ما أبو زرع؟ - أناس من حلي أذني إما أنه أناس، أي: أعطاها وحلاها في أذنيها، أو أنه آنس: من الأنس واللطافة والرقة والشفافية، فهو في الحسن كحلي الأذن (وملأ من شحم عضدي) أي: أنه أعطاها من النعم حتى امتلأت، أو أنه ملأ في قلبها من شحم العضدين (وبجَّحني فبجحت إلي نفسي) أي: شرفني فتشرفت، وجعلني أفخر فافتخرت، وأراحني فارتحت وجدني في أهل غنيمة بشق تقول: إن أهلي كانوا أهل غنم وضأن وأهل الضأن قليل دخلهم، ليسوا كأهل الإبل والبقر والخيول، فكانت ترعاهن في واد صغير (فجعلني في أهل صهيل) أي: أهل خيل؛ لأن الصهيل صوت الخيل، (وأطيط) قيل: صوت الإبل وقيل: غيره، (ودائس ومنقٍ) وقد تحير ابن حجر في اللفظ، فمرة ينقل عن أهل العلم قولهم: أن منق من النقنقة وهي نقنقة الدجاج، فيكون المعنى: فأصبح عندها دجاج، ورد بأن العرب لا تتمدح بالدجاج، فهل تقول: أحد الناس فتح الله عليه، وأغناه غناء ظاهراً وباطناً وعنده ثلاثون دجاجة؟! فلا يُمتدح بالدجاج. فيقول: لا يمكن أن يمدح بالدجاج، ولكنها تصف الحالة هذه وتقول: هناك أصوات من كثرة الحيوان التي عنده. تقول: (فعنده أقول فلا أقبح) تقول: عند زوجي أتكلم بطلاقة, والزوج الذي هو سمح الجانب تتكلم المرأة عنده بما فتح الله عليها، أما المعقد الشرس، فإنها لا تتكلم إلا كلمات فتقول: أقول فلا أقبح, أي: أتكلم بما فتح الله عليّ فلا يردني ولا يكسحني ولا ينهرني. تقول: (وأرقد فأتصبح) الصُبحة عند العرب في النوم، هي النوم بعد صلاة الفجر, والعرب عندهم للنوم هيلولة وفيلولة وغيلولة وقيلولة, فالهيلولة: بعد صلاة الفجر, وهي مستقبحة عند العرب, والفيلولة: عند الضحى, والقيلولة: بعد صلاة الظهر أو قبلها، وعند السلف أنها قبلها، والغيلولة: بعد صلاة العصر. إن نومات الضحى تورث الفتى خبالاً ونومات العُصَيْر جنون ولم يصح في النهي عن النوم بعد العصر حديث, وكل ما ورد فيه فهو باطل أو موضوع, قاله ابن القيم وغيره من أهل العلم, فالأحاديث التي ركبت كحديث {من نام بعد صلاة العصر فجن فلا يلومن إلا نفسه} ليس بصحيح, بل لك إذا فترت أو جهدت أو تكلفت أكبر من طاقتك أن تنام بعد العصر ولا بأس، لتستعين بهذا على طاعة الله, وكذلك لم يصح في النهي عن النوم بعد الفجر حديث, لكن هناك أحاديث منها حديث أبي صخر الغامدي في المسند وغيره بأسانيد صحيحة: {بارك الله لأمتي في بكورها} أما كلام الغزالي في الإحياء وقوله: إن الأرض تبكي إذا نام طالب العلم بعد الفجر فمن أين؟ {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111] لا سند ولا رأس ولا ذنب. فتقول هذه المرأة: من سعادتي عند زوجي أنام حتى في الصباح، فليس عندنا أشغال ولا أعمال والصبوح عند العرب: هو الشرب في أول النهار، وقيل: شرب اللبن, والغبوق: شرب اللبن في آخر النهار وهذه امرأة كسلانة، والعرب يمدحون الكسولة لكن هذا لا يخبر به تقول: (وأشرب فأتقنح) أي: أشرب حتى أرتوي، ثم أزيد وأزيد من كثرة الشراب، لبناً وماء ونبيذاً، وذكر ابن حجر أنه خمر، وقد يكون هذا لأنهن جاهليات، لم يعرفن تحريم الخمر فهي تروى وتزيد على الري, من كثرة ما عنده من الخير.

صفة أهل أبي زرع

صفة أهل أبي زرع ثم بدأت تسرد أهله واحداً واحداً لكثرة سعادتها مع أبي زرع، تقول: {أم أبي زرع فما أم أبي زرع؟ عكومها رداح} أي: أنها من كثرة النعيم ممتلئة الجسم، فيها شحم ولحم، والعكوم: هو مجامع البطن, (ورداح) أي: متينة سمينة , {(وبيتها فساح)} حتى أم أبي زرع لها بيت واسع (ابن أبي زرع) -من زوجة غيرها- فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبة)} تقول: المنام الذي ينامه من صغر جسمه ونحافته ورشاقته ولأنه حر، كأنه سلة السيف, أي: لا ينام إلا في مكان صغير مثل سلة السيف (ويشبعه ذراع الجفرة)} الجفرة: هو ولد الماعز، وقيل: ولد الضأن إذا مر عليه أربعة أشهر أو ستة أشهر, فتقول: أن ذراع الجفرة يكفيه من قلة أكله؛ لاشتغاله بالمهمات من الأمور (بنت أبي زرع طوع أبيها وطوع أمها) من امرأة غيرها {فما بنت أبي زرع؟ (طوع أبيها وطوع أمها}) ما شاء الله تطيع أباها وأمها (وملء كسائها) أي: أنها في نعمة (وغيظ جارتها)} يحسدنها جاراتها من جمالها, ولذلك يقول عمر بن أبي ربيعة: زعموها سألت جاراتها وتعرت ذات يومٍ تبترد أكما ينعتني تبصرنني عمركن الله أم لا يقتصد تقول هذه المرأة لجاراتها: بالله عليكن هل أنا حسناء مثل ما يصفني هذا الشاعر، أم أنه يبالغ في الوصف. فتضاحكن وقد قلن لها حسن في كل عين من تود حسداً حملنه في شأنها وقديماً كان في الناس الحسد ويقول الأول: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالناس أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغياً إنه لدميم وقيل: وترى الشريف مجرماً في قومه ولم يكتسب جرماً وعرضه مشتوم وهذا من الحسد الذي وضعه الله في القلوب التي ما آمنت ولم يملأها الإيمان. قالت: {(وغيظ جارتها)} قيل: غير وخير وغيظ، أي: أنهم يغارون منها لجمالها وحسنها. (جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثاً) لا تنشر الخبر، بل هي ساكتة صامتة حافظة للسر (ولا تنقث ميرتنا تنقيثاً) أي لا تضيع مالنا، (ولا تملأ بيتنا تعشيشاً) أي: لا تجمع في البيت الزبالات، وقطع الأوراق والقراطيس، ولكنها نظيفة، وتضع كل شيء في مكانه، وهذا من أدبها وسلوكها وسمتها.

أبو زرع يطلق أم زرع

أبو زرع يطلق أم زرع وقالت: (فخرج أبو زرع ذات يوم والأوطاب تمخض) الأوطاب: الأسقية التي يوضع فيها اللبن، فهم أهل لبن، ومن كثرة لبنهم ودسمهم وما عندهم من زبد أنهم يمخضونها. قالت: {} هذا آخر المطاف، طلق أم زرع هذه ونكح تلك.

أم زرع تنكح زوجا آخر

أم زرع تنكح زوجاً آخر قالت: {(فنكحت بعده رجلاً سرياً)} أي: من أشراف الناس، من السراة. لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا ولذلك قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} [مريم:24] قيل: شريفاً من الأشراف، وسيداًَ من السادات، وقيل: صغيراً طفلاً {(ركب شرياً)} ركب فرساً سريع العدو، والشري هو الذي يبلغ الغاية في الشيء، {(وأخذ خطِّياً)} الخطي هو: الرماح تأتي من بلد الخط وهو بلد في البحرين يقول زهير بن أبي سلمى: وهل ينبت الخطي إلا وشيجه وتغرس إلا في مغارسها النخل (وأراح علي نعماً ثرياً) أي ملأ بيتي من الإبل والبقر والغنم، (وأعطاني من كل رائحة زوجاً): أي: من كل شيء؛ من الإبل والبقر والغنم، (وقال: كلي أم زرع وميري أهلك) حتى أهلك في البيت أرسلي لهم من هذا المال.

أم زرع تحن إلى زوجها الأول

أم زرع تحن إلى زوجها الأول (قالت: فلو جمعت كل شيء أعطانيه، ما بلغ أصغر آنية أبي زرع) تقول: مع أن هذا الأخير أسدى إليَّ كل هذا، أسدى، لكن لو جمعت كل شيء أعطانيه في أصغر الآنية التي كان يعطيني فيها أبو زرع، ما بلغت شيئاً، فقلبها معلق بالأول، قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كنت لك كـ أبي زرع لـ أم زرع}.

فوائد الحديث

فوائد الحديث في الحديث فوائد:

حسن العشرة

حسن العشرة أولها: حسن عشرة المرء لأهله، بالتألف والمحادثة بالأمور المباحة ما لم يفض ذلك إلى حرام، وهذا واجب الرجل؛ أن يكون له حديث تأنيس ومداعبة مع أهله، فلا يكون الأمر جداً في كل حين، ولكن ساعة وساعة، بشرط ألا يصل ذلك إلى محرم، كتضييع صلاة أو تفويت فائدة، أو ضياع وقت طويل؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أخذ وقتاً في سماع هذا الكلام، وهو أعبد الناس لله، وأخشى الناس لله، وأعرف الناس بحقوق الله تبارك وتعالى.

المزاح مع الأهل

المزاح مع الأهل الثانية: المزاح أحياناً وبسط النفس به، ومداعبة الرجل أهله وإعلامه بمحبته لها، ما لم يؤد ذلك إلى مفسدة تترتب عليه من تجنيها عليه وإعراضها عنه يقول بعض العلماء: لا بأس بالمزح والمداعبة مع الأهل، ولا بأس أن يخبر الرجل أهله أنه يحبها، بشرط ألا يؤدي ذلك إلى أن تتكبر عليه؛ لأن بعض النساء من نقص عقلها إذا أخبرتها أنك تحبها، تجنت عليك وقاطعتك وأخذت أي شيء لتغضبك به؛ لترى كيف تتلمظ عليها وكيف تتحسر عليها، فيقول بعض أهل العلم: ليكن بين الرجل وزوجته، كشعرة معاوية، إن سحبها الناس أرخاها، وإن أرخوهاجذبها أو كما قال، فلا تظهر لها كثرة الحب، فتتجنى عليك وتتكبر عليك، وترى أن لها الفضل؛ لأن بعض النساء إذا مدحتها وقلت: بارك الله فيك، ما أحسنك! ظنت أن الفضل لها، وأنك ما فعلت شيئاً وأنها كاملة الأوصاف، وأنك لا تستحقها.

الفخر بالتقوى

الفخر بالتقوى الثالثة: منع الفخر بالمال، وبيان جواز ذكر الفضل بأمور الدين فإن هؤلاء النساء افتخرن بأمور، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الفخر بالتقوى وبالدين، وأن أحسن الأوصاف حسن الخلق بعد الدين.

تذكير المرأة بحسن العشرة

تذكير المرأة بحسن العشرة الرابعة: إخبار الرجل أهله بصورة حاله معها، وتذكيرها بذلك لاسيما عند وجود ما طبعن عليه من كفر الإحسان فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ عائشة: {أنا لك كـ أبي زرع لـ أم زرع} فيقول: أنا طيب معك، وتعاملي معك حسن كـ أبي زرع لـ أم زرع، فإن هذه المرأة الحادية عشرة أحسن النساء عشرة مع زوجها، ففيه أنه لا بأس أن يذكر الرجل امرأته بما فعل بها، كأن يقول: فعلت بكم كذا وأعطيتكم كذا، ومنحتكم كذا وأسديت لكم كذا؛ لأن المرأة مجبولة على النكران وعلى الجحود {لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك معروفاً قط} فلا بأس بالرجل أن يذكرها؛ لأنها قد تنسى وتجحد وتنكر.

ذكر المرأة لإحسان زوجها

ذكر المرأة لإحسان زوجها الخامسة: فيه ذكر المرأة إحسان زوجها فإن المرأة العاقلة الرشيدة المؤمنة التي تخاف الله من أدبها أن تحسن ذكر زوجها عند الناس، وأن إذا سألوها عن زوجها تقول: فيه خير وهو صاحب دين واستقامة، وجزاه الله خيراً؛ ليكون أرفع لها عند الله تبارك وتعالى، وأرفع لذكرها، وأعظم لأجرها.

إكرام الرجل بعض نسائه

إكرام الرجل بعض نسائه السادسة: فيه إكرام الرجل بعض نسائه في حضور ضرائرها، بما يخصها به من قول أو فعل يؤخذ هذا من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أكرم عائشة كثيراً، ولاطفها أكثر من بعض جاراتها وضرائرها عليه الصلاة والسلام، وربما أتحفها بشيء، وهذا لا يقدح في عدله عليه الصلاة والسلام، فهو أعدل الناس، وأقرب الناس، وأنصف الناس.

تحدث الرجل مع زوجته في غير نوبتها

تحدث الرجل مع زوجته في غير نوبتها السابعة: فيه جواز تحدث الرجل مع زوجته في غير نوبتها وهذا للذين عندهم أكثر من واحدة، فيجوز له أن يتحدث مع الزوجة في نوبة الأخرى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمر على التسع مروراً، في يوم إحداهن، فيحادثنه ثم يذهب إلى التي هو في يومها ويجلس عندها.

الحديث عن الأمم الخالية

الحديث عن الأمم الخالية الثامنة: فيه الحديث عن الأمم الخالية، وضرب الأمثال بها للاعتبار فلا بأس أن تتحدث أنت والناس بأخبار أجدادنا، والقبائل التي سلفت وما وقع من أخبارهم؛ لأن فيها عبراً وتجارب، ولأن فيها قصصاً، ويستفاد منها. مصائب قوم عند قوم فوائد قال جابر بن سمرة: {كان صلى الله عليه وسلم يجلس معنا بعد صلاة الفجر، فنتحدث عن أخبار الجاهلية، ونضحك وهو يبتسم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم} فلا يأتي أحد ويقول: هذا حرام، تحدثنا عن الصحابة وإلا اسكت لا. المجال واسع، إذا لم يكن فيها أمر محرم، ولا غيبة ولا نميمة، ولا زور، فلا بأس بالحديث.

جواز الانبساط

جواز الانبساط التاسعة: جواز الانبساط بذكر طرف الأخبار ومستطابات النوادر، تنشيطاً للنفوس وهذا خلاف ما ذهب إليه غلاة العباد وغلاة الصوفية، فإنهم لا يرون هذا، يقولون: هذا ضياع للوقت. فإذا تحدث الرجل مع أهله أو مع ضيوفه في أمور مباحة فلا بأس، فالرسول صلى الله عليه وسلم تحدث في هذه القضايا واستمع إليها، فلا بأس أن تتحدث مع الناس في الأشعار والأمطار والأخبار، وما وقع في وديانهم من الحوادث، وهذا من البسط ومن تشجيع النفس على العبادة، لأن النفس إذا بقيت دائماً على الشدة، كلت من العبادة، ولم تقبل عليها، فالإنسان مثل الذي يتحدث في الدرس، ثم يذهب إلى الناس فيحدثهم، ثم ينتقل معهم في مكان، ودائماً يواصل عليهم الحديث، فتمل قلوبهم وتسأم أرواحهم، وتنقفل وتغلق.

حث النساء على الوفاء

حث النساء على الوفاء العاشرة: فيه حث النساء على الوفاء لبعولتهن، وقصر الطرف عليهم والشكر لجميلهم وهذا أدب أدبنا الله به، ويوجه للنساء أن يتقين الله عز وجل في أزواجهن، فيذكرن جميلهم وما لهم من أيادي، ولا تعدد السيئات وتترك الحسنات؛ لأن المعصوم هو محمد عليه الصلاة والسلام، والمرأة التي تبحث عن زوج كامل الدين، وكامل الأخلاق، وكامل التعامل، وكامل المروءة امرأة جاهلة؛ لأننا نحن العباد ما كملنا مع الله، فكيف يكمل الإنسان مع النساء؟! وكيف ومن لك بأخيك كله؟! إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه فنحن برحمة الله عز وجل ولا يكمل أحد. فالمقصود: أن على المرأة أن تتقي الله، وأن تغض وتسامح وتعفو عن نقص زوجها وتذكر الجميل فيه، فقد يكون بخيلاً، لكن تتذكر أنه يحافظ على الصلوات الخمس، فتذكره بالصلوات الخمس والمحافظة عليها.

ذكر المرأة محاسن زوجها ومساوئه

ذكر المرأة محاسن زوجها ومساوئه الحادية عشرة: ذكر المرأة زوجها بما تعرفه من حسن وسوء، ولا بأس إذا اضطرت إلى ذلك أن تصفه بحسن أو سوء إذا كان لمصلحة، إما بالسؤال عنه، وإما ابتداء من تلقاء نفسها.

من ضوابط الغيبة

من ضوابط الغيبة الثانية عشرة: وفيه أن ذكر المرء بما فيه من العيب جائز إذا قصد التنفير عن ذلك الفعل؛ بشرط ألا يسمى ولا يكون غيبة. فنقول: كيف جاز لهؤلاء النسوة أن يجلسن ويغتبن أزواجهن؟ قيل: لأنهن في الجاهلية، وما عندهم أن الغيبة حرام، والنميمة حرام، وإسبال الثوب حرام الجاهلية تركب رءوسهم، فهم لا يعرفون الحلال من الحرام، فمن هذا القبيل -بارك الله فيكم- ما توقفنا عند الغيبة، أما في الإسلام فلا يجوز للمرأة أن تغتاب زوجها- كما قال الحافظ ابن حجر - إلا لمصلحة، كأن تشتكي عند القاضي أو الحاكم، فيقول لها الحاكم: ماذا تنقمين على زوجك؟ فتقول: إنه بخيل، أو سيئ الخلق أو مقاطع أو لا يأتينا إلا غروراً في البيت، ومن هذا القبيل. ولذلك جاءت هند زوجة أبي سفيان إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: {يا رسول الله! أبو سفيان رجل شحيح، ألا آخذ من ماله؟ قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف} فهذه شكته وبينت عيبه للحاجة، فيجوز للمرأة إذا أتت حاجة أن تشكوه عند القاضي والحاكم إذا رأت أن في هذا مصلحة، وليس من الغيبة، أما لغير حاجة فلا يجوز وهو غيبة.

تعدد النساء

تعدد النساء الثالثة عشرة: قال الحافظ: وفيه تقوية لمن كرهن نكاح من كان له زوجة، لما ظهر من اعتراف أم زرع بإكرام الزوج الثاني بقدر طاقته. يقول الحافظ: فيه تشجيع للنساء، لمن كره منهن نكاح من كان له زوجة؛ لما ظهر من اعتراف أم زرع بإكرام زوجها الثاني، فلا تتهيب المرأة من الزواج على زوجة قبلها، فإنه قد يكرمها أحسن ممن ليس له زوجة وليس معنى ذلك أن الرجل الذي ليس عنده زوجه يكرمها دائماً، بل قد يهينها، وليس معناه أن من عنده زوجة، سوف يهينها، لا بل قد يكرمها قال: ففيه تشجيع للنساء ألا تحرص الواحدة على ألا يكون قبلها زوجة، لكن تحرص على رجل الخير والدين والاستقامة وحسن الخلق؛ لأنها قد تسعد معه ولو كان معه ثلاث نساء أسعد مما لو كانت مع زوج ليس له إلا هي، فالمسألة مسألة دين وتعامل وخلق.

الحب يستر الإساءة

الحب يستر الإساءة وفيه أن الحب يستر الإساءة؛ لأن أبا زرع مع إساءته لها بتطليقها، لم يمنعها ذلك من المبالغة في وصفه إلى أن بلغت حد الإفراط والغلو. يقول الحافظ: إن الحب يستر كل شيء، وحبك الشيء يعمي ويصم، فهذه المرأة تحب الزوج الأول ومع ذلك طلقها، وأحبها الثاني لكنها تمدح الأول، ومع أنه أساء إليها بالطلاق لكن قلبها معلق به يقول أبو تمام: كم منزل في الأرض يعشقه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل ويقول أحد الشعراء: وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عيب السخط تبدي المساويا يقول: إنك إذا رضيت عن إنسان رأيت سيئاته حسنات، ورأيته كامل الأوصاف، حتى تجد بعض الناس يصف صديقه وأنت لم تره فيقول: ولي من الأولياء، لا إله إلا الله! تتذكر أولياء الله إذا رأيت وجهه ثم يحسبه وينسبه حتى كأنه يصف أبا بكر الصديق، فإذا رأيته، فما هو بذاك الوصف الذي وصفه، لكنه أحبه، وتجد بعض الناس إذا أبغض إنساناً فإنه يدخل عليه بالمداخل، يقول: فيه كذا وكذا، ويتتبع السقطات والعثرات، فإذا رأيته وإذا هو أعظم وأكبر مما قيل فيه، فحب الشيء يعمي ويصم.

وصف محاسن النساء للرجل إذا كان مأمونا

وصف محاسن النساء للرجل إذا كان مأموناً الرابعة عشرة: فيه جواز وصف النساء ومحاسنهن للرجل.

جواز السجع

جواز السجع الخامسة عشرة: فيه جواز السجع إذا كان بغير تكلف والسجع هو أن تنهي الكلمات بحرف واحد متسق، وهو جميل في الكلام، لكن إذا خرج إلى حد الكلفة فهو مذموم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم تشاكست عنده امرأتان، فقام رجل من غطفان فقال: {كيف أغرم من لا نطق ولا استهل، ومن لا شرب ولا أكل، فمثل ذلك يطل! فقال عليه الصلاة والسلام: أسجع كسجع الكهان؟} لأنه تكلف، وإلا ففي القرآن سجع لكنه جميل وغير متكلف، وفي كلامه صلى الله عليه وسلم بعض السجع، ولكنه جميل وحبيب إلى النفوس، وغير متكلف.

من أحكام الطلاق

من أحكام الطلاق السادسة عشر: فيه أن الطلاق لا يقع بالمشابهة وقد ذكرها الحافظ ابن حجر وقال: فيه أن الكناية في الطلاق لا تقع إلا مع مصاحبة النية منه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {أنا كـ أبي زرع} وأبو زرع طلقها، ولكن لا يشبهه من كل جانب، ومن الأحاديث يؤخذ أن المشبه لا يقتضي أن يكون كالمشبه به، فقد يخالفه في بعض الشيء، وتقول محمد كالأسد في الشجاعة، لكنه ليس كالأسد في براثنه ومخالبه وجلده، وعينيه، وهذا أمر معلوم.

جواز مدح الرجل في وجهه

جواز مدح الرجل في وجهه السابعة عشرة: فيه مدح الرجل في وجهه، إ ذا علم أن ذلك لا يفسده. ومسائل الحديث كثيرة، وقد شرحه القاضي عياض في كتاب كبير، ويقول الحافظ: استقصيت من شرحه وهم يقاربون العشرة من أهل العلم، وإنما شرحته؛ لما فيه من الحكم والفوائد؛ ولما فيه من اللطائف والأنس؛ ولأنه قد يعرض لبعض طلبة العلم، وفيه بعض الكلمات الغريبة التي تحتاج إلى مراعاة وإلى مراجعة.

رسالة من فنان تائب

رسالة من فنان تائب ختاماً: نقرأ عليكم بعض ما أفادنا به بعض العائدين والتائبين إلى الحي القيوم، الذين أبصروا الحق وأرشدهم الله سواء السبيل، فإن الله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل، وهي بشرى لهذا المسلم أن الله سدده وهداه، واستثمر عمره إن شاء الله فيما يقربه من الله، وعاد عبداً لله عز وجل، بعد أن كان مع المطبلين والمطبلات والمغنين والمغنيات، والماجنين والماجنات، أصبح الآن من عداد الذين يريدون الله والدار الآخرة. يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا شاعر كنت أحضر العرضات والطرب، وكنت آخذ على ذلك أجراً من ألفين إلى خمسة آلاف في الحفلة الواحدة، واستمررت على هذا سنين طوال، ولي أشرطة كاسيت مغناة بصوتي مصحوبة بآلة العود، والحمد لله تركت ذلك لوجه الله -أبدلك الله في الجنة خيراً منه- من مدة سنين وتبت إلى الله الواحد الأحد، فأرجو إجابتي على أسئلتي الآتية أثابكم الله: أولاً: هل المبالغ التي أخذت من هذه الحفلات حلال أم حرام؟ ثانياً: إذا لم أستطع القضاء على الأشرطة فما هو الحل؟ ثالثاً: هل العرضات وقصائدها حرام؟

التصرف في أموال الغناء بعد التوبة منه

التصرف في أموال الغناء بعد التوبة منه A أولاً: نحييك باسمي ومن بالمسجد جميعاً، وندعو الله لك التوفيق والهداية، وأن يبدلك في الجنة خيراً مما تركته في الدنيا، فإن من ترك شيئاً لله أبدله الله خيراً منه في الآخرة، ولذلك في مسند الإمام أحمد: أن من ترك الغناء في الدنيا عوضه الله عز وجل بسماع غناء الحور العين في الجنة، ينشدن ويقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا، قال ابن القيم: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان هذا غناء أهل الجنة أن الله يرسل ريحاً رطبة هينة سهلة لينة على أغصان الجنة -نسأل الله تلك الأمكنة- فتهز الأغصان فتتلألأ، وتصطك الأغصان، فتحدث صوتاً عجيباً، آخذاً بالقلوب، فيعوضه الله عز وجل من ترك الغناء في الدنيا. قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان ياخيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان فأنت -إن شاء الله- ممن يستمع الغناء الطيب، يوم تبت إلى الله وأنبت وراجعت حسابك مع الواحد الأحد. أما: هل المبالغ التي أخذتها حلال أم حرام؟ فهذه المبالغ أولاً: يطلب منك أن تصرفها في مصارف الخير، وأن تتوب إلى الله عز وجل منها؛ لأنك أخذتها من أموال غير مشروعة، وهي أموال أقل قصاراها وأحكامها الكراهة والشبهة، فأنت تتقي الله ما استطعت، لا نقول لك احسب كل ريال دخل عليك وخرج، لكن تصدق بقدر المستطاع، عل الله أن يغفر لك مازل أو ما أكلت أو ما لبست، أما أن نقول لك: احسب كل حفل وكل ما حضرت وأخرج، فهذا شاق، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وعفا الله عما سلف، فنسأل الله أن يعفو عنك، لكن أنصحك بكثرة الصدقة، وإن كان عندك رصيد فاجعله في ميزان حسناتك عند الله، إما في مسجد، وإما للمجاهدين, وإما للفقراء، وإما أن تجعله في عين أو مشروع خير لينفع المسلمين، أو تتصدق به، وأما أن يلزمك الكل فلا، عفا الله عما سلف، واتقوا الله ما استطعتم، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وأما إذا لم تستطع القضاء على الأشرطة فما هو الحل؟ الحل مادام أن عندك موهبة شعرية، فعليك أن تكثر من الاستغفار والذكر أكثر من كل الناس؛ لأن الله ذكر الشعراء في القرآن، فقال: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء:227] فذكر الله الذكر هنا لأنهم أكثر الناس كلاماً، ونشيداً وقصائد، فأمرهم بكثرة الذكر، فأكثر من الاستغفار لكثرة قصائدك وأشعارك، حتى يكافئ هذا هذا {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] وما دام أن الموهبة عندك، فأنا أدلك على نظم القصائد الإسلامية التي تمدح فيها الإسلام، وتذكر الناس بالعودة إلى الله، والتوبة إلى الواحد الأحد , وتذكرهم بالقبر والحوض والميزان، وتنظم في العقائد والأخلاق، وتمدح أهل الدين والاستقامة، وتذم أهل الفسق والفجور، حتى تكون داعية من دعاة الإسلام، بشرط ألا يطغى عليك الشعر حتى يأخذ أوقاتك، وبشرط ألا يصاحب شعرك عود أو وتر أو ناي، أو دف أو طبل، بل تكن شاعراً تنظم هكذا في المجالس بلا آلة موسيقى، وتكون موجهاً، ويكون لك -إن شاء الله- لسان صدق عند الله، من الذين يحشرون تحت علم حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما: هل العرضات وقصائدها حرام؟ فهذا يسأل فيه أهل الفتيا من أهل العلم، ويحال إلى هيئة كبار العلماء؛ لأنها مسائل عصرية اجتهادية، (وولِّ حارها من تولى قارها) فأنت تسألهم، وعليك أن تنقذ نفسك، وهذه الأمور فأنت لا تُسأل عنها، لكن عليك أن تنقذ نفسك، ويحال هذا السؤال إلى كبار العلماء ليفتوا عنه. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الشباب طموح ومعاناة

الشباب طموح ومعاناة بدأ الدرس بقصيدة ترحيبية للشيخ: سلمان العودة، رحب فيها بالشيخ عائض القرني ثم بدأ الشيخ عائض محاضرته بمقدمة شعرية، ذكر بعدها عناصر المحاضرة، ثم بدأ في تفصيل المحاضرة فتكلم حول الشباب والفطرة، ثم بين أن المعاناة في حياة الجيل سبيل وسنة، وتكلم بعد ذلك عن صور المعاناة عند الشباب لمصادرة الحريات وتحجيم دور الشباب في الحياة، وعن حيرة الشباب أمام الركام الهائل من الغثاء العقدي، معرجاً بعد ذلك إلى ذكر بعض صور الطموحات عند الشباب المسلم. ثم ختم المحاضرة بذكر بعض الاقتراحات العاجلة، وقام بعد ذلك الشيخ سلمان العودة بالتعليق على المحاضرة بكلام قيم نفيس وختم كلامه بالدعاء.

ترحيب بفضيلة الشيخ عائض القرني

ترحيب بفضيلة الشيخ عائض القرني الحمد لله على نعمة الإسلام, وكفى بها نعمة, والحمد لله عند كل نعمة، والحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه, كما يحب ربنا ويرضاه, والصلاة والسلام على نبينا محمد أفضل نبي وأشرفه وأزكاه. ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية من عند الله مباركة طيبة. أيها الإخوة الأحباب! باسمكم جميعا نحيي شيخنا وضيفنا وحبيبنا، أبا عبد الله الشيخ: عائض بن عبد الله القرني من كل قلب يمتلئ بالحب، وكل عينين تشعان بالصدق, وكل لسان ينطق بالحق, نقول: أهلاً بـ أبي عبد الله ترحب به عرانين نجد وبطاحها، وجبال عسير وقممها, أهلاً بـ أبي عبد الله من كل الشباب الذي امتلأت قلوبهم حبّاً لك, كما امتلأ قلبك نصحاً لهم وحباً. يا أبا عبد الله! تحييك نجد والقصيم كلها, من كل الشباب الذين آمنوا بالله رباً وبمحمد نبياً وبالإسلام ديناً, تحييك نجد كلما هبت صباها, وفاح شذاها, وتقلب صباحها ومساها, أهلا بك يا أبا عبد الله كلما نبست شفة أو رفت عين أو خفق قلب بحب. يا أبا عبد الله إن جميع الشباب الذين يغص بهم هذا المجمع المبارك, جاءت لتعلن بلسان حالها ومقالها أنها جموع محمد صلى الله عليه وسلم, وأنهم أهل الحق الذي تصدع أنت بكلمته, وأنهم أتباع محمد الذي تشدو أنت بدعوته, وأن الطريق والصراط المستقيم قد اتسع لشباب علت هممهم، وسمت اهتماماتهم, وأصبح الذي يستهويهم صوت الكلمة الصادقة, والدعوة الناصحة, والرأي السديد. أيها الإخوة! أدعكم مع سبح شعري، معانيه في قلوبكم جميعاً, ولكن الذي رسم كلماته هو شيخنا الشيخ سلمان بن فهد العودة , رسم هذه الكلمات معبراً عما في قلوبنا كلنا من حب, وشرفني يوم أن أمرني بإلقائها: احملوني إلى الحبيب وروحوا واطرحوني ببابه واستريحوا أنا من هيح الغرام شجاه وبراه الهيام والتبريح يا أبا عبد الله كم من محب ناله من هواك ضر جريح فسلام عليك من حيث تغدو وسلام عليك حيث تروح وسلام عليك في كل صمت وسلام عليك حين تبوح وسلام أنى حللت يوافيك كما الظل في مداه الفسيح ذلك الحزن في الوجوه بكاء من مآسٍ تغدو بنا وتروح فـ فلسطين طعنة وأنين وقتيل ونازف وجريح وقلوب قد أنهكتها الرزايا فعليها من الرزايا موح وبلاد الأفغان أنّات حزن وثكالى على ثكالى تنوح ويهز الدنيا نداء صريخ تحت أقدام قاتليه طريح وعلى كل بقعة ذكر اسم الله فيها مصائبٌ وقروح يا أبا عبد الله ما حشر الأشباح إلا روح أبي سبوح هزه الشوق للمجالس نشوى بعبير من الجنان يفوح وبلحن من الكلام ندي فيه سر من السماء وروح فلأنت الشباب يهتز عطراً ومعاناته وأنت الطموح رافضاً زخرف الحياة جمالاً باهتاً لم ينده التسبيح أما الآن فأدعو أسماعكم لتتعطر بهتافات أبي عبد الله وكلماته، فليتفضل مشكورا مأجوراً.

قصيدة شعرية للشيخ عائض القرني

قصيدة شعرية للشيخ عائض القرني بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم صلّ وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي, وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي, صاحب الغرة التحجيل, المؤيد بجبريل, المعلم الجليل، المذكور في التوراة والإنجيل, صلى الله عليه وسلم كلما تضوع مسك وفاح, وكلما ترنم حمام وصاح, وكلما شدا بلبل وناح. هذي جراحي وهذا كله وصبي وهذه دمعتي سالت على تعبِ يكفيك يا قلب أنا في القصيم غدت قلوبنا تنسج الأفراح في طربِ يا ماسح الدمع عن عيني ذكرتكم والهم ينتابني والهول يعصف بي فيا فمي اليوم قبل كل ناصية شماء واقصد بها الرحمن واحتسب بريدة الحق ما زالت محجبة وصانها الله من باغ ومغتصبِ أمطر عنيزة دمع الحب يحمله روادها من صميم السادة العرب في الرس ترسو المعالي وهي راسخة وفي البكيرية الغراء كل أبي يا بن البدائع أبدع ما أردت على نهج الرسول ونهج الثلة النجب يا مذنب الأوفياء الله يحفظكم من زاركم مذنباً في دينه يتب هل أخبروك عن الخبرى وما فعلت أجيالها حاملو الأقلام والقضب قصدي عيون الجوى يا عين فاغتنمي يا صاحب العين لا تأس على الحجب شمس الشماسية البيضاء معتقة بالبر والخير لم تكسف ولم تغب أرض الأشاوس ما دانت لمضطهد جوراً وما صافحت كفاً لمنتهب ولا استناخت لجبار على رغم لو كان من يزن نسلاً ومن كرب أنوف أبطالها مرفوعة أبداً إذا أنوف خصوم الحق في الترب صلى على أرضها روح الفدى وسقى ترابها معصرات المزن في السحب وذاد عنها دعاة الخير ما برحت ترمي الشياطين عنها الدهر بالشهب أيها الناس! إن الذي يأتي ليحدثكم كالذي يروض الأسود, أو كالذي يسحب الحبل على شفرات السيوف. أيها الإخوة! يوم أن أتيت إليكم قال لي قلبي: إنك تأتي قوماً أهل كتاب وسنة, فليكن أول ما تخبرهم عنه أنك تحبهم في الله, فأشهد الله في هذه الليلة, وأشهد ملائكته وأشهد حملة العرش, وأشهد المسلمين, أني أحبكم في الله, ولسان الحال يقول: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف:88]. كان لي نية قبل فترة أن أتشرف بزيارة هذا المعلم, وهذا المكان، لأشارككم فرصة عودة دروس الشيخ الفاضل العالم المسدد سلمان بن فهد العودة , ونعيش هذه الأمنية الغالية، ولكني جئت الليلة معتذراً وشاكراً ومعانقاً ومسلّماً.

موجز المحاضرة

موجز المحاضرة عنوان المحاضرة "الشباب معاناة وطموح" ولها عناصر: الشباب والفطرة، المعاناة في حياة الجيل سبيل وسنة، معاناة الخيرين أبد الدهر، رسولنا صلى الله عليه وسلم بين حرب الإيذاء والإغراء, من صور المعاناة عند الشباب، مصادرات الحريات في حياة الجيل, وفصله عن ماضيه المجيد, تحجيم دوره في الحياة ومكانته في التأثير، حيرته أمام ركام هائل من الغثاء الفكري والعقدي والسلوكي، إدانته باتباع السنة واتهامه باعتناق الملة، قلة المربين والعلماء الربانيين. أما من صور الطموحات فتطلعه أن يكون العالم الرباني، الذي يعيد للعلم مكانته, سعيه إلى أن يكون المجاهد الذي ينصر الله به دينه، حرصه على إعادة الأمة إلى صدارتها وإمامتها, هدايته الناس إلى الله تبارك وتعالى, تطهيره الأرض من الدخيل الكافر, وإعادة الكمال الإنساني إلى أمة الخلافة. تلكم عناصرها، وفي الحقيقة إنني كتبت المحاضرة لجلالة الموقف, وكنت أرتجل في غالب الأوقات، لكن لما علمت أني سوف أفد إلى مدينة العلم والدعوة، والقضاة والمشيخة, آثرت أن أكتب كالبحر يمطره السحاب وما له فضل عليه لأنه من مائه شباب محمد صلى الله عليه وسلم أخاطبهم هذه الليلة, شباب المساجد، شباب القداسة, شباب المبادئ، شباب التوحيد.

الشباب والفطرة

الشباب والفطرة قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30] على ماذا فطر هذا الإنسان؟ على لا إله إلا الله محمد رسول الله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:172] فنطقوا، قال الرازي والغزالي: شهادة حال, وقال الجمهور: شهادة مقال. ولد المولود وفي قلبه مكتوب لا إله إلا الله، وفي دمه تجري لا إله إلا الله، وفي عروقه تسبح لا إله إلا الله. يقول شيخ الإسلام رحمه الله: لكل مسلم ميلادان اثنان: الميلاد الأول: يوم ولدته أمه. والميلاد الثاني: يوم اهتدى وتاب. ومن يولد الميلاد الثاني فلن ينفعه الميلاد الأول، لأن الميلاد الأول من جنس ميلاد الحيوانات والعجماوات والبهائم والطيور والزواحف, وقال كذلك شيخ الإسلام في مختصر الفتاوى: ولكل مسلم أبوان؛ الأب الأول أبوه الجثماني والأب الثاني محمد صلى الله عليه وسلم فهو أبوه الروحاني، قال وفي قراءة أُبي: (وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم) فالرسول صلى الله عليه وسلم أبٌ للشبيبة المهتدية السالكة إلى الله. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه} سقط رأسه على التوحيد, وانبعث على التوحيد, ولكن التربية والغزو الفكري والأيادي العميلة, ومرتزقة الفكر أرادوا أن يلحد أو ينحرف أو يفسق في دين الله, وجزاء الذين يغيرون فطرة الله أن يغير الله أفئدتهم وأبصارهم، ولذلك قال سبحانه وتعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] قالوا: (أول مرة): يوم الميلاد, وقيل: يوم الدعوة, وهذه الآية تتحقق في أسمى كمالها في انهيار الشيوعية اليوم، فهي تنسحق ويخرج العراة الجائعون من بيوتهم، يدوسون بجزماتهم صور لينين واستالين. لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصب لقد قلب الله فطرهم, ولقد قلب الله أنظمتهم, ولقد دس الله أنوفهم في الوحل, فرئيس يأتي ليسحب صورة رئيس ويلعنها ويدوسها, {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:38]. ولكني لا أفيض، وقد أردت أن أفيض, ولكني سوف أترك هذه الإفاضة لفضيلة الشيخ عبد الوهاب بن ناصر الطريري غداً مع محاضرة (موسكو تحطم أصنامها). {وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان} {وأن يبيع حاضر لباد} وأن تلقى السلع قبل أن يهبط بها إلى الأسواق, فأعط القوس باريها، والكلمة خطيبها، منتظراً منه بحثاً في هذه الجزئية، التي نعيشها بدمائنا وقلوبنا.

المعاناة في حياة الجيل سبيل وسنة

المعاناة في حياة الجيل سبيلٌ وسنة والمعاناة في حياة الجيل سبيل وسنة, والله خلق الإنسان في كبد, {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [الانسان:2] قالوا: بالدعوة, وقيل: بالتكليف, بل هو مبتلى حتى في طعامه وشرابه, والفاسق مبتلى في معصيته, وشارب الخمر مبتلى بكأسه, وضارب العود مبتلى بعوده, والفنان مبتلى بفنه, والزنديق مبتلى بزندقته, والمؤمن مبتلى برسالته ومبادئه التي يحملها للناس, {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] فهو في مشقة وفي ورطة, لا يخرجه من هذه الورطة إلا {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50] ولا يكون المخرج إلا محمداً عليه الصلاة والسلام، لأنه يخرجهم من الظلمات إلى النور, ولأنه ربان سفينة النجاة، من ركب فيها نجا, ومن تخلف عنها هلك. {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] فهو عامل، الغني كادح, ومدير القرار كادح, ومنتج الجرم كادح, ومقترف الفاحشة كادح, ومرسل الكلمة البناءة كادح, ولكنه يعود إلى الله, وكما قال البوشنجي وهو يتكلم عن الدنيا، وهو أحد العلماء المحدثين: أتينا كارهين لها ولما عشقناها خرجنا كارهينا وما بالعيش سلوتنا ولكن مرار العيش فرقة من لقينا يقول: أتينا نكره الدنيا غاضبين على الدنيا, لا نريد الدنيا، فلما تعلقنا بها أتانا الموت تعلقنا بالدنيا, كما قال الأول: ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً وهذه هي المعاناة الكبرى, وهي العامة لكل البشر لمؤمنهم ولكافرهم، ولمهتديهم وضالهم.

معاناة الخيرين

معاناة الخيرين أما معاناة الخيرين فهي معاناة خاصة, وهو أمر ومثوبة, وهو تكليف وواجب, ولقد عانى في الطريق كل صالح وكل خير, طريق شاق ومتعب, وطريق مضن، بل العجيب أن رواد الحق ودعاة الباطل في طريقهم إلى مبادئهم يضحون, هذا يضحي وذاك يضحي، سجن ابن تيمية وسجن لينين , كل من أجل مبدئه، وقتل أبو جهل وقتل حمزة، كل من أجل مبدئه, وجلد أحمد وجلد كارل ماركس في بلجيكا , كل من أجل مبدئه: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227] طريق ناح فيه نوح، وذبح فيه الذبيح, واغتيل زكريا, وضرج عمر بدمه في المحراب, وذبح عثمان , وفصل رأس علي , وجلدت ظهور الأئمة ولكن: جزى الله الطريق إليك خيراً وإنا قد تعبنا في الطريق فكم بتنا على الأجهاد يوماً نراعي النجم من أجل الصديق إنها طريق شاقة، ولكنها أجر ومثوبة, نوح يصارع الطوفان, وإبراهيم -عليه السلام- يحارب بالنار, وموسى يفتن فتونا, ورسولنا صلى الله عليه وسلم يتلقى الكربات.

بين حرب الإغراء والإيذاء

بين حرب الإغراء والإيذاء رسولنا صلى الله عليه وسلم بين حرب الإغراء والإيذاء، وهما حربان يتعرض لها الداعية دائماً, فأيهما غلبته سقط وهزم وسحق، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم نجح نجاحاً باهراً، وانتصر انتصاراً مبيناً في كلا الحربين. اسمع إلى حرب الإغراء، وأول ما يمارس الطغاة والظلمة حرب الإغراء, إنهم يقدمون الدينار، ويقدمون الجائزة والسيارة الفخمة, إنهم يشترون الضمائر ليبتاعوا بها المبادئ, تعرض صلى الله عليه وسلم لهذا، وأول ما تعرض له الفتاة الجميلة, تعرض على محمد صلى الله عليه وسلم يقول له الوليد: إن كنت تريد زوجة زوجناك أجمل فتاة في مكة , وكانت الزوجة الجميلة طموحاً وهدفاً للعرب في الجاهلية, ولذلك يقول قائلهم عن الفتاة: أخبروها إذا أتيتم حماها أنني ذبت في الغرام فداها ويقول جميل: يقولون جاهد يا جميل بغزوة وأي جهاد غيرهن أريد ومجنون ليلى وهو يدعو الله عند مقام إبراهيم, ينسى دعواته ويلتفت إلى تلك الفتاة الجميلة التي سلبت عقله: أتوب إليك يا رحمن مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب وأما عن هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب هذه عروبة أبي جهل وأبي لهب المنفصلة عن لا إله إلا الله، محمد رسول الله, لكن ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ قال: لا، فطموحاته أعظم. عرض عليه الملك، ليتولى ملكاً على العرب العرباء, وليقود الجزيرة العربية , ولكن الملك مجرداً من الدين أمنية البسطاء, ومبلغ علم الوضعاء, ولذلك جعلته العروبة قبل الإسلام من أقصى أمانيها؛ يقول امرؤ القيس: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصرا فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا إما ملك أو موت. وقال -المهلوس الآخر- المتنبي: ولا تحسبن المجد زقاً وقينةً فما المجد إلا السيف والفتكة البكر وتضريب أعناق الملوك وأن ترى لك الهبوات السود والعسكر المجر وتركك في الدنيا دويا كأنما تداول سمع المرء أنمله العشر هذه هي أمانيهم, وهذه طموحاتهم. وعرضت عليه الدنيا صلى الله عليه وسلم، فقال له الوليد: وإن كنت تريد مالاً جمعنا لك مالاً لتكون أغنى أهل مكة , ولكن ماذا فعل صلى الله عليه وسلم؟ قال فيما يروى عنه: {والذي نفسي بيده لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركنه أو أهلك دونه}. لله در مبادئك وطموحاتك وهمتك وعزيمتك! البدر والشمس في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبار في كفه شعلة تهدي وفي دمه عقيدة تتحدى كل جبار يا فاضح الظلم فارت هاهنا وهنا فضائح أين منها زندك الواري ومحمد صلى الله عليه وسلم ينتصر، فلما انتصر على الإغراء, تعرضوا له بالإيذاء، وهي المدرسة الأخرى وهو الأسلوب الآخر, السب والشتم: "ساحر وكاهن وشاعر ومجنون وكاذب" يصلي عند المقام صلى الله عليه وسلم، فيضعون السلى على رأسه، فيقوم يحتحت السلى ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}. يذهب إلى الطائف جائعاً ظامئاً متعباً ساهراً, فيرد من الطائف بالتكذيب، ويرمى بالحجارة فتسيل أقدامه, ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} يتعرض للإيذاء في عرضه، في عائشة الطاهرة, فيصبر ويتحمل, تباع أملاكه في مكة , تصادر كرامته, يؤذى ويشهر به في القبائل, ولسان حاله ومقاله: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}. يأتيه ملك الجبال فيقول: ائذن لي أن أطبق على أهل مكة الأخشبين, فيقول: {لا. إني أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً}. وبالفعل أخرج الله من صلب أبي جهل عكرمة , ومن صلب الوليد خالداً , فنشروا الدين في ثلاثة أرباع الكرة الأرضية. ويتعرض صلى الله عليه وسلم لمحاولة الاغتيال, ولكن يتصل بالله، ويعتز به ويستنصر به، فينصره الله نصراً مؤكداً؛ يرتجف في الغار, حوله خمسون شاباً تقطر دماؤهم حقداً وموتاً, يرتعد ويرتجف أبو بكر ويخاف, ويقول: يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى موطن قدميه لرآنا, فيتبسم صلى الله عليه وسلم, من الذي يتبسم في وهج العاصفة؟! هو وحده صلى الله عليه وسلم. وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم قال: {يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا} وانتصر وحقق أعظم الطموحات التي ما حققها مصلح في تاريخ مسيرة الإنسان وعبر القرون والأديان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

من صور المعاناة عند الشباب

من صور المعاناة عند الشباب

الاستهزاء والسخرية

الاستهزاء والسخرية تمر المعاناة بهذا الجيل الذي يريد أن يرث رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويبلغها للناس، فإذا هو الجيل الذي يمر به الاستهزاء والسخرية في أول درس له، ومدرسة الاستهزاء والسخرية قديمة تعرض لها صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يذهب بهم إلى تبوك , ليرفع لا إله إلا الله، وليطرد الغازي عن شمال الجزيرة , ومعه في الجيش مستهزئون منافقون, قالوا: ما رأينا كقرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أجبن أفئدة عند اللقاء, ومن هو الجبان؟! ومن الذي يتخلف عن الصف؟ أمحمد صلى الله عليه وسلم جبان؟! أمحمد صلى الله عليه وسلم الذي يخوض المعارك بنفسه, والذي يضرب الكتائب بسيفه, والذي يقول علي وهو من أشجع الناس: {كنا إذا اشتد الهول، واحمرت الحدق، وحمي الوطيس, اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم, فيكون أقربنا إلى القوم}؟! أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أدبت في هول الردى أبطالها وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب فعلها أقوالها هذا محمد صلى الله عليه وسلم يستدعيهم في الصباح ليحاكم هؤلاء، أعداء الرسالة والصحوة والمنهج, ما لكم؟ فيقولون: نخوض ونلعب في أعراض الصالحين, فقال الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] وهذه المدرسة تجرب حظها اليوم في مسيرة الصحوة, فتستهزئ باللحية والثوب القصير والسواك واتباع الرسالة وصلاة الجماعة والأذان والقرآن. أحدهم يذكر في جريدة الحياة عن شباب الصحوة أنهم يعتقدون أن من قرأ آية الكرسي على الطائرة ( F15) سقطت, وهذا لا يقوله أحد, والكرامات نقرها, لكن حنانيك!! أبشباب الصحوة تستهزئ؟! أبالشباب الذين لو ذهبت أنت إلى بورتلاند تتزلج على الثلج, ذهبوا إلى أفغانستان يتزلجون تحت الدبابات؟! أبشباب الصحوة تستهزئ، الذين إذا ذهبت إلى الخمارات ذهبوا إلى المساجد لإقامة الصلوات؟! أبشباب الصحوة الذين إذا تلوت أنت المجلة الخليعة تتملاها, تلوا هم كتاب الله وقرءوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وإذا تكون ملمة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13] إذا قيل التزموا كما التزم الشباب الخيرون, قالوا: كيف نلتزم كما التزم المتطرفون الأصوليون الفضوليون, قال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:13 - 14] أما في مجالس أهل العلم والفضل فيتظاهرون بالدين ورعاية الملة وحماية الشريعة, وأما في مجالسهم فيهدمون الإسلام بالمعاول: , {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:15 - 16] وهي مدرسة: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:29 - 30] وهي مدرسة: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31]. ويراني كالشجى في حلقه عسراً منزعه ما ينتزع فاجراً يخطر ما لم يرني فإذا أسمعته صوتي انقمع قد كفاني الله ما في نفسه وإذا يكفك شيئاً لم يضع غاظه أني حنيف مسلم وهو في اللذات واللهو تبع أتريدون سقوطي بعدما لمع الشيب برأسي وسطع لكن لمع نور محمد عليه الصلاة والسلام, وسطع ضياؤه في قلوب الموحدين, وليسوا بضارين كيداً والله معنا يوم نعتمد عليه.

مصادرة الحريات

مصادرة الحريات من صور المعاناة مصادرة حرية الجيل وفصله عن ماضيه المجيد, فصوت الداعية مبحوح, ورأي الرشيد مذبوح, ومتمزق الفكر يغدو ويروح. من صور المصادرة: أن يتهم الناصح في نيته, ويشكك في مقاصد أهل الخير وأهل الفضل, وإلا فمبدأ المؤمن النصح, لا يريد الغش لله ولا لرسوله ولا للمؤمنين. أتى أبو سفيان إلى علي في الليل يطرق عليه بابه, قال: يا علي أتريد الخلافة من أبي بكر؟ لأملأن عليك المدينة فتيانا مرداً وخيلاً جرداً لتأخذ الخلافة من بنى تيم إليك, وهذا منطق الجاهلية؛ قال علي: [[يا أبا سفيان إن المؤمنين نصحة, وإن المنافقين غششة]] فالناصحون لا يتهمون، وإنما يريدون أن يحفظ الله بتضحيتهم البلاد والعباد, وأن يحجب غير الملتزم والمستقيم عن ميادين الإبداع, وأن يؤمم عليه مجال التأثير, وأن يعد طارئاً على المألوف, وارداً على السائد المتعارف عليه، حادثاً بأفكاره، وأن يترك الميدان لغيره والكلمة لسواه. إذا عيَّر الطائي بالبخل مادرٌ وعير قساً بالفهاهة باقل وقال الدجى للشمس أنت كسيفة وقال السهى للبدر وجهك حائل فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل يريدون المشاركة لهؤلاء الأخيار، فيجدونها في أضيق نطاق، بينما يجد أهل الهوايات الأبواب المفتوحة، والصدور المشروحة, وأهل الهوايات أصبحوا نجوماً، وباعة المبادئ أعلاماً، وأشباه السائمة رموزاً, فشياطين الإنس يجولون في صدور أولئك, ويحولون بين الشباب هؤلاء وبين ما يريدون من الخير, ويدغدغون الغرائز، أما هؤلاء الثلة الممتازة التي تريد رفع لا إله إلا الله محمد رسول الله, فيسخرون بدينهم وبنبيهم, ويتلاعبون بمصادر عزتهم, فأصواتهم ومجلاتهم وإشاراتهم ولافتاتهم وأغانيهم وكتبهم وجرائدهم وأشرطتهم في كل بيت, وفي المعمل والعيادة والدكان والجامعة والسوق, ثم يقال للداعية: احذر أن تسيء الأدب, أو تجرح المشاعر, أو تغضب الآخرين, أو تنكر عليهم.

تحجيم دور الشباب في الحياة ومكانه في التأثير

تحجيم دور الشباب في الحياة ومكانه في التأثير وأما تحجيم دوره في الحياة, ومكانه في التأثير, فهو ينظر إلى إسلامه وهو يزوى ويركن عن الحياة, هذا الدين الذي أنزله الله عز وجل منقذاً للبشرية ورحمة للكون, وينظر الشاب إلى قرآنه وهو معزول عن حياة الناس, في جماعة تحفيظ القرآن, في القراءة على الموتى، في رؤية المشروع, في افتتاح الندوات فحسب, لكن أن يصدر القرآن ويورد هذه الأمة وأن يقودها إلى معالم الخير, وأن يرشدها في الحياة فلا, القرآن الذي أنزله الله وقال فيه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ} [إبراهيم:1] إليك يا محمد, إليك يا حامل المبادئ, إليك يا منقذ الإنسان بإذن الله, إليك يا صاحب النور, لماذا؟ لتقرأه في المسجد, لترقى به الصرعى فحسب, لتتفتح به الندوات أم {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم:1] ويقول الله في كتابه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:44]. قال مجاهد: شرف لك ولقومك. إي والله إنه الشرف العظيم, أين دستوري ودستورك قبل الرسالة؟ أين تاريخي وتاريخك؟ أين شريعتي وشريعتك؟ إنه القرآن والسنة. هذا الشاب يمتعض ويغضب، ويثور ويفور دمه, يوم يرى هذا القرآن يُنَحَّى عن حياة الناس, والله عز وجل يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] هذا الشاب في نظرهم لا يصلح أن يكون من أساطين الأدب لأنه ملتحٍ, ولا من رواد الفكر لأنه قصير الثوب, ولا من أهل القرار لأنه يحافظ على صلاة الجماعة.

حيرة الشباب أمام الركام الهائل من الغثاء العقدي

حيرة الشباب أمام الركام الهائل من الغثاء العقدي ثم يحتار هذا الشاب أمام الركام الهائل من الغثاء العقدي والفكري والسلوكي. والأصل في توجه المسلم تجريد المنهج الرباني من الدخن، وتصفيته من الشوائب, ذهب عمر إلى مدراس لليهود، فوجد صحيفة هناك من التوارة ملقاة فاستبشر بها, وظن أنه سوف يضيف لثقافة الرسول صلى الله عليه وسلم ثقافة جديدة, ولشريعته منهجاً آخر, وأتى بالصحيفة يحملها ويبشر بها رسولنا عليه الصلاة والسلام, فَتَمَعَّر وجهه صلى الله عليه وسلم، وغضب, وقال فيما رواه النسائي بسند صحيح: {أمتهوكون فيها يـ ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد أتيت بها بيضاء، والذي نفسي بيده لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي} أي لو كان موسى صاحب تلك الرسالة وصاحب تلك التوارة حياً, لكان تلميذاً من تلاميذي، وطالباً من طلابي؛ ومع ذلك تذهب لتأتينا بثقافة جديدة؟! شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سبات بأيمانهم نوران ذكر وسنة فما بالهم في حالك الظلمات وينزل الصحابة ويرون شجرة ذات أنواط, تشبه شجرة المشركين ذات أنواط, يعلقون عليها الأسلحة, بل يطلبون من الرسول صلى الله عليه وسلم شجرة ذات أنواط, تشابه تلك, فقال صلى الله عليه وسلم: {الله أكبر! إنها السنن، قلتم كما قال قوم موسى لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة} فأنكر عليهم صلى الله عليه وسلم حتى المشابهة في هذا الشكل الخارجي, لما يؤدي إليه من المشابهة في المضامين والمقاصد, فالمسلم يتميز حتى في ثيابه, وفي لباسه, وفي منهجه, وفي فكره, وفي أدبه. ذكر ابن إسحاق في السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل عثمان يصالح المشركين يوم الحديبية، فلما رأى المشركون عثمان قصير الثياب إلى منتصف الساق، علمه شيخه وأستاذه أن السنة تقصير الثوب, والمشركون يجرون الإزار ويسحبون الثياب, يقول النابغة يمدحهم: رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب فقال المشركون: قد صبأ عثمان , قد صبأ عثمان , لأنهم رأوا ثيابه قصيرة، لأن شيخه أتى بثياب قصيرة, فقلده واتبعه، واستن بسنته رضي الله عنه وأرضاه, وصلى الله على المعلم وسلم. يدخل عمر المسجد وهذا في التاريخ أيضاً, فيجد قاصاً يقص على الناس, لكن أمن القرآن؟ لا. أمن السنة؟ لا. وعندنا القصص وعندنا الأدب, وعندنا الإبداع, وعندنا الروعة, وعندنا المنهج المتكامل, قال عمر: من هذا؟ قالوا: قاص, قال: يقص ماذا؟ قالوا: يقص علينا من كتاب " دانيال؛ وعمر عنده عصا نسيها في البيت, فعاد فأخذها وأتى إلى الرجل فشق الصفوف إليه وضربه على رأسه, وقال: [[يا عدو الله يقول الله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3] وتقص علينا من كتاب دانيال]] , مثل من يذهب الآن ويترك صحيح البخاري ومسلم ليخبرنا عن قصة بائعة الخبز, ووردة المفترية, وخلف الكواليس، ومحمود عنقاوي.

إدانة الشباب باتباع السنة واتهامه باعتناق الملة

إدانة الشباب باتباع السنة واتهامه باعتناق الملة هل سمعتم عن أحدٍ يخجل أن يحمل ملة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته؟ لقد أحوج المنافقون شباب الإلتزام إلى أن يخجل بعضهم من اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم, حتى يقول الأول: إذا محاسني اللاتي أدل بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر إذا كان اتباعنا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم, وسجودنا لله عز وجل, وانتهاجنا نهجه إدانة واتهاماً، فكيف نعتذر للناس؟ ولذلك يقول منطق الجاهلية: لو كان خيراً ما سبقونا إليه، أبناء الفقراء يسبقوننا إلى المساجد والهداية وإلى الالتزام والسنة, عرفنا الإسلام قبلهم, ونحن أهل الإسلام الأصيل, ولكن هو منطق واحد, كما قال تعالى مخبراً عنهم: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء:111] {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام:53] لماذا اصطفاهم الله؟ لقد أُحْرِج صراحة كثير من الشباب بسبب اتباعهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم, ووجدوا من التعليقات المريرة المرة ما لم يجده العصاة, وهاهم العصاة يتبجحون ويسرحون ويمرحون, لا يعلق على الحالق بحلق لحيته, ولا على المسبل بإسبال ثوبه ولا على شارب الخمر بشرب خمره, ولا على حامل العود بضرب عوده, ولا على هاوي المجلة الخليعة بمجلته, وإنما يعلق على أولياء الله، لأنهم اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنها معاناة جعلت ضعيفي الإيمان من شباب الصحوة يتنازلون عن الكثير من السنن, بل ويجد أحدهم الحرج في أن يحمل السنة، وربك يقول: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] كيف يجدون طعم الإيمان وهم يخجلون من اتباعك؟! وقد صرح بعضهم في تصريحات رسمية أنه لولا أسرته لربى لحيته, ولولا أن أباه يضغط عليه لترك الغناء, ولولا أن أمه تحاربه لحضر دروس العلم والمحاضرات, فسبحان الذي يغير ولا يتغير ويبدل ولا يتبدل!

قلة المربين والربانيين

قلة المربين والربانيين ومما يعاني منه الشباب قلة المربين والعلماء الربانيين، فقد أصبحوا أندر من الذهب, وأعز من الكبريت الأحمر. وقد كانوا إذا عدوا قليلاً فقد صاروا أقل من القليل وأصبح الآن يذكر في المدن عالمٌ واحد, ممن يحمل الشريعة، ويؤتمن على الميثاق، وعلى الكلمة الحقة, وأصبح كما قال بعض الفضلاء: لو جمعنا الدعاة في البلاد في منطقة واحدة أو في مدينة, ما غطوا حاجتها, وأصبحت بعض المدن لا تقام فيها المحاضرة في السنة إلا مرة أو مرتين, وأصبح هناك فقر مدقع في الدروس العلمية, بينما تمطر الأمة بوابل من الغثاء صباح مساء, فالصحف والمجلات والوسائل كلها ترغي وتزبد بما لا ينفع. ولكن مع قلة المربين والدعاة فإننا نرى جهد أعداء الله كما قال الله؛ والله يقول: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] ولو أنه تصرف الأموال, وتهيأ الوسائل, وتدرس البرامج, ولكن لا يهمك أمرهم {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36] ويبقى الحق منتصراً مع قلة وسائله وقلة ما يلمع أو يزخرف أو يوجه. أصبح كثير من العلماء يشتغل بالنفع اللازم من نوافل المستحبات والزهد والورع, لكنه عند ابن تيمية وأحمد بن حنبل والعز بن عبد السلام ورع بارد؛ ورع والأمة تغرف؟! ورع والأمة تصادر كرامتها وحريتها؟! ورع والأمة تفصل من لا إله إلا الله؟! ورع والأمة تحول عن القبلة؟! ورع والأمة توصل بحبال إلى الغازي المستعمر؟! أي ورع هذا؟! وصنف آخر يتشاغل بفضول العلم، وتوليد المسائل، وتفريع الفرعيات على حساب الأولويات والمهمات, فلا ينزل للجيل ولا يقود المسيرة, ولا يوجه الطاقات, ولا يعظ, ولا يأمر, ولا ينهى, فأي علم هذا وأي فائدة؟! المكتبات تغرق بوابل من التأليفات في الجزئيات حتى أُلِّفَ في مسألة المسبحة ما يقارب خمسة كتب مجلدات. ولكن من يسبح بهذه الأمة إلى شاطئ الأمان؟ إنهم رواد محمد صلى الله عليه وسلم الذين يعلمون الناس, كما قال تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79] قيل: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره, وقيل: هو الذي يكون إماما في الخير ويعلم ويربي بفعله. وقوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً} [السجدة:24] هل قال: في بيوتهم أو زوايا مساجدهم؟ لا بل قال: {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] يقول عليه الصلاة والسلام {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. إن القلة القليلة التي تتبوأ مكان الصدارة تحتاج إلى من يرفدها ويعينها من القاعدين الآخرين، الذين رضوا بالجلوس في بيوتهم، وأفتاهم الشيطان ببعض الفتاوى التي لا تصلح في هذا الزمن, بل هو زمن الصراع العالمي والجهاد وأن تبدو ببضاعتك، وأن تنشر بزك, وأن تكون مرفوع الرأس.

صور من الطموح

صورٌ من الطموح

طموح إلى الربانية

طموح إلى الربانية ويتطلع كل واحد من الشباب -وهذا طموح- إلى أن يكون هو العالم الرباني، وسوف يحصل ذلك متى كان هناك استعداد وتوفيق ونية لتعلم العلم الشرعي، ورغبة في التحصيل, وصبر على صعوبة الطريق, وفراغ القلب والوقت من الشواغل, مع ذكاء وفطنة. إن الإسلام يعترف بالعلماء ليصدر الناس عن رأيهم، لكن ذلك حين يكون العالم وارثاً لمحمد صلى الله عليه وسلم, حين يقول كلمة الحق ولا يكتم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159] {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187]. إن الذي يشتري بدعوته منصباً, أو سيارة فخمة, أو فيلا بديعة, أو وظيفة مغرية, ثم يترك هذا المبدأ ولا يبينه للناس, لهو الخاسر في آخر الطريق, وهو المنكوب صراحة, وهو المفلس.

طموح إلى الجهاد

طموحٌ إلى الجهاد ويتطلع الشباب إلى أن يكون الواحد منهم مجاهداً في سبيل الله, وليس الجهاد فحسب في أفغانستان , بل في كل مكان, جهاد الكلمة والموعظة والخطبة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, وتربية البيت, والتحصيل العلمي, وتربية النفس على طاعة الله عز وجل, وكلٌ منا في قلبه أفغانستان , وكل في قريته أو مدينته أفغانستان , وهى من الجهاد أيضاً، ولكن نعطيها حجمها من الاهتمام, لئلا نترك الثغرات الأخرى، التى فتحت علينا وتولى أصحابها, وكانوا على المسلحة بالسيوف في الأنقاب, يطردون كل مسيح دجال يريد أن يدخل هذا النقب. سقطت راية الجهاد -كما قالوا- بعد صلاح الدين وتخلفت الأمة الإسلامية لتعيش في آخر الركب, وصارت تستورد ولا تصدِّر، وتوجَّه ولا توجِّه، وتُقَاد ولا تقُود.

طموح إلى قيادة البشرية

طموحٌ إلى قيادة البشرية والشاب الآن يطمح لأمته التي يقرأ عنها في التاريخ أن تقود البشرية، أصبحت حجتنا الآن أن نغسل العار عن وجوهنا, وأن نقدم للشباب كل جمعة عمر بن الخطاب: لو أسمعوا عمر الفاروق نسبتهم وأخبروه الرزايا أنكر النسبا أبواب أجدادنا منحوتة ذهباً وذي هياكلنا قد أصبحت خشبا من زمزم قد سقينا الناس قاطبة وجيلنا اليوم من أعدائنا شرباً إذا أردنا أن نعتذر قلنا: منا صلاح الدين , وعمر بن عبد العزيز. إذا فخرت بآباء لهم شرف نعم صدقت ولكن بئسما ولدوا فلماذا لم يجعل كل منا نفسه عمر بن الخطاب ولو مصغراً, وصلاح الدين ولو نبذة منه, أو نسخة مكررة؟ وما ذلك على الله بعزيز. وينتظر الشاب إلى أن يكون الداعية إلى منهج الله عز وجل ضد دعاة الباطل, وحملة الرذيلة، والمطالبة منا أن نراغمهم في الميدان، ونلاحقهم في كل معترك. فالداعية الشاب الملتزم يجرع أعداء الله غصصاً لا تنتهى، وخطيب الدعاة ضد خطيب أولئك, وصحفينا ضد صحفيهم, وأديبنا ضد أديبهم, وكاتبنا ضد كاتبهم, ومفكرنا ضد مفكرهم. فإذا {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد:4] وعندنا ولله الحمد في شباب الصحوة من التخصصات والمواهب والاستعدادات ما يغطي كل جانب, ولكنها ما استثيرت وما وجهت وما وضعت في أماكنها, عندنا مئات الشعراء والحمد لله -إن بني عمك فيهم رماح- وعندنا ومئات الخطباء, ومئات الدعاة, ومئات الوعاظ, ومئات الشعراء: أتركبون فإن الركب شيمتنا أو تنزلون فإنا معشرٌ نُزُلُ إن شئتم فلنا في الهند ضاحكة أو شئتم الطعن فالأرماح ترتجل ويريد الشاب من طموحاته أن يكون الآمر الناهي, الذي يتمعر وجهه كل يوم مرات عديدة, إذا رأى الإسلام يُمَرَّغ في التراب, ويمرغ على الأرصفة, ويمرغ في الحوانيت, ويمرغ في الجامعات, ويمرغ في المنتديات, ويمرغ في النوادي, فيلتهب هذا الشاب، ويفور دمه، لأن دينه ومبدأه يمرغ في التراب, ويُزْبِد ويُرْعِد إذا رأى المنكر أمامه يهدد منهج الله ويضايق أولياءه. إن هذا الجيل إن شاء الله لا يريد أن يكرر مأساة بنى إسرائيل الذين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فقال الله عنهم: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. يقول الحبيب لحبيبه: قل الحق ولو كان مراً؛ يقول صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر: {قل الحق ولو كان مراً} رواه ابن حبان، والحق مر يذهب بالرءوس, والحق مر يأخذ النفوس, والحق مر يسيل الدماء, لكن قل الحق ولو كان مراً, ما هي ميزتنا أمام الأمم؟ أننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونؤمن بالله, فإن تخلينا عن هذه الميزة سقطنا من عين الله ثم من عيون الأمم. والشعوب الإسلامية الآن ترك أكثر أبنائها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بفعل الاستعمار, بل أصبح الأمر والنهي دخيلاً على الأمة، وأصبح مستغرباً, وأُذِيْبَ وأُنْهِيَ حتى أصبح الآن متلاشياً قليلاً ضعيفاً.

طموح إلى دخول الجنة

طموح إلى دخول الجنة أيها الإخوة الفضلاء! ومن طموحات هؤلاء الشباب دخول الجنة، نسأل الله لنا ولكم الجنة، وهى أعظم ما بشر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، خلافاً لـ أهل التصوف الكاذبين, الذين يرون أن هناك مطلباً أعلى من دخول الجنة, ويرون أنهم لا يعملون للجنة, وأن العامل لا ينبغي أن يعمل من أجل الجنة, يقولون: أجير السوء إذا أعطاه سيده أجرة عمل, وإلا لم يعمل، ويقول أحدهم: والله ما عبدت الله طمعاً في جنته، ولا خوفاً من ناره, ولكن ليرضى عني, وقال أحدهم: وهو يقرأ قوله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152] والله يخاطب أهل أحد , من يريد الدنيا هم أهل الغنائم, ومن يريد الآخرة هم الشهداء الذين تركوا الغنائم, فصفق بيديه هذا الصوفي وقال: الله أكبر! فأين الذين يريدون الله؟! يعني ما من الصحابة أحد يريدون الله، وهو فقط في صومعته وفي جهله وفي تخلفه يريد الله. الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة مني الصحابة بالجنة, قال له الأنصار: يا رسول الله على ماذا تبايعنا؟ قال: على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم, وأطفالكم, وأموالكم, قال ابن رواحة: يا رسول الله؛ فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: لكم الجنة, فقام من مجلسه وقال: ربح البيع والله لا نقيل ولا نستقيل. قال ابن القيم معلقاً: والبيعان بالخيار إن لم يفترقا، فإذا تفرقا وجب البيع. طولب ابن رواحة بالبينة: ما هي بينتك؟ وأنت قد خرجت من مجلس العقد, وقد سمعت من رب العالمين: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّه} [التوبة:111] فطولب بالبينة فتقدم في غزوة مؤتة , وأخذ الصحابة يقولون: رويدك يـ ابن رواحة! فيقول: أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أقبل الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة هل أنت إلا نطفة في شنة ثم باعها من الله, والله اشترى، وذهبت روحه إلى الحي القيوم: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:26 - 29]. وقال ابن هشام في السيرة، وابن كثير وغيرهما: وقف النبي صلى الله عليه وسلم يعلن الحرب يوم الجمعة على أبي سفيان لأنه هدد أمن المدينة , واجتاح أطرافها، وأراد دخولها قبل المعركة بيوم أو يومين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: ماذا ترون أين نقاتلهم؟ قال كبار الصحابة: في المدينة، يقول اللواء الركن/ محمود شيت خطاب: وهو الرأي السديد؛ فإن حرب المدن دائماً في صالح المدافع على المهاجم؛ وأقر صلى الله عليه وسلم ذلك، وخرج ثلة من أصحابه من الشباب من آخر المسجد يكبرون وينشدون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا ويقول عمرو بن سالم: {يا رسول الله اخرج بنا إلى أحد , لا تمنعني دخول الجنة, والله لأدخلن الجنة, فيقول صلى الله عليه وسلم: بم تدخل الجنة؟ قال: بخصلتين: بأني أحب الله ورسوله, ولا أفر يوم الزحف, قال: {إن تصدق الله يصدقك}. وخرج بهم صلى الله عليه وسلم، فقدموا التضحيات الهائلة، التي لم يروها تاريخ، ولم تحفظ في كتاب, إلا في كتاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولم تروَ في قصة، ولم يسمع بها دهر, إنها والله تضحيات تقيم شعر الرأس، وتجعل الدم مواراً في الجسم, تضحيات لا تنسى أبداً. يمد سيفه صلى الله عليه وسلم قبل المعركة فيقول: {من يأخذ هذا السيف؟ فرفعوا أياديهم قال: بحقه فنزلت الأيادي إلا يد أبي دجانة، قال: ما حقه يا رسول الله؟ قال: أن تضرب به في الأعداء حتى ينحني} اسمع الشرط. عهد أبي حفص الذي تبقى إن على أهل اللواء حقاً أن تخضب الصعدة أو تندقا قال: أنا آخذه يا رسول الله, فأخذه وأخرج عصابة الموت الحمراء, وهي تترجم (خطر ممنوع الاقتراب) وقال الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت, فحان الموت, وأخذ أبو دجانة يقول: أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل ألا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسول ففلق به هام المشركين, وتقدم قتادة بن النعمان ليعلن من نفسه الصدق مع الله عز وجل, فضربت عينه ونزلت حتى تعلقت بعرق في خده -كما قال ابن القيم في زاد المعاد، وغيره من أهل العلم- وأتى بعينه يعرضها على الرسول صلى الله عليه وسلم, بالله هل بعد هذه التضحية تضحيات؟ فيردها صلى الله عليه وسلم إلى مكانها، فتكون أجمل من الأولى, ويفتخر ابنه ويقول عند عمر بن عبد العزيز: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد فصارت على خير لأول حالها فيا حسنما كف ويا حسنما خد ويتقدم حنظلة، ويقتل وهو جنب، ويغسل بين السماء والأرض في صحاف الذهب بماء المزن. أملاك ربى بماء المزن قد غسلوا جثمان حنظلة والروح تختطف وكلم الله من أوس شهيدهم من غير ترجمة زيحت له السجف سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا

طموح إلى رضا الله

طموح إلى رضا الله ومن طموحات هذا الجيل أن يرضى ربه عنه, ورضا الله غاية الغايات, وأهم المقاصد، وهى ما يطمح إليه العبد المؤمن في الحياة, فنسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرضى عنا وعنكم، والمسلم دائماً في كل صباح يقول: "رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً " صلى الله عليه وسلم, ولابد أن يحقق هذا في عمله وعبادته وسلوكه وأخلاقه, ولابد أن يجعل هذا الميثاق نصب عينيه، في كل دقيقة ولحظة من لحظات اليوم, ولا يقدم على رضا الله رضا أحد من البشر مهما كان, ولا يقدم على الخوف من غضب الله غضب أحد من البشر مهما كان أبداً؛ فإنه قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخط الناس برضا الله رضي الله عنه وأرضى عنه الناس} فالواجب على المسلم وعلى هذا الجيل أن يحرص على رضا الله عز وجل, وأن يردد دائماً بقوله وبعمله: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذى بينى وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذى فوق التراب تراب

اقتراحات عاجلة

اقتراحات عاجلة وهذه غاية الغايات كما قلت، وقبل أن أختتم كلامي هذه اقتراحات عاجلة, من أخ إلى إخوانه، ومن زميل إلى زملائه، ومن صديق إلى أصدقائه, منها: أن يصنف الفضلاء حسب مواهبهم واستعداداتهم للذود عن الملة, وحراسة حياض الشريعة, وحماية دار الإسلام, ما بين عالم وداعية وواعظ وآمر وكاتب وأديب وصحفي, ثم يقف كل منا على ثغرة فلا يغادرها حتى يقضى نحبه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23]. الثاني: أن ينتقل كل منا من مرحلة تواكل المسئولية، والتبرؤ من التبعات, إلى التأثير والمشاركة, وإلى ميادين العطاء, وإلى نشر ميثاق محمد صلى الله عليه وسلم بكل ما أوتي الداعية من قوة. الثالث: أن يهيأ في كل حي درس في الشريعة لأحد المؤهلين، يجيد مخاطبة العامة وتربية الناس, وهذا يقترحه صاحب إحياء علوم الدين , وهو من أحسن ما يكون. الرابع: أن ننطلق جميعا مُشَرِّقين ومُغَرِّبين, نرفع الجهل عن الناس، ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر, فندخل البوادي والقرى والأرياف, داعين إلى منهج الله. وقال غيري من الفضلاء: يعلم الله أنه يوجد من أهل المبادئ الضالة والأنظمة الظالمة من يضحي لمبدئه أعظم مما يضحي الموحد لتوحيده, والمسلم لإسلامه. الخامس: أن نتخلى عن عقدة الخوف, أتدرون ما هي عقدة الخوف؟ إنها العقدة التى تصل إلى حد أن يخرج الإنسان من الملة وهو لا يشعر, وقد جعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من نواقض لا إله إلا الله شرك الخوف, ونعرف أنه ليس في الحضور ولا في غيرهم من شباب الصحوة وأهل الإسلام من يعبد نجماً أو شجراً أو حجراً, ولكن منهم من يشرك شرك الخوف حتى يخرج من الملة, يخاف من البشر أكثر من خوفه من رب البشر, ويخاف من الناس أكثر من خوفه من رب الناس, والله يقول: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} [آل عمران:175] ويقول: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:40]. قرأت لأحد شعراء النبط ومعذرة في هذا, ولكني عجبت من قوته وجلده, وهو يعلن مبدأه في بيتين من الشعر وهو يخاطب بها بعض الظلمة, يقول: أنا يا ترى مثلك يا ظالم، لا تظن الأرض وهي معك وقوة الأرض أنها معك سوف تغلبنى، فأنا حملت مبادئى ومعي الله: أنا يا ترى مثلك يحب العلا شجعان يراهم بروحه ما يخاف الشمالية أنا بعت روحي من محمد ولد عدنان قبضت الثمن والله يشهد على النية وما دام وصلنا إلى النبط، فمعذرة! فأنا سوف أختم كلامي ببعض الأبيات من الشعر النبطي بلهجة أهل الجنوب. يا جميل الوصف بالله ما زرت القصيم ديرة فيها البطولات رمز أبطالها العقيدة والمروات والدين العظيم زلزلت منها ديار الوفى زلزالها من جنوب المملكة جيت والمنصىكريم عند ما تحيا الجزيرة بذا نبلى لها وأكرر شكري لكم ودعائي, وأسأل الله أن يحشرنا وإياكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر, وأن يجمعنا بالصالحين من عباده. وأشكر أهل الفضل الذين شرفونى بالحضور، وتواضعوا للسماع مني، كالشيخ رئيس المحاكم عبد الرحمن العجلان، والمشايخ عموماً كالشيخ/ حمود العقلا , وغيره من الدعاة والخطباء وأهل الفضل, فشكر الله لهم ذلك، وما بقي من وقت فأتركه لفضيلة الداعية المسدد سلمان بن فهد العودة ومع الشيخ يقدمه لكم ثم يدلف إليكم. كلمة المقدم: إنا والله يا أبا عبد الله أعجز أن نكافيك أو نجازيك، يوم أسعدت بمقدمك, وآنست بطلعتك, وبعثت في القلوب بكلمتك من المعاني العظيمة ما أنعشها وأحياها وزكاها, فقد لامست بحديثك عن المعاناة جروحاً والله في القلوب راعفة, وحركت بحديثك عن الطموح همماً إلى المعالي سامية, لا نملك أن نكافيك ولا أن نجازيك، ولكننا ندعو لك ونسأل الله أن يجيب, نسأل الله أن يكتب لك ما احتسبت, نسأل الله جل جلاله أن يبارك في عمرك وينسأ في أجلك, ويجزيك عن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم خير ما جزى داعياً عن دعوته, نسأل الله جل جلاله أن يسعد قلبك, ويقر عينك بعز الإسلام وظهور المسلمين. أما الآن فمع كلمة شيخنا، الموعودين نحن بها، فليتفضل شيخنا أبو معاذ ليعقب بما تيسر والله يحفظه ويرعاه.

استهداف شباب هذه الأمة

استهداف شباب هذه الأمة كلمة الشيخ سلمان العودة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين، وآله وأصحابه أجمعين. أحبتي الكرام! كم هو محرج لي أن أجلس في هذا المجلس بين يدي مشايخي، كالشيخ عبد الرحمن والشيخ حمود والشيخ محمد بن صالح المنصور , وبقية المشايخ الذين حضروا إلى هذا المجلس المبارك، وهم كانوا أحق بهذا المجلس مني وأولى بالحديث مني. أيها الأحبة الكرام: ليس لي حديث بعد هذا الكلام الطيب العذب, الذي تفضل به لنا الشيخ عائض بن عبد الله القرني، جزاه الله تعالى عنا خيراً, وبارك الله تعالى في أوقاته وفي جهوده. أحبتي الكرام: شباب هذه الأمة اليوم كما هو ظاهر مستهدفون بحملة شرسة، تعمل على مسخ اهتماماتهم, وتوجيه تطلعاتهم إلى قضايا ثانوية, وإلى قضايا دونية, أصبح طموح الشاب وأصبحت البطولات التي تتراقص في ذهنه, وأصبحت المثل التي ينمناها ويتطلع إليها, ليست هي البطولات التي تحفظ لهذه الأمة تاريخها, وترفع هذه الأمة إلى مكانتها، وإنما تعلقت قلوب كثير من الشباب باهتمامات دنيوية, وطموحات عادية؛ بل أصبحت تطلعات كثير منهم لا أقول دنيوية وعادية فحسب، بل ربما ضد ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين. أي فائدة تجنيها هذه الأمة المنكوبة المكلومة من سفور المرأة وتبرجها وتعريها؟! وأي مصلحة تجتنيها وتكسبها من انشغالها بإعداد عجول آدمية لا يملكون إلا القوة في أيديهم وسواعدهم وأقدامهم فحسب, ولكن لا يملكون قلوباً قوية, ولا يملكون نفوساً أبية؟! وأي فائدة تكسبها الأمة من الأصوات الصداحة التى لا تتغنى بالقرآن, وإنما تتغنى بحب فلانة وفلان؟! إن الأمة اليوم ليس ما ينقصها هو المغني أو اللاعب, وإنما ينقصها الشاب الذى يحمل قلباً يتنزى من جراح المسلمين في كل مكان, والشاب الذى روحه تتطلع إلى نصرة الإسلام على يديه, والشاب الذي يملك نفساً تحترق لهموم المسلمين, والفتاة التي يهمها أن تكون قعيدة بيتها لتربي لنا أبطالاً، ليعيدوا لنا أمجاد السابقين. كما تحدث فضيلة الشيخ عائض , أصبحنا اليوم نتكئ على تاريخنا كثيراً، فخطيبنا ومتحدثنا ومحاضرنا وفي مجالسنا لا يملك إلا أن يعدد مآثر سابقينا, فيقول: فلان فعل وفلان فعل. وقد قيل: كن ابن من شئت واكتسب أدباًً يغنيك محموده عن النسب إن الفتى من يقول هأنذا ليس الفتى من يقول كان أبى هذه الأمة أصبحت تجتر تاريخها, لأنها عقمت في حاضرها, فلم تجد من البطولات، ولم تجد من ألوان العظمة, ولم تجد من الجد والاجتهاد, ما تتحدث به في واقعها, ولهذا انكفأت على تاريخها تقلب صفحاته, كما ينكفئ التاجر إذا أفلس على أوراقه القديمة السابقة، لعله يجد ديوناً هنا أو ديونا هناك. أصبحنا نتحدث عن ماضينا، ولا نتحدث عن حاضرنا, لا أقول: نتحدث عن ماضينا أكثر مما نتحدث حاضرنا, بل نتحدث عن ماضينا ولا نتحدث عن حاضرنا. وأفلح عدونا فعلاً في إغراقنا بألوان من الهموم والمشاغل، من خلال غزو مُرَكَّز قامت به أجهزة الزور العالمية التي دخلت كل بيت وكل عقل وكل قلب وكل روح, فغيرت من نفسية الإنسان المسلم. أصبح المسلم يعاني مسخاً منذ أن يستيقظ إلى أن ينام, ومنذ أن يولد ويكتب في دفتر التابعية إلى أن يدفن ويكتب في دفتر الوفيات. يعاني مسخاً وتشويهاً وتغييراً لعقليته ولروحه ولإيمانه، لا يكاد يصمد له إلا الأقلون. ولعلنا نعرف كم يصدر يومياً من المجلات والجرائد، ومن الكتب ومن الدواوين، ومن القصائد ومن القصص ومن المسلسلات!! وكم يوجه إلى عقل الشاب المسلم اليوم من ألوان التسلط التي تمسخ عقله وتغير فكره. وكم تواجه الفتاة وهي في عقر دارها, حتى وهي في مدرستها, حتى وهي معزولة عن عالم الرجال, كم تواجه من ألوان التغيير والتضليل، التي جعلت كثيراً من الناس -كما تحدث الشيخ عائض حفظه الله- تنقطع صلتهم بماضيهم, وتنبتر صلتهم بتاريخهم, وتقل رابطتهم بإيمانهم, حتى أنك لا تجد منهم من يهتم بهذه الأمة, ولا من يعيش مشاعرها، وربما أصبح كثير منهم يعرفون من تاريخ أبطال الغرب وفنانيه ومخترعيه وصُنَّاعه ما لا يعرفون عن أبطالهم ولا عن تاريخهم، وربما استطاع كثير من هؤلاء -وقد رأيت هذا بعيني- أن يقرأ أغنية من أولها إلى آخرها, لكن ربما لو طلبت منه أن يقرأ سورة من كتاب الله عز وجل لعجز، ولو قرأ منها آيات لقرأها مكسرة مهشمة، يخطئ فيها في السطر الواحد مرات, أي مسخ أكثر من هذا؟! والواقع أيها الأحبة أن الكثير لا يدركون ذلك, لماذا لا ندركه؟ لأن الكثيرين منا بحمد الله يعيشون في أجواء طيبة، وبين أوساط قوم صالحين, هذا يحفظ القرآن, وهذا يتلو كتاب الله, وهذا يتعلم السنة, وهذا يحضر مجالس الذكر, لكنْ هناك قسم آخر كبير جداً من المجتمع، لا علاقة لنا به, ولا ندرى ماذا يدور فيه, ولا عم يتحدثون, ولا ما هى اهتماماتهم وطموحاتهم, ولا ما هي معاناتهم, وكثير من هؤلاء قد مسخت عقولهم, وغيرت أفئدتهم, حتى أصبحت صلتهم بدينهم وواقعهم أبعد ما تكون, وأصبحت قلوبهم مع عدوهم وإن كانت أثوابهم أثوابنا, ولغتهم لغتنا, وربما كانت أسماؤهم اسماءنا, وهم من عوائلنا وأسرنا، لكن كثيرون منهم قد ذهب بهم الغرب كل مذهب, وغير عقولهم وأفئدتهم, وقلبهم فيما يحب ويشتهي, حتى إن الواحد منهم لا يحس بأدنى حسرة على هذا الواقع المرير الذى تعيشه أمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, وهو يرى أمم الغرب والشرق تبلغ قمة المجد في دنياها، في تقدمها، وفي صناعتها، وفي علومها التى كان يجب أن تكون في أيدي المسلمين, فلا يعنيهم من أمر ذلك شيء. بل إن الغرب نفسه أصبح يصدر إلينا التعاسة والفساد، والتوافه من الأمور، ويحتفظ لنفسه وأبنائه ولفتياته بالتقدم والعلم, ففي الوقت الذي يشغل الغرب فيه شبابه ذكوراً وإناثاً بالأمور النافعة, ويشغلهم بالأمور المفيدة على الأقل في دنياهم، أصبح الغرب يصدر إلينا من توافه البضائع، من المجلة الهابطة, ومن الأغنية المنحطة, ومن الأفلام الفاسدة, ومن البرامج الرديئة, أشياء وأشياء, وإن كان من أولادهم من ينشغل بها إلا أن منهم أيضاً من ينشغل بجلائل الأمور ومعاليها. ونحن نعلم أنه حتى في مجال المرأة أصبحت جيوش كثير من أمم الكفر تجند النساء, لماذا تجند النساء؟ لخدمة عقائدهم ومبادئهم, نحن نربأ بأزواجنا وأخواتنا وبناتنا وأمهاتنا وقريباتنا عن ذلك؛ لأننا نعتبرهن درراً مصونة، تحفظ في بيوتها، ويقول الله تعالى لهن: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:33] نحن نربأ ببناتنا ونسائنا وبأخواتنا المؤمنات عن مثل هذه المواقع. لكننا نقول: إنها لعبة واضحة ومكشوفة, إن الغرب في الوقت الذي يجند حتى صاحبات السواعد الرخوة للدفاع عن مصالحه في أنحاء العالم, فإنه يصدر إلى شبابنا -وليس إلى فتياتنا فقط- ألوان الفساد والتعاسة, وألوان الانحراف والانحطاط, وها هو البث المباشر أصبحوا يهددوننا به صباح مساء, حتى يخترقوا بيوتنا وأخلاقنا وعقولنا وقلوبنا وأرواحنا, ويجعلوا شبابنا يعيشون في حالة لا يعلمها إلا الله.

الأمة الإسلامية بحاجة إلى صحوة

الأمة الإسلامية بحاجة إلى صحوة أيها الأحبة: الأمة الإسلامية بحاجة إلى صحوة, وينبغي أن ندرك أنه إذا اجتمع في مسجد مثل هذا الجمع الطيب بالألوف, فإنه يوجد أعداد كبيرة من الشباب هم بأمس الحاجة إلى اليد الحانية، التي تأخذ بأيديهم إلى المسجد, وتربطهم بالله عز وجل, وتدعوهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وتتطلف معهم حتى تسوقهم سوقاً رفيقاً غير عنيف إلى مجالات الخير, ومجالات البر ومجالات الإحسان. وإننا نعتبر أن مثل هذه المجالس -كما نعتبر مجالس العلم التي يحييها علماؤنا في كل مكان, ودروس تحفيظ القرآن, والدور الذي تقوم به المجالات الخيرية- نعتبر أنها نوع من المقاومة والكفاح، لا يقل عن ذلك الذي يحمل سيفه ويواجه العدو في ميدان المعركة, بل نحن نواجه عدواً أشرس وأعظم، لأن الذي يواجه العدو في ميدان المعركة قد حدد عدوه، وعرفه على وجه التحديد, وعرف جهته, وقد وجد في الواقع ما يثير حماسه ويلهبه, حتى أن كثيراً ممن يكون فيهم خوف وجبن إذا ذهبوا إلى ميادين القتال، وسمعوا أزيز الطائرات، وسمعوا طلقات المدافع، زال عنهم الخوف, وأصبحوا شجعاناً ينطلق الواحد منهم لا يلوي على شيء، وهو يتمنى أن يموت في سبيل الله, وهذا أمر مشاهد مجرب, الداعية يواجه عدواً مستتراً عدواً منافقاً عدواً يتظاهر بالود, يتظاهر بالخير, يتظاهر بمحبة الطيبين والخيرين، وأنه يريد الخير لهؤلاء الناس, ثم يدس السم الناقع، وإن من أصعب الأمور مواجهة أمثال هؤلاء، لأن الكثيرين تفتر حماستهم وتقل اندفاعاتهم نحو هذه المجاهدة, التي هي من أوجب المجاهدات في هذا الوقت, وما هذه الكلمات النيرات التي تقدم بها أخي الشيخ عائض حفظه الله وسدده ووفقه وجزاه عنا خيراً, إلا نبراس لهذا الطريق، فنحن أصبحنا اليوم أيها الإخوة مطالبين -حتى من كان منا عنده معصية، أو عنده بعض التقصير- مطالبين بأن ننقذ أنفسنا وننقذ بيوتنا. من هو الذي يرضى أن يكون بيته مقتحما؟! من هو الذي يرضى أن يكون عدوه في قعر بيته يصل إلى أخته وإلى أخيه وإلى قرينته بل إلى زوجته في بعض الأحيان؟! والله إننا نعرف من أوضاع البيوت ومن أوضاع الشباب ومن أوضاع الفتيات ما يندى له الجبين, وندرك أن الشاعر كان على حق حين صاح منذ سنوات طوال وهو يقول: مؤامرة تدور على الشباب ليعرض عن معانقة الحراب مؤامرة تدور بكل بيت لتجعله ركاماًَ من تراب هذا الشاب الذى تلتهب القوة الجسمانية في بدنه, ثم يرى على مرأى منه ومسمع صور الرذيلة، التي تصدر لنا من الشرق والغرب, وصور المرأة الجميلة، والأغنية الهابطة, ما هو الذي يعصمه من كل هذا؟! صحيح أن الإيمان يعظ قدراً من الناس، لكن كثيرين تضعف قوتهم, ويتأخرون ويستجيبون لمثل هذه النوازع الشهوانية, ويظل الشيطان يجرهم جراً من منحدر إلى منحدر, ومن درج إلى درج, حتى لا يصحو الواحد منهم إلا وهو في الحضيض، وقد أصبح مدمناً للمشاهدة, مدمناً للسماع, مدمناً للمخدرات, مدمناً لأي لون من ألوان الفساد, ويصعب عليه أن يتخلص من ذلك إلا بجهد جهيد. فيا أيها الإخوة! ينبغى أن يعلن كل فرد منا -إن صح التعبير- حالة الطوارئ على نفسه وفي بيته, ويكون يقظاً مدركاً للمسئولية التى ألقيت على عاتقه، وأن يؤدي دوره في منزله, وفي زملائه، وفي حيه، وفي كل مجال يكون فيه على أحسن ما يكون أداء الدور. وإذا لم تنفع اليوم -أيها الأخ- دينك وأمتك، فمتى يكون ذلك؟! نحن على ثقة وعلى يقين من وعد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن هذا الدين منصور, والله الذي لا إله إلا غيره -وأقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً- إن هذا الدين منصور ولكن بسواعدنا؛ فإن الله كما يقول عن نفسه: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21] {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173] فنصر هذا الدين إنما يكون بسواعد المؤمنين, وبجهادهم وبصبرهم وببلائهم وبدعوتهم إلى الله تعالى, لو شاء الله تعالى لأنزل ملائكة في الأرض يخلفون، وعن دين الله تعالى يذبون ويكافحون، ولكنه أراد أن يبلو بعضنا ببعض، ويختبر بعضنا ببعض, فلنكن من المجاهدين في سبيل الله, ولو بالكلمة الطيبة, ولو بالنصيحة الهادئة, ولو ببذل جهد بسيط في هذا السبيل. فنحن نحتاج منك إلى أقل القليل من الجهد، وأقل القليل إذا أضيف إلى غيره؛ فإن الله تعالى يبارك فيه, خاصة إذا توافرت مع ذلك النية الصادقة, والخلق الحسن، والبسمة تكسو وجهك, وحب الخير للناس, لا تريد علواً في الأرض ولا فساداً, ولا تريد أن تمارس على الناس هيمنة أو تسلطاً أو أمراً أو نهياً, وإنما قصدك أن يهتدي الناس إلى دين الله وإن لم تعرف وإن لم تذكر، وإن لم يستجب لك الناس في شخصك, لكن يهمك أن يستجيبوا لدينك ولدعوتك حتى ولو كنت تحت أطباق الثرى.

خاتمة

خاتمة وأختم هذه الجلسة المباركة بالدعاء، أن يوفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه, ويجعلنا جميعاً هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين, وأن ينفع بنا دينه وينصر كلمته، ويعلي بنا سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, وأن يرزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا, إنه على كل شيء قدير، وأدعو الله للشيخ عائض القرني أن يوفقه الله لما يحبه ويرضاه, وأن يملأ الله قلبه إيماناً وسعادة, إنه على كل شيء قدير.

حكم قول: (سقط من عين الله)

حكم قول: (سقط من عين الله) Q هذا يسأل قد سمعتك تكرر لفظة (سقط من عين الله) فهل هذه العبارة تليق بالله جل وعلا أم لا؟ وهل فيها تشبيه أم تمثيل أم لا؟ هذا للتنبيه، وأَعْلَمُ أنك قلتها بدون قصد. A في الحقيقة لا أدري من المقصود، أنا أم الشيخ عائض، ولكن سأجيبك بعد أن أستسمح الشيخ في ذلك. أنا أعتقد أن العبارة هذه ليس فيها شيء, وقد وردت في بعض الآثار على كل حال, والمقصود بها أن الإنسان إذا فعل معصية أو قصر في واجب, فكما ورد في بعض الأحاديث الصحيحة أن الله تعالى يعرض عنه, وما أشبه ذلك ولا يكون له عند الله المنزلة, ولا شك أن منزلة العبد عند ربه تكون بقدر إخلاصه وعمله وتقواه, فهذا هو المقصود, وهو مقصود صحيح، واللفظ ليس فيه شيء في حدود علمي, وإن كان فيه شيء، فحبذا أن ينبهنا مشايخنا إلى ذلك. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. سبحانك وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. والحمد لله رب العالمين.

لا تحزن

لا تحزن هذه رسالة لكل مهموم ومغموم ومحزون، فيها دراسة جادة تعنى بمعالجة الجانب المأساوي في حياة البشر، من حيث الهم والغم، والاضطراب والقلق، والحيرة والكآبة، وفقد الثقة والإحباط. هذه الرسالة حل لمشاكل العصر على نور الكتاب والسنة، والفطرة السوية، والتجارب الراشدة، والأمثال الحية.

رسالة إلى كل مهموم ومغموم

رسالة إلى كل مهموم ومغموم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: فعنوان هذه المحاضرة: (لا تحزن!) وهي رسالة لكل مهموم ومغموم ومحزون، تقول له: لا تحزن. وهي خطاب لكل مصاب ومبتلى، وكل من سحقته المشقة والعناء، تقول له: لا تحزن! وهي نداء لكل من أحدقت به المصائب، وأحاطت به النكبات، وخنقته الأزمات، تقول له: لا تحزن! وهي دعوة لمن فقد ابنه وفُجع بثمرة فؤاده، وأصيب بفصيله من أهل الدنيا، ونُعي إليه حبيبُه، تقول له: لا تحزن! وهي أمل لكل من أثقلته الديون، وعضَّه الفقر، وأمضته الحاجة، وأحاطت به البأساء، تقول له: لا تحزن! وهي مواساة لمن أقعده المرض، ونغص عيشه السقم، وأقض مضجعه الألم، وشرد نومه اليأس، تقول له: لا تحزن! وهي عزاء لمن أُوصِدت عليه الأبواب، ولمن ذاق مرارة الغربة، واحتسى كأس الفراق، وشرب علقم الإحباط، تقول له: لا تحزن! وهي سلوة لمن أشرف على الانتحار، ومل الحياة، وسئم العيش، وعاف البقاء، تقول له: لا تحزن! عناصر المحاضرة:- - إن مع العسر يسراً. - فكِّر واشكُر. - ما مضى فات. - يومك يومك. - اترك المستقبل حتى يأتي. - كيف تواجه النقد الآثم؟ - لا تنتظر شكراً من أحد. - الإحسان إلى الغير انشراح للصدر. - اطرد الفراغ بالعمل. - قضاءٌ وقدر. - اصنع من الليمون شراباً حلواً. {- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]. - العِوَض من الله. - الإيمان هو الحياة. - اجنِ العسل ولا تكسر الخلية. {- أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. - {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:54]. - اقْبَل الحياةَ كما هي. - تَعَزَّ بأهل البلاء. - الصلاة الصلاة. - {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]. - {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} [الأنعام:11]. - {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف:18]. - وقفات. وهذه هي التفاصيل:

(إن مع العسر يسرا)

(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) يا إنسانُ! بعد الجوع شبع، وبعد الظمأ رِي، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، وبعد الفقر غنى، وبعد السجن حرية، سوف يصل الغائب، ويهتدي الضال، ويُفك العاني، وينقشع الظلام: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة:52]. بشر الليل بصبح صادق يطارده على رءوس الجبال ومسارب الأودية، بشر المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر، بشر المنكوب بلطف خفي وكف حانية وادعة. إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد فاعلم أن وراءها رياض خضراء وارفة الظلال، وإذا رأيت الحبل يشتد ويشتد فاعلم أنه سوف ينقطع. مع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمن، ومع الفزع سكينة، النار لا تحرق إبراهيم التوحيد؛ لأن الرعاية الربانية فتحت نافذة: {بَرْداً وَسَلاماً} [الأنبياء:69]. البحر لا يغرق كليم الرحمن؛ لأن الصوت القوي الصادق نطق بـ {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62]. المعصوم في الغار بشر صاحبه بأنه وحده سبحانه معنا، فنزل الأمن والفتح والسكينة. إن عبيد ساعاتهم الراهنة وأرقاء ظروفهم القاتمة لا يرون إلا النكد والضيق والتعاسة؛ لأنهم لا ينظرون إلا إلى جدار الغرفة وباب الدار فحسب، ألا فليمدوا أبصارهم وراء الحُجب، ألا فليطلقوا أعنة أفكارهم إلى ما وراء الأسوار، ألا فليحسنوا الظن بالعزيز الغفار. إذاً فلا تضِقْ ذرعاً فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة: انتظار الفرج، الأيام دُوَل، والدهر قُلَّب، والليالي حُبالَى، والغيب مستور، والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً: {وإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:6]. دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالي البالِ ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حالِ وانظر إلى يونس بن متَّى عليه السلام في ظلمات ثلاث، لا أهل، ولا ولد، ولا صاحب، ولا حبيب، ولا قريب، إلا الله الواحد الأحد، فهتف بالكلمة الصادقة المؤثرة النافعة: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] فجاء الفرج. ويعقوب عليه السلام يقول لأبنائه: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]. فلا يأس والله يُدعَى، ولا قنوط والله يُرجَى، ولا خيبة والله يُعبَد، ولا إحباط والله يُؤمَن، جل في علاه، فإذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً}. انظر إلى أخبار الأمم وقصص الدول، كيف غلب الله على أمره جل في علاه؛ لأنه الفعال لما يريد، فجاء باليُسر بعد العسر سبحانه، وفي حديثٍ حسن: {ولن يغلب عسرٌ يسرين}. المنصور بن أبي عامر -الملك الأندلسي- حكم بقتل عالم من العلماء، وأعطى السياف ورقة، أراد أن يَكتب فيها: يُقتَل، فكتب: يُطلَق، فردَّها السياف إليه، فشطبها وكتبها: يُطلَق، فردها إليه، فشطبها وكتبها: يطلق، يريد أن يُقتَل، فلما كتب يُطلَق، تعجب واحتار، وقال: والله إنه لأمر الله جل في علاه، والله ما أردتُ إلا قتله، وإنه ليُطلَق على رغم أنفي، فأطلقه: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]. سَهِرَت أعين ونامت عيونُ في شئونٍ تكون أو لا تكون إن رباً كفاك ما كان بالأمسِ سيكفيك في غدٍ ما يكونُ

فكر واشكر

فكِّر واشكُر المعنى: أن تذكر نعم الله عليك، فإذا هي تغمرك من فوقك، ومن تحت قدميك: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:34] صحة في بدن، أمن في وطن، غذاء وكساء، هواء وماء، لديك الدنيا وأنت لا تشعر، تملك الحياة وأنت لا تعلم: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان:20] عندك عينان، ولسان وشفتان، ويدان ورجلان، وأمن في أوطان: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13] هل هي مسألة سهلة أن تمشي على قدميك وقد بُتِرَت أقدام؟! وأن تعتمد على ساقيك وقد قطعت سوق؟! أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار الألم نوم الكثير؟! وأن تملأ معدتك من الطعام الشهي وأن تكرع من الماء البارد وهناك من عُكِّر عليه الطعام، ونغِّص عليه المنام بأمراض وأسقام؟! تفكر في سمعك، وقد عوفيت من الصمم، تأمل في نظرك وقد سلمت من العمى، انظر إلى جلدك وقد نجوت من البرص والجذام، المح عقلك وقد أُنعِم عليك بحضوره، ولم تُفْجَع بالجنون والذهول. أتريد في بصرك وحده كـ جبل أحد ذهباً؟! أتحب بيع سمعك بوزن ثهلان فضة؟! هل تشتري قصور الزهراء بلسانك فتكون أبكم؟! هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقطع؟! إنك في نعم عميمة، وأفضال جسيمة، وآيات عظيمة؛ ولكنك لا تدري، تعيش مهموماً مغموماً حزيناً كئيباً، وعندك الخبز الدافئ، والماء البارد، والنوم الهانئ، والعافية الوارفة، تتفكر في المفقود ولا تشكر الموجود؟! تنزعج من خسارة مالية، وعندك مفتاح السعادة، وقناطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم والأشياء، فكِّر واشكُر! {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]. فكِّر في نفسك، وأهلك، وبيتك، وعملك، وعافيتك، وأصدقائك، والدنيا من حولك، {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} [النحل:83]. صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها}. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس}. خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل سار منها بغير الطيب والكفنِ ويقول أبو العتاهية: رغيفُ خبز يابسٍ تأكله في زاويه وكوز ماء بارد تشربه من صافيه وغرفة خالية نفسك فيها راضيه ومصحف تدرسه مستنداً لساريه خير من السكنى بظـ ـلات القصور العاليه من بعد هذا كله تُصلى بنار حاميه

ما مضى فات

ما مضى فات تذكرُ الماضي والتفاعل معه واستحضاره والحزن لمآسيه، قنوطٌ وجنونٌ، وقتلٌ للإرادة، وتبديد للحياة الحاضرة، إن ملف الماضي عند العقلاء يُطوَى ولا يُروَى، يُغلَق عليه أبداً في زنزانة النسيان، يُقيَّد بحبال قوية في سجن الإهمال، فلا يَخْرُج أبداً، ويُوصَد عليه فلا يرى النور؛ لأنه مضى وانتهى، لا الحزن يعيده، لا الهم يصلحه، لا الغم يصححه، لا الكَدَر يحييه؛ لأنه عدم؛ لا تَعِشْ في كابوس الماضي وتحت مظلة الفائت، انقذ نفسك من شبح الماضي؛ أتريد أن ترد النهر إلى مصبه! والشمس إلى مطلعها! والطفل إلى بطن أمه! واللبن إلى الثدي! والدمعة إلى العين؟! إن تفاعلك مع الماضي وقلقك منه، واحتراقك بناره، وانطراحك على أعتابه، وضع مأساوي رهيب مخيف مفزع. القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر، وتمزيق للجهد، ونسف للساعة الراهنة، ذكر الله الأمم وما فعلت، ثم قال: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} [البقرة:134] وقال لأوليائه: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد:23] انتهى الأمر، قضيت المسألة لا طائل من تشريح جثة الزمان، وإعادة عجلة التاريخ. إن الذي يعود للماضي كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أصلاً، وكالذي ينشر نشارة الخشب، وقديماً قالوا لمن يبكي على الماضي: (لا تخرجوا الأموات من قبورهم). وقد ذكر من يتحدث على ألسنة البهائم، أنهم قالوا للحمار: لم لا تجتر؟ قال: أكره الكذب. إن بلاءنا أننا نعجز عن حاضرنا، ونشتغل بماضينا، نهمل قصورنا الجميلة، ونندب أطلالنا البالية، ولئن اجتمعت الإنس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا؛ لأن هذا هو المحال بعينه. إن الناس لا ينظرون إلى الوراء ولا يلتفتون إلى الخلف؛ لأن الريح تتجه إلى الأمام، والماء ينحدر إلى الأمام، والقافلة تسير إلى الأمام، فلا تخالف سنة الحياة.

يومك!! يومك

يومك!! يومك اسمع إلى الأثر الثابت: [[إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح]] اليوم فحسب ستعيش، فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره، ولا الغد الذي لم يأتِ إلى الآن، اليوم الذي أظلتك شمسُه، وأدركك نهاره هو يومك فحسب، عمرك يوم واحد. ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم، وكأنك ولدت فيه وتموت فيه، حينها لا تتأثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمه، وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب. لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك، لليوم فقط وجه إبداعك وكدك وجهدك، وفي هذا اليوم لا بد أن تقدم صلاة خاشعة، وتلاوة متدبرة، واطلاعاً بتأمل، وإبداعاً برُقي، وذكراً بحضور، واتزاناً في الأمور، وحسناً بخلق، ورضاً بالمقسوم، واهتماماً بالمظهر، واعتناءً بالجسم، ونفعاً للآخرين. لليوم هذا الذي أنت فيه تعيش فتقسم ساعاته، وتجعل من دقائقه سنوات، ومن ثوانيه شهور، تزرع فيه الخير، تسدي فيه الجميل، تستغفر فيه من الذنب، تذكر فيه الرب، تتهيأ للرحيل، تعيش هذا اليوم فرحاً وسروراً، وأمناً وسكينة، ترضى فيه برزقك، بزوجتك، بأطفالك، بوظيفتك، ببيتك، بعملك، بمستواك، {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف:144]. تعيش هذا اليوم بلا حزن ولا انزعاج، ولا سُخط ولا حقد ولا حسد. إن عليك أن تكتب على لوح قلبك عبارة واحدة، تجعلها أيضاً على مكتبك، تقول العبارة: (يومك يومك). إذا أكلت خبزاً حاراً شهياً هذا اليوم، فهل يضرك خبز الأمس الجاف الرديء؟! أو خبز غدٍ الغائب المنتظَر، إذا شربت ماءً عذباً زلالاً هذا اليوم؛ فلِمَ تحزن من ماء أمس المالح الأُجاج، أو تهتم لماء غد الآسن الحار؟! إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فولاذية صارمة عارمة حاسمة حازمة جازمة؛ لأخضعتها لنظرية: لَن أَعيش إلاَّ هذا اليوم، حينها تستغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية مواهبك وتزكية عملك فتقول: لليوم فقط أهذب ألفاظي، فلا أنطق هذواً أو فُحشاً أو سباً أو غيبة. لليوم فقط سوف أرتب بيتي ومكتبتي، فلا ارتباك ولا بعثرة، إنما هو نظام ورتابة. لليوم فقط سوف أعيش فأعتني بنظافة جسمي وتحسين مظهري، والاهتمام بهندامي، والاتزان في مشيتي وكلامي وحركاتي. لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربي، وتأدية صلاتي على أكمل وجه، والتزوُّد بالنوافل، وتعاهد مصحفي، والنظر في كتبي، وحفظ فائدة، ومطالعة كتاب نافع. لليوم فقط سأعيش، فأغرس في قلبي الفضيلة، وأجتث منه شجرة الشر بغصونها الشائكة، مِن كِبْر وعُجْب ورياء وحسد وحقد وغِل وسوء ظن. لليوم فقط سوف أعيش فأنفع الآخرين، وأسدي الجميل إلى الغير، أعود مريضاً، أشيِّع جنازة، أدل حيراناً، أطعم جائعاً، أفرج عن مكروب، أقف مع مظلوم، أدفع لضعيف، أواسي منكوباً، أكرم عالماً، أرحم صغيراً، أجل كبيراً. لليوم فقط سأعيش. فيا ماضٍ ذهب وانتهى! اغرب كشمسك، فلن أبكي عليك، ولن تراني أقف لأتذكرك لحظة؛ لأنك تركتنا وهجرتنا ورحلت عنا، ولن تعود إلينا أبد الآبدين. ويا مستقبل! أنت في عالم الغيب، فلن أتعامل مع الأحلام، ولن أبيع نفسي مع الأوهام، ولن أتعجل ميلاد مفقود؛ لأن غداً لا شيء؛ لأنه لم يُخلق؛ ولأنه لم يكن شيئاً مذكوراً. يومك يومك! أيها الإنسان! أروع كلمة في قاموس السعادة لمن أراد الحياة في أبهى صورها، وأجمل حللها.

اترك المستقبل حتى يأتي

اترك المستقبل حتى يأتي {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:1] لا تستبق الأحداث، أتريد إجهاض الحمل قبل إتمامه؟! وقطع الثمرة قبل النضج؟! إن غداً مفقود لا حقيقة له، ليس له وجود، ولا طعم، ولا لون، ولا رائحة، فلماذا نفتن أنفسنا به، ونتوجس من مصائبه، ونهتم لحوادثه، ونتوقع كوارثه، ولا ندري هل يُحال بيننا وبينه أو نلقاه؟ فإذا هو سرور ونور وحبور، المهم أنه في عالم الغيب، لم يصل إلى الأرض بعد، إن علينا ألا نعبر جسراً حتى نأتيه، ومن يدري؟ لعلنا نقف قبل وصول الجسر، أو لعل الجسر ينقطع بنا، وربما وصلنا الجسر ومررنا بسلام. لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانعُ لا يعلم الغيب إلا الله، فانتظر موعودك مع الحياة، وكن سعيداً بيومك. إن إعطاء الذهن مساحةً أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم الاكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقوت شرعاً؛ لأنه طول أمل، ومذموم عقلاً؛ لأنه مصارعة للظل. إن كثيراً من هذا العالم يتوقع في مستقبله الجوع والعري والمرض والفقر والمصائب، وهذا كله من مقررات مدارس إبليس: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً} [البقرة:268] كثيرون هم الذين يبكون؛ لأنهم سوف يجوعون غداً، وسوف يمرضون بعد سنة، وسوف ينتهي العالم بعد مائة عام، إن الذي عمره في يد غيره لا ينبغي له أن يراهن على العدم، والذي لا يدري متى يموت، لا يجوز له الاشتغال بشيء مفقود لا حقيقة له. اترك غداً حتى يأتيك، لا تسأل عن أخباره، لا تنتظر زحوفه؛ لأنك مشغول باليوم. وإن تعجب، فعجب هؤلاء الذي يقترضون الهَمَّ نقداً ليقضوه نسيئة في يوم لم تشرق شمسُه، ولم يرَ نوره، فحذارِ من طول الأمل!

كيف تواجه النقد الآثم

كيف تواجه النقد الآثم الرقعاء السخفاء الحمقى السافهون سبوا الخالق الرازق جل في علاه، شتموا الواحد الذي ذهب بالجمال والكمال والجلال، لا إله إلا هو! فماذا نتوقع أنا وأنت ونحن أهل الحيف والخطأ؛ إنك سوف تواجه في حياتك حرباً ضروساً لا هوادة فيها من النقد الآثم المر، ومن التحطيم المدروس المخصوص، ومن الإهانة المتعمدة، ما دام أنك تعطي، وتبني وتؤثر، وتسطع وتلمع وتبدع، ولن يسكت هؤلاء عنك حتى تتخذ نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتفر من هؤلاء، أما وأنت بين أظهرهم فانتظر منهم ما يسوؤك، ويبكي عينك، ويدمي مقلتك، ويقض مضجعك. إن الجالس على الأرض لا يسقط، والناس لا يرفسون كلباً ميتاً؛ لكنهم يغضبون عليك؛ لأنك فُقْتَهم صلاحاً أو علماً أو أدباً أو مالاً أو بياناً أو جهداً، فأنت عندهم مذنب لا توبة لك حتى تترك مواهبك، ونعم الله عليك، وتنخلع من كل صفات الحمد، وتنسلخ من كل معاني النبل، وتبقى بليداً غبياً صفراً محطماً مكدوداً، هذا ما يريدون بالضبط. إذاً: فاصمد لكلام هؤلاء، إذاً: (فاثبت أُحُد) واصبر على نقدهم وتشويههم وتجريحهم وتحقيرهم، وكن كالصخرة الصامدة المهيبة تتكسر عليها حبات البرد، لتثبت وجودها وتعلن صمودها، وقدرتها على البقاء. إنك إن أصغيت لكلام هؤلاء وتفاعلت به حققت أمنيتهم الغالية في تعكير حياتك وتكدير عمرك، ألا فاصفح الصفح الجميل، ألا فاعرض عنهم وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ. إن نقدهم السخيف ترجمة محترمة لك، وبقدر وزنك يكون النقد الآثم المفتَعَل. إنك لن تستطيع أن تغلق أفواه البشر، ولن تستطيع أن تعقد ألسنتهم؛ لكنك تستطيع أن تدفن نقدَهم وتجنيهم بتجافيك لهم وإهمالك لشأنهم، واطراحك لأقوالهم: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران:119]. وكِلْمَةِ حاسد من غير جُرْم سمعتُ فقلت مُرِّي فانفُذِيني وعابوها عليَّ ولم تعبني ولم يندى لها أبداً جبيني حسدوا الفتى إن لمن ينالوا سعيه فالناس أعداء له وخصومُ كضرائر الحسناء قُلْنَ لوجهها حسداً وبغياً إنه لدميمُ ... وشكوتَ من ظلم الوشاة ولم تَجد ذا سؤدد إلا أُصيبَ بِحُقَّدِ لا زلت سِبْط الكرام مُحَقَّداً والتافه المسكين غير مُحَقَّدِ إنك تستطيع أن تصب في أفواه هؤلاء خَرْدلاًَ بزيادة فضائلك، وتربية محاسنك، وتقويم اعوجاجك. إن كنت تريد أن تكون مقبولاً عند الجميع، محبوباً لدى الكل، سليماً من العيوب عند العالم، فقد طلبت مستحيلاً، وأمَّلت أملاً بعيداً، ألا يكفيك أن الواحد جل في علاه، القهار تباركت أسماؤه، الكامل تقدست آلاؤه، يقول: {يسبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، ويشتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، أما سبه إياي -تعالى الله في عليائه- فإنه يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار، وأما شتمه إياي فإنه يقول: إني اتخذت صاحبة وولداً وأنا الله لم أتخذ صاحبة ولا ولداً} وهذا هو الله جل في علاه، ورسولنا صلى الله عليه وسلم، عندما بلغ الكمال البشري سُبَّ وشُتِمَ وهُجِيَ وقيل له: ساحر، وشاعر، وكاهن، وكذاب، ومجنون، فنزل عليه: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر:85] {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5].

لا تنتظر شكرا من أحد

لا تنتظر شكراً من أحد خلق الله العباد ليذكروه، ورزق الله الخليقة ليشكروه، فعبد الكثير غيره، وشكر الغالب سواه؛ لأن طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النفوس، فلا تصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك، وأحرقوا إحسانك، ونسوا معروفك، بل ربما ناصبوك العداء، ورموك بمنجنيق الحقد الدفين، لا لشيء إلا لأنك أحسنت إليهم: {وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة:74]. وطالع سجل العالم المشهود، فإذا في فصوله قصة أبٍ ربى ابنه وغذَّاه، وكساه وأطعمه وسقاه، وأدَّبه وعلَّمه، سهر لينام، جاع ليشبع، تعب ليرتاح، فلما طَرَّ شارب هذا الابن وقوي ساعده؛ أصبح لوالده كالكلب العقور، استخفافاً، وخسة، وازدراءً، ومقتاً، وعقوقاً صارخاً، وعذاباً وبيلاً، وبغياً أثيماً. وربيتُه حتى إذا ما تركتُه أخا القوم واستغنى عن المسح شاربُه تغمط حقي ظالماً ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبه ألا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفِطَر، ومحطَّمي الإرادات، وليهنئوا بعظم المثوبة عند من لا تنفد خزائنه. إن هذا الخطاب الحار لا يدعوك لترك الجميل، وعدم الإحسان للغير، وإنما يوطنك على انتظار الجحود والتنكر لهذا الجميل والإحسان، فلا تبتئس بما كانوا يصنعون. اعمل الخير لوجه الله؛ لأنك الفائز على كل حال، ثم لا يضرك غمط من غمطك، ولا جحود من جحدك، واحمد الله لأنك المحسن وهو المسيء، {واليد العليا خير من اليد السفلى} {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} [الإنسان:9] وانظر إلى أبي بكر رضي الله عنه، دفع أمواله ووقته ودموعه ودمه وأعتق الرقاب، وساوى السلاح في سبيل الله، ثم لَمَّا أراد أن يُثامَن قال: [[والله لا أطلب الثمن إلا من الله]] فقال الله لـ أبي بكر: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:19 - 21] فيا له من ثواب عظيم! من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناسِِ وانظر إلى الأنصار، دفعوا أراضيهم، بذلوا نفوسهم، قدموا أرواحهم، استبسلوا بدمائهم، وأراد صلى الله عليه وسلم أن يُثامِنَهم بمكان هذا الجنة. وقد ذهل كثير من العقلاء من جبلَّة الجحود عند الغوغاء، وكأنهم ما سمعوا الوحي الجليل وهو ينعي على الصنف عتوه وتمرده: {مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12] لا تفجأ إذا أهديت بليداً قلماً فكتب به هجاءك، أو منحت جافياً عصاً يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه فشج بها رأسك، هذا هو الأصل عند هذه البشرية المحنطة في كفن الجحود مع باريها جل في علاه، فكيف بها معي ومعك؟! أعلِّمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني وكم علَّمته نَظْم القوافي فلما قال قافية هجاني

الإحسان إلى الغير انشراح للصدر

الإحسان إلى الغير انشراح للصدر الجميل كاسْمِه، والمعروف كرَسْمِه، والخير كطعمه، أول المستفيدين من إحسان الناس هم المتفضلون بهذا الإسعاد، يجنون ثمرته عاجلاً في نفوسهم، وأخلاقهم، وضمائرهم، فيجدون الانشراح، ويحسون بالانبساط، ويعيشون الهدوء، ويلمسون السكينة. فإذا طاف بك طائف من همٍّ، أو أَلَمَّ بك غم فامنح غيرك معروفاً، واسْدِ له جميلاً، تجد الفرج والراحة. اعط محروماً، انصر مظلوماً، انقذ مكروباً، أطعم جائعاً، عُدْ مريضاً، واسِ منكوباً، تجد السعادة تغمرك من بين يديك ومن خلفك. إن فعل الخير كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه، وعوائد الخير النفسية عقاقير مباركة تصرف في صيدلية الذين عُمرت قلوبهم بالبر والإحسان. إن توزيع البسمات المشرقة على فقراء الأخلاق صدقة جارية في عالم القيم: {ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق} وإن عبوس الوجه إعلان حرب ضروس على الآخرين، لا يعلم قيامها إلا علام الغيوب. شربة ماء من كف بغي لكلب عقور؛ أثمرت دخول جنة عرضها السماوات والأرض؛ لأن صاحب الثواب غفور، شكور، يحب العفو، محسن، غني، حميد. يا من تهددهم كوابيس الشقاء! يا من ترهبهم أحلام الفناء! يا من يزلزلهم الفزع! يا من يهزهم القلق والخوف! هلموا إلى بستان المعروف، تشاغلوا بالغير عطاءً وضيافة ومواساة وإعانة وخدمة، وستجدون السعادة طعماً ولوناً وذوقاً: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:19 - 21].

اطرد الفراغ بالعمل

اطرد الفراغ بالعمل {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105]. الفارغون في الحياة هم أهل الأراجيف والشائعات، هم أهل أحلام اليقظة؛ لأن أذهانهم موزعة: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة:87]. إن أخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل فيبقى كالسيارة المسرعة في انحدار بلا سائق، تجنح ذات اليمين وذات الشمال، ويوم تجد في حياتك فراغاً فتهيأ حينها لِلْهَم والغم والفزع؛ لأن هذا الفراغ يسحب لك ملفات الماضي والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة، سيجعلك في أمر مريج، ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمال مثمرة بدلاً من هذا الاسترخاء القاتل؛ لأنه وأد خفي، وانتحار بكبسول مسكِّن. إن الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الذي يمارَس في سجون الصين؛ بوضع السجين تحت أنبوب يقطر كل دقيقة قطرة، وفي فترات انتظار هذه القطرات يُصاب السجين بالجنون. الراحة غفلة، والفراغ لص محترف، وعقلك فريسة ممزقة لهذه الحروب الوهمية. إذاً: قم الآن، صلِّ، اقرأ، سبح، طالع، اكتب، رتِّب، أبدع، اعمل، تحرك، انفع غيرك؛ حتى تقضي على الفراغ، وإِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ. اذبح الفراغ بسكين العمل، ويضمن لك أطباء العالم (50 %) من السعادة مقابل هذا الإجراء الطارئ فحسب، انظر إلى الفلاحين والخبازين والبنائين، يغردون بالأناشيد كالعصافير في سعادة وراحة، وأنت على فراشك تمسح دموعك، وتضطرب مكانك كأنك ملدوغ.

قضاء وقدر

قضاءٌ وقدر {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22] فليعلم مَن جَهِل، وليدرِ مَن غفل، جف القلم، رُفعت الصحف، قُضي الأمر، كتبت المقادير: {لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة:51] {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} [الأعراف:89] {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173] {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} [غافر:44]. دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس سهرت أعين ونامت عيونٌ في شئون تكون أو لا تكونُ إن رباً كفاك ما كان بالأمس سيكفيك في غدٍ ما يكونُ واسمع إلى العامي ذي الفطرة الصحيحة يقول: لا تِشْتِكِ يا واحداً باتْ مهمومْ تَرى الفرح عندِ اقترابِ الحزام وانْ كان عِيْنَك خالفتْ لذة النومْ إنتَ تنام وخالقك ما ينام {ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك}. إن هذه العقيدة إذا رسخت في نفسك، وقرَّت في ضميرك، صارت البلية عطية، والمحنة منحة، وكل الوقائع جوائز وأوسمة، و {مَن يرد الله به خيراً يُصِبْ مِنْه} فلا يصبك قلق من مرض، أو موت ابن، أو خسارة مالية، أو احتراق بيت، فإن الباري قد قدَّر، والقضاء قد حلَّ، والاختيار هكذا، والخيرة لله، والأجر حصل، والذنب غُفر. هنيئاً لأهل المصائب صبرهم ورضاهم عن الآخِذ المعطي القابض الباسط، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] ولن تهدأ أعصابك، ولن تسكن بلابل نفسك، ولن تذهب وساوس صدرك حتى تؤمن بالقضاء والقدر، جف القلم بما أنت لاقٍ، فلا تذهب نفسك حسرات، لا تظن أن بوسعك إيقاف الجدار أن ينهار، وحبس الماء أن ينسكب، ومنع الريح أن تهب، وحفظ الزجاج أن ينكسر، هذا ليس بصحيح، على رغمي ورغمك سوف يقع المقدور، وينفذ القضاء، ويحل المكتوب {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29]. استسلم للقدر قبل أن تطوَّق بجيش السخط والتذمر والعويل، اعترف بالقضاء قبل أن يداهمك سيل الندم. إذاً: فليهدأ بالك إذا فعلت الأسباب، وبذلت الحيَل، ثم وقع ما كنت تحذر، فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع: {ولا تقل: لو أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل}. واسمع إلى الجوائز وإلى الأوسمة وإلى الأُعطيات للصابرين المحتسبين: صح عنه عليه الصلاة والسلام أن الله يقول: {ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضتُ صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة}. وقال سبحانه في الحديث القدسي الصحيح: {من ابتليتُه بحبيبتيه -أي: بعينيه- فصبر عوَّضتُه عنهما الجنة}. وصح عنه عليه الصلاة والسلام عن ربه أنه قال: {إذا قبض ابن العبد المؤمن قال الله لملائكته وهو أعلم: قبضتم ابن عبدي المؤمن؟ قالوا: نعم. قال: قبضتم ثمرة فؤاده؟ قالوا: نعم. قال: فماذا قال عبدي؟ قالوا: حمدك واسترجع، قال: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد}. وانظر إلى الأولياء كيف يصبرون على المقدور: هذا عروة بن الزبير يسافر سفراً طويلاً من المدينة إلى الشام، عروة الذي كان كان يختم القرآن كل أربعة أيام، عروة الذي يقوم ثلث الليل، عروة الذي كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، عروة البحر الذي قال عنه الزهري: لا تكدره الدِّلاء. سافر إلى الشام؛ ولكنه كان سفراً بعيداً شاقاً حتى إنه قال بعد السفر: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [الكهف:62] سافر معه ابنه محمد، وذهب إلى هناك، ونزل في بيت، وأصابته الآكلة في رجله، فوصلت قدمه، فأرادوا بتر القدم فصبر، فسرت إلى الساق فأرادوا بتر الساق فصبر، فسرت إلى الفخذ، فقرر الأطباء بتر فخذه، وقدموا له كأساً من الخمر وهو الولي العالم الصادق الزاهد، فقال: [[أأشرب خمراً؟ قيل له: ليذهب عقلك؛ لئلا تجد ألماً، قال: والله لا أشربها، كيف أُذهب عقلاً منحنيه ربي؟! كيف أرتكب محرماً؟! ولكن إذا دخلتُ في صلاتي، فسوف أنسى ألمي، فاقطعوا رجلي]] فكبَّر واسترسل في صلاته، وسافرت روحه إلى الملكوت العليا، كما قال الأول: إذا كان حب الهائمين من الورى بسلمى وليلى يسلب اللب والعقلا فماذا عسى أن يصنع الهائم الذي سرى قلبه شوقاً إلى العالَم الأعلى وبتروا رجله، وأغمي عليه، واستفاق ليقول أول كلمة، وينبس بأول جملة، فيقول: [[اللهم لك الحمد، إن كنتَ أخذتَ فقد أعطيتَ، وإن كنتَ ابتليتَ فقد عافيتَ]] قال له الناس: أحسن الله عزاءك في رجلك، وأحسن الله عزاءك في ابنك محمد؛ فإنه بينما كانت تُقطع رجلُك ذهب إلى اسطبل الخيل فرَفَسَتْهُ فرس فمات، فعاد مرة ثانية ليبعث رسالة حارة إلى الحي القيوم المتفضل سبحانه ليقول: [[اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيتَ، ولك الحمد بعد الرضا، أعطيتني أربعة أعضاء وأخذتَ عضواً، وأعطيتني أربعة أبناء وأخذتَ ابناً، فأنت المتفضل صاحب الجميل]]. والمرأة السوداء، صح الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام أتى وإذا هي تَصْرَع وتمرض وتتكشَّف، يعيث بها المرض، ويزلزلها ويقلقها، تضطرب منه، فقال صلى الله عليه وسلم وهو يَعرض عليها الخيار، وهي أمة سوداء؛ لكنها مؤمنة بالله، مسلمة بالقضاء والقدر: {إن شئتِ دعوتُ الله لكِ فكافاكِ، وإن شئتِ صبرتِ واحتسبتِ ولك الجنة، قالت: بل أصبر وأحتسب، لكن ادعُ الله لي ألا أتكشَّف} قال عطاء: [[من أراد أن ينظر إلى امرأة من أهل الجنة فلينظر إلى هذه المرأة السوداء]].

اصنع من الليمون شرابا حلوا

اصنع من الليمون شراباً حلواً الذكي الأريب يحول الخسائر إلى أرباح، والجاهل الرعديد يجعل المصيبة مصيبتين. طُرد الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة فأقام في المدينة دولة. سُجن الإمام أحمد فصار إمام السنة، وحُبس ابن تيمية فصار علم الأمة، وُضع السرخسي في قعر بئر معطلة فأخرج ثلاثين مجلداً في الفقه، أقعد ابن الأثير فصنف أربعين مصنفاً، نُفي ابن الجوزي فتعلم القراءات، أصابت الحمى مالك بن الريب فصار شاعر الدنيا، ومات أبناء أبي ذؤيب الهذلي فرثاهم بإلياذة أنصت لها الدهر، وذهُل منها الجمهور، وصفق لها التاريخ. إذا داهمتك داهية فانظر في الجانب المشرق منها، وإذا ناولك أحدهم كوب ليمون، فأضف إليه حفنة من سكر، وإذا أهدى لك أحدهم ثعباناً فخذ جلده الثمين واترك باقيه، وإذا لدغتك عقرب فاعلم أنه مصل واقٍ ومناعة حصينة ضد سم الحيات. تكيف في ظرفك القاسي لتخرج لنا منه زهراً وورداً وياسميناً: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ} [البقرة:216]. سجنت فرنسا قبل ثورتها العارمة شاعرَين مجَيدَين، متفائلاً ومتشائماً، فأخرجا رأسيهما من نافذة السجن. فأما المتفائل فنظر نظرة في النجوم فضحك، وأما المتشائم فنظر في الطين فبكى. انظر إلى الوجه الآخر للمأساة؛ لأن الشر المحض ليس موجوداً أصلاً، بل هناك خير ومكسب وفتح وأجر.

(أمن يجيب المضطر إذا دعاه)

(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) من الذي يفزع إليه المكروب؟! ومن الذي يستغيث به المنكوب؟! من الذي تصمد إليه الكائنات؟! ومن الذي تسأله المخلوقات؟! ومن الذي يلتجئ إليه العباد؟! ومن الذي تلهج الألسنة بذكره؟! ومن الذي تألهه القلوب؟! من هو الواحد الأحد؟! إنه الله الذي لا إله إلا هو. وحق عليَّ وعليك أن ندعوه في الشدة والرخاء، والسراء والضراء، ونفزع إليه في الملمات، ونتوسل إليه في الكربات، وننطرح على عتبات بابه سائلين باكين ضارعين منيبين، حينها يأتينا مدده، ويصل إلينا عونه، ويسرع إلينا فرجه، ويحل علينا فتحه، فينجي الغريق، ويرد الغائب، ويعافى المبتلى، وينصر المظلوم، ويهدي الضال، ويشفي المريض، ويفرج عن المكروب: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65] ولن أسرد عليكم هنا أدعية إزالة الهم والحزن والغم، فهي معلومة في كتب السنة. إذا وجدت الطريق إلى ربك فقد وجدت كل شيء، وإن فقدت الإيمان به؛ فقد فقدت كل شيء، إن دعاءك ربك عبادة أخرى، وطاعة عظمى ثانية فوق حصول المطلوب، وإن عبداً يجيد فن الدعاء حري ألا يهتم ولا يغتم، ولا يحزن، ولا يقلق: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:51]. كل الحبال تتصرم إلا حبله، كل الأبواب توصد إلا بابه، كل الطرق تغلق إلا طريقه، هو قريب سميع مجيب {يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] يأمرك -وأنت الفقير الضعيف المحتاج، وهو الغني القوي الواحد الماجد- بأن تدعوه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] إذا نزلت بك النوازل، إذا ألمت بك الخطوب، فالهج بذكره، واهتف باسمه، واطلب مدده، واسأله فتحه ونصره، مرِّغ الجبين لتقديس اسمه لتحصل على تاج الحرية، وأرغم الأنف في طين عبوديته لتحوز وسام النجاة، مد يديك، ارفع كفيك، أطلق لسانك، أكثر من طلبه، بالغ في سؤاله، ألح عليه، الزم بابه، انتظر لطفه، ترقب فتحه، اشدُ باسمه، أحسن الظن به، انقطع إليه، تبتل إليه تبتيلاً حتى تسعد وتفلح.

العوض من الله

العوض من الله لا تأسف على مصيبة، فإن الذي قدرها عنده جنة وثواب وعوض وأجر عظيم، إن أولياء الله المصابين المبتلين ينوه بهم في الفردوس {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24]. وحق علينا أن ننظر في عوض المصيبة وفي ثوابها، وفي خلفها الخيِّر {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:157] هنيئاً للمصابين، بشرى للمنكوبين، سلام على المضطهدين. إن عمر الدنيا قصير، وكنزها حقير، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:17] فمن أصيب هنا كوفئ هناك، ومن تعب هنا ارتاح هناك، ومن افتقر هنا اغتنى هناك، أما المتعلقون بالدنيا، العاشقون لها، الراكنون إليها، فأشد ما على قلوبهم فوت حظوظهم منها، وتنغيص راحتهم فيها؛ لأنهم يريدونها وحدها، فلذلك تعظم عليهم المصائب، وتكبر عندهم النكبات؛ لأنهم ينظرون تحت أقدامهم، فلا يرون إلا الدنيا الفانية الزهيدة الرخيصة. أيها المصابون: ما فات شيءٌ وأنتم الرابحون، فقد بعث لكم برسالة بين أسطرها لطف وعطف وثواب وحسن اختيار. إن على المصاب الذي ضُرِب عليه سرادق المصيبة أن ينظر ليرى أن النتيجة: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص:60] وأهنى وأمرى وأجل وأعلى وأغلى.

الإيمان هو الحياة

الإيمان هو الحياة الأشقياء بكل معاني الشقاء هم المفلسون من كنوز الإيمان ومن رصيد اليقين، فهم أبداً في تعاسة وغضب ومهانة وذلة: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] لا يسعد النفس ولا يزكيها ولا يطهرها ولا يسرها، ولا يفرحها ولا يذهب همها وغمها وقلقها إلا الإيمان بالله رب العالمين، لا طعم للحياة أصلاً إلا بالإيمان. إذا الإيمان ضاع فلا حياة ولا دنيا لمن لم يُحْيِ دينا ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا إن الطريقة المثلى للملاحدة إن لم يؤمنوا أن ينتحروا؛ ليريحوا أنفسهم من هذه الآصار والأغلال والظلمات والدواهي، يا لها من حياة تعيسة بلا إيمان! يا لها من لعنة أبدية حاقت بالخارجين على منهج الله في الأرض! {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] وقد آن الأوان للعالم أن يقتنع كل القناعة، وأن يؤمن كل الإيمان بأن لا إله إلا الله بعد تجربة طويلة شاقة عبر قرون غابرة توصل بعدها العقل إلى أن الصنم خرافة، والكفر لعنة، والإلحاد كِذْبة، وأن الرسل صادقون، وأن الله حق، وأنه على كل شيء قدير. وبقدر إبمانك قوة وضعفاً، حرارة وبرودة، تكون سعادتك وراحتك وطمأنينتك {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] وهذه الحياة الطيبة هي استقرار نفوسهم بحسن موعود ربهم، وثبات قلوبهم بحب باريهم، وطهارة ضمائرهم من أوضار الانحراف، وبرود أعصابهم أمام الحوادث، وسكينة قلوبهم عند وقع القضاء، ورضاهم في مواطن القدر؛ لأنهم رضوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاًَ.

اجن العسل ولا تكسر الخلية

اجنِ العسل ولا تكسر الخلية الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه، اللين في الخطاب، البسمة الرائقة على المحيا، الكلمة الطيبة عند اللقاء، هذه حلل منسوجة يرتديها السعداء، وهي صفات المؤمن، كالنحلة تأكل طيباً وتصنع طيباً وإذا وقعت على زهرة لا تكسرها؛ لأن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، إن من الناس من تشرئب لقدومهم الأعناق، وتشخص إلى طلعاتهم الأبصار، وتحييهم الأفئدة، وتشيعهم الأرواح؛ لأنهم محبوبون في كلامهم، في أخذهم، في عطائهم، في بيعهم، في شرائهم، في لقائهم، في وداعهم. إن اكتساب الأصدقاء فن مدروس يجيده النبلاء الأبرار، فهم محفوفون دائماً وأبداً بهالة من الناس، إن حضروا فالبِشر والأُنس، وإن غابوا فالسؤال والدعاء. إن هؤلاء السعداء لهم دستور أخلاق عنوانه: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] فهم يمتصون الأحقاد بعاطفتهم الجياشة، وحلمهم الدافئ،، وصفحهم البريء، يتناسون الإساءة، ويحفظون الإحسان، تمر بهم الكلمات النابية فلا تلج آذانهم، بل تذهب بعيداً هناك إلى غير رجعة، هم في راحة، والناس منهم في أمن، والمسلمون منهم في سلام {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم} يقول صلى الله عليه وسلم فيما يُروَى عنه: {إن الله أمرني أن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني} ووالله لقد وصلت من قطعك، وعفوت عمن ظلمك، وأعطيت من حرمك، فهنيئاً لك تلك المنزلة: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:134] بشر هؤلاء بثواب عاجل من الطمأنينة والسكينة والرضوان والهدوء، وبشرهم بثواب أخروي كبير، في جوار رب غفور {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55].

(ألا بذكر الله تطمئن القلوب)

(أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الصدق حبيب الله، الصراحة صابون القلوب، التجربة برهان، الرائد لا يكذب أهله، لا يوجد عمل أشرح للصدر وأعظم للأجر كالذكر {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وذكره سبحانه جنته في أرضه، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابها واضطرابها. إذا مرضنا تداوينا بذكركمُ ونترك الذكر أحياناً فننتكسُ هل تذكرونا مثل ذكرانا لكم رب ذكرى قربت من نجحا وهو الطريق الميسر المختصر إلى كل فوز وفلاح، طالع دواوين الوحي لترى فوائد الذكر، جرب مع الأيام بلسمه لتنال الشفاء، بذكره سبحانه تنقشع سحب الخوف والفزع والهم والحزن، بذكره تزاح جبال الكرب والغم والأسى. الله أكبر كل هم ينجلي عن قلب كل مكبر ومهللِ ولا عجب أن يرتاح الذاكرون، فهذا هو الأصل الأصيل؛ لكن العجب العجاب كيف يعيش الغافلون عن ذكره؟! {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل:21]. يا من شكى الأرق، وبكى من الألم، وتفجع من الحوادث، ورمته الخطوب! هيا اهتف باسمه تقدس في عليائه، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65]. إنك بقدر إكثارك من ذكره ينبسط خاطرك، ويهدأ قلبك، وتسعد نفسك، ويرتاح ضميرك؛ لأن في ذكره معاني التوكل والثقة والاعتماد والتفويض وحسن الظن وانتظار الفرج، فهو قريبٌ إذا دُعِي، سميعٌ إذا نُودِي، مجيبٌ إذا سُئل، فاضرع واخضع واخشع، وردد اسمه الطيب المبارك على لسانك، توحيداً وتمجيداً وثناءً ومدحاً ودعاءً وسؤالاً واستغفاراً وسوف تجد بحوله وقوته السعادة والأمن والسرور والنور والحبور: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ} [آل عمران:148] يقول عليه الصلاة والسلام: {مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت}.

(أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله)

(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الحسد كالآكلة المُلحة، تنخر العظم نخراً، إن الحسد مرض مزمن يعيث في الجسم فساداً، وقد قيل: لا راحة لحسود فهو ظالم في ثوب مظلوم، وعدو في جلباب صديق. وقد قالوا: لله در الحسد ما أعدله! بدأ بصاحبه فقتله. إنني أنهى نفسي ونفسك عن الحسد رحمة بي وبك، قبل أن نرحم الآخرين؛ لأننا بحسدنا لهم نطعم الهَمَّ لحومنا، ونسقي الغم دماءنا، ونوزع نوم جفوننا على الآخرين. إن الحاسد يشعل فرناً ساخناً ثم يقتحم فيه. التنغيص والكدر والهم الحاضر أمراض يولدها الحسد؛ لتقضي على الراحة والحياة الطيبة الجميلة. بلية الحاسد أنه خاصم القضاء، واتهم الباري في العدل، وأساء الأدب، وخالف الشرع، وقدح في العقل. يا لَلْحسد من مرض! لا يؤجر عليه صاحبه، ومن بلاء لا يثاب عليه المبتلى به، وسوف يبقى هذا الحاسد في حرقة دائمة حتى يموت، أو تذهب نعم الناس عنهم، كلٌّ يصالح إلا الحاسد. أعطيت كل الناس من نفس الرضا إلا الحسود فإنه أعياني ما لي له ذنب عليَّ علمتُه إلا ترادف نعمة الرحمن وأبى فما يرضيه إلا ذلتي وذهاب أموالي وقطع لساني إن الحاسد يريد شيئاً محدداً لا غيره، يريد أن تتنازل عن مواهبك أن تلغي خصائصك أن تترك مناقبك، فإن فعلت ذلك فلعله يرضى على مضض، نعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد، فإنه يصبح كالثعبان الأسود السام، لا يقر قراره حتى يفرغ سمه في جسم بريء. فأنهاك أنهاك عن الحسد، واستعذ بالله من الحاسد، فإنه لك بالمرصاد.

اقبل الحياة كما هي

اقْبَل الحياةَ كما هي حال الدنيا منغصة اللذات، كثيرة التبعات، جاهمة المحيا، كثيرة التلون، مُزجت بالكدر، خلطت بالنكد، وأنت منها في كبد. دار متى أضْحَكَت في يومها أبكَتْ غداً، قُبحاً لها من دار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلباً في الماء جذوة نار طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار لن تجد ولداً أو زوجة أو صديقاً أو نبيلاً أو مسكناً أو وظيفة إلا وفيه ما يكدر، وعنده ما يسوء أحياناً، فأطفئ حر شره ببرد خيره، لتنجو رأساً برأس {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45]. أراد الله لهذه الدنيا أن تكون جامعة للضدَّين والنوعَين والفريقَين والرأيَين، خير وشر، صلاح وفساد، سرور وحزن، ثم يبقى الخير كله والصلاح والسرور في الجنة، ويُجمع الشر كله والفساد والحزن في النار، وفي الحديث: {الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، أو عالم ومتعلم}. فعش واقعك، ولا تسرح مع الخيال، ولا تحلق في عالم المثاليات، اقْبَل الدنيا كما هي، وطوع نفسك لمعايشتها ومواطنتها، فسوف لا يصفو لك صاحب، ولا يتم لك فيها أمر، ولا يصلح لك حال؛ لأن الصفو التمام والكمال في الآخرة، وفي الحديث: {لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر} فينبغي أن نسدد ونقارب، وأن نعفو ونصفح، وأن نأخذ ما تيسر، ونذر ما تعسر، {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]. ومن ذا الذي تُرْضَى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تُعَدَّ معايبُه إذا أنت لم تشرب مراراًَ على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربُه! ... ولستَ بمستبق أخاً لا تذمه على شعث أي الرجال المهذبُ! فلنُغْمِض الطرف أحياناً، ونسدد الخطى، ونتغافل عن أمور. ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي

تعز بأهل البلاء

تَعَزَّ بأهل البلاء تلفت يمنة ويسرة، فهل ترى إلا مبتلى؟! هل تشاهد إلا منكوباً؟! هل تبصر إلا مصاباً؟! في كل دار نائحة، وعلى كل خد دمع، وفي كل وادٍ بنو سعد. كم من المصائب! وكم من الصابرين! فلستَ أنت وحدك المصاب، بل مصابك أنت بالنسبة لغيرك قليل، كم من مريض على سريره من أعوام يتقلب ذات اليمين وذات الشمال، يئن من الألم، يصيح من السقم؟! كم من محبوس مرت به سنوات، ما رأى الشمس بعينه، وما عرف غير زنزانته؟! كم من رجل وامرأة فقدا فلذات أكبادهما في ميعة الشباب وريعان العمر؟! كم من مكروب؟! وكم من مديون؟! وكم من محبوس؟! وكم من عرض منهوب؟! وكم من دم مسفوك؟! وكم من عقل منهوب؟! وكم من مال مسلوب؟! آن لك أن تتعز بهؤلاء وأن تعلم علم اليقين أن هذه الحياة سجن المؤمن، وأنها دار الأحزان والنكبات، تصبح القصور حافلة بأهلها وتمسي خاوية على عروشها، بينما الشمل مجتمع، والأبدان في عافية، والأموال وافرة، والأولاد كُثْر، ثم ما هي إلا أيام فإذا الفقر والموت والفراق والأمراض {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} [إبراهيم:45]. فعليك أن توطن نفسك كتوطين الجمل المحنك الذي يبرك على الصخرة، وعليك أن توازن مصابك بمن حولك وبمن سبقك في مسيرة الدهر، ليظهر لك أنك معافى بالنسبة لهؤلاء، وأنه لم يأتك إلا وخزات سهلة، فاحمد الله على لطفه، واشكره على ما أبقى، واحتسب ما أخذ، وتَعَزَّ بمن حولك. ولك في رسولنا صلى الله عليه وسلم قدوة، وُضِع السلَى على رأسه، وأدميت قدماه، وشُجَّ وجهُه، وحُوصِر في الشعب، وطُرِد من مكة، وكُسِرَت ثنيتُه، ورُمِي في عِرض زوجته، وقُتِل سبعون من أصحابه، فَقَد ابنه، وماتت بناتُه، ورَبَطَ الحجر على بطنه، واتُّهِم بشتى التهم، صانه الله من ذلك، وهذا بلاء لا بد منه، وتمحيص لا أعظم منه! وقد قُتِل قبل ذلك زكريا، وذُبح يحيى، وهُجِر موسى، ووُضع الخليل في النار، وسار الأئمة على هذا الطريق، فضُرِّجَ عمر، واغتيل عثمان وطُعن علي، وجُلدت ظهور الأئمة، وسُجن الأخيار، ونُكِّل بالأبرار: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]. قل للذي بصروف الدهر عَيَّرنا هل عاند الدهرُ إلا مَن له خطرُ أما ترى البحر تعلو فوقه جِيَفٌ وتستقر بأقصى قعره دُرَرُ وفي السماء نجوم لا عِداد لها وليس يُكْسَفُ إلا الشمسُ والقمرُ

الصلاة!! الصلاة

الصلاة!! الصلاة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:153]. إذا داهمك الخوف، وطوقك الحزن، وأخذ الهم بتلابيبك، فقم حالاً إلى الصلاة، تثوب لك روحك، وتطمئن نفسك، إن الصلاة كفيلة بإذن الله باجتياح مستعمرات الأحزان والغموم ومطاردة فلول الاكتئاب: {كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: أرحنا بالصلاة يا بلال} فكانت قرة عينه، وسعادته وبهجته. وقد طالعتُ سِيَر أقوام أفذاذ كانت إذا ضاقت بهم الضوائق، وكشرت في وجوههم الخطوب، فزعوا إلى صلاة خاشعة، فتعود لهم قواهم وإرادتهم وهممهم. إن صلاة الخوف فرضت لتؤدَّى في ساعة الرعب، يوم تتطاير الجماجم وتسيل النفوس على شفرات السيوف، فإذا الثبات والسكينة والرضوان والأُنس. إن على الجيل الذي عصفت به الأمراض النفسية أن يتعرف على المسجد، وأن يمرغ جبينه ليرضي ربه أولاً، ولينقذ نفسه من هذا العذاب الواصب، وإلا فإن الدمع سوف يحرق جفنه، والحزن سوف يحطم أعصابه، وليس لديه طاقة تمده بالسكينة والأمن إلا الصلاة. ومن أعظم النعم لو كنا نعقل: هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة، كفارة لذنوبنا، ورفع لدرجاتنا، وصلاح لأحوالنا، وسكينة لنفوسنا، دواءٌ لأمراضنا، تسكب في ضمائرنا مقادير زاكية من اليقين، تملؤ جوانحنا بالرضا، أما أولئك الذين جانَبوا المسجد وتركوا الصلاة، فمن نكد إلى نكد، ومن حزن إلى حزن، ومن شقاء إلى شقاء: {فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:8].

(حسبنا الله ونعم الوكيل)

(حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) تفويض الأمر إلى الله، والتوكل عليه، والثقة بوعده، والرضا بصنيعه، وحسن الظن به، وانتظار الفرج منه مِن أعظم ثمرات الإيمان، ومِن أجلِّ صفات المؤمنين، وحينما يطمئن العبد إلى حسن العاقبة، ويعتمد على ربه في كل شأنه يجد الرعاية والولاية والكفاية والتأييد والنصرة. لَمَّا أُلقي إبراهيم عليه السلام في النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً. ولَمَّا قيل لرسولنا صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران:173] قال: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. إن الإنسان وحده لا يستطيع أن يصارع الأحداث، ولا يقاوم الملمات، ولا ينازل الخطوب؛ لأنه خلق ضعيفاً عاجزاً؛ ولكنه حينما يتوكل على ربه، ويثق بمولاه، ويفوض الأمر إليه، يجد النصر والتأييد والفتح والإعانة: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23]. فيا من أراد أن ينصح نفسه: توكل على القوي الغني ذي القوة المتين؛ لينقذك من الويلات، ويخرجك من النكبات، واجعل شعارك ودثارك: (حسبنا الله ونعم الوكيل) فإن قل مالك، وكثر دينك، وجفت مواردك، وشحت مصادرك، فنادِ: (حسبنا الله ونعم الوكيل). وإذا خفت من عدو، أو رعبت من ظالم، أو فزعت من خطب فاهتف: (حسبنا الله ونعم الوكيل). {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31].

(قل سيروا في الأرض)

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ِمما يشرح الصدر ويزيح الكرب: السفر في الديار، وقطع القفار، والتقلب في الأمصار، والنظر في كتاب الكون المفتوح؛ لتشاهد أقلام القدرة وهي تكتب على صفحات الوجود آيات الجمال؛ لترى حدائق ذات بهجة، ورياضاً أنيقة، وجنات ألفافاً. اخرج من بيتك، وتأمل ما حولك وما بين يديك وما خلفك، اصعد الجبال اهبط الأودية تسلق الأشجار عُب من الماء النمير، ضع أنفك على أغصان الياسمين، حينها تجد روحك حرة طليقة، كالطائر الغرِّيد تسبح في فضاء السعادة، اخرج من بيتك، أرخِ الغطاء الأسود عن عينيك، ثم سر في فجاج الله الواسعة ذاكراً مسبحاً. وكتابي الفضاء أقرأ فيه سوراً ما قرأتُها في كتابِ إن الانزواء في الغرفة الضيقة مع الفراغ القاتل طريق ناجح للانتحار، وليست غرفتك هي العالم، ولستَ أنت كل الناس، فلم الاستسلام أمام كتائب الأحزان، ألا فاهتف ببصرك وسمعك وقلبك: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41] تعال لتقرأ القرآن هنا بين الجداول والخمائل، بين الطيور وهي تتلو خطب الحب، وبين الماء وهو يروي قصة وصوله من التل. إن الترحال في مسارب الأرض متعة يوصي بها الأطباء لمن ثقلت عليه نفسه، وأظلمت عليه غرفتُه الضيقة، فهيا بنا نسافر لنسعد ونفرح ونفكر ونتدبر: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ} [آل عمران:191].

(فصبر جميل)

(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) التحلي بالصبر من شيم الأفذاذ الذين يتلقون المكاره برحابة صدر، وبقوة إرادة، وبمناعة أبية، وإن لم أصبر أنا وأنت فماذا نصنع؟! هل عندك حل لنا غير الصبر؟! هل تعلم لنا زاداً غيره؟! كان أحد العظماء مسرحاً تركض فيه المصائب، وميداناً تتسابق فيه النكبات، كلما خرج من نكبة دخل في أخرى، وكلما نجا من كربة تعرض لثانية، وهو متترس بالصبر، متدرع بالثقة بالله، حتى قال: إن كان عندك يا زمان بقيةٌ مما يُهان بها الكرام فهاتِها فجعل الله له فرجاً ومخرجاً. هكذا يفعل النبلاء، يصارعون الملمات، ويطرحون النكبات أرضاً، دُخِل على أبي بكر وهو مريض، فقال مَن حوله: [[ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب قد رآني، قالوا: فماذا قال؟ قال: يقول: إني فعَّال لما أريد]]. كيف أشكو إلى طبيبي ما بي والذي قد أصابني من طبيبي؟! قال ابن المرتعش: ذهبت عيني من أربعين سنة، ما علمت ابنتي ولا زوجتي. وفي مقالات لأحد المعاصرين أنه عرف جاراً له مقعداً من عشرين سنة، يقول: والله ما أَنَّ ولا اشتكى، وما زال يحمد ربه حتى مات، {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:127] اصبر صبر واثق بالفرج، عالم بحسن المصير، طالب للأجر، راغب في تكفير السيئات، اصبر مهما ادلهمت الخطوب، وأظلمت أمامك الدروب، فإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، و {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:6]. وقد قرأت سِيَر عظماء مروا في هذه الدنيا، وذهلت لعظيم صبرهم، وقوة احتمالهم، كانت المصائب تقع على رءوسهم كأنها قطرات ماء باردة، وهم في ثبات الجبال، وفي رسوخ الحق، فما هو إلا وقت قصير فتُشرق وجوههم على طلائع فجر الفرج، وفرحة الفتح، وعصر النصر، وأحدهم ما اكتفى بالصبر وحده، بل رضي وتبسم واحتسب فكان الثواب والأجر والفرج.

وقفات

وقفات لا تحزن! لأنك بحزنك تريد إيقاف الزمن، وحبس الشمس، وإعادة عقارب الساعة، والمشي إلى الخلف، ورد النهر من مصبه. لا تحزن! لأن الحزن كالريح الهوجاء، تفسد الهواء، وتبعثر الماء، وتغير السماء، وتهلك الحديقة الغَنَّاء. لا تحزن! لأن المحزون كنهرٍ أحمق، ينحدر من البحر، ويصب في البحر، و {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً} [النحل:92] وكالنافخ في قربة مثقوبة، وكالكاتب بأُصبُعه على الماء. لا تحزن! فإن عمرك الحقيقي سعادتك وراحة بالك، فلا تنفق أيامك في الحزن، ولا تبذر لياليك في الهم، ولا توزع ساعاتك على الغم، ولا تسرف في إضاعة حياتك، فإن الله لا يحب المسرفين. لا تحزن! فإن أموالك التي في خزائنك، وقصورك السامقة، وبساتينك الخضراء، مع الحزن والأسى واليأس زيادة في أسفك وهمك وغمك. لا تحزن! فإن عقاقير الأطباء، ودواء الصيادلة، ووصفة الحكيم، لا تسعدك وقد أسكنتَ الحزن قلبكَ، وفرشتَ له عينكَ، وبسطتَ له جوانحكَ، ألحفته جلدك. لا تحزن! وأنت تملك الدعاء، وتجيد الانطراح على عتبات الربوبية، وتحسن المسكنة على أبواب ملك الملوك، ومعك الثلث الأخير من الليل، ولديك ساعة تمريغ الجبين في السجود. لا تحزن! فإن الله خلق لك الأرض وما فيها، وأنبت لك حدائق ذات بهجة، وبساتين فيها من كل زوج بهيج، ونخلاً باسقات لها طلع نضيد، ونجوماً لامعات، وخمائل وجداول، ولكنك تحزن! لا تحزن! فأنت تشرب الماء الزلال، وتستنشق الهواء الطلق، وتمشي على قدميك معافى، وتنام ليلك آمناً. لا تحزن! فإن المرض يزول، والمصاب يحول، والذنب يُغفر، والدين يُقضى، والمحبوس يُفك، والغائب يقدم، والعاصي يتوب، والفقير يغتني. لا تحزن! أما ترى السحاب الأسود كيف ينقشع؟! والليل البهيم كيف ينجلي؟! والريح الصرصر كيف يسكن؟! والعاصفة كيف تهدأ؟! إذاً: فشدائدك إلى رخاء، وعيشك إلى هناء، ومستقبلك إلى نعماء. لا تحزن! لهيب الشمس يطفئه وارف الظل، وظمأ الهاجرة يبرده الماء النمير، وعضة الجوع يسكنها الخبز الدافئ، ومعاناة السهر يعقبه نوم لذيذ، وآلام المرض تزيلها هناء العافية، فما عليك إلا الصبر قليلاً والانتظار لحظة. لا تحزن! فقد حار الأطباء، وعجز الحكماء، ووقف العلماء، وتساءل الشعراء، وبارت الحيل أمام نفاذ القدرة ووقوع القضاء، وحتمية المقدور. عَسى فرجٌ يكون عَسى نعلِّل نفسَنا بِعَسى فلا تقنط وإن لاقيت هماً يقضب النفَسا فأقرب ما يكون المرء من فرج إذا يئسا {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:6]. يا أحد! يا صمد! يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! يا رحمن يا رحيم! أسألك أن تذهب عنا الهم والغم والحزَن والكدر والوصب والنصَب. اللهم إنا نعوذ بك من الشقاء والشَقوة والذلة والفقر. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله وسلم على نبيه وآله وصحبه ومن والاه.

فر من الحزبية فرارك من الأسد

فر من الحزبية فرارك من الأسد حزبنا حزب واحد هو حزب الله، وما أتت هذه الحزبيات إلا مع نقص العلم الشرعي الموروث عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام، وأيضاً مع كثرة الأهواء والاختلافات، وشهوات الأنفس، والمقاصد السيئة، والأمراض، وقلة البصيرة والمعرفة. وقد أفاض الشيخ في هذا الموضوع، وبين كثيراً من معالمه، ووضح كثيراً من ملابساته.

لا حزب إلا حزب الله

لا حزب إلا حزب الله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عنوان هذا الدرس: فر من الحزبية فرارك من الأسد. في مساء السبت (18/ من شهر المحرم/ 1413هـ). وقبل أن أبدأ أعلن حبي وسعادتي وفرحتي هذه الليلة لضيوف وأحبة وقادمين ووافدين، وفدوا من الرياض ومن القصيم ومن الشرقية والغربية، ومن بعض دول الخليج، ونرحب بكل مسلم حضر هنا أو لم يحضر عربياً كان أو أعجمياً يحمل لا إله إلا الله محمد رسول الله. ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: النَُّزّاع من القبائل} فهم الذين أتوا من كل حدب وصوب، اجتمعوا من القبائل، من الأصقاع، من المدن، من الشعوب، من الأقطار، لا على سبب ولا على نسب، إنما على رابطة: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وهذه المحاضرة (فر من الحزبية فرارك من الأسد) لها مناسبة: فإنا لا نعلم حزبية شرعية إلا حزباً واحداً مؤيداً بالله عز وجل وبرسوله عليه الصلاة والسلام وهو حزب الله: {أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22]. فمن انتسب لحزب آخر أو تعصب لحزب آخر، أو اتخذ غير هذا الحزب، أو جعل حزباً داخل هذا الحزب ففرق بين هذا الحزب، فتولى بعض هذا الحزب وعادى بعضه وأحب بعضه وأبغض بعضه؛ فقد نكث ميثاق الله وقد عصى الله. فكان لزاماً علينا أن يكون حزبنا واحداً وهو حزب الله، فليس عندنا من يوجب، ولا يجوز لأحد أن يوجب لأحد أن ينتسب لحزب ويوالي عليه ويعادي عليه، ويحب له ويبغض له، غير حزب الله عز وجل الذي ذكره الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. وإنما أتت هذه الحزبيات مع نقص العلم الشرعي الموروث عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام، ومع كثرة الأهواء والاختلافات وشهوات الأنفس والمقاصد السيئة والأمراض وقلة البصيرة والمعرفة، فكان حقاً على الدعاة وطلبة العلم أن يبينوا ما هو الأسلم في هذه الطريقة. واعلموا حفظكم الله أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يوجب على الأمة أن تتبع مذهباً من المذاهب، ومن قال للناس أو لعبد من العباد: أنه يجب عليه أن يكون حنبلياً أو شافعياً أو مالكياً أو حنفياً؛ فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، ومن أوجب على أحد الناس من العباد أن يكون إخوانياً أو سلفياً أو تبليغياً أو سرورياً يوجبه وجوباً فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإن الله لم يسمنا إلا مسلمين، وارتضى لنا سبحانه وتعالى اسم المسلم: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:78] وسمانا رسولنا صلى الله عليه وسلم باسم السنة، فنحن أهل السنة ليس لنا اسم إلا هذا الاسم، لا نعرف إلا بهذا الاسم، وليس لنا شارة ولا حزب إلا حزب السنة يجمعنا عربينا وأعجمينا، شرقينا وغربينا، أحمرنا وأسودنا وأبيضنا، تحت اسم أهل السنة.

الهوى من أعظم دواعي الفرقة والشتات

الهوى من أعظم دواعي الفرقة والشتات ومن أعظم دواعي هذه الفرقة الهوى، وأستميحكم عذراً فسوف أنقل نصوصاً في هذه المحاضرة لتكون مقيدة باعتبارات وبنقولات، وبحقائق ووثائق، من أهل السنة، وقد اعتمدت بعد الله عز وجل وبعد كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وبعد سنة رسوله عليه الصلاة والسلام على كتاب الاعتصام والموافقات للشاطبي، وعلى كتيب الهوى وأثره في الاختلاف للشيخ عبد الله الغنيمان، وكتاب اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وكتاب حكم الانتماء للدكتور بكر أبو زيد، وكتب مناهج أهل السنة للدكتور ناصر العقل، وكتاب الولاء والبراء للدكتور محمد بن سعيد القحطاني، وغيرها من الرسائل والكتب. يقول الشاطبي: سمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه إلى النار. وروي هذا عن الشعبي فإن الهوى ما سمي هوى إلا أنه يهوي بصاحبه إلى النار والعياذ بالله. ويدخل الهوى عند العباد في عبادتهم، فتجد بعضهم يعبد مع الله غيره، أو يخترع عبادات ما أنزل الله بها من سلطان بهواه، ويدخل الهوى مع أهل العلم، فتجد بعضهم يفتي بالهوى، أو يقول قولاً بالهوى ليس بالعلم، ويدخل مع أهل السياسات الشرعية، فتجد بعضهم يحكم بالهوى، وينفذ أحكام الله بالهوى أو أحكام غير الله عز وجل فَيَضل ويُضل.

ذم الهوى في الكتاب والسنة

ذم الهوى في الكتاب والسنة قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما ذكر الله عز وجل الهوى في كتابه إلا ذمه. ذكره الشاطبي في الموافقات. وأصل الضلال اتباع الظن والهوى، قال سبحانه وتعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:23]. ونزه الله رسوله عليه الصلاة والسلام من الهوى، فقال: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:1 - 4]. وأنذر داود عليه السلام وحذره أن يتبع الهوى فقال: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26] إلى آيات أخرى كثيرة أخبر الله فيها أن الهوى هو أصل الشقاء وأصل الردى والبلاء. ومتبع الهوى لا بد أن يضل سواء في الأخبار أو في الأحكام، فإن الله سبحانه وتعالى إذا ترك العبد وهواه أضله الله ضلالاً بيناً، فقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه يقول: {اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين فأهلك} أو كما ورد في الحديث.

تحذير السلف من مجالسة أهل الأهواء

تحذير السلف من مجالسة أهل الأهواء وقد حذر السلف من أهل الأهواء، ويقصدون بأهل الأهواء أهل البدع، وأهل الشهوات الخفية، الذين يتخذون الدين سلماً لأغراضهم، أو يريدون أن يخترعوا في دين الله، أو يريدون أن يملكوا الرقاب أو الأموال، أو يحوزوا الأنفس بطريق الدين، فيلبسون على العامة ويلبسون على البادئين في العلم، فقد حذر منهم السلف الصالح. قال أبو قلابة: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما تعرفون. رواه ابن بطة في كتاب الإبانة، واللالكائي في كتاب السنة، والدارمي. ومعنى هذا: أن الذي يثق بنفسه فيجلس مع أهل الأهواء لا يؤمن عليه أن يلبس عليه. وأهل الأهواء كالعلمانيين والحداثيين والخوارج والرافضة والمرجئة والقدرية ومن في نفسه هوى وشهوة خفية هذا لا تجلس معهم ولو كنت تقول: إني سوف أنصحه؛ فإنه يعديك ولا محالة كما سوف يأتي. وقال غيرهم: لا تجالسوا أهل الأهواء فإنكم إن لم تدخلوا فيما دخلوا فيه؛ لبسوا عليكم ما تعرفون. رواه ابن بطة. والمقصود: أنهم يلبسون الحق الذي معنا، فيشككونك فيما أنت عليه، وقد رأيت شباباً من أهل السنة منا، جلسوا مع الرافضة، وكان قصدهم أنهم يعيدون هؤلاء، وأولئك أكثر منهم جدلاً وثقافة، وبعضهم حجج في مذهبهم، فيجلس الشاب الذي في الثانوية أو في كلية الشريعة أو أصول الدين إلى هذا الحجة المليء بالهوى والضلال والغي، فيريد أن يرده، فيلبس عليه الحق الذي عند أهل السنة، فيأتي ويقول: والله ما أدري عن صحة الأحاديث التي في البخاري والترمذي، عن خلافة أبي بكر وعمر، فلا بد أن يتحقق منها، فانظر كيف ترك في قلبه مرضاً والعياذ بالله. وقال ابن عباس: [[لا تجالسوا أهل الأهواء، فإن مجالستهم ممرضة للقلوب]] رواه ابن بطة أيضاً. ولذلك مر أحد السلف فوضع إصبعيه في أذنيه، قال: لئلا أسمع كلمة من صاحب هوى فتقع في قلبي. وتقدم ثور بن زيد أحد رواة البخاري ومسلم وكان فيه قدر، فأتى يسلم على سفيان الثوري، فنفض سفيان يده وقال: المسألة تؤدي للدين. يقول: لو كان غير الدين كنت سلمت عليك، لكن ما دام الدين فلا أسلم عليك، ولما مات أتى سفيان الثوري فاعتق الصفوف وخرج ليراه الناس ولم يصل عليه، لئلا يصلوا على هذا المبتدع. وقال إبراهيم النخعي: لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم تذهب بنور الإيمان من القلوب، وتسلب محاسن الوجوه، وتورث البغضاء في قلوب المؤمنين. رواه ابن بطة أيضاً. أي: أن الله يسلب نور العقل بسبب الجلوس مع أهل الهوى وأهل الزيغ والانحراف. والذين يريدون الجدل والخلاف بين المؤمنين وينقلون الكلام بين طلبة العلم، فيسبون هذا ويتتبعون سقطات هذا وغلطات هذا ويجمعونه، وربما سجلوه وربما كتبوه وينسون محاسنه وينسون مواقفه؛ فهؤلاء من أهل الهوى؛ لأنهم يريدون أن يحل الجدل محل العمل أو محل الكتاب والسنة. وقال مجاهد بن جبر: لا تجالسوا أهل الأهواء؛ فإن لهم عرة كعرة الجرب. أي: حكة كحكة الجرب. ذكره ابن بطة. فإن صاحب الهوى يترك في قلبك أثراً فتحتك من هذا الأثر فيدمي قلبك وهو هواه والعياذ بالله! وقال محمد بن علي: لا تجالسوا أصحاب الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله. ويلحق بذلك أيها الإخوة: من يشغل الناس بتوافه المسائل، أو المسائل التي ليس فيها علم، كمسألة دوران الأرض فيقيم المجلس ويقعده على هذه المسألة التي لا ينبني عليها عمل، ولا يسألنا الله عنها يوم القيامة، وليس فيها معتقد، ولم يتكلم فيها الصحابة، وكمسألة هل السحاب من البحر؟ وهل يتبخر البحر؟ مع أنه حقيقة تبخره الشمس بإذن الله في كلام طويل، ومسألة كروية الأرض، مع العلم أنها كروية، لكن هذه المسائل التي هي من الجدل وهي تمنع عن العمل فحذار من هذه. قال سبحانه وتعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء:140]. قال مصعب بن سعد: لا تجالس مفتوناً فإنه لن يخطئك منه إحدى اثنتين: إما أن يفتنك عن دينك فتتبعه، وإما أن يؤذيك قبل أن تفارقه. ذكره ابن بطة أيضاً. فالحذر الحذر من مجالسة هؤلاء، وإذا سمعت أحداً يخوض في آيات الله، يضرب بعضها في بعض، أو في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، أو ينتهك حرمات أهل العلم، أو يخالف بين الدعاة، أو يأتي بنقل لعالم ليضرب به قول عالم آخر، فهذا من أهل الهوى فانفض يديك منه. قال يونس بن عبيد رحمه الله: أوصيكم بثلاث: لا تمكنن سمعك من صاحب هوى، ولا تخلُ بامرأة ليست لك بمحرم ولو أن تقرأ عليها القرآن، ولا تدخلن على أمير ولو أن تعظه. رواه ابن بطة. وقال أبو قلابة يوصي أيوب السختياني: يا أيوب! احفظ عني أربعاً: لا تقل في القرآن برأيك. لا يتحدث أحد رأيه بالقرآن، ولا يتخرس برأيه فإن كتاب الله محفوظ إلا ما ظهرت عليه الدلالة أو أيدته لغة العرب. وإياك والقدر، وإذا ذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأمسك. كمن يقول الآن: هل الأفضل من كان مع علي أو من كان مع معاوية؟ وهل الأفضل الذين كانوا في حزب علي أو في حزب معاوية؟ فهذا ممن يدخل في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يحبه الله. ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك فينبذوا فيه ما شاءوا. وقال أبو الجوزاء وهو من أئمة التابعين: [[لئن تجاورني القردة والخنازير في دار أحب إليَّ من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء]].

عاقبة مجالسة أهل الأهواء

عاقبة مجالسة أهل الأهواء وأتى عمران بن حطان وكان عنده علم، وهو شاعر الخوارج، وهو الشاعر القوي في شعره، وكان شعره من الشعر الخالد، ذهب إلى الخوارج لينصحهم وقال: أتزوج منهم امرأة عليَّ أؤثر فيهم وأردها وأرد أهلها إلى مذهب أهل السنة، فردته إلى مذهب الخوارج، وهو الذي يقول في قصائده الجميلة: أرى أشقياء الناس لا يسأمونها أي: الدنيا أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوّع أراها وإن كانت تسر فإنها سحابة صيف عن قليل تقشع وله من القصائد أخرى، لكن قصائده بعد أن تحول إلى مذهب الخوارج كانت سيئة وظالمة وآثمة كقوله لما قتل ابن ملجم علياً رضي الله عنه يمدح ابن ملجم يقول: يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره يوماً فأحسبه من خير خير عباد الله ميزانا فرد عليه شاعر أهل السنة فقال: يا ضربة من شقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانا إني لأذكره يوماً فألعنه وألعن الكلب عمران بن حطانا فاستوى البيت وركب هذا البيت وأحسن شاعر أهل السنة. وبعضهم دخل ليرد على الشيوعية فألحد والعياذ بالله، ككاتب من القصيم، وهو عبد الله القصيمي، وقد كان ذكياً لماحاً له كتاب صراع بين الإسلام والوثنية، أراد أن يرد على الشيوعيين الكادحين في عدن، ويرد على نظرية كارل ماركس، فالعياذ بالله اطلع على كتبهم فألحد، وخرج من القصيم وهو الآن يقيم في القاهرة وعمره ما يقارب ثمانون سنة، ملحد لا يصلي ولا يسجد، ويكفر بالمصحف ويسب الدين وأهله، وله كتب في ذلك، قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23] وقد ناداه العلماء وخاطبوه واتصلوا به وكاتبوه، لكن طبع الله على قلبه والعياذ بالله، فهو في الثمانين فما اهتدى {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:119] قال بعض أهل العلم: هذه لأهل الأهواء. فإن بعض الناس إذا حضر مجالس أهل الخير تمظهر بأنه من أهل الخير وناقش معهم المسائل العلمية، وأظهر لهم حب السنة فإذا خلا مع الشياطين من الإنس سب أهل الخير وأهل العلم وأهل الدعوة فهو من جنس هؤلاء: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14 - 15] وقد دل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر أبو داود وأحمد بأسانيد صحيحة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {من سمع بالدجال فلينأَ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث من الشبهات، وفي لفظ: مما يرى من الشبهات} فالدجال من سمع به فلينأ عنه، ليبتعد وليفر عنه، ولا يثق بإيمانه، فإن الدجال يشبه على الناس، حتى إنه يأتي إلى الخربة فيقول: أخرجي كنوزك فتخرج بإذن الله كنوزها، ويقول للسماء: أمطري فتمطر، ويضرب الرجل ويشقه نصفين ويحييه بإذن الله، وهذه فتنة. وكذلك قال أهل العلم: كل من صار على منهج الدجال؛ فالواجب على الإنسان أن يبتعد عنه وأن يتجنب الجلوس معه. وقد رأيت بعض الناس تأثروا ببعض الكتابات وببعض الأشرطة التي نشرها بعض العلمانيين حتى إنه عنده علم وعنده سنة وعنده خير كثير فشبه عليه خاصة فأصبح يصدقهم ويرتاح لهم، وأصبح يشكك في الخير الذي يحمله أهل الخير. قال أهل العلم: وعلى المسلم ألا يناظر هؤلاء إذا علم منهم الهوى. كما قال بعضهم: "كلامهم ألصق من الجرب وأحرق للقلوب من اللهب"، ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم، فما زالت بهم المباسطة وخفي المكر ودقيق الكفر حتى مالوا إليهم. وذكر أن محمد بن السائب كان من أهل السنة فقال: نذهب ونسمع من هؤلاء شيئاً؛ فما رجع حتى أخذ بها وعلقت بقلبه والعياذ بالله. ذكر ذلك بعض أهل العلم في كتبهم قالوا: والهوى كل ما خالف الحق وللنفس فيه حظ ونصيب ورغبة، فيميل بصاحبه إلى الشهوة والشهرة وحب الظهور، وإلى الانصراف عن الحق والعياذ بالله.

الهوى أصل الضلال والكفر

الهوى أصل الضلال والكفر وقد ذم الله اليهود وأخبر أنهم يتبعون أهواءهم، كلما أتى أحدهم هوى اتبعه، قال سبحانه: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة:87]. وكانوا يشهدون أن الرسول عليه الصلاة والسلام سوف يبعث وأنه من العرب، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، فلعنة الله على الكافرين، قال سبحانه: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} [المائدة:70]. وقد ذم الله الكفار العرب بأنهم اتبعوا أهواءهم: {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} [القصص:50]. وأمية بن أبي الصلت كان يبشر برسول يبعث وكان يظن أنه هو الرسول ولما بعث الله محمداً عليه الصلاة والسلام كفر، وأخذ يسب الرسول صلى الله عليه وسلم بالقصائد ويحرض عليه، وقالوا: بل كان يسب من قتل في بدر من المسلمين أو من حضر في بدر من المسلمين ويمدح المشركين والعياذ بالله، فقال صلى الله عليه وسلم: {آمن لسانه وكفر قلبه} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ومما يجب على المسلم أن يعلمه: أن الهوى أصل الضلال وهو أصل الكفر وعليه أن يسأل الله الهداية، وقد صح عند مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقوم من الليل, فيقول: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون}. فإذا هدى الله العبد سدده، وفي صحيح مسلم: {اللهم اهدني وسددني}.

التحذير من اتباع اليهود والنصارى في التفرق والاختلاف

التحذير من اتباع اليهود والنصارى في التفرق والاختلاف وعند أبي داود عن عبيد بن حصين قال صلى الله عليه وسلم قل: {اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي}. وقد قص الله علينا أخبار الأمم الذين تفرقوا بسبب الهوى، وحذرنا الله سبحانه وتعالى من شبههم وحذرنا من طريقهم، بل قال أهل العلم: إذا كان التمذهب سبباً للخلاف والفرقة فإنه يحرم، إذا كان كونك حنبلياً وذاك حنفياً وذاك شافعياً وهذا مالكياً سبباً للخلاف والفرقة فإنه يحرم، أيضاً: إذا كان كونك إخوانياً أو سلفياً أو تبليغياً أو سرورياً سبباً للفرقة والخلاف بين المسلمين فإنه يحرم، قال سبحانه وتعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال:46]. {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] وقال سبحانه وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] وقال جل ذكره: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] وقال سبحانه: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة:118] وقال سبحانه: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت:43]. فقد حذره سبحانه من الخلاف وحذر أمته كما حذر الذين من قبله من الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأخبرنا عليه الصلاة والسلام أنه سوف يقع الخلاف بالأمة وسوف يتبع بعضنا بعض الذين من قبلنا من اليهود والنصارى، كما قال صلى الله عليه وسلم عند البخاري والمسند لـ أحمد: {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟} والقذة: ريشة السهم، وهو ما يشبه رصاصة البندق، والمعنى: أنا سوف نتبعهم في كثير من أمورنا، وقد وقع ما قال عليه الصلاة والسلام، فمنا من اتبعهم في المناهج، ومنا من اتبعهم في الزي، ومنا من اتبعهم في الأخلاق، ومنا من اتبعهم في المعتقد، ومنا من اتبعهم في السلوك، ومنا من عصم الله فلم يتبعهم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120].

واقعنا عندما اتبعنا الهوى

واقعنا عندما اتبعنا الهوى ومما وقعنا فيه أنها وقعت عندنا طوائف وفرق ومذاهب كالحنابلة والشافعية والمالكية وبعض الجماعات على ما فيها من خير، وأقول: إن فيها خيراً وإنه نصر بها الإسلام والدين، لكن وقع من بعض المنتسبين إليها ظلم وجهل، فبعض المنتسبين للجماعات أو المذاهب يقول: المذهب الصحيح -مثلاً-: مذهب الحنابلة وغيره من المذاهب لا يصح، حتى إن بعضهم يقول: الحق مع الشافعية لكن ننتصر لمذهبنا رياضة! ويذكر بعض الأحناف في كتبهم حديثاً عنه صلى الله عليه وسلم: {أبو حنيفة سراج أمتي}. وهذا حديث كذب موضوع، وبعضهم يقول: يقول صلى الله عليه وسلم: {ينزل عيسى بن مريم على مذهب أبي حنيفة}. وهذا حديث كذب موضوع إلى غير ذلك من الأحاديث، وبعضهم يقول: إن لم يكن الحق للأحناف فما أدري أين يكون الحق، وبعضهم يقول: على الأمة أن تتبع الشافعي لأنه من أسرة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هاشمي، وهو أولى الناس بالاتباع، حتى إن ابن حجر في فتح الباري على جلالته رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم: {الأئمة من قريش} قال: وفي الحديث دليل على أن الشافعي المقدم لأنه من قريش، وابن حجر شافعي، فأعجبه هذا الحديث فقال به. ومنهم من ينتسب مثلاً إلى الإخوان أو إلى السلفيين أو إلى التبليغيين أو السرورين أو إلى جماعة، فيقول: الحق في هذه الجماعة، وهذه هي المقصودة، حتى بعض المنتسبين من الجهلة يقول: هي المقصودة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة}. وبعضهم كتب كتاباً المتساقطون في الطريق، وهم الذين خرجوا من الجماعة فيقول: هؤلاء ضلوا وسقطوا في الطريق، مع العلم أنه قد يظهر للإنسان أن المصلحة أن يخرج من الجماعة، أو أن من المصلحة ألا يتبع هذه الجماعة فقد تحبسه من علم أو دعوة أو قد لا يناسب هو الجماعة أو يكون الخير له ألا ينتسب لها. فأقول: هذه الجماعات فيها خير ونصر بها الحق، لكن لا يجوز لأحد أن يقول: كل الحق في هذه الجماعة وغيرها باطلة، أو يقول: هذه الجماعة هي الجماعة التي يرضى الله عنها وغيرها يغضب الله عليها، أو يقول: كلما جاء من هذه الجماعة فهو الصحيح، حتى إن بعضهم لا يسمع إلا لأشرطة من كان من دعاة جماعته، ولا يحضر إلا لخطباء جماعته، ولا يقرأ إلا لجماعته، ولا يطلع إلا على ما يكتبه جماعته أو كتبه جماعته، ولا يمدح إلا لمن انتسب إلى جماعته، وبالمقابل تجده يقدح في خطباء الغير وفي شعرائهم ودعاتهم وعلمائهم وهذا من الهوى، وفيه حظ من قوله سبحانه وتعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة:113]. ومن أوجب على الأمة أن تتبع مذهباً من المذاهب أو جماعة من الجماعات -قلت لكم-: يستتاب هذا فإن تاب وإلا قتل وهي كفتوى شيخ الإسلام في بعض المسائل التي شابهت هذه المسألة بالقياس. وقال عليه الصلاة والسلام: {لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتى بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع، فقيل: يا رسول الله! كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك} رواه البخاري في كتاب الاعتصام. فأخبرنا عليه الصلاة والسلام أنه سوف يقع من أمته من يفعل ذلك. ومن الناس من يتحزب لشيخ فيقول: هذا الحق مع الشيخ وعليك بسماع أشرطته ولا تسمع لغيره، وبعض الناس يتعصبون لشيخهم من أقليمهم أو من مدينتهم أو داعية من محلتهم، ويتنقصون الدعاة الآخرين، وهذا من الظلم والعدوان، بل على الإنسان أن يقبل الحق من أي أحد سواء كان من الشمال أم من الشرق أم من الغرب أم من الجنوب، من العرب أم من العجم، فإن دين الله عز وجل موزع في الناس. وقال ابن تيمية: ما من نفس إلا وفيها ما في نفس فرعون، غير أن فرعون قدر فأظهر وغيره عجز فأضمر. وهذا كلام جيد. يقول: كل نفس تحمل ما تحمل نفس فرعون لكن فرعون قال: أنا ربكم الأعلى وغيره استحيا من الناس، وإلا فإن النفوس محشوة بحب الرياسة وحب العلو في الأرض وحب التعالي على الأقران، إلا من عصم ربك ومن هذب الله عز وجل بالإيمان والعمل الصالح. كان ابن عمر يسجد عند المقام عند الكعبة ويقول: [[اللهم إنك تعلم أني ما تركت الخلافة إلا من مخافتك]]. والله يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]. وفي صحيح مسلم: {أن سعد بن أبي وقاص كان في البادية، فأتاه ابنه والناس يختلفون على الخلافة بين علي ومعاوية، وأبوه من أولى الناس بالخلافة فهو أحد العشرة، فقال: يا أبتاه! يقتتل الناس على الملك وأنت ترعى الضأن في الصحراء، قال: اغرب عني فإني سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: إن الله يحب العبد الغني الخفي التقي}. ورأيت في ترجمة إبراهيم بن أدهم من تواضعه ومسكنته ومن ترك العلو والكبر أنه مر بدارة في بغداد، فخرجت امرأة بصحن من رماد تريد أن ترميه في الزبالة وهو حار فيه جمر، فرمت بالصحن بما فيه من رماد فوقع على رأس إبراهيم بن أدهم الزاهد العابد الكبير، فأخذ يحتحت الرماد، فخرج أهل المحلة وأهل الحارة يعتذرون منه، فقال: لا عليكم، من استحق النار وصولح على الرماد فهو ناج بإذن الله. يقول: أنا أخاف من نار جهنم وما دام المسألة مسألة رماد فالمسألة فيها خير.

علامات التفرق والاختلاف والتحزب

علامات التفرق والاختلاف والتحزب فعلى العاقل من طلبة العلم والدعاة والأخيار والصالحين أن يتقي الله ولا يركب رأسه بالهوى وليتبع مذهب أهل السنة يكون سنياً فلا يتزيا بزي ليس بزي أهل السنة، فلا يقيد نفسه بقيد لم يقيده الله سبحانه وتعالى به، حتى قيل لبعض السلف: من هم أهل السنة؟ قال: الذين ليس لهم اسم إلا أهل السنة، فليس لـ أهل السنة اسم آخر لا حنبلي ولا شافعي ولا حنفي ولا نقشبندي ولا تيجاني ولا بطائحي ولا إخواني ولا سلفي -مع العلم أن لفظة سلفي قد يقصد به معنى صحيحاً وهو من يتبع السلف، ويقصد به معنى آخر وهو من يتبع جماعة السلفيين- ولا سروري. مع العلم أنني لا أتعرض لهؤلاء لكني أقول: التزيي والموالاة على هذه والمعاداة والحب والبغض ليس من دين الله في شيء، ولم ينزل الله به من سلطان، بل نحن أهل السنة، ليس لنا اسم إلا أهل السنة، قبلتنا الكعبة ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، نؤدي الفرائض ونتزود بالنوافل ونجتنب الكبائر والصغائر ونعبد الله على بصيرة، ونحن أهل السنة فإذا فعلنا ذلك جمع شملنا وصلحت قلوبنا وعظمت رسالتنا بإذن الله.

حب الرئاسة

حب الرئاسة قال شداد بن أوس: يا بقايا العرب! إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية. قيل لـ أبي داود السجستاني: ما الشهوة الخفية؟ قال: حب الرئاسة. فهي خفية تخفى على الناس وقد تخفى على صاحبها، وقد ذكرها ابن تيمية في المجلد السادس عشر من الفتاوى، وهذا كلام صحيح، فإنك قد تجد العبد يصلي الصلوات الخمس ويقوم الليل ويصوم النوافل وهو يحب أن يترأس على زملائه، ويحب أن يكون دائماً المقدم، حتى تجد أنه تنشأ حب الرئاسة وحب العلو في الأرض مع الطلبة، فتجد أحدهم حتى في الابتدائية يحب أن يكون عريفاً على الطلاب ويحب أن يكون هو قائد المنتخب، ويحب أن يكون هو مشكل المجموعة والمدير حتى في الحلقات الصغيرة، ويحب أن يكون صاحب المسئولية، وهذا من حب الرئاسة في قلبه، حتى ذكروا عن بعض الزهاد أنه بلغ به حب الرئاسة وحب التصدر إلى أن سفك دماء الأمة كما فعل محمد بن عبد الله بن تومرت وهو رجل فيه ربانية وفيه تأله كثير، وكان زاهداً عابداً من أهل المغرب، وقد ذكره الذهبي وترجم له ترجمة طويلة وكان يصلي الليل ويبكي من خشية الله عز وجل، وركب في سفينة إلى الإسكندرية ما معه إلا ثوب ومعه إبريق يحمل فيه ماء ومعه عصا، وكان لا يرى منكراً إلا غيره، فكان يضرب الخمر ويكسر جرار الخمر وهو راكب في السفينة، فأخذوه ورموا به في البحر بإبريقه وبعصاه فركب في خشبة حتى صعد إلى جزيرة، فأتى إلى أهل الجزيرة، فأنكر عليهم فأعادوه في البحر فركب في قارب آخر فأدخلوه إلى تونس، فدخل في مسجد في تونس فوجد أهل البدع فضربهم بعصاه فحبسوه في تونس، ثم أخرجوه إلى المغرب فأنكر في المغرب، فحبسوه مراراً كثيرة ثم ذهب إلى جبال في أقصى المغرب، واعتصم بتلاميذه ورباهم ثم أسس دولة الموحدين هو بنفسه، حتى يقول: والله والله لو نفسي مشردة ما كنت عن ضرب أعناق الورى آبي بأبيات طويلة، يقول: والله لو عرضت لي أعناق الورى وأعناق الظالمين لضربتها جميعاً، فأوصله هذا الأمر إلى أن أخذ المخالفين له، حتى ممن خالف في بعض الأمور فكان ينكسهم في الآبار على رءوسهم حتى ماتوا، بعض المسلمين حتى من أهل الأهواء أو البدع لكنهم مسلمون في الجملة، وكان إذا خالفه مخالف أخذ السيف وضربه فقسمه نصفين، وله كتاب المرشدة وأمره إلى الله عز وجل، إنما ذكرته مثالاً لأمثلة العباد الزهاد الذين قد يحبون العلو في الأرض والله المستعان.

تعظيم الأشخاص ومحبتهم

تعظيم الأشخاص ومحبتهم ومن علامات ذلك: محبة من يعظمه في قبول قوله والاستماع له من غير تدبر وتعقل، فإنك تجد بعض الناس إذا عظمه شخص أحبه ولو كان فيه تقصير وقدمه على غيره، حتى تجد بعض المشايخ إذا أحبه بعض الطلبة، أو قبل على رأسه، أو أركبه في سيارته، أو بجله بالألفاظ أو ألقى عليه قصيدة أو دعاه إلى وليمة، تجده يحب هذا الطالب ويقدمه على بقية الطلبة، وتجد بعضهم يغضب إذا لم يقبله الطلاب على رأسه، ويقول: هؤلاء الطلبة ليس عندهم أدب ولا يستحون ولا يحملون الأخلاق الشرعية إلى غير ذلك، فأصبح هواه في العلو في تقبيل الرأس واليد، وفي التبجيل بالعبارات، وهذه من فعل أحبار اليهود والعياذ بالله، بل على العبد أن يفر من هذه، وأن يحاول على ألا يوافق الناس في تقبيل رأسه إلا إذا كان فيه مشقة أو أمن على نفسه من العجب، وعليه أن يفر من تقبيل الأيدي والأكف، لأن هذه لم ينزل الله بها سلطاناً، ولو أن الرسول صلى الله عليه وسلم فُعل به هذا، لكن منزلته صلى الله عليه وسلم غير منازلنا؛ فإنه آمن على نفسه من العجب وعصم الله سمعه وبصره وقلبه. قال سبحانه وتعالى فيمن اتبع هواه وطلب العلو وحسد وبغى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة:91].

الظلم والعدوان في الرد على الآخرين

الظلم والعدوان في الرد على الآخرين ثم قد يحصل من الناس على بعضهم ظلم وعدوان، فتجد بعض الناس إذا أراد أن يرد على أحد الأشخاص رداً؛ اتهمه ونال عرضه وسبه وشتمه وهذا من الظلم العظيم، بل عليك أن ترد الخطأ فقط، وأن تبين وتذكر المحاسن كما فعل شيخ الإسلام رحمه الله، عندما رد على المعتزلة في درء تعارض العقل والنقل قال: أحسن المعتزلة في أنهم ردوا الملاحدة وأدخلوهم في الإسلام لكنهم أساءوا في أنهم أوقفوهم في مذهب الاعتزال. فعليك إذا أردت أن ترد على شخص أو طائفة أن تعترف بما لهم من الحق، فمثلاً: إذا أردت أن ترد على الحنابلة فلا تتهم الحنابلة بالجمود، ولا ترد على أئمتهم، ولا تطلق لسانك وقلمك في أعراضهم، بل تقول مثلاً: الحنابلة من أحسن الناس معتقداً، وهم المحافظون على معتقد أهل السنة، وفيهم علماء أجلاء، وفيهم زهد وورع، لكن أخطئوا في هذه المسألة أو أخطأ فلان منهم في هذه المسألة، وكذلك الشافعية، وكذلك المالكية، وكذلك الأحناف، وإذا أخطأ رجل من جماعة الإخوان فلا تسب جماعة الإخوان جميعاً وتقول: هذه الجماعة فيها كذا وكذا فهذا من الظلم والعدوان. وإن من أفرى الفرى أن يسب الشاعر القبيلة بأسرها فإن هذا لا يجوز، وأقول لكم: هذا لا يجوز، وحتى لا يجوز أن تتخذ القبائل سلماً للمعاداة وللتناحر والتباغض، فمثلاً تسب القبيلة بأسرها، هذا لا يجوز، يعني: خالفك رجل من القبيلة أو أساء إليك رجل من القبيلة؛ فإنه لا يجوز لك وحرام عليك أن تقول: القبيلة كلها فاجرة أو آثمة أو بخيلة أو جبانة، فإن هذا من الظلم والعدوان، وهذا مما ينبغي أن يذكر به الناس كثيراً. وكذلك الشعوب لا ينبغي أن تقول مثلاً: الشعب الفلاني كله آثم أو كله جبان أو كله خائن أو كله مارد، فإن هذا من الظلم؛ بل تذكر الأشخاص الذين لهم فجور، مثلاً على سبيل المثال: شعب العراق فيه حزب البعث الكافر وصدام المجرم، وحزبه حزب البعث فلا يجوز لك أن تقول: كل عراقي آثم وكل عراقي فاجر، فإن فيهم من أهل السنة وفيهم علماء وفيهم عباد وفيهم دعاة وفيهم صالحون وفيهم شهداء، بل عليك أن تميز هذا من هذا، فتخرج الحي من الميت: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء:135] وقال سبحانه: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8].

تزكية النفس

تزكية النفس وبعض الناس -كما ذكر سبحانه وتعالى- من أهل الأهواء يزعم أنه مصلح وبعيد عن الفساد كما قال الله تعالى عن فرعون: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26]. فهو يزعم أنه هو المصلح والمحافظ على الدين الحق والحارس له من التغيير والتبديل، وأما موسى عليه السلام فإنه ممن يسعى لتغيير الدين والفساد في الأرض، وهكذا تقلب الحقائق لدى أهل الأهواء ومبتغي العلو في الأرض؛ فيصبح المفسد مصلحاً والمصلح حقاً لديه مفسداً، والكفر بالله ومنازعته سلطانه ديناً يجب أن يحمى ويصان، ودين الله يعتبر تغييراً للدين وتبديلاً للحق، فتجد هؤلاء يصنفون الناس حسب أهوائهم فمن وافقهم فهو حبيبهم، ومن خالفهم فهو عدوهم، والعياذ بالله.

الحزبية دعوة جاهلية

الحزبية دعوة جاهلية إذا علم هذا أيها الإخوة، فقد ورد في السير والمغازي عنه صلى الله عليه وسلم: {أن غلامين اقتتلا، فقال غلام من المهاجرين: يا للمهاجرين؛ لأنه يقاتل الأنصار، ونادى الأنصاري: يا للأنصار، فقال صلى الله عليه وسلم: أبدعوى أهل الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! دعوها فإنها منتنة} رواه مسلم في صحيحه. فذمها صلى الله عليه وسلم لما قال هذا: يا للمهاجرين، ولما قال هذا: يا للأنصار، مع العلم أن اسم الأنصار واسم المهاجرين اسمان شرعيان وردا في كتاب الله عز وجل وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن لما استخدما استخداماً خاطئاً منع ذلك سبحانه وتعالى، ولذلك لا يجوز أن يستدعي الإنسان حزبه، أو فئته، أو طائفته على فئة من المسلمين الأخرى بهذا الطريق؛ فإن هذا محرم؛ لأن هذا طريق للتفكك وللقتال وللتشاحن، قال: وقريب من هذا ما حصل لـ سلمان يوم أحد لما رمى أحد المشركين وقال: {خذها وأنا الفارسي -وسلمان فارسي- قال: خذها وأنا الفارسي، فقال له صلى الله عليه وسلم: هلا قلت: وأنا الرجل المسلم}. يقول: لماذا لم تقل: وأنا الرجل المسلم؟ ونحوه ما رواه أبو داود في كتاب الأدب، باب العصبية نحو هذا. وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: روِّينا عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل ابن عباس فقال: أأنت على ملة علي أم على ملة عثمان -لأن معاوية يميل إلى عثمان -؟ قال: لست على ملة علي ولا على ملة عثمان، لكن أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين. وهذا عندما دخل عنده وقت المنازعات، ووقت ما حصل بين الأمة غفر الله للجميع. ذكره ابن بطة في الإبانة واللالكائي. وكان السلف يحذرون من الأهواء، ويقول أحدهم: ما أبالي أي النعمتين أعظم: أن هداني الله للإسلام أو جنبني هذه الأهواء. فنعمة الله عليك أن لم يجعلك مبتدعاً، لا خارجياً ولا رافضياً ولا قدرياً ولا جبرياً ولكن جعلك سنياً حنيفاً مسلماً والحمد لله.

حكم امتحان الأمة بما لم ينزل الله به سلطانا

حكم امتحان الأمة بما لم ينزل الله به سلطاناً ولا يجوز التفريق بين الأمة وامتحان الأمة بما لم ينزل الله به من سلطان، فلا يجوز أن نمتحن الإنسان: هل أنت حنبلي، أو شافعي، أو حنفي، أو مالكي؟ أو يقول أحدهم: أصحابنا الحنابلة، وخصومنا الشافعية. حتى في بعض كتب الفقه وهي التي يجب أن تمحى ولو بالدم، فيقولون: وقال خصومنا من المالكية، وقال خصومنا من الأحناف، وقال خصومنا من الشافعية، وأما أصحابنا فقالوا، فهذا خطأ، فالجميع أصحابنا وإخواننا، من اتبع الحق فعلينا أن نحبه وأن نتولاه وأن نكرمه. ولا يجوز امتحان الناس: هل أنت إخواني أو سلفي أو سروري أو تبليغي؟ وما هي جماعتك التي تنتسب إليها؟ ولا بد لك من جماعة، بل جماعتك جماعة أهل السنة والجماعة، وهي الجماعة التي يرضاها سبحانه وتعالى، ويرضاها رسوله صلى الله عليه وسلم. بل على المسلم أن يقول: أنا مسلم متبع للكتاب والسنة. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: والله تعالى قد سمانا بالقرآن: المسلمين المؤمنين عباد الله، فلا نعدل عن الأسماء التي سمانا الله بها إلى أسماء أحدثها قوم وسموها هم وآباؤهم، فلا يجوز لأحد أن يمتحن الناس بهذه الأسماء، ولا يوالي عليها، ولا يعادي، بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم من أي طائفة كان، والواجب على كل من يتكلم في أمر من أمور الدين أن يكون مخلصاً لله متجرداً له سبحانه وتعالى متبعاً للسنة، فلا يتكلم بالهوى، ولا يريد بكلامه مقصداً آخر، بل يريد أن يعبد الناس لرب العالمين. ويا شباب الإسلام! ويا دعاة الحق! ويا طلبة العلم! ويا رواد الصحوة! ويا أيها الصالحون! المقصد من الدعوة تعبيد الناس لرب العالمين، وأن يكون الناس عباداً لله، فيعلموا الدين الخالص الذي بعث به رسولنا عليه الصلاة والسلام. وقد يوجد الخلاف ظاهره العدل والإنصاف وباطنة الشهوة والتشفي والحقد والعياذ بالله، فتجد بعض الناس يرد على بعض الناس يقول: لأقيم الحق، ولأنصر العدل، ولأبين الخطأ، ولكن قصده التشفي والعياذ بالله، وقصده أن يظهر ما في قلبه من عداوة، وقصده أن ينتقم من ذاك، وهذا خطأ لا يؤجر عليه العبد.

عبادات ما أنزل الله بها من سلطان

عبادات ما أنزل الله بها من سلطان ومن جنس هذا: من اتبع هواه، أو اتبع ذاته، أو شخصه، أو منصبه، أو وظيفته، قال عليه الصلاة والسلام كما في البخاري في كتاب الجهاد، باب: الحراسة في الغزو في سبيل الله: {تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة وعبد القطيفة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش} فسماه عليه الصلاة والسلام عبداً لهذه الأمور؛ لأنه أحبها ووالى عليها، وأبغض عليها، حتى أن منهم كما ذكر ابن الجوزي في صيد الخاطر والجاحظ في البخلاء والخطيب البغدادي في كتابه البخلاء: من كان يعبد الدرهم عبادة وهو يصلي لله ويحج ويعتمر ويزكي ويصوم، فكان أحدهم يخرج الدرهم من حقيبته فيقول: ما أحسنك! وما أجملك! دخلت موضعاً لن تخرج منه، أسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، ثم يقبل وجه الدرهم، ثم يقبل باطنه، وقال: رحم الله يداً حملتك، ورحم الله حقيبة حفظتك، فلما حضرته الوفاة من حبه وجشعه بالمال، أخذ خرز الذهب فابتلعه في فمه ليموت معه. قال ابن الجوزي: وقد رأينا بخيلاً عبداً للدرهم والدينار، حضرته الوفاة وعنده ذهب وفضة، وكان ناقماً على أبنائه، أي: مبغضاً لأبنائه، ما يريد أن يرثوا منه شيئاً، فأخذ آجرة عظيمة -طوبة- فجعل فيها الذهب والفضة ثم طين عليها ثم أمر أن تدفن تحت رأسه في القبر لتموت معه. يقول سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34 - 35] فيريد يقرب الأمر حتى لا يكون هناك مشوار في أخذ الذهب والفضة وتكون قريبة وحامية يلسع بها في نار جهنم والعياذ بالله. ومنهم من يقصر على نفسه فيعبد الدرهم والدينار ويوالي عليه ويعادي، ويكون ليله ونهاره. وأقاصيصهم عجيبة في هذا، والملك لله. قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23] قال سيد رحمه الله: ومنهم من يتخذ الكرة هوى، فتجده يوالي عليها ويحب ويبغض. بل والله إن بعضهم ترك الصلاة من أجل أن يحضر مباراة، ومنهم من يوالي على النادي حتى يضارب عليه، ومنهم من يلبس زي النادي ذاك، فإذا كان النادي أصفر صار صفارياً، أو أزرق صارت سيارته زرقاء، وعلمه أزرق، وكل شيء فيه أزرق، وعينه زرقاء. وتجد بعضهم أصفر في كل شيء حتى حذاءه صفراء، وأظافره يصفرها؛ لأنه صفراوي، وما أدري ما ألوان الأندية، لكن على الأندية، وتجد بعضهم يقتحم ويضارب، وقد أخبرنا بعض الثقات ممن لا يشك في كلامهم أن بعضهم ضارب في سبيل الكرة حتى كسرت يده، فانظر إلى هذه التضحية. ومنهم من كان هلالياً وامرأته نصراوية، فلما غلب الهلال النصر؛ قامت واحتجت فاحتج فاحتجت فاحتج فطلقها، وهذا قد ورد بأسانيد بعضها يسند بعضاً، ولها متابعات وشواهد واعتبارات.

سوء المقاصد في الأعمال

سوء المقاصد في الأعمال قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23]. وفي حديث أبي هريرة الذي في الصحيح في الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار: من تعلم علماً ليقال: عالم قارئ، ومن قاتل ليقال: جريء شجاع، ومن تصدق ليقال: جواد كريم. وقد رواه مسلم والترمذي وأحمد وغيرهم من أهل العلم. فإذا علم هذا فعلى الإنسان أن يتقي الله، قال عليه الصلاة والسلام: {من طلب العلم ليباهي به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه فله من عمله النار} رواه الترمذي والدارمي وابن ماجة، وذكره الدارمي في باب: التوبيخ لمن طلب العلم لغير الله عز وجل. فنعوذ بالله من سوء المقاصد، بل على الإنسان أن يطلب العلم ليرفع الجهل عن نفسه؛ وليعبد الله على بصيرة وليعلم الناس. فمباهاة العلماء: أن يظهر أنه يعرف ما يعرفون، فتجد بعضهم يتكثر بالمسائل كما يقول ابن تيمية، حتى تجد المسألة فيها خلاف بسيط، أو قولان لأهل العلم، فيقول: فيها سبعة أقوال، ثم يورد الأقوال، وتجده يزبد ويرعد كأنه جمل هائج والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور} وبعض الجهلة يقول: هذه المسألة اختلف فيها العلماء، وهو لا يدري أن للعلماء أصلاً فيها خلاف، وبعضهم إذا سأل في مسألة قال: فيها قولان، حتى إذا أخطأ في قول وإذا له قول آخر احتياط. حتى أن جاهلاً سألوه: ما رأيك في المسألة الفلانية؟ قال: فيها قولان، قالوا: والأخرى؟ قال: فيها قولان، قالوا: ما رأيك في الله عز وجل؟ قال: فيه قولان. وهذا مذكور في كتب أهل العلم ممن ذكره كثير منهم في التاريخ. ومماراة السفهاء: هو مجادلتهم ومحاربتهم ومجاراتهم في السفه، فإن السفيه ليس لك أن ترد عليه، ولك أن تهجره وتتركه، وأن تعرض عنه، فإنه ممن يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً. وأما صرف وجوه الناس: فهو الذي يحب المدح والثناء بالعلم وبنشره والعياذ بالله. وفي الحديث الآخر: {من طلب علماً مما يبتغى له وجه الله تعالى، لا يطلبه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا؛ لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة سنة} وهذه الزيادة أي: زيادة: {وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة سنة} في موطأ مالك في كتاب: اللباس، باب: ما يكره للنساء لبسه، وغير الزيادة فإنها عند أبي داود وابن ماجة وأحمد والدارمي بأسانيد صحيحة. وقال أبو عثمان النيسابوري: من أمر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمرَّ الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة؛ لأن الله يقول: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54]. إن تطيعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تهتدوا، فأطلب من إخواني أن يمروا السنة على ظاهرهم، وإمرار السنة على ظاهرك أن تكون متزيناً بالسنة كقصر الثياب وإعفاء اللحية وقص الشارب والسواك، كعلامات أهل السنة الذين يظهرون بها، والباطن أن تكون متبعاً في معتقدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، متقلداً لواجبات الإسلام كالخوف والرجاء، والرغبة والرهبة والإنابة، وغيرها من أعمال القلوب، فاتباع الهوى نوع من الشرك، كما قال بعض السلف: شر إله عبد في الأرض الهوى. وقد تعوذ السلف من الهوى؛ لأنه قائد يقود صاحبه إلى النار والعياذ بالله. فكل من تكلم في مسألة أو موضوع بدون علم أو بدون أثارة من علم أو بدون نية حسنة، تجده يناقض نفسه، ويأتي برأي تافه ويتعسف ويلوي النصوص، وقد قال سبحانه وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] وتحكيم الرسول عليه الصلاة والسلام أن يُرضى بسنته ظاهراً وباطناً، وأن تحكم أخلاقه عليه الصلاة والسلام وسلوكه وأفعاله وما ورد عنه عليه الصلاة والسلام، وأن يكون الحاكم في أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تجعله شيخك وإمامك ومربيك وأستاذك، وأن تتعلم على يديه كأنك حضرت أصحابه رضوان الله عليهم، وكأنك جاورتهم، فلا تقبل القول إلا إذا كان عليه شاهدان من الكتاب والسنة، ولا تقبل الأمر إلا إذا كان عليه بينة من بينات محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تقبل الأمر إلا إذا كان موافقاً لسنته صلى الله عليه وسلم. وقال النووي: روِّينا في كتاب الحجة بسند صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به} مع العلم أن ابن رجب وبعض أهل العلم يضعفون هذا الحديث، لكن معناه صحيح، فإنه لا يؤمن أحد من الناس حتى يكون هواه تبعاً لهوى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من رغب عن سنتي فليس مني} وكان يقول: {خذوا عني مناسككم} وكان يقول: {صلوا كما رأيتموني أصلي} فعلى العبد أن يحكم الرسول عليه الصلاة والسلام، فلا يحكم أباه، ولا شيخه، ولا أستاذه، في أي أمر من أمور دينه، قال سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء:59] فعند التنازع علينا أن نرد إلى الكتاب والسنة وأهل العلم: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7]. قضية أبينها لكم بضرب مثل ردت إلى غير أهلها، مثل قضية: التطرف، هل عند المسلمين هل عند أهل الصحوة هل عند الدعاة هل عند طلبة العلم هل عند الملتزمين والمتدينين تطرف؟ من الذي يفتي في هذه المسألة؟ نسمع كثيراً من الناس هم عوام -صراحة- لا يملكون كتاباً ولا سنة، وليس عندهم شريعة، يحكمون على الشباب بالتطرف، نقول: من نسأل؟ نسأل العلماء: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7] فنذهب إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وإلى فضيلة الشيخ محمد الصالح بن عثيمين وإلى الشيخ الفوزان وإلى الشيخ عبد العزيز آل الشيخ والشيخ اللحيدان والشيخ ابن جبرين والشيخ البراك والشيخ ابن قعود وغيرهم من مشايخنا وعلمائنا فنقول: هل هؤلاء الشباب فيهم تطرف؟ هل مثلاً: من أعفى لحيته، وقصر ثوبه، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وصام وصلى ودعا، هل هو متطرف؟ هل رأيتم في شبابنا تطرفاً؟ ما هو التطرف؟ إنا نسمع من إعلام الشرق والغرب اتهام الشباب بالأصولية والتطرف، هل هم متطرفون أم لا؟ فإن أفتونا وأخبرونا أن عندهم تطرفاً قبلناه وصدقنا، وإلا فلا نسأل غيرهم، ولا يجوز لأحد أن يتحدث غير هؤلاء في هذه المسائل، وقس عليها من أمثالها. أيضاً: هذه الجماعات التي في الساحة لك أن تتعاون معها إذا أصابت، وإذا أساءت فعليك أن تجتنب إساءتها، حتى ولو لم تكن أنت في الجماعة، فمثلاً: أحسن السلفيون في مسألة، أو في كتاب، أو في مشروع، فقم معهم وأسندهم، أحسن الإخوان في مسألة قم معهم وأسندهم وعاونهم، أحسن التبليغيون في مسألة قم معهم وأسندهم وعاونهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم، وفي حديث عند الترمذي بسند فيه كلام: {لا يكون أحدكم إمعة، إذا أحسن الناس أحسن وإذا أساءوا أساء، ولكن وطنوا أنفسكم، إذا أحسنوا فأحسنوا وإذا أساءوا فاجتنبوا إساءتهم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

التحذير من مخالفة شرع الرسول صلى الله عليه وسلم

التحذير من مخالفة شرع الرسول صلى الله عليه وسلم قال سبحانه وتعالى محذراً المخالفين لشرع رسوله عليه الصلاة والسلام: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]. قال بعض العلماء: فليحذر من لم يتبع الرسول في أقواله وأعماله ظاهراً أو باطناً أن يطبع الله على قلبه، وأن يزين له سوء عمله فيراه حسناً، فيزداد شراً على شر، أو يصيبه الله بعقاب عاجل مؤلم لا يتخلص منه مع ما أعد له في الآخرة من النكال والإهانة. وقال ابن كثير: فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام أن تصيبهم فتنة أي: في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة، أو يصيبهم عذاب أليم أي: في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك، ثم ذكر الحديث في الصحيحين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله؛ جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل الرجل ينزعهن، ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها} رواه البخاري في الرقاق باب: الانتهاء عن المعاصي، ومسلم كتاب: الفضائل، باب: شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته. وهذا له تفسير عند أهل السنة: أنهم الذين خالفوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد وضح لهم الأمر واستبان لهم لكن ركبوا رءوسهم وأشربوا الهوى في قلوبهم. قال سبحانه وتعالى محذراً الأمة من الفرقة والخلاف: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:1]. وقال سبحانه: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً} [الروم:31 - 32]. قيل: شيعاً: أحزاباً وفرقاً وطوائف، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:159] فأمر الله عباده أن يتقوه بفعل ما أمرهم به من الاجتماع على دينه، متحابين متعاونين على الخير، وألا يموتوا إلا وهم مستسلمون له سبحانه، منقادون لأمره، متبعون لرسوله، محبون لشرعه، كارهون لما خالف نهجه سبحانه وتعالى. هذه من المسائل التي اختلف فيها الناس قديماً وحديثاً: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:213] وإنما قلت هذا؛ لأن بعض الناس يجعل من نفسه حكماً في مسائل الخلاف، فقوله أو ما وافق قوله في وجهات النظر أو في المسائل الخلافية هو المعتبر، بل بعضهم حتى في مسائل الفروع التي اختلف فيها أهل العلم: كضم اليدين على الصدر، والجهر ببسم الله، والقراءة خلف الإمام في الجهرية، وغيرها من المسائل، فيجعل قوله هو الصحيح وقول غيره هو الخطأ، وفي مسائل أخرى فمثلاً: هل فقه الواقع ضروري أو غير ضروري؟ مع العلم أنه من قال: ضروري فلا يكفر، ومن قال: غير ضروري فلا يكفر، وأن الناس ليسوا مكلفين أن يُمتحنوا في هذا، هل فقه الواقع من الشريعة؟ هل علينا أن نتعلم فقه الواقع أو نتركه؟ هذه ليست من مسائل الاعتقاد، ولا أجمع عليها العلماء، وهي وجهات نظر، فعلى العبد إذا لم يأت منه خير أن يكف شره عن المسلمين.

ضرورة الإعذار في خلاف التنوع

ضرورة الإعذار في خلاف التنوع واعلموا أيها المسلمون! أن خلاف التنوع لا يفسد القلوب، وقد اختلف أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام في مسائل، وكانوا مجتمعين متحابين متآلفين يصلون سوياً، ويدعو بعضهم بعضاً، ويجلسون سوياً، ويتزاورون ويتجاورون والحمد لله. فقد اختلفوا في مسائل كثيرة مذكورة في كتب أهل العلم، ومن استعرض المغني يجد أن مسائل الإجماع في المسائل الفرعية قليل، وأنَّ أكثرها مختلفون فيها، ومع ذلك تحابوا وتصافوا وتجاوروا وتزاوروا ولم تأت بينهم ضغينة. فمن الصحابة من ضم يده اليمنى على اليسرى على صدره، ومنهم من ضمها تحت السرة، وهذا لم يعب على هذا، ولم يبغض هذا، ولم يعاد هذا، ومنهم من أفطر في السفر، ومنهم من صام في السفر، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، ومنهم من كان يحرك إصبعه في التشهد ومنهم من كان لا يحركها، ولم يعب هذا على هذا، إلى مسائل أخرى. حتى في بعض مسائل المعتقد، فإن منهم من رأى أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه لما عرج به عليه الصلاة والسلام، مع العلم أن الراجح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، ومنهم من قال: إنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، ولم يعب هذا على هذا، ولم يسب هذا هذا، ولم يعاد هذا هذا، فلماذا نختلف على مسائل كهذه. وقد سمعت أن بعض الناس في بعض المسائل في التراويح تغاضبوا في بعض الأحياء، وتهاجروا من أجل أن إماماً صلى بهم إحدى عشرة ركعة، وكانوا يرون أن يصلي بهم ثلاث عشرة ركعة، فبعضهم ترك صلاة التراويح، وذهب إلى مسجد آخر وهجر أهل هذا المسجد، وهذا من الجهل؛ فإن إحدى عشرة ركعة سنة، وورد في بعض الألفاظ ثلاث عشرة ركعة، والراجح إحدى عشرة ركعة، ولو اجتمع الناس على الأمر المرجوح لكان خيراً. وقد ذكر الشيخ علي الطنطاوي أثابه الله: أن أناساً في بلد من البلدان تضاربوا في المسجد في صلاة التراويح، يقول بعضهم: ثلاثاً وعشرين ركعة، وبعضهم إحدى عشرة ركعة، فاختصموا وتشاجروا وبعضهم أخذ عصياً، وبعضهم تحزب في طرف المسجد فحضر عالم من العلماء، قالوا: ما رأيك يا شيخ نصلي ثلاثاً وعشرين ركعة أو نصلي إحدى عشرة ركعة؟ قال: أرى أن تغلقوا المسجد ولا تصلوا في هذه الليلة، هذا الأحسن، وصدق في فتواه فإن دخولهم بيوتهم وتركهم للتراويح على اجتماع القلوب وعلى الخير أحسن من أن يجمعوا وهم متناحرون على رأي من الآراء أو يبقوا في خصام وجدل. وقس على ذلك زكاة الحلي فإن بعض الوعاظ دار في المساجد وقام بعد الجمعة حتى في مساجد أبها وحذر الناس وقال: انتبهوا أيها الناس لا يضللونكم الذين قالوا: إن في الحلي زكاة، بل ليس فيها زكاة. وهل هذا تضليل؟! وقد أفتى كثير من علماء الإسلام بأن فيها زكاة، وهي فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وأفتى بعضهم بأن ليس فيها زكاة. أما الذي يحذر الناس من هذه الفتوى فما أصاب، ولماذا هذا الجدال؟! ولماذا إشغال الناس بهذه المسائل؟ والمعاداة والموالاة ليستا من دين الله، قال الشاطبي: كل مسألة حدثت في الإسلام فاختلف الناس فيها، ولم يورد ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة؛ علمنا أنها من مسائل الإسلام، وكل مسألة طرأت وجلبت العداوة والتنابز والتنافر والقطيعة؛ علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء، وأنها التي عني الرسول صلى الله عليه وسلم بتفسير الآية وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً} [الأنعام:159] فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103] فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه من اتباع الهوى، فالإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف، فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك فخارج عن الدين. ذكره في الموافقات وفي الاعتصام.

الأسئلة

الأسئلة

حكم النية في الوضوء

حكم النية في الوضوء Q هل النية شرط في الوضوء؟ أي: هل يشترط في وضوئك أن تنوي أنه وضوء؟ A لأهل العلم في هذه المسألة قولان: ذهب أهل الرأي الأحناف والثوري رحمهم الله: إلى أن النية ليست شرطاً في الوضوء، والوضوء من باب التنظيف، فلو غسلت أعضاءك على سنة الوضوء، ولم تنو أنه وضوء؛ جاز لك عندهم أن تصلي به الصلوات، عند الأحناف والثوري وأهل الكوفة، وقالوا: هو ليس عبادة إنما هو تنظيف لنفسك. وذهب الإمام أحمد والأوزاعي وأبو عبيد وابن المنذر والليث بن سعد: إلى أنها شرط، وهو الصحيح، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالنيات} فلا بد لمن أراد أن يتوضأ من نية، وهو الذي وافقت عليه النصوص، وهو الراجح في المسألة، فإذا غسلت أعضاءك كالوضوء ولم تنو به الوضوء لا يجزئك حتى تنوي أنه وضوء، فمن اغتسل تبريداً أو توضأ تبريداً لا لنية الوضوء فلا يجزئه بل لا بد من النية.

حكم غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء

حكم غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء Q هل غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء واجب أم سنة؟ A هذه هي أيضاً مما اختلف فيها أهل العلم وإنما أبينها لطلبة العلم: فقد ذهب مالك والشافعي: إلى أن غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء مستحب، وأن من فعل ذلك فلا شيء عليه، أي: من أدخلهما قبل أن يغسلهما. وذهب الإمام أحمد وهو قول للإمام علي بن أبي طالب ولـ أبي هريرة ولـ ابن عمر ولـ ابن المنذر ولجمع من أهل العلم: إلى أنه يجب غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، وهو الصحيح، دل على ذلك الحديث الصحيح: {إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

حزب الله المذكور في القرآن

حزب الله المذكور في القرآن Q قلت في أول المحاضرة: إن علينا جميعاً أن نجتمع تحت حزب الله، ويوهم هذا أن المقصود هو حزب الله الذي في لبنان؟ A لا لم أرده ولم يفهم الناس إن شاء الله، بل حزب الله المذكور في القرآن: {أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22].

كتاب تنبيه الغافلين

كتاب تنبيه الغافلين Q ما رأيكم في كتاب: تنبيه الغافلين للنيسابوري؟ A فيه أحاديث كثيرة موضوعة ومكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأرى أن طريق الهجرتين ومدارج السالكين ورياض الصالحين والترغيب والترهيب تغني عنه، وفيه بعض اللفتات الجميلة.

حكم الانتماء لأي جماعة إسلامية

حكم الانتماء لأي جماعة إسلامية Q إذا كان الانتماء إلى إحدى الجماعات العاملة للإسلام التي تجعل الكتاب والسنة هي الأساس والمبدأ مع محبة كل العاملين للإسلام به من دون تفضيل لأحد منهم على أحد من دون تخطئة، فما الرأي؟ A ليس فيه بأس أن يعمل أحد مع جماعة إسلامية تريد الله والدار الآخرة؛ بشرط ألا يوالي على هذه الجماعة ولا يعادي، وبشرط ألا يوجب على الناس أن يتبعوا هذه الجماعة، أو يقول: إن هذه الجماعة هي المصيبة وغيرها مخطئة، أو أن جماعة المسلمين تنحصر في هذه الجماعة ومن شذ عنها شذ في النار، فهذا لا بأس أن يتعاون معه، لكن المسلم يتعاون مع الجميع فيما يحسنون ويتجنب الإساءة في الجميع.

حكم الولاء والعداء على طائفة

حكم الولاء والعداء على طائفة Q إذا علمت أن بعض الناس يوالي ويعادي على طائفة فماذا أفعل؟ A تنصحه وتبين له الحق وتدعو له بالرشد والصواب.

أضرار البث المباشر

أضرار البث المباشر Q ما رأيكم في البث المباشر؟ A كان هناك وعد أن تكون هناك محاضرة، وقد دللتكم على بعض المحاضرات ككتاب الدكتور ناصر العمر، ومحاضرة للدكتور محمد عبده يماني قديماً يبين أضرار البث المباشر وماذا سوف ينقله للناس إلى غير ذلك، فعسى أن أجمع بعض الوثائق وبعض المعلومات وأذكرها لكم إن شاء الله.

حكم ترك الموظف عمله من أجل حضور المحاضرة

حكم ترك الموظف عمله من أجل حضور المحاضرة Q هل يجوز للموظف أن يترك عمله لحضور هذا الدرس؟ A لا يجوز له أن يترك عمله ليحضر هذا الدرس، فإن أذن له رئيسه والمسئول عنه حضر، وإلا فليبق في وظيفته لأن ذاك واجب وهذا نافلة، ويمكن أن يصله الشريط الإسلامي إن شاء الله ويستمع للمحاضرة أو الدرس.

حكم مناقشة بعض المواضيع العلمية مع بعض الناس

حكم مناقشة بعض المواضيع العلمية مع بعض الناس Q هل قراءة الكتب المختصة في العلوم العلمية كالأحياء والكيمياء والفلك ومناقشة هذه الأمور مع بعض الناس من الأمور المضيعة للوقت؟ A لا. كلٌ بحسبه وبنفعه وفائدته، إن كنت تناقش هذه المسائل للنفع والفائدة في المجلس وهناك من يستفيدون أو طلبة علم متخصصون، أو وراءها فائدة فلا بأس، أما تأتي إلى أناس لا تتسع عقولهم لهذه المسائل، وتأتي إلى أناس لا يعرفون الوضوء كأعرابٍ وجهلة وتخبرهم عن ثاني أكسيد الكربون ومكونات الهواء ونسبة الهيدروجين والنيتروجين غيرها فإن هذه طلاسم، وهذه لا تصلح أن تتحدث بها وهي مضيعة للوقت [[حدثوا الناس بما يعرفون هل تريدون أن يكذب الله ورسوله]] فحدث الناس بما يعرفون، وبعضهم قد يتكلم في هذه المسائل ليتبجح وليظهر أن عنده علماً، حتى إن بعضهم يتكلم ويرطن الرطانة مع والديه العجوزين يتكلم لهما بالإنجليزي، يقول الشيخ محمد الغزالي الداعية الكبير، على أن هناك بعض الملاحظات لا يسلم منها البشر وقد بينت في كتب للفضلاء، لكن لفتات تعجب، يقول: كنت أستمع إلى صوت أمريكا مرة في الليل، وهناك برنامج عندهم ما يطلبه المستمعون، فسمعت رجلاً من العرب من بلد عربي يدرس هناك، أرسله أبوه عجوز وأمه في بادية في خيمة ينامون على زبالة، وقد أرسلوه يدرس هناك، فيقول له المذيع: ماذا تريد أن تهدي لأهلك في بلدك العربي؟ قال: أغنية شادية، قال: فعجبت لهذا الرجل خرج من بلاد محمد صلى الله عليه وسلم من بلاد الرسالة، وكان ينتظر منه أن يدعو أولئك إلى الإسلام وأن يدخلهم في دين الله زرافات ووحداناً، فذهب هناك ووالداه ينامان على قمامة وزبالة في خيمة مقطعة في الصحراء يهدي لهم أغنية شادية، وهذا فكر هابط، فقصدي: أن معلومات الناس، أو فهم الناس، أو مواقف الناس، أو إدراك الناس مختلفة، هم درجات عند ربك.

محمد بن تومرت مؤسس دولة الموحدين

محمد بن تومرت مؤسس دولة الموحدين Q يقول: ذكرت أن محمد بن تومرت أسس دولة المرابطين في المغرب والصحيح أنها دولة الموحدين؟ A صدقت، مؤسس دولة الموحدين ابن تومرت، ودولة المرابطين يوسف بن تاشفين، نعم، ومن الموحدين عبد المؤمن بن علي فهو قائد جيشه في الأخير، وكان في قرية مع عجوز، أمه عجوز تطعمه فقد مات أبوه، وأتى ابن تومرت يزور القرية يدعو إلى الله، فقد كان داعية كبيراً ربانياً، فوجد عبد المؤمن بن علي هذا كبير الجثة نائماً والنحل أقبل عليه من كل جهة، قال ابن تومرت: سوف يقبل عليه الجيش ويلتف كما يلتف به النحل، ثم أيقظه وعلمه القرآن وأخذه ورباه معه، فقاد جيشاً ما يقارب ثلاثمائة ألف ودخل قريته، فلما دخل قريته خرجت العجائز على سطوح المنازل يزغردن وينشدن، وتقول عجوز وهي تصيح: هكذا يدخل الغريب، فوقف الشعراء، فيقول الشاعر في عبد المؤمن هذا: ما هز عطفيه بين البيض والأسل مثل المؤيد عبد المؤمن بن علي قال: احذف القصيدة وابق هذا البيت، واملئوا فمه جوهراً. فملئوا فمه جوهراً، فهذا من أخبارهم وأثاب الله الأخ، فـ يوسف بن تاشفين ولي من أولياء الله وعابد فيه خير كثير. أسأل الله أن يجمعنا بكم في دار الكرامة، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يجمعنا على الحق، وأن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، وأن يجعلنا من أتباع رسوله، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

في وداع الألباني

في وداع الألباني إن علماء الأمة هم قادتها وروادها وحراسها، وفقد عالم منهم ثلمة في الإسلام ونخر في عظم الأمة، ولقد فجع المسلمون في كل بقاع العالم بوفاة الشيخ المحدث: محمد ناصر الدين الألباني.

كلمة في رثاء الشيخ الألباني

كلمة في رثاء الشيخ الألباني الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذرُ توفيت الآمال بعد محمدٍ وأصبح في شغلٍ عن السفرِ السفر هذا العام -في الحقيقة- عام الحزن، فقد رزئت فيه الأمة الإسلامية بفقد قمم شماء، وجبال راسيات. قبل أيام حملنا على أكتافنا جنازة إمام أهل السنة والجماعة الشيخ عبد العزيز بن باز، وقبل أيام ودعنا محدث العصر، ومجدد علم الحديث، الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني. وقد قلنا في حينها عن الشيخ ابن باز بعض ما يستحق، أما الألباني فنحن نشهد الله على محبته، ونحن تلاميذ على كتبه، وكيف ننسى الألباني وكتبه معنا تسامرنا، وتحدثنا، وتزين مكتباتنا وبيوتنا، وتشرح صدورنا، وتبهج قلوبنا. كيف ننسى الألباني وهو مجددٌ في هذا الفن، أنفق عمره، وأعطى لياليه وشبابه وقوته لميراث محمدٍ عليه الصلاة والسلام، حارب البدع، ودعا إلى منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة، وصحح الحديث، ونفى عنه الكذب والوضع، واشتغل برجال السند، وحقق تحقيقاً باهراً. كيف ننسى الألباني وكلما دخلنا مكتبةً وجدنا صحيح الجامع، وسلسلة الأحاديث الصحيحة، وإرواء الغليل، وذلك الميراث المبارك، فلا نملك إلا أن نقول: جزى الله الألباني خير ما جزى عالماً مجدداً إماماً عن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم. إن محبة الألباني دليلٌ على الاعتصام بالسنة عند هذا الجيل، وهو -في حد علمي- أول من رد الناس إلى الدليل في هذا العصر مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز. إن ابن باز والألباني كالشمس والقمر في علم الحديث والأثر والسنة، وإنني أسأل الله أن يرحم الألباني وابن باز، وأن يجمعنا بهم في دار الكرامة.

واجبنا نحو العلماء

واجبنا نحو العلماء والواجب على أهل العلم، وأهل الصحافة والأقلام، والأدباء والشعراء، أن يتحدثوا عن مآثر هؤلاء العلماء الذين هم نجوم الأمة وكواكبها، وحياتها ونورها، فإن الله استشهد على ألوهيته العظمى بالعلماء مع الملائكة، فقال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]. مات في اليوم الذي مات فيه الألباني أحد الشعراء؛ فمجدته الصحف والمجلات، والأدباء والكتاب، ومات الألباني فما انتضى وما كتب وما تكلم إلا القليل، وبين الألباني وهذا الشاعر بعد الثرى عن الثريا، فالثريا هو الألباني سطوعاً ودعوةً وعلماً وسنةً وتجديداً وصحة منهج، وذاك الشاعر فيه انحراف في المنهج، وغواية، وصدود عن منهج الله، وتهتكٌ وإعراض. فيا أمة الإسلام! يا جيل محمد صلى الله عليه وسلم! يا طلبة العلم! عودوا إلى ميراث الألباني وميراث ابن باز، ومحمد بن عبد الوهاب، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، اقرءوه، وافهموه، وتدبروه. أيها الإخوة: ترحموا على الألباني كلما قرأتم حرفاً من كتبه، فإن هذا جزاء المعروف، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فنشكر ربنا سبحانه وتعالى أن هيأ مثل الألباني لنصرة دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم، والذود عن السنة المطهرة، وأشهد الله على محبة الألباني، فهو معي ليلاً ونهاراً في ميراثه وكتبه، وعطائه المبارك الذي يوصله -بإذن الله- إلى جناتٍ ونهر: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55] علوٌ في الحياة وفي المماتِ لحقٌ أنت إحدى المعجزاتِ ونقول للألباني وابن باز: إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا اللهم صلِّ وسلم على المعلم الذي أخرج لنا هذه النماذج الخالدة، والقدوات الرائدة، والعلماء البررة، وعلى أصحابه ومن سار على منهجه إلى يوم الدين، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وتقبلوا تحيات أخيكم عائض القرني من الرياض.

كيف نحافظ على الإيمان

كيف نحافظ على الإيمان إن أعظم نعم الله علينا أن هدانا للإيمان ووفقنا للإسلام؛ وبين لنا الطرق التي نستطيع من خلالها المحافظة على الإيمان، والتطلع إلى ثماره ونتائجه، وكل هذه ستجدونها في طيات هذا الموضوع.

طرق المحافظة على الدين والإيمان

طرق المحافظة على الدين والإيمان الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديراً. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المعلم الجليل، المؤيد بجبريل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها المسلمون! إن من أعظم نعم الله علينا أن هدانا للإيمان، فله الحمد وله الثناء الحسن أن دلنا على هذا الطريق وقربنا وأبعد غيرنا، ورزقنا الهداية بمبعث محمد عليه الصلاة والسلام، فلا إله إلا الله ما لدعوته من أثر! ولا إله إلا الله كم لرسالته من نفع! فمن اعتقد أنه سوف يهتدي بهدىً غير هدى الله الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً، ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذابٌ أليم. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي؛ إلا دخل النار} قال الله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف:30] ما أحوجنا إلى الإيمان! وما أفقرنا إلى الهداية! يا مسلمون! من نحن قبل رسالته عليه الصلاة والسلام؟ أمةٌ -والله- ضائعة، لا تاريخ لها ولا هداية، ولا نور ولا حضارة، حتى بعث الله لنا محمداً عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] أمة كانت تعبد الوثن، وتسجد للصنم، وتزاول الخمر والزنا والفاحشة، لا مبادئ لها، ولا قيم، ولا سلوك، ولا أخلاق، ولا نظام. إن البرية يوم مبعث أحمدٍ نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمةٍ جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها فما هي الطريقة المثلى لنحافظ على هذا الإيمان؟ وبالخصوص في هذا البلد الظالم أهله، الذي ما عرف الله ثراه، وما سجد لله إلا القلة القليلة، كيف نحافظ على الإيمان؟ وكيف نربي شجرة الإيمان؟ وكيف نحافظ على صرح الإيمان؟ إن ذلك بأسباب:

المحافظة على الفرائض

المحافظة على الفرائض أولها -إخوتي في الله-: المحافظة على الفرائض، وأعظمها الصلاة، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] وقال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] أول ما نبدأ بالصلاة، وأول ما يُفقد من الدين الصلاة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} وقال عليه الصلاة والسلام: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} الصلاة في وقتها روعة المثل والمبادئ، وعظمةُ الإقرار لله بالوحدانية تتمثل في الصلاة. كتب عمر إلى سعد -رضي الله عن الجليلين النبيلين- يوم كنا سادة الأمم، يوم كنا قادة الشعوب، يوم كان عمر بملحفه الممزق المرقع إذا ذُكِرَ عند كسرى أُغمي على كسرى: يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدمٌ له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه كتب إلى سعد وهو في القادسية: [[الله الله في الصلاة، فإن أخوف ما أخاف عليكم ترك الصلاة]] فإذا تركت الصلاة فهو الانهزام والفشل، وإذا تركت الصلاة فهو الزنا والربا والخمر والإلحاد والخروج عن القيم، ولذلك عرف السلف الصلاة فقدَّروها حق قدرها. حضرت الوفاة سعيد بن المسيب سيد التابعين، فبكت بنته عند رأسه، فقال: يا بنية! لا تبك عليّ، والله ما أذن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في مسجده عليه الصلاة والسلام. وقال الأعمش -العالم الزاهد الكبير- لابنته: والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام في جماعة أربعين سنة. إن مصداقية التمثل بهذا الدين في الصلوات الخمس، وإن انتصارك على الشهوات في بلد الشهوات والمغريات، هي أداء الصلوات الخمس في جماعة بخضوعٍ وركوعٍ وسجود. ولذلك قال ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير: يا رب! أسألك الميتة الحسنة، قالوا: وما الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني الله وأنا ساجد، فقبض الله روحه وهو ساجد. قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وإيمانٌ ليس فيه صلاةٌ جماعة بخشوع ليس بإيمان، وإيمان ليس فيه صلاةٌ بأداء وحرارة ليس بإيمان، وإن من علامات النفاق ترك الصلاة جماعة، حتى قال ابن مسعود: [[كنا نعد من يتخلف عن الصلاة منافقٌ معلوم النفاق]]. نشتكي أحوالنا ونشتكي أمراضنا نشتكي أدواءنا ولم نعرف ما هو المرض. إننا يوم تخلينا عن معالم الإيمان، سلبت ديارنا، وانتهكت مبادئنا، وذهبت عقيدتنا إلا في قلوب من رحم الله تبارك وتعالى. فلسطين ما ذهبت إلا يوم ضعف الإيمان، وما دمرت أفغانستان إلا يوم ذهب أمثال قتيبة فاتح كابل وأمثالها من المدن؛ ولذلك أنلوم من؟ نلوم أنفسنا، ونلوم ما نحمله في قلوبنا من عدم توطدٍ لهذا الدين. أمتي هل لك بين الأممِ منبرٌ للسيف أو للقلمِ أتلقاك وطرفي حاسرٌ أسفاً من أمسك المنصرم ألإسرائيل تعلو رايةٌ في حمى المهد وظل الحرم أوما كنت إذا البغي اعتدى موجةٍ من لهبٍ أو من دمِ يا إخوتي في الله! يا حملة الإيمان في بلاد الطغيان! يا قادة الفكر الموجه! يا ممثل الرسالة الخالدة! لا يمكن أن نحافظ على الإيمان إلا بأصول الإيمان، ومن أعظمها الصلاة.

التفكير في مخلوقات الله وآياته

التفكير في مخلوقات الله وآياته ومن أسباب زيادة الإيمان كما ورد عن أهل العلم والفضل: التفكر في آلاء الله الكونية، والشرعية، فكل شيء يدلك على الله، قال تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20]. يقول سيد قطب -رحمه الله- وهو ينقل عن عالمٍ من علماء هذه البلاد كأنه ابتدع، في كتابه الإنسان لا يقوم وحده اسمه كريسي موريسون، يقول: من دلَّ النحلة على خليتها إذا فارقتها؟ أعندها إريال، قال سيد قطب: بل علَّمها الذي علَّم كل شيء: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:1 - 4] الذي علم النحلة هو الله جل الله في علاه قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68] هو المعلم سبحانه وآياته تشهد على وحدانيته. وفي كل شيٍ له آيةٌ تدل على أنه واحدُ فيا عجباً كيف يُعصى الإله أم كيف يجحده الجاحدُ إن مما يُربِّي الإيمان، ومراقبة الواحد الديان، واستظهار عظمة الله والخوف منه؛ التفكر في آياته. نقل ابن كثير في تفسير قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] عن الإمام مالك أن هارون الرشيد سأله: ما دليل قدرة الواحد الأحد؟ فقال الإمام مالك: اختلاف الأصوات، وتعدد اللهجات، واختلاف النغمات؛ تدل على فاطر الأرض والسماوات. ويقول الإمام أحمد في تعريف بسيطٍ لقدرة الباري، ولزيادة الإيمان التي تحدثها هذه الآيات: يا عجباً! هذه البيضة، أما سطحها ففضة بيضاء، وباطنها ذهبٌ إبريز! ألا تدل على السميع البصير؟! جلَّ الله. يقول شاعر الإيمان في السودان: قل للطبيب تخطفته يدُ الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا والنحل قل للنحل يا طير البوادي ما الذي بالشهد قد حلاكَا وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله: كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا لا إله إلا الله! إن عقيدة المسلم دائماً تتزايد وتربو بما يرى ويشاهد من آيات الله البينات، ولذلك فقد وجب علينا وجوباً أن نتفكر في آيات الله الواحد الأحد، وأن نتملى فإنه إيمانٌ سهلٌ بسيط، يدركه الأعرابي في الصحراء، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه وأرضاه قال: {قدم ضمام بن ثعلبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ بين أظهرنا فقال: أين ابن عبد المطلب؟ قلنا: هذا الرجل الأبيض الأمهق المرتفق، فقال له الرجل: يا بن عبد المطلب! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، قال: إني سائِلك فمشددٌ عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك، قال: سل عما بدا لك. فقال: من رفع السماء؟ قال: الله. قال: من نصب الأرض؟ قال: الله. قال: من نصب الجبال؟ قال: الله. قال: من بسط الأرض؟ قال: الله. قال: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ قال: اللهم نعم. قال: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم. قال: أنشدك بالله! آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: اللهم نعم. قال: آمنت بما جئت به، وأنا رسول الله من ورائي من قومي والله لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن، أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر ثم تولى، فقال عليه الصلاة والسلام: لئن صدق ليدخلن الجنة}. كل شيءٍ يدلك على الله، السماء الماء الضياء السناء المدر الشجر البشر كلها تقول: إن هناك إلهاً حكيماً قديراً بصيراً. يا مسلمون! إن أعظم ما نحافظ عليه لنحفظ كياننا ومستقبل أمتنا، هو هذا الدين الذي أتى به محمدٌ عليه الصلاة والسلام، حفظ الإيمان، وكل شيءٌ يضيع ويهدر في سبيل أن يحفظ علينا هذا الدين. إن هويتنا بين العالم والشعوب هو الإيمان، وإن أسباب ضعفنا بين الأمم يتأتى من ضعف إيماننا ويقيننا وطلب نصرنا مع الله، خرج ثلةٌ من الأفغان عليهم ثياب بالية، ومعهم أسلحةٌ بسيطة يحاربون الحمر البلشفيين، أعظم قوى الأرض، فسحقوها، وقطعوا دابرها إلا قليلاً وأشرفت على الهلاك: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] قال لهم الناس: تعالوا إلى هيئة الأمم المتحدة، قالوا: آمنا بالله وكفرنا بـ هيئة الأمم، قال لهم الناس: تحاكموا إلى مجلس الأمن، قالوا: آمنا بالله وكفرنا بـ مجلس الأمن. يا أمةٌ في عمرها لم تحى إلا بالجهاد كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد القاتلي الإنسان خابوا ما لهم إلا الرماد

الإكثار من النوافل

الإكثار من النوافل ومن أسباب زيادة الإيمان! النوافل، أن تكون عبداً لله، وليست العبودية كما قالت المرجئة: إيمانٌ يكمن في القلب وتصديقٌ ومعرفة، فإن هذا قد يوجد بعضه عند فرعون وقارون وهامان. إنما الإيمان: صلاةٌ ونافلة سجودٌ وتسبيح، الإيمان دعاءٌ وبكاء، وتوجه وتوسل إلى الحي القيوم، ففي صحيح مسلم عن ربيعة بن مالك الأسلمي قال: {يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود} وعند الإمام مسلم من حديث ثوبان {فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة} طريق الجنة النوافل، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري أنه قال: {يقول الله عز وجل: ما تقرب إلي عبدي بأحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به} الحديث. معنى هذا: أن في الناس مقتصدين، وسابقين بالخيرات، أما السابق هذا فله نوافل، وأيامه أوراد ولحظاته وأنفاسه كلها تسبيح، وتوجه للحي القيوم. ألا إن أعظم ما يحفظ الإيمان النوافل، وإن مصداقية المؤمن تكمن في كثرة النوافل، وكثرة السجود، ألا وإن كثرة السجود والإكثار من الذكر وتدبر القرآن سياجاتٌ وخطوطٌ دفاعية عن الإيمان، ألا وإن أعظمنا عند الله قدراً أطوعنا له، وأحسننا تبتلاً إليه، وأكثرنا له عبودية، فتبارك الله رب العالمين. إخوتي في الله! إن النوافل أمرها عظيم عند أهل العلم، ولذلك ذكروا في تراجم الصالحين أخباراً مشيدة عن تبتلهم في الليالي، وكثرة ذكرهم، وتدبرهم. إن قضية الجفاف الروحي الذي نعيشه اليوم سببه إرهاصات وثقافات أتت لتقول للإنسان: لا داعي للنوافل، فالدين قشور ولباب!! أتت لتقول للإنسان: القضايا النظرية لا بد أن تحلل تحليلاً عقلياً لتصلح هذه الأمة. ألا يا أيها الأخيار! ألا يا أيها الأبرار! إني أدعو نفسي وإياكم إلى كثرة النوافل، وإلى التسديد والمقاربة، وإلى معرفة أن الطريق والهداية لا تكون إلا في القرب من الله. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.

ثمرات ونتائج الإيمان

ثمرات ونتائج الإيمان الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. إذا الإيمان ضاع فلا أمانٌ ولا دنيا لمن لم يحي دينا ومن رضي الحياة بغير دينٍ فقد جعل الفناء لها قرينا لا حياة لنا إلا بالإيمان، وضرورته أهم من ضرورة الماء والهواء، وفقدان ذلك إنما يكون هلاكاً وموتاً، وأما فقدان هذا فهو الموت المحقق في الدنيا والآخرة. إخوتي في الله! إذا حصلنا على الإيمان وحافظنا عليه، فما هي ثمراته ونتائجه؟ له ثمراتٌ عشر، وأعدُّ ثلاثاً للمقام:

الحياة الطيبة

الحياة الطيبة أولاً: أعظم ثمرات الإيمان: الحياة الطيبة، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] حرامٌ على من أعرض عن الله الحياة الطيبة، وحرامٌ عليه السعادة والسرور، قال سبحانه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. قال أحد الصالحين بعد أن تاب: "ذقت كل شيء فما وجدت كالتقوى". وقال إبراهيم بن أدهم وهو مؤمنٌ صالحٌ مقبل على الله: "نحن في سعادة لو يعلم بها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليه بالسيوف". العيش مع الله! السعادة الكامنة في الإيمان، وفي النوافل التي جعلت المؤمن يرى الذهب والفضة كأنها أكواماً من تراب، ويرى القصور كأنها ثكناتٍ من صخور، ويرى المناصب كأنها لا شيء؛ لأنه بإيمانه ويقينه وإقباله على الله استثمر الإيمان.

الفوز بالجنة والنجاة من النار

الفوز بالجنة والنجاة من النار ثانياً: الفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم نجنا من النار!! فالنار أمرها عظيم، قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] وقال سبحانه: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران:192] الفوز بالجنة، تقول بعض طوائف المبتدعة: نحن نعبد الله لا طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره، فكذبهم أهل السنة، وقالوا: لا. إن من أعظم المطالب عند أهل الإسلام: الفوز بالجنة، والفوز بالجنة هو الذي جعل من حنظلة، الصحابي الشاب يترك، زوجته الجميلة في الليلة الأولى، ويترك أهله وبيته وعقاره، ويأخذ سيفه ويقبل على الله غير مغتسلٍ لعجلة أن يقدم روحه في سبيل الله، ويقول وهو في الطريق: [[يا رب! خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]] وحديثه صحيح. ومن الذي باع الحياة رخيصةً ورأى رضاك أعز شيءٍ فاشترى أمَّن رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا قُتل في المعركة، وعلم الله أنه صادق، وارتفعت نفسه إلى الحي القيوم: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] فاضت روحه، التفت عليه الصلاة والسلام فرآه يغسل بين السماء والأرض في صحاف الذهب بماء المزن قال: {سلوا أهله! قالوا: مات جنباً فلم يغتسل، قال: لقد غسلته الملائكة} هنيئاً لك الصدق يا حنظلة، وهنيئاً لك الخلود، وهنيئاً لك العيش الطيب. وكم نذكر من النماذج التي ربَّاها محمد عليه الصلاة والسلام على سمعٍ وبصر، يأتي جعفر الطيار في مؤتة فتقطع يمناه، فيأخذ الراية باليسرى، فتُقطع اليسرى، فيحتضن الراية، فتكسر الرماح في صدره وهو يقول متبسماً: يا حبذا الجنة واقترابها طيبةٌ وباردٌ شرابها والروم رومٌ قد دنا عذابها كافرةٌ بعيدةٌ أنسابها عليّ إن لاقيتها ضرابها أيُربَّى على هذا إلا من عرف طريقه إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض. لم يمنِّ محمدٌ عليه الصلاة والسلام أصحابه بالملك، ولا بالمناصب، ولا بالعمارات، ولا بالسيارات، قالوا: نريد ملكاً، قال: الجنة، قالوا: نريد طعاماً، قال: الجنة، قالوا: نريد ذهباً وفضة، قال: الجنة. صح عند البخاري وغيره أن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري قتل في المعركة، ضرب بأكثر من ثمانين ضربة، فأتى ابنه جابر يبكي وأبوه مقتول، فقال عليه الصلاة والسلام: {يا جابر! ابك أو لا تبكي، والذي نفسي بيده! ما زالت الملائكة تظلل أباك بأجنحتها حتى رفعته، والذي نفسي بيده! لقد كلَّم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، فقال: تمنى، فقال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا، فأُقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون فتمنى، قال: أتمنَّى أن ترضى عني، فإني قد رضيت عنك، قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً} أيفعل البلشفي الأحمر الذي يقاتل عن مبادئ لينين واستالين يفعل هذا؟! لا والله، يقاتل لمبادئ رخيصة، ويفرون من المعارك؛ لأنهم يريدون الحياة، وأصحاب محمد عليه الصلاة السلام يريدون ما عند الله، يريدون الجنة، ولذلك كان السلف الصالح دائماً يتطلعون إلى الجنة، ومن ثمرات إيمانك: أنك إذا بخست حظاً من الحظوظ أو أحرمت طعاماً، أو لم تحصل على منصب، أو لم تنل منزلة أو شهرة، فاعلم أن الجنة تنتظرك إذا صدقت مع الله. نسأل الله لنا ولكم الجنة.

حفظ الله للعبد

حفظ الله للعبد ثالثاً: من ثمرات الإيمان: حفظ الله للعبد، وإنني أكتفي في هذه الخطبة أن أقدم لكم حديثاً يجب علينا أن نحفظه حفظاً وتطبيقاً وعملاً وسلوكاً، فقد ورد عند الترمذي وأحمد من حديث ابن عباس بسندٍ صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال له: {يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. قال بعض السلف: "والله إن الله يحفظ الصالح في أهله وماله، وفي جويرية أهله، ومن ضيع الله ضيعه الله". سنة من سنن الله الكونية الخلقية، والأمرية الشرعية، أنَّ من ضيع الله في أوامره؛ ضيعه في مستقبله، وفي علمه، وفي دراسته {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13].

وصايا لشباب الصحوة

وصايا لشباب الصحوة يا شباب الإسلام! يا دعاة الحق! يا حملة الرسالة! عندي في ختام هذه الخطبة ثلاث وصايا، ونصائح، أسأل الله أن ينفع بها:

الحرص على طلب العلم الشرعي

الحرص على طلب العلم الشرعي الوصية الأولى: أن نتوجه توجهاً صادقاً إلى مصدر التلقي -الكتاب والسنة- فنحرص كل الحرص على العلم الشرعي، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] علم قال الله وقال رسوله، التحفيظ، معرفة أين مصدرنا، أين أساس عظمتنا، أين حبلنا الممدود من الأرض إلى السماء؟ الكتاب والسنة.

نبذ الخلاف

نبذ الخلاف الوصية الثانية: نبذ الخلاف، وعدم التهميش وإطاعة الشيطان في التحريش؛ فإن هذا من الغرض الذي هدم به كياننا، وضربت به أمتنا ضربةً ما بعدها ضربة، وأن نتآلف، ونتقارب، وننسى الجفاء، ونستبدل الكلمة الفضة الغليظة بالكلمة السهلة اللينة، علَّ الله أن يجمع شملنا.

الانتباه إلى الأخطار التي تحدق بالأمة

الانتباه إلى الأخطار التي تحدق بالأمة الوصية الثالثة: أن نتنبه إلى الأخطار المحدقة، وعلم الواقع والأخطار التي تحاك ضد الأمة الإسلامية، وما أوتينا إلا من عقر دارنا، وما ابتلينا إلا من ذنوبنا وخطايانا، ويوم نسدد مسيرتنا مع الله، ويوم نحفظ الله، يحفظنا الله، ويرعانا، ويهدينا. رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، ربنا كفر عنا سيئاتنا، وتقبل منا أحسن ما عملنا فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم رد علينا مقدساتنا، وإيماننا، وعظمتنا، اللهم أعد لنا مجدنا المسلوب، اللهم ثبتنا على الحق وعلى نهج محمد صلى الله عليه وسلم حتى نلقاك، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم على رسولك الذي أرسلته للعالمين مبشراً ونذيراً، وعلى آله وصحبه، وكل من سار على منواله إلى يوم نلقاك.

أول ليلة في القبر

أول ليلة في القبر إن ذكر الموت والقبر وما فيهما من الأهوال العظام، والأحوال الجسام، قد أقض مضاجع الصلحاء، وأبكى الأتقياء والعلماء، سيما تذكرهم أول ليلة في القبر وما فيها من الوحشة وتغير الحال، وهول المطلع وخوف سوء المنقلب؛ ولذلك سارعوا بالأعمال الصالحة رجاء حسن المنقلب والعاقبة.

هول القبر ووحشته

هول القبر ووحشته الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. فارقت موضع مرقدي يوماً ففارقني السكون القبر أول ليلةٍ بالله قل لي ما يكون ليلتان اثنتان يجعلهما كل مسلمٍ في مخيلته: ليلة وهو في بيته مع أطفاله وأهله، منعماً سعيداً في عيشٍ رغيد، وعافية وصحة، يضاحك أطفاله ويضاحكونه، مع زوجته وأقاربه، والليلة التي تليها مباشرة ليلة أتاه الموت فوضع في القبر لأول مرة يقول الشاعر العربي: فارقت موضع مرقدي يوماً ففارقني السكون يقول: انتقلت من مكان إلى مكان، وذهبت من موضع نومي في بيتي إلى بيتٍ آخر؛ فما أتاني النوم، فبالله كيف تكون الليلة الأولى في القبر حين يوضع الإنسان فريداً وحيداً إلا من العمل؟ لا زوجة ولا أطفال ولا أنيس: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]. أول ليلة في القبر؛ بكى منها العلماء، وشكا منها الحكماء، ورثى فيها الشعراء، وصنفت فيها المصنفات. أُتي بأحد الصالحين وهو في سكرات الموت، قد لدغته حية، وكان في سفرٍ فنسي أن يودِّع أمه وأباه، وأطفاله وإخوانه، فقال قصيدةً يلفظها مع أنفاسه، وتعتبر أم المراثي العربية في الشعر العربي، يقول وهو يزحف إلى القبر: فلله دري يوم أترك طائعاً بني بأعلى الرقمتين وماليا يقولون لا تبعد وهم يدفنونني وأين مكان البعد إلا مكانيا يقول: كيف أفارق أطفالي في لحظة؟ لماذا لم أستأذن أبوي؟ أهكذا تختلف الحياة؟ أهكذا أذهب؟ أهكذا أفقد كل ممتلكاتي ومقدراتي في لحظة؟ ويقول عن نفسه: يقول لي أصحابي والذين يتولون دفني: لا تبعد، أي: لا أبعدك الله، وأين مكان البعد إلا هذا المكان؟ وأين الوحشة إلا هذا المنقلب؟ وأين المكان المظلم إلا هذا المكان؟ فهل تصور متصورٌ هذا؟ قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100] كلا! آلآن تراجع حسابك؟ آلآن تتوب؟! آلآن تنتهي عن المعاصي؟! يا مدبراً عن المساجد ما عرف الصلاة! يا معرضاً عن القرآن! يا منتهكاً لحدود الله! يا ناشئاً في معاصي الله! يا مقتحماً لأسوارٍ حرمها الله! آلآن تتوب؟ أين أنت قبل ذلك؟

حزن زوجة الحسن بن الحسن على زوجها

حزن زوجة الحسن بن الحسن على زوجها قال مؤرخو الإسلام: مات الحسن بن الحسن من أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وكان عنده زوجةٌ وأطفال، وكان في سن الشباب، والموت لا يستأذن شاباً ولا غنياً، ولا أميراً ولا ملكاً، ولا وزيراً ولا سلطاناً، الموت يقصم الظهور، ويخرج الناس من الدور، وينزلهم من القصور، ويسكنهم القبور بلا استئذان. مات الحسن بن الحسن مات فجأة، ونقلوه إلى المقبرة، فحزنت عليه امرأته حزناً لا يعلمه إلا الله، وأخذت أطفالها وضربت خيمةً حول القبر -وهذا ليس من عمل الإسلام، ولولا أنَّ مؤرخي الإسلام ذكروه ما ذكرته- وأقسمت بالله لتبكين هي وأطفالها على زوجها سنةً كاملة هلعٌ عظيم، وحزنٌ بائس، وبقيت تبكي، فلما انتهت السنة أخذت أطناب الخيمة وحملتها، وأخذت أطفالها في الليل، فسمعت هاتفاً يقول لصاحبه في الليل: هل وجدوا ما فقدوا؟ فردَّ عليه هاتفٌ آخر يقول: لا. بل يئسوا فانقلبوا، ما وجدوا ما فقدوا، ما وجدوا ضيعتهم ولا وديعتهم. كنز بحلوان عند الله نطلبه خير الودائع من خير المؤدينا قال: لا. بل يئسوا فانقلبوا، ما كلمهم من في القبر، وما خرج إليهم ولا ليلةٍ واحدة، وما قبَّل أطفاله، وما رأى فتاته، لا. ولذلك هذه هي أول ليلة، ولكن لها ليالٍ أخرى إذا أُحسن العمل، قال الله جلَّ وعلا: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21]. نحن في أبها فقدنا قبل شهرٍ أو ما يقاربه شابين اثنين، من أسرتين من أسر أبها، وقع عليهم حادث انقلاب وهم سائرون في طاعة الله، فكانت اللوعة، وعزاؤنا في الله أنهما كانا شابين صالحين، مستقيمين على أمر الله، أمَّا أحدهما فكان صاحباً للقرآن والقرآن صاحبه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} هذا الشاب كان يختم القرآن كل سبعة أيام، وقال والده: كان يقوم الليل، وما أحسن قيام الليل! فلذلك خفَّت المصيبة؛ لأنه قدم على روضة من رياض الجنة إن شاء الله، وزميله الآخر كان مستقيماً على أمر الله، لا يعرف إلا المسجد، والمصحف، والرفقة الصالحة، ولكن: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62].

أبو العتاهية يعظ هارون الرشيد

أبو العتاهية يعظ هارون الرشيد أتى أبو العتاهية يقول لسلطان من السلاطين الذين غرتهم قصورهم، وما تذكروا أول ليلةٍ ينزل فيها القبر، ونحن نقول لكل عظيمٍ ومتكبرٍ ومتجبر: أما تذكرت أول ليلة؟ هذا السلطان بنى قصوراً في بغداد، فدخل عليه الشاعر يهنئه بالقصور، ويقول له: عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصور يجري عليك بما أردت مع الغدو مع البكور عش ما بدا لك سالماً، عش ألف سنة، أو مليون سنة سالماً معافى مشافى، وما تريد من طعام وشراب فهو عندك، لكن اسمع ما يقول: فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور فبكى السلطان حتى أُغمي عليه. أول ليلة في القبر، وأنا أطالب نفسي وإياكم -يا معاشر المسلمين- أن نهيئ لنا نوراً في القبر أول ليلة، فوالله لا ينور لنا القبر إلا الإيمان والعمل الصالح، فلنقدم لنا ما يؤنسنا في القبر؛ يوم ننقطع عن الأهل والمال والولد والأصحاب.

قصة ذي البجادين

قصة ذي البجادين خرج صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وفي ليلة من الليالي نام هو والصحابة، وكانوا في غزوةٍ في سبيل الله، قال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: {قمت في الليل فنظرت إلى فراش الرسول عليه الصلاة والسلام فلم أجده في فراشه، فوضعت كفي على فراشه فإذا هو بارد، وذهبت إلى فراش أبي بكر فلم أجده على فراشه، فالتفت إلى فراش عمر فما وجدته -وسط الليل- قال: وإذا بنورٍ في آخر المخيم في طرف المعسكر، فذهبت إلى ذلك النور، فإذا قبرٌ محفور، والرسول عليه الصلاة والسلام قد نزل في القبر، وإذا جنازةٌ معروضة، وإذا ميتٌ قد سجي في الأكفان، وأبو بكر وعمر حول الجنازة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول لـ أبي بكر وعمر: دليا لي صاحبكما؟ فلمَّا أنزلاه، أنزله عليه الصلاة والسلام في القبر، ثم دمعت عيناه عليه الصلاة والسلام، ثم التفت إلى القبلة ورفع يديه، وقال: اللهم إني أمسيت عنه راضٍ فارضَ عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا أخوك عبد الله ذو البجادين مات في أول الليل، قال ابن مسعود: فوددت والله أني أنا الميت}. حين سمع قوله صلى الله عليه وسلم {اللهم إني أمسيت عنه راضٍ فارض عنه} وإذا رضي الله عن العبد أسعده. وإنما هي مسائلة لمن نسي الله وأوامره وانتهك حدوده، نقول له: هل تذكرت يا أخي أول ليلة في القبر؟!

عمر بن عبد العزيز وتذكره الموت

عمر بن عبد العزيز وتذكره الموت كان عمر بن عبد العزيز أميراً من أمراء الدولة الأموية يغيِّر ثوب من ديباج في اليوم أكثر من مرة، الذهب والفضة عنده، والخدم، والقصور، والمطاعم، والمشارب، وعنده كل ما اشتهى وطلب وتمنى، ولمّا تولى الخلافة، وملك الأمة الإسلامية، انسلخ من ذلك كله؛ لأنه تذكر أول ليلة في القبر، وقف على المنبر -يوم الجمعة- فبكى وقد بايعته الأمة، وكان حوله الأمراء والوزراء، والشعراء والعلماء، وقواد الجيش، قال: [[خذوا بيعتكم، قالوا: لا نريد إلا أنت]] فتولاها، فما مر عليه أسبوعٌ أو أقل إلا وقد هزل وضعف وتغيَّر لونه، وما عنده إلا ثوبٌ واحد، قالوا لزوجته: ما لـ عمر قد تغير؟ قالت: والله لا ينام الليل، والله إنه يأوي إلى فراشي فيتقلب كأنه ينام على الجمر، ويقول: [[آه! توليت أمر أمة محمدٍ؛ يسألني يوم القيامة الفقير والمسكين والطفل والأرملة]]. يقول له أحد العلماء: يا أمير المؤمنين! رأيناك قبل أن تتولى الملك وأنت في مكة في نعمةٍ وصحة وعافية، فما لك تغيرت؟ فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، ثم قال للعالم وهو ابن زياد: كيف يا ابن زياد لو رأيتني في القبر بعد ثلاثة أيام؛ يوم أجرد عن الثياب، وأوسد التراب، وأفارق الأحباب، وأترك الأصحاب، كيف لو رأيتني بعد ثلاث، والله لرأيت منظراً يسوءك. فنسأل الله حسن العمل. والله لو عاش الفتى في عمره ألفاً من الأعوامِ مالك أمره متلذذاً فيها بكل لذيذةٍ متنعماً فيها بسكنى قصرهِ لا يعتريه الهم طول حياته كلا ولا ترد الهموم بصدرهِ ما كان ذلك كله في أن يفي فيها بأول ليلةٍ في قبرهِ والله لو عاش ألف سنة وما طرقه همٌ ولا غمٌ ولا حزن، والله لا يفي بأول ليلةٍ في القبر، ووالله لننزلنَّها جميعاً.

القبر أول منازل الآخرة

القبر أول منازل الآخرة فيا عباد الله! أسأل الله لي ولكم الثبات، ماذا أعددنا لضيافة تلك الليلة، يقول رسولنا عليه الصلاة والسلام: {القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار}. كان الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه إذا شيع جنازة بكى حتى يُغمى عليه؛ فيحملونه كالجنازة إلى بيته، قالوا: ما لك؟ قال: سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {القبر أول منازل الآخرة، فإذا نجا العبد فيه أفلح وسعد، وإذا خسر -والعياذ بالله- خسر آخرته كلها}. والقبر روضةٌ من الجنان أو حفرة من حفر النيرانِ إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

التهيؤ للقبر بالعمل الصالح

التهيؤ للقبر بالعمل الصالح الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر أتيت قبور الرؤساء والمرءوسين الملوك والمملوكين الأغنياء والفقراء، فناديتها: أين المعظم والمحتقر؟ تفانوا جميعاً فما مخبرٌ وماتوا جميعاً ومات الخبر فيا سائلي عن أناسٍ مضوا أما لك في ما مضى معتبر تروح وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور أرأيت أن قبراً مُيِّز عن قبر؟! أأنزل الملك في قبرٍ من ذهبٍ أو من فضة؟! والله لقد ترك ملكه، وقصوره، وجيشه، وكل ما يملك، ولُبِّس قطعة من القماش كما نلبس، وأنزل التراب. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا

صور من العاملين للآخرة

صور من العاملين للآخرة كثيرٌ من الناس علموا بالقبر وأول ليلةٍ فيه فأحسنوا العمل، ولذلك تجدهم متهيئين دائماً، يريدون الله والدار الآخرة، ثبتهم الله في الليل والنهار، يترقبون الموت كل طرفة عين. خرج رجلٌ من الصالحين، وشيخٌ من المشايخ -أعرفه- من مدينة الرياض يريد العمرة بزوجته وأطفاله، وكانت زوجته صائمة قائمة ولية من أولياء الله، وفي تلك السفرة حدث شيء غريب وهو أنها ودعت أطفالها، وكتبت وصيتها، وقبَّلت أطفالها وهي تبكي؛ كأنه ألقي في خلدها أنها سوف تموت {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62] ذهب واعتمر بزوجته وكان هو وإياها في بيتٍ أُسس على التقوى، إيمانٌ وقرآنٌ، وذكرٌ وصيامٌ، وقيامٌ وعبادة، لا يعرفون الغيبة ولا الفاحشة ولا المعاصي، ولما رجع قطع طريق الطائف إلى الرياض فأتى الأجل المحتوم إلى زوجته {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:6 - 7] ذهب إطار السيارة فانقلبت، فوقعت المرأة على رأسها، لكنها إن شاء الله شهيدة {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16] وخرج زوجها من الباب الآخر ووقف عليها، وهي في سكرات الموت، تقول: لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله، الله الله الله وتقول لزوجها: عفا الله عنك، اللقاء في الجنة، بلغ أهلي السلام {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21]. إي والله: أسأل الله أن يجمع تلك الأسرة في الجنة، وأن يجمعنا وأحبابنا وأقاربنا في الجنة. بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا عاد الرجل وحده إلى الرياض، ودخل بيته، واستقبله الأطفال، وكان قد دفن زوجته وأتى بلا زوجة حياةٌ سهلةٌ وبسيطة، ولكن الموقف المرعب أن إحدى أطفاله، قامت تقول: أين أمي؟! قال: سوف تأتي، قالت: لا والله لا بد أن أرى أمي، وانهار الرجل، وقال لتلك الطفلة: سوف ترينها -بإذن الله- في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، يعمل لها العاملون، ليست كدنيانا الحقيرة السخيفة التي يعمل لها الذين لا يريدون الله والدار الآخرة {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]. فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهبٌ والمسك طينتها والزعفران حشيشٌ نابت فيها يا إخوتي في الله! يا شيخاً كبيراً احدودب ظهره ودنا أجله! هل أعددت لأول ليلة؟ يا شاباً متنعماً غرَّه الشباب، والمال والفراغ، هل أعددت لأول ليلة؟ إنها أول الليالي، وإنها إما أول ليلةٍ من ليالي الجنة، أو أول ليلةٍ من ليالي النار. عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، وصلوا على أصحابه وترضوا، وعلى أحبابه. أسأل الله لي ولكم الرضوان والسعادة في الدنيا والآخرة، وأسأل الله أن يصلح ولاة الأمر، وأن يهديهم سواء السبيل، وأسأل الله أن يصلح شباب الإسلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويكفر عنهم سيئاتهم، ويهيئهم بعملٍ صالحٍ لأول ليلة من ليالي القبر. أسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت، ولا يُظْلِمَ أبصارنا وبصائرنا، ولا يجعلنا قوماً انحرفوا عن منهج الله، وابتغوا معاصي الله، وغفلوا عن آيات الله؛ فعموا وصموا، وظلوا وابتعدوا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

إخاء غير مفتعل

إخاء غير مفتعل رابطة الأخوة في الله رابطة قوية لا تعادلها أي رابطة، وقد أسس الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مدرسة لتأليف القلوب، هذه المدرسة يدرس فيها مواد كثيرة تقوي رابطة الأخوة بين المؤمنين، بيّن فيها صلى الله عليه وسلم حقوق الإخاء وأمراضه. في هذا الدرس تجد بياناً مفصلاً لما سبق.

الأسباب الداعية لطرح موضوع الأخوة

الأسباب الداعية لطرح موضوع الأخوة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إنني أشكر الله الذي جمعني بكم في هذا المجلس الطيب العطر الطاهر، الذي هو من آثار الإخاء الذي أقامه محمد عليه الصلاة والسلام، ثم أشكر من كان سبباً في هذا الموسم الثقافي، ومن كان سبباً في هذا اللقاء الطيب بكم. إن عنوان المحاضرة هو: (إخاء غير مفتعل). اخترت هذا العنوان لسببين: السبب الأول: لكثرة إهمال الناس في للإخاء، ولكثرة الخطيئة بين الأصفياء. السبب الثاني: حاجتنا -بالأخص- في هذه الفترة الحرجة من فترات التاريخ، التي تتطلب منا أن نكون صفاً واحداً كالبنيان الواحد؛ يشد بعضه بعضاً، صفوفاً متراصة كصفوفنا في الصلاة. أما عناصرها فإليكم إياها: 1 - روابط الناس الأرضية. 2 - أسس رابطة السماء التي جاء بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام. 3 - مدرسة تأليف القلوب، من هم طلاَّبها وأشياخها؟ 4 - مواد هذه المدرسة وما يُدَّرس فيها؟ 5 - المنهج الربَّاني قاسم مشترك بين القلوب. 6 - مادة البذل بين الإخوة في الله. 7 - {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]. 8 - مادة حقوق الإخاء، وهي متشعبة سوف أذكرها إن شاء الله. 9 - أمراض الإخاء، وما هو سبب تصدع هذا البناء؟ 10 - الفوارق بين الصحابة وغيرهم في مبدأ الإخاء. 11 - واجبنا نحن الخلف بعد السلف في الأخوة، وما هي الإيرادات على هذا الموضوع؟ والله المستعان!

روابط الناس الأرضية

روابط الناس الأرضية أيها الناس! لما ارتحل عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة قام بإنجازين عظيمين: الإنجاز الأول: بناء المسجد للصلاة. والإنجاز الثاني: توحيد القلوب وتقويتها بالصلة مع الله. فلما بنى مسجده عليه الصلاة والسلام أسسه على التقوى، ولما ألَّف بين القلوب ألَّف بينها على التقوى، قال سبحانه: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. اجتمع الناس قبله عليه الصلاة والسلام على روابط، فمنهم من جعل رابطة الدم هي الرابطة الوحيدة التي تجمع الناس، ومنهم من رضي باللون، فمايز بين الناس؛ بين الأبيض والأحمر والأسود. ومنهم من رضي بالوطن؛ فعشق الوطن وعبده، وتغزل به وقبَّل ترابه. ومنهم من جعل الجنس رابطته. وأما محمد عليه الصلاة والسلام فأتى برابطة لا تفصم، ولا تقطع، ولا تموت، ولا تمرض؛ لأنها نزلت من العرش، من عند الرحمن الذي على العرش استوى، والله هو الذي أملك وهو الذي أنزل، فأول الرابطة والحبل عند الله، وآخر الحبل في قلوب المؤمنين، فامتن الله عليهم بقوله: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] فله الحمد والشكر أن آخى بين هذه الأمة وألف بين قلوبها.

أسس رابطة السماء التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم

أسس رابطة السماء التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم الأولى: أن التباذل فيها بفضل الواحد الأحد، قال سبحانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] فيتساقط أبو لهب وأبو جهل والوليد بن المغيرة وهو من أشرف أسر مكة، ومن أشرف بيوتات العرب، ويثبت بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي لأن الرابطة {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. الثاني: انتصار هذا الرابطة بين الدنيا والآخرة. فهي ليست رابطة أرضية ولا اشتراكية، ولا شيوعية، ولا قومية، ولا بعثية، ولا ناصرية، حدودها القبر، فهي تصل إلى القبر ثم تنتهي، أما رابطتنا فقبل القبر وفي القبر وبعد القبر، وحتى نصل إلى الله. في كفك الشهم من حبل الهدىطرفٌ على الصراط وفي أرواحنا طرف سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا فهي رابطتنا التي تصلنا بالله، ولذلك ذكر الله هذه الرابطة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يقول الله عز وجل يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي}. أين المتحابون بجلالي؟ أين أهل القلوب المتعانقة والأرواح المتآخية؟ اليوم جزاؤهم وثوابهم أن يظلوا في ظل الله يوم لا ظل للكيانات والأنظمة الوضعية، فهذه ميزة الرابطة. الثالث: أنها رابطة ذات مقتضيات ومتطلبات، القيام بها واجب، وتركها حرام منكر. ومن أتى بهذه الواجبات؟ هو محمد عليه الصلاة والسلام. ما هو ثمرات هذا الإخاء؟ أموائد المجتمع عليها؟ أم تحقيق طموحات أرضية؟ أم حكم بلد؟ أم حزب له أطماع اقتصادية؟ لا. ثمرته عقيدة، لأن الأخوة من أوثق عرى الإيمان؛ قال سبحانه: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. وعن ابن عمر موقوفاً عليه قال: [[والذي نفسي بيده! لو أنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله، وصمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، ثم لقيت الله لا أحب أهل الطاعة، ولا أبغض أهل المعصية؛ لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار]]. فأوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله، فهذه ثمرتها، وبيَّن صلى الله عليه وسلم ذلك؛ فقال كما في الصحيحين عن أنس: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ومنها: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله} لا لجنسه، ولا لأسرته، ولا لنسبه، ولا لماله؛ ولكن لأنه عبدٌ لله؛ ولأنه قريب من الله. وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كلامه عن الولاء والبراء والحب والبغض: أن هذا الحب نسبي يتجزأ، وأنك تحب هذا بمقدار قربه من الله، وتبغضه بقدر ما فيه من معصية، فقد يجتمع في الشخص الواحد حب وبغض، تحبه من جانب طاعته، وتبغضه من جانب معصيته: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3]. ولا يجوز الإسراف في البغض ولا في الحب، وهذا مذهب متطرف لايرضاه الله، وكثير من الناس يعتنقونه، حتى في صفوف طلبة العلم والدعاة، فإن رضي عن شخص غض عن سيئاته، وإن غضب على شخص ترك حسناته ونسيها، وهذا خطأ، وهناك حديث في الأدب المفرد وهو من كلام علي رضي الله عنه -ولو أن بعض أهل العلم يراه من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام- يقول: [[أحبب حبيبك هوناً ما؛ فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما؛ فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما]]. فالاعتداء في الحب يعمي عن معرفة النقص، والخطأ والاعتداء في البغض يعمي عن معرفة المحاسن، وكلا هذين الطرفين خطأ، والوسط هو المطلوب: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:213]. ولقد جعل الله عز وجل ميزاناًَ للإخاء، وميزاناً للحكم، وميزاناً للعدل بين الناس، فيما يسمى مبدأ الجرح والتعديل، فقال في العدو: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] وقال في القريب: {شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:135]. فالقريب كل القرب لا تحملك قرابته لك أن تنسى سيئاته، والبعيد كل البعد لا تحملك عداوتك له أن تنسى حسناته؛ بل العدل هو المطلوب وهو الميزان الذي أنزله الله لأفكار ومعتقدات الناس وحكمهم، وأنزل معه السيف.

مدرسة تأليف القلوب

مدرسة تأليف القلوب واعلموا حفظكم الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام مدرسة الإخاء، وكان يستعذبها هو وأصحابه، وعند الترمذي بسند حسن بمجموع طرقه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لـ عمر وهو يستأذنه للعمرة: {لا تنسنا من دعائك يا أخي. قال عمر كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما فيها}. وليس هذا من أجل الكلمة فحسب، بل لقائلها، فالذي قالها محمد عليه الصلاة والسلام؛ قالها لأحد طلابه وتلاميذه، وتواضع في جلالة قدره وقال: يا أخي! فهي أخوة الإيمان. ولما أراد عليه الصلاة والسلام أن يتزوج عائشة قال أبو بكر: {يا رسول الله! كيف تتزوجها وأنت أخي؟ -لأن أبا بكر ظن أن الأخوة الإسلامية تمنع النكاح- قال: أنت أخي وهي حِلٌ لي} فليس هناك رضاع ولا نسب، لكن هناك نسب ورضاع أعظم من النسب ومن الرضاع، وهو نسب التوحيد ورضاع الوحي، و {يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب}. قام عليه الصلاة والسلام بهذه المدرسة؛ فصار الأخ يحمل روح أخيه، وصاروا أعظم مما قال الشاعر السني الإيراني السعد الشيرازي: قال لي المحبوب لما زرته من ببابي قلت بالباب أنا قال لي أخطأت تعريف الهوى حينما فرقت فيه بيننا ومضى عامٌ فلما جئته أطرق الباب عليه موهنا قال لي من أنت قلت انظر فما ثمَّ إلا أنت بالباب هنا قال لي أحسنت تعريف الهوى وعرفت الحب فادخل يا أنا وهذه وحدة الصوفية، إنما وحدة الإيمان أن تكون أنت أخاك في مظهرك ومخبرك، وتذب عنه وتحبه وتدافع عنه، وتعيش آلامه وطموحاته.

مواد مدرسة تأليف القلوب وما يدرس فيها

مواد مدرسة تأليف القلوب وما يدرس فيها

المنهج الرباني قاسم مشترك بين القلوب

المنهج الرباني قاسم مشترك بين القلوب أما مواد هذه المدرسة؛ فإن المادة الأولى هي: مادة توحيد المنهج، فلن يجمع الرسول صلى الله عليه وسلم المتردية والنطيحة وما أكل السبع، ولن يرضى صلى الله عليه وسلم أن يدخل قبائل العرب بالعصا، أو أن يجمع بينهم بإرادةٍ اقتصادية أو أدبية أو فكرية أو حزب أو طموح أرضي إنما يجمعهم على مبدأ (إياك نعبد وإياك نستعين) {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1 - 6]. فلا تلفيق ولا ترقيع، إنما هو صفاء، يُعلِّمهم عليه الصلاة والسلام بمنهجه، ثم يجمعهم ولا يهمه الكثرة، لكن بعض الناس يجمع، ويقول: لا تأت بأمور تفرق الجمع وربما كان ما يريك أن تتركه من المرتكزات الأساسية وإنما اجمع اجمع، وهؤلاء غثاء كغثاء السيل، فالرسول صلى الله عليه وسلم بدأ يبني مجتمعاً لبنةً لبنةً: زيد مولى، وأبو بكر حر، وعلي صبي، وخديجة امرأة، ثم بنى منهم لبنات الرجال والموالي والصبيان والنساء؛ حتى اكتمل البناء: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29]. وهذا بناؤه عليه الصلاة والسلام الشامخ العظيم الذي تركه في الناس. أما التجميع على غير منهج رباني، فرأيناه في المجتمعات التي جمعت الناس على مذاهب وضعية، أو على نحل أرضية، ورأينا كيف تبددوا، بل لما دخل الناس زرافاتٍ ووحداناً، ودخلوا في دين الله أفواجاً؛ فهؤلا مسلمة الفتح لم يتلقوا تربية كتربية أبي بكر وعمر، ولا تلقوا تعاليم كتعاليم أبي بكر وعمر، فأول من فر في حنين هم مسلمة الفتح، ويقول أبو سفيان: والله لا يردنا اليوم إلا البحر. ويقول أخٌ لـ صفوان بن أمية: الآن بطل السحر، أما أبو بكر وعمر، فصمدوا في المواقف إلى آخر لحظاتهم وأنفاسهم رضوان الله عليهم؛ لأن البناء كان وثيقاً ضخماً، وكان مبنياً على تقوى من الله.

مادة البذل بين الإخوة في الله

مادة البذل بين الإخوة في الله بلغ بالصحابة الإخاء الذي أسسه محمد صلى الله عليه وسلم؛ أن يأتي سعد بن الربيع فيقول لأخيه في الهجرة والإسلام والإيمان، لا أخوة النسب، فيقول: عندي هذا المال وهذا البيت، وعندي زوجتان، أقاسمك المال، وأُطلِّق إحدى زوجاتي لتتزوجها، قال عبد الرحمن: [[بارك الله لك في مالك وأهلك دلني على السوق]]. فأي إخاءٍ بعد هذا الإخاءٍ؟ هل هي بسمة يجود بها أو جلسة أو شيء من طعام؟ المال والأهل يقاسمه وهو صادق. أبو بكر في سقيفة بني ساعدة يريد أن يُعبِّر عن هذه المشاعر، بعد أن كاد الخلاف يودي بحياة الصحابة وحياة المجتمع، وأراد الأنصار أن يكون منهم خليفة ومن المهاجرين خليفة، وهذا خطأ، فلا يستوي سيفان في غمد، فحضر أبو بكر -وكان ملهماً موفقاً مؤيداً خطيباً فصيحاً فقام يشكر الأنصار على الأيادي البيضاء وحقوق الإخاء، فقال: يأيها الأنصار! جزاكم الله عنا خيراً، واسيتم وكفيتم وآويتم ونصرتم! والله يا معشر الأنصار! ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال طفيل الغنوي في بني جعفر: جزى الله عنا جعفراً حيث أشرفت بنا نعلنا في الشارفين فزلت هم خلطونا بالنفوس وألجئوا إلى غرفات أدفأت وأظلت أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي الذي يلقون منا لملت أي إخاء هذا! الأم تمل أما الإخوة الصادقون فلا يملون، فهم على مذهب المهاجرين والأنصار.

ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة

ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ويستمر هذا الإخاء عطراً ويزداد دائماً، ويشده دائماً عليه الصلاة والسلام شداً عظيماً، فيأتي هذا الإخاء بأكله وثماره في آخر لحظة من لحظات المجاهدين في اليرموك، يُقتل أربعة من الشهداء عند خالد، فيأتي بماء بارد، فيعطيه: الحارث بن هشام أخي أبي جهل، فيرفض أن يشرب قبل ابن أخيه عكرمة بن أبي جهل، فيدفع الماء لـ عكرمة، فإذا رجل من المسلمين هناك جريح، فيأبى أن يشرب، فيعاد الماء للأول؛ فيجدونه قد مات؛ والثاني قد مات؛ والثالث قد مات، فيأخذ خالد الماء ويرمي به، ويقول: اسقهم من جنتك يا رب العالمين. قال سبحانه: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]. وهو الذي جعله عليه الصلاة والسلام سارياً في الناس حتى يجود الأخ بالنوم لأخيه، وابن القيم له كلام لطيف في مدارج السالكين قال: ومنهم من يجود بالنوم، أي: يساهر ضيفه ويسامر ضيفه فيجود بنوم مقلتيه حتى يمدحه الأول، فيقول: مُتَّيم بالندى لو قال سائله هب لي جميع كرى عينيك لم ينم لو قال له: أعطني نوم عينيك، فسيقول له: خذه. وهذه مستويات بلغها بعض الناس. لكن الخلف -حتى من الملتزمين- قد يغفلون مادة الإيثار، ويدرسون مادة الاستئثار، فنحن نعيش الآن عودة إلى الله مباركة، ورجعة في جانب الشباب، لكن مادة الإيثار ضعيفة. وهناك مادة الاستئثار، فإذا أتى الزملاء يتكلمون؛ تقدم بعضهم على بعض حتى في الفتيا، وهي من المغارم وليست من المغانم، إذا عرضت الفُتيا في المجلس تسابق الشباب وطلبة العلم أيهم يقحم نفسه ليكون مستأثراً، لكن بمغرم لا بمغنم. يقول أحد التابعين وهو يرى شباب التابعين يتسابقون بالفتيا: " والله الذي لا إله إلا هو إنكم لتتسابقون على مسائل من الفتيا لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر "، وقد كان الصحابة يتدافعون الفتيا، وقد ورد في الأثر: [[أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار]]. ومع ذلك: يستأثر أحدهم أن يُفتي، ويستأثر بصدر المجلس، ويرى أنه صدر، وأن غيره ظهر، ويستأثر في الطريق، وصدر الدابة، والمرتبة الأولى في السيارة والاحتفاء والعناق، وأن يُقدم ويُكلم بين الناس والدخول والخروج؛ ليكون رئيساً في الناس، وهذا حب الصدارة وحب الإمرة وشهوة الظهور، وهذا مرض نشكو إلى الله منه، عسى الله أن يشافينا منه. هؤلاء هم الخلف، وهذه هي مدرستهم الاستئثار، ومدرسة السلف الإيثار.

مادة البذل بين الإخوة المؤمنين

مادة البذل بين الإخوة المؤمنين وهناك مادة قررها عليه الصلاة والسلام في مدرسته: وهي مادة البذل بين الإخوة المؤمنين. وهي واجب الأخوة بين المؤمنين، وفي حديث صحيح: {أن الله -سبحانه وتعالى- يقول: وجبت محبتي للمتباذلين فيَّ، والمتزاورين فيَّ}. المتباذلون: الذين يعطي أحدهم أخاه في الله، وعند أبي داود بسند صحيح: {من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان}. مادة البذل مقررة عند العرب قبل الإسلام؛ لكنها كانت غير مهذبة ولا محتسبة الأجر من الله، لماذا ينفق حاتم رياءً وسمعةً؟ لماذا يضيف عبد الله بن جدعان؟ رياءً وسمعةً، كانت مائدة عبد الله بن جدعان لا يفارقها الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ ابن مسعود لما قتل أبو جهل تعرف جثة أبي جهل بجرحٍ في رُكبته، فإني تصارعت معه على مائدة ابن جدعان فصرعته، وهذا p=1000554>> ابن جدعان يثير العجب!! قالت عائشة كما في صحيح مسلم: {يا رسول الله! أينفع ابن جدعان إنفاقه؟ قال: لا. إنه لم يقل يوماً من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين}. وقال عدي بن حاتم كما هو عند صحيح ابن حبان: {يا رسول الله! إن أبي كان يقري الضيف، ويحمل الكلَّ، ويعين على نوائب الدهر، فهل ينفعه ذلك عند الله؟ قال: لا، إن أباك طلب شيئاً وأصابه} أي أنه طلب الذكر؛ ولذلك يُذكر حتى في القُرى والبوادي، حتى العجائز يعرفن حاتماً الطائي، فهذا جزاؤه، طلب الذكر فأعطاه الله الذكر، واسم مدرسته: مدرسة البذل عند العرب قبل الإسلام، يقول حاتم لامرأته: إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلاً فإني لست آكله وحدي من شروط حاتم: إذا أتى على مائدته ألا يقرب المائدة حتى يأتي رجل آخر يأكل معه، فإذا لم يأتِ رجل آخر ترك الغداء أو العشاء حتى يكون هو ورجل آخر. رأيت في كتب الأدب قصة عن حاتم -الله أعلم بصحتها- لا تضركم؛ لا في العقيدة ولا في الأسماء ولا في الصفات: يقولون: كانت أمه تضعه على ثديها ومعه أخ آخر من الرضاعة ماتت أمه، فكانت أم حاتم: ترضع هذا وهذا في وقت واحد، فإذا رفع أخوه من الرضاعة فمه عن ثدي أمه رفع حاتم فمه؛ لئلا يرضع حتى يرضع ذاك. يعني: مولود الكرم معه، وبعض الناس مولود معه البخل ويموت معه البخل، ومسجل عليه، ومنتسب معه، ويلحد معه، ويعيش، ويموت، وهو بخيل. قال عبد الملك بن مروان لوزرائه وهم في سمر: من تريدون أن أباكم من العرب؟ أي: من يتمنى منكم أباً غير أبيه؟ قالوا كلهم: لا نريد إلا آباءنا، قال: أما أنا فليت أبي عروة بن الورد الذي يقول: أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى بوجهي شحوب الحق والحق جاهد يقول: تضحك مني لأنك سمين وأنا نحيف، ما سبب نحفي وسمنك؟ اسمع السبب: أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى بوجهي شحوب الحق والحق جاهد أوزع جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قراح الماء والماء بارد يقول: أنت تأكل ما يكفي ستة، وأنا آكل قليلاً، أنا آكل نصف قرص، وأنت تأكل ثمانية أقراص، تضحك مني؛ لأني أُضِّيف الناس وأنت ما تضيف إلا بطنك. فإني امرؤٌ عافي إنائي شركة وأنت امرؤٌ عافي إنائك واحد يقول: أنا -دائماً- على مائدتي مائة رجل، وأنت على مائدتك نفسك فقط، فهذه مدرسة البذل، فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم لمدرسة البذل فأدخلها في مدرسته؛ لكن بتهذيب واحتساب، جعل البذل لله والإنفاق له، فأتى الصحابة بالعجائب، فتجاوزوا أكرم حاتم وهرم بن سنان وعروة بن الورد. يأتي أبو بكر بماله، فيجعله في يد الرسول صلى الله عليه وسلم كله، ويشتري عثمان بئر رومة ويجعلها للمسلمين وللأكباد الحرة، ويأتي سعد بن عبادة، فينحر في غداة واحدة مائة ناقة؛ حتى تشبع الصقور والوحوش الكواسر من أجل أن يشبع الرسول عليه الصلاة والسلام، ويأتي الفقير فإذا هو أجود من الغني. وقد أتى الرسول عليه الصلاة والسلام بالخير، فهو أجود من الريح المرسلة، لا يعرف كلمة: لا، قال مرة كما قال جابر: {أتى أعرابي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فسأله سؤالاً؟ فقال: لا، وأستغفر الله} أي أنه يستغفر الله من كلمة "لا". ما قال (لا) قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم أتاه هذا الضيف، فقال: من يضيف ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقام رجل فقير من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله! فأخذ معه الضيف وليس في بيته إلا شيء من شعير، وله أطفال وزوجة، وهذا الشيء من الشعير لا يكفي إلا واحداً، فقال لامرأته: نوِّمي أطفالنا هذه الليلة قبل العشاء وهذا هو الكرم في منتهاه، فقد أثر الضيف على أطفاله وعلى بطون أطفاله وعلى صغاره، فلن يبلغ كرَمه كرمٌ، فنومت الأطفال، وكانت امرأة تعين صاحبها على الكرم، وبعض الناس إذا أراد أن يكرم الضيوف يستشير زوجته أولاً، ويتصل بها، ويعقد معها جلسة طارئة منغلقة، ثم يحسب لها الضيوف، ومتى يأتون وكم عددهم!! فإذا صدر الإذن منها دعاهم، وهذا هو البخيل كل البخل، إذ لا داعي لاستشارة المرأة في إكرام الضيف، ويجوز للرجل أن يدعو ضيوفه بإجماع أهل العلم دون أن يستشير زوجته، إلا إذا خاف أن تكسر رأسه! المقصود: أن زوجة هذا الصحابي ذهبت فنومت أطفالها، وقال لها: إذا جلست أنا والضيف أثناء العشاء فتظاهري بإصلاح السراج ثم أطفئيه -هذه ليلة الكرم- فتظاهرت بإصلاح السراج فأطفأته، فبات الضيف يأكل، ويتظاهر صاحب البيت أنه يأكل وهو لا يأكل، فأتى الأنصاري بضيفه يُسلِّمه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أكرمه؛ فتبسم صلى الله عليه وسلم، وقال: {لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما البارحة}. فجزى الله رسول الله صلى الله عليه وسلم عنا خير الجزاء في تعليمه البذل والعطاء، وجزى الله تلكم الثلة الرائدة والنخبة المصطفاه خير ما جزى أصحاب النبي عن نبيهم عليه الصلاة والسلام.

مادة حقوق الإخاء

مادة حقوق الإخاء ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث حقوق الإخاء التناصح، وإجابة الدعوة، ورد السلام، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، وتشييع الجنازة، والدعاء بظهر الغيب، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم أمراض الإخاء.

رد السلام

رد السلام قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {إذا لقيته فسلم عليه}. ومعنى السلام: إشعاره بالسلامة، يقول سبحانه: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63]. قالوا: سلامة لكم، قالوا: ومنه اشتق السلام، فكأن المسلم يقول: سلام عليك؛ فلن ترى مني ما يؤذيك ولا ما يخوفك ولا ما يفزعك. وعند أحمد في المسند عن أبي هريرة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {إن أولى المؤمنين بالله من بدأهم بالسلام}. أي: أقربهم من الله من بدأهم بالسلام. وكان كثير من الصالحين يسبقون بالسلام من لقيهم فيقولون: السلام عليك قبل أن يوصل إليهم. وفي الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: {كنت جالساً مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فدخل رجلٌ المسجد، فقال: السلام عليكم! قال: عشر، وعليكم السلام، ودخل آخر، وقال: السلام عليكم ورحمة الله، قال: عشرون، وعليكم السلام ورحمة الله، ودخل ثالث فقال: السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته، قال: ثلاثون، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته}. لكن بعض الناس من الخيلاء هجر مدرسة السلام، فمنهم من تركها كبراً، وأكثر ما يترك الناس السلام كبراً، ولذلك من بذل السلام، ومن تبسَّم -في حقوق كثيرة ذكرها الغزالي - وحلب شاته، ورقع ثوبه، وكنس بيته؛ فقد برئ من الكبر. تجد كثيراً من الناس إذا سلَّمت عليه؛ كأنك تسحب منه الرد سحباً؛ لأنه من فصيلة أخرى، ويعد بعض الناس من الحيوانات الأليفة، بل بعضهم لا يقوم لك أبداً؛ ليس اتباعاً للسنة لعدم القيام؛ بل كبراً وعتواً؛ وإذا صافحته صافحك برءوس أصابعه شُلت أصابعه! وهذا من جهله بسنة محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من تركها جهلاً واستبدل مكانها كلمات ليست واردة كأن يقول: صباح الخير، وأهلاًَ وسهلاً. قال البخاري في الأدب المفرد: (باب: قول الرجل مرحباً بك) ثم ذكر أن عدي بن حاتم وصل إلى عمر فقال لـ عمر: مرحباً بك! (باب: قول الرجل مرحباً بفلان) وذكر حديث أم هانئ: {مرحباً بـ أم هانئ}. وقال عمر: حياك الله من معرفة. وهذه تأتي كلها بعد السلام الشرعي الذي سنه عليه الصلاة والسلام. وأفضل الإيمان أن تقرئ السلام على من تعرف ومن لم تعرف، تسلم على الناس -جميعاً- الذي تعرف والذي لا تعرف من المسلمين. ومن علامات خواء الأمة: العبث والتلوث الفكري وعدم اعتزازها بأصالتها؛ فإنك تجد -الآن- بعض الناس المتأثرين بالمستعمر يحيونه أكثر مما يحيون المسلمين، وألحظ الناس -الآن- إذا رأوا الخواجة يكون الاستعداد والتحية وإعطاء اليد والبسمة، وإذا رأوا المسلم فكأنه أمر عادي عندهم، وهذا من قلب المفاهيم، وسوف يكون لنا تعريج على هذا.

إجابة الدعوة

إجابة الدعوة من مادة حقوق الإخاء شعبة: إجابة الدعوة؛ لا طمعاً في الطعام، ولكن حباً في الصلة والوئام، وربما كانت زيارات الخلف إزهاقاً للأوقات لا لطلب القربات، فزيارات الناس -الآن- في الغالب فقط تضييع وقت، وأكثر زيارات الشباب وحتى الملتزمين على غير جدوى العمل، وعلى غير ترتيب سابق، وعلى غير استفادة من الوقت، فتجده يدخل عليه في وقت فجأة، وهذا غير مستعد وهذا غير معد لفائدة، فينهي عليه وقتاً طويلاً من صلاة العصر إلى صلاة المغرب، ثم يقومان عن هذا شذر مذر، فما جرى في الحياة؛ تزوج فلان وطلق فلان ومات فلان وعاش فلان!! وهذا حديث عوام الأسواق، وحديث السقطة من الناس، ولا تليق بمن يريد أن يُقدِّر وقته، وقد سبق أن شيخ الإسلام ابن تيمية ألف كتاب التدمرية من بعد صلاة الظهر إلى صلاة العصر، كتاباً كاملاً قرر في كلية أصول الدين، في السنة الأولى فما فهمه الطلاب ورسبوا بعد أن قرءوا هذه المادة؛ لأنها تُدِّمر كل شيء باطل بأمر ربها، فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنهم. أيها الإخوة! إجابة الدعوة عند بعض المتأخرين تعتمد على الوجاهات والواسطات، فبعضهم لا يجيب إلا وجهاء وأغنياء الناس ومن له مكانة أرضية ودنيوية فقط، وأما الفقراء والمساكين؛ فيعتذر بالأشغال وبالالتزامات، وهذه ليست من مادة الإخاء عند محمد صلى الله عليه وسلم، لكنك تجدها عند أهل الأرض.

عيادة المريض

عيادة المريض عيادة المريض لتخفف عنه آلامه ويبث إليك همومه وأحزانه، وما أحسن المسلم إذا عاد أخاه المسلم! فقد ثبت في الصحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يقول الله يوم القيامة: يابن آدم جعت فلم تطعمني! قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن فلان بن فلان جاع فما أطعمته؟ أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يابن آدم مرضت فلم تعدني! قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فما عدته؟ أما إنك لو عدته لوجدت ذلك عندي}. ما أحسن الزيارة! زار النبي عليه الصلاة والسلام كبير السن، وزار الصبي، وزار الأعرابي، وزار الفقير والغني، زار أعرابياً فرأى عليه الحمى تهزه هزاً، فقال عليه الصلاة والسلام: {لا بأس طهور -أي أن هذا المرض يطهرك من المصائب- فغضب الأعرابي فقال: تقول طهور، بل حُمّى تفور على شيخ كبير، تزيره القبور، قال: فنعم إذن} إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم؛ أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتفاءل وأبى الأعرابي. عيادة المريض لها أدب وأهمل فيها المتأخرون، يقول الأول: مرض الحبيب فزرته فمرضت من جزعي عليه وأتى الحبيب يزورني فشفيت من نظري إليه وهذه من أبلغ وأحسن ما قيل في هذا، وأحياناً الأرواح ترتاح لرؤية المحبين والأحباب إذا زاروها، وبعض الأرواح السليمة تمرض من زيارة بعض الناس، يقول ابن القيم في بدائع الفوائد: رأيت ابن تيمية رحمه الله وقد تثاقل من رؤية أحد الثقلاء وجلوسي معه، ثم التفت إليَّ بعد أن عجز صبره، وقال: الجلوس مع هؤلاء حمى الربع، وحمى الربع أي: التي تقتل وليس لها علاج، وهؤلاء أهل البدع والخرافيون وثقلاء الناس وأهل البطون، الذين يغضبون لبطونهم أكثر من غضبهم لمبادئهم، ويغضبون لسياراتهم ووظائفهم وأحذيتهم أكثر من غضبهم لإياك نعبد وإياك نستعين. كان الأعمش إذا رأى ثقيلاً مقبلاً، قال: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان:12]. وقال الأعمش: ما جلس إليَّ ثقيل بجانبي إلا ظننت أن الأرض تميل بجانبه -الكرة الأرضية كأنها تميل- وهؤلاء الثقلاء الذين لا يعرفون وقت عيادة المريض، فيأتونه في الساعة الثانية عشرة ليلاً، ولا يعرفون التحدث معه في حديث يشفي المريض، فيقولون: ما مرضك؟ قال: الزكام، قالوا: مات فلان بالزكام، وماتت فلانة بالزكام، وما أصيب أحد بالزكام إلا مات، أحسن الله عزاءك بروحك وألحقنا الله بك عن قريب، وجمعنا الله بك في دار كرامته!! غسلنا أيدينا منك، فهذا ليس من الآداب. ومنها كذلك: التطويل، فإن بعض الناس يبقى حتى ينتهي الكلام، فيعل العليل بزيارته، فلا يخرج حتى يقول المريض، ويرفع يديه: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر. ولذلك لا تريد أن تلقاه. قرأت أن الأعمش كتب مرضه في ورقة فكان الناس كلما سأله مريض ما مرضه؟ أخرج الورقة، وقال: اقرأ، لأن بعض الناس يسألك: متى بدأ المرض معك؟ وما هي أعراضه؟ وماذا تجد؟ ومن ماذا منعك الطبيب؟ محاضرة كاملة وسجل التحقيق مفتوح. فمعاذ الله أن نكون ثقلاء! ولينتبه الإنسان إذا زار أن يخفف، فالزيارة ليست كل يوم ولكن كل ثلاثة أيام زيارة لا بأس بها. وبعض الأمراض قال ابن عبد البر في أنس المجالس: لا يزار من فيه بعض الأمراض مثل الزكام، أو مرض الركبة، أو الرمد، هذا لا يزار منها، إنما يزار من أمراض محددة معروفة.

النصح في الله

النصح في الله إذا استنصحك فانصحه، وهي: النصيحة الواجبة، وهي النصيحة التي لا تقوم الأمة إلا بها، وهي ميثاق الأخوة، ودستور الأحباب، ولسان حال الناصح يقول: وأنصح لكم، وهتافه الخالد يقول: وأنا لكم ناصح أمين، فالمؤمنون يتناصحون والمنافقون الأدعياء يتفاضحون. قال علي: [[المؤمنون نصحة والمنافقون غششة]] وقد قلَّ الناصح، ومن نصح اتهم واستثقل، وظن أنه لا يريد الحق واتهم في نيته وفي غرضه. ومن علامات الناصح: أنه لا يجر نفعاً لذاته وحده ولا لشخصه، لكنه لأمته ولبلده، يريد الخير فينصح، ولا بد للأمة من ناصح، ويوم تموت النصيحة تموت الأمة. بايع جرير بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشترط عليه: {والنصح لكل مسلم}. وأما طمس المعايب وإخفاؤها ودفنها دون أن تبين، فهو النفاق بعينه الذي لا يرضاه الله، ويوم يسكت الناطق بالنصيحة في الأمة تموت هذه الأمة وتنتهي. يقف عمر بن الخطاب على المنبر يريد من ينصحه، فيقول: أيها الناس! ماذا ترون لو أني ملت عن الطريق هكذا؟ أي: عن طريق إياك نعبد وإياك نستعين، عن العدل، عن اهدنا الصراط المستقيم، فقام أعرابي من آخر المسجد، بسيف فسله أمام عمر، وقال: والله يا أمير المؤمنين! لو رأيناك ملت عن الطريق هكذا، لقلنا بالسيوف هكذا، فقال: اجلس بارك الله فيك! الحمد لله الذي جعل في رعيتي من لو ملت عن الطريق هكذا قالوا بالسيوف هكذا، وهذا هو الحوار، وهذه هي النصيحة، وهذه هي الكلمة القوية، وهذه شجاعة أهل الإيمان، وهذه هي المادة التي أسسها محمد صلى الله عليه وسلم وهي أن تنصح له.

تشميت العاطس وتشييع الجنازة والذب عن عرض الأخ

تشميت العاطس وتشييع الجنازة والذب عن عرض الأخ ومنها: تشميت العاطس وتشييع الجنازة -وهو أمر لا يخفى عليكم- والذب عن عرض أخيك إذا انتُهك، إذا تدافع أذناب العلمنة والمنافقون والحداثيون بعضهم يذب عن بعض، ويتحامون كما تتحامى القردة، فأولى الناس بالمحاماة أهل (لا إله إلا الله) الساجدون المصلون؛ أن يشبه أحدهم أسداً هصوراً في المسجد، إذا تعرض لسياج الدعاة وطلبة العلم والأخيار والصالحين وشباب الإسلام؛ فإن معنى التعرض لأولئك هو التعرض لك أنت، والتنديد بك وبمبادئك، والتكلم فيهم هو التكلم فيك أنت، ومن تكلم في أخيك الذي تجمعك به روابط الإخاء تكلم فيك مباشرة ولا نرضى: فإما أن تكون أخي بحق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني انتهاك الحرمات تناول الأعراض اتهام النيات، واجبنا جميعاً أن ندافع، ومن رضي وسكت في مجلس، يجب أن يذب فيه عن عرض أخيه المسلم خذله الله في مجلس يريد أن ينتصر فيه، وهؤلاء المخذولون صنف من الناس، يرون السيئات ويرون العثرات، وينسون محاسن أهل الفضل والخير ويطمسونها، ويتهمون هؤلاء في مسارهم وفي نياتهم.

أمراض الإخاء

أمراض الإخاء للإخاء أمراض قد تعتريه، قد يمرض أو قد يموت، منعها محمد صلى الله عليه وسلم وأقام وقاية دونها، فقال عليه الصلاة والسلام: {لا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ولا يسلمه، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه}.

الحسد

الحسد الحسد الذي يستشري ويشتعل بين الأقران، وهو داء لا تُطفئه إلا تقوى الله، وما خلا جسد من حسد. قيل: للحسن البصري: أيسلم أحد من الحسد؟ قال: أين أنت من إخوة يوسف؟ حسدوا أخاهم وهم أنبياء، قال: فماذا أفعل؟ قال: إذا حسدت فعمِّه. أي: عمه في باطنك ولا تتكلم بآثار الحسد، تطعن في عرض أخيك، ولا تُؤذه بفعل غير مسئول منك، والإنسان يُدخله الحسد ولكن لا يبغي ولا يؤذي، وليتق الله في أخيه المسلم.

التهاجر

التهاجر ومن أمراضها كذلك: التهاجر، يقول عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم: {لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام} ثلاث ليالٍِ فقط حتى يذوب الغيظ، ثم تعود إلى أخيك المسلم {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]. أذكر قصة ذكرها ابن كثير وغيره من أهل العلم يقول: كان لـ معاوية -وهو خليفة ملك في الشام - مزرعة في المدينة بجانب مزرعة عبد الله بن الزبير، وكان بينهما شحناء، فدخل عمال معاوية مزرعة ابن الزبير، فكتب ابن الزبير من المدينة: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن الزبير إلى ابن آكلة الأكباد - أي: معاوية، وهند هي التي أكلت كبد حمزة - أما بعد: فقد دخل عمالك مزرعتي، فإن لم تنههم عن ذلك؛ فلي ولك شأن. رجل من الرعية يُهدد الملك، فوصل الكتاب إلى معاوية وكان حكيماً حليماً في أعلى درجات الحلم، فعرض الكتاب على ابنه الطائش يزيد بن معاوية، الذي سئل عنه الإمام أحمد: هل نروي عنه؟ قال: وهل مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر يروي عن يزيد؟! وقال: لا نسبه ولا نحبه. فعرض عليه الرسالة، وانظروا رأي البطانة الهائجة، البطانة غير المسئولة التي تلقي بالكلمات على عواهلها لا تقدر للأمور قدرها ولا تعي المسئولية. قال: أرى أن ترسل جيشاً يأتيك برأس ابن الزبير أوله في المدينة وآخره عندك، قال معاوية: بل أحسن من ذلك صلةً وأقرب رحماً. فأرسل إليه معاوية وقال: بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن الزبير ابن حواري رسول الله، وابن ذات النطاقين، أما بعد: فإذا جاءك كتابي هذا فخذ مزرعتي إلى مزرعتك، وعمالي إلى عمالك، فلو أن الدنيا بيني وبينك لكانت هينة سهلة أو كما قال. فأتى ابن الزبير إلى الشام، ودخل دمشق ودخل على الخليفة وقبَّل رأسه، وقال: لا أعدمك الله عقلاً أحلك هذا المحل. هذا الإخاء والوداد والحلم والصفح، ويفعله أتباع محمد صلى الله عليه وسلم في كل زمان ومكان.

نصرة المسلم

نصرة المسلم أما معنى: لا يسلمه: أي: لا يتركه بلا نصرة، بل يقف بجانبه، ليس في الدنيا: نفسي نفسي!! بعض الناس إذا أُصيب إخوانه تخلَّى وتركهم في معمعة الخطر، وفي معترك الفتنة، وحاول أن ينجو بنفسه، وهذا خطأ، الذي يرى أنه سوف يسلم نفسه، والأمة تعيش عراك، وطلبة العلم في الأمة ودعاة الأمة يعيشون فتنة تمسهم في معتقداتهم وفي دينهم وأعراضهم وتطلعاتهم ثم يريد أن ينجو، لا نجَّاه الله ولا سلَّمه، أين أخوة إياك نعبد وإياك نستعين؟ أين أخوة أمة واحدة؟ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10].

سوء الظن

سوء الظن واعلموا حفظكم الله! أن من الأمراض التي حذَّر منها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام مرض سوء الظن، والله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12]. الظن أم المعايب وأم التهم، وما وجد في قلب إلا خرب علاقته مع الناس، يقول أبو الطيب المتنبي وهي من أحسن أبياته، يقول: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدّق ما يعتاده من توهم وعادى محبيه بقول عداته فأصبح في ليل من الشك مظلمٍ وتجد الإنسان إذا ساء فعله؛ ساءت ظنونه بالناس، السارق يتهم الناس بالسرقة، والكاذب يتهم الناس بالكذب، أما الصادق فلا يسيء ظنه، والثابت على مبدأ لا يسيء الظن، وأكثر ما ينشر القالة بين الناس وبين الإخوة سوء الظن والعياذ بالله، فهم يُشككون في نيات الناس، وفي تحركاتهم، وفي كلامهم، وفي أفعالهم، ولا يطلِّع على النيات إلا الله عز وجل. سبحان الله! تبرئ موقفك أنت وتتهم نيات الناس! وليسوا هم أناساً عاديين؛ لكن من خيرة الناس صفوتهم الناس فيما يراه الناس، والله أعلم والنيات عند الواحد الأحد، لكن إذا رأيت الإنسان يتهم نيات الناس التي لا يطلَّع عليها إلا الله فهو متهم أيضاً (كاد المريب أن يقول خذوني!!).

الغيبة

الغيبة ومن أمراض الإخاء -أيضاً- الغيبة، وهي فاكهة المجالس، وهي الأطروحة المعروضة، والبضاعة الرخيصة، والبز المنشور في أسواق الذين ابتعدوا عن معالم (إياك نعبد وإياك نستعين) ولكن ترى الناس حتى طلاب العلم لا يغتابون حتى يبرروا لأنفسهم ويفتوا أنفسهم، يقولون: أستغفر الله! أنا ما اغتبته لكني أخبرت بما فيه. ويقول أحدهم: أجرح والجرح والتعديل وارد عند أهل السنة لمصلحة الدعوة، والدعوة تقتضي أن تعرف صديقك من عدوك، والدعوة يوم تنطلق من أطر، وتنبثق في بوتقة؛ ترتكز على مرتكزات أن تعرف صديقك من عدوك، فتذُبح الأعراف، وتُستحل القيم، ويُغتاب الأخيار، بدبلجة الشيطان لهذا المبدأ. يا أيها الضعيف المسكين! الجرح والتعديل ليس لي ولك، لـ يحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري والنسائي الذين حفظوا السنة، أما أنا وإياك فلم تحفظ من السنة إلا حديث: {إنما الأعمال بالنيات}!! أولئك حفظوا السنة بواسطة الرجال فجرحوهم وعدلوهم. نعم! لنا أن نجِّرح ونُعدِّل لكن من ظهر لنا فجوره وخبثه؛ وكشف الله ستره، وعرفنا أنه عدو للإسلام، أما مسلم -في الجملة- متستر بستر الله، ظاهره الخير، فننبش عنه، متى كنا أوصياء لله على خلقه؟ متى جعل الله -سبحانه وتعالى- عندنا علم الغيب، نطلع على نيات الناس؟ هذا -والله العظيم- هو الردى. بعض الناس يسكت عن المحاسن وينبش المساوئ، ذكر الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في كتاب طريق الوصول إلى العلم المأمول نقلاً عن ابن تيمية كلمة رائدة، يقول: بعض الناس مثل الذباب لا يقع إلا على الجرح. تجد أناساً في المجتمع يجدك سليماً معافىً، عليك ثوب أبيض، متطيب متعطر، هذا الذباب يترك الثوب الطيب المتعطر، ويبحث في جسمك عن جرح فيقع عليه. كثير من الناس ينظر إلى الحسنات، فتنطمس عينه وتعمى حتى يجد سيئة فيضخمها ويكبرها: وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا فالله المستعان!

الفوارق بين الصحابة والمتأخرين من الناس في مبدأ الإخاء

الفوارق بين الصحابة والمتأخرين من الناس في مبدأ الإخاء الأول: أن الصحابة أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، فالقرب والرحمة واللطف والصلة والتواضع للأخ المسلم، والقوة والغلظة والمواجهة للكافر المعتدي، وحثالة المتأخرين قلبوا الأمر؛ فصلفٌ، ونقد لاذع، وقذاعة وبذاءة، وهجوم، واعتراض على الإخوة، وملاينة، واستخذال، وتبعية، وعبودية للمجرم الأثيم. الثاني: أن الصحابة حمل بعضهم السيف على أبيه الكافر وقطع رأسه؛ لأنه قطع صلته بالله، وهذا الصحابي -نفسه- يصل الحبل مع الباحث عن الحقيقة من أرض الحبشة بلال، وسفير فارس إلى أرض التوحيد سلمان، ووافد الروم إلى مهد القداسة صهيب، فخلف من بعدهم خلف من الحثالات، أصبح الواحد منهم عسيفاً للخواجة، عبداً للمستعمر، جزمة للأجنبي، مولى للبعيد وعكازاً له، ثم هو نفسه ليث على إخوانه، مقدام على طلائع التوحيد، نار تلظى على شباب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يطالب بعد سقوط حقوق الإخاء ويعتدي علينا أننا أضعنا معه الصفاء، أتدرون ما هو مجلسه؟ هجوم!! لكن غير أدبي، ولذع فادح على من؟ تعلم أن بعض الناس إذا جلس فإن مادة السمر عنده أن يستهزئ بالصالحين وباللحى، السبب أن محمداً صلى الله عليه وسلم أتى باللحى، وهو الذي رفع رأسه من الطين، محمد صلى الله عليه وسلم الذي حرره من عبودية الأصنام، وهو الذي أعطاه الدنيا: بلاد أعزتها جنود محمد فما عذرها ألا تعز محمدا ويستهزئ بالثوب القصير، التطرف عنده هم الشباب المهتدي -والصلف: الشباب المهتدي- الطيش: الشباب المهتدي- الهوس الشباب المهتدي أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ضميمة أبي بكر، مدرسة عمر، مسيرة صلاح الدين، جامعة ابن تيمية، مظلة أحمد بن حنبل ومعهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب كل هؤلاء يدخلون، في مدرسة التطرف والصلف، فمن أين ورث هؤلاء مواقفهم؟ لكن انظر في الجانب الآخر! انظر مع أعداء الله، الاستخذاء، العمالة، الخيانة، الملاينة، المصافاة، العبودية، فسبحان الله رب العالمين! قطعت ودادي ظالماً وجبهتني وأغريت بي الأعداء من كل جانب وطالبتني حق الأخوة عاتباً دهتك الليالي أنت نار التعاتب فنسأل الله أن يُصلح منا الظاهر والباطن، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103]. أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، وأساله أن يجمع شملنا، وأن يوحد كلمتنا، وأن يتولانا بعين رعايته، وأن يحفظنا وإياكم من كل مكروه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة شاب عاد إلى الله

نصيحة شاب عاد إلى الله Q أنا شاب ضاع من عمري سنوات وسنوات وهأنا عدت إلى الله رب العالمين وتبت إليه، وهذه أول محاضرة أحضرها، ولكني أخاف أن أعود إلى الطريق القديم، فما نصيحتكم لي جزاكم الله خيراً؟ A الحمد لله، قبل أن أجيب على هذا السؤال، وصلتني ورقة من بعض الإخوة أنني لاحظت على عبد الله بن الزبير وعلى يزيد بن معاوية، وقال: استغفر لهما. أقول: أما عبد الله بن الزبير فأنا أستغفر له، أما يزيد بن معاوية فصاحب الورقة يستغفر له، وما أظن أني لاحظت على عبد الله بن الزبير ملاحظة تستحق، وأنا أتقرب إلى الله بحبه، وقد علق الذهبي على مطالبته، فقال: أعوذ بالله من طلب الملك، أو كلمة نحوها! فليُعاد إليها في سير أعلام النبلاء، وليس هؤلاء بمعصومين، ولو أننا نتقرب إلى الله بحبهم، وندافع عنهم، ونذب عنهم، وما أظنني جرحت ابن الزبير جرحاً، وأما يزيد بن معاوية فإن شئت أن تذب عنه، وتستغفر له فأنت وذاك. أما السؤال الذي سأله الأخ فهذا يتكرر كثيراً! أولاً: أُرحب بهذا الشاب الذي حضر هذه الليلة، وأسأل الله أن يجمعنا به في دار الكرامة وهنيئاً له. سبحان الذي أعتقه من ذل المعصية ومن رق العبودية لغيره! وأدخله في هذا المكان الطيب الطاهر، فإن هناك جموعاً أكثر من هذه الجموع، لكن تجتمع على معاصي وضياع وأمور مظلمة، والآن هذا وقتك أن تجتمع مع أحبابك في الله عز وجل، هذه ليلتك الأولى ليلة الميلاد: هي ليلة فيها ولدت وشاهدي فيما ادعيت الشمس والمريخ فليلتك هذه من أحسن الليالي وهي ليلة الميلاد. يقول أحد الفضلاء: لا بد للإنسان من ميلادين اثنين: الميلاد الأول يوم ولدته أمه باكياً فقيراً عارياً، فوقع على الأرض، فبكى من أنه خرج من السعة إلى الضيق، وخرج من العدالة إلى الظلم: ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا ثم أن تولد مع الشريعة، وأن تولد ميلاداً مع الوحي، وأن تولد من جديد في الهداية، فهذا الميلاد الثاني هو المذكور، قالوا: وللإنسان أبوان اثنان: الأب الجثماني والأب الروحاني، فالأب الجثماني أبوك الذي أعطاك الحليب والخبز والفاكهة، والأب الروحاني هو محمد عليه الصلاة والسلام الذي أتى بالوحي، وفي قراءة أبي، يقول سبحانه وتعالى: {وزوجاته أمهاتهم وهو أب لهم} هكذا قرأ أبي وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: وهو أب لهم. وفي حديث صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إنما أنا أب لكم أعلمكم} ثم علمهم بعض أمور التطهر والتطيب عليه الصلاة والسلام. فأنت -الآن- أيها المولود الجديد بدأت عالم الهداية، فاحذر أن تعود من النور إلى الظلمات، وعليك بأمور: أولاً: أكثر من الدعاء والاجتهاد أن يثبتك الله. الأمر الثاني: جاهد في النية أن تثبت {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69]. ثالثاً: آخِ الصالحين وجالسهم. رابعاً: اقطع علاقتك بزملائك الأوائل أهل المعاصي وأهل الإسراف والإعراض عن منهج الله؛ فإنهم الذين يصدونك عن الطاعة، ويقفون في طريق الأنبياء والرسل بالمرصاد.

الإسراف في الحب

الإسراف في الحب Q تعرفت على شخص شاب فأحببته في الله؛ حتى أصبحت أفكر فيه حتى في الصلاة، وأغار إذا رأيته يمشي مع أحد غيري. فهل هذا الحب مذموم أم ممدوح؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً! A ورد في المحاضرة كلام عن: [[أحبب حبيبك هوناً ما]]. والإسراف في مسألة الحب هو أن يتعدى إلى غير ما وضع له، وهو ثمرة التعاون على طاعة الله عز وجل والدعاء للأخ، والذب عن عرضه، والسلام إذا لقيته، وإجابة دعوته والنصيحة، إذا تعدى إلى غير هذه المواصفات والضوابط، فهو حب مدخولٌ فيه، فأعيذك ونفسي بالله من الشيطان الرجيم أن يكون الحب لغير منهج الله، فبعض الناس ركَّب هذا الحب سُلماً إلى بعض الأغراض الشيطانية، وإلى بعض الشبه والشهوات التي ألقاها الشيطان في قلبه، وليس مقصوده الحب في الله عز وجل حتى دخل الشيطان من هذا الباب. وقد ورد هذا عند الناس حتى تجد بعضهم يقول: أحب تلك المرأة في الله، وما سمعنا أن أحداً من السلف يقول: أحب أجنبية في الله، وهي كذلك تبادله الشعور، وتقول: أحبك في الله. ولا بد للإنسان أن يضبط كلامه وعباراته، وأن يضبط نيته، وأن تكون خالصة لوجه الله عز وجل، فإن الله عز وجل ذكر قوماً أتوا بأمور لكنها لم توافق الشريعة، فكانت سبباً لشقاوتهم، قال سبحانه: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27]. فمقاصدك ونياتك وأعمالك ارعها حق رعايتها؛ حتى تكون خالصةً لوجه الله سبحانه وتعالى.

حقيقة الإخاء المفتعل

حقيقة الإخاء المفتعل Q قد ذكرتم جزاكم الله خيراً الإخاء غير المفتعل، فماذا عن الإخاء المفتعل؟ A نعم. أنا ذكرت متضادات في المحاضرة، فإذا ذكرت الإيجابية ذكرت معها السلبية، فالإخاء المفتعل هو إخاء المتأخرين من الخلف، وأخص منهم الحثالات الذين يتآخون على المجاملات، تجدهم يتهيجهم اللعن، فأول ما يلقاه يلعنه، وتجد أُخوتهم إما على المطاعم أو المشارب أو على مصالح مشتركة، أو يتوجهون لأفكار خاصة، أو مناهج معينة تخالف منهج الله سبحانه وتعالى، والله تعالى يقول فيهم: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14]. اجتماعهم وذهابهم وإيابهم وجلوسهم في الظاهر، لكنه من داخل منخور، فيه سوس، وفيه نار تتلظى، وهي نار البغضاء! ولذلك تجد بعضهم يغتاب ذاك بعد أن يُولِّي، وإذا لقيه يقسم له الأيمان المغلظة أنه يحبه أحب من نفسه، فإذا ذهب لعنه في قفاه، وهؤلاء إخاؤهم مفتعل، إنما هو وقتي، وسوف ينهار؛ لأنه لم يؤسس على تقوى من الله ورضوان، وكل شيء لغير الله آخره الدمار: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17].

بغض الدعاة لبعضهم البعض

بغض الدعاة لبعضهم البعض Q كما تعلم يا فضيلة الشيخ! أنه يوجد في الساحة كثير من الناس يدعون إلى الله عز وجل، وإن اختلفت آراؤهم؛ ولربما أبغض أحدهم الآخر. فما رأيكم في هذا وجزاكم الله خيراً؟ A أولاً: لم يتركنا صلى الله عليه وسلم هملاً بغير إرشاد لمنهج، بل جعل صلى الله عليه وسلم منهجاً معروفة كلياته وجزئياته؛ لئلا يتعدى. بعض الناس يقول: تركنا الرسول صلى الله عليه وسلم في سعة من الأمر وفي سعة من المناهج، وتجمعنا (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وهذا ليس بصحيح، فإن (لا إله إلا الله محمد رسول الله) قد تجمع الخارجي والقدري والجبري، وقد تجمع بعض الرافضة؛ لكن لا بد أن يعرف المنهج الرباني الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، وفهمه الصحابة بكلياته وجزئياته. الآن -أيها الإخوة- تعلمون أن الخوارج يقولون: نحن نعمل بالكتاب والسنة، أليس بصحيح؟ القدرية يقولون: نحن نعمل بالكتاب والسنة، وكذلك المرجئة والجبرية وأهل السنة، لكن الصحيح أن أهل السنة يقولون كما قال الأوزاعي: نعمل بالكتاب والسنة على فهم أبي بكر وعمر، هذا هو الضابط، لا بد أن نفهم الكتاب والسنة على فهم أبي بكر وعمر، أما فهم السنة على الفهم الخاص فهذا عوج وابتداع. إذا علم ذلك؛ فإن في الناس ومن الدعاة من يجتهد في الخير -بل كلهم يريد الخير- لكن بعضهم يريد الخير ولا يوفق إلى حكمة بالغة وقدرة نافذة، فالأولى أن يناصح هؤلاء بالتي هي أحسن، ولا يثار عليهم بالنصيحة ولا يشهر بهم؛ لأن مقصودهم الخير ظاهره مستتر ومقصودهم حسن، ولكن ظهرت منهم أخطاء فينبهون على أخطائهم ستراً وسراً، ويعرض المنهج الصائب. وهناك اقتراح بدل التشهير بالآخرين، اعرض منهجك الصائب أنت في المحاضرات والندوات والدروس، دون أن تتعرض لأحد، اعرض ما عندك من بضاعة، اعرض الخير؛ لأن الناس إذا رأوا الخير عرفوا المضاد له، وإذا رأوا الصحيح عرفوا الخطأ، عرف منهجك، واشرحه بجزئياته -دائماً- وكرره للناس، وعند ذلك سوف يدرك صاحب الخطأ خطأه.

إحساس غريب عند الوحدة والانفراد

إحساس غريب عند الوحدة والانفراد Q فضيلة الشيخ: أحس بإحساس غريب عندما أكون مع إخوتي في الله أني ضعيف العطاء قليل الحركة في الدعوة إلى الله عز وجل، وعندما أكون منفرداً أحس أني كثير العطاء والحركة ولا أدري ما هو السبب. أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A هذا السائل على خلاف المعهود من أسئلة الشباب، أسئلة الشباب في الغالب أنهم إذا جلس بعضهم مع بعض نشطوا، وإذا انفرد الواحد عن إخوانه تكاسل، وأما هذا فبعكس هذه. يقال في هذا الباب: إن الإنسان أعلم بنفسه وهو طبيب قلبه، وبعض الناس -الآن- يجعل من العزلة قضية، كـ الغزالي أبي حامد فهو يدعو الناس جميعاً إلى العزلة؛ لأنه اطمأن للعزلة، فيظن أن الناس لا يصلحون إلا بها وتراه يمدحها، وعقد مناظرة في الإحياء بين العزلة والخلطة ثم اختار العزلة ودعا الناس إليها. وتجد بعض الناس مرتاحاً للخلطة وهو لا يتكلم إلا بها، هناك قضايا تشغل الناس في الحياة حتى تكون قضيته الكبرى فيرى أن هذه القضية هي لب القضايا وأم القضايا، ومن زاول شيئاً أُعطي حكمته. وأهل الهيئات يرون من قضاياهم الكبرى: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يريدون أن يتحدث الناس إلا فيها. أهل الجهاد يريدون أن تكون خطب الجمعة، والمحاضرات، والندوات، والدروس، ودروس الكلية والمعاهد والثانوية في الجهاد. وخذ على ذلك! حتى صاحب عقود الأنكحة محاضرته دائماً في عقود الأنكحة، وكلامه وبكاؤه وخشيته وضحكه في عقود الأنكحة، فبعض الناس له توجه خاص، ولا أحسن ممن توازن في حياته وأعطى كل شيء حقه. فأنت -يا أخي- إذا وجدت نشاطاً في نفسك فافعل ذلك، ولا يلزمك أنك ترى المخالطة أحياناً ضياعاً، وليس هناك فتوى عامة في الخلطة والعزلة لكن تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، بعض الصحابة أفتاه النبي صلى الله عليه وسلم بالعزلة مثل أبي ذر، يقول: {إنك ضعيف، وإذا بلغ البناء لسلع فاخرج من المدينة} فخرج، فهؤلاء لا يصلح أن يقودوا الأمة، لا يصلح أن يكونوا في مجتمع، وترك صلى الله عليه وسلم عثمان، ومن قبله أبا بكر وعمر يخالطون الأمة، بل يقودون الأمة. فأنت أعرف بنفسك، وما ارتحت إليه نفسك من طاعة الله عز وجل في نفسك فافعله و {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60].

الموقف من سوء تصرفات بعض الإخوة

الموقف من سوء تصرفات بعض الإخوة Q إنني أحب بعض الإخوة في الله؛ ولكن أجد منهم -أحياناً- تصرفات تجعلني أبتعد عنهم، ثم لا ألبث حتى أعود لهم ويحدث منهم، مثل: الاستهزاء ببعض المتدينين، أو التساهل في الصلاة. فما موقفي منهم؟ ومتى يجوز أن أهجرهم؟ A لا بد أن تفهم مسألة مهمة جداً، وهي: ألا تتصور في أخيك الكمال ولا تتطلب مبرأً من العيب، فإنك إن طلبت عجزت عن أن تناله وعجز أن يصاحبك. تريد مبرأً لا عيب فيه وهل عود يفوح بلا دخان ويقول النابغة وهو يخاطب النعمان بن المنذر: ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمُّه على شعث أي الرجال المهذب وقبل ذلك وهو خير من ذلك قوله سبحانه: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} [النور:21]. إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه الأب الأم الأخ الابن الصاحب؛ لابد أن تصدر منهم أشياء، فاجعلها لحسناتك، واجعل هذه النقاط السوداء كالثوب الأبيض كأنها لا شيء، وإذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث، فارضَ بهذا، وحاول أن تسامح ولا تستقصي كل شيء: إذا صاحبت قوماً أهل ودٍّ فكن لهم كذي الرحم الشفيق ولا تأخذ بزلة كل قوم فتبقى في الزمان بلا رفيق ترى بعض الناس عنده حاسة ناقدة، لذَّاع في النقد، كلما صاحب أخاً ورأى منه شيئاً هجره وعزله، فيصاحب في كل يوم ألفاً، ويهجر في كل يوم ألفاً، يقول امرؤ القيس بعد أن قال: أرى أم عمرو دمعها قد تحدرا بكاءً على عمرو وما كان أجدرا إذا قلت هذا صاحب قد رضيته وقرت به العينان بدلت آخرا وهذا مذهب بعض الناس، دائماً يبدل ويعدد، فإذا رأيت أناساً الخير فيهم غالب فاصحبهم، وحفظت كلمة لـ ابن المبارك في الجرح والتعديل من أحسن ما يقال، وقيل: إنها لـ سعيد بن المسيب والله أعلم، قال: ما من شريف ولا فاضل ولا عالم ولا خيِّرٍ إلا وفيه شيء، فمن كان خيره أكثر من شره فهو العدل عندنا، أو كما قالوا: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]. وقال أحد الدعاة في كتاب له: باب: ميزان الناس عندنا بآية الأحقاف، وأتى بهذه الآية.

حكم قول: أكرهك في الله

حكم قول: أكرهك في الله Q إذا صدرت من بعض إخوتي بعض التصرفات. فهل يجوز لي أن أقول له: أكرهك في الله؟ A نسيت حديثاً وهو في صلب المحاضرة وهو الذي رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} يقول القرطبي كما في فتح الباري: وبمفهوم المخالفة وأن تكره له ما تكرهه لنفسك. هذا هو الصحيح. أما أن تكون إذا رأيت منه معصية كارهاً له في الله فهذا صحيح؛ لكنك تكرهه كراهة نسبية لهذه المعصية، وقد سبق أن ذكرت كلام شيخ الإسلام أنه قد يجتمع في الشخص الواحد الحب والبغض، والمحبة والكراهة. نعم! تكرهه لهذه المعصية التي بدرت منه، ولكن بقي له حب فيك؛ لأنه لا زال مسلماً وله حسنات، فلا بأس أن تقول هذه الكلمة إن شاء الله.

التوبة بعد الظلم

التوبة بعد الظلم علم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه النظام والأدب والتآخي والاجتماع وكان دليلهم إلى صراط الله المستقيم. ولقد أطاع المؤمنون رسولهم صلى الله عليه وسلم، ورضوا بأحكامه، لأن هذا الرضا شرط في إيمان المؤمنين. على أن هذا لا يعني سلامة الصف الإسلامي تماماً من الشواذ ومن في صدورهم حرج؛ فقد شهدت تلك الأيام الذهبية أناساً خرجوا عن طاعة الله ورسوله يعيشون -على انحرافهم- مع تلك الصفوة من البشر الذين رضي الله عنه وأرضاه الله لهم الهداية ورضي عنهم.

بعض مظاهر النظام والالتزام

بعض مظاهر النظام والالتزام إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أشكركم على هذا الاجتماع الطيب العطر بوجودكم، وأشكر صاحب الفضيلة الدكتور مسفر بن دماس على الدعوة المسبقة وعلى إتاحة هذه الفرصة، وأعتذر إن لم يكن هناك شيء من الترتيب قبل أن ألتقي بكم، فما كنت أدري بظروف الامتحان أو بترتيب المحاضرات؛ ولكن يشفع لي عندكم الحب الذي أتى بي إليكم. وأول من أتى بهذا الحب هو معلم البشر عليه الصلاة والسلام، وهي معجزته الكبرى، فإنه عاش بين الناس رجلاً، وبين الرجال بطلاً، وبين الأبطال مثلاً. أتى عليه الصلاة والسلام بالحب، أول ما هبطت دعوتُه إلى الأرض هبطت بالحب، والله يعلمه ما هو إنتاجه الحضاري في الناس، فأخبره وقال: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. فطبيعة البشرية التي بُعث فيها عليه الصلاة والسلام والجزيرة العربية ما كانت مجتمعة ولا متآخية ولا متجانسة ولا متآلفة، أمة مبعثرة؛ ينحر الأخ أخاه، ويذبح الابن أباه، ما اجتمعت على ثقافة ولا على حضارة ولا على فن ولا على دم ولا على وطن، فأتى عليه الصلاة والسلام يحمل لافتة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:4] فصلَّوا وراءه جميعاً وصاموا معه جميعاً وحجوا معه جميعاً، كبَّر في الصلاة فكبروا بعده، وسجد فسجدوا وراءه، ورفع فرفعوا بعده، وكان يقول: {استوُوا -يعلمهم الترتيب والنظام- فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من وراء ظهري}. ثم أخذ هذا الترتيب أصحابُه من بعده ففتحوا الدنيا وهم صفوف في الصلاة، حَضَرَت المعركة في القادسية، فأذَّن المؤذن والمعركة على أوارها وعلى أشُدِّها؛ الرماح تندر في الرءوس، والسيوف تهتك الأكتاف، فقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه: استوُوا فلما كبر كبروا بعده، ولما ركع ركعوا بعده، ولما رفع رفعوا بعده، قال رستم قائد فارس: علَّم محمد الكلاب الأدب، بل علم صلى الله عليه وسلم الرجال الأدب.

المسارعة بالاستغفار وطاعة الرسول بعد ظلم النفس

المسارعة بالاستغفار وطاعة الرسول بعد ظلم النفس وظلال هذه الكلمة يدور حول آيتين من كتاب الله عزَّ وجلَّ، يقول المولى تقدَّست أسماؤه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً * فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:64 - 65] والمعنى مجملاً: لو أن هؤلاء البشر وهؤلاء الأتباع إذ ظلموا أنفسهم وتدنسوا بالخطأ وانحرفوا عن المنهج الرباني عادوا إلينا -أي: إلى الله- فاستغفروا لغفر الله لهم. من الذي يغلق باب الملك المفتوح؟! ومن الذي يقطع الحبل الممنوح؟! ومن الذي يقف أمام الرزق الذي يغدو ويروح؟! لا أحد من البشر. والكيانات الأرضية لا تستطيع أن تقول للمخطئين: إننا نراقب حركاتكم وسكناتكم فلتنتبهوا، والأنظمة الوضعية لا تراقب الأفكار ولا المعتقدات، ولا الأسرار ولا الضمائر، ولذلك يقول المولى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْأِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام:120] {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [النساء:64] فالعاصي إنما ظلم نفسه: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة:57]. فالله عزَّ وجلَّ لا تضره معصية العاصي، والله عزَّ وجلَّ لا يتضرر بانحراف المنحرف، ولو أن أهل الأرض جنهم وإنسهم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملك الله شيئاً، ثم هو سبحانه لا ينتفع بطاعة الطائعين، ولو امتلأت مساجد الدنيا بالمصلين والمسبحين والخاشعين والعابدين ما زاد ذلك في ملك الله شيئاً؛ لكن العبد يظلم نفسه، والعبد ينسى الله وينحرف عن المنهج الرباني، فتجده في غروره وهواه وشيطانه ودنياه، فينحرف فترة من الفترات ثم يتذكر، قال تعالى: {تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201] فكأن الذي وقع في الخطأ أعمى، قال: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران:135] وهنا مسألة التحدي، وهي عنصر من عناصر الألوهية التي لا يقبلها إلا الله، وهي: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:135] من هو الذي يستطيع أن يغفر لك ذنبك إلا الواحد الأحد. وقفنا على الباب يا ذا الملك وصرنا ببابك والحمد لك وهذه شجون العبد، أن يقف بباب الله عزَّ وجلَّ، فيتلفت الإنسان هل يغفر الله الذنوب وهي كثيرة؟! فيقول عليه الصلاة والسلام: {لَلَّهُ أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم كان على راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام تحت شجرة، فضلت منه، فالتمسها فلم يجدها فعاد فنام وأيس منها، فلما استيقظ وجدها عند رأسه، فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح} فالله أشد فرحاً من هذا، فرحاً يليق بجلاله، قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [النساء:64] هم دعَوك أنت، وهذا في حياته عليه الصلاة والسلام، والصحيح عند أهل العلم أنه لا يجوز الإتيان إلى قبره عليه الصلاة والسلام في طلب المغفرة، إلا بعض أهل التصوف فإنهم فهموا الآية خطأ، فيأتي أحدهم بعد أن يخطئ أو يشرب الخمر أو يسرق أو يزني فيقف عند الروضة، ويأخذ قضبان الحديد عند قبره صلى الله عليه وسلم ويقول: يا رسول الله يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما فأقل لي عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما ولا يقيل العثرة إلا الله؛ لكن في حياته عليه الصلاة والسلام إذا جاء العبد واعترف عنده واستغفر له الرسول عليه الصلاة والسلام فإن الله يغفر له باستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم له. اسمع لبعض القصص الحية: مر عبد الله بن سرجس على ناقته فقال: {يا رسول الله! السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال: عليك السلام ورحمة الله وبركاته، قال: غفر الله لك يا رسول الله} والرسول صلى الله عليه وسلم مغفور له، وعبد الله بن سرجس يعلم أن الله قد غفر لرسوله ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ لكن هو يريد أن يدعو له الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كريم يرد على الكرم بالمثل وأزْيَد: {قال: ولك غفر الله، قال الصحابة: هنيئاً لك يا بن سرجس! استغفر لك الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: والله لقد استغفر لكم، وقد أمره الله بذلك في قوله سبحانه وتعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد:19]}. وفي صحيح مسلم: أن رجلاً صلى مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فأتى يطرح نفسه عند الرسول صلى الله عليه وسلم، انظروا إلى هذا الأمة! يذنب مذنبها ويأتي ليعترف عند المعصوم عليه الصلاة والسلام ويريد أن يطهره بالحد، حتى إن ابن الوزير عالِم اليمن يقول: والله الذي لا إله إلا هو إن عصاة الصحابة أفضل من طائعينا. مَن مِن طائعي العصر الذي إذا أخطأ خطأًً يذهب إلى القاضي أو الإمام أو الشيخ ويقول: طهرني بالحد؟! من هو الذي لو شهد شهادة زور أو شرب خمراً أو سرق أو زنى أو خان أو غش ذهب يطلب التطهير؟! لا أحد؛ لكن أتى هذا الصحابي فقال: {يا رسول الله! أصبتُ حداً فأقمه عليَّ، قال: أصليتَ معنا؟ قال: نعم، قال: اذهب، فقد غفر الله لك} يقول الشراح: من الممكن أن يكون هذا ليس بحد، وظن الصحابي أن فيه حداً، وربما كان قبل أن تنزل الحدود، فقال: {اذهب، فقد غفر الله لك}. قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} [النساء:64] وهذا في خطأ العبد.

اقتران الإيمان بالرضا بأحكام الرسول صلى الله عليه وسلم

اقتران الإيمان بالرضا بأحكام الرسول صلى الله عليه وسلم ثم أتى سبحانه وتعالى بمسألة كبرى تغيب عن أذهان الناس، خاصة أن الجيل الذي يُنتظر منه -من أمثالكم- توجيه الأمة، وترشيد الجيل، وبناء هذه الصحوة على المنهج الرباني الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، يُنتظر منه أن يكون هذا المنهج حياً في ذهنه. يقول سبحانه وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ} [النساء:65]: يقسم برب محمد عليه الصلاة والسلام، {لا يُؤْمِنُونَ} [النساء:65]: ولا يمكن أن يكمل إيمان العبد منهم: {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65]. والذي نفسي بيده! لا يمكن أن يكون الإنسان مخلصاً لله حتى يرضى بالرسول عليه الصلاة والسلام في عقيدته وعبادته، وأخلاقه وسلوكه، وليله ونهاره، وأن يرضى به شيخاً ومعلماً ومربياً وموجهاً عليه الصلاة والسلام، وأن يسلم له قياد حياته، وأن يجعله نصب عينيه، وأن يرضى بما رضي به الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يغضب لما غضب منه الرسول عليه الصلاة والسلام، وفوق ذلك كله يعلن عليه الصلاة والسلام لأجياله ولشبابه ولأتباعه، فيقول: {والذي نفسي بيده! لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين} فهل يسأل أحدٌ منا نفسه بالله: هل الرسول صلى الله عليه وسلم أحب من أبيه وأمه إليه؟! إن كان ذلك فليحمد الله، وإن لم يكن ذلك فليَبْكِ على نفسه، إلى درجة أن تحب الرسول صلى الله عليه وسلم وتقدمه على نفسك. أما قصة الآية وسببها كما رواه البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن الزبير أن رجلاً من الأنصار كانت له مزرعة، وكانت مزرعة الأنصاري تحت مزرعة الزبير، والزبير ابن صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، والزبير مهاجري، وصاحب المزرعة التي تحت مزرعة الزبير أنصاري، فدعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ليصلح بينهما بحجة أن الزبير كان يغلق الماء ولا يتركه يمر إلى مزرعة الأنصاري، فحضر المعصوم عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى ولا تأخذه في الله لومة لائم، الذي يعلن للبشرية وللدنيا كل الدنيا على المنبر وهو يهز أعواده التي تتباكى تحت يديه، يسمعها مَن يسمعها، ويقبلها مَن يقبلها، ويعلمها مَن يعلمها، ويجهلها مَن يجهلها، ويقول صلى الله عليه وسلم: {وايم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها} قال الزهري: وحاشاها أن تسرق. من يستطيع أن يتحدى أنظمة الأرض والدنيا والوساطات والشفاعات وأسر الأرض في امرأة مخزومية سرقت ويريدون أن يشفعوا فيها، فيقول: {وايم الله -وتالله وبالله- لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها} هذه العدالة كل العدالة. الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقف على المنبر في مرض الموت، فيكشف صلى الله عليه وسلم عن جيبه، فتبدو منه صلى الله عليه وسلم أضلاعُه، أنهكته الأمراض بأبي هو وأمي وبنفسي، ويبدو العرق يتحدَّر كالجُمان والدر من تحت أضلاعه التي أنهكتها الحمى، حتى إنه يقول: {إني لأوعَك كما يوعك الرجلان منكم} يقول: تصيبني الحمى وأمرض مثلما يمرض رجلان منكم، فيقول: {يا أيها الناس! مَن ضربتُه -سبحان الله! كم ضرب عليه الصلاة والسلام! - أو من شتمتُه، أو من أخذتُ من ماله شيئاً فليقتص مني الآن قبل ألا يكون درهم ولا دينار} فبماذا يرد الناس؟ وماذا يستطيع أن يقول المهاجرون والأنصار له وهو على المنبر؟ أتدرون بماذا ردوا له؟ ردوا بالبكاء، يقول أنس: {فكان المسجد له خنين}. فإذا رحمت فأنت أمٌّ أو أبٌّ هذان في الدنيا هما الرحماءُ وإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الأنواءُ وإذا غضبت فإنما هي غضبة في الحق لا كِبْر ولا ضغناءُ وإذا سعيت إلى العدا فغضنفر وإذا جريت فإنك النكباء فيذهب إلى الأنصاري ليصلح بينه وبين ابن عمته صلى الله عليه وسلم؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف ابن عم، ولا يعرف ابن خال؛ لأنه ميزان من الله، أنزله بالقسط، وأنطقه بالحق، فلا يضل ولا يغوى، ولا يلابسه الشيطان، حتى إنه يقول: {ما منكم من أحد إلا ومعه قرين، قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟! قال: حتى أنا، لكن أعانني الله عليه فأسلم} أعلن إسلامه، فلا يأمره شيطانه إلا بخير، لا ينام قلبه إذا نامت قلوب الناس، يقول: {تنام عينيَّ ولا ينام قلبي} لا يحتلم، ولا يلعب عليه الشيطان، ولا يتثاءب، فطيلة عمرِه ثلاثٌ وستون سنة ما تثاءب. فيحضر المزرعة عليه الصلاة والسلام ومعه كبار الصحابة، فأراد صلى الله عليه وسلم صلحاً بلا حكم؛ لأن الصلح خير، والصلح أحسن، وأراد أن يبر بالأنصاري وأن يكرمه، فقال: {يا زبير! اترك الماء حتى يصل إلى الكعب، ثم اتركه يمر إلى مزرعة الأنصاري -وهذا في مصلحة الأنصاري، وهو خيرٌ منه عليه الصلاة والسلام وتفضُّل- قال الزبير بن العوام: سمعاً لك وطاعة يا رسول الله! فغضب الأنصاري وقال: أئن كان ابن عمتك؟ -أي: حكمت له؟ وهذه كلمة تكاد تهتز لها الجبال- فقام عمر وقال: دعني أضرب عنقه، قال صلى الله عليه وسلم: دعه، ثم أتى بالحكم الشرعي عليه الصلاة والسلام فقال: يا زبير! اترك الماء حتى يعود إلى الجدر، ثم سيِّبْه -ما دام أنه رفض الصلح فهذا هو الحكم- فلما مضى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو في الطريق نزل عليه جبريل بالآية: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]}. والحرج هذا يعيشه بعض الناس في المعتقد، فتجده لا يسلِّم بالرسالة للرسول عليه الصلاة والسلام، وبعضُهم يقول حتى من أبناء المسلمين ممن يسكن أرضنا ويشرب ماءنا ويستنشق هواءنا: الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح، والدين في المسجد، وفي أمور الصلاة والعبادة وصلاة الاستغفار والكسوف، أما أن تُطور الدين ليكون للاقتصاد والإعلام والحياة فهذا ليس بصحيح، فهؤلاء ما قبلوا بالرسول عليه الصلاة والسلام حكماً ولا إماماً، ولا رضوا بمنهجه، ولا اتبعوه كما أراد عليه الصلاة والسلام، وفي قلوبهم حرج. ومنهم من لا يرضون بالرسول صلى الله عليه وسلم في العبادة، فتجده يعبد الله عزَّ وجلَّ لكن على غير السنة، له صلوات وأذكار وأمور على غير سنة الرسول عليه الصلاة والسلام: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27]. ومنهم مَن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى إنك تجد من يصلي الخمس ويصوم ويحج ويعتمر، فيخالف الرسول صلى الله عليه وسلم في سلوكه الظاهر والباطن، كأن في قلبه حرجاً من اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، بل بعضهم إذا قام ببعض السنن خجل من الناس، والله يقسم من على العرش، وهو الذي استوى ولا يقول إلا الحق، وهو: {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأحقاف:30] لا يؤمن أحد حتى يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ويسلم مقاليده له، ثم لا يكون في صدره حرج أبداً، ولا يخجل، ويكون على السنة وعلى الاستقامة وعلى السلوك الحسن.

طاعة الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم وأمثلة على ذلك

طاعة الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم وأمثلة على ذلك وانظر إلى طاعة الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام، ثم أسألُ نفسي واسألْ نفسَك: بالله هل أطعناه عليه الصلاة والسلام؟ ماذا قدمنا لطاعته؟ هذه الصلوات التي يصليها ما يقارب ملياراً، وهذه الزكاة والصيام والحج وهو أمر فضيل، ولكن تعالوا إلى طاعة الصحابة لمحمد عليه الصلاة والسلام.

ابن رواحة

ابن رواحة بعد صلاة الجمعة ألقى صلى الله عليه وسلم كلمة وقال: {يا أيها الناس! اجلسوا} فأتى ابن رواحة وهو على الرصيف خارج المسجد في شمس المدينة فجلس مكانه، قال الصحابة: ما لك يا بن رواحة؟ قال يقول عليه الصلاة والسلام: اجلسوا، فجلستُ مكاني، لا يجوز لي أن أتعدى مكاني، ما دام أنه أمر صلى الله عليه وسلم.

عبد الله بن عبد الله بن أبي

عبد الله بن عبد الله بن أبي أتاه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول قال: {يا رسول الله! سمعتُ أنك تريد قتل أبي، فإن كنت تريد قتل أبي لا ترسل أحداً من الناس، فإني لا أستطيع أن أعيش وقاتل أبي يمر على الأرض؛ لكن أرسلني لآتيك برأسه، والله يا رسول الله! إن أمرتني أن أقتله وأقتل أبنائي لقتلتهم} ووالله لو أمره عليه الصلاة والسلام أن يذبح أطفاله لذبحهم أمامه. يقول سيد قطب: حتى أنهم بلغوا أن قتلوا نفوسهم أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ليرضى الله ثم يرضى رسوله عليه الصلاة والسلام، فيقول صلى الله عليه وسلم: {بل نترحم ونصبر على أبيك}. ويأتي أبوه يريد دخول المدينة، فيأتيه فيعترضه بالسيف أمام أنفه؛ لأن أباه يقول في غزوة: {يقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون:8] قال: {والله لا تدخل المدينة حتى يأذن لك الرسول صلى الله عليه وسلم فإنك الأذل وهو الأعز. فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم فدخل}.

أبو عبيدة يذبح أباه

أبو عبيدة يذبح أباه أبو عبيدة فيما يُروى في السير مرَّ به أبوه، فأشاح عنه -وأبوه كافر وأبو عبيدة مسلم- فاعترضه أبوه، فذبحه أبو عبيدة، لماذا؟ لأنها نفوس أسلمت لله، ليس للشيطان فيها حظ، وقدموا أرواحهم دون الرسول عليه الصلاة والسلام.

طلحة بن عبيد الله يتلقى الطعنات عن الرسول عليه الصلاة والسلام

طلحة بن عبيد الله يتلقى الطعنات عن الرسول عليه الصلاة والسلام وقرأت في سيرة طلحة بن عبيد الله، يقول: [[والله الذي لا إله إلا هو ما في جسمي موضع شبر إلا ضُرب يوم أحد، قال أبو بكر: أما يوم أحد فقد ذهب به طلحة]] كان يأتي السهم الطائش يريد أن يقع في جسم الرسول صلى الله عليه وسلم فيقبل عليه طلحة فيقع في صدره، ويُضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بالرمح فيضع طلحة يده فيقع الرمح في يده، ويأتي السيف ليأخذ من جسم الرسول صلى الله عليه وسلم فيقفز عليه كالأسد فيتلقى ضربة السيف، حتى أصبح مجدَّعاً وشُلَّ في يوم أحد، أصبح مشلولاً، ولا تتحرك منه إلا يده اليسرى ورجله اليسرى وطرفه الأيسر، فهل قدمنا مثل هذا؟ أو معشار عُشر هذا؟ ويأتي أحدهم أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: [[اللهم خذ مني هذا اليوم حتى ترضى]].

عبد الله بن أنيس وقتله خالد بن سفيان

عبد الله بن أنيس وقتله خالد بن سفيان وخالد بن سفيان الهذلي في عرفة جمع قبائل هذيل وهم قرابة ألف مقاتل، ودربهم على السلاح والاغتيال وقال: أقتلُ محمداً فأريح العرب قاطبة، ولكن الله يقتله، فإن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة:67] يقول: أما أنت فلن تُغتال ولن تُقتل؛ لكن بلغ الرسالة، ولا تخف فإنا سوف نحرسك بحرسٍ من عندنا لا بحرسك، فلا تقتلك العرب حتى تبلغ الرسالة. فمهمتك أن تبلغ (لا إله إلا الله) وتغرسها في قلوب الجيل، وتبني صروحها في نفوس الناس، ولكنك لن تُقتل بإذن الله. فأتى خالد هذا يريد قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ألف مقاتل، قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه في المسجد: {من يقتل خالد بن سفيان الهذلي وله الجنة؟} فسكت الناس، فالأمر ليس بالسهل، أن يرسلك صلى الله عليه وسلم وحدك ثم تذهب إلى رجل في عرفة، من المدينة إلى مكة، ثم تأتي إليه وهو في ألف مقاتل يريدون اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم، فلن تستطيع، قال: من يذهب وأنا أضمن له الجنة؟ قال عبد الله بن أنيس وهو شاب: أنا يا رسول الله. فذهب عبد الله بن أنيس وكان ينام النهار ويمشي الليل، حتى اقترب من عرفة، فلما نام ذاك قام عليه فقطع رأسه، ثم أخذ معه الرأس علامة، وهو أكبر علامة، لأنه إذا أتى بالرأس فمعناه أنه قُتل، أي عليها شاهد: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف:88] فجعل رأس خالد بن سفيان الذي يريد اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم بألف مقاتل معه في المخلاة وذهب، ووصل إلى المدينة، فانتهى عليه الماء في وادي ودان، ووادي ودان عند الصعب بن جثامة، وكاد أن يتلف، وكان كلما أيس من الحياة واقترب من الموت جلس تحت شجرة يبرد ويدعو الله أن يقيم من أوَدِه، حتى وصل إلى المدينة، فلما رآه صلى الله عليه وسلم رأى شحوب وجهه، ولكن رأى البشرى عليه، فقال: {أفلح وجهُك، قال: ووجهُك يا رسول الله! فألقى الرأس بين يديه، قال صلى الله عليه وسلم: ضمنتُ لك الجنة، قال: يا رسول الله! أعطني علامة، قال: هذه العصا تتوكأ بها في الجنة إن شاء الله} والمتوكئون بالعصي في الجنة قليل، فأخذها معه، فكانت العصا تنام معه، ويقوم بها، ويذهب بها، ويسافر بها، فلما أتته الوفاة دفنت معه. وهي علامة يلقى بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام. أي صدق وأي اتباع يبلغ هذا المبلغ؟!

ابن عتيك وابن بشر يقتلان يهوديا

ابن عتيك وابن بشر يقتلان يهودياً ذهب منهم ابن عتيك وعباد بن بشر إلى رجل من اليهود كانت له جارية تغني بسب الرسول صلى الله عليه وسلم، يشرب هذا اليهودي الخمر ويأمر الجارية أن تضرب الدف وتسب الرسول صلى الله عليه وسلم بقصائد ينْظُمُها اليهود، فقال صلى الله عليه وسلم: {مَن يقتله منكم؟ قالوا: نحن يا رسول الله، وماذا تعطينا؟} والرسول صلى الله عليه وسلم ليس عنده دنيا، كما يقول أبو الحسن الندوي: لم يكن يعرض على أصحابه قصوراً ولا ذهباً ولا فضة، وهو ما شبع أصلاً من خبز الشعير، وكان ينام صلى الله عليه وسلم على الحصير فيؤثر في جنبه، من أين له جوائز ورُتب ونجوم وأوسمة يعطيها هذا الجيل؟ ولو فعل صلى الله عليه وسلم لانحرفت قلوبهم إلى الدنيا وتركت الآخرة، قال: {أنا أضمن لكم الجنة، فذهبوا، فصرخ ابن عتيك وصرخ عباد بن بشر لهذا فخرج من على رأس الدرج، فلما خرج لطموه بالسيوف فقتلوه، فنزل ابن عتيك -وقيل: محمد بن مسلمة - فعثر فانكسرت رجله، فأتى يسحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ابسطها أمامي، فبسطها فنفث صلى الله عليه وسلم وقال: باسم الله، فعادت وما كأن بها كسراً، قال: ما خبركم؟ قال عباد بن بشر: يا رسول الله! ائذن لي أن أتحدث بخبرنا -وكان شاعراً وهو من سادات الأنصار ومن أشجعهم، قتل يوم اليمامة، وهو من الشهداء الكبار عند الله، وكان يصلي فيبكي في المسجد ويبكي ببكائه نساء الرسول صلى الله عليه وسلم داخل البيت- قال: اعطنا خبرك، فقال عباد بن بشر يلقي قصة اغتيال اليهودي: صرختُ له فلم يعلم بصوتي وأقبل طالعاً من رأس جدرِ فعدتُ له فقال مَن المنادي فقلت: أخوك عباد بن بشر فأقبل نحونا يهوي سريعاً فقطَّعه أبو عبد بن جبر يهوي، أي: اليهودي، وأبو عبد بن جبر: من الأنصار، قتل من قريش في حومة وراء شجرة ثمانية. وأرداه ابن مسلمة بسيف شديد الصوت في الكفار يسري وكان الله خامسنا فعدنا بأعظم مِنَّة وعظيم نصرِ قال صلى الله عليه وسلم: وجبت لكم الجنة}.

نماذج من أهل الجنة

نماذج من أهل الجنة كانت مفاتيح الجنة بيده عليه الصلاة والسلام منحه الله إياها؛ لأن الله عرض عليه مفاتيح الذهب والفضة في الدنيا فأبى، فأعطاه الله مفاتيح الجنة. يصلي الفجر عليه الصلاة والسلام بالصحابة فيقول: {أين بلال؟ فيأتي بلال -يقولون كان كأنه الصقر، خفيف اللحم، ليس على جسمه من اللحم شيء، وكان أندى الناس صوتاً، فيقف بكسائه، لا يملك من الدنيا غيره- قال: يا بلال! سمعتُ دفّ نعليك في الجنة البارحة -دخل صلى الله عليه وسلم البارحة إلى الجنة، رآها ورأى قصورها وبساتينها وثمارها- فما كنتَ تصنع؟ قال: يا رسول الله! لستُ بكثير صيام ولا صلاة ولا صدقة لكن ما توضأت في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت ركعتين} وهذا عمل فريد بإمكان الواحد منا أن يعمله، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية قال: فيه أنه بعد الوضوء حتى في وقت النهي صلاة ركعتين، حتى بعد العصر وبعد الفجر لك أن تتوضأ وتصلي ركعتين، كلما توضأت صلِّ ركعتين تكون مع بلال من طريق بلال؛ لأنه ليس هناك انفراد للصحابة في الأعمال؛ لكن الانفراد في المنزلة، وإذا فعلت فعل الصحابي كسبت ككسبه، بل تضاعف العمل حتى بأجر خمسين من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام. قال صلى الله عليه وسلم: {ورأيت الرميصاء البارحة في الجنة} وهي أم أنس، بم دخلت الجنة؟ {أتت بـ أنس بعد أن غسَّلَتْه وطيَّبَتْه ورسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من المدينة فقالت: يا رسول الله! الدنيا ذاهبة وما عندي أحب من أنس، فهذا أنس يخدمك، فادعُ الله له، فدعا له صلى الله عليه وسلم} فأهدت له ابنها رضي الله عنها وأرضاها.

أنموذج ممن في صدورهم حرج

أنموذج ممن في صدورهم حرج وهناك قصص كثيرة كثيرة تشهد أن الصحابة أطاعوا الرسول عليه الصلاة والسلام، فلم يكن في صدورهم حرج. لكن تعال إلى نماذج ممن في صدره حرج، فهناك الكثير من الناس، ونحن لو حققنا أنفسنا لعدنا إلا أنَّا تركنا كثيراً من السنن، لأننا نتحرج من بعض إقامتها، وبعض الناس ما ترك السنة إلا للتحرج، حتى إنك تجد مَن يصانع الناس في المجالس بأموره وتقواه وعبادته من أجل ألا يحرج الناس، حتى يترك السنة من أجل ألا يحرج الناس، فيُحرج نفسَه، فيكون في نفسه حرج مما أُنزل على الرسول عليه الصلاة والسلام. الجد بن قيس أحد المنافقين، ذهب صلى الله عليه وسلم إلى تبوك يغزو، فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في قلبه حرج من الهداية، وقد أعطاه الله من الدنيا، قال: {ائذن لي، فأنا لا أستطيع أن أذهب إلى تبوك، قال صلى الله عليه وسلم: ولِمَه؟ قال: أنا رجل إذا رأيت بنات الروم وقعن في قلبي وافتتنت} وهذا كذب، أيترك الجهاد خوفاً من الفتنة؟! أيعصي الرسول صلى الله عليه وسلم خوفاً من الفتنة؟ وهذا يسميه ابن تيمية: الورع البارد، فبعض الناس يعتذر لمعصيته بأمور، فيعتذر لمعصيته بقوله: لولا كذا لفعلتُ كذا، وبعضهم يترك بعض السنن ويقول: تأليفاً للناس، وبعضهم يأتي بعض المعاصي ويقول: تأليفاً للقلوب، وهذا مثلما قال الجد بن قيس فعذره عليه الصلاة والسلام وتركه، فقال الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} [التوبة:49] يقول ابن عمر: [[والله ما زالت سورة التوبة، تقول: ومنهم، ومنهم، حتى خشينا على أنفسنا]] قال ابن عباس: [[أما هذه السورة فهي الفاضحة]] كلما قال أحدهم كلمة أنزل الله: ومنهم من يقول، ومنهم من قال، ومنهم من فعل قال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي} [التوبة:49] قال سبحانه وتعالى: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة:49] أكبر فتنة أنهم تركوا الجهاد معك، {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ * إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ} [التوبة:49 - 50] يقول: هم أذكياء، لو أصابتك دائرة أو هزيمة قالوا: انتبهنا لأنفسنا وبقينا في المدينة. يقول ابن القيم: ما هُدد الناس بمثل هذه الآية: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:8]. فلما عاد صلى الله عليه وسلم أتى ثمانون كلهم كَذَبَة يستأذنون من الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله! والله لقد مرضت زوجتي ولولا مرضها لخرجتُ معك، قال: أذنتُ لك. قال الثاني: أما أنا فقد خفتُ من بنات بني الأصفر، قال: أذنتُ لك. قال الثالث: أصابني عرج، قال: أذنتُ لك -كلهم أهل حيل- فلما أذن للثمانين نزل جبريل على الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد بقول الله: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة:43] يقولون: أراد ألا يخوفه ربه، والأول يقول: أخطأت في التصرف معهم لكن عفا الله عنك، فالمنهج مع هؤلاء ليس كما فعلتَ لكن عفا الله عنك، وهم ما صدقوا معك لكن عفا الله عنك، وهم أصلاً كذبة ومنافقون لكن عفا الله عنك، يقول: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43]. وكان قد ذهب صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية ومعه الجد بن قيس، قال صلى الله عليه وسلم: تعالوا بايعوني، فعلى ماذا بايعوه تحت الشجرة، يقول بعض الكتبة في السِّيَر: هل بايعوه على حكومة مستقلة يتولون إدارتها؟ هل بايعوه على قصور يقتسمونها وعلى حدائق يتوزعونها؟ لا. بل بايعوه على الموت؛ لأنه أرسل عثمان بن عفان حيث أفطر بـ مكة عند بني أمية قرابته، فأتى نائح يصيح من آخر الجبال - جبال بني قبيس - يقول: قُتل عثمان بن عفان، فغضب صلى الله عليه وسلم وجلس تحت الشجرة وقال: بايعوني على الموت، أي: ندخل مكة فلا يعود أحد مادام أن عثمان قُتل، قال سلمة بن الأكوع: والله الذي لا إله إلا هو لقد أخذتُ بالأغصان عن وجه الرسول صلى الله عليه وسلم ورفعتُها وهو يبايع الناس -كانت الشجرة من سلم -وقيل: من سَمُرَ كما قال ابن كثير وهو الصحيح- فرفع الشوك عنها- قال: بايعني يا سلمة! فبايعتُه على الموت، فلما انتصف الناس قال: بايعني يا سلمة! قلتُ: بايعتُك يا رسول الله! قال: وأيضاً، فبايعتُه، فلما انتهى الناس قال: بايعني يا سلمة! قلت: بايعتك يا رسول الله! قال: وأيضاً، فبايعته، فلما انتهى قال صلى الله عليه وسلم: {اللهم هذه عن عثمان بن عفان، فجعل يسراه الكريمة صلى الله عليه وسلم في يمناه} بايعه عن عثمان أي يقاتل هو عن عثمان، فمادام عثمان قد قتل فإنه يقوم صلى الله عليه وسلم مقامه. قال سيد قطب في الظلال: اسمع إلى بشرى الله، وتصور نفسك أنك ممن جلس مع الرسول تحت الشجرة، ثم تجلس معهم ثم يبايعون، ثم تنتهي البيعة، ثم يهبط جبريل ويقول عن الله الذي مَلَكَ السماوات والأرض والذي مقاليد الأمور بيده يقول: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18] حتى الشجرة، يقول: هذه الشجرة المعروفة، أنتم الذين جلستم تحت هذه الشجرة رضي الله عنكم، ألف وأربعمائة مبايع، يقول سيد: تصور أنك واحد من ألف وأربعمائة يبايع الرسول صلى الله عليه وسلم في حرارة الشمس على الموت، فلما انتهوا من البيعة وقبل أن يغادروا الشجرة، وإذا بالمرسوم الإلهي من عند علام الغيوب الذي كلامه حق وقوله حق ووعده حق: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ} [الفتح:18] لكن عن مَن؟ عن المؤمنين، مَن هم؟ الذين يبايعونك، في أي مكان؟ تحت الشجرة. وهذا وصف مقرب، تحت الشجرة، وكلٌّ يعرف تحت الشجرة. غاب الجد بن قيس وعنده جمل أحمر يبحث عنه في جبال مكة، فنُوْدِي. سبحان الله! منهم من يريد الدنيا ومنهم من يريد الآخرة، وأهل السعادة وُفِّقوا للسعادة، وتجد الإنسان عَيِيَّاً شقياً مبهذلاً وراء الدنيا لا نافلة ولا ذكر ولا اتباع للسنة، وتجد هذا حمامة في بيوت الله، لأن الله أراد أن يدخل هذا الجنة، وأراد هذا أن يشقى بماله. يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزانُ فذهب إليه الصحابة وقالوا: يا جد بن قيس! تعال بايع الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: والله الذي لا إله إلا هو لحصولي على جملي أفضل من بيعتكم، وهذه يتكلم بها كثير من الناس، حتى إنك إذا دعوت بعض الناس إلى محاضرة أو ندوة أو درس قال: جلوسنا أنفع، والحمد لله الخير كثير ومنتشر وليس هناك ناقص والحمد لله؛ فيضيع ما هو خير له في حياته في جلسة واحدة، حتى إن عطاء بن أبي رباح يقول: [[مجلس الذكر يكفر سبعين مجلساً من مجالس اللغو]] يقول عطاء وكان يبكي عند قوله تعالى {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون:6] ويقول: [[أغضبوا المولى حتى أقسم ألا يغفر لهم]] يقول: أغضبوه إلى درجة أنه أقسم ألا يغفر لهم، ولذلك يقول أحدهم: احذر أن يغضب الله عليك فيقسم على نفسه سبحانه وتعالى ألا يغفر لك، نعوذ بالله! قال الحسن البصري في سورة الكهف عن الخضر في قوله: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] سبحان الله! موسى خالف الخضر ثلاث مرات فقال: هذا فراق بيني وبينك، وأنت يا عبد الله! تخالف الله في اليوم سبعين مرة، ألا تخشى أن يقول: هذا فراق بيني وبينك؟! هذا نموذج ممن في قلبه حرج من اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، وما رضوا به صلى الله عليه وسلم إماماً وقدوة.

السعادة كل السعادة في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم

السعادة كل السعادة في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وملخص الكلام أني أقول: إن كنتَ تريد أو أنا أريد أو أي مسلم يريد أن ينجو من عذاب الدنيا ومن خزي وعذاب الآخرة ومن الشقاء والانحراف فوالذي لا إله إلا هو ليس هناك نفع مستقل عن نفعه عليه الصلاة والسلام، ولو بلغ مهما بلغ المتعلم من علمه؛ فإن العلم بلا تقوى خزي وندامة: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم:7] وكل منصب أو جاه أو إمرة أو مال بدون اتباعه عليه الصلاة والسلام هو الانحراف كل الانحراف، فأسأل الله أن ينفعنا باتباعه عليه الصلاة والسلام، وأن يجعلنا من أتباعه، وأن يحشرنا في زمرته، وأن يسقينا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبداً. أيها الإخوة الكرام: يا أساتذة الجيل! يا أمل المستقبل! يا موجهي الأمة! يا مربي شباب محمد صلى الله عليه وسلم! إن السعادة كل السعادة في اتباعه؛ أن تجعله إمامك منذ أن تصبح إلى أن تمسي، فتترسم خطاه، وتنتهج مسلكه صلى الله عليه وسلم، وتتأمل سيرته حتى تسعد بشفاعته عليه الصلاة والسلام. اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لِمَا اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم أخذ الأجرة على القرآن

حكم أخذ الأجرة على القرآن Q فضيلة الشيخ: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، لقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من أحب إنساناً أن يخبره، وأنا -والله- أحببتُك قبل أن أراك، و Q لقد سمعتُ حديثين: أحدهما فيما معناه: أنه: {خير ما أكلتم به القرآن} والثاني: {تعلموا القرآن ولا تأكلوا به، ولا تجافوا عنه، ولا تغالوا فيه} فهل هذان الحديثان صحيحان؟ وفي حالة صحتهما كيف نوفق بين الأكل بالقرآن وعدم الأكل به، علماً بأن الأكل قد يكون بتعليمه أو بقراءته في المآتم أو المحافل أو العمل في الحكومة بتعليمه؟ جعلكم الله خيراً مما نظن فيكم. A الحمد لله، أحبك الله الذي أحببتنا فيه. أما الحديث الأول فهو في صحيح البخاري لكن ليس بهذا اللفظ، فاللفظ هو: {إن خير ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله عزَّ وجلَّ} وأتى هذا الحديث في قصة أبي سعيد يوم سافر مع طائفة من الصحابة فنزلوا في قبيلة من قبائل العرب فطلبوا منهم ضيافة فلم يضيفوهم، فلُدِغ شيخ الحي، فقالوا: {إن شيخ الحي سليم -أي: ملدوغ- فهل منكم أحدٌ يعالجه مما فيه ويرقيه؟ قال أبو سعيد: فرَقَيْتُ بالفاتحة، فأعطوهم قطيعاً من الغنم فأخذوه، فذهبوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال لـ أبي سعيد: بِمَ رَقَيْتَ؟ قال: بالفاتحة، قال: وما يدريك أنها رُقْيَة؟ قال: وأخذنا يا رسول الله! هذا الغنم، قال: خذوا واضربوا لي معكم بسهم، إن خير ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله} قال أهل العلم: معنى ذلك أن من قصد بالقرآن وجه الله عزَّ وجلَّ، وعلم لوجه الله عزَّ وجلَّ، ثم أتاه رزق بسبب هذا القرآن، وما طلبه هو وما حرص عليه وما كان معتمده في عمله فليأخذه، وأضربُ على ذلك أمثلة لأجمع بين الحديثين وهي: أن من تخرج مثلاً أو درس أو تعلم وقصده أن ينشر هذا الدين ثم علَّم الناس فأتاه رزق أو راتب، لا أنه هو يطلب الراتب أو لا يعلِّم القرآن إلا من أجل الراتب؛ فهذا يأخذ ذاك الراتب، والفاصل في ذلك أنه لو مُنع عنه هذا الراتب أو الدخل أنه يستمر في عمله، فهذا مأجور على ما فعل ومشكور، وقد فعل بعض أئمة السلف ذلك، وما قصدهم المال ولكن أتاهم سبب أو عارض من العوارض. أما الحديث الثاني فإن بعض ألفاظه صحيحة وبعضهم يحسنها، وبعض ألفاظه ليست بثابتة؛ لكن على فرض صحته وحُسن هذا الحديث كما بيَّن بعض أهل العلم، فالمعنى أنه لا يُطلب القرآن لجمع المال، ولا للأكل به، كما هو ثابت في صور من المجتمع: مثل من يحفظه الآن ليشحذ به من الناس، وقد وقع ما أخبر به بعض السلف: أن منهم من يأخذ بالقرآن، كما ترون في الحرم من يجلس عند الأبواب ويقرأ القرآن ويلحِّنه ويشحذ به، فهذا ممن يأكل بالقرآن. أو يحفظ القرآن ليحضر به المواسم، والمراسيم والأعياد، والمآتم والأعراس، فيأخذ عليه أجرة من أجل أن يُعطى بهذا فقط، فإذا لم يُعطَ أجرة فإنه لا يقرأ ولا يحضر ولا يمكن أن يقرأ على الناس. فهو من أجل أجرته يقرأ، فهذا مما نهى عنه عليه الصلاة والسلام. فلذلك ننْزِل الناس على هذه المنازل. وهذا في نظري جمع إن شاء الله بين الحديثين، وأسأل الله التوفيق والهداية.

أفضل الجلساء في هذا الزمان

أفضل الجلساء في هذا الزمان Q من هو أفضل الجلساء في هذا الزمان، على الرغم من أن شباب الصحوة والحمد لله كثير، ولكن من هم الأفضل؟ وهل مجالسة السيئين فيها خير مع الدعوة إلى الله؟ A سؤال الأخ: من أفضل الناس ممن نجلس معهم في هذا الوقت، عن الجنس لا عن الشخص، لأنه لا يمكن أن يحدد شخص باسمه أنه فلان؛ لكن الجنس قد وصفه سبحانه وتعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، فقال سبحانه وتعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63] فالمؤمنون المتقون هم الذين يجالَسون، خاصة من يُشتَهر بطلب العلم، والبحث في المسائل العلمية، والغيرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتأثير في الناس، فإن هذا مجلسه بركة، وقد سمى ابن القيم في الوابل الصيب هذا وأمثاله (من المبارك أينما كان)؛ لأن الله قال: {مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:31] فمعناه كلما نزل منزلاً كان همه الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فأرى أن تجالس: أولاً: من بانَ الصلاحُ عليه، بأَنْ ظهر عليه الخير وعُرف بين الناس بالذكر الحسن، فتجالسه؛ لأن السرائر علامتها العلانية، فمن وضع الله له الحب والقبول فهو على سريرته، ومن وضع الله له البغض فهو على سريرته. ثانياً: مَن يهتم بالدين، فإن بعض الناس مستقيم في نفسه لكنه سلبي، من يهتم بالدين تعليماً وتعلُّماً وتفقُّهاً وأمراً ونهياً تجالسه، وتجتنب من كان مشهوراً بالتهتُّك لحدود الله عزَّ وجلَّ، أو مغرماً بالدنيا، أو يصدك عن الله سبحانه وتعالى، لأن الله يقول: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28]. أما مجالسة الناس السيئين فإذا أنست من نفسك حصانة في الدين واستقامة ولا تخاف على نفسك منهم أن يجروك إلى المعاصي أو يؤثروا عليك، فإن الأحسن أن تجالسهم، كما فعل عليه الصلاة والسلام؛ لكن من خشي على نفسه لضعف إيمانه، فالأولى أن يهرب منهم وأن يبتعد عنهم.

مظاهر محبة الرسول صلى الله عليه وسلم

مظاهر محبة الرسول صلى الله عليه وسلم Q ما هي أهم مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم؟ A تكمن في أمور، ربما تكون في أربعة: الأمر الأول: كثرة الصلاة والسلام على النبي عليه الصلاة والسلام، فإنها شفاء للقلوب، ودواء للأرواح، وزينة للمجالس، فأوصي نفسي وإياكم بكثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، يقول بعض أهل العلم: وأفضل صيغ الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم هي: الصلاة الإبراهيمية: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ في العالمين إنك حميد مجيد. الأمر الثاني: حبه حباً -كما سلف في المحاضرة- يستولي على مشاعرك وأحاسيسك وكل أمر يأتيك. الأمر الثالث: العمل بسنته صلى الله عليه وسلم، أن تطبق سنته، فلا تصدق الذين خالفوا سنته في الظاهر أو في الباطن وقالوا: إنا نحبه، ولو حلفوا، فلو كانوا يحبونه لاتبعوه. الأمر الرابع: أن تنشر سنته في الناس، فتعلم الناس سنته واتباعه صلى الله عليه وسلم في كل دقيق وجليل.

على من تجب الدعوة إلى الله

على من تجب الدعوة إلى الله Q هل لكل واحد أن يدعو إلى الله عزَّ وجلَّ؟ وما هي شروط الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ؟ وإذا وجَد معارضة من الناس فماذا يفعل؟ A أما الدعوة فإنها واجبة على المستطيع من الناس كلٌّ بحسبه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عمَّمها، وليست الدعوة -أيها الإخوة- كالفُتيا، لأن بعض الإخوة يتهيَّب من الدعوة ويقول: أنا ما بلغت المستوى وليس عندي علم، والدعوة تختلف عن الفُتيا، فالفتوى لأناس بلغوا من العلم مبلغاً، أما الدعوة فلكل من يستطيع أن يفهم آية أو حديثاًَ، قال صلى الله عليه وسلم: {بلِّغوا عني ولو آية} وقال: {نضَّر الله امرءاً سمع مني مقالة فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلَّغ أوعى من سامع} هذه مسألة. أما شروطها: فهو الالتزام بالسنة، ولا يُشترط عند أهل العلم أن يكون الإنسان خالياً من العيوب والنقائص والمعاصي فإن هذا لا يكون، وهذا في الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، أما في الناس فمن انتظر حتى يكمُل فلن يكمُل أحد، والشيطان يدخل على بعض الناس فيقول: إذا أتممتُ استقامتي وأتممتُ علمي أدعو إلى الله، فيضيع نفسه ويضيع دعوته ويبقى مكانه، بل مما يعين على الالتزام: الدعوة، فإنها تعينك على نفسك وتجعل نفسك دائماً في حياء وفي خجل حتى تستقيم على أمر الله عزَّ وجلَّ. المقصد: أنك تدعو بما تيسَّر، ولو أن تعلِّم الناس الفاتحة. وقد رأيت في ترجمة الخليل بن أحمد الفراهيدي وهو زهراني -كما قال أهل العلم، وصاحب سير أعلام النبلاء ذكر ذلك- وهو من فراهيد، وقد كان الخليل من أذكياء العالَم، يقول: لأعملن حساباً أجعل الجارية -البنت الصغيرة- تذهب إلى البقَّال فلا يظلمها شيئاً، وهو الذي اكتشف ستة عشر بحراً في العَروض والقافية، وجلس يفكر، وكان يغمض عينيه في التفكير حتى اصطدم بسارية المسجد فمات، والخطأ منه وليس من السارية. فهذا الخليل بن أحمد من أذكى الناس، وكان عابداً ناسكاً، أتى بالعَروض والقوافي والبحور ينَظِّمُها، فلما توفي رئي في المنام، قيل: ما فعل الله بك؟ قال: ما نفعتني العَروض ولا القافية ولا علم اللغة، إنما كنتُ أعلم عجائز في قريتي الفاتحة فأدخلني الله بها الجنة. فالتعليم يكون بتعليم الفاتحة، وتعليم أركان الإسلام، وتعليم (لا إله إلا الله) وغير ذلك.

حكم المقصرين من أهل العلم

حكم المقصرين من أهل العلم Q يا شيخ: بعض الناس من أهل التفسير والحديث والقرآن لا يطبقون السنة في المظهر، فما جزاؤهم وهم قدوة؟ A من انتقص شيئاً من السنة فهو بحسبه عند الله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:32] ولا بد أن ننزل الناس منزلة الله عزَّ وجلَّ التي أنزلها لهم في سورة الأحقاف، فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16] فلا بد للعبد أن يكون له ميزان فيما يقول وفيما يفعل، حتى إن ابن تيمية ذكر وقال: إن الإنسان ظلوم جهول، وهو صحيح، حتى إنك تجد بعضهم يتحمس لفكرة جار في أحكامها حتى على مَن قصر من الصالحين، فتجده يقول -مثلاً- لإنسان يصلي الصلوات الخمس، وقد يقوم الليل، وهو بار بوالديه، صدوق؛ لكنه يسبل ثوبه، فيقول: كيف يدخل هذا الجنة وهو يسبل ثوبه؟! بل بحسبه. ما معنى: كيف يدخل الجنة؟ أو كيف يدَّعي الإسلام وهو يسبل ثوبه؟ فهذا حكم جائر، فلا بد للإنسان أن يكون عدلاً، فهؤلاء بحسبهم، من قصر في هذا نقول له: أنت قصرت وخالفت الرسول صلى الله عليه وسلم وعليك وزر المخالفة؛ لكننا نجعله في منزلته، له حسنات وسيئات، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] ويقول: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء:135] والشهادة لله تقتضي أن يكون الإنسان عادلاً، لا ظالماً ولا جهولاً، فإن الجهول يتكلم بدون علم، والظالم يترك العدل، فمثل هذا عليه وزر؛ لكنه ليس كغيره ممن ترك الدعوة وترك الالتزام والاستقامة.

مشكلة اقتناع المسلم بالأفكار الغربية

مشكلة اقتناع المسلم بالأفكار الغربية Q هناك من أبناء الأمة من عنده قناعة بالأفكار الغربية، فما هو تعليقك على هذا؟ A قال المعصوم عليه الصلاة والسلام: {لتتبعن سنن من كان قبلكم -كلمة (سَنَن) تُضْبَط عند أهل الحديث سَنَن وسُنَن، والسَّنَن: الطرق، والسُّنَن المعروفة: جمع سُنة- حذو القُذَّة بالقُذَّة، حتى لو دخلوا جُحر ضب لدخلتموه، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن الناس إلا هم!} قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم في كلام ما معناه: فمن فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى. ولذلك تجد ممن يتعلم العلم حتى يحمل الدكتوراه ويدرس في الخارج أو في الداخل من نكس الله فكره وقلبه، فهو كالكوز مجخياً، يفهم كل شيء إلا هذا الدين، وختم الله على قلبه، حتى إن بعضهم يقرأ ثمان ساعات من أربع وعشرين ساعة، لكن قراءته لا في الكتاب ولا في السنة، كلها كتب غربية وشرقية، المتردية والنطيحة وما أكل السبع: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] حتى إن ابن تيمية يقول: أما كثرة الكتب بدون هداية فلا تزيد العبد إلا عمى، {قال صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث مع زياد بن أبي لبيد من الأنصار الذي سأله بقوله: يا رسول الله! كيف يضل اليهود والنصارى وعندهم التوراة والإنجيل؟! والله! لنعلمن القرآن أبناءنا، ويعلمه أبناؤنا أبناءهم يا رسول الله! -أي: حتى لا يضل أحد- قال: ثكلتك أمك يا زياد! والذي نفسي بيده! لقد كنتُ أظنك من أفقه الرجال بـ المدينة، هذه التوراة عند اليهود والإنجيل عند النصارى ما أغنت عنهم شيئاً}. فقضية وجود القرآن والسنة في المكتبات وقد نكس الله قلب العبد لا تنفعه أبداً، بل بيَّن بعض المفسرين وقال: من يقرأ القرآن وهو يشك في مبادئه ومناهجه يزيده الله عمىً بقراءته. أي: أنه لو ترك القرآن لكان أحسن، حتى إن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت:44] ويقول: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} [مريم:76] فالمهتدي يزيده هدىً. فكثير من الناس يزيده الله عمىً ويطبع على قلبه بسبب أنه ما تصور دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل بعضهم يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كفيلاً بإصلاح العالم، ولا يستطيع ذلك صلى الله عليه وسلم ولا يقبل شريعته أصلاً، وبعضهم يذهب إلى هناك ثم يأتي مريض القلب، ختم الله على قلبه، فتجده يرى أن أباه وأمه وهم يصلون أنهم على انحراف، وأن سبب تأخر المسلمين هو الصلوات والدين، ولو ما ظاهر بذلك؛ لكنه يشاكس بها أحياناً في مقالات خفية، وفي مجالسه، ويبوح بسمه كالحية في جلساته الخاصة، فحسيبه الله سبحانه وتعالى، قال الله: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:14 - 16].

هل يأخذ المصلى حكم المسجد

هل يأخذ المصلى حكم المسجد Q هذا المصلى الذي لا تقام فيه جميع الصلوات، فمثلاً صلاة الفجر لا يصلي فيه أحد، وإن كانت جميع الفروض الأخرى تصلى فيه، فهل يأخذ حكم المسجد من تحية المسجد وغيرها؟ A أولاً: الرسول عليه الصلاة والسلام بيَّن أن من دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، والمسجد هو ما تُعُورِف أنه مكان للصلاة، وهذا مثلما ذكر الأخ أنه يُصلى فيه بقية الفروض باستمرار فأصبح مسجداً، وقبل هذا وأنا داخل المسجد كنت أظن أنه لا يُصلى فيه إلا الظهر أحياناً، وظننت أنه مصلى، وإلا لو علمتُ بذلك لكان عليَّ حسب السنة أن أصلي ركعتين قبل الجلوس. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

خصائص أهل السنة والجماعة

خصائص أهل السنة والجماعة لقد تعطلت المفاهيم والمناهج وأسدل أهل البدع ستار البدع والزيغ والفساد على هذه الأمة، فوجب على أئمة الإسلام أن يبينوا المنهج الحق منهج أهل السنة والجماعة، وخصائص مذهبهم. وفي هذه المادة بيان لخصائص منهج أهل السنة والجماعة.

أسباب الحديث عن خصائص أهل السنة والجماعة

أسباب الحديث عن خصائص أهل السنة والجماعة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: عنوان هذا الدرس: خصائص أهل السنة والجماعة. من هم أهل السنة والجماعة؟ إنهم أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، وتلاميذه وطُلابه. إنهم هداة الحق، الساعون وراء الحقيقة. إنهم الباحثون وراء النور الذي بعث به رسول الهدى عليه الصلاة والسلام. أهل السنة والجماعة: هم الذين على ما كان عليه رسول الهدى عليه الصلاة والسلام وأصحابه. أهل السنة والجماعة: هم الذين تعبدوا الله بالكتاب والسنة، فإمامهم: محمد عليه الصلاة والسلام، ودستورهم: الكتاب والسنة، وبيوتهم: المساجد، وقدوتهم: السلف الصالح، وسفينتهم: سنته عليه الصلاة والسلام، وعصاهم: التوكل، وأكلهم: الزهد، وديدنهم: حسبنا الله ونعم الوكيل: {دعها فإن معها سقاءها وحذاءها، ترد الماء، وترعى الشجر، حتى يلقاها ربها}. قيل في أهل السنة: هم القرون المفضلة. وقيل: هم أهل الحديث والأثر. وقيل: هم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام. والصحيح أنهم أصحابه عليه الصلاة والسلام، ومن سار على منهجهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين. أيها الإخوة الكرام! أيها الأجلة الصفوة! سبب اختياري لهذا الدرس وعنوانه، ثلاثة أسباب:

معرفة عقيدة أهل السنة والجماعة

معرفة عقيدة أهل السنة والجماعة السبب الأول: حتى نكون على بصيرة بمذهب وخصائص أهل السنة والجماعة؛ لأنها الفرقة الناجية، فأمته عليه الصلاة والسلام ثلاث وسبعون فرقة، كلها في النار إلا واحدة وهم: أهل السنة والجماعة، فلزم عليكم أن تدرسوها دراسة علمية أكيدة متبصرة متعمقة، حتى يسأل الإنسان نفسه: هل هو من أهل السنة والجماعة حقاً؟ فكان لزاماً على طلبة العلم والدعاة أن يبينوا مذهب أهل السنة والجماعة وخصائصهم للناس؛ حتى يعلم الإنسان ويسأل نفسه إذا سمع هذا المنهج الرباني: هل أنا من أهل السنة والجماعة أم لا؟

اتهام المنافقين للدعاة بالتطرف

اتهام المنافقين للدعاة بالتطرف السبب الثاني: أني سمعت بعض المنافقين يتهمون الدعاة وطلبة العلم بالتطرف، وهؤلاء الذين يطلقون التطرف ويصفون الدعاة وطلبة العلم وشباب الصحوة المباركة بالتطرف؛ لا يعرفون من دين الله شيئاً، وهم كما قال الأول: إن كنت أدري فعلي بدنة من كثرة التخليط اسمي من أنا فأحدهم لا يعرف نواقض الوضوء، ولو سألته عن شروط الصلاة لا يعرفها، ولو تناقشت معه في أبسط حقائق الدين لا يجيدها، ربما يعرف في العلم المادي البحت -علم ظاهر الحياة الدنيا- لكنه في علم الدين لا يعرف منه شيئاً. فيأتي إلى الدعاة فيصفهم بالتطرف والتزمت والرجعية، وأنهم يريدون السوء للناس، فأردت أن أصف لكم منهج الدعاة الذي يدعون إليه ويعلمونه الناس من على المنبر، وفي الحلقة، وفي المجمع العام، وفي الدرس، وفي الكتب والأشرطة، ثم أقول لهؤلاء: {تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61]. أهم أتباع محمد عليه الصلاة والسلام أهل التطرف؟! أهم الذين يخشى من جانبهم؟! أهم الذين يُوردون إيرادات لا تصح في العقل ولا في النقل؟!

كثرة الدعاوى

كثرة الدعاوى السبب الثالث: أننا في فترة كثر فيها الخلط والمرج، وكثرت فيها الدعاوي. وكل يدَّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا وكل يرى أنه من أهل السنة، وأنه المؤيد بنور من الله، وأن غيره مخطئ. فـ الرافضة يرون أنهم على الصواب، والخوارج يرون أنهم هم المصيبون، وكذلك المرجئة والقدرية، ولكن هذه دعاوى: والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء وهذا موثق من الله، أسائل به كل طالب علم، وكل أستاذ في مدرسة، وكل خطيب في مسجد، وكل شيخ في قبيلة، وكل رجل صالح؛ أن يسمع هذا المنهج، ثم أشهد الله وأشهد ملائكته وحملة عرشه، ثم أشهدكم أنّا ندين الله بمذهب أهل السنة والجماعة لا نخرج عنه قيد أنملة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وأن من خرج من الدعاة فإنما هو متأول يُؤجر على اجتهاده، أو مخطئ يعود إلى رشده إذا بصر بالحق.

خصائص الفرقة الناجية

خصائص الفرقة الناجية وخصائص الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة هي:

تقديم النقل على العقل

تقديم النقل على العقل أولاً: من خصائصهم: أنهم يبدءون بالشرع ثم يخضعون العقل له، عملاً بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1] فلا يقدمون العقل، وإنما يقدمون النقل، فيقفون أمام قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، خجلين راهبين خاشعين ولو قطعت أعناقهم، فهم أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، يقفون أمام الكتاب والسنة، ولا ينظرون لقول أحد من الناس كائناً من كان، ومحمد صلى الله عليه وسلم يحتج بقوله ولا يحتج لقوله، وغيره عليه الصلاة والسلام يحتج لقوله ولا يحتج بقوله. فيرون أنه لو أتت المسألة فيها: قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام انتهى الأمر وليس لهم خيرة، ولا منأى، وليس لهم عذر أن يتركوا: قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام لقول أحد من الناس. كان عمر وهو من سادات أهل السنة والجماعة يقف أمام الآية. قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[كان عمر رضي الله عنه وأرضاه وقافاً عند كتاب الله، إذا تليت عليه الآية لا يتجاوزها، كان جُلَّاسه أهل القرآن كباراً أو صغاراً]] فهؤلاء جلساء عمر: أعف سهر العيون فكل نوم لغيرك أيها المولى حرام وأسمعني حديث الوصل سبعاً رضيت لك السرى والناس ناموا طرق عيينة بن حصن على عمر الباب، وعيينة شيخ القبيلة، لكنه يجهل الدين، وعمر متنور بنور الله، فقلب عمر وكلامه نور وتتلمذ في مدرسة النور: ولو أنه حسن فريد عذرته ولكنه نور وثانٍ وثالث طرق الباب عيينة بن حصن -وهو أعرابي لا يفهم الدين- قال عمر: من؟ قال: ائذن لي وافتح الباب! أنا الكريم ابن الكريم ابن الكريم، قال عمر: كذبت، أنت الخسيس ابن الخسيس ابن الخسيس، الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وفتح له الباب، وقال: هيه يا عمر! لا تحكم فينا بالعدل، ولا تعطينا الجزل، فأخذ عمر الدرة؛ ليخرج الشياطين من رأسه، فقال الحر بن قيس وهو غلام قريب لـ عيينة من أبنائه: يا أمير المؤمنين! لا تعجل، فالله يقول: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] وإن هذا من الجاهلين. فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله. كان عمر يُخضع رقبته للحق، خرج يصلي بالناس الجمعة في ثوب واحد -لا يملك من الدنيا إلا ثوباً- ومعه عصا يريد أن يرتقي المنبر؛ ليعلم الأمة الخالدة المفاهيم الخالدة والمبادئ الأصيلة، وفي الطريق سال ميزاب بدم دجاج على ثيابه قبل الخطبة بدقائق، فغضب -وكان رجلاً طوالاً لا يقوم له خصم- فاقتلع الميزاب وأنزله في الأرض، وعاد إلى البيت وغيَّر ثيابه، وصعد المنبر، وخطب الناس، فلما خرج الناس وإذا الميزاب المقلوع ميزاب العباس عم الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال العباس: [[من قلع الميزاب؟ قال عمر: أنا. قال: ولم؟ قال: تذبح الدجاج وتسيل دمه على الناس، وهذا تأكيد من عمر لأنه الحاكم، قال العباس: والله الذي لا إله إلا هو! ما ركب ذاك الميزاب في هذا المكان بيده إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فدمعت عينا عمر، وقال: أسألك بالله أهو رسول الله الذي بناه بيده؟ قال: إي والذي نفسي بيده! قال: والذي نفسي بيده! لأبركن لك في الأرض، ولتصعدن من على كتفي بأقدامك، ولتعيدن الميزاب مكانه]]. لله درك! ولله ما أقواك! وما أحسنك! هذا هو الوقوف عند قال الله وقال الرسول عليه الصلاة والسلام، الاحترام المطلق، لا كوقوف العبيد عند السادة، أوامر البشر يوقف لها وتؤخذ بعين الاعتبار والتسليم والاحترام، أما قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام فأصبحت عند كثيرٍ من الناس من المهانة بدرجة حتى إنه لا يعبأ بها. قال عليه الصلاة والسلام للناس وهو على المنبر: {يا أيها الناس! اجلسوا} وكان ابن رواحة -الذي باع روحه من الله- على الرصيف خارج المسجد، فسمع كلمة: اجلسوا! فجلس في الشمس على الرصيف، قال الناس: مالك يـ ابن رواحة؟ قال: إني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: اجلسوا! فجلست -انتهى الأمر- فهم يدينون -أولاً- بالنقل، ويحترمون قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، ويخشون من هذه الكلمات العجيبة. وسأل سائل الإمام أحمد وهو في مرض موته عن حديثٍ فقال: أجلسوني! فلا ينبغي أن أُسأل عن حديث وأنا مضطجع. وكان الإمام مالك يمشي في الطريق، فسألوه عن حديث، فقال: لا أجيب حتى نجلس. فجلس؛ احتراماً للحديث.

أن العصمة ثابته للنبي صلى الله عليه وسلم وليست لأحد من أمته

أن العصمة ثابته للنبي صلى الله عليه وسلم وليست لأحد من أمته الخصيصة الثانية: أنهم ليس لهم إمام مُعظَّم يأخذون كلامه كله ويدعون ما خالفه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كل إمام دونه عليه الصلاة والسلام يؤخذ من كلامه ويرد، وكل إمام دونه يُعرض كلامه على كلام محمد عليه الصلاة والسلام، فكلامه صلى الله عليه وسلم ميزان، وبضاعته كلها تعرف فتشترى، وبزه معروف طاهر طيب، أما البزوز غير بزه ففيها نظر، وكل بضاعة تخرج وليس خاتمه -مكتوب على البضاعة محمد صلى الله عليه وسلم- فاعرف أنها بضاعة مزجاة ينبغي أن تُرد على صاحبها. يقول الإمام مالك: [[ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر]]. وقال الشافعي حديثاً فقالوا له: أتأخذ بالحديث؟! قال: سبحان الله! أرأيتني يهودياً أو نصرانياً؟! أيُّ سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا رددت كلامه عليه الصلاة والسلام. وقال أبو حنيفة: "إذا عارض قولي قول الرسول صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط". وقال سفيان الثوري: "ما أتاك عن محمد صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس، وما أتاك من أهل بدر فعلى العين والرأس، وما أتاك عن بقية الصحابة فعلى العين والرأس، وما أتاك عن غيرهم يُخالف قولهم فارمِ به في الحش". والحش عندهم: دورة المياه. وقال الأوزاعي: "لا تلتفت لقول قائل كائناً من كان إلا قول الرسول عليه الصلاة والسلام". من زار بابك لم تبرح جوانحه تروي أحاديث ما أوليت من منن فالعين عن قرة والكف عن صلة والقلب عن جابر والسمع عن حسن وقال الشافعي: "إذا تبين لي الحديث، ووصلني وعلمت صحته، وأخذت بقول غير الحديث؛ فاعلموا أن عقلي قد ذهب". أي: رفع القلم. قال شيخ الإسلام -أيد الله مسيرته ومنهجه، ونوَّر الله ضريحه، وقدس روحه-: "إن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، وليست هذه المنزلة لغيره عليه الصلاة والسلام، بل كل أحد من الناس يُؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أهل السنة وسط بين فرق الأمة

أهل السنة وسط بين فرق الأمة ومن خصائص أهل السنة والجماعة: أنهم وسط بين فرق الأمة. فإن الله جعلهم في أفكارهم ومعتقداتهم وعباداتهم وأخلاقهم وسلوكهم وسطاً، والله جعل الأمة الإسلامية وسطاً، قيل: خيار، وقيل: وسط بين المتطرفين، فلا تطرف، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143]. وأنا أنقل بعض النقولات؛ علَّ من عنده رغبة في مراجعة الأدلة والنقولات أن يعود إليها في مظانها، وغالباً ما أنقل من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، أو إعلام الموقعين، أو بعض الكتب التي أشير إليها. قال شيخ الإسلام: وهكذا أهل السنة والجماعة في الفرق، فهم في باب أسماء الله تعالى وصفاته وسط بين أهل التعطيل الذين يُلحدون في أسماء الله، فإنهم نفوا أسماء الله وصفاته سبحانه وتعالى، وبين المشبهة الممثلة الذين مثلوا الله سبحانه وتعالى بخلقه، فهؤلاء جعلوا الله عدماً، وهؤلاء جعلوا الله كالمخلوقات. فـ أهل السنة توسطوا، فأقروا في الأسماء والصفات ما ورد في الكتاب والسنة، وأمروها على ظاهرها بلا تحريف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل مع الإيمان بمعناها: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. وتوسط أهل السنة بين المرجئة وبين الخوارج والمعتزلة، فـ الخوارج أخرجوا أهل الكبائر من الإيمان، فعندهم شارب الخمر كافر في النار، والزاني كافر، والمعتزلة أنزلوهم في منزلة بين المنزلتين -لا كافر ولا مؤمن- وخلدوهم في النار. وهدى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فقالوا: لا يزال صاحب الكبيرة ما لم يستحلها في دائرة الإيمان، فاسق بكبيرته تحت رحمة الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، لكنه لا يزال مؤمناً ويستدلون على ذلك بأدلة: منها: أن الله عز وجل قال في المتقاتلين وهم من المؤمنين: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9] ثم قال سبحانه وتعالى بعدها: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] فلم يسلب عنهم الإيمان. وأنا أسمع أن بعض الناس يقول: الدعاة يُكفِّرون الناس، ووالله! ما سمعت طالب علم يُوثق بعلمه وبنقله وبعقله كفر أحداً. نعم! ينهى عن المعاصي والفجور، وعن التهكم بالدين، لكن أما أنه يكفر الناس بالذنوب فلا! وليس هذا منهجاً يُرتضى؛ لأن الدعاة -الآن- وطلبة العلم والعلماء هم الذين يُعلِّمون أبناء المسلمين في الجامعات والمدارس والمحاضرات والندوات، فكيف يقولون هذا القول المبتدع الذي لا يرضاه مسلم؟! وأهل السنة -أيضاً- وسط بين القدرية والجبرية. فـ القدرية قالوا: لم يقدر الله أي شيء، والله لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه، فمجيئك إلى المسجد عند القدرية لا يعلمه الله حتى تأتي -تعالى الله عن ذلك- فيقولون: ما سبق علمه ولا سبق تقديره. والجبرية يقولون: العبد مجبور على فعل المعصية، ففرعون مجبور عندهم ومعذور على الكفر، وكذلك إبليس معذور عندهم. وتوسط أهل السنة فقالوا: لا. للعبد مشيئة، ولله مشيئة، قال الله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30]. وللعبد اختيار لكنه تحت اختيار الله، والعبد واختياره مخلوقان خلقهما الواحد الأحد، فهذا هو الاختيار السليم السديد وهو الوسط. وأهل السنة وسط -أيضاً- بين الرافضة والناصبة، فـ الرافضة هم الذين رفضوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولعنوهم وتبرءوا منهم، وكفَّر بعضهم الشيخين، ورموا عائشة بالفاحشة، وقابلهم الناصبة. ثم إن الرافضة ألهوا أهل البيت، حتى إن بعض الفرق ادَّعت أن علياً إلهاً، أو نبياً، أو خيراً من الأنبياء، وادّعوا أن الأئمة معصومون أو أفضل من الأنبياء. وقابلهم الناصبة فسبوا أهل البيت، ولعنوا علياً من على المنابر، وتبرءوا منه، وقالوا: بكفره، واستحلوا دمه. وتوسط أهل السنة فأقروا لأهل البيت بالحب والولاء، وعرفوا منزلتهم واحترموهم، وقدَّروا الصحابة، وتوسطوا؛ قال الله: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:213].

عصمة الله لهم عن تكفير بعضهم البعض

عصمة الله لهم عن تكفير بعضهم البعض ومن خصائص أهل السنة: عصمة الله عز وجل لهم عن تكفير بعضهم بعضاً. قال عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق ص (361) قال: " أهل السنة لا يكفر بعضهم بعضاً، وليس بينهم خلاف يوجب التبري والتكفير، فهم أهل الجماعة القائمون بالحق، والله تعالى يحفظ الحق وأهله، فلا يقعون في تنابذ وتناقض، ولا يوجد فريق من فرق المخالفين إلا وفيهم تكفير لبعضهم البعض، وتبرؤ بعضهم من بعض، كـ الخوارج والرافضة والقدرية، قال: حتى اجتمع سبعة منهم في مجلس واحد، فافترقوا عن تكفير بعضهم بعضاً، وكانوا بمنزلة اليهود والنصارى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة:113]. فـ أهل السنة يختلفون في مسائل؛ ولكن يبقى الود بينهم والحوار والمناقشة والجدال بالتي هي أحسن، ولا يغضب بعضهم على بعض، وهذا في اختلاف التنوع الذي لا يوجب التكفير. وهم -أيضاً- لا يُسارعون في التكفير -كما ذكرت- فالتكفير أمره خطير، وأحذِّركم من تكفير المسلمين والمتأولين إلا من ظهر كفره، وبان عناده وإلحاده، فإن التكفير أضيق من ثقب الإبرة، ولا يقدم عليه إلا متهور، أعاذنا الله وإياكم أن نحكم على أحد من أهل القبلة بالخلود في النار.

سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خصائص أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان بعض بني أمية ينصب العداء لـ علي رضي الله عنه ولبعض الصحابة، وكان منهم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قبل أن يبين له الصواب، حينما كان تلميذاً عند عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أحد الفقهاء السبعة، فسمع عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر ينال من علي، فأجلسه أمامه، وقال: يا عمر! متى علمت أن الله غضب على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟ قال: ما علمت -وعلي من أهل بدر. قال: متى علمت أن الله غضب على أهل بيعة الرضوان بعد أن رضي عنهم؟ قال: ما علمت -وعلي من أهل بيعة الرضوان. قال: فلماذا تسب علياً؟ قال: أتوب إلى الله، والله! لا أسبَّنه ولأحبَّنه، أي: لأحبنه من الآن. فـ أهل السنة قلوبهم سليمة للصحابة، وأما أهل البدع؛ فإنهم يتناولون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم تناولاً ويقعون في أعراضهم، بل إن بعضهم يكفرهم ويستهزئ بهم، عليهم غضب الله. قرأت عن بعض فرق المبتدعة في خراسان أن مبتدعاً خبيثاً منهم كان له فرسان، سمى أحد الفرسين: أبا بكر، وسمى الثاني: عمر، فأخبروا أحد العلماء، فقال: انتظروا سوف يقتله الفرس الذي اسمه عمر، لا يقتله إلا عمر؛ لأن عمر قوي، قالوا: فأتى يوماً من الأيام في الصباح يريد أن يضع العلف للفرسين؛ فرفسه الفرس الذي سماه عمر فقتله، وهذا أمر موجود في التراجم. انظر إلى امتهانهم لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام!! الشيخان العظيمان، قطبا الإسلام، وبطانة التوحيد، وسفينة الوعي، يتهمونهم بهذه التهمة وهذه التسمية الباطلة. فـ أهل السنة يقول فيهم سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] وأنشد ابن القيم قصيدة يمدح فيها الصحابة ويحييهم ويلوم نفسه على أنه مُقصِّر في حبهم، ويتمنى أن يلقاهم ولو في المنام، ويسأل الله عز وجل أن يجمعه بهم في دار الكرامة، ويُعاتب نفسه على التقصير في الحب، يقول فيها: أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم وحمّلها جهد المحب وإنه ليضعف عن حمل القميص ويألم لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتنا إن غبتم أو حضرتم سلوا نسمات للرياح تحملت محبتكم والله يدري ويعلم وكنت إذا ما اشتد بي الشوق والجوى وسارت بنات الحب بالحب تقسم أعلل نفسي بالتلاقي وقربه وأوعظها لكنها تتكتم إلى أن قال: أسائل عنكم كل غادٍ ورائح وأومئ إلى أوطانكم وأسلم هؤلاء أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء أحباب الله من خلقه وأكرم الناس، قدَّموا جماجمهم من أجل لا إله إلا الله، وسالت دماؤهم من أجل مبادئهم حتى ارتفع دين الله، فما أبقوا قلعة إلا فتحوها بالتوحيد، وما أبقوا مبطلاً إلا ذبحوه، ليبقى التوحيد لله، وليخسأ كل فاجر رعديد. قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم: {لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه}. ويقول: {الله الله في أصحابي! لا تتخذوهم غرضاً، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم} رواه الترمذي. فالحذر كل الحذر أن يسب الصحابة، بل يعرف لهم منزلتهم فإنهم أهل القبلتين، وأهل البيعتين، وأهل القيامتين، وأهل المنزلتين، وأهل الولايتين، وأهل الهجرتين، وأهل الجهادين. هم أهل بيعة الرضوان، وأهل العقبة، وأهل بدراً، وأحد، والخندق، والمنازل الشريفة في الإسلام، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وألحقنا بهم، وجمعنا بهم في دار الكرامة. وأهل السنة يُفضِّلون الصحابة بعضهم على بعض كما ورد في السنة، فأفضلهم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي ثم بقية العشرة، ثم من حضر بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، ثم السابقون قبل الفتح، ثم من أتى بعد الفتح، وهكذا: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3]. وأهل السنة يشهدون لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فيشهدون لـ ثابت بن قيس بن شماس بعد العشرة، ثابت الخطيب المصقع، الذي دمغ خصوم الرسول صلى الله عليه وسلم بالخطب، وسبب الشهادة له بالجنة: أنه كان يرفع صوته بالخطب أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينصر الدين، فأنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات:3] فأغلق عليه بابه، وجلس في البيت يبكي ثلاثة أيام بلياليهن، قال عليه الصلاة والسلام: أين ثابت بن قيس بن شماس؟ قالوا: ما رأيناه، قال: التمسوه، فالتمسوه، فوجدوه وراء الباب يبكي -لم يأكل ثلاثة أيام- قالوا: يا ثابت! اخرج، قال: أنا من الهالكين. قالوا: لماذا؟ قال: الله يمدح الذين يغضون أصواتهم وأنا لم أغض صوتي وكنت أرفع صوتي في الخطب. فأخبروا الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: أخبروه أنه من أهل الجنة - وفي رواية أخرى-: أخبروه أنه شهيد وأنا على ذلك شهيد، فأخبروه، ففتح الباب وهو يبكي ورمى روحه على الرسول صلى الله عليه وسلم: جاءت إليك حمامة مشتاقة تشكو إليك بقلب صب واجف من أخبر الورقاء أن مكانكم حرم وأنك ملجأ للخائف وحضر ثابت بن قيس بن شماس اليمامة، فلما تولَّى الصحابة؛ لأنه أتاهم هجوم عسكري مسلح مباغت -من بني حنيفة- متماسك كالجبل يزحف زحفاً، وكان قائد المعركة أبو سليمان خالد بن الوليد بيَّض الله وجهه، فأزاحوا صفوف الصحابة؛ لأن الصحابة لم يتهيئوا في الصباح حتى كشفوا المعسكر إلى مخيم خالد، فدخلوا مخيم خالد، فأخذ خالد البُرد وائتزر به، وقام وأخذ السيف وكسر غمده على ركبته، ثم أخذ يضرب في أعداء الله، ويفلق هاماتهم، فولَّى بنو حنيفة أمامه، ويقول شاعرهم: أبنو حنيفة شدوا طال نومكم إن الخليفة عوَّاد بعواد يا من يرى خالداً بالبرد معتجراً تحت العجاجة مثل الأغطف الغادي أمَّا ثابت فحفر لقدميه حفرتين، وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما فعل هؤلاء -أي: الكفار- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -أي: من فر- وثبت حتى قتل في سبيل الله. فهذا شهيد من الشهداء، وإنما ذكرت قصته استطراداً، وهذه القصص تسري في دماء الموحدين وأهل السنة والجماعة بركاناً ثواراً هادراً يملأها بالمثل يوم تحب الله ورسوله.

موقف أهل السنة من التأويل

موقف أهل السنة من التأويل ومن خصائصهم رفضهم للتأويل. والتأويل على ثلاثة أقسام: أولاً: التأويل بمعنى: التفسير، كما قال مجاهد: والراسخون في العلم يعلمون تأويل المتشابه. فالتأويل معناه: التفسير. يعلمون تأويله: أي: تفسيره، والتأويل عند ابن جرير يعني: التفسير، يقول: قال بعض المؤولة: يعني: المفسرة والمفسرون. ثانياً: ما يئول إليه الشيء، أي: ما تئول إليه حقيقة الشيء ويرجع إليه الأمر. ثالثاً: التأويل عند المتأخرين -وهذا المذموم الذي ذمه أهل السنة - وهو: صرف الألفاظ والنصوص عن ظاهرها. والتأويل شر الأبواب التي دُخل منها على الإسلام، فبالتأويل ذُبِحَ الصحابة في موقعة الجمل، وفي صفين وتقاتل ابن الزبير وعبد الملك. بالتأويل دخلت القرامطة والنصيرية والإسماعيلية والباطنية. بالتأويل دخل التتار وذبحوا المسلمين في العالم الإسلامي. بالتأويل فتح بعض المبتدعة للصليبين الطريق لدخول بلاد الإسلام واحتلت. بالتأويل نحي القرآن والسنة عن حياة الناس. والآن أصبح القرآن الذي حكم البشرية خمسة عشر قرناً؛ منزوياً في حياة الناس، وأصبح لا يحكم إلا في مناحٍ من مناحي الحياة الجزئية، لا يدخل في ضمائر الناس، ولا في عقائدهم، ولا يحكم أفكارهم، ولا يحكم أقلامهم، ولا يتحاكمون إليه في كل صغيرة ولا كبيرة، إنما أصبح -عند بعض الناس- كالمتحف يتفرج فيه، وأصبح تزجية للأوقات، فإذا افتتح شيء وقبل أن يقص الشريط بدءوا بآيات من القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال:24] رأيت الجمع أمامك والقارئ يقرأ يقولون: كذا، لأنهم متأثرين، والمعنى: لا نستجيب، فإلى الله المشتكى. واسمع ابن القيم ماذا يقول في أعلام الموقعين (4/ 251) قال: وبالجملة: فافتراق أهل الكتابين، وافتراق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، إنما أوجبه التأويل، وإنما أُريقت دماء المسلمين يوم الجمل وصفين والحرة وفتنة ابن الزبير وهلمَّ جرا بالتأويل، وإنما دخل أعداء الإسلام بالتأويل إلى أن قال: وهل دخلت طائفة الإلحاد من الحلولية والاتحادية إلا من باب التأويل مضادة ومناقضةً لحكم الله في تعليم عباده البيان الذي امتن الله سبحانه وتعالى على عباده به. فأصبح القرآن والسنة عند بعض الناس طلاسم، وأصبحوا يرون أنه يعزل من الحياة. يقول ابن القيم في موضع آخر: أصبح القرآن والسنة في زماننا -أي: في القرن السابع، فكيف بالقرن الخامس عشر- قال: أصبح مثل الخليفة عندنا لا يملك إلا السكة -أي: كتابه اسمه على النقد، والخاتم والخضيب والبردة- أما تسيير الأمور فهي للسلاطين، فنحي القرآن والسنة من حياة الناس، وهذا الذي نعاه أهل السنة والجماعة وطالبوا به، ويلحون بالمطالبة به، ويقدمون دماءهم رخيصة ليبقى هذا المفهوم السائد.

الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ومن خصائص أهل السنة والجماعة: أنهم يعتقدون أن الدين والإيمان قول وعمل يزيد وينقص. وهم مع ذلك لا يُكفِّرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج؛ بل أخوة الإيمان ثابتة مع المعاصي. وبعض الطوائف ترى أن الإيمان اعتقاد فقط!! مثل المرجئة، فلا تضر الكبائر ولا يدخل العمل، وبعضهم يرى أنه نطق واعتقاد، وبعضهم يرى أنها معرفة فقط أو تصديق، وأهل السنة يقولون: الإيمان قول باللسان؛ أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. واعتقاد بالجنان: أن يعقد قلبك على الميثاق وأن تعتقده حقاً مثل الشمس في رابعة النهار. وأن تعمل بالجوارح والأركان: فتارك الصلاة كافر؛ لأنه ترك شيئاً من الإيمان عند أهل السنة، فالإيمان عندهم: قول وعمل واعتقاد، بخلاف المبتدعة؛ فإنهم كفروا صاحب الكبيرة وأدخلوه النار، وبعضهم كـ المرجئة يقول: لا يضر، حتى تارك الصلاة عندهم لا يخرج من الإيمان، وإيمانه مثل إيمان أبي بكر وعمر. فسبحان الذي هدى أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه.

اتباع آثار الرسول ظاهرا وباطنا

اتباع آثار الرسول ظاهراً وباطناً ومن خصائص أهل السنة: اتباعهم آثار الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بليالٍ، حيث قال: {عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ}. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وهو حديث صحيح. هذه وصيته عليه الصلاة والسلام. وله حقوق علينا، منها: أن نحبه حباً يغلب حبنا لأطفالنا ولأهلنا ولأمهاتنا وآبائنا، وحبه يسري في دمائنا، وحبه يغلب على أنفسنا؛ حتى تتمنى أنت أنك قطعت بين يديه في سبيل الله، وتتمنى أن الشمس المحرقة إذا أرادت أن تصل إلى جسمه تصل إلى جسمك أنت. فديناك يا ليل السهاد الذي سرى بجسمك دوماً في محاجرنا يسري تصل إلى درجة خبيب بن عدي، وتفقد نفسك وأنت خصيم نفسك وشاهد عليها: {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:14 - 15]. فاسأل نفسك يا عبد الله وخاصم روحك، وقد جعل الله من نفسك على نفسك سلطاناً، وقف مع نفسك خصماً وتأمل!! هل أنت تحبه صراحة؟ هل تسعى لما فعل خبيب بن عدي الشهيد البطل لما رُفِعَ إلى المشنقة وقدم على الموت، وأتت السيوف تنوشه من كل جهة، والرماح تقطعه في حرارة الشمس، وهو يقول لكفار قريش: [[اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، فقال أبو سفيان: يا خبيب! أتريد أن محمداً مكانك]] لأنهم يرون أن الذي ورَّط خبيباً هو محمد عليه الصلاة والسلام، والله إنها من أحسن الورطات، ومن أشرف وأعظم المنجيات. يذكرون أن رجلاً جاهلاً نصح ابنه فقال له: لا تدع إلى الله، وقد كان بعد كل صلاة يقول: عن أبي هريرة عن أبي هريرة فقال: يورطك أبو هريرة، قال: لا يورطني إن شاء الله، فتكلم ابنه فسُجن، وهذا سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال:30] وسبيل أحمد ومالك والشافعي وابن تيمية والعز بن عبد السلام، فتلك طريق ممضية، فلما سجن قال له أهله: أخرج ابننا، قال: يخرجه أبو هريرة. الذي ورطه أبو هريرة فيخرجه أبو هريرة. فلما ارتفع خبيب إلى المشنقة، قال: أتريد أن محمداً مكانك وأنك في أهلك ومالك؟ قال: [[لا والذي نفسي بيده! ما أريد أن محمداً عليه الصلاة والسلام تصيبه الشوكة وأني في أهلي ومالي منعماً، السلام عليك يا رسول الله]] وكان خبيب في مكة والرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة، الشيخ في المدينة والتلميذ في مكة، لكن الأرواح تسري، وتقطع المنازل، وتصل إلى القلوب، وتأتي على المسافات والجبال، قال: [[اللهم أبلغ رسولك ما ألقى الغداة]] يقول: أخبره بما وجدت وبما لقيت وبما تعرضت له. يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ألَّا تفارقهم فالراحلون همُ إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم ووصل الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في نفس اللحظة، فأخذ يلتفت وعيناه تهراقان بالدموع، ويقول: {عليك السلام يا خبيب! عليك السلام يا خبيب! عليك السلام يا خبيب! إلى الجنة} يريد صلى الله عليه وسلم أن يوصل تلاميذه إلى الجنة. إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى للمطايا طيب ذكراك حاديا وإني لأستغشي وما بي غشوة لعلَّ خيالاً منك يلقى خياليا وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا فإما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا رضينا بك اللهم رباً وخالقاً وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا هذا منهج أهل السنة، أتريد حياة غير حياة هؤلاء؟!! وهم يحبونه عليه الصلاة والسلام ويموتون في حبه، ويتمنى الواحد منهم أن تتفجر به القنبلة لترتفع سنته ومنهجه في الأرض، وأتباعه ذهبوا إلى أفغانستان يجددون العهد، عهد بدر وحنين. تلك العصا من تلكم العصية وهل تلد الحية إلا حية فتفجرت بهم دبابات الملحدين الحمر، فولوا الأدبار خاسرين خائبين يوم رأوا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: ها قد عدنا إلى العالم، ورجعنا من جديد، وأتينا ننصر الرسالة الخالدة، كلما مات جيل أتى جيل: نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا حبهم ليس مفتعل! فهم يحبونه حباً يسري في الدماء، تسقط شعرة منه عليه الصلاة والسلام فيتقاطعوها عند الجمرة يوم حلق رأسه وكاد الناس يقتتلون عليها، يأخذون القدح الذي شرب فيه فيتسابقون أيهم يشرب من الموضع الذي شرب منه، يبصق فيأخذون البصاق، فيتمسحون به على وجوههم، لكنه حب ليس بتأله، واتباع وليس بعبودية له؛ لأنه هو الذي علمهم لمن تكون العبودية. يا قاتل الظلم ثارت هاهنا وهنا فضائح أين منها جندك الواري طه إذا ثار إنشادي فإن أبي حسان أخباره بالشعر أخباري

منهج أهل السنة في آيات وأحاديث الصفات

منهج أهل السنة في آيات وأحاديث الصفات ومن خصائصهم: أنهم يمرون أحاديث وآيات الصفات على ظاهرها بلا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل. قال الشوكاني رحمه الله في الرسائل السلفية، وتسمى التحف في مذاهب السلف ص: (4 - 5 - 6) "والحق الذي لا شك فيه ولا شبهة، هو ما كان عليه خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وقد كانوا رحمهم الله -وأرشدنا إلى الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم- يمرون أدلة الصفات على ظاهرها، ولا يتكلفون علم ما لا يعلمون، ولا يتأولون، وهذا المعروف من أقوالهم وأفعالهم والمتقرر من مذاهبهم لا يشك شاك في ذلك، ولا ينكره منكر، ولا يجادل فيه مجادل، وإن نزع بينهم نازع، أو نجم في عصرهم ناجم؛ أوضحوا له أمره؛ وبينوا له أنه على ضلالة، وصرحوا بذلك له في المجامع والمحافل". انتهى كلام الشوكاني. المقصود: لا تقول: كيف ولا تشبه ولا تعطِّل: {ينزل ربنا إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل} قل: آمنا وسلَّمنا، قل كما قال الشافعي رحمه الله: "آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله". لا تقل كيف استوى كيف النزول أنت لا تعرف من أنت ولا كيف تبول فينبغي أن يقف الإنسان خصيماً لنفسه، ويتفقد نفسه وروحه؛ لأنه إذا لم يتلق المناهج -الآن- من طلبة العلم والعلماء الذين يظهرون للناس مذهب أهل السنة والجماعة فأين تلقي بابنك؟ وأين يتوجه؟ وممن يأخذ الفكر؟ إذا كان بعض الآباء يُحذِّرون أبناءهم من المحاضرات والدروس العلمية بحجة التطرف فمن أين يأخذون علمهم؟ ومن أين يأخذون منهج أهل السنة والجماعة؟ ومن أين ينجون؟ وهل هناك باطل يقال؟ هل رئي منكر يعرض على الناس؟ إن كان هناك باطل أو منكر فليكشف، وليوجه الدعاة وليناصحوا. فطيلة ما يجلس الداعية في هذا المسجد سنوات طويلة وفي الدروس والمحاضرات ولم يتلق مرة من المرات رسالة ولا قصاصة، نقول: إنك انحرفت عن منهج أهل السنة والجماعة. فهذا فضل من الله وتسديد، وإنما نقول هذا من باب: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11].

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما توجبه الشريعة

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما توجبه الشريعة ومن خصائص أهل السنة والجماعة: أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، ويرون إقامة الجهاد في سبيل الله، وبذل الدعوة للناس، والاحتساب في سبيله، وبيع الجماجم، وهي جمع جمجمة، ويرون أن قطع الجمجمة في سبيل الله من أحسن ما يكون، ويرون كما قال فديوي الوهباني: دوس المخاطر ولا تخشى عواقبها الموت واحد وانعم بالخطر جالي وهذه من أسهل ما يكون، وأن قطعها في سبيل الله أحسن الأمنيات. ويرون كما دخل ابن التمار على المأمون فقال المأمون: والله لأقطعن رأسك، فقطع ابن التمار زراره ورماه في وجه المأمون وقال: والله الذي لا إله إلا هو! إن قطع رأسي أهون عندي من قطع هذا الزرار. ويروون أن ابن نوح لما دخل على أحد الخلفاء فقال له: والله لأشرعن في دمك -يعني: أسبح- قال: والله ما صليت الفجر اليوم إلا وتمنيت أنَّ الله يرزقني الشهادة على يديك. ويرون أن من أحسن ما يكون للعبد هو الموت في سبيل الله، وأنه ألذ المطالب، وأحسن وأسهل وأهنأ من الماء البارد، وأن أحدهم إذا صلى قال: اللهم ارزقني الشهادة! حتى إن بعض السلف الصالح كانوا يأتون إلى بيوت بعض السلاطين ويأمرون وينهون من باب: [[قل الحق ولو كان مراً]] فلا يخافون ولا يجبنون، وأهل السنة والجماعة أشجع من أهل الأراضي، والعمارات، وأشجع من أهل الشعير، وأهل الضأن، وأهل الفحم الذين يتضاربون بالمشاعيب وبالهراوي والفئوس على فحمهم وشعيرهم، فهؤلاء إذا قطعت رءوسهم لا تقطع على الأراضي ولا على البطحاء، بل تقطع من أجل (لا إله إلا الله محمد رسول الله). وان دندن الطبل في الحراب دندنا بآيات حقٍ علي وبلال دندنها وهذا البيت من عقيدة أهل السنة، لكن لا تظنوه من البخاري أو مسلم فهذا بيت شعري. فقد رأيتم أنهم يأمرون وينهون ولا يخافون في الله لومة لائم، ويبلغون دين الله كما قال سبحانه: {وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب:39] فإذا خوفهم مخوف، قالوا: هوِّن عليك! معنا القوي وأنتم ضعاف، ومعنا الغني وأنتم فقراء! ومعنا الباقي وأنتم فانون: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:36]. وهذا كلام الله سبحانه ومن الذين دونه؟ هم كل من سواه، ويعلمهم الله، ويقول: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} [آل عمران:173] يقول: زادهم إيماناً وقوة: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174] والله يقول في أوليائه وأعدائه: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:79 - 80] ويقول سبحانه عن قدرته وقدرة البشر: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21] ويقول عن دسائس البشر وعن مكره جزاء مكرهم: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] ويقول سبحانه وتعالى عن حزبه وحزب أعدائه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52]. وأهل السنة والجماعة أشجع من الثوريين العرب، وأشجع من الناصريين، والبعثيين، والاشتراكيين، والماركسيين بدرجات، بل الواحد منهم يسيل دمه قبل أن يلقى الهوج، شجاعة وإقداماً. أحد الصحابة في أحد سمع الهاتف، فاخترط سلة السيف، وأخرجه من الغمد، وقال: وليس على الأعقاب تُدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما ثم رمى بنفسه وقتل. وكان صلى الله عليه وسلم يشهد العاصفة بنفسه ويخوض المعركة، وهناك فيلم أوروبي اسمه بدر الكبرى وفيه قال: واضطر محمد أن يخوض المعركة بنفسه بعد أن اشتدت العاصفة، وكان صلى الله عليه وسلم يدير المعركة قبل نشوبها، لكن إذا اختلطت وسمع صرير السيوف والرماح، طمر بنفسه وسط الهول، حتى يقول علي رضي الله عنه: {كنا نتقي بالرسول صلى الله عليه وسلم إذا اشتد بنا البأس فيكون أقربنا من القوم}. أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أدبت في هول الردى أبطالها وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب فعلها أقوالها ومثل هذه القصيدة، قصيدة اسمها (الشجاعة لمحمد صلى الله عليه وسلم) ألفها السبط ابن الجوزي يمدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم، واسمع مطلعها ما أحسنه يقول: قد زلزلت دنيا الهوى زلزالها وقال سلطان الغرام مالها هذه دنيا من؟ دنيا محمد صلى الله عليه وسلم. فالرسول صلى الله عليه وسلم علَّم الناس أن يبيعوا أنفسهم من الله، أي: لا تبع نفسك بغير الجنة. يقولون: أخذ ابن المبارك تلميذاً له، قال: أوصني؟ فقال لتلميذه: لا تبع نفسك بغير الجنة. والجنة أن تموت في سبيل الله، وأن يرزقك الله الشهادة في أي مكان، ولا تخف من أحد؛ فإن نواصي العباد بيده سبحانه وتعالى، لا يضر ولا ينفع إلا هو كما قال صلى الله عليه وسلم: {ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك إلا بشيء لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. يقول بعض الفضلاء في معنى: رفعت الأقلام وجفت الصحف، يقول: رفعت الأقلام بالقتلى، من يموت قتيلاً ومن يموت ميتاً، ووضعت الأقلام من يموت حبطاً تخمة من الدهون في غرفة الباطنية، فهؤلاء رفعت فيهم الأقلام، والذين يموتون في سبيل الله رفعت فيهم الأقلام، والذين يتقاتلون على أكياس الشعير رفعت فيهم الأقلام، والذي يقتل ابن عمه على قطعة الأرض رفعت فيه الأقلام، ويجتمع سيد الشهداء حمزة يوم القيامة المقتول على كيس شعير لا يساوي سبعة عشر ريالاً!! يوم العرض الأكبر، وهذا قتل وهذا قتل؛ لكن ذاك قتل وهو سيد الشهداء وأسد الله في أرضه، وذاك لا يساوي فلساً.

ترك الخصام والجدال في مسائل الحلال والحرام

ترك الخصام والجدال في مسائل الحلال والحرام ومن خصائصهم: ترك الخصام والجدال والمراء في مسائل الحرام والحلال. قال ابن رجب رحمه الله في كتابه: فضل علم السلف على علم الخلف: ومما أنكره أئمة السلف: الجدال والخصام والمراء في مسائل الحلال والحرام -أيضاً- ولم يكن ذلك من طريقة أئمة الإسلام، وإنما حدث ذلك بعدهم، كما أحدثه فقهاء العراقيين في مسائل الخلاف بين الشافعية والحنفية، وصنفوا كتب الخلاف، ووسعوا البحث والجدل، والله يقول: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف:58]. فـ أهل السنة لا يريدون الخلاف، ولا يحبون الجدل، ولا يتقولون في شرع الله، ويحبون الاجتماع، وأن يكون القول قولاً واحداً، ويحبون الألفة، ويتشاغلون بالقرآن والسنة، أما أهل البدع فيشتغلون بالجدل ويتركون العمل: {وما ضل قوم بعد هدىً كانوا عليه إلا أوتوا الجدل}. ومن خصائص أهل السنة: أن ما يقولونه من الكلام في النصوص إنما هو بفهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة. أي: أنهم يفهمون الدين كما فهمه أبو بكر وعمر -رضوان الله عليهم- والصحابة، ففهمك اجعله كفهم الصحابة -رضوان الله عليهم- فلا تأت بفهم جديد، ويسمى هذا التجديد والتطوير في المناهج، والافتراء والتغيير، ويسمونه: إعادة البناء، كما سماه الروسيين (البروستريكا): إعادة البناء، فليس عندنا إعادة بناء: [[اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم]] {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} انتهى الأمر: سلم قيادك للرسول محمد وارض بسنته مع الأقوام فإذا رضيت بذلك نجحت في الدنيا والآخرة. كان معنا درس مع طلبة العلم في آداب قضاء الحاجة، وإذا الأحاديث أكثر من ثلاثين حديثاً، فمحمد صلى الله عليه وسلم يُعلِّمك كيف تدخل دورة المياه وكيف تخرج؟ وكيف تقضي حاجتك أو تستقبل أو تستدبر، وماذا تفعل؟ هل سمعتم بشرع كهذا؟! وهل سمعتم بمعلم أرقى من هذا المعلم؟! عليه الصلاة والسلام.

المحافظة على الجمع والجماعات

المحافظة على الجمع والجماعات ومن خصائص أهل السنة: محافظتهم على الجمع والأعياد والجماعات، ولا يدعونها لأوهى الأسباب، فهم يحضرون الجمع مع الناس، ويصلون الأعياد والكسوف والاستسقاء والجماعات في المسجد، ويحبون اجتماع الكلمة، ويحضرون الندوات والمحاضرات، ويفرحون إذا كثر الجمع الخيِّر، ولكن المنافقين يغضبون من هذه الجموع، ويرون اجتماعهم أنه سوء وشر وتطرف، وأنه ليس من الخير والحكمة والمصلحة، فانظر! كم الفرق بين الواديين والحسين والمنهجين؟! {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:213]. فـ أهل السنة والجماعة يحضرون الجمع، قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (3/ 280): ومن أصول أهل السنة والجماعة: أنهم يُصلَّون الجمع والأعياد والجماعات، ولا يدعون الجمعة والجماعة كما فعل أهل البدع من الرافضة وغيرهم، فإن كان الإمام مستوراً لم يظهر منه بدعة -أي: الإمام الذي يصلي بهم- ولا فجور، صليت خلفه الجمعة والجماعة باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين، ولم يقل أحد من الأئمة: إنه لا تجوز الصلاة إلا خلف من علم باطن أمره. ولذلك أقول: لا يجوز لك أن تأتي إلى إمام يصلي، وتقول: ما عقيدتك؟! ما دام ظاهره الإسلام فاسكت، فالمستور يُصلى وراءه، ويجاهد وراءه، ويطاع في طاعة الله، ولا نخرج عليه ما لم نر كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان. والإمام يُطاع حتى لو كان يشرب الخمر ولو زنى ولو سرق إذا كان له بيعة، لكننا إذا رأينا كفراً بواحاً فلا، وإنما يجاهد معهم ويصلى وراءهم، ويدعو لهم بالصلاح والاستقامة وبحسن البطانة، فهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، ولا يشقون عصا الطاعة، ولا ينثرون الدم، ولا يشوشون ولا يؤلبون الناس، وإنما ينصحون؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة! قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم} والحديث صحيح. وقال أحمد: "لو أعلم أن لي دعوةً مستجابة لجعلتها لإمام المسلمين. فمن هديهم أنهم يدعون إلى اجتماع الكلمة، ويريدون استتباب الأمور حتى يكون الدين كله لله. وقد ذكر أهل العلم أن ابن مسعود صلَّى خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وقد كان أميراً في العراق وكان يشرب الخمر، وفي مرة صلى بهم الصبح أربعاً، قام إلى الثالثة فقالوا: استعنا بالله، وتوكلنا على الله، ثم قام إلى الرابعة، فقالوا: استعنا بالله، يمكن أن الوحي نزل عليه، فلما فرغ من قراءة الفاتحة وقال: ولا الضالين، قالوا: آمين، قال: من لجسم شفه طول النوى ولعين شفا طول السهر جسد لفف في أكفانه رحمة الله على ذاك الجسد ثم التفت! قال: أزيدكم؟ قالوا: ما زلنا معك في زيادة. انظروا الصلاة ما أحسنها! وهذا في قرن الصحابة، فما رأوا الخروج عليه، قالوا: حفظك الله وهداك وأصلحك، إنما نرفع أمرك لـ عثمان، فرفعوا أمره لـ عثمان، فقال: تعالوا به! فأركبوه على جمل فوصل المدينة، فقال عثمان: يا علي! نفِّذ حد شرب الخمر ثمانين جلدة، وكان علي صاحب المهمات، فهو متدرب على قطف الرءوس، وعلى الضرب رضي الله عنه، يده حامية، أما عثمان ففيه حياء ووقار حتى إنه لا ينظر للناس، أما علي فهو قاطف رءوس الملحدين، يدبغ في الدماء دبغاً رضي الله عنه، ولا يرهب من الحدث، قلبه أقوى من قلب الأسد، فهذا أبو الحسن الذي قيل فيه: عفاءٌ على دنياً رحلت لغيرها فليس بها للصالحين معرج كدأب علي في المواطن كلها أبي حسن والغصن من حيث يخرج قال: قم يا علي! فاجلده، قال علي: قم يا حسن -ابنه شاب- اجلد الوليد، قال الحسن وهذا في صحيح البخاري: ولِّ حارها من تولى قارها -يعني: دع عثمان ما دام تولى الخلافة يتولى مسئوليتها- فتبسم علي، وقال لـ عثمان: اجلده أنت. فأرسل عثمان فجلد ثمانين، فما خرج أهل السنة على هؤلاء، وإنما دعوا لهم بالصلاح والاستقامة. ومن هؤلاء: الحجاج بن يوسف فقد صلى وراءه ابن عمر في منى، وكان الحجاج سفاكاً، يلعب في دماء الأمة، سجن مائة ألف، وكانت السجون مكشوفة، مثل سجون جوزيف استالين في روسيا، الذي يقول فيه خالد محمد خالد: فزت حياً وميتاً يـ استالين. بل خاب حياً وميتاً، إلى النار وبئس المصير!! فهذه السجون مكشوفة، فإذا اشتد الحر خرج الحجاج يُصلي في المسجد، فإذا سمعوا بمرور الحجاج بكوا وتصايحوا وتضاغوا علَّه يرحمهم، قال: اخسئوا فيها ولا تكلمون. ومع ذلك صلى وراءه ابن عمر؛ لأن نقض الطاعة بمثل هذه الأمور لا يصح، فالأمر ما وصل إلى هذا الحد، بل يُدعى وتقوم الأمور، فهذا معتقد أهل السنة. وصلى الصحابة خلف ابن أبي عبيد وكان متهماً بالإلحاد. وصلوا خلف يزيد بن عبد الملك وكان عنده مولى يسمى قبيحة فسماه الناس عبد قبيحة -أي الخليفة- كان يملأ بركة من العطر والطيب، ثم تضرب القيان له، ويشرب الخمر، ثم يقول: أريد أن أطير، أين أطير؟ قالوا: طر إلى البركة، فطار بثيابه إلى البركة، ولذلك ناصحوه؛ لكنه مات شر ميتة، فقد جلس مع قبيحة يأكل العنب، فنشب العنب في حلقه فغص بها فمات. لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار فهذا من الأمثال التي مرت في التاريخ.

الصبر على الابتلاء

الصبر على الابتلاء ومن خصائصهم: أنهم أعظم الناس صبراً على أقوالهم ومعتقداتهم. وسأل قيصر -ويُسمى هرقل كما في صحيح البخاري -: أبا سفيان عمن أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم: هل يرجع أحدهم عن دينه سخطة له بعد أن يدخل فيه؟ قال: لا. قال: وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد. هؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لا يرجعون عن معتقداتهم ومبادئهم ولو قُطِّعت رُءُوسهم، مبدؤهم ثابت، وكلامهم ثابت، وشجاعتهم متواردة؛ لأنهم يعلمون أنهم على الحق، ويقيس الإنسان نفسه بهذا؛ لأنه يوجد من بعض الناس لو خاف من شيء فعل كل شيء من أجل بقائه، لو أتى خَوفٌ وحُذِّر الناس من صلاة الجماعة، والله لا ترى أحداً يصلي إلا القليل، وتُترك المساجد بلاقع، فيقول أحدهم: أيطير رأسي من أجل صلاة الجماعة؟! وبعضهم -في بعض الحوادث- قد يحلق لحيته حتى لا يُعد من المتطرفين، ويسبل ثوبه، ويسمع الغناء، ويدَّعي أنه داشر من أجل أن يبقى رأسه، ولكن الرسول ربَّى جيلاً من الناس، فيسحب بلال على الرمضاء فيقولون له: عد عد، فيقول: أحد أحد، من هو (أحد أحد)؟ إنه الذي على العرش استوى، وتقطع اللحوم منهم ويبقى الواحد منهم صابراًِ محتسباً لا يحوله عن دينه شيء. قال أبو بكر لما أرسل إلى بني حنيفة خطاباً هائلاً يقول: [[والله! لأذهبن عنكم وساوس الشيطان بـ خالد بن الوليد، والله! لأحاربنكم بأناس -الموت إليهم أحب من الحياة- يحبون الموت كما تحبون الحياة]] فأطلق عليهم خالداً، وتلكم النخبة المثقفة التي تثقفت بإياك نعبد وإياك نستعين، فذبحوا بني حنيفة ذبحاً. قال شيخ الإسلام في نقض المنطق (42،43) وفي الفتاوى (4/ 50،51): أما أهل السنة والحديث فما يعلم من أحد من علمائهم ولا صالح عامتهم أنه رجع قط عن قوله واعتقاده، بل هم أعظم الناس صبراً على ذلك، وإن امتحنوا بأنواع المحن، وفتنوا بأنواع الفتن، وتعرضوا لأعظم الشدائد والكربات فلا زالوا يثبتون. قال مالك: "لا تغبطوا أحداً لم يصبه في هذا الأمر بلاء". والمعنى: لا تفرحوا لأحد عاش معافى ولم يصبه بلاء، أي: افرحوا لمن أصابه بلاء وفتنة في هذا الدين؛ فإنه إن شاء الله بمنزلته وحبه عند الواحد الأحد. إن من خصائص أهل السنة أنهم يصبرون على أقوالهم ومعتقداتهم ولا يرجعون عنها ولا يستسلمون للباطل مهما كان، والله يقول: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3] وقال سبحانه: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3].

التصديق بكرامات الأولياء

التصديق بكرامات الأولياء ومن خصائص أهل السنة: تصديقهم بكرامات الأولياء. والكرامة يمنحها الله للمستقيم على الكتاب والسنة، يؤيد بها دينه، وقد أكرم الله كثيراً من الصحابة بشيء من ذلك؛ كتكثير الطعام لـ أبي بكر، وكرؤية عمر الجيش من مسافات، وكتسبيح الآنية والحصى لـ أبي الدرداء ولغيره من الصحابة، وكنزول الغيث مباشرة على العلاء بن الحضرمي وغيرهم من الصحابة، وهذه من كرامات الأولياء. قال ابن تيمية في الفتاوى (3/ 156): ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سلف الأمم في سورة الكهف وغيرها إلخ.

بركة عمل وعلم أهل السنة والجماعة

بركة عمل وعلم أهل السنة والجماعة ومن خصائصهم: ما قاله شيخ الإسلام: "أنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال، فقد بارك الله في أعمالهم وبارك في علومهم. وأقول لكم في المناسبة! إن طلبة أهل السنة والجماعة الذين يدرسون في المساجد، ينال أحدهم في السنة الواحدة من العلوم ما يستطيع أن يكون عالماً -إن شاء الله- بعد أن يكون عنده قاعدة وأصول مشتركة لا بد منها وحد أدنى لابد منه، وهذا من بركة علم أهل السنة والجماعة، والله يقول: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] وقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:66 - 68].

تعظيم الأمة لهم

تعظيم الأمة لهم ومن خصائص أهل السنة والجماعة: تعظيم الأمة لهم، واعترافها بفضلهم. فهم معظمون، والله عز وجل حببهم إلى الناس. قال الإمام أحمد: بيننا وبين أهل البدعة الجنائز. فجنائز أهل السنة كثيرة، وحضور دروس أهل السنة كثير عددهم، يحضر لهم كالغمام، والألوف المؤلفة تحبهم؛ لأنهم على السنة، وأهل البدع والانحراف ودعاة العلمنة والمنافقين لا يحبهم أحد، ولا يحضر لهم الناس إلا جبراً رغبة فيما عندهم من مال أو رهبة من أوامرهم وسياطهم، أما أهل السنة فلا يملكون شيئاً من الدنيا، وليس عندهم قوة، ولكن جبل الله القلوب على حبهم، وجعل حبهم كالماء البارد يشربونه، وهذا علامة صدقهم إن شاء الله. لقد شيع الإمام أحمد أكثر من مليون مسلم، وشيع شيخ الإسلام أكثر من مائة ألف مسلم، وكادت دمشق تنقلب أولها على آخرها في الجنائز، عطس البربهاري في بغداد فشمته أهل بغداد إلى السوق، وهذا موجود في ترجمته، يقولون: كان في مجلس علم فعطس، فقال: الحمد لله! قيل: يرحمك الله، فقال أهل السوق الذي بجانب المسجد في دار السلام: يرحمك الله، وهذا من علامة القبول إن شاء الله. أما أهل البدع فلن تجد لهم أساس، ولا يحبهم الناس ولا يجتمع لهم، ومهما حاولوا من الشارات والتلميع فإن الله يقول: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36] والله يقول: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] ويقول سبحانه وتعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18]. وقد ذكرت من خصائصهم: حب قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم.

التورع وعدم التسرع في الفتيا

التورع وعدم التسرع في الفتيا ومن خصائصهم: تورعهم في الفتوى، فلا يصدرون الفتاوي إلا بعلم وتأمل وتأكد، ويدفع بعضهم إلى الآخر الفتوى، ولا يستعجلون ويخافون، ويقولون فيما لا يدرون: لا ندري! حرجاً من أن يقعوا في الملمات. قال علقمة: [[كانوا يقولون: أجرؤكم على الفتيا أقلكم علماً]] وقال ابن مسعود: [[إن الذي يفتي الناس بكل ما يستفتونه لمجنون]]. وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: [[أعلم الناس بالفتاوي أسكتهم، وأجهلهم بها أنطقهم]]. فهم يتحرزون من الفتيا ولا يتسرعون، ويخافون من الله ويراقبونه ولا يفتون إلا بدليل أو بأمر واضح.

الإيمان بأن الجنة والنار موجودتان مخلوقتان

الإيمان بأن الجنة والنار موجودتان مخلوقتان ومن خصائصهم: أنهم يعتقدون أن الجنة والنار مخلوقتان موجدتان الآن، وليستا معدومتين ولا ينشئهما الله يوم القيامة كما زعمت القدرية والمعتزلة فإن هذا قول باطل. قال الشيخ حافظ الحكمي: والنار والجنة حقاً وهما موجدتان لا فناء لهما فهذه من صفاتهم. وأنت عليك أن تعرض نفسك على هذا المنهج وعلى خصائص أهل السنة والجماعة؛ لترى هل أنت منهم حقيقة؟ وإن لم تكن منهم فراجع نفسك وابكِ على ما سلف وتب إلى الله، واعلم أن الأمة المحمدية ثلاث وسبعون فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة، وهم هؤلاء الذين سمعت أوصافهم وأخبارهم؛ عسى الله أن يجمعنا بهم في دار الكرامة.

الأسئلة

الأسئلة

نصائح لنجاح حفلات الأعراس

نصائح لنجاح حفلات الأعراس في الصيف القادم بعد موسم الامتحانات سوف يكون موسم للزواجات، نسأل الله أن يتممه بالخير وأن يصلح منا الظاهر والباطن، وقد وصل إلي ما يقارب عشرين دعوة زواج، ولي اقتراح! أما من استطاع حضوره فهذا وارد، وأما إذا تعارض موعدان فهذا فيه مشقة، وعلى الدعاة حضور هذه الزواجات، وعدم الاعتذار، لكن هناك وجهات نظر أعرضها عليكم: منها حفظكم الله: أنه لا يُؤيد أن يتخذ الزواج -من باب خوف الملل- محاضرة من أوله إلى آخره، فلو نوَّع البرنامج لكان أحسن، من كان عنده زواج فليأخذ هذه الفقرات ويعرضها على الناس، وليعرضها على طلبة علم، أو على مخيم صيفي، أو على ثانوية متوسطة يقومون بهذا البرنامج، كأن يكون البرنامج مدته ساعة أو ساعة ونصف فقط ولا يزيد. فيبدأ هذا البرنامج بآيات من كتاب الله، ثم أحاديث من كلامه عليه الصلاة والسلام، ثم قصيدة عربية ولا بأس بقصيدة نبطية، ثم نشيد إسلامي يقدمه مجموعة من الطلبة، ثم نكات وطرائف، ثم مجلة، ثم ترجمة صحابي، ولا بأس بلعبة رياضية أمام الناس، ولا بأس أن يأتي كبير السن ويجعل له عشر دقائق أو ربع ساعة يتحدث عما كان عليه الناس وما أصبحوا فيه من النعم والخيرات، ثم يتحدث عن توجيه للزوجين وللمجتمع. فهذا الذي أُرشحه. الثاني: على الدعاة أن يختاروا الموضوع المناسب في الزواج، فلا يأتون بموضوع عذاب القبر ولا الموت، لأن الناس في حياة وليسوا بعزاء، ولا يبكي الناس فيتركون العشاء ويتباكون في طرف المخيمات، بل يشجعهم ويضحكهم ويسليهم ويعرض لهم قضايا هامة تنفعهم، فلكل مقام مقال: ووضع الندى في موضع السيف بالعلى مضر كوضع السيف في موضع الندى الثالث: أقترح على المتزوج أن يستصحب هدية للحضور، وهي أشرطة إسلامية ما بين مائتين إلى ثلاثمائة شريط يصرفها، وقيمتها سهلة ويسيرة من التكاليف الباهضة التي تصرف -أحياناً- في غير طاعة الله، فيأخذ مائتين إلى ثلاثمائة شريط مع كتيب مع كل شريط ويقدمه للحضور، لكل فرد هدية، وسوف ينفع الله بها نفعاً كثيراً، وأرجو أن يكون في الحساب. الرابع: أرى كذلك -وهذه وجهة نظر أعرضها عليكم وما نحن إلا إخوة بعضنا يستفيد من بعض- أن الزلفة والزير والحفلات الشعبية التي يصحبها المعازف محرمة، وهذه فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أنقلها عنه، وأنا متأكد مما أقول، سمعتها من فمه مباشرة، وهو مرجعنا في الفتيا، وهو عالم البلاد الإسلامية شرقاً وغرباً، وشيخ الإسلام في هذا العصر: إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام قال: دلت النصوص على تحريم ذلك. وأتى بروايات وهي مشفية، فلا نريد أن يعود الناس إلى الوراء، بل يجددوا من أفكارهم وثقافتهم وإيمانهم، ولا يعبثون بعد أن يأكلوا نعم الله، فيقومون يتراقصون على الزيرة والزلفة فهذا من الخطأ. أما النساء فلا بأس أن يجتمعن على دفٍٍ يضرب بالأيدي، ولا بأس أن يرقصن بشرط ألا يخالطهن الرجال، ولا يكون عندهن آلات لهو كالأشرطة الغنائية، فإنها خمر العقول، وهي محرمة بإجماع أهل العلم. وقد أصدرت هيئة كبار العلماء في بلادنا فتوى بخصوص تحريم الغناء. ومن الرأي أيضاً: ألَّا يُؤخر العشاء على الناس -وهذا من الاستملاحات ما دام ذكر الزواج- فإن بعض الناس لا يقدم مؤدبته إلى ما يقارب الحادية عشرة أو الثانية عشرة، وقد ملَّ الناس وليس له ذلك، بل يحصر البرنامج، ومباشرة بعده يقدم للناس أكلهم وطعامهم. ثم يُراعي عدم التبذير، فيحاول معرفة عدد الحضور وعدد ما يقدم لهم من الطعام. ومن الملاحظات أيضاً: أن هنا قسم استقبال الولائم تحت جمعية البر، فمن عنده وليمة كبرى وخاف أن يفسد الطعام أو أن يبذر؛ فليتصل بهذه وينسق معها، ويأتون بسياراتهم ويأخذون ما بقي من ولائم ويوزعونها على الفقراء الذين لا يجدون اللحم من شهر إلى شهرين. وهذا أمر معلوم. وملاحظة أخرى: كثير من الدعوات تأتي لإلقاء محاضرات إلى بعض المناطق، والداعية لا يستطيع بمفرده أن يتنقل في كل منطقة، فوصيتي لطلبة العلم في كل منطقة أن يحرصوا على أخذ الشريط، كل جديد بجديده، وكل موضوع بموضوعه، وينزلونها إلى قراباتهم وجماعاتهم؛ ليكونوا أئمة لهم في الخير، فإن الله ينفع بها، وهذا شيء يريح الداعية، ويعمم النفع والفائدة للناس بإذنه سبحانه وتعالى.

الدعوة إلى المساهمة في الخيرات

الدعوة إلى المساهمة في الخيرات Q يتسائل كثير من الإخوة عن البرنامج الصيفي. A سوف يكون هنا -إن شاء الله- الدرس العلمي لطلبة العلم بعد كل فجر وبعد كل مغرب، أما الدرس -الآن- العام فسوف يستمر بإذن الله عز وجل. وسوف يراعى في الموضوعات مسألة المخيمات؛ لأن المنطقة منطقة محببة إلى الناس بما منحها الله من جو طيب، وبما منح أهلها من خير وفضل واستقامة وكرم، فأصبح الناس يتوافدون إليها بالألوف، ولا أقول هذا مبالغة. أحياناً قد تجد في اليوم الواحد ما يقارب ستة وعشرين مخيماً، ينزلون دفعة واحدة من كل نواحي البلاد، فنصيحتي أن يُستغل هؤلاء في التوجيه وأن نكون دعاة لهم مؤثرين، وأن نقدم لهم الخير، وهذا أنتم لا توصون عليه؛ فإنه قد ظهر من حسن أخلاقكم ومن كرمكم ما بهر الناس، وقد وصل الإنسان إلى المنطقة الشرقية والشمالية والوسطى والقصيم والغربية، فوجد الثناء العطر على أهل هذه المنطقة -وهذه من نعمة الله- في أخلاقهم وفي بذل خدماتهم، حتى تجد الواحد منهم إذا مر بفرقة لا يعرفها من الطلبة أو من الشباب المصطافين أتى بخزان ماء وقرَّبه إليهم، وعرض خدماته عليهم والخيمة والسيارة ودعاهم إلى بيته، حتى أصبح يتحدث بكرمهم الركبان: يقولون معن لا زكاة لماله وكيف يزكي المال من هو باذله تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله أقول هذا وأنا واثق مما أقول بل كانوا يخبروننا في كثير من المجالس في غير هذه المنطقة من المناطق الأخرى عن صفات الكرم عند أبناء هذه المنطقة، ويقول أحدهم: نزلنا في الليل بجانب بيت، فخرج علينا صاحب البيت وبعد أن نصبنا خيمتنا أقسم لندخلن بيته، فأدفأنا وعشَّانا وأنامنا في بيته وكان كالخادم لنا. يقول أبو بكر في الأنصار، والأنصار هم من الأزد، وأنتم من سلالة الأنصار: جزى الله عنا جعفراً حيث أشرفت بنا نعلنا في الشارفين فزلَّت هم خلطونا بالنفوس وألجئوا إلى غرفات أدفأت وأظلت أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي الذي يلقون منا لملت ولانقول ذلك تعصباً؛ لكننا أمة نقول للمحسن: أحسنت. وللمسيء: أسأت، فنشكركم من الأعماق، فقد قدم الصالحون منكم صورة جميلة من أعظم الصور عن هذه المنطقة، حتى المحافظة على الزي الإسلامي، وتحجبت المرأة، يقول بعضهم: أنزل في كثير من المساجد فلا أرى امرأة كاشفة أبداً الكلام الوقور الشباب الناشئ المحاضرات التي يحضرها المئات من المستقيمين الملتزمين حسن الخلق كرم الضيافة وهذا كله أحسن ما يُعمِّق حب هذه المنطقة. وتعلمون أن كثيراً من المناطق ودعاة دول الخليج قد أصبحوا -الآن- يدعون في المحاضرات -وقد استمعت إلى أشرطة- أقوامهم إلى أن يزوروا هذا المنطقة ليزوروا أهلها ويروا جوها وجمالها، فعسى الله أن يكون لكم هذا منزلة عند الله وقربة. وإنما المقصود الزيادة في هذا، والاستمرار عليه والاحتساب، خاصة في هذه المواسم؛ حتى نخفف عن الناس آلامهم؛ لأن بعضهم لا يعرف الطريق، وبعضهم لا يستطيع أن ينزل، وبعضهم تنقص الخدمات عنده وبعضهم ينقطع، وبعضهم يأتي وقد يكون فقيراً صاحب عائلة، فأرجو منكم -ولا توصون على هذا- البذل والعطاء والتضحية والإصلاح بما تستطيعون وتوزيع الشريط الإسلامي والكتيب. والله أعلم. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

خطاب عالم الأمة

خطاب عالم الأمة وجه الشيخ ابن باز خطاباً عاماً للأمة محذراً من الوقوع في أعراض الدعاة الذين أثبتت الأيام أن لهم قبولاً. وكان ابن باز قد وجه لبعض الدعاة خطابات خاصة، يحثهم فيها على الصبر والإخلاص وتحمل الأذى. وعن خطابه الخاص تكلم الشيخ عائض في هذه المحاضرة، وثَنَّى بكلام مفصل عن الخطاب العام وإيضاح حيثياته كونه على علم بها، مع إيضاح الغموض الذي أشكل على بعض ممن وصلهم الخطاب.

العلامة ابن باز يتحدث عن الدعاة

العلامة ابن باز يتحدث عن الدعاة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عنوان هذا الدرس: خطاب عالم الأمة. من هو هذا العالم الرباني؟ وما هو الخطاب؟ إنه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز عالم الأمة الإسلامية، وجه خطاباً إلى الأمة، وقد تناقلته وكالات الأنباء، والصحف، والشاشة، والراديو، وسوف أشرحه هذه الليلة، وأبين حيثيات الخطاب، وملابساته، وأسباب الخطاب؛ لأنني كنت أنا وغيري من الدعاة على معرفة عن كثب وقرب بدوافع هذا الخطاب وبأهدافه ومقاصده. وسماحة الشيخ ليس بحاجة أن نترجم له هذه الليلة، فالقلوب تعرفه، والعلوم تترجم له، والملايين المملينة في الأرض تشهد بحبه في الله عز وجل. إنه الجامعة الربانية الكبرى التي تلقت تعاليمها في مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام، إنه النبع السلسبيل العذب النظيف؛ الذي كانت ثقافته مستوحاة من قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام. قبل فترة من الزمن وصلت ومعي مجموعة من الدعاة في البلاد، وشكونا إلى سماحته ما نتعرض له من إيذاء عبر بعض الكتيبات والأشرطة والمقولات، وما يقوله بعض الناس في المجالس من وصفنا بالتطرف والعنف والتكفير والرأي الخارجي وغير ذلك، فما كان من سماحته إلا أن وعظنا موعظة بليغة، وأخبرنا بما لقي الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في هذا الطريق، ووعدنا أن يكتب لنا رسائل خاصة باسم كل داعية، وأن يبث رسالة للأمة جمعاء في طول البلاد وعرضها، بل في كل العالم الإسلامي خطاباً إلى الأمة. ووفى سماحته، وصدق فيما قال، ولولا أن هناك لبساً من الخطاب الذي نشر، لما تكلمت عن الرسالة الخاصة، ولكني استخرت الله، ورأيت من المصلحة أن أقرأ الرسالة الخاصة، ثم أقرأ الرسالة العامة وأشرحها بحول الله.

خطاب ابن باز للقرني

خطاب ابن باز للقرني يقول في رسالته الخاصة: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد العزيز بن عبد الله بن باز، إلى حضرة الأخ المكرم صاحب الفضيلة الشيخ/ عائض بن عبد الله القرني وفقه الله لما يحبه ويرضاه، وزاده من العلم والإيمان، آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد: فنظراً لحاجة الناس اليوم إلى الوعظ والتذكير والإرشاد، ولما لفضيلتكم من الجهود المشكورة في هذا المجال، والقبول والتأثير، نسأل الله أن يثيبكم على ذلك، فإني أرجو من فضيلتكم مواصلة الجهود في ذلك، والصبر على دعوة الناس إلى الخير، وتذكيرهم لما خلقوا له من توحيد الله وطاعته، وتشجيع إخوانكم من أهل العلم على ذلك، لما لا يخفى على الجميع من فضل الدعوة إلى الله سبحانه، وشدة حاجة المسلمين وغيرهم إليها، وذلك عن طريق المحاضرات والدروس والإجابة عما يشكل عليهم في أمور دينهم، والتعاون على البر والتقوى. ونحن مستعدون للتعاون معكم في ذلك، والتفاهم مع ولاة الأمر فيما قد يعرض لكم في هذا السبيل، فسيروا على بركة الله، وأبشروا بالأجر العظيم، والذكر الجميل، وحسن العاقبة التي وعد الله بها المخلصين الصادقين، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، ويجعلنا جميعاً من أنصار دينه، والدعاة إليه على بصيرة، وأن يوفق حكومتنا، وعلى رأسها خادم الحرمين، وجميع المسئولين لكل ما فيه رضاه وصلاح أمر عباده، إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرقم: 1142 التاريخ: 10/ 9/1411هـ هذا خطاب وصل إلى كثير من الدعاة الذين لهم تأثير في البلاد أحتسبه الشيخ ذباً عن الأعراض، ومعاونة من سماحته للدعوة التي تنشر في البلاد على مذهب أهل السنة والجماعة. وبالمناسبة: أشكر أصحاب الفضيلة العلماء الذين يحضرون هذا الدرس، ليستمعوا إلى أخيهم الصغير، وهم أطول باعاً، وأعلى كعباً في العلم والدعوة، وسبقونا بسنوات، ونحن نستفيد من تجاربهم، وأشكر من ذب عن أعراض الدعاة، أو من وضح منهجهم، أو ناصرهم، أو دعا لهم دعوة بظهر الغيب.

رسالة من الشيخ الطنطاوي

رسالة من الشيخ الطنطاوي وبالمناسبة -والحديث يجر بعضه بعضاً- وصلتني رسالة من فضيلة الشيخ/ علي الطنطاوي أثابه الله من مكة المكرمة، شكرنا فيها فضيلته على الدروس والمحاضرات، وأخبر أنه يستمع إلى كثير من الأشرطة، وهذا من تواضعه، على طول باعه في العلم والأدب والتاريخ، فأسأل الله أن يختم لنا وله بخير، ونفس الدعابة لا تفارقه حتى في رسالته، فشكرني على ما سبق من الثناء عليه، وعلى ذكر كتبه ومؤلفاته، وشكرني أني ترحمت عليه، وأخبرت أنه قد توفي، والحقيقة أنه مازال حياً، والدليل أن هذه رسالته، ولو أنه توفي لما كتب رسالة؛ لأن الذي يموت لا يستطيع بعد موته أن يكتب رسالة، فأسأل الله أن يجمعنا به وبالصالحين في دار الكرامة.

قصيدة: الوحي مدرستي الكبرى

قصيدة: الوحي مدرستي الكبرى قبل أن أصل إلى خطاب عالم الأمة، أقف معكم وقفة مع قصيدة؛ لأنكم أمة شاعرة تحب الأدب، وأنتم أدباء متأدبون مع الله ومع رسوله، أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بأدبنا. عنوان القصيدة: الوحي مدرستي الكبرى أنا الحجاز أنا نجد أنا يمن أنا الجنوب بها دمعي وأشجاني بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني وفي ثرى مكة تاريخ ملحمة على رباها بنينا العالم الفاني في طيبة المصطفى روحي ووالهي في روضة المصطفى عمري ورضواني النيل مائي ومن عمان تذكرتي وفي الجزائر آمالي وتطوان دمي تصبب في كابول منسكبا ودمعتي سفحت في سفح لبنان فأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني والوحي مدرستي الكبرى وغار حرا ميلاد فجري وتوحيدي وإيماني وثيقتي كتبت في اللوح وانهمرت آياتها فاسألوا يا قوم قرآني جبريل يغدو على قومي بأجنحة من دوحة الطهر في نجواه عرفاني بدر أنا وسيوف الله راعفة كم حطمت من عنيد مارد جاني كتبت تاريخ أيامي مرتلةً في القادسية لا تاريخ شروان وما استعرت تعاليماً ملفقةً من صرح واشنطن أو رأس شيطان وما سجدت لغير الله في دعة وما دعوت مع معبودنا ثاني وما مددت يدي إلا لخالقها وما نصبت لغير الحق ميزاني فقبلتي الكعبة الغراء يعشقها روحي وأنوارها في عمق أجفاني وليس لي مطلب غير الذي سجدت لوجهه كائنات الإنس والجان لا أجمع المال مالي كل أمنية طموحة تصطلي بركان وجداني وكل فدم جبان لا يصاحبني على الشجاعة هذا الدين رباني ليت المنايا تناجيني لأخبرها أن المنايا أنا لا لونها القاني ليرم بي كل هول في مخالبه ما ضرني وعيون الله ترعاني ممزق الثوب كاسي العرض ملتهباً أنعى المخاطر في الدنيا وتنعاني مريض جسم صحيح الروح في خلدي حب لأحمد من نجواه عرفاني بلال صوتي هتاف كله حسن أذانه في المعالي رجع آذاني وعزم عمار في دنيا فتوته أسقي شبابي به من نهره الداني عصا الكليم بكفي كي أهش بها على تلاميذ فرعون وهامان ونار نمرود أطفئها بغادية من الخليل فلا النيران تصلاني في حسن يوسف تاريخي وملحمتي من صنع خالد لا من صنع ريجان داود ينسج درعي والوغى حمم لا يخلع الدرع إلا كف أكفاني دعني ألقن قوماً ما لهم همم إلا على العزف من دان ومن دان قوم مخازنهم نهب ومطعمهم سلب وموكبهم من صف فئران هم في الرؤى نقطة سوداء إن لمعوا يا للرجال وهذا العالم الثاني يا جيل يا كل شهم يا أخا ثقة يا بن العقيدة من سعد وسلمان يا طارق يا صلاح الدين يابن جلا يا عين جالوت يا يرموك فرقان يا بائع الأنفس الشماء في شهب من الرماح على دنيا سجستان يا من بنوا المجد من أغلى جماجمهم في شقحب النصر أو في أرض أفغان يا من سقوا دوحة الإسلام من دمهم من كل أروع يوم الروع ظمآن يا صوت عكرمة المبحوح يقطعه قصف العوالي من سمر ومران هيا إلى الله بيعوا كل ثانية فصوت رضوان ناداكم وناداني

خطاب ابن باز للأمة

خطاب ابن باز للأمة بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الله عز وجل يأمر بالعدل والإحسان. -وسوف يكون لي وقفات أيها الناس، وأيما وقفات، فسوف أجعل لب محاضرتي وروحها وقلبها خطاب سماحته- وبالمناسبة: نحن تلاميذ تلك المدرسة الرائدة مدرسة ابن باز، ومحمد بن عبد الوهاب، وابن تيمية، وأحمد بن حنبل، المدرسة الأصيلة الرائدة المحافظة، المدرسة التي تتلقى تعاليمها من وحي الله والكتاب والسنة أنا ممن سماحته أنالت وممن دربت تلك الأيادي وما سافرت في الآفاق إلا ومن جدواه راحلتي وزادي

الوقوع في أعراض الدعاة

الوقوع في أعراض الدعاة يقول: إن الله عز وجل يأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن الظلم والبغي والعدوان، وقد بعث الله نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام بما بعث به الرسل جميعاً من الدعوة إلى التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده، وأمره بإقامة القسط، ونهاه عن ضد ذلك من عبادة غير الله، والتفرق والتشتت، والاعتداء على حقوق العباد. وقد شاع في هذا العصر أن كثيراً من المنتسبين -انتساباً- إلى العلم والدعوة والخير يقعون في أعراض كثير من إخوانهم الدعاة المشهورين. أي أن هؤلاء يقعون في أعراض الدعاة المشهورين، الذين أثبتت الأيام أن لهم قبولاً، وأنهم يريدون الخير، والعدل والحق، ويرفعون عن الناس الجهل، ويبينون لهم عقيدة التوحيد، وينهونهم عن كل ما يغضب الله عز وجل ورسوله. قال: ويتكلمون في أعراض طلبة العلم والدعاة والمحاضرين. فما هو الكلام؟ مرة يصفون هؤلاء الدعاة الفضلاء الأخيار بالتطرف، وأي تطرف؟! أتباع أحمد بن حنبل، مدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام محمد بن عبد الوهاب متطرفة؟! من الذي يحكم على هؤلاء الدعاة الذين تجتمع لهم الأمة بالألوف، والذين يسمع لهم، والذين رزقهم الله بصيرة في دينه؟ من الذي يحكم عليهم بالتطرف؟ ماذا فعلوا يوم حكم عليهم بالتطرف؟ أخرجوا عن الملة؟ أنقضوا بيعة صحيحة شرعية؟ هل استحلوا دماً أو عرضاً حراماً؟ هل كانوا طلبة للأموال؟ هل كانوا وراء جمع الدنيا؟ الله يشهد، ثم يشهد عباده الصالحون. قال سماحته: يفعلون ذلك سراً في مجالسهم. فلا تسمع إلا من يقول: هؤلاء الدعاة يكفرون الناس. ورب الكعبة لا أعلم داعية في البلاد ممن يوثق بدعوته يكفر مسلماً، والله ما كفرنا من يشرب الخمر غير مستحل لها، ولا كفرنا من يزني غير مستحل للزنا، ولا من يسرق غير مستحل للسرقة، فكيف نكفر من نسب إليه مخالفة شرعية أو معصية؟! هذا ظلم للدعاة، وتشويه لصورتهم في المحافل والمجالس والأماكن العامة، وهذا لا يليق. وأنا أدعوكم كما يدعوكم سماحته إلى أن تكونوا أنصاراً لله كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} [الصف:14] كيف تكون ناصراً لله؟ بنصرك لعلماء ودعاة الأمة ألاّ تسمع فيهم كلمة من مريض قلب، ولا من منافق، ولا من رجل في قلبه هوى، ولا من مبغض لـ (لا إله إلا الله) ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولبيوت الله، ولكتاب الله، ولسنة الرسول عليه الصلاة والسلام. فتذب عن أعراضهم، ويتمعر وجهك في المجلس، وتغضب إذا سمعت أن عقيدتهم أو مبادئهم أو دعوتهم تنتهك، فإن من ذب عن أخيه المسلم في عرضه؛ ذب الله عن عرضه في موقف ينتهك فيه عرضه، ومن خذل المسلم خذله الله. ثم يقول سماحته: وربما سجلوه في أشرطة تنتشر على الناس. وقد سمعنا والله أشرطة قيلت فينا وفي طلبة العلم والدعاة، فحسبنا الله ونعم الوكيل، من وصفنا بإننا نريد بالبلاد تشويشاً أو رعباً أو تطرفاً أو عنفاً، ونُسب إلى كثير من العلماء والدعاة هذا الأمر، وهو بهتان وزور: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5].

مخالفة هذا المسلك للشريعة

مخالفة هذا المسلك للشريعة قال سماحته: وقد يفعلونه علانية في محاضرات عامة في المساجد، وهذا المسلك مخالف لما أمر الله به ورسوله من جهات عديدة منها: أولاً: أن هذا مخالفة شرعية. ثانياً: أنه ظلم. ثالثاً: أنه اعتداء على حقوق الآخرين. رابعاً: أنه تشويش لهذا الجيل الذي يثق في هؤلاء الدعاة من الطلبة، سواء كانوا في الابتدائية أو في الثانوية أو في الجامعات، سواء كانوا من العامة أم من العلماء؛ لأن هذه البلاد وغيرها من بلاد الإسلام لا تصلح إلا بالعلماء، ولا يستقيم أمرها إلا بالدعاة؛ لأن هذا العلم سند محفوظ، يرويه فلان عن فلان، عن البخاري عن ابن المديني عن الثوري عن علقمة عن ابن مسعود عن الرسول عليه الصلاة والسلام عن جبريل عن رب العالمين. وهؤلاء حملة وأمناء، وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام عند الخطيب البغدادي وعند ابن عدي قوله: {يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف المبطلين وتأويل الجاهلين} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. قال سماحته: أولاً: أنه تعد على حقوق الناس من المسلمين، وقد سمعنا من وصم الدعاة أنهم لا يفهمون الدين، وأنهم شددوا الدين على الناس، وحرموا ما أحل الله لهم، وهل هذا يعقل ممن يدرس الشريعة صباح مساء، ويدرس قضاة المسلمين وكتاب العدل، ويلتقي بالدعاة والعلماء، ويأخذ علمه من علماء أجلاء من المدرسة السلفية الرائدة المحفوظة عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام. كيف نحرم ما أحل الله للعباد، والله عز وجل يقول: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116]؟! فلمْ يحرمْ الدعاة -والحمد لله- حلالاً، ولم يحللوا حراماً، بل كانوا وقافين عند النصوص، حذرين من مخالفة الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام. قال: أنه تعد على حقوق الناس من المسلمين، بل من خاصة الناس من طلبة العالم والدعاة الذين بذلوا وسعهم في توعية الناس وإرشادهم وتصحيح عقائدهم ومناهجهم، واجتهدوا في تنظيم الدروس والمحاضرات وتأليف الكتب النافعة. إن أقل ما يجب للدعاة على الناس أن يكفوا ألسنتهم عنهم، إن لم يشارك المسلم إخوانه من الدعاة بالحضور، وبالمساعدة في نشر الشريط الإسلامي، وبالدعم المالي للكتب، ولتوزيع الأشرطة، وبالدعاء بظهر الغيب وفي السحر وأدبار الصلوات، فنسأله بالله أن يكف لسانه، وأن يحفظ عليه هذا الصارم الذي بين فكيه، وأن يعلم أن الله سوف يحاسبه على ما اقترف لسانه، فإن الله عز وجل لا تخفى عليه خافية. وإن لم يستطع أن يدافع عن إخوانه الدعاة، فعليه أن يكف سلاحه، وأن يحفظ لسانه، وأن يقف عند حده.

تفريق وحدة المسلمين

تفريق وحدة المسلمين قال سماحته: ثانياً: أنه تفريق لوحدة المسلمين، وتمزيق لصفهم. ونحن -أيها الإخوة- عالمنا، ومسئولنا، وداعيتنا، وطالب العلم فينا، وجندينا، وتاجرنا، وفلاحنا، كلنا أسرة واحدة وجمعية كبرى في العالم الإسلامي، نحمل لافتة لا إله إلا الله محمد رسول الله، نستقبل القبلة كل يوم خمس مرات، نقدم دماءنا رخيصة ليرتفع هذا الدين. فقضية تفريق الأمة، وتشتيت كيانها، وإحداث الفرقة من فعل أهل البدع أعاذنا الله وإياكم منهم! قال سماحته: وهم أحوج ما يكونون إلى الوحدة، والبعد عن الشتات والفرقة، وكثرة القيل والقال فيما بينهم. وقد قال عليه الصلاة والسلام: {من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه} وقال له أحد الصحابة فيما يرويه مسلم في الصحيح: {يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: قل آمنت بالله ثم استقم. قال: ماذا تخشى عليّ؟ قال: كف عليك هذا، وأخذ بلسانه عليه الصلاة والسلام} وقال عليه الصلاة والسلام لـ عقبة بن عامر لما سأله: {ما النجاة؟ قال: كف عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك}. قال سماحته: خاصة وأن الدعاة الذين نيل منهم هم من أهل السنة والجماعة. سبحان الله! أترون أمامكم رافضة أو خوارج؟ أو نحمل معتقداً غير معتقد أهل السنة والجماعة؟ أما يدرس الدعاة صباح مساء العقيدة الطحاوية؟ أما درسوا كتاب التوحيد؟ أما يعلمون الجيل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام ابن القيم وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب؟ من أين تأتينا الأفكار الدخيلة، ونحن بحمد الله ندرس صباح مساء عقيدة أهل السنة والجماعة؟! فلماذا هتك الأعراض؟ ولماذا التنديد والتشهير؟ حتى إن المفاجئة الكبرى -يا عباد الله- أن بعض الناس لا يعرف مبادئ الدين أو الأولويات من الدين، وينال من الدعاة ويصفهم بالجهل وعدم معرفة السنة! قال: وهؤلاء الدعاة هم من أهل السنة والجماعة. وأهل السنة والجماعة -والحمد الله- خطهم مرسوم، ومنهجهم معلوم واضحٌ، تركهم عليه الصلاة والسلام على المحجة البيضاء، فما استوردوا أفكارهم من باريس وموسكو، وما دخلوا في صفه العملاء والمغرضين والمنافقين، وإنما هو الوضوح والمبادئ التي تعلن على المنبر في كل جمعة. قال سماحته: وهم من المعروفين بمحاربة البدع والخرافات والوقوف في وجه الدعاة إليها، وكشف خططهم وألاعيبهم. إذا اختفى الدعاة من الساحة من يحل محلهم؟ دعاة العلمنة والإلحاد والشهوات؟! {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27] والسحرة والكهنة والمشعوذون والمروجون للجريمة. يوم يختفي الدعاة وينسحبون أو تبطل عدالتهم أو لا يوثق في دعوتهم، حينها يحل كل عميل محلهم، ثم تذهب البلاد الإسلامية شذر مذر.

من هم أصحاب المصلحة من تشويه الدعاة

من هم أصحاب المصلحة من تشويه الدعاة قال سماحته: ولا نرى مصلحة في مثل هذا العمل إلا للأعداء المتربصين، من أهل الكفر والنفاق، أو من أهل البدع والضلال، وكم من متمن يعض أنامله غيظاً على بلاد الإسلام والمسلمين وعلى الكعبة والمصحف. لقد وقف -يا عباد الله- بعض رؤساء الجريمة في العالم يأخذ المصحف ويدوسه تحت قدمه، ويقول: بقي عند المسلمين اثنتان: المصحف والكعبة، ولا انتصار على هذا العالم إلا بتمزيق هذا الكتاب وهدم الكعبة. عن طريق ماذا؟ عن طريق إبطال دعوة الدعاة؛ لأن الله جعلهم نوراً، والرسول صلى الله عليه وسلم عدلهم، وهم خلفاؤه عليه الصلاة والسلام في الأمة. قال سماحته: ثالثاً: أن هذا العمل فيه مظاهرة ومعاونة للمغرضين من العلمانيين والمستغربين وغيرهم من الملاحدة الذين اشتُهر عنهم الوقيعة في الدعاة، والكذب عليهم، والتحريض ضدهم فيما كتبوه وسجلوه. فكل مسلم ينال من داعية سواء الذي سجل شريطاً أو وزع كتاباً أو نشر منشوراً ضد الدعاة، فهو متعاون مع العلماني الذي يرى أن الإسلام لا يستطيع أن يحكم العالم، مع العلماني الذي يرى أن الإسلام أن تصلي وتصوم فقط، لكن ألا يتدخل الإسلام في حياة الناس، مع العلماني الذي يريد الدنيا بلا دين، فأنت يا أيها البعيد بفعلك هذا كأنك -في كلام سماحته- تناصره، وتشد من أزره، وتقويه على ما يفعل؛ لأنه يريد أن يخترم هذا الميدان. ودعاة العلمنة -صراحة- لم يستطيعوا بحمد الله سبحانه وتعالى أن يؤثروا في هذا الكيان، دخلوا بترويجات فما ذهبت على الأمة، ومطالب فما استطيعت، أرادوا إبطال قناعة الناس في الدعاة والعلماء فما استطاعوا، فأخذوا ينفثون السموم، وينشرون الأشرطة والكتيبات نشراً عجيباً بمئات الألوف من النسخ لإبطال عدالة الدعاة. وكما تفضل سماحته أن هذا أعظم انتصار للعلمانيين، يوم يجدون بعض المبتدئين في طلب العلم، أو عامة المسلمين ينالون من الدعاة، ويصفونهم بعدم الفهم والعنف والتطرف. قال: وليس من حق الأخوة الإسلامية أن يعين هؤلاء المتعجلون أعداءهم على إخوانهم من طلبة العلم والدعاة وغيرهم. إن رميت رميت بسهمي، وإن ضربت ضربت جسمي. فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني ولقد أثبتت الأحداث -أيها المسلمون- التي مرت بها الأمة الإسلامية عموماً والبلاد خصوصاً أن الدعاة هم بإذن الله صمام الأمان للأمة، وأنتم تعرفون ماذا أراد حزب البعث الكافر المجرم بالبلاد أو بالعالم الإسلامي، فما كان من الدعاة إلا أن امتطوا صهوات المنابر منددين بهذا النظام وعروه وفضحوه، بل يعلم الله الذي لا إله إلا هو قبل موعد المواجهة مع هذا الحزب الكافر، لقد كان كثير من الدعاة على مشارف حدود البلاد والمقدسات في طوابير الجيش يلقون عليهم الخطب، ويقرءون عليهم سورة الأنفال، ويوجهونهم بالصبر والثبات؛ حتى يحطموا هذا الحزب الكافر العلماني. وهذا الذي يشهد عليه الله، فلم يكونوا متحزبين مع هذه الأحزاب الباطلة العلمانية الكافرة، بل كانوا ضدها، وحرباً في وجهها منددين ومشهرين بها، يدلون الأمة على ما ينجيهم في الدنيا والآخرة.

إفساد قلوب العامة والخاصة

إفساد قلوب العامة والخاصة قال سماحته: رابعاً: إن في ذلك إفساداً لقلوب العامة والخاصة. فيوم يفسد قلوب العامة على العلماء وطلبة العلم حينها لا يقبلون منهم خطبة ولا نصيحة؛ حتى أني سمعت أن بعض الناس أهدى إليه شريط بعض الدعاة، فقال: لا أريد أن أسمع لهؤلاء، لمن يسمع إذاً؟! ما هو البديل؟! يسمع للخرافيين، وأهل البدع، ومرتزقة الأفكار، ومن باع دينه في سوق الرخص؟! يقول: لا أريد أن أسمع لهؤلاء، ويقول أحدهم: لا تحضر دروس هؤلاء؛ فهم يفهمون الدين بالمقلوب! سبحان الله! ومن الذي يفهم الدين إن لم يفهمه الدعاة والأخيار والأبرار من طلبة العلم. قال: ونشراً وترويجاً للأكاذيب والإشاعات الباطلة، وسبباً في كثرة الغيبة والنميمة، وفتح أبواب الشر على مصاريعها لضعاف النفوس، الذين يدأبون على بث الشبه وإثارة الفتن، ويحرصون على إيذاء المؤمنين بغير ما اكتسبوا. وهذه مهنة بعض الناس، يقول عنهم سبحانه وتعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة:14] إذا لقيك ضحك لك، وهش وبش واحترمك، وبارك علمك وجهدك، ولكن إذا خلا رتع: رب من أنضجت غيظاً صدره قد تمنى لي شراً لم يطع ويراني كالشجى في حلقه عسراً مخرج ما ينتزع مزبدٌ يخطر مالم يرني فإذا أسمعته صوتي أنقمع وهذه الأبيات لـ أبي سويد الكاهلي، وهي من أجمل ما قيل. قال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14] يقولون لبعضهم: لنعط هؤلاء ما يصلح لهم من الكلمات، قال سبحانه وتعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:15 - 16].

حرص الدعاة على مصلحة المسلمين

حرص الدعاة على مصلحة المسلمين قال سماحته: خامساً: أن كثيراً من الكلام الذي قيل لا حقيقة له. وسوف نلقى الله إن شاء الله ولم نكفر مسلماً، ولم نحرم حلالاً، ولم نحل حراماً، ونلقى الله بإذن الله وبتثبيته ولم نبتدع في الدين، فأسأل الله أن يثبتنا وإياكم تثبيتاً حتى نلقاه، ونموت على هذه السنة، وعلى هذا المعتقد معتقد أهل السنة والجماعة. أيضاً نسبوا إلى الدعاة أنهم يشهرون بالأسماء، وأنا لا أعلم إنساناً جرح باسمه، بل والله إن الدعاة يحرصون على حماية أعراض المسلمين، ووالله الذي لا إله إلا هو لا أعلم من إخواني الدعاة ولا من نفسي إلا أني أريد من الله ألا يعذب مسلماً، وأن يتوب الله على من عصاه ولو بالوقوع في أعراضنا وفي إيذائنا، أسأل الله أن يهديهم وأن يردهم رداً جميلاً، وأن يصلح ظاهرهم وباطنهم، وأن يتوب علينا وعليهم؛ لأن الله يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22] ويقول عز وجل: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] والله يقول: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]. فالواجب على المسلم ألا يحمل غلاً إلا على رجل يرى أنه يمتهن الدعاة أو يؤذي العلماء أو يتسبب في محاربة الدين والعلم والدعوة، فعلى المسلم أن ينتصر للدين والعلم والدعوة ولا ينتصر لنفسه. قال -حفظه الله للإسلام والمسلمين-خامساً: أن كثيراً من الكلام الذي قيل لا حقيقة له، وإنما هو من التوهمات التي زينها الشيطان لأصحابها وأغراهم بها، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] والمؤمن ينبغي أن يحمل كلام أخيه المسلم على أحسن المحامل. ولو وجد خطأ في شريط لمسلم فعليك أن تلتمس له تبريراً، فإما أنه وهم، أو أتته معلومات مغلوطة، أو أنه أراد شيئاً صالحاً طيباً ففهم على غير وجهه، فعليك أن تحمله على أحسن المحامل. قال: وقد قال بعض السلف: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً، وأنت تجد لها في الخير محملاً.

إذا اختلف أهل العلم فلهم أعذارهم

إذا اختلف أهل العلم فلهم أعذارهم ثم قال حفظه الله: سادساً: وما وجد من اجتهاد لبعض العلماء وطلبة العلم فيما يكون فيه اجتهاد؛ فإن صاحبه لا يؤاخذ به، ولا يثرب عليه إذا كان أهلاً للاجتهاد. فالعلماء يختلفون، والمسائل الفرعية ميدان الاختلاف بين أهل العلم، ولأهل العلم أعذارٌ في اختلافاتهم، ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، فإذا خالفتني في مسألة فرعية أو خالفتك فلا ينبغي لك أن تشنع بي أو أشنع بك، أو تشهر بي أو أشهر بك، أو تغضب علي أو تهجرني، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قد اختلف أصحابه في عهده في مسألة فرعية، وذلك حين أمرهم كما في الصحيح ألا يصلوا صلاة العصر إلا في بني قريظة، فبعض الصحابة فهم منه عليه الصلاة والسلام العجلة، قالوا: إنما يقصد من الكلام ومن ظاهره أن نستعجل، فصلوا في الطريق، وبعض الصحابة فهموا منه أنه ينص على ألا يصلوا إلا في بني قريظة، فأجلوا الصلاة إلى أن وصلوا بني قريظة، فصوب الجميع عليه الصلاة والسلام، ودعا للجميع، ولم يغضب على أحد منهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد} فما عليك من أمة مرحومة مجتهدهم له أجران، ومخطئهم في الاجتهاد له أجرٌ واحد، فادع لمخطئهم في الاجتهاد، ولمصيبهم في الأمور التي يسوغ فيها الاجتهاد.

المجادلة بالتي هي أحسن

المجادلة بالتي هي أحسن قال: فإذا خالفه غيره في ذلك؛ كان الأجدر أن يجادله بالتي هي أحسن حرصاً على الوصول للحق من أقرب الطرق، ودفعاً لوساوس الشيطان وتحريشه بين المؤمنين. وأنا من هذا المنبر الشريف يا معاشر المسلمين! يا أيها الإخوة الكبار والصغار! من طلبة العلم والمسئولين والعامة، من سمع كلاماً مشتبهاً فيه لداعية -وأنا منهم- فليأتنا فإننا نرحب به، وليوجهنا وينصحنا، ويستفسر عن هذه الكلمة، وماذا نريد بها قبل أن يصدر أحكاماً، ولا أعلم داعية إلا وهو يفتح صدره وبابه، ويرحب بالتساؤلات، ويعتبر أننا أسرة واحدة تريد الله والدار الآخرة. ثم قال: فعليه أن يجادله بالتي هي أحسن حرصاً على الوصول للحق من أقرب طريق، ودفعاً لوساوس الشيطان، وتحريشه بين المؤمنين، فإن لم يتيسر ذلك، ورأى أحدٌ أنه لابد من بيان المخالفة فيقول ذلك في أحسن عبارة وألطف إشارة. فلا مانع أن توجه لي الأخطاء، أو تكتب أخطائي؛ لكن لا تحمل كلامي أكثر مما يتحمل، أو تتعرض لنيتي أو معتقدي أو تشهر بي في شيء ليس عليه دليل ولا برهان، فهذا معنى كلام الشيخ.

من آداب الخلاف والنصيحة

من آداب الخلاف والنصيحة قال: ودون تهجم أو تجريح أو شطط في القول، قد يدعو إلى رد الحق أو الإعراض عنه، ودون تعرض للأشخاص أو اتهام للنيات أو زيادة في الكلام لا مسوغ لها. فإن الدعاة مثلاً قد ينصحون أحياناً، فيتهمون في نياتهم ومقاصدهم، وقد يقول أحدهم كلمة عن جهة من الجهات أو مؤسسة، فيتهم أنه يريد العداء والتشهير والتجريح والانتقام، والله أعلم بالنيات. قال: وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في مثل هذه الأمور: ما بال أقوام قالوا: كذا وكذا. فالذي أنصح به هؤلاء الإخوة الذين وقعوا في أعراض الدعاة فالشيخ ينصح الذين وقعوا في أعراض الدعاة، وقد نشرت وكالات الأنباء والصحف هذا الخطاب كما تعرفون، والحقيقة أن كثيراً من الناس سمعوا الخطاب سماعاً عاماً، أو سمعوا لفتات منه ولقطات، فأصبح بعضهم في أمر مريج، حتى سمعت بعضهم يقول: سماحة الشيخ رد على الدعاة، وبعضهم يقول: الشيخ يحذر من بعض الدعاة، وبعضهم يقول: الشيخ أوقف الدعاة عند حدهم إلى غير ذلك الكلام. والواجب على المسلم أن يكون صاحب بصيرة، وأن يدري ما سبب الخطاب، والله الذي لا إله إلا هو -وهذا الشريط يسجل، والشيخ حي يرزق في الثالثة والثمانين من عمره، والهاتف موجود- ما سبب هذه النشرة إلا ذهابي أنا وزملائي من الإخوة إليه، وشكوانا ما حدث وما صار. فقد كتب رسالة خاصة ورسالة عامة، ووعدنا بهذا وقال: تسمعونها إن شاء الله، وسوف أرسلها لوكالة الأنباء، ثم أرسل سماحته بالفاكس من يوم الثلاثاء والأربعاء إلى بيت كل داعية، وطلب أن تقرأ في المحاضرات والخطب، ومن هذا المكان أطلب من خطباء كل مسجد جامع في الجنوب أن يقرأ هذا الخطاب؛ لأنه -والحمد لله- الوسطى عندها خطباؤها وعلماؤها، والقصيم والشرقية والشمالية والغربية، ولكن في الجنوب واجب على كل خطيب أن يأخذ هذا الخطاب، وأنا سوف أجعله عند أحد الإخوة، ويصور منه إن شاء الله آلاف النسخ، وتجدونها عند مؤذن أو إمام المسجد غداً بإذن الله في صلاة المغرب ليأخذ كل خطيب نسخته، فأسأل الخطباء بالله أن يقرءوه على المنابر، وأن يوضحوه للناس؛ حتى نكون ممن يتعاونون على البر والتقوى.

بعض النصائح للذين وقعوا في أعراض الدعاة

بعض النصائح للذين وقعوا في أعراض الدعاة قال: فالذي أنصح به هؤلاء الإخوة الذين وقعوا في أعراض الدعاة، ونالوا منهم أن يتوبوا إلى الله تعالى مما كتبته أيديهم، أو تلفظت به ألسنتهم، مما كان سبباً في إفساد قلوب بعض الشباب، وشحنهم بالأحقاد والضغائن، وشغلهم عن طلب العلم النافع. حتى وصل الأمر -والعياذ بالله- ببعض الشباب أن تركوا حضور المحاضرات، وبعض المبتدئين والمقصرين من أمثالنا قالوا: مادام الدعاة هكذا، فلا نحضر محاضراتهم ولا دروسهم، ولا نسمع أشرطتهم. سبحان الله! هكذا أوحى إليهم الشيطان، بسبب ما نقل من بعض الأشرطة والكتيبات التي لا تخفى عليكم. قال: أو تلفظت به ألسنتهم مما كان سبباً في إفساد قلوب بعض الشباب، وشحنهم بالأحقاد والضغائن، وشغلهم عن طلب العلم النافع، وعن الدعوة إلى الله بالقيل والقال، والكلام عن فلان وفلان، والبحث عما يعتبرونه أخطاء للآخرين، وتصيدها وتكلف ذلك! والعجيب أن بعض الناس لا يستمع الحكمة، ولا يستفيد من الفائدة، ولا يعجبه إلا عثرة الدعاة؛ حتى كما قال عامر الشعبي: والله لو أصبت تسعاً وتسعين إصابة، ثم أخطأت خطأ واحداً، لعدوا عليّ ذاك الخطأ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في كتاب المأمول: بعض الناس كالذباب لا يقع إلا على الجرح. آلاف الأشرطة الآن في الأسواق كلها حكمة وآيات وأحاديث وقصص ونفع وفائدة، فتجد المغرض يتركها جميعاً ويذهب إلى شريط سقط فيه الداعية سقطة أو عثر عثرة، أو أخطأ خطأً، ثم يأتي يقول: هو الذي ذكر في الشريط كذا وكذا، اسمعوا لشريطه. سبحان الله! أين العدل والإنصاف؟! أين الرؤية الموضوعية؟ أين ما طلبه الله سبحانه وتعالى منهم أن يكونوا شهداء لله ولو على أنفسهم؟ والله يقول: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8]. ثم قال سماحته: كما أنصحهم أن يكفروا عما فعلوا بكتابة أو غيرها، مما يبرئون به أنفسهم من مثل هذا الفعل، ويزيلون ما علق بأذهان من يستمع إليهم من قولهم. وأنا أطالب كما طالب سماحته من قال كلمة في داعية أن يكفر بكلمة مثلها في المجلس، إن انتهك عرضه أو دعوته أو منهجه، أو أسلوبه، أو مزاجه، أن يقوم فيذب عنه، أو يثني عليه، أو يتحدث عن خصال الخير في العلماء والدعاة ليمحو الله سبحانه وتعالى السيئة بالحسنة. إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، والله يقول سبحانه وتعالى: {وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:22] ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] وذكر المربي العالم الغزالي في إحياء علوم الدين: أن السيئة تكفر بجنسها، فمثلاً من استهان بالمصحف في أيام ضلال وقد تاب؛ فعليه أن يكرم المصحف، ومن كان يسمع الغناء مثلاً في جاهليته؛ فعليه أن يسمع قول الحق والسماع الشرعي في كتاب الله عز وجل، ومن كان يعلق على الدعاة ويستهين بهم وبالعلماء فعليه أن يذب عنهم، وأن يثني عليهم وينشر فضائلهم، ويتقي الله سبحانه وتعالى فيهم. قال سماحته: ويزيلون ما علق بأذهان من يستمع إليهم من حولهم، وأن يقبل هؤلاء على الأعمال المثمرة التي تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وتكون نافعة للعباد. لماذا لا يشتغل هؤلاء بالحق، أو بتربية أنفسهم، أو بالنفع؟ وإذا لم يفعل أحد فليكف لسانه، كف عليك لسانك، أو الزم بيتك، ولا تؤذ مسلماً {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس}. قال: وأن يحذروا من التعجل في إطلاق التكفير. وهنا وقفة، حول إطلاق التكفير، في الأسواق كتاب لمفتي عمان، اسمه الخليلي، وهو مازال حياً، والحقيقة أن هذا الكتاب مخالف لـ أهل السنة والجماعة، ويكفر أهل الكبائر؛ كشارب الخمر وكذلك الزاني والسارق، وهذا خلاف منهج أهل السنة والجماعة الذي ندين الله به، فلله الحمد على أن عصمنا من تكفير المسلمين، يشرب شارب الخمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {لا تسبوه، فو الذي نفسي بيده! إنه يحب الله ورسوله}. ولا يعني كلامي أني أجرئ الناس على المعاصي حاشا وكلا! ولكن ليكن عندنا ضابط، فإن عندنا ثلاث دوائر في الإسلام: دائرة الإيمان، ودائرة الإسلام، ودائرة الكفر، فدائرة الإيمان يدخلها الذي لا يرتكب الكبيرة عند بعض أهل العلم، ودائرة الإسلام يدخلها من يرتكب الكبائر ولكن لم يستحلها، ومازال مسلماً يقوم بالفرائض، ودائرة الكفر يدخلها من أتى بمكفر أو استحل كبيرة من الكبائر. وأيضاً هناك عصيان وفسوق وكفر، قال تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:7] فالكفر هو ما يخرج من الملة، ويُستحل دم من ارتكبه، والفسوق هو ارتكاب كبيرة كالزنا وشرب الخمر ممن يصلي ويعلم أن الزنا وشرب الخمر حرام؛ ومرتكب الكبيرة ليس بكامل الإيمان، وليس كالصالحين من عباد الله، ونشهد أنه فاسق، ولكن ليس بكافر؛ فلا نستحل دمه بل نقيم عليه الحد، وأما المؤمن فهو من يترك الكبائر ويداوم على الفرائض، وقد يأتي الصغائر، ولكن يتوب منها ولا يصر عليها. هذه يا عباد الله معالم لابد أن يعلمها العبد، ولابد أن يتكلم عن بصيرة ودراية ويسأل أهل العلم.

وجوب التثبت والتريث قبل التكفير أو التفسيق

وجوب التثبت والتريث قبل التكفير أو التفسيق قال: وأن يحذروا من التعجل في إطلاق التكفير أو التفسيق أو التبديع لغيرهم بغير بينة ولا برهان، وقد طالبنا عليه الصلاة والسلام بالتثبت والتبين، ويروى عنه: أنه نظر إلى الشمس فقال لأحد أصحابه: {على مثلها فاشهد} يروي هذا الحديث ابن أبي خيثمة ولو أن في سنده نظراً كما ذكره الحافظ في بلوغ المرام، لكن أدلة القرآن تشهد له، فقوله سبحانه وتعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86] وكقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] وكقوله سبحانه وتعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] وكقوله سبحانه وتعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111] وقال جل اسمه: {لا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36]. فالواجب على الإنسان أن يتثبت ولا يتعجل، وأنا أطالبكم بالحوار المفتوح، من كانت في ذهنه شبهة عن الدعاة، أو بلغه كلام، أو سمع كلاماً في شريط لم يفهمه، أو قرأ مقالة أو كتيباً؛ فليأتِ سواء في البيت أو المسجد أو في الكلية، أو يصل إلى أي شيخ في مكانه، أو يصل إلى الدعاة أو القضاة أو العلماء، ويتبين مما قيل؛ حتى يكون على بصيرة قبل أن يتهجم بأحكام يسأله الله عنها. قال: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من قال لأخيه: يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما} متفق على صحته. يقول سماحته: ومن المشروع لدعاة الحق وطلبة العلم إذا أشكل عليهم أمر من كلام أهل العلم أن يرجعوا فيه إلى العلماء المعتبرين ويسألوهم عنه، يقول سبحانه وتعالى عن المنافقين: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء:83] المنافق يحب الشائعات، ويحب أن يشهر بالصالحين، ويستوشي الأخبار ويشعلها ويوقدها في المجالس وقد قال صلى الله عليه وسلم: {كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع} رواه مسلم. قال سبحانه وتعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] فأنت إذا سمعت شائعة أو خبراً فعد إلى العلماء، واسأل طلبة العلم والدعاة حتى تكون على بصيرة. قال: ويسألوهم عنه ليبينوا لهم جلية الأمر، ويوقفوهم على حقيقته، ويزيلوا ما في أنفسهم من التردد والشبه، عملاً بقول الله عز وجل في سورة النساء: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:83] قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[أنا من الذين يستنبطونه]] أي: يعيدون إليه؛ حتى يبين لهم الأمر. قال سماحته: والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين جميعاً، وأن يجمع قلوبهم وأعمالهم على التقوى، وأن يوفق جميع علماء المسلمين ودعاة الحق لكل ما يرضيه، وأن ينفع عباده، ويجمع كلمتهم على الهدى ويعيذهم من أسباب الفرقة والاختلاف، وأن ينصر بهم الحق، وأن يخذل بهم الباطل، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين. عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد وهذا الخطاب -كما ترونه- قد انتهى، أثاب الله سماحته خير ما جزى عالم أمة عن أمته، وأسأل الله أن يبارك في عمره، وأن يجمعنا به في دار الكرامة، وأن يحفظه جزاء ما دافع عن الدعاة، وما وقف في صفهم، وما حمى الله سبحانه وتعالى به سنة محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا الخطاب سوف أسلمه إلى مؤذن المسجد، وغداً في صلاة المغرب تجدونه هنا؛ ليأخذه الخطباء وأئمة المساجد، وطلبة العلم، والدعاة في المدارس والثانويات والجامعات؛ حتى ينتشر بإذن الله، وهو -كما ترون- محفوظ ومكتوب بخط واضح، فأسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية. أيها الإخوة الكرام: كل ما في هذا الدرس -إن شاء الله- أشبه شيء بالرسائل العامة، والبيانات التي تهم الناس جميعاً، ومن حقنا جميعاً أن نكون جبهة واحدة ضد المبطلين والمحرفين والمخذلين والمرجفين والكفرة والملاحدة شرقاً وغرباً، فالإسلام مستهدف من أعدائه من الشرق والغرب، ومن الزنادقة، والذين يريدون أن يوقعوا الأمة في حمأة الرذيلة، فالواجب علينا أن نتناصح، وأن تكون كلمتنا واحدة، ونتواصى بالحق والصبر، كما وصف الله عباده بذلك، ومن رأى منا خطأً في أخيه فلينصحه، فإن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله عنه يقول: [[المؤمنون نصحة، والمنافقون غششة]].

حكم من أتى الكهنة والسحرة والمشعوذين

حكم من أتى الكهنة والسحرة والمشعوذين وهذه رسالة هامة وستجدونها بعد الصلاة خارج المسجد؛ ينبغي أن تُقرأ في القرى والبوادي، وأسأل الله أن ينفع بها، وفيها حكم من أتى الكهنة والسحرة والمشعوذين، وهذا نصها: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد: فقد انتشر في كثير من النواحي صورٌ للشرك والسحر والشعوذة والكهانة، وهو أمر خطير، وفساد كبير؛ يوجب غضب الرب تبارك وتعالى، ويهدم الملة، ويحارب التوحيد، وقد قال عز من قائل: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66] وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أتى عرافاً، فسأله عن شيء؛ لم تقبل له صلاة أربعين يوماً}. أيها الناس: وقد وجد في بعض المناطق قومٌ يدعون علم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، فيخبرون المريض بمرضه قبل أن يخبرهم، ويذكرون له اسمه، وأسماء أقاربه قبل أن يعلمهم بذلك، وهؤلاء يستخدمون الجن في الأخبار، ويذهب إليهم كثير من المرضى، ومن به مس من الجن، أو من به عقم، أو من منع عن زوجته، فيطلبون منهم الدواء، فإن صدقوهم بما يقولون؛ كفروا، وإن لم يصدقوهم وإنما جاءوهم فحسب؛ لم يقبل الله لأحدهم صلاة أربعين يوماً. وهؤلاء الكهنة وأمثالهم يكتبون كلاماً لا يفهم، ويدخلون بيوتاً خالية، ويتمتمون بكلام لا يعرف، ليس من القرآن ولا من السنة، وربما ابتدعوا حروفاً لا تقرأ، أو وصفوا للذي يأتيهم أوصافاً لا دخل لها في الطب، ولا دخل لها في العلم، كأن يصفوا له بعض الأدوية المحرمة من استخدام بعض النجاسات، أو ترك بعض الصلوات، أو يصفون له بعض الأكلات التي لا يعلم أهل الطب بأن لها دخلاً في طبه. فالواجب على المسلمين الإنكار على هؤلاء، وعدم الائتمام بهم في الصلاة، وهجرهم، ورفع أمرهم إلى من يأخذ على أيديهم. أما الرقية الشرعية بالقرآن الكريم والأحاديث الصحيحة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا أمر مشروع، ومما أثبته أهل السنة أن الجان قد يتلبس بالإنسان، ولا يخرجه إلا كتاب الله عز وجل والأحاديث؛ من الأدعية الثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا أمر مشروع يؤجر من يرقي الناس به، ولعل الله أن يوفق الأئمة والخطباء لإلقاء دروس في التوحيد، والنهي عن الشرك، من مثل كتاب التوحيد وشرحه فتح المجيد ونحو ذلك، والله أعلم.

بيان عن توحيد الألوهية

بيان عن توحيد الألوهية وأيضاً هنا بيان للناس، وهي سلسلة سوف تصدر إن شاء الله في وريقات، عل الخطباء أن يقرءوها، أو يستفيدوا من الكتب التي استفدت منها. وهذا خطاب بعنوان: هذا بيان للناس، غالبه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب توحيد الألوهية، وهو الجزء الأول من الفتاوى، ولكن لما رأيت من عظم كلامه، ولما جعل الله له من نفع، ولحاجتنا في هذه المرحلة وبعدها إلى هذا الكلام، ولما يوجب علينا النصح؛ أحببت أن أنقل جملاً، وأن أربط بعضها ببعض، ولو أني غيرت في بعض الأسلوب؛ لأن أسلوبه عالٍ لكثرة علمه، ولاتساع بحره، ولجلالته، فأحببت أن أذكر جملاً بأسلوب مفهم ومبسط عل الله أن ينفع به. بعد الحمد لله والصلاة والسلام على الرسول عليه الصلاة والسلام. اعلموا أيها المسلمون أن من أعظم ما يجب على المسلم أن يعلم أنه لا إله إلا الله عز وجل، وهذه كلمة عظيمة طالما رددها ابن تيمية في الفتاوى، كلما مضى قليلاً عاد، فقال: فليعلم المسلم أنه لا إله إلا الله، ولا يستحق العبادة إلا هو سبحانه وتعالى، وهو الذي خلق ورزق، وأعطى ومنع. اسمع الكلمات، والعقيدة الحارة، والتوحيد الخالص؛ الذي جعل هذا الإمام العظيم صانع الأحداث، وجعله يقف أمام الخرافات والبدع والإلحاد والزندقة، وقد باع روحه من الله، اسمع إلى هذه الكلمات المتدفقة من نور الله عز وجل، ونور رسوله صلى الله عليه وسلم. قال: ورفع ووضع، وبسط وقضى، أرزاق الكائنات في خزائنه قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6]. وهذه الآية تعلمك من الخالق والرازق والذي يعطي ويمنع. قال: وآجال النفوس عنده، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً} [آل عمران:145] يغير ولا يتغير، ويبدل ولا يتبدل، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، لا يجبره أحدٌ على فعل أمر، قال عن نفسه عز وجل: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21] يزيل الملوك ولا يزول، ويحيل الدول ولا يحول: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26]. وهو الممدوح بكل لسان، المعروف بالإحسان، المدح في حقه حق وعبادة، وفي غيره مذموم ممن أراده، مدح نفسه قبل أن يمدحه المادحون، ونزه نفسه قبل أن ينزهه المنزهون: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات:180]. وقفة: أنا أعلم أن كثيراً منكم يقول: هذا كلام نسمعه صباح مساء ليس فيه جديد، وأقول: بل كله جديد على الأذهان التي لم تعمل به، أو التي لم تعتقده، أو لم تعش به في دنيا الواقع. قال: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] لا يموت ولا تبليه الوقوت: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255] هو اليوم كما كان قبل أن يخلق اليوم، من أطاعه أحبه وقربه، ومن حاربه قصمه وأدبه، وهو صمد تصمد إليه الكائنات، لا إله إلا هو، الحيتان في متاهات البحار تسأله طعامها، والديدان في طبقات الطين تطلبه قوامها، والطيور في الأوكار تشدو بذكره، والبهائم في القفار تلهج بشكره: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53]. فيا أيها المخلوق الهزيل والعبد الذليل! ويا أيها الفقير الحقير والكائن الصغير! تعلق بحباله فإنك غريب، ولا تقصد غيره فتهوي في مكان سحيق، فلا ينصرك ناصر، ولا يشفع لك شافع، ولن تجد من دونه ملتحداً. في الأثر -الذي ذكره ابن كثير في التفسير - أن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي ما اعتصم بي مخلوق دون غيري فكادت له السماوات والأرض إلا جعلت له فرجاً ومخرجا، وعزتي وجلالي ما اعتصم بغيري مخلوق إلا قطعت الحبال بيني وبينه، وزلزلت الأرض من تحت قدميه. فلا تخف غيره ولو خوفك المرجفون، فإنهم يخوفونك بالذين من دونه: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد:33] ولا تعبد غيره؛ فإن الله سبحانه وتعالى حرم الجنة على من عبد غيره، فلا يملك الضر والنفع، ولا الحياة ولا الموت ولا النشور إلا هو، أما العباد أصلاً فلا يستطيعون جلب نفع أو دفع ضر عن أنفسهم فكيف بغيرهم، وقد قال لأشرف خلقه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [الأعراف:188]. ويقول إمام الموحدين وسيد المجاهدين صلى الله عليه وسلم: {واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. ولكن كثيراً من الناس؛ حتى ممن صلى وصام، وتهجد وقام، ينسى هذه العقيدة، فيخاف من غير الله أكثر من خوفه من الله، ويرجو غير الله أكثر من رجائه في الله، ويهاب منهم أكثر من هيبته من الأحد الصمد، فتجده يراقب الناس ويرائيهم، ويتخوف منهم، ويشتد حذره منهم، ويعتقد أنهم أهل النفع والضر والخلق والرزق، وهذا سوء تقدير وقلة تدبير، وجهل بالعلي الكبير. وتجد هذا المسكين لا يراقب الله، ولا يحذر مولاه؛ الذي لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد، والذي حكم الكائنات بقهره، ونواصي العباد بأمره: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:56]. وتجدهم لا يعبدون الله حق عبادته، ولا يتقونه حق تقاته؛ لأنهم صرفوا حقه لغيره، وما ينبغي له لسواه، فلا يأمر أحدهم بالمعروف خوفاً على نفسه، ولا ينهى عن المنكر حذراً من قطع رأسه، ولا يصدع بالحق حرصاً على الرزق، فتوحيده هزيل، وقلبه ذليل، ولو سمع قول الجليل: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة:52] وقوله جل ذكره: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175] وقوله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173] وقول الخليل عليه السلام: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام:81]. فالواجب على من يقدر الله حق قدره أن يرهب ربه وألا يرهب الناس، فإن مولاه يقول: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:40] وأن يخشى إلهه ولا يخشى الناس؛ فإن الله يقول: {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة:150] ويقول عز من قائل في المنافقين الجبناء، والفجرة السفهاء: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء:108] إلى آخر الرسالة، وهي موجودة بعد الصلاة إن شاء الله بكمية طيبة خارج المسجد، لتقرأ في المساجد أو على خطباء المساجد وأئمة المساجد أيضاً، وأرجو ممن يقرؤها أن يصحح بعض الأخطاء الإملائية في الآيات والأحاديث، عل الله أن ينفع بها سبحانه وتعالى، وأطلبكم الترحم على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة.

أمثلة من أهل الصبر

أمثلة من أهل الصبر أيها الإخوة الفضلاء: يحضرنا في هذا الدرس وفي كل سبت قوم فضلاء، أنار الله بصائرهم، وابتلاهم سبحانه وتعالى بأخذ أبصارهم؛ ليرزقهم رضواناً عنده، قوم من معهد النور، وهم طلبة كرماء فضلاء، يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {يقول الله عز وجل: من ابتليته بحبيبتيه فصبر، عوضته عنهما الجنة} يأتون وأنا أشاهدهم في أيام كثيرة بعدد طيب، يقود بعضهم بعضاً، وقد استناروا بنور الإيمان، قلوبهم نيرة: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19].

عبد الله بن عباس

عبد الله بن عباس والأعمى -صراحة- هو الأعمى عن المسجد والقرآن والسنة والمنهج الرباني والتوحيد، أما أولئك فهم مبصرون، وإمامهم وشيخهم ابن عباس أخذ الله عينيه، وسلبه بصره، ثم زاد من بصيرته، فأصبح نوره في بصيرته، قال له بعض المنافقين: لا حرج عليك من عينيك -شامتاً- فتبسم ابن عباس وقال: إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور عقلي ذكي وقلبي غير ذي عوج وفي فمي صارم كالسيف مأثور

شيخ الإسلام ابن تيمية

شيخ الإسلام ابن تيمية وهي المثل العليا التي يعيشها هؤلاء، فإنهم يجدون فيما أعطاهم الله عز وجل ومنحهم عوضاً عما سلبهم، فالواحد منهم في جنة من عيشه مع القرآن والذكر والسنة والتعليم والعبادة، والله سبحانه وتعالى يمنح جنته حتى في الدنيا لمن أطاعه، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. وقد عاش هو بإيمانه ومبادئه وعلمه، فإنه سلسل بالحديد، وأتى به السجان ليدخله، وكان هذا الجندي حريصاً على إيذاء شيخ الإسلام، فأغلق الباب بقوة، وظن أنه أغلق منافذ هذا الإمام، وأنه أبطل جهوده، وقطع صوته، ومنع تأثيره في الناس، فتبسم هذا الإمام العلم، ثم قال: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] كأنه يقول: العذاب خارج السجن مع أهل الشهوات، وأهل الانحرافات، والبدع والخرافات، أما الرحمة فهنا حيث يوجد القرآن والسنة والعبادة، ثم تبسم وهز كتفيه وقال: ماذا يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري، أنَّى سرت فهي معي، أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة. هذا هو شيخ الإسلام سجنه خلوة في العبادة، وقتله شهادة في سبيل الله؛ لأنه باع نفسه لله، وبعض المترجمين يقول: كان شيخ الإسلام إذا هُدِّد يتبسم على المنبر، ويقول: لترم بي المنايا حيث شاءت فإني في الشجاعة قد ربيتُ فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويتُ يقول: السنة سنتي، والمنهج منهجي، والرأس رأسي، والجنة لي بإذن الله ثم بعملي واقتدائي بإمامي محمد صلى الله عليه وسلم. وأنا أقصد من هذا أن أهل التعاليم الربانية ليسوا في حجب، ومن يدرس سيرة ابن تيمية في السجن يجد عجباً من الأعاجيب، ماذا فعلوا حتى يغلقوا صوته المؤثر القوي؟ منعوه من الكتب، قال: هذه مصيبة، فأخذ الفحم وكتب في الجدران معلومات قديمة، ولا تزال حية جميلة وتجدونها في الكتب، فأخذوا الفحم؛ حتى الفحم بخلوا عليه، ومنعوه قالوا: لا تكتب! تلطخ الجدران علينا! قال: الله المستعان! فأخذ يسبح ويذكر الله عز وجل؛ فاغتاظوا! كأنهم لو أرادوا منعه من النفس منعوه، فقرروا مرسوماً جديداً أن يضعوه في الزنزانة مع الخمارين والسكارى ومروجي المخدرات، وما علموا أنه سوف ينفذ فتحاً جديداً، فوضعوه بينهم، فحولهم إلى علماء ودعاة. يضعونه مع واحد وهو فاقد الشعور من شربة الخمر، فيأتي شيخ الإسلام: بسم الله الرحمن الرحيم: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1] يشرح له القرآن والسنة ويقوده إلى التوحيد، فيخرج هذا من الزنزانة بعد أن كان خماراً مكاراً سكاراً؛ إماماً عالماً خائفاً متقياً، هذه هي رسالة المؤمن دائماً يحملها معه أينما سار وأينما حل وارتحل. وسوف تسمعون في الدروس المقبلة مقولات كثيرة من كلامه، وأبسطها إن شاء الله حتى يفهمها كل الناس من المقصرين من أمثالي، عل الله أن ينصر ميراثه؛ لأنه صراحة مجدد، لم يأت أحد مثله قبله بخمسمائة سنة، ولا من تاريخه إلى الآن مثله فيما نعلم، والله قدير على أن يأتي بمثله، ولكنا نقول الحق للناس. والذي دعا إلى هذا الحديث هو ما أتحفنا به هؤلاء الإخوة حين أتوا، وغيرهم من الشباب يملكون النظر -نعمة العينين- ويملكون الصحة والقوة ولا يأتون، وهؤلاء يأتون في سيارات فيقود بعضهم بعض، وينتظرون الدرس حتى ينتهي، فأسأل الله أن يثيبهم، وأن يرد عليهم أبصارهم في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

بعض التنبيهات المهمة

بعض التنبيهات المهمة

بعض تلبيسات الصحف

بعض تلبيسات الصحف أيها الإخوة: بيان سماحة الشيخ وخطاب عالم الأمة الذي قرأته نشرته الصحف، ولكن بعض الصحفيين استغل بعض الجمل فيه، ولم يبين مقصود الشيخ، والشيخ يريد شيئاً، ولكنهم يأخذون بعض الفقرات ويبترونها بتراً، مثلما قيل في بعض الصحف التي تنتشر انتشاراً واسعاً: ابن باز يستنكر حملات التكفير والتفسيق والتبديع عبر الأشرطة والمنابر، والذي يفهم من الكلام يقول: إن الشيخ يندد بالدعاة؛ لأنهم يفسقون ويبدعون ويكفرون عبر المنابر، هكذا ذكر صاحب الصحيفة فليتق الله، وعلى الشاب المسلم أن يدافع عن هذا، وإذا وجد من قرأ الصحيفة فليهد له الشريط أو يعطيه بيان سماحة الشيخ نفسه، وأنا أدعوكم إلى أن تقرءوا أنتم بأنفسكم في الصحيفة لا يقرأها غيركم، أن تقرأ أنت الخطاب بنفسك، وتقف على فقراته؛ لأنه صراحة لبس، وبالأمس واليوم الاتصالات مستمرة، وفهمت أن كثيراً من الناس ما فهم الخطاب، وأنه وقع في أمر مريج، والسبب أنه سمع المذيع يذيع وهو يشتغل، أو أنه خارج المنزل، أو أن ابنه كلمه أو جاره، فبنى هو على ما قال، ولابد من التثبت. أيها الإخوة: نظراً لكثرة الحاجة من الاتصال، ولكثرة ما يدعو الاتصال من بعض المسائل أو بعض الاستفسارات التي يستطاع أن يجاب عليها، فإن لم أستطع أو يستطع إخواني من الدعاة في المنطقة؛ نرفعها إلى مثل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رأيت أن يكون وقت الاتصال من الواحدة إلى الثانية ظهراً كل يوم عبر هاتف رقمه: (2262770) ومن كان عنده سؤال فليعرضه، فإن لم أستطع له؛ رفعته إلى من هو أعلم، أو استشرت فيه علماء المنطقة ودعاتها، وفقهم الله لما يحبه ويرضاه. أيضاً أيها الإخوة: الكثير أشادوا بخطاب الشيخ وأثنوا عليه أثابهم الله، وطلبوا أن ينشر على نطاق واسع في الجامعات والمدارس، وأنا بدوري أطالبهم بأن ينشروه، ويقرءوه، وأن يحتسبوا الأجر فيه، في المجالس، وأن يوضحوا وجهات النظر التي التبست في المجتمع.

منشور باطل

منشور باطل وهنا منشور انتشر بين الناس وهو باطل لا صحة له، وكأنه صارد عن جهات مبتدعة تريد تخريب معتقد الناس، أو لها أغراض في تخريب البلاد والعباد. يقول: مرضت فتاة عمرها ثلاثة عشر عاماً مرضاً شديداً عجز الطب في علاجها، وفي ذات ليلة اشتد بها المرض فشكته وبكت وسهرت غالب الليل، فرأت في المنام السيدة زينب وأوصتها ببعض الوصايا. وهذا كذب وبهتان وافتراء، ولم يحدث من هذا شيء، فلا يلبس على المسلم دينه، وليعد إلى أهل العلم يستفتيهم وهو يعرفهم.

كتاب الأسبوع

كتاب الأسبوع والكتاب في هذا الأسبوع أيها الإخوة الفضلاء هو كتاب رياض الصالحين، وأنا أقول لكم كلمة باختصار: لم ينشر في العالم الإسلامي كتاب بعد القرآن كـ رياض الصالحين، لا في كتب الحديث ولا الفقه ولا التفسير ولا كتب التربية ولا علم النفس ولا كتب الثقافات ولا الأدب ولا السيرة، لم ينشر ولم يوجد له قبول بعد كتاب الله عز وجل ككتاب رياض الصالحين، فأنا أوصي إخواني أن يكون في بيت كل واحد منكم نسخة، يقرؤها على أهله، وحبذا قبل النوم، أو بعد صلاة العشاء، أو في أي وقت مناسب، أن تجمع أهلك وأطفالك وبناتك، فتقرأ لهم حديثين أو ثلاثة كل يوم، وتشرح لهم ما يسر الله، إن هذا الكتاب هو الكتاب التربوي الذي رشح، ولا أعلم مثله كتاباً بعد كتاب الله عز وجل يصلح للعلماء والعامة وطلبة العلم، وهذا يدل على صدق صاحبه ونيته واتصاله، وعلى أنه أحب الله ورسوله. وهذا الكتاب إلى الآن وصل في تاريخ توزيعه إلى الملايين المملينة، وما من دار طباعة إلا تبدأ في أول منشوراتها بـ رياض الصالحين، مما يؤخذ بالألوف المؤلفة وهو في كل بلد من بلاد الإسلام، فأسأل الله أن يغفر لصاحبه، وأن ينفعنا بـ رياض الصالحين. كتب للنووي روض بها وتروض في رياض الصالحين ولقد مدح الكتاب بأشعار ومدح صاحبه، غفر الله للجميع وألحقنا بهم في دار الكرامة.

واجب البلاغ على طلاب العلم

واجب البلاغ على طلاب العلم أيضاً أيها الإخوة: دعوة إلى الإخوة طلبة العلم أن يبلغوا دين الله الذي يحملونه، وقد أتت رسائل يشكو أصحابها من انتشار بعض المخالفات الشرعية وسقوط طلبة العلم في القرى والأماكن والبوادي، وأنا أقول: إن هذا ميثاق قبل أن يكلفك أحد كلف نفسك، وبلع دين الله، واحذر من الكتمان، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار} {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160].

الصبر على الإيذاء والحسد

الصبر على الإيذاء والحسد يشكو بعض الإخوة من الاستهزاء بهم، فنقول له: إن خطاب الشيخ الآن دفاع عنك وعن الإسلام وعن عرضك وعرض الأخيار والأبرار، فاحمد الله عز وجل أن جعلك في موقف إذا نيل منك أثابك الله، ولم يجعلك أنت المستهزئ؛ بل جعلك أنت الذي يتعرض لهذا، كما تعرض له أشرف الخلق عليه الصلاة والسلام، فإنه سُخر منه، واستهزئ به، وضحك من دعوته، ونيل من عرضه، وأوذي عليه الصلاة والسلام؛ فصبر واحتسب، فاحمد الله أن يستهزأ بك، وماذا فعلت أنت؟ أطلقت لحيتك! وقصرت ثوبك! وصليت الصلوات الخمس في جماعة! وحرمت على نفسك الغناء! وحضرت الدروس! فهذه جريرتك عند الأمة؟! يقول أحد الشعراء: إذا محاسني اللاتي أدل بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر يقول: أخرجني من هذه الورطة، إذا كان التزامي واستقامتي على منهج الله هي أكبر ذنب لي؛ فكيف اعتذر للناس. ويقول المهدي صاحب كتاب البحر الزخار، وهو حاكم من حكام اليمن، من آل البيت، شكا له ابن الوزير ما يلقاه -هذا العالم الكبير- من الاستهزاء والسخرية، قال: وشكوت من ظلم الوشاة ولم تجد ذا سؤدد إلا أصيب بحسد لا زلت يا صدق الكرام محسداً والشانئ المسكين غير محسد ويقول آخر: إن العرانين تلقاها محسدة ولا ترى للئام الناس حسادا السقط ليس لهم حاسد، ولا وراءهم من يستهزئ بهم؛ لأنهم سقطوا أصلاً، وإنما يُحسد من نبغ أو نبل أو حرص بالدين أو حمل رسالة، أو عنده ميثاق، أو كان صاحب مبادئ، فهذا الذي يتعرض دائماً للاستهزاء فاحمد الله على ذلك، واعلم أنها في ميزان الحسنات، وتلقها بصدر رحب، فإنها مع المران سوف تكون سهلة، فسوف توجه إليك السهام ثم تسقط ولا تصيبك بإذن الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] يقول: هم يألمون، لكن أنتم نصيركم أعلى، وسندكم أغلى، ومنهجكم أجلى، وأنتم في ميزان الحق ثابتون. أيضاً يقول سبحانه وتعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140] فهم يمسهم القرح، حتى يقول أحد الشعراء عنده عليه الصلاة والسلام: سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا فتعود الاحتمال، وحمل الأذى، وكن صامداً محتسباً صابراً لا تتوجع؛ بل فوض أمرك إلى الله، وقل دائماً: حسبنا الله ونعم الوكيل، يقول المتنبي: إذا اعتاد الفتى خوض المنايا فأهون ما يمر به الوحول يقول: الذي يعتاد المبارزة دائماً الذهاب إلى المعركة في حقه قليل؛ لأنه أصبح عنده استعداد ومناعة، مثل التطعيم ضد مرض الكوليرا، فهم الآن يطعمون الناس بالمصل؛ فتستفيد منه كرات الدم البيضاء لترد هذا المرض، كذلك الدعاة وطلبة العلم والأخيار البادئين، عليهم أن يكون عندهم مصل من الصبر والتحمل، وليعتبروا بصاحب الرسالة الخالدة الذي وضع السلى على رأسه، وجرح، وأوذي، وقتل سبعون من صحابته، وطرد من بلاده، وبيعت أملاكه، وضربت بناته، وجعل الحجر على بطنه عليه الصلاة والسلام من الجوع، ومع ذلك يقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}. فمثل هذا يعطي طالب العلم قوةً واحتمالاً: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2].

نصيحة لمن يتتبع عورات المسلمين

نصيحة لمن يتتبع عورات المسلمين وأيضاً أنا أطلب من الصف المستهزئ أن يخفف من لأوائه ومن حرارته واعتدائه، وأن يتقي الله في الأمة وفي أخيارها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه! لا تتبعوا عورات المسلمين؛ فإن من تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في عقر داره}. اللهم أصلح الراعي والرعية، اللهم أصلحنا سراً وعلانية، اللهم أصلح ولاة الأمر ووفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم أصلح علماء المسلمين، اللهم أصلح دعاة المسلمين، اللهم اجمع كلمتنا على الحق، اللهم من سل علينا سيفاً فاقتله بسيفه، اللهم من أراد بنا وبالإسلام والمسلمين سوءاً، فأشغله بنفسه، واجعل تدميره تدبيره، وخذه أخذ عزيز مقتدر. اللهم احفظنا بما تحفظ به عبادك الصالحين، وتولنا في الدارين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الموت

الموت إن أعظم ساعة يمر بها الإنسان هي ساعة الموت، تلك الساعة التي تنسي ما قبلها، ولو كان أحد ينجو من هذه الساعة الرهيبة لنجا منها المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد ذاق سكرات الموت. وفي هذا الدرس تحدث الشيخ عن شدة الموت وسكراته، وذكر أحوال بعض الذين ذاقوه من الصحابة والتابعين ثم تكلم عن أسباب تذكر الموت.

ساعة الموت والاحتضار

ساعة الموت والاحتضار إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداًَ عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ومن واجب أهل الفضل علينا أن نشكر لهم فضلهم, ومن واجب أهل الإحسان أن نشكر لهم إحسانهم, فنشكر مدير هذه الثانوية بالغ الشكر, ونشكر الأساتذة الكرام، ونشكركم أيضاً لحسن استماعكم، ولتواضعكم أن تسمعوا هذه الكلمات, نسأل الله أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم. أما بعد: فهذه الكلمة تدور حول الموت، وحين أخبرت بهذا الموضوع تذكرت أبياتاً في الموت للشاب العالم الزاهد حافظ الحكمي إذ يقول رحمه الله: والموت فاذكره وما وراءه فما لأحد منه براءة وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشد ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صد تالله لو علمت ما وراءكا لما ضحكت ولأكثرت البكا ومن هذه الذكرى يمر الإنسان في قافلة الموت, ويتذكر هذا المصير المحتوم, وهذه الساعة المقضية من الله على ابن آدم, ساعة الموت التي يذل فيها الجبار, ويذعن فيها العاصي, ويعود فيها المتمرد, ويتوب فيها المذنب. ساعة الموت الأليمة التي يمر بها الملك والمملوك, والرئيس والمرءوس, والغني والفقير, وكان من الجميل بنا أن نذكر بعض قصص المحتضرين، وأخبارهم وأنبائهم؛ علّنا أن نتذكر هذا المصرع الذي لن يفوتنا أبداً, وسوف نمر به ولو طالت أعمارنا, ولو تمتعنا بالشباب والصحة, ولو زهت لنا السيارات والعمارات، ولو سكنّا في الشقق الفاخرة, ولو لبسنا الملابس الجميلة, ولو تمتعنا بالمطاعم, وجلسنا على الموائد, وتزاورنا وضحكنا كثيراً, فإنها سوف تمر بنا هذه الساعة التي تنسي ما قبلها, والتي يتذكر فيها الإنسان حسابه مع الله, ماذا فعل؟! وماذا قدم؟! وماذا عمل في تلك الساعات التي أفناها في القيل والقال, وفي اللهو واللعب, وفي الجلوس -الذي لا طائل من ورائه- في مرافقة أقران السوء, وأصحاب الانحراف الذين ما زادوه إلا ضلالاً وإعراضاً عن الله. تلك الساعة لا بد أن نحسب لها حسابها من الآن, ولا بد أن نقف معها وقفة طويلة جداً؛ لنتذكر بماذا سنلقى الله سبحانه وتعالى وبماذا سوف نرد على الملكين؟ وماذا سنقول إذا طُرحنا في تلك الحفرة التي تعرفونها؟ ففي تلك الحفرة يتجرد الإنسان من كل شيء إلا من الأعمال الصالحة؛ يتجرد من المنصب فيدخل في قبره بلا منصب, يدخل بلا: يا صاحب الفخامة! ولا يا صاحب المعالي! ولا يا صاحب السماحة! وإنما يُدخل جثمانه في قطع بيضاء ويوسد في هذه الحفرة, ويتولى عنه الناس, ويدخل بلا سيارة وبلا إخوان وبلا خلان, وبلا زوجة, وبلا صاحب, وبلا قرين.

الرسول صلى الله عليه وسلم في ساعة الاحتضار

الرسول صلى الله عليه وسلم في ساعة الاحتضار ولو نجا أحد من الناس من ساعة الموت لكان جديراً أن ينجو محمد صلى الله عليه وسلم, ولكنه -والله- ما نجا, مر بها كما يمر بها الإنسان, ووقف معها كما يقف الإنسان، وهو أشرف الخلق على الله تبارك وتعالى, وهو أكرم الناس على ربِّ الناس, لكنه تلقاها برحابة صدر؛ لأنه أحسن العمل مع الله, يروي البخاري ومسلم في صحيحيهما: {أنه لما احتضر صلى الله عليه وسلم وضع خميصة -وهي قطعة قماش- على وجهه الشريف من شدة الكرب, وروحه تنتزع من بين جنبيه وهو يقول: لا إله إلا الله, لا إله إلا الله, لا إله إلا الله إن للموت لسكرات, اللهم أعني على سكرات الموت, اللهم خفف عليّ سكرات الموت، تقول عائشة: بأبي هو وأمي، والله إنه كان يضعها في الماء فيبلها -أي: الخميصة- ثم يضعها على وجهه ويقول: اللهم أعني على سكرات الموت, ثم يقول صلى الله عليه وسلم وهو كذلك: بل الرفيق الأعلى, بل الرفيق الأعلى, بل الرفيق الأعلى} قال العلماء: إنما قال ذلك صلى الله عليه وسلم؛ لأنه خير بين أن يمد له في عمره, وأن ينسأ له في أجله أو يلقى ربه, فقال: بل الرفيق الأعلى, أي: أريد اللقاء الآن, أريد الرحيل من هذه الدنيا الآن, أريد الموت في هذه الساعة؛ لأنه يعلم صلى الله عليه وسلم أنه مهما طال عمره، ومهما امتد أجله, فإنه سيلقى هذا المصرع، فمن الآن إذاً. فإذا كانت هذه الحياة نهايتها هذه النهاية, فبدون كلفة ومشقة، وبدون هموم وغموم، الآن أنهيها, والآن أتجرع كأس الموت، والآن أرتاح من هذه الحياة. وتوفي صلى الله عليه وسلم كما يتوفى الناس, ومات كما يموت الإنسان, ولكن بقي ذكره أبد الآبدين؛ لأنه أحسن العمل مع الله. والإنسان يطمع في طول العمر, ويطمع في امتداد الأجل؛ لأن بعض الناس يرى أن هذه الحياة متعة, سكنى ومطعم، وملبس وزواج، وترق في المناصب؛ فيرى أن هذه الحياة أحسن من الحياة الأخرى, أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة, أولئك الذين ضلت أعمالهم, وأولئك الذين حبط مسعاهم وأولئك الذين خسروا الصفقة مع الله, فهم يريدون هذه الحياة فحسب. وقف موسى عليه السلام فقال: يا رب! أريد عمراً طويلاًَ, قال الله سبحانه وتعالى: يا موسى! اختر ما شئت، وجاء ملك الموت -وهذه قصة صحيحة- فضربه موسى ففقأ عينه, فعاد ملك الموت إلى الله فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ففقأ عيني, فرد الله عليه عينه, وعاد ملك الموت ليقبض روحه, قال: يا موسى! تمنَّ ما شئت من العمر, قال: ثم ماذا؟ قال: ثم تموت, قال: الآن إذاً, فقبض روحه, ولذلك يقول أبو العتاهية: نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح فإن كان هذا العمر, فلا بد من النهاية، ولا بد من المصير المحتوم.

أبو بكر في السكرات

أبو بكر في السكرات روى أهل السير أن أبا بكر رضي الله عنه لما احتضر دخلت عليه ابنته عائشة فسلَّمت عليه وبكت طويلاً ونظرت إليه, خليفة المسلمين وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار, وصدِّيق الإسلام, يموت في ثوبين متواضعين مجرداً من الدنيا لا يملك إلا بدنه ولا يملك إلا بيتاً من طين، والعالم الإسلامي تحت إدارته وخلافته, فتدخل عليه عائشة في السكرات وتقول وهي تعزيه بروحه رضي الله عنه وعنها: صدق الشاعر يا أبتاه: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فالتفت إليها وقال مؤنباً لها، ومؤسفاً لها، ومعارضاً لها في هذا الاستشهاد، لا والله كذب الشاعر وصدق الله: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] هذا الموقف ليس موقف قول شعر, وليس موقف محاضرات, فهذا موقف يقول الله سبحانه وتعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] ما معنى (تحيد)؟ أي: تفر, كلما أتاك المرض ذهبت إلى المستشفى, وذهبت إلى العيادة, وعرضت نفسك على الطبيب علّك تمتع, لكن إذا جاء الموت انتهى كل شيء: {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] هذا ما كنت منه تفر, وتحاول أن تلف, وتحاول أن تعرض, ولكن الآن لا منجى ولا ملجأ من الله إلا إليه, وانتهى كل شيء.

معاوية في حال النزع

معاوية في حال النزع دخلوا على معاوية رضي الله عنه, وهو على سرير الملك في دمشق عاصمة الإسلام, فلما أتاه الموت قال: أنزلوني على التراب, فقالوا: يا خليفة المسلمين! ويا أمير المؤمنين! نرى السرير أرفق لك, قال: أنزلوني لا أبا لكم انتهى السرير وانتهى الملك, فأنزلوه فلما وضعوه في التراب, ووضع خده؛ وبكى طويلاً على التراب, وقال صدق الله سبحانه وتعالى بقوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] نسي كل شيء, نسي جيشه وجنده, نسي ملكه وقصوره, وما كان يعد, وانتهى الأمر إلى هذا الموقف وهذا المصير المحتوم.

عبد الملك بن مروان في السكرات

عبد الملك بن مروان في السكرات وعبد الملك بن مروان الخليفة الأموي لما حضرته الوفاة بكى طويلاً، وقال: يا ويلتاه! ما أغنى عني ماليه, هلك عني سلطانيه, يا ليتني كنت راعي غنم, يا ليتني كنت زبالاً! يا ليتني كنت غسالاً! فبكى الناس حوله من كلامه هذا, فلما بلغ كلامه سعيد بن المسيب رحمه الله -عالم المسلمين- قال: الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا وقت الموت ولا نفر إليهم؛ لأنهم لا يستيقظون إلا وقت الموت, ولا يتنبهون إلا في هذه الساعة, وإذا الأمر خرج من أيديهم, وإذا العمر ليس معهم, فيفيقون ويتذكرون فإذا ليس بأيديهم حيلة. ولذلك الذكي كل الذكاء الذي يعد لهذه الساعة, ولا يغتر بالشباب, ولا يغتر بالصحة, فلا تقل: إني شاب وسوف أتخرج, وسوف أحضر بعض الرسائل, وسوف أتقلد بعض المناصب ثم أستعد للموت, فهذا هو الغباء كل الغباء, وهذه البلادة كل البلادة, ومن أعطاك عهداً من الله أنك سوف تستمر هذا العمر, ومن أعطاك من الله خبراً يقينياً أنك سوف تعيش حتى تتخرج, لا والله إن الموت معك, وإن الملك ليصاحبك، يقول سبحانه وتعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] أي: أن الموت معك لكن هناك معقبات تحفظك حتى يأمر الله, فإذا أتى أمر الله تولى عنك هذان الملكان الحافظان. قد يأتي أجلك وأنت في الطيارة في الجو, وقد يأتي وأنت في السيارة, وقد يأتي وأنت على كرسي الدراسة تستمع وكلك آذان صاغية لما يقوله الأستاذ، وإذا بك تفاجأ وتنتقل إلى الدار الآخرة.

مقتل عمر بن الخطاب

مقتل عمر بن الخطاب عمر رضي الله عنه -وأنتم تعرفون من عمر الذي قضى كل حياته في الجهاد, وفي قيام الليل, وفي الصلاة والذكر, وفي الزهد والعدل, رضي الله عنه وأرضاه- خرج على المسلمين يوم الجمعة, وفي الخطبة العظيمة بكى بكاءً عظيماً, ثم قال: أيها الناس إني رأيت في منامي أن ديكاً ينقرني ثلاث نقرات, وقد عرضت هذه الرؤيا على أسماء بنت عميس الخثعمية زوجة جعفر , فأخبرتني أن رجلاً من الموالي سوف يطعنني ثلاث طعنات, فإذا طعنت فالله خليفتي عليكم، وأوصيكم بتقوى الله, وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه, ونزل رضي الله عنه من تلك الجمعة. وعاد في فجر يوم السبت ليصلي بالناس, وكان من هديه رضي الله عنه أن يقرأ سورة يوسف، وابتدأ فيها حتى بلغ قوله تعالى حكاية عن يعقوب: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] فضج بالبكاء رضي الله عنه، وقطع صوته في القراءة وبكى الناس خلفه, ولما ركع تقدم إليه ذلك المارد الفاجر أبو لؤلؤة المجوسي بخنجره الذي يحمل حدين مسمومين, وطعنه ثلاث طعنات, ولما طُعن قال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثم هوى سريعاً في المحراب شهيداً في سبيل الله تعالى. وجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فأكمل الركعة الثانية, وصوته يقطعه البكاء لأنه علم أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قد انتهى من الحياة, واستمر أبو لؤلؤة يطعن الناس يمنة ويسرة حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً, مات منهم سبعة وبقي ستة جرحى, وفي الأخير قام عمر رضي الله عنه وحمله الناس ودماؤه الطاهرة تنسكب على مناكبهم، وتنهمر على أكتافهم وهم يأخذونه إلى بيته رضي الله عنه, ويعزونه في نفسه وقد انتهى من الحياة. ولما وضعوه على فراشه وعلى سريره في بيته؛ تقدم الصحابة يعزونه, وانظر إلى التعازي! وانظر إلى الكلمات الصادقة وحرارة الإيمان في تعازي الصحابة بعضهم لبعض! يتقدم ابن عباس رضي الله عنه فيقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين! فيقاطعه عمر ويقول: لست للمؤمنين بأمير, إنني أصبحت من أهل الدار الآخرة اليوم, فيقول: السلام عليك يا أبا حفص! والله لقد أسلمت فكان إسلامك نصراً لله ولرسوله وللمؤمنين, وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً, وتوليت فكانت ولايتك عدلاً. فبكى عمر رضي الله عنه من هذه الكلمات, وقال: إليك يا بن عباس! والله لوددت أن أنجو من الحساب كفافاً لا لي ولا عليّ, فانحرف ابن عباس رضي الله عنه يبكي. ثم تقدم علي بن أبي طالب عليه رضوان الله, فقال: السلام عليك يا أبا حفص! والله لقد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته يقول: {جئت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وذهبت أنا وأبو بكر وعمر} فأسأل الله عز وجل أن يحشرك مع صاحبيك, فبكى وكأنه ارتاح لهذه الكلمة. ثم قال للناس: أيها الناس! أستودعكم الله وأوصيكم بتقوى الله, وقال وهو في مرض الموت: إني ما أتممت الفجر, الصلاة الصلاة وعيونه تترقرق بالدموع, فأتي له بلبن فشرب منه فخرج اللبن من كبده مع دمه رضي الله عنه وأرضاه, فقام وأكمل الركعة وهو في ذلك الظرف. وفي تلك الساعة الحرجة -التي ينسى الحبيب حبيبه, والخليل خليله, وينسى الإنسان كل شيء يتقدم إليه شاب, مسبل لثوبه يجر إزاره في الأرض, فسلَّم على عمر رضي الله عنه وقبل رأسه وقال: أستودعك الله يا أمير المؤمنين! أحسن الله عزاءك في نفسك, فقال عمر: [[يا بن أخي! ارفع إزارك -يوصيه برفع الإزار وبتقصير الثوب في تلك الساعة- فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك]] فيقول: جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء, فيقول عمر: بل جزى الله الإسلام عني خير الجزاء, ثم ينتقل إلى الدار الآخرة. فهؤلاء الأعلام لابد أن نجلس معهم ساعات ولابد أن نخلو معهم سويعات ولحظات, ونعطيهم الوقت الغالي من أعمارنا لنعيش معهم؛ لأن الذي يسكن مع من لا يتذكر سوف يبقى خامداً هامداً لا يتذكر الموت أبداً, ولا يستعد ولا تتغير حياته ولا ينقلب له منقلب, ولا يحسن العمل؛ لأنه يظن أن هذه الحياة أكل وشرب, وفلوس وزيارة, وشهادة ومنصب, ومال وولد, وهذا مغرور والله.

معاذ بن جبل في السكرات

معاذ بن جبل في السكرات معاذ بن جبل رضي الله عنه أتته سكرات الموت مع الفجر, فقال: اللهم إني أعوذ بك من ليلة صباحها إلى النار, اللهم إنك تعلم أني لم أحب الحياة لغرس الأشجار, ولا لجري الأنهار, ولا لعمارة الدور, ولا لبناية القصور -لماذا تحب الحياة إذاً- قال: لكني والله كنت أحب الحياة لثلاث خصال: لمكابدة الهواجر -أي صيام الأيام الحارة التي تشتد فيها الحرارة -ولقيام الليل- لله دره من عابد وعالم, ما أنبله وما أحسنه وما أجمله حينما عرف الحياة! يقول: ولمزاحمة العلماء بالركب في حلقات الذكر, وما كنت أحب الحياة لأمر سوى هذه الثلاث. أما نحن لو سئلنا لقلنا: كنا نحب الحياة لنزور فلاناً أو علاناً, ولنركب السيارة الفاخرة, ونسكن في الشقة الوثيرة, ونتمتع بالمطاعم والملابس, ونتقلد المناصب, ونجمع الأموال, ونعتز بالأولاد, هذه حياتنا التي لا تفرق عن حياة البهائم إلا أننا ننطق ونعرف ونتكلم.

حقيقة الموت والاستعداد له

حقيقة الموت والاستعداد له لذلك وجب علينا أن نعود إلى السلف لندرس حقيقة الموت وفلسفته مع السلف الصالح , كيف استعدوا للموت وكيف عاشوا مع الموت؟

عمرو بن العاص حال الموت

عمرو بن العاص حال الموت روى مسلم في صحيحه أن عمرو بن العاص رضي الله عنه, حضرته الوفاة في مصر , وكان والي مصر، وهو فاتح مصر , ومعلم أهل مصر. عمرو بن العاص أرطبون العرب وداهية الإسلام عمرو بن العاص الذي دوخ ملوك الكفر والكفار وقاتلهم حتى دخلوا في هذا الدين, حضرته الوفاة فإذا هو متجرد من دهائه وذكائه, ذهب الذكاء والدهاء, وإذا هو متجرد من منصبه وأمواله وأولاده, ذهب المنصب والمال والأولاد, وإذا هو متجرد من كل شيء إلا من العمل. وكان معه أناس من وزرائه وأولاده وأصحابه, فحول وجهه إلى الحائط وبكى بكاءً طويلاً, فجاء ابنه عبد الله -الزاهد العابد عبد الله بن عمرو - فقال: يا أبتاه! مالك تبكي؟ -وأراد أن يحسن ظنه بالله عز وجل- يا أبتاه! أما صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أما ولاك غزوة ذات السلاسل؟ أما مدحك؟ أما صحبت أبا بكر وعمر؟ أما فتحت مصر , أما جاهدت أما فعلت؟ قال: فلما طال كلام عبد الله ابنه, وطال بكاء عمرو؛ التفت عمرو إلى الناس, فقال: أيها الناس! إني عشت حياتي على طباق ثلاث- يتكلم عن سجل حياته, يعيد لهم التاريخ مرة ثانية, من يوم ولد إلى هذه الساعة- كنت في الجاهلية لا أعرف الإسلام, وكان أبغض الناس إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم, والله لو تمكنت منه لقتلته غيلة, ولو مت على تلك الحالة لكنت من أهل النار, ثم رزقني الله الإسلام فهاجرت من مكة إلى المدينة , فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسجده فلما رآني؛ هش وبش في وجهي، بأبي هو وأمي, واستقبلني وقال: أهلاً يا عمرو! قال: فصحبته وأحسنت صحبته, والله ما كنت أملأ نظري منه صلى الله عليه وسلم حياءً منه, والله لو سألتموني الآن أن أصفه لكم -أي: الرسول صلى الله عليه وسلم- لما استطعت, فيا ليتني مت على تلك الحالة! ولو مت على تلك الحالة لرجوت أن أكون من أهل الجنة, ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها وإن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, ثم قبض يده هكذا على لا إله إلا الله, قال ابنه عبد الله: فأتينا لنغسله فأردنا فتح أصابعه فما استطعنا فتحها, وبقيت مضمومة, فأدخلناه كفنه وأصابعه مضمومة, وأدخلناه في قبره وأصابعه مضمومة رضي الله عنه وأرضاه. فالعدة كل العدة أن تستعد لهذا المصرع, والحزم كل الحزم أن تحفظ وقتك وأن تستعد بعمل صالح لهذا المصرع, والزكاة كل الزكاة أن تحفظ هذه السويعات التي تمر بك مرَّ الرياح والبرق الخاطف، أن تستغلها بما يقربك من الله. الله الله! لا يغتر الإنسان بشبابه, ولا بفراغه ولا بصحته, فإن الله سبحانه وتعالى إذا أخذ أخذَ أخْذ عزيز مقتدر, وأنتم رأيتموهم ورأيناهم، شباب مترفون أقوياء منعمون, أهل أموال خرجوا من بيوت أهلهم وما ودعوا أمهاتهم ولا آباءهم, وعادوا أمواتاً, عادوا جثثاً هامدة؛ حتى ما استطاعوا أن يقولوا: السلام عليكم أيها الأهل والجيران وإلى لقاء, ما استطاعوا أن يقولوا: وداعاً, عادوا منتهين من هذه الحياة! فالله الله لا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور! أعدوا ما استطعتم من العمل الصالح, وهذه الدقائق تقول لك: إن الموت قريب: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان

حال سفيان الثوري مع الموت

حال سفيان الثوري مع الموت كان سفيان الثوري رحمه الله تعالى إذا جلس مع الناس؛ يجلس قليلاً وهو يسبح ثم ينتفض ويقف, فيقولون له: ما لك يا أبا سعيد؟ قال: والله ذكرت الموت. إذا أردتم ترجمة سفيان فعليكم بحلية الأولياء , اقرءوا كيف كانوا يتذكرون الموت ويعدون للموت, كان أحدهم يتذكر الموت وهو في مجلس التحديث ويقطع الفتوى, فيقطع الموعظة ويبكي حتى يقولون: كأنه يصرع من البكاء, ثم يقول بأبيات الصلتان السعدي: أشاب الصغير وأفنى الكبير كر الغداة ومر العشي إذا ليلة هرّمت يومها أتى بعد ذلك يوم فتي نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي يسألونه ويقولون له: يا أبا سعيد! ما حكم كذا وكذا؟ فيقول: والله ما أدري ما تقول أيها السائل! يقول: كيف لا تدري وأنا أتكلم بالعربية؟ قال: والله لقد أنساني الموت كل شيء, ولذلك يقول الذهبي: كان سبب موت سفيان الثوري أن ذكر الموت فتت كبده, حتى عرض ماؤه على طبيب فقال: هذا الرجل لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام, هذا الرجل لا يتمتع بالحياة أكثر من ثلاث ليال, هذا رجل فتت ذكر الموت كبده, قرأ سورة التكاثر في العشاء, فبقى يرددها ويبكي حتى الصباح, وكان يبكي أهله وجيرانه من بكائه رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه علم علم اليقين, يقول الله سبحانه وتعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:5] لأن علمنا بالآخرة علم ظن لا علم يقين, ندري أننا سوف نموت, وندفن الأجداد والآباء، والأمهات والإخوان، لكن هذا علم ظني نظري لم يتعمق في قلوبنا, وإلا لو تعمق في قلوبنا؛ لكنا أقبلنا على الله, واتجهنا إلى الله, وأتينا إليه بهمة وعزيمة, وحفظنا أوقاتنا مع الله, لكن نحن نعرف أننا مسلمون وأننا سوف نموت, ويقولون: هذه حياة والله غفور رحيم!! وهذه كلمات جوفاء.

أسباب تذكر الموت

أسباب تذكر الموت ومن أسباب تذكر الموت أمور, سوف ألخصها لكم في ثلاثة أسباب:

زيارة القبور

زيارة القبور الأمر الأول: أن تزور القبور, وأن تكثر من زيارتها, فلا تلهك الأسواق عن زيارة القبور, ولا تلهك المعارض ولا القصور، ولا الدور ولا الحفلات، ولا الأشجار والحدائق, واجعل من هذه العشر الزيارات للحدائق والقصور والدور؛ زيارة واحدة للقبور، ثم قف قليلاً وتذكر: أين أولئك الذين عاشوا معك؟ أين الذين عرفتهم وعرفوك؟ أين الذين ضاحكتهم وضاحكوك, وآنستهم وآنسوك, وزرتهم وزاروك, أين هم؟ وماذا فعلوا؟!! عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه -الخليفة الزاهد- صلى بالناس العيد, وكان خليفة لثنتين وعشرين دولة من دول الإسلام من سمرقند شرقاً إلى طنجة غرباً, ومن طاشقند شمالاً إلى جنوب أفريقيا جنوباً وهو الخليفة الوحيد في هذه المعمورة, صلى بالناس العيد وخرج رضي الله عنه، فلما مرَّ بالمقبرة؛ وقف وبكى بكاءً طويلاً, ثم قال: أيها الناس! هذه قبور الأحبة من بني أمية, هذه قبور أجدادي وآبائي، وإخواني وجيراني, هذه قبور أصدقائي, أتدرون ماذا فعل بهم الموت؟! ثم بكى طويلاً, فقال الناس: ماذا فعل يا أمير المؤمنين؟ قال: يقول -على لسان الموت-: يا عمر! إني فقأت الحدقتين, وأكلت العينين وفصلت الكفين من الساعدين, والساعدين من العضدين, والعضدين من الكتفين, والقدمين من الساقين, والساقين من الركبتين, وفصلت كل شيء على حدة, ثم بكى فبكى الناس جميعاً البر والفاجر. هذه المواعظ التي تعطيك دروساً لا تنساها أبداً، أن تقف عند المقبرة, ولو في الأسبوع مرة واحدة لعشر دقائق لتتذكر أباك وجدك، وعمك وخالك، وأمك وجدتك، وتتذكر مصرعهم, هل تميز بين الغني والفقير, وهل تميز فضل الملك من المملوك, أين ذهبوا؟ لابد أن تقف هذه الوقفات وأن تخصص هذه الزيارات.

تدبر القرآن

تدبر القرآن الأمر الثاني: أن تقرأ كتاب الله بتدبر, فاخل بنفسك وتباكى إن لم تبك, إذا لم تجد دموعاً، فحاول أن تعصر نفسك وتتباكى, يقول عمر: [[إذا لم تبكوا فتباكوا]] أي: تشارك بالبكاء علّ الله أن يرحمك وأن يرزقك عينين تسيلان بالدموع؛ لأن الله حرم على النار عيناً بكت من خشية الله سبحانه وتعالى, وعيناً باتت تحرس في سبيل الله، فخذ المصحف واقرأ سورة الفاتحة أو سورة النجم أو سورة الواقعة أو الرحمن، ونحو هذه السور التي تنصب آياتها كأنها قذائف على الإنسان, اقرأ وتدبر علَّ الله أن يرزقك الإنابة، وأن يعيدك إلى حضيرته تبارك وتعالى.

صحبة الصالحين

صحبة الصالحين الأمر الثالث: صحبة الصالحين: وقد كانوا إذا عدوا قليلاً وقد صاروا أقل من القليل وابتعد عن الزملاء الذين يبعدونك عن الله, تريد أن تتقرب من الله فيبعدونك عنه, وتريد أن تتقرب من الجنة فيقربونك من النار, تريد أن تقترب من الهداية فيأخذونك إلى الغواية. واجلس مع الصالحين، فعند الجلوس مع الصالحين تتنزل الرحمات من السماء, وتحفك السكينة, ويغشاك الله بفضل من رحمته, ويذكرك الله فيمن عنده. ولذلك يمر الملائكة ثم يصعدون إلى الله فيقولون: يا ربنا! جلس أولئك القوم يذكرونك وفيهم فلان ما جلس إلا مجاملة معهم ليس منهم, قال الله سبحانه وتعالى: وله غفرت، قالوا: إنه ليس منهم, قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم, مثل هؤلاء يرحمك الله برحمتهم ولو كنت بعيداً عنهم, ومثل هؤلاء يدخلك الله معهم في رحمته. الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلقي خطبة في مسجده الميمون المبارك، والناس كلهم آذان صاغية لسماع خطبته، وفي أثناء الخطبة يدخل أعرابي فيقطع الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم, ويقول: {يا رسول الله! متى تقوم الساعة؟ فلم يقطع صلى الله عليه وسلم خطبته, واستمر في كلامه كالسيل المنحدر, فلما انتهى قال: أين تراه السائل عن الساعة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: ما أعددت لها؟ -أي: العمل, فالذكاء ليس أن تسأل عن الساعة متى تقوم, وماذا يهمك حين يدمر العالم وينتهي، إذا كان موتك بعد لحظات أو أسابيع أو سنوات؟ ما يهمك أن تقوم الساعة, فإذا مت قامت ساعتك- قال: فما أعددت للساعة؟ قال: يا رسول الله! والله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام, لكني أحب الله ورسوله, فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت} قال أنس رضي الله عنه راوي الحديث: فوالله ما أحببنا كلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أحببنا هذه الكلمة, فنحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ونرجو أن نكون معهم ولو لم نعمل بعملهم. فالله الله بالجلوس مع الصالحين, والابتعاد عن الفسقة, والمردة, والمتهاونين بهذا الدين, والمتهاونين بالموت والحياة, ابتعدوا عنهم, واهجروهم ولو كانوا الإخوة الأشقاء من الأم والأب, يقول الشافعي رحمه الله: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة فيرد عليه الإمام أحمد فيقول: تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم يرتجى نيل الشفاعة فأحِبَّ الصالحين, واجلس معهم, وعليك بهذه الأسباب, وتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بما استطعت من النوافل؛ لأننا أصبحنا قوم كما يقول محمد إقبال: علفنا الأكل. كان السلف الصالح علفهم الذكر, على حد تعبير محمد إقبال , وكان قربتهم إلى الله ومواردهم القرآن, والصيام والصلاة, وأصبحنا الآن علفنا الموائد الشهية, أكل وشرب وضحك وزيارات, إنهاء للوقت, وضياع للمعلومات, وضياع للصالحات, هذه حياتنا. ولذلك قلَّ من تراه من المسلمين يصلي ركعتي الضحى التي هي صلاة الأوابين والتي تعادل 360 حسنة, والذين ينظر الله إليهم في الضحى وهم يتململون في صلاة الضحى، والناس في أعمالهم ومشاغلهم, فيغفر الله لهم. قلّ من تراه منا يقوم آخر الليل ساعة السحر, حينما يخلون بالله وحين يناجونه, ويدعونه سبحانه وتعالى ويستغفرونه, قلّ من تراه من يتوضأ ويصلي ركعتين. وقلّ من تراه يختم القرآن ويتعاهده كل أسبوع أو على الأقل في كل شهر, وقلّ تراه من يزور المقابر, ويجلس مع الصالحين والأولياء في كتب التراجم, إنما نشكو حالنا إلى الله سبحانه وتعالى, ونسأله سبحانه وتعالى أن يبدل حالنا بأحسن منها, وأن يردنا إليه رداً جميلاً, وأن يتولانا في من تولى, وأن يحلينا بالإيمان, وبحلية اليقين والإحسان, وأن يذكرنا المصير المحتوم, وأن يجعلنا ممن يستعد له الاستعداد الطيب, وأن يحفظ علينا أوقاتنا وأعمارنا وحياتنا. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين.

سري للغاية

سري للغاية إن الطعن والثلب في أعراض العلماء بغير حق شرعي يعتبر طعناً في السنة؛ لأنهم حملتها وروادها، وورثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك يجب الذب عن أعراضهم والدفاع عنهم. وبالمقابل يجب على العلماء أن يعرفوا أن الابتلاء سنة كونية لمن يحمل هذا الدين على عاتقه. وفي هذه المادة بيان لخطاب الشيخ: ابن باز بشأن العلماء والدعاة وما يجب علينا تجاههم.

خطاب ابن باز عن الدعاة والتعليق عليه

خطاب ابن باز عن الدعاة والتعليق عليه إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أيها الإخوة الكرام! عنوان هذا الدرس"سري للغاية" وسبب سرية هذا الدرس أنه ليس فيه سر، وكل أمره ظاهر، ولكن إذا أردت لأمرٍ أن ينتشر فحاول أن تكتمه، وإذا أردت لشيءٍ أن يعلن فحاول أن تخفيه، فإنهم قالوا: أحب شيءٍ إلى الإنسان ما منع. والنفوس والقلوب تتعلق بالممنوعات، وتحب المحجبات، ولذلك قال علي رضي الله عنه: [[لو منع الناس من فت البعر لفتوه]] وهم لم يفتوا البعر؛ لأنه ليس الإنسان ممنوعاً من فته؛ ولكن لو صدر له أمرٌ أو نهيٌ عن فته لقام وقال: في الأمر سر. والإعلاميون ورواد الصحافة يكتبون على الأخبار المثيرة لا تقرأ هذا الخبر، فتتشوق النفوس، وتتطلع العيون لقراءة هذا الخبر وتطمح لمعرفة المكنون، ولذلك كان الناس يتناقلون الشائعة؛ لأنها تحمل إثارةً وسراً، وروح كلامي في هذا الدرس أنه ليس بسر، ولكنه على كل حال سري للغاية.

خطاب ابن باز العام

خطاب ابن باز العام أبدأ هذا الدرس بخطاب سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الذي وجهه أثابه الله ذاباً عن أعراض الدعاة، منافحاً عن العلماء، دامغاً به أهل الشبه والحداثة والعلمنة. يقول سماحته: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ النبي الأمين، وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الله عز وجل يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الظلم والبغي والعدوان، وقد بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بما بعث به الرسل جميعاً من الدعوة إلى التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده، وأمره بإقامة القسط، ونهاه عن ضد ذلك من عبادة غير الله، والتفرق والتشتت، والاعتداء على حقوق العباد. وقد شاع في هذا العصر أن كثيراً من المنتسبين إلى العلم والدعوة إلى الخير يقعون في أعراض كثيرٍ من إخوانهم الدعاة المشهورين، ويتكلمون في أعراض طلبة العلم والدعاة والمحاضرين، يفعلون ذلك سراً في مجالسهم، وربما سجلوه في أشرطةٍ تنتشر على الناس، وقد يفعلونه علانيةً في محاضراتٍ عامةٍ في المساجد، وهذا المسلك مخالفٌ لما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من جهات عديدة منها: أولاً: أنه تعدٍ على حقوق الناس من المسلمين بل من خاصة الناس من طلبة العلم والدعاة الذين بذلوا وسعهم في توعية الناس وإرشادهم، وتصحيح عقائدهم ومنهاجهم، واجتهدوا في تنظيم الدروس والمحاضرات، وتأليف الكتب النافعة. ثانياً: أنه تفريقٌ لوحدة المسلمين، وتمزيقٌ لصفهم، وهم أحوج ما يكونون إلى الوحدة والبعد عن الشتات والفرقة وكثرة القيل والقال فيما بينهم، خاصةً وأن الدعاة الذين نيل منهم هم من أهل السنة والجماعة، المعروفين بمحاربة البدع والخرافات والوقوع في وجه الدعاة إليها، وكشف خططهم، وألاعيبهم، ولا نرى مصلحة في مثل هذا العمل إلا للأعداء المتربصين من أهل الكفر والنفاق أو من أهل البدع والضلال. ثالثاً: أن هذا العمل فيه مظاهرة ومعاونة للمغرضين، من العلمانيين والمستغربين وغيرهم، من الملاحدة الذين اشتهر عنهم الوقيعة في الدعاة والكذب عليهم، والتحريض ضدهم، فيما كتبوه وسجلوه، وليس من حق الأخوة الإسلامية أن يعين هؤلاء المتعجلون أعداءهم على إخوانهم، من طلبة العلم والدعاة وغيرهم. رابعاً: أن في ذلك إفساداً لقلوب العامة والخاصة، ونشراً وترويجاً للأكاذيب والإشاعات الباطلة، وسبباً في كثرة الغيبة والنميمة، وفتح أبواب الشر على مصراعيها لضعاف النفوس، الذين يدأبون على بث الشبه، وإثارة الفتن، ويحرصون على إيذاء المؤمنين بغير ما اكتسبوا. خامساً: أن كثيراً من الكلام الذي قيل لا حقيقة له، وإنما هو من التوهمات التي زينها الشيطان لأصحابها، وأغراهم بها، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12] والمؤمن ينبغي أن يحمل كلام أخيه المسلم على أحسن المحامل، وقد قال بعض السلف: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك فيك سوءً وأنت تجد لها في الخير محملاً. سادساً: وما وجد من اجتهادٍ لبعض العلماء وطلبة العلم فيما يسوغ فيه الاجتهاد، فإن صاحبه لا يؤاخذ به، ولا يثرب عليه إذا كان أهلاً للاجتهاد، فإذا خالفه غيره في ذلك، كان الأجدر أن يجادله بالتي هي أحسن، حرصاً على الوصول إلى الحق من أقرب طريقٍ ودفعاً لوساوس الشيطان وتحريشه بين المؤمنين، فإن لم يتيسر ذلك ورأى أحدٌ أنه لا بد من بيان المخالفة، فيكون ذلك بأحسن عبارة وألطف إشارة، ودون تهجمٍ أو تجريحٍ أو شطط في القول قد يدعو إلى رد الحق أو الإعراض عنه، ودون تعرضٍ للأشخاص أو اتهامهم للنيات، أو زيادة في الكلام لا مسوغ لها، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في مثل هذه الأمور: ما بال أقوامٍ قالوا كذا وكذا؟! فالذي أنصح فيه هؤلاء الإخوة الذين وقعوا في أعراض الدعاة ونالوا منهم أن يتوبوا إلى الله تعالى مما كتبته أيديهم، أو تلفظت به ألسنتهم مما كان سبباً في إفساد قلوب بعض الشباب، وشحنهم بالأحقاد والضغائن، وشغلهم عن طلب العلم النافع، وعن الدعوة إلى الله بالقيل والقال، والكلام عن فلانٍ وفلان، والبحث عما يعتبرونه أخطاءً للآخرين، وتصيدها وتكلف ذلك، كما أنصحهم أن يكفروا عما فعلوا بكتابة أو غيرها مما يبرءون به أنفسهم من مثل هذا الفعل، ويزيلون ما علق بأذهان من يستمع إليهم من حولهم، وأن يقبلوا على الأعمال المثمرة التي تقرب إلى الله، وتكون نافعةً للعباد، وأن يحذروا من التعجل في إطلاق التكفير، أو التفسيق أو التبديع لغيرهم بغير بينة ولا برهان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من قال لأخيه: يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما} متفقٌ على صحته. ومن المشروع لدعاة الحق وطلبة العلم إذا أشكل عليهم أمرٌ من كلام أهل العلم أو غيرهم أن يرجعوا فيه للعلماء المعتبرين، ويسألوهم عنه ليبينوا لهم جلية الأمر، ويوقفوهم على حقيقته، ويزيلوا ما في أنفسهم من التردد والشبه عملاً بقول الله عز وجل في سورة النساء: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:83] والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين جميعاً، وأن يجمع قلوبهم، وأعمالهم على التقوى، وأن يوفق جميع علماء المسلمين وجميع دعاة الحق لكل ما يرضيه، وينفع عباده ويجمع كلمتهم على الهدى، ويعيذهم من أسباب الفرقة والاختلاف، وينصر بهم الحق، ويخذل بهم الباطل إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين. عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

سبب خطاب ابن باز ورسالته للشيخ عائض

سبب خطاب ابن باز ورسالته للشيخ عائض أيها الإخوة الكرام: أما سبب خطاب الشيخ هذا فقد سبق من قبل فترة أن ذهبت أنا وبعض الدعاة من الإخوة الكرام إلى سماحته وشكونا إليه ما نلقى من ردودٍ، ومن اعتراضات لا صحة لها، ومن نقدٍ يوزع في الأشرطة، ويكتب في بعض الكتيبات التي تنشر؛ فأخبرنا سماحته أنه سوف يتبنى هذا الموقف وينقذ دعاة الإسلام بكتابه، وما كان سماحته إلا أن كتب لنا رسائل خاصة، وسوف أقرأ رسالتي التي وجهها سماحته ولولا رفع اللبس لما قرأتها، ولكن على العبد إذا تعرض إلى نقدٍ لا حقيقة له، له أن يدافع عن نفسه، وقد فعل ذلك الصالحون والأخيار من السلف ممن كان قبلنا رضوان الله عليهم. يقول سماحته: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم صاحب الفضيلة الشيخ عائض بن عبد الله القرني، وفقه الله لما يحبه ويرضاه، وزاده من العلم والإيمان آمين سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد: فنظراً لحاجة الناس اليوم إلى الوعظ والتذكير والإرشاد ولما لفضيلتكم من الجهود المشكورة في هذا المجال والقبول والتأثير -نسأل الله أن يثيبكم على ذلك- فإني أرجو من فضيلتكم مواصلة الجهود في ذلك، والصبر على دعوة الناس إلى الخير، وتذكيرهم لما خلقوا له، من توحيد الله وطاعته، وتشجيع إخوانكم من أهل العلم على ذلك، لما لا يخفى عن الجميع من فضل الدعوة إلى الله سبحانه، وشدة حاجة المسلمين وغيرهم إليها، وذلك عن طريق المحاضرات والدروس والإجابة عما يشكل عليهم، في أمور دينهم والتعاون على البر والتقوى، ونحن مستعدون للتعاون معكم بذلك، والتفاهم مع ولاة الأمر فيما قد يعرض لكم في هذا السبيل، فسيروا على بركة الله، وأبشروا بالأجر العظيم والذكر الجميل، وحسن العاقبة التي وعد الله بها المخلصين الصادقين، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، ويجعلنا جميعاً من أنصار دينه والدعاة إليه على بصيرة، وأن يوفق حكومتنا وعلى رأسها خادم الحرمين وجميع المسئولين لكل ما فيه رضاه وصلاح أمر عباده إنه جوادٌ كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عبد العزيز بن عبد الله بن باز رقم هذا الخطاب (1142) تاريخه (10/ 9/1411هـ).

واجب المسلم تجاه الدعاة والعلماء

واجب المسلم تجاه الدعاة والعلماء ونظراً لما لخطاب سماحة الشيخ العام الذي وجهه للأمة بخصوص الدفاع عن العلماء والدعاة فإني أريد أن أبين قضايا تهم المسلم: أولاً: واجب المسلم نحو الدعاة الذب عن أعراضهم، وحماية دعوتهم، وعدم ترك السفهاء من المنافقين والمرتدين، ومن في قلبه مرض أن يلغ في أعراضهم الطاهرة؛ بل على المسلم أن يدفع عنهم؛ لأن الله عز وجل ذكر أنه يدافع عن الذين آمنوا، وطلب عليه الصلاة والسلام من المؤمن أن يذب عن عرض أخيه المؤمن، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، ولا يسلمه، بحسب المسلم من الإثم أن يحقر أخاه المسلم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه مسلم. الثاني: ذكر محاسن الدعاة، وهم القوم الذين لا يشقى في جليسهم، وهم حملة هذا العلم الشريف الذي بعث به الرسول عليه الصلاة والسلام، وهم نجومٌ يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وظلمات الشهوات، كما يهتدى بالنجوم في السماء، قال الأول: هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطالوا أطابوا وأسدلوا ولا يستطيع الفاعلون كفعلهم وإن حاولوا في النازلات وأجملوا فعلى المسلم أن يحتسب الأجر من الله عز وجل، فيذكر ما للعلماء والدعاة من مآثر، فإنهم يحفظون الشريعة، ويفتون الأمة، ويبينون ما أحل الله، وما حرم الله، ويأمرون بالتوحيد، وينهون عن الشرك، وينقذون الأمة، ويدلونهم على الجنة، ويبينون لهم أسباب السعادة، ويحذرونهم من أسباب الشقاء، وهم أبوابٌ على الجنة، وهم بإذن الله صمام الأمان لهذه الأمة الخالدة الموقرة. الثالث: ومن رأى على الدعاة ملاحظةً أو رأى نقصاً فعليه أن ينصحهم، أو يكتب لهم كتاباً، ولا يحل له أن يقع في أعراضهم؛ لأنه وقوعٌ في شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام وابتهالٌ بالكتاب والسنة، ومعنى ذلك ألا تثق الأمة بعد ذلك بدعاتها وعلمائها، وأهل الرأي فيها، وحملة الكتاب والسنة. الرابع: أن يعذر هؤلاء الدعاة والعلماء في المسائل الاجتهادية، التي اختلف فيها الأئمة من قبلهم، وهي من فروع الشريعة، ولهم أعذارٌ كما بين ذلك شيخ الإسلام في كتابه " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " فليس لأحدٍ من الناس أن يعنفهم، أو أن يثرب عليهم، أو أن يغضب عليهم إذا خالفوا في مسألة اجتهادية، بعد أن يجتهد الواحد منهم، وأن يكون أهلاً للاجتهاد، فإن الأمر فيه سعة في مسائل الاجتهاد التي هي من الفروع لا من الأصول. الخامس: عدم مناصرة العلمانيين، والحداثيين، وأهل البدع، وأهل الشهوات، ومرضى القلوب على الدعاة، فإن معنى ذلك خيانةٌ لله تعالى عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، فإن من يقف في صف الكافر أو صف المبتدع، أو صف المغرض فإنه يحارب الله عز وجل، ومن يحارب الله يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر. السادس: ومن الواجب على الأمة الدعاء للدعاة والعلماء بظهر الغيب، وفي أدبار الصلوات، وفي ساعات السحر، أن الله ينصر بهم دينه، وأن يعلي بهم كلمته، وأن يوفقهم بالقيام بنشر الدعوة في مشارق الأرض ومغاربها، ليستمر هذا الدين، ولتقوم قائمته، وليرفرف علم التوحيد في أرض الله عز وجل، فإن الله عز وجل ذكر أن الأرض أرضه، وأنه سبحانه يرث الأرض ومن عليها، وقال بعض أهل التفسير في قوله سبحانه وتعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [الرعد:41] قالوا في قوله سبحانه وتعالى: (نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) بموت العلماء. وقد بين صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه أن الله عز وجل لا ينتزع العلم انتزاعاً من صدور العلماء، ولكنه ينتزعه أو يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. وليعلم العبد أن عليه أن يكون من أنصار الله عز وجل، فإنه ليس في الدنيا إلا حزبان، حزب الله عز وجل وحزب رسوله صلى الله عليه وسلم، والحزب الآخر حزب الشيطان، حزب الله هم المفلحون الصادقون الناصحون، وحزب الشهوات والشيطان هم الذين يحاربون الحزب الأول، ففريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير.

وضوح الدين والدعوة

وضوح الدين والدعوة ومن الأسرار في هذا الدرس وكله علن وليس فيه سر، أنه ليس عندنا مناجاة ولا مسارة في ديننا، بل ديننا واضح، ومبادئنا ظاهرة، وليس عندنا شيءٌ نتكتم عليه، أو سرٌ نخفيه، بل إننا نعلن هذه المعلومات دائماً على المنابر وفي النوادي والمحاضرات والدروس والمحافل. وقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إذا رأيت القوم يتناجون في دينهم فاعلم أنهم على دسيسة. فإذا رأيت الأمر يسر ويستوشى بين الناس ولا يعلن فاعلم أن فيه نظراً، وأن فيه بلاء، وأن فيه عيباً، فليعلم الناس أن ما عندنا شيءٌ نخفيه؛ لأن مبادئنا هي لا إله إلا لله محمدٌ رسول الله، والصلاة والزكاة والصيام والحج والأخلاق الفاضلة، والنهي عن الرذائل، وغير ذلك مما يقرب العبد من الله ويباعده من الشيطان والنار. ثم ليعلم الناس أن الدعوة علانية والله عز وجل قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94] فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتكتم أحياناً حفاظاً على أصحابه، ولكن دعوته صلى الله عليه وسلم كانت معلنة، وكان يحدث بها الناس، وكان يقولها على المنبر عليه الصلاة والسلام، وما كتم شيئاً مما أرسله الله به بل قال له ربه سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] وقد قالت عائشة رضي الله عنها: [[من قال إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد كتم شيئاً مما بعثه الله به فقد أعظم الفرية على الله]] أو كما قالت رضي الله عنها، رواه مسلم

أسرار سرية للغاية

أسرار سرية للغاية وهنا أسرارٌ سرية للغاية:

ضرورة دعوة الناس إلى التوحيد

ضرورة دعوة الناس إلى التوحيد السر الأول المعلن: التوحيد، فيجب على كل داعية أن يكون أول كلامه إذا دعا الناس موشحاً بالتوحيد، وأكبر قضاياه توحيد العباد لخالقهم، وهي الدعوة التي بعث الله تعالى بها رسله عليهم الصلاة والسلام، وأنزل كتبه، وخلق من أجلها النار والجنة، ونصب الميزان. وافترض الله سبحانه وتعالى على عباده هذا الفرض اللازم الذي دمرت الدنيا من أجله خمس مرات، وفي الصحيحين أن الرسول عليه الصلاة والسلام. قال لـ معاذ: {أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم قال له: وهل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حقهم عليه ألا يعذبهم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فالتوحيد دائماً وأبداً هو محور كلام الداعية، وعليه لب كلامه، فعلى دعاة الإسلام أن ينشروه، وأن يوضحوه، وأن يخطبوا به، وأن يجددوا الأساليب فيه، وأن يذهبوا به في البوادي والضواحي والقرى والمدن، وأن تكتب فيه الكتيبات، وأن يجدد فيه الأساليب بكل لسان من منظومٍ، ومنثورٍ، ومن داعية، وواعظٍ، ومفكرٍ، حتى يكون الناس على بصيرة، وهو الأصل المعتمد الذي إذا فسد فسدت كل الأعمال بعده: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65 - 66].

الابتلاء قائم في حق الرسل والعلماء

الابتلاء قائم في حق الرسل والعلماء والسر الثاني: لا يرسل الله نبياً ولا رسولاً إلا بعد أن يبتليه بالمصائب والمحن، حتى يرفع درجته، ويروضه على الصبر والاستعداد لتحمل الرسالة، يبتلي الله رسله وأنبياءه عليهم الصلاة والسلام إلى درجة أن يعلم الواحد منهم أن لا إله إلا الله، ويتيقن الواحد منهم أن لا نافع إلا الله، ولا ضار إلى الله، ولا خالق إلى الله، ولا رزاق إلا الله، فيعيشها الواحد منهم عقيدة، ويعيشها الواحد منهم إيماناً، ويعيشها الواحد منهم مبدأً، ويعيشها الواحد منهم في لحمه ودمه، حتى يقولها ويعمل بها، ويمتثل بها، ولذلك لما أرسل الله رسوله عليه الصلاة والسلام قال له: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. ومعنى ذلك: أنه لا ينفع ولا يضر، ولا يخلق، ولا يرزق، ولا يستحق العبادة إلا هو سبحانه وتعالى، ولا يرضى الله عن أعدائه؛ لأنهم اتخذوا من دونه آلهة فقال: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] والقضية الكبرى قضية الإيمان أنه لا ينفع ولا يضر إلا الله، ولا يجيب المضطر إلا هو، وهذه هي المسألة التي كسرت ظهر الشيوعية، وأخذت الإلحاد في العالم؛ لأن ساعة الاضطرار أعظم دليلٍ على الوحدانية، فلذلك قال سبحانه وتعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] والمعنى يسأل الناس: من هو الذي يجيب المضطر وهو المكروب الذي بلغ من الحاجة مبلغاً عظيماً، فلا يجيبه إلا الله سبحانه وتعالى، ويكشف السوء، فهو وحده سبحانه وتعالى، وبين عليه الصلاة والسلام وهو يتحدث لـ ابن عباس رضي الله عنهما عن العقيدة والتوحيد فقال: {واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. فعلى المسلم أن يوحد الله عز وجل، وأن يعلم أنه لا يضر ولا ينفع إلا هو، وأن يردد دائماً: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4] وفي الآية سر وهو الصمد سبحانه وتعالى الذي تصمد له الكائنات وترجوه، وتلهج بذكره، وتطلب حاجتها منه سبحانه وتعالى، حتى قال أحدهم: يا رب حمداً ليس غيرك يحمدُ يا من له كل الخلائق تصمدُ أبواب كل ملوك الأرض قد أوصدت ورأيت بابك واسعاً لا يوصدُ الصالحون بنور وجهك آمنوا عافوا بحبك نومهم فتهجدوا فهذه قضية كبرى أن يعلم العبد أنه إذا أراد أن يتأهل للدعوة فيصبر على الفتن، وعلى المحن، وليعلم أنه رفع لدرجاته، وأن الله يريد به الخير، حتى يمضي على الأرض وما عليه ذرة من الخطايا، والله يصطفي من عباده من يشاء، فيبتليهم بأنواع الخوف، والمحن، والفتن، والزلازل، حتى يعلموا أن لا إله إلا الله، فيلهجوا إليه، ويطلبوه ويسألونه، وتتقطع حبالهم من غيره، فلا يمدون حبلهم إلا معه، ولا يسألون إلا هو، ولا يخافون إلا منه، ولذلك حذر سبحانه وتعالى من غيره وقال: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} [آل عمران:175] وقال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174].

كل الفلاح في طاعة الله

كل الفلاح في طاعة الله السر الثالث: أنه لا صلاح للإنسان إلا في طاعة الله عز وجل، فإن كل خيرٍ من عنده سبحانه وتعالى، ولا يصرف السوء إلا هو، ولا يعطي ولا يفتح إلا المعلم سبحانه وتعالى المعطي الفتاح العليم الوهاب: {فخزائنه ملأى سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه سبحانه وتعالى} وفي الحديث القدسي العظيم الذي قاله رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، ورواه مسلم عن أبي ذر أنه قال صلى الله عليه وسلم: {قال الله سبحانه وتعالى: يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا. يا عبادي: كلكم ضالٌ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي: كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي: كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم. يا عبادي: إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي: إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحد ما زاد ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه}. فعلى العبد أن يجتهد فيما يحب الله عز وجل ويرضى، وأن يتقرب إليه بالمحامد، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي الذي رواه البخاري عنه عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: {وما تقرب إلي عبدي بأحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به إلخ}.

حاجة العبد للأمر والنهي

حاجة العبد للأمر والنهي السر الرابع: أنه لا بد للعبد من أمرٍ ونهي، وهذه من كلمات شيخ الإسلام رحمه الله في المجلد الأول في الألوهية وفي غيرها من كتبه، وقالها غيره من العلماء، والظاهر أنه لا بد له من آمرٍ يأمره، وناهٍ ينهاه، وهو الشارع الحكيم، فإن العبد لا يستطيع أن يعيش هملاً، لا يوجهه موجه، ولا بد له من شريعة، والشريعة هي ما بعث الله به رسله عليهم الصلاة والسلام، خاصةً النبي محمداً صلى الله عليه وسلم فإنه بعثه بما يصلح العباد، وبعثه بما يحذر العباد من المفاسد، وما يجنبهم الشرور. وقال بعضهم: لا بد للعبد أن يأمر وأن ينهى، فيأمر بما أمر الله به ورسوله عليه الصلاة والسلام، وينهى عما نهى الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يكون آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، فكما قال عليه الصلاة والسلام: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان} رواه مسلم.

الدعاة أبعد الناس عن التكفير

الدعاة أبعد الناس عن التكفير السر الخامس: أن الدعاة إلى الله عز وجل لا يكفرون أحداً من المسلمين من أهل القبلة إلا بمكفر من المكفرات التي أجمع عليها أهل السنة والجماعة، فهم أبعد الناس عن التكفير، يصونون ألسنتهم، ويخافون الله سبحانه وتعالى؛ لأنه من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، فهم يحذرون كل الحذر، والذين يسرعون في التكفير هم أهل البدع، وقد لامهم أهل العلم على ذلك؛ لأنهم لا يخافون الله؛ ولأن ضوابطهم متهتكة في مسألة التكفير، وليس عندهم بصيرة، وما عندهم دلالةٌ من الفقه في الدين. وإنما وقع الخوارج في مسألة التكفير لأنهم أخذوا ببعض الكتاب، وأكثروا في العبادة على حساب الفقه في النصوص، فجهلوا الفقه في الدين فوقعوا فيما وقعوا فيه، ولذلك لم تنفعهم عباداتهم، ولا قراءتهم، ولا صلاتهم، ولا صيامهم، حتى قال المعصوم عليه الصلاة والسلام: {تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، وقراءتكم إلى قراءتهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية}. وعند ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما: [[فقيهٌ واحد أشد على الشيطان من ألف عابد]] لأن الفقيه يعرف أسرار الشرع، ويقف عند النصوص، ويفقه الأدلة.

الدعاة أزهد الناس في الدنيا

الدعاة أزهد الناس في الدنيا السادس من الأسرار: ليس للدعاة مطامع دنيوية، فمطمعهم الأعظم أن يصلحوا الناس، وأن يهدوهم، وأن يعودوا إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يتوجهوا إلى الوجهة الصحيحة تحت مظلة أهل السنة والجماعة، فمن زعم أن الدعاة في غالبهم يريدون الدنيا، من قصورها وفللها، ومناصبها، ووظائفها، ورواتبها، فقد أعظم الفرية على الله، وقد اتهمهم بما هم منه براء، فإن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم أزهد الناس. كفاك عن كل قصر شاهق عمدٍ بيتٌ من الطين أو كهفٌ من العلمِ تبني الفضائل أبراجاً مشيدةً نصب الخيام التي من أروع الخيمِ إذا ملوك الورى صفوا موائدهم على شهي من الأفلاس والأدم صففت مائدةً للروح مطعمها عذبٌ من الوحي أم نورٌ من الكلمِ ويروى عنه عليه الصلاة والسلام عند ابن ماجة وغيره: {ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} وعند البخاري من حديث ابن عمر: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: {مالي وللدنيا إنما مثلي ومثلها كرجلٍ قال في ظل شجرة ثم قام وتركها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فهم يتعلمون هذا من الرسول عليه الصلاة والسلام. ويعلمون أن ما أعد الله لهم من الرضوان والخير والنعيم المقيم خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو سُلِّم إليهم ذهب الدنيا، وفضة الدنيا، لما رضوا به عوضاً عما عند الله سبحانه وتعالى في الآخرة، فليعلم العبد هذا وليتيقن. وقد يأتي منهم نادر ولكن النادر لا حكم له، ولا يعمم عليهم، ولا يُتخذ ذريعة للنيل منهم.

العلماء هم قادة الأمة وروادها

العلماء هم قادة الأمة وروادها السابع: أن الدعاة والعلماء أحق بالكلام من غيرهم، فهم أحق أن يتكلموا، وأحق أن يستمع الناس لهم، وأحق أن يصدروا في المجالس، وأن يكرموا، وأن يطلب منهم الرأي والفتوى، وأن يُعتبروا هم أهل الرأي وهم المنوط بهم إفتاء الأمة، ودلالة الأمة؛ لأن الله رزقهم من البصيرة ما لم يرزق غيرهم، ويقول سبحانه وتعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] وأهل الذكر هم أهل العلم، فالرد إليهم واجب. فالواجب إتاحة المجال لهم؛ ليسمع الناس صوتهم، وليعلموا حقيقة ما يحملون، وليتفقه الناس عليهم، وليكون الناس على بينة مما يلقي هؤلاء أو مما يقول هؤلاء الفضلاء النبلاء الشرفاء.

ضرورة التزام الدعاة كظم الغيظ والصبر

ضرورة التزام الدعاة كظم الغيظ والصبر الثامن من الأسرار: وهذا سرٌ للدعاة أقوله بيني وبينهم ولعله لا يدري به إلا من يسمعه من الناس، أقول: أن عليهم أن يتحملوا، وأن يكظموا الغيظ، وأن يصفحوا: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22] وقد قال سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] ومنها: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:134] فليتحملوا في سبيل إرساء دعوتهم، وتعليم الناس، وأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتوضيح كل ما يشكل على الأمة، وليعلموا أن ما أصابهم ففي سجل الحسنات، وفي محفل الدرجات وتكفير من السيئات. وعند الترمذي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم} وليجعل الدعاة قدوتهم معلم الخير عليه الصلاة والسلام؛ ليكونوا على بصيرة، وليكونوا إن شاء الله ممن ينصرهم الله في الدنيا والآخرة، ثم ليبشر الدعاة بالأجر الجزيل من الله تبارك وتعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم} وليبشروا بالثناء الجميل من الناس، فإنه لا يطلب لذاته، لكن إذا حصل فهو من المبشرات، وعاجل بشرى المؤمن، وإبراهيم عليه السلام يقول لربه تبارك وتعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء:84] قال أهل العلم: الثناء الحسن، وقال الناظم: وإنما المرء لسانٌ بعده فكن لساناً حسناً لمن وعى أو قال: وإنما المرء حديثٌ بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى

قصيدة بعنوان: الوحي مدرستي الكبرى

قصيدة بعنوان: الوحي مدرستي الكبرى فعسى الله أن يرزقنا الثناء الجميل، والأجر العظيم، نحن ودعاة الإسلام والصالحين من عباده. وهناك كثير من القصائد في هذا الباب أحببت أن أذكر قصيدة نظمتها منذ أيام بعنوان "الوحي مدرستي الكبرى" فيها بعض المعاني، أسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون في ميزان الحسنات، وأن تكون ذباً عن أعراض الصالحين قلت فيها: أنا الحجاز أنا نجد أنا يمن أنا الجنوب بها دمعي وأشجاني بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني وفي ربا مكة تاريخ ملحمةٍ على ثراها بنينا العالم الفاني دفنت في طيبة الروحِ ووا ولهي في روضة المصطفى عمري ورضواني النيل مائي ومن عمان تذكرتي وفي الجزائر آمالي وتطوان دمي تصبب في كابول منسكباً ودمعتي سفحت في سفح لبنان فأينما ذكر اسم الله في بلدٍ عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني والوحي مدرستي الكبرى وغار حرا ميلاد فجري وتوحيدي وإيماني وثيقتي كتبت باللوح وانهمرت آياتها فاسألوا يا قوم قرآني جبريل يغدو على قومي بأجنحةٍ من دوحة الطهر في نجواه عرفانِ بدر أنا وسيوف الله راعفة كم حطمت من عنيدٍ ماردٍ جاني كتبت تاريخ أيامي مرتبةٍ في القادسية لا تاريخ شروان وما استعرت تعاليماً ملفقةً من صرح واشنطن أو رأس شيطانِ وما سجدت لغير الله في دعةٍ وما دعوت مع معبودنا ثاني وما مددت يدي إلا لخالقها وما نصبت لغير الحق ميزانِ فقبلتي الكعبة الغراء تعشقها روحي وأنوارها في عمق أجفاني وليس لي مطلبٌ غير الذي سجدت لوجهه كائنات الإنس والجان لا أجمع المال مالي كل أمنيةٍ طموحةٍ تصطلي بركان وجداني وكل قدم جبانٍ لا يصاحبني على الشجاعة هذا الدين رباني ليت المنايا تناديني لأخبرها أن المنايا أنا لا لونها القاني ليرم بي كل هولٍ في مخالبه ما ضرني وعيون الله ترعاني ممزق الثوب كاسي العرض ملتهباً أنعى المخاطر في الدنيا وتنعاني مريضُ جسمٍ صحيح الروح في خلدي حبٌ لأحمد من نجواه عرفاني بلال صوتي هتافٌ كله حسنٌ أذانه في المعالي رجع آذاني وعزم عمار في دنيا فتوته أسقي شبابي به من نهره الداني عصا الكليم بكفي كي أهش بها على تلاميذ فرعونٍ وهامانِ ونار نمرود أطفيها بغاديةٍ من الخليل فلا النيران تصلاني في حزن يوسف تاريخي وملحمتي من صنع خالد لا من صنع ريجان داود ينسج درعي والوغى حممٌ لا يخلع الدرع إلا كف أكفاني دعني ألقن قوماً ما لهم هممٌ إلا على العزف من دانٍ ومن دان قومٌ مخازنهم نهبٌ ومطعمهم سلب وموكبهم من صف فئرانِ هم في الرؤى نقطة سوداء إن لمعوا يا للرجال وهذا العالم الثاني يا جيل يا كل شهمٍ يا أخا ثقةٍ يا بن العقيدة من سعد وسلمان يا طارقاً يا صلاح الدين يا ابن جلا يا عين جالوت يا يرموك فرقانِ يا بائع الأنفس الشماء في شهبٍ من الرماح على دنيا سجستان يا من بنوا المجد من أغلى جماجمهم في شقحب النصر أو في أرض أفغانِ يا من سقوا دوحة الإسلام من دمهم من كل أروع يوم الروع ظمآن يا صوت عكرمة المبحوح يقطعه قصف العوالي من سمرٍ ومرانِ هيا إلى الله بيحوا كل فانيةٍ فصوت رضوان ناداكم وناداني أيها الإخوة الكرام: في هذه الليلة أفشي لكم سراً وهو طلبٌ ينفعكم عند الله سبحانه وتعالى، وهو أمرٌ عظيم، وأجره جزيل، إنه بناء المساجد، فإن الله سبحانه وتعالى تكفل لمن بنى مسجداً وبيتاً له في الدنيا؛ أن يبني له بيتاً في الجنة ولو كمفحص قطاة، قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:18] إن الذي يعمر المساجد إنما يعمرها حباً فيما عند الله عز وجل، إن كل مصلٍ يصلي في هذا المسجد، لك بمثل صلاته أجرٌ ومثوبة عند الواحد الأحد. إنها البيوت التي يجب علينا أن نعتني بها: في توسيعها، وبنائها، وخدمتها، أكثر مما نعتني ببيوتنا، ليس للمنافقين أن يعمروا المساجد، وليس للمشركين، ولا من في قلبه مرض قال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة:17] ولكن: {إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:18] فندعوكم أيها الأخيار من أهل التجارة وممن أعطاهم الله المال ليبتليهم سبحانه وتعالى به، وليعلم أيشكرونه، أم يكفرونه، وليعلم سبحانه وتعالى أينفقونه في أبواب الخير والبر، أم يجعلونه في المعاصي والانحراف والصد عن منهج الله. يقول سبحانه وتعالى عن أعدائه: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36] فمعاذ الله -يا تجار المسلمين! ويا أثرياء المسلمين! ويا أغنياء المسلمين! - أن تجعلوا الأموال حرباً على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين، أو ولوغاً في الشهوات، أو سقوطاً في المعاصي، بل هنا منفذٌ كبير، وبابٌ يدخلكم الجنة، وقائدكم في هذا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام وأصحابه، فإن عثمان رضي الله عنه وأرضاه دخل الجنة بالمال، وكذلك ابن عوف. قام صلى الله عليه وسلم يطلب الصدقة والنفقة على جيش المسلمين المتوجه إلى تبوك، فقام عثمان فهيأ الجيش بآلاف الدنانير، ودفع الجمال والخيول فقال صلى الله عليه وسلم: {ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، اللهم ارضَ عن عثمان فإني عنه راضٍ} وكان المسلمون يقولون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة. فيا أيها الإخوة: من كان له استطاعة، ولو بالريال أو بالعشرة أو بالمئة، أو بما كثر أو قل، أو يعرف غنياً أو تاجراً، فليساهم في دعوته في بناء المساجد. وأمامي قائمة من المساجد التي تحتاج إلى بناء وأصحابها الآن يدعون، وهم يتحرون من يمدهم بعونٍ ويوسع لهم مسجدهم ويبنيه بناءً طيباً؛ ليهتفوا إلى الله سبحانه وتعالى أن يغفر لهذا الباني، وأن يرحمه، وأن يجزل مثوبته. وهناك من الوثائق والصكوك ما يثبت ذلك، فعسى الله أن يكمل السعي، وأن ينفعنا بهذه الأموال التي إذا وجهت توجيهاً صحيحاً نفع الله بها أمته، ونفع بها عباده، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وفي الأخير: أخبركم بسرٍ عسى أن يكون معلناً وهي رسالة من تهامة، رسالة من أرضٍ فقيرة، وأرضٍ مجدبة، وأرضٍ بها قحط، أرض تريد مد يد العون من الصدقة من العلم النافع، أرضٌ تنادي التجار والعلماء، تنادي طلبة العلم، تنادي الدعاة. فيا أيها الناس: نسأل الله سبحانه وتعال أن يجعلكم من المستجيبين له ولرسوله، وأن تلبوا هذا الداعي، وأن تذهبوا بأنفسكم وبسياراتكم إلى هذه البوادي والقرى والجبال والضواحي تنشرون بها العلم النافع بواسطة الشريط، والكلمة النافعة، والخطبة والموعظة، وتبينوا للناس أمور دينهم، وتحملوا معكم الأرزاق، وتحملوا معكم ما ينفع هؤلاء من الملابس والأغذية والأكسية، كما أني أدعوا أهل رءوس الأموال والأغنياء والأتقياء أن يبذلوا الصدقات هناك، فإن الأقربين أولى بالمعروف، وهم أحوج ممن هو أبعد منهم، فعسى الله سبحانه وتعالى أن ينفع بالجهود، وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم، وأن يصلح الراعي والرعية، وأن يؤلف بين قلوب المسلمين، وأن يجعلنا من أنصار دينه، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، كما أشكر الذين بذلوا من علمهم ومن جهدهم ومن وقتهم فهذا الذي يبقى لهم: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس أسأله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد، والعون والثبات على الحق حتى نلقاه، وصلى على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سكرات الموت

سكرات الموت إن الله تعالى جعل الموت محتوماً على جميع الخلق من الإنس والجان وجميع الحيوان، فلا مفر لأحدٍ منه ولا أمان، الكل فيه سواء، الرئيس والمرءوس، الحر والعبد، الذكر والأنثى. وفي هذه المادة الحديث عن الموت من الكتاب والسنة، وصفته، وحال الناس عند سكراته، مؤمنهم وكافرهم، صالحهم وطالحهم.

ذكر الموت في الكتاب والسنة

ذكر الموت في الكتاب والسنة الحمد لله الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً، واتخذوا من دون الله آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المؤيد بجبريل، المذكور في التوراة والإنجيل، المعلم الجليل، صلى الله وسلم عليه كلما تضوع مسك وفاح، وكلما ترنم طير وصاح، وكلما شدا حمام وناح. لا إله إلا الله الذي كسر بالموت ظهور الأكاسرة، وقصر بالموت آمال القياصرة الذين طغوا وبغوا وفجروا حتى أرداهم ظلمهم في الحافرة، أخرجهم من القصور والدور وأقعدهم في القبور، فهل تسمع لهم كلاماً؟ سكتوا فتركوا فما نطقوا: دع ذكر ليلى والرباب وابك لأيام الشباب وانتظر الموت فما أقربه من كل باب زر القبور مرةً إن بها خير الصحاب كم ملك في لحده تيجانه ذاك التراب لم يصطحب من ملكه وماله حتى الثياب قصوره من بعده صارت خراباً في خراب قد وجدوا ما وعدوا من العقاب والثواب فهل أخذت عدة من التقى قبل الذهاب وهل لبست لأمةً من كل فضل وصواب آهٍ لدنياً زخرفت دنيا الأفاعي والكلاب قد اشتراها مفلس بدينه فما أصاب إن كان لي من شكر فأشكر الباري تبارك وتعالى الذي جمعني بهذه الوجوه الساجدة العابدة المتألقة بنور الإيمان، التي غرست في قلوبها لا إله إلا الله، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:24 - 25]. في أجساد عمرت على التقوى إن شاء الله قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109]. ثم أشكر لكم فضلكم وحضوركم وبارك الله فيكم، ثم أشكر المعهد العلمي بـ الطائف على رسالته الجليلة وعلى رأسهم مدير المعهد فضيلة الشيخ محمد بن عائض القرني والأساتذة الفضلاء والطلاب النبلاء. موضوع المحاضرة: وجاءت سكرت الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. ذاق الموت محمد صلى الله عليه وسلم فشربه كما يشربه الناس، ومات كما يموت الإنسان، وذهب كما يذهب الإنسان، وذاق الموت نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، ومات فرعون وهامان وقارون كلهم أقعدوا في الحفر، لكن إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار: والموت فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءه فإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال به فلا يشتبه والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94] هذه المحاضرة تدور على ست مسائل: أولها: ذكر الموت في الكتاب والسنة وعند العارفين. ثانيهاً: الأنبياء ومعايشتهم للموت عليهم السلام. الثالثة: الصالحون في سكرات الموت. الرابعة: النادمون في سكرات الموت. الخامسة: وصف الموت. ما هو الموت؟ ما لونه؟ ما طعمه؟ ما مساغه؟ كيف يذاق؟ السادسة: الاستعداد للموت.

ذكر الموت في الكتاب والسنة

ذكر الموت في الكتاب والسنة أما الموت في الكتاب والسنة وفي أقوال العارفين فأخذ قطاعاً كبيراً من القرآن، يقول سبحانه وتعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:61 - 62]. من المحاسب إلا الله؟ من المنصف إلا الله؟ من المجازي إلا الله؟ من الباقي إلا الله؟ {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. يا من أعجبه شبابه! يا من أعجبه منصبه! يا من تاه بماله! والله لقد تولوا الأموال، وتقلدوا المناصب، وسكنوا الدور، وعمروا القصور، ثم قُعروا في القبور. ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} وقت الموت {أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:30 - 31] {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون:99 - 100]. لا نفع لها لا طائل من ورائها لا قيمة لها، ضاع الشباب، ضاعت القوة، ضاعت الأوقات. فيا عباد الله! هل من مستيقظ؟ يا أمة الإسلام! يا أبناء من حملوا لا إله إلا الله! يا أبناء من تسمع أذن البشرية لا إله إلا الله! يا أبناء من خطب على منبر الدهر بلا إله إلا الله! أنتم مطالبون بالاستفاقة من السبات: تنبهوا يا رقود إلى متى ذا الجمود فهذه الدار تبلى وما عليها يبيد الخير فيها قليل والشر فيها عتيد والبر ينقص فيها والسيئات تزيد فاستكثروا الزاد فيها إن الطريق بعيد يا شباب الإسلام! يا من ألهتهم المجلة الخليعة! والأغنية الماجنة! والسهرات الآثمة! والشواطئ المجرمة! والليالي الحمراء! أنتم مطالبون اليوم إلى إقبال وتوبة وصحوة واستفاقة، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. يقول صاحب الرسالة الخالدة، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم، يقول الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، كنا قبل الرسالة رعاة إبل، رعاة شاة، ضائعين، ظالمين، أظفارنا طويلة، شعورنا منتنة، تاريخنا متخلف، ترابيون، نعيش في الطين، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أصبح اليوم يهاجم من الذين لا يحملون أصالة ولا رسالة: إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها يقول لـ ابن عمر: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل}. تعرف الغريب الذي يصبح غريباً، ويمسي غريباً، الموت يطرده من كل جهة، وكان ابن عمر يقول وقد روي مرفوعاً: {إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك}. يا أهل الأعمار النضرة! يا أهل الأجسام القوية! يا أهل الفلل البهية! يا أهل المآدب الشهية! أين أنتم من القبور؟ حفر مظلمة: أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر مر الخليفة الزاهد الشاب الناصح عمر بن عبد العزيز -سقى الله تلك العظام شآبيب الرحمة والرضوان- مر في عيد الفطر -وهو خليفة المسلمين- فرأى القبور فجلس يبكي، قالوا: ما لك؟ قال: لا إله إلا الله أتدرون ماذا يقول الموت؟ قالوا: لا. قال: يقول: وأكلت العينين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، وفصلت القدمين عن الساقين، والساقين عن الفخذين، فبكى الأمراء والوزراء وجلسوا معه. إنه استيقظ، وعرف طريقه، ولذلك في حديث عنه صلى الله عليه وسلم بسند لا بأس به: {الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {مالي وللدنيا؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كرجل استظل بظل شجرة ثم قام وتركها}. شاب رأسه، شابت لحيته، قال له أبو بكر في الحديث الصحيح: {يا رسول الله! أراك شبت، قال: شيبتني هود وأخواتها}. السور الطويلة، الرسالة الخالدة، المعاني الجليلة، المستوى الضخم، العمق في الدعوة، العبادة وقيام الليل، الزهد في الدنيا، شيَّب رأسه وشيَّب لحيته. قال ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما في قوله سبحانه وتعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37]. قال: النذير الشيب. لكن من استيقظ بشيبه؟ من اتعظ يوم شابت لحيته أو رأسه؟ روى أهل السير أن عابداً من بني إسرائيل نظر إلى المرآة وكان قد أطاع الله أربعين سنة، ثم عصى الله أربعين سنة، فنظر وهو في الثمانين إلى المرآة، فرأى شيبه فبكى، فقال: يا ربِ! أطعتك أربعين وعصيتك أربعين، أتقبلني إذا عدت لك؟ فسمع قائلاً يقول: أطعتنا فقربناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإذا عدت إلينا قبلناك. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار والرسول عليه الصلاة والسلام دائماً يذكر الناس بالموت. صح من حديث علي وحديث سهل وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفسي بيده! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً} ماذا تعلم يا رسول الله؟ يعلم الصراط، رأى الجنة، رأى النار، رأى العرض، رأى المواقف العصيبة، علم من علم الغيب ما علمه الله، لكن الذي لا يعلم يضحك كثيراً ويبكي قليلاً، الذي لا يعلم بالحشر والنشر والصراط والصحف والجنة والنار يضيع أوقاته، يضيع صلاته، يضيع زمانه، لا يعرف الصلوات الخمس في المسجد، مساجدنا بهية واسعة، مشيدة، لكن تشكو إلى الله من قلة المصلين، قال محمد إقبال: أرى التذكير أدركه خمولٌ ولم تبق العزائم في اشتعال وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال وجلجلة الأذان بكل حيٍ ولكن أين صوت من بلال منائركم علت في كل ساحٍ ومسجدكم من العباد خالي

ذكر الموت عند العارفين

ذكر الموت عند العارفين أما العارفون فإنهم تذكروا الموت كثيراً، وعند الترمذي بسند حسن قوله صلى الله عليه وسلم: {أكثروا ذكر هاذم اللذات} من هو هاذم اللذات؟ إنه الموت، مفرق الجماعات، ميتم البنين والبنات، الذي يعكر اللذات، والذي يدلَهم على الأوقات، والذي يسحبك من البيوتات والمطعومات والمشروبات إلى العرض الأكبر عند رب الأرض والسماوات. وكان العارفون يجعلون الموت نصب أعينهم دائماً، ذكر الإمام أحمد عن الخليفة الصديق رضي الله عن أبي بكر أنه دخل مزرعة لأحد الأنصار فرأى البساتين الوارفة، ورأى الأعذاق المتدلية، والنسيم الهفهاف، والماء البارد، فتذكر لقاء الله، ورأى طائراً يطير من شجرة، وهذا يوجه لأهل البساتين، ولأهل الحدائق الغنَّاء الذين نسوا بها الموت، فبكى، قال له الصحابة: ما لك يا خليفة رسول الله؟ قال: [[أبكي حين تذكرت هذا الطائر، طوبى له! يطير من شجرة إلى شجرة لا حساب عليه ولا عذاب، يا ليتني كنت طائراً]]. ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شي الحشر والنشر -الموقف الصعب- جعل السلف يستفيقون من سباتهم، قالوا لـ سفيان الثوري: ما لك لا تنام؟ قال: والله كلما أتيت إلى فراشي لأنام؛ تذكرت القبر فطار النوم من عيني. أين هذه الحياة؟ وأين هذا الوقت؟ وأين هذا القلب من اللاهين الذين يعيشون حتى في مجتمعات المسلمين؟! شاب يصاب بحادث انقلاب في سيارة، شاب لاهٍ لاغٍ مصحفه المجلة الخليعة، وتلاوته الأغنية الماجنة، وجلاسه وأحبابه كل بعيد عن الله، لا يعرف المسجد، ولا يعرف المصحف، ولا يعرف المحاضرات، ولا الندوات، أتته سكرات الموت في حادث انقلاب، فماذا قال في سكرات الموت؟ أخذ يترنم ويقول: هل رأى الحب سكارى مثلنا هي أغنية صنفها مغنٍِ ماجن ومغنية ماجنة يقول: هل رأى الحب سكارى مثلنا، حتى في هذه الساعة نسيت الله، لماذا؟ لأنه عاش على هذه الكلمة، وسوف يموت عليها، ويحشر عليها: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه خرج إلى المقبرة -وهذه قصة جيدة الإسناد- ومعه ابن عوف، فرأى قبراً مفتوحاً فأخذ يده وأفلتها من يد ابن عوف، ودخل في القبر وبكى طويلاً وقال: يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني كنت شجرة تعضد، يا ليتني ما عرفت الحياة. هذا وأنت إمام زاهد عابد صادق فكيف بنا أهل الذنوب والخطايا؟! كيف بنا أهل السيئات؟! ما قدمنا -والله- للإسلام شيئاً، لم نقدم دماءنا وأموالنا، لم نهاجر ولم نجاهد ولم نفعل شيئاً، الجيد منا من يحافظ على الصلوات الخمس مع قلة الخشوع والخضوع. وكان ميمون بن مهران يستعد للموت، فحفر قبراً في بيته، فكان يدخل في القبر قبل أن ينام، فيقرأ ويبكي طويلاً ثم يخرج من القبر ويقول: يا ميمون! ها قد خرجت من القبر فاعمل صالحاً قبل أن تندم. هذه هي المسألة التي ينبغي أن تكون في الحسبان.

ذكر الموت عند الصالحين

ذكر الموت عند الصالحين قيل لـ ابن سيرين: ما لك لا تفتي؟ قال: كلما أردت أن أفتي الناس تذكرت الموت، فمات كل عضو على جهته. وذكر الذهبي في السير عن الإمام أحمد أنه قال عنه أحد تلاميذه: كان الإمام أحمد إذا ذكر الموت خنقته العبرة، ثم يقول: ما هي الحياة؟ هل هو إلا طعام دون طعام، ولباس دون لباس؟ يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزان من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفه شر من عزوا ومن هانوا فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان

الأنبياء ومعايشتهم للموت

الأنبياء ومعايشتهم للموت أما الأنبياء ومعايشتهم الموت. فاسمع إلى يوسف عليه السلام، نال الملك نال النبوة نال الرسالة، فماذا يفعل؟ توجه إلى الله داعياً، توجه إلى الحي القيوم، قال: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101]. أقصى ما يتمناه، وأعلى ما يترجاه أن يتوفاه الله مسلماً، يا رب! ألحقني بالصالحين. يا رب! ذقت الحياة، لبست لباسها، وشربت شرابها، وأكلت طعامها، لا لذيذ، فما رأيت كالإسلام. فتوفني مسلماً وألحقني بالصالحين. نسب إلى معاوية أنه قال: [[لبست كل لباس إلا ما حرم الله، وأكلت الطعام بأصنافه، وشربت الشراب بأصنافه إلا ما حرم الله فما وجدت كتقوى الله]]. وذكر ابن القيم في الفوائد عن سليمان عليه السلام أنه قال: علمنا مما علم الناس ومما لم يعلم الناس فلم نجد كتقوى الله. أيها اللاهي بلا أدنى وجلْ اتق الله الذي عز وجل واستمع قولاً به ضرب المثل اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل أتت سكرات الموت نوحاً عليه السلام فقالوا: كيف وجدت الحياة، وقد عشت ألف سنة؟ قال: والله ما الحياة إلا كبيت له بابان دخلت من هذا ثم خرجت من هذا. سل من عاش مائة كم عاش؟ وسل من عاش القرن والقرنين والثلاثة أين لذاتهم؟ أين راحتهم؟ أين سعادتهم؟ أخذوا والله من نعيمهم وطرحوا فهم مرتهنون بأعمالهم. وأبو الطيب المتنبي يقول: أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعق نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا أين الأكاسرة الجبابرة الألى كنزوا الكنوز فلا بقينَ ولا بقوا من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى ثوى فحواه لحد ضيق خرسٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق يقول إبراهيم عليه السلام في آخر حياته: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82]. عليك السلام، تجاهد وتقيم لا إله إلا الله، وتغرس لا إله إلا الله، وتعادي من عادى الله، وفي الأخير تتوجه إلى الله وتقول: والذي أطمع؛ طمع ورجاء وتلهف أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين. أما رسولنا عليه الصلاة والسلام فذاق الموت وعاصر الموت -بأبي هو وأمي- وجالس الموت، أتته سكرات الموت فأخذ يقول: {لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، لا إله إلا الله اللهم هون عليَّ سكرات الموت، لا إله إلا الله اللهم خفف عليَّ سكرات الموت، ثم أخذ خميصة -قطعة قماش- يبلها بالماء ويجعلها على وجهه ويقول: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد}. وذهب إلى الله، إلى الرفيق الأعلى. خير بين الدنيا وقصورها وذهبها وفضتها ومناصبها فقال: {بل الرفيق الأعلى. فتقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: خيرت والله فاخترت يا رسول الله}. كفاك عن كل قصر شاهق عمد بيت من الطين أو كهف من العلم تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم جلس في بيت الطين، وعاش فيه، ما وجد ما يملأ بطنه، ليالي تمر وأياماً تكر، ولقي الله. نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم فصلى الله عليه وسلم كلما ذكره الذاكرون، وكلما غفل عنه الغافلون، وكلما أحبه المحبون، وكلما أبغضه المبغضون.

حال الصالحين في سكرات الموت

حال الصالحين في سكرات الموت أما حال الصالحين في سكرات الموت. يَبِيْنُ صلاح العبد يوم يصرع، وساعة الموت ساعة يسلم فيها الجبار، ويذعن فيها المتكبر، ويفتقر فيها الغني، ساعة الموت تتحدى، ساعة الموت معلم لا بد أن يمر به الإنسان، تسلب الإرادة، وتضعف العزيمة، وتقطع الحبال، وتنتهي الحيل. واترك الحيلة فيها واتكل إنما الحيلة في ترك الحيل ساعة الموت أليمة جد أليمة، ولذلك يَبِيْنُ صلاح الصالحين وفساد المفسدين فيها.

أبو بكر حال الموت

أبو بكر حال الموت حضرت سكرات الموت أبا بكر الصديق فقالت ابنته عائشة رضي الله عنها وعنه: يا أبتاه! صدق الأول -وهو حاتم - يوم يقول: لعمرك ما يغني الثواء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فالتفت إليها مغضباً وقال: يا بنية! لا تقولي ذلك، ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:19 - 21]. ثم قال: إذا مت فخذوا بغلتي هذه -خليفة ما ترك إلا بغلة وثوبين- وهذين الثوبين واذهبوا إلى عمر بن الخطاب وقولوا له: يا عمر! اتق الله لا يصرعك الله مصرعاً كمصرعي، يا عمر! إن الحق ثقيل مرير، وإن الباطل خفيف وبير، وإنما ثقلت موازين أقوام لأنهم حملوا الحق، وإنما خفت موازين أقوام لأنهم حملوا الباطل. فذهبوا بالبغلة وبالثوبين من خليفة ملك ربع الدنيا، فوصلوا إلى عمر فأعطوه، فجلس يبكي ويقول: يا أبا بكر! أتعبت الخلفاء بعدك. يعني: كيف نستطيع هذا المنهج؟ متى نبلغ هذا المستوى؟

عمر بن الخطاب حال الموت

عمر بن الخطاب حال الموت وأتت سكرات الموت عمر رضي الله عنه وأرضاه. مولى المغيرة لا جادتك غادية من رحمة الله ما جادت غواديها يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه وقف عند الجمرات في آخر حجة حجها ودعا الله بقلب صادق، وقال: [[اللهم ضاعت رعيتي، ورق عظمي، وشاب رأسي، ودنا أجلي، اللهم فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون، اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وموتة في بلد رسولك]]. شرطان: في سبيل الله، وفي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له الصحابة: كيف تسأل الشهادة في المدينة؟ ومن يسأل الشهادة يخرج إلى الثغور والقتال والأعداء. قال: هكذا سألت وأسأل الله أن يلبي لي ما سألت. وعلم الله أنه صادق مخلص: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] عاد إلى المدينة، وامتدت له يد أبي لؤلؤة الآثمة لا جاد الله قبره، في صلاة الفجر في أحسن بقعة وفي أحسن صلاة فطعنه ثلاث طعنات وهوى صريعاً. قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها حمل على أكتاف الرجال وهو مطعون فما تذكر ولداً ولا زوجة ولا منصباً ولا وظيفة ولا داراً ولا مالاً، أخذت عيناه تهراق بالدموع وهو يقول: يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني ما عرفت الحياة، يا ليتني ما توليت الخلافة. تقول هذا وأنت الزاهد المجاهد الصادق، فكيف بنا نحن؟! كيف نلقى الله؟! دخل عليه علي أبو الحسن رضي الله عنه وأرضاه، فأثنى عليه، قال: يا علي! والله الذي لا إله إلا هو وددت أني نجوت كفافاً لا لي ولا عليَّ. وأخذ يقول لابنه عبد الله: انزع المخدة من تحت رأسي وضع رأسي على التراب علَّ الله أن يرحمني. رحمك الله وأسكنك الله الرضوان ورفع منزلتك يوم يتقبل الله من الصادقين: أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا ويَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ. هنيئاً لك، السعادة إن شاء الله وشهادة الرسول عليه الصلاة والسلام. وذكر أهل السير باستفاضة أن عثمان إذا ذكر القبر بكى حتى يجلس، قالوا: تُذكر الآخرة فلا نرى هذا البكاء، فإذا رأيت القبر بكيت؟ فقال سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {القبر أول منازل الآخرة، فإذا نجا العبد منه أفلح، وإذا خسر فيه خسر فيما بعد}. أو كما قال عليه الصلاة والسلام. القبر منزل -والله- موحش، لا صديق، لا حبيب، لا زوجة، لا ولد، إلا العمل الصالح، تركوا ما تركوا، واستجوبوا فما نطقوا، وودعوا فإما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.

علي بن أبي طالب حال الموت

علي بن أبي طالب حال الموت وأما علي رضي الله عنه وأرضاه فهو صاحب الكلمات الصادقة التي تصل إلى القلوب مباشرة، كلماته واصلة بكل خير حاصلة، يقول البخاري في الصحيح في كتاب الرقاق، وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد:36]. وقال علي بن أبي طالب: [[ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل]]. قال معاوية لـ ضرار بن الحارث: صف لي علياً، قال: رأيته في ظلام الليل -يعني علياً - يمسك لحيته بيديه، ويبكي بكاء الطفل الفطيم، ويتململ تململ السليم الملدوغ ويقول: [[يا دنيا يا دنية! طلقتك ثلاثاً لا رجعة بعدها، زادك حقير، وعمرك قصير، وسفرك طويل، آه من قلة الزاد وبعد السفر ولقاء الموت]]. هل تذكر المتخلفون هذه الكلمات الصادقات؟! هل تذكر الذين ينصبون العداء للإسلام والمسلمين وهم يشربون معنا ويمشون على أرضنا ويستنشقون هواءنا؟! هل سمعوا هذه القذائف؟ هل وصلت قلوبهم؟ هل طرقت أسماعهم أم هم في غفلة يعمهون؟ يقول علي شعراً لمن لم يفهم النثر: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الموت نبنيها فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها

ابن عباس وعمر بن عبد العزيز حال الموت

ابن عباس وعمر بن عبد العزيز حال الموت حضرت الوفاة عمر بن عبد العزيز فاستبشر كثيراً، وقال لزوجته فاطمة: اخرجي يا فاطمة! فإني أرى نفراً ليسوا بأنس ولا جن. إذاً ملائكة: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30]. قال ابن كثير: لما حضرت ابن عباس الوفاة. ابن عباس جدكم في ثرى هذا التراب يرقد هنا. ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا يقولون: لما حضرت جنازته صلوا عليها وهو في الأكفان -والعهدة على ابن كثير - فلما انتهوا رأوا طائراً أبيض دخل في أكفانه وسمعوا هاتفاً يقول: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:27 - 29].

ابن المبارك حال الموت

ابن المبارك حال الموت وابن المبارك الزاهد العابد حضرته سكرات الموت فتبسم كثيراً، يا لها من بسمة ما أحسنها! من يتبسم في سكرات الموت؟ إنهم أهل الصلوات الخمس، وأهل القرآن والذكر، أهل طاعة الديان، أهل الخوف من الرحمن، الذين إذا تستروا في الجدران واختفوا بالحيطان تذكروا الواحد الديان. وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني فهؤلاء هم الذين يتبسمون في سكرات الموت، أما الضائعون اللاهون السامجون المتفلتون فكيف يتذكرون؟! وكيف يصحون؟! وكيف يتبسمون؟! إنها حسرة في غمرات الموت.

النادمون في سكرات الموت

النادمون في سكرات الموت وأما النادمون في سكرات الموت فإنهم كثير منهم صالحون ومنهم غير ذلك.

ندم معاوية حال الموت

ندم معاوية حال الموت حضرت الوفاة معاوية بن أبي سفيان الخليفة الملك فقال: أنزلوني من على سريري، فأنزلوه، فمرغ وجهه في التراب وبكى وقال: صدق الله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. تجرد من الدنيا فإنك إنما أتيت إلى الدنيا وأنت مجرد أتيت إلى الدنيا باكياً صارخاً أعمى أصم جائعاً ضامئاً، فلما وصلت إلى الدنيا تملكت وسرت وأخذت وأكلت وشربت، ثم تحاسب عند الواحد الديان، هذا معاوية يقول ذلك.

ندم عمرو بن العاص حال الموت

ندم عمرو بن العاص حال الموت وعند مسلم في الصحيح عن ابن شماسة المهري قال: {حضرنا عمرو بن العاص في الوفاة فبكى بكاءً طويلاً وحول وجهه إلى الحائط، قالوا: ما لك تبكي؟ -تذكر الذكريات. وكثير من الناس لا يتذكر ذكرياته إلا في سكرات الموت، الأيام والليالي والأشهر والسنوات والإجازات والرحلات والأصحاب والأصدقاء، كل ما مر به يتذكره في ذاك المطرح- فبكى، فأخذ ابنه يحسن ظنه بالله، فلما زاد الكلام التفت وقال: يا أيها الناس! إني عشت حياتي على أطباق ثلاث: كنت في الجاهلية لا أعرف الإسلام، فلو مت على تلك الحال لكنت من جثي جهنم، ثم أسلمت وبايعت الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما بسط يده ضممت يدي قال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أشترط، قال: تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر لي ربي ذنبي، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: أما تدري -يا عمرو - أن التوبة تهدم ما قبلها وأن الإسلام يجب ما قبله؟ فأسلمت، فوالله ما ملأت عيني منه صلى الله عليه وسلم، والله لو سألتموني الآن أن أصفه لم أستطع أن أصفه، لأني ما ملأت عيني منه حياءً منه، فلو أني مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم لعبت بي الدنيا ظهراً لبطن، فما أدري هل يؤمر بي إلى الجنة أو إلى النار؟ لكن عندي كلمة أحاج لنفسي بها عند الله، لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم}. وعند غير مسلم: فضم يده على لا إله إلا الله. ولما أدخل وغسل؛ كانوا يفتحونها فتضم. وهذا لأن معه لا إله إلا الله، ورصيده لا إله إلا الله والصلوات الخمس، وقراءة القرآن، والصدق مع الله، وبر الوالدين، وصلة الرحم، أما أن نقول: لا إله إلا الله ونكذب على الله، فما فائدة لا إله إلا الله؟ لا إله إلا الله ولا صلاة في المساجد! لا إله إلا الله والنساء يتبرجن! لا إله إلا الله والغناء يعج في البيوت! لا إله إلا الله والربا يؤكل ويشرب ويلبس ويستخدم ويبنى منه! لا إله إلا الله والخروج على شرع الله موجود! لا إله إلا الله والمجلة الخليعة تسيطر على وقت المصحف وزمن المصحف وساعات المصحف! لا إله إلا الله وجلساء السوء يحفون بالصالحين ليصرفوهم عن الهداية! أين معنى لا إله إلا الله؟ لا إله إلا الله والوالدان يلعنان في بعض النواحي ويضربان! والرحم يقطع! نخرج إلى الاستسقاء فنرفع أيادينا لكن حجبنا ما بيننا وأغلقنا أبواب السماء بالذنوب والخطايا، عطاء الله ممنوح وبابه مفتوح وخيره يغدو ويروح؛ ولكن ذنوبنا والله وقفت بالطريق، كلما أراد الغيث أن ينزل قالت الذنوب: لا تنزل يا غيث. وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل

ندم عبد الملك بن مروان حال الموت

ندم عبد الملك بن مروان حال الموت وأما عبد الملك بن مروان فذكر الذهبي في السير عنه أنه لما حضرته الوفاة سمع غسالاً في وادٍ بجانب قصره، وكان عبد الملك خليفة في دمشق، والدولة الإسلامية تحت خلافته، وفي القصر كل ما لذ وطاب، فسمع غسالاً وهو في سكرات الموت، ولا يدري الغسال أن الخليفة في سكرات الموت، وما اشتغل الغسال بهم عبد الملك. لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها فأخذ الغسال يترنم فرحاً، فهو لم يسفك دماً وما تحمل ديوناً ولا عنده مظالم ولا خصومات، فأخذ يترنم بالنشيد، فأخذ عبد الملك في سكرات الموت يلصق وجهه بالتراب ويبكي ويقول: يا ليتني كنت غسالاً، يا ليتني ما عرفت الحياة، يا ليتني ما توليت الخلافة. ونقلت هذه الكلمة إلى سيد التابعين سعيد بن المسيب قال: الحمد لله الذي جعلهم في الموت يفرون إلينا ولا نفر إليهم. لماذا؟ لأنهم سكروا بلذة الدنيا فما استفاقوا إلا عند سكرات الموت.

ندم عنبسة بن أبي سفيان حال الموت

ندم عنبسة بن أبي سفيان حال الموت وعند أحمد في المسند بسند صحيح أن عنبسة بن أبي سفيان أخا معاوية، حضره الموت فبكى وكان أميراً، قالوا: مالك تبكي؟ قال: ما ندمت في الحياة إلا على مسألة، قالوا: ما هي؟ قال: سمعت أختي أم حبيبة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من حافظ على أربع ركعات قبل صلاة الظهر وأربع ركعات بعد صلاة الظهر حرمه الله على النار}. فليتني حافظت عليها. أمير سمع هذا الحديث ويحفظه لكنه ما حافظ عليها وتذكره في سكرات الموت فبكى في تلك الساعة.

حفظ الله لمن حفظه

حفظ الله لمن حفظه وكثير من الناس يستفيق لكن في الوقت الضائع. ففرعون استفاق، لكن متى استفاق؟ استفاق لما أصبح أنفه في الطين، وقد أصبح مع ضفدعة مسيلمة الكذاب التي يقول عنها: نقنقي ما تنقنقين، أعلاك في الماء وأسفلكِ في الطين. ويقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] فأجراها الله من فوق رأسه، فلما أصبح في الطين قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] قال الله: آلآن يا دجال؟! آلآن يا ضائع؟! آلآن يا مسود وجه التاريخ ومضيع القيم، ويا سافك الدماء ويا صاحب الصحيفة السوداء؟! أتتذكر الله الآن؟! هذا مثل ما يفعل بعض الناس حيث يفجر ويعربد ويرقص ويلهو ويلغو؛ فإذا حضرته سكرات الموت استفاق، لكنه لو أصلح في الرخاء تولاه الله في الشدة للحديث الصحيح: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. يونس عليه السلام حفظ الله في الرخاء وسبح في الرخاء، وركب البحر مغاضباً وما استأذن الله، فألقي في البحر؛ فأصبح في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الحوت، فمن ينادي؟ لا قريب، لا أخ، لا صاحب، تذكر الواحد الأحد. سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا من أحسن الظن بذي العرش جنى حلو الجنى الشائك من شوك السفا فتذكر الله في ظلمة الليل. كأن رقيباً منك يرعى خواطري وآخر يرعى مسمعي وجناني فقال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]. فقال الله: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات:143]. رصيده طيب، أيامه بيضاء، أعماله صالحة، كان يحفظ الله ولن يضيعه الله، فحفظه الله وتولاه بذلك. ذكروا عن أبي الطيب الطبري أحد علماء الشافعية، وهو شيخ أبي إسحاق الشيرازي، كان في الثمانين من عمره، فوثب من سفينة عند الشاطئ إلى الشاطئ، وأتى الشباب يثبون فما استطاعوا، قالوا: كيف تقفز أنت وأنت شيخ كبير؟ قال: هذه أعضاء حفظناها في الصغر؛ فحفظها الله لنا في الكبر. العين خلقت لك يا بن آدم للتدبر بها في الكائنات؛ ولتقرأ في كتاب الكون؛ ولتتأمل مخلوقات الواحد الأحد. وكتابي الفضاء أقرأ فيه صوراً ما قرأتها في كتابي والقلب خلق لتغرس فيه لا إله إلا الله تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، والجبين خلق لتسجد به لله الواحد الأحد، فوالله ثم والله، وايم الله وتالله، وبالله إن الذي لا يسجد لله سوف يسجد لشهوته ولشيطانه ولحذائه ولمنصبه ولوظيفته. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً ذكروا عن البخاري أنه قال: الحمد لله ما اغتبت أحداً منذ بلغت الحلم. من يوم بلغ الحلم إلى أن مات ما اغتاب مسلماً، قالوا: وقولك في الرجال وجرحك؟ قال: لا. ليس هذا من هذا، يقول عليه الصلاة والسلام: {ائذنوا له بئس أخو العشيرة} إنما يحفظ الدين بهذا الجرح والتعديل. قال أحد الصالحين يحرض أبناءه: ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً أبداً وقاراً لليمين بالله. أي خُلُق هذا؟! وأي استعداد هذا؟! قيل لـ محمد بن واسع الأزدي أحد الصالحين: مالك لا تتكئ وترتاح؟ قال: أما أنا فخائف، ولا يتكئ إلا الآمن، لا أتكئ؛ أنا ما جزت الصراط، ولا وقفت عند تطاير الصحف، ولا أدري هل أساق إلى جنة أو إلى نار. قلوب عرفت الله، فاستنارت بنور الله، وذهبت في طريق الله، ورفعت لا إله إلا الله.

وصف الموت

وصف الموت أما وصف الموت فهو عجيب، وكلٌ منا سوف يذوقه، وانتظر أياماً وليالٍ فسوف تذوق الموت، وتهيأ للموت، وإن كنت لم تستصحب كفناً فخذ كفناً الآن، واعلم أن القبر ينتظرك، والله لو كنت في بروجٍ مشيدة، فلن تفلت من قبضة الجبار، فتهيأ بالعمل الصالح وبمغفرة الواحد الغفار: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:83 - 87]. لا إله إلا الله ما أهول الموت! ولا إله إلا الله ما أبشع الموت! ولا إله إلا الله ما أخوف الموت! اسمه يُخاف منه، تقشعر الأبدان، تنتهي اللذائذ، ينقطع الضحك، تنتهي المجالس، تخرب في عينك القصور، الحدائق الغنَّاء، البساتين الوارفة، وخرير الماء، وزجل الحمام، وزقزقة العصافير، هفيف الريح، كلها لا شيء مع الموت. دخلوا بـ ثابت البناني في حديقة في خراسان فيها كل ما لذ وطاب، حديقة فيها نخل باهٍ، فيها تين ورمان وريحان، فيها نهر مطرد، فيها عشب وزهر من كل لون بهي، فقالوا: ما لك لا تنظر؟ قال: قطع الموت النظر. ماذا ينظر الإنسان؟ كم من ملك رأى الجنود والبنود والأعلام ولكن انتهى، ماذا أخذ؟ وماذا ملك؟ وبماذا ذهب؟ ولماذا جمع؟ هذه حقيقة الموت، وطعمه مر لكنه حلو على من عرف الله. هذا بلال، تقول امرأته: واحزناه! قال: [[وافرحتاه! غداً ألقى الأحبة محمداً وحزبه]]. عليك رضوان الله يا بلال! يا صوت الحق! يا داعية السماء! يا صرخة التوحيد التي انطلقت من مكة! يا أيها العبد الذي أعلن عبوديته لله! قال عمر: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]]. بلال الذي تستفيق على أذانه القلوب التي عرفت الله. وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا قالوا لـ عمر بن عبد العزيز وهو في مرضه: ألا ندعو لك طبيبا؟ قال: لا. مللت الحياة، والله لو كان علاجي في أن أمس أذني ما مسست أذني، أريد جوار الله. شاعر عربي مصقع اسمه التهامي، يقول ابن كثير: له قصيدة في ابنه يرثيه، يقول في قصيدته: إني وترت بصارم ذي رونق أعددته لطلابة الأوتار جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري يقول: أنا بقيت في الحياة مجاوراً للحساد والبغضاء والبعداء والأعداء؛ وابني في جوار الله. فلما توفي رئي في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: بقولي: جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري انظر كيف يدخل الإنسان المسلم الجنة ببيت! وانظر كيف يدخل النار ببيت! إنسان يعادي الرسالة والرسول والقرآن والمبادئ الخالدة يدهده على وجهه في النار، إنسان يسخر قلمه؛ صحفي قصصي ناشر عالم قاض، أي مسلم يسخر مجهوده وطاقته كيف يرفعه الله ويدخله الله الجنة، يقول كعب يهجو قريشاً لأنها تحاد الله، يقول: زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغالب الغلاب قال عليه الصلاة والسلام: {لقد شكر الله لك بيتك يا كعب}. الله من فوق سبع سموات يشكر بيتاً في الدعوة والتوحيد. وإنما مقصودنا هنا ما هو الموت، وكيف نصف الموت. قيل لـ عمرو بن العاص قال له ابنه عبد الله: صف لي الموت يا أبتاه وأنت في سكرات الموت، صف لي الموت فلن يصف أحد الموت بمثل ما تصفه، قال: [[يا بني! والله الذي لا إله إلا هو كأن جبال الدنيا على صدري وكأني أتنفس من ثقب إبرة]]. وقال عمر رضي الله عنه وأرضاه لـ كعب الأحبار: صف لي الموت؟ قال: يا أمير المؤمنين! أعانك الله على الموت، فدمعت عينا عمر، قال: الموت كما يؤخذ غصن من الشوك، فيضرب به الإنسان، فلا تبقى شوكة إلا دخلت في عرق أو عصب ثم يسحب الغصن فيسحب كل عرق أو عصبة معه. وفي حديث يقبل التحسين: {لسكرة من سكرات الموت أشد من ضرب بالسيف سبعين ضربة}. والموت شاق ومخيف ولا يسهله إلا الله، أتدري ماذا يسهل الموت؟ التصدق على المساكين والفقراء ركعتان في ظلام الليل ظمأ الهواجر التسبيحات حضور الجماعات بر الوالدين والوالدات حسن الخلق للمسلمين والمسلمات كثرة السجود يقول صحابي: {يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة -والحديث في مسلم - قال: أعني على نفسك بكثرة السجود}. ومن حديث ثوبان عند مسلم: {فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة} {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} [القيامة:26 - 27]. أين الطبيب؟ أين الراقي؟ أين من يقرأ؟ ذهب الطب، ذهب الدواء والعلاج: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. أي: تفر، كنت تتعالج، وتطلب العقاقير والأدوية، لكن جاءت سكرة الموت اليوم وأتى الوعد الحق اليوم، وأتى الفيصل اليوم، وأتى الانتقال والارتحال من الدنيا إلى الآخرة اليوم، فما أصبح طب ولا دواء ولا عقاقير.

الاستعداد للموت

الاستعداد للموت أما العنصر السادس فهو الاستعداد للموت، وهو تاج هذه المحاضرة، وهو مقصودها وزبدها. بماذا نستعد؟ وما هو زادنا؟ زادنا قليل إي والله، وعمرنا قصير، وسفرنا طويل، فما هو الاستعداد؟ يقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18]. والغد هو يوم القيامة، ولما كان قريباً قال: (لغد) أي: بعد هذه الليلة فصباح هذه الليلة هو غد، فما قال: يوم العرض الأكبر ولا الآخرة، بل قال: غد، وقال سبحانه: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281]. اتقوا ذاك اليوم، واعملوا لذاك اليوم، واستعدوا لذاك اليوم. قال سعد رضي الله عنه وأرضاه كما في سيرته بسند صحيح، وهو سعد بن أبي وقاص الذي فتح بلاد فارس وصاحب الانتصار بإذن الله في القادسية، بكت ابنته وهو في سكرات الموت، فقال: [[يا بنية! ابكي أو لا تبكي، والله إني من أهل الجنة]]. قال الذهبي: صدقت هنيئاً لك؛ لأنه شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أهل الجنة، وهو من الذين استعدوا للجنة، لماذا يدخل الجنة؟ ألأنه خَال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لا. عمه أبو طالب في النار، وعمه أبو لهب في النار، وبلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي في الجنة، لماذا؟ لأنهم عرفوا الطريق وعرفوا تقوى الله. وأما الأعمش سليمان بن مهران -أحد رواة الصحيحين - فإنه لما حضرته الوفاة قال لأبنائه: لا تبكوا عليَّ فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الجماعة ستين سنة. فهذه مؤهلات الجنة، هل أحد منا عنده عمل في قلبه؟ هل أحد منا معه رصيد لذاك اليوم؟ يا أيها الإخوة: هل أحد منا استعد برصيدٍ إلى الله الواحد الأحد؟ هل تهيأ بالزحف والانتقال من هذه الدار بزاد؟ سعيد بن المسيب يقول لأبنائه: ما أذن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في مسجده عليه الصلاة والسلام. نزلوا بـ مكة في قبائل نوفلٍ ونزلت في البطحاء أبعد منزل ماذا نقول إذا لقينا الله غداً؟ ما هي حجتنا عند المولى سبحانه وتعالى؟ إنها والله أمور ينبغي أن نقف عندها، وينبغي أن نتنبه جميعاً كل التنبه. ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير كان كلما صلى الفجر رفع يديه وقال: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، قالوا: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فلبى له الله ما سأل، فأتته سكرات الموت وهو في السجود: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. صدق مع الله، وتوجه إلى الله، وثبات على لا إله إلا الله. إذاً: كيف نستعد؟ إن المؤهلات والشهادات بلا عمل صالح أثبتت إخفاقها في الساحة، وأثبتت فشلها وانهزاميتها، المناصب بلا إيمان لا تساوي شيئاً. يقول أحد الأدباء من المفكرين: قلب بلا إيمان كتلة لحم، وعين بلا إيمان مقلة عمياء، ويد بلا إيمان إشارة خاطئة، وكتاب بلا إيمان كلام مصفف، وقصيدة بلا إيمان كلام ملفف، ومجتمع بلا إيمان قطيع من الضأن. بل نسب لـ ابن تيمية وهذا صحيح عنه أنه قال: كل أرض لا تشرق عليها شمس الرسالة فهي أرض ملعونة، وكل قلب لا يعرف هذا الدين فهو قلب مغضوب عليه. وقال في مختصر الفتاوى: من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدىً غير هدى الله الذي أرسل به محمداً صلى الله عليه وسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر:1 - 5]. {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:1 - 8]. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.

سورة العصر منهج حياة

سورة العصر منهج حياة قال الشافعي: لو لم ينزل الله عز وجل على الناس إلا هذه السورة لكفتهم، فما هي هذه السورة؟ إنها سورة (العصر) دستور حياة المسلمين، تعال معنا لنعيش في ظلالها لنستقي منها العبر والدروس والمعاني.

معنى قوله تعالى: (والعصر)

معنى قوله تعالى: (والعصر) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. عنوان هذه المحاضرة: (سورة العصر منهج حياة). سورة العصر الموجزة القصيرة منهج حياة للمسلمين، سورة العصر قليلة الكلمات لكنها دستور حياة لمن أراد الله والدار الآخرة، سورة العصر وأمثالها تعلن التحدي على الكافر والملحد أن يأتي بمثل هذه السورة {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23]. يا عرب! يا فصحاء! يا أدباء! يا نبلاء! يا خطباء! يا علماء! دونكم الكلام، عندكم الحروف، لديكم المادة، تعالوا بمثل هذه السورة إن كنتم صادقين، انظموا مثل هذا الكلام، اخطبوا بمثل هذه العبارات، هذا تحدىٍٍ من الله سافر للناس أجمعين، ولن يأتوا بمثله أبداً ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، لا يستطيعون أبداً أن يأتوا بمثل القرآن ولا أن ينسجوا على منوال القرآن، ولا أن يختاروا مثل عبارات القرآن. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. سورة العصر منهج حياة، قال الشافعي رحمه الله: لو لم ينزل الله عز وجل على الناس حجة إلا هذه السورة لكفتهم. وذكر بعض المفسرين كـ ابن أبي حاتم: أن الصحابة كانوا إذا التقوا قرأ بعضهم على بعض سورة العصر. لكن ما معناها؟ وما هي دروسها، وعبرها، ومقاصدها؟ هو الذي نريد أن نتحدث عنه بعون الله في هذه الجلسة. {وَالْعَصْرِ} [العصر:1] قسم من الله عز وجل، والواو: واو القسم، ولله أن يقسم بما شاء، وليس لنا أن نقسم إلا بالله، فأعظم عظيم هو الله، ومن أقسم بشيء فقد عظَّمه، وإذا أقسمنا بغير الله فقد عظمنا غير الله أعظم من الله. وأقسم الله بقسم كثير في القرآن: أقسم بالنجم {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:1 - 2]. ويقول أهل العلم: إن الله يقسم بما يوافق المقسم عليه، فالنجم إذا هوى هو مثل القرآن إذا تنزل، {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى:1 - 2] {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} [الشمس:1 - 3] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:1 - 2]. كلها أقسام من الله بما شاء من خلقه. وهنا أقسم بالواو وفي سورة النحل: {تَاللَّهِ} [النحل:63] أقسم الله عز وجل بالتاء، ويقسم بالباء، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: {لا ومقلب القلوب} ويقول: {والذي نفسي بيده} وهو الله عز وجل، ويقول: {وايم الله} وحرام أن يقسم أحد بغير الله، وقد أخطأ من أقسم بغيره سبحانه وتعالى. يقول عمر في الصحيح رضي الله عنه وأرضاه: {أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: لا وأبي -يقسم عمر بأبيه، وهو مع الصحابة- فقال عليه الصلاة والسلام -بياناً عاماً-: يا أيها الناس إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم}. توحيدٌ في الكلام والعمل والفعل. قال عمر: [[فوالله ما أقسمت بأبي آثراً ولا ذاكراً]] انتهى الأمر، أمة تمتثل الأوامر. يقول عليه الصلاة والسلام: {يا أيها الناس اجلسوا} فسمع ابن رواحة وهو خارج المسجد فجلس، جلس في الطريق لأنهم يتلقون هذا التعاليم من هذا الرجل العظيم الذي لا {يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]. وقد ضل من أقسم بغير الله، يقول أحدهم وهذه تغنى -للأسف- عند أهل المجون: قسماً بمبسمك البهي يقسم بمبسم محبوبه. ويقول المتنبي في قصيدة له همزيه: فومن أحب لأعصينك في الهوى قسماً به وبحسنه وبهائه وهذه يضلل بها ويفجَّر ويرتكب إثماً عظيماً، وهذا منهجه، ولو أنه بقي على روعة القصيدة -لأنها من أحسن قصائده- لكان كفى، فيقول: القلب أعلم يا عذول بدائه وأحق منك بجفنه وبمائه لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى يكون حشاك في أحشائه فومن أحب، قال أهل العلم: لا حببه الله إلى خلقه، وقد فعل، يقسم بمحبوبته وهذا خطأ. ومنهم من يقسم بحياته، وشرفه، ونجاحه، وأسرته، وكيانه وهذه كلها شرك في القسم، أما أدوات القسم فقد مرت معنا. ما هو العصر؟ العصر قيل: هذا الوقت الذي صليناه، لأن وقت العصر شريف ووقته عظيم، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من صلى البردين دخل الجنة}. والبردان: صلاة الفجر وصلاة العصر؛ لأنها تقع في وقت برد، والحديث في البخاري. وصح عنه عليه الصلاة والسلام في البخاري أيضاً أنه قال: {من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله}. قيل: عمل النهار، وقيل: أعماله الصالحة، وفاتته أي: تركها عامداً متعمداً حتى خرج الوقت. وصح عنه عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عمر أنه قال: {من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله}. أي: كأنما فاته وخسر أهله وماله، واحترق أهله وماله. الرسول عليه الصلاة والسلام في الخندق، وهو يقاتل الأحزاب التي تجمعت عليه من الأحلاف الكفرية من اليهود والمشركين من قريش والمنافقين، كلهم تجمعوا عليه بالإجماع، قاتلهم ففاتته صلاة العصر ونسيها، فقال عمر بعد أن غربت الشمس: {يا رسول الله! والله ما صليت العصر حتى كادت الشمس تغرب، قال عليه الصلاة والسلام: وأنا والله ما صليتها، شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قبورهم وأجوافهم ناراً} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وقيل العصر: الزمن. من الذي خلق الزمن؟ الله، وهو الذي خلق المكان وخلق الليل والنهار، يقول في أول سورة الأنعام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]. بعد هذا كله الذين كفروا بربهم يعدلون، بعد الليل والنهار، وبعد الهواء والماء، وبعد السناء والضياء، وبعد الخلق والرزق، وبعد الإيجاد والإبداع، وبعد التصوير والتسوية، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، وهذا هجوم أدبي في أول السورة، ويسمى اكتساح في أول الخطبة، ويسمى عند أهل الفكر الآن: نسف وإبادة. {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] وقال هناك في الفرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:61 - 62]. العصر: الزمن، لماذا أقسم الله به؟ قالوا: لأنه غالي، ولا يعرف العمر أنه غالي إلا المؤمن، أما المعرض عن الله فالزمن رخيص عنده -وهذا هو من كيس شوقي -: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني

معنى قوله تعالى: (إن الإنسان)

معنى قوله تعالى: (إن الإنسان) والعصر: هو الزمن يقسم به سبحانه وتعالى، والمقسم عليه سوف يأتي. {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ} [العصر:1 - 2] من هو الإنسان؟ مسكين الإنسان، مطارد في القرآن، عليه عبارات وتعريفات في القرآن، وأهل العلم يقولون: إذا ذكر الإنسان مجرداً فالمقصود به الكافر، وقد يقصد به المؤمن مع الكافر. يقول سبحانه عن الإنسان، اسمع النداء للإنسان: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6]. يقول: مالك أيها الإنسان؟ مالك تُعرض عن الله؟ من الذي غرك بالله؟ ويقول عنه هناك: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد:8 - 11]. يقول: أما جعلنا لك عينين ولساناً وشفتين لتعبد الله فمالك؟ ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6]. يا أيها الإنسان! يا من حمل همومه وغمومه وأحزانه وأشجانه وليله ونهاره! إنك عامل لا محالة وسوف تلقى عملك عند الله. ويقول سبحانه: {قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس:17] أي: عذب وأبعد وطرد، مثل إذا قلت لرجل كفر معروفك، وجحد إحسانك: قتلت ما أكفرك، قتلت ما أجحدك، قتلت ما أنساك! قال: {قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس:18 - 22]. وقال سبحانه: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان:1] الإنسان الآن يكفر بوجود الله، فيقول الله له: أما أتى عليك فترة ما كنت موجوداً، من الذي أوجدك؟ {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:1 - 2]. وقال سبحانه عن الإنسان: {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً} [المعارج:19] أي: في أصله {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج:20 - 22]. واسمع إلى أوصاف الإنسان فهو مجادل، جادل حتى في الله، وجادل حتى في الرسالة، وجادل حتى في القيامة {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:54]. وعند البخاري في الصحيح: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام قام في الليل}. كان يصلي في الليل ما يقارب الست ساعات متواصلة، قرأ بالبقرة وبآل عمران والنساء بخشوع وخضوع وتدبر وترتيل ومناجاة؛ لأنه يحب كلام الحبيب ويتأثر به ويعيش معه؛ ولأن زاده القرآن، فلما انتهى عليه الصلاة والسلام من الصلاة ذهب إلى بيت علي وفاطمة، ذاك البيت الرائع الرائق المطهر الطاهر، فطرق عليهما الباب وقال: {ألا تصليان، ثم ذهب وصلى عليه الصلاة والسلام ثم عاد فما سمع الباب يفتح وما سمع الوضوء، فعاد وطرق الباب فقال: ألا تصليان، فقام علي رضي الله عنه يزيل النوم عن عينيه ويقول: يا رسول الله! إن نفوسنا بيد الله إن شاء أمسكها وإن شاء أرسلها -أي: يلقي محاضرة على الرسول عليه الصلاة والسلام يخبره بهذا- فتبسم عليه الصلاة والسلام وضرب على فخذه وقال: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:54]} حتى من قيام النوم الإنسان يتكلم ويحب الحوار والمناظرة رضي الله عن علي وأرضاه. {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:28]. أضعف شيء الإنسان. يقول عمر بن أبي ربيعة: كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول وقال بشار: إن في بردي جسماً ناحلاً لو توكأت عليه لانهدم سمع أحد الناس هذا البيت وأعجب به وقال: والله لأسافرن حتى أرى هذا الشاعر؛ لأنه بيت جميل، وهو دائماً يأتي بأبيات رائعة، وكان أعمى البصر وأظنه أعمى البصيرة، فيقول: يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا يا ليتني كنت تفاحاً مفلجةً أو كنت من ثمر الريحان ريحانا فهو صاحب: إن في بردي جسماً ناحلاً يقول: أنا جسمي ضعيف، فسافر هذا الرجل ودخل على بشار بن برد بيته فوجد أنه كالثور، قال: أين البيت وأين أنت؟ قال: أما سمعت الله يقول: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:224 - 226]. وقال سبحانه: {خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء:37]. فأعجل شيء الإنسان، يريد أن يستعجل كل شيء، حتى القضاء والقدر يستعجله الإنسان، يقول كفار مكة: يا محمد! عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب، يقولون: أعطنا عذابنا، أنزل علينا حجارة من السماء، والله سبحانه وتعالى يقول: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} [المعارج:1 - 3]. هذا أحد الكفار يقول: اللهم إن كان محمداً صادقاً؛ فأنزل علينا حجارة من السماء، يعني: ترميهم وتسحقهم، قال سبحانه: (سأل سائل) وأدهمه لأنه خسيس وحقير كافر {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} [المعارج:1 - 3] يقول: العذاب واقع لكن لماذا يستعجلون؟ يقول سبحانه وتعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} [الحج:47] وقال سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص:16]. أعطنا عذاباً الآن قبل يوم الحساب، فالإنسان خلق من عجل، وقالوا: لا حكمة لعجول. وقال سبحانه وتعالى عن الإنسان وتمرده وإنكاره وغروره: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [الإسراء:83] أعرض عن المنهج الرباني ونأى بجانبه. وقال سبحانه وتعالى عن ظلم الإنسان وجهله: {وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] عرض الله الأمانة على السماوات والأرض والجبال؛ فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً. ويقول الله عن الإنسان وعن إنكاره وجحوده: {وَيَقُولُ الْأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً * أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} [مريم:66 - 67] الآيات.

معنى قوله تعالى: (لفي خسر)

معنى قوله تعالى: (لفي خسر) قال سبحانه: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2]. وهذه قاعدة مطلقة وعموم اختص الله منها بالاستثناء أهل الإيمان وأهل العمل الصالح، وكل من على الأرض ما لم يؤمنوا فقد شملتهم اللعنة، وكل من على الأرض إن لم يسلموا لله فقد عمهم الغضب، عينٌ بلا إيمان مقلةٌ عمياء، وقلب بلا إيمان كتلةٌ من لحم لعينة، وأذن بلا إيمان إشارة خاطئة. {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] الخسر الهلاك، يقول أبو الفتح البستي: زيادة المرء في دنياه خسران وربحه غير محض الخير نقصان وكل وجدان قوم لا وجود له فإنما هو في التحقيق خسران يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران وخراب الدار هو الكفر والإعراض عن منهج الله، وخراب القلوب هو الفسق والفجور، وخراب القلوب هو عدم إيمانها بالله تبارك وتعالى.

معنى قوله تعالى: (إلا الذين آمنوا)

معنى قوله تعالى: (إلا الذين آمنوا) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:3]. ذكر الإيمان في القرآن بالفعل الماضي، وبالفعل المضارع، وبالصفة، وبالمدح وبالاشتقاق. قال سبحانه عن المؤمنين: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [يونس:9] وقال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] هذه الحياة الطيبة لا يدركها إلا المؤمنون، والحياة الطيبة هي مقصودة عند الناس جميعاً المؤمن والكافر، ويسمونها السعادة، وألفوا فيها كتب، وحاولوا اكتشافها، وبحث عنها علماء الجيولوجيا في الأرض مع المادة فما اكتشفوها، وبحثوا عنها في الهواء والماء فما وجدت، وكتبوا وسألوا وقالوا: من يريد الحياة الطيبة؟ من اكتشف لنا حياةً سعيدة؟ وأتى رجل منهم فألف كتاباً ثم نحر نفسه، وكثيرٌ من أغنيائهم جمعوا المال ثم نحروا أنفسهم بالسكاكين قالوا: من يجد لنا السعادة؟ والله يتكلم عن السعادة في آية {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] وهذه لا تكون إلا من صيدلية محمد عليه الصلاة والسلام يصفها ويصرفها هو، وأما غيرها فلا يمكن أن يكون. كفرت بـ لينين وأذناب نهجه وآمنت بالرحمن والفوز مطلب أنا قصة من بدر أرسلها الهدى محمد يرويها وجبريل يكتب هذا سند خرج من محمد عليه الصلاة والسلام. أنا قصة من بدر أرسلها الهدى محمد يرويها وجبريل يكتب إذا ظمئ اللاهون للخمر والخنا فزمزم للأخيار ورد ومشرب وإن سكروا للعود في ساعة الهوى طربت لذكر الله فهو المحبب ومطلع هذه القصيدة: هجرت الهوى لم تسب قلبي زينب وما هز أشجاني العزوف المطرب ولم أتخذ خدناً جهولاً سرى به من الوهم ما يعمي القلوب ويقلب له لذة في كل لهو ومشرب ولي في رحاب الله صحب ومركب وهذه شعار المؤمن أنه لا يجد السعادة إلا في ذكر الله واتباع رسول الله، ومنهجية محمد عليه الصلاة والسلام، لماذا؟ لأن بعض الناس شربوا ماءنا واستنشقوا هواءنا كفروا بالله، ما حملوا ختم محمد عليه الصلاة والسلام، وما عرفوا السعادة في طريقه، ولكنهم اتبعوا استالين ولينين ففضحهم الله على رءوس الأشهاد، أصبح جنود استالين ولينين أول من يكفر به، وأول من يلعنه على المنابر، وأول من يحارب شرعته، وأول من يمزق مذكراته، فاعتبروا يا أولي الألباب. لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب رمى بك الله ركنيها فمزقها ولو رمى بك غير الله لم يصب قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96] كلمة: (وداً) ما يدركها إلا شعراء العرب، وكلمة (وداً) مختارة، ومستصفاة مثل إذا عصرت يقولون: رحيق المعصور، ولله المثل الأعلى، هذا الورد إذا عصر خرج منه مادة عصير المعصور الذي يستنشق منه الحب والميل والشغف ومنه الود، ولا يكون الود إلا للذين آمنوا. سبحان من اصطفى المؤمنين بالود! {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96] قيل في تفسيرها: وداً بين قلوب المؤمنين، فلا تجد المؤمن إلا محبوباً عند إخوانه، حتى يقول بعضهم: قد تجده مشوه الخلقة -إذا كان مستقيماً- لكنه محبوباً، وتجد الجميل الفاجر مبغوضاً في القلوب؛ لأن الحب موهبة يجعلها الله مع الماء البارد فيشربه الناس؛ حتى مع زمزم وأنت مع الإفطار تشرب حب الصالحين ولكن تشرب معهم بغض الكفار، كثير من الناس نحبهم؛ ما قدموا لنا نفعاً إنما نحبهم في الله، أي: استأسروا القلوب بحبهم؛ لأن الله جعل لهم وداً، والود منه، قال البخاري في كتاب: الأدب، باب: المقة من الله، أي: الحب منه سبحانه وتعالى. وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال يقول شاعر في سلطان يمدحه: أحبك لا تفسير عندي لصبوتي أفسر ماذا والهوى لا يفسر يقول: أنا أحبك ما أدري لماذا؟ قلنا له: أنت تحب بشراً، وتحب فاجراً، وتحب ظالماً، أما نحن فنحب الله لأمور: منها: أنه ربانا بالنعم، ومنها: أنه أحاطنا، ومنها: أنه يستحق أن يحب، ومنها: أنه عرض حبه في كل الكائنات. يقول: أحبك لا تفسير عندي لصبوتي أفسر ماذا والهوى لا يفسر تأخرت عن وعد الهوى يا حبيبنا وما كنت عن وعد الهوى تتأخر ظمئنا وفكّرنا وشاقت دموعنا وشاخت ليالينا وما كنت تحضر يقولون لـ ابن تيمية: هل الآيات مما يحب به إلى الله؟ أو سؤال نحو هذه العبارة كما في روضة المحبين. قال: نعم. ثم يذكرون عنه البيت المشهور أنه كان يبكي ويقول: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خالياً {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] وفي السماء، وفي الأرض، وفي الماء حب الله عز وجل. {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96] والمعنى الثاني وكأنه الصحيح: يجعل بينهم وبينه وداً سبحانه وتعالى، وهذه والله الشرف العظيم، الناس الآن يتزلفون إلى البشر ليحبوهم، يخدم البشر ويقدم له حذاؤه ويقبل يديه حتى يكون من الخدم، وأنت يحبك الله عز وجل ويقول: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] يقول ابن القيم: ليس العجب من قوله: يحبونه، هذا مطلوب ولكن يحبهم عجيب! {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] وهذه وثيقة لا ينالها إلا أهل الإيمان. وقال سبحانه وتعالى في نداء التشريف ولا ينادي إلا أهل الشرق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:70] وهذا نداء التشريف؛ يا رجل! تشرفه، يقول أحدهم يمدح: في ندائي ناديت كل الرجال أنت رنحت بالعباءة عطفيه ورصعت رأسه بعقال فهذا النداء للتشريف، ينادي به الله عباده.

معنى قوله تعالى: (وعملوا الصالحات)

معنى قوله تعالى: (وعملوا الصالحات) أما قوله سبحانه وتعالى: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3] فالصالحات عدد الأنفاس، وهي لا تقتصر على الذكر والجهاد وقراءة القرآن وفيها دروس: أولاً: أن الإيمان لا بد له من عمل بخلاف المرجئة الذين فصلوا العمل عن الإيمان، مؤمن ولكن لا تعمل، فيكون الفاجر والمؤمن سواء، الذي يصلي الفجر في جماعة مثل الذي ينام في فراشه حتى تطلع الشمس، الذي يقرأ القرآن مثل الذي يقرأ الهدف وآخر ساعة والمصور، والذي يسبح مثل الذي يقول: (قسماً بمبسمك البهي) و (وهل رأى الحب سكارى مثلنا) هذا على قاعدتهم، لأنهم يقولون: أصل الإيمان واحد، لا. الإيمان قول وعمل واعتقاد، وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة فمن تأخر عنه فقد ابتدع وضل عن منهج الله المستقيم. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3] ما هي الصالحات؟ تعريفها: ما صلح من الأقوال والأعمال والأحوال.

معنى قوله تعالى: (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)

معنى قوله تعالى: (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) قال سبحانه: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] وعبارات القرآن صغيرة لكنها قواعد كلية، وتواصوا: أي: تناصحوا، وأهل السنة يتناصحون وأهل البدعة يتفاضحون. قال علي: [[المؤمنون نصحة والمنافقون غششة]]. ولا يمكن أن يحيا المجتمع المسلم إلا بالنصيحة والتواصي، ولكن النصيحة لا بد فيها من الستر واللين والإخلاص، الإخلاص لوجه الله، وأن تستره عن عيون الناس، فلا تفضحه على رءوس الأشهاد، وأن تلين له في العبادة لتسبي قلبه، هذه آداب النصيحة. وأما الأمم الأخرى فلا يتواصون، تجد المنحرفين في الظاهر إخواناً ولكن في الباطن بعضهم يجرح بعض {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14] {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. أما المؤمنون فإنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، هذه رابطة المؤمنين أنهم يتناصحون، نعمل فيما اتفقنا عليه، ولينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه، لا يعذر بل ينصح ويوجه ويوصي، ولا نقر بدعة ولكننا ننصح إخواننا في أخطائهم وينصحوننا في أخطائنا حتى نكون مجتمعاً رائداً يحبه الله. الحق: ما هو الحق؟ الحق هو الشيء البين الواضح، والله سمى نفسه الحق، فقال: {أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:25] الذي لا تلتبس في معرفته الأفهام، ولا تختلف في إدراكه الأذهان، ولا تتغير عن حبه إذا أحبته القلوب، ولا تلتبس عن السير إليه الأرواح، هذا هو الله الحق المبين. وسمى دينه حق: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:23] أي: ما ذكره من أمر الآيات هو حق مثل كلامكم، وسمى القرآن حق فقال: {أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ} [فاطر:24] أي: بالقرآن {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} [الأنفال:8] والحق الذي يدعى إليه هو ما في الكتاب والسنة، فإن ما في سوى الكتاب والسنة إن كان يعارض القرآن فهو باطل {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81] الحق هو ما في الكتاب والسنة، والحق سوف تكون له العاقبة وسوف تكون له الأصالة ولذلك انظر الآن إلى مستقبل الإسلام في الأرض، الإسلام يُسَير بنفسه اليوم، ليس وراءه إغراء ولا مال ولا مستشفيات ولا مدارس ولا خدمات، والنصرانية وراءها الملايين المملينة والآلاف المؤلفة، ووراءها الإغراءات وتخفق في الساحة، لأن الله هو الحق المبين، ولأن الأصالة للدين، وانظروا إلى الأخبار إلى الصحف اليومية وغيرها أخبار تركستان وأذربيجان وأزبيكان كلها تعلن أن الله هو الحق المبين {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]. ستعلم في القيام إذا اجتمعنا إلى الرحمن من فينا صدوقا وقال سبحانه: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] الحق لا بد له من صبر، الصلاة لا تقوم إلا بصبر وكذلك الحج والعمرة والصيام وقراءة القرآن {واعلم أن النصر مع الصبر} , والصبر ثلاثة أقسام: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على المقدور. الصبر على الطاعة أن تؤديها كاملة محتسباً الأجر من الله. والصبر على المعصية أن تكف نفسك صابراً عنها خائفاً من عذاب الله. والصبر على المقدور أن تسلم وترضى {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155 - 157]. وهذا شاعر يمدح رجل صابر، بالصبر والاحتمال فيقول: صابر الصبر فاستجار به الصبر فقال الصبور للصبر صبرا يقول سبحانه وتعالى: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران:200] وعبارات القرآن منتقاة {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200] فيقول هذا الشاعر للبطل أي: في المعركة صابر الأبطال؛ لأنه دائماً لا يفوز إلا الصابر، حتى في الدراسات والمعارك والحروب والقراءة والتحصيل والتجارة والعبادة لا يفوز إلا الصابر. كان عنترة جسمه متوسط مثل أجسام الناس لكنه يضرب رءوس الأبطال ودائماً يفوز، قال له أحد الأبطال: بما غلبت الناس؟ قال: ضع إصبعك في فمي، فوضعها، وأنا أضع إصبعي في فمك، وعض إصبعي وأعض إصبعك، فعض ذاك وعض هذا فصبر عنترة، وذاك ما صبر، حتى قال: آه، ثم رفع يده وقال: بهذا غلبت الناس. أقسمت أن أوردها حرة وقاحة تحت غلامٍ وقاح بهمةٍ تخرج ماء الصفا وعزمة ما شابها قول آح يعني: ما تعرف آه ولا آح، يقول هذا البطل في المعركة: صابر الصبر فاستجار به الصبر فقال الصبور للصبر صبرا يقول: فلما فر الصبر؛ قال هذا الصبور للصبر: اصبر، يعني: ما انتهينا لماذا تفر، وهذا يمدح به الأبطال، حتى يقول أبو تمام في محمد بن حميد الطوسي في المرثية الرائعة التي يقول فيها المعتصم لما سمعها: يا ليتني قتلت وقيلت فيَّ، يقول فيها: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر يقول عن البطل الشهيد رحمه الله: فأثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت أخمصك الحشر يقول: أنا لا أفر حتى لو تقوم القيامة والبركان من تحت أرجلهم، يقول: وما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمر تردى ثياب الموت حمراً فما دجا لها الليل إلا وهي من سندس خضر كما يفعل شباب لا إله إلا الله في أفغانستان، يوم لبسوا لا إله إلا الله فرت الدبابات من طريقهم وتفجرت، حفنة من تراب تفجر دبابة، وشيء من قنبلة صغيرة يفجر معسكر. تردى ثياب الموت حمراً فما دجا لها الليل إلا وهي من سندس خضر وهذا استطراد لا بد منه لربط القرآن بالواقع. قال: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] والله يقول: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:127] يا محمد الطريق طويل اصبر، الأعداء كثر، الجبهات مفتحة من كل جانب اصبر، العبادات كثيرة اصبر، المناهج الأرضية سوف تزاحمك بمناكبها اصبر، الاغتيالات والتدبير والدسائس والدنميت والألغام كثيرة اصبر. {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:127] الآن الذي يستمع القرآن يجد أن الجبهات فتحت عليه صلى الله عليه وسلم من كل جانب، اليهود في صراع معه، والنصارى في صراع، والملاحدة، وكل أمم الأرض، والمجوس، والمؤمنون يسألون، والمرأة تستفتي، وقيام الليل والعبادة والجهاد والدولة الإسلامية والإدراة والاقتصاد، فقال الله له:: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:127] ويقول سبحانه وتعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43] ويقول سبحانه على لسان لقمان وهو يوصي ابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] لأن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ تأتيه ضربات، يلكم مرة، ومرة يضرب، ومرة يصرع، ومرة يشلح، فهو دائماً مصاب، يقول: محسد الفضل مكذوب على أثري إن العزيز عزيز أينما كانا والمؤمن هذه حالته دائماً يتعرض للشائعات المغرضة وللمضايقة قال الله: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17].

دروس من سور العصر

دروس من سور العصر سورة العصر فيها دروس:

أولها: إعجاز القرآن

أولها: إعجاز القرآن وهذه المعجزة معنا إلى اليوم، هذه معجزة قال الله عز وجل عنها قبل خمسة عشر قرناً: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:34] وقال سبحانه وتعالى: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:13] وقال سبحانه وتعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23] بمثله، أو بعشر، أو بسورة، فلم يأتوا، أولاً بدأ بالقرآن فليأتوا بمثله فما استطاعوا، ثم بعشر سور فما استطاعوا، قال: بسورة فما استطاعوا، والصحيح عند علماء البلاغة أن السورة أصغر سورة في القرآن وهي {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1]. هذه ما أبلغها، يقول: تعالوا بمثلها، أو سورة العصر، ولكن وقف خطباء العرب وفصحاء قريش أفصح أمة ما استطاعوا أن يأتوا بمثل القرآن أو سورة منه. حتى ذهب عتبة وقيل الوليد بن المغيرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو كافر، والرسول عليه الصلاة والسلام عند المقام في الحرم يدعو إلى الله، ثم وصل الوليد فجلس عند الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! إن تريد زوجة زوجناك أجمل فتاة في قريش، وإن تريد ملكاً ملكناك، وإن تريد مالاً أعطيناك، لكن اترك هذه الكلمة، اترك لا إله إلا الله. لأن لا إله إلا الله تقلب رءوسهم، يغمى عليهم من لا إله إلا الله، منهج حياة، أي: يغير كل شيء في الواقع. يقول عليه الصلاة والسلام: انتهيت يا أبا الوليد، انتهيت من عروضك ومحاضراتك وسفسطاطك وكذباتك، قال: انتهيت، قال: اسمع، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم تلا سورة فصلت والوليد يعرف القرآن، فلما بلغ قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:13] قام يرتجف ووضع يده على فم الرسول عليه الصلاة والسلام قال: أسألك بالله والرحم! أسألك بالله والرحم، أسألك بالله والرحم، ثم قام وهو يرتعد، وذهب إلى قريش ووجهه قد تغير. لأن القرآن يأخذ بأقطار النفس، القرآن يدخل إلى القلب مباشرة. وذهب إلى قريش فقالوا: عدت بوجهٍ غير الذي ذهبت به، فأقسم وحلف بآلهتهم إنه لمغدق -أي: القرآن- وإن أعلاه لمورق، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، ثم أقسم أنه سمع الشعر والكهانة والسحر فما سمع بمثل القرآن. يقول سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:5 - 6] وقالوا {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل:103]. انظر الرد، يقولون: الذي يعلم القرآن الذي يعلم الرسول عليه الصلاة والسلام هو خباب بن الأرت، خباب كان مولى أعجمي سبحان الله! كان يحد السيوف، وعنده كير يشتغل عليه، فيأتي صلى الله عليه وسلم إلى الضعفاء، يأتي إلى صاحب الكير -وواجبنا نذهب إلى الغسال والخباز والفران والفلاح والبقال ندعوهم- فجلس صلى الله عليه وسلم مع صاحب الكير يدعوه إلى لا إله إلا الله، قال كفار قريش: تدرون لماذا يذهب إلى خباب الصناع الحداد؟ قالوا: ما ندري! قالوا: يتعلم منه القرآن. ؟ انظر إلى رد القرآن، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103] يقول: هذا أعجمي والقرآن عربي وهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وقال سبحانه عن القرآن: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] وقال سبحانه وهو يتحدى به: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88]. بعض الإعجازات في القرآن سمعتها مباشرة من بعض العلماء علماء الجيولوجيا مثل الشيخ زغلول النجار والشيخ الزنداني وأمثالهما، عبارات ما اكتشفت، وما عرفها الصحابة ولا القرون الأولى ولا اكتشفت إلا الآن، مثلاً: قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75] العرب لا تعرف مواقع النجوم، لكن اكتشف في هذا العلم الحاصل أن نجوماً من آلاف السنوات قد انسحقت من أماكنها واحترقت وما بقي إلا مواقعها، فالله لم يقسم بالنجم وإنما بمواقع النجوم، وأن هناك نجوماً قد انطلقت من آلاف السنوات، وما وصلت إلى الأرض الآن وسرعتها سرعة الضوء، ولكن لا زالت تواصل الرحلة ثم ترتطم بعد سنوات في الأرض، قال سبحانه: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75]. مسألة: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5] لو سألت السلف: ما معنى: اهتزت؟ قالوا: الله أعلم، أثبت العلم الآن أنه إذا وضع النبت والحبوب والبذر في الأرض لا يمكن أن تنبت الأرض حتى تحدث الأرض بإذن الله هزة، وتسجل بجهاز (ريختر) هزة يفقس لها الحب هذا وتنبت النبات، قال: اهتزت، وإذا لم تهتز ما تنبت. أول درس هو إعجاز في القرآن، وهذا من أراد أن يعيش معه، فليتحد به الناس عامة الخطباء والبلغاء والفصحاء والملاحدة والكتبة يتحداهم بالقرآن، لكن والله الإنسان يتعجب مالهم لا يؤمنون {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق:20] لماذا لا يستمعون القرآن ثم يؤمنون؟

الأمر الثاني: قضايا في سورة العصر

الأمر الثاني: قضايا في سورة العصر منها: أن الناس جميعاً في خسر إلا من تأهل بمؤهلات أو تشرف بصفات، وهذه الصفات مذكورة: منها: أن العمل يدخل مع الإيمان ولا يخرج عنه، بل هو جزء لا يتجزأ منه وركن أساسي في الإيمان، ومنها: أن المؤمن يدخل الجنة برحمة الله وينزل الجنة في منازلها ودرجاتها بالعمل الصالح {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72]. فنزلوا في درجاتها بالأعمال، وأما الدخول فبرحمة الله عز وجل. ومنها: أن الحق أحق أن يتبع وهو ما في الكتاب والسنة، وما سواه باطل. ومنها: أن على المسلم أن يتقيد بالدليل؛ لأن الحق دليل والدليل حق وهو البرهان الواضح. ومنها: أنك لن تنال من خير الدنيا ومن خير الآخرة إلا بالصبر وأن الصبر أمره عظيم {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45]. فالصبر مدرسة، ويتعلم الصبر لمناسبة رمضان فإن الصوم نصف الصبر وهذا شهر الصبر ومن صام فقد صبر، وقد تعلم الصبر وعرف كيف يصبر عن المعاصي، فيا من صبر على الجوع والظمأ! ويا من صبر على الطعام والشراب! ويا من صبر ساعات! اصبر سنوات معدودة عن المعاصي والمخالفات والفجور والانحراف، وسوف ترى أن الله عز وجل يثيبك على ما صبرت، {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24] صحيح أن من الناس اليوم من لا يصوم، يأكل ويشرب الآن ويدخن ويلهو والكأس بيده، ولكن سوف يعلم غداً: ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيء {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227] {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:42] ولمن المصير المحتوم، ولمن النهاية المجيدة من الرديئة. هذه محاضرة: سورة العصر منهج حياة، يحب أن تتدبر وأن ينظر فيها، وأن تتأمل كثيراً، وأن تقرأ في المجالس؛ علَّ الله أن يجعلها نوراًَ لنا مع القرآن وطريقاً لنا لطاعة الواحد الديان، ومنفذاً لنا إلى الجنان. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

في وداع ابن باز

في وداع ابن باز في عام واحد فقدت الأمة ثلة من قادتها وعلمائها، وجدير بهذا العام أن يسمى عام الحزن. ولقد فجعت الأمة بموت حبرها وعالمها وإمامها الشيخ: عبد العزيز بن باز. وبعد وفاته انطفأ سراجها، وغاب نجمها، وفقد بدرها، وأفل شمسها.

كلمة في رثاء الشيخ ابن باز

كلمة في رثاء الشيخ ابن باز الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد: لقد أصيب كل مسلمٍ بوفاة شيخ الإسلام في هذا العصر، سماحة الشيخ/ أبي عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن باز. وابن باز: اسمٌ على رجلٍ؛ كلما ذكر ذكر العلم والفضيلة والنبل واليسر والسماحة. ابن باز: رمزٌ للسنة النبوية في عصرنا الحاضر، وإمامٌ للوسطية، واتباع الأثر، والعودة بالأمة إلى الوحيين كتاباً وسنة. ابن باز: حيث الخلق النبوي، والكرم الحاتمي، والحلم الأحنفي، بيته ضيافة للناس. تصدق بعلمه، فهو معلمٌ مفتٍ خطيب محاضر. وتصدق بجاهه فتجده شافعاً مصلحاً محبباً عند الجميع، أحبه الحاضر والباد، والكبير والصغير، والرجل والمرأة، والغني والفقير. وتصدق بخلقه فوسع الكل بعلمه، وأتحف الجميع بتواضعه، ووصل بره إلى أقصى الأرض. ابن باز: موته ثلمٌ في الإسلام، وفجيعةٌ من أكبر فجائع هذا الزمان، ومصيبةٌ تقصم ظهور الموحدين. ابن باز: عرفته في مجلس علمه ينثر علينا درر العلم الراسخ، والمعرفة المباركة، والميراث النبوي الشريف، وعرفته في مكتبه يحل المعضلات، ويجيب على التساؤلات، ويسهل المشكلات، وعرفته في بيته يرحب بضيفه، يبذل طعامه، ويبسط وجهه، ويتحف زائره، ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! يقول أبو تمام الشاعر: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمرُ فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذرُ عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمرُ ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعةٌ غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر لقد تعلمت على سماحته، وتلقنت منه علماً مباركاً -أسأل الله أن ينفعني به وغيري من أمة الإسلام- وقد حضرت جنازته، وكان يوماً من أيام التاريخ الإسلامي المشهود، يذكرك بيوم القيامة، وجنازته فوق الوفد، والبكاء والعويل والتهليل والتكبير، وجنازة سماحته موسمٌ لمن أراد أن يتوب، وأن يراجع نفسه، وأنا أعتبرها أنها من أعظم الجنائز في الإسلام، وكما قال أحمد بن حنبل: بيننا وبين أعداء الإسلام يوم الجنائز. فأسأل الله أن يجمعنا بسماحته في الفردوس الأعلى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55] والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرد على من قال: ابن باز عالم سلطة

الرد على من قال: ابن باز عالم سلطة فضيلة الشيخ بقي لنا تساؤل: هناك من يردد أن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى كان عالماً من علماء السلطة، ويطلقون عليه لقب العالم الرسمي، فبماذا نرد على هؤلاء؟ A هذا ليس بصحيح، وهذا كلامٌ فيه تجنٍّ وظلم لسماحته، فالشيخ ابن باز شيخٌ للإسلام، وإمامٌ لـ أهل السنة والجماعة في هذا العصر، والشيخ أراد بعلمه وجه الله، فهو لا تقيده حدود، ولا ينتسب لجهة، إنما هو عالمٌ في الكتاب والسنة، وعلمه لكل المسلمين، وكل من تكلم في سماحة الشيخ إنما أضر نفسه، وبخس حظه، وحمل إثماً يحاسبه الله عليه.

الخميني وعقيدته

الخميني وعقيدته إن دين الإسلام وأهله يشتكي من دودٍ ينخر في جسده، ويقطع بعض أعضائه، من أبناء جلدته والمنتسبين إليه، ألا وهو النفاق والمنافقين الذين نجم شرهم وعداؤهم من فجر الإسلام إلى يومنا هذا، ومن هؤلاء المنافقين الذين اشتهروا في عصرنا (الخميني) الملحد العدو الفاجر، ولقد ظهرت عداوته للإسلام في خطاباته وكتبه ورسائله واتفاقاته السرية الخادعة.

أسباب الكلام عن الخميني وعقيدته

أسباب الكلام عن الخميني وعقيدته الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فقاز فوزاً عظيما. أما بعد: عباد الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} آل عمران:26 - 27] {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:101 - 103]. نعم جلستنا هذه الليلة عنوانها: الخميني عقيدته وأهدافه، وهذا الموضوع لا بد أن يُتحدث فيه، وحَدَاني إلى التحدث عن هذا الموضوع ثلاثة أسباب:

السبب الأول: البيان

السبب الأول: البيان إن الله طلب من طلبة العلم والدعاة والعلماء، أن يبينوا للناس -والبيان لفظ عام- ما يحتاجون إليه، فيبينون الأشخاص والذوات والهيئات والفرق والملل والنحل والفتاوى، والمسائل وكل ما دب في الحياة، يقول سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159]. فالسبب الأول: أن أبين لي ولكم هذه الأمور التي تعتمد على النقل، والاستقراء، والعلم إن شاء الله، ولا تعتمد على الهيجان، ولا على العاطفة، ولا على الحماس.

السبب الثاني: معرفة الصديق من العدو

السبب الثاني: معرفة الصديق من العدو د كثر في العالم الإسلامي من يدعي أنه صديق، وهو حرب على الإسلام والمسلمين، وهو خنجر مسموم يقطر دماً وحقداً وحسداً وضغينة ويلف على رأسه عمامة سوداء، وجبة ملففة، ويدعي أنه ولي من أولياء الله، تشفع له مسبحته ودماء الإسلام تتناثر على يديه، وهو مع إسرائيل وشامير ومع كل عميل من عملاء الدنيا. فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني

السبب الثالث: تعرية الجاهلية

السبب الثالث: تعرية الجاهلية قال سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55] أي: نخبرك بمعالم التوحيد، ومعالم الرسالة، وأسس العقيدة، لتتبين لك الجاهلية عن كثب، فكان لزاماً على كل داعية، وكل عالم وطالب علم أن يوضح للناس المشارب والمذاهب. فوجئنا قبل سنوات وإذا العالم الإسلامي مشغول الآذان، مشدوه البصر، قالوا: الجبهة، وانظروا إلى طهران، وإذا الإذاعات، والتلفاز والمجلات والصحف، كلها تستفتح استفتاحياتها الصباحية بـ آية الله الخميني، وفرح كثير من الناس حين رأى العمامة السوداء، واللحية الطويلة والجبة، ورأوا آيات الله تتراسل كثيراً وتجتمع وقالوا: هذا نصر، ولم يكف هذا، بل كان الخطاب الرسمي الذي ألقاه آية الله الخميني بعد الثورة بثلاثة أيام، وزعم أنه سوف يحرر فلسطين، وهو فاتح القدس، وهو الذي يعيد لهذه الأمة كرامتها ومجدها ومنعتها، وقام الحزب الجمهوري الأمريكي في حكومة كارتر، فأيد الحكومة بالخفاء، وأعلن التأييد الكامل على ما سوف يأتي. أما مراجعي في هذه المحاضرة: فأولها: منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية، والثاني: الخطوط العريضة لـ محب الدين الخطيب، والثالث: سراب من إيران لـ أحمد الأفغاني الأستاذ العلامة، والرابع: وجاء دور المجوس لـ عبد الله بن محمد الغريب، والخامس: أمل والمخيمات الفلسطينية لـ عبد الله بن محمد الغريب أيضاً، والسادس: الوشيعة لـ موسى الجار الله، والسابع: الخميني وتزييف التاريخ لـ محمد مال الله، والثامن: الخميني وتفضيل الأئمة على الأنبياء لـ محمد مال الله أيضاً، إلى غير ذلك من الرسائل والأشرطة لكثير من العلماء والمفكرين. أما كتب الخميني التي كتبها بيده، وأملاها ووزعها على الناس، فرأيت منها أربعة، منها ما رأيته بنفسي ككتاب: الحكومة الإسلامية، رأيته في أوكلاهوما في شمال أمريكا، وقرأت منه كثيراً، ونقلت منه بعض المذكرات، ومنها كتاب: تحرير الوسيلة للخميني ألفه في الشباب، ومنها ولاية الفقيه، ومنها الكتاب الرابع: الجهاد الأكبر، هذه المعلومات تنقل من هذه الكتب، بعضها بالصفحة وبعضها يعاد إليها، وبعضها يعاد إلى وجاء دور المجوس، وسراب من إيران، وأمل والمخيمات الفلسطينية. أما عناصر هذه المحاضرة: فأولها: مواقف أجداد الخميني القرامطة العبيديون الإسماعيلية النصيرية. ومراجعي فيها: الكامل لـ ابن الأثير، والبداية والنهاية لـ ابن كثير، وغيرهما من كتب الإسلام، ثم أجداد الخميني ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي. الثاني: الخميني وتعاون أجداده مع الصليبيين ومع اليهود وإسرائيل في العصر الحاضر. الثالث: الخميني وعقيدته في القرآن، والأنبياء، وعن كربلاء، والنجف، وقم، وعن الصحابة عموماً وعن أبي بكر وعمر خصوصاً رضي الله عنهما، وعن عائشة ومعاوية. الرابع: موقف الخميني من الخلافة الإسلامية. الخامس: موقف الخميني من علماء الإسلام. السادس: موقف الخميني من العرب. السابع: موقفه من أهل السنة. الثامن: ما هي مصادر التلقي والثقافة والمعرفة عند الخميني. التاسع: رأي الخميني في صحيح البخاري. العاشر: كتب الخميني التي صدرت للناس. الحادي عشر: رأيه في المتعة. الثاني عشر: الخميني ووثيقته التي وقع عليها في النجف في لعن الشيخين الفاضلين أبي بكر وعمر. الثالث عشر: موقف الخميني من القضية الفلسطينية. الرابع عشر: موقف الخميني من الجهاد الأفغاني. الخامس عشر: التقية عند الخميني. السادس عشر: كلامه عن المهدي المنتظر على زعمه وهو مهدي السرداب. السابع عشر: يرى أن المهدي المنتظر إذا خرج سوف يقتل ثلاثة آلاف في الحرم، وسوف يتولى هو هذه المهمة لأنه الفقيه النائب عن الإمام، خاصة وأن الحزب الجمهوري يؤيدون الخميني في الخفاء، فلماذا أيدوه؟ وفي العلانية يحاربونه. الثامن عشر: صحيفة البرافد الشيوعية تشيد بـ الخميني. التاسع عشر: منظمة أمل صنيعة من صنائع الخميني. العشرون: إسرائيل تعتبر الخميني وثورته نصراً لها. هذه العناصر التي سوف يكون الحديث عنها إن شاء الله، ونسأل الله الهداية والسداد، وأن يوفقنا إلى القول الحق الذي لا يعتمد على الكذب والبهتان والباطل.

نسب الخميني

نسب الخميني ينحدر الخميني من أصل مجوسي فارسي، وكذب يوم زعم هو وموسى الصدر اللبناني مؤلف منظمة أمل، أنهما من أهل البيت، فكذبا لعنهما الله، فما أتيا من أهل البيت، وعلى زعم أنهما من أهل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام، فلا ينفع لهم ذاك عند الله شيئاً، فـ أبو طالب عم الرسول عليه الصلاة والسلام في النار، وأبو لهب يصلى ناراً ذات لهب وهو عم الرسول عليه الصلاة والسلام، إنما للحقيقة وللحق وعلى ذمة التاريخ أن الخميني موسوي وهو من شعوب إيران، وهو مجوسي فارسي ليس من العرب أصلاً، وهذه ليست قضية خلافية، فولي الله ولو كان عبداً حبشياً حبيبنا وقريبنا، وعدو الله ولو كان زعيماً قرشياً عدونا وبغيضنا، فالولاية عندنا في قرب العبد من الله عز وجل.

نسبته إلى القرامطة

نسبته إلى القرامطة د الخميني في كتبه بـ القرامطة، وبأسمائهم وأشخاصهم، ولا يشيد بهم كطائفة، لأن العلماء يعرفون القرامطة، والقرامطة مذهب قديم إلحادي، أسسه عالم من علمائهم اسمه حمدان ابن قرمط، الذي دخل بجيشه الحرم المكي وقت الحج وقتل مقتلة عظيمة، وحفر للأمة قليباً، وورط الأمة الإسلامية في ورطة لا يعلمها إلا الله، وذبحهم كالبدن في الحرم، وأخذ الحجر الأسود، ويوم دخل الحرم على جمله ومعه دبوس ضرب الحجر الأسود وقال: أين قول ربكم {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران:97]؟ فقال له بعض علماء الإسلام: هذا أمر من الله وليس بإخبار، فضربه بالخنجر وذبحه، ثم قتل الحجيج وأخذ الحجر الأسود وذهب يحمله معه، فحمله على سبعمائة جمل، كلما وضعه على جمل جرب الجمل ومات، فيضعه على الجمل الآخر وبقي معه فترة من الزمن، حتى جاء حكام مصر من المسلمين فقدموا فدية عسى أن يقبلها الله منهم، حتى عاد الحجر الأسود إلى مكانه. ومنهم أبو سعيد الجنابي، دخل الحرم -كما يقول ابن كثير - وهو على جمله، ويقول: يخلق الخلق وأفنيهم أنا أنا بالله وبالله أنا وأخذ يقتل الحجاج، وأخذ أتباعه وأنصاره وأشياعه ينحرون الناس ويذبحونهم؛ حتى ترامى الناس على وجوههم في ماء زمزم، وامتلأت السراديب والمطاف والمسعى من عباد الله الصالحين.

نسبة الخميني إلى العبيديين

نسبة الخميني إلى العبيديين أما العبيديون فهم من أجداد الخميني، هؤلاء ما وجد في التاريخ ألعن ولا أخسأ ولا أشنع ولا أفجر ولا أظلم منهم أبداً حتى فرعون، فرعون الذي يقول الله فيه: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]. العبيديون ألعن من فرعون، أتدرون ماذا فعلوا؟ يقول ابن كثير في البداية والنهاية وهو يتحدث عن الحاكم بأمر الله الفاطمي، قال: ودخل جوهر الصقلي القاهرة فبناها، وأسس الأزهر، والصحيح أنه ابتدأ الأزهر، وكان يريد من الأزهر شيئاً ليس الذي يريد منه أهل الإسلام، ثم تولى خلفاؤهم تباعاً وكان جدهم ابن قداح اليهودي، يقول ابن تيمية: ليسوا من أهل البيت، ودولتهم الفاطمية ليست لـ فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، وإنما ينتسبون لليهود. أتدرون ماذا فعل الحاكم بأمر الله هذا؟ كان يأتي يوم الجمعة فينزل إلى السوق، فإذا رآه الناس سجدوا له من دون الله، وكان معه عبيد ينزلهم إلى السوق، فيعملون الفاحشة في بنات الناس على مرأىً ومسمع من العالم، كان يأتي إلى المصحف فيمزقه ويبول عليه أمام الجماهير، كان يدوس الختمات، كان يأتي فيدخل بغاله وحميره وخيوله إلى المسجد فتروث وتبول في المسجد، ويقول: أين ربكم يحميكم؟ كان يأتي يوم الجمعة فيخطب الناس، فيقول: ما علمت لكم من إله غيري، ويقول: أنا ربكم الأعلى، أتاه أبو بكر النابلسي العالم المغربي المحدث الكبير، فدخل عليه فقال له الحاكم بأمر الله: أتؤمن بنا؟ قال: بماذا؟ قال: أنكم عباد الله وأني إله، قال: لا. كفرت بك، قال: لا أذبحك ذبحاً وإنما أقتلك قتلة ما قتل بها أحد من الناس. أتدرون ماذا فعل به؟ علقه في مجلسه برجليه، ثم دعا الجزار اليهودي أحد عملائه وقال: اسلخ جلده عن جسمه، فبدأ يسلخ وجهه حتى انتهى وذاك يسبح بحمد لله، فلما وصل اليهودي إلى قلبه؛ رحم اليهودي هذا العالم المسلم، فطعنه في قلبه بالخنجر حتى يقضي عليه، يقول أهل السير: أنه نزل دمه من قلبه وكتب على الجدار (الله) قال الذهبي: ربما يكون هذا كرامة، وربما يكون صادف أن الحروف التصقت فكتبت (الله) على الجدار، ورؤي في ذاك اليوم أن أبا بكر النابلسي كانت الملائكة تظلله وهو ينحر ويسلخ جلده من دون لحمه.

نسبته إلى الإسماعيلية والنصيرية

نسبته إلى الإسماعيلية والنصيرية الإسماعيلية من أجداد الخميني وتوارث مذهبهم في عقيدته، وهي فرقة ملحدة ضالة مضلة، باطنية الفكرة، منهم ابن سيناء الذي ينهج نهجهم وغيره كثير: كـ ابن الراوندي، الذي ألف: الدامغ على القرآن، يقول الذهبي: ألف ابن الراوندي كتاب: الدامغ على القرآن ذاك الخبيث المعفر، وقال ابن كثير: ترجم ابن خلكان عن ابن الراوندي فوصفه بالأدب والشعر والبلاغة، ونسي عداءه للإسلام، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ثم قال: نسي ابن خلكان أن الكلب لم يأكل له عجيناً، يعني: ابن الراوندي. فـ الإسماعيلية تغطى بها الخميني وتدثر، وهو يذكر بعض أسلافها ويمجدهم كما سوف أنقله إن شاء الله من كتبه. والنصيرية فرقة ملحدة تنتسب إلى محمد بن نصير ترى أن إلهها القمر وأنه علي بن أبي طالب فتسجد له من دون الله، وإذا رأت الغمام دون القمر قالت: احتجب عنا ربنا، ويسجدون له إذا أطل، وهؤلاء يرى ابن تيمية أنهم كفار، وأنهم ساندوا التتار، وأنهم أدخلوا الصليبيين بلاد المسلمين، ويرى أن يقتلوا، وأن يصب السم في آبارهم، وأن يقضى على دورهم، وأن تقطع أشجارهم؛ لأنهم أكفر عنده من اليهود والنصارى.

أجداد الخميني وآثارهم ومسيرتهم في التاريخ

أجداد الخميني وآثارهم ومسيرتهم في التاريخ من هم أجداد الخميني وآثارهم ومسيرتهم في التاريخ؟ يقول الخميني في ولاية الفقيه: إن علماءنا - يعني أجداده- ما تدخلوا مع السلاطين وما تورطوا معهم إلا دخولاً شكلياً لا حقيقياً، كـ نصير الدين الطوسي، وكـ علي بن يقطين، وكـ ابن أبي الحبيب. يا عجباً! تباً لك أيها الضال! أهؤلاء علماؤك وقدوتك؟! نصير الدين الطوسي يقول عنه ابن القيم: عدو الدين الطوسي، وحرب الدين الطوسي، والملحد بالدين الطوسي، نصير الدين الطوسي هذا ملحد بالله كافر، نصب نفسه إماماً من الأئمة، ولما أتى هولاكو لحرب بغداد كان وزيره نصير الدين الطوسي، فماذا فعل؟ قال لـ هولاكو، وهو يستفتيه: هل يجوز أن ندخل بغداد والخليفة المسلم فيها؟ قال: نعم. يجوز لك ذلك لمصلحة أن تذبح المسلمين، وأن تستولي على نسائهم، وأن تقتل أطفالهم، وأن تدمر بيوتهم. هذا هو نصير الدين الطوسي الذي يقصده الخميني والذي حفر للأمة قليباً. ومن أجداد الخميني ابن العلقمي الذي يحمل فكره، ويحمل مبادئه وأصوله. ابن العلقمي كان وزيراً للخليفة العباسي المستعصم في بغداد وقد كان هذا الخليفة ضعيف الإرادة، كان مسلماً يؤمن بالله واليوم الآخر لكنه ضعيف، فأتى ابن العلقمي فحمل حقداً على علماء الإسلام وعلى عباد الله الصالحين، يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء، ويقول ابن كثير: حفر للأمة قليباً فوقع فيه قريباً، أي: حفرة عميقة فوقع فيها قريباً، أتى ابن العلقمي في الخفاء فكاتب هولاكو وكاتب جنكيز خان، وقال لهما: اقدما إلى بغداد، وهما في جزر في بئرا وفي نواحي ومشارف الصين وأفغانستان وإيران، فاستدعاهم إلى بغداد، وأتى إلى الخليفة كالناصح وقال: أرى أن تعطل الجيش وأن تعطل عنهم المئونة، فأنت لا تحتاج إلى الجيش الكثير، فصدقه الخليفة فأعلن فصل خمسة عشر ألفاً من الجنود، أطلق سراحهم، ثم أتى إلى الثكنات العسكرية فعطلها، ثم أتى إلى الخليفة ففرق بينه وبين الوزراء، ففتت في عضد الأمة الإسلامية، ثم كاتب ذاك وقال: اقدم علينا، فلما قدم ذلك بجيش جرار لا يعلمه إلا الله، استعدت الأمة الإسلامية في بلية، وفي مصيبة ما شهد التاريخ لها نظيراً أبداً. تغرب كل شمس إلا شمس ذاك اليوم، يوم أتى التتار إلى بلاد الإسلام، يوم أتوا إلى بلاد محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، يوم أتوا إلى دار الخلافة، يوم أتوا إلى دار الحكمة وإلى أرض هارون والمأمون والمعتصم، وأحمد بن حنبل، وأبي حنيفة، وإسحاق بن راهويه، وأبي تمام، والبحتري والعلماء والأدباء والشعراء، أقبل الحقد والكفر يجتاح الإسلام، ويجتاح لا إله إلا الله. أتدرون ماذا فعل ابن العلقمي جد الخميني؟ خرج في الليل وصافح جنكيز خان وعانقه، وقال: أبشر بالفتح، وحلف له بالله إن الله ينصرك، وكان في وزارته مع هولاكو نصير الدين الطوسي، وقيل: إنه لم يجتمع جنكيز خان وهولاكو وهو الصحيح، بل كان نصير الدين الطوسي مع هولاكو وكان ابن العلقمي مع جنكيز خان، فلما عانقه أمسى المسلمون ولبسوا الأكفان، واستعدوا لموعود الله، {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157]. فوقفوا في جنبات نهر دجلة، ووقف التتار في الجنب الآخر، وأتى ابن العلقمي في الليل وأمر جنوده أن يطلقوا النهر، فأطلقوا النهر فغرق كثير من المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأخذ النهر يدخل البيوت والغرف ويجتاح الآمنين ويدمر النساء والأطفال ويدخل المساجد ويعبث بالمكتبات، وفي الصباح أتى التتار فاقتحموا النهر، ودخلوا يعملون في عباد الله، قتلوا في اليوم الأول ثمانمائة ألف مسلم موحد يشهد أن لا إله إلا الله، ثم أخذ ابن العلقمي يوزع لهم المسلمين ويقدم لهم، وكلما أراد التتري الكافر أن يرحمهم أبى ابن العلقمي حتى يقتلهم، وفي الأخير أخذه الله أخذ عزيز مقتدر. أما الصليبيون فلما نزلوا في قبرص، وفي عكا، وقريباً من طرابلس، نزل أجداد الخميني وقدموا المؤن، وقدموا الأطباء، وقدموا الخدمات، وقربوا السفن للصليبيين، ولذلك يقول ابن تيمية في منهاج السنة في (1/ 5): هذا وهم يرون أنَّا أكفر من اليهود والنصارى، وأنهم دائماً حرب ضد الإسلام والمسلمين -كلام ما معناه- فلا إله إلا الله كم سلوا سيفاً ضد الإسلام، كلما أتى مجرم وحاكم كانوا معه على دين الله.

حزب الليكود يبارك ثورة الخميني

حزب الليكود يبارك ثورة الخميني أما إسرائيل فقد بارك حزب الليكود ثورة الخميني، وأرسلوا له برقيات، وفاوض مستشارهم وسفيرهم في فرنسا الخميني قبل أن يقدم في طريقه إلى طهران قبل الثورة، وجلس معه مندوبون، والعجيب أنه كذب على الله ورسوله، وعلى الإسلام والمسلمين، وقال: سوف نحرر فلسطين، وهو في الخفاء يتصل بهم ويعاملهم، وأما في الظاهر والجهرية فيعلن أنه ضدهم وأنه حرب لهم، وأنه سوف يدمر الصهيونية العالمية، ولكنه ما دمر إلا عباد الله، وما كاد إلا لأولياء الله، صواريخه جهزت، سألته صحفية إيطالية: لمن تريد بهذه القوة؟ قال: أريد تدمير إسرائيل، وبين لحظة وأخرى وإذا بقواته تتوجه إلى العراق، ويدمر كثيراً من البيوت الآمنة، والمساجد الآهلة، والأطفال والنساء، فأين إسرائيل؟ وإذا بمستشار إسرائيل وخبراء إسرائيل يفدون إليه في طهران، ويقدمون له الخدمات العسكرية، ويستشيرهم ويستشيرونه.

عقيدة الخميني

عقيدة الخميني

عقيدته في القرآن

عقيدته في القرآن يرى الخميني الشرير أن القرآن ناقص وهذا ليس بكذب عليه، ويرى أن القرآن الذي بأيدينا إنه ناقص ولا يوثق به، وابن العسكري له كتاب: رفع الارتياب عن إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، وعندهم سورة الولاية قرأتها ورأيتها مصورة، وفيها زيادات باطلة محرفة، ويرون أنها أنزلها الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم، وزادوا في القرآن وغيروا، والخميني لا يحفظ القرآن بل يحفظ بعض آيات منه، وإذا تكلم فإنه يلحن في القرآن يرفع المنصوب، وينصب المرفوع، ويرفع الحال والمجرور كذلك، ولا يحسن نطق القرآن تماماً، يستشهد بالآية فيكمل من آية أخرى، فهو يلحن كأنه ما قرأ، فهو لا يرى قراءة القرآن فليس القرآن موثوقاً لديه.

عقيدته في الأنبياء

عقيدته في الأنبياء أما عن الأنبياء فيقول في الحكومة الإسلامية في الصفحة (52) وذكر ذلك في المقدمة: هذا ولأئمتنا منزلة لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل. يرى أن أئمته خير من الأنبياء والرسل الذين عصمهم الله وزكاهم وتولاهم وجعلهم أشرف البشر وأطهر الناس وخير الناس، فيرى أن الأئمة خير من الأنبياء، بل يرى في رسائله، وقالها في خطبته في عيد اليهود: إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه يفهم أكثر من الرسل، وأن علمه أعظم من علم الرسل، وأن فضله وشرفه أعظم من فضل وشرف الرسل. فموقفه من الأنبياء تمييز الأئمة على الأنبياء، وتعظيم الأئمة على منزلة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

عقيدته في كربلاء والنجف ومشهد وقم

عقيدته في كربلاء والنجف ومشهد وقم وعن كربلاء، يقول: "والحسين مدفون بـ كربلاء "، والصحيح أنه ليس مدفوناً هناك عند أهل العلم وعند أهل التاريخ، يقول في كتابه ولاية الفقيه: فإذا اقترب العبد يعني: من القبر، فعليه أن يستقبل القبر ولا عليه من القبلة ويصلي إليه ركعتين، يعني: قبر الحسين. ويرى أن قبر علي الرضا في مشهد في إيران، ولذلك كان عباس شاه الحاكم الصفوي الملحد يزور مشهداً ويطوف بـ مشهد ويحج إلى مشهد، ويقول شاعرهم: طف بالطفوف وحي اليوم مغناها فعند مكة معنى غير معناها وعباس الصفوي هو الذي حارب الخلافة العثمانية. وقد كان من أجداده المجوس وقد ذكر أنه كان يطوف على قدميه حافياً على قبر أسرة آل بهلوي، الذي منهم محمد شاه رضا بهلوي ويقول: هنا الحج ليس في مكة. فـ الخميني يرى أن مشهداً وقم والنجف وكربلاء كلها أفضل من مكة ومن المدينة المنورة. ويرى أنه لا مانع أن يصلي إلى قبر الحسين، ويقف عنده ويدعو بما استطاع، فـ الحسين يسمعه ويجيب دعوته، والصحيح أن الحسين ليس هناك، وأنه بريء مما لفق الخميني عليه.

عقيدته في الصحابة

عقيدته في الصحابة يرى الخميني أن الصحابة كفرة بالله العظيم إلا ستة، أبو ذر وسلمان وعلي وعمار بن ياسر، والمقداد بن عمرو وصهيب وقيل اسم آخر، لكن خلاصة الأمر أنه يرى أن الستة -واختلفوا في هؤلاء الستة- مسلمون وغيرهم كفرة بالله العظيم، ويقول لما قال الله عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18] يقول: الفائدة من قول الله عز وجل: (عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) حتى يخرج كفار الصحابة، لأنه كان تحت الشجرة أبو بكر وعمر وعثمان فلو قال الله: لقد رضي الله عن الذين يبايعونك تحت الشجرة، لدخل فيهم أبو بكر وعمر وعثمان لكن الله أخرج المؤمنين وترك الكفار كـ أبي بكر وعمر وعثمان على حد قوله، فقال: لقد رضي الله عن المؤمنين فأخرجهم بكلمة المؤمنين، ولو أطلق -يقولها في تحرير الوسيلة - القول لدخل فيها هؤلاء، ويقول: لما قال الله متحدثاً عن رسوله صلى الله عليه وسلم: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] إنه حزن لأنه ليس مؤمن بالله العظيم، فسلاه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو معه في الغار، إلى غير ذلك من الافتراءات، فهو يرى تكفير الصحابة، وأنهم كفروا بالله. وأما الجبت والطاغوت عند الخميني فهو أبو بكر وعمر، إذا تلا المصحف أو من قرآنه ومرت به كلمة الجبت والطاغوت توقف وقال: الجبت أبو بكر والطاغوت عمر، وفي سراب من إيران صورة موثوقة وهذا الكتاب موجود عندنا في المكتبات، ورأيت الصورة وقد كتب أحمد الأفغاني إلى الخميني في طهران رسالة، فرد عليه بمعتقده وأظهر الإيمان وأبطن الكفر والنفاق، وفيها وثيقة يقرؤها بعد كل صلاة الخميني ومعه من الآيات كثير، كـ الموسوي وآيات الله الكبرى زاده، وأعظمي، كتبوا ووقعوا في أسمائهم ومنهم الخميني وبرسمه الخاص أنه يقول: لعن الله أبا بكر وعمر، كذا قال: إنهما خانا، ثم قال: اللهم اقطع دابرهما واقطع نسلهما ونكل بهما، في دعاء كثير يأتي في صفحة ونصف من المطبوع من الصفحات الوسط، بخطوطهم ثم يوقعون ثم يقرءونه وهم يؤمنون بعده. أما موقفه من عائشة البريئة المبرأة الصادقة الصديقة من فوق سبع سموات فقد اتهموها بالفاحشة، فبرأها الله، ونقل عنه صاحب الرسائل والمسائل أنهم يقولون: يا ملعونة، نعوذ بالله. يقول شاعرهم، وقد قرأت هذه القصيدة وهي تقع في سبعمائة بيت وهي للأزري شاعر من شعراء الخميني يقول: ثلاثون ألفاً تحفظها وآية من كتاب الله تنساها فمعنى البيت كيف تقولون أيها المسلمون: أنها تحفظ ثلاثين ألف حديث وهي نسيت آية من القرآن، يعني يقصد بذلك في قصة الإفك لما غضبت رضي الله عنها وحزنت، وقال لها صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وغيرهم والزهري لما قال لها صلى الله عليه وسلم: {يا عائشة! إن كنت بريئة فسوف يبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفريه} فأرادت أن تقول كما قال يعقوب عليه السلام: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18] فنسيت من الغضب اسم يعقوب من الحزن والغم قالت: كما قال أبو يوسف، فقال: وآية من كتاب الله تنساها. فهم يرون عائشة في هذا المستوى وكذلك يرى الخميني. وأما معاوية رضي الله عنه. فيقول الخميني في كتاب: الحكومة الإسلامية وكانت الخلافة منزوعة من أمير المؤمنين يعني: علي في فترة حتى تولاها معاوية فتقرب بها إلى أقربائه، فنال لعنة الله في الدنيا وغضب الله في الآخرة. يرى أن معاوية ملعون، وأن الله غضب عليه وهو خال المؤمنين وكاتب الوحي وهو إن شاء الله من الذين توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، رضي الله عن معاوية وأرضاه.

موقف الخميني من الخلافة

موقف الخميني من الخلافة موقف الخميني من الخلافة الراشدة: يرى الخميني أن أبا بكر وعمر وعثمان ليس لهم حق، وأنهم اغتصبوا الخلافة، وأنهم تمردوا على أمر الله، وخانوا رسالة الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، واغتصبوا الخلافة من علي بن أبي طالب، وأن علياً هو الحاكم في المعنى لكنه في تلك الفترة كان منزوع الصلاحية كما يقول، فيقول: توقف أمير المؤمنين لأنه نزعت منه الصلاحية في فترة حكم هؤلاء حكم الجبت والطاغوت وحكم عثمان، وإلا فإنه الحاكم، يقصد بذلك علياً رضي الله عنه، الذي يقول: [[والله الذي لا إله إلا هو لا يأتيني أحد يعظمني على أبي بكر وعمر إلا جلدته ثمانين جلدة حد المفتري]]. دخل علي على عمر يوم طعن، فقال: [[واحبيباه! السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين! والله لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك]]. علي رضي الله عنه الذي كان يثني الثناء العطر على أبي بكر، وفي مسند أحمد في أول الأحاديث بأسانيد صحيحة يقول علي رضي الله عنه وأرضاه: [[كان الرجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حدثني عن الرسول صلى الله عليه وسلم استحلفته، فإذا حلف صدقته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر -ما استحلف أبا بكر - ثم تلا الحديث الذي فيه كفارة الذنب وهو الركعتين بعد الوضوء]] وهو حديث صحيح صححه العلماء، فيكفي من علي فخراً وشرفاً هذه التزكية لـ أبي بكر رضي الله عنهم جميعاً. إذاً يرى أن الخلافة التي بعد النبوة أنها خلافة ظالمة فاجرة آثمة وأنها ليست شرعية، وليس لهم صلاحية في تولي الخلافة.

موقفه من علماء الإسلام

موقفه من علماء الإسلام يرى الخميني في تحرير الوسيلة، وفي كتاب ولاية الفقيه، وفي غيرها من كتبه، أن علماء الإسلام خانوا الرسالة وخانوا الإسلام، وأنهم تقربوا إلى السلاطين، وهذا إثم وفجور، ولا يصح التقرب في نظره إلى السلاطين إلا إذا كان التقرب فيه منفعة، فقلنا له: يا خميني مثل من؟ قال: مثل نصير الدين الطوسي، يوم تقرب من هولاكو في مصلحة ومنفعة، قلنا له: أحلال أن يتقرب نصير الدين الطوسي بذبح المسلمين، وحرام أن يتقرب مالك بن أنس إمام دار الهجرة لـ هارون الرشيد، وأن يتقرب أحمد إلى المعتصم ويوصيه وينصحه، وأن يتقرب الفضيل لـ هارون، وأن يقترب إسحاق بن راهوية وعلماء الإسلام فيناصحونهم ويراسلونهم حرام هذا يا خميني وأما نصير الدين الطوسي فحلال؟! عجيب أمرك! {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85] {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام:138] {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:85]. إذاً علماء الإسلام مجروحو العدالة في نظره، ولا يوثق بكتبهم وهم علماء ضلال كما في خطبه التي ألقاها في طهران وفي قم أكثر من مرة.

تمييزه العنصري

تمييزه العنصري الخميني ولو تظاهر فهو متعصب للمجوسية، وهو ينادي بإعادة مجد فارس، وهو ينال من كرامة العرب، ويوم أعلن الثورة كان يقول لبعض الممثلين من بعض الدول: إن الخليج لا أنادي به إلا أن يكون إسلامياً ولا أريد أن يكون عربياً ولا فارسياً، وما هي إلا لحظات، وإذا بـ آية الله منتظري وهو خليفته من بعده، وولي عهده يقول: الخليج فارسي وسوف يبقى فارسياً، ويقول آية الله سرخاوي: لن نتنازل عن فارسية الخليج. فأين هذا الكلام؟ وأين هذا التعصب؟ وقد كتب في ميثاقه: لا يتولى الحكومة في طهران إلا من كان أصله وجده من إيران وأما غير ذلك فلا يمكن، إلى غير ذلك من النقولات، التي أظهرت للعالم أنه هو أستاذ التمييز العنصري في العالم، فهو الذي شجع إسرائيل وأيدها، وسوف أنقل نقولاته إن شاء الله وآتي ببعض الأخبار التي تبين ماذا فعل مع قضية الفلسطينيين؟ وما هي موقفه من القضية؟ وما هو أسباب هذا الموقف ومنتجات هذا الموقف؟ إذاً فهو يحمل التمييز العنصري، وهو يرى أن فارس خير من العرب، ونحن لا نجادل في هذه القضية، فإن كان على العموم، فهي معروفة وإن كان على الخصوص: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] ولا ندعو إلى تفضيل جنس على جنس، ولكن ندعو ليكون عباد الله الصالحون إخواناً تحت راية الله: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103]. إن كيد مطرَّف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد أين أنت يا خميني من سلمان الفارسي الذي يقول عنه صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه في الحديث: {سلمان منا آل البيت} جلس سلمان في مجلس رضي الله عنه، فافتخر هذا أنه من قيس وهذا من تميم فقال: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني يقول محمد إقبال: إن كان لي نغم الهنود وذلهم لكن ذاك الصوت من عدنان فأي تمييز وأي عنصرية أتت بها العمامة السوداء، التي تحمل الضغينة والبغض والحقد على عباد الله الصالحين.

مصادر التلقي عند الخميني

مصادر التلقي عند الخميني ما هي مراجع الخطابة التي ينقل منها؟ ما هي الكتب التي في حصيلته، وخطبه، ورسائله، وكشوفه، واستقراءاته؟ كتب الخميني أولها: الكافي للكليني، والكليني هذا أستاذ قديم وشيخ للـ خميني، توفي ودفن في قم، ولذلك الخميني يسكن في قم ويقدس قم، ويسبح بحمد قم، لأن الكليني مدفون في قم، فيعتبرها مدينة مقدسة، والكليني هذا أتى بكلام تشيب منه الرءوس، قال في الكافي: بنسخ القرآن، وبالبداء، وبالرجعة، وبسب الصحابة، وبلعن الشيخين وبتكفير السلف الصالح. فكتابه المصدر الوحيد الكافي، وعليه الشافي شرح للكافي، وهناك أصول للطبرسي، والعسكري وابن المطهر لا طهره الله وغيره كثير، فهذه مصادره.

موقفه من صحيح البخاري

موقفه من صحيح البخاري إن الخميني يرى أن صحيح البخاري لا يوثق به، اسمع إلى الخميني وهو يقول في ولاية الفقيه -لقد حرصت أن أجد هذا الكتاب مباشرة، لكن نقلت عنه من رسائل محققة منقحة بواسطة كتاب: وجاء دور المجوس - يقول: والبخاري لا يوثق بنقله، ففيه كذب عظيم، وفيه غرائب وعجائب، لا يصدقها إلا مأفون البربر وعجائز السودان أي: لا يصدق أحاديث البخاري إلا مأفون البربر أي: مجانين البربر وعجائز السودان، يقول: فيه غرائب وعجائب وكذب، فنقول لك: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]. أتهاجم صحيح البخاري الذي جعله الله من أعظم الكتب في الإسلام؟! البخاري الذي رجاله كالنجوم في السماء في الليالي السود. من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري البخاري الذي كل رجل من رجاله أمة من الأمم {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. البخاري الذي عُرِض على الجهابذة والحفظة، فمحصوا وعاشوا وسهروا في ليالي الشتاء ليخرجوا حديثاً واحداً، فرجعت أبصارهم، يرجع {الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:4]. ترد هذا التاج العظيم الذي قدمه للأمة. أيها العميل الضال عميل شامير! تهاجم صحيح البخاري الذي جعل الله له القبول، فالمنابر تتحدر بـ صحيح البخاري والإذاعات الإسلامية والصحف، والندوات والحلقات، تقبل الله من البخاري ورحمه الله. أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا خميني المجامع هذا هجومه الساحق على صحيح البخاري، ولذلك صحيح البخاري إذا رؤي عندهم كأنه كتاب شعوذة، وسحر وكهانة، وربما يمزق ويداس بالأقدام، ويقولون: لا عبرة به ولا يوثق به، فيا سبحان الله! لولا أن المجال ضيق والمقام لا يتسع لنقلت لكم نقولات من الكافي بواسطات، وبأسانيد مظلمة، نقولها يضحك منها السفيه، فكيف باللبيب!

كتب الخميني ومؤلفاته

كتب الخميني ومؤلفاته صدر للخميني كما أسلفت أربعة كتب، وصدر له رسائل وهو يلقي خطباً، والعجيب أن عيد اليهود الذي أتى به أنوشروان جد الخميني المجوسي الفارسي، عيد النيروز خطب فيه الخميني، وأعلن فيه أن هذه الثورة مقدسة، وأنها للمستضعفين والمحرومين، ولكن فوجئنا به يسحق المحرومين من الفلسطينيين وأمثالهم، وكوّن منظمة أمل، فسحقت مخيمات الفلسطينيين وأبادتهم، وأنزلت بهم شناعة، وفي الأخير أتى الخبراء الذين ذبحوا المستضعفين والمحرومين، وأدخلهم طهران، وأسكنهم في فنادق قم، وأنزلهم وصافحهم، وهنئوه بالثورة، وباركوا له بالنصر، فعلى ماذا النصر؟! أنصر على عباد الله؟! أنصر على الحرمين؟! أنصر على الكتاب والسنة؟ أنصر على الأولياء؟ أنصر على الرسالة الخالدة والصحابة؟! أم نصر على العمالة والضلالة؟! وكتاب الحكومة الإسلامية هذا ربما يسميه أحياناً بعض الأوقات ولاية الفقيه أو الحكومة الإسلامية وهو منشور ومتداول في كثير من البلاد، ونقل عنه علماء الإسلام، وولاية الفقيه يتكلم فيه ويأتي بفرعيات ليظهر أنه فقيه، والحقيقة أنه فقيه في المذهب الجعفري، فهو بركة النجف وهو أستاذ الفلسفة، درسها في جامعة طهران، وكان يدرس الناس في النجف بعد صلاة الفجر، وهو ملم بالمذهب الجعفري ويفتي فيه إلى هذا المستوى. وأما كتاب تحرير الوسيلة فقد تكلم فيه وأما كتاب الجهاد الأكبر أو جهاد النفس فيعلن فيه مفهوم الجهاد في الإسلام.

رأي الخميني في المتعة

رأي الخميني في المتعة رأيه في المتعة كرأي أجداده، فيرى أنه يجوز للرجل أن يتمتع بامرأة فيعقد عليها عشرة أيام، أو شهراً أو سنة، فيتمتع فيها ثم يفارقها، وهذا في الإسلام حرام لحديث علي -من رواية علي الذي يتعلق به ويتشبث به الخميني - أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرمها آخر العهد، وحديث سلمة بن الأكوع عند مسلم، لكنه عمي عن ذلك. قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم فلم يؤمن بذلك بل كفر بهذا الحديث، وأسس المتعة وقال بها، وأفتى بها.

الخميني ووثيقة لعن الشيخين

الخميني ووثيقة لعن الشيخين سلف الحديث عن هذه الوثيقة، وهي مصورة وموجودة، وهو يمكن أن يتنازل عن أكبر القضايا، أما لعن الشيخين فلن يتنازل عن لعن أبي بكر وعمر أبداً، فهو يقول في مجالسه العامة والخاصة، وطولب بعض مقربيه من بعض علماء المسلمين أن يتنازلوا عن هذا، فأبوا، ورفضوا، وطلبوا كل شيء إلا هذا المقال، فهو من وثائقه المحفوظة، ووقع بختمه، وبتوقيعه وإمضائه، وتقرأ بعد كل صلاة عنده هذه الأيام.

موقف الخميني من القضية الفلسطينية

موقف الخميني من القضية الفلسطينية وهناك كتاب: أمل والمخيمات الفلسطينية، وكثير من الرسائل والمحاضرات تتحدث عن هذا، يوم أتى وأعلن أنه سوف ينصر الفلسطينيين نصراً مؤزراً وأنه سوف يدخل القدس منتصراً، وأنه سوف يسحق إسرائيل، وسوف يزيلها من على وجه الأرض، ويقول آية الله منتظري: لقد دربت عشرة آلاف لدخول فلسطين أرادت إسرائيل ذلك أم أبت، حينها ارتاح الفلسطينيون لهذا، وصفقوا، وقاموا وقعدوا إلا من رحم الله، وزاروه وأثنوا عليه، وقالوا: هذا هو فجرنا وأملنا، وهذا هو نصرنا إن شاء الله، وما هي إلا أيام وليالٍ، وإذا طائرات الخميني تذهب فتغلط في مسارها، وتحول وجهتها، وإذا صواريخه التي سوف يدكدك بها إسرائيل فيدكدك بها العراق، وغيرها من بلاد الإسلام. وإذا بجيوشه وبحرسه الثوري، يتحول عن مساره، وإذا القضية الفلسطينية تضيع، وليته وقف، ليته أخذ الحياد وسكت، لكنه عاون إسرائيل، وباركت إسرائيل ثورته، وأخذت صحف إسرائيل تنشر المقالات وصور الخميني في الصفحات الأول بعد الثورة بسنوات، ثم نفاجأ وإذا بـ حزب أمل يزحف على مخيمات الفلسطينيين فيسحقها سحقاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، يسحقها لماذا؟ لتنتصر إسرائيل، فأين العهود؟ وأين الانتصارات؟ وأين الزعزعة؟ وأين تلك الجعجعة التي سمعناها؟ ولكن: فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني وفي الأخير استقرت الرؤية، وظهر الحق ووضح للناس أنه عميل، وأنه يريد أن يدخل إسرائيل بلاد الإسلام ويتعاون معها، بالفعل تعاون حقيقة لا نقول هذا هيجاناً ولا حماساً ولا عاطفة، ولكن بحقائق وكتب، ونقولات ومنشورات ومحاضرات.

موقف الخميني من الجهاد الأفغاني

موقف الخميني من الجهاد الأفغاني راد الله عز وجل أن يهيئ فئة من الناس ليثبتوا الجهاد الصحيح الإسلامي، فلما دوخ بالحكم الظالم في كابول، وتولى الحكم الشيوعي هناك، عادت روسيا بقواتها وبعتادها وصواريخها وطائراتها، فسيطرت على بلاد الأفغان، فقام ثلة من عباد الله يشهدون أن لا إله إلا الله، ورفعوا لا إله إلا الله، ونزلت جبال الأفغان تتحدى من السهول وهم يحملون السيوف ويحملون البنادق البسيطة وعلى الخيول وهم يقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وبالفعل صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً، لقد أذاقوا روسيا الويلات، حتى يقول ريجان الرئيس الأمريكي وهو يتهزر ويضحك على الروس لأنهم ضحكوا عليه في فيتنام، يقول: لقد دوخ المجاهدون الأفغان روسيا صفعة لم تنساها أبد الدهر، لقد لقنوها صفعة، وبالفعل لقد خجلوا بها بين العالم ولقد ضحكوا على عقول الروس، وانسحبوا، وكان أحدهم يرفع هذه الإشارة، كأنه سلم، وانتصر وذلك في جنيف، عندما وقع بعض الممثلين عن المجاهدين ألا يهاجموا الروس وقت الانسحاب، انظروا الاستسلام! انظروا الاستهزاء والذلة! الاتحاد السوفيتي الذي يعد نفسه من كبريات الدول، بل من الدولتين العظيمتين، يطلب من المجاهدين أن يعطوه عهداً وميثاقاً ألا يضربوه حتى ينسحب، فماذا فعل المجاهدون؟ ما تركوه، بينما تنسحب قواته من قندهار وغيرها إلى الشمال لتزحف؛ أطلقوا عليها مائتين وعشرة صواريخ، ويقول عبد رب الرسول سياف: إننا سوف نلاحقهم حتى في موسكو لننتصر منهم لأن البلاد ليست بلادهم لأنها بلاد الله. وقال حكمتيار: إلى متى هذه المجازر والمذابح وقد سلم الروس بالانسحاب، قال: نذبح منهم حتى نكافئ العدد الذي ذبحوا منا، ثم نرى هل نرى لهم أحقية في بلادهم أم لا؟ كلام يشبه هذا. ولذلك هذا الجهاد لما قام، ورأيتم كرامات الله ونصر الله سبحانه وتعالى: يا أمة النصر والأوراح أثمان في شدة الرعب ما هانوا وما لانوا هم الرعود ولكن لا خبوت لها خسف ونسف وتدمير وبركان كم ملحد ماجن ظن الحقوق له زفوا له الموت مراً وهو مجان وبلشفي أتى كالعير منتخياً رأى المنايا فأضحى وهو جعلان ردوه كالقرد لو بيعت سلامته بشعبه لشراها وهو جذلان فروا على نغم البازوك في غسق فقهقت بالكلاشنكوف نيران يسعى فيعثر في سروال خيبته في أذنه من رصاص الحق خرصان حينها يوم رفعت الراية، ماذا فعل الخميني؟ ليته وقف موقف الحياد، لكن في أول الجهاد يقول: سوف أدمر الروس سوف أزيح روسيا عن أفغانستان، لتصبح إيران وأفغانستان دولة واحدة، ومضت الأيام، وليته سكت واختفى، لكن نصب جنوده في مشارف الطرقات يردون المجاهدين ويسلبون القوافل، ويرسل الصواريخ على مخيمات المجاهدين ويتعامل مع روسيا، ويمد أنابيب الغاز في شركة إيرانية روسية، ليسعف الروس أعداء الله عز وجل بالغاز، فإذا هو العميل والعدو والضال والذي نصب العداء لعباد الله عز وجل، خمسة آلاف خبير روسي الآن يعملون عند الخميني في تشغيل كثير من قواته وعتاده، لكنه نقول له مت بغيضك. زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع رسالة الله سوف يبقيها، والمجاهدون سوف ينتصرون، وبلاد الله سوف ترتفع، والحرمان سوف يبقيان عتيقان عتيدان قويان طاهران، والقرآن سوف يبقى رسالة خالدة يشق طريقه، وسوف يقيم دعائمه في مشارق الأرض. كل سماء في السماء لنا وكل أرض في الأرض لنا. هذا موقفه من الجهاد الأفغاني، موقف متخاذل، موقف عدائي، موقف يطعن في ظهور المجاهدين من الوراء ومن الخلف، ولذلك أعلن زعماء المجاهدين الأفغان أنه قد أضر بهم إضراراً بيناً، وقد أساء بجهادهم وأساء بقتالهم أيما إساءة فعليه من الله ما يستحقه.

التقية عند الخميني

التقية عند الخميني التقية أن تجعل بينك وبين الشيء وقاية، وهم يرون هذا مذهباً ويرونه عقيدة، ويرى الخميني في كتبه، أن جعفر الصادق يقول: التقية ديني ودين آبائي، فمن لا يستخدمها فليس مني، أو كما قال، فـ الخميني يكذب وفي الظاهر يرى أن هذا ديناً، تجلس مع الخميني ومع أعوانه، فيقرون لك بأنك صادق وأنك صائب في كلامك، وما قلته صحيح ولكنهم يبطنون غير ما يظهرون، ولذلك ذكر ابن تيمية في منهاج السنة، من الصفحة الخامسة في المجلد الأول وما بعدها: أنهم من أجهل الناس بالمنقولات، ومن أضلهم في المعقولات، واستخدامهم للتقية كاليهود يوم يظهرون أنهم أسلموا وآمنوا ولكن في الخفاء أبطنوا النفاق.

كلام الخميني عن الإمام المهدي المنتظر

كلام الخميني عن الإمام المهدي المنتظر يرى الخميني أن الإمام الثاني عشر من أئمة أجداده دخل السرداب، وسوف يخرج ولكنه ما خرج إلى الآن، وإذا خرج فسوف يقتل ثلاثة آلاف مسلم من الظلمة على اعتقاده، سوف يقتلهم بالحرم، وسوف يطهره الله من الظلمة، وسوف ينصر المستضعفين والمحرومين، وإذا لم يخرج فللفقيه أو الولي أن يقوم بهذا، يعني نفسه هو، فهو يرى أنه في مقام ينوب عن المهدي ذاك ويقوم مقامه. وفي كتاب الخميني والقول بعصمة الأنبياء، يقول الخميني من بعد الصفحة العاشرة: إن المهدي المنتظر سوف يحقق نصراً باهراً ما حققه الأنبياء والمرسلون، أي أن هذا المهدي المنتظر في السرداب سوف يحقق نصراً وسوف يحقق توفيقاً ما حققه الأنبياء والمرسلون.

الحزب الجمهوري الأمريكي يؤيد الخميني

الحزب الجمهوري الأمريكي يؤيد الخميني ثم نأتي إلى المقالات والمنشورات والاستقراءات وما قيل عنه وما ذكروا عنه، العجيب أنه استخدم التقية والكذب على الناس والتهريج، لما ظهر للناس قال: سوف أنهي أمريكا من على وجه الدنيا، وسوف أدمرها، وعلم بالاستقراء من صحف الجارديان البريطانية أن كارتر والحزب الجمهوري أيد ثورة الخميني، ولذلك اغتبط كثير من الجمهوريين ووصل بعضهم إلى طهران، وطلبوا من الجيش أن يأخذ موقف الحياد وألا يتدخل مع آل بهلوي ومع الخميني ليأخذ الخميني الفرصة وبالفعل أوقفوا قائد الجيش الإيراني فما تدخل، فبارك الأمريكان هذه الثورة وقد تعامل معهم وتفاوض معهم، وقال منتظري: لا بأس أن نقيم علاقات ودية وطيبة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنهم إذا خطبوا يوم الجمعة يقول آية الله منتظري: سوف ننهي دابر أمريكا من على الأرض، سوف نحاربها حرباً شعواء، سوف نقاتلها قتالاً عظيماً ما شهد التاريخ له مثيلاً. ولكنهم يباركون له ويبارك لهم، فما هذا الكذب، وما هذا التمويه، وما هذا التزييف؟! وإذا أردتم فاقرءوا المنشورات التي قيلت في الصحف والمجلات، خاصة الغربية، التي تناقلت خبر الثورة في أمريكا وفي غيرها، والتي حضر المحررون هذه الأخبار وقدموها للناس.

صحيفة البرافدا الشيوعية تشيد بالخميني

صحيفة البرافدا الشيوعية تشيد بالخميني الصحيفة الناطقة باسم الحزب الشيوعي هي البرافدا وهي تصدر في موسكو، وهي ما تقول إلا ما يقوله الشيوعيون والحزب، وأول ما ظهر الخميني قالت: هذا رجل دين متخلف متعصب، سوف يسير بـ إيران إلى الهاوية، وما هي إلا أيام وليالٍ وإذا هو يرسل في الخفاء وفي جنح الليل المراسلات وتحسين العلاقات مع الحزب الشيوعي، وإذا هي في الصباح تخرج عنواناً بارزاً مع صورة الخميني وتقول: لقد انتصر الخميني وثورته ليقود إيران إلى بر السلام والازدهار والأمن. انظر إلى الموقفين والمقالتين! وانظر كيف ينزل هذا الرجل نفسه في تلك المنزلتين! فهو إذاً تعامل مع الشيوعيين على الأفغان، وتعامل مع إسرائيل ومع أمريكا على الفلسطينيين والمسلمين عامة، وإذاً خطب يوم الجمعة إنما هي شيء يناقضه في الخفاء، ويظهر للناس الولاء ولكنه يحمل العداء.

منظمة أمل صنيعة من صنائع الخميني

منظمة أمل صنيعة من صنائع الخميني موسى الصدر متزوج من قريبة الخميني، والحسين حفيد الخميني ابن ابنه متزوج من قريبة موسى الصدر الذي اختفى ولم يعد، وربما يكون هو المهدي المنتظر ربما يخرج لهم من السرداب!! فأسس هذه المنظمة، قيل له لماذا أسستها؟ قال: لتنهي وجود إسرائيل ولتفتح القدس، وفوجئنا وإذا هي تتمركز في الجنوب وإذا بأفراد جيشها يأتون من إسرائيل، وإذا هي تنصب وتمد شريطاً لتحمي إسرائيل من هجمات المسلمين من الفلسطينيين وغيرهم، وما تذهب الأيام وإذا بها تطوق المخيمات وتنزل بالصواريخ والقذائف وتضرب بالرشاشات على الآمنين والأطفال والنساء، أليست هذه المنظمة من صنائع الخميني؟

إسرائيل تعتبر الخميني وثورته نصرا لها

إسرائيل تعتبر الخميني وثورته نصراً لها إن إسرائيل في الظاهر تسب الخميني وهو يطلب منها هذا، يطلب منها ومن إذاعة وصحف إسرائيل أن تسبه وأن تشهر به، فتظهر له أنه طاغوت وأنه عدو لها، وهو يسبها في الإذاعة وفي الصحف ويوم الجمعة وفي خطبه وندواته، ولكن في الخفاء يجلس مع الخبراء ويعاهدهم ويواثقهم على إزاحة الظلم عنهم، وهو يعتبرهم مظلومين؛ لأنهم استولوا على عباد الله وقتلوا أولياء الله وأخذوا بلاد الله فيفعل معهم ذلك. ولذلك خبراء إسرائيل خمسمائة سفير الآن وصلوا إلى أماكن الطاقة من إسرائيل، وحزب الليكود دائماً يصوت لصالح الخميني، وهو يتصل بهم عن طريق الهاتف مباشرة، بالتلفون يكلم الوزراء ويكلمونه، والأمر عادي جداً، وهم يتعاونون معه لسحق عباد الله عز وجل ولحرب أولياء الله، فيعتبرون أنه قد انتصر أو أنه نصر مؤزر لهم، وهذا حقيقة أثبتها الاستقراء والنقولات والتاريخ. يا خميني الردى يكفي ملاما قد ملأت الكون رجساً وحراما أنت قسيس من الرهبان ما أنت من أحمد أكثرت الخصاما اتخذ السبحة مترين وخذ عمة سوداء واصبغها رخاما صرت حرباً لبني إسلامنا ولإسرائيل برداً وسلاما عباد الله: هذه مقالة وإن شئتم سموها جلسة، تظهر شيئاً من الواقع، وأما المذاهب والطوائف والمشارب، فما كان للحديث مجال هنا لضيق الوقت أن نتحدث وسوف تكشف للمطلع والمستقرئ ولمن أراد الحق، ولكن أردت أن أتكلم عن هذا الرجل؛ لأنه كثر فيه القيل والقال، وبعضهم يكفره بأمور فرعية ربما لا تكفره لو كانت هي فقط، وربما بعض الناس ينقل عنه نقولاً ما ثبتت، لكن توخيت والله العالم سبحانه وتعالى أن ننقل من كتبه، ومن مراجع أهل العلم، ونستقي ما قال، وأن أحرص أن أنقل شبه الكلام، أو حول الكلام، ليكون هذا ظاهراً للعيان وليكون واضحاً. اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراطك المستقيم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

رجال من الجنة

رجال من الجنة إن الله سبحانه وتعالى نظر إلى قلوب عباده فلم يجد أبر ولا أزكى ولا أطهر من قلوب الصحابة. فاختارهم لصحبة نبيه، وحملة لدينه، وشعاعاً يضيء لهذه الأمة فنصروا الدين، وقاتلوا مع نبيه وقتلوا، ولا ينصر الدين في أيامنا هذه إلا بأمثالهم: أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع

التجارة الرابحة

التجارة الرابحة إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الناس! متى كانت أمة محمد عليه الصلاة والسلام ضائعة؟! ومتى كانت لاهية؟! ومتى كانت اهتماماتها هوايات؟! ومتى كان ليلها ضياعاً ونهارها تفلتاً عن منهج الله؟! متى كنا نجعل الفن هواية؟! ونجعل الكرة مهمة؟! ونجعل الرسم مبدأ؟! متى كان سقطة الناس نجوماً ونجومها مطاردين مبعدين؟! كان ذلك يوم انطمست معالم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. أيها المؤمنون يا دولة الحق ويا عصبة الرسول محمد بثكم ربكم شعاعاً من الفجر على رغم من طغى وتمرد فاسمعوا قصة الوفاء بـ بدر صاغها من يريد إياك نعبد جنة الله بشرت بكرام يقرع الباب بالتحية أحمد يا معالم! يا فجر! يا تاريخ! ويا كل مسلم وموحد! يا ولاة أمورنا إذا الكفر ألقى بتلابيبه وأرغى وأزبد اقرءوا سيرة الرسول كنوز كل أنفاسه ودر وعسجد عنوان هذه الخطبة: رجال من الجنة. كان أجدادنا رجالاً يحبون الجنة فدخلوا الجنة، فلما خلف مَنْ بعدَهم تنكروا للجنة، فما أحبوا طريقها: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [صّ:16] فما باعوا أنفسهم لله وما شروا منه السلعة، وما قدموا أرواحهم. خلق الله الجنة فقال: تكلمي، فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1] وخلق لها خلقاً، قال: أريد أن تدخلوا الجنة، قالوا: ما الثمن؟ قال: أرواحكم، قالوا: أين رجال البيع وسوق الشراء؟ قال: المعركة، قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل، فأنزل الله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] وأنزل الله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23] وأنزل الله: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران:195]. المبادئ لا تقوم إلا على الرجال، والمبادئ لا تزرع إلا في الدماء، ولذلك كان معلمنا عليه الصلاة والسلام شجاعاً بما تعنيه كلمة الشجاعة من معنى، وجاء أصحابه شجعاناً، أبو بكر صديق، وعمر قتيل، وعثمان ذبيح، وعلي يضرج بدمائه، قتل من أصحابه صلى الله عليه وسلم (80%).

الحديث عن معركة أحد

الحديث عن معركة أحد يقول عليه الصلاة والسلام قبل معركة أحد بيوم واحد على المنبر: {والذي نفسي بيده ما من قتيل يقتل في سبيل الله؛ إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم قتل في الدنيا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك}. وفي حديث آخر: {إن الله يقول للشهداء يوم القيامة: من قتلكم؟ قالوا: أعداؤك، قال: فيم قتلتم؟ قالوا: فيك، قال: غفرت لكم}. اليوم أريد أن أطوف معكم بيوم أحد تطوافةً تحيي القلب، لنرى كيف كان أجدادنا وكيف أصبحنا! ماذا قدمنا للإسلام؟ أين شهداؤنا؟ وأين بطولاتنا؟ وأين أثرنا في نشر هذا الدين؟ أين الدماء؟ وأين الأموال؟ وأين السهر؟ وأين الفداء؟ وأين التضحية؟ لا شيء!!

استشارة النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة في موقع المعركة

استشارة النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة في موقع المعركة وقف عليه الصلاة والسلام على منبره قبل أن تبدأ معركة أحد بيوم، فاستثار الناس، وأعلن القتال على أبي سفيان وعلى المشركين، وأخبر بما فعل المشركون من اعتداءاتهم المتكررة على المدينة، ثم استشار أصحابه فقال: {ما ترون أيها الناس؟ أنقاتلهم في الطرقات، أم نخرج إليهم إلى جبل أحد؟ فأما كبار الناس فقالوا: يا رسول الله! بل نبقى مكاننا في طرقاتنا، وفي بيوتنا، وفي منازلنا، فإذا دخلوا علينا قاتلناهم، فوافقهم}. ولما انتهى الكلام خرج مجموعة من أصحابه وشبابه، ثمانون شاباً، فلبسوا السيوف وأخذوا الخوذ على الرءوس، وأتوا يرتجزون خارج المسجد بصوت مرتفع: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا ثم هتف شاب منهم في العشرين من عمره، فقال: {يا رسول الله! اخرج بنا إلى أحد، لا تحرمنا دخول الجنة، والله إني أريد أن أدخل الجنة} ووقف عليه الصلاة والسلام على المنبر يسمع القول الحار، ويسمع النشيد الخالص، فتهتز كل شعرة من جسمه، وتثور كل قطرة من دمائه، ويعلم أن الجنة قد فتحت أبوابها، وأن الله قد تجلى لعباده، فيقول لهذا البطل الشاب: {وبم تدخل الجنة؟} أين شبابنا في العشرين؟ وما دورهم وهمهم؟ جمع الطوابع، واستماع الأغنيات، وهوايات المراسلة، وتشجيع النوادي، والسهرات في المقاهي، والسفر إلى الخارج، والتزلج على الثلج، وتربية الحمام، وصيد الصقور في الصحراء وفي الفصول الربيعية، هؤلاء شبابنا!! قال: {وبم تدخل الجنة؟} قال: {باثنتين؟ بأني أحب الله ورسوله، ولا أفر يوم الزحف، فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام دمعاً سخياً ساخناً، ورفع يديه وقال: إن تصدق الله يصدقك} {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

خروج النبي وأصحابه إلى أحد

خروج النبي وأصحابه إلى أحد وخرج عليه الصلاة والسلام إلى المعركة، وبدأت معركة أحد، وقبل المعركة بساعة سل عليه الصلاة والسلام سيفه، وقال: {من يأخذ هذا السيف؟ قال الناس: نحن جميعاً نأخذه، قال: من يأخذه بحقه؟ قال أبو دجانة: وما حقه يا رسول الله؟ قال: حقه أن تضرب به في الكفار حتى ينحني}. هل سمعتم بسيف ينحني من الضرب؟ نعم بكف أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام. فأخذه فقام وهو يرتجز: أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل ألا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسول فضرب به حتى انحنى، ورده منحنياً إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وظهرت البطولات، وفتحت أبواب الجنة، وشاركت الملائكة، ودفعت أبواب السماء بكتائب يقودها جبريل، ونزل على جبل أحد، وأصبحت القيادة المشتركة بين جبريل ومحمد عليه الصلاة والسلام، بل قال أهل العلم: القائد الأعلى محمد عليه الصلاة والسلام، وبدأ أصحابه عليه الصلاة والسلام يقدمون تضحيات ما سمع التاريخ بمثلها، لا والله لا في التاريخ النصراني، ولا اليهودي، ولا الشيوعي، ولا قبل التاريخ ولا بعد التاريخ، ولا في الجاهلية، ولا في الإسلام أن سمعنا برجل قدم شجاعة كشجاعتهم ذلك اليوم، لأنها إما حياة وإما موت، إما أن يزال الدين من على وجه الأرض، أو أن ينتصر الحق.

نماذج من شباب الجنة

نماذج من شباب الجنة وسوف أعرض نماذج من شباب الله الذين دخلوا جنة عرضها السماوات والأرض. وقف عبد الله بن جحش لما رأى السيوف تطيح بالرءوس والرماح تلعب بالأكتاف قال: يا رب! أسألك هذا اليوم، أن تلاقي بيني وبين عدو لك شديد حرجه، قوي بأسه، كافر بك، فيقتلني، ثم يبقر بطني ويجدع أنفي، ويفقأ عيني ويقطع أذني، فألقاك يا رب بهذه الصورة فإذا قلت لي يوم القيامة: لم فعل بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب! وقاتلت معنا الأملاك في أحد تحت العتادة ما حادوا وما انكشفوا سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا في كفك الشهم من حبل الهدى طرف على الصراط وفي أرواحنا طرف واندفع مصعب بن عمير بالعلم، وحمل الراية، واستبسل استبسالاً ما سمع الدهر بمثله، فضرب ثمانين ضربة وقطع بجانب العلم. ثم اندفع قتادة بن النعمان وواصل المسيرة فضربه كافر فأسقط عينه اليمنى حتى أصبحت معلقة على خده بعرق واحد، فأتى إلى القائد العظيم عليه الصلاة والسلام وهو في الصف الأول مثخن بالجراح، فقال: يا رسول الله! عيني، قال: ادن مني، فدنا منه فرد عينه بيده، وقال: باسم الله، فعادت أجمل من الأخرى وأحدّ. أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد فصارت على حسن أول حالها فياحسنما عين ويا حسنما خد وتقدم سعد بن الربيع فقاتل فقتل، فاندفع دمه يقذف قذفاً على الأرض، فقال عليه الصلاة والسلام: {أين سعد بن الربيع؟ قالوا: لا ندري يا رسول الله! قال: يا زيد بن ثابت اذهب والتمس سعد بن الربيع، قال زيد: فأتيت فإذا هو في حفرة ودمه قد غطاه في الحفرة، وأصبح في الرمق الأخير -مودعاً الدنيا مستقبلاً الآخرة، وهو يطل على حياة جديدة، على قصور وأنهار وأزهار، وعلى مكالمة الله- قال: كيف تجدك يا سعد بن الربيع؟ قال: أبلغ رسول الله السلام، وقل له جزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، نشهد أنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، ثم تبسم ومات}. ثم تقدم أنس بن النضر ففتك فتكاً عجيباً في الصفوف، فلما ضرب سال دمه وقال: إليك عني يا سعد! والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة من دون أحد، وصار الصوت في المدينة، وارتفع صياح النساء، وأصبحت الغارة تشن من قرب عاصمته عليه الصلاة والسلام، والملائكة والسماء والأرض مشتبكة بين الكفر والإيمان، إما سعادة ونصر، وإما سحق وإبادة، فثار حنظلة شاب من المدينة لما سمع الصوت وهو جنب، فاخترط سيفه من الغمد، فذهب فقاتل فقتل في سبيل الله، فرفعته الملائكة في السماء، والرسول عليه الصلاة والسلام يشاهد جثمانه وتنهل دموعه على عينيه ويقول: {والذي نفسي بيده، إني أرى حنظلة تغسله الملائكة بين السماء والأرض في صحاف الذهب بماء المزن} سلوه فيم قتل؟ قالوا: في الله، وقال: ولم تغسله الملائكة؟ قال أهله: مات جنباً. وتقدم حمزة رضي الله عنه فقتل سبعة من القادة ثم أثخن بالجراح، ورمي بحربة فلقي الله، فوقف عليه الصلاة والسلام على حمزة، وعلى الشهداء، وقال لـ حمزة وقد رآه مقطعاً أمامه: {والذي نفسي بيده لا أقف موقفاً أغيظ لي من هذا الموقف، والذي نفسي بيده لئن ظفرت عليهم لأمثلن منهم بسبعين، ثم قال: أنتم شهداء، والله شهيد، وأنا على ذلك شهيد} وهو شهيد عليه الصلاة والسلام أنهم شهداء. ثم أتى عبد الله بن عمرو الأنصاري فقاتل حتى قتل وقطع إرباً إرباً، فبكى ابنه، فقال عليه الصلاة والسلام: {ابك أولا تبك، والذي نفسي بيده ما زالت الملائكة تظل أباك بأجنحتها حتى رفعته، والذي نفسي بيده لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، فقال: تمن، قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمن، قال: أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال: إني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً} وارتفعت أرواح الشهداء، وقتل سبعون، وسال دمه عليه الصلاة والسلام من جبينه، ودخل المغفر في رأسه، وانكسرت رباعيته، وأثخن بالجراح حتى سقط على الأرض. فأتى والد أبي سعيد قال: {يا رسول الله! أسألك بالله أن تأذن لي أن أمص دمك -وهو الدم الذي يسيل من الجرح- فتقدم فمص الدم، فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا}. ولما انتهت المعركة، وقف عليه الصلاة والسلام ودمه يغلي على حمزة وعلى إخوانه من الشهداء، متأثراً مجروحاً، لكي يعلم أن مبدأه سوف ينتصر وسوف يبقى والعاقبة للمتقين، قال: {صفوا ورائي لأثني على ربي} قال بعض الفضلاء: الله أكبر تثني على ربك وأنت جريح؟! تثني على ربك وأنت مصاب؟! تثني على ربك وقد قتل أصحابك؟ نعم. إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم هذه بطولات أهل الجنة، وهم سلفكم الصالح، وهم والله الذين نصروا هذا الدين، ورفعوه في معالم الدنيا، ونشروه في بقاع الأرض، ولم يقدموا عليه مالاً ولا أهلاً ولا ولداً. عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

نص حديث: (إذا تبايعتم بالعينة) وشرحه

نص حديث: (إذا تبايعتم بالعينة) وشرحه الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين وعلى آله وصبحه أجمعين. أيها الناس! إن القائد المعصوم، والمضحي الأول، والفدائي الأول، والمعطي الأول عليه الصلاة والسلام يقول في الخلف؛ الذين خلفوا السلف، الذين انحصر الإسلام على رءوسهم، الذين سلموا الأرض لقمة سائغة للأعداء، الذين تركوا بيت المقدس في كف اليهود، الذين سلبت منهم الأندلس وأفغانستان وبلاد كثيرة، يقول لهم: {إذا تبايعتم بالعينة، وتركتم الجهاد، ورضيتم بالزرع، وأخذتم أذناب البقر، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم} رواه أحمد وصححه بعض العلماء. فما معنى هذا الكلام؟

تبايع بعض الناس بالعينة

تبايع بعض الناس بالعينة لقد تبايع الناس بالعينة إلا القليل، وسقطوا في البيع المحرم، بل أدهى من ذلك وأمر، فقد أكلوا الربا، وشربوا الربا، ولبسوا الربا، وبنوا بيوتهم من الربا، فكيف ترجو من رجل مرابٍ أن ينصر دين الله؟ رجل أعلن الحرب على الله، أينصر دينه؟! أيكون من أوليائه؟! الله يحرم عليه الربا ويلعن المرابي، ويعلم أن الربا حرام، ويجمع أهل العلم على تحريم الربا، ثم يصطك متناسياً لاهياً ويرابي.

ترك الجهاد

ترك الجهاد {وتركتم الجهاد} تُرِكَ الجهاد منذ عهد بعيد، فلم يجاهد شعب لله، ولم تجاهد أمة، ولم يرتفع علم الجهاد، ولم تسر الأمة مساراً صحيحاً في الجهاد، أمة أترفت وميعت، فأصبحت أمة زائفة راسبة، كأنها لم تكن يوماً من الدهر أمة الشهداء، أمة حمزة ومصعب بن عمير وخالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص، تركت الأمة الجهاد تماماً، وأصبح الجهاد عندها مستنكراً، بل يسمونه في الوسائل الغربية همجية وبربرية، أما إسفاف الكفر، وأما سحق الشعوب، أما قتل شعب مسلم في فلسطين فعدل، وأما قتل مليونين من أفغانستان فعدل، أما إذا قام المسلمون برفع لا إله إلا الله فهمجية وبربرية، وتردد وسائل الإعلام الناقصة المتخلفة المفترية هذه الكلمات، وأصبحت توجه السهام لدعاة الإسلام وتسميهم بأبشع الألقاب: الأصوليين، الفوضويين، الفضوليين. عجيب أمركم! من هو الأصولي والفوضوي؟! من هو الذي طرح خده للمستعمر؟! من الذي أصبح وسيلة وأداة في كف أعداء الله عز وجل؟! أقوم يريدون أن تعود لنا المكرمات والأمجاد، أم قوم سلخوا من مبادئهم وأعرافهم وتقاليدهم الإسلامية؟

الرضا بالزرع

الرضا بالزرع {ورضيتم بالزرع} أمة مزارعة، والزرع ليس بحرام؛ لكن إذا أصبحت البطون مقدمة على {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وأصبح الحرث والزراعة مقدمة على مسألة العبودية لله، وعلى نصر الدين في أقطار الأرض، وعلى تشجيع العلماء والدعاة، وعلى بث الوعي في الأمة، وعلى تعليم الناشئة، وعلى تربية الأطفال تربية مستقيمة، فالأمة لم تبعث مزارعة، والزراعة نتركها لغيرنا إذا أردنا أن ننصر دين الله، ولا تمنعنا الزراعة من نصر دين الله، فلنكن مزارعين؛ لكن ومجاهدين قبل ذلك، ولا يفهم من الكلام أن من زرع أو حصد أو استثمر أو عمل أو تاجر فقد ارتكب أمراً محرماً، فالله يأمر بذلك، لكن لماذا لا نقدم الدين أولاً؟! ولماذا لا نضحي لـ (لا إله إلا الله) أولاً؟! إذا أشغلتنا المزارع عن مبادئنا فلا حياها الله ولا بياها، وقد هدد الله وتوعد أن من رضي بالحياة الدنيا واطمئن بها أن يصليه نار جهنم. {ورضيتم بالزرع} فما أصبحنا نفتخر أمام العالم إلا بالمزارع والحدائق، وكنا نفتخر أمام العالم بأنا أهل العدل والإنصاف، وأهل الإسلام والإيمان والتوحيد، والشهداء الذين أزالوا الرِق من العالم، وأصبحنا الآن نخبر الناس أننا مزارعون من الدرجة الأولى، وحراس، وتجار، وصناع.

الاهتمام بالمواشي والأنعام

الاهتمام بالمواشي والأنعام {وأخذتم أذناب البقر} أسلوبه عليه الصلاة والسلام لاذع لأولئك الذين تركوا دين الله، وأصبحت مواشيهم ودواجنهم في بيوتهم أعظم عندهم من نصرة الدين، وقد وجد هذا، فوالله إن في الأمة من يغضب لبقره أكثر من غضبه لمبادئه الإسلامية. الدين ينتهك، والمنكرات والفواحش تنتشر، وتعطيل كثير من أمور الإسلام، ومع ذلك لا غضب، أما إذا مست وظيفة العبد، أو منصبه، أو شيء من مصالحه، أو بيته أو أرضه، أقام الدنيا وأقعدها. فمن هو المسئول عن الدين إلا أنتم؟ ومن يبلغ هذا الدين إلا أنتم؟ ومن يحمل مبادئه في الناس إلا أنتم؟ {وأخذتم أذناب البقر} وقس على البقر أمثالها وأمثالها من الدواجن، والحمام، والغنم، والصقور، وفن الهوايات التي تعلق بها السفهاء ولو كانوا كباراً في السن، فأصبح الواحد منهم كبيراً في جسمه، طفلاً في عقله، يلعب بالصقر، ويتفرج الصباح والمساء على دواجنه ومزارعه، ودين الله لم يقدم له كلمة، ولم يقدم له درهماً ولا ديناراً، ولم يكن عوناً لنشره في الأرض، ماذا أريد أن أقول بعد هذه المقدمة؟ أقول: نحن في موطن صيفي، وهذه المنطقة كغيرها من مناطق البلاد الإسلامية تحتاج إلى دعوة، وتحتاج إلى رواد محمد عليه الصلاة والسلام، وإلى حملة قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، أن ينشروا الدعوة في القرى والبوادي والمدن، وأن يكونوا دعاة فضيلة، يقول عليه الصلاة والسلام: {بلغوا عني ولو آية} ويقول: {نضر الله امرءاً سمع مني مقالة فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع} أين آلاف الخريجين من الجامعات؟ وأين آلاف الطلاب من الثانويات؟ وأين القضاة؟ أينتشر السحر والكهانة والشعوذة والشرك في المناطق والقرى والبوادي؟ أيخيم الجهل على كثير من الناس حتى لا يعرف الإنسان أنه يؤدي صلاته أداء إسلامياً؟ فأين أولئك؟ ألن يسألهم ربهم؟ ألن يسألهم معلمهم وشيخهم صلى الله عليه وسلم؟ فيا دعاة الإسلام! ويا حملة المبادئ! لا نريد منا أن نكون كمن قدموا أرواحهم في أحد. فلا تعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد لكن نريد أن نقدم شيئاً للدين؛ بنشر الكتاب الإسلامي، والكلمة الطيبة، والشريط الإسلامي، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإصلاح الناس، وأن نسعى في سعادتهم وإنقاذهم من الظلمات، وإنقاذهم من النار، وإدخالهم جنة عرضها السموات والأرض. أيها الناس! صلوا على الحبيب عليه الصلاة والسلام، وأكثروا من الصلاة والسلام عليه، وأفيضوا بالتحيات عليه في هذه الساعة المباركة، وعلى أصحابه الكرام والتابعين لهم بإحسان، جمعنا الله بهم في دار السلام. اللهم أصلحنا ظاهراً وباطناً، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم اهدنا سبل السلام، اللهم أصلح من وليته علينا، اللهم ولِّ علينا خيارنا ولا تول علينا شرارنا، اللهم ولِّ علينا من يرجوك فينا ويخافك فينا ويرحمنا فيك. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وصايا لقمان

وصايا لقمان لقد حكى الله تعالى لنا على لسان لقمان ما أوصى به لقمان ابنه من الوصايا الجامعة لخيري الدنيا والآخرة. وكانت الوصية بالتوحيد في مقدمة تلك الوصايا نظراً لأهميتها وعظيم قدرها ثم ثنى بالوصية ببر الوالدين وطاعتهما، وثلث بالعبادات، وختمت الوصايا بالوصية بلزوم الأداب الفاضلة والأخلاق الكريمة.

حقيقة الحكمة

حقيقة الحكمة الحمد لله رب العالمين، الحمد الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً، أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. شكر الله لكم اجتماعكم وحضوركم واستقبالكم، وجمعنا الله بكم في دار الكرامة، فإن هذه المجالس من أعظم ما يتقرب به إلى الله عز وجل، هي مجالس المتقين، وأولياء الله إذا اجتمعوا ذكروا الله، وكما يجتمع الصالحون في هذه الدنيا على ذكره يجمعهم الله عز وجل في جنته على محبته. من كان ملتمساً جليساً صالحاً فليأت حلقة مسعر بن كدام فيها السكينة والوقار وأهلها أهل العفاف وزينة الأقوام أيها الإخوة الكرام! ذكر الله قصة لقمان عليه السلام في القرآن بسورة، وتكلم الله عز وجل عن كلام هذا الرجل الصالح، الذي أصلح الله قلبه. وكان لقمان مولى من الموالي، لكن رفع الله عز وجل ذكره بالتقوى، كان مملوكاً ولكن أحيا الله قلبه بالتوحيد والإيمان، ذكر في ترجمته: قال له مولاه: يا لقمان! ائتني بأطيب شيء في الإنسان، وبأخبث شيء فيه واذبح ذبيحة، فذبح ذبيحة وأتى بلسانها وقلبها وقال: هذا أطيب شيء إذا طاب، وهذا أخبث شيء إذا خبث. يقول سبحانه وتعالى عنه في القرآن: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) [لقمان:12] ما هي الحكمة وما معناها، وكيف نعرفها أيها الكرام؟ الحكمة كما قال السلف: مخافة الله، وفي أثر يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {رأس الحكمة مخافة الله}.

معاني الحكمة في القرآن

معاني الحكمة في القرآن والحكمة إذا أطلقت في القرآن فلها معنيان اثنان: إذا ذكرت مع القرآن فمعناها السنة: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَة} [الأحزاب:34] وإذا ذكرت وحدها فمعناها وضع الشيء في موضعه، ومعناها التسديد في الأمور، يقول سبحانه: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:269] ولا حكمة لفاجر ولا سداد لعاصي، ومن عصى الله خذله الله، خذله في كلامه وأفعاله وحاله، ومن فجر نزع الله الحكمة من قلبه والنور. يروى أن يوسف عليه السلام -وهذا يذكره أهل التفسير في قصصه- لما همت به المرأة وهم بها، ذكر واعظ الله وبرهان الله، ورأى أباه يعقوب عليه السلام وهو يعض بأسنانه على أنامله ويقول: يا يوسف! لا تزنِ فإن من زنى كالطائر ينتف ريشه. وهذا كالعاصي إذا أقدم على المعصية، فإن الله ينزع منه النور أولاً، والحكمة والسداد ويخذله، ويجعله من أبعد الناس عن التسديد في الأمور.

عبادة الشكر

عبادة الشكر {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان:12] ثم فسرها الله: {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} [لقمان:12] لا إله إلا الله ما أعظمها من حكمة! ورأسها شكر الله عز وجل، ولم يفسرها سبحانه وتعالى بمنصب أو بشهادة أو بمال، أو بثروة أو بمكتب أو بمطلوب، بل جعلها شكره سبحانه وتعالى. قيل لأحد الصالحين: ما شكر الله؟ قال: أما شكر العينين فالبكاء -يعني: من خشية الله- وشكر القلب الحياء، وشكر اللسان الثناء، وشكر الأذنين الإصغاء. هذا هو الشكر، يقول: شكر العينين البكاء، وعين بكت من خشية الله لا تمسها النار، وأما شكر القلب فالحياء من الله عز وجل؛ أن يعيش مراقبة الله وخشية الله، وأما شكر اللسان فالثناء على الله؛ التسبيح والتحميد، والذكر وتلاوة القرآن، هذا هو شكر اللسان، وشكر الأذنين الإصغاء للحكمة ولقول الله عز وجل. والشكر ذكر في آيات كثيرة من القرآن أستعرضها معكم أيها الأبرار الأخيار! فإنا نسأل الله عز وجل أن ينظر إلينا في هذا المجلس نظر رحمة، وأن يعلم أنا اجتمعنا لذكره ولطاعته، أتينا من قبائل شتى، ومن أسر متعددة، ومن ألوان مختلفة، ومن أماكن متباينة، جمعنا الرضوان فيه سبحانه وتعالى والرحمة، ولعل الله أن يقول لنا في آخر المجلس: انصرفوا مغفوراً لكم فقد أرضيتموني ورضيت عنكم، فيا ربنا نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا وخطايانا. يقول الله عن الشكر: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] ويقول سبحانه وتعالى في الشكر: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] ويقول سبحانه وتعالى في الشكر: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران:123] وقال سبحانه وتعالى عن الشكر أيضاً لما ذكر سبحانه وتعالى آل داود قال: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] وقال سبحانه وتعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152].

حقيقة الشكر

حقيقة الشكر كيف نفسر الشكر؟ قالوا: هي أن تثني على المنعم بإنعامه، وأن تجعل نعمته في طاعته ولا تخالف أمره، وهذا من أعظم ما فُسر به، ويقابل الشكر كفران الجميل قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28]. لكن تعالوا نستعرض معاني الشكر، يقول سبحانه: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} [سبأ:13] جمع داود عليه السلام آل داود -هذا في التفسير- وكان عددهم ستة وثلاثين ألفاً، رجالاً ونساءً فخطب فيهم وبكى وقال: يا آل داود! إن الله أنعم عليكم بنعم ظاهرة وباطنة، أتريدون أن تبقى؟ قالوا: نعم. قال: قيدوها بالشكر. والله ما خلع نعمة عن عبد إلا يوم يخلع العبد طاعة الله، والله عز وجل ما حبس نعمة عن عبد إلا يوم يعرض العبد عن مرضاة الله، رجل أو أنثى. إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم وحافظ عليها بتقوى الإله فإن الإله سريع النقم قالوا: أحد الصالحين نظر بنظرة واحدة إلى منظر لا يحل له فنسي القرآن بعد أربعين سنة. قال لهم داود: صلوا في كل ساعة وتناوبوا الليل والنهار، فوزعهم إلى جماعات؛ فما كان يمر عليهم ساعة في الليل والنهار إلا وقوم يذكرون الله ويسبحون الله ويصلون لله: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} [سبأ:13] وهذا مصدر، أي: هكذا فاعملوا: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]. سليمان بن داود عليه السلام في قصصه أجرى الله له الريح، كما قال سبحانه وتعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12] وهذا هو الملك العظيم، يوم قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35] فسخر الله له الريح، فكان يأمرها أن تنقله من مكان إلى مكان، فتأتي كالبساط تحته فتحمله ومعه الأمراء والوزراء، والعلماء والجيش، وتنقله من مدينة إلى مدينة، وهذا ما يبلغه العلم الحديث أبداً، وأي علم يبلغ هذه الدرجة؟! ويقول الله في وصف الريح إذا أراد أن يهبط، {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] لأن الإنسان يتساءل إذا رفعت الريح سليمان ومن معه كيف تهبط به، أهناك مدرجات أم تصطدم به في الأرض أم ماذا تفعل؟ قال سبحانه: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] ومعنى رخاءً: أي أنها تتدرج في خفة سرعتها حتى يقع على الأرض: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] حيث أراد من الأرض، إذا قال: اهبطي هنا لا تهبط بقوتها، بل تترسل رويداً رويداً حتى يهبط بسلام. ارتحل مرة من المرات إلى الهند من أرض فلسطين -كان يسكن عليه السلام في فلسطين - فأمر الريح أن تحمله فحملته، فلما أصبح في الجو مع الناس على البساط؛ غطى شعاع الشمس عن فلاح يزرع في الأرض، فحجب الشمس عن هذا الفلاح، فنظر الفلاح فرأى سليمان عليه السلام بين السماء والأرض ومعه الحاشية، فقال الفلاح وهو بالمسحاة يخدم الأرض: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، قالوا: فارتفعت هذه الكلمة إلى الله؛ لأن سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، وأمثالها تصعد إلى الله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10] انظر كيف نسب الضمير إليه وحده، فمرت على سليمان هذه الكلمة، فقال للريح: اهبطي هنا، فهبط بجانب الفلاح، قال: يا فلان! ماذا قلت؟ قال: قلت: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، قال: والذي نفسي بيده لقولك سبحان الله أحسن مما أوتي آل داود. ويقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس -وفي لفظ- أو غربت} قالوا: وأفضل حلية حلية الشكر، تجمل الناس بالذهب ولكن أصبح بلا إيمان لعنة، واتخذوا القصور، ولبسوا الملابس الفارهة، وركبوا السيارات؛ لكن لما تجردت عن الشكر ما أصبح لها طعم، ولا لون. لبسنا حالياً من كل وشي فما سترت ملابسنا الخطايا وأحسن لباس لباس التقوى {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26].

شكر المرأة لله

شكر المرأة لله يقول بعض العلماء: إذا أرادت المرأة أن تتجمل فلتتجمل بتقوى الله، فما لبست أعظم من تقوى الله حلة، لا ذهباً ولا فضة. هل عرفت المرأة أن أعظم حلة تتحلى بها هي تقوى الله؟ هل علمت المرأة المسلمة أن حجابها وسترها، وعفافها وذكرها أعظم زينة يزينها الله بها في الدنيا والآخرة: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:90 - 89]. هل علمت المرأة أمام الموضات، وأمام الغزو، والزحف الماكر، والعدوان والحرب على المرأة، أن زينتها في حفظ عرضها ونفسها ودينها وعفافها وتربية بنيها؟ والله! إن هذه المرأة التي تتكشف وتتبرج، وتتزين للناظرين، وتعرض نفسها سلعة للعيون، وتحاول أن تقدم نفسها في صورة بهية -على زعمها- لهي من أشوه النساء في الدنيا والآخرة. إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كن الكلاب ولغن فيه أراد الإسلام أن تكون المرأة درة في صدف، وأراد الكفار والفجار والمعرضون أن تكون سلعة معروضة كاللحم عند الجزار، تراها العيون وتلمسها الأيدي، فأقول هذا بمناسبة ما هو شكر المرأة لله؟ شكرها التقوى والحجاب والعفاف، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] وهذه الجاهلية أدهى وأطم من تلك الجاهلية، من سمع في الجاهلية الأولى أن المرأة تمر على خياط في عهد أبي جهل فتقف معه وتخلو به، وتركب مع السائق الساعات الطويلة وهي متزينة متجملة متعطرة، فقدت زوجها ونسيها زوجها وغاب عنها وغاب عنها الإيمان؟ هل علم أن امرأة كانت تجوب السوق من الصباح إلى صلاة الظهر تخالط الهندوكي والسيخي والمسيحي والفاجر المعرض المتهتك؟ متى كان هذا؟ ألا إن هذا كفر بنعمة الله عز وجل، وهذا من أسباب السخط والمحق -والعياذ بالله- في الأمة، ويوم تصل المرأة إلى هذا المستوى فقد كفرت بأنعم الله، وقد جحدت معروف الله.

كيفية شكر الله

كيفية شكر الله قال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} [لقمان:12] يا لقمان! اشكر لله. يقولون: داود عليه السلام قال: يا رب! كيف أشكرك؟ ما أستطيع أن أشكرك، قال: يا داود! أتعلم أني أنا المنعم؟ قال: نعم. يا رب! قال: فقد شكرتني. ضاع فرس لـ جعفر الصادق رحمه الله قال: والله لئن وجدت فرسي؛ لأشكرن الله شكراً من أعظم ما يشكره به الشاكرون، فلما وجد الفرس وركبه قال: الحمد لله رب العالمين، قالوا: أين الشكر؟ قال: قد قلته، قلت: الحمد لله رب العالمين. ولذلك لما أراد الله أن يثني على نفسه قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [فاطر:1] وهي من أعظم الكلمات؛ حتى إن عمر رضي الله عنه مر على أعرابي في السوق فقال: يا أعرابي! كيف حالكم -ليس من القضايا المهمة أن يدري عمر ماذا حدث للبدوي هذا لكن يريد أن يسمع كلامه- قال الأعرابي: الحمد لله يا أمير المؤمنين! قال عمر: إياها أريد، يعني: أريد الكلمة أن تنطقها وأن تقولها لتكتب في ميزان حسناتك وهي من أعظم الكلمات. {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [لقمان:12] هذا تعبير القرآن وبلاغته وهذا سر بقاء القرآن، فهذه الوثيقة -المصحف- معنا ألف وخمسمائة سنة، ووثيقة ماركس اثنتان وسبعون سنة وداسها جرباتشوف بجزمته وهو من أبناء وأحفاد ماركس، لكن قرآننا يثبت عظمته، ويثبت جماله وجلاله، وبقاءه وخلوده وحفظ الله له. سمعتك يا قرآن والليل واجم سريت تهز الكون سبحان من أسرى فتحنا بك الدنيا فأشرق نورها وسرنا على الأفلاك نملؤها أجرا {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [لقمان:12] من صلَّى صلَّى لنفسه، من صام صام لنفسه، صحَّ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: يقول الله تبارك وتعالى: {يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً} والله لو كان العالم -كل العالم- على تقوى أتقى الأتقياء؛ يصلون ويصومون ويذكرون، ولم يكن فيهم رجل واحد ما زاد في ملك الله ذرة. {يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً}. {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان:12] يستغني الله عز وجل {وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن:6]. والله عز وجل هو الغني سبحانه وتعالى، لا تضره معصية العاصي ولا تنفعه طاعة الطائع، قال: ومن كفر بهذه النعم؛ فإن الله غني حميد، أي: لا يحتاج إليهم وليس في حاجتهم، وإنما تسببوا لأنفسهم بويل وخسران وبضر في الدنيا والآخرة. والآن انتهى من المقدمة؛ وعرفنا بلقمان وترجمته وحياته في آية واحدة. والقرآن لا يأتي بالحزئيات التي أشغلنا أنفسنا بها، ولد عام كذا وكذا في يوم كذا وكذا وفي ساعة كذا وكذا، وكان يأكل كذا وكذا، وكان له من الأطفال كذا وكذا، لا. فالقرآن يأتي بقضايا كلية، يوم يتكلم عن الكلب في سورة الكهف ما أتى بلونه، وبعض المفسرين يقول: لونه أسود، قال الآخرون: لا. مبرقش، قال الآخرون: لا. أحمر يميل إلى الصفرة، ما بقي إلا أن يقولوا: بنفسجي، القرآن ما عرض لهذا، بل أتى بالمقصد وسماه كلباً، ويقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً} [الكهف:22]. وقال عن الطعام والشراب: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة:259] قالوا: كان شرابه التوت، قال قوم: لا. عصير الزيتون، وقال قوم: لا. ما بقي إلا الميراندا أو الببسي، فالقرآن ما عرض لهذا ولكن أتى بقواعد كلية، فترجم للقمان في آية، ثم تكلم عن وصاياه.

وصايا لقمان لابنه

وصايا لقمان لابنه والوصايا هي الحث على خير والتحذير من شر، وأعظم وصية في الحياة الوصية بالتقوى، سئل ابن تيمية في المجلد العاشر من الفتاوى من رجل من المغرب يقول له: يا شيخ الإسلام! أوصني، قال: أما إن سألتني على الوصية فلا أعظم وصية من وصية الله للناس لمن عقلها وتدبرها: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] فهذه أعظم وصية وهي أعظم شهادة في الدنيا أن اتقوا الله. وقد وصى عليه الصلاة والسلام أصحابه بوصايا عديدة، وكان يوصي الرجل بحسب ما يراه من استعداد: {أتى رجل فقال: أوصني يا رسول الله! فإن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} حديث صحيح رواه الترمذي وغيره، ويقول عليه الصلاة والسلام عند الترمذي عن ابن عباس: {احفظ الله يحفظك -وهي من أعظم الوصايا- احفظ الله تجده تجاهك} الحديث.

التحذير من الشرك بالله

التحذير من الشرك بالله قال: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ} [لقمان:13] أي: يوصيه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] أولاً: قال: يا بني! وهذا أدب تربوي، وعليك أن تعتبر بهذا الكلام؛ أنك إذا أردت أن تدعو الناس فعليك أن تلين لهم في الخطاب، وأن تأخذهم بالمحبة وأن تأخذهم بسهولة من اللفظ ويسر من الكلام، يا بني! هذه قضية تربوية قال: يا بني! يا حبيب قلبي! يا أقرب الناس إلى روحي! لا تشرك بالله. والشرك له صور متعددة، فليس هو عبادة الصنم والحجر والوثن فقط، بل له صور، وبعض العلماء يقول: من توله بلعبة حتى قدمها على حُبِّ الله ووالى من أجلها وعادى من أجلها؛ فقد أشرك بها لقوله سبحانه وتعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23]. وأحد المفكرين كذلك يقول: الكرة تعبد من دون الله. هذه الكرة التي يلعب بها، بلغ حال بعضهم أن عبدها من دون الله، فترك الصلاة من أجلها، وأخر الصلاة من أجلها، وبعضهم يجمع من أجلها الصلاة على المدرجات الظهر والعصر، فأفتى نفسه من أجل ألا تفوته المباراة، وبعضهم إذا -وقد عرض في سؤال وأظنه معتوهاً أو أحمقاً- حان الأذان، وخاف أن يذهب إلى المسجد فيفوته الشوط والمباراة؛ فرش غترته أمام شاشة التلفزيون وقام يصلي وهو ينظر إلى المباراة! وهذا حدث، وكان يركع سريعاً ويسجد سريعاً؛ حتى يجمع بين الحسنيين، وهما حسنيين كوجهه في الحسن وكعقله ورشده، فأي حب بعد هذا الحب؟! بل بلغ بهم الولاء والبراء حتى يقول بعضهم: أنا هلالي حتى الموت، أو نصراوي حتى الموت، وهي أقرب إلى النصراني، سبحان الله! أحفاد خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب هلاليون حتى الموت! وأنا لا أهاجم الأندية لذاتها، فأنا عضو شرف في نادي الهلال، لكن يوم يسجد نادي الهلال لله، ويوم يدعو أصحابه إلى مبادئ الله، ويوم تتجه النوادي إلى الله وهم إخواننا وأبناء عمومتنا؛ لكن حينما نلتقي نحن وإياهم تحت مظلة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن صلوا وعرفوا الله، وتوضئوا وقرءوا القرآن؛ فنحن وإياهم سواء، ورسالتنا واحدة وهم دعاة. يقولون: أن رجلاً كان هلالياً وامرأته كانت نصراوية، فتبارى الفريقان فانتصر أحدهما على الآخر، فاحتدم البيت، وقام الخصام حتى طلق الرجل زوجته، إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، فأي تربية وأي ولاء هذا؟ وبعضهم ببعض اللعب تبلغ به الشغف، مثل البلوت، تجد بعضهم مسلوب الإرادة، فتجده يلعب من صلاة العشاء إلى الساعة الثانية ليلاً، لا ذكر ولا صلاة، ولا قرآن ولا تسبيح، ولا دعاء ولا تبتل، ولا طلب علم ولا تحصيل، يلعب هذه اللعبة ويهيم بها ويراها في المنام فهل بعد هذا حب؟ وهل بعد هذا ولاء؟ والله عز وجل يريد من العبد أن يعيش ذاكراً الله دائماً وأبداً: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191]. يقولون: كان شيخ الإسلام ابن تيمية لسانه لا تفتر عن ذكر الله، قالوا: نراك يا أبا العباس! ما تفتر أبداً عن ذكر الله، قال: قلبي كالسمكة، إذا خرجت السمكة من الماء ماتت، وقلبي إذا ترك الذكر مات. فانظر إلى الحب، يحبهم ويحبونه. يقول ابن القيم: ليس العجب من قوله يحبونه؛ فإنهم يحبونه لأنه منعم، لكن العجب من قوله يحبهم، خلقهم ورزقهم وأحياهم وأعطاهم ثم قال: يحبهم. فنسأل الله أن نكون وإياكم من أحبابه، ومن أقرب الناس إليه، فإنه -والله- الفوز في الدنيا والآخرة، لكل من أراد أن يكون من الصالحين الأخيار. {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان:13] بدأ أولاً بالعقيدة، وهذه المسألة كما ترى هي التي دائماً نكررها للناس، فقضيتنا الكبرى هي العقيدة، وبعض الناس يقول: لا يحتاج أن تتكلمون في العقيدة أو: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] عرفناه ونحن في الابتدائية، ولا تشغلونا بالعقيدة ويكفي، ولا والله لا يكفي، بل نتكلم عن العقيدة اليوم وأمس وغداً، وهي قضيتنا الكبرى وهي رسالة الرسل عليهم السلام، وهي أعظم القضايا على الإطلاق، فلذلك بدأ بها. والمسلم دائماً يكون حكيماً، إذا أتى إلى مجتمع أو أناس، ورآهم في شيء من الانحراف يبدأ بالعقيدة، فكيف تصحح مفاهيم الناس في السنن وهم معرضون عن العقيدة؟! إنسان يأتي إلى قوم من البادية، يدعوهم إلى تربية اللحى وتقصير الثياب، ماذا ينفعهم إذا ربوا لحاهم، وقصروا ثيابهم، وهم لا يعرفون الله بأسمائه وصفاته، ولا يعرفون عظمته ولا يعرفون كماله وجلاله؟ وماذا ينفع الملحد أن يطلق لحيته، ويقصر ثوبه، وهو زنديق قلبه كقلب الحمار؟ هذا لا ينفع. قال: {لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان:13] فالشرك أعظم ذنب عصي به الله عز وجل، والشرك وصفه الله عز وجل بأوصاف: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] فالله عز وجل جعل أعظم الذنوب الشرك. قال ابن مسعود في الصحيح: {يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وقد خلقك} وقال نوح عليه السلام لابنه: يا بني! لا تشرك بالله ولو مُزِّقت وسحقت أو كما قال. وكانت رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام عن التوحيد، وصح عنه أنه قال: {من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة} ومعنى مخلصاً من قلبه أي: يعمل بمقتضاها، أما أن يقول: لا إله إلا الله، لكن أبرد من الثلج، تخرج من لسانه لا معنى لها. يقول: لا إله إلا الله، وهو عبد للأغنية! يقول: لا إله إلا الله، وهو متعلق بالفيلم والشاشة! ويقول: لا إله إلا الله، وبيته سكنة لإبليس! يقول: لا إله إلا الله، وقلبه وثن! يقول: لا إله إلا الله، وهو كالخواجة في تصرفاته وخلقه وسلوكه! يقول: لا إله إلا الله، وهو لا يعرف من الإسلام لا رسماً ولا اسماً ولا قرآناً ولا ذكراً ولا صلاة جماعة! يقول: لا إله إلا الله، وهو يحارب الملتزمين والأخيار والأبرار وأهل الدعوة وأهل العلم! يقول: لا إله إلا الله، وهو يحبذ أن ينتصر الكافر على المؤمن! يقول: لا إله إلا الله، وهو يعجب بالكفار ويذكرهم في المجالس. ولذلك فروخ العلمانية وأذناب الماسونية دائماً ينفخون في أبواق أعداء الله أهل الحضارة القوم هنالك أهل العظمة والتصنيع أهل التكنولوجيا أما نحن فأهل الرجعية -يقول عن نفسه- وأهل التخلف والعالم الثالث، والدول النامية، ومن هذا القبيل هذا رجل مغرور بالله، وهذا رجل مخبول، وهذا رجل بعيد عن الله، فمعنى لا إله إلا الله مخلصاً من قلبك؛ أن تكون عابداً لله. سليمان الأعمش الذي ترجم له الذهبي الراوي المحدث لما حضرته الوفاة قال لابنته: يا بنية! لا تبكي عليّ فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام في الجماعة خمسين سنة، فما الحال في رجل يقول لا إله إلا الله وليس بينه وبين المسجد إلا مائة متر أو خمسين متر لكنه لا يصلي فيه! يسمع الله أكبر تدوِّي من على المنارة لكن لا يصلي في المسجد، وليس عنده عذر، هل بقي في قلبه إيمان! ماذا تنفعه لا إله إلا الله! فتجد هذا متهتكاً في الحدود. وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خال والله لو كان في قلبه إيمان لمشى في الظلام، يروى في الحديث: {بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة} كثير من الصالحين، ومن الشباب والأخيار يمشي في الثلج إلى المسجد، وفي شدة البرد القارص، الذي كالسكاكين، لكن في قلبه وقود هائل من الإيمان. والله سمعت أنا من شاب من نيجيريا -هذا الشاب من أعبد عباد الله عز وجل- يقول لي: الحمد لله ولو أنام قبل الفجر نصف ساعة فقط، ثم أسمع الأذان -ويسمعني الله عز وجل الأذان- فلا يمكن أن أبقى ولو لحظة، حتى يقول: نام مرة واقترب الأذان؛ فكأنه ما سمع الأذان، فرأى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقول: استووا استووا وعدلوا الصفوف قال: فاستيقظت مباشرة؛ لأن من استنار قلبه بنور الله أيقظ الله فطنته على تقوى من الله ورضوان.

من صور الإشراك بالله

من صور الإشراك بالله يقول: {لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] من أعظم الذنوب في الأرض الشرك، والصور الموجودة الآن التي تنتشر: الكهانة والسحر والشعوذة، وقد انتشرت كثيراً. ومن صورها كذلك الولاء للكافر والبراء من المؤمن. ومن صورها كذلك تعظيم الكفار على حساب المؤمنين. ومن صور الشرك: الاستهزاء بآيات الله، بالمصحف، بأهل الاستقامة، بالرسول صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبالمساجد وبالإسلام. ومن صوره كذلك قول بعضهم الإسلام دين رجعية، والإسلام لا يصلح أن يواكب العصر، والإسلام انتهى، وهذه {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5] هذه من المسائل.

الوصية ببر الوالدين

الوصية ببر الوالدين ثم قال: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان:14 - 15] تقوى الله والصلاة تنبي عن بر الوالدين، والذي يترك الصلاة لا تجد فيه خيراً، وبر الوالدين من أعظم الأعمال الصالحة التي نلقى بها الله، ويوم فسد بعض الجيل ووقعوا في ترك الصلوات، والسيئات والمخدرات؛ أتوا من العقوق ما لم يأت به أبو جهل ولا أبو لهب. هل تصدقون أن أحداً ضرب أمه أكثر من سبع مرات بيده وهو يدعي أنه مسلم؟ ورأينا شيخاً كبيراً في السبعين يبكي ودموعه تسيل من على لحيته يشكو من ابنه، أي إسلام بقي مع هذا؟! فالله قرن حقه بحق الوالدين: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 - 24].

الوصية بمراقبة الله

الوصية بمراقبة الله أيها المسلمون: ويستمر السياق، ويأتي لقمان عليه السلام ليقرر لابنه قضية أن الله يعلم الغيب، وأن الله يطلع على السرائر، وأن الله لا تخفى عليه خافية، وأن الله عز وجل قريب من العبد، وأن الله بعلمه سبحانه وتعالى وبشهوده وبحسابه وباطلاعه مع العبد، وهذا تقرير العقيدة وتقرير التوحيد، قال: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16] يقول: يا بني! إذا تسترت وراء الجدران فالله معك، إذا تسترت بالحيطان فالله يراك. وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الظغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني جلس صفوان بن أمية مع عمير بن وهب تحت ميزاب الكعبة في الحرم في مكة، والرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة، وكان آنذاك صفوان وعمير كافرين ومشركين بعد معركة بدر، قال صفوان: يا عمير بن وهب! أما ترى ماذا فعل محمد بنا في بدر، قتل آباءنا وإخواننا وأقاربنا فما رأيك؟ فقال عمير بن وهب: والله -أو أقسم بآلهته- لو وجدت من يقوم بأهلي وأطفالي لذهبت إليه في المدينة فقتلته. قال صفوان - وهم تحت الميزاب ما معهم إلا الله-: أنا أقوم بأهلك وأطفالك وأزواجك، الهدم هدمي والدم دمي والحياة حياتي. فأخذ عمير سيفه، فحشاه بالسم شهراً كاملاً، حتى أصبح السيف أزرق، ثم ذهب إلى المدينة، فلما دخلها دخلها بعد صلاة العصر وسيفه معه، فرأى عمر عمير بن وهب أقبل يريد المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم بين الصحابة في المسجد، وليس عند الرسول صلى الله عليه وسلم سيف ولا رمح ولا حراسة. عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] أي: يحفظك. فرأى عمر رضي الله عنه عمير بن وهب مقبلاً، فرأى في عيونه الشيطان، فأخذه عمر بتلابيبه ومحاميل سيفه بيد واحدة -وكان عمر قوياً، قوة الإيمان- وأدخله المسجد عند الرسول عليه الصلاة والسلام، فأجلسه صلى الله عليه وسلم للتحقيق: و Q يا عمير بن وهب! ماذا قدم بك؟ A قدمت لأفدي الأسارى الذين عندك، يعني آخذ بمالي الأسارى الذين أسرتهم في بدر وهذا الكلام كذب. قال عليه الصلاة والسلام: لا والذي نفسي بيده! لقد جلست في يوم كذا أنت وصفوان بن أمية تحت ميزاب الكعبة فقال لك: كذا وكذا وقلت له: كذا وكذا، أليس كذلك يا عمير؟ قال عمير: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.

دور المراقبة في إصلاح الفرد والمجتمع

دور المراقبة في إصلاح الفرد والمجتمع فعلم الغيب واطلاع الله على كل خافية قضية كبرى لا بد أن نعرفها، ونحن لو عرفناها ما كان وقع ما وقع، وما كان وجد من الشباب من أفطر في رمضان، فقد وجد من الجيل من يذهب في نهار رمضان تحت الكباري وفي الغابات والمنتزهات يأكل ويشرب في النهار، يستحي من الناس: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ} [النساء:108] يعني: نظر الناس إليه أعظم من نظر الله عز وجل، لو وجد الإيمان بأن الله مطلع على كل خافية؛ ما كان هناك خلوة بالأجنبي والأجنبية من النساء، وما كان هناك خيانة زوجية، من الرجال لنسائهم، بأن يعاشر أجنبية لا تحل له، أو تعاشر أجنبياً من دون زوجها، وتخون الله وشرع الله ولا إله إلا الله والحجاب والدين، والاحترام والخلق، وتنكر كل شيء من مبادئها، وتنسى القبر الضيق يوم تحشر فيه وحيدة، وتنسى العرض على الله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} [الأنعام:94] ما معنى هذه الآية؟ يقول: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} [لقمان:16] أصغر من البرة مثل السمسم، انظر إلى الوصف وتأمل: {إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} [لقمان:16] صخرة مقفلة وهي داخلها: {أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ} [لقمان:16] يعني ملقاة في البحر أو في البر: {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16] وهذا وصف عجيب دقيق، إذا كان مثقال سمسمة يأتي بها الله عز وجل، فكيف بمن سجلت حسناته وسيئاته في سجلات؟ {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16] انتهى من الوصايا. أولاً عرض العقيدة، وتحدث عن بر الوالدين، ثم تكلم عن الأسماء والصفات بشيء من الأفعال والاشتقاق.

الوصية بالصلاة والمحافظة عليها

الوصية بالصلاة والمحافظة عليها بعد ذلك أتى إلى العبادات، قال تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17] {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} [لقمان:17] وقضية الصلاة في حياة المسلم هي قضية الإسلام والدين، وهي أكبر قضية بعد التوحيد، نادى بها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما بلغ الجيل مبلغ ترك الصلاة إلا يوم دخلوا في باب الكفر، ودخلوا الإلحاد والزندقة. وقضية أن يترك الإنسان الصلاة معناها أنه يكفر، إلا أن يعود إلى الإسلام، ومعناها أنه كتب على نفسه أنه مرتد، وأحل دمه للسيف، وعرضه وماله، يقول عليه الصلاة والسلام: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} ويقول: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} وهي أحاديث صحيحة، ويقول في الصحيح: {والذي نفسي بيده! لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار} نعوذ بالله من النار. ترك الصلاة كفر، وما أظن مسلماً يظن أنه بقي معه ذرة من إيمان ويترك الصلاة، ووالله! ما يدري الإنسان ويتعجب كيف يبلغ بالإنسان مبلغاً أن يسمع بالرسول عليه الصلاة والسلام والقرآن وقيام الساعة ولقاء الله عز وجل والجنة والنار والصراط والميزان ثم يترك فريضة واحدة؟! كيف يستطيع؟ هل يعيش مطمئناً؟ هل يستطيع أن يأكل ويشرب وهو يعلم -مثلاً- أنه ما صلى المغرب، وأنه تركها قطعاً؟! ماذا ينتظر هذا إلا أن تنزل عليه صاعقة تلعنه وتخزيه من السماء؟! أعوذ بالله من الخذلان والخسار. {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} [لقمان:17] وهي زاد الداعية وزاد المسلم {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:45 - 46]. فقضية الصلاة هي زاد المسلم في الحياة، كان يقول عليه الصلاة والسلام إذا اهتم واغتم: {أرحنا بها يا بلال} {وكانت قرة عينه في الصلاة} ذكر عمر الصلاة وهو في سكرات الموت فقال: [[الصلاة الصلاة! لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة]].

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان:17] ميزتنا نحن عسكريون ومدنيون، كباراً وصغاراً رجالاً وإناثاً، أنا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ويوم يبلغ بالإنسان أن يموت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قلبه يتبلد إحساسه ويصبح كالبهيمة، ويموت تماماً، والذي تموت الغيرة في قلبه معناه أنه ليس عنده لله وقار ولا مكانة، قال سبحانه وتعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79] والله يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. الأمر بالمعروف واجب عليّ وعليك، فليس هناك هيئة خاصة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس هناك فئة أو كيان يجب عليها وحدها فقط أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أنا وأنت جميعاً إن لم نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؛ فإنا معرضون لغضب الله وسخطه وعذابه. الرجل في بيته، والمرأة في بيتها، والأستاذ في مدرسته، وكذلك العامل والموظف والفلاح والتاجر إنها رسالتنا، لكن انظر إلى واقعنا يوم تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أصبح أهل المعصية أكثر، وأصبحت لهم الصولة والجولة، وأصبحت لهم المكانة، وأصبح الإنسان ما يستحي أن يعرض بضاعته من اللهو واللغو. بالله عليكم في عهد السلف الصالح، هل يستطيع أحد أن يأتي بأدوات الغناء على مستواهم القديم في المدينة المنورة في جانب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبيعها ويعرضها للناس، هل يستطيع أحد أن يفتح مكاناً ويحلق لحى المسلمين، يقول أحد الدعاة: رأيت صالون حلاقة اسمه صالون النشامى، والنشامى هؤلاء معناهم الأبطال، يعني: حلق لحى النشامى، هؤلاء كم هم أبطال، وكم هم أخيار، وكم فيهم من الرجولة هؤلاء النشامى الذين جعلوا لحاهم تحت الأقدام! ويقول: رأى في صالون آخر صالون اللحية الغانمة، ولعلكم تسمعونها في شريط أطب مطعمك، يقول: صالون اللحية الغانمة، ما لها من لحية ليس فيها من الغنم شيء! وإنها -والله- بعيدة من الله. إنما أقول: سُكِتَ عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحن نقول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللين وبالحكمة وبالموعظة الحسنة وبالكلمة المؤداة. تصور لو أن عاص من العصاة كصاحب من يروج الأغاني يمر عليه عشرون أو ثلاثون مني ومنك ومن الناس يقولون: اتق الله، الغناء حرام فقط، ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس إلى أن يبلغ العدد عشرين في يوم؛ أما يعود في البيت ويسأل نفسه ويقول: عشرون أو ثلاثون مروا عليّ اليوم كل يقول: اتق الله اترك الغناء، أجل حدث شيء، والناس كلهم يخالفوني إذاً أتوب إلى الله. ولكن نرى المعاصي واستمرأناها، وآكلناهم وشاربناهم وجالسناهم وأصبحت هذه من الخفيفة، حتى إذا نهيت عن بعض الأمور؛ كأن ترى الإنسان يشرب باليسرى فتقول: لا تشرب باليسرى، فيقول لك زميلك: يا أخي! أولاً: خلِّ حالك في شأنك، الأمر الثاني: نفسك نفسك، ثالثاً: يا أخي! ما تعرفون دائماً إلا الشرب والأكل بالشمال واليمين، كلها واحدة والأمر فيه سعة. وإذا قلت له في اللحية قال: ما تعرفون إلا اللحى دائماً وتقصير الثياب والقضية أكبر من تقصير الثياب، فالقضية قضية إسلام، حتى يضيع الدين ويصبح مقطعاً ممزقاً بين يدي هؤلاء الذين لا يعرفون سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يتصوروا الإسلام. ويقول بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] وهذا فيه حرارة يقول: أقسمت أن أوردها حرة وقاحة تحت غلام وقاح إذا سألت الله في كل ما أملته نلت المنى والنجاح معناه أنه يذوق حرارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: واصبر على ما أصابك، سوف تضرب أو تؤذى أو تسب، أو تجرح، فاصبر على ما أصابك.

صور من حياة السلف في الأمر بالمعروف

صور من حياة السلف في الأمر بالمعروف كان أحد الصالحين -ترجم له الذهبي - يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قال: فيضربونه في بغداد حتى يغمى عليه، فيرشونه بالماء فيستفيق فيقول: وعزتك وجلالك لآمرن بالمعروف وأنهى عن المنكر، نعم. محمد صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر رموه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الشريفتين ولسان حاله يقول: إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم إن كان هذا يرضيك فأهلاً وسهلاً بالجرح، وأهلاً وسهلاً بالضرب، حتى لما جرحت إصبعه عليه الصلاة والسلام قال: هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت يقول: الأمر سهل في سبيل الله، وفي طاعة الله وفي مرضاة الله سبحانه وتعالى، وقصص الآمرين بالمعروف كثير منهم النابلسي عالم من علماء المسلمين، محدث كبير ترجم له أهل العلم، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، كان إذا وقف في الصلاة فكأنه سارية، كان يخرج ومعه سكين في جيبه، فإذا رأى جرار الخمر شققها، لكن هذا إذا كان التغير باليد لمصلحة أعظم، أما إذا علمت أنك لو غيرت بيدك؛ كانت المفسدة أعظم فلا يجوز لك أن تغير بيدك؛ لأنك سوف تجر مفسدة أعظم من ذلك. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان} فهو على مستويات بقدر المصلحة. والتغيير باليد مهمة السلطة التنفيذية. فكان هذا العالم - النابلسي - يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان يؤدب ويحلق رءوس المبتدعة من غلاة الصوفية الذين يخالفون السنة، أتى مرة في مجلس الحديث فسأله سائل عن الحكام الفاطميين، والحكام الفاطميين أكثرهم زنادقة، كـ الحاكم بأمر الله الذي كان زنديقاً ملحداً، فكان إذا خرج إلى السوق سجد له الناس، فقالوا للنابلسي: ماذا ترى في الحكام الفاطميين؟ وهو في القاهرة لأن النابلسي كان في القاهرة، والحاكم موجود في القاهرة وهو يدرس الحديث في المسجد، قال النابلسي: من كان عنده عشرة أسهم فليرم النصارى بسهم واحد، وليرم الفاطميين بتسعة أسهم، وبلغت السلطان الكلمة بعد صلاة العشاء مباشرة بعد الدرس، وأرسل إليه الجنود، فقالوا: قم يريدك السلطان، فعرف أنه من أجل الكلمة فتبسم وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، معناها: أنني بعت نفسي من قبل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة:111]. ووصل إلى السلطان، وكانت الكلمة قد بلغت السلطان خطأ، قال النابلسي: إن من كان عنده عشرة أسهم فليرم النصارى بسهم وليرم الفاطميين بتسعة، فبلغت السلطان: إن من كان عنده عشرة أسهم فليرم النصارى بتسعة وليرم الفاطميين بسهم واحد، وهذه أسهل من الأولى، فقال له الحاكم بأمر الله -عليه غضب الله فهو ملحد زنديق-: يا نابلسي! قال: نعم. قال: أنت الذي يقول قبل العشاء في مجلس الدرس: من كان عنده عشرة أسهم فليرمنا بسهم واحد وليرم النصارى بتسعة أسهم، قال: لا. الفتوى خطأ، قال: كيف؟ قال: قلت: من كان عنده عشرة أسهم فليرمكم بتسعة وليرمِ النصارى بسهم. فسلط يهودياً عليه وقال له: اسلخ جلده كما تسلخ الشاة قبل أن تذبحه، فنكسه وعلقه بأرجله في الشمس. ومما يروى أنه وُجد من يظلله كرامة من كرامات الأولياء. ولما بلغ اليهودي سلخ جلده إلى القلب رحمه اليهودي! فطعنه بالسكين في قلبه فمات، وكان يتبسم وهو يسبح، يقولون: كان منكوساً ودمه يقطر وهو يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وهذا من أعظم ما يكون عند مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو واجب على كل مسلم ما دام حياً في عقله وفي إدراكه أن يأمر بحسب استطاعته: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17].

الوصية بلزوم الأدب والأخلاق

الوصية بلزوم الأدب والأخلاق الآن ينتقل إلى السلوك والأدب، قال تعالى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:18] لا تصعر خدك للناس، والصعر داء يصيب الجمل في عنقه فيصبح مصعوراً دائماً يمشي كذا، ولذلك المتكبر تجده كالطاوس، يقولون: أحمق الناس المتكبر، فهو يرى الناس لا شيء، وهو أتفه الناس لديهم، فهو يتعالى على الناس ولكن الله يقول: اخسأ لن تعدو قدرك، ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه، وجزاء المتكبر أن يحشر يوم القيامة في صورة الذر؛ يطأه الناس بأقدامهم يوم العرض الأكبر، فهو سمين بدين كبير لكن يأتي في صورة الذرة؛ لأنه تضخم في الدنيا فصغره الله وحجمه يوم العرض الأكبر. من صفات المتكبرين أنه يحب أن يتحدث مع الناس دائماً في الطريق، فلا يحب أن يمشي وحده، ودائماً تجده يتكلم ولو كان كلاماً لا نفع فيه، لكن يحدث الذي عن يمينه، والذي عن يساره ويشير بيده. ومنها كذلك أنه لا يجود بالسلام، بل دائماً ينتظر منك أن تسلم عليه؛ لأنه يرى نفسه في رتبة عالية، كيف أسلم على هؤلاء الجنود وأنا أعلى مستوى؟! فتجده لا يبذل السلام، وتجده إذا دخلت في مكتبه يعطيك رءوس أصابعه، كأنه يقطر عليك السلام بالقطارة، ولا يمزح إلا مع مثله أو أعلى منه؛ لأنه يقول: إذا مزحت قلَّت هيبتي، ومحمد صلى الله عليه وسلم مازح الأطفال، ومازح العجائز عليه الصلاة والسلام، وما زاده الله إلا رفعة. ومن صفات المتكبر: أنه غضبان دائماً بدون شيء، فتجده إذا خرج من بيته كأن زوجته ضربته على وجهه، فدائماً غضبان بدون سبب، لكن غضب الكبر، يقول: وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أوردوا غصباً إلى النار هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري وهؤلاء أولياء الله وأحباب الله. ومن صفات المتكبر أنه يستخدم دائماً: أنا وفعلت وقلت وراجعت ودخلت وخرجت، ويترجم لنفسه في المجالس دائماً، فيكون أمقت الناس عند الله عز وجل وأبعدهم من الله. {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} [لقمان:18] فالخطر بالأيادي، ونفخ الصدر، والصعر بالوجه كلها من علامة المتكبرين. {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:18 - 19] يعني: امش قصداً إلى حاجتك وبتؤدة وسكينة {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63]. ثم قال: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان:19] لا ترفع صوتك فوق اللازم، فهذا هو أدب القرآن، فيتدخل القرآن حتى في قضية تنظيم الصوت، لأن الواثق من نفسه يتكلم بهدوء، والمسلم عاقل رشيد في ألفاظه، تجد الآن أبعد الناس عن الطاعة والمسجد ليس عندهم عقول، فينادي زميله في الشارع فتسمعه من وراء كيلو مترات عدة، أو تراه يصفر لزميله تصفيراً، ولكن لو كان ملتزماً لما عمل ذلك. وتجد بعضهم يلعن زميله قبل أن يلقاه وقبل أن يسلم عليه، ويصيح صياحاً، وقد قال تعالى: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19]. يقول: يا بني! لا تفعل هذه الأفعال، يا بني! حياة الإيمان أعظم، يا بني! المؤمن منظم في الحياة، يا بني! هناك آداب لا بد أن تسلكها. فلا إله إلا الله ما أعظمها من وصايا! بدأ بالعقيدة والعبادة وبر الوالدين ثم العبادة ثم الأخلاق والسلوك، فهل لنا أن نعود من هنا فنتدبر هذه الآيات، ونعيد قراءتها في التفسير، كـ تفسير ابن كثير، ونجعلها قضيتنا الكبرى حتى نطبقها في واقعنا وحياتنا لنعيش حياة السعادة، وحياة الإيمان: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:9 - 10]. فالحمد لله أولاً وآخراً، وسراً وجهراً، والحمد لله ليلاً ونهارا، ً الحمد لله الذي جمعنا بكم، والحمد لله الذي جعلنا نتكلم عن الإيمان، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

الصرخة الأخيرة

الصرخة الأخيرة اليهود أعداء الله أعداء الرسل والأنبياء أعداء التاريخ أعداء القيم والأخلاق الفاضلة وفي هذه المادة عرض سريع لتاريخهم الأسود مع الله عز وجل ومع الأنبياء وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

اليهود أهل مكر وغدر

اليهود أهل مكر وغدر الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيءٍ فقدره تقديراً. وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.

اليهود يدسون السم للنبي صلى الله عليه وسلم

اليهود يدسون السم للنبي صلى الله عليه وسلم أيها الناس: انتهى صلى الله عليه وسلم من خيبر بعد أن طوقها، يوم خان أهلها، ونقضوا الميثاق، وأساءوا المعاملة، وتجرءوا على العهود، انتهى من حصار خيبر منتصراً فاتحاً، وكان جائعاً -بأبي هو وأمي- جائعٌ وجبال الدنيا تعرض عليه ذهباً وفضة، جائعٌ والقناطير المقنطرة توزع على يديه لفقراء المسلمين، احمر وجهه من الجوع، وقد فتح الخزائن، وفتح القناطير المقنطرة، فأتته امرأة من اليهود ودعته إلى طعام، وهو أكثر الناس بل إمامهم في التواضع، يقول: {لو دُعيتُ إلى كراعٍ لأجبت، ولو أهدي إلي كراع لقبلت}. دعته لطعام -حكمة من الله ليظهر الله أستارهم، وليهتك أسرارهم، وليظهر عوارهم- فأجاب معه ستة من الصحابة، وقدمت له اليهودية شاةً مصلية مشوية، وقالت: تفضل كل، وقد سألت الناس: أي عضوٍ من الشاة يعجبه أن يأكل؟ قالوا: يأكل الذراع، فحشت الذراع سماً أزرق حتى أصبح سماً زعافاً لا يُطاق، فأقبل عليه الصلاة والسلام يأكل ليتألف قلبها وهو القريب السهل المتواضع، الذي عطف الله عليه الأرواح وجمع عليه الأنفس، رفع الذراع، ولاكه بأسنانه، ووضع فمه الطاهر الشريف على الذراع، ولما أصبح ذراع الشاة في فمه؛ أنطق الله ذراع الشاة بإذنه وقدرته، فقال الذراع: يا رسول الله! لا تأكلني أنا مسمومة سمتني اليهودية لتقتلك، فلفظه ورماه. يا ألله! محمدٌ يقتل؟! محمدٌ يغتال؟! محمدٌ تدبر له مجزرة؛ لترتكب أعظم مقتلة في تاريخ الناس، وأعظم جريمة في مسيرة البشرية، وأعظم غيلةٍ في تاريخ الكون؟ إذا قتل محمد؛ فلتمت العدالة، ولينته السلام، ولتقتل الحرية، وليكفن التاريخ، وليدفن الدهر، قال الذراع: لا تأكلني يا رسول الله! سمتني اليهودية، فرمى بالذراع، ولكن السم سرى في جسمه بأبي هو وأمي؛ ليرزقه الله مع النبوة الشهادة، ليكون سيد الأنبياء والشهداء، وإمام الأولياء، ورسول من خلق الأرض والسماء، جُمعت له المحاسن: هذا الذي جاء والأبحار مالحةٌ فمز فيها فصار الماء كالعسلِ هذا الذي ردَّ عيناً بعدما فقئت وريقه قد شفى عين الإمام علي من الذي دبر له المقتلة، والمجزرة، والغيلة؟ إنهم الذين يقتلون شيوخنا في فلسطين. إنهم الذين يبقرون بطون النساء في فلسطين. إنهم الذين يهدمون مساجدنا في فلسطين. قتلة الأنبياء.

اليهود يسبون الله ويقتلون الأنبياء

اليهود يسبون الله ويقتلون الأنبياء ماذا قالوا عن الباري جلَّ في علاه، الذي تفرد بالجمال والكمال والجلال، الغني؟ يقولون: فقير! الغني فقير! يقولون عن الواحد الأحد: فقير! أوحى الله لموسى فقال: يا موسى! قل لبني إسرائيل: أفقيرٌ أنا وأنا أغنيت من في السماوات والأرض؟! أفقيرٌ أنا وأنا أطعمت الكائنات، وأنا أطعمت المخلوقات؟! أفقيرٌ أنا -يا موسى- ويدي سحاء الليل والنهار؟! أرأيت ما أنفقت من يوم خلقت السماء والأرض فإنها لم تنقص مما في يميني. يقول كما في الحديث القدسي: {يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وأنسكم وجنكم، قاموا في صعيدٍ واحد فسألوني فأعطيت كل واحدٍ مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر}. واليهود يقولون: الله فقير! اسمع رد القرآن قال: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} [آل عمران:181] الحمد لله فقد سمع الله، ويكفي أنه سجل عليهم أنه سمع، وشهد، يكفي سمعنا كلامهم، وسجلناه عندنا وعرفناه: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181] ما هو الرد؟ {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [آل عمران:181] والله! وعزة الله! وكلمات الله! إنها تسجل عليهم لتحفظ في يومٍ ليس فيه شفيع ولا خلة ولا نصير ولا مولى. ثم قال سبحانه وأدهى من ذلك، وأعتى، وأطغى، وأظلم: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ} [آل عمران:181] وهذا سحب ملفات الماضي، يقول: أدهى وأعتى وأجور وأطغى وأظلم وأبطش: {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ} [آل عمران:181]. ألم يدبروا لقتل لمحمد صلى الله عليه وسلم وقتلوا أربعمائة نبي، على رأسهم زكريا ويحيى، شدخوا رءوسهم، وقتلوهم، ونشروهم، وسفكوا دماءهم؟ الأنبياء يقتلون؟! {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ} [آل عمران:181]. هم الذين دبروا المكيدة. ثم قال سبحانه وتعالى: {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران:181 - 182] ثم التفت القرآن إليهم: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ} [آل عمران:183] قال سبحانه وتعالى: {فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:183] إن كنتم صادقين أنكم لا تتبعون إلا أنبياءكم فلمَ قتلتموهم؟!

اليهود يشهدون زورا

اليهود يشهدون زوراً أتى مجرمٌ من يهود المدينة ووصل مكة -ومحمدٌ عليه الصلاة والسلام في المدينة - ليؤدي أظلم شهادة في التاريخ، فاستقبله الوثنيون المشركون الذين أخرجوا محمداً عليه الصلاة والسلام من مكة، الذين طاردوه، وشردوه، وآذوه، وسبوه، وشتموه، وقاتلوه، وحاربوه، استقبل المجرم كعب بن الأشرف، فلما رأوه ألبسوه برداً -ألبسه الله النار والخزي- ثم استقبله كفار مكة في مجلسٍ كبيرٍ حاشد ليؤدي أظلم وأطغى وأبغى شهادة في التاريخ، قالوا: يا كعب! عندك علم التوراة، أنت عندك علم ليس عندنا -فهم أميون عرب لا يقرءون وليس عندهم كتب- نسألك يا كعب! بالذي شق البحر لموسى وأنجاه من فرعون هل أرسل الله محمداً رسولاً؟ هذا السؤال الأول. السؤال الثاني: نسألك يا كعب بن الأشرف! بالذي شق البحر لموسى ونجاه من فرعون هل نحن أهدى سبيلاً أم محمد؟ اسمع الجواب، اسمع الخونة أهل الغدر والخيانة ونقض المواثيق. قال: ما دام أنكم سألتموني بالتوراة وبالذي شق البحر لموسى وبالذي أنجى موسى من فرعون -يعني: متحرج بلغت عنده الأمانة والذمة والورع المنتهى- ما أنزل الله على بشرٍ من شيء، قال: حتى موسى ما أتاه وحي، ولا غيره ولا سواه ولا قبله ولا بعده. وأما أنتم فأشهد أنكم أهدى من محمد سبيلاً. فأتى القرآن ليرد عليه، لا مفاوضات، لا حوار، لا جدل منطقي، لا استدراج، لا نتيجة لا مقدمة لا خاتمة، قال سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [النساء:50] أبو جهل الوثني النجس النذل المشرك؛ أهدى من محمد الطاهر العادل البار؟! محمد المعصوم، المنزل عليه جبريل، المذكور في التوراة والإنجيل، صاحب الغرة والتحجيل أزكى منه أبو جهل؟! يا وثن يا ملعون! اسمع رد القرآن قال: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [النساء:50] لا مفاوضات يقول سبحانه: لأنه لم يستدرجه في جدال، ولا برهان، ولا دليل، قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [النساء:52] أنت ملعون أصلاً، لا تستحق أن يسمع منك، ولا تفاوض، ولا يقال لك: أين التوراة؟ أين الإنجيل؟ يكفي أنك ملعون؛ لأنك قدمت شهادة آثمة يدوسها التاريخ بقدمه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء:52]. هؤلاء هم أبناء أولئك السلالة، والفصيلة، والنوع، قتلة الأنبياء الذين سبوا الواحد الأحد.

اليهود يتهمون الله بالبخل

اليهود يتهمون الله بالبخل أتوا إلى من خلق السماوات والأرض، إلى العادل جلَّ في علاه الذي خلق العدل، فقالوا: يد الله بخيلة، لا ينفق كثيراً على الناس، فقال سبحانه يرد عليهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] يعني: بخيلة. انتهت الشبهة بإيجاز، ذكر كلامهم للتاريخ وللدهر وللبشرية، يحفظه من يحفظه، ويعلمه من يعلمه، ويجهله من يجهله، التاريخ المفضوح المعروض للناس؛ تاريخ اليهود، قال سبحانه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] هم قالوا: يدٌ واحدة، والله له يدان اثنتان كلتاهما يمين، سحاء بالخير الليل والنهار، وكان الرد من الله فقال: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64].

تأديب القرآن لليهود

تأديب القرآن لليهود ثم أدب القرآن اليهود في أكثر من موطن، يبين لنا أفعالهم وشنيع تصرفاتهم، ويعرض تاريخهم الكائد المكشوف، قال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:91] يا كعب! يا كاذب! يا مفتري ما أنزل الله على بشرٍ من شيء؟!! قال سبحانه: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} [الأنعام:91] التوراة التي في يدك تتأكل بها، وتزور على الناس، وتخادع البشر: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً} [الأنعام:91] هذا صنيعهم في فجر تاريخ الإسلام مع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.

اليهود يغدرون بالنبي صلى الله عليه وسلم

اليهود يغدرون بالنبي صلى الله عليه وسلم دعوه وقالوا: نتفاوض معك يا محمد! ولا ينادونه بالرسالة تكبراً وبغياً وحسداً، يقرءون في التوراة اسمه، ورسمه، وصفته، وقالوا للأنصار: سوف يبعث لكم عربيٌ من مكة رسولٌ من عند الله؛ فلما رأوه عرفوا الصفة بالمكتوب، والصوت بالصورة، والمقروء بالمشاهد، قالوا: لا. اختلف الوصف، قال سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89] بعدما وصفتم وبشرتم وأخبرتم؛ كفرتم؟! هذا هو محمد عليه الصلاة والسلام، دعوه للمفاوضة وذهب عليه الصلاة والسلام، ولم يأخذ حرساً، ولا موكباً، ولا خدماً، ولا حشماً، ولا جنوداً، ولا بنوداً. رعاية الله أغنت عن مضاعفةٍ من الدروع وعن عالٍ من الأطم ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحمِ كأنه وهو فردٌ من جلالته في موكبٍ حين تلقاه وفي حشمِ وقد كان يحرس من الناس فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] لا تتخذ حرساً، لا يحميك إلا الله، لا تتخذ جنوداً، ولا موكباً، عناية الله تكفيك، ورعاية الله معك، والله يحوطك بعيني رعايته، فلا تتخذ أمامك ولا خلفك ولا معك من يحوطك، يحفظك الله فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين. وانطلق بلا حراسة، تعرض لعشر محاولات اغتيال ونجا منها بأعجوبه، فبقي معلماً حتى أدى الرسالة. فوصل اليهود معه ثلاثة، قالوا: تعال إلى الظل يا أبا القاسم! الخونة يظللونه من الشمس! فقربوه من الجدار فجلس موكلاً أمره إلى الباري، مفوضاً أمره إلى الواحد الأحد، القوي العزيز، المطلع على السرائر، الواحد الأحد: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65] أوكل أمره إلى الله: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [غافر:44 - 45] حسبنا الله ونعم الوكيل هي كلمة محمد صلى الله عليه وسلم، جلس ولسان الحال يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، والمكيدة تُجرى على السطح، فقربوا صخرة ضخمة يدفعها أربعة منهم وقربوه من الظل، ليسقطوا الصخرة من على الجدار على رأسه، يقتل من؟ أزعيم؟! أفضل الزعماء. أعالم؟ معلم العلماء. أصالح؟ سيد الصالحين، يقتل! فقربوا الصخرة وبقي ثوانٍ لتسقط على رأسه الشريف؛ لتنتهي هذه النفس الطاهرة وهذه الروح العامرة ويقتل محمد ليبكي التاريخ، ويندب الدهر، وترثي الدنيا كل الدنيا، ثوانٍ وإذا بالوحي من السماء، قم قم، اذهب اذهب، اخرج اخرج، الموت أقبل منك، يدبرون قتلك، فوثب عليه الصلاة والسلام، وتأخر عن الظل وعن الجدار فوقعت الصخرة مكانه، فدعاهم: يا أعداء الله! وجهز جيشه لبني النضير واستلمهم صلى الله عليه وسلم وأذلهم.

إن تنصروا الله ينصركم

إن تنصروا الله ينصركم وهاهم الآن يكررون تلك الأفعال الشنيعة، لكن هناك كان يقابلهم رجال، قابلناهم بسيد الخلق عليه الصلاة والسلام، بأطهر من خلق الله، وأشجع من برأ الله، وأعدل من أوجد الله، وواجهناهم بـ عمر، أعدل البرية في عهده، الذي هز الدنيا بقميصه المرقع، الذي قرقر بطنه على المنبر من الجوع عام الرمادة فقال: [[قرقر أو لا تقرقر والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]] أيا عمر الفاروق هل لك عودةٌ فإن جيوش الروم تنهى وتأمرُ رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ دخل بيت المقدس بثوبه الممزق، فقال له الصحابة: البس يا أمير المؤمنين؟ أين خدمك؟ أين حشمك؟ أين موكبك؟ فهز إصبعه، وقال: [[نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]] واستلم المفاتيح. تعود لنا المقدس إذا عدنا إلى رب المقدس، إلى من أوجد بيت المقدس، تعود لنا فلسطين إذا مرغنا لرب العالمين أنوفنا في الطين. وأتى صلاح الدين ليقود الأمة، من هو صلاح الدين؟ ما هي بطاقته الشخصية؟ ما هو حسبه؟ ما نسبه؟ مسلمٌ، عبدٌ لله، ولي من الأكراد: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] من نصر الله؛ نصره الله، حبشياً، هندياً، تركياً، فارسياً، تركمانياً، أي بشرٍ وجنسٍ ينصر الواحد الأحد ينصره الله. أبو لهب القرشي الهاشمي في النار، وبلال العبد الحبشي في الجنة. ولا تحسب الأنساب تنجيك من لظىً ولو كنت من قيسٍ وعبد مدانِ أبو لهب في النار وهو ابن هاشمٍ وسلمان في الفردوس من خراسان صلاح الدين من أي بيت؟ من بيت امرأة تحفظ القرآن. يا نساء المسلمين! أين من حفظت ابنها القرآن؟ أين من علمت ابنها السنة؟ أين من ردعت عيون ابنها عن المقت والرذيلة والخنا والزور؟ أين من سكبت الطهر في أرواح أبنائها ليخرجوا لنا نسخاً مكررة من صلاح الدين؟ حفظ صلاح الدين الأيوبي الكردي القرآن، وحافظ على تكبيرة الإحرام، لم تفته تكبيرة الإحرام في حياته، كان يقوم الثلث الأخير ويدعو الواحد الأحد: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] النصر من عند الله، وكان يقرأ الموطأ، وكان محدثاً مهتدياً فنصره الواحد الأحد، ورد بيت المقدس. فإن بقينا على ذنوبنا وخطايانا وإسرافنا مع ربنا؛ فسوف ينشئ الله نشئاً آخر، وجيلاً آخر، متوضئاً، صالحاً، طاهراً، تالياً لكتاب الله، ليعيد لنا بيت المقدس، أما أن نأتي بعقائد هشة، وبولاءٍ منقوص، وبعدم ثقة في الباري وتفويض إليه واتباعٍ لرسوله؛ فأنَّى هذا: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] أمتي! أمة الإسلام! أمة محمد عليه الصلاة والسلام! أمتي! أمة القرآن! أتلقاك وطرفي حاسرٌ أسفاً من أمسك المنصرمِ كيف أغفيت على الظلم ولم تنفضي عنك غبار التهم ألإسرائيل تعلو رايةٌ في حمى المهد وظل الحرمِ أوما كنت إذا البغي اعتدى موجةً من لهبٍ أو من دمِ اللهم أعد لنا أمجادنا، وارفع أعلامنا، وسدد سهامنا، وثبت أقدامنا، ورد فلسطين محررةً إسلامية، ورد لنا المسجد الأقصى كريماً معززاً من يدِ يهود. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

اليهود قوم بهت

اليهود قوم بهت الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكرا، أحمده حمداً لا ينتهي، وأصلي على النبي المعصوم، هادي البشرية، ومهدم كيان الوثنية، وعلى آله وصحبه ومن سار على منهجه إلى يوم الدين. دخل عليه الصلاة والسلام المدينة، أقبل فاتحاً، طرد من مكة شريداً. يا طريداً ملأ الدنيا اسمه وغدا لحناً على كل الشفاه وغدت سيرته أسطورةً يتلقاها رواة عن رواه هل درت من طاردته أمةٌ هبلٌ معبودها شاهت وشاه طُرد وحيداً فريداً فقيراً فأسس دولةً في المدينة ملأت السماوات والأرض.

عبد الله بن سلام يعلن إسلامه

عبد الله بن سلام يعلن إسلامه واسمعوا إلى رجلٍ من اليهود يروي أول يومٍ وصل فيه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، وهو عبد الله بن سلام رضي الله عنه؛ لأنه أسلم وآمن بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام، وبشر بالجنة، وهو الذي شهد شاهدٌ من أهلها، يقول سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف:10] شهد منكم شاهد، صاحب التوراة، قارئكم وعالمكم عبد الله بن سلام، شهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق، كيف استكبرتم! كيف طغيتم! كيف بغيتم! كيف كذبتم! قال: كنت في السوق فإذا برجلٍ يصيح في السوق: يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، فانقلب السوق بما فيه. من الذي تكلم؟ أفصح من تكلم. من الذي خطب؟ أفصح من خطب. من الذي تحدث؟ أعدل من تحدث. انقلب السوق، كان إذا تكلم عليه الصلاة والسلام توقفت القلوب، وسالت الدموع، وهاجت الأرواح، واشتعلت الأنفس. وإذا خطبت فللمنابر هزةٌ تعرو الندي وللقلوب بكاءُ قال: {أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله} هذا هو فجر التاريخ، هذا هو إمام الإنسانية، انقلب السوق، ترك صاحب البضاعة بضاعته، وصاحب السمن سمنه، وبائع الغنم غنمه، وبائع الجمال جماله، والجزار جزارته، والنجار نجارته، والبزاز بزه، وأقبلوا زرافات ووحداناً، سعوا إليه وهو معتلٍ في السوق كأنه سيفٌ مسلول أو علم منصوب، أو بدر في كبد السماء، فاقتربوا، قال ابن سلام رضي الله عنه وأرضاه يوم أراد الله أن يهديه: فاقتربت معهم، وزاحمت فنظرت إلى وجهه أولاً فإذا هو ليس بوجه كذاب، بل وجه صادق، تعرف الصادق من وجهه، وعباراته، وكلماته، وخطراته، وسكناته، ولحظاته، فنظرت إلى وجهه فرأيت النور البهجة الإشراق الصدق العدل وجهه يملأ المكان نوراً. وجهه يملأ الأرواح سروراً. وجهه يملأ الأنفس حبوراً. وجهه فقط يهتدى به. يقول عمه أبو طالب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأراملِ يكفيك شاهد أن تنظر في وجهه، حتى يقول ابن رواحة: لو لم تكن فيه آياتٌ مبينةٌ لكان منظره ينبئك بالخبرِ لا تطلب أدلة، لا تطلب براهين، انظر إلى وجهه، فقط صعِّد نظرك في هذه البسمات، والقسمات، والرسمات؛ لترى النور يفاجئك ويدخل قلبك. قال: فنظرت إلى وجهه فإذا هو ليس بوجه كذاب، ثم تكلم عليه الصلاة والسلام فقال: {أيها الناس! أطعموا الطعام، وصلوا الأرحام -اسمع الكلمات والدرر والجواهر وكان اليهود يسمعون مع المسلمين- وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام} فقام عبد الله بن سلام فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فسأله من أين أنت؟ قال: من اليهود، فتعجب عليه الصلاة والسلام ورحب به وحياه، وأخبره بما أنزل الله عليه، وما ذكر الله من أخبار موسى، فإذا الرسالة نفس الرسالة، وإذا المعنى هو المعنى، وإذا الدليل هو الدليل.

موقف اليهود من ابن سلام

موقف اليهود من ابن سلام قال: يا رسول الله! إن اليهود قوم بهت -يبهتون، يخونون، يغدرون، أهل زور، أهل كذب، لا تخبرهم أني أسلمت، لكن ادعهم -يا رسول الله- إلى بيتك أو إلى المشربة، واجعلني خلفك في غرفة واسألهم عني، ثم أخرج وأقول: أسلمت، واسمع ماذا يقولون، فأخذه ووضعه في غرفة وأغلق عليه، ثم دعا من اليهود عشرة من أحبارهم، ومن دجاجلتهم، من الذين يتأكلون بالتوراة، المزورين على الله ثم التاريخ، قال: كيف عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وعالمنا وابن عالمنا، وحبرنا وابن حبرنا، وسيدنا وابن سيدنا. فقيههم وعالمهم هو عبد الله بن سلام، وهؤلاء عشرة قد شهدوا، فقال صلى الله عليه وسلم: كيف لو أسلم؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك -يقولون: حماه الله من أن يسلم لك، أو يصدقك، أو يتبعك- قال: اخرج إليهم، فخرج وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. قالوا: شرنا وابن شرنا، وخبيثنا وابن خبيثنا، وكاذبنا وابن كاذبنا، قال سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف:10] هذا هو الشاهد، فلم لا تسلموا؟! عرف الحق وهو عالمكم، فلم لا تتبعون الحق؟ فما المعنى؟ المعنى أننا نجابه قوماً سبوا الواحد الأحد، وقتلوا الأنبياء، وكفروا بالشرائع، واغتالوا الحق، وحاربوا العدل في الأرض، فليس لنا معهم إلا أن نعود إلى الله ونفوض أمرنا إلى الله، ونلجأ إلى الواحد الأحد، ونستجير به منهم، لننتصر عليهم. فيا من أراد أن تنتصر الأمة! انصر الإسلام في نفسك وبيتك وأسرتك ومدرستك وناديك. يا من أراد أن تعود لنا أرضنا، ويُحمى عرضنا، ويُكف الظلم والذبح والقتل والتشريد عن أبنائنا! استلهموا الرشد من الواحد الأحد، اطلبوا النصر من الله، الجئوا إلى الله، جددوا التوبة معه سبحانه. يا ألله! كان المسلمون في القادسية، واليرموك، وعين جالوت، وحطين إذا حضروا المعركة رفعوا أكفهم إلى الله، والآن نحضر فنرفع شكاوينا إلى المجالس الكافرة، وإلى الأندية الغابرة، ونتكفف ونستجدي الأمم! يا ألله! صلاح الدين يوم حضر في حطين، يقاتل أعداء رب العالمين، أهل الصليب، قال لجيشه: امكثوا، لا تبدءوا المعركة حتى يصعد الخطباء في العالم الإسلامي على المنابر، فإنها ساعة استجابة، فإذا بدأ الخطيب يخطب، وتنزل النصر من السماء؛ بدأنا المعركة. فلما صعد الخطباء المساجد في العالم الإسلامي، ماذا فعل؟ ألقى خوذته، ومرغ وجهه في التراب، واستقبل القبلة، وبكى وناشد الله النصر، وتوجه بجيشه فأحرقوا الصليب وأهله، وفتح بيت المقدس {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160]. أيها الناس! أسأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب، وأسأله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن ينصرنا نصراً مؤزراً. اللهم ارفع راياتنا وأيّد بيناتنا، اللهم انصرنا على عدوك وعدونا، اللهم انصرنا على قتلة الأنبياء الذين سبوك وسبوا كتبك، وآذوا رسلك. اللهم مزقهم، اللهم احرقهم، اللهم دمرهم، اللهم شردهم. اللهم اجعلهم عبرةً للمعتبرين، وعظة للمتعظين، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق، اللهم وحد صفوفهم، اللهم ألف بين قلوبهم، اللهم ردنا إلى الكتاب والسنة رداً جميلاً، اللهم ارفع الضائقة عنا، اللهم ارفع الكرب، وفك الخطب، فأنت نعم الرب. اللهم إنهم استأسدوا، وبطشوا، وسفكوا، وآذوا، وسبوا، وشتموا، اللهم فنصرك الأكيد، وبطشك الشديد، يا ذا العرش المجيد. اللهم أهلِك يهود، اللهم اكفنا شرهم بما شئت يا رب العالمين. اللهم صلِّ وسلم على النبي المجتبى، والرسول المصطفى، اللهم اعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، جزاء ما قدم وبلغ ونصح وبيّن. اللهم صلِّ عليه وعلى آله وسلم، وعلى أصحابه ومن سار على منهجه إلى يوم الدين، اللهم ارض عن خلفائه الراشدين المهديين، ومن سار على منهجهم يا رب العالمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أما بعد

أما بعد إن الداعية المسلم لا يعرف الكسل والخمول، ولا يعرف التوقف عن تبليغ دعوته مهما سجن أو عذب، إنما هو كالنخلة يثمر وينتج في كل زمان ومكان؛ ينشر دعوة ربه ويُعبِّد الناس لخالقهم. وهو يتصف بالأسلوب الدعوي المعروف عن سيد الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم ويتصف بصفات الداعية الحق.

لله الأمر من قبل ومن بعد

لله الأمر من قبل ومن بعد الحمد لله، أحمده تعالى على جميل إنعامه وإفضاله، وأشكره على جليل إحسانه ونواله، له الحمد على أسمائه الحسنى وصفات كماله ونعوت جلاله، وله الحمد على عدله قدراً وشرعاً، وله الحمد في الآخرة والأولى وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق العلي الكبير، تعالى في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، تعالى في أحكامه وأفعاله عن الشريك والوزير، وتقدس في أحديته وصمديته عن الصحاحبة والولد والولي والنصير، وتنزه في صفات كماله ونعوت جلاله عن الكُفُؤ والنظير، عز جاهه وتقدست عظمته، عظم شأنه عن المنازع والمغالب والمعين والمشير، جل في بقائه وغناه عن المطعم والمجير، فسبحانه ما أعظمه وأحلمه وأجله! وما أكمله! وما أقواه! وما أغناه! عليه توكلت وإليه أنيب وهو حسبي ونعم الوكيل. من أين أبدأ؟! من أين أبدأ والمحامد كلها لك يا مهيمن يا مصور يا صمد من أين أبدأ وهو الذي مدح نفسه قبل أن يمدحه المادحون، ووصف نفسه قبل أن يصفه الواصفون، وأثنى على نفسه قبل أن يثني عليه المثنون، كيف أبدأ؟ من أين أبدأ والمحامد كلها لك يا مهيمن يا مصور يا صمد احترت في أبهى المعاني أن تفي بجلال قدرك فاعتذرت ولم أزد الحمد لله جزيل العطاء، مسدي النعماء، كاشف الضراء، معطي السراء، الحمد لله عالم السر والجهر، الحمد لله عالي القهر والقدر، الحمد لله المتكفل بالأقوات، المدعو في الملمات والمدلهمات، كاشف الكربات، المرجو في الأزمات، الحمد لله على كل نعمة أنعم بها، وعلى كل بلية صرفها، وعلى كل أمر يسره، وعلى كل قضاء قدره، وكل مكروه كفاه، وكل حادث لطف فيه، الحمد لله كم أعطى من النعيم، كم منح من الخير العميم، كم تفضل به من النوال الجسيم، عمت نعمه، وانصرفت نقمه، تضاعف كرمه، الحمد لله على تمام المنة، الحمد لله بالكتاب والسنة، الحمد لله على نعمة الإسلام، وتواتر الإنعام، توالت فضائله وعم نواله، وحسنت أفعاله وتمت أقواله، الحمد لله نور الجميل، واهب العطاء الجزيل، شافي العليل، المبارك في القليل، أجود من أعطى، وأشرف من أوفى. يا غافلاً عن إله الكون يا لاهي تعيش عمرك كالحيران كالساهي ارجع إلى الله واقصد بابه كرماً والله والله لن تلقى سوى الله من قبله فهو المقبول، من حاربه فهو المخذول، من التجأ إليه عز، من توكل عليه كفاه، من أطاعه تولاه، من عاداه قصمه، من بارزه حطمه، من أشرك به أحرقه. فوالله لو صغنا من الدمع قصة وصار كتاب الحب بالدم يكتب وسرنا على الأجفان نمشي محبةً على النار نشوى أو على الجمر نسحب لما بلغت ما تستحق جهودنا فكل ولو نال المشقة مذنب الكل مذنب ومقصر، الكل معترف وأنا أول المعترفين: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، النبي الخاتم، والإمام المعصوم، والأسوة الحسنة، والقدوة المثلى، شرف الحواضر والبوادي، زينة النوادي، أعظم هادي، وأفضل حادي. يا طريداً ملأ الدنيا اسمه وغدا لحناً على كل الشفاه وغدت سيرته أسطورة يتلقاها رواة عن رواه ليت شعري هل درى من طاردوا عابدو اللات وأتباع مناة هل درت من طاردته أمة هبل معبودها شاهت وشاه أما بعد: فعنوان محاضرتي "أما بعد" وأما بعد وأما قبل فلله الأمر من قبل ومن بعد، ليس لنا من الأمر شيء، وليس لنا مع قدرته حول، وليس عندنا لأمره رد، وما لنا لقضائه حيلة، وما لدينا مع قدرته تدبير، هو الفعال لما يريد ونحن العبيد، إن تشرفنا فالطين أصلنا، وإن افتخرنا فالتراب مردنا، وما لمن خلق من ماء مهين أن يشمخ بأنفه أو يزهو بعلمه، أو يعجب برأيه، سبحانك! اعترفت بذنبي وتقصيري أمامك. يا أنت يا أحسن الأسماء في خلدي ماذا أعرف من متن ومن سند تقاصرت كلم الأوصاف عندكم لما سمعنا ثناء الواحد الأحد والله لو أن أقلام الورى بريت من العروق لمدح السيد الصمد لم نبلغ العشر مما يستحق ولا عُشر العشير وهذا غاية الأمد يا رب! يا حي يا قيوم! يا لطيف! أنت الكامل وأنا الناقص، أنت الغني وأنا الفقير، أنت القوي وأنا الضعيف، أنت الحي وأنا الميت، أصابع المذنب تشير إلى الغفار، ألسنة الفقر تدعو الغني، أكف الضعف ترفع للقوي، الميت يمدح الحي القيوم، الغريق ينادي يا ذا الجلال والإكرام! الكلمات والإشارات عاجزات، البلاغة والبيان والتعبير تعلن التبشير، لا يعلم ما يستحق إلا هو، ولا يحيط بعلمه سواه، لا يقدر قدره إلا إياه، لا يحسن الثناء عليه غيره، إن قدسته أو سبحته أو مجدته فهو الذي علمني، إن حمدته أو كبرته أو وحدته، فهو الذي ألهمني، إن عبدته أو شكرته أو ذكرته فهو الذي أكرمني، صفات المدح في الكاملين ذرة من كماله، نعوت الفضل في الأبرار نفحة من أفضاله، ألسنة المادحين، وأقلام الواصفين، حائرة في جلاله، من أنا حتى أمدحه؟! من أنا حتى أمجده؟! من أنا حتى أثني عليه؟! أنا الذي خلقت من تراب أصف الملك الوهاب؟! أنا الذي صور من طين أذكر جلال رب العالمين؟! إن الخجل يملأ فؤاد من خلق من ماء مهين، إذا قام يشدوا بأوصاف أحكم الحاكمين. اللهم إن أشرف تاج نحمله تمريغ الأنف على التراب لجلالك، اللهم إن أعظم وسام نحمله وضع الجباه على الأرض لعبوديتك، أنا الظالم لنفسه، المعترف بتقصيره، المقر بذنبه، أنت الواجد الماجد الغني الحميد، عز جاهك، جل ثناؤك، تقدست أسماؤك، لا إله غيرك. قد كنت أشفق من دمعي على بصري فاليوم كل عزيز بعدكم هانا يا ألله! سجد وجهي لك، يا ألله! خشع سمعي وبصري لك، يا ألله! رغم أنفي لك، يا ألله! ذلت رقبتي لك، يا ألله! وجل قلبي منك، يا ألله! التجأت نفسي إليك، يا ألله! حسن ظني فيك، يا ألله! طاب الحديث عنك، يا ألله! كمل التوكل عليك. إليك وإلا لا تشد الركائب ومنك وإلا فالمؤمل خائب وفيك وإلا فالغرام مضيع وعنك وإلا فالمحدث كاذب

الوصايا العشر

الوصايا العشر أما بعد: فقد وقفت عشراً واستفدت عشراً: أولاها: اللجوء إلى الله في الملمات، وقصده في الكربات، وسؤاله في الأزمات. ثانيها: أن مع العسر يسراً، ومع الكرب فرجاً، ومع الضيق سعة، وبعد الشدة رخاء. ثالثها: أنه ليس لك في المصائب إلا الله، وما لك عند الدواهي إلا الله، وما معك في الخطوب إلا الله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] فوحدوه وأخلصوا له العبادة، وأطيعوه واهتفوا بولائه، وادعوه، والتجئوا إليه، واسجدوا له، واشكروه. رابعها: أن العلماء يصيبون ويخطئون، والدعاة يحسنون ويغلطون، والمصلحون يسددون ويعثرون، إلا محمداً صلى الله عليه وسلم، فهو المصيب بلا خطأ، والمسدد بلا غلط، والمصلح بلا عثرة: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]. خامسها: أن الكتب تعرف منها وتنكر، وتقبل وترد، وتوافق وتخالف، إلا الوحي كتاب وسنة، ففيه الصحة كلها، والصواب أجمعه، والحق أتمه وأكمله، والعدل أوله وآخره. سادسها: أنه ليس لأحد أن يدّعي أنه المخول وحده لنصرة الدين، ولا التكلم باسمه، فدين الله منصور، شاء من شاء، وأبى من أبى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89]. نصر محمداً العربي صلى الله عليه وسلم سلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي، وصلاح الدين الكردي، ونور الدين التركماني، وإقبال الهندي. سابعها: أن الرفق هو الطريق الأمثل للدعوة، وأن الكلمة اللينة هي السحر الحلال، وأن الأسلوب السهل هو مصيدة الرجال، فاسأل الله أن يصلح النية والذرية، وأن يوفق الراعي والرعية. ثامنها: أن غالب محاضرات الدعاة، وندوات العلماء، حسن وصواب، وحق وعدل، والقليل النادر غلط وخطأ؛ لعنصر البشرية وضعف الإنسانية، وانتفاء العصمة وانقطاع الوحي. تاسعها: وجدت أن الأمة لايشفي عليلها ولا يروي غليلها، مقطوعة من فنان، ولا طرح من علماني، ولا هيام من شاعر، ولا خيال من فيلسوف، إنما يحييها ويرفعها ميراث من نبوة، وتركة من رسالة، وأثارة من وحي: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]. عاشرها: وجدت أن الأمة قد تكون غير منتجة، ولا مخترعة، ولا مكتشفة، ولا مصنعة، ولكنها لا تعيش بلا إيمان، ولا تحيا بلا رسالة، ولا تشرف بلا منهج: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. تلك عشرة كاملة، أهديها لمحبي النصح وعاشقي الفضيلة وطلاب الحقيقة، وشباب الإصلاح ورواد المعرفة: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88]. دعها كما شاءها الرحمن جارية الله يحفظها والله يرعاها لها من الوحي نور تستضيء به وبهجة الغار تبدو في محياها

أسلوب الداعية في الدعوة

أسلوب الداعية في الدعوة أما بعد: فهذه عشر سنوات طويلات قصيرات، فيها حسنات وسيئات، ومضحكات ومبكيات، مرت بسرورها وحزنها، ونعيمها وبؤسها، وغناها وفقرها، ولذتها ومعاناتها. فتصرمت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أيام ثم انبرت أيام هجر أعقبت صبري أسىً فكأنها أعوام ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام انتهت هذه العشر عندنا، ولكن ما انتهت عند الله: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52]. أما بعد: فإن الداعية ليس له حقل واحد لا يعمل إلا فيه، بل حقول متعددة، وميادين مختلفة، ومنابر شتى، فالدعوة لا يحدها حد، ولا يحصرها حصر، ولا يقيدها قيد. إن الدعوة تجري في دم الداعية، يقولها كلمة، يصوغها عبارة، ينشدها قصيدة، يدبجها خطبة، ينقلها فكرة، يؤلفها كتاباً، يلقيها محاضرة. إنها قد تكون مع النفس محاسبة ومراقبة، وتكون مع الأم براً وحناناً، ومع الأب شفقة ورحمة، ومع الابن تربية وأدباً، ومع الجار إحساناً وبراً، ومع المسلم مصافاة ومودة، ومع الكافر دعوة وحواراً، فهذا إبراهيم الخليل عليه السلام يتلطف بأبيه، يا أبتي! يا أبتي! يا أبتي! وهذا نوح ينوح على ابنه: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود:42] وهذا لقمان يترفق بابنه وفلذة كبده، يا بني! يا بني! يا بني! وهذا موسى يعطف على فرعون، وهذا مؤمن آل فرعون يقول لقومه: يا قومي! يا قومي! وهذا مؤمن آل ياسين، ينادي وهو في الجنة: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يس:26] إن الدعوة هم لازم، وواجب دائم، فهي معك في السيارة والطيارة والسفينة، وفي النادي والجامعة والمزرعة والمتجر، قد تدعو بسيرتك أكثر من كلامك، وتدعو بصفاتك أعظم من خطبك، وتدعو بخلقك أحسن من محاضراتك، ليس للداعية وقوف. سجن يوسف فدعا في السجن، وطرد نوح فدعا في السفينة، وحوصر محمد صلى الله عليه وسلم فدعا في الشعب، وطوق فدعا في الغار، وطرد فأنشأ دولة. قيل لشيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله سره: إن السلطان أمر بإخراجك إلى قبرص، قال: والله إن بي من السرور والفرح ما لو وزع على أهل الشام لوسعهم، والله إني كالغنمة -هذا لفظه- لا تنام إلا على صوف، إن خرجت إلى قبرص دعوتهم إلى لا إله إلا الله فأسلموا، وإن سجنت خلوت بعبادة ربي، وإن قتلت فأنا شهيد. ليس من المهم عند الداعية، أن يكون له جمهور حاشد أو حفل بهيج أو مستمعون كثر، المهم أن يقول الحق، وأن يأمر بالمعروف، وأن ينهى عن المنكر، وأن يحمل الميثاق بأمانة، وأن يبلغ الشريعة بصدق: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] بعض الأنبياء لم يستجب له أحد، والبعض استجاب له واحد أو اثنان، والبعض جماعة، وبعضهم دعا عمره كله ثم قتل ولم يطعه بشر، وأنبياء آخرون مكثوا السنون الطويلة يدعون ثم نشروا بالمناشير. سيدي علل الفؤاد العليلا أحيني قبل أن تراني قتيلا إن تكن عازماً على قتل روحي فترفق بها قليلاً قليلا

صفات الداعية

صفات الداعية

الداعية تابع محمد صلى الله عليه وسلم

الداعية تابع محمد صلى الله عليه وسلم إن الداعية ليس فناناً يداعب العواطف ويلعب بالمشاعر، ويتفقد مكامن التأثير في النفس، وليس شاعراً يسلب الألباب ويسافر مع الخيال، ويهيم في أودية الضلال، وليس فيلسوفاً يقنن القوانين ويضرب الأقيسة، ويحدد المقدمات، ويخلص إلى النتائج، وليس سلطاناً يفرض كلمته، ويؤدب أمته، ويحشد جنوده، ويرفع بنوده. وليس تاجراً يجمع الدراهم، ويكنز القناطير المقنطرة، ويرصد الشيكات، ويضارب بالأسهم. الداعية شيء آخر، إنه تابع لمحمد عليه الصلاة والسلام، ابن بار برعيته، وتلميذ نجيب في مدرسته، طالب متفوق في جامعته، يسري حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم في دمه، ويشع في قلبه، ويضيء طريقه، ويملأ وجدانه، ويلهب ضميره. الحب ليس رواية شرقية بأريجها يتروج الأبطال لكنه الإبحار دون سفينة ومرادنا أن المحال محال

الداعية لا يعرف التوقف عن الدعوة

الداعية لا يعرف التوقف عن الدعوة الداعية ليس له إجازة ولا انتداب ولا مخصصات ولا عادات، الداعية ليس له حفل مولد، ولا مهرجان تخرج ولا حفل وداع، ولا مناسبة استقبال، بل هو مع الأنبياء؛ تلقاه على الرصيف، وفي الدكان، ومع أهل الحرف، مع النجار والخباز، والنساج والبناء، مع الناس باختلاف أذواقهم، ومشاعرهم وطبقاتهم، وألوانهم وأجناسهم، داعياً للملك والمملوك، داعياً للأمير والوزير، داعياً للكبير والصغير، داعياً للأنثى والذكر، داعياً للأبيض والأسود، الداعية باع نفسه من الله، فلا يطالب ولا يضارب ولا يعاتب ولا يحاسب، فاتورة تعبه مدفوعة في الآخرة: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5]. شيك أجرته مصروف من بنك: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام:52] وسند أمواله موقع عليه: {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود:79]. بعنا النفوس فلا خيار ببيعنا أعظم بقوم بايعوا المختارا فأعاضنا ثمناً أجل من المنى جنات عدن تتحف الأبرار

الداعية لا ينتظر مكافأة من أحد

الداعية لا ينتظر مكافأة من أحد الداعية لا ينتظر شهادة حسن سيرة وسلوك من البشر، ولا نياشين يعلقها على صدره، ولا نجوم يضعها على أكتافه، ولا صورة ذكرى يرفها في مجلسه، إنه يريد تاج: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119]. ويطمع في نجوم: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] ويرغب في نياشين: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:257] الداعية لا يعين بقرار جمهوري، ولا بوثيقة حكومية، ولا بانتخاب من الجمهور، الداعية لا يأتي عن طريق صناديق الاقتراع، ولا المجلس النيابي، ولا الهيئات البرلمانية، فهو فوق الكنجرس، واللوردات والشيوخ، إن الله عينه، والواحد الأحد هيأه، والرحمن استأمنه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] الداعية مولاه الله، وإمامه محمد، وبيته المسجد، ومذكرته القرآن، وزاده التقوى، وعصاه التوكل، ولباسه الزهد، ومركبه اليقين، وطريقه الهدى، ومراده الجنة: {دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها} أنا ربي الله والدين أبي ورسول الله دوماً قدوتي ولي القرآن نور ساطعٌ وإلى الكعبة دوماً قبلتي الداعية لا تتوقف دعوته مع التخرج من المدرسة الليلية، ولا من مكافحة الأمية، ولا من الجامعة، ولا من المجالس الفقهية، ولا من المجامع العلمية، جامعة الداعية: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:33] وشهادته: {بلغوا عني ولو آية} ووثيقة تخرجه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر:94] الداعية لا ينتظر راتباً شهرياً، ولا مكافأة سنوية، ولا إكرامية مالية، ولا هتافاً جماهيرياً، ولا شكراً من الوزير، ولا ترقية من الفريق، ولا ثناء من مدير المدرسة، راتبه: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} [فاطر:30] مكافأته: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الحشر:8] إكراميته: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر:46]. هتافه: لا إله إلا الله، شكره {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد:24] ترقيته: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55]. الداعية لا ترفع له أقواس النصر، ولا تعلق صوره، ولا ينتظر قصائد مدح، ولا ملحمات ثناء، ولا مقامات تبجيل، أقواس نصره: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} [الفتح:1]. صوره المعلقة: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود:1] مديحه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1] مقامات تبجيله: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]. وثيقتي كتبت في اللوح وانهمرت آياتها فاقرءوا يا قوم قرآني والوحي مدرستي الكبرى وغار حرا تاريخ عمري وميلادي وعرفاني

اللين وحسن الخلق

اللين وحسن الخلق أما بعد: فالداعية رحيم رفيق، قريب حبيب، سهل لين، صبور شكور رحيم؛ لأن الرحماء يرحمهم الرحمن؛ ولأن إمامه محمد صلى الله عليه وسلم أرسله الله رحمة للعالمين وهو يقول: {من لا يَرحم لا يُرحم} يقول أحد العلماء: ينبغي للمسلم إذا رأى الكافر أن يتمنى إسلام هذا الكافر رحمة به وشفقة عليه أن يدخل النار. رفيق؛ لأن الله رفيق يحب الرفق، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه} والرفق يسهل الصعاب، ويقرب البعيد، ويلين القاسي، ويطوع العاصي، ويجذب القلوب. قريب: فهو يدنو من النفوس، وتحبه الأرواح وتعشقه الضمائر، وتهفو إليه البشر، قريب منهم متواضع كما كان قدوته ورسوله عليه الصلاة والسلام. حبيب؛ تحبه القلوب، تفرح إليه، تشتاق لقدومه، تأنس بطلعته: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96]. يقول أحد الفضلاء: إذا سافرت ولم يبك عليك أصحابك، فراجع أخلاقك. سهل لين؛ فهو كمعلمه صلى الله عليه وسلم، سهل في كلامه، فلا يتفيهق، ولا يتنطع، ولا يتشدق، ولا يتعمق، ولا يتكلف، سهل في أفعاله، فلا شطط، ولا يحملهم العبء ولا يجشمهم مشقة، صبور على الملمات والأزمات، صبور على الكربات والفواجع والحوادث والكوارث، يجوع فيصبر، يُسَب فيصبر، يُجلد فيصبر، يُحبس فيصبر، يُبكت فيصبر، يُكذّب فيصبر، يُؤذى فيصبر. وانظروا إلى الأنبياء، أما نوح فازدجر، وأما صالح فقيل له: كذاب أشر، وأما هود فقُهِر، وأما زكريا فنشر، وأما يحيى فنحر، وأما موسى فضاق به المفر، وأما عيسى فافتقر، وأما محمد فابتلي فصبر، وأعطي فشكر، فعليهم الصلاة والسلام جميعاً، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:127] وقال: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5] وقال: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل:10] {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر:85] {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:134] {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [المؤمنون:96]. والداعية شكور؛ شكور على النعمة، يُعطى فيشكر، يُسدد فيشكر، يُفتح عليه فيشكر، يأكل فيشكر، يلبس فيشكر، ينام فيشكر، يصح فيشكر، يمرض فيشكر، يعافى فيشكر، يبتلى فيشكر، يغتني فيشكر، يفتقر فيشكر: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم:5] {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7]. لك الحمد يا رحمان ما هلَّ صيب وما تاب يا من يقبل التوب مذنبُ لك الحمد ما هاج الغرام وما همى الغمام وما غنى الحمام المطربُ

معرفة قيمة الزمن

معرفة قيمة الزمن أما بعد: فإن الداعية يعلم أن الحياة ليست فرصة لتقلد منصب، ولا الظفر بإمارة، ولا العثور على وزارة، ولا جمع تجارة، ولا التشرف بسفارة، وليست الحياة عنده متعة يقضيها في اللهو واللعب، ليس عنده إجازة يقضيها على ضفاف الأنهار، ولا في قمم الهملايا، ولا عند شلالات نياجرا، ولا في أبراج كوالالمبور، ولا في حضور عيد الأم، وليس عند الداعية أرصدة في البنوك الربوية، وليس له هم في مراقبة البورصة العالمية، ولا الاهتمام بأسواق الذهب ولا بأسعار البترول، فكنزه وماله وغناه ومستقبله في جنات تجري من تحتها الأنهار، فلا يجهزه إلا: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن:54] ولا يفرحه إلا: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين:24] ولا يسره إلا: {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} [المطففين:25] ولا يسعده إلا: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] ولا يطربه إلا: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] ولا ينعشه إلا: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} [الإنسان:20]. الداعية ليس له سفر مع ألف ليلة وليلة، ولا أنس بـ أبي نواس، ولا خلوة مع بدائع الزهور، ولا توثيق من الزير سالم، ولا سند من شمس المعارف. سهره مع صحيح البخاري، أنسه مع ابن تيمية، خلوته مع رياض الصالحين، توثيقه من يحيى بن معين، سنده من سفيان الثوري: هيهات رحلة مسرانا جحافلنا كما عهدت وعزمات الورى أنفُ في كفك الشهم من حبل الهدى طرف على الصراط وفي أرواحنا طرفُ الداعية لا يفتخر بصداقات المشاهير، ولا نجوم الكرة، ولا نجوم الفن، ولا كواكب المسرح، ولا الساسة العمالقة، ولا الفلاسفة العباقرة، ولا رموز الثقافات، فله صداقات ومودات، مع نوح وإبراهيم، وموسى وعيسى، ومحمد، عليهم الصلاة والسلام، وله علاقة بـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وله اتصال بـ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب. الداعية ليس منهمكاً في زوايا الغرام، ولا مع قصاصات الهيام، ولا مع آهات الهجر، ولا زفرات الجوى، وأوجاع العيون السود، زفراته من: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك:8] وآهاته من: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} [النساء:56] وأوجاعه من: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:27 - 29]. أما بعد: فإن الداعية تتقلب به الأيام، وتتغاير عليه الليالي، وتختلف عليه الساعات، وتتعاقب عليه السنون، رضاً وغضباً، وسروراً وحزناً، شبعاً وجوعاً، منبر وحبس، شكر وشق، إقبال وإدبار، منحة ومحنة، عطية وبلية، أمل وألم، وهو مع ذلك عبد الله، ينزل مع القرآن أينما نزل، ويهبط مع الوحي أينما هبط، ويسافر مع الرسالة الخالدة أينما سافرت، ويرتحل مع القرآن أينما ارتحل، يصلي في القصر والحبس، في الجماعة والمزرعة، في الحاضرة والبادية، يسبح في النادي والمنتزه، يكبر في المسجد والسوق. الداعية عنده شهادة أكبر من شهادات الأرض، ولديه وثيقة أعظم من وثائق أهل المعمورة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وعنده تزكية أجل من كل تزكية: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173]. أيها الداعي الذي عبد الله طريق النجاة فيك قويم أدعياء الضلال سُحار فرعون وأنت العصا وأنت الكليم

العيش مع القرآن والسنة

العيش مع القرآن والسنة أما بعد: فقد قرأت عشرات المجلدات والمصنفات والمؤلفات، فما وجدت كالقرآن حسناً وجمالاً، بهجة ونظرة، قوة وفخامة، صدقاً وعدلاً، سادةً وإشراقاً. وطالعت مئات المجلات والجرائد والدوريات والصحف، فما رأيت كالسنة عطاءً وبركة، سلوة وعزاءً، توعية وتربية، إرشاداً ونصحاً، تعليماً وتقويماً. وسمعت آلاف الكلمات والأبيات، واللطائف والنكات، فما وجدت كذكر الله إيماناً ويقيناً، وروحاً وطمأنينة، وأنساً ورحمة، وثواباً وأجراً.

الداعية متعدد المواهب

الداعية متعدد المواهب أما بعد: فإن الداعية قد يكون غنياً كسليمان، وقد يكون فقيراً كعيسى، وقد يكون صحيحاً كإبراهيم، وقد يكون مريضاً كأيوب، وقد يطول عمره كنوح، وقد يقصر عمره كيوشع، وقد يكون ملكاً كداود، وقد يكون خياطاً كإدريس، وقد يكون راعياً للغنم كموسى، وقد تمر به الحالات جمعياً من غنى وفقر، ونصر وهزيمة، ونعيم وبؤس، وصحة ومرض، وعافية وبلاء، كمحمد صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وسلم. لأجل دينك ذاق القتل من قتلوا كأنما الموت في ساح الوغى عسلُ ترى المحبين صرعى في ديارهم كفتية الكهف للرضوان قد نقلوا وقد يكون الداعية واسع الخير، متعدد المواهب، كثير الإحسان، عظيم البر، كـ أبي بكر الصديق، يدعى من أبواب الجنة الثمانية، فلله دره، ما أجمله! ما أقواه! ما أصدقه! وقد يكون صارماً حازماً قوياً شديداً في الحق، ذا صولة في الدين، ذا هيبة في الملة، كـ عمر بن الخطاب. وقد يكون هيناً ليناً، سهلاً قريباً حيياً حليماً سخياً كـ عثمان بن عفان. وقد يكون مقداماً شجاعاً، أبياً مضحياً فدائياً بطلاً كـ علي بن أبي طالب. وقد يكون الداعية بحراً في العلم، دائرة معارف، موسوعة في الشريعة كـ ابن عباس. وقد يكون خطيباً لوذعياً يرسل الكلمة كالقذيفة، ويبعث الحرف كالشهاب، ويطلق الجملة كالبركان، كـ ثابت بن قيس بن شماس. وقد يكون الداعية شاعراً، يرسم الحرف في القلب، ويصنع البيت كالضياء، وينشد القصيدة كقطعة الماس كـ حسان بن ثابت. وقد يكون للداعية حشم وخدم، ومال وجمال، وعيال كـ عبد الرحمن بن عوف. وقد يكون الداعية فقيراً معدماً مملقاً، لا بيت ولا قصر ولا دار ولا عقار، ولا دينار كـ أبي ذر. وقد يتولى الإمامة كـ معاذ، ويتولى القضاء كـ علي، والأذان كـ بلال والمواريث كـ زيد، والقيادة كـ خالد، والإمارة كـ أبي عبيدة، وقد يتكلم الداعية من بلاط السلطان كـ الزهري، وقد يتكلم من تحت الأرض من القبر كـ الزركشي، وقد يبجل ويحتفل به كـ مالك بن أنس، وقد يذهب دمه هدراً ورأسه شذراً كـ أحمد بن نصر الخزاعي. الداعية كالهدهد، قطع الفيافي والقفار، ليبلغ رسالة الواحد القهار، العظيم الغفار، جلّ في علاه، يقول أبو معاذ الرازي: ويل لمن كان الهدهد خيراً منه، فكيف يبلغ الهدهد التوحيد وأنت ما بلغت التوحيد: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النمل:25] وقد يكون الداعية كالنملة، يحذر قومه، وينذر بني جنسه: {لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18] وكالنحلة يجمع أطايب الحديث ويكنز أحسن المعرفة: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً} [النحل:69]. فيا حب زدني في هواك صبابة ويا قلب زدني في هوى مهجتي حبا لعلي إذا جئت المحصب من منى نحرت فؤادي كي أفوز به قربا

الثبات على المبادئ

الثبات على المبادئ إن أهم صفة من صفات الداعية، أنه صاحب مبدأ، وحامل رسالة، وله منهج، قد يغلظ أو يرفق، يقسو أو يلين، يقبل أو يدبر، يواجه أو يهادن، لكنه صاحب مبدأ، قد يحاور ويفاوض، ويرد ويقبل، ويأخذ ويعطي، ويغضب ويرضى، لكنه صاحب مبدأ، له ثوابت لا يتخلى عنها، وربما تنازل عن الحواشي ليبقى الأصل، وربما ترك التعليق ليبقى المتن، وربما تخلى عن الإطار لتبقى الصورة. وقفة: اللهم إن أجل ما نملك دماؤنا، اللهم فاسفكها في سبيلك، أسألك أن تسفك دماءنا لترتفع لا إله إلا الله محمد رسول الله ولينتصر المنهج الحق، منهج السلف، منهج أهل السنة والجماعة في الأرض. الداعية هو الناطق الرسمي للملة: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} [الكهف:29] والسفير الأول للشريعة: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب:45] والمندوب الدائم لمحمد صلى الله عليه وسلم: {نضر الله امرءاً سمع مني مقالة فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلَّغ أوعى من سامع} الأمين العام للقيم: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26]. الداعية له في كل قلب سفارة، وفي كل عقل محطة، وفي كل مجلس قناة، الداعية تقرؤه في الصحيفة، وقد تطالعه في المجلة، وقد تنظر إليه في الشاشة، تصلي وراءه في المحراب، تسمعه على المنبر، تلقاه في السوق، تصافحه في الحديقة، تجلس بجانبه في الحافلة، تعانقه في الطائرة، تقاتل وراءه في المعركة، تراه في العرس، تشاهده في الجنازة، يصافح الملك، يمسح رأس اليتيم، يرفق بالرئيس، يعطف على الأرملة، يمازح الشاب، يقود العجوز. الداعية يرسل كلمته على ذبذبة طولها الحق، وعرضها الصدق، على هوى الإبداع، وعبر أثير المحبة، لتستقبل كلمته أطباق القلوب، وتنقل عبارته موجات الأرواح. والدعاة درجات عند الله، منهم من يحبو، ومنهم من يمشي، ومنهم من يهرول، ومنهم من يمر مر السحاب، ومنهم من يشبه سرعة الريح، ومنهم من يحلق في سماء الإبداع، فيرتفع عن سطح الدنيا سبعة وثلاثين ألف قدم من الصدق والرفق والحق والعدل والعلم والإيمان. إن كنت أنت بكيت من حر الجوى وسكبت في نيل الفراق دموعا فنفوسنا ذبحت على ساح الوغى يا من يرى صرع السيوف وجوعا

إصلاح الناس وتعبيد البشر لله

إصلاح الناس وتعبيد البشر لله أما بعد: فإن هم الداعية إصلاح الناس وتعبيد البشر لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، فليس همه المال ولا الجمال، ولا الجاه ولا المنصب؛ لأنه مكلف بمهمة محددة: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح:3]. وعنده رسالة طابعها: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ} [الذاريات:57] وعنوانها: {قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا} يوزعها في كل قلب: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] الداعية حبيبه من أحب الله، ووليه من تولى الله، وصديقه من احترم الشرع، وعدوه من عادى الإسلام، ليس عند الداعية وقت للعداوات الشخصية، ولا فراغ لتوافه الأمور، فكل دقيقة من عمره حسنات، وكل ثانية من وقته قربات. أعد الليالي ليلة بعد ليلة وقد عشت دهراً لا أعد اللياليا فإما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا الداعية ينهمر بالآيات والأبيات، والسير والعبر، والقصص والأخبار، والفوائد والقصائد، والشوارد والفرائد، يدعو بها كلها إلى الله الواحد الأحد، ليعبد الله وحده لا إله إلا هو، مرجع الداعية قلبه النابض، ومصدره نفسه المشفقة، وحبره دمه، ومادته دموعه، وورقه حصير الخير. الداعية لا ينسى دعوته، وهل ينسى المريض مرضه، والجائع جوعه، والمحموم حماه، وكيف يترك الداعية دعوته، وهل يترك الرسام رشيته، والنجار فأسه، والفلاح مسحاته، والكاتب قلمه. أما واعدتني يا قلب أني إذا ما تبت عن ليلى تتوب فهأنا تائب عن حب ليلى فما لك كلما ذكرت تذوب ولا حرج للداعية أن يضحي بنفسه في سبيل مولاه، بل هو الحق، فليبع وقته ودمه ودموعه، وكتبه وأوراقه، وليله، ونهاره: {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود:79]. لكل شيء إذا ما تم نقصان إلا الإيمان في قلب حامله. لكل امرئ من دهره ما تعودا وعادة أهل الحق يا صاحبي الهدى ما مضى فات، والمؤمل غيب إلا عند الداعية، فالماضي عنده ما فات ولا مات: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52] والمؤمل عنده حاصل لا محالة، قادم بلا شك: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر:7]. نشيد اللاهين: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ونشيد الدعاة: قفا نبك من ذكرى الكتاب المنزل أغنية الغافلين: أخبروها إذا أتيتم حماها أنني ذبت في الغرام فداها وملحمة الصالحين: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعبُ من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضبُ

وقفة إجلال لذي الجلال والكمال

وقفة إجلال لذي الجلال والكمال أيها الناس! أيها البشر! وقفة إجلال لذي الجلال والجمال والكمال، تقدس في علاه، لا إله إلا هو، ولا نعبد إلا إياه، ولا نرجو سواه، قال موسى لربه: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] أي همة يحملها هذا النبي! أشرقت نفسه بحب الواحد الأحد، اصطفاه بالكلام على البشر، فلما أعطاه الله الكلام، تاقت نفسه ليرى الواحد الأحد، ما أعظم الله! لا يُرى في الدنيا، ما أجل الله! لا يبصره المخلوق، ما أجله وما أشرفه! وما أرقى مكانه! لا نراه نحن في الدنيا، نحن أذل وأقل، وأكثر ذنباً وحقارة وهزالاً، وحاجة من أن نرى الله، قال الله: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] لن تستطيع رؤيتي في الدنيا، أنت بشر والبشر لا ينظر إلي في الدنيا، أنت مخلوق والمخلوق لا يراني في الدنيا، أنا أعظم من أن يراني الناس، أنا أعظم من أن يراني البشر في هذه الحياة الدنيا، تعالى الله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]. لن تراني يا موسى أبداً في الدنيا، فالجليل الكبير العظيم المتفرد بالكمال والجلال والجمال لا يراه البشر في الدنيا، على العرش استوى وعلى الملك احتوى، يعلم ما في السموات والأرض، وما بينهما وما تحت الثرى، قال: {قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} [الأعراف:143] إن كان الجبل يصمد لرؤيتي فسوف تراني، إن كان الجبل يستطيع أن يقف مكانه فسوف تنظر إلي، إن كانت أحجار الجبل فيها من القوة والصلابة والمناعة والجدارة أن تثبت فلتثبت: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} [الأعراف:143] قال أهل العلم: جبل طور سيناء، من أعظم الجبال صخوراً وحجارة، وصلابة وشدة وقوة، لكنه الواحد الأحد، أقوى من كل قوي، أغنى من كل غني، أمنع من كل ملك، أشرف من كل شريف، أعز من كل عزيز: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:143] إن كان الجبل يثبت مكانه فسوف تثبت أنت، إن كان الجبل بصخوره وحجارته وعروقه وأوتاده يثبت للنظر فسوف تثبت: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} [الأعراف:143] قال سفيان: [[ساخ الجبل في البحر]] تجلى الله سبحانه تجلياً يليق بجلاله، لانكيفه ولا نشبهه ولا نمثله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. تجلى للجبل العظيم المدلهم الآخذ طولاً وعرضاً، الشامخ بأوتاده وقوته وجذوره وصلابته وحجاره، وصخوره فاندك الجبل وساخ، ذاب للواحد الملك الوهاب، إليه المناب والمتاب: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} [الأعراف:143] قالوا: ساخ الجبل، وقيل: انغمس في الأرض، وقيل: وقع في البحر: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:143] قالوا: إنه مات، والصحيح أنه أغشي عليه، وفارق وعيه، من هول المشهد، يوم رأى الجبل يتناثر، والصخرة تدك، ورأى الحجارة تذوب فخر صعقاً عليه السلام، وغشي عليه، ثم أيقظه الواحد الأحد الذي يحيي العظام وهي رميم: {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ} [الأعراف:143] لا أكرر هذا الطلب، سبحانك! أتأدب بين يديك، سبحانك تعاليت، يقول أهل التفسير: تقدست أن يراك الناس في الدنيا، سبحانك تعاظمت أن يراك المخلوق في هذه الحياة، سبحانك لا أسألك مسألة لا تليق بي! سبحانك أنت أعظم من أن تراك العيون! أو تدركك الأبصار، تعاليت في عليائك، ما أحسن الكلمة! وقع موسى مرمياً مغشياً عليه فلما أفاق، نفثت شفته، ونطقت لسانه: و {قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] لا أكررها مرة ثانية، أتأدب على بساط الربوبية، وفي محراب العظمة، وفي إيوان القدسية، وفي دار الوحدانية، والألوهية، وأنا أول المؤمنين، هذه وقفة عظمة، للعظيم جل في علاه.

دعاء وتأمين

دعاء وتأمين أيها الناس! إني داع فأمنوا: اللهم أبرد لاعج القلب بثلج اليقين، واطفئ جمر الأرواح بماء الإيمان، يا رب! ألقِ على العين الساهرة نعاساً أمنة منك، وعلى النفوس المضطربة سكينة، وأثبها فتحاً قريباً، يا رب اهد حيارى البصائر إلى نورك، وضلاّل المناهج إلى صراطك، والزائغين عن السبيل إلى هداك، يا رب أزل الهموم والوساوس بفجر صادق من النور، وأفق باطن الضمائر بفيلق من الحق، ورد كيد الشيطان بمدد من جنود عونك مسومين. اللهم أذهب عنا الحزن، وأزل عنا الهم، واطرد من نفوسنا القلق، نعوذ بك من الخوف إلا منك، والركون إلا إليك، والتوكل إلا عليك، والسؤال إلا منك، والاستعانة إلا بك، أنت ولينا، نعم المولى ونعم النصير، اللهم حقق الآمال، وأصلح الأعمال، وحسن الأحوال، وسدد الأقوال. اللهم اجمع شمل الأمة، واكشف الغمة، وانصر الدين وأتمه، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، اللهم اجعلهم عوناً على طاعتك للمسلمين، ودرعاً للموحدين، وإنصافاً لملة المستقيمين على منهجك يا رب العالمين، ونصرة للدعاة والعلماء والمصلحين. اللهم أصلح القلوب، واغفر الذنوب، واستر العيوب، اللهم اقبل توبة من يتوب، اللهم أجزل العطية، واغفر الخطية، وأحينا حياة رضية، ونسألك الميتة السوية. اللهم ألهمنا الحجة وثبتنا على المحجة، اللهم يمن كتابنا، ويسر حسابنا، اللهم اشفِ منا العلل، واغفر الزلل، وادرأ عنا الكوارث واحمنا من الحوادث. اللهم أذهب الشك باليقين، وألبسنا ثوب الدين، وانصر إسلامنا، وارفع أعلامنا، وثبت أقدامنا، وسدد سهامنا. اللهم بلغ رسولنا عنا الصلاة والسلام، ما غيث همع، وبرق لمع، وظبي سنح، وبلبل صدح، اللهم آته الوسيلة، وامنحه الفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً، واعطه حوضاً موروداً، وأجب شفاعته، وأكرم وفادته. يا رب! إن البشر اعتزوا بأنسابهم، وافتخروا بأحسابهم وعزنا وفخرنا بك، فلا نكون أشقى منهم بك، يا رب إنهم جمعوا الأموال، وادخروا الكنوز، واحتاطوا بالذهب والفضة، ومالنا وكنزنا، وميراثنا دينك وذكرك. اللهم فأغننا يوم الفقر الأكبر حتى نكون بك أغنى منهم بأموالهم، يا رب! إن البشر مدح بعضهم بعضاً، وأطرى بعضهم بعضاً، ورفع بعضهم بعضاً، ومدحنا وثناؤنا وتبجيلنا لك وحدك، اللهم إنهم أَمَّلوا من ممدوحهم جوائز وأوسمة، وعطايا وهدايا، اللهم فاجعلنا أكثر منهم حظاً بجوائزك، وأوسمتك وعطاياك وهداياك، اللهم إنا رأينا من ركن إلى محبوبه، وأنس بمرغوبه، وفزع إلى قريبه، واعتمد على صاحبه، اللهم إليك فزعنا، وعليك ركنا، وبك وثقنا، وعليك اعتمدنا، اللهم اجعلنا أسعد بك من القريب بقريبه، ومن الصاحب بصاحبه، ومن المولى بسيده، اللهم إنا رأينا الرءوس تخضع لسواك، والجباه تسجد لغيرك، والألسنة تقدس البشر، فغضبنا لذلك، وأزعجنا ذاك، فلك خضعت رءوسنا وسجدت جباهنا، وذلت رقابنا، اللهم إن نسألك الغنى يوم الفقر، والعز يوم الذل، والنجاة يوم التغابن. يا رب حمداً ليس غيرك يحمد يا من له كل الخلائق تصمدُ أبواب كل مملك قد أوصدت ورأيت بابك واسعاً لا يوصد سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

لقاء مفتوح

لقاء مفتوح يعتبر هذا اللقاء بمثابة أسئلة والشيخ يجيب، فتحدث الشيخ عن أمور كثيرة منها: كيفية تعلم الخطابة والوسائل إلى الخشوع عند سماع القرآن، والوسيلة إلى ترك المعاصي، ونبذة عن أمريكا، وتصور الشيخ عنها. كما ذكر الشيخ بعض المقطوعات الشعرية في مدح ابن باز، وابن عثيمين عليهما رحمة الله.

وسائل تعلم الخطابة

وسائل تعلم الخطابة Q فضيلة الشيخ! حفظك الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب أحب أن يكون لي دور في المجتمع في مجال الخطابة، ولكني أجد في نفسي العجز عن ذلك، فماذا أعمل حتى أصل إلى هذا الهدف الطيب، وجزاك الله خيراً؟ A بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أولاً: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. يا رياض الخير قد جئتُ وفي جعبتي أبها بلقياكم تسامى حلَفَت لا تشرب الماء ولا تأكل الزاد ولا تلقى مناما أو ترى الأحباب في نجد فإن لم تجدهم صار ممساها حراما فسلام الله أهديه لكم يا رجال النبل في نجد الخزامى أنا قد أحببتكم في الله ما كان قلبي في سواه مستهاما ثانياً: أما هذا السؤال، وهو أن الأخ يسأل كيف يكون خطيباً مطبقاً أو خطيباً حاذقاً أو فاهماً وموجهاً في الأمة. الخطابة هي قبل كل شيء موهبة من الله عز وجل؛ ولكنها تحسَّن، ولها وسائل تحسين وتدريب ورياضة حتى يصل الإنسان إلى مبتغاه، والمقصد أن المسلم ينبغي أن يكسب بعمله وجه الله عزَّ وجلَّ، والله تبارك وتعالى يوزع المواهب والتخصصات على الناس، فما كل واحد إلا وله تخصص، بعضهم كاتب، والآخر خطيب، والثالث شاعر، والرابع مفتي، فالمقصود أن تخدم الإسلام بالدعوة أينما كانت الدعوة. والصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا كلهم علماء، ولا مفتين، ولا خطباء، وإنما كان فيهم الخطيب كـ ثابت بن قيس بن شماس، فاستخدم خطابته في نصرة (لا إله إلا الله) وفي الدعوة إلى (لا إله إلا الله) ومنهم الذي ليس بخطيب ولكنه مقاتل كـ خالد بن الوليد سيف الله المسلول، فاستخدم سيفه في نصرة الإسلام، ومنهم الشاعر كـ حسان أخذ القوافي يرسلها كالصواعق على رءوس الملاحدة والزنادقة والفجار. إذاً: فعليك أن تعرف تخصصك الذي يمكن أن تخدم الإسلام به، فإن الله عزَّ وجلَّ سوف يسألك عما وهبك من الكتابة، ومن الأدب، ومن الخطابة، ومن العلم، فأخلص مقصدك لوجه الله عز وجل. أما الخطابة فتعتمد على أمور: الأمر الأول: أن يخلص، وأن يدعو الله ويسأله القبول والصدق، فإنه هو الذي يفتح سبحانه وتعالى؛ ولذلك ذُكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه كان إذا أراد أن يتحدث قال: اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أصول وبك أقاتل وبك أحاور، وكان يكثر من الاستغفار كثيراً ليفتح الله عليه. الأمر الثاني: الجرأة: ولذلك يقول ابن قتيبة في عيون الأخبار: الخطابة عند العرب تُبنى على الجرأة، وهي: أن تكون جريء القلب، جريء الجنان شجاعاً؛ لأن مقابلة الصفوف ليست بسهلة، ومقابلة الناس صعبة، فهذا يأتي بأن تدرب نفسك على الخطابة، وعلى الإلقاء، وعلى الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، وأن تخرج إلى القرى وإلى الضواحي فتدعو الناس، فسوف يرزقك الله القبول سبحانه وتعالى، وسوف يهدي على يديك، وسوف يكون لك باعٌ في الخطابة. ويؤثر أن عبد الملك بن مروان، ذُكر عنه في تراجمه: أن أبناءه قالوا: نراك شاب رأسك ولحيتك، قال: من صعودي المنبر يوم الجمعة، أعرض عقلي على الناس. وذكر ابن الجوزي في كتاب الحمقى والمغفلين: أن أحد الخطباء استقل المنبر ليتكلم، فأراد أن يقول: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، فقال: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أشهر، فرد عليه الناس، قال: والله لقد تقاللت ستة أشهر وأردت أن أقول ست سنوات! الأمر الثالث: التحضير: فلا يمكن أن يتكلم الإنسان بطلاقة إلا بعد أن يبلغ من العمر عتياً، أو يصل إلى الأربعين، وفي صحيح البخاري: أن عمر رضي الله عنه وأرضاه لما ذهب إلى سقيفة بني ساعدة قال: [[فزوَّرت كلاماً في صدري]] أي: هيأه ليتكلم به عند الأنصار في سقيفة بني ساعدة. فعلى المسلم أن إذا أراد أن يتكلم أن يحضر العناصر في ذهنه أو الموضوع، أو يحفظ الآيات والأحاديث، فلا يأتي مباشرة فيتكلم فيأتي بكلمة من البر وكلمة من البحر. الأمر الرابع: على الخطيب أن يستقرئ أحوال الناس، فيعرف المقام الذي يتكلم فيه، فلا يتكلم في مجتمع ليسوا بحاجة إلى الكلام، مثل أن يذهب إلى أهل البادية الذين لا يعرفون التوحيد وهم واقعون في الشرك، فيتكلم في البنوك الربوية، وليس عند أهل البادية بنوكاً ربوية، أو يأتي إلى مجتمعات مرتكسة في الضلال فيتحدث لهم في جزئيات، إنسانٌ ما أسلم ولا عرف (لا إله إلا الله) ولا أنواع التوحيد، فيتحدث له عن إسبال الإزار، وعن تحريم حلق اللحى. الأمر الخامس: أن يراعي الموقف فيعطي الناس ما يشتهون، فإن كان في خطبة جمعة فعليه أن يقصر ويوجز، وأن يطرق الموضوعات المهمة، وإن كان في درس فعليه أن يطيل وأن يتوسع بقدر الحاجة. أما أمور الصوت، والنبرات، والنغمات، فهذه أمور أخرى. ومِن أحسن ما كُتِب في الخطابة: كتاب الخطابة مفهومها ودلالتها أو نحو هذا العنوان، للشيخ محمد أبي زهرة وهو من أحسن الكتب في ذلك إن شاء الله، وفيه فوائد، لولا بعض الملاحظات فيه.

الطريق إلى الخشوع عند سماع القرآن

الطريق إلى الخشوع عند سماع القرآن Q يقول السائل: فضيلة الشيخ: نقرأ من حياة الصحابة والتابعين أنهم كانوا يخشعون عند سماع القرآن، ويبكون عند تلاوته، ولكني لا أستطيع ذلك، فما السبب الذي جعلهم يخشعون ونحن أقل خشوعاً؟ وما هو الطريق إلى التأثر عند سماع أو تلاوة القرآن الكريم؟ A الخشوع عند تلاوة القرآن والتأثر والبكاء مدح الله به المؤمنين، وله أسباب، وكلما عظُم إيمان العبد خشع قلبُه، وخشي الله عزَّ وجلَّ، ولذلك ذكر الله العلماء فوصفهم بوصف، فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] فمن لم يخش الله عزَّ وجلَّ فليس بعالم ولو حفظ النصوص واستحضر الأدلة؛ لأن المسألة مسألة خشية؛ ولذلك قال مطرف بن عبد الله بن الشخير في أبي بكر الصديق مقارنة بالصحابة: [[ما فاقهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولا صدقة؛ ولكن بإيمان وقر في قلبه]]. وعن الحسن البصري أنه قال: [[ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل]] روى ذلك مالك بن أنس في الموطأ مرسلاً. وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لم يكن أعلم الناس بالفتيا وكان في الصحابة من يفتي كـ عبد الله بن عباس، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وأبي بن كعب؛ ولكن كان أبو بكر أخشى الصحابة لله سبحانه وتعالى؛ حتى تقول عائشة كما في الصحيحين: [[كان أبي رجلاً أسيفاً -أي: كثير البكاء والحزن- وكان إذا قام في صلاة الفجر قرأ سورة يوسف فما يبلغ قوله تعالى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] إلا وينهد باكياً وينهد المسجد معه من البكاء]]. وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد: أن أبا بكر دخل مزرعة رجل من الأنصار، فرأى طائراً يطير من شجرة إلى شجرة، فبكى وقال: [[طوبى لك أيها الطائر! ترد الماء وترعى الشجر، ثم تموت، لا حساب ولاعذاب، يا ليتني كنتُ طائراً]] فهذا من خوفه لله عزَّ وجلَّ. أما الأمور التي يحصل بها الخشية -إن شاء الله- فهي: الأمر الأول: الصدق والإخلاص: أن تصدق في نيتك وفي إخلاصك في تلاوة كتاب ربك تبارك وتعالى، فلا تقصد به الناس ولا ثناءهم ولا مدحهم. الأمر الثاني: أن تتدبر ما تقرأ، وأن تقف مع عجائب القرآن وغرائبه، وأن تتصور أن الذي تكلم به هو رب العالمين حقيقة سبحانه وتعالى، وأنزله على قلب الرسول عليه الصلاة والسلام. الأمر الثالث: أن تحسن صوتك بالقراءة وتنغمه علَّك أن تحزن وتخشع. الأمر الرابع: أن تختار لنفسك وقت الارتياح: وهذا قاله الإمام أحمد، فالشبع الكثير لا يناسب الرقة في القراءة، أو التعب الشديد، أو النعاس، وقد أتى فيها آثار، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام عفا عمَّن قام يصلي وهو ينعس، قال: {فليرقد لعله أن يستغفر فيسب نفسه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فمن باب أولى قراءة القرآن، فيختار الوقت المناسب لقراءته. الأمر الخامس: أن تتصور قلة المقام بهذه الدار، وأنه كتاب الرحيل، وأنه زاد إلى الله سبحانه وتعالى. فإذا تم ذلك وإلا فادعُ الله وراجع فتح الباب من الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم ومن كل مسلم.

واجب المسلم نحو المنكر في بيته

واجب المسلم نحو المنكر في بيته Q فضيلة الشيخ: حفظك الله، السلام عليكم، أنا شاب ممن هداه الله، ولكني أشكو من المنكرات التي في بيتي، فما هو واجبي نحوها؟ A المنكرات ليست في بيتك فحسب، بل في كثير من البيوت، وكثير من المجتمعات، وكثير من المدن والقرى، ومشكلتنا ليست مشكلة قلة العلم، مشكلتنا الكبرى قلة دعوة الناس إلى (لا إله إلا الله) وتفهيمهم وتعليمهم، وهناك في المجتمعات من لا يُحسن الفاتحة، وقد اشتغل كثير من الدعاة وطلبة العلم بالرسائل والتحقيق ومن ثم ضاعت الأمة، فمسألة المنكرات ليست في بيتك فحسب، بل هي منتشرة، ونحن نرجو الله أن يغير الحال إلى أحسن، ثم إلى جهود طلبة العلم والدعاة أن ينشروا دين الله عزَّ وجلَّ، وأن ينشروا الدعوة والفهم في الناس. وأما المنكرات في بيتك فعليك أن تكون ذا تؤدة وصبر، فإن بعض المنكرات أهون من بعض، وحمل بعض الشباب إذا رأوا المنكرات على عقوق الوالدين، فعقوا الوالدين من أجل بعض الأمور السهلة: ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مُضر كوضع السيف في موضع الندى صحيحٌ قد يكون في البيت غناء، لكن لا يحملك ذلك على ترك البيت وعقوق وقطيعة والديك لتغير هذا المنكر، فإن عقوق الوالدين من الكبائر، واستماع الغناء معصية، وعقوق الوالدين أعظم. فأنا أدعوك إلى الصبر والحكمة في الدعوة، والحكمة أن تلين لوالديك، وأن تدعو لهم في كل صلاة، وأن تدعوهم إلى الله بالرفق، علَّ الله أن يهديهم على يديك، فإن لم تستطع فعليك بالصبر على أذاهم أو على ما يأتيك منهم، فإن لم تستطع فإن المعاصي منها ما يُقاطَع عليها، كترك الصلاة، فإن عليك أن تقاطع أهلك إذا تركوا الصلاة، أما المعاصي فتناصحهم وتصبر حتى يفتح الله عزَّ وجلَّ قلوبهم لك، والله معك إذا أكثرت من الصدق والإخلاص، والدعاء والإنابة له سبحانه وتعالى.

السبيل إلى ترك المعاصي

السبيل إلى ترك المعاصي Q فضيلة الشيخ: السلام عليكم، أنا شاب حائر، أحاول أن أغير من وضعي السيء، فأنا أترك الصلاة أحياناً، وأعمل بعض الأعمال السيئة، وكلما تركت المعصية راودتني نفسي بالرجوع إليها، فما الذي ترشدني إليه حفظك الله؟ A نسأل الله أن يتوب علينا وعليك، وكفى بترك الصلاة معصية، فإن من ترك صلاة واحدة عامداً متعمداً فقد كفر، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن من ترك صلاة واحدة عامداً حتى انتهى وقتها فلا يقضيها بعد الوقت، فإنه في تلك الفترة قد كفر بالله العظيم، وليس له أن يقضيها؛ لأنه قد مرت به فترة كفر، بل عليه أن يعود إلى الإسلام من جديد ويتوب إلى الله، ويدخل في الدين، ومضت تلك الصلاة، فتركك لبعض الصلوات أو لصلاة واحدة معناه الكفر، نسأل الله العافية، حتى قال بعض أهل العلم من المحدِّثين: ليس بصحيح تقسيم تارك الصلاة إلى متهاون وجاحد، بل من ترك الصلاة فقد كفر بلا عذر، فكيف يتركها! فعليك أن تتقي الله، كل شيء يهون إلا ترك الصلاة فإنه الكفر، يقول عليه الصلاة والسلام: {بين المسلم وبين الكافر ترك الصلاة} من حديث جابر عند مسلم، وعند أبي داود من حديث بريدة بن الحصيب: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} فنعوذ بالله من التاركين للصلاة، ونسأل الله أن يهدي شباب الإسلام. فإذا اهتديت وواظبت على الصلاة فسوف يهديك الله سواء السبيل، ويرشدك إلى أنك إذا صليت الصلوات الخمس في جماعة، وحافظت عليها ظاهراً وباطناً، وأحسنت سجودها وركوعها وخشوعها فسوف تهتدي بإذن الله مع الدعاء. أما بقية المعاصي فلن يسلم منها أحد؛ لكن أرشدك إلى أنْ تعزم على التوبة، وأن كلما وقعت تستغفر وتتوب، وأن تفعل من الحسنات ما يمحو السيئات، والله معك.

لا تيئسوا من واقع المسلمين اليوم

لا تيئسوا من واقع المسلمين اليوم Q فضيلة الشيخ: الشباب المسلم يتألم حين يرى الواقع السيء الذي تعيشه الأمة، فبعضهم قد يئس من عودة العزة والنصر للمسلمين، فما الذي توجهونه إلى الشباب الذين يعيشون مثل هذا التصور؟ A الحل بيد الشباب المسلم إذا استطاعوا وإذا علموا ذلك، الحل أن ننطلق بالدعوة والتوجيه والتوعية لوجه الله عزَّ وجلَّ، الحل أن نصدق مع الله عزَّ وجلَّ، وأن نبذل مثلما يبذل غيرنا أو عُشر ما يبذل أعداؤنا، تجدون بعض الدعوات المغرضة البدعية الشركية كيف يبذل دعاتُها والقائمون عليها من الجهود والتضحية، والإعلام والدعوات، والمؤلفات والصحف والمجلات. فالحل مسئوليتنا نحن، أما أن ننتظر ونتمسكن ونقول: نفسي نفسي، ونتخفى في بيوتنا فهذا ليس بحل، بل بهذا نزيد الأمة وهناً إلى وهن، وهزيمة إلى هزيمة، والحق أن ندعو وأن نوجه بالحكمة وبالتي هي أحسن، وأن نقود الناس إلى صراط مستقيم. فلو أن كل شاب اهتدى حاول أن يهدي معه شاباً آخر لهداه الله سواء السبيل: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمُر النعم} لكن تجد كثيراً من الشباب المستقيم ركن وانزوى عن المنابر، فلا يخطب؛ لأنه يخاف على نفسه من الشهرة والرياء، وهذا مدخل للشيطان عجيب، يأتيه من هذا المدخل ليعطله عن الدعوة إلى الله، ويأتي الشاب المتعلم الذي عنده خير كثير من العلم، فيقول له: لا تجلس للناس حتى تتمكن في العلم ويرسخ قدمك، فيضله حتى يميته، ويأتي للآخر الكاتب، فيقول له: لا تكتب، إن الكتابة شهرة، ومن هذا القبيل، إذاً بهذا ضربنا الشيطان وشتتنا. فالحل بأيدينا إذا صدقنا مع الله عزَّ وجلَّ، فإن الناس الآن يعيشون في صحوة والحمد لله، وكم في هذه الصحوة من طالب علم، ومن خطيب لَبِق وكاتب فاهم، إذا استطاع أن يوجه قدراته لخدمة الإسلام سوف ينصر الله هذا الدين بلا محالة.

شاب يخجل من الجلوس بين الصالحين

شاب يخجل من الجلوس بين الصالحين Q أنا شاب محب للخير؛ ولكني أجد في نفسي حواجز عن مجالسة الصالحين، وأحياناً أترك مجالس الطيبين خشية أن يستهزئ بي الناس، فبمَ تنصحني؟ A هذا الأخ يشكو من الخجل أو من الحواجز التي بينه وبين الناس، أو العقدة النفسية، وحل هذا أن يجالس من زملائه وأقرانه الذين يجرؤنه على مجالسة الناس، فإنه ليس واجباً على المسلم أن يجالس الناس، قد يكون الأصلح لقلبه أن يعتزل الناس في بعض الأمور؛ لكن أن تكون لك جِبِلَّة حتى يحرمك هذا الخجل عن الفائدة والاستفادة وتوجيه الناس وتعليمهم، فهذا ليس بصحيح، قال مجاهد كما في صحيح البخاري: [[لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر]]. فأنا أرشدك إلى تقوى الله عزَّ وجلَّ وأن تقصد في هذه مواقف الحق، وأن تبدي ما عندك فإنك على صراط مستقيم، وألا تخجل، فإنه لا يخجل إلا من ضيع شبابه في الغناء والترَّاهات وضياع الساعات وإتيان الشهوات والمعاصي والمخالفات، لا يخجل من أنار الله سبحانه وتعالى قلبه بالقرآن, ولا يخجل من يصلي لله كل يوم خمس صلوات، ولا يخجل من يتضرع كل يوم خمس مرات. ومما زادني شرفاً وفخراً وكدتُ بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيَّرتَ أحمد لي نبيا فأنت في مقام الفخر والعزة بالإسلام، ولك العزة فلا تخجل ولا تتأخر، وإنما درب نفسك على الجلوس مع الناس، وعلى الأخذ والعطاء رويداً رويداً، وسوف تجد أن هذه العقدة تنحل بإذن الله.

نبذة عن أمريكا

نبذة عن أمريكا Q فضيلة الشيخ: أعطِنا نُبذة عن ذهابك لـ أمريكا، وما هي تصوراتك للإسلام في أمريكا؟ ويقال: إن الشعب الأمريكي يتوفر لديه الصدق والأمانة وغيرها لا تحضرني الآن، فهل من الممكن أن تعطينا نبذة قصيرة؟ A الذهاب إلى أمريكا لا يُنْصَح به ولا يُوْصَى به؛ لكن قد يضطر المسلم إلى أن يسافر، إما لدعوة يرى أنه سوف ينفع بإذن الله، أو لعلاج لم يجد له بديلاً في بلاد المسلمين، أو لدراسة ينفع بها الإسلام والمسلمين. من هذه الأمور ومن ضمن ما كتب الله عزَّ وجلَّ: سفري إلى أمريكا لمؤتمر الشباب العربي المسلم العاشر، في أوكلاهوما شمال أمريكا، وهذا المؤتمر حضره أكثر من أربعة آلاف شاب مسلم، وحضره من العلماء والدعاة ما يقارب خمسين داعية وعالماً ومفكراً. والإسلام هناك ليس كما يتصور الناس، وقبل هذا الحديث أقول: إن الأخ يوم يقول: إن الشعب الأمريكي شعب صادق وأمين، فهذا إما واهم وأما ناقل خطأ، وقد أخطأ كل الخطأ، بل إن الشعب الأمريكي هو شعب الكذب والخيانة، والضلالة والجهالة، وقلة الحياء وقلة المروءة، ومن لم يصدق فليرَ ولينظر إليهم، هم يعبدون الدينار من دون الله، ولا تجد أبخل منهم في شعوب الأرض، وهم أمة قطع الله الأواصر والوشائج التي بينهم، يقف الإنسان صاحب السيارة المعطلة في الثلج من العشاء إلى ظهر اليوم الثاني ولا يجد من ينجده؛ خوفاً منه وخوفاً من البوليس وخوفاً من المتابعة. شعب مبتور العرى ومقطوع الوشائج، وقد انخلع، وإذا انتهى الإنسان من (لا إله إلا الله) فما عليه؟! أصبحت أفعاله كلها ذنوب وخطايا، ولذلك قلت: ورأيت أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسامْ قد زادني مرأى الضلا ل هوىً إلى البيت الحرامْ وتطاولت تلك السنون فصار يومي مثل عامْ ما أرضهم أرضٌ رأيتُ ولا غمامهمُ غمامْ وعجبت للإنسان مبتور الإرادة والمصيرْ يسعى بلا هدف ولا خير ولا هَدي منيرْ مركوزة قدماه في ذل المرارة والسعيرْ زيف من الهالات في قسماته شعب حقيرْ إذاً: فاخلع من ذهنك هذا التصور: أنهم أوفياء أو أمناء أو صادقون، هم صادقون وأمناء إذا علموا أنهم سوف يجنون منك منفعة أو مصلحة؛ ولكن إذا علموا أنه ليس عندك منفعة لهم ولا مصلحة فلماذا يتقربون منك؟! حتى يحصل الواحد منهم على ثلاثين حسنة عند الله أو أربعين؟! هو لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا بالجنة ولا بالنار، فهو شعب عميل يعبد الدرهم والدينار، وشعب متمرد على الله، وهو الذي أدخل الشهوات في أذهان المسلمين، ومكر بالأديان في الأرض، ولذلك: فواحش قد أظلمت منها السما والأرض منهم أوشكت أن تقصما يقدسون الكلب والخنزيرا ويبصرون غيرهم حقيرا ما عرفوا الله بطرف ساعة ولا أعدوا لقيام الساعة فهم قطيع كشويهات الغنم لهو ولغو وضياع ونغم إلى آخر تلك الأبيات.

من قصائد الشيخ عائض

من قصائد الشيخ عائض Q فضيلة الشيخ: إني أحبك في الله حباً لا يعلمه إلا الله، وسؤالي: بما أن هذا الوقت لقاء فأسمعنا من شعرك ما تملأ به النفوس؟ وجزاك الله خيراً. A أحبك الله الذي أحببتني فيه، وحشرنا وإياك والسامعين في روضة من رياض الجنة، أما الشعر فهناك قصائد؛ لكن لا أدري هل هناك شيء محدد من القصائد؟ إلى الآن التي وصلت أربع طلبات، منها: قصيدة الشيخ ابن عثيمين، والطلبات كلها -والحمد لله- في المشايخ، وكأننا متخصصون في مدح المشايخ، ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل هذا في ميزان الحسنات وألا يجعل فيه رياء ولا سمعة، والمقصود أني لست بحاجة إلى أن أمدحهم وليسوا بحاجة إلى مدحي؛ لكن من باب أن يفهم الناس أنَّا نقدر العلماء وأهل العلم والفضل، فهنا في القائمة أربع قصائد، في الشيخ ابن باز، وابن عثيمين، وسياف، ورمضان. أما الشيخ عبد العزيز بن باز فنبدأ به، وقد مر في بعض المناسبات أن بعض الإخوة كلمني أنه سوف يؤلف كتاباً يجمع فيه القصائد، اسمه: الممتاز في مدائح الشيخ عبد العزيز بن باز، قلت: حبذا لو أسميته نسيم الحجاز بالثناء على الشيخ ابن باز، وكلها سواء لكن بعضها يمتاز عن بعض، ولا بد من النسيم حتى يكون هناك ثناء عاطر، ويُطرح هذا الاقتراح، وأنا أستحسن قصيدة تقي الدين الهلالي في الشيخ ابن باز؛ لأنها جميلة، وهو محدث كبير رحمه الله، فأظنه وفد على الشيخ، وكان في الجامعة الإسلامية، فقال ما يقارب ستين بيتاً، يقول في مطلعها: خليليَّ عوجا بي لنغتنم الأجرا على آل باز إنهم بالثنا أحرى وزهدك في الدنيا لو أن ابن أدهم رآه رأى فيه المشقة والعسرا إلى آخر القصيدة. والمجذوب يقول: روى عنك أهل الفضل كل فضيلة فقلنا حديث الحب ضرب من الوهم فلما تلاقينا وجدناك فوق ما سمعنا به في العلم والأدب الجم فلم أرَ بازاً قط من قبل شيخنا يصيد فلا يؤذي المصيد ولا يُدمي وقصيدة البازية قلت فيها: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً لك الله قد أحببتُ طلعتكم لأنها ذكرتني سَيْر أسلافي يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شُغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي أغراهم المال والدنيا تجاذبهم ما بين منتعل منهم ومن حافي مجالس اللغو ذراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعالي ولم تولََع بإرجافِ بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطل في إشراقه الضافي تفتي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصدافِ إلى آخر القصيدة. ومنها: أراك كالضوء تجري في محاجرنا فلا تراك عيون الأغلف الجافي كالشدو تملك أشواقي وتأسرها في نغمة الوحي من (طه) ومن قاف يكفي محياك أن القلب يعمره من حبكم والدي أضعاف أضعافِ أما الشيخ ابن عثيمين فقد زرناه قبل عشرة أيام في عنيزة في بيته، وجاءنا قبل ثلاثة أيام في أبها، يداً بيداً، مثلاً بمثل، سواء بسواء، زارنا ليفيدنا، وزرناه لنستفيد منه، المقصد أن نوع البحر هذا الذي مدحت عليه الشيخ ابن عثيمين هو بحر مسبوك، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه على نوع هذا البحر والقافية: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الموت نبنيها فاعمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن ناشيها فقلت: دنياك تزهو وما تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها عارية المال قد ردت لصاحبها وأكنف البيت قد عادت لبانيها والأينق العشر قد هضت أجنتها وثلة الورق قد ضجت بواكيها واكتب على أرضهم بالدمع ملحمة من المحبة لا تُنسى لياليها أرض بها العلم أو حاذق فطن يُروي بكأس من العلياء أهليها عقيدة رضعوها في فتوتهم صحت أسانيدها والحق يرويها ما شابها رأي سقراط وشيعته وما استقل ابن سينا في بواديها ولـ ابن تيمية في أرضهم عَلَم من الهداية يجري في روابيها إذا بريدة بالأخيار قد ظفرت يكفي عنيزة فخراً شيخنا فيها محمد الصالح المحمود طائره البارع الفهم والدنيا يجافيها له التحية في شعري أرتلها بمثل ما يرفع الأشواق مهديها وأما سياف أو الإسعاف في إتحاف سياف: سياف في ناظريك النصر يبتسمُ وفي محياك نور الحق مرتسمُ وفيك ثورة إسلام مقدسة بها جراح بني الإسلام تلتئم حطمت بالدم أصناماً محجلة وصافَحَتْ كفُّك العلياء وهي دمُ ثأرت لله والدين الحنيف فلم يقم لثأرك طاغوت ولا صنمُ على جبينك مِن سعد توقُّده وخالد في رؤى عينيك يقتحمُ حلِّق إذا شئت فالأرواح طائرة فعن يمينك من عاهدتَ كلُّهمُ وصغ من المهَج البيضاء ملحمة يظل يقرؤها التاريخ والأممُ موتاً على صهوات البيد يعشقه أهل البسالة في عليائهم شمم لا موتَ مَن تسهر اللذاتُ مقلتَه وحياته سيان في الورى والعجمُ سياف خذ من فؤادي كل قافية تجري إليك على شوق وتستلمُ قد صغتها أنت إسلاماً ومكرمة وفي سواك القوافي أشهر حرُمُ كادت معاليك أن ترويك معجزة لكن تواضعك الأسمى لها كَتَمُ كأنما أنت كررت الأُلَى ذهبوا هذا صلاح ومحمود ومعتصم إلى آخر القصيدة. ورمضان: أربعة أبيات: مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيامْ يا حبيباً زارنا في كل عامْ قد لقيناك بحب مفعمٍ كل حب في سوى المولى حرامْ فاغفر اللهم ربي ذنبنا ثم زدنا من عطاياك الجسامْ لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلق أسهرنا جنح الظلامْ

حكم التكني بأسماء الصحابة

حكم التكني بأسماء الصحابة Q ما حكم الكنية بأسماء الصحابة مثل: أبو حمزة، وأبو عمر، وليس له ولد بهذا الاسم، إنما تفاؤل؟ A الكنية بأسماء الصحابة من أشرف الكنى، والتكني وليس لك ولد جائز في الشريعة الإسلامية، وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: {دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا عمير! ما فعل النُّغَير؟} وأبو عمير أخو أنس، كان طفلاً يلعب بطائر معه، صاده من ضاحية المدينة وربطه بحبل وتركه في البيت وقص جناحيه، ثم بعد فترة مات الطائر، فكانت مصيبة عند هذه الطفل الصغير؛ لأن الأحداث في أذهان الصغار أحداث عالمية كأنها الحرب العالمية الثالثة، فأراد صلى الله عليه وسلم من باب الدعوة والدخول إلى قلوب الأطفال؛ لأنه حقاً يسبي القلوب ويشتريها. محاسنه (هُيُولا) كل حُسْن و (مَغناطيس) أفئدة القلوبِ ولذلك يقول الله عزَّ وجلَّ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] فأراد أن يقف على نفس مشكلة الحزن التي يعيشها هذا الطفل الصغير ليربيه على (لا إله إلا الله) وليس المقصود هو الطائر، فدخل عليه الصلاة والسلام وقال: {يا أبا عمير! ما فعل النُّغَير؟} فلك أن تتكنى ولو لم يكن لك ولد. وفائدة: بعض الزنادقة -نعوذ بالله- يقولون: المحدثون يروون أحاديث ليس فيها فائدة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم لقبيلة أسلم: {أسلم سالَمها الله} ولقبيلة غفار: {غفار غفر الله لها} ولأخي أنس: {يا أبا عمير، ما فعل النُّغَير؟} فما هي الفائدة من هذا؟ قال ابن حجر: ذُكِر عن الإمام ابن القاص الشافعي أنه استخرج من هذا الحديث الأخير أكثر من عشرين فائدة، وبعضهم أوصلها إلى ستين فائدة، منها: - جواز الصيد في الحرم المدني. - جواز اللعب بالطائر. - جواز تكنية من لا كنية له. - استحباب زيارة الأحباب والأقارب ولو كانوا أطفالاً. - جواز المزاح. - جواز السجع بلا تكلف. إلى غير تلك الفوائد. فلك أن تتكنى، والعرب تستشرف الكنية، ولذلك يقول شاعرهم: أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقبُ كذاك أُدِّبتُ حتى صار من أدبي أني وجدتُ ملاك الشيمة الأدبُ فمن أحسن ما يزرع لك الود في صدر أخيك أن تقول: يا أبا فلان؛ يا أبا طلحة، يا أبا حمزة، كما فعل صلى الله عليه وسلم يوم يربي الأجيال المتجهة إلى الله ويقول: يا أبا بكر، يا أبا حفص، يا أبا الحسن، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

حكم التسمي والتكني باسم الرسول صلى الله عليه وسلم وكنيته

حكم التسمي والتكني باسم الرسول صلى الله عليه وسلم وكنيته Q إذا تسمى العبد باسم الرسول صلى الله عليه وسلم وتكنى بكنيته، فما الحكم؟ A هناك حديث يقول صلى الله عليه وسلم فيه: {تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وحديث عارَضه يقول: {من أباح اسمي ومن حرم كنيتي} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وأهل العلم على ثلاثة مشارب في هذا: - منهم من منع التسمي والتكني مطلقاً. - ومنهم من أجازهما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. - ومنهم من قال بجواز الكنية وحدها أو الاسم وحده، ولا يُجمَعان. والصحيح أنها لا بأس بها إن شاء الله بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فإن الذي عُرف من قرائن النهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمشي حول مقبرة بقيع الغرقد، فنادى رجلٌ رجلاً: {يا أبا القاسم! فالتفت صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: أريد فلاناً ولا أريدك يا رسول الله! فقال: تسموا باسمي ولاتكنوا بكنيتي} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فلما مات عليه الصلاة والسلام لنا في الظاهر أن نتسمى باسمه ونتكنى بكنيته، ووجد هذا في علماء الأمة كـ محمد بن أبي بكر الصديق وله ولد اسمه القاسم، وغيرهم كثير في علماء الإسلام ومجاهديه.

هل البكاء في الصلاة من النفاق

هل البكاء في الصلاة من النفاق Q أخي الشيخ: بعد التحية والسلام، هل التباكي خلال الصلاة من النفاق؟ أرجو أن توضح لنا ذلك؟ A الله أعلم بنيتك، {إنما الأعمال بالنيات} والله هو الذي يطَّلع على الضمائر والقلوب، فإن القلوب مكان نظر الرب تبارك وتعالى، فالله أعلم، فإن تباكيت لله عزَّ وجلَّ في صلاتك فلك ذلك؛ لكن بشرط ألا تخرج بعض الحروف أو لا تشوش على الناس، أو لا تقطع قراءتك إلا من بكاء لا بد منه، أما التباكي خارج الصلاة فوارد، ولك إذا قرأتَ القرآن ولم يأتك بكاء أن تتباكى؛ لكن لا تقصد بالبكاء غير وجه الله سبحانه وتعالى. أُثر عن الحسن البصري في ترجمته: أن رجلاً بكى في مجلسه، فقال الحسن: والله ليسألنك الله يوم القيامة عن هذا البكاء، أقصدتَ به وجهه أم لا. فالله الله في قصد الله في العمل، وأكثر ما يدخل الرياء والنفاق ومصانعة الناس من طريق البكاء؛ لأن الواحد قد يبكي ليظهر للناس أنه خاشع، وقلبه ليس بخاشع، فلا تبكِ إلا إذا غلبك البكاء، وإذا كنت وحدك فحاول أن تتباكى أو تبكي؛ لحديث: {ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه} قال: خالياً؛ لأنه أصدق وأخلص.

كيفية الخلاص من قرناء السوء

كيفية الخلاص من قرناء السوء Q فضيلة الشيخ: إني أحبك في الله، إذا أتى أحدٌ من جلساء السوء يريد أن يجالسني ويسبب لي المشاكل، فماذا أفعل؟ هل أبتعد عنه؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. A أنت أخبر بظرفك، فإذا جاءك جليس، وكان من المناسب وترى في نفسك أن تدعوه إلى الله عزَّ وجلَّ فلا تذهب، وعليك باللين والمصابرة علَّ الله عزَّ وجلَّ أن يهديه على يديك، فلا تظن أن الله طبع على قلوب الناس فلا يهتدون! فإن الله هدى أهل الضلالة وكثيراً من المشركين، وقد عبدوا الأصنام وزنَوا وبغَوا في الأرض وأفسدوا فيها كل الفساد، فأنت لا تتصور أن الله طبع على قلوب الناس؛ لكن تجلس وتحاول أن تؤثرفيه. أما إذا جربت حالك معه، وأيست منه، فعليك أن تتهرب منه؛ لكن ليس بمقابلة الجفاء، إذا جلس تقوم مباشرة، أو إذا صافحك تسحب يدك، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما كانت معاملته مع الناس هكذا: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] والله يقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] صافح الكفار، وصافح اليهود، والمنافقين عليه الصلاة والسلام ودعاهم. فاللين مطلوب، يقول سبحانه وتعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] فعليك أن تحسن من خلقك بالبسمة وباللين؛ لكن الموادَّة شيء آخر، فلا تواده، ولا تحبه، أو تصانعه، أو تجامله، أو تزوره: لكن إذا بُليتَ به فكن كأنك لَمْ تسمعْ ولَمْ يَقُلِ حتى يجمِّل الله ويسد الحال.

حكم الاحتفاظ بالصور للذكرى

حكم الاحتفاظ بالصور للذكرى Q فضيلة الشيخ: حفظك الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم من يحتفظ ببعض الصور للذكرى؟ A الصور كثر الكلام فيها، وكثرت فيها المؤلفات والفُتيا، وعرفتم أنتم الذي وقع من كثرة ما تُكُلِّم في الصور، الصور لا تجوز إلا لضرورة ملحة يحتاجها المسلم في حياته، أما صور الذكرى والتعظيم فهي محرمة، وهذا من أحسن ما قيل، وهذا الذي يظهر لي. والله أعلم.

الشرود في الصلاة لا يلزم منه سجود السهو

الشرود في الصلاة لا يلزم منه سجود السهو Q الذي يفكر ويسرح في الصلاة ماذا يفعل؟ هل يسجد سجود سهو أم ماذا؟ A هذا عليه أن يتقي الله عزَّ وجلَّ قبل أن يبدأ؛ لأن الهيام أو الشرود أو السرحان في الصلاة على أنواع: ألا تفقه هل قرأت الفاتحة أم لا، وهذا عند كثير من أهل العلم يبطل الصلاة؛ لأنك لم تعرف أنك قرأت الفاتحة، ولم تعرف ماذا قلت. أما أن يشرد قلبك وتأتيه خطرات فهذا لا يسلم منه أحد، ولا يمكن أن يتخلص من هذا الوارد؛ لأن الشيطان يأتي إذا أقيمت الصلاة فيوسوس ويقول للعبد: اذكر كذا، اذكر كذا. أما سجود السهو فتسجده إذا تركت واجباً من واجبات الصلاة، أما أن تسهو أو تتذكر شيئاً في الصلاة فلا تسجد؛ لأنه لم يقم على ذلك دليل، والناس يبتلون بهذا، ولو كان هناك أثر لعُلِم ولنُقِل؛ لأن المصلين يبتلون دائماً بالشرود والنسيان والسهو في الصلاة والخطرات والواردات، وما سمعتُ في حد علمي أن هناك سجوداً له.

الوسائل في نصح شارب الدخان

الوسائل في نصح شارب الدخان Q كيف يكون النصح والإرشاد للإنسان الذي يشرب الدخان؛ لأن لدي أقارب يشربون الدخان وأحب أن أكون ناصحاً لهم؟ A يكون النصح بالوسائل التي يهديك الله إليها، أهمها: اللين: أن تلين بالتوجيه والتعليم، وأن تعطي المسألة حقها من الاهتمام والتوجيه. لأن بعض الناس إذا أتى يدعو شارب الدخان أقام الدنيا وأقعدها على شارب الدخان وقال: ويلك من الله، ومن عذابه وغضبه ولعنته، حتى كأنه كفر بالله العظيم؛ لكن لا بد أن تأخذ كل مساحة من المعاصي حدها، وهو منهج القرآن، القرآن ذكر الشرك فذمه وعظَّمه وأكثر القول فيه، وذكر بعض الذنوب فأعطاها مساحتها وحقها؛ كالغيبة والنميمة وشهادة الزور. فأنت عليك أن تقوم على هذا المنكر وتعرف أنه حرام، لكن لا بد أن تعرف أنك تتخاطب مع مسلم يقيم الصلاة ويخاف من الله عزَّ وجلَّ، فتخاطبه أن هذا حرام بالوسائل العلمية، بالكتب التي أُلِّفت في هذا المجال في ذم الدخان وفي تحريمه فتهديها له، أو تكتب له رسالة، أو تتصل به، أو تجلس معه وتبين له أضرار الدخان الصحية والمالية والنفسية والدينية، حتى تقنعه إقناعاً، أما الغضب فلا يقنع أحداً، فأنت تحرجه بالغضب وبالتهديد، فربما يجاملك يوماً من الأيام، ولكنه ما اقتنع، والدعوة تُبنى على الاقتناع.

أسهل الطرق لحفظ العلم

أسهل الطرق لحفظ العلم Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ: أحبك في الله، ما أسهل طريقة لحفظ العلم؟ جزاكم الله خيراً. A حفظ العلم، أوله: حفظ القرآن، ووسائل حفظ القرآن تكمن فيما يأتي: الوسيلة الأولى: تقوى الله عزَّ وجلَّ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] فإن مَن اتقى الله فتح الله عليه، وسهَّل له أموره، وحفَّظه ما تعلم. الوسيلة الثانية: كثرة الاستغفار والتوبة: ذُكر عن ابن تيمية أنه يقول: إنها تصعُب عليَّ المسألة فأستغفر الله أكثر من ألف مرة -أو أقل- فيفتحها الله عليَّ. والذنوب سبب للنسيان والذهول والشرود، فعليك أن تكثر من الاستغفار إذا أردتَ أن تحفظ، وقبل أن تحفظ، وبعدما تحفظ. الوسيلة الثالثة: أن تقلل من المحفوظ: فلا تكثر على نفسك، فإن من أخذ العلم جملة ضيعه جملة كما يقول الزهري. فلا يمكن أن تأخذ العلم في يوم أو يومين، أو أسبوع أو شهر، بل تأخذه قليلاً قليلاً، قطرة قطرة، وآية آية، وحديثاً حديثاً، فقلل من المحفوظ فهو أصل عظيم للحفظ. الوسيلة الرابعة: أن تكرر ما تحفظ: كأن تأخذ أربع آيات أو خمس آيات فتكررها كثيراً خمسين مرة إلى مائة مرة قبل أن تنتقل إلى غيرها من الآيات. الوسيلة الخامسة: أن تقرأ ما حفظت من القرآن في الصلوات والنوافل. الوسيلة السادسة: أن تذاكر العلم الذي حفظته: كأحاديث حفظتها من رياض الصالحين أو بلوغ المرام فتذاكر زملاءك وإخوانك، وإن كان لك تلاميذ أن تعقد معهم جلسة؛ لأن العلم يحيا بالمذاكرة. الوسيلة السابعة: أن تعمل بما علمت: ليحفظك الله عزَّ وجلَّ ما تعلمت. الوسيلة الثامنة: أن تحقق المسائل، فإنه حفظ للعلم، وتخرج وتنقح، وتؤلف إذا بلغت درجة التأليف.

وقفة مع القلوب وأمراضها

وقفة مع القلوب وأمراضها Q أرجو أن تتحدث عن أمراض القلوب وعلاجها مع الأدعية إذا أمكن؟ A أمراض القلوب على قسمين: أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات. أمراض الشبهات في المعتقد. وأمراض الشهوات في العمل. أمراض الشبهات شك وريبة ووسوسة تصل إلى الزندقة والإلحاد نعوذ بالله من ذلك. وأمراض الشهوات كحب المعاصي، كالزنا والسرقة، والاعتداء على الناس، والبغي في الأرض، والغيبة، وأكل الأموال المحرمة، هذه من الشهوات. فأما علاج مرض الشبهات فالعلم واليقين، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] فاليقين عند الشبهات وعند الصبر الشهوات. فأول ما أوصيك به: طلب العلم، قال ابن دقيق العيد: أصابتني وسوسة في بدء حياتي فسألت العلماء فقالوا: عليك بطلب العلم فطلبتُ العلم فأذهب الله عني الوسوسة -أي: الشبهات- فعليك بطلب العلم والجلوس مع العلماء وقراءة كتب السلف الصالح من كتب الحديث والتفسير والفقه ليُذهب الله عنك مرض الشبهة. وأما علاج مرض الشهوة فبالصبر بعد إحسان صلاة الفريضة ظاهراً وباطناً، والتزود بالنوافل، وكثرة الدعاء والذكر وتدبر القرآن، هذه إن شاء الله تذهب مرض الشهوات. والدعاء الذي أنصحك به هو: ما ثبت في صحيح مسلم: عن عائشة أن الرسول عليه السلام كان يدعو ويقول: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}. وكان من دعائه: {يا مثبت القلوب! ثبت قلبي على دينك}. ومن دعائه أيضاً: {يا مصرف القلوب والأبصار! صرِّف قلبي على طاعتك} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وقوله: {اللهم اهدني وسددني}. وقوله: {اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي}. وقوله: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}. وقوله: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}. وأسأل الله لي ولكم جميعاً أن يتقبل منا ومنكم، وأن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت حتى نلقاه إنه على كل شيء قدير.

أريد أن أكون شاعرا

أريد أن أكون شاعراً Q يقول السائل: إذا أردتُ أن أكون شاعراً في الإسلام، فماذا أفعل؟ A الشعر لا يأتي بالقوة وبالعصا، ولكن بالموهبة، فمن كانت عنده موهبة فلينمها، ومن كان غير ذلك فليُرح نفسه؛ لأن كثيراً من أهل العلم ومن السلف الصالح ومن الصحابة لم يكونوا شعراء، وإنما بذلوا بما أعطاهم الله عزَّ وجلَّ، ولذلك بعض العلماء يرى أن الشعر يزري بالعلماء وطلبة العلم، حتى يقول الشافعي: ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد فبعضهم يرى أنه خفة وطيش وأنه يزري؛ لكن الصحيح أنه إذا اقتُصِد فيه ووُجِّه للدعوة الإسلامية وخدمة العلم، فهو -إن شاء الله- في خير، أما إذا أردت أن تكون شاعراً فاتبع الآتي: الأمر الأول: إن كانت عندك موهبة فنَمِّها بالاطلاع وبكثرة محفوظ الشعر، يقولون: أن تحفظ آلاف الأبيات من الشعر، وخاصة الشعراء الذين أجادوا كـ المتنبي وأبي تمام وجرير والبحتري ومن كان في طبقتهم. الأمر الثاني: أن تقرض الشعر وأن تقلل من قرضه، حتى تعتمد على الكيف لا الكم؛ لأن بعض الشباب إذا بدءوا في الشعر خصصوا كل يوم عشر دقائق فقط، فتأتي مهزوزة، فهو لا قرأ في الأدب ولا اطلع، وإنما يُشْعِر دائماً بدون قواعد، وبعد سنوات ينتهي، فالمقصد أن تطالع كتب الأدب كثيراً، ولا يشغلك الشعر عن العلم؛ لكن يكون له أوقات، وذُكر في الأدب: أن شعراء اجتمعوا عند نهر، فقال أحدهم: ما رأيكم لو أن كل واحد منا يصنع بيتاً في هذا المقام، وكان معهم رجل ليس بشاعر، فنَظَم كلٌّ منهم بيتاً وأَلَحُّوا على هذا الذي ليس بشاعر أن يأتي ببيت، فلما ألَحُّوا قال: كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولَهم ماءُ انظر ما أحسن هذا الأسلوب، والبيان، والبديع!! فبعض شعر الناس من هذا القبيل، حتى ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد أن بعضهم يقول: الليلُ ليلٌ والنهارُ نهارُ والأرض فيها الماءُ والأشجارُ ظاهر البيت بيت، ليس مكسوراً، هو بيت شعر؛ لكنه لا يحمل أي معنى جديد. فالشعر يعتمد على أربعة أمور: أولها: البحر: وبحور شعر العرب ستة عشر بحراًً، وزاد الأخفش بحراً فصارت سبعة عشر بحراً. ثانيها: القافية: أن يكون على قافية، فلا يأتي المرء بالراء ثم ينتقل إلى الشين ثم إلى الطاء ثم إلى الخاء ثم إلى الجيم، فهذا لعب. ثالثها: الأسلوب: فإن النَّظْم شيء والشعر شيء آخر، وابن مالك عندما يقول: قال محمد هو ابن مالك أحمد ربي الله خيرَ مالكِ ولا يجوز الابتدا بالنكرة ما لم تفِد كـ (عند زيد نمرة) فإنما هو نَظْمٌ وليس بشعر، لكن الشعر مثل قول المتنبي: وقفتَ وما في الموت شك لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائمُ تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً ووجهك ضحَّاك وثغرك باسمُ فهذا الأسلوب لا بد منه. رابعها: الخيال: فلا بد أن يكون عند الشاعر خيال يتخيل الأمور، فما يقول: لا الشمس شمس، ولا المسجد مسجد، ولا الميكرفون ميكرفون، هذه أمور مسلَّمة؛ لكن يأتي بصورة بديعة، مثل قول بشار بن برد: كأن مثار النقع فوق رءوسنا وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبُه أو كقول امرئ القيس: مُكِرٌّ مُفِرٌّ مُقْبِلٌ مُدْبِرٌ معاً كجلمود صخر حَطَّه السيلُ مِن عَلِ إلى غير تلك التشبيهات، فهذا الخيال لا بد منه. ولذلك تجد الآن شعراً في الساحة، ليس فيه خيال ولا أسلوب ولا روي ولا قافية، وإنما هو كلام عادي، وإذا أراد أن يُسَمَّى شاعراً أتى بأمور إذا سألتَه هو عن معانيها ما استطاع أن يجيبك، يقول: هذه رموز ومصطلحات لا يدركها الناس العاديون، وربما كان مستواه أضعف من مستواك، حتى يجعلك تقول: بارك الله فيك، فتح الله عليك، أنا ما أردت هذه القصيدة؛ لأنه يقول: في وهج الليل سرحتُ ونمتُ في جنح الضحى ثم سقط عليَّ الشاطئ بلمعانه وإذا بريق الشمس فوق حاجبي فماذا أفعل؟ فإذا قلتَ: بارك الله فيك، استنبط لنا من هذه الكنوز ومن هذه البضاعة، قال: لا. أنت مستواك ضعيف، عقلك ما بلغ إلى هذا الرقي العلمي. فنقول له، جزاه الله خيراً: يبقى هو وبضاعته وسوف يثبت المتنبي وأبو تمام وجرير عنه أنه شاعر فحل!

شعر في أهوال يوم القيامة

شعر في أهوال يوم القيامة Q الشيخ عائض: إني أحبك في الله، هل نظمت شعراً في أهوال الآخرة؟ فإن كان الجواب نعم فأرجو منك أن تسمعنا شيئاً من ذلك. A عندي القصيدة التي مضت (الدمعة الخرساء) هي من ذكر أهوال الآخرة: دنياك تزهو وما تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها عارية المال قد ردت لصاحبها وأكنف البيت قد عادت لبانيها والأينق العشر قد هضت أجنتها وثلة الورق قد ضجت بواكيها يا رب نفسي كبت مما ألم بها فزكها يا كريم أنت هاديها إلى آخر القصيدة، هذا ما يحضرني أني نظمت فيه، لكن لَمَّا ذكرني فمن أعظم ما قرأتُ صراحةً في أهوال الآخرة قصيدة لأحد الشعراء في عهد نور الدين، وهو المؤسس -حقيقةً- لدولة بني أيوب أو الأكراد، وهو من العلماء والفضلاء والزهَّاد، حتى يقال: إنه سادس خلفاء الإسلام، كان من أعدل الناس، وكان يصلي الليل إلا قليلاً، ويصوم أكثر الأيام، ولا يسمع الموعظة إلا بكى، وجاهد في سبيل الله حتى أتته جروح وشروخ في أرجله من كثرة ما ركب الخيل، عمل مهرجاناً في دمشق، مهرجاناً حافلاً كبيراً، حضره أمراؤه ووزراؤه وقوّاده وجيشه والناس، فأتى هذا العالم والناس قد اكتضوا في المهرجان فوقف أمام نور الدين محمود فألقى قصيدة كأنها تتقطع من القلب، يقول لـ نور الدين هذا: مثِّل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إن قيل نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي ومالك نور حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور إلى أن يقول: هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المصر على الذنوب دهور قصيدة مما تقارب أربعين بيتاً، فلما قالها قيل: أغمي على نور الدين محمود، فسقط من على كرسيه على الأرض مغشياً حتى رُشَّ بالماء، وكان يقول: هي أول توبتي في الإسلام. ومن أحسن ما قرأتُ كذلك من الشعر في الدار الآخرة قصيدة للشاعر الكبير ابن عثيمين الذي توفي قبل سنوات، وقد رَثى علاَّمة من علماء نجد اسمه عبد الله العجيري، يقول في قصيدته وهي مَرْثِيَّة محزنة: هو الموت ما منه ملاذٌ ومهربُ متى حُطَّ ذا عن نعشه ذاك يركبُ نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلَّ الرجا مما نرجيه أقربُ ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخربُ نشاهد ذا عين اليقين حقيقة عليه مضى كهل وطفل وأشيبُ ولكن علا الرانُ القلوبَ كأننا بما قد رأيناه يقيناً نكذِّبُ إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندبُ إلى آخر تلك القصيدة.

من تاب تاب الله عليه

من تاب تاب الله عليه Q أنا شاب ابتليت بصحبة سيئة، ووقعت في بعض المحرمات والكبائر، فما هو السبيل للرجوع إلى الله؟ وهل إذا تبتُ تُقبل توبتي؟ A سبحان الله! لا تُقْبَل توبتُك وقد قُبِلَت توبةُ المشركين الذين عبدوا الأصنام والأوثان من دون الله، وزنوا، وسرقوا، وكذبوا، وفجروا، وألحدوا؟! لا. بل أنت من أحب الناس إذا تبت إلى الله عزَّ وجلَّ: {للهُ أفرحُ بتوبة عبده من أحدكم كان على راحلته عليها طعامه وشرابه فضلَّت منه فوجدها فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح} ونداء الله للناس صباح مساء: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] وقوله جل ذكره: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. وعند مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها}. وعند مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والذي نفسي بيده، لولم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم}. وعند مسلم عن معاذ رضي الله عنه في الحديث القدسي: {يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم}. وورد عنه صلى الله عليه وسلم عند الترمذي أنه قال: {كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون}. فنسأل الله أن يتوب علينا وعليك، فإذا تبت فأكثر من الاستغفار، وافعل من الحسنات ما تكفِّر السيئات: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] {وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:22] ثم عليك أن تجانب جلساء السوء فلا تجلس معهم، إلا أن ترى أنك تستطيع أن تحولهم وتُقْبِل بقلوبهم على الله فلك ذلك. شروط التوبة: الأول: أن تعزم على ألا تعود إلى ما كنت تفعل. الثاني: أن تندم على ما فعلت من المعاصي. الثالث: أن ترد حقوق الناس إن كانوا من أهل الحقوق؛ كأخذ مال، أو غصب ملك، أو انتهاك عرض، عليك أن ترد هذه الحقوق إلى أهلها إن استطعت، وإن رأيت أن ثمة مضرة أو أنه سيجلب عليك بعض الأمور التي لا تُحمد عقباها، فعليك أن تتصدق به على نية صاحبه إذا كان مالاً، والله يتولانا وإياك. جزى الله الشيخ خيراً على تفضله لإجابة الأسئلة، ونسأل الله عز وجل أن يجعلها في موازين أعماله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من عوامل النصر والهزيمة

من عوامل النصر والهزيمة إن الأمة الإسلامية اليوم تعيش هذه المرحلة الحرجة الموسومة بالضعف والهوان بعيدة عن النصر وذلك لأسباب عديدة، وكما أن النصر لابد له من عوامل فكذلك الهزيمة لابد لها من أسباب، فمن عوامل النصر والهزيمة ما تجدونه في طيات هذا المادة.

موجز في عوامل النصر والهزيمة في الأمة

موجز في عوامل النصر والهزيمة في الأمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد: هذه المحاضرة بعنوان: من عوامل النصر والهزيمة، وعناصرها كما يأتي: عوامل النصر: طلب الشهادة. رفع راية الجهاد. القتال لتكون كلمة الله هي العليا. الشجاعة الإيمانية. الدعاء واللجوء إلى الواحد الأحد. التوكل على الله تبارك وتعالى. الإعداد: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60]. التوبة النصوح، وترك الخطايا والذنوب. تسخير وسائل العلم والإعلام لخدمة الدين. إصلاح المناهج الدراسية. إقامة القسط وتوخي العدل. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعوامل الهزيمة: عدم الثقة بالله تبارك وتعالى. الاغترار بالكثرة والقوة. الإرجاف وتصديق الشائعات. التخذيل في صفوف الذين آمنوا. الترف والترهل. اشتغال الأمة بالتوافه. ضعف الهوية الإيمانية. الإسراف في المباحات الملهية. اهتمام الأمة بصغار المسائل على حساب كبارها. عدم ربط الأمة بعلمائها. التنازع والاختلاف. النفاق في الأمة؛ النفاق الاعتقادي والنفاق العملي.

عوامل النصر في الأمة

عوامل النصر في الأمة إذا عاش الناس لحظات الصفر، وهم يلقون مناياهم فما علينا؟ وما نحشد لهذه الأحداث، إلا كما يحشد لها الذين آمنوا ولبسوا أكفانهم في بدر وأحد، وعين جالوت، وحطين وأنتم أبناؤهم "ومن يشابه أبه فما ظلم". نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا والله يقول: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140] ويقول سبحانه وتعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104]. فالمسلم يموت والكافر يموت، ولكن المسلم ترفع روحه إلى الحي القيوم: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. ونريد أن نخبر الناس في هذه الفترة الحرجة أنا أبناء الذين فتحوا ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، بلا إله إلا الله، وأنا أبناء الذين أتوا إلى معركة أحد، وقد لبسوا الأكفان واغتسلوا، ويقول أحدهم: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]]. وأنَّا أبناء عقبة بن نافع الذي وقف في صحراء أفريقيا في الغابة، وقال: أيتها الوحوش والحشرات، ادخلي جحوركِ فإنّا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جئنا نفتح الدنيا. فلماذا نخاف الموت والله يقول: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة:52] هكذا ربانا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام. رسول الهدى بستانك اليوم أخضر وذكراك عصفور من القلب ينقر أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا وأنت لنا التاريخ أنت المحذر تذوب شخوص الناس في كل لحظة وفي كل يوم أنت في القلب تكبر قال الله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] يقول أحد العلماء: متناً وسنداً، فنحن أمة الوحي، أمة تتلقى تعاليمها من الله، وترتفع أرواحها إلى الله، وتعيش لله، وهي أمة الخلافة في الأرض، متى ما تمسكت بالدين كانت شجاعة، فَلِمَ الخور والجبن؟ يقول أحد الشجعان في إحدى المعارك: لترم بي المنايا حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتين يقول: ترمي بي المنية حيث شاءت إلا في حفرة النار، نار جهنم، ويقول: أقدم جمجمتي؛ لترتفع لا إله إلا الله. الطرماح بن حكيم، وهو أحد الصحابة، كان يبتهل إلى الله -يوم أن كانت الأمة تصدر من الإيمان، يوم أن كانت تشرب ماء زمزم، يوم كانت عند الركن والحطيم -يقول: أيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت على شرجع يعلى بخضر المطارف ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فج من الأرض خائف إذا فارقوا أوطانهم فارقوا الردى وساروا إلى موعود ما في المصاحف يقول: يا رب لا تقتلني على فراشي، لا تجعلني أموت حبطاً في المستشفى، في غرفة الباطنية، كما ماتت الأمة حبطاً من كثرة ما أكلت وشربت، وأصبح عندنا شهداء البطون، هم أهل غرف الباطنية، وأصبح المستشفى الواحد يرحب بالمرضى، ولكن من بطونهم لا من جماجمهم، فيقول: ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فج من الأرض خائف {مد ابن رواحة يده إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم قال يا رسول الله! على ماذا تبايعنا؟ -في العقبة - قال: أن تنصروني وتحموني مما تحموا منه نساءكم وأهليكم وأطفالكم، قال: فإذا فعلنا ذلك؟ قال: لكم الجنة -ولم يقل لكم الدنيا- قال: ربح البيع، والله لا نقيل ولا نستقيل}. يقول أحد الصحابة يوم أن رباه رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، على بذل النفس في وقت الخطر: إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا صدود الخدود والكرام المناكب صدود الخدود والقنا متشاجر ولا تبرح الأقدام عند التضارب

الأول: طلب الشهادة

الأول: طلب الشهادة أول عامل من عوامل النصر: طلب الشهادة، وتسليم النفس لمن خلقها، وهي وديعة عندك تتحرى لحظة الصفر لتقدمها لمن أودعها، والله سبحانه وتعالى يقول للنفس: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:28]. ولا يرجع الشيء إلا بلبيك، فبدأت من الله ولا تعود إلا إلى الله، والله يقول في صك المعاهدة الذي وقع عليه أهل بدر وأحد، وأهل الأحزاب، والقادسية واليرموك: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111]. وفي صحيح البخاري أن رسول الهدى عليه الصلاة والسلام يقول وقد شرفه الله بالرسالة أعظم من الشهادة، يقول: {والذي نفسي بيده، لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل} ولذلك قادهم وفتح المستعمرات والقلاع، وخطب أصحابه على منابر الأندلس، وصلوا إلى السند، وذهبوا إلى بخارى، محمد عليه الصلاة والسلام هو واجهة الأمة. هذا الرجل العظيم بأبي هو وأمي، يأتي في معركة بدر فيقود المعركة بنفسه، ويحضر أحداً فيتدرع بدرعيه، ويقاتل، ويقول الله سبحانه وتعالى له ليكون قدوة للأمة في الشجاعة والمحاربة: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} [النساء:84] يفر بعض أصحابه وجيشه في غزوة حنين وهو في خط النار -في الخط الأول- فلا يفر، بل يستل السيف وينزل من على البغلة، ويقول: أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب. فحياه أحد شعراء العروبة ولو أنه قومي، لكن هزته شجاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أدبت في هول الردى أبطالها وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب قولها أفعالها كان يضرب ألف مقاتل مع مالك بن عوف النصري من هوازن، أخذ التراب وقال: {شاهت الوجوه} فما بقيت عين إلا دخلها التراب، وصمد للمعركة حتى انتصر انتصاراً باهراً. يقول علي بن أبي طالب وهو من أشجع الناس، لكن شجاعته تلاشت في شجاعة الشيخ الكبير والأستاذ الجليل، يقول: [[كنا إذا اشتد بنا الخطر وحمي الوطيس، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أقربنا من القوم والحرب]] ولذلك تربت الأمة على الشجاعة، ودلفت كتائبه إلى نهر دجلة والفرات والنيل تبايع الله وتفتح الدنيا بلا إله إلا الله، وأصبح الصحابي الواحد منهم يكبر فينصدع الإيوان، وينهدم القصر، وتنفتح القلعة. تعال يا من حاله في وبال وروحه مغروسة في عقال يا راقداً لم يستفق عندما أذن في صبح الليالي بلال روض النبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال معاذ بن عفراء في الخامسة عشرة من عمره، وأهل الخامسة عشرة اليوم يشترون اللاصق ويضعونه على النوافذ، ويغمى عليهم قبل أن يأتي الكيماوي؛ لأن الجبان يموت باليوم ألف مرة، والشجاع لا يموت إلا مرة واحدة. معاذ بن عفراء يدخل المعركة وهو في الخامسة عشرة يقول: أين أبو جهل؟ قالوا: ذاك، فلما بدأ الهجوم، وأعلنت حالة الطوارئ، وبدأ السيف يقطر من الدماء، انطلق هو وأخوه على أبي جهل فجعلوه شذر مذر، ويعود بسيفه لا طائشاً ولا رعديداً ولا جباناً، ويقول: يا رسول الله! أنا قتلته، ويقول أخوه: أنا قتلته، فيتبسم القائد العظيم، ويحيى الجيل الخالد، جيل القرآن، ويقول: {كلاكما قتله}. متى كانت هذه الأمة أمة ساقطة تخاف الموت، أمة ترى في المنام الموت وهي تود أنها بالأعراب، أو تجد مغارة أو مدخلاً تولي عن نفوس المستعمر، أو عن اليهودي، أو عن الماركسي؟ متى كانت كذلك إلا يوم أبطلت طلب الشهادة. خرج ابن رواحة من مسجده عليه الصلاة والسلام يقاتل في مؤتة، فقال الصحابة: يعود إلينا ابن رواحة بالسلامة، قال: لا. لا يريد السلامة، ما خلق إلا ليقتل، وما رفع الرأس فوق الرقبة إلا لينسف، لكن في سبيل الله، أبناء شامير وأبناء ديكسمان، يقتلون في سيناء تحت الدبابات المصرية من أجل راية النمرود. البلاشفة الحمر يقتلون في أفغانستان من أجل راية لينين واستالين. وأنتم أحفاد صلاح الدين! وطارق بن زياد، ومحمود بن سبكتين! فيقول ابن رواحة: لكنني أسأل الرحمن مغفرة وطعنة ذات فرع تقذف الزبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا فيقتل في المعركة ويمر الصحابة ويسلمون على قبره ويبكون ويقولون: يا أرشد الله من غاز وقد رشدا، هذه هي الحياة. علي بن أبي طالب يأتي في صفين، فيتبسم لما رأى قرينه يبارزه، فوضع الدرع من على جنبه، يعني من الشجاعة، يقول: أبارزك وأنت عندك درع وأنا بلا درع، ثم يقول: أي يومي من الموت أفر يوم لا يقدر أم يوم قدر يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر أما يقتل في اليوم الواحد العشرات بحوادث السيارات؟ أما سمعنا أن بعض الناس أكل عصيداً حاراً فتفجر في بطنه، أو نشب عظم في حلقه، فمات شهيداً على الفراش، أو جلس في المسرح وهو ينشد أغنية ليحيي بها الأمة الهامدة! أو يقدم مسلسلاً فزلق من على المسرح فوقع على أم رأسه فمات؟! لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار سعد بن الربيع يدبج دمه في المعركة ويقول له سعد بن معاذ: ماذا تريد يا سعد بن الربيع؟ وهو من أهل الآخرة، قال: [[أبلغ رسول الهدى عليه الصلاة والسلام مني السلام، وقل جزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمته، والذي نفسي بيده لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً]] وهذا قبل أن يلقى الجنة، لكن رأى العلامات: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30]. فطلب الشهادة إذا رسخ في الأمة، وأصبح يعيش معها في أدمغتها، وتفكيرها، ومشاعرها، أصبحت أمة شجاعة، لا تخاف، ولا تجزع ولا تخرج إلى البوادي، لا تتدثر بالألحفة والأغطية، لأنها أمة سلاح.

الثاني: رفع راية الجهاد

الثاني: رفع راية الجهاد {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4] مثل صفوف الصلاة، يقول محمد إقبال: نحن الذين إذا دعوا للصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا يقول: إذا حان أذان الظهر أو العصر ونحن في المعركة، أوقفنا القتال، وهذه هي صلاة الخوف، التي في الصحيحين. جعلوا الوجوه إلى الحجاز وكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا يقول: نحن إذا لقينا المعركة، وأذن المؤذن كبرنا واستقبلنا الحجاز إلى الكعبة، فإذا كبرنا كبر جبريل في السماء، فارتفع تكبيرنا إلى الواحد الأحد: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]. ولكن الأمة يوم خانت حيّ على الصلاة، خانت حيّ على الكفاح، ولما خانت صلاة الفجر، ولم تصل صلاة الفجر في الجماعة، خانت الجبهة، ولم تستطع أن تصمد صموداً هائلاً يسمع به الناس وتسمع به إسرائيل وروسيا ومن وراءهما. ولكن الأمل في الله، ثم فيكم أنتم يا أهل صلاة الفجر، لا نوم بعد الفجر. أتنام يا خدن العقيدة كيف تغفو يا أخاه أتنام والفجر الجميل إذا تبدى في حياه الليل ولى هارباً يخشى الأذاة الطغاه رفع راية الجهاد في سبيل الله، بأن تُدَرَّس أبواب الجهاد، وتُعلن صريحة على الناس. كان المسلمون في القرن الثالث والرابع -لما تلقوا هجمات عاتية- يدرِّسون كتب الجهاد، ويوزعون أحاديث الجهاد، وتكون الخطب في الجهاد، فعلى خطباء الجُمع، وعلى الأئمة والعلماء أن يحركوا وازع الجهاد في سبيل الله، والجهاد أميت في العالم الإسلامي، فتولت الأمة خطيئة ما سمع الدهر بمثلها. أصبحنا ندافع، وأصبحنا نقول: ليس لنا أطماع في بلاد الله، كيف وإسرائيل تقطن بيت المقدس؟ كيف وجرباتشوف موسكو ليست له؟ كيف وأعداء الله عز وجل يرثون في الدنيا، لا. الدنيا للمسلمين كما قال تعالى: {أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105] الدنيا ليست لهؤلاء الزنادقة العملاء، هم دخلاء في الدنيا، الواجب تطهيرها منهم، نعم لنا أطماع، لنا أن نزيحهم تماماً، وأن نملأ أفواههم تراباً، وأن نرفع راية الجهاد راية لا إله إلا الله. إن العلمنة أوحت للأمة أنه لا يجوز للمسلم أن يعتدي حتى على الكافر، وليبقى الكافر يعايش المسلم، ويسمون المعايشة إنسانية، هذا الأمر لا يمكن بالمنطق، أتعايش شامير وجرباتشوف وأذنابهم وعملاءهم وتبقى ويبقى البعث؟! لا. فلا بقاء للكفر في الأرض مادام هناك لا إله إلا الله، ولا إله إلا الله، من مبادئها تكون أو لا تكون البشرية، تبقى أو لا يبقى أحد. لأنها كونية التعاليم، ربانية المغفرة، ولا إله إلا الله كلمة خطيرة، ما دمر قوم نوح بالغرق إلا من أجل لا إله إلا الله، ولا أتت الصيحة إلا من أجل لا إله إلا الله، ولا جيئ بالجنة والنار إلا من أجل لا إله إلا الله، وراية الجهاد.

الثالث: القتال لتكون راية الله هي العليا

الثالث: القتال لتكون راية الله هي العليا نحن حقيقة لا نقاتل من أجل وطنية، والوطنية نزعة شركية تعبد من دون الله، وإلا فوطني كل أرض ذكر فيها اسم الله، كابول وطني صنعاء وطني، بغداد وطني، الكويت وطني الجزيرة وطني: في الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني وأينما ذكر اسم الله في وطن عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني لم يكن لنا حدود يوم ملكنا الدنيا، كان عمر في المدينة يحكم اثنتين وعشرين دولة، وكان هارون الرشيد يحكم ثلاثة أرباع آسيا، وكان المعتصم يهدد حدود بلغاريا الآن. كان من طموحات عمر بن عبد العزيز، أن يفتح ما وراء سيحون وجيحون، لماذا؟ حتى تطبق لا إله إلا الله في الكرة الأرضية. لأن هؤلاء الحشرات إما يحرقون أو إلى النفايات، لأن الأرض من خلقها؟ الله، ومن خلق الذي عليها؟ الله. وماذا يريد الله من الخليقة؟ {وَأَنِ اعْبُدُونِي} [يس:61] لا إله إلا الله، نريد أن ترسخ في قلوب الناس. جاء رجل كما في الصحيحين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: {يا رسول الله! الرجل يقاتل رياء، ويقاتل سمعة، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله} أتقاتل من أجل أمتار من الأرض، أو سيارة، أو منصب. ألا بلغ الله الحمى من يريده وبلغ أكناف الحمى من يريدها قتل أحد الناس في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فقال الصحابة: هنيئاً له الجنة يا رسول الله! قال صلى الله عليه وسلم: {كلا والذي نفسي بيده إن البردة التي غلها تتلظى عليه في نار جهنم} لأنه سرق بردة، غلها من الغنيمة، فأخذها فكانت حظه من الجهاد. وخرج أحد الأبطال من المدينة، يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد فحمل السيف، وما ترك شاذة ولا فاذة إلا أتبعها بسيفه يضربها ثم أصابه جراح في رأسه حتى وصل عضده، فجزع فاتكأ على سيفه حتى خرج من ظهره، فلم يعرف الصحابة لماذا قتل، ومتى قتل، فقالوا: هنيئاً له الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: {كلا والذي نفسي بيده إنه من أهل النار} فذهبوا فوجدوه قد قتل نفسه. إن القتال من أجل أن تكون لا إله إلا الله أعلى وأجل، من أجل أن تسيطر لا إله إلا الله في الأرض، وأن تكون إياك نعبد وإياك نستعين هي التي توجه الناس، وتوجه الشعوب والأمم والدول.

الرابع: الشجاعة الإيمانية

الرابع: الشجاعة الإيمانية الرسول صلى الله عليه وسلم ربى أصحابه على حالة الاستنفار، فالترهل والكسل، والجبن والخور لا يعرفه أحد منهم، يصعد المنبر ويخطب، ويمسك السيف في أول أيامه، يعلن حالة الاستنفار والحرب على أبي سفيان من على المنبر، أعلنه يوم الجمعة، فيستشير الصحابة صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر وهم جلوس -كانوا أحياناً يصلون بالسيوف- فيقول: ما رأيكم نقاتل أبا سفيان في المدينة أو نخرج له؟ وكان يريد صلى الله عليه وسلم أن تكون المعركة داخل المدينة؛ لأن حرب المدن دائماً المدافع ينتصر بإذن الله على المهاجم، وهذا هو الرأي الصحيح، قال: تكون الحرب داخل المدينة، حتى يقتل أبو سفيان وجيشه في الأزقة وفي المنحنيات، وفي مجامع الطرق، فصوت كبار الصحابة على هذا الرأي، ودخل مالك بن سالم من الأنصار، شاب في العشرين من عمره، وعليه ريشة نسر وقد سل سيفه وقال: {يا رسول الله! اخرج بنا إلى أحد أيسبي أبو سفيان سبايانا ويأخذ غنمنا ونقاتل داخل المدينة، يا رسول الله! لا تحرمني دخول الجنة، فو الذي نفسي بيده لأدخلن الجنة} ذكرها ابن إسحاق. فقال صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم على المنبر من هذه الحرارات والتوقدات، قال: {وبم تدخل الجنة؟ قال: بخصلتين قال: ما هما؟ قال: أحب الله ورسوله، ولا أفر يوم الزحف} فيخرج صلى الله عليه وسلم إلى أحد ويدير المعركة على رأس أبي سفيان، وهكذا سلّم صلى الله عليه وسلم راية الجهاد على المنبر لـ عمرو بن العاص، وسلّمها لكثير من المقاتلين، وقال على المنبر: {وأخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله عليه}. فالقرارات العسكرية كان يعلنها صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، ولم تكن خطب الجمعة تقتصر على الغسل من الجنابة فقط، ولا على التيمم ولا تحريك الأصبع، لا. خطب الجمعة للا إله إلا الله، وإماطة الأذى عن الطريق، في الاقتصاد، والأدب، والحياة، هي لعالم الغيب والشهادة، هكذا أرادها عليه الصلاة والسلام. الشجاعة الإيمانية، مثل خالد، كان يصلي بالمسلمين في اليرموك، وكان جيشه أقل من ثلاثين ألفاً، وجيش الروم ما يقارب ثلاثمائة ألف، انظر الفارق، عشرة أضعاف، قال: [[إني مصلٍ بكم الفجر، ثم إني مكبر فإذا كبرت الأولى فاركبوا الخيول، يعني الخيالة -الكمندوز- وإذا كبرت الثانية: فيمموا العدو، وإذا كبرت الثالثة: فابدأوا باسم الله]] فكبر أبو سليمان، وبدأ في التكبيرة الثالثة: وقد بدأ الهجوم الصاعد وكان خالد قد خاض مائة معركة في الجاهلية والإسلام، لم يهزم في معركة. تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله يشعلها وخالد في سبيل الله يذكيها ولا أتى بقعة إلا سمعت بها الله أكبر تدوي في نواحيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها يوم مات كان يقول: [[فلا نامت أعين الجبناء]] يقول: الليلة فرحة الجبناء من السعود؛ لأنهم سوف يسمعون أن خالد بن الوليد مات، ومعنى ذلك أنهم سوف يعلقون العقود الكهربائية، ويرقصون ليلهم إلى الفجر، لأن هذا عيد وفرح وسرور، ولكن خلف لهم خالد ألف خالد، وخلف لهم صلاح ألف صلاح، وخلف لهم طارق ألف طارق. ويعيشها الإنسان مثل المعتصم. المتوكل على الله عز وجل، أتاه المنجمون عندما أراد أن يفتح عمورية فقالوا: احذر، برج الذنب الآن قد استكمل، فإذا أتى برج العقرب فاغز الروم، وهل يتعامل المعتصم مع النجوم؟ أمة تعرف لا إله إلا الله، تعرف: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] قال: آمنت بالله وكفرت بكم، والله لأغزون هذا اليوم، وتحرك بتسعين ألفا. تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصب ولكن ما هو برنامج الجيش؟ جعل ابن مرزوق محمد بن الحسن الشيباني الإمام والمفتي والخطيب للجيش، إنها أمة تصلي الصلوات الخمس، وتقرأ القرآن ولها حزب من القرآن، أمة تتهجد وتتصل بالله. وصل المعتصم إلى المعركة، ودمر عمورية، وانتصر بإذن الله، وقال له أبو تمام يحييه: أين الرواية أم أين الدراية كم صاغوه من زخرف فيها ومن كذب بهارج وأحاديث منمقة ليست بنفع إذا عدت ولا غرب فالنصر في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب النصر بالقتال، النصر بالاعتزاز بقدرة الواحد الأحد. ويعيش ابن المبارك، عالم محدث وراوية، لكن العالم الإمام في المنبر وفي المحراب ينقلب إلى أسد في الجبهة. إن تصنيف الناس إلى تخصصات واجب، لكن إذا طغى تخصص على تخصصٍ آخر وأعدمه فليس بوارد، فـ ابن المبارك يخرج من الحرم وهو المفتي، فلامه الفضيل بن عياض على ذلك وقال: تخرج من الحرم وتقاتل، وتترك الصلاة فيه، والصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة، وكان ابن المبارك أفقه، فقال: نعم أخرج. بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا ويقاتل ابن المبارك في المعركة، ويقتل سبعة في يوم واحد، فيرسل له الفضيل يلومه، ويقول: تركتنا، وتركت الحرم والدروس، فيكتب له: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب هذه مصداقية الشجاعة الإيمانية التي ورثها المسلمون من معلمهم الكبير عليه الصلاة والسلام. شيخ البخاري أبو إسحاق وإذا قال البخاري: أبو إسحاق، فهو الفزاري الذي يقول البخاري عنه: أشجع من عرفنا في الإسلام أبو إسحاق الفزاري، فقال الرجل: لا. ليس بصحيح هذا، فغضب البخاري فقال: أشجع الناس في الإسلام والجاهلية. وأبو إسحاق شيخ محدث، قتل ألف مقاتل مبارزة بدون سيف، كان عنده مثقال من الحديد لا أدري كم وزنه، ذكره الذهبي، وكان قوي الجسم، فإذا خرج الفارس يبارز أبا إسحاق فر أبو إسحاق أمامه، ثم يلتفت إليه فجأة فيضربه على رأسه، فيوقعه على الأرض بدمائه. كان أبو إسحاق من أشجع الناس على الإطلاق، وقد حياه الخلفاء في عهده، لأنه كان محدثاًَ يعرف حدثنا ورواه فلان، ويعرف الجرح والتعديل، لكنه إذا حضر المعركة عرف الجرح والتعديل من نوع آخر.

الخامس: الدعاء والاتصال بالواحد الأحد

الخامس: الدعاء والاتصال بالواحد الأحد الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر يسهر الليل. نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك حتى سقط رداؤه من على جنبه الشريف صلى الله عليه وسلم، فيقول أبو بكر: يا رسول الله! بعض مناشدتك لربك، يعني يكفي، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أعرف بالله، ويعرف صلى الله عليه وسلم أن أقرب الناس من الله الملحين، والله يحب الإلحاح، ويحب سبحانه وتعالى الذي يسأله كثيراً. الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب فكان صلى الله عليه وسلم يقول طيلة الليل: {اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد اليوم} فنصره الله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:9] فقبل الله الاستغاثة. ولقد سمعت في شريط يتكلم عن غزوة بدر وهو حسن، لكن بعض العبارات لا بد أن تضبط بضابط الشريعة، لأن البياض إذا زاد أصبح برصاً، وهذه الكلمات مثل الوردة تشم ولا تعك، سمعته يقول: اتصل صلى الله عليه وسلم في ساعة الصفر في المعركة اتصالاً مباشراً بالله عز وجل فوق العرش، وقال: عاوز ألف من الكمندوز، قال: فنزل جبريل يقود ألف مقاتل، ونزل بهم في الحال، وجبريل هو قائد الفرقة الثامنة والثلاثين والمتخصصة في النسف والإبادة. ونقول لهذا: لا. لا بد أن تضبط عبارتك بضابط الشريعة، نزل جبريل تحت لواء الرسول صلى الله عليه وسلم. قالوا للأصمعي: ما هو أشرف بيت قالته العرب؟ قال: أشرف بيت قول حسان يوم بدر: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد هذا أشرف بيت، إي والله، من هو تحت اللواء؟ جبريل نزل تحت لواء الرسول صلى الله عليه وسلم، وأهل العلم من أهل السنة يقولون: كانت الملائكة والصحابة تحت لواء الرسول صلى الله عليه وسلم بالإجماع، والمعلوم عند أهل السنة: أن الملائكة كانت تتلقى أخبارها وأوامرها ونواهيها في المعركة والإقدام من العريش من قيادة الرسول عليه الصلاة والسلام. فأشرف بيت قالته العرب هو هذا: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد يقول: هل عندكم مثلنا؟ عندكم مثل جبريل ومحمد تحت الألوية، أما لواؤنا في بدر فكان أسود يعلن حالة الخطر، وكان تحته الرسول صلى الله عليه وسلم وجبريل، والرسول صلى الله عليه وسلم أشرف عندنا من جبريل عليه السلام. علي بن موسى بن الرضا كان وزيراً في عهد المأمون، من آل البيت من بني هاشم، فمدح الحسن بن هانئ جميع الخلفاء وترك هذا الأمير، فغضب الأمير، فاعتذر إليه، وقال فيه قصيدة يحييه ويذكر جبريل مع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول جده عليه الصلاة والسلام لأمه، رضي الله عنهم جميعاً، فقال في مدحه: قيل لي أنت واحد الناس في كل معنى من الكلام بديهي لك من جيد القريض مديح ليس يعرى عن مفخر مكتسيه فعلام تركت مدح ابن موسى وهو أحرى بأعظم التنويه قلت لا أستطيع مدح إمام طهر الوحي بيته وذويه ما عسى أن أقول في مدح من قد كان جبريل صاحباً لأبيه أي: الرسول صلى الله عليه وسلم. فلا بد من الشجاعة والدعاء والاستغاثة بالله عز وجل حتى في أوقات الخطر، وكان صلى الله عليه وسلم يقول قبل المعركة: اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم، وذكر الله عز وجل في المعركة فقال: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:147] فماذا قال: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:251]. فيا أيها الإخوة: نحن بحاجة إلى الدعاء وخاصة في المدلهمات يقولون: قتيبة بن مسلم كان في معركة، فالتمس محمد بن واسع فأخبروه أن محمد بن واسع يرفع أصبعه ويدعو ويقول: يا حي يا قيوم اللهم انصرنا قال: والله لأصبع محمد بن واسع خير عندي من ألف سيف شهير، ومن ألف شاب طرير. وانتصر بإذن الله. فالله الله في الدعاء واللجوء إليه، خاصة في هذه الليالي في السجود، أن يحمي الله عقيدتنا، وإسلامنا، وأن ينصرنا، وأن يجعل الدائرة على أعدائنا.

السادس: التوكل على الله

السادس: التوكل على الله لن تهزم أمة تنطلق وتقول: حسبنا الله ونعم الوكيل: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] وكان الأنبياء يقول أحدهم: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى:10] فالتوكل على الله عز وجل: أن تفوض الأمر إليه، وأن تعتمد عليه، وأن ترضى بنصره، وأن تعرف أن من سننه القدرية والأمرية الشرعية، أنه ينصر أولياءه، وأن الظالم لا ينصر، ولا يقف معه، وأن الباغي يهزمه سبحانه وتعالى، ونحوها من السنن التي استفاضت في الكتاب والسنة، فالتوكل عليه، أن تعلم أنك التجأت إليه: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:56] فمن يغلب حزب الله؟! توكلنا على الرحمن إنا رأينا النصر للمتوكلينا الله معنا، والشيطان مع المجرمين: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:11] {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257].

السابع: الإعداد

السابع: الإعداد يقول سبحانه وتعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60] ويقول سبحانه: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة:46]. أمة تؤمن بالأسباب، وتعلم أن المسبب سبحانه وتعالى هو الذي يقدر وبيده الأمر والحكم، وعنده مقدار كل شيء: إذا أراد أمراً فإنما يقول له كن فيكون، أمة لا تتخلى ولا تتغافل ولكنها تتوكل. اعقلها وتوكل، وقد بارز صلى الله عليه وسلم وعليه درعان، وجند جيوشه وكان يسابق بين الخيل لتستعد للمعركة، وكان يباري بين أصحابه ويناظر معهم، ويشجع صلى الله عليه وسلم ويركب الأوسمة، ويدعو صلى الله عليه وسلم للشجعان، وينفل الغنيمة، حتى يقول: صوت أبي طلحة خير من مائة فارس في المعركة، وكان يدعو لـ خالد لأنه أبلى بلاءً حسناً. ويقول علي بن أبي طالب: {ما سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يفّدي أحداً بأبيه وأمه إلا لـ سعد، يقول له يوم أحد، وهو يعطيه الأسهم، ارم سعد فداك أبي وأمي} ويكفي سعد بن أبي وقاص أنه دمر امبراطورية كسرى ولعب بها وسحقها على التراب. سعد بن أبي وقاص، هو الذي أعلن لا إله إلا الله في المدائن. فالمطلوب أن نعد إعداداً عقدياً وعسكرياً، وهو الواجب والمفروض؛ لنكون أمة مرهوبة الجانب. والأمم والشعوب لا تهادن إلا القوي، ولا تحترم إلا القوي؛ لأننا في عصر التكتل والقوة، لا يؤمن إلا بالسوط والسيف والحديد والنار. كان في القرن الثاني رجل في الحرم المكي يطوف، وكانت عنده امرأة جميلة، فكان يقول لأحدهم: لا تنظر إلى المرأة، قال: بل سأنظر وماذا في النظر! قال: انتظر قليلاً فذهب إلى جرابه، وأخرج السيف مصلتاً، وقال: إن كنت شجاعاً فانظر، فغض طرفه، فقال هذا الرجل: تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي مربض المستأسد الضاري وهذه قاعدة معروفة. الأمم والشعوب، لماذا تحترم بعضها؟ للقوة، وإلا فالدول الصغار ضيعت في دقائق وثوان؛ بسبب أنه ليس عندها قوة ومناعة، لأن العالم الآن ولو عنده هيئة الأمم، وعنده مجلس الأمن، لكنه عالم ظالم، فتجد في البند الثالث من بنود مجلس الأمن يقول: إذا اعتدت دولة من الدول الخمس التي تملك حق النقض "الفيتو" على دولة، فلا يحق للدول أن تتدخل. الآن روسيا - الاتحاد السوفيتي سابقاً- لما اعتدى على أفغانستان أسمعتم أن دولة تدخلت؟ لا؛ لأن ميثاق الأمم الظالم هكذا. ثم يقول في البند الرابع: وإذا اعتدت دولة تساندها دولة من الدول الخمس دائمة العضوية التي تملك حق النقض، فلا يحق لدولة أن تتدخل ضد هذه الدولة ولو كانت فقيرة، فإسرائيل الآن لما أخذت فلسطين، هل وقف لها أحد؟ لا. فهذا ظلم، فعلى المسلمين أن يعرفوا أن العالم هذا لا يريد إلا القوة، ولا يحترم إلا القوي. يقول زهير بن أبي سلمى، ولو أننا نخالفه في البعض ونوافقه في البعض، يقول: ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلم فأما الشطر الثاني فنكفر به، وأما الشطر الأول فنؤمن به.

الثامن: التوبة النصوح والعودة إلى الله

الثامن: التوبة النصوح والعودة إلى الله إن أكبر أسباب الهزيمة في المعركة هي الذنوب والخطايا. كان عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول لـ سعد: [[يا سعد بن وهيب -أي: ابن أبي وقاص - يا سعد بن وهيب! لا يغرنك قول الناس إنك خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، وأقربهم إلى الله أتقاهم، الله الله يا سعد في المعاصي]]. يقول: اتق الله وإياك والمعاصي في المعركة، وأخبره أنهم لن ينهزموا إلا بالمعاصي، فالأمة إذا أخفقت في عالم الجهاد، والقتال، وفي المعركة، فسبب ذلك معاصيها وجرائمها وفواحشها، وتقصيرها مع ربها. {يا عبادي! إنكم تذنبون في الليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم}: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]. يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله

التاسع: تسخير وسائل الإعلام لخدمة الدين

التاسع: تسخير وسائل الإعلام لخدمة الدين إننا نريد من الصحيفة أن تحدثنا عن عمر، وخالد، في الافتتاحية الصباحية، وأن تشرح صدورنا في الصباح وهي تكلمنا عن أبي حفص، وعن سيف الله المسلول خالد بن الوليد، وعن أبي بكر وعلي. نريد أن تحدثنا عن كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، نريد حياة لا نريد موتاً، ولا نريد أن تطمس النور في قلوبنا وأن تضيع أفكارنا، ولا نريد السقوط، بل نريد حياة تستمد مددها من لا إله إلا الله. نريد صحيفة في الصباح إذا قرأها الجيل أشرقت أنوارهم وأساريرهم، وأنارت قلوبهم، وعادت الحياة إلى ضمائرهم، هذا هو القرآن باختصار. ونريد شاشة تعرض لك التوحيد، تعرض لك على جنباتها وقسماتها: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. تعرض: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] تعرض: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]. نريد تراجم لمحمد عليه الصلاة والسلام، مع سيرته في الجهاد، مع أيامه الخالدة، هذا هو المقصود؛ إذا أريد للأمة أن تحيا حياة جادة هادفة قوية، وأن تبقى منتصرة رأسها في السماء.

العاشر: إصلاح المناهج الدراسية

العاشر: إصلاح المناهج الدراسية إصلاح المناهج الدراسية، ألا يربى الجيل فقط على الأمور العلمية، أو الثقافية المجردة بدون رابطة من العقيدة، نعم نعرف أن الطلاب يعرفون خَبَزَ، وصاغَ، وخاطَ وزرعَ وأكلَ وشربَ، لكن على الأمة أن تربى من أول يوم على قل هو الله أحد. وهناك في الصف الثاني الابتدائي قصة طه والطبلة، كان لـ طة طبلة يضرب عليها نحن نريد: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:1 - 3]. وإلا فالنصوص كثيرة، والمقطوعات كثيرة، نحن نريد أن يربى الشباب على سير السلف الصالح، وحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، وسير أئمتنا وعظمائنا، حتى يخرج الطالب من الابتدائية وهو يحمل روح الجهاد ويتمنى الجهاد في سبيل الله. نود إصلاح المناهج الدراسية بحيث تستمد فطرتها من الكتاب والسنة، وقد أكثرت الأمة في جوانب ليست بحاجة إليها، مثل مناهج الجغرافيا فإنك تجد التفصيل في مدن وصادرات وواردات وتضاريس ومناخات، تجده مثلاً يتحدث عن أسبانيا، وتبقى في ست عشرة صفحة، وهو يكلمك عن هذا البلد، وهذا مفيد، لكنه على حساب ما هو أهم منه! يكلمك عن العاصمة والصادرات والواردات، والإعلانات، ودرجات الحرارة، والصيدليات المناوبة، فإذا أثقل الطالب بهذه المعلومات على حساب قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، والتفسير، والحديث، والفقه؛ أصبح الطالب غير مستطيع أن يجمع بين الأمرين، يقول ابن تيمية: إن اللبيب إذا شكى من جسمه مرضين مختلفين داوى الأخطرا إنسان مصاب بسرطان وزكام، فأتوا به إلى المستشفى، فقال الأطباء قبل أن يعالج من السرطان لا بد أن نعالجه من الزكام، فأيهما أفضل يحيا مزكوماً أو يموت مشافى من الزكام! مرض السرطان هو الأخطر فيعالج منه، كذلك مرض انهيار المعتقد أو عدم الصلة بالله عز وجل يقدم أولاً.

الحادي عشر: إقامة القسط وتوخي العدل

الحادي عشر: إقامة القسط وتوخي العدل قال تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل:52]. وقال ابن تيمية في الفتاوى المجلد الثاني: إن الله ينصر الأمة العادلة، ولو كانت كافرة، وإن الله عز وجل يهزم الأمة الظالمة، ولو كانت مسلمة. وهذا أمر معلوم، فالظلم منذر بالانهزام، والتبخر، والتدهور، فمن أراد النصر فعليه بالعدل وإقامة القسط، والميزان الذي أنزله الله عز وجل على الناس.

الثاني عشر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الثاني عشر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو واجب الأمة جميعاً قال صلى الله عليه وسلم: {نضّر الله امرءاً سمع مني مقالة فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع} أمة يميزها بين الأمم أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر: {أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] انظر التعبير، كان الناس موجودين فخرجت عليهم هذه الأمة من الصحراء، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله. قال عمر كما في الصحيح: [[والذي نفسي بيده لا يتم أول هذه الآية حتى يتم آخرها]] إي والله لا نكون خير أمة حتى نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله، وحتى تتصل الأمة بالله مباشرة، وتعتمد على ألا تقر المنكر والفاحشة والجريمة، لكن بشرط، أن تعرف صلاحية النهي عن المنكر والفاحشة والجريمة، كما يقول ابن تيمية، في كتاب الجهاد: "ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر بلا منكر" هذه الحكمة التي ذكرها سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. فإن بعض الناس قد ينهى عن منكر فينتج منكراً أعظم منه، ويريد أن يأمر بالمعروف فيأتي بمنكر بدل المعروف، ويفوت من المصالح، بسبب أسلوبه وعرضه، والله يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].

عوامل الهزيمة

عوامل الهزيمة

الأول: عدم الثقة بوعد الله الواحد الأحد

الأول: عدم الثقة بوعد الله الواحد الأحد إن النفاق هو الذي جعل بعض الناس لا يتصل بالله، كما سمعنا بعضهم يقول: القوة الفلانية لا يغلبها أحد! فنقول: نحن أمة مسلمة، تتصل بالله، قال: ولو! فالمنافقون مع الرسول عليه الصلاة والسلام، عندما نزل الخندق وقد ربط على بطنه حجراً فضرب صلى الله عليه وسلم الكدية التي عرضت للصحابة -وأصل الحديث في البخاري - فلمع كالبرق فلما ضرب صلى الله عليه وسلم الصخرة، تبسم صلى الله عليه وسلم وهو جائع في وقت: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب:10] فقد اجتمعت فيه قوات هائلة من المشركين، واليهود والمنافقين في حلف كافر ضد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: أُريتُ قصور كسرى وسوف يفتحها الله عليّ، فضحك المنافقون وتغامزوا وقالوا: عجيب أري قصور كسرى والواحد منا لا يأمن أن يبول من الخوف، فيقول سبحانه وتعالى مخبراً عنهم: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12]. ولكن -إي والله- لقد دخلت كتائبه مكبرة مهللة وفتحت قصور كسرى وقيصر، وطبقت عدلها في العالم، ووصلت إلى قرطبة والحمراء، وسبحت بحمد الله على نهر اللوار، مصداقاً لرسالته، ولعهده، ولميثاقه مع الله تبارك وتعالى، أليس هذا هو الصحيح؟! يجلس الرسول صلى الله عليه وسلم في غار ثور، فيقول أبو بكر: {يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا} فيتبسم -تبسم الشجاع، همة تطوي الزمن- وقال: {ما ظنك باثنين الله ثالثهما} ويقول لـ سراقة وهو يلاحقه: {سوف تسور بسواري كسرى} فيتبسم سراقة، هذا الطريد من أهل مكة يعدني بسوار أعظم امبراطور في العالم، وبعد سنوات يسور سراقة السوارين في عهد عمر ويبكي ويقول: [[صدق خليلي، صدق خليلي، صدق خليلي]]. هو الحق: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] إنها الثقة بالله. أبي بن خلف وهو كافر مجرم، كان يعلف فرسه ويقول له: سأقتل عليك محمداً، فسمع ذلك صلى الله عليه وسلم فتبسم وقال: أنا أقتله إن شاء الله، وفي أحد يأتي ويتسلل ليقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرسل عليه صلى الله عليه وسلم خنجراً فيقع في لبته فيموت، إن الأمة فقدت مصداقية الثقة، فلابد على الأمة أن تثق بالله، وتداوم على الاعتزاز به، والاتصال بجنابه.

الثاني: الاغترار بالكثرة والقوة

الثاني: الاغترار بالكثرة والقوة بعض الأمم تغتر بكثرة جيوشها، وأعدادها، وترهب العالم بها ومن هذه الأعداد أحياناً ما يكون خيالياً، ومجازفاً فيه، يرهبون بأعداد الجيوش، وينسون أن قوة الله لا تغلب، والصحابة قد مضت بهم التجربة، فقد كانوا في بدر ثلاثمائة والكفار ما يقارب ألفاً، وانتصروا عليهم، ولكنهم كانوا في حنين اثني عشر ألفاً، فنظر أبو بكر إلى كتائب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي اثنا عشر ألفاً ليس عدداً سهلاً بل في الحديث الحسن: {لن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة} أي لا يغلبون بسبب القلة، لكن قد يغلبون بسبب آخر، فيقول أبو بكر: [[لن نغلب اليوم من قلة]]. فأراه الله وأرى الصحابة أن السر ليس في الكثرة والقلة، بل السر في النصر ولا إله إلا الله، فلما بدأ الهجوم، ذهب الاثنا عشر ألفاً وفروا، ولم يبق منهم إلا ستة، فيقول سبحانه: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25]. يقول: أين كثرتكم؟ {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران:123]. أنتم في بدر كنتم قليلي العدد، لكن كنتم صادقين بـ (لا إله إلا الله) والثقة بـ (لا إله إلا الله) وحمل لا إله إلا الله، وأنتم في حنين اثنا عشر ألفاً، لكنكم وليتم. إذاً لا تنفع الكثرة، ولا تنفع القوة العاجزة المنفصلة عن الاتصال بالله عز وجل، أبداً. وإذا نظرنا إلى الفرس فقد كان عددهم ما يقارب مائتين وثمانين ألفاً، ومع سعد بن أبي وقاص قيل ثمانية وعشرون ألفاً وقيل أربعة وعشرون ألفاً في القادسية، وسحقهم سحقاً، ودمرهم تدميراً. وكان الروم ثلاثمائة ألف، وخالد بن الوليد معه ثلاثون ألفاً، فألقاهم في النهر مثل الجرذان، وصبهم على وجهوههم في النهر، ودخل بهم في هذا المضيق، وحاربهم في مضيق حتى سحبهم بالسلاسل وانتصر، لأن الله معه.

الثالث: الإرجاف وتصديق الشائعات

الثالث: الإرجاف وتصديق الشائعات قال تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ} [الأحزاب:60] المرجفون: أهل الشائعات. هؤلاء الذين يبثون في قلوب الناس والمجتمع الرعب والخوف دائماً يأتون بشائعة، حدث كذا، وسمعنا كذا، وهؤلاء قوم ليس لهم عمل في الدنيا إلا نقل الأنباء، ويسمون وكالة الكذب، وكالة (يقولون) وكالة (حدثني الثقة) وليس عندهم ثقة، ووكالة سمعت وأخبرني فلان، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {بئس مطية الرجل زعموا}. وإني أحذر من نقل الشائعة ومن ترديدها، ومن الإذعان لها، وهي مرض خطير انتشر في الأمة واستشرى، وكثّر حواجزنا النفسية، وعطل جهودها، وأفسد كثيراً من قلوب الناس، وجعلهم أمام شبح من الخيال، يحرسونه ليل نهار، فالشائعات المغرضة مرة تنشر عن العلماء، ومرة عن أهل الخير، ومرة عن ولاة الأمر، ومرة عن البلاد، ومرة عن مصادر البلاد، ومرة عن الافتقار، فأصبح الناس يصدقونها وأصبحت تنتشر فيهم انتشار النار بالهشيم، وموقفنا منها على ثلاثة أضرب: الأول: أن يكون مصدرنا دائماً التثبت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36]. الثاني: ألا نحدث بكل ما سمعنا، يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: {كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع} إذا رأيت الرجل يحدث بكل شائعة وبكل خبر، فهو كذوب، ومفتن ودجال، سواء تأكد أو لم يتأكد فهو كذوب، وسوف يكذب مهما كان. الأمر الثالث: أن نردها إلى أولي العلم: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] فنرد هذه الأخبار إلى العلماء، ونطلب آراءهم وفتواهم، ونطلب مواقفهم؛ لأنهم أكثر تجربة، وأنور قلوباً، وأخلص معتقداً، وأكثر علماً: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] هذا موقفنا من المرجفين والإرجاف، وأكثر ما يدار في الساحة إرجاف، وبعض الناس يموت بالإرجافات، وأشياء من الخوف. فقلت لقلبي إن نبت بك نبوة من الهمِ أقصر أكثرُ الروعِ باطلُ أكثر هذه هواجس وخيالات ما أنزل الله بها من سلطان.

الرابع: التخذيل في صفوف الذين آمنوا

الرابع: التخذيل في صفوف الذين آمنوا في الناس مخذلون، يقول سبحانه وتعالى عن المخذلين: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التوبة:47] التخذيل: كأن يقول: ما أكثر جيش العدو! سمعنا أن دباباته كذا وكذا، وأن عنده مزدوجاً يطلقه من مدينته فيقع في الحرم مباشرة، وبعضهم وصف لنا بعض الصواريخ لم تحدث ولا صنعت في العالم، حتى سمعت أحد الشباب يحدث في مجموعة من الشباب قال: عندهم أجهزة صغار كالراديو يحملها بيده، يأتي الجندي فإذا رأى الدبابة أطلق عليها إشعاعاً، فيقسم الدبابة نصفين، وهذا لم يصنع إلى الآن، ولا توجد عند أي قوة، لا أمريكا ولا روسيا أبداً. فإذا سمع الناس هذه يموتون، يقولون: مادام أنهم يقسمون الدبابات بالشعاع كيف نحن ونحن بشر. وهؤلاء المخذلون دائماً في صفوف المسلمين، حتى إنهم كانوا في صفوف الرسول صلى الله عليه وسلم وفي صفوف أصحابه، يتحدثون بهذه الأخبار، والله أنذر منهم وحذر وقال: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} [التوبة:47]. ولما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بألف مقاتل إلى أحد، كان عبد الله بن أبي يتبعه ثلاثمائة، فانخذل وسط الطريق، وليته اكتفى، ولكن قال: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:168] يقول لأصحابه: عودوا، وأنتم تعرفون أني مع الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن لا نريد أن نفزع العدو، نريد أن نقاتل من المدينة، وأن نعرف ما سبب هذا القتال. يا عدو الله! لا تعرف ما سبب هذا القتال، يا مجرم! لا تعرف أنها بين لا إله إلا الله وبين لا إله والحياة مادة، لا تعرف أنها بين النور والظلام، لا تعرف أنها بين التوحيد والإلحاد؟ فهو يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم مخطئ، يقاتل من أجل أرض أو وطن أو بحيرة أو مستعمرة. لا. الرسول يريد أن تسلم الكرة الأرضية لله رب العالمين، فيقول: لا ندري ماذا يريد الرسول صلى الله عليه وسلم، فبعض الصحابة كادوا أن يصدقوه، بل إن طائفتين اثنتين هما بنو حارثة وبنو سلمة كادتا أن تفشلا، قال جابر وهو من بني سلمة: [[والله ما وددت أنا لم نفشل يوم أحد، لأن الله قال: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران:122]]] {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران:122] انظر التعبير المحكم، فردهم الله بعد المعركة وقد قتل بعض الصحابة، فقال عبد الله بن أبي عليه غضب الله وقد فعل: يا ليتهم أطاعوني! نصحتهم ألا يخرجوا إلى المعركة ولكنهم لم يطيعوني فقتلوا، قال سبحانه: {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:168] يقول: تموت أنت مثل الحمار، ومات بعد شهرين ولف بأكفانه ودس في التراب. أيهما أشرف هذا أم أنس بن النضر الذي قتل في المعركة، والذي ارتفعت روحه إلى الله، ويقول: [[يا سعد إليك عني والذي نفسي بيده، إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]] وعبد الله بن عمرو الأنصاري الذي يقول عنه صلى الله عليه وسلم لابنه جابر بعدما قتل عبد الله: {يا جابر ابكِ أو لا تبكِ، والذي نفسي بيده ما زالت الملائكة تظلل أباك بأجنحتها حتى رفعته، والذي نفسي بيده يا جابر! لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، فقال: تمن، قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمنّ، قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً}. والتخذيل في الصفوف موجود في كل مكان، حتى في أفغانستان، فقد وجد أن بعض الناس من الذين ذهبوا إلى هناك كان يخذل المجاهدين، وقد أخبرنا بعض القادة يقول: أتانا أناس هنا، وقال: نرى أنكم أخطأتم في قتال روسيا، هذه دولة عظمى، وكان أحدهم يهز بعض القادة ويقول: أنت تضرب روسيا بثيابك هذه! لكنهم لما ثبتوا غلبوهم بإذن الله.

الخامس: الترف والترهل

الخامس: الترف والترهل إن تنصل الأمة عن أمور الجهاد، وعن أمور التقشف والبذاذة الإيمانية والرجولة إلى أمور الترهل والاستخذال، والتكاسل والإحباط المعنوي، والترف خطير جداً، وقد عاشته الأمم، وولت. لماذا اجتاح التتار العالم الإسلامي؟ لم يكن عند العالم الإسلامي دروس في الجهاد، ولم يكن هناك أمة مستعدة للجهاد، بل كانت الجواري تباع في بغداد وأنا أعرف مقطوعات لا أذكرها هنا، عن ولادة وحمدونة وفلانة وفلانة، جواري كن يكتبن أبيات غزل على صدورهن وينزلن إلى السوق في بغداد، فسلط عليهم جنكيز خان، مثل الحمار لا يعرف لا إله إلا الله، أتى من سيبيريا كالدب الأسود، فدخل بألف ألف مقاتل واجتاح العالم الإسلامي، وأتى بالموسيقى الحالمة، والبلوت والباصرة، فدمرها مع أصحابها في نهر دجلة، ولما انبرى وازع الجهاد عند ابن تيمية في الشام، وقف على المنبر يعلن حالة الجهاد، ويأخذ الكوب من الماء ويشربه في السابع عشر من رمضان، ويقول: أفطروا أيها الناس فإنكم في جهاد، فيقولون: كيف نغزو التتار؟ قال: والله لننتصرن عليهم، فيقوم السلطان أمامه، وهو يرتجف يقول: قل إن شاء الله، قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً. وينتصر الإسلام في شقحب، ويكسر رءوس التتار، وترتفع لا إله إلا الله. وأمير أندلسي قالت له أمه وكانت عاقلة، بها من الصرامة على منهج زوجها، ولكن ابنها كان طائشاً في حياته، مترهلاً، كان يصبح الصباح، وهو نائم إلى الضحى لا يدبر أموره، حتى اجتاحه ابن تاشفين، فقالت له أمه وهو يبكي مأسوراً: ابك مثل النساء ملكاً تولى لم تحافظ عليه مثل الرجال وللمحافظة على لا إله إلا الله يجب أن تربى الأمة تربية جهادية، عصامية، وأن تكون دائماً متأهبة للخطر، وأن تكون دائماً قوية، فو الله لا يقترب منها أحد. وانظر الآن على الخارطة إلى الشعوب التي تملك قوى، كيف تقدر وتحترم؛ فنحن في شريعة الغاب، وأمة الغاب لا تؤمن إلا بالقوة كما سلف.

السادس: اشتغال الأمة بالتوافه في حياتها

السادس: اشتغال الأمة بالتوافه في حياتها تجد المنشورات والدوريات أكثرها عن الهوايات، شباب وأبناء لا إله إلا الله، وأحفاد أبي بكر وعمر، شُغلُهم الصور، وهوايتهم المراسلة، يريد أن يكون مراسلاً في الحياة. الطفل الذي يعيش في باريس أو في موسكو أو في واشنطن، هذا طفل يعيش في بلاد الله، في بلاد الإسلام له رسالة أخرى، مراسلته أن يرسل لا إله إلا الله في الأرض، مراسلته: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) مراسلته: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67] رسالتنا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]. الهواية الثانية: جمع الطوابع، فشبابنا في الابتدائية والمتوسطة والثانوية أكثرهم يقولون: هوايتي جمع الطوابع. كيف يجمع الطوابع؟ وهل عنده وقت يجمع الطوابع؟ وما الفائدة من جمع الطوابع؟ ويأتي آخر، فيقول: ما هي اللعبة التي تناسبك؟ فيأتون بصورة اللعبة، حتى إن بعض الأطفال يلعبون بالطائرات والدراجات والساعات حتى يبلغ العاشرة وهل هذه لعب للأطفال، وقد كان ابن عباس في العاشرة يفتي الأمة. ابن عباس في الثامنة من عمره دخل على ميمونة بنت الحارث كما في الصحيحين وحفظ لنا حديث: {اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض، ولك الحمد رب السموات والأرض، ولك الحمد الحديث}. كان ابن عباس يدخل مع عمر رضي الله عنه في مجلس الشورى -الندوة العالمية- ويحضر وهو شاب عمره فوق البلوغ بسنوات، وبعضهم الآن لا يجيد أن يأخذ غرضه من السوق، ولا يمكن أن ينهي بيعه وشراءه. محمد بن القاسم خاض معركة بين الهند والسند وعمره سبع عشرة سنة وانتصر. إن السماحة والريادة والندى لـ محمد بن القاسم بن محمد قاد الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سؤدداً من مورد ومن الاشتغال بالتوافه مسابقة الضياع، انظر الآن لبعض المجلات، كل المسابقات ليس فيها شيء لا من الكتاب ولا من السنة، ولا من الأدب الإسلامي ولا من التاريخ الإسلامي، يقول: هذه الأرقام العمودية إذا جعلتها أرقاماً أفقية تخرج لك اسم دولة عربية عاصمتها كذا، وتظل تفكر ساعة ونصف حتى تعرفها، فهذه تسمى مسابقة الضياع، إلهاء الأمة حتى تسقط في الهاوية، لكن اسألوا عن آية، أو عن ترجمة صحابي، أو في معلومة نافعة.

السابع: ضياع الهوية الإيمانية

السابع: ضياع الهوية الإيمانية قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] هذه هوية المؤمن وجنسيته، والإسلام يحيي من يحمل لا إله إلا الله من أي جنس، ولكنه لا يعترف بمن يكفر بـ (لا إله إلا الله) ولو كان من بني مخزوم. تعرفون أن أبا طالب لم يؤمن بلا إله إلا الله فأين مصيره؟ وأبو جهل من بني مخزوم عارض لا إله إلا الله، فهو في النار. فالهوية الإيمانية؛ أن نكون أمة إسلامية واحدة، أخي هو المسلم في أي مكان دمي مع دمه، وهويتي مع هويته، ويدي بيده. إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد الذي جمع صهيباً الرومي من الروم، وسلمان من فارس، وبلالاً من الحبشة، وأبا بكر من قريش، على كلمة لا إله إلا الله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} [آل عمران:103] {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال:63].

الثامن: الإسراف في المباحات الملهية

الثامن: الإسراف في المباحات الملهية فنحن الآن أمة عمارات وفلل، وأمة شقق ومفروشات، الإعلانات التي في الشوارع كلها إما عن مطعوم أو مشروب أو ملبوس أو مشموم، إعلان العطورات يأخذ ثلاث صفحات من الصحف اليومية، غير إعلانات الأسمنت، وإعلانات من أضاع مالاً، ومن سقطت عليه قطة فماتت، وغيرها من هذه الإعلانات المبروزة، حتى أصبحت بالكمبيوتر تلمع تلميعاً تأخذ البصر، يكاد ضوؤها يذهب بالأبصار، كلها إما في مطعوم أو مشروب أو ملبوس. ذهب أحد الدعاة إلى ألمانيا إلى مدينة سكومونيس، فوجد إعلاناً عن إطارات يوكوهاما، فاستأجر لوحة بجانبها وكان فقيراً أول مرة نزل بالمدينة، وكتب: أنت لا تعرف الإسلام، إن كنت تريد معرفة الإسلام فاتصل بتلفون كذا وكذا، ونزل بالمدينة وهو داعية مشهور، وبعد سنة كان عدد من أسلم على يديه مائتين وخمسين ألفاً. فأين الدعايات عن الإسلام؟ أين الدعايات عن الشريط الإسلامي والكتاب الإسلامي؟ أمة تؤمن بالإعلانات، وأمة تعيش العمارات، وكأن المستقبل عند كثير من الشباب أنه إذا تخرّج من الجامعة أن يتزوج وأن يشتري سيارة وأن يبني فلة، ويحصل على وظيفة، فإذا حصل على ذلك كأنه خاض بدراً وأحداً وحطين وعين جالوت. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يربِ الصحابة على هذا، يقولون: نريد الدنيا، قال: لا. نريد الجنة، هل قال لأحد من الصحابة: نوليك منصباً وتسلم، قال له الأنصار: ماذا لنا إذا نصرناك؟ قال: الجنة، لأنه ليس عنده شيء من حطام الدنيا، عنده خبز الشعير، وعنده بيوت من طين، لكن عنده صلى الله عليه وسلم جراحات في سبيل الله، ونسف للرءوس، فإن أردتم فالجنة، ولذلك أكثر الصحابة الذين قدموا التضحيات لم يظفروا بشيء من حدائق ومفروشات الدنيا، وذهبوا إلى الله، وأتى يزيد بن الوليد في القرن الأول، وأتى فلان وفلان وأخذوا المفروشات والمطعومات وسكنوا القصور، فجعلوا هوايات الناس واهتماماتهم إلى الدنيا، وصرفهم عن منهج الله، وهو أعظم ما يعطلهم عن السير إلى الله عز وجل، حتى إن بعض الشباب حريص أن يأخذ مع كل وارد وكل موديل سيارة، وتجد مجموعة من الشباب يتحدثون عن السيارات، ميزة الياباني على الأمريكي كذا، والفرنسي على الياباني كذا، أهذه أمة؟! أهذا جيل سوف يكوّن مستقبلاً؟! متى تجد من يتحدث عن ابن رواحة وسعد بن معاذ وابن عباس وأبي بن كعب وفي الآيات، وفي نشر الدين، وفي رفع لا إله إلا الله؟!

التاسع: اهتمام الأمة بصغار المسائل على حساب كبارها

التاسع: اهتمام الأمة بصغار المسائل على حساب كبارها لقد صار شغل كثير من الشباب تحريك الأصبع، أمة استهلكت كل ليلة ثلاث ساعات في تحريك الأصبع، والله لقد وجدت شاباً منزعجاً لأنه رآني لم أجلس جلسة الاستراحة، قال: العالم لا بد أن يكون قدوة، كيف لا تجلس جلسة الاستراحة؟ قلت: الأمر فيه خلاف، والمخالف يعذر من خالفه، وأنا أرى الجلوس أحياناً والترك أحياناً. لكن أقول: لا نترك هذه المسألة، ولا نترك السواك ولا نترك جلسة الاستراحة، ولا تحريك الأصبع، ولكن نعطيها الحجم الذي أعطاها الرسول صلى الله عليه وسلم. لماذا لا نتحدث عن قضايا الولاء والبراء والتوكل، والتوحيد، وتصحيح مسار الناس، وإصلاح الفرد والمجتمع، وحقوق الجار، وحق المرأة ومكانتها في الإسلام، ونشر الدين في الأقطار والبقاع، والاهتمام بثقافة عصرية موجهة من الكتاب والسنة؟! ثم نعطي هذه المسائل دورها، أما أن تعيش حياتك كلها منزوياً في جلسة الاستراحة، وفي تحريك الأصبع فماذا ستنتج للأمة؟! ونعرف أن الكثير لا يركز إلا على كتاب العبادات، حتى إن باب السلم والحدود والجنايات كأنه محذوف من الشريعة، وتجد -الآن- الذي يسأل في مسألة تحريك الأصبع، إذا سألته في باب السلم، أو العينة، أو باب الربا، فإنه لا يعرف، مع أن الشريعة متكاملة، حتى إني سمعت كثيراً من الناس يقول: الدعاة لا يعرفون إلا اللحى وتقصير الثياب.

العاشر: عدم ربط الأمة بعلمائها

العاشر: عدم ربط الأمة بعلمائها من خصائص الإسلام أنه يربط الجيل بعلمائه قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7] {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. ومن خصائص الإسلام أنه لا يصلح حال الأمة، حتى يتولى الريادة والصدارة فيها ورثة محمد صلى الله عليه وسلم في شريعته ومنهجه. والأمة قصرت من جانبين: التقصير الأول: من جانب الجيل، أنه تخلى في بعض الفترات أو أحياناً عن الثقة بأهل العلم، وأهل العلم ليسوا بمعصومين، فقد يخطئون ويؤجرون على أخطائهم، هذا إذا كان عن اجتهاد وقصدوا الحق، والرسول عليه الصلاة والسلام، قال في الصحيح: {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد} فيظن بعض الناس، أن العالم لا بد أن يكون معصوماً، ولا يخطئ أبداً ولا يهم ولا ينسى، وهذا خطأ، فإنه قد يتأول , وأدلكم على كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لتعرفوا بعض أسباب أخطاء بعض العلماء. الثاني: قد يكون هناك تقصير من بعض أهل العلم والدعاة كألا ينزل إلى الشباب، وميزة علماء الإسلام أنهم علماء عامة، كما يقول محمد أحمد الراشد في المنطلق، وصدق رفع الله منزلته يقول: من ميزة علماء الإسلام أنهم علماء عامة، تبحث عن الإمام أحمد فتجده في السكة والشارع، وتجده في المسجد، وفي السوق يخالط الناس، أما علماء الشرق والغرب من الأمم الأخرى، فهم علماء مكيفات، يتصلون بالأمة من تحت المكيفات ولا يتصل بهم إلا بواسطة مذكرات ومؤلفات، أما علماء الأمة، فمع الجيل والشباب، يذهب معهم ويأتي، وما عهد في علماء الإسلام إلا أن أحدهم أحياناً قد يأكل مع تلاميذه ويتغدى مع تلاميذه، وينام مع تلاميذه، وبيته مفتوح للخارج والداخل، ليعيش هموم الأمة وهموم الجيل، وهذه مسائل يجب التنبيه عليها كثيراً. إن هذه الميزة هي التي أكسبت الإمام أحمد مكانة في أهل السنة، بينما علماء المبتدعة علماء خاصة، أحمد بن أبي دؤاد، أحمد المعتزلة، وأحمدنا أحمد بن حنبل. لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتم ولا يحسب التمتام أني هجوته ولكنني فضلت أهل المكارم أحمد بن أبي دؤاد يجلس مع السلطان ولا يخرج إلى الناس، ولا يأذن لأحد ولا يتصل بأحد، أما الإمام أحمد بن حنبل فتأخذ الجارية بيده إلى السوق، والطفل يكلمه. حمل مرة حطباً في السوق، فأتاه الوزير الفتح بن خاقان، فقال: أنا أحمل عنك يا أبا عبد الله، فقال: لا. نحن قوم مساكين لولا الستر لافتضحنا. فهذا الذي يحمل الحطب، حمل الأمة في فتنة القول بخلق القرآن، لقد شيعه أكثر من مائة ألف، حتى أعلنت حالة الطوارئ في بغداد وخرج جيش الخلافة، يحبس الطرق والمنافذ ومعهم العصي، ومعهم الأسلاك بأيديهم يضبطون حركة الناس، دخل الناس يتوضئون في الضحى ولم ينتهوا من الوضوء إلا في صلاة العصر. وابن تيمية عالم عابد، أتدري ما هو برنامجه اليومي؟ يصلي الفجر في المسجد ويبقى إلى طلوع الشمس، فيدرس إلى الضحى وينزل إلى السوق، ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ويدخل على البقالين أهل الحوانيت، ويوم الخميس يزور ابن تيمية المارستان، وهم المجانين، ويسلم عليهم ويدعو الله لهم، ويقرأ عليهم القرآن، ثم يزور المستشفى، ثم يزور المقبرة، فلما مات هذا العالم، شيع جنازته أكثر من مائة ألف، وشيع جنازته من النساء ستون ألفاً، وخرج نائب السلطنة، ومن أراد منكم أن يقرأ فليقرأ في البداية والنهاية لـ ابن كثير وليقرأ ما كتب عن حشد جنازته الرهيبة، ويقرأ عن حياته رضي الله عنه وأرضاه. مقصودي بهذا أن الأمة بحاجة إلى العلماء الذين يعيشون معهم، يعيشون مع البائع، والتاجر، والمهندس والفلاح، وفي كل مجال تجد الداعية والعالم يتنقل بينهم، ولا بد أن يكون هذا الجسر ممدوداً بين العلماء والجيل، ويوم ينقطع هذا الجسر سوف تنكص الأمة على أم رأسها في الهاوية.

الحادي عشر: التنازع والاختلاف

الحادي عشر: التنازع والاختلاف طالما عاشت الأمة فترة الردود، أن تتلاطم على وجهها فيما بينها، هذا يرد على هذا، وهذا يقبح هذا، والردود لها نفع وفائدة متى كانت مصلحتها أعظم، لكن ليس في مسألة خلافية تتعرض لطلبة العلم والعلماء وفيها سعة، والنصح محتمل، ورأيت كتباً وهي موجودة في الساحة، وقد يكون الدليل مشتركاً لي ولك، وقد يكون فيها راجح ومرجوح، وقد لا يعاقب الله من أخطأ في هذه المسألة لأنه متأول. ولا أعني بذلك الردود التي تبين الحق، وترد الخطأ، لا. فهذا واجب على الأمة، كردود ابن تيمية وردود علماء الإسلام قديماً وحديثاً، فهذا وارد، لكن أعني أن هذه الغارات وهذه النزعات، وهذا الغضب والتشنج في الردود، وتجهيل بعض العلماء الفضلاء ونسيان الحسنات، ليس من منهج أهل السنة في الردود، والله يقول: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46]. فالتنازع فشل واختلاف، والله يقول: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]. أيها الإخوة: يقول ابن تيمية في مختصر الفتاوى: الإجماع حجة قاطعة، والاختلاف رحمة واسعة، وقصده في الفرعيات التي اختلف فيها أهل العلم، والتي قننها ونظّرها في كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام.

الثاني عشر: النفاق في الأمة

الثاني عشر: النفاق في الأمة إن في الأمة نفاقاً اعتقادياً ونفاقاً عملياً، في الأمة الإسلامية؛ أمة المليار الذي هززنا به العالم وخوفنا به إسرائيل، وزلزلناها، وإسرائيل مليونان ونحن مليار، هذا المليار فيه منافقون نفاقاً اعتقادياً، يكفرون برسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، ويستهزئون بمبادئه، ويستهزئون بـ (لا إله إلا الله) ويستهزئون بالطواف والصلاة والحجر الأسود، هؤلاء يفعلون في الأمة فعل النار في الهشيم، وهم أقدر على الأمة من العدو الخارجي؛ لأنهم يكونون خطاً داخلياً ضارباً من الخلف والوراء، وهم يلدغون في وقت الغفوة والغفلة. ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى المنايا فهو يقظان نائم الذي يقول: الدنيا لم ترَ النور منذ أن وضع الهاشمي عليها رداءه؛ فمن هو الهاشمي؟ ومن هو القائل؟ القائل: معروف لديكم، والهاشمي هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي أطلق النور وأوصل لا إله إلا الله إلى العقل، والذي حرر البلدان من رق العبودية إلى الإسلام، أيصفه بهذا؟! هذا نفاق تعيشه الأمة، ولا يزال الإنسان يسمع بين الفينة والأخرى من يشكك في المعتقد والرسالة. وأما النفاق العملي فحدث ولا حرج، الأمة فيها من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وترجو النصر لهذه الأمة والخلافة في الأرض! بل أصبحت هذه مناهج عند بعض الناس، يكيف عليها حياته، ويسمونها كذبة إبليس، يكذب قطاع هائل من الموظفين والمسئولين والأساتذة من أجل هذه الكذبة، وبعضهم يمزح كذباً ويقول: كذبة بيضاء وهي تسود وجوههم، فليس هناك كذب أبيض ولا أسود، الله أمر بالصدق، وبالنصح والوفاء بالعهد، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها. إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف} وفي الحديث الآخر: {وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر} فهي خمس خصال نعوذ بالله منها، وهي من عوامل الهزيمة، ويوم تتكمن في أمة فإنها لا تستحق النصر، وتكون متخلفة، ومتوعدة بجيش عرمرم يسحقها ويفنيها، لأنها لم تؤد الأمانة ولا قامت بالاتصال به سبحانه وتعالى، ولا قامت بالخلافة التي أرادها الله لها في الأرض. أسأل الله أن ينصرنا، وأن يعيدنا إليه، وأن يثبت أقدامنا، ومن أراد بنا سوءاً فأسأل الله أن يشغله بنفسه، وأن يجعل تدميره في تدبيره. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، ولا مفرطين، ولا مضيعين، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

إخوان القردة والخنازير

إخوان القردة والخنازير اليهود أمة ملعونة، نقضت العهد، وبدلت الدين، واستحلت الحرام، واشتهرت بالكيد والمكر والتحايل، والقرآن العظيم حافل بقصصهم ومخازيهم السيئة وفي هذه المحاضرة يذكر الشيخ مخازيهم التي ذكرها القرآن مع الأنبياء على مر التاريخ.

ذكر حديث البخاري في عداوة اليهود لجبريل عليه السلام

ذكر حديث البخاري في عداوة اليهود لجبريل عليه السلام إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، رضيه قدوة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، على قوله تقاس الأقوال، وعلى فعله توزن الأفعال، وعلى حاله تصحح الأحوال، فهو المعصوم بأبي هو وأمي، وهو الطيب أينما حل وارتحل، وهو المبارك أينما كان، كلامه طيب، وفعله طيب، ونَفَسه طيب، فلا إله إلا الله! يا فرحة من اقتدى به واتبع سنته وسار على منواله، ولا إله إلا الله! كم خسر من ترك طريقه وضل عن شريعته وتعامى عن سنته عليه أفضل الصلاة والسلام. ومعنا في هذه الجلسة الإمام البخاري وهو ينقلنا إلى كتاب التفسير من صحيحه الكتاب العظيم، الذي شق طريقه في الدنيا، والذي أعلن قوته على مر العصور، وأثبت جدارته بين كتب البشرية، لأنه قصد به وجه الله أولاً، ثم هو كلام خير الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام. يقول: باب: قول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة:97] ثم ساق بسنده إلى أنس رضي الله عنه قال: {أتى عبد الله بن سلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة، فقال: يا رسول الله إني أسألك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، قال: وما هي؟ قال: ما هي أول أشراط الساعة؟ وما هو أول طعام أهل الجنة؟ ولماذا يُشبه الولد أمه أو أباه؟ فقال عليه الصلاة والسلام -وهو يجيب على هذه الأسئلة الثلاثة العويصة المشكلة؛ التي لا تُعلم إلا بوحي من فوق سبع سموات- قال: أخبرني بهن جبريل آنفاً -أي: قبل قليل- قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة، ثم قال عليه الصلاة والسلام: أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام أهل الجنة فزيادة كبد الحوت. وأما كيف يشبه الابن أمه أو أباه، فإذا سبق ماء الرجل أشبه أباه أو نزع إلى أبيه، وإذا سبق ماء المرأة نزع إلى أمه، قال عبد الله بن سلام: صدقت بأبي أنت وأمي، والله ما يعلمها إلا نبي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، يا رسول الله: إن اليهود قوم بهت -أي: أهل زور وافتراء- فاسألهم عني، فجعله عليه الصلاة والسلام وراءه في مشربة -وهي الغرفة الصغيرة- ثم جمع أحبار اليهود -إخوان القردة والخنازير- أمامه عليه الصلاة والسلام، قال: كيف ابن سلام فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا -وفقيهنا وابن فقيهنا- وخيرنا وابن خيرنا، قال: أفرأيتم إن أسلم، قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عليهم ابن سلام فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله -فنخسوا وتنافخوا- وقالوا: شرنا وابن شرنا، وانتقصوه -وسيئنا وابن سيئنا، وخبيثنا وابن خبيثنا-}. ساق الإمام البخاري هذا الحديث على هذه الآية لأنه يريد أن يفسر كل آية صح تفسيرها بسنده، لأنه اشترط الصحة حتى في التفسير: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} [البقرة:97]. فأتى بالشاهد من الحديث: أن اليهود يعادون جبريل، فلما قال عليه الصلاة والسلام: {إن جبريل أخبرني بها آنفاً، قال ابن سلام: ذلك عدو اليهود من الملائكة}.

أسباب عداوة اليهود لجبريل

أسباب عداوة اليهود لجبريل عادى اليهود عليهم لعنة الله جبريل عليه السلام لثلاثة أسباب، ذكرها أهل العلم: أول سبب: أنه نقل الرسالة منهم إلى غيرهم، فإنهم ظنوا أن عندهم صكاً شرعياً على الرسالة لا تنزل إلا فيهم، ويقولون: لا يبعث إلا منا، فقالوا: جبريل نقل الرسالة إلى محمد وهو من العرب، فاشتهرت رسالته العالمية فاضطربت رءوس اليهود لهذا الخبر، إذ كيف يأخذ الرسالة منا؟! وأكثر رسل العالم من اليهود، ومع ذلك قتلوهم وكذبوهم، وألحدوا في كتب الله. والسبب الثاني: لأنه ينزل بالخسف والتدمير. ولذلك سمعت بعض الخطباء العصريين يقول: والله عز وجل إذا أراد أن يدمر أمة أرسل عليهم جبريل، وله ستمائة جناح، ولا يستعمل إلا جناحاً واحداً، ولذلك لما أتى قرى قوم لوط كانوا أربع قرى قيل: فيها أربعمائة ألف، وقيل: ثمانمائة ألف فأخذها من عروقها وجبالها وصخورها وتلالها حتى رفعها إلى السماء حتى سمع الملائكة نباح كلابهم وصياح ديكتهم ثم أنزلها على وجهها في الأرض، فهو لم يستخدم إلا جناحاً واحداً، فلذلك هم يغضبون عليه يقولون: إنه يدمر وليس مثل ميكائل يأتي بالنبات وبالمطر وبالغيث في تؤدة وسكينة. والسبب الثالث: لأنه فضح مفترياتهم، وأخبر بأباطيلهم، أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأسرارهم، لما أتى بالقرآن قال: هؤلاء ألحدوا في دين الله، هؤلاء دخلوا وغيروا كلام الله، هؤلاء قتلوا الأنبياء، هؤلاء اعتدوا في السبت، هؤلاء فعلوا وفعلوا، فقالوا: فضحنا أمام الرسول صلى الله عليه وسلم.

الحديث عن بني إسرائيل من القرآن والسنة

الحديث عن بني إسرائيل من القرآن والسنة الآن نستمع إلى القرآن وإلى الحديث النبوي وهما يتحدثان عن بني إسرائيل، والعجيب أن سورة البقرة يقف معها الناس في صلاة التراويح، وأنت تسمع كأن سورة البقرة كلها لبني إسرائيل، قال سيد قطب في الظلال: لا بد من هذا النسف والإبادة والتدمير في أول القرآن لبني إسرائيل لأنهم عاشوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة جيراناً، ولأنهم أتوا بمفتريات في العالم، فلا بد أن يبدأ القرآن ليصفي الساحة من طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، وليكشف أباطيلهم وتهريجهم وخرافاتهم، ثم يأتي بعدها بالتحلية، قال أهل الفهم: التخلية أولاً ثم التحلية. فالتخلية أن يخلي الساحة، ينظف الساحة ثم يأتي بتحلية الشرائع والأديان، تحدث القرآن عنهم في أكثر من مقطع وأكثر من سورة حتى كاد القرآن أن يكون لهم، ولذلك ما تقرأ في سورة إلا وتفاجأ: ولقد أرسلنا موسى حتى ورد عن ابن تيمية أنه قال: رحم الله موسى عليه الصلاة والسلام كاد القرآن أن يكون كله عنه، لماذا؟ لأن الحرب بينه وبين فرعون كانت في الجو والبر والبحر، العصا مع الثعابين كانت تقفز في الجو، وكان ينازله في الميدان وفي القصر وفي البحر، فاشتبكت كل القوات وهو أكبر صراع عالمي شهده التاريخ، ومكايدهم في القرآن كثيرة نأخذ عيونها أو مجملها أو خطوطها العريضة لنكون على بصيرة، ومن أعظم ما يتبصر به المؤمن أن يعرف أهل الإلحاد والكيد وأهل الصهيونية العالمية حتى يزداد إيماناً وثقة بالله. والعجيب أنك إذا قرأت في كتب الإلحاد ازدادت ثقتك بالله إذا كان عندك أصل أصيل من الإيمان، وفقه في الدين، فإن الله امتن على رسوله عليه الصلاة والسلام بقوله: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55] أي: نفصل لك الآيات حتى تكون على بصيرة، والذي لا يعرف الجاهلية لا يعرف الإسلام، والذي لا يذوق الحر لا يعرف نعمة البرد، والذي لا يطعم المر على لسانه لا يرى للحلاوة حلى، ولا للعذوبة عذوبة. ولذلك قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة من أناس دخلوا في الدين ولم يعرفوا الجاهلية]] فكان أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام أعظم الناس إيماناً ويقيناً وصدقاً وإخلاصاً، لأنهم عرفوا الجاهلية، وعرفوا مرارة الإلحاد والكفر، ثم ذاقوا حلاوة الإسلام، ولذلك ما كان علمهم إشغالاً للذهن وجدلاً كما هو علمنا الآن إلا من رحم الله، بل كان علمهم واقعاً يتعلمون الآية فينشرونها في ليلة واحدة في المدينة، يتعلمون الحديث فيعلمونه الناس جميعاً. علي بن أبي طالب يتعلم حديث الوضوء فيبقى في كل مكان يجمع الناس ويتوضأ، ويقول: هكذا رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ، هذه هي الشريعة، هل هناك ألغاز؟ هل هناك أسرار؟ هل هناك أشياء مخبأة وراء الكواليس؟ لا والله، يقول الأستاذ علي الطنطاوي في أول كتاب قصص من التاريخ: مبادئنا نعلنها يوم الجمعة من على المنبر، ما عندنا أسرار، ولا أحاجي، ولا ألغاز ولا دسائس، نحن المسلمين مبادئنا تدور حول لا إله إلا الله والصلاة والتيمم والوضوء والمسح على الخفين والغسل من الجنابة، وهي التي علمها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، أما غيرها فوالله ليس في جعبتنا ولا في حقائبنا شيء. فـ علي أتى بعد عثمان، وعمر بعد أبي بكر يبينون للناس هذه الشريعة التي تلقوها من الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول أحد علماء المسلمين: من ظن أن هناك شيئاً لم يأت به صلى الله عليه وسلم ولم يعلمه عامة الناس فقد ادعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم خان الرسالة وحاشاه أن يخون، أما الرسالة التي أتى بها فهي في القرآن عليه الصلاة والسلام.

من صفات اليهود أنهم قوم بهت

من صفات اليهود أنهم قوم بهت سبب الحديث: الرسول عليه الصلاة والسلام قدم مهاجراً من مكة إلى المدينة، وأمست مكة في ثوب حزن وأصبحت في حداد، وبكت وبكى عليه الغار. وبكى الغار على فرقاك لو أسعفته الرجل أضحى في مسير والصحارى حافلات بالمنى تتلقاك بتصفيق مثير والرمال العفر صارت حللاً عجباً من قلبك الفذ الكبير انطلق عليه الصلاة والسلام ووصل إلى المدينة واستفاقت المدينة على أذان بلال وكانت في جاهلية جهلاء كما يقول أبو ريشة الشاعر المعروف يقول في طريق الهجرة: يا عمي لا تدعني هنا وحدي ما لي سواك من مفضال فتلقاه بالدموع وسارت بهم الخيل في شعاب التلال واستفاقت يعني: المدينة. واستفاقت على صباح جديد ملء آذانها أذان بلال فلما استفاقت نفضت فراش الشرك والوثنية، واستقبلت الرسول عليه الصلاة والسلام. عبد الله بن سلام عالم وحبر من أحبار اليهود، وهو الذي قال الله فيه: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف:10]. من هو الشاهد؟ ابن سلام عليه السلام ورضي الله عنه وأكرم مثواه. ولذلك يقول سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89] من عرفوا؟ الرسول عليه الصلاة والسلام، صفاته مكتوبة في التوراة بلونه، وبشرته، وطوله، وقِصَره، وبما يتكلم به، صفاته مكتوبة كلها في التوراة فلما أتوا قارنوا كما يقول ابن القيم: بين النسخة التي أتى بها موسى والتي أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم؛ فوجدوا الوصف واحداً، فأتى الحسد فنظر في قلوبهم فقال: لا ليس هذا بالوصف، كنا نظن أنه هو واكتشفنا الآن أنه ليس هو، وقبل كانوا يخطبون في المدينة ويقولون: سوف يقدم من أرض ذات جبال سود -يعني: مكة - وسوف يأتي إلى أرض ذات نخيل -يعني: المدينة - وفعله كذا، واسمه محمد وأحمد، فلما أتوا إليه نظروا فملأ الحسد قلوبهم، فقالوا: ليس هو، فقال الله عز وجل: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]. لما دخل المدينة عليه الصلاة والسلام اجتمع عليه الناس في السوق، ففزع الناس يريدون أن ينظروا إلى هذا الخبر، فإنه نبأ عظيم ما طرق الدنيا منذ خلقها الله إلى الآن مثل هذا الخبر {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} [النبأ:1 - 2]. هل هناك أعظم نبأ من أن يبعث الله رجلاً واحداً من الأمة يحيي قلوب الأمة كلها، ويقودها، ويقول: من يذهب معي في طريقي فالجنة، ومن تخلف عني فالنار، فذهب عبد الله بن سلام وهو من اليهود، قال: انجفل الناس -يعني: اجتمع الناس- على الرسول عليه الصلاة والسلام، فكنت فيمن انجفل، قال: فأتيته فنظرت إلى وجهه فعرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب.

اليهود تكذب بنبي يعرفونه كما يعرفون أبناءهم

اليهود تكذب بنبي يعرفونه كما يعرفون أبناءهم رجل يأتي من بين الصخور التي تحرق الإنسان، وتسود بشرته، يأتي وهو كفلقة القمر ليلة أربعة عشر، عرقه كالجمان ينسكب، رائحته كالمسك الأذفر؛ إذا دخل البيت بقيت رائحة البيت أياماً، إذا مر من هذا الطريق يعرف الناس أنه مر من هنا، يده كالديباج، يقول أنس: والله ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كفه صلى الله عليه وسلم. قيل لـ أبي هريرة: كيف كان وجهه صلى الله عليه وسلم؟ قال: والذي نفسي بيده لكأن الشمس تجري في وجهه. وقيل لـ أنس: كيف كان وجهه صلى الله عليه وسلم؟ قال: هل رأيتم البدر ليلة أربعة عشر؟ قالوا: نعم، قال: والله لقد نظرت إلى البدر أو القمر ليلة أربعة عشر، ونظرت إلى وجهه صلى الله عليه وسلم ووالله لوجهه أجمل من القمر ليلة أربعة عشر. فلما رأى عبد الله بن سلام هذا الوجه ذُهل وعرف أنه ليس بوجه كذاب، لأن وجه الكذاب دائماً معسوف مغضوب عليه معقود، الكذاب دائماً يظهر الكذب على وجهه، لكن الصادق نظراته صادقة، ولمحاته صادقة، ووجهه صادق. قال: فعرفت أنه ليس بوجه كذاب. يقول ابن رواحة شاعر الأنصار، البطل المقدام الذي قدم روحه رخيصة يوم مؤتة، يوم غلت الدراهم والدنانير على أهل المغالاة قدم روحه يقول: لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر فقط يكفي المنظر، قال ابن سلام: فسمعته يتكلم عليه الصلاة والسلام، واسمع إلى الكلمات كأنها الدر بل أغلى من الدر، أو كأنها الجواهر بل أغلى من الجواهر. بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا أم المعاني اللواتي قد أتيت بها أرى بها الدر والياقوت متصلا لو ذاقها مدنف قامت حشاشته ولو رآها غريب داره لسلا انطلق يتكلم، فيقول عليه الصلاة والسلام: {يا أيها الناس! أطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، وصلوا الأرحام، وأفشوا السلام، تدخلوا الجنة بسلام} وراوي الحديث -والحمد لله- هو عبد الله بن سلام. فلما سمع هذا الكلام انطلق وآمن بالله فكانت له هذه القصة. يقول عليه الصلاة والسلام: {لو آمن بي عشرة من علماء اليهود لآمن بي اليهود جميعاً} لكن لم يتموا عشرة، فالنصاب لم يكتمل، لأن الله كتب عليهم اللعنة، بل أسلم منهم ثلاثة أو أربعة.

من مكائد اليهود عليهم لعائن الله المتتابعات

من مكائد اليهود عليهم لعائن الله المتتابعات

من مكائد اليهود: افتراؤهم على موسى عليه السلام

من مكائد اليهود: افتراؤهم على موسى عليه السلام المسألة السادسة: افتراؤهم على موسى عليه السلام: كان موسى عليه السلام رجلاً حيياً ستيراً يحب الستر، فيه حياء وخجل، كان يندى جبينه أن يتعرض شيء من جسمه لرؤية الناس، فكان إذا أراد أن يغتسل يذهب فيختفي وراء الجبال ثم يتستر بشجرة ثم يغتسل لأن الله رباه وأدبه، فقد تربى بوحي الله، أما هم كانوا إذا أرادوا أن يغتسلوا اغتسل بعضهم أمام بعض. ويقفزون في النهر سواء الرجال والنساء، فيقول بعضهم لبعض: أتدرون لماذا موسى لا يغتسل معكم؟ قالوا: لا ندري، قالوا: لأنه آدر، يقولون: ليس له آلة، وقيل في كلام آخر مريض، ليس عنده آلة الرجولة، قال: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69]. وفي صحيح البخاري أن موسى عليه السلام لما اغتسل أخذ عليه إزاراً، وجعل ثوبه على حجر فلما نزل يغتسل فر الحجر بالثوب، فخرج في إثره فأتى الحجر جهة بني إسرائيل فأقبل موسى فعلموا أنه ليس به داء فيقول موسى: ثوبي حجر! وأخذ يضرب الحجر، قال أبو هريرة: والله إنه بالحجر ندبٌ. أي: من آثار الضرب في الحجر، قدرة من الله عز وجل.

من مكائد اليهود: إقامة الحد على الضعيف وترك الشريف

من مكائد اليهود: إقامة الحد على الضعيف وترك الشريف السابعة: إقامة الحد على الضعيف وتعطيله عن الشريف: وهذا الذي ذكر عنهم صلى الله عليه وسلم لما أتي بالمخزومية التي سرقت فأرادوا الشفاعة لها، فقال: {أتشفعون في حد من حدود الله! إنما أهلك الذي كانوا من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها} وحاشاها أن تسرق! فإذا كان الزاني من أسرة عريقة يأتون فيحممون وجهه بالحمم -بالفحم- وأما إذا كان من أسرة ضعيفة رجموه حتى يموت، فلعنهم الله بهذا، لأنهم نقضوا الميثاق.

من مكائد اليهود: فعل الحيل المحرمة على الشرع

من مكائد اليهود: فعل الحيل المحرمة على الشرع الثامنة: ومن حيلهم الباطلة إذابة الشحم وبيعه كما في صحيح مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم الشحم أذابوه فجملوه فباعوه} قال الله عز وجل: {إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام:146] حرم الله عليهم الشحوم، فأتوا إلى الشحم فقالوا: إنه شحم، صحيح أنه حرام، لكن إذا سخناه بالنار وأذبناه فليس بحرام، فأخذوا الحيل المحرمة، يقول ابن القيم: هي من أفضح الحيل المحرمة. ومنها: أنهم لا يتناهون عن منكر فعلوه، وهذه الأمة وقعت في كثير مما وقع فيه بنو إسرائيل، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، يقول عليه الصلاة والسلام: {إنما أهلك الذين كانوا من قبلكم أن الرجل كان يلقى الرجل فيقول: يا عبد الله اتق الله! لا تفعل كذا، ثم لا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه من آخر النهار}. أي: بعض الناس تجده فاجراً لا يصلي ولا يعرف كتاب الله عز وجل، فتمر به فتقول: يا عبد الله اتق الله! صلِّ مع الناس يفتح الله عليك، فلا يصلي، فيأتي في المساء يدعوك فتذهب إليه وتجالسه وتقول: أحسن الله مثوبتك، ما أكرمك وما أحسن خلقك! فهذا من جنس فعل بني إسرائيل، قال الله عز من قائل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. فمن رأى المنكر ولم ينكر ولو بقلبه فهو من تلك الطبقة الذين يرون المنكر فلا ينكرون، ولذلك ورد في حديث أن جبريل عليه السلام أمره الله أن يزلزل قرية عن مكانها، فقال: يا رب فيها رجل صالح يعبدك ويسجد لك ويسبح ويكبر، قال: به فابدأ، فإنه ما تمعر وجهه في ذاتي. من فضائحهم المخزية: أنهم ما استفادوا من العلم -نعوذ بالله من علم يكون وبالاً علينا، اللهم إنا نعوذ بك وبوجهك الكريم من علم لا ينفعنا- فإن هذا هو الخزي والعار، ومضرة العلم في جانبين: أن تتعلم علماً فلا تستفيده أو لا تبلغه للناس، ولا تعمل به، يقول عز من قائل في بني إسرائيل: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5]. الحمار تحمل عليه مجلدات فتح الباري والمغني والمجموع ورياض الصالحين، فلا يدري الحمار أن تلك الكتب وما فيها من هدى يحملها على ظهره، واليهود كذلك، حفظوا التوراة ولكن ما عملوا بما فيها من أحكام، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13]. ولذلك فهذه الشهادات لا تسقينا شربة ماء ومن خطط الماسونية في مؤتمراتهم يقولون: الثامن من البنود: أن يفصلوا طلبة العلم والدعاة عن طبقة العامة، وهذه أكبر جريمة، حتى يأتي طالب العلم عنده دكتوراه فيقول: أنا وصلت الآن في تحقيق مخطوطة في مطبعة بولاق، وموجودة منها نسخة في برلين، فأنا مشغول بالاتصال وتنسيق المواعيد حتى أحقق هذه المخطوطة، ويموت هو والمخطوطة ويدخل قبره، وأهل القرية ما تعلموا سورة الفاتحة، ويأتي يوم القيامة فيحاسبه الله، يقول: عندي رسالة دكتوراه، قال: ليس عندنا دكتوراه، الدكتوراه معناها: كبير التوراة، أي: كبير في التوراة، لأنها كلمة إسرائيلية. فالمقصد أن من خطط الماسونية أن يفصلوا طلبة العلم عن الناس، فإذا وقع ذلك ما أصبح أحد يقول: قولوا لا إله إلا الله أو اقرءوا بسم الله، وتعم الفاحشة والبلوى، يقول سبحانه وتعالى في سورة الأعراف: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:175] هذا إسرائيلي {فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176]. وهذا هو بلعام بن باعوراء عالم كبير من علمائهم، لكنه ما استضاء بالعلم ولا علم أحداً، بل خيلاء في صدور المجالس على الكنب بجانب السلطان، فلما أراد الله أن يبتليه وأن يمتحنه قال له أحد الأنبياء: اذهب إلى أولئك الكفار وادعهم إلى الدين الخالص، فذهب فرشوه؛ حيث أعطوه قصراً وزوجوه منهم، وأعطوه شيئاً من الذهب والفضة، فأرسل إلى النبي أنه قد كفر بالآيات البينات، وأنه قد ارتد على عقبيه، فمسخه الله عز وجل وقيل: أنزل لسانه حتى أصبحت على صدره، حتى ما يستطيع أن يتكلم، هذا في الدنيا. فيقول عز من قائل لمحمد صلى الله عليه وسلم: (واتل عليهم) أي: واتل على طلبة العلم، واتل على الدعاة، واتل على هؤلاء الذين يريدون أن ينقذوا الأمة، إياك أعني واسمعي يا جارة: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} [الأعراف:175]. أعطيناه الآيات في صدره ليرتفع {فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:175] يقول ابن القيم: ما أحسن هذا الشبه! يقول: إن الثعبان يكسى بجلد فإذا أراد أن يخلعه انسلخ منه، وكذلك الإنسان إذا تكسى بثوب جميل وأراد أن يتعرى منه انسلخ منه، فما قال سبحانه وتعالى تخلى وإنما قال: {فَانسَلَخ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} [الأعراف:175 - 176] لكن مشيئة الله عز وجل {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} [الأعراف:176] أحب التراب والدنيا، وأحب الخلود وقنع بالدون فأعطاه الله ما تمنى. وأنت إن كانت همتك عالية أعطاك الله ما تمنيت، فإن كانت همتك في الصلاح أصلحك الله، وإن كانت همتك في الفساد لم يعنك ولم يوفقك: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5] {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23]. فهذا كفر بآيات الله فاتبع هواه فمثله كمثل الكلب، انظر كيف مثل الله بني إسرائيل مرة بالحمار ومرة بالكلب، {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176]. الكلب تأتي به وتجعله في الظل، كأن تدخله في غرفة مثلاً تجده يمد لسانه ويخرجها ويلهث وبطنه تضطرب، أو تخرجه في الشمس فتجده يمد لسانه ويخرجها وبطنه تضطرب، هذا مثل لمن تعلم فلم يتغير في سلوكه شيء، ولم يبلغ شيئاً، فهو سواء تعلم أو لم يتعلم، وما أبلغه من مثل! وما أعجبها من قصة لمن اتعظ واعتبر!

من مكائد اليهود: افتراؤهم أنهم أبناء الله وأحباؤه

من مكائد اليهود: افتراؤهم أنهم أبناء الله وأحباؤه التاسعة: ومن مفترياتهم أيضاً: قولهم إنهم أبناء الله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} [المائدة:18] الآية. قيل لبعض الصالحين: من أين لك من القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ قال: من قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} [المائدة:18] فلو كانوا أحباب لله ما عذبهم الله بذنوبهم، فهم يرون اليوم أنهم شعب الله المختار وأنهم الأمة الوسطية، والصفوة من الناس، قتلت فتاة يهودية قبل يومين في فلسطين في قرية من القرى فيقول شامير: أدعو بالغضب الإلهي على الفلسطينيين. وهو يقتلهم من ثلاثين سنة، يقتل الألوف المؤلفة منهم ويشردهم في الأرض. أما الغضب الإلهي فلا يقع إلا على الفلسطينيين، أما هو فلا يأتيه غضب إلهي: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111] فالمقصود: أنهم يرون أنهم أبناء الله وأنهم الشعب المختار وصفوة البشرية عليهم لعنة الله كلما أصبح الصباح وأمسى المساء. وقالوا: إن الله فقير عليهم لعنة الله: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [آل عمران:181]. طلب منهم الأنبياء النفقة في سبيل الله؛ فقالوا: إن الله فقير، ما دام يطلب أموالنا فهو فقير! ونسوا أن الذي خلقهم ورزقهم هو الله! {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران:181 - 182]. ويقولون: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] قال ابن عباس: بخيلة. يقولون: الله عز وجل لا ينفق كثيراً على الناس لأن بعض الناس فقراء، ولو أنفق الله عليهم لكانوا أغنياء، قال سبحانه وتعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة:64] انظر العبارة كأنها صاعقة: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] ما قال: (بل يداه مبسوطتان) ثم سكت بل قال: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64]. ولذلك أحد الصالحين قرأها من القرن الثاني يوم كانوا يفهمون القرآن ويتدبرون القرآن فبكى كثيراً يوم قال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] بكى، ولما أتى قال: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة:64] رفع صوته حتى ارتج المسجد لينصر دين الله. قال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] ثم بكى، ثم التفت وإذا الخطاب كأنه صاعقة: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64] فلا أغنى من الله، ولا أجود منه ولا أكرم منه سبحانه وتعالى. {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة:113] العجيب أن ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم في الصفحات الأولى قال: سوف يقع في طوائف هذه الأمة ما وقع في اليهود والنصارى، تأتي اليهود وتقول: ليست النصارى على شيء. أي: هم على باطل، وتأتي النصارى وتقول: ليست اليهود على شيء. أي: هم على باطل، ووجد هنا اتجاهات ومشارب، يقوم المشرب والاتجاه يقول: إن الاتجاه الآخر ليس على حق، بل هو مخطئ دائماً، أما نحن فالحمد لله مصيبون! وتذهب إلى أولئك فيقولون: أما نحن فأصبنا كل الإصابة وأولئك مخطئون. هل نزل عليكم وحي من السماء؟! هل تكلم معكم الرسول عليه الصلاة والسلام؟ لا والله إنه ليس إلا الهوى القاتل، نعوذ بالله من الهوى! {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30]. هذه كذبة على الله عز وجل، فإن الله لم يلد ولم يولد، والولادة أو الجنس من أحط درجات الصفات البشرية، تعالى الله عن ذلك سبحانه وتعالى لأنه لا يليق به سبحانه وتعالى، فقالوا هم: إن عزيراً ابن الله، وكذبوا على الله، وهذه فرية يستحقون بها التدمير والإبادة، وقد فعل بهم سبحانه وتعالى ذلك. {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [البقرة:111] وهذا هراء {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]. أعندكم وثائق؟! أعندكم صكوك تدخلون بها الجنة من الله عز وجل، أو صكوك غفران كاذبة ظالمة غاشمة خاطئة؟! ومنها: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة:88]. قال الإمام البغوي: يقولون: عندنا علم انغلفت قلوبنا عليه فلا نحتاج إلى علمك، يعني: علم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: عندنا من الفقه ما لا نحتاج إلى ما تأتينا به، وقيل: عندنا علم فلا نسمع لما جئت به أنت، قلوبنا مغلفة مجلدة بعلم. {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:88]. وقال سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ} [النساء:50] قيل: السحر، وقيل غيره {وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا} [النساء:50] ذهب سيدهم كعب بن الأشرف من خيبر إلى أبي سفيان فقال أبو سفيان يسأله: باللات والعزى: من منا الأهدى: نحن أم محمد؟ يعني: أقوم سبيلاً. قال: أنتم أقوم سبيلاً. قال سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ} [النساء:50] يعني: كعب بن الأشرف {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا} [النساء:50] فقال الله عنهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء:51 - 52] نعوذ بالله من اللعنة! {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:80]. فيقولون للمسلمين: نمكث في النار أياماً معدودة: ستة أو سبعة أيام أو عشرة أيام بالكثير وبعدها نخرج، وتخلفونا أنتم، يعني: المسلمين، فكذبهم الله عز وجل وذكر أنهم يمكثون فيها مخلدين، ويعتق الله كل مسلم بما يقومهم من اليهود والنصارى، يقول الله للمسلم يوم القيامة: هذا اليهودي أو هذا النصراني عتقك من النار، خذه واجعله في النار بدلاً عنك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

من مكائد اليهود: رفضهم أن يدخلوا الباب سجدا

من مكائد اليهود: رفضهم أن يدخلوا الباب سجداً أما مكائدهم فمنها التي ذكر الله عز وجل: دخولهم الباب يزحفون، فإن الله سبحانه وتعالى قال لهم: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة:58] قال بعض المفسرين: باب أريحا لما فتح الله على موسى عليه السلام تلك البلاد قال لهم موسى: إن من نعمة الله عليكم يوم نصركم ويوم أنقذكم من فرعون الطاغية أن تدخلوا متواضعين سجداً يعني: ركعاً، تدخلون من باب المدينة متواضعين، خشعاً لله كما دخل صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فإن الله لما فتح له ونصره يوم فتح مكة تواضع على البعير وخشع، حتى قيل في بعض الروايات: سالت دموعه تواضعاً لله، فرفعه الله، فإن من تواضع لله رفعه، فقال لهم موسى: ادخلوا متواضعين لما نصركم الله وأنقذكم، فأبوا، يقول الله عز وجل: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة:58] أي: يا رب احطط عنا ذنوبنا، مثل إذا قلت: غفرانك، غفرانك، أو غفْراً غفْراً، أي: اغفر لي، فقال لهم موسى: قولوا: حطة، كلمة خفيفة معناها: يا رب اغفر لنا، فدخلوا يزحفون على أستاهم ويقولون: حنطة في شعرة، بدل حطة يقولون: حنطة، {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة:59] الآية. فلما بدلوا هذا الكلام غضب الله سبحانه وتعالى عليهم من فوق سبع سموات وأخزاهم وأذلهم.

من مكائد اليهود: قتلهم الأنبياء

من مكائد اليهود: قتلهم الأنبياء قيل: إنهم قتلوا في غداة واحدة عشرات الأنبياء لأنه كان يبعث لهم جملة من الأنبياء، أتوا بيحيى عليه السلام فذبحوه وقطعوا رأسه، ثم أخذوا رأسه وألقوه في حضن أبيه زكريا، فانتفض زكريا عليه السلام فطاردوه بالسيف، وفي تاريخ ابن كثير في ترجمة زكريا عليه السلام أنه شرد منهم فأتت شجرة فلما رأته شرد، معجزة من الله انكشفت له وانقسمت نصفين فدخل فيها، فأخذ الشيطان بطرف ثوبه فوجدوا ثوبه فعرفوا أنه في الشجرة، فأقاموا المنشار من رأس الشجرة فقسموه مع الشجرة نصفين، هذا الذي ثبت في مقتله عليه السلام، فكانوا يقتلون الأنبياء، لذلك قال الله سبحانه وتعالى: {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران:181]. فائدة: هل هناك قتل الأنبياء بحق؟ ما دام قال الله سبحانه وتعالى: {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران:181] فهل هناك قتل الأنبياء بحق؟ هل يحق لهم في سورة أخرى أن يقتلوا الأنبياء؟ لا. هذا من شدة ظلمهم وعتوهم، فكأن المعنى يقول: يا ليت هناك أطرف سبب يعتذرون به، ويكون سبباً ليكون لهم جزء واحد على مليون من الحق، لكن والله لا يوجد واحد على مليون، إنما هو ظلم وعتو وعدوان منهم.

من مكائد اليهود: ما وقع في قصة البقرة

من مكائد اليهود: ما وقع في قصة البقرة ومنها: قتلهم النفس في قصة البقرة، حيث كان هناك إخوة وكان لهم عم غني فأتوا إلى عمهم، فذبحوه وأخذوا تركته، وخافوا أن يُكتَشف أنهم قتلوا عمهم، فأتوا إلى موسى فقالوا: إن عمنا قتل البارحة، ولا ندري من قتله، وأخذوا يتباكون كتباكي إخوة يوسف عند يعقوب، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه أن خذوا بقرة، فإذا ذبحتموها؛ فخذوا شيئاً من رجلها فاضربوا به الميت، فسوف يحييه الله وسوف يتكلم بمن قتله، هذا هو التفسير الصحيح للقرآن بهذه الآيات: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67] انظر إلى البلادة في أذهانهم وإلى الغباوة، ليتهم أخذوا أي بقرة وذبحوها وانتهت المسألة والمشكلة، لكن ترسخ الإلحاد في أذهانهم والمكر والخداع، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} [البقرة:67 - 68]-ليست بكبيرة هرمة ولا بصغيرة بل هي وسط، أراد الله بذلك أن يعجزهم، لأنهم تمادوا في السؤال، وقد كان يكفيهم أي بقرة غير مشروطة بوصف، فطلب من الوسط، والوسط دائماً صعب، ولذلك جعل الله الأمة وسطاً، وأكبر ما يشكلك في حياتك أن تكون وسطاً، ولا يستطيع إلا القلة من الناس أن يكونوا وسطاً: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا} [البقرة:68 - 69] انظر التحفظ والورع، وإلا فما دخلهم باللون فقال: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة:69] واللون الأصفر في البقرة نادر جداً، لو قال: سوداء؛ كانت أسهل، ولو قال: بيضاء؛ كانت أسهل، لكن صفراء، ومع ذلك: فاقع لونها، وليس فيها لون آخر: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البقرة:70] ثالث مرة، بعد الصفراء فاقع لونها، {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:70]. {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ} [البقرة:71] يعني: ليست بعاملة أي فهي مرتاحة دائماً في البيت: {وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا} [البقرة:71] أي: قيل ليس فيها لون، فهي صفراء ليس فيها بقعة سوداء ولا بقعة بيضاء، فاقع لونها تسر الناظرين {قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71]. أتدرون أين وجدوا البقرة؟ أورد ابن كثير روايات وهي من الإسرائيليات ونحن نتخذ منها مواقف ثلاثة دائماً: أما ما أيدها كتابنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم قبلناها ووضعناها على العين والرأس، وأما ما خالف كتابنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لم نلتفت إليها، وأما ما لم يصدق ولم يخالف رويناه للناس: {وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج} {وإذا حدثكم بنو إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم}. قال ابن كثير وهو يروي قصتهم: بحثوا في القرى فما وجدوها، بحثوا في المدن فما وجدوها، بحثوا في البوادي فما وجدوها، سمعوا أنها عند عجوز في ناحية من نواحي البلدة، فذهبوا إليها فأضعفت عليهم الثمن حين علمت أنهم لا يزكو لهم غيرها، قالوا: يا خالة يا عمة نريد البقرة، هذا الوصف الذي قال لنا موسى عليه السلام انطبق على بقرتك، قالت: من أين؟ بقرتي فيها كذا وكذا وتفعل كذا وكذا، وهي من ذرية ومن سلالة كذا وكذا، فقالوا: خذي ما شئت من المال، قالت: لا أرضى إلا إذا ذبحتموها تملئوا جلدها لي ذهباً، فوافقوا على ذلك، فجمعوا حليهم وأموالهم ثم أخذوا البقرة فذبحوها، فسلخوا جلدها ثم ملئوه ذهباً وأعطوه العجوز. لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار فأخذوا رجل البقرة قال تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة:73]. فأخذوا شيئاً من الرِجْل فضربوا به الميت فقام، قال: قتلني هؤلاء الذين أتوا يشتكون، فأخذهم السلطان وسحبهم إليه، ثم عاد هذا بحفظ الله ورعايته نائماً ميتاً. فهذه هي قصة البقرة وقصة إفكهم فيها، فإذا سمعت بذكر البقرة فهذا ملخص تعنتهم وجدالهم وكثرة مسائلهم فيما لا يعنيهم.

من مكائد اليهود: القرية التي كانت حاضرة البحر

من مكائد اليهود: القرية التي كانت حاضرة البحر ومنها: قصة القرية حاضرة البحر، وهي قصة مبكية محزنة، هذه القرية كانت حاضرة على شاطئ البحر، وكانت في نعيم وأمن وسلام، الله عز وجل قال لبني إسرائيل: لا تعتدوا في السبت أي: لا تصيدوا السمك يوم السبت، صيدوا في كل الأيام إلا يوم السبت قالوا: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة:93]. وهم دائماً يقولون: سمعنا وعصينا، فنصح العلماء منهم وقالوا: يا أيها الناس! نخاف من الله أن يخسف بنا، فلا تصيدوا السمك يوم السبت، قالوا: فابتلاهم الله، يوم الأحد ويوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة فلا تأتيهم سمكة، إلا أن يبحثوا عنها في البحر، ويذهبوا بالقوارب والشباك ويجدوا ويجتهدوا وبكل كلفة يأتي شيء، وأما يوم السبت فتأتي شُرّعاً، حتى تملأ الساحل، حتى ما بقي إلا أن تصافحهم وتعانقهم، والمقصود أن الله ابتلاهم يوم السبت: {تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ} [الأعراف:163]. فأتوا وكان فيهم دهاء أحمق أوصلهم ذكاؤهم إلى الدرك الأسفل من النار، فاستخدموا الحيل المحرمة التي ذكرها ابن القيم في إعلام الموقعين، فقالوا: إن الله عز وجل نهانا عن الصيد مباشرة، لكن لو حفرنا أخاديد حتى تنشب الأسماك في هذه الأخاديد أو نسد عليها بالماء فما ترجع إلى البحر ونصيدها يوم الأحد! فحفروا الخنادق ومجاري الماء ووضعوا الشباك، فأتت الأسماك تدخل؛ فكلما امتلأت سدوا ما بينها وبين البحر فلا تستطيع أن تعود، ويأتون يوم الأحد فيأخذونها، فقال لهم الصالحون منهم: يا أيها الناس! إنكم ألحدتم في دين الله، وعصيتم الله، وتجاوزتم حده، هذا خطأ، قالوا: لا. ما أخطأنا، يقول الله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] ليس هناك أمكر منهم، فلما نصحهم أخيارهم وأبرارهم ولم ينتصحوا، فقال الصالحون: والله لا نساكنكم في قرية، اجعلوا بيننا وبينكم حاجزاً في القرية، وهذا هو المنهج الصحيح في التعامل مع المنكر وأهله، أما أن يأتي الإنسان ويجعل غترته على رأسه يذهب يصلي ويقول: الله المستعان! اللهم أصلح شباب المسلمين، ولا يأمر ولا ينهى ولا يوجه ولا ينصح ويقول: نفسي نفسي، فأقول: ليس في الإسلام نفسي نفسي، نفسي نفسي تكون يوم القيامة أما في الدنيا: {لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه أخذاً، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليخالفن الله بين قلوبكم، أو يلعنكم كما لعن الذين من قبلكم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فبنوا حاجزاً بينهم، لكن ذلك بعد أن أعذروا إلى ربهم ولعلهم يتقون، وهذا واجب الداعية أول ما يعذر نفسه إذا دعا الناس، ويوم القيامة لا يخزيك الله يوم يخزي الفاسقين، لأنك أعذرت وبلغت. والأمر الثاني: (لعلهم يتقون) علّ الله عز وجل أن يفتح عليهم، فعصوا وتمردوا وأبوا، وفي صباح الباكر خرج هؤلاء الصالحون ينظرون إلى أولئك، فسمعوا صياحاً مثل صياح القردة وأصوات الخنازير، فأشرفوا من السور وإذا الشق الآخر أو القسم الآخر من المدينة، وإذا هم قد أصبحوا قردة، وفي بعض الروايات من التفسير أن رجلاً كان يعرفهم يقول: يا فلان أأنت فلان؟ وهو قرد فيهز رأسه أن نعم، ويقول لفلانة: أأنت فلانة؟ فتقول: نعم، أي تهز رأسها! ولما أخبر سبحانه وتعالى قال: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65]. فما اكتفي بوصفهم أنهم قردة؛ لكن قردة خاسئين، و Q هل هذه القردة تناسلت؟ أي: القردة الذين نراهم في السودة وفي القرعة هم من إخوان شامير ورابين وهؤلاء اليهود، أم هم أبناء عمومتهم، أم هم فصيلة أخرى؟ الله أعلم والراجح أنهم قضي عليهم وما تناسلوا، وأما القردة الموجودة فخلق آخر، حول الله أولئك إلى مثل هؤلاء القردة. والله عز وجل أنعم على اليهود من النعم ما أنعمها على أحد من العالمين، أعطاهم المنّ والسلوى وظلل عليهم الغمام لما كانوا في طور سيناء، عندما تاهوا أربعين سنة، ويقول لهم موسى: ادخلوا معي هذه القرية، قالوا: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24]. نحن نريد شيئاً جاهزاً أي: لا نريد أن ندخل في حروب مع الناس، لكن إذا فتحت القرية أنت وأخوك فسوف ندخل، أما أن نقاتل وننشب في الناس فلا، فدعا عليهم موسى أن يتيهوا في الأرض، فتاهوا أربعين سنة يأتون إلى طرف سيناء يريدون أن يخرجوا، فيقولون: أخطأنا الطريق فيعودون، فإذا وصلوا إلى الطرف الآخر ضاعوا، وهكذا أربعين سنة، وتكفل الله لهم وأنعم عليهم نعماً كثيرة، ففجَّر لهم من صخرة مربعة اثنتي عشرة عيناً لأنهم اثنا عشر سبطاً أي: اثنا عشر قبيلة كل قبيلة خمسون ألفاً، فهم ستمائة ألف كما يقول ابن جرير: فكانت لكل قبيلة عين. وكل قبيلة لا تشرب من عين الأخرى، فأتوا يشربون، فقالوا: أين الطعام؟ هذا الماء بارد لكن أين الطعام؟ يتشرطون! قال: ماذا تريدون؟ قالوا: نريد أحسن طعام، فأتى لهم بالسلوى، وهي طيور مشوية يسقط عليهم في الصباح في موائد، ويقدم طازجاً فيأكلونها ويقولون: أين الحلوى؟ أي: يقصدون ما يتحلون به بعد الغداء، قال: هذا المن، فكانوا يأخذونه من على أوراق الشجر ويأكلونه، قالوا: هذا الماء وهذا الطعام لكن أين الظل؟ نبقى في الشمس؟! قال: يظلل الله عليكم بالغمام، فكان الغمام يسير معهم أفواجاً مع قبائلهم، فلما بقوا في هذه النعمة، قالوا: لا يصلح هذا؟ لا يصلح المن ولا الماء البارد ولا السلوى ولا يصلح الغمام، قال: ماذا يصلح؟ قالوا: {فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [البقرة:61]. قال موسى: أعندكم عقول؟! {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة:61]. أي البصل والثوم بالمن والسلوى قالوا: لا نريد إلا هكذا! طبائعهم مثل الخنازير والقرود. يقال: إن حماراً قدم له شيء من طعام طيب فيقول: برأسه كذا، أي أنه يريد أن يأكل برسيماً؛ لأنه تربى عليه، لذلك الجعلان ما يتربى إلا على دحرجة القاذورات، وأمة اليهود أخبث أمة على وجه الأرض، حتى يقولون: إنهم عضو أشل في تاريخ الأمة، ونحن نخاف أن نغتاب اليهود هذه الليلة، فالمقصود أنهم أعطوا المن والسلوى ولكن ما شكروا الله، فقال موسى: اهبطوا مصراً -قيل: أرض فلسطين - فإن لكم ما سألتم، وإنما فسرت بـ فلسطين لأنها نونت فدل على أن البلد المعروف غير مقصود وإلا لمنعت من الصرف، فليست مصر المعروفة التي هي عاصمتها القاهرة، والتي زلزلت مرة يوم كان أحد فراعنتها يحكم بالطاغوت، وبغير شريعة الله، فأراد الله أن يؤدبهم فتزلزلت مصر، فأراد هذا الطاغية أن يلين بالله عز وجل ويخشع ويبكي ويراجع حسابه مع الله؛ فقال شاعر من الشعراء: لا تخف، قال: ماذا؟ قال: ما زلزلت مصر من كيد ألمَّ بها لكنها رقصت من عدلكم طربا

من مكائد اليهود: عبادة العجل

من مكائد اليهود: عبادة العجل والأمر الخامس: عبادتهم العجل، نجاهم الله عز وجل، حتى أتى يهودي إلى علي بن أبي طالب ولن تجد أفطن من علي بعد الثلاثة، حاد الذهن، تصل كلماته إلى القلوب مباشرة، ولذلك يقول ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: حسدته الأمم على ذكائه. إي والله، رهيب الذكاء، ويدخل النار فيه طائفتان: طائفة أحبته حتى قدسته ورفعته فوق منزلته يجرها الله على وجوهها حتى يدخلها النار وهؤلاء هم الباطنية، وطائفة أبغضته حتى قطع البغض قلوبها فتدخل النار. فـ علي رضي الله عنه يأتيه هذا اليهودي يقول: هيه يا أبا الحسن ما رأيتم شجرة فقلتم لرسولكم: اجعل لنا شجرة ذات أنواط، كما تعرفون في الحديث أن الصحابة لما نزلوا شجرة قال بعضهم: وكان حديث عهد بجاهلية كما في سنن أبي داود من حديث أبي واقد الليثي: {اجعل لنا ذات أنواط نعلق عليها سيوفنا كما يعلق المشركون}. قال: ما خرجتم من المعركة يا أبا الحسن إلا قلتم لرسولكم صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط، فقال علي: [[وأنتم ما خرجتم من البحر حتى قلتم لموسى عليه السلام: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة]]. يروى عن علي أنه قيل له: كم بين الأرض والعرش؟ وعلي رضي الله عنه لا يعرف، لأنه ما قاسها، فقال: [[بين العرش والأرض دعوة مستجابة]]. قالوا: كم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة الشمس يوماً. فلن تجد أثقب من ذهنه رضي الله عنه وأرضاه لإخلاصه وعبادته. الشاهد: أن بني إسرائيل خرجوا من البحر، فلما خرجوا أتى السامري، واسمه موسى العزيز السامري، فهذا الغاوي المغوي اسمه موسى وكان في الركب الذي نجاه الله من البحر، وموسى بن عمران النبي الكريم عليه الصلاة والسلام اسمه: موسى كذلك وتسميه اليهود (موشي) وموشي ديان اسمه موسى في الأصل لكن يسمونه موشي، فموسى عليه السلام رباه فرعون في القصر معه، لكن انظر هداية الله عز وجل، وموسى هذا الغاوي المغوي السامري رباه جبريل: فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرعون مرسل والهداية من الله، والمصلح هو الله مع الدعاء والأسباب، يربى بعض الأبناء في البيت، ويقرأ دائماً عليه القرآن صباح مساء، ويسمع الذكر والمحاضرات والهداية والأنوار تشع فيأبى، وإنسان في بيت مظلم، لا يسمع إلا الغناء والمغنين والمغنيات الأحياء منهم والأموات، ولكن روحه تتوقد للإسلام: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الروم:19]. عكرمة بن أبي جهل يأتي من صلب أبي جهل الذي يتردى يوم القيامة على وجهه في النار، وعكرمة يقول يوم اليرموك: من يبايعني على الموت، فيلبس أكفانه بعد أن يغتسل ويتحنط ويتطيب، ويضرج بالدماء ويذهب في سبيل الله، فسبحان الله! ونوح عليه السلام يقول لابنه: اركب معنا، قال: لا {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود:43] فصعد فلما أصبح في رأس الجبل وإذا بالماء يعلو، فيمد عنقه في الجو يظن أنه سوف يُفوت قدرة الله عز وجل فوصل الماء إلى عنقه فأخذ يتطاول حتى أعماه الماء. إبراهيم عليه السلام يأتي إلى شيخ ضال يقول له: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} [مريم:43] أتاني علم من السماء وهو علم لا إله إلا الله، أتيتك به، قال: اعتزلني وإلا رجمتك، سبحان الله! أب ضال وابن صالح، وابن ضال وأب صالح، قدرة الله سبحانه وتعالى! فلما خرجوا من البحر قال لهم السامري: أتدرون ماذا معي في هذا القرطاس أو في هذا الوعاء؟ قالوا: ما ندري، قال: هذا قبضة قبضتها من آثار جبريل عليه السلام يوم مر من البحر، وسوف أجعلها في حليكم فإنها تحدث أصواتاً، قالوا: وما الفائدة منها؟ قال: الفائدة أنه إلهكم، قالوا: وموسى كيف يذهب يكلم الله عز وجل من طور سيناء وإلهنا هنا، قال: نسي موسى، فموسى عليه السلام قال: يا بني إسرائيل أستأذنكم سأذهب لألقى ربي عز وجل، وكان موسى إذا أراد أن يذهب لمكالمة الله صام ثلاثين يوماً، استعداداً وتهيؤاً روحياً حتى يلقى الله عز وجل، لأنه يبقى أربعين ليلة والنور على وجهه بعد المكالمة، قال بعض المفسرين: فذهب موسى، وفي أثناء الطريق وجد خلوف فمه متغيراً لأنه صام كثيراً، فأخذ سواكاً يتسوك به، فلما كلمه الله لماذا أزلت آثار الصائم وهو أحب إليَّ من ريح المسك؟ قال: يا رب! ظننت أن هذه الرائحة متغيرة، قال: عد فصم عشرة أيام: {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف:142] فعاد فصام عشرة أيام فلما صام عشرة أيام قال: يا بني إسرائيل أستأذنكم سأذهب لألقى ربي في طور سيناء. المكالمة ضخمة تحتاج إلى لقاء، وتحتاج إلى حضور قلب، فلما مشى قال السامري: نسي موسى، قالوا: نسي ماذا؟ إلهكم هنا وذهب يكلمه -انظر إلى الغباء فيهم- قالوا: أين الإله؟ قال: اجمعوا لي الحلي، فجمعوا الحلي فصاغه حتى جعله على شكل العجل، ثم أدخل هذه الحفنة التراب فيه ثم أتى يصوت فيه فأحدث رجة وصوتاً قال: هذا إلهكم، فسجدوا لهذا العجل. أتى موسى عليه السلام، وإذا عجل من ذهب واقف أمامه، قال: ما هذا؟ قالوا: هذا إلهنا!! سبحان الله! أربعون سنة، ومجاهدة مع فرعون وحادثة البحر، ومعجزات عظيمة ومع ذلك لم يستفيدوا منها شيئاً. حتى إنه من الغضب ألقى الألواح وفي نسختها خير لهم وهدى. يقول ابن تيمية: رحم الله موسى، وإلا كيف يلقي الألواح وفيها كلام الله، قال: لكن لما علم الله إخلاصه غفر له وسامحه، قال: فألقى الألواح وأخذ برأس أخيه، يبدأ بهارون، هارون أكبر من موسى يقال بسنة، لكن كان حبيباً قريباً إلى القلوب يعني: لما رآهم يعبدون، قال: لا هذا ليس بإلهكم، اتقوا الله ولم يستطع أن يفعل شيئاً. فلما أتى موسى عليه السلام أخذ برأس أخيه وبلحيته يجره إليه، يقول: كيف توافقهم على هذا {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه:94] خفت أن أقوم فيهم فينشقون قسمين فتقول: لماذا تتصرف قبل أن آتي؟ لأن موسى عليه السلام إذا وفد عند بني إسرائيل أصبحوا مثل الغنم إذا رأت الأسد، وهارون عليه السلام يتصرفون في حضوره. أما موسى فلا يستطيعون، لأنه قوي أمين، ولذلك يصفه عليه الصلاة والسلام بالقوة يقول: {كأنه من أزد شنوءة} فلما عبدوا العجل قال إنهم: إن من توبتكم أن تقتلوا أنفسكم، قالوا: كيف نقتل أنفسنا؟ قال: يأخذ كل واحد منكم سكيناً بيده وسوف ينزل الله عليكم ظلمة شديدة حتى لا يرى الإنسان ابنه ولا خاله ولا عمه فتدركهم الشفقة، فأنزل الله عليهم الظلمة فجعلوا يتقاتلون بالسكاكين حتى قتل كثير منهم، ثم قال موسى: كفوا تاب الله عليكم، فتابوا.

حب الأنصار

حب الأنصار لقد وجد في الناس من يبغض ويقاتل ويسب الأنصار، وقد تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أن من علامة النفاق بغض الأنصار، ومن علامة الإيمان حبهم. وتحدث الشيخ في درسه هذا عن مناقب الأنصار، ومواقفهم الشجاعة ضد الكفر والشرك، وذكر بعض عظمائهم وعلمائهم وشهدائهم الذين برزوا في مجال العلم والشجاعة والفداء، والشعر. كما تعرض الشيخ لعقيدة أهل السنة والجماعة في الأنصار، وتكلم عن واجب الأمة الإسلامية نحوهم.

منزلة المهاجرين ومنزلة الأنصار

منزلة المهاجرين ومنزلة الأنصار الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. معنا هنا -بإذن الله وعونه وتوفيقه- موضوع خطير وشائق في نفس الوقت، وهذا الموضوع عقد له الإمام البخاري باباً منفصلاً، فقال: (باب: علامة الإيمان حب الأنصار رضوان الله عليهم وأرضاهم). ثم قال رحمه الله تعالى: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني عبد الله بن عبد الله بن جبر، قال: سمعت أنساً عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {آية الإيمان: حب الأنصار، وآية النفاق: بغض الأنصار} وإذا كنا أسلفنا الحديث معكم في مشروع حفظ حديث في كل جلسة، وسبق معنا حديث في الجلسة الماضية الذي رواه الترمذي وأحمد: {أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فدلني على باب جامع أتمسك به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} وهذا الحديث حسن، وهو من قواعد هذا الدين، ولا بأس أن نأخذ في هذا الأسبوع هذا الحديث العظيم الذي هو حديث ولاء، وحديث عقيدة، وحديث محبة، لمن نصر الله ونصر رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أنس: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {آية الإيمان: حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار} فجعله البخاري في أمور الإيمان، ليجعله من العقيدة، وليدخل أعمال القلوب في مسمى الإيمان كما هو من عقيدة أهل السنة والجماعة، وسوف يطول -إن شاء الله- الحديث مع الأنصار، ومع حياتهم، لنتقرب بحبهم إلى الله الواحد القهار. فإن الله سبحانه وتعالى قد امتدحهم في أكثر من آية، وامتدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ثبت عنه عليه أفضل الصلاة والسلام أنه رأى امرأة مقبلة، فقال: {ممن هذه المرأة؟ قالوا: من الأنصار، قال: والله الذي لا إله إلا هو! إنهم لمن أحب الناس إلي} ولذلك يقول الله تبارك وتعالى في سورة التوبة: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة:117] فجعل الأنصار بعد المهاجرين.

موقف أبي بكر مع الأنصار

موقف أبي بكر مع الأنصار لما اجتمع -الأنصار- في سقيفة بني ساعدة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت لم يعين خليفة -على الصحيح من أقوال أهل العلم- لكنه لمحَّ ولم يُصِّرح صلى الله عليه وسلم، وعرض ولم يبين، فقدم أبا بكر رضي الله عنه، وامتدحه على المنبر قبل أن يموت بليالٍ عليه أفضل الصلاة والسلام بليالٍ وقال: {لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت -والخوخة الباب الصغير بين البيتين أو الدارين- إلا خوخة أبي بكر} ويقول: {والله لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن صاحبكم - يعني: نفسه صلى الله عليه وسلم - خليل الرحمن} وثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم: {سمع عمر يُصلي ويُكِّبر قال: من المكبر؟ قالوا: عمر، قال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر}. فيقول عمر بعدها: [[رضيه صلى الله عليه وسلم لأمور ديننا، أفلا نرضاه لدنيانا]] ثم يقول عمر عن نفسه: [[والله لئن أقدم فيضرب عنقي في غير حد من حدود الله، لكان أفضل من أن أتقدم أمة فيهم أبو بكر رضي الله عنه]]. والمقصود من هذا أن الأنصار اجتمعوا -رضوان الله عليهم جميعاً- في سقيفة بني ساعدة، ولم يكن معهم أحد بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان قصدهم من هذا الاجتماع هو أن ينصبوا خليفة منهم -أي: يكون من أهل الأنصار- فلما بقي جثمان الرسول الله في البيت وسلم عليها أبو بكر، أتى عمر فقال: [[يا أبا بكر! دعنا ندرك الأنصار؛ لئلا يختلف في أمر هذه الأمة]]. قال عمر: [[وكنت قد زوَّرت كلاماً في صدري -أي: هيأت كلاماً- حتى أتكلم به إلى الأنصار -أي: أعرض لهم قضية الخلافة، أنها لابد أن تكون في قريش وفي المهاجرين- قال: فمضيت أنا وأبو بكر، وأبو بكر لم يهيئ كلاماً]]؛ لأنه كان مشغولاً رضي الله عنه، ظل يتكلم في الناس في المسجد، وأخبرهم بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهدأ من روعهم، وسكَّتهم، فانشغل بهذه الأمور عن تهيئة خطبة للقاء الأنصار، قال عمر: فدخلت أنا وأبو بكر على الأنصار، فوجدناهم يجتمعون على سعد بن عبادة رضي الله عنه، وهو مريض، وهم يختلفون فيمن يُولون الخلافة بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم. قال عمر: وكان في أبي بكر رضي الله عنه حدة - سرعة في بعض الأمور- كنت أُداريه -وهذا ثابت- وكنت قد زوَّرت كلاماً في صدري لأتكلم، قال: فأسكتني أبو بكر رضي الله عنه، ثم تكلم، قال عمر: [[والله ما ترك كلمة زورتها في صدري إلا أتى بأحسن منها]] ثم قال: أنتم أهل الدار! وأنتم الأنصار، منا الأمراء ومنكم الوزراء، يأبى الله على المؤمنين إلا أن تكون الإمرة في هذا الحي من قريش، ثم أخذ يستلينهم بالكلام ويدعو لهم بما قدموا للإسلام والمسلمين من خدمة ونفع، وفي الأخير رضوا، فقال أبو بكر: يا عمر! مد يدك لأبايعك، فقال عمر: والله لا أتقدم أُمةٌ أنت فيها، فقال أبو بكر: رضي الله عنه في صدق -لأنهم لا يريدون الحياة الدنيا، ولا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً- فقال: يا أبا عبيدة! مد يدك لأبايعك، فقال: والله لا أبايع وأنت فينا، فبايعوا أبا بكر رضي الله عنه ثم بايعه الناس.

تقديم المهاجرين على الأنصار في القرآن

تقديم المهاجرين على الأنصار في القرآن قال أبو بكر رضي الله عنه: [[إن الله قدَّمنا قبلكم في القرآن، فقال: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة:117]]] ثم يقول سبحانه وتعالى بعد أن مدح المهاجرين: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] هؤلاء هم الأنصار رضوان الله عليهم. من كان يريد الله والدار الأخرة فعليه أن يحبهم من قلبه، ونشهد الله على محبتهم، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما أتى بهذا الحديث؛ لأنه خاف وخشي من قوم يأتون -فيما بعد- يبغضون الأنصار -وفعلاً وقع ذلك- وحدث أن قوماً سلوا السيف على الأنصار وقتلوا أبناء الأنصار، سلبوا أبناء الأنصار الماء البارد، ومنعوهم إياه، واستبيحت المدينة ثلاثة أيام. ولذلك أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يثبت للأمة ووللناس أن من الإيمان حب الأنصار، وأن من النفاق بغض الأنصار، فالله سبحانه وتعالى قدمهم قبل غيرهم، وأخرهم على المهاجرين.

رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأنصار إلى المدينة

رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأنصار إلى المدينة وأول ما نبدأ مع الأنصار! مع رحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، لكن قبل أن يصل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، بايعهم يوم العقبة.

مبايعة الأنصار للرسول صلى الله عليه وسلم في العقبة

مبايعة الأنصار للرسول صلى الله عليه وسلم في العقبة أتى الأنصار -قيل في رواية: ما يقارب السبعين- ووصلوا إلى العقبة، وأتى صلى الله عليه وسلم، فخرج من مكة متخفياً حتى لا يراه مشركو قريش، فلما وصل صلى الله عليه وسلم إليهم جلس عليه أفضل الصلاة والسلام بين أظهرهم وتكلَّم ثم تكلم العباس، ثم قام عبد الله بن رواحة رضي الله عن ذلك المجاهد، وقال: {يا رسول الله! ماذا تريد منا؟ على ماذا نبايعك؟ قال: تبايعوني على أن تمنعوني مما تمنعوا منه نساءكم وأطفالكم؟ فقال ابن رواحة: فما لنا -يا رسول الله- إذا فعلنا ذلك؟ قال: لكم الجنة! قال ابن رواحة: ربح البيع! والله لا نقيل ولا نستقيل} أي: ليس هذا خيار ولا استقالة إنما هو بيع نافذ، ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله لما وصل إلى هذه الكلمة، وقد سال قلمه ونسي نفسه رضي الله عنه، وقال في قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} [التوبة:111]. قال ابن القيم: قالها ابن رواحة رضي الله عنه، هذا العقد أنزله الله سبحانه وتعالى، وأتى به جبريل عليه السلام، وأمضاه محمد صلى الله عليه وسلم، والسلعة هي الجنة، والثمن أرواح المؤمنين، فربح البيع ولا خيار فيه ولا استقالة. من هذا اليوم والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن الله سوف ينصر هذا الدين بالأنصار رضي الله عنهم، وإلا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم فكَّر في قبيلة من قبائل العرب ليذهب إليها، وفي الأخير هداه الله عزَّ وجلَّ إلى المدينة إلى يثرب لتكون هي دار الإسلام.

النبي صلى الله عليه وسلم يهاجر إلى المدينة

النبي صلى الله عليه وسلم يهاجر إلى المدينة مضى صلى الله عليه وسلم في الهجرة ووصل المدينة، وعند الوصول استقبله الأنصار، حتى إنهم كانوا يخرجون كل يوم -رضوان الله عليهم- من الحفاوة والإكرام والتبجيل لرسول الله- يخرجون كل يوم في الظهيرة؛ فيقفون حتى تشتد حرارة الشمس، ثم يعودون إلى المدينة لينتظروا الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي يوم من الأيام خرجوا، فلما قربت الظهيرة، واشتدت عليهم حرارة الشمس رجعوا وهم ما يقارب الخمسمائة -كما في السيرة- رجعوا بسيوفهم إلى المدينة، فخرج يهودي على رأس نخلة، فرأى راكبين وعرف أنهما: الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فرفع سيفه حسداً وغيظاً وحقداً، قال: يا بني خولة! -أي: الأنصار، جدتهم خولة - هذا حظكم جاء -أي: نصيبكم- يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم. قال أنس: [[فو الله ما أنسى انتشاب الأنصار لسيوفهم وهروعهم وخروجهم لاستقبال الرسول صلى الله عليه وسلم]] وفي خروجهم كانت الجواري والأطفال ينشدون في سكك المدينة. طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع قال أنس: [[يومان في حياتي والله لا أنساهما أبداً: يوم أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، والله لقد رأيت الأنصار يبكون من الفرح]] ولذلك يقول الشاعر العربي الأول: طفح السرور عليّ حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني فإن السرور إذا طفح وزاد مقداره في قلب الإنسان أبكاه. واليوم الثاني يقول أنس رضي الله عنه: [[يوم أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم]] هذان اليومان لا ينساهما أنس مدى الحياة. دخل صلى الله عليه وسلم وكان استقباله في دار عمرو بن الحارث من العوالي تجاه مكة، نزل صلى الله عليه وسلم هناك ثم ارتحل واستقبله الأنصار عند دورهم ومنازلهم، وكانت القرى متبعثرة في المدينة، فكان كلما مر بقرية سلَّم عليهم صلى الله عليه وسلم ثم تبسم لهم، وكان يأخذون خطام الناقة يريدون أن يونيخوها في دارهم ليكون لهم شرف ومنزلة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتبسم ويدعو لهم بالخير، ويقول: {دعوها فإنها مأمورة} الناقة مأمورة من الله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن تنيخ إلا في المكان الذي كتبه الله وقدَّره وقضاه، وكانت ترتحل والناس يُشاهدونها، والرسول صلى الله عليه وسلم يريد من ذلك أن ينزل عند أخواله من بني النجار، ليكرمهم بالنزول، وبني النجار هم أهل المسجد الآن -مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم- وهم خير دور الأنصار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو حارثة، ثم بنو ساعدة، هؤلاء دور الأنصار، وهي ثمان دور، لكن عدَّ منها صلى الله عليه وسلم أربعة، ولما وصلت إلى دار بني النجار، قامت الجواري -البنيات الصغيرات- يقلن: نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار وهذه الأبيات أوردها ابن حجر في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يتَّبسم وهو يرى الأطفال ويدعو لهم.

نزول النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب

نزول النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب لما أناخت به الراحلة وقف صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! حيهلاً وسهلاً انزل! فقال صلى الله عليه وسلم: لا. لأنه يعرف أن هذا ليس أول نزول للناقة، ثم قامت ثاني مرة، ثم مضت -قليلاً- ثم وقفت مكانها، فلما نزل صلى الله عليه وسلم قيل: أول من صافحه من الأنصار -وهذه منقبة له- أبو أيوب رضي الله عنه. ولذلك لما رأى ابن عباس أبا أيوب دخل البصرة دمعت عيناه، وقال: [[والله لأكرمنك كما أكرمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لأسكننك العِلّية هذه الليلة، وأسكن أنا في سفل البيت]] فسكن ابن عباس وهو أمير البصرة، في الدار السفلى وأسكن أبا أيوب في الدار العليا لإسكانه الرسول صلى الله عليه وسلم، فنزل صلى الله عليه وسلم واغتنم أبو أيوب هذه الفرصة؛ فأخذ رحل الرسول صلى الله عليه وسلم من على الناقة، فكان بنو النجار يقولون: عندنا يا رسول الله! فكان يتبسم ويقول: {المرء مع رحله} أي: المرء مع جهازه ورحله، فأخذ أبو أيوب يمضي أمام الرسول صلى الله عليه وسلم حتى دخل بيته، ثم قال: {يا رسول الله! اسكن في هذا البيت في العلية، قال: صلى الله عليه وسلم: إنني أُريد هذا المكان الأسفل ليكون أرفق لي} ليدخل إليه الناس عليه أفضل الصلاة والسلام ويكون أقرب له، فلما مكث صلى الله عليه وسلم فترة، صادف في ليلة من الليالي أن أبا أيوب رضي الله عنه وأرضاه كان عنده إناء من الماء سقط عليه من العلية، فقام بشملته وزوجته يمسحان الماء خوفاً أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانوا إذا أصلحوا الغداء والعشاء قال لزوجته: [[لا نأكل حتى يأكل رسول الله]] فينزل الصحفة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيأكل عليه أفضل الصلاة والسلام، فإذا عادت الصحفة بدأ أبو أيوب وامرأته يتمازحان ويتسابقان على آثار الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أكل منه. وفي اليوم الثاني لما نزل الماء نزل أبو أيوب -وهو ثابت في السيرة- وقال: يا رسول الله! لا أسكن في العلية في دار أنت تحتي أبداً، فارتفع صلى الله عليه وسلم في تلك الدار حتى بنيت له غرفاته عليه أفضل الصلاة والسلام.

بعض مناقب الأنصار في استقبال الرسول عليه الصلاة والسلام

بعض مناقب الأنصار في استقبال الرسول عليه الصلاة والسلام وأما مناقب الأنصار فسوف أسوقها كما ساقها كثير من الحفاظ والمؤرخين، نسوقها على الأشخاص البارزين، وعلى الوقعات وعلى العلماء والشهداء، وعلى ما مدحوا به في كتاب الله وسنة رسول الله، ومن أشعار العرب من الأنصار رضوان الله عليهم وأرضاهم.

سعد بن عبادة يكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم

سعد بن عبادة يكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة بن دليم، سيد الخزرج، هذا الرجل منذ أن وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقد أقسم بالله لا تغادر صحفته بيتاً فيه رسول الله، فكانت صحفته يحملها أربعة، وكان من أكرم العرب، فكانت تدار مع رسول الله في أي بيت نزل فيه، حتى تقول عائشة رضي الله عنها عن سعد بن عبادة: [[ما أكرمه! والله ما مسنا الجوع منذ رأينا صحفته]] أو كما قالت رضي الله عنها. لكن لما انتقل إلى العالية وابتعد عن المدينة، أصبح هناك بُعد بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم في الجوار، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يزوره إلى هناك، بل زاره حافياً عليه الصلاة والسلام في سكك المدينة. يقول علماء الإسلام: ما عرفنا ثلاثة أجواد في الإسلام والجاهلية من نسق واحد إلا سعد بن عبادة بن دليم، فإنه جواد من أجواد الإسلام، وأبوه: عبادة بن دليم وجده دليم كذلك كان من أجواد الجاهلية، هذا النسب العريق في الجود. وثبت عن سعد رضي الله عنه أنه نحر مائة ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والسبب: أنه أتاه ابنه قيس، وقال: [[يا أبتاه! والله لقد رأيت الجوع بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم قال: كيف عرفته؟ قال: عرفته في صوته ورأيته في وجهه، فأخذ الحربة، قالوا: وجاء الرسول الله وهو ينحر، قال: ولِمَ؟ قال: والله لأشبعن كواسر المدينة وعوافها]] يعني: الطيور، فنحر وكان ثرياً غنياً آتاه الله كثيراً من المال كان -كما يقول الذهبي عنه في سير أعلام النبلاء - يرفع يديه بعد كل صلاة، ويقول: اللهم إني لا جود إلا بفعال، اللهم إني أسألك ما أجود به في سبيلك، فأعطاه الله سبحانه وتعالى، وهو سيد من السادات، فأخذ الحربة فما أنزلها من يده حتى نحر مائة ناقة، ثم قال: عليّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل المدينة، فأشبع أهل المدينة حتى أكل معهم اليهود في ذاك اليوم. هذا سعد بن عبادة الذي يقول عنه السلف: كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جوع، ينطلق الصحابة بالرجل والرجلين، وأما سعد بن عبادة فينطلق بالثمانين إلى المائة إلى بيته.

أم سليم تستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم

أم سليم تستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الشخصيات البارزة في استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم أم سليم: وهي زوج أبي طلحة رضي الله عنه وعنها، والتي يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: {دخلت الجنة البارحة، فرأيت الرميصاء في الجنة} هذه أم سليم، وهي أم أنس رضي الله عنها وأرضاها. لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، تخيلت في ذهنها وفي فكرها أعظم هدية يمكن أن تقدمها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما وجدت إلا ابنها الوحيد أنساً رضي الله عنه، وهل هناك أعظم وأحب إلى الإنسان من الابن؟ فأخذت أنساً وعمره عشر سنوات، ولبسَّته وطيبَّته، وقالت: هيَّا معي! وأخذته بيده وقدمت على رسول الله وهو في البيت، فسَّلمت عليه صلى الله عليه وسلم، وقالت: {يا رسول الله! هذا أنس ابني، فلذة كبدي، وشجى روحي، يخدمك في حياتك، فادع الله له؟ فتأثر صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وأكثر ماله وولده، وأطل عمره} فلَّبى الله سبحانه تعالى هذا الدعاء العظيم، فرأينا أن الله أطال عمره، حتى أنه كان أطول الصحابة رضوان الله عليهم عمراً، وأكثر الله ماله ونسله وولده، نسأل الله أن يغفر ذنبه، وهذا حاصل بإذن الله وبحوله وقوته.

موقف الأنصار في حنين

موقف الأنصار في حنين لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، اجتمعت قبائل العرب -غطفان وهوازن- على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح، وأمّروا أميراً منهم اسمه: مالك بن عوف النضري، وقد كان شاباً، فجمعوا وجوه العرب، وقالوا: نقطع دابر محمد أبداً، وكان مالك بن عوف يسقط في الشوك، ويقول: هبوا لي محمداً لقد دنس قريشاً، فجمعوا من القبائل ما يزيد على عشرة آلاف فرد من قبائل غطفان وهوازن وغيرها من قبائل العرب، ثم خرج بهم أميرهم إلى الطائف، ومن مكيدته أن أخرج معهم الإبل والغنم والبقر، وخرج بالأطفال والنساء حتى ترك الطائف بلا سكن، لئلا يفر أحد. التقى مالك بن عوف ورسول الله صلى الله عليه وسلم في وادي حنين، وهو وادي في تهامة مما يقابل الطائف - نزل صلى الله عليه وسلم بالوادي وكان بينه وبين غطفان وهوازن جبل، فقال صلى الله عليه وسلم: {من يحرسنا هذه الليلة وله الجنة؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله!} فمن حكمة الله سبحانه وتعالى أن خرج هذا الرجل وجلس في رأس الجبل يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش، وجيش مالك بن عوف في الجهة الثانية من الجبل مما يواجه جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جيش رسول الله عشرة آلاف تقريباً، قال بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم وقد نظر إلى الجيش وتبسم وقال: لا نغلب اليوم من قلة، فجعل الله سبحانه وتعالى أول المعركة هزيمة، ليخبرهم سبحانه وتعالى في قوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25]. يقول: إذا كان النصر بالكثرة أو بالقوة. أو العتاد والسلاح، فما لكم وليتم مدبرين؟! لكن يخبرهم أن النصر من عند الله. نزل عليه أفضل الصلاة والسلام ومعه عشرة آلاف بعضهم من مسلمي الفتح، لم يدخل الإيمان قلوبهم، فخرج حارس الرسول صلى الله عليه وسلم وقعد في رأس الجبل، ومكث طوال الليل، فلما قرب الفجر نام هذا الحارس، وتحرك مالك بن عوف النضري ومعه ما يقارب عشرة آلاف، وهو من أغنى العرب وأشجعهم، وجعل وراءه النساء والأطفال وكذلك الإبل والبقر والغنم، حتى يقول ابن هشام وغيره: كانت إبلهم أربعة وعشرين ألفاً، وكانت الغنم لا يحصيها إلا الله عز وجل، حتى يقول بعض أهل السير: كانت أربعين ألف رأس! قال مالك بن عوف وقد سلَّ سيفه: يا معشر هوازن! -وهو من هوازن- إما أن تطيعوني هذا اليوم وإلا لأتكئن على ذبابة هذا السيف على بطني فيخرج من ظهري، لكنهم رفضوا، فقالوا: نطيعك هذا اليوم. فصعد إلى رأس الجبل ونام حارس الرسول صلى الله عليه وسلم، وما استيقظ إلا والجيش عند رأس الجبل، فأخذ الجيش يرسلون الرمل -الحصباء- على الرسول صلى الله عليه وسلم يرجمونهم، حتى قال كثير من أهل السير: إنها أصبحت كالغمامة على جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفاق صلى الله عليه وسلم واستفاق الناس. أما الإبل والخيول فهربت، فكان الرجل يركب خيله أو فرسه ويركب جمله، فيأبى الجمل أن يعود خائفاً مما حدث، فكانوا يطلقونها وينزلون من على ظهورها ويعودون يمشون، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه ثبت؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} [النساء:84] أي: حرام عليه أن يفر ولو فر الناس، فركب صلى الله عليه وسلم بغلته وسلَّ سيفه، وقد فر الناس -جميعاً- إلا ستة خرج بهم، ثم استقبل صلى الله عليه وسلم الجبل وقد أقبل مالك بن عوف معه عشرة آلاف، بنسائهم وأطفالهم وإبلهم وغنمهم وبقرهم، حتى يقول ابن أبي حاتم: كأن الجبل أقبل معهم، فأقبل صلى الله عليه وسلم، ثم لمَّا رآهم نزل من على بغلته وسلَّ سيفه، وقال: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب فضرب وجه كتيبة مالك بن عوف النصري حتى ردها على عقبيها، وقال للعباس: {نادِ في الناس} وكان العباس قد آتاه الله صوتاً جهورياً قوياً حتى كان ينادي أطفاله وهم في حرة واطن، يناديهم من بيته من المدينة، فقال وقد رفع سيفه: [[يا أهل سورة البقرة! يا من بايع رسوله تحت الشجرة! هلموا رحمكم الله، فما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أحداً مقبلاً، قال الرسول: نادِ في الأنصار، أي: علّ الله أن يعطيهم حمية هذه اليوم، فقال: يا معشر الأنصار! يا حماة الدار! يا من فعلوا وصنعوا، فلم يستجب أحد، قال: نادِ في الخزرج -قال: الخزرج أشجع- فنادى في الخزرج، فلم يأتِ أحدٌ، قال: نادِ في بني الحارث -بني الحارث من الأسرة الرابعة- لكنهم كانوا من أشجع الناس ويسمون شربة الموت- فلما سمعوا وكانوا كلهم ثمانين شخصاً، لما سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شرَّفهم من بين قبائل العرب واختصهم، نزلوا من على جمالهم وخيولهم، وكانوا يرمون أنفسهم فيأخذ أحدهم سيفه وغمده، فيكسر الغمد على ركبته ليأتي إلى الصوت، ففتح لهم صلى الله عليه وسلم الطريق حتى وصلوا إلى مالك بن عوف فاجتدلوا، قال العباس: والله أني كنت أسمع شظايا تكسير السيوف من على رءوس الناس، كانت تتطاير من كثرة الضرب]] حتى يقول صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم وهو في محشر المعركة: {الآن حمي الوطيس}. حتى يقول أهل السير: لم تنقل هذه الكلمة إلا من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما ارتفع النهار وإذا الناس قد عادوا إلى رشدهم، وكان أبو سفيان ذلك اليوم من مسلمة الفتح، ما تمكن الإيمان في قلبه، يقول: ما يردهم اليوم إلا البحر - البحر الأحمر- ويقول صفوان بن أمية: اليوم بطل السحر نعوذ بالله، يقول: اليوم بطل السحر، فلما نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، قالوا: ما أتت صلاة الظهر إلا والأسارى مصفدين بجنبه صلى الله عليه وسلم، وخص صلَّى الله عليه وسلم كتيبة من الأنصار مهمتها أن تستولي على الإبل والبقر والغنم والنساء.

إسلام مالك بن عوف النضري

إسلام مالك بن عوف النضري أما مالك بن عوف النصري فإنه فرَّ على رجليه، وترك جيشه، ثم تبعه الناس ففروا! فقال صلى الله عليه وسلم: لا نتركهم حتى ندخل عليهم الطائف، فأخذت هذه الغنائم في وادي حنين، ودخل صلى الله عليه وسلم وراءه بجيشه حتى دخل عليهم في الطائف، فكبتهم صلى الله عليه وسلم في الحصون، وحاول الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطيل في المحاصرة، ولكن وجوه العرب تدَّخلوا في المسألة، وأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله! نصرك الله وأخذت نساءهم وأطفالهم، وإبلهم، وبقرهم، وغنمهم، ثم تريد أن تذله أمام الناس؟ نريد منك يا رسول الله! أن ترتحل إلى حنين، وكأنك تريد أن تعتمر، فإذا نزلت في الجعرانة -بكسر الجيم- لحقك مالك بن عوف النصري يعتذر إليك، قال صلى الله عليه وسلم: حِباً وكرامة! فعاد صلى الله عليه وسلم بجيشه إلى موطن الغنائم في الجعرانة ونزل هناك صلى الله عليه وسلم، ولما صلى العصر من اليوم الثاني وإذا بـ مالك بن عوف النضري وممن معه من مشايخ هوازن وغطفان وكانوا سبعة وهو سابعهم، وكان شاباً، فبعد أن صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر بالناس التفت فقام مالك بن عوف النضري وقال في قصيدة يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم ويريد أن يتشفع في الأطفال والنساء والأموال، قال: ما إن سمعت ولا رأيت بمثله في الناس كلهم كمثل محمد أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى وإذا تشأ يخبرك عما في غد وإذا الكتيبة حركت أنيابها في السمهري وضرب كل مهند فكأنه ليث على أشباله وسط الهباءة خادر في مرصد فتبسم صلى الله عليه وسلم وأجلسه، وقال صلى الله عليه وسلم: {ما تريد يا مالك؟ فإن الصدق أحب إلي من كل كلام، قال: يا رسول الله! أريد النساء والأطفال وأريد الأموال، قال صلى الله عليه وسلم: اختر! إما الأموال وإما النساء والأطفال؟ قال: لا أعدل بنسائنا وأطفالنا شيء، فقام صلى الله عليه وسلم في الناس فاختطب، فقال: إن ما عندي وما عند بني هاشم فنرده إلى مالك، وأما أنتم فمن شاء منكم فليرد وسوف أعطيكم من أول غنيمة} فسكت الناس وبعضهم، قالوا: نرد، فقال صلى الله عليه وسلم: {يرفع لنا عرفاؤكم خبركم} فكان كل عريف يرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم ردوا، والحقيقة أن الجميع ردوا، فردوا أطفاله ونساءه وقالوا: يا رسول الله! المال؟ قال: {لا يعود لك منه شيء} فذهب إلى الطائف بنسائه وأطفاله بعد أن أسلم عند الرسول صلى الله عليه وسلم.

موقف الأنصار من توزيع الغنائم في حنين

موقف الأنصار من توزيع الغنائم في حنين أما الغنائم -وهذه هي الشاهد- فأتى صلى الله عليه وسلم فاستدعى أبا سفيان الذي يقول: لا يردهم إلا البحر، قال: خذ مائة ناقة، أما الأنصار الذين تكسَّرت سيوفهم على رءوس الناس من الصباح فلم يعطهم النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، قال: أين صفوان الذي يقول: الآن بطل السحر؟ قال: خذ مائة ناقة، قال: أين عباس بن مرداس؟ قال: أنا سيد حنين قال: خذ خمسين ناقة، قال وكان شاعراً: أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع يقول: تعطني نصف مائة وهؤلاء تعطيهم من مائة ناقة فكيف تعطيني النصف؟ فتبسم صلى الله عليه وسلم وأخذ يردد الأبيات، ويقول وقد كسره صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يتعلم الشعر، قال: أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة فتبسم أبو بكر وكان عالماً بالشعر، وقال: [[صدق الله حيث قال: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69]]]. ثم وزَّع صلى الله عليه وسلم، وقال: أين الأقرع بن حابس سيد بني تميم؟ قال: هأنا يا رسول الله! قال: خذ مائة ناقة، أين عيينة بن حصن سيد غطفان؟ قال: أنا من جزارة، قال: خذ مائة ناقة، فلما وزعها صلى الله عليه وسلم أتى حكيم بن حزام قال: أعطني من هذا المال يا رسول الله! قال: أتنظر إلى هذين الجبلين وقد امتلأ الجبل بالضأن -أي: الغنم- قال: نعم! قال: خذها لك، فأتى في اليوم الثاني، وقال: يا رسول الله! زدني، قال: خذ مائة من الإبل، فأتى في اليوم الثالث: قال: زدني! فنظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو من سادات قريش كان حكيم بن حزام، يكسو الكعبة سنة، وتكسوها قريش سنة، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم وقال: {يا حكيم! إن هذا المال حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيه، فينظر كيف تعملون}. فقالوا: يا رسول الله! والله لا أرزأ أحداً بعدك -أي: لا أسأل أحداً بعدك من الناس- حتى أنه ترك عطاءه في عهد أبي بكر وعمر تركه، فقال عمر: [[أشهدكم أيها الناس أن حكيم بن حزام رفض عطاءه الذي كتب له من بيت المال من أجل كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم]]. فلما أتم صلى الله عليه وسلم توزيع الغنائم؛ نظر الأنصار أنهم لم يصبهم شيء -لا بعير ولا شاة ولا بقرة- فاجتمعوا في سور هناك في حديقة طويلة، وقال بعضهم: غفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم! هذه سيوفنا تقطر من دماء غطفان وهوازن، وقد أعطى صناديد نجد وتركنا، فسار الكلام بينهم حتى انتشرت هذه المقالة، فبلغت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فاستدعى صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة سيدهم وقد مات سعد بن معاذ، وقال: {يا سعد! ما مقالة بلغتني عنكم؟ قال: يا رسول الله! هو ما سمعت، قال: أين رأيك وفقهاء الأنصار؟ قال: وهل أنا إلا من قومي؟ -أي: أرى ما يرى قومي- قال: اجمع لي قومك ولا يدخل معكم في الحديقة أحد؟ فجمعهم رضي الله عنهم جميعاً، وأخرج كل من كان من سواهم، إلا رجلاً يقول للأنصار "خال": فلما دخل صلى الله عليه وسلم، سلَّم على الأنصار فردوا واستقبلوه عليه الصلاة والسلام، قال: هل من غيركم أحد معكم؟ قالوا: إلا ابن بنتنا -أي: يقول لهم: خال- قال: ابن بنت القوم منهم؛ فتكلم صلى الله عليه وسلم، فقال: يا معشر الأنصار! ما مقالة بلغتني عنكم؟ أما أتيتكم ضُلاَّلاً فهداكم الله بي، أما كنتم متفرقين فجمعكم الله بي، أما كنتم فقراء فأغناكم الله بي؟ فنكسوا رءوسهم، وهم يقولون: المنة لله ورسوله، فرفع صلى الله عليه وسلم رأسه، وقال: يا معشر الأنصار! والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدَّقتم: أتيتنا فقيراً فأغنيناك، وأتيتنا طريداً فآويناك، وأتيتنا شريداً فنصرناك؟ قالوا: المنة لله ولرسوله. قال: يا معشر الأنصار! ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ والله ما تذهبون به خير مما يذهبون به، ثم قال: والله لو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً ووادياً لسلكت شعب الأنصار ووادي الأنصار، اللهم اغفر للأنصار وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، الأنصار شعار والناس دثار. يا معشر الأنصار! إنكم سوف تلقون بعدي أثرة -أي: أناس يستأثرون بالدنيا عليكم. فاصبروا حتى تلقوني على الحوض، قال أنس: والله ما انتهى إلا ودموعنا قد أخضلت منها لحانا -رضي الله عنهم وأرضاهم- قالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسمة وحظاً عن الناس}. فأرضاهم صلى الله عليه وسلم بهذه المقالة، وأظهر لهم السر في توزيع الغنائم، ولذلك يقول: {اصبروا حتى تلقوني على الحوض} فكان بعض الأنصار الذين وجدوا في أنفسهم من بعض الناس الذين استأثروا عليهم بالمناصب والأموال، كان يبكي ويقولون: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: اصبروا، ولكن والله ما صبرنا -أي: تواضعاً منه- ولذلك لما أتى معاوية رضي الله عنه دَخْلَ المدينة، استقبله الناس إلا الأنصار؛ لأنهم كانوا في صف علي رضي الله عنهم، ولا نخوض فيما جرى بينهم، فكلهم مرضي عنهم، ليجمع بينهم سبحانه وتعالى في جنته، ومن الذين نزع الله الغل من صدورهم، فدخل معاوية رضي الله عنه بعد أن حج، دخل لزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فاستقبله كل الناس إلا الأنصار لم يستقبلوه، فوجد في نفسه، فصلى الجمعة، وقال لهم بعد الصلاة: يا أيها الأنصار! أين رواحلكم؟ استقبلني الناس ولم يستقبلوني! فقام رجل منهم، قيل: إنه عبادة بن الصامت، فقال: أمَّا خيولنا فطاردنا بها أباك يوم بدر، وأما رواحلنا فطاردناك بها أباك يوم حمراء الأسد، وكان حليماً رضي الله عنه فسكت، فقال: فماذا تريدون مني؟ قال: نريد أن تعطينا كما أعطيت الناس، فقال معاوية: ما أوصاكم الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قالوا: نعم أوصانا بأن نصبر حتى نلقاه على الحوض، قال: فاصبروا حتى تلقوه على الحوض، فرجع البكاء كما كان في الأنصار رضوان الله عليهم، لأن معاوية احترمهم وقدَّرهم ورفع منزلتهم. هذا موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في حنين مع الأنصار -رضوان الله عليهم- فهم أفضل الناس بعد المهاجرين بالإجماع.

موقف الأنصار يوم بدر

موقف الأنصار يوم بدر افي يوم بدر؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يخرج بالأنصار إلى كفار قريش، فلما نزل صلى الله عليه وسلم قريباً من بدر، مكث عليه أفضل الصلاة والسلام هناك، وقال يستشير الناس: {يا أيها الناس ماذا ترون؟} أي: في لقاء الأعداء، والسر أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد كلمة الأنصار؛ لأنهم عاهدوه يوم العقبة أن يمنعوه مما يمنعوا منه نساءهم وأطفالهم، لكن العجيب! أن المتكلم كان من المهاجرين والرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد المهاجرين أن يتكلموا، فقام المقداد بن عمرو فتكلم بكلام قوي، قال: [[يا رسول الله! والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، بل نقول: أذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون]]. فاستبشر النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له، ثم قال: {أيها الناس! ماذا ترون؟ -يريد الأنصار- فقام سعد بن معاذ سيد الأنصار رضي الله عنه وقال: يا رسول الله! كأنك تريدنا؟ قال: أجل. قال: يا رسول الله! صدقناك وبايعناك وآويناك، والله ما أخذت من أموالنا فإنه أحسن مما تركت، فاقطع حبل من شئت، وصل حبل من شئت، وحارب من شئت، وعاهد من شئت، والله! إننا لصبر في الحرب، وصُدُّق عند اللقاء، والله لو استعرضت بنا البحر ما تأخر منا رجل واحد، وعسى الله أن يريك منا ما تقر به عينك، فتهلل وجهه صلى الله عليه وسلم، وقال: سيروا وأبشروا؛ فإن الله وعدني بإحدى الطائفتين، إما العير وإما الرجال والنصر}. هذا موقف سعد بن معاذ ولذلك رفعه الله بصدقه في هذه المواقف. سعد بن معاذ شهيد الإسلام رفعه الله بموقف ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء: أن سعداً رضي الله عنه لما مات أُصيب بسهم في الأكحل، فأنزله صلى الله عليه وسلم في خيمة في المسجد وأتى يعوده، فقال سعد ينادي الله عز وجل: [[اللهم إن كنت لا أبقيت حرباً لرسولك صلى الله عليه وسلم مع اليهود فابقني لهم، وإن كنت أنهيت الحرب مع اليهود فاقبضني إليك]] فاندثر عليه الجرح وسال الدم، وحضر صلى الله عليه وسلم مراسيم وفاته، قالت عائشة رضي الله عنها -وهذا ثابت-: [[والله إني كنت أسمع بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من بكاء عمر وأبي بكر وأنا وراء صائر الباب]] وحضر صلى الله عليه وسلم حتى تغسيله وكان يكف صلى الله عليه وسلم ثيابه، ويقول الناس: لماذا يا رسول الله؟ قال: {والله ما رأيت موقع قدم إلا وفيه ملك حضر جنازة سعد رضي الله عنه} ولما توفي -وهو حديث حسن بطرقه- اهتز له عرش الرحمن سبحانه وتعالى، وأن الملائكة حفت بالعرش تقول {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]. ولذلك يقول حسان في قصيدته الرائية في الديوان: وما اهتز عرش الله من فقد هالك سمعنا به إلا لموت أبي عمرو يقول: حسان بن ثابت ما سمعنا أحداً اهتز له عرش الرحمن إلا لـ سعد أبي عمرو رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك جلس الأوس والخزرج -قبيلتا الأنصار- يتفاخرون على سبيل الدعابة والمزاح، قالت الأوس: عددوا لنا مكارمكم يا معشر الخزرج! قال الخزرج: منا أربعة حفظوا وجمعوا القرآن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنا فلان الذي فعل ومنا الذي غسلتَّه الملائكة، فلما انتهوا؛ قالت الأوس: لا نباريكم إلا بواحدة: منا الذي اهتز له عرش الرحمن، وهو سعد رضي الله عنه. وثبت أنه شيَّعه من الملائكة سبعون ألف ملك، مضوا في جنازته رضي الله عنه وأرضاه، هذا هو الرجل الذي صنعه الإسلام والقرآن، وما قصدنا من ذكر هذه الأمثلة والشواهد، تضييع الوقت والتسلية، ولكن لنرتفع بأرواحنا أو نحبهم على الأقل؛ فإن المرء يُحشر مع من أحب، فإذا لم نستطع أن نفعل كما فعلوا أو نصنع كما صنعوا؛ فلنحبهم في الله عز وجل، ولذلك بلغ بهم النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين أن قدموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حب آبائهم وأمهاتهم.

موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول مع أبيه

موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول مع أبيه رجع صلى الله عليه وسلم من غزوةٍ من الغزوات، وفي تلك الغزوة كان معه المنافقون، منهم: عبد الله بن أبي بن سلول قائد لواء النفاق -نسأل الله السلامة- وكان من الخزرج، وقد كان الأنصار يريدون أن يملكوه عليهم قبل أن يُهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، وقد كان فيه صحة في الجسم وبسطة في المال، ولكن داخله النفاق، فخرب ظاهره وباطنه نسأل الله السلامة. نزل هذا الرجل مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة، فتشاجر رجل من الأنصار مع رجل من المهاجرين، فوصل الخبر إلى عبد الله بن أبي قال: صدق القائل صاحب المثل: " جوع كلبك يتبعك، وسمن كلبك يأكلك" ثم قال: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فذهب رجل بهذه المقالة وهو زيد بن أرقم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! سمعت عبد الله بن أبي بن سلول يقول هذا اليوم كذا وكذا والله لو كان قالها في غيرك وفي غير الإسلام لما رفعتها إليك يا رسول الله! فأتى الأنصار وجوههم وكبارهم إلى الرسول، وقالوا: يا رسول الله! لا تصدقه، عبد الله بن أبي بن سلول لا يقول هذا، فيحلف الفتى زيد بن أرقم وكان شاباً، فيقول الأنصار: لا يقول ذلك يا رسول الله. وفي الأخير كان الرسول صلى الله عليه وسلم مقتنعاً بهذه المقالة، فعاد هذا الشاب، وقال: فأخذني ما قرب وما بعد من الهم حتى كاد يقتلني، كيف أكذب وأنا سمعت الرجل يقول هذا الكلام؟ فأنزل الله عزَّ وجلَّ في عصر ذاك اليوم قوله سبحانه وتعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8]. فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم فدعا زيد بن أرقم على مرأى ومسمع من الأنصار، ثم فرك أذنه صلى الله عليه وسلم، وقال: {لقد صدق الله كلامك وأذنك} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، أي: أن أذنك التي سمعت صدَّقها الله من فوق سبع سموات، ثم سرى الخبر إلى عبد الله بن عبد الله بن أبي، الذي قال أبوه هذه المقالة، وظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يقتله، فقال: [[يا رسول الله! إن أبي قال ما سمعت، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى ما أنزل عليك، وأنا سمعت أنك تريد قتله، وأنا لا أرضى أن أرى قاتل أبي يمشي على الأرض، فإن كنت تريد قتل أبي أتيتك -الآن- برأسه ووضعته بين يديك]] لأنه رضي الله عنه مؤمن وأبوه منافق، فقال صلى الله عليه وسلم: {بل نترحم على أبيك حتى يلقى الله}. وعندما رجع عبد الله بن أبي المدينة وصل إلى أسوارها؛ فقام عبد الله بن عبد الله بن أبي فسلّ سيفه ووقف على مدخل المدينة، فلما دخل الناس واجتازوا وقف، فلما رأى أباه قال: [[والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدخول، قال: ولَمْ؟ قال: لأنك الأذل ورسول صلى الله عليه وسلم الأعز: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون:8] فإن أذن لك وإلا أخرجناك من المدينة، قال: تفعل بي وأنت ابني؟ قال: كما سمعت! فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله! ائذن لـ عبد الله بن أبي أن يدخل المدينة، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: ائذنوا له، فأذنوا له فدخل]]. هذا من الأنصار رضي الله عنه وأرضاه وهذا من كمال التوحيد وكمال الموالاة، وقد جعل الله سبحانه وتعالى عقيدة الولاء والبراء جزءاً من عقيدة أهل السنة والجماعة يلقون بها الله سبحانه وتعالى.

كرامات الأنصار

كرامات الأنصار سوف أستعرض بعض كرامات الأنصار والكرامة -كما تعرفون- من معتقد أهل السنة والجماعة، يثبتها الله ويجريها على يد رجل صالح يعمل بالكتاب والسنة.

كرامة لأسيد بن حضير

كرامة لأسيد بن حضير ممن أعطاهم الله سبحانه وتعالى الكرامة من الأنصار أسيد بن حضير، هذا الرجل البطل المجاهد قام في ليلة من الليالي يقرأ سورة الكهف في صلاة الليل، فأخذ فرسه يمور في مكانه، وكادت تفتك من رباطه، وكان ابنه يحيى نائم، فخاف على ابنه من الفرس، فاستعجل في الصلاة وسلّم، ثم نظر؛ فإذا بشيء كالظلة أو كالغمامة فيها مصابيح على رأسه في الليل، فخرج فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: كنت قد قرأت البارحة في صلاة الليل؛ فإذا أنا كالظلة على رأسي فيها كالمصابيح ما هي؟ قال صلى الله عليه وسلم: {والله إن تلك الملائكة تنزلت لقراءتك، والله لو بقيت تقرأ إلى الصباح، لرأها الناس، لا تختفي عنهم} هذا أسيد بن حضير رضي الله عنه.

كرامة عباد بن بشر

كرامة عباد بن بشر وأما عباد بن بشر، فقد كان من شباب الأنصار الذين قُتِلوا يوم اليمامة، قتل بأكثر من عشر ضربات بالسيف في وجهه، ولقي الله عز وجل بهذه الشهادة التي تكتب له عند الله. جلس ذات ليلة مع الرسول صلى الله عليه وسلم هو وأسيد بن حضير، فلما خرج عباد بن بشر وأسيد جعل الله لهم نوراً يرونه أمامهما، فلما انفصل هذا من طريق وهذا من طريق آخر، انفصل نور مع هذا ونور مع هذا، حتى أوصلهما بيتهما في ظلمة الليل، وهذه من الكرامات التي ثبتت لهم رضوان الله عليهم.

كرامة قتادة بن النعمان

كرامة قتادة بن النعمان قتادة من الأنصار رضوان الله عليهم، كان يوم أحد يقاتل مع رسول صلى الله عليه وسلم، فضرب على وجهه بالسيف، فنزلت عينه حتى أصبحت في خده، فأتى صلى الله عليه وسلم، فلما رآه وعرض نفسه عليه ورأى عينه قد نزلت في خده ردها صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: باسم الله! فعادت، قال الأنصار: والله إنها كانت أجمل من الأخرى. ولذلك يذكر أن ابن قتادة دخل مع فتية عند عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو خليفة للمسلمين، فأراد أن يتعرف عليهم وكان من علية الناس، فقال لأولهم: ابن من أنت؟ قال: أنا ابن أمير البصرة عام كذا وكذا، وأنت؟ قال: ابن أمير الكوفة، فكان رضي الله عنه يغضب ويشيح بوجهه؛ لأن المؤهلات عند عمر تختلف عند أهل الدنيا، فلما أتى دور هذا الأنصاري، قال: ابن من أنت؟ قال: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد فدمعت عينا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه وقال: تلك المكارم لا قعبان من لبن شيباً بماء فعادا بعد أبوالا يقول: تلك هي المكارم التي يريدها الإنسان، المكارم في الدار الآخرة، لا قعبان من لبن: أي: أسان من لبن، شيباً بماء، أي: خلط بماء وقدمت للضيف من أجل الصيت والسمعة، فشربها الضيف فعادت بولاً. فيقول: مراتبكم ومناصبكم ودنياكم لا تساوي مع هذه شيئاً، هذه هي المكارم إن كنتم تريدون مكارماً.

شهداء الأنصار

شهداء الأنصار أما شهداء الأنصار رضي الله عنهم فقد قُتِلَ منهم (70%) تقريباً وما أهلكهم إلا السيف في ذات الله عز وجل، وروى عن الحسن البصري أنه قال: [[إذا أتى الأحياء يوم القيامة، أتت الأنصار بأكثر شهداء الأرض]].

أنس بن النضر من شهداء الأنصار

أنس بن النضر من شهداء الأنصار أنس بن النضر رضي الله عنه خال أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه يقول أنس: [[كان خالي أنس بن النضر قد تخلف عن معركة بدر؛ لأن معركة بدر أتت في عجلة، ولم يتهيأ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما دعا لها الناس، ولما تخلف كان أنس بن النضر، كلما صلى صلاة، قال: والله لئن جمع الله بين رسوله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، ليرين الله ما أصنع]] قال أنس: [[وهاب أن يقول: لأقاتلن حتى أستشهد؛ لأن القلوب بيد الله عز وجل، قال: ليرين الله ما أصنع]] فلما أتت معركة أحد، قام صلى الله عليه وسلم على المنبر وقد طوق أبو سفيان بالجيش بما يقارب ثلاثة آلاف مقاتل، ما يقارب ثلثي اتجاهات المدينة، ليقطع خط الرجعة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذ السير على المواشي من الإبل والبقر والغنم والسوارح كلما سرحت، وكان يؤذي أهل المزارع، فقام صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة، فقال: {أيها الناس! أما علمتم أن أبا سيفان قد نزل بجانب المدينة، فماذا ترون؟} فقام عبد الله بن أبي يصلي مع الرسول صلى الله عليه وسلم -يصلون ويزكون ويصومون لكنهم منافقون نفاقاً أكبر مخرجاً من الملة- فقال: يا رسول الله! والله ما قاتلنا حياً من أحياء العرب في المدينة إلا انتصرنا عليهم، فنرى أن تقاتلهم داخل المدينة، وصدق في هذا الرأي وهو كذوب وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى أن يُقاتلهم داخل المدينة في السكك؛ لأنه سوف يجعل المقاتلة على السطوح، وسوف يرصد لهم كمائن في أطراف السكك، وسوف يدبر لهم مكيدة، فلما علم شباب الأنصار بذلك وكان منهم أنس بن النضر -وحمزة رضي الله عنهما في ثمانين خرجوا من المسجد- كأنهم ما أرضاهم هذا الرأي فخرج بعضهم فلبس أكفانه منهم أنس بن النضر، وعادوا بسيوفهم مصلتة وهم يرتجزون وكان من رجزهم كذلك: لبث قليلاً يشهد الهيجا حمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل ثم قام رجل اسمه سالم من بني مالك بن الحارث، وقال: {يا رسول الله! أتخذ سوارحنا ولم نضارب أتمنعنا من دخول الجنة؟ والله لأدخلن الجنة، فتبسم صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر وقال: بماذا تدخل الجنة؟ قال: بحبي لله ولرسوله، ولا أفر يوم الزحف} ودخل حمزة وعلى عمامته ريش النسر، وقال: {يا رسول الله! نخرج إليهم لا نبقى في عقر دارنا؛ لأن ما غزي قوم بعقر دارهم إلا ذلوا، فقال صلى الله عليه وسلم: انتظروا! فانتظروا فنزل صلى الله عليه وسلم واغتسل. تقول عائشة: اغتسل صلى الله عليه وسلم ولبس درعه ولامته على رأسه، ثم سلَّ سيفه، وخرج على المنبر ليعيد الخطبة مرة ثانية، ويُحرضَّهم على القتال، وعلى مبارزة الأعداء، فقالوا: يا رسول الله! لعلَّنا أكرهناك لعلنا فعلنا، فأنزل الله عز وجل: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران:121]}. خرج صلى الله عليه وسلم بالناس، وقال له سبحانه وتعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159] أما أن ترجع مرة ثانية فلا. فخرج أنس بن النضر مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما أصبحوا في الطريق عاد عبد الله بن أبي بن سلول إلى المدينة؛ لأنه منافق لا يريد القتال، فقال: يطيع الأغْلِمَة ويترك رأينا -أي: في أمس يوم الجمعة- ثم قال: لا أخرج! فأطاعه ثلاثمائة فانخذل بهم، ثم أتت بنو حارثة الأبطال الشجعان، الذين قاتلوا في حنين، وأرادوا أن يفشلوا، فانتظروا في ظهر الجبل، وتلبثوا فقالوا: نعود إلى المدينة، ثم أتى بنو سلمة، وأرادوا أن يفشلوا مرة ثانية، وهم قبيلة جابر، فتلبثوا بالجبل، فأرسل لهم صلى الله عليه وسلم من ينذرهم وهو أبو جابر الذي كلَّمه الله كفاحاً بلا ترجمان، قال: {اذهب إليهم وادعهم إلى الله وإلى جنة عرضها السماوات والأرض} فأتى إليهم، وقال: ماذا تفعلون؟ ثم حثا في وجوه بعضهم بالتراب، قال: تفعلون برسول صلى الله عليه وسلم هذا؟! فاعتصموا بالله وأرشدهم الله، فذهبوا إلى المعركة، قال سبحانه وتعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:122]. قال أنس: والله ما وددنا أن كِدْنا نفشل، والله يقول في الآية: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران:122] لا نريد أننا فعلنا هذا، لكن نريد أننا فعلنا -والحمد لله- ما فعلناه؛ لأن الله عصمنا، ثم قال: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران:122] حضرت المعركة، وابتدأ القتال، أما أنس بن النضر فلمَّا رأى الناس انهزموا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض أدوار المعركة أخذ سيفه، وكسر غمده على ركبته، ثم لف رأسه بعمامة، ثم قال للأنصار: أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم لقيه سعد بن معاذ وهو سيدهم، وقال: [[يا أنس بن النضر! ماذا تصنع؟ قال: إليك يا سعد، فوالله إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]] أي: أجد نسيم الجنة يدخل في أنفي دون أحد -أي: قريباً من أحد - فقاتل حتى قُتِل، قال أنس: [[والله لقد وقفت عليه وإن فيه أكثر من ثمانين ضربة، بالسيوف والرماح]]. قال: وما عرفنا من هو هذا القتيل إلا أن أخته عرفت أنه أخوها ببنانه أي: بأصابعه.

عبد الله بن عمرو بن حرام من شهداء الأنصار

عبد الله بن عمرو بن حرام من شهداء الأنصار أما عبد الله بن عمرو بن حرام -والد جابر - فقد قام قبل أن يقاتل في غزوة أحد في الليل فصلى، ثم رأى في المنام أنه قد قتل، وأن الله قد كلَّمه في الجنة، فأيقظ ابنه جابراً في الليل -ما عنده إلا ولد واحد وسبع بنات- قال: [[يا جابر! إنني رأيت أنني من أول من يقتل في المعركة، وقد رأيت كأني دخلت الجنة وكلمت الله، فاستوصي بأخواتك خيراً، وأستودعك الله فقال جابر: فما شككت أنه مقتول ذاك اليوم]] قال جابر: فحضرنا المعركة، فقتل أبي، فأتيت إليه فوجدته مقطعاً يبن يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إليه وينفض التراب من على وجهه ولحيته، فأتت عمتي - فاطمة بنت عمرو بن حرام - تبكي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {تبكينه أولا تبكينه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا جابر! تعال! قال: فأدناني صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الله كلَّم أباك كفاحاً} كلَّمه بلا ترجمان، وهذا ثابت في الصحيح، وقد صححه ابن كثير في تفسيره، عند قوله سبحانه وتعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169] الآية. فقال الله لـ عبد الله: {يا عبدي! تمن؟ قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمن؟ قال: أتمنى أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك، قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً، قال: فأخبر إخواننا بما فعلت، وبأننا لقيناك فرضيت عنا ورضينا عنك، فأنزل الله مصداق ذلك: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:169 - 170]}. قال أنس في الحديث: {فجعل الله أرواحهم في حواصل طير خضر، تأكل من شجر الجنة، وتشرب من أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في السماء}.

حرام بن ملحان من شهداء الأنصار

حرام بن ملحان من شهداء الأنصار ومن شهدائهم رضي الله عنهم وأرضاهم: حرام بن ملحان، كان من القراء، أرسله عليه أفضل الصلاة والسلام تجاه حنين ليدعوهم إلى الله ومعه نحو سبعين رجلاً من القراء، وكان هؤلاء القراء من خيرة شباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وصلوا غدر بهم عامر بن الطفيل فقال: يا حرام! انتظر قليلاً حتى أذهب إلى أناس فأجمعهم لتقرأ عليهم مما علمَّك الله؟ وهذا كافر لا يريد مما علَّمه الله ولا يريد القرآن، لكن بمكيدة أن يجمع القبائل، ليقاتلوا هؤلاء القراء، فذهبوا إلى القبائل، فقال: عليكم بالسيوف والرماح وتعالوا! فقاتلوا عصابة أتت لمحاربتكم، فأتوا فطوقوا السبعين فقتلوهم عن بكرة أبيهم، ولذلك مكث صلى الله عليه وسلم يقنت شهراً في الصلاة، ربما بكى وربما دعا على رِعل وذكوان لمَّا فعلوا به صلى الله عليه وسلم وبقرائه. جاء عامر بن الطفيل إلى حرام بن ملحان فقال له: تعال لأكلمك! فاقترب منه واستأمنه، فأشار عامر لرجل من ورائه، فقال: اطعنه بالرمح إذا كلَّمته، فلما أصبح يُكلمه ويناجيه أتى رجل من ورائه من قبائل رعل، فأدخل الرمح من ظهر حرام حتى خرج من صدره، فلما خرج الدم أخذ حرام الدم من قلبه ثم ضرب به وجه عامر بن الطفيل، وقال: [[فُزت ورب الكعبة]] وهذا الحديث في البخاري في (باب: الجهاد) ثم مات رضي الله عنه وأرضاه شهيداً بإذن الله عز وجل.

سعد بن الربيع من شهداء الأنصار

سعد بن الربيع من شهداء الأنصار ومن شهدائهم: سعد بن الربيع الذي قتل يوم أحد، فقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت ليتفقد سعد بن الربيع في القتلى، فلمَّا وجده قال له: كيف تجدك يا سعد؟ قال: أجد ريح الجنة، أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فبلغه مني السلام، وقل للأنصار: لا عذر لكم ما بقي فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف، فجاء زيد بن ثابت فأخبر صلى الله عليه وسلم، فقال: عليك وعليه السلام.

البراء بن مالك من شهداء الأنصار

البراء بن مالك من شهداء الأنصار البراء بن مالك هو الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك} وكان البراء إذا دخل في المعركة أقسم على الله، فينصرهم الله عز وجل، فلما التقوا في تستر قال المسلمون: يا براء! أقسم على الله أن ينصرنا هذا اليوم، فتوجه البراء، وقال: [[يا رب! أقسم عليك أن تنصرنا هذا اليوم وأن تجعلني أول قتيل]] فلبس رضي الله عنه أكفانه فنصرهم الله وكان رضي الله عنه وأرضاه أول قتيل. ولذلك يقول عمر: [[لا تولوا البراء بن مالك جيشاً فإنه مهلكهم]] أي: هو لا يريد البقاء، فيتهالك بنفسه ويدخل بنفسه في غمار المعركة، حتى أنه يوم اليمامة دخل بنفسه وبكل صعوبة خرج رضي الله عنه وأرضاه من المعركة.

عمير بن الحمام من شهداء الأنصار

عمير بن الحمام من شهداء الأنصار ومن شهدائهم أيضاً عمير بن الحمام: وقف يوم بدر يأكل تمرات في يده، فقال صلى الله عليه وسلم: [[يا أيها الناس! قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، والله ما بينكم وبين أن تلقوا ربكم إلا أن تقتلوا هؤلاء، أو يقتلكم هؤلاء]] فقال عمير بن الحمام: [[بخٍ بخٍ، إنها لحياة طويلة إذا بقيت إلى أن آكل هذه التمرات، ثم رمى بها، ثم أخذ سيفه وخلع درعه من عليه، وقاتل حتى قُتِلَ]]. وقد ثبت في الحديث: {أن الله ضحك منه؛ لأنه لقي العدو حاسراً بلا درع} ضحك عجباً منه سبحانه وتعالى ضحكاً يليق بجلاله، وفي الحديث: {إن ربك يضحك من الرجل يلقى العدو حاسراً} ومنهم: عمير بن الحمام رضي الله عنه وأرضاه.

من عظماء وعلماء الأنصار

من عظماء وعلماء الأنصار أما عظماء الأنصار رضوان الله عليهم؛ فإن الله شرَّفهم برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، ورفع قدرهم، فتعلموا العلم النافع الذي هو قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الرجل منهم يبقى مع الرسول صلى الله عليه وسلم السنة والسنتين وأقل من ذلك، فيخرج معلماً ومفهماً للناس؛ لتيسير الله لهذه الشريعة: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17]؛ ولذلك ينبغي على طلبة العلم أن يفهموا أن هذه الشريعة ميسرة، وقد لمح لذلك ابن الوزير في العواصم والقواصم، وقال: إن الذي عسَّر هذه الشريعة هم القرون المتأخرة، حتى قالوا لطالب العلم وللداعية: لا يمكن أن تخرج إلى الناس أو تنفع الناس حتى تدرس وتحضر وتقرأ وتجمع، وهذا من تلبيس إبليس ليعطل طاقات الأمة، وليلعب بأفكارها، وليضيع الدعاة وطلبة العلم والعلماء من الأمة، وإلا فإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحدهم إذا تعلم سورة مضى بها في الناس ينشرها لوجه الله سبحانه وتعالى. وقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وعنده من الأحاديث القليل، لكنَّ بركة العلم ونوره وهدايته جعلته يقوم بهذه المهمة، فالمقصود: الإخلاص وقصد الله بالعمل، وهو المطلوب في هذا الدين، ليس التكثير؛ فإن الله عزَّ وجلَّ يقول: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1 - 2]. ويقول مالك بن أنس رحمه الله: ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما العلم بنور يقذفه الله في قلب العبد، وحديث يعمل به خير من آلاف مؤلفة لا يعمل بها، وإنما صلاح العلم العمل به ونشره في الناس.

أبي بن كعب من قراء الأنصار

أبي بن كعب من قراء الأنصار من علمائهم في العلم: أبي بن كعب سيد القراء، جاء رجل من أهل العراق، فقال: رأيت عمر رضي الله عنه جالساً بجانبه شيخ أبيض الرأس، أبيض اللحية، يرتعد من الحمى، فقلت لـ عمر من هذا الشيخ؟ قال [[ثكلتك أمك أما عرفته؟! هذا سيد المسلمين أبي بن كعب]]. وكان أبي قد سأل الله عز وجل الحمى؛ لأنه سأل رسول صلى الله عليه وسلم: {يا رسول الله! هل يُكَّفر عنا ما نصاب به من همٍّ وغمٍّ ومرض؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم! حتى الشوكة يشاكها العبد، فقال: اللهم إني أسألك حمى لا تعطلني عن جهاد ولا فريضة ولا حج ولا عمرة H/>>} فمكثت به الحمى ثلاثين سنة، حتى يقول الذهبي: وجد الحمى ثلاثين سنة، حتى ابيضت لحيته ورأسه، وكان كل من اقترب منه يجد فيه الحرارة، فـ أبي هو سيد القراء وعالم من علماء الأنصار. ومن علمائهم: زيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وعبادة بن الصامت، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم وأرضاهم.

حسان بن ثابت

حسان بن ثابت صلى الله عليه وسلم، وقال: {أيها الناس! أما يحق لرجال نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيوفهم أن ينصروه بألسنتهم؟!} لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تعرض لهجاء من شعراء المشركين، كانوا يهجون الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن رواحة: هأنا يا رسول الله -أي: أنصرك- وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ذلك، لكن رأى عبد الله بن رواحة ليس في درجة حسان في القوة في الشعر، فقام حسان وقال: {أنا لها يا رسول الله! قال: بماذا؟ قال: عندي لسان لو وضعته على حجر لفلقه، وعلى شعر لحلقه، ثم أخرج لسانه وضرب به أرنبة أنفه، فتبسم صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم أيده بروح القدس} أي: بجبريل. أتى حسان فكان ينشد له صلى الله عليه وسلم، وكان من بني النجار، وكان صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: {اهجهم وروح القدس يؤيدك} روى ذلك البخاري في باب إنشاد الشعر في المسجد، واستدل بهذا. مر عمر وهو متولي الخلافة، وحسان ينشد في المسجد -في خلافة عمر فلحظ إليه- كأن عمر يكره إنشاد الشعر في المسجد، قال حسان: [[أنشدت في المسجد وفيه من هو خير منك، ثم قال لـ أبي هريرة: أليس كذلك؟ قال: بلى]]. فهذا من فعله رضي الله عنه، ولذلك كلما أتى شاعر بقصيدة فيها هجاء للرسول صلى الله عليه وسلم؛ قام حسان يذب عن عرض الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم والأنصار والمهاجرين يوم بدر يقول: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد انظروا إلى هذا الشرف العظيم، جعل جبريل ومحمد تحت لواء الأنصار رضوان الله عليهم، يقول: وفي يوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد وأبو سفيان بن الحارث ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، تعرض لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم فرد عليه حسان بقصيدة يقول فيها: عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء إلى آخر ما قال ويقول فيها: ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلة فقد برح الخفاء بأن سيوفنا تركتك عبداً وعبد الدار سادتها الإماء هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء فلما سمعه صلى الله عليه وسلم دعا لـ حسان رضي الله عنه وأرضاه، وكان حسان -دائماً- ينافح ويكافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانه، وقد تعمر حسان مائة وعشرين سنة -ستين في الإسلام وستين في الجاهلية- وتوفي بعد أن أحسن المدائح في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل ثورته وجهده وكل ما معه من مديح في الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى قال صلى الله عليه وسلم: {اهجهم! والله لهو أشد عليهم من نضح النبل}. حتى إن حسان كان يستهزئ بهم في قصائده؛ لأنه من كبار شعراء الإسلام. يُذكر أن الحارث بن هشام أخو أبي جهل كان قائد من قواد معركة بدر ضد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما انتصر صلى الله عليه وسلم فر ببغلته وترك المعركة، وكان الحارث من أكبر زعماء العرب، حتى يقول الشاعر: أحسبت أن أباك يوم هجوته وسببتني كـ الحارث بن هشام لكن لما رأى السيوف تعمل عملها في المعركة؛ فر وترك المعركة على بغلة، وأخذ حسان رضي الله عنه هذه الفرصة، وقال في قصيدة طويلة: إن كنتِ كاذبة الذي حدثتني فنجوت منجى الحارث بن هشام ترك الأحبة أن يقاتل عنهم ونجا برأس طمرة ولجام فتمنىَّ الحارث ابن هشام أنه قد قتل وأنه ما سمع هذه الأبيات، كلها خدمة في سبيل الله، ونصرة لله سبحانه وتعالى من الأنصار، فانظر إليهم كيف نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدمائهم وأموالهم وشعرهم، وكل ما أوتوا من قوة؟! حتى أن كعب بن زهير وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن هجا الرسول صلى الله عليه وسلم وكان قد أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه فقال: {من وجده من الناس فليقتله} فكان يخرج في القبائل وينام في النهار ويمشي في الليل من خوف القتل، فلما طال عليه الوقت، وطال عليه الجوع والعري والظمأ، أتى فذهب إلى المدينة، ونظم قصيدة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأتى فنام عند أبي بكر، وقال: أريد أن تشفع لي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أهدر دمي في قبائل العرب، والله ما استلذذت بنوم ولا ذقت طعاماً، وما رأيت أهلي، فرق له أبو بكر، وقال: [[هل عندك شعر تقدمه للرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. ]] فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، وسلَّم عليه، وقال قصيدته المشهورة: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول ثم قال: إن الرسول لنور يستضاء به مهندٌ من سيوف الله مسلول نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول إلى أن يقول: مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل وقال كل خليل كنت آمله لألهينك إني عنك مشغول ثم يقول: حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقمات قوله القيل يقول: كلامي صارم وماض! لا يقبل التلبيس ولا التأويل (في كف ذي نقمات قوله القيل) فمدح المهاجرين وترك الأنصار، يقول: زالوا فما زال أنكاس ولا كشف عند اللقاء ولا ميل معازيل أي: لماذا تمدح المهاجرين وتترك الأنصار؟ لأن الأنصار غضب منهم كعب رضي الله عنه؛ لأنهم أكثر من نبَّه الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، يقولون: عليك بالرجل، فوجدها في نفسه، فما ذكرهم في القصيدة فغضب صلى الله عليه وسلم، فقال: أين الأنصار؟ فأتى في اليوم الثاني، ونظم قصيدة فقال: من سره كرم الحياة فلا يزل في مقنب من صالحي الأنصار الناصرون نبيه وكتابه يوم الكريهة بالقنا الخطار فرضي صلى الله عليه وسلم عنه، وهو صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يذكر في مجلس ولا في عقيدة ولا في أقوال ولا في عمل مما يختص بالولاء والبراء إلا ويذكر معه الأنصار.

عقيدة أهل السنة والجماعة في الأنصار

عقيدة أهل السنة والجماعة في الأنصار ولذلك لابد وأن نعتقد حبهم حب الأنصار قربة إلى الله عزَّ وجلَّ، وأن بغضهم -نعوذ بالله- من الكفر والنفاق، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: {آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار}. وفعلاً! وُجِدَ من الناس من يبغضهم ويحاربهم، حتى أن مسلم بن عقبة المري، الذي يُسميه أهل السنة والجماعة مشركاً، قاد جيشاً إلى المدينة وحارب أهل المدينة واستباحها ثلاثة أيام، حتى تركهم يستسقون الماء ولا يُسقون، ويطلبون الطعام ولا يُطعمون، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {من كاد أهل المدينة أذابه الله كما يُذاب الملح في الماء}. وجعل صلى الله عليه وسلم من أعظم ما يمكن أن نتوسل به إلى الله هو حب الصالحين والأنصار رضوان الله عليهم. قال العلماء ممن شرحوا هذا الحديث: إنما نحبهم في الله عز وجل؛ لما فعلوا من نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتاب الله ودينه، لكن ما جرى بينهم كأن يبغض بعضهم بعضاً، فهذا لا يدخل في هذا الباب. أما في عقيدة أهل السنة والجماعة فنحبهم في الله عز وجل، ونتقرب إلى الله بحبهم، ونرى أن من أبغضهم أنه بغيض عند الله عز وجل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الناس يزيدون والأنصار ينقصون، فالله الله من تولى من أمر أمتي شيئاً فعليه بالأنصار، ليقبل من مُحسِنهم ويتجاوز عن مسيئهم}. الناس يزيدون -وهذا بالاستقراء والسبر في الحوادث والتواريخ- كل فئة زادت إلا الأنصار؛ فإنهم أخذوا ينتهون رويداً رويداً حتى لم يبق منهم إلا الأسر القليلة؛ لأن السيف -دائماً- يمضي عليهم، وبالاستقراء في معارك المسلمين التي حضرها الأنصار: كان أكثر الشهداء هم من الأنصار، وأنشأ الله منهم دول بني الأحمر في الأندلس، وينتسبون إلى سعد بن عبادة، ومنهم قبيلة مجاهدة من أقوى المجاهدين الأفغان، والذين كبدوا الشيوعية، وقتلوا الملاحدة، أعظم قتل هم الأنصار، ويسمون في تاريخهم (قبائل كادس) وهم ينسبون إلى الأنصار رضوان الله عليهم، وهم من أشجع القبائل. جعل الله للأنصار النصر واللواء المعقود، ونسأل الله أن يُوردهم الحوض المورود، ويُوردنا معهم رضوان الله عليهم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {اصبروا حتى تلقوني على الحوض} لم يقل: يوم القيامة، ولكنه قال: الحوض، وهذا دليل على أنهم يردون معه صلى الله عليه وسلم. ولذلك جعلهم صلى الله عليه وسلم شعاراً، يقول: {الأنصار شعار والناس دثار} والشعار: هو الذي يلي الجسد، يقول: أنتم خاصتي وعيبتي ونصحي ومشورتي وبطانتي، وما سواكم فهم دثار كاللباس الخارجي.

واجبنا نحو الأنصار

واجبنا نحو الأنصار إن من الواجب العظيم علينا نحوهم أن نعرف حقهم، ومعرفة حق الأنصار بأمور منها: أولاً: أن نستقرئ سيرهم، وأن نمعن فيها، ونعرف كيف قدموا للإسلام من نصر وبذل وعطاء ووثاق. ثانياً: أن نحبهم في الله عز وجل. ثالثاً: أن نترضى عنهم، وندعو لهم بالمغفرة، وبالدرجات العالية عند الله عز وجل. اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إن نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم صلِّ على رسولك محمد وعلى آله وصحبه من المهاجرين والأنصار، الذين شرفتهم يا رب العالمين بحماية الدار. اللهم احشرنا معهم تحت ظلك، وتحت لواء نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وارض عنهم، واجعلنا ممن يتولاهم ويبغض مبغضهم، إنك على كل شئ قدير. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

هجوم على الكعبة

هجوم على الكعبة تعرضت الكعبة المشرفة لغزو قبل البعثة، وقص نبأ ذلك في كتابه، في سورة قصيرة تحمل من المعاني والصور واللطائف ما ستجده في ثنايا هذا الدرس إن شاء الله.

مقدمة عن سورة الفيل

مقدمة عن سورة الفيل إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. عنوان المحاضرة: (هجوم على الكعبة). أولاً: وقبل أن أبدأ: أسأل الله ألا يجعل حظنا من هذه المحاضرات واللقاءات هذا المديح الذي تسمعونه دائماً، فإنه إذا كان هذا هو نصيبنا وحظنا فقد خسرنا في الدنيا والآخرة، وقد مُدِح أحد الأئمة من الشافعية أمام الناس فبكى وقال: إذا كان هذا الدمع يجري صبابةً على غير سعدى فهو دمع مضيعُ فإذا كانت الثمرة هي هذا الإطراء والمديح، فإن هذا -أولاً- ليس مطلباً للعلماء ولا للدعاة، فإن المديح لقوم يعشقونه ويحبونه ويسعون إليه، ويحاولون من الجماهير أن يقولوا كلمتهم سواء أكانت صادقة أم كاذبة في مديحهم، أما أهل العلم والدعوة خاصة من يخاف الله فهم يريدون منكم الدعاء، فأنا أطلب منكم الدعاء لأهل العلم ولأهل الدعوة على مثل هذه اللقاءات؛ كفضيلة الشيخ جابر المدخلي، وعلى من يكون سبباً في الخير دائماً وأبداً؛ أن يزيده الله تسديداً وتوفيقاً وتأييداً وحفظاً ورعاية.

تشريف الله لمكة بجعلها حرما آمنا

تشريف الله لمكة بجعلها حرماً آمناً ثانياً: أطلب منكم شكر المولى سبحانه وتعالى على أن جعلكم في هذا البلد الآمن، والله يتحدث لنا عن بيته في القرآن وعن هذا البلد الأمين كيف دافع عنه، وكيف رد عنه المعتدين والغزاة منذ أن بُنِي هذا البيت والله عزَّ وجلَّ يدافع عنه، ولكن اسمع منطق الجاهلية والوثنية، اسمع إلى أبي جهل وأبي لهب وهم يقولون: إذا اتبعنا محمداً تخطفنا الناس من الحرم، فالله يقول لهم: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:57] يقول سبحانه وتعالى: أما مَكَّنَّا لهم الحرم؟! أما صددنا عن الحرم الهجوم؟! أما جعلناه حرماً آمناً؟! {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:26] وفي سور أخرى يذكِّر الله المسلمين بمن فيهم رسولهم المعصوم عليه الصلاة والسلام ويقول لهم: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التوبة:25] فلله الحمد، لكن جزاء هذه النعمة الجليلة أن نشكره سبحانه وتعالى ولا نكفره. ولا تكون أعمالنا مناقضة لأقوالنا فإن الشكر بالأعمال، ومِن شُكْرِه سبحانه وتعالى أن يصفَّى هذا الحرم الآمن من كل ما يخالف منهج الله في الأرض ومن كل ما يغضب الله عزَّ وجلَّ مِن مِثل الربا، والسفور الفاضح الذي يعارض شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، المعاصي بما فيها: الدخان، والمجلات الخليعة، وأشرطة الكاسيت الغنائية، والفيديو المهدِّم، واللباس المحرم، والاختلاط الآثم الذي نهى عنه ربنا سبحانه وتعالى ورسوله، كل هذه الصور تنافي قدسية هذا المكان واحترام هذا المكان الذي يذكِّرنا اللهُ بها في سورة الفيل. وإنها بديعة في التصوير وبعض المفسرين يقول: سماهم الله بأصحاب الفيل، ولم يذكر أسماءهم مع أن القائد العسكري هو أبرهة، ولكن من احتقاره عند الله عزَّ وجلَّ ومن صغره وذلته لم يذكر الله اسمه، إنما ذكرهم بأصحاب الفيل، فكأن الذي يقود المعركة هو الفيل، وكأن الذي يدبر الخطط العسكرية الفيل، وكأن الذي يأتي إلى الهجوم على الكعبة هو الفيل، أما هم فإنهم أصحابه وأتباعه فحسب، هذه لمحة يشير إليها كثيرٌ من أهل التفسير.

سورة الفيل قصيرة معجزة غنية بالفوائد والعبر

سورة الفيل قصيرة معجزة غنية بالفوائد والعبر ثالثاً: سمعنا هذه السورة: بسم الله الرحمن الرحيم، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:1 - 5] هذه السورة في حد ذاتها -وهي من أقصر السور- معجزة وفيها تحدٍّ؛ ولكن فيها عشرون مسألة، ولعلي لا أكون مستطيعاً أن أذكرها برتابة فاعفوني من الرتابة في التسلسل، ولكني سوف أذكر أغلب القضايا التي أشار إليها المفسرون، وأحرص -بإذن الله وهو الموفق عزَّ وجلَّ- على أن أربطها بواقع الناس وبواقع الأمة الذي تعيشه في هذا الزمن، وما هي مفاجآت القرآن؟ ما هو مجرى القرآن في حياتنا؟ ما هو أثر هذا القرآن الذي يُتلى علينا في الدروس والصلوات والمحاضرات واللقاءات؟

تفسير قوله تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك)

تفسير قوله تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك) قال ابن عباس: [[الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، ومعناه: ألم تسمع، لأنه ما رأى]] إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم وُلِد في ذاك العام، عام الهجوم على الكعبة ولد فيه عليه الصلاة والسلام، إذن فهو لا زال طفلاً رضيعاً عمره عند بعض المفسرين (50) ليلة، فلم يرَ أصلاً ولم يحضر عليه الصلاة والسلام ولم يرَ الفيل ولم يرَ الطير الأبابيل. والرؤية -كما قال بعض المفسرين الآخَرين-: تعني: ألم تعلم، فهي رؤية علمية. أي: أنه يقول: أما سمعت الأخبار؟ أما قرأت التاريخ؟ وقال بعضهم كـ القرطبي: بل رأى عليه الصلاة والسلام بعض آثار ما وقع لأهل الفيل؛ فإنه رأى صلى الله عليه وسلم قائدَ الفيل وسائسَه مقعدَين في مكة، فالذي قاد الفيل وهو من اليمن والذي ساسه رآهما صلى الله عليه وسلم مُقْعَدَين قد أصابهما العمى؛ فقيرَين يسألان الناس عند البيوت. فيقول: هذه من آثارهم. وقال بعضهم: بل رأى عليه الصلاة والسلام بعض الحجارة، فورد في الأثر: [[أن أم سلمة رضي الله عنها كان عندها صحفة مملوءة من الحجارة السوداء المخططة بأسماء جنود أبرهة]] كل جندي باسمه نزل من السماء عليه حجرٌ كالعدسة وكالحمصة، مكتوب عليه اسمه حتى لا يقع في جندي آخر. فـ أبرهة له حصاة مكتوب عليها: أبرهة الأشرم القائد الأعلى للقوات المسلحة، فلا تغلط، هذه زكاة جنايته، فتأتي عليه مباشرة. هذه من ضمن لمحات المفسرين. وقال بعضهم: {أَلَمْ تَرَ} [الفيل:1] أي: ألم نخبرك، وقد أخْبِر عليه الصلاة والسلام بما أوحى الله إليه سبحانه وتعالى، والله عزَّ وجلَّ يستثير رسوله كما قال المفسرون: شوَّاقٌ للخطابات، فيقول: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] حتى يكون صلى الله عليه وسلم سامعاً لما سوف يأتي، ويقول سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [الفجر:6] فالله عز وجل يريد أن يشوق رسوله عليه الصلاة والسلام للقصة حتى يعيشها، وقد أخطأ بعض المفسرين صراحةً حتى من عاشوا للكتب قالوا: حادثة الفيل وقعت قبل مولده عليه الصلاة والسلام بأربعين سنة، وهذا خطأ، وقد ذكر مثل هذا: الأعمش، وعكرمة، والصحيح أنه وُلد عليه الصلاة والسلام عام الفيل وقال ابن إسحاق: ولد عليه الصلاة والسلام عام الفيل، وفي الصحيح: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخْبَر بذلك أنه ولد صلى الله عليه وسلم عام الفيل}.

جمال التعبير في قوله: (كيف فعل ربك)

جمال التعبير في قوله: (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) يقول بعض العلماء: إنما قال: ربك؛ ليستعز به عليه الصلاة والسلام، وهذه تسمى النسبة، فإن كل خادم يفرح بمخدومه، حتى ترى مخدوم الباشوات دائماً يفرح أنه ينتسب إليهم، وتجد له سلطة محلية وأثراً في المجتمع؛ لأنه يعرف أن من يسنده قوي، فتجده دائماً يتكلم للناس ببهرجة وبقوة لأنه ينتسب إلى أولئك، فالله عز وجل يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: افرح بنسبتنا، أنا ربك، أنا الذي فعل بأعدائك ما فعلت، أنا الذي حطمهم، أنا الذي سحقهم فافرح بنسبتك إلي، حتى أن بعض الشعراء يقول: شرف النفوس دخولها في رقهم والفخر تحمله من المتعبدِ وقال آخر: لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي ولذلك شرف الله نبيه فقال: {الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ} [الكهف:1] وقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} [الجن:19] وقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1] فهو عبده، ثنى العبودية له عليه الصلاة والسلام، وفي الصحيح: {لا تَطْرُوني كما أطْرَتِ النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله} فيحب عليه الصلاة والسلام هذه النسبة. حتى نُسِبَ لأحد الشعراء في القرن الرابع أنه قال: ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك: يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا وقال: ربك، ولم يقل: ربهم، فإن هذا ليس فيه اشتراك، فالله رب الجميع؛ فرب أبرهة هو الله، ورب الفيل الله، ورب عبد المطلب الله، ورب الرسول الله، ولكن لما أتى في موقف التمايز لأن هنا هجوماً ودفاعاً، هنا حزبان، هنا أناس يؤمنون بالله ويحملون المبادئ الخالدة، وأناس يحملون لواء الشرك، فقال: ربك، ليس بربهم الآن، هو ربهم صراحة -كما يقال- ربوبية في العامة، أما الربوبية الخاصة فلمحمد عليه الصلاة والسلام.

قصة أصحاب الفيل

قصة أصحاب الفيل {بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1]:- أولاً: اسمحوا لي أن أذكر لكم القصة مختصرة، ثم أبدأ بالتفاصيل على ما قال أهل العلم وأهل التفسير، ثم نخرج بقضايا ودروس. مجمل القصة: أن أبرهة الأشرم كان نصرانياً يحمل دين المسيح، وهؤلاء يحملون مبادئهم حتى ولو كانوا في عصر الجاهليين؛ فإن الإنسان لا بد أن يعيش بعقيدة، فتجده يضحي من أجل عقيدته ولو كانت باطلة ولو كانت بعثية أو ماركسية أو شيوعية أو علمانية، بل هم أكثر تضحية من كثير من المسلمين، حتى تجد من طلبة العلم من وسوس له الشيطان فشغله بنفسه عن أن يكون معسكراً وحاملاً للمبادئ، ورجلاً للكلمة، وصاحب قرار آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، أبرهة ليس من هذا الصنف، أبرهة يحمل مبدأ، بنى كعبة في صنعاء، وطلب من العرب أن يتجهوا لها ويتركوا كعبة الله في البيت العتيق، أخذته قذر النجاسة والنحاسة واللقافة فبنى تلك الكعبة وجعلها أكبر من هذه الكعبة؛ فغضب العرب ولطخوا كعبته، فغضب هو وأقسم بآلهته أن يطأ أرض الحرم وأن يهدِّم كعبة الله، هذه رواية، وقال بعضهم: بل إن ملك النصارى في الحبشة القائد الأعلى لها ورئيس أبرهة أمره أن يذهب إلى أرض العرب فيحطِّم كعبة العرب التي بناها خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، فجهز جيشاً عدده ستون ألفاً، بقي عليهم عشرة ويصبحون كجيش أبي إسحاق: سبعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب وقيل: تسعون ألفاً، ومشى بستين ألفاً ومعه فيل جعله في أول الجيش، وبعضهم يقول: ثمانية فيلة؛ ولكن الذهبي يقول: الفيل الذي ذكر في القرآن كأنه متميز؛ ولذلك لم يذكر الله السبعة الباقية، فدعا بالفيل وركبه ومشى واخترق قبائل الجنوب ولم تعترضه إلا قبيلة ماعز وشهران، فسحقهم وغلبهم، وقامت له قبيلة خثعم، فغلبها، وهذه صراحة بالنسبة لعصرنا تسمى قوة عظمى، فالدول العظمى بالمفهوم العصري الآن مثل أمريكا والاتحاد السوفيتي سابقاً، أو ما يحل محلها كـ الصين أو فرنسا أو بريطانيا، فهم كانوا عند العرب قوة عظمى، فما استطاعت القبائل المقاومة فانهزمت، حتى وصل إلى الطائف، وحصل بعض المقاومة لكن أبا رغال أحد الممسوخين الخاسرين قام وقال: أدلك على طريق البيت؛ لأن أهل الطائف اعتذروا إلا أبا رغال هذا، فلما دله ومات أبو رغال أخذ العرب يرجمون قبره، فكان كل عربي إذا أراد أن يحج يمر أولاً بـ الطائف ليرجم قبر أبي رغال؛ لأنه دل أبرهة. ونزل أبرهة وأصبح في المغمس، تمركز في المغمس، والحقيقة أن أول الجيش قد يكون في المغمس وهو في طرف مكة كما تعرفون من جهة الطائف، وأوله كان في وادي محسر الذي نهرول فيه لأنه موطن عذاب، فكيف بمن يصاحب أهل العذاب ويجالس أهل المعاصي وأهل المنكرات؟! وكيف بمن يرضى بهم إخوة؟! وكيف بمن يعكف على معاصيهم؟! وكيف بمن يجعلهم أولياء له؟! ستجدهم أخلاء له في الدنيا والآخرة، ولذلك قال سبحانه وتعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. فما دام أنه مكان عذاب فقد أُمرنا أن نسرع فيه في الحج؛ لئلا يصيبنا ما أصاب أولئك، فكيف بمن خالطم ورضي أفعالهم واتخذهم من دون الله أولياء؟ {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22]. وَصَل هناك ونزل، ثم أرسل جنوده فجمعوا كل إبل الحرم وغنمه ومواشيه وجماله وجعلها وراء البيت، هذا أول فعله، أما كفار قريش فأتاهم الخبر، والمشرك مهزوم من الداخل، المشرك لا يحمل لواءً، ولذلك لا تحارب بمشرك، وأحد العقديين في هذا العصر يقول في مذكرة له: موحِّد واحد يغلب ألف مشرك. أي: ألف مخلِّط، ولذلك لا نلقى العدو بمشركين، ولا منهارين، ولا مبتدعة، لا بد من إخلاص التوحيد، فإنه لو كان في الحرم موحدون لرفعوا (لا إله إلا الله) ولخرجوا يلبسون الأكفان. يا بني قومنا سراعاً إلى الله فقد فاز من يموت شهيدا سارعوا سارعوا إلى جنة قد فاز من جاءها شهيداً سعيدا

استطراد في غزو بريطانيا لليمن

استطراد في غزو بريطانيا لليمن معذرة: فقد أرادت بريطانيا أن تعتدي على اليمن من عدن، وكان هناك في إحدىالقلاع من يحمل لواء التوحيد في عهد بريطانيا عند احتلالها عدن، فقد زحفت بدباباتها وطائراتها وأخذت تضرب صنعاء، فقام أحد العلماء -والقصة مشهورة وربما كررتُها- فأخذ في خطبة يوم الجمعة يكلم اليمنيين الموحدين أن يصدوا هجوم الإنجليز، فيقول لهم على المنبر في خطبة الجمعة بعد أن حمد الله وأثنى عليه، يقول مخاطباً بريطانيا: يا بريطانيا رويداً رويدا إن بطش الإله كان شديدا إن بطش الإله أهلك فرعو ن وعاداً من قبلكم وثمودا والطائرات تضرب صنعاء وهو في أثناء الخطبة يقول: لا تظنوا هدم المدائن يوهي عزمنا أو يلين بأساً صلودا إن تبيدوا من البيوت بطيار اتكم ما غدا لدينا مَشِيدا فلنا في الجبال تلك بيوت صنَعَتْها أجدادنا لن تبيدا فالنزال النزال إن كنتم مِـ مَّن لدى الحرب لا يخاف البنودا يقول للطيارين: انزلوا في الأرض، نحن لا نستطيع أن نصعد إليكم، ولكن إن كنتم رجالاً فانزلوا. لتروا من يبيت منا ومنكم موثقاً عند خصمه مصفودا ما خضعنا للترك مع قرب الديـ ـن منا فكيف نرضى البعيدا يقول: ما خضعنا للترك وهم مسلمون، فكيف نخضع لكم أنتم أيها الإنجليز الخواجات أعداء الله ورسوله؟! وهم في الأنام أشجع جيش فاسألوهم هل صادفونا فهودا؟! أفترجوا إنجلترا في بلاد الله تباً لسعيها أن نبيدا كذبت -والإله- لا كان إلا بعد ألا نبيد أو أن تبيدا بعد أن تُسفك الدماء على الـ أرض وتروي حقولنا والمزيدا يا بني قومنا سراعاً إلى اللـ ـه فقد فاز من يموت شهيدا وهذا هو الشاهد، سراعاًَ إلى الله -إلى الجنة- وقد قالها عليه الصلاة والسلام في بدر، وقالها في أحد، وأخبر أن الجنة تُفتح لأولياء الله الذين يسندون ويحامون ويذبون عن مبادئهم، فقد فاز من يموت شهيداً. سارعوا سارعوا إلى جنة قد فاز من جاءها شهيداً سعيداًَ والبسوا حلة من الكفن الغالي وبيعوا الحياة بيعاً مجيدا خرج اليمنيون، ولبسوا الأكفان، وأخذوا البنادق، فهزموا بريطانيا وردوها.

تكملة قصة أصحاب الفيل

تكملة قصة أصحاب الفيل فلو كان عبد المطلب موحداً لخرج بالأكفان ولأعلن صيحةً على الصفا، ووقف عند الحجر الأسود وألقى خطبة توحيد حماسية، لكن ماذا فعل؟ ترك الساحة وأتى إلى كفار قريش وهم منهارون ليس عندهم مبدأ قال: تسلقوا رءوس الجبال، واحتموا برءوس الجبال، فخرج ليأخذ أطفاله ويحملهم ويأخذ زوجته بيدها ويترك أمواله، حتى إن بعض المفسرين يقول: تركوا الذهب وحفروا له حُفَراً. انظر إلى الجبن! خائفون من الكيماوي! وفروا إلى رءوس الجبال، ومن كان لديه قليل من الذهب والفضة حفر له في الأرض وصعد بأهله وبذريته إلى رءوس الجبال، أما عبد المطلب وهو القائد العسكري وأشجع القوم فقد بقي لحظات، فتذكر أن إبله في المغمس ترعى قدرها مائتا جمل، فأخذ عصاه وذهب بأعيان مكة، وقال: استأذنوا لي على أبرهة أكلمه، وظن أبرهة أن الرجل سوف يفاوض وأن عنده اقتراحات وأنه قبل (15) يناير عنده خطط سلمية، قبل الاعتداء!! وعبد المطلب هو جد الرسول صلى الله عليه وسلم، كان جميلاً طويلاً كأنه القمر ليلة أربعة عشر، وكان داهية من دهاة العرب؛ لأن الله لا يرسل إلا من أناس ذوي رِفعة، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب}. فلما رآه أبرهة خشع له ووقره ونزل عن سريره واستقبله على البساط في الأرض، قال: ما عندك؟ قال المترجم: يريد رد ماله وإبله، قال: ظننتُ أنك عاقل رشيد، بيتك ودينك ودين آبائك أتيت أهدِّمه، وتطلب في الجمال! ردوا له جماله أما البيت فسأجعله حتى أجعله قاعاً صفصفاً، وكان عبد المطلب ذكياً؛ لأنه يدري أن المقاومة فاشلة ومنتهية طبعاً، فالمشركون لا يستطيعون المقاومة، فلاحظوا أن أولئك أقرب إلى الله؛ لأن أبرهة نصراني أقرب إلى الله من حيث الديانة المسبقة، قال: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه، فسلَّم له الجمال وأخذ يسوقها حتى أدخلها في بيته بـ مكة، ثم أخذ حلق الكعبة ووقف يهزها وهو يخاطب الله: يا رب إن المرء يمنع رحله فامنع رحالَكْ لا يغلبنَّ صليبهم ومحالهم أبداً محالَكْ يقول: يا رب! الرجل منا يمنع بيته ويحمي بيته بالسلاح، وأنت احمِ بيتك، أنت الذي كلف إبراهيم عليه السلام أن يبنيه، امنع بيتك واحمِ بيتك، ثم قال: لا يغلبن صليبهم، أتى بالصليب، والصليب قديم، وسوف يبقى ما بقوا في الأرض يقول: إنهم أتوا يحملون الصليب أنا رأيتهم، قال: لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبداً محالَكْ ثم ارتفع، فلما صعد إلى رءوس الجبال بعد أن علم أن المحاولة فاشلة، وأنه لا يستطيع المدافعة، فوقف كفار مكة يتفرجون كيف تُهْدَم الكعبة، وينظرون من أين يدخل أبرهة الآن ورأوا أطفالهم عندهم وزوجاتهم وشاهدوا الموقف؛ ولكن يقول الله عزَّ وجلَّ: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:79 - 80] توقف الدهر وتوقف التاريخ، وانتظر الناس ما سيحدث، فليس هناك قوات مسلحة أصلاً تحمي البيت، وليس هناك حكومات موجودة تحمي علم الإسلام، وليس هناك صواعق تنزل، ولا رياح يشاهدونها ولا طوارئ في الكون لكن انتظروا، وحرَّك أبرهة الفيل، الآن بدأ الهجوم، حركه في المحسر، فمضى الفيل قليلاًَ ثم لف وجهه إلى الجهة اليمانية، فضربوا وجهه وحوَّلوه فأبى أن يذهب، أي: (غرَّز) حاولوا فيه ولكنه رفض، يوجهونه إلى اليمن فيمشي، ويوجهونه إلى البيت فيأبى، لأن الله عزَّ وجلَّ أراد أن يأبى. لما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ونزل على الصلح حرَّك ناقته فوقفت مكانها، فضربها صلى الله عليه وسلم فرفضت، فأتى الصحابة قالوا: {خلأت ناقة الرسول عليه الصلاة والسلام -أي: انهارت وفشلت وخارت قواها-قال صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده، ما خلأت وما هو لها بخلق، ولكن أدركها ما أدرك الفيل}. فلا تحسبن هنداً لها الهجر وحدها سجية نفس كل غانية هندُ لا تحسب الناقة أن هذا هو سببها، بل سببها هو سبب الفيل، والفيل سببه هو سبب الناقة. وحينها ترجل عليه الصلاة والسلام وأراد المصالحة، وأخذ سهيل بن عمرو يصالحه، لأنه تذكر صلى الله عليه وسلم أن الناقة خافت، لأن هذا البيت له قداسة والله سبحانه وتعالى يحميه. في الأخير: أمر أبرهة أن يتحرك الجيش، فبدأت الطوابير تزحف؛ ولكن قدرة الباري سبحانه وتعالى أعظم، وإذا بجبال مكة تُثار بطير أتت من جهة البحر -كما قال بعضهم- وقال بعضهم: بل خلقت من شيء من السماء، بكلمة (كن) فكانت، وسمعت أنا بعض العصريين يقول: انطلقت من قواعد {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:117] والحقيقة أني رأيت في (تفسير القرطبي) أنه أتى بأمور عجيبة، وقال ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: [[كان للطير مخالب كمخالب الكلاب]] وقال بعضهم: كان الطائر الواحد يحمل ثلاثة أحجار، حجر في منقاره، وحجر في رجله اليمنى وحجر في رجله اليسرى، وسارت كالغمامات، حتى أن صاحب (الظلال) يسميها: جولات استطلاعية. ولك أن تسميها أنت؛ لكن الله عزَّ وجلَّ أراد أن يهلكهم بهذا، فثارت عليهم ثم وقفت على رأس البيت كالغمامة، وأخذت تنزل حمولتها؛ لكن الصحيح عند أهل العلم أنها لم تعُد مرة ثانية لتحلِّق، كانت الواحدة منها فقط تنقل مرة ثم تذهب ولا تعود، فأصابت أول الحجارة، فكانت لا تُخْطئ، وقال: لم يخطئ ولو حجرٌ واحدٌ جندياً واحداً؛ لأن الرامي هو الله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] فالرامي حقيقةً هو الواحد الأحد. رمى بك الله جنبيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم يُصِبِ وبقيت على هذا فترة، قالوا: وكان كلما انتهى فوجٌ منها أتى فوج، وقالوا: وكانت تأتي من جهة البحر الأحمر، حتى أن بعض المفسرين قالوا: ربما ثارت من جانب البحر، أما الحجارة فليست من حجارة الدنيا، بل صنعها الله بكلمة (كُنْ) وقال مجاهد: لفَّتها الريح حتى اشتدت فأصبحت حارة قوية، فكانت الطيور ترمي على الناس، وكان تقتل الجيش حتى قُتل كل الجيش، ولم يبقَ إلا أبرهة واثنان أو ثلاثة معه، أما أبرهة فأراد الله أن يعذبه، فتساقط جسمه أُنْمُلة أُنْمُلة، فكان كل عضو يسقط منه، حتى أصبح كالفرخ الصغير في صنعاء، ثم تفجر صدره وخرج قلبه منه {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16] وقالوا: الفيل أخذ حسابه وقُتل في المحسر، حتى أن بعضهم قال: بل رجع ثم أرسل الله عليه صاعقة فأحرقته. إن من المهم أن الله أهلك هذا الجيش، وهو ستون ألف مسلح من أقوى جيوش العالم في ذاك العصر، مع أقوى قائد، أرسل الله عليهم طيراً أبابيل، ولذلك يقول سبحانه وتعالى لأعدائه: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:29] وفي سورة يس يقول: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ} [يس:28] قال أهل العلم: لأنهم لا يستحقون أصلاً أن يرسل عليهم بجنود من الملائكة، فهم أصغر وأحقر من ذلك، بل يكفيهم طير، كما أن النمرود لما عصى الله وتعدى حدوده وانتهك محارمه؛ سلط الله عليه بعوضة، فدخلت في أنفه فوَلْوَلَت وأهلكته. فأعداء الله يهلكهم سبحانه وتعالى بمصارع سهلة سهلة حتى يُضْحِك عليهم التاريخ والدهر. هذا ملخص القصة، ولكن نعود مع قضايا السورة، والعجيب أن الله عزَّ وجلَّ في كتابه سبحانه وتعالى لم يدخل في تفاصيل القصة؛ لأنه ليس هناك مصلحة تتعلق بها، ولذلك لا يتكلف العبد أن يأتي بأمور ما وردت في الأحاديث الصحيحة، إنما أتى الله بموجز عن القصة يذكر الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1] وإنما سماهم أصحاب؛ لأنهم اصطحبوا معهم الفيلة واغتروا بقوتها، وهم أقل عقولاً وتدبيراًَ وذكاءً من الفيل، وكما يقول العرب: أَرَبٌّ يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب ولقد خاب من كانت سيادته بيد الفيل، ولقد خاب من سماه الله عز وجل صاحب الفيل، فجعلهم الله عزَّ وجلَّ نكالاً للآخرين. أما الفيل -أيها الإخوة- فإن سبب اختياره -وهذه لمحة وقد أشار الجاحظ في كتابه (الحيوان) إلى شيء من هذا- هو: أن الفيل أكبر الحيوانات؛ ولذلك استطاع أن يمشي معهم. ثم إنه غبي؛ ولذلك ورطوه في هذه المقتلة، والواجب عليه -لو كان عنده ذرة عقل- ألا يتدخل معهم في هذه الحرب الخاسرة؛ لأنها مكشوفة من أول الطريق؛ لكنه ثقيل الدم، حتى أن ابن الرومي يقول لأحد الثقلاء: أنتَ يا هذا ثقيلٌ وثقيلٌ وثقيلُ أنتَ في المنظر إنسانٌ وفي الميزان فيل وتقول العرب: لا يحس الفيل بالخوف أبداًَ؛ ولذلك اختير لأن يكون في أول الجيش، وتقول العرب: الخيل إذا رأى الهجوم فر، والحمار إذا رأى الهجوم فر، والبغل إذا رأى الهجوم فر، إلا الفيل فإنه لا يفر؛ ولذلك قاتل به أنو شروان، ورستم في القادسية، وقاتل به الأعاجم دائماً، فهو لا يفر؛ لأن قلبه ثقيل؛ حتى يقول كعب بن زهير: لقد أقومُ مقاماً لو أقومُ به أرى وأَسْمَعَ ما لو يسمع الفيل ُ يظل يرعد إلا أن يكون له من الرسول بإذن الله تنويل يقول: يا رسول الله! سامحني، اعف عني، والله إنك خوَّفتني يوم أهدرتَ دمي إلى درجة أن الفيل لو هدَّدتَه لخاف وهو فيل، فكيف بي أنا عبد؟! فاختير لهذا، ويُجْمَع على: أَفْيال، فِيَلَة، وفُيُول، هكذا جمعُه، وما علينا مِن جمعِه؛ لكن الله جمعه وأصحابَه في وادي محسر وأهلكهم.

تفسير بقية السورة

تفسير بقية السورة .

نسبتهم إلى الفيل وكيدهم في تضليل

نسبتهم إلى الفيل وكيدهم في تضليل {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1]:- قالوا: سكت الله عزَّ وجلَّ عن تفصيل الحادث لأنه حادث عظيم، والله عزَّ وجلَّ يعمم في القرآن ويهوِّل؛ ولذلك لا يذكر الله عزَّ وجلَّ التفاصيل، مثل قوله: {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} [النجم:54] ولم يخبرنا ماذا غشَّى، وقال في سدرة المنتهى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم:16] ولم يخبرنا ماذا يغشى السدرة حتى أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا من هول المقام، أنك تهول الحادث، ولذلك تقول العرب: لقي جزعه، لقي ما لقي، ووجد ما وجد، وحصَّل ما حصَّل. {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} [الفيل:2]:- هذا يُسَمَّى لفّاً ثم يأتي النَّشْر، فهذا اسمه: لف ونَشْر. {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} [الفيل:2]: قال أهل العلم: كادوا كيداً وكاد الله كيداً، فغلب كيد الله كيدهم، وعند أهل السنة لك أن تطلق أن الله يكيد بمن كاده؛ لكن ليس من صفات الله أنه يكيد كيداً مجرداً أو مطلقاً؛ فإن الله يمكر بمن يمكر به، والله يخادع من يخادعه، ويستهزئ بمن يستهزئ به، والله عزَّ وجلَّ يقول: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] وقد ذكر سبحانه وتعالى أنه يستهزئ بمن يستهزئ به، وقال سبحانه وتعالى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79]. أما المكيدة في هذا فهي في أمور: أولاً: من المكيدة أن أبرهة الأشرم أخذ العيون عن العرب، فلم يدرِ كفار قريش حتى نزل في الحرم، لم يدرِ كفار قريش -وهذه النتيجة- أنه أغلق عنهم العيون والجواسيس وقطع عنهم الخطوط الإمدادية حتى وصل. الأمر الثاني: شتت شمل العرب مما جعل القبائل خلفه. الأمر الثالث: من المكيدة أنه لم يهاجم كفار قريش في بيوتهم، وإنما هاجم البيت وحده، إذ أنه لو هاجمهم لربما دافعوا، بل قال: انظروا الكعبة، خلوا بيني وبين الكعبة، فأبطل الله كيده وقال: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} [الفيل:2] أي: في ضياع وخطأ، وكل من كاد الله جعل الله كيده في نحره، ولذلك يُحذِّر من محاربة الإسلام؛ لأنه مهما رأيت الباطل ينتفش ومهما رأيته يعلو فإنه سوف ينهار لا محالة، ولذلك لا تغتر الآن بالصيحات الإعلامية القائلة: إن المسلمين أُبيدوا بكذا، وأنهم اضطهدوا، وأنهم سجنوا، فإن العاقبة للمتقين، والله عزَّ وجلَّ يقول: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52] واسمع الله يقول: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21] ويقول سبحانه وتعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173] إلى آيات كثيرة يخبر سبحانه وتعالى فيها أن العاقبة والنصر لأوليائه لا محالة، فلذلك لا تستبطئ نصر الله، ولا يهولنَّك ويهمنَّك ما ترى من كثرة إبادات المسلمين، أو علمائهم، أو دعاتهم، وقيام الكفار عليهم، وكثرة جيوش الكفر وتخطيطه ومكره فإن الله ولي الذين آمنوا. قال: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} [الفيل:2] وما بعد هذا الكيد من كيد، وما بعد هذا التضليل من تضليل ولذلك لا يُسمع بجيش في جاهلية ولا إسلام رجع بنتيجة سيئة وبهزيمة كما رجع أبرهة، رجع باثنين معه، ورجع وجسمه يتساقط في الطريق، وخسر ستين ألفاً كانوا معه، وهم من أكثر أعداد الجيوش في ذلك العصر.

إرسال الطير عليهم وقتلهم شر قتلة

إرسال الطير عليهم وقتلهم شر قتلة قال: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ} [الفيل:3]:- أبابيل: قال مجاهد: مجتمعة، كانت تأتي أفواجاً كالغمامة، وقال بعضهم: متفرقة، والله أعلم، ومفرد أبابيل: إِبُّوْل، وإِبِّيْل، ولا يهمنا هذا، ولكن قيل: أبابيل -كما يقول بعض المفسرين- لأن لها هَمْهَمَة، ويقال: إذا أقبلت سمعوا لهذه الطيور زمجرة وصياحاً وإنذارات مبكرة حتى تختفي، وقال بعضهم: لا. بل كانت تأتي على صفوف، فكان الصف الأول ينزل حمولته، ثم يأتي الصف الثاني ويلقي ما معه، ثم الثالث، وكأنها مرتبة من الواحد الأحد فسبحان الذي علَّم! وسبحان الذي خلق! وسبحان الذي كتب الكتاب على الصخور! وسبحان الذي أرسل! وسبحان الذي أعد! انظر إلى قدرة الباري، ولله عزَّ وجلَّ في خلقه شئون، وقد يستحدث الله الأمر في لحظة، فلله جنود لم تروها، وجنود ترونها. قال: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} [الفيل:3 - 4]:- سجيل: وورد أيضاً: سجين وهو طين محموم، فيجوز هذا عند أهل اللغة أن تكون بالنون وباللام مثل قولك: جبريل، وجِبرين عليه السلام، الأرض تمطر سجيلاً وسجيناً، والحجارة من السجيل يقال: إنها حجارة مغلية، أُغْلِي عليها، الله أعلم أين أُغلي عليها! وأين خُلِقَت! خُلِقَت بكلمة {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:117] ثم كُتِبَ اسم الجُنْد عليها، وكانت عند أهل العلم سوداء، وقال بعضهم: محمرة، وكتب عليها أسماء الجنود، وكان يحمل الطائر الحجارة ثم يلقيها كما سلف معنا. قال: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} [الفيل:4] وفي الآية جمال بلاغي اختتمت باللام؛ لأنه من لوازمها أن تختم باللام، لأن كلمة الفيل في آخرها لام، فالله عزَّ وجلَّ لجمال القرآن أراد أن يختم أواخر الآيات بفواصل جميلة وهي: اللام، فأتى بها سبحانه وتعالى، ومنها قوله: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:5]. قال: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:5]:- العصف المأكول باختصار هو: الزرع إذا أُكل، وقيل: الزرع إذا قطِّع، وقال بعضهم: العصف المأكول هو: النبت الذي لا ثمر فيه؛ فإنهم لا ثمرة فيهم أبداً؛ لأنهم سحقوا وما كان عندهم مبادئ، ولا يحملون أفكاراً، والله سمى أعداءه أنهم كالوحوش وكالبهائم، قال سبحانه وتعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] وقال عنهم سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] فانظر إلى هذا الرابط من التشبيه أن جعل سبحانه وتعالى هؤلاء الحقراء الأعداء الجبناء كالعصف الذي لا يحمل ثمرة، والذي لا يقوم بمبدأ، ولا يحمل رسالة، وليس عنده تأثير ولا إيمان ولا توحيد، فهو كالزرع الذي لا يحمل ثمرة. أما لماذا وصفهم الله بالعصف المأكول: فإن منظرهم يوم قتلوا كمنظر العصف الذي وقعت فيه البهائم، أي: عاثت فيه تماماً، ولعبت في لعباً، حتى أنه يُقال: كان يوجد رأس الجندي على مسافة أميال من جثته، ورمي بحجر، وقال بعضهم: كان الحجر يقع على رأسه ويخرج من دبره والعياذ بالله، وقال بعضهم: يقع الحجر في كتفه ويخرج من الجهة الأخرى، أي: أن الجنود مُزِّقوا تمزيقاً عجيباً، حتى أنه وُجد أن الجيش الستين ألفاً في مساحة ضيقة في وادي محسر، وكلهم (مُلَخْبَطُون) أولهم على آخرهم، فيقول سبحانه وتعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:5].

العبر والعظات المستفادة من سورة الفيل

العبر والعظات المستفادة من سورة الفيل .

رفع معنويات النبي صلى الله عليه وسلم

رفع معنويات النبي صلى الله عليه وسلم الأمر الأول: رفعٌ لمعنويته عليه الصلاة والسلام:- أي: إن الذي نصر الجاهليين وهم مشركون، وصدَّ عنهم العدوان، فسوف ينصرك وأنت الذي يحمل رسالته ويسجد له ويسبح بحمده، فتوكل عليه، فما دام أن الله دافع عن البيت، وهو يقول لكفار قريش: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:57] فالله يدافع عن حرم المشركين وهم مشركون فكيف بالمؤمنين؟! ولذلك نأخذ من هذا الدرس من العنصر الأول: إن هذا البيت لا تحميه قوة في الأرض؛ لأن الله سبحانه وتعالى تكفل بحمايته، وإن من لوازم الحماية أن يُشكر سبحانه وتعالى حتى يُدافع سبحانه وتعالى عن مجموع الحرم، أما البيت نفسه، فقال أهل العلم: لا يمكن الاعتداء عليه، إلا إذا كتب الله في آخر الزمان -كما ثبت في الصحيح-: {أن جيشاً من الحبشة سوف يُقدم على الكعبة فينثرها حجراً حجراً بقضاء من الله وقدر} لكن قبل هذا لا يستطيع أحد أن يمس الكعبة؛ لأنها بيت الله.

منة الله على أهل الحرم

منة الله على أهل الحرم الأمر الثاني: أن في هذا مِنَّة مِن الله سبحانه وتعالى على مَن هم حول الحرم:- فإن الله سبحانه وتعالى ذكرهم بنعمه؛ أنه صد عنهم المعتدي والغازي وقال سبحانه وتعالى على لسان إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:35 - 37] فاستجاب الله دعاءه في بلد من أجدب بلاد العالم ومن أكثر بلاد العالم قحالة وجدابة وقحطاً، ورزقهم الله سبحانه وتعالى الثمرات من كل أنحاء الأرض، الآن لك أن تدير نظرك في المتاجر وتنظر في المحلات، يحج الحجاج وعددهم يصل إلى الملايين فلا يشكو أحدهم جوعاً، ولا ظمأ، ويمر الإنسان بأنواع الفاكهة، وأنواع اللحوم، بينما يرى الصخور حول الحرم لا تنبت ولا تزهر ولا تثمر؛ لا نهر ولا ساقية، ولا جدول ولا غدير، ولا بستان ولا حديقة، إلا ما ثمره الناس أنفسهم في الحدائق، ومع ذلك جعلها الله بلداً آمناً مطمئناً {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران:97] لا يشعر بخوف.

تحدي أهل المبادئ الهدامة

تحدي أهل المبادئ الهدامة في ذلك تحدٍ لأهل المبادئ الهدامة ولأعداء الله عزَّ وجلَّ عموماً وخصوصاً، ولمن يحمل كل فكر يعارض الله في الذي أنزله على رسوله عليه الصلاة والسلام أن يكون جزاؤه كهذا الجزاء، فالباطل مهما انتفخ سوف ينمحي لا محالة وينهار، فلا يفرح به، ولذلك تجد المهزومين هزيمة معنوية نفسية في داخلهم يقولون: يا أخي! من تحارب أنت؟! أتحارب هذه القوة العظمى، الخمس الدول الدائمة العضوية؟! أتحارب هؤلاء الذين صنَّعوا الذرة والقنبلة النووية، وما أدري ما بعده؟! يا أخي! دعنا نكون واقعيين نكون واقعيين؟ نعم. ولكن مع الكتاب والسنة، وأن الله أقوى، وأن الله سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة، ولذلك يقول عن نفسه سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21] وهؤلاء لا يهمون المسلم أبداً في قليل ولا كثير؛ فإن الله قال عنهم: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110].

النصر لله ولرسوله ولحرمه

النصر لله ولرسوله ولحرمه أيضاً -أيها الإخوة- من حقوق هذا البيت علينا -كما أسلفتُ؛ لكني أبسط هذا بسطاً مقرباً- أن نكون أنصاراً لهذا البيت، ولا نكون أنصاراً له إلا إذا اعتنقنا رسالة من بُعث في هذا البيت وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، وحملناها بقوة وبتضحية وبجد وبإخلاص ونشرناها في الناس، ولا نكون أمناء على هذا البيت إلا إذا أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} [الحج:41] وأعظم تمكين أن نكون حماة البيت، وأعظم تمكين أن نكون مجاورين للبيت، وأعظم تمكين أن يجعلنا الله سعداء بالصلاة في هذا البيت: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] وما أحسن ختام الآية! أي: يوم أن يُقلب ظهرُ المِجَن يَقلب الله مِجَنَّه.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنها أيضاً أن علينا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر من أجل قداسة هذه البلاد، فإن لها قداسة خاصة، لا تعصباً لبلد على بلد، ولكن مأوى القلوب، ومهبط الوحي والرسالة، ومقر البيت الأمين، والحجر الأسود، وزمزم، فلهذه القدسية علينا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.

تجنيب هذا البلد المعاصي الظاهرة والباطنة

تجنيب هذا البلد المعاصي الظاهرة والباطنة ومن حقوق هذا البلد أن نجنبه المعاصي الظاهرة والباطنة، كالبنوك الربوية، فإنه لا يجوز أصلاً وجودها في العالم الإسلامي، وفي الحرم أدهى وأمر، فإنه لا يجوز بحال من الأحوال أن تبقى، ولا يجوز تَكشُّف المرأة في بيت الله الآمن الذي دافع عنه سبحانه وتعالى، والذي أرسل الطير الأبابيل من أجل بيته، ولذلك له قداسة، ومن قداسته ألا يُلوَّث بمعصية، وقد رئي أن المرأة تدخل الحرم بدون عباءة وغطاء، ثم تأتي وتطوف ببيت الله الذي دافع عنه سبحانه وتعالى، والذي ذكَّر الله الناس بنعمه، فتجد المصلين بالألوف لا يأمر أحدٌ منهم ولا ينهى، وتجد الاختلاط والمناظر التي لا تصلح. ومن تدنيس هذا البيت كذلك: أن تجد المناظر التي تخالف شرع الله عزَّ وجلَّ في مثل المتاجر التي تحيط بالحرم، وهي تبيع المعاصي التي نهى عنها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، وأجمع أهل العلم على تحريمها، مثل: أشرطة الغناء، ومحلات الفيديو، ومحلات المجلات الخليعة، ومحلات الألبسة الكاشفة العارية التي تظهر المرأة في صورة مزرية، والغش والدجل، وجلوس كثير من الناس في الحرم يغتابون ويقطِّعون أوقاتهم في القيل والقال وفي الاعتداء على أعراض المسلمين، فالبدع التي تشاهَد أحياناً في الحرم، وهي تخالف منهج الرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}. وقف عليه الصلاة والسلام عند الكعبة -وهذا الحديث يُروى عنه- فقال: {ما أعظمكِ وما أشد حرمتكِ! ووالذي نفسي بيده، لَلْمسلم أعظم حرمةً منكِ} ونظر عليه الصلاة والسلام وهو في حمراء الأسد إلى مكة فبكى عليه الصلاة والسلام، وقد أخرجه أهلها، ومن صلى منكم العشاء البارحة في الحرم سمع ما قرأ لنا الإمام: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] فيعيش الإنسان وهو في الصلاة مستشعراً التحدي لهذا النبي المعصوم من الجاهلية، ومعاناته، وكأنه داعية مطارَد يتعرض مرة للحبس، ومرة للقتل، ومرة للإخراج من البلد، وفي الأخير أُخرج عليه الصلاة والسلام، فيلتفت وبناتُه الأربع في مكة، وتباع أملاكُه عليه الصلاة والسلام، ويُضطهد ويُعادَى، ثم يلتفت ويبكي ويقول لـ مكة: {والذي نفسي بيده، إنكِ لَمِن أحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجتُ} فانظر إليه، وقد تربى في مكة، وأولى أن يكون في مكة ومع ذلك يُطرد منها عليه الصلاة والسلام. لكن سبحان الله! مع الصبر والتحمل في ذات الله عزَّ وجلَّ يدخل بعد ذلك بعشرة آلاف مسلح، ويقول له سبحانه وتعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:1 - 2] فهل تبجَّح بالفتح عليه الصلاة والسلام؟! هل أزهق الأرواح؟! هل قتل الأنفس صلى الله عليه وسلم؟! أتدرون ماذا فعل؟ في الصحيح: أنه {نكَّس رأسه عليه الصلاة والسلام حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل تواضعاً لله، ودمعت عيناه} ودخل عليه الصلاة والسلام طائعاً خاشعاً، ويتقدم كفار قريش الذين أخرجوه، قال: {ما ترون أني فاعلٌ بكم؟ -يقول: أخرجتموني وحاربتموني وضربتم بناتي وأهنتموني وكذبتموني وآذيتموني فماذا ترون؟ ما هو الجزاء؟ - قالوا: أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم -سبحان الله ما أحسن العقل! - قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء} فلذلك اكتسب عليه الصلاة والسلام بهذا النصر تاريخاً مجيداً سوف يبقى إلى قيام الساعة.

إن الله عز وجل يحدث بما يشاء متى شاء

إن الله عزَّ وجلَّ يُحدث بما يشاء متى شاء أيضاً من قضايا السورة أن الله عزَّ وجلَّ يُحدث ما يشاء متى شاء، وأن قدرته لا تتناهى سبحانه وتعالى.

إن أعداء الله مهما كبروا سيصغروا

إن أعداء الله مهما كبروا سيصغروا ومنها أن أعداءه مهما كبروا -كما قلتُ- فإنهم {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:41]. وأن أجهل الناس هم مَن حارب الله عزَّ وجلَّ وضادَّه، ولذلك يقول سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف:52] و {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81].

على أهل الحرم واجب زائد على غيرهم

على أهل الحرم واجب زائد على غيرهم ومن قضايا السورة أن علينا واجباً زائداً شرعياً خلافاً لغيرنا، علينا بمداولة البيت، وواجب آخر: أن نكون ناصحين مؤثرين في الناس؛ فإن الشعوب الإسلامية الآن تهبط في مهبط الوحي، وأتت لترى أبناء الحرم هل يحملون الرسالة؟! هل هم قائمون بأمر الله وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام؟! هل هم يأمرون أو ينهون؟! هل حملوا الميثاق حملاً صحيحاً؟! يأتينا الآن من كافة أنحاء العالم الإسلامي، وخاصة في مثل هذا الموسم، ومثل رمضان، ومثل الحج، فما هو واجبنا نحوهم؟ واجبنا أن ننقل لهم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نتعاون معهم لِما يرفع الإسلام ويقويه، وأن نكون نحن وإياهم أسرة واحدة، وأن نقدم صورة جميلة عن الإسلام. رأيتُ في كتاب عن سيرة شاعر باكستان محمد إقبال، يقول: إنه وفد إلى هنا يريد الحج، والبعيد عندما يسمع عن أهل الجزيرة فيظن أنهم على طراز طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف، وربما يُفاجأ إذا وجد العكس، أليس من المفاجأة أنك تجد أناساً من سكان الحرم يشربون الدخان بجانب الحرم، ويشربون الشيشة وقد حلقوا لحاهم؟! أما تفاجأ إذا رأيتَ أناساً من أهل الحرم يدخلون مسبلين ثيابهم؟! أما تفاجأ إذا رأيتَ نساءً ممن يدخلن الحرم، تدخل الواحدة منهن كاشفة متعطرة متجملة تفتن الرجال وهي تطوف وتسعى؟! أما تفاجأ أنك ترى البنك الربوي من أربعة عشر طابقاً بجانب الحرم؟! كلها مفاجآت تحزن المسلم، فيقول إقبال: أين التاريخ الذي كنتُ أقرؤه؟! أين أبناء الجزيرة وحَمَلة المبادئ؟! فـ محمد إقبال أتى إلى مكة ورأى الناس أخذ يحدث نفسه يقول: أين أحفاد الخلفاء الراشدين؟! فالخلفاء الراشدون من هنا، محمد عليه الصلاة والسلام من هنا، والصديق من هنا، والفاروق من هنا، وعلي من هنا، وعثمان من هنا، وخالد من هنا، كل الأخيار من هنا، ففوجئ فيقول: وأصبح عابدو الأصنام حماة البيت والركن اليماني يقول: يا رب! أنت مننت على عكرمة وعلى خالد وغيرهما، كانوا يعبدون الأصنام، فهديتهم وأصبحوا يحفظون الحرم، فأين أولئك الملأ؟! أين أولئك النفر؟! أين أولئك السادة؟! وهناك قصائد طويلة قد ذُكرت في كثير من الأشرطة فلا أكررها. فالمقصود: إن واجبنا كبير -أيها الإخوة- وأنه لا يكفي للإنسان أن يحج أو يعتمر فقط ويذهب ويكون سلبياً، وما ترى أضعف ولا أقل ولا أذل من إنسان يحمل عنده مبدأ ثم لا يخدم مبدأه، يحج ويعتمر ويطوف ويسعى ثم لا يأمر ولا ينهى ولا يؤثر، ولا يرشد ولا ينصح ولا يوجه، وتصوَّر لو أن هذه الألوف المؤلفة كانت تنصح وترشد وتهتم لَمَا بقي هناك منكر، وما بقي هناك فاحشة، ولتقلص الفساد: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63] وقد ذكر قبله سبحانه وتعالى فقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79].

شكر الله وطاعته على نعمه

شكر الله وطاعته على نعمه من الشكر لله عزَّ وجلَّ: أن تقام طاعتُه في الأنفس والآفاق:- وإقامة طاعة الله في الأنفس تكون بامتثال أمره سبحانه وتعالى في كل نفس بما كسبت، فهو القائم على كل نفس بما كسبت، وعلى المسلم أن يربي نفسه على الطاعة، وأن يكون له نوافل من التعبُّد، وأن يستكفي بالله عن الناس، ويحتمي بأمر الله، وأنه عزيز سبحانه وتعالى. والطاعة في الآفاق بإقامة شرع الله، وأن تعرف أنه سوف يُقام شرع الله، وسوف تكون العاقبة للمتقين، ولذلك كما سبق في أحاديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول في الصحيح: {إن الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها وإن ملك أمتى سيبلغ ما زوي لي منها} فسوف يبلغ الله دينه {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8] فلا بد أن يبلغ الله نوره مشارق الأرض ومغاربها؛ لكن المسألة التي أسأل نفسي وأسألكم وأعرضها عليكم هي: لنكن جنوداً لله، لنكن أنصاراً لله، لأن الله سوف ينصر دينه سواءً أكان النصر بنا أم بغيرنا: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] فلا يكونون كسالى أمثالكم، ولا عاطلين ولا منحرفين. أيضاً -أيها الإخوة- مر في التاريخ أن الحرم دنِّس بمعاصٍ وببدع وخرافات، ومع ذلك دافع الله عنه لأن البيت بيته، يقول بعض العلماء: لأن الله يريد أن يجعل العاقبة لأهل البيت، وهم ملتزمون بالسنة على طاعته، فذب الله عن بيته بغض النظر عمن كان في البيت، فإنه قد يوجد فيهم المشركون وأهل البدع والخرافات والمنحرفون عن منهج الله، فليس هذا بعبرة؛ وفيهم من يعصونه، فلا تظنوا أن الدفاع عن البيت رضا الله عمن جاور البيت، فلو ظُنَّ أن دفاعه عن البيت هو رضاه عن أهله لكان الله راضياً عن عبد المطلب، وعن أبي جهل، وعن أبي لهب، وعن الوليد بن المغيرة، ودافع الله عنهم، إنما كان الدفاع لأجل البيت، فلا يظن ظانٌُّ ولا يتبجح متبجح بحسن عمله، حتى إني أسمع من أهل المعاصي من يقول: إن الله ما أنعم علينا بهذه الثمرات في هذا البيت إلا لطاعتنا واستقامتنا، وهذا ليس بصحيح ولا يلزم؛ فإن الله سبحانه وتعالى استجاب دعاء إبراهيم في دعائه إياه في قوله: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37] فاستجاب الله دعاءه، وأخبر سبحانه وتعالى أنه سوف يمتع حتى الظالم ثم يضطره إلى عذاب أليم. أيها الإخوة! لا أريد أن أطيل، وليبقَ هناك وقت للأسئلة، وما في السورة من لمحات يكفي، وما أردتُ أنا أن أشرح شرحاً مفصلاً لطلبة العلم لأن هذه محاضرة، بل أردتُ أن آخذ العبر منها والمقاصد العامة والخطوط العريضة.

الأسئلة

الأسئلة .

عقد الزواج في الحرم

عقد الزواج في الحرم Q ما حكم عقد الزواج في الحرم، هل ورد فيه شيء من السنة؟ A لا أعلم فيه حديثاً صحيحاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا عن أحد من السلف، ولا من الصحابة، ولا من التابعين أنهم كانوا يتوخَّون عقد الزواج في الحرم، والعقد على كل حال صحيح، ولكن ليس له ميزة حتى يتخذه الناس سنة، فتجد كثيراً من الناس إذا رأوا بعض المشايخ ذهبوا يعقدون داخل الحرم، ويروا الذاهب والآيب فيظنون أن فيه أثراً، هذا ليس فيه أثر، والواجب النصيحة في هؤلاء أنه ليس هناك ميزة له، وأنه ما ورد فيه نص، وأن على الناس أن يقتدوا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا، ولو كان فيه خير لدل الأمة إليه عليه الصلاة والسلام، فإن الخير كل الخير في اتباعنا الرسول صلى الله عليه وسلم، ولاحظوا المفاجآت أن من يعقد في الحرم يكون زواجه على خلاف الشريعة، فتجده يسرف في الحفلات، ويدخل فيها ما حرم الله عزَّ وجلَّ مما يخالف الشرع، كبعض المخالفات الشرعية، مثل الإسراف أو التبرج والاختلاط، وأصل العقد في الحرم لا ينفع، فلذلك يعتبر ديناً ساذجاً عند بعض الناس، تجدهم يقفون على الجزئيات ويضيعون كبار المسائل، مثل أهل العراق، يستفتون ابن عمر في دم البعوضة وهم الذين قتلوا الحسين بن علي رضي الله عنه. فلا يرد في ذلك، والأحسن أن ننبه الناس على هذا حتى ينتبهوا على أنفسهم لمثل هذا الأمر.

طريقة الأمر بالمعروف في الحرم

طريقة الأمر بالمعروف في الحرم Q كيف آمُر أنا في الحرم وأنهى؟ A تأمر لأنك مسلم {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} تأمر بلسانك، تقول: يا أمة الله! تحجَّبي، يا فلان! اترك هذا، تأمر وترشد، إذا رأيت شركاً أو بدعة أو خرافة أو في البيت فتأمر وتنهى، {فالرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معلِّقاً تميمة وهو يطوف، فأخذ صلى الله عليه وسلم التميمة فقطعها عليه الصلاة والسلام، وقال: ما هذه؟ قال: تكشِف عني الوهن، قال: لا تزيدك إلا وهناً} فأمر عليه الصلاة والسلام ونهى وهو يطوف بالبيت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الطواف أفضل من الذكر؛ لأن الذكر لازم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعدٍّ، وهو أنفع بإذن الله سبحانه وتعالى.

التعامل اللائق مع المسلمين الوافدين إلى الحرم

التعامل اللائق مع المسلمين الوافدين إلى الحرم Q ماذا نفعل مع الإخوة القادمين من البلاد الإسلامية الذين ذكرتَهم، ما هو دورُنا معهم؟ A أولاً: علينا أن ندعو لكافة المسلمين بالعزة والنصرة في أنحاء الأرض، وأن نشاركهم المشاعر ونشاركهم الأزمات التي يعيشونها، فإنهم يعيشون في مآسٍ، سبحان الله! حتى أنك لا تجد الأخبار إلا على المسلمين وأنت عليك أن تستقرئ هذا، والمقارع على المسلمين، والحرب على المسلمين، حتى اتهام الإعلام ينصب على المسلمين في مسمياتهم؛ كأصوليين، ومتطرفين، ومتزمتين، وكأنهم هم أعداء الملة وأعداء الأرض، فواجبنا أن ندعو الله لهم؛ لأن المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً. ثانياً: علينا أن ننفعهم بما استطعنا، فإن بعضهم يَفِد وهو فقير؛ لا يستطيع النفقة، مثل الذين هم في الحرم، فمن عنده مال يعطي لمثل هؤلاء خاصة الملتزمين بشرع الله عزَّ وجلَّ. ثالثاً: علينا أن نعطيهم من وسائل الدعوة، كأن ننصح، ونلتقي بهم، ونجلس معهم، ونشرح لهم هذا الدين الذي بُعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعظهم في أنفسهم وعظاً بليغاً، ونهدي لهم الشريط الإسلامي، والكتيب الإسلامي، ونقف معهم. رابعاً: علينا أن نربط بيننا وبينهم صداقة، وهي الحب الإيماني، مثل أن نأخذ عناوينهم ونراسلهم ونشد من أزرهم ونسأل عن أخبارهم وما يلزمهم، ونخبر أهل العلم هنا. فهذه من الواجبات التي تحضرني حول هؤلاء الإخوة المسلمين، الذين ربطنا الله سبحانه وتعالى معهم برابطة الإيمان.

من أعظم المناقب حضور مجالس الخير

من أعظم المناقب حضور مجالس الخير Q هنا قصيدة لأحد الإخوة، وأنا أعتذر لإلقائها؛ لأن فيها بعض الثناء، وأظنها نبطية؛ ولكن نذكر مطلعها. A باسم الذي سخر لنا الكون كله هذا وصلى الله على خير الأنام وعلى كل حال أعتذر من إلقائها، سواء أكانت نبطية أو عربية، أسأل الله أن يغفر لصاحبها وأن يثيبه على مشاعره الإسلامية الطيبة، وحضوره أعظم، ومن أعظم المناقب أن يحضر الإنسان مجالس الخير؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل للخير أولياء وللشر أولياء. إن عمر بن الخطاب قطعت يد سارق في عهده، فرأى الناس يجتمعون وراء هذا السارق في كل مكان، فأخذ عمر حفنة من التراب ونثره على وجوه هؤلاء وقال: [[شاهت هذه الوجوه التي لا ترى إلا الفساد]] فتجد بعض الناس يحضر مجالس الخير دائماً، وبعض الناس مع مجالس الشر، فأراد الله عزَّ وجلَّ هذا، فإن الذي يرضيه هو هذا سبحانه وتعالى.

حكم الاستهام في البنوك

حكم الاستهام في البنوك Q حكم الاستهام في البنوك؟ A أصلاً مسألة المساهمة قد أُكثر من الكلام عليها، وقد أفتى أهل العلم، كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز قبل ليالٍ في هذا المكان بتحريمها من الكتاب، والتعامل مع البنوك الربوية، وهذا من تحصيل حاصل، وما أظن أحداً في هذا المسجد إلا ويعرف الحكم، ونحن لا تنقصنا الفتيا، بل ينقصنا التقوى، والعمل بما نعلم، وأن نكون قائمين لله عزَّ وجلَّ بأنفسنا؛ لأن حجة الله بالغة، وعلى ذكر كلمة حجة الله بالغة يقول أحد الأئمة، اسمه ابن هشام يقول: حجة الله خالدة وليست بالغة، فرد ابن تيمية وقال: بل هو حجته البالغة سبحانه وتعالى، وتحسر ابن تيمية وقال: سبحان الله! حجة الله ليست بالغة وقد أقامها سبحانه وتعالى في الأنفس والآفاق؟! وله الحجة المطلقة سبحانه وتعالى لكن أهل الهوى يفعلون هكذا.

بعض البدع في ليلة سبعة وعشرين من رمضان

بعض البدع في ليلة سبعة وعشرين من رمضان Q يفعل الناس في ليلة السابع والعشرين بعض الأمور التي ما ورد بها سلطان من الله. A أنت أفتيت نفسك، فمثل تجمعات الناس في ليلة السابع والعشرين، لم يأت بها أصل من الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي من الأمور المبتدعة التي خالفت شرع الله سبحانه وتعالى، وتخالف سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر معلوم لديكم، ولا يجوز للإنسان أن يجتمع مع هؤلاء، أو يحتفل معهم، أو يجلس معهم في مجالسهم، بل عليه أن يبقى على سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وكلما أتاك أحد بشيء قل: هل فيه أثر؟ هل ثبت في سنن المعصوم عليه الصلاة والسلام؟ فهذا هو المطلوب.

كيف يتصرف من جالس مبتدعا

كيف يتصرف من جالس مبتدعاً Q أنا أجلس مع بعض المبتدعة في الحرم، فماذا أفعل؟ A ادعُهم إلى السنة، وأخبرهم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم بالتي هي أحسن، ستكسب أمرين: الأمر الأول: أنك أقمت الحجة عليهم. الأمر الثاني: أنك تعصمت بدعوتك من أن يؤثروا فيك بدعوتهم، فمن أهل العلم من يقول: من لا يدعو يُدعى، فإنك إذا بقيت سلبياً أثروا فيك؛ لكن إذا كنت لا تتكلم معهم وتحاول ألا تجلس في مجالسهم لأنهم شبهة فلن يؤثروا فيك، قال ميمون بن مهران: لا تدخل على السلطان ولو كنتَ تنصحه؛ فإنه يضيع دينك، ولا تجلس مع صاحب البدعة، ولو قلتَ أرشدُه؛ فإنه يورد فيك ما لا تورد فيه، ولا تختلِ بامرأة ولو قلتَ: إني أعلمها القرآن؛ فإن الشيطان ثالثكما، كما قال عليه الصلاة والسلام.

قضاء العطلة الصيفية

قضاء العطلة الصيفية Q وماذا أفعل في العطلة الصيفية، عطلة الربيع هذه؟ A أصلاً مثل هذه الأسئلة إجاباتها سهلة ومعروفة، وبعض الإخوة تُسَلَّم له الورقة فيريد أن يكتب فيها أي شيء، مثل: دلوني على طريق الاستقامة، وماذا أفعل في عطلة الربيع؟ أصلاً ليس عند المسلم فراغ، أما ماذا تفعل عليك أن تدعو إلى الله، وتحصن نفسك بالإيمان، وبعض الناس يتمنى أن يوجد له وقت زائد ليشتريه بالدراهم والدنانير ولا يوجد له وقت، فالحمد لله ليس عندنا فراغ أصلاً، ولسنا في حاجة إلى أن نسأل هذا السؤال؛ لأن الله ذكَّرنا بأنه سوف يحاسبنا على أوقاتنا: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. هنا بشريات إلى أنحاء العالم وإلى كثير من الإخوة أصحاب الصحوة في كندا والصحوة في كثير من المناطق، وقد يتعجب أحدٌ منكم ويقول: أصحوة في كندا؟! فربما رأى بعضكم فيلماً لأحد علماء الذرة الذين خرجوا من المناجم من تحت الأرض وهو ملتحٍ، وهو مسلم، خرج من تحت الأرض بعدما انهار الاتحاد السوفيتي حيث كان يصنع في المعامل الذرية ويشتغل في الأجهزة النووية، خرج على سطح الأرض وهو يدعو إلى الإسلام؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يقيم الحجة على أهل الأرض، فلا تظن أن الإسلام فقط في حدود المناطق الإسلامية أو لا يتعدى الجزيرة، لا. بل الإسلام في كل مكان، حتى أن بعض الإخوة الذين وصلوا من كندا يقولون: الشريط الإسلامي يصل إلى المسلمين في كندا بعد أسبوع، وعندهم صحوة عارمة، والمصحف -تَصَوَّروا- أنه في ولاية بيزيا يُستعار المصحف في البيت -من قلة المصاحف عندهم- فإذا انتهى أهل البيت أعاروه جيرانهم في اليوم، ثم من الجيران إلى الجيران؛ لأنهم بحاجة إلى دين، فقد انهارت المبادئ إلا مبدأ محمد صلى الله عليه وسلم، وشهقت الأطروحات وانتهت، وما بقي إلا أطروحة محمد صلى الله عليه وسلم، حله للناس، وما بقي إلا هذا الدين، فـ الاتحاد السوفيتي انهار الآن، ولا بد من بديل، وهو الإسلام. وحزب البعث انكسر ظهره قبل سنة، ولا بد من بديل، وهو الإسلام. والأنظمة العلمانية تعلن فشلها وانهيارها، ولا بد من الإسلام، ومثلها كثير من المبادئ، فمن يأتي من بلاد بعيدة سلوه، سلوا من يأتي الآن -مثلاً- من اليمن، أو من السودان، أو من الجزائر، يخبركم أن الصحوة قادمة. ففي اليمن: الشيخ عبد المجيد الزنداني ينصت له الشباب بعد صلاة الجمعة أكثر من نصف مليون، ويرفعون المصاحف وينشدون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وفي السودان: اسألوا أخبارهم من يأتي من علماء السودان، لا تسألوا غيرهم، فهناك أمور عجيبة! حتى أن بعض الإخوة في الإغاثة سافر إلى السودان، وقَدِم إلى شيخ هنا فكلمه بكلام عجيب، قال: والله إنا نسير المائتي ميل، كلها أرض خضراء بالبر والشعير والذرة، وتحقق فيهم قوله سبحانه وتعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} [الجن:16]. وفي الجزائر؛ هناك فيلم موجود رآه بعض الإخوة من الدعاة؛ سبعمائة امرأة متحجبة يذهبن إلى قيادة الدعاة يردن الإسلام، يردن محمداً صلى الله عليه وسلم. فالآن الحل البديل والوحيد هو الإسلام، فعليك أن تشارك أنت في هذه المسيرة، ولا تظن أن الله سبحانه وتعالى سوف يخلف وعده، فإن وعده الحق سبحانه وتعالى وقوله الصدق، ولا بد أن تكون العاقبة للمتقين.

قصيدة الفيل

قصيدة الفيل ونبقى الآن مع قصيدة الفيل، ومع الأخ ناصر. قصيدة الشاعر/ ناصر:- بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. الحقيقة أن الشيخ ورَّطني جزاه الله خيراً قبل المحاضرة، يقول: أعِنْدَك قصيدة حول هذا الموضوع؟ فقلت: أحاول إن شاء الله، فكانت هذه الأبيات السريعة وترددتُ في إلقائها، لكن اقبلوها على عِلاَّتها: قلتُ: يا شيخنا قد تولى صاحب الفيلِ أباده الله بالطير الأبابيلِ لكن في عصرنا مليونُ أبرهة للهدم قد هيَّئوا شتى المعاويلِ لهم فعائل سوء ينزوي خجَلاً من مثلها لو رآها صاحب الفيلِ لم يهدموا كعبة الإسلام يحفظها مِن كل صاحب شر ربُّ جبريلِ لكنهم أعلنوا هدماً وخلخلةً بلا توانٍ على وحيٍ وتنزيلِ هم من بني قومنا أَعْجِب بما فعلوا ليسوا يهوداً ولا من أهل إنجيلِ أعزهم ربهم بالدين فانسلخوا منه فيا لهم من قوم مهابيلِ قاموا بحرب على الإسلام واجتهدوا في قمع أربابه من دون تعليلِ لم يرتفع صوت أهل الحق في بلد إلا أُبيدوا بتشريدٍ وتقتيلِ شجاعة فذة في أهل ملتهم وإن رأوا الخصم بالوا في السراويلِ صيد الأرانب من أسمى مطالبهم وليلهم كله (يا عَيني، يا لِيلي) تجاهلوا علماء الحق وافتتنوا بأهل فن وألعاب وتمثيلِ كالوا الشتائم للأخيار واجتهدوا في رميهم بأكاذيبٍ وتضليلِ حثالةٌ تدعي ذُلاً ومنقصةً رحماك يا ربِّ من قومٍ تنابيل ذلت بهم أمة الإسلام وانخدَعَت لأنهم ألبسوها ثوب تمثيلِ يا فتية الحق إن الخير مرتَقَبٌ بمثل صحوتكم يا خيرة الجيلِ وصلى الله على محمد.

ثلاث قضايا مهمة عن الدعوة في هذا العصر

ثلاث قضايا مهمة عن الدعوة في هذا العصر تعقيب الشيخ/ عائض القرني:- بعد هذه الأبيات معي ثلاث قضايا أقولها باختصار:

واجب الدعاة والعلماء

واجب الدعاة والعلماء القضية الأولى: وهي من قضايا الساعة، واجب العلماء على الدين: وأهل العلم، وخاصة كبار العلماء الذين لهم قدم صدق في الإسلام، والذين عرف منهم قول الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لله ولرسوله، كسماحة الشيخ عالم الأمة/ عبد العزيز بن باز، وفضيلة الشيخ/ محمد العثيمين، وغيرهم من العلماء والدعاة لهم واجب الاحترام والتبجيل، والذب عن أعراضهم، وسماع فُتياهم، وأخذ مشورتهم، والدنو منهم؛ لأننا نجد أن بعض من في نفسه هوىً أنه قد يبديه، حتى أنه قبل البارحة في جدة وردت أسئلة، وقالوا في الأسئلة عن هذا الموضوع كثيراً، فسبحان الله، كيف أشقى الله بعض العباد بالتكلم في أهل العلم، وجعل أعراض أهل العلم طُعْمَةً لهؤلاء ليرفع الله منازل العلماء! ولكن ليس على الإنسان المسلم أن يسكت في مثل هذه المجالس، بل عليه أن يذب، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {مَن ذب عن عرض أخيه المسلم ذب الله عن وجهه النار يوم القيامة} هذا ورد في حديث، فكيف بعالم؟! أو كيف بداعية؟! أو كيف بطالب علم له أثرٌ طيب وبالغ؟! فلا يسكت الإنسان، وعليه أن يذب عنهم وأن يحامي ويدافع، وإن لم يفعل فإن الله يدافع عن الذين آمنوا. رأيت في قصص بني إسرائيل، وهذا يورده أهل العلم، أن موسى عليه السلام كلم الله عزَّ وجلَّ فقال: يا رب! مسألة واحدة، قال: ما هي يا موسى؟ قال: أن تكف ألسنة الخلق عني فإنهم يسبونني، قال: يا موسى! ما اتخذتُ ذلك لنفسي، إني أخلقهم وأرزقهم ويسبونني. وفي صحيح البخاري: {يسبني ابن آدم ويشتمني ابن آدم، فأما سبه إياي فإنه يسب الدهر، وأنا الدهر، أصرِّف الليل والنهار كيف أشاء، وأما شتمه إياي فيقول: إني اتخذت صاحبة وولداً، وأنا الله لا إله إلا أنا لم أتخذ صاحبة ولا ولداً} فهذا في حقه سبحانه وتعالى الذي هو مبرأ عن النقص، والذي هو الكامل المطلق تبارك وتعالى فكيف بالناس؟! أيضاً لا يتصور الناس أن العلماء معصومون، فإنهم قد يخطئون في بعض المسائل مجتهدين، فيأجرهم الله أجراً واحداً.

الاشتغال بالتربية

الاشتغال بالتربية القضية الثانية: أن على شباب الصحوة والجيل أن يشتغلوا بالتربية: لأن تربية الناس، ومخاطبة العامة، ونقل الدعوة إلى من لم تصله هو الأفضل والأمثل والأحسن؛ لأننا ما عندنا إلا تربية الناس: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} [النمل:92]. مهمة طالب العلم والداعية والخطيب أن يبين للناس ما نُزِّل إليهم، ليس عليه أمور أخرى إنما هو البيان والتربية، أي: كلامٌ مما ينفع الناس ويهديهم سواء السبيل ويشرح لهم ما يشكل عليهم من أمور دينهم، فالإلحاح على تربية الناس هو الأمر المطلوب؛ فإن بعض الناس قد اشتغل -مثلاً- ببعض الأفكار التي ليس لها أثر، أو اشتغل ببعض القضايا التي لا تهم الناس، فنشأ جيل ليس عنده تربية ولا علم، فأصبح في تفكيرهم عَوَج بسبب سوء التربية.

نصيحة للخطباء

نصيحة للخطباء القضية الثالثة: هناك بعض الأسئلة فحواها: ما هي النصيحة للخطباء؟: ومن واقع الزمالة للخطباء ومن معرفة من تتاح لهم الخطابة فإني أطلب من إخواني الخطباء أموراً: الأمر الأول: التقصير في الخطب على الناس: ألا يثقلوا على الناس في خطابة الجمعة، فإن الخطبة الطويلة مهما كانت جميلة فإنها مملة، وإن الرسول عليه الصلاة والسلام لحكمته رأى أن قِصَر خطبة الرجل وطول صلاته مَئِنَّة من فقهه فلا يطيل على الناس؛ لأن بعض الخطباء يخطب في الناس ساعة، وكأنها محاضرة، فيفقدها أهميتها، ثم يتلعثم في الكلام، ويعيد ويبدئ في الموضوع. الأمر الثاني: ألا يجرِّح الهيئات ولا الأشخاص ولا المؤسسات ولا الجهات: فإن المنبر هذا لإسداء الحكمة، ولرد القلوب لبارئها، ولإصلاح الأنفس، ولاستجداء الرحمات من الله عزَّ وجلَّ، أما أن تكون الخطب سباً وشتماً فهذا أصلاً ليس من سياسة المنبر في الإسلام ولا من منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كان عليه الصلاة والسلام يقول: ما بال أقوام يصنعون كذا وكذا، فما كان يصرِّح عليه الصلاة والسلام. الأمر الثالث: أن على الخطيب أن يتكلم في أمور تهم الناس ويعيشونها في واقعهم؛ ويسندها بالأقوال الصحيحة من القرآن الكريم، ومن سنة محمد عليه الصلاة والسلام، لأن بعض الخطباء يدخل في قضايا خرافية جدَلية، أو يرد على فكر قد انتهى، أو يأتي بقضايا لا يعيشها الناس مثلاًَ، وهذا ليس من الصحيح. الأمر الرابع: أن على الخطيب أن يتأكد من الأحاديث الصحيحة؛ فلا يورد حديثاً ضعيفاً ولا موضوعاً إلا على سبيل البيان، أن يبين ضعفه أو وضعه، لأن بعض الخطباء كحاطب ليل، يورد من الخزعبلات التي تصد الناس عن معرفة المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا من الخطأ بمكان. هذه بعض النصائح والفوائد، وعسى الله عزَّ وجلَّ أن ينفع، وأن يتقبل منا ومنكم صالح العمل، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل.

كلمة للنساء

كلمة للنساء وقبل أن أنتهي لدي كلمة موجزة في دقيقة للنساء: تحضر دائماً في كل محاضرة مجموعة هائلة من النساء، وهن داعيات خرِّيجات، ومهمة المرأة أن تكون مؤثرة في بنات جنسها، مثلاًَ: الدعوة في الحرم، فربما تكون المرأة المسلمة الداعية الآن أسمع صوتاً من الرجل وأنفع منه في مجال الدعوة للمرأة في مسائل الحجاب، والسفور، والاختلاط في الحرم، فأنا أطلب من الأخوات المسلمات أن يحملن منبر الدعوة والتأثير، وأن يقمن بما أوجب الله عليهن من هداية بنات جنسهن، وألا يتراجعن عن هذا الطريق الذي رسمه محمد صلى الله عليه وسلم لرجال الإسلام ولِبَنات الإسلام. أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، وأشكركم على الحضور، وأشهد الله على محبتكم فيه. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.

كيف يذبح الإسلام؟

كيف يذبح الإسلام؟ الهجمات المنظمة وغير المنظمة على الإسلام معروفة، والدس والمؤامرات الموجهة ضد الصحوة الإسلامية لا تخفى، وقد طعن الإسلام من جهات متعددة وجوانب شتى، فما ترك العدو باباً يمكنه الطعن في الإسلام منه إلا وجهه، وهذه المحاضرة تذكر بعضاً من ذلك، توضيحاً للحق، وتنبيهاً على الباطل.

الطعن في القرآن

الطعن في القرآن الحمد لله، نحمده تعالى ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عنوان هذا الدرس: كيف يذبح الإسلام؟ اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم. إخوة الإسلام عباد الله الصالحين: هذه المحاضرة لا بد منها، ولا بد من بيان الطرق التي ذبح بها الإسلام على طول تاريخه الطويل، وهذه الطريقة التي أريد أن أتحدث عنها هذه الليلة هي ذبحٌ للإسلام على الطريقة الإسلامية، وليست على الطريقة اليهودية ولا النصرانية ولا الشيوعية، لكنها ذبحٌ إسلامي بسكين المسلمين، وعلَّي أن أنفذ إلى مسائل يحتاجها الجيل؛ أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل. ولابد للداعية أن يتحدث عن مغابن الشر وخفاياه، والداعية لا يتحدث من نفسه شوقاً إلى الحديث، ولكنه يتحدث مضطراً؛ كما قيل لأحد المحدثين وقد حضرته سكرات الموت كما ذكر الذهبي في السير وقال: كان في سكرات الموت، فسمع رجلاً يقول: حدثنا فلان عن فلان، وهذا الكلام طيبٌ إلى قلبه؛ لأنه في طول حياته كان يعيش على حدثنا حدثنا فاستيقظ وجلس، وأخذ يقول: حدثوني، قالوا: أنت في سكرات الموت، قال: سقوني وقالوا لا تغن ولو سقوا جبال سليمى ما سُقِيتُ لغنتِ والبيت هذا لـ مجنون ليلى كما قيل، فإنهم قالوا: سقوه الخمر ثم رفع عقيرته يغني، قالوا: لا تغن، قال: تسقوني الخمر ولا أغني؟! والمقصود بالبيت: أن طالب العلم والداعية مضطر إلى أن يتكلم اضطراراً عن واقع المسلمين، وعن واقع الأمة، وأن يتقي الله سبحانه وتعالى، وأن يبين للناس الميثاق، قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] وقال جلت قدرته: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160].

إهمال القرآن

إهمال القرآن أيها الإخوة الفضلاء: ذبح الإسلام بعدة سكاكين؛ فذبح في قرآنه، في الكتاب الخالد الذي أنزله الله سعادة للناس كما قال تعالى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:1 - 3] القرآن الذي جعله الله تعالى حلاً للأزمة الحضارية التي يعيشها الناس. كيف طعن في القرآن؟! كيف ذبح كتاب الله؟! تصوروا الداهية الدهياء والمشكلة العظيمة التي ذُبح بها القرآن. نحن عرب قح أنا وأنت ننطق الضاد من مخرجها، ونتكلم العربية الفصحى لكننا بلينا بأنا لا نستطيع أن نجود كتاب الله حتى يأتي الأعاجم، فيدرسوننا كتاب الله، العجم يحفظون القرآن، ويجودون القرآن، ويعلموننا مخرج الضاد، ويؤلفون في ذلك رسائل، ويأتون إلى قحطان، والأزد، ومذحج، ومضر، وربيعة، القبائل العربية التي أنزل الله القرآن بلغتها وقال فيه: {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر:28] وليس هذا انتقاصاً من الأعاجم فإن الله يقول: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] والإسلام هذا ليس صكاً شرعياً للعرب، ولا للأكراد، وليس حقاً فقط للهنود، لكنه للأفغان والعرب والهنود والأتراك والأكراد والتركمان وكل من حمل الإسلام. لكني أخبركم بالمشكلة والداهية حتى تتصوروا عظم هذه المأساة: إن طلابنا الآن في المساجد لا يدرسهم إلا أعاجم! إن طلابنا جميعاً في المدارس بعد صلاة العصر والمغرب، لا يدرسهم ولا يعلمهم كتاب الله ولا يعلمهم مخارج الحروف، ولا تجويد القرآن -وهو قد نزل بلغتي ولغتك- إلا الأعجمي من أفغانستان وباكستان، هذا هو الأمر الأول.

تحجيم القرآن وإقصاؤه عن الحياة الواقعية

تحجيم القرآن وإقصاؤه عن الحياة الواقعية الأمر الثاني: أن يحجم وقت القرآن، فلا يدرس إلا في حصصٍ كالضائعة، إما في السادسة، أو في الأسبوع مرة، فيخرج المتخرج بعد ست عشرة سنة، وهو لا يجيد أن يقرأ سورة ولو قصيرة بالتجويد، فلا يعرف القلقلة، ولا الإشمام، ولا الإدغام، ولا الإظهار، وكأنك تحدثه من قاموسٍ ملغىً. الثالث: محو القرآن من حياة الناس، فقد أتى هذا القرآن ليقود البشرية إلى النجاة، فجعل القرآن ليقرأ فقط على من به مس، وهو رقية للقلوب، ورقية للأرواح، وللأبصار وللبصائر، وللأجيال، وللشعوب، وللحضارات؛ لأن منزله الله عز وجل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. أسلم أحد المستشرقين بمعجزة، وسبب إسلامه قال: أول ما فتحت القرآن قرأت في أول سورة البقرة قوله تعالى: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:1 - 2] فعلمت أنه لا يتحدى إلا من يعلم أنه لا يدخله النقص، ولا يقول ذلك إلا الإله، لأن المؤلفين الآخرين كل مؤلف يبدأ في كتابه المقدمة: وإن وجد نقصٌ فليعذر، ومن وجد فهو من نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان، ومن وجد شيئاً من خطأ فليصلحه أو يتصل بي، هكذا يقول المؤلفون، أما الله فيتحدى ويقول: (الم) أي: من هذه الأحرف نظمنا وبنينا وقلنا هذا القرآن، لا ريب فيه. ثم يقول سبحانه وتعالى في موقعٍ آخر: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] ولذلك لا يوجد كتابٌ غير القرآن إلا وفيه أوهام، حتى صحيح البخاري بين شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الثامن عشر أن في صحيح البخاري أوهاماً، ولست أنزع ثقة البخاري الليلة من صدوركم، لكني أريد أن أصل إلى أن هذا القرآن العظيم نزعت ثقته بطريقة أو بأخرى من الأجيال، فأصبح رقية، وأصبح يفتتح به الحفل، وأصبح يقرأ على الأموات من سورة يس على أن حديثها ضعيف، وعلى أنه لا يقرأ وقت الوفاة لما قال المحدثون، وهذا ليس غرضي، لكن هذا القرآن جاء مُنظّراً للبشرية. فذبح الإسلام أولاً في القرآن، ثم عورض بالقوانين الوضعية، فأخذت بعض الشعوب الإسلامية المادة الثانية عشرة من نابليون، والثالثة من هتلر، والرابعة من لينين، والخامسة من القرآن، فما اتفق مع أهوائهم أخذوه، قال سبحانه وتعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85] إما أن تأخذ الإسلام جملة أو تتركه جملة، أما أن تأخذ ما يوافق هواك، وترفض ما يعارضه، فهذه خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.

الطعن في السنة ورواتها

الطعن في السنة ورواتها

التشكيك في حجية السنة

التشكيك في حجية السنة ذبح الإسلام في السنة: بالتشكيك فيها، وأنها ليست بحجة، وأنها ظنية مشكوك فيها باتهام رواتها، واتهم الرواة، هذه ثلاث مسارات في السنة: أما التشكيك في السنة: فأول من بدأ بذلك الخوارج، الخلف البدعي عليهم غضب الله؛ فإنهم لا يأخذون من السنة -كما قال ابن تيمية - إلا بما وافق ظاهر القرآن، حتى الرجم لا يأخذونه، وقالوا: ليس في القرآن، ولا نأخذ من السنة إلا ما وافق القرآن أو ما كان أصله في القرآن، فأول من ذبح الإسلام في السنة الخوارج، ثم صار من بعدهم العقلانيون المرتدون المرتزقة يمثلون هذا التيار. معمر القذافي حاكم ليبيا ألف الكتاب الأخضر، ونفى في خطبه حجية السنة، وكأنه المقصود والله أعلم كما قال العلماء بقوله صلى الله عليه وسلم: {رب شبعان ريان على أريكته يأتيه الحكم من أمري أو النهي من نهيي فيقول: حسبكم القرآن؛ ما وجدتم من حلال في القرآن فأحلوه، وما وجدتم من حرامٍ فحرموه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه} فرفض السنة، وله مقالات وكتابات يقول فيها: السنة ليست بحجية، بل تهجم على المعصوم صلى الله عليه وسلم، وقال عنه: كان يناسب فئة عربية بادية، أما الآن فتطورت الحضارة، وتطورت عقول البشر، فلا يناسبها كلامه عليه الصلاة والسلام. وقالت فئة: ظنية الثبوت وظنية الدلالة، مع أن أهل السنة يأخذون بأحاديث الآحاد في العقائد والعبادات والمعاملات والكليات والجزئيات، وللشيخ الحافظ الألباني رسالة في حجية حديث الآحاد، وهو قول المحدثين وأهل السنة والجماعة، وللأحناف قول لكنه مرفوض، وهو أن حديث الآحاد لا يؤخذ به في العقائد، وهذا معناه أن نلغي كثيراً من الأسماء والصفات التي ثبتت للمولى سبحانه وتعالى بالأحاديث؛ كالضحك وكالعجب، وقد أثبت ذلك أهل السنة والجماعة.

اتهام الرواة

اتهام الرواة ولما عجزوا عن الطعن في ألفاظ الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن ألفاظ المعصوم صلى الله عليه وسلم قوية بليغة فيها إعجاز، ولذلك لا تستطيع أنت ولا غيرك من العباقرة أن يحيك مثلها؛ مثل: {إنما الأعمال بالنيات} من يستطيع أن يحيك مثل هذا الكلام؟! أو: {احفظ الله يحفظك} وقوله صلى الله عليه وسلم: {أوتيت جوامع الكلم} حتى يقول الزبيري قاضي اليمن عن الرسول صلى الله عليه وسلم: ما بنى جملةً من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمةً من عفاء يقول: المعجزة فيك أنك تبني حديثاً فتبني بهذا الحديث هذا ملايين من البشر، فما استطاعوا الطعن في حديثه، فطعنوا في الرواة، ومن هؤلاء: أبو رية ألف عن أبي هريرة واتهمه بالكذب. وأحسن من دافع عن أبي هريرة عبد المنعم صالح العلي، وهو عراقي حكم عليه صدام حسين بالإعدام غيابياً، وهو يعيش في الإمارات، ويكتب باسم محمد أحمد الراشد صاحب المنطلق , العوائق والرقائق والمسار، فلله دره، على أن في بعض كتبه ملاحظات لا يخلو منها البشر، لكن على كل حال ألف دفاعاً عن أبي هريرة، ولو رشح كتاب في هذا العصر أن يكون كتاب هذا العصر -أو هذا القرن- لكان كتاب دفاع عن أبي هريرة. فذبح الإسلام في السنة المطهرة التي أتى بها المعصوم عليه الصلاة والسلام، والتي هي مكملة للقرآن. فإذا سمعت الرجل ينادي بالقرآن فحسب، فاتهمه بالبدعة، فلابد من القرآن ومن السنة، لابد من قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام.

النيل من عصمة النبي صلى الله عليه وسلم

النيل من عصمة النبي صلى الله عليه وسلم ذبح الإسلام بالنيل من المعصوم العظيم عليه الصلاة والسلام، ومن جنابه الشريف وتعرض الطاعنون لأخلاقه وسلوكه ولدعوته، فأتوا إلى هذا المعصوم الذي صفاه الله واصطفاه، وزكى الله سمعه وبصره، وقلبه ومنهجه، ودعوته وأخلاقه؛ فاتهموا سيرته عليه الصلاة والسلام، وهناك كتب في الساحة، وكما قال صلى الله عليه وسلم لما مر ببيوت الأنصار، وهم يبكون على قتلاهم في أحد: فقال: {لكن حمزة لا بواكي له} يقول: كلٌ يبكي على شهيده إلا حمزة. فقد قلت الغيرة والبكاء على منهج الرسول عليه الصلاة والسلام، مع أن بعض الكيانات إذا طعنت بكلمة من كيانات أخرى قامت الدنيا وقعدت، وخرجت البيانات الرسمية، والنفي القاطع، والدفاع، وقام الإعلام، وقام الخبراء، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يُنال ويُتعرض له في عرضه عليه الصلاة والسلام وفي منهجه وفي دعوته؛ ولا يغار إلا القليل؛ مع أنه إذا سقطت عدالته المعصومة عليه الصلاة والسلام سقط منهجه في الأرض، ولا يخفى على أحد ما تعرض له عليه الصلاة والسلام من هجمات؛ آخرها ما فعله المجرم سلمان رشدي لا سلمه الله ولا أرشده، وخذله، وأخذه أخذ عزيزٍ مقتدر، والعجب أن تأتي بعض الطوائف المبتدعة، فتعلن الإعدام عليه في منابر يوم الجمعة في طول بلادها وعرضها، أما أهل السنة المعنيون بالأمر، فلا يردون بكلمة، ولا يعترضون بخاطرة، ولا يرسلون برقية، ولا يغضب منهم غاضب، ولا يخطب منهم خطيب، وهو يعرض لإيمانهم ولمسيرتهم: أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا وأنت لنا التاريخ أنت المحرر عليه الصلاة والسلام، فهم يصلون إلى هذا في التعرض له صلى الله عليه وسلم ولمنهجه.

الطعن في الصحابة

الطعن في الصحابة رابع مما ذبح به الإسلام: الطعن في الصحابة والنيل من عدالتهم وذكر ما شجر بينهم، وتضخيم أخطائهم، وإذا رأيت الرجل ينال من الصحابة فاعرف أنه مبتدع، وأن في قلبه مرضاً، قال ابن تيمية في منهاج السنة: لا يحق دفع الفيء إلى طائفة من الطوائف المبتدعة؛ لأنهم ما اتبعوا الصحابة بإحسان، لأن الله قال في أتباع المؤمنين: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] وهؤلاء قد نالوا من الصحابة. ومن أبناء المسلمين اليوم من ينال من الصحابة الذين زكاهم الله، واختارهم لصحبة الرسول عليه الصلاة والسلام، ترى من عظمة الصحابة أنهم استطاعوا أن يعيشوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يقدموا جماجمهم ودماءهم، وأن يحفظوا لنا السنة، وأن يعرفوا المنقول والمعقول، فهم أصدق الناس ألسنة، وأخلصهم قلوباً، وأوضح الناس منهجاً، وأبر الناس وأكرم الناس رضوان الله عليهم. قال ابن حجر في الإصابة: والصحابة مزكون عدول كلهم، فإذا رأيت صحابياً فلا تتكلم، فلا تبحث عن ترجمته، فهو من قوم قد رضي الله عنهم وزكاهم، أما غيرهم فيزكيه يحيى بن معين أو أبو حاتم، أو ابن حبان، أو الذهبي، أو ابن حجر، أما الصحابة فلا يتدخل ابن حجر ولا الذهبي ولا ابن معين. نيل من الصحابة كـ أبي هريرة، وأبي ذر، وألف في أبي ذر كتاب ينسبه إلى الماركسية، كتبه سخروف قبل أن يعلن تمرده على المذهب الشيوعي، تكلم عن أبي ذر بكتاب، وزعم أن أول من تكلم عن النظرية الاشتراكية في العالم أبو ذر وكذبوا لعمر الله، حتى شوقي يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: الاشتراكيون أنت إمامهم لولا دعاوى القوم واللأواء وهذا خطأ، فليس هو إمام الاشتراكية صلى الله عليه وسلم، وليس إمام الديمقراطية، وإنما أتى بمنهجٍ خالد هو كما قال عنه تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]. ومنهجه صلى الله عليه وسلم كما قال الأفغان في نشيدهم وبلغتهم: نامني نظام غربية نامني نظام شرقية مصطفى مجتبى حبيبي يا محمدا أنا أرفض النظام الغربي، وأرفض النظام الشرقي، ولكني أتبع محمداً المعصوم الحبيب صلى الله عليه وسلم، وإن المسلم ليفخر بهذه التجليات الإيمانية في أفغانستان والجزائر. رصيد الإسلام مليون امرأة في الجزائر، قبل جمعتين يذهبن إلى صناديق الاقتراع متحجبات، بعد صلاة الجمعة سبعمائة ألف شاب على مذهب أهل السنة والجماعة في الجزائر يسيرون في طوابير -وهتافهم الخالد يهز العمارات- ويقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا أليس هذا انتصاراً لهذا الدين وتصديقاً لمن قال: المستقبل لهذا الدين؟! دعها سماويةً تجري على قدرٍ لا تفسدنها برأي منك منكوس وسوف يكون لنا مرور على هؤلاء قريباً.

الطعن في تراثنا وحضارتنا

الطعن في تراثنا وحضارتنا

تشويه التاريخ الإسلامي

تشويه التاريخ الإسلامي وذلك بالدس فيه، يذبحون التاريخ الإسلامي بالدس فيه، وإخفاء محاسنه، وإظهار المساوئ، وتجد لهم نقمة على التاريخ، جعلوا تاريخنا كتاب الأغاني لـ أبي الفرج الأصفهاني، وكتاب المحاضرات للأصفهاني، وكتاب المستطرف في كل فن مستظرف، الذي هو كما يقول بعض الناس: من السرة وما تحت، هذا هو التاريخ الذي يقدمونه للناس في مسرحيات ومسلسلات، ويأتون بثلاثين مجلداً في الأغاني ويقولون: هذا تاريخكم قالوا عن: هارون الرشيد: كان يشرب الخمر، وعنده جوار يغنين له، حتى إذا قرأت ترجمة الرشيد في الأغاني أو في المستطرف تظن أن الرجل ما همه من حين يصبح إلى أن يمسي إلا في شرب الخمر، وفي الغناء والرقص والطبل واللعب. هذا الذي دوخ المشرق، وفتح الممالك، ودمر القلاع بلا إله إلا الله، وأقام علم أهل السنة والجماعة، وفتح الفتوح، وجند الجنود، وأخذ العلماء استشاريين، أهذا يكون هالكاً؟! ويأتون بـ المعتصم فينزلونه منزلة كأنه فيها يمزح ويلاعب، وكأنه بطال عاطل ما عنده إلا هذه الهوايات فقط. المعتصم الذي دك الجيوش، وأحرق المدن حتى لما كانت عمورية تحترق، احترقت بعدها بساعة مدينة أخرى، كما يقول أبو تمام: لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجربِ وهكذا يذبحون التاريخ. يقدمون لنا في التاريخ الحجاج، ويقدمون أبا مسلم الخراساني، ويقدمون لنا في التاريخ المستعصم آخر الخلفاء، وكل ضائع أو سفاك أو مجرم. أما أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وصلاح الدين وعمر بن عبد العزيز ونور الدين محمود وهذه القائمة البيضاء فيخفونها ولا يبدون إلا تلك، فحسبهم الله! ويظهرون للناس أن هذا هو تاريخكم فاقبلوه، وليس تاريخنا هذا، تاريخنا أجمل من الشمس في رابعة النهار. أيضاً أيها الإخوة الكرام: يذبح الإسلام عموماً بوصفه بأقبح الأوصاف، وبأنه لا يلائم العصر، ويقولون: نخشى من الأصوليين أن يرتقوا؛ لأنهم سوف يتطرفون في أفكارهم أو يشددون على الناس، أما العلمانيون والديمقراطيون والشيوعيون فأذكياء وعباقرة. أبناء أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، الذي كان يحكم ثلاثة وعشرين دولة من المدينة المنورة لا يصلحون؟! أحفاد هارون الرشيد الذي كان يتحدى السحاب لا يصلحون؟! ويقولون: الإسلام كان يصلح لفترة من الفترات، أما وقد وصل التقدم الحضاري إلى هذا المستوى فإنه لم يعد صالحاً للناس، والله يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] سبحان من أنزل هذا الكتاب وهذه السنة! إن الدنيا لم تعرف الإسلام حتى تجعله حلاً حضارياً لمشكلات البشر؛ لأن الغرب والشرق يرون صورة الإسلام في مسار المبتدعة، أو مسار البعث في بغداد، أو مسار العلمنة، أو مسار الماركسيين العرب، ولا يرون الحل الإسلامي الحضاري ماثلاً أمام الحياة.

الطعن في اللغة ووصفها بالعقم

الطعن في اللغة ووصفها بالعقم أيضاً طعنوا في اللغة العربية، وذبحوا الإسلام في اللغة العربية، قال حافظ إبراهيم: رموني بعقمٍ في الحياة وليتني عقمت فلم أجزع لقول عداتي وسعت كتاب الله لفظاً وغايةً وما ضقت عن آي به وعظات فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعات اللغة العربية عدد ألفاظها 40 مليون كلمة، واللغة الإنجليزية (40 ألف) كلمة، اللغة العربية تستطيع أن تقول في المعنى الواحد عدة مفردات، لكل مفردة مؤديات ومقاصد، مثل: وقف وقام ونحو ذلك من المترادفات، ولكلٍ مدلول وأقول استطراداً: نحن من رداءتنا في العربية نحسب أن الكلام كله مترادف، نقول: (اقعد واجلس) بمعنى واحد، وهذا خطأ عند أهل اللغة، فإنهم يقولون: اقعد لمن كان نائماً، ويقولون: اجلس لمن كان واقفاً، فلا تقل للنائم اجلس، ولكن قل اقعد، وقل للواقف: اجلس، ولا تقل: اقعد؛ لكن نحن أوردناها هكذا. أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل وقال الطاعنون: هذه اللغة العربية ليست لغة صناعة، ولا لغة تكنولوجيا؛ لأنها لا تستطيع أن تأتي بهذه الأمور، قلنا: لماذا؟ قالوا: لأن هناك مستجدات مثل: ميكرفون، مثل التلفزيون، مثل التليفون، هذه ليست في العربية، ولا يعرفها سيبويه ولا ذكرها في الكتاب، فقال العلماء: نحن نستطيع أن نقولها وأن نصوغها بالعربية، والعربية تتحمل، فاتفق المجمع اللغوي في دمشق على وزن: فعَّالة على أكثر المصنوعات فقالوا: سيارة، وطيارة، وحفارة، وحراثة، وسماعة، ونقالة وهكذا، ولذلك ما ضاقت اللغة العريية أبداً؛ لكنهم يريدون أن يطعنوا فيها حتى لا تصلح. وأول من طعن طه حسين؛ لأنه من مدرسة غربية فرنسية ينادي باللغة العامية، يقول: لابد من الكتابة باللغة العامية، فالصعيد يتكلم بلغة الصعيد، وأهل نجد بلهجة نجد، وأهل الجنوب بلغة أهل الجنوب والشمال بلغة أهل الشمال، فلتكن الكتابة كذلك يريد إضاعة اللغة العربية والقضاء عليها، لكن الله حفظها بالقرآن والسنة فله الحمد سبحانه والشكر.

الطعن في الأمة وحربها بشتى الوسائل

الطعن في الأمة وحربها بشتى الوسائل

الطعن في العلماء والدعاة

الطعن في العلماء والدعاة مما ذبح به الإسلام: الطعن في العلماء والدعاة، ووصفهم بالتخلف والتزمت وضيق النظرة. وهذه سهام ترشق صباح مساء على العلماء والدعاة، فيقال: لا يعرفون، لا يجيدون، متطرفون، أصوليون، فضوليون، سبحانك ربي! أما المجرم العميل الذي يحارب الله ورسوله، فلا أدري ما أقول عنه. وأما العلماء فدائماً تعلق عليهم هذه الشعارات حتى يُحارب الإسلام؛ لأن مصادر التلقي عندهم أهل العلم، فإذا أُبطلت عدالتهم فمن نقبل؟ ومن سيفتي؟ ومن يعلّم؟ من يرشد الناس وينصحهم؟ إذا أميتت عدالة أهل العلم والدعوة ضاعت الأمة.

الحرب النفسية على المسلمين

الحرب النفسية على المسلمين إن الهزيمة النفسية تعمق في قلوب المسلمين، فيرى المسلم أن الغالب والقوي والمصنع والمخترع والمكتشف غيره، أما هو فلا يستطيع أن يقدم للبشرية شيئاً، نحن نعيش أزمةَ هزيمةٍ نفسيةٍ، حتى تجد أننا ننظر للغرب والشرق أنهم دول غالبة، مثل دول الفيتو، التي هي دول كافرة، ولها حق النقض، وهي دائمة العضوية، وهي التي تورد وتصدر، أما الدول الإسلامية، فكما قال الأول: ويقضى الأمر حين تغيب تيمٌ ولا يستشهدون وهم شهودُ فيعترضون فلا اعتراض، ويوافقون فلا موافقة، إن وافقوا أو اعترضوا، إن غابوا أو حضروا، فنحن ننظر الآن بهزيمة نفسية أننا لا نستطيع أن نفعل مثلما فعل هؤلاء، صنعوا، وأنتجوا، وينظر الناس حتى بنقصٍ في التوحيد أنهم لا يُستطاع أن يغلب هؤلاء ولا يُستطاع عليهم؛ حتى يشك أحدهم في القدرة الإلهية، ويأتي الأطفال فيقولون: هل يستطيع الله أن يغلب الاتحاد السوفيتي؟!! سبحانك! الله يدمرهم بأسلحتهم، وفي وقتٍ من الأوقات أبادهم الواحد الأحد، قال: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21] يقول أحد العلماء: إن انهيار الاتحاد السوفيتي كان تحت مظلة آية: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] فهو الذي يغير ولا يتغير، ويبدل ولا يتبدل، وأكثر ما رشقت به الأمة أن الأطفال في البيوت يتربون على هزيمة نفسية، فيتصور أن هذا الكافر لا يغلب، وأنه المخترع، أما المسلم فلا يستطيع أن يخترع ولا أن يكتشف، ولا يقدم ولا ينتج. ونحن الذين فعلنا بأنفسنا ذلك، لم نقدم صراحة للبشرية في الفترة الأخيرة إلا ما رحم ربك، لا في دينها ولا في دنياها، الواجب أن نكون نحن المؤثرين في الغرب والشرق، لكن غزينا في عقر دارنا، وأصبح المبشرون في كل جهة؛ في المستشفياتِ، والمدارس، والمصحات، والمعامل، والمؤسسات، والشركات، فنشكو حالنا إلى الله.

دس المستغربين في مؤسسات المسلمين المختلفة

دس المستغربين في مؤسسات المسلمين المختلفة أيضاً أيها الإخوة: مما ذبح به الإسلام إيجاد نخبةٍ مستغربة الفكر، أجنبية العقل، تخلع هالة المعرفة عليها والثقافة والذكاء، وترطن بلغة الأجنبي، وتزعم الذكاء والعبقرية. وبالمناسبة فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم: يرى التكلم باللغة الأجنبية لغير حاجة بين العرب المسلمين علامة من علامات النفاق؛ لكن بالضوابط، ولا تحملوا كلامي على غير محامله، مثلما حمل خطاب الشيخ ابن باز الذي دافع فيه عن الدعاة على غير محله؛ فذهب الناس، وقالوا: ابن باز يرشق الدعاة، ابن باز يرد على الدعاة، ابن باز يحذر من الدعاة، وهو يذب عن الدعاة، وأنا وإخواني من طلبة ومشايخ ممن كانوا حضوراً يعرفون ماذا يريد الشيخ. فلا تحملوا كلامي على غير محمله، فتنقلوا عني وتقولوا: يقول لنا: من يتعلم الإنجليزية منافق، أنا لا أقول هذا اسمعوا العبارة، يقول ابن تيمية: من تحدث بلغة أجنبية بين المسلمين العرب دون حاجة فذلك من علامات النفاق؛ يعني: عند أمه وفي البادية في خيمة وعند جده، يقول: good buy يعطيه أبوه الشاي، وهو لا يعرف نواقض الوضوء فيقول: Thank you فهذا علامة النفاق، أي: أنه معجب بأولئك، وأنه مجمرك، هذا مقصود ابن تيمية، ألا يكون الإنسان ملغماً من داخله لأنه علامة النفاق، بل يكون معتزاً بالعربية الفصحى، قائماً على لغة القرآن، محترماً للمبادئ، يحمد الله أن جعله من أمةٍ فصيحة، أمةٍ عربية معطاءة، لا أدعو إلى القومية لكن إلى لغة القرآن. هذه النخبة المثقفة ترى نفسها أنها هي التي تجيد تسيير الأمور، وأنها هي الصالحة، وأن عقليتها متفتحة، وأما العقليات المغلقة فهي عقليات الدعاة وطلبة العلم والملتزمين، هؤلاء أهل اللحى والثياب القصيرة لا يستطيعون أن يفهموا، ولهم فهمٌ خاص، فالغربي أوجد هذا، وفرضه على المسلمين في نواديهم، وفي مجامعهم، وفي أماكنهم، وفي قراراتهم، حتى سيرت الأمة كما شاء الغربي.

إشغال عامة المسلمين بالمعيشة فحسب

إشغال عامة المسلمين بالمعيشة فحسب ومما ذبح به الإسلام إشغال عامة المسلمين بالمعيشة فحسب؛ من طعامٍ وشرابٍ ومسكنٍ وزواجٍ ووظيفة، فلا تجد من يفكر في هموم الإسلام إلا قليلاً، يشعرون المسلم منذ أن يصلي الفجر وهو في همومه، من ورشته إلى بيته، إلى طعامه، إلى ثلاجته، إلى أطفاله، يشتري ويأكل، ويبني ويسكن، عنده عمارات، وعنده دور، وعنده دخل، وعنده فلوس، همه المعيشة فقط، وليس معنى ذلك أني أدعو إلى التجرد من الدنيا وتركها والانقطاع والرهبنة، لكن إلى الاعتدال، فإن أمر الله أعظم، فلابد من التضحية في سبيله، الصحابة برعوا وتاجروا وجاهدوا، لكن أعظم قضية عند الواحد منهم لا إله إلا الله، بالله عليك كيف يصبح أبو بكر الصديق؟! تظن أنه يتفكر في بيع الجمال والبقر؟ إنه كان يتفكر ماذا يقدم لهذا الدين، ما هي الوسيلة التي ينصر بها دين الله، والآن الملايين المملينة من العالم الإسلامي يعيشون في هامش المعيشة، حتى ضيق على العالم الإسلامي في معيشته ودخله، فأصبح يطارد اللقمة من مكان إلى مكان، حتى لا يشتغل فقط إلا بأطفاله ومعيشته وسياراته، ولا يتحرك للدين، ولا يخدم مبادئ الله عز وجل، ولا يعلم كيف يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان، ويعتمر ويحج، تمر به الأيام والأشهر، ولم يقدم للدعوة شيئاً. أنا أعرف أن الأمة ليست كلها خطباء ولا دعاة ولا محاضرين، لكن فليذيعوا الشريط، ولينشروا الكتيب، تبرع، ابن مسجداً، شد من أزر الدعاة، ادعُ لهم بظهر الغيب، ذب عن أعراضهم، حاول أن تستخدم مهارتك أو قوتك التي منحك الله في نصرة الإسلام، إذا أتيت لتنام فاسأل نفسك: ماذا قدمتُ للإسلام في هذه الليلة؟ إن المستعمر نجح نجاحاً باهراً في ذبحه الإسلام حين جعل العامة يشتغلون بأنفسهم ولا يشتغلون بالإسلام.

طرق أخرى يذبح بها الإسلام

طرق أخرى يذبح بها الإسلام

شغل الطالب بالجزئيات

شغل الطالب بالجزئيات الثاني عشر: ذبح الإسلام في أن أشغل الكافر المبتدئين في طلب العلم بجزئيات المسائل؛ كيف تفرغون الطاقة والجهد في هذه الأمور على حسب الكليات. فيتركون أصول المسائل، والقواعد العامة، وينشغلون بالجزئيات، وقد جعل ابن القيم مداخل الشيطان ستة مداخل: يسعى الشيطان أولاً إلى أن يكفر العبد، فإن لم يستطع رماه بالبدعة، فإن لم يستطع ابتلاه بالكبيرة، فإن لم يستطع فبالصغائر، فإن لم يستطع أرهقه بالمباحات، فإن لم يستطع أشغله بالمفضول عن الفاضل. ومن جزئيات المسائل: تحريك الإصبع في الصلاة، وهي سنة لا بد أن نفهمها ولا بد نعيها، لكن يا إخوة لا تؤخذ المجالس كلها في تحريك الإصبع، نأتي إلى مجتمعات بعضهم لا يصلي، وبعضهم ينتشر فيهم الزنا، وبعضهم الربا، فنشغلهم بتقصير الثوب، فهذا غير سديد، لا بد أن نخبرهم أن تقصير الثوب سنة، وأن تطويل الثوب على الكعب حرام، لابد، لكن كم تأخذ منا المسائل الكبرى. الرسول عليه الصلاة والسلام يرسل معاذاً إلى اليمن فيخبره بالكليات والقواعد العامة ويقول: {ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا أجابوك وأطاعوك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة}. فنصيحتي أن نفعل مثلما فعل أحمد بن حنبل وابن تيمية، نجتهد في الكليات والأصول، ونعطي الجزئيات حقها وحجمها، لا نضيعها ونهملها، ولا نعطيها أكبر من حجمها. يا أخي الإسلام ينتهك في العالم طولاً وعرضاً، المسلمون يذبحون، أجهزة الإعلام في العالم تهاجم العلماء، وتهاجم الإسلام والقرآن والسنة، وأنت في مسجد في قرية تلاحق جماعة على مسألة تحريك الإصبع وجلسة الاستراحة، وبينك وبينهم شجار ومجلس وأخذ وعطاء وردود، كتب في التصوير أكثر من خمسين مؤلفاً صغيراً وكبيراً. فينبغي ألا نشغل المسلمين ولا نشغل الأمة بهذه القضايا الجزئية التي بعضها متهالكة أكل عليها الدهر وشرب، سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: لم لم تؤلف في الفروع كتاباً؟ قال: مسائل الأصول أهم؛ لأنه يريد منهجاً ربانياً يقوم الأمة عليه.

انصراف العلماء إلى الترف العلمي

انصراف العلماء إلى الترف العلمي الثالث عشر مما ذبح فيه الإسلام: انصراف كثيرٍ من العلماء إلى مسائل ثانوية من الترف العلمي، ككثرة الشروح لمتنٍ شرح عشر مرات، واستحداث إشكالات وافتعال معارف كلامية لا وجود لها في أرض الواقع. صراحةً ما مثلنا ينقد لكن ننقل ما قاله بعض العلماء الفضلاء: إن كثيراً من أهل العلم اشتغل في بعض الأمور والشروح والأمة تضيع، يعني: قد تجد بعضهم في بيته يشرح متناً في الفقه قد شرح عشر مرات، فيتكلم عن المسألة، ثم يشرحها، ثم يحدث عليها إشكالات، ثم يكتب على الحاشية حاشية، والشباب والجيل والنساء والأمة تضيع، ولم يخرج إليهم ولم يجلس معهم، والترف العلمي لم يكن من هدي الصحابة، كان عمار إذا سأله السائل عن مسألة يقول: أكان هذا بعد؟ فإذا كان تجشمناه لكم، أي: قال: لا، قال: إذا وقعت تطوي الشمل إليها، إذا وقعت حللناها، وقال بعض السلف: نحن بما وقع أشغل منا بما لم يقع؛ وبعضهم الآن يتحدث عن المهدي المنتظر، من أين يخرج؟ وبعضهم رد برسالة قالوا: أدنى الأرض هل هي غور الأردن أو جزيرة العرب؟ قال أحدهم: غور الأردن، وقال الآخر: جزيرة العرب ما الفائدة؟! يقول سبحانه وتعالى في القرآن: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم:3] بحيرة طبرية متى تجف؟ وأين نخل بيسان؟ ومن أين أتى فيل أبرهة؟ هل أتى من السروات أم من تهامة؟ وسوق عكاظ هل هو قريب من ذي المجاز أم بعيد عنه بخمسة كيلو؟ وجدة هل هي جَدة أم جُدة أم جِدة؟ وجازان هل هي جازان أو جيزان؟ هذه مسائلهم، يستحدثون بها الاشكالات. والحمد لله قد أخبرونا أن عكاظاً في الجزيرة ليس في قبرص ولا في البرازيل، إذاً فدعونا نقرأ الكتاب والسنة وننقذ البشرية، وهذه مسائل مستهلكة أكل عليها الدهر وشرب، هذه مقصودها استهلاك وقت العلماء ووقت المفكرين، العالم الغربي يصنع وينتج ويدير القرار، ويحرك الاقتصاد في العالم، ويحرك المشاريع، والقرار يؤخذ ويُعطى، وتحرك به ملايين، وأنت تعلمنا موقع سوق عكاظ؟ من أين أتى أبرهة؟!!! أبرهة أتى بفيل، أهلكه الله ودمره والعظة أن التوحيد انتصر، والكفر هلك، بعض المفسرين الأوائل مثل صاحب تفسير الخازن يقول: كلب أهل الكهف قيل مبرقشٌ أسود، وقيل: أحمر على عينيه نقطتان، والأربعة الطيور التي أخذها إبراهيم قالوا: باز وبطٌ ودجاجٌ وحمام، أقول: يا أخي ما عليك بط ووز، لسنا في حديقة الحيوانات، الله عز وجل أخبرنا بأربعة طيور، وأخبر بالكلب، والمقصود العظة من القصة، ولو كان فيها مصلحة ما تركها سبحانه وتعالى ولكان ذكرها، فلا ينبغي إشغال الأمة بتفاهات وبخلافيات تمزق وقتها عليها.

التخويف من الإسلام

التخويف من الإسلام أيضاً مما ذبح به الإسلام: تخويف الرأي العام من الإسلام، ووصفه بالمارد الجبار، الذي سوف يحرم على الناس كل شيء ويشقيهم، ويدخلهم قفص الأوامر والنواهي، قرأت مقابلة في الشرق الأوسط مع أحمد آية زعيم الحزب الاشتراكي في الجزائر أهلكه الله ولا سلمه، والحمد لله خرج من مظاهرة ستين ألفاً والملايين المملينة تريد الإسلام، يقول: أخشى من هؤلاء أن يحرموا كل شيء، عليك غضب الله! يحرمون كل شيء وهم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذي: {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] أنت تريد أن تشرب الخمر دائماً، هم يقولون: لا، كلوا الطيبات واتركوا الخبائث، فيحذرون المسلم منها، قال: هؤلاء سوف يسفكون الدماء، ويقيمون المشانق، ويفتحون السجون، وما علم أن الإسلام رحمة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] فيتخوف الرأي العام، حتى إن الناس الآن يخافون من الملتحين، حتى من أبناء المسلمين، بسبب ما يشيعه عنهم الإعلام الغربي إذ يقول: المتطرفون في الجزائر يقومون بمظاهرة، المتطرفون في أسيوط يخرجون بعد صلاة الجمعة يكبرون، المتطرفون في السودان يطالبون بالحكم الإسلامي، فمن يحكم عليهم بالتطرف؟ أتباع محمد صلى الله عليه وسلم يريدون الحل الإسلامي الحضاري يقدمونه للناس، بدل الحثالات البشرية التي تجمعت في عصابات تحكم الناس في ضمائرها ومعتقداتها. فخوفوا الناس من الإسلام، وخوفوهم من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أهل الرأفة والرحمة.

تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الخامس عشر: تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أنه تدخل في حريات الناس الشخصية وإثارة للفتن. قرأت في صحف الكويت وهي ما زالت عندي في الملف، في العدد (16) لـ صوت الكويت، قالوا: القطان والبلالي يأتونا بهرطقات عندما يقولان: إن اعتداء صدام علينا بسبب معاصينا. ويقولون: هيئات الأمر بالمعروف جهازٌ بوليسي يطارد الناس في حرياتهم، ثم يأتون بقصص مفتعلة على الهيئات، قالوا: رجل الهيئة يدخل رأسه من السيارة ويقول: يا فاجرة أنتِ زوجة الرجل هذا؟ وهل يستطيع أحد أن يقول هذا؟! رجال الهيئة يتدخلون في حريات الناس، يطاردون عباد الله! إنهم يفتعلون هذه الأمور حتى يخوفوا الناس، يقولون: صلّ ولا تتحدث لأحد، بمعنى: أن المنكر من صلاحيات الناس، ليس من صلاحياتك أن تنهى وأن تأمر. إنه يوم أن تترك الأمة النهي والأمر تموت. قال ابن تيمية في المجلد الأول: لا بد للعبد من أمرٍ ونهي، وأنا لا أدري ماذا يريد الشيخ ابن تيمية، إن كان يريد لا بد للعبد من أمرٍ ونهي أن يكون مأموراً ومنهياً، فهذا صحيح، وقد ذكره في مواضع، يقول: لا بد للعبد في الحياة أن يكون مأموراً من الله منهياً منه سبحانه وتعالى، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الإنسان لا يترك سدى، وقد يريد به أن يكون آمراً وناهياً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، والوجهان صحيحان إن شاء الله.

امتصاص دماء الشعوب في معارك معينة

امتصاص دماء الشعوب في معارك معينة السادس عشر: امتصاص دماء الشعوب في البلاد الإسلامية في ثورات ومعارك يستفيد منها غيرهم. فما أضعف الشعوب الإسلامية! في تركيا قدموا بركاً من الدماء وخزانات، ثم أتى مصطفى أتاتورك الرجل الصنم عليه غضب الله، فلوى عنق الإسلام، وأخذ المصحف وداسه أمام البرلمان، وأخذ امرأة متحجبة من حزبه، ودعاها أمامه، ثم أخذ حجابها وقطعه أمام جزمته، وقال: لا حجاب بعد اليوم، وألغى اللغة العربية، وأغلق المساجد، وأدخل خيوله وبغاله في المسجد الأعظم في اسطنبول والشعب المسكين يريد الإسلام، فهو بلد مسلم، منهم محمد الفاتح. يريدون لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقال لهم مصطفى أتاتورك: قدموا دماءكم وانصروا دين الله، فقاموا وحاربوا، فلما سفكت دماؤهم استغل الفرصة هو. الباكستان أرض محمد عرب وأبي الأعلى المودودي ومحمد إقبال. نفسي فدتك أبا الأعلى وهل بقيت نفسي لأفديك من أهلٍ ومن صحبِ أما استحى السجن من شيخٍ ومفرقه نور لغير طلاب الحق لم يشبِ فلما أتى محمد علي جناح أخذ مقاليد الحكم ورفض الإسلام. ابن باديس في الجزائر رحمه الله، من مدرسة السلف الصالح، ومن مدرسة أهل السنة والجماعة، والجبهة من مدرسة عبد الحميد بن باديس فهو الذي درسهم وعلمهم، فسر القرآن في خمس وعشرين سنة في جنوب الجزائر، حتى كانوا يأتون له في يوم التفسير -أظنه مساء الجمعة- على البغال والجمال من أنحاء الجزائر ودرسهم، فلما انتهى من سورة الناس بعد خمس وعشرين سنة، قام وبكى أمام الألوف المؤلفة، وقال: ليس المقصد من تفسيري لكم القرآن أن تكونوا نسخاً متكررة ميتة، إنما مقصودي أن تدمروا فرنسا، فقاموا يكبرون من المسجد، وخرجوا يقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا فذبحوا الفرنسيين على الطريقة الإسلامية، ولذلك يقول ميتران قبل أربع ليالٍ: إنني لا أستطيع أن أتدخل في الجزائر، لقد علم أنه لا يستطيع لأن الشعب مسلم: إن بني عمك فيهم رماح ولو كان في غير الجزائر لتدخل؛ لكن الجزائريين أمرهم معروف، وشجاعتهم، ومروءتهم وحزمهم معروفة. والآن بعد طرد الفرنسيين من أولى أن يسير البلاد بالكتاب والسنة؟ لقد جاءوا بجوار رجل اسمه محمد خروبة، كان مجرماً سفاكاً فأتوا به فوضعوه، فسفك دماء الإسلاميين، وشنق العلماء، وقتل الدعاة، وفتح الزنزانات، هذا جزاء الشعوب. ثم يقال للإسلام: نعم في المسبحة، ونعم في السواك، وفي صلاة الاستسقاء، وفي القراءة على المصروع، أما في تسيير الأمة فلا.

فصل الإسلام عن الحياة

فصل الإسلام عن الحياة السابع عشر: ركن الإسلام عن الحياة وأخذ الإسلام كشعارٍ يبارى به وينافح، والإيمان به في مسائل معروفة فحسب. وهناك بعثي تسمعهم يقولون عنه في الأخبار: وقد حضر صلاة العيد، وهناك بعثي آخر يقولون عنه: حضر المولد النبوي الشريف. يا عدو الله تذبح ثلاثين ألف في مسلم في حماة وتحضر المولد؟! إن رداء الإسلام الذي يحملونه شعار ولافتة فقط، ولكن الله سبحانه وتعالى يظهر الخبايا، والله سبحانه وتعالى كما قال: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142]. فالإسلام يركن من التعامل والفاعلية والتأثير إلى أن يصبح شعارات وكلمات رنانة براقة تذهب بها الريح، قال: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]. وهذا صدام لما أتت أزمة الخليج ادعى العودة، وجمع العلماء، وأخذ يبكي في المحاضرات، وأخذ يصلي أمام الناس، يصلي ليخدع الناس، وهو الذي قتل العلماء وشنقهم وطردهم في مشارق الأرض ومغاربها، وغيرهم كثير.

إرعاب العالم من كلمة الجهاد

إرعاب العالم من كلمة الجهاد الثامن عشر: إرعاب وإرهاب العالم من كلمة الجهاد وأنها همجية وبربرية وإزهاقٌ للأنفس. الطائرة الأمريكية التي أسقطت، وبعض الناس اتهموا بها الليبيين، وهم لا يفعلون ذلك حماهم الله، فقالوا: هم الذين أسقطوها، حاولوا قالوا: قدموا لنا الجناة لا بد أن نحاكمهم، يقول القذافي في بعض مقابلاته الصحافية: إن لم تقف أمريكا وبريطانيا وفرنسا عن تهديدي فسوف أربي لحيتي وأكون أصولياً منذ اليوم، يقول: إن كانوا سيعقلون، وإلا سوف أطلق لحيتي وسوف أقود الأصولية؛ لأن الأصوليين يقولون: بايعونا في سوق الخضار، لا بل في سوق الجنة، وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} [التوبة:111]. لما احتل الشيوعيون كابل كان هناك عمال في طهران، من أهل السنة أفغان، وهذا الخبر بث في هيئة الإذاعة البريطانية، سمعوا الخبر، فماذا فعلوا بعد أن سمعوا أن الشيوعيين أخذوا الحكم في كابل، توجهوا مباشرة بالفئوس والمعاقل إلى السفارة الروسية فهدوها، ثم أخذوا علم روسيا فأحرقوه، ثم أخذوا يدورون في السفارة يقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وقد علموا العالم الإسلامي درساً من أعظم الدروس في حياة الشعوب. فأعداء الإسلام يرهبون الناس الآن من كلمة الجهاد، ويقولون: الآن انتهى وقت الجهاد والمقاتلة بين الشعوب، والآن الموافقة سلمية، واتفاق إنساني، ووفاق دولي، ولا يجوز للإنسان أن يرفع كلمة الجهاد؛ لأنها تزلزلهم وتخيفهم، ولا بد من الجهاد، ولا تحيا الأمة إلا بالجهاد، وقد روى أحمد رحمه الله في المسند وصححه ابن القطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إذا تبايعتم بالعينة، وتركتم الجهاد، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم} ومعنى الحديث يقول: إذا فتحتم مكاتب عقارية، وتركتم رسالة الإسلام، وانشغلتم في زراعة البطاطس والبقدونس فقط، وتركتم الرسالة الخالدة، وأخذتم أذناب البقر في الحراثة والزراعة -وهذه لا نبطلها لكن بقدر- سلط الله عليكم ذلاً، وقد حدث هذا في كثير من أنحاء العالم الإسلامي.

فصل العالم الإسلامي عن بعضه

فصل العالم الإسلامي عن بعضه تاسع عشر: فصل العالم الإسلامي بعضه عن بعض، وإيصاله إلى تمزقٍ لم يعهد مثله في التاريخ، وجعله دويلات متناحرة. ففي كل بلدة تسمع الحرب والانقلابات، دويلات صغيرة، وفي كل مكانٍ أمير المؤمنين ومنبر، يقول الشاعر: مما يزهدني في أرض أندلس ألقابُ معتصمٍ فيها ومعتضدِ ألقاب مملكةٍ في غير موطنها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسدِ دولٌ أكثر من التراب، ولا تأتي إلا في ولاية من ولايات أمريكا، خمسة وعشرون دولة ما تأتي مثل جمهورية من جمهوريات روسيا، إما أذربيجان، أو كازاخستان، أو روسيا البيضاء، ولذلك بريطانيا لما استعمرت العالم العربي جعلت بين كل دولة ودولة مشكلة، لا تخرج إلا وتضع في الحدود مشكلة حتى يتقاتلوا عليها كل يوم، فمشكلة بين حدود مصر وليبيا، وبين السودان ومصر وبين العراق والأردن، وبين الأردن وسوريا، وهكذا مشكلات وحروب طاحنة، فتمزيق العالم الإسلامي في دويلات مقصود، وإلا فالعالم المسلم ليس له حدود، وجنسيته الإيمان، وهويته لا إله إلا الله، وبلاده كل أرضٍ أشرقت عليها شمس الرسالة.

كبت الصوت المسلم

كبت الصوت المسلم رون: كبت الصوت الإسلامي في مجال التأثير والفاعلية. فكأنه يجوز لكل أحدٍ أن يتكلم وأن يكتب وأن يحاضر، إلا الصوت الإسلامي، يقول شوقي: أحرامٌ على بلابله الدوح حلالٌ للطير من كل جنسِ نفي إلى أسبانيا، وأخذ ينشد من هناك ويقول: تطردوني من مصر وأنا من أبناء مصر؟! يقول: أحرام على بلابله الدوح حلالٌ للطير من كل جنسِ تسمع كل الأصوات إلا أصوات أهل العلم والدعوة يريدونها أن تكبت وأن تخفت؛ لأن أهل العلم والدعوة يقولون الحق ويصدقون، ولأنهم لا يخافون في الله لومة لائم، وأعظم شيء أنهم على منهجٍ رباني.

التضييق على الرؤية الإسلامية في الاقتصاد

التضييق على الرؤية الإسلامية في الاقتصاد الحادي والعشرون: عدم إعطاء الاقتصاد الإسلامي الفرصة ليقدم الخيار، ولينقذ الناس من ورطات الربا، وجعل الربا هو الأصل. فالآن جعلوا الربا هو الأصل، وجعلوا الاقتصاد الإسلامي هو المستثنى، فأصبح في العالم الإسلام البنوك الربوية طولاً وعرضاً، وأصبح الربا مفروضاً على الناس، وأصبح بعض المنتسبين للإسلام الآن إذا أقنعته بأنه محرم قال: نحن لا نستطيع أن نعيش إلا بالربا، لا بد من الربا. سبحان الله! شريعة بعث بها محمدٌ صلى الله عليه وسلم حلت شئون العباد والبلاد صغيرة وكبيرة إلا مسألة الربا؟ حاشا وكلا! وألف حاشا! بل أتى صلى الله عليه وسلم بها، وجعل لها حلاً عليه الصلاة والسلام، لكنه ما قدم الخيار في الاقتصاد الإسلامي، وفرض على الناس الربا فرضاً، وتورطوا في الربا، وأصبح الواحد يأكل من غبار الربا إن لم يأكل منه.

إلقاء التهم على الملتزمين

إلقاء التهم على الملتزمين الثاني والعشرون: وصف المستقيمين بالتطرف والتزمت والتشدد. أنا الآن أقف أمامكم، وأنا أسألكم بالله العلي العظيم إذا كانت مدرسة أحمد بن حنبل؛ مدرسة أهل السنة والجماعة، ومدرسة ابن القيم، ومدرسة ابن تيمية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، المدرسة الإسلامية التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم متطرفة متشددة متزمتة، ففي من يكون العدل؟! وفي من يكون الإنصاف؟! وفي من يكون التوازن؟! هل سمعتم أحداً ممن مكن في العلم وقامت قدمه يكفر مسلماً؟ هل سمعتم عالماً أو داعية يحرم حلالاً؟ تشويه، متطرفون، متزمتون، متشددون. أسألك بالله أليس شرفاً أن تكون متبعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم؟! والتعليقات الآن عند الرأي العام على الملتزمين فقط. وتجد الآن من يخالف السنة، أو يشرب الخمر، أو يشتغل بتناول المخدرات أو يكون مروجاً لها أو يسمع الأغنية المحرمة التي أجمع أهل العلم على تحريمها أو يسهر الليالي الحمراء، أو يضيع وقته، أو لا يحضر صلاة الجماعة، أو يهجر القرآن، أو يحلق لحيته، أو يطيل ثوبه، ومع ذلك لا يجد لائمة من الرأي العام، لكن الشاب الملتزم بسبب تغير وانتكاس المفاهيم، وعدم عقلانية الناس إلا من رحم ربك؛ حين يحافظ على الصلوات الخمس، ويقصر ثوبه، ويترك لحيته؛ لأنه يحب القائمة البيضاء، محمداً وأبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، والله الذي لا إله إلا هو لولا هذه القائمة بعد الله كانت أنوفنا في التراب والطين. هل عندنا تاريخ غير محمد صلى الله عليه وسلم وهذه القائمة؟! بهم نباري الأمم، لا يستطيع أحد منهم أن يقول كلمة يستنقص بها واحداً منهم؛ حتى أرغمت على الحقيقة أنوفهم إرغاماً. هارف في كتابه الأوائل يقول -وقد كررت قوله وأكرره والحقيقة تفرض نفسها-: أجدني مضطراً أن أقول: إن العظيم الأول في العظماء المائة في العالم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف لا نباهي الناس ولا نفتخر أننا من أتباعه؟! لكن تجد الشاب يأتيني أو يأتي غيري من الإخوة الدعاة قال: والله يا أخي! أنا والله خجلان أريد أن أطلق لحيتي، لكن أبي وإخواني يستهزئون بي وفي جزيرة العرب أو في البلاد الإسلامية عموماً يستهزئون بك، قال: وأنا أريد أن أقصر ثوبي، لكن إخواني والجيران ربما يضحكون علي في المجالس، سبحان الله!! يضحكون عليك لأنك اتبعت الرسول صلى الله عليه وسلم؟! أصبح هؤلاء هم المعنيون بالتعليقات المرة التي لا يستحي منها أصحابهم، والله العظيم إنه لشرف لنا وللمسلمين أن يرى الإنسان هذه المسيرة. يخبرني أحد الدعاة المشهورين يقول: رأيت في الجزائر مسيرة خرجت بعد صلاة الجمعة، قال: وإذا هم على منهج أهل السنة والجماعة، اللحى والثياب والزي الإسلامي، قال: فبكيت والله حتى سالت دموعي من رأس لحيتي، ومن يستطيع ألا يبكي؟! أنا سمعت أحدهم في هيئة الإذاعة البريطانية فيسألونه واسمه عبد القادر، يقولون: إنكم سوف تكونون مصدر شقاء للشعب الجزائري؟ قال: سبحان الله، الدين الذي أنزله الله سعادة للبشر أيكون شقاءً للإنسان؟! يقول سبحانه وتعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] أي أن الأفكار الغربية والشرقية المستوردة هي شقاء للإنسان والشريعة الإسلامية هي السعادة، وكيف لا يفرح العبد حين يرى الألوف المؤلفة اتجهت إلى الله عز وجل، وصلَّت وكبرت، وأحبت محمداً صلى الله عليه وسلم؟! لكنها التربية الماكرة التي صنعها العميل من وراء الستار، وأخرجها للناس، وجعلها هي الحل، وجعلها هي الأصل، وجعل غيرها طارئاً عليها. ما كنت أظن حتى في المجتمعات القبلية أنهم يلومون الشباب إذا اقتدوا بالسنة، المجتمعات التي كان الواحد منهم إذا قال له: تعدني أن تأتي؟ قال: نعم، قال: ماذا بيني وبينك؟ قال: هذه وجعل يده على لحيته، وإذا قال له في أمر جعل يده على لحيته، معناها: قطع الرءوس ودون ذلك خرط القتاد، إذا وضع يده على لحيته، فهي الخطورة القصوى التي لا بد أن تنفذ، يقول أحدهم: إذا ما تم هذا الأمر فاحلقها فيقول: لا. مصانة مكرمة، والآن تحلق مجاناً، معذرةً لا أريد جرح الشعور، وأنا أعرف أن بعض الناس يحضر معي عندهم إيمان ومتبعون ولكنهم أخطئوا في حلق اللحى، أنا لا أريد أن أعلق عليهم، ولا أريد أن أجرح مشاعرهم، هم إخواني وزملائي، ووالله إني أحبهم لأصل الإيمان في قلوبهم؛ لكن أرجوهم اتباع محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] أخشى أن يخرجوا ويقولون: كفرنا، أو فسقنا، أنا أقول: أخطئوا وعصوا ولا بد أن يتوب الله علينا وعليهم وهم إخواننا وأبناء عمومتنا، لكن والله نريد أن يكتملوا في اتباع سنته عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أتى بسنةٍ لا بد أن تكون ظاهرة وباطنة، تقولها قوية: أنا مسلم متبع للسنة ولا تخجل من أحد؛ لأنك على الحق وغيرك على الباطل، يقول سبحانه وتعالى في الجبناء السفهاء من المنافقين: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء:8]. فنصيحتي لإخواني: أن يتحملوا الاستهزاء والاستخفاف والاحتقار والتعليق، ويعلموا أنها في ميزان الحسنات، قال سبحانه وتعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3].

تذكير بعناصر المحاضرة

تذكير بعناصر المحاضرة أعود إلى عناصر المحاضرة مختصراً: ذبح الإسلام بالطعن في أمور: الطعن في القرآن. والطعن في السنة بالطعن المطهرة، في الرسول المعصوم عليه الصلاة والسلام. وفي النيل من الصحابة. في تشويه التاريخ الإسلامي. في وصف الإسلام بأقبح الأوصاف. في هدم اللغة العربية. في الطعن في العلماء والدعاة. الهزيمة النفسية التي يعيشها المسلمون عموماً. إيجاد نخبة مستغربة الفكر أجنبية العقل. إشغال عامة المسلمين بالمعيشة فحسب. إشغال المبتدئين في طلب العلم بالجزئيات. انصراف كثير من العلماء إلى مسائل ثانوية من الترف العلمي. تخويف الرأي العام من الإسلام. تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. امتصاص دماء الشعوب في البلاد الإسلامية في ثورات ومعارك يستفيد منها أعداؤهم. ركل الإسلام عن الحياة وأخذ الإسلام كشعارٍ فحسب. إرهاب وإرعاد العالم من كلمة الجهاد. فصل العالم الإسلامي وتمزيقه إلى دويلات. كبت الصوت الإسلامي في مجال التأثير. عدم إعطاء الاقتصاد الإسلامي الفرصة ليقدم الخيار. وصف المستقيمين بالتطرف والتزمت والتشدد.

خاتمة فيها فوائد وتنبيهات

خاتمة فيها فوائد وتنبيهات أيها الفضلاء! إكمالاً لهذه المحاضرة ألتقي بكم إن شاء الله لمن أراد مساء الثلاثاء في محاضرة بعنوان: مدرسة أهل السنة والجماعة في جامع شباعة في خميس مشيط يوم الثلاثاء مساءً بعد المغرب، يوم: 3/ 7/1412هـ والدعوة عامة. لأنه لا بد من ذكر معالم هذه المدرسة، مدرسة أهل السنة والجماعة، ووصفها وصفاً مفصلاً حتى تتضح للناس وتكون على جلية.

التوجه إلى الدعوة إلى الله والمشاركة في أعمال الخير

التوجه إلى الدعوة إلى الله والمشاركة في أعمال الخير أيها الإخوة الكرام! خطابٌ موجه يوجهه الأخ لأخيه المقصر؛ مثل المتخلف عن صلاة الجماعة، مثلاً: رجل يتهتك في الغناء. رجل لا يقيم السنة على مظهره، هنا خطاب كتبه بعض الفضلاء من الدعاة وهو الأخ الداعية: عبد الله بن سعد بن منشط القحطاني كتب كتاباً بديعاً ورقه تجدونها في خارج المسجد مسددة بالآيات والأحاديث وأقوال أهل العلم، يقول: الأخ الصديق: -الخطاب المفتوح- حفظك الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد: قال الله جل وعلا: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] ثم استطرد في كلام كالعسل المصفى، أنصح بهذه الرسالة أن تعطى للذين لا يحضرون صلاة الجماعة ولأمثالهم. إخوتي الفضلاء! هنا بعض المسائل، وهنا كذلك رسالة وهي مأذون لها من الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي ترسل إلى بايع أفلام الفيديو من أرادها يجدها يعني: تسلمها أنت لبايع الفيلم الفيديو حتى يتقي الله ويتوب من فعله هذا؛ لأنه يهدم الملة والدين بسبب ما يفعله من نشر الفيديو المحرم، فهذا تجدونه إن شاء الله، وإذا أحببتم الاتصال والاستفسار أو السؤال فمؤذن المسجد هو الواسطة إن شاء الله. أيضاً أيها الإخوة الفضلاء! نبهت في كثيرٍ من المحاضرات والدروس عن مسائل مهمة، من أهمها عندي بناء المساجد، لأن الأمة الآن تتجه إلى الله سبحانه وتعالى، وتزدحم المساجد بالمصلين، وكثر الأخيار من عباد الله الصالحين مع كثرة السكان، فالناس يريدون مساجد وقد نبهت عن جامع النماص وجامع تنومة ومسجد في بني الاسمر، وجامع في تريبان وبعض المساجد في مناطق تهامة. أنا أرى أن نحث كثيراً من الأخيار على جمع التبرعات، وإلى إنشاء المساجد فهي من أنفع ما يكون في عباد الله عز وجل. أيضاً هناك اقتراح أقدمه هذه الليلة: كثير من الإخوة إما طالب عنده راتب أو معلم، أو موظف، وكذلك الأخوات المعلمات والمربيات والموجهات؛ كل هؤلاء عندهم رواتب، فليت لكل واحد من الجميع صندوق يسمى صندوق الآخرة؛ لأنا -نسأل الله العافية- صرفنا أكثر ما أعطينا في الدنيا؛ في مطاعمنا، ومساكننا، وملابسنا، وسياراتنا، ثم ماذا نقدم للآخرة؟ ماذا نعطي للآخرة؟ ما هو رصيدنا عند الله عز وجل؟ هذا الصندوق يعطي الإنسان من التبرع إلى المسجد وللشريط الإسلامي، وأشكر من وصل منهم تبرعات إلى المساجد، ولكن لا زالت المساجد الآن تحتاج إلى من يقيمها ومن يدعمها، فالله الله في الاجتهاد في هذا لأنه نوعٌ من الجهاد.

توجيه حول آداب الاتصال بالهاتف

توجيه حول آداب الاتصال بالهاتف أيضاً كلمة على استطراد، الاتصال بالهاتف له آداب، ومرحباً بأصواتكم وأصوات مثلكم ممن يتصل مستفسراً أو سائلاً أو ناصحاً أو موجهاً، والعبد المسلم لا يمل من صوت إخوانه، لكن هناك آداب يراعيها المسلم، حتى نكون أمة منظمةً كما أرادها الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وليس معنى ذلك التبرم أو التضايق من الاتصال معاذ الله؛ فإنه شرفٌ للعبد أن يتصل به إخوانه، لكن هناك أوقات كأوقات الصلاة؛ إذا أذن المؤذن فإنه لا اتصال، ويعذر أهل المدن لتفاوت الوقت، أيضاً الاتصال في أوقات الوجبات وهي تختلف من بيتٍ إلى بيت، الاتصال مثلاً في أوقات مثل بعد الحادية عشر ليلاً، فقد انتهى الليل وذهب، ما أخرك يا أخي من العصر والمغرب والظهر والعشاء تقوم تتصل بي بعد الحادية عشرة. أيضاً -أيها الإخوة- لا تنسوا لطيفة من اللطائف: إن بعض الفضلاء إذا اتصل أخذ دقائق معدودة وطول وعرض في مسألة السلام، وأنا لقيته أمس: كيف حالكم؟ كيف حال أطفالكم؟ عساكم طيبين؟ مع العلم أن هناك ازدحاماً في الاتصال؛ يعلم الله أحياناً العشرات منها، في أوقات محدودة، ويريد الإنسان أن يقضي طلباً أو يوضح مسألة، أو يفتي بما أعطاه الله، فيأتي هذا الأخ من حسنه ومن حسن معاملته وأخلاقه فيحبسك في السلام، وكيف حالكم؟ قلت: طيبون قال: لعلكم مرتاحون؟ قلت: الحمد لله، قال: كيف حال الأهل؟ قلت: طيبون والحمد لله، كيف حال الزملاء؟!! قائمة من التحقيقات، اختصر يا أخي! قل: السلام عليكم، كيف حالكم؟ وادخل في السؤال. أيضاً يا أخي! من الأدب -حفظكم الله- الاختصار في السؤال لا تعطني القصة، مثلاً بعض الإخوة وقعت منه طلقة، فأخبرني بقصته مع زوجته، من مذكراته في الحياة: متى تزوج، وكيف عاش معها، ثم وصل إلى النتيجة! أعطني أنا ماذا تريد أن تقول لي، السؤال فقط وأفتيك، لأن الناس بكثرةٍ كاثرة يتصلون، هذه من الآداب. أيضاً إذا اتصلت بك، أو اتصلت بي لا تقل: ألو، قل: نعم، وإذا اتصلت قل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما ألو فأرجوكم أن تتركوها، وتعالوا بكلماتنا المعهودة، الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يسير الأمة على كلمات إيمانية، أتى أبو ذر إليه وهو في الحرم عليه الصلاة والسلام فحياه أبو ذر بتحية الجاهلية: عمت صباحاً يا أخا العرب، قال صلى الله عليه وسلم: {إن الله أبدلني بتحية خيراً من تحيتك، قال: ما هي؟ قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته}. إذا اتصلت بك فرد السلام وسلم تكن بيننا التحايا الإسلامية؛ هذه بعض المسائل التي أردت أن أنبه عليها علّ الله أن ينفع بها.

اعتذارات وشكر

اعتذارات وشكر أيضاً أيها الإخوة! ربما وقع في المحاضرة أني قلت ميتران رئيس وزراء فرنسا، وهو رئيس الدولة، ونستغفر الله ونتوب إليه، وهذه لا يسجد لها سجود سهو، نقرها ونقول: فإن كان رئيس وزراء أو رئيس دولة فهو واحد، واغتياب الفرنسيين الكفرة جائزٌ باتفاق أهل العلم، وحتى إسرائيل اغتيابها جائز ومطلوب؛ لأنها دولة توسعية، سبحان الله اكتشفنا أنها دولة توسعية، ولها نوايا سيئة في المنطقة، ومما اكتشف أن لها نوايا سيئة، ونحن لا نسيء الظن بالناس لكن ظهر لنا أن لها نوايا سيئة. أيها الإخوة الكرام! شكر الله لكم، ثم أشكر باسمكم من حضر وعنده امتحان غداً، لكنه التوقد للإسلام والحب للخير والتكاتف والتضامن؛ لأن تكثير سواد المسلمين في مثل هذه المجالس دليلٌ على صدقه وإخلاصه ونصحه، وأعرف أن فيكم من هو أبلغ مني وأفصح، وأعلم وأفضل؛ لكن أراد أن يكثر السواد، كما قال محمد أحمد الراشد: تكثير السواد، ومراغمة أهل الباطل، ولذلك كثر السواد يوم عرفة، ويوم الجمعة، وإظهار سواد المؤمنين أنه كثير كما يظهر أهل الباطل بكثرتهم وبعددهم، فأنت اليوم أتيت تكثر السواد، وأتيت تناصر أولياء الله عز وجل، وأتيت تدرس مع أهل السنة فيمن درس، وأتيت أنت اليوم ترفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، فكتب الله أجرك، وممشاك، وعودتك، وجلوسك، وأثابك، وكساك حلة، ورعاكم الله على إخلاصكم وعلى تضحياتكم. أيضاً لا يفوتني أن أشكر الذين يكتبون الرسائل أنهم لأول ليلة حضروا فلله الحمد، وهي والحمد لله فتوحات من الله، ليس منا ولا من أحدٍ من الناس، الفضل فضل الله، أن يهدي الشباب وأن يردهم إليه رداً جميلا، بالأمس كان لا يصلي أحدهم ولا يأتي الفجر، واليوم هو ولي من أولياء الله، أخذ المصحف والسواك وتعلم السنة، والأدعية الصباحية والمسائية، واستنار {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} [الأنعام:88]، ويقول سبحانه وتعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] وإذا رأيت العبد يفرح لإخوانه لكي يزيد عددهم، ويفرح للإسلام فاعرف أنه مخلصٌ صحيح القلب، أما الذي يغضب من كثرة الملتزمين وكثرة الأخيار فهو مريض القلب وحسبه الله.

الخطاب للأمة جمعاء

الخطاب للأمة جمعاء أيضاً من هذا المنبر أنا لا أخاطب أبناء الجزيرة فقط، أنا أخاطب من هنا العالم الإسلامي، كل مسلم يحضر معي، وليس عندنا هنا شاميٌ ولا حجازيٌ ولا يمنيٌ ولا سودانيٌ ولا مصري؛ لأن محمداً صلى الله عليه وسلم أتى بلافتة: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] اسمحوا لي وقد كررت عليكم لكن أعيد الأبيات: أنا الحجاز أنا نجد أنا يمنٌ أنا الجنوب بها دمعي وأشجاني بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني وفي ربا مكةٍ تاريخ ملحمةٍ على ثراها بنينا العالم الفاني في روضة المصطفى روحي ووالهفي في روضة المصطفى عمري ورضواني النيل مائي ومن عمان تذكرتي وفي الجزائر آمالي وتطوان دمي تصبب في كابل منسكباً ودمعتي سكبت في سفح لبنان فأينما ذكر اسم الله في بلدٍ عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني أيضاً من يحضر منكم عليه أن يكون داعية في بلده، الإخوة السودانيون ينقلون الشريط والكتاب الإسلامي إلى بلدهم ويعيشون الصحوة هناك، الإخوة من الجزائر، الإخوة من سوريا، الإخوة من المغرب، من كل مكان، عليهم أن يكونوا دعاةً لمنهج الله، من الكويت، من الإمارات، من قطر، من البحرين، من عمان؛ لأن بلدنا واحد، ولا بد أن نسعى إلى توحيد الشمل، وإلى تأليف الكلمة، تحت لا إله إلا الله محمد رسول الله، فمثل هؤلاء يذهبون بالشريط الإسلامي وبالكتاب حتى يساهموا؛ لأنه يتصل بالهاتف والله يتصل بالهاتف حتى من بلادٍ نائية يقولون متى تصل الأشرطة، ولم نعرف لهم عنواناً، ولا نعرف بريداً، ولا نعرف كيف نوصل لهم؛ لأنهم قد يفقدون بعض الدعاة في بعض الأماكن، أو المنهج السديد، أو بعض الكتب، ترى دائماً الإخوة هنا يطلبون أن يتعاونوا وأن يأخذوا، وأهل الخير مستعدون للوقوف معهم حتى يكونوا وإياهم تحت مظلة واحدة. أيضاً لا نسمح لأحد أن يحمل الحزازيات والتفرقات والعنصريات ليفرق بين المسلمين، كل هذه الأمة أمة واحدة، أراد الله عز وجل أن تكون أمة واحدة، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، فأتقانا أكرمنا عند الله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. أيضاً أيها الإخوة الكرام لا يكفي -وقد قلت هذا وأقوله ويقوله غيري- أن يحضر الواحد منا في هذا المجلس ثم يذهب، لا بد أن يكون مؤثراً وداعية في الشريط والكتاب، يستغل المجلس فيحوله إلى مجلس خير، أنت تشتغل في شركة، تشتغل في مؤسسة، في بقالة، في دائرة، في مدرسة، في جامعة، عليك أن تكون أنت اللبنة، ومباركاً أينما كنت. يقول ابن القيم: المبارك أينما كان هو الذي يدعو الناس في كل مكان. أي أن قضية الإسلام تكون معك مثلما قال أبو الأعلى المودودي: الداعية المسلم كالذي به صداع فهو لا ينسى صداعه. الذي عنده صداع في رأسه ينزل إلى السوق ولا ينسى الصداع، وأنت تحمل فكرتك. يا إخوة دعونا نكون في مستوى من التأثير والمشاركة والفاعلية والتضحية كمستوى المبشرين، يذهب أحدهم إلى الشرق والغرب، وإلى حر أفريقيا وبرد سيبيريا حتى ينشر الدين المنسوخ، الدين المزعوم أنه للمسيح، ونحن على الإسلام لماذا لا نؤثر وندعو ونكون لبنات خير، التاجر في تجارته بماله، وصاحب الرأي برأيه.

النصيحة الصريحة خير من المجاملة

النصيحة الصريحة خير من المجاملة ثم أمرٌ آخر: يوجد أيها الإخوة أحياناً مذهب المجاملة؛ تبرمجنا على المجاملة، حتى ما تجد صراحة في الألفاظ ولا في المناصحة، وأحياناً لا تجد إلا مادحاً، تسأله عن الدرس قال: كل شيء على ما يرام، المحاضرة، الأطروحات، القضايا قال: كل شيء طيب، فإذا خلا إلى زملائه قال: فيه كذا وكذا، ولكن كذا وكذا، وفعل كذا وكذا! دعونا نتصارح، ومن رأى منا خطأً في أخيه فلينصحه، وليوصيه بينه وبينه بحكمة، {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. أيضاً أريد أن أوضح مسألة: يا أيها الإخوة قد يفهم عنا بعض الناس أنا نريد أن نتشفى في بعض الناس، أو أنا نريد التهجم أو التجريح ومعاذ الله، ما يريد الداعية إلا أن يهتدي الناس، هل نريد لمسلم أن يعذبه الله بالنار؟! يقول الإمام أحمد: والذي نفسي بيده لوددت أن يجعلني الله فداءً لأمة محمد عليه الصلاة والسلام. ثم إنا نسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق، وأن يصلح الراعي الرعية، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يتولانا وإياكم في الدارين، ونسأله سبحانه وتعالى لنا ولكم هدايةً وسداداً. كما لا يفوتني أن أنبه أن من عنده تبرعات، أو مشاركة، أو استفساراً، أو ورقة، أو نصيحة، فعليه أن يؤديها إلى هذا المسجد والقائمين عليه، وهي تصلني إن شاء الله، ثم أنبهكم أن الدرس المقبل إن شاء الله سوف يكون مع أسئلتكم، لنعيش معكم فيما طرحتموه وما سألتموه، وأشكركم شكراً جزيلاً، وأسأل الله أن يجمعنا بكم في دار الكرامة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

إبراهيم إمام التوحيد

إبراهيم إمام التوحيد إن قصة إبراهيم عليه السلام من أروع القصص في القرآن الكريم، ذلك لما فيها من المواقف العظيمة التي جعلته أبو الأنبياء عليهم السلام وقد عرض الشيخ حفظه الله إلى بعض المواقف لإبراهيم عليه السلام، وبين ما فيها من العبر والعظات؛ حتى نقتدي به في سيرنا إلى الله تعالى، وفي دعوتنا إليه سبحانه

قصة هاجر مع إسماعيل في مكة

قصة هاجر مع إسماعيل في مكة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى من طريق عبد الرزاق بن همام الصنعاني، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي تميمة السختياني وكثير بن كثير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل: أم إسماعيل - هاجر - اتخذت منطقاً وذلك لتعفيِّ أثرها على سارة، ثم هاجر بها إبراهيم عليه السلام إلى مكة، فنزل بها قريباً من رابية -وهو مكان البيت اليوم، وكانت هذا الرابية مرتفعة عن الأرض- فلما أنزلها عليه السلام هناك، كان معها جراب من تمر وسقاء من ماء، ومعها ابنها إسماعيل، فلما أنزلهما مكان البيت أو قريباً منه، ولى وتركهما، فالتفتت إليه هاجر -وهي مولاة- وقالت: لمن تتركنا يا إبراهيم؟ فلم يجبها بشيء، ولم يلتفت إليها، فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا، فلما اختفى وراء الجبل، التفت ودعا الله عز وجل ورفع يديه وقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]. ثم تولى عنهم وتركهم، فأتت المرأة الصالحة تربي ابنها، فنفذ الماء، ونفذ الطعام من التمر، فأتت ترتفع لترى في جبال مكة أين تجد الماء. قال: ابن عباس: لكأني بها تسعى بين الجبلين -أي: بين الصفا والمروة - سبعة أشواط، وتقول وهي تكلم نفسها: صه، - تسكت نفسها لترى هل تسمع صوتاً، أو ترى ساكناً أو حياً- ولم يكن في مكة من البشر أحد، فطافت سبعة أشواط -فهو طوافنا اليوم- ثم عادت إلى مكانها، وأخذ ابنها يتلوى على الأرض من شدة العطش، فنزل ملك من السماء -قيل: جبريل وقيل غيره، وليس في رواية البخاري أنه جبريل- فبحث بجناحه فخرج الماء، فأخذت تعدل الماء وتقيم التراب حوله وتقول: زمزم -أي: تزمزم الماء- وهذه من عادة قبائلهم إذا اشتغلوا في أمر، كأنها تنشد، أو كأنها تفزع، أو تسلي نفسها وتزمزم. قال عليه الصلاة والسلام: {رحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم لصارت عيناً معيناً} أي: لو تركتها ولم تجمع عليها التراب، ولم تعدلها لصارت عيناً معيناً في مكة ثم نزل هناك ركب من جرهم، وجرهم قبيلة انتقلت إلى مكة، وهي من القبائل العربية التي سوف يتزوج منهم إسماعيل كما سيأتي نزلوا في طرف مكة، فرأوا غراباً عائفاً -وقيل: حدأة- وإذا هو فوق ماء زمزم، فقال هؤلاء الركب: إن الطائر معه الماء، فاقتربوا فلما رأوا هاجر قالوا: ننزل حول الماء؟ قالت: لا. فاصطلحوا معها على أن ينزلوا معها على حسن الجوار، فنزلوا، فأعطوها الطعام، وأعطتهم الماء، فلما شب إسماعيل عليه السلام تزوج منهم، وكان شاباً ظريفاً عاقلاً آتاه الله الحكم صبياً، فأصبح أرحامه أصهاره من جرهم. فلما شب فيهم -عليه السلام- أتاه أبوه بعد حين يزوره سيد من سادات الأنبياء، وسيد الكرماء والشجعان عليه السلام أتى يزورهم فوجد امرأة إسماعيل عليه السلام وهي في البيت، فطرق عليها وهو شيخ حسن الهيئة، عليه هندام الوقار والسكينة، وعليه علامات التوحيد، فقال: أين زوجك؟ -وهو ابنه لكنها لم تعرفه- قالت: خرج يطلب لنا صيداً، قال: كيف أنتم؟ قالت: في حالة ضيقة، وفي شر حال، فقال: إذا أتى زوجك فاقرئي عليه السلام، ومريه أن يغير عتبة بابه. فأتى إسماعيل في المساء فسألها: هل أتاكم من أحد؟ قالت: أتانا شيخ حسن الهيئة، قال: هل سألكم عن شيء؟ قالت: نعم. سألنا عن هيئتنا وطعامنا، فأخبرته أنا بشر حال، قال: هل أمركِ بشيء؟ قالت: نعم. هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تغير عتبة بابك. قال: ذلك أبي، والحقي بأهلك. ثم تزوج زوجة أخرى صالحة، وأتاهم أبوه يزورهم مرة ثانية، فدخل على امرأته وقال: أين زوجك؟ قالت: خرج يطلب لنا صيداً -وكان يطلب الصيد في جهة نعمان، والعرب كانت تصيد من نعمان، وهو من أجمل الأودية عند العرب، وقد صوروه في الشعر حتى كأنه قطعة من حديقة، أو كأنه فيحاء في بستان، وإذا أتيت إلى نعمان لم تجد فيه إلا الشوك، ولذلك قيل: ألا أيها الركب اليمانون عرجوا علينا فقد أضحى هوانا يمانيا نسائلكم هل سال نعمان بعدنا وخب إلينا بطن نعمان واديا وهو الوادي الذي فوق عرفات وفيه عين زَبِيْدَة. فقالت: خرج يطلب لنا صيداً، قال: كيف حالكم؟ قالت: في أحسن حال والحمد لله، قال: إذا أتى فاقرئي عليه السلام، ومريه أن يثبت عتبة بابه؛ فأتى فسألها فأخبرته وقالت: هو يقرئك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، وهو يأمرني أن أمسككِ.

زواج إبراهيم عليه السلام من سارة

زواج إبراهيم عليه السلام من سارة هذا الحديث من رواية ابن عباس، ولفظه قريب من هذا أو نحوه وفي هذا الحديث مسائل، تعرض لها أهل التفسير والحديث والفقه وأهل السير والتاريخ. أول مسألة: زواج إبراهيم عليه السلام من سارة، وقصة سارة مع الملك وفي ذلك فائدة: فإن القرآن يأتي بالقواعد والحقائق والأصول، ولكنه لا يتعرض للخلافيات التي لا فائدة منها، ولذلك لما ذكر قصة أهل الكهف لم يخبرنا بلون كلب أهل الكهف، ولا أين ناموا، ولا جهة الكهف، ثم قال للرسول عليه الصلاة والسلام: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً} [الكهف:22]. أي: لا تدخل نفسك إلا في مسائل علمية، وقواعد شرعية تستفيد منها، أما الجدل البارد الذي لا ينبني عليه حكم فليس هناك طائل من إيراده. فالقرآن يأتينا بقصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في خطوط عريضة، وفي جمل باهرة منها بناء البيت، ومنها الدعوة إلى التوحيد، ومنها جدل إبراهيم الحق مع الملك وسوف يأتي. ومنها: قصة البعث، وبعث الله عز وجل للطيور بين يدي إبراهيم عليه السلام إلى غير ذلك من القصص. أما سارة فهي امرأة حرة، تزوجها إبراهيم عليه السلام، وعلمها التوحيد، وأرضعها لبن (لا إله إلا الله) منذ الصغر، وكانت من أجمل نساء زمانها، قال ابن كثير: أجمل النساء في العالمين سارة ومريم، وقيل: عائشة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها.

هجرة إبراهيم عليه السلام من حران

هجرة إبراهيم عليه السلام من حران ثم هاجر إبراهيم من حران وحران هذه هي بلد شيخ الإسلام ابن تيمية. بنفسي تلك الدار ما أحسن الربى وما أحسن المصطاف والمتربعا وهي حران قريبة من دمشق في بلاد الشام، هاجر منها ابن تيمية إلى دمشق بعد أن ترعرع وشب فيها هاجر إبراهيم عليه السلام بـ سارة، فمر بملك من ملوك الدنيا، جبار عنيد، كان كلما سمع بفتاة جميلة اغتصبها من أهلها فلما وصل إبراهيم بزوجته، سمع به الملك فأرسل جنوده فأخذوا هذه المرأة الصالحة العابدة القوامة الزاهدة ولكن من يعتمد ويتوكل ويحفظ الله يحفظه سبحانه وتعالى. التجأ إبراهيم إلى الله عز وجل ودعا الله أن يحفظ عليه زوجته، فأخذوها من بين يديه، وكان قد قال لها: إذا قدمت على الملك وسألك عن نسبك فقولي: أنا أخت إبراهيم. وصدق؛ فإنها أخته في العقيدة والدين، وأخته في النسب الأول، فكلهم من آدم وحواء. وصلت إلى هذا الجبار، ودخلت عليه، واقترب منها وهي متوضئة طاهرة، فدعت الله عليه؛ فجفت يده ورجله، فقال لها: ادعي الله لي أن يطلق يدي ورجلي، فدعت له فانطلق، ثم أتى يقترب منها، فدعت عليه، فجفت يده ورجله، فاقترب ثالثة، فدعت عليه بعد أن أطلق، فجفت يده ورجله، فقال: أتيتموني بشيطانة! اذهبوا بها فخرجت من عنده وأخدمها هاجر التي هي أم إسماعيل، جعلها مولاة وهدية لها، فقال لها إبراهيم: كيف كان الأمر؟ قالت: منع الله الفاجر وأخدم هاجر. وقد قال بعض أرباب التفسير: إن الله سبحانه وتعالى أطلع إبراهيم عليه السلام بمسيرة سارة، إلى أن وصلت إلى الملك، وبموقفها مع الملك، حتى عادت ليطمئن قلبه ويسكن، فقال لها إبراهيم لما عادت: والله لقد رأيتك منذ ذهبت إلى الآن.

هجرة إبراهيم إلى مكة

هجرة إبراهيم إلى مكة فلما أخذ هاجر أتت بإسماعيل، فاغتاضت منها سارة، والغيرة مركوزة في طبيعة النساء، وكأن الغيرة ولدت مع النساء منذ أن خلق الله المرأة إلى اليوم ولما أتت بإسماعيل لم يكن عند سارة ولد ولا بنت، فاغتاضت منها وغارت، فأخذ إبراهيم عليه السلام هاجر إلى مكة. وسبحان الله! كيف اختار الله مكة من بين بلاد الأرض، لتكون مهبط الوحي، وليكون منها الإشعاع الرباني، والرسالة الخالدة، وليتخرج منا أساتذة التوحيد الذين رفعوا علم (لا إله إلا الله) فهي بحق جبال تصهر الرجال بحرارتها وبشظف عيشها، فتخرجهم رجالاً يقودون عجلة التاريخ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فـ مكة مسقط رأس رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وهي التي ولد فيها أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وخالد، والصنف المختار من أصحاب رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. وصل إبراهيم عليه السلام إلى مكة، وقبل أن يأمره الله بالبناء اختار ذلك الموقع، قال بعض أهل العلم: لأنها وسط الدنيا، وقد أثبت العلم الحديث فيما سمعنا وقرأنا أن من صعد على سطح القمر رأوا أن وسط الدنيا هو الجزيرة العربية أو ما يقاربها، ووسطها هي الكعبة المشرفة، ولذلك سماها الله تعالى أم القرى، فهي تثبت الإشعاع في كل مدينة، ومنها لا بد أن تبعث الرسالة ويهبط الوحي على رسول الهداية صلى الله عليه وسلم. ولما وصل إبراهيم إلى هناك، وضع لهم جراباً من تمر وسقاءً من ماء وتولى إلى الله عز وجل، واختفى وراء الجبل، وابتهل إلى الله يقول في دعائه الحبيب إلى القلوب: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم:37] وصدق عليه السلام، فإن مكة من أقحل بلاد الأرض، حتى يقول أحد المفكرين: يا سبحان الله! عناية الله، ونور الله، وهدايته تأتي من السماء بوحي خالد على رسول عظيم شريف، في بلاد ليس فيها حدائق ولا قصور ولا أنهار ولا دور، ولا فيها معطيات الحياة، ليس فيها إلا شجر من الشوك طلعه كأنه رءوس الشياطين، وحجارتها تتلظى بالنار وتتوقد، فبعثه الله عز وجل ليقول: إن الآخرة لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم. لم يبعثه في بغداد دار السلام، ولما وجدت بعد، وسميت بدار السلام؛ لأنها ذات حدائق غناء، ولم يبعثه في دمشق، ولم يكن هناك دمشق التي فيها البساتين الفيحاء ونهر بردا. ولم يبعثه كذلك في أنطاكيا، ذات القصور الشاهقة، والحدائق الوارفة ولم يبعثه في بلاد أخرى ذكرت في التاريخ بجمالها وروعتها، بل بعثه هنا، ليقول: إن دعوتك للآخرة لا للدنيا. فلما أتى عليه السلام قال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم:37]. وكأنه علم أنه سوف يقوم هناك بيت محرم {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]. وقد رأينا ورأى التاريخ وسمعت الدنيا الملايين المملينة في كل حج تهوي بأفئدتها، ملوكاً ومملوكين، علماء وعامة، رؤساء ومرءوسين، أغنياء وفقراء يهوون بأفئدتهم إلى البيت العتيق. فلما ولى إبراهيم عليه السلام، وبقي الحال على ماكان، تزوج إسماعيل -كما مر- من جرهم، وجرهم هؤلاء ذكرهم زهير بن أبي سلمى يوم يقول: فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله رجال بنوه من قريش وجرهم يميناً لنعم السيدان وجدتما على كل حال من سحيل ومبرم يمدح هرم بن سنان وقيس بن زهير لما تداركا عبساً وذبيان.

أمر الله لإبراهيم أن يذبح إسماعيل

أمر الله لإبراهيم أن يذبح إسماعيل ولما درج وبلغ إسماعيل زاره أبوه، وكانت هذه هي أول زيارة يزوره فيها، وذلك لما درج وبلغ السعي، وأصبح حبيباً إليه عليه السلام، وتخلل مسلك الروح منه، وكان أحب الناس إليه قد تخللت مسلك الروح مني ولذا سمي الخليل خليلاً فأراد الله أن يخلص قلب إبراهيم من هذا الحب لهذا الابن له سبحانه وتعالى، لأنه خليل الرحمن فلما وصل إلى مكة رأى فيما يرى النائم أن قائلاً يقول: اذبح ابنك! فتعوذ بالله من الشيطان، وتوضأ وصلى، ثم رأى الرؤيا مرة ثانية وثالثة، وعلم أنها رؤيا حق ولذلك قال الإمام البخاري: باب رؤيا الأنبياء حق، وقال إبراهيم: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102]. وخرج في الصباح فعرض الرؤيا على الابن الصالح وانظر إلى التربية الصالحة والهدي المستقيم، فلما عرض عليه الرؤيا لم يقل له: إني أفارقك، أو إني أتركك برهة من الزمن، لا. بل قال: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102] ولم يقل آمر غيري بذبحك، لكن أنا أذبحك ويا لها من مصيبة! ويا لها من مسألة شاقة على الأنفس! ومثل لنفسك أن تؤمر أنت أن تذبح بيدك وسكينك أحسن أبنائك إليك ولو ابتليت ببلاء غير هذا لتحملت؛ كأن يسقط ابنك من على السطح، أو يزلق فيموت، أو يذهب أدراج الرياح، أما أن تؤمر أنت فتأخذ سكيناً وتأخذ ابنك فتبطحه على الأرض، وتجلس على صدره فتذبحه إنه لبلاء عظيم! بل من أعظم الابتلاء في تاريخ البشرية، لكن هكذا يثبت العظماء. ألا لا أحب السير إلا مصعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا وأتى في الصباح واستدعى ابنه: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102]. فلم يشاوره، ولم يقل له: ادرس الموضوع واعطني النتيجة ولم يقل انظر: إما أن تكون طائعاً وإما عاصياً، فأنا أقوى منك، والله أمرني، وأنت طفل صغير، سأذبحك سواء رضيت أم لم ترضَ، لا. بل قال له: ما هو ردك؟ فقال في هدوء وفي حياء وفي صبر، ويا لها من تربية! قال: يا أبتِ افعل ما تؤمر. قال أهل التفسير: خاطبه بالأبوة في مقام الحنان، حتى وهو يعتدي على روحه بأمر الله عز وجل، قال: يا أبتي، من الحنان والشفقة وحق الأبوة وما قال: افعل ما تأمر أنت، وإنما تؤمر من الله، لأنه صدق بوحي من الله {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102] قالوا: ما أحسن هذا الاعتراض! فلم يقل: ستجدني من الصابرين، وإنما قال: إن شاء الله، فصبري بالله، واتكالي على الله، وحفظي على الله {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات:103] الضمير يعود إلى إبراهيم وإسماعيل، فقد أسلم إبراهيم نفسه إلى الواحد الأحد، فإنه قد أمر بمشقة، ووده لو أنه هو المقتول، وأنه ما رأى هذا المنظر، وأسلم إسماعيل نفسه إلى الله سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103] قال أهل التفسير: ما استطاع أن يذبحه على ظهره، فجعله على وجهه ليذبحه من قفاه؛ لأنه يخشى أن ترسل العينين شعاعاً من المحبة إليه، وأن يرى وجه ابنه فتدركه الرأفة والرحمة فيعصي أمر الله، ولكنه تلَّه على وجهه ساجداً لله عز وجل، لئلا يرى وجهه أبداً حتى يذبحه إن هذا بلاء عظيم، ولا تستطيعه النفوس إلا من أسلم وجهه لله، وعلم أن ابتلاء الله عز وجل معه الخلود والبقاء والحياة فأتى بالسكين {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103] قال أهل العلم: لم يقل: أجلسه أو أقعده، وإنما تلَّه بقوة، لُيري الله أنه ينفذ الأمر بحماس وقوة. وإبراهيم صاحب مواقف خالدة في القرآن، فقد قال الله تعالى حاكياً عنه: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26] {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} [الصافات:93] {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103] كلها مواقف تشهد له بالقوة، لأن المسلم ينبغي عليه أن يأخذ أحكام الله وتنفيذ أوامر الله بالقوة، أما البرود والكسل والخنوع فليس في دين الله، ولذلك يقول الله ليحيى عليه السلام: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12] خذه بقوة، ولا تأخذه ببرودة ويقول الله عن المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ} [النساء:142]. ولذلك باستطاعتك أن تميز بين المؤمن والمنافق بمقامهم في مقامات الولاية والعبودية، فالمؤمن يأتي إلى الصلاة بحرارة، ويقرأ القرآن بحرارة، ويستمع إلى الخطب والمواعظ وحلق الذكر بحب وشوق وحرارة، والمنافق يأتي ببرودة، سواء صلى مع الجماعة أو لم يصل، وإن فاته فلس واحد من ماله جزع وهلع عليه، ولكن إن فاته دينه وصلاته فلا يهمه ذلك ولا يشعر بأن النفاق قد خرق قلبه أما إبراهيم فأسلم وتلَّه للجبين، فلما أخذ السكين ليذبحه أتى لطف الله عز وجل، وأتت رحمته سبحانه وتعالى، فلم تذبح السكين، ومن عادة السكين أنها تذبح، ولكن حكمة الله عز وجل أن يمنعها من الذبح والبحر يغرق، ولكن قدرة الله تمنعه أن يغرق موسى عليه السلام والنار تحرق -وهذه من سنن الله الكونية- ولكنها لا تحرق إبراهيم عليه السلام والسكين تذبح ولكن بقدرة الله جعلها لا تذبح أبداً، فمنعها من عنق إسماعيل لأنه بريء طاهر عفيف والاغتيالات تتوجه إلى الناس لتفتك بهم، لكن رسولنا صلى الله عليه وسلم سلم حصل أكثر من عشر محاولات اغتيال. عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم قال الله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:107] نزل عليه من الجنة، فأخذ السكين وذبح الذبح العظيم وهو الكبش ورد السكين إلى مكانها. ومدحه الله أبد الدهر وأثنى عليه وقال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات:106]. فهو بلاء خالد، لكن خلَّد الله ذكره يوم أن قال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء:84] فرفع الله ذكره أبد الدهر.

بناء إبراهيم وإسماعيل البيت العتيق

بناء إبراهيم وإسماعيل البيت العتيق وعاد العودة الثانية، وإذا إسماعيل قد أصبح فتىً قوياً يصارع الرجال، ويستطيع أن يقوم بمهام الرسالة، ويستطيع أن يبني معه، فيوحي الله عز وجل إلى إبراهيم عليه السلام، ويقول: يا إبراهيم! ابن هنا بيتاً. فيأتي إبراهيم ليبني بيت الله سبحانه وتعالى الذي من عفر وجهه في تلك العرصات صادقاً رزقه الله الصدق والإخلاص. ولما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية ثورة القرامطة عندما ثاروا في الكعبة، وقتلوا ما يقارب ثلاثين ألف حاج، قتلوهم في الحرم، قال: وقتلوا بعض العلماء، فلما أتوا إلى عالم من العلماء بالسكين ليقتلوه حول الحجر قال: ترى المحبين صرعى في بيوتهم كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا ثم سقط قتيلاً، قال ابن كثير: فهنيئاً لك ذلك المضجع، وهنيئاً لك ذلك المرقد، فإنها من أحسن البقاع، شرفها الله وأزال عنا كل رجس فمن ذهب لعمرة أو حج فليغتنم تربية روحه في تلك البقاع، وليمرغ وجهه في تلك العرصات، وليدع الله بصدق وهو يطوف ويسعى أن يرزقه الإنابة والهداية، فإنها من أعظم الوقفات في الحياة الدنيا. فلما أتى إبراهيم عليه السلام، قال: يا إسماعيل! إن الله يأمرني أن أبني البيت، قال: أو أمرك ربك؟ قال: نعم. وهل تعينني على ذلك؟ قال: نعم أعينك عليه. قال ابن عباس: كأني بإبراهيم عليه السلام وقد ارتفع على الجدار وإسماعيل يناوله الحجارة وهو يضعها ويبني. أتدرون ماذا كان هزيجهم؟ وماذا كان نشيدهم الخالد؟ كانوا يقولون: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:127]. يحسنون ويبنون لوجه الله، ويجاهدون ويدعون، ومع ذلك يقولون: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم والفاجر يفجر ويعصي ويزني ويكذب ويغتاب، ومع ذلك يقول: ورحمة الله وسعت كل شيء. فإبراهيم عليه السلام كان يقول: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:127] لئلا يكون في العمل رياء وأتوا يبنون حتى وصل إلى مكان الحجر الأسود، فأمره الله عز وجل أن يبقي مكانه، فلما انتهى من البناء وقف والتفت إلى الحي القيوم، ودعا الله أن يبارك في هذا البناء، وأتاه جبريل بالحجر الأسود، وهو أبيض كاللبن، كالجوهرة البيضاء، أنزله من الجنة، فسلمه إلى إبراهيم وقال: ضع هذا الحجر في هذا المكان، ليستلمه الناس. قال ابن عباس: [[والذي نفسي بيده، لقد نزل الحجر أبيض كاللبن، فسودته خطايا بني آدم، حتى أصبح أسود]] وصح عنه صلى الله عليه وسلم في حديث أنه قال: {من استلم الحجر الأسود بصدق كان للحجر الأسود لسانان يوم القيامة يشهدان لمن استلمه بصدق في الحياة الدنيا} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فمن استلم الحجر الأسود أو قبله وهو صادق ومشتاق ومخلص؛ أنطق الله الحجر الأسود يوم القيامة بلسانين ناطقين، يشهد لمن استلمه بحق في الحياة الدنيا. والحجر الأسود له قصة مسيرة في التاريخ، فإنه اعتدي على عرضه وعلى كرامته في عهد القرامطة، يوم أن وفدوا من الأحساء إلى البيت العتيق، ووفد معهم الفاجر أبو طاهر الجنابي، وأخذ بسيفه على جمله يقتل الحجيج، وهو يقول: أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا ثم تقدم أحدهم بدبوس من حديد بيده، فقال: يا معشر المسلمين! يا أيها الحمير! تقولون: إن الله يقول: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران:97] نحن دخلناه الآن فأين الأمن؟ فقال له بعض العلماء: هذا من باب الأمر لا من باب الخبر. أي: أن الله يأمرنا أن نؤمن البيت، وأنت قد أخفته، فتقدم بخنجر فطعن العالم فقتله، ثم أتى إلى الحجر الأسود فضربه ثلاث ضربات بهذه الدبوس فانفلق منه ثلاث فلق، وهذا هو ما تجدونه فيه من التكسير، لأنه قد وقع عليه ثلاث ضربات، وإلا فإنه كان أملس كالثوب الأملس فاجتمع بعض الملوك، فجمعوا بعض المسك والغارية، وخلطوا بعضها ببعض، وألصقوه في الحجر. وأخذوا الحجر وأركبوه على سبعمائة جمل، كلما مشى جمل أصابه الجرب وأهلكه الله فسقط الحجر من عليه، فيركبونه على جمل آخر، فيموت الجمل الآخر، حتى مات سبعمائة جمل، ووصل إلى الأحساء، وبقي معهم حتى اجتمع سلاطين الدولة الإسلامية ودفعوا مبلغاً هائلاً من الدارهم والدنانير والذهب حتى أعيد الحجر إلى مكانه ولله حكمة في ترك هؤلاء الغوغاء يأخذون الحجر، وله حكم في الأحداث التي وقعت في التاريخ، فهو الحكيم: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]. بنى إبراهيم عليه السلام البيت، ونزل ووقف عند المقام الذي نحن نصلي فيه اليوم، وفيه يقول الله عز وجل: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] فوقف هناك، ودعا الله كثيراً، فأمره الله أن ينادي في الناس جميعاً أن يحجوا إلى هذا البيت، وأن يأتوا إليه، فإنه بيت الرحمن جل جلاله، وفيه الهداية والنور وفي السماء الدنيا بيت آخر كالكعبة، يطوف به كل يوم -كما في رواية المفسرين- سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه أبد الدهر فلما انتهى أمره الله أن ينادي في الناس بالحج، فارتفع على جبل من جبال مكة، فنادى في الناس، قال ابن عباس أو غيره من المفسرين: فسمعه الناس في أصلابهم، فقال: من أراد الله به الخير فليأت إلى البيت، لبيك اللهم لبيك. قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج:27 - 28] يأتوك رجالاً، أي: مترجلين يمشون على أقدمهم {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج:27] على كل بعير ضامر أي: ضعف من شدة السفر. دخل رجل على ابن سيرين العلامة الكبير، وكان ابن سيرين يعبر الرؤيا، ويئولها، وكان عنده تأييد إلهي في الرؤيا كما يقول الذهبي، ولذلك ذكروا عنه أموراً عجيبة، ولشدة تقواه لله عز وجل وزهده وإخلاصه رزقه الله تعبير الرؤيا أتاه رجل فقال: رأيت حمامة أخذت جوهرة في المنام فأخرجتها أصغر مما كانت، ثم أخذتها فأخرجتها مثلها، ثم أخذتها فابتلعتها فأخرجتها أكبر منها، فما تعبيرها؟ وكان ابن سيرين فيه خفة روح ودعابة، مع تقواه واتصاله بالله عز وجل، فكان يضفي على جلاسه وسماره شيئاً من المزاح ومن الدعابة السلمية العفيفة فقال: هذا مثلي ومثل الحسن البصري وقتادة بن دعامة السدوسي -وهم كانوا علماء في عهده- أما أنا فأسمع الحديث فآتي به كما هو، فهذا معنى أن الحمامة أتت بالجوهرة كما هي، وأما قتادة فإنه ينقص من الحديث فنقصت الجوهرة، وأما الحسن البصري فإنه يدبج ويوشح الحديث فيأتي أكثر مما هو. وبينما هو جالس أتاه رجل عليه ملامح التقوى والزهد والعبادة، فقال: إني رأيت في المنام أني أؤذن، فنظر إلى السائل قليلاً ثم قال: أنت تحج هذه العام ويتقبل الله منك. فقال الجلاس: ولماذا؟ قال: لأن الله يقول: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27] وبينما هم جلوس إذ دخل فاجر من الفجار -نسأل الله العافية- فقال: إني رأيت في المنام أني أؤذن، فقال: أنت تسرق وتقطع يدك. قال: ولماذا؟ قال: يقول الله عز وجل: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف:70]. قال الراوي: فو الله ما مرت فترة إلا وحج هذا، وسرق هذا ورأينا يده على باب الإمارة قد قطعت. ومن أراد أن يتثبت من هذه القصص فليرجع إلى سير أعلام النبلاء، في ترجمة ابن سيرين، وحلية الأولياء لـ أبي نعيم، والبداية والنهاية لـ ابن كثير، وغيرها من الكتب. الشاهد: أن إبراهيم عليه السلام نادى فاستجاب له من استجاب، وأما إسماعيل فأقام هناك وتزوج من جرهم، فهو جد رسولنا عليه الصلاة والسلام، وفي حديث ضعيف في سنده كلام، يقول عليه الصلاة والسلام: {أنا ابن الذبيحين} فالذبيح الأول إسماعيل، الذي عرضه إبراهيم عليه السلام للذبح، والذبيح الآخر هو عبد الله أبو الرسول عليه الصلاة والسلام مباشرة؛ فإن عبد المطلب لما جفت بئر زمزم نذر نذراً أن إذا أخرج الله الماء أن يذبح أحد أبنائه، وكانوا عشرة، منهم: عبد الله والحارث، وحمزة، وأبو طالب، والعباس، وأبو لهب فلما خرج الماء أقرع بين العشرة أيهم يخرج نصيبه ليتقرب بذبحه إلى الله -وهذا في الجاهلية- فخرج السهم على عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففداه بعشر من النوق، فأتى السهم الآخر، فوقع عليه، ففداه بعشرين، حتى وصلت إلى مائة، ففداه بها فكان الرسول صلى الله عليه وسلم ابن الذبيحين. وهل الذبيح الأول إسماعيل أم إسحاق؟ فيه خلاف، لكن الصحيح أنه: إسماعيل، وعليه كلام ابن كثير وابن القيم والذهبي وشيخ الإسلام ابن تيمية. ولذلك يقول كعب الأحبار لأحد الخلفاء: [[والله الذي لا إله إلا هو، لقد علم اليهود أن الذبيح إسماعيل، لكنهم حسدوكم فقالوا: إنه إسحاق]] وذلك لأنه شرف لنا أن يكون جدنا إسماعيل، فهو جد الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم عدناني لا قحطاني، والعرب قحطان وعدنان، فالرسول صلى الله عليه وسلم بعث من عدنان وأنصاره من قحطان، وهم الأوس والخزرج رضي الله عنهم.

مواقف إبراهيم عليه السلام في القرآن

مواقف إبراهيم عليه السلام في القرآن المسألة الثانية: مواقف إبراهيم عليه السلام في القرآن. وقد أسلفت في الحديث أن الله عز وجل لا يذكر في القرآن إلا المهمات الكبرى والقواعد التي ينبغي أن يستفاد منها، ولذلك من العجيب أن تجد بعض المفسرين يدندنون حول على بعض المسائل الخفيفة التي لا طائل منها، كأن يقول أحدهم: أرم: في أي بلد؟ وكم طول أعمدتها؟ وطول الخضر عليه السلام ولون بشرته وأشياء لا طائل منها. ولذلك يقول سيد قطب وهو يتحدث عن القرآن وعن حياته مع القرآن: إنني عشت وأنا في الطفولة مع القرآن، فكان للقرآن طعم خاص في قلبي يوم أن كنت أسمع القرآن مباشرة، فلما كبرت وأتيت أدرس القرآن في المدارس وجدت القرآن ممزقاً. أي: أن القرآن مزق ببعض كلام الإسرائيليات، والقصص والأحاديث، وكثرة إدخال النحو والصرف فيه، ونحن لا ننكر فائدة النحو والصرف واللغة، لكن أن يحوَّل القرآن إلى كتاب نحو كأنك تقرأ في كتاب سيبويه، أو يحول إلى كتاب تاريخ كأنه البداية والنهاية، أو كتاب جغرافيا كأنك تقرأ في الأطلس فهذا لم ينزل القرآن من أجله، إنما القرآن كما يقول أبو الأعلى المودودي في كتاب كيف تقرأ القرآن وهذا الكتاب له خصائص ليست في كتاب آخر، يقول: فأول خصيصة: ينبغي على قارئ القرآن أن ينزع كل تصور مسبق عن القرآن، فيأتي إلى القرآن وهو يتصور أنه كتاب الله، وأنه كتاب هداية. الأمر الثاني: أن يعلم أن القرآن لا يوافق أي كتاب آخر من تأليف البشر، فإنهم في تآليفهم يقولون: في هذا البحث ثلاثة أبواب، وفي الباب الأول ثلاثة فصول، وفي الفصل الأول ثلاث فقرات وخاتمة، ومقدمة المشرف والأعضاء وهذا ليس في القرآن، يقول أبو الأعلى المودودي: بينما أنت تقرأ القرآن التربوي الرافع -أي: المتحدث- تقرؤه وهو يتحدث لك عن حدائق الدنيا، وعن النخيل والأعناب، وأصوت الأطيار وخرير الماء، وعن الزهور والورود، يريد أن يبين لك التوحيد، وإذا هو ينتقل بك إلى عذاب القبر وبينما يصيبك الخوف والوجل من عذاب القبر وتسأل الله العافية والسلامة، وإذا به يتركك من هذا المكان ويدخل بك على الملوك؛ ليعلمك كيف ينبغي أن يعيشوا، وأن يحكموا شرع الله، وعلى القضاة وماذا ينبغي عليهم من السياسات الشرعية وإذا به ينتقل بك إلى ساحة الجهاد، وصليل السيوف وضرب الرماح وأنت هناك، وإذا به يتركك وينتقل بك إلى البيت والمرأة، والطلاق والنكاح، وماذا ينبغي أن يعيش المسلم في بيته، وما هي الأمور التي ينبغي أن تحكم في البيت هذا هو كتاب الله، لم يؤلف مثل تأليف البشر. الأمر الثالث: أنه لم يتفرد في فن من فنون الدنيا ولقد ألف العلامة الكبير طنطاوي جوهري كتاباً في التفسير، وأراد الخير، لكن قالوا: في كتابه كل شيء إلا التفسير، أراد أن يفسر القرآن فأتى بكل شيء إلا التفسير، أتى حتى بالهندسة في القرآن، فهو: يستدل على أن هناك مثلثاً وأنه موجود بقوله سبحانه وتعالى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} [المرسلات:30] قال: هذا يدل على أن رسم المثلث زواياه منفرجة. والخط المستقيم هو أقرب خط بين نقطتين، لقوله سبحانه وتعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]. إلى أمور أخرى، وسبقه إلى ذلك الفخر الرازي، الذي قالوا فيه: إنه من أساطين الدنيا، وقد ألف كتاباً في التفسير يقع في ستة عشر مجلداً، لكنك إذا قرأته كأنك تقرأ في كتاب الطب أو في كتاب هندسة أو كتاب كيمياء أو فيزياء، وليس هناك إلا بعض اللمحات عن التفسير، حتى قالوا: فيه كل شيء إلا التفسير. فالمقصود: إن القرآن ليس كتاب تاريخ، فلم يعتنِ بالتاريخ تلك العناية، ولم يخبرنا أن إبراهيم عليه السلام ولد عام كذا وكذا، وأنه كان طويلاً أو كان قصيراً، أو طوله كذا وكذا، أو عنده أبناء، وكان يفطر بكذا، ويتغدى بكذا، ويتعشى بكذا لم يخبرنا بشيء من ذلك. وليس كتاب جغرافيا؛ فلم يخبرنا بالقارات ولا بالدول، وليس بكتاب هندسة؛ فلم يأت بالأشكال ولكنه كتاب هداية ونور وصلاح وفلاح، وهذه هي القضية الكبرى التي ينبغي أن تفهم.

موقف إبراهيم مع النمرود

موقف إبراهيم مع النمرود أما مواقف إبراهيم في القرآن فهي كثيرة، وسأذكر لكم هذه المواقف لنتعلم عقيدة أهل السنة والجماعة من هذه المواقف، يقول بعض العلماء: حق على من أراد أن يتعلم العقيدة أن يتعلمها من مواقف الأنبياء في القرآن مع قومهم. يقول الله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258]. هذا النمرود بن كنعان الذي ملك الدنيا، يقول ابن عباس رضي الله عنهما، وقد ذكره ابن كثير في سيرة إبراهيم عليه السلام، قال: ملك الدنيا أربعة: مؤمنان وكافران، فأما المؤمن الأول فهو سليمان عليه السلام، قال الله عنه: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35] الآخر: ذو القرنين عليه السلام. وأما الكافران: فـ النمرود بن كنعان، وبختنصر، وقد أحسن الأخير؛ لأنه أباد اليهود من الأرض أول مرة، وهتلر أبادهم المرة الثانية، وينبغي لهم أن يبادوا مرة ثالثة؛ لأن الوتر مطلوب في الإسلام فـ بختنصر قطع دابرهم وتتبعهم حتى قتلهم قتل عاد وثمود، وأتى هتلر -سود الله وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه- فأدخلهم وهم أحياء في الأفران، ولذلك إذا سمعوا بالنازية يغشى عليهم من الخوف والهلع وبقي لهم ثالث موحد يدوسهم على التراب أحفاد القردة الخنازير، وهذا قريب إن شاء الله. فأتى إبراهيم عليه السلام ودخل على هذا الملك والله عز وجل أخبر عن الأنبياء أنهم يدخلون على السلاطين، وأنهم يتحدثون مع الطغاة، فقد أخبرنا أن إبراهيم دخل على النمرود، وأخبرنا أن موسى دخل على فرعون وسنقف مع القصتين لنرى ما هو الاختلاف بين الحوار والجدل، وما هي المناظرة التي وقعت، وما هي البينونة بين هذه القصة وبين تلك إبراهيم عليه السلام دخل على هذا الفاجر، فدعاه إلى الله عز وجل، قال الله عز وجل عنه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة:258] أي: أعطاه الله الملك، ثم حاج إبراهيم في ربه سبحانه وتعالى! كأن تقول لابنك -ولله المثل الأعلى-: أعطيتك، وشريت لك سيارة، ثم ما كان منك إلا أن تترك الفرائض وتترك مجالس الخير، وتذهب تعصي الله عز وجل وتضيع وقتك! {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة:258] دخل إبراهيم وأراد أن يفحمه، فقال الملك: ما هي علامات ربك؟ قال: يحيي ويميت ولذلك موسى لم يقل هذا لفرعون؛ لأن فرعون درس في هذه المدرسة، فلو قال له ذلك لقال: أنا أحيي وأميت. فموسى عليه السلام تجنب هذا، لأنه ضيع الوقت مع فرعون فقال النمرود: أنا أحيي وأميت. قال: كيف تحيي وتميت؟ قال: تعالوا بأسيرين، فأخرجوا محبوسين من السجن، فقال: هذا سوف أحييه وأعتقه، فقد عفوت عنك، وهذا سوف أميته، فضربه بالسيف وهذا ليس في اللغة ولا في العقل ولا في النقل أنه إحياء وإماتة، لكنه فاجر مجاهر بالفجور، فما موقف إبراهيم عليه السلام؟ هل من الحكمة أن يقول: لا والله ليس هذا بإحياء وإماتة، ويضيع الوقت معه، ثم يحلف ذلك أن هذا إحياء وإماتة، ثم يقول: قدم شاهدين وأعطني بينة؟ لا. بل قال له: مادام أنك تحيي وتميت فما شاء الله تبارك الله عليك: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة:258] ولذلك يسمى هذا في الجدل (الإفحام) ومن أحسن من كتب فيه: الدكتور زاهر بن عوض الألمعي، في كتاب: الجدل في القرآن قال: مادام أن عندك هذه الإمكانيات والقدرات التي ما اكتشفناها إلا اليوم: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة:258] ولو كان يستطيع أن يواصل في هذه القضية لواصل، لكنه ما استطاع أن يرد: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258].

مقارنة موقف إبراهيم مع النمرود وموقف موسى مع فرعون

مقارنة موقف إبراهيم مع النمرود وموقف موسى مع فرعون هذه هي المناظرة التي نجح فيها إبراهيم عليه السلام، أما موسى عليه السلام فأتى من نوع آخر، دخل على فرعون، ولما أصبح على العتبات، ماذا أوصاه الله عز وجل؟ هل قال له: ارفع صوتك، أو ثبت جنانك، أو هيئ خاطرك؟ لا إنما قال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} [طه:44] ما ألطف الله بعباده! وما أحسن دعوة الرسل وما أحسن أسلوبهم في القرآن! {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. من يدري؟ لعل الله أن يفتح عليه، ولذلك على الداعية ألا ييأس من الناس، فلو رأيت الإنسان يشرب الخمر ويزني ويسرق سبعين مرة، فلا تيأس منه، لأن مفاتيح القلوب بيد الله، قال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] قيل: يتذكر النعم، أو يخشى من العذاب. فدخل موسى عليه السلام، فلما أصبح في الإيوان، ورأى الوزراء والأبهة والأمراء والسيوف والدولة والملك؛ خاف، قال الله: {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45]. يخاطب ربه مع أخيه هارون، ويقولان: يا رب نخاف من هذا الفاجر أن يفرط، أي: يستعجل علينا، ولا يتركنا نُسلم عليه، ويمكن أن يحبسنا أو يضربنا ضرباً مبرحاً {أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45]: يتجاوز في العقوبة، فإذا كان استحقاقنا خمسين جلدة، يجلد كل واحد منا مائة جلدة، فيقول سبحانه وتعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] أي: أنا معكم فلا تخافا، إنما تكلم والله معك فدخل عليه، وهو رجل شاب، وكان قد قتل واحداً منهم، ثم ذهب يرعى الغنم، وإذا به يأتي بإزار من صوف، ومعه عصا كان يرعى ويهش بها على الغنم، أتى من الصحراء ويدخل على هذا الطاغية، الذي ما يرى الشمس إلا من السنة إلى السنة من الرفاهية والكبر، فيأتي وإذا هو منتفش كالطاوس على كرسيه. يقول الحسن البصري: قاتل الله فرعون! كان طياشاً -سفيهاً- لأن العاقل ولو كان كافراً فإنه يترك الإنسان المتحدث الوافد عليه حتى يتحدث، ولذلك ملوك العرب كانوا يتركون الوافد حتى يلقي ما عنده، ويشرح غرضه، ويلقي رسالته أما هذا فلما رأى موسى وهارون جلس وقال: من ربكما يا موسى؟ كان الواجب أن يتركهم حتى يتكلموا، لكنه قاطعهم فقال: من ربكما يا موسى؟ قال الزمخشري: فلله در جواب موسى من جواب. لم يقل: ربي الذي يحيي ويميت؛ لأنه سوف يضيع عليه الوقت كما ضيعه النمرود بن كنعان، وموسى عليه السلام قد درس رسالة إبراهيم، وعرف مجريات حياته ودقائقها، فإن الله يعلم كل رسول برسالة الآخر، فقال: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] قال الزمخشري: لله درك من مجيب! ولله در جوابك ما أحسنه! فإن هذا هو الإفحام. ذاك يدعي الألوهية، وعنده نهر صغير فقال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] فأجراها الله من فوق رأسه: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] ولم يقل: ربنا سميع وبصير لأن أهل السنة والجماعة يقرون بصفات الله عز وجل، ويقرون كذلك بأن للمخلوق صفات، فهم يقولون: الله عالم، له علم يليق بجلاله، والإنسان عالم له علم يليق به، ويقولون: الله حليم، له حلم يليق بجلاله، والإنسان قد يكون حليماً له حلم يليق به فلو أتى موسى عليه السلام، لكان ذلك مدخل لفرعون إلى قياس الاشتراك، فلو قال: ربي سميع، لقال فرعون: وأنا سميع، والناس سوف يصدقونه، ولو قال: ربي عليم، لقال فرعون: وأنا عليم، ولو قال: ربي حي، لقال فرعون وأنا حي لكنه أتى بصفتين ليست في فرعون -لأنه يدعي الألوهية-فقال: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] فعرف الكذاب أنه لا يعطي كل شيء خلقه ثم يهديه. وما فائدة قوله: {ثُمَّ هَدَى} [طه:50]؟ قالوا: هدى كل شيء إلى خلقه. يقول سبحانه وتعالى: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى:3] ولما قرأ سيد قطب هذه الآية سال قلمه في سورة الأعلى فنسي نفسه، فأتى بصفحات في هداية الله للحيوانات، وأتى بأعاجيب يحسن بنا أن نعود إلى الظلال لنقرأ هذه القصص وهذه الأعاجيب، يقول: من هدى الأسماك حتى تهاجر من المحيط الهندي إلى المحيط الأطلسي في وقت البيض، فتبيض هناك لأن ذلك، المحيط يتجمد، فإذا فقست بيضها هاجرت هذه المواليد والزواحف لتعود إلى أمهاتها! ومن هدى الجراد أن يأتي في موسم الصيف، فيفر من بلد إلى بلد؟ ومن هدى النحلة حتى يقول كريسي موريسون، ينقل عنه سيد قطب يقول: لعل راداراً يوحي إلى هذه النحلة بمكانها، كيف تهاجر وتترك خليتها ثم تقطع آلاف الأميال وتعود إلى الخلية! قال سيد قطب: نعم. إن الله عز وجل يقول: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً} [النحل:68 - 69]. الشاهد: أن موسى عليه السلام دمغه، فلما اندمغ احتار، ثم بعدها: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه:51] يقول: إن كان الله عز وجل سوف يبعث الناس يوم القيامة، فأين تذهب القرون الأولى عندما تموت ولا تعود؟ فبإمكان موسى أن يقول له: ما دخلك يا حقير في هذه المسائل، لكنه تأدب في الخطاب؛ لأن الله أوصاه: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] ولكن: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52] ولله دره من جواب! فإنه لم يقل: لا يضل وسكت، لأنه لو قال: يضل وسكت؛ لقال الناس: إذاً ينسى، ولم يقل: لا ينسى وسكت؛ لأنه لو قال: لا ينسى وسكت، لقالوا: إذاً يضل، فنفى عنه الأمرين، نفى عن نفسه أن إذ وضع شيئاً في مكان فيضل عليه مكانها، أو ينسى أين وضعها بل هي في سجلات محفوظة عنده سبحانه وتعالى.

إبراهيم عليه السلام ومسألة إحياء الموتى

إبراهيم عليه السلام ومسألة إحياء الموتى وهذا موقف ثان في القرآن يتحدث الله عنه باستفاضة ففي آخر سورة البقرة يعرض الله عز وجل مشهد البعث والنشور للناس ويحسن بالداعية أن يستلهم هذه المواقف لعرض الدعوة على الناس؛ لأن مسألة البعث والنشور من أخطر المسائل في حياة الإسلام، فهما قضيتان: قضية توحيد الله عز وجل، وقضية الإيمان باليوم الآخر، يذكرهما الله عز وجل دائماً. ولذلك يقول الله تعالى بعد قصة إبراهيم عليه السلام مع النمرود: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} [البقرة:259] وفي قراءة: (نُنشرها) أو (نَنشرها) {ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259] قال بعض أهل العلم: إنه عزير، النبي الصالح من بني إسرائيل، خرج فمر بقرية كانت جميلة، ذات رواء، فيها أطيارها، وأشجارها وأنهارها، وفيها سكانها، ثم مر بها بعد فترة وإذا هي قد تهدمت، فلا أنيس فيها، ولا صائح ولا مجيب ولا حبيب ولا قريب، فالتفت إليها وقال: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة:259]. وكان معه حماره، وعليه طعامه وشرابه -ولا يهمنا طعامه وشرابه من أي شيء يكون- فأراد الله عز وجل أن يعلمه، وكما يقول أحد الأساتذة الكبار الخطباء، قال: أدخل الله عزيراً في المختبر هو وحماره، فأخرجه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر فأجرى عليه عملية الموت والإحياء مات الرجل ثم مات الحمار، والطعام والشراب في الخرج ما تغير بشيء وبعد مائة سنة أيقظ الله عز وجل هذا الرجل الصالح، فقال له: كم لثبت؟ فنظر إلى الشمس وكان الوقت بعد العصر، وكان قد توفي في الصباح -كما يقول أهل التفسير- ولما بعثه الله بعثه بعد العصر، فقال: لبثت يوماً أو بعض يوم. إما يوماً كاملاً، ولكن أخاف أني ما أكملت اليوم؛ لأن الشمس لم تغرب بعد، إذاً بعض يوم، وهذا من الورع والاحتياط في الحساب. فقال سبحانه وتعالى: {بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة:259]. هذا الطعام موجود منذ مائة سنة، لم تتغير رائحته ولا طعمه، ولا لونه، ففتح فوجد اللحم كما هو، ووجد الماء والعصير كما هو لم يتغير، لكن الحمار غير موجود، لأنه لو كان الحمار موجوداً أمامه لشك كذلك في أنه بقي مائة سنة، فالتفت فلم يجد الحمار، ووجد العظام أمامه قال سبحانه تعالى: {وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً} [البقرة:259] قالوا: أعاد الله عز وجل الحمار أمامه، فركب العظام وهو ينظر -بعد أن علم أن الحمار غير موجود- ثم كساه الله لحماً -كما ذكر سبحانه وتعالى في الخلق- فلما كسي لحماً ركب أعصابه فيه، ثم أعطاه دماً، ثم أعطاه جلده وشعره، ثم خلق فيه الروح؛ فانتفض الحمار، فإذا هو حي أمامه هل في ذلك شك؟! {وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} [البقرة:259] قيل: ننشزها: نركب بعضها في بعض، أو نحييها، وقيل: ننشرها بعد أن ماتت {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259]. ثم قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة:260] قال المفسرون: مر إبراهيم عليه السلام بجيفة ميت، قيل: إنه حيوان ميت على ساحل البحر، وإذا بالغراب ينهش منه ويذهب، والحدأة تأكل منه، والنسور والطيور وغيرها، فقال إبراهيم: سبحان الله! الله عز وجل يحيي الأموات بعد أن تموت، ولحوم هذه تذهب في بطون هذه كيف ذلك؟ {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} [البقرة:260] أنت أستاذ التوحيد، الذي تربي الناس على التوحيد والعقيدة وتتكلم بهذا الكلام؟! {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]. ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {ليس الخبر كالمعاينة} وقال كما في صحيح البخاري: {نحن أولى بالشك من إبراهيم} أي: لو كان إبراهيم شاكاً لشككنا نحن، وهذا من تواضع الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنه يقول: إبرهيم أقوى منا إيماناً، وأعرف منا بالتوحيد، وأقوى يقيناً، فلو شك لشككنا، فنحن أولى بالشك منه. قال الله عز وجل: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260] قد آمنت لكن أريد يقيناً عندما أرى الأمر مباشرة فأجرى الله سبحانه وتعالى عملية البعث بين يديه، ولم يقل له: إني سوف أحيي فلاناً أو فلاناً، لكن: {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ} [البقرة:260] وقد اختلف أهل التفسير في الطير، وقد ذكره صاحب فتح القدير، فقال بعضهم: هي بط ووزة وحمام ودجاج، وقال بعضهم: ليس فيها أوز، فيها حمام زاجل، وقال بعضهم: بل فيها نسر، وقال بعضهم: بل حدأة وغراب وهذا ليس فيه طائل، وإنما هي أربعة أصناف من الطيور {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:260] الصر: هو القطع، وقيل: هو الضم وما أحسن أسلوب القرآن! فإن الله عز وجل لا يتكلم في القرآن إلا بالجملة الراقية العظيمة التي تملأ الأذنين جلالة وتملأ القلب محبة ورهبة ولذلك انظر كيف يتحدث القرآن بكلام لو تحدث عنه الناس بهذا الأسلوب، لتبدل الكلام، ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:10]. فلو تحدثنا عنه لقلنا: والنخل طويلات، لها ثمر طيب لكن الله سبحانه وتعالى قال: باسقات، جمع باسقة، في بلاغة وإبداع! وقال: لها طلع، ولم يقل: ثمر، لأن الطلع فيه حياء ورواء وإجماع للذهن، وإحياء للقلب، وقال: نضيد؛ كأنه حب منضود، أو كأنه عقد نقض بعضه على بعض فسبحان من أنزل هذا القرآن! فأخذ إبراهيم عليه السلام الطيور الأربعة، فقطعها، ثم جمع جثثها، شعرها ولحمها ودمها وعظامها، جمعها وخلطها، ثم وزعها على رءوس الجبال، وكانت رءوسها عنده، ثم نزل إلى الوادي والجبال حوله، ثم دعا وقال: تعالي باسم الله؛ فأخذ كل عضو يأتي إلى مكانه الجناح يأتي حتى يرجع إلى مكانه، ويأتي الشعر إلى مكانه وهكذا حتى رفرفت ثم خرجت من بين يديه فإذا هي أحياء بإذن الله. قال الله: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً} [البقرة:260] ولم يقل: يأتينك على مهل، أو يأتينك يتدحرجن؛ وذلك لأن السعي فيه معنى الحياة قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس:82 - 83]. ثم قال الله تعالى: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260] لماذا قال الله في هذه الآية: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260] وقال عند عزير: {قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259]؟ الآيتان وراء بعض، والقدرة والحكمة وجدت هنا وهناك، فلماذا هذا الاختلاف؟ A عزير كان عنده شك في إحياء القرية، فناسب أن يقول: أعلم أن الله على كل شيء قدير، ليقرر له حقيقة القدرة، وإبراهيم عليه السلام لما قال الله عز وجل له: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} [البقرة:260] فهو قد نفى عن نفسه الشك، فما يناسب أن يقول: أعلم أن الله على كل شيء قدير؛ لأنه قد علم، لكنه قال له: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260] فهو صاحب عزة وحكمة، فناسب أن يختم هذه بهذه، وهذه بهذه ولذلك أنا أنصح نفسي وإياكم بالاعتناء بخواتم الآيات؛ لأنها ما تأتي إلا لحكمة، فالله عز وجل إذا ذكر المغفرة والتوبة في سياق الآيات قال: والله غفور رحيم، وإذا ذكر الحدود والعزة والحكمة قال: والله عزيز حكيم، وإذا ذكر الرزق والعلم والعطية والإذن قال: الفتاح العليم الوهاب، سبحانه وتعالى. سمع أعرابي قارئاً يقرأ من حفظه قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38] إلى قوله تعالى {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38]. فقال القارئ: والله غفور رحيم. فقال الأعرابي: لا يكون هذا أبداً، قال القارئ: ولم؟ قال: لأنه لا تأتي المغفرة والرحمة بعد هذا، إنما الذي يناسب هو العزة والحكمة. فرجع إلى المصحف فوجدها كما قال الأعرابي وهذا من حكمة الله عز وجل في كتابه الكريم.

الكلمات التي ابتلى إبراهيم ربه بها

الكلمات التي ابتلى إبراهيمَ ربُهُ بها يقول الله سبحانه في موقف آخر مع إبراهيم: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} [البقرة:124]. إبراهيم هنا هو المفعول فهو الذي ابتلاه الله سبحانه وتعالى بكلمات وبماذا ابتلاه سبحانه وتعالى؟ وما هي هذه الكلمات؟ قيل: هي قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} [البقرة:124]. القول الثاني: أنها أوائل سورة المؤمنون، قال ابن عباس: [[ابتلاه الله عز وجل بثلاثين آية، من أول سورة المؤمنون، - ترفع على الحكاية- وعشر من سورة الأحزاب: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35] والبقية، وعشر من سورة المعارج وسورة التوبة]] وقيل: ابتلاه بخصال الفطرة، وهي: قص الشارب، وتقليم الأظافر، والوضوء. والأحسن أن يقال: ابتلاه عز وجل بالتكاليف الشرعية، فقام بها على أحسن قيام؛ فجعله الله للناس إماماً، ومن قام بالتكاليف الشرعية جعله الله للناس إماماً {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة:124] أي: واجعل من ذريتي أئمة؛ فأجابه الله: {قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124] أي أن كل ظالم ولو كان من ذريتك لا يناله العهد، ولا يناله التوفيق ولا الهداية ولا السداد هذه من مواقف إبراهيم في القرآن.

إبراهيم وإلقاؤه في النار

إبراهيم وإلقاؤه في النار ومن مواقفه: إلقاؤه في النار وهو من أعظم المواقف التي تعرض لها في حياته، والتي أظهرت فضله ومنزلته، والعجيب أنه لما ألقي في النار تخلى عنه كل أحد إلا الله عز وجل، فأتاه جبريل وقال له: هل لك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم. فلما ألقي قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فجعلها الله برداً وسلاماً عليه، ولو جعلها برداً فقط لمزقته بالبرودة والزمهرير ولو جعلها سلاماً فقط لاقتضى أن يكون فيها حرارة، ولكن جعلها برداً وسلاماً؛ فخرج بإذن الله، وسلمه الله عز وجل، وكرر الله هذه القصة لأوليائه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

خصائص إبراهيم عليه السلام وصفاته في القرآن

خصائص إبراهيم عليه السلام وصفاته في القرآن يتميز إبراهيم عليه السلام في القرآن عن الأنبياء بثلاث ميز: الأولى: أن الله ذكر بعض صفاته كثيراً أكثر من غيره من الأنبياء. الثانية: أنه عرض دعوته بالآيات والتفكر في مخلوقات الله أكثر من غيره. الثالثة: أنه واجه صعوبات مع أبيه ومع بيته قبل أن يذهب إلى الناس ولذلك يذكره الله عز وجل كثيراً، يقول الله عز وجل عنه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود:75] أواه: أي: كثير التأوه من الذنوب، وقيل: كثير الاستغفار، وقيل: كثير التوبة حليم: أي: أنه شفيق رحيم فإن الله تعالى ذكر هذه الآية بعد قصة ذهاب الملائكة إلى قوم لوط ليدمروهم، فأشفق عليهم إبراهيم عليه السلام، وأخذ يجادل فيهم القوم مهلكون، وإبراهيم عليه السلام قام وترك الغداء معهم وقام يجادلهم في قوم بلغوا من إجرامهم كل مبلغ، فهذه علامة الحلم. وقد ذكره الله في الشجاعة فقال: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} [الصافات:93]. وذلك عندما ذهبوا إلى عيدهم، فأتى بفأس فمال على الأصنام فضربها حتى كسرها، وكانت من زبرجد ومن زجاج ومن ذهب وفضة، وأخذ الفأس فعلقه على الكبير الأبله، فأتوا إليه، ومن حقارتهم أنهم يهونون من شأن مخالفيهم: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء:60]. لأن أهل الضلال الآن إذا سمعوا بأهل الإصلاح وأهل الخير قالوا: هناك أناس يدعون أنهم سوف يدعون إلى الله عز وجل وينشرون العلم، والصهيونية العالمية تفعل هذا مع الدول الإسلامية، وتهون من شأنها، وأما نحن إذا أخبرنا عنهم فنقول: الإرهابيون، القتلة، حتى نخوف نساءنا وأطفالنا منهم، فنتصورهم في المنام، وهم يهونون من شأننا. وإبراهيم عليه السلام له روغتان: روغة شجاعة، وروغة كرم قال تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26] أي: من روغته وسرعته أتى بعجل. إذاً: من صفاته: الكرم والشجاعة والحلم وهذه ميزة القيادي، وقد كانت موجودة في أبي بكر، فقد قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: {يا أبا بكر! إن فيك شبه من إبراهيم عليه السلام} أو نحواً من هذا.

أثر بركة إبراهيم عليه السلام في مكة

أثر بركة إبراهيم عليه السلام في مكة ولما أتى إبراهيم عليه السلام إلى مكة ترك الأثر العجيب المبارك إلى قيام الساعة، ولا بد أن أستعرض معكم في هذه العجالة بعض المسائل: أولاً: ما جاء في ماء زمزم وفضلها: فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ماء زمزم شفاء سقم، وطعام طُعم} فهو يشفي -بإذن الله- السقيم لمن تعالج به وعرف قدره، قال ابن القيم: وأتاني مرض أعيا الأطباء، فنزلت وأخذت من ماء زمزم، ورقيت نفسي فتشافيت بإذن الله فمن أحسن ما يستشفى به الاستشفاء بماء زمزم، ومن استشفى به شفاه الله عز وجل بإذنه سبحانه. وطعام طعم، أي: أنه يكفيك عن الطعام، وأنك لو بقيت على ماء زمزم لشبعت بإذن الله، إن كنت تقصد الإشباع، فقد جاء في الحديث: {ماء زمزم لما شرب له} وقد بقي عليه أبو ذر أربعين ليلة، يقول: حتى تكسرت عكن بطني من السمن. ومن المسائل: هل يجوز أن يتوضأ بماء زمزم أم لا يجوز؟ المسألة خلافية بين أهل العلم: فبعضهم كره أن تتوضأ منه؛ لأنه ماء طاهر مبارك، فلا يمتهن بالوضوء والصحيح أنه يتوضأ منه، فقد جاء في مسند الإمام أحمد من حديث علي وأسامة بن زيد {أن الرسول عليه الصلاة والسلام توضأ وشرب من ماء زمزم} وقد ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام أدخل أصابعه في الصحفة فبارك الله في الماء الذي خرج من أصابعه، فتوضأ الناس من هذا الماء، وهو أشرف من ماء زمزم، فمن باب أولى أن يتوضأ منه، وكذلك يجوز أن يغتسل به من الجنابة، وهذا هو الصحيح إن شاء الله. وكيف شرب الرسول صلى الله عليه وسلم منه؟ ثبت أنه شرب منه واقفاً قيل: لكثرة الزحام، وقيل: لعجلته صلى الله عليه وسلم، وقيل: ليبين الجواز، وهذا كله وارد، فمن شرب مرة واقفاً فقد خالف الأولى، والأحسن أن يشرب جالساً، ومن كان في زحام أو مشقة أو عجلة فله ذلك. المسالة الثانية: تحريم مكة على لسان إبراهيم ودعوته لها بالبركة، فإنه حرمها ودعا لأهلها بالبركة، فبارك الله فيها، ولذلك عندما قال إبراهيم لزوجة إسماعيل: ما طعامكم؟ قالت: اللحم والماء. قال: هل لكم طعام غيره؟ قالت: لا. ليس لنا إلا اللحم والماء. فدعا لهم بالبركة فيه قال ابن عباس: فما ينفرد أحد من الناس في غير مكة باللحم والماء إلا لم يوافقاه، إلا في مكة فيوافق العبد اللحم والماء. فلا يستطيع الإنسان أن يعيش دائماً على لحم وماء إلا في مكة. المسألة الثالثة: فضل الزوجة الصالحة، وأنها علامة الخير وإذا آنست المرأة زوجها بالصلاح وأظهرت له الخير والبركة، بارك الله في البيت، ولذلك إبراهيم عليه السلام أمر إسماعيل عليه السلام أن يطلق امرأته الأولى؛ لأنها دائماً تتشاءم، فالخير موجود ومبذول، والماء كثير، والبيت واسع، ولكنها دائماً تقول: بيتنا ضيق، وسيارتنا لا تصلح، وأثاثنا من أخس الأثاث، ونحن في شدة وفي ضنك، والناس مرتاحون إلا نحن فهذه ليس فيها خير ولا بركة فإن المرأة الصالحة ولو كانت تأكل خبز الشعير فإنها تحمد الله، وتقول: نحن في نعمة وارفة، وفي ظل ممدود، ونحن في بركة وخير، وهذه هي علامة الخير والبركة. ومن المسائل: فضل التوكل على الله عز وجل، فإن إبراهيم ترك أهله وترك زوجته وطفله وذهب متوكلاً على الله فحفظهم الله. وفي الختام: نسأل الله عز وجل لنا ولكم الهداية والسداد والتوفيق، وأن يتولانا وإياكم، وأن يرعانا ويفقهنا في دينه، وأن يبصرنا بشرع نبيه وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

احرص على ما ينفعك

احرص على ما ينفعك بين لطائف اللغة ونصوص الشريعة، تتنقل بنا هذه المادة، في حديث عن أحكام التمني والتحسر، وضوابط (لو) و (لولا). تتخلل ذلك أحاديث عن بعض الشخصيات كالحطيئة والحجاج، وكابن المسيب وابن جبير، وبعض الإضافات التي تضمنتها الأسئلة بعد المحاضرة.

أحكام (لو) في الشريعة واللغة

أحكام (لو) في الشريعة واللغة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. ومع أحاديث من صحيح البخاري في كتاب التمني، يتساءل ويسأل الأكثر! عن لفظٍ يُطلقه كثير من الناس، ما صحة هذا اللفظ؟ وما مدى مصداقية هذا اللفظ؟ وهل يعارض هذا اللفظ القضاء والقدر؟ وما هو موقف القرآن والسنة من هذا اللفظ؟ قال رحمه الله تعالى: باب ما يجوز من اللَّو وقوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} [هود:80] ما هي كلمة "لو"؟ والبخاري سرد أحاديث على "لو ولولا" هل يجوز لك أن تقول: لو؟ لو فعلت كذا لكان كذا وكذا؟ عندما تمرض فتقول: لو أني ذهبت إلى الطبيب قبل مرضي لما مرضت؟ يرسب ابنك، فتقول: لو أني ذاكرت مع ابني أو راجعت له دروسه ما رسب، هل هذا جائز أم لا؟ ذلك ما سوف يجيبنا عليه الإمام البخاري، وسوف يحلق بنا المصطفى عليه الصلاة والسلام في أحاديث لندخل رياضاً يانعة، ولنسمع أقوال أهل العلم وهم يحللون هذه الألفاظ (لو ولولا).

قول لوط لقومه: (لو أن لي بكم قوة)

قول لوط لقومه: (لوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّة) قال: وقوله تعالى: {لوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّة} [هود:80]. لوط عليه السلام هو الذي قال هذه المقالة، لما هجم عليه المجرمون يريدون ضيوفه من الملائكة، وكان قوم لوط قوم سوء -أهل فاحشة- فلما رآهم خرج إليهم، وقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود:78] أما عندكم إيمان؟ أما عندكم عقول؟ ثم تأسف وتحسر! وقال من شدة الغضب: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} [هود:80] لو أستطيع أن أقارعكم وأجاولكم وأصاولكم هذا اليوم لفعلت، ثم انتقل وقال: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:80]. ما هو الركن الشديد؟ الأسرة القوية، قال: يا ليت عندي قوة في نفسي هذا اليوم، أو يا ليت عندي أسرة قوية وعشيرة مؤيدة لأخمدكم هذا اليوم. قال عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ هذه الآيات: {رحم الله أخي لوط، لقد كان يأوي إلى ركن شديد} والركن الشديد هو الله عز وجل فيقول: كأن الرسول عليه الصلاة والسلام تعجب! كيف يقول: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد، وكأنه نسي الله من الغضب، ولا أقوى وأجل وأعظم من الله!! لكنه قالها مع الغضب.

" لو " في حديث عن يوسف

" لو " في حديث عن يوسف والرسول عليه الصلاة والسلام كان يتابع بعض قصص الأنبياء باستغراب، وربما علق عليه الصلاة والسلام، قرأ سورة يوسف يوم وصل يوسف السجن ويوم عاد الرسول إلى الملك، فقال عليه الصلاة والسلام: {رحم الله يوسف! لو لبثت ما لبث يوسف في السجن لأجبت الداعي} كأنه يقول: يوسف أفضل منا على هذا، ويوسف عليه السلام رفض أن يخرج من السجن إلا ببراءة، قال الملك: أريد أن أستخلصه لنفسي، قال: لا. {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف:50]. يقول: لا أخرج حتى يكتب لي براءة أني ما خنت وما أخطأت وما تعديت؟ وفي الأخير خرج ببراءة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أكبر قيمته.

" لو " في حديث عن موسى والخضر

" لو " في حديث عن موسى والخضر وقرأ صلى الله عليه وسلم سورة الكهف، وتابع القصة باستغراق بين موسى والخضر عليهما السلام، فلما انتهت القصة، قال عليه الصلاة والسلام وهو يتبسم: {رحم الله موسى! لوددنا أنه صبر وقص علينا من نبأهما} يقول: ليته مكث قليلاً حتى يزداد علماً بهذه السيرة والرحلة العجيبة الغريبة.

حديث البخاري في باب ما يجوز من اللو

حديث البخاري في باب ما يجوز من اللو ثم قال البخاري: باب ما يجوز من اللو؛ لأنه ورد عند مسلم وابن ماجة وأبي داود وأحمد بألفاظ متباينة، يقول عليه الصلاة والسلام: {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله، وإن أصابك شيء؛ فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل} فالآن هل يجوز لنا مع هذا النهي في الحديث أن نطلق "لو" وأن نتلفظ بها؟ هذا ما سيظهر لنا من مقصود البخاري. قال حدثنا علي بن عبد الله. علي بن عبد الله هو: المديني شيخ الإمام البخاري، إمام كبير وأمير المؤمنين في الحديث، كان حفظه للحديث كالسحر، يقول البخاري على جلالته في الإسلام: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني. قال: حدثنا سفيان بن عيينة، سفيان في السند اثنان: سفيان الثوري وسفيان بن عيينة وكلاهما جليلان، وحماد في السند اثنان: حماد بن سلمة وحماد بن زيد وكلامها جليلان أيضاً. حدثنا: أبو الزناد، عن القاسم بن محمد، قال: {ذكر ابن عباس المتلاعنين، فقال عبد الله بن شداد: أهي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت راجماً امرأة من غير بينة؟ قال: لا! تلك امرأةٌ أعلنت} الشاهد هنا "لو". أما قصة هذا الحديث فهو أنه أتى رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله! إذا وجد الرجل مع امرأته رجلاً آخر ماذا يفعل؟ فكره عليه الصلاة والسلام هذه المسألة؛ لأنها لم تقع بعد والإنسان يطلب ستر الله وعفوه وكرمه، فكره صلى الله عليه وسلم المسألة، ولم يجب عليه الصلاة والسلام الرجل، فوقع الرجل في هذه المغبة والمسألة، فذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فشكى امرأته إليه، فقال عليه الصلاة والسلام: {البينة وإلا حد في ظهرك، قال: يا رسول الله! والله ما كذبت ولا كُذبت، قال: البينة وإلا حد في ظهرك} أنت قاذف والقاذف يجلد ثمانين جلدة، قال: {يا رسول الله! ما كذبت ولا كُذبت} وخرج يسأل الله أن يجعل الله له مخرجاً، إما أن يجلد وتفارقه زوجته؛ لأنه قاذف، وإلا أن يقيم البينة، وتُرجم زوجته، فأنزل الله عز وجل الحل لهذا الملاعنة في سورة النور، فاستدعاها صلى الله عليه وسلم واستدعاه، ووعظه بالله وذكَّره بلقائه وموعوده والعرض عليه، فلاعن وتقدم، ثم أخذها وذكرها بموعود الله والعرض على الله، والوقوف بين يديه، فتقدمت، وفي الأخير قال عليه الصلاة والسلام: {انظروا لها وقد حملت! إن أتت به كيت وكيت فهو شبيه بزوجها، وإن أتت به كيت وكيت فهو شبيه بالرجل الذي رميت به} فوضعت بالرجل التي رميت به، نسأل الله العافية! قال عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده! لولا ما سبق من الكتاب لكان لي ولها شأن} أي: لولا آية سورة النور لكان لي ولها شأن -يعني: الرجم- وقال عليه الصلاة والسلام: {لو كنت راجماً امرأة من غير بينة} أي: لرجمتها، فـ"لو" هنا استخدمها صلى الله عليه وسلم.

شروط جواز استخدام " لو "

شروط جواز استخدام " لو " يجوز استخدام (لو) بشروط: ألا تعارض مشيئة الله تبارك وتعالى، فإذا عارضت القضاء والقدر حرم استخدام (لو) فلا يقع إنسان في حادث ومصيبة، فيقول: لو فعلت كذا وكذا؛ لما وقعت عليك المصيبة، هذا معارضة للقضاء والقدر، لكن لك أن تتحسر على أمر فات عليك، تقول: لو كنت في شبابي، أو لو استقبلت من شبابي ما استدبرت؛ لتبت إلى الله عز وجل، هذا تأسف على العمل الصالح وقد جوَّزه بعض أهل العلم. فيجوز إطلاقها لمن جزم بمشيئة الله سبحانه وتعالى وهذا رأي ابن حجر العسقلاني في الفتح. وإن كان العمل للاستقبال فيجوز ذلك، وهو قول القاضي عياض المالكي، تقول: لو أتت العطلة الصيفية لحفظت القرآن، أما الماضي فلا يجوز عند القاضي عياض، لكن سوف يرد عليه أهل العلم برد وهو ما كان فيه مصلحة وفائدة، كان يتحسر عليها ويقول: لو أني استطعت أن أذهب إلى الجهاد لذهبت وفي الحديث: {لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي} فالرسول عليه الصلاة والسلام تحسَّر على أمر فات ومضى. نواصل مع البخاري في صحيحه ثم نأتي إلى المسائل التي في الحديث. قال عطاء: أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعشاء، فخرج عمر رضي الله عنه، فقال: الصلاة يا رسول الله! رقد النساء والصبيان، فخرج ورأسه يقطر يقول: {لولا أن أشق على أمتي -أو على الناس- لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة} الحديث. (لولا) هنا ليست كـ (لو) فإن لو أداة امتناع الشيء لامتناع غيره، تقول: لو أتاني الضيف لأكرمته، فما أكرمته لامتناع مجيئه، لو ذاكر الطالب لنجح، امتنع نجاحه لامتناع مذاكرته.

بعض المعاني التي تستخدم فيها (لو)

بعض المعاني التي تستخدم فيها (لو) تأتي (لو) على معانٍ: تأتي بمعنى: إن الشرطية، كقوله سبحانه وتعالى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221] أي: وإن أعجبتكم، فـ (لو) تأتي شرطية. وتأتي للتقليل: التمس ولو خاتماً من حديد، وفي الحديث: {أن امرأة أتت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فعرضت نفسها؛ ليتزوجها المصطفى صلى الله عليه وسلم فأعرض عنها، فأتى رجل فخطبها، فقال عليه الصلاة والسلام: أعندك شيء؟ قال: لا، قال: التمس ولو خاتماً من حديد، فذهب فلم يجد شيئاً، فقال: أعندك شيء من القرآن؟ قال: نعم. قال: ماذا عندك؟ -في بعض الروايات- قال: سورة البقرة، قال: زوجتك إياها بما معك من القرآن} والشاهد: التمس ولو خاتماً من حديد، فـ (لو) هنا للتقليل. ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان عليَّ ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني يقول الشاعر: يا ليت الذي يخاصمني على مستواي! لكنه رجل متبذل، يخصمني وهو رجل حقير صغير، حتى إن ابن القيم كما في شفاء العليل في "كتاب القدر" يقول: بلينا -والله- بالمبتدعة أفراخ الصابئة وأذناب المجوس! أي: أنهم يهاجمون أهل السنة والجماعة. ثم قال: ولو أني بليت بهاشمي: أي: من بني هاشم، من أسرة الرسول صلى الله عليه وسلم. خئولته بنو عبد المدان: وهي أسرة كبيرة من العرب. لهان علي ما ألقى: أي لو كان خصمك فيه قوة، لهان عليك. ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني: والعرب يصيبها المضض إذا كان خصمه حقيراً ثم أذله، ولذلك يجدون مضاضة أن يذلهم الحقير. الحارثي أحد شعراء العرب وعظمائهم في نجران، أتت إليه امرأة عجوز فضربته على وجهه، لأنه قتل ابنها، قال: ليتها صاحبة معصم تكون ضربتني على وجهي، كأنه يقول: عجوز وتضربني؛ لأنه مكتف مقيد كالأسد، قتل ابنها وقتل أشراف قومها، ثم رسم قصيدة يقول: وتضحك مني شيخة عبشمية كأن لم تر قبلي أسيراً يمانيا إلى آخر القصة، والشاهد: أن (لو) تستخدم للتقليل. وتستخدم (لو) للعرض تقول: لو تنزل عندنا أكرمناك، لو تأتينا أتحفناك، ولو تسعدنا شرَّفناك. وتستخدم للحصر: لو فعلت كذا لكان أحسن، لو ذاكرت كان أفيد، لو صليت كان أنفع، لو ذكرت الله كان أعظم لأجرك. وتستخدم بمعنى (هلاّ) قال تعالى: {لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} [الكهف:77]. في الرحلة الطويلة لموسى عليه السلام مع الخضر وكان فيها أعاجيب، كما قال تعالى عن الجن: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} [الجن:1] العفاريت يقولون: القرآن عجبٌ، وكثير من الناس لا يعجبون من القرآن! وفي آخر المطاف نزل الخضر وموسى عليهما السلام فاستطعما أهل القرية فلم يطعموهما بسبب اللؤم والبخل: لا يقبض الموت نفساً من نفوسهم إلا وفي يده من نتنها عودُ عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديدُ إلى أن يقول: إني نزلت بكذابين ضيفهم عن القرى وعن الترحال محدودُ جود الرجال من الأيدي وجودهم من اللسان فلا كانوا ولا الجودُ فالخضر رأى الجدار يكاد أن يسقط فقام فبناه، قال موسى: سبحان الله! قوم حملونا بالسفينة بغير أجر وخرقت السفينة، وقوم لم يطعمونا وبنيت لهم الجدار {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} [الكهف:77] قال: هلاَّ من باب الأدب. وتستخدم: للتمني، قال سبحانه: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:102] لكن ما تنفعهم كرة؟ يقول أهل الجحيم في الجحيم: ياليت لنا عودة إلى الدنيا، لكن (لولا) للتمني. وتستخدم شرطية جزائية: لو جئتني أكرمتك، ولو ذاكرت نجحت. قال أحد العرب وقد سرقت إبله من قبيلة مخاصمة محاربة، فذهب إلى قومه فقال: أنجدوني! كانوا جبناء حتى أن بعض القبائل العربية قبل الإسلام كانت القبيلة تقية ورعة، قالوا: فيها جبن، حتى أن الحطيئة يسب قبيلة يقول: قُبِّيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل يقول: ماشاء الله! ما أحسن هذه القبيلة، لسكونها ووقارها وورعها لا يغدرون بالناس، وهذا من جبنها، وهو يعني: الذم، فذهبت القبيلة إلى عمر رضي الله عنه، فقالت: يا أمير المؤمنين! سبنا وشتمنا، قال عمر: عليّ به! فأتي بـ الحطيئة، وقد كان من كبار الشعراء؛ لكنه بذيء اللسان، وفي مجلس عمر دخل أمير أهل العراق الزبرقان بن بدر قال: سبني يا أمير المؤمنين! وأتى ثانٍ وثالث، قال: سبني يا أمير المؤمنين! قال عمر: ماذا يقول فيكم أيتها القبيلة؟ قالوا: يقول: قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل قال عمر: ياليتني كنت كذلك، وعمر يدري أنه يسبهم؛ لأنه يعرف الذم. يا أمير المؤمنين إنه يقول: ولا يردون الماء إلا عشية إذا صدر الوراد عن كل منهل يقول: من الخوف والجبن لا يزاحمون على الماء إلا بعد صلاة المغرب، قال عمر: ذلك أبعد للزحام. وعمر يمررها كلها لكنه يأتي بأمور لا تسمح، وفي الأخير قال للزبرقان: ماذا قال فيك الحطيئة؟ قال: يقول فيّ: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي قال عمر: ما سبك! يقول: اجلس في بيتك فإنك مطعوم ومكسي، قال: أنا خادم، قال: لا. قال: ويقول: أزمعت يأساً مبيناً من نوالكم ولا يرى طارق للحر كاليأس قال: صدق ما سبك! قال: اسأل حسان، وحسان هو طبيب المهنة، "أعطوا القوس باريها" فأتى حسان فجلس، فذكر عمر له البيت، فقال حسان: ما سبه وإنما سلح عليه! فقال: عمر: أنزلوا الحطيئة في بئر، فأنزلوه فيها، فأخذ يصيح كالثعلب من آخر البئر، وألقى قصيدة أبكت عمر رضي الله عنه وأرضاه، يقول: ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر يقول: يا أمير المؤمنين! يا عمر بن الخطاب! أجلستني في قعر البئر وأطفالي في الصحراء، بماذا تلقى الله، وتقول لله عز وجل في أطفالي. ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر ضيعت كاسبهم في قعر مظلمة فاغفر عليك سلام الله يا عمر إلى آخر القصيدة فبكى عمر وأطلقه، وشرى أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، قال: حرام عليك أن تهجو أحداً، فلما مات عمر كان يريد أن يهجو؛ فيتذكر عهد عمر فيسكت حتى مات، فما هجا أحداً بفضل الله. المقصود: أن هذا الرجل سلبت إبله فذهب إلى قبيلته فاستنجد القبيلة، فقالوا: لا ننصرك، سبحان الله! فألقى قصيدة رائعة يقول فيهم: لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا يقول: لو كنت من القبيلة تلك، ما أخذوا إبلي؛ ولكن أنا منكم، أنتم فسلة يا ضعاف إلى أن يقول: قوم إذا الشر أبدى ناجديه لهم هبوا إليه زرافات ووحداناً لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهاناً انظر إلى الشجاعة! لا يقول: إذا أتى رجل يصيح فيهم: يا قومنا أجيبوا داعي الله! تعالوا فقد أحيط بي، فيقولون: أعطنا بينة، هل يشهد معك أربعة أنهم أخذوا إبلك الشاهد أن "لو" تأتي: للتمني وتأتي في مواضع أخرى. أما "لولا" التي يقول فيها ابن حجر: هي أداة امتناع لوجود، كما في الحديث: {لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة} ما معنى هذا؟ يقول عليه الصلاة والسلام: {لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة} وجدت المشقة فامتنع الأمر. قال عطاء: فخرج عمر رضي الله عنه وأرضاه، والرسول عليه الصلاة والسلام كان منشغلاً في بيته -غالباً- وقت صلاة العشاء، فلما انصرف الرسول صلى الله عليه وسلم أتى النساء والصبيان، لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا أهل مهنة، فأبطأ عليهم صلى الله عليه وسلم وهم أهل أشغال في النهار، فنام كثير منهم، فأتى عمر وكان رضي الله عنه جريئاً، فقال: يا رسول الله! يا رسول الله! يا رسول الله! نام النساء والصبيان، فخرج صلى الله عليه وسلم تقطر ظفائره بالماء، وفي لفظ: أنه وضع خاتمه على ناصيته الشريفة يزيل الماء، وقال: {لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فهو صلى الله عليه وسلم لا يريد المشقة، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فهو عليه الصلاة والسلام يتجنب كل ما فيه مشقة، ويكره التنطع والتعمق والتشديد على الناس. قام الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان يُصلي من الليل، فوجد قوماً يُصلَّون بصلاته صلى الله عليه وسلم، فترك الصلاة في الليلة الرابعة، قالوا: لماذا يا رسول الله؟ قال: خشيت أن تكتب عليكم. وفي الحديث: {كان يترك كثيراً من العمل خشية أن يكتب على الأمة} عليه أفضل الصلاة والسلام. كان يقوم في الصلاة يريد إطالتها فيسمع بكاء الطفل من آخر المسجد، فيخفف الصلاة لما يعلم من وجد أمه عليه. لكن كيف يرقد النساء والصبيان ثم يقومون للصلاة ولم يتوضئوا؟ قال أهل العلم: يحمل الحديث على محملين: الأول: أنهم نعسوا ولم يرقدوا، والنعاس يسمى رقاداً، أي: أول الرقاد يسمى نعاساً ولم يكن متمكناً. والأمر الثاني: أن في الحديث أمراً مسكوتاً عنه، ومن يخبرنا أنهم توضئوا أم لا؟ وإلا فالحديث على ظاهره -إن شاء الله- على قول من قال: إن النوم لاينقض الوضوء. عن عبد الرحمن وهو الأعرج قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك} وفي رواية البخاري {مع كل وضوء} وهذا الأمر يقتضي الحث والندب على السواك، ويعلم أن السواك ليس بواجب على الناس، لقوله صلى الله عليه وسلم: {لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم} فانتفى الأمر والوجوب لما فيه المشقة.

النهي عن الوصال

النهي عن الوصال وعن أنس رضي الله عنه وأرضاه قال: {واصل النبي صلى الله عليه وسلم آخر الشهر وواصل أناس من الناس، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو مدَّ بي الشهرُ لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم، إني لست مثلكم، إني أظل يُطعمني ربي ويسقيني}. معنى الحديث: أن الرسول عليه الصلاة والسلام صام يوماً من الأيام ثم واصل، والمواصلة هنا، أي: مواصلة الليل بالنهار، فالرسول صلى الله عليه وسلم صام الليل مع النهار، فأتى أناس من الصحابة يريدون المواصلة، فقال عليه الصلاة والسلام: {أنا لست كهيئتكم! أني أظل يطعمني ربي ويسقيني} فواصل، فقال صلى الله عليه وسلم: {لو مد بي الشهر لواصلت بكم} يعني: تحدٍّ حتى يظهر من يستطيع أن يصبر ممن لا يستطيع أن يصبر، كالمنكل بهم صلى الله عليه وسلم. ومعنى: {إني أظل يطعمني ربي ويسقيني} ليس معناه: أنه يطعمه الطعام، ويسقيه الشراب، فإنه ليس بصائم على هذا، لكن معناه: أنه يطعمه سبحانه وتعالى من المعارف والإشراقات والوحي والنور والحكمة ما يشبع به. يقول الأندلسي: فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت ولا شربتا أي: إن قوت القلب هو أرواح المعاني والألفاظ والإبداعات ودلالات الألفاظ، والمعاني: هي التي تشبعك، وليس الطعام والشراب كما عند كثير من الناس. فالرسول صلى الله عليه وسلم يُطْعم بالوحي، ويُسقى بالحكمة، فلا يظمأ. قال ابن القيم عند هذه: نعم، هذا ما يدير الله عليه من المعاني والحكم، ثم أتى بأبيات، وهي لأحد العرب يخاطب محبوبته حاكياً عن ناقته لكنَّ ابن القيم قلب هذه الأبيات وجدها لتكون في حب العبد لمولاه تبارك وتعالى، يقول: لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نور تستضيء به ومن حديثك في أعقابها حادي إذا تشكت كلال السير أسعفها سوق القدوم فتحيا عند ميعاد وهي من أحسن الأبيات، ذاك الشاعر يقول: أمشي بناقتي فتكل، فأُحدثها بأخبارك فتتشجع -انظر إلى الكذب الكثير- قال: فإذا أظلم الليل رأت من الأنوار فتوقت ومشت. الشهرزوري يقول عنه ابن خلكان: له أبدع قصيدة عند العرب في معنى النور يقول: لمعت نارهم وقد عسعس الليل ومل الحادي وحار الدليل فتأملتها وفكري من البين عليل وطرف عيني كليل وهذا كما قال سبحانه وتعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء:224 - 227]. {إني أظل يطعمني ربي ويسقيني} قال: "لو مد" والشاهد من الحديث (لو) وهي أداة امتناع لامتناع.

نبذة عن حياة سيد التابعين

نبذة عن حياة سيد التابعين سعيد بن المسيب، حيا الله سعيد بن المسيب سيد التابعين بلا مرية، اختلف أهل العلم أيهم سيد التابعين؟ قالوا: سعيد بن المسيب، أو الحسن البصري أو أويس القرني، قالوا: أما في الزهد فـ أويس؛ فإن فيه أحاديث، وأما في العلم والنقل والفقه فـ سعيد بن المسيب، وأما في أعمال القلوب والرقائق فـ الحسن البصري. وسعيد بن المسيب قرشي زهري، كان قوي الشخصية إلى الحد الذي يفوق الحصر، رفض أموراً كثيرة عُرِضَت عليه، جلد وابتلي ورفع الله منزلته، كان يجلس بعد الفجر، وكانت ثيابه بيضاء، وكان يعتني بالطيب والسواك والوضوء، وكان يستقبل القبلة، قالوا: كان يجلس متربعاً حتى يؤذن لصلاة الظهر وهو يذكر الله، وقيل عنه: إنه كان يصوم كثيراً من الأيام، وما رئي إلا قليل من الأيام وهو مفطر. ويقول: والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الإمام أربعين سنة، وما نظرت إلى ظهر أحدٍ في الصلاة إلا إلى الإمام، قال: ولما وقعت معركة الحرة، التي دبرها يزيد بن معاوية، ولو أن بعض المؤرخين ينفي هذه المعركة عن يزيد، ويبرئ ساحته من المعركة، لكنه أرسل مسرف بن عقبة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء} في لفظ: {لا يكيد أحد المدينة إلا أنماع كما يذوب الملح في الماء} فأرسل جيشاً من دمشق فدخل المدينة، فاستباحها ثلاثة أيام، وقتل أبناء المهاجرين، والأنصار، وخرجوا من المسجد خائفين، قال سعيد: -كما في سيرته-[[فبقيت في المسجد كلما حضر وقت الصلاة أسمع الأذان من قبره صلى الله عليه وسلم]] هكذا ورد وهذه الرواية هذه صحيحة. يقول سعيد: سمعت أبا هريرة يقول: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال} وصال الليل بالنهار، وقد فعله بعض الصحابة والتابعين، ولكن هذا مردود عليهم بالسنة، قال الذهبي: فعرضنا عبد الله بن الزبير وكان من أقوى الناس على العبادة، يمر به ليلة -كما في سيرته- فيجعل الليل من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر قائماً يقرأ، والليلة الثانية راكعاً إلى صلاة الفجر، والليلة الثالثة ساجداً إلى صلاة الفجر، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء بسند صحيح عنه: كان يصوم سبعة أيام ليلاً ونهاراً ويفطر في اليوم الثامن، سبعة أيام سرداً، ويفطر على سمن الأبقار، وكان عابداً من الدرجة الأولى، طاف بالبيت يوم أن اقتحم السيل الحرم، فطاف في السيل رضي الله عنه وأرضاه، ولم يكن كبير جثمان وإنما كان نحيفاً، ذكر أنه كان إذا خطب ارتجت له نواحي الحرم من صلابة صوته وشجاعته، وهو الذي قتله الحجاج: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134]. إذاً ورد النهي عن الوصال والسرد، وسرد الأيام -أي: صيام الدهر- منهي عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: {لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد}. أي: أنه ينهى أن يصوم الإنسان كل الأيام وعليه بالسنة أن يصوم ويفطر، أما السرد فمنهي عنه، وأما الصحابة الذين فعلوا ذلك؛ فيحمل على أنه ما بلغهم النهي، رضي الله عنهم وأرضاهم.

حديث: (ولولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية)

حديث: (ولولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: {سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجدار أمن البيت هو؟ قال: نعم. قلت: فما بالهم لم يُدخلوه في البيت؟ قال: إن قومك قَصُرت بهم النفقة -أو قَصّرت بهم النفقة- قلت: فما شأنُ بابه مرتفعاً؟ قال: فعل ذاك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، ولولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية، فأخاف أن تُنكرَ قلوبهم أن أدخل الجدار في البيت وأن ألصق بابه في الأرض}.

المعنى الإجمالي لحديث بناء الكعبة

المعنى الإجمالي لحديث بناء الكعبة يقول عليه الصلاة والسلام لما قالت له عائشة رضي الله عنها وأرضاها: يا رسول! هل الجدار هذا من الكعبة؟ قال: نعم، قالت: فلماذا لم يدخل بالكعبة؟ قال: إن قومك -أي: قريش الكافرة- وهذا فيه جواز إطلاق القوم الوثنيين في النسبة، أن تقول للمسلم: قومك ولو كانوا مشركين، والله يقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} [هود:25] وقال في صالح: إلى قومه، وقال في هود: إلى قومه، فسَّماهم أقواماً لهم بنسبة العنصر والنسب لا بنسبة الديانة والخلق والعقيدة. قال: {إن قومك قصرت بهم النفقة} ما وجدوا مالاً ليدخلوا هذا الجدار في الكعبة، قالت: فلماذا الباب مرتفع؟ أما ترى باب الكعبة كيف ارتفع إلى أعلى؟ قال عليه الصلاة والسلام: فعل ذلك قومك عمداً، ليدخلوا من شاءوا ويتركوا من شاءوا. كيف يدخلوا من شاءوا؟ الآن لا يدخل الكعبة إلا بسلم فكان يجتمع أربعون لا يمكن أن يدخل غيرهم من أهل الرأي والمشورة المسنين منهم، فإذا دخل واحد ليس من أهل الندوة أو أهل الرأي، ضربوه في صدره فيقع على قفاه، وأما بني هاشم فيدخلون ولو كانوا صغاراً؛ فإنهم الأسرة المجيدة، القوية وأسرة الريادة، وأما غيرهم فلا يدخل إلا الكبار. فقال صلى الله عليه وسلم: {ولولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم، أن يدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه في الأرض} أي: لفعلت.

قضايا في حديث بناء الكعبة

قضايا في حديث بناء الكعبة في هذا الحديث قضايا: أولها: مخاطبة الناس على قدر عقولهم، فالرسول عليه الصلاة والسلام يخاف من الكفار يوم أسلموا أن يبدل شيئاً من الكعبة فيقول الكفار: انظروا! حتى الكعبة ما تركها حتى بدَّلها، فترتد وتنكر قلوبهم، فتركها صلى الله عليه وسلم. ولذلك يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [[إنك لست مُحدِّثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم فتنة]] ولذلك حق على الداعية والمتكلم أن يُقدِّر قدر المجتمع والبيئة التي يعيش فيها، لا يأتي إلى أناس لا يعرفون الأبجديات في الإسلام، ويقول: ذهبت القدرية، والمعتزلة والمرجئة، والجهمية، والأشاعرة إلى كذا، وذهب أهل السنة إلى كذا، عقولهم لا تدرك هذه المستويات من الدقة والخلافات والتعمق، فهذا أمر لا بد أنُ ينتبه له. قال علي رضي الله عنه [[ w=8000267>> حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله]] فحق علينا أن نُحدِّث الناس بما يعرفون. والقضية الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: {فأخاف أن تنكر قلوبهم}. إن على الداعية أن يتَّلمس المنافذ للدخول إلى القلوب، لكن لا يأتي إلى أمور كأنها غيبيات ما سمعوا بها فتنكر قلوبهم، فيصابون بكبت نسأل الله العافية. والقضية الثالثة: لما حدثت عائشة رضي الله عنها ابن الزبير بهذا الحديث وهو خليفة -تولى الخلافة ست سنوات- هدم البيت، وأدخل الجدار في الكعبة، فأتى عبد الملك يطوف بالكعبة، فهدمها وأعادها على ما كانت عليه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام. لقد كان الناس حديثو عهد بجاهلية، ولكن لما ماتوا أتى ابن الزبير في خلافته، فأدخل الجدار داخل الكعبة، لكن عبد الملك بن مروان قتل ابن الزبير، صلبه عند الحجون بواسطة الحجاج، فغضب حتى لا تكون الكعبة من مشاريع ابن الزبير، فنقضها وأعادها على البناء الأول، وأخذ عبد الملك يقول: كذب ابن الزبير، ألا يستحي من الله، يقول: إنه سمع عائشة تقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية، لأدخلت الجدر في البيت، وألصق بابه في الأرض} فقال العلماء بجانبه: صدق ابن الزبير، قالت عائشة هذا عن الرسول عليه الصلاة والسلام. ولما أتى هارون الرشيد بمشروع آخر لتوسعة الكعبة استشار الإمام مالك، فكتب له الإمام مالك: يا أمير المؤمنين! لا تفعل ذلك، فإن فعلت ذلك؛ أصبحت الكعبة لعبة للملوك، كلما أتى إنسان غضب على الذي قبله، قال: باسم الله! تُهدم الكعبة وتُبنى من جديد، فتوقف هارون الرشيد بهذا الرأي السديد الحازم، فبقيت على أصلها كما كانت في عهده صلى الله عليه وسلم.

إحراق الكعبة

إحراق الكعبة يقال: إن الكعبة أحرقت مرتين: المرة الأولى: لما أرسل عليها الحجاج بن يوسف الظالم قذائف المنجنيق، ركب الراجمات على جبل أبي قبيس، ثم أخذ يُطلق المنجنيق وهي حجارة كبرى تقدر برأس الإنسان، وكان يسحبها أربعة جنود، وكان لها شيء من جلود وحديد وسبائك وأعواد قوية، فإذا سحبت عادت القذيفة ثم أطلقت، فضربت البيت، وقد كان ابن الزبير في داخل البيت عائذاً بالله سبحانه وتعالى، وكان يسمى "عائذ البيت" فوقعت فاحترقت الكعبة، فلمع بارق في الجو، وارعد الرعد، حتى سمع للرعد زلزلة في جبال مكة، فخاف الجنود وتوقفوا، فقال الحجاج: ما عليكم! هذه ذنوب تهامة. والمرة الثانية في عهد جعفر الصادق، يقال: كان يصلي فانطلقت شرارة من نار من بيت قريب من الكعبة فوقعت في لباس الكعبة فاحترقت.

سعيد بن جبير والحجاج

سعيد بن جبير والحجاج وما دام أننا تعرضنا للحجاج، فلا بأس أن نعيش مع الحجاج للاستفادة من قصته مع سعيد بن جبير أحد التابعين الأخيار، من الذين لهم أحاديث في هذا الباب، وكان من الناقمين على ظلم الحجاج. كان مع العلماء في بئر جمان، فهرب من الحجاج وبقي هارباً، قيل: سبع أو ثمان سنوات، فظفر به الحجاج، وأتي به، وأدخل على الحجاج كما في تحفة الأحوذي في المجلد الأول- قال له الحجاج: من أنت؟ قال: أنا سعيد بن جبير. قال: بل أنت شقي بن كسير، جعل مكان سعيد: (شقي) ومكان جبير: (كسير) قال: أمي التي سمتني أعلم، قال: شقيت أنت وشقيت أمك. ثم قال الحجاج: والله لأصلينك في الحياة ناراً تلظى -يقول ذلك لأحد العباد والزهاد والعلماء الكبار- قال سعيد بن جبير: لو أعلم أن ذلك إليك لاتخذتك إلهاً، قال الحجاج: علي بالعود، فأتي بجارية مغنية فضربت العود، فبكى سعيد بن جبير، قال الحجاج: أتبكي من الطرب؟ قال: لا والله. لكن الجارية خلقت وسخرت لغير ما خلقت له، وعود قطع من شجرة فسخر لغير ما خلق له، قال: عليّ بالذهب والفضة، فنثروها بين يديه، فقال: سعيد بن جبير: إن كنت جعلت هذا المال لتدرأ به عذاب الله فنعم ما فعلت، وإن كنت أخذته رياء وسمعة فوالله لتحاسبن عنه عند الله يوم القيامة. فقال الحجاج: خذوه، ووجهوه إلى غير القبلة؛ فقال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] قال: اطرحوه أرضاً، قال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55] قال: لو كنت مظلوماً لانتصرت، قال: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:42] فلما أرادوا ذبحه قال: يا قاصم الجبابرة، اقصم الحجاج، يا قاصم الجبابرة! اقصم الحجاج! يا قاصم الجبابرة اقصم ظهر الحجاج، اللهم لا تسلطه على أحد بعدي. فلما ذبح سعيد بن جبير ذكر بعض أهل السير أن رأسه كان يتدهده ويقول: (الله الله) فأتى الحجاج فدخل باب الإمارة وحك يده، فامتلأ جسمه بلاء من دعوة سعيد بن جبير، فوضع نفسه على السرير وأخذ يخور كما يخور الثور شهراً كاملاً، لا يأكل ولا يشرب، وورم جسمه، وخرج منه دمل يحكه فينزل منه قيح وصديد ودم، يقول: والله ما مرَّت بي ليلة إلا رأيت كأني أسبح في الدم. ويقول: لقد رأيت كأن القيامة قامت، فرأيت عرش الله بارزاً، ورأيت كأن الله حاسبني فقتلني عن كل إنسانٍ قتلةٍ، إلا سعيد بن جبير فقد قتلني به سبعين مرة، وهذا في تراجم سعيد في سيرة الحجاج، هذا على ذكر الحجاج وأمره إلى الله عز وجل، وهو من عصاة الموحدين أمره إلى الله لا نشهد له بجنة ولا نشهد عليه بنار، وقد ذكر في ترجمته: أنه مر على قبره ومعه بعض قرابته وقيل: أخوه، فسمعوه يصيح في القبر -نسأل الله العافية- فقال أحد أقاربه: رحمك الله يا أبا محمد! تقرأ القرآن في الحياة وتقرأ القرآن في القبر. أين هذا القرآن لكنه يريد أن يعتذر له.

شرح حديث: (لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار)

شرح حديث: (لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار}. في هذا الحديث يُحبب الرسول صلى الله عليه وسلم الهجرة ويُقدِّمها على النصرة، فالمهاجرون أفضل بلا شك من الأنصار، قال تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة:117] فقدم المهاجرين على الأنصار، ويوم توفي عليه الصلاة والسلام اجتمع الأنصار، وقالوا: الخلافة فينا، فأتى أبو بكر وهم في سقيقة بني ساعدة وهم في ضجة قال: ما لكم؟ قالوا: فينا الخلافة، قال: لا. قالوا: منا أمير ومنكم أمير، قال: لا. ثم تكلم أبو بكر بكلام أشفى العليل وأروى الغليل، وقال: بدأ الله بنا في القرآن وقدَّمنا عليكم، جزاكم الله من أهل وعشيرة خيراً، نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فرضيوا وبايعوا أبا بكر رضي الله عنهم جميعاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لو سلك الناس وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعب الأنصار} وفي صحيح البخاري: {آية الإيمان حب الأنصار} والأنصار هم من ناصر الرسول عليه الصلاة والسلام في دعوته يوم أتى المدينة، وكل من عادى الأنصار أذابه الله عز وجل كما يذوب الملح في الماء، ولذلك أتى الشاعر الأخطل التغلبي الفاجر، فقال: ذهبت قريش بالمكارم والندى واللوم تحت عمائم الأنصار فابتلاه الله عز وجل بسوء الخاتمة، لأنه تنقَّص أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم. إذاً: لا تظن بأنه يكون محظوراً عليك استخدام "لو" فهي مقروءة كثيراً في القرآن، قال سبحانه وتعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [الأعراف:188] فأمره أن يقول: "لو" وهذا لا ينافي القضاء والقدر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يُؤمن بمشيئة الله، فمن آمن بمشيئة الله وأن تصاريف الأمور بيده سبحانه فلا بأس عليه.

شرح حديث: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت)

شرح حديث: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت) وقال عليه الصلاة والسلام: {لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي}؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ساق الهدي، فما أحل من إحرامه صلى الله عليه وسلم، وقال للصحابة: احلوا من احرامكم بعمرة، أي: اجعلوها عمرة، قالوا: كيف يا رسول الله؟ لأنهم لا يستسيغون هذا وهو صلى الله عليه وسلم محرم، فأخبرهم أنه قد ساق الهدي، والذي يسوق الهدي من بلده يبقى في إحرامه، فقال: {لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما سقت الهدي} ففيه التحسر على الأمر الفاضل الذي فاتك، فلك أن تتحسر عليه إذا كان فيه منفعة دينية شرعية تليق بك، ويقول عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري: {ورجل يقول: لو أن الله آتاني مثل فلان، أو مثل ما آتى فلان، لعملت مثل ما عمل} وقد جعل الرسول عليه الصلاة والسلام الناس أربعة: رجل عنده مال وعلم يعمل به ما يرضي الله، فهذا مأجور مشكور، ورجل ليس عنده مال ولكن عنده علم، فقال: لو أن الله عز وجل آتاني مالاً لفعلت به مثل ما فعل فلان، فهو مأجور وهما في الأجر سواء -مفهوم الحديث: ورجل جاهل آتاه الله مالاً فعمل به في المعاصي، فهو مأزور مدحور، ورجل رابع لم يؤته الله مالاً، وهو جاهل فقال: لو آتاني الله مالاً لفعلت به مثل ما فعل فلان، فهما في الوزر والإثم سواء. فالرجل الأول: أخذ شيئاً أو تمنى شيئاً لا يعاند به القضاء والقدر ولا المشيئة وفيه خير، والثاني: تمنى هذا.

مواطن (لو) في القرآن

مواطن (لو) في القرآن أما مواطن "لو" في القرآن، قال سبحانه وتعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران:154] قال المنافقون في معركة أحد لبعضهم البعض: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:168] جلس فريق من المنافقين، وقالوا لإخوانهم من المنافقين: لا تخرجوا إلى أحد، ننذركم الحرب، لو كنا نعلم أن هناك نصراً أو فائدة لخرجنا، فلما خرجوا وقتلوا قالوا: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:168] وهذا خطأ وفيه معارضة للكتاب والسنة، وقد ذمها الله عز وجل؛ لأنها عارضت القضاء والقدر، ويقول سبحانه وتعالى راداً عليهم: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154] فأخبر سبحانه وتعالى أن القضاء والقدر سبق أنه يغلب كل غلاَّب، وأنه لا يغلب القضاء والقدر أحد. وقال سبحانه وتعالى عن المنافقين: {لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} [التوبة:42] في معركة تبوك يقولون: يا ليتنا نستطيع أن نخرج معكم، لكن كذبوا ليس لهم همة ولا مقصود ولا مطلوب، فقالوا: لو استطعنا لخرجنا معكم، ويعلم الله أنهم يستطيعون، يقول أحدهم: {ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:49]. ويقولون: لو استطعنا يا رسول الله لخرجنا معك، لكننا لا نستطيع، وقالوا: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ} [آل عمران:167] لأنهم كذبوا وعارضوا القضاء والقدر: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:168]. وقال سبحانه وتعالى: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] والبروج هي: الحصون أو القصور، والمشيدة هي: التي ترمز بالشيد من حصانتها، فالله يقول: {يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَة} [النساء:78] {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:109] فلو جاءت هنا في القرآن على الجواز، ولكن هناك للذم. إذاً "لو" تجوز في ثلاثة مواطن: أولها: إذا لم تعارض قدر الله ومشيئته. الأمر الثاني: إذا كانت للاستقبال، جاز استخدامها. الأمر الثالث: إذا كانت لمصلحة دينية وفائدة شرعية فاتت العبد، كما لو فاتت الصلاة على العبد وقال: لو أني استيقظت، لو أني فعلت أو لو أن لي منبه لتنبهت وتحسَّر على هذا الأمر، فهذا جائز. أما استخدامها بعد العجز وعدم بذل الأسباب، فهذه محرمة، كمثل من كان لا يذاكر فرسب، فيقول: لو أني ذاكرت لنجحت، فهذا عارض القضاء والقدر بـ (لو) ثم بكسبه فعل أمور محرمة.

القوة المطلوبة من المؤمن

القوة المطلوبة من المؤمن يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي يرويه مسلم: {المؤمن القوي} القوي في كل شيء؛ في الإرادة والبذل والعزيمة وليس في الجسم؛ لأن الله لم يذكر الأجسام في القرآن إلا في موطنين. موطن ذكر أنها مِنّة للملك طالوت على بني إسرائيل، فقال: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة:247] لأن الملك يحتاج إلى جسم. والموطن الثاني: ذكره في مذمة للمنافقين، فقال: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4]. لا بأس بالقوم من طول ومن قصر جسم البغال وأحلام العصافير قال: {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير} الخيرية موجودة وأصل الخير فيهما موجود، لكن التفاوت النسبي الإضافي عند المؤمن القوي الذي يحبه الله عز وجل، مؤمن قوي في دعوته، قوي في تأثيره، قوي في إرادته، أحب إلى الله عز وجل من المؤمن الضعيف. الآن عمر بن الخطاب أحب إلى الله عز وجل من آلاف مؤلفة من المؤمنين الذين ضعفوا في الإيمان. عمر قوي في جسمه، كان يمشي كأنه راكب على فرس، وقوي في إرادته، وفي مشيته. مر أناس في سكة من سكك المدينة من الشباب الذين لم يهتدوا، والشاب إذا اهتدى وقلَّ علمه يبدأ بأمور ربما لا تنضبط كثيراً على السنة، فأخذوا يتماوتون في مشيتهم، نكسوا رءوسهم وكسروا أجنحتهم ومشوا في السكة، يظنون أن هذه تدخلهم في العشرة المبشرين بالجنة، فقالت عائشة: من هؤلاء؟ قال الناس: هؤلاء قوم اهتدوا تائبين إلى الله عز وجل، هؤلاء نُسَّاك عباد، قالت: [[كذبوا والله! لقد كان عمر أخشى لله، وكان إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع]]. فأما إذا مشى أسرع: فإنه كان يتفلت تفلتاً كأنه رضي الله عنه وأرضاه الصخرة إذا نزلت من الجبل. يقول امرؤ القيس: مكر مفر مقبل مدبر معاً كجلمود صخر حطه السيل من عل وقال المتنبي: أنا صخرة الوادي إذا ما زوحمت وإذا سقت فإني الجوداء لم يجد أحداً يمدحه، فمدح نفسه!! وكان عمر رضي الله عنه إذا خطب يسمع صوته من في السوق. وكان إذا ضرب أوجع: إذا ضرب الأعداء أو أهل البدع أو أهل المعاصي أو عزر رضي الله عنه وأرضاه، تطير الشياطين من الرءوس بضربه، وقد كان من أضرب الناس حتى في المعركة بالسيف، ومن ضمن ما ذكره الشُّراح في كتبهم -وتحتاج إلى سند- أن عمر رضي الله عنه وأرضاه عطس والحلاق يحلق له رأسه عند الجمرات فأغمي على الحلاق. وقد سمعت -في شريط- لأحد الخطباء وهو يخطب يوم الجمعة يقول: عمر رضي الله عنه وأرضاه لقوة إيمانه ويقينه، لما أدخل القبر أتاه الملكان يسألناه! فانتفض من قبره، وقال للملكين: من ربكما؟! وهذه مبالغات تحتاج إلى أسانيد ومن أخبره ومن دخل مع عمر رضي الله عنه وأرضاه. إن ما نحفظه عن عمر رضي الله عنه وأرضاه هو الصدق والإخلاص والعدل والإيمان والحب والطموح.

الحرص على الخير والاستعانة بالله

الحرص على الخير والاستعانة بالله ثم قال عليه الصلاة والسلام: {احرص على ما ينفعك} يصاب الإنسان بعاملين مؤثرين: (الكسل والعجز) العجز في القلب، والكسل في الأعضاء، وإذا أصيب الإنسان بالعجز والكسل؛ فاغسل يديك منه فليس فيه خير، من بذر بذرة "ليت"، نبتت له شجرة "لعل" يقطف فيها ثمراً يُسمى الخيبة والندامة، وأكثر ما تمر "سوف" على أهل العجز والكسل، تقول له: احفظ القرآن؟ يقول: سوف أحفظ إن شاء الله، و"سوف" هذه تأخذ معه عشر سنوات! لماذا لا تصلي جماعة؟ قال: إن شاء الله سوف أصلي ويفتح الله عليّ. فالعجز في القلب، والكسل في الجوارح، ولذلك تجد بعض الناس وهو ضعيف البنية لكنه قوي الإرادة، وتجد بعض الناس من أكبر الناس جسماً -على العكس- لكنه ضعيف الإرادة والتفكير. قال: {احرص على ما ينفعك} قال أهل العلم: الحرص على المنفعة هو: أن تبذل كل سبب ليحصل لك النفع، العلم لا يأتي إلا بسبب، المال والرزق لا يأتي إلا بسبب، الاستقامة والتوجه والالتزام لا يأتي إلا بسبب، أما إنسان يقول: لو أراد الله أن يهديني لاهتديت، سبحان الله! جبري في المعصية قدري في الطاعة، يقول لك: لماذا كذبت على الله وسرقت؟ قال: لأن الله كتب عليَّ أن أسرق، قلنا له: سلمنا لك جدلاً! ولكن، لماذا تركت -جدلاً- صلاة الفجر -مثلاً- في وقتها؟ قال: حتى يقدر الله لي ذلك. {احرص على ما ينفعك واستعن بالله} يقول أهل العلم كـ ابن تيمية: إن الحرص والسبب لا بد فيه عون من الله عز وجل، والمداومة على (إياك نعبد وإياك نستعين) والناس في (إياك نعبد وإياك نستعين) على ثلاثة أقسام: قسم يعبدون الله ويستعينون به، وهؤلاء مؤمنون. وقسم يعبدون الله ويستعينون بغيره، وهؤلاء فجرة. وقسم يستعينون بالله ويعبدون غيره، وهؤلاء مشركون. كان بعض المشركين يستعين بالله ويعبد غيره، وبعض الفجرة يعبد الله ويستعين بغيره، والمؤمن يعبد الله ويستعين بالله سبحانه وتعالى، والعبادة لا بد فيها من الاستعانة، وإذا لم يعنك الله عز وجل؛ فلن تستطيع أن تعمل أي عمل، قال مطرف بن عبد الله: والله لو كان الإيمان وأردت أن أدخله هنا إلى قلبي؛ ثم لم يرد الله عز وجل ما دخل الإيمان قلبي أبداً.

الرضا بالقضاء والقدر

الرضا بالقضاء والقدر {واستعن بالله ولا تعجز} كرَّر صلى الله عليه وسلم "لا تعجز"؛ ليبين لنا سبب الكسب وطلب الإرادة منه؛ لأن للعبد مشيئة تحت مشيئة الله عز وجل، والعبد يوم يعلم الله توجهه وحرصه يعصمه الله عز وجل، أهل النجاح والتفوق، وأهل الكسب والأخذ والعطاء ما منحهم الله ما لديهم إلا لأنهم توجهوا إليه -سبحانه وتعالى- وطلبوا ما عنده. ومن أعظم الكسب: الدعاء، وترك المعاصي، والاستغفار، والسهر على المصلحة، حتى يحصل لها صاحبها. {وإذا أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان} الشاهد من الحديث: لماذا تفتح "لو" عمل الشيطان؟ قال القاضي عياض وابن حجر: لأن "لو" إذا حدثت وسوس العبد وقال: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا؛ فشك في قضاء الله وقدره، فدخل في الارتياب، وهو فعل الشيطان، ولذلك تجد الناس يتسخطون في القضاء والقدر. ابن الراوندي -وتكتب ابن الريوندي محيي الدين الكلب المعفَّر- وكثيراً ما أذكر قصته لأنه يعترض على القضاء والقدر، رأى أعرابياً عنده بستان، وعنده خيالة، وعبيد ومال، فالتفت إلى السماء وقال: هذا العبد عنده كذا! وأنا الذي أكيل الدنيا ما أعطيتني شيء؟ ثم رمى بالخبزة في نهر دجلة، فابتلاه الله عز وجل في حياته ودنياه، لأنه اعترض على القضاء والقدر. لذلك يقول بعض الناس: يا رب! لماذا قدرت عليَّ كذا؟ ماذا فعلت يا رب؟ سبحان الله! جلَّ الله سبحانه وتعالى! بل يفعل ما يريد سبحانه وتعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] سبحانه ما أجله! {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]. ومقامك من القضاء والقدر -وهي تدور حول كلمة "لو"- ثلاث مقامات: الأول: أن تؤمن أنه من عند الله عز وجل. الثاني: أن تشكر الله عز وجل على النعمة. الثالث: أن تحمد الله أنه لم يجعل المصيبة في دينك واستقامتك.

تمني النبي صلى الله عليه وسلم من يحرسه في ليلة من الليالي

تمني النبي صلى الله عليه وسلم من يحرسه في ليلة من الليالي قال الإمام البخاري: باب: قوله صلى الله عليه وسلم: ليت كذا وكذا. ليت هنا للتمني، وتحمل معنى: الترجي، والحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: أرق النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فقال: {ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة، إذ سمعنا صوت السلاح، قال: من هذا؟ قال سعد: يا رسول الله! جئت أحرسك، فنام النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا غطيطه} قال أبو عبد الله: وقالت عائشة: قال بلال: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بوادٍ وحولي إدخر وجليل فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم. في الحديث قضايا: أرق: أي أصابه الأرق وهو: السهاد ونفران النوم عن النائم. قال المتنبي: أرق على أرق ومثلي يأرق وجوى يزيد وعبرة تترقرق وسكن نابغة ذبيان بدار العرب، فقال: فبت كأن العائدات تركن لي فراشاً به يغلو فراشي ويقشب حلفت يميناً غير ذي مثنوية ولا علم إلا حسن ظن بصاحب والمقصود: أن الأرق هو شيء ينتاب الإنسان قبل نومه، يطرد النوم عنه ويُسمى عند بعضهم: بالسهاد. ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وعادك ما عاد السليم المسهدا فلما أرق صلى الله عليه وسلم وكان حول المدينة يسكن كثير من اليهود قتلة الأنبياء، قال: {يا ليت رجلاً صالحاً} -أي: أميناً- وقيل: إنه بعد الصباح دخل المدينة {يحرسني الليلة} ما هو الجمع بين هذا الحديث وقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]. قالوا: هذه الآية متأخرة عن الحديث، فلما نزلت: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] ترك صلى الله عليه وسلم الحرس وبقي في رعاية الله عز وجل. قال: "ليت" هي الشاهد، وهنا تمنى عليه الصلاة والسلام فدل على أن هذا جائز، ولك أن تتمنى الخير، أو أي أمر. {ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة، إذ سمعنا صوت السلاح} سعد لابس للسلاح متهيئ لحراسته صلى الله عليه وسلم، وسعد هو ابن أبي وقاص، وله منقبة أنه صالح؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: رجل صالح، بل هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وصاحب القادسية، وخال الرسول عليه الصلاة والسلام، الذي فداه بأبيه وأمه يوم أحد. {من هذا؟ قال: سعد يا رسول الله! جئت لأحرسك، فنام النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا غطيطه} والغطيط هو صوت يردده النائم. قال أبو عبد الله، أي: البخاري. وقالت عائشة قال بلال، لما هاجر بلال من مكة إلى المدينة، وأصيب بالحمى -والحمى تؤثر في الإنسان حتى في الكلام- فسألته عائشة رضي الله عنها فقالت: يا بلال! كيف تجدك؟ قال بلال رافعاً عقيرته وكان صوته جميلاً ندياً يسري إلى القلوب، ولذلك كان مؤذناً. فقال: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوماً مياه مجنة وهل تبدون لي شامة وطفيل قال البخاري: فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فسكت وسكوته إقرار، لأن بلال يقول: ألا ليت شعري، يقول بلال: يا ليتني بين أودية مكة، ولذلك حن الصحابة لـ مكة، فلما سمع صلى الله عليه وسلم هذه الأبيات، قال: اللهم إن إبراهيم دعا لـ مكة بالبركة، اللهم إني أدعو للمدينة في مدها وصاعها بالبركة، اللهم اجعل ضعفي ما جعلته من البركة في مكة في المدينة، اللهم انقل حمى المدينة إلى ذي الجحفة، فانتقلت الحمى هناك. وهذه الأبيات أرق وألطف ما سمع في الأدب العربي، وليست لـ بلال وإنما هي لشاعر جاهلي، تأخر على بابه وجيرانه وخلانه فبدى على جبل في مكة فقال: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بوادٍ وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوماً مياه مجنة وهل تبدون لي شامة وطفيل الإذخر: شجر، والجليل: قيل شجر وقيل ثمر، ولكن كأنه جبل. وهل أردن يوماً مياه مجنة: مجنة سوق من أسواق العرب في مكة. وهل تبدون لي شامة -جبل- وطفيل -جبل آخر- وهذا من الحنين إلى الديار، وهذا من أحسن ما ذكرته العرب، قال الأصمعي: أبكت العرب في شعرها العجوز على شبابها. انتهينا من شاهد البخاري أنه يجوز استخدام "ليت"، فلك أن تقول: ليت فلاناً أتانا هذه الليلة، وليت ابني ذاكر هذه الليلة، وليتنا قرأنا شيئاً من القرآن، هذا جائز، ولم ينازع فيه العلماء كما نازعوا في "لو" التي مرت معنا.

الأسئلة

الأسئلة .

خروج آدم وحواء من الجنة

خروج آدم وحواء من الجنة Q ما رأيك في مقولة علماء النفس إن السبب في إخراج أبينا وأمنا من الجنة هو دافع التملك؟ A هكذا فليكن الكذب!! وهذا قول الذين لا يعلمون، وعلماء النفس ليسوا مفتين في الإسلام، ولا يفتون في القضايا الشرعية، بل يفتون في فنهم، ويبقون حتى نحتاج إلى علمهم، ولا نزري بهم، فلهم ملكة خاصة بهم، لكن سمعنا من يقول: إن من يكثر القراءة في كتب علماء النفس يصاب بمرض، وأقصد علماء النفس الكفار، أما علماء النفس المسلمين فلا يدخلون في هذا، فلهم أجر وقدم صدق، ونحسبهم والله عز وجل حسيبهم أن فيهم الأخيار والذين يريدون الخير. لقد وجد علم النفس عند الناس، فالآن ماذا نفعل؟ يأتي الأوروبيون والأمريكان بتربية، فنقول: نعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق، ليس عندنا إلا حديث فقط! وإذا أتوا بعلم النفس؛ نقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق! لا، بل ديننا فيه تربية، وعلم نفس، وكل ما يتعلق ببني الإنسان، فنخرج لهم علم النفس من القرآن، لكن إذا أتوا يطعنون في القواعد والأصول عندنا نقول: توقفوا بارك الله فيكم، مكانك تحمدي أو تستريحي. وأما قول الأخ السائل فهذا ليس بصحيح، وهذا خطأ، وإنما أخرج آدم عليه السلام من الجنة بسبب معصيته، كما ذكر سبحانه وتعالى، فقال: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121] لم يقل: (تملك وحب التملك) وإنما قال: فغوى، كيف يعاندون القرآن؟ ألا يستحون على وجوههم.

بعض أخطاء الكتاب

بعض أخطاء الكُتَّاب Q كاتب يكتب عن الصحابة رضي الله عنهم، وله كتاب اسمه ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه وخلافته، فيها حقائق لا يقولها مسلم عن الصحابة؟ A هذا الرجل يؤخذ من كلامه ويرد، وهو يحتاج إلى تعليم في الحديث النبوي، وإلى توجيه إن كان حياً أو إن كان ميتاً، ومثله أخوه وابن عمه وابن خالته عباس محمود العقاد، الذي هو مشهور عندنا كثير، أتى فتكلم بكلام يقول: معاوية كان يلعب بأهل الشام على هواه! حتى صلى بهم الجمعة يوم الأربعاء، سبحان الله! هذه في معاوية في الميزان، ألا يستحي من الله! فـ معاوية أحد الصحابة، ثم يأتي بالرسول عليه الصلاة والسلام أشرف وأعظم من خلق الله، فيأتي يقارن بينه وبين نابليون في العسكرية، وفعل ذلك سعيد حوى -سامحه الله- في كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قارن بين المصطفى الذي {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4] وبين كلب فرنسي، إذا نظرت إليه وأنت متوضئٌ انتقض الوضوء، فيقول: هذا في الحربية كذا، وهذا صاحب نظرية الاطلاع واكتساح المعركة والمواقع العدائية، وما أدري ماذا فعل، والرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا، أما يستحي من الله! تقارن بين الرسول صلى الله عليه وسلم وهؤلاء! والعقاد له فلتات، لكنه كاتب في القمة، له كتاب ما يقال عن الإسلام يتكلم فيه عن خصائص الإسلام ويرد على أباطيل خصومه وهو من أحسن كتبه، ولديه حسنات في كتبه مثل كتاب عبقرية عمر، صفات الرجل الممتاز، ومفتاح شخصية عمر، لكنه أتى بأمور لا يوافق عليها، مثل قوله في ترجمة علي: علي صدوق لأنه شجاع، وشجاع لأنه صدوق، ومعاوية أسد هصور وعلي جمل صبور. أتشبه الصحابة بالحيوانات! هؤلاء خير جيل أخرج للناس، لا بد من توقيرهم واحترامهم رضي الله عنهم، إذاً فلينتبه لهذا الكاتب. وأدهاهم وأظلمهم وأغشهم طه حسين الذي يدعونه عميد الأدب العربي! كذبوا على الله، بل الشيخ علي الطنطاوي أحسن منه أسلوباً وأحسن فكرة وأنقى عقيدة، وأحسن إبداعاً، والله ما أعلم أني قرأت لأحد مثل الشيخ علي الطنطاوي من الأدباء والمفكرين العصريين في جودة الأسلوب، وإن شئتم فاقرءوا قصص من التاريخ، ونحن المسلمون، فيجعلون طه حسين عميد الأدب العربي؛ لأنه عميل فرنسا في الأدب، لا والله، المازني خير منه، والرافعي أحسن وأحسن وأجود لكنه أسلوبه يعقد، لكنه أقرب إلى أهل الإسلام بل دافع عن فكرة الإسلام كثيراً، وعباس محمود العقاد أحسن من طه حسين، وأمر المرين طه حسين بل هو أمر من الثلاثة: وما شر الثلاثة أمَّ عمروٍ بصاحبك الذي لا تصحبينا توفيق الحكيم، توفيق السفيه الخلق والتكلف والرأي العفن نعوذ بالله، صاحب المسرحيات المزرية بالإسلام، وصاحب السفه بعد أن كبر، فهذا أمره إلى الله: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]. خير منه في الساحة سيد قطب والشيخ علي الطنطاوي، وأبو الأعلى المودودي في كتاباتهم وكذلك، أبو الحسن الندوي الزاهد العابد المؤثر، صاحب الثمانين عاماً الذي طاف العالم بأدبه، حتى يقول في مسيرة الحياة: والله لقد ألقيت كلمة في الكويت، لقد رأيت الناس يصرعون ويغمى عليهم ويرشون بالماء. ولقد صدق فهو من أكثر الناس تأثيراً حتى في قلمه، وممن يقرأ لهم كذلك محمد قطب وسعيد حوى، إلا بعض الكتب لـ سعيد حوى مثل كتاب تربيتنا الروحية، فيعرض عنه ويسجر به في النار، لأنه صوفي من غلاة الصوفية، رحمه الله وتجاوز الله عنه لحسناته الكثيرة.

الحجاج في الميزان

الحجاج في الميزان Q هل الحجاج أول من وضع النقط على الحروف في القرآن والتشكيل، ما صحة هذا القول؟ A هذا القول صحيح، الحجاج هو الذي أمر بوضع النقط وهذه من حسناته، ومن حسناته أنه كان يقرأ القرآن كثيراً، وكان المصحف في جبته والسيف معلق، وكان السيف يشتغل وهو يقرأ القرآن، لكن أين تأثير القرآن على الحجاج؟ يقول الحسن البصري: يقرأ الحجاج القرآن على أناس فيهم جذام لا يسمعون، يقرأ على أناس معهم من النبط -ويل للنبط من شر قد هبط- ويبطش بطش الجبارين، ويلبس لباس الوعاظ، ويفعل فعل الفسقة، فأمره إلى الله. ومن حسناته أنه كان كريماً، كان يبذل المال بذلاً، وكان يدعى إلى مائدته في الإفطار فحيضرها الألوف في الغداء. ومن حسناته: أنه أقام الجهاد، وتتَّبع الخوارج فلم يترك لهم عيناً ولا أثر، لكنه سفك دماء العلماء، وأهان كثيراً من الصحابة، وقتل كثيراً من الأبرياء، فعلمه عند الله عز وجل. يقول: نام ليلة فنهض ثم رفع رأسه، قال لحرسه: الله أكبر! فاجتمعوا عنده، قال: أجمعوا لي كل من كان خارجاً من بيته هذه الساعة وأودعوه في السجن، فأتوا يجمعون الناس، فأتوا إلى رجل قد انعزل عن الناس ويقرأ القرآن في المسجد، وحينما كانوا يجمعون الناس قال وهو يقرأ في المصحف: إنه عمل غير صالح -ابن نوح- أو عَمِلَ غير صالح، استدعوا لي القارئ فلان بن فلان من المسجد، فأتوا به فظن الحرس أنه متهم فسجنوه ستة أشهر في هذا الآية، فأتى الحجاج فقال: أخرجوا المتهمين، قال: أنت لماذا سجنت؟ قال: كنت أقضي حاجتي في الصحراء فقبضوا عليّ الحرس، قال: اجلدوه، وأنت لماذا سجنت؟ قال: سجنني ابن نوح عليه السلام، قال: لماذا؟ قال: لأنه عمل عملاً غير صالح، قال: أطلقوه، هذا الحجاج بن يوسف الثقفي.

المسيب أم المسيب

المسيَّب أم المسيِّب Q ما هو الصحيح سعيد بن المسيَّب أو سعيد بن المسيِّب؟ A المشهور سعيد بن المسيَّب بالفتح أما المسيب بالكسر فنقلت عنه مقولة لكني لم أقرأها في كتب الحديث والتراجم، يقول: سيب الله من سماني المسيَّب، أي: بصفته أنه ضائع مسيب، وليس بضايع بل محفوظ عند الله، ولكن لم تصح عنه هذه المقالة، وهي خاطئة، وليست بثابتة عنه، والصحيح أنه ينطق سعيد بن المسيَّب، ضبطها البخاري ومسلم وأهل السنن والمسانيد.

قراءة سورة الكهف يوم الجمعة

قراءة سورة الكهف يوم الجمعة Q ما صحة حديث قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة؟ A هذا الحديث رواه الدارقطني بسند صحيح، وصححه الأرنؤوط في زاد المعاد وغيره من العلماء، فهو صحيح، فاقرأها ولا عليك، ينير الله لك عشرة أيام بلياليهن. وفي الختام: أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم، والحمد لله رب العالمين.

من هم الأصوليون؟

من هم الأصوليون؟ إن الأنبياء عليهم السلام أرسلهم الله عز وجل إلى أقوامهم ليدعوهم إلى عبادة الله سبحانه، فمنهم من آمن، ومنهم من كذب وآذى رسل الله بكثير من الاتهامات الباطلة، والادعاءات الزائفة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العلماء والدعاة سيبتلون كما ابتلي الرسل، وهاهم في عصر الابتلاء يتهمون بالرجعية والأصولية وغير ذلك من أنواع الادعاءات والإشاعات. وفي هذه المادة عرض لمنهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الإشاعات بالإضافة إلى ذكر خصائص أهل السنة والجماعة.

منهج أهل السنة في التعامل مع الشائعات

منهج أهل السنة في التعامل مع الشائعات الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد الصادق الأمين. أما بعد: أيها الناس! فمن صفات أهل السنة أنهم يتثبتون من الشائعات، على حد قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] فإذا تبين الخطأ وعرف مَن هو صاحبه، ومَن وراءه، فهو على أحد قسمين: الأول: إما رجل استتر بخطئه؛ فمنهج أهل السنة أن يردُّوا عليه بخُفية، ولا يشهِّرون به، ولا يفضحونه على رءوس الأشهاد. الثاني: وإن أشهر خطأه، وأعلن تمرده، كان عليهم لزاماً أن يظهروا ردهم وأن يشهِّروا على الناس جوابهم، وكان لزاماً على أهل السنة ألا يكتموا الردود، ولا يكتموا الدفاع عن منهج الله؛ لقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] ويقول سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] كان لزاماً على علماء الإسلام ودعاته أن يبينوا ولا يخشون في الله لومة لائم، ويقولوا كلمة الحق فصيحة هادئة ناصعة. المسألة الثانية: دعاة الصحوة وعلماؤها منضبطون وحكماء، ضبطوا أعصابهم حين لم يستطع الدَّعِيُّ أن يضبط أعصابه، وتحكموا في عقولهم حين لم يستطع العميل أن يتحكم في عقله، وثبتوا في أماكنهم حين لم يستطع المتلبس بالنفاق أن يتحكم في موقعه.

واقع الحرب المعلنة ضد الملتزمين

واقع الحرب المعلنة ضد الملتزمين المسألة الثالثة: لقد أظهر البغاة من العلمانيين اليوم حربهم سافرة على أولياء الله، وشهَروا سيوفهم وردُودهم، وردَّدوا سخرياتهم في الصحف والمجلات وفي وسائل الإعلام، وليس لنا وسيلة إلا منبر محمد عليه الصلاة والسلام، نقف أمام الرأي العام لنحاكمهم تحت مظلة قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. ولا زال أحد كتابهم المرموقين وشعرائهم اللامعين الذي اكتسب سطوعاً ولموعاً، وما كان له أن يسطع ويلمع؛ لأن من لم يتجه إلى الله فلا سطوع له، ومن لم يحكِّم (لا إله إلا الله) فلا لموع له؛ لكن أبى إلا أن يسطع ويلمع، وليته سطع ولمع على حساب دنياه، وشهرته، ولكن ما كفاه ذلك حتى أخذ الملتزمين والصالحين جسوراً إلى أهدافه، وأخذهم عوابر إلى مخططاته، هذا الكاتب طالعنا في جريدة الشرق الأوسط يوم الجمعة العدد (4371) وهو يتحدث عن التغيرات التي يطمح إليها، تغيرات كيان الدين الإسلامي، وتغيرات المبادئ الخالدة، وتغيرات المنهج الرباني الذي شرفنا الله به؛ ولكنه بذكاء عجيب يأخذ إشارات وعمومات من الإسلام لينفث سُمَّه وحقده وحسده وضغينته، يقول في هذا العدد -وهو يطالب بتغيير في بُنية المجتمع، ومسيرته والتزامه-: ولم يكن من الطبيعي ولا من المعقول أن تتم هذه التحولات الحضارية الهائلة دون أن تتبعها تغييرات مادية وفكرية واجتماعية. أنحن أغبياء إلى هذه الدرجة؟! ألا نعرف اللغة العربية؟! ولا نعرف مقاصد الكلام، وماذا يريد أن يقول؟! يريد هدم الإسلام لَبِنَة لَبِنَة، وتدمير صرح الفضيلة، وهذا الكاتب والشاعر المشهور قرأتُ في مجلة الدعوة قبل ثمان سنوات مقابلة له قدمت في أمريكا، ظن أنها لن تصل إلينا؛ لكن الله أوصلها إلينا، فقد سئل عن حالنا -وهو من أبناء الجزيرة -: كيف حالكم في الجزيرة؟ قال: ما رأينا النور منذ ثلاثة آلاف سنة إلى الآن! ونقول: أما أنت صدقت فلم ترَ النور إلى الآن، ولكن نحن والله رأينا النور، وعشناه وأبصرناه ومشينا فيه، وشربنا منه {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35]. أما نحن -أيها الكاتب- فقد أتى محمد عليه الصلاة والسلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257] أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه قد سرينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. عرضت مقولته على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز فقال: إن اعتقد ما يقول فقد ارتد عن الإسلام، وعليه أن يجدد إسلامه ويدخل في الدين من جديد. يقول في ذلك العدد: والحوار الذي يدور حول القضايا المفتوحة يجب أن يتم في جو هادئ بعيداً عن التشنج -اسمع الحكمة، واسمع العلم والمنطق- بعيداً عن التشنج والانفعال، بعيداً عن استعداء السلطة على الرأي الآخر، وبعيداً عن الاتهامات التي تلقى في أماكن الصلاة وبلا مبالاة. ما هو الحوار المقصود؟ حوارٌ بأن يجعل الشريعة مستعدة لأن نتفاوض عليها، وأن يؤخذ منها ما يُراد، ويترك منها ما يُراد: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85] ثم يكون هو حكيماً ويكون هو أستاذاً ومنظراً وعالماً، ومن أين له العلم؟! وعجبتُ له كل العجب! ورأيتُ له مقالة سيئة وقد كتبت رداً عليها، ولكن لم ينشر. وأتاني والله عشرات من الشباب مجروحةً مشاعرهم، باكيةً عيونهم، متأثرةً أرواحهم؛ لأنه يلدغهم من حيث لا يشعرون، ثم يأتي بخنجره ويجزرهم علانية أمام العالم بحجة الحكمة والحوار والهدوء. ولو كان خصمي ظاهراً لاتقيته ولكنه يا قوم يبري ويلسعُ هو لم يشهِّر، ولكنه لدغ ولسع، يأتيك يمدح العقيدة ثم يبث السم، يأتيك بالرسالة في الإسلام ثم يكبت الإسلام، يأتيك بالاستفاضة في المناهج الربانية ثم يدوس المناهج الربانية. أيها الكاتب! أيها الأديب! أسألك بـ {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:7 - 8] أن تحكم عقلك إن كان لا دين لك، من الذين يسحتقون هذه الردود وسط العاصفة! هو يكتب في عين العاصفة، وهو الذي يثير علينا العاصفة، أعدوٌّ من الخارج وعدوٌّ من الداخل؟! أيلدغنا في وقت حرِج مقابل الدبابات المعتدية الغاشمة الجاثية على حدودنا، ونقابل جيوشاً جرارة تريد مقدساتنا، فيتركنا في الوقت الحرج، فيغير علينا؟! وأسالك -يا أيها الكاتب- بالذي جعل لك عينين، ولساناً وشفتين، وهداك النجدين، أن تقف وتفكر؛ من الذين أسسوا العدل في العالم؟! من الذين خاطبوا العدل في النور، وأوصلوا الفتوح إلى الدور، وعمروا القصور بعدل في القصور؟! من الذين طهروا الشعوب؟! من الذين قضوا على الفجور والخمور والعُهر، إلا أبناء (لا إله إلا الله).

دعوى الأصولية والرد عليها

دعوى الأصولية والرد عليها ويستمر الكاتب ولا ينتهي ويقول في العدد [4373] في جريدة الشرق الأوسط يوم الأحد مقالاً بعنوان: أيها الأصوليون الصداميون! اسمعوا وعوا، مَن هُم الأصوليون؟ أتدرون مَن الأصوليون؟ الأصوليون في دوائر المخابرات الغربية هم أبناء الجزيرة العربية، هم أبناء (لا إله إلا الله) هم أنتم أيها الساجدون المصلون المتوضئون الطاهرون! هم أنتم يا حَمَلة (لا إله إلا الله) يامن عبدت أكتافهم للسيوف عبر التاريخ! وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا فيقول: الأصوليون، وكلمة (الأصوليين) سرت على كل من انتهج نهج الاستقامة والالتزام من شباب الصحوة في العالم الإسلامي، وأكثر من يحارب الأصوليين إسرائيل عليها غضب الله، وكذلك الغرب عليهم لعنة الله؛ لأن كلمة (الأصوليين) مشتقة من الأصل، والأصل هو الكتاب والسنة، وسُموا بذلك لأنهم ركَّبوا منهجهم على الكتاب والسنة، وأصلوه من (قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام) ويقف الأصوليون على حدود الجزيرة أمام دبابات صدام وطائراته وجيوشه، ويأتي هذا من الداخل فيلدغهم بحجة أنهم مع صدام، ونحن -والله- قبل الحادثة وبعد الحادثة نعرف من هو هذا الرجل صدام، عقيدته، ومنهجه، وولاؤه، وسيرته، وسلوكه، وما أحببناه يوماً وما واليناه يوماً، وإنما أعلنَّا حربه وعداءه. يقول: أيها الأصوليون! من أتباع عبد الله المؤمن مؤخراً -أي: صدام حسين، هل تعرفون الهدف الذي يسعى قائدكم إلى تحقيقه؟! قائدنا محمد عليه الصلاة والسلام وليس صدام حسين، ونبرأ إلى الله منه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فمَن هُم الأصوليون؟ أيها الكاتب! أيها الأديب! أسألك بالله أن تراجع حسابك، وأن تتأمل، وتتفكر في من هم الأصوليون؟ إنهم الذين حفظوا مبادئهم، يوم ضيعها غيرهم في شوارع الغرب، إنهم الذين لبسوا زِيَّهم الإسلامي يوم ارتدى غيرهم الزي الكافر، إنهم الذين توضئوا بالماء النمير، يوم توضأ غيرهم بماء الخمر في ليالي العُهر وفي آخر الليل، إنهم الذين بكوا من آيات الله البينات، يوم دندن غيرهم على الأغاني الماجنات. الأصوليون هم الذين يحمون المقدسات، ولا يسمحون لأي مستعمر أو غازٍ بأن يصل إلى المقدسات إلا على جماجمهم، والأصوليون يقدمون جماجمهم تسحقها الدبابات؛ لتبقى (لا إله إلا الله) ويقدمون أعناقهم تقطعها المجنزرات؛ لترتفع (لا إله إلا الله). إذا محاسني اللآتي أدل بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر كيف نعتذر أمام رأي العالَم، يا أيها الكاتب! أما تعرف أن العالم الإسلامي به مئات الألوف من الأصوليين! بل ملايين من شباب الصحوة، كلهم يود أن يقدم روحه فداءً لـ (لا إله إلا الله) من مقدسات في الجزيرة العربية، ثم تأتي بشخطة قلم تلغي جهودهم وسطوعهم ولموعهم، وتحاربهم من الخلف في وقت شُغل فيه وُلاة الأمر والناس وشباب الصحوة بالعدو الخارجي، هذه والله لا يُقرها عقلٌ ولا نقل! فمَن هُم؟! مَن هُم الذين يتبعون صداماً؟! إنهم الذين يؤمنون بأفكار صدام العلمانية الكافرة، إنهم الذين لا يحترمون (لا إله إلا الله) يقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} [النساء:60] يزعمون ولا يعتقدون: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [النساء:60] يتبجحون بالإسلام في المجالس والإسلام بعيد عنهم، ويتظاهرون بحب الإسلام وهم يذبحون الإسلام صباح مساء {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء:60]

خطر العلمانيين على الإسلام والمسلمين

خطر العلمانيين على الإسلام والمسلمين ولَطالَما سمعنا هذا الكاتب وقرأنا له، وعندي له قصاصات وملفات ووثائق عن ماذا يريد، وكيف ينفث، وإلى أي حد سوف يصل إذا ترك له الميدان، إنه خطير على الإسلام والمسلمين، وخطير على القبلة {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:60] لأن الشيطان يتولاه صباح مساء. يقول العلمانيون القدامى: وكنت امرأً من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي يقول: كنتُ جندياُ مع الشيطان فتطورت في المراتب حتى صرت أدير الشيطان وأذناب الشيطان {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ} [النساء:61] تعالوا إلى القبلة، تعالوا إلى القرآن، تعالوا إلى (صحيحي البخاري ومسلم) تعالوا إلى المبادئ {رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} [النساء:61] عجيب! {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} [النور:50] أي: ليس هناك إلا احتمالات ثلاثة: الأول: إما مرض خطير اكتسبوه من تراثهم الذي تعلموه، ومن مائهم الذي شربوه، ومن جلبابهم الذي لبسوه، حقدٌ على الإسلام، وعداء لأولياء الله. الثاني: {أَمِ ارْتَابُوا} [النور:50] أي: أم شكوا في مصداقية الرسالة، ومصداقية الرسول عليه الصلاة والسلام. الثالث: {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} [النور:50] أي: ويمكن أن يظنوا أن الله لا يريد بهم خيراً يوم أنزل لهم شريعة، ولا يريد بهم نصراً يوم أعطاهم هذه المبادئ، ولا يريد بهم فلاحاً ولا تطوراً يوم سنَّ لهم دستوراً، ويرون أن الدستور الإسلامي رمز التخلف والرجعية، والواجب الانقضاض عليه؛ لكن بذكاء كالذئب: ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى المنايا فهو يقظان نائم قال الله: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [النساء:62] كيف إذا أُخِذت رءوسهم بسيف ولي الأمر الذي يحمي رسالة التوحيد، فصلبهم بعد صلاة الجمعة وقطَّف رءوسهم؟! هذه مصيبة، لماذا؟ لأنهم يفسدون في الأرض، ويسعون فيها خراباً، ويدمرون معالمها، ومن أعظم ما ينتظرون: سيف العدل المشهور الذي أخذ رءوس قُطاع الطرق والمدبرين للفتن، والمروِّجين للجرائم، وهم أعظم من يروج الجرائم ويدبر الفتن، فجدير بالسيف أن يحصد رءوسهم. قال الله سبحانه: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء:62] أي: كيف إذا ابتُلوا بمصيبة؟! وكيف إذا أظهر الله عليهم الصف الإسلامي ثم جاءوا وقالوا: لا. إنما أردنا بالكلام والقصائد والمنشورات إحساناً وتوفيقاً بين الأمزجة وبين الردود، والله ما أردنا إساءة؛ ولكن أردنا أن نتحدث للرأي العام وأن نوافق بين المشارب والشرائح الاجتماعية! أبين الإسلام والكفر إحساناً وتوفيقاً؟! أبَيْن (لا إله إلا الله) و (لا إله والحياة مادة) إحساناً وتوفيقاً؟! أبَيْن المسجد والخمَّارة إحساناً وتوفيقاً؟! أبَيْن محمد صلى الله عليه وسلم وماركس إحساناً وتوفيقاً؟! أبَيْن أبي بكر رضي الله عنه وهتلر إحساناً وتوفيقاً؟! أبَيْن عمر رضي الله عنه وصدام إحساناً وتوفيقاً؟! أتضحكون على لحى المسلمين؟! {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} [النساء:63] أي: حاول أن تردعهم قبل أن يُلقوا بالأمة في هُوَّة، وأن يصدموا الأمة على دمائها، وأن يضربوها على أكتافها ضربة مهلكة. يقول سيد قطب في الظلال وهو يعلق على أولئك: إنها حالٌ مخزية حين يعودون شاعرين بما فعلوا، غير قادرين على مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم بحقيقة دوافعهم، في الوقت ذاته يحلفون كاذبين أنهم ما أرادوا بالتحاكم إلى الطاغوت إلا رغبة في الإحسان والتوفيق، كيف؟! وهي دائماً دعوى كل من يحيدون عن الاحتكام إلى منهج الله وشريعته. ثم يقول: إنهم يريدون اتقاء الإشكالات، والردود الاجتماعية، وكلام العلماء وفتاوي الدعاة، فيتفكرون في الثياب وهم ذئاب، ويتخذون العكاز وهم رأس المصائب. إن الإشكالات والمتاعب والمصاعب تنشأ من الاحتكام إلى غير شريعة الله. ويريدون التوفيق بين العناصر المختلفة، والاتجاهات والعقائد المختلفة، ما عندهم تميز وليس لهم باع في الشريعة، ولا يعرفون شيئاً، عندهم ذكاء وعندهم بيان لكن هذا لا يكفي {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4]. في هذا الوقت الحرج؟! أنحن أعداؤك؟! أنحن الآن الذين نقف ضدك؟! أما تكلمت؟! أما نظمت الأشعار؟! أما صبرنا؟! أما سكتنا؟! أما رأينا أشعارك تنفث سماً وفجوراً وعداءً للإسلام؟! وقلنا منطق الحكمة أن يُناصَح؛ ولكن: أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدا أنتركهم يغصبون الجزيرة أرض الأبوة والسؤددا؟! فشَهِّر حسامك من غمده فليس له اليوم أن يُغمدا نفخت شموسنا غضباً علينا وقد نسجت ثيابَكمُ يدينا وسيفك في بني الإسلام ماضٍ وجذعك بيننا أضحى متينا تُغَنِّينا وتسخر إن عثرنا كأنك ما دريت ولادرينا! كأننا لا نعرف المخططات! ولا نعرف الكلمات! وإننا مستعدون بلسان طلبة العلم والعلماء الحكماء الذين يعرفون التصرف وضبط النفس أن نحاورك الحوار علنياً أمام الرأي العام؛ ليثبت الصادق من الكاذب، والجاد من الهازل، والراشد من الضال. تُغَنِّينا وتسخر إن عثرنا كأنك ما دريت ولادرينا! تُسر إذا أصبنا بالرزايا مخادعة وتضحك إن بكينا توكلنا على الرحمن إنا رأينا النصر للمتوكلينا وهل يُخذل جند الله؟! وهل يُضرب حزبُه؟! وهل يتقهقر أولياؤه؟! وهل يتعثر أنصارُه؟! بل هم الطليعة دائماً، والكوكبة النيرة؛ لأنهم يحملون فكراً سديداً سليماً.

نداءات إلى أهل العلمنة

نداءات إلى أهل العلمنة إنا نطالب هذا الكاتب ورموز العلمنة جميعاً أن يتوبوا إلى الله، وأن يقدروا وُلاة الأمر، وأن يعرفوا أن من حق والي الأمر ألا يُخالَف فيما يُطاع الله فيه ورسوله، وألا يُعتدى على قداسة الدين، وحرمة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ولا يُسخر بأولياء الله، ولا يُستهزأ بالقيم {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] ولعلنا نسمع منتقداً يقول: هذا ليس من الحكمة! فما هي الحكمة بالله؟! وكيف نفسرها؟! وأروني الحكمة، وأخرجوا لي الحكمة، إذا كان هذا يتكلم أمام الملايين ويهاجم الإسلام بطريقة علنية، ثم يُقال: اسكت، لا تتكلم، إن الحكمة تقتضي أن تسكت! هذا ليس بصحيح، وما علَّمنا علماؤنا ومن قبلهم ولا الكتاب والسنة ولا أسلافُنا ولا الصحابة ولا التابعون إلا منهج الحق، أن نقول الحق ولا نخشى في الله لومة لائم. أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن يحفظنا ويحفظ علينا ديننا وبلادنا ومقدساتنا، إنه نعم الحافظ وهو المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

خصائص أهل السنة

خصائص أهل السنة الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أيها الناس: نحن أهل (لا إله إلا الله) لنا مصادر عدة، لنا انتماءات خالدة، لنا خصائص ربانية لا يشاركنا فيها أحد، هذه نقف بها أمام أهل العلمنة، ونحن فخورون جداً أن نكون من أولياء الله إن شاء الله، وواثقين من مبادئنا. فمن خصائصنا:

أولا: أننا أمة وحي

أولاً: أننا أمة وحي دستورنا وعقيدتنا وشريعتنا وسلوكنا وأخلاقنا من الوحي {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:1 - 4] غيرنا وأعداؤنا يأخذون قوانينهم من التراب والطين ومن جزمات مستعمريهم، ونحن نأخذ عقيدتنا وشريعتنا من رب العالمين {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] أعلون عقيدة، ومنهجاً، وعبادة، وأخلاقاً، وسياسة، واقتصاداً، وإعلاماً، ما دمنا نتحاكم لشرع الله، فنحن أمة وحي.

ثانيا: أن ولينا الله

ثانياً: أن ولينا الله الله مولانا ولا مولى لهم {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:11] فمن مثلنا -المسلمين- من الناس، تولينا الله والله تولانا، وأحببنا الله والله أحبنا إن شاء الله، فنحن إذا ضاقت بنا السبل مددنا أكفنا بين يدي علام الغيوب، فاتصلنا به مباشرة {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] إذاً هذه الأمة ربانية، أمة خرجت من الصحراء؛ لكنها اتصلت برب الأرض والسماء، فأجلسها على الجوزاء.

ثالثا: أن قدوتنا محمد عليه الصلاة والسلام

ثالثاً: أن قدوتنا محمد عليه الصلاة والسلام هل سمعت بقوم مثلنا قدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم؟! إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا فإما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا رضينا بك اللهم رباً وخالقاً وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا هل سمعت بقوم قدوتهم محمد عليه الصلاة والسلام يضلون، أو يُخذَلون، أو يتراجعون؟! لا.

رابعا: أننا أمة وسطية

رابعاً: أننا أمة وسطية ولسنا متطرفين، فنحن لا نغلو ولا نجفو، بل نعرف كيف نتعامل مع الشريعة، ونعي صروحها، ونؤسسها في الناس، لا نغلو فنصبح مثل الذين غلوا في فعلهم فغضب الله عليهم، ولا نجفو فنصبح مثل الذين تمردوا على معالم الدين. بل ننطلق من منطلقات الإسلام الصحيح، ومن شاء فليحاور شباب الصحوة وعلماءها ودعاتها.

خامسا: أننا أمة معطاءة

خامساً: أننا أمة معطاءة رجاء شقيق عارض رمحه إن بني عمك فيهم رماحُ معطاءة دائماً، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {أمتي كالسيل، لا يُدرَى الخير في أوله أو في آخره} لم تعقم أرحام نسائنا، ولم تقف الأمهات عن إنجاب العظماء، فلا زال يلد فينا الزعماء الأبرار، والعلماء الأخيار، والأدباء، والشهداء، والصديقون، والدعاة، والصالحون، فنحن دائماً سوف نقدم: ثمنُ المجد دمٌ جُدنا به فاسألوا كيف دفعنا الثمنا

سادسا: أننا أمة الخلافة

سادساً: أننا أمة الخلافة الله جعل هذه الأمة خليفة في الأرض، تتولى الخلافة، وتقود العالم، وتوجه البشرية من وسط الدنيا، من أم القرى مكة من الجزيرة، ومن حولها من العالم الإسلامي، فالخلافة لهذه الأمة التي تحمل (لا إله إلا الله).

سابعا: هذه الأمة وارثة

سابعاً: هذه الأمة وارثة وما معنى وارثة؟ أي: أنها سوف ترث العالم إن شاء الله، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أنها سوف تتبوأ منزلتها، وتحكم بعقيدتها وشريعتها، ويُطوِّق الأرض عقلُها، ويحكم الكون برها وسلامها وخيرها وفضلها، فأبشروا! الغد لكم، والفجر لكم، والمنتظر لكم. يا أمة المجد قومي مزقي الحُجُبا وأعلني في ليالي دهرك الشهبا أتذكرين صلاح الدين سفسطة من غير بذل صلاح الدين قد ذهبا قبر العظيم إذا ما زاره ذنبٌ رغا وأزبد لا حييت يا ذنَبا لو أخبروا عمر الفاروق نسبتهم وأسمعوه الرزايا أنكر النسبا أبواب أجدادنا منحوتة ذهباً وذي هياكلنا قد أصبحت خشبا من زمزم قد سقينا الناس قاطبة وجيلنا اليوم من أعدائنا شربا لكن أبشر هذا الكون أجمعه أنَّا صحونا وسرنا للعلا عجبا بفتية طهر القرآن أنفسهم كالأُسْد تزأر في غاباتها غضبا عافوا حياة الخنا والرجس فاغتسلوا بتوبة لا ترى في صفهم جُنُبا عباد الله: صلوا على معلمنا صلى الله عليه وسلم، وأكثروا عليه من الصلاة والسلام في هذا اليوم، فإن صلاتكم معروضة عليه، فصلى الله عليه وسلَّم تسليماً أبداً ما دامت الليل والنهار جزاء ما قدم وما أنتج وأعطى للأمة، وارضَ اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

كيف فرضت الصلاة؟

كيف فرضت الصلاة؟ الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام، وهنا بيان لكيفية فرض الصلاة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم مع عرض لكثير من المسائل التي تخص الصلاة ومتعلقاتها، كصلاة المسافر، والضحى، والوتر وتحية المسجد وغيرها. إضافة إلى ترجمة بسيطة لصحابيين جليلين هما أبو ذر الغفاري، وسلمة بن الأكوع.

وقفات مع أبي ذر

وقفات مع أبي ذر إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. نستأنف كتاب الصلاة مع الإمام البخاري، حيث يستهل كتاب الصلاة بتبويب رائع، حيث يقول: باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء. ثم يقول: وقال ابن عباس رضي الله عنهما: حدثني أبو سفيان في حديث هرقل فقال: {يأمرنا -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- بالصلاة والصدق والعفاف}. ثم ساق حديث أنس، قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {فُرج عن سقف بيتي وأنا بـ مكة، فنزل جبريل ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطستٍ من ذهبٍ ممتلئ حكمةً وإيماناً، فأفرغه في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا} الحديث. هذا أول حديثٍ في كتاب الصلاة يأتي به الإمام البخاري ويستهل به هذا الكتاب العظيم، وفي هذا الكتاب مسائل، وقد تعودنا أن نعيش مع صحابي يكون راوياً أو يذكر في الحديث لنروح به مجلسنا، وقد يتكرر في الترجمة أو سيرة الصحابي شيء ولا بأس بذلك، فحياة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم هي الحياة: أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره كما المسك ما كررته يتضوع وأبو ذر هو صاحبنا هذه الليلة، ونحن أصحابه، ونسأل الله أن يحشرنا في زمرته وزمرة أمثاله من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر

وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر أبو ذر إذا ذكرته ذكرت الزهد، والعبادة، والإنصاف، والتضحية، والعدل، وكلمة الحق. يقول: {أوصاني صلى الله عليه وسلم بسبع، ذكر منها: وعلى قول الحق ولو كان مراً، وذكر منها: وأن أُكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله}. فما معنى أن يكثر أبو ذر من لا حول ولا قوة إلا بالله؟ ذكر صلى الله عليه وسلم أبا ذر بهذه الوصية وقال له: {أكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله} لأنه كان سريع الغضب، وفيه حدة، يندفع ولا يتمالك أعصابه رضي الله عنه، فأوصاه صلى الله عليه وسلم أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء حديثاً فيه ضعف قال: {يُحشر أبو ذر مع عيسى عليه السلام يوم القيامة} لجهده ولعبادته ولما فيه من كلمة حقٍ كان يقولها، عرف الإسلام -كما تعرفون- ودخل مكة، والتمس مكان الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: السلام عليكم ورحمة الله يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه تحية المسلمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فتبسم صلى الله عليه وسلم، والعرب كانت تحيي بعضها بقولها: " عم صباحاً " يقول امرؤ القيس: ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العُصُر الخالي فقال صلى الله عليه وسلم: {لقد أبدلني الله تحيةً خيراً من تحيتك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته} ودخل في دين الله، وجعله صلى الله عليه وسلم من أقرب أصحابه إلى قلبه.

زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر

زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر كان النبي صلى الله عليه وسلم يزوره في بيته في أقصى المدينة، يوم أن يتكبر الجبابرة أن يزوروا متبوعيهم أو بعض تلاميذهم وطلابهم، ينطلق محمد صلى الله عليه وسلم أعظم إنسان عرفته البشرية، وأروع مربٍ عرفته الإنسانية، إلى زيارة هذا التلميذ البار والطالب النجيب أبي ذر رضي الله عنه فيزوره في بيته، بل أعظم من ذلك كان يزور العجوز، ويزور الأطفال صلى الله عليه وسلم. قال أبو ذر: {وتأخر عني محمد صلى الله عليه وسلم مرة من المرات فلما أتاني التزمني فكان أحسن، أو أطيب} يعني: عانقني، فكانت أطيب من غيرها يعني: أعلى وأروع، واستمر رضي الله عنه وأرضاه مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم مربياً وحكيماً يلحظ المواهب في الناس، فكان يؤهل كل موهبةٍ في مكانها المناسب. فلم يأتِ بـ خالد بن الوليد ليجعله مفتياً في المسجد، وما لـ أبي سليمان والفتوى؟! وهو يجيد ضرب الرءوس وقطعها، فيجعله صلى الله عليه وسلم في العسكرية، قائداً في الجيش. وأتى حسان بن ثابت رب القوافي، وصانع الأبيات والقصائد، فلم يأت به صلى الله عليه وسلم ليجعله إماماً في المسجد وما لـ حسان وللإمامة؟! بل جعله شاعر الدعوة الإسلامية، ينصب له المنبر ويقول: {اهجهم وروح القدس معك}. وأتى زيد بن ثابت فلم يعينه صلى الله عليه وسلم قائداً عسكرياً، بل عينه في الفرائض؛ لأنه يجيد الفرائض. هذه تخصصات: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة:148] فالله أعلم سبحانه وتعالى كيف يُخدم هذا الدين، ولذلك لا يأت الطبيب ليجعل نفسه مفتياً، ولا يأتِ المفتي ليتطبب، ولا يأتِ الأستاذ الذي يجيد الفقه والحديث ليجعل نفسه مهندساً، ولا يأتِ المهندس ليفتي في الفرائض ويقسم بين أهل الفروض وأهل العصبة؛ ما له ولذلك؟! لكن أين أبو ذر من هذه المواهب وهذه الميزات؟ ميزته في الزهد والانقطاع والخلوة عن الناس، ولذلك بيَّن صلى الله عليه وسلم هذا لـ أبي ذر. قال أبو ذر للرسول صلى الله عليه وسلم: {يا رسول الله! أمّرت فلاناً وفلاناً، وتركتني}. أول الدعوة يظن أن الأمر بالأغلبية أو أن المسألة مسألة اغتنام، فعلمه صلى الله عليه وسلم أن المسألة ليست هكذا، وقال له: {يا أبا ذر! إني أحب لك ما أحب لنفسي، وإنك رجلٌ ضعيف، وإن الإمارة خيبة وندامة يوم القيامة إلا من أدى حق الله فيها} فمنعه صلى الله عليه وسلم أن يتأمَّر، بل أوصاه أن إذا بلغ التقدم الحضاري في المدينة إلى جبل سلع أن يخرج من المدينة، فقال له صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: {إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج من المدينة} فبلغ البناء سلعاً فخرج من المدينة رضي الله عنه إلى الربذة حيث صفاء الصحراء الذي يناسب صفاء أبي ذر رضي الله عنه، حيث إن أبا ذر لا يعرف الدجل ولا التدليس ولا النفاق رضي الله عنه وأرضاه.

موقف أبي ذر في تبوك

موقف أبي ذر في تبوك وفي تبوك يتقدم صلى الله عليه وسلم إلى منزله في تبوك فيتفقد الجيش؛ قال: {من تخلف؟ قالوا: فلان، قال: إن يرد الله به خيراً يأتِ به} وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يفقد أبا ذر، فيقول: {أين أبو ذر؟ قالوا: تخلف يا رسول الله! قال: إن يرد الله به خيراً يأتِ به، وما هي إلا لحظات وإذا بـ أبي ذر كالصقر من آخر الصحراء في وهج الشمس، وفي حرارة الصحراء التي تتوقد، يقتلع خطاه من على الرمال، فيقول صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ قالوا: ما ندري يا رسول الله! قال: كن أبا ذر -كن أيها المقترب الحبيب أبا ذر - فيقترب رويداً رويداً فإذا هو أبو ذر، فيقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: رحم الله أبا ذر يعيش وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده} فيقدم رضي الله عنه وأرضاه. فلما توفي صلى الله عليه وسلم خرج أبو ذر من المدينة بطهره وزهده وعبادته، ونصب خيمة في الصحراء يعبد الله ويناجيه ويتلو كتابه، وأتته الوفاة فمات وحده، ثم أدركته عصابة من المؤمنين على رأسهم معلم العراق وداعية الإسلام فيها ابن مسعود رضي الله عنه فدفنوه فعاش في آخر حياته وحده في الصحراء، ومات وحده، ويبعث يوم القيامة أمة وحده، حسناته تزاحمه بجانبيه فلا يطرق مزاحماً معه رضي الله عنه وأرضاه، هذا هو أبو ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه حينما يُذكر يذكر معه الزهد والعبادة والعزلة والانقطاع عن هرج الناس وخلطتهم وكلامهم.

حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وتغسيله بماء زمزم

حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وتغسيله بماء زمزم قال صلى الله عليه وسلم: {فرج عن سقف بيتي وأنا بـ مكة، فنزل جبريل ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم} الرسول عليه الصلاة والسلام شُقَّ صدره في حياته مرتين عليه أفضل الصلاة والسلام، مرة وهو طفل في بادية بني سعد، ومرة حيث بلغ من الكبر عتياً حيث خولَّه الله حمل الرسالة إلى أدائها إلى العالمين.

حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم الأولى

حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم الأولى المرة الأولى ذكرت في صحيح مسلم، وإذا عرض الحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم فلا يتعقب. يروي صلى الله عليه وسلم أنه كان غلاماً فيما يقارب الثامنة من عمره، خرج يرعى البْهم مع أخيه من الرضاعة، وأمهما من الرضاعة هي حليمة السعدية، وأخواله بنو سعد، وذهب صلى الله عليه وسلم فلما أصبح مع زميله وأخيه في الصحراء وإذا بملكين من السماء ينزلان لباسهما البياض، فيأخذان الرسول صلى الله عليه وسلم فيضجعانه في الأرض، فلما أصبح مضطجعاً على الأرض على قفاه، شقَّا عن صدره الكريم صلى الله عليه وسلم، وأخرجا المرارة السوداء التي هي في كل إنسانٍ منَّا، حيث يجتمع فيها الحسد والحقد والغش والغضب، أما هو صلى الله عليه وسلم فأخرج من صدره كل هذا الغل، والغش، والحقد، والحسد، وبقي صدره سليماً، ثم أتوا بطستٍ مملوء حكمة وإيمانا فأفرغوه في صدره الشريف، أما أخوه فذهب إلى بيت أمه خائفاً وجلاً وهو يرتعد ويقول: يا أماه! أخي محمد قد قتل، أتى رجلان من السماء فقتلاه وهو مقتول في وادي كذا وكذا، فتذهب أمه وأبوه -وهما خائفان- إلى ذلك المكان، فيجدانه صلى الله عليه وسلم قد قام وهو ممتقع اللون متغير، فقالوا: ما لك؟ قال: جاء رجلان من السماء أضجعاني وأخرجا شيئاً من قلبي، ثم أفاضا في قلبي شيئاً، لذلك يقول سبحانه وتعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] قال بعض أهل العلم: هذا هو الشرح، وقيل: شرحنا لك صدرك: وسعناه وجعلناه واسعاً رحباً، جعلناه ممتلئاً حكمةً وإيماناً فلا تهتم، ولا تحزن، ولا تغتم.

فضل ماء زمزم

فضل ماء زمزم قال ابن حجر: والصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم شق صدره مرتين. قال: {ثم غسله بماء زمزم} ولماء زمزم ميزة، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والبيهقي وغيرهما: {ماء زمزم لما شرب له} قال بعض أهل العلم: إن شربته للمال أغناك الله، وإن شربته للعلم علمك الله، وإن شربته للشفاء شافاك الله، لكن لا بد من النية والإخلاص والصدق في شرب ماء زمزم، أما إن كان يأتي يتعبط ويلعب ويستهزئ، ويقول: أشرب وأجرب هل أغتني وأعود وأنا من التجار الأثرياء، فهذا لا يحصل على شيء لأنه مستهزئ، إنما يحصل على هذا الخير من يشربه صادقاً، قال حجاج بن منهال فيما يرويه عن ابن المبارك: شرب ابن المبارك من ماء زمزم ثم أخذ حفنة وقال: اللهم إن فلاناً حدثني عن فلان عن فلان عن رسولك صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ماء زمزم لما شرب له} اللهم إني أشربه لظمأ ذاك اليوم، فشربه، رضي الله عنه وأرضاه. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ماء زمزم شفاء سقمٍ وطعام طعم} يشفي السقيم بإذن الله، ويشبع الجائع، ولذلك لمَّا دخل أبو ذر مكة ما كان له مضيف، فتستر بأستار الكعبة أربعين يوماً، ما كان يأكل إلا من ماء زمزم، فسمن حتى تكسرت عكن بطنه من السمن، هذا من ماء زمزم، وليس لماءٍ على وجه الأرض ميزة أنه يشبع إلا ماء زمزم. ولذلك ابن هبيرة -جازاه الله بما صنع- كانوا يأتون له بماء زمزم فلا يشربه ويشرب الماء الآخر، ويقول: هذا ماء الخنافس، فدعا عليه بعض أهل العلم، قال: اللهم إن كان محقاً في كلامه فأنت أعلم به، وإن كان مبطلاً فأسألك أن تعذبه في الدنيا وفي الآخرة، فأخذ وقطعت يده اليمنى وهو أمير، وعوقب في العراق ثم قطعت رجله اليسرى ثم عذب حتى مات. ولا يمتاز إلا بهذه الميزة فيجوز أن يتوضأ منه ويغتسل منه، ولو كان على الإنسان نجاسة فإنه يتوضأ من ماء زمزم ويغتسل منه خلافاً لقول بعضهم قال علي رضي الله عنه في أول مسنده في مسند أحمد: {أتى صلى الله عليه وسلم إلى زمزم فشرب من ماء زمزم وتوضأ عليه الصلاة والسلام} وهو من حديث أسامة كذلك، وكان المسلمون يريدون أن يكسبوا عليه الصلاة والسلام بالإهداء له، فورد في السيرة الحلبية أنه كان ينقل له ماء زمزم هدية، فيشربه صلى الله عليه وسلم ولذلك عُظم ماء زمزم في هذا الموضع، فقال: {ثم غسله -أي: صدره- بماء زمزم، ثم جاء بطستٍ من ذهب}.

حادثة شق الصدر الثانية

حادثة شق الصدر الثانية أماالمرةالثانية فهذه المرة التي شق فيه اصدره عليه الصلاة والسلام بعد النبوة، قال أنس: {كنا نرى أثر المخيط في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم} ولذلك كان صدره رحباً واسعاً، فما كان يأتيه الغضب إلا في حدود الله إذا انتهكت، فكان كثيراً ما يحلم، بل هو صلى الله عليه وسلم رسول الحلم والكرم والعظمة، يقول الله عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].

قصة الإسراء والمعراج

قصة الإسراء والمعراج ثم قال عليه الصلاة والسلام: {ثم أخذ بيدي فعرج بي} في قوله: أخذ بيدي، فيها الأنس والصحبة، وفيها الملاطفة للأصحاب، وإذا أردت أن تلاطف صاحبك أو صديقك فخذ بيده، وقد كان عليه الصلاة والسلام يأخذ بأيدي أصحابه إذا أراد أن يلاطفهم ويوانسهم، يقول معاذ رضي الله عنه كما في سنن أبي داود: {أخذ صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قال: يا معاذ! والله إني لأحبك، لا تدع في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك} ويقول ابن عمر كما في صحيح البخاري: {أخذ صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} فمن الملاطفة أن تؤانس صاحبك بأخذ يده في يدك ليتم الأنس، قال جرير بن عبد الله البجلي: {كان صلى الله عليه وسلم إذا رآني تبسم في وجهي، وكان ربما ضرب في صدري صلى الله عليه وسلم} حتى لما أرسله صلى الله عليه وسلم يهدم الأصنام قال: {يا رسول الله! أنا لا أثبت على الخيل} لأن جرير بن عبد الله البجلي من قبائل الجنوب وهم لا يعرفون الخيل بل يعرفون الإبل فقط، والأرض لا تناسب معيشة الخيول في هذه الجبال، فليسوا بأهل خيول، فلما أرسل صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله قائد جيش معه خمسمائة فارس، قال: {اركب الخيل، قال: يا رسول الله! أنا لا أثبت على الخيل -يعني: إذا ركب هرب به- فقال صلى الله عليه وسلم: تعال، فلما قرب منه ضرب في صدره وقال: اللهم ثبته واجعله هادياً مهدياً} فما سقط مرة ثانية من على الخيل، فجعله الله هادياً مهدياً، وانتصر مع المسلمين، وهو شيخ قبيلة بجيلة التي يقول فيها الشاعر لما فرت يوم القادسية: لولا جرير هلكت بجيلة نعم الفتى وبئست القبيلة بل نعم الفتى ونعمت القبيلة رضي الله عنهم وأرضاهم. فمن الملاطفة الأخذ بالأيدي.

المكان الذي ابتدئ الإسراء فيه

المكان الذي ابتدئ الإسراء فيه قال: {ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا فلما جئت إلى السماء الدنيا}. هذه قصة الإسراء والمعراج حيث يقول سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء:1]. و Q كيف يقول سبحانه وتعالى: من المسجد الحرام، وقد أسري به من بيت أم هانئ كما يقول أهل السير؟ والصحيح أنه أسري به عليه الصلاة والسلام من الحرم، فقد خرج من بيت أم هانئ أو من بيته، ثم دخل الحرم فأسري به من الحرم صلى الله عليه وسلم. وسبب الإسراء أن الرسول صلى الله عليه وسلم طرده أهل مكة وأهل الطائف وكذبوه فعاد في وادي نخلة يناجي ربه في ليلة ظلماء ليس معه إلا الله، وليس له مؤنس إلا الله، فلما رفع أكفَّ الضراعة أدخله الله الحرم فطاف فيه، ثم أذن له بالإسراء والمعراج. أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم كنت الإمام لهم والجمع محتدم أعظم بمثلك من هادٍ ومؤتم لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلمِ حتى بلغت مكاناً لا يطار له على جناحٍ ولا يسعى على قدمِ وقيل كل نبيٍ عند رتبته ويا محمد هذا العرش فاستلمِ ووصل صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس في ليلة مظلمة، ودخل في عجلة، وربط الفرس هو وجبريل عند الباب، ثم صلى ركعتين، قال أهل العلم: إن الأنبياء صلوا معه صلى الله عليه وسلم وكان هو الإمام في تلك الليلة.

النبي يعرج به إلى السماء الدنيا

النبي يُعرج به إلى السماء الدنيا ثم عرج به صلى الله عليه وسلم، فلما أتيا إلى السماء الدنيا طرق الباب، وهذا فيه حكمة مشروعية الاستئذان، وأن الداخل الأجنبي لا يجوز له الدخول إلا بعد أن يطرق الباب أو يستأذن، وهذا أصله في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما طرق جبريل عليه السلام الباب قالوا: من معك؟ وهذا فيه فائدة أخرى: أن أهل البيت لا يفتحون حتى يستفسروا من الداخل؛ لأنه قد يكون عدواً أو مجرماً، أو غير ذلك فلهم أن يقولوا: من؟ ومن السنة أن يقول الطارق أو المستأذن: أنا فلان بن فلان، ولا يقول: أنا فقط؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعلم أصحابه ذلك، ولذلك يقول جابر: {طرقت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من؟ فقلت: أنا، قال: أنا أنا، كأنه كرهها صلى الله عليه وسلم} يقول ابن الجوزي: محتمل في كراهيته صلى الله عليه وسلم أمران: الأمر الأول: كراهيته لأنا أنا، وكأنه يقول: أنا الرجل المشهور الذي لا يحتاج إلى تعريف، وهذا عجبٌ ومدح وغرور، والأمر الثاني: أن فيه إبهاماً على أهل البيت؛ لأنه ما علمهم باسمه، فكان عليه الصلاة والسلام يطلب من أصحابه أن يعلم أحدهم باسمه، أو بكنيته، يقول أنس: {استأذن رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من؟ قال: أنا، أأدخل؟ فقال صلى الله عليه وسلم لمولاه: اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان قل له: قل: السلام عليكم أأدخل؟ فعلمه فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ قال: ادخل}.

موقف قريش من قصة الإسراء

موقف قريش من قصة الإسراء وبعد أن وصل صلى الله عليه وسلم السماء السابعة وتجاوزها إلى سدرة المنتهى وكلمه الله، وفرض عليه الصلوات الخمس، عاد إلى الدنيا في تلك الليلة، وأصبح في الصباح، ونزل إلى الحرم، وجمع الكفار وأخبرهم أنه أسري به تلك الليلة، كان معه في أول القصة أبو جهل قال: أصدق أسري بك؟ قال: نعم، قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، ثم عرج بي إلى السماء السابعة، فضحك أبو جهل وقال: اصبر حتى أجمع كفار قريش، أي: يسمعوا هذا الخبر، وهو لا يريد أن يفيدهم، لكنه يريد أن يستهزئ ويضحك، فجاءوا ورئيسهم آنذاك الوليد بن المغيرة وقد يكسو الكعبة سنة، وتكسوها قريش سنة. فلما جلسوا تكلم صلى الله عليه وسلم، فقال الوليد بن المغيرة: يا محمد! إننا نصل بيت المقدس في شهر، ونعود منه في شهر، فكيف وصلت أنت في جزءٍ من ليلة إلى بيت المقدس ثم إلى السماء السابعة ثم عدت في نفس الليلة؟!! فإن كان لك من العلامات فأخبرنا بها، فقال صلى الله عليه وسلم: وماذا تريدون من علامات؟ قالوا: صف لنا بيت المقدس نحن نعرف أبوابه ونوافذه وأسياجه ومداخله ومخارجه والرسول عليه الصلاة والسلام ما تسنى له أن يقف على عدد أبوابه وأسياجه ومداخله ومخارجه، فأخذه من الكرب ما الله به عليم حتى تغشاه العرق، ولما وقف نكس صلى الله عليه وسلم رأسه ثم رفع وإذا بصورة بيت المقدس أمامه، فأخذ يصفه باباً باباً ونافذة نافذة ومخرجاً مخرجاً ومدخلاً مدخلاً {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258] ورفع الوليد بن المغيرة قشة من الأرض، وقال: والله ما زاد على ما وصفت لنا كهذه، فآمن بعضهم وكفر بعضهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: وهل أزيدكم؟ وسوف تقدم عليكم غداً قافلتكم في أولها الجمل الأورق عليه غرارتان، أي: كيسان، وسوف يقدم رعاتكم الذين رعوا في وادي كذا وكذا، فمررت بهم أنا وجبريل وقد كسرت رجل ناقة من نوقهم، قالوا: ننتظر، وفي الصباح صعدوا على شرفات بيوتهم وانتظروا وإذا بالقافلة داخلة وفي أولها الجمل الأورق عليه غرارتان، وأتى الرعاة فقالوا: أحدث عليكم شيء؟ قالوا: ما حدث شيء إلا أن ناقة فلان كسر رجلها، وصدق الله إذ يقول: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15]. وعاد صلى الله عليه وسلم وأخبرهم بهذا فكفروا وعتوا عن أمر ربهم: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر:14 - 15]. قال عليه الصلاة والسلام: {قال جبريل لخازن السماء: افتح. قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معي محمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أُرسل إليه؟ قال جبريل: نعم أرسل إليه} فالناس والملائكة والجن والإنس يتحرون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فوصل عليه الصلاة والسلام قال: {وإذا أنا برجلٍ في السماء الأولى وهو آدم عليه السلام، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل يساره بكى، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا آدم، إذا نظر عن يمينه رأى هؤلاء الخلق إلى أهل الجنة فضحك استئناساً وفرحاً وسرورا، وإذا نظر إلى ميسرته من أهل النار بكى، فسلَّم عليه صلى الله عليه وسلم وعرَّف به جبريل، فقال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح} ثم عرج بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، حيث وجد عليه الصلاة والسلام ابنا الخالة يحيى وعيسى قيل: في الثانية أو في الثالثة، فسلم عليهم صلى الله عليه وسلم وحيوا مقدمه وباركوا رسالته، ووجد إدريس في الرابعة {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} [مريم:57] فسلَّم عليه صلى الله عليه وسلم، ووجد هارون في الخامسة فسلَّم عليه ورحب به، وأما في السادسة فوجد موسى الكليم فلما سلَّم عليه صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: {من هذا يا أخي يا جبريل؟ قال: هذا موسى عليه السلام} والرسول صلى الله عليه وسلم يصف الأنبياء، رآه لحظات لكن أخذ أوصافه- قال: {أما موسى فكأنه من رجال أزدشنوءة} وهي من قبائل جبال الجنوب من جبل الطائف إلى هذا الجبل جبل آسيا، يعني: في السمرة وفي الجعد وفي القوة؛ لأنه وصف بأنه القوي الأمين وأعطاه الله الشجاعة عليه السلام، فما صلح لبني إسرائيل ولا دوخ رءوسهم، ولا أذهب الوسوسة من رءوسهم إلا هو، ولذلك إذا غاب عنهم أو ذهب عبدوا العجل، أو لخبطوا في العبادة أو قالوا أو تكلموا، فإذا دخل عليهم خافوا، وهو لا يعرف عليه السلام المداهنة معهم، بل كان قوياً حازماً معهم فكانوا يخافون منه، وهو الذي قتل نفساً ونجاه الله من الغم وتاب عليه، وهو الذي رفع الصخرة وتعرفون قوة الصخرة، وهو الذي شهد أكبر صراع في التاريخ مع فرعون، وانتصر عليه بإذن الله. ثم واصل صلى الله عليه وسلم فلما عرج به إلى السادسة بكى موسى فقال صلى الله عليه وسلم لجبريل: {ما لموسى يبكي؟ قال: يقول: نبيٌ بعث من بعدي يدخل الجنة من قومه أكثر مما يدخل الجنة من أمته} يقول ابن تيمية في فتاويه: هذا من التنافس المحمود، فإن موسى لم يبكِ حسداً، ولا حقداً، وإنما بكى تنافساً يريد أن تكون لأمته من المرتبة كما لأمة محمد عليه الصلاة والسلام. بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدمِ لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأممِ ثم عرج بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى السابعة، وهناك وجد أفضل الأنبياء بعده صلى الله عليه وسلم وهو إبراهيم فسلم عليه، وقال: {مرحباً بالنبي الصالح، والابن الصالح} وإبراهيم أبو الأنبياء والرسول صلى الله عليه وسلم من أبنائه. وإذا هو مسند ظهره إلى البيت المعمور، وهذا البيت يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، أي لا يأتي دورهم مرة أخرى.

وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى

وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى وواصل صلى الله عليه وسلم رحلته؛ أما جبريل عليه السلام فتوقف، فقال صلى الله عليه وسلم: معي؟ قال: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات:164] ومقام جبريل عليه السلام ذاك المقام لا يتجاوزه، فصعد صلى الله عليه وسلم {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم:14 - 16]. قيل للرسول صلى الله عليه وسلم: ما هو الذي يغشى السدرة؟ قال: {ألوان لا أعرفها الآن} ثم كلمه الله عز وجل وفرض عليه خمسين صلاة، والصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير ربه لما أسري به أو عرج به إلى السماء، والذين قالوا: إنه رأى ربه خالفوا النصوص، والمسألة خلافية لكن الصحيح مع الذين قالوا: لم يره، فقد قال موسى عليه السلام لربه: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] يعني: في الدنيا، والمعتزلة قالوا: لا في الدنيا ولا في الآخرة، وقالوا: لن هنا للتأبيد وكذبوا قال ابن مالك: ومن رأى النفي بلن مؤبدا فقوله اردد وسواه فاعضدا أي: اردد قول من قال: إن النفي بلن مؤبد، فهي ليست إلا في الدنيا، وأما في الآخرة فإن الله يراه المؤمنون كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة. وقد سئل صلى الله عليه وسلم: {هل رأيت ربك؟ قال: نورٌ أنَّى أراه} أي: ما رأيته، وقالت عائشة لما قال الأسود بن يزيد: [[هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ قالت: لقد قف شعري مما قلت -قف شعر رأسه أي: انتفش، واستقام أو تحرك من ثقل هذه الكلمة- من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله]]. فهو لم ير ربه، والذين قالوا: إنه رأى ربه، مثل ابن عباس فقد ورد عنه أنه قال ذلك كما في صحيح مسلم ولكن الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه وقال: {نورٌ أنَّى أراه}.

فرض الصلوات الخمس

فرض الصلوات الخمس أما الصلاة ففرضت عليه خمسين صلاة كما تعرفون، فلما عاد أخبر موسى عليه السلام -جزاه الله عن أمة محمد خير الجزاء- فقال: إني جربت بني إسرائيل وإنهم اختلفوا عليَّ وشقَّ عليهم ذلك، وقد أوتوا من الفرائض أقل مما كتب عليك فراجع ربك، فراجع ربه، فوضع عنه شطراً، قيل: الشطر ليس النصف، إنما تقدير محدد وعدد معين، فراجعه مرة ثانية فوضع عنه، فراجعه مرة ثالثة فوضع عنه، حتى أقرها سبحانه وتعالى خمساً، قال: {لا يبدل القول لدي هي خمسون في الأجر وخمس في الفرضية} أو كما قال سبحانه وتعالى، وهو في هذا الحديث، فكل فريضة بعشر فرائض، والحسنة بعشرة أمثالها، وعاد صلى الله عليه وسلم.

لا صلاة مفروضة غير الصلوات الخمس

لا صلاة مفروضة غير الصلوات الخمس والسؤال هنا: هل فرض على الأمة شيء غير الصلوات الخمس؟ فالوتر هل هو فريضة أو واجب؟ وسنة الضحى، وتحية المسجد، والصلوات الطارئة كالعيدين، والكسوف، والخسوف، وغيرها مما ورد في السنة. الصحيح أن ما فرض عليه صلى الله عليه وسلم إنما هي خمس صلوات، ولذلك ما سوى هذه إما سنة مؤكدة، وإما سنة وإما مندوبٌ يُعمل بها من باب النفل المطلق الذي يتنفل به الإنسان ليتزود به الحسنات عند الله. فالصلوات الخمس هي المفروضة في الكتاب والسنة، قال ابن عباس رضي الله عنه: [[أنا أستخرج الصلوات الخمس من القرآن]] ولا يغوص عليها إلا غواص -يقول عن نفسه- قال في قوله سبحانه وتعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم:17 - 18] فذكر الله عز وجل صلاة الفجر في القرآن، وصلاة الظهر، والعصر على قول من يرى أن القسم في سورة العصر يقصد به الفريضة لا الدهر. وقد أتى رجل من أهل نجد ليؤكد أنه لم يفرض على الرسول صلى الله عليه وسلم إلا خمس صلوات، كما في حديث طلحة بن عبيد الله يقول: {كنا جلوساً مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد، فأقبل رجلٌ من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول -يعني: يتمتم في الكلام- فدنا من الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يسأل عن الصلاة، فقال له صلى الله عليه وسلم: خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا. إلا أن تطوع} فليس غيرها بواجب إذن.

صلاة الوتر سنة مؤكدة

صلاة الوتر سنة مؤكدة أما الذين قالوا: إن الوتر واجب فليس بصحيح، بل هو سنة مؤكدة، ما تركه صلى الله عليه وسلم في حضرٍ ولا سفر، وكان إذا ترك الوتر صلى الله عليه وسلم صلاه من النهار شفعاً لا وتراً، وعند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقضي الوتر كهيئته في النهار} لكن هذا الحديث لا يقاوم حديث مسلم عن عائشة: {كان صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا في غير رمضان على إحدى عشر ركعة، فإذا فاته الوتر من الليل صلى من النهار ثنتي عشر ركعة} فدل ذلك على أن الوتر لا يقضى على هيئته وتراً، وإنما يقضى شفعاً، من كان وتره ثلاثاً فليصل أربعاً، ومن كان وتره خمساً فليصل ست ركعات هذا هديه صلى الله عليه وسلم في الوتر، أما ركعتا الفجر فما تركها لا في سفر ولا حضر، فالنوافل كلها تترك في السفر إلا الوتر وركعتي الفجر، ولك أن تصلي الضحى في السفر. والأحناف ذهبوا إلى أن الوتر واجب، ولكنه ليس بواجب للأدلة هذه ولأنه خالف الفريضة في أحكامه، فإنه يجوز أن يوتر المسلم على الدابة وفي السيارة ولا يجوز أن يصلي الفريضة كذلك إلا للضرورة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أوتر على دابته، وأوتر الصحابة، فلو كان الوتر فريضة لما أوتروا على دوابهم، ولنزلوا وصلوا على الأرض. هذه هي الصلوات الخمس التي فرضت عليه صلى الله عليه وسلم، أما في السفر فركعتان كما قال عمر رضي الله عنه: {صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر، على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم} هذه هي الصلوات الخمس التي فرضت عليه صلى الله عليه وسلم. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم كما يقول ابن القيم: أن يصلي في اليوم والليلة أربعين ركعة، ما بين فريضة ونافلة، قال ابن القيم: ومن قرع الباب كل يوم أربعين مرةً فيوشك أن يفتح له، فكان عليه الصلاة والسلام يصلي أربعين ركعة ما بين الفريضة والنافلة، منها إحدى عشرة ركعة وتراً، ومنها اثنا عشرة ركعة سنناً رواتب، ومنها الفريضة سبع عشرة ركعة، هي في زاد المعاد، هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة.

حكم صلاة الضحى

حكم صلاة الضحى أما الضحى فالصحيح أنها سنة مطلقة، للإنسان أن يصليها كما يشاء، ركعتين وأربعاً، وستاً، وثمانياً، ويزيد ما شاء الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصى أبا ذر وأبا هريرة في الصحيح أن يصلوا ركعتين، قال أبو ذر وقال أبو هريرة والحديث لـ أبي هريرة في المسند وفي صحيح مسلم: {أوصاني صلى الله عليه وسلم بثلاث وقال: لا أدعهن حتى أموت: ركعتي الضحى، وصيام ثلاث أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام}. وعند أبي داود في الصحيح: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل يوم الفتح صلى ثمان ركعات} قال أهل العلم: هذه صلاة الضحى، فللمسلم أن يصلي ركعتين وأربعاً وستاً وثمانياً، لكن المقصود أن يصلي الإنسان شيئاً ويداوم عليه، فقد ينشط الإنسان أن يصلي في بعض الأيام أربعين ركعة، ثم يفتح الله عليه، ويسهل فيداوم ثلاثة أشهر أو أربعة أو سنة، لأن المقصود بالإسلام هو القصد والمداومة، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين من حديث أبي هريرة وحديث أبي ذر: {يصبح على كل سلامى من الناس صدقة؛ فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ويجزي عن ذلك ركعتان يركعهما أحدكم من الضحى}. وبعض الناس أوجب الضحى، ولكن هذا قولٌ شاذ خالف إجماع الأمة على أن ركعتي الضحى ليست بواجبة، وقائل هذا ما عند أثارة من علم ولا دليل.

حكم تحية المسجد

حكم تحية المسجد أما تحية المسجد فالصحيح أنها سنة مؤكدة، وأن المسلم لا يجلس حتى يصلي ركعتين، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام للداخل في الجمعة: {إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} وقال صلى الله عليه وسلم للداخل لما دخل: {أصليت ركعتين -وهو يخطب بالمسلمين-؟ قال: لا. قال: قم فصل ركعتين}. وهل تصلى بعد العصر أو بعد الفجر؟ الصحيح أنها تصلى، وأنها من ذوات الأسباب التي تصلى في مثل هذا الوقت، وبعض الناس من الفقهاء يقولون: لا يُصلى في هذا الوقت، ولكن الصحيح أنها تصلى في مثل هذا الوقت لأنها من ذوات الأسباب.

أقوال الناس في رؤية الله عز وجل

أقوال الناس في رؤية الله عز وجل قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: {ثم عرج بي بعد ذلك حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام} قد ذكرنا أن الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، وأنه ما رآه في الدنيا ولا رآه أحد من الناس، وهذه عقيدة قالها كثير من أهل السنة والجماعة، وموسى عليه السلام إنما وجهه الله على مستحيل؛ لأن الرؤية ممتنعة في الدنيا، والناس في الرؤية ثلاثة أقسام: قومٌ قالوا: يرى في الدنيا والآخرة وقد كذبوا، وقومٌ قالوا: لا يُرى في الدنيا ولا في الآخرة وقد كذبوا. وقومٌ قالوا: يرى في الآخرة ولا يُرى في الدنيا وهم أهل السنة والجماعة.

قول الصوفية في رؤية الله

قول الصوفية في رؤية الله فأما الذين قالوا: يرى في الدنيا والآخرة فهم غلاة الصوفية، يقولون: يُرى في الدنيا والآخرة، ولذلك يجلس أحدهم ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب فيتخيل أشباحاً وصوراً أمام عينيه فيقول: رأيت ربي، وكلمني قال الذهبي: والله ما كلمك، ولا أوحى إليك، ولكن طاش عقلك وفاش من الجوع، يعني: لعب الشيطان بعقولهم فقالوا: رأينا الله، ولذلك لما خالفوا منهج ما الرسول صلى الله عليه وسلم ابتلوا بهذه الخرافات، وإذا رأى أحدهم طيراً في السماء قال: هذا الملك أتى يخبرني، وإذا سمع صريراً بالليل قال: هذه كرامة من كرامات الأولياء.

قول المعتزلة في رؤية الله عز وجل

قول المعتزلة في رؤية الله عز وجل وأما المعتزلة فقالوا: لا يُرى في الدنيا والآخرة وخالفوا النصوص، قال سبحانه وتعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] فهذا خلاف {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] وهي وجوه أهل السنة وأهل التسامح وأهل الخير والثناء، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فنفى المعتزلة أن يُرى سبحانه وتعالى.

قول أهل السنة والجماعة

قول أهل السنة والجماعة وأما أهل السنة فقالوا: يرى في الآخرة ولا يرى في الدنيا، وأما يوم المزيد فهذا موقف الفصل، ففي الجنة خصص الله سبحانه يوم المزيد، والصحيح أنه يوم الجمعة، فيدعو سبحانه وتعالى، عباده فيدنو سبحانه وتعالى فيري عباده وجهه الكريم، وأما في العرصات فإن الله سبحانه وتعالى يراه المؤمنون كما في حديث جرير بن عبد الله، يقول: {نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر قال: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضارون في رؤيته -وفي لفظ: لا تضامون-} تضارون: تألمون وتتألمون، وتضامون: أي تتزاحمون. فعقيدة أهل السنة والجماعة: أن الصالحين يرون الله عز وجل في العرصات، وفي الجنة من باب أولى، أما المعتزلة فقالوا: لا في العرصات، ولا في الجنة. قال عليه الصلاة والسلام: {فمررت على موسى عليه السلام قال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قال: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعني فوضع شطرها فرجعت إلى موسى قلت: وضع شطرها، فقال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك} قال أهل العلم: جزى الله موسى عن أمة محمدٍ خير الجزاء فإنه أحسن عليه السلام في طلب المعذرة والتخفيف عن الأمة المحمدية، ومقصود البخاري من باب كيف فرضت الصلاة أن يبين متى فرضت وفي أي مكانٍ فرضت، وكم عدد ركعاتها، وقد رتب كتابه ترتيباً عجيباً، ولذلك يقول ابن رجب: استفتح البخاري هذا الكتاب بباب: (كيف فرضت الصلاة في الإسراء) ليبين أن أول ما يتكلم في الموضوع أو في الباب لا بد أن يبين فرضية هذا الباب وهي الصلاة.

مسائل في صلاة السفر

مسائل في صلاة السفر ثم قال البخاري رحمه الله: وعن عائشة أم المؤمنين قالت: {فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر} هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة السفر ألا يزيد على ركعتين إذا كانت الصلاة رباعية، ولم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم في السفر فجعلها أربعاً، وإنما كان يصلي المغرب ثلاثاً، ويصلي الرباعية ركعتين، وكان يوتر ويصلي ركعتي الفجر، وأما الذين ذهبوا إلى الإكمال فليس لهم حديثٌ صحيح، وحديث الدارقطني عن عائشة أنها قالت: {يتم ويقصر صلى الله عليه وسلم ويصوم ويفطر} ليس بصحيح، ولكن هديه صلى الله عليه وسلم أن يقصر في السفر، وأما الصيام فباب آخر.

السفر يقدر عرفا

السفر يقدر عرفاً ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي مدة السفر الزمنية؟ وما هي المسافة للسفر. هل تقدر بالأميال والكيلو مترات؟ الصحيح -كما يقول ابن تيمية رحمه الله- أنها لا تقدر بالأميال، وأن من قدر المسافة المكانية بالأميال فقد أخطأ وليس له دليل، وأن ما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصر في ثلاثة أميال، أو في ثلاثة فراسخ، أو في كذا فرسخ فليس بوارد؛ لأن ما فعله صلى الله عليه وسلم اتفاقاً لا يكون دليلاً على التحديد للمسافة، يعني: لا يطلق على كل سفر، والصحيح: أن ما يسمى سفراً في اللغة فنقصر فيه، وإذا تعارف الناس أن هذا سفر قصرنا فيه، فإذا تعارف الناس أنك إذا كنت تريد الطائف أنك مسافر ولم ينكروا عليك إذا قلت: إنك ستسافر إلى الطائف فهذا سفرٌ في العرف وفي اللغة فتقصر فيه، ومثله إلى جدة، وإلى الرياض، أما إذا قلت: أسافر إلى السودة فإن هذا ليس بسفر، وينكر عليك الناس استخدام هذه الكلمة أو أسافر إلى الخميس هذا ليس بوارد، فالصحيح أن السفر لا يقيد بمسافة من الأميال ولا بالكيلو مترات؛ بل ما سمي سفراً عند المسلمين وفي عرفهم، فتقصر فيه الصلاة، ويجوز لك أن تقصر من وقت انطلاقك من بيتك، أو من ركوبك سيارتك، إذا أدركتك الفريضة وأنت على جناح سفر، هذا هو هديه صلى الله عليه وسلم في السفر.

مسألة الجمع في السفر

مسألة الجمع في السفر وأما مسألة الجمع في السفر، فكان هديه صلى الله عليه وسلم أنه يجمع بين الصلاتين إذا جدَّ به السير وكان على جناح سفر جمع بين الصلاتين، بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، أما إذا نزل صلى الله عليه وسلم منزلاً في أثناء السفر فإنه ما كان يجمع، كان يصلي كل صلاة وحدها، مثلاً: إنسان يريد أن يسافر إلى الطائف، فلما ارتحل من هنا أدركه الظهر والعصر وهو راكب في السيارة فله أن يقدم العصر مع الظهر فيصليهما جمع تقديم، أو يؤخر الظهر مع العصر فيصليهما جمع تأخير قصراً وجمعاً، ولا يصلي الظهر قصراً ثم يمشي قليلاً ثم يصلي العصر قصراً، لا. الأفضل أن يجمع بين الصلاتين إما تقديماً وإما تأخيراً قصراً وجمعاً، وأما إن نزل يوماً أو يومين مثلاً في الباحة وجلس هناك، فالأفضل أن يصلي المغرب في وقتها، ويصلي العشاء قصراً في وقتها ويصلي الفجر قصراً في وقتها، ويصلي العصر في وقتها؛ لأنه مسافر لكنه نازل، وأما المسافر الذي على جناح السفر، فإنه يقصر ويجمع.

صلاة المسافر إماما أو مؤتما

صلاة المسافر إماماً أو مؤتماً وإذا صلى المسافر وراء المقيم فإنه يصلي بصلاة المقيم ويتم صلاته، وله أن يتنفل إذا صلى وراء مقيم أو يترك النافلة، فإن النافلة لا تصلى في السفر. وهنا مسألة: إذا صلى إماماً وهو مسافر والمصلون مقيمون؟ وإن صلَّى هو إماماً بالناس فإنه يصلي القصر ويقول للناس: أتموا صلاتكم؛ فإني في سفر كما فعل عليه الصلاة والسلام في أهل مكة فإنه صلى بهم ثم قال: {أتموا صلاتكم فإنَّا قوم سفر} هذا في السفر.

حكم الوتر والرواتب في السفر

حكم الوتر والرواتب في السفر كان صلى الله عليه وسلم يؤخر الوتر في السفر إلى آخر الليل كما كان يصلي ركعتي الضحى، قال ابن تيمية: وللمسلم أن يتنفل ما شاء في بقية الأوقات، لكنه لا يتنفل السنة الراتبة ولا يصليها في السفر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصل السنة الراتبة وقيل لـ ابن عمر رضي الله عنه: [[ألا تتنفل؟ قال: لو كنت مسبحاً لأتممت]] أي: لو كنت متنفلاً لأتممت صلاتي وهذه من فتاويه رضي الله عنه وأرضاه.

الجمع بين الصلوات أفضل وأولى

الجمع بين الصلوات أفضل وأولى وليس بواجب على الإنسان أنه إذا جد به السير أو نزل في منزل أنه يصلي كل صلاة وحدها بل له أن يجمع، لكن الأفضل كما قال ابن تيمية -في مجلد كامل عن القصر والجمع في السفر، وأثبت في الأخير- أن الأولى والمعروف من هديه صلى الله عليه وسلم: أنه إذا كان على جناح سفر وجدَّ به السير يصلي الصلاتين جمعاً وقصراً، وإذا نزل منزلاً يصلي كل صلاة وحدها.

بداية قصر الصلاة للمسافر

بداية قصر الصلاة للمسافر أما متى يبدأ المسافر بالقصر في الصلاة، وهل هو من حين ينوي السفر وهو ما زال عند أهله، أم من بعد الخروج من الديار؟ والجواب على ذلك أنه إذا كان المسافر نوى السفر وهو ما زال مع أهله فليس له أن يقصر، وإذا خرج فله أن يقصر، فقد كان الصحابة إذا ركبوا دوابهم، ثم فارقوا شيئاً من بيوتهم قصروا وأفطروا، فهذا معلوم إلا إن الإمام مالكاً يقول: حتى يفارق عمران البلدة، ولكن هذا ليس عليه حديث صحيح، بل سن الله سبحانه وتعالى للمسافر، ولو كان في البلدة وقد خرج من بيته عازماً على السفر أن يقصر؛ لأن المقصود وسر المسألة موجود وهو السفر، والعلة ليست في المشقة، وبعض الناس إذا سافر يقول: أنا لا أجد مشقة في الطائرة وأنا راكب، فيظن أن هذا من باب الحساب والزيادة عند الله عز وجل، والله عز وجل إنما جعله تخفيفاً للأمة، وجعله سبحانه وتعالى لحكمة أرادها، وهو رخصة، فعليك أن تقبل رخصة الله التي أهداها لك، وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في القصر ولا في الفطر مسألة مشقة، إنما المسألة رخصة وهدية أهداها لنا سبحانه وتعالى.

كيفية الصلاة في الطائرة للمسافر

كيفية الصلاة في الطائرة للمسافر وأما إذا كان المسلم في الطائرة وأتى وقت الفريضة وهو غير مستقبل للقبلة، فالأولى له في هذه الحالة أن يستقبل القبلة، يعني: أن يجتهد اجتهاداً حتى يعرف القبلة ثم يصلي، كأن يسأل أحداً أو تكون عنده بوصلة، أو يتحرى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ثم يصلي؛ لأنه لا يجوز أن يصلي الفريضة لغير القبلة، أما النافلة فلك أن تستقبل القبلة بداية التكبير، ثم تنحرف حيث اتجهت بك الطائرة أو السيارة أو الدابة، أما الفريضة فلا بد من استقبال القبلة فيها، فيستقبل ويتحرى حتى يظن أو يكون عنده غالب ظن أن هذه وجهة القبلة، ولا يشترط أن يصيب عين الكعبة لكن جهة الكعبة، {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144].

حكم من صلى جمعا وقصرا ووصل قبل دخول وقت الثانية

حكم من صلى جمعاً وقصراً ووصل قبل دخول وقت الثانية هناك سؤال ورد عند أهل العلم أن رجلاً حضر بلده وقت صلاة العصر، فهل عليه أن يصلي العصر مرة ثانية وقد صلاها جمعاً مع الظهر؟ A لأهل العلم في ذلك روايتان: فمنهم من قال: يقاس على حديث الذي صلى الفجر في بيته ثم أتى والناس يصلون فالرسول صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود قال للأسود بن يزيد: {صلِّ فإنها لك نافلة} وقال لـ أبي ذر في صحيح مسلم: {إذا صليت وأتيت والناس يصلون فصلِّ ولا تقل: إني صليت} وتحتسب له نافلة. ومنهم من قال: يكتفي بتلك الفريضة التي صلاها في السفر ولا يصلي، والأحوط والأحسن له أن يصلي مع الناس ويحتسبها نافلة.

الأذان والإمامة في السفر

الأذان والإمامة في السفر أما في السفر فإنه يؤذن للصلاتين إذا جمعهما وقصرهما أذاناً واحداً ويقيم إقامتين، وهذا هديه صلى الله عليه وسلم، ومن ترك الأذان والإقامة في السفر فلا عليه، لكن هذه هي السنة، يقول الإمام أحمد كما في المغني للحنابلة: أمر الأذان سهل، يعني: أنه ليس بذاك التي تتوقف عليه الصلاة. أما الأذان والإقامة على المرأة فليست عليها لقوله صلى الله عليه وسلم كما في سنن البيهقي بسندٍ صحيح: {ليس على المرأة أذان ولا إقامة}.

قضاء صلاة السفر في الحضر

قضاء صلاة السفر في الحضر وهنا مسألة: من أتى البلدة وقد خرج وقت الصلاة ولم يكن قد صلاها قصراً في سفره فعليه أن يصليها قضاءً لصلاة السفر يعني: قصراً، وإن أتى والوقت لا زال قائماً فيصليها إتماماً؛ لأنه وصل في وقتها؛ لأنها تعتبر صلاة حضر.

بعض مخالفات الناس في الصلاة

بعض مخالفات الناس في الصلاة

الزيادة في الأوراد التي في الصلاة

الزيادة في الأوراد التي في الصلاة كثير من الناس خاصة العوام لا يعرفون ماذا يقولون في صلاتهم، فيزيدون في بعض السنن وفي بعض الفرائض وبعض المنقولات والمقولات، وينقصون في بعض المأثورات عنه صلى الله عليه وسلم. يقول الإمام: استووا فيقولون: استوينا واستعنا بالله، من أين أتت؟ من رءوسهم، وهذه صلاة تعبدية، يقول صلى الله عليه وسلم: {من أحدث من أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} وبعضهم يقول: استوينا توجهنا إلى الله الحي القيوم، فإذا قال: الله أكبر قالوا: الله أكبر كبيرا، فزادوا كبيرا، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قالوا: الحمد لله رب العالمين، فإذا قال: الرحمن الرحيم، قالوا: سبحانه، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قالوا: استعنا بالله، وهذه بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، وأهم شيء في الصلاة والحج والعمرة والصيام الأذكار؛ لأنها وردت من الشارع الحكيم صلى الله عليه وسلم فلا يزاد فيها، خاصة الصلاة، وليس هناك حل إلا أن طلبة العلم يخبرون الناس بهذه الأمور ويعلمونهم السنة، والعجيب أن الكثير من الناس يحفظ من الأحاديث الموضوعة عشرات لكن إذا أتى إلى أحاديث صحيحة لا يحفظها.

الجهر بالنية

الجهر بالنية ومن البدع في الصلوات أن بعض الناس إذا جاء يصلي قال: نويت أن أصلي العصر لله أربع ركعات، ونويت أن أصلي المغرب ثلاث ركعات، وهذا خالف المنقول والمعقول، فأما المنقول فلم يرد ذلك عنه صلى الله عليه وسلم فهو مبتدع، وأما المعقول فإنه ما أتى من بيته، ولا توضأ، ولا دخل المسجد إلا يريد أن يصلي العصر، وهو سبحانه وتعالى قد علم، فهذه ليست بواردة، بل هي بدعة. ومن البدع في الصلاة كذلك تكرار الفاتحة، فإن بعض الناس يقرءون الفاتحة كثيراً من الوسوسة ويكررها متعمداً، فهذا مبتدع جاهل، فنسأل الله أن يعافيه.

كتب تصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

كتب تصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى من لم يعرف صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يقرأ وصفها في ثلاثة كتب: كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد فإنه من أحسن ما كتب العلماء في هديه صلى الله عليه وسلم في العبادات، وكتيب للشيخ عبد العزيز بن باز سهلٌ وميسر، وكتاب للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، هذه الثلاثة من قرأها فقد عرف الصورة الكاملة للمسنونات والمبتدعات التي تقع في الصلوات، فلننشر هذه الكتب بين الناس.

ترجمة سلمة بن الأكوع

ترجمة سلمة بن الأكوع قال الإمام البخاري: باب وجوب الصلاة في الثياب، وقول الله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] ومن صلى ملتحفاً في ثوبٍ واحد. ويذكر عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يزره ولو بشوكة} وفي إسناده نظر.

كان سلمة من أسرع الصحابة في الجري

كان سلمة من أسرع الصحابة في الجري سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وأرضاه أحد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وأحد العدائين بل هو أسبق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإطلاق، روى عنه أهل السير أنه كان يصيد الغزلان والأرانب لسرعته بيده، فما كان يسبقه أحد، بل كان يسبق الخيل، تنطلق الفرس ثم ينطلق سلمة بن الأكوع فيسبقها بنفسه رضي الله عنه وأرضاه. وفي السيرة أن أعرابياً جاء يسابق فقال: من يسابق؟ فقال سلمة: فاستحييت لعظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال الأعرابي: أقول من يسابق؟ قال: ائذن لي يا رسول الله أن أسابقه، فتسابقا وكان سلمة على الأرض والأعرابي على فرس، فمضى أمام الناس حتى ارتفع نقع الغبار بينهما، وحجز بين الرؤية وبين الناس فانكشف الغبار، وإذا بـ سلمة قد سبق الأعرابي بزمنٍ طويل وبمسافة مديدة.

سلمة يأسر خمسة من المشركين

سلمة يأسر خمسة من المشركين يقول سلمة: جلست يوم الحديبية وقد توزعنا تحت شجر، قال: فلما توزعنا نمت تحت شجرة، وإذا بخمسة من الكفار جلسوا بجانبي ووقعوا في عرض الرسول صلى الله عليه وسلم في الشتيمة، يشتمونه وكان معهم سلاح، قال: فتركتهم حتى ناموا وقد علقوا سلاحهم في الشجرة وما يعرفون من أنا. قال: فلما علقوا سلاحهم قمت عليهم وجمعت سيوفهم بيدي اليسرى ثم سللت سيفي باليد اليمنى، قال: ثم أوقفتهم واحداً واحداً وليس عندهم سلاح، قلت: والذي شرف محمداً صلى الله عليه وسلم بالرسالة إما أن تذهبوا معي الآن إليه وإما أن أضرب الذي فيه عيونكم -يعني: رءوسهم- فقاموا معه قال: فأخذت أسوقهم قبلي كما تُساق الماعز، حتى وقفت أمام الرسول صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! ائذن لي أن أضرب أعناق هؤلاء؛ فإنهم شتموك، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: اجلسوا، من أين أتيتم؟ قالوا: نحن ثمامنون رجلاً أتينا ونزلنا من جبل نريد اغتيالك. فأخبروه قبل أن يستخبرهم وهو صلى الله عليه وسلم لم يدر أنهم ثمانون، ولم يعلم صلى الله عليه وسلم بهذا، فطوق صلى الله عليه وسلم المكان، وأنزل الثمانين وأخذ سلاحهم، قال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} [الفتح:24] فلما نزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم عفا عنهم، فسلم الله رسوله والمؤمنين من محاولاتهم وسلمهم من الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

سلمة بن الأكوع يبايع النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات

سلمة بن الأكوع يبايع النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات قال سلمة بن الأكوع: فقام صلى الله عليه وسلم يبايعنا لماذا؟ لأنه أرسل عثمان إلى مكة ليشهد الخبر، فأتاه أهل مكة وبيتوا عثمان بـ مكة، فحبسوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أتت الشائعات أن عثمان قد قتل، فقال صلى الله عليه وسلم: بايعوني، قيل في رواية: على الموت، فقام سلمة: قال: فكنت آخذ أغصان الشجرة من على وجه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: بايع يا سلمة! فبايعته، فلما انتصف الناس قال: بايع يا سلمة! فبايعته، فلما أتى في آخر الناس قال: بايع يا سلمة! قلت: قد بايعت يا رسول الله! قال: وأيضاً وأيضاً، فبايعته صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} [الفتح:18]. وهو من الذين رضي الله عنهم وأرضاهم، وهو من السباقين إلى كل مكرمة، سبق إلى المسجد بقلبه، وسبق إلى التقوى بروحه، وسبق الناس في ميدان المصارعة برجليه رضي الله عنه وأرضاه.

موقف بين الحجاج وسلمة

موقف بين الحجاج وسلمة دخل العراق واعتزل في الصحراء ودخل يوم الجمعة والحجاج يخطب على المنبر فقطع الحجاج خطبته غضبان وقال: أتعربت بعد الهجرة؟ قال سلمة: لقد أذن لي صلى الله عليه وسلم، في البادية، وقد كان الحجاج يؤذي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والرجل له حسنات مغمورةٌ في بحر سيئاته، نبغضه ونعتقد أن بغضه من أوثق عرى الإيمان، ولكن علمه عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى. هذا سلمة بن الأكوع صحابي محمد عليه الصلاة والسلام الذي علمه على علمٍ وبصر. نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية، وأن يفقهنا في الدين، وأن يلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا، وأن يتولانا في الدارين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

اتقاء الشبهات

اتقاء الشبهات إن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا الدين وجعله كاملاً قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة:3] فبين الله الحلال وجعل له حداً، وبين الحرام وجعل له حداً، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى هذه الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع فيها وقع في الحرام. وفي هذه المادة بيان لهذه الكلمات مع التعرض إلى الأحكام والمسائل التي تدور حولها.

شرح حديث: (الحلال بين والحرام بين)

شرح حديث: (الحلال بين والحرام بين) إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد: فيقول الله تبارك وتعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:156 - 157] فالنور الذي أُنزل مع محمد صلى الله عليه وسلم هو الكتاب والسنة، فمن استنار بهما أنار الله طريقه وأنجاه، وأفلح في الدنيا والآخرة، ومن عدل عنهما أو تركهما؛ فقد أعمى الله بصيرته. يقول ابن تيمية رحمه الله: " أرض لا تشرق عليها شمس الرسالة فهي أرض ملعونة، وقلب لا يُشرق عليه هذا الدين فهو قلب مغضوب عليه " فإن الله عز وجل إذا غضب على القلوب فلن يوصل إليها هذا النور من الكتاب والسنة، وسجعلها في حجاب لا ترى ولا تسمع، ولا تبصر ولا تفقه، وإذا رضي الله عن قلب حبَّب إليه الكتاب والسنة، فأوصل إشعاع هذا الكتاب وهذه السنة إلى هذا القلب، وإذا غضب الله على أرض ولعنها من الدنيا لم تشرق عليها شمس الرسالة. فشمس الرسالة -أيها المسلمون- هي الكتاب والسنة! فمن استنار بنورهما اهتدى وقاده الله سبحانه وتعالى إلى جنات عرضها السماوات والأرض نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستضيء بنورهما، ويتمسك بحبلهما، وممن يمشي على طريقهما، إنه على كل شيء قدير. عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {الحلال بيِّن، والحرام بيِّن وبينهما مشتبهات، لا يعلمُها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحِمى يُوشكُ أن يُواقعهُ، ألا وإنَّ لكل ملكٍ حمىً، ألا إن حِمى الله في أرضه محارمه، ألا وإنَّ في الجسد مضغةً، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدتْ فسدَ الجسدُ كلُّه ألا وهي القلب}.

ترجمة النعمان بن بشير

ترجمة النعمان بن بشير النعمان بن بشير: هو أحد شباب محمد صلى الله عليه وسلم من الأنصار، ربَّاهم صلى الله عليه وسلم على سمع وبصر، فكانوا خير أمة أخرجت للناس، وكان يكفي المسلم أن يجلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم ساعةً واحدة، فيُغير حياته ظهراً لبطن، وينقله من الجاهلية والوثنية إلى الإسلام. ولذلك كان يأتي الأعداء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يريدون قتله، فيجلس الواحد منهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ساعة، فتتحول حياته فإذا هو من أهدى عباد الله، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الناس إليه، بل أحب إليه من أهله وماله ونفسه. هذا الشاب حفظ الكثير، ويكفيه فخراً أنه حفظ هذا الحديث للأمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قَسَّم طوائف الأمة إلى ثلاث طوائف بحسب الدين والعلم والهدى: فطائفة قبلت هذا الهدى الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم فعلَّمته أنفسها، وعلَّمته الناس. وطائفة استفادت هي من نفسها وهي طائفة خيرة مباركة. والثالثة: طائفة ما استفادت ولا أفادت ولا رفعت بهذا الدين رأساً وهي طائفة مغضوب عليها. فهذا من الذين رفع الله رءوسهم وبلَّغوا هذه الشريعة. يقول عليه أفضل الصلاة والسلام: {بلغوا عني ولو آية} ويقول: {نضَّر الله امرأً سمع مني مقالة فوعاها، فأداها كما سمعها؛ فرب مُبلَّغ أوعى من سامع} فالذي يبلغ عن الرسول صلى الله عليه وسلم آية أو حديثاً هو من الذين رفع الله رءوسهم، وأيقظ قلوبهم، وأحيا أرواحهم. فأوصي نفسي وإياكم بهذا الدين، ونشره في المجالس مع الأحبة والزملاء في أماكن العمل والوظائف والمدارس لينتشر، ولتكونوا من المشاركين لمحمد صلى الله عليه وسلم في دعوته، وترفعوا علم دينه. المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء فعليه أفضل الصلاة والسلام.

فوائد من حديث: الحلال بين والحرام بين

فوائد من حديث: الحلال بيِّن والحرام بيِّن قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {الحلال بيِّن والحرام بيِّن} أي: أن الله بين في كتابه: الحلال والحرام، فكل شيء واضح للأمة؛ فالحلال نعرفه من المطاعم والمشارب، ومن الذبائح والصيد، ومما ينكح المسلم ويتسَّرى، فهذا بيِّن. والحرام كذلك بيِّن، من المحرمات التي نهى الله عنها في الأقوال والأعمال والأحوال والكلام والصفات، فحرَّم الله سبحانه وتعالى الشرك: وهو أكبر ذنب عُصي الله به في تاريخ الإنسان، وهو أكبر ظلمٍ على وجه الأرض، وحرم الزنا، وشهادة الزور، وهذه الأمور كلها حرام، وهي بينه ولا تحتاج إلى كثرة تفصيل. -وأمَّا المشبهات- وفي لفظ للبخاري عن أبي موسى (المشتبهات) -فهذه التي قال عنها أهل العلم: إنها تعارضت فيها النصوص، لا يُدرى هل هي حلال أو حرام؟ أو التي لم يرد نص فيها، فلا يعلم الإنسان هل هي حلال أو حرام؟ فالورع كل الورع أن تتقيها وأن تتركها وأمثلتها كثيرة، وقد مثَّل لها بعض أهل العلم في هذا العصر بهذه الأطياب التي انتشرت عند الناس، وفعل بعض الأمور التي دخلت على المسلمين ولم يكن فيها نصوص، فإذا اشتبهت عليك ولم تعرف ما هو النص، ولم يفتك عالم فيها، فالورع كل الورع أن تتركها؛ لتتقي وتستبرئ لعرضك ودينك. والاستبراء للعرض والدين مأخوذ من البراءة أي: تتنظف من سمعة السوء ومن أن يُقدح في عرضك ودينك؛ لأن من قرب من حمى الله يوشك أن يقع فيه. ومن الاستبراء للعرض ما فعله صلى الله عليه وسلم مع صفية بنت حيي وهي زوجته صلى الله عليه وسلم، فقد أتت تزوره وهو معتكف في المسجد، فكلمته وكلَّمها صلى الله عليه وسلم في الليل، فلما أرادت أن تنصرف ودَّعها ومضى معها مشيعاً، وهو قائم معها في باب المسجد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأى الأنصاريان المرأة مع الرسول صلى الله عليه وسلم استعجلا في سيرهما، فقال صلى الله عليه وسلم: {على رسلكما إنها صفية أي: لا تشكوا -قالوا: غفر الله لك يا رسول الله! - أي: هل نشك في أطهر من خلق الله؟ وأبر من خلق الله؟ وأحلم وأتقى وأخشى لله ممن خلق الله؟ -قال صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم}؛ ولذلك نهى أهل العلم أن يقف الإنسان موقف التهم ولو كان أبرأ من أي بريء، ولو كان أطهر من ماء المزن، فلا يليق به أن يقف في مواقف التهم، مثل: سوق يجتمع فيه النساء، أو مكان فيه شبه أو مجلس فيه ريبة فلا تجلس فيه ولو أنك طاهر مُطَّهر، لأن هذا يقع في عرضك ودينك، ثم لا يصدقك بعدها الناس أبداً. قد قيل ما قيل إن صدقاً وإن كذباً فما اعتذارك من قول إذا قيلا صحيح أنك ما قصدت! لكن الناس لا يبرئون الإنسان، وقد تُلِحق به السمعة والتهمة فتلصق به حتى يلقى الله، ولذلك يقول عقبة بن الحارث: {أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! أنا أرضعت عقبة بن الحارث وأرضعت زوجته -يعني: أنه هو وزوجته أخوان من الرضاعة- فاستدعاه صلى الله عليه وسلم، فقال: فارق زوجتك؟ قال: ولم يا رسول الله؟ قال: تقول فلانة أنها أرضعتك وزوجتك، قال: يا رسول الله! ما صدقت. قال صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل؟} كيف وقد وقع هذا الكلام؟ مادام أنه وقع هذا الكلام وانتشر؛ ففارقها، رواه البخاري. ولذلك فإن من أكبر ما يحافظ عليه المسلم هو ألا يتزيا بزي يُخالف الإسلام، فإنه مهما بلغ من تقوى ومن ورع فإن الناس يتهمونه، والاستبراء للدين وللعرض يمنعك أن توقف نفسك في مواقف الريبة والتهم نسأل الله العافية. والإنسان يعرف بجليسه، فبعض الناس فيه خير وتقوى وهدى واستقامة ومروءة؛ لكنه يجالس الأنذال، فيعرف بمجالسته لهم، فيوقع في دينه وعرضه تهمة وثلمة لا تُسد، ووصمة لا ترفع إلا بالتوبة وبالرجوع إلى أهل الخير، ولذلك يقول الشاعر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {لا يعلمها كثير من الناس} أي: أن الذي يعلم الحلال والحرام ويعلم (المشبهات) القليل القلة، ودائماً القليل معهم الخير، يقول الله عز وجل: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] ويقول سبحانه وتعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116]. وقد أسلفنا أن عمر رضي الله عنه وأرضاه خرج إلى السوق فسمع أعرابياً يقول: اللهم إني أسألك أن تجعلني من عبادك القليل، فانتهره عمر، وقال: ما هذا الدعاء الذي ما سمعنا به؟ قال: يا أمير المؤمنين! أما يقول الله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]؟ فقال عمر: [[كل الناس أفقه منك يا عمر]]. وهذا تواضع منه رضي الله عنه، فالقليل معهم الخير، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {لا يعلمها كثير من الناس} أي: لا يعلمون هذه الأمور المشتبهات؛ لأنها لا تظهر لهم؛ إما لتعارض النصوص، أو لعدم ورود النص في هذه المسألة، أو اختلاف أهل العلم، فقال صلى الله عليه وسلم: {فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه} أي: أن من ترك هذه الشبهات فقد برأ الله عرضه ودينه، ويقول أهل العلم: اجعل بينك وبين الحرام حاجزاً، وإن لم تجعل حاجزاً فسوف تقع لا محالة في الحرام نسأل الله العافية. ومن استرسل في كثرة المباحات، وكثرة اللباس، والمطاعم، والمراكب، يوشك أن يقع في الحرام؛ لأن ذلك يستدعيه لكثرة الدخل، ثم يقع في التعامل بالربا، وقد يأخذ عملاً إضافياً، ثم يقع في الكذب والزور والانتدابات، وبعدها يوقعه في الحرام: وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل فهو أول مسئول عن نفسه؛ لأنه أوقع نفسه في كثرة المباحات. ثم قال صلى الله عليه وسلم: {ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام} أي: أنه يقع في الحرام. ثم مثَّل صلى الله عليه وسلم: {كالراعي يرعى حول الحمى} أي: هناك رجل معه غنم يرعى حول حمى لأحد ملوك الدنيا؛ لأن من عادة ملوك الدنيا أن يحموا لهم محامي، فيجعلون لهم حمى ويمنع أن يمر به هذا، ومن مر في هذا واقترب منه ضربت عنقه وسجن وجلد، فالله عز وجل مثله صلى الله عليه وسلم بأن له حمى وهي المحارم، ممنوع أن يستبيحها الإنسان أو أن يقترب منها. فهذا الراعي كلما أصبح الصباح أخذ غنمه ثم اقترب من مرعى الملك، ليس معه مرعى إلا هناك، ضاقت به الدنيا، كالأعرابي الذي ضاقت به الدنيا إلا أن يبول بمسجده صلى الله عليه وسلم. فدائماً يرعى حول الشبك وحول حائط هذا الملك، كلما أصبح الصباح يطردونه فيعود، فهذا لا يأمن أن تدخل شاة من غنمه، أو قطيع منها فترعى فيقع في الحرام، فيجلد ظهره، ويضرب عنقه، ويسجن حتى أبد الآبدين، هذا في الدنيا. أما عند الله عز وجل فوضع الله المحرمات في دائرة، ووضع المباحات عز وجل، فإنه ما حرم شيئاً إلا أباح شيئاً، فمن أكثر من المباحات واقترب دائماً من الحرام يوشك أن يقع ولو مرة من المرات. فيقول صلى الله عليه وسلم: {ألا وإن لكل ملك حمى! ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب}. كل صلاح في الظاهر وكل صلاح في الباطن، وكل صلاح في الأقوال والأعمال والصفات والأحوال مصدره القلب، إذا رأيت الإنسان صلح في أمرٍ وكلامه صحيح وطيب، فاعرف أن قلبه طيب. حتى الصلاة إذا رأيت الإنسان يخشع في صلاته فاعرف أن قلبه خاشع. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم دائماً يُركز على القلوب، وقد قرأت في بعض الكتب أن بعض الحكماء -والحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها إذا وافقت أصول وقواعد الدين- يقول أحد الحكماء من الهنود: " الذي ينتصر على نفسه أعظم من الذي يفتح مدينة " فالانتصار على النفس وتربية القلب هو المقصود، ولذلك يكثر بعض الناس من العبادات لكن قلبه خراب؛ لأنه لم يعتن بتربية قلبه، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ألا وإن في الجسد مضغة} والسبب أنه يقول: مضغة! كأنه يقول: العجيب أن هذا القلب صغير، وعليه مدار الأعمال، وعليه ترد الأقوال؛ فمن صغره الواجب أن نهتم به، والمضغة: هي اللقمة -المتوسطة- التي يمضغها الإنسان ويأكلها، فيقول صلى الله عليه وسلم: {إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت -هذه المضغة التي هي القلب- فسد الجسد كله}. يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان يا من أتعب جسمه في انتقاء الملابس والمطاعم والمشارب ودمرت روحك! لقد أخطأت العمار، هنا الدمار ليس العمار. ولذلك ينظر الله إلى القلوب، ونظر الناس إلى الأجسام، يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم؛ ولكن ينظر إلى قلوبكم} وفي لفظ هناك: {إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم؛ ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم} فالقلب والعمل هو موطن نظر الرب تبارك وتعالى. قال ابن حجر: إنما سمي القلب قلباً لأنه مقلوب على رأسه في جوف الإنسان. وقيل: لسرعة تقلبه. قال سفيان الثوري: [[قلبي يتقلب عليَّ في اليوم خمسين مرة]] أي: تريد من نفسك -دائماً- أن تعتزل فيأتيك بمكان الشبهات، تريد أن تعبد الله فيأتيك بالرياء، تريد أن تختفي فيأتيك بحب الظهور، تريد الإنطواء والعزلة فيأتيك بالشبهة والوسوسة، فدائماً القلب يتقلب، وإنما سمي القلب قلباً لتقلبه.

وفد عبد القيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم

وفد عبد القيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال البخاري رحمه الله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من القوم؟ قالوا: ربيعة -هم من قبائل ربيعة؛ لأن العرب: ربيعة ومضر، أو أكثر من ذلك هم عدنان وقحطان- قال: مرحباً بالقوم -أو الوفد- غير خزايا ولا ندامى، فقالوا: يا رسول الله! إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مُضر، فمرنا بأمر فصل، نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة، فأمرهم بأربع ونهاههم عن أربع: أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم، ونهاهم عن أربع: عن الحنتم، والدباء، والنقير، والمزفت، وربما قال: المقير، وقال: احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم}.

التعارف وحكمه

التعارف وحكمه هذا حديث جميل وعظيم وهو من أجل الأحاديث في الإسلام، رواه ابن عباس. أما وفد عبد القيس فهم من البحرين، التي تسمى الآن: الأحساء، وليست البحرين المعروفة الآن. أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن وفود العرب، فقال: {مرحباً بالقوم} وقبل أن يقول: مرحباً بالقوم، يقول: {من القوم؟} وهذا من حسن الضيافة. ومن فقه هذا الحديث: أنك تسأل ضيفك إذا دخل بعد أن يجلس ويشرب ويرتاح تقول له: من أنت؟ لا توقفه عند الباب وتأخذ بتلابيبه، وتقول: من أنت؟ وما رقم سيارتك؟ وما رقم تابعيتك؟ ومتى ولدت؟!! فهذا ليس بوارد عند المسلمين، لكن المقصود أنك تسأله سؤال استئناس، يقول الله عز وجل لموسى عليه السلام: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17] الله يعلم أنها عصا، ويعلم من أين أتت العصا! فقال: هي عصاي، وارتاح للخطاب واستأنس، قالوا: ملاطفة الله سبحانه لموسى لأن من أدب الضيافة أن تلاطف الضيف، يقول الأزدي: أحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب يقول: من عادتي ومن كرمي أنني أُحادِث الضيف وهو يحط رحله عن الجمل أو الفرس، فأقول: كيف حالكم وكيف أصبحتم؟ وهل أتاكم من أمطار ومن خير؟ أما أن يسكت الإنسان ويصمت ويقطب جبينه، فلو ذبح ما في الدنيا ما ارتاح له الضيف، سيضطر للرحيل: وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب وعند الترمذي بسند فيه ضعف: {إذا عرف أحدكم أخاه، فليسأله عن اسمه ونسبه فإنه واصل المودة} أي: أنك إذا عرفت شخصاً تقول له: ما اسمك يا أخي؟ وأين تسكن؟ ومن أي قبيلة؟ ولا مانع أن تسأله عن قبيلته، وليس هذا من التعصب ولا من التمييز العنصري الذي في جنوب أفريقيا، لكن هذا من آداب الإسلام، لأن الله يقول: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] فعندما تعرف القبيلة. فهذا من التعارف، فكان صلى الله عليه وسلم يسأل الطارق إذا طرق: من أنت؟ يقول جابر: {طرقت على بابه صلى الله عليه وسلم قال: من؟ قلت: أنا. قال: من؟ قلت أنا، فغضب صلى الله عليه وسلم وفتح الباب، وقال: أنا أنا} أي: كل الناس يقولون: أنا، لكن من أنت؟ والرسول يعلم أنه جابر، لكن ليس من الأدب أن يقول الإنسان: أنا. قال: ابن الجوزي: وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لسببين اثنين: الأول: أن في كلمة (أنا) كبر؛ فكأنه يقول: أنا المشهور المعروف عند الناس، وكأنه علم في رأسه نار، لا يحتاج إلى تعريف. الثاني: أن فيه إيهاماً على الأهل والأسرة. فالرسول صلى الله عليه وسلم ينهى أن تتطرق الشبهة والارتياب والتهمة إلى أحد وأن يدخل من هذه المداخل، فسدَّ صلى الله عليه وسلم الذريعة الموصلة إلى هذه الأمور.

اختيار عقلاء الناس في الوفود

اختيار عقلاء الناس في الوفود قال صلى الله عليه وسلم: {من القوم؟ -أو من الوفد؟ -} وجوابهم هنا يختلف عن جواب الأزد، قبائلنا التي مرت معنا، لأنه لما سأل صلى الله عليه وسلم عن أسمائهم قال: {من القوم؟ قالوا: المؤمنون} وهو صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يعرف أنهم مؤمنون، لكن يريد أن يقول: أأزديون أم من ربيعة، أم من مضر أم من غطفان؟ لكنهم قالوا: مؤمنون، فتبسم صلى الله عليه وسلم. أما القوم: فهم القوم الكثير الذين قامت بهم قوامة الحياة أو مجتمعهم، وأما الوفد: فهم العدد القليل الذين وفدوا وهم خيرة الناس، ولذلك كان العرب من عادتهم أنهم إذا أرسلوا وفداً اختاروا العقلاء الذين يحسنون الكلام والأخذ والعطاء؛ لأن العاقل يحسن التصرف. روى أهل العلم في ترجمة أبي حنيفة -رحمه الله- أنه دخل عليه رجل، وكان هذا الرجل حسن الزي واللباس -وهذا ينفعنا في التربية، أننا نعتني بظواهرنا، لأن عقول الناس في ظواهرهم، ولذلك يقدرك الناس على قدر لباسك وشارتك، فإذا تكلمت قدَّروك على قدر كلامك- فدخل رجل على أبي حنيفة حسن الزي والحلية، عليه لباس فاره، وعمامة، فكان أبو حنيفة ماداً رجله، ولما رأى هذا الرجل قبض رجله، فجلس الرجل فلم يتكلم، فهابه أبو حنيفة وأخذ يُوقره، فلما طال المجلس قال أبو حنيفة والتفت إلى الرجل: ألك مسألة؟ قال: نعم. لي مسألة، قال: وما هي؟ قال: متى يفطر الصائم؟ قال: يفطر الصائم إذا غربت الشمس. قال: فإذا لم تغرب الشمس إلا منتصف الليل فمتى يفطر؟ فقال أبو حنيفة: آن لـ أبي حنيفة أن يمد رجليه كلتيهما، لا يأتي الليل والظلام إلا بغروب الشمس. فالعرب من عادتهم أنهم كانوا يختارون عقلاءهم. وقد روى صاحب مروج الذهب أنه لما أتى النعمان بن المنذر يطلب وفود العرب اختاروا عشرة أشخاص، منهم: الشاعر، والخطيب، والعاقل العربي، وأحلم العرب، فأرسلوهم في موكب، قال الراوي: فدل ذلك على أن عادة العرب أنهم يُرسلون خيارهم، فكان وفد عبد القيس من خير وفود العرب.

الإكثار من الترحاب بالضيف

الإكثار من الترحاب بالضيف قال عليه أفضل الصلاة والسلام: {مرحباً بالقوم}. وهذا يؤخذ منه: أن من الألفاظ: مرحباً، ومنها: أهلاً وسهلاً، ومنها: حيهلاً بكم، وقال الإمام البخاري في كتاب الأدب المفرد: دخل عدي بن حاتم على عمر فقال: [[حيَّاك الله من معرفة]] والرسول صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح- كان يغتسل بعد أن فتح الله عليه مكة وفاطمة تستره بثوب، فدخلت عليه ابنة عمه أم هانئ، قال: من هذه؟ قالوا أوقالت أم هانئ، قال: مرحباً بـ أم هانئ؟ وهو يغتسل صلى الله عليه وسلم، فكان صلى الله عليه وسلم يرحب بالناس. يقول عمرو بن العاص: وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآني هش وبش في وجهي؛ وقال: مرحباً حيهلا، أهلاً وسهلاً بك. فمن ألفاظ التحية أن ترحب وأن تكثر الترحاب، لأنه مما يؤنس الضيف إذا دخل، ولو لم يأتِ هناك قرىً ولا غداء ولا عشاء ولكن يكفي أنك ترحب، ولعل الله أن يسهل، وابن الزبير سأله سائل فقال: ما هو الفرج بعد الشدة؟ قال: أن تعزم الضيف، فيقول: إني صائم. فقد يكون هذا الضيف صائماً، فأنت ترحب ولا تخسر شيئاً، لا عشرة ولا خمسة، إنما ترحب ترحيباً كبيراً، والله عز وجل: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} [الأحزاب:38]. قال: {مرحباً بالقوم -أو بالوفد شك الراوي- غير خزايا ولا ندامى} أما خزايا: فجمع خزيان، أي: أنكم مرحباً بكم، لا تعودون إن شاء الله من عندنا وقد أصابكم خزي أو عار. وأما الندامى: فجمع نادم، وقال أهل العلم: جمع ندمان وفيه خلاف ولا يهمنا هذا، إنما يقول صلى الله عليه وسلم: لا تخزون في مسيركم ولا يصيبكم وصمة عار ولا ذم ولا تندمون إن شاء الله من قراكم معنا. قال: {مرحباً بالقوم -أو الوفد- غير خزايا ولا ندامى، فقالوا: يا رسول الله! إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام} هم في الأحساء فقالوا: لا نستطيع أن نأتيك من هناك إلى هنا إلا في الشهر الحرام؛ لأن العرب كانت تتقاتل إلا في الأشهر الحرم فترفع السيف، فقريش ومن معها من العرب كانوا إذا أرادوا أن يقتلوا رجلاً من العرب قد قتل منهم قتيلاً أخروا الشهر الحرام، قالوا: نترك الشهر المحرم إلى صفر ونقتله إن شاء الله؛ فيأتي ويظن أنه في الشهر الحرام، فإذا وصل مكة قتلوه، فإذا سألهم الناس؟ قالوا: لقد أخرناه، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة:37] ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36] فهذه الأربع حدَّدها الله؛ لئلا يقتل العرب بعضهم بعضاً فيها ويؤخرونها، ثم أتى الله بالإسلام فرفع السيف والقتل والدم عن الأمة. قالوا: {إنَّ بيننا وبينك مُضر} أي: أنهم يقتلوننا. والرسول صلى الله عليه وسلم كان إما أن يأتيه الوفود جماعة وإما أن يأتوه فرداً فرداً. بعض الناس يأتيه وحده فيُكلم الرسول صلى الله عليه وسلم ويكلمه، إلا بعض القبائل وهي القبائل العظيمة في العرب فإنها تأتيه جُملة، أو ترسل إليه. يقول أهل السير: إن السبب في ذلك أن بعض القبائل ترفع رءوسها؛ لأن عندها نخوة وعجباً وكبراً، فما ترى أن ترسل واحداً، وأكبر قبيلة من قبائل العرب هي قبيلة: بني تميم، وهم أكثر قبيلة يقولون: كالذر، فلما أرادوا أن يرسلوا وفداً من وفودهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا فعلوا: اجتمعوا وهم في البادية وفي الحاضرة، فاجتمعوا عند شيخهم ورئيسهم قيس بن عاصم المنقري حليم العرب، يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {أنت سيد أهل الوبر}. فقالوا: نريد أن نرسل وفداً منا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال قيس بن عاصم: أعطوني أشعر شاعر في بني تميم، فقالوا: الزبرقان بن بدر، قالوا: أعطوني أشجع رجل عندكم؟ قالوا: عطارد بن حاجب بن زرارة، فقال: أعطوني أخطب خطيب؟ فقالوا: عمرو بن الأهتم، قال: وأنا أظن أني أحلم حليم في العرب فقام هو. فلما اجتمع الوفد فإذا هم سبعة أو ثمانية، فأخذوا حُلَّة من أحسن الحلل، شروها بثمانين ناقة من كسرى أو من حاشيته، وأتوا بهذه الحُلة إلى رسول الله ودخلوا، فاستقبلهم الرسول صلى الله عليه وسلم استقبالاً حافلاً، وجمع الصحابة من المهاجرين والأنصار. فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم فاستعرض الوفد! فقال: من هذا؟ قالوا: قيس بن عاصم المنقري، قال صلى الله عليه وسلم: {أنت سيد أهل الوبر، وأنت حليم العرب} ثم أخبروه صلى الله عليه وسلم بالوفد جمعياً. وفي إحدى المرات قال قيس بن عاصم: {يا رسول الله! رق عظمي -عمره سبعون سنة- ودنا أجلي، وشاب رأسي، فأوصني بوصية جامعة، فقال: يا قيس! إن مع الغنى فقراً، وإن مع القوة ضعفاً، وإن مع العزة ذلة، وإن مع الحياة موتاً، وإن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، وإن معك كريماً يدفن معك وأنت ميت، وتدفن معه وهو حي وهو عملك، فأقلل منه وأكثر} فبكى قيس بن عاصم. ثم قال: يا رسول الله! نريد أن نناظرك -والمناظرة عند العرب أي: المغالبة- قبل أن نسلم -قبل أن يُسلموا يريدون أن يروا من الذي يغلب- فقال: بماذا تغالبوني؟ قالوا: عندنا شاعر وخطيب، فنريد أن تظهر لنا شاعرك وخطيبك، فهذه كانت من عادة العرب إذا وفد أناس عند أناس -أي: مثل المصارعة والكرة، فريق وفريق، منتخب ومنتخب- فقال صلى الله عليه وسلم: على الرحب والسعة عليّ بـ حسان بن ثابت وحسان صاحب اختصاص أعطا القوس باريها! فأتى حسان بن ثابت، فقال: ما تريد بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟! قال: قدم وفد بني تميم وعندهم شاعرهم، يريد أن يغالبنا فرد عليهم ثم قال: علي بـ ثابت بن قيس بن شماس، خطيب العرب وخطيب الأنصار، كأنه الصواعق، فأتى صلى الله عليه وسلم فقال: كيف أنت؟ قال: يا رسول الله! دعهم لي، فجمع صلى الله عليه وسلم الناس فاجتمعوا حتى أصبحوا على الشرفات وفي المسجد وعلى البيوت وعلى السكك، وقال: ليقم شاعركم، فقام الزبرقان بن بدر، فقال: نحن الملوك فلا حي يغالبنا منا الملوك وفينا تنصب البيع فقال قصيدة ما يقارب الخمسين بيتاً، فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى حسان فقام حسان وهو لم يعد لها من قبل ولم يكتب ولم يُفكِّر، قال: إن الذوائب من فهر وإخوتهم قد بينوا سنناً للناس تتبعُ يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا إلى أن قال في آخرها: كأنهم في الوغى والموت مكتنع أسد بحلية في أرساغها فدع فالتفتوا وقد سال العرق من وجوههم، وقالوا: غلب شاعرك شاعرنا! صدقوا، لأن ذاك أعد للشعر من قبل، وهذا إجحاف، وهذا أتى بخمسين، وهذا أتى بما يقارب الثمانين. فقام خطيبهم عمرو بن الأهتم، وقيل: عطارد بن حاجب فتكلم بكلام من أعجب الكلام! مدح فيه قومه، فقال صلى الله عليه وسلم: قم يا ثابت! فقام ثابت فألقى عليهم كلاماً كالصواعق فدمغهم، فقالوا: غلب شاعرك شاعرنا، وخطيبك خطيبنا، فأسلموا. فكان صلى الله عليه وسلم يتبسم إلى الناس وينزل الناس منازلهم، ولأنه عليه الصلاة والسلام أمر بلين الجانب ولو أنه قال: ليس عندي مغالبة ولا مفاخرة؛ لرجعوا وتركوا الإسلام، لكن يقول الله عز وجل فيه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].

معنى الحنتم والنقير والمزفت والدباء

معنى الحنتم والنقير والمزفت والدباء فقالوا: إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كُفَّار مُضر، فمرنا بأمر فصل، نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة -لأنهم هم أهل أشربة وقد كثرت النخيل والأعناب في بلادهم، فاضطرتهم أن يسألوا عن الأشربة- فأمرهم صلى الله عليه وسلم بأربع ونهاهم عن أربع -وهذه هي مفاتيح النجاة في الدنيا والآخرة- أمرهم بالإيمان بالله وحده قال: {أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان} هذه الأربع وأما أداء الخمس؛ فإنه لا يدخل في الأربع، لكنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم ألحقه بها لأنهم أهل أموال من المغانم. {ونهاهم عن أربع: عن الحنتم} الحنتم: هي جرار الخمر، وجرار جمع جرة، ينتبذون فيها، فيضعون فيها التمر والعنب فيتخمر، ثم يسكر، ثم يشربونه، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن هذه الآنية. نهاهم {عن الدباء} الذي هو القرع، يجوفون ما في داخله فيخرجونه ثم يجعلونه آنية كالصحاف وكالآنية المعروفة فيضعون فيه الزبيب والتمر والعنب فيتخمر فيشربونه. {والنقير}: هو أصل النخلة، يأخذون أصل النخلة فينقرونه، ثم يضعون فيه هذه السوائل، فتتخمر، ثم يشربونها. {والمزفت}: هي الآنية من الخشب التي تُطلى بالزيت. والمقير: هي التي تُطلى بالقار، القار: نوع من أنواع الزفت، فيُطلى به؛ فإذا وضع فيه السائل تخمر، فإذا تخمر شربوه، فيصبح الإنسان كالدابة لا يعرف شيئاً، لأعقله ذاهل، فيقول صلى الله عليه وسلم -هناك زيادة في الحديث- قال: {إنكم تأخذونه، قالوا: يا رسول الله! من أخبرك بالحنتم والنقير والمزفت والمقير؟ قال: أنتم تفعلون ذلك، فتبسموا! قال: فتشربون الخمر، فيعمد أحدكم بسيفه إلى ابن عمه فيضربه} قال وفد عبد القيس: وكان فينا رجل ضربه ابن عمه بالسيف، ورسول الله لم يدرِ، فكان يُغطي بعمامته جبهته أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قال: {احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم} والصحيح في مسألة الآنية أنها منسوخة؛ كما قال الإمام أحمد أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر العهد لما فقه الناس وفهموا، قال: {اشربوا في كل إناء -غير الذهب والفضة- ولا تشربوا مسكراً} فالمسكر حرام، وأما بعض أهل العلم، فقالوا: الحرمة مستمرة وليس هناك ناسخ، والصحيح: أنها منسوخة، وأن الإنسان المسلم يشرب في كل إناء إلا إناء الفضة والذهب ولا يشرب مسكراً.

وفد النابغة الجعدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم

وفد النابغة الجعدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد البخاري رحمه الله إلى حديث عمر: {إنما الأعمال بالنيات} يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع العلم أن وفد عبد القيس وفدوا على الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة، وغالب وفود الإسلام -أكثر من عشرة وفود إلى عشرين وفداً- كانوا يأتون جماعات إلى الرسول صلى الله عليه وسلم- في ذاك الوقت، وأما بنو جعدة فأوفدوا رجلاً واحداً هو نابغة بني جعدة، فوفد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: ما عندك يا نابغة؟ قال: يا رسول الله! عندي كلام مدحتك به ومدحت قومي؟ قال: قل: فذكر تلك المقطوعة التي تقول: تذكرت والذكرى تهيج على الفتى ومن عادة المحزون أن يتذكرا ثم مدح قومه، قال: بلغنا السما مجداً وفخراً وسؤدداً وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا قال: {إلى أين يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة. فقال صلى الله عليه وسلم: لا فض فوك، فقال: وفوك يا رسول الله!} فعاش مائة وعشرين سنة، وما سقط له ضرس ولا سن، وهذا من بركات دعواته صلى الله عليه وسلم. وعدد الذين وفدوا على الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقارب السبعة أو الثمانية على الانفراد.

فوائد من حديث أبي مسعود في احتساب الأجر

فوائد من حديث أبي مسعود في احتساب الأجر وعن أبي مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهو له صدقة}. أي: هذا العمل له صدقة، وفي لفظ: {فهي له صدقة} أي: أنها تُكتب له صدقة، والشاهد الذي يريده البخاري، أي: أنه يحتسبها، فالاحتساب: أن يجعلها عند الله عز وجل أو يريد ثوابها من عند الله. وفي حديث سعد بن أبي وقاص {إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرَت عليها؛ حتى ما تضعه في في امرأتك} يعني: في فم امرأتك من الطعام. إن المسلم لا يدخل طعاماً في فم امرأته على سبيل المدح والمداعبة، إلا أُجر على ذلك، حتى من أتى شهوته في الحلال له أجر، وكذلك من نام يريد بذلك طاعة الله له، ومن أكل يريد بذلك التقوى على ما يرضي الله له أجر، يقول معاذ: [[والله إني لأنام النومة فأحتسبها على الله سبحانه وتعالى]] فهذه هي النية التي تُصيِّر العادات إلى عبادات.

مبايعة جرير للنبي صلى الله عليه وسلم

مبايعة جرير للنبي صلى الله عليه وسلم وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال: {بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم جرير بجلي من قبيلة خثعم، وهو سيد قومه، وهو يوسف هذه الأمة، كأن على وجهه مسحة ملك، وكان يُغطَّي وجهه في بعض الأوقات خوفاً من العين. ويقول عمر: [[أما أنت يا جرير! فأنت يوسف هذه الأمة]] وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فلما رآه قال: {من هذا؟ قالوا: جرير بن عبد الله، قال: على وجهك مسحة ملك}. أي: ملك من ملائكة السماء، ما ذكر لي رجل إلا وكان أقل مما ذكر لي إلا أنت فكنت أعظم، وكان شاباً، أخذه صلى الله عليه وسلم بيده ودخل به بيته، فقرب وسادة يجلس عليها كما فعل بـ عدي، فقال: لا. أجلس على الأرض، فقال صلى الله عليه وسلم: {أشهد أنك من الذين لا يُريدون علواً في الأرض ولا فساداً ثم قال: بايعني؟ فبايعه على: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة -واشترط عليه شرطاً لم يكن يشترطه صلى الله عليه وسلم دائماً- قال: والنصح لكل مسلم} والسبب في ذلك: أنه كان سيد قبيلته، والسيد والوالي والمسئول يشترط عليه هذا الشرط، لأنه مظنة أن يغشهم، أو يظلمهم أو يجور عليهم، فشرط النبي صلى الله عليه وسلم عليه النصح لكل مسلم.

شرح حديث: (الدين النصيحة)

شرح حديث: (الدين النصيحة) قال أهل العلم: والنصح لكل مسلم، يؤمر به كل مسلم، لأن تميماً الداري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم}. يقول محمد بن أسلم وهو من أولياء الله الصالحين، ومن أكبر عباد الله، وهو من علماء القرن الثالث، وكان من الذين بلغوا الإمامة في الدين، يقول: ما سمعت والحمد لله بسنة إلا طبقَّتها -أي: عمل بها- كان يقرأ الحديث فيتوقف، ولا يقرأ الحديث الثاني حتى يعمل بهذه السنة. فيقول كلاماً أورده ابن رجب في جامع العلوم والحكم، قال: أما النصح لله: كأن تؤدي الفرائض كما أمرك الله عز وجل وأن تجتنب المحارم، وأن تحسن الأدب مع الحي القيوم، فتتأدب معه في الخلوة كما تتأدب معه في الجلوة أمام الناس، ثم يقول: كيف تستحي من الناس ولا تستحي من الله؟ والله يقول: {أنا جليس من ذكرني} فالنصح لله عز وجل: أن تأتي كل أمر يحبه، وأن تكره وتبغض كل عمل يكرهه ويبغضه سبحانه وتعالى، وأن تجعله معه حيث ما حللت وارتحلت، فإنه سبحانه الذي معك ولا يُفارقك.

النصح لكتاب الله

النصح لكتاب الله وأما النصح لكتاب الله عز وجل، فهو يقول: أن تقرأه وتقيم حروفه، أي: أن تتعلم التجويد وتتعلم كيف تقرأ، لأننا نجتهد في أعمال وأغراض الدنيا، ولا نجتهد ذاك الاجتهاد -إلا من رحم الله- في أمور الدين. قال: وأن تقيم حروفه وحدوده، وإقامة الحدود أن تتمثل كل قضية فيه وتطبقها وتعمل بها. قال: وأن تتلوه للتفهم والتدبر لا للتكسب، ولا للزهو ولا للرياء، نعوذ بالله من ذلك. ولذلك من القراء من يدخل النار، وأول من تُسَّعر بهم النار: قارئ قرأ القرآن، فيؤتى به، فقال الله عز وجل: لِمَ قرأت القرآن؟ قال: تعلمته يا رب فيك، فعلمت الجاهل، قال: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت! وإنما تعلَّمت ليقال: عالم أو قارئ خذوه إلى النار، فيجرونه على وجهه حتى يُلقى في النار، فهذا الذي طلب القرآن وتعلَّمه لغير وجه الله سبحانه وتعالى.

النصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم

النصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم النصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هو أن نلتزم سنته وسيرته، وأن ندمن القراءة في السنة والسيرة، وأن نقرأ في كتب الحديث، ونتفهم ونتزود أكثر مما نقرأ في تأليف الناس. ومن النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أن نُحيي سنته وننشرها بين الناس، وخاصَّةً في أهلنا وبيوتنا، إذا دخلت بيتك فسلم، وهذا من السنة، وإذا طرقت باباً، فقالوا: من؟ فقل: فلان، والسلام عليكم أأدخل؟ فإنَّ أطفالك وبناتك وأخواتك وإخوانك يعلمون ذلك فتحيي بإذن الله بيتك على السنة، فيكون بيتك من بيوت أهل الجنة، وإذا جلست فاجلس جلسة أهل السنة. وإذا أكلت فابدأ بيمينك، وسم الله، وإذا شَربِت فعلم طفلك وولدك كيف تشرب وتُقسِّم الشرب ثلاث مرات، وتحمد الله عز وجل. وكذلك إذا خلعت ثوبك ولبست، وليكن بيتك بيتاً إسلامياً من الذين يرضى الله سبحانه وتعالى عنهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6].

النصح لأئمة المسلمين وعامتهم

النصح لأئمة المسلمين وعامتهم والنصح لأئمة المسلمين: قال ابن رجب: أئمة المسلمين في الحديث إما أنهم ولاة الأمور، والنصح لهم: أن تُطيعهم في طاعة الله، وأن تعصيهم في معصية الله، وأن تنصحهم بالتي هي أحسن؛ لأن الله أرسل موسى عليه السلام إلى فرعون، فقال له: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. فلذلك أورد بعض أهل العلم، كصاحب العقد الفريد وصاحب عيون الأخبار، قال: دخل أحد الناس على هارون الرشيد فقال: يا هارون الرشيد ائذن لي أن أقول لك كلاماً؟ قال: قل. فرفع صوته وأغضبه، وقال: إنك ظلمت وجرت وفعلت وفعلت، فغضب هارون الرشيد حتى احمر وجه، ثم قال: يا هذا أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، فقال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. أما أنت فلا أقبل نصيحتك، وأقبلها من غيرك. فالمقصود أن يكون النصح بأن يُلان لهم في النصيحة وفي الكلام. والمعنى الآخر: أنهم أهل العلم؛ وقيل: هم أئمة الاجتهاد الذين بلغوا الاجتهاد، فالنصح لهم: أن يُدعى لهم بظهر الغيب، وأن ينصحوا إذا رأوا منهم خللاً، فإنهم ليسوا معصومين. والنصح لعامة المسلمين: أن تُحبَّ لهم ما تُحب لنفسك، فتكره أن ترتفع الأسعار، ولو كنت صاحب بضاعة، قالوا: من غش الناس أن ترفع الأسعار، أو أن تُحب أن ترتفع الأسعار، أو ألا توجد إلا عنده. ومن الغش لهم: أن تحب أن تقحط وتجذب تلك البلاد، يمكن أن أهل قرية في مرة من المرات لم يضيفوك، فتقول: اللهم أصبهم بقحط عاد وثمود، ولا تنزل عليهم القطر، فهذا من الغش. ومن الغش كذلك: أن تكره أن يعم الخير في البلاد ولا تحب مجالس الخير والذكر، ولا تحب أن تنتشر حلقات العلم، ولا من يدعو إلى الكتاب والسنة أو يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، وهذا من الغش العظيم ومن النفاق الجسيم، أن الإنسان يبغض مثل هذه؛ لأنه يظن أنها تُكدر عليه صفو الحياة، أو أنها تناقض بعض الأمور في ذهنه، وأخطأ لعمر الله! بل إن القطر لا ينزل من السماء ولا الخير ولا الهداية ولا النور إلا بمثل هذه المجالس، وبعودة الناس إلى الله. فالإنسان يُحب النصيحة للمسلمين عامة، ويُحب لهم ما يُحب لنفسه، يقول عمر بن عبد العزيز كما يروي عنه ابن رجب في جامع العلوم والحكم: " والله لوددت أنه يعمل كل يوم بسنة من السنن، ويسقط مني كل يوم عضو". ويقول رضي الله عنه وأرضاه -اسمع الناصح والأواب- على المنبر: " والله لوددت أنه يُغلى بي في القدور وأنتم تعملون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ويقول الإمام أحمد: " يا ليتني كنت فداءً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم"، ولذلك كان الأئمة -دائماً- إذا دعوا في صلواتهم، يدعون للأمة المحمدية، للمسلمين والمسلمات -دائماً وأبداً- بالهداية والنصح والتوفيق والرعاية، وهذا من النصح. وعن جرير رضي الله عنه قال: {بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم}. قال أهل العلم: فكان جرير بن عبد الله البجلي دائماً وأبداً ينصح لعباد الله. باعه رجل فرساً فقال: بكم بعتني هذا الفرس؟ قال: بثلاثمائة، قال: أتريد فيه أربعمائة؟ فزايده حتى بلغ ثمانمائة، فقال: خذ هذه الثمانمائة، فإني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، وأنا -والله- لك ناصح.

فضل تعلم العلم وأنواعه

فضل تعلم العلم وأنواعه ثم قال الإمام البخاري رحمه الله: "كتاب العلم". فهو بدأ بكتاب الوحي؛ لأنه بداية هذا الخير والنور والإشراق، وبداية رفع رءوسنا، واستنهاضنا من الجاهلية والوثنية والردى والعمى، ثم ثنىَّ بالإيمان؛ لأنه المنجي عند الله عز وجل، ثم ثلث بالعلم؛ لأنه طريق الحياة لمن أراد الحياة. يقول الشافعي رحمه الله: " من أراد الحياة فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ". قال ابن أبي الزعد -وهو مولى من الموالي-: أعتقني سيدي؛ لأنني كنت كلاً عليه، أي: كان لا يجد فيه خيراً ولا ينفعه في شيء، فقال: كنت لا أحسن النجارة ولا النساجة ولا الصناعة، فقال: أنت عتيق لوجه الله، فقلت وأنا أودعه: بماذا تأمرني؟ قال: عليك بطلب العلم، قال: فطلبت العلم سنة كاملة، فاستأذن عليّ أمير المدينة في القيلولة، فلم آذن له. وهذا من شرف علم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك لا يُطلب العلم للتباهي -نعوذ بالله- أو للصيت أو للسمعة، وإنما يُطْلَب لينُجى به في الآخرة، وأفضل عمل تتقرب به إلى الله أن تتقرب بهذا العلم.

العلم الممدوح

العلم الممدوح والعلم منه ما هو ممدوح ومنه ما هو مذموم، فالممدوح: هو العلم الذي يُوصلك إلى الله عز وجل، ويرزقك خشية الله، يقول تبارك وتعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] فعلَّق قيام الليل بالعلم، ويقول سبحانه وتعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. قالوا: آمنوا وأوتوا العلم مع الإيمان، لا يَكفي العلم بلا إيمان نعوذ بالله من علم لا ينفع، أو من معلومة لا تفيد صاحبها، فهذا ليس من الممدوحين. ويقول عز من قائل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران:18] فاستشهدهم على أعظم شهادة، في أعظم مشهود. ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] ووصفهم بالفهم والفقه والعقل. ويقول عزَّ من قائل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] فوصفهم بكثرة الخشية لله، فمن لم يكثر من خشية الله على حسب علمه بالله، تقل خشيته وتكثر. ويقول جلَّ من قائل: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ} [القصص:80] فوصفهم بالزهد، ووصفهم بمعرفة مصائر الأمور، ومستقبل الأحداث.

العلم المذموم

العلم المذموم أما العلم المذموم: فهو الذي لا يعمل به صاحبه، نعوذ بالله من ذلك، ونسأل الله العافية والسلامة. يقول سبحانه وتعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} [الأعراف:175 - 176] فهذا لم ينفعه علمه، فلعنه الله في الدنيا والآخرة، نعوذ بالله من ذلك. ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:102] يقول هنا: (يتعلمون) علم السحر المذموم أو علم الشعوذة أو علم النجوم، {فمن تعلَّم علم النجوم فقد استزاد شعبةً من الشرك زاد ما زاد} أي: أنه كُلَّما زاد من علم النجوم أو من هذه العلوم، فقد زاد شعبة من الشرك والنفاق؛ إلا من يتعلمها لمعرفة أوقات الصلاة، أو لأمور تهمَّ المسلمين. أما من يقطع عُمره في مثل هذه العلوم التي لا تنفع، أو العلوم المحرمة، فإن بعض أهل السنة يقولون: " من تعلم السحر كفر". و {حد الساحر ضربة بالسيف} نعوذ بالله من ذلك، وليس هذا محل بسطها. ومن العلم المذموم أيضاً: أن يذهب الإنسان حياته كلها في علم لا ينفع كثيراً، كعلم الأنساب، فيعرف أن هذه القبيلة تنتسب إلى قحطان، وقحطان إلى فلان، وفلان إلى علان، فهذا علم يذهب الأعمار ولا ينفع أبداً، ولذلك {دخل صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى قوماً مجتمعين في حلقة، قال: ماذا يتعلَّم هؤلاء؟ قال: يتعلمون الأنساب. قال: هذا علم لا ينفع وجهل لا يضر} وما يضرك يوم القيامة؟ هل تظن أنه يسأل الإنسان في القبر، أو يسأل يوم القيامة عن قبيلة قحطان أو غيرها ماذا تنتسب إليه؟ هذا ليس من العلم الذي يُحمدِ، إنما الذي يُحمد كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {تعلَّموا من أنسابكم ما تصلوا به أرحامكم} تعرف أن هذه قريبة فتصلها، وهذا قريب، وهذا عم، وهذا خال. ومن العلوم التي إذا أذهبت الأعمار وأصبحت مذمومة: علم الشعر والأدب، وهو قضية الساعة عند العلماء، وقضية التركيز في الساحة، وأكثر ما شغل الناس خاصَّة المثقفين في المجالس، الشعر الحداثي، والشعر المقفى، وهذا الأدب، فمن أذهب عمره في هذا فهو مذموم، مأزور غير مشكور ولا مأجور، ماذا قدم للإسلام؟ يحفظ قصائد الناس جميعاً، ولم يشتغل بالكتاب ولا بالسنة، وإنما يُطلب من الأدب ما جمل في الدعوة، وبمجالس العلم فحسب، أما من أذهب عمره في هذه الأمور فهو مذموم. ومن العلوم المذمومة من أذهب عمره وليله ونهاره في بعض الأمور الجزئية كالجغرافيا، الناس يتهجدون وهو يبحث عن عاصمة أسبانيا، وأهم المنتجات فيها وماذا تصدر؟ وماذا تنتج؟ ومن هو وزير خارجيتها؟ ومن تولى؟ ومتى استقلت؟ ثم يذهب عمره ويشيب وهو على هذا المستوى، وأين تقع جبال الهملايا وكم قدماً ترتفع عن البحر؟ فهذا علم إنما يُعرض للناس، ليبين قدرة الله في الأرض، فمن أذهب عمره فيه فهو مأزور لا مشكور ولا مأجور. لكن هناك علوم قد يحتاج إليها المسلمون. يقول الشافعي: " العلم علمان: علم الأبدان وعلم الأديان ". علم الأديان: الكتاب والسنة ويكفينا. وعلم الأبدان: علم الطب، وهو من أشرف العلوم إذا استصحب صاحبه تقوى الله عز وجل والعمل الصالح، فإن الطب من أحسن ما يكون لحاجة المسلمين؛ حتى إن بعض أهل العلم أوجبه إيجاباً؛ أن يتعلم الناس الطب؛ لأنه إذا كان أطباؤنا يهوداً ونصارى لا نأمن أن يقتلونا وقد فعلوا، حتى إنهم عملوا عملية لبعض المرضى وكان عنده زكام فبتروا رجله، وقالوا: هذا مرض مستعصٍ. وكذلك العلم المحمود: مثل علم الهندسة، بشرط أن يكون صاحبه مقيماً لشرع الله، وصالحاً في ذات الله عز وجل، حسب حاجة المسلمين إلى هذا العلم، وقد أُثِرَ عن ابن تيمية أنه قال: " لو احتاج المسلمون إلى إبرة تصنع، ثم لم تصنع عندهم ولم توجد لأثموا جميعاً" لكن نحن لا ننتج لا إبرة ولا أكبر ولا أصغر؛ حتى الطباشير التي نكتب بها على السبورة تأتي من دولة مستوردة إلينا، حتى القليل والكثير، ملبوسنا ومشروبنا، ومركوبنا، وبيوتنا، وكتبنا، ودفاترنا، وحقائبنا، كلها مستوردة والحمد لله، إنما نحن نجيد الأكل والشرب والجلوس وغير ذلك من هذه الأمور، لكننا نسأل الله عز وجل أن يُوفقنا لطاعته.

الأسئلة

الأسئلة

حكم تحية المسجد

حكم تحية المسجد Q إذا دخل الرجل المسجد وهناك درس علمي يُلقى فهل يجلس مباشرة؛ لأن طلب العلم فريضة، أم يصلي ركعتين تحية المسجد؟ A الأولى -وهو السنة والوارد- أن يصلي ركعتين، يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يُصلي ركعتين} ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يعذر الرجل يوم الجمعة وهو يخطب بالناس، فقال صلى الله عليه وسلم: {أصليت؟ قال: لا. فقال له: قم فصلِّ ركعتين} وخطبة الجمعة أولى، وكذلك حلقة الدرس، وإذا كان وقت نهي؛ فإنه يُصلي ركعتين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} لأنها من ذوات السبب ولو كان الوقت وقت نهي.

نصيحة لمدراء الأعمال

نصيحة لمدراء الأعمال Q كيف ينصح الشخص الذي يعمل تحت إدارته مجموعة من الناس، حيث إن الشيطان يوسوس له، فيشعر بالعظمة والكبرياء، على أساس أنه نوع من أنواع السيطرة في العمل؟ A أولاً: عليه أن يتقي الله عز وجل، ويتذكر الموت، ويعرف أنه عبدٌ حقيرٌ فقير، ليس عنده شيء من القدرة ولا من أسباب القوة، فلماذا يتكبر على الله سبحانه وتعالى؟! فعليه أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وعليه أن يهضم نفسه، فإذا كان من عادته أنه إذا سُلِّم عليه أنه يعطيه يده وهو جالس، فليهضم نفسه فيقوم، ويرد عليهم، وإذا دخلوا وكان من عادته أن يقطب وجهه؛ فعليه أن يلتفت؛ لأنهم يقولون: إذا قطب الإنسان وجهه تحركت فيه تسعة عشر عضلة، وإذا ابتسم تحركت فيه عضلة واحدة فقط، فلذلك يُوفر ثماني عشرة عضلة. ولذلك يقول محمد قطب في كتاب النفس والمجتمع: لا تكلفك الابتسامة لا درهماً ولا ديناراً، ولا تكلفك حتى تسديد فواتير، إنما تحدث لك قلوباً وتكسب أرواحاً وإخواناً في الله عز وجل. وعمر رضي الله عنه شعر مرة من المرات بطائف من العجب، ما دخل قلبه: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201] فشعر بشيء من العجب! أي: داخله الشيطان، وقال: أنت أمير المؤمنين! وقد كنت راعي غنم في الجاهلية، وأصبحت الآن الأقطار كلها تعود إليك، قال: الصلاة جامعة، عليّ بالناس! فاجتمعوا، فلما أصبحوا ملء المسجد؛ ووقف على المنبر، وقال: أيها الناس! هل تعرفونني؟ قالوا: نعم. قال: من أنا؟ قالوا: أنت أمير المؤمنين! قال: [[كان اسمى في الجاهلية عُميراً، كنت أرعى لبني أبي معيط غنمهم على حفنة من التمر، فأكرمني الله وهداني وأرشدني فأصبحت فيكم خليفة]] فلما نزل قال له ابنه عبد الله يا أبتاه! فضحتنا هذا اليوم، كيف جمعت الناس ثم ألقيت هذه الخطبة؟ قال: إن نفسي حدثتني بشيء من العجب، فأحببت أن أكسرها، فهكذا المجاهدة؛ على الإنسان أن يُمرِّن نفسه أنه إذا كان هناك اجتماع أن يقول: دعوني أسكب الشاي، لكن بعض الناس لا يرضى بذلك، حتى إن بعض الناس كان يتكلم في مجلس من المجالس، فقال: أيها الناس! اعملوا عملاً صالحاً، والله إن الإنسان لا يضمن لنفسه الجنة مهما عمل، حتى أنا ما ضمنت لنفسي الجنة. ورد في ترجمة أبي هريرة أنه أخذ حزمة من الحطب، فحملها ومشى في السوق وكان السوق مزدحماً، فقال: افتحوا للأمير طريقاً. كان أبو هريرة أمير المدينة، فقالوا: لماذا يا أبا هريرة؟ قال: أعجبتني نفسي وكنت فقيراً من آل دوس معي أمي، نزلنا المدينة ولم نجد كسيرة حتى كدت أسقط من الجوع، وأصبحت الآن أميراً، فحدثتني نفسي فأردت أن أكسرها، فالكسر له طرق وأسباب وعلاجات.

حكم لفظة: (أوصيك ونفسي بذلك)

حكم لفظة: (أوصيك ونفسي بذلك) Q إذا أمر الإنسان بالمعروف ونهى عن المنكر، هل يقول للمأمور أو المنهي: أوصيك ونفسي بذلك؟ A لا بأس أن يقول: أوصيك ونفسي بذلك، لأنه من باب التواضع وهضم النفس، وكلنا بحاجة إلى الوصايا، نسأل الله العافية.

ارتكاب المعاصي والنية الحسنة

ارتكاب المعاصي والنية الحسنة Q ادعى بعض الناس في هذا العصر أن العمل بالنية، فتجده يربط كل شيء بالنية، ويرتكب المخالفات والآثام، وعندما تنصحه يبادرك بقوله: أهم شيء النية؟ A نعم. أهم شيء النية، وأهم شيء النار -نعوذ بالله من النار- فسوف يعلم: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15]؛ ولذلك يقول ابن تيمية لأحد الناس وهو جالس معه من أهل الفرق المخالفة: لماذا لا تصلي؟ قال: لأن الله قدَّر عليَّ أني لا أصلي، قال: فما لك تشرب الخمر؟ قال: لأن الله كَتَبَ علي أني أشرب الخمر، فقام ابن تيمية وضرب في صدر ذاك المبتدع، وقال: جبري في المعصية قدري في الطاعة؟ ولذلك كثير من الناس جبريون، ولذلك إذا سألتهم لمَ يُخالفون وينامون عن الصلاة؟ قالوا: الأعمال بالنيات، والله غفور رحيم، وقد نمنا والله مطلع على السريرة. وهذه السريرة سيئة ونتنة؛ لأنه لو كان علم الله عز وجل أن سريرته طيبة لجعله من أهل الخير، أما أنه يخالف أمر الله وتكون نيته طيبة وقلبه سليماً فمن أين له السلامة والطيب؟ بل قلبه أسود. نسأل الله العافية.

أسباب عدم الخشوع في الصلاة

أسباب عدم الخشوع في الصلاة Q إذا صليت الظهر أتاني الخشوع، وإن صليت العصر في نفس اليوم لا أخشع، فما سبب ذلك؟ A هذا يختلف باختلاف الظروف التي مرت بك، ولها أسباب الله أعلم بها، لكن قد يكون هذا من بعض المصائب التي حدثت أو الشواغل التي شغلتك؛ أو بعض الأمور، فإن بعض الناس قد يشتغل ببعض الأمور السهلة، قد يكون ما تغدَّى، فهو يُحدِّث نفسه بالغداء في الصلاة، ولذلك أمرنا ألاَّ نصلي وقت حضور الطعام، وإذا حضر العِشاء والعَشاء أن نقدم العَشاء قبل العِشاء، بشرط ألا نأخذها عادة، وألا نجعل الطعام -دائماً- لا يجهز إلا وقت الأذان، فإذا أذن قال: نزلوا العشاء، قالوا: هذا وقت صلاة؟ قال: يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا أتى العَشاء والعِشاء فابدءوا بالعَشاء} ما أفقهه في الدين! ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم! فهذه من الحيل المحرمة، وقد يكون هذا الذي لم يخشع في صلاة العصر أفرط في تناول الغداء، فتشتت ذهنه، والإمام مالك يقول: " أرى أن يسدَّ رمقه" فبعض الناس يجوع جوعاً عظيماً، فقد يكون ما أفطر؛ فإذا أتت صلاة العصر وهو ما أفطر ولا تغدَّى، فيمكن أن يقرأ التحيات في القيام. فالمقصود أنه يسدَّ رمقه بشيء. ولا صلاة بحضرة طعام، هذا نص، وهذه رخصة نأخذها، فنأكل ما تيسر ثم نقوم، أما أن يأكل الإنسان الغداء ثم يأكل فاكهة، ثم يشرب بيبسي، ثم يشرب قهوة، ثم يخرج يصلي العصر مع المغرب، فهذا ليس بوارد.

التوبة من المعاصي

التوبة من المعاصي Q أنا رجل أتوب من المعاصي، ثم أعود إليها إلى درجة أنها تثقل علي بعض العبادات؟ A الرجل الذي يتوب ويعود؛ فليعد وليتب في اليوم ولو سبعين مرة، فهو عند الله قريب بإذن الله وسوف يتوب الله عليه، وهذا علامة صدقه، وإقباله وإنابته، وسوف يُكفِّر الله خطاياه دائماً فليفعل العبد ما شاء، مادام أنه يتوب ويستغفر وينيب، لكن بشرط ألا يعتقد ذلك، فيقول: سوف أذنب، وسوف أتوب بعد ذلك إن شاء الله، فهذه من الحيل، لكنه يتوب، ثم يقول: لا نعود إن شاء الله ويندم. أما أن تثقل عليه بعض العبادات، فالفرائض لا تثقل، هذه الفرائض دونها ضرب الرءوس، فمن تركها فهو كافر، أما بعض العبادات التي تثقل على نفسك فالدين يسر: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7]. بعض الناس يهتم بالنوافل أكثر من الفرائض، وهذا منهج من مناهج الصوفية، فالمقصود أنك تُخفِّف على نفسك وتسلك العبادة التي تناسبك كالذكر والتسبيح، لا نلزمك بأن تقرأ في المصحف؛ لأن نفسك قد تفتر، وما ألزمك الله سبحانه وتعالى بذلك. وإن كان الصيام يضعفك ويحدث عندك ارتباكاً حتى في الطاعة وفي بعض الأمور، فعليك أن تتقي الله عز وجل، وتنتقل إلى عبادة أخرى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60].

فساد الأخوة وعلاجها

فساد الأخوة وعلاجها Q لي أخ في الله، ولكنه يغضبني في بعض الأحيان في حركات وسكنات تورث عندي الحقد والغضب، فماذا توصيني؟ A أوصيك وأوصي هذا الأخ بتقوى الله عز وجل وحسن الخلق وأن تتحمل منه، وأن تريه من نفسك الخلق الحسن؛ علَّ الله سبحانه وتعالى أن يهديه، ولك أن تُعرِّض ببعض الأمور في الكلام بحيث لا يشعر أنك تنصحه: " إياك أعني واسمعي يا جارة" ويقال: اضرب العي يدري الجمل، فتقول مثلاً: دعنا نقرأ في ذم الحسد، فتأتي بكتاب فتقرأ في ذم الحسد، أو دعنا نتكلم عن صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسعة حلمه وتعامله مع أصحابه، فحينها يعرف من قريب أو من بعيد، ويتعظ بإذن الله وتدعو له.

العلماء وخشيتهم لله

العلماء وخشيتهم لله Q يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] يقول أحد العلماء: المراد بالعلماء: علماء الفلك والطبيعة، وليس الذين يعلمون علم الكتاب والسنة؟ A إذا كان علماء الفلك والطبيعة هم الذين يخشون الله فما في الأرض من يخشى الله؛ لأن من علماء الفلك والطبيعة دنمركيون ومنهم فرنسيون!! فيصبح أهل ورثة الأنبياء والكتاب والسنة لا يخشون الله، ويصبح الذي كالكلب والخنزير هو الذي يخشى الله! صحيح أن بعض المسلمين من الذين أجادوا في هذا الجانب، وعندهم قدر من الكتاب والسنة ثم خشي الله عز وجل فهو محبوب ومأجور ومشكور، أما أن تُطِلقَ الكلمة على كل عالم فلك أو طبيعة؛ أنه يخشى الله أكثر من المسلم الذي ما عرف هذه العلوم، فلا. وهذا ليس بوارد، والأصل في الخشية: (أن يأتي أوامره وينتهي عن نواهيه). والعلماء إذا أُطلقوا فهم العلماء بالله عز وجل وبأمره، فالعلم بالله هو العلم بصفاته وما يجب له من كمال، والعلم بأيام الله؛ أي: ما أحدثه في الأمم، والعلم بأمر الله: هو علم الفقه في الدين وما يدور حول ذلك، وما زادك خشية فهو علم بالله. إذا نظرت إلى السماء فتفكرت وزادك هذا علماً، أو اكتشفت شيئاً وزادك علماً، فهو علم يقودك إلى الله سبحانه وتعالى.

كل علم مفيد فهو مطلوب

كل علم مفيد فهو مطلوب Q هل ترى أن كل علم مفيد مطلوب في حدود الحاجة والفائدة؟ هل توافقنا على ذلك؟ A نعم. أوافقك وأوقع على ذلك، فكل علم مطلوب للمسلمين يستفاد منه، وهو مطلوب بقدر الحاجة، وما زاد عن الحاجة فلا يستفاد منه. نسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم. والحمد لله رب العالمين.

السمو

السمو إن السمو الحقيقي والرفعة؛ إنما هو في ظل الشريعة الإسلامية، وإنما هي في سمو الأرواح عن الماديات، وارتباطها بالملأ الأعلى شوقاً ورجاء وخوفاً ومحبة، وفي التعالي عن الدون؛ ببذل الروح والمال في سبيل طلب الراحة الحقيقية والعيش الهنيء، ولقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثلة في سمو الذات عن جميع الملذات.

تحية السمو

تحية السمو اللهم لك الحمد؛ لكن أجله وأعظمه. اللهم لك الشكر؛ لكن أحسنه وأجمله. اللهم لك الثناء؛ لكن أكمله وأتمه. اللهم لك المدح؛ لكن أبلغه وأحلاه. والصلاة والسلام على الصفوة المصطفى، والأسوة المرتضى، والسيف المنتضى، والإمام المجتبى، ما هدى نوق، وقام سوق، وأُديت حقوق، وعلى آله ومن سار على منهجه إلى يوم الدين. فتالله لو أن السماء صحيفة بها الشكر يُروى والثناء يرتبُ وأشجارنا الأقلام والبحر حبرنا ونحن طوال الدهر نملي ونكتب لما بلغوا في كنه شكرك ذرة ولو دبَّجوا فيك المديح وأغربوا أشكركم شكراً جزيلاً على حسن الضيافة والاستقبال أشكر دعاتكم وأمجادكم وخطباءكم، وأسأل الله أن يجعلني خيراً مما تظنون، وأن يغفر لي ما لا تعلمون. عناصر المحاضرة: -تحية السمو. -بطاقة السمو. -برقيات عاجلة. -نفوس سمت شوقاً إلى الله. -التعالي عن الصغائر والترفع عن الرذائل. -تحدي المصاعب والانتصار على الأزمات. -صعودٌ أبداً وتفوقٌ دائماً. ولأن خطيبكم قال شعراً، ولأن مُقدمكم قال كلاماً جميلاً، فجزاء التحية تحيةٌ مثلها أو أحسن منها، اخترنا لكم هذا العنوان، ليوافق سموكم، ويناسب قدركم، ويحيي جهادكم، ويهتف بسجاياكم، ولأنكم من أهل السمو، فأحببنا أن نحدو لكم حداء الأبطال، وأن نُتحفكم يا صفوة الرجال، لتسافر الآمال إلى آفاق الجلال. ولأنكم أبناء الفاتحين، وأحفاد المجددين، وسلالة القادة، وأتباع الأبرار، وبقية الأخيار، حرصنا على إلهاب هممكم الماضية، والإشادة بهاماتكم العالية، وعزائمكم السامية. وهذه مقطوعة المسك من أريجها فوَّاح، والبلبل من نغمتها صدَّاح، يا أهل الفلاح والصلاح والنجاح. كل شهم منكم رمز فتوه السما تروي إلى الأرض سموه همم لو أن للدهر بها معهداً لم يملك الدهر عتوه غيركم في لهوه قد جمحت نفسه يهوي بها سبعين هوه وأراكم صفوة صادقة فيكم الحق وآثار النبوه دعوة بل صحوة بل وثبة في صفاء ووفاء وأخوه

بطاقة السمو

بطاقة السمو ولأنكم أهل الحجاز جيران محمد عليه الصلاة والسلام، وفيكم ديار أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ومن عندكم انطلق خالد وعمرو والمجددون والمصلحون، قلنا لكم في بطاقة سلام: حيث الشهامة مضروب سرادقها بين النقيضين من عفو ومن نقمِ وللرسالة أنوار مُقدسةٌ تجنو البغيضين من ظُلْمٍ ومن ظُلَمِ وللأخوة آيات تنص لنا على الخفيين من حُكْمٍ ومن حِكَمِ وللمكارم أعلامٌ تُعلَّمنا مدح الجزيلين من باكٍ ومن كرمِ وللعلا ألسن تثني محامدها على الحميدين من فعلٍ ومن شيمِ

برقيات عاجلة

برقيات عاجلة يا أصحاب سمو المعالي إلى العزيز العالي جلَّ في علاه، بإيمانهم وجهادهم وصبرهم ودعوتهم:

برقية النمل

برقية النمل لَمَّا أنذر النمل وحذَّر ودعا بني جنسه، سُطِّرت في حقه سورةٌ من القرآن تُتلى باسمه، فخذ من النمل ثلاثاً: 1 - الدأب في العمل. 2 - محاولة التجربة. 3 - تصحيح الخطأ.

برقية النحل

برقية النحل لَمَّا أكل النحل طيباً، ووضع طيبا، ً أوحى الله إليه، وجعل له سورة تُذكر باسمه، فخذ من النحل ثلاثاً: 1 - أكل الطيب. 2 - كف الأذى. 3 - نفع الآخرين.

برقية الأسد

برقية الأسد لَمَّا جلَّت همة الأسد، وظهرت شجاعته، أسَمته العرب مائة اسم، فخذ من الأسد ثلاثاً: 1 - لا ترهب المواقف. 2 - لا تتعاظم الخصوم. 3 - لا ترض حياة الذل.

برقية الذباب

برقية الذباب لَمَّا سقطت همة الذباب، ذُكِر في الكتاب على وجه الذم، فاحذر ثلاثاً في الذباب: 1 - الدناءة. 2 - الخسّة. 3 - سقوط المنزلة.

برقية العنكبوت

برقية العنكبوت لَمَّا هزُلت العنكبوت وأوهنت بيتَها، ضُرِبَ بيتُها مثل الهشاشة، فاحذر في العنكبوت ثلاثاً: 1 - عدم الإتقان. 2 - ضعف البنيان. 3 - هشاشة الأركان.

برقية الكلب

برقية الكلب لَمَّا عاش الكلب دنيئاً لئيماً، ضُرِب مثلَ العالِم الفاجر الغادر الكافر، فاحذر ثلاثاً في الكلب: 1 - كفر الجميل. 2 - خسة الطباع. 3 - نجاسة الآثار.

برقية الهدهد

برقية الهدهد لَمَّا حمل الهدهد رسالة التوحيد، تكلَّم عند سليمان، ونال الأمان، وذكره الرحمن، فخذ من الهدهد ثلاثاً: 1 - الأمانة في النقل. 2 - سمو الهمة. 3 - حمل هم الدعوة. قال أبو معاذ الرازي: " مسكين من كان الهدهد خيراً منه ". والهدهد احتمل الرسالة ناطقاً أهلاً بمن حمل اليقين وسلَّما

نفوس سمت شوقا إلى الله

نفوس سمت شوقاً إلى الله إذا أتى جعفر الطيار بجناحين، ودُعي أبو بكر من الأبواب الثمانية، وكلَّم عبد الله الانصاري ربه بلا تُرجمان، فبماذا تأتي أنت؟! ما هي بضاعتك؟! ماذا أعددت لذلك اليوم؟! فيا ليت شعري ما نقول وما الذي نُجيب به إذ ذاك والأمر أعظمُ إنها نفوس تاقت إلى الله، وسمت إلى الحي القيوم!! كنت أعددت طرحاً شعرياً لهذه المحاضرة، فتذكرت أني قدمت ألبوماً بعنوان: (القمم لأهل الهمم) فآثرت أن أُمازجه بكثير من الأدب، فسماحاً للقافية، وعذراً للبيت والروي، ولنسافر مع أدب؛ لكنه صادق، ومع شعر؛ لكنه مؤمن، ومع قافية؛ لكنها مسلمة. وقف مجاهد مؤمن في عصر الصحابة على جبال الأفغان، على مشارف كابل، فقال: فيارب لا تجعل وفاتي إن أتت على شرجع يُعلى بخضر المطارف ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يُصابون في فجٍّ من الأرض خائف إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى وساروا إلى موعود ما في المصاحف يقول: يا رب! لا تعدني إلى غرفتي الضيقة، إلى سريري المزين بالمطارف، إلى زوجتي الجميلة، لكن قطِّعني في سبيلك إرباً إرباً، وهذه في أبجديات الموحدين، وفي دواوين المخلصين، قالها طلحة وغيره، فيقول أحدهم مستلهماً جلال الله وعظمته، ثم تفيض دموعه ثم يقول: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]].

سمو نفس البراء بن مالك

سمو نفس البراء بن مالك دخلوا على رجل اسمه: البراء بن مالك، سمت روحه إلى الواحد القيوم، وقد اضطجع على ظهره، وقد رفع رجله اليمنى على اليسرى، ورفع عقيرته بالنشيد، فقال له أنس: [[أتنشد وتغني وأنت من أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، قال: اسكت، فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد قتلت من الكفار مائةً مبارزةً، ووالله الذي لا إله إلا هو لأموتنَّ شهيداً]] لماذا يُقسم؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال فيه وقد رآه بذّ الهيئة رثَّ الثياب: {رُبُّ أشعث أغبر ذي طمرين، لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك}. فأقسم على الله يوم تستر أن يُقتل شهيداً، فقتل شهيداً.

عمر بن عبد العزيز والنفس التواقة

عمر بن عبد العزيز والنفس التواقة وعمر بن عبد العزيز سمت روحه يوم تولَّى الخلافة، جلس على المنبر الدمشقي ليحكم ثنتين وعشرين دولة إسلامية، ففاضت دموعه وبكى، وأُجهِش الناس بالبكاء، قال المحدث الراوية الثقة رجاء بن حيوة: " والله لقد كنت أنظر إلى جدران المسجد هل تبكي معنا". ثم قال عمر: " اللهم إن لي نفساً تواقة -معناها: صاحبة سمو- توليت يا رب الإمرة فطمعت في الخلافة فنلتها، فهأنا أطمع في الجنة، اللهم بلغني الجنة " هذا هو السمو.

سمو عبد الله بن رواحة

سمو عبد الله بن رواحة ومن أبجديات السالكين: قولهم على لسان عبد الله بن رواحة وقد قال له الصحابة: تعود بالسلامة، قال: لكنني أسأل الرحمن مغفرة وطعنة ذات فرغ تقذف الزبدا وقتل في مؤتة، والقبر هناك، ولكن سريره دخل إلى جنات النعيم، ورآه بعينيه رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.

سمو ثابت بن عامر وتمنيه الموت وهو ساجد

سمو ثابت بن عامر وتمنيه الموت وهو ساجد والعباد يشاركون أيضاً مع المجاهدين في سمو الهمة، فأما أحدهم وهو ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير، فيقول: [[اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، قالوا: ما هي؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد]] فقبض الله روحه وهو ساجد في آخر سجدة في صلاة المغرب. وقِسْ على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حسن لـ عمر وقد رآه لبس ثوباً أبيض قال: {البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً} فرزقه الله سمواً في الدنيا؛ عدلاً في الرعية، ورحمة بالأمة، وزهداً في نفسه، ثم توفاه شهيداً في المحراب، وعلى ذلك سار السلف.

سمو إسحاق بن منصور

سمو إسحاق بن منصور حتى إنه في ليلة من ليالي أهل السمو العلمي كان إسحاق بن منصور تلميذ أحمد بن حنبل في خراسان، فرجع بعدما روى الحديث سبع سنوات، وكتبه في قراطيس، فأخذ القراطيس معه في السفر، فأمطرت السماء، فوضع الكتب والقراطيس والدفاتر تحت بطنه، واحتضنها في الليل والبرد يصب على ظهره، والمطر البارد والريح تَسُفُّ على وجه، وهو يحتضن دفاتره؛ لئلا تبتل بالماء، بعد رحلة سبع سنوات، ثم عاش طويلاً، ثم مات فرآه أحد الصالحين في الجنة، قال: ما فعل الله بك؟ قال: غفرَ لي بليلة المطر، يوم انحنيت على الدفاتر، يوم حضنت أوراقي، غفر الله لي بتلك الليلة. وانظر إلى بعض الصالحين، يُرسل نشيداً إلى الواحد الأحد، لكن ينظمه بحبات قلبه، يقول أولاً نثراً: يا رب! إن أحبَّ كُثَيِّرٌ عَزَّة، وأحبَّ غيلان مية، فاجعل حبي فيك. يا رب! إن أحب عنترة عبلة، وأحب قيس ليلى، وأحب الآخر سلمى، فاجعل حُبي لك وحدك، ثم نظَمَها شعراً فقال: إذا كان حُبَّ الهائمين من الورى بـ ليلى وسلمى يسلب اللب والعقلا فماذا عسى أن يصنع الهائم الذي سرى قلبه شوقاً إلى العالم الأعلى أُفٍّ على الوتر أُفٍّ على الناي أُفٍّ على الغناء أُفٍّ على الضياع أُفٍّ على حياة اللهو والغرام والهيام، إن لم تكن المحبة للواحد العلام، الذي بنى دار السلام، فلما انتهى من بنائها قال: تكلمي وعزتي وجلالي، قالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2] قال: وعزتي وجلالي، لا يجاورني فيك بخيل. هذه مسيرة الصالحين، ولكن ينحرف بعض الناس إلى هواه، إلى العيون السود، إلى الخدود، فيقول ابن زُريق في بغداد وهو هائم بامرأة: لا تعذليه فإن العذل يوجعه قد قلت حقاً ولكن ليس يُسْمِعه ثم يقول: آه، ثم يموت.

سمو مسلم بن الحجاج

سمو مسلم بن الحجاج ولكن مسلم صاحب الصحيح -جمَّل الله حال مسلم وبيَّض وجهه- الذي قدَّم لنا ميراث محمد عليه الصلاة والسلام، أبو الحسين العالم الرباني، بحث في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة كاملة، يبحث عن حديث، فقلب المصنفات ولم ينم، فلمَّا صلَّى الفجر قال: آه، آه، آه، ثم مات، قالوا: شهيد الحديث.

سمو النابلسي وموقفه تجاه الفاطميين

سمو النابلسي وموقفه تجاه الفاطميين والنابلسي تقدم إليه طاعن يهودي ليطعنه بالخنجر، وهو المحدث العالم الزاهد، الذي أفتى بفتيا شجاعة في الفاطميين المنحرفين الكفرة عند كثير من أهل العلم فقال: من عنده عشرة سهام فليرمِ الفاطميين بتسعة والنصارى بسهم، فطُعن، قال الذهبي: كان دمه يصب في الأرض ويُسكب، وهو يقول: الله، الله، الله. سؤال نُقدِّمه لأهل السمو، وأهل العزائم والهمم؟! قالوا الهوى والحب هل تعنو له أم أنت في أرض الهوى متجلد قلت المحبة للذي صنع الهدى فحبيب قلبي في الحياة محمد اللهم اجعله حبيبنا، بعد حبك لنا وحبنا لك يا أرحم الراحمين! قال عز وجل: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119]. يقول ابن عمر وروحه تُسافر في مجمع من الناس، وقد حدَّثته بالخلافة وهو زاهد عابد، قال: [[قام فينا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في المدينة على المنبر، ونحن جلوس أمامه وقد تولى الخلافة، قال: من أولى مني بالخلافة؟ قال: فحللت حبوتي لأرد عليه وأقول: أولى منك المهاجرون والأنصار، فتذكرتُ قوله سبحانه وتعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً} [القصص:83]]].

التعالي عن الصغائر والترفع عن الرذائل

التعالي عن الصغائر والترفع عن الرذائل اسمع إلى الوحي يُخاطبك بأن ترتفع: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران:139] لا يصيبنك إحباط ولا يأس ولا فشل، وأنت تسجد لله، ومعك القرآن، وأنت تُهدَى إلى تكبيرة الإحرام، ومعك إخوة صالحون، ومعك دعاة وعلماء قال عليه الصلاة والسلام: {إن الله يحب معالي الأمور} واسمع إلى علي بن عبد العزيز الجرجاني الفقيه المُحدِّث القاضي الواعظ، وهو يُخبرك بعصارة حياته، ترك الناس، أغلق على نفسه في البيت، يدعو في المسجد ويعود، لا يخالط كبيراً ولا صغيراً، ويقول: أنست بوحدتي ولزمت بيتي فدام لي الهنا ونما سرور وأدبني الزمان فلا أبالي هُجِرت فلا أُزار ولا أزور فلست بسائلٍ ما عشت يوماً أسار الجيش؟ أم ركب الأمير؟ هذا الذي يقول: يقولون لي فيك انقباض وإنما رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما إلى أن يقول: ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا مُحياه بالأطماع حتى تجهما ممن سمو البخاري صاحب الصحيح رحمه الله، يقول: " رأيت الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام، وكأنه يرفع خطوة، وأضع قدمي مكان قدمه، فسألت أهل العلم وأنا شاب، فقالوا: أنت تحفظ سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ". ويقول: " ما اغتبت مسلماً منذ احتلمت! " منذ أن احتلم ما اغتاب مسلماً، فقل لي بالله، يا من أكثر من الغيبة والوشاية والنميمة واستحلال الأعراض: كيف نُقارن بينك وبين البخاري؟! وقال الشافعي صاحب الهمة العالية: " ما كذبت منذ علمت أن الكذب يضر أهله ". ما كذب في هزلٍ ولا جدٍ ولا ليلٍ ولا نهار. ويقول: " ما حلفتُ بالله صادقاً ولا كاذباً ". وقد كان على كسرة الخبز، وامتلأ بيته باللخاف والجريد والصحف حتى كاد هو وأمه يخرجون خارج البيت وهو يطلب العلم، يقول وقد عُرضت له القناطير من الذهب من هارون الرشيد. أمطري لؤلؤاً سماء سرنديب وفيضي آبار تكرور تبرا أنا إن عشت لست أعدم خبزاً وإذا مت لست أعدم قبرا همتي همة الملوك ونفسي نفس حر ترى المذلة كفرا ما هو المجد إذاً؟ قال أهل العلم: المجد والسمو في ثلاث: 1/ أن تمرغ وجهك ساجداً لله. 2/ وأن تأكل الحلال. 3/ وأن تكون سليم الصدر، ثم لا يضرك ما فاتك من الدنيا، من دورها، وقصورها، وذهبها، وفضتها. جلس مُحدِّث من المحدثين الكبار -ذكره الذهبي وغيره- فرأى ألف محبرة، وألف عمامة أمامه، كلهم يطلبون الحديث، مع كل عمامة قلم مع كل قلم محبرة مع كل محبرة كتاب مع كل كتاب دفتر؛ فدمعت عيناه، وقال: هذا والله الملك، لا ملك المأمون والأمين، ثم أنشد فرحاً: إني إذا احتوشتني ألف محبرة يروون حدثني طوراً وأخبرني ناديت في الجمع والأقلام مشرعة تلك المكارم لا قعبان من لبن

السمو في مجابهة الأعداء

السمو في مجابهة الأعداء ز البيت الثاني تضمين رائع جميل ضمنه كثير من أهل العلم قصائدهم، وأذكر على سبيل سمو أهل الهمم: صلاح الدين، شب فلم يُمزح ولم يتبسم، قالوا: ما لك؟ قال: لا أمزح ولا أتبسم حتى أفتح بيت المقدس، وفتح بيت المقدس وصفَّ معه العلماء والأمراء والوزراء، وقام الخطيب شمس الدين الحلبي على المنبر، فافتتح خطبته وأشار بعد الحَمْدَله والحَوْقَلة لـ صلاح الدين، وقال: تلك المكارم لا قعبان من لبنِ وهكذا السيف لا سيف بن ذي يزن يقول: أنت السيف! أنت المنتصر بإذن الله، أنت فخر الإسلام! لا سيف بن ذي يزن الجاهلي المشرك.

السمو في إيثار الآخرين

السمو في إيثار الآخرين وهنا يأتيك السمو من أهل الجاهلية، لكن يُرشِّده الإسلام تحت مظلة التعالي عن الصغائر والترفع عن الرذائل، والرسول عليه الصلاة والسلام، يقول لابنة حاتم: {لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه}. حاتم قصة من البذل قصة من السمو قصة من الجود حاتم تهب الرياح النجدية فتلعب بالبيوت، وينضوي البخيل كالكلب في بيته؛ ويخرج حاتم، ويقول لغلامه: التمس لي ضيفاً، فإن أتيت هذه الليلة الشاتية -ليلة الجوع والفقر والجدب والقحط والسنة- إن أتيت بضيف فأنت حر وأنت طليق، ثم يقول له: أوقد فإن الليل ليل قرُّ والبرد يا غلام برد صِرُّ إذا أتى ضيف فأنت حُرُّ يقول: أمَا والذي لا يعلم الغيب غيره ويُحيي العظام البيض وهي رميمُ من هو؟ إنه الواحد الأحد. لقد كنت أطوي البطن والزاد يُشْتَهى مخافة يومٍ أن يقال: لئيم فهل طوينا بطوننا لآلاف الجائعين في أفغانستان وفلسطين وفي كشمير وفي البوسنة؟ هل اقتصدنا في نفقاتنا؟ وهذا حاتم في الجاهلية يقول: والله إني أطوي بطني وأنام جائعاً، وأترك الخبز، وأترك اللحم؛ لئلا يُقال: بخيل، وهو لا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً، فكيف بمن صلَّى الخمس، وصام الشهر، وحج البيت؟! هذه من مدرسة حاتم. يقول في أخلاقياته الشريفة التي ذكره بها صلى الله عليه وسلم: أنا من صفاتي أني لا أُسابق حتى بالبغلة، أُعلِّمها الإيثار، بغلتي لا أُقدمها تشرب الماء من الحوض قبل أصحابي، بل أعلمها الأدب، لئلا تشرب قبل بغال الناس، فقل لي عن نفسي ونفسك ونحن في دائرة الإسلام ودائرة السنة: هل آثرنا جيراننا والفقراء والمساكين؟! واسمعوها نظماً من نظم حاتم: وما أنا بالساعي بفضل لجامها لتشرب ماء القوم قبل الركائبِ ثم يقول في أدب آخر، أنثره ثم أنظمه، يقول: إذا مشيتَ مع قوم وأنت على ناقة، ومعك زميل يمشي على الأرض فاحذر! أرْكِبْه أو انزل معه، لا تركب وهو يمشي، أين الأخلاقيات؟! أين السمو؟! قال: إذا كنت رباً للقلوص فلا تدَعْ رفيقَك يمشي خلفها غير راكبِ أنخها فأركبه فإن حملتكما فذاك وإن كان العقاب فعاقبِ وأنخها: أي: الناقة. وقد جاء محمدٌ صلى الله عليه وسلم بالأخلاق ناصعة مشرقة طاهرة زكية لوجه الله، فقال في صحيح مسلم: {من كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، ومن كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له}. حدثني دكتور البارحة في مكة قال: وجدتُ أن الثراء الفاحش مع قلة الدين والفسق، إنما هو طغيان على الأمة. ثم قال: كان طالب في مكة من تشاد معه سيارة مهلهلة مفلفلة، كأنها من الحرب العالمية الأولى، ولا تساوي خمسة آلاف، وكان من حسن أدبه وسلامة صدره، يوصل إخوانه وزملاءه إلى حاراتهم بهذه السيارة، فأين أهل الشبع وأهل الغنى والثراء؟ الذين يعيشون فحشاً وظلماً وفسقاً في الضمائر، إنها القلة مع الجود، وليست الكثرة مع البخل، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول فيما يُروى عنه: {لا يُؤمن من بات شبعان وجاره جائع}. أما عروة بن الورد، وقد ذكر قصته وأبياته عالمنا وشيخنا الإمام المجدد عبد العزيز بن باز رحمه الله في كتاب القومية العربية ويضربها لنا -مثلاً- فيقول عن عروة: هذا جاهلي وأنت طالبُ حديثٍ ويُقرأ عليك صحيح البخاري وصحيح مسلم صباح مساء، فاستشْهِد بهذا وانظر إلى هذه المُثُل- فيقول عروة: أُوَزِّع جسمي في جسومٍ كثيرةٍ وأحسو قراح الماء والماءُ باردُ أتهزأ مني أن سمنتَ وأن ترى بوجهي شحوبَ الحق والحق جاحدُ يقول: أتهزأ مني لأنك سمين وأنا نحيف؟ نعم! أنا نحيف وأنت سمين، لكن -والله- طعامي يحضره سبعة وثمانية وأنت تأكل الكبسة وحدك، والكبش المُضَبَّى وحدك، فيقول: أُوَزِّع جسمي في جسومٍ كثيرةٍ وأحسو قراح الماء والماءُ باردُ صُنِعَ للربيع بن خثيم طعاماً خبيصاً، والخبيص إذا أكلته رأيت مصر، فهو شيء مذهل، معه فستقٌ وزبيبٌ وعسلٌ ولبابُ البُرِّ ولحمُ الماعزِ الفاخرِ يُقَدَّم لك في جفنة، بعد أن تجوع ثلاثة أيام، فإذا أكلت قلت: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل! قُدِّم للربيع بن خثيم العابد الزاهد وهو جائع، تكاد أضلاعه تختلف، فلما قدموا له الجفنة، وإذا بمسكين يطرق على الباب، وهذا امتحان وابتلاء من الله، إما أن يُقدمه للمسكين أو لنفسه، فقال: تفضَّل كُلْ! فقدم المسكين، فأكل أكل والي اليتيم ولاية السوء، قال: فصنع له أهله مرة ثانية خبيصاً وتعبوا، ولما قدموه ليأكل إذا بمسكين يطرق الباب، والربيع بن خثيم آية في الصدق والصلاح والطهارة والزهد، فقال: أدخلوه، فأكل، فلما أكل الثاني وقد كان أعمى، قال له أهله: والله ما يعلم هل هو خبيص أو لا؟ -أي: الأعمى- قال: لكنَّ الله سبحانه يعلم، فقالوا له: كيف؟ قال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] ثم قال: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]. يقول أحد الخطباء في العصر العباسي: إذا أعجبتك وجبة شهية، فقدمها للفقير فإنك سوف تأكلها في الجنة، ولا تأكلها أنت، فإنك سوف تُلقيها في بيت الخلاء، وهذا من فقهيات سمو الهمم.

تحدي المصاعب والانتصار على الأزمات

تحدي المصاعب والانتصار على الأزمات بعض العلماء قُيَّد كـ المظفر الأبيوردي على روايته للحديث، وصدعه بكلمة الحق، لكنه صَبَر واحتسب في ذات الله عز وجل، وعُدَّ ذلك مكسباً عظيماً، قال: تنكر لي خصمي ولم يدرِ أنني أَعُّز وأحداث الزمان تهونُ فبات يريني الخصم كيف اعتداؤه وبت أُريهِ الصبر كيف يكونُ تلوت هذين البيتين على فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، فصحح لي مساراً في البيتين، لأن فيها خطأ فقلت: تَنكَّر لي دهري ولم يدرِ أنني أعز وأحداث الزمان تهون وصدق ابن عثيمين وأنا معه، وأنسخ من الآن البيتين، وأرد كلمة (دهري) والبيتان في ديوانه، وأقول: تنكر لي خصمي ولم يدرِ أنني أعز وأحداث الزمان تهونُ فرحم الله ابن عثيمين، ورحم الله المظفر الأبيوردي الشاعر الكبير المطبق. وابن رشيد الأندلسي وعَظَ النصارى في الأندلس، فقيدوه فلطموه وجلدوه وحبسوه، فقال: إن كان عندك يا زمان بقية مما يهان بها الكرام فهاتِها يقول: بقي القتل تعال بالقتل، حيَّا الله القتل في سبيل الله {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36].

سؤال لأصحاب السمو والمعالي

سؤال لأصحاب السمو والمعالي أما السؤال الذي يُوجه لأصحاب السمو والمعالي من أهل الهمم العالية، والعُبَّاد، والزُّهَّاد، وأهل الجهاد، فهذا هو: قيل لـ ابن عباس: كيف حصلت على هذا العلم؟ قال: [[بتوسد ردائي في القيلولة، والريح تَسُفُّ على وجهي، وتهب عليه من الرمل ومن وهج الصحراء ثلاثين سنة]]. وقيل لـ عطاء -وقد ذكر هذا الذهبي -: [[كيف حصلت على هذا العلم؟ قال: بتوسدي فراشي في المسجد الحرام ثلاثين سنة]]. لا يعرف بيته ثلاثين سنة، وهو يطلب العلم. وأحدنا يدخل في الكلية سنتين أو ثلاثاً ثم يخرج وهو جاهل، ثم يرى أنه إمام الدنيا، وحافظ العصر، وخاتمة المجددين!! حتى يقول أحدهم: ودخلت فيها جاهلاً متواضعاً وخرجت منها جاهلاً دكتورا يقول: كنت في الأول جاهلاً متواضعاً، أُسلِّم على رأس أبي، وأُقبِّل كف أمي، وأجلس مع زملائي، فلما درستُ أربع سنوات، تكبرت مع جهلي فصرت جاهلاً متكبراً أحمل شهادة الدكتوراه. حتى إن أحدهم هنَّأ أحد الدكاترة وهو يمزح معه فقال: يا شيخ قد سُمِّيت دكتورا والثور يبقى وإن ألبسته ثَورا وسامحونا على هذا اللغط الخطابي، فلا بد فيه من المسيرة، وأنا أحترم هذا اللفظ خاصة بعدما أعطيناه وإلا فقد كنا نهاجمه قبل، ونقول عنه: إنه لا يصلح، ويقولون: حامض يا عنب، فلما حصلوا عليه مدحوه. وقيل للشعبي: بِمَ حصلت على هذا العلم؟ قال: بسهرٍ طَيَّر النوم من عيني، وبسهاد، وبتبكير كتبكير الغراب.

كيف تطاعن خيلا كخيل المتنبي

كيف تطاعن خيلاً كخيل المتنبي ظمة جهاد وسهاد وجلاد، دموع ودماء وأشلاء، قال المتنبي وهو على دنيا رخيصة، ليس على تكبيرة إحرام، ولا على عبادة: أطاعن خيلاً من فوارسها الدهرُ وحيداً وما قولي كذا ومعي الصبرُ؟! إلى أن يقول: فلا تحسبن المجد دُفَّاً وقَينة فما المجد إلا السيف والفَتْكة البكرُ إلى أن يقول: وتركك في الدنيا دوياً كأنما تداول سمع المرء أنمله العَشْرُ لكنَّ الموحدين لهم نظام في الأمنية غير نظام المتنبي وأبي مسلم الخرساني والحجاج قاتلهم الله، أنت أمنيتك أن تموت على (لا إله إلا الله) ولو كنت غريباً وحيداً معزولاً كما في دفتر الزبيري: خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا

لا يدرك المجد إلا بالمشقة

لا يُدْرَكُ المجد إلا بالمشقة وأنا قلت لكم لولا أنني قدمت محاضرة السمو بسلسلة القمم لأهل الهمم لأكثرتُ من الأدب؛ لكن كلا الطريقين تُوصِل بإذن الله إلى رضوان الله متى حسنت النية، يقول المتنبي: لا يدرك المجد إلا سيدٌ فطنٌ لما يشق على السادات فعَّالُ لولا المشقة ساد الناسُ كلهمُ الجود يفقر والإقدام قتاَّلُ إن طريق السمو فيه مشقة وأول السمو يبدأ عندنا بصلاة الفجر، فمن لا يحضر صلاة الفجر فليس من أهل السمو ولا المعالي ولو زُفَّت له الدنيا، وصفقت له البنود، وهتفت له الجنود، وارتفعت عليه الأعلام، وسُدِّدت أمامه السهام. أبداً أبداً تبدأ رحلتنا من صلاة الفجر، انطلاقتنا الكبرى من صلاة الفجر من تكبيرة الإحرام، من حديث جندب بن عبد الله البجلي في صحيح مسلم: {من صلَّى الفجر فهو في ذمة الله، فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه أدركه، ومن أدركه كبَّه على وجهه في النار}. مِن المحراب ننطلقُ وللخيرات نستبق مِن صلاة الفجر، مَن لا يصلي الفجر جماعة بلا عذر شرعي فلا تظنه من أهل السعادة والسمو إلا أن يشاء الله.

تحدي المصاعب في طلب العلم

تحدي المصاعب في طلب العلم هنا سمو في طلب العلم: سافر جابر بن عبد الله شهراً كاملاً بِجَمَل إلى العريش، مدينة بـ مصر، فلما وصل هناك طرق على عبد الله بن أنيس الباب، وعبد الله بن أنيس هو الذي قتل خالد بن سفيان المشرك، فأعطاه صلى الله عليه وسلم عصاً، وقال له: {توكأ بها في الجنة، فالمتوكئون بالعصي في الجنة قليل} وأُدْخِلَت عصاه معه في قبره وسوف يُبعث في العرصات وعصاته معه، يقول: لبيك اللهم لبيك، وسوف يحضر الزحام عند الصحف والميزان والصراط وعصاته معه، ويدخل بها الجنة يتوكأ بها. طرق عليه جابر بيتَه في مصر فخرج الصحابي لـ جابر بن عبد الله فسأله عن حديث الحوض؟ فأخبره، وقال: ادخل، وتفضل، حيهلاً بك وسهلاً، قال جابر: رحلتي إلى الله، والله لا أجلس أبداً وأعود، فمشى شهراً وعاد شهراً، غدوُّه شهر، ورواحُه شهر. وموسى ضرب أروع الأمثلة في طلب العلم وهو نبي معصوم يُوحى إليه {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} [الكهف:60]. يقول الزمخشري المعتزلي، لكن أنت حوِّلها إلى سُنِّية سلفية هادية، يقول: سهري لتنقيح العلوم ألذُّ لي من وصل غانية وطيب عناقِ في قصيدة ماتعة، يقول: لأن أسهر مع الأوراق ومع الكتب أحسن عندي من أن أُعانق امرأة جميلة، أو أخلو بجارية جميلة حلَّت، وإن تاقت نفسي. فالسني خلوته مع صحيح البخاري وصحيح مسلم أحسن من ملك الدنيا جميعاً. طلب شريك العلمَ أربعين سنة، قال: طلبتُ العلم والله ما كان زادي في اليوم إلا كسرة خبز، فحضر في مجلس فيه وزير عباسي، والوزير قد غاص في الركايا والكنبات والطنافس، فأتى شريك بحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال الوزير: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون:24] قال له شريك وكان سريع البديهة: من أين تسمع بهذا وأنت تأكل الخبيص، وتجلس على الطنافس، وتغنيك الجواري؟! وهذا ليس من طريق أهل المعالي. وشريك سريع البديهة! يقول لأحد خلفاء بني العباس، وقد عرَّض به الخليفة بقوله: أنت تحب علياً؟ قال: أُحبه حتى النخاع أو الدماغ أو كما قال. قال: أُوَّاه من يوم عليك، أظنك زنديقاً؛ لأن المهدي إذا أراد نسف رأس رجل، أو جعله كأنه مخلوق بلا رأس، أو إعدامه بالمقصلة، قال: أنت زنديق. قال: الزنديق له ثلاث علامات قال: ما هي؟ قال: -يترك صلاة الجماعة. -ويشرب النبيذ. -ويستمع الجواري. يقصده، قال: كأنك تعرِّض بي! أي: تلمِّح، قال: لا أُعرِّض بك بل أقصدك. هذا من فقهيات شريك رحمه الله. يقول ابن عبد البر عن نفسه: "مكثت مع كتاب التمهيد ثلاثين سنة". اسمعوا الصبر يا أهل الصبر! ثلاثون سنة مع الكتاب، يكتبه ينسخه، يشرحه، ثم يقول: سميرُ فؤادي من ثلاثين حِجة وصيقل ذهني والمفرج عن همي إلى آخر ما قال. وقد نظَمت أربعة أبيات من باب التشبه كما يفعل الكتكوت أو الفرُّوخ الصغير من الدِّيَكة، إذا سمع ديكاً كبيراً يصيح فيقلده، فسامحونا على جهدنا وطاقتنا وضعفنا، فقد قلت قصيدة أكثر من مائتي بيت، هي مذكرة للحياة اسمها: (يوم يغني الدمع) قلت: ثلاثون عاماً والكتاب مرافقي وقد صانني عن كل لهو وغفلةِ طبعاً كلكم يقرأ مثلما أقرأ، لكن الشاعر لا بد أن يقول كلاماً: ثلاثون عاماً والكتاب مرافقي وقد صانني عن كل لهو وغفلةِ ثلاثون عاماًَ والدفاتر صحبتي وأُنسي دواتي واليراع مطيتي ثلاثون عاماً كلما قلتُ قد كفى لأرتاح في داري وأحصو معيشتي أبت همتي إلا صعوداً إلى العُلا إذا انهد جسمي صار في القلب قوتي فاحسبوها مزاحاً إن شئتم، ومَن أحْسَنَ بنا الظن فليَعُدَّها جِدَّاً.

صعود أبدا وتفوق دائما

صعودٌ أبداً وتفوقٌ دائماً دُريد بن الصمة جاهلي من أهل الطائف، خرج مع أخيه عبد الله، ونصحه ألا يواجه العدو، فلمَّا حضرت المعركة اجتمع العدو على أخيه عبد الله فقتلوه، فسمع دُريد الشاعر أخاه عبد الله في النَّفَس الأخير، وهو يقول: يا دُريد، يا دُريد، يا دُريد! فتنبعث هذه الصرخات إلى دُريد وهو في آخر المعسكر، وبينه وبين أخيه سيوف ورماح، فأخذ دريد في يمينه سيفاً وفي يساره رمحاً، فشق الصفوف، ووصل إلى أخيه، وطعن عنه الخيل، وضارب الأبطال حتى جرح ثم حُمل، فإذا أخوه ميت وهو حي، فقال في قصيدةٍ وهو يبكي عند أمه يخبرها بخبره وبخبر أخيه: دعاني أخي والخيل بيني وبينه فلما دعاني لم يجدني بقعدد فطاعنتُ عنه الخيل حتى تبددت وحتى علاني حالك اللون أسود حالك اللون أسود: أي: الدم. وهذه من أرقى وأجمل القصائد، حتى أن أبا تمام جعلها في الحماسة. طعان امرئ آسى أخاه بنفسه ويعلم أن المرء ليس بمخلدِ وخفف وجدي أنني لم أقل له كذبتَ ولم أبخل بما ملكَت يدي وجدي: أي حُزني على أخي. فبكى هو وأمه حتى كادت روحه تذهب. هذه من قيم الجاهلية؛ أما قيم أهل الإسلام فإنها متمثلة في سير الصالحين رضوان الله عليهم، في سبعة أسياف تُكسَّر في يد من؟ في يد خالد بن الوليد، وفي تسعة أسياف يُطعن بها محمد بن حميد الطوسي، فيقول له أبو تمام: تردَّى ثياب الموت حُمراً فما دجا لها الليل إلا وهي من سندس خضرُ فتى كلما فاضت عيون قبيله دماً ضَحِكَت عنه الأحاديث والذكرُ أختم كلامي بقصة قصيرة في سمو الهمم عند بعض الناس: عمر بن أبي ربيعة: شاعر غزل، يظن أن الدنيا اختُصِرت في امرأة، ويظن أن العالم يقف معه، ويبكي من أجل العيون السود، يظن أن الكون بأجمعه مُوَلَّه معه بفتنة النساء، ولم يدرِ بجنات ونَهَر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر. حورٌ، وأرائكُ، ولباسٌ، ونعيمٌ، وأجلُّه النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى في دار الكرامة. وابن أبي لهب: أيضاً شاعر في صدر الإسلام. وابن عمر: من مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام. هؤلاء ثلاثة. يقول ابن عبد البر: مر الثلاثة بالشيب، وقد أمر معاوية ألا يدخل أحد إلى الحرم إلا بإذنه، والجنود حرَّاسٌ على الأبواب، عندهم أمر من الخليفة معاوية ألا يدخل أحدٌ إلى الحرم؛ لأنه يريد أن يطوف هو قبل الناس؛ لأنه خليفة وملك، فمرَّ ابن أبي ربيعة في ظلام الليل، قال الحراس: من أنت؟ قال بجواب يحوي بطاقته الشخصية في بيتين: بينما يذُكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر قال تعرفن الفتى، قُلن نعمْ قد عرفناه، وهل يخفى القمر؟! قالوا: تفضل ادخل! فدخل. فأتى ابن أبي لهب، وهو شاعر ثانٍ، فقالوا: من أنت؟ قال، وهو أسمر: وأنا الأخضر من يعرفني أخضر الجلدة من نسل العربْ من يساجلْني يساجلْ ماجداً يملأ الدلو إلى عقب القرَبْ يقول: أنا إن ترد كرماً فكرمٌ، وإن ترد لهواً فلهوٌ، وإن ترد طرباً فطربٌ، فأنا حر. فأتى ابن عمر، قيل: وإذا الناس كنَفَتَيْه كالغمامتين، وإذا هو يُسأل فيقال له: نحرتُ قبل أن أرمي، فيقول: ارم ولا حرج، ويقال: حلقتُ قبل أن أنحر، فيقول: انحر ولا حرج، والناس يسألونه، قال معاوية: هذا -والله- هو الملك لا ملكي، اتركوه يمر، فمرَّ ابن عمر. فهذه مدرسة محمدية سنية سلفية هادية، تعتمد على (قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام) وتلك مدرسة لاغية لاهية، تعتمد على أدب المسرح، والفن، والهيام والغرام، والقنوات، والأغنيات، والآهات والزفرات، وكل شيء يضيع عن الآيات البينات والأحاديث الثابتات. ربنا اسلك بنا طريق محمد. ربنا اهدنا لسبيل الخلفاء الراشدين. ربنا احشرنا مع الصادقين. ربنا اجعلنا مع الخالدين. ربنا نريد جوارك. ربنا ارحمنا. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} [آل عمران:147]. أخطأنا أسأنا تجاوزنا؛ لكنك رحيم، لكنك كريم، لكنك عفو، لكنك منان، لكنك رحمان، لكنك ديَّان، فعفواً منك يا ألله، ورحماك يا رب. اللهم أكرم هذه الوجوه برحمةٍ منك، ومغفرةٍ منك، ونوائل طيبةٍ منك. لكل وافد ضيافة، ولكل زائر رَفادة، ضيافتنا منك يا رب غفرانك، ورفادتنا رضوانك، وأنت الرحمان. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

من أعذب الشعر

من أعذب الشعر بعد حديث مقتضب عن قوله تعالى: (والشعراء يتبعهم الغاوون) يذكر الشيخ بعض الفوائد للشعر، وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يتقن صنعته ولا إنشاده. وتتنوع المختارات الشعرية في هذه المادة في الموضوع والزمان؛ فهي تشمل المدح والوصف والرثاء وغير ذلك من الأغراض الشعرية، كما أنها منتقاة من مختلف العصور، في الجاهلية، وفي الإسلام، وفي عصر الدولة الأموية والعباسية، وفي العصر الحديث.

أهمية الشعر

أهمية الشعر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. هذه المحاضرة بعنوان "من أعذب الشعر" في (10/ 3/1411هـ) مساء السبت في مدينة أبها. أرجو من أصحاب التسجيلات، أن يراعوا أرقام المحاضرات، لأن معرفة التسلسل ينفع السامع، فهذه المحاضرة تأخذ رقم (301) في المحاضرات. إن الله سبحانه وتعالى ذكر الشعراء في القرآن، فقال سبحانه وتعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:224 - 227]. لما أنزل الله عز وجل هذه الآيات، أتى حسان بن ثابت وابن رواحة وأمثالهم من الصحابة الشعراء يبكون عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: مالكم؟ قالوا: يا رسول الله! ربنا يقول: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء:224] ونحن شعراء، فأنزل الله عز وجل قوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227]. وأسباب هذه المحاضرة ثلاثة: الأمر الأول: ينبغي للواعظ والخطيب وطالب العلم أن يكون عنده أبيات يتمثل بها، والشعر فيه كمال وارتياح، وفيه حكمة، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة}. الأمر الثاني: الشعر ترويح عن النفوس، فإن المحاضرات إذا كانت كلها جدية وكلها صارمة؛ ملت النفوس، فلا بد من التنويع خوف الملل والسأم. الأمر الثالث: حتى يكون هذا الشريط لمن أراد أن يحفظ بعض الأبيات، فإنكم سوف تسمعون أكثر من مائة بيت في هذه الليلة إن شاء الله، تكون للخطيب والواعظ والمعلم والمربي على طرف لسانه، فقد كان عليه الصلاة والسلام يستشهد أحياناً بالأبيات. نعم. لم يكن صلى الله عليه وسلم شاعراً، والله يقول: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69] ولماذا؟ لأنه لو كان ينظم الشعر لقالت سادات قريش: إنه نظم القرآن شعراً، لقد قالوا: هو الذي افترى القرآن، جل كتاب الله عن الافتراء، كما حكى عنهم ربنا في كتابه فقال: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:5] فكيف لو كان ينظم الشعر؟! وكذلك كان إذا استشهد بالأبيات أحياناً يكسرها، ولا يأتي بها مستقيمة صلى الله عليه وسلم، مع أنه أفصح الناس، فقد ذكر أنه صلى الله عليه وسلم قسم بعض الغنائم بين شيوخ ورؤساء العرب، فأعطى عيينة بن حصن سيد غطفان مائة ناقة، وأعطى سيد بني تميم مائة ناقة، وأعطى عباس بن مرداس خمسين ناقة، وهو شيخ مثل المشايخ، ولكن لماذا أنقصه خمسين ناقة، لأنه انتهى العدد عند النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد هذا الرجل في نفسه، فعمل أبياتاً وقال: أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع العبيد: يقصد فرسه لأن فرسه اسمه العبيد. وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع. يقول: لماذا أعطيتني أقل منهم وأبوهم ما كان يفوق أبي في المجامع العامة؟ فتبسم عليه الصلاة والسلام وجعل يردد الأبيات ويقول: أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة، والبيت: بين عيينة والأقرع حتى يستقيم، فتبسم أبو بكر وكان رجلاً أديباً فصيحاً، وقال: صدق الله حيث قال: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69]. وما كان يحفظ الأبيات، إذ هو لا يكتب ولا يقرأ ولا يخط حرفاً، وكان في صدره مع ذلك كل القرآن، يقول سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} [الجمعة:2] ما كان يعرف أن يكتب حتى محمد بن عبد الله، وإذا قلت له: اكتب (باسم الله) لا يعرف، وقد أتى بهذه الحكمة وهذه الشريعة وهذا الدستور وهذا الحديث كله صلى الله عليه وسلم، ولم يسقط حرفاً من القرآن، ومع ذلك ما كان يحفظ الشعر.

قصيدة حسان في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام

قصيدة حسان في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام حسان بن ثابت توعد المشركين بقصيدة رنانة طنانة قوية ساحقة، توعدهم قبل غزوة الفتح، يقول حسان في قصيدته البديعة جمل الله حياته، وقد فعل وبيض الله وجهه، يقول: عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء وكداء: جبل في مكة، يقول: اللهم لا تجعل خيلنا تعود علينا إذا لم تنثر الغبار على رءوس المشركين. تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء ثم التفت إلى أبي سفيان وقال: أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء وقد كان جزاؤه الجنة. وكان عليه الصلاة والسلام يقرب المنبر لـ حسان في المسجد، ويقول: {اهجهم وروح القدس معك} يقول: اهجُ المشركين ومعك جبريل يؤيدك، فكان حسان لا يحضر القصائد في البيت، ولا يتذكر، وإنما يجلس على المنبر، فيأتيه الشعر مثل السيل، فلما قال قصيدته القوية ضد المشركين، أتى بعد سنة ففتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، وأسقطها في يديه من أربعة أماكن، خالد بن الوليد من جهة، والزبير من جهة، وسعد بن عبادة من جهة، والرسول صلى الله عليه وسلم من جهة، وإذا بخيل خالد تدخل وتخترق مكة، وتخرج النساء مثل الصورة التي ذكرها حسان في الأبيات: تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء فخرجت نساء مكة، يضربن الخيول بالأقنعة والخمر فتبسم صلى الله عليه وسلم لما رأى هذا الحادث فيقول لـ أبي بكر وهو حوله: كيف يقول حسان؟ قال: يقول يا رسول الله: تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء قال: صدق.

دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لابن رواحة

دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لابن رواحة وأتى عبد الله بن رواحة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يا رسول الله اسمع مني أبياتاً قلتها فيك، قال: قل، قال: فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا قال: وإياك فثبت}. يقول: أسأل الله أن يثبت ما آتاك من حسن مثلما ثبت موسى عليه السلام، ونصرك مثلما نصر موسى، قال صلى الله عليه وسلم: {وإياك فثبت} فثبته الله حتى مات شهيداً.

الرسول صلى الله عليه وسلم والنابغة الجعدي

الرسول صلى الله عليه وسلم والنابغة الجعدي ثم استقبل عليه الصلاة والسلام قبائل العرب، فدخل النابغة الجعدي وكنيته أبو ليلى، وجلس عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الثمانين من عمره، فقال: يا رسول الله عندي أبيات نظمتها فيك، قال: قل. إن الرسول صلى الله عليه وسلم واسع الصدر حليم، بعض الناس تجده ضيقاً لا يسمع الدعابة، ولا يسمع القصائد، ولا يسمع سوالف الناس، ولا قصص الناس، ولكن هذا البحر الحليم الذي بعثه الله رحمة للناس يسمع أخبار الناس، لأن الإنسان يتأثر؛ ولذلك الدعوة تستمع للناس ولأخبارهم وقصصهم وأعلامهم، وهذا من اللطائف، يقول جابر بن سمرة: كان عليه الصلاة والسلام يجلس معنا بعد الفجر في المسجد، فنتحدث في أخبار الجاهلية، فيستمع، ونضحك ويتبسم، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أن الناس إذا تحدثوا في الدنيا تحدث معهم، وإذا تحدثوا في المال تحدث معهم، حتى تأتي الغيبة فيسكت ويأمر الناس بالسكوت، وهذا هو أدبه صلى الله عليه وسلم، قال النابغة: قلت يا رسول الله أبياتاً، قال: قل، قال: تذكرت والذكرى تهيج على الفتى ومن عادة المحزون أن يتذكرا قال: هيه -أي زد-. قال: فلما قرعنا النبع بالنبع لم تكن على البعد في عيدانه أن تكسرا يمدح قومه، ثم يقول: سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا وننكر يوم الروع ألوان خيلنا من الضرب حتى نحسب الجو أشقرا يقول: يوم الهول نضارب الأعداء حتى تتلطخ خيولنا بالدم، حتى نظن أن الجون -وهو الأبيض- أحمر، ثم يقول في قومه: بلغنا السما جوداً ومجداً وسؤددا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا يقول: يا رسول الله أنا وقومي بلغنا السماء من الكرم، وعسانا نبلغ فوق السماء، فتبسم صلى الله عليه وسلم وضحك وقال: {أين المظهر يا أبا ليلى؟! قال: إلى الجنة يا رسول الله، قال: لا يفضض الله فاك} والجنة فوق السماء، وسقفها عرش الرحمن، وعسى الله أن يدخلنا وإياكم الجنة. ومعنى (لا يفضض الله فاك) أبقى الله أسنانك، وهذه دعوة تقال للشاعر إذا أجاد، فبقي مائة وعشرين سنة ما سقط له ضرس ولا سن، بدعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

حديث عمرو بن الشريد

حديث عمرو بن الشريد وعند مسلم في صحيحه عن عمرو بن الشريد قال: ركبت خلف الرسول صلى الله عليه وسلم على بغلته ردفه وراءه مباشرة، يلاصق جسمي جسمه، فلما مشى قليلاً -انظر من هو هذا الراكب رسول الهدى صلى الله عليه وسلم معلم البشر سيد الخلق شفيع الناس يوم القيامة الذي ما خلق الله أطهر منه- قال لي: يا عمرو تحفظ لـ أمية بن أبي الصلت شعراً؟ وأمية بن أبي الصلت من أهل الطائف مات كافراً، آمن شعره وكفر قلبه، لأنه كان يرجو أن ينزل الله عليه النبوة، فلما جعل الله النبوة في الرسول صلى الله عليه وسلم حسده وكذب دعوته ومات كافراً، قال: تحفظ له شعراً؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: هيه، أنشدني، قال: فأنشدته بيتاً فقال: هيه، فزدته بيتاً، فقال: هيه، فزدته؛ قال: حتى أنشدته مائة بيت.

الشعر وأثره

الشعر وأثره فالشعر الجميل لا بأس أن ينشد ويستشهد به، فإنه يدعو الكريم إلى الكرم، ويحجز البخيل عن البخل، ويدعو الذليل أو الجبان إلى أن يعود إلى المعركة، يقول معاوية بن أبي سفيان: [[والله لقد كدت أفر يوم صفين ما حبستني إلا بعض الأبيات]] التقى هو وعلي بن أبي طالب يوم صفين، وفارس الصف الأيمن علي بن أبي طالب، وفارس الصف الأيسر علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وأرضاهم، وجمعنا بهم في الجنة، فلما التقوا خرج علي رضي الله عنه، -وأنتم تعرفون من هو علي بن أبي طالب - خرج بالسيف، وخلع درعه من على جنبه وقال: من يبارز؟! وهذه هي علامة الشجاعة أقصى الشجاعة، إذا خلع البطل درعه فليس هناك أشجع منه، فهابه الناس كان أهل الشام ثمانين ألفاً ما استطاع أحد أن يبارزه، قال: من يبارز؟ قال الناس لـ معاوية: نسألك بالله أن تبارزه، قال: لا أستطيع، كأنه يقول: لو كان غيره لبارزته، لكن من يبارز أبا الحسن؟! قال: معاوية: يا عمرو بن العاص، قم بارزه، قال: أبارز علياً؟! قال: عزمت عليك أن تبارزه، والمبارزة هي المصارعة قبل المعركة أمام الناس، فقام عمرو بن العاص فلما رأى علي بن أبي طالب ألقى سيفه في الأرض، وقال: مكره أخاك لا بطل، وهو أول من قال هذا المثل، كأنه يقول: ما جئت نداً لك ولا قرناً، ولكن أكرهوني حتى أخرج، فتبسم علي ورجع، فلما بدأت المعركة انهزم معاوية في أول اليوم وفر ببغلته، فلما أصبح وحده في الصحراء تذكر أبياتاً لـ ابن الإطنابة الحجازي يقول: أبت لي عفتي وأبى بلائي وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإقحامي على المكروه نفسي وضربي هامة البطل المشيح وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي قال: فتذكرت هذه الأبيات، فرجعت إلى المعركة، وتم ما تم. فالمقصود أن الشعر له تأثير، وأنا سوف أختار لكم ما يسهل الله عز وجل، وقد روى أهل التفسير أن عمر رضي وأرضاه ولى أحد الصحابة، واسمه النعمان بن عدي بن نضلة ولاه في ميسان قريباً من البصرة، قال: أنت أمير عليها فاذهب، فذهب، وعمر كان يتفقد أمراءه وولاته، وكان يرسل عيونه، وينظر هل يغدرون هل يخونون، هل يظلمون، وكان يحاسبهم يوم عرفات يوم الحج الأكبر، يجمع الحجاج ويأتي بالأمراء، ويقول: يا أهل العراق ماذا ترون في أميركم؟ والدرة في يد عمر، المحاسبة والجلد، إن جلدوا أناساً جلدهم، وإن أخذوا الأموال ردها، حتى جاء رجل مصري من ضمن الناس قال: يا أمير المؤمنين! أشكو إليك ابن أميرك في مصر، محمد بن عمرو بن العاص، وكان أمير مصر عمرو بن العاص، قال: ماذا فعل؟ قال: سابقته بفرسي وهو على فرسه، فسبقته، فضربني وقال: أتسبقني وأنا ابن الأكرمين؟! قال عمر: أوَّه! كأنه يقول: من أجل أن فرسك سبق فرسه يضربك، علي به، فأتو به وقال له: قف هنا فوقف، وأتى بـ عمرو بن العاص ثم قال للصحابة والذي لا إله إلا هو لا يحول بيني وبينهم أحد. وإذا حلف عمر حلف. حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقماتٍ قوله قيل فأخذ العصا، ثم أخذ عمرو بن العاص وقال: [[متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!]] ثم دعا بابنه وقال: تعال يا بن الأكرمين، وأمر المصري أن يضربه، ثم قال للمصري: هل رضيت؟ قال: نعم رضيت يا أمير المؤمنين. فأرسل عمر هذا الأمير، واسمه النعمان بن عدي بن نضلة، فذهب إلى القرية، وسمر ليلة من الليالي، وهو رجل صالح ولكن فلتت منه أبيات، وما كان يدري أن هذه الأبيات سوف تبلغ عمر في المدينة ويحاسبه، يقول هو وهو يريد أن يروح عن نفسه، يقول: فمن مبلغ الحسناء أن حليلها بـ ميسان يسقى في زجاج وحنتم لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم والحسناء زوجته، وكانت في المدينة، يقول: من يخبر زوجتي أني أشرب الخمر في الحنتم، وقد أصبحت أميراً، وبعد أن كنت أشرب اللبن والماء، منَّ الله علي بالإمارة، حتى أصبحت أشرب في الزجاج الخمر. قد قال هكذا، وهو لم يفعل: ثم قال: لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم يقول: ربما لو بلغت هذه الأبيات عمر، لغضب علينا، حين نتنادم في الجوسق أي في الخيمة المتهدمة الأطراف ونسمر، وفي الصباح بلغت الأبيات عمر، وقيل بعد أيام، فقال عمر: علي به، فوفد، قال عمر وقد أخذ العصا، من الذي يقول: فمن مبلغ الحسناء أن حليلها بـ ميسان يسقى في زجاج وحنتم لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم قال: أنا يا أمير المؤمنين، قال عمر: والله لقد ساءني، فكيف تقول هذا؟! عليك الحد، والحد ثمانون جلدة لمن يشرب الخمر، قال: يا أمير المؤمنين والله ما شربتها، ووالله لا تدخل لي بطناً، وأسأل الله أن يقتلني شهيداً، ولكن الله يقول: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:224 - 226] قال عمر: أما هذه فقد أسقطت الحد عنك -أي بهذه الآية أسقطت الحد- ولكن والله لا تلي لي إمرة بعدها أبداً، فعزله فذهب فقتل في تستر شهيداً في سبيل الله.

أبو بكر ينشد شعرا في سقيفة بني ساعدة

أبو بكر ينشد شعراً في سقيفة بني ساعدة اجتمع الأنصار في مجلس في سقيفة بني ساعدة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما اجتمع الأوس والخزرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدفن، ويظنون أن الخلافة في الأنصار، لأنهم هم الذين نصروا الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما الخلافة لا تكون إلا في قريش، ولو تأخر أبو بكر وعمر ساعة، لكانوا ولَّوا خليفة منهم، وانتهى القرار بالإجماع على الخليفة، ثم ضاع الأمر وتقاتلت الأمة، فأتى عمر قال: يا خليفة رسول الله أدرك الأنصار في سقيفة بني ساعدة يجتمعون، فذهب أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فدخلوا عليهم، وهم مجتمعون، فحاول عمر أن يتكلم فما سمعوا، فقام أبو بكر يتكلم، وكان فصيحاً نسيباً لين القول، فقال: آويتمونا، ونصرتمونا، وأكرمتمونا، وواسيتمونا، والله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال طفيل الغنوي في قبيلة بني جعفر -وهو يستشهد بأبيات عل الله أن يهديهم، وانظر ما أحسن الأبيات-: جزى الله عنا جعفراً حيث أشرفت بنا نعلنا في الشارفين فزلت هم خلطونا بالنفوس وألجئوا إلى غرفات أدفأت وأظلت أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي الذي يلقون منا لملت فلما سمعوا الأبيات دعوا لـ أبي بكر واستمعوا كلامه، ثم بايعوه بالخلافة. القول اللين، يقول عمر: يعجبني من الرجل أن يقدم أبياتاً بين يدي حاجته، ولذلك فإن الشحاذين الآن عند السلاطين إذا أراد أحدهم شيئاً من الدنيا ينظم ستين بيتاً، أنت يا بركة العصر، ويا فاتح الدنيا، فيعطيه، وأهل الحق أولى، ولهذا لما أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون قال لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] والشعر هذا سحر، يقلب المعايير، أحياناً يجعل الظالم مظلوماً والمظلوم ظالماً، بسبب الأبيات والبيان والشعر.

المتنبي مع سيف الدولة

المتنبي مع سيف الدولة وعلى ذكر الأحداث التي نجري فيها الآن، والتهيؤ للجهاد في سبيل الله، وأحداث هذه المنطقة أذكر لكم بعض الأبيات، يقولون: سيف الدولة بن حمدان بطل من أبطال المسلمين، كان في حلب، قاتل الروم ما يقارب ستين معركة ودائماً ينتصر، وهذا الذي يقول فيه المتنبي: وقفت وما في الموت شكٌ لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم يقول: سبحان الله، والله كأن الموت نائم، وكأنك في جفنه، لأنك شجاع، وأول من يموت الجبان، ولذلك لو بدأت المعركة لمات كثير من الناس بسقطات قلبية، وحملوا إلى المستشفيات، وبعضهم يفر وبينه وبين المعركة ألف ميل {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة:52] فالجبناء يموتون؛ يقول أبو بكر الصديق لـ خالد: [[اطلب الموت توهب لك الحياة]] يقول: دائماً حاول أن تلقي بنفسك في المعارك فلن تموت، بل توهب لك الحياة، خالد بن الوليد خاض مائة معركة وما قتل، مات على فراشه، يقول: يا ليتني مت شهيداً! والله ما في جسمي موطن شبر إلا فيه طعنة برمح، أو ضربة بسيف، أو رمية بسهم في سبيل الله: تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها يقول المتنبي في هذا البطل المسلم: وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم يقول: تتبسم في المعركة والأبطال أسارى أمامك وأنت تتبسم، ثم يقول: نثرتهم فوق الأحيدب نثرة كما نثرت فوق العروس الدراهم يقول: نثرت الأبطال فوق الصحراء مثلما تنثر الدراهم على العروس، فدعا المتنبي وقال: نريد أن نخرج لغزوة، فأخذ فرسه وقال: أصرف نفسي كما أشتهي وأملكها والقنا أحمر أتاني رسولك مستعجلاً فلباه شعري الذي أذخر ولو كان يوم وغى قاتماً للباه سيفي والأشقر اسمع إلى الأبيات يقول: أصرف نفسي كما أشتهي، أي: أنا أصرف نفسي مرة في الرخاء ومرة في الشدة، وأملكها والقنا أحمر، السيوف تقطر من الدم، ولا أفر في المعركة. أتاني رسولك مستعجلا: أتاني رسولك يدعوني إلى القتال معك، فلباه أولاً شعري الذي أذخر (ولو كان يوم وغى قاتماً) أي يوم معركة (للباه سيفي والأشقر) السيف والفرس.

قصيدة لتحريض اليمنيين على قتال بريطانيا

قصيدة لتحريض اليمنيين على قتال بريطانيا ر جميل، وهو يحيي الأمة، مثلاً: اليمن هذا الشعب المسلم هاجمته بريطانيا قبل سنوات، وهاجمته من عدن، وتريد احتلال اليمن، وقد ذكرت هذا، ولكن أعيده اليوم لهذه الأحداث، فدخلت الدبابات، وأتت بالطائرات ترشق هذه المدن المسلمة، وتضرب صنعاء، فأتى أحد العلماء وقال لخطيب الجامع في صنعاء: أريد منك خطبة هذا اليوم، وقد أعددت قصيدة ألقيها على الناس، قال: اخطب أنت، فجعل الخطبة كلها قصيدة طنانة رنانة رائعة، يقول فيها يخاطب اليمنيين كي يقاتلوا بريطانيا واسمع، وكانت الطائرات في أثناء الخطبة ترمي القصور وترمي الشوارع، يقول: يا بريطانيا رويدا رويدا إن بطش الإله كان شديدا وانظر إلى الصلة مع الله والاتصال به {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160]: يا بريطانيا رويدا رويدا إن بطش الإله كان شديدا إن بطش الإله أهلك فرعون وعادا من قبلكم وثمودا لا تظنوا هدم المدائن يوهي عزمنا أو يلين بأساً صلودا لا تحسبوا إذا هدمتم المدائن أننا نموت: إن تبيدوا من البيوت بطيا راتكم ما غدا لدينا مشيدا فلنا في الجبال تلك بيوت صنعتها أجدادنا لن تبيدا فالنزال النزال إن كنتم ممن لدى الحرب لا يخاف البنودا يقول للطيارين: إن كنتم رجالاً وشجعاناً، فانزلوا لنا في الأرض، لأن في المثل العربي: مر ذئب من سكة، وتيس على سطح البيت، فأخذ التيس يتوعد الذئب، ويقول: إما أن تتأدب وإلا نزلت إليك، فيقول الذئب للتيس: والله ما أعانتك شجاعتك فأنا أعرفك، ولكن مكانك هو الذي شجعك، لأنك عالٍ وأنا في الشارع، ولذلك بعض الناس إذا تربع على الكرسي أصبح شجاعاً، وإذا كنت أنت وهو متجردين في الساحة كان جباناً، يقول أحدهم: سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار فالمقصود يقول هذا الشاعر اليمني انزلوا من الطائرات، لأنا نحن ما نعرف نصعد الطائرات ولكن نعرف كيف نقاتل في الأرض: لتروا من يبيت منا ومنكم موثقا عند خصمه مصفودا ما خضعنا للترك مع قربهم في الدين منا فكيف نرضى البعيدا فـ تركيا الدولة العثمانية حكمت البلاد إلا اليمن: وهم في الأنام أشجع جيش فاسألوهم هل صادفونا فهودا أفترجو إنجلترا في بلاد الله تباً لسعيها أن نبيدا واسمع إلى النداء الخالد، كأنه نداء إلى الجنة: يا بني قومنا سراعاً إلى الله فقد فاز من يموت شهيدا سارعوا سارعوا إلى جنة قد فاز من جاءها شهيداً سعيدا والبسوا حلة من الكفن الغا لي وبيعوا الحياة بيعاً مجيدا بعد قصيدته هذه، خرج ما يقارب مائة ألف مقاتل، وسحقوا قوات بريطانيا ولم تدخل اليمن، وهكذا تكون الأمة إذا اعتصمت بالله عز وجل، وإنما ذكرت هذا بمناسبة الأحداث، لكن مقصودي أن أختار لكم مقطوعات جميلة.

في مدح علي بن موسى

في مدح علي بن موسى علي الرضا بن موسى من أولاد أولاد علي بن أبي طالب، كان ولي العهد للمأمون في الدولة العباسية، وكان رجلاً فيه خير كثير، وكان رجلاً رئيسا سلطاناً مطاعاً، فقيل للحسن بن هانئ أحد الشعراء، مدحت الوزراء كلهم إلا ابن علي بن أبي طالب، وهو الذي يستحق المدح، فقال فيه مقطوعة، يقولون: هي من أمدح ما قيل، يقول الشاعر: قيل لي أنت واحد الناس في كل كلام من المقال بديهي لك في جوهر الكلام بديع يثمر الدر في يدي مشتريه فعلام تركت مدح ابن موسى بالخصال التي تجمعن فيه قلت لا أهتدي لمدح إمام كان جبريل صاحباً لأبيه هل سمعتم بأحسن من هذا، يقول أنا أعرف مدح الناس من مثلي وأشكالي، أما أنت فلا أستطيع، أنت أبوك صاحب جبريل، يعني الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: قلت لا أهتدي لمدح إمام كان جبريل صاحباً لأبيه والشاعر قد قال في القصيدة: قلت لا أهتدي لمدح إمام كان جبريل (خادماً) لأبيه وقد قال الذهبي: ما كان جبريل خادماً؛ بل كان صاحباً ومعلماً، ولذلك عدلتها.

الحياة الذميمة عند المعري

الحياة الذميمة عند المعري تعرفون أنه في آخر الزمان يتكلم الرويبضة، وهو الذي لم يكن له قدر في الناس، أي يسود غير المسود، ويوسد الأمر إلى غير أهله، وقد جاء أبو العلاء المعري بأبيات يتكلم فيها عن هذا، يوم يقدم اللئيم، ويؤخر الكريم، ويصعد الذنب إلى الرأس، ويتأخر الرأس إلى الذنب، وهذا في الناس اليوم موجود، وهو من علامات الساعة، حتى تجد البيوت في القبائل المعروفة بالكرم والسماحة والندى والمجد، أصبحت الآن متأخرة، وتجد الرويبضة، والذين ليس لهم أثر، أصبحوا الآن يتكلمون ويشار إليهم، يقول أبو العلاء عن هذا: إذا عير الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهاهة باقل وقال السهى للشمس أنت كسيفة وقال الدجى للبدر وجهك حائل فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل أشرح الأبيات: حاتم الطائي أكرم العرب، ومادر أبخل العرب، يقولون: كان مادر هذا من بخله إذا أراد أن يحتلب شاة يمصها من ثديها حتى لا يسمع الناس صوت الثدي في الإناء فيأتون، فـ مادر هذا يسب حاتم الطائي بالبخل كما يقول أبو العلاء: إذا عير الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهاهة باقل قس بن ساعدة أخطب العرب، وعير قساً بالفهاهة باقل، وباقل أعيا العرب لا يتكلم، يقولون: كانت أمه تلقنه اسمه في أول النهار فينساه مع الظهر، فتخليوا باقلاً يسب قساً ويقول: ما كان فصيحاً، فهل أنت يا باقل فصيح؟! يقولون: إنه من حمقه كان فيه قلادة وضعتها أمه عليه حتى لا يختلط بالصبية، تعرفه إذا خرج الشارع فتأتي به، فأتى أخوه في الليل، فأخذ القلادة فلبسها، فأتى في الصباح، فقال: يا أخي أنت أنا فمن أنا؟! (وقال السها للشمس أنت كسيفة) يقول الليل للشمس: أنت كسيفة، (وقال السهى) وهو نجم خافت (للبدر وجهك حائل). فيا موت زر إن الحياة ذميمةٌ ويا نفس جدي إن دهرك هازل

نموذج على محبة الخلفاء للشعر

نموذج على محبة الخلفاء للشعر كان الخلفاء يحبون الشعر ويتذوقون الشعر، وكان الناس خطباء، وكان خلفاء الأمة خطباء وعلماء، يتذوقون هذا الأدب. خرج أبو جعفر المنصور هذا الملك الجبار، ملك جبار، يقول فيه الإمام أحمد: رحم الله ابن أبي ذئب قال كلمة حق عند أبي جعفر، وأبو جعفر أبو جعفر! كأنه يقول: من يستطيع أن يقول كلمة الحق عند هذا الجبار؟! قتل من الملوك أكثر من ثلاثين، وقتل الوزراء وقتل أعمامه الذين هم إخوان أبيه، ولذلك دخل عليه ابن أبي ذئب، قال أبو جعفر: أسألك بالله يا ابن أبي ذئب، أنا عادل؟ قال: اعفني يا أمير المؤمنين، أي سامحني هذه المرة، قال: لا والله، قال: أسألك بالله أنا عادل؟ قال: والذي لا إله إلا هو إنك ظالم، ثم خرج. ودخل عليه ابن السماك الواعظ، فقال: ناولني الدواة، أي دواة الحبر، يقول أبو جعفر لـ ابن السماك: ناولني، قال: لا أناولك، إن كنت تكتب ظلماً أشترك معك في الظلم، وإن كنت تكتب حقاً فلست بخادم لك، فأراد أن يستهزئ به، فوقع ذباب على أنف أبي جعفر، ففعل بالذباب هكذا، فاختفى ثم عاد، قال: يا ابن السماك لماذا خلق الله الذباب؟ يعني: ما الفائدة من الذباب؟ هل منه فائدة؟ هل يحلب أو يذبح أو يؤكل أو يطبخ؟ ما الفائدة من الذباب؟ قال: يا أمير المؤمنين! خلق الله الذباب ليذل به أنوف الطغاة. فهو لا يقع إلا على أنف الطاغية، قالوا: فخجل أبو جعفر واحمر وجهه. وخرج مع الشعراء، فقال: من يكمل لي بيتاً أعطيه بردة الرسول صلى الله عليه وسلم التي علي، وبردة الرسول صلى الله عليه وسلم تشترى بالدماء لا يلبسها إلا الخلفاء، قال الشعراء: ما هو البيت؟ قال: وهاجرة وقفت بها قلوصي يقطع حرها ظهر المطايا معنى البيت: يقول: هاجرة -شدة حر- وقفت بها ناقتي، وحرها يقطع ظهور الإبل، فقام الشعراء على ركبهم أيهم يسبق لأخذ الجائزة، فقال بشار بن برد الشاعر العجيب قال: وقفت بها القلوص ففاض دمعي على خدي وأبصر واعظايا فرمى بالبردة عليه، فاشتراها الناس منه، وبشار هذا كان أعمى، وهو الذي يقول: يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا يا ليتني كنت تفاحاً مثلجة أو كنت من ثمر الريحان ريحاناً وهو الذي يقول: إن في بردي جسماً ناحلاً لو توكأت عليه لانهدم فأتاه رجل فوجده كالثور من ضخامة جسمه، فقال: أنت الذي تقول: إن في بردي جسماً ناحلاً لو توكأت عليه لانهدم قال أما يقول الله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:224 - 226].

نماذج مختارة من شعر العصر

نماذج مختارة من شعر العصر في اليمن الآن شاعر ما زال حياً، وعمره يقارب سبعين سنة، اسمه البردوني من أشعر الناس، وأظن أنه ليس في الأرض أشعر منه في الأحياء، لكن أعمى الله قلبه وبصره، فهو بعثي أعمى، (حشفاً وسوء كيلة) نظم قصيدة في الرسول صلى الله عليه وسلم من أعجب ما سمعت في حياتي، يقول من ضمن أبياتها: بشرى من الغيب ألقت في فم الغار وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرار بشرى النبوة طافت كالشذا سحراً وأعلنت في الدنا ميلاد أنوارِ نحن اليمانين يا طه تطير بنا إلى روابي العلا أرواح أنصار أنا ابن أنصارك الغر الألى سحقوا جيش الطغاة بجيش منك جرار إذا تذكرت عماراً وسيرته فافخر بنا إننا أحفاد عمار هي طويلة ما يقارب ثمانين بيتاً، لكنها بديعة، وقد عارضتها بأبيات ما يقارب أربعين منها أبيات منها قلت في قصيدة: صوت من الغور أم نور من الغار أم ومضة الفكر أم تاريخ أسرار يا عيد عمري ويا فجري ويا أملي ويا محبة أوطار وأعمار تطوي الدياجير مثل الفجر في ألق تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبارِ فما لقومي بلا وعي قد انتكسوا أصغوا لصيحات عربيد وخمار يبيع ذمته المعهود في وثنٍ والدين ينهار منه في شفا هار لو بيع في السوق ما حازوا له ثمناً ولو شروه لكان الغبن للشاري شادوا الدنانير هالات مزخرفة جماعها لا يساوي ربع دينار نزار قباني: تسمعون عنه، وأنصحكم ألا تقرءوا له، ومن اضطر منكم أن يقرأ له، فليتعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق ثلاث مرات، ويتوضأ، وهو رجل شاعر، لكن إبليس ركبه، وعليه شيطان، ونسأل الله أن يريحنا منه، وله أبيات جميلة لا ننكر جمالها، يقول: دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربا أدمت سياط حزيران ظهورهم فقبلوها وباسوا كف من ضربا وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا متى البنادق كانت تسكن الكتبا يقول: هؤلاء العرب ما عندهم إلا حزيران، درسوا القومية العربية، وليس للقوميين إلا نكسات مع جولدا مائير وموشي ديان، أما بدر وحطين وأحد واليرموك وعين جالوت، فهي معارك الإسلام الخالدة، ومعارك لا إله إلا الله، يوم اتصلنا بالله، يوم كنا عباداً لله، لكن هؤلاء لما خرقوا منهج الله وكتاب الله عز وجل، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، هزمتهم امرأة عجوز، اسمها جولدا مائير، وطاردتهم من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، كل مرة تضرب في جهة، حتى يقول موشي ديان: من أراد أن ينتصر فليحارب العرب. قلنا: حاربت عرباً ولم تحارب أناساً يحملون لا إله إلا الله، لو كان خالد وصلاح الدين أحياءً، لما قلت هذا الكلام. ويقول: نزار قباني في قصيدة له يرثي جمالاً، وهو مجرم يرثي مجرماً، يقول: زمانك بستان وروضك أخضر وذكراك عصفور من القلب ينفر نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقصر وليمون يافا يابس في أصوله وهل شجر في قبضة الظلم يثمر ثم يقول: رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر وانظر إلى جمال الأبيات: رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ ثم يقول: تناديك من شوق مآذن مكة وتبكيك بدر يا حبيب وخيبر تعال إلينا فالمروءات أقفرت وموطن آبائي زجاج مكسر يطاردنا بالموت ألف خليفة ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصر

أثر الشعر في نفس الحجاج

أثر الشعر في نفس الحجاج استدعى الحجاج بن يوسف -وتعرفون من هو الحجاج - شاعراً من العرب، وكان هذا الشاعر من اليمامة، لكنه قال أبياتاً يسب فيها الحجاج، فسمعها الحجاج، وقال: والله لأقتلنه، وقتل الرجال عند الحجاج مثل ذبح الدجاج، وما للرجال ميزان عنده، فأركبوا هذا الشاعر المسكين، وقيدوه على الجمل، وقالوا له: ما عليك بأس، وكأنهم يقولون: الحجاج رجل رحيم وحليم، ولا تخف، قال: والله أعرف، ثم بكى ونظر إلى شجرتين في اليمامة وقال: لقدماً شاقني فازددت شوقاً بكاء حمامتين تجاوبان كان قد ترك أطفاله وزوجه في اليمامة يبكون عليه، وعرف أنه لا يعود إلا مقتولاً، قال: لقدماً شاقني فازددت شوقاً بكاء حمامتين تجاوبان الحمامة على شجرة هنا والثانية هنا: تجاوبتا بصوت أعجمي على غصنين من غرب وبان هذه حمامة تبكي على شجر الغرب، والثانية تبكي على البان، واسمع ماذا يقول: لقدماً شاقني فازددت شوقاً بكاء حمامتين تجاوبان تجاوبتا بصوت أعجمي على غصنين من غرب وبان فكان البان أن بانت سليمى وفي الغرب اغتراب غير دان يقول: معنى البان أنها تبين مني سليمى، ولن ألقاها إلا يوم القيامة، وأما الغرب فهو اغتراب عن الأهل والأوطان، ووصل إلى الحجاج فقتله، فاستمع الحجاج بعد ما قتله إلى مقولته في الشعر، قال: لو أخبرتموني ما قتلته، لكن جلساء السوء لا يذكرون إلا بعد أن تقع الحادثة.

نونية ابن زيدون

نونية ابن زيدون ابن زيدون: له قصيدة جميلة، يقول: بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا إلى آخر ما قال، وقد عارضه بعض الشعراء، ومنهم أحمد شوقي. يقول: لما ماتت أمه ودفنها في حلوان بـ مصر: كنز بـ حلوان عند الله نطلبه خير الودائع من خير المؤدينا يقول: هذا الكنز جعلته في حلوان سوف أطلبه من الله، فهي خير وديعة، وسوف أطلبه من خير المؤدين الذي لا تضيع الودائع عنده سبحانه وتعالى.

كلام الخالق وكلام المخلوق

كلام الخالق وكلام المخلوق {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] فعسى الله أن يجمع بيننا وبين أحبابنا في الجنة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21] وانظر إلى التعبير. يا أيها الإخوة! إن أعظم كلام كلام الله، انظر إلى الروعة! وانظر إلى الجمال! وانظر إلى الابداع! وإنما أنا أتحدث عن كلام البشر، يقول سيد قطب: كلامنا وكلام الله عز وجل مثل هذا التراب، فمن التراب خلق الله الإنسان، وأنا وأنت وأبي وأبوك وجدي وجدك من التراب، ونحن نأتي أحيانا إلى التراب، فنصنع منه أدوات الخزف، أما ترى كيف نصنع الخزف من الماء والتراب؟! فصنع الله من التراب إنساناً، ونحن صنعنا الخزف، قال: فالكلام مثل التراب، الله جعل من هذا الكلام القرآن، ومن هذا الكلام كلامنا، فنسبة كلامنا إلى كلام الله كنسبة الخزف إلى الإنسان، وهذا مثل بديع. ولذلك تحدى الله العرب، بقوله سبحانه وتعالى: (حم) وبقوله سبحانه وتعالى: (ألم) وبقوله: (ن) فكأنه يقول: هذه الحروف وهذه المادة وهذا الخام، وهذا الحديد والاسمنت والبلك، فابنوا، ولذلك لا يذكر الله الحروف المتقطعة إلا يذكر بعدها القرآن، يقول: هذا كلامكم، ألستم تعرفون الحاء والنون؟! بلى، فلماذا لا تأتون بمثل القرآن: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88].

من روائع المراثي

من روائع المراثي التهامي شاعر عجيب، مات ابنه وهو في الرابعة عشرة من عمره، وهذا السن عجيب الرابعة عشرة والعاشرة وما حولها، أحسن سن للشباب، ولذلك تجد أهل المصائب إذا أصيب بابن في هذا السن، يبلغ ببعضهم -إن لم يمده الله بالصبر- أن ينهار.

رثاء التهامي لابنه

رثاء التهامي لابنه هذا لما مات ابنه نظم قصيدة رائعة من أروع القصائد، بديعة، يقول فيها: حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار إني وترت بصارم في رونق أعددته لصلابة الأوتار جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري يقول: أما أنا فبقيت مع أهل الدنيا وأهل النكد، وأما هو فأخذه الله إلى جواره: جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري يقولون: رئي التهامي في المنام فقالوا: ما فعل الله بك؟ قال غفر لي، فقالوا: بماذا؟ قال: بقولي: جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري يقول ابن القيم: لله در آسية عليها السلام امرأة فرعون يوم قالت: {إِذْ قَاَلت رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] قال: فقدمت الجار قبل الدار؛ {إِذْ قَاَلت رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] لم تقل: ابن لي بيتاً في الجنة عندك، وإنما قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] فقدمت الجار قبل الدار، وهو جوار الله عز وجل، ونسأل الله عز وجل أن نكون من جيرانه في دار النعيم.

رثاء زوجة لجرير

رثاء زوجة لجرير رثاء الزوجات وارد، وهذا لمن يكون بينه وبين أهله ألفة، توفيت زوجة جرير فرثاها بمرثية، يقول: لولا الحياء لهاجني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار ولقد نظرت وما تمتع نظرة في القبر حيث تمكن المحسار صلى عليك الله ما سنح الدجى والصالحون عليك والأبرار أبيات طويلة، لكنها من أعظم ما قيل في رثاء الزوجات.

متمم بن نويرة

متمم بن نويرة دخل متمم بن نويرة على عمر رضي الله عنه، ومتمم شاعر من شعراء العرب، فقال عمر: يا ليتني يا متمم كنت شاعراً، فأرثي أخي زيداً، وزيد أسلم قبل عمر واسمه زيد بن الخطاب، أسلم قبل عمر، وهاجر قبل عمر، واستشهد قبل عمر في اليمامة، وكان عمر كلما ذكر زيداً يقول: [[والله ما هبت الصبا من نجد إلا جاءتني بريح زيد]] والصبا الريح، التي تهب من المشرق وزيد قتل في اليمامة في جهة نجد، فكان عمر يبكي دائماً يقول: يا ليتني كنت شاعراً، فأرثي زيداً. ومتمم هذا قتل أخوه مالك بن نويرة، قتله خالد بن الوليد، فلما قتله بكى متمم على أخيه حتى ذهبت إحدى عينيه، يقول: وكنا كندماني جذيمة برهةً من الدهر حتى قيل لن يتصدعا وعشنا بخير في الحياة وقبلنا أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا فلما تفرقنا كأني ومالكاً لطول اجتماع لم نبت ليلة معا يقول: ما كأنا عشنا ليلة. الفراق عند العرب من أعظم ما يكون، وأشد شيء على النفس الفراق، قيل لـ جعفر الصادق رضي الله عنه وأرضاه: لماذا لا تصاحب إخوانك؟ قال: خوف الفراق؛ كأنه يقول: أستوحش إذا فارقتهم، ولذلك أتركهم من أول الطريق، وكان الحسن البصري إذا ودع إخوانه يبكى حتى يخاف عليه. ويقول: وخفف وجدي أن فرقة واحد فراق حياة لا فراق ممات وكان المتنبي يوم فارق سيف الدولة وهو غضبان عليه يقول: فراق ومن فارقت غير مذمم وأم ومن يممت خير ميمم رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى هوى كاسر كفى وقوسي وأسهمي يقول متمم في أخيه مالك وكان إذا رأى قبراً بكى: لقد لامني عند القبور على البكا رفيقي لتذراف الدموع السوافك فقال أتبكي كل قبر رأيته لقبر ثوى بين اللوى بالدكادك كلما مر بقبر بكى لتذكره قبر أخيه، والله المستعان، أخوه قبره كان بعيداً في بادية من بوادي العرب، لكن إذا رأى أي قبر بكى، قال: فقال أتبكي كل قبر رأيته لقبر ثوى بين اللوى بالدكادك فقلت له إن الشجى يبعث الشجى فدعني فهذا كله قبر مالك

رثاء أبي تمام لمحمد بن حميد الطوسي

رثاء أبي تمام لمحمد بن حميد الطوسي والرثاء عند العرب جميل، كان أحد قواد العرب واسمه محمد بن حميد الطوسي في عهد المعتصم العباسي يقاتل الكفار من صلاة الصبح حتى غربت الشمس ثم قتل، أتدرون كم كان عمره؟ يقولون: ما يقارب السادسة والثلاثين، فكان شاباً قوياً، وكان مؤمناً بالله، لبس أكفانه من الصباح، وأخذ يقاتل بالسيف حتى تكسرت سيوفه، فقتل مع الغروب، فلما قتل قال فيه أبو تمام الشاعر قصيدة يرثيه بها، فلما سمعها الخليفة قال: والله الذي لا إله إلا هو لوددت أني قتلت وأنها قيلت في. وكان كلما كسروا سيفه أخذ سيفاً آخر، فيكسرونه، فيأخذ ثالثاً حتى وصل الغروب، وقد كسرت يده فقتلوه، يقول أبو تمام: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر توفيت الآمال بعد محمد وأصبح في شغل عن السفر السفر فتى كلما فاضت عيون قبيلة دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر تردى ثياب الموت حمراً فما دجا لها الليل إلا وهي من سندس خضر ثوى طاهر الأردان لم تبق بقعة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر يقول: حتى الأرض كانت تتمنى أنها كلها قبر لك وما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمر يقول: لم تمت حتى تكسرت السيوف وتقصفت عليك الرماح: وقد كان فوت الموت صعباً فرده عليه الحفاظ المر والخلق الوعر ونفس تعاف الذل حتى كأنه هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر إلى آخر ما قال، وهي من أبدع ما قيل.

جرير يرثي بشر بن مروان

جرير يرثي بشر بن مروان يقول الحسن البصري: دخلت على بشر بن مروان أخي عبد الملك بن مروان، والي العراق، يقول الشاعر: قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق قال: فدخلت عليه فوجدته غضاً سميناً، عنده الأطباء، وعنده الحشم، وعنده المغنون، وعنده الشعراء، قال: ثم خرجت وجئته في اليوم الثاني، وإذا هو مريض في سكرات الموت، قد نزل من سريره، وكشف فراشه، وهو يتقلب على التراب، ويبكي ويقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29]. انظر بالأمس كيف كان، وكيف هو اليوم، أمس على سريره وعنده الوزراء والأمراء والشعراء والأدباء والمغنون، والآن على التراب يقول: ما أغني عني ماليه هلك عني سلطانيه، قال: والله ماخرجت من قصره حتى مات، قال: فحملناه إلى المقبرة، فأتى الفرزدق الشاعر فقال: أعيناي إن لم تسعفاني ألمكما فما بعد بشر من عزاء ولا صبر ألم تر أن الأرض بعدك أظلمت وأن نجوم الليل بعدك لا تسري ذكر الذهبي أن محدثاً من المحدثين رحمه الله كان في سكرات الموت، فسمع أحد طلاب الحديث يقول: حدثنا فلان، عن فلان، وهذا المحدث على حافة عالم الآخرة، ولكن تذكر مجالس الحديث ومجالس العلم، فبكى كثيراً ثم قال: أجلسوني، قالوا: أنت في وضع خطير، قال: أجلسوني، فأجلسوه، قال للطالب: أعد قول حدثنا، فأعاد فقال: سقوني وقالوا لا تغن ولو سقوا جبال سلمى ما سقيت لغنت البيت هذا لرجل من العرب أسروه، ثم شرب الخمر فغنى ورفع صوته، قالوا: لا تغن تسمع الأعداء، قال: تسقوني الخمر ولا أغني، ولذلك الخمر والغناء شريكان، وهما طريقان إلى النار، وإنما ذاك يقول: أسمع الحديث ولا أجلس، وأنا روحي في الحديث. أحد المحدثين يقول في الرسول صلى الله عليه وسلم: من زار بابك لم تبرح جوارحه تروي أحاديث ما أوليت من منن فالعين عن قرة والكف عن صلة والقلب عن جابر والسمع عن حسن هؤلاء الرواة ولكن هو حولها إلى أسماء، يقول: يا رسول الله من أتى إلى بابك أصبحت جوارحه تروي ما أمليت من هذا العلم، وقرة العين توافق اسم قرة بن شريك من المحدثين، والصلة توافق اسم صلة بن أشيم المحدث، وجابر القلب توافق اسم جابر بن عبد الله، وحسن السمع يوافق اسم الحسن البصري ففي البيت تورية، فالكلمات كأنها أسماء الرواة وهو يقصد معاني أخرى.

قصيدة البردة لكعب بن زهير

قصيدة البردة لكعب بن زهير الرسول صلى الله عليه وسلم أهدر دم كعب بن زهير، لأنه هجاه في قصيدة وسبه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مبرأ عن السب، فديناه بأعراضنا ودمائنا وأموالنا، فلما سمع صلى الله عليه وسلم قال: من وجد كعباً فليقتله، فسار كعب ينام في النهار ويمضي في الليل، وفي الأخير ضاقت به الأرض بما رحبت، فذهب إلى مشايخ قومه وقال: ما هو الحل؟ ما المخرج؟ قالوا: انظم قصيدة، واذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وامدحه بها، فذهب، وأمسى عند أبي بكر في الليل، قال: يا أبا بكر! ما رأيك؟ قال: عندك شيء من الشعر، قال: عندي قصيدة، قال: إذا كانت صلاة الصبح، فأنا سوف أتقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأستأذن لك في أن تلقي قصيدتك، فلما صلى عليه الصلاة والسلام صلاة الفجر بالناس، قال: يا رسول الله! كعب بن زهير يريد أن يلقي عليك أبياتاً، قال: قل، وكان أحلم الناس صلى الله عليه وسلم وأكرم الناس قال: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة الـ ـقرآن فيها مواعيظ وتفصيل يقول: اصبر واحلم. مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة الـ ـقرآن فيها مواعيظ وتفصيل لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت فيَّ الأقاويل يقول: لا تصدق أقوال الاستخبارات فيَّ. لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت في الأقاويل لقد أقوم مقاماً لو يقوم به أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل لظل ترعد من وجد بوادره إن لم يكن من رسول الله تنويل يقول: يا رسول الله! سهرت وتعبت، وخفت وتشردت عن أهلي، وطاردني الناس، فارحمني يا رسول الله، واحلم عني، وكف عني يا رسول الله. لقد أقوم مقاماً لو يقوم به أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل لظل ترعد من وجد بوادره إن لم يكن من رسول الله تنويل حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقمات قوله القيل يقول: ذهبت من بوادي العرب وجئت إليك، ووضعت يميني في يمينك، فإن كنت تريد قتلي فاقتلني، وإن كنت تريد ذبحي فاذبحني وإلا فاعف عني، وأنت إذا قلت قلت، ثم يقول: إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول في عصبة من قريش قال قائلهم ببطن مكة لما أسلموا زولوا زالوا فما زال أنكاس ولا كشف عند اللقاء ولا ميل معازيل لا يقع الطعن إلا في نحورهم وما لهم عن حياض الموت تهليل كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول يقول: إن قتلتني اليوم، فكلنا نلتقي عند الله، وإن عفوت عني فسوف أموت، فالقضية موت موت، فخلني أياماً مع أهلي. كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول فخلع صلى الله عليه وسلم بردته، وهذه البردة كانت من أجمل ما يكون، فخلعها وألبسها كعباً وقال: عفوت عنك، ثم باعها بنوه من معاوية بن أبي سفيان بأربعين ألف درهم، وبيعت هذه البردة حتى وصلت خلفاء الأتراك من بني عثمان في إسطنبول، وهي في متحف هناك، وتساوي الملايين، وهي أغلى من الدنيا وما فيها، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم لبسها. ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا

وصف الحب للشيرازي

وصف الحب للشيرازي شاعر إيراني، من أهل السنة، له أبيات جميلة أذكرها لكم يقول: بكت عيني غداة البين دمعاً وأخرى بالبكا بخلت علينا فعاقبت التي بالدمع ضنت بأن أغمضتها يوم التقينا يقول: أنا لما فارقت أحبابي بكت اليمنى، واليسرى ما بكت، فلما التقينا بعد سنة، عاقبت التي ما بكت ذاك اليوم بأن أغمضتها ونظرت بواحدة. ويقول: قال لي المحبوب لما زرته من ببابي قلت بالباب أنا يقول: طرقت الباب، قال: من؟ قلت: أنا، و (أنا) منهي عنها في السنة، يقول جابر عند البخاري: {طرقت الباب على الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من، قلت: أنا، قال: أنا أنا كأنه كرهها} قل: فلان أبو محمد، علي بن سعيد، محمد بن فلان، حتى تعرف. ولذلك لما طرق جبريل السماء على الملائكة، قالوا: من؟ قال: جبريل، قالوا: من معك؟ قال: محمد، قالوا: مرحباً بك وبمن معك، وفتحوا الباب، فيقول الشيرازي: قال لي المحبوب لما زرته من ببابي قلت بالباب أنا قال لي أخطأت تعريف الهوى حينما فرقت فيه بيننا يقول: لماذا تقول أنا؟ ليس في المحبة أنا وأنت. ومضى عام فلما جئته أطرق الباب عليه موهنا قال لي من أنت قلت انظر فما ثم إلا أنت بالباب هنا يقول: أنت عند الباب قال لي أحسنت تعريف الهوى وعرفت الحب فادخل يا أنا

أبيات الحكمة

أبيات الحكمة يقول صلى الله عليه وسلم: {إن من الشعر لحكمة} يقول المتنبي في الحكمة: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم أنا أشرح هذا البيت، العاقل الخائف من الله، مستقيم، يصلي ويخاف من عدم الخشوع في الصلاة، يذكر الله ويخاف ألا يقبل منه، يعبد الله ويخاف من الرياء، يتصدق ويخاف من الناس، يستقيم ويخاف من النار، ويبكي في الندوات وفي الدروس وفي المحاضرات، ويقول: أعوذ بالله من عذاب النار، ويقول: ربنا اصرف عنا عذاب جهنم. بينما الفاجر تجده في الشقاوة ينعم، بيده كأس الخمر، والمجلة الساقطة، والأغنية، والكيرم، والبلوت، يسهر في المقاهي إلى الثالثة ليلاً، بعيد عن الله ويضحك، حتى إذا قلت لذاك المؤمن: يا عبد الله اسمع إلى قوله سبحانه وتعالى: (حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} [غافر:1 - 3] قال: لا إله إلا الله! الله المستعان! اللهم اغفر لنا وارحمنا، لكن اقرأها على هذا الشقي فسيقول: الله غفور رحيم، والله سبحانه وتعالى لا يؤاخذنا بأعمالنا، ونحن أحسن من الكفار، ويقول: أنا قد سافرت إلى أمريكا، ونحن أحسن منهم، فهو ينظر دائماً إلى أقل منه في الأعمال الصالحة: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم ويقول المتنبي: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم وعادى محبيه بقول عداته فأصبح في ليل من الشك مظلمٍ يقول: إذا ساء فعل المرء، ساءت ظنونه في الناس، والسارق يظن أن الناس يسرقون مثله، والكاذب يظن أن الناس كذبة، الفاجر يظن أن الناس فجرة. (كاد المريب أن يقول خذوني) ماتت أخت سيف الدولة، فيقول المتنبي: نعد المشرفية والعوالي وتقتلنا المنون بلا قتالِ يقول: نحن نتهيأ بالسيوف والرماح في البيوت، ولكن هذا الموت يقتلنا بلا قتال، كم عندنا من القوات، وكم عند الناس من القوات، ولكن يأخذ الموت الناس غرة: نعد المشرفية والعوالي وتقتلنا المنون بلا قتال ويدفن بعضنا بعضاً وتمشي أواخرنا على هام الأوالي ربما كانت بعض الكاسات التي نشرب فيها أجزاء من أجسام الناس. رفع لـ علي كوز من الخزف، كان علي بن أبي طالب يشرب منه وهو في الكوفة، فبكى علي، قالوا: مالك؟ قال: [[يا كوب كم فيك من طرف كحيل ومن خد أسيل!]] يعني من البشر، يقول أبو العلاء المعري: خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:45 - 46]. ولو كان النساء كمن فقدنا لفضلت النساء على الرجال يقول: بعض النساء أفضل من الرجال، وهذا صحيح، بعض النساء تساوي ثلاثة آلاف رجل، وبعض النساء تضرب زوجها وهي أشجع منه، وبعض النساء في العالم الآن تهدد الرجال، تاتشر تهدد صدام حسين الآن وهو خائف منها، يراها في النوم سبع مرات، وقد كانت لما اعتدى على الكويت في دنفر، يقولون: سمعت الخبر أن العراق اعتدى الكويت، فضربت رأسها، ودخلت الكنيسة لتصلي على مذهبها الباطل ودينها المنحرف مثلها.

الشيب في الشعر العربي

الشيب في الشعر العربي الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. ذكر الشيب عند العرب كثير، وبعضهم يراه وقاراً، وبعضهم يتشاءم منه، والصحيح أنه وقار للمؤمن وشرف له، وفي بعض الأحاديث التي يحسنها بعض العلماء: {من شاب شيبة في الإسلام جعلها الله له نوراً يوم القيامة}. ونظر إبراهيم عليه السلام إلى المرآة فرأى شيباً فقال: يا رب ما هذه! قال: نور ووقار يا إبراهيم، قال: اللهم زدني وقاراً، يقول المستنجد الخليفة: عيرتني بالشيب وهو وقار ليتها عيرت بما هو عار امرأته عيرته بالشيب، تقول: أنت يا شايب، يقول: يا ليتها عيرتي بعيب، لكن هذا الشيب وقار عند الله عز وجل. وقال أبو العتاهية: بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغن البكاء ولا النحيب ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب يا ليت الشباب يعود مرة، فأخبره بما فعل المشيب في، ما نومني في الليل وما تركني أرتاح ولا أهدأ. وهذا أحد الشعراء العرب يقولون: كبر سنه وبلغ الثمانين، وكان يتأوه في الليل ولا ينام من طول السنين ومن الأمراض ومن الأوصاب، فقال له أبناؤه: مالك لا تنام؟ ماذا تشتكي؟ فقال في أبيات له: قالوا أنينك طول الليل يسهرنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية، الذي توفي من سنوات رحمه الله رحمة واسعة، خرج في آخر خروج له من المسجد الكبير في الرياض يتعكز على عصا، وفيه كحة وكبر في السن، وكان ولياً من أولياء الله وموحداً صادقاً، فلما خرج أخذ ينزل من الدرج بتعب، وكان يتكئ على بعض الناس فما استطاع، فقال: إذا الرجال ولدت أولادها وأخذت أسقامها تعتادها وكثرت من مرض عوادها فهي زروع قد دنا حصادها ومات بعد يومين. ومعنى (إذا الرجال ولدت أولادها) إذا ولد لولدك ولد، وأصبحت جداً، فتحر الموت وتحر سكرات الموت. (وأخذت أسقامها تعتادها) فإذا كثر مراجعة المستشفى، يصبح الإنسان من كل جهة قطع غيار، ينتهي المستشفى من أذنه، فيأتي المرض في العين، ومن العين إلى اليد، ومن اليد إلى الرجل، ومن الرجل إلى الكبد، ومن الكبد إلى الطحال، أصبح كله مثل السيارة المجمعة من كل جهة. (وكثرت من مرض عوادها) دائماً عواد عليه كل مرة، أحدهم يقول: كيف حالك يا فلان؟ وهذا يتصل بالهاتف، وهذا يطرق الباب، والشباب الآن لا يعودون في الغالب إلا الكبار. قال: (فهي زروع قد دنا حصادها) فانتبه فقد سافرت إلى الله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} [الأنعام:94] وهذه عبرة للإنسان. يقول شاعر عربي: وإن تسألوني بالنساء فإنني عليم بأسرار النساء طبيب إذا شاب رأس المرء أو قل ماله فليس له من ودهن نصيب فالمرأة تمدح الرجل، وتقول: أنا معك حتى لو تدخل النار أدخل معك، أعوذ بالله من النار، لكن إذا شاب أو ضعف أو قل ماله، فربما تقلب له ظهر المجن، وهذا في الغالب، وإلا ففيهن صالحات، لكن كما يقول الأول: رأين الغواني الشيب لاح بعارضي فأعرضن عني بالخدود النواضر فالشيب عدو لهن، وقد قال ابن الجوزي في كتاب صيد الخاطر: ليحذر الكبير من أن يتزوج البنت الصغيرة. وقد تجد الرجل في الثمانين يتزوج بنتاً عمرها خمسة عشر، وبعد شهرين يموت، ولهذا نهي عن الخضاب لأن صاحبه يدلس على الناس، يأتي ابن الثمانين يخضب لحيته، فيأتي كأنه شاب، كم عمرك يا فلان؟ فيدلس عليهم، فإذا بهم يزوجونه، وبعد فتره يموت. على كل حال: هذا يحذر منه، إنما الإنسان يتزوج الإنسان بمن تكافئه في السن. ولا بأس بزيادة سن معقول عشر سنوات أو نحوها.

وصف الزهرة لأبي نواس

وصف الزهرة لأبي نواس أيها الإخوة! شكا إلي بعض الإخوة وقال: ما أتيت بشعر يرقق القلوب، فأقول: إن المقصود شيء من المرح، كما يفعل صلى الله عليه وسلم يستمع شعر العرب. يقول أبو نواس: -وهو مسرف على نفسه وقد لقي الله بما قدم- يقولون: كان يشرب الخمر وله الخمريات، وهي قصائد طويلة، ولكن رئي في المنام وقالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، ورحمته وسعت كل شيء، لا إله إلا الله، إن الله لا يتعاظمه ذنب، وقد قال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: بأني وصفت وردة النرجس التي مثل الرمان فقلت: تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك يقول: في سكرات الموت قبل أن يموت جلس على الفراش يبكي ويقول: لهونا لعمر الله حتى تتابعت ذنوب على آثارهن ذنوب فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ويأذن في توباتنا فنتوبُ إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفيه عنه يغيب يقال: إن الإمام أحمد لما سمع قوله: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب قام فأغلق على نفسه الباب، وظل يبكي حتى سمع بكاؤه من خارج البيت، وهو يقول: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب وفي هذا المعنى يقول الأندلسي: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني وهي من أجمل الأبيات ويقول شاعر عربي: فليست عشيات اللوى برواجع عليك ولكن خل عينيك تدمعا بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا يقول: هذه العيون مشكلة، بكت اليمنى وصبرت اليسرى، فقلت لليمنى: استحي وانظري إلى أختك اليسرى فإنها لم تبك، فبكت اليسرى معها: بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا

الأسئلة

الأسئلة

شعر الخنساء في رثاء صخر

شعر الخنساء في رثاء صخر Q أورد لنا أبيات الخنساء في أخيها صخر؟ A كانت ترثيه لأنه قتل في الجاهلية، وقتل لها أربعة أبناء فما بكت عليهم كثيراً، قالت: لأنهم ماتوا إلى الجنة، وكان صخر يقسم ماله نصفين ويعطيها النصف وله النصف، تقول: وإن صخراً لوالينا وسيدنا وإن صخراً إذا نشتو لنحار حمال ألوية هباط أودية شهاد أندية للجيش جرار وتقول: فلولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكين مثل أخي ولكن أسلي النفس عنه بالتأسي الرثاء عند العرب جميل جميل.

بردة البوصيري

بردة البوصيري Q أسمعنا بعض نهج البردة ووضح لنا بعض الأخطاء؟ A هي اسمها البردة، وليس نهج البردة، نهج البردة لـ أحمد شوقي، والبردة للبوصيري في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، البوصيري إمام مصري، لكنه أخطأ وابتدع في آخر القصيدة، ولو أنها جميلة جد جميلة، يقول: أمن تذكر جيران بذي سلم مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم أم هبت الريح من تلقاء كاظمة وأومض البرق في الظلماء من إضم فما لعينيك إن قلت اكففا همتا وما لقلبك إن قلت استفق يهم إلى آخر ما قال، ثم قال: والنفس كالطفل إن ترضعه شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم فاصرف هواها وحاذر أن توليه إن الهوى ما تولى يُصْم أو يَصِمِ بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم ولكنه أخطأ في آخرها حين قال: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم أستغفر الله، لا يلاذ إلا بالله: إن لم تكن في قيامي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم فإن من فضلك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم وهذا مبالغة وغلو وشرك وابتداع، وعارضه أحمد شوقي في قصيدة يقول فيها: ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم رمى القضاء بعيني جؤذر أسداً يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم ثم يقول في الرسول صلى الله عليه وسلم: أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم كنت الإمام لهم والجمع محتفل أعظم بمثلك من هاد ومؤتمم لما خطرت به احتفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم وقيل كل نبي عند رتبته ويا محمد هذا العرش فاستلم مولاي صل وسلم ما أردت على نزيل عرشك خير الرسل كلهم صلى الله عليه وسلم. ولي قصيدة في النبي صلى الله عليه وسلم ما يقارب ثمانين بيتاً على نسق هذا البحر والروي: نصرت بالرعب شهراً قبل موقعة كأن خصمك قبل القتل في حلم إذا رأوا طائراً في الجو أذهلهم ظنوك بين ربوع الجيش والحشم وإن أتوك ضيوفاً يطلبون قرى رأوك بحرا يعم البيد بالديم أنسيتهم حاتم الطائي ومحتده وحدثوا كلهم بالبخل عن هرم إذا ملوك الورى صفوا موائدهم على شهي من الأكلات والأدم صففت مائدة للروح مطعمها عذب من الوحي أو نور من الكلم وسوف تجمع هذه القصائد كاملة إن شاء الله في مجلد اسمه: من أعذب الشعر.

صحة حديث لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا

صحة حديث لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً Q هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير من أن يمتلئ شعراً}؟ A نعم هو في الصحيحين ولفظه: عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: {لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه، خير له من أن يمتلئ شعراً} والمعنى في هذا يقول البخاري: باب ما يكره من الشعر إذا كان الغالب على الإنسان حتى يشغله عن القرآن والذكر والعلم، فإذا كان الشعر غالباً على الإنسان في كل أوقاته، فهذا سيشغله عن القرآن، لكن لا بأس أن يكون كالتوابل على الطعام.

من أشعار المتنبي

من أشعار المتنبي Q أرجو أن تذكر لنا قصيدة من قصائد الفيلسوف المتنبي؟ A أنت أول من يقول: إن المتنبي فيلسوف، وهو ليس كذلك، بل هو شاعر، المتنبي كان عند سيف الدولة في حلب، ذهب إلى كافور الذي كان مولى ثم حكم مصر وذلك أنه غضب من سيف الدولة في حلب، فذهب إلى كافور يمدحه، ومدحه من أجل الشهوة والشهرة والمنصب، وهو شاعر مجيد، لكنه لم يستخدم شعره في مدح الإسلام، فمدح كافوراً بمدح عجيب حتى يقول: لقيت المرورى والشناخيب دونه وجبت هجيراً يترك الماء صاديا أبا كل طيب لا أبا المسك وحده وكل سحاب لا أخص الغواديا وكافور هذا كنيته أبو المسك، يقول أنت أبو كل طيب في الدنيا، وليس المسك وحده، فلما غضب عليه طرده من مصر، فنام في الطريق، فأتته الحمى، فقال قصيدة اسمها الحمى، وكانت زوجته في بلد وأبناؤه في بلد، وأصدقاؤه في بلد، وجيرانه في بلد كما قال أبو تمام: بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني يقول في هجاء كافور يقول: عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيه تجديدُ أتى عيد الفطر وهو مريض ومسافر. عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيه تجديدُ يقول: يا عيد ليتك ما أتيت، وليت بيني وبينك صحاري واسعة: أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيداً دونها بيدُ إني نزلت بكذابين ضيفهم عن القرى وعن الترحال محدودُ جود الرجال من الأيدي وجودهم من اللسان فلا كانوا ولا الجودُ جوعان يأكل من زادي ويمسكني لكي يقال عظيم القدر مقصودُ يقول: يأكل كافور من زادي، ويأكل خبزي، ويحبسني في مصر. ثم يقول: لا تشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيدُ أما قصيدة الحمى فيقول فيها: ملومكما يجل عن الملام ووقع فعاله فوق الكلام وزائرتي كأن بها حياءً فليس تزور إلا في الظلام وهو يعني الحمى؛ لأن الحمى لا تأتي إلا في الظلام، وهذه من صفات الحمى، ومن ميزات الحمى أنها لا تأتيك إلا بعد صلاة العشاء، فترجفك رجفاً، ويسمونها المكسرة، لأنها تدخل ثلاث مائة وستين عضواً، ما تدخل عضواً إلا تحكمة، يقول: وزائرتي كأن بها حياءً فليس تزور إلا في الظلام بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي يقول: فرشت لها بجنبي، وقلت: نامي هنا، يقول: فعافت الفراش وباتت في عظامي. أبنت الدهر عندي كل بنت فكيف وصلت أنت من الزحام يقول: عندي كل مصيبة، عندي ثلاثون مصيبة: مصيبة الألم، ومصيبة كافور، ومصيبة سيف الدولة، ومصيبة الأطفال، وأنت جئت تكملين، كيف وجدت لك مدخلاً؟! أبنت الدهر عندي كل بنت فكيف وصلت أنت من الزحام إذا ما فارقتني غَسَّلَتْنِي كأنا بائتين على حرام إلى آخر ما قال، ويقول في آخرها: وآنف من أخي لأبي وأمي إذا ما لم أجده من الكرام ولما صار ود الناس خباً جزيت على ابتسام بابتسام أصبح كلام الناس مجاملات، يقول: كيف حالكم في الصباح؟ وهو لا يدري كيف حالك، ولا يهمه حالك، يقول: والله دائماً نتذكركم، والله يجعلكم في خير وعافية، وهو لا يهتم بك ولا بحالك، أما المسلمون المؤمنون فلا، ثم يقول: ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام رجل يمكنه أن يكون مستقيماً مع الله عز وجل، ولكنه لم يستقم، فهذا أعيب العيب. كان ديجول رئيس فرنسا يحب بيت المتنبي هذا -يقولون: الشعر والدبابات في فرنسا - فطلب منهم أن يكتبوا بيت المتنبي على الدبابة التي تقود الدبابات، وكان يعجبه هذا البيت: ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام المتنبي مبدع في الشعر، وقد ذهب إلى الله كغيره من الشعراء.

شعر للأعشى في المديح

شعر للأعشى في المديح Q أورد لنا بعض الأبيات في المديح؟ A أصلاً لا يستحق المديح صراحة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أولى الناس بالمديح، يقول أحد الشعراء فيه: فما حملت من ناقة فوق ظهرها أبر وأوفى ذمة من محمد صلى الله عليه وسلم. وعمر رضي الله عنه سمع بيتاً يقول فيه: لعمري لقد لاحت عيون كثيرةٌ إلى ضوء نار في اليفاع تحرق تشب لمقرورين يصطليانها وبات على النار الندى والمحلق والمحلق من العرب، كان عنده ثمان بنات لم يزوجهن، والسبب أنه كان بخيلاً، والعرب تغفر أي مرض إلا البخل، وكان في الجاهلية، فأصابه تكدس في البنات، حتى كلما تقدم رجل ليخطب بنته، قالوا: هو بخيل، فيقول: والله لا أخطب بنته، وكذلك كلما جاءه رجل قالوا: الرجل بخيل، فأتت امرأته فقالت لزوجها المحلق: لماذا لا تذهب إلى الأعشى الشاعر وتقريه وتضيفه وتكسوه، فيمدحك بالكرم، فتتزوج بناتك؟ قال: صدقتِ أصاب الله بك الخير، فذهب إلى الأعشى، فذبح له ناقة، وهو لا يذبح دجاجة أصلاً، ولكن من أجل تزويج بناته، فلما ضيفه كساه وألبسه، وقال: اذهب ولكن لا تنسنا من بعض الأبيات، فقال الأعشى وهو شاعر العرب، وهو صاحب قصيدة: ودع هريرة إن الركب مرتحل وهل تطيق وداعاً أيها الرجل فقال في المحلق: لعمري لقد لاحت عيون كثيرة إلى ضوء نار في اليفاع تحرق يقول: والله لقد نظرت عيون العرب كلها في البادية إلى ضوء هذا الرجل الكريم الذي يضيف الناس، ويكرم الناس، ويشعل النار. تشب لمقرورين يصطليانها وبات على النار الندى والمحلق يقول: الذي أصابه برد وجوع يأتي إلى هذه النار. الندى: -الكرم- والمحلق باتا على النار، قال عمر: [[ذاك رسول الله عليه الصلاة والسلام]] فلما مدحه تزوجت بناته الثمان في شهر. وقد أراد الأعشى أن يسلم، فأتاه شياطين الإنس، فصرفوه عن الإسلام، خرج من اليمامة، ومنزل الأعشى قريب من الرياض، مدفون هناك، وقيل دفن في ديراق وهي قريب من الرياض، على يمينك إذا دخلت الرياض وعلى يسارك إذا خرجت من الرياض. خرج على ناقة يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وعادك ما عاد السليم مسهدا شباب وشيب وافتقار وثروة فلله هذا الدهر كيف ترددا فآليت لا أرثي لها من كلالة ولا من وجى حتى تزور محمدا متى ما تناخى عند باب ابن هاشم تراحي وتلقي من فواضله يدا إلى أن يقول: إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد لما كان أرصدا فلقيه أبو سفيان، وكان لا يزال مشركاً عدواً للرسول صلى الله عليه وسلم قال: أين تذهب؟ قال: إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أنظمت قصيدة؟ قال: نعم. قال: كم ترجو منها؟ قال: مائة ناقة. قال: أنا أعطيك مائة ناقة وارجع، فأعطاه مائة ناقة، فصرفه عن الإسلام، فركب إحداها، فوقصته، فكسرت عنقه، فمات مشركاً. أسأل الله أن يتوفانا مسلمين وأن يهدينا وإياكم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

قصص مكذوبة

قصص مكذوبة القصص المكذوبة لها آثار سلبية عن الدين والدنيا، فإنها بين طرفي نقيض؛ إما غلو أو تفريط، والدين منهما بريء. والشيخ في هذا الدرس ذكر قصصاً كثيرة مشهورة، متداولة على الألسنة، لكنها مكذوبة.

قصيدة في محاربة المخدرات

قصيدة في محاربة المخدرات الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين. إخوتي في الله: عنوان هذه المحاضرة: (قصص مكذوبة). انتشرت في التاريخ قصص، ورواها عامة الناس، وتكلم بها بعض الخطباء على المنابر، وانتشرت بين بعض طلبة العلم، وفيها بعض الآثار التي لا تصح إلى المعصوم عليه الصلاة والسلام، فحاولت هذه الليلة -مستعيناً بالله- أن أبين هذه القصص المكذوبة، ليستقيها طالب العلم، وليكن المسلم على بصيرة منها. لكن قبل أن أورد هذه القصص، هنا مناسبة وهي من قضايا الساعة في هذه الأيام، وهي: قضية المخدرات، وعندنا في الأدب الإسلامي بديل عن الأدب الحداثي والأدب المغرض والأدب غير الملتزم، فأردت أن أعرض أبياتاً نصرة لله، ودعوة إلى الإسلام، ودعوة إلى الخير، وتحذيراً من هذه، فاسمحوا لي بين يدي هذه المحاضرة أن أورد مقطوعة بعنوان: (الإيمان وحرب المخدرات). حارب الناس المخدرات، والعالم كل العالم مجمع على حرب المخدرات، لقد حاربوا المخدرات بالحديد والرصاص ونحاربها نحن بالإيمان والإخلاص، حاربوا المخدرات بالتنديد والتهديد ونحن نحاربها بالإيمان والتوحيد. فما معنا إلا الإيمان، وليس لنا من عطاء إلا الإيمان، يوم نؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً. كتبنا في ربى أبها عباره وصغنا في مغانيها إشاره هلاً بضيوفنا في خير نزلٍ ترحب في قدومكم الحجاره من الإيمان قد صرنا صروحاً وتوجنا من التقوى مناره وبايعنا الرسول إمام صدق بنبينا في القلوب له مناره عليه الصلاة والسلام. كتبنا بالدموع له خلوداً على الأيام تبقى في جداره نعاهد ربنا عهداً وثيقاً لنحمل في سما العليا شعاره لشرع محمد سالت نفوس من الإيمان قد عشقت جواره أقول له وقلبي غصن حب يقدم في محبته ثماره بنورك أدرك التاريخ ثاره ومن جدواك ساق الفتح داره وقبلك كانت الدنيا ظلاماً وكان العرب قبلك في حقاره نسجت لنا من الصحراء جيلاً سرى في الكون قد رفع الحضاره شبابك في ربى الحمراء صلوا وجيشك نظموا في الهند غاره وشمسك أشرقت في كل قلب ونورك قد سما في كل حاره رمينا يا بن قومي بالدواهي بقوم عاكفين على الشطاره زنادقة رضوا بالكفر ديناً حداثيين ضلوا يا خساره لهم في موسكو نسب عريق ودين الله قد هتكوا ستاره ونجل مبتلى بمخدرات أقام على بصيرته سكاره يواري بالثياب سواد فتك يدنس من معاصيه الطهاره تغافل عن هدى الإسلام حتى تغير نوره إذ شب ناره يقلد في الرذائل أجنبياً لشرب الكأس أو حمل السجاره ألسنا في العلا أحفاد سعد وأبناء المثنى وابن واره هموا فتحوا بسيف الله الحق في الدنيا نهاره فبشرى المجد أنا قد صحونا لننصر دين أحمد في مهاره يشرفنا من الأفغان نجب شديد بأسهم يوم الجساره ويؤسفنا من الأقصى نداء يعيش يعيش أطفال الحجاره

أحاديث سئل الشيخ عن صحتها

أحاديث سئل الشيخ عن صحتها وهنا أسئلة عن خمسة أحاديث: Q ما صحة قوله صلى الله عليه وسلم: {لا شفاعة في الحدود}؟ A روى هذا الحديث البيهقي بسند ضعيف، وقال البيهقي: إسناده منكر، وكل الآثار لا تخلو من مقال، لكن معناه صحيح، فإنه لا شفاعة في الحدود في الإسلام. Q حديث: {نهى صلى الله عليه وسلم عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ} أي: بيع الدين بالدين؟ A هذا الحديث رواه البزار بسند ضعيف، وله آثار تشهد له، لكنه من هذا الطريق ضعيف. السؤال: حديث: {نهى صلى الله عليه وسلم عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة}؟ الجواب: هذا الحديث يقول الترمذي: حديث صحيح، وأخرجه ابن الجارود، لكن ليس بصحيح، فقد رواه الحسن البصري عن سمرة بن جندب ولم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة، فالحديث هذا ضعيف. السؤال: حديث: {أبغض الحلال إلى الله الطلاق}؟ الجواب: حديث ضعيف، رواه أبو داود بسند مرسل، وهو مرسل عند أهل العلم، وما علمت أحداً صححه. السؤال: حديث: {كل قرض جر منفعة فهو ربا}؟ الجواب: هذا الحديث رواه الحارث بن أسامة بسند واهٍ، وفي سنده سوار بن مصعب ولا يصح حديثه، لكن معناه صحيح، بل إنه مجمع على معناه، وأما هو من هذه الرواية فلا يصح مرفوعاً إليه عليه الصلاة والسلام.

النهي عن الكذب

النهي عن الكذب عنوان هذا الدرس: (قصص مكذوبة) الكذب من الكبائر، وهو علامة من علامات المنافقين، والرسول عليه الصلاة والسلام صح عنه في الصحيحين من حديث ابن مسعود أنه قال: {ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً} وقال في الكذب: {وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار -وهو الشاهد وأنا لم آت بالحديث من أوله- ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً}. وصح عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيحين أنه قال: {ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً -وذكر منها عليه الصلاة والسلام- وإذا حدث كذب} والله سبحانه وتعالى يقول: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61]. فالكاذب ملعون، ولا يسمح بالكذب ولا يستثنى إلا في ثلاثة صور: الأولى: كذب الرجل على زوجته، وكذب الزوجة على زوجها في قضايا الحب ونحوه. الثانية: كذب الرجل في الإصلاح بين الناس. الثالثة: والكذب في المعركة مع الكفار. وأما غيرها فمحرم، والكذب من أسوء صفات الرجل، حتى يقول أبو سفيان -وهو مشرك- لما سأله عظيم الروم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: ولولا أن يأثروا عني الكذب لكذبت؛ مع أنه لا يعرف جنة ولا ناراً ولا يخاف كافراً، لكن خاف أن يسمع عنه العرب أنه كذب في حديثه، فلا يقبلون منه ولا يصدقونه ولا يأتمنونه، وتنزل منزلته في قلوبهم. هناك قصص كثيرة أنا أستعرضها وأعلق عليها:

بيان بعض القصص المكذوبة

بيان بعض القصص المكذوبة

قصة علي بن أبي طالب والشمس

قصة علي بن أبي طالب والشمس القصة الأولى: ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان معه علي بن أبي طالب -وهذه القصة مشهورة بين الناس- فنام علي عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، فاستيقظ فسأل الله أن يرد الشمس عليه فردها الله، فصلى العصر. ذكر هذه القصة البغوي وأمثاله، وقال ابن تيمية: لا تصح، والبغوي ليس محققاً في الآثار ولا مصححاً في الأسانيد، وقال ابن كثير: الذي يروي هذه القصة كمثل ما قال الأول: إن كنت أدري فعلي بدنه من كثرة التخليط أني من أنا وهذه القصة منتشرة عند طوائف من الناس وهي كذب، فإن الله لم يردها عليه، بل صح عنه عليه الصلاة والسلام أن الله لم يرد الشمس إلا ليوشع، وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام. فإن يوشع أراد أن يقاتل الكفار، فأوشكت الشمس أن تغيب، وقد وعده الله أن ينصره قبل أن تغيب الشمس، فالتفت إلى الشمس قال: أنت مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها عليّ فحبسها الله، حتى انتصر وفتح الله عليه الفتوح ثم غابت، يقول أحمد شوقي: قفي يا أخت يوشع حدثينا أحاديث القرون الغابرينا يقول: يا شمس يا أخت يوشع. وأبو تمام كذلك ضل في قصيدة له يثبت فيها أن الشمس ردت على علي، يقول: فرُدَّت علينا الشمس والليل راغم بشمس بدت من جانب الخدر تطلع يتكلم في محبوبته لأنه عاشق ما انضبط مع الكتاب والسنة، يقول: لما ظهرت وطلعت الشمس من الخدر ونحن في الليل. فو الله ما أدري علي بدا لنا فردت له أم كان في القوم يوشع وقد أتى بها ابن كثير فقال: وهو كذلك لا يعرف يمينه من يساره، أو كما قال. فهذه القصة مكذوبة باطلة، لا يجوز أن يرويها المسلم إلا على وجه التنبيه؛ لأنها باطلة ومكذوبة، فلم يرد الله الشمس لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وما فاتته صلاة العصر وهذه القصة يرويها أهل البدع في كتبهم بأسانيد: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40].

قصة علقمة وأمه

قصة علقمة وأمه القصة الثانية: قصة علقمة وأمه، يرويها الخطباء في بعض المساجد، تقول القصة: إن علقمة كان عاقاً لوالديه، وكان يقدم زوجته على أمه، فحضرته الوفاة، فطلب من أمه أن تسامحه فرفضت، فانغلقت عليه الشهادة فما استطاع أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فذهبوا إلى أمه وقالوا: اعفي عنه، فقالت: لا. فذهبوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فاستدعى أمه، فطلبها العفو فرفضت، قال: اجمعوا لي حطباً، قالت: ما تريد بهذا يا رسول الله؟ قال: أريد أن أحرق علقمة، قالت: غفر الله لـ علقمة، فذهبوا فوجدوه قد تشهد. هذه القصة كذب وليست بثابتة، ولم يروها أحد من أهل العلم الموثوق بهم في الكتب المعتمدة، فلا يجوز للمسلم أن يرويها على المنابر، ويكفينا من الأحاديث الصحيحة والآيات الواضحة في القرآن عن بر الوالدين قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء:23]. وفي الصحيحين: {أن رجلاً أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك} وبعض الناس يريد أن يكذب لكن ما عنده خبرة في الكذب، وما درس الكذب دراسة، فلذلك يسميهم ابن الجوزي: كذب الحمقى. ومن ضمن كذبهم قالوا: أنه قام واعظ كذّاب يعظ الناس بعد صلاة العشاء، فقال من ضمن كلامه: اسم الذئب الذي أكل يوسف: نون. وما علم أن الذئب لم يأكل يوسف، لكن الواعظ نسي فكذب، فقالوا: سامحك الله! الذئب ما أكل يوسف قال: أجل هذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف! وقد مر معنا أن قوماً من المحدثين اختلفوا هل سمع الحسن البصري من أبي هريرة؛ أم لا؟ لأن الحسن البصري تابعي وأبو هريرة صحابي، فتساءل أهل الحديث فقال قوم: سمع، وقال آخرون: ما سمع، فقام أحدهم وقال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "سمع الحسن من أبي هريرة "، والرسول صلى الله عليه وسلم مات قبل أن يولد الحسن! وهذا أمر معلوم، فكيف يقوله عليه الصلاة والسلام. على سبيل هذه الخزعبلات التي يجب أن ينبه عليها -لأن بعض أهل الوعظ لا يملك أحاديث ولا آيات فيأتي بخزعبلات- ما ذكره ابن الجوزي قال: قام أحد الناس فتحدث في الناس في نعيم الجنة، لكنه لا يعرف الأحاديث الصحيحة فأتى بباطلة، قال: في الجنة كل شيء، فقال رجل منهم: كيف إذا اشتهى أهل الجنة العصيدة؟ فقال: صح في الأحاديث أن الله سبحانه وتعالى يرسل جبالاً من دقيق ثم يرسل عليها سيولاً، فتأخذها إلى قيعان الجنة، فتعصدها فيقول الله: يا أهل الجنة كلوا واعذرونا.

قصة ثعلبة ومنعه للزكاة

قصة ثعلبة ومنعه للزكاة القصة الثالثة: قصة ثعلبة ومنعه للزكاة وهي كذب. والقصة هي: أن ثعلبة قالوا: كان فقيراً، فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني غنماً ومواشي، فدعا له الله، وكان قبل ذلك يسمى حمامة المسجد، من كثرة معاهدته للمسجد، فكثرت غنمه؛ فخرج من المدينة؛ فأصبح لا يصلي إلا بعض الفروض فكثرت فابتعد، فأصبح لا يصلي إلا الجمعة، فكثرت فابتعد فأصبح يترك الجمعة، فأرسل له الرسول عليه الصلاة والسلام يطلب منه الزكاة فرفض -أورد هذه القصة ابن كثير وابن جرير وابن الأثير وهي باطلة- فأرسل له صلى الله عليه وسلم يطلب منه الزكاة قال: لا صدقة لكم عندي، هذا المال ورثته كابراً عن كابر، فلما مات عليه الصلاة والسلام ندم ثعلبة، فأتى بزكاته إلى أبي بكر وقال: خذها فقال أبو بكر: والله لا أقبلها وقد ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى إلى عمر فقال: والله لا أقبلها، وقد ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه القصة كذب، فإن إسنادها موضوع وهي تخالف نصوص القرآن والسنة. يقول الله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] والله يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. والله يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. من أذنب وتاب؛ تاب الله عليه، المشرك وهو مشرك إذا أذنب وتاب تاب الله عليه، فكيف بمانع الزكاة؟! لهذا فإن هذه قصة باطلة لا يصح أن تروى إلا على وجه التنبيه.

قصة مغاضبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب

قصة مغاضبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب القصة الرابعة: مغاضبة الرسول صلى الله عليه وسلم لـ علي. وقد سمعت بهذه القصة في بعض قرى الجنوب، يقول أحدهم -وهو كبير في السن، عمره في الثمانين-: يا بني! تغاضب علي والرسول عليه الصلاة والسلام -ولولا أني سمعتها في مواضع ما نبهت عليها- قلت: كيف تغاضبوا؟ قال: غضب علي رضي الله عنه على فاطمة بنت الرسول فسبها وسب أباها -أستغفر الله، وهذا الشايب الكبير نبه عليه فرفض يقول: لا. هذه صحيحة- فذهبت فاطمة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: غاضبني علي، فأرسل إليه فقال: يا علي! اذهب وخذ هذه العصا وابحث لي في الغابة عن عصا مثل هذه العصا، فذهب، قال: فلما ذهب يبحث في الغابة ما وجد عصا مثل هذه العصا، ووجد شيخاً كبيراً خاف منه علي وفر -وهي قصة طويلة- فلما رجع قال: ما وجدت مثل هذه العصا، قال: أما هذه العصا فـ فاطمة لم تجد في النساء مثلها، وأما الرجل الذي رأيته في الغابة ففرت منه فأنا، فلذلك أنا أشجع منك. هذه لا تصح ولا تروى وقد كثرت من الخزعبلات، فعلى طالب العلم أن ينتبه؛ لأنه ربما كان في بعض النواحي آثار للابتداع والمغالاة في حب علي أكثر مما أنزله أهل السنة منزلته، رضي الله عنه وأرضاه، ونشهد الله على محبته، وأنه أمير المؤمنين، ومن المجاهدين، والصادقين، ومن الزهاد، والعباد، لكن لا نغلو ولا نفتري في سيرته، ولا نحمل سيرته ما لا تتحمل، فقد برأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً، وهو رابع الخلفاء، ورابعهم في الفضل، وهو ابن عم محمد عليه الصلاة والسلام، ومنزلته من الرسول عليه الصلاة والسلام كمنزلة هارون من موسى.

قصة مكذوبة عن أبي بكر

قصة مكذوبة عن أبي بكر القصة الخامسة: يوجد أثر يروى -وهو موجود في بعض الأشرطة- يقولون: أرسل الله جبريل إلى محمد عليه الصلاة والسلام، فقال جبريل: {يا رسول الله! إن الله يقرئك السلام، ويقول: أقرئ أبا بكر السلام، وقل له: هل رضيت عني فإني قد رضيت عنك؟ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أبا بكر وقال: إن الله: يقرئك السلام ويقول: هل رضيت عنه، فإنه قد رضي عنك؟ قال: نعم. ولكن والله لا آمن مكر الله، ولو كانت إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها}. هذه قصة مكذوبة، إنما نبهت عليها لأنها موجودة في بعض خطب الجمعة لبعض الناس، هذه لا تصح وهي مخالفة للنصوص، وسندها باطل، ولم يحدث شيء من ذلك أبداً، فلينتبه إليها المسلم، وفيها ملاحظتان: أولاً: الرجاء مطلوب، وأبو بكر صاحب رجاء. ثانياً: هذه الصيغة لم ترد، وسندها واه جداً، بل لم يثبتها أحد من أهل الصحاح.

قصة دفن عمر في القبر

قصة دفن عمر في القبر القصة السادسة: أن أحد الناس يقول: لما دفن عمر رضي الله عنه في القبر، أرسل الله إليه ملكين يسألانه، فاستيقظ عمر في القبر، وقال: من ربكما؟ من نبيكما؟ وما دينكما؟ قالوا: من قوة إيمان عمر سألهما بدلاً من سؤالهما إياه. الأمر الأول: أن هذه قصة باطلة وسندها لا يصح. الأمر الثاني: أن هذا الأمر من الله عز وجل لكل الناس، ولم يستثن به إلا من استثناه برحمة منه. الأمر الثالث: من أخبر الناس أن عمر قام في قبره؟! قالوا: رئي في المنام، وهذه من تلفيقات بعض القصاص، ولم تصح أبداً ولم يرد ذلك في سند صحيح فليتنبه لها المسلم.

قصة مكذوبة عن معاذ بن جبل وأبي بكر الصديق بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

قصة مكذوبة عن معاذ بن جبل وأبي بكر الصديق بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وجد شريط كامل فيه قصة وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام يتحدث فيه رجل بصوت يظهر عليه أنه عامي، يتحدث بصوت يُبْكي لا يسمعه الإنسان إلا وهو يبكي، ولا يدري من القصة شيئاً، فهو يجعلك تبكي بالقوة، روى قصة يوم أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن، ثم أتت قصة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى معاذ فرآه في المنام، قال: فقام معاذ في الصباح، فحثى التراب على رأسه وقال: واحبيباه! واخليلاه! واقرة عيناه! وهذا كذب على معاذ، فمعاذ الله أن يحثي بالتراب على رأسه، ولن يفعل، بل هو حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين، وليس بصاحب نياحة. وأتى هذا القصَّاص بالخزعبلات، قال: فأتى معاذ من اليمن فطرق على أبي بكر الباب، قال أبو بكر وهو يبكي فوق الرسول صلى الله عليه وسلم: من بالباب؟ من الذي يذكرنا فقد الأصحاب؟ من الذي أبكانا على الأحباب؟ قال: أنا اخرج، قال: فخرج أبو بكر ثم أنشد أبو بكر قصيدة في وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم رد عليه معاذ بقصيدة، ثم ذهب إلى عمر وكلها قصائد غزل لـ مجنون ليلى ولـ كثير عزة، وهذا هو العجيب! من ضمنها أبيات لا يصح أن تقال عن الصحابة، يقول: وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا وهذه أبيات مجنون ليلى في القرن الثاني، ومنها أيضاً هذه، ومع أنه لم يوردها في الشريط لكن من القصيدة المذكورة: يقولون ليلى في العراق مريضة فياليتني كنت الطبيب المداويا وإني لأستغفي وما بي غفوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا وهذا الشريط منتشر، وهو كذب، ولا يصح أن يروى ولا أن يستمع إليه؛ لأنه نسب إلى الصحابة ما برأهم الله منه، فهم عدول وأخيار، ويتعاملون بالكتاب والسنة، وفيهم زهد وصدق مع الله. وما كان أبو بكر مثل العجوز وراء الباب يَبَكِي، بل قام بالسيوف المسلولة على المنبر على أهل الردة، وقال: [[والله الذي لا إله إلا هو! لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه للرسول عليه الصلاة والسلام لقاتلتهم عليه]]. أبو بكر أخذ الراية يوم الجمعة ومكتوب فيها: لا إله إلا الله ونصبها، وأتى بقادة الجيوش خالد بن الوليد، وعكرمة وأسامة، ثم سلمهم الرايات لقتال المرتدين. أتى أبو بكر يوم مات عليه الصلاة والسلام، وقد كان في مزرعة في العوالي، وأتاه الخبر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأتى وعليه السكينة، عجباً من قلبك الفذ الكبير! تتهادى حاملات للرؤى، أتى يشق الصفوف، ودخل أولاً فسلم على الرسول عليه الصلاة والسلام وهو مسجى، ثم كشف الغطاء عن وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقد فارق الحياة -بأبي هو وأمي- ثم دمعت عينا أبي بكر الصديق على خد المصطفى وقبَّله، وقال: [[ما أطيبك حياً! وما أطيبك ميتاً! أما الموتة التي قد كتبت عليك فقد ذقتها، ولكن والله لا تموت بعدها أبداً]] ثم خرج باتزان والمدينة تثور مثل القِدر إذا استجمع غليانه، كبار الصحابة ومنهم: عمر كان يخر على قدميه في الأرض خوفاً ووجلاً، وأتى أبو بكر وإذا عمر واقف بالسيف يقول: [[يا أيها الناس! ما مات الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن زعم أنه مات ضربت عنقه بهذا السيف، إنما سافر إلى الله مثلما سافر موسى إلى ربه، وسوف يعود إلينا]]. فقام أبو بكر فقال: [[اسكت يا عمر! ثم صعد المنبر فخطب خطبة ما سمع الدهر بمثلها، وقال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله؛ فإن الله حي لا يموت: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]]]. قال عمر: [[فوالله كأني أول مرة أسمع هذه الآية]]. قام أبو بكر فدعا أسامة لأن الرسول عليه الصلاة والسلام في مرض موته استدعى أسامة، وكان عمر أسامة سبعة عشر سنة وبعض الناس عمره سبعة عشر سنة وهو لا يعرف إلا لعب البلوت والمراسلة وجمع الطوابع وليس عنده من المقاصد شيء، لكن أسامة يقود الجيش، ويفتح الفتوح. محمد بن القاسم عمره سبع عشر سنة وفتح السند وقاتل داهر ملك السند، وذبحه كذبح الدجاجة، وهدم الأصنام وفتح ما يقارب عشرين مدينة في جهات أفغانستان، والسند والهند. إن السماحة والنجابة والندى لـ محمد بن القاسم بن محمد قاد الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سؤدداً من مولد كان ابن عباس يفتي هو صغير، والآن بعضهم لا يعرف كيف يصلي وعمره عشر سنوات، بل بعض الأطفال يتقلبون في السجود ويتمرغون وعمرهم اثنا عشر وعشر سنوات وكأنهم يسبحون في الماء في المسجد. المقصود هنا: أن أبا بكر أعطى الراية أسامة، قال الصحابة: يا خليفة رسول الله! لو أبقيت الجيش لأننا نخاف على المدينة، يعني: وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كون جرحاً في قلب الأمة، ويخاف على العاصمة أن تهتز، فتحتاج إلى حراسة متينة للخليفة الجديد والحكومة الجديدة، فنرى أن يبقى الجيش هنا هذه الأيام، قال أبو بكر: [[والله! لو أن الطير تخطفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأنفذن جيش أسامة]]. فخرج أسامة وأبو بكر يكلم أسامة وأسامة على فرسه، وكان أسامة يمسك الفرس بلجامه لئلا لا يعدو ويستمع لكلام الخليفة، فأتى أسامة ليقفز من على الفرس ليركب أبا بكر؛ لأن الخليفة أفضل منه وهو يمشي على الأرض، وأسامة القائد على الفرس. قال أبو بكر: والله لا تنزل ولا أركب وما عليّ أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله. رضي الله عن سعيك ما اغبرت أقدامك؟! أنت مغبر أقدامك في سبيل الله منذ بدأ الإسلام، غبر قدمه، وأبكى عينه، وسلم دمه وماله في خدمة لا إله إلا الله. إذاً: فقصة الوفاة التي تروى في هذا الشريط بهذا الأسلوب لا تصح.

قصة لربيعة الرأي

قصة لربيعة الرأي القصة السابعة: وهي من القصص المشهورة ويعرفها طلبة العلم، وهي مشهورة في بعض المذاهب، يقولون: كان ربيعة الرأي من علماء المدينة، وكان قد خرج أبوه وأمه حامل به، فخرج أبوه يجاهد في سبيل الله، فمكث في الجهاد ثلاثين سنة، ثم أتى وقد أنجبت امرأته ولداً فنشأ هذا الولد - ربيعة - فتعلم العلم وأصبح معلم أهل المدينة، وهو جالس في المسجد، فأتى والده فدخل المسجد وعجب من هذا العالم؟ أي: ربيعة وهو لا يعرف أنه ابنه، ثم ذهب إلى البيت فوجد امرأته عندها رجل وهو ربيعة وهو لا يعرفه، فقام يقاتله، قالت المرأة: من أنت؟ قال: أنا فروخ، قالت: أنت والده وهذا ابنك. هذه القصة أبطلها الذهبي، وهي مذكورة في كتاب صور من حياة التابعين، ولو أن مؤلف هذا الكتاب عبد الرحمن رأفت الباشا رحمه الله عالم فيه خير كثير وعجيب، لكن هذه لا تثبت، بإسناد ثابت عن أهل العلم.

قصة مكذوبة عن توبة مالك بن دينار

قصة مكذوبة عن توبة مالك بن دينار القصة التاسعة: قصة توبة مالك بن دينار، وهي موجودة في خطب الجمعة لبعض الفضلاء، وهي قصة باطلة. يقولون: كان مالك بن دينار في شبابه جندياً وكان سكيراً يشرب الخمر كشرب الماء، وكان يترك الصلاة، ثم ماتت ابنته، فرآها في المنام كأن ثعباناً يطارده فالتجأ إلى ابنته -في قصة طويلة- فقام من النوم وهو يبكي، وهرع فزعاً خائفاً وجلاً، فتاب إلى الله، فهذه القصة باطلة وسندها لا يصح لأمرين: الأمر الأول: أن مالك بن دينار صالح من صغره. الأمر الثاني: أن مالك بن دينار لم يتزوج، ولم يكن له بنت، فالقصة هذه إذا سمعتها فلا تصدقها.

مدى صحة نسبة كتاب الحيدة إلى مؤلفه

مدى صحة نسبة كتاب الحيدة إلى مؤلفه ومن القضايا أيضاً كتاب الحيدة لـ عبد العزيز الكناني لا يصح، إن هذا الكتاب أصله مناظرة، ولم ينقل ابن تيمية عنه، فمقصود ابن تيمية أن هذا الكتاب ألفه عبد العزيز الكناني، لكن المحاورة التي جرت بين عبد العزيز الكناني والمعتزلة أو المأمون ليست بثابتة عند أهل العلم، ينكرها الذهبي وأمثاله، فـ كتاب الحيدة هذا فيه نظر لأمور: أولاً: أين سند الرواية؟ ثانياً: كيف أن الغالب دائماً هو عبد العزيز الكناني وذاك المبتدع هو المغلوب مع أن له حجج. ثالثاً: من الذي شهد القصة فكتبها فما خرم حرفاً؟ رابعاً: يقول الخليفة: إن كان الحق معك يا عبد العزيز! رجعت إليه، وإن كان مع خصمك عدت معه، وما رجع الخليفة والحق كان مع عبد العزيز الكناني.

أحاديث مكذوبة عن رسول الله

أحاديث مكذوبة عن رسول الله حديث أن الرسول كان مع الصحابة فخرجوا في غزوة فلما عادوا من الغزوة إلى المدينة قال: {رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر} هذا حديث باطل موضوع ولا يصح، بل الجهاد الأكبر هو الجهاد في سبيل الله؛ لأنك في سبيل الله تجاهد نفسك وتجاهد الكفار، وأما في بيتك فتجاهد نفسك وحدها، فلا يصح هذا الحديث إليه عليه الصلاة والسلام، ولينتبه له فهو حديث باطل. أيضاً حديث: {من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر؛ لم يزد من الله إلا بعداً} حديث باطل، بل معناه خطأ، بل الذي يرتكب المعاصي وهو يصلي أقرب إلى الله من الذي يرتكب المعاصي ولا يصلي، والصلاة لا تزيد صاحبها إلا قرباً من الله، ولا تزال الصلاة بصاحبها حتى يكون صديقاً وولياً من أولياء الله، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].

عدم صحة نسبة كتاب الصلاة للإمام أحمد

عدم صحة نسبة كتاب الصلاة للإمام أحمد هناك كتاب للإمام أحمد بن حنبل اسمه: كتاب الصلاة، لا تصح نسبته إليه وهو كذب، فالإمام أحمد لم يؤلف كتاباً عن الصلاة مستقلاً، وأسلوبه ركيك عصري، وقد نبه أهل العلم عليه أنه باطل، ولا تصح نسبته إلى الإمام أحمد.

عدم صحة ما نسب أن الذهبي حذر ابن تيمية من علم الكلام

عدم صحة ما نسب أن الذهبي حذر ابن تيمية من علم الكلام نسبة كتاب أرسله الذهبي لـ ابن تيمية ينصحه ويحذره من علم المنطق لا يصح، وهو كذب، وقد بين كثير من الكتاب أنه لا يصح أن الذهبي أوصى ابن تيمية أن يترك علم المنطق أو يتعلم علم الكلام؛ لأن مقصود ابن تيمية أن يتعلم علم المنطق وعلم الكلام ليرد على أصحاب هذا الفن، فما كتب له الذهبي بذلك شيئاً.

قصة مكذوبة عن الإمام مالك وجلد القاذفة

قصة مكذوبة عن الإمام مالك وجلد القاذفة تسمع بعض الناس يقول: أتت امرأة تغسل امرأة ماتت في المدينة، فلما أتت تغسلها، قالت المُغَسِّلة للميتة: هذه زانية، فالتصقت يدها -عقوبة من الله- بجلد هذه الميتة، فذهبوا يسألون: فوقعوا على الإمام مالك، فقالوا: قال الإمام مالك، اجلدوها ثمانين جلدة -حد القاذف- وسوف تطلق يدها، فجلدوها ثمانين جلدة فانفكت يدها. فهذه قصة مكذوبة ولا توافق الأصول ولا الأحاديث، ونسبتها إلى الإمام مالك خطأ.

أسباب وضع الأحاديث أو القصص

أسباب وضع الأحاديث أو القصص نتساءل: ما أسباب الكذب؟ لماذا يكذب الإنسان؟ ما هو الحامل للإنسان على أن يكذب؟

نقص الإيمان

نقص الإيمان أولاً: نقص الإيمان، فإن الإيمان وهو مراقبة الله عزَّ وجلَّ إذا نقص في قلب العبد كذب، والكذب درجات، ولكن من يكذب ففيه شعبة من النفاق، ولا يزال الرجل يكذب، حتى يكتب عند الله كذاباً، ونعوذ بالله من الكذب!

التزلف إلى السلاطين والأثرياء

التزلف إلى السلاطين والأثرياء من أسباب الكذب: التزلف إلى السلاطين والوجهاء والأثرياء، مثلما فعل بعض الناس من الكذابين عند الخلفاء العباسيين ووضعوا لهم أحاديث في فضل الخلفاء، أي: تولى المهدي وأبو جعفر المنصور، فقال أحد المتزلفين: (أبو جعفر المنصور خير أمتي) وهذا كذب عليه عليه الصلاة والسلام. أتوا بعد ما مات أبو جعفر تولى المهدي فوضعوا فيه حديثاً، مات المهدي فأتى الهادي فوضعوا فيه حديثاً، أتى هارون الرشيد فوضعوا فيه حديثاً، فهم مستعدون لكل خليفة. أحدهم دخل على المهدي وهو يلعب بحمام عنده، فقال: ما رأيك يا فلان في لعب الحمام؟ قال: يقول عليه الصلاة والسلام: لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر أو جناح، الجناح: من كيسه من أجل أن يبرر للخليفة أن يلعب بالحمام. والرسول صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه يقول: {لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر} خف: أي: في الجمال ونحوها، وحافر: الخيل، ونصل: الأسهم، فأتى هذا، فقال: لا سبق إلا خف أو نصل أو حافر أو جناح، فأدخل الحمام. من ضمنهم كذاب قام في مسجد والإمامان أحمد ويحيى بن معين جالسان في هذا المسجد -في البصرة - وهذا الكذاب تورط وذلك أنه لا يعرف الإمام أحمد ولا يحيى بن معين، والإمام أحمد ويحيى بن معين محدثا الدنيا، فقال هذا الكذاب: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا: حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قال لا إله إلا الله؛ خلق الله له طائراً منقاره من ذهب، ونونيته من زبرجد وريشه من جوهر إلخ، فأتى بقصة طويلة، وبعد ذلك وفي آخر الموعظة طلب الناس دراهماً، فاستداعاه الإمام أحمد وقال: تعال فأتى وظن أن الإمام سيعطيه، فاقترب من الإمام أحمد ومد يده أي: اعطني، فأمسكه الإمام أحمد وقال: أنا أحمد بن حنبل وهذا يحيى بن معين، ما حدثناك بهذا الحديث، فماذا يقول هذا الكذاب؟ قال: سبحان الله ما أجهلك! -يقول للإمام أحمد - ما في الدنيا إلا أنتما أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، لقد حدثت عن سبعة عشرة رجلٍ أسماؤهم يحيى بن معين، وعن سبعة عشر رجلٍ أسماؤهم أحمد بن حنبل، أنت فقط في الدنيا؟! هذه جريمة، وهذا سبب من أسباب الكذب.

تحسين مهنة أو بضاعة أو تقبيحهما

تحسين مهنة أو بضاعة أو تقبيحهما ومنها: أن بضعهم يريد تحسين عمل من الأعمال أو مهنة من المهن، أو حرفة من الحِرف، وبعضهم يحقد على بعض الناس فيضع عليهم أحاديث، مثل حديث موضوع موجود في كتاب الموضوعات، رجل يبغض الصباغين الذين يصبغون الفضة، قال: يقول عليه الصلاة والسلام: {أكذب أمتي الصواغون والصباغون} وهذا كذب. ورجل لديه باذنجان يريد أن يبيعها ما ابتاعت معه، فوقف في السوق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الباذنجان لما أكل له. ورجل آخر ذكره أهل العلم أنه كان عنده ديك فنزل في السوق يحرج عليه: من يشتري الديك؟ من يشتري الديك؟ فبقي إلى صلاة الظهر فلم يشتره أحد، فقال: سمعت فلاناً قال: حدثنا عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الديك من حيوان الجنة، ثم أتى بقصة طويلة فاشتُري الديك منه.

حسن المقصد

حسن المقصد ومن أسباب الكذب: أن بعضهم عنده مقصد حسن، ولكن وسيلته سيئة، فيريد الخير ولكن بالكذب، قيل لـ ابن أبي مريم: لماذا تكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من كذب عليّ متعمداً} فأجاب وقال: أنا أكذب له لا أكذب عليه، وقد وضع في فضل كل سورة حديثاً، حتى أتى بمائة وأربعة عشر حديثاً، كلها موضوعة في فضائل السور، فهذا مذموم وقصده أن يدفع الناس لقراءة القرآن وقد أخطأ، وضل سبيله، وكذب على رسول الله عليه الصلاة والسلام.

الزندقة والعداء للإسلام

الزندقة والعداء للإسلام ومنها: أغراض أخرى قد تكون في نفس الكاذب يريد أن يمشيها مثل: العداء للإسلام. أحد الزنادقة، أتى هارون الرشيد ليقتله، فقال لـ هارون الرشيد: اقتلني أو لا تقتلني والله لقد وضعت على الأمة وكذبت على أمة محمد أربعة آلاف حديث، قال هارون الرشيد: أقتلك وأتقرب بدمك إلى الله، وأربعة آلاف حديث سوف يقيض الله لها رجالاً يخرجونها ومنهم ابن المبارك، فذبحه هارون الرشيد، ثم نقحت أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل المحدثين. ومنها: أن يكون أعطي الزندقة، مثل: أن يأتي بحديث يطعن في الإسلام والعياذ بالله! أو في الرسالة، ومن الأحاديث على سبيل المثال التي تخالف المعتقد والتي لم يأتِ بها الرسول صلى الله عليه وسلم ما قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أحيا الله له أباه وأمه فكلمهما حتى أسلما ثم عادا ميتين في القبر، وهذا خطأ. أو أن أبا طالب أسلم قبل أن يموت، وهذا يعارض الأصول الصحيحة التي وردت في الكتاب والسنة.

وسائل الكشف عن الأحاديث المكذوبة

وسائل الكشف عن الأحاديث المكذوبة كيف تعرف الحديث المكذوب؟ لك وسائل في كيفية كشف الأحاديث المكذوبة، وسوف أخبركم بكتب الأحاديث الصحيحة وكتب الأحاديث الباطلة. من الوسائل التي تكشف لك الحديث المكذوب: السند: إذا كان في السند راو كذاب، فاعتبر الحديث واه ومنكر وموضوع. الأمر الثاني: أن ينبه أحد علماء الإسلام عليه، وهو عالم ثقة، مثل أحمد أو ابن معين، أو ابن أبي حاتم، أو ابن المديني، أو سفيان، أو البخاري وكنحوهم فيقول: هذا حديث كذب، لا يصح عنه عليه الصلاة والسلام. الأمر الثالث: أن يعارض قواعد الدين، فيطعن في قواعد الدين الكلية وأصوله الثابتة، فهذا يرد. الأمر الرابع: أن يكون ركيك الأسلوب، فيستحيل أن يتكلم صلى الله عليه وسلم بمثل كلام العجم، أو مثل قول: بطني توجعني، أو غير ذلك من الألفاظ الركيكة، هذا كلام لا يقوله محمد صلى الله عليه وسلم، محمد عليه الصلاة والسلام أفصح الناس، أوتي جوامع الكلم: {إنما الأعمال بالنيات} {مطل الغني ظلم} {احفظ الله يحفظك} مثل: {دع ما يريبك إلى ما لا يريبك} وهذا الأحاديث الجميلة التي من كلامه عليه الصلاة والسلام. أما حديث ثقيل المعاني فإنه لا يقوله عليه الصلاة والسلام، مثل: أن يعلم القلب أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول ذلك، مثل حديث: إن جبريل نزل فأمرني بالهريسة، وقال: إنها تشد الظهر وتزيد في الجماع، فحديث الهريسة هذا لا يصح، وأحاديث أخرى باطلة. والأحاديث الواهية تعرف في كتب، مثل: اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، للقارئ، الفوائد المجموعة للشوكاني، كتاب الموضوعات لـ ابن الجوزي، كتاب المقاصد الحسنة للسخاوي، كتاب: تمييز الطيب من الخبيث لـ ابن الديبع، وكتاب: كشف الخفاء للعجلوني، هذه تبين لك الأحاديث. أما كتب الأحاديث الصحيحة: البخاري مسلم، ومثل ما يجمع بين الصحيحين، وصحيح ابن خزيمة في الغالب، وصحيح ابن حبان في الغالب، أما الحاكم فلا يوثق بتصحيحه، ويعاد إلى الكتب المصححة الآن في هذا العصر، مما أجمع أهل العلم على تصحيحها، والله أعلم.

كتب ينصح باقتنائها

كتب ينصح باقتنائها أوصيكم إخوتي في الله بأن تستحضروا في بيوتكم بعد المصحف: تفسير ابن كثير، ورياض الصالحين للنووي، وبلوغ المرام لـ ابن حجر، ومختصر صحيح البخاري للزبيدي، مختصر صحيح مسلم للمنذري، وصحيح الجامع الصغير للألباني وأمثال هذه الكتب حتى تراجعوها وقت الحاجة.

اقتراح بتأسيس مجلس لكل حي

اقتراح بتأسيس مجلس لكل حي هناك اقتراح وهو مكتوب في بعض الكتيبات لبعض العلماء الفضلاء في الساحة، هذا الاقتراح جميل وأنا أدعوكم إليه علّ الله أن ينفع به، وما أمامي إلا رجل فاضل أو عابد أو مسئول أو طالب علم، أو مثقف، أو خير، أو وجيه، جعلنا الله وإياكم من الوجهاء عنده، الاقتراح يبدأ بأن يؤسس في كل حارة مجلس، وقد نادى به بعض العلماء وهو موجود في كتيب وقد عمل به في جدة ونجح نجاحاً باهراً، وهو أن يجتمع إمام المسجد والمؤذن وأحد الأشخاص في الحارة، ثلاثة أنفار أو أكثر، هؤلاء يقومون بعمل برنامج للحارة، من ضمنها مجلس في الأسبوع مثلاً، مساء الجمعة أو مساء الخميس، يجتمع فيه أهل الحارة، مثلاً: بين المغرب والعشاء بدون كلفة، يدار عليهم الحديث الطيب، مع البخور والقهوة والشاي، ويتحدثون في شئونهم في الحارة. يجتمعون فإذا كان هناك مريض زاروه، وإن كان هناك عاطل وظفوه، وإن كان هناك متخلف عن المسجد نبهوه، وإن كان هناك فقير أعطوه، وإن مات ميت شيعوه، فيكون هذا المجلس يعرف أنباءهم وأخبارهم ويكون بينهم تساعد وتعاون حتى يكونوا سوياً. من ضمن بنود هذا المجلس: أن يحاولوا أن يجلسوا من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء في المسجد للعبادة، وهذا كان يعمل به في هذه المنطقة وفي غيرها، وبعض العباد لا يزال يعمل به في بعض النواحي، إذا صلى المغرب جلس إلى العشاء، لأن الوقت مختصر، إلا من كان عنده ضرورة أو عمل أو أمر أو ارتباط، والوقت ساعة أو ما يقارب الساعة، تتصل فيه بالله وتخلو بنفسك، لأننا أعطينا أوقاتنا للهاتف والسيارة والأطفال والمنتزهات، ثم نصلي هذه الصلاة خمس دقائق وعشر دقائق فلا نستطيع من قسوة قلوبنا أن نلينها بذكر الله. فإذا صليت -مثلاً- تجلس مع إخوانك في المسجد وتأخذ مصحفاً أو كتاباً، ولا يلزم أن يكون بينهم طلبة علم، وإذا حضروا فأفضل، لكن يقرءون في القرآن أو في كتاب أو يسبِّحون، أو يتجه الإنسان إلى القبلة ويذكر الله، ويهلل مئات التهليلات، وآلاف التسبيحات فتكتبها الملائكة له، وهذا من المغرب إلى العشاء، ومن استطاع مع هذا من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس فهو من أجمل ما يكون! ويقترح العالم كذلك: أن تكون هناك زيارة للأحبة في الحارة، وأن يكون بينهم تعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يقرروا طالباً أن يقرأ عليهم -مثلاً- في رمضان وفي غيره من رياض الصالحين أو من أي كتاب آخر. ومن أجمل الاقتراحات ما يكون! ما اقترحه هذا العالم يقول: يكون لهذا المجلس صندوق فيه شيء من المال يدفع لمنكوب، أو متزوج، أو فقير، أو محتاج، أو مشروع في صالح الحارة، ويقترح من ضمن هذا الاقتراح وسوف أجمعه في مذكرة صغيرة: إذا كان هناك مشروع للحارة أن يتساعدوا في مراجعة المسئولين -مثل: مشروع ماء للحي والكهرباء إلخ- {يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار} ولعل أهل القرى أن يفعلوا ذلك ويجربوا هذا الفعل، وإذا فعلنا ذلك سوف نسعد جميعاً؛ لأن العاصي سوف ينفرد، وتارك المسجد والجماعة سوف يستحي، لأن أهل الحارة كلهم مجمعون على مجلس وهو يخالفهم، هم ينصحونه وهو يرفض، إذا فيجتمع المجلس اجتماعاً طارئاً، ويقرر بالإجماع أن يهجروه شهراً، تتزوج ابنته لا نساعده، يتزوج ابنه نقاطعه؛ لأنه قطع المسجد بعد نصيحته وبعد إنذاره، فإذا فعل ورجع فبها ونعمت، وإلا فنقاطعه حتى يرتدع، إنسان عاصٍ رأينا عليه ملاحظة، نكتب له رسالة بأسلوب، ولا نجرح مشاعره أمام الناس. لأن بعض الناس إذا صلَّى بعد صلاة العصر والجماعة مجتمعون، قال: يا عباد الله! فلان بن فلان فعل وفعل. ولكن تكتب له رسالة في ظرف من إمام المسجد أو من اللجنة، تنبهه أنه تخلف عن المسجد، وتهدي له شريطاً إسلامياً، أو كتيباً في بيته، ولا تفضحه أمام الناس، بل تدعوه بأسلوب لعل الله عز وجل أن يهديه سواء السبيل. هذا الاقتراح، علَّه أن يصادف -إن شاء الله- عندكم قبولاً، ولعلكم تفكرون فيه بتمعن، ومن عنده زيادة واقتراح فليفدنا به مكتوباً فإنه مما يستحسن هذا، لعل الله أن ينفع بهذا الاقتراح الإسلام والمسلمين، تقدم في بنود وفي مسائل وفي اقتراحات، مشذبة ومهذبة، لأن رأي الاثنين أحب إلينا من رأي الواحد، فلعل منكم رجل خير ينفعنا باقتراح، ويسمى مجلس الحارة، لنحيي حياة السلف الصالح التي عاشها محمد عليه الصلاة والسلام. في كثير من الحارات اليوم لا يعرف الجار جاره، حتى ينتقل وينقل عفشه، يسكن عنده في العمارة ثمان سنوات لا يعرفه، ولا سلم عليه، ولا دخل عنده، ولا قدم له خدمة، ولا زاره يوم مرض، ولا نصحه، ولا واساه، ولا آخاه، ولا أعطاه، فأين الجيران في الإسلام؟ بعضهم عمارته ثلاثة أدوار، فيها شقق كثيرة ومسلمين من كل فج عميق، يصلون في المسجد ولكن لا يتعارفون، حتى بعضهم لا يسلم على بعض! هذا خلاف منهج الإسلام، وهذا هو الضياع بعينه، يقول عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده! لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم}.

الأسئلة

الأسئلة .

حال حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا

حال حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً Q ما رأيك بقصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين وسأل أحد العلماء هل لي من توبة؟ فرد عليه بقوله: ليس لك من توبة فكمل به المائة؟ A هذا في الصحيحين: في صحيح البخاري وصحيح مسلم.

حال حديث الرجل الذي أوصى بحرقه بعد موته

حال حديث الرجل الذي أوصى بحرقه بعد موته Q قصة الرجل الإسرائيلي الذي أوصى بأن يُحرق، فغفر الله له؟ A هذه الرواية في الصحيحين، عند البخاري ومسلم.

قصة بحيرى

قصة بحيرى Q ما قصة بحيرى؟ A بحيرى الراهب ذاك الذين يقولون: سافر الرسول صلى الله عليه وسلم إليه، لا تصح، وفي سندها ضعف، لأنهم يقولون: إن بلال كان معه وقد قال الذهبي: يمكن أن يكون بلال لم تلده أمه بعد، فلا تصح هذه القصة.

حال حديث: (أدبني ربي)

حال حديث: (أدبني ربي) Q هل حديث: {أدبني ربي فأحسن تأديبي} صحيح؟ A هذا الحديث رواه ابن عساكر عن أنس بسند ضعيف، قال ابن تيمية: سنده ضعيف ومعناه صحيح.

سؤال حول قصة الإمام مالك مع المرأة القاذفة

سؤال حول قصة الإمام مالك مع المرأة القاذفة Q أورد الشيخ عبد الحميد كشك قصة المرأة التي جلدها الإمام مالك أو أمر بجلدها؟ A ولو أوردها فليس بمعصوم حفظه الله وغفر الله لنا وله.

الحكم على قصة عمر مع الأصنام في الجاهلية

الحكم على قصة عمر مع الأصنام في الجاهلية Q يقولون: إن عمر رضي الله عنه قال: أبكي من واحدة وأضحك من أخرى: أبكي إذا تذكرت ابنتي عندما دفنتها وهي تزيل التراب عن لحيتي، وأضحك عندما أتذكر ما كنت أقوم به عندما كنت أصنع في الجاهلية أصناماً من تمر فإذا جعت أكلتها؟ A لا يصح هذا، وليس بثابت عن عمر.

حال حديث: (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين

حال حديث: (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين Q حديث: {اللهم أعز الإسلام أو انصر الإسلام بأحد العمرين}؟ A هذا ليس بصحيح.

حال حديث: (والله لو وضعوا الشمس في يميني)

حال حديث: (والله لو وضعوا الشمس في يميني) Q حديث {والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته}؟ A لا يصح.

حال الأحاديث في كتاب رياض الصالحين

حال الأحاديث في كتاب رياض الصالحين Q هل الأحاديث الموجودة في كتاب رياض الصالحين صحيحة؟ A غالبها أو كلها صحيحة إلا ثلاثة عشر حديثاً فيها ضعف، لكن لا بأس أن تقرأ على الناس ويعمل بها، فليس فيه أحاديث باطلة والحمد لله.

سؤال عن المختصر للصابوني

سؤال عن المختصر للصابوني Q المختصر للصابوني فيه أخطاء؟ A نعم فيه بعض الأخطاء، ولكن يستفاد منه، ولكن فيه أخطأ في بعض الأسماء والصفات، ينبه عليها وقد نبه عليها بعض الفضلاء فلينتبه له.

هارون أخو مريم ليس هو هارون أخا موسى

هارون أخو مريم ليس هو هارون أخا موسى Q قال سبحانه: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} [مريم:28] فهل هارون المذكور في الآية أخو موسى عليه السلام، فتكون مريم أخت موسى، أم هارون هو رجل آخر؟ A بل صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه رجل آخر، وليس أخو موسى، وقال صلى الله عليه وسلم: {كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم} فسموا أخا مريم هارون، على اسم هارون أخي موسى، وليس أخو موسى هو أخو مريم في هذه القصة، فليتنبه لذلك.

حال حديث: (إن الله جميل)

حال حديث: (إن الله جميل) Q حديث {إن الله جميل يحب الجمال}؟ A حديث صحيح عند مسلم.

حال حديث: (إن الله نظيف)

حال حديث: (إن الله نظيف) Q حديث {إن الله نظيف يحب النظافة}؟ A عند الترمذي بسند ضعيف.

حكم إلقاء القصص المكذوبة

حكم إلقاء القصص المكذوبة Q مدرس كان يقص بعض القصص والتي ذكر أنها مكذوبة ولم يكن يعلم كذبها وقصها ليفيد الطلاب؟ A أولاً: غفر الله له، وعليه أن ينبههم بألا يغتروا بهذه القصص، ويكتفي بالأحاديث الصحيحة، دخل عمر رضي الله عنه وأرضاه وإذا برجل يقص على الناس أحاديثاً باطلة، قال عمر: [[ماهذا؟ قالوا: قصاص، فأتى إليه قال: ماذا تفعل؟ قال: أقص على الناس، فأخذ عمر الدرة وضربه على رأسه، وقال: الله يقول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: ة3] وأنت تقص على الناس قصصاً كاذبة]].

اليهود وسبب تحويلهم إلى قردة

اليهود وسبب تحويلهم إلى قردة Q يقول العوام: إن الله ما حول اليهود إلى قردة وخنازير إلا لأنهم سرقوا عصا الرسول صلى الله عليه وسلم ودرته وصحفته؟ A لا يصح، وقد حولهم الله قبل مبعث الرسول عليه الصلاة والسلام بمئات السنوات، وليس هذا بثابت ومن قال هذا فقد أخطأ، ولم يأت شيء في ذلك بسند صحيح.

حال قصة مصارعة الرسول لركانة

حال قصة مصارعة الرسول لركانة Q قصة مصارعة الرسول صلى الله عليه وسلم لـ ركانة؟ A ضعيفة، ليست ثابتة، ذكر أهل العلم أنه صارع ركانة، لكن يوردونها في السيرة، لأن السيرة يتساهل فيها ما لا يتساهل في الأحكام.

حال قصة ابن المبارك مع بهران

حال قصة ابن المبارك مع بهران Q قصة عبد الله بن المبارك مع بهران المجوسي؟ A ما أعرف ما هي قصة بهران، وأما اليهودي الذي دعا له بالإسلام فأسلم فهي صحيحة.

هل الفخذ من العورة؟

هل الفخذ من العورة؟ Q كيف يجمع العلماء بين الأحاديث التي ترى بأن الفخذ ليس بعورة وبين الأحاديث التي ترى بأن الفخذ عورة؟ A عند الحاكم، عن عبد الله بن جعفر بسند صحيح، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {عورة المسلم من السرة إلى الركبة} وله شاهد عند الدارقطني، وصح عنه عليه الصلاة والسلام عند أحمد وغيره أنه قال: {يا جرهد! غطِ فخذك فإن الفخذ عورة} هذان الحديثان والأثران وغيرهما يدعوان إلى أن الفخذ عورة، ولكن ورد عن أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم: أجرى فرسه في غزاة خيبر فانكشفت فخذه عليه الصلاة والسلام، جمع بينها أهل العلم فقالوا: القول يقدم على الفعل، لما قال صلى الله عليه وسلم: {الفخذ عورة} يقدم على الفعل لأنه يأثم، وبعضهم يقول: خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام وهو جمع ضعيف، وبعضهم يقول أمر طارئ، ما أراد عليه الصلاة والسلام أن يتكشف لكن انكشفت فخذه، والصحيح أن الفخذ عورة، وأن عورة الرجل من السرة إلى الركبة، وعلى ذلك لا يجوز للإنسان عند السباحة، إذا نزل مع إخوانه وزملائه في البحر أو في المسبح، أو في بركة، ولا أن يلعب الكرة بلباس قصير، فلا بد من تغطية السرة إلى الركبة.

حال حديث إن في جهنم لواد تتعوذ منه جهنم

حال حديث إن في جهنم لواد تتعوذ منه جهنم Q ما صحة هذا الحديث: {إن في جهنم لواد تتعوذ منه جهنم في اليوم سبع مرات، وإن في الوادي لبركة يُتعوذ منه الوادي سبع مرات، وأن في البركة لحية يتعوذ منها الوادي والبركة سبع مرات، يقال: أعده الله لحملة القرآن}؟ A هذا حديث موضوع وباطل، إذا سمعت السبع في السبع، أو السبعين في السبعين فهذه باطلة، مثل حديث يقول: يرزق الله عز وجل الشهيد في الجنة سبعين قصراً في كل قصر سبعون حورية، على كل حورية سبعين حلة، ويبقى في سبعين ساعة، هذا حديث باطل.

حكم من أفطر يوما من رمضان

حكم من أفطر يوماً من رمضان Q لقد أفطرت يوماً من رمضان ودار عليّ عامان ولم أقض يوماً مكانه؟ A عليك بالإطعام وقد ورد عن بعض السلف لكن لا أعرف فيه حديثاً مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم أنك مع القضاء تطعم، لكن نقول: اقض يوماً مكانه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أتاكم جبريل يعلمكم دينكم

أتاكم جبريل يعلمكم دينكم حديث جبريل الطويل؛ من أعظم الأحاديث بياناً لأصول الدين، وقد اعتنى العلماء بشرحه والاستنباط منه. والشيخ في هذا الدرس شرح لهذا الحديث العظيم، وهو من ضمن شروحه لأحاديث في صحيح البخاري.

حديث البخاري في تعيين ليلة القدر

حديث البخاري في تعيين ليلة القدر إن الحمد لله، نحمده ونستغفره، ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، نشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ورفع راية لا إله إلا الله. إن البرية يوم مبعث أحمدٍ نظر الإله لها فبدل حالها بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمةٍ جبت الكنوز فكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها في الأثر: {إن الله سبحانه نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب}. ثم أغاث الله الناس بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى أهل البيوت التي بنيت من الشجر، وفي كهوف الجبال ومن الأعلاف، وجاء إلى أهل الثياب الممزقة من الأعراب والقبائل المتناحرة المتقاتلة، فجمعهم تحت راية لا إله إلا الله، فكان صلى الله عليه وسلم يحفر الخندق في غزوة الأحزاب، ومعه المعول بيده الشريفة، وقد ربط على بطنه حجرين من الجوع صلى الله عليه وسلم، وأخذ المنافقون يتسللون لواذاً ويفرون، ويقولون: أيعدنا هذا أن نفتح قصور كسرى وقيصر، ولا يأمن أحدنا أن يبول في هذا المكان، ثم يتضاحكون كلما أخبرهم صلى الله عليه وسلم، فينزل عليه أفضل الصلاة والسلام، فيضرب بمعوله في الأرض، فإذا بنورٍ يلمع فيقول: {أريت قصور كسرى، وقد أرانيها الله سبحانه وتعالى وسوف يفتحها على أمتي، ثم ضرب ضربة أخرى فإذا نورٌ يلمع فقال: وهذه قصور قيصر أرانيها الله سبحانه وتعالى وسوف يفتحها على أمتي}. ونفذ الله سبحانه وتعالى ما وعد، وصدق الله ورسوله، ففتحنا بلا إله إلا الله ثم بالسيوف المثلمة وبالرماح التي مضى عليها الأمد قصور الدنيا، وعبرنا المحيطات والبحار بلا إله إلا الله، وصار الأعراب أمراء على الأقاليم، حتى إن سعداً رضي الله عنه لما دخل المدائن عاصمة كسرى بكى، ثم قال: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29]. مرت سحابة على بغداد، فذهبت ولم تمطر فقال هارون الرشيد: أمطري أنى شئتِ؛ فإن خراجك سوف يأتيني بإذن الله. فأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني ونحن في مثل هذه الأوقات نجلس في رياض محمد صلى الله عليه وسلم، مع المعلم الأول، مع الذي رفع رءوسنا يوم كانت مخفوظة، والذي فتح قلوبنا بعد أن كانت غلفاً، وفتح أعيننا بعد أن كانت عمياً، وأسمع آذاننا بعد أن كانت صماً، فرفع رءوسنا على الأمم حتى قال الله فينا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] في تاريخ الإنسان وحياته هم خير أمةٍ أخرجت للناس وذلك إذا كانوا يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيؤْمِنُونَ بِاللَّهِ. وكما أسلفنا في بعض الأحاديث التي مرت، وهي من رياض محمد صلى الله عليه وسلم نكتبها في كل درس، والمقصود هو اتصال القلوب بهذا النور الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم؛ التمسوها في السبع والتسع والخمس} وقد أتى الإمام البخاري بهذا الحديث في باب الإيمان.

من أخبار عبادة بن الصامت

من أخبار عبادة بن الصامت عبادة بن الصامت أحد الأصحاب الأخيار الأحباب؛ الذين رباهم صلى الله عليه وسلم على عينٍ وبصرٍ وسمع، كان من العلماء بالله، وليس من علماء الدنيا الذين يحفظون المتون، ثم يبطلون مفعولها في الأرض، كان يعلم علماً للآخرة، ولذلك عده عمر رضي الله عنه من الحفاظ، فأرسله إلى الشام معلماً ومربياً هناك، ورسولاً من رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأقاليم، فكان يجلس من بعد صلاة الفجر حتى الضحى يعلمهم القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كان يتعرض للأمراء ويمقتهم في مجلسه، وأمير الشام آنذاك معاوية بن أبي سفيان، فاشتكاه معاوية إلى عمر فاستدعاه عمر وقال: [[ما لك تنقم على معاوية؟ قال: إنه يأخذ المال وينفقه كيف يشاء، ويفعل ويفعل، قال: عد إلى الشام فقبح الله أرضاً لست فيها وأمثالك]]. ذلك لأن الأرض التي لا تطلع عليها شمس الرسالة هي أرضٌ ملعونة، فقال عمر [[قبح الله أرضاً لست فيها أنت وأمثالك، فعد إلى الشام]]. وكتب إلى معاوية: [[لك إمرة على أهل الشام جميعاً إلا على عبادة، فليس لك إمرة عليه فهو أمير عليك وأنت لست بأمير عليه]]. فلما ذهب عبادة إلى هناك كان يقول ويفعل على نور من الله سبحانه وتعالى، يتكلم معاوية وهو مسدد خال المؤمنين رضي الله عنه، ولكن الأنصار ربما لا تعجبهم بعض الكلمات التي تصدر فيتأولون، فيقوم عبادة ويقاطع كلام معاوية ويقول: لا سمع ولا طاعة، فيقول معاوية: ما لك يا عبادة؟ قال: [[إنك ما كنت معنا يوم بايعنا رسول صلى الله عليه وسلم على أن نقول الحق لا نخشى لومة لائم]] فهو من أهل العقبة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي كانت يد الله فوق أيديهم، فصدقوا ما عاهدوا عليه الله عز وجل. ولذلك يقول عبد الله بن رواحة: {لما بايعنا رسول صلى الله عليه وسلم قمت من وسط القوم وكنت شاباً، فقلت: يا رسول الله ما لنا إذا بايعناك؟ وما علينا إذا بايعتنا؟ قال: فحصبني الأنصار -يعني: رجموه بالحجارة حياءً من الرسول صلى الله عليه وسلم- فقال لهم صلى الله عليه وسلم: لي عليكم أن تمنعوني مما تمنعوا منه نسائكم وأولادكم وأموالكم؛ فإذا فعلتم ذلك فلكم الجنة، فقام ابن رواحة فقال: ربح البيع؛ لا نقيل ولا نستقيل}. فأخذها بيعة عند الله عز وجل، فوفى لله بما بايع: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111].

كراهة الشجار ولو في أمر بمعروف

كراهة الشجار ولو في أمر بمعروف أما مسائل الحديث فالأولى منها: كراهية التلاحي والشجار ولو أنه في أمرٍ بمعروف أو نهي عن منكر، ولذلك خرج صلى الله عليه وسلم على الصحابة وهم في المسجد مجتمعون ينتظرونه صلى الله عليه وسلم؛ فأراد أن يخبرهم بليلة القدر ويخبرهم بأن وقتها ليلة كذا، حتى لا يتعبوا ولا تصيبهم مشقة في البحث عن ليلة القدر، فتشاجر رجلان من المسلمين وهم جلوس، وهذان الرجلان هما كعب بن مالك رضي الله عنه، وابن أبي حدرد رضي الله عنه وأرضاه من الأنصار، كان بينهم مسألة خفيفة، فارتفعت أصواتهم، فغضب صلى الله عليه وسلم، فعاد ولم يخبر الناس، ولم يحدثهم تلك الليلة، ثم قال لهم: {إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلانٌ وفلان}. أخبر بأسمائهم صلى الله عليه وسلم، ولكن الراوي لم يخبرنا بأسمائهم تشريفاً لهم؛ لأنه موطن شجار لا يذكرون فيه، أما لو كان موطن مدح ورفعة وتقدير وفداء وتضحية، لكان أخبرنا بهما رضوان الله عليهم وأرضاهم. {فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان -أي تشاجر فلان وفلان- فرفعت}. قال أهل العلم: كان يعرفها صلى الله عليه وسلم فأنسيها من الله عز وجل، وقال بعضهم: إنه يعرفها ولا يزال يعرفها، ولكن رفع الأمر بتعريف الناس بها، والصحيح أنه كان يعرفها صلى الله عليه وسلم ثم أنسيها، ولو كان يعرفها لأخبر بها الناس، فإنه يقول: {فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس} السبع والتسع والخمس التي ذكرها صلى الله عليه وسلم من ليالي رمضان، وإنما ذكر صلى الله عليه وسلم السبع؛ لأنها الراجح، وعليه كلام أبي بن كعب سيد القراء رضي الله عنه وأرضاه، وكلام ابن مسعود وعائشة، ولكن الظاهر من الأدلة أنها تتنقل، وأنها لا تثبت، ولكن أرجحها وأرجح ما تأتي في ليلة السبع.

من أدب الجدال خفض الصوت

من أدب الجدال خفض الصوت الشجار مذمومٌ في كل شيء، وقد نهى الله عن المجادلة إلا بالتي هي أحسن، ومن أدب الجدال الحسن ألا ترفع الأصوات؛ لأن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات:2]. قال أهل التفسير: نزلت في أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما عندما أتى وفد بني تميم، واختلفوا أيهم يؤمر على قومه، فقال أبو بكر: أرى أن يؤمر القعقاع بن معيد وقال عمر: أرى أن يؤمر الأقرع بن حابس. فلما سمع ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم سكت فقال أبو بكر: ما أردت يا عمر إلا خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما على رسول صلى الله عليه وسلم، فلما أنزل الله ذلك، قال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم: والله لا أكلمك إلا كأخي السرار، أي: أخفض صوتي لك، وكان صلى الله عليه وسلم لا يسمع عمر حتى يستفهمه من لطافة صوته وأدبه مع رسول صلى الله عليه وسلم. فالمقصود أن رفع الصوت ليس من الأدب في الأخذ والعطاء، ولذلك يقول سبحانه وتعالى في وصية لقمان لابنه: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19] لأن صاحب الحق صوته متزنٌ ووقور. وإنما يرفع الصوت في مقامات وردت بها السنة، منها الخطابة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته، ويشتد غضبه، وتحمر عيناه الشريفتان كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم. ومنها الصوت عند النداء في المعركة، إذا نادى بالإقبال على المعركة؛ فإنه يرفع الصوت كما فعل العباس في حنين رضي الله عنه وأرضاه. فمسائل هذا الحديث أن الشجار قد يرفع البركة ولو كان في خير، وأن الاختلاف والتنازع مذموم، فلبركته صلى الله عليه وسلم أتى ليخبر الناس، فلما تشاجروا رفعت هذه البركة، ولعل رفع الله خير من الزهد في العمل في التماس هذه الليلة، ومن أسرار هذا الدين أن بعض الأمور فيه مبهمة، لم يخبرنا الله سبحانه وتعالى بها، فساعة الجمعة لم يخبرنا بها نصاً؛ وإنما تلميحاً، وهي في آخر ساعة من ساعات الجمعة على الصحيح، فبقيت ساعة الجمعة مختفية ومبهمة، لنجتهد ونبذل وسعنا فيما يقربنا من الله عز وجل.

حديث البخاري في مراتب الدين

حديث البخاري في مراتب الدين الحديث الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {كان رسول يوماً بارزاً للناس فأتاه رجلٌ فقال: ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ورسله ولقائه وتؤمن بالبعث الآخر، قال: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها، إذا ولدت الأمة ربتها، فذاك من أشراطها؛ وإذا كان الحفاة العراة رءوس الناس فذلك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34] ثم انصرف الرجل فقال: ردوه فذهبوا ليردوه فلم يروا شيئاً، فقال: هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم}.

سبب ورود الحديث وتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع البدو

سبب ورود الحديث وتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع البدو كان سبب هذا النزول من جبريل عليه السلام أن الصحابة تشوقوا لرجلٍ عاقل يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يستمعون ليستفيدوا من الإجابة؛ لأن الناس في عهده صلى الله عليه وسلم أمروا بالتقليل من الأسئلة، يقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة:101] فالسبب: أن الله سبحانه وتعالى منع الصحابة أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الوقت وقت تشريع، فكلما سألوا عن شيء أحرامٌ ذاك؟ يمكن أن يقول: حرام؛ لأن وقت التشريع ووقت النزول ليس من المصلحة فيه كثرة الأسئلة، حتى لا تقع الأمة فيما وقع فيه بنو إسرائيل، فإن الله عز وجل أمرهم على لسان موسى عليه السلام أن يذبحوا بقرة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[لو أخذوا بقرة فذبحوها لأجزأتهم، لكن قالوا: ما هي؟ فأخبرهم، فلو أخذوا على هذا الخبر لأجزأتهم، فقالوا: ما لونها؟ فلما أخبرهم باللون عادوا مرة ثالثة فقالوا: ما هي؟ فشددوا فشدد الله عليهم، حتى ما وجدوها إلا بملء جلدها ذهباً؛ لأنها كانت فريدة في زمانها]] هذه البقرة أوصافها فريدة فما وجدوها إلا بعد كلفة. قال أنس رضي الله عنه وأرضاه: {كان يعجبنا الرجل العاقل يأتي من البادية، فيسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع}. وقال أنس: الرجل العاقل: يخرج غيره، لأن بعض الأعراب سألوا أسئلة ضيعت الوقت على الرسول صلى الله عليه وسلم، وضيعت كذلك أوقات الصحابة، جاء رجلٌ من الأعراب -كما يروي أهل السير وأهل الحديث- إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن كان هذا الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب فسوف يخبرني أين ناقتي، فربط ناقته في وادٍ من الوديان، وأتى فقال: يا رسول الله! أين ناقتي؟ فقال عمر: ثكلتك أمك وما دخل رسول صلى الله عليه وسلم بناقتك، فأجلسه صلى الله عليه وسلم واستحيا منه. وجاء رجل من الأعراب فقال: يا رسول الله! ما هذا الدجال الذي تذكره في صلاة الجمعة؟ قال: {رجل يفتن الله سبحانه وتعالى به الناس به، وعنده جنةٌ ونار، وعنده ثريد -والثريد هذا لحمٌ وخبز يغر الناس به فيأكلون منه- قال الأعرابي: فماذا يفعل إذا أكلنا من ثريده؟ قال: يغريكم يقول: هذه جنة وهذه نار، فناره الجنة، وجنته نار قال الأعرابي: والله لآكلن من ثريده حتى أشبع وأتضلع ثم أكفر بجنته وبناره، فضحك صلى الله عليه وسلم}. يقول عليه الصلاة والسلام لأحدهم: {ماذا تقول يا فلان في آخر التحيات قبل أن تسلم؟ قال: أسأل الله الجنة وأستعيذ بالله من النار، وأما دندنتك ودندنة معاذ فلا أعرفها، فقال صلى الله عليه وسلم: إنا حولها ندندن}. وأنتم تعرفون أن أهل العلم يوردون في باب سماحته صلى الله عليه وسلم، وتحمله للسائل حديث أنس قال: {كنا جلوسٌ معه صلى الله عليه وسلم في المسجد، فأتى رجل فدخل، فتخطى رقاب الناس حتى جلس بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ما لبث أن قام، فاستعرض المسجد، فبال في طرف المسجد، فقمنا عليه لنضربه، فقال صلى الله عليه وسلم: اتركوه ولا تزرموه، فلما انتهى قال صلى الله عليه وسلم: علي بدلو من ماء، فأتي بدلو من ماء، ودعا صلى الله عليه وسلم الرجل، فأجلسه بجانبه، ووضع صلى الله عليه وسلم يده على كتفيه ليستأنس، ولئلا يخاف ويستوحش منه صلى الله عليه وسلم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن} فتوضأ الرجل كما أمره صلى الله عليه وسلم، ثم قام يصلي، فقام في الصف الأول وراء النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، فلما أوشك صلى الله عليه وسلم أن يسلم رفع هذا الدعاء وقال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً أبداً، فسلم صلى الله عليه وسلم ثم التفت إلى الناس يتبسم عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو يدري أنه هذا؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يبهت الناس ويقول: يا فلان! لماذا قلت كذا؟ بل يقول صلى الله عليه وسلم: من القائل آنفاً كذا وكذا؟ فسكت الناس، فأعادها صلى الله عليه وسلم فقال: أنا يا رسول الله! -ظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يعطيه جائزة- فقال: لقد حجرت واسعاً، أو تحجرت واسعاً، أو ضيقت واسعاً، فرحمة الله عز وجل وسعت السماوات والأرض، وأنت ضيقتها لي ولك، ثم قام هذا الرجل بعد أن علمه صلى الله عليه وسلم. فتحمله صلى الله عليه وسلم مطلوبٌ منه، والسؤال هو: لماذا لم يرد صلى الله عليه وسلم هذه الأسئلة التافهة ويرفضها من أول الطريق؟ لأنه لو رفضها عليه أفضل الصلاة والسلام لارتد هؤلاء؛ فكان يريد أن يتألف قلوبهم، والله يقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] لو قال صلى الله عليه وسلم: أنا لا أجيب على هذا السؤال، أو ما هذا السؤال التافه؟ يمكن أن يرتد الإعرابي، ولا يسلم أبداً. ولذلك أتى إعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث مع الصحابة، فقال: {يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك؛ لا من مال أبيك ولا من مال أمك، فتبسم صلى الله عليه وسلم وتغيرت وجوه الصحابة، فأرادوا أن يبطشوا به، فقال صلى الله عليه وسلم: دعوه، ثم أخذه صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة وأدخله بيتاً فيه تمر وزبيب وقال: خذ من هذا ما أردت، قال: جزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيراً، قال: أوما أجملت معك؟ قال: جزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيرا، قال إذا خرجت أنا وأنت عند أصحابي فقل لهم هذا الكلام حتى يرضوا عنك؛ فإنهم وجدوا عليك في أنفسهم، فلما خرج به صلى الله عليه وسلم قال: يا فلان أأجملت معك وأحسنت؟ قال: نعم. فجزاك الله عن أهلٍ وعشيرة خيراً، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: إن مثلي ومثلكم ومثل هذا الأعرابي كرجلٍ كانت له دابة فنفرت، فأتى الناس يلحقونها، فما يزيدونها إلا نفاراً، فقال صاحبها: خلوا بيني وبين دابتي، ثم أخذ من حشائش الأرض -يعني من برسيم الأرض أو من خضرة الأرض- فأخذ يلوح للدابة حتى جاءت فأمسكها، فلو تركتكم وهذا لطردتموه، ثم عاد كافراً، ودخل النار} فأعطاه صلى الله عليه وسلم وأدخله في هذا الدين.

رؤية الملائكة كرامة للصالحين

رؤية الملائكة كرامة للصالحين الصحابة يحبون أن يأتي رجلٌ عاقل يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أسئلة وجيهة طيبة مفيدة. فأتى جبريل عليه السلام ولم يعلم الناس حتى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه هو الذي دخل، أولاً: لأن الله عز وجل لم يوح إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن جبريل سوف يأتيك ليسألك أسئلة، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يتجهز بالإجابة، ولم يذاكر ولم يراجع معلوماته في هذه الأسئلة العظيمة، إنما كان ذلك مع الصحابة، وجبريل أتى الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد؛ لأنها أشرف بقعة يتناول فيها العلم؛ لأن في المسجد نوراً وبركة وهداية، فمن أراد الفائدة والعلم فعليه بالمسجد. ثانياً: لأنه أتاه في صورة رجل؛ لأنه لو أتى في صورته التي خلقه الله عليه لخرج الصحابة من العوام من المسجد فراراً؛ يقول صلى الله عليه وسلم: {أريت جبريل مرتين على صورته التي خلقه الله عليها} ولما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم في حراء ارتعد خوفاً، وقفل يقول: زملوني زملوني، وهو صلى الله عليه وسلم من أولي العزم، فما بالك لو رآه أحد الصحابة على هذه الصورة، أين ستكون قلوبهم آنذاك وعقولهم؟! ودخل جبريل في صورة إنسان جميل، وكان يأتي في صورة دحية الكلبي، وهو رجلٌ من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كان من أجمل الناس، وقد كان صلى الله عليه وسلم يرسله إلى الملوك وفداً بالرسائل؛ لأنه يختار السمة والشارة الطيبة، فيختار دحية بن خليفة الكلبي من بني كلب، حتى قال بعض الصحابة: رأيت دحية مر اليوم عليه عمامة، وهو جبريل عليه السلام، وجبريل لا يراه إلا أهل الكرامة من الصحابة رضوان الله عليهم. حتى إن العباس بن عبد المطلب دخل هو وابنه عبد الله على الرسول صلى الله عليه وسلم، فسلم العباس وسلم ابنه عبد الله، فرد صلى الله عليه وسلم فأتى العباس يكلم الرسول صلى الله عليه وسلم فما كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ ابنه عبد الله وخرج، وقال: كيف أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكلمني؟ قال: أما ترى الرجل الذي يكلمه؟! قال: ما عنده رجل، قال: والذي نفسي بيده إن عنده رجلاً جالساً، فعادا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يجدا رجلاً، فقال: يا رسول الله إن عبد الله يقول: إن عندك رجلاً ولم أر عندك أحداً، قال: يا عبد الله! أرأيته؟ قال: نعم رأيته بأبي أنت وأمي يا رسول الله! قال: هذا جبريل، وهذه كرامة لـ عبد الله لما علم الله في قلبه من اليقين والإيمان، ولم يرها أبوه لأمرٍ علمه الله عز وجل. ويقول سعد بن أبي وقاص: [[رأيت الملائكة يوم أحد]] ورئيت كذلك يوم بدر، أما سعد فرآها يوم أحد نزلت وعليها الثياب البيض والعمائم البيض مسومة، وقاتلت مع الناس. إنما أتى جبريل عليه السلام فدخل المسجد والناس جلوس مع الرسول صلى الله عليه وسلم، قال عمر: {ولا يعرفه منا أحد} لماذا؟ يقول: {شديد بياض الثياب}. والمسافر الذي يمضي على رجله لا بد أن تتسخ ثيابه وتغبر؛ لكن هذا ما اتسخت ثيابه، وثيابه بيضاء؛ لأنه نزل من السماء للتو؛ لكن لم يدر الناس أنه نزل من السماء. {شديد سواد الشعر}: أي أنه ليس فيه غبار السفر ولا شعثه، فدخل حتى جلس عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فجلس على ركبتيه كما نجلس في التحيات، وهي من أحسن الجلسات كما أنها جلسة المتواضعين، فلذلك جعلها الله عز وجل من سنن الصلاة كما سنها صلى الله عليه وسلم، وهي جلسة طالب العلم عند المعلم إذا كانوا جلوساً على أرضٍ سواء. {فجلس فأدنى ركبتيه من ركبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ووضع يديه على فخذيه} قال بعض أهل العلم: هما يدا جبريل على فخذ الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: بل يدا جبريل على فخذيه، والصحيح أنه على فخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: ذلك ليبعد الشبهة عن نفسه، وليظهر بعض الجفاء، فإنه وضع يديه على ركبة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لئلا يظن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ملك من السماء، فيظن أنه من الناس، ثم بدأ بالأسئلة، وهذه الأسئلة عرضها البخاري، ولكنها معروضة في مسلم وسوف أذكر اختلاف الرواية.

شرح حديث جبريل

شرح حديث جبريل قال: {ما الإيمان؟} هذا السؤال أول سؤال، والصحيح أنه سأل السؤال الأول عن الإسلام؟ وقد سكت الناس في المسجد، قال عمر: وكان بعضنا ينظر إلى بعضٍ في المسجد وما عرفه منا أحد، فقال: {ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وتؤمن بالبعث الآخر} وفي بعض الروايات: {وبالقدر خيره وشره} لكن في غير البخاري؛ لأن البخاري يلتزم بشرطه، وشرط الرواية التي وصلت إليه، قال: {أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث} ما الفرق بين لقائه والبعث؟ قالوا: تؤمن بالبعث أن الله يبعث من في القبور، وتؤمن باللقاء أنك بعد أن تبعث من القبر أنك تلاقي الله عز وجل، فيضع كنفه على عبده، ويناديه كما ينادي أحدنا أخاه في الدنيا، ولله المثل الأعلى، يقول ابن عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {يدني ربكم سبحانه وتعالى أحدكم يوم القيامة فيكلمه ليس بينه وبينه ترجمان} وفي حديث عدي بن حاتم الطائي: {ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيسر منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة}.

الإيمان بالقدر

الإيمان بالقدر قال: {الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث -وهناك- وتؤمن بالقدر خيره وشره} يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه لما حضرته الوفاة لابنه: [[يا بني! اعلم أنك لو أنفقت مثل أحد ذهباً أو فضة ما نفعك عند الله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره]] ويقول ابن عمر في صحيح مسلم لما أتاه الرجل العراقي وأخبره أن قوماً يقولون بالقدر قال: [[والله لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً ما نفعه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، أخبرهم أني بريءٌ منهم وأنهم براء مني]] ثم ساق ابن عمر هذا الحديث. {فلما أخبره بالإسلام قال: صدقت} فتعجب الناس كيف يسأله ويصدقه، ولكنه صلى الله عليه وسلم ما أنكر عليه؛ لأن السائل لا يقول للعالم: صدقت؛ لأن من يقول: صدقت هو أعلم منه، كأن تسأل العالم في مسألة وأنت لا تعرفها، فإذا أفتاك قلت: صدقت، من علمك أنه صدق أو كذب أو أنه أصاب وأخطأ؟ إذاً فأنت أعلم منه، فمادمت أنك تصدقه فأنت أعلم منه، قال عمر: {فعجبنا له يسأله ويصدقه}. قال أحد العلماء المالكية: إن السبب في إنكار ذلك (يسأله ويصدقه) أن هذه أمورٌ غيبية لا يعلمها إلا الله عز وجل، فهي لا تأتي إلا من مشكاة النبوة، فلما قال: صدقت كأنه يعرفها فأنكروا عليه، قال: {ثم قال: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: صدقت} هنا لم يذكر الحج، وذكره في بعض الروايات، وعدم ذكره في بعض الروايات تصرف من بعض الرواة؛ لأنه علم أنه لما ذكر عليه الصلاة هذه الأركان علم أنه سوف يكمل الحج، وأنه من الأركان فاستفادوا ذلك، وهذا من باب الاختصار والإشارة، وقيل: لا، بل كان هذا النزول قبل أن يفرض الحج وهذا كأنه بعيد؛ لأن بعض أهل العلم كما يقول الحفاظ إذا لم يجد مخرجاً للرواية، ولم يجد رواية ثابتة قال: يمكن أن تكون متقدمة، ويمكن أن تكون هذه ناسخة لها وهذه منسوخة، وهذا لا دليل لهم عليه، بل ذكر صلى الله عليه وسلم الحج.

الإحسان

الإحسان {قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: صدقت} أولاً: اعلموا أن هذا الحديث مقامه من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كمقام الفاتحة من سور القرآن، فإنه حوى أحكام الإسلام وآداب الإسلام، وكل دقيقة وجليلة في الإسلام، فالفاتحه موجز القرآن، وتفصيل هذا الموجز كله في القرآن، وهذا موجز لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفصيل موجز كلامه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بكل حديثٍ له، فهو من أعظم الأحاديث في الإسلام، وهو قاعدة من قواعد هذا الدين، ومن أتم الأصول عند المسلمين، ولذلك لما أراد الله سبحانه وتعالى أن يوقظ الناس ويعلمهم ويفهمهم أنزل جبريل، فسأل هذه الأسئلة العظيمة الجامعة التي يحفظها جميع الناس.

أشراط الساعة

أشراط الساعة ثم قال جبريل عليه السلام: {متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها} معناه: أنا لست أعلم منك، وأنت تجهلها، ونحن في الجهل سواء، فإذا لم أعلمها وأنا المسئول فأنت من باب أولى ألا تعلمها وأنت تسأل، قال جبريل: {وما علاماتها؟ -وفي لفظٍ- ما أشراطها؟} جمع شرط، وهو العلامة، وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: {وسأخبرك عن أشراطها} ومن فائدة عرض العلامات أن يتدبر الناس. {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:15] قال بعض أهل العلم: معنى أكاد أخفيها: أكاد أظهرها؛ من باب التضاد. قال: سأنبئك عن أشراطها، ولم يذكر هنا إلا علامتين، فكيف يقول: أشراطها ولم يذكر إلا علامتين؟ قالوا: إن أقل الجمع اثنان، أو أنه ذكر شرطاً آخر لم يذكره الراوي هنا. قال: {إذا ولدت الأمة ربتها} وهنا: {إذا ولدت الأمة ربها} ولا خلاف بين ربتها وربها، والمعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أنه في آخر الزمان سوف ينشر الله هذا الدين، وينتصر المسلمون، ويسبون السبي، فيأخذ المسلم أمة، فتنجب له ولداً، يصبح هذا الولد سيداً لها؛ لأنه ابن سيدها، وهذا المعنى هو الذي تميل إليه النفس من أربعة معاني ذكرها أهل العلم. والمعنى الثاني: أن العرب تكون سادة لغيرهم من الأمم، وهو بعيد. والمعنى الثالث: أنها تختلط الأنساب في آخر الزمان حتى تلد الأمة ربها، أي: أنها تصبح عنده الأم يتزوجها، وهذا بعيد ونسأل الله العافية؛ لأن اختلاط الأنساب من المفاسد التي لا يقرها الدين، لكن الصحيح أنه يتسرى المسلمون في آخر الزمن إذا انتصروا على الأعداء، فإذا ولدت الأمة ابناً أصبح هذا الابن ابن سيدها، فأصبح سيداً لها. {وإذا تطاول رعاة الإبل البهم} قال أهل العلم: البهم: إما صفة للإبل أي أن لونها أبهم، أو أنها صفة لرعاة الإبل أنهم بهم عميٌ صم، أي لا يفقهون في الدين شيئاً، يبنون القصور وهم لا يعرفون كيف يصلون، فهذا من علامات الساعة إذا تحضر البدو وبنوا القصور، وتزاحموا في بناء البيوت، فهذه من علامات الساعة التي أخبر بها صلى الله عليه وسلم. {وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان} (رعاةُ الإبلِ البهمُ) بالرفع على أنها صفة للرعاة، و (رعاةُ الإبلِ البهمِ) بالكسر على أنها صفة للإبل. {في خمسٍ لا يعلمهن إلا الله} أي أن هذه الخمس استأثر الله بعلمها: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34] والسر في قوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34] أن الدراية غير العلم؛ لأنه لو قال سبحانه وتعالى: وما تعلم لاقتضى أنها تدري بعض الشيء، لكن لما قال: ولا تدري فهو يحوط كل العلم أي أن الدراية علمٌ وزيادة. ثم خرج جبريل وقام من بين الناس رضي الله عنه وأرضاه فأدبر، فقال صلى الله عليه وسلم: {ردوه} لأنه يظن صلى الله عليه وسلم أنه رجل وأراد صلى الله عليه وسلم أن يسأله: من أين أتيت؟ وماذا تريد؟ فخرج هذا الرجل فالتمسوه في سكك المدينة فلم يجدوه، فرجعوا فأخبروا صلى الله عليه وسلم قالوا: ما وجدناه، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: {هذا جبريل جاء الناس يعلمهم أمر دينهم} قال أهل العلم: يمكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف في تلك الساعة من الله أنه جبريل، أو يمكن أنه عرف بالقرائن والأسباب أنه جبريل عليه السلام، فجعل ذلك صلى الله عليه وسلم كله ديناً، وأخبر الناس أن هذا هو الدين الذي أتى به جبريل من عند الله عز وجل، والذي أجاب عليه محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث هو الإسلام وهو الإيمان وهو الإحسان، وهو درجات أهل اليقين، فأول ما يبدأ الإنسان المرحلة الأولى في هذا الدين لا بد أن يتقيد بفرائض الإسلام التي ذكرها صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم عليه بالإيمان، وقد قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14] يعني أنهم تعدوا مرحلة، فردهم الله سبحانه وتعالى في المرحلة الأولى، يقول: ما نجحتم إلى الآن، فلا تدعوا درجة ليست لكم، وأما الإحسان فهي درجة المقربين، وهي أرفع درجة، وهي درجة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال بعض أهل العلم: وهي رسوخ العلم القلبي بالعيان بالإيمان حتى يكون الغيب كالعيان، وورد في بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {اعبد الله كأنك تنظر إليه، واستحي من الله كأحيا رجلٍ من قبيلتك} كما ترى أحياناً رجل تستحيي منه، فاستحي من الله أكثر وأكثر؛ لأن سبحانه وتعالى بيديه مقاليد القلوب، واعلم أن الله سبحانه وتعالى مطلع، وأن له معية -كما يقول أهل السنة والجماعة - خاصة في كل إنسان: فما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم، فهو مع كل فردٍ منا في الليل والنهار. وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

حديث النعمان بن بشير في اتقاء الشبهات

حديث النعمان بن بشير في اتقاء الشبهات الحديث الثالث: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات -وعند البخاري - مشبهاتٌ، لا يعلمها كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب} هذا الحديث نرجعه بعد الحديث التالي؛ لأن حديث ابن عباس الرابع أليق بحديث جبريل.

الوفود التي وفدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم

الوفود التي وفدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم

وفد عبد القيس

وفد عبد القيس وعن ابن عباس رضي الله عنهما: {أن وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال: من القوم؟ أو من الوفد؟ قالوا: ربيعة، قال: مرحباً بالقوم -أو بالوفد- غير خزايا ولا ندامى، فقالوا: يا رسول الله! إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من مضر، فمرنا بأمرٍ فصل نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع، أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم، ونهاهم عن أربع؛ عن الحنتم، والدباء، والنقير، والمزفت، وربما قال المقبر، وقال: احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم}. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: أتى وفد عبد القيس، وهم من وفود العرب، وقد وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من اثني عشر وفداً عام الوفود، فما كان صلى الله عليه وسلم يستقبل وفداً ويودعه إلا والوفد الآخر قد نزل، وأتى هؤلاء الوفود في سنة تسع من الهجرة، يقول سبحانه وتعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3] وخصص صلى الله عليه وسلم بلالاً لضيافة هؤلاء الوفد، فكان ينزلهم في دار الضيافة، فيجلسون ويغيرون ملابسهم، ويقابلون الرسول صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة، فيسمعون منه من الحكمة ويتعلمون ويتأدبون. ووفد عبد القيس هؤلاء من ربيعة، وكانوا يسكنون في الأحساء، وهي البحرين في كتب التاريخ وفي كلام العرب، وليس البحرين التي عاصمتها المنامة، إنما هي الأحساء التي فيها مسجد جواثى. يقول ابن عباس في صحيح البخاري: ثاني مسجد في الإسلام جُمّع فيه مسجد جواثى، فهو مسجد عبد القيس، اجتمعوا هذا اليوم، وكانوا ثلاثة عشر، وأورد ابن حجر في رواية أنهم كانوا أربعين، قال: ربما يحمل على أن الثلاثة عشر هم رؤساؤهم وأعيانهم، والبقية من الذين مضوا معهم ورافقوهم، فلما نزلوا في المدينة، وعمدوا إلى المسجد مباشرة، وهم بلباس السفر وغباره، فتخطوا رقاب الناس، وأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إلا أشج عبد القيس وهو سيدهم؛ فإنه نزل فربط جمالهم جميعاً بعد أن ذهبوا إلى المسجد، وأعلفها، ثم ذهب إلى النهر فاغتسل، ثم غير ثيابه، ولبس أحسن الثياب وتعمم، ثم تطيب، ثم أخذ عصا بيده، ثم دخل بهدوء وسكينة من المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم يلاحظه، فلم يتخط رقاب الناس، فجلس بأدبٍ وسكينة عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فالتفت صلى الله عليه وسلم إليهم قبل أن يتكلموا، وتبسم لهم جميعاً صلى الله عليه وسلم، ثم قال لـ أشج عبد القيس: {إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة} أي: العقل والوقار والسكينة، والأناة: هي التثبت وعدم العجلة. قال ابن القيم في زاد المعاد في كتاب الوفود: فيه ذم الطيش والعجلة، وأنها تورث صاحبها مضرة أكثر من المنفعة، وفيها أن الله عز وجل يجبل العبد على أخلاقٍ يرضاها تبارك وتعالى؛ لأن الجبل غير الجبر، فالجبر ليس في عقيدة أهل السنة والجماعة. والجبل: هو أن يجبلك الله على أخلاق معينة، ومعظم الأخلاق تكون على الفطرة؛ ومنها الكرم والشجاعة.

وفد الطائف

وفد الطائف أتى أناس من الطائف في وفد فقال لهم صلى الله عليه وسلم: {أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن تتركوا ما كنتم تعملون من الفواحش في الجاهلية، فقام كنانة وكان سيدهم فقال: ماذا تأمرنا أن نترك؟ فتبسم صلى الله عليه وسلم قال: اتركوا الزنا، قال: نسافر الأشهر ولا نزني؟ قال: صلى الله عليه وسلم: نعم، قال: ونترك ماذا؟ قال: لا ترابون، قال: فمن أين لنا ربحٌ؟ أنأخذ رأس مالنا ونخسر؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا ترابون، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم الخمر، قال: لا نشرب؟ قال: لا تشربون، قال: لا نستطيع ولكن اكتب كتاب أمان؛ فتبسم صلى الله عليه وسلم} ما آمنوا بالله ولا برسوله ولا بهذا الدين، ويقولون: اكتب لنا كتاب أمان، فقال صلى الله عليه وسلم: {لا أمان لكم عندي، وإنما هي المصارمة والمقاتلة، وانتظروا يوماً كيوم أهل مكة} فاجتمعوا في بيت المغيرة وقالوا: ماذا ترون؟ قال المغيرة: أرى أنكم إن لم تفعلوا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يهدم بيوتكم على رءوسكم، فتعالوا فأسلموا وأطيعوا وآمنوا بما جاء به، فأتوا وأطاعوا فقال كنانة وكان عاقلاً من عقلائهم: إذا رجعنا إلى قومنا في الطائف قالوا: إنا قد أعطينا الدنية وربما قتلونا، فإذا أتينا ودخلنا عليهم في الطائف فسنظهر الغضب، وكلٌ منا لا يحدث الآخر، ونتشاتم ونحن في الطريق أمامهم، ثم لا نسلم عليهم، وندخل في بيوتنا مغضبين، فإذا سألونا ما لكم؟ قلنا: سوف يحاربنا محمد صلى الله عليه وسلم ويشن علينا الغارة؛ لأنا أبينا أن نترك الزنا والربا ونترك الخمر، فإنهم سوف يقولون لنا: اذهبوا إليه وقولوا: سوف نترك هذا وهذا؛ لأنه سوف يقاتلنا كما قاتل قريشاً، فلما قربوا من الطائف خرج أهل الطائف رجالاً ونساءً وأطفالاً، فتفرق هذا الوفد كل واحد على حدته، وأخذوا يتشاتمون ويتحاثون بالتراب على وجوههم، فقال لهم القوم: ما لكم ذهبتم جميعاً ورجعتم فرادى؟! ادخلوا معنا، فما كلموهم، ودخل كل واحد بيته، فاجتمع أهل الطائف جميعاً وقالوا: نرى أن تذهبوا إلى هذا الرجل وأن تعطوه ما أراد، وأن تكتبوا بينكم وبينه كتاباً؛ فإنا نخاف أن يوقع علينا الدائرة، فقال كنانة: هذا ما أردنا وقد فعلنا ما أردتم، فاجتمعوا جميعاً فأسلموا. فرجع المغيرة إلى رسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أرسل معي رجلاً يهدم اللات التي كانوا يعبدون، فقال: قم يا خالد، وهو رجل المهمات والطوارئ، فقام رضي الله عنه مع المغيرة، فلما ذهبوا قال المغيرة لـ خالد وكان مزاحاً، سوف أضحكك وأضحك أهل ثقيف اليوم، قال: ماذا تفعل؟ قال: اتركني ولا تقرب هذه اللات؛ فإنهم يظنون أنها تقتل، وأنها تحيي وتميت، وأنها تنفع وتضر، فسوف أقعد عليها، ثم أصيح وكأنني مقتول، ثم أتقلب عليها، فقام بالفرس فضربها ضربة ثم شهق شهقة حتى سمع أهل ثقيف، فإذا هو ملقى على ظهره كأنه مقتول، فقال أهل ثقيف: لقد حذرناك يابن فلانة -يقصدون المغيرة - وقلنا لك: إنها تقتل الناس، فذق ما أتاك، وخذ يابن بني مخزوم -يقصدون خالداً - مثلما فعل صاحبك؛ تقدم إن كان فيك خير، فسكتوا، وأقبلوا يقلبون المغيرة ظانين أنه قد مات، فانتفض حتى وقف يضحك قال: قاتلكم الله يا ثقيف! أما عرفتم أن هذه حجارة لا تنفع ولا تضر، فقام خالد فهدمها من أساسها رضي الله عنه وأرضاه. وكان منهم عروة بن مسعود قتله قومه قال صلى الله عليه وسلم: {إن مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه} يقول صلى الله عليه وسلم: {ورأيت عيسى كأنه عروة بن مسعود الثقفي} أي في جسمه وهيئته.

وفد الأزد

وفد الأزد وكل فتاةٍ بأبيها معجبة ولو أن وفد الأزد ضعيف سنده، لكن نقويه إن شاء الله. قدم وفد الأزد على الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول الحارث وهو سابع سبعة أو ثامن ثمانية منهم: وفدنا على الرسول صلى الله عليه وسلم من الأزد -من قبائل الجنوب (من هنا) لأن الأزد ينتسبون إلى قحطان كما تعرفون ذلك- فهم أزد شنوءة، وقد تفرقوا قسمين، قسم سكن السراة وقسم سكن عمان، ولا يهمنا هذا العمة والخالة والجدة؛ لأننا لا نرث عمان ولا يرثوننا؛ لكن من باب معرفة الشيء. فأتى هذا الوفد، فقدم على الرسول صلى الله عليه وسلم، فنزلوا وكانوا طوالاً في أجسامهم، وفيهم قوة كما صح، فلبسوا لباساً جميلاً، فلما نزلوا عند الرسول صلى الله عليه وسلم قال عمر بن الخطاب كما في بعض الروايات عند ابن عساكر وغيره: [[يا رسول الله! هنا قومٌ كأنهم من الهنود]] لأنهم كانوا يوفرون لحاهم لا بقصد السنة فهم لا يعرفون السنة؛ لأنهم جاهليون، لكنهم يعدون من المروءة والشهامة ألا يأخذ الإنسان من لحيته شيئاً، وإذا قامت بينهم الحرب وعقد أحدهم لحيته فلا يفكها حتى يأخذ حقه، وينتقم ممن يقاتله، أو يأخذ بثأره، فقال صلى الله عليه وسلم: ترجموهم، فتقدموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فسألهم: {ممن القوم؟} لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن ينتسبوا إليه عليه أفضل الصلاة والسلام، فقالوا: مؤمنون، فتبسم صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: {إن لكل قومٍ حقيقة؛ فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا: خمس عشرة خصلة، خمسٌ أمرنا الله بها، وخمسٌ أمرتنا أنت بها، وخمسٌ تخلقنا بها من أخلاق الجاهلية، فتبسم صلى الله عليه وسلم أكثر وأكثر، وقال: ما هي الخمس التي أمركم الله بها؟ قالوا: أمرنا أن نعبده ولا نشرك به شيئاً، وأن نقيم الصلاة، وأن نؤتي الزكاة، وأن نصوم رمضان، ونحج البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: وما الخمس التي أمرتكم أنا بها؟ قال: أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ونؤمن بالقضاء والقدر، فقال: وما الخمس التي تخلقتم بها من أخلاق الجاهلية؟ قالوا: الصدق في مواطن النفاق، والصبر على مر القضاء، وترك شماتة الأعداء، وشكر الله في الرخاء، وزادوا خامسة نسيتها، فتبسم صلى الله عليه وسلم ونظر إلى الناس وقال: علماء علماء، كادوا من علمهم أن يكونوا أنبياء، ثم زادهم صلى الله عليه وسلم قال: وأنا أزيدكم خمساً فتصبح عشرين لا تردوا ما لا تسكنون، ولا تدخروا ما لا تأكلون، واتقوا ربكم الذي عليه تعرضون وإليه تحشرون، وعنده تحاسبون} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فذهب الوفد وأجازهم صلى الله عليه وسلم بمثل ما يجيز الوفود، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه، هذا وفد الأزد والجنوب الذي وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم.

وفد غامد

وفد غامد وفد غامد يدخلون في الأزد لكن لهم وفدٌ خاص، فوفدوا عليه صلى الله عليه وسلم وتركوا أحدهم عند متاعهم، لأنهم يحبون التجارة، فمكث هذا الرجل هناك، فلما أتى الوفد قال صلى الله عليه وسلم: {من تركتم عند رحالكم قالوا: تركنا فلاناً منا، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد نام فلان وسرقت رحالكم}. والرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يدخل المعجزات في مثل هذا الموقف حتى يزيد الإيمان، فعادوا فوجدوا هذا البطل قد نام، ووجدوا الرحال قد سرقت، فأتوا يلتمسون فعادوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله علمت أنها سرقت فأخبرنا: من سرقها؟ قال: {لقد أخذها قومٌ من الأعراب، وقد أخفوها تحت البطحاء في وادي كذا وكذا} فذهبوا فنقبوا فوجدوها، ثم عادوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأوصاهم، وكان منهم أبو صخر الذي له حديث في مسند أحمد وهو صحيح: {بارك الله لأمتي في بكورها} قال في الرواي: كان أبو صخر تاجراً فكان يغدو ويصبح، فكثرت تجارته حتى ما كان يدري أين وهطها.

وفد بني حنيفة

وفد بني حنيفة وهناك وفود أخرى ردها صلى الله عليه وسلم كوفد بني حنيفة مع مسيلمة، أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فجلس في الرحال، ولم يدخل على الرسول صلى الله عليه وسلم، فأتى بنو حنيفة فدخلوا، فقال: من تركتم في رحالكم؟ قالوا: تركنا رجلاً هو مسيلمة، فقام صلى الله عليه وسلم ومعه عصا ومعه ثابت قيس بن شماس إلى مسيلمة، فقرع رأسه بالعصا وقال: {والله إن سألتني هذا السوط لا أعطيك إياه، والله إن خرجت ليهلكنك الله، وإن أدبرت ليتلونك الله سبحانه وتعالى -أي ليكشفنك الله- ثم قال صلى الله عليه وسلم: ألا إنه شركم مكانة} فعاد مسيلمة، فلما كان في الطريق قال: أتدرون ما له يتكلم علي ويسبني؟ -يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم- قالوا: لا. قال: لأنني سوف أنبأ ويرسلني الله فيكم كما أرسله؛ فحسدني، فلما رجعوا بلادهم ادعى النبوة، قال له بنو حنيفة: وما بال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: نبيٌ مثلي له نصف الأرض ولي نصف الأرض. سمع من القرآن النازعات إلى قوله تعالى: {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً} [النازعات:2] فقال: والخابزات خبزاً، والعاجنات عجناً، وهذه أوردها ابن كثير والذهبي والأئمة وغيرهما. فصدقه قومه بخرافته، فكتب رسالة للرسول صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله -قاتله الله- إلى محمد رسول الله؛ أما بعد: فلي نصف الأرض، ولك نصفها، لك المدر ولي الوبر، ولكن الناس أكثرهم لا يعدلون، وجعلها مثل آخر الآية! فوصلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأها مزقها صلى الله عليه وسلم ودعا عليه، ثم أرسل إليه صلى الله عليه وسلم حبيب بن زيد فقتله، وظل دجالاً حتى صفى حسابه أبو سليمان خالد بن الوليد في عهد أبي بكر فقاتله؛ فما علم أين القبلة هل هي في الشمال أو في الجنوب، ودخل عليه في حديقته، فقتله قتل عاد وثمود.

الأسئلة

الأسئلة

من أحكام العقيقة

من أحكام العقيقة Q إذا مات المولود هل تذبح عنه العقيقة؟ A لا تذبح عنه، إذا مات قبل الأيام السبعة؛ لأنه خسارتين يخسر الولد ويخسر الذبائح، فيتأكد حتى يعيش الولد، يقول ابن الجوزي: كان أحد الحمقى عنده حمار فمرض هذا الحمار وهو رأس ماله وميزانيته، ولا يملك من الدنيا إلا هذا الحمار، فنذر لله نذراً إن شفى الله الحمار أن يصوم سبعة أيام، فشافى الله حماره، فصام سبعة أيام، فلما انتهى من السبعة مات الحمار، فقال: ما سلمت من الصيام، ولا سلمت من بقاء الحمار، والله لأحتسبنها من رمضان، فلما أتى رمضان صام ثلاثة وعشرين يوماً، وخصم سبعة أيام، فهذا صاحب العقيقة يتأكد؛ لأنه قد يذبح ويعق، ثم يموت الولد بعدما يتعشى الناس.

حكم البول واقفا

حكم البول واقفاً Q ما حكم البول واقفاً؟ A مكروه والأولى أن يبول المسلم جالساً، وفي صحيح البخاري يقول حذيفة: {ذهبت مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما أتى بساط قوم، بال واقفاً عليه أفضل الصلاة والسلام} قال بعض أهل العلم: لمرض في مأبضه صلى الله عليه وسلم، أي: عند الركبة، وقيل: كانت العرب تستشفي بذلك من وجع الظهر، فالصحيح الذي دل عليه كلام أهل العلم أن البول واقفاً مكروه، لكن إذا اضطر الإنسان فلا حرج.

نسبة أبي هريرة

نسبة أبي هريرة Q ما هو البلد الذي ينتسب إليه أبو هريرة في الوقت الحاضر؟ A هذا السائل كأنه زهراني، فإن أبا هريرة رضي الله عنه زهراني دوسي، من قبيلة دوس، وهي معروفة في شعب زهران، وهو حسنة من حسنات الطفيل بن عمرو الدوسي ودوس من الأزد الذين منهم الخليل بن أحمد الفراهيدي أكبر عروبي في تاريخ الإسلام، ومنهم مؤرز السدوسي العابد الشهير والعالم، ومنهم كثير من أهل العلم، والله سبحانه وتعالى يوزع الفضل: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4].

قاتل مسيلمة

قاتل مسيلمة Q ذكرت أن خالداً قتل مسيلمة، والذي قتله هو وحشي قاتل حمزة! A الذي قتل مسيلمة هو وحشي، لكن الذي قاد عملية القتال وأدارها هو خالد، وأنا ما قلت: إنه باشر قتله؛ لكنه هو الذي اقتحم الحديقة عليه، فإن الله عز وجل يقول لفرعون: يقتل أبناءهم، وهو لم يقتلهم بيده، فجنوده هم الذين قتلوهم لكنه هو الذي أمر.

رفع اليدين بالدعاء بعد الصلاة

رفع اليدين بالدعاء بعد الصلاة Q ما حكم رفع اليدين بالدعاء بعد الفريضة؟ A بعد الفريضة من اتخذه دائماً وداوم عليه فقد ابتدع، أما من دعا بعض الأوقات فلا عليه؛ لأن البدعة ما استمر عليها؛ لأنه ليس من هديه صلى الله عليه وسلم أن يرفع يديه دائماً بعد الفريضة ولا أصحابه الكرام.

الرد على من يقول بأن نزول الملائكة معنوي

الرد على من يقول بأن نزول الملائكة معنوي Q ماذا ترد على من يقول: إن نزول الملائكة يوم بدر نزول معنوي، وليس بنزول حسي؟ A لا نعرف هذا النزول المعنوي؛ وكأنه يرد على القرآن، ويرد على السنة؛ فإنها تذكر أنهم نزلوا، ورآهم الصحابة، فيقول هذا: ما نزلوا، ولا رآهم الصحابة؛ إنما هو نزول معنوي، وهذا أتى من بعض أهل التفسير من المتأخرين، منهم محمد عبده في تفسيره يقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ} [الفيل:1 - 3] قال: هذا الطير هو الجدري! ما شاء الله، يخفى هذا التفسير عن ابن عباس، وعن علي، وعن ابن مسعود، ويأتي هذا في القرن الخامس عشر يفسره بالجدري، وهذا مما أخطأ فيه؛ لأنه فسر الغيبيات التي أتى بها سبحانه وتعالى والمعجزات والكرامات بأمورٍ معنوية، وهذا خطأ في فهم كتاب الله عز وجل.

كفارة الرشوة

كفارة الرشوة Q ما هي كفارة الرشوة؟ A كفارة الرشوة أن يتوب المرتشي إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يأخذ هذا المال لينفقه في إحدى الوجوه، ولا يدخله عليه، ثم لا يعود مرة ثانية، وقد قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً} [الفرقان:70 - 71].

من دخل المسجد والإمام في آخر الصلاة

من دخل المسجد والإمام في آخر الصلاة Q دخلت المسجد والإمام في الجلسة الأخيرة ومعي جماعة هل ندخل في الجماعة الأولى التي لم يبق منها إلا الجلسة الأخيرة أم ننتظر حتى يسلم ونصلي في جماعة ثانية؟ A الأولى إذا علمت أنه قد انتهى أن تقف حتى يسلم الإمام، ثم تصلي جماعة؛ ليكون هناك إمام، ويكون لكم جماعة، وتتمون كلكم جماعة، فإنكم لو دخلتم لأصبحتم تصلون فرادى بعد أن يسلم بلا إمام.

السواك وقت الخطبة

السواك وقت الخطبة Q أرى بعض الناس في صلاة الجمعة يستعمل السواك عندما تقام الخطبة؟ A الاستياك وقت الخطبة لا يجوز، وهو معصية، وقد يبطل أجر حضور الجمعة؛ لأن بعض أهل العلم شبهه باللعب بالحصى، ومن مس الحصى فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له، بل لا يتشاغل أبداً ولينصت، وأما من قام يصلي ركعتين بين الخطبتين، فهو مبتدع بدعة ما فعلها السلف، بل يصلي قبل دخول الإمام، أما وقت الخطبة فينصت، لأن هذا الوقت من حظ الإمام، وليس من حظ المأموم، وللمأموم أن يتكلم مع الإمام، وللإمام أن يتكلم مع المأموم.

معنى: أن تلد الأمة ربتها

معنى: أن تلد الأمة ربتها Q { أن تلد الأمة ربتها} بعض أهل العلم يفسره بعقوق الوالدين؟ A صحيح، وأورده ابن حجر في فتح الباري، وضعفه واستبعده، وهو بعيدٌ كل البعد.

حكم الإجابة بـ (الله ورسوله أعلم)

حكم الإجابة بـ (الله ورسوله أعلم) Q هل يجوز للإنسان في سؤال أن يقول: الله ورسوله أعلم؟ A نعم يجوز أن يقول: الله ورسوله أعلم، فإن في صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم لـ أبي بن كعب: {يا أبا المنذر أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم} فهي سنة، وهي من الكلمات المشرقة. أما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن كانت المسألة من مسائل الدين التي يدري بها صلى الله عليه وسلم، وليست من مسائل الغيب، مثلاً سألت إنساناً عن الوضوء، فما عرف يجيبك، فقال: الله ورسوله أعلم، فيصح ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم بهذه المسائل في الدين، أما مسائل الغيب فلا، بل يقول: الله أعلم، لأن مسائل الفقه والتكليف التي بلغها صلى الله عليه وسلم يعلمها صلى الله عليه وسلم، ويكفر من يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلمها، وأما مسائل الغيب التي اختص الله بها فلا يعلمها إلا الله عز وجل.

مقدار انتظار الصلاة بعد الأذان اجتهادي

مقدار انتظار الصلاة بعد الأذان اجتهادي Q هل الوقت بين الأذان والإقامة مرتبط بأدلة شرعية عملية اجتهادية؟ A يقصد السائل مقدار الوقت، هل هو اجتهاد أن يكون عشر دقائق أو ربع ساعة، فأقول: نعم؛ فإنه يجوز للناس إذا اجتمعوا وأذن المؤذن أن يقيم فيهم مباشرة بدون أن ينتظروا أحداً، إذا لم يكن هناك أحدٌ ينتظرونه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ربما في بعض الأوقات أو الأحيان إذا كان يسافر أذن للصلاة وأقيمت، وما كان صلى الله عليه وسلم ينتظر وقتاً محدوداً، بعض الأوقات يؤذن لصلاة العشاء، وإذا بـ بلال يقيم، وفي بعض الأحيان يمكث صلى الله عليه وسلم فيأتيه وفدٌ فيبقى معهم في البيت حتى ينام الناس في المسجد، يقول عمر: {كنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فنام النساء والصبيان ونظرت إلى الليل، فإذا هو قد ذهب، فقلت: يا رسول الله! نام النساء والصبيان، فخرج صلى الله عليه وسلم قال أنس: وهو يمسح رأسه عليه الصلاة والسلام، ووجهه كالقمر ليلة البدر، فلما رأى أبا بكر وعمر التفت إليهم في الناس، فابتسم إليهم وابتسموا إليه صلى الله عليه وسلم، فأقام بلال فصلى صلى الله عليه وسلم بالناس وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي}.

صحة قيام الساعة على فجار الخلق

صحة قيام الساعة على فجار الخلق Q هل أنه لا تقوم الساعة حتى لا يُذكر الله سبحانه وتعالى؟ A نعم. صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه: {لا تقوم الساعة حتى لا يوجد في الأرض أحد يقول: الله الله}.

من أحكاع الرضاع

من أحكاع الرضاع Q هل يجوز أن تكشف علي بنت خالتي الكبرى، حيث أن أختها الصغرى أختٌ لي من الرضاعة؟ A لا، لا تكشف عليك؛ فإن الرضاعة لا تسري إلا في المرتضع والراضع وفي فروعهما أصولاً وفروعاً، وأما أنت فهي أجنبية عنك، سواء كانت كبرى أو صغرى.

مناسبة ذكر ليلة القدر في كتاب الإيمان من البخاري

مناسبة ذكر ليلة القدر في كتاب الإيمان من البخاري Q لماذا ذكر البخاري حديث قيام ليلة القدر في باب الإيمان؟ A ذكره رحمه الله؛ لأن فيه مسائل الإيمان، ولأن العمل من الإيمان، فـ البخاري يرد على من أنكر أن العمل من الإيمان، وقد عقد باباً في الصحيح أن العمل من الإيمان، فأورد أن قيام ليلة رمضان من الإيمان رداً على المرجئة الذين يقولون: يكفي أن نقول: لا إله إلا الله ثم لا نعمل.

حكم دفن جنازتين في قبر

حكم دفن جنازتين في قبر Q هل يجوز دفن جنازتين في قبرٍ واحد؟ A يجوز دفن جنازتين وثلاث في قبرٍ واحد، قال جابر فيما صح في الصحيحين: {لما قتل الصحابة يوم أحد كان أبي مع من قتل، فضاقت بالناس الضائقة، فقلنا: يا رسول الله إن علينا مشقة من الحفر، فقال: احفروا وأوسعوا وادفنوا الاثنين والثلاثة معاً} ويقول صلى الله عليه وسلم في رواية: {ادفنوا المتحابين سوياً، وقدموا أكثرهم أخذاً للقرآن إلى القبلة} فكانوا يقدمون من كان أحفظ لكتاب الله تجاه القبلة، فيدفن الاثنين والثلاثة سوياً، لكن ينتبه لا يدفن منافق أو فاجر أو كافر مع مؤمن، نسأل الله السلامة؛ لأن الكافر كلب لا يدفن ولا يقرب من مقابر المسلمين وذلك مثل من ماتوا في جاهلية جهلاء، أو على إلحاد، أو على كبائر.

من غزوة مؤتة

من غزوة مؤتة Q ما مدى صحة الأحاديث عن شهداء مؤتة، وأقصد في ذلك ما جاء عن عبد الله بن رواحة؟ A لا أدري ماذا يقصد السائل، لكنه ورد عن شهداء مؤتة أحاديث صحيحة في البخاري ومسلم وفي غيرهما من دواوين الإسلام، منها أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {دخلت الجنة وفي سرير ابن رواحة ازورار} ومنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى جعفر الطيار يطير بجناحين في الجنة، هذه الأحاديث التي صحت، أما غيرها فلا أدري مقصود السائل. ورد أن في سريره ازوراراً، وهو حديث حسن، وليس من الصحيح؛ ولم يرد في البخاري ومسلم، يقولون: لأنه تأخر، وكان الأمير الثالث، وهذا يسمى عند أهل السنة والجماعة من باب تنزيل الناس منازلهم؛ لأن الله تعالى يقول: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [آل عمران:163] فبعضهم على بعض أرفع من مائة درجة. في ختام هذا الدرس نتوجه إلى الله العليم أن يغفر لنا ولكم ذنوبنا وخطايانا، وأن يتغمدنا بواسع فضله ورحمته، وأن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يحسن خاتمتنا في الأمور كلها. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أمريكا التي رأيت

أمريكا التي رأيت بالرغم مما وصلت إليه أمريكا من التقدم العلمي، والتكنولوجيا الحديثة والماديات لكنها في علم الروح والأخلاق والقيم انحطت إلى الحضيض، وإن الناظر عن قرب في تلك البلاد يرى فيها انحلالاً خلقياً، واضطراباً نفسياً، وتفككاً اجتماعياً، واختلالاً أمنياً، وكل ذلك مؤذن ومؤشر بقرب زوال تسلطهم، وجبروتهم على العالم، وهذه المحاضرة تحكي رحلة الشيخ إلى أمريكا.

الرحلة إلى أمريكا

الرحلة إلى أمريكا الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. عنوان هذه المحاضرة: أمريكا التي رأيت وفي مقدمة هذا اللقاء بعد هذا السفر، أقول لكم كما قال أبو الطيب المتنبي: يا من يَعزُّ علينا أن نفارقَهم وجدانُنا كلَّ شيء بعدَكم عدمُ إذا ترحَّلْتَ عن قوم وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون همُ أنتم أحبابنا، وكأننا حين رأيناكم -بعدما رأينا تلك الوجوه الغبراء الشوهاء- رأينا الصحابة: ما زرت أمريكا فليـ ست في الورى أهل المزار بل جئت أنظر كيف ند خل بالكتائب والشعار لنحرر الإنسان من رِق المذلة والصغارْ وقرارنا فتحٌ مجيـ ـدٌ نحن أصحابَ القرارْ ورأيتُ أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسامْ قد زادني مرأى الضلا ل هوىً إلى البيت الحرام وتطاوَلَت تلك السنو ن فصار يومي مثل عامْ ما أرضهم أرضاً رأيـ ـتُ ولا غمامهمُ غمامْ عناصر هذه المحاضرة: 1 - آيات الله في الكون في طريق الرحلة: البحر، الليل، الكون، القمر، النجوم. 2 - جمال الطبيعة هناك، وما أغدق الله عليهم من النعم: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:44 - 45]. 3 - الأمن في أمريكا. 4 - هل تعيش وأنت قارَّ العين هادئ البال أم لا؟ 5 - الاضطراب. 6 - الرحمة فيما بينهم. 7 - الديون الباهظة. 8 - سذاجة الأمريكان وفساد أمزجتهم. 9 - مستوى الذكاء عندهم. 10 - وضع الأسرة هناك. 11 - حقائق وأرقام تكشف عن الوضع في أمريكا. 12 - البطالة. 13 - شبابنا في أمريكا. 14 - وضع الكنيسة هناك. 15 - قصائد قيلت في أمريكا لمن يهوى الشعر ويتذوق الأدب. 16 - شعورنا يوم هبطنا مطار جدة.

شروط جواز السفر لبلاد الكفار

شروط جواز السفر لبلاد الكفار أمر الله عزَّ وجلَّ بالسير في الأرض، فقال: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} [الأنعام:11] وقال سبحانه: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد:10] وقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190]. والسفر إلى البلاد الكافرة لثلاثة أسباب جائز: السبب الأول: أن تطلب علاجاً ما وجَدْتَه في بلاد المسلمين. السبب الثاني: وأن تطلب علماً ليس موجوداً عند المسلمين، كعلم التكنولوجيا، وعلم المادة الذي سبقونا فيه بمراحل. السبب الثالث: وأن تدعو إلى الله على بصيرة، بشرط أن تكون واثقاً من إيمانك ومن دينك. المراجع لهذا البحث مع المرئيات التي رأيتُها بعيني وأنقلها من هناك: أولها: (موجز عن تاريخ أمريكا) مترجم، لـ هنري ماجرو، وترجمه دكتور عربي. ثانيها: (أمريكا التي رأيتها) لـ مختار المسلاتي، وهو ليبي داعية يقيم في لوس أنجلوس بـ كاليفورنيا، ويسلم على يديه كل يوم خمسة أو ستة من الأمريكان. ثالثها: (الولايات المتحدة الأمريكية) لـ مختار المسلاتي أيضاً. رابعها: (أمريكا من الداخل) للدكتور صلاح الخالدي، ونقل أكثرَه من كتاب الشيخ الأستاذ سيد قطب رحمه الله: (أمريكا التي رأيت).

آيات الله في الكون

آيات الله في الكون العنصر الأول: آيات الله في الكون في طريق الرحلة: البحر، الليل، الكون، القمر، النجوم: ذهبنا من الرياض بعد صلاة العشاء، وهبطنا في مطار جدة وتوقفنا ساعتين، ثم طرنا متوكلين على الواحد الأحد، فيما يقارب الساعة الحادية عشرة، وكانت المسافة بين جدة ونيويورك ثلاث عشرة ساعة، لا توقُّف في الرحلة أبداً، معلق أنت بين السماء والأرض، وأنت تنظر في كون الواحد الأحد: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات:47 - 48] ولن ترى الأرض ولن ترى السماء كمثل ما تراها وأنت في هذه الرحلة. أصبحَت المدن كأنها رءوس الدبابيس تحتنا. أصبحَت النجوم تتلألأ كأن كل نجمة تقول لك: لا إله إلا الله. أصبحَ الكون يطل بإشعاعاته من نافذة الطائرة، مرة تمر بك كذا، ومرة كذا. دخلنا على سماء المحيط، فمكثنا على الماء ما يقارب السبع الساعات، ماء تحتنا، اليابسة قليلة، والماء مغدق، والليل عجيب، نحن نطارد الصبح؛ لأننا يوم خرجنا الحادية عشرة كنا نذهب نحو المغرب، فنحن نطارد الصبح ويطاردنا، فتأخر الصبح ما يقارب ست ساعات، وصلينا خمسة فروض في الطائرة، ومكثنا في هذه الرحلة نقرأ آيات الله في الكون، وتذكرنا قوله سبحانه وتعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] وقوله: {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق:20] وقوله: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:35 - 36] مَن الذي جمَّل هذا القمر؟ مضيفة من مصر كانت عندها شهادة جامعية، ذهبت في زيارة لـ أمريكا قبل أشهر، فلما رأت الكون في الليل أعلنت إيمانها وتابت وعادت وأصبحت داعية. إن هذا الكون يفرض عليك أن تؤمن بالله، وأن تعلم أن لا إله إلا الله، ومشت بنا الرحلة لا يحفظنا إلا الله في حَدِيْدة بين السماء والأرض، لو توقف مسمار أو سلك لهبطنا؛ ولا ينقذنا إلا الواحد الأحد.

الوصول إلى مطار نيويورك

الوصول إلى مطار نيويورك ولما اقتربنا أخبرنا الطيار بعدما صلينا الفجر أننا اقتربنا من مطار جون كيندي بـ نيويورك، فهبطنا، وكان البرد قارساً، وتغير علينا كل شيء، العمارات ليست كالعمارات، والدور ليست كالدور، والناس ليسوا كالناس. أخذنا الجوازات ودخلنا في المطار، فقابَلَتْنا ثلاث فتيات يضحكن من زِيِّنا، وهو معهود عندهم، وقد يرونه خاصة في مطار نيويورك؛ لكن هكذا وُفِّقْنا بفتيات مغرضات، أما الحجاب فلا تسَل، وأما غض البصر فلا تسَل: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110]. والعجيب من المفاجآت المضحكات: أنَّا لما نزلنا كنا أربعة: الدكتور سعود الخنيسان، والدكتور عبد الله الطريقي، والشيخ سلمان العودة، وأنا، فتجاوزنا الخط الأحمر؛ لأننا مستعجلون نريد أن نسافر، وهم لا يعذرون بذلك، فهم يعرفون النظام، وهذا الذي افتقدناه نحن وكسبوه هم، وهو من ديننا لكن أخذوه وتركناه، أتينا نحن كأنا نتعامل في القرى أو مع القبائل بالعِصِي، أخذنا الجوازات وقلنا: نحن مستعجلون، وترجم لنا مترجم وقال: عندهم سفر، فكلٌّهم هزَّ رأسه والتفت بعضهم إلى بعض متضايقين، وقالوا: عودوا وراء الخط الأحمر وقِفُوا ساعة، فانتظرنا ما يقارب ساعة، فعندهم لا يتقدم أحد ولا يتأخر، ولا يعرفون الواسطة، وهذه منقبة، والحق أن نتكلم بالعدل كما قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] فالعدل مطلوب، فالواسطة في مثل هذه الأماكن ليست عندهم. أخذنا الجوازات، وخرجنا في ساحة شركة بانام، فلما توقفنا رأينا هذه اللحوم البشرية وهي تموج أمامنا، الرجل يأخذ المرأة فيقبِّلها وما عليه، وعندهم في العرف الأمريكي -وقد ذكره هنري هذا- أنك ليس من حقك أن تنظر إلى الأمريكي، ولا تنظر إلى أحد من الناس، اذهب في أمرك، وعُد إلى مكانك، واشتغل بخاصة نفسك، ولا تتدخل في شئون الآخرين، وإذا نظرت إليهم استنكروا ذلك، هذه اللحوم البشرية تعيش كالبهائم، لا مبادئ ولا أخلاق ولا سلوك، ترى اللوعة والله، ترى القلق، ترى الحزن ولو كانوا يضحكون، يقبِّل الرجل المرأة وتقبِّله وهو أجنبي وهم يضحكون، ومع ذلك ترى اللوعة والأسى، والقلق والاضطراب في محياهم: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. والأمريكان يشعرون بعتوٍّ وجبروت على العالم، كأن هذا الكون ملكهم، وكأننا نحن دخلاء في هذا الكون، كأنهم يسيرون الدنيا بمن فيها. ثم طرنا بواسطة شركة بانام لا حياها الله ولا بياها، وكان هذا الطيار كأنه يسوق هايلوكس -إي والله- نحن في ضباب، ولكن كادت عقولنا أن تطير، وقد ذكرتُها في القصيدة، يهوي بنا المطب فيأخذه في كيلو، فكادت عقولنا أن تطير، فتمسكنا، وكان الأمريكان يضحكون ويصفقون له، وكأنه يعبث حالماً يسمع التصفيق له؛ لأن هذه الشركة معروفة بالعباطة -كما قالوا- فتُبْنا من أن نركب بواسطتها مرة ثانية، ولما نزلنا في واشنطن كأنَّا خرجنا من القبور أحياءً بعدما متنا، عرقنا يتصبب، ونحن ننتفض من هذه الفضيحة، وهذه المشكلة التي ركبنا فيها، فلما أخبرنا زملاءنا قالوا: أسأتم كل الإساءة! أتركبون مع شركة بانام؟! لا يركب فيها إلا العُبطاء أو اللاهون أو الذين يريدون أن يتفسحوا ويتفرجوا.

المناظر الخلابة في واشنطن

المناظر الخلابة في واشنطن نزلنا هناك، واستقبلنا نخبة من الصالحين، وكان الثلج يغطي الأرض، أما جمال الطبيعة فسبحان من أعطاهم جنتهم في الحياة الدنيا! نهر في العاصمة واشنطن يأخذ الجِمال، لو كان أمامه جمل لشدَّه ورماه، الماء عندهم شيءٌ عُجاب، الحدائق الغَنَّاء، الشجر الذي يطاول ناطحات السحاب أمر عجيب، وطبيعة خلاَّبة، وطيور جميلة، ولكنهم عتوا عن منهج الله، أعرضوا تماماً عن الله، ألْحَدوا في شرع الله: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. نزلنا في فندق ريجيسون في واشنطن، وكان من التعليمات التي يعرفها من يذهب إلى هناك: ألا تفتح باب غرفة الفندق إذا دخلْتَ حتى تعرف من الناظور من الذي طرق عليك، فهم في إرهاب وخوف، قد يدخل عليك رجل بخنجر فيقتلك ويأخذ ما معك، أو قد يدخل عليك من يطلق عليك الرصاص، ثم لا محكمة ولا قضاء، ولا شيء، لا تعرفه ولا يعرفك، فكلما طرق طارق فزع الواحد منا، فيَنْظُر أحدنا في الناظور، ويقول: مَن؟ وماذا تريد؟ ولغتنا رديئة، فما عندنا لغة، والذي يذهب بلا لغة إلى هناك يكون أبكم أصمَّ، حتى أنني طلبت مرة من الفندق أن أتحدث إلى البلاد هنا تليفونياًً، فكانت تكلمني امرأة وتسألني وتقول لي: Bless! Number Your?، أو كلاماً مثل هذا، أي: من فضلك! أعطني رقم غرفتك، فأنا ما عرفتُ رقم الغرفة، فقط ضربتُ التليفون عليها في وجهها، مثل بعض الناس إذا جاءوا عندنا وهو لا يعرف لغتنا يقول: بطنك يؤلمني، أو رأسي يؤلمك، فلا يعرف التعبير فيأتي بالضمائر، فلذلك ما حصلت على مكالمة حتى أتى أحد الإخوة من السفارة، فأعطانا التليفون لنتحدث. خرجنا من هناك ما يقارب ثلاثة أيام ما سمعنا أذاناً، ولا قرآناً، ولا توجُّهاً، وما سمعنا تسبيحاً، ولا ذكراً لله، أمة كالغنم، كالبهائم، وهم من أشد الناس عملاً، ينطلقون الساعة السابعة ولا يعودون إلا مع صلاة المغرب، في عمل كالآلة، الأمريكي مبرمج كالثور، يذهب من بيته إلى عمله ثم يعود في المساء، والعجيب أن أساتذة الجامعات عندهم لا يعرف أحدهم الولاية التي بجانبه، ولا حدودها ولا أخبارها، هذا يقين، ولكن دخلنا المركز الإسلامي في واشنطن فسمعنا (الله أكبر) فكأن قلوبنا عادت وحييت بعدما ماتت: الله أكبر هل أذناي تسمعها إن كان ذلك يا فوزي ويا طربي فهو من أحسن ما يكون، وصلينا مع شباب دُعاة كالنجوم، شباب من بلادنا، ومن البلاد العربية والإسلامية، يحملون (لا إله إلا الله) الليبي بجانب التونسي، والمغربي بجانب السوداني، والعراقي بجانب الكويتي، والسعودي بجانب المصري، ما بينهم ضغائن ولا أحقاد، كلهم يعتزون بدين الله، وسوف يأتي الحديث عن هذا في بيان الشباب. بعدها ذهبنا لحضور المؤتمر في كلورادو بـ دنفر، وله أخطاء وأعاجيب، وحضره ثلة من الدعاة الأخيار، وكانت قاصمة الظهر التي شلَّت المؤتمر يوماً من الأيام: مقتل الدكتور عبد الله عزام، فأتى الخبرُ أهلَ المؤتمر بواسطة إذاعة مقوية تتبع إذاعة هيئة الإذاعة البريطانية في أمريكا، حيث أخبرت بقتل عبد الله عزام، وأتى رئيس المؤتمر: الشيخ محمود مراد، ببيان رهيب كأنه يتقطع دماً، ثم قام أمام المؤتمر فقرأ البيان بعد صلاة المغرب، فبكى وأبكى حتى سمعنا بكاء النساء المسلمات من وراء الحجاب، وهذه علامة القبول إن شاء الله، وأبلغ برقية للشيخ سياف من ذاكم المؤتمر.

تفصيل عن الأوضاع المختلفة في أمريكا

تفصيل عن الأوضاع المختلفة في أمريكا .

اختلال الأمن والاطمئنان

اختلال الأمن والاطمئنان أما أحوالهم فكما رأينا وشاهدنا، مسألة الأمن، هل يعيشون أمناً واستقراراً؟! لأن فروخ العلمانية حدَّثوا عن أمريكا فوصفوها بأنها جنة، وبأنها ديموقراطية، وبأنها أمُّ الحرية، وبأنها أساس العدالة، فهل يعرفون أمناً ورخاءً؟ يقول سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]. إذاً: لا أمن إلا للمؤمن، أما الكافر فحرام عليه الأمن، وحرامٌ عليه أن يهجع، والله قلوبنا كأننا عقدناها على ورقة، وهو شعور متبادل، فنسأل الناس في بعض الولايات إذا انتقلنا من مكان إلى مكان، فيسألون في كل دقيقة: مَن معك؟ مجتمع خبيث، فيه المجرمون، فيه السكارى، فيه أهل الدعارة، فيه الزنوج الذين تغلي قلوبهم، فيه فرق مبتدعة، فيه أهل الغارات، فيه أهل الأحقاد، فأنت تتوقع كل يوم متى يعتدي عليك، وقد نصحني بعض الشباب -لأنني ذهبت وحدي مرة- أن أترك هذه الغترة؛ لأنها سوف تعرفني عند بعض الناس، فكنت أخلعها أحياناً وأبقى هكذا، ومع ذلك ما اطمأن قلبي: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. ركبت من دنفر في كلورادو إلى واشنطن وحدي، فذهب معي بعض الشباب إلى المطار، ولأني لا أجيد اللغة كتبوا في ورقة عنوان السفارة وتليفوناتها في واشنطن، وسوف يستقبلني رجل هناك، والعجيب أن أمريكا هذه التي يعرفها الإخوة قارة، السفر من الولاية إلى الولاية أربع ساعات أو خمس أو ثلاث، مثلما تطير من الرياض إلى الجزائر، فطرت من دنفر إلى واشنطن وحدي، ولما أصبحتُ في الطائرة تأخرَتْ الرحلة ساعة ونصف، وذهب الزملاء، وأتى موزع الخمر، فالخمر يشرب كالبيبسي، وأنا خائف من بعض الصينيين بجانبي والأمريكان أن يسكروا ثم نصير في حَيْص بَيْص، حتى أنني لا أدري ما هي الكلمات التي أتعامل معهم بها، ما هي الكلمات التي يمكن أن أتعامل بها شَفَقَةً وعطفاً حتى يفرج الله هذا الهم، وكنت دائماً أدعو بالأوراد، وصليت وأنا واقف في الطائرة، فكنتُ أنحني، فكان يتضاحك صينيان بجانبي من هذا المنظر العجيب، أنا لم أدرِ أين القبلة، أهي في اليمين أم في اليسار أم هي فوق أم تحت؟ لكن توكلت على الله، وعملت بالحديث؛ فصليت الظهر والعصر جمعاً وقصراً، فكانت الأنظار تلتفت وهم يضحكون بجانبي، لا يدرون ماذا أصاب هذا الإنسان. ولما مشيتُ كانت التعليمات أنك إذا لم تجد أحداً يستقبلك فانتظر عشر دقائق ولا تتحرك، أو تسأل البوليس، أو تسأل صاحب شركة، فلما نزلنا ما عسى من يستقبلني! فوقفتُ وخلعتُ هذه الغترة والطاقية والتجأت إلى جندي أمريكي، وما قلت له شيئاً، بل أعطيته الورقة، وقلت له: (بْلِيْزْ) خُذْ. (بْلِيْزْ) إبليس في رءوسهم/ و (وِيْلْكَم) ويلٌ لهم ومن بؤسهم يقول الشيخ علي الطنطاوي: ما حفظت إلا ثلاث كلمات بالإنجليزية: (بْلِيْزْ) التي معناها: من فضلك تعني: (إبْلِيْس). (وِيْلْكَمْ) التي معناها مرحباً تعني: (وَيْلَكُم). وكلمة ثالثة نسيتُها. دخلنا في لوس أنجلوس، وهذه أكبر مدن أمريكا وأكثرها سكاناً، سكانها ثلاثة عشر مليوناً، وهي من أكبر مدن العالم، وتطوف كأنك في أمواج من البشر من كل فج، ومع ذلك جلستُ فيها أربعة أيام مع أحزاب وأصحاب يخبروننا كل يوم بشيء، حتى يقول المسلاتي الداعية الليبي الذي يسكن في لوس أنجلوس يقول: أمر عجيب في لوس أنجلوس، قلنا له: ماذا حدث؟ قال: في لوس أنجلوس بـ سان فرانسيسكو، الآن عندهم بند في القانون يجيز أن يتزوج الرجل من الرجل والمرأة من المرأة، وقد تزوج في سان فرانسيسكو أكثر من أربعين ألف رجل بأربعين ألف رجل، وأكثر من خمسين ألف امرأة بخمسين ألف امرأة، والزلزال وقع في سان فرانسيسكو. ما وقع للإنسان شيءٌ عجيب! عندهم أفلامٌ، الكلب فيها يجامع المرأة، وهو يُعرض على الناس، وتنتجه شركة إيطالية. يقول المسلاتي: وبلغ من خوفهم أن الطفل إذا ذهبت أمه لتُداوِم وتؤدي عملها، يأخذ سكيناً ويبقى عند الباب، لا ينام؛ لأنه يتوقع متى يطرق عليه عصابة، وبعض الأمهات ماذا تفعل؟ تأتي الأم فترفع سماعتها دائماً وتتصل بابنها حتى ينتهي الدوام؛ لأنها إن تركت العمل ماتت، وإن واصلت في العمل فابنها ربما يكون ضحية، وبعض الأبناء يقولون: لا نُجيبُ مِن وراء الباب، لنوهم أنه ليس أحدٌ موجوداً، وإذا سأل الطارقُ الطفلَ: هل أبوك موجود؟ قال: نعم. موجود ولكن في دورة المياه، ليوهم السارق واللص أنه وراءه.

فقدان التكافل الاجتماعي

فقدان التكافل الاجتماعي ودخلنا في قلب لوس أنجلوس هذه المدينة الكبيرة، فوجدنا فرقة اسمها (الهوملِْك) وهم قوم ليس لديهم بيوت، وهم فقراء. وفي نيويورك منهم عشرون ألفاً لا مأوى لهم، فلا ضمان اجتماعي، ولا رعاية، ولا صدقة، ولا تكافل، أتظن أن الأمريكي يخرج حقيبته ويتصدق عليك؟! والله إنك لتموتن في الشارع ولن يحملك أحد، ولن يتصدق عليك أحد، ولن يطعمك أحد، هذه الفرقة طالت شعورهم وأظفارهم، وفيهم من البشاعة ما الله به عليم، كالحيوانات، عندهم كراتين ينامون عليها وسط هذه المدينة، وناطحات السحاب بجانبهم، والبنوك، والمال، والشركات السياحية، والدنيا، ومع ذلك يأخذ أحدهم القمامة ونحن نلحظه، فيفرقها ويلقيها ويبعثرها، ثم يخرج الكيك المنتن فيأكله. مررنا بشيخ كبير عمره أكثر من مائة، سقط حاجباه على عينيه الزرقاوين، وهو أكبر أمريكي، وقد طالت أظفاره ولحيتُه، وهو يأكل ونحن بجانبه ننظر إليه من السيارة، وكأنه لا يرانا، أصبح كالحيوان الكبير أو الكلب الفحل، لم يعد يحس بشيء، أقسمت عليه، وعنده ثوب فيه من الوسخ ما الله به عليم، فقال: عندي أحد عشر ولداً، ومع ذلك لا يلتفتون إليه، فمن أين يلتفت الولد للوالد إن لم يكن لديهم شريعة من السماء؟ والمرأة تذهب إلى المطعم هي وزوجها -وقد رأيناهم- فتحاسب عن نفسها ويحاسب الزوج عن نفسه، وترتفع المعاملات القضائية، الزوجة تشكو زوجها، ويشكوها زوجها في أشياء بسيطة، فكان السبب في قيمة الفنايل أو المناشف أو الصابون الذي في البيت وتأتي المحاماة بأمور، من أين يأتي التكافل الأسري وما عندهم إسلام ولا إيمان؟! فهم يعيشون في هذا المستوى. أما الاضطراب: فإنني سمعتُ قصصاً ورأيتُ أعاجيب، منها: أن أحد أبناء البلاد العربية رحمه الله رحمة واسعة، ذهب بسيارته، وقد كان طيب القلب، يظن أنه في بلاد الإسلام، وعندهم هناك في العرف العام في كثير من الولايات ألا تُرْكِب أحداً، ما لك وللناس، ففي أوكلاهوما قبل سنتين حين سافرنا إليها، وقف رجل تعطلت سيارته يؤشر للسيارات من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر في الثلج، ثم توفي بعد صلاة الفجر، لا تقف له سيارة، إذا تعطلت سيارتك البوليس يقف لك، أما أن تتحرى من أمريكي أو أحد الناس أن يقف لك فلا؛ لأنه يتصور أنك إرهابي معك المسدس تريد قتله، فأتى طالبٌ مسلم يدرس هناك، فمر بأمريكي فأشار إليه الأمريكي، فركب معه، فلما أركبه ذهب به إلى خارج المدينة -مدينة ريفر تايمز أو ما يشابهها- فأخرج هذا الراكب خنجراً وذبح هذا الطالب وأخذ سيارته. وطالب آخر طُعِن، ثم سلِم ونجا، ولكن أُخذت عليه سيارتُه، وهذا الراكب قد تراه ضعيفاً أو كفيفاً أو كبيراً في السن، ومع ذلك لا تأمنه، فمعه عصابه تنتظره خارج المدينة، يشير لك وسيركب معك، فإذا وصلتَ إلى خارج المدينة تلقفتك العصابة، وذبحوك كما يذبحون الشاة، ومَن يطالب بدمك؟ ومَن تشجب؟ وإلى مَن تتجه؟ قال سبحانه: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110]. أما الرحمة فلا رحمة، يتعاملون بالدولار، إذا لم يكن عندك مال فمُت في الشارع، قال سيد قطب رحمه الله: دخلتُ واشنطن في مستشفى هناك أتعالج، ودخل رجل في المصعد، فضرب برأسه، فخرج الدم من أنفه وأغمي عليه وأخرج لسانه، فسحبه الأطباء الأمريكان يريدون علاجه، لكن قبل أن يعالجوه بحثوا في جيوبه هل فيها دولارات، فما وجدوا شيئاً، فسحبوه كالبهيمة، وأخرجوه من المستشفى. الذي ليس عنده دولار لا يعيش هناك أبداً؛ لن تلقى علاجاً ولا طبيباً، ولا متصدقاً ولا محسناً ولا مطعماً، مجتمع يعيش بالدولار وبلا رحمة.

الأسرة في أمريكا

الأسرة في أمريكا وفي سوسان ولاية آرزونا نزلنا هناك، فقال لنا أحد الشباب: البارحة ذهبنا إلى عجوز كبيرة في السن معها كلب تربيه، قلنا: أما معك إلا الكلب؟! قالت: عندي أحد عشر ولداً من أحد عشر رجلاً من الزنا، زنى بها أحد عشر رجلاً فأتت بأحد عشر ولداً، قالت: وكلهم قطعوني، حتى الاتصال بالهاتف لا يتصل بي أحد، فرأيت أن الكلب أحسن منهم، فربيت هذا الكلب، هذا مستواهم، أمة متفككة، ولذلك ما رأيت سيارة أمريكية فيها أكثر من اثنين، ما رأيت ثلاثة، فسألت الشباب فضحكوا، وقالوا: ألَمَحت هذا؟! أنتبهتَ لهذا؟! قلت: نعم. قالوا: هؤلاء مجتمع متفكك، لا تركب الأسرة في سيارة واحدة، الابن إذا كبُر وهو لا يصرف على نفسه يطرده أبوه من البيت، والبنت إذا كبُرت وأعجبها شاب ذهبت معه إلى كل مكان، تذهب معه إلى الصين إلى اليابان إلى كندا، ولا تتصل بأهلها، وقد تقاطع بيتها الحياة الدنيا، ولا يدرون أين ذهبت، مجتمع متفكك، وسمعنا أن رجلاً اعتدى على ابنه وهو نائم فخنقه، فلمَّا حوكم قال: أرهقني بكثرة التكاليف، ولذلك النسل عندهم محدد، إذا أنجبتَ طفلين أو ثلاثة فلا تزِِد على ذلك؛ لأنهم ما وثقوا برزق الواحد الأحد والله يقول: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6] وتجد الواحد منا عنده ثلاثين ابناً، وإذا سألته عن الرزق قال: رزقهم على الله، عقيدة يتصل بها الإنسان بالله سبحانه وتعالى.

الديون الباهظة

الديون الباهظة إنهم مجتمع بلا رحمة، ولذلك ينقطع الإنسان هناك، ففي دنفر شاب ليبي أنجب طفلاً وما عنده شيء من المال، فلما أدخل أمه المستشفى بقي العلاج عليه ما يقارب ثلاث سنوات ديناً للمستشفى، كلما زاد سنة ضاعفوا عليه العلاج؛ لأنه بنظام الربا. صحيحٌ أن أمريكا عندها مصادر: عندها بترول، عندها معادن، عندها زراعة، ولا إله إلا الله كم أنعم الله عليهم بها! مساحات هائلة، لكن هذا للدولة وليس للأفراد شيء، العجيب أن أكثرهم إن لم أقل كلهم مدينون، سيارة أحدهم جديدة، ولكنه مديون للبنك، وبيته مديون به، وثوبه دين عليه، حتى يأخذون هناك أثواباً، فيعطوا الفنايل بالأجرة، لك أن تلبس لباساً يوم عيد الكرسمس (عيد الميلاد) فتلبسه جميلاً وترده بعد أن تستأجرها ليلة، وكل هذا بالدين، ولذلك يقولون: بعضهم أفلس، فأخذوا بيته وسيارته، وأودعوه في السجن مثل الكلب، فهم يتعاملون بالربا، تشتري شيئاً بمبلغ من المال ديناً، فتذهب سنة فيضاعفونه، وسنة فيضاعفونه، ثم إذا لم تستطع أخذوا من التأمين في الحبس فيبقى الإنسان في الحبس. إذاً هم يعيشون في اضطراب ولوعة وقلق لا يعلمه إلا الله.

مستوى الذكاء عندهم

مستوى الذكاء عندهم وأمر عجيب سوف أخبركم به، وربما يكون لأول مرة، وقالوا: أول من أشار إليه سيد قطب رحمه الله، وهو أن هذا الشعب تافه بسيط، حتى أنه من سذاجته وبدائيته يأتي بأمور ساذجة، يقدمون لنا طعام الإفطار في الصباح حبحب وشيءٌ معه، وبطاطا اللون لون بطاطا والرائحة منتنة، ما أدري ما هذا الأكل! ولذلك خلال تنقلاتنا كنا ندخل منازل أناس من المسلمين، وإلا فصاحبك الجوع إن لم يكن عندك بسكويت في الحقيبة، إما أن نرى لحم خنزير ونقول: لا نريده، وإما وجبات معفِّنة لست أدري من أين أتت، السمك رائحته منتنة، حتى يبقى ريحه في الأصابع فترة، ومع ذلك يأكلون، فيقول سيد قطب: دخلتُ مطعماً فوجدتُ الأمريكان يأكلون في الصباح حبحباً -الحبحب المعروف هو البطيخ- قال: فرأيتهم يضعون على الحبحب سكراً -من الذي يضع على الحبحب سكراً؟ - قال: وقلت: في بلادنا -أي: في مصر، وهو يمزح ويضحك عليهم- يضعون على الحبحب ملحاً، قال: فأخذوا الملح فوضعوه عليه، فقالوا: كُوَيِّسٌ هذا -أي: جيد- قال: فجئت في اليوم الثاني فقلت: وعندنا قوم يضعون على الحبحب فلفلاً، قال: فأخذوا الفلفل ووضعوه على الحبحب، فلديهم فساد أمزجة، يدخلون المطارات والصالات -ويعرف ذلك الإخوة- فتأتي موسيقى بيتهوفن التي تضج الإنسان، ما فيها من الطرب ولا قطرة، أشبه شيء بالقَطْر إذا نزل المطر من السقف ووضعتَ له صحوناً وبقي يرش في كل مكان، فهذه مثل موسيقى بيتهوفن، ومع ذلك تجد الأمريكي يطرب قلبه ويتراقص كالحمار، حتى أن الشيخ علي الطنطاوي يقول: موسيقى بيتهوفن هذه ما شبهتها إلا بمثل رجل أخذ عشرة قطط، ثم وضع شيئاً على أذنابها فأخذت تصوِّت، فيقول أهل العلم وأهل الفكر الذين يذهبون: ما هذا المزاج؟ يأتي الأمريكي في الصباح أحياناً بلباسه الداخلي الذي يستحي الإنسان أو الحيوان أو الحمار أن يلبسه، فلو كان الحمار يلبس شيئاً ما لبسه، يأتي بلباس غرفة النوم، سروال قصير، قصير جد قصير مع فانيلة علاقية فيخرج أمام الناس، ويسعى ويجري. ولذلك لما دخلنا رأيناهم يجرون على الأرصفة شبه عُراة، الرجال والنساء شبه عُراة، ما على فروجهم إلا خيوط، فذلك منظر عجيب ينبئ على أن هذه المجتمع بلغ حد البهائم، ويلبس الواحد منهم لباساً عليه من الصور والتعابير والطيور ما الله به عليم، هذا يدل على فساد الأمزجة. أنا أعرف أن غالبية الناس يقولون: الأمريكان من أذكى الناس، ولا يمكن أن يكون الأمريكي إلا ذكياً، الذي يُعرف ويُنقل مثلما نقله مختار المسلاتي: أن العقول المنتجة ليست من أمريكا أصلاً، إنما استوردت، والعجيب أنهم يقولون: إن عقل الأمريكي كالبيضة، لا يعرف ما وراءه، ولذلك الدكتور في الجامعة لا يهتم حتى بالصحف اليومية، ولا يدري ما العالَم فيه، بل يهتم بمادته، ويعود إلى بيته، ومن بيته إلى هناك، حتى أنه لا يعرف الولاية التي بجانبه، وهذا أمر معلوم. حدثنا محمد بن حيدان، وهو شاب يدرس في لوس أنجلوس، ثقة، بسند جيد، أن أستاذاً سورياً يدرس في الثانوية في لوس أنجلوس، قال: فدخلتُ على الأستاذ أريده فوجدته يشرح على السبورة لطلبة الثالث الثانوي وهم أمريكان، يشرح لهم ويقول: ¾ + ¼ = كم؟ كيف تكون؟ ثلاثة أرباع + ربع كم يساوي؟ قال: و½ + ½ = كم؟ قال: فيجلسون هكذا ينظرون في السبورة، قال: فضحكتُ أنا وقلت: أجادٌ أنت يا أستاذ؟ أن تطرح مثل هذا السؤال؟! قال: ولماذا؟ قلت: لأنهم طلبة من طلبة الثالث الثانوي، عندنا يدرسون هذا في الابتدائي، فضحك السوري وقال: والله هؤلاء بُهْم، أتعرف البُهْم؟ قال: والله مثل البُهْم، في مستوى البُهْم، فهم في هذا المستوى، ولذلك طلبة الإخوة السعوديين الذين رأيتُهم أنا هناك، كل واحد منهم يأخذ المركز الأول وهو نائم، فباستطاعته وهو نائم أن يأخذ المركز الأول، ما وجدتُ طالباً، وما سألتُ طالباً يدرس في المدارس الأمريكية إلا إذا قلتُ له: كم ترتيبك؟ قال: الأول، ولو كان أحدهم عندنا لربما كان راسباً، هذا أمر معروف، وما نزلنا ولاية إلا أخبرني الإخوة بهذا. قالوا: أما دراستهم فعجيبة، مستواهم عجيب، لماذا؟ يقول مختار المسلاتي: الأمريكي يجلس أمام التلفاز سبع ساعات، الأمريكي الذي يومه وليله يجلس أمام التلفاز سبع ساعات، فتجد ولده دائماً هكذا، فقد ينام ويقف صباحاً عندهم، رأيت التليفزيون في واشنطن يحتوي على ثماني عشرة قناة، هذا من القديم، وإلا فبعض التليفزيونات -كما ذُكر لي- فيها أربع وخمسون قناة، منها: قناة خاصة بالجنس، ليس فيها إلا فاحشة الزنا، وقناة خاصة بالأخبار، وقناة خاصة بدرجات الحرارة، وقناة خاصة بالأموال والتجارة، وقناة للإعلانات، فيبقى هذا الطالب المشدوه أمامه ثم يأتي الصباح، فإذا سألوه: ¾ + ¼ = كم؟ لا يدري، من أين له أن يدري، ولذلك قال بعض المفكرين منهم: أمريكا تتحطم بعد خمسٍِ وثلاثين سنة، فنسأل الله الذي حطَّم روسيا وفضحها أمام العالم أن يحطم أمريكا ويفضحها أمام العالم، قولوا: آمين. أما وضع الأسرة هناك فقد مرَّ شيء من هذا؛ وهو على كل حال وضع لا يُرضي، نسبة الطلاق في زواج الأمريكان (80%) فمن يتزوج يطلق، والعجيب عندهم وهذا أمر معروف عند كثير منكم، أن الرجل يأتي بصديقته فيدخل بها البيت، وتأتي امرأته بصديقها وتدخل به، الأمر مكشوف، فأصبح شيئاً مألوفاً عندهم، والفاحشة كأي أمر معتاد، يستحي من ذكرها الإنسان، وإلا فالنسب موجودة من ذكر الزنا والفواحش التي طمَّت وعمَّت عندهم.

حال الدعوة والدعاة هناك وأوضاع اجتماعية

حال الدعوة والدعاة هناك وأوضاع اجتماعية أما المسألة الثانية عشرة فأرقام وحقائق تكشف عن الوضع المزري الذي وصل إليه المجتمع الأمريكي.

حقائق وأرقام تكشف الوضع في أمريكا

حقائق وأرقام تكشف الوضع في أمريكا أولاً: الأرقام: نقلاً عن المجلة العربية، العدد: (148): 1 - (22%) دخلوا مصحات عقلية بسبب شرب الخمور: فاثنان وعشرون من كل مائة من الأمريكان في المصحات العقلية، بسبب الخمور. 2 - (42%) حوادث السيارات بسبب الخمر: وهم إذا ساقوا في المناطق التي تعتبر خارج الولاية، يسوقون في غاية الجنون، وهم أهل الخمور. 3 - (21%) من الأطفال يولدون نتيجة علاقات جنسية غير شرعية (زنا): وحتى عقودهم زنا من أولها إلى آخرها؛ لكن بدل أن يكون الزوج مع الزوجة يذهب إلى غيرها. 4 - (58%) يعتقدون أن الدين هو الكفيل لحل المشكلات المعاصرة، لكن أي دين؟! الدين الإسلامي مشوه عند الأمريكان، يظنون أن الدين هو دين الخميني هذا، ولذلك إذا أتى الواحد من المسلمين قالوا له: أنت خميني؟ فلا يعرفوا إلا أنك تتكلم باسم الخميني، يظنون أن الدين هو الإرهاب، وبعضهم صوَّر الإسلام لَمَّا ذهب إلى هناك تصويراً سيئاً والعياذ بالله، وهو من أبناء العرب والمسلمين، وهؤلاء نسبتهم (20%) أما (80%) من شبابنا فمستقيمون أحسن منا، فقبل أربع سنوات أو خمس سنوات كان الإسلام مشوَّهاً، يذهب الطالب من هنا إلى هناك، فإذا هو أخبث من الأمريكي؛ لأنه حين يذهب، ينظر إلى الخمر وإلى هذه البطالة وإلى هذه الأمور فينبهر، يقولون لشاب في أمريكا: غض طرفك، قال: والله بصري يعمل كش، يقول: لم يعد عندي رادع، لم يعد عندي فَرْمَلَة، أي: أنه مشتعل، لا إيمان لديه، لا رادع لديه من (لا إله إلا الله) ولا رصيد لديه من التوحيد، فذهب فأصبح -والعياذ بالله- جيفة قذرة، وأصبح كالحيوانات، فنظر الأمريكان إليه وقالوا: أمسلمٌ هذا؟ يكذب ويزني ويشرب الخمر ولا يفي بمواعيده، فشوَّه الإسلامَ؛ ولكن هناك شباب آخرون رفعوا الإسلام، والإسلام الآن ينتشر؛ لكن ببطء، والسبب هو الإرباكات التي أتت من بعض الطوائف المبتدعة، وبعض الذين طمس الله على قلوبهم.

رشاد خليفة الذي ادعى النبوة

رشاد خليفة الذي ادعى النبوة رشاد خليفة في توسان ذهبنا إليه، ووصلنا إلى بيته، لكن ما رأينا الرجل، ادعى النبوة، وهو دكتور مصري يدرِّس في جامعة هناك، أولاً: دعا، ثم اجتمع إليه الشباب، ثم واصل، ثم ادعى النبوة، وقال: إنه نبي، وإنه رسول، ولَمَّا سئل عن قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران:144] وقوله: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] قال: هو خاتم النبيين، أما الرسل فليس بخاتمهم. يخبرني أحد الإخوة اسمه جار الله الغامدي في توسان بـ أمريكا، وهو سعودي من الباحة، اتصل به مساءً في الليل، فقال له: مَن؟ قال: رشاد خليفة، قال: أأنت الرسول الذي اسمك رشاد خليفة؟ قال: نعم. قال: معك جبريل عليه السلام، يقول: أريد أن أكلمك. فهؤلاء شوَّهوا الإسلام بتصوُّراتهم، ولذلك الإسلام يمشي بطيئاً عندهم جداً.

دعوة الكنيسة

دعوة الكنيسة ثم إنهم نظروا من الكنيسة، يظنون أن الدين في الكنيسة، ماذا تفعل الكنيسة؟ عندهم سواجارت، وهو أكبر خطيب في أمريكا، إذا خطب على الشاشة يُبكي الأمريكان جميعاً، تنهلُّ دموعهم، وهو أكبر راهب، وهو خطيب يأخذ القلوب، ينزل الدرج (السُّلَّم) ويصعد، ويخطب بين الشجر، ويصرخ، ويحرك شفتيه، ويحرك عينيه ويديه حتى يأخذ القلوب وهو راهب كنيسة وقسيس، ومع ذلك أسقطه الله سقطة ما بعدها سقطة، نقلوا له أفلاماً وهو مع فتاة يزني بها في فندق، فسقط الدين عندهم تماماً. الكنيسة تحولت إلى خمارات وبارات ودور للدعارة، وأول من يزني الرهبان والقُسس، يزنون بفتيات الناس، هذا وضع الكنيسة، فلذلك انفض الأمريكان من الكنيسة وقالوا: هذا ليس بصحيح وليس بدين، أين العدل؟ أين الصدق؟ أين الأمانة؟ وما بقي لهم إلا الإسلام، لكن لِيَعْلم مَن ينشر الإسلام أن المستقبل للإسلام، وسوف يصل الإسلام إلى قلوب الناس، وسوف يورث الله الأرض للمسلمين كما قال عز وجل: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128].

من قصص العائدين إلى الله

من قصص العائدين إلى الله وكلمة عارضة: قبل السفر أتت رسالة للإخوة في ريسان من طالب يمني من عدن ذهب وهو ملحد إلى ولاية روسية يدرس هناك، أتت رسالة السلطات الأمنية، هذا الطالب يقول: الإسلام في روسيا يذهب كالشمس، يفتح المدن والقرى. الشيوعية عاشت اثنين وستين أو ثلاثاً وستين سنة وأعلنت فشلها، والإسلام ألف وخمسمائة سنة، وكل يوم وهو يزداد، وكل يوم وهو يكبُر، كل يوم وهو يعظُم؛ لأنه يدخل خفية إلى القلوب. شاب من شبابنا سافر إلى بلاد الغرب؛ لكن سافر وقلبه ممتلئ إيماناً، فلما ذهب إلى هناك كان يقوم مع صلاة الفجر في يوم قارس البرد، وهو يسكن مع عائلة، فتقول عجوز له: لماذا لا تنام؟ قال: ديني يأمرني أن أقوم في هذا الوقت، قالت: أخر الصلاة عن هذا الوقت، قال: لو أخرتُها ما قبلها الله، فهزَّت رأسها وقالت: هذه إرادة تكسر الحديد. وأنا أعرف شباباً كانوا هنا؛ وكان بعضهم لا يصلي في المسجد، ولستُ أدري هل يصلون في البيت أم لا؟ تحولوا الآن إلى دعاة من الدعاة، وكنتُ أقول لبعضهم: أأنت فلان؟ قال: نعم. أنا فلان هداني الله، أتيتُ إلى هذه البلاد فما وجدتُ إلا الدين، فاستعصمتُ بالدين واحتميت به، وبعضهم له دروس يشرح للطلبة المسلمين والأمريكان المسلمين هناك. دخلنا في لوس أنجلوس في مسجد بـ ريفر تايمز، يسمى مسجد ابن تيمية، فوجدنا رجلاً كث اللحية، ولحيته تبلغ سرته، وإذا هو متأثر وتكاد دموعه تهراق، وإذا هو يتفق مع رجل أمريكي مسلم يترجم له ويدعوه إلى الإسلام، قلتُ: من هذا؟ قالوا: هذا رجل روسي رأى المسلمين يذهبون إلى المسجد، فأعجبه هذا الالتزام والصلاة؛ فأتى يريد أن نخبره عن الإسلام، وهو روسي من روسيا. الناس بحاجة إلى دين، لكن من يخبرهم عن الدين.

المحاماة في أمريكا

المحاماة في أمريكا أما المحاماة في أمريكا فهذه قاصمة الظهر، وكفانا الله شر المحاماة، وكفانا الله شر محاكمهم، بإمكان ذلك إذا غضب عليك أن يبحث لك بشكاية في المحكمة، ويأخذك البوليس كالخروف إلى المحكمة، ويحاكمونك ولو كنت ليس لك ناقة ولا جمل حتى تسلم دراهم، وإذا كان المحامي داهية سلبك وأخذ ما عليك، وخرجتَ وأنت مظلوم، شاب في دنفر من شباب السعودية نزل يقول: فكان في الطريق رجل أمريكي يمر، وكان المرور له، فرَبَطْتُ على فَرْمَلَة سيارتي، فزَحَفَتْ قليلاً ثم لَحِقَتْه، والله ما لَحِقَتْه إلا شيئاً بسيطاً، فلما لَحِقَتْه بصدامها شيئاً بسيطاً رفع فيَّ قضية، وذهبت واعتقدتُ أن الأمر عادي، وما ظننتُ شيئاً وخرجت في الصباح للدوام، فوجدتُ سيارتي قد أخذها البوليس، وذهبت إلى المحكمة، فجلستُ معهم، فما أخرجتها إلا بمئات الدولارات إرضاءً لذاك، وهذا ظلم صريح بسبب المحاماة. يهودي بجانب المسلم في واشنطن قدم فيه شكاية من أجل شجرة، فذهب وما انطلق منه إلا بآلاف الدولارات حتى سامحه، فمعنى المحاماة أن مالك سوف يكون نهباً، وبإمكان الإنسان أن يمر بك في الشارع، لا يعرفك ولا تعرفه، فيرفع عليك قضية، ويقدم فيك شكوى وينظر فيها القاضي، وربما يسجنك القاضي بسبب المحاماة، أين العدل؟!

كثرة البطالة

كثرة البطالة في الشعب الأمريكي عشرون مليوناً بلا عمل، عشرون مليوناً في بلاد أمريكا بلا عمل، يبحثون عن عمل، فما وجدوا عملاً، فتحولوا إلى عصابات إجرام، وهتك ودعارة، وانتحار وإرهاب وتخويف للناس، ولذلك تجد قطاعات من الناس في المطاعم والحانات، ينظرون إليك من أين أتيتَ، ولذلك عليك إذا ذهبت إلى هناك أن تتأكد أولاً من سيارة الأجرة التي تركبها، هل هي تاكسي، هل هي أجرة صحيحة أم لا؛ لأنها قد تكون سيارة إرهابيين انتحاريين، وقد يذبحونك ثم لا يراجعون فيك أحداً، الإرهابيون يرونك من المطار، وربما ذهبوا وراءك حتى يعرفوا الفندق الذي تسكنه، والغرفة التي تأوي إليها، ثم يسلبونك، وكثير من حقائب الإخوة سُرقت من نيويورك من المطار، يأتيك رجل مسرع كالطير وكالريح ثم يأخذ حقيبتك ولا تدري أين ذهَبَت، أو قد يبادلك حقيبته ويأخذ حقيبتك، أحد الإخوة أخذوا حقيبته، ليس في رحلتنا بل التي قبلها، وبعد فترة ردوا عليه الحقيبة، وأخذوا ما فيها من دراهم، وعندهم طريقة، عندهم حقائب فارغة هنا، فيبدلون الحقائب في المطار، ويأخذون حقيبتك، ويجعلون حقيبتهم مكان ما عندك، فهم مجتمع يأكلون ويشربون لكن بلا شريعة ولا إيمان، ولا قيم ولا أخلاق.

حال الشباب المسلم هناك

حال الشباب المسلم هناك أبشروا فشبابنا هناك أمرهم عجيب! والله إنه لشيء يثلج له الصدر، ويرتفع له الرأس، وهم (80%) أو أكثر وبقي (20%) الـ (20%) ما بين علماني وشهواني، رجل مغفل لو وجهت له كلمة أو دفع دفعة بسيطة دخل في الدين واستقام، أما (80%) فمستقيمون حتى في السنن البسيطة التي نظن أنها بسيطة، وهي ليست بسيطة، أمرهم عجيب! قرآن، حلقات ذكر، ما نزلنا والله ولاية أو مدينة إلا وجدنا مسجداً ومركزاً إسلامياً، ومكتبة وأشرطة، ودروساً وحلقات. ودخلتُ في بورت لاند، وبورت لاند هذه من ولاية أوريفر، وهي من أجمل ما خلق الله في الدنيا، هي جنة في الدنيا بمعنى الكلمة، واكتبوا هذا الخبر، ويعرفه الطلبة الذين درسوا في أوريفر، جذع الشجرة في أوريفر طوله عشرة أمتار، وأخشابهم من هناك، تمر التِّرِلاَّت في الصباح، وهي تنقل من هذه الأخشاب والأشجار والغابات، بعض الشجر يقال: إن ميلادها قبل ميلاد عيسى عليه السلام، وهي من أجمل بقاع الأرض، وفيها طيور، وزهور، وأشجار، وماء غادق، وظل وارف، وشيء عجيب؛ لكن في بلاد كفرت بأنعُم الله، فنزلنا في بورت لاند، وبعد صلاة العشاء اجتمع بنا ثلة من الشباب ما يقارب الستين شاباً، أتدرون ما هؤلاء الشباب؟ إنهم شباب اجتمعوا في بلاد الغربة، وبينهم من الإخوة ما الله به عليم، حتى إن بعضهم إذا أراد أن يداوم في الصباح يأخذ لباس أخيه ولا يجد غضاضة من ذلك، وبينهم من العناق والأخوة ما الله به عليم، فجلسنا في ليلة من الليالي التي لا أنساها في حياتي، وكان هناك شاب مغربي من فرنسا، وكان معرضاً عن الله فهداه الله، فأصبح مستقيماً وأسمعنا قصائد باللغة الفرنسية، وتُرْجِمَت إلى العربية، ومعنا ليبي أسمعنا قصائد بالنبطية باللغة الليبية، ومعنا فلسطينيون وعراقيون وتونسيون ومن كل بلاد المسلمين وهم في إخاء عجيب، جمع بينهم هذا الدين: إن يكد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدَّر من غمام واحدِ أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالدِ {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63].

أشعار قيلت حول الرحلة إلى أمريكا

أشعار قيلت حول الرحلة إلى أمريكا الشعر له مشاركة، ومنها قصيدة قيلت بعد المؤتمر، وقصيدة من قبل سنتين، لأن هذا هو ثاني سفر، فلا بأس أن أذكر بعض الأبيات، والقصيدة الأولى اسمها رحلة إلى أمريكا، وهذه نشرة الأخبار، وسوف أذكرها وأعيد الأولى حتى تكون في ضميمة هذه: القصيدة الأولى في الرحلة الأولى:

قصيدة

قصيدة يقول عائض هو القرني أحمد ربي وهو لي وليُّ مصلياً على رسول الله مذكراً بالله كل لاهي قد جئت من أبها صباحاًباكرا مشاركاً لحفلكم وشاكرا وحَمَلَتْنَا في السما طياره تطفح تارة وتهوي تارة قائدها أظنه أمريكي تراه في هيئته كالديكِ يا سائل الأخبار عن أمريكا اسمع رعاك الله من يفتيكا وهذه الأخبار هذي النشره مسافة السير ثلاث عشره من الرياض عفشنا ربطنا وفي نيويورك ضحىً هبطنا أنزلنا بسرعة وحطَّنا وقد قصدنا بعدها واشنطنا ثم ركبنا بعدها سيارهْ مستقبلين جهة السفارهْ منزلنا في القصر أعني ريديسون يا كم لقينا من قبيح وحسن في بلدٍ أفكاره منكوسهْ تثقله بصائر مطموسهْ يقدسون الكلب والخنزيرا ويبصرون غيرهم حميرا ما عرفوا الله بطرف ساعهْ وما أعدوا لقيام الساعهْ فهم قطيع كشويهات الغنمْ جد وهزل وضياع ونغمْ ومنها: ومعنا في صحبنا العجلان أكرم به مع العلا جذلانِ وطارق المنصور من بريدة يشبه سعداً وأبا عبيدة ومعنا عبد العزيز الغامدي ابن عزيز صاحب المحامدِ والشهم عبد القادر بن طاشي ذو القلم السيال في انتعاش فهو أبونا في مقام الترجمةْ لأننا صرنا صخوراً معجمةْ ومن القصيدة: استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا منهم أخذنا العود والسيجارهْ وما عرفنا نصلح السياره

قصيدة نشرة الأخبار

قصيدة نشرة الأخبار القصيدة الثانية في الرحلة الثانية: أما في الرحلة هذه فقلتُ: طرنا لـ أمريكا لأجل المؤتمرْ في رحلة فيها العناء والضجرْ طيارة قد حَمَلَتْنا مسرعهْ ونحن من أرض السلام أربعهْ منا الخنيسان سعود المحترمْ بالعلم والفضل يلوح كالعلمْ ثم الطريقي شيخ علم وتقى بالنبل والمجد إيمانه ارتقى ومعنا سلمان بن عودهْ أبو معاذ ذو الوفاء والجودهْ كان النزول في مطار كندي والثلج فوق الأرض مثل اللبدِ ثم إلى واشنطن ذهبنا الله كم ضقنا وكم تعبنا في شركة بانام أركبونا طاقمها في الجو عذبونا تهوي بنا كأنها حُدَيَّا تعلَّقت بسقفها يديا وفي كلورادو قد اجتمعنا فيها نفعنا الناس وانتفعنا العلم والفكر جميعاً والأدبْ وحضر الأصحاب من كل حدبْ وبعده طرتُ إلى توسانِ وانعقدت من هيبة لساني وزرتُ سمبي في آيسون وقدْ قابَلَنا من الشباب محتشد وبعدها طرت إلى لوس أنجلوس عند الذين نورهم مثل القبسْ أعني شباباً حملوا الإيمانا كرمهم عن أهلنا أنسانا ذاك اللحيدان جزاه المولى براً وتوفيقاً على ما أولى وقد دخلنا وسط المدينةْ والرعب فيها رافعاً أنينهْ النهب والقتل بلا حسابِ واضطرب الناس من الإرهابِ عاشوا حياة الذل والمهانهْ وقلة التوفيق والخيانهْ يا كم سمعنا من حكايا الانتحارْ دولتهم بعد قليل في انهيارْ لأن من لم يعبد الله الصمدْ يعيش في هم وغم ونكدْ إن لم يكن في جيبك الدولارُ أصابك الهلاك والدمارُ والله لن تلقى بها مَن يرحَمُكْ فكلهم في الشهوات منهمِكْ وأريزونا زرتُ فيها اخواني بها بساتين من الأفنانِ صحراؤنا أجمل عندي منها فلا تحدثني أخيَّ عنها

مقطوعة شعرية في واشنطن

مقطوعة شعرية في واشنطن وائذنوا لي بمقطوعة، لأختتم بعدها بفقرة، هذه المقطوعة في واشنطن، اسمها: من واشنطن. لما رَحَلْتُ بـ أمريكا عن الحسن وضعتُ شكوى الهوى في هيئة الأمم الحسن: هو الحسن الأهدل. لما رَحَلْتُ بـ أمريكا عن الحسن وضعتُ شكوى الهوى في هيئة الأمم يا مجلس الأمن أشكو ساجناً فطناً أحل سفك دمي في الأشهر الحرُمِ والشطر الأخير لـ شوقي، وهذا تضمين وليس سرقة. يا مجلس الأمن أشكو ساجناً فطناً أحل سفك دمي في الأشهر الحرُمِ إذا احتكمتُ إلى الفيتو ليوقفه رمى بلحظٍ إلينا غير محتشم يا بوش قد جئت من أرض القداسة ما أمسي بديني ولا داهنتُ في قيمي رأيتُ واشنطن الشمطاء قد نشرت ثوباً من الظلم يحمي هالة الظُّلَمِ أستغفر الله! فيها نخبة شرفت بهم رواسي العلا في الأفق في الأجمِ أبناء من فتحوا الدنيا بعزتهم من سيد قرم أو فارس كلِمِ زالت همومي بهم والله وارتفعت روحي وسارت إلى مغناهم قدمي أنا الغريب بأرض كلها كُتَل من أبشع الناس أو عبادة الصنمِ همُ عبيد الخنا والزور ما احتكموا لملة أو رأوا نوراً على علمِ لم يظفروا بتعاليم الرسول ولا عاشوا على سنة الإسلام مِن قِدَمِ الجنس معبودهم والفسق مبدؤهم والمال دستورهم يا خيبة النُّظُمِ في صحبة الله طرنا من مرابعنا على بساط من التوفيق مبتسمِ فينا سعود الخنيسان الذي نظَمَتْ ألطافهُ ونما في العلم مِن قِدَمِ وابن الطريقي في الأعماق منزله من صاحب وافي الأوصاف والكرمِ وابن عمك سلمان العلا بطل أبو معاذ كمي بز كل كمي يا سائلي عن بلاد الكفر معذرة يبكي يراعي ويبكي في الكلام فمي نعم رأيت بها الآلات جاثمة وللمصانع أبواب من النغمِ نعم رأيت الصواريخ التي صَنَعَت الموت في متنها كالدم في العلمِ لكنني لم أرَ التوفيق يصحبهم في عالم الروح أرسال من النعمِ ناديت لما رأيت الصبح يغمره يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم

الشعور وقت الرجوع إلى جدة

الشعور وقت الرجوع إلى جدة أما آخر فقرة فهي: يوم هبطنا في مطار جدة، أتينا من بلاد موحشة، كانت تمر بالإنسان بعض اللحظات، وهو بين الولايات الشمالية الست وحده، من طائرة إلى طائرة، وهو يظن أنه لن يعود، وذلك لأنه: أولاً: ليس عنده لغة يمكن أن تنقذه، وبعض الناس استطاع بلا لغة أن يمشي من مكان إلى مكان. ثانياً: في يد مَن أنت؟ في يد مجتمع لا يتحاكم إلى أمر الله. ثالثاً: يفقد إخوانه وأصحابه، فلا تنظر إلا في وجه كافر أو كافرة، وملحد وملحدة، ومعرض ومعرضة، فهم كالغنم تماماً أو كالبهائم، بل البهائم والأنعام أهدى منهم سبيلاً. فمشينا من هناك، وكان بنا من الفرح العظيم ما الله به عليم، لسان حالنا يقول: نعود إلى مهبط الوحي، إلى أرض الرسالة وأرض الإسلام، إلى أرض السلام، والقرآن، إلى أرض محمد عليه الصلاة والسلام، إلى أرض أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، إلى أرض خالد وطارق وصلاح الدين، إلى أرض مالك وأحمد والشافعي وأبي حنيفة، إلى أرض ابن تيمية وابن القيم، إلى أرض النبلاء والشهداء، والعظماء والكرماء والأتقياء. فلما قربنا من جدة، وأخبرنا الكابتن بوصولنا، شعرنا كأننا عشنا بعدما متنا، أصبح أطرف الناس في جدة كأنه عندي من الصحابة، وأصبحت الأسفار قريبة، وأول ما نظرنا إلى إخواننا الذين سجدوا لله وأعلنوا ولاءهم له؛ حمدنا الله عزَّ وجلَّ على أن جعلنا مسلمين، وحمدنا الله على أنه لم يحولنا إلى تلكم الأمة: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] لقد انسحقت هذه الحضارة، يقول سيد قطب عن أمريكا: لا تصلح أمريكا إلا أن تكون ورشة للعالم، صحيح أن فيها مسامير وطائرات، وفيها صواريخ، ومصانع، وفيها تكنولوجيا وتقدم حضاري، وفيها أمور عجيبة؛ لكن ليس فيها أمن ولا سكينة، ولا عدل ولا اطمئنان، ولا إيمان ولا مراقبة، ولا تكافل ولا رحمة؛ لأنها التحقت بالكفر: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110]. في أمريكا تنظر إلى الغنى الفاحش، إلى السحاب، وإلى الفقر الفاحش إلى التراب. في أمريكا تنظر إلى جمال الطبيعة، جميلة جد جميلة، ولكنك تنظر إلى القُبح في أهلها، تنتقل إلى الحديقة وتنظر إلى زهورها وأشجارها، فتحمد الله وتزداد إيماناً، وتريد أن ترتاح، فتنظر إلى الرصيف، فتجدهم يتسافرون كالكلاب، فتنقبض روحك، وينقبض جسمك، ويقشعر كيانك من هذا الوضع. وهناك قوم مؤمنون ودُعاة، وعدد المسلمين في أمريكا أكثر من خمسة ملايين مسلم أو أكثر، مدينة ريفر وايت فيها مائتان وخمسون ألف يمني، بأطفالهم وبأهاليهم، وكأنهم في قلب صنعاء، وهناك مساجدهم ومجالسهم، واجتماعاتهم ودروسهم، أمر عجيب! وفي مدينة واحدة ثلاثون ألف فلسطيني أكثر الناس ذكاءً هم ستة، من مصر العربية: فاروق الباز الذي أنزل مركبة الفضاء، ورجل مصري آخر نسيتُ اسمه الآن، وأربعة غيرهم يدخلون معهم، بل هم أذكى بكثير ممن اكتشف بعض المكتشفات، هناك دعاة مؤمنون، خرجوا وهم لا يعرفون من الإسلام شيئاً، خرجوا ملاحدة شيوعيين، ففروا إلى أمريكا، ولما وصلوا اعتنقوا الإسلام والإيمان، وأصبحوا دعاة، تجد الواحد بلحيته البهية وطلعته؛ كأنه نجم في غيهب الليل. وصلينا المغرب في توسان، فاجتمع معنا أناس عراقيون، فألقيت في عشر دقائق كلمة عادية، فسالت دموعهم على لحاهم، وقلتُ: ما لكم؟ قالوا: ذكرتنا بالبيت الحرام، وذكرتنا بالقرآن وبالصحابة وبالرسول، ونحن نعيش غربة. فإذا أردت أن تدخل إلى قلوب المسلمين هناك فقل له: أتيتُ من بلاد الإسلام، تركتم الأهل والأوطان، تركتم الإخوان والخلاَّن، تركتم الأصحاب والأحباب، وأنتم بين ملاحدة وزنادقة، أنتم في غربة ووحشة، فستأتيك الدموع تنهمر من الكلام ما لا يعلمه إلا الله: بكت عيني غداة البين دمعاً وأخرى بالبكا بخلت علينا فعاقبت التي بالدمع ضنت بأن أغمضتها يوم التقينا وادَعْنا بعض الناس، وهم طلبة من جدة في بعض الولايات، فوقفوا معنا في المطار، ثم اعتنقناهم واعتنقونا، فما كادوا أن يتركوننا، وضج بكاؤهم في صالة المطار، وبقيت دموعهم ودموعنا هناك، ولكن عسى الله أن يجمع بيننا وبينكم وإياهم في الجنة: إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا بِنْتُم وبِنَّا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفَّت مآقينا قال رجل هندي: بماذا توصيني؟ فأخرجتُ له المصحف وقلت له: أوصيك بهذا، فبكى حتى جلس. ويقول أحدهم وهو مغربي: والله لقد خضنا كل شيء، جربنا الرأسمالية، جربنا الإلحاد، جربنا الشيوعية، جربنا العلمانية، فما وجدنا إلا الإسلام: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22] وقال سبحانه: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125].

الأسئلة

الأسئلة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

حول المؤتمر وماذا دار فيه من المواضيع

حول المؤتمر وماذا دار فيه من المواضيع Q ماذا كان المؤتمر الذي حضرتموه؟ وماذا دار فيه؟ وما هي المشاركة التي شاركتم أنتم وإخوانكم في هذا المؤتمر؟ A المؤتمر مؤتمر القرآن والسنة، وعُقد في كلورادو بـ دنفر، واجتمع فيه الناس الشباب، وجُمع له الكثير من العلماء والدعاة من العالم الإسلامي، حضره من أفغانستان: الشيخ محمدي وهو من قادات المجاهدين، ومعه أبو صهيب مراد بن مجاهد، وحضره من اليمن: داعيتان، منهم: الشيخ عبد المجيد الريمي، داعية وشاعر ولبق وحكيم، والشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، المحدث الشهير صاحب الكمبيوتر، وحضره: محمد إسماعيل من مصر، والشيخ جميل وزن، والأسماء التي ذكرتها من السعودية، ومن مصر حضره بعض المفكرين، ولا يخلو بلد عربي أو مسلم إلا وفيه داعية أو عالم حضر. أما المهمة في المؤتمر، فمدته أربعة أيام، واليوم الخامس انتهى، محاضرات دينية وشرعية واجتماعية وعقدية، وفي المساء: حفلات سمر، وأمسيات شعرية، وخواطر بعد الصلوات، ندوات مشتركة للدعوة والفكر، دروس جانبية للرجال والنساء، دروس في الفقه، في العقيدة، في الحديث، في التفسير، وكان المؤتمر رائعاً جد رائع، يميزه العلمية في القضايا التي طُرحت فيه، والشباب وحضورهم الطيب، وروح الإخاء التي سادت المؤتمر، وبعد أن انتهى المؤتمر وزعونا، ووزعوا الدعاة هؤلاء على ولايات، يقومون على الأندية وعلى المتاجر وعلى المراكز الإسلامية، ويلتقون بالشباب ويدعون إلى الله عزَّ وجلَّ، والمدن التي زرتها أنا ما يقارب إحدى عشرة مدينة أمريكية، مكثت في بعضها يوماً، وبعضها يومين، وبعضها ثلاثة أيام، وهكذا.

حول اللباس الإسلامي

حول اللباس الإسلامي Q هل لبست ثوباً في أمريكا؟ A نعم. لبست هذه الملابس، لكنني أضطر أحياناً إلى خلع هذه الغترة والطاقية، وقبل سنتين سافرت، فكان من نصائحهم لنا أن نلبس اللباس الأفرنجي هذا، فلبسنا ليلة واحدة في كلورادو، ثم عدنا فرأينا أنه لا داعي له، ولو أن هذا يلفت النظر، خاصة في بعض الولايات، أما بعضها فالأمر عادي، ما كأن هناك أي شيء، لكن إذا كنتَ لوحدك، فالخوف الخوف، خاصة وقد كنا نشعر أننا وحيدون وغرباء.

حول اللغة الإنجليزية

حول اللغة الإنجليزية Q شكوت صعوبة لغتهم، فهل سوف تتعلم هذه اللغة؟ A أنا درستُ الإنجليزية في المعهد العلمي ست سنوات، لكن والحمد لله لم أعد أعرف كتابة اسمي، وأعرف بعض الكلمات لكنها لا تغني ولا تكفي، أما دراسة لغة الدعوة ليكون الداعية داعية بلغتهم، فهذا أمر صعب، يقول لي بعض الطلبة الذين درسوا ست سنوات أو سبع: لغة الدعوة هذه لغة الديانة، لغة العاطفة لا يستطيعها إلا خواص، مثل الداعية عندنا الآن، تجد من يتكلم بالعربية ويؤثر بها طبقة قليلة، لكن بقية الناس لا يستطيع أن يتكلم بنفس التأثير، ونفس الحماس، ونفس العاطفة إلا بعد فترة، ولذلك قد يضيع الإنسان عمره بدون أن يحصل على طائل. ولمن أراد أن يتعلم اللغة الإنجليزية فلها مدارس خاصة ومراكز، وسمعنا ونحن في لوس أنجلوس أن في بروكسل معهداً يعلم اللغة الإنجليزية في ستة أشهر؛ بشرط أن تتفرغ وتقدم لهم ثلاثين ألف دولار، ثم يعلموك اللغة الإنجليزية ستة أشهر.

واقع أمريكا

واقع أمريكا Q قل لي في أمريكا قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك؟ A أقول لك ما قال سيد قطب: أمريكا لا تصلح لقيادة البشرية، ولا تصلح لتوجه الإنسانية، أمريكا تصلح ورشة للعالم، تصنع السيارات، تصنع الأسلحة، تصنع الطائرات، أما أن تقود العالم فلا؛ لأنها كفرت بالله، وأعلنت كفرها، وكل شيء بقضاء وقدر، ولو سبقنا لفتح أمريكا نحن لكانت أمريكا كلها مسلمة، لكن سبقنا الإنجليز وفتحوها قبلنا، فنسأل الله أن يفتح لنا أبواب الجنة، وأن يهيئنا لخدمة هذا الدين. أنت كنز الدر والياقوت في هذه الدنيا وإن لم يعرفوكْ محفل الأجيال محتاج إلى صوتك العالي وإن لمن يسمعوكْ

استعلاء المسلم

استعلاء المسلم Q هل يشعر المسلم باستعلاءٍ إيماني هناك؟ A نعم. إي والله، العجيب أن هذا الرجل سيد قطب رحمه الله، وأنا متأثر به في الظلال، يجعل جبهة المسلم عالية، خلال سنتين عرف جو أمريكا وعظمة أمريكا، فوجد حقارة ومهانة، فكان دائماً يقول في قوله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران:139] قال: نحن الأعلون سنداً ومتناً، الله ربنا، والوحي مصدرنا، والرسول صلى الله عليه وسلم إمامنا، والكعبة قبلتنا، فأي ناس أشرف منا؟ لا أحد. بعض المفكرين المسلمين الآن ينهار أمام حضارة أمريكا، بعضهم في شريط محاضرة يقول: القوم هناك في أمريكا، القوم في بريطانيا، القوم هناك. لا والله، القوم هنا، الإسلام هنا، الأبطال هنا، الشرفاء هنا، أما هناك فالضياع، ولذلك عرفهم سيد قطب وآكلهم، وشاربهم وذاقهم، ثم قدم فيهم قواعد استعلاء، تمشي وجبينك مرتفع.

الدعوة في أمريكا

الدعوة في أمريكا Q كيف تكون دعوة الناس هناك وهم خائفون؟ A أنا أقول لكم: إن بعض الأمور تشكر ولو كان من كافر، وأمرنا أن نكون عدولاً، أمريكا من أحسن الأجواء أو من أحسن الأماكن مناخاً للدعوة الإسلامية، ومن أخصب الأراضي، لأن هناك بإمكانك أن تستأجر قناة في التليفزيون فتتكلم عن الإسلام، إذا كانت عندك دولارات، فاستأجر ما شئت، بإمكانك أن تستأجر في صحيفة وتبث عن الإسلام، تأخذ منبراً، تتكلم للناس، تدخل الجامعة. مختار المسلاتي الداعية الليبي أخذ طالباً في جامعة لوس أنجلوس، وفي الفسحة يأخذ أكواباً من الشاي ويوزعها على الأمريكان، ويجلس يحدثهم عن الإسلام، ويعود كل يوم بخسمة يخرجهم من الظلمات إلى النور، فأنت هناك استأجر لك مكاناً، ولك أن تأخذ قناة تستأجرها في التليفزيون، وتخرج بغترتك وبمشلحك وبشتك وتتكلم عن الإسلام، والله يهدي على يديك من يشاء، لك أن تتكلم، ليست كـ روسيا، روسيا ذبح، روسيا نار، روسيا دمار، ولذلك اليوم قرأتُ في الشرق الأوسط أن سخروف الذي توفي قبل ثلاثة أيام أو أربعة لما عارضهم بكلمة ذبح مثل الكلب، وهو الذي اكتشف لهم الذرة، والقنبلة الذرية السوفيتية، أما أمريكا فبالعكس يُشكرون على هذا، فلك أن تتحدث وتناقش، وتتكلم عن دينك بطلاقة وحرية، لكن في حدود، وهناك العجيب أنك إذا نظرت في الشارع، ستجد الصيني والياباني والعربي والهندي والبرازيلي، ظلمات بعضها فوق بعض.

أحوال الشباب الملتزم في أمريكا

أحوال الشباب الملتزم في أمريكا Q هل يوجد شباب ملتزم في أمريكا؟ وكيف حالهم؟ A طيبون ونجوم ومصابيح دُجى، وهم أكثر في الاستقامة منا، ومنهم من يقوم الليل ويصوم النهار؛ لأنهم يقولون: ما صاننا بهذا المجتمع إلا كثرة النوافل.

الدروس التي ألقيت في أمريكا

الدروس التي ألقيت في أمريكا Q هل الدروس والمواعظ التي ألقيتها في أمريكا هل تلقيها هنا في أبها؟ A سجلت تسجيلات الرائد في الرياض ما وقع في المؤتمر في دنفر من محاضرات وأمسيات ودروس، وإن شاء الله تصل إلى أبها، وهذه مسئولية تسجيلات الأمير في أبها فتأخذها من الرائد في الرياض، وهو أكثر من اثنين وعشرين شريطاً من الدعاة والعلماء.

أحوال الداعية أحمد ديدات

أحوال الداعية أحمد ديدات Q هل عرفت شيئاً عن أحوال الداعية أحمد ديدات؟ A سمعتُ آخر أخباره، لكني ما رأيته، ولكنه يتنقل من ولاية إلى ولاية، وأظنه الآن في أفريقيا.

الراحة النفسية في أمريكا

الراحة النفسية في أمريكا Q هل ارتحتَ نفسياً في أمريكا؟ A لا ما ارتحتُ نفسياً، بل ضقتُ نفسياً.

شريعة الطلاق في أمريكا

شريعة الطلاق في أمريكا Q هل شريعة الطلاق عندهم ممنوعة؟ A لا. بل عندهم (80%) ممن يتزوج يطلق، وهذا موجود في كتاب أمريكا التي رأيتها لـ مختار المسلاتي.

وجود البدع والانحرافات

وجود البدع والانحرافات Q هل هناك انحرافات أو بدع هناك؟ A حدِّث ولا حرج، كل ما في الدنيا من ديانة، ففي أمريكا عيِّنة منها، كل ما في الدنيا من صلاح أو خراب عندهم عيِّنة منه، من أهل السنة عيِّنة، من الرافضة عيِّنة، من البوذية عيِّنة، من السيخ عيِّنة، من الهندوك عيِّنة، من الإسماعيلية عينة، من الباطنية عيِّنة، من الشيوعية عيِّنة، من الرأسمالية عيِّنة، من العلمانية عيِّنة، كل ما في الدنيا وما تتصور منه عيِّنة، ومن يدعي النبوة، والإنسان ينحط إلى درجة الحمار، الشذوذ الجنسي، الالتزام، الصلاة، قيام الليل، الدعاء، فأصبحت كلها كالحديقة فيها الشوك والورد، فحدِّث ولا حرج.

نصيحة لمن يسافر إلى أمريكا

نصيحة لمن يسافر إلى أمريكا Q ما نصيحتك لمن يسافر إلى أمريكا لغرض ما؟ وما نصيحتك لمن يذهب إلى هناك ليتعلم اللغة الإنجليزية؟ A أما نصيحتي أولاً لمن أراد أن يسافر إلى أمريكا فلا يسافر إلا مضطراً، مثلما يضطر إلى أكل لحم الميتة، وهذا هو الاضطرار، والحمد لله الأمور أصبحت ميسرة، وأصبحت كثيرٌ من الإمكانيات موجودة في بلادنا، لا تضطر الشاب إلا في النادر للسفر، وإذا أراد أن يسافر فليتحصن بالإيمان، وبطاعة الواحد الديان، وليسافر بزوجته، وإلا فسوف يدخل إذا سافر بلا إيمان وبلا زوجة في لخبطة، وإن استطاع أن يأخذ أربع زوجات معه فليفعل. أما تعلم اللغة فأنا أنصح أن يُتعلم اللغة هنا، ولا يتعلم هناك؛ لأن الأسئلة التي تردنا في الولايات التي نزلناها مرعبة، يقول شافيلي: تعلمني الدكتورة وهي شابة وفتاة أمريكية خليعة داعرة زانية تعلمني؛ وليس عليها شيء، ما على جسدها إلا شيء بسيط، وتدور أمامه عند السبورة في خلوة محرمة، فكيف يصح هذا التعليم؟! ويتعلم الإنجليزية ليكون داعية ينفع المسلمين؟! الفتاة تجلس بجانبه على الكرسي وتمد رجلها على رجله، ثم يريد أن يكون داعية، بل يجب عليك أن تتعلم هنا، عندنا أقسام للإنجليزية هنا في جامعة الملك سعود، وما من جامعة إلا وفيها قسم، فتتعلم هنا، ثم تذهب لتكون داعية، بعض الناس يذهب من هنا، وهو ما أثر في بيته، ويقول: أريد أن أدعو في أمريكا، وهذا ليس بصحيح، بل الأقربون أولى بالمعروف، وإنما يذهب الإنسان في مثل هذه الجولات لأمور، بمستوى طبقة محددة من الناس بكلام محدد ولمهمة محددة، ثم يعود، وهناك أناس صالحون فيهم الخير.

عن حضارة أمريكا

عن حضارة أمريكا Q حدثنا عن حضارة أمريكا المادية؟ A أنا قلت في أثناء المحاضرة: حضارة أمريكا المادية بإمكان الإنسان أن يكسبها، الوثني الأفريقي، والأحمر الخواجة، والبلشفي الروسي، كلهم يشتركون، ولا علاقة لهم بالدين، وحضارتهم على مستوى عالٍ فهي تصل بهم إلى السماء، وقد قال كثير منهم، ومن استطاع أن يراجع ما كتبه صاحب الإنسان لا يقوم وحده، والإنسان ذلك المجهول وصاحب دع القلق وابدأ الحياة ليعرف أي حضارة سوف تنهار فيها؛ لأنهم فقدوا حضارة الإيمان والروح, فقدوا الأمن والسكينة، فقدوا الطمأنينة، فقدوا كيف يعرف الإنسان أن يعيش في عالم الغيب والشهادة، فقدوا حياة المستقبل، فقدوا الطريق إلى الله عزَّ وجلَّ، أصبحوا كالبهائم، بل البهائم أهدى منهم سبيلاً.

نظرة الأمريكان إلى العرب

نظرة الأمريكان إلى العرب Q هل كل الأمريكان ينظرون إلى العرب باستغراب حسب ما عندهم من أفكار عنهم؟ A أما الأمريكان فأنا تصورت من سؤال الإخوة وبعض المفكرين الذين جلستُ معهم أن في بعض الولايات الذين يشتغلون بالسياسة يتصورون أن العرب لا شيء، كالأطفال، وأنها دول نامية، ورجعية، ومتخلفة، وأما بعض الولايات فلا يشتغلون بالسياسة، ولا يعرفون حتى الصحف اليومية، عندهم الأمر عادي، فدائماً متعوِّد على أن يمر بهندي وباكستاني وعربي وياباني وصينيي فالأمر عادي، ولذلك بعض الولايات يركزون النظر فينا، وبعضهم لا يتأثر، مثل ما هو حاصل عندنا، ففي جدة -مثلاً- من كثرة من ينزلها صاروا لا يستغربون مرور الخواجات، لكن في تهامة لو مرَّت من عندهم الخواجة لتعثروا ووقفوا، فهذه تختلف بنسب بين الولايات. وفي الختام: نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرينا وإياكم الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

دروس في التوبة

دروس في التوبة من المعلوم أن الذنب لا يسلم منه أحد؛ ولهذا فالإنسان بحاجة ماسة إلى التوبة صباح مساء، والتوبة الصادقة لها علامات، ومنها: أن يحافظ صاحبها على الأوقات، وأن يعيش مع السنة، وأن يكثر من ذكر الله تعالى، مع ندمه الشديد على ما سلف. ثم تطرق للحديث عن أمور ووصايا للجندي المسلم، وذكر منها: مراقبة المولى جل ذكره، وحسن الخلق مع الناس، والحرص والتزود من العلم الكفائي، والإكثار من نوافل العبادة ونحوها من الآداب.

حاجتنا الماسة للتوبة

حاجتنا الماسة للتوبة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. ثم أما بعد: شكر الله لسيادتكم، وشكر الله لكم اجتماعكم، وجمعنا بكم في دار الكرامة. أخٌ زار إخوانه، ومحبٌ زار أحبابه؛ ليتدارس معهم الرسالة التي أرسل بها محمدٌ عليه الصلاة والسلام، فهي رسالتي ورسالتكم، ومهمتي ومهمتكم، ومسئوليتي ومسئوليتكم، لا تصلح أنت، ولا أصلح أنا، ولا نتآخى ولا نتآلف إلا بهذه الرسالة الخالدة، قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لأنفال:63]. كان الناس قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام أمواتاً {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل:21] كانوا يأكلون ويشربون، ويغنون ويرقصون ويطبلون؛ ولكنهم أموات، كانوا يخونون ويغشون، ويزنون ويغدرون ويرابون؛ ولكنهم أموات، فلما أتى محمدٌ عليه الصلاة والسلام كتب في قلوبهم النور {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] أنا وأنت بحاجة إلى هذا النور، أن نستلم هذا النور، وأن نمضي في أفياء هذا النور، وأي قلبٍ لا يصل إليه هذا النور؛ فسوف يبقى أعمى في الدنيا والآخرة، لا يجد سعادة، ولا يجد نجاحاً، ولا يجد فوزاً، فلا إله إلا الله كم لرسالته عليه الصلاة والسلام من إشراق! ولا إله إلا الله كم عمَّر الله بدعوته من قلوب! ولا إله إلا الله كم أحيا بدعوته من أرواح! يا إخوتي في الله: عنوان هذه الجلسة والمحاضرة " دروسٌ في التوبة". نحن نحتاج إلى التوبة صباح مساء؛ لأننا أذنبنا وقصرنا مع الله، وأخطأنا، المتكلم والسامع، ولكننا عرفنا أن لنا رباً سبحانه وتعالى، يأخذ بالذنب ويغفر الذنب، فقلنا: نستغفر الله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. يفتق الثوب؛ فيذهب به إلى الخياط، وتتعطل الآلة؛ فيذهب بها إلى المهندس، ويمرض المريض؛ فيذهب به إلى الطبيب، ولكن قلوبنا إذا تعطلت ومرضت وفتقت إلى أين يذهب بها؟ إلى الله الواحد الأحد، فلا يصلح القلوب إلا الله، ولا يشرح القلوب إلا الله، ولا ينور القلوب إلا الله {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35]. والقلوب تفزع، والقلوب تقسو وتصدى، والقلوب تقفل فلا ترى نوراً ولا حكمةً، ولا هداية ولا رسالة. كان عليه الصلاة والسلام يقول: {يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك} والله يقول: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:11] ويثبت قلبه على النور، وحاجتنا أول ما نحتاج؛ بل هي أول المنازل وآخر المنازل التوبة النصوحة.

ثلاث قضايا في التوبة

ثلاث قضايا في التوبة واعلم يا مسلم: أن هناك ثلاث قضايا في التوبة: القضية الأولى: أنه لا يغفر الذنب إلا الواحد الأحد، ولو اجتمع ملوك الدنيا ومسئولوها، وزعماؤها وعلماؤها على أن يغفروا لك ذنباً واحداً ما استطاعوا، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:135]. القضية الثانية: أنه مهما أتيت من ذنب ثم تبت إلى الله غفر الله ذنوبك وإن كانت جبالاً من الخطايا وسيلاً من السيئات، وتستغفر وتتوب وتعزم على أنك صادق؛ يغفرها الله سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. القضية الثالثة: أن الصغائر تجتمع على العبد حتى تهلكه، كمثل نظرة، وسماع أغنية، ولمحة، وقليلٌ من السيئات تجتمع فيتدكدك تحتها العبد، ويسحق والعياذ بالله! في الصحيحين: {أن رجلاً من بني إسرائيل أذنب على نفسه ذنباً عظيماً -كان مؤمناً موحداً، ولكن أذنب وأخطأ- فلما أتته سكرات الموت قال لأبنائه: إذا مت فاجمعوا لي حطباً، وأشعلوا فيه النار ثم أحرقوني، ثم اسحقوني وذروني علَّ الريح أن تذهب بي في كل مكان، فجمعوا له حطباً وأحرقوه وسحقوه وذروه فذهب به الريح في كل مكان} ولكن من الذي يجمعه؟! هو الواحد الأحد، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] وقال: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79] جمعه الله بكلمة (كن) فكان أمامه، وظن هذا الرجل أن الله لا يستطيع أن يجمعه: {قال: يا عبدي! ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب! خفتك وخشيت ذنوبي، قال: يا ملائكتي أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة} رحمة الله واسعة، وفضله عظيم، لكن يوم يعرف العبد أن رحمة الله واسعة وفضله عظيم.

أحوال الناس مع الذنوب

أحوال الناس مع الذنوب والناس قسمان -ولا يسلم من الذنب أحد-: منهم من يذنب ويتوب ويستغفر، يتوضأ، ويصلي الخمس، ويراجع حسابه مع الله، يبكي، ويندم، ويتصدق، ويتوب، ويأتي بنوافل، فيغفر الله ذنبه {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] ومنهم من يذنب ولكن يركب رأسه، ويغلبه هواه؛ فيتردى {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] ولو رأيتهم يوم تركوا الصلوات الخمس، ووقعوا في المعاصي والفواحش، ووقعوا في المخدرات، وعقوا الوالدين، وقطعوا الأرحام، لرأيت أمراً عجيباً! المنافق والفاجر يرى ذنوبه كأنها ذبابٌ، قال به هكذا فطار، والمؤمن يرى ذنوبه كأنها جبلٌ يريد أن يسقط عليه، مات قلب الفاجر من الإعراض والعصيان. شبابٌ رأيناهم في بعض الأمكنة كالسجون، تركوا صلاة الفجر ثم وقعوا في المخدرات، قالوا: ما وقعنا في هذه السيئات إلا لما تركنا صلاة الفجر والصلوات الخمس. وصف الله الصلاة بأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، لكن متى تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر؟ يوم تكون صلاة، لا تكون لعبة في أيدي بعض الناس، يقدم عمله، ووظيفته، ومسئوليته على صلاته، واهتمامه بعمله أعظم من اهتمامه بصلاته، يقدر المسئول -وهذا مطلوب- أعظم من ربِّ البشر، ويخاف من البشر أعظم من خوفه من ربِّ البشر، ويوقر، ويقدر، ويحترم البشر أعظم من تقديره وتوقيره واحترامه لربِّ البشر: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً} [النساء:108].

مفهوم الأمانة العام

مفهوم الأمانة العام يا مسلمون: يا أخيار! يا من جعلهم الله على ثغرة من ثغور الإسلام! يا من إذا صدقوا الله عز وجل جعل أعينهم من العيون المنيبة التي لا تمسها النار! {عينان لا تمسهما النار: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله} ويوم يصدق العبد أولاً مع الله ويحمل الأمانة، ولا أقصد بالأمانة أن تقف في دوريتك أو نوبتك فقط، بل الأمانة مع ذلك أن تكون أميناً مع الله، أميناً في صدقك وعبادتك مع الواحد الأحد؛ لأن الذي يكون مع الله فهو مع القيادة وولاة الأمر ومع الشعب أخ، والذي يقطع حبله مع الله فهو مع البشر أقطع وأظلم وأغشم، ولذلك قال سبحانه: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72].

أمانة حفظ الصلوات

أمانة حفظ الصلوات وأول الأمانات: الصلوات الخمس، يوم تصليها في جماعة، يوم تصليها في خشوع، يوم تعيش الصلوات الخمس، حينها: يحجب الله عنك الفواحش والمنكرات، ويتوب عليك توبةً ظاهرةً وباطنة، ويتقبلك فيمن تقبل، ويهديك سواء السبيل، والله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] والمصطفى صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه قال: {من صلَّى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله؛ فالله الله! لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار}. والصلوات الخمس حياة، وما ظلم من ظلم، ولا فجر من فجر، ولا وقع من وقع في المعاصي؛ إلا يوم أن ترك وأعرض عن الصلوات الخمس التي من تركها كفر.

أمانة مراقبة الله في السر

أمانة مراقبة الله في السر وأمانة أخرى وهي: حفظ الغيب مع الله، تتستر في الحيطان ولا يراك إلا الواحد الديان، وتتستر بالجدران ولا يراك إلا الرحمن. وإذا خلوت بريبة في ظلمةٍ والنفس داعية إلى الطغيانِ فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني إن من ينظر إلى أحوال بعض الناس يتعجب، أين المجتمع الذي عاشه عليه الصلاة والسلام؟! أين ذاك المجتمع الفاضل؟! المجتمع الذي ينام على القرآن، ويصحوا على القرآن، وتنتهي المساجد به! المجتمع الذي كان يمر عليه الصلاة والسلام عليه في الليل الدامس، فيسمع القراءة من بيوت الأنصار وهم يرددون كلام الله! المجتمع الذي يقول عنه عمر: [[توليت القضاء في عهد أبي بكر سنة كاملة ما أتاني خصمان]] المجتمع الذي تصدق منه رجلٌ بقطعة لحم إلى جاره وهم في مجاعة، فدارت هذه القطعة إلى أن رجعت على المتصدق الأول!، المجتمع الذي رضي الله عليه من السماء، كانت كلمتهم واحدة، وحبهم واحدٌ في الله! ولكن انظر إلى مجتمعاتنا. إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا وفي كل يومٍ واعظ الموت يندبُ ولله كم غادٍ حبيبٍ ورائحٍ نشيعه للقبر والدمع يسكب ُ إذا قيل: أنتم قد علمتم فما الذي عملتم وكلٌ في الكتاب مرتب ُ نعم في الساحة صحوة، وهنا مساجد، ومصلون، وطلبة علم، وأخيار، وزهاد، وعباد، لكن الخبث إذا كثر لابد أن نخشى على أنفسنا منه، في المجتمع ظهر الربا وظهر الزنا ولا ننكره، ونسأل الله أن يغفر لنا، وهناك غناء ماجن في الجلسات، وضياع للأوقات، أشاب مسلم يصلي الصلوات الخمس، ويسهر على البلوت، وعلى الورق إلى الساعة الثانية؟! أين القرآن؟ أين طاعة الواحد الديان؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. أنت دقائق وثواني، إذا مضى منك دقيقة والله لن تعود لك هذه الدقيقة ولو اجتمع من في الدنيا، أنت أيام، يومك هذا الذي ينصرم الآن إذا غربت شمسه فلن يعود إليك، واحتسب أنه قد ذهب من عمرك. دقات قلب المرء قائلةً له إن الحياة دقائقٌ وثوانِ فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمرٌ ثانِ الفجرة يقولون يوم القيامة: {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:31] والله يقول عنهم: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62].

علامة التوبة الصادقة

علامة التوبة الصادقة ومما ينبغي في التوبة أن يعرف أن الصادق في توبته: هو الذي يحفظ الواحد الأحد، ولكن حفظ الله معناه: أن تؤدي أوامر الله وأن تجتنب نواهيه، وأن تطيع الله ثم تطيع ولاة الأمر في طاعة الله لا في معصية الله عز وجل، ويوم تطيع الله تصدق في التوبة. قيل لأحد الصالحين: ما علامة التوبة؟ قال: بكاء العين، ووجل القلب، وطاعة الجوارح. وقيل لآخر: ما علامة التوبة؟ قال: أن ترغب فيما عند الله وتزهد فيما في الدنيا. وقيل لثالث: ما هي التوبة؟ قال: أن تجعل في ذهنك أول ليلة من ليالي القبر. وتذكر هذه الليلة يدفعنا إلى التوبة وإلى العودة إلى الله، ويوجد والحمد لله في الساحة عودة عظيمة إلى الله، وقد ذاق الناس طعم الكفر والإعراض والفجور، ثم ذاقوا طعم الإيمان فعادوا إلى الواحد الأحد. والله يخرج من يشاء من الظلمات إلى النور، ويوم يصدق العبد مع الله عز وجل، ويوم يعود العبد صادقاً مع الواحد الأحد، ولكن المقصد مما يحرك التوبة أن نذكر أول ليلة من ليالي القبر، ومثل لنفسك ليلتين اثنتين: ليلة وأنت مع أطفالك وزوجتك وأهلك في بيتك، وأنت مرتاح الحال وسليم البال، وطيب الضمير، وفي ليلةٍ ثانية تنتقل إلى القبر، ثم تطرح وحيداً. باتوا على قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القللُ واستنزلوا بعد عزٍ من معاقلهم إلى مقابرهم يا بئس ما نزلوا ولا يوسع القبر عليك إلا الإيمان والعمل الصالح، ولا ينوره أبداً إلا طاعة الواحد الأحد، وكما تعرفون جاء في الأحاديث الصحيحة: {القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرةٌ من حفر النار} سافر رجل -وقصته مشهورة وقد ذكرت في بعض الخطب- من أهل الرياض من الصالحين، وعنده زوجة صالحة تربت على القرآن والإيمان، سافرت معه، فأدى مناسك العمرة هو وزوجته، ويقول هو عن نفسه: لما خرجت أنا وزوجتي من البيت لأداء العمرة من الرياض ودعت أطفالها، وكأنها تودعهم الوداع الأخير، وكأن هاجساً هجس في خاطرها أنها لا تعود، وذهبت وأدت المناسك ولكن أولياء الله يحفظهم الله، وهذه ليالي وفراقات تحدث صباح مساء، ينتظر هذا الفراق صباح مساء، إن لم يأتك اليوم أتاك غداً، فلمَّا أدَّنا العمرة، وعادا من الطائف إلى الرياض، وقع لهما حادث في السيارة، ووقعت زوجته في الحادث، ونزل إليها من الباب الآخر فوجدها في سكرات الموت، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي تقول: عفا الله عنك من زوج، نلتقي في الجنة {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21] اعلم أنك لن تجتمع بأطفالك ولا بأهلك ولا بأحبابك إلا إذا عملت صالحاً، واعلم أن الوحشة والفراق العظيم يوم ألا تعمل صالحاً، ولا تنجو بنفسك من الخطايا والذنوب. إخوتي في الله: أول ليلة من ليالي القبر جعلت كثيراً من أهل الإسلام يتوبون ويعودون، وجعلت أهل الغناء واللهو والعبث يعودون إلى الواحد الأحد، أحدهم يقول: غيرت موضع مرقدي يوماً ففارقني السكون القبر أول ليلةٍ بالله قل لي ما يكون واعلم أن أمرك ليس في يدك، وأنك لا تدري ما الله فاعلٌ بك، والأيام ثلاثة: يومٌ مضى وانتهى، الله أعلم ما كتب فيه فعلمه عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى، نسيته أنت ولكن الله ما نسيه وهو أمامك بالمرصاد، وقالوا: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] ويومٌ أنا وأنت نعيش فيه؛ فسدد وأصلح فيه، ويومٌ لم يأت وهو يوم غد فما عليك منه. سهرت أعينٌ ونامت عيون في شئون تكون أو لا تكون إن رباً كفاك ما كان في الأمس سيكفيك في غدٍ ما يكون وأنبه على قضايا ينبغي أن يتاب منها، وكل خطيئة واجبٌ عليك أن تتوب منها وجوباً حتمياً {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].

من علامة التوبة: حفظ الوقت

من علامة التوبة: حفظ الوقت أول علامات التوبة: أن تحفظ وقتك. الصحابة كما قلت: كانوا عباداً لله، ولكن تحولت عبادة الصحابة وسهرهم مع كتاب الله عز وجل وذكر الله، والبكاء، تحولت في هذا الزمن عند بعض شباب المسلمين إلى الجلوس في المقاهي اللاهية اللاغية، وفي السهرات الحمراء، والسيجارة، ومع الكأس، ومع المخدرات، والمعصية والعياذ بالله! أظلمت الدنيا من كثرة المعصية، وقست القلوب من الفاحشة، وانقطع القطر من السماء من ظلم بني آدم، وفي الصحيح أن الله عز وجل يقول: {يسبني ابن آدم ويشتمني وما ينبغي له ذلك، أما سبه إياي فيسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء} يقول بعض العلماء في معناها: لا تنقموا على الدهر وانقموا من أنفسكم {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:79]. وإن من عقوبات هذه المعاصي والخطايا والذنوب: ما شاهده بعض الناس في قلوبهم يوم سلبت منها الطمأنينة والراحة، عاشوا كل شيء لكن ما وجدوا الإيمان، وملكوا كل شيء لكن ما وجدوا راحة الضمير والسعادة التي ينشدها الكافر اليوم، والتي يدخل الكفار في دين الله أفواجاً لما رأوا طعم السعادة، برفسورٌ في علم الهندسة، هندسة في تسيير الذرة، والضياء، والضوء، والأشعة، وفي الأخير ما وجد السعادة ولا الشهرة العالمية، فأصبح يقول: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، وكثيرٌ منهم اليوم يقول: ظلمتمونا يا مسلمون! كان عندكم كنز الهداية والإيمان وما قدمتموه للبشرية، وقد قدمنا لكم ملاذ البشرية؛ هم قدموا لنا الميكرفون، والطائرة، والسيارة، والثلاجة، والبرادة، والمكيف، ولكن الإيمان الذي عندنا ما قدمناه، بل نحن نقول: إننا مفتقرون اليوم إلى الإيمان، ونعيش في بعد عنه. كثيرٌ من البيوت اليوم ما قامت على منهج لا إله إلا الله، وتجد فيها غناء، وتبرج، وجهلٌ بالسنة، وتخلفٌ عن الصلاة، وأكل ربا، وغيبة، وشهادة الزور، فمتى تصدق؟! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

من علامات التوبة: العيش مع السنة

من علامات التوبة: العيش مع السنة ومن علامة التوبة: أن تعيش مع السنة. من هو قدوتك في الحياة؟ من هو أستاذك؟ من هو شيخك الذي يعلمك؟ من الذي بيده مفتاح الجنة؟ والله لا ندخل الجنة، لا أنا ولا أنت ولا أي رجل حتى نتبع سنته صلى الله عليه وسلم ونأتي من بابه بعد مبعثه، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهوديٌ ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار} فهو قدوتك لا شرقي ولا غربي، ما دام أنه فعل هذا الفعل الصالح لك، والنصحية لك، والذي أنصح نفسي وإياك أن تفعله ولا تتأخر في تطبيقه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. كان عليه الصلاة والسلام مصلياً، صائماً، صادقاً، عابداً، زاهداً، وفياً، محافظاً على الجماعة، كان متسنناً بخصال الفطرة، ملتحياً، يمقت إسبال الإزار، يدعو إلى الصدق وبر الوالدين وصلة الرحم، وكان يحرم الغناء، والربا، والزنا، والفحش، والجور، والرشوة، فبأي إنسانٍ نقتدي؟ ومن هو المعلم الذي ننجو إذا اتبعناه؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام، بأبي هو وأمي، وإذا لم تنصح نفسك باتباعه فاعلم أنك ترديت، قال بعض العلماء: من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدىً غير هدى الله الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

من علامات التوبة: العيش مع الإسلام

من علامات التوبة: العيش مع الإسلام ومن علامات التوبة: أن تعيش في بيتك مسلماً، وفي سوقك، ودكانك وفي عملك، ألا تكون مسلماً فقط وقت الصلاة فإذا خرجت من المسجد خلعت مفهوم الصلاة، تقول: الصلاة الصلاة لكن أين مفهوم الصلاة؟ المحاكم تشكو من الرُّشا، والربا، والكذب، وشهادة الزور، المقاهي يأتي إليها مئات الشباب؛ الذين عقوا الوالدين، وقطعوا الرحم، وهجروا المسجد، وتركوا القرآن، وغنوا، وطبَّلوا، وزمَّروا، وأصبحوا كالبهائم، فأين مفهوم الصلاة عند هؤلاء؟! يوجد من كبار السن من لا يعرف عن الإسلام شيئاً، ولكن مع ذلك المستقبل لهذا الدين، والصحوة مع الإسلام، ولصالح هذه الدعوة الخالدة التي أتى بها محمد عليه الصلاة والسلام!

من علامات التوبة: ذكر الله كثيرا

من علامات التوبة: ذكر الله كثيراً ومن علامات التوبة: أن تكون ذاكراً للواحد الأحد. أهل الدنيا إذا اجتمعوا ذكروا دنياهم، وأولياء الله إذا اجتمعوا ذكروا الله {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. قيل لبعض من الزهاد: ما علامة التوبة؟ قال: حركة اللسان بذكر الواحد الديان، وإصغاء الأذنين لكلام الرحمن، وارتياح القلب لذكره ولعبادته أو كما قال. فإذا لزم ذلك وعرفه فاعرف أن أحسن الساعات التي تقضيها في طاعة لله؛ أن يكون بيدك مصحف، أو شريط إسلامي تستمعه، أو كتابٌ تقرؤه، أو تذكر الله مع إخوانك، أو استغفارٌ وتوبة، أو تأملٌ في آيات الله، أو تربية في البيت، فوقت المؤمن محفوظ.

كلمات موجهة إلى جنود الإسلام

كلمات موجهة إلى جنود الإسلام ولي معكم أيها الجنود الأبرار! كلمات: أولها: أبلغكم حبي لكم في الله الواحد الأحد، وما أنتم بغريبين عن الإسلام، بل أنتم أبناء خالد بن الوليد، وطارق بن زياد، وعقبة بن نافع، وصلاح الدين، ومن يشابه أبه فما ظلم. نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا جدكم خالد بن الوليد الجندي المسلم الذي عرف الله، كان جندياً لرب البشر قبل أن يكون جندياً للبشر، سلم قلبه لله، وكان عنده أكثر من مائة سيف ومائة فرس احتسب أجره واقتادها في سبيل الله؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: {إن خالداً سيف من سيوف الله، سله الله على المشركين} كان عند خالد بن الوليد مصحف قالوا عنه: كان غلافه من جلد الجمل، فكان يفتحه في الصباح فتنهمر دموع خالد على القرآن؛ لأن حياته ومدرسته القرآن، وأول ما يستهل في صباحه القرآن، ولذلك أي قلبٍ افتتح بالقرآن فأي قلبٍ يكون؟! إن من يركب الطائرة اليوم، وينظر إلى الركاب يجد أكثرهم يتناولون الصُحف والمجلات، وقراءتها جائزة، ولا بد من قراءتها لمعرفة الواقع، لكن انظر إلى من يحمل مصحفه فيردد سورة، أو انظر إلى من يسبح، إن ذلك نادر الوقوع، فـ خالد بن الوليد عاش مع المصحف، ولذلك أعطاه الله ما تمنَّى، ونسأل الله له الفوز في الآخرة. حضر أبو سليمان معركة مؤتة، قال عنه ابن كثير: كسر تسعة أسياف في يده. حضر اليرموك فقال له أحد المسلمين لما رأى جيش الروم مائتين وثمانين ألفاً، وجيش المسلمين ما يقارب ثلاثين ألفاً: [[يا خالد! أرى أنَّا نفر اليوم إلى جبل سلمى أو إلى جبل آجا -في حايل - قال: لا والله! لا نفر إلى جبل سلمى ولا إلى جبل آجا ولكن إلى الله الملتجى، حسبنا الله ونعم الوكيل]] فنصره الله. هذا الجندي الذي قدم معلماً من معالم الحق كان يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام: ماذا أقول يا رسول الله! عند النوم؛ فإنه يصيبني أرق وقلق، فأخبره عليه الصلاة والسلام بدعاء فإذا هو طالب علم، وإذا هو قارئ للقرآن، وإذا هو زاهدٌ، وإذا هو متعبدٌ في الليل، وهو الشجاع المقدام في النهار؛ فهل يوجد أحد منا مثل خالد؟! وهل نعود لمدرسة خالد؟ وأما جدكم عقبة بن نافع الذي وقف على المحيط الأطلنطي ورفع سيفه وأشهر سلاحه وقال: [[أما والله لو أعلم أن وراءك أرضاً لخضتها بفرسي هذا لأرفع لا إله إلا الله]] وقد اكتشف فيما بعد أن وراء المحيط الأطلنطي قارات، ولو علم بها عقبة لفتحها بإذن الله وبكلمة الله.

وصايا للجندي المسلم

وصايا للجندي المسلم إن مما يلزم الجندي المسلم أموراً وهي:

مراقبة المولى سبحانه وتعالى

مراقبة المولى سبحانه وتعالى أولاً: تسمى عند اللواء الركن محمود شيث خطاب مراقبة المولى، أول شارة عليك وأول نجمة، وأول تاج تحمله مراقبة المولى. اللواء الركن محمود شيث خطاب العراقي غفر الله له ورفع منزلته، كان متسيباً في أول حياته، كان ضائعاً يعيش في الضلال، فكان لا يعرف المسجد ولا القرآن، لا يعرف إلا الأكل والشرب، والغناء والطبل والزمر، لكنه ما عرف النور، وما عرف الهداية {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:122] بالإيمان {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام:122] بالفهم {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] كمن مثله في المعاصي؟! كان في الجيش العراقي ساكناً في ثكنة -يروي قصته بنفسه- فمر به أحد دعاة الإسلام، فوجده مع بعض القيادات العراقية في ثكنة وهم يشربون الخمر، قد غابوا عن رب البشر، فغابت قلوبهم عن الله؛ فعصوا الله، فقال له هذا الداعية: يا لواء محمود! إن عليكم رقيباً -يقصد الواحد الأحد الذي يعلم السر وأخفى، الذي سوف يحاسبك ويحاسبني يوم القيامة ويقول: يا فلان فعلت كذا يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا- قال هذا اللواء: لا يرانا إلا الكواكب، قال الداعية: وأين مكوكب الكواكب؟! قال: فلا زالت كلمته ترنُّ في ذهني حتى هداني الله عز وجل يوماً من الأيام، فارتفعت في قلبي شحنة الإيمان؛ فذهبت بعد أن اغتسلت إلى المسجد وتوضأت وانفجرت باكياً، ثم أصبح داعية وعالماً، وأصبح منظراً للعسكرية الإسلامية. والشاهد أن أول لافتة للجندي مراقبة الواحد الأحد.

حسن الخلق مع المسلمين

حسن الخلق مع المسلمين ثانياً: حسن الخلق مع المسلمين. أنت تعرف أن الذي في الشارع من المواطنين أخوك، أو ابن عمك أو قريبك، أو مسلمٌ له عليك حق الرحمة، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن شر الرعاء الحطمة} ومعنى ذلك: الذي يعصف بالناس، ويظلمهم، ويغلظ عليهم في الخطاب، ففي الناس شيخٌ كبيرٌ قد شابت لحيته؛ له عليك أن توقره، وفي الناس طالب علمٍ يحمل كتاب الله، وفي الناس رجلٌ صالح زاهد، وفي الناس قائم الليل، وفي الناس مسكينٌ فقير، وفي الناس أصناف آخرون من عباد الله، فلا بد أن تكون رحيماً بهم.

الدعوة

الدعوة ثالثاً: أن تكون داعية. أن تمثل الإسلام، وأن تتصل بالناس، أنت في بلادٍ أعلنت إسلامها وقدسيتها، وأعلنت فيها لا إله إلا الله محمداً رسول الله، علمها أخضر، ولكن عليه لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، وأنت تعرف أنك لست في أوروبا ولا في الصين ولا في أمريكا، أنت هنا في مهبط الوحي، في مهد الرسالات، فعليك أن تكون داعية؛ داعية تدعو الناس إلى منهج الله، تنصح العاصي وتدعوه إلى طريق الجنة، تنصح صاحب الحبوب المخدرة، وصاحب المسكر، وصاحب الشريط الغنائي، والفيديو المهدم، وصاحب الجريمة، والمتعاون على الفاحشة، والذي يريد ألا يستمر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما هو عدو للإسلام، وأنت داعية في منصبك هذا، قال عليه الصلاة والسلام: {بلغوا عني ولو آية} وقال: {من رأى منكم منكراًَ فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} إن ولاة الأمر يدعون في بلادنا إلى إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فجنودهم لا بد أن يمتثلوا لهذه الأوامر، ولا يخفى عليكم أن سر عظمتنا ونهضتنا ونصرنا بهذا الإيمان، ويوم نتخلَّى عنه نسحق ونصير شذر مذر.

الحرص على نوافل العبادات

الحرص على نوافل العبادات رابعاً: أن تحرص على النوافل ما أقدرك الله على ذلك. فما يبقى لك في القبر إلا هذه النوافل، يقول عليه الصلاة والسلام وقد قال له أحد الصحابة: {يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة؟ قال: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك يا رسول الله! قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة} ويقول عليه الصلاة والسلام: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس}. رأينا بعض الناس من أمثالكم الأخيار الأبرار وهم في القطاعات الإقليمية، كأنهم يعيشون في عصر الصحابة، أحدهم له وردٌ في المصحف (حزب) لا بد أن يقرأه في اليوم، وله تهليلات وتكبيرات، ويحافظ على السنن الرواتب، وقد تشرف بحمل سنة محمد صلى الله عليه وسلم في مظهره وشكله، فأحبته القلوب، ودعا له ولاة الأمر وأحبوه؛ لأن من أحبه الله أحبه الناس، وفي الصحيح: {إذا أحب الله عبداً قال لجبريل: إني أحب فلاناً، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً قال لجبريل: إني أبغض فلاناً فيبغضه، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه فيبغضونه، ثم يوضع له البغض في الأرض} والعياذ بالله! القبول من الواحد الأحد، والقلوب بيد الله، ويوم تعمر ما بينك وبين الله يعمر الله ما بينك وبين الناس: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضابُ إذا صح منك الود فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب ترابُ والناس شهداء الله في أرضه، وأهل الحي أو القرية التي تسكن فيها يستشهدهم الله يوم العرض الأكبر عليك، ويسألهم عنك، وقد ورد في الصحيح {كان عليه الصلاة والسلام جالساً مع الصحابة، فمروا بجنازة من عنده، وإذا الناس يثنون على صاحب الجنازة خيراً -يصفونه بالمحافظة على الصلوات، ويصفونه ببر الوالدين، وبصلة الرحم، وبذكر الله، وبالصدق، وبالوفاء- قال عليه الصلاة والسلام: وجبت وجبت، ومروا برجلٍ شقيٍ -والعياذ بالله! - بعض الناس يتحمل الشقاء في الدنيا والآخرة، شقي في عمله، وفي مكتبه، وفي الشارع، والبيت، شقيٌ أينما ذهب، قال الناس: أراحنا الله منه، تارك الصلاة، عدو الدين، الفاجر، المعرض- فأثنوا عليه شراً فقال عليه الصلاة والسلام: وجبت وجبت وجبت، قالوا: يا رسول الله! ما قولك وجبت في الأولى ووجبت في الثانية؟ قال: أما الأول فأثنيتم عليه خيراً فقلت: وجبت له الجنة، وأما الثاني أثنيتم عليه شراً فقلت: وجبت له النار، أنتم شهداء الله في أرضه}. فاحذر -يا أيها الأخ الكريم! - أن تنالك الألسنة، أو أن تشهد عليك يوم العرض الأكبر، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] يستشهد الله أهل حيك؛ هل كان يصلي في المسجد؟ فيقولون: لا. هل كان وفياً؟ فيقولون: لا. هل كان صادقاً؟ لا. فماذا نقول لله يوم القيامة؟! وبماذا نعتذر؟! أسأل الله لي ولكم الثبات.

طلب العلوم الشرعية

طلب العلوم الشرعية خامساً: أن على المسلم أن يحرص على طلب العلم ولو على حد أدنى من العلم الشرعي مما تقوم به صلاته. أنا لا أطلب من الجندي، أو الطبيب، أو المهندس، أو التاجر أن يكون علاَّمة في العلوم ومفتياً، لكن نطالب من جميع طبقات الناس أن يكون لهم حد أدنى من العلم؛ يفقه فيها عبادته، يعرف كيف يصلي، والرسول عليه الصلاة والسلام صح عنه أنه قال: {صلوا كما رأيتموني أصلي} وقال في الحج في الصحيح: {خذوا عني مناسككم} وطلب التفقه سهل، وبإمكان الإنسان أن يحصل عليه، فمنافذ المعرفة والحمد لله كثيرة، الكتيب الإسلامي مبذول وموجود بثمن بسيط يسعدك في الدنيا والآخرة، المصحف وذكر الله بجانبك، الشريط الإسلامي تسمع فيه ما لذ وطاب، طلبة العلم، المحاضرات، الدروس، حينها سوف ترى أن الله عز وجل يسددك ويهديك سواء السبيل، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين}.

احترام ولاة الأمر وطاعتهم

احترام ولاة الأمر وطاعتهم سادساً: احترام ولاة الأمر والمسئولين في دائرتك ومن هم أعلم. الإسلام دين نظام، يعلم الرجل كيف يحترم ربه ثم يحترم مسئوليه ويحترم نفسه، ويتحقق ذلك بالطاعة، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصى الأمير فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله} والمعنى: أنه يلزم المسلم أن يطيع من ولاه الله أمره، أو كان مسئولاً عليه في طاعة الواحد الأحد إلا إذا أمرك بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه وتعالى. الطاعة: احترام، ومعناها: أن تؤدي عملك على أكمل وجه، وصح عنه عليه الصلاة والسلام عند البيهقي وغيره أنه قال: {إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه} يجعلونك في الحراسة فأنت في الحراسة، في الدورية فأنت في الدورية، في المكتب فأنت في المكتب، في مهمة أو انتداب فأنت كذلك؛ لأن الله سوف يسألك يوم يجمع الأولين والآخرين. وما تردت أوضاع المسلمين إلا يوم أصبحت هذه الطاعة أو الأمانة مفقودة، أو لم يراقب الله عز وجل، فلا بد من وعي لهذا الدرس، وإني أطالب كذلك المسئولين بالرحمة بمن تحتهم ومن دونهم، الرحمة في الأمر، وحسن التعامل، والشفقة، وتقدير حاجاتهم، وطوارئهم من مرض وتعبٍ وإعياء؛ علَّ الله أن يرحمهم، وفي حديث يحسنه بعض العلماء: {الناس عيالٌ لله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله} ومن رحم المسلمين رحمه الله، ومن شق عليهم شق الله عليه في الدنيا والآخرة.

حب الإنسان لأخيه ما يحبه لنفسه

حب الإنسان لأخيه ما يحبه لنفسه سابعاً: إن مما ينبغي علينا أن نتآلف في طاعة الله، وأن نتحاب، وأن نتآمر بالمعروف ونتناهى عن المنكر. نعم في كل مكانٍ صالحون وطالحون، وفي كل مكان أبرار وفجار، فعلى البار أن يستنقذ أخاه، وأن يهديه، ويدله على طريق الهداية، يقول عليه الصلاة والسلام: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. هذه كلمة، وسوف يكون لنا معكم كلمات. ولكني أعود فأقول: لنتب ونستغفر، ولنعد إلى الإيمان، ولننقذ أنفسنا من النار ومن العار، ولنعلم أنما هي حياة واحدة لا تتكرر، إما أن تجعلها لله وإلا فسوف تكون للشيطان. واعلموا أن أعظم مكسب لكم في الحياة هو الإيمان والعمل الصالح، وأنكم لا تقدمون لأنفسكم مستقبلاً كمستقبل الإيمان؛ بع الدنيا، وشهرتها ومناصبها ورتبها وشهاداتها، فوالله إنها بلا إيمان هباء منثور، وإنها مع الإيمان إذا استغلت في طاعة الله نعم العون، لكن: اللهم لا تجعل نصيبنا مما عندك دنيا، ولا تجعل قسمنا إذا تقسم الناس الإيمان من الدنيا، اللهم ما زويت عنا من الدنيا ومناصبها وشهرتها ومالها فاجعله رضاً وطاعة، وحباً واستقامة، وهداية وسلوكاً. أسأل الله أن ينفع بكم أنفسكم وبلادكم والعباد، وأن يجمعكم في دار الكرامة، وأن يثيبكم على ما تقدمون للأمة من جهد، وأن يحرس بكم العباد والبلاد، وأن يحرسكم بالإيمان، وصلَّى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

عوائق في طريق الشباب

عوائق في طريق الشباب الشباب هم صمام أمان هذه الأمة، وهم مادتها وروحها، وقد علم الدين الإسلامي ما لمكانة الشباب، فعمل على تسهيل الصعاب الذي يواجهونه، وإزالة العوائق والعقبات من طريقهم. وفي هذا المادة بيان لهذه المعوقات وكيفية إزالتها.

مقدمة في فضل الجزيرة وأهلها

مقدمة في فضل الجزيرة وأهلها الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشكركم شكراً جزيلاً، وأشكر القائمين على هذا المعسكر، وأشكر القادة والأعضاء والحضور، وليس عندي هذه الليلة ذهب ولا فضة، ولا خيل ولا مال، ولكن عندي حب كالجبال في الله الواحد ذي الجلال، وعندي أشواق ونطق وكلام، وأنا الليلة أقول لكم كما قال أبو الطيب المتنبي: لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال واجز الكرام الألى أهدوا محبتهم حباً وبادلهم فالحب أمثال وأشكر أبناء الجزيرة الذين اجتمعوا من كل مكان، من الشمال والجنوب من الشرق والوسط والغرب، أتوا هنا تحت مظلة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أبناء الجزيرة لا تعصباً ولكن حقيقة، أبناء الجزيرة لا افتخاراً ولكن اعترافاً، أبناء الجزيرة لا تبجحاً ولكن امتثالاً، أبناء الجزيرة التي تحطم على صخرتها رءوس الملاحدة، وجماجم الزنادقة. أنا الجزيرة في عيني عباقرة الفجر والفهم والتاريخ والصحف أنا الجزيرة بيت الله قبلتها وفي ربا عرفات دهرنا يقف سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا هذه هي الجزيرة، ليست بالنخل ولا بالتراب، الجزيرة ليست بالماء ولا بالهواء، الجزيرة ليست بالجبال ولا بالسهول، الجزيرة بالرسالة الخالدة التي هبطت عليها، نزل جبريل من السماء فما وقع في أرض إلا في الجزيرة، وهبط الوحي نيراً من عند الواحد الأحد، من عند الرحمن، من عند الذي فوق العرش استوى، فخاطب الجزيرة، وأتى جبريل كالنجم إذا تلألأ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:1 - 4]. فخاطب الجزيرة، غار حراء في الجزيرة، والكعبة في الجزيرة، وزمزم في الجزيرة، ومحمد عليه الصلاة والسلام يرقد في الجزيرة، وكذلك السادة الأخيار أبو بكر، وعمر، وعثمان. فيا أبناء سعد! ويا أبناء القعقاع! ويا أبناء المثنى! ماذا ينتظر العالم من الجزيرة؟ أينتظر منها البترول فقط؟ أو التمر فحسب؟ أو التراب أو المعادن؟ لا. إنه ينتظر شيئاً أعظم وأغلى، وأجل وأسعد ينتظر لا إله إلا الله محمداً رسول الله، ينتظر الإيمان ينتظر أن نُسلم إليه حياة القلوب ينتظر أن نهدي إليه النور. أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه محمد إقبال شاعر الـ باكستان له قصيدة ينادي بها محمداً عليه الصلاة والسلام، ولكن للأسف! لم تترجم في قصيدة وإنما ترجمت نثراً، يقول في قصيدة له أخرى: إن كان لي نغم الهنود ودنهم لكن ذاك الدن من عدنان يقول: يا محمد! يا رسول الله! إن كنت أتكلم أنا بالأردو وبالهندية، لكن قلبي عربي عدناني فيه القرآن، إن كنت لا أجيد أن أتلفظ بألفاظك، فأنا أعيش مشاعرك وأفكارك، ودمي دمك، هذا معنى الكلام. لكن في قصيدته الأخرى التي ترجمت إلى نثر يقول: يا رسول الله! أنا زرتك البارحة، ونظرت إلى أبناء الجزيرة الذين رفعوا معالم التوحيد في الأرض، فما وجدتهم، أين هم يا رسول الله؟ والمعنى: أين أحفاد طلحة والزبير وسعد. حضر مع الرسول عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع مائة وأربعة عشر ألف مسلم، محرمين مهللين، مكبرين ساجدين، مات ثلاثة أرباعهم في أنحاء الكرة الأرضية، منهم من مات في قندهار، ومنهم في الهند، ومنهم في السند، ومنهم من توزعت بهم الفيافي يرفعون لا إله إلا الله.

الصحوة عند الشباب المسلم

الصحوة عند الشباب المسلم عنوان المحاضرة هي: معوقات في طريق الشباب، ونحن الآن في فترة يجب أن نقف مع الشباب ونحترم أفكارهم، ونقف معهم مربين ملياً، ونسعد بآرائهم في فترة أصبح رصيد الإسلام وقوته في الشباب، وأصبح زمان الإسلام وهيبته في الشباب، في فترة أصبح فيها الشباب الذين كانوا بالأمس عرضة وصرعى أمام الموسيقى الوالهة، والمجلة الخليعة، والأغنية الماجنة، أصبحوا الآن يرفعون لا إله إلا الله ويمتثلون تعاليم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. صحوة عارمة، شهد بها العدو قبل الصديق، لكن بعض المنافقين والمرتدين يهونون من شأن الصحوة، فمرة يصفونها بعصابة متطرفة، خرجت على الناس، أأتباع محمد عليه الصلاة والسلام ناشر العدل في العالم عصابة متطرفة؟! أأحفاده الذين حرروا الإنسان من الظلم والكهنوت والتبجح والجبروت عصابة متطرفة؟! الذين يملئون الحرم المكي والنبوي والمساجد، ويهللون ويصلون. لكن أبشر هذا الكون أجمعه أنا صحونا وصرنا للعلا عجباً بفتية طهر القرآن أنفسهم كالأسد تزأر في غاباتها غضباً عافوا حياة الخنى والرجس واغتسلوا بتوبة لا ترى في صفهم جنباً قلت في بعض المحاضرات والله الشاهد: لقد أتت رسائل من بعض الطلبة الذين سافروا من عدن وكانوا شيوعيين ماركسيين، عرب ماركسيون، عرب يخاصمون محمداً صلى الله عليه وسلم، عرب يحاربون العربي العبقري النبي الأمي، ومن الذي أذاق محمداً صلى الله عليه وسلم الغصص إلا العرب، طوقوه في بدر، وحاربوه في أحد، وحاصروه في المدينة في معركة الأحزاب في الحلف الابتداعي المنافق الوثني، يوم اجتمعت قوى الشيطان وقوى الشرك في حرب الرسول عليه الصلاة والسلام. العرب الذين تخلى كثير منهم عن لا إله إلا الله محمد رسول الله، عرب صبرا وشاتيلا، عرب أيلول الأسود، عرب عراق البعث الذي احتل الكويت، يقول فيهم الشاعر: وحدويون، لأن البعث يقول: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، لكن بدون محمد عليه الصلاة والسلام، يقول: عرب بدون محمد، يعني عرب بـ ميشيل عفلق، وعرب بـ عبد الناصر وأمثالهم. وحدويون والبلاد شظايا كل جزء من لحمها أجزاء ماركسيون والجماهير جوعا فلماذا لا تشبع الفقراء لو قرأنا التاريخ ما ضاعت القدس وضاعت من قبلها الحمراء أيها الكرام! أتت رسائل من بعض الطلبة من عدن ذهبوا إلى أزبكستان جنوب الاتحاد السوفيتي يدرسون هناك، وكانوا ملحدين يوم ذهبوا، فلما وصلوا احتضنهم شباب الصحوة من تلكم الجمهوريات الإسلامية، جمهوريات البخاري صاحب الصحيح، والترمذي والنسائي، وسيبويه والكسائي، فاستقبلوهم ودلوهم على الإسلام فأعلنوا إسلامهم، وأرسلوا يطلبون مصاحف وأشرطة إسلامية من أزبكستان، والله لقد أتت رسائل من استراليا من بعض الشباب، وقالوا: لقد بلغتنا الأشرطة الإسلامية هناك، ونبشركم أننا نملأ المساجد، وأن المراكز أصبحت متجهة إلى الله الواحد الأحد، وأصبحنا ندعو الناس فيدخلون في دين الله زرافات ووحداناً. صحوة بلغت المشارق والمغارب، ولا يهمنا أن يتكلم اليهود والنصارى علينا في الصحف، ويلطخون سمعتنا في المجلات، فإن هذا إن شاء الله من علامات القبول عنده، يقول سبحانه وتعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران:186] ويقول سبحانه وتعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً} [آل عمران:111]. ويقول سبحانه وتعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3]. رب من أنضجت حقداً قلبه قد تمنى لي موتاً لم يطع ويراني كالشجى في حلقه جلجلاً في حلقه ما ينتزع كيف تبغون سقوطي بعدما لمع السيف عليكم ووقع هذه هي صحوة أجراها الواحد الأحد، لأن الله يريد أن يعيد الدنيا إليه: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:40] ولا بد أن ترسخ مبادئ محمد صلى الله عليه وسلم.

معوقات في طريق شباب الصحوة

معوقات في طريق شباب الصحوة أيها الإخوة! أكثرنا الآن شباب، وأكثر من يركز عليه الآن الشباب، والذين يحضرون الجمع والجماعات هم الشباب، والذين تشرف بهم المحاضرات والندوات هم الشباب، لا استصغاراً لكبار السن، فهم آباؤنا وأشياخنا، وكبار السن فينا لهم الوقار لكن هذا الواقع. كان قبل سنوات يبشر بالشاب الملتزم، الآن إذا جلس الخطيب ينتظر انتهاء المؤذن ليؤدي الخطبة وليندفع في الحديث، ينظر في المسجد فيرى الشباب ولا يرى من كبار السن في الثلاثة الصفوف أو الأربعة إلا واحداً، لكن في العشر الأواخر من رمضان يكتض الحرم المكي بمئات الآلآف من الشباب، والمحاضرات في كل القطاعات، كلها تنبئ أن هذا الشباب أصبح واعياً، وأنه عرف أنه لا طريق له ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام. إما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا رضينا بك اللهم رباً وخالقا وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا ثم يكون إمامنا محمد صلى الله عليه وسلم وليس ميشيل عفلق، أو كارل ماركس، أو لينين أو استالين، ويكون إمامنا في الصلاة، وفي الحياة، وفي الأدب، وفي السلوك. إذاً فما هي المعوقات التي تعوق دوننا ودون الهداية نحن معشر الشباب؟ وسوف أسردها ثم أفصل فيها: الأول: ضعف الصلة بربهم تبارك وتعالى في بعض النواحي. الثاني: شرك الخوف وضعف التوكل. الثالث: عدم الاهتمام بالفقه في الدين. الرابع: الهامشية في حياة الكثير من الشباب. الخامس: تقريع النفس إلى درجة عدم الثقة بها. السادس: قلة الصبر أمام المغريات. السابع: تأثير الرفاهية العصرية في الجد والاجتهاد. الثامن: روح الانهزام عند الكثير مع الإحباط واليأس. التاسع: الإفراط في التفاؤل عند البعض، ومبناه على بعض الملابسات والمرئيات. العاشر: تمزق الوقت بين الملهيات والتسويف. الحادي عشر: عدم معرفة الشاب لمواهبه واستعداداته. الثاني عشر: ضعف صلة الشباب بالدعاة والعلماء. هذه المعوقات جمعتها من كلام كثير من أهل العلم والمربين والمفكرين.

الأول: ضعف الصلة بالله سبحانه وتعالى

الأول: ضعف الصلة بالله سبحانه وتعالى أيها الإخوة: أول معوق يعيشه شبابنا، وبالأخص شباب الصحوة: ضعف الصلة بربهم تبارك وتعالى، إن بين العبد وبين الله حبلاً لا ينقطع، وحبال البشر تتقطع دائماً، والعجيب {أن الصحابة رضوان الله عليهم سافروا مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما أصبحوا في الطريق قالوا: يا رسول الله! أربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ -أي: نرفع أصواتنا- فأنزل الله عز وجل قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]}. بين العبد وبين الله أن يرفع يديه، فيسمعه الله ويستجيب دعوته، وهذه الصلة تكمن في صور شتى في العبادات، على الشباب أن يجعلوها نصب العين، فمن أعظم الصلة الصلاة، وسميت بالصلاة لأنها صلة بين العبد وبين ربه، قال أحد الصالحين: هنيئاً لك يا بن آدم: بينك وبين الله أن تتوضئ وتدخل عليه في بيته، ولذلك سمي المسجد بيته سبحانه لأن البيت ليس لأحد من الناس، وبيته هذا يجتمع فيه الملك والمملوك، والرئيس والمرءوس، والتاجر والفقير، فيستمعون كلهم لكلام رجل واحد، عليهم أن ينصتوا له وجوباً من الشرع. ومن صور الاتصال: الدعاء، وهذا ما نفقده كثيراً، أن نرفع أكفنا دائماً إلى الله الواحد الأحد، فإن الله يرضى إذا سألته، ويغضب إذا تركت سؤاله. الله يغضب إن تركت سؤاله وبُنيَّ ابن آدم حين يسأل يغضب فالإنسان كلما سألته غضب، والله إذا ألححت عليه أكثرت من المسألة رضي عنك، فكان على الشباب وجوباً أن يكثروا من السؤال والانطراح بين يدي الله عز وجل، ومن أكثر من السؤال فلن يخيبه الله عز وجل {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55]. وهناك حديث: {لن يهلك مع الدعاء أحد} وعند الترمذي {أفضل العبادة انتظار الفرج} فحق علينا يا معاشر شباب الإسلام! أن نكثر الصلة بالله ونقويها. ومن صور الصلة: الذكر، تسبيحه سبحانه وتعالى وتحميده، خاصة أمام الوسائل المغرية الهادمة الهادفة إلى تدمير الجيل المسلم الذي يهدد العالم، كما يذكر كثير منهم مثل الكهنوتي المستشرق القسيس زويمر في الغارة على العالم الإسلامي، يذكر أن المارد الجبار هو الإسلام، وأن الذي يهدد هذه الأرض هو الإسلام، لأنه كما قال سبحانه وتعالى: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27] والإسلام يريد أن يرفع الإنسان ويهديه. ومن صور الصلة: قراءة القرآن بتمعن وتدبر، وحق على قادة مثل هذه المعسكرات الكشفية والأساتذة الكرام، والدعاة المربين أن يرشدوا الجيل إلى كتاب الله عز وجل "إلى حفظه" إلى تدبر آياته، والعمل به، وليكن أعظم كتاب لديهم وأعظم كنز يحملونه.

الثاني: شرك الخوف وضعف التوكل

الثاني: شرك الخوف وضعف التوكل قلت في كثير من المحاضرات وأقول الليلة: لا أعرف أحداً أمامي من الجلوس يعبد الشجر، أو يسجد للحجر، أو يتمسح بالجدران شركاً بالله عز وجل، لا. الكل موحد، لكن الذي نخشاه أن بعض الناس ممن يصلي الصلوات الخمس، ويحج البيت، ويعتمر في رمضان، ويصلي التراويح، ويقرأ القرآن، يُخشى عليهم أن يكون عندهم شرك خوف، يخافون من البشر أعظم من خوفهم من رب البشر، وقد وجدناه في الأساتذة، ووجدناه في الطلاب، ووجدناه في الكبار والصغار، ولا نبرئ أنفسنا، وجدنا أن منهم قطاعاً هائلاً يخافون من البشر أعظم من خوفهم من رب البشر، فيتحسسون في الكلمات، ويتأكدون من العبارات، ويتثبتون في مواقفهم حتى لا يقعوا في إرباك مع البشر، بينما لا تجد هذا التثبت وهذا التأني وهذا الخوف مع الله فأين الخوف من الله؟ يذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن من نواقض لا إله إلا الله شرك الخوف، أن تخاف من غير الله أعظم من خوفك من الله، والله عز وجل يقول: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:40] ويقول الله سبحانه وتعالى: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175] ويقول سبحانه وتعالى: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:36]. عجبت لشاعر نبطي يدعو إلى الله عز وجل، وقد أوذي لأنه يدعو إلى الله، أتظنون أن الداعية لا يؤذى إذا رأيت الداعية لا يؤذى، فاتهم دعوته وإيمانه، والأنبياء والرسل أعظم شاهد على ذلك. يقول بعض العلماء: إن أهل العلم سلفاً وخلفاً يتهمون العالم إذا لم يؤذ، فهذا الداعية كان شاعراً نبطياً موحداً يدعو إلى الله عز وجل فأوذي، فيقول لدعاة الباطل: لم تكونوا أشجع مني -سوف أترجمها لكم ببيتين هو نظمها- يقول: لم تكونوا أشجع مني، أراكم شجعان على مبادئكم وهي ضالة. البعض يقتل تحت الدبابات، وتفجر بهم المجنزرات وهم على البعث، يموتون إلى النار، وفروخ العلمنة يقدمون رءوسهم رخيصة من أجل العلمنة، والشيوعيون في أفغانستان يقتلون بعشرات الألوف لتبقى مبادئهم وهي ضالة، فأين شباب محمد عليه الصلاة والسلام، فيقول فيها: أنا يا كرى مثلك يحب العلى شجعان يراهن براسه ما يخاف الشمالِيَّه أنا بعت راسي من محمد ولد عدنان قبضت الثمن والله يشهد على النيه هذه أبيات رهيبة جداً، يقول: أنا يا طاغوت! أشجع منك، تهددني بالموت لكي أقدم مبادئي ودعوتي وعقيدتي (أنا يا كرى مثلك يحب العلى) كلنا يحب العلى، وكلنا يريد المجد، والله سبحانه وتعالى يقول: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104]. يقول: إن كنتم تألمون من الجراح وضرب السيوف والطلقات النارية والقذائف والصواريخ، فهم يألمون مثلكم، لكن أنتم ترجون جنة وهم لا يرجون شيئاً، ولذلك النابغة الجعدي أحد الشعراء وقد وفد على الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا بلغنا السما مجداً وجوداً وسؤدداً وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا قيل: إلى أين يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: {لا فض فوك}. أيها الإخوة! لماذا لا نتوكل على الله؟ لماذا لا ننزع الخوف من البشر؟ لماذا لا نقدم دعوتنا للناس؟ لماذا لا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ثم نعتمد على الله؟ هل علمتم أقوى من الله؟ يقول سبحانه: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:36] وكل من غير الله دونه، ويقول سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:175 - 174]. شاب أتى من بعض المستشفيات قال: رأيت كثيراً من النساء عاريات وشبه عاريات، يعني بملابس مغضبة لله مع الاختلاط، فقلت: لماذا لم تنه عن المنكر والله عز وجل يقول على لسان لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان:17]؟ قال: أخاف، قلت: فلماذا تقول في الصباح: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً؟ ولماذا تقول: لا إله إلا الله؟ إنسان يرى مجلات خليعة تباع بالعشرات، هادمة هابطة، المجلة الواحدة تستطيع أن تدمر شعباً كاملاً، فلماذا لا تنهى عن المنكر بالتي هي أحسن، وتنصح صاحب المحل، ويأتي غيرك من الشباب ينصحونه، وغيركم يتحدث حتى تصبح ظاهرة، وتصبح مسألة تدار في المجتمع؟ وآخر قال: رأيت مضيفة وقد جرحت مشاعر المسلمين بهيكلها وتصنعها وتثنيها، قلت: ولماذا لا تنهى وتأمر؟ قال: أخاف، هذا واقع كثير من الشباب، وهي من نقاط الضعف ومن المعوقات عن تحمل العبء والرسالة الخالدة التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم.

الثالث: عدم الاهتمام بالفقه في الدين

الثالث: عدم الاهتمام بالفقه في الدين كثير من شباب الصحوة يحب الله ورسوله والدار الآخرة، وكثير منهم عنده تصور مجمل لعموميات الإسلام، لكن الأحكام الشرعية، الفقه في الدين، طلب العلم الشرعي، ليس عند الكثير منهم. قد يحضرون المحاضرات العامة، لكن أن يأتي إلى العالم فيقرأ عليه كتاباً، أو يبحث مسائل في الشرع، أو يحفظ الأحاديث بتخريجها، أو يعرف المسألة بدليلها، فلا ترى ذلك إلا عند القليل منهم، وهذا نقص، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين}. يا شباب الإسلام! يا رواد الصحوة! يا حملة المبادئ! لابد أن نقبل على العلم الشرعي، والتفقه في الدين إقبالاً تاماً، لا أعلم مدينة من المدن الشهيرة في البلاد إلا وفيها علماء يدرسون، وفيها طلبة علم ودعاة عندهم دروس وحلقات، وإذا لم تستطع فأقبل على الكتب واقرأ، ومشكلتنا -صراحة التي هي عيب علينا أمام العالم- عدم الرغبة في القراءة. يقول موشي ديان في كتابه السيف هو الحكم وقد ترجم هذا الكتاب، يقول فيه: العرب أمة لا تقرأ، يقصد العدو الهالك أنه في فترة من الفترات، تصوروا أن إسرائيل عن طريق الخطأ نشرت أسراراً عن أسلحتها النووية في المنطقة، وأعداد الجيش والقوات، ولم يعلم العرب بذلك، فكان يضحك وهو في واشنطن ويقول: العرب قوم لا يقرءون. وهذا تسري حتى على شباب الصحوة، فأقل الناس قراءة هم العرب، وأقل أهل الأديان قراءة هم المسلمون، ثم أقل أهل المناطق قراءة هم أهل هذه المناطق وهذه البلاد أقولها صراحة. إنك لتفاجأ حين تركب في حافلة أو في طائرة وتجد كثيراً من الأوروبيين والأمريكان وهم يقرءون في كتبهم، وتجد هذا المسلم وهو يتلفت في الأشباح والصور والملامح ويعدد الذاهب والآيب، وهذا أمر ملحوظ لا ينكره أحد. إذاً مسئولية مَنْ ألا نقرأ؟! مسئولية من ألا نتعلم؟! مسئولية من أن يمر بك يوم واحد وأنت لم تعرف آية، أو تتدبر حديثاً أو تخرج مسألة، أو تحقق معلومة، أو تقرأ مجموعة من المعلومات؟! حتى إني أعلم أن كثيراً من الشباب الآن سوف ينامون بعد أربع ساعات أو خمس، وإذا سألت أحدهم عن سجله اليومي من يوم أن أشرقت عليه الشمس فلن تجده استفاد معلومة. أي: أن حياته مكانها، تعود على أشياء؛ تعود على تدريب رياضي مثلاً، وزيارة زملائه، والخروج في النزهة، والصلوات الخمس، لكن أن يجدد في حياته فهذا أمر ليس عند الكثير، فهو هو أمس، وهو هو اليوم، قال بعض التابعين: [[يوم لا أزداد فيه خيراً فلا غربت شمس ذلك اليوم]]. وقال بعضهم: إني لا يحق لي أن أنام إلا بزيادة في علمي، كان أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي عالم الدنيا، من العلماء الجهابذة الكبار، كان يجعل أوراقاً من الأوراق البيض عند رأسه فإذا أتى ينام كتب ما يقارب خمسة وعشرين صفحة، قالوا: ما لك؟ قال: لا أنام حتى يضمني النوم ولا أضمه، ونعرف أن من الشباب من يبقى يتحرى النوم ساعتين وهو يتقلب على فراشه، وهاتان الساعتان ألف فيهما شيخ الإسلام ابن تيمية رسالة التدمرية التي قرأها الشباب في أولى أصول الدين في سنة كاملة، ولم ينجح منهم إلا الثلث، لأنها تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم.

الرابع: الهامشية في حياة الكثير من الشباب

الرابع: الهامشية في حياة الكثير من الشباب أنا أعرف أن كثيراً من الشباب يرى أنه خارج الخارطة، وأن الناس لا ينظرون إليه، وأن المهمة ملقاة على غيره، إن تحدثت له مثلاً: لماذا لا تعد نفسك لأن تكون مفتياً في المنطقة؟ قال: القضاة كفونا ذلك. لماذا لا تكون وتبني نفسك لتكون خطيباً ينفع الله بك أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ قال: الخطباء متوفرون والحمد لله. ولماذا لا تكون داعية؟ قال: الدعاة متواجدون. ولماذا لا تكون عالماً؟ قال: العلماء الحمد لله امتلأت بهم البلاد. فأين أنت؟ ما هو دورك في الحياة؟ ما هو مقامك في هذا الكرة؟ وماذا تقول لله غداً إذا سألك؟ {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:14 - 15]. لا معاذير في الإسلام، أن يأتي الإنسان يوم العرض الأكبر ويقول: أنا يا رب! أعفيتني من الخطابة والعلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن تربية الأمة، ومن هداية الجيل، ومن توجيهات الشباب، لا والله لا يعفى، الهامشيون الآن عددهم كثير، حتى إن عملهم سلبي، صحيح أن عندهم عواطف، لكن لا يدري كيف يفرغها، يعني أنه مجروح من واقع الأمة، ومجروح من واقع المجتمع، لكن أن تطلب منه عملاً بناءً ينفع به أمته، وجيله، ومستقبله، فلن يفعل ذلك!. مثلاً أنا أعرف أن الله لم يخلق الناس كلهم خطباء، ولا شعراء، ولا دعاة، ولا علماء، ولا أطباء، ولا مهندسين، ولا طيارين، ولا تجاراً، ولا فلاحين، ولا جنوداً، لكن قد علم كل أناس مشربهم، جعل الله لكل رجل منهم استعداداً ولكن لماذا أيها الشباب! ترضى لنفسك أن تكون هامشياً في الحياة؟ الله رزقك وخلقك لمهمة، واستودعك رسالة، ثم تعيش في هامش الأحداث ولا تشارك بدعوة، أو بنصيحة، أو بتأثير في مجتمعك، لماذا تفعل هذا؟!

الخامس: تقريع النفس إلى درجة عدم الثقة بها

الخامس: تقريع النفس إلى درجة عدم الثقة بها كثير من الشباب اهتدى بعد سنوات من المعصية، وكلنا خطاء وخير الخطائين التوابون، والله لم يعصم أحداً من الخطأ إلا الرسل عليهم الصلاة والسلام، والله سبحانه وتعالى فتح باب التوبة، والذي يأتي من البشر كائناً من كان من الكيانات أو من السلطات ليقول لأي أحد من الناس: أنت لا تستطيع أن تتوب، وأنت محروم من مغفرة الله ورضوانه، هذا مجرم كاذب أثيم لا يحق له ذلك، فمن الذي يغلق الباب بينك وبين الله؟ ومن الذي يقطع الحبل بينك وبين الله؟ ومن الذي يستطيع ألا يرفع كلماتك إلى الله الواحد الأحد وهو يقول: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10] ويقول: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21] ويقول: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:135]؟! وفي القصة الصحيحة أن رجلاً من بني إسرائيل قتل تسعة وتسعين نفساً، فأهدر دماءهم مع أنه لا يحق له ذلك لأنها معصومة، وذهب وسيفه يقطر دماً إلى عابد يترهب في صومعة فقال: ألي توبة؟ قال: ليس لك توبة، فضرب رأسه فقتله، فذهب إلى عالم آخر وقال: ألي توبة؟ قال: ومن يمنعك من التوبة؟ باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، فتاب الله عليه، وأدخله الجنة، بعد قصة طويلة. والمقصود أن كثيراً من الشباب قد اهتدوا، فلما اهتدوا تذكروا ماضيهم، فإذا قلت لأحدهم: عليك أن تكون داعية قال: أبعد هذا الماضي وهذه الصحائف السوداء أكون داعية؟ أنا مثلي يتكلم! ويكون خطيباً! فمن الشباب من يقول: هل مثلي يستطيع أن يقف على المنبر ليتكلم للناس، فلا يزال يقرع نفسه، ويهجوها ويسبها حتى يحبط فلا يقدم شيئاً. بل إن كثيراً من الشباب إذا قلت لأحدهم: أنا أحبك في الله، قال: والله لو تعلم ما عندي ما أحببتني في الله، ولمَ يا أخي؟! وتجد بعضهم عندما تقول له: يا أخي! لو ذهبت إلى القرى والبوادي تنصحهم وتدعوهم إلى الله؟ قال: أنا! مثلي يذهب إلى البوادي، أنا لا أستطيع أن أتكلم، أنا تاريخي أعرفه. وبعضهم يقول بصراحة: أنا أظن أن الله لا يغفر لي. وهؤلاء قد أصيبوا بالوسوسة، فهو يعد الخطايا وإلا ولو كانت كالجبال وتاب فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}. ومع ذلك تجد أن حالة الإحباط كثيرة عند الشباب. من ذلك: أنه عندما ندخل في السجون على كثير ممن وقع في المخدرات من الشباب، قد نجد أن بعضهم قد اهتدوا وحفظوا القرآن، وأصبحوا على السنة، والبعض منهم لا زال مصاباً بحالة الإحباط، فتأتي تجلس معه لكي تقنعه فتقول: تب إلى الله، فيقول: مثلي لا يقبل الله توبته. قلت له: استغفر الله. قال: لا. إن الله يقبل توبة الإنسان الذي يعصي قليلاً أما إن كانت مثل الجبال فلا يغفرها الله. قلنا: أنت تفتي نفسك بهذا، أيحق لك في الإسلام أن تقول هذا؟! هذا حرام. يذكر أن رجلاً من بني إسرائيل رأى فاسقاً يمر به، فقال: تب إلى الله؟ قال الفاسق: اتركني وربي، أي: أنا أصطلح مع الله، وهذا ليس بمنطق، لكن هكذا وقعت القصة. فقال له مرة ثانية: تب إلى الله. قال: اتركني وربي. قال: والله لا يغفر الله لك. فقال الله: من ذا الذي يتألى عليّ؟ أي: من الذي يملك أن يحلف عليّ ويقسم عليّ؟ قد أحبطت عملك وغفرت لذلك، والقصة ثابتة عند أهل العلم. وقرأت أن عيسى عليه السلام مر برجل فاسق، أي معرض عن الله عز وجل، فقال له: تعال معي إلى بيت المقدس، فأخذه بيده -وهذه في ترجمة عيسى عليه السلام- فلما اقترب من بيت المقدس السليب الذي أخذ منا عنوة وعلى رغم أنوفنا يوم ضاعت منا معالم لا إله إلا الله محمد رسول الله، بيت المقدس الذي يقول فيه أحمد شوقي: مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى أو المحراب مروان فلا الأذان أذان في منائره من حيث يتلى ولا الآذان آذان وصل إلى بيت المقدس فقال الفاسق لعيسى: اتركني، فسحب عيسى عليه السلام يده، قال: ما لك؟ قال: أخشى أن أدنس بيت المقدس بمعاصيَّ، فأوحى الله إلى عيسى أن أخبر ذاك أني قد تبت عليه، وعزتي وجلالي لكلمته أنفع له عندي من عبادة سبعين سنة. نعم. لنا أن نعترف بالخطايا والذنوب لكن ليس إلى درجة أن نحبط من الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط قيل للإمام أحمد: أيبقى العبد حتى يكمل ثم يدعو إلى الله؟ قال: من يكمل؟! وكثير من الشباب يقول: أنا لن أدعو إلى الله، ولن أخطب في مسجد أو ألقي كلمة، ولن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، ولن أصلح بيتي، ولن أؤثر في جيراني حتى أكمل، فمتى تكمل؟ حتى تصبح نبياً! ليس بعد الرسول محمد نبي، ونحن من بعض {كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون} لكن الرجاء منكم يا شباب الإسلام! أن يبلغ كل طاقته، وأن يصلح من نفسه، وإذا أذنب أن يستغفر، لكن ذنبه هذا لا يمنعه من الدعوة إلى الله، ومن التأثير في الناس، ولا يصل إلى درجة القنوط من رحمة الله {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].

السادس: قلة الصبر أمام المغريات

السادس: قلة الصبر أمام المغريات ومن المعوقات أيضاً: قلة الصبر أمام المغريات، فنحن أمام جبهات كثيرة محاربة للإسلام لا يعلمها إلا الله، قارن الآن بين شابين اثنين! شاب يعيش في عصر الصحابة، وشاب يعيش في القرن الخامس عشر الذي نعيش نحن فيه. شاب يسكن مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام، جيرانه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو هريرة وحسان بن ثابت وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل، خطيبه محمد صلى الله عليه وسلم، وإمامه في الصلاة محمد صلى الله عليه وسلم، جبريل يتنزل بالوحي صباح مساء، الأمة كلها في مجملها وفي مجموعها تحب الله ورسوله والدار الآخرة، فليس هناك مغريات ولا شهوات ولا نزوات، وبين شاب آخر يعيش الآن في انقطاع من الوحي، وبعد من السلف الصالح، وجيرانه من كل حدب وصوب، ويواجه في المجتمع وفي المجالس من يستهزئ بالدين صراحة، ويسخر به، ويغمز عينه عليه، ويلمزه في وجهه وفي قفاه، ويمر وأمامه المجلة الكالحة العارية والصورة الخليعة والفيديو المهدم، والأغنية الماجنة، والضياع، وجلساء السوء، والشرق يرمي عليه بحلف وارسو الإلحادي الوثني، يرمي عليه بالحداثة وبالزندقة وبالإلحاد، والغرب يرمي عليه بالكأس والمرأة، فكيف ينجو؟ هذا صراع رهيب، فأمام ذلك كله ليس للعبد وخاصة الشاب إلا الصبر، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] فيعلم أن النصر مع الصبر، وهذا الصبر يكمن في مثل غض البصر، ومقاطعة جلسات السوء، كيف تحكم على شاب أنه يريد الهداية وهو إلى الثانية ليلاً في المقهى يلعب البلوت، متى كنا أمة بلوت؟! يوم ضيعنا القدس وضيعنا أفغانستان وأسبانيا والأندلس. متى كانت مهمتنا في الحياة أن نسهر على هذا اللعب، ويسهر جيلنا على هذا الضياع؟! من الذي سمح لنا وقد كلفنا الله أن نرفع دينه في الأرض، أن نفعل هذه الأفاعيل؟ كان شباب محمد صلى الله عليه وسلم في الليل عباداً، وعند لقائهم لعدوهم من أشجع الأبطال، كما قال الشاعر: عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:13] قال المفسرون: لم يزدهم الله الهدى حتى آمنوا بالله، وقال غيره في قوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] قال: بدءوا بالهداية فهداهم الله سبله.

السابع: تأثير الرفاهية العصرية في الجد والاجتهاد

السابع: تأثير الرفاهية العصرية في الجد والاجتهاد يظن بعض الناس أنه كلما كثرت النعم، كلما كانت الأمة أصلب، وهذا بالعكس، فكلما كثرت النعم كلما كانت الأمة أكثر ترفهاً وفتوراً وكسلاً. فتح الشباب من صحابة محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، وأحدهم لا يملك إلا ثوباً واحداً. دخل ربعي بن عامر برمح مثلم على كسرى ورستم، وهزه وهز عروشهم بهذا الرمح المثلم. دخل الصحابة إيوان كسرى، والواحد منهم لا يشبع من خبز الشعير، قُتلوا في قندهار وهم جوعى ثلاثة أيام، فماذا نفعتنا رفاهيتنا وقصورنا، وسياراتنا وحدائقنا، وبساتيننا وأكلاتنا؟ المطعومات والملبوسات والمفروشات!! حتى إن علماء التربية يقولون: إن أكثر ما يُوجد الترهل في الروح المعنوية للشخص كائناً من كان -بغض النظر عن المسلم أو عن غيره- هي فيما يعيشه من رغد العيش. تولى أحد ملوك الأندلس الملك وكان متقشفاً، وكان له جيش عرمرم طوق به الأندلس كلها، فلما مات تولى ابنه بعده، فكان يسكن مع الغناء صباح مساء، برنامجه اليومي الأغاني والموسيقى والضياع، فعنده الدفافين والمطبلين والمزمرين ومن يحيون -يميتون- الليالي السود، ولا يعرف من الدنيا إلا هذا، وفي الأخير أتى ملك الفرنجة فاجتاح الأندلس، وقيد هذا الملك الشاب وخلعه وربطه في السجن، فأتت أمه تزوره، فبكى عند باب السجن فقالت: ابك مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال وكذلك كل من يريد أن يكون له دور في الحياة فلا تكن طموحاته محدودة، مثل أن يصل إلى زوجة وفلة وسيارة ووظيفة ثم ينتهي، لا. طموحاتنا أعلى، وأنا أحبذ أن تقرءوا رسالة في مقدمة قصص من التاريخ للأستاذ الأديب: علي الطنطاوي، فقد أجاد كل الإجادة، في تلك المقالة التي يقول فيها: نحن مسلمون فما هي مهمتنا في الحياة؟ لماذا بعثنا الله للناس؟ لماذا أخرجنا من الظلمات إلى النور؟ الصحابي الواحد يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {يا رسول الله! تمنعني دخول الجنة، والله لأدخلن الجنة؛ لأني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف}. ويأتي جعفر الطيار من الحبشة بعد هجرة سبع سنوات، كان في أثيوبيا في شدة الحرارة والجوع والفقر والمشقة، فيصل إلى المدينة، فهل يجازيه الرسول صلى الله عليه وسلم على هجرته في الله أن يعطيه فلة، أو يعطيه جائزة سخية مالية، أو يُوكل إليه منصباً؟ لا. أرسله ليدفق دمه، ويدفع روحه في مؤتة في سبيل الله، فقطعت يده اليمنى، فأخذ الراية باليسرى، فقطعت اليسرى فضم الراية بصدره فتكسرت الرماح في صدره وهو يقول: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها عليّ إن لاقيتها ضرابها فقتل رضي الله عنه. قال صلى الله عليه وسلم بعد لحظات من مقتله: {والذي نفسي بيده لقد رأيت جعفر بن أبي طالب يطير في الجنة بجناحين أبدله الله مكان يديه، يطير من قصر إلى قصر ومن شجرة إلى شجرة}. تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا اجلس برفق عليك التاج مرتفقاً بتاج غمدان حالاً بعده حالا

الثامن: روح الانهزام عند الكثير مع الإحباط واليأس

الثامن: روح الانهزام عند الكثير مع الإحباط واليأس تجد كثيراً من الشباب عندهم يأس من المجتمع، غسلوا أكفهم من مشاركة الناس، تقول لأحدهم: لماذا لا تدعو جيرانك؟ قال: لا خير فيهم، لقد جربتهم ويأستُ منهم، تقول له: لماذا لا تؤثر في الناس وتدعو؟ قال: لا. اتركهم، ولا تشغل نفسك بهم، هؤلاء ختم الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم. وتجد بعضهم إذا ألقى موعظة، ولم يستجب له؛ قام يتشنج، ويفحش في القول ويسب، وقد يستخدم الألفاظ السلطانية، كأن يقول: دمركم الله، سلط الله عليكم كذا، وغير ذلك من هذه الألفاظ، وهذه ليست في قاموس محمد عليه الصلاة والسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم عنده بسمة، وكلمة لينة، وحب للقلوب، حتى يقول له سبحانه وتعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ويقول له سبحانه وتعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. تجد شباباً يأتيك يقول: ما رأيك في أسرتي، لقد هداني الله عز وجل -حوالي قبل شهر- فأريد هداية بيتي، ولقد دعوت بيتي ليلاً ونهاراً وسراً وإعلاناً في مدة شهر، وقد يأست منهم تماماً؟ قلنا له: شهر لا يكفي، الرسول صلى الله عليه وسلم بقي عشر سنوات يعلم الناس كلمة في مكة، وبقي بعد ذلك ثلاث عشرة سنة، ونوح بقي يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، فعليك أن تصبر. قال: لا. أنا عرفت أنهم لو أراد الله بهم الخير لهداهم، أنا أريد أن أتركهم تماماً، فهذا من الإحباط واليأس. ومن الصور الموجودة عند الشباب -أيضاً- أنه يعيش نظرة سوداوية للمجتمع، فتجده لا يرى الخير أبداً، يقول إيليا أبو ماضي الشاعر اللبناني النصراني: أيها الشاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا أترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقها الندى إكليلا والذي روحه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلا فتجد بعض الناس لا ينظر إلى هذا المجتمع الذي أمامه إلا بنظرة سوداوية، كأن يأتيك إذا حدثته عن جانب الصلاح في الناس والصحوة والعودة إلى الله، قال: لا. أنت لا تدري، لا تعرف الخمارات والمخدرات والمجلات الخليعات؟ لا. هذا مجتمع محطم وليس بصحيح، وأظن أن الله سوف يزلزل الأرض علينا أو يطبق السماء علينا. تجد تلك النظرة؛ لأنه نظر بعين واحدة، وما نظر بالعين الأخرى، وسوف يقابله جيل آخر، أفرطوا كثيراً في التفاؤل، وسوف يأتي بيان ذلك. فالرجاء عدم الإحباط واليأس من روح الله، والذي يظن أنه سوف يصلح العالم كله لا يستطيع، الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من مهماته أن يصلح العالم، كان يصلي في المسجد والمنافقون أمامه، وقد تعرض لإحدى عشرة محاولة اغتيال في حياته ونجا منها صلى الله عليه وسلم لأن الله قال له: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] والله سبحانه وتعالى يقول له: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ} [النمل:81] ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] وقال له: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22] يقول: أنت لا تملك هراوة، ولا كرباجاً، ولا خيزراناً تغصب الناس للهداية، ومن الناس من يقادون إلى الجنة بالسلاسل. فقضية أن يتصور الشاب أنه لا بد أن الحارة كلها تكون ملتزمة ومستقيمة ومهتدية ليس بصحيح، هذا خلاف سنة الله في الأرض، يقول أحد العلماء: والله لو أقام صالح في رأس جبل لقيض الله له من يعاديه في رأس الجبل. قال ابن الوردي: ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس الجبل فالأضداد موجودة: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] سنة المدافعة، وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] إن العرانين تلقاها محسدة ولا ترى للئام الناس حسادا حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالناس أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وقبحاً إنه لدميم

التاسع: الإفراط في التفاؤل عند البعض

التاسع: الإفراط في التفاؤل عند البعض كثير من الشباب يبنون آراءهم وأحكامهم على مسائل منها: أن بعض الناس يخالط وسطاً ملتزماً، يعني: بيتاً ملتزماً وإخواناً ملتزمين، والكلية التي يدرس فيها فيها التزام، فإذا تحدثت له عن الفساد اندفع يحدثك بقوله: الناس كلهم ملتزمون، ومتجهون إلى الله، والناس ليس فيهم عاصٍ، والناس أقبلت والحمد لله ألوف مؤلفة، ونسي النظر بالعين الأخرى، فهذا عكس الأول، نسي أن هناك نقصاً في المجتمع، وأن من علامات النقص -مثلاً- المحاضرات، صحيح يحضرها إلى عشرة آلف بل أكثر، في المدن خاصة، لكن المباراة قد يحضرها أكثر من ستين ألفاً، فما معنى هذا؟ هل معنى ذلك أن المباراة أنفع للأمة، وأنفع للإسلام من المحاضرات؟ أم أن أولئك الستين يريدون الأجر من حضورهم إلى المدرجات، ويريدون المثوبة من الله سبحانه وتعالى؟! أم يحتسبون خطاهم؟! لا. من سنن الله عز وجل أن يكون الكثير هكذا: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] ماحالهم. عمر رضي الله عنه نزل إلى السوق فسمع بدوياً أعرابياً يقول: اللهم اجعلني من عبادك القليل، فلهزه عمر بالدرة، وقد كانت درته في يده دائماً يؤدب بها، ويخرج بها الشياطين من الرءوس، فقال: مه؟ أي: ما هذا الدعاء؟ عمر رجل عبقري، جعله الله من هذه الأمة، حتى يقول حافظ إبراهيم: قل للملوك تنحو عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها يقول: إن عمر يأخذ هذه الدنيا في ساعة ويسلمها في ساعة، أخذ ملك كسرى وقيصر في ساعة، وسلم ذخائرها وكنوزها للفقراء في ساعة، برده فيه أربعة عشر رقعة يخطب به الجمعة، وأمعاؤه تقرقر وتصيح من الجوع، فيقول: [[قرقر أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]]. محمود غنيم شاعر وادي النيل يقول لـ عمر يحيه: يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه من نحن لولا الله ثم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟ كانت أنوفنا في التراب، ادعوا نجوم الفن ليرفعوا رءوسنا أمام العالم! من الذي فتح لنا أسبانيا، أو شمال أفريقيا، أو طاشقند وتركستان؟ ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، حتى كان يحكم هارون الرشيد وينظر من شرفات القصر ويتحدى السحابة، ويقول: أمطري حيث شئتِ فإن خراجك سوف يأتيني. فالمقصود أن عمر قال: ما هذا الدعاء؟ قال الأعرابي: يا أمير المؤمنين! إن الله يقول: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] فقلت: اللهم اجعلني من القليل. قال: كل الناس أفقه منك يا عمر. فلا يتصور متصور أن الناس كلهم سوف يقبلون على الهداية، فإن من سنن الله عز وجل الكونية أنه هدى من شاء وأضل من شاء، وفي كل مكان تجد وقت النداء من يستمع الأغنية ومن يذهب إلى المسجد، من يجلس في المقهى ومن يجلس في المحاضرة، من يحب القرآن ومن يحب المجلة، من يرغب في السواك ومن يرغب في السيجارة، إنها سنة كونية: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35].

تمزق الوقت بين الملهيات والتسويف

تمزق الوقت بين الملهيات والتسويف وما قتلنا إلا التسويف وكلمة (سوف) قالوا: من زرع (سوف) أنبتت له نبتة اسمها (لعل) لها ثمر اسمه (ليت) طعمه الخيبة والندامة، ولذلك إذا رأيت شاباً يقول: سوف سوف، فاغسل يديك منه، واعرف أنه سوف لن يراوح مكانه. أعرف شاباً من خمس سنوات كلما قلت له: أما حفظت القرآن؟ قال: سوف أحفظه إن شاء الله، فهذا يموت وهو لم يحفظه بعد، وتقوم الحرب العالمية الثالثة وما حفظ القرآن، لأنه يقول: ما أحفظ القرآن أنا مشغول بالدراسة، فإذا أتت العطلة الصيفية، قال: العطلة الصيفية نزهة وراحة للقلوب، وساعة وساعة، وإن لقلبك عليك حقاً، فتنتهي العطلة وتأتي عطلة الربيع قال: هذه لـ مكة وللعمرة، تنتهي العطلة، وتأتي الدراسة قبل الامتحانات قال: لا، هذه للمراجعة والاستعداد العلمي، وقس على ذلك البرامج التي يعيشها الشباب، كالهداية، كالتحصيل العلمي، كقراءة كتاب، كتأليف رسالة، يعني كإنجاز ما ينفع المسلمين. يقول بعض التابعين لما حضرته سكرات الموت، وقد ذكره ابن المبارك في كتاب الزهد: أنذرتكم سوف، لا تقولوا سوف، والله عز وجل ندد بأعدائه في القرآن قال: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3] قال بعض المفسرين: لأنهم كانوا يستخدمون (سوف) سوف أفعل، سوف أحفظ، سوف أطالع، سوف أهتدي. والوقت اليوم رخيص عند المسلمين، فتمر الساعات الطوال على الشباب خاصة، ومن الملتزمين وأهل الصحوة كثير منهم لا يحسب للوقت حساباً، فقد تفاجأ بشاب يزورك، وغرضه سهل يقضى في خمس دقائق، فتجلس معه، وتريده يحدثك بالموضوع، فيخبرك عن أهله، وعن الأمطار في بلده، وعن أخباره، وعن مرتبه، ومتى يتزوج، وتتحرى متى ينتهي؟ ومتى يعطيك هذا السؤال الذي يريده؟ فيعطيكه في آخر المطاف بعد صلاة المغرب وهو عندك من صلاة العصر، وهناك ظاهرة الزيارة في الله، يزورك بعد العصر في الله، وبعد المغرب في الله، وبعد العشاء في الله، ويأكل غداءك في الله، ويأكل عشاءك في الله، وينام عندك في الله، وإذا عانقك كسر ظهرك في الله، وهذه درجة الحب في الله، لا بد أن تسير سيراً شرعياً، ليس استهزاء، والله إنه شرف لمثلي وأمثالي أن يعانق شاباً من شباب الصحوة، وأن يسلم عليه ويستقبله ويزوره ويزورنا لكن الترشيد مطلوب. يذكر سيد قطب في كتابه الظلال في تفسير سورة النور عند آيات الزيارة: ولماذا لا يتصل أحدنا بأخيه بالهاتف، قبل أن يزوره؟ أحياناً قد يأتي يزورك في الحادية عشرة ليلاً، أهذا وقت زيارة! ويبقى عندك ساعة، أين أنت في العصر والمغرب؟! والله قد ذكر ثلاثة أوقات لا يزار فيها: من قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ. ومن آدب الزيارة أيضاً: أن يكون عندك جدول عمل، الغربيون هؤلاء -صراحة-: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] يجب أن نكون عدولاً: عندهم جداول عمل للزيارات، لأن الوقت محسوب، والساعات تمضي. دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ} {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع؛ ومنها: وعن عمره فيما أفناه} فقضية أن تأتيني -مثلاً- وليس عندك مسائل ولا قضايا تطرحها ليس بصحيح فمن أين أبحث لك عن مسائل وقضايا أشغل فيها معك الوقت. أيها الإخوة: الوقت ممزق عند كثير من الشباب، ممزق تماماً، الآن لنسأل أنفسنا في آخر العطلة الصيفية ماذا كسبنا منها؟ كان هناك مشروع مقترح في أول العطلة، ذكرته في درس من الدروس، هل استثمر؟ وأعرف أن هناك 80% سوف تنتهي العطلة الصيفية ولم ينتج أحدهم لا المشروع هذا ولا غيره. أهل الدنيا يخططون لدنياهم مشاريع خماسية وثلاثية ورباعية، على انتهاء، لكن أهل المبادئ والرسالة، وأهل المهمات العالية، لماذا لا يفعلون هذا؟ هذا أمر مطروح.

عدم معرفة الشباب لمواهبه واستعداداته

عدم معرفة الشباب لمواهبه واستعداداته إنك قد تجد كثيراً من الإخوة لا يعلم ما هي موهبته، وما هو المجال الذي يصلح فيه. يدعو كثير من علماء النفس إلى أن تدرس نفسك، وتعرف ما هي نفسك هذه، وما هو الشيء الذي يمكن أن تصلح فيه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر في الحديث الصحيح: {كل ميسر لما خلق له} والله يقول: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة:148] ويقول سبحانه وتعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60]. الله يريد منك أن تكون طبيباً مسلماً، أو مهندساً مسلماً، أو عالماً مسلماً، أو جندياً مسلماً، أنت لا تستطيع من نفسك أن تتحول إلى غير ما أراده الله، فالأحسن لك أن توجه هذه الطاقة التي منحك الله إياها وتكرسها، وتدرسها وتستفيد منها، وتنفع بها الإسلام. أيها الإخوة: تجد بعض الإخوة يريد أن يكون خطيباً بالقوة، والله سبحانه وتعالى ما كتب له أن يكون خطيباً، كتب له مثلاً أن يكون آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، منفقاً في سبيل الله، إدارياً ناجحاً، موظفاً مخلصاً، تاجراً صادقاً، لكنه يريد أن يكون خطيباً، فمواهبه لا تهيئه للخطابة، ولم يدرس نفسه، فيحرج ويفقد معلوماته في هذا الباب، ويفقد استعداده ومكانته. أيضاً: لا نريد من الطبيب أن يكون مفتياً، فالمفتون وأهل الفتيا كثير، لكننا نريد أن يكون داعية بطبه إلى الله الواحد الأحد، حاملاً رسالته، مؤثراً فيمن يأتيه ويتعالج عنده، ولا نريد من المهندس -أيضاً- أن يكون خطيباً أو واعظاً، فللوعظ أناس. لكن الذي ينقصنا أن كثيراً منا لا يعرف ماذا يريد أن يقدم للناس، حتى يأتيك أحد الشباب ويقول: ما هو العمل الذي أصلح له؟ فأقول: اعرف بنفسك، لا يبلغ الشاب الثانية أو الواحدة والعشرين فما بعد إلا وهو يعرف استعداده، وبعد فترة يميز الإنسان طريقه، ويعرف توجهه، ويقولون: من أدمن على شيء من العمل الصالح أوتي حكمته، فيفتح الله على الناس في أمورهم وأشغالهم حِكَماً عظيمة. وتجد بعض الناس يظن أن قضايا الإسلام هي قضيته، مثلاً: بعض الإخوة مشغول بعقود الأنكحة، أي: مهمته أن يعقد الأنكحة، فإذا جلس معك في المجلس يحدثك دائماً عن عقود الأنكحة ومشكلة العنوسة والمهور والزواج والشباب، ويقول: لو صلحت هذه المشكلة لصلح أمر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ويظن أن هذه هي القضية. خطيب المسجد يحدثك عن دور الخطبة، ويقول: لو وجهنا هذه الخطبة؛ لأصلح الله المليار مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، لكنا ما عرفنا كيف نوجه هذه الخطبة! والمقصود أن على الشاب أن يقرأ ماذا يمكن أن ينفع به الإسلام، وأنا والله لا أعلم شاباً متزناً في عقله إلا وهو يستطيع أن يقدم شيئاً لدين محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يستطع الإنسان أن يكون داعية بنفسه فعلى الأقل أن يكون وسيلة إلى الدعوة إلى الله عز وجل، كأن يكون له اشتراك مع إخوانه وزملائه فيدفع الشريط الإسلامي، ويدخله بيوت الناس، والمدارس، والسيارات، {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} ويكون داعية في بيته، ويكون داعية في سلوكه وأخلاقه، ينفع المنكوبين، ويقف مع المصابين، ويفيد المساكين، فكل هذه من المشاركة.

ضعف صلة الشباب بالدعاة والعلماء

ضعف صلة الشباب بالدعاة والعلماء أنا لا أقول إنه يوجد انقطاع لكن الصلة ضعيفة، فأن يأتي الشباب إلى الدعاة والعلماء فيبثوا إليهم أحزانهم وأشجانهم ومشاكلهم؛ هذا شيء يفرح به أهل العلم وأهل الدعوة، ولا أعلم عالماً ولا داعية يتضجر من ذلك، وإن تضجر فهو لظرف خاص مر به، أو لعدم الزيارة المناسبة، أو لأمر ما، فأنا أقدم العذر عني وعن إخواني من طلبة العلم والدعاة، إن وجد تضجر من الشباب، أو تذمر أو سأم، أو تبرم منهم، وهذا إن شاء الله لا يحدث إن حدث إلا نادراً. ولكن والله إن من السعادة الجليلة التي نشكر الله عليها أن نجد شاباً يطرح مشكلة أو سؤالاً، أو يريد أن توجهه توجيهاً علمياً، أو يريد أن تدله على الطريق المستقيم، أو تحل له إشكالات يعيش فيها، أو تنقذه من أزمة لأمور: منها: أن الله عز وجل سوف يكتب لك أجراً عظيماً بهذا الفعل {والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه}. ومنها: أنك سوف تكسب أخاً لك. ومنها: أنك سوف توجه هذه الطاقة المعطلة لنفع الإسلام والمسلمين. أيها الإخوة: من المشاهد أن شباباً ملتزمين في بعض الأحيان لا أعرف أسماءهم -وهل الداعية يستطيع أن يدخل كل بيت ويقول: ما اسمك؟ لماذا ما رأيتك؟ لماذا لا تسأل؟ ولماذا لا تحضر لتستفيد من الدرس والمحاضرة؟ وفي الأخير تفاجأ به وإذا هو يسكن قريباً منك في الحي، وأنت لا تعرف اسمه- فبعض هؤلاء الشباب لم يسبق له أن جلس عند عالم أو اتصل بعالم أو داعية بل هو يركب أموره من نفسه، ويستشير نفسه، ويخطئ أكثر مما يصيب. وهناك بعض التصرفات الغير مسئولة، لماذا لا يستشار فيها الدعاة؟ شباب يلتزم وعمره الخامسة عشرة والسادسة عشرة، فيأتي بالتزامه بالجبروت، ويستدل بأدلة من القرآن، وأنا أعرف شاباً لما التزم دخل إلى آلة في البيت فكسرها، وأتى أبوه -إي والله- في المسجد وأبوه كبير في السن وشكى لي المشكلة، فقلت له: لو سمحت أن ترسله أو تأتي به معك، فلما أتى به قلت له: لماذا تفعل هذا؟ قال: لأن الله يقول في إبراهيم: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} [الصافات:93]. وتلك أصنام وهذه أصنام، والواجب أن نغير هذه الأصنام مثلما غير إبراهيم تلك الأصنام، قلنا أولاً: إبراهيم نبي معصوم، وأنت لست معصوماً. والأمر الثاني: أن إبراهيم يعمل بوحي من الله عز وجل وأنت لا تعمل بوحي وإنما برأيك. والأمر الثالث: أن إبراهيم دعا ثلاثين سنة أو أربعين سنة وفي الأخير رأى أن الحل المناسب هو هذا، ثم إن إبراهيم كان يشكل كياناً، وعنده قدرة على ذلك، ويرى أن المصلحة في هذا بعد ثلاثين أو أربعين سنة. أما أنت فأخطأت في أمور: الأول: أنك نفرت أهل البيت. الثاني: أنك أسأت في هذا الموقف. الثالث: أن ثمرة دعوتك لا تحصل بهذا الأسلوب. الرابع: أنك سوف تلحق بشباب الصحوة هذا الخطأ، وسوف يلحقوننا به جميعاً، لأنه إذا تصرف شاب قالوا: انظروا إلى هؤلاء الشباب المتطرفين، انظروا إلى الأصوليين، ماذا يفعلون، والسكاكين جاهزة مع الألسنة الحداد الشداد؟ ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني يأتيك شاب يقول: أنا هجرت فلاناً في الله، ولماذا؟ قال: لأنه ترك صلاة الجماعة، تقول: هل نصحته؟ قال: لا. ما نصحته، ولكن والله لا أسلم عليه ولا أزوره، ولا يدخل بيتي ولا أراه! فهل هذا هو الأسلوب المناسب، وهل إذا استخدمنا هذا الأسلوب سوف ننجح؟ وهل فعله محمد صلى الله عليه وسلم؟ محمد صلى الله عليه وسلم زار الكفار في بيوتهم، وزار المنافقين في منازلهم، ودخل مع اليهود، ودخل مع النصارى، الداعية كالطبيب يدخل على المرضى في غرفهم، لا يدخل المرضى عليه في غرفته. فالرجاء من الإخوة أن يستشيروا الدعاة وطلبة العلم، أي: ما عليك كلفة أن ترفع السماعة وتستشير داعية، قد يكون أكبر منك سناً أو صاحب تجربة، ومن هو أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة، والحياة تجارب، ومن عاش في الحياة يرى الأعاجيب، والعجيب أن الإنسان عندما يتأمل قبل سنة وهو الآن في مجال الدعوة، قد يتطرق إلى مقولة قالها يجب أن تصحح، والذي لا يستفيد من جدوله، ولا من حياته غشوم ظلوم أو فيه غفلة، بل اليوم تفتش سجلك بالأمس، وتنظر هل من المناسب أنك قلت تلك الكلمة وتلك المحاضرة وأشرت بذاك الرأي، فتجد أحياناً أنه من الخطأ، فالمطلوب مراجعة العلماء وطلبة العلم والدعاة والانضمام معهم، والالتفاف حولهم؛ في الاستشارة وأخذ الرأي وإسداء النصح، ولا أعلم إن شاء الله داعية أو عالماً سوف يكون غشاشاً لك، والله لا أعلم داعية ممن يدعو إلى الله أو عالماً يريد أن يغش المسلمين، أو لا ينصح لهم، أو لا يريد راحتهم، أو يريد سوءاً بالبلاد، أو يريد زعزعة في استقرار الناس وفي سكينتهم، لا أعلم ذلك، وأن من ظن بالدعاة وبالعلماء ذلك الظن فقد ظن بالله ظن السوء، وظن بأوليائه ظن السوء، فعليهم دائرة السوء: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5]. بل نرى النصح، وعلم الله لقد رأيت كثيراً كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، إنه كالشمس وهو في الثانية والثمانين سنة، وهو عالم المسلمين في الكرة الأرضية، وهو شيخ الإسلام والممثل والنموذج الحي لـ أهل السنة والجماعة، تجده يقف مع الشباب الذين في المتوسط والثانوية في الشمس، ويسمع لأفكارهم وقصصهم وأخبارهم ومشاكلهم ويحلها برحابة صدر ويدعوهم إلى الغداء والعشاء في بيته، وكذلك الدعاة على منهج سماحة الشيخ، لا أعلم داعية ينفر من الشباب، أو يعترض عليهم، أو يبكتهم، أو يطردهم من بيته، لا أعلم ذلك. أسال الله لنا ولكم التوفيق والهداية، وأكرر شكري وتبجيلي وثنائي العاطر لمن قام على هذا المعسكر الحي النموذجي، الذي إن دل على شيء؛ فإنما يدل على أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة تستطيع أن تجدد من أساليب الدعوة، وأن عندنا الكثير من البدائل الإيمانية التي نحتضن بها الشباب، فليست حياتنا في أن نوجد بدائل لمن يتزلج على الثلج، أو يسافر إلى الخارج ليفسق هناك، أو يضيع أو يجلس في المقاهي بلا منهج تربوي، عندنا من البدائل كالمعسكرات والمخيمات والمراكز، وجماعة تحفيظ القرآن الخيرية، والمحاضرات والندوات ما نحتضن به الشباب، ونحييهم ونرحب بهم، ونعطيهم من أفكار نخبة من الأساتذة المربين المثقفين، المؤيدين بحفظ الله عز وجل، الذين يدلونهم على منهج الله. أنا سعيد جداً سعادة لا يعلمها إلا الله لأني حضرت هنا عند إخواني وزملائي كي نتشارك في الرأي، ونقدم المشورة والنصيحة وأسعد بإخواني، فهم أبناء عمومة وإخوان وأقارب، ولو لم يكونوا كذلك فبيني وبينهم قرب ونسب أتى به محمد عليه الصلاة والسلام: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. وفي أثناء الدراسة أذكر أني شاركت مع بعض الإخوة في سبع مخيمات تربوية كبرى، يستمر بعضها أسبوعاً وبعضها أسبوعين، والله لا أعرف مخيماً انصرفنا منه إلا ونحن نبكي على بعض، وكان الوداع عندنا مشهداً مؤثراً، كنا نتوادع في الصباح، فكان يصفنا المشرفون، ثم نقف طابوراً طويلاً وصفاً طويلاً فنبدأ في الوداع، والله ما ينتهي الوداع إلا والبكاء خوار. فارق إذا فارقت غير مذمم وأمم ومن يممت خير ميمم وما منزل اللذات عندي بمنزل إذا لم أبجل عنده وأكرّم رحلت فكم باك بأجفان شاجن عليّ وكم باك بأجفان ضيغم رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى هوى كاسراً كفي وقوسي وأسهمي أو كما قال ابن زيدون في مثل هذه اللقاءات إذا فارق الحبيب حبيبه، شاب ترك أسرته من الشمال وأتى إلى الجنوب ليلقى إخواناً يدفعون مهجهم وراحتهم وأموالهم ترحاباً به، فيفارقهم ولسان حاله يقول: بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا تكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا ويقول: إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

ظاهرة الاغترار بحضارة الغرب

ظاهرة الاغترار بحضارة الغرب Q إن من المشاكل التي تبعد الشباب عن الطريق المستقيم هي انبهار الكثير منهم بحضارة الغرب ومادياته، فكيف الطريق إلى تصحيح هذه المفاهيم؟ A أولاً: قبل أن أجيب على هذا السؤال وصلتني رسالة من أحد الإخوة الحضور يعلن حبه لي في الله، وأنا أقول: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، وأشهد الله أني أحب الحضور جميعاً في الله عز وجل، وأني أتمنى لكل مسلم على وجه الأرض الجنة، فعسى الله أن يجمعني بكم في دار الكرامة. يقول ابن عباس: [[جليسي الذي ترك الناس وأتى يجلس معي، والله لو استطعت أن أمنع الذباب أن ينزل عليه أو يهبط عليه لفعلت]]. هل أسعد من أن يكرمك الإنسان ويحضر لك، وأن يستمع كلامك، وأن يحترمك، إنه من الحق عليّ والواجب أن أحترم من أمامي، وأن أحضر المادة، وأن أعرض الأفكار بأدب، وأن أحاول ألا أجرح المشاعر، لأنه ما حضر هؤلاء إلا إكراماً فأكرمهم الله، أما ما ذكره الأخ السائل أن هناك من ينبهر بحضارة الغرب ومادياته فأقول: هذا لم يعد ظاهرة، صحيح أنه كان عندنا هذا قبل عشرين سنة، أما الآن فيوجد في بعض كبار السن ممن عاشوا جيل الجفوة لا جيل الصحوة، من ينبهر، وتجد بعضهم يحدثك دائماً في المجلس عن الغرب وعن حضارته، وعن تقدمه وثقافته، وعن التكنولوجيا هناك، ويسهب كأنه يحدثك عن أبي بكر وعمر. أما الآن مع هذه الطليعة الممتازة المتفوقة من الشباب، فقد أصبح ذاك متلاشٍ (80%) مررت أنا وبعض الإخوة على إحدى عشرة ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية ونزلنا في بعضها ثلاثة أيام وبعضها أربعة أيام فوجدنا (80%) من الشباب المسلم هناك ملتزم (80%) أقولها وأنا مسئول عن هذه الكلمة، كان هناك جماعة وأناس أعرفهم من قبل من هنا، لا يصلون في المسجد، أصبحوا هناك أئمة مساجد وخطباء. تخصصات دنيوية، أصبح أهلها دعاة إلى الله عز وجل، فأين الانبهار بالثقافة؟ إنه عندهم يرى مصنع الطائرة ومصنع الصاروخ ومصنع الثلاجة والبرادة, ومصنع المكرفون، وهو مع ذلك ملتح يحفظ القرآن، وتجده يخرج من المركز الإسلامي في دلسو في تكساس في لوس أنجلوس، ويقول: الله أكبر الله أكبر، فأي انبهار؟! يقفون بالمرصاد للناس، لدعوتهم إلى الله عز وجل، وللمناهج وإلى ردهم إلى الله، أركب مع أناس من الأطباء من البلاد يدرسون هناك ومهندسين، قال: ما يغرك هؤلاء أي الأمريكان والله لقد تحقق فيهم قول الله {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:110]. كنت أظن أنها عاطفة وحمية دينية فقط، لكن هو الحق، سافر سيد قطب إلى هناك وألف كتاب: أمريكا التي رأيت ووصف من العجائب ما لا يعلمه إلا الله، فأين الانبهار؟! أما في شباب الصحوة فلا أرى انبهاراً، فإن أكثر التفوق الآن والعودة في أهل التخصصات الدنيوية، من كليات الطب، والهندسة، وهم أكثر استقامة في بعض الأحيان من كلية الشريعة وأصول الدين؛ لأنهم رأوا الجاهلية بأنفسهم وعاشوا المناهج الأرضية، وانحرقت أوراق الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، وأصبح الإسلام الآن هو البديل الصحيح أمام هؤلاء.

وسائل تعين على التوبة

وسائل تعين على التوبة Q أنا شاب ملتزم وأحب قراءة القرآن وأريد أن أتوب ولكن لا أستطيع ماذا أفعل؟ A تستطيع إذا تذكرت أموراً: أولاً: أن أجلك في يد الواحد الأحد، لا تدري متى تموت! وقد رأينا من سوّف وأخر التوبة، وفوجئنا به وهو ينقل إلى غرفة الإنعاش وقد فارق الحياة، ورأينا من أصبح معنا ولكنه لم يمس. ثانياً: تستطيع أن تتوب إذا تذكرت أن القبر يحفر لك بعد فترة، وترد إلى الله كما قال سبحانه وتعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]. ثالثاً: تستطيع أن تتوب إذا تذكرت أنك ستجرد من الثياب والمناصب والوظائف ومن الناس: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94]. رابعاً: تستطيع أن تتوب إذا تذكرت أن الله أعد ناراً تلظى لمن خالف منهجه، ولمن ضل عن الطريق المستقيم الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام. خامساً: تستطيع أن تتوب إذا تذكرت أن الجنة عرضها السموات والأرض أعدها الله لأوليائه. سادساً: تستطيع أن تتوب إذا علمت أن الله يناديك في كل ليلة، ويبسط يديه بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.

قصيدة أمريكا التي رأيت

قصيدة أمريكا التي رأيت Q نريد من الشيخ عائض أن يسمعنا شيئاً من شعره وخاصة القصيدة التي تكلم فيها عن أمريكا؟ A هذه القصيدة تكررت كثيراً حتى مللت منها، أظن والله أني كررتها في المحاضرات والندوات أكثر من ستين مرة، حتى الإنسان مل من نفسه، لكن إذا طلب منك إنسان محترم طلباً فإن عليك أن تلبي طلبه، وأنا أعرف أن الكثير قد مل منها أو مجته أذنه، لأنهم يقولون: النفس مولعة بمعاداة المعادات، أي: تعادي المكررات، وقال الشعبي: لحمل الصخور من الجبال أخف عليّ من إعادة أحاديث الرجال، لكن ماذا نفعل؟ {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف:88] أما الجدية فلا أذكرها لأنها طويلة واسمها أمريكا التي رأيت والهزلية فيها بعض الدعابات وهي أرجوزة فمنها: يقول عائض هو القرني أحمد ربي وهو لي وليُّ مصلياً على رسول الله مذكراً بالله كل لاهي قد جئت من أبها صباحاًباكرا مشاركاً لحفلكم وشاكرا وحَمَلَتْنَا في السما طياره تطفح تارة وتهوي تارة قائدها أظنه أمريكي تراه في هيئته كالديكِ على ذكر الطيارة أحد الطلبة كان عنده بعض التخلف في مزاجه في فصل من الفصول، وكان الأستاذ دائماً يقول له: أنت تسأل في وادٍ ونحن نشرح في وادٍ، أرجوك لا تسأل، قال: خيراً يا أستاذ! وبدأ الشرح. ولما انتصف في المحاضرة، رفع الطالب يده، قال الأستاذ: خيراً إن شاء الله، قال: هل للطيارة بوري؟ وهو سؤال وجيه، نسأل الله أن ينفعه بالعلم النافع. يا سائل الأخبار عن أمريكا اسمع رعاك الله من يفتيكا وهذه أخبار هذه النشرة مسافة السير ثلاث عشرة من الرياض عفشنا ربطنا وفي نيويورك ضحىً هبطنا أنزلنا في سرعة وحطنا وقد قصدنا بعدها واشنطنا ثم ركبنا بعدها سيارة مستقبلين جهة السفارة منزلنا في القصر أعني ريديسون يا كم لقينا من قبيح وحسن وقد وصلنا إلى مباني الكونجرس ولم نجد مستقبلاً ولا حرس فيها ملايينٌ حوت من الكتب في كل فن إنه هو العجب في بلد أفكاره منكوسة تثقله بصائر مطموسة يقدسون الكلب والخنزيرا ويبصرون غيرهم حقيرا ما عرفوا الله بطرف ساعة وما أعدوا لقيام الساعة ومعنا في صحبنا العجلان أكرم به مع العلا جذلان وصالح المنصور من بريدة يشبه سعداً وأبا عبيدة ومعنا عبد العزيز الغامدي ابن عزيز صاحب المحامد والشهم عبد القادر بن طاشي ذو القلم السيال في انتعاش فهو أبونا في مقام الترجمة لأننا صرنا صخوراً معجمة ثم هبطنا في مطار دنفرا جلودنا في البرد صارت كالفرى إلى آخرها والله أعلم.

كيفية التخلص من الرياء

كيفية التخلص من الرياء Qكيف يتخلص الإنسان من الشرك الخفي؟ A الشرك الخفي هو الرياء، ويتخلص منه بثلاثة أمور: الأول: أن تعرف أنه لا يحاسب ولا يعاقب ولا يثيب ولا يعطي إلا الواحد الأحد، وأن الناس لا يملكون ضراً ولا نفعاً، ولا يقدمون ولا يؤخرون، ولا يملكون لك شيئاً إذا لم يرد الله لك الخير. الثاني: أن تعرف أن الناس لن يحاسبوك يوم العرض الأكبر، ولا يحاسبك إلا الواحد الأحد. الثالث: أن تدعو بالدعاء الذي علمه صلى الله عليه وسلم أبا بكر: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم}.

نصيحة للدعاة المقصرين

نصيحة للدعاة المقصرين Q بعض الناس يخطب في الناس، ولكنه مقصر في بعض الواجبات فما نصيحتكم لهذا؟ A وجد هذا كظاهرة عند بعض الشباب من أن يكون خطيباً ويعظ الناس، ولكنه لا يصلي الفجر معهم، فيخفق الناس في سماع خطبه، وكلماته، ونصيحتي لهؤلاء بأمور: منها: أن يتقوا الله عز وجل وأن يعرفوا أن الصلاة هي عمود الإسلام، وأنها إذا فاتت وضاعت فقد ضاع الدين، فأكبر شهادة على هذا الدين الذي نحمله الصلاة، فكيف تثبت لي أنك مسلم إذا لم تصل جماعة، إلا بعذر شرعي. ومنها: أن صلاة الفجر -خاصة- ذمة لله عز وجل {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته}. ثم أرى من الوسائل أن تنام مبكراً مثلاً، وأن تطلب من أهلك إيقاظك أو يكون عندك ساعة حتى تستيقظ بها، والله أعلم.

أسباب الخشوع في الصلاة

أسباب الخشوع في الصلاة Qما هي الأسباب التي تساعد على الخشوع في الصلاة؟ A ذكر ذلك ابن رجب في كتابه: الخشوع في الصلاة، منها: أن يتدبر المقروء الذي يقرؤه في الصلاة. ومنها: أن يعلم أنه لا يكتب له من الصلاة إلا ما عقل. ومنها: أن يفرغ نفسه من أشغال الدنيا وهمومها وأفكارها قبل الصلاة، فإذا كان جائعاً أن يأكل، أو حاقناً أن ينتهي من حاجته، وإذا كان غضباناً أن يعود له رضاه أو يستأنس، وإذا كان في مكان حار أن يحاول أن يوجد له بديلاً، وإذا كان في شدة حر، أن يبرد بصلاة الظهر إلى غير تلك المعاني.

الطريقة المناسبة للقراءة

الطريقة المناسبة للقراءة Qما هي الطريقة المناسبة للقراءة؟ A لكل طريقة في قراءة الكتب، وأعرف من الشباب من يستعمل طريقة الجرد، وهي أن يقرأ المطولات جرداً فما علق بالذهن فجيد والحمد لله، وما ذهب فمع السلامة، هذه طريقة. ومنهم: من يقرأ بطريقة البطاقات كأن يقرأ كتاباً ويكتب المعلومات الضرورية في بطاقة، حتى يتذكرها ويستفيد منها. ومنهم: من يقرأ بثلاث قراءات في الكتاب الواحد، الطريقة الأولى: المسح للكتاب والثانية: أن يأخذ الأفكار الرئيسية في الكتاب، والثالثة: المسائل الجزئية، هذه الطرق التي تحضرني في هذا. أسأل الله التوفيق والهداية، والرشد والسداد، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أحكام الأطعمة

أحكام الأطعمة لقد جاءت الشريعة الإسلامية بكل ما فيه مصلحة ودرء ما فيه من مفسدة، ومن ذلك إباحة الأطعمة الطيبة وتحريم الأطعمة الخبيثة. وفي هذه المادة ذكر لقواعد هامة بشأن حل أو حرمة المأكولات من الحيوانات، بالإضافة إلى مسائل وأحكام يكثر السؤال عنها.

ثماني قواعد في أحكام الأطعمة

ثماني قواعد في أحكام الأطعمة الحمد لله، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته. في هذه الليلة المباركة نستمع إلى الإمام البخاري في كتاب الأطعمة؛ وهو كتاب عظيم، وكتاب مهم لكل مسلم يريد الله والدار الآخرة، وقبل أن نؤصل أصولاً، ونقعد قواعد في هذا الباب، نحب أن نستمع أنا وإياكم إلى أحاديث من صحيح البخاري ثم نبدأ بالشرح. يقول رحمه الله تعالى بعدما أن ذكر السند: وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: {غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ستاً كنا نأكل معه الجراد}. وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: {نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً ونحن في المدينة فأكلناه}. وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: {رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل دجاجاً}. وعن أبي ثعلبة رضي الله عنه: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع}. هذه الأحاديث هي التي صحت عند البخاري في كتاب الأطعمة، وإلا فالأحاديث التي صحت في هذا الكتاب كثيرة جداً، ونحن نستعرضها مع كثير من الآيات في باب الأطعمة، ولا بد للمسلم أن يعرف هذه الأحكام، ماذا يأكل من الأطعمة؟ ما هي الأطعمة المحرمة والمباحة والمكروهة؟ وليكن في ذلك ثمان قواعد لا بد أن تعرف: الأولى: المحرمات التي نص الله عليها في كتابه، أو نص عليها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الطاهرة. الثانية: المباحات التي نص عليها الله عز وجل في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم. الثالثة: المكروهات من الأطعمة. الرابعة: المضطر. متى يباح للمضطر أن يأكل غير باغٍ ولا عادٍ؟ وما معنى (غير باغٍ ولا عاد)؟ الخامسة: ذوات السموم، وحكم أكلها، وتناول شيء منها. السادسة: ما فيه ضرر على الجسم كالحجارة والتراب والطين والفحم. السابعة: الحيوان البحري، وموقفنا من صيد البحر، وحيوانات البحر، وما يعيش في البحر. الثامنة: حكم اللحوم المستوردة؛ المعلبة وما أتت طازجة وغير ذلك. هذه ثمان مسائل عليها مدار الأطعمة، وما يتحدث أهل العلم في مسألة ألا وتدخل ضمناً تحت قاعدة من هذه القواعد، ولا بد من تقعيد هذا الباب وغيره؛ لأن هناك شتات بين المسائل، سوف نستمع إليها، وإذا لم نضبطها بقواعد الأصول؛ فسوف تتسرب علينا ولا يكون عندنا حبل يجر لنا تلك المسائل، ويقيد لنا تلك الشوارد. اعلموا -بارك الله فيكم- أن هذا الباب من الأطعمة اختلف فيه أهل العلم اختلافاً ظاهراً، ولذلك يقول ابن تيمية في المجلد الواحد والعشرين من فتاويه: تساهل أهل المدينة -الإمام مالك ومن معه من علماء المدينة - في الأطعمة حتى توقف الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه في الكلب أهو حلال أم حرام؟ ومنهم من قال: يؤكل الثعلب وهي رواية للشافعي ذكرها صاحب فقه السنة، وتساهل أهل العراق وخاصة أهل الكوفة بالأشربة حتى أباحوا شرب النبيذ الذي يبقى لثلاث ليال، قال ابن تيمية: وتوسط أهل الحديث ومنهم الإمام أحمد فأخذ بالأشربة برأي أهل المدينة، وأخذ في الأطعمة برأي أهل الكوفة. فلنستمع الآن تفاصيل هذه المسائل:

شرح الآية الجامعة للمحرمات

شرح الآية الجامعة للمحرمات أولاً: المحرمات. حرم الله تبارك وتعالى أموراً على العموم وحرم أموراً على الخصوص، قال سبحانه وتعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] فهذا تحريم وتحليل على العموم، يدخل في هذا التحليل آلاف الأشياء من الطيبات، ويدخل في التحريم آلاف من الخبائث: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157]. كثير من المأكولات ما وردت في القرآن: كالتفاح والبرتقال وكل هذه الفواكه والخضروات أين نجعلها؟ هل ننتظر نصاً من القرآن أو من السنة حتى نقول: هذا حلال وهذا حرام؟ لا، بل هي تحت قاعدة حل الطيبات، أما الدخان والشيشة وما يجري معها من الخبائث فإنها توضع تحت قاعدة: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157]. لكن الآن نأتي إلى التفصيل في الكتاب والسنة: قال سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة:3]. {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3] الميتة المقصود بها هنا: ما تؤكل ولو كانت ذكيت حلت، أما ميتة الحرام فإنها حرام سواء ذكيت أو لم تذكَ، فمن سمى على الكلب الميت وذبحه واستقبل به القبلة فهو حرام سواء ذكاه أو لم يذكه، وكذلك الخنزير، والحمار، فمن قدم حماراً ميتاً وسمى الله عليه فهو حرام ولو ذكاه بالسكين، إنما المقصود بالميتة هنا: ما كانت تؤكل لو كانت مذكاة. {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3] أي: ما ماتت من نفسها دون ذكاة، وسوف يأتي شيء عن أحكام الذكاة، ولو أنه ليس بابها هنا؛ لكن لضرورة هذا البحث؛ أورده إن شاء الله. {وَالدَّمُ} [المائدة:3] الدم هنا المقصود به: المسفوح؛ لأنه قيد في آية أخرى في الأنعام {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام:145]. والدم المحرم هنا هو الذي يخرج عندما تذبح الذبيحة؛ فيهراق ويسيل بكثرة ويتدفق، هذا هو الدم الحرام، أما الدم الذي يأتي مع الذبيحة إذا طبختها، ويطفو على القدر؛ فلا بأس به فهو حلال، قالت عائشة فيما أثر عنها: [[كنا نرى خيوط الدم على ظهر القدر فنأكله]] وهذا ليس مسفوحاً، كذلك الدم الذي يخرج من الذبيحة بعد ذبحها وبعد أن يخرج منها الدم فينزل عليك منها قطرات فهذا ليس مسفوحاً، لكن لا بأس أن يتطهر منه للتأذي ولكراهته فقط. {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [المائدة:3] فالخنزير ذكي أو لم يذك حرام. {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة:3] من ذبح عند قبر؛ يتوسل به إلى صاحب القبر، ويعتقد أنه ينفع أو يضر، فهذا مشرك؛ ذبيحته لا تؤكل، ولو قرأ عليها القرآن كله، ومن ذبح لولي من الأولياء أو شيخ من المشايخ أو صوفي من الصوفية أو رئيس من الرؤساء، أو ملك من الملوك؛ يعتقد نفعه أو ضره؛ فذبيحته حرام لا تؤكل؛ ولو سمى عليها بأسماء الله التسعة والتسعين. {وَالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة:3] المنخنقة: هي التي اشتدَّ عليها الخناق بحبل أو بغيره حتى أزهقت نفسها؛ فماتت من غير تذكية، فهذه محرمة. {وَالْمَوْقُوذَةُ} [المائدة:3] الموقوذة: هي التي ضربت بمثقل أو بشيء ثقيل ليس بحاد، كحجر مجموع، أو كقطعة حديد، ضربت به في رأسها ووقذت وماتت، فهذه محرمة. {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة:3] المتردية: هي التي سقطت من علو أو من مكان عالٍ فوقعت فماتت قبل التذكية؛ فهذه تحرم، إلا أن يدركها المسلم وبها حياة فيذكيها فهي حلال. {وَالنَّطِيحَةُ} [المائدة:3] الشاة أو الكبش أو غيرها مما أحل الله من أنواع الحيوانات؛ تنتطح مع أختها وزميلتها؛ فتموت؛ فهي محرمة إذا لم يدركها المذكي. {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} [المائدة:3] السبع إذا اعتدى على شاة فأكلها فماتت وبقي منها شيء؛ فهي حرام إلا أن يذكيها صاحبها قبل أن تموت، كأن يأخذ منها الذئب بنابه، أو يأخذ منها الأسد بمخلبه، فتدركها أنت وهي حية فتذبحها فلا بأس بها. {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة:3] النصب: الأصنام والأوثان، والأمكنة التي يتبرك بها أهل البدع، فالذبائح التي تذبح فيها حرام بنص كتاب الله عز وجل، إذا كان يذبح في مكان فيه عبادة بدعية، أو فيه صنم أو وثن فالذبيحة محرمة، وكذلك إذا ذبحت في مكان فيه عيد من أعياد المشركين؛ كأن يكون المشركون وأهل البدع يتعارفون أن هذا المكان عيد من أعيادهم؛ فلا تأكل من هذه الذبائح التي ذبحت في هذا المكان. وهذه الآية في المائدة وهي من أطول الآيات التي جمعت المحرمات. وأما الآية الأخرى: قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام:145] وهنا ذكر الدم وزاد صفة المسفوح ثم قال: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام:145].

قاعدة فيما يحل ويحرم أكله

قاعدة فيما يحل ويحرم أكله الرسول عليه الصلاة والسلام فصل لنا بعض الحيوانات التي لا تؤكل وأنا أذكرها بأدلتها إن شاء الله، ثم نعود فندخلها في القواعد التي سلف أن ذكرناها. يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري ومسلم من حديث عائشة: {خمس من فواسق يقتلن في الحل والحرم: الفأرة، والحدأة، والعقرب، والغراب، والكلب العقور}. هذه خمس فواسق أمرنا صلى الله عليه وسلم بقتلها في الحل والحرم، في الحِلِّ: وأنت حلال. وفي الحرم: وأنت محرم بحج أو عمرة لا تتجافى ولا تتجانف عنها واقتلها، وقتلها عند كثير من أهل العلم يدل على تحريم أكلها فليفهم هذا، إذاً لا يقول قائل: كيف تحدثنا عن الفأرة ومن يأكل الفأرة؟ وعن العقرب ومن يأكل العقرب؟ إن هذه شريعة، ولا بد أن تفهم بأدلة، وإلا لو كانت إلى أفكار الناس وآرائهم؛ لتخرص المتخرصون في الشريعة. فلا بد أن نفهم لماذا حُرم العقرب، وحرم أكلها؟ وكذلك الفأرة، والحدأة، والغراب، والكلب العقور بأدلة. حرمت لحديث عائشة في الصحيحين: {خمس فواسق يقتلن في الحِلَّ والحرم: الحدأة، والعقرب، والغراب، والفأر، والكلب العقور} هذه الخمس الفواسق محرمة. ومن المحرمات أيضاً الحيوانات التي لا تقتل ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتلها دليل على تحريم أكلها. وهنا قاعدة: أن ما أمركم صلى الله عليه وسلم بقتله فأكله محرم وما نهى عن قتله فأكله محرم. أما الأربع التي لا تقتل فهي: {النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد} والحديث عند أبي داود وهو يقبل التحسين. والهدهد والنمل والنحل معروف فلا يؤكل والحمد لله، وقد بحث فيها أهل العلم منهم صاحب المجموع. والصرد: طائر أبقع، وقيل: أبيض، دائماً يعيش على ظهر الماء، فتراه على سطح البحر، فهذا الصرد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتله. غراب وظبي أعضب القرن منذر ببينٍ وصردان العشي تصيح والعرب كانت تتشاءم بهذه الأنواع. يقول: هذا فارق أحبابه فبكى، وقال بليل شؤمه مفارقته لأصحابه: إن الغراب ناح اليوم، وأنه مر ظبي أعضب القرن يعني: مقطوع القرن، وهذا التشاؤم الذي نهى عنه عليه الصلاة والسلام، وأخبر أن من صفة السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب أنهم لا يتطيرون، وكان العرب في جاهليتهم ووثنيتهم وتخلفهم وفكرهم العفن قبل الإسلام، إذا أراد أحدهم أن يسافر نظر إلى الطير، فإن أخذ الطير من الميسرة إلى الميمنة سافر، وإن كان ذهب من الميمنة إلى الميسرة ترك السفر، ولذلك يقول النابغة الذبياني يوم يمدح النعمان: زعم البوارح أن رحلتنا غداً وبذاك خبرنا الغراب الأسود والبارح عند العرب من يأتي من اليمين إلى اليسار ويسافر، والسانح من يأتي من اليسار إلى اليمين فلا يسافر له؛ وهذه عقيدة شركية من فعلها فقد أبطل حظه ونصيبه من الله الواحد الأحد، فلا يجلب الضر والنفع إلا الله سبحانه وتعالى: لعمرك لا تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع فهذا التطير شرك، ونهى عنه عليه الصلاة والسلام، وإنما ذكرته للفائدة. فالأربع هذه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها، قالوا: فلما نهى عن قتلها دلَّ على تحريم أكلها فليعلم، لأنني أسلفت أن ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتله فأكله حرام، وما نهى عن قتله فأكله حرام.

حكم أكل الضفدع

حكم أكل الضفدع قد يتساءل عن حكم الضفدع هل يؤكل أم لا؟ وجد من الأمم من تأكل الضفادع، وهي من أشهى الأطعمة لديهم، وقد رأيناهم يقدمونه في بعض الأماكن بعدما يشوونه طعاماً طازجاً، فيأكلونه أكلاً ذريعاً، فهل تؤكل الضفدعة أم لا تؤكل؟ في حديث ضعيف أورده ابن تيمية وسكت عنه يقول: {لا تقتلوا الضفدع فإن نقنقتها تسبيح} وهذا الحديث ضعيف، لكن كل شيء يسبح بحمد ربه سبحانه وتعالى، ولكن لا نفقه تسبيحهم؛ كما قال سبحانه وتعالى، والضفدع تنقنق، ويدل على نقنقتها ما ورد في وحي مسيلمة الكذاب الدجال، الذي زخرفه له شياطين الإنس والجن، يقول في بعض سوره الأفاكة الأثيمة: يا ضفدع بين ضفدعين، نقنقي ما تنقنقين، رأسك في الماء وأسفلك في الطين. انظر ما أسمج هذا الكلام، وما أغرب هذا الحديث، عليه لعنة الله، لعنة تحيط به في قبره حتى يلقى الله، فإن الله ألبسه لباس الكذب فلا يعرف بين الناس إلا بـ مسيلمة الكذاب. وأما الدليل على أن الضفدع لا تؤكل: ما رواه أبو داود وأحمد والحاكم والنسائي وهو حديث حسن عن عبد الرحمن بن عثمان القرشي قال: {أن طبيباً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها} هذا الحديث حسن، فنهى عليه الصلاة والسلام عن قتل الضفدع فهي محرمة، وأنا أسلفت أننا سوف نعود إن شاء الله إلى الأصل في ذلك. القنفذ: هو حيوان متجمع على نفسه وهو معروف عند الناس، هل يؤكل أم لا؟ سئل ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه في سنن أبي داود وهو عند البيهقي وأحمد: عن قتل القنفذ؟ فتوقف فيه ابن عمر لعدم وجود نص لديه. وقال للسائل: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام:145] فما هو دليل هذا الجواب؟ يعني: أنه يؤكل، لكن أحد الصحابة من الجلوس قال: {سئل صلى الله عليه وسلم عن القنفذ؟ فقال: خبيثة من الخبائث. فقال ابن عمر: إن كان سئل صلى الله عليه وسلم فأنا كما قال صلى الله عليه وسلم}. الهر: هل يؤكل الهر أم لا؟ من المسلمات عند الناس أن الهر لا يؤكل، لكن لو طالبتهم بدليل لا يجدون دليلاً، فلماذا تحرمون أكل الهر؟ ولماذا تحرمون البطون الجائعة عن لحوم القطط اللذيذة؟ لأنه ورد تحريم الهر ولو لم يرد تحريمها كان الأصل فيها الإباحة، ففي سنن أبي داود وابن ماجة بسند ضعيف لكنه ينجبر بشواهد في حديث ابن عمر وغيره: {نهى صلى الله عليه وسلم عن أكل الهر وأكل ثمنها} فليعلم أن الهر حرام والحق لله رب العالمين.

حكم أكل لحوم الكلاب

حكم أكل لحوم الكلاب توقف الإمام مالك في حكم أكل الكلب لأنه يعمل بشريعة ونصوص، وهو محرم الأكل لاتفاق كثير من أهل العلم على تحريمه، والدليل على تحريم أكل الكلب حديث: {أمر صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب} وقال صلى الله عليه وسلم: {إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات} حديث صحيح، وفي الصحيحين: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي ناب من السباع} والكلب ذو ناب فهو محرم والحمد لله. أما ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت، مثاله رجل أخذ قطعة من شاة أو من ناقة أو من بقرة وهي حية لم يذكها فهي محرمة للحديث الذي في السنن عن أبي واقد الليثي وهو حديث حسن قال عليه الصلاة والسلام: {ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت}.

حكم أكل لحوم الحمر الأهلية

حكم أكل لحوم الحمر الأهلية الحمار نوعان: فنان وحشي، وحمار أهلي، والفنان: هو الحمار الوحشي المخطط، ولذلك أصاب الفنانون يوم سموا الفنان فناناً يعني: حماراً وحشياً لأنه مخطط. فالفنان عند العرب هو الحمار المخطط، فالفنان يؤكل والحمد لله، لكن الفنان من الإنس هذا الذي يغني لا يؤكل؛ لأنه لم يرد دليل على إباحة أكله، وأنا أتحدث عن الفنان من الحمير الوحشية، إذا علم ذلك فالدليل على أكل الحمار الفنان الوحشي حديثان: حديث أبي قتادة عند البخاري ومسلم قال: {صدت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم -وأنا حلال- حماراً وحشياً فأتيت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بوركه -أو قال بشقه- فأكل منه صلى الله عليه وسلم وهو محرم} وهو ما صيد لأجله صلى الله عليه وسلم إنما صاده أبو قتادة لنفسه ثم أعطى الرسول عليه الصلاة والسلام هدية. وفي الصحيح أيضاً من حديث الصعب بن جثامة قال: {أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً فرده عليَّ، فلما رأى ما في وجهي -تغير لما رد هديته- قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرم} انظر إلى فصاحته وخلقه وسموه عليه الصلاة والسلام، هذا الصعب بن جثامة شيخ وادي ودان بين مكة والمدينة، سمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقبل يريد الحج بالمسلمين فصاد حماراً وحشياً -وهو أجمل اللحوم عند العرب- ثم طبخ وركه أو شقه وأعطى الرسول صلى الله عليه وسلم فمنع صلى الله عليه وسلم أن يأخذ، فلما رأى تغير وجه هذا الرجل العظيم، قال: {إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم}. فلماذا أخذ صيد أبي قتادة ورد صيد الصعب بن جثامة؟ لأن صيد أبي قتادة ما صيد من أجله عليه الصلاة والسلام، والمحرم إذا لم يُصد من أجله فليأكل، وأما الصعب بن جثامة فصاده من أجل الرسول عليه الصلاة والسلام، والمحرم إذا صيد له الصيد فلا يأكل والحمد لله. والحطيئة له قصيدة جميلة يصف فيها قصة تصورها وهي لم تقع، ولكن هي من أحسن القصائد عند الجاهليين في رسم المسرحية الخيالية في الشعر العربي، وصف رجلاً عربياً كان فقيراً منحلاً ليس عنده شيء، فوفد عليه الضيف، والعربي إذا وفد الضيف ترك كل شيء من أجل الضيف، فقام يلتمس فما وجد إبلاً ولا بقراً ولا غنماً ولا وجد صيداً ولا وجد أكلاً في البيت، فأخذ السكين وأراد أن يذبح ابنه، وقال صاحب البيت كما في القصيدة: فقال هيا رباه ضيف ولا قرى بحقك لا تحرمه تي الليلة اللحما فأتى يجر بها إلى ضيفه، وأجمل الصيد عند العرب الحمر الوحشية. ومما يحكىأن الكسعي وهو رجل من العرب، كان من أرمى الرماة في العرب، أتى بشجرة فأخذها من مغرسها في السهل وغرسها في الجبل، من أجل أن تأتي الأسهم والأقواس قوية كالحديد؛ لأن شجرة الجبل ليست كشجرة الطين، فأخذ يتعاهد هذه الشجرة حتى اشتد صلبها وقوي عودها، فقطعها بعدما كبرت، وصنع منها قوساً من أقوى الأقواس، وركب أسهماً فيها، وبعدما ركب الأسهم مرت به الظباء وقيل: الحمر الوحشية، فأخذ يطلق عليها الأسهم، فكان من قوة القوس ومن قوة السهام يخترقها من جنبها إلى جنبها، ويخرج فتبقى ترعى فيظن أنه أخطأ وهي ما تموت إلا بعد فترة، فرمى سبعاً بسبعة أسهم وما رآها سقطت، رآها ترعى وتشرب الماء، فأخذ به الغضب أن كسر القوس وهو جهد عشرين سنة أو ثلاثين سنة، وكسر الأسهم، وبعد أن كسر نظر وإذا الحمر الوحشية قد سقطت ميتة على الأرض، فأخذ يلوك أصابعه ندماً، فقالت العرب: أشد ندامة من الكسعي. قال ابن الجوزي: من لم يحفظ القرآن في الصغر ندم ندامة الكسعي. وقال الفرزدق لما طلق امرأته نوار: ندمت ندامة الكسعي لما غدت مني مطلقة نوار المقصود: أن الحمر الوحشية حلال أكلها، أما الحمر الأهلية الأليفة فحرام أكلها، وتوقف بعض الفقهاء لعدم وصول النهي إليه، وبعض الناس الآن يقول: سبحان الله! يتوقفون في حل الحمار؟! نعم لأنها شريعة قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:4 - 6] وقال: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء:192 - 194] وقال: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:116] فتحريم الحلال كتحليل الحرام، لا تقل للناس: حرام وحلال وأنت لا تدري، لأنه كذب على الله، لا بد لك من دليل من الكتاب أو السنة على ما تقول. فأما الحمر الأهلية فصح النهي عنها لقول أنس: {أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طلحة يوم خيبر أن ينادي بالناس: إن الله حرم عليكم لحوم الحمر الأهلية} أو كما صح عنه صلى الله عليه وسلم. وهناك حديث جابر أيضاً: {نهى صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في الخيل} فالخيل سوف تأتي أنه أذن فيها وقد ورد في ذلك حديث جابر في السنن وهو حديث حسن.

حكم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير

حكم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير في الحديث: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع} والسباع، هي: كل ذي ناب يفترس به، ويهيش على الناس، ويقتنص ويصيد؛ كالأسد والنمر والفهد والذئب والكلب: فهذه محرمة. ثم يقول: {وكل ذي مخلب من الطير} هذا مقيد فيخرج من الطير: الدجاج والحمام والحبارى بعكس الذي يفترس أو يأكل اللحم كالباز وكالغراب وكالصقر وكالنسر، وما في حكمها من آلاف الطيور.

حكم أكل الجلالة وألبانها

حكم أكل الجلالة وألبانها الجلالة هي: الحيوانات التي تأكل العذرة وتأكل فضلات الناس، أو ما يخرجه الناس، وقد نهى عنها صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي داود والترمذي وأحمد وهو حديث صحيح: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب الجلالة وعن شرب ألبانها وأكل لحومها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. القرد: هل يؤكل القرد أم لا؟ قال أبو عمر ابن عبد البر حافظ المغرب: أجمع المسلمون جميعاً على تحريم أكل القرد. قيل: لأن فيه شبه بالإنسان، وقيل: لأنه يأكل اللحوم وهو الصحيح، وفي الغالب أن كل ما يأكل اللحم فهو محرم؛ إذا كان اللحم هذا قوته، قد تقول لي أنت: بعض الدجاج يأكل اللحم! نقول: لكن هذا ليس قوت الدجاج، والله فطر الدجاج على أن اللحم ليس بوجبة رئيسية له، لكن يأكلها إذا اضطر إلى ذلك، أما هذه الحيوانات أو الطيور التي تأكل اللحم وهو وجبتها وهو غذاؤها فهي محرمة. وانتهينا الآن من المحرمات التي وردت في النصوص والقواعد: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] وكل خبيث محرم، وقد أوردنا المحرمات، وهي تقارب الثلاثين أو تزيد على ذلك.

المباحات من الأطعمة

المباحات من الأطعمة أما المباحات من الأطعمة فهي الثلاثة الأزواج التي ذكرها الله في سورة الأنعام وهي: الإبل، والبقر، والغنم، والغنم نوعان: الماعز والضأن، وقد أباحها الله سبحانه وتعالى, واشتهار إباحتها يغني عن إيراد الأدلة، فهذه الثلاثة الأزواج مباحة والحمد لله.

حكم أكل الضب

حكم أكل الضب الضب. هل هو مباح أم لا؟ ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه الصحيح، وحديث أم سلمة: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم له ضب فقالت أم سلمة: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدم له، فأخبروه فرفع يده صلى الله عليه وسلم، قالوا: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا. ولكن أجد نفسي تعافه}. وفي لفظ: {لا أجده في أرض قومي} فالضب لا يعيش في مكة ولا في جبال مكة، والرسول صلى الله عليه وسلم عافته نفسه؛ لأنه لا يوجد في أرض قومه، ولذلك قال أهل الطب: أنفع ما يأكله الإنسان لصحته ما ينبت في أرضه من النبات وما يعيش من الحيوانات في أرضه، فالنبات الذي يعيش في أرضك من حكم الله وأسراره في الكون أنه ينفعك، ولذلك جعل سبحانه وتعالى في الطبيعة أسراراً، وفي التربة أسراراً، وفي الهواء أسراراً، وفي الماء أسراراً، فالنبات الذي ينبت في أرضك، والحيوان الحلال الذي يعيش في أرضك أوفق لجسمك من الحيوان المستورد والنبات المستورد، وهذا موجود في العالم، من تدبر وجد أن أكثر غذاء العالم مما ينبت في أرضهم. قال ابن عباس: فاجتره خالد بن الوليد الذي يسمى سيف الله المسلول. من الذي لا يعرف خالد بن الوليد؟ سيف الله المسلول. وبعض الناس اشتهروا حتى أصبحوا أعلاماً، فإذا أتى الإنسان يعرفهم نكرهم، يقول عمر بن أبي ربيعة: بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر قلن تعرفن الفتى قلن نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر خالد بن الوليد خاض مائة معركة أو أكثر في الجاهلية والإسلام، وما فيه موطن في جسده إلا مضروب، كله جروح من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، تلك في سبيل الشيطان، وهذه في سبيل الرحمن، فانغمست تلك في بحار حسناته فرضي الله عنه وأرضاه، وأكرم الله مثواه. يقول حافظ إبراهيم وهو يعتذر لـ خالد عن عزل عمر له خوفاً من أن يعجب المسلمون بقيادته، قال: تسعون معركة مرت محجلةً من بعد عشرٍ بنان الفتح يحصيها والصحيح أن يقال: إنه خاض مائة معركة في الإسلام. تسعون معركة مرت محجلةً من بعد عشرٍ بنان الفتح يحصيها وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها وخالد رضي الله عنه وأرضاه بكى في سنواته الأخيرة، أخذ مصحفاً غلافه من جلد جمل، وذلك بعد أن اعتزل الجهاد في آخر عمره، كان يأخذ المصحف بعد صلاة الفجر فيبكي ويقرأ حتى صلاة الظهر، ويقول: [[شغلني الجهاد عن القرآن]] ولما أخرجوا جنازته بعد أن توفي بكت أخته وبكى المسلمون بكاءً عظيماً وأخذت أخته تقول: أنت خير من ألف ألف من القوم إذا ما ثبت وجوه الرجال يعني: خير من مليون. أنت خير من ألف ألف من القوم إذا ما ثبت وجوه الرجال ومهين النفس العزيزة للذكر إذا ما التقت صدور العوالي ووصل الخبر إلى المدينة واهتزت المدينة وكان الخليفة آنذاك أمير المؤمنين عمر فبكى بكاءًَ شديداً، وسمع أصوات النساء في البيوت يبكين، فأتى رجل يقول: يا أمير المؤمنين! أسكت النساء، قال: [[دعهنَّ. على مثل أبي سليمان فلتبك البواكي]] فرضي الله عنهم وأرضاهم.

حكم أكل الأرانب

حكم أكل الأرانب الأرانب هل تؤكل أم لا؟ نعم تؤكل للحديث المتفق عليه قال أنس: {أنفجنا أرنباً بـ مر الظهران} مر الظهران في المدينة من جهة البحر الأحمر إلى مكة - أنفجنا: طاردنا أرنباً، أو خوفنا أرنباً. {فخافت، فطاردتها -كان أنس غلاماً شاباً قوياً فلحقها فأمسكها- فأتى بها إلى أبي طلحة فذبحها وطبخها وأرسل بوركها إلى الحبيب عليه الصلاة والسلام} انظر إلى رسول البشرية يقبل هدية ورك الأرنب، حتى إنه قال عليه الصلاة والسلام للناس: {ولو أهدي إليَّ ذراعٌ لقبلت} وانظر إلى مشاركة الولدان حتى في الأرنب، لا يمنعهم حتى يشاركهم حبيبهم عليه الصلاة والسلام. وكان من الصحابة من اشتهر بالسرعة حتى كاد يصيد الغزلان والأرانب بيده، وأسرع من سمعنا في التاريخ سلمة بن الأكوع كان يسبق الخيل، وكان يصيد الغزلان في الصحراء، فيسعى حتى يفحم الغزال ويصيدها، ويسعى وراء الأرنب ويوقفها مكانها، وقصته هذه تغني: فقد طارد يوم ذي قرد أو غزوة الغابة أناساً من غطفان حتى أمسكهم إلى أن أتى الرسول عليه الصلاة والسلام وهم خيالة وهو على رجله. وهكذا الطاقات تتفجر في حياته عليه الصلاة والسلام فيعطي أهل التخصصات تخصصاتهم، حتى أهل الرياضة برعوا لكنهم كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر، وأهل الأدب برعوا كـ حسان وابن رواحة لكنهم كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر، والمصارعون برعوا كـ ركانة وغيره لكنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر، وأدب ليس فيه إيمان أدب ملعون، ورياضة ليس فيها إيمان رياضة ملعونة، ومصارعة ليس فيها إيمان ولا مخافة إيمانية مصارعة ملعونة؛ يقول أبو الحسن الندوي: عين ليس فيها إيمان مقلة عمياء -أو كما ينقل عنه- ويد لا تحمل إيماناً إشارة لا مفهوم لها، وقلب ليس فيه إيمان كتلة لحم، وأمة ليس فيها إيمان قطيع من البهائم، فرسالتنا الإيمان وهي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

حكم أكل الدجاج

حكم أكل الدجاج الحمد لله أن أكثركم أو كلنا يأكل في اليوم مرتين أو ثلاثاً ولا بقي علينا إلا أن نفطر في الصباح بعد صلاة الفجر دجاجاً، لكننا نقف على النصوص، لأنه قد يوقفنا إنسان ويقول: هل الدجاج مباح -وأنت مسلم- فتقول: نعم، مباح نأكله في أرضنا، فيقول: لماذا لا تأكلون الصقور والنسور؟! تقول: لا نأكله في أرضنا، فسيقول لك: أرضك ليست بشريعة؛ أخبرني بالأدلة؟ فالدليل على ذلك ما في صحيح البخاري ومسلم: أن أبا موسى الأشعري قال: {رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل الدجاج} وسبب الحديث عند البخاري: {أن رجلاً أعجمياً دخل على أبي موسى قال: كلْ معي دجاجاً، قال: والله لا آكله، قال: كيف وقد رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل الدجاج!}.

حكم أكل الخيل

حكم أكل الخيل والخيل تؤكل إلا عند الأحناف رضي الله عنهم، قلنا: لماذا؟ قالوا: يقول سبحانه وتعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل:8] ما قال: لتأكلوها، فكيف نجعل المركوب مأكولاً؟ قلنا: وماهو الحديث الذي معكم؟ قالوا: حديث خالد: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل} وأين الحديث؟ قالوا: في السنن، قلنا: أما حديثكم فضعيف والحمد لله رب العالمين، وأما الآية فلا يمنع تخصيص بعض أفراد العموم بصفة؛ فإنه لا يمنع أن يكون فيه صفة أخرى؛ فإن هناك صفة أخرى، يقول سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة:3] مع العلم أن بعض الناس يقول: أي: حرام أكله، ولكن يجوز من جلد الخنزير والتأدم بشيء من وده الخنزير أو بدهنه أو شحمه أو جلده! وهذا للتبيان. فالصحيح عند الجمهور أن الخيل تؤكل لحديث أسماء المتفق عليه: {نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً وأكلناه} ولذلك تعجب من بعض الناس يقول: كيف ينحر حاتم الطائي فرساً لضيوفه، وهو لا يدري بالشريعة؟! لكن الأصل أنه مباح، ولا نستدل برأي حاتم؛ فرأيه ليس بصحيح ولا بوارد وأحاديثه موضوعة، إنما الخيل يؤكل والحمد لله رب العالمين، ومن الأحاديث التي تدل على ذلك حديث جابر في الصحيح: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم يوم خيبر لحوم الحمر، وأذن في لحوم الخيل}.

حكم أكل الجراد

حكم أكل الجراد والجراد في القرآن والسنة خلقه الله نعمة وعذاباً، نفعاً وضراً، فأذنب قوم فجعل نكالهم في الجراد، قال سبحانه وتعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} [الأعراف:133] فالجراد عقوبة أرسلها الله على قوم فرعون. واختلف أهل العلم: هل هو من البحر أم من البر؟ والذي عليه كثير من السلف أنه نثرة ينثرها البحر فهو فصيلة من فصائل الأسماك، وشكله يوحي أنه قريب من السمك فكأنه من فصائل السمك، وسبحان الخالق عليه توكلت وإليه أنيب! وفي السنن أن الرسول عليه الصلاة والسلام -والحديث ضعيف في سنده عبد الرحمن بن أسلم - قال: {أحلت لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان فالجراد والحوت}. إذن الجراد مباح وهو أكل عند الأمة الفقيرة التي ليس عندهم مزارع، فإذا هبط عندهم كان نعمة أن يأكلوا منه، كما يفعل الناس قبل أربعين أو خمسين سنة؛ كانوا يتغذون به؛ لأنهم في الجزيرة العربية ليس معهم إلا الصخور والتراب، لكن الأمم التي عندها مزارع وقمح وشعير وذرة، فمن أنكب النكبات وجود الجراد عندهم، فهو نعمة عند قوم ليس عندهم مزارع (فقراء) وهو نقمة عند أهل المزارع والله عز وجل قد ينعم بالبلوى وقد يبتلي بالنعمة: قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم والله عز وجل خالف آياته ولكن لمن يتدبر، فجعل في بلد الجفاف حتى أكلوا الميتة، وحتى ما وجدوا شيئاً يأكلونه ابتلاء، فلما اشتد عليهم الجفاف هلكوا ومات منهم الكثير، ثم أتت الفيضانات فطمَّت وعمَّت حتى غرق من بقي في الماء، فسبحان من جعل يوماً جفافاً حتى أصبح مهلكاً ودماراً، وخسفاً ونكالاً! وسبحان من جعل يوماً فيضاناً حتى صار خسفاً ودماراً ونكالاً! والجراد يؤكل لحديث ابن أبي أوفى في الصحيح: {غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ستاً كنا نأكل معه الجراد}.

حكم أكل حيوان البحر

حكم أكل حيوان البحر قال قوم: كل ما مات في البحر مما يعيش في البحر فهو حلال كالأخطبوط والثعبان والسلحفاة وحيوانات البحر وكلاب البحر فهو حلال. وقال قوم -وهو الصحيح إن شاء الله-: حيوان البحر مما يموت في البحر مما لا يستقذر وليس بخبيث يؤكل، أما الخبيث فلا يؤكل كالضفادع والسلحفاة وما في حكمه، وهذا أقرب الأقوال: {هو الطهور ماؤه الحل ميتته} مما يقبل الأكل، لقوله سبحانه وتعالى في نصوص شابهت هذا، مثل الريح التي أرسلها على القوم الطغاة: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:25] وهي لم تدمر السماء والأرض لكن كل شيء مما يقبل التدمير، وقال سبحانه وتعالى في بلقيس: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل:23] مع العلم أنها لم تؤت كما أوتي سليمان عليه السلام، لكن أوتيت من كل شيء مما يقبل التملك أو مما يحتاجه الملوك. لحوم الحبارى -حبارى وحباري- تؤكل لحديث سفينة رضي الله عنه وأرضاه في أبي داود لكن فيه ضعف قال: {أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حباري}. فما دام أنه أكله الحبيب فسيبقى نستأنس به لأنه أقرب شيء للدجاج، والذي يظهر إباحته وحله.

المكروهات من الأطعمة

المكروهات من الأطعمة لا أعرف في المكروهات إلا صنفين نباتيين: الثوم والبصل لقول جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزل مسجدنا هذا} وفي حديث: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن أكل الثوم والبصل ما لم يطبخ فإذا طبخ فلا بأس به}. وقال عمر: [[يا أيها الناس إنكم تأكلون شجرتين خبيثتين ولا أرى إلا أنهما خبيثتان، فمن أكلهما منكم فليمتهما طبخاً، ولقد رأيت الرجل يأكل ثوماً وبصلاً فيدعى به فيؤخذ بيده فيخرج من المسجد حتى يوضع بـ البقيع]]. وعند أبي أيوب في الصحيحين قال: {قدم للرسول صلى الله عليه وسلم إناء فيه بقل -والظاهر عند أهل العلم أنه بصل، وهناك في رواية أخرى: كراث- فقال صلى الله عليه وسلم: كلْ، فإني أناجي من لا تناجي} وهم الملائكة. فأباحه عليه الصلاة والسلام لكن كرهه لمناجاة الملائكة. فالثوم مكروه وأما من تعمد الاحتيال به حتى لا يحضر الصلاة في جماعة فهو مذموم، عطال بطال، إن عاد فيعزر، فبعض الناس يريد أن يترك الجماعات فيقول: ما دام أنه عذر صاحب الثوم والبصل فيأكل ثوماً وبصلاً فلا يأتي المسجد، تقول له: صل، فيقول: أكلت ثوماً وبصلاً، وهو لا يريد الثوم والبصل لكن يريد أن يتخلف عن الصلاة، هذه من الحيل المعكوسة التي يركبها الله على أصحابها. ومن الحيل كذلك في الصلوات: أن يؤخر بعض الناس العشاء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا حضر العِشاء والعَشاء فابدءوا بالعَشاء قبل العِشاء}. فيترك طعامه حتى يقرب أذان العشاء ثم يحضره ويقول: حضر العشاء، علينا باتباع السنة لا نخالف السنة فيتعشى دائماً مع الصلاة، نقول: أنت آثم ومحتال، وإنما هذا إذا وقع نادراً للعذر؛ كأن تصادف مرة من المرات عشاء، أما أن تجعل عشاءك في وقت الصلاة فأنت مفترٍ على الله وعلى سنة الإسلام. إذاً يكره أكل الثوم والبصل ويدخل فيهما الكراث. وأنا أنصح الإخوة المسلمين إما أن يميتوهما طبخاً، أو من أكل رغبة فيها أن يأخذ بعض الروائح الجميلة، وألا يأتي إلى المسجد لأنها تؤذي المسلمين كثيراً، خاصة ممن يتجشأ فإنه يؤذي عباد الله في المسجد، وعند مقابلة الناس، ومناجاة الناس، وعليه أن يحاول أن يكون له وقت إذا اضطر إليه، وأن يغير الرائحة من الثوم والبصل، فإنه مضر بعباد الله الصالحين.

حكم المضطر لأكل الميتة

حكم المضطر لأكل الميتة المضطر هو الذي اضطر لأكل لحم الميتة، وحده كما قال سبحانه وتعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:173] الباغي: هو الذي يبغي بأكله للميتة وعنده أكل آخر، يعني: ما عذره الله عز وجل لكنه بغى في الأكل فعنده كل شيء لكنه أكل الميتة، فهذا يحرم عليه. العادي: هو الذي تجاوز في أكل يكفيه لسد الرمق، ورفع الجوع؛ فيأكل حتى يزيد في شبعه؛ فهذا مذموم، فالميتة يأكلها العبد إذا أشرف على الهلاك، قال أهل العلم: إذا تأكد أنه سوف يموت، وقال ابن حزم في المحلى: إذا بقي يوماً وليلة كاملة وجاع واشتد جوعه، وشعر بدنو الموت فليأكل. هذا المضطر ولنا عودة إليه.

حكم الأطعمة ذوات السموم

حكم الأطعمة ذوات السموم تساءل أهل العلم كما في المجموع للنووي عن العقرب والحية والثعابين هل تؤكل أم لا؟ لأن كثيراً من الأمم والجيوش الآن حتى في الدول العربية يأكلون الثعابين، فما موقفنا لنبدي لهم الشريعة؛ لأنهم يسألون عن الدليل، إما أن يقول الإنسان: إنه سام؛ فهذا لا يكفي، لكن ما هو الدليل؟ أخذ أهل العلم من عمومات النصوص أنها محرمة، قال سبحانه وتعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] وقال سبحانه وتعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] وفي صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: {من تحسى سماً فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً في النار} فمن قتل نفسه بالسم، أو تسبب في أكل شيء مضر من السوام فسمه معه، يدخل به النار خالداً مخلداً. هذا لفظ الحديث في البخاري، إذاً يعلم من ذلك، أن أكل شيء سام حرام، وأدخل فيه فصيلة الحيات والعقارب والثعابين وكل ما يعلم ضرره من هذه جميعاً، وهو الأصل الذي توقف فيه بعض الناس، ولكن بعد معرفة هذه الأدلة لا يتوقف فيه والحمد لله.

حكم أكل ما فيه ضرر

حكم أكل ما فيه ضرر كل ما فيه ضرر يحرم كما أسلفت، وقد تساءل الفقهاء هل يؤكل التراب أم لا؟ هل يؤكل الطين أم لا؟ بعض الناس يصاب بداء في معدته فلا يجد شفاء له إلا الطين، وقد تجد حتى بعض الأطفال يأكلون الطين. كل ما فيه ضرر فإنه محرم بنصوص منها: حديث أحمد -ولو أنه تكلم في سنده- قوله صلى الله عليه وسلم: {لا ضرر ولا ضرار}. فمن هذا الحديث ومن الآية {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء:29] وحديث {وإن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها} وقوله سبحانه وتعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] أدخل كل ما فيه ضرر وليس فيه نفع من الطين والحجر والفحم والتراب، وكل ما شابه هذا فهو محرم، فليعلم ذلك. وحديث: {لا ضرر ولا ضرار} رواه أحمد وابن ماجة، وهو يقبل التحسين، ومن الناس من رفعه إلى الصحة، ومنهم من حسنَّه، ومنهم من ضعَّفه، وأقرب الأقوال التحسين.

حكم أكل الحيوان البحري

حكم أكل الحيوان البحري الحيوان البحري أسلفت القول فيه: حلال كله إلا ما فيه سم عند أهل العلم، ولو أن أهل الظاهر يقولون: كل حيوان البحر حلال، لقوله عليه الصلاة والسلام: {هو الطهور ماؤه الحل ميتته}. فميتته تعود على حيوانات البحر فتؤكل جميعاً، ونحن نقول: ما كان يشبه حيوانات البر السامة المحرمة فلا نأكلها، فالثعبان يشبه الثعبان البري فلا نأكله، والعقرب البحرية تشبه العقرب البرية فلا نأكلها، والضفدع البحرية تشبه البرية فلا نأكلها، أما الأسماك فورد فيها نصوص، أما الطيور التي تعيش في البحر فتأخذ عموم هذا إلا ما شابهت المستخبثات.

حكم أكل اللحوم المستوردة

حكم أكل اللحوم المستوردة وقد كثر الكلام، وألف فيها رسائل وبحوث، وكتب فيها وبحثها علماء جهابذة في هذا العصر ونشرت في المجلات والصحف، وأما قبل هذا العصر فبحثها قليل من العلماء. وخلاصة القول في هذه المسألة: أن اللحوم المستوردة إذا اجتمعت فيها ثلاثة شروط سواء الطازج أو المثلج أو المعلب أو أي شيء وارد مما يذبح فإنها تؤكل، لكن الأسماك لو أتت من الأمم الكافرة الوثنية فلا تذبح فهي حلال، وكذلك الجراد من أي مكان أتى فحلال، وهذه الشروط الثلاثة هي: الشرط الأول: أن يكون هذا اللحم المذبوح من كتابي، أو من ذبائح أهل الكتاب، وأهل الكتاب هم النصارى أو الدول المسيحية؛ ودول الأطلسي هذه أكثرها مسيحية: أمريكا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا وغيرها ولو أنهم لا يعتقدون المسيحية ولا يعرفون منها كوعهم من بوعهم، لا رؤساؤهم ولا مسئولوهم؛ لا يعرفون من المسيحية شيئاً لكن ديانتها ومنهجها تنص -حتى الحكم الفيدرالي- أن دين دولتهم هي المسيحية، فلذلك ما يأتي منها فلنا أن نأكله، أما غيرها من البلاد الشيوعية أو الوثنية فلا، مثل: الصين، والدانمرك، وروسيا، ويوغسلافيا، وألبانيا، بلغاريا، هؤلاء الذين يقولون: لا إله والحياة مادة، لحومهم لا تقبل بأي طريقة مهما ذبحت. قال سبحانه وتعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة:5] فأهل الكتاب -أيها الأخوة- طعامهم حلال، إسرائيل طعامهم حلال، وأقصد بها دولة إسرائيل هذه، واليهود ومن شايعهم، لحومهم حلال ولا يعترض الفلسطينيون يقولون: كيف تحلِّوا لحوم إسرائيل اليوم، أنا أقصد لحوم الذي سيذبحون لا لحوم الإسرائيليين شامير وموشي ديان فهي حرام ولو ذبحت على الطريقة الإسلامية فلحومهم حرام. الشرط الثاني: أن تكون من اللحوم التي أحلها الله عز وجل لا من اللحوم المحرمة. لا يأتي مسلم فيقول: ما دام أن لحم الخنزير أتى من دولة كتابية مسيحية فهو حلال، فنقول: لا، بشرط أن يكون قد أحله الله، مثل الأزواج الثلاثة: بقر أو غنم أو إبل أو ما سبق بيانه من الأرانب والدجاج وما ذكرنا قبل، فيكون عندنا مباحاً في الأصل لا عندهم هم، لأنهم يرون الخنزير مباحاً في شريعتهم وقد كذبوا على الله. الشرط الثالث: أن تكون قد ذكيت ذكاةً شرعية، ولا يأتينا خبر أنها ذبحت لغير الله، ذكاة شرعية أي أنه: قطع المريء والودجين أي: اسال الدم فصار دمها مسفوحاً، وهذه هي الذكاة الشرعية، وذكاة الكتابي لا نشترط فيه أن يسمي فنحن نسمي ونأكل، ونشترط فيما ذكي ألا يكون بالصعق؛ لأنه قد تقتل بالصعق، وقد تقتل الذبيحة بآلات من نصفها وقد تضرب بالمسدس ثم تسقط، وإنما تكون ذبحاً وذكاةً شرعياً؛ إذا قطع فيها المريء والودجين، وأما إذا قطع بعض أعضائها حتى ماتت فلا يصح هذا، وإذا قطع شيئاً منها، وأرسلها لنا فلا تصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ما قطع من البهيمة وهي حية فهو كميتته} وهو حديث صحيح. إذاً أتاك لحم وعلمت أنه لحم غنمي أو إبل أو بقر من أهل الكتاب، وأخبرك أنه ذبح؛ فعليك أن تأكل وليس عليك أن تسأل عمن ذبحه وهل سمى أم لا؟ لكنك تسمي وتأكل، إذا تأكدت أنهم يذبحونه ذبحاً، والأصل أنهم يذبحون ذبحاً؛ لكن لو أتاك ما نشرت مجلة المجتمع عن بعض المصانع أنها تصعق الحيوانات صعقاً فهذا لا يؤكل، وهذا محرم، لأنك تبينت خلاف الأصل، أما إذا عففت نفسك عن هذا فلا تحرمه على الناس: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:116] وكثير من الناس الآن يدخل البقالات ويقول: هذا الجبن حرام وهذه القشطة حرام، وهذه حلال، من جعلك يا أبا حنيفة تحرم أو تستنبط من النصوص؟ إن مسألة أن الإنسان يحرم على الناس أو يحلل للناس، فإنه إنما يتكلم عن الله أو يوقع عن الله، ولذلك قال ابن القيم في أعلام الموقعين: الذين يوقعون عن الله هم أهل الفتيا. فالإنسان إذا اقتنع بشيء فليبق هذا الشيء له، قال صلى الله عليه وسلم: {الحرام بين والحلال بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، ومن تركها -أي: المشتبهات- فقد استبرأ لدينه وعرضه}.

الأسئلة

الأسئلة

حكم أكل البغل

حكم أكل البغل Q هل أكل البغل حلال أم حرام؟ A الذي ترجح عند أهل العلم أن أكل البغل حرام لقوله سبحانه وتعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل:8] فالخيل خرجت بنص، والبغال سُكِتَ عنها فتبقى للركوب، ثم الاختلاف في سؤرها، فهي محرمة لا تؤكل، وأكلها منهي عنه لهذه الأدلة وغيرها.

نادرة لأبي دلامة

نادرة لأبي دلامة Q يقول: كان أبو دلامة مزاحاً متفكهاً للخليفة المهدي يرافق الخلفاء ومما قال: قد رمى المهدي ظبياً شل بالسهم فؤاده وعلي بن سليمان رمى كلباً فصاده فهنيئاً لهما كل امرئ يأكل زاده فهل هذه القصة صحيحة؟ وهل علي بن سليمان يأكل الكلب؟ A هذا صحيح، إن كان يسأل عن صحة هذا فهو ثابت عن أبي دلامة. وعلي بن سليمان لا يأكل الكلب، وهذا أبو دلامة متفكه خرج مع الخليفة المهدي ابن أبي جعفر المنصور، فأطلق المهدي سهماً فصاد ظبية، وأطلق علي بن سليمان -وهو وزير من وزراء المهدي - سهماً فصاد فأتوا يسحبوه فوجدوه كلباً فقال المهدي لـ أبي دلامة: قل في هذا شعراً، قال: قد رمى المهدي ظبياً شل بالسهم فؤاده وعلي بن سليمان رمى كلباً فصاده فهنيئاً لهما كل امرئ يأكل زاده فقال هذا على سبيل الدعابة. ومما يذكر أن أبا دلامة دخل على المهدي فقال: سمعنا أنك تحفظ الحديث، فماذا حفظت من الحديث؟ قال: ما حفظت من الحديث إلا ثلاثة، قال: ما هي؟ قال: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعجبه الحلوى والعسل} وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي هريرة: {اشرب اللبن، قال: شربت حتى ما وجدت له مسلكاً} والثالث: {إذا حضر العَشاء والعِشاء فابدءوا بالعَشاء قبل العِشاء}. قال: وهل تحفظ شيئاً في الجنة؟ قال: حفظت حديثاً، قال: ما هو؟ قال: حدثنا فلان عن فلان عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من حفظ خصلتين دخل الجنة، نسي عكرمة واحدة ونسيت الثانية.

هل الثوم والبصل ملعونان

هل الثوم والبصل ملعونان Q ورد في بعض الروايات وصف الثوم والبصل بأنهما ملعونين. فهل هذا صحيح؟ A ليس بصحيح، وهذا الحديث باطل، لم يلعن الرسول صلى الله عليه وسلم الثوم ولا البصل، وإنما قال: {خبيثتين}.

حال حديث: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد

حال حديث: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد Q هل هذا الحديث صحيح أم لا: {إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان}؟ A هذا الحديث رواه الترمذي، وهو حديث ضعيف في سنده دراج بن أبي السمح، يروي عن أبي الهيثم الشامي وروايته عن أبي الهيثم ضعيفة.

حكم قتل الفواسق بالبندقية لتعلم القنص

حكم قتل الفواسق بالبندقية لتعلم القنص Q لقد ذكرت في جواز قتل الحدأة، والغراب، والفأر، والعقرب، والكلب العقور. فهل لنا أن نقتلها لغرض تعلم القوم بالبندقية؟ A نعم، لك أن تقتلها بالبندقية ليتعلم عليها القوم؛ لأنها ضاره يقتلها الحل والمحرم، فاقتل وتوكل على الله.

حكم أكل لحوم القطط

حكم أكل لحوم القطط Q هل تؤكل لحوم القطط؟ A الهرة لا تؤكل وقد سمعتم الحديث في السنن: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الهرة وعن أكل ثمنها}.

أكل الغنم الآكلة للحوم

أكل الغنم الآكلة للحوم Q ما حكم أكل الغنم التي تأكل اللحم من غير ضرورة؟ A الغنم التي تأكل اللحم من غير ضرورة يجوز أكل لحمها لأن أكل الغنم للحم ليس هو قوتها، هي تأكله عرضاً مثل الدجاج الذي يأكل اللحم أحياناً، أما الحيوانات التي قوتها اللحم فهي حرام يعني: لا تعيش إلا على اللحم وقوتها وأكلها اللحم، مثل: النسر، والصقر، والأسد، والذئب، والفهد؛ فهذه حرام؛ لأن غذاءها اللحم، أما الغنم فمعروف أنها نباتية ولا تأكل اللحم إلا أحياناً، أو إن أصابها هوس أو تخلف عقلي.

حال حديث: (كل عمل لا يبدأ فيه باسم الله)

حال حديث: (كل عمل لا يبدأ فيه باسم الله) Q ما درجة حديث: {كل عمل لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر}. مع العلم أن الشيخ الألباني ضعفه وابن حجر حسنه؟ A أما لفظة: {كل أمر لا يبدأ فيه بباسم الله} باسم الله هذه ضعيفة، وأما الحسن الذي حسنه ابن حجر فهي: {كل أمر لا يبدأ فيه بذكر الله وبحمد الله} عند أبي داود وعند ابن حبان فهي حسنة فيجمع بينها بين ابن حجر والألباني: خذا جنب هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن قرين

حكم صلاة ست ركعات بعد صلاة المغرب

حكم صلاة ست ركعات بعد صلاة المغرب Q قرأت كتاباً اسمه: نصائح هامة لـ محمد حسن النشار وقال فيه: من صلى ست ركعات بعد صلاة المغرب اثنتين اثنتين اثنتين كأنها عبادة اثنتي عشرة سنة؟ A أما الست ركعات بعد المغرب فوردت في حديث عائشة في حديث حسن، وأما أنها تعادل اثني عشرة سنة فهذا موضوع على الرسول صلى الله عليه وسلم.

حكم أكل الفيل

حكم أكل الفيل Q ما حكم أكل الفيل؟ A قال ابن حزم: أكل الفيل لا بأس به. والصحيح عند الجمهور أن الفيل لا يؤكل لأمور: أولها: أن له ناب. والثاني: أنه مستخبث بالطبيعة.

الجمع بين قتل العقرب واتخاذ الحيوان غرضا

الجمع بين قتل العقرب واتخاذ الحيوان غرضاً Q ذكرت أنه يجوز اتخاذ العقرب والغراب غرضاً فما صحة حديث أنه قال صلى الله عليه وسلم: {لعن الله من اتخذ ذوات الروح غرضاً}؟ A هذا الحديث صحيح، وهو من حديث عبد الله بن أبي أوفى عند البخاري ومسلم: {أن رجلاً اتخذ دجاجة يرميها، قال: لعن صلى الله عليه وسلم من اتخذ ذات الروح غرضاً}. فأما هذا فلا يتخذه غرضاً لكنه يتخذها صيداً، والصيد غير الغرض، فأنت سألت قبل قليل عن القنص: أن تأخذ البندقية فترى فأراً فتضربه، لك ذلك، لكن أنت إذا جعلته غرضاً تضرب به ليس بوارد وأن تأتي بعقرب ليس بوارد مع العلم أنني أقول إن شاء الله: أن الغرض تكون من المأكولة أما غير المأكولة التي محرمة فلا بأس في اتخاذها كالثعبان وكالفأر ولكن إذا أردت الجمع فكأن الغرض شيء والقنص شيء آخر.

حكم أكل النعام

حكم أكل النعام Q هل أكل النعام حلال أم لا؟ A أكل النعام لا يجوز إلحاقاً بفصيلة الحدأة وقد أمر صلى الله عليه وسلم بقتل الحدأة في الصحيحين من حديث عائشة، وقيل: لأكلها اللحم.

حال حديث: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)

حال حديث: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان) Q ما صحة الحديث: {استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان}؟ A حسنه بعضهم كما ذكر العجلوني في كشف الخفاء، ولكن الصحيح أنه ضعيف عنه صلى الله عليه وسلم، وصح من كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

حكم الشيشة

حكم الشيشة Q ما حكم الشيشة؟ A الشيشة حرام، لقول الله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] فهي خبيثة من الخبائث، خبيثة في الجسم والمال فهي خبيثة حسياً ومعنوياً والحمد لله رب العالمين.

حال حديث: (من فتح على نفسه بابا وهو في غنى)

حال حديث: (من فتح على نفسه باباً وهو في غنى) Q { من فتح على نفسه باباً وهو في غنىً عنه فتح الله عليه سبعين باباً من الفقر}؟ A هذا الحديث لا يصح، ويصح حديث صلى الله عليه وسلم: {لا تزال المسألة في الرجل حتى يلقى الله يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم} وصح من حديث الزبير عند البخاري: {لأن يأخذ أحدكم حبالاً، فيذهب يحتطب من الجبال، ويبيع فيستغني عن الناس، أفضل له من أن يطلب الناس أعطوه أو منعوه} وصح في حديث لفظه يشابه قوله صلى الله عليه وسلم: {من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو يستكثر}.

حكم أكل الثوم والبصل

حكم أكل الثوم والبصل Q يا شيخ! أليس النهي في قوله صلى الله عليه وسلم: {من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مصلانا هذا} أن هذا النهي للتحريم لأنه ليس فيه صارف يصرفه عن ذلك؟ A هذه كما يعلم طلبة العلم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مصلانا هذا}. والقاعدة الأصولية تقول: كل نهي يحمل على التحريم إلا ما صرفه صوارف. والذي يظهر أن هذا على الكراهية وليست تحريماً لأنه ما ارتكب أمر يحرم عليه حضور المسجد، ثم عُلم أن من الناس في عهده صلى الله عليه وسلم من ابتلي بهذه الأمور وما حرم عليه دخول المسجد، لكن أراد صلى الله عليه وسلم أن يكره لهم هذا الأمر فصرفها صوارف: من الصوارف: أن الثوم والبصل حلال في الأصل. ومن الصوارف: أن صلاته صحيحة ليست كصلاة شارب الخمر. ومن الصوارف: أنها ما أفسدت عقله وما نجست جسمه. فاقتضى أنها للكراهة وليست للتحريم، ولو أنه يعزر بالكلام من يفعل ذلك، مع أنه يجب على المسلم إذا أتى المسجد ألا يؤذي إخوانه المسلمين والملائكة، بل يكون متقيداً، وأكثر ما يتضرر أهل المناجاة إذا ناجاهم رجل من المسلمين فإنهم يتضررون لحديثه هذا.

حكم تاريخ الانتهاء في اللحوم المستوردة

حكم تاريخ الانتهاء في اللحوم المستوردة Q هل لابد أن ينظر إلى تاريخ الانتهاء في اللحوم المستوردة؟ A لا يهمك تاريخ الانتهاء، لأنه إذا كان خنزير فلا ينفعك تقديم الانتهاء على تأخير الانتهاء، لا بد أن تتأكد من اللحم هذا الموجود هل هو لحم طلي أو لحم خنزير؟ وإذا كانت لحم طلي فلا بد أن تتأكد من أمور: هل ذبح في أرض أهل الكتاب في أمريكا وغيرها؟ وهل ذبح على الطريقة الإسلامية ذباحة شرعية؟ هل هو مباح عندنا وقد أسلفت هذا، وهي خلاصة ما كتب بها الكتبة في هذا العصر، وهذا القول هو الموافق لقواعد الشرع، وهناك أقوال أخرى. ثم إني أقول: المجلس ليس حجراً على أحد، لكنه مجلس تحدي، ومن كان عنده دليل آخر فليأتِ به: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

قصائد مختارة

قصائد مختارة إن الدعوة إلى الله لها أساليب شتى ومتنوعة، ومن هذه الأساليب أسلوب مؤثر، ألا وهو الشعر، وتجدون في طيات هذه المادة قصائد مختارة من ديوان لحن الخلود للشيخ عائض القرني.

قصيدة: أبو ذر في القرن الخامس عشر

قصيدة: أبو ذر في القرن الخامس عشر إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً. أما بعد: فهذه قصائد من (ديوان لحن الخلود) الذي سوف يصدر قريباً بإذن الله. القصيدة الأولى: (القصيدة الذرية) أو (أبو ذر في القرن الخامس عشر) رضي الله عنه وأرضاه، وسببها: غربة المسلم في هذا العصر التي تشابه غربة أبي ذر رضي الله عنه حينما خُلِّف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين، رآه صلى الله عليه وسلم في تبوك وهو مقبلٌ وحده فقال: {رحمك الله يا أبا ذر، تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك}. دمعة الزهد فوق خدك خرسا ووجيب الفؤاد يحدث جرسا أنت من أنت يا محب وماذا في حناياك هل تحملت مسا! ما لهذي الدموع مالك صبٌ حالكم مأتمٌ وقد كان عرسا شامة الزهد في مُحيَّاك صارت قصةً تطمس الحكايات طمسا قال أزمعت هجرة بيقيني قد مللت المقام وازددت بؤسا وأتيت الصحراء تروي حديثاً يتوالى يفيظ روحاً وأسا تشتكي بعده وتهدي إليه زفرات الحنين جناً وإنسا هجرت نومها وأسهرها الحب فيا جندب ترى أين أمسى جاءها يقطع الرمال وحيداً يركب الليل يصحب الذئب خمسا كلما حل قفرة سار منها يتوارى يجس ممشاه جسا قال: يا أرض يا رمال خذيني كفنيني إني عشقتك رمسا أنا يا بيد ضقت ذرعاً بجسمي فاحضنيني يا بيد فالأرض تعسى دولتي جعبتي وكنزي يقيني فإذا ما وصلت فالكل ينسى خوفتني القصور لما اشرأبت ماثلاتٍ تَزْوَرُّ عنفاً ونحسا طاردتني الدنا فطرت برجلي واتخذت البلاد رحلاً وحلسا عشت فرداً والناس مليون حولي وأراها الذئاب غبسا وطلسا خولوني مالاً فقلت دعوني أنا مالي ألا أرى المال نحسا لاطفوني هددتهم هددوني بالمنايا لا طفت حتى أُحَسَّا أركبوني نزلت أركب عزمي أنزلوني ركبت في الحق نفسا أطرد الموت مقدماً فيولي والمنايا أجتاحها وهي نعسى قد بكت غربتي الرمال وقالت يا أبا ذر لا تخف وتأسا قلت لا خوف لم أزل في شباب من يقيني ما مت حتى أُدَسا أنا عاهدت صاحبي وخليلي وتلقَّنت من أماليه درسا لوحوا بالكنوز راموا محالاً وأروني تلك الدنانير مُلْسا كلها لا أريد فكوا عناني أطلقوني أسير في الأرض شمسا اتركوني أذوب في كل قلب أغرس الحب في حناياه غرسا أجتلي كل روضة بدموعي وأبث الأزهار في الروض همسا خفت الصوت في التراب وماتت عزمات كالفجر تنبس نبسا واختفت سيرة طوتها الليالي وتوارت ذؤابة الزهد حبسا استرح يا فؤادُ يا نفس قري واكتبي قصتي بسبعين طرسا أين ميراثه لينعم فيه عاشقو المال أين مالك أرسى بردة أبلت الليالي سداها وتركت العصا وخلفت ترسا

قصيدة: على أرض الكويت

قصيدة: على أرض الكويت القصيدة الثانية: وهذه القصيدة بعنوان: (على أرض الكويت) أُلْقِيَت في مهرجان شباب جامعات دول الخليج، في مدينة الكويت: حي الكويت ففيها الملتقى الرحبُ والرأي والعزم والأبطال والنجُبُ وانثر ثناءَك مسكاً زاكياً عبقاً كأنما هو صوت الخلد ينسكبُ اسقِ المعنَّى بنار الحب عَلله ماء الخليج فقلب الصَّب ملتهبُ كويت ما عرف الأحباب غربتنا وقد أساء بنا الواشون إذ كذبوا ننوي الزيارة لكن في مرابعنا ما يذهل الهاجرين الدار لو رغبوا لا تحسن العذر منا ألفُ قافيةٍ لأن من يطلب الأعذار لا يهبُ هذي الجزيرة قد غادرتُها وجلاً من الفراق وقد أضناني النصبُ أما تراني براني الهم في صغري لم يبق يا صاح إلا العظم والعصبُ تركتُ نجداً شذا الريحانِ يَأسِرها في أرضها يتغنى الشعر والخُطبُ وللحجاز عتابٌ في عذوبته يَسْبِي القلوب فيا أهلاً به عتبُ سل الجمال بأرض الله أين غدا تجيب أبها ويروي السهل والحدَبُ من فقد ذيَّاك صار الهم يصحبني فالطرف منتبه والنجم منتصبُ وخفَّفَ الوجدَ إخوانٌ لنا هتفت لهم شئون فؤادي والتقى النسبُ فجدَّدت ذكرياتِ الحب رؤيتُهم فقد نسيت غداة الجمعِ مَن ذهبوا خذوا سلامي إلى أرض العراق ففي أحشائها الدهر والتاريخ والحِقَبُ وعرِّجوا بـ دبي فانثروا قُبَلِي على تراب الرُّبَى هذي هي القُرَبُ كم في المنامة من خِلٍ ومعرفةٍ وكم على دوحة الأخيار مَن صحبوا سيحفظ الحبَّ قلبي في عُمان ولو قالوا بعُدْت فإن الوصل مقتربُ أتيت أحمل أحزاني لأنثرها في محفلٍ زانه الإفضال والأدبُ وأُمَّتي في بحور الخوف غارقةٌ لم تدرِ أين هو المسلوب والسَّلبُ أضحى يمزقها من ليس يرحمها وفي دماها هواة القتل قد خُضِبُوا تحاول اللات والعزى خديعتها وتعتلي أرضها الأصنام والنُّصُبُ كم ذاقت المرَّ من مستعمرٍ لبقٍ قد أنجبته، فخَابَ النسل والنَّسبُ هم الأشاوس إلا أن قوتهم في سحق إخوانهم إن يصدق الغضبُ هم الأباةُ ولكن في حظائرهم إذا تكسرت النبعاءُ والغربُ في دارهم كأسود الغاب جاثمة وفي نزال اليهود الفدم قد هربوا ظنوا القنابل أبواقاً مزخرفةً والقاذفات هي الأترج والعنب إذا تبدَّت لنا الميراجُ تقصفنا سعت لتسقطها الصيحات والخُطَبُ شجباً ونُكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا كيف انهزمنا وما هذي بعادتنا سيُخْبِر السيفُ عنا والقنا السُّلُبُ سلوا فخامة كسرى عن كتائبنا وجيشه الضخم لما مُدَّت القُضُبُ سرى يجرُّ ذيول الخزي منكسراً وكُسِّرت عنده التيجان والحُجُبُ واستشهِدوا قيصرَ الرومي ودولتَه جنودُه في ليالي نصرنا حَطَبُ نعم نُصِرنا لأن الله مقصدنا وليس يخدعنا عن ربنا سَبَبُ واليوم مَزَّقت الدنيا مذاهبَنا وشَتَّتَتْنا الكراسي السودُ والرُّتَبُ فسامنا الخسف أخزى العالمين ومِن تدميره بكت الحيفاءُ والنقبُ وفي نيويورك ألقينا مطالبَنا وفي ربى موسكو نبكي وننتحبُ عفواً كفى القلب ما يدميه من أسفٍ لقد تساوى لدينا الطين والذهبُ

القصيدة المدوية

القصيدة المدوية القصيدة الثالثة: وهذه القصيدة بعنوان: (المُدَوِّيَة) أو (الإسعاف في إتحاف سياف) أرسلتها لزعيم المجاهدين الأفغان الأستاذ الشيخ/ عبد رب الرسول سياف، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء: سياف في ناظرَيك النصر يبتسم وفي محياك نور الحق مرتسمُ وفيك ثورةُ إسلامٍِ مقدسةٌ بها جراحُ بني الإسلام تلتئم حطمْتَ بالدم أصناماً محجلةً وصافَحَتْ كفّكُ العلياءَ وهي دمُ ثأرت لله والدين الحنيف فلم يقم لثأرك طاغوتٌ ولا صنمُ على جبينك من سَعدٍ توقُّدُه وخالدٌ في رؤى عينيك يقتحمُ قامت عزائمك الكبرى لمعركة بها بنو العرب ودوا أنهم عجمُ حلق إذا شئت فالأرواح طائرة فعن يمينك من عاهدت كلُّهمُ وصُغْ من المهج البيضاء ملحمة يظل يقرؤها التاريخ والأممُ موتاً على صهوات البيد يعشقه أهل البسالة في عليائهم شممُ لا موت مَن يكسر اللذاتُ فطنتَه حياتُه في الورى سيان والعدمُ سياف خذ من فؤادي كل قافية تجري إليك على شوق وتستلمُ قد صغتها أنت إسلاماً وتضحيةً وفي سواك القوافي أشهرٌ حرُمُ منك المعاني ومني نسجها وأنا نظْم وأنت على ألفاظها حكمُ أنفاسها منك إلا أنها مُثُلٌ وروحها فيك إلا أنها كَلِمُ بها حياءٌ إذا سارت لحضرتكم ماذا تقول ويكفي أنك العلَمُ حُبٌّ ولكنَّ شعري لا يحيط به من ذا يبلغه عن خاطري لَكُمُ؟ لمن تركت القصور الشم في دَعَةٍِ لمن تركت نعيماً كله ألَمُ لمن تركت المقاصير التي رُفِعَت لكل أرْعَنَ للذاتِ يلتهمُ سواك يرشُفُ كأساً من سُلافته وأنت ترشُف كأساً ماؤه الكرمُ كادت معاليك أن ترويك معجزة لكن تواضعك الأسمى لها كَتَمُ كأنما أنت كررت الأُلَى ذهبوا هذا صلاحٌ ومحمودٌ ومعتصمُ السائرون وعين الله ترقبهم السابحون وماء البحر مضطرمُ الواهبون نفوساً أفعمت ورعاً الشاربون رحيق الموت إن هجموا الساجدون ونار الحرب موقدة الذاكرون وزحف الهول محتدمُ أكفانهم نسجوها من دمائهمُ على مطارفها النصر الذي رسموا ماتوا ولكنهم أحياء في غرف من الجنان وذابوا لا فقد سَلِموا سارت إلى الحرب أرواحٌ مكرَّمةٌ لو لم تسر لسرت نار الفنا لهمُ لعل في الموت سراً كيف يعشقه جيل فكم شربوا منه وكم طعموا الميت الشهم يوصى الحي في لهف والحي يغبط موتاهم ويغتنمُ صاغوا الترانيم من صوت المدافع إذ سواهمُ يحتويه النايُ والنغمُ فكل أصيدَ منهم هبَّ منطلقاً كالنجم كم من شياطينٍ به رُجموا لو خاطب الموتُ فرداً واحداً وهمُ مليون سهم لأموا الموت واستهموا قنابل الموت صيغت من جماجمهم فالموت أصبح من غاراتهم يَجِمُ والطائرات على صيحاتهم سقطت صرعى ورُبَّانها فوق الربى فحمُ يكبرون فتهتز الربى فرَقا ويهتفون فيسعى النصر نحوهمُ من كل أطلس عزرائيل يشبهه في فيلق النصر لا يبكون ميْتَهُمُ تلك المكارم لا دنياً مزخرفةً قد مازج الماء منها الذل والندمُ يا رب أنت ولي المسلمين ومَن سواك من هذه الأصنام ينتقمُ أنزل على جندك الأسمى ملائكةً وراء جبريلَ روحَ القدْسِ ينتظمُ ثبت قلوباً بك اللهم قد علقت ساروا إليك وماتوا فيك واعتصموا بيِّض الوجوه على الرمضاء قد سجدت إليك وحدك أنت المالك الحكمُ

قصيدة: إلى الأحبة

قصيدة: إلى الأحبة القصيدة الرابعة: وهذه القصيدة أو المقطوعة بعنوان: (إلى الأحبة). خيالك ما بدا لي أم خيالي فما أدري يميني مِن شمالي لقد سَكِرَت معاني الحب حتى أقام صلاته قبل الزوالِ أتيتُ أحبتي فنسيتُ نفسي وكنت جوابهم قبل السؤالِ نحرت على مُنى الإخوان شخصي كذاك النحر لا نحر الجمال وطفت على قلوب الصحب سبعاً رملت على الحشا قبل الرمال ولما جئت زمزم سابقتني دموع من سجال عن سجال رويت من الدموع وقلت شكراً لساقي الماء مائي من دِلالي دعوني أكتسي ثوباً لقلبي فقلبي مزقته يد الليالي وفكوا مهجتي أبكي بدمع طهور يغسل الحقب الخوالي فأحشائي جراحات كبار بها غاصت نصال في نصال غفوت لعل طيف الحب يسري ونمت فأيقظتني سوء حالي وكف الهجر يمسح دمع عيني فتشكوه الجفون إلى الوصالِ لقد طالت ليالينا فهلا يصرمها نداء من بلال حنين قلوبنا للفجر أضحى نشيداً في حناجره الطوال

قصيدة: ثناء وتبجيل لمعلم الجيل صلى الله عليه وسلم

قصيدة: ثناء وتبجيل لمعلم الجيل صلى الله عليه وسلم القصيدة الخامسة: وهذه القصيدة بعنوان (ثناءٌ وتبجيل لمعلم الجيل صلى الله عليه وسلم). الأماني على لسانك أحلى فأعد يا حبيب عصراً تولى لم أقضَّ لبانة العمر فيه ونهاني المشيب لما أطلا أعصر الليل في كئوس من الحزن وأدعو الصباح حتى أملا وأناجي الدجى بهمسة حب فارغ الصبر من لساني لعلا ذكريات مع الرسول وحب تستثير الشجون منه الأجلا كلما مر ذكره في فؤادي قال قلب المحب أهلاً وسهلا كيف أحكمت يا عظيم بناءً هو من كل مشرق العمر أعلى وتفانيت في بناء كيان أنت أوليته عطاءً وبذلا كلما صغت جملة من نضار أنبت دوحة من المجد جلا وإذا ما ابتسمت أبدعت جيلاً مرهف الحس يمتطى كل مثلى المعاني تضوع منك وتبني فيك آمالها وترجوك خلا والليالي تنورت بشموس أنت أرسلتها عفافاً ونبلا والصحاري إذا مشيت رياض ملئت بالجمال حسناً ودلا والتراب الذي وطئت وربي فاق تبر الحياة بل ذاك أغلا شخصت فيك مقلة فاستلذت رؤية الحب في معاليك تجلى قد أسرت القلوب بالحب حتى أصبحت في يديك بالحب جذلى فإذا ما ذكرت فاضت عيون جعلت ذكرك المعظم كحلا يعذر الصب في البكاء ونفس لم تصاحبك في حياتك ثكلى غير أن اللقاء أضحى وشيكاً في سنين تمر بالحب عجلى أي نعمى في هذه الدار إلا ذكرك العذب إن تولى وحلا وإذا فاتك الحبيب فعجز أن تدع من حديثه كل أحلى قد وجدنا في خلة الناس هجراً وجعلنا حديثك الشهد خلا ولزمنا البيوت نقطف زهراً من رياض أخبارها فيك تتلى نتهادى كالطير نجلو هموماً في حقول ما شئت ماءً وظلا بأسانيد كالنجوم تجلت وفؤاد المحب فيها تجلى ولذا همت بالحديث فروحي إن منعت الحديث تقتل قتلا هو عندي ألذ من كل شيء فاجتهد ما تشا ملاماً وعذلا ما سوى الذكر والحديث فإني أجد الوقت كاسداً ومملا هل أبيع الأيام في قول مثلي وأعير الأنام فهماً وعقلا هو مهما ارتقى فيكفيه نقصاً لم يكن بالنبي حاشا وكلا أمه الأرض أرضعته بثدي من لبان تدره وهي حبلى لا كثدي من السماء تجلى فيه وحي يشفيك نهلاً وعلا مرحباً مرحباً بجيل كريم مشرئب للمجد أعلى وأعلى مشرق كالسناء يهتف بالأشـ واق لا يشتكي سهاداً وكلا إن أبها بكم تفوح عبيراً وهي تهدي لكم ثناءً أجلا ولد الحسن والنبوغ سوياً والبها صار للنباهة خلا ليس هذا من الغريب فإنا من بلاد منها الضياء أطلا

قصيدة: وصايا نافعات

قصيدة: وصايا نافعات القصيدة السادسة: هذه أُرْجُوزة فيها وصايا وفوائد بإذن الله. لك مني الحمد يا رب العباد خالصاً يجري مع دمع في المداد ثم حيوا بالصلاة المجتبى هاشمي البيت مرفوع العماد والرضا عن صاحب القلب الكبير قل أبو بكر وما فيها نكير صاحب الغار المنادى للصلاة جمع الله به الجمع الغفير وأبو حفص بلا شك عمر صادق اللهجة محفوظ الأثر نشر العدل وقوى ملة أخرجت أهل المعالي من مضر واغش ذا النورين بالنور الأجل أهو عثمان فقل إي وأجل صاحب الليل المسجى بالسجود سار للجنة بالخطو العجل وارض ربي عن حسام مرتضى الإمام السيد الشهم الرضى صاحب الراية في حرب اليهود التقي المرتضى حتى مضى رب أكرم حسناً ثم الحسين لهما كل الوفا من سيدين واذكروا أمهما تلك البتول خير من حاز الحجا بنت الرسول والنجوم الزهر أعني العشرة ثم من بايع تحت الشجرة لست أنسى حمزة ليث الردى وكذا جعفر موفور الندى بعد هذا هاك مني موعظة لفؤاد الصب مثل الموقظة هي في سبك الحلى مثل الذهب ليس مني بل لجيل قد ذهب أنزل الله بهم رضوانه وحباهم ربنا غفرانه أجمعوا أن التقى خير عمل وتواصوا كلهم قصر الأمل وهي توفيق من المولى العظيم سيما إن ساعد الجد القويم فابذل الجهد ولا تهو الكرى فاز من في سيره ليلاً سرى لا تنم إلا كنوم الطائر كثرة النوم لباس القاصر واحفظ القرآن دستور الحياة زاد زهاد وجند ودعاه ثم نمق في حديث المصطفى فهو نور وجلاء وشفا واكتسب من كل فن ما يطيب عند أسلافك مكنوز عجيب تخذ الفقه رياضاً وارفة فبه من كل خير عارفة بعد أن تكسوه من وشي الدليل ما يروي كل صب وعليل واعرف الأنساب واقرا الأدبا فبها تسمو الكماة العربا وانظم الشعر كشعر الأشنب أو كحشد في جفون الربرب وألن قلبك بالذكر الكثير بلسم يجلب للقلب الكسير وانصبن نفسك فينا داعية تشتفي منك القلوب الواعية

قصيدة في الرياض

قصيدة في الرياض القصيدة السابعة: وهي أُرْجُوزة قصيرة نظَمْتُها في الطائرة في سفري إلى الرياض لأمسية شعرية. يقول عائض هو القرني أحمد ربي وهو لي وليُّ مصلياً على رسول الله مذكراً بالله كل لاهي قد جئت من أبها صباحاًباكرا مشاركاً لحفلكم وشاكرا وحَمَلَتْنَا في السما طياره تطفح تارة وتهوي تارة قائدها أظنه أمريكي تراه في هيئته كالديكِ ولا يجوز الابتدا بالنكره ومن أجاز ذاك فهو بقرة إلى آخر ما قلت، ومنها: ومن يزور لندناً في عمرة له ثواب حجة وعمرة

قصيدة: ثناء وتبجيل للشيخ ابن باز

قصيدة: ثناء وتبجيل للشيخ ابن باز القصيدة الثامنة: هذه القصيدة ثناء وتبجيل للشيخ الفاضل والوالد الكبير سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ومن واجبنا كمسلمين أن نحتفي بعلمائنا، وأن نقدرهم، وأن نعرف حقهم؛ لأنه واجبٌ شرعيٌّ علينا. من هذه المبادئ والمفاهيم قلت هذه القصيدة: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً لك الله قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي والمدح يا والدي في غيركم كذب لأنكم لفؤادي بلسم شافي يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي أغراهم المال والدنيا تجاذبهم ما بين منتعل منهم ومن حافي مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي وأنت جالست أهل العلم فانتظمَتْ لك المعالي ولم تولع بإرجاف بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطل في إشراقه الضافي تشفي بفُتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصداف أقبلت في ثوب زهد تاركاً حللاً منسوجة لطفيلي وملحاف تعيش عيشة أهل الزهد من سلف لا ترتضي عيش أوغاد وأجلاف فأنت فينا غريب الدار مرتحل من بعد ما جئت للدنيا بتطواف سر يا أبي واترك الدنيا لعاشقها في ذمة الله فهو الحافظ الكافي أراك كالضوء تجري في محاجزنا فلا تراك عيون الأغلف الجافي كالشدو تملك أشواقي وتأسرها في نغمة الوحي من (طه) ومن (قاف) ما أنصفتك القوافي وهي عاجزة وعذرها أنها في عصر إنصاف يكفي مُحَيَّاك أن القلب يعمره من حبكم والدي أضعاف أضعاف يفديك من جعل الدنيا رسالته من كل أشكاله تفدي بآلافِ

قصيدة: ثناء على النبي صلى الله عليه وسلم

قصيدة: ثناء على النبي صلى الله عليه وسلم القصيدة التاسعة: هذه رباعية في الثناء عليه صلى الله عليه وسلم. نسينا في ودادك كل شيء فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا

قصيدة: تعال معي

قصيدة: تعال معي القصيدة العاشرة: وهذه قصيدة بعنوان (تعالَ معي). تعال معي ورتل في أذان الفجر أنغاما وأرسل في جفون الليل من رؤياك أحلاما لعل الليل تؤلمه جراح منك إن قاما فيحنو كالفؤاد الصب فالآهات أيتاما ويحسو منك روح الحب جاماً إثره جاما على الصحراء نبني خيمة الأشواق أياما ونصنع من دموع الوجد فوق الريح أقلاما فقد طالت ليالينا وأضحى يومنا عاما نريد سماءنا سلماً نريد الأرض إسلاما فكم من أدمع ضاعت وكم من ماجد هاما ومن عجب ترى الأصنام صاغت فيك أصناما لأنك قد بنيت على رفاة الوهم أوهاما سُقيت على بساط الإثم كأس الهجر آثاما فكان جزاؤك المعهود يا بن الأرض إعداما

قصيدة: مع بلال بن رباح

قصيدة: مع بلال بن رباح القصيدة الحادية عشرة: وهذه مقطوعة بعنوان (مع بلال) مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ماست على شفتيك نغمة بلبل فانساب ماء الحب في الخد الجلي وتطايرت ومضات عينك أنجماً تُهْدى لكل مكبر ومهللِ تسقي حُمَيا الموتِ ألف أمية (أَحَدٌ) هتفت بها لكل معطلِ نازلتهم وقذائف التوحيد من كفيك تهوي للجبان الأنذلِ فسحقت طاغوت الضلالة معلناً نصراً على رغم المهين الأعزلِ أبلال فاسلَمْ يا سواد محاجرٍ أشبهت إنسان العيون الأجملِ

قصيدة: مع بلال أيضا

قصيدة: مع بلال أيضاً القصيدة الثانية عشرة: أيضاً في بلال رضي الله عنه: أصوتكم زارني أم نغمة الوتر أم سحر شدو رواه الشدو في السحرَ أم ومضة من سناكم أرسلت ألقاً أكاد أشفق من خوف على نظري ملأت من نغمات الحب أنفسنا لأنت عندي ملء السمع والبصرِ قامت بتكبيرك العالي عزائمنا من بعد أن عجزت وهناً من الكبرِ وهلل الفجر من تهليلكم جذلاً وقام يرسم آمالاً على الشجرِ بلال يا قصة الشجو الذي هتفت له القلوب وقد كانت من الحجرِ أعد بلال نشيد الحب منتظماً ورتل الحق يروي أعذب السورِ لما صرخت بآذان الهدى خشعت لك الوهاد وذاب الطل في الزهرِ توضأ الفلق الباهي على حدسٍ من صوتكم واستفاقت رفقة السمرِ والطير نشوان من شجوى هتافكم والروض يهتز في باهٍ من العمر كم رددت صوتكم بالحب أندية مأنوسة من أبي بكر ومن عمر سكبت في أذن الدنيا محاضرة من الوداد فذاب الحب في البشرِ قذيفة الحق من إيمانكم أحد ترمي به كل نذل غير مستترِ

قصيدة: في لقاء صبيا

قصيدة: في لقاء صبيا القصيدة الثالثة عشرة: وهذه قصيدة قلتها في صبيا في لقاء مع بعض الإخوة. طف بالفؤاد على ربا يبرين إن كان دينك في الصبابة ديني ومعنفي باللوم قلت له اتئد الدمع دمعي والعيون عيوني لله هذا الجمع كيف تنورت صبيا فكم من ماجد ميمون نيروز أوقاتي بكم متألق وغياب قلبي عنكم تشريني كم في دياركم وكم في سوحكم من حاذق لا يكتفي بالدون طارت به همم الرجال لمنزل في العلم في عز مع سحنون زانته أردية الوقار فخلته يمتاح فيض الخير من ذي النون أحفاد سعد والمثنى في العلا وذوو الفضائل من صلاح الدين

قصيدة: ضحكت لك الدنيا

قصيدة: ضحكت لك الدنيا القصيدة الرابعة عشرة: ضَحِكَتْ لك الدنيا: ضحكت لك الدنيا وأروق عودُها وافتنَّ بلبلها وفاح ورودها وتلألأت طلعات فتية أحمد تجتاح أصنام الضلال بنودها ماتت على صيحات أبطال الهدى حزب الخنا شوعيها ويهودها يرعى علاها الله جل جلاله ومن الشريعة ركنها وعمودها سهروا مع القرآن في غسق الدجى في ليلة ينسي النهار سجودها لا من على الشهوات يطرح رأسه معبود أندية الهوى معبودها نغم الخليل يهز أندية الملا فيموت من وقع الصدى نمرودها

قصيدة: ثناء على الشيخ عبد الله بن عبد العزيز المصلح

قصيدة: ثناء على الشيخ عبد الله بن عبد العزيز المصلح القصيدة الخامسة عشرة: هذه المقطوعة في فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن مصلح لما سافر إلى الباكستان. يا راحلاً عن بلاد لم تعد سكناً لما رحلت كأن الناس قد رحلوا دمع الصبابة في أجفان صحبكم وللقلوب على فرقاكم وجلُ ما لي وللعجم العجماء آثرها شهم من العرب العرباء منتقلُ لعل في الأمر شيئاً ما أحاط به شعري وليس غريب الفعل ما فعلوا لا يزرع النخل إلا في مغارسه ولا يشاكله في فضله البصلُ > مهلاً أبا شاكر لو كان ينفعنا مهل ولكنها أيامنا دول عسى الذي كتب الفرقى وقدرها يقدر الشمل والأشواق تتصلُ

قصيدة: يطلبون فتح الباري

قصيدة: يطلبون فتح الباري القصيدة السادسة عشرة: وطُلِب مِنْ فضيلته (شرح كتاب فتح الباري) لطلبة أصول الدين، المستوى الثاني، فكتبت لهم هذه الرسالة إليه: رؤياك عندي زينة الأعمار ووصول مثلك أشرف الأوطارِ لكن إبلاغ المشوق صبابة أولى وأجمل من وصول الدارِ يكفي محياك البشوش فضيلة أسر القلوب بفيضك المدرارِ كلماتك الغر العذاب وسحرها طردت لذيذ النوم في الأسحارِ لا غرو أن تسبي القلوب فإنها طوع المحب ومغرس الأبرارِ ما قلت هذا القول حتى حزته عن ثلمة الأمثال والأشعارِ عصماء ترفل بالثناء نظمتها فيضاً إلى الإخوان والسمارِ أوما سمعت بأن قوماً عندنا طلبوا الهمام الشهم فتح الباري جاءوك عواداً وزواراً ولو ندبوك للجلى لكنت الشاري والعذر يجمل من سواك وإنه منكم غريب فاقد الأعذارِ

أبيات في صوت الريح

أبيات في صوت الريح القصيدة السابعة عشرة: هذه المقطوعة بعنوان: (صوت الريح). على كتلة من رمال الهموم رقدتُ لأسمع صوت الرياحْ لأنسى بها كل ما زارني من الحزن حتى يزور الصباحْ ففاجأني الليل في غمضة ثقيل الخطى جاثماً في الوشاحْ فقلت: أما كان يكفي أسى مآسي حتى نكأت الجراحْ فقال يقولون إن اللبيب إذا سَلِّ همته ما استراحْ

أبيات في الهمة

أبيات في الهمة القصيدة الثامنة عشرة: (الهمة): أهوى سنا النجم لا للنجم أهواه لكن أهواه إعجاباً بعلياهُ كل له همة عاشت تناسبه فلا يخالفها والمانح اللهُ ترى الشجاع ونار الهول موقدة يهوى الردى وهو موت فاغر فاهُ والعالم الَحْبرُ أهدى الليل مهجتَه وجاهل نحلت بالنوم عيناهُ ما أنْحَلَ الجسم إلا ثقل راكبه ولا دَمَى القلب إلا ما تمناهُ

قصيدة: سل قلبي

قصيدة: سل قلبي القصيدة التاسعة عشرة: (سَلِّ قلبي): سَلَّ قلبي بأحاديث السَّمَرْ وانثر الأخبار في ضوء القمرْ واترك الليل طويلاً بالمنى إن ليل الصب مطموس البصرْ فإذا أغرى بك النجم فقل أيها النجم رويداً فاستترْ اسق بالذكر فؤاداً طالما فقدت أحشاؤه طعم المطرْ رب سبحانك فارحم مبلساً واجم الفكر معنى بالسهرْ يتهادى بذنوب جمة تحت برديه ولكن ما كفرْ يستبيح العذر منهوش القوى سار في الركب عليلاً فعثرْ فأعد يا رب في أجفانه دمعة الخشية أو نور الفكرْ وارحم اللهم جسماً ناحلاً ذابل المهجة في السير فترْ شوقه يسري ولكن جسمه في خيام الحي شلواً ينتظرْ

غن على الدينا السلام

غن على الدينا السلام القصيدة العشرون: غَنِّ على الدنيا السلام: تبسم واعمر الأرواح عطرا فإن مِن الوَداد العذب سحرا وذب في مهجة الأحباب شهداً لتملأ جعبة الأيام أجرا فسلطان المحبة لَوْذَعِيٌّ وما أنبئتُ أرفعَ منه قدرا إذا لم تدرِ أنك لست تدري فأصل الدهر بالأوغاد أدرى

ملاطفة

ملاطفة القصيدة الواحدة والعشرون: (مُلاطَفة): بتبسمي أطفأت ألف ضغينة وزرعت في قلب العليل ودادا متجهم القسمات كم لا طفته لأسل من أضلاعه الأحقادا ما كان مثلي بالطبيب وإنما طب التجارب تحكم الأوغادا لا تشتر جهلاً عداوة ماجدٍ لتنال يا خدن العلا أمجادا

قصيدة: مع المجاهدين الأفغان

قصيدة: مع المجاهدين الأفغان القصيدة الثانية والعشرون: (مع المجاهدين الأفغان): لكم منا السلام وإن بعدنا فقد كنتم على الدنيا سلاما ونصركم القريب رسول مجد دماء الشعب في خمسين عاما سترتفع الدماء من الضحايا ويلقي المعتدي موتاً زؤاما تزينت الجنان لكم وهشت للقياكم وهيأت المقاما وحيا الله بالشهداء منكم إلى المأوى وألبسهم وساما وأخلف أهلهم صبراً جميلاً ليمسح فيضه دمع اليتامى فقل للملحدين لقد خسرتم ستسقون الردى جاماً فجاما

قصيدة: إلى اللقاء

قصيدة: إلى اللقاء القصيدة الثالثة والعشرون: هذه القصيدة بعنوان (إلى اللقاء) قلتها بمناسبة وفاة أخي وشقيقي محمد بن عبد الله القرني، تغمده الله برحمته وغفرانه. يا من تذوقت طول الدهر صحبته فكان يسكن في سمعي وفي بصري صاحبته صحبة العينين فامتزجت أرواحنا منذ شب العود وهو طري سيان عشنا وعاشت في ضمائرنا سيما الوداد فأبقت أطيب الأثرِ لا راعك الله في دنيا نهايتها فرقى تحل وسكنى أضيق الحفرِ وأحسن الله أجراً كنت ترغبه فقد أتاك على صغر من العمر ورافقتك من الرحمن رحمته في جنة الخلد بين الماء والشجر لك الجناح فرفرف في مرابعها إذا أتيت جناحاً طائراً فطرِ رفرف مع جعفر الطيار في فنن على كثيب من الرضوان في السحر أشجى وزادك تذكار الرحيل فقد قدمت بعضك كي تأتي الحمى فسرِ عهد لقلبك عندي لا أخيس به يا طيب ذكرك في الدنيا لمدكرِ

قصيدة: تعزية على لسان مولود

قصيدة: تعزية على لسان مولود القصيدة الرابعة والعشرون: (تعزية على لسان مولود): لا تبكِ من ويل الفرا ق ولا تفجع يا أباهْ فلقد سمعتُ مُرَنِّماً فأجبت مسروراً نداهْ فاصبر فيا لك من أبٍ قد أحسن الباري عزاهْ أنا في منازل جنة خضراء تاهت بالهُداةْ لا تبكِ علَّك أن ترى قبساً ينوركم سناهْ وشفاعة تبقى لكم ذخراً سيحفظها الإله أنا جئت طيفاً عابراً لا أبتغي عيش الحياة دعني بطُهري راحلاً لا لا تدنسه الطغاة لا تبكِ إنك لاحقي والركب قد سارت خطاهْ من فارق الدنيا ولم يسكن بها تربت يداه

قصيدة: إلى شاعر زبيد

قصيدة: إلى شاعر زبيد القصيدة الخامسة والعشرون: وهذه القصيدة كانت رداً على قصيدة شاعر زبيد الأستاذ/ محمد بن حسين الزبيدي التي أرسلها إلي، فقلت له بعنوان: (إلى شاعر زبيد): نهدي السلام الذي في القاع مسكنه عساه من نفحات الشِّيح يهدينا نزلت في غوطة والورق أسألها علام يا حاملات الحُسْنِ تبكينا فارقتمونا فلم ننسى مودتكم فذكركم عن جميع الناس ينسينا أما ذكرتم لنا عهداً ومعرفةً وافقتم الدهر عن وتر يعادينا ردوا السلام إذا زرتم منازلنا عليك تسليمنا يا من تحيينا وباكرتك من الأرياف هائجة تجتث من جانب الوادي رياحينا ما كنت أحسب أن الحب يصرعني حتى تعلمت فن الهجر تلقينا محمد بن حسين غاب وافدكم وبُعْدُكم يا أخا الإسلام يضنينا آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا فكيف يسلو رفيق الليل عن قبس قد كان دوماً بتقوى الله يوصينا يا كنزنا كم بحثنا عنك في نصب لقيته ذهباً ما مازَجَ الطينا العلم والفهم والتوجيه شيمته ما فاته الحزم في دنيا ولا دينا قل لي بربك هل ماء الحياة صفا في بُردْكم فلماذا لا تروِّينا؟ شكراً زبيد فقد أهديتِ ما عجزت عن مثله في المدى روما وبرلينا قد خصنا الله ربي من كرامته فذا سليلُ المعالي داعياً فينا يطاوع الدمع شوقي في تسرعه أظن أن لهيب البعد يفنينا أرى الجمال قبيحاً عند فقدكم وألمس الشوك في زَهر البساتينا والنوم إن لم يكن في قربكم أرق والشهد يا صاح في فرقاك غسلينا عتابكم أرج من طيب دوحتكم ولومكم بلسم بالنصح يشفينا وعذركم عندنا برهان حجتكم يرد عنكم بصدق العذر قاضينا عهدي بـ حسَّان في وقت تقدمنا إذا بسحر القوافي نافثاً فينا

قصيدة: إلى أرض الحجاز

قصيدة: إلى أرض الحجاز القصيدة السادسة والعشرون: (إلى أرض الحجاز): يا راحلين إلى أرض الحجاز خذوا بالله يا أيها الأحباب أشجاني هاكم دموع محب طالما لعبت به الهموم على بُعْد وهجرانِ يحن قلبي إلى وادي العقيق ولو دنا العقيق لما حُمِّلتُ أحزاني أو في الحمى دون سلع فانثروا قبلي وذكروه فديتم أرض نعمانِ عند المصلى وفي وادي الأراك لنا شوقٌ قديم يذيب المدْنَف العاني واستشهدوا البان علَّ البان يخبركم بما لقيت به من ساكن البان

مسلم يخاطب الكون

مسلم يخاطب الكون القصيدة السابعة والعشرون: (مسلم يخاطب الكون): قف في الحياة تر الجمال تبسَّما والطل من ثغر الخمائل قد هَمَى وشدت مطوقة العروس ورجَّعتْ وترعرع الفنن الجميل وقد نما وسرى النسيم يهز عطف عبيره والماء في عطف الجداول تمتما وتفتح الأزهار واعتنق الندى هَدَرَ الغديرُ وكان قبل ملثما والشمس أرسلت الأشعة في الفضا بدداً وقبلت الجليد فهمهما وبكى الغمام من الفراق فشامت في الأرض يضحك ترحة وتلوما والمؤمن اطلع الوجود مسَلَّماً أهلاً بمن حاز الجمال وسلما فجثت لطلعته الجبال وأذعنتْ إذ كان منها في الحقيقة أعظما وقد اشرأبت كل كائنة له فكأنه ملك يسير معلَّما ورأى الحياة بنظرة قدسية وبها إلى عز المهيمن قد سما كشف الحجاب عن الغيوم فأشرقت سبل الهداية قبله فتقدما عرف الحقيقة فاستنار بنورها وتراه في عمق التفكر ملهما في كل ماثلة تمر بعينه عبر تُعرَّفه الإله الأعظما حبل الرجاء غدا به متمسكاً أنعم بحبل قط لن يتصرَّما أترى الجمال بغير منظار حسناً ولو ملكت يداك الأنجما أتظن أن الأنس يسكن برهة قلباً ولم يك في الحقيقة مُسْلِما لا والذي جمع الخلائق في مِنَى وبدا فأعطى من أحل وأحرما ما في ربوع الكون أجمل مَنْظَر من مؤمن للسعد جدَّ ويَمَّما إن مت يا حامي الحياة فإنما هي نقلة تلقى حياة أوسما في ظل رب كنت قد وحدته تلقاه في الأخرى أبر وأكرما بل كيف ترحل والحياة تقودها ماللعوالم حول قبرك جثما فاسعد فقد ظفرت يداك بصفقةٍ واهنأ فإنك بعد لن تتندما

قصيدة: يا نفوس الإيمان لله طيري

قصيدة: يا نفوس الإيمان لله طيري القصيدة الثامنة والعشرون: (يا نفوس الإيمان لله طيري): آية الله في الفضاء الكبير شاهداتٌ بصنع رب خبير في انبلاج الإصباح في هدأة الليل وفي بسمة الصباح المنيرَِ في ابتسام الورود عن كل ثغرٍ في انتفاض الربى بعطر العبيرِ إن محيا النبات من سيب غيثٍ لجدير ببعثنا في النشورِ فاسمع الكائنات قد سبحته شاخصات إلى العلي القديرِ عز من لا يموت عن كل ند وتعالى عن صاحب وظهيرِ إنما الخلق ذرة في يديه صغر الكون في امتلاك الكبيرِ

قصيدة: رأيت الله

قصيدة: رأيت الله القصيدة التاسعة والعشرون: (رأيت الله): إله الكون يسعدني رضاكا ومالي خالق أبداً سواكا تراك إذا رأيت الكون عيني وأنت الله أعظم أن نراكا ... إذا ما الفجر في الآفاق حاكا وإذ بالطل منسكب تباكي فشوقي فيك ملتهب وبيني وقلبي دائماً يهوى علاكا ... وإذ بالماء في الأوهاد يسري يتمتم عن معانٍ لست أدري عساه يقول للرحمن شكراً فأنت الله قد أجريت نهري ... وتنشق الزهور بكل لون تقول لنا أيا قومي دعوني أسبح للذي بالماء أسرى إلي وكنت في هول المنونِ ... إلهي في جميع الكون شاهدْ بأنك موجد للخلق واحدْ ومن جحد الحقيقة كَذَّبوه كذبت لقد خسرت أيا معاندْ

قصيدة: نصائح

قصيدة: نصائح القصيدة الثلاثون: نصائح (الخفيفة): الحمد لله الولي رب العباد المعتلي ثم الصلاة الجمة على شفيع الأمة محمد المختار مقدم الأبرار وصحبه وآله والكل في نواله ورجل الخلافة ابن أبي قحافة ثم عن الفاروق الناصح الشفوقِ وحب ذو النورين فذاك قر العين ثم الإمام المرتضى سيف الإله المنتضى ثم جميع العشرة وبعد أهل الشجرة وهذه وصية إلى الملا محصية جمعتها للفائدة في حسنها كالمائدة سميتها الخفيفة للأنفس اللطيفة أوصيك يابن الدين يا صادق اليقين أن تتقي الله الصمد منزهاً عن كل ضد وقم وحي الخطبا وأوصهم مختطبا فهم على المنابر كالأنجم الزواهر وواجب الخطيب والمصلح الأريب أن يعتني بالموعظة حتى تكون موقظة يحقق الإخلاصا ليحرز الخلاصا ويعتني بالعلم فهو أجل الغنم ولا يكن بليدا في وعظه رعديدا بل يجتهد ولا يمل ويحفظ الله الأجل لا يسمع الغناءَ لا يحمل الرياءَ ولا يضيع وقته فالموت يأتي سكتة فالدين ليس مضحكة بل مسجد ومعركة ولا لأجل الراتبِ يا معشر الأطايبِ فيحرم التلاعب بالمال والمناصب أما شروط الخطبة أنصت إليها رطبة تحضيرها من الكتب والبحث يتلوه النصب ومبدأ التطويل من شيم الثقيل وعدم اللحن فما أقبحه وأظلما ويعتني بالإلقا مخافة أن يلقى ولا يرى في المحكمة عند القضا لمظلمة فعاشق المشاكل في كل أمر فاشل بل يستتر في داره مستأنساً بجاره عليك بالنوافل فأجر تلك حاصل فصاحب القرآنا وسبحن مولانا واسجد له بعض الدجى وجهك أضحى أبلجا ولا تكن في شلة فالفسق ما أذله وصاحب الأخيارا فغيرهم حيارى لا تشتغل بالغيبة فيها الردى والخيبة وصل ربي أبدا على الرسول أحمدا ثم سلام ربي على جميع الصحب

قصيدة: المناصب

قصيدة: المناصب القصيدة الواحدة والثلاثون: (المناصب): يتهاوون كالفراش هياماً كلهم همه حصول المناصبْ علمتهم أفكارهم كيف يرقو ن وفي الجو منهم ألف غاصِبْ لم تخولهم المواهب تقديراً فما القوم من رجال المواهبْ حينما شابهوا الزمان دعاهم والزمان التعيس يهوى الحبايبْ

قصيدة: متكبر

قصيدة: متكبر القصيدة الثانية والثلاثون: (متكبر): أنت من أنت يا شبيه الزرافة يا عظيماً في كِبْرِهِ والسخافة خفف الوطء ما رأيناك شيئاً كلما زدت كبرةً زدت آفه هل توهمت أن جدتك الكبرى تولت على الأنام الخلافه أم لأن العلوم صيغت جميعاً في دماغ ما فيه إلا الخرافه

قصيدة: الدمعة الخرساء

قصيدة: الدمعة الخرساء القصيدة الثالثة والثلاثون: (الدمعة الخرساء): دنياك تزهو ولا تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموتُ أجيالاًَ فيُفنيها عارية المال قد ردت لصاحبها وأكنف البيت قد عادت لبانيها والأينق العشر قد هضت أجنتها وثلة الورق قد ضجت بواكيها يا رب نفسي كبت مما ألم بها فزكها يا كريم أنت هاديها هامت إليك فلما أجهدت تعباً رنت إليك فحنت قبل حاديها إذا تشكت كلال السير أسعفها شوق اللقاء فتعدو في تدانيها حتى إذا ما كبت خوفاً لخالقها ترقرق الدمع حزناً من مآقيها لا العذر يجدي ولا التأجيل ينفعها وكيف تبدي اعتذاراً عند باريها؟! فإن عفوت فظني فيك يا أملي وإن سطوت فقد حلت بجانيها إن لم تجرني برشد منك في سفري فسوف أبقى ضليلاً في الفلا تيها

حوار بين تقي وشقي

حوار بين تقي وشقي إن الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر؛ قائم منذ أن خلق الله البسيطة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، صراع بين التوحيد والإلحاد، صراع بين الكفر والإيمان؛ مروراً بإبراهيم عليه السلام مع النمرود، وموسى مع فرعون، ومحمد صلى الله عليه وسلم مع الكفرة والملحدين.

فضل الهداية

فضل الهداية الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. أما بعد: جئت بالحب إليكم والسلام حاملاً أزكى التحيات العظام في البكيرية أحبابي ولي إخوة فيها وأصحاب كرام كم بها من مقرئ أو عالم يشبه البدر معالي التمام رفعوا الإسلام في أرض الهدى ورووا الحكمة عن خير الأنام أما محاضرتي فعنوانها: حوار بين تقي وشقي. الناس صنفان: تقي وشقي: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19]. العيون قسمان: عين عرفت الله ودمعت من خشيته، وتدبرت آياته، وتفكرت في مخلوقاته. وعين نظرت إلى الحرام، وأعرضت عن هدي خير الأنام، وتصفحت المعاصي وأطلّت على الحرام، فهي العين الباكية يوم العرض الأكبر على الله. والقلوب اثنان: قلب عرف الله وامتلأ بلا إله إلا الله، وأحب رسول الله وسار على منهج الله، فهو قلب سعيد. وقلب أعرض عن الذكر والتلاوة، والصلاة والمعرفة، والنهج السديد، وسيرة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو قلب منكوس. والآذان أذنان: أذن استمعت إلى الوحي، وإلى التلاوة والحديث، وإلى الدعوة والخير والذكر والبر، فهي أذن سعيدة. وأذن أعرضت واستمعت إلى الغناء، والفحش، وإلى البعد والانهيار، وإلى كل ما يغضب الرب فهي أذن شقية. والألسنة لسانان: لسان نطق بالحكمة، وقال الخير، وذكر المولى، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر. ولسان تكلم باللعنة والزور، والاستهتار والاستهزاء، والغيبة والنميمة، فهو لسان خاسر. لسانك لا تذكر بها عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن وعينك إن أبدت إليك معايباً لقومٍ فقل يا عين للناس أعين أما عناصر هذه المحاضرة: فمنها: إبراهيم عليه السلام في حوار حار مع النمرود بن كنعان. موسى وفرعون في مناظرة ساخنة في إيوان فرعون. محمد صلى الله عليه وسلم يحاور فاجراً. مسيلمة الكذاب كذاب اليمامة يعترض على حبيب بن زيد أحد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. الأسود العنسي دجال اليمن يتحدث مع أحد الأبرار فيفحمه هذا البار الراشد. ثم ننتقل إلى رجل هو من المسلمين وهو الحجاج مع عالم هو سعيد بن جبير لنسمع إلى حوار بين الاثنين. وفي الأخير مع ربعي بن عامر أحد الصحابة وهو يدخل على رستم قائد فارس. حوار بين تقي وشقي. ما أحسن الهداية، وما أجلَّ أن تعرف الله، وما أعظم أن تتعرف على الواحد الأحد، سبحان الله كم فَقَدَ من فَقَدَ الله! وماذا فات من وجد الله! وسبحان الله كم هي القلوب التي أعرضت عن الله!

إبراهيم عليه السلام في حوار مع النمرود

إبراهيم عليه السلام في حوار مع النمرود يقول سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258]. يدخل إبراهيم عليه السلام يحمل لا إله إلا الله، يتصدر بالدعوة في سبيل الله، ينزل للناس، يدخل على الطغاة في قصورهم، يدخل على المجرمين في أوكارهم، وفي هذا درس لكم يا طلبة العلم! يا دعاة الإسلام! يا حملة الشهادات! يا أصحاب الكليات! يا من درس العلم الشرعي! فيه درس على أن تنزلوا إلى الساحة، وأن تخالطوا الناس، وتعظوهم، وتشعلوا المنابر، وتتحدثوا إلى الجماهير، فالله يقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} [البقرة:258] هل ينكر عظمة الله إلا من ألحد؟! هل ينحرف عن منهج الأنبياء إلا من تزندق؟! {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة:258] إي والله! من الذي يحيي العظام وهي رميم؟ إلا الله؟ {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79] من أخرج المولود باكياً من بطن أمه لا يعرف شيئاً فدلَّه وبصَّره، وأحياه وأطعمه وسقاه؟! من علم النحلة بيتها ورزقها، وأن تجوب القفار والوهاد والجبال؟! من علم الثعبان أن يرتحل ويهاجر؟! من علم الجرادة أن تأوي والنملة أن تجمع في جحرها؟! قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا والنحل قل للنحل يا طير البوادي ما الذي بالشهد قد حلاَّكا وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا فالحمد لله العظيم لذاته حمداً وليس لواحدٍ إلاَّكا ذكر ابن الجوزي: أن رجلاً رأى عصفوراً يأتي بقطعة لحم فينقلها من مكانٍ في المدينة ويرتحل بها إلى رأس نخلة كل يوم، فتعجب هذا الرجل؛ لأن العصفور لا يعشعش في النخل، فتسلق النخلة فرأى حية عمياء، كلما اشتهت الأكل أتى هذا العصفور بقطعة لحم، فإذا اقترب فتحت فمها فيلقي اللحمة في فمها. سبحان من دلَّ العصفور ومن دلَّ الحية على رزقها! فيقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:258]. اسمع الكذاب، اسمع الدجال، اسمع الملعون الذي ينكر أعظم الآيات في الدنيا، ولذلك وجد في الساحة من تزندق واستهزأ بالقيم وتوحيد الألوهية والربوبية، إي والله وجد ذلك! عجباً لهم كيف يكفرون! وعجباً لهم لا يؤمنون! أفي الله شك؟! أفي آياته لبس؟! أفي ما أنزله من الكتاب والسنة غبش؟! حتى يستهزئ بعضهم بالقيم والأخلاق والدين والكتاب والسنة: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة:65 - 66]. فسكت إبراهيم لا سكوت العاجز المتقهقر المنهزم، ولكن: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:258] قال: كيف؟! فأتى برجل مسجون قال: هذا أحييته تركته لوجوهكم، وأتى برجل آخر فذبحه قال: هذا أمتُّه. إنه كذاب، والله ما هذا بالإحياء والإماتة، قال إبراهيم عليه السلام: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة:258] إن كنت صادقاً أنك إله فأتِ بالشمس من المغرب فإن الله يأتي بها من المشرق: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة:258] انهزم وخاب {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258] إي والله: إن أوراقهم تحترق فليس لهم حجج ولا براهين، دجالون كذابون مفترون على الله. هذا جدال وحوار ومناظرة بين تقي عرف الله وهو إبراهيم، وبين شقي وهو النمرود وماذا كانت النتيجة؟ هل سكت النمرود؟ لا. لقد جمع حطباً وأجج ناراً، وأمر الجنود بأخذ إبراهيم وقال: قيدوه وألقوه في النار فإلى من يلتفت إبراهيم؟! يا واهب الآمال أنت حفظتني ومنعتني وعدا الظلوم عليَّ كي يجتاحني فحفظني ونصرتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك منعتني من يمنعك إلا الله؟! {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. يقول ابن عباس كما في صحيح البخاري: {حسبنا الله ونعم الوكيل كلمة قالها إبراهيم حينما ألقي في النار، فجعلها الله برداً وسلاماً، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم يوم قيل له إن الناس قد جمعوا لكم}. ألقوه في الحبال، وشدوا إبراهيم في القيد، وحملوه في المنجنيق، وأشعلوا له ناراً، وأتاه جبريل في الساعة الحرجة، والساعات الحرجة يعرفها بعض الناس منَّا، إذا أتت عليه مشكلة أو قضية يتمنى أن الجن يساعدوه، وبعض الناس ضعاف العقول والإيمان يستعين بالجن، حتى إذا مرض ابنه في البيت يذهب إلى المشعوذين والسحرة والكهنة، فينسى عقيدته وإيمانه، ومبادئه ومنهجه. جاء جبريل إلى إبراهيم وهو مقيد بالحبال، لا إله إلا الله موقف ما أصعبه، ومقام ما أرهبه! قال: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا وأما إلى الله فنعم، فحملوه فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ووقع في النار فكانت برداً وسلاماً، فسبحان من أنجاه وحماه ووقاه! لأنه تقي، وسبحان من رد الخبيث الخسيس! لأنه شقي. أتدرون بماذا عذب الله النمرود؟ ذكر بعض أهل العلم أن بعوضة دخلت أنف النمرود فتغذت على دماغه حتى أصبحت كالعصفور فكانت تفرفر في رأسه فيجد انزعاجاً وألماً وعذاباً وخيبة، لا تسكت هذه الفرفرة والقرقرة حتى يُضرب بالنعال أو بالكرابيج على رأسه، وفي الأخير ضرب فذهب مخ رأسه: لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار

فقدان الإيمان سبب لعيشة الضنك

فقدان الإيمان سبب لعيشة الضنك {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:16] {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124]. إي والله! وجدوا معيشة الضنك يوم سكنوا ناطحات السحاب بلا إيمان، وجدوا عيشة الضنك يوم استقلوا السيارات الفاخرة بلا إيمان، وجدوا عيشة الضنك يوم سكنوا الفلل وتولوا المناصب بلا إيمان: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى} [طه:124 - 125]. كان يبصر، بل كانت عيناه تدحرج كعيون القط في الحياة لكنه لا يبصر الهداية، يبصر التفاح والموز والبرتقال، يبصر الورقة والدخان، والمعاصي، والمسكرات والمخدرات، يبصر الفاحشة والجريمة، يبصر كل شيء إلا الدين والمصحف، مصحفه مجلة خليعة، وتلاوته الأغنية الماجنة، وجلاَّسه كل رعديد وزنديق ومارد وفاجر: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:125 - 126]. أيها الأخيار: ليس العمى عمى العينين ولو أنه عمى ظاهراً، إنما العمى عمى القلب: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19]. تجد بعض الناس عيونه كعيون الثور، لكنه لا يفهم، ولا يعي، ليس عنده قلب ولا حياء، مثل أبي جهل ينظر ويبصر، وعبد الله بن أم مكتوم أعمى بعيونه، ولكن قلب ابن أم مكتوم يعي ويبصر، وقلب ذلك الفاجر أعمى، فيقول الله في أبي جهل: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد:19] والذي يعلم أنما أنزل من عند الله: ابن أم مكتوم. أما أبو جهل فهو أعمى عن الحق. يقول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم في عمى ابن أم مكتوم {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس:1 - 2]. وهذا الأعمى أبصر الهداية، يقول الله للرسول عليه الصلاة والسلام، كأنه يقول: مالك تأتي إلى الثيران في الحضائر وإلى المجرمين وإلى الفجرة الذين تدحرج عيونهم وهم لا يعرفون القرآن، ولا الهداية، ولا النور، وتُعرض عن الصالحين ولو كانوا فقراء عمي في الظاهر لكنهم في الباطن مبصرون: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس:1 - 10]. أما تدري أن هذا الأعمى سوف يكون منارة من منارات الأرض تستقبل نور السماء! ولذلك عاش ابن أم مكتوم حتى أتت معركة القادسية وحمل ابن أم مكتوم الراية وهو أعمى وقُتل في المعركة شهيداً، وأبو جهل قتل وسَيُدَهْدَهُ على وجهه في النار. ابن عباس ترجمان القرآن، حبر الأمة وبحرها، العلامة الكبير، الذي قال له صلى الله عليه وسلم: {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل}. لما كبر وبلغ السبعين عمي، فقال له بعض الحساد: أحسن الله عزاءك في عينيك يا ابن عباس! كلمة حق أريد بها باطل، يستهزئ أو يستهتر، فرد ابن عباس وعرف أن الرجل مستهزئ مستهتر فقال: إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور قلبي ذكيٌ وعقلي غير ذي عوجٍ وفي فمي صارم كالسيف مشهور هكذا الهداية، وهكذا الإشراق واللموع، ما دام أنه عرف الله فلا يضره ذهاب البصر، إنما المشكلة ذهاب البصيرة. إذاً، فإبراهيم عرف الله؛ فحاور هذا، فسعد في الدنيا والآخرة، وأضل الله ذاك الشقي لأنه لم يعرف الهداية. أيها الإخوة: لا ينقصنا خبز ولا مربى ولا خضروات ولا ميرندا، إنما ينقصنا الهداية والالتجاء، ينقصنا زيادة الإيمان، وكيف نعرف طريقنا، ينقصنا دعاة ينزلون إلى الساحة، لا ينقصنا شهادات فقد أصبحت براويز معلقة في البيوت، ولا ينقصنا دنيا فقد مات أكثرنا في المستشفيات من التخمة وكثرة الأكل، يقول الشافعي: تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب ما سمعنا بأحدٍ في هذه الفترة مات جوعاً هنا، ولكن سمعنا أن قلوباً تموت جوعاً وتموت ظمأً وفقراً، وتموت قحطاً وجدباً. فهل من غيث، ولا غيث إلا (الكتاب والسنة)؟

حوار بين موسى عليه السلام وفرعون

حوار بين موسى عليه السلام وفرعون وأما موسى عليه السلام فأمره عجيب صلى الله عليه وسلم، كان يرعى الغنم لكنه عرف الله، عنده عصا يهش بها على غنمه، ويتوكأ عليها، فجأة يقول الله له: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24]. من هو فرعون؟ إنه رجل دجال جمع القصور والأموال حتى تكبر وتجبر، فوقف على المنبر يقول: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] ويقول لأهل مصر: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24]. فيصفقون له ويقولون: تبقى وتسعد وتسلم عينك، لعنه الله في الدنيا والآخرة وقد فعل، يقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] فأجراها الله من فوق رأسه. قال تعالى لموسى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] موسى يعرف أن حرس فرعون ستة وثلاثون ألفاً يقول بعض الرواة: على القصر ستة وثلاثون ألف حارس، وموسى جاء من الصحراء معه عصا يرعى الغنم والضأن: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه:25]. هذا في أول طريقه إلى فرعون لدعوته، كيف أتكلم؟ ولكن أسعده الله فطلب شرح صدره، ذاق الناس اللذائذ لكن لم يجدوا كحلاوة الإيمان حلاوة، أكلوا الأطعمة، ولكن لم يجدوا لها طعماً بلا إيمان، جلسوا على المشروبات والمرطبات والمشهيات ولكن لم يجدوا لها طعماً يوم فات الإيمان: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه:25]. يقول الله للرسول عليه الصلاة والسلام: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1]. فتِّش في صدرك، كيف كان قبل أن نشرحه؟ أما كان ضيقاً؟! أما كان حرجاً؟! أما كان متصادماً؟! ففتِّش في حناياك وابحث في خفاياك، أما شرحنا لك صدرك؟! {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله} [الزمر:22] أيستوي إنسان يأتي إلى صلاة الفجر بنشاط مع شخص لا يقوم إلا لصلاة الظهر؟! أيستوي إنسان يقرأ القرآن بحب مع إنسان إذا أتى إلى الصلاة كأنه يجرجر في الحديد أو يساق إلى السجن أو المذبحة؟! يقول سبحانه وتعالى عن الذين تضيق صدورهم بالصلاة: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142]. يقوم أحدهم إذا سمع الأذان فيجلس يستخير ويحرك عيونه ربع ساعة هل يقوم أو لا؟ الشيطان يسحبه إلى الفراش والله يدعوه إلى المصلَّى، فيتوضأ ويأخذ وقتاً طويلاً حتى يقيم الناس الصلاة، ويأتي يدردر أرجله، ويقف في طرف الصف كأنه نخلة منكوسة على جدار! {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4]. لا حياء، هل يستوي هو ومن ينشرح للدين؟! ويحب ويتلذذ بسماع القرآن، ويهش للرسالة الخالدة، ويجلس مع الدعاة، ويحب طلبة العلم، ويحب زيارة العلماء، ولسانه دائماً رطبة بذكر الله؟! إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس هل يستوي هذا مع إنسان لم يشرح الله صدره، أحسن شيء عنده أن يسمع الأغنية، يعيش في الهيام والخيال، يقول: دعنا من ذكر الموت، دعنا من التزمت والتشدد، يريد محرمات، وكأنها حلال وأما الطاعات فتشدد وتزمت؟! نقول له: اجلس معنا، قال: لا. له كتب خاصة من كتب الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وله مجلات غير المجلات، ومجالس غير المجالس. وقال موسى: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طه:25 - 27]. أريد يا رب أن أكون داعية، أريد أن أكون خطيباً أرجُّ قلب الفاجر، وفي هذا درس: أن على طلبة العلم أن يتعلموا الخطابة والكتابة، ويتعلموا الأدب، ويتعلموا فنَّ الكلمة وروعة الخطاب، وفن المقام والكلام والالتزام، وأن يتعلموا السحر الحلال في الكلمات والجدال، ليحولوا أحوال الناس من حال إلى حال. قال تعالى: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه:27 - 28]. لأن في لسانه شيئاً فحل الله عقدته، ولكن قال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي} [طه:29 - 30] فجعل الله له ذلك في آخر الآيات، قال: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه:36] وذهب موسى وهارون، وقال الله لموسى وهارون وهما في الطريق: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:43] أي: تجاوز الحد، لكن اسمع أدب الدعوة: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] لأن القلوب لا تلين إلا لكلمة حبيبة، والآذان لا تستمع إلا إلى الحب والصفاء، والقلوب والأرواح لا تنقاد إلا بالحكمة. انتبها -يا موسى ويا هارون- لا تجرحا شعور الفاجر، وليس فاجراً مثل الفجار، بل دجال، ذبح الأنفس، وشرب الدم، وسوَّد وجه التاريخ، وداسه تحت قدميه: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. قال سفيان الثوري: "القول اللين الذي أمر الله به موسى وهارون أن يكنيا فرعون أي: يدادعوانه بالتكنية، يا أبا فلان، أنت إذا رأيت زميلك وحبيبك وناديته بكنيته يبتهج ويهش ويبش، يقول الشاعر: أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه فالسوءة اللقب كذاك أُدِّبت حتى صار من خلقي أني وجدت ملاك الشيمة الأدب فدخلا عليه، وكانت كنيته كما قال سفيان الثوري (أبا مرة) مرَّر الله وجهه في النار، وقد فعل، يقول موسى: يا أبا مرة إن أردت أن يبقي الله عليك شبابك وملكك وصحتك فأسلم لله رب العالمين، فقد سمعنا عنك الخير، وهذا أسلوب دعوي من السحر الحلال، وهو لم يسمع عنه إلا النار، ولم يسمع عنه إلا اللعنة والسخط والبغض، فقال له موسى: أنت مثلك يصلح الناس، ومثلك إمام يقتدى به، فأسلم وقل: لا إله إلا الله، فأتى الفاجر. واسمعوا إلى الحوار: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49]. لا إله إلا الله، أنكر الله، أنكر من خلق السموات والأرض {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:17 - 22] والله سبحانه وتعالى يقول في آية أخرى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:1 - 2] ويقول: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8]. {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49]. وهنا لو قال موسى: ربي الله، لقال فرعون: هو الله، وإن قال: ربي ربي، لقال: أنا ربك، فماذا يقول؟! فأتى بجواب مبهت مسكت دامغ، يقول الزمخشري صاحب الكشاف: لله دره من جواب كالصاعقة) {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] هذه مواصفات لا تكون إلا في الواحد الأحد، ولا يدعيها أحد أبداً، حتى يذكر ابن تيمية أنه لا ينكر الصانع أحد، حتى فرعون يوم قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] قاله في الظاهر أما في الباطن فيعلم أن هناك إلهاً، ويعلم أن في السماء إلهاً، وأن من خلق السموات والأرض هو رب قادر حكيم سميع بصير، حتى يقول له موسى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] يا مجرم والله إنك تعلم أن الله خلق السموات والأرض فلا تكابر! {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] خلَقه ثم هداه لمعيشته، وهداه لكل شيء، هدى النملة أن تأتي إلى الجحر فتنقل حبة لتخزنها للشتاء، هدى النحلة أن تسافر مئات الأميال والكيلو مترات وتأخذ الرحيق وتجعله في الخلية، هدى الثعبان كما يذكر مثل صاحب كتاب الإنسان لا يقوم وحده كريسي موريسون الأمريكي يقول: ما للنحلة تهاجر مئات الأميال وتعود إلى خليتها؟ من دلها؟ أعندها إريال؟ فيرد عليه سيد قطب: لا، بل علمها الله: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68] سبحان الله! ما أعظم الله! وما أجلَّه! ولكن ما أكثر من لا يتعرف على الله سبحانه! {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] ولهذا لما لم يستطع فرعون أن يعاند هذا الدليل، راوغه بقوله {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه:51] أي: ما للناس يموتون ولا يعودون؟! ما رأينا آباءنا وأجدادنا، هذه كلمة يقولها كثير من الملاحدة والزنادقة، كـ لينين وماركس وهرتزل وأمثالهم وأذنابهم وعملائهم، كلمتهم هذه يقولون: يموت الإنسان ثم يتحلل ولا يعود، لا والله، والله لتبعثن كما تستيقظون ولتموتن كما تنامون: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9 - 10] {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281]. وانظروا أيها الإخوة كيف كان جواب موسى لفرعون عندما قال له: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه:51] فكأن من المناسب أن يكون الجواب وما دخلك أيها المجرم من هذا الكلام؟ لقد تجاوزت حدودك؛ لكنه أجاب عليه بكلام مؤدب، كما أمره الله عز وجل: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىَ} [طه:44] فقال: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52] فدمغه، وأزهق روحه، وانتصر عليه في الحوار في ديوانه وتحت سقف قصره، كما انتصر عليه في القتال في البحر يوم نصره الواحد الديان، إذاً حربه برية بحرية، ونظرية علمية، وميدانية قتالية، وهذا هو الجدل العلمي العملي الذي عاشه موسى عليه السلام في حياته الدعوية وانتصر، فهو التقي الذي دمغ الفاجر الشقي.

الرسول صلى الله عليه وسلم يحاور اليهود

الرسول صلى الله عليه وسلم يحاور اليهود ورسولنا صلى الله عليه وسلم -أيضاً- عاش مثل تلك الأحداث، فإذا قرأت القرآن فإنك تلاحظ أن الرسول عليه الصلاة والسلام عاش في حياة مريرة مع من حوله من اليهود والنصارى والمنافقين، فمرة يرد على اليهود، ومرة على النصارى، ومرة على المنافقين، ومرة على المشركين. يقول عبد الله بن سلام والحديث في الترمذي وعبد الله بن سلام من اليهود لكنه أسلم يقول: {لما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس، فكنت فيمن انجفل، فاجتمعوا عليه في السوق فتبينت وجهه، فلما رأيت وجهه، عرفت أنه ليس بوجه كذاب}. وجهه كالقمر ليلة أربعة عشر. لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبئك بالخبر وجهه وجه صادق مخلص، وجهه رائع وجميل. قال: {فلما رأيت وجهه سمعته يقول: يا أيها الناس -اسمع الكلمات، حتى الكلمات كالدرر- افشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام}. وراوي الحديث هو نفسه عبد الله بن سلام. فقال عبد الله بن سلام: {يا رسول الله! أسألك عن ثلاث آيات لا يعرفها إلا نبي -لأن عبد الله بن سلام عنده التوراة- أسألك عن ثلاث آيات إن أجبتني عليها أسلمت وآمنت، قال: ما هي؟ قال: ما هو أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوا الجنة؟}. الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقرأ ولم يكتب: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} [الجمعة:2] لم يقرأ ولم يكتب أو يدرس في مدرسة أو في كتاتيب أو في جامعة. قال: {يا رسول الله! أسألك عن ثلاث: ما أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوا الجنة؟ هذه الأولى، والثانية: متى يشبه الولد أباه ومتى يشبه أمه؟ وهذه الثانية، والثالثة: ما هي أول علامات الساعة؟}. فالرسول عليه الصلاة والسلام لم ينتظر كثيراً فلقد أتاه الوحي: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4 - 5]. قال: {أما أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوا الجنة فإنه زيادة كبد الحوت، قال: صدقت، قال: وأما أن يشبه الولد أباه، فإذا أتى الرجل زوجته فعلا ماؤه ماءها أشبه أباه، فإن علا ماؤها ماءه أشبه أمه، قال: صدقت، وأما أول علامات الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، قال: صدقت، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ثم يقول: يا رسول الله! إن اليهود قوم بهت -أي: أهل زور وفجور- إذا علموا أني أسلمت بهتوني، فلا تخبرهم بإسلامي وأدخلني هذه المشربة -غرفة خلفية- واسألهم عني، فأدخله عليه الصلاة والسلام في الغرفة وأغلق عليه ونادى اليهود، فأتوا وجلسوا، قال: يا معشر يهود! كيف ابن سلام فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، وفقيهنا وابن فقيهنا، وعالمنا وابن عالمنا، قال: أرأيتم إن أسلم، قالوا: أعاذه الله من ذلك، قال: فإنه أسلم، ففتح له الباب عليه الصلاة والسلام، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقاموا ينفضون ثيابهم ويقولون: شرنا وابن شرنا، وسيئنا وابن سيئنا، وخبيثنا وابن خبيثنا، فيقول الله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأحقاف:10]}.

النبي صلى الله عليه وسلم يحاور العاص بن وائل

النبي صلى الله عليه وسلم يحاور العاص بن وائل الرسول عليه الصلاة والسلام عاش الحوار، يأتيه شقي فاجر وهو العاص بن وائل، كان يلبس الديباج ويوشيه بالذهب، ولكن لم ينفعه ديباجه ولا ذهبه ورحل إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، حل إلى نار جهنم ولبئس المهاد، لم يعرف الله، ولم يسجد له، لم يتلذذ بعبوديته، لأن العبودية شرف، ووالله لو لم نتشرف بعبودية الله لنكونن عبيداً لوظائفنا ولدنيانا، وعبيداً حتى لأحذيتنا أبداً: ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا {أتى العاص بن وائل فأخذ عظماً ففتته، ثم نفخ فيه أمام الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: يا محمد! أتزعم أن ربك يحيى هذا العظم بعد أن يتوفى صاحبه ويبعثه ويعيده، فيقول صلى الله عليه وسلم: نعم، ويدخلك النار، لا يعيده فقط بل يعيده ويعيدك ويدخلك النار، فيقول الله تبارك وتعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78]}. نسي خلقه، نسي أنه خلق من ماء مهين، نسي مَنْ كوَّن سمعه وبصره، وأعطاه كل شيء! {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79] فسبحان الله، وجلت قدرة الله!

حوار حبيب بن زيد مع مسيلمة الكذاب

حوار حبيب بن زيد مع مسيلمة الكذاب هنا شقي آخر واسمع إلى الأشقياء وما أكثرهم في الدنيا! مسيلمة الكذاب يدعي أنه نبي، فيرسل له صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة وهو حبيب بن زيد، عمره ثلاثون سنة، لكن حبيب بن زيد تربى على القرآن، مات أبوه وربته أمه، وليس معها إلا هذا الابن البار، عاش على القرآن، لا يملك من الدنيا إلا سيفه يفلِّق به هام الأعداء، وإلا مصحفه يتصل فيه بربه، وإلا قلبه الذي وعى الإيمان والقرآن. فيقول عليه الصلاة والسلام: {يا أيها الناس: إني مرسلكم إلى ملوك الدنيا فلا تختلفوا عليَّ، قالوا: سمعاً وطاعة، قال: قم يا حبيب بن زيد، واذهب إلى مسيلمة الكذاب} وهو يدري أنه الموت والذبح، فيتهيأ ويودع أمه وتبكي عليه؛ لكن علمت أنه أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلمت أمه أنها سوف تفارقه ولا تلقاه إلا في جنة عرضها السموات والأرض، فعانقته وهي تبكي، ولسان حالها يقول كما يقول ابن زيدون: بنتم وبنَّا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا نكاد حين تناديكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا وذهب ووصل إلى مسيلمة، فقال مسيلمة: {من أنت؟ قال: حبيب بن زيد، قال: ماذا جاء بك؟ قال: جئت برسالة من الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: أتشهد أنه رسول؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال: أتشهد أني رسول؟ قال: لا أسمع شيئاً، قال ثانية: أتشهد أن محمداً رسول؟ قال: أشهد، قال: أتشهد أني رسول؟ قال: لا أسمع شيئاً، قال للجندي: اقطع منه قطعة، فقطع قطعة من لحمه فوقعت في الأرض، فأعاد عليه السؤال فأعاد الجواب، قال: لا أسمع شيئاً، فقطع الثانية، فأعاد السؤال، قال: لا أسمع شيئاً، فقطعه حتى قتله في مجلسه} وارتفعت روحه إلى الله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. [[خبيب بن عدي عرض له المشركون مشنقة الموت، وقالوا: ماذا تريد يا خبيب؟ قال: أريد أن أصلي ركعتين. قالوا: صلِّ ركعتين واستعجل، فقام فتوضأ وصلى ركعتين، فرفعوه فقال: والله الذي لا إله إلا هو لولا أن تظنوا أنه جزع بي من الموت لطولت الركعتين، اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، قالوا: أتريد أن محمداً مكانك وأنك في أهلك ومالك؟ قال: لا والله لا أريد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذى بشوكة وأني في أهلي ومالي]] ثم يقتل رضي الله عنه وأرضاه. يقول أهل السير كـ موسى بن عقبة: كان خبيب بن عدي قبل أن يُقتل يقول: [[اللهم أبلغ عنا رسولك ما لقينا الغداة، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا رسول الله]] هو في مكة والرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة، فأخذ صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظة يقول: {وعليك السلام يا خبيب! وعليك السلام يا خبيب! عليك السلام يا خبيب!} وأنشد خبيب قصيدة الموت وهي قصيدة الفداء: ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنبٍ كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أجزاء شلوٍ ممزع

حوار أبي مسلم الخولاني مع الأسود العنسي

حوار أبي مسلم الخولاني مع الأسود العنسي الأسود العنسي مدعي النبوة في اليمن يقول لـ أبي مسلم الخولاني وهو أحد الأولياء من التابعين: أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع شيئاً، وكذبه أبو مسلم الخولاني، فجمع له حطباً وألقاه في النار، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فجعلها الله برداً وسلاماً. كان عمر بن الخطاب يعانق أبا مسلم الخولاني ويقول: [[مرحباً بخليل هذه الأمة، أو بالرجل الذي أشبه الخليل]] أو كما قال، لماذا؟ لأنه تقي وذاك شقي.

حوار ربعي بن عامر مع رستم

حوار ربعي بن عامر مع رستم وقبل أن أنتقل إلى الحجاج لأنه لا زال في دائرة الإسلام لأختم به هذا الحديث أقص قصة رجل من شباب الإسلام وهو ربعي بن عامر رضي الله عنه وأرضاه، أحد القواد في جيش القادسية، ويدخل على رستم قائد بلاد فارس الذي معه ما يقارب من مائتين وثمانين ألفاً من الجنود، فيقول رستم: ماذا جاء بكم؟ ومع ربعي رمح مثلَّم وثوب ممزق، وفرس كبير معقور، قال: ماذا جاء بكم ويضحك رستم ووزراؤه معه، جئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور والرمح المثلِّم والثوب الممزق؟! قال ربعي في الحوار: [[إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]] قال تعالى: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258] يقول هذا الشقي وقد حلف بآلهته: لا تخرج من قصري أو إيواني حتى تحمل تراباً على رأسك، فحمله، وقال لأصحابه: هذه بشرى أن يملكنا الله أرضهم، وفي الأخير يدخل سعد منتصراً، ويدخل إيوان الضلالة والعمالة وهو يقول: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29]. {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19]. والدائرة دائماً تقع على الأشقياء الذين لم يعرفوا الله تبارك وتعالى.

الحوار بين سعيد بن جبير وبين الحجاج

الحوار بين سعيد بن جبير وبين الحجاج وهذا الحوار هو بين أحد الناس المعرضين عن الله وهو الحجاج بن يوسف، الحجاج هو الحجاج والشمس هي الشمس: بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر قلن: تعرفن الفتى قلن: نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر ليس بقمر، لكنه قمر في الظلم والانحراف وسفك الدماء، الحجاج بن يوسف هذا له قصص لا بأس أن نورد بعضها، يقول طاوس بن كيسان عالم اليمن: كنت جالساً عند مقام إبراهيم عليه السلام في الحرم، وبينما صليت ركعتين عند المقام، جلست انتظر وأنظر إلى الناس يطوفون، وإذا بجلبة السلاح، وإذا بوقع الرماح والسيوف، فالتفت فإذا هو الحجاج وحرسه قد دخلوا الحرم - الحجاج الذي قتل مائة ألف نفس، يقولون عنه: أنه رئي بعد مامات في المنام أن الله قتله بكل نفس قتلة واحدة، إلا بـ سعيد بن جبير العالم العابد الزاهد قتله سبعين مرة- قال: فلما أتى الحجاج جلس، وإذا بأعرابي أتى من اليمن -يحمل إيماناً وعقيدة- يطوف، فنشبت حربة لأحد حراس الحجاج في ثوب هذا الرجل اليماني، فوقعت على الحجاج فقبضها الحجاج وقال للرجل: من أين أنت؟ قال: من أهل اليمن. قال: كيف تركت أخي؟ قال: من أخوك؟ -يقول للحجاج: من أخوك؟ - قال: أخي محمد بن يوسف. ومحمد بن يوسف ظالم مثل الحجاج وكان والياً على اليمن. قال: تركته سميناً بطيناً. قال: ما سألتك عن صحته لكن سألتك عن عدله؟ قال: تركته غشوماً ظلوماً. قال: أما تعرف أنه أخي. قال: يا حجاج! أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله، قال طاوس: والله ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت من هذه الكلمة. موقف الحجاج مع سعيد بن جبير موقف عجيب، وسعيد بن جبير أحد الصالحين العلماء الذين نشروا العلم والحديث، وكان أمة من الأمم، قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين، وكان الحجاج يبحث عنه، ولما اصطاده بعد ثمان سنوات وقيل أكثر، أدخل عليه، وقصته معروفة ذكرها صاحب تحفة الأحوذي في أول شرحه على الترمذي في المقدمة. دخل سعيد بن جبير، فقال له الحجاج: ما اسمك؟ يعرف أنه سعيد بن جبير عالم المسلمين. قال: أنا سعيد بن جبير. قال: بل أنت شقي بن كسير. قال: أمي أعلم إذ سمتني. قال: شقيت أنت وشقيت أمك، والله لأبدلنك في الدنيا ناراً تلظى. فقال سعيد: لو أعلم أن ذلك إليك لاتخذتك إلهاً. قال الحجاج: عليَّ بالمال، فأتوا بأكياس الذهب والفضة فنثروها بين يدي سعيد بن جبير ليفتنه. قال سعيد بن جبير: يا حجاج! إن كنت اتخذت هذا المال ليمنعك من عذاب الله فنعم ما فعلت، وإن كنت اتخذته رياءً وسمعة وصداً عن سبيل الله فوالله لا يغنيك من الله شيئاً. قال الحجاج: عليَّ بالمغنية - جارية وهي تغني الأغنية وبدأت تُروَّج من عهد الحجاج، بدأ العزف على الموسيقى، وبدأت الجواري وهو تاريخ قديم لما يسمونه بكواكب الشرق وكم في الشرق من كواكب لكنه ظلام دامس! ينتهي بكوكب تسمى كوكب الشرق، يوم أتت إسرائيل بطائراتها ودباباتها تسحق الأجيال والألوف المؤلفة، والناس يصفقون لـ كوكبة الشرق. قال للجارية: اعزفي -يذبح عالم المسلمين سعيد بن جبير محدث الدنيا وتغني الجارية! - فانطلقت تعزف فبكى سعيد بن جبير. فقال الحجاج: طربت -أي: تبكي من الطرب- لأن بعض الناس يبكي عند سماع الطرب؛ لكن وقت الموت ليس ساعة طرب: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36]. قال: طربت فتبكي؟! قال سعيد: لا والله، والله ما بكيت إلا أني تأملت في جارية سُخِّرت لغير ما خلقت له -أخلقت تغني؟ كلا. بل خلقت تسجد لله، خلقت تعبد الله، خلقت تعرف طريقها إلى الله. قال: خذوه، يعني: خذوا سعيد بن جبير وولوه إلى غير القبلة، وقال: والله لأقتلنك قتلة ما قُتل بها أحد من الناس. قال سعيد: يا حجاج بل اختر لنفسك أي قتلة تريدها، والله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله بمثلها فاختر لنفسك. قال: ولوه إلى غير القبلة. قال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115]. قال: أنزلوه أرضاً. قال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55]. قال: اقتلوه. قال سعيد: [[لا إله إلا الله محمد رسول الله، خذها يا حجاج حتى تلقاني بها غداً عند الله، اللهم لا تسلطه على أحد بعدي، يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج]] وبعدها في المجلس ثارت بثرة في يد الحجاج، وبقي شهراً يخور كما يخور الثور لا ينام، ولا يستطيع الأكل والشرب والراحة، يقول: ما مرت بي ليلة إلا رأيت كأني أسبح في الدم، وما مرت بي ليلة إلا رأيت كأن القيامة قامت، ورأيت أن الله يحاسبني ويقتلني عن كل من قتلته قتلة، إلا سعيد بن جبير قتلني به سبعين مرة وقصمه الله بعدها، ومع أنه مسلم لكنه شقي، والأمور عند الله عز وجل، لكن لم يعرف الهداية ولم يعرف طريق الاستقامة، ولا كيف يتأمل مهمته في الحياة.

الحوار في الشعر

الحوار في الشعر فيا إخوتي في الله! لا زال الصراع بين التقي والشقي، ولا زالت المناظرة حية بين هؤلاء وهؤلاء، وبين أناس أعمى الله بصائرهم وأبصارهم فلم يعرفوا الطريق، فهم أشقياء دائماً، أحدهم يقول من شقاوته وهو إيليا أبو ماضي: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت إنه ملحد زنديق، لم يعرف الله، يقول: جئت من بطن أمي، وخرجت إلى الحياة، وأكلت خبزاً وفاكهة وتفاحاً وبرتقالاً. جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!! ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! أي: رأيت الناس يمشون فمشيت، ورأيتهم يخرجون فخرجت، لبسوا الثياب فلبست الثياب، ركبوا السيارات فركبت السيارة، وهذا حمار؛ لأن الذي لا يفهم لماذا خلق فهو حمار، قال: جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!! ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!! كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري!! ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!! ما الفرق بين هذا وبين أحد الوعاظ الذي يقول لأحد خلفاء بني العباس، يعظه ويذكره لقاء الله، فيقول لخليفة الدنيا: ستنقلك المنايا عن ديارك ويبدلك البِلى داراً بدارك فدود القبر في عينيك يرعى وترعى عين غيرك في ديارك فيغمى على الخليفة من كثرة البكاء حتى يرش بالماء، أي فرق بين هذا النتاج وهذا النتاج؟! أو المؤمن الآخر الذي يقول: ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حيٍ ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيّ إي والله، هذا حوار يستمر أبداً بين الأديب والأديب، بين الشاعر والشاعر، بين العالم والعالم، بين الزعيم والزعيم، بين أديب مؤمن، وأديب فاجر متهتك، بين عالم مؤمن مخلص، وبين عالم ملحد، بين شاعر عرف الله، وشاعر تنكر لمبادئه وأصالته وإيمانه، فهو حوار بين تقي وشقي، فأين مقامنا من هذا الحوار؟ وأين موقفنا يا عباد الله؟ وأين هو صفنا؟! {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19]. اللهم فإذا قسمت الناس فريقين، ووزعتهم فرقتين وطائفتين، فاجعلنا في السعداء. اللهم فإذا وزعت الناس على واديين وعلى منزلين، وذي شعبين فاجعلنا في شعب أهل الإخلاص والصدق يا رب العالمين! اللهم فإذا رضيت على قوم فاجعلنا معهم، وأبعدنا عن أهل الغضب والسخط يا رب العالمين! اللهم اجعلنا في موكب إبراهيم، ونوح، وموسى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم ولا تجعلنا مع القوم الظالمين النمرود، وفرعون، ومسيلمة، والأسود العنسي، وأمثالهم من أعداء الله. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين! وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

واهتز العرش

واهتز العرش في هذه المحاضرة تقرأ قصة بطل من الأبطال، إنه سعد بن معاذ: إسلامه، مواقفه البطولية، موقفه من يهود بني قريظة، وحكمه فيهم، ووفاته، وما حصل له من كرامات يوم وفاته من تشييع سبعين ألفاً من الملائكة لجنازته، واهتزاز العرش لموته. وأشار الشيخ إلى دروس عظيمة وجليلة من سيرة هذا البطل الذي خلد التاريخ اسمه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

إسلام سعد بن معاذ

إسلام سعد بن معاذ إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته: عنوان هذه المحاضرة: واهتز العرش. نعيش اليوم مع صحابيٍ جليل ومجاهد نبيل، اخترناه لسبب عجيب ولنبأ غريب، اخترنا سيرته؛ لأنه عدو لليهود، ولأنا نعيش اليوم عداوة اليهود وبغيهم ومكرهم، فرشحنا هذا البطل الشهيد ليكون قصتنا، ولأننا مع جهادٍ دائم مع أعداء الله، فكان من الحكمة أن نتحدث عن مجاهد صادق، ومقاتل مقدام، صارت شجاعته حديث الركبان، وأصبحت بطولته مضرب المثل، فحيا الله أبا عمرو سعد بن معاذ الأوسي الأنصاري، ويكفيه شرفاً وفخراً، وحسبه ثناءً ومدحاً أن عرش الرحمن اهتز له لما مات، وليس بعد ذلك فخر ومجد، وليس بعد ذلك علو ورفعة، وأملي من الواحد الأحد الذي قيض للإسلام من أمثال سعد بن معاذ أن يقيض من هذا الجيل ومن أصلابه ومن أبنائه ومن أحفاده عشرات من أمثال سعد، فليس ذلك على الله بعزيز، أسأله أن يردنا كما كنا أعزة أقوياء شرفاء بديننا وبمبادئنا، فلقد كان سلفنا خير أمة أخرجت للناس. عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غابٍ إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياه/ SH>> يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه سعد بن معاذ! حيا الله التضحية والبطولة، والمجد والفداء، اللهم أعني على أن أعطيه حقه من السيرة، وأن أقدمه لهذا الجيل المتوضئ الطاهر الطيب كما كان رضي الله عنه. أما قصة إسلامه وقصة حياته فلا يتسع لها المجال، ولكن هيا بنا: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود:41] ومع سعد بن معاذ.

سعد يريد قتل مصعب بن عمير

سعد يريد قتل مصعب بن عمير أرسل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مصعب بن عمير؛ الشاب المرفَّه، المطيب المعطر، الجميل الوسيم، الذي ترك الجمال والترف والبذخ والإسراف لوجه الله، أرسله يدعو إلى لا إله إلا الله، ووصل المدينة وأخذ الناس يستجيبون له؛ لقوة وصدق ما يحمل ونبل ما يحمل من الحق، وسمع به سيد المدينة سعد بن معاذ، قيل له: رجل من مكة أتى يغير دين الناس ومبادئ الناس، يحرف الشباب عن دينهم الأول؛ الدين الخرافي الوثني الشركي، فغضب سعد رضي الله عنه، وأخذ حربته، لكنه يريد شيئاً والله يريد شيئاً آخر؛ والله فعالٌ لما يريد، والله غالب على أمره. دعها سماويةً تجري على قدرٍ لا تفسدنها برأيٍِ منك منكوس أخذ حربته يريد أن يقتل مصعب بن عمير سفير الإسلام، ورسول الرسول صلى الله عليه وسلم، وأقبل والموت في حربته، والسم على حد الحربة، ورآه مصعب وكان مصعب حليماً رقيقاً رحيماً حكيماً، قال: أيها الرجل! لا تعجل. أي: لا تذبحني، لا تقتلني، اسمع كلمة. قال: قل، قال: اسمع مني فإن كنت قلت حقاً؛ فأنصت للحق، وإن كنت قلت باطلاً؛ فعليك بي، وكان العرب عقلاء حكماء وهذا سيد الأوس وهو من الأنصار رضوان الله عليهم.

سعد ينطق بالشهادتين

سعد ينطق بالشهادتين فركز سعد الحربة، ثم جلس مصعب يتحدث عن لا إله إلا الله وعن رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ويقرأ القرآن، فدخل الإيمان مباشرة كالنور وكالبشرى، وكضوء الفجر إلى قلب سعد بن معاذ رضي الله عنه، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وكسب الإسلام رجلاً بطلاً، ومجاهداً وشهيداً عظيماً، بلغ به الحال إلى أن اهتز عرش ذي الجلال والجمال والكمال لموته، فجمعنا الله به في حسن المآل. فلما قال: لا إله إلا الله، قال: اذهب فاغتسل، فذهب فاغتسل، ودب الإسلام في عروقه، ودخل شرايين قلبه، وانتفض جسمه فخرجت كل ذرة من ذرات الشرك والوثنية والكفر والفجور.

سعد ينطلق داعية في أهله وعشيرته

سعد ينطلق داعية في أهله وعشيرته وماذا يفعل الآن؟ هل يبقى لبيته ولبطنه ولأطفاله؟ لا. المسلم رباني عالمي، المسلم باع رقبته من الله، المسلم باع روحه من الله، المسلم دمه لله، رأسه وماله ووقته لله، أما الإسلام الهزيل الذي يعيشه المليار الآن، حتى يقول القروي: لقد صام هندي فدوخ دولة فهل ضر كفراً صوم مليار مسلم وقال الآخر في هذه الأصفار المليار وزيادة! عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبت وجدتهم أصفارا من كل مفتون على قيثارة كلٌ وجدت بفنه بيطارا لكن سعداً ليس صفراً، سعد بطل، اغتسل وتوضأ وصلى، ثم ذهب إلى قبيلته. انظر إلى هذه الدعوة وهذا التأثير، قال تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]. قال: اجتمعوا لي رجالاً ونساءً، ولا يدرون ما الخبر، وهو السيد المطاع والأمير المقدم رضي الله عنه؛ اجتمعوا رجالاً ونساءً. معناه: عندي بيان خطير، عندي إعلان عالمي، عندي أمر هام، عندي وثيقة ربانية. فاجتمع الرجال والنساء، فقام فيهم، وانظر البطاقة الشخصية وهو الآن يريد أن يستدرجهم رضي الله عنه ويكسبهم للإسلام، ويخرجهم من عبادة الوثن والكفر والزور. قال: كيف أنا فيكم؟ هذا السؤال الأول، ما رأيكم فيَّ؟ قالوا: أفضلنا وسيدنا وأصدقنا وأكرمنا وأشجعنا. قال: أأنا صادق؟ قالوا: صادق ميمون النقيبة. قال: أأنا عدل؟ قالوا: عدل. قال: فإن كلام رجالكم وكلام نسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله وحده وبرسول الله صلى الله عليه وسلم. ما أعظمها من كلمة! جزاه الله عن الإسلام خيراً، وهكذا يفعل المسلم، موقف عصامي، أما تمييع الدين، وتمييع الولاء والبراء، ومصادقة كل فاجر وعدو للإسلام، وكل منافق وملحد، فهذا ليس من الدين، لا مجاملة لأبيض أو أسود. فسمعوا الخبر فقاموا، قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قالوها رجالاً ونساءً، فصاروا في كفة حسناته وفي ميزان بركاته رضي الله عنه وأرضاه. قال الراوي: وليس في بني عبد الأشهل رجل كافر، وذلك ببركة هذا الرجل.

موقف سعد بن معاذ في غزوة بدر

موقف سعد بن معاذ في غزوة بدر وجاء عليه الصلاة والسلام فملأ المدينة نوراً وإيماناً ويقيناً، وكان من أول المستقبلين له في المدينة سعد بن معاذ، وسار مع الرسول عليه الصلاة والسلام كالسيف المسلول، تدرون كم عمره؟ عمره ثلاثون سنة يوم أسلم، ائتوني من أبناء الإسلام أبناء الثلاثين والخمسة والثلاثين والأربعين، أهل الملهيات والشهوات والمغريات والأغنيات، ائتوني بواحد فقط من المليار مثل سعد بن معاذ. كان ليله مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان نهاره جهاداً ودعوة وطلب علم وتضحية، وكان مع الرسول صلى الله عليه وسلم مسدداً موفقاً، يضيفه، يكرمه، يتكلم بين يديه بالحكمة، وفي اليوم الفاصل، يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان من ينسى منكم بدراً؟! وهل بدر تنسى؟! بدر رفعت رءوسنا، وأوصلتنا السماء، وسحقت أعداءنا. بدر كتبت لنا تاريخاً، قائدها محمد صلى الله عليه وسلم، والقيادة العليا عند جبريل، وبيض الله وجه حسان حيث يقول: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد ويقول الأصمعي عن بيته الشعري: هذا أشرف بيت قالته العرب. فيقول: أنتم يا أعداء الله يا مشركين! إن كان قائدكم الشيطان فقيادتنا العليا جبريل ومحمد عليه الصلاة والسلام.

النبي صلى الله عليه وسلم يعده الله بإحدى الطائفتين

النبي صلى الله عليه وسلم يعده الله بإحدى الطائفتين حضر صلى الله عليه وسلم بدراً وقد وعده الله جلّ وعلا إحدى الطائفتين: إما عير أبي سفيان وعليها التمور والزبيب والثياب؛ وهذه يريدها الصحابة؛ لأنها سلامة وعافية: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال:7] أي: يأخذون البعير محملاً إلى المدينة، لكن الواحد الأحد يريد شيئاً آخر، يريد أن يستخلص شهداء، يريد أن يصاول الإسلام، يريد الصراع العالمي، يريد أن يظهر الصادق من الكاذب، يريد سبحانه أن يعلم من في قلبه حرارة للدين، أما الإيمان الميت الذي تعيشه الأمة الآن فليس من الدين.

النبي صلى الله عليه وسلم يعرض الأمر على الصحابة

النبي صلى الله عليه وسلم يعرض الأمر على الصحابة حضر صلى الله عليه وسلم بدراً واستعرض الجيش، وقد أخبره الله ووعده إحدى الطائفتين، وإذا بالطائفة الثانية ذات الشوكة ألف من كفار مكة مدججين بالسلاح، وإذا هم بالوادي، مفاجأة كبرى، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وبضعة عشر، لكن كلهم من أمثال سعد بن معاذ، الواحد منهم بألف، فقام صلى الله عليه وسلم يستشير الناس، يريد صلى الله عليه وسلم الأنصار، لأن المهاجرين مع الرسول صلى الله عليه وسلم وفي صفه، فقد هاجروا معه، وتركوا الأوطان والإخوان والخلان والجيران معه، فهم مضمونون وورقة رابحة، شيك مسدد مدفوع القيمة من قبل. لكنه صلى الله عليه وسلم لا بد أن يعرض الرأي للجميع، قال: ما رأيكم أيها الناس - وهو القائد الأعظم الحكيم المعصوم يستشير الناس- ما رأيكم؟ فوقف المقداد بن عمرو رضي الله عنه وقال: يا رسول الله! صل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وأعط من شئت، وامنع من شئت، وحارب من شئت، وسالم من شئت، والله! لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24] لكن نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون؛ فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له. فالتفت إلى الأنصار، ولا يتكلم في الأنصار إلا سعد الشاب، صاحب الثلاثين سنة، قال: يا رسول الله كأنك تريدنا؟ قال: نعم. فوقف كالعلم، وكان وسيماً جميلاً، وفصيحاً مليحاً صبيحاً، إذا تكلم بهر العقول، قال: يا رسول الله لقد صدقناك وآمنا بك، وعلمنا أن ما جئت به حق، يا رسول الله! اذهب إلى ما أمرك الله به، والذي نفسي بيده لو استعرضت بنا البحر وخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، يا رسول الله! إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، وعسى الله أن يريك منا ما تقر به عينك. فدعا له صلى الله عليه وسلم. فقام وأشار بالعريش، لتبقى القيادة الربانية العليا محمد صلى الله عليه وسلم في العريش؛ ليتلقى أوامر الله عن طريق جبريل، ووقف سعد ينافح عن الإسلام في الصف الأول، وانتصر الدين، وانتصر الحق على الباطل، وارتفعت لا إله إلا الله، وقاتلت الملائكة مع المسلمين، واشتبكت السماء مع الأرض، واشتبك الحق مع الباطل، وانتهت المعركة بألف إلى صفر، صفر للطاغوت ولهبل والصنم والوثن والكفر والمكر، وانتصر محمد صلى الله عليه وسلم وجبريل والحق والإيمان والإسلام، وعاد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. فلما وصل صلى الله عليه وسلم أتت الليالي ولا يزداد هذا الإمام - سعد بن معاذ - إلا رسوخاً في الإيمان، وقوة تصديق؛ لأن المسلم يزداد يوماً بعد يوم في الخير. يقول أحد تلاميذ الإمام أحمد: صحبت أبا عبد الله أحمد بن حنبل فكان يزداد مع الأيام خيراً. والواجب أن يكون غدك خيراً من أمسك، قال ابن تيمية: والعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات. أنت اليوم إذا كنت عاقلاً بصيراً لست اليوم مثلما تكون بعد سنة؛ لأنك تسمع العلم وتقرأ الكتب، فالواجب أن تكون أحسن.

دور سعد بن معاذ في معركة الخندق

دور سعد بن معاذ في معركة الخندق استمر سعد رضي الله عنه، وجاءت معركة الخندق، وحصن الرسول صلى الله عليه وسلم النساء والأطفال، وحفر الخندق حول المدينة وتألبت قبائل العرب واليهود والمنافقين ضد الرسول صلى الله عليه وسلم وسموا الأحزاب، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم فلَّ حدهم، وشتت شملهم، وأخزى كيدهم. فخرج سعد وأمه رضي الله عنها وأرضاها تنظر إليه، وهي تلقي عليه نظرة من الحصن، واسمها سبيكة بنت رافع، تتبسم له ويتبسم لها، فتوصيه، وتقول: لو سددت هذا المكان، يعني: درعه كان مفتوحاً من جهة، لبس الدرع أخذاً بالتوكل؛ لكن هي الأم تبقى الأم، فالأم هي الحنونة الرءوفة، والأم أنت ابنها الصغير ولو كان عمرك سبعين سنة، فتنظر برحمة تقول: لو سترت بالدرع، فيلتفت إليها ويقول: لبث قليلاً يشهد الهيجا حمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل يقول: أنا أطلب الموت في سبيل الله، أرجوكم دلوني على الموت، لا أريد الحياة؛ لأن الذي يريد الحياة والبقاء للأكل والشرب وليس عنده رسالة ولا مبدأ كالبهيمة، قال تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] والله يقول عن اليهود: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96] يعيش حياة الذل والمهانة. ووصل وقاتل رضي الله عنه، وأتاه رجل مشرك رعديد، فأطلق سهماً وبقدرة القادر يترك السهم كل الجسم المغطى، ويأتي في هذه البقعة الصغيرة التي كانت أمه تخافها ولذلك لا تأخذ حرزاً غير حرز الله، ولا حصناً غير حصن الله، ولا كفاية غير كفاية الله. علي بن أبي طالب يوم الجمل قالوا: البس درعاً فضفاضاً، قال: أتظنون أن الدرع يمنعني من الموت فهذا درعكم، فخلعه رضي الله عنه، وخرج بالثياب، ثم قال: أي يوميَّ من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر يوم لا قدر لا أرهبه وإذا ما جاء لا يغني الحذر يقول: أنتم تظنون أن هذا الدرع يحميني، إن الحماية من عند الواحد الأحد، والحفظ من عند الله: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]. وأنتم تعلمون أن علياً لما جلس يقضي بين خصمين وكان متوكلاً، قالوا: الجدار يريد أن ينقض عليك، جدار هائل يريد أن يسجد على علي، قال علي: حسبنا الله ونعم الوكيل، فلما انتهى من الخصومة وقام هو والخصوم وابتعدوا سقط الجدار مكانهم. أتى سعد رضي الله عنه سهم، يقول سعد: من الذي أرسل السهم؟ يريد الاسم -البطاقة الشخصية- قال: أنا ابن عرقة، قال: عرق الله وجهك في النار، لأنه عدو لله، وكان الجرح في الأكحل، وكأن هذا الجرح في قلوب المسلمين ليس في سعد، فأخذه صلى الله عليه وسلم وضرب له خيمة في المسجد ليعوده من قريب عليه الصلاة والسلام، وما أرحمه بالأمة! كان إذا أراد أن يصلي صلى الله عليه وسلم مر بـ سعد وسلم عليه، وإذا انتهى من الصلاة مر بـ سعد وسلم عليه، من هو هذا؟ إنه سعد بن معاذ، صاحب المواقف المشهودة، أننساه؟ لا. يمرض ويحترم ويحتفى به. تستمر الأحداث مع سعد رضي الله عنه وأرضاه وهو في الخيمة يتحرى موعود الله، يطلب الشهادة، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من طلب الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه} يتمنى متى يموت شهيداً في سبيل الله، وإنها لأمنية غالية أسأل الله أن يحققها لي ولكم في سبيله. انتهى الأحزاب وفروا، وبقي أعداء الله إخوان القردة والخنازير الذين نقضوا العهد، ولا عهد لهم ولا ميثاق ولا كلمة أصلاً. نقضوا الميثاق ونقضوا الوثيقة التي كتبت بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، وظن إخوان القردة والخنازير أن الأحزاب سوف تنتصر على الرسول صلى الله عليه وسلم فمزقوها، وانظر إلى الخذلان، قالوا: ليس بيننا وبين محمد عقد ولا عهد، ومزقوا الوثيقة، وهذا كلام فارغ، وهم قد وقعوا عليها، وأشهدوا عليها، وأول ما واثقوا عليه محمداً صلى الله عليه وسلم: ألا يقاتلوه وأن يدافعوا عن المدينة، وفي الأخير كذبوا وخانوا وغدروا.

الهجوم على يهود بني قريظة

الهجوم على يهود بني قريظة فأتى جبريل من السماء للرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم قد وضع اللأمة، بعد الخندق بعد الحصار والجوع، والخوف والمشقة، والضنا والسهر والتعب، قال جبريل: أوضعت لأمتك؟ قال: نعم. قال: وعزة الله وجلال الله ما وضعت الملائكة السلاح، أين يذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فهذا القائد العظيم مأمور من السماء، قال: عليك ببني قريظة فقال: {لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة} فانطلق الصحابة، منهم من صلى في الطريق، ومنهم من ترك الصلاة حتى وصل. طوقهم صلى الله عليه وسلم وصاح بهم: انزلوا يا إخوان القردة والخنازير، اهبطوا تعالوا إلى هنا؛ لأنهم خانوا الله ورسوله، ونقضوا الميثاق، فتذكروا وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وما أحسن شجاعة الإسلام والإيمان يوم وصل بهم الحال إلى هذه العزة يوم طوقوا اليهود في بيوتهم وحاصروهم وأصبحوا في أضيق من ثقب الإبرة.

اليهود يطلبون حكم سعد بن معاذ

اليهود يطلبون حكم سعد بن معاذ ضاق الأمر باليهود فتلمسوا من يساعدهم -أصلاً ليس لهم طريق إلى الواحد الأحد، الطريق مقطوع، وليس لهم طريق إلى الناس إلا بحبل من الله وحبل الناس وهو مقطوع- فما تذكروا إلا صديقاً واحداً فقط، وحبيباً وقريباً إلى قلوبهم، كان صديقاً وحليفاً لهم في الجاهلية، إنه سعد بن معاذ، كان يبايعهم ويشاريهم، لديهم اتفاقيات ينصرونه في الجاهلية وينصرهم هو وبني عبد الأشهل والأوس قالوا: لا ننزل إلا على حكم سعد بن معاذ، قال عليه الصلاة والسلام: ترضون بحكم سعد بن معاذ؟ قالوا: لا ننزل إلا على حكم سعد بن معاذ، قال صلى الله عليه وسلم: عليَّ بـ سعد بن معاذ. فذهبوا إلى سعد بن معاذ وهو مجروح في المسجد، فأتوا به على حمار ولم يأتوا بالمواكب، نحن اليوم نمشي بالمواكب العظيمة ولا نساوي أظفارهم، وهو يركب حماراً وهو أعظم من مليون من المعاصرين. فوطَّئوا له الحمار وأركبوه، وأقبل رجلاه تخطان في الأرض كان طويلاً كالحصن، فلما وصل قال صلى الله عليه وسلم للجيش المدجج بالسلاح والقادة والكتائب: {قوموا إلى سيدكم فأنزلوه} فقام الصحابة جميعاً وأنزلوه من فوق الحمار برفق حتى وضعوه؛ لأنه سوف يصدر حكماً نهائياً في أعداء الله، يحفظ في التاريخ ويسجل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بل في الصحيح.

سعد بن معاذ يصدر حكمه في اليهود

سعد بن معاذ يصدر حكمه في اليهود فنزل سعد بن معاذ في الخيمة، وأخبره صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون حكمه، فمن إجلاله للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه له وتوقيره قال: أيرضى من في هذه الناحية بحكمي؟ ناحية الرسول صلى الله عليه وسلم، فالآن سوف يصدر الحكم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أرضى. ولم يقل هو محمد صلى الله عليه وسلم ولا يا رسول الله، إجلالاً: أهابك إجلالاً وما بي رهبة إليك ولكن في علاك تسجل قال: أيرضى من في هذه الناحية؟ -أي: محمد صلى الله عليه وسلم- تصوروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، محمد سيد الخلق قال: نعم. قال: وترضون بحكمي؟ -أي: اليهود- قالوا: نرضى بحكمك. قال: رأيي فيهم يا رسول الله! أن تقتل مقاتلتهم وأن تسبى ذراريهم، وأن تقسم أموالهم. فقال صلى الله عليه وسلم، تعليقاً على هذا الحكم: {والذي نفسي بيده! لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سموات}.

النبي صلى الله عليه وسلم ينفذ حكم سعد

النبي صلى الله عليه وسلم ينفذ حكم سعد وبدأ تنفيذ الحكم، وأنزل المقاتلة أمام الناس، والزبير وعلي جاهزان بالسيوف، فضربوا جمجمة سبعمائة في الخندق، وأخذوا الذرية والأموال، وهذا حكم الله، فحكم من غدرك وخانك وغدر بك وحارب ضدك بعد المواثيق والعهود؛ هذا الحكم، فهذه هي اللغة التي يفهمها اليهود، أما لغة السلام، لغة جميع القضايا، لغة دغدغة المشاعر فلا، بل لغة السيف. يقول المتنبي: من ابتغى بسوى الهندي حاجته أجاب كل سؤال عن هلٍ بلم ويقول أيضاً: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم

قصة وفاة سعد بن معاذ

قصة وفاة سعد بن معاذ فبعد أن سفك صلى الله عليه وسلم دماء اليهود، وعاد سعد، هل ذهب يتنعم ويشاهد أفلاماً، ويطالع مجلات، ويروي قصصاً ويسمر؟ لا. ذهب إلى الخيمة ينتظر الشهادة، فتهبط عليه الشهادة تدريجياً، فساعات الصفر بدأت تقترب، الأيام تطوى، ليلقى الله ليوفيه أجره وثوابه، ويرفع منزلته ويعلي قدره، وأي حياة هذه الحياة؟! أيا رب لا تجعل حياتي أتت على شرجع يعلى بخضر المطارف ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فج من الأرض خائف إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى وصاروا إلى موعود ما في المصاحف شهداء عند الواحد الأحد: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:169 - 170]. رجع سعد بن معاذ إلى الخيمة ينتظر الوفاة، وأخذ عليه الصلاة والسلام يكرر زيارته له ويجلس معه، وفي يوم من الأيام رفع سعد يديه إلى الواحد الأحد، إلى من يجيب الدعاء: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] رفع يديه، هل يسأل الله أن يشافيه ليعود للدنيا؟ وماذا يفعل بالدنيا، لا قصر ولا دار ولا مزرعة ولا وظيفة ولا منصب ولا ذهب ولا فضة، هل رفع يديه أن يعافى ليبقى في حياة لا تساوي شيئاً؟ يقول التهامي: حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار وقال غيره: دار متى ما أضحكت في يومها أبكت غداً تباً لها من دار بل يريد جوار الواحد الأحد. امرأة فرعون آسية أعقل من ملايين المسلمين الآن، تقول: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11] وهي في القصور والدور والذهب والحشم والخدم والجنود والأعلام والأقدام، ومع ذلك تريد جوار الواحد الأحد. فقام سعد يدعو، وكان موفقاً في الكلمات والعبارات والدعوات: اللهم إن كنت أبقيت بين رسولك صلى الله عليه وسلم وبين قريش حرباً فأبقني لها، وإن كنت أنهيت الحرب بين رسولك صلى الله عليه وسلم وبين قريش فاقبضني إليك. فلما انتهى من الدعاء انفجر الجرح مباشرة -لأن المعركة مع قريش انتهت- وسال، وحضر عليه الصلاة والسلام الدقائق الأخيرة في حياة هذا البطل الشهيد المجاهد، فحضر ومعه الوزيران الصحابيات الكبيران أبو بكر وعمر كما هو دأبه: دخلت أنا وأبو بكر وعمر خرجت أنا وأبو بكر وعمر جئت أنا وأبو بكر وعمر. ونظر إلى سعد، وأخذت نفس سعد ترتفع إلى الواحد الأحد: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:27 - 28]. سبع سنوات في الإسلام قضاها فقط، هي خير عند الله من سبعة قرون لكثير من التافهين، ماذا فعلت أنت وأنا في عشرات السنوات تصرف من أعمارنا صرفاً؟ ماذا قدمنا؟ هل ضحينا؟ هل بذلنا؟ هل دعونا؟ هل تعلمنا العلم الصحيح؟ أين أيامنا؟ أين أوقاتنا؟ دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني

بكاء النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لموت سعد

بكاء النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لموت سعد تقول عائشة رضي الله عنها: كنت أنظر من وراء الباب، باب عائشة يطل على المسجد مباشرة، ومحمد صلى الله عليه وسلم يحكم العالم من غرفة، يرسل الهداية للدنيا من غرفة من طين، يدخل دينه القارات الست من غرفة. يقول سعيد بن المسيب: رفعت يدي فوصلت إلى سقف غرفة الرسول صلى الله عليه وسلم. حتى خالد محمد خالد يقول معلقاً لما قال صلى الله عليه وسلم متواضعاً لأحد الناس ارتعدت فرائصة لما رآه: {هون عليك إني ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة} سيد المتواضعين. أنا أمي آمنة بنت وهب كانت تأكل القديد، يعني: تخلطه بالملح من الفقر، قال خالد محمد خالد معلقاً: نعم أنت ابن امرأة تأكل القديد في مكة لكنك صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود، والمقام المحمود، ودينك يدخل القارات الست. فهو أعظم إنسان خلقه الله. فجلس عليه الصلاة والسلام، وعائشة تنظر إلى سعد أمامهم، ونفسه تفيض والجرح ينزف، تقول عائشة: والله الذي لا إله إلا هو، إنني كنت أعرف بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم من بكاء أبي بكر من بكاء عمر على سعد. أما أبو بكر الفصيح فكان يقول: واكسر ظهراه عليك يا سعد! واكسر ظهراه عليك يا سعد! واكسر ظهراه عليك يا سعد! ثم فاضت روحه.

العرش يهتز لموت سعد

العرش يهتز لموت سعد انتهت حياته القصيرة وبدأت حياته الأخرى الطويلة الجميلة من الذكر الحسن، الخلود عند الواحد الأحد في الجنة، وأول إعلان للرسول عليه الصلاة والسلام عن سعد، عن هذه التضحيات والمكرمات، تأتي الآن الترجمة؛ وليست كتراجمنا نحن، فلان جمع فأوعى، فلان الدكتور، فلان الفيلسوف، فلان رئيس كذا، عميد كذا، أستاذ كذا، لا. ترجمة أخرى لا يسمع بمثلها، وتأبين لم ينقل مثله. أول كلمة للرسول صلى الله عليه وسلم يقول للناس وللعالم وللدنيا، تحفظها الكتب: {لقد اهتز عرش الرحمن اليوم لموت سعد بن معاذ} الدنيا بكت، الصحابة تأثروا، الجرح لا ينطفئ في القلوب، لكن أعظم من ذلك أن عرش الواحد الأحد الرحمن الديان المنان القهار الغفار الجبار جل في عليائه، الذي ما السموات السبع بالنسبة لعرشه إلا كسبع دراهم ألقيت في ترس، هذا العرش العظيم الضخم يهتز لموت سعد: {لقد اهتز عرش الرحمن لموت p=1000293> سعد}. قال أهل العلم: وذلك فرحاً، ويا لها من خاتمة عظيمة! ويا له من مرد طيب! ويا له من منقلب حسن عند الله! إذ اهتز عرش الله لموت هذا الإمام العلم، الذي خلقه فصوره فشق سمعه وبصره، ثم رزقه الإيمان، ثم وفقه للجهاد، ثم قبض روحه ثم اهتز عرشه له، ثم أدخله جنات النعيم. بإمكانك أن تتخذ من سيرة سعد مثلاً لك ولأبنائك ولجيلك ولطلابك، فيبقى أمامك هذا الإمام تعلمه وتدرسه وتتأثر بسيرته إن كان لك قلب، إن كان فيك ذرة من حياء، إن كان لك ضمير: {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37].

ماذا أعد الله لسعد في الجنة

ماذا أعد الله لسعد في الجنة أتى وفد من بلاد فارس بجبة لكسرى من حرير مخلوطة بألوان -وتصور ملك فارس ماذا يلبس- فلما رآها الصحابة تبرق مع الشمس، وكادت تعمي أبصارهم، فأخذوا يمسحونها بأيديهم ويلمسونها بأصابعهم، فيقول عليه الصلاة والسلام: {أتعجبون من هذه؟ والذي نفسي بيده! لمناديل سعد بن معاذ خير من هذه في الجنة} المناديل فقط -مناديل العرق- فكيف النعيم؟ كيف الدور؟ كيف القصور؟ كيف المنقلب؟ كيف النظر إلى وجه الباري سبحانه وتعالى؟ كيف الخيام؟ كيف الحور العين والطعام والشراب واللباس والعز والمجد والملك الكبير؟ المناديل فقط خير من جبة كسرى التي شريت بالآلاف المؤلفة من الدنانير. فهذا شيء من طرف النعيم في الجنة. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل نائحة تكذب إلا نائحة سعد بن معاذ} كل نائحة تبالغ إلا من تبكي على سعد بن معاذ فهي صادقة، أمه أرسلت دموعها، وشيعته وقالت: ويل ام سعد سعداً كرامة وحدا وسؤدداً ومجدا وفارساً معدا سد به مسدا يقدمها ما قدا هذه بعض الكلمات قالتها تشييعاًِ على عادة العرب في رثاء أبنائهم، وجزاها الله عنه خيراً، وجزاها عنا خيراً أيضاً، فهي التي بإذن الله أوجدت لنا هذا البطل الذي صار شامة نفتخر به أمام الأمم هو وأمثاله من المهاجرين والأنصار، بنوا لنا مجداً رضوان الله عليهم لما صدقوا مع الله، فرفع قدرهم ومنزلتهم، وحكم جهادهم سبحانه، وعزَّ بهم دينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

تشيع الملائكة لسعد بن معاذ

تشيع الملائكة لسعد بن معاذ من الكرامات لـ سعد أن شيعه سبعون ألف ملك، وهذه في السير، وأنا أنقل أحاديث السير كما نقلها أهل السير من باب الرواية ولا نشترط فيها ما نشترط في حديث الحلال والحرام وأحاديث العقائد، ولكن نفعل كما قال الإمام أحمد حيث نقل عنه ابن تيمية في الفتاوى أنه قال: إذا أتى الحلال والحرام تشددنا وإذا أتت الفضائل تساهلنا، لكنني لا أتعمد أن أنقل حديثاً كذباً أو موضوعاً معاذ الله. فشيعه سبعون ألف ملك، وكان صلى الله عليه وسلم خير من شيعه إلى قبره؛ جعله الله روضة من رياض الجنة وهو كذلك بإذن الله.

دروس وعظات من سيرة سعد

دروس وعظات من سيرة سعد أما الدروس من هذه القصة:

العمر المبارك ليس بكثرته

العمر المبارك ليس بكثرته فأولاً: العمر المبارك ليس بكثرة السنوات، فمن الناس من يعيش ثمانين أو تسعين سنة هباء منثوراً، تجدهم يأكلون ويشربون، وأغلوا الأسعار، وأفسدوا الهواء، وشربوا الماء. ليس لهم دور في الحياة ولا في العبادة ولا قراءة القرآن إنما هم ضياع في ضياع، بل منهم من بلغ الثمانين، وإذا سألته عن حياته فإذا هي هموم تافهة رخيصة لا تساوي ذرة، ولكن هذا الرجل عاش سبع سنوات في الإسلام، ومن الصحابة من عاش شهراً واحداً، ومنهم من مات في نفس اليوم الذي أسلم فيه فدخل الجنة. فليس العمر المبارك بكثرة السنوات ولا بطول العمر، بل قد يوفقك الله عزّ وجلّ فتحصل وتنتج في سنة واحدة من العطايا المباركة، والعبادة والنوافل، وقراءة القرآن، وطلب العلم، وحضور المناسبات الخيرة ما يفوق على مائة عام لغيرك، فهو توفيق من الله سبحانه وتعالى: قد يضيق العمر إلا ساعة وتضيق الأرض إلا موضعا فساعة مباركة خير من ألف ساعة غير مباركة ولا جميلة.

الصدق مع الله

الصدق مع الله فالله الله في السرائر؛ فإن الله لما علم صدق نية سعد وإخلاصه؛ وفقه وألهمه وسدده في المواقف، ثم رزقه الشهادة؛ فكان مسدداً مهدياً حتى مات. فالله الله في الصدق معه، فإنه بقدر صدقك يمنحك الله الثبات في الأقوال والأفعال والتصرفات، ويحرسك سبحانه وتعالى بعين رعايته.

التضحية بالنفس والنفيس

التضحية بالنفس والنفيس كان عندك أحد أعز من الله ومن رسوله وأحب وأكرم؛ فأحسن الله عزاءك في إيمانك! فإنه لا زوجة ولا أهل ولا مال ولا أبناء ولا دار ولا وظيفة أفضل وأعز وأرفع من دين الله، فضَحِّ بها كلها لترتفع لا إله إلا الله محمد رسول الله. ويل لمن قدم شيئاً على الله وعلى رسوله، خسارة له. بعض الناس يحن لمزرعته، لاستراحته، لوظيفته، عبد الدرهم والدينار والخميصة والخميلة تباً له وسحقاً! ما عندنا أشرف من الدين من لا إله إلا الله من تمريغ الجباه لله الواحد الأحد: نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا

الأثر الذي تركه الرسول عليه الصلاة والسلام في أصحابه

الأثر الذي تركه الرسول عليه الصلاة والسلام في أصحابه لا إله إلا الله! ليس في العالم مربٍ ولا مصلح ولا موجه ترك من التأثير في أصحابه وأتباعه كما فعل عليه الصلاة والسلام، لا إله إلا الله! ساعة واحدة يجلسها مع الإنسان فيحوله من الصفر إلى الألف، فيصبح مجاهداً شهيداًَ في سبيل الله! لا إله إلا الله أي تأثير هذا؟! يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع العرب ويربيهم، فالواحد منهم يطعن بالرمح في ظهره ويخرج من صدره فيقول: فزت ورب الكعبة! أما الثاني: فيكلمه الله كفاحاً بدون ترجمان، والثالث تغسله الملائكة، والرابع يقطعه مسيلمة الكذاب قطعة قطعة ويقول: لا أسمع شيئاً من كلامك، والخامس يهتز له عرش الرحمن. قدَّم عليه الصلاة والسلام وأثر في الناس وفي أصحابه تأثيراً؛ لأنه رسول معصوم، وهو أصدق الناس عليه الصلاة والسلام، وأخلصهم في التربية والعطاء المبارك، ولذلك من أراد أن يؤثر في طلابه وأصحابه وأمته وقومه، فليصدق مع الواحد الأحد ويخلص له العبادة وأن يتوجه إليه، فإنه الله الذي يأتي بالقلوب، وهو الذي يسخر الأرواح والنفوس للداعية وللمربي وللمعلم، وهذه رسالة أبعثها للأساتذة والمربين والمدراء والآباء والدعاة أن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في إخلاصه وصدقه مع ربه، ولذلك جاء بهذه الثمرات التي أذهلت العالم وأذهلت كل الدنيا، ويقتدي صلى الله عليه وسلم في عمله بعلمه، وهو الأسوة الحسنة والقدوة المثلى صلى الله عليه وسلم.

فضل الله وجوده وكرمه على عباده الصالحين

فضل الله وجوده وكرمه على عباده الصالحين الفضل لله، تظنون أن سعد بن معاذ متفضل على الله؟! لا. الفضل للواحد الأحد، هو الذي هداه وأعطاه ومنحه، ورغم أن سعداً جاهد وقدم دمه وروحه، لكن الفضل لله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ} [الحجرات:17] لا تظن أنك متفضل على الله يوم أتيت الليلة أو حضرت المحاضرة أو صليت أو صمت أو جاهدت، بل الفضل له وحده، يقول سبحانه وتعالى: {يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً}. وقد ذكر الشيخ سليمان بن عبد الله بن عبد الرحمن أثراً قدسياً أن الله يقول: {وعزتي وجلالي! ما اعتصم بي عبد فكادت له السموات والأرض إلا جعلت له من بينها فرجاً ومخرجاً. وعزتي وجلالي! ما اعتصم بغيري عبد إلا أسخت الأرض من بين قدميه، ثم لم أبال في أي واد من أودية الدنيا هلك} لأنه الفعال لما يريد، فالفضل والجود والكرم له، فاسأل الله من فضله، ولا تمن ولا تعرض أعمالك، واحتسب أعمالك على ربك؛ لأن بعض الناس يعمل كأنه خادم أو موظف، حتى إن بعضهم يعمل في الدعوة، فإذا سألته: لماذا لا تواصل؟ قال: يا أخي! نعمل مع أناس لا يقدرون الجهود ولا يعرفون تعبنا، وكأنه موظف في شركة. فأنت تعمل عند الواحد الأحد: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الفتح:29]. أفتطلب فواتيرك من البشر وشيكاتك من الناس؟!

تأثير الكلمة الطيبة ومكانتها في الإصلاح والصلاح

تأثير الكلمة الطيبة ومكانتها في الإصلاح والصلاح لا تحتقر كلمة طيبة، فـ سعد قال كلمات سجلها التاريخ، ونفع الله بها الدين، ونصر بها الإسلام، فكلمته في بدر هي خير من جيش عرمرم، وكلمته لما حكم في بني قريظة سجلها التاريخ، فلذلك لا تحتقر الكلام الطيب. إذا حضرت مناسبة فاختر أحسن كلام تنصر به الدين كله، إذا حضرت إصلاحاً قل الكلمة المصلحة، إذا سمعت نيلاً من عرض مسلم فدافع عنه وقل كلمة: {من ذب عن عرض أخيه المسلم ذب الله عن وجهه النار يوم القيامة} رواه أبو داود، فإلى متى تدخر الكلام الطيب إذا لم تقله في المناسبات؟ وإلى متى تحتفظ به وتخزنه؟! لأن الله يقول: {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا} [المائدة:85] قولة واحدة لعن بها قوماً، وقولة واحدة رضي الله بها عن قوم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64] فلا تحتقر كلاماً طيباً، بل تكلم وأثر.

ليس للمسلم أن يوالي أعداء الله

ليس للمسلم أن يوالي أعداء الله وهذا نأخذه من فعل سعد لما أتى فنسي التحالف في الجاهلية مع اليهود، فلقد كان صديقاً وحبيباً لليهود قبل إسلامه، وكان معهم وكانوا معه، لكن بعد (لا إله إلا الله) أيصادق ويوادُّ اليهود بعد الإسلام والإيمان؟ لا. المسلم يفاصل، فالمسلم موقفه ظاهر، إما كافر أو مسلم، أما تمييع القضايا وقول بعضهم: يا أخي! الناس عباد الله عز وجل، ولا يكون الإنسان متزمتاً ولا متشدداً، يا أخي! تألفوا الناس، وأنت تعلم العواقب، بل نحن نعلم العواقب فالمؤمنون في الجنة والكفار في النار، ونعرف العواقب، المؤمن رضي الله عنه والكافر لعنه الله، إسلام وكفر، جنة ونار: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7]. فلا تمييع، بل ولاء لله عز وجل، ولذلك شرَّف الله سعداً لما قام في عشيرته وقال: كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله. أما الإسلام السلبي وإيمان المرجئة؛ أن يلتزم الإنسان ثم يبقى إسلامه لنفسه فقط، ولا يؤثر على إخوانه وأولاده، ولا على بناته وأسرته، ولا قبيلته وعشيرته، ويغسل يديه من الأنشطة الدعوية، ومن الجمعيات الخيرية، ويبقى منزوياً بحجة الوقار والورع البارد المظلم، فهذا لا ينفعه شيئاً. أيضاً: تمريض المسلم في المسجد لا بأس به، وهذا له أحكام، لكن استدل بها البخاري وغيره من قصة سعد. ففي المسجد قد ينام النائم للمصلحة وللجاجة، إذا لم يكن هناك ضرر، وقد يمرض أيضاً، وقد يستقبل فيه وفوداً، وقد تروى فيه أشعار للمصلحة الشرعية كما فعل حسان رضي الله عنه، وإنما فُعل بـ سعد رضي الله عنه إكراماً له.

إنزال الناس منازلهم

إنزال الناس منازلهم قال عليه الصلاة والسلام: {قوموا إلى سيدكم} فصاحب الجهاد، والعالم وطالب العلم والداعية، والسلطان المقسط العادل يحترم، والشيخ الكبير والزاهد والعابد يوقر وينزل منزلته، أما أن تجعل الناس سواسية، أو تشرف وتحترم الفجرة، وتهين الطائعين وأولياء الله عز وجل فهذا خطأ وبعض الناس هكذا دنيوي بحت؛ فإذا جاء الفجرة أهل الدنيا احترمهم وقدرهم وشرفهم وعظمهم، وإذا جاء أهل الصلاح والإصلاح والولاية والخير وقيام الليل استهان بهم وقال: هؤلاء حمقى مغفلون، فهذا هو النفاق بعينه. فيشرف وينزل الإنسان منزلته.

المقصد من الحياة

المقصد من الحياة الحياة للجهاد والدعوة فقط، فتكون أمنيتك في بقائك في هذه الحياة ليس لغرس الأشجار. أشجار من؟ وأزهار من؟ وبذور من؟ وقصور من؟ وهل بقيت لكسرى وقيصر القصور، أو بقيت للرومان وفارس، أو للدولة الأموية والعباسية والعثمانية؟! تبني لمن؟! يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن شرور العمر أحزان ولكن تطلب الحياة لتزداد إيماناً، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {خيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله}. روى أحمد في المسند بسند صحيح: {أن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه رأى رجلين -أخوين- أسلما معاً، أحدهما قتل شهيداً في سبيل الله، والثاني تأخر عنه أربعين يوماً ثم مات موتاً طبيعياً، فرآهما في المنام في الجنة وإذا بينهما درجات، وإذا الذي مات حتف أنفه أرفع من الشهيد في سبيل الله بدرجات كثيرة فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص عليه القصة، قال: كم مكث بعده؟ -أي: بقي بعده في الحياة- قال: أربعون ليلة، قال: كم صلى من صلاة؟! وكم دعا الله من دعوة؟! وكم سبح من تسبيحة؟!} فأنتم في خير كل يوم يمر بكم غنيمة؛ تصلون فيها خمس صلوات، تسبحون، تقرءون القرآن، تتصدقون، تصبرون على الأذى، تصارعون الأحداث وتجاهدون. من تمنى الشهادة بصدق وجدها. فأنت إذا تمنيت على الله وعلم حسن نيتك وفقك، من علم، من جهاد، من دعوة، من شهادة، فاطلبوا الله فالخزائن عنده وحده، وهو الذي يلبي الطلب سبحانه ويجيب الأسئلة، فادعوه وألحوا عليه، فإذا علم منكم أنكم صادقون أعطاكم ما تمنيتم.

كرامات الأولياء

كرامات الأولياء كرامات الأولياء لا نجحدها بل نقرها كما أقرها أهل السنة والجماعة، فإن الله يكرم الأولياء كرامات كما أكرم أبا بكر وكثر له، أما معجزاته صلى الله عليه وسلم فهي ما يقارب الألف كما هو معلوم، لكن أتكلم عن كرامات الأولياء الصالحين -وإكرام سعد بأن شيعه سبعون ألف ملك- وهذا سببه تفاضل الناس في الإيمان، فهل تظن أن إسلامي وإسلامك وإيماني وإيمانك كإيمان سعد؟ حاشا وكلا! وقد قال تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} [آل عمران:163]. إنسان قدم نفسه ويتمنى الشهادة، وينام في خيمة في المسجد، وترك الدنيا من أجل مرضاة الله، وقام يعلن القطيعة لأسرته وعشيرته وقبيلته وذريته إن خالفوا أمره في اعتناق الإسلام، وقطع ما بينه وبين اليهود من أواصر تجعله مثل إنسان لا يأتي صلاة الفجر إلا دبراً. إن أردت أن ترى مستوانا الإيماني، فتعال معنا في مساجدنا في صلاة الفجر، وانظر إلى حالنا، إن أردت أن ترى مستوانا فاحضرنا لترى ما في الصف الأول؛ لترى أن كثيراً من المسلمين الذي يلقون الكلمات الطيبة والقصائد الرنانة في نصرة الدين، لا يحضرون الصف الأول. لا تلقي علينا كلمات ولا محاضرات نسألك بالله أن تحضر الصف الأول، ولا تفوتك تكبيرة الإحرام: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} [التوبة:105] فالمسألة عمل وصدق مع الله عز وجل. قال محمد بن واسع: إذا رأيت الرجل يتهاون عن تكبيرة الإحرام مع الجماعة في الصف الأول فاغسل يديك منه. والصحابة والسلف ما كانوا في الصف الأول فقط، بل في قيام الليل، في الثلث الأخير: {ينزل ربنا إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟! هل من مستغفر فأغفر له؟! هل من مذنب فأتوب عليه؟!}. فقصدي من هذا: أن الناس متفاضلون في الإيمان بلا شك، وهو معتقد أهل السنة والجماعة، والإيمان يزيد وينقص. وأقول هذا لمن فهم من كلامي أني أقول: بعدم زيادة الإيمان، فأنا أشهد الله وملائكته وحملة عرشه أنني معتنق لمنهج السلف وأهل السنة والجماعة، وكل قول قلته أو كتبته مخالف لمعتقدهم فأنا عائد عنه، بل الصحيح ما درسنا وتعلمنا وحفظنا وقلناه في محاضرات سابقة وكتبناه في كتب: أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية لقوله سبحانه وتعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4] {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً} [محمد:17] وغير ذلك من الآيات والأحاديث. فنعترف أن إيمان أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أعظم من إيمان كل مؤمن من الأمة، وأن الناس متفاضلون بحسب جهادهم وهجرتهم وصدقهم وتضحيتهم.

حكم البكاء على الميت

حكم البكاء على الميت البكاء على الميت عندنا بكاء رحمة لا نياحة وتسخط على القضاء والقدر، نبكي إذا مات الميت كما بكى صلى الله عليه وسلم على سعد وابنه إبراهيم وقال: {تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون}. وأقف وقفة مع استنتاجات وألمعية ابن تيمية رحمه الله، قيل له: الفضيل بن عياض ضحك لما مات ابنه، والرسول صلى الله عليه وسلم بكى لما مات ابنه، فأي الحالين أفضل؟ وهذا السؤال الأصل أنه لا يعرض، لكن لا بد أن يجيب العالم على أي سؤال يحصل. والفضيل بن عياض كان عنده ابن اسمه علي، وهو ولي من أولياء الله، فهو يشبه أباه، بل إن بعضهم قال: أزهد من أبيه، وكان زاهداً خاشعاً لله مخبتاً، وكان الفضيل بن عياض يقول للإمام في مكة: لا تقرأ من الزواجر؛ أخاف أن يموت ابني، ووقع ما كان يحذر. فالإمام في يوم من الأيام -وهذه القصة ثابتة- صلى في الفجر وقرأ: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً} الصافات:1] ثم استمر الإمام يقرأ إلى حين قال: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:24 - 26] وهذا الخطاب لأهل النار وقفوهم: اسألوهم عن رسلنا الذين أرسلناهم، اسألوهم عن الحياة، اسألوهم عما أعطينا من النعم {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:25] أين آلهتكم؟ أين أحزابكم؟ {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:26] أي: لا نصرة، فسمعها علي بن الفضيل فوقع مغشياً عليه، فرفع إلى البيت فإذا هو قد مات، فأتى الفضيل ولما حضر إلى المقبرة ضحك رضاً بأمر الله. قال ابن تيمية: حال الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم وأكمل وأرفع من حال الفضيل فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين الرضا والرحمة، والفضيل ما استطاع أن يأتي إلا بالرضا، ولم يستطع أن يأتي بالرحمة. سدد الله ابن تيمية وغفر له. فالرسول صلى الله عليه وسلم رضي فقال: {ولا نقول إلا ما يرضي ربنا} ورحم فبكى؛ فهي رحمة من الله في الرسول صلى الله عليه وسلم. فالبكاء غير التسخط والنياحة؛ لأن بعض الإخوة الشباب إذا سمعوا شخصاً يبكي على ميت، قالوا: حرام لا يجوز. فهذا خطأ، بل يبكي وتدمع العين لكن لا تنح، ولا تلطم وجهاً ولا تشق ثوباً ولا تنتف شعراً.

العيش عيش الآخرة

العيش عيش الآخرة عظيم ما أعد الله لعباده في الجنة -وقد أخبرتكم- لكنني أقول لكم مسألة: إذا تصورتم أي نعيم في مخيلتكم وذاكرتكم ومرت بكم مواقف من النعيم والعطاء واللذة والمتعة فاعلموا أن في الجنة: {ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر} واعلموا أنه قد صح في الحديث: {لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها} واعلموا أنه صح في الحديث: {أن الخيمة الواحدة للمؤمن في الجنة طولها في السماء ستون ميلاً، ويرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها، له في كل جهة منها أهلون، -أي: حور عين-}. وهذا مأخوذ من ذكر منازل سعد بن معاذ، وإنما أراد صلى الله عليه وسلم أن يبين عظم ما أعد الله لعباده المؤمنين، ويا حسرتاه! يوم نسمع الآيات البينات والأحاديث الثابتات عن نعيم الجنة وما فيها من فوز وخلود، ونعيم وقرة عين، ثم نتشاجر ونتناحر ونتخاصم على الجيفة! يقول عمران بن حطان شاعر الخوارج: أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوَّع أي: الدنيا، فترى بعض التجار ينزل إلى الآن أكياساً من الأموال والأطعمة، وقد جاوز السبعين من عمره، وهو يعد المال فتفوته صلاة الجماعة. كم تأكل؟! كم تشرب؟! إلى متى؟! تنزل الأكياس وتحسب الفواتير، ومشغول الذهن، ويفتح شركات في الليل والنهار، ومشغول عن قول: لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وليس من الذين يتلون القرآن ولا يتصدق بعضهم ولا يزكي، فهذا من أشقياء الناس تجده خادماً مسكيناً ضعيفاً هزيلاً. يقول: أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوَّع أراها وإن كانت تسر فإنها سحابة صيف عن قليل تقشَّع

إجلال النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه

إجلال النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه إجلال النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه واجب شرعي، وأوصي نفسي وإياكم بتعزير الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوقير كلامه ومقامه الشريف، وعدم التعرض لجنابه الطاهر الطيب الرفيع بشيء من الاستهزاء -أعاذكم الله من ذلك- أو السخرية، أو المزح، أو اللهو، أو اللعب، إنما هو ليس بالهزل، ووقار ومقام تعظيم، فالله الله يوم يروى حديثه أو كلامه أو سيرته صلى الله عليه وسلم لا تشتغل بشيء من المزاح أو الأذى أو الاستهتار فإنه الكفر كل الكفر: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65]. احذر! فبعض الناس شرير يقع على الأحاديث ويعلق عليها، يسمع قصة نبوية ويعلق عليها، فيكفر من وقته ويحكم عليه بالكفر الصراح. الله الله أُخذ ذلك من تعظيم سعد يوم قال سعد: أيرضى بالحكم من في هذه الناحية؟ هذا تعظيم للرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم بشر {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63]. الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كمثلي ومثلك، إنه مؤيد معصوم يوحى إليه وينزل عليه الوحي، ويتكلم يوم القيامة ولا يتكلم أحد، لا نوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا عيسى ولا أي نبي عليهم الصلوات والسلام، الكل يعتذر، كل يقول: نفسي نفسي، وفي الموقف كل من خلق الله يريدون أن يفصل الله بينهم، فيذهبون إليه فيقولون: يا رسول الله! يا محمد! اشفع لنا ليفصل الله بيننا في هذا الموقف. فهل يعتذر؟ وهل يقول: نفسي نفسي؟ وهل يقول: عندي ذنب؟ يقول: أنا لها! أنا لها! ما أحسن الكلام! صاغ ذلك الموقف حافظ الحكمي الشيخ الجليل رحمه الله، وكان شاعراً مجيداً، وهكذا الشعر في خدمة الدعوة: واستشفع الناس بأهل العزم في إراحة العباد من ذا الموقف وليس فيهم من رسول نالها حتى يقول المصطفى: أنا لها ولست أنت ولا أنا ولا ابن فلانة، بل محمد صلى الله عليه وسلم، أبو القاسم يقول: أنا لها، فيشرفه الله في هذا المقام المحمود، فعليك أن تعرف حقوق المصطفى عليه الصلاة والسلام كما عرفها أصحابه رضوان الله عليهم، فكان إذا تكلم أصغوا وسكتوا وخشعوا وأنصتوا كأن على رءوسهم الطير، حتى روي: أن عبد الله بن رواحة جلس على الرصيف خارج المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم -في الظاهر- يريد من داخل المسجد، فقالوا له: لمه؟ قال: سمعته يقول صلى الله عليه وسلم: اجلسوا فما أمكنني إلا أن أجلس مكاني. فهو الامتثال لأمر الله ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، والاحترام والتوقير وكثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وإجلال أمره، فليس أحد في العالم كائن من كان يقدم كلامه على كلام الرسول عليه الصلاة والسلام.

اليهود هم أهل المكر والغدر والخديعة

اليهود هم أهل المكر والغدر والخديعة هي حادثة وقضية الساعة: خيانة اليهود ومكرهم وخداعهم ونقضهم المواثيق، فلا يوثق بهم قوم لعنهم الله وخذلهم كيف يوثق بهم؟ وهم العدو. ولذا أحببنا سعداً لأمور كثيرة منها: أنه عدو اليهود اللدود، كان صديقاً قبل لا إله إلا الله، لكن لما أتت لا إله إلا الله انتهى الأمر، فأصبح الموت لهم، فهو الذي حكم بقتلهم، وهو الذي أبادهم بحكمه بالسيف؛ فليس لهم إلا العداء، لأنهم قتلة الأنبياء والرسل. فهل توالي الذين يقولون: إن يد الله مغلولة؟! لعنهم الله. وهنا يقول ابن تيمية: القرآن يأتي بالشبهة موجزة ثم يرد عليها رداً مبسطاً أو طويلاً مسهباً حتى لا يترك لها أثراً: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] فقط. بخلاف ما يفعله بعض الدعاة والوعاظ حينما يأتي بالشبهة فيطولها كثيراً ثم يرد عليها يقول: وهذا لا ينبغي والله المستعان أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم؛ فيثبتها في القلوب ثم لا يزيلها؛ وهذا بخلاف أسلوب القرآن، حيث الشبهة فيه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] انتهى الكلام عن الشبهة، واسمعوا الرد: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64] الآية. علم أن اليهود أهل عداوة أبدية؛ لأنهم كفروا بالله، ولأنهم قتلة الأنبياء والرسل ثم يعلم أنهم ينقضون المواثيق، فليس لنا رجاء في يوم من الأيام أنهم سوف يصدقون وسوف يتقيدون بأي ميثاق، بل هم خانوا الله، فماذا تريد أن يكونوا معي ومعك؟ أو أن يصدقوا معي ومعك؟ بل هي الخيانة المستمرة، وطبع الغدر هو الخلق المستمر في أعداء الله عز وجل. فمن هذا المنطلق نشكر لـ سعد بن معاذ موقفه الصلب الصامد مع اليهود، وبمثل هذه المواقف انتصر الإسلام، ولكن لما لاين أبناء المسلمين اليهود وصانعوهم وداروهم، ودخلوا في فلك الصلح معهم؛ وقعت الكارثة بالمسلمين والذلة والهوان والغلبة، ولكنا لا نزال نطمع. لا تهيئ كفني ما مت بعد لم يزل في أضلعي برقٌ ورعد أنا تاريخي ألا تعرفه طارق ينبض في قلبي وسعد فأملنا بالواحد الأحد. قد ينشأ لنا شاب ناشئ كـ سعد بن معاذ -وليس على الله ببعيد- من المدارس التي تخرج حفظة القرآن، ومن الجامعات التي تحفظ البخاري ومسلماً ومن دور الرعاية المؤسسات الخيرية من الجمعيات الخيرية المباركة من المساجد الطاهرة العامرة، تخرج لنا جيلاً إسلامياً متوضئاً مصلياً مجاهداً، يدحر اليهود ويمزقهم، وينتصر عليهم بلا إله إلا الله محمد رسول لله. فلا يأس ولا قنوط، وإنما يبقى عندنا أمل بأن الدين الذي حمله سعد نحن نحمله إن شاء الله مع اختلاف المراتب، والقرآن الذي قرأه سعد هو بين أيدينا غض طري كأنما نزل اليوم، الرسول الذي هدى سعداً بإذن الله صلى الله عليه وسلم هو رسولنا، والقبلة التي اتجه إليها سعد نتجه إليها فماذا ينقصنا؟ ينقصنا أن نزيل عنا الهوى والإعراض، والكسل والعجز، وأن نري الله من أنفسنا الصدق في إيماننا، نأخذ الكتاب بقوة، وانظر عبارة القرآن: {خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12] لا هزل انتبهوا استيقظوا تثبتوا ثبتكم الله تقووا قواكم الله بإيمانكم بمبادئكم بدينكم بكتابكم بسنة نبيكم عليه الصلاة والسلام. فإذا علم الله منا ذلك؛ نصرنا وأيدنا وثبتنا، وإلا فإنه قد مرّ في العالم الإسلامي فترات كهذه الفترات التي نعيشها، كفترة التتار وفترة الصليبين حتى دخلوا بغداد وأخذوا الخلافة، وكسروا منابر المساجد، ومزقوا المصاحف، وهدموا المنابر، ومع ذلك أخرج الله من ينصر هذا الدين. قد أكون أنا وأنت في تقصير، فلا نصلح للجهاد الآن، ولا لكسب النصر والتضحية، فيأتي الله من أبنائنا وأصلابنا بأبطال، وإني لأراهم في مدارس تحفيظ القرآن، وإني لأراهم في جماعة التحفيظ التي تملأ مساجدنا والحمد لله، وإني أراهم في من يحفظ السنة المطهرة في الحرمين، كأنهم يقولون: المستقبل لنا: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود:81] والنصر لنا والغد المشرق معنا، والله مولانا. فلا يأس ولا إحباط، وأرجو أن يسحب كل إنسان مخذل أوراق الهزيمة النفسية التي يقدمها حين يقول: كيف ننتصر على الدول النووية العظمى والجيوش الجرارة؟ فنقول: لا. الواحد الأحد معنا: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21] {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:14]. فهو الذي مزقهم كل ممزق، وهزمهم في بدر وأحد والأحزاب وعين جالوت والقادسية واليرموك وفي حطين. فأعيدوا لنا من هذا الجيل، أخرجوا لنا من الإنتاج الجديد على شكل سعد بن معاذ، حفظوهم الكتاب والسنة لا الأغنية والمجلة الخليعة، ولا الفيلم الهابط ولا الضياع ودغدغة مشاعرهم بأن يكون مستقبلهم فلة وسيارة وزوجة، وأن يكون نجماً كروياً ولامعاً غنائياً، لا. بل نريد سعد بن معاذ، هؤلاء عظماؤنا وأبطالنا، وهؤلاء مجدنا وشرفنا، وهؤلاء هم قادة مسيرة النصر التي يقودها محمد صلى الله عليه وسلم. هذه سيرة هذا الإمام رضي الله عنه وأرضاه وجمعنا به في جنات النعيم. وفي الختام: أتوجه بالدعاء إلى الواحد الأحد؛ فأسأله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب؛ أن يوفقنا لما وفق إليه سعد بن معاذ، وأن يخرج منا جيلاً ربانياً صادقاً موحداً. أسأله أن يجمع كلمتنا، وأن يصلح ولاة أمورنا، وأن يرزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الحق وتحذرهم من الباطل. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أخطاؤنا تحت المجهر

أخطاؤنا تحت المجهر الاستفادة من الأخطاء، والنظر إلى الماضي بعين العبرة والاتعاظ؛ مطلب حميد لابد منه لترشيد المسيرة. وفي هذه المحاضرة سبعة عشر خطأً مما يقع فيه الدعاة في عصرنا، وقد ذكرت هذه الأخطاء مع كيفية نشوئها وأسباب وجودها، وأردفت بذكر الحلول المناسبة للتخلص منها.

ما هي الأخطاء المقصودة؟ ولماذا نشخصها؟

ما هي الأخطاء المقصودة؟ ولماذا نشخصها؟ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأشكركم على حضوركم، وأشهد الله على حبكم فيه، وأسأل الله الذي جمعنا في هذا المكان الطيب الطاهر أن يجمعنا بكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وأشكر فضيلة الشيخ عبد الوهاب الناصر على دعوته لزملائه وإخوانه، ينظمهم عقداً في دروس للتوعية والوعي، ثم أشكر باسمكم جميعاً شاعر الصحوة الإسلامية، الدكتور عبد الرحمن العشماوي وحق لي أن أقرب له المنبر هذه الليلة وأقول له: اهجهم وروح القدس يؤيدك، فهو حساننا، وحق له أن يدافع عن هذا الدين بسهامه الماضية المصيبة، سدد الله طريقه وثبت قدمه. وقبل أن آتي إلى المحاضرة "أخطاؤنا تحت المجهر" معي مقطوعة عنوانها: يا قلعة التوحيد. إذا ما التقينا فالشهور دقائق وإما ابتعدنا فالدقائق أشهر يقولون نجد العامرية أرضنا نعم ودموعي في ثرى نجد تعصر فلا خيمي من قيس ليلى تشوقني فشوقي رعاك الله من ذاك أكبر هيامي بجيل مسلم من جدوده بلال وسعد والمثنى ومعمر هنا العلم والتاريخ والمجد والنهى ومنها العلا تبدو وتسمو وتزأر فيا قلعة التوحيد لست رخيصة ولو حاول العذال فيك وأكثروا بها أنبت الله الإمام محمداً له في جبين الدهر نور ومنبر فيا ابن وهاب العقيدة كلما ذكرناك كان الفضل والبر ينشر عنوان المحاضرة: "أخطاؤنا تحت المجهر". وأقصد بهذه الأخطاء ما يقع فيها أمثالي من المقصرين، على أن هناك محاضرة قبل أسبوعين كانت بعنوان: "فن الدعوة" هي تمهيد ومقدمة لهذه المحاضرة، ولكن أرجو ألا يظن شخص أو فئة من الفئات أو طائفة أني أقصدها، فأنا أقصد نفسي، وأنا شهيد على نفسي هذه الليلة، كما قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء:135]. فحق علي أن أشهد على نفسي هذه الليلة أني مقصر، وأن لي أخطاءً، سوف أعرضها عليكم، عليَّ أن أجد منكم الناصح اللبيب. والحقيقة أننا بحاجة لتشخيص أخطائنا: أولاً: لأنه واجب شرعي، والمؤمنون نصحة. والأمر الثاني: لئلا يأتي غيرنا، فيشخص لنا أخطاءنا، فنحن بأنفسنا نعرِّف الناس أن لنا أخطاءً، فإن من عرف عيب نفسه عرف كيف يعالجه ويداويه. الثالث: إن عقلاء الأمم ونبلاء الناس يداوون أخطاءهم على مر التاريخ. إذاً فلا تثريب علينا أن نذكر أخطاءنا، يغفر الله لنا ولكم وهو أرحم الراحمين، ولست في التاريخ أول من نقد نفسه، يقول شاعر جاهلي عصري: أأنا العاشق الوحيد فتلقى تبعات الهوى على عاتقيا ما هي أخطاؤنا؟ إنها كثيرة لأنا لسنا معصومين. تحت المجهر، أي مجهر؟ إنه مجهر الكتاب والسنة، مجهر محمد عليه الصلاة والسلام، حسب ما يتصوره المجتهد المقصر في أن يلتمس الحق والصواب.

من الأخطاء قلة الإنصاف

من الأخطاء قلة الإنصاف من أخطائنا -نحن مسيرة الصحوة- قلة الإنصاف. وسوف أعرض سؤالاً في الأخير: لماذا لا أقصد في حديثي هذا غير الملتزمين أو المستقيمين أو الناهجين نهج الحق؟ إن العدل نفقده كثيراً في أحكامنا، وفي أقوالنا، وفي لقاءاتنا، يقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} [النساء:135] ويقول عز اسمه: {ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8]. والمعنى قولوا العدل واحكموا به، ولا يحملنكم شنآن الآخرين وعداوتهم، على أن تجحفوا في الحكم، فإذا كان الحكم لك، فلا تثنِ على نفسك، وإذا كان الحكم على عدوك، فلا تثرب على عدوك أو تنسى حسناته. والله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل:90] والعدل يكون في الأحكام، والصدق يكون في الأخبار كما قال ابن كثير في قوله سبحانه وتعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام:115] قال: صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام. وقال سبحانه: {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء:135] فاتباع الهوى يحملنا على أن نجور، فترانا نضخم الحسنات إذا كانت لنا، ونصغر الحسنات إذا كانت لغيرنا، ونصغر سيئاتنا، ونكبر سيئات غيرنا. وقال سبحانه وتعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام: {وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ} [الشورى:15] فهو عادل عليه الصلاة والسلام في أحكامه، بل قال صلى الله عليه وسلم كما في سنن النسائي: {وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا} فلا يقول صلى الله عليه وسلم إلا كلمة الحق؛ مع عدوه ومع صديقه، وهذا منهج افتقدناه على مستوى الجماعات والأفراد. وسوف أعرض أمثلة من سيرته عليه الصلاة والسلام، لنرى العدل في قوله وأحكامه. في الصحيح أنه {أتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بشارب خمر، فقام الصحابة فضربوه وعزروه، وقال أحدهم: أخزاه الله! ما أكثر ما يؤتى به في شرب الخمر! فقال صلى الله عليه وسلم: لا تقل ذلك، لا تعينوا الشيطان على أخيكم، فو الذي نفسي بيده! ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله} فاحتسب له صلى الله عليه وسلم حسنة حب الله وحب رسوله عليه الصلاة والسلام. أيضاً حاطب بن أبي بلتعة في الصحيحين سرب أخبار السرية للكفار، وهي جريمة كبرى، فلما أُتي به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ليحاكمه، قال عمر: {يا رسول الله! دعني لأضرب عنق هذا فقد نافق، قال: يا عمر! وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} فاحتسب له عليه الصلاة والسلام حسناته التي قدمها في بدر، ولم ينسها صلى الله عليه وسلم. وكان أهل السنة والجماعة منصفين، يحكمون بالعدل ويقولون به، ومن قرأ تراجمهم وجد ذلك. وأوضح مثال على ذلك ما يفعله شيخ الإسلام ابن تيمية والذهبي وابن كثير، والبرزالي والمزي، وغيرهم كثير، حينما يتكلمون عن الأشخاص، وقد تكلم الذهبي عن قتادة بن دعامة السدوسي، الذكي العملاق، الذي أصيب ببدعة جزئية يسيرة في القدر، فذكر بدعته، وقال: لا نقره على بدعته، مع العلم أنه رأس في الزهد ورأس في التفسير، ورأس في العلم، فما أحسن الإنصاف! وما أحسن أن نذكر الحسنة بجانب السيئة! ذكر البخاري في كتاب الأدب المفرد، والألباني يرفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، والظاهر أنه من كلام علي لا من كلام محمد صلى الله عليه وسلم يقول: [[أحبب حبيبك هوناً ما، فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما]] إن العاطفة في حب الناس، أو في الحكم على الناس، توقفنا أمام طرفين غير مقبولين، إما المدح المفرط، أو الذم المفرط، وكلا الطريقين خطأ. فعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا

إصدار الأحكام الجائرة

إصدار الأحكام الجائرة نحن أهل السنة كما نزعم ونسأل الله أن يجعلنا منهم، وأن يحشرنا معهم، لا بد أن نضبط عباراتنا، وكلامنا، وأن نؤسسه على تقوى من الله ورضوان، حتى لا نأثم في الدنيا ولا في الآخرة. وإن هناك من يصدر أحكام الكفر والفسق، وأهل السنة لهم ضوابط في الإيمان والفسق والكفر، لكن ما أسرع أن تسمع أحداً يقول: إن فلاناً كافر فاسق، خارجي مبتدع! بسبب مقولة قالها، أو كلمة لم يُسأل هو عن قصده فيها، ولم يجلس معه، ولم يحاور، ولكنا نلقي الأحكام على عواهنها، وهي خطيئة كبرى، ويجب أن نتنبه لهذا الأمر. وأنا لا أدافع عن المبتدعة هذه الليلة، فأسأل الله أن يبعدنا عنهم، لكنها حقائق نعيشها، وأضرب لذلك مثلاً: مات موسيقار مشهور قبل فترة، وأمره إلى الله، يمكن أنه يصلي الخمس، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقوم بأركان الإسلام، لكنه مغن ومطرب، ويحضر حفلات محرمة، وقد سمعت كثيراً من الناس يقولون: إلى النار وبئس المصير! وهل نحكم نحن على مصائر الناس؟! وهل يكفي هذا لتكفيرنا لمثل هذا الرجل؟! ربما كانت له من الحسنات ما يغفر الله له بها في الآخرة، وأنا لا أبرر عمله المخطئ والمعصية الظاهرة التي يفعلها من الغناء المحرم، فقد أجمع أهل العلم على تحريمها. لكن ما هي الأمور التي تستوجب دخول النار عند أهل السنة والجماعة؟ وهل يستحق هذا أن يقال عنه: إنه في النار. وتسمع آخر يرد على كاتب مفكر فيقول: زائغ مرتد قاتله الله! إنها كلمة صعبة. أيضاً يُلاحظ هذه الفظاظة في تعاملنا فيما بيننا وفي أحكامنا على بعضنا، وفي عدم العفو الذي يجب أن نصدره نحو البعض منا، ولكن تتلاشى هذه الفظاظة لتصبح تميعاً في قضايا المعتقد مع المبتدعة، كـ معتزلة العصر، كمرتزقة الفكر، كالمتهوكين في الأدب، كالحداثيين والعلمانيين، فلا تجد لأحد رداً عليهم، ولا يذكرهم بسوء، وقد سلموا منه، ويبتعد عن الخوض معهم، وأما على إخوانه، فيرى القذى الصغير كالنخلة، وهذا خطأ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} [المطففين:1 - 4]. إن بعض الناس يدعو إلى تأليف القلوب مع الرافضة، أو مع العلمانية، وإيجاد الحلول والأعذار لهم، أما مع إخوانه فلا يعذرهم في مسائل تقبل الاجتهاد، وهي من قبيل اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد. وفي ختام هذه الفقرة، أدعو إخواني جميعاً، وليدعوا معي إلى مذهب أهل السنة والجماعة، نرحب بالجهاد في أفغانستان، أو في غير أفغانستان على منهج أهل السنة والجماعة، وقد طالب العلماء والدعاة -كما رأيتم- في منشورهم قادة المجاهدين بهذا، ولعل الله أن يفتح على قادة المجاهدين في السماع لهذا وامتثاله، وأسأل الله أن يسددهم وأن يجمع كلمتهم على الحق.

من الأخطاء: صعوبة عرض العقيدة

من الأخطاء: صعوبة عرض العقيدة أيضاً من أخطائنا: صعوبة عرض عقيدة التوحيد الواضحة. التوحيد من خصائصه أنه سهل تقبله القلوب، عقيدة يفهمها الطفل والأعرابي في الصحراء، وقد ربى الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه والأمة على أن يفهموا العقيدة، سأل جارية كما صح في الحديث فقال: {أين الله؟ قالت في السماء وفي بعض الألفاظ: أنها لم تتكلم وإنما أشارت إلى السماء فقال: اعتقها فإنها مؤمنة}. وفي سنن أبي داود أن حصين بن عبيد قدم على الرسول عليه الصلاة والسلام فقال له صلى الله عليه وسلم: {كم تعبد يا حصين؟ قال: أعبد سبعة، قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، فقال: من لرغبك ولرهبك؟ قال: الذي في السماء، قال: اترك التي في الأرض واعبد الذي في السماء} حديث صحيح. هذا دين سهل، وعرض التوحيد بمثل هذا يقبله الناس، ومن منا يمكن ألا يفهم هذه العبارات؟ من هو الذي يعتذر بطلسمة هذه العبارة عليه، أو بأنها منغصة وموهمة؟ لا أحد. كذلك في مسند الإمام أحمد بسند صحيح: {أن أعرابياً أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قال: من أرسلك؟ قال: الله؟ قال: إلامَ تدعو؟ قال: أدعو إلى الله، الذي إذا ضاعت راحلتك في الصحراء -خاطبه براحلته لأنه صاحب راحلة- سألت الله فردها عليك، وإذا أصابتك سنة مجدبة فدعوت الله، أمطر عليك سنتك} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فشهد أن لا إله إلا الله. حديث جبريل الطويل: لا صعوبة فيه، عرض سهل ميسر، ولكن أرى أننا تأثرنا بطريقة علماء الكلام، الذين أطالوا في العقيدة والذين توسعوا في العبارات، وأكثروا من القعقعة، ومن التشدق حتى قال الشافعي فيهم: رأيي في أهل الكلام، أن يطاف بهم في العشائر والقبائل ويضربوا بالجريد والنعال، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة. فلسفة اليونان دخلت علينا، وهي ما زالت في كتبنا، وتدرس حتى في الأقسام، وربما عرضت على العوام في الندوات والمحاضرات، واللقاءات.

عروض سهلة للتوحيد

عروض سهلة للتوحيد وأعرض لكم أمثلة من كتب التزمت سهولة التوحيد في عرضها مثل: كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب ما أسهله! وما أيسره! وما أحسنه! لماذا لا نقدمه في دروسنا ومحاضراتنا، بدون ردود إلا في مناسبات خاصة، ومثل كتاب التوحيد لابن خزيمة، على نصوص بسيطة فيه، ومثل كتاب معارج القبول للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي، ولا أعلم كتاباً مثله، فكيف بأحسن منه! إن السلف لم يختلفوا في مسائل المعتقد، أقصد الصحابة، قال ابن القيم في أعلام الموقعين: لم يسأل أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام رسول الله في مسألة في العقيدة، وإنما سألوه في الأحكام: يسألونك عن الأهلة، يسألونك عن المحيض، ويسألونك عن الخمر، إلى غير تلكم الأسئلة، خمسة عشر سؤالاً في القرآن ليس فيها سؤال في المعتقد، بل آمنوا وسلموا وقالوا: كل من عند ربنا. فلما أتى الخلف -نحن منهم- أكثرنا من عرض العقيدة والإسهاب في الكلام والتوسع في العبارة، حتى صعبت على الناس. وأنا أسأل شباب الصحوة والعلماء والدعاة: هل يلزمنا في كل مسألة نعرضها على عامة الناس، أن نذكر من خالفنا من الطوائف كـ الجهمية، والمعتزلة والأشاعرة والقدرية، والجبرية، والمرجئة، والرافضة، والخوارج؟! أما أهل العلم فلا بد لهم من هذه المسائل أن يتدارسوها بينهم في مجالسهم وأقسامهم وفي تواليفهم. أما إذا كنا نعرض العقيدة على الناس، فنملؤها بالردود حتى تصبح صعبة، فإن هذا مخالف لمنهج الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن التوحيد سهل بسيط، يعرض في آية وفي حديث، يفهمه الأعرابي والعجوز والطفل. أما إيراد هذه الشبه الدامغة التي توقف العامي محرجاً أمام العقيدة، فأظنه من أخطائنا. أخذوا على الرازي كما ذكر أهل العلم أنه يتوسع في عرض الشبهة، فيورد شبه أهل البدع، فيتوسع في إيرادها، ويتبجح في عرضها، ثم يرد عليها، بكلمة أو بكلمتين، أو بسطر أو بسطرين، وتبقى الشبهة ويموت رده. وهذا مثل بعض الناس، يورد عليك شبهة مخالفة، ثم يردها رداً ضعيفاً، فتبقى الشبهة، ولكن الرد لا يكون سليماً.

الانهماك في الفروع على حساب الأصول

الانهماك في الفروع على حساب الأصول ومن أخطائنا في العقيدة، الانهماك في الفروع على حساب الأصول. سألوا شيخ الإسلام ابن تيمية لماذا لم تؤلِّف في الفروع؟ قال: أمرها سهل، ومن خالف فيها فهو مجتهد مخطئ فله أجر واحد، وإذا أصاب له أجران، ولكن الخطورة في المعتقد أي في الإيمان والتوحيد، فهو الأمر الصعب، والأمر الأساس والأمر المحرج. ولذلك كانت مؤلفات شيخ الإسلام رحمه الله أكثرها في العقيدة، تسعون بالمائة من مؤلفات ابن تيمية في العقيدة وفي الإيمان. ولكن أرى الآن أننا أكثرنا في الفروع على حساب الأصول، وسوف يأتي هذا فلا أتعجل به، فإنه تُحدِّث الآن عن مسائل سهلة، كمسألة المسبحة، أو مسألة جلسة الاستراحة، أو مسألة تحريك الأصبع، مع العلم أن العلمانية، والحداثة، وحزب البعث، والرأسمالية، والشيوعية، لم تلقَ هذا الكلام المستفيض من أهل العلم والدعاة والأخيار. الردود ليست مقصودة لذاتها في العقيدة، إنما هي كالعلاج، إذا وصلنا مرض، استدعينا الطبيب ليعالج هذا المرض. فنعرض عليهم العقيدة أولاً، أما قضية أن نأخذ الردود وتكون مبدأ فهذا ليس بصحيح، لكن لا بد من الردود عند الحاجة.

من الأخطاء: تسمية البطالة زهدا

من الأخطاء: تسمية البطالة زهداً أيضاً من أخطائنا: تسمية البطالة زهداً. قال ابن تيمية رحمه الله في المجلد العاشر من الفتاوى: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة. ولله دره! وأحسن من عرف الزهد في الإسلام ابن تيمية بهذه العبارة، والله يقول: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77] والله يقول: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود:61] يعني في الدنيا، وقال سبحانه: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10] الإسلام حياة، وعمل وإنتاج، ومزرعة وفلاحة، وتجارة وورشة ودكان، هذا هو الإسلام، الإسلام لا يعترف بالتصوف الهندوكي الذي قتل الهمم أمام طلب الرزق. قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {ما أكل أحد طعاماً خيراً من أن يأكل من كسب يده -ومن كد يده- وإن نبي الله داود كان يأكل من كد يده}. وسئل صلى الله عليه وسلم كما روى ذلك الحاكم في المستدرك: {أيُّ الكسب أطيب يا رسول الله؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور} حديث صحيح، والصحابة كانوا تجاراً، مثل: أبي بكر، وعثمان، وابن عوف، وكان منهم الفلاحون، مثل: جابر بن عبد الله، ورافع بن خديج وغيرهما، ولم يركنوا إلى البطالة تحت مسمى الزهد كما فعل الكثير منا الآن. إني أعرف أن كثيراً من أمثالي من المقصرين، تأثروا بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، في كتاب إحياء علوم الدين، وقوت القلوب، والرعاية للمحاسبي وصفة الصفوة لـ ابن الجوزي، فأماتوا أنفسهم. الرسول المعلم الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: {لأن يأخذ أحدكم أحبله فيحتطب ويبيع خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه}.

عمر يحارب البطالة

عمر يحارب البطالة دخل عمر رضي الله عنه وأرضاه المسجد، فوجد شباباً يتعبدون، قال: من يعطيكم طعامكم؟ قالوا: الله، وهل يشك عمر أن الذي يطعم هو الله؟! قال: أدري أنه الله، لكن من يطعمكم؟ -لأن أوعية الطعام لا تنزل من السماء، أوعية اللحم والأرز والفاكهة لا تأتي من السماء، لا بد من أخذ الأسباب -قالوا: جيراننا. قال: جيرانكم خير منكم، انتظروني قليلاً، وظنوا أنه يأتي بأوعية فيها لحم وأرز، فأتى بالدرة التي يخرج بها الشياطين من الرءوس، ثم ضربهم وقال: [[اخرجوا، إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة]]. فقضية أن نترك الدنيا والتجارة وطلب المال والرزق الحلال، بحجة أن الدنيا فانية، وأن الله سوف يحاسبنا على الأموال، ويبقى في رأس القائمة اليهود وهم أغنياء العالم، يسيرون السلاح والاقتصاد والإعلام والسياسة والكراسي والقرار، ونبقى متخلفين بحجة أن الدنيا فانية. ثم يأتي في القائمة الثانية الرافضة، وهم المرتبة الثانية بعد اليهود في الغنى، فيصدرون الثورات والقرارات والبدع، ونبقى نحن نسمى الفقراء -فقراء أهل السنة - وإذا أردنا مشروعاً ينادون بعد صلاة الجمعة: تبرعات تبرعات، والكراتين عند الأبواب، ثم نتبرع من ريال ومن عشرة ومن خمسين. إذا أردنا كتاباً نطبعه فنصيح حتى تبح حلوقنا، ليس عندنا مصدر رزق، والخير كثير والحمد لله، لكننا ربما ظننا أن السعي لطلب الرزق ولجمع المال ينافي الزهد، وهذه بطالة، وقد تعرض لها الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله في أول تفسيره بعرض جميل. وقد ضغط على المسلمين بقوة الاقتصاد وأصبحت حروب الدول في العالم الآن في الاقتصاد، فأين مكان أهل السنة والجماعة في مبدأ الاقتصاد؟ وهل لهم بديل؟ هل لهم مشاريع؟ هل لهم أطروحات في جمع المال؟ ودعونا من الأحاديث الموضوعة والضعيفة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع المال وأنفقه، وقد دخل كثير من الصحابة الجنة بالمال، مثل: عثمان وغيره.

المال عصب الحياة

المال عصب الحياة ذكر الجاحظ صاحب البخلاء: أن أحيحة بن الجلاح، وهو تاجر من الأوس قبل الإسلام، وهو من ساداتهم، كان يجمع المال لكي يحمي عرضه، ويحمي مكانته، وينفق؛ يقول: ولو أني أردت نعمت بالاً وباكرني صبوح أو نسول ومازحني على الأنطاع غيد على أنيابهن الزنجبيل ولكني أهب لجمع مال فأمنع بعد ذلك أو أهيل يقول: لو أردت لذاذة الحياة، لكنت تزوجت فتاة جميلة، وجلست في بيتي وصابحني خمر في الصباح وغبوق في المساء، وأكلت اللحم المشوي، لكني أخشى أن أفتقر فأتعرض لمسبة، فأنا أجمع المال لأنفقه، وأحمي عرضي، وقال الآخر: واجمع المال وحصله ولا تسأل الناس ذليل من سأل ثم جد بالمال لا تبخل به تكن الشهم على الناس الأجل كثير من الشباب يترك الوظيفة، ويترك التجارة والعمل بالورشة، والعمل بالمتجر؛ بحجة الزهد، وأنها تشغله وتلهيه عن طاعة الله، وهي من طاعة الله، ويبقى عالة يتكفف الناس، يقترض من هذا، ويقترض من هذا، ويموت مديوناً، وإذا سألته من يرزقك؟ قال: الرازق هو الله، لكن من جيوب إخوانه، رزقه الله من جيوب إخوانه، والمسلم لا بد أن يفكر بمصدر الرزق خاصة في عصر الاقتصاد.

من الأخطاء: عدم مراجعة الأخطاء والاستفادة من التجارب

من الأخطاء: عدم مراجعة الأخطاء والاستفادة من التجارب أيضاً من أخطائنا: عدم مراجعة الأخطاء والاستفادة من التجارب، وينقصنا أننا لا نراجع أخطاءنا، وأنا متحرج في هذه الليلة، وقد كُلَّمت قبل هذا الدرس وحُذِّرت ألا أتكلم في هذا الموضوع، لأني سوف أكشف عوارنا للآخرين، فإلى متى نتكاتم؟! وما هو المجلس الذي يجمعنا لكي نتحدث بأخطائنا. ؟! وإلى متى وقد مرت بنا عجلة الحياة؟! أما الآن فوجب علينا أن نتكاشف ونتصارح، وهذا -أظنه والله أعلم- منهجاً سديداً، فمراجعة الأخطاء منهج في القرآن، قال سبحانه وتعالى لأهل أحد: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] ولم يرجع ذلك إلى القضاء والقدر، ونحن نخطئ كثيراً، ونقول: قضاء وقدر! نعم هو قضاء وقدر، لكن لماذا لا نستفيد من الخطأ الأول، وندرسه، ونجتمع له ونحلله، لماذا أخطأنا؟ الرماة الذين نزلوا من الجبل لامهم الله عز وجل، وجعلهم سبباً في الهزيمة وحاسبهم الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يقل قضاء وقدر، وقال سبحانه وتعالى للرسول عليه الصلاة والسلام، وقد تصرف باجتهاده في أسارى بدر: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال:67] يعني لماذا تأخذ الأسرى؟ هذا خطأ! ولكن الله عذره، ثم عفا عنه، وعمن أيده عليه الصلاة والسلام من الصحابة، وهذا دليل على منهج مراجعة الخطأ. وعفا صلى الله عليه وسلم عن مجموعة من المنافقين، كانوا قد اعتذروا إليه كذباً، وما كان للرسول صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنهم، لكن قدر الله أن يعفو عنهم، فلما عفا عنهم، قال الله سبحانه وتعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة:43] كان الأسلم والأحسن ألا تأذن لهم {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43] وفي صحيح البخاري أن أبا ذر عير بلالاً وقال: يا بن السوداء، فحاكمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: {قال: أعيرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية} حتى لا يعود إليها مرة ثانية. وعمر لم يولِّ رءوس المرتدين، وقادة المرتين الذين رجعوا إلى الإسلام قيادة الفتوح أبداً، كما قال ابن جرير وابن كثير، مثل طليحة بن خويلد الأسدي وعمرو بن معدي كرب الزبيدي الشاعر، لم يولهم عمر أبداً، لأنهم أخطئوا قبل، فاستفاد من خطئهم ألا يأمنهم على جيوش يقودونها في المعركة. وهنا أسأل سؤالاً: يا شباب الصحوة! لماذا لا نقرأ ملفاتنا السابقة في العمل والدعوة والجهاد، هل تقدمنا أم تأخرنا؟ هل أحسنا أم أخطأنا؟ مثل ملفات حماة، من هو السبب في قتل ثلاثين ألفاً في حماة؟ معصومة دماؤهم، شيوخ وأطفال ونساء، أنا أعلم أن الجميع سوف يجيبني أنه الطرف الآخر، وأنا أقول: نعم الطرف الآخر، لكن من الذي تصرف في القرار، وهل كان من الحكمة الدخول مع الطرف الآخر، وهل كان من المصلحة رفع السلاح؟ في اعتقادي أنه لا بد أن ندرس الملف من أوله إلى آخره، لنرى ولا نجعل أفعال الناس وأقوال الناس كأفعال المعصومين، هم بشر لا ينطقون بالوحي، يقول رجل منهم: تبدأ المعركة، فيتسبب بقتل ثلاثين ألفاً، فلا بد من الملف أن نراجعه حتى لا نقع في خطأ آخر. مثل ملف أفغانستان -وأنا أحترم الجهاد الأفغاني، وأسأل الله أن ينصر المجاهدين نصراً مؤزراً، ونحن مع الجهاد، والذي يتخلف عن الجهاد فيه نفاق، ولا نقصد إلا النصيحة، يعرف ذلك من عرفه، ومن لم يعرف ذلك فإني لا أستطيع أن أقنعه، لأنه وطن نفسه ألا يقتنع، فهو ملغم من داخله ألا يقتنع- مثلاً، لماذا لا ندرس ملف الجهاد منذ أن بدأ إلى الآن؟ لأن المجاهدين إخوان مثلنا، وقد فاقونا بأنهم شهدوا وحضروا، ورأوا بأعينهم، ولكن مع اجتماع الرأي وأهل العلم وأهل الدعوة، قد يكون هناك تصويب كثير. مثلاً لماذا لا نراجع ملف الصحوة؟! فإن كثيراً من الناس يدعي أن الناس أصبحوا في صحوة، وأنهم عادوا إلى الله، وليس للشباب أخطاء وأن تربيتهم مجيدة، وعلمهم الشرعي متوسط، فإذا جئت تنصح قالوا: لا تشق الصف، لا تثر الغبار، لا تكن حجر عثرة، ولا تثر فتنة على المسلمين، لماذا أنا أثير إذا نصحت؟ وإذا عرضت وأبديت رأياً للناس، هذا لا يكون، فالرسول صلى الله عليه وسلم سمع من الصحابة، وكذلك أبو بكر وعمر، وسوف يأتي كلام عن هذا إن شاء الله.

من الأخطاء: عدم عذر المجتهد المخطئ

من الأخطاء: عدم عذر المجتهد المخطئ من أخطائنا أيضاً: عدم عذر المجتهد المخطئ: الإجماع حجة قاطعة، والخلاف رحمة واسعة، قاله ابن تيمية في مختصر الفتاوى أما حديث: {اختلاف أمتي رحمة} فهو ضعيف، لكن الاختلاف قديم، والله سبحانه وتعالى خلق الناس مختلفين، حتى في أمزجتهم وتفكيرهم الشخصي. أفراد الأسرة الواحدة لا يتفقون على وجبة الغداء أو العشاء، ربما لا يجمعون إلا في النادر، فمنهم من يريد وجبة كذا، والآخر يقول: كذا. إذاً فالله ركب الناس على أن يختلفوا في جزئيات من جزئيات الحياة، وكذلك الشريعة، وللعلماء عذر في اختلافهم، وقد كتب ابن تيمية رحمه الله كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام، بين فيه عذر المختلفين لماذا اختلفوا، لكن يرى البعض منا -مثلي أنا- أنه لا بد أن يتفق العلماء على كل جزئية، وهذا متعسر ومتعذر. إن أمراً لم يجمع عليه السلف الصالح لا يلزم الخلف أن يجمعوا عليه، فيجوز أن نختلف في فرعيات الشريعة وفي أساليب الدعوة، وفي الجزئيات، وفي مسائل غير مجمع عليها في الصدر الأول، فما هو العيب في أن نختلف؟ مثل زكاة الحلي، كثير منا ثرب على غيره أنه لا يقول بزكاة الحلي، والآخرون يقولون بالزكاة، والأمر فيه سعة، واختلف فيه الصحابة، والأمر واسع، وأنت قل برأيك ولا تعنف ولا تثرب على الآخر. أما متى يكون المخالف مبتدعاً عند أهل السنة؟ الذي أراه ضابطاً هو ما ذكره ابن تيمية في الرسائل والمسائل بقوله: من خالف إجماع الصحابة فهو مبتدع، هذا الضابط لكم وأطلب منكم أن تبحثوا في هذه المسألة فإنها تحتاج إلى تحرير. كيف هذا؟! لأن الأشعري -مثلاً- يقول: لماذا جعلتموني مبتدعاً، لأني أقول يراد بضحك الله عز وجل الثواب، يضحك ربنا: يثيب، مع العلم أنكم عذرتم الأحناف لما وضع الواحد منهم يده اليمنى على اليسرى تحت السرة، وقلتم: مجتهد مخطئ له أجر، فلماذا لا أكون مثله مجتهداً ولي أجر. فنقول للأشعري: أنت خالفت إجماع الصحابة، أما الحنفي في هذه المسألة، فلم يخالف إجماع الصحابة رضوان الله عليهم، وعدم عذر المجتهد المخطئ في أمرين: الأول: في نقض الإجماع، فمن ينقض الإجماع لا نرحب به، ولا بد أن نرد عليه، ونعتبره مبتدعاً. الثاني: من يتتبع الرخص، كأن يأتي إلى شواذ المذاهب السهلة في كل مذهب ويجمعها، كما يفعل العصرانيون في كثير من كتبهم التي طرحوها في الساحة، بل شافهنا بعضهم فقال: إذا رأيتُ في المسألة سبعة أقوال، فإني أختار أسهلها وأيسرها، وهذا من تتبع الرخص، ولا خير فيه، وهو مردود على صاحبه ومذموم.

من الأخطاء: إعطاء بعض القضايا أكثر مما تستحقه

من الأخطاء: إعطاء بعض القضايا أكثر مما تستحقه أيضاً من أخطائنا: إعطاء المسائل أكبر من حجمها، أو التشاغل بقضايا غير واقعة في حياة الناس، أو غيرها أهم منها. ودين الله وسط بين الغالي والجافي كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143] والله يقول: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3] قال المتنبي: فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى إن من يسمي تربية اللحى وتقصير الثياب قشوراً مخطئ، وليس في الدين قشور، لكني أقول: من جعلها أصلاً من أصول الإيمان فقد أخطأ، إن كثيراً ممن يعظ أول ما يبدأ يحدث الناس يحدثهم بتربية اللحى، وبعضهم قد لا يصلي، أو يأكل الربا، أو يشرب الخمر، أو يزني، أو يرتكب شيئاً من شعب الشرك، وهذا يركز على تربية اللحية ليلاً ونهاراً، فأعطاها أكبر من حجمها، ثم بعضهم يلغيها من حجمها الصغير، ويقول: هي قشور لم ترد بها السنة، وهذا خطأ، لكن نعطيها حجمها ومساحتها. الغيبة في القرآن ذكرت في آية أو آيتين، بينما معظم آيات القرآن عن التوحيد، والحسد أيضاً ذكر في آيتين، غض الصوت في آية، القصد في المشي في آيتين، أو في ثلاث، فأعطى الله كل مسألة حجمها، ومن أحسن من ألف في ذلك الأستاذ العلامة أبو الأعلى المودودي، وهو كتاب: كيف تقرأ القرآن؟ وأتى بقواعد فذة تنبئ أن الرجل ليس بالسهل وأنه كان عملاقاً. يقول: أزل من عقلك كل تصور عن القرآن مسبق، وأعط المسألة حجمها إلى غير ذلك، وهذا ليس من شأني في هذه المحاضرة. أقول: أعطينا كثيراً من المسائل أكبر من حجمها، كم صدرت من فتاوى في التصوير، ومناقشات وتنبيهات وتحذيرات مع العلم أنها مسألة فرعية بالنسبة لمبدأ العلمانية، الذي لم يلق من الحديث والكلام عشر معشار ما وجده التصوير، تكلمنا في التصوير ليلاً ونهاراً في كتيبات، وردود، ومناقشات، ومباحثات ومحاضرات! والعلمانية أنا أجزم أن كثيراً من العلماء لم يتكلموا فيها ولو بكلمة، وهي مذهب يهدد الإسلام من جذوره. قبل سنة كان كثير من الناس لا يعرفون شيئاً عن حزب البعث، وهو حزب مارد، دخيل يريد هدم الإسلام، فلم يتكلم عنه أحد، وبقينا نتكلم كثيراً عن التصوير والفيديو وضررهما على الأمة. إن البدع تهدد العالم الإسلامي في وقت لم يهتم بنشر العقيدة الصحيحة، ولم تبين الإيمانيات كما عرضها الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح. كم أخذت مسألة القيام للداخل، أنا أعرف فيها رسائل، وهذا يقول هذا الرأي، ويغضب عليه آخر، لأنه خالفه. وكذلك جلسة الاستراحة، وتحريك الأصبع في التشهد، هل سمعتم أن الدعاة تكلموا بغزارة في مسألة الحداثة، والغزو الفكري، والولاء والبراء، والربا، ووسائل هدم الإسلام لبنة لبنة، كالإعلام المهتري، وغير ذلك من المسائل الكبيرة، والواحدة منها كارثة على الأمة وعلى الإسلام والمسلمين، وهذا من أخطائنا: أنا نعطي المسألة أكبر من حجمها، أو نصغرها.

من الأخطاء: استعجال النتائج

من الأخطاء: استعجال النتائج ومن أخطائنا: استعجال النتائج، وهي آفة تصيب الحريصين على الدعوة وعلى الخير، يسابقون الزمن، يبذر الواحد منا البذرة اليوم ويريد النتيجة غداً، وسنة الله عز وجل في الخلق والحياة على الترتيب والتدرج، لا بد من التدرج، الليل لا يفجؤك بسواده، والنهار لا يفجؤك بضوئه، وذلك لأن الله: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحديد: 6] تدريجياً. والإنسان لا يولد من بطن أمه، ثم تنبت لحيته، ويكتمل عقله، ويتكلم على المنبر، بل يولد رضيعاً ثم طفلاً ثم شاباً ثم كهلاً ثم شيخاً هرماً، حتى يصل إلى الله، هذه سنة الله. كذلك الشجرة، والإسلام كالشجرة، وعرض الدعوة على الناس لا بد أن يكون بالتدرج، وفي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه أرسل معاذاً إلى اليمن، وقال له: {فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك} بالتدرج، لا تبدأ بالصلاة قبل الشهادة، أو مع الشهادة، بل بعدها: {فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة}. قال سبحانه وتعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه:114] لكن انتظر حتى يصلك القرآن، وحتى تتثبت مما يقال لك، قال سبحانه وتعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35] لا تستعجل النتيجة، ولا تقطف الثمرة الآن، اصبر إلى ميقات محدد وأجل مسمى، لتنال أجرك ومثوبتك وثمرتك من الدعوة، قال سبحانه وتعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة:16] أي لتعجل بالقرآن، قال سبحانه وتعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء:106] لأنه للتربية، وكذلك عرض الدعوة على الناس، لا بد له من تمهل وتريث واستراتيجية ودقة وحكمة وحنكة، حتى ننتصر وحتى نحصل على مكاسبنا إن شاء الله. في الصحيحين من حديث صهيب أنه تبرم هو وبعض الصحابة، والرسول عليه الصلاة والسلام متكئ على برد عند الكعبة، فقال له: {يا رسول الله ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو لنا؟! فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنهم قوم يستعجلون، وقال: والذي نفسي بيده! ليتمن الله هذا الدين حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون} وبالفعل بعد خمس وعشرين سنة، خرجت كتائبه عليه الصلاة والسلام مهللة مكبرة، ترفع الدين في العالم. وشقت الصمت والأنسام تحملها تحت السكينة من دار إلى دار وفضفضت مكة الوسنى أناملها وفضت الكون إيذاناً بإخبار النور أقبل من خلف الظلام وفي عينيه أسرار عشاق وسمار في كفه شعلة تهدي وفي دمه عقيدة تتحدى كل جبار أيضاً لسنا مطالبين بالنتائج، فالنتائج على الله، وإنما عليك أن تدعو، فإن استجيب لك وإلا فأجرك محفوظ مكفول عند الله، سواء استجيب أولم يستجب، ذكر الله نوحاً في القرآن، فقال: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} [العنكبوت:14] ومع ذلك، لم يؤمن معه كثير من الأفراد، وبعض الدعاة الآن أكثر أفراداً ومستجيبين من نوح عليه السلام، ولكن الأجر لنوح أكثر؛ لأنه رسول، ولأنه تعب وجاهد. والنفوس مستعصية، وصعبة المراس، ولها دخائل، ولا تستجيب بسهولة، فالرجاء منا أن نتلافى هذا الخطأ، وأن نصبر على المدعوين، وما يمنعك أن تصاحب الشاب -مثلاً- سنة، وتدعوه سنة أو سنتين، رويداً رويداً، لعل القدر أن يستجيبوا بعد سنة، أو سنتين.

من الأخطاء: الانطواء والفرار من المشاركة

من الأخطاء: الانطواء والفرار من المشاركة ومن أخطائنا: الفرار من الدعوة والمشاركة والتأثير، بحجة الفتنة والحفاظ على الدين، أنا لا أنكر أن العزلة قد تكون مستحبة أحياناً لبعض الناس، وفي بعض الأحوال، وفي بعض الأماكن، كعزلة أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه في عهد عثمان رضي الله عنه، لكن أن تكون صبغة عامة، أو يدعى إليها لتصبح ظاهرة في الصحوة، هذا ليس صحيحاً، وهذا خطأ. ما هو دليل الذي يفر من المجتمع والمشاركة، ومن التأثير والدعوة؟ يستدلون بأدلة منها: حديث أبي ثعلبة الخشني وهو حسن: {مر بالمعروف، وانه عن المنكر، فإذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة}. وهذا لم يقع بعد، فما زال في الناس من يستمع، وما زال كثير منهم يقبل الحق ويتأثر بالدعوة، بل الكثير -والحمد لله- نرى منهم الاستجابة، ونرى منهم الإكرام لطلبة العلم والدعاة لأنه يطلب العلم ولأنه يدعو إلى الله عز وجل. وبعض الناس يقرأ حديث أبي سعيد في الصحيحين: {يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن} ويحملونه على أنه هذا العصر، وتجد بعضهم يذهب من بيته إلى المسجد، ولا يشارك في الدعوة، والتأثير، ولا في معاونة إخوانه، أو في الاجتماع على الحق، بحجة أن العصر مظلم، وأن الواقع أصبح لا يتحمل المخالطة، وهذا خطأ، قال عليه الصلاة والسلام والحديث حسن عند أبي داود وأحمد: {الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم}. إنك إذا خالطت أوذيت، وتعرضت إلى إهانة واستهزاء وسخرية، ولكن هذه الطريق هي طريق الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وقال لقمان عليه السلام لابنه كما حكى عنه ربنا في كتابه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] ولم يقل: افرح بما أتاك، لأنه يعلم أنه سوف يأتيه إيذاء وسخرية وشماتة، فقال: اصبر على ما أصابك. والصلاة: جماعة، والجمعة: جماعة، والعيدان: جماعة، والحج: جماعة، والفطر يوم يفطر الناس، والصيام يوم يصوم الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، وتعاونوا على البر والتقوى، الإسلام مشاركة ومعاونه، نحن جمعية كبرى، أعضاؤها كل بار على وجه الأرض. النفع اللازم والمتعدي: وكثير منا يشتغل بالنفع اللازم، ويظن أنه أنفع من المتعدي، فيقول: انظر هؤلاء الدعاة، شتتوا شملهم وقسوا قلوبهم بالتحرك والتنقل والأسفار، لو جلسوا وأدوا النوافل، وركعتي الضحى وذكروا الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ خير مما طلعت عليه الشمس} ولزموا صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وقيام الليل لكان خيراً لهم. ولا يعلم هذا أن أولئك هم المجاهدون صراحة، وأنهم وقفوا على الثغور، وأنهم الشجا في حلوق المارقين والزنادقة، وأنهم ضربوا منهم كل بنان. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في النفع المتعدي إلى غير صاحبه: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} فإنه مكسب عظيم، فإذا هدى الله على يديك رجلاً واحداً وإني أعتبر هذا العمل أفضل من مائة ركعة أو من ألف ركعة؛ لمن قبل الله عز وجل منه وحتى من قبل منه ألف ركعة، فالذي هدى الله به رجلاً أفضل، وهذه طريقته عليه الصلاة والسلام وطريق الخلفاء الراشدين من بعده، والأئمة الكبار. أما من وجدوا في فترات يستدل بهم بعض الناس كـ داود الطائي وإبراهيم بن أدهم، ويوسف بن أسباط رحمهم الله، من الذين أصلحوا قلوبهم، وأثنت عليهم الأمة، فهم أخيار، لكن لايكون كلامهم منهجاً للأمة، ولا للشباب ولا للجيل. والغزالي في الإحياء يؤيد العزلة، وقد كان في أول حياته محباً للخلطة في بغداد، وأيدها في كتبه الأولى، فلما صدف إلى العزلة وأحبها أيدها. وأعرف أن المعتزل عن الناس يشعر بخشية وخشوع ورقة قلب، وأن من يجاهد ويأمر وينهى ربما شعر بقسوة، لكن أجره على الله عز وجل، لأنه واقف بين الصفين، وسنانه يقطر دماً، وهو يحمي ثغور الإسلام، أما هذا فعمل لنفسه فقط. والنظر إلى المجتمع بنظرة التشاؤم يورث الورع البارد من مخالطة الناس. وفي صحيح مسلم عنه عليه الصلاة والسلام قال: {من قال: هلك الناس فهو أهلَكَهم} وفي لفظ {أهلكُهُم} فإن كان أَهْلكُهُم: فهو أشدهم هلاكاً لأنه أعجب بنفسه أو أهلكَهم: -فعل ماض- أي: أنه بفعله هذا تسبب في إهلاك الأمة وإغراقها؛ لأنه أشاع الفاحشة أو التهاون في صفوف الأمة. ويصاب بعض الناس الذين يفرون من الواقع بشيء من تنزيه النفس، فيقول أحدهم: أعوذ بالله! واقع مظلم! ما دخلت إلى الأسواق ولا رأيت فيها من المنكرات؟! نسأل الله العافية والسلامة، نقول له: ألا تشارك معنا في الأمر بالمعروف؟ فيقول: أعوذ بالله! تقول له: ألا تدعو؟ فيقول: أعوذ بالله! نسأل الله العافية، أنت الواقع في المصيبة، إن الذي ينزل إلى السوق ويأمر وينهى ويتكلم ويعظ ويجاهد أفضل منك بدرجات عند الله سبحانه وتعالى.

من الأخطاء: عدم الرجوع إلى المستنبطين

من الأخطاء: عدم الرجوع إلى المستنبطين أيضاً من أخطائنا: عدم الرجوع إلى الذين يستنبطونه، من هم الذين يستنبطونه؟ هم أهل العلم، قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] وقال سبحانه وتعالى عن صنف وشريحة من الناس: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] والذين يستنبطونه منهم هم أهل الفقه، وأهل الرأي والعقل، فالخطيئة التي نرتكبها ونخطئ فيها، أننا لا نعود وقت الحوادث إلى العلماء، مثل فتنة قتل الشيخ جميل الرحمن، أصبح الكثير يتكلم، وكل أخذ منبراً، وكل تحدث، حتى من أناس ما رأينا لهم حديثاً في الإيمانيات ولا في العقيدة، ولا في الفكر الإسلامي، أو الأدب الإسلامي، أو في الردود على المبتدعة والضالين، ومع ذلك تكلموا في الفتنة. مع العلم أن لنا مادة علمية ولنا عالم نباهي به علماء الأمة، وهو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، فلماذا لم نعد إليه؟ لماذا لم نسأله؟ ما رأيه في الأزمة وما رأيه في المشكلة؟ فهو عالم، والله يأمرنا أن نعود إلى العلماء في الأزمات بقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] والذين يستنبطونه هم العلماء: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] وهذه المسائل حساسة، وتودي إلى فتن رهيبة في الأمة لا يعلمها إلا الله (أعط القوس باريها) هذا مثل عند العرب، وهو أن تعطي كل صاحب تخصص تخصصه. عرض على عمر رضي الله عنه وأرضاه بيت من الشعر لأحد الشعراء، هجا به أحد الشعراء الزبرقان بن بدر. دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فهل يستدعي عمر أبي بن كعب سيد القراء؟ أو زيد بن ثابت صاحب الفرائض؟ لا إنما يستدعي صاحب القافية، وشاعر الدين والملة، حسان بن ثابت، وقال: ما رأيك في البيت؟ أهجاه؟ قال: لا ما هجاه ولكن سلح عليه؛ فلا بد من الرجوع إلى أهل العلم. لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين من حديث ابن عمرو: {إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العلماء، ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً، وفي لفظ رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا}. فنحن لن يتوقف حال المسلمين على فتواي أو على فتواك، ولا احتاجتنا الأمة، وقد كان الصحابة يتدافعون الفتيا، ونحن نقفز وندخل في الفتيا، ونحبها ونحببها ونأخذها بالقوة، وليس هذا من الحكمة. فينبغي لنا إذا حصل حادث أو طرأ طارئ على الأمة أن نعود إلى الذين يستنبطونه، وأن نسألهم وأن نتريث حتى يصدروا أمراً، فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فأجر واحد، ونسلم نحن من التبعة، ونسلم من اللوم، ونسلم من الإثم، ولنولِّ حارها من تولى قارها. وسوف نعود بموقف موحد، وسوف تجتمع قلوبنا إذا عدنا إلى الذين يستنبطونه من العلماء. وأمر آخر وهو أنه ينتقد العلماء بسهولة في مجالسنا، يخطئ الواحد منهم في مسألة فرعية، فننقده، وننسى حسناته، فلابد أن نعرف أن هؤلاء العلماء -بإذن الله- لولاهم لخطب الدجال من على المنبر، ولاستبيحت كرامة الإسلام، ولمرغ الإسلام في التراب. إن العالم الذي يفتي في الحيض يشرف هذا الدين، والعالم الذي يفتي في مسائل فرعية يرفع رأس هذا الدين، والعالم الذي سد علينا ثغرة أحسن كل الإحسان، وانتهاك حرمة العلماء، واقتحام هذا السياج الخالد المقدس بسهولة أمر لا يقره الإسلام ولا الأدب، فلابد أن نعرف قدرهم وأن نحترمهم.

من الأخطاء: ضيق النظرة الدعوية

من الأخطاء: ضيق النظرة الدعوية أيضاً أيها الإخوة: من أخطائنا: ضيق النظرة الدعوية، أو تحجيمها في أسلوب واحد فحسب، قال محمد أحمد الراشد في المنطلق: علماء السلف علماء عامة، وأنا أعجبت بهذه الكلمة، وصدق فيما قال، فعلماء السلف علماء عامة، أحمد، العز بن عبد السلام، مالك، الشافعي، ابن تيمية، ابن القيم، كانوا علماء عامة، تجدهم في المساجد، في الشوارع، في الحوانيت، يخالطون العامة، أما تحجيم الدعوة في أمر خاص أو في جزئية بسيطة سهلة، فهذا ليس من مسلك أهل السنة والجماعة، المجتمع شرائح وطبقات وفئات، ولكل أساليبه. ولا بد أن نوفي هذه الجوانب حقها، والله سبحانه وتعالى أعطى الناس مواهب بحيث أنه يمكن في مجموعهم أن يقوموا بشأن الدين، لكن لا تعطى المواهب لرجل واحد، فلا نستطيع أن نقول: هذا الرجل يكون هو الخطيب والمحاضر والمفتي والشاعر والمتكلم، فهذا ما لا نستطيع أن نقوله. وأنا أعرف أن كثيراً من الإخوة ومن الشباب يعتذر عن عدم مشاركته في الدعوة بأنه لا يستطيع الخطابة أو إلقاء المحاضرات، أو المشاركة في الندوات، وليست الدعوة منحصرة في هذه الجوانب، بل الدعوة تخطيط وتنسيق وإرادة وإدارة، ومشاركة بالمال وبالدعاء، ولكن لا تنصرون إلا بضعفائكم، بدعائهم وباستغفارهم وبصلواتهم لكم. فأنا أدعو كل مسلم أن يوسع نظره في مسألة مجال الدعوة، وطرق الدعوة وأساليب الدعوة، وأن يعلم أنه سوف يستطيع أن يقدم شيئاً لهذا الدين، فأنت أوتيت مثلاً موهبة في التفسير، وهذا موهبة في الحديث، وذاك في الأدب، وهذا في المال، وهذا في الجسم، فإذا اجتمعنا جميعاً رفعنا راية هذا الدين، بإذن الله سبحانه وتعالى. أيضاً من الأخطاء: تضخيم بعض جوانب الخير على حساب جانب منها، فإن بعض أهل الطموح إذا عشق جانباً من جوانب الخير كالجهاد والعلم، استولى عليه هذا الجانب، حتى جعل الإسلام في هذا الجانب، فهذه شريحة من الشباب، يدندنون بالجهاد صباح مساء، حتى تركوا طلب العلم من أجل الجهاد، بل حملهم ذلك على تنقص حلقات الدروس، وقالوا: لا يفتي القاعدون، ودروس القاعدين ليس فيها بركة، كيف تدرسون الأمة وأنفها في التراب؟! ولقد أصبنا بالذل منذ أن سقطت الأندلس، لماذا هذا التوسع في هذا الجانب على حساب الجانب الآخر؟! ويقابله آخر يطلب العلم، فيجعل العلم ليله ونهاره حتى يضر بمسألة الجهاد، والإسلام كل متكامل، ولا بد أن نعطي كل مسألة حجمها، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس لكل حالة لبوسها، فهو خطيب على المنبر، ومفتٍ في الحلقة، ومدرس للجيل، ومجاهد في الجبهة، فلا بد أن نعطي كل مسألة حجمها، على أنه قد يفتح لبعض الناس أبواب من الخير لا تفتح للآخرين، وإن الله قد يفتح لك في الأوراد والذكر، ويفتح على غيرك في أبواب الجهاد، والثالث في العلم، والرابع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148].

من الأخطاء: التقصير في التخطيط المسبق

من الأخطاء: التقصير في التخطيط المسبق من أخطائنا: تقصيرنا في التخطيط المسبق، والدراسات المتأنية، والانطلاق بعشوائية، فقد يقوم جهاد أو مشروع كبير بجرة قلم، أو برأي طارئ، ثم لا يحاسب هذا الذي بدأ المشروع، أو بدأ الجهاد، أو بدأ هذه القضية، وكأنه معصوم يتكلم بالوحي، والله سبحانه وتعالى قال لرسوله عليه الصلاة والسلام وهو المعصوم: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] وقال سبحانه عن المؤمنين: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38] والرسول صلى الله عليه وسلم استشار الصحابة في أكثر من موطن، وفي حديث الإفك أنه استشار أسامة، واستشار علياً، والوحي ينزل عليه صباح مساء، فمن الخلل أن نلقي بالقرار في يد شخص واحد، ليسير الأمة، ومصير الأمة كجهاد أو مشروع كبير، ثم لا نسأله ولا نناقشه ولا نناصحه ولا نفاوضه، ولا نحاسبه، هذا خطأ، والحقيقة أن الغرب أفلح في هذا المورد أكثر من الشرق الإسلامي الذي جعل القرار في يد واحد، وبُرمج الناس على ذلك، حتى لم يقبل الناس النقاش ولا الحوار ولا المناصحة. وفي السيرة أن عمر رضي الله عنه دخل الكعبة، وقال: لقد هممت أن أوزع كنوز الكعبة على الفقراء. قال أبي بن كعب: والله لا تفعل! قال: ولِمَ؟ قال: لم يفعل صاحباك، الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، قال: [[هما المران يقتدى بهما]].

من الأخطاء: ترك الدعوة بحجة الذنوب

من الأخطاء: ترك الدعوة بحجة الذنوب خطائنا: تذرع البعض عن الدعوة والمشاركة والتأثير بذنوبه وخطاياه، وأن مثله لا يدعو الناس، وأنه ينبغي عليه أن يكمل، فإذا كمل دعا، وهذا خطأ يخالف الكتاب والسنة، ومنهج الصالحين، قال سبحانه وتعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} [النور:21]. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح مسلم: {والذي نفسي بيده! لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم}. ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه سأل الإمام أحمد تلميذه عن مسألة، فقال له: لماذا لا تأمر ولا تنهى؟ قال: حتى أكمل، قال: أوه! ومن الذي يكمل؟!! أو كلمة تشبه ذلك، أي أنه لا يكمل أحد إلا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وقد يكمل إنسان كمالاً نسبياً، لكن هل ينتظر حتى يتبرأ من الذنوب والخطايا، هذا ليس بصحيح، قال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي وغيره: {كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون} فعلينا أن ندعو ولا نتذرع بالذنوب، وكثير من الأحباب يرى أنه لا يحق له أن يشارك ولا أن يتكلم، ولا أن يدعو لأنه مذنب، وهل سمعتم أن واحداً ممن حضر هذا الجمع، أو من غيره، أو من قادة الصحوة، أو من جهابذة الأمة وفضلائها؛ معصوم من الذنب، لا أعلم أحداً، فالذنب حتم على العبد، ولا بد أن يذنب، ولكن الله يغفر الذنب، ويستر العيب وما نحن إلا مقصرون، والراحم والساتر هو الله سبحانه وتعالى.

من الأخطاء: الإقليمية في الدعوة

من الأخطاء: الإقليمية في الدعوة أيضاً من أخطائنا: الإقليمية في دعوتنا، فيجب إذا تحدثنا أن نتحدث وكأن البلد الذي أمامنا هو العالم الإسلامي، وكأن الكرة الأرضية أمامنا بمشكلاتها وبمقتضياتها وبأطروحاتها وبما فيها. يجب علينا أن نخاطب العالم الإسلامي جميعاً، فقد قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] وقال سبحانه وتعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. فانطلق صلى الله عليه وسلم من هذا المبدأ. خطابه لكل العالم ولكل من في الأرض. تسمع أحياناً بعضنا في محاضراته يتكلم عن جزئية من جزئيات إقليم من الأقاليم، ثم تبقى المحاضرات والكتيبات والأشرطة والندوات، إلا القليل تتحدث عن بلد من البلاد الإسلامية، دون البلاد الأخرى التي تعج بكثير من الأخطاء وكثير من التقصير. قال سبحانه وتعالى: {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الأنعام:92] قال بعضهم: (من حولها) هم أهل الأرض، فأهل الأرض كلهم حول مكة.

من الأخطاء: عدم احترام التخصص

من الأخطاء: عدم احترام التخصص أيضاً: من أخطائنا: عدم احترام التخصص. وأنا أقول للأخيار والفضلاء وأنا متطفل بين أيديهم: إن علينا نحن في دائرتنا -دائرة الصحوة الإسلامية- أهل الالتزام والمسيرة الخالدة -وأما أولئك فلنا كلام آخر معهم- أن نعتني بالتخصص، وكان السلف يرون أن من يتكلم في غير فنه يخطئ، وقالوا عن بعضهم في التراجم: أخطأ لأنه تكلم في غير فنه. والإنسان عرضة للخطأ، والرسول صلى الله عليه وسلم أقر مبدأ التخصص مع أصحابه، فجعل سيد القراء أبياً وزيد بن ثابت للفرائض، وحساناً للشعر، وخالد بن الوليد للجهاد، وعندنا ثغرات، وعندنا من الأخيار من يستطيع أن يسدها إذا وقفوا في مواطنهم التي يُسِّروا لها. مثلاً فضيلة الشيخ الدكتور بكر أبو زيد في الفقه وفي عالم بناء العقيدة وعرض منهج أهل السنة والجماعة لشباب الصحوة، فنريده في هذا المكان، فسوف يسده لنا، والدكتور الشاعر عبد الرحمن العشماوي نريده في الأدب والقوافي متصدياً لها، منافحاً عن الدين، ونشكره كذلك، وسوف يسد علينا هذه الثغرة. إشراقات الدكتور أحمد التويجري في رده على الزنادقة الجدد نطلبها، ونريده من واقع تخصصه لا يعدوه. وعدوى الإعلام، وبلايا الإعلام، دواؤها من عند الدكتور سعيد بن زعير فنريده في هذا، فهو يجيده، لعل الله أن يسد هذه الثغرة به. فلا نطلب من الطبيب أن يكون خطيباً -وقد يكون هذا في النادر- ولا نطلب من المهندس أن يكون مفتياً، ولا من الشاعر أن يكون طبيباً، أو نحو ذلك. وافهموا هذا المعنى، فهذا أمر مهم، وكثير من الناس يترك تخصصه ويذهب إلى تخصص آخر، فيسيء ويخطئ، والأمة والحمد لله مكتملة في هذه الجوانب، عندنا عشرات من الشعراء، وعندنا عشرات من الخطباء، وعشرات من المفتين ومن المؤذنين.

من الأخطاء: التقصير في تكثير سواد المؤمنين

من الأخطاء: التقصير في تكثير سواد المؤمنين ومن أخطائنا أيضاً: التقصير في تكثير سواد المؤمنين. الدين مبني على مراغمة أهل الباطل، وهذه الكلمة لـ ابن القيم في مدارج السالكين، فينبغي لنا أن نظهر الإسلام قوياً في اجتماعاتنا وفي لقاءاتنا، وفي محاضراتنا، وقد مشى أبو دجانة في أحد مشية الخيلاء أمام الكفار، والخيلاء محرمة إلا في مثل ذاك الموطن، فقال صلى الله عليه وسلم: {إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن}. فعلينا أن نكثر سواد الأخيار والمؤمنين، في مثل اللقاءات والدروس والمحاضرات، ونحشد حشداً هائلاً في الحضور، حتى نظهر هذا الدين بمظهر القوة والتعاون، فالعيد جماعة، والجمعة جماعة، والاستسقاء، وصلاة الكسوف، والأفراح الإيمانية، وكذلك المحاضرات والدروس، بعضهم يذكر أنه لا يستفيد من المتكلم، نعم قد يكون المتكلم مفضولاً وأنت أفضل منه، لكنك تحضر لتكثير سواد المؤمنين، ولإظهار القوة والكثرة والعدد، لأن هذا مقصود، والمرتدون والمارقون والمرتزقة يزعجهم تجمع المؤمنين. يزيد يغض الطرف دوني كأن ما زوى بين عينيه عليّ المحاجم فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغم إن إرغام هؤلاء مطلب شرعي لنا، ونحن نريد أن نغيظ هؤلاء المارقين المرتدين، الذين يفرحون بتجمعات أهل الباطل، ويحشدون حشودهم من أجل الباطل. وأنا في هذا المكان أدعو العلماء والقضاة وكتاب العدل والمشايخ وأساتذة الجامعات والأدباء والمربين، أن يحضروا المحاضرات، وماذا عليهم لو حضروا، وقد حضر من هو أفضل منهم عند كثير من الدعاة ممن هو أقل منهم علماً وأدنى منهم شأناً، وقد قال ابن القيم في بدائع الفوائد: إن سليمان عليه السلام على جلالته استمع إلى الهدهد، لما قال: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} [النمل:22] فحق لهم أن يحضروا، وأن يشاركوا وأن ينصروا هذا الدين بالحضور. وإن المحاضر يفرح ويثلج صدره، ويتشجع إذا رأى المشايخ والقمم العلمية والدعاة والجهابذة أمامه. ثم إن الشباب يرون أن مشايخهم قد حضروا وأثروا الساحة بالحضور، ودخلوا بعلمهم وبحكمتهم واتزانهم، وقادوا الركب إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا مطلب، ونحن نغفل عنه كثيراً، لقد تخلى بعض الدعاة عن المشاركة في الندوات والمحاضرات، لأن الجمع خذلهم. حتى أصبحنا نرى أنه يجب علينا أن نحشد الناس حشداً وأن نحضرهم لهؤلاء حتى تقوم دعائم هذا الدين، وسبحان الله الذي جمع بعض الوجوه في الشر ولم يجمعها للخير! رأى عمر رضي الله عنه وأرضاه سارقاً يقام عليه الحد ووراءه جماعة من الناس، فحثا في وجوههم التراب، وقال: قبح الله هذه الوجوه، التي لا ترى إلا في الشر، فكثير من الوجوه لا ترى إلا في الشر أو في الطوارئ التي تحدث ولا مصلحة من ورائها، أما أهل الخير فقليل، وأنا أعرف أن الحضور كثير، لكن بالنسبة لمن يحضر في بعض أماكن اللهو واللغو والعبث هم قليل، فهناك ألوف مؤلفة إن حضر هنا ستة آلاف، ففي المدرجات ستون ألفاً وأكثر، فجزى الله خيراً من كثر سوادالمؤمنين وحشره الله في زمرة المؤمنين.

من الأخطاء: التقصير في مد الجسور مع الطبقات الأخرى

من الأخطاء: التقصير في مد الجسور مع الطبقات الأخرى ومن أخطائنا: التقصير في مد الجسور مع كثير من طبقات الناس. قد نتوجه بالدعوة والتأثير والعلم والتربية والتوعية إلى شباب الصحوة، أو الطلاب، أو أهل الخير، أو من فيه التزام. والمراكز الصيفية والمخيمات قد لا تسجل إلا من فيه التزام، بل لا يأتيها في الأصل إلا من عنده شيء من الالتزام، ولو الالتزام الظاهر، ولكننا نترك طبقات وشرائح كبرى هي أكثر من الطبقات التي نتحدث إليها، كطبقة التجار مثلاً، وطبقة الجنود والفلاحين، وطبقة عوام الناس. والرسول صلى الله عليه وسلم كما قلت في أول الحديث رجل عامة صلى الله عليه وسلم ورسول عامة، وكذلك علماء السلف، فلا بد أن نصل إلى هؤلاء، والناس على الفطرة، وهم يقبلون الدعوة، ويحترمون الداعية إذا وصل إلى قلوبهم، وتحدث معهم.

من الأخطاء: الغلظة والفظاظة

من الأخطاء: الغلظة والفظاظة أيضاً من أخطائنا: الغلظة والفظاظة، توجد فينا وفي أمثالنا غلظة وفظاظة في التعامل، وعدم وجود اللين والبشاشة والبسمة الرائقة التي تجذب قلوب المدعوين، ومدح الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم باللين، فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] إنه يجب علينا في هذه المرحلة أن نكسب الناس وأن نتألفهم، وقد تألف الرسول صلى الله عليه وسلم صناديد العرب بالإبل، وتألفهم بالمال والثياب، فلماذا لا نتألف الناس بالبسمة والزيارة والتواضع حتى نكسب الناس؟ وقد أثنى الله على نبيه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقال صلى الله عليه وسلم: {وتبسمك في وجه أخيك صدقة} وهذا لا يستطيع له إلا من أصلح الله قلبه، وهداه سنة محمد عليه الصلاة والسلام. ويبقى هناك سؤال ربما يطرح وهو الذي قلته في بداية هذا الدرس: لماذا لم توجه النقد إلى الآخرين، ووجهته لنا نحن الدعاة؟ وأجيب بما أجبت في أول المحاضرة لكن بأسلوب آخر أقول: الأحسن أن نتلافى أخطاءنا قبل أن ينبهنا غيرنا على الأخطاء، والتناصح منهج إسلامي، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [[المؤمنون نصحة والمنافقون غششة]] أما أولئك فلهم كلام آخر، والرسول صلى الله عليه وسلم ترك تعزير وإقامة الحد على عبد الله بن أبي، قالوا: لأن الحد لا يطهره، وإنما أقامه صلى الله عليه وسلم على من قذف من المسلمين؛ لأن الحد يطهره. فأنتم وأنا التنبيه يطهرنا، لأننا إن شاء الله على حديث: {إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث} فهو شيء سهل لا يعكر إن شاء الله صفو الماء ولا ينجسه. وهي مرحلة لا بد منها، وهي مرحلة أن ننظر وراءنا في أخطائنا التي وقعنا فيها، وندرس ملفاتنا السابقة في الدعوة والعمل، والجهاد والتعليم، ولأنَّا لسنا معصومين، وإنما عرضة للتجارب، ونحن في عصر أصبح العالم كله يدرس أخطاءه.

ملخص الأخطاء

ملخص الأخطاء وألخص الأخطاء: الأول: قلة الإنصاف. الثاني: صعوبة عرض عقيدة التوحيد السهلة الواضحة الميسرة على الناس. الثالث: تسمية البطالة بالزهد، والانزواء عن كسب المال وجمع الرزق. الرابع: عدم مراجعة الأخطاء والاستفادة من التجارب، وقد وقعنا في أخطاء مدلهمة ولم نستفد منها. الخامس: عدم عذر المسلم المخطئ، إذا كان قصده الحق. السادس: إعطاء المسائل أكبر من حجمها، أو التشاغل بقضايا غير واقعة، أو غيرها أهم منها. السابع: استعجال النتائج. الثامن: الفرار من الدعوة والمشاركة والتأثير بحجة خوف الفتنة والحفاظ على الدين. التاسع: عدم الرجوع إلى الذين يستنبطونه من أهل العلم فيما يلم بنا. العاشر: ضيق النظرة الدعوية، أو تحجيمها في أسلوب واحد فحسب. الحادي عشر: تقصيرنا في التخطيط المسبق، والدراسة المتأنية، والانطلاق بعشوائية في أعمالنا وفي مشاريعنا. الثاني عشر: تذرع البعض بذنوبه وخطاياه، فلا يدعو إلى الله. الثالث عشر: الإقليمية في دعوتنا. الرابع عشر: عدم احترام التخصص. الخامس عشر: التقصير في تكثير سواد المؤمنين. السادس عشر: تقصيرنا في مد الجسور مع الطبقات الأخرى من طبقات المجتمع، وعامة الناس. السابع عشر: الغلظة والفظاظة في بعض أساليبنا. أسأل الله أن يصلح الحال. أقول لكم أيها الأحباب: هذه وجهات نظر تقبل المناقشة وتقبل الحوار، فهي من كلام رجل ليس بمعصوم، وهو مخطئ، بل هو أول مخطئ. لعمرو الله ما نسب المعلى إلى كرم وفي الدنيا كريم ولكن البلاد إذا اقشعرت وصوح نبتها رؤي الهشيم فأنا الهشيم هذه الليلة، فخذوا من الهشيم ما استطعتم، واعفوا عن أخيكم، عفا الله عنكم! واعلموا أنها من مبدأ النصح عسى الله أن يصلح بنا وبكم طريق الرشاد، وأن يحفظنا وإياكم من طريق الهالكين، وأن يجعلنا ممن إذا استمع القول اتبع أحسنه، وأن يهدي بنا وبكم أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى صراط الله المستقيم، وأن يرغم بنا أنوف المرتدين والمنافقين والملحدين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ذو العرش المجيد ينزل نعمه على العبيد

ذو العرش المجيد ينزل نعمه على العبيد إن الله عز وجل قد أنزل علينا من النعم الكثيرة التي لو قضى الإنسان عمره في شكرها لما كفى ذلك، ولكن على الإنسان أن يبذل جهده في شكرها. وأعظم نعمة منَّ الله بها علينا نحن البشر هي نعمة الإسلام وكذلك نعمة القرآن والسنة، ومن الأحاديث التي جاءت في السنة حديث أبي ذر العظيم في تحريم الظلم، وقد وقف الشيخ عند كل لفظة من ألفاظه وشرحه شرحاً مفصلاً.

ميراث النبي صلى الله عليه وسلم

ميراث النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المعلم الجليل، والهادي النبيل، صلى الله وسلم على من كسر بدعوته ظهور الأكاسرة، وقصر برسالته آمال القياصرة، الذين طغوا وبغوا حتى أرداهم ظلمهم في الحافرة، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:1 - 11]. {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195]. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. أيها الفضلاء أيها النبلاء: وإنها لفرصة سانحة ونادرة. إن يكد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد أما رسالتنا فهي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي رسالة الخير والعدل والسلام، وسبق في ليلة أمس أنها تحمل كذلك الحب والإيمان والطموح، ولكن لا يمنع ذلك إذا حملت الحب والإيمان والطموح أن تحمل العدل والخير والسلام، وهذا الدرس سيكون في فن الحديث، وفي ميراث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي بضاعته التي رخصت عند الذين لا يفهمون ولا يفقهون ولا يعون. تعال يا من حاله في وبال ونفسه محبوسة في عقال! يا رقداً لم يستفق عندما أذَّن في صبح الليالي بلال روض النبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال ميراثه فينا جميل الحلى وأنتم أصحابه يا رجال من يرث (لا إله إلا الله) إلا أنتم؟! من يرفع (لا إله إلا الله) إلا أنتم؟! من يتفقه في (لا إله إلا الله) إلا أنتم؟! من يموت على (لا إله إلا الله) إلا أنتم؟! الحديث هو فيض من صحيح مسلم، وهو من قواعد الإسلام الكبرى، واستمعوا إلى البلاغة والحرارة والروعة والحب والجمال والعدل والخير والسلام.

شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه في تحريم الظلم

شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه في تحريم الظلم عن أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: {يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم؛ ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم؛ ما نقص ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته؛ ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه}. هذا الحديث رواه مسلم، وهو حديث شامي، قال الإمام أحمد: ليس لأهل الشام أشرف من هذا الحديث. وراويه عن أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه أبو إدريس الخولاني، وقد أتى من طرق أخر عن غير أبي إدريس، ورواه الإمام أحمد في المسند بلفظ مختلف، وروى منه شذراتٍ الإمامُ الترمذيُّ في سننه، وهذا الحديث تجنب البخاري إيراده لعلة سهلة خفيفة لا توجب رد الحديث، ولكن البخاري له خيوط من الدقة والفطنة لا يرقى إليها شرط مسلم. هذا الحديث فيه قضايا وعبر وإشراقات، وهذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام، كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث به جثا على ركبتيه! إنه حديث يكسبك العدل والخير والسلام.

ترجمة أبي ذر الغفاري

ترجمة أبي ذر الغفاري والقضية الأولى: من هو أبو ذر الغفاري؟ أبو ذر هو الزهد، والزهد هو أبو ذر. أبو ذر هو العبادة الناصعة والمدرسة المتوجهة التربوية التي تركها صلى الله عليه وسلم في العالم. أبو ذر ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء فمجده، وذكر أنه من العلية الخالصة من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام. يمتاز أبو ذر بأنه يبحث عن الحقيقة في وقت ضاعت فيه الحقيقة، أتى طالباً للهدى في وقت فقد فيه الهدى، هو من الصحراء، واضح وضوح الصحراء، صادق صدق الصحراء، شجاع شجاعة الصحراء. أبو ذر غفاري من قبيلة غفار، التي تسلب الراحل في الليل لكنه هو لا يسلب أحداً بعد أن تعلم الخير والعدل والسلام. سمع أن الرسول عليه الصلاة والسلام طرق العالم، وتحدث بلا إله إلا الله في مكة، فأرسل أخاه إلى مكة، فذهب أخوه ولكن ما شفى له غليلاً ولا روى له عليلاً، فأتى أبو ذر، فركب ناقته، وذهب ووصل إلى مكة حيث الصخور السوداء، حيث الرسالة التي انبعثت من مكة، وحيث دعوة الله تعلن عالميتها، وليس معه إلا أربعة نفر، أبو بكر وزيد بن حارثة وخديجة وعلي بن أبي طالب، رجل ومولى وصبي وامرأة، والله يقول عن نبيه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] فيضحك كفار مكة من هذه الرحمة التي للعالمين، وهو يحارب ويطرد ويجاع! وبعد خمس وعشرين سنة سرت الرحمة المعطاة من الله إلى سمرقند، وطاشقند، والسند، والهند، وإلى بقاع الأرض وبقاع المعمورة. من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا إن هذا الدرس كمقدمة، وليس درساً تخصصياً إلا في الحلقة الثانية إن شاء الله، لكنه أشبه بالشذرات في التوجه والتربية، ليكون ديباجة للموضوع وممهداً لهذا الفصل من الحديث في فن الحديث. فوصل أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه إلى مكة، لكنه لا يعرف أحداً في مكة، ولا يعرف أين يذهب، آواه الليل فاستتر بثياب الكعبة، وهو يحمل في قلبه البحث عن العدل والخير والسلام، ما وجد طعاماً، فما في مكة من يطعمه لأنه غريب. غريب من الخلان في كل بلدة إذا عظم المطلوب قل المساعد فأخذ يشرب من ماء زمزم، قال عن نفسه: شربت ماء زمزم، فأغناني الله به عن الطعام، فما جعت أبداً، حتى تكسرت عُكَنُ بطني من السمن، وهذه الخاصية ليست إلا لزمزم، ولا تكون لماء آخر في الأرض. وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال ثم نزل رضي الله عنه فوفق بـ أبي الحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صاحب الكلمة النفاذة والحسام الماضي في رقاب المعاندين، فعرف علي أنه غريب، فلما رآه تبعه ولم يسأل واحد منهما صاحبه، وهكذا في اليوم الثاني والثالث، فقال له علي: ألا تحدثني بالذي أقدمك؟ فأخذ عليه عهداً أن يرشده إلى ما يريد، فقال: إني سمعت عن رجل هنا يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، فقال علي: فإنه حق، وإنه رسول الله، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، وإن مضيت فاتبعني حتى تدخل معي، وهذا كما قيل: إن في المعاريض مندوحة عن الكذب. وانطلق أبو ذر في أول لقاء حار ومناظرة ساخنة بين التلميذ وشيخه، وبين الطالب ومعلمه، يقول له في أول اللقاء: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فأطلقها أبو ذر قوية مؤثرة: السلام عليك ورحمته وبركاته، فكان أول من حيا رسول الله بتحية الإسلام، فرد عليه صلى الله عليه وسلم وجلس أبو ذر. واسمع إلى الحوار الهادئ وإلى التوجه الرباني، وإلى هداية الله، يهتدي هذا من قبيلة غفار البدوية البائسة، وأهل البلد الحرام لا يهتدون، أبو طالب وأبو لهب وأبو جهل {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23]. فقال: يا رسول الله! ماذا أرسلك الله به؟ فقرأ عليه شيئاً من القرآن، وتكلم بشيء من الدعوة فأسلم، فقال له صلى الله عليه وسلم: من أين أنت؟ قال: أنا أبو ذر الغفاري من غفار، فتبسم عليه الصلاة والسلام، غفار تأتي لتسلم، وتأبى قريش أن تسلم! وهم أهل زمزم والحطيم والصفا والمروة، إنها هداية وولاية الله! قال: فعد إلى أهلك، فإذا سمعت بخروجي وانتصاري فتعال، ولكنه رفض أن يهدأ، بل قام على الصفا، فأعلن إسلامه فضرب حتى أصبح لابطاً في الأرض، وهكذا العظماء يضربون ويقتلون ويجرحون ويسجنون ويجلدون، فقام العباس وقال: اتركوه فإنه من غفار. ثم عاد فأرسل دعوته في غفار، وأسلم معه سبعون من بيوت غفار، ودخل المدينة بجيش من المسلمين، ثم واصل المسيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي تبوك تخلفت به ناقته وهو في الصحراء وفي الرمضاء، يقتلع خطاه من الأرض اقتلاعاً في حرارة الصيف وفي وهج الشمس، فيقول عليه الصلاة والسلام لما رآه في حديث في سنده نظر: {رحمك الله أبا ذر، تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك}. وعاد إلى المدينة فقال له صلى الله عليه وسلم: {يا أبا ذر! إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج من المدينة} وهذا الحديث سنده حسن أورده الذهبي في السير وغيره، والمقصود بـ سلع جبل في المدينة، ومعنى الحديث: إذا بلغ العمران جبل سلع وامتدت المدينة، فاخرج بإيمانك وعبادتك وزهدك. كأنه شفاف، لا يستطيع أن يعيش مع الصخب، وبعض النفوس كالجوهر اللماع أي شيء يؤثر فيه، أو كالثوب الأبيض يتأثر من أي شيء لنصاعته وطهره، فلما بلغ البناء سلعاً أخذ غنمه وخيمته وعصاه، وخرج إلى الربذة على مسافة ثلاثة أميال من المدينة. لا طفوني هددتهم هددوني بالمنايا لا طفت حتى أحسَّا أركبوني نزلت أركب عزمي أنزلوني ركبت في الحق نفسا أطرد الموت مقدماً فيولي والمنايا أجتاحها وهي نعسى أنا عاهدت صاحبي وخليلي وتلقنت من أماليه درسا توفي في الربذة، ولفظ أنفاسه على زهد وعبادة وإخلاص، ويكفيه شرفاً أنه حفظ هذا الحديث الذي يصل إلى القلوب مباشرة.

تعريف العبادة

تعريف العبادة وفي الحديث قضايا: أولها: سند الحديث صحيح من طريق مسلم، ومسلم يشترط المعاصرة وإمكان اللقيا، ولا يشترط أن تحدث اللقيا بين الشيخين، لذلك هو يستهل صحيحه بهجوم صاعق على الذين يخالفونه في هذه القاعدة، ويلومهم على المخالفة، وقال: من يشترط هذا؟! وعمل الناس في الحديث على غيره! ثانيها: في غير الصحيح وردت زيادات توقف في صحتها بعض الحفاظ ومجالها بحث آخر. يقول سبحانه وتعالى: يا عبادي! وأشرف لفظ تسمى به أن تكون عبداً لله. لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي والعبودية لفظ مجمل يحتاج أهل السنة والجماعة إلى تفصيله للناس. قيل في تعريف العبادة: هي أداء المأمور واجتناب المحظور. وقيل في العبادة -وهذا تعريف طلق بن حبيب - هي: أن تعبد الله، على نور من الله، ترجو رحمة الله، وأن تجتنب معاصي الله، على نور من الله، تخاف عذاب الله. وقيل في العبادة: هي أن تكون على الصراط المستقيم الذي ذكره سبحانه وتعالى بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]. وقيل في العبادة: هي أن تتولى ولاية الله وتتقمصها، فتكون من الذين قال الله فيهم: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63]. وقيل: العبادة هي أن تؤدي المفروض، وتجتنب المحظور، وأن تتقرب بالمستحبات، وتنتهي عن المكروهات. ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن في هذا التعريف الأخير نظراً، وذلك عندما شرح حديث الولي في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه يرفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول الله تبارك وتعالى: {من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلىَّ عبدي بأحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل} الحديث. فـ ابن تيمية يرى أن الحديث قسَّم الناس إلى قسمين: سابق بالخيرات، ومقتصد، وهذا لا يعفينا من التقسيم التفصيلي، لا النقلي التجريبي الذي نقله بعض الفقهاء ثم سكتوا عنه. إذاً: فالعبادة على درجتين، لكن من يقول لكم: إنها على ثلاث درجات، فقد صدق لقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:32]. إذاً: أقسام العباد في هذه الآية ثلاثة أقسام: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:32]. وعند ابن القيم وابن تيمية أن الثلاثة يدخلون الجنة، بيض الله وجهي الشيخين فقد أدخلونا ونحن ظلمة لأنفسنا في الثلاثة، ولو كان على الصنفين وهو رأي الجمهور، لما دخل الظلمة في قوله سبحانه وتعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [الرعد:23]. إذاً: فالظالم من ترك بعض المأمورات، وارتكب بعض المحظورات. والمقتصد: من فعل الفرائض واجتنب الكبائر. والسابق بالخيرات: من أتى بالفرائض والنوافل واجتنب المحرمات والمكروهات. قوله: {يا عبادي} العبودية عرفها أهل الإسلام كما أسلفت، ولكن لبعض الناس من أرباب القلوب والسلوك تعريف، ولكنه كالزهرة يشم ولا يُعَك، وبعض هذا التعريف نرفضه ولا نقبله، لأنه جاء من غلاة الصوفية كقول الصوفي الغالي: العبادة هي ألا تطلب عليها ثواباً. كيف والله يقول في عباده: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ} [الفتح:29]؟! وكيف والله سبحانه وتعالى قال: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران:169 - 170]؟! كيف لا يفرحون؟! فهذا التعريف يعارض فرح المؤمنين بجزاء الله، والصوفي الآخر الغالي يقرأ قوله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران والله يتحدث عن أهل أحد {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152] فصفق بين يديه وقال: سبحان الله! وأين الذين يريدون وجه الله؟! الله يقول: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} [آل عمران:152] أي: الغنائم، ومنكم الأبرار الأخيار الذين يريدون الآخرة: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152] لكن هذا جعل الصنفين كليهما باطلاً ومتبراً عملهم وهذا قول. وهناك تعريف آخر يعرفه سحنون المغربي المالكي يقول: العبادة هي الرضا بالمصائب، ولكنه ليس بواجب، بل الرضا مستحب والصبر واجب. وسمنون العابد يرى أن العبادة: هي أن تتقبل البلاء وأن تنجح في الاختبار، حتى كان يقول كما في صفة الصفوة: اللهم أجر بلاءك علي بما شئت، ويقول: إني أنا عبدك المذلل فحيثما شئت فامتحني قالوا: فابتلاه الله بحصر البول، فكان يمر على الأطفال ويقول: ادعوا لعمكم الكذاب، والله عز وجل يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31]. قال الفضيل بن عياض: اللهم لا تبلنا فتفضحنا، الستر الستر والعفاف العفاف. كأن رقيباً منك يرعى مسامعي وآخر يرعى مسمعي وجناني فما خطرت من فيَّ بعدك خطرة على القلب إلا عرجا بعناني {يا عبادي} هذه أشرف لفظة، والنبي صلى الله عليه وسلم بلغ أعلى مقامات العبودية، أما نحن فمنا مقتصد وسابق وظالم لنفسه، والناس درجات، بين كل درجة والأخرى كما بين السماء والأرض، والدرجات عددها لا يعلمها إلا الله، ولكن منزلة الوسيلة ليست إلا مقعداً واحداً، هو محجوز للرسول عليه الصلاة والسلام، وهو أعلى درجات الهداية والعبودية التي ارتقى إليها صلى الله عليه وسلم. وهل يسمى الكافر عبداً؟ نعم. يسمى عبداً في الإطلاق الخلقي الأمري الكوني، وأما الإطلاق الديني الشرعي فلا يسمى عبداً، لأنه عبد بالقهر والقوة، وليس عبداً بالانقياد والطاعة كما قال تعالى: {ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11] فأتى المؤمن طائعاً فكان عبداً، وأتى الكافر كارهاً فكان عبداً، فعبودية الكافر كونية خلقية، وعبودية المسلم أمرية دينية شرعية، فكونوا ممن انقادوا إلى (لا إله إلا الله) وقبلوا دعوة الله.

تعريف الظلم وأقسامه

تعريف الظلم وأقسامه صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: {يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا}. أولاً: في هذه الكلمة ثلاث قضايا: القضية الأولى: من الذي حرم الظلم على الله؟ وهل تقع الأحكام على الله؟ وهل يجب عليه شيء ويحرم عليه شيء ويجوز له شيء، ويستحب في حقه شيء؟ القضية الثانية: ما هو الظلم؟ وما هو حده، وتعريفه؟ القضية الثالثة: ما هي أنواع الظلم؟ أما قوله سبحانه وتعالى: {إني حرمت الظلم على نفسي} فهذا التحريم عند المحققين من أهل السنة والجماعة هو تحريم أورده الله على نفسه ولم يورده أحد من الناس جل الله عن ذلك وتعالى الله علواً كبيراً، فالله له أن يوجب على نفسه شيئاً وأن يحرم شيئاً، وأن يحبب شيئاً وأن يكره شيئاً، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {أتدري يا معاذ! ما حق الله على العباد وحق العباد على الله؟} قال ابن تيمية: هذا حق أوجبه الله على نفسه ولم يوجبه أحد من الناس، إذاً فهو الذي حرم الظلم على نفسه، ولم يحرمه أحد من الناس، جل الله أن يحرم عليه أحد من خلقه أو يشرع بين يديه أو يتفتى في أوامره وشرائعه وفرائضه وسننه. أما الأمر الثاني: بالنسبة لتعريف الظلم وحده: الظلم عند أهل اللغة: وضع الشيء في غير موضعه، وعند أهل الأصول: هو عبادة غير الله تبارك وتعالى، أهل الأصول أعني بهم أهل الإسلام من أهل السنة والجماعة، قال سبحانه وتعالى على لسان لقمان لابنه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:12 - 13] فالشرك ظلم، والظلم عند أهل الأصول هو عبادة غير الله أو الشرك مع الله أو الإشراك مع الله إلهاً آخر، قال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]. وفي الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: {لما نزل قوله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! وأينا لم يظلم نفسه! قال عليه الصلاة والسلام: إنه ليس الذي تريدون، أما سمعتم قوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]} فالحمد لله، فما دام أن الظلم في الآية هو الشرك، فيتخلف كثير من الناس من مغبة هذا الظلم لأن المشركين في أهل السنة والجماعة قليل إن شاء الله. أما الأمر الثالث: وهو أقسام الظلم فهو على أقسام متعددة: الأول: ظلم العبد لربه. الثاني: ظلم العبد لنفسه. الثالث: ظلم العبد لإخوانه. أما الظلم الذي هو ظلم في جانب المولى تبارك وتعالى فهو أن تعبد غير الله، ولقد سئل صلى الله عليه وسلم عن أعظم الذنوب، وهذا في الصحيحين عن ابن مسعود قال: [[أن تجعل لله نداً وهو خلقك-أو وقد خلقك-]]. وظلم العبد لنفسه: ويدخل في ذلك الشرك والمعاصي؛ كبيرها وصغيرها، جليلها وحقيرها، كل معصية فهي ظلم بحسبها على العبد. وأما ظلم العبد لإخوانه فهو أن يأخذ من حقوقهم أو أعراضهم أو أموالهم أو دمائهم، ولذلك ذكره سبحانه وتعالى لأنه أكثر ما يقع الناس فيه، وهو مستساغ لدى النفوس والقلوب. ثم قال: {يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً} في أي كلام حرم الله الظلم؟ في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران:108]، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] هذه الآيات {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران:117]، {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40] هذه الآيات وأمثالها معناها أن الله عز وجل كتب على نفسه ألا يظلم أحداً. وورد في القرآن: الهضم والظلم، فما هو الهضم؟ وما هو الظلم؟ الظلم: هو أن يؤتى بسيئات غيرك فتوضع عليك، والهظم: هو أن يقلل من حسناتك وتذهب حسناتك شذر مذر، فالله لا يظلم ولا يهضم، لا يسلب من حسناتك ولا يعطيك من سيئات غيرك {فلا تظالموا} و {الظلم ظلمات يوم القيامة} كما في الحديث الصحيح والظلم قطيعة بين العبد وربه، والظلم أول ما عصي الله به في الأرض، فقد ظلم قابيل هابيل ابني آدم، فوقع الظلم في الدنيا، وقد ذكر أهل العلم قصصاً من الظلم، والظلم -أيها الإخوان- ينافي العدل والسلام والخير، كما أنه نهى عنه صلى الله عليه وسلم كلما أرسل رسولاً من أصحابه. جاء في الصحيحين من رواية ابن عباس لما أرسل معاذاً إلى اليمن قال: {وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} وفي السنن في الحديث الحسن قال صلى الله عليه وسلم: {ثلاثة لا ترد دعوتهم: -ومنهم- والمظلوم يرفع الله دعوته فوق الغمام، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين}. سجن هارون الرشيد أبا العتاهية الشاعر وكان مظلوماً فأرسل له رقعة يقول فيها: إلى الديان يوم العرض نمضي وعند الله تجتمع الخصوم فأخرجه وبكى هارون الرشيد من هذه الرقعة. والظلم -كما قلت لكم- وضع الأمور في غير مواضعها، أتى ابن هاني الشاعر الفاجر الأندلسي فقال لأحد السلاطين: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار سبحان الله! فابتلاه الله بمرض -فعقوبة الظالم تقع في الدنيا- حتى كان يتململ ويعوي وينبح كالكلب على فراشه وأخذ يبكي ويخاطب رب العزة ويقول: أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالق لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق وهذا جزاء من ظلم عباد الله. ذكر ابن كثير والذهبي في السير أن أحد السلاطين قدم عليه عالم من العلماء، فتقدم هذا العالم فقال كلمة الحق عند هذا السلطان، وقد صح بذلك الحديث: {أفضل الحهاد كلمة حق عند سلطان جائر} والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى سلطان ظالم فقال كلمة حق فقتله} فقام هذا العالم أمام هذا السلطان، فتكلم أمامه، فغضب السلطان فضربه على وجهه كفاً حتى أجلسه، فقال العالم: قطع الله يدك، فما مضى عليه شهر إلا وأخذ وعزر وقطعت يده وعلقت بباب الطاق في مدخل بغداد. وذكر الذهبي وابن كثير في ترجمة ابن الزيات الوزير العباسي الذي شارك في الحلف الابتداعي ضد إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل صاحب التوجيه والتربية والهدى المستقيم، فكان ابن الزيات يستهزئ بتعاليم أهل السنة وشارك في سجن الإمام أحمد، فكان الإمام يدعو في الثلث الأخير من الليل ويرفع يده إلى الحي القيوم على ابن الزيات يقول: اللهم احبسه في جسمه، قال الذهبي: فأصيب ابن الزيات في جسمه فشلَّ جسمه وأدخله الواثق في فرن وعذبه فأخذ يزوره علماء أهل السنة بعد موت الإمام أحمد، قالوا: والله ما زرناك عواداً ولكن أتيناك شامتين، أتينا نشمت بك، يا أيها المبتدع الضال، يا رأس العمالة والضلالة، لقد أصابتك دعوة إمام أهل السنة والجماعة. وأما أحمد بن أبي دؤاد القاضي المبتدع، الذي يقول عنه الذهبي: أحمدنا: أحمد بن حنبل وأحمد أهل البدعة: أحمد بن أبي دؤاد القاضي والوزير الكبير، فدعا عليه الإمام أحمد أن يعطيه الله أول جزاءه في الدنيا، فشل نصفه والنصف الآخر بقي مرتعشاً يقول: والله لو قرض نصفي بالمقاريض ما أحسست، ولو وقع الذباب على النصف الآخر لكأن القيامة قامت عليّ. إن الظلم شأنه عظيم يوم يظلم الظالم فلا يجد له ناصراً ولا ولياً من دون الله، والظلمة على مر التاريخ كثيرون، ومن أعظم من ظلم أهل المبادئ والأسس وأهل الأهداف والدعوات، وعلى رأس القائمة سعيد بن المسيب، طالب منه بنو أمية أن يبايعهم ليكون الملك وراثياً فرفض وقام في وجه هذا، وأنكر البدع المضللات في المدينة، فجلد مائة جلدة، على ماذا؟ وحمل على جمل وطيف به في المدينة عجيب!! أسعيد بن المسيب سعيد الزهد والحديث والعبادة يحمل على جمل؟! أفجر أم سرق أم شرب الخمر؟! أسكر وانتهك المحرمات؟! لا والله. حمل على جمل وطيف به في المدينة. علو في الحياة وفي الممات بحقٍ أنت إحدى المعجزات كأن الناس حولك حين قاموا وفود نداك أيام الصلات كأنك واقف فيهم خطيباً وهم وقفوا قياماً للصلاة فبقي اسمه مسجلاً في سجل الخالدين وورثة الأنبياء والرسل. ومن الظلم الذي تعرض له أرباب الدعوات الأصيلة والأهداف الجليلة: سعيد بن جبير ما أخذ مالاً ولا سفك دماً ولا اعتدى على فرج حرام، ولا انتهك المحرمات، لكنه يريد أن تبقى لا إله إلا الله محمد رسول الله عالية فوق الرءوس، استدعاه الحجاج، واسمعوا للمناظرة الحارة بين هذا العالم والفاجر السفاك الحجاج. يقول الذهبي في ترجمة الحجاج: نبغضه ونعتقد أن بغضه من أوثق عرى الدين، يقول في السير: له حسنات لكن انغمرت حسناته في بحار سيئاته. وذكر في تحفة الأحوذي للمباركفوري المناظرة الحارة بين هذا العالم وهذا السفاك، فقال: دخل سعيد بن جبير على الحجاج فقال له: ما اسمك؟ سبحان الله! لا تعرف اسم سعيد بن جبير الذي تلألأ به البخاري ومسلم، والترمذي وأبو داود والمسند؟! لا تعرف اسماء الخالدين الذين سجلت أسماؤهم في صفحات من نور في الصدور؟! من تلظي لموعه كان يعمى كاد من شهرة اسمه لا يسمى قال: ما اسمك؟ قال: اسمي سعيد بن جبير. قال: بل أنت شقي بن كسير. قال: هكذا سمتني أمي. قال: شقيت أنت وشقيت أمك. قال: الشقي من شقي في بطن أمه. قال الحجاج: والله لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى. قال سعيد: لو كان ذلك عندك لاتخذتك إلهاً من دون الله. قال الحجاج: علي بالعود، فأتي بعود وجارية فضرب العود والناي في مجالس اللاهين اللاغين الذين لا يعرفون القرآن ولا يعرفون حدثنا، ولا يعرفون الكلام الذي يرسخ في القلوب ويغرس في النفوس، غنت الجارية واندفعت تغني والعود يضرب فبكى سعيد قال الحجاج: أهو الطرب؟ قال: لا والله. ليس بالطرب، لكن جارية سخرت في غير ما خلقت له، سبحان الله! الجارية خلقت لتعبد الله فسخرت للغناء، وعود قطع من شجرة في غير ما خلق له. قال الحجاج: عليّ بالذهب والفضة، فأتي بالذهب والفضة فنثر بين يدي سعيد، أسعيد بن جبير يريد ذهباً وفضة؟ أيريد دراهم ودنانير؟ لا. إنه يريد رضا الله وجنة عرضها السموات والأرض، فنثر الذهب والفضة، وقال: خذ من هذا. قال سعيد: يا حجاج! إن كنت أخذت هذا لتتقي به من غضب الله ومن نار أعدها الله لأعدائه، فقد والله أحسنت، وإن كنت أخذته للدنيا فهو متاع قليل، عما قليل يفارقك وتفارقه. قال الحجاج: يا سعيد! اختر أي قتلة تريد، فوالله لأقتلنك قتلة ما قتلها أحد من الناس. قال سعيد: -وهو يتبسم- يا حجاج! اختر لنفسك أي قتلة تريد أن تقتلني، فوالله الذي لا إله إلا هو لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله بمثلها يوم القيامة. قال الحجاج: خذوه إلى غير القبلة. قال سعيد: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115]. قال: أنزلوه إلى الأرض. قال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [ط

الهداية أقسامها وطرقها

الهداية أقسامها وطرقها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: {يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم}. الضلال وارد على الناس، ولكن الله عز وجل هدى الإنسان، فما هي الهداية وأقسامها؟ الهداية على قسمين: الأولى: هداية كونية: وهي التي هدى الله بها الناس إلى الفطرة. والثانية: الهداية التي في القرآن. وهي على قسمين: أولاً: هداية التوفيق: وهي من الله، يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]. ثانياً: هداية الدلالة: وهي هدايته صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] فهذه الهداية خاصة به صلى الله عليه وسلم يدل الناس عليها. ما أحوجنا إلى الهداية! لأن الإنسان ظالم فاجر ضال، لا يهتدي إلا أن يهديه الله عز وجل، وهداية الفطرة لا تكفي عند أهل السنة والجماعة؛ فقد جاء في حديث عياض بن حمار في مسلم مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يقول: {خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين} فمعنى حنفاء أي: على الفطرة، وهذا يؤيده الحديث الصحيح: {ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه ينصرانه أو يهودانه أو يمجسانه} لكن الفطرة وحدها لا تقوم بالهداية، فيحتاج العبد إلى أمر تفصيلي في الهداية. وما هي طرق الهداية؟ الهداية لها طريقان اثنان: اسمع يا من يريد الهداية! اسمع يا من يريد طرق باب الهداية! يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه الأولى: هداية القرآن: وهي هداية تفصيلية ومجملة. الثانية: هداية الرسول عليه الصلاة والسلام: وهي السنة. فمن لم يهتد بالقرآن ولا بالسنة فلا هداه الله! حفظ عن ابن تيمية أنه قال: من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدى غير هدى الله الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً وعدلاً ولا كلاماً، ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم. والهداية لها طرق: الأول: من أعظم طرق الهداية: الدعاء والتبتل، خاصة الدعاء في السحر، في الليل وأنت تصلي ركعتين في جنح الظلام. قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسمار ويوم تركنا ركعتي السحر خمد الإيمان في قلوبنا، ويوم تركنا ركعتي السحر قل النشاط، ويوم تركنا ركعتي السحر قل الإخلاص إلا عند من رحم الله. كان طاوس بن كيسان وهو أحد رجال الصحيحين، الزاهد العابد الشهير والعالم النحرير الكبير يدور على أصحابه في السحر فطرق على أخ له، فخرج أخوه وهو نائم، قال طاوس: أتنام في هذه الساعة؟ قال: نعم. قال: والله ما ظننت أن أحداً ينام في هذه الساعة. لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى يكون حشاك في أحشائه يظن طاوس أن الناس لا ينامون في وقت السحر، وفي الصحيحين: {ينزل الله في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا -لكن نزولاً يليق بجلاله، لا نكيفه ولا نمثله ولا نعطله- فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له؟! هل من مستغفر فأغفر له؟! هل من تائب فأتوب عليه؟!} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. لطيفة واستطراد مع طاوس بن كيسان، وهذه تنبئنا عن مسألة الظلم والعدل ومسألة التعلق بنصرة الواحد الأحد. فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان يا حافظ الآمال أنت حميتني ورعيتني وعدا الظلوم عليّ كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني قال طاوس بن كيسان -وهذه القصة في البداية والنهاية لـ ابن كثير: دخلت الحرم، فصليت ركعتين عند المقام، قال: فدخل الحجاج بن يوسف الثقفي بحرسه، فوضعوا السلاح حراباً وسيوفاً ورماحاً، قال: فسمعت الجلبة فلما سلمت عرفت أنه الحجاج، فما تزحزحت من مكاني، طاوس بن كيسان مولى لكن قلبه مغذى بالتوحيد والإيمان. قال: فأتى بدوي من أهل اليمن وهو لا يعرف أن الحجاج جالس وأن حرس الحجاج جلوس، ولا أن الحراب والسيوف جاهزة، فأتى يطوف فدخل من عند الحجاج فاشتبك ثوبه بحربة عند الحجاج فوقعت الحربة على الحجاج، فأمسك الحجاج بن يوسف بثوبه والحجاج هو الحجاج! كما قال أحد الناس حين سئل من هم أهل السنة؟ قال: أهل السنة الذين لا تعريف لهم إلا أهل السنة، فـ الحجاج هو الحجاج، والجبل هو الجبل. يقول الحسن البصري: أما الحجاج الثقفي فإنه يقرأ القرآن على لخم وجذام، ويلبس لباس الفساق، ويعظ وعظ المتقين، ويبطش بطش الجبارين. فقال الحجاج لهذا البدوي: من أين أنت؟ قال: من اليمن. قال: كيف تركتم واليكم على اليمن؟ يقصد أخاه محمد بن يوسف، وكان ظالماً مثله. قال: تركته بطيناً سميناً، إن قال: تركته متقياً مصلياً الليل فقد كذب، وإن قال: تركته قارئاً للقرآن أو معلماً للسنة فقد كذب، قال: تركته بطيناً سميناً، يعني: يأكل ويسمن ويتبجح في أموال الله. قال الحجاج: لست أسألك عن صحته، إنما أسألك عن سيرته. قال: تركته غشوماً ظلوماً. قال الحجاج: أما تعرف أنه أخي، وأنا الحجاج؟ قال: أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله؟! قال طاوس: فوالله ما بقيت في رأسي شعرة إلا قامت. هذه الكلمة لا تقوم شعر الرأس فحسب، بل هي ألغام متفجرة، لكن على من يعيها. فهذه الكلمة درس ومحاضرة في التوحيد، تتفجر فتنسف كل ملحد وزنديق على وجه الأرض. قال: أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله؟! أنت تمرض وتموت كما يموت الحمار، فأنا أتعلق بالذي لا يموت، ولا يفتقر ولا يهرم، ولا يعدم سبحانه وتعالى. اسمع التخلية في القرآن: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:3] قال ابن عبد الهادي في الكواكب الدرية: ذهب ابن تيمية في الإسكندرية، فلما نزل في الشارع اجتمع أهل مصر من المبتدعة وغلاة الصوفية يريدون قتله، فقال له أحد تلاميذه: يـ ابن تيمية رويداً رويداً! هؤلاء يريدون قتلك، فتبسم ابن تيمية قال: يريدون قتلي؟ قال: نعم. قال: والله ما هم إلا كالذباب، ثم نفخ في كفه. وحتى لو قتلوه فإنها لن تقوم الحرب العالمية الثالثة، هو يريد أن يموت في سبيل الله، ويطلب أن يموت لذات الله، ويقصد رفعة كلمة لا إله إلا الله، وما الدم والمال والجسم والعظام والعصب إلا هباء إن لم يحي على (لا إله إلا الله). {يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم} كيف نستهدي الله؟ نستهديه سبحانه وتعالى بالدعاء كما أسلفت، برفع الأكف إلى الله؛ فإنه لا يهدي إلا الله. الأمر الثاني: بصدق التوجه، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] ويقول جل علاه: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21] ومن طلب الهداية هداه الله، ومن طلب الزيغ أزاغ الله قلبه، قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5] تقول للمبتدع: مالك ابتدعت؟! قال: كتب الله وقدر أن أبتدع، سبحان الله! أجبري في المعصية قدري في الطاعة؟! حاور ابن تيمية بعض الصوفية الغلاة، ومر بأحدهم وهو يقرأ: فخر عليهم السقف من تحتهم، وفي القرآن: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:26] فقال: لا عقل ولا نقل. فهذا جاهل مركب. ولو أنه جهل بسيط عذرته ولكنه يدلي بجهل مركب والجاهل المركب هو الذي لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري، يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب العروض، وهو أحد أذكياء الدنيا، عقلية متوقدة، بقي من ذكائه يمشي ويفكر حتى اصطدم رأسه في سارية المسجد، فصدمها فمات، يقول الخليل بن أحمد الناس أربعة أقسام: الأول: رجل يدري، ولا يدري أنه يدري؛ فذاك عالم غافل فنبهوه، أي قل له: إنك تعلم، فاخرج إلى الناس لتعلمهم. والثاني: رجل يدري، ويدري أنه يدري، فذاك عالم فاسألوه. والثالث: ورجل لا يدري، ويدري أنه لا يدري فذاك جاهل فعلموه. الرابع: رجل لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري، فهذا أحمق فاتركوه، وهذا جاهل مركب. فهم أربعة أقسام.

الرازق هو الله

الرازق هو الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: {يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم} الله خلقنا، وما كان في خلقه لنا نفعاً له سبحانه وتعالى، ولا دفعاً للمضرة عنه، فهو النافع الضار تبارك وتعالى، هو الذي يطعم ولا يطعم، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الروم:40] هو الذي يخلق سبحانه وتعالى، ويحيي ويميت، وهذه هي علامات الربوبية، وفيها أقصى دلائل لتوحيد الألوهية، لأن بعض الناس يجعل توحيد الربوبية توحيد الألوهية، حتى يتفق هو وفرعون؛ لأن فرعون ما أنكر الصانع في نفسه، بل أنكره في الظاهر فقط، ولهذا قال له موسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102]. يقول موسى لفرعون: والله إنك تعلم أنه ما خلق الخلق إلا الله، وما رفع السماء ولا بسط الأرض إلا الله، لكنك مكابر، ويخطئ من يجعل توحيد الربوبية مكان توحيد الألوهية، ولذلك نقم ابن تيمية على من عرف توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية. أبو جهل يعرف أن الذي خلق الشجرة هو الله، والذي خلق السماء هو الله، والذي خلق الأرض هو الله، لكن يجعل مع الله إلهاً آخر، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر:38]. قال عليه الصلاة والسلام لـ حصين بن عبيد: كم تعبد؟ قال: أعبد سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء، قال صلى الله عليه وسلم: من لرغبك ولرهبك؟ قال: الذي في السماء، قال: فاترك الذي في الأرض واعبد الذي في السماء. ثم يقول: {يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم} ولذلك يخطئ بعض الناس إذا ظن أن الناس هم الذين يرزقون وليس الله، قال تعالى: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} [العنكبوت:17]. سئل ابن تيمية شيخ الإسلام في المجلد العاشر من فتاويه سأله أبو القاسم المغربي قال: دلني على أعظم وصية توصيني بها، وعلى أعظم كتاب بعد القرآن، وعلى أحسن عمل بعد الفرائض، وعلى باب للمهنة والرزق كي أمتهنه -والشاهد باب الرزق- قال ابن تيمية: أما الرزق فأعظم ما يحصِّل الرزق الثقة بالله والتوكل عليه، وطلب الرزق منه، فإنه لا يرزق إلا الله، ولا يعطي ولا يمنع إلا الله. ولذلك دخل أحمد بن نصر الخزاعي على الواثق في فتنة القول بخلق القرآن، وأحمد بن نصر الخزاعي شيخ البخاري في كثير من الحديث، وله مخطوطة في علم الحديث اسمها الاعتصام بالكتاب والسنة، وقد قام بالتنظير العقلي لـ أهل السنة والجماعة، وبجمع الصف ليدكدك دولة الابتداع والباطل، فظفر به الواثق، فأدخله عليه وهو الشهيد العالم، فقال له الواثق: والله لأقطعن رزقك -يعني: راتبك- قال: والله ما رأسي إلا كهذه، ثم قطع زر ثوبه، وأسقطه على رأس الواثق، فقال الواثق: خذوه، فأخذوه فصرعوه وذبحوه؛ ولذلك رفعه الله عز وجل كما رفع الإمام أحمد. وبعض الناس يتوهم أن باب الرزق قد يغلق عليه، ولم يعلم أن الرزق من عند الواحد الأحد، ولا يثبت إيماننا وتوحيدنا حتى نعتقد بهذه الأمور. ذكر ابن رجب الحنبلي صاحب طبقات الحنابلة عن أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي، صاحب كتاب الفنون الذي هو ثمانمائة مجلد، وكتاب الفنون، كان يكتبه في وقت الفراغ لا في وقت الجد، إذا كان في وقت الفراغ، كتب خواطره وبنات أفكاره في هذا الكتاب، فخرجت ثمانمائة مجلد. فذكر ابن رجب أن ابن عقيل ذهب إلى مكة، وكان من الصالحين الكبار الذين يعلمون أن الرزق من عند الله تبارك وتعالى، قال ابن عقيل: فانقطعت نفقتي وما وجدت شيئاً آكله قال: فطفت، فلما انتهيت من الطواف والسعي رجعت ألتمس أكلاً فما وجدت شيئاً، فذهبت إلى ضواحي مكة، فبينما أنا أبحث في التراب، إذا عقد من جوهر كل جوهرة تساوي مئات الألوف من الدنانير -عقد من جوهر- قال: فأخذته وفرحت به فذهبت، فلما أصبحت في الحرم، إذا منادٍ ينادي: من وجد العقد فليأت به، قال: الله المستعان! فذهب به، فقال لصاحبه: ما علامته؟ قال: كذا وكذا كما في الحديث {اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة} قال: فوجد الوصف نفسه، فأخذ هذا العقد بجواهره، فو الله ما أعطاني منه درهماً، وبعض الناس لئيم. قال: فذهب به فلما انتهيت من حجي ذهبت فركبت البحر، فانكسر بي القارب -بعض الابتلاءات تتوالى على المؤمن- قال: فركبت خشبة، فأخذت بي الريح تلعب بي يمنة ويسرة مدة، فازداد الجوع جوعاً والظمأ ظمأً والخوف خوفاً، لكن ذلك تمحيص. قال: ثم ألقتني الخشبة إلى جزيرة من الجزر في البحر، فدخلت الجزيرة، فوجدت فيها قرية، فدخلت مسجد القرية، فتناولت مصحفاً، فأتى أهل القرية، فقالوا: أتقرأ؟ قلت: نعم، قالوا: علمنا القرآن ونعطيك أجراً، قلت: نعم. أعلمكم القرآن، قال: فأخذت ورقة فكتبت، قالوا: وتكتب؟ قال: أكتب، قالوا: علم أبناءنا الكتابة بأجر، قلت: نعم. أعلم أبناءكم الكتابة بأجر. فلما مضى ردح من الزمن، قالوا: معنا ابنة يتيمة صالحة عابدة كان أبوها من الصالحين، نريد أن نزوجك إياها، فتزوجها، قال: فلما رأيتها رأيت العقد الذي وجدته في مكة في نحرها، قلت: ما هذا العقد؟ قالت: هذا عقد كان أبي اشتراه بماله كله، كل ما يملك في الحياة جعله في هذا العقد، قلت: ألهذا العقد قصة؟ قالت: قد ضاع مرة من المرات في مكة، فوجده رجل من الصالحين، فأعطاه أبي، فكان أبي بعد كل صلاة يقول: اللهم ارزق ابنتي رجلاً صالحاً كالذي رد عليّ العقد، قال: أنا صاحب العقد، وقد أجاب الله دعوة والدك. وقف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه ببغلته عند باب المسجد في الكوفة فقال لأحد الناس: أتمسك لي البغلة -أحد الناس من الطفيليين الذين لا هم له إلا قطع الشوارع عرضاً وطولاً- قال: أمسك لك البغلة، فأخذ البغلة، وقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يصلي ركعتين في المسجد، فأخذها فرصة سانحة، فأخذ خطام البغلة، سبحان الله! بعض الناس حقير النفس يرضى بالقليل، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده} وما هي البيضة؟ قال الأعمش: هي الخوذة التي يضعها المقاتل على رأسه، لكن قال الخطابي وغيره: يبدأ بسرقة البيضة فيتدرج حتى يسرق شيئاً له ثمن، فتقطع يده، لأن القطع في ربع دينار أو ثلاثة دراهم. فذهب الرجل إلى السوق فباعه بدرهم، فقال علي: الحقوا هذا الرجل تجدوه في السوق يبيع الخطام -لأنه معلوم عند العقلاء والأذكياء وأهل الفطن أن من يأخذ هذا يذهب إلى السوق- فلحقه رجل فوجده يبيع الخطام وقد باعه بدرهم، فاشتراه من ذاك بدرهم وأخذ الخطام، وقال: هذا خطام بغلة أمير المؤمنين، وأما أنت فخذ الدرهم حراماً، فرجع إلى علي فأعطاه فقال: بكم باعه؟ قال: باعه بدرهم، قال: سبحان الله! والله الذي لا إله إلا هو لقد أردت في نفسي أن أعطيه درهماً بدل إمساكه البغلة، لكن أبى بعض الناس إلا أن يأخذ رزقه من الحرام. {كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم} في السنن قال عليه الصلاة والسلام: {اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع} وبعض الناس يتمنون الجوع. والغزالي له عجائب في كتاب الإحياء في باب الجوع، وهو أمر لم تأت به السنة، وأحدثه أهل الصوفية الغلاة، يقول أحدهم: أين أنتم مني؟ ما أكلت الرطب أربعين سنة! ومن قال لك: لا تأكل الرطب والبلح، والله قد أباحه؟! وقال الآخر: والله ما أكلت اللحم عشرين سنة! كيف تقول ذلك وقد أباحه الله سبحانه وتعالى لأوليائه؟! {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32]. فهؤلاء يتمنون الجوع ويعيشون على الجوع، قال الذهبي في ترجمة صوفي كبير قال عنه: إنه ترك الأكل ثلاثة أيام بلياليها قال: فرأيت أشباحاً -يظن أنها ملائكة، قال: فرأيت أشباحاً روحانية، قال الذهبي: والله ما رأيت شيئاً، ولكن عقلك خاش وطاش وفاش، تركت الأكل حتى وسوس ضميرك وجن عقلك، فقلت: إنهم ملائكة، لماذا ينزلون عليك؟ هل أنت خاتم الأنبياء والرسل؟ لا والله، لكن عقلك خاش وطاش وفاش، ولذلك دخل الكثير في الابتداع من مذهب الزهد، فتجد الواحد لا يأكل ولا يشرب، ولا يستطيع أن يصلي واقفاً. قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس: رأيت بعضهم يصلي جالساً، فقلت: مالك لا تصلي الفريضة واقفاً؟ قال: تنفلت واقفاً حتى تعبت، فصليت الفريضة جالساً، أي فقه هذا الفقه؟! وذكر الخطابي -وأعيدكم إلى هذه المسألة لأن فيها غرابة- في كتاب العزلة وبإمكانكم مراجعة ذلك، قال: رأينا بعض الناس من غلاة الصوفية ألصق على إحدى عينيه شيئاً، فقيل له: مالك؟ فقال: إسراف أن أنظر إلى الدنيا بعينين! سبحان الله! الله خلق لك عينين، وأنت تجعل من الإسراف أن تنظر بعينين، وقد قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] فكيف تجعل هذا إسرافاً؟! إنه الجهل والتقليد والخرافة والتبعية. وإن الرسالة إذا لم تبن على العلم والفقه والإسلام والإيمان والطموح والعدل، فإنها لا تكون نافعة لأصحابها. ومن باب الفائدة أقول: ويجدر بنا أن نشير إلى أنواع الوحي: وهي القرآن والحديث القدسي والحديث النبوي. القرآن: لفظه ومعناه من الله تبارك وتعالى وهو متواتر لفظاً ومعنى، معجز، متعبد بتلاوته. والحديث القدسي: معناه من الله عز وجل، ولفظه من الرسول صلى الله عليه وسلم، فيه متواتر وعزيز وغريب، ولا يتعبد بتلاوته، وليس معجزاً. والحديث النبوي من الرسول عليه الصلاة والسلام لفظه ومعناه، فيه متواتر وعزيز وغريب ولا يتعبد بتلاوته وليس بمعجز، فهذه أقسام الوحي التي أتى بها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.

نعمة اللباس واستحباب التزين

نعمة اللباس واستحباب التزين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: {يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم} أجمل لباس في الحياة لباس التقوى {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26]. إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسيا وأجمل حلية يتحلى بها المؤمن لباس التقوى، وفي الحديث إشارة إلى اللباس الظاهر المعروف عند الناس، وهي الثياب، فلا يكسو إلا الله، وهي تدخل في الرزق، لكن هذا من الخاص بعد العام، فإن الذي يرزق هو الله عز وجل، ومن الرزق الطعام والشراب واللباس وغيرها، وفي حديث حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة: يابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني، قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان جاع فلم تطعمه؟! أما علمت أنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي؟! يابن آدم! مرضت فلم تعدني، قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده؟! أما علمت أنك لو عدته وجدت ذلك عندي؟!} ثم ذكر الحديث وهو حديث حسن ومن أهل العلم من صححه، وهذه الألفاظ تقال ولا تكيف، وهذا ليس مجال بسط. ويخطئ كثير من الناس حين يظن أن اللباس كل شيء، وأن التجمل في الهيئة كل شيء، والجمال جمال الباطن، والحلية حلية الأدب، وأجمل حلية يكساها الإنسان جمال الاعتقاد وجمال الأخلاق والصفات والسلوك، ثم أمرنا بالجمال في الظاهر، إن ديننا لا يعترف بالدروشة، إن الإسلام لا يعترف بالإزراء، وفي حديث حسن {إن الله يحب من عبده إذا أنعم عليه نعمة أن يرى أثر نعمته عليه} وعند الترمذي بسند تكلم فيه: {إن الله نظيف يحب النظافة} لكن ورد في مسلم {إن الله جميل يحب الجمال} وهو من حديث ابن مسعود. يقول الرجل: {يا رسول الله! إنني أحب أن يكون ثوبي جميلاً، ونعلي جميلاً، أمن الكبر ذلك؟ قال عليه الصلاة والسلام: لا. الكبر بطر الحق وغمط الناس} وغمط الناس أي: ازدراؤهم واحتقارهم، ثم قال: {إن الله جميل يحب الجمال}. وفي حديث حسن يقول عليه الصلاة والسلام: {فتزينوا حتى تكونوا كأنكم شامة في عيون الناس} وفي السير أن ابن عباس رضي الله عنهما لبس حلة بألف دينار، ثم أتى إلى الخوارج في العراق فلما رأوه قالوا: أأنت ابن عم رسول الله؟ قال: نعم وماذا تنكرون؟! وقد كان رسول الله يلبس أجمل الحلل، ولقد رأيته يلبس صلى الله عليه وسلم البردة الحبرة وهي ثياب تنسج في اليمن، وقال ابن القيم في صفة هديه صلى الله عليه وسلم: كان لا يتكلف في الطعام وفي اللباس مفقوداً ولا يرد موجوداً. مرة يلبس من الغالي الحلال النفيس، ومرة يلبس من الرخيص، ومرة يلبس الدروع في المعركة. البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بوسها يخرج مرة في جبة من شعر مُرَحَّل عليه الصلاة والسلام، ومرة في بردة كأنه النجم، أو كأن الثريا علقت بجبينه، فيتكلم على الحاضرين بجمال المظهر والمخبر إيحاءً ووقعاً في القلوب، ومرة يلبس الدرعين كما في أحد ويبارز فيهما، فهو رسول ميسر عليه الصلاة والسلام. فالتقيد باللباس الغالي دائماً سيما المترفين، والتقيد بالرخيص سيما المرائين المتبذلين، والمتوسطون هم أهل الرسالة كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143]. وفي سنن ابن ماجة بسند يوقف معه ويبحث فيه {أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن لباس الشهرة} لكن ابن القيم سكت عن هذا الحديث في باب اللباس، والحديث فيه ضعف، والشهرة هي أن يلبس لباساً غالياً يوصله بالجبابرة، أو رخيصاً يوصله بالناس الذين يزرون بأنفسهم، فكأنه إذا لبس الغالي يقول للناس: أنا ابن فلان وابن فلان. أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني وإذا لبس المزري الرخيص كأنه يقول: أنا الزاهد العابد، أنا ثابت البناني، أنا قتادة بن دعامة السدوسي، وأنت لست بـ ثابت ولا قتادة، فأحسن ما يتستر به العبد الثياب الوسط، ليكون من عامة المسلمين؛ في لباس لا يكون محرماً ولا مزرياً ولا به ترف ولا فيه خشونة إلا لحاجة، ويسأل سائل منكم: ولماذا لبس عمر رضي الله عنه وأرضاه برداً ممزقاً فيه أربعة عشر رقعة؟ ونقول له: ومن نحن مع عمر؟! لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد رحم الله تلك العظام، عمر يتواضع في لباسه من مركز قوة، ذهب الدنيا تحت يديه، ذهب وفضة الدنيا تحت يديه. يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه لكن العامي من الناس إذا تقمص هذه الشخصية كأنه يلفت الأنظار إلى زهده، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: ملك كذاب، وعائل مستكبر، وأشيمط زانٍ} أشيمط زانٍ يعني: شيخ كبير قرب من القبر، وابيضت لحيته، ومع ذلك يزني، أعمى ويناقر. وملك كذاب لأنه لا يحتاج إلى الكذب، ولا يضطره أحد إليه، فلماذا يكذب؟ وما هو الداعي للكذب؟ وعائل مستكبر: عائل ويتكبر، فقير لصق بالتراب ويتكبر على عباد الله! ولا يظن ظان أن التكبر معناه لبس الغالي! فإن من الناس من يلبس اللباس الرخيص، ولكن قلبه قلب جبار. دخل فرقد السبخي على الحسن البصري وعليه ثياب ممزقة وعلى الحسن البصري برد جميل غالٍ من برود الحبور التي تأتي من اليمن، فقال فرقد السبخي للحسن البصري: أتلبس هذا الغالي؟! قال: أنا إن شاء الله في هذا البرد أتواضع لربي أحسن منك في هذه الثياب الخلقة. ودخل فرقد على ابن سيرين، فرأى على فرقد ثياباًَ من صوف ممزقة فأشاح بوجهه وقال: لعلك تقرأ سيرة النصارى، والله لقد حدثني الثقات عن الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يلبس البرد الحبرة التي هي من أغلى البرود. وفي صحيح البخاري في كتاب الأدب: باب التجمل للوفود، وباب اللباس يوم الجمعة أن عمر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلة سيراء، والسيراء هي: الحلة المنمقة المصنوعة من الحرير، رآها تباع في السوق، وهي حلة لـ حاجب بن زرارة التميمي، فاشتراها للرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله! هذه الحلة لتخطب بها يوم الجمعة، وتستقبل فيها الوفود؛ لأن المعروف عند الصحابة أنه يتجمل ليوم الجمعة وللوفود، فقال عليه الصلاة والسلام: {إن هذه لباس من لا خلاق له} والسبب: أنها من حرير، فأقره صلى الله عليه وسلم على الجمال والتجمل للجمعة والوفود، وأنكر عليه كونها حريراً، وهذا في باب اللباس.

الذنوب ومكفراتها

الذنوب ومكفراتها {يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} من حلف أنه لم يذنب في حياته فقد أخطأ، ومن ادعى العصمة فقد زل وضل؛ لأن العصمة لأنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، أما نحن فأبونا آدم أذنب وأخطأ، وخرج من الجنة، لكن عيب عليك أن تقلده في الخطيئة، ولا تقلده في التوبة، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] وقال عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. ويقول عليه الصلاة والسلام في باب التوبة في الترمذي: {كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون} وفي مسلم: {والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وأتى بقوم آخرين يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم}. والذنب كالحتم على العبد، قال ابن تيمية في الرقاق وفي القاعدة العراقية المجلد العاشر: الذنب كالحتم على العبد، مكتوب عليه، لكن على العبد إذا ابتلي بالذنب يتبعه بالمكفرات، والمكفرات عشر ذكرها ابن تيمية في كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام، من فاتته العشر فقد شرد على الله شرد الجمل الهارب على أهله. أولها: الأعمال الصالحة: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] قال ابن مسعود: {نظر رجل من الأنصار امرأة لا تحل له، فأتى الرسول عليه الصلاة والسلام فأخبره بذلك، فأنزل الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] فقال: ألي خاصة؟ قال: لا. بل لك ولكل من عمل بعملك إلى يوم القيامة} والحديث صحيح. ثانيها: المصائب المكفرة: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123]. وفي مسند الإمام أحمد بسند صحيح: {أن الله عز وجل لما أنزل قوله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء:123] بكى أبو بكر وقال: يا رسول الله! كيف العمل بعد هذه الآية؟ قال: غفر الله لك، ألست تهتم؟ ألست تحزن؟ أليست تصيبك اللأواء؟ قال: بلى. قال: فلا يصيب المؤمن من هم ولا وصب ولا نصب ولا مرض حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه}. وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكاً شديداً فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي} ما ألطف الكلمة! معلم البشرية هادي الإنسان. فدىً لك من يقصِّر عن مداكا فما ملك إذاً إلا فداكا أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا إذا اشتبهت دموعٌ في خدودٍ تبين من بكى ممن تباكى قال: {بأبي أنت وأمي يا رسول الله! إنك توعك وعكاً شديداً، قال: أجل إنني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك لأن لك الأجر مرتين؟ قال: نعم} ثم أورد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: {ما من مسلم يصيبه مرض أو همٌ أو غمٌ أو حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من سيئاته} وهذا معلوم. الأمر الثالث: دعوات المؤمنين الصالحة بظهر الغيب، والدعوة بظهر الغيب مطلوبة، وقد ورد في الحديث عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: {لا تنسنا يا أخي من دعائك} ولو كان فيه كلام، فبعض أهل العلم حسنه، وبعضهم ضعفه، لكن صح في مسند أحمد من حديث أبي الدرداء: {خير الدعاء -أو أفضل الدعاء أو الدعوة المستجابة- دعوة مسلم غائب لغائب} وصح من حديث أم الدرداء، وكذلك من حديث خالد بن معدان وغيره. ومن المكفرات: صلاة المسلمين على الجنازة، وذلك إذا أخلصوا لله، وكانوا على التوحيد، وجاء في الحديث أنهم إذا كانوا أربعين لا يشركون بالله أو مائة، يشفعون له. ومنها: عرق الجبين عند سكرات الموت وفي الترمذي: {المؤمن يموت بعرق الجبين} قالوا: تشتد عليه السكرات حتى يعرق جبينه. ومنها: ظلمة القبر ووحشة القبر أعاننا الله على ذاك المصرع! والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيرانِ إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشد ويل لعبد عن سبيل الله صد فهو كفارة عند أهل السنة والجماعة، وعذاب القبر حقيقة في القرآن والسنة، ومن أدلته قوله سبحانه وتعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غافر:46] أي: آل فرعون تعرض لهم النار في قبورهم، وقوله سبحانه وتعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100] إلى غير ذلك من الآيات. وفي السنة ما ثبت في حديث البراء وغيره. ومن المصائب: هول العرض على الله سبحانه وتعالى، يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور. ومن الكفارات: شفاعة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، ففي حديث حسن: {شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي} نسأل الله ألا يحرمنا شفاعته! والعاشرة: رحمة أرحم الراحمين، يوم تنتهي المكفرات ولا تبقى إلا رحمة الله وعطاؤه وفضله وجوده وكرمه. إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقنا من النار فلا إله إلا الله! قال ابن تيمية: من فاتته هذه العشر المكفرات فقد هلك هلاكاً بيناً، وشرد على الله كما يشرد الجمل على أهله. فيا عباد الله! هذه بعض الفوائد من هذا الحديث فإنه طويل، يحتاج إلى جلسات، وفيه قضايا كبرى، وهو من الأربعين النووية، قال الإمام أحمد: ما أعلم لأهل الشام حديثاً أشرف من هذا الحديث، فهو حديث شريف مؤثر، يتضمن قضية كبرى، وحبذا أن يتدارس في الجلسات وفي الفصول والاجتماعات، وحبذا أن نستشعر معانيه وأن نعيش في ظلاله وفي سجاياه، حبذا أن تتفهم جمله، لأنه قواعد كلية في الإسلام. ثم إنني أسأل الله كما جمعنا في هذا المكان أن يجمعنا في مستقر رحمته، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

المعجزات

المعجزات إن الله سبحانه وتعالى ما بعث من نبي إلا جعل له معجزة تبين صدق نبوته، بحيث تناسب المعجزة مقام قومه حتى يؤمنوا به. وإن من أكبر معجزات الأنبياء هي معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بإنزال القرآن الكريم المعجز في فصاحته وبلاغته وإخباره بالغيب، وأكرمه الله بمعجزات أخرى تناسب كل رجل أو قوم، حتى يزداد إيمانهم ويقينهم ويكون حجة على من لم يؤمن.

معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

دعاؤه بإنزال الغيث في تبوك

دعاؤه بإنزال الغيث في تبوك الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. هذا هو الدرس الخامس من قصة الرسالة بعنوان: معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم. كان صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوك، ومعه جيش حافل، عداده ثلاثون ألف مقاتل في سبيل الله، ومعه عشرة آلاف فرس، وآلاف الجمال، فلما أصبحوا في الصحراء بعيدين عن الماء، أشرفوا على الهلاك، لا آبار حولهم، ولا أنهار، ولا أمطار، بحثوا في قربهم، فإذا هي قد انتهت بمائها، التمسوا الماء يمنة ويسرة، فإذا هو لا ماء، أخذوا يتلمسون الماء، جفت لسان كل واحد منهم، نشفت كبده في جوفه، وأجرهم عند الله، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ} [التوبة:120]. فأشار بعضهم على بعض بأن ينحروا الجمال ويخرجوا ما في بطونها وبأكراشها من ماء فيعصرونه ويشربونه، إلى هذا الحال، وإلى هذا المستوى بلغ الجهد والظمأ. حتى إن الفرزدق الشاعر المشهور حين ظمئ مرة من المرات يقول: على ظمأ لو أن في القوم حاتماً على جوده ضنت به نفس حاتم يقول: بلغنا من الظمأ درجة لو أن حاتماً الطائي على كرمه معنا، ومعه ماء فلن يسقينا، فهؤلاء الصحابة بلغوا من الجهد والإعياء والظمأ أعظم من ذلك، أشار بعضهم بنحر الجمال، فقام عمر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وعرض عليه المشكلة، وقال: {يا رسول الله إن الله قد عودك عوائد فادع الله لنا} يقول: أنت صاحب العوائد أنت المبارك؛ فقط ترفع يديك ويأتي الغيث، وينزل المطر، ينزل النصر، ويقع الفتح بإذن الله، يكفي منك أن ترفع يديك، فالله قد عودك عوائد، والسماء ليس فيها سحاب، وليس هناك هواء بارد، ولا مظلة تنزل الغيث؛ لا برق ولا رعد، في شدة الحر، والرسول عليه الصلاة والسلام له عوائد، كما قال عمر. من عوائده باختصار ومن المعروف لديكم: ما في الصحيحين لما وقف صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في شدة الصيف ولا سحاب في المدينة، ولا غيث، ولا هواء بارد، ولا شيء، فدخل أعرابي وقال: {يا رسول الله جاع العيال، وضاع المال، وتقطعت السبل -وسط الخطبة والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب الناس في غير موضوع الاستسقاء- فادع الله أن يغيثنا، فقطع صلى الله عليه وسلم الكلام ورفع كفيه -الشريفتين الطاهرتين النظيفتين البارتين- وقال: اللهم! أغثنا} فما هي إلا لحظة، وإذا الذي يقول للشيء: كن فيكون، يرسل بإذنه سبحانه سحابة كالترس من وراء جبل سلع، فتعترض في سماء المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل من المنبر، وخطبه دقائق فتمتلئ سماء المدينة سحاباً، وينزل الغيث فجأة، فيصب سقف المسجد على وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أمام الناس، فيقول: {أشهد أني رسول الله}. يقول ابن عمر: [[كنا إذا نظرنا إلى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر تذكرنا قصيدة عمه أبي طالب فيه: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل ]] فقط تنظر للوجه تذكر الرحمة، ويستسقى به الغمام بإذن الواحد الأحد، ومعه النور والبركة والخير. غلام رماه الله بالحسن يافعاً عليه لمجد الصالحين به أثر كأن الثريا علقت في جبينه وفي كفه الجوزا وفي وجهه القمر ولما رأى المجد استعيرت ثيابه تردى رداء واسع الجيب واتَّزر هذا المعصوم صلى الله عليه وسلم يأتي إليه عمر، فلا يتقدم من الثلاثين ألفاً ولا من الصحابة ولا من الجيش أحدٌ إلا عمر فيقول: {الله عودك عوائد فادع الله لنا، فأتى صلى الله عليه وسلم في مجلسه، قال: اللهم أغثنا} وفجأة وتأتي سحابة تغطي المعسكر، على حده لا زيادة ولا نقصان، فتهل غيثها، وترسل عيونها، وتسكب ماءها، فتمتلئ الأحواض والخنادق والقرب والأواني؛ هذا يغتسل، وهذا يتوضأ، وهذا يشرب، وهذا يسقي جمله، وإذا خرجت خطوة واحدة خارج المعسكر لا تجد قطرة واحدة، تجاوزت حد المعسكر، لا زيادة ولا نقصان، ماذا يدلنا هذا؟ يدلنا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق، يدلنا على أن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم صاحب معجزة، وصاحب دليل، وصاحب برهان، واشهدوا أنه رسول الله. اسمحوا لي أن أستعرض معكم بعض معجزاته عليه الصلاة والسلام، وهي تقارب الألف معجزة، أختار بعضها هذه الليلة من بين ألف معجزة تدل على أنه صادق من الله مرسل عليه الصلاة والسلام.

جعله الماء زبدا ولبنا

جعله الماء زبداً ولبنا ذكر ابن سعد: {أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما وقالا: يا رسول الله! نريد سفراً فزودنا} ولا زاد عنده، تجد الرسول صلى الله عليه وسلم أحياناً لا يجد ما يسد به رمقه من الجوع، لا يجد كسرة خبز، وقد عرض عليه أن تكون له الجبال ذهباً فأبى: وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيما شمم وأكدت زهده فيها ضرورته إن الضرورة لا تعدو على العصم فماذا فعل؟ قال: {عندكم قربة، قالا: نعم. قال: املأها ماءً، فملأ القربة ماءً، قال: اذهبا فإن الله سوف يرزقكما طعاماً، قالا: فسافرنا فلما احتجنا أتينا نشرب من القربة التي ملأناها ماءً، فإذا هي لبن وزبد، فأكلنا من الزبد، وشربنا من اللبن طيلة السفر حتى رجعنا وشبعنا}. أشهد أنه صادق، هذا من آياته البينات عليه الصلاة والسلام، والله أيده بالمعجزات ليؤمن من يؤمن، ويزداد إيماناً من يزداد، وليقيم الحجة على أعداء الله والكفرة الملحدين.

تحويل عود الحطب إلى سيف

تحويل عود الحطب إلى سيف وذكر ابن سعد والبيهقي: أن عكاشة بن محصن الذي يدخل الجنة بلا حساب مع سبعين ألفاً من المسلمين، وقف صلى الله عليه وسلم على المنبر قال: إن من أمتي -كما قال صلى الله عليه وسلم- سبعين ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب -فتناقش الصحابة وتجادلوا من هؤلاء السبعون- وفي الأخير وقف صلى الله عليه وسلم وقال: {هم الذين لا يتطيرون، ولا يكتوون، ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة من طرف المسجد وقال: يا رسول الله! ادع الله أن أكون منهم؟ قال: أنت منهم، فقام رجل آخر فقال: يا رسول الله! ادع الله أن أكون منهم -فتح باب المجال- قال صلى الله عليه وسلم -انظر البلاغة لم يقل: لست منهم- قال: سبقك بها عكاشة بن محصن} لأنه لو فتح الباب قام أهل المسجد وقام كل الناس، فأنهى صلى الله عليه وسلم الموقف. وقد قتل عكاشة شهيداً في اليمامة يوم قاتل مسيلمة الكذاب، أتى في بدر يريد أن يقاتل وانكسر سيفه من كثرة ما قاتل يقول النابغة يمدح النعمان: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب يقول: أموركم كلها عظيمة لكن سيوفكم مثلمة من كثرة ما ضربتم الأعداء، وهذا مدح بما يشبه الذم، يقول: تخيرن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جربن كل التجارب رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب فأتى بلا سيف قال: {يا رسول الله! ما عندي سيف -ووطيس المعركة مُتَّقِدٌ، والرءوس تنزل على أكتافها، والسيوف تشرع، والرماح، ليس هناك مخزن عنده فيه أسلحة ولا عند رسول الله سيف زائد- فأخذ جزلاً من خشب صلى الله عليه وسلم وقال: خذ هذا، قال: فهززته فإذا هو سيف صلت في يدي} أشهد أنه صادق، وبقي معه السيف، واسم السيف: القوي، وحضر اليمامة وقتل وهو معه شهيداً.

رؤياه للجنة والنار

رؤياه للجنة والنار صح عند البخاري: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالناس، فتقدم صلى الله عليه وسلم لصلاة الكسوف بعدما كسفت الشمس فتقدم ثم مد يده إلى الجدار وهو يصلي بالناس، ثم تراجع تراجع ثم تكعكع عليه الصلاة والسلام حتى دخل في الصف وبكى، فلما سلم قالوا: يا رسول الله رأيناك تتقدم إلى الجدار كأنك تتناول شيئاً، ورأيناك يا رسول الله تكعكعت وتأخرت، قال: عرضت لي الجنة فرأيت فيها عنقوداً من عنب لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، فتقدمت -يريد أن يمسكه صلى الله عليه وسلم، لأنه عرض عليه تماماً في عرض الحائط- قال: ثم عرضت لي النار فلم أر منظراً أشد ولا أفظع ولا أبشع منه، فكان يبكي ويقول: أعوذ بالله، أعوذ بالله، قال: ورأيت فيها امرأة عُذِّبت في هرة حبستها لا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض}. هذا من المعجزات له صلى الله عليه وسلم.

تكلم ذراع الشاة بين يديه

تكلم ذراع الشاة بين يديه انتهى صلى الله عليه وسلم من خيبر من الغزوة -والحديث عند الشيخين لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت} هو سيد المتواضعين يجيب مرة دفعاً للسوء حتى أجاب اليهود وأكل عندهم، ومرة جلباً للصلح، ومرة تأليفاً للقلوب، ومرة زيادة في المحبة؛ لأنه معلم الناس، أجاب ومعه ستة، فقدمت الشاة، فأخذ الذراع، أول ما بدأ صلى الله عليه وسلم بذراع الشاة فلما أصبح في فمه الشريف الطاهر المبارك ذاق لقمة فأنطق الله ذراع الشاة فتكلم بصوت معروف قال: يا رسول الله! أنا مسموم -تكلم الذراع وقال: أنا مسموم- فرمى به صلى الله عليه وسلم، ولفظ اللقمة، وبقيت آثار السم، فدبت بجسمه، فمات بعد سنة شهيداً بالسم} فهو سيد الأنبياء سيد الشهداء إمام الأولياء خير الصلحاء.

تسليم الحجر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنين الجذع له

تسليم الحجر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنين الجذع له وتكلم عليه الصلاة والسلام عنده الحجر، ففي صحيح مسلم قال: {إني أعرف حجراً في مكة كان يسلم عليّ قبل النبوة}. وخطب الناس عليه الصلاة والسلام عند جذع نخلة -جذع مقطوع من شجرة- فقال صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: {مري غلامك النجار أن يصنع لي منبراً} فصنع منبراً ثلاث درجات للنبي صلى الله عليه وسلم، فترك جذع النخل الأول، فجعل يئن كالطفل، سمعه الصحابة جميعاً وهم أكثر من ألف، فنزل عليه الصلاة والسلام فوضع يده وأسْكَتَه، فسكت بإذن الله، يقول الحسن البصري معلقاً: ويل لكم واحسرتاه جذع يحن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جامد ألا تحنون للرسول عليه الصلاة والسلام؟! من نحن قبلك إلا نقطة غرقت في اليم أو دمعة خرساء في القدم أكاد أقتلع الآهات من حرقي إذا ذكرتك أو أرتاع من ندمي كأنه وهو فرد من جلالته في موكب حين تلقاه وفي حشم عليه الصلاة والسلام.

رده لبصر بعض الصحابة

رده لبصر بعض الصحابة يقول حبيب بن فديك: {أتى بي أبي وعيناي مبيضة لا أرى شيئاً أعمى، فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ -يعني ماذا أصاب هذا الطفل- قال أبوه: يا رسول الله! وطئ وهو طفل بيضة حية فعميت عيناه وأصبحتا مبيضتين، قال: ادنه مني -يعني: قربه، يقول الذهبي: هذا طبيب البشر صلى الله عليه وسلم، هو طبيب الإنسانية سواء القلوب أو الأبدان- فقربه منه فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، قال: فأبصر بإذن الله، وزاد على المائة وما أتى ببصره شيء} قال أحد الرواة: والله الذي لا إله إلا هو، إني كنت أنظر إلى حبيب بن فديك وهو فوق الثمانين يدخل الإبرة في الثوب وهو يخيط حتى بلغ المائة، هذا من تلك النفثة منه عليه الصلاة والسلام. إذا لم يكن هو المبارك فمن يكون المبارك؟ وإذا لم يكن الطيب من هو الطيب؟ الطيب الذي ينتشر فينا أو في الناس أو في العالم أو العلماء أو الصالحين أو الشهداء ذرة من طيبه عليه الصلاة والسلام، يقول شوقي: المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء {وأتاه -على ذكر العين- قتادة بن النعمان -وقد أخبرتكم بهذا والحديث صحيح- فوقعت عينه في حد السيف معلقة في خده، فردها صلى الله عليه وسلم بكفه، فرجعت إلى مكانها فصارت أجمل من الأخرى}. {أتاه علي في خيبر -والحديث عند الشيخين - وهو أرمد لا يرى شيئاً، فقال: ادن مني، قال: يمد علي يده والله ما يرى يده -أعمى من الرمد- فبصق في عينيه فأبصر بإذن الله} يقول أحد الشعراء وهو من شعراء اليمن الكبار: هذا الذي جاء والأبحار مالحة فمز فيها فصار الماء كالعسل عندما كنا ضائعين من قبلك، كنا في بحور من الضلالات لكنك بصقت في البحر فأصبح عذباً. هذا الذي جاء والأبحار مالحة فمز فيها فصار الماء كالعسل هذا الذي رد عيناً بعد ما فقئت وريقه قد شفى عين الإمام علي

إنطاقه للطفل الأبكم

إنطاقه للطفل الأبكم وروى البيهقي صاحب السنن قال: {أتته امرأة بصبي لها صغير لم يتكلم -ولد أبكم أخرس لا ينطق كلمة، عالجوه، نظروا إلى لسانه، أشاروا إليه وهو كالصخرة إنما يأكل ويشرب ويرضع- قال لها صلى الله عليه وسلم: ما بال ابنك هذا؟ قالت: يا رسول الله ابني هذا أبكم، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم وهو طفل قال: من أنا؟ قال: أنت رسول الله، ثم نطق بعدها وكان خطيباً من خطباء العرب}.

علاجه للأمراض البدنية

علاجه للأمراض البدنية وروى البيهقي -وأصله في البخاري - قال: {أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رجله قرحة أعيت الأطباء -قال: عولجت وعالجها الأطباء العرب وهي تدمى في رجله- فقربها عليه الصلاة والسلام، فأخذ من التراب صلى الله عليه وسلم، ثم نفث فيه وقال: بريقة بعضنا وتربة أرضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا، قال: والله لقد قمت وما بي قلبة} أي: لا جراح ولا شيء، وهذا من بركة الله عليه، وأراد الله أن يقيم البرهان على الناس، فكان الصحابة يرون ذلك، فيزدادون إيماناً ويقيناً وحباً له عليه الصلاة والسلام، وأقول لمن غاب عن هذه المعجزات والآيات البينات: يكفيكم القرآن الذي يتلوه علينا الإمام في كل فريضة، فهو المعجزة الخالدة الذي أتى به رسول الهدى عليه الصلاة والسلام. وقال شرحبيل الجحفي: والحديث عند البخاري في التاريخ والطبراني والبيهقي قال: {أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كفي سلعة كأنها قربة معلقة -فهو يريد أن يمسك السيف ما يستطيع، يريد أن يعيد يده فلا يستطيع، يريد أن ينام فلا يستطيع- فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قلت: سلعة في يدي يا رسول الله! أصبت بها من زمن، قال: ادن مني، قال: فدنوت، قال: فوضع يدي في الأرض، ثم أخذ يده الشريفة على السلعة، ثم أخذ يفركها ويطحنها ويسمي حتى زالت، فعادت يدي أحسن من الأخرى، وانطلق الرجل يخبر قومه، فأسلم منهم كثير}. وروى أبو داود والترمذي وحسنه عن أبيض بن حمال -سمي أبيض لأن الله رزقه جمالاً بسبب مسح الرسول صلى الله عليه وسلم بوجهه- يقول: {أتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهي مُجَدَّر} وجهه كله مصاب بالجدرى، ولذلك، من عنده أمراض حسية ومعنوية وقلبية نفسيه جسمية فليستشف بالقرآن، وليصدق في أخذه وأخذ ماء زمزم، مع طاعة الباري سبحانه وتعالى بكثرة الاستغفار، قال: {أتيت وإذا وجهي مجدر وقد أكل الجدري أنفي، فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ فقلت: جدري يا رسول الله! قال: ادن مني، فدنوت فدعا وسمى، ثم مسح وجهي، فوالله ما رفع يده عن وجهي إلا ما أصبح فيه شيء، وصار وجهي أبيض جميلاً} فسمي أبيض. وروى النسائي والحاكم وابن حبان والبيهقي عن محمد بن حاطب عن أمه أم جميل يقول: {كنت طفلاً وأمي تطبخ على القدر -على النار- غابت أمه، فوقع القدر عليه، فأحرق ذراعه، فأتت الأم وإذا طفلها في حالة وقد فسدت ذراعه، وما تذكرت بعد الله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حي -فأخذت الطفل بين يديها ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله! هذا طفلي وقع عليه القدر واحترق قالت: فنفث في ذراعه وأخذ يدعو فوالله ما قمت من عنده وفي ذراع ابني أثر من حريق} فهو المبارك أينما كان صلى الله عليه وسلم.

بركات النبي صلى الله عليه وسلم

بركات النبي صلى الله عليه وسلم وبالمناسبة من أراد البركة والخير فليكثر من الصلاة والسلام عليه، حتى إن ابن القيم نص على ذلك، وبعض السلف يرونها من أفضل الأذكار، وألف فيها ابن القيم كتاب: جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام، واتباع سنته والعمل بتعاليمه عليه الصلاة والسلام.

بركته في شفاء رأس عبد الله بن أنيس

بركته في شفاء رأس عبد الله بن أنيس ذكر البغوي والطبراني عن عبد الله بن أنيس -وله قصة أقف معها وقفة احترام وإجلال فهو شاب من أهل الجنة- وقد شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة. فقد أتى رجل مجرم عنيد مارد اسمه: خالد بن سفيان الهذلي، جمع هذيل في نواحي مكة يريد أن يقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد اجتمع معه ألف فارس ومارد يريدون الذهاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لمحاربته في المدينة وقتله، فأتت الأخبار الرسول عليه الصلاة والسلام، قالوا: يا رسول الله جمع خالد بن سفيان الهذلي ألف مقاتل في مكة يريدون قتلك، قال: أنا أقتله إن شاء الله، يقول صلى الله عليه وسلم: من يقتله وله الجنة؟ قال عبد الله بن أنيس: أتضمن لي الجنة، وهذا من الفرسان الكبار حتى ذكر الألباني في إرواء الغليل في بعض الروايات أنه لما أراد قتل خالد يقول: رأيت خالداً وأنا قريب منه، وقد أتت صلاة العصر، وخشيت أن تخرج عليّ صلاة العصر فكنت أصلي وأومئ وأنا مقبل منه حتى ضربت رأسه وأخذته، هذا في رواية. الرواية الثانية أذكرها لكم قال: أتضمن لي الجنة يا رسول الله؟! قال: أنا لك بها زعيم -أو كما قال صلى الله عليه وسلم- قال: ائذن لي -يعني أئذن لي في الكلام إذا ذهبت لأنه يحتاج إلى حديث- قال: اذهب، فذهب فسأل عن خالد بن سفيان الهذلي -كأن عبد الله بن أنيس لا يريد أن يهوي على مكة من جهة المدينة - قال: من هذا؟ قالوا: خالد بن سفيان، أما أتاك خبره؟ قال: ما أتاني خبره، قالوا: يجمع الجموع لقتل محمد في المدينة قال: أنا معكم فذهب وسلم على خالد، وقال: أنا من جنودك، قال: حيهلاً بك يا أخا العرب، قال: أريد أن أسامرك الليلة -سمرة ما سمع بأسوأ منها في التاريخ- قال: عبد الله بن أنيس: تحفظ من الشعر؟ قال: أحفظ من الأشعار، قال: أنت معي هذه الليلة في الخيمة -هذه ضيافة خاصة- قال: أنا معك، فنام الجيش كله وأخذ عبد الله بن أنيس يسامره، هذا يأتي بقصيدة وذاك يأتي بقصيدة، وذاك ببيت وهذا ببيت، وفي الأخير قال عبد الله بن أنيس: أما ترى يا خالد أنا سهرنا لو نمنا قال: بلى فنام، ونام عبد الله بن أنيس لكن: نامت الأعين إلا مقلة تسهر الدمع وترعى مضجعك قال: فسمعت غطيطه، فقمت على السيف فحززت رأسه على المخدة، ووضعتها في المخلاة -هذه بضاعة ينقلها إلى المدينة مع التحية، هذا قائد الجيش- قال: فذهبت في الليل قال: فكنت أمشي في الليل وأنام في النهار -عشرة أيام- فجاع جوعاً لا يعلمه إلا الله، وظمئ ظمأً حتى اسود وجهه: وأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في جمع مبارك في المسجد، فلما رأى صلى الله عليه وسلم قال: أفلح وجهك، قال: ووجهك يا رسول الله! -والهدية موجودة، في المخلاة فأتى بالبينة- فقدم الرأس له قال صلى الله عليه وسلم: {خذ هذه العصا تتكئ بها في الجنة والمتكئون بالعصي في الجنة قليل} فأخذ العصا من الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان يمشي بها، ويذهب بها وينام وهي معه، ويقوم وهي معه، ويصلي وهي بجواره، فلما أتته الوفاة أمر أن يغسل ويكفن، وتدخل في أكفانه، فدخلت معه القبر، وسوف يأتي في الجنة يتوكأ بها ليلقى إبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً صلى الله عليه وسلم، هذا شيء من أخبار عبد الله بن أنيس. قبلها ضربه يهودي بسيف في رأسه قال: فوصلت العظم، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنفث فيها ورقى، فعادت بلا بأس بحمد الله تعالى وعافيته.

بركته في شفاء رجل عبد الله بن عتيك

بركته في شفاء رجل عبد الله بن عتيك وأرسل صلى الله عليه وسلم لـ أبي رافع المجرم اليهودي الذي كان يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت له جوارٍ يغنين بسب الإسلام والقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، آذى الله ورسوله، فأرسل إليه صلى الله عليه وسلم البراء بن عبد الله فذهب فدخل عليه في مشربة فقتله، ثم خرج من المشربة وسمع الصوت فقفز فوقع على رجله فانكسرت رجل الصحابي، فسحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وربط رجله بعمامته، فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: {ابسط رجلك قال: فمسحها بيده الشريفة، فعادت أقوى من الأخرى} سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث صحيح.

بركة دعائه ونفثه في شفاء جروح خالد بن الوليد

بركة دعائه ونفثه في شفاء جروح خالد بن الوليد ومن بركته صلى الله عليه وسلم ومما آتاه الله سبحانه وتعالى من حسن أثر على الناس أن خالد بن الوليد كما روى أحمد في المسند يوم حنين جرح جرحاً عظيماً، ومن مثل خالد؟ خالد سيف الله المسلول، فدخل خيمته والجيش كثير في حنين، هذه معركة حنين والطائف، فسمع صلى الله عليه وسلم وهو في خيمته بجرح خالد، وهو متكئ على ظهره في الخيمة، يقول أعرابي: {كان صلى الله عليه وسلم يقول يوم حنين: من يدلني على خيمة خالد بن الوليد؟ قال غلام من الناس: أنا يا رسول الله! أدلك، قال: اذهب أمامي قال: فدخلنا على خالد وهو متكئ يئن من الجراح، فأتى صلى الله عليه وسلم فدعا ونفث، فجلس خالد ما به شيء}. والحمد لله الذي أبقى لنا خالداً حتى دكدك الروم، وأزال دولتهم وداسهم برجله، إنه سيف الله المسلول. بنو حنيفة جدوا طال نومكم إن الخليفة عواد بعواد يا من يرى خالداً كالليث معتجراً تحت العجاجة مثل الأغطف الغادي وروى أحمد: {أن سفينة مولى الرسول عليه الصلاة والسلام، قيل له: من سماك سفينة؟ قال: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: لماذا؟ قال: كنا في سفر مع الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: احمل من المتاع، قال: فحملت، قال: زد احمل فإنما أنت سفينة، قال: فحملت، وقال: والله لو حملت حمل سبعة جمال لما وجدت بأساً} فكان يحمل الحمل القوي الثقيل الشديد ولا يجد بأساً ويمشي كأشد الناس، لماذا سمي سفينة؟ قال: من بركات الرسول صلى الله عليه وسلم عليه أنه كان من أقوى الناس بسبب قوله صلى الله عليه وسلم: {احمل إنما أنت سفينة} فكأنها تتضمن معنى الدعاء.

بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة وعثمان بن أبي العاص

بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة وعثمان بن أبي العاص ومن بركته صلى الله عليه وسلم ومعجزاته وإلا فمعجزاته المعنوية فيها من العظمة الكثير، حتى قال بعضهم من بركته صلى الله عليه وسلم ومعجزاته القرآن والسنة، وأن دينه يصل إلى بقاع الأرض، وأن الكفار ومن قابلهم محقوا وسحقوا من الأحزاب والمنافقين وأعداء الملة، وبقي دينه خالداً في الأرض، فذلك من المعجزات والآيات البينات. يقول أبو هريرة: {أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أسمع حديثاً كثيراً وأنسى، قال: قلت: يا رسول الله! إني أسمع حديثاً كثيراً منك وأنسى، قال: ابسط رداءك، فبسطت ردائي، وكان عليه البردة، فال: فأخذ صلى الله عليه وسلم يديه قال: فأخذ بكفيه ويسمي ويضعها في الرداء عليه الصلاة والسلام ثلاثاً، قال: اضمم عليك رداءك، قال: فضممت ردائي فوالله ما نسيت بعده حرفاً} فأحفظ الناس أبو هريرة، يعيد الحديث الطويل فلا يخرم حرفاً واحداً من بركة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له. وقال عثمان بن أبي العاص: {كنت أنسى القرآن فأتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ادن مني، قال: فدنوت منه قال: فضرب بصدري وقال: اللهم يا رحمن! أعذ عثمان من الشيطان - عثمان بن أبي العاص - قال: فوالله ما نسيت القرآن بعدها}. فسبحان الذي جعل فيه البركة، وسبحان الذي أعطاه المعجزات البينات والذي أظهر دينه حتى ساوى مسير الشمس.

بركة دعاء النبي لعلي بن أبي طالب

بركة دعاء النبي لعلي بن أبي طالب وروى البيهقي والحاكم عن علي قال: {بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً} انظر هؤلاء كيف وزعهم صلى الله عليه وسلم على الناس، هذا قاضٍ، وابن مسعود داعية، ومعاذ مفتٍ في الحلال والحرام، وخالد مجاهد في سبيل الله، وزيد بن ثابت يفتي في الفرائض، وابن عباس مفسر، وحسان شاعر، كل قام بمقامه، كل حفظ منزلته، كل أثرى بموهبته العالم رضوان الله عليهم. {قلت: يا رسول الله! كيف ترسلني وأنا شاب؟ -يقول علي، يعني: لا أستطيع أن أحكم بين اثنين- قال: فضرب في صدري وقال لي: اللهم ثبت قلبه واهدِ لسانه واجعله هادياً مهدياً، قال فوالله -يقسم علي - فو الذي برأ الحبة وفلق النسمة ما التبس عليَّ القضاء بين اثنين} ولذلك كان يقضي بإذن الله، ويأتي قضاؤه صواباً مثل السيف حسماً ببركة دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام له.

علاجه للعقول

علاجه للعقول وأما علاجه صلى الله عليه وسلم للعقول، فيكفي أنه عالج عقول الأمة بالقرآن والإيمان، ولكن أقصد به علاجه للجنون، فقد ذكر أبو نعيم عن الوازع قال: {انطلقت بابن لي مجنون كان يفسد عليهم الطعام ويفسد عليهم المنام -سلب عقله- فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ما هذا؟ قلت: ابن لي جن يا رسول الله! قال: قربه مني، قال: فقربته منه، فوضع يده على صدره ثم دعا فتقيأ ابني فخرج من بطنه مثل الجرو الأسود، فصح ابني، فكان من أعقل قومه} رد الله عقل ابنه بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وببركة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم. وذكر البخاري ومسلم عن جابر قال: {أغمي عليّ -أغمي عليه وفقد وعيه- فزاره صلى الله عليه وسلم قال: عليّ بماء، فتوضأ صلى الله عليه وسلم وصب بقية الماء على جابر فاستيقظ، ثم وضع صلى الله عليه وسلم يده على صدر جابر، قال: فما زلت أجد بردها إلى الآن}. وفي بعض الألفاظ: أن سعد بن أبي وقاص قال: زارني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً، قال: والذي نفسي بيده إني أجد برد يد الرسول عليه الصلاة والسلام بعد ثلاثين سنة، كأنها الآن}. ويقول أعرابي: {حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته يخطب، فأدخلت يدي بين نعله وقدمه} انظر كيف يجدون قيمة وثمن وعظمة محمد صلى الله عليه وسلم ومنزلته، كان شوق الواحد منهم أن يرى فقط الرسول عليه الصلاة والسلام، أو يمس جلده جلده أو جسمه جسمه، أو ينعم ولو بآثار البصاق، كان إذا بصق يميناً أو يساراً أو أمامه أو خلفه، تناول الواحد منهم تفاله وبصاقه، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم! فيمسحون وجوههم، فيجدون من السرور والنعيم والخير العميم ما الله به عليم، حلق رأسه، فكادوا يقتتلون على شعر رأسه، منهم من حصل على شعرة ونصف شعرة، حتى إن أئمة الإسلام وأئمة التابعين بكوا وقالوا: والهف نفساه على شعرة من شعراته عليه الصلاة والسلام. هذا الأعرابي أتى وكان همه فقط أن يمس القدم الشريفة، قال: {فكان يخطب الناس بـ منى، فأدخلت كفي بين النعل وبين القدم، فوجدت بردها، فوضعتها على وجهي والله إني لأجد بردها إلى الآن} بعد عشرات السنوات. مبارك أينما كان، كلامه لفظه ذكره صلاته ملابسه كل شيء فيه مبارك، يلبس القميص وأمنية الإنسان أن يلبس قميصه. المتوكل الخليفة العباسي أتى بعد المعتصم، لبس برد النبي صلى الله عليه وسلم بعد مئات السنوات قال للشعراء: من يصف لي البرد هذا، فإن أجاد ملأت فمه دراً، قالوا: فأنظرنا ليلة، ليس لهم إلا بيتان فقط لا يزيد الواحد على بيتين، فذهبوا جميعاً وأتوا، منهم من يمشي على بطنه، ومنهم من يمشي على رجلين، ومنهم من يمشي على أربع ومنهم من يطير، فجاء أحدهم فقال: ولو أن برد المصطفى إذ لبسته يظن لظن البرد أنك صاحبه وقال وقد أوتيته ولبسته نعم هذه أعطافه ومناكبه قال: املئوا فمه دراً. مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبس قميصاً، وإذا لبس صلى الله عليه وسلم القميص عرف الصحابة من الفقر وكثرة الحاجة أنه صلى الله عليه وسلم لبس قميصاً، قال رجل: والله لأسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص، قالوا: لا تسأله -لأنه لا يعرف أن يقول: لا، لن يمنعك وهو يلبسه محتاج إليه يصلي به الجمعة ويستقبل الوفود- قال: والله لأسألنه القميص فعرض له واقفاً صلى الله عليه وسلم، قال: {يا رسول الله! ألبسني قميصك الذي عليك، قال: أنظرني قليلاً، فدخل بيته ولبس الرداء والإزار ثم أعطاه قميصه، قال الصحابة: بئس ما صنعت، لبسه صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليه وتسأله وهو لا يرد المسألة}. ما قال "لا" قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم قال: إني أرجو -يعتذر له- أن يكون كفني هذا القميص، فكان كفنه الذي كفن فيه، وهنيئاً له أن لا مس القميص جلد المصطفى عليه الصلاة والسلام. وقد روى أحمد والدارمي والطبراني: {أن امرأة أتت بابن لها مجنون أيضاً -يستند إلى الحديث الأول وهو شاهد- فدعا له صلى الله عليه وسلم فأصبح عاقلاً رزيناً}.

بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عطية وأبي محذورة

بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عطية وأبي محذورة وروى الطبراني عن أبي عطية البكري قال: {انطلق بي أهلي فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وأنا طفل، ثم مر على خدي، فنبتت لي لحية بعدما كبرت، ورأسي لم يصبه الشيب أبداً} أصبح في المائة وهو أسود الرأس أسود اللحية. وهذا مثل حديث أبي محذورة الذي رواه أحمد والبغوي: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع أذان أبا محذورة} حتى أن أبا محذورة صار مؤذناً مشهوراً وأبناؤه أخذوا الأذان بعده وأبناء أبنائه في مكة، وكان إذا أذن توقف الناس: صاحب الحديث يتوقف، والمتكلم يسكت، والذي يأكل الطعام ينصت، والماشي ينتظر؛ من حسن صوته، حتى يقول مجنون ليلى من شهرة أبي محذورة: أما ورب الكعبة المعمورة وما تلا محمد من سورة والنغمات من أبي محذورة لأفعلن فعلة مشكورة فهذا أصبح مشهوراً عند الناس، وبالمناسبة ذكر الذهبي أن أحد أبناء أبنائه كان مؤذناً، وكان فيه غفلة من غفلة الصالحين، فبعض الناس طيب وصالح، وفيه خير، لكن تأتيه غفلة، فكان يؤذن وبجانبه مغنٍ يغني بعود في بيت بجانب الحرم، فلما أراد أن يقول: حي على الفلاح، سمع ذلك يقول: إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم؛ لأن مجنون ليلى له قصائد يقول في بعضها: صغيران نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم هذا في عالم الشقاء، عالم الضياع، عالم الغرام والوله والعبث، يقول: يا ليتني أنا وليلى هذه كنا صغيرين نرعى البهم ولا تكبر هي ولا أكبر أنا لأنهم حجبوها بعد ما كبرت، كنا نرعى البهم حتى نموت، وهذه أمنيته في الحياة، الناس تقطع أعناقهم في بدر وفي أحد، والملائكة تتنزل من السماء، والجنة مفتوحة وأنت تريد أن تكون أنت وهي ترعون البهم حتى تموتون. يقول الشافعي: رأيت رجلاً في المدينة يعلم النساء الرقص، ويعلم الأطفال الضرب على الطبل، فإذا جاءت الصلاة صلى جالساً!! تعبان من الخدمات! وأنا رأيت أناساً كباراً في الثمانين يعرضون ثلاث ساعات في العرضة، وإذا جاءت صلاة التراويح قال: ذبحتونا قتلتونا ما نقدر! فهذا المؤذن سمع هذا يغني، فاختلط عليه الصوت يريد أن يقول: حي على الفلاح وإذا المغني يقول: لم نكبر ولم تكبر البهم فقال: حي على البهم، في مكة بالصوت المجلجل الطويل، وهذا ثابت ذكره الذهبي سيد المحدثين والمؤرخين. أتينا إلى أبي محذورة سبب بركة الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه خرج يوم بدر يرعى الغنم مع كفار قريش، فأراد الله له الهداية، واقترب من المعركة، فسمع بلال بن رباح يرسل نغمات الحق تملأ الفضاء؛ صوت الخلود يملأ الوجود، صوت التوحيد يعلن على العبيد، الله أكبر الله أكبر، فأخذ أبو محذورة يستهزئ، وهو شاب غلام في الوادي، يكرر مثلما يكرر بلال، قال صلى الله عليه وسلم: عليّ بهم يقول: أحضرهم لنا، فأتوا بالشباب قال: من منكم أذن؟ يعني: يقلد بلالاً فسكتوا قال: أذن أنت قل: الله أكبر فأذن فقال: أنت، لأنه عرف الصوت بالصوت، فمسح رأسه ودعا له فأسلم، وأرسله مؤذناً في مكة، فلم يحلق أبو محذورة رأسه بعد أن مسحه النبي صلى الله عليه وسلم، ما دام أن كفه الشريف وصل إلى هذا الشعر ممنوع يحلق، قال: وهذا ثابت بسند صحيح في السيرة فبقي رأسه لم يحلق حتى إذا جلس وصل إلى الأرض، وإذا قام وصل تحت المحزم، تحت منتصف جسمه، ويعلق بعض الأدباء، وللأدباء إشراقات ولطائف أذكرها كما جاءت فلا تعلقوا يقول: ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرّت في جوانبه بردا هذا في وادٍ وهذا في وادٍ آخر. ومن ذلك ما رواه الترمذي وحسنه -أيضاً- والبيهقي عن أبي زيد الأنصاري قال: {مسح الرسول صلى الله عليه وسلم على رأسي وقال: اللهم جمله وحسنه} فأتت عليه مائة وبضع سنوات، وكان أجمل من الشباب، ليس في وجهه تجاعيد ولا تغير وجهه، ولا سقط له سن، وكان وجهه يلمع لمعاناً كحد السيف، من بركته عليه الصلاة والسلام.

بركة أعضائه صلى الله عليه وسلم وآثاره

بركة أعضائه صلى الله عليه وسلم وآثاره وأما بركة يده صلى الله عليه وسلم فيقول أنس خادمه: {والله ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف الرسول صلى الله عليه وسلم، والله ما شممت مسكاً ولا عبيراً أحسن من رائحة الرسول صلى الله عليه وسلم}. روى البيهقي عن وهب بن حجر من ملوك اليمن قال: {وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه فصافحني، فبقيت ثلاثة أيام وأنا أغسل يدي والله ما ذهب المسك من يدي}. نام عند أم حرام بنت ملحان عليه الصلاة والسلام، فلما نام في القيلولة أخذ عرقه يتحدر كالجمان كالدر -كان صاحب عرق فعرقه صلى الله عليه وسلم غزير إذا نام- فأخذ يصب في الأرض -فانظر لحبهم له رأت أنه خسارة أن يصب هذا العرق- فقربت قارورة، وهي عجوز كبيرة، وهو صلى الله عليه وسلم أب للمؤمنين، فأخذت بكفها ومسحت الجبين الطاهر الأزهر الأنور الذي يلمع أجمل من البدر ليلة أربعة عشر، فعبأت القارورة فوجدت ريح المسك في بيتها، تقول: والله ما يمرض مريض في بيتنا فنأخذ قطرة من العرق ونجعله في القدر إلا يتشافى المريض بإذن الله. لقد جعل الله أحب العباد إليه وأحسنهم وصفوتهم وخيرتهم محمداً صلى الله عليه وسلم، نظر في قلوب العالم كلهم فاختار قلبه للرسالة: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] سبحانه وتعالى. وأما هذا الحديث فأنا أعرض لكم تحسينه على البوصيري المحدث الشهير وأبو يعلى والبزار، والحمد لله ولا فخر، وأنا ما تخصصت في الحديث، وأنا أورد عليكم أحاديث، فيها ما يقبل التحسين وله شواهد، ومن أحاديث السيرة فلا يلمنا لائم، فأحاديث السيرة نتوسع فيها مالا نتوسع في الحلال والحرام. روى أبو يعلى والبزار بسند حسنه البوصيري: {أن ابن الزبير أتى وعمره ثلاث سنوات -وقيل أصغر في بعض الروايات- فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم يحتجم -تعرفون دم الحجامة، وهو صلى الله عليه وسلم طاهر، وآثاره طاهرة- فوضع الدم من الحجامة في طست، وقال: يا عبد الله! ضع هذا في مكان لا يراه أحد -بحيث يأخذ الدم ويخفيه- فأخذه ابن الزبير ومال وراء البيوت فشربه} هذا عبد الله بن الزبير صنديد يشرب الموت مثل شرب الماء، هو أول من طاف في السيل في مكة، فر الناس في الجبال حين جاء سيل، فاقتحم الحرم وخرج الناس من بيوتهم على سطوح المنازل وهربوا إلى الجبال، ورأى ابن الزبير السيل يطوف بالحرم فألقى ثيابه واتزر ورمى نفسه في السيل، فطاف سابحاً سبعة أشواط، صنديد ستسمعون أخباره بعد قليل، المقصود أنه شرب دم حجامته صلى الله عليه وسلم وعاد بالصحن خالياً قال صلى الله عليه وسلم: أين وضعت الدم؟ قال: وضعته في مكان لا يراه أحد، قال صلى الله عليه وسلم: {ويل لك من الناس وويل للناس منك، لا تمسك النار} أما ويل لك من الناس: فأنت أصبح فيك جزء مني، فلا بد أن تبتلى مثلما ابتليت، أي: بشيء فقط من الأذى؛ لأن أكثر ما واجه الظلم والعدوان والحسد والإيذاء محمد صلى الله عليه وسلم، وأما ويل للناس منك، فمعناه: أنك يصبح عندك من العظمة والهمة والشجاعة والإقدام ما الله به عليم، وأما لا تمسك النار: كيف تمسك النار وبعض دمي في دمك؟! يقول الذهبي شيخ المحدثين والمؤرخين: كان يصوم سبعة أيام متواصلة ليلاً ونهاراً، ويفطر في اليوم الثامن على سمن البقر، وكان يصلي في الليل النافلة، ليلة واقفاً من بعد صلاة العشاء يقف في الحرم -هذا ثابت عنه- إلى أن يقرب الفجر، ثم يركع، ثم يسجد ليلة كاملة، وليلة راكعاً طوال الليل من العشاء إلى الفجر، وليلة ساجداً، وقاتل أهل الشام قتالاً ما سمع بمثله في التاريخ، كان أمامه خمسمائة مقاتل يهزمهم قالوا: والله ما مثله إلا كالأسد أمامه المعزى، يقبل عليهم بالسيف، فيشردون من الأبواب، ثم يقبل على هؤلاء فيشردون من الأبواب، ثم في الأخير لما كثر عليه الرمي من كل جهة والمنجنيق، قام وكبر وصلى عند المقام، فأتته قذيفة، فوقعت في رأسه، فسقط شهيداً عند الكعبة، فرفع عند المقام، فأتى ابن عمر ليؤدي له التحية وهو ميت، قال: السلام عليك يا أبا خبيب! أشهد أنك من المصلين الصائمين، أشهد أنك كنت وصولاً للرحم، ووالله إن أمة أنت شرها إنها أمة خيرة، وهو من خير الناس، ثم مرت أسماء أمه وهي عمياء، قالت: أما آن لهذا الفارس أن يترجل، فدفن وهو أحق الناس بقولهم: علو في الحياة وفي الممات لحق أنت إحدى المعجزات وذكر الحاكم وصححه أن ثابت بن قيس بن شماس خطيب الرسول صلى الله عليه وسلم، اختلف مع زوجته والخلاف قديم، فأقسمت بالله لا أرضع طفلك، حيث أتى له رضيع صغير، فأقسمت ألا ترضعه، فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! الطفل سيموت؛ لأن أمه من العداوة أقسمت ألا ترضعه، فأخذه صلى الله عليه وسلم فبزق في فمه، وقال: أما إن الله سوف يسهل له من يرضعه، وإذا بأعرابية تصل إلى المدينة قالت: أين محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قالوا: هو عند الرسول صلى الله عليه وسلم، قالت: رأيت في المنام قائلاً يقول: اذهبي فأرضعي محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قال: وإن ثديها يقطر لبناً، فأرضعته وصار من أحسن الناس، وهذا من بركته عليه الصلاة والسلام.

بركة نوره صلى الله عليه وسلم

بركة نوره صلى الله عليه وسلم أما نقل النور في العراجين منه عليه الصلاة والسلام فحدث ولا حرج، وقد ورد في ذلك ما يقارب خمسة أحاديث أو أكثر، منها عرجون قتادة بن النعمان صاحب العين رضي الله عنه، رواه أحمد والطبراني والبزار: {أنه أتى صلى الله عليه وسلم فسمر معه، ثم أراد أن يسير في ليلة ظلماء، فأعطاه صلى الله عليه وسلم عرجون عصا، وقال: هذا ينور لك عشراً أمامك وعشراً خلفك، وقال: كنت أرفعه كالشمعة، فيضيء ما أمامي، ويضيء ما خلفي، وهو عصا}. وأتاه الطفيل بن عمرو الدوسي الزهراني، فأسلم عنده، وطلب منه آية أن يعود إلى قومه دوس، فعاد فأعطاه الله نوراً في وجهه، قال: اللهم! انقله من وجهي حتى لا يقولوا مُثْلَةً، فوضعه في سوطه، فكان إذا رفع السوط أضاءت له جبال زهران، وإذا خفض السوط أضاءت له أودية زهران، ومثله حديث أبي بكر وعمر وعباد بن بشر وأسيد بن الحضير.

إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات

إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات

إخباره بما في نفس وابصة

إخباره بما في نفس وابصة وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات فلا حصر لها، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان بملاحم ومعجزات وفتن سوف تحصل، وأتت كفلق الصبح حكمة من الباري سبحانه وتعالى، روى أحمد والطبراني عن وابصة بن معبد قال: {أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم -وقد جهز سؤالاً في خاطره وفي ضميره ولم يخبر أحداً من الناس- قال: فوصلت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قال: يا وابصة جئت تسأل عن البر والإثم -يقول: السؤال الذي عندك تسأل عن البر والإثم- قلت: نعم يا رسول الله! قال: البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس} فأخبره عليه الصلاة والسلام بما أسر.

إخباره بما في نفس أبي سعيد

إخباره بما في نفس أبي سعيد وفي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري قال: قالت لي أختي: أما ترى ما نحن فيه يا أبا سعيد! من الفقر والجوع -يقول: أصابنا جوع لم يصبنا مثله قط- فقالت أختي: أما ترى ما نحن فيه، اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت فإذا هو يخطب الناس فلما رآني -عرف صلى الله عليه وسلم بالقضية وما قالت له أخته وما جرى- قال: {ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، قال: ففهمت أنه أرادني فوالله ما سألته، ووالله لقد عدت، ورزقنا الله برزق، ولا أعلم في المدينة أناساً أكثر منا رزقاً الآن} إن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف أنه أتى يطلب، فأخبره بالخبر، فعاد رضي الله عنه وأرضاه.

إخباره بما يجري لخبيب في مكة

إخباره بما يجري لخبيب في مكة وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بأخبار أصحابه في الأقاليم وفي البلدان التي أرسل فكثيرة تفوق الحصر، فقد روى البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أرسلهم إليها، خبيب بن عدي ومن معه، واستأسره الكفار، ودخلوا بـ خبيب بن عدي، وهو صاحب خشبة الموت، وأول من سن ركعتين عند الموت خبيب بن عدي رضي الله عنه وأرضاه، وأول من أنشد عند الموت خبيب بن عدي، وأول من ألقى دعاءً على الخشبة خبيب بن عدي، فاستأسره كفار مكة، فذهبوا به إلى غرفة، وأغلقوا عليه، ومنعوه من الطعام، فكان إذا جاع، يأتيه ملك من السماء بعنقود عنب، فيأكل حتى يشبع، فخرجوا به إلى ضاحية مكة، فنصبوا له المشنقة، يريدون إعدامه، والكفار مجتمعون حوله، قال: أنظروني أصلي ركعتين؟ قالوا: صل، فصلى ثم سلم، وقال: والله الذي لا إله إلا هو لولا أن تظنوا أن بي جزعاً لطولت الصلاة، فرفعوه على خشبة الموت، قال: اللهم! احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، ثم أنشد، ومن ينشد في الموت؟! أما خبيب بن عدي فقال: ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع بارك الله فيه وفي أشلائه، ثم قال: اللهم أخبر رسولك ما نلقى الغداة، يقول: بلغ رسولك منا السلام، وأخبره ماذا لقينا، فقال صلى الله عليه وسلم، وهو في المدينة، وذاك في مكة في نفس اللحظة والوقت والزمن: عليك السلام يا خبيب! عليك السلام يا خبيب! عليك السلام يا خبيب!

إخباره بقتل أصحاب بئر معونة ومؤتة

إخباره بقتل أصحاب بئر معونة ومؤتة وإخباره صلى الله عليه وسلم بأصحاب بئر معونة، حيث قتل سبعون من القراء، ومنهم حرام بن ملحان طعنه رجل في ظهره، فخرج الرمح من صدره، فأخذ الدم ورش القاتل، وقال: فزت ورب الكعبة، فأخبر صلى الله عليه وسلم بقتلهم في لحظتهم، وقد ذكرت لكم أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الشهداء من مؤتة، وكشف الله له الغطاء، وهم في مؤتة جعفر الطيار وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة قال: {رأيتهم الآن عرضوا على أسرة من ذهب دخلوا الجنة، وقد عوض الله جعفر بن أبي طالب بجناحين في الجنة، يطير بهما حيث شاء} وهذا من إخباره صلى الله عليه وسلم في وقته بالمغيبات.

إخباره بفعل حاطب في فتح مكة

إخباره بفعل حاطب في فتح مكة أراد صلى الله عليه وسلم أن يجهز جيشاً لـ مكة، وأخفى الأخبار حتى يبغتهم بغتة، يأتيهم بغتة وفجأة وهم لا يشعرون، فسد الأخبار وقال: {اللهم خذ بأسماع قريش وأبصارها} خذ بأسماع قريش، أي: اعم أبصارها وأسماعها، فلا تدري به صلى الله عليه وسلم، لئلا يتجهزون بجيش ويستعدون، ومباغتة العدو من أعظم الخطط العسكرية الرهيبة، كما ذكرها محمود شيت خطاب وغيره من الذين تكلموا في العسكرية الإسلامية. قال: خذ بأسماعهم وأبصارهم، فأتى حاطب بن أبي بلتعة، وأتى بامرأة قيل امرأة استأجرها، فكتب لأهل مكة، وحاطب هذا من أهل بدر ومن أهل بيعة الرضوان من الصحابة، لكن يعثر العبد ويخطئ العبد؛ فهو ليس نبياً معصوماً، فكتب خطاباً سرياً خطيراً يكشف خطة الرسول عليه الصلاة والسلام، يريد هو رضي الله عنه أن يتخذ يداً عند كفار قريش يرضون عنه، فيتركون أبناءه وبناته وماله، ولا يؤذونه بشيء، فكتب: إن محمداً عليه الصلاة والسلام يريد قتالكم، فقد تجهز بجيش فاستعدوا، ثم أخذ الخطاب، فلفه ووضعه في جديلة وفي ظفائر وفي شعر المرأة، ولفها عليه، ثم غرزه وأخفاه، وقال: اذهبي انطلقي، فذهبت من المدينة حتى أصبحت في روضة خاخ، لكن أين يذهب الخبر، والذي على العرش استوى لا تخفى عليه خافية؟! فأنزل الله جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: أدرك ظعينة حاطب بن أبي بلتعة؛ فإنها في روضة خاخ، ومعها كتاب لكفار قريش يخبرهم بك، قال: يا علي ويا زبير! انطلقا إلى روضة خاخ، فانطلقا بفرسين يتسابقان فطوقا روضة خاخ، وإذا بالظعينة بين الشجر، قالوا: أخرجي الكتاب، قالت: ما عندي كتاب، وحلفت لهم أيماناً لا تقبل ولا تهضم ولا تصدق، فقال علي بن أبي طالب: والذي نفسي بيده ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لتخرجن الكتاب أو لأجردنك من الثياب، إما هذا وإما هذا، قالت: انتظروني قليلاً، فأخرجت الكتاب، فأخذا الكتاب واشتدا كالصقرين حتى عادا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتاب، قال: عليّ بـ حاطب، وأتوا بـ حاطب من بيته، وعلم أن المسألة كشفت، فأجلسه صلى الله عليه وسلم للمحاكمة، وعمر بسيفه جاهز متخصص في قطع الرءوس على الطريقة الإسلامية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حاطب! ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رسول الله! ليس لي أهل ولا عشيرة ولا قوم في مكة، ولي أبناء عندهم وبنات -أي: أن له شبهة لكنها لا تقبل- فأردت أن يكون لي يد، فسكت صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا رسول اللهّ! ائذن لي أن أضرب عنق هذا المنافق؛ فقد خان الله ورسوله، وسل السيف، قال: {يا عمر! دعه، يا عمر! لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} فدمعت عينا عمر، أي أنه من كان من أهل بدر، لا يسبقه فضل، ولا ترقى إليه درجة ولا منزلة أبداً ولا رتبة، فكف عمر السيف، فأخبر الله رسوله بهذا الخبر وما حصل، ومثله كثير في السيرة.

إخباره بحديث عمير بن وهب مع صفوان في مكة

إخباره بحديث عمير بن وهب مع صفوان في مكة كان صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في المسجد وهو يتحدث لهم صلى الله عليه وسلم، وإذا بـ عمر بن الخطاب مقبل، ومعه رجل، وقد أخذ عمر بتلابيب ثياب الرجل وبحمالة سيفه يقوده في المسجد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قال: هذا عمير بن وهب أتى ومعه الشيطان، فقال: اتركه يا عمر! فأطلقه رضي الله عنه وسيفه معه، فأجلسه صلى الله عليه وسلم أمامه، وكان قد أتى من مكة، قال: {ماذا أتى بك يا عمير بن وهب؟ -وهذا بعد بدر والأسارى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: يا محمد! أتيت أفادي الأسارى الذين عندك -أي: أدفع الفدية وآخذ الأسارى- قال: كذبت، أنت جلست مع صفوان بن أمية ليلة كذا وكذا بعد صلاة العشاء بالحرم، فقلت له أنت: أما ترى ما فعل محمد بنا في بدر، قتل منا سبعين، وأسر منا سبعين، ليت لي بمن يكفيني أهلي ومالي، وأذهب إلى محمد، وأقتله في المدينة، قال لك صفوان: أنا أكفيك مالك وأهلك واذهب فاقتله، فأتيت تقتلني وما كان الله ليسلطك عليّ، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، والله ما علم بي إلا أنت فمن أخبرك؟ قال: نبأني العليم الخبير، فأسلم واغتسل ودخل في دين الله}. وقد ذكر ابن سعد وابن عساكر أن شيبة بن عثمان أحد بني عبد الدار، وهم أهل مفاتيح الكعبة، قال: خرجت يوم حنين ما كان لي من قصد إلا أن أقتل النبي صلى الله عليه وسلم -خرج مع جيش المسلمين أصلاً، ظاهره الإسلام- فلما التقى صلى الله عليه وسلم والتقى مع الكفار، وإذا بالكتائب أقبلت، قال: ففر الناس، فنزل صلى الله عليه وسلم من على بغلته، وغشيه الناس، وأخذ حفنة من تراب، فنثرها وقال: شاهت الوجوه، ووالله ما بقيت عين من عيون الكفار إلا دخلها شيء، فرفعت سيفي أريد أن أقتله قال: فلمع بارق بيني وبينه حتى كاد أن يأخذ بصري، فعدت فوضعت يدي على بصري فتأخرت، فقال: ادن مني ادن مني فدنوت منه، فوضع يده على صدري وقال: اللهم أعذه من الشيطان، فوالله ما رفعها إلا صار أحب إليّ من سمعي وبصري وأهلي والناس أجمعين، فأسلمت وحسن إسلامي. فمعجزاته صلى الله عليه وسلم كثيرة، ولو أخذنا في ذكرها، لطال بنا المقام، وأحببت أن نقتصر على مثل هذه، وإلا فقد انشق له القمر عليه الصلاة والسلام، وقد أخبر بقتل كسرى، فقتل في نفس الليلة التي أخبر فيها صلى الله عليه وسلم.

إخباره بفعل عيينة بن حصن مع أهل الطائف

إخباره بفعل عيينة بن حصن مع أهل الطائف وأرسل عيينة بن حصن -كما عند البيهقي وأبي نعيم - يفاوض أهل الطائف، وعيينة هذا إسلامه ضعيف وقد ارتد، وهو سيد من سادات غطفان، قال: اذهب وفاوض أهل الطائف في الحصون ينزلون على حكمي على الإسلام، فذهب إليهم فقال: تحصنوا -بخلاف ما أرسله عليه الصلاة والسلام- لعلكم تعزون ويعزكم العرب، ثم أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال له: ماذا قلت لهم؟ قال: قلت لهم: أسلموا ودعوتهم إلى الإسلام قال: كذبت، بل قلت لهم كذا وكذا وكذا.

فوائد عرض معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

فوائد عرض معجزات النبي صلى الله عليه وسلم فالله يطلع رسوله صلى الله عليه وسلم من أخبار الغيب على ما شاء، والمقصود من مثل هذا الحديث: أولاً: تعظيم وتوقير وتقدير الرسول صلى الله عليه وسلم. ثانياً: زيادة الإيمان بمعرفة هذه البينات والآيات والبراهين والأدلة. ثالثاً: زيادة الاتباع له صلى الله عليه وسلم. رابعاً: الرقة والخشوع عند ذكر سيرته وسنته وطلب هذه العلوم التي كادت تنطمس مع الثقافة العصرية الوافدة، وأصبح قليل من الناس من يقرأ حديثاً، وقليل منهم من يستمع معجزاته، وقليل منهم من يطلع على سيرته صلى الله عليه وسلم، وقليل منهم من يطالع تاريخه المشرق الذي لا يوجد تاريخ أحسن ولا أجمل ولا أصدق منه. فأردنا أن تكون هذه السيرة معيناً علَّ الله عز وجل أن ينير بها القلوب وأن يهدي بها النفوس، وأن يثبتنا على سنته وسيرته حتى نلقاه. وهنيئاً لكم أنتم موفقون بحول الباري، أسأل الله بهذا المجلس المبارك أن يجعله موصولاً برضوانه سبحانه، وأن ينزل علينا السكينة والرحمة والرضوان، وأن يذكرنا في من عنده، وأن يعتق رقابنا من النار، أتوسل إليه سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأطمع في فضله -فإنه جواد كريم محسن- أن يتغمدنا وإياكم برحمته. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لقاء الأحبة مع المشائخ

لقاء الأحبة مع المشائخ إنه ينبغي على علماء الدين أن يكونوا لقاءات ولقاءات، يتدارسون فيها هموم الأمة، ومشاكل الدعاة والعلماء، ويطرحون الحلول المناسبة للأمة والمجتمع، ولذلك فإن اللقاء خير مثال يدل على اهتمام علماء الدين بأمتهم ومجتمعهم، وكذلك شعراؤهم الذين يصورون المواقف، وينزلونها على مسامع الناس فيجدون لها التأثير الكبير، والحماس الشديد.

ترحيب بالشيخ ابن باز

ترحيب بالشيخ ابن باز الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين، صاحب السماحة والدنا وشيخنا وحبيبنا الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، أصحاب الفضيلة العلماء! أيها الإخوة الفضلاء والحضور النبلاء! أحييكم بتحية الإسلام وتحية دار السلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قصيدة ترحيبية بالشيخ ابن باز للشيخ عائض القرني

قصيدة ترحيبية بالشيخ ابن باز للشيخ عائض القرني فقد نويت أن يكون أول ضيف يطأ بساط بيتي ويرد منزلي سماحة العالم الرباني ومحبيه {وإنما لكل امرئ ما نوى} والحمد لله ما أمسى أحد اليوم خيراً منَّا ضيفاً، من مثلنا وجد ضيفاً كهذا الضيف، المسيرة الربانية، والمرجعية العلمية، والعطاء المبارك، والعمر المجيد كلها نستقبلها هذه الليلة ونستضيفها. ألا مرحباًٍ بشيخنا ومرافقيه، ووالدنا وأبنائه، وعالمنا وطلابه من الوسطى والشرقية والغربية والشمالية والجنوبية. ويا سماحة الوالد! نظمت أبياتاً بعنوان: شيخ ومنهج، أستأذنكم في إلقائها: أعلامة الإسلام بيتي تهللا وقلبي رعاك الله بالحب قد تلا أحييك يا كل السماحة مثلما تحيي الربى غيثاً مغيثاً مجللا وأرتاح أن ألقاك في كل مجلس لقاؤك فوزٌ صار فينا معجلا نهنيك بالإسلام دين محمدٍ نعم ونهني الدين فيك ممثلا هو الحق حتى تفضل العين أختها وحتى يكون الفضل في الشيخ أفضلا روينا المعالي في رحابك غضة لها سند يتلوه بالصدق من تلا تركت السرى خلفي لمن ضاع عمره ويمَّمت قلبي في دروسك فانجلى فسبحان من يهدي القلوب لنوره وسبحان من يعطي الهداية من علا على سنة موروثة من نبينا تناقلها الأخيار شرعاً مكملا فليلتنا هذي يفوح عبيرها بأنفاسكم يا شيخ صارت قرنفلا كتبت بها تاريخ بيتٍ سكنته جميلٍ ولكن في وصولك أجملا فحياك رب العالمين تحيةً ترددها الأجيال ذكراً مرتلا فسار بها من لا يسير مشمراً ويعدو بها خيل الكرام محجلا وأهلاً وسهلاً بالمشايخ كلما أعيدت على الأيام أهلاً ومسهلا رفعنا بكم صرحاً لسنة أحمدٍِ عليها نلاقي الله إن شاء كُمَّلا على منهج الأخيار مثل ابن حنبل ومثل تقي الدين من عاش مبتلى وما نحن إلا للمجدد نصرة قصدت به من شعَّ في نجد مشعلا تركنا لـ جهم في الطريق جهنماً وجعد مع الأرذال يبقى مُكبَّلا ركلناك يا نهج الخوارج ركلةً يموت بها في المهد موتاً معجلا برئنا إلى الرحمن من كل رافضٍ ولسنا من الإرجاء لا والذي علا وننكر دين النصب لا درَّ درُّه ومن أنكر الأقدار منا تبهذلا أئمتنا كـ الشافعي ومالك وسفيان والنعمان صار مبجلا ولسنا دعاة للضلالة والهوى معاذ إلهي فاسأل الأرض والملا وسائل قلوب الناس واسأل عيونهم فأنتم شهود الله في الأرض عُدَّلا نحارب أهل الجاهليات جهدنا وكل حداثيٍ ومن عاش أهبلا وعالمنا عبد العزيز وشيخنا فديناه صار القلب للشيخ منزلا وصلِّ إلهي ما همى الغيث أو سرى مع النجم برق أو إذا الرعد جلجلا على المصطفى المختار والصحب كلهم وأتباعهم هم ناصرو الحق أولا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كلمة للشيخ ابن باز عن التقوى

كلمة للشيخ ابن باز عن التقوى المقدم: فمع الأبوة لشباب الصحوة، ومع القيادة العلمية لطلبة العلم، مع الإمام الوالد سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، ونحن يا سماحة الوالد! لن نثني ولن نمدح فقد أثنت عليك أعمالك، ومدحك ليلك ونهارك، ولكن نستأذنك في إعلان الحب لكم حباً يملأ الجوانح ويسبح على العيون، ويلجُّ على الألسنة ثناءً ودعاءً، حباً من هذه القلوب التي أصافت، والأعين التي شخصت، حباً ووداداً وموالاة، والذي نسأل الله عز وجل أن يجعل هذا الحب من القربات التي تزلفنا عنده، وأن يجعل هذا الحب بجلاله جل وعلا مما يظلنا به تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. وإننا يا سماحة الوالد! ندعو لأنفسنا يوم ندعو الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يبارك في عمركم وينسأ في أثركم، وأن يجعل بقية عمركم رفعة في الدرجات وزيادة في الحسنات، وأن يقر أعينكم بعز الإسلام وصلاح المسلمين وائتلاف قلوبهم وصلاح أمورهم، وأن يجزيكم عنا وعن المسلمين خير ما جزى عباده الصالحين. أنتم الآن -أيها الإخوة- مع الكلام النوراني المنور بآي التنزيل المعطر بحديث سيد المرسلين، أنتم مع سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز فليتفضل مشكوراً مأجوراً. الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله إمام الدعاة إلى الله عز وجل، وقائد الغر المحجلين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فقد سمعنا جميعاً هذه الآيات الكريمات التي تلاها أخونا، فأحب أن أتكلم عليها، وهي قوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:18 - 20]. ربنا عز وجل في كتابه العظيم، خاطب المؤمنين في آيات كثيرة يأمرهم بالتقوى، وينهاهم عما يغضبه سبحانه، وينهاهم عن الاغترار بالدنيا وعن الاغترار بالشيطان.

مفهوم التقوى

مفهوم التقوى يقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر:18] هذه الكلمة كبيرة جامعة تملأ الخير كله، فقد أمر بها سبحانه المؤمنين في هذه الآية وآيات كثيرات، وأمر بها -أيضاً- جميع الناس في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:1] الآية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. فالتقوى: جماع الخير، هي: عبادة الله وتوحيده وطاعته وفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والوقوف عند حدوده، هذه هي التقوى والإيمان، وهي الهدى، والإسلام، والزهد. فالتقوى: أن تتقي ربك بالعبادة وحده، والإخلاص له سبحانه في جميع العبادات، وأن تطيع أوامره وأن تنتهي عن نواهيه، والإيمان به، والرضا بما عنده، والحذر من عقابه، وأن تقف عند حدوده لا تتجاوزها ولا تتعداها: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة:229] هذه هي التقوى، وهي العبادة التي خلقنا لها: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وهي التي أمرنا بها في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:21] وغيرها من الآيات. فالواجب على كل مكلف أن يتقي الله من رجال ونساء من جن وإنس من عرب وعجم من أغنياء وفقراء من حكام ومحكومين، الواجب على الجميع أن يتقوا الله؛ وذلك بعبادته وحده، والاستقامة على دينه، وفعل أوامره وترك نواهيه؛ عن محبة وإنابة، وعن صدق وإخلاص، وعن رغبة ورهبة، نرجو ثوابه ونخشى عقابه، هذا هو الواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس من الرجال والنساء من الأغنياء والفقراء من العرب والعجم. ثم يقول جل وعلا: {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] يعني: انظروا ماذا قدمتم للآخرة، وهذا من التقوى، الأب يحاسب نفسه وينظر ماذا قدم من التقوى، فالواجب على كل مكلف أن يحاسب نفسه وينظر ما قدم، ولا يغفل فإن الشيطان قد يزين له الغفلة، وهكذا دعاة الباطل، وهكذا حب الدنيا وشهواتها قد يلجئه إلى هذا الشيء. فالواجب الحذر، والواجب أن يحاسب كل إنسان نفسه، وينظر ماذا قدم في عشيرته، فإن كان قدم عملاً صالحاً وتقوى فليحمد الله، وليسأل ربه الثبات، وإن كان قدم خلاف ذلك فليبادر إلى التوبة والإصلاح، والله يتوب على التائبين عز وجل. (واتقوا الله) يكررها سبحانه لأهميتها والتأكيد عليها. {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18] من ادعى التقوى فإنه لا يخفى على الله، لا بد أن تكون التقوى دعوى صادقة؛ قولاً وعملاً، وعقيدةً بالقلب والعمل، فإن الله يَخْبُرُ أعمالنا ولا تخفى عليه سبحانه وتعالى.

عاقبة نسيان الله

عاقبة نسيان الله ثم يحذرنا من نسيانه كما نسيه أعداؤه بترك طاعته وتوحيده فيقول سبحانه: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ} [الحشر:19] إذ أعرضوا عن الله وغفلوا عنه وعاملوه معاملة الناسي {فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:19] أي: فأنساهم مصالحها، وأنساهم أسباب نجاتها، وقصرت أعمالهم وشهودهم كلها فيما يضرهم ولا ينفعهم؛ لأن الله أنساهم أنفسهم فهم يعملون لهلاكهم ودمارهم {أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19] وهم الذين خرجوا عن طاعة الله بأعمالهم الخبيثة.

التشويق إلى الجنة

التشويق إلى الجنة ثم يقول سبحانه مشوقاً للجنة ومحذراً من ضدها: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر:20] لا شك أنهما لا يستويان، لا يستوي أصحاب الجنة وأصحاب النعيم المقيم؛ الأنهار الجارية، والنعم الكثيرة، والراحة التامة في جوار الرب الكريم، والنظر لوجهه الكريم، لا يستوي هؤلاء مع أصحاب الجحيم؛ أصحاب الأغلال والزقوم، أصحاب الحميم والسموم، لا يستوي هؤلاء وهؤلاء، ولهذا قال سبحانه: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، هم الفائزون في الحقيقة في الدنيا والآخرة. فالواجب على المسلمين جميعاً في كل مكان حكاماً ومحكومين أن يتقوا الله، وأن يراقبوا الله في شعوبهم وفي جميع المسلمين؛ وذلك بإلزامهم بتقوى الله، وزجرهم عن محارم الله، وإيقافهم عند الحد الشرعي، هذا هو الواجب على جميع حكام المسلمين، وعلى كل قادر من مدير وقاضٍ ورئيس قبيلة إلى غير ذلك، الواجب على جميع المسلمين أن يتقوا الله، كما يجب على جميع المكلفين وإن كانوا من عامة الناس يجب على الجميع أن يتقوا الله، وأن يلزموا طاعته التي أوجب عليهم، ويحذروا معصيته، ويسألوه الثبات، ويحذروا أنفسهم، ولكن أرى من جميع الحكام والرؤساء عليهم أن يتقوا الله أكثر، وأن يلزموا شعوبهم ما أوجب الله عليهم من طاعته، ويحذروهم نقمته، ويراعوا ذلك ويراقبوه؛ بالطرق السديدة، وبالرجال الأمناء حتى يستقيم الأمر، وحتى يعبد الله وحده، وحتى يؤدى حقه، وحتى ينتهي الناس عن معصيته ومخالفة أمره.

منة الله على عباده بنشر الدين

منة الله على عباده بنشر الدين وقد منَّ الله على الجزيرة العربية بدعوة قديمة، دعوة إسلامية، دعوة موافقة لما عليه أهل السنة والجماعة؛ وهي دعوة شيخنا ومحدثنا محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقد كانت هذه الجزيرة في جهل عظيم، وعبادة للقبور والأشجار والأحجار، وتحكيماًَ للقوانين ولعادات القبائل، فجاء الله بهذا الشيخ رحمه الله وهو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي رحمه الله، قرأ في نجد والحجاز والبصرة، تعلم على جملة من المشايخ الأخيار، وهدى الله قلبه وسدد مساعيه حتى قام بالدعوة إلى الله عز وجل في هذه الجزيرة في حريمنة ثم في العيينة ثم في الجزيرة ثم في أبها، ودعا إلى الله ونشر التوحيد، ودعا إلى هدم القباب، وهدم مشاهد الشرك وأعناق الشرك، ثم ساعده على ذلك الإمام محمد بن سعود رحمه الله مساعدة عظيمة، فهدى الله بهما الناس في هذه الجزيرة من الظلمات إلى النور، ورفع بهما هذا الجيل العظيم جيل الإسلام، وهدم الله بهما قواعد وأسس الشرك وعبادة غير الله سبحانه وتعالى، وحكَّما شريعة الله في عباد الله، وجاهدا في سبيل الله هما وأنصارهما، فكان هذا من رحمة الله لهذه الجزيرة ولغيرها. فإن الدعوة انتشرت وخرجت عن الجزيرة إلى الهند والشام والعراق وأفريقيا، ونقلها العلماء، ونفع الله بها العباد في أماكن كثيرة، فدعوا إلى الله ووجهوا الناس إلى الخير وإلى توحيد الله سبحانه وتعالى، ونفوا الشرك بالله فصارت دعوة عظيمة مباركة في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، رحم الله بها العباد، وأنقذهم الله بها من الشرك والظلم، وعبادة الأشخاص والأصنام والأوثان، إلى عبادة الله وحده سبحانه وتعالى. ثم استمرت هذه الدولة وهؤلاء العلماء من ذرية الشيخ محمد وأنصاره من الدعاة من نجد وغيرها في الدعوة إلى الله، ومعهم آل سعود وأنصارهم في الدعوة إلى الله، وترغيب الناس في الخير، وإقامة دين الله، وإقامة حدود الله في أرض الله، وفي سبيل الله، من ذاك الوقت إلى يومنا هذا، وهذه من نعم الله العظيمة. فالواجب الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة، والدعاء للموجودين منهم بالتوفيق والهداية، ونسأل الله للموجودين التوفيق والهداية، وأن يبين لهم على المسلك الذي سلكه آباؤهم من آل الشيخ وآل سعود، نسأل الله أن يعينهم على إقامة الحق وفي ذلك الخوض، وأن يوفقهم لكل ما فيه الصلاح لعباده، وأن يعينهم على ذكره وفقهه وحسن عبادته، وأن يوفق علماءنا جميعاً في التعاون معهم في الدعوة إلى الله، ونشر دين الله، والصد على أعداء الله، فإن هذا هو الواجب على العلماء، الواجب على العلماء في هذه الجزيرة وفي كل مكان أن ينشروا دين الله، وأن يعلموا الناس دين الله، وينشروا توحيد الله والإخلاص له، ويعلموا الناس ما يهمهم من أمر دينهم، وأن يدعوهم إلى الإخلاص وإلى نبذ الشرك ومحاربة أسبابه وذرائعه وقواعده؛ من عبادة القبور والبناء عليها، وعبادة الأشجار والأحجار إلى غير ذلك من أصول الشرك وقواعده. علينا جميعاً ونحن العلماء في هذه الجزيرة وفي بقية أرض الله في كل مكان في أفريقيا وأوروبا وأمريكا وفي بلاد خراسان وفي كل مكان.

الواجب الملقى على العلماء والدعاة

الواجب الملقى على العلماء والدعاة على كل حال: على علماء الحق وعلماء الدين أن يتقوا الله، وأن يجتهدوا في نشر دين الله، وتعليم الناس ما أوجب الله عليهم، وتحريم ما حرم الله عليهم وأساس ذلك توحيد الله والإخلاص له والقيام بحقه سبحانه، هذا هو الأساس العظيم، وهو معنى: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أن يعلموا الناس توحيد الله وأن يبينوا لهم حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك، ويحرضوا على الاستقامة على دين الله والحذر من محارم الله، ويتصفوا بالاستقامة على الحق وعلى شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، هذا هو واجب أهل العلم أينما كانوا، في دروسهم، وفي خطبهم على المنابر، وفي محاضراتهم، وفي ندواتهم، يجب على كل العلماء أن يسلكوا هذا المسلك، وأن يعلموا الناس دين الله وينشروا بينهم دين الله من طريق الكتاب والسنة؛ من طريق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وأن يدعوا لولاة الأمور في كل مكان أن الله يهديهم ويصلحهم، ويعينهم على نشر الحق، والدعوة إليه، فإنهم بحاجة إلى الدعاء من إخوانهم المسلمين. نسأل الله أن يوفق علماء المسلمين في كل مكان للقيام بواجبهم، والدعوة إلى الله، ومناصرة الحق وأهله، ونشر الحق بين الناس، كما نسأله أن يوفق جميع المسلمين في كل مكان للفقه في الدين والاستقامة عليه، وأن يصلح قادتهم، ويعينهم على كل ما فيه رضاه، وعلى كل ما يقربهم منه ويباعدهم من غضبه سبحانه وتعالى، كما نسأله سبحانه وتعالى أيضاً لولاة أمرنا أن يوفقهم للعلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين، وأن يعينهم على كل ما فيه صلاح العباد والبلاد، ويصلح لهم البطانة، ويجزيهم عما فعلوا من الخير أحسن الجزاء، ويعينهم على إزالة كل شر وإقامة كل حق؛ إنه جل وعلا جواد كريم، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أنصارهم ومن أعوانهم في الحق، وممن يتكاتف معهم ويسعى معهم في كل حق وهدى، وفي ترك كل باطل إنه جل وعلا جواد كريم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه. (المقدم): شكر الله لكم وجزاكم عنا أفضل ما جزى عباده الصالحين.

قصيدة للشيخ العشماوي بعنوان: حوار أمام بوابة الهزيمة

قصيدة للشيخ العشماوي بعنوان: حوار أمام بوابة الهزيمة االآن فمع سَبْحٍ شعري جميل، مع سادة الكلمة وحسان الصحوة، مع أبي أسامة عبد الرحمن بن صالح العشماوي. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. كنت أودُّ أن ألقي عليكم في هذه الليلة قصيدتي التي بعثت بها إلى سماحة الوالد الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ولكنني آثرت ألا ألقيها؛ لأنني أعلم أن المدح يضايقه، ونحن لا نمدحه إلا لأنه يستحق ذلك منا وأكثر منه، ولهذا فلن ألقي القصيدة حتى أريح نفسية شيخنا جزاه الله خيراً هذه الليلة. وألقي عليكم إحدى القصائد التي وقع عليها اختياري هذه الليلة وما اخترتها بعمق، ولكنني وجدتها قريبة مني عنوانها: "حوار أمام بوابة الهزيمة": طاب المكان وطاب فيه مقام وتفتقت عن زهرها الأكمام وجرت سواقي الحب ينبت حولها نخل وترتع حولها الأغنام والشمس تعزف للروابي نورها فيذوب طلٌّ تحتها وغمام والأرض تروي بالنبات حكايةً خضراء يكبر عندها الإلهام صور من الأحلام تثلج خاطري ولقد تسرُّ العاشق الأحلام صور رسمت أمام قلبي لوحة منها لعلَّ جراحه تلتام صور وتنسفها وقائع أمتي نسفاً ويبتلع المكان ظلام وعلى رصيف الليل طفل واجم ٌ نظراته نحو القلوب سهام وسؤاله الملهوف يحرق مهجتي أو ليس ديني يا أبي الإسلام أو ليس منهج أمتي قرآنها فبه لها في العالمين مقام أو ليس قدوتنا الرسول محمد تهدى إليه صلاتنا وسلام أو ما لنا في المجد ألف حكاية تعبت على تدوينها الأقلام أو ما جرت أنهارنا رقراقة بالخير ترفع فوقها الأعلام أو ما لدينا النبع يصفو ماؤه وعليه من شغف القلوب زحام أولم نكن جسر النجاة لعالم يشقى به الضعفاء والأيتام أولم تصغ بدر بداية مجدنا لما تهاوت عندها الأرقام ألفٌ تقابل نصف ألفٍ إنها لأدلة للواهمين تقام أولم يقم بالفتح صرح عقيدة في صدرها للمكرمات وسام أو ما ترى في الكون صوت بلالنا وعلى صداه تهاوت الأصنام أولم تكن ذات السلاسل لوحةً مرسومة وإباؤنا الرسام أو ما رأى اليرموك كيف استبشرت ببزوغ فجر المسلمين الشام أولم تكن للقادسية قصة أدلى بوصف شموخها التمتام أولم نعلق في المدائن شمعة بيضاء فر أمامها الإظلام أولم نلقن قيصراً وحشوده درساً تَحار أمامه الأفهام أولم ندع كسرى على إيوانه يبكي وتأكل صدره الآلام أولم يسلم جاذويه سلاحه فرقاً ويندب حظه بهرام أولم تخض بحر البطولة خيلنا وبقلب أندلس لها إعظام أولم تقل للصين خيل قتيبة جئنا يزف صهيلنا الإقدام أولم تصغ حطين لحناً خالداً تهفو إلى أنغامه الأنغام أولم تكن في عين جالوت لنا همم لردع المعتدين عظام أو هكذا ننسى المفاخر مثلما يُنسي الصغير هوى الرضاع فطام أو هكذا أبتاه تسكر أمتي سُكراً يقدم كأسه الإعلام أو هكذا توهي عزائم جيلنا قصص تصور فحشها الأفلام قل لي أبي: أنظل نأكل خبزنا وعليه من دمنا المراق إدام قل لي أبي: أنظل نشرب ماءنا والقدس يهتك عرضها وتضام قل لي أبي: أيبيت طفلٌ ساهراً في كفه حجر ونحن ننام ورمت عيون المخبرين وراءه وعلى شفاه الصامتين خطام سكتوا لأن السيف مسلول إذا نطقوا بما لا يرغب الأقزام سيفان يا أبتاه: سيف عدونا صلتٌ وسيف سلَّه الحكام وغرور أمريكا أحال رجالنا خشباً تسمر فوقه الأحلام عقب الشيخ ابن باز رحمة الله عليه في هذا المكان وقال: لو تغير البيت يكون طيب -أي: البيت الذي فيه كلمة أمريكا -، فقال العشماوي: طيب جزاك الله خيراً نغيره إن شاء الله. أو ما لنا أبتاه عزم صادق أو ليس بين صفوفنا مقدام أو ما لنا في السلم نهج واضح أو ما لنا وقت الحروب حسام أو مالنا في عالم اليوم الذي يجري طريق واضح ونظام أبتاه! هذا بيتنا قد هدمت جدرانه وأمامنا الهدام أبتاه! هذا جسم أمتنا سرت فيه اللظى واستشرت الأورام أبتاه! هذا درب أمتنا شكا فيه الثرى ما تصنع الألغام كفر وربك يا أبي ينوي بنا شراً ونحن كأننا الأنعام قل لي أبي: أنظل نلعق صمتنا وعلى الأنوف مذلةٌ ورغام أنظل نخفض للصليب رءوسنا وينام فوق فراشنا الحاخام أو هكذا أبتاه ننسى ديننا ويزيحنا عن رشدنا استسلام كان الأب المسكين يحبس دمعه ولحزنه بين الضلوع ضرام أبني لا تنطق فقد ألجمتني أواه كم يؤذي الكريم لجام هذي هي الأمراض قد فتكت بنا في عصرنا ودواؤها الإسلام فقال الشيخ للعشماوي: إن الأبيات طيبة ولكن طلب من العشماوي أن يصلح من الأبيات بعض الشي، فقال العشماوي له: سأغير إن شاء الله ما استطعت. (المقدم) لا فض الله فاك!

كلمة للشيخ سلمان العودة عن سلامة الصدر

كلمة للشيخ سلمان العودة عن سلامة الصدر أما الآن مع فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة في كلمة مختصرة: بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سماحة الوالد الكريم! أصحاب الفضيلة! أيها الإخوة! إنني أعجب حين أقوم متحدثاً أو أقعد متحدثاً بينكم، ففي هذا المجلس من الأفاضل والمشايخ من هم أجدر بالحديث وأولى به، لكنني لم أملك إلا الموافقة على هذا الطلب، وأسأل الله تعالى أن يلهمني ويسددني.

شأن الإمامة في الدين

شأن الإمامة في الدين أيها الإخوة! إن القرب من الصالحين كله خير وبركة، فعند ذكرهم يرجى نزول الرحمات، ويكون ذكرهم داعياً إلى الاقتداء بمآثرهم والسير على منوالهم والنسج على طريقتهم، وإن هذه الأمة تُعدُّ اليوم بما يزيد على مئات الملايين، بل تاريخ هذه الأمة لم يبدأ منذ ستين سنة أو سبعين سنة، تاريخ هذه الأمة مضى عليه ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة؛ فكم تظن من الناس مشوا على ظهر هذه الأرض ووطئوها من أهل الإيمان ومن أهل التوحيد، بل ومن أهل العلم أيضاً، ولكن كم أولئك الذين بقيت مآثرهم وخلد ذكرهم؛ فأصبح الناس يذكرونهم بالخير؛ فيترحمون عليهم، ويدعون لهم، ويقبسون من علمهم، على رغم أن بينهم وبينهم مفاوز من السنين وأحقاباً متطاولة، وعلى رغم أنهم قد يكونون في مناطق بعيدة نائية، إن الناس اليوم يستفيدون من علم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أكثر مما يستفيدون من علم معظم المعاصرين؛ وكأن هذا الإمام حيٌ بيننا، وإن كان موسداً في قبره إلا أنه حيٌ بيننا بعلمه وبتراثه وبكتبه وبمواقفه وكما قيل: يا رُبَّ حيٍ رغام القبر مسكنه ورب ميت على أقدامه انتصبا هذه الأمة التي يقولون: عددها ألف بليون إنسان ومائتا مليون إنسان، هذا الرقم من حيث العدد، كم تأثير هذه الأمة؟ وكم إنتاجية هذا العدد الكبير؟ إن فئةً قليلة من أعداء الإسلام قد بلغوا بهذه الأمة مبلغاً عظيماً؛ لأنهم جدوا واجتهدوا وحاولوا وبذلوا، أما هذه الأمة فهي أرقام وأعداد، لكن لو أتيت إلى الذين يقومون بما أوجب الله عليهم من العبادة، والعلم، والدعوة، والجهاد، والصبر لوجدتهم قليلاً، وكما قيل: وقد كانوا إذا عدوا قليلاً فقد صاروا أقل من القليل ويا سبحان الله! كأن الدعاة إلى الله وكأن العلماء رفاق سفر طويل طويل، فهم يبدءون كثيراً ولكن يتساقطون واحداً بعد الآخر، كلما بعدت المفازة واشتد الأمر وعظم الخطب، ولا يبقى إلا من حكم الله تعالى لهم بأنهم أئمة، قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء. قال سفيان: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين؛ أن يكون عند الإنسان يقين بالحق الذي يحمله ويدعو إليه، يقين من الله تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} [الأنعام:57] فهذا اليقين ما أخذه تقليداً ولا أخذه تأثراً بالأتباع والدهماء ومن حوله من الناس، وإنما أخذه بالدليل من القرآن ومن السنة الصحيحة، فاستقر في قلبه وآمن به، وجرى منه مجرى الدم في العروق، فلم يعد يرتاب فيه على رغم قلة النصير والمعين، وكثرة المعارض، فأصبح عنده يقين بدينه، ثم أصبح عنده صبر على ذلك، صبر جميل ليس فيه جزع ولا تشكٍ، ولا تسخط ولا تردد، بل فيه ثبات على هذا الدين، وإصرار عليه، ودعاء أن يثبت الله تعالى قلبه فلا يزلَّ ولا يزيغ.

أعظم وسائل الثبات

أعظم وسائل الثبات أيها الإخوة! إن من أعظم وسائل الثبات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يسألها وهو في سجوده فيقول: {يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك} أن يملك الإنسان قلباً سليماً؛ ليس فيه حقد، ولا غل، ولا كراهية، ولا بغضاء، ولا حسد، ينام هذا الإنسان وليس في قلبه حقد على مسلم لخير أعطاه الله إياه، وإن جاز لنا أن نتكلم عن بعض الحضور فإنني أقول: إن مما استفدته واستفاده غيري من طلبة العلم، استفدناه نظرياً ونسأل الله أن يعيننا جميعاً على تطبيقه وتحقيقه من سماحة الوالد سلامة الصدر، وأن يحرص الإنسان على أن يقابل الإساءة بالإحسان، ويقابل المنكر بالمعروف، ويقابل المعصية بالطاعة، وأن يعطي من حرمه، ويعفو عمن ظلمه، ويصل من قطعه، فإن هذا هو الأمر المتعين، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]. أي: خذ ما جاء من الناس عفواً بلا تكلف ولا عنت ولا مشقة، (وأمر بالعرف) أي: بالخير الذي ينفع الناس في دينهم ودنياهم، ومن تنكب هذا وذاك فعليك بالإعراض عنه وحسن المقال، قال الله عز وجل: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً} [الإسراء:53] فتحري الإنسان طيب الكلام، وحسن الدعاء لإخوانه، والرغبة في هدايتهم، والشفقة عليهم، وعدم تصديق قالة السوء عنهم مهما كانت؛ فإن هذا من أسباب جمع الكلمة، ومن أسباب صفاء القلوب، والله تعالى قال على لسان خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:87 - 89]. فسلامة القلب أمر عظيم، وربما نستطيع أن نتكلم جميعاً عن هذا الأمر ونفيض فيه وندعو الناس إليه، لكن الشأن والخطب هو: هل يستطيع الواحد منا أن يضع خده على وسادته فلا يشعر في قلبه ببغضاء لمسلم؟ نعم قد ترى أن فلاناً ظلمك، وفلاناً أخطأ عليك، وفلاناً أساء إليك، وفلاناً قال، وفلاناً فعل، وهم -أيضاً- يرون أنك قلت وفعلت وظلمت وأخطأت، فالشأن كل الشأن أن تستطيع أن تصفي قلبك، فلا تجعل فيه مستقراً لبغضاء مسلم، ولا لحقد على مسلم، يكفيك أن في قلبك محبة الله تعالى، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبة الأخيار، وبغض الكافرين والمنافقين الذين بغضهم عبادة؛ بل جزء من الإيمان، بل هو جزء من تحقيق معنى (لا إله إلا الله) التي هي نفي وإثبات؛ إثبات الألوهية لله تعالى وحده ونفيها عمن عداه، ويتبع ذلك محبة الله ومحبة رسله والملائكة والأولياء والصالحين، وبالمقابل بغض الشرك والمشركين، وبغض الأوثان وأهلها كما قال الخليل عليه الصلاة والسلام: {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4] فلم يعد في هذا القلب مستقر لبغض المؤمنين وبغض الصالحين ولو وجد منهم ما وجد من خطأ أو تقصير أو ما تظنه أنت خطأً أو تقصيراً في حقك، أو ظلماً لك أو ما أشبه ذلك. وإنني أذكر قصة رواها أحمد والبزار وغيرهما وقوى إسنادها الهيثمي في مجمع الزوائد: {أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تقطر لحيته من أثر الوضوء، فأراد عبد الله بن عمرو بن العاص أن ينظر شأن هذا الرجل، فقال له: إنه كان بيني وبين أبي ملاحاة، وإنني آليت ألا أدخل البيت ثلاثة أيام، فأريد أن أبيت عندك، فذهب معه وبات عنده، فنظر في صلاة هذا الرجل فلم يجد عنده كثير صلاة، ونظر في صيامه فوجده كغيره من الناس، فلما تمت الأيام الثلاثة قال له: يا هذا! لم يكن بيني وبين أبي شيء ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا؛ فأحببت أن أنظر بم بلغت ما بلغت، قال: أما إذ قلت ذلك؛ فإنني أبيت يوم أبيت وليس في صدري حقد على مسلم على خير أو فضل أعطاه الله إياه}. وقد يستطيع الواحد منا أن يحسن صلاته، أو أن يعفي لحيته كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن يقصر ثوبه كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يستطيع أن يفعل كثيراً من الأعمال الظاهرة، لكن أمر القلب عظيم يحتاج إلى صبر ومجاهدة وإلى مقامات {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35] وإنني أعلم أن هذا الأمر خطير وهذا الشأن عظيم، وأنا فتحت الموضوع ولكني ما وفيته حقه، فألتمس إن أذن الإخوة المنظمون من سماحة والدنا أن يقول ولو كلمات يسيرات لعل الله أن ينفع بها الحضور، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

كلمة لابن باز عن سلامة الصدر

كلمة لابن باز عن سلامة الصدر بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله. أما بعد: فلا شك أن ما قاله أخونا الفاضل الشيخ: سلمان العودة فيما يجب على المسلمين من الدعوة إلى الله والتعليم والإرشاد والنصح لله ولعباده يرجع الأمر أنه أمر لازم والناس في أشد الحاجة إليه، العالم في أشد الحاجة إلى التعليم والتوجيه؛ لأن علماء السنة قلوا واشتدت الغربة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدوركم، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا}. فالواجب على أهل العلم أن يعتنوا بالدعوة إلى الله، وأن يكونوا على بصيرة مما يقولون، على كل واحد أن يهتم بالعلم وأن يقول عن علم، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108]. كل واحد مسئول فليتق الله وليقل عن علم أينما كان؛ في بلاده وفي غير بلاده، في السيارة، وفي الطائرة، والقطار، والسفينة، والباخرة، وفي كل مكان، يتقي الله ويدعو إليه، ويرشد الناس إلى الخير. وعليه أن يكون سليم القلب من الغل على إخوانه وإن سمع شيئاً فليتق الله وليصفح وليعفو؛ لأن هذا أقرب للتقوى، وأقرب لجمع القلوب، وأقرب إلى الصلاح بين الجميع والتعاون، وليكون قلبه سليماً من كل ما يخالف شرع الله؛ من اتباع هوىً، ومن غلٍ على مسلم، ومن حسد لآخر، ومن دعوة إلى غير الله عز وجل، ويكون قلبه سليماً من كل إرادة تخالف شرع الله، ومن كل عمل يخالف شرع الله، ومن كل قول يخالف شرع الله، ومن كل هدف يخالف شرع الله، أن يكون هدفه وجهوده وأعماله وأقواله كلها في تحقيق ما شرعه الله وفي الدعوة إليه، وفي التحذير من خلافه؛ هذا هو طريق النجاة والسلامة، وبذلك نرضي الله وننفع المسلمين وتكثر أحبابه وإخوانه وينتفعون به. نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه. كلام المقدم: أثابكم ربي وشكر لكم وبارك فيكم، ووفقكم ونفعنا جميعاً بهذا الكلام المسدد، ووهب لنا من عنده طهارة القلوب.

قصيدة للشيخ ناصر الزهراني بعنوان: النهر المسترخي

قصيدة للشيخ ناصر الزهراني بعنوان: النهر المسترخي الأستاذ الدكتور: ناصر بن سعد الرشيد شاعر مُقل، ولكن إذا صهل ففحل من فحول الغرة، فنسأل أستاذنا شيئاً من هذا القليل ونحن نقول: قليل منك يكفينا ولكن قليلك لا يقال له قليل بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فلقد وصف أخي الشيخ عبد الوهاب الشاعر الكبير الدكتور: عبد الرحمن العشماوي بأنه حسان هذه الصحوة، أما أنا فيشرفني بأن أنتسب إلى هذه الصحوة ولو كنت أبا دلامتها هذه الليلة، إنما عندي في حقيقة الأمر هي قصيدة عمرها أكثر من عشرين عاماً ولقد قلتها قبل حرب رمضان، وقد كنت في ذلك الوقت في دمشق ولذلك عنونتها: "النهر المسترخي". وقد أحسست بأن شيئاً كالسلم سيحصل، فأريد أن أسمعكم جزءاً من هذه القصيدة هذه الليلة: أرى دمشق حداداً لف سدته على عيوني فهذا الدهر صوّان وهذه المرجة الحسناء شاحبة ميسون غائبة عنها وحسان النهر يجري بها مسترخياً هرماً هل صار بينهما صد وهجران هل شخت يا بردى في عنفوان صبا أم أثقلتك انتكاسات وأحزان أم أن وكر هوىً أضنى بحجته ينبوع كبرك أن الحب سلطان أم أن دعوة سلمٍ بات يرهقها دعاة سلمٍ غووا والسلم خذلان أتتك فوق جناح الليل نغمتها فشل سطوك مأجور وعدوان أما فتئت تعيش الحزن مكتئباً قد قدموك كأن الأرض قربان حتى ضويت هزالاً ما تحركنا خرير مائك منهوك ووسنان إن كان ضعفك من مجرى برمت به وما يحف به حور ولا بان فابحث لنفسك عن مجرى يليق به ولو تولد فيك اليوم عصيان واصرفه عن قنوات ماؤها أسنٌ فآسن الماء لا يهواه إنسان متى أراك فإن القلب مضطرب وأنت من غضب يعلوك طوفان لتجرف الشوك عن درب الألى عزموا فالشوك في دربهم للمجد ألوان وتغسل الأرض من أوصابها أبداً حتى تقيك فإن الأرض أدران فالويل مستعر والظلم منتشر والعيش فيها حزازات وأضغان تباً لمبدأ أحزاب تفرقنا وإننا في رباط الله إخوان يوماً سنكشف عن بطلان زخرفها قد آن أن يجمع الأقوام قرآن حتى تكون بلاد الله واحدة سهلان أيسون أو فيسون سهلان (كلمة الملقي): بارك الله فيك، ولا فض الله فاك، وسددك ربك ومولاك.

كلمة عوض القرني عن بعض التوجيهات للدعاة والعلماء

كلمة عوض القرني عن بعض التوجيهات للدعاة والعلماء أما الآن فمع كلمة موجزة لفضيلة الشيخ: عوض القرني فليتفضل مشكوراً. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، تقدست أسماؤك، وتعالت صفاتك، ولا إله إلا أنت سبحانك. مشايخنا الأفاضل! الحديث في مثل هذا الجمع الكريم من مثلي غير مستفاض، إذا حضرنا مع مثل هذه الوجوه الطيبة من مشايخنا وأساتذتنا وعلمائنا؛ فالجدير بنا أن نحسن الاستماع والتعلم، أما وقد قدمني الإخوة لهذه الكلمة. فأقول: أيها الإخوة: أولاً: نهنئ أنفسنا بلقائنا بسماحة شيخنا ووالدنا، ونهنئ أنفسنا بهذا الجمع الكريم المبارك، ونهنئ أخانا الكريم باجتماع هذه الكوكبة الطيبة في منزله في هذه الليلة، وإذا كان في كل منزل سيجتمع مثل هذا الجمع فليقتني في كل أسبوع منزلاً. أيها الأحبة: أذكركم ببعض ما تعلمون ولا أعلمكم، وقد أشار الإخوة الأفاضل إلى مكانة هذه البلاد التي اصطفاها الله سبحانه وتعالى في مبتدأ أمر هذا الدين، والدور الذي ينبغي أن تؤديه في هذا الزمن، وأذكر بنظرة المسلمين إلى علماء هذه البلاد وإلى رجالها وإلى شباب الصحوة فيها، وأذكركم بمآسي المسلمين وجراحاتهم وقضاياهم، ولئن تباسطنا في الحديث فينبغي ألا تزول آثار تلك الجراح من قلوبنا. وينبغي -أيها الإخوة المؤمنون- أن نعي رسالتنا في هذه الحياة، وأن نعلم أن الله سبحانه وتعالى قد شرفنا وكلفنا؛ شرفنا حين جعلنا ممن يحمل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بعده ويبلغها للعالمين، ويجاهد في سبيل إعلائها، ويحب من والاها ويبغض من عاداها، وكلفنا سبحانه وتعالى حين جعل على عواتقنا حمل أعباء الرسالة بعد أن ختمت الرسالات بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأزعم أن القيام ببعض أعباء هذه الرسالة يقتضي منا أموراً كثيرة: أول هذه الأمور: تصفية المقاصد والقلوب، وتوجيه ذلك إلى الله سبحانه وتعالى، وأن نراجع أفراداً وطوائف وجماعات مسيرتنا باستمرار، وأن نحدد وجهتنا إلى الله سبحانه وتعالى. الأمر الآخر: أن نجرد المتابعة لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن نلهج بذلك في كلماتنا ومحاضراتنا وندواتنا، وفي منتدياتنا ونوادينا، وفي إعلامنا وتعليمنا؛ حتى يكون صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحية الماثلة للعيان؛ ليس للعلماء وطلبة العلم فقط؛ بل لجميع طوائف الأمة من رجالها ونسائها وشبابها وشاباتها، وأن يكون دور الدعاة والعلماء دور الجداول الموصلة إلى البحر الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم. والأمر الثالث: هو أن توحد الصفوف، وتأتلف القلوب، وتجتمع الكفوف، وأن نكون كما وصف الله سبحانه وتعالى المؤمنين: بنياناً مرصوصاً، وكما وصفه محمد صلى الله عليه وسلم: جسداً واحداً، حينئذٍِ -أيها الإخوة الكرام الأفاضل- نستطيع أن نؤدي الرسالة التي كلفنا الله سبحانه وتعالى بها، وحينئذٍ نستطيع أن نلبي نداءات أمتنا واستغاثاتها في كل مكان تستغيث فيه وتنادي باستمرار: وا إسلاماه! وا إسلاماه! أيها الإخوة الكرام: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يسلك بنا سبيل الرشاد، وأن يهدينا سواء السبيل، وأن يجعلنا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قصيدة ناصر الزهراني عن دعوة الأنبياء

قصيدة ناصر الزهراني عن دعوة الأنبياء المقدم: أما الآن فنطوي صفحات هذا اللقاء ونختمه بصفحة شعرية رسم معانيها بكلماته أخونا الشاعر: ناصر الزهراني فليتفضل مشكوراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته صاحب السماحة! مشايخنا الكرام! أعتذر إليكم فكم كنت أتمنى أن أكون في هذا اللقاء مستمعاً، وأن أكون هادئاً مرتاح البال؛ لأنه ليس لدي مشاركة، وقد أتيت ولم أعد فقرة في هذا اللقاء، إلا أن أخي الكريم الشيخ عائض حفظه الله ألح وأبى إلا أن يكون لي مشاركة، فدخلت في تجربة طويلة أعتذر لأن الوقت لم يسمح لي بأن أفرغ هذه التجربة كاملة، فربما ترون في هذه القصيدة شيئاً من التفكك أو النقص أو الخلل؛ لأنها لا تزال إلى الآن عظم، وكنت أتمنى أن أسلمها للشيخ عائض على المفتاح. جيرة تشترى وقصر مشيد وفؤاد بأهل نجد سعيد يا أبا عبد الله فأنس بدارٍ في بلاد يطيب فيها الوجود في بلاد للحق فيها جذور راسيات والقوم فيها أسود يا ربيب البيان جاءت جموع قادها الحب والرضى والسعود يا سليل الكرام رب وجوه شابها الحقد فهي كالفحم سود طبت نفساً وزدت فخراً وأنساً حينما زارك الإمام الرشيد قد أنسنا سماحة الشيخ أنساً لا يجارى والليل ليل سعيد القوافي تهيم في وصفك الأغـ ـلى ويحلو إذا ذكرت النشيد لن أسوق الثناء والمدح إني مفعم بالأسى وجرحي شديد يا سليل الكرام ما كان شعري سلماً يبتغى عليه الصعود إنما الشعر نبض قلبي وقلبي عن خداع الصديق دوماً بعيد إيه يا صاحب السماحة عذراً إن قسونا أو ندَّ لفظ شديد ذاك طبع المحب يقسو ولكن قلبه طيب محب ودود أيها العالم المبجل شعري قال شيئاً مما تريد الوفود كم صبرنا وكم وعدنا وعوداً وانتظرنا فأين تلك الوعود أيها العالم الجليل امتحنا وأرى الخطب كل يوم يزيد نحن نأوي إليك في كل كرب بعد ربي فأنت ركن شديد أيها الشيخ ليس يثني خطانا عن هدى مالك الملوك الوعيد نبذل النفس والنفيس ليبقى وليعلو في أرضنا التوحيد مالنا مطمع ولا نيل غنمٍ فرضا الله منتهى ما نريد نحن أتباع سنة وكتاب ما جهلنا فالدرب درب سديد ثار فيه الدعاة من عهد نوح ومضى فيه صامدين الجدود كم دعا صالح ثمود لتمشي في طريق الهدى فزاد الشرود سخروا منه أعرضوا عن هداه فنجا صالح وخابت ثمود وأبت عاد داعي الحق فيها كم دعاها لمنهج الله هود فانبروا يصرخون يا هود هذا دين آبائنا فماذا تريد هذه دعوة تخالف نهجاً نرتضيه وليس فيه القيود أرسل الله ريح صرصر تنـ ـسف الظلم وأهله وتبيد وطغى في البلاد فرعون قهراً وعلواً والظلم ظلم شديد قال في خسةٍ: أنا الرب فيكم دون خوف فالشعب شعب بليد قال موسى في حكمة وهدوء أيها الحاكم العظيم المجيد دع بني إسرائيل من ربقة الـ ظلم فكلنا للإله عبيد فاستشاط اللئيم وازداد حمقاً ثم نادى هامان أين الجنود صاح في قومه دعاة ضلال قصدهم ظلمكم وبغي مبيد هيا هبوا لقتلهم كي تعيشوا في سلام وعزة يا فهود فمضى الأغبياء حمقاً وجهلاً فانبرى البحر حالكاً لن تعودوا وأبو الأنبياء أعظم داع ملؤه غيرة وعزم أكيد لم يدع دربه ليرضي أباه لم يعثر خطاه مكر وكيد هددوه بالضرب والقتل حرقاً وهو بالطود شامخ لا يحيد أجج القوم نارهم فرموه فإذا بالحريق عيش رغيد ومضى في طريقه في شموخ وتمادى في غيه النمرود ساق ربي بعوضة زلزلته أين حراسه وأين الجنود فإذا أشبعوه ضرباً وركلاً هدأت عنه ثم يصرخ زيدوا إنه ثوب ذلة يرتديه خائن العهد والمضل العنيد عاش ذو النون في حشى الحوت مضنى فدعا والدعاء قول مجيد فرج الله كربه وحماه غمة تنجلي وعمر جديد ثم سر كي ترى عجائب ربي لسليمان كيف لان الحديد كيف يقوى أيوب من بعد ضر إنه النصر إنه التأييد ولنا أسوة بأعظم داعٍ حيت الأرض صوته والوجود إنه سيد الأنام جميعاً رحمة للورى وفجر جديد كم رأى من خصومه من نكال وعذاب والمكر مكر فريد يرفل المشركون في خير عيش وهو مستهدف طريد شريد كان يدعو لهم ويلهج دوماً إن ربي بهم رحيم ودود سار في همة إلى الله يدعو لا يبالي والعزم عزم أكيد كفروا قومه فما أيدوه فأتاه من ربه التأييد ثلة لبت النداء فهبوا لرضا الله سيد ومسود حملوا راية العقيدة لما جاءهم في كتاب ربي وعود فإذا بالفقير يمسي غنياً وإذا بالمسود فيهم يسود وانقضت دولة الشرور وبادت والنفاق انزوى وفر اليهود والثواب العظيم في جنة المولى ففيها الرضا وفيها الخلود أيها الشيخ أي شيء سنروي إن تاريخنا عريق مجيد ذلت الأسد في زمانك لما تركت مجدها وسادت قرود قال الشيخ ابن باز لابد من تغييره، فقال ناصر الزهراني: المقصود اليهود، فقال: لابد من تغييره، وقال الشيخ ابن باز أيضاً: وكذلك ما يتعلق بفرعون يتغير، وقال أحد الحضور: وأيضاً كلمة الحاكم في: يا أيها الحاكم. المقدم: سماحة شيخنا! المتكلمون والأدباء والشعراء تلاميذ لكم يصوبون بين أيديكم. ابن باز: من باب التعاون على البر والتقوى. المقدم: ونحن سنقوم بذلك وما نحن إلا في مدرسة التلمذة أمامكم. ابن باز: الله يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:3]. ثم قال الشيخ ابن باز: وكذلك وصف فرعون، بأن موسى سأله. وقال الشيخ ابن باز أيضاً: وكذلك كلمة (القرود) احذفها. بعض الحضور: هو يقصد اليهود. قال الشيخ ابن باز: ولا يهود ولا شيء، يضع بدلاً منه بيتاً حسناً، والشاعر يعرف كيف يتصرف.

قصيدة للشيخ العشماوي بعنوان: من القدس إلى سراييفوا

قصيدة للشيخ العشماوي بعنوان: من القدس إلى سراييفوا حديثنا أيها الأحبة عن عالم الجرح لا يعني أننا نيئس أو نستسلم، فإن الله سبحانه وتعالى قد نهى عن القنوط، وأمرنا بالتعلق به عز وجل، وعند ذلك تزول عن عيوننا غشاوة اليأس والقنوط، هذه القصيدة من آخر القصائد التي كتبتها وأستطيع أن أقول: إنه لم يسمعها أحد في ميدان أو في أمسية عامة كهذه الأمسية إلا أنتم في هذه الليلة، عنوان القصيدة: من القدس إلى سراييفوا: أزبلتني الوجدان وبكى قبل مقلتي الوجدان سهم عينيك لم يصبني ولكن سلبتني إرادتي الأجفان أنتِ لم تنطقي بحرف ولكن غار من صمتك البليغ البيان لغة العين نظرة ذات معنى وحديث المشاعر الخفقان أنتِ غيث في قيض جرحي هنيء وعلى شاطئ المنى الريحان أنت في غامد ترانيم حب رددتها بلهفة زهران أنت في قريتي الحبيبة نهر تتغنى بمائه الشطآن لا تغيبي عني فإني لأخشى أن يجف الندى ويشقى الجنان يصبح الظل لوحة من شحوب حين تشكو جفافها الأغصان آه! لو تسمعين ما قال حزني وبماذا تحدث الطوفان إن تريدي وصفاً لأمواج همي فاسمعي ما يقوله البركان لا تقولي من أنت؟ إني محب أشعلت في فؤاده النيران يرحل الشعر بي فمالي مكان مستقر ولا لشعري مكان أكتب الشعر في بني ظبيانٍ فتغني بشعري القيروان وتغني به بساتين يافا وتغني بلحنه لبنان يرحل الشعر بي فوجه دمشق يتراءى ويهتف الجولان وتغني صنعاء بعض نشيدي وتراني أمامها تلمسان يرحل الشعر بي ففي أرض سينا ألف بيت يشدو بها الميدان وعلى النيل والفرات بقايا من نشيدي يشجو بها السودان وعيون العراق ترقب فجراً تحت أضوائه يتيه الزمان يرحل الشعر بي إلى القدس لكن كسرت عند بابه الأوزان آه! يا قدسنا تنكر قوم وأباحوك للعدو وخانوا صنعوا قهوة الخضوع فلما أتقنوها تبرأ الفنجان سار موج الإرهاب فيهم فقل لي كيف ساق السفينة القبطان أإلى شاطئ دعاها أم إلى شاطئ جفاه الأمان شرب البحر ماءه فتلاشى كل موج وماتت الحيتان بحرنا اليوم لجة من سراب باع فيها حياته الظمآن قلب مسرى نبينا يتلظى وعلى وجهه يثور الدخان وبعينيه أدمع لا تسلني عندها كيف يصنع الفيضان ودعاة السلام يبنون بيتاً ومحال أن يكمل البنيان كيف تبنى البيوت فوق رمال كيف تبنى ومالها أركان أرأيتم في الأرض آثار بيت ماله ساحة ولا جدران مالهم يرفضون في كل صوت دون وعي كأنهم عميان يا عيون السادات نامي طويلاً فقد اجتاح قومنا الإذعان ملت الكأس شاربيها وألقى سرجه الحر في الطريق الحصان كل من سطروا كتاب التصدي مسحوا أحرف الكتاب ولانوا لعن المجد غيلة فبماذا سيلاقي الحقيقة الهرمزان أنت يا من تسافرين بقلبي وعلى راحتيك ينمو الحنان هل رأيت الطريق حين مضى بي في دروب صخورها كثبان هل سمعت التاريخ لما دعانا فأبت أن تجيبه الأوثان آه! مما تراه عين محب في زمان يعز فيه الجبان أثقلتنا أوهامنا فرضينا ما يقول المكابر الخوان شاب رأس الإباء لما رآنا نرتضي ما يقوله الرهبان أيها الهارب الذي يتجلى كل يوم في فعله الطغيان أيها الهارب المخبئ وجهاً أين تنوي المسير يا حيران أوكل الجهات في الكون غرب أوكل الهواتف الغربان لو تدوم الحياة ما مات كسرى وتهاوى من بعده الإيوان هل درى البدر وهو يبغي كمالاً أن عقبى كماله النقصان قال لي صاحبي: وجدت كتاباً قلت: لا يخدعنك العنوان قال: عنوانه الكبير سلام عالمي قلت: انجلى البرهان إنما هذه أكاذيب عصر يتلهى بأمره الشيطان أمتي فيه كالسجينة تشكو وتعاني مما جنى السجان فوقها صخرة من الوهم كبرى وعليها من لهوها قضبان يضحك القوم بالسلام عليها ودليلي ما تشهد البلقان (البوسنة والهرسك) مسلمات ومحصنات ضحايا ألبستهن عارها الصلبان ثملت أمتي من الكأس قل لي بعد هذا أيعقل السكران كيف ترجو الخلاص مما تعاني وقد اختل عندها الميزان أيها الحاكمون! هل من جواب صادق حين يسأل الرحمن إنما هذه أمانة دين شأنها في الحياة لا يستهان خشيت حملها الجبال الراوسي وتصدى لحملها الإنسان أين أنتم أما لديكم قلوب أين أنتم أما لكم آذان هان مليارنا وعز قطيع من يهود فكيف طاب الهوان إن غدا همنا طعاماً وشرباً فعلينا يفضل الحيوان

لماذا خلقنا؟

لماذا خلقنا؟ يتحدث الشيخ في هذه المحاضرة عن الحكمة من خلقنا، وبين أن الحياة الحقيقية هي في طاعة الله، وتكلم عن قارون أنه ما نفعه ماله يوم أعرض عن طاعة الله، وعن فرعون أنه ما نفعه ملكه يوم كفر بالحي القيوم، وعن العقوبة التي حلت بقوم لوط يوم تركوا شريعة الله. وتعرض لقصص بعض من عرفوا الله في الرخاء فعرفهم في الشدة. وختم المحاضرة بالحديث عن التوبة وفضلها وعواقبها المحمودة.

الحكمة من خلق الإنسان

الحكمة من خلق الإنسان إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عزَّ جاهك، وجلَّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت. في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، أنت رب الطيبين، لا إله إلا أنت، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضى. اللهم صلِّ وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل. اللهم صلِّ وسلم على صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود، اللهم صلِّ وسلم على من هديت به البشرية، وأنرت به أفكار الإنسانية، وزعزعت به الوثنية، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. لماذا خلقنا؟ وإلى أين نسير؟ ومن يحاسبنا؟ وما هو مصيرنا؟ هذه أسئلة لا بد أن يجيب عليها من يريد الله والدار الآخرة: لماذا خلقت أيها الإنسان؟ لماذا وجدت؟ لماذا جعل الله لك عينين ولساناً وشفتين؟ لماذا بصَّرك وأراك؟ لماذا علمك وأنطقك؟ لماذا أكلك وشربك؟ لماذا سترك وقومك؟ لماذا أسمعك وبصّرك؟ هذه الأسئلة لا بد أن يجيب عليها المسلم إن كان يريد الله والدار الآخرة، يقول الله للإنسان المتمرد: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الإنفطار:6] ما لك تمردت علينا -أيها الإنسان- وقد خلقناك ولم تك شيئاً؟ ما لك -أيها الإنسان- نسيتنا وقد علمناك، وجهلتنا وقد أدبناك، وتمردت علينا وقد أرويناك وأسقيناك وأشبعناك؟! والله يقول: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3]. يا أيها الإنسان: خلقت من نطفة، وأتيت إلى الدنيا من بطن أمك وأنت تبكي وكأن بطن أمك أوسع لك من الأرض، فلماذا خرجت تبكي من بطن أمك؟! ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سروراً فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً لا إله إلا الله ما أغفل الإنسان! لا إله إلا الله ما أجفى الإنسان! لا إله إلا الله ما أظلم الإنسان! يوم يأتي من بطن أمه لا ملابس له ولا منصب ولا وظيفة ولا بيت ولا سيارة ولا جاه، ليسقط قطعة لحم على الأرض وهو يبكي، فإذا ما بصَّره الله وعلمه وأنبته وتملك، وأصبح له وظيفة، وأصبح ذا منصب وسيارة وجاه؛ نسي الله، وتمرد على حدود الله، وانتهك محارم الله وحدوده، فأين العقول؟! وأين الأسماع؟! وأين الأبصار؟! الله يقول من فوق سبع سماوات: {الكبرياء إزاري، والعظمة ردائي، من نازعني فيهما عذبته} الله أكبر كبير، وأعظم عظيم، وأغنى الأغنياء، وأما أنت أيها الإنسان ففقير بن فقير، مسكين بن مسكين، إن لم يسترك الله افتضحت. فيا عباد الله! يا من أتى إلى بيوت الله! يا من عود نفسه الصوم، وسجد في التراب لله! ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً

قصة قارون وما فيها من عبر

قصة قارون وما فيها من عبر هل الشرف المال؟ كان قارون أعظم من ملك المال في الدنيا، ثم لعنه الله لعنة تحيق به؛ لأنه ما عرف الله، آتاه الله مالاً وقال: يا قارون! خف من الله في المال، اتق الله في هذا المال، المال وديعة عندك يا قارون! أنت مسلوب أنت ومالك، ونحن ماذا نملك مما ملكه قارون؟ إن كان عند أحدنا فلة أو سيارة، أو بعض الأبناء، أو وظيفة فما تساوي ذرة من ذرات كنوز قارون. قارون كانت مفاتيح كنوزه تنوء بها العصبة من الرجال، عشرة من الرجال لا يستطيعون حمل المفاتيح، فما بالك بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، فماذا فعل؟ خرج في أبهة وجبروت وكبر، والإنسان إذا نسي الله وما أصبح عنده صلاة ولا أوراد، جفل قلبه وأصبح قطعة حجر، أصبح قلبه مثل قلب الثور، لا يعي ولا يعرف ولا يفقه، يأكل ويشرب لكن له قلب لا يفقه به، له سمع لا يسمع به، وبصر لا يبصر به، فـ قارون أعطاه الله المال وقال: خف من الله في هذا المال، إنما هو يمتحنك الله به، لا تظن أن الأغنياء والتجار أعطاهم الله المال إكراماً لهم، لا. قال تعالى: {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:20 - 21] فهذه الحياة حياة تافهة، كالحمار يأكل ويشبع، لكن يقول الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35]. الخواجة يسكن في الدور العاشر، والمسلم لا يجد كسرة خبز وقطعة من الخيمة في الصحراء؛ لأن الجنة أعدها الله لأوليائه تبارك وتعالى. خرج قارون ومعه حلة يتبختر فيها، فقال له علماء قومه: اتق الله! {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} [القصص:77] وعظوه. كما يفعل بعض الناس الآن إذا أغناه الله بعد الفقر، وأَصَحَّ جسمه بعد السقم، وآتاه ذرية بعد أن لم يكن عنده ولد، نسي الله فتجبر على عباد الله، وصعَّر خده لأولياء الله في أرض الله، فـ قارون فعل مثل ذلك. قالوا له: اتق الله، قال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] الله يدري أنني أستحق الملك، أنا أخذته بعرق جبيني وجهدي وذكائي ودهائي، وهو كذاب على الله، دجَّال ما منحه المال إلا الله، ولا يرزق إلا الله، والله الذي لا إله إلا هو إن لم يرزقك الله؛ فلن يرزقك أهل الدنيا ولو اجتمعوا عن بكرة أبيهم، مفاتيح الخزائن والمال بيد الله عز وجل، القطر بيديه، الرزق بيديه، الإحياء والإماتة بيديه {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:1 - 3]. سبحان الله! كيف ينسى الإنسان؟! أما يتذكر يوم أن كان ضعيفاً في بطن أمه، كان قطعة لحم لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق ولا يتكلم، فلما أصبح قوي البنية، ويلبس ما شاء من الملابس أصبح لا يرى الناس شيئاً، خف من الله، لمن البقاء إلا لله لمن الغنى إلا لله لمن القوة إلا لله وانظر إلى أحوال الناس تجاه الدنيا وزينتها، فإن قارون لما خرج علىقومه في زينته الدنيوية قال بعض قومه ممن قصرت عقولهم عن معرفة حقيقة الدنيا: {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} [القصص:79]. بعض الناس يظن أن الإنسان إذا أُمْهِلَ في الدنيا ورزقه الله أبناء وأولاداً وقصوراً وفللاً وعمارات وسيارات ظن أن الله يحبه، ولا يدري هذا الإنسان أنه قد يكون أعدى عدوٍ لله في الأرض، ويمكن أن يكون حسابه أن يكب على وجهه في النار، ولا يدري أنه قد يكون أكبر فاجر على المعمورة. لكن الناس يختلفون في عقولهم وفي بصائرهم: {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79] أي: إن لـ قارون مكانة عظيمة عند الله، وإن ما عليه من نعيم لهو منحة من الله يحسد عليها. {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [القصص:80] العقلاء الذين يخافون لقاء الله ويتذكرون القبر وما بعده {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80] قالوا: خافوا من الله؛ ثواب الله في الجنة أحسن من هذه الدنيا، والله الذي لا إله إلا هو إن كلمة: (سبحان الله) خيرٌ مما طلعت عليه الشمس وغربت. كلكم يعلم قصة سليمان بن دواد عليه الصلاة والسلام في القرآن، الذي ملك الجن والإنس والطيور والزواحف وكل ما هبَّ ودبَّ، حتى الريح التي تمر علينا صباح مساء كانت تتحرك بأمره، إذا أراد أن يرتحل من بلد يأمر الريح {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12] يقول: يا ريح! احمليني إلى الهند، فتأتي الريح فتكون كالبساط، ثم يركب هو ووزراؤه وحاشيته فتنقله في لحظات، حتى إذا أتى لينزل في الأرض كيف تنزل به؟ يقول الله عز وجل: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] يعني: ما تنزل بقوة، إنما تنزل تدريجياً حتى يهبط في الأرض، فارتفعت به الريح مرة من المرات ومعه من جنوده وقوته ما لا يعلمه إلا الله، ولما أصبح في السماء مر تجاه الشمس فحجب ضوء الشمس عن فلاح يشتغل في الأرض بالمسحاة، فنظر الفلاح إلى السحاب فرأى سليمان عليه السلام والريح تمر به، قال الفلاح: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، فسمعها سليمان عليه السلام فقال للريح: اهبطي بي هنا، فهبطت بجانب الفلاح قال: ماذا قلت يا فلان؟ قال: ما قلت إلا خيراً (خاف من سليمان). قال: ماذا قلت؟ قال: والله ما قلت إلا سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً. قال: والذي نفسي بيده، لقولك سبحان الله في ميزانك خير مما أوتي آل داود. الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس}. رأيناهم والله أغنياء يملكونها بالملايين، لا يتعاملون إلا بالشيكات والمصارف العالمية، وإن بعضهم توفي في مدينة نائية عن تجارته ومدينته، حتى طلب له كفن من التجار بالشحاذة ودس في التراب، أين الذهب؟! أين الفضة؟! أين الجاه؟! لا جاه إلا لمن أسعده الله. يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً بالله هل لخراب الدهر عمران وفي هذه الأيام لو تدخل مجلس أحدنا لوجدته مزركشاً ومزخرفاً كأنه إيوان كسرى وقيصر؛ فيه الكنبات والروائح والملبوسات والمفروشات والمطعومات والمركوبات، العطور شيء عجيب يذهل. ماذا أعددنا للقبر؟ ماذا أعددنا لتلك الحفرة الضيقة؟ يدس فيه الإنسان لا ولد، ولا أهل، ولا زوجة، ولا أنيس، ولا حبيب إلا من أسعده الله. والموت فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءة وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ لكن لا نفقه ولا نعي ولا نفهم، الله يقول لنا: افهموا، اسمعوا، تدبروا، اعقلوا؛ لكن القلوب قد ران عليها الخطأ، أظلمت وقست من السيئات. كيف يعي قلب من يستمع الغناء صباح مساء؟! الأغنيات الماجنات من المغنين والمغنيات، الأحياء منهم والأموات، يصبح على الأغنية ويمسي على الأغنية، يركب السيارة ويسمع أغنية، ويدخل المجلس مع أغنية، أبعثنا للناس هكذا؟! أكانت حياة الصحابة كحياتنا؟! أجعلنا الله نعيش على هوامش الأحداث؛ أكل وشرب ونوم وغناء ورقص ولعب ولهو؟! أين حياتنا؟! {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَ} [الأنعام:122]. كان مصير قارون أن قال الله فيه: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص:81] هذا هو الردى وهذه هي اللعنة والخسران وسوء الخاتمة {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ} [القصص:81] من الذي ينصر إلا الله، وإذا لم ينصر الله العبد لا ينصره أحد، والله لو كانت الدنيا وسكان الدنيا معك في أسرة لك فلا تعتز بأسرتك من دون الله، العزيز من أعزه الله بالطاعة، والذليل من أذله الله بالمعصية {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ} [القصص:81] يقول الله عزَّ وجلَّ: هل له أسرة؟ هل كان معه قبيلة قامت تقاتل عنه بالسيوف؟ لا. قوة الله لا تغلب، والله عزَّ وجلَّ يقول: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51] من الذي ينصر الرسل والمؤمنين؟ إنه الله، أما غير المؤمنين فلن ينصر الله {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52]. {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص:81 - 82] يقول: أصبح الذين تمنوا الدنيا لما رأوا داره تخفوا في الأرض، أتدرون ما فعل؟ أتى في مصطبة من ذهب أي: دكان مرتفع مصبوب ذهباً، فجلس عليه بحلة في الصباح ومرَّ النبي موسى بن عمران عليه السلام، الداعية الكبير الذي دخل على فرعون، داعية لا إله إلا الله، الذي قاد الجيوش الجرارة لخدمة لا إله إلا الله؛ مرَّ على قارون وقال: يا قارون! اتق الله وقل لا إله إلا الله، فتكلم قارون بكلام بذيء في عرض موسى عليه السل

وقفات مع عمر بن الخطاب

وقفات مع عمر بن الخطاب الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم لهداية الإنسان، فأتى عليه الصلاة والسلام والناس في جاهلية جهلاء، في حين لا تزال بعض أماكننا وبعض مناطقنا اليوم تعيش بعض الصور من تلك الجاهلية التي عاشها الناس قبله صلى الله عليه وسلم، أو عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هداية الناس، فلما أتى صلى الله عليه وسلم قال: {يا أيها الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا} وعاد الناس، واستجاب من أراد الله أن يستجيب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]. وممن استجاب لله: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكلكم يعرف عمر الفاروق خليفة الإسلام، كان قبل الإسلام ليس له إرادة، ولا تفكير، ولا طموح، كان يعيش هكذا، مثل حال كثير من الناس؛ يأكل ويشرب وينام، لا يغضب إذا انتهكت حدود الله، ولا يحزن إذا فاتته صلاة، ولا يتألم إذا سمع شباب الإسلام غرقوا في المعاصي، إنما همه أن يبقى عليه رزقه ومرتبه ووظيفته، فأتى عمر فوضع يده في كف المصطفى صلى الله عليه وسلم وأسلم، لما سمع قوله سبحانه وتعالى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2] ومن يوم أسلم بدأ قلبه حياً مع الله؛ لأن الله يحيي القلوب بعد إماتتها، واستمر في الإسلام، وبعد عشرين سنة أو أكثر تولى خلافة المسلمين، فأصبح خليفة ذهب الدنيا وفضتها تحت يديه، وأصبح هو المسئول الأول، فماذا فعل؟

زهد عمر

زهد عمر كان من أبسط الناس وأزهدهم وأفقرهم، ما كان يشبع من خبز الشعير، يوم الجمعة يصعد المنبر وعليه إزار فيه أربع عشرة رقعة، وبإمكانه لو أراد أن يلبس الذهب والديباج والحرير للبس، فرقي المنبر يوم الجمعة في عام الرمادة؛ عام الجوع والقحط. عام الثامن عشر من الهجرة مرَّ قحط على المسلمين حتى رأوا الدخان يفوح من على الأرض، وحتى أكلوا الميتة، وحتى ما أصبح هناك نبتة خضراء، أكلوا أوراق الشجر حتى تشرمت أشداقهم، فصعد على المنبر وهو يبكي يوم الجمعة، وقال: [[يا رب! لا تعذب أمة محمد بسبب ذنوبي]] ذنوب عمر الزاهد، المجاهد، قائم الليل، صائم النهار، ونحن الآن إذا قلنا: نحن مذنبين قالوا: لا. الحمد لله نحن من أحسن الناس، وما أذنبنا، والله إننا لنصلي ومستقيمين على طاعته ولا نريد شيئاً، ويا ليت الناس مثلنا. عمر يقول على المنبر وهو يبكي: [[اللهم لا تعذب أمة محمد بسبب ذنوبي، يا رب أتهلك أمة محمد بعهدي؟]] ثم يبكي ويبكي الناس ويقول مخاطباً بطنه: [[قرقر أو لا تقرقر والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]].

عمر يتفقد الرعية

عمر يتفقد الرعية ينزل رضي الله عنه وأرضاه في ليلة من الليالي يطوف بعصاه بعد صلاة العشاء، يتفقد المريض والمسكين، والأرملة والجائع، كيف ينام وهناك أنفس لا تنام ولا ترتاح، فسمع بكاءً في بيت، فاقترب من البيت ووضع رأسه على صائر الباب، فسمع امرأة في الطلق -في النفاس- فأخذ يبكي -ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية - فقال مولاه أسلم: مالك يا أمير المؤمنين تبكي؟ فقال عمر: [[إنك لا تعلم يا أسلم بالألم التي تجده هذه المرأة، انطلق بنا يا أسلم إني أخاف أن يسألني الله عن هذه المرأة إن قصرت في حقها، فانطلق إلى بيت المال، وحمل جراباً من شحم ودقيق، وهو خليفة، ودخل البيت واستأذن من المرأة، وصنع لها طعاماً بيده الكريمة -هذه تربية لا إله إلا الله، تربية محمد صلى الله عليه وسلم، الذين غرس في قلوبهم لا إله إلا الله، أهل الجنة قصورهم في الجنة كالربابة البيضاء {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]- فدخل عليها وصنع لها الطعام وقدم لها لتأكل فقالت: والله الذي لا إله إلا هو إنك خير من عمر بن الخطاب، وهو عمر بن الخطاب، ثم خرج فأخذ يبكي فيقول له مولاه: ما لك؟ قال: إني أخاف من الله أن يعذبني بسبب هذه الأمة]].

عمر يسأل الله الشهادة فينالها

عمر يسأل الله الشهادة فينالها عمر رضي الله عنه وأرضاه، لما علم الله أنه صادق، وأنه يريد الله والدار الآخرة فاستجاب له دعاءه في آخر حجة حجها، لما وقف عند الجمرات الثلاث ورفع يديه، وقال: [[اللهم إنه انتشرت رعيتي، ورق عظمي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون، اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتة في بلد رسولك، قال له الصحابة: يا أمير المؤمنين! تريد الموت في سبيل الله في بلد رسول الله؟ -يعني: إن من يريد الشهادة يخرج إلى الثغور- قال: هكذا سألت الله، وأسأل الله أن يلبي لي ما سألت]]. فخرج وعاد إلى المدينة، وفي أول ليلة نامها رأى رؤيا في المنام، رأى أن ديكاً ينقره ثلاث نقرات، فسأل بعض الصحابة ما تأويل الرؤيا، قالت له أسماء بنت عميس إحدى الصحابيات المؤمنات، وكانت تفسر الأحلام وتعبر الرؤيا: يا أمير المؤمنين! أستودعك الله في نفسك الذي لا تضيع ودائعه. كان يصلي بالناس إماماً فلما بلغ قوله سبحانه وتعالى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] انهد باكياً وبكى الناس معه، ولما ركع تقدم له أبو لؤلؤة المجوسي. مولى المغيرة لا جادتك غادية من رحمة الله ما جادت غواديها تقدم بخنجر ذو حدين مسموم، سمه شهراً حتى أصبح الخنجر أزرق من كثرة السم، ثم ضرب عمر أمير المؤمنين، حصن الإسلام، العادل الكبير، الزاهد النحرير، الذي ما عرف إلا قيام الليل والوقوف مع المسكين والفقير والأرملة، ضربه ثلاث طعنات ليهدم ركن الإسلام، فسقط عمر رضي الله عنه وأرضاه، ووقع على وجهه على الأرض وهو يقول: [[حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم]] ثم التفت وقدم أحد المسلمين، فلما صلوا وقد أغمي عليه وأغشي من كثرة الدم قال: من قتلني؟ قالوا: أبو لؤلؤة قال: [[الحمد لله الذي جعل شهادتي على يد رجل ما سجد لله سجدة]] ثم رفعوه على أكتافهم. يقول أنس: [[ظننا أن القيامة قامت يوم أن مات عمر]] ويقول علي: [[والله الذي لا إله إلا هو، لقد كفنت سعادة الإسلام في أكفان عمر]] ووضعوه في البيت، فلما أرادوا أن يضعوا رأسه وهو مطعون، يعالج السكرات، وضعوا له مخدة -وسادة- تحت رأسه، قال: انزعوها من تحت رأسي، ضعوا رأسي على التراب علَّ الله أن يرحمني، فأخذ يمرغ وجهه في التراب ويبكي، فدخل عليه علي رضي الله عنه وأرضاه فقال: [[يا أمير المؤمنين! طوبى لك وهنيئاً لك، والله لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك]] فقال عمر: [[يا ليتني نجوت كفافاً، لا لي ولا عليّ]] يقول: يا ليتني أخرج من الحساب يوم القيامة لا حسنات ولا سيئات سبحان الله! وهم المجاهدون الصادقون الزهاد العباد فماذا فعلنا نحن؟!

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بماذا نلقى الله يوم القيامة، ونحن -والله- قد أسأنا الأدب مع الله كل الإساءة، هل داومنا على الصلوات الخمس في المسجد؟ هل دعونا جيراننا إلى المساجد صباح مساء؟ هل والينا في الله وأبغضنا في الله؟ هل أخذنا على يد الفاجر السفيه الذي يريد أن يردينا في النار؟ ثم إننا نرى الباطل ونؤيد عليه إلا من رحم الله، وأنا أتكلم بهذا لأننا قبائل نعرف المآسي التي يعيشها كثير من القبائل، يرون الباطل ولا يقومون في وجهه، ويرون حدود الله ومحارمه تنتهك ولا يغضبون، ثم ندعو الله أن ينزل علينا القطر، ونقول: نحن نحب الله، ما هي أعمالنا؟ السفيه يؤيد، والفاجر يسدد؛ لا يجد صاحب الحق من يعضده ويقوم معه. يقول سبحانه وتعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79] إي والله لبئس ما كانوا يفعلون، يرون الفاجر ويسكتون، والمعصية ولا يتكلمون، ولا تتمعر وجوههم، أحدهم لو أُخذ شيء من ماله، أو تكُلِّم على ولده، أو على عرضه، أو سب قامت الدنيا وقعدت، وأخذ السلاح وقاتل، لكن أن تنتهك حدود الله فلا يغضب أحد، المساجد تهجر، الأغاني الماجنة تنتشر، الحجاب يترك، والسفور يوضع ويوقع، والمرأة لا تتقي الله عز وجل في البيوت إلا من رحم الله. سبحان الله! الربا يتعامل به، الرشوة موجودة، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الغيبة في المجالس، الاستهزاء والاستهتار بالصالحين، ونقول: الله يرحمنا، ونحن على خير إذا اتقينا الله عز وجل. الله سبحانه وتعالى أرسل جبريل عليه السلام قال: إن أهل تلك القرية عصوني، وتمردوا على حدودي، وأكلوا نعمي، واجترءوا على حرماتي فخذهم، وجبريل له ستمائة جناح، الجناح الواحد يكفي لنقل قرى الجنوب كلها نقلة واحدة، قرى قوم لوط -الأربع كان عددهم ستمائة ألف كما يقول المؤرخون- أرسل الله إليهم جبريل قال: خذهم، فقد عمت فيهم الفاحشة، كانوا يفعلون كل منكر في ناديهم، وعندهم الفجور واللواط والزنا والفحش، والمحارشة والمحاسدة الأيمان والغموس، والتبجح وظلم الناس، والفجور والكذب، فلا تجد أحداً يقول: اتقوا الله، فغضب الله، والله يمهل لكنه إذا غضبت فإنه لا يفلت أحداً كما قيل: إن الله يقول في الحديث القدسي: {إني إذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية، وإذا غضب لعنت وإن لعنتي تبلغ السابع من الولد} نعوذ بالله من لعنة الله، ونعوذ بالله من غضب الله، ونعوذ بالله من قلوب لا تتقي الله، فأرسل جبريل وقال: خذهم -وعند جبريل كما في الصحيح ستمائة جناح- فما استعمل إلا جناحاً واحداً، اقتلع القرى من جذورها بجبالها وأوديتها وأشجارها وأنهارها حتى رفعهم إلى قرب السماء الدنيا، فسمعت ملائكة السماء -كما في الحديث- نباح كلابهم وصياح ديكتهم، ثم لطمهم بالأرض، وما كفى، بل أرسل الله عليهم حجارة من طين كما قال سبحانه: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات:34] كل حجر عليه اسم مجرم تأتي وتقع في رأسه وتخرج من دبره. الله عز وجل غضب على قرية من القرى ما أمرت بالمعروف ولا تناصحت فقال لجبريل: خذهم، فنزل جبريل عليه السلام فمر فوجد مصلياً صائماً يصلي في صومعته، فعاد إلى الله قال: يا رب! هناك عبد يصلي ويذكرك ويسبحك ويدعوك، قال: يا جبريل! به فابدأ قال: يا رب! ولم؟ قال: إنه يرى المنكر ولم يتمعر وجهه غضباً لي. الله عز وجل يغضب من العبد لأنه لا يغضب لمحارمه، نغضب لمحارمنا ولا نغضب لمحارم الله! نغضب لأنفسنا ولا نغضب لله! أي قلوب هذه التي نملكها! فلما فعل بنو إسرائيل ذلك عمهم الله بالعذاب، وقست قلوبهم {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13].

اعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة

اعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة

فرعون لم يعرف الله في الرخاء

فرعون لم يعرف الله في الرخاء فرعون الطاغية الخبيث عليه لعنة الله، وقف يقول لأهل مصر كما قال الله: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] فجعل الله الأنهار تجري من فوق رأسه، أغرقه الله في البحر، فلما أدركه الغرق قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90] ما شاء الله! الآن آمنت وأسلمت، لقد ملأت الدنيا أعمالاً سيئة، ولطخت يديك بالدماء وضحكت على التاريخ، ودستَ القيم، والآن لما أصبحت في هذا المكان الضيق قلت: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90] مثلما يفعل كثير من الناس، تجده وقت الرخاء يتبجح على الله، ويتعدى حدوده، وينتهك حرماته، وكثيراً ما تجد بعض الشباب لا يلقي بالاً للمسجد ولا للقرآن ولا للدعوة ولا للذكر ولا يخاف الله، كلما خطر له شيء ركب رأسه؛ فإذا كسر ظهره وأصبح على السرير الأبيض في المستشفى عاد إلى الله، أين أنت وقت الرخاء. أفي وقت الشدة تعود؟! {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65]. يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله فلما بلغ فرعون هذا الموضع قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] وهذا كذاب، ولو كان صادقاً لآمن وقت الرخاء، قال سبحانه وتعالى: {آلْآنَ} [يونس:91] ما عرفت الله إلا اليوم {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:91 - 92] ولذلك رماه البحر، فأخرج جثته، وما زالت جثته إلى اليوم في أحد المتاحف هناك، فلا تأكله الأرض، ليكون عبرة لكل من ينظر، لكن الذي يحفظ الله في الرخاء يحفظه الله في الشدة، إذا ضاقت عليك الضوائق وأتت عليك المصائب وكنت في الرخاء تذكر الله وتقوم بحدود الله؛ ينجيك الله ويجعل لك مخرجاً. فامسك يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان

يونس عليه السلام عرف الله في الرخاء

يونس عليه السلام عرف الله في الرخاء يونس عليه السلام أحد الأنبياء كان يحفظ الله في الرخاء، كان مصلياً، صائماً للنهار، قائماً لليل، ذاكراً لله، غضب على قومه فخرج منهم وما استأذن الله، والواجب أن يستأذن ربه، لكن قومه عاندوه، يقول لهم: هذا الطريق المستقيم، فيقولون له: لا. فلما ركب السفينة في البحر، أخذت الريح تلعب بالسفينة، فقال ربان السفينة: معنا رجل مذنب ولا يمكن أن تهدأ الريح حتى تنزلوا هذا الرجل من السفينة -حتى قواد السفن والطائرات يعرفون أنه لا يأتي الخلل إلا من ذنوب وخطايا، فقالوا: استهموا -قرعة- فوقعت القرعة في يونس عليه السلام، فأقرعوا ثانية فوقعت فيه، فأقرعوا ثالثة فوقعت فيه، فأخذوه بيديه وبأرجله وأوقعوه في البحر في الليل. سبحان الله! لا قريب ولا أهل ولا زوجة ولا ولد، رموه هكذا في وسط البحر وسط الليل المظلم، وليته بقي على خشبة أو بقي يسبح لكن ابتلعه الحوت، ما وقع في البحر إلا والحوت فاغر فاه فأطبق عليه، فأصبح في ظلمات ثلاث؛ ظلمة الليل وظلمة اليم وظلمة بطن الحوت. فمن يتذكر؟ هل يتصل بأهله، هل يكلم أخاه أو قومه؟ لا. قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] رد إلهامه إلى الله. ونادِ إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا فلما قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قذفه الحوت في الشاطئ، وأنجاه الله الذي يقول للشيء كن فيكون؛ لأنه حفظ الله في الرخاء. يذكر ابن القيم في كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي قصة لرجل من الصالحين كان يصوم النهار ويقوم الليل، والصلاح ليس بكلمة تقال، أو خطبة جمعة يخطبها الإنسان، فإذا خرج فإذا هو من أظلم الناس وأفجرهم، وإذا هو قاطع رحم، أو عاقٌ لوالديه، يفجر، ويحلف اليمين الغموس، وهذا ليس بصلاح، الصلاح عمل وخوف من الحي القيوم. فهذا الرجل الصالح كان يشتغل بالتجارة، وكان كثير الذكر والتلاوة والصيام والعبادة، فخرج ببغلات له يشتغل فيها على التجارة، فمر به مجرم فقال: يا فلان! أوصلني إلى ذلك المكان فقال: اركب معي، فركب معه، فلما أصبحوا في غابة لا يراهم إلا الله، أخرج المجرم خنجراً، وقال لهذا الرجل الصالح: ادفع ما عندك من مال فوالله لأقتلنك. قال الرجل الصالح: أسألك بالله الذي قامت به السماوات والأرض أن تأخذ ما عندي من مال وما عندي من تجارة وتتركني، أنا عندي أبناء وأمهم ولا يعولهم بعد الله إلا أنا. قال: والله الذي لا إله إلا هو لأقتلنك. قال: فأسألك بمن قامت به السماوات والأرض أن تتركني لأصلي ركعتين قال: صلِّ ركعتين واستعجل، فقام فتوضأ وقام ليصلي قال: فلما كبرت نسيت كل آية في القرآن من الخوف والله ما ذكرت إلا قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] من يجيب المضطر إلا الله! من يكشف السوء إلا الله! من يشافي المريض إلا الله! من يجبر الكسير إلا الله! قال: فقلت في نفسي: يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني! يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني! يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني! قال: والله ما انتهيت من الدعاء إلا وفارس أقبل على فرس من آخر الوادي، ومعه رمح فأرسل رمحه فوقع في لبة هذا الرجل فإذا هو مقتول على قفاه. فقال: أسألك بالله من أنت؟ قال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه. لما دعوت الدعوة الأولى كنت في السماء السابعة، ولما دعوت الدعوة الثانية كنت في الرابعة، ولما دعوت الثالثة أتيت إلى الأرض لأقتل هذا المجرم. وهذا من كرامات الأولياء عند أهل السنة والجماعة. نعم من يحفظ الله في الرخاء يحفظه في الشدة. يقول عليه الصلاة والسلام لـ ابن عباس: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}. هذه -يا عباد الله- قضايا لا بد أن تفهم لكل مسلم، إن من لا يحفظ الله لا يحفظه الله.

التوبة وعواقبها الحميدة

التوبة وعواقبها الحميدة ومن القضايا التي أريد أن أذكر بها نفسي وإياكم: قضية التوبة؛ أن نتوب إلى الله ونستغفره ليلاً ونهاراً، فقد أخطأنا كثيراً، وأسأنا وتعدينا كثيراً، وليس لنا إلا التوبة: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] والله سبحانه وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136].

قصة الرجل الذي أوصى أن يحرق بعد موته

قصة الرجل الذي أوصى أن يُحرق بعد موته يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {كان فيمن كان قبلكم رجل أسرف على نفسه في الخطايا، فلما حضرته الوفاة قال لأبنائه: إذا مت فأحرقوني بالنار، ثم اسحقوني ثم ذروني فوالله لو قدر الله عليَّ لعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين -سبحان الله! ظن أنه يفوت على الله- فلما مات أحرقوه بالنار وسحقوه وذروه، وأخذته الريح في كل مكان، فجمعه الذي أنشأه أول مرة، وأحياه سبحانه وتعالى الذي يقول للشيء: كن فيكون، فلما أصبح أمامه رجلاً قال: يا عبدي ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب! خفتك وخشيت ذنوبي قال الله: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة}.

قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا

قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً هذا تائب أقبل على الله عز وجل وتاب فغفر الله له ذنوبه، فأوصيكم ونفسي بالتوبة والاستغفار، ومراجعة الحساب معه سبحانه وتعالى والرجوع إليه. في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: {أن رجلاً قتل تسعة وتسعين نفساً فأتى إلى رجل عابد قال: هل لي من توبة؟ قال: لا. ليس لك توبة} سبحان الله! من يغلق باب التوبة عليك! باب فتحه الله عز وجل كيف يغلقه هذا العبد؟! إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار قال: {ليس لك توبة، فقتله فوفى به المائة، وذهب إلى عالم قال: هل لي من توبة؟ قال: نعم. ومن يغلق عليك باب التوبة، وباب التوبة فتحه الله حتى تطلع الشمس من مغربها، فتاب إلى الله، قال: إني أرشدك أن تخرج من قريتك التي أنت فيها؛ لأنها قرية سوء -بعض القرى سيئة، أهلها ظلمة لا يعينونك على طاعة الله- فخرج من القرية، ولما أصبح في منتصف الطريق مات فنزلت ملائكة العذاب وملائكة الرحمة واختصموا فيه، ملائكة الرحمة يقولون: خرج منيباً إلى الله فجزاؤه أن يدخل الجنة، وملائكة العذاب يقولون: مات وما عمل لله عملاً صالحاً، فجزاؤه النار، فأوحى الله إليهم أن قيسوا ما بين المسافتين، فإن كان أقرب إلى القرية التي خرج إليها فهو من أهل الجنة، وإن كان أقرب من القرية التي خرج منها فهو من أهل النار، فأتوا يقيسون بالأشبار فأوحى الله إلى تلك القرية أن تقربي وإلى تلك القرية أن تباعدي، فكان أقرب إلى تلك القرية الصالحة فكان من أهل الجنة} فيا الله! من لهذا العبد الضعيف المذنب يوم لا يجد راحماً إلا الله، عطاء الله ممنوح، وبابه مفتوح، ونواله يغدو ويروح.

قصة المرأة التي زنت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

قصة المرأة التي زنت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أتت امرأة إليه صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح- فأخبرته أنها زنت، وأنها أسرفت على نفسها، فأشاح صلى الله عليه وسلم بوجهه لا يريد أن تعترف، لأنه يقول: {ادرءوا الحدود بالشبهات} يريد أن يستر على هذه المرأة، فأتته من الجهة الأخرى فاعترفت، فأشاح حتى اعترفت أربع مرات، وهي تطلب أن يطهرها عليه الصلاة والسلام، وهي ثيب، وحد الثيب أن ترجم بالحجارة حتى تموت، لكن قدمت نفسها رخيصة في سبيل الله. فقال لها صلى الله عليه وسلم: {عودي حتى تضعيه} فعادت حتى وضعت ولدها وأتت به في لفائف، فرآه صلى الله عليه وسلم فقال: {عودي حتى ترضعيه} فأرضعته سنتين، ثم جاءت به وفي يده كسرة خبز، جاءت صابرة محتسبة تريد الله والدار الآخرة؛ فأُخذ ولدها ثم أخذوها وذهبوا يرجمونها بالحجارة وهي صابرة محتسبة، فلما رجموها طاش شيء من دمها على أحد الصحابة فسبها فقال عليه الصلاة والسلام وقد سمعه: {والذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها سبعون رجلاً من أهل المدينة لوسعتهم} وفي لفظ: {والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها أهل المدينة لوسعتهم، والذي نفسي بيده إني لأراها تنغمس في أنهار الجنة} هذا هو ربنا التواب الرحيم سبحانه وتعالى.

أخذ العبرة من الموت وما بعده

أخذ العبرة من الموت وما بعده تنبهوا يا رقود إلى متى ذا الجمود فهذه الدار تبلى وما عليها يبيد الخير فيها قليل والشر فيها عتيد والعمر ينقص فيها والسيئات تزيد فاستكثر الزاد فيها إن الطريق بعيد أمامك حفرة مظلمة لكنها للمتقين روضة من رياض الجنة، أمامك قبر تردى فيه الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء والتجار. أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعق نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا صمٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق مر مجدد القرن الأول الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، يوم العيد، وقد كان خليفة المسلمين من طاشقند في الشمال إلى جنوب أفريقيا، ومن مشارق سيبيريا إلى الأندلس إلى شرق نهر السند كلها يملكها رضي الله عنه وأرضاه، فنزل يوم العيد فرأى المقابر؛ فبكى حتى جلس، فقال: [[يا أيتها المقابر! كم فيك من حبيب! كم فيك من قريب! ما كأنهم أكلوا مع من أكل، وما كأنهم شربوا مع من شرب، ما كأنهم ضحكوا مع من ضحك]] ثم قال: [[يا موت! ماذا فعلت بالأحبة؟ ثم بكى وأجاب نفسه بنفسه وقال: أتدرون ما يقول الموت؟ قالوا: لا. قال: يقول: أكلت الحدقتين، وفقأت العينين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، والعضدين عن الكفين، والقدمين عن الساقين، والساقين عن الركبتين]]. إن كنت تريد الخلود -أيها المسلم- والسعادة والرضا فاعمل للجنة: اعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك تربتها والزعفران حشيش نابت فيها أما هذه الدار فمنذ خلقها الله وهي منغصة ليس فيها راحة، إذا ارتحت فيها مات ولدك، وإذا نسيت مصيبته مرض الآخر، وإذا نسيت ألمه مرضت زوجتك، وإذا تشافت مرض جسمك، مكدرة منغصة كتب الله عليها التكدير، فضح الموت الدنيا فلم يدع لذي لب فرحاً. فيا أهل العقول! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأوصيكم أن تقوموا في سبيل الله عزَّ وجلَّ دعاة خير، وأن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر؛ ليرضى الله عنكم ظاهراً وباطناً؛ وليسعدكم في الدنيا والآخرة؛ وليكون الله معكم أينما كنتم وأينما صرتم، أيدوا كلمة الحق وقوموا مع المحق، ولا ترضوا بالباطل وقوموا في وجهه، حينها يرضى الله عنا وعنكم. نسأله سبحانه لنا ولكم التوفيق والهداية، والسداد والرشد. اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق؛ أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين! وإن كان من شكر فإني أشكر الله تعالى ثم أشكركم على حضوركم وإنصاتكم، وأشكر المركز الصيفي بمدرسة اليرموك على دعوته الموقرة، وعلى نشاطه الخير، وعلى بذله في الخير، وأشكر الأساتذة القائمين فيه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حق الجار

حق الجار Q تحصل بين بعض المسلمين خلافات ومشاكل يترتب عليها الجفاء بين الجيران، والقطيعة، وعقوق وأذية للجار، والتكبر وغير ذلك، ويستمر ذلك لسنتين، فما هو توجيهكم نحو هذه الأمور؟ A المشاكل التي يشكو منها الناس، والذنوب والمعاصي والخطايا التي في المجتمع، لا يحصيها إلا الله. تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد كل مسألة ذكرت -أيها الأخ الفاضل- تحتاج إلى محاضرة بل محاضرات ومجلدات وندوات؛ لأننا أصبحنا مثخنين بالجراح من الذنوب والخطايا، قطيعة الرحم، عقوق الوالدين، أذية الجار، السوء إلى المسلمين، انتشار الأغاني الماجنات، المخدرات، التبرج منتشر عند الناس إلا من رحم الله، ضياع الأوقات، تفلت الشباب، ضياع السنة، عدم تدبر القرآن، عدم تذكر الله، الأيمان الغموس، الظلم، الحسد، الحقد، كلها ذنوب وخطايا نشكو حالنا إلى الله. يعني: أصبح مثل المريض الذي في كل جسم منه جرح. ومن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام وأما ما ذكرت؛ فالجار من أعظم ما يتساهل به خاصة في القرى، والمدن أحسن حالاً في الجيران، لأنك غريب مع غرباء فتريد أن تصلح الحال، أما القرى فمن يوم خلقنا الله ونحن نعرف جيراننا يميناً وشمالاً وأماماً وخلفاً، فأصبح بينهم القطيعة إلا من رحم الله، تجد الجار يؤذي جاره لا يأمنه، ومن نكد الحياة أن يكون لك جار سوء. في الحديث: أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! أشكو إليك أذية جاري، قال: ماذا فعل؟ قال: إن غبت ما أمنته وإن حضرت آذاني، وهتك عرضي، وأخذ مالي، وظلمني. قال عليه الصلاة والسلام: اصبر لجارك علَّ الله أن يهديه، فذهب وصبر قليلاً، لكنه ما اهتدى، فعاد يشكو إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: خذ متاعك وزوجتك وأولادك وانزل في سكة من سكك المدينة، فأخذ زوجته وأثاثه على ظهره، ونزل وجلس في السكة، فأصبح الناس يسرحون عليه ويروحون ويغدون فيقولون: ما لك يا فلان؟ قال: آذاني جاري حتى أخرجني قالوا: لعنه الله، فيصبح من مرَّ عليه يقول: ما لك يا فلان؟ قال: آذاني جاري، قالوا: لعنه الله، ويمشي الماشي وقال: ما لك؟ قال: آذاني جاري قال: لعنه الله، فسمع بالخبر جاره، فأتى إليه وقال: أتوب إلى الله، والله لا أوذيك، عد إلى دارك. ولذلك يبلغ الحد ببعض الناس إلى أنه لا يذكر الله عز وجل تماماً ولا يقوم بحق الجار. وقد كان الجاهليون من ضمن ما يتمادحون به حفظ حقوق الجار، حتى يقول عنترة: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها يقول: من كرم نفسي وشهامتي ومروءتي إذا بدت جارتي؛ غضضت طرفي حتى تدخل البيت، وهو ليس عنده كتاب ولا سنة ولا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، بل هو جاهلي وثني. ولذلك وجد في الإسلام من أهل حفظ الجار أناس كثير، أذكر على سبيل المثال: أبو حنيفة، عالم المسلمين، كان من أعبد عباد الله وأزهدهم، كان له جار يؤذيه. كان أبو حنيفة يأتي بعد صلاة العشاء يريد أن يسبح الله، ويصلي ويبكي ويدعو ويقرأ القرآن، لكن هذا الجار عزوبي ليس عنده إلا طبل يضرب عليه ويرقص ويقول: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر فكان أبو حنيفة لا يستطيع أن ينام ولا يستطيع أن يقرأ، ولا أن يصلي، فيصبر ويحتسب، وفي ليلة من الليالي الطويلة ما سمع أبو حنيفة الصوت، انتظر هل يسمع صوتاً، ما سمع الرقص ولا سمع ضرب الطبل ولا سمع الدربكة، فعجب! طرق على باب الدار فما أجابه أحد، سأل الجيران: أين فلان؟ قالوا: أخذته شرطة السلطان، قال: سبحان الله! جاري يأخذونه ولا يخبرونني! ثم ذهب في الليل فركب بغلته ولبس ثيابه، فاستأذن على السلطان وسط الليل. قال الجنود للسلطان: أبو حنيفة إمام الدنيا يريد مقابلتك، فقام السلطان من نومه والتقى به عند الباب يعانقه، قال له: يا أبا حنيفة لماذا ما أرسلت إلينا؟ نحن نأتيك لا أن تأتينا، قال: كيف أخذتم جاري وما أخبرتموني به؟ قالوا: إنه فعل وفعل وفعل، قال: ردوا عليّ جاري، قالوا: لو طلبت الدنيا لأعطيناك الدنيا، فركب جاره معه على البغلة وأخذ جاره يبكي. قال أبو حنيفة: ما لك؟ قال: آذيتك كل هذه الأيام والأعوام والسنوات وما تركتك تنام ولا تصلي ولا تقرأ، ولما فقدتني ليلة أتيت تتشفع فيّ، أشهد الله ثم أشهدك أنني تائب إلى الله. لقد كانوا يدعون الناس بأخلاقهم وبتعاملهم. سكن يهودي بجانب عبد الله بن المبارك أحد العلماء الصالحين، وكان عبد الله بن المبارك إذا اشترى لحماً من السوق بدأ بأولاد الجار اليهودي، نحن لا نقول: نبدأ بأبناء اليهود لكن بأبناء المسلمين، ونحن لا نقول: اأعطوا الناس لحماً واكسوا أبناء الناس، لكن نكف أذانا فقط، نعم. مكانك تحمدي أو تستريحي فـ عبد الله بن المبارك كان إذا اشترى لحماً أعطى أولاد جيرانه، وإذا كساهم كسا أبناء جيرانه، وإذا أخذ فاكهة بدأهم، فأتى أناس من التجار يشترون دار اليهودي فقال: داري ثمنها ألفي درهم، الألف الأولى قيمة الدار وأما الألف الثانية فقيمة الجوار -جوار عبد الله بن المبارك - فسمع عبد الله بن المبارك ذلك وقال: والله لا تبيعها، هذه ألف درهم ثمن جوار عبد الله بن المبارك وابق جاراً لي، ثم قال عبد الله بن المبارك: اللهم اهده إلى الإسلام، فما أصبح في اليوم الثاني إلا وقد أسلم لله رب العالمين. فمسألة الجار لا بد أن ينتبه لها، يقول عليه الصلاة والسلام: {ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه}.

حكم اغتصاب الأراضي وشهادة الزور

حكم اغتصاب الأراضي وشهادة الزور Q ما حكم من يسعى لامتلاك أرض ظلماً، ويسعى بعض معارفه إلى أن يشهد له في هذه الأرض؟ A الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من ظلم من الأرض قيد شبر طوقه الله من سبع أرضين يوم القيامة} واليمين الغموس ما سميت غموساً إلا لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم، ومن اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان، لا يكلمه الله ولا يزكيه ولا ينظر إليه وله عذاب أليم. واقتطاع الأراضي وجد كثيراً باليمين وبالحلف وهو لا يدري أصل هذه الأرض ولا بمستنداتها ولا بصكوكها، وإنما يحلف زوراً وبهتاناً وحمية فقط، وهذا حسابه عند الله عزَّ وجلَّ، يوم يجمع الله الأولين والآخرين، والأرض أرض الله، والمال مال الله، والعباد عباد الله، والله هو الحاكم يوم القيامة الذي يحكم بين الخصمين، لا يتدخل في الحكومة أحد من الناس، فمن فعل ذلك فقد شهد شهادة الزور، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72]. يقول عليه الصلاة والسلام: {ألا أدلكم على أكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً ثم جلس وقال: ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت} أظلم الظلم وأعدى العدوان شهادة الزور، وهي التي تمحق البركة، وبها يطبع على القلوب، ويجفف الله بركة الوديان سبحانه وتعالى، وينزعها من وديانهم ومن أماكنهم، وقد نبه القرآن والعلماء على هذه كثيراً، وكثير منكم يعرف هذا والحمد الله.

نصيحة إلى شاب يريد العودة إلى الله

نصيحة إلى شاب يريد العودة إلى الله Q شاب يريد التوبة والعودة إلى الله سبحانه وتعالى فما نصيحتكم إليه؟ A حياك الله أيها الشاب، والله قد بسط لك يده وفتح لك باب التوبة، وأنت من أحب الناس إلى الله عز وجل فلا يتعاظمك الذنب، فإن الله يقول كما في الحديث القدسي الحسن: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو جئتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} والله عز وجل يقول في الحديث القدسي: {يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم} فهنيئاً لك لمَّا عدت إلى الله، وهنيئاً لك لما أفقت، وهنيئاً لك لما راجعت حسابك مع الله قبل أن يأخذك الله أخذ عزيز مقتدر، فأوصيك: أولاً: بالمحافظة على الصلوات الخمس، وأن تكثر من الدعاء إلى علام الغيوب في أدبار الصلوات، وإذا سجدت أن تدعوه بما دعاه به يونس بن متى عليه الصلاة والسلام، وأن تطرق باب الله ليفتح لك مع المفتوح لهم. ثانياً: أوصيك بكتاب الله أن تتدبره، وأن يكون سميرك وأنيسك وصاحبك وحبيبك، فتقرأ منه يومياً ما فتح الله به عليك. ثالثاً: أن ترافق رفقة صالحة طيبة يريدون الله والدار الآخرة، وأن تبتعد عن رفقة السوء. رابعاً: أن تترك كل المعاصي التي كانت تقربك من غضب الله ومقته وسخطه، كاستماع الأغنية الماجنة، واجعل مكانها الشريط الإسلامي؛ شريط القرآن والمحاضرات والندوات والدروس والعبر والعظات، وكذلك أن تتقي الله في عينك فلا تنظر إلا في الحلال، واعلم أن الله سيحاسبك على جوارحك واحدة واحدة. خامساً: أن تحفظ وقتك مع الله، وأن تقضي الوقت في المطالعة والقراءة وزيارة الصالحين؛ ليرضى الله عنك في الدنيا والآخرة وهذا هو المكسب العظيم. خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريباً فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليباً

حكم الصلاة خلف إمام يشرب الشيشة

حكم الصلاة خلف إمام يشرب الشيشة Q إمام المسجد إمام راتب يشرب الشيشة فهل يصح أن يؤم الناس؟ A إن عينه السلطان -يعني: معين من الأوقاف- وهو إمام راتب فيصلى وراءه وذنبه عليه: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] وحسابه على الله عز وجل. وإن كان هذا الإمام متبرعاً أراد أن يصلي بدون أن يكون هو الإمام الراتب وليس مسئولاً، فلا يقدم على الناس لأنه فاسق، وهو يشرب هذه المحرمات، فهو فاسق عند أهل السنة والجماعة؛ لأن من يتعدى حدود الله عز وجل فهو فاسق، فإن كان متبرعاً فلا يقدم، وإن كان من الأوقاف فيقدم ويصلى وراءه وحسابه على الله. يقول أهل العلم: ابن آدم يأتي من بطن أمه وهو ماسك يديه، قالوا: ذلك علامة لحرصه وجشعه وحسده وحب التملك، وحب التملك فطرة في الإنسان؛ حتى الطفل أول ما يتحرك يبدأ بأخذ الأشياء، يأخذ القلم، يأخذ الساعة، يتشبث، يبكي على اللعب، يبكي على المأكولات والمشروبات وذلك من حب التملك، وكلما شاب الإنسان وكبر سنه كبر حب التملك عنده، حتى تجد الإنسان في عمر الستين كأنه سيعيش مائتين أو ثلاثمائة سنة، لا يتكلم إلا في العمارات والقصور والأبناء، وهذا توظف، وهذا أرسل لي راتبه، وهذا سوف أسكن معه، كأنه يعيش ولا يفكر في القبر إلا من رحم ربك، ومن أكبر الخطايا التي عصي الله بها في الأرض خطيئة حب الدنيا، حتى أن البعض يقول: هابيل قتل قابيل بسبب حب الدنيا والجشع عليها، واعلم أن من استولى عليه حب الدنيا فقد عبدها من دون الله، اتخذها إلهاً يعبد من دون الله عز وجل، قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. تجرد من الدنيا فإنك إنما أتيت إلى الدنيا وأنت مجرد وصلى الله علىمحمد وعلى آله وأصحابه وسلم.

فرصة للاستثمار

فرصة للاستثمار تحمل كلمة الاستثمار في هذه المادة معانٍ عظيمة، ومعانٍ سامية، تختلف تماماً عن تلك المعاني التي يتداولها الناس لهذه الكلمة. إنها تجارة مع الله، ثمرتها جنة عرضها السماوات والأرض، أعدت للمتقين. ومجالات هذه المتاجرة هي: الطهارة، الذكر، الصلاة، الصدقة، الصبر، قراءة القرآن، وغير ذلك من العروض المغرية التي يعرضها الشيخ في حديثه هذا.

حديث: (الطهور شطر الإيمان)

حديث: (الطهور شطر الإيمان) إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أنتم صفوة الناس، ولا يحضر بيوت الله ولا يجلس فيها، ولا يتهيأ لسماع المواعظ، ولا يستفيد من الآيات والأحاديث إلا صفوة الناس، ولا يعرض عن اللغو ويذهب إلى مجالسة الصالحين إلا صفوة الناس، ولا يحب الدين، ولا يسعد بآيات رب العالمين، ولا يتبع سيد المرسلين إلا صفوة الناس. عنوان هذه المحاضرة: (فرصة للاستثمار) والناس استثمروا أموالهم ومناصبهم وسيروا حياتهم في غير مرضات ربهم إلا القليل. باسمك اللهم ثم الحمد لك والتحيات وتسبيح الفلك وصلاة الله للمختار ما سبح القمري وغنى بشرك هذه ألفاظه قد أينعت وقطفناها أخي المسلم لك فارعها سمعك حياك الذي جعل الكون على نهج الحبك أما الحديث: فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها} رواه مسلم، وأحمد، والترمذي، والدارمي، والنسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجة، والبيهقي في كتاب السنن، والطبراني، وابن حبان، وابن مندة في كتاب الإيمان. هذا هو الحديث الذي معنا هذه الليلة، وهو من أشرف أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام. أما عناصره فهي: الطهارة: في الكتاب والسنة، وفضل الوضوء، وطهارة الباطن والظاهر. كلمة شطر ومعناها، هل هي مرادفة للنصف؟ ولماذا يكون الطهور شطر الإيمان؟ ما هو الإيمان عند أهل السنة؟ وما الفرق بين الإسلام والإيمان؟ وهل الإيمان يزيد وينقص؟ الحمد لله ما معناها؟ من هو المحمود؟ ما هو فضل الحمد؟ ما معنى تملأ الميزان؟ ما هو الميزان؟ هل هو محسوس؟ وهل توزن الأعمال فيه؟ ومعتقد أهل السنة والجماعة في الميزان؟ سبحان الله، ما معنى التسبيح؟ تسبيح الكائنات ما هو؟ فضل التسبيح، وتملأ ما بين السموات والأرض كيف تملأ؟ اتساع الميزان أو اتساع السماوات والأرض؟ وما معنى: (عرضها السماوات والأرض) عند أهل العلم، في قوله سبحانه وتعالى: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133]؟ (الصلاة نور) ما هو فضل الصلاة؟ وما هو النور؟ وما علاقة الصلاة بالنور؟ (والصدقة برهان) فضل الصدقة، وما معنى البرهان؟ سر أسرار الصدقة. (الصبر ضياء) ما هي أقسام الصبر؟ ولماذا قال صلى الله عليه وسلم: (الصبر ضياء) وقال: الصلاة نور؟ وما الفرق بين النور والضياء؟ (القرآن حجة لك أو عليك) فضل القرآن، أمة القرآن، المذهب الاستعماري والغزو الفكري في تحطيم مبدأ أمة القرآن. (فبائع نفسه) من الذي اشترى؟ ما هو العقد؟ متى تتم البيعة؟ ما هي السلعة المشتراة؟ آيات الشراء والبيع في القرآن، الصكوك التي وقعها محمد عليه الصلاة والسلام. (معتقها) العتق الحقيقي، الرق الحقيقي، أسباب العتق. (أو موبقها) معنى أوبق عند أهل اللغة، أسباب الهلاك، ما هي موبقات الأعمال؟ فنسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم، وأن يفتح علينا وعليكم، وأن يزيدنا توفيقاً وإياكم. هذا الحديث بدأه عليه الصلاة والسلام بجمله المختصرة النافذة، وبعباراته البليغة التي شحذت الأمة العربية، فعلمتها البلاغة، ومعجزته صلى الله عليه وسلم من المادة التي أجادها العرب، فقد أجادوا الفصاحة، وهم أمة الشعراء والبلغاء، فأتى صلى الله عليه وسلم، فضربها من جنس جماعتها، وأورد سوقها بزها، فأتى عليه الصلاة والسلام فبزها.

معنى: (الطهور شطر الإيمان)

معنى: (الطهور شطر الإيمان) قال صلى الله عليه وسلم: {الطهور شطر الإيمان}. الطهور هو: النقاء والصفاء، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف:82] وقال سبحانه وتعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] قيل دينك طهره من الأدناس، وقيل عرضك، وقيل ثيابك الظاهرة طهرها إذا أردت أن تصلي، واستدل أهل العلم بهذه الآية على وجوب تطهير الثياب، وأنها من شروط الصلاة، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222] وقال سبحانه وتعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج:26]. فالطهر دينه، والطاهر رسوله، والطاهر بيته، والله يحب التوابين ويحب المتطهرين، هذا الطهور، وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الطهور الوضوء، وعند الترمذي: {الوضوء شطر الإيمان} وعند مسلم (الطهور) فرادف بينها صلى الله عليه وسلم، وسمي طهوراً؛ لأنه يطهر الأعضاء، فنصف باطن ونصف ظاهر، فالظاهر يطهر بهذا الطهور، والباطن عمارته بلا إله إلا الله، فتجتمع عند المسلم طهارتان: طهارة في الظاهر، وهي الوضوء والغسل، وطهارة في الباطن، وهي الإيمان الذي غرسه الله في القلوب. أما شطر: فهو عند أهل اللغة نصف، يقال شطر الشيء نصفه، ويقال شطر للقسمين، ولو لم يكونا نصفين كثلث وثلثين، فتقول لهذا الجزء شطر وهذا شطر. إذا مت كان الناس شطرين شامت بموتي ومثن بالذي كنت أفعل هذا هو الشطر، فالرسول عليه الصلاة والسلام جعل الطهور الظاهر شطراً ونصفاً، وجعل ذاك نصفاً، فصلى الله وعليه وسلم ما أبلغه! أما الإيمان -إخوة الإيمان- ففيه ثلاث قضايا: الأول: إذا ذكر الله الإيمان وحده دخل فيه الإسلام {وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:35] وإذا ذكر الإسلام مع الإيمان فالإسلام شيء والإيمان شيء آخر {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14] فلما ذكر الإسلام والإيمان قال أهل العلم: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. وإذا ذكر الله عز وجل الإسلام وحده شمل الإيمان {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] يشمل الإيمان أيضاً، فخذها قاعدة لتفهم. الثاني: الإيمان يزيد وينقص عند أهل العلم، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والمؤمنون متفاوتون في الدرجات، فأعلاهم بعد محمد عليه الصلاة والسلام أبو بكر، ثم يبدأ العد التنازلي حتى يصل إلى من ليس في قلبه إلا مثقال ذرة أو شعيرة أو حبة من خردل، والناس ينجون يوم القيامة على الصراط بحسب إيمانهم، ولا يثبت إلا من زاد إيمانه، ويدخل بعض المؤمنين النار، ثم يخرجهم الله من النار بما في قلوبهم من إيمان، أعاذنا الله وإياكم من النار. وأما الإيمان فإنه درجات، ومن يفعل كبيرة قالوا: يخرج إلى درجة الإسلام، فأعظم الدرجات الإحسان ثم الإيمان ثم الإسلام، فكل محسن مؤمن وكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن ولا كل مؤمن محسن.

معنى: (والحمد لله تملأ الميزان)

معنى: (والحمد لله تملأ الميزان) وقال صلى الله عليه وسلم: {والحمد لله تملأ الميزان}.

معنى الحمد

معنى الحمد الحمد: الثناء العاطر على من يستحق الثناء، ولا يستحق الثناء لذاته إلا الله، ولذلك سبقت معنا في محاضرة أو درس: اللهم اهدني فيمن هديت، الحمد ووصفه. والله حمد نفسه ويحب المدح يقول الأسود بن سريع وهذا عند أحمد في المسند وعند الطبراني قال: {أتيت الرسول عليه الصلاة والسلام فقلت: يا رسول الله! ألا أنشد محامد حمدت فيها الله؟ -يعني: قصيدة نظمتها في الله- قال صلى الله عليه وسلم: أما إن ربك يحب المدح} ولذلك مدح الله نفسه، وأثنى على نفسه بنفسه، فوصف نفسه ونزه نفسه وقدس نفسه، وأثنى على نفسه، فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام:1] وقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [فاطر:1] وقال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180 - 182]. والحمد غير الشكر، فالشكر على صنيع. أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا فإذا قدم لك إنسان جميلاً قلت: شكر الله لك، أما الحمد فهو الثناء، سواءٌ لمن قدم لك جميلاً أولا، والله محمود لثلاثة أسباب: أولاً: ما من نعم ظاهرة ولا باطنة إلا من الله قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53]. ثانياً: محمود لأفعاله، فأفعاله كلها كاملة وممدوحة وطيبة لا عيب فيها. ثالثاً: أن أسماءه وصفاته كلها صفات حمد، فلا ينام، وليس ببخيل، وليس بجبان، ولا يختل صنعه، إنما صفاته كلها صفات حمد، حكيم عليم قدير رحيم تبارك الله رب العالمين.

ما هو الميزان؟

ما هو الميزان؟ أما قوله عليه الصلاة والسلام: {الحمد لله تملأ الميزان} ففيه قضايا: ما هو الميزان؟ قيل: ميزان الأعمال التي تسجل فيه الحسنات في يوم العرض الأكبر، والصحيح عند أهل السنة أنه محسوس خلافاً لعلماء الكلام والمناطقة الذين قالوا: إن هذا الميزان وهمي، وليس ميزاناً محسوساً، وإنما ضربه صلى الله عليه وسلم للناس ليفهموا عنه ذلك، وهذا خطأ، بل الميزان محسوس ينصبه الله يوم القيامة، وله كفتان ولسان كما قال تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} [الأعراف:8] ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] ويقول سبحانه وتعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف:8 - 9] ويقول سبحانه وتعالى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ * فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:1 - 11]. فيضع الله الحسنات في كفة، والسيئات في كفة، وفيه دليل لـ أهل السنة أن الحسنات تصبح مجسمة، فيجسم لك الله حسناتك، وفي الصحيح: أن الله عز وجل يمثل العمل الصالح في القبر على صورة شاب مليح أو رجل حسن الهيئة، ويمثل أعمال المجرم والسيئ بصورة رجل قبيح الهيئة؛ فالله يجسم الأعمال، فتأتي الأعمال في أجسام، كالصدقة والصيام والحج وبر الوالدين وحسن الخلق، فيضعها الله في كفة، ويجسم الله الأعمال السيئة كالكذب والنفاق والغيبة والنميمة والربا والغناء، فيضعها الله في كفة. ومن الذي يحكم على الميزان؟ من الذي ينظر للسان الميزان؟ الله الواحد الأحد {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:17] {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]. وورد أن الله عز وجل بعد نفخة الصعق ينادي: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه ملك مقرب ولا نبي مرسل فيجيب نفسه بنفسه: لله الواحد القهار، وينادي سبحانه وتعالى: {أين ملوك الأرض؟ أين المتجبرون؟ أين المتكبرون؟} ثم هو سبحانه وتعالى ينصب الميزان، وهو الذي يراقب الميزان. وورد عن ابن عمر في حديث صحيح: {أن رجلاً يأتي يوم العرض الأكبر، فيحاسبه الله، فيرى الرجل ويتيقن أنه قد هلك فيقول: خذوه إلى النار، فيأخذونه، فيلتفت الرجل فيقول: يا رب ما ظننت أنك تفعل بي هكذا، فيقول سبحانه وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي! غفرت لك!} وفي حديث ابن عمر الآخر: {أن الله سبحانه وتعالى يدني العبد فيضع عليه كنفه، فيكلمه سبحانه وتعالى سراً بينه وبينه فيقول: فعلت كذا يوم كذا وكذا قال: نعم يا رب! قال: فعلت كذا يوم كذا وكذا، قال: نعم يا رب! قال: فعلت كذا يوم كذا وكذا من المعاصي والكبائر قال: نعم يا رب! قال: فإني سترتها عليك في الدنيا وغفرتها لك اليوم} وصح عنه عليه الصلاة والسلام: أن رجلاً من الأمة يأتي، فيرى أن سيئاته قد رجحت، وأن حسناته قد خف ميزانها فيرى أنه قد هلك، فيقول سبحانه وتعالى: ائتوني ببطاقة عبدي، فيؤتى ببطاقة مكتوب فيها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فتوضع في الكفة فترجح. ولا يرجح مع اسم الله شيء. هذه من المعالم الخالدة في الميزان، ويقول سبحانه وتعالى: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن:1 - 7].

أنواع الميزان

أنواع الميزان قال أهل العلم: الميزان اثنان: ميزان في الدنيا وهو العدل، وهو الميزان الذي يتحاكم به الناس في الدماء والفروج والأموال والأشياء والذوات والمبيعات والمكيلات والموزونات، فالله أقام الدنيا على العدل، وجعل السلطان بالعدل، وأنزل السيف بالعدل. وهناك الميزان الذي لا يحكم فيه إلا الله، ولذلك يقول: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] فلا يحكم إلا هو، ولا يظلم أحداً {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] فالأعمال توزن وتجسم، فعلى العبد أن يعتني ليرجح ميزانه عند من لا يظلم سبحانه وتعالى.

معنى: (سبحان الله)

معنى: (سبحان الله) وأما قوله عليه الصلاة والسلام: {سبحان الله}. فسبحان الله معناها: ننزهك يا رب، فالتسبيح: التنزيه والتقديس له، نسبحه: ننفي النقائص عنه، ولا يستحق المدح إلا الله، فإنه ليس في صفاته عيب ولا ثلم، أما النفي المحض الذي ليس فيه مدح، فليس من منهج أهل السنة؛ لأنه لا يفيد المدح، فإنك لو أتيت إلى البشر -ولله المثل الأعلى- وقلت لأحد ملوك الدنيا: يا من ليس يكنس الشارع! ويا من ليس يبخل! ويا من ليس يكذب! ويا من ليس منافقاً! فلا يعد ذلك مدحاً حتى تقول: يا أجود الناس! ويا أعدل الناس! ويا بركة العصر! فنحن إذا نفينا نفياً محضاً، فلا بد أن نثبت كمال الضد، فنقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، ولذلك قال سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات:180]. فوصف نفسه بالعزة، ونفى ما وصفه الناس مما لا يليق به سبحانه وتعالى، ثم قال: {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات:181] فأثنى عليهم أنهم بلغوا الرسالة، ثم نسب المدح له، فلا يمدح في السراء والضراء إلا هو، تذهب العيون والأسماع والأبصار فنقول: الحمد لله، ويأتي الرسول صلى الله عليه وسلم خبر قتل الصحابة؛ فيأتي متأثراً باكياً نادماً فيه لوعة وأسى فيقول: الحمد لله على كل حال، ويموت طفله بين يديه فيقول: الحمد لله، وتموت بناته ويقول: الحمد لله، فلا يحمد على المكروه إلا الله، ولذلك لما دمر الأمم قال: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45] ولذلك لا يقال للبشر: دمرت بيتي شكر الله لك، ولا ضربت ظهري شكر الله لك، إنما ذلك في حق الله تعالى لا في حق البشر.

إثبات التسبيح لجميع الكائنات

إثبات التسبيح لجميع الكائنات قال: وأما التسبيح، فهل تسبح جميع الكائنات؟ نعم. كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [الإسراء:44] قال الرازي والغزالي: لا تسبح الكائنات بلسان المقال، وهؤلاء أشاعرة بل هم أساتذة الأشاعرة، ولكن ليس عندهم علم الحديث، وليسوا بصيارفة في بضاعة النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك ضلوا في بعض المسائل، مع أنهم أذكياء. فقد كان فخر الدين الرازي ذكي الدنيا، وهو صاحب التفسير الذي لا يستطيع حمارٌ أن يحمله، يقولون: في تفسيره كل شيء إلا التفسير، وفيه خير كثير. وأنا أستطرد في الحديث عنه قليلاً، كان واعظ الدنيا، إذا وعظ أبكى الملوك، كان يغمى على الملوك في مجلسه من الوعظ، ويرشون بالماء، وجلس مرة بعد صلاة الفجر يدرس في الشمال في خراسان، وكان الجو قارساً بارداً، فتجمدت حمامة من البرد ووقعت عليه، فقال أحد الشعراء: كذب امرؤ بـ أبي علي قاسه هيهات يبلغ مستواه 1001914>أبو علي ثم انتقل إليه في قصيدة أخرى وقال: جاءت سليمان الزمان حمامة تسعى إليه بقلب صب واجف من أخبر الورقاء أن مكانكم حرم وأنك ملجأ للخائف وكانت من ألطف الأبيات، فيقول الرازي: الكائنات لا تسبح بألسنتها، فالحمام لا يسبح، والشجر لا يسبح بلسانه، والحجر لا يقول: سبحان الله، والمروحة عنده لا تقول: سبحان الله، إنما تسبح بلسان الحال، أي: أنها تشهد شهوداً ظاهراً أنَّ الخالق الله، ولذلك قيل للرسول عليه الصلاة والسلام: اقرأ وهو في الغار، فأين يقرأ؟ قال: في كتاب الكون. إيليا أبو ماضي شاعر لبناني مسيحي مجرم، لكن شعره جميل، وله ديوان الجداول والخمائل، يقول: وكتابي الفضاء أقرأ فيه سوراً ما قرأتها في كتاب فالكون كتاب الوحدانية، نقرأ في التل والرابية والهضبة، ونقرأ في الحمامة وفي الوردة وفي الزهرة وفي أشياء تدلك على الله. وقال أهل العلم: نثبت التسبيح لها، ولعل لها لغة لا نفهمها نحن، تسبح بها، والله يعلم سبحانه وتعالى وأنتم لا تعلمون. سخروف هذا العالم الروسي الذي نفي أيام برجنيف إلى سيبيريا أثبت أن للنبات ذبذبات، كان بعض علماء السلف يقول: النباتات تسبح، فأتى العلم الحديث يقول: النبات يطلق ذبذبات من الصوت لا يفهمها إلا النبات الآخر، فسبحان من خلق، فالعلم الآن يدعو إلى الإيمان، وكلما ارتقى العلم أثبت وجود الواحد الأحد، ولذلك العالم اليوم أحسن منه في الإيمان قبل سنة، وبعد سنة قد يكون أحسن مما هو عليه اليوم، والإسلام يزحف على العالم ليدخل الناس في دين الله أفواجاً.

فضل التسبيح

فضل التسبيح أما فضل التسبيح: فيقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {من قال: سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت كزبد البحر} وعند الترمذي بسند حسن: من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة} وقال أبو ذر فيما صح عنه: {يا رسول الله أي الكلمات أحسن؟ قال: {ما اصطفى الله لعباده، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم} وكان يقول عليه الصلاة والسلام وهذا آخر حديث في صحيح البخاري ختم به صحيحه، وروى هذا الحديث أيضاً مسلم، ورواه أيضاً أحمد، والترمذي، وابن ماجة، والنسائي، وصححه ابن حبان، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم} وهذه الكلمة من ألطف الكلمات، وهي من أسهل الكلمات. قال ابن الجوزي في صيد الخاطر كلاماً ما معناه يقول: عجباً لك إذا علمت أن كل كلمة بغرسة في الجنة وبنخلة، فكم يضيع عليك من النخلات؟! بعض الناس يتحدث ساعتين بالهرج والضياع والهراء والبغاء والفحش، وإذا طلبت منه أن يسبح قال: ساعة لربك وساعة لقلبك، والدين يسر، وليست الطاعة كل يوم. وعند الترمذي: {أنه صلى الله عليه وسلم مر بإبراهيم الخليل -شيخ التوحيد- فقال: من؟ قال: محمد. قال: نعم. قال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح} ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يفتخر بالنسب إلى إبراهيم ويغتبط ويسر ويقول للناس: {أما عيسى بن مريم فأشبه الناس به عروة بن مسعود الثقفي، وأما موسى فرجل آدم كأنه من رجال شنوءة، وأما إبراهيم فأشبه الناس به صاحبكم} يعني: نفسه صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:68] فالرسول صلى الله عليه وسلم أشبه الناس به، فقال إبراهيم عليه السلام: {أقرئ أمتك مني السلام} عليه الصلاة والسلام، يقول: بلغهم السلام، وكان إبراهيم في السماء السابعة، رفعه الله عز وجل؛ لأنه شيخ التوحيد، ثم موسى في السادسة، وهارون في الخامسة، وإدريس في الرابعة وهكذا، فقال: {بلغ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر} وفي سند هذا الحديث نظر، وهو في فضائل الأعمال، يقول عليه الصلاة والسلام عند مسلم: {لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس -وفي لفظ آخر أو غربت-} والتسبيح يستخدم للتعجب، يأتيك خبر يفحؤك، فتقول: سبحان الله! {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16] وعندما ترى خلق الله في الكون تقول: سبحان الباري! ويأتي للتوجع يأتيك خبر فتقول: سبحان الله! ويأتي للإنكار فتقول: سبحان الله!

تسبيح الهروي في قصته مع السلطان ابن سبكتكين

تسبيح الهروي في قصته مع السلطان ابن سبكتكين كان أبو إسماعيل الهروي محمد بن عبد الله الأنصاري صاحب منازل السائرين من أشجع الناس، عالم خراساني يسمى شيخ الإسلام، هذا يتحدى السلاطين تحدياً سافراً، لا يقف له أحد، وكان من أكبر الأولياء لله عز وجل، وكان شاعراً بديعاً يقول لـ نظام الملك؛ السلطان العظيم الذي بنى مدارس العالم الإسلامي، وكان من السادات الكبار، دخل عليه أبو إسماعيل الهروي فقال: بسيفك أدرك المظلوم ثاره ومن جدواك شاد الملك داره وقبل هنئ الوزراء حتى نهضت بها تهنأت الوزاره أراد الحسدة في خراسان أن يشكوه للسلطان ويقولون: إنه مشرك، وهو الذي يعلم الناس التوحيد؛ لعل السلطان أن يعزله أو يقتله أو يحبسه، فماذا فعلوا؟ أتوا بصنم على صورة إنسان نحتوه من ذهب ثم دخلوا مسجد أبي إسماعيل، ووضعوا الصنم تحت السجادة، وذهبوا إلى السلطان والسلطان محمود بن سبكتكين أحد السلاطين الكبار، فقالوا: أبو إسماعيل الهروي يعبد الأصنام، قال: عجيب! قالوا: نعم. تحت سجادته صنم من ذهب يسجد عليه، قال للجنود: اذهبوا إلى السجادة وائتوني بالصنم، فذهبوا فوجدوا الصنم تحت السجادة، وأتوا بـ أبي إسماعيل فأدخلوه وهو لا يدري ما القصة، فأخرج له الملك الصنم فقال: ما هذا يا أبا إسماعيل؟ قال: هذا صنم، قال: ما حكم عبادة الصنم؟ قال: ملعون من يعبد الأصنام، قال: وأنت تعبد الصنم؟ قال: سبحانك هذا بهتان عظيم! قال: فكاد قلب محمود أن ينخلع، فقال محمود: كذبتم وصدق، ثم جلدهم من مائة جلدة وأخرجهم. هذا أبو إسماعيل الهروي يقول: عرضوا رأسي للسيف خمس مرات، والله ما طلبوا مني أن أعود عن مذهبي، لكن طلبوا مني ألا أسب المذاهب فما وافقت، ما وافق لأنه يحب لا إله إلا الله، كان ابن تيمية يحبه ويقول: عمله خير من علمه؛ لأنه أحياناً في منازل السائرين يأتي بالفناء والشهود وكلمات الصوفية، لكن إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث. وله قصص عجيبة في هذا الباب: أتوا بأحد تلاميذه ليقتله السلطان ظلماً؛ لأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فلما قدموه للخشبة ليشنقوه فقيل له: قل: لا إله إلا الله، قال تلميذه: يقول لي شيخي أبو إسماعيل الأنصاري: لا تعلف الدابة في أسفل العقبة، أي أن لا إله إلا الله لا تنفع إلا عند المشنقة، قل لا إله إلا الله من قبل، ولا يترك الإنسان نفسه ولا يذكرها إلا إذا أتاه الموت أو أصبح على السرير الأبيض في وقت المرض، فالدابة إذا أردت أن تصعد من تهامة، وأردت أن تقويها، فلا ينفع أن تأتي في الصباح تعلفها الشعير حتى تسمن، بل اعلفها من قبل بمدة كافية، وهذا معنى كلامه، وهي من أبدع الكلمات.

شرح قوله: (والصدقة برهان)

شرح قوله: (والصدقة برهان) أما قوله عليه الصلاة والسلام: {والصدقة برهان}. فالبرهان هذا هو الشعاع الذي يلي الشمس، والشمس تسمى عند العرب: ذُكاء، ويسمى شعاعها: إِيَاك، وتسمى الشمس أيضا: الغزالة، يقول الشاعر: غزالة أنت فجر الناس طراً وأنت الحاكم البطل المريع يمدح الخليفة، فغضب الخليفة لأنه لا يعرف العربية الفصحى قال: اسحبوا ابن الفاعلة يدعيني أنا غزالة، قال: الغزالة هي الشمس لكنه لم يفهم، ولذلك قالوا: لا بد أن تخاطب الناس بقدر عقولهم، فالشاعر بليغ، وهذا لا يفهم شيئاً في اللغة العربية، وشعاعها يسمونه إِيَاك ولذلك يقول أبو عبيد: لا يقرأ إِيَاك في الصلاة، إذا قرأت الفاتحة وقلت: إِيَاك نعبد وإِيَاك نستعين بطلت صلاتك؛ لأن إِيَاك تعني: شعاع الشمس، يعني: الشمس نعبد والشمس نستعين، فلا بد أن تشدد فتقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وتسمى: ذكاء. ومن اللطائف والاستطراد ما جاء في الصحيح: أن الله رد الشمس ليوشع أحد الأنبياء، فقاتل الكفار، وبقي على الانتصار قليل، وكادت الشمس تغرب، قال: اللهم ردها لي، فردها الله. والشيعة يقولون: رد الله الشمس لـ علي بن أبي طالب لما نام عن صلاة العصر، وهذا كذب، وذكره البغوي والطحاوي وبعضهم، ورده ابن تيمية وأتى أبو تمام به في قصيدة له فقال: فردت علينا الشمس والليل جاثم وشمس بدت في جانب الخدر تلمع نضا ضوءها صبغ الدجنة وانطوى بطلعتها نور السماء المرجع فوالله ما أدري علي بدا لنا فردت لنا أم كان في القوم يوشع وهذا خطأ فما ردت لـ علي رضي الله عنه. فمن معاني البرهان الشعاع، ومن معانيه الحجة القاطعة وقد قال تعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111] وإنما سمي برهاناً؛ لأنه واضح مثل شعاع الشمس، ولأنه صادع، ولأن الناس يرونه.

فضل الصدقة

فضل الصدقة قال صلى الله عليه وسلم: {والصدقة برهان}. أما الصدقة فلا تسأل عن حكمها، والصدقة إذا أطلقت في الكتاب والسنة فيقصد بها الزكاة المفروضة والنافلة، فقوله صلى الله عليه وسلم: {فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم} وقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:60] يعني: الزكاة، فهي تشمل هذا وهذا والحمد لله. وأما فضل الصدقة: فهي مكفرة للخطايا، وهي توسع صدر العبد، وعدها ابن القيم في زاد المعاد من أسباب شرح الصدر، وكذلك وصف صلى الله عليه وسلم رجلين كريماً وبخيلاً، برجلين عليهما جبتان، فلا يزال الكريم ينفق فتتسع الجبة ولا يزال البخيل يمسك فتضيق عنه، فيقول أبو هريرة: فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع} يعني الجبة من ضيقها، ولذلك نفوس البخلاء من أضيق النفوس؛ لأنهم ما بذلوا، ونفوس الكرماء من أشجع النفوس ويقولون: في الغالب تجتمع للكريم الشجاعة، وللشجاع الكرم، وغالباً يجتمع في البخيل الجبن وفي الجبان البخل، فتجد الشجاع دائماً كريماً؛ لأنه يجود بنفسه صباح مساء، يقول بعضهم: يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود وهذا في كرم النفوس، فيقول صلى الله عليه وسلم: {والصدقة برهان} دليل على صدق صاحبها في الإيمان، والمنافق لا يتصدق، وأبخل الناس في الأموال المنافق، فإنه يكدس الدنيا ولا ينفق أبداً؛ لأنه لا يؤمن بموعود الله، فهو ليس حريصاً على قيام الليل؛ لأن أخبار لقاء الله عز وجل وأخبار الكتاب والسنة ليست موثوقة عنده، وكذلك لا يتصدق لأنه يقول: عصفور في اليد ولا عشرة فوق الشجرة، ويقول: خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل ويقول سبحانه وتعالى: {وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء:37] لذلك تجد المنافق يقول: أمسك مالك، ودع الإسراف والتبذير، ولا تضيف هؤلاء الضيعة من الناس، ولو افتقرت لما ضيفك منهم أحد، ولا ينفعك إلا مالك، وادخر درهمك الأبيض ليومك الأسود!! ويأتيك بهذه المقالات، ومن أحسن من كتب في هذا الجاحظ في كتاب البخلاء فقد أتى بالبدائع في بخل بعض الناس، حتى إن أحدهم يلقي محاضرة إذا قدم الطعام، منهم أحد البخلاء قدم تيساً محنوذاً، والتيس معروف، فأتى هذا الضيف يأكل منه، فقال له البخيل: يظهر أن أمه نطحتك، كأنه أخذ يلعب بالتيس لعباً، وكأنه يقطع من كبد المضيف، فقال له الضيف: وكأن أمه أرضعتك، يعني: لماذا تحن عليه؟ هل بينك وبينه نسب؟! الحمد لله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وذكر من قصصهم كثير وكثير ولولا أن الوقت لا يسمح لأوردت بعض القصص من أخبارهم والله المستعان.

أسرار الصدقة وكرماء العرب

أسرار الصدقة وكرماء العرب أما أسرار الصدقة، فقالوا: تشرح الصدر، وتكفر الخطايا، والصدقة في السر تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وتحبب الخلق إلى الإنسان. أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ وهو من أجود ما يكون، وكرماء العرب اختلف فيهم، وأكرم الناس منذ أن خلق الله الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي في القائمة بعده أبو بكر الصديق الذي دفع ماله في سبيل الله، وما دفعه ليشكر في الدنيا، وإنما يبتغي به وجه الله، وأثنى عليه ربنا في كتابه فقال: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:18 - 21] من أجل أن يرضى يوم العرض الأكبر وسوف يرضيه الله تبارك وتعالى. وأما بعض الكرماء فإنهم ينفقونها رياءً وسمعة وطلباً للمحمدة، ويعطيهم الله المحامد مثل حاتم الطائي، لا يخلو مجلس من ذكر حاتم، لكن ليس له في الدنيا إلا الذكر وليس له في الآخرة من خلاق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح ابن حبان لـ عدي بن حاتم: {إن أباك طلب شيئاً فأصابه} طلب الذكر فأصابه، وكان حاتم هذا كريماً من فطرته. وكان صلى الله عليه وسلم يستعرض الأسارى، فقامت امرأة متحجبة -بنت حاتم الطائي - فقالت: {يا رسول الله! إن أبي كان يقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، ويحمل الكل، ويعين الملهوف، أنا بنت حاتم الطائي، قال صلى الله عليه وسلم: خلوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه}. يقولون: كان حاتم وهو طفل يرضع من ثدي أمه، فأتت أمه بطفل آخر يرضع معه على الثدي الآخر، قالوا: فإذا رفع ذلك الطفل رأسه رفع حاتم رأسه، فإذا رضع رضع، هذا من ضمن ما ذكروا عنه، وأتاه أضيافه فما وجد قرى فنحر فرسه، إلى غير ذلك من الأخبار. أرسله أبوه يرعى الإبل في البادية، فمر ضيوف فقال: من أنتم؟ قالوا: هل تضيفنا في هذه البادية فلم يضيفنا أحد؟ قال: هذه ضيافتكم وأعطاهم الإبل. وكان حاتم نحيفاً؛ لأنه ما كان يأكل الطعام، كان إذا أتى الطعام دعا الناس جميعاً فأكلوا الطعام وبقي هو جائعاً، فقال أبياتاً من الشعر نسبت له ولـ عروة بن الورد: أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى بوجهي شحوب الحق والحق جاهد أوزع جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قراح الماء والماء بارد وإني امرؤ أعافي إنائي شركة وأنت امرؤ عافي إنائك واحد حتى ضرب به المثل، فقال الفرزدق: على ظمأ لو أن في القوم حاتماً على جوده ضنت به نفس حاتم فالله المستعان! وأما ابنه عدي فسيد من السادات، وهذا ليس من بحثنا في شيء.

شرح قول: (والصبر ضياء)

شرح قول: (والصبر ضياء) قال صلى الله عليه وسلم في الصبر: {والصبر ضياء}. لماذا قال: (ضياء) ولم يقل نوراً؟ الضياء: نور فيه حرارة، والنور: نور بلا حرارة، شعاع بلا حرارة، اسمع إلى كلام الله سبحانه وتعالى كيف فرق بين الشمس والقمر في الإضاءة، اسمع بلاغة القرآن قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً} [يونس:5] فالشمس ترسل شعاعاً بحرارة، والقمر يرسل شعاعاً بلا حرارة، فقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً} [يونس:5] لذلك لا يقال: ضياء القمر، وإنما يقال نور القمر، ولا يقال: نور الشمس، وإنما يقال ضياء الشمس. وقال بعضهم: وأما شريعة موسى فوصفها الله بأنها ضياء ووصف شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها نور، فشريعة محمد صلى الله عليه وسلم مثل القمر، وشريعة موسى أشبه شيء بالشمس، فما هو السر؟ انظر إليه سبحانه وتعالى يقول عن القرآن: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء:48] وقال عن التوراة: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ} [المائدة:44] ففيها نسبة من النور لكن هناك ضياء، أما شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول سبحانه: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة:15] وقال سبحانه: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} [الأعراف:157]. قال أهل العلم: شريعة موسى فيها آصار وأغلال؛ فسماها الله ضياء؛ لأن فيها تكاليف تحرق، وأما شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنها يسر، قال تعالى: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8] وقال: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2] فكانت ميسرة، فشريعته صلى الله عليه وسلم حنيفية سمحة، وشريعة موسى شديدة، كان اليهودي إذا أذنب يكتب على جبينه الذنب، إذا شرب الخمر في الليل خرج في الصباح مكتوب على جبينه شرب الخمر، وكان إذا أصاب البول بشرة أحدهم قطع البشرة، أما نحن فشريعتنا سمحة قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] وهناك رخص تناسب الإنسان وطموحه وأشواقه وآماله، فالمريض له رخصة، والمسافر له رخصة، وكذلك الحائض، والنفساء، والصغير، والنائم، والمجنون كل له أحكام، ولله الحمد والشكر. قال: الصبر ضياء؛ لأن الصبر فيه مشقة.

نماذج من الصابرين

نماذج من الصابرين وبالصبر يدرك الإنسان كل خير، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {واعلم أن النصر مع الصبر} ولا ينتصر الإنسان على نفسه وعدوه إلا بالصبر. لم يكن عنترة بن شداد الجاهلي الشجاع مسلماً، لكن كان يحطم الرءوس بسيفه، وكان من أشجع العرب، قال له أحد الناس: يا عنترة! جسمي أكبر من جسمك، فكيف تغلب الرجال ولا نغلبهم نحن، قال عنترة: أعطني إصبعك وأعطيك إصبعي، فأعطاه إصبعه وأخذ هو إصبع ذاك، فقال: عض إصبعي وأعض إصبعك، ليدلل له أن المسألة مسألة هل يصبر أم لا، فعض عنترة وعض ذلك، فما لبث ذاك أن قال: آه فانطلقت إصبع عنترة فقال: بهذا غلبت الرجال. أقسمت أن أوردها حرة وقاحة تحت غلام وقاح إما فتى نال المنى فاشتفى أو فارس زار الردى فاستراح إذا سألت الله في كل ما أملته نلت المنى والفلاح بهمةٍ تخرج ماء الصفا وعزمة ما شابها قول آح فإذا قال الإنسان: آح، فهذا يعني أنه ما صبر، وكانت العرب تكره للإنسان إذا ضرب بالسيف أن يقول: حس؛ لأن هذا من أصوات ضرب السيف يقال للفرس: صه، يعني: انهض، والعربي الشجاع إذا ضرب بالسيف يكظم أنفاسه، ولا يقول شيئاً. وهذا خبيب بن عدي لما صلب في مكة، ما قال حرفاً، وإنما أنشد قبل أن يتوفى بدقائق فقال: فلست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلوٍ ممزع وحبيب بن زيد أحد الصحابة مزق جسمه مسيلمة الكذاب، فأخذ يقطع منه قطعة وقطعة وقطعة قالوا: فضم أسنانه بعضها على بعض، وما تلفظ بحرف، فهذا من أعظم الناس.

أقسام الصبر

أقسام الصبر الصبر على ثلاثة أقسام: صبر على أقدار الله المؤلمة. وصبر على أداء الطاعات. وصبر على اجتناب المعاصي. وأعظمها الصبر على أداء الطاعات وهو: أن تصبر على أداء الصلوات في أوقاتها، وعلى الوضوء، وقيام الليل، والصدقة، والصيام في الحر، والحج، وعلى تكاليف العبادة إن كان فيها تكاليف، فهذا صبر على الطاعات. والصبر على الأقدار المؤلمة، أن تصبر على موت الطفلة، وموت الوالدة، والحبيب، أو على فقد بصرك، أو سمعك، أو البلاء في جسمك، أو أخذ مالك، أو ضرب جسمك، أو حبسك، فكل هذا من الصبر. والصبر عن المعاصي أن تصبر على اجتناب الفواحش والمنهيات. فهذه أقسام الصبر الثلاثة، وأسعدها وأحسنها الصبر الأول، وقد ابتلى الله عز وجل الخليقة بهذه الأصناف، فبعضهم يصبر على الطاعات ولا يصبر عن المعاصي، بعض الناس يقوم الليل من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، ولكن إذا عرضت له فتاة، لا يصبر؛ بل ينظر، وبعضهم يسمع الغناء، وهذا أخطأ في هذا الجانب، وأصاب في الآخر، وبعضهم يصبر عن المعاصي، ولا يصبر على الطاعة، فتجده لا يسمع محرماً، ولا يعصي الله عز وجل؛ لكنه من أسوأ ما يكون إذا قام للصلاة، وبعضهم يصبر على هذا ولا يصبر على الأقدار المؤلمة، فإذا أتاه جراح، أو ماتت بنته أقام الدنيا وأقعدها، وبقي يبكي سنة، ويتسخط على القضاء والقدر. ويذكر أن أحد العوام من الناس الجهلاء بالشرع كانت له طفلة، وقد وكان عقيماً، ثم رزقه الله هذه الفتاة، وجاره عنده تسع بنات، فمرضت هذه البنت، وأشرفت على الوفاة، فأخذ يجلس عند الرصيف، ويقول: يا رب! هذه بنت، وفلان عنده تسع وتأخذها، سبحان الله! قالوا: فتوفيت ابنته فخرج -نسأل الله العافية- غاضباً ينظر إلى السماء، ويقول: أما على الضعفاء مثلي وأمثالي فتستطيع، وأما صاحب التسع فما تستطيع!! ومثل ذلك القصائد التي مرت في الاعتراض على القضاء والقدر فلله الحمد، فله القضاء المطلق، ولا بد من الصبر، وأسعد الناس من إذا أذنب استغفر، وإذا أنعم عليه شكر، وإذا ابتلي صبر، هذه منازل الربانيين الموحدين المحمديين صبر في البلاء، وشكر في الرخاء، واستغفار عند الذنب، وهذه في القرآن جميعاً، فأنت إذا فتحت الأبواب الثلاثة، وأعطيت كل باب منزلته، أسعدك الله في الدنيا والآخرة.

القرآن حجة لك أو عليك

القرآن حجة لك أو عليك وأما قوله عليه الصلاة والسلام: {القرآن حجة لك أو عليك} هذا القرآن لا يقوم على الإنسان إلا بزيادة أو نقص، ليس كتاب ثقافة ولا مطالعة؛ لأن كتاب المطالعة إن قرأت فيه أو لم تقرأ أو تدبرت أو لم تتدبر فأنت أنت، أما القرآن وحده فإنك إذا قرأته متدبراً؛ زادك الله بصيرة، وإلا زادك خسراناً والعياذ بالله، قال سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} [الإسراء:82] قال بعض السلف: ما جالس أحد القرآن، فقام عنه سالماً، بل إما أن يربح أو أن يخسر، ثم تلا هذه الآية. أما قوله صلى الله عليه وسلم: {حجة لك} فإن من عمل بالقرآن دافع عنه القرآن يوم القيامة، وعند الحاكم في المستدرك: {يأتي القرآن والصيام يوم القيامة، فيقول الصيام: يا رب! منعته طعامه بالنهار، ويقول القرآن: يا رب! منعته نومه بالليل، فيستشفعان فيه، فَيَشْفَعَانِ فيه} ولا يزال القرآن يحاج عن العبد يوم القيامة ويقول: يا ربِّ أسهرته، يا ربِّ عمل بي، يا رب ترك نواهيه؛ حتى يدخله الجنة، وفي أحاديث صحيحة: وصف الرسول صلى الله عليه وسلم (سورة تبارك) أنها المنجية، أنجت صاحبها من عذاب القبر، ثلاثون آية حاجت عن صاحبها حتى منعته عذاب القبر؛ لأن ملائكة العذاب أتت إلى رجل في القبر، فأرادوا أن يدخلوا إليه، واقتربوا من وجهه، فأتت (تبارك) دون وجهه، ثم أتت إلى أقدامه فمنعته، وإلى جنبه فمنعته، فحاجت عنه، والمراد من قام بها وعمل بمقتضاها. وأنا أرشدكم إلى كثرة قراءة سورة الملك {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1] وأن تكرروها، ولو في اليوم والليلة مرة، وأن تسعدوا بقراءتها وأن تحفظوها أبناءكم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: {أو عليك}. فإنه يأتي لمن أبطل تعاليمه وأبطل مراسيمه، فهو يحجه ويدمغه ويكذبه، ويقول: يا ربِّ قرأني ولم يعمل بي وخالف أوامري، قرأ: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] وهو يظلم، وقرأ {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [البقرة:27] وهو يقطع، وفي القرآن لعنة المنافقين وهو ينافق، وتحريم الربا وهو يرابي، وتحريم الزنا وهو يزني، وتحريم الغناء وهو يسمع الغناء، فهذا محجوج يوم القيامة. فالقرآن أمام رجلين: إما أن يأخذ الرجل فيقوده حتى يدخله الجنة، وإما أن يأخذ الرجل من قفاه حتى يزج به في النار، ولا يترك القرآن العبد أبداً، هذا القرآن حجة لك أو عليك، فعلى الإنسان أن يستعرض حياته ومنهجه ونفسه على ضوء القرآن الكريم الذي نزل على سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يمثل القرآن يوم القيامة رجلاً، فيؤتى بالرجل قد حمله، فخالف أمره، فيتمثل خصماً، فيقول له: يا ربِّ حملته إياي فشر حامل، تعدى حدودي، وضيع فرائضي، وركب معصيتي، وترك طاعتي، فما يزال يقذف عليه بالحجج حتى يقال: شأنك به، فيأخذ بيده، فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار، ويؤتى بالرجل الصالح كان قد حمله وحفظ أمره، فيتمثل خصماً دونه، فيقول: يا ربِّ حملته إياي فخير حامل، حفظ حدودي، وعمل بفرائضي، واجتنب معصيتي، واتبع طاعتي، فما يزال يقذف له بالحجج حتى يقال: شأنك به، فيأخذه بيده، فما يرسله حتى يلبسه حلة الإستبرق، ويعقد عليه تاج الملك، ويسقيه كأس الخمر} كأس الخمر الذي في الجنة، رواه ابن أبي شيبة وابن الظريف في فضائل القرآن، والخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل، وفيه محمد بن إسحاق وقد عنعن وهو مدلس، وقد رواه أيضاً البزار، وذكره الهيثمي في المجمع وقال: فيه ابن إسحاق وهو ثقة، ولكنه مدلس وبقية رجاله ثقات. قال ابن مسعود رضي الله عنه: [[القرآن شافع مشفع، وحامل مصدق، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار]] وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} وهذا عند مسلم: {وتأتي سورتا البقرة وآل عمران كغمامتين أو كفرقان من طير صواف تظلان صاحبهما يوم القيامة} وصح عنه أيضاً أنه: {يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها} فيقرأ الذي كان يقرأ في الدنيا ويعمل حتى يقف إلى مستوى حفظه في الدنيا، فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على حفظه، والعمل به وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار.

كل الناس يغدو

كل الناس يغدو وأما قوله عليه الصلاة والسلام: {كل الناس يغدو}. فالغدو هو الذهاب -عند أهل اللغة- في أول النهار، قال النابغة الذبياني: زعم البوارح أنَّ رحلتنا غداً وبذاك خبرنا الغراب الأسود يتشاءم بالغراب، والعرب يتشاءمون بالغربان. يقول: الأسود أخبرنا بأننا سوف نسافر غداً، والشاهد هنا غداً، ولكن قد تستخدم في غير غدو الصباح، مثل ذهب ورجع فيقال: غدا وراح. فقوله: يغدو أي: يذهب، فمعناه يذهب في تجارته وفي كسبه وفي عمله، فهو على أحد رجلين: إما مرضياً عنه، وإما مغضوباً عليه، والناس على ذلك: الأستاذ والموظف والجندي والمسئول والكبير والصغير والتاجر والفلاح والطبيب والمهندس والمؤذن، كلهم يغدو في الصباح، يركب سيارته إلى عمله، فهو أحد صنفين إما ذاهب في غضب الله حتى يعود، أو في رضا الله حتى يعود. وأنا أضرب لك مثلاً: موظف ذهب متوضئاً، وقد صلى الفجر في جماعة، وذكر الله عز وجل فذهب إلى عمله وفي نفسه أن ينصر دين الله، وأن ينصر أولياءه وأن ينهي أمور المسلمين وأن يساعد المحتاجين وألا يتغيب عن وظيفته وأن يؤدي أمره على أحسن وجه، لحديث: {إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه} فذاك في رضا الله حتى يعود، وهذا الذي اشترى نفسه من الله. وموظف ترك صلاة الفجر فلم يصلها في جماعة، وقام بلا ذكر، وذهب إلى عمله، قلبه معقود على الغضب وعلى الكبر، لا يريد نفع المسلمين ولا أداء عمله على أحسن وجه، ولا يريد الإحسان إلى المساكين، يؤخر معاملات الناس، ويرتشي في أموره ويغضب إذا دخل عليه الصالحون، أخذ منصباً؛ حرباً لأولياء الله، وحرباً لعباد الله، يدس لهم الدسائس، ويعمل لهم الأحابيل، فهذا في غضب الله وفي لعنة الله حتى يعود، فقس طبقات الناس على ذلك، والله رقيب على الأعمال ورقيب على التصرفات، وهو الذي يحاسب الناس ولا يحاسبه أحد، لا معقب لحكمه، فلا يوقع بعده أحد، لا يسأل عما يفعل وهو يسألون، ويستعرض سبحانه وتعالى طبقات الناس يوم القيامة -الجنود والموظفين، والأساتذة، والطلاب، والفلاحين والتجار- في يوم العرض الأكبر، فيحاسبهم بأيامهم وما فعلوه. والناس على ضربين: رجل جعل وظيفته ومنصبه حرباً لله ولرسوله ولأوليائه، فلا ينتقد إلا الصالحين، ولا يعادي إلا الأخيار، ولا يقف حجر عثرة إلا عند الأبرار، فيسهل أمور الأشرار، ويتقرب إلى الفجار، ولا يراقب الله الواحد القهار. ورجل آخر جعل منصبه دعوة إلى الله، واستخدمه في طاعة الله، فقرب الأخيار، وسهل أمور المساكين، ولم يحتجب عن حاجة الناس يقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به} وقال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {من ولي من أمر أمتي شيئاً، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم، احتجب الله دون حاجته وخلته يوم القيامة} والله يجازي الناس بمثل ما فعلوا، فجزاؤهم مثل ما فعلوا {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] فهذا معنى: {كل الناس يغدو فبائع نفسه} وهناك ثلاث آيات هي في العقود والصكوك الموقعة من رب العالمين، ليست عقود الدنيا ولا بيع السيارات والعمارات، العقد الذي وقعه محمد صلى الله عليه وسلم، وأتى به جبريل. جبريل يروي لنا الآيات في حلل من القداسات تهمي عندها السجف سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا أملاك ربي بماء المزن قد غسلت جثمان حنظلة والروح تختطف وكلم الله من أوس شهيدهم من غير ترجمة زيحت له السجف والعرش يهتز من هول ومن فرق لـ سعد إذ سفراء الوحي قد وقفوا فهذا البيع وهذا الشراء {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] في مجلس العقد، وقال سبحانه: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111] وقال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:207] وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:15] وقال سبحانه: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة:14] هؤلاء المنافقون المردة، يجلس أحدهم مع الصالحين، فيتذلل لهم ويمدح الدين، ويلقي لك محاضرة في فضل الإسلام وفي فضل الدعاة والعلماء، فإذا جلس في الخفايا أخرج خنجره يطعن به الإسلام {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:14 - 16]. بعضهم يقولون: ضحكنا على هذه الدقون واللحى، قال الله سبحانه: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:15] قال أهل العلم: هؤلاء يخادعهم الله يوم القيامة مثلما يخادعون الصالحين، يمد لهم نوراً فيمشون على الصراط، ويظنون أن هذا النور سوف يوصلهم إلى الجنة، فإذا وقفوا وسط السراب، أطفأ الله عليهم النور، فسقطوا في جهنم، وهذه أعظم خديعة، وهذه هي والله اللعبة الأممية التي ما سمع الناس بمثلها. وفي الصحيحين: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أنزل الله عليه {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]-قال: في الشراء والبيع- قال: يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئاً} وفي رواية للبخاري: {يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله، يا بني عبد المطلب! اشتروا أنفسكم من الله، يا صفية عمة رسول الله، يا فاطمة بنت محمد اشتريا أنفسكما من الله، لا أملك لكما من الله شيئاً} هذا الشرف.

من هو معتق نفسه ومن هو موبقها؟

من هو معتق نفسه ومن هو موبقها؟ قال: {فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها}. والوبق: الهلاك، وأوبقه: أهلكه، وموبقاً: مكاناً ضيقاً، فالإنسان بعد ما جرح بالنهار يكون على أحد ضربين: رجل أعتق نفسه وشراها من الله، وأعتقها من الذل ومن الهلاك، فهذا سعيد، ورجل أوبق نفسه في الذل والهلاك، فهذا شقي والعياذ بالله، ولذلك قال بعض العلماء: عليك أن تبحث في صحائف أعمالك وقت النوم، إذا أتيت إلى الفراش واضطجعت، فانظر ماذا فعلت: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام:60] فتنظر في صحيفتك وماذا فعلت؟ وماذا قدمت؟ وهل أحسنت أم أسأت؟ واعلم أن منزلتك في الدنيا عند النوم كمنزلتك يوم العرض الأكبر. أما العتق الحقيقي فهو أن تعتق رقبتك من النار، والعبد الحقيقي هو عبد شهوته، وعبد بطنه، وعبد درهمه، وعبد منصبه، قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش}. قال بعضهم: أطعت مطامعي فاستعبدتني ولو أني قنعت لكنت حراً وقال الآخر في عبودية الواحد الأحد: لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي يقول: أنا زادني الشرف أنك دعوتني {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر:53] قال: فادعني بهذا لأكون عبداً لك؛ لأن أهل العلم يقولون: من لم يكن عبداً لله كان عبداً لغيره، حتى تجد بعض الناس لا يتشرف بحمل عبودية الله، فتجده عبداً لغيره، ولو كان فريقاً ولو كان عليه ست عشرة نجمة، لكنه إذا لم يكن عبداً لله كان عبداً لغيره، حتى تجده من أذل الناس للناس ومن أعصى الناس لرب الناس، أما مع الله فمتمرد قوي، وأما مع هؤلاء فأضعف الناس، حتى يرتعد ويختلط ويرتفع عنه القلم من الخوف، يقول أحدهم: ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا وبعض الناس يغضب لعبوديته هذه، فتجده يقاتل على الأرض وعلى السيارة وعلى العمارة، شجاعته فقط في أمور الأرض، وهذا حال غالب الناس وأقولها صراحة: نحن شجعان عند الأراضي حتى يقول أحدهم: والله لا تأخذ منها شبراً واحداً لو أذهب أنا وأسرتي. تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر بالمسدس عند المحكمة وفي مجامع الناس ويقول: والله لا أقدم ولو شبراً واحداً، ولو أذهب وأسفك دمي، لكن المنكرات والفواحش والفجور والتعدي على الدين وانتهاك الحرمات وضياع الأمة وضياع مبادئ الأمة وضياع إياك نعبد وإياك نستعين لا يغضب لها غضبة ولا يتحرك حركه، وإذا كلمته يقول: كُلْ وعش واسكت، هذا البطل صاحب الأرض الذي يغضب للسيارة أو للعمارة. فكيف كان خالد؟ خالد قدم جميع أمواله في سبيل الله، ومع ذلك كان خالد إذا سمع أحداً يتعرض لكلمة التوحيد حملقت عيونه وذهب خالد إلى قبيلة من قبائل العرب سيدها مالك بن نويرة، وكان بطلاً، فقال خالد: ادفع الزكاة قال: الزكاة التي يطلبها صاحبكم؟ -يعني: الرسول عليه الصلاة والسلام- وهذه كلمة باردة، سامجة لا تدخل في مزاج، قال خالد: سبحان الله! وليس بصاحبك يا عدو الله! والله لأذبحنك، ثم تقدم إليه فقتله، فقالوا: تسرع خالد ولذلك قال أبو بكر: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، وخالد قتله؛ لأنه سمع كلمة لا يستطيع أن يتحملها، كل شيء إلا هذا. حتى أحد الخلفاء دخل عليه القاسم بن عبيد الله أحد الوزراء فقال في كلمة له عن التدرج في المناصب: الإنسان يتدرج في المناصب حتى يصل إلى ما وصله الله، مثل الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- كان راعياً ثم تاجراً مع خديجة ثم ارتقى به الحال حتى صار رسولاً، فقام الخليفة عليه فوجهه إلى القبلة وذبحه: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36] ذبحه لكن على الطريقة الإسلامية. والجعد بن درهم هذا قال: ما كلم الله موسى تكليماً، ولا اتخذ الله إبراهيم خليلاً، قال خالد بن عبد الله القسري حاكم العراق: قيدوه، فقيدوه، فلما أتى عيد الأضحى صلى بالمسلمين في الكوفة وقال: يا أيها الناس ضحوا تقبل الله أضحياتكم فإن مضحٍ بـ الجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، ثم نزل ومعه الخنجر قال: وجهوه إلى القبلة فبرك على صدره اثنان ثم بدأ بسم الله الرحمن الرحيم فذبحه، فيقول ابن القيم يمدح خالداً: ولأجل ذا ضحى بـ جعد خالد القسري يوم ذبائح القربان إذا قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان ومن أراد أن يذبح فليذبح مثله البدنة عن سبعة، وإن كانت الشجاعة اليوم تستغل لخدمة الدنيا وهذه الهمم القاصرة، وهذه والله الطموحات الأرضية الطينية التي تنهار أمام طموحات خالد بن الوليد وطارق وصلاح الدين وعظماء الإسلام.

فضل التكبير والتهليل

فضل التكبير والتهليل ذكر صلى الله عليه وسلم الحمد لله وسبحان الله وما بقي إلا التكبير، قال في حديث أبي هريرة: والرجل من بني سليم: {أنه وحده يملأ ما بين السماوات والأرض} يعني: التكبير وحده يملأ ما بين السماوات والأرض، وفي حديث علي بن أبي طالب: {أن التكبير مع التهليل يملأ السماوات والأرض وما بينهن} والله عز وجل قال في الجنة: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] يقول بعض الناس: إذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض فأين السماوات والأرض؟ أجاب صلى الله عليه وسلم قال: {إذا أتى الليل فأين النهار، وإذا أتى النهار فأين الليل} والله هو الحكيم الذي خلق سبحانه وتعالى، وأما التهليل وحده؛ فإنه يصل إلى الله من غير حجاب بينه وبينه، وهي أعظم الكلمات، ليس فوق الكرة الأرضية أعظم من لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما قال عبد: لا إله إلا الله مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنبت الكبائر} رواه الترمذي، والنسائي، وحسنه الترمذي، وهو كما قال. وقال أبو أمامة: ما من عبد يهلل تهليلة فينهنهها شيء دون العرش، ما يؤخرها شيء حتى تصل إلى العرش {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10] وسأل أبو هريرة رسول الله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: {من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله يوم القيامة؟ قال: من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه} وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله؛ دخل الجنة} أي: معتقداً بها عاملاً بمقتضاها مجتنباً لما يضر لا إله إلا الله ويقدح في لا إله إلا الله من الكبائر، وأما قضية أن تقال: لا إله إلا الله باللسان ثم تكذب بالأفعال، فهذه يقولها النصراني، ويقولها اليهودي ويقولها البلشفي الأحمر، لكن لا إله إلا الله بمقتضاها. لا، وورد أنه لا يعدلها شيء في الميزان، كما في حديث البطاقة المشهور وقد خرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وفي آخره عند الإمام أحمد: {ولا يدرك شيء بسم الله الرحمن الرحيم} وفي المسند عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن نوحاً عليه الصلاة والسلام لما حضرته الوفاة قال لابنه: آمرك بلا إله إلا الله} والظاهر أن لنوح ابناً آخر غير الابن الذي قال: {قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود:43] فذاك ذهب في الهلاك، وهذا ابن صالح فقال: {آمرك بلا لا إله إلا الله، فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله} وهذا الحديث رواه أحمد، وصحح إسناده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية وهو في مجمع الزوائد، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن موسى عليه السلام قال: يا ربِّ علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال: يا موسى قل: لا إله إلا الله قال: كل عبادك يقول هذا، إنما أريد شيئاً تخصني به، قال: يا موسى: لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله} وهذا الحديث رواه أبو يعلى وابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه ابن حجر في فتح الباري مع أن في إسناده دراجاً أبا السمح، وهو ضعيف في روايته عن أبي الهيثم، وهذا الحديث منها. وأي الكلمتين أفضل "لا إله إلا الله" أو "الحمد لله"؟ الذي يظهر أن لا إله إلا الله أفضل، قالوا: أما في الثناء فالحمد لله، وأما في الدعاء فلا إله إلا الله، أفضل الدعاء: لا إله إلا الله، وأفضل الذكر: الحمد لله، وقيل: أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله، فإن الحمد لله تتضمن معنى الدعاء، لكن من أفضل الكلمات التي قاتل عليها عليه الصلاة والسلام: لا إله إلا الله، ومن أجلها أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، وشرع الشرائع، ونصب الميزان، ومد الصراط، وبنى الجنة، وجعل النار، وأقام الحجة وأقام المحجة، كل هذا من أجل لا إله إلا الله، ومن أجلها دمر الله الأرض خمس مرات، مرة بالطوفان، ومرة بالزلزال، ومرة بالصيحة، ومرة بالحاصب، ومرة بالغرق، ومن أجل لا إله إلا الله بعث الله الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وهي المحجة التي يأتي بها العبد يوم القيامة، وفيها البطاقة، والله المستعان.

واقعنا مع الحديث

واقعنا مع الحديث أيها الإخوة بقي من المسائل: واقعنا مع الحديث باختصار. الآن يقول عليه الصلاة والسلام: {الطهور شطر الإيمان} فكثير من الناس يتوضأ ويصلي، ولا يستحضر هذه الفضائل، فلا يستحضر أن الطهور شطر الإيمان ولا يتذكر، بل قلبه ساهٍ لاهٍ، ولا يتأمل هذه الأجور؛ لأن أجرك على قدر تذكرك، فالله الله في تذكر هذه الأجور العظيمة. ومنها قول: {والحمد لله تملأ الميزان} إن من الناس من ظن أن الحمد باللسان فقط، فعصى الله وتعدى حدوده، وأخذ كل ما يقدر من نعم الله، ثم قال: الحمد لله، حتى اقتصر ثناء الناس على الله باللسان فقط، تقول: انظر إلى الأمن الذي نعيشه، وانظر إلى الرخاء الذي نحن فيه، يقول: الحمد لله، الله لا يغيرها نعمة، لكنه ما استخدمها في شكر المنعم سبحانه وتعالى، وبعض الناس يظن أن النعيم فقط هو ما يشاهده في السوق من الجرجير والخيار والبطاطس، فكلما رأى الخيار والجرجير والبطاطس طارت نفسه فرحاً. طفح السرور عليّ حتى أنني من عظم ما قد سرني أبكاني وقال: لا غيرها الله من نعمة، والنعمة العظيمة الحقيقية عند أهل العلم نعمة التوحيد ونعمة الإيمان والتوجه إلى الله. ما الفرق بين الأعرابي المؤمن الذي يصلي ويقوم الليل، ويصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وهو يسكن في خيمة في تهامة، وبين المجرم الذي يسكن في الدور العاشر، ويصعد بالمصعد -الأصنصير- وعنده سيارة فاخرة، وهو لا يصلي الفجر في جماعة، ومعه الشيكات يلعب بها كلعب البلوت، وهذا الأعرابي لا يعرف الريال وما قد رآه في حياته، فما الفرق بين النعمتين؟ هذه نعمة دواب ونعمة حيوان {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] وقال سبحانه وتعالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35] ليس الفضل بكثرة الأكل، فالحمار يأكل ما يقارب عشرين كيلو، وبعض الناس لا يأكل إلا ربع كيلو، وليست بالقوة، فالثور أقوى ما يكون، وليست الضخامة فجسم الفيل ضخم، ولكن بالإيمان والعمل الصالح والنور، فالناس الآن يقول أحدهم: الحمد لله، بينما لا يعمل بمقتضى الحمد لله، فلو أنه حمد الله في العمل، وحمد الله في البيت، وحمد الله في المنهج الذي يعلمه ويدرسه ويقوم به، وحمد الله في أنه يغار على أن تسلب الحمد لله؛ لأن الأمة إذا لم ينصح عاقلها سفيهها، ضربها الله ضربة قاصمة: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] فلا بد أن يغار على منهج الله، وأن يتمعر وجهه إذا رأى أن المعاصي تنتشر، وأن أعداء الله يرتفعون، وأن أولياء الله يخفضون.

واقعنا مع الصلاة

واقعنا مع الصلاة منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: {والصلاة نور} فأين دور هذا النور في حياتنا؟ هل ترى هذا النور على مجتمعنا؟ هل تراه في مدارسنا؟ هل تراه في نوادينا؟ هل تراه في جامعاتنا؟ هل تراه في جيشنا؟ هل تراه في ضمائرنا؟ هل تراه في كل فرد من أفرادنا؟ لماذا يصلي كثير من الناس الآن ولا ترده الصلاة عن المعاصي؟ فكثير من الناس يصلي ويشرب الخمر، أو يصلي ويستهزئ حتى بالقرآن، أو يصلي ويحارب العلماء، فأين الصلاة؟ قال أهل العلم: الصلاة التي هي صلاة {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45]. فقل لـ بلال العزم من قلب صادقٍ أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا والأمة لَوْ صَلَّتْ لَوَصَلَتْ، فلما لم تصلِّ فُصِلَتْ، والصلاة معناها صلة بين العبد وبين الله، فتجد المصلين الصادقين يصل نورهم، وجيش يهون عليه ترك المعاصي حتى يقول محمد إقبال: نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا تقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ثم توالي أعداء الله! تقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وتعادي أولياء الله! وتستهزئ بدعاة الإسلام! وتستخف بالعلماء! والله وجد في بعض الناس أنه يحب الكفار أكثر من حبه للمؤمنين، ومجالسه فقط تعليق على اللحى وتقصير الثياب والمسواك والمطاوعة والمتطرفين والمتزمتين، أما مع أعداء الله، فتجده كالأرنب، وهذا واقع، فأين عقيدة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]؟! وأي خيانة لـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]! وأي عمالة أمام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]! وأي إهانة لـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]! وأي انشقاق لـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]؟! أولياء الله هم أسعد الناس ولذلك لهم حق عليك {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54] صاحب اللحية والثوب القصير هو الذي نصر الإسلام، هؤلاء هم الذين مزقوا أجسامهم في أفغانستان بالدبابات من أجل أن ترتفع لا إله إلا الله، هؤلاء أبناء أهل بدر وأهل أحد وحطين واليرموك، هؤلاء أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، ألا يعجبك هذا الشكل؟! أتريد أن يتزلج على الثلج، أم تريد جمع الطوابع، أم تريد موسيقى؟! هذه خيانة لـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. هذا واقعنا مع {الصلاة نور}.

واقعنا مع الصدقة

واقعنا مع الصدقة {والصدقة برهان} لا بد أن تجري الصدقة في عروقنا ودمائنا، أما أن تكون منا أمة يعيش أحدهم متخماً، اللحم عنده تشبع منه القطط، وتموت حبطاً في القمامة، وأمة أخرى تموت جوعاً وعرياً على التراب، فلا. هذا حرام، لا بد أن يكون هناك توازن؛ تنقص من وجبتك لتعطي جارك {ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع} يتخم ويلعب بالملايين المملينة، وجاره ينام على الرصيف، ولا يجد ما يحمله، ولا يجد ما يسد رمقه، فأين الجوار؟! أين الإيمان؟! أين إياك نعبد وإياك نستعين؟! أين دور {والصدقة برهان}؟! أين دورها في الحياة؟! يقول أبو تمام: إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في الموطن الخشن وإن أولى الموالي أن تواليهم عند السرور الذي واساك في الحزن وقال حاتم الطائي لامرأته: إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلاً فإني لست آكله وحدي لله هذه البطولة! يقول: إذا صنعت الزاد وقدمته على السفرة، فلن آكله حتى تأتي بضيف معي. إبراهيم عليه السلام عاهد الله ألا يأكل إلا مع ضيف، وقال لمواليه وعبيده: من أتى منكم بضيف فهو عتيق لوجه الله، فكان الواحد منهم يحرص على الضيف كما يحرص الأعمى على شاته.

واقع الصبر في حياة المسلمين

واقع الصبر في حياة المسلمين قال صلى الله عليه وسلم: {والصبر ضياء} أين دور الصبر في حياة المسلمين؟ لماذا ينهار شبابنا أمام المسلسل؟! لماذا ينهارون أمام الفيديو؟! لماذا يأتيك الشاب ويبكي أمامك وهو طويل الجسم قوي البنية يهد الجدار، تقول له: اترك الغناء. قال: والله لا أصبر، حاولت وحاولت لكن اعذرني. والله هو الذي يعذر ويعاقب أما أنا فليس عندي صكوك الغفران، ولو كانت عندك همة عالية لكانت تكسر الحديد، همه كهمة سعد بن أبي وقاص وسعد بن معاذ وأبي بن كعب لانتصرت على الأغنية، والسيجارة، وعلى لعب البلوت، نحن أمة نلعب بلوت، ما معنى لعب البلوت في حياتنا؟! أنا لا أقول الآن: هو حلال أو حرام لكن أنتم أبناء خالد، أنتم أبناء سعد، أنتم أبناء طارق، أنتم أبناء صلاح الدين، إذا تخلفتم في العالم الإسلامي وأتوا إليكم فوجدوا لعب البلوت والموسيقى وجمع الطوابع والمراسلة وصقور الصيد والغناء والفحش والضياع فماذا نقول للعالم؟! ماذا نقول للتاريخ؟! كيف نحتج؟! لو أخبروا عمر الفاروق نسبتهم وأخبروه الرزايا أنكر النسبا أبواب أجدادنا منسوجة ذهباً لكنْ هياكلنا قد أصبحت خشبا من زمزم قد سقينا الناس قاطبة وجيلنا اليوم من أعدائنا شربا دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربا أدمت سياط حزيران ظهورهم فقبلوها وباسوا كف من ضربا وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا متى البنادق كانت تسكن الكتبا لكن أبشر هذا الكون أجمعه أنا صحونا وسرنا للعلى عجبا بفتية طهر القرآن أنفسهم كالأسد تزأر في غاباتها غضبا عافوا حياة الخنى والرجس فاغتسلوا بتوبة لا ترى في صفهم جنبا مجدنا صحوة إمامها محمد عليه الصلاة والسلام. من حبلك الشهم في كف الهدى طرف على التراب وفي أرواحنا طرف على جماجمنا خض كل معركة أعلى الرءوس التي في الله تختطف ما هو دستورها؟ القرآن والسنة، أين مسيرتها؟ على {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] من هم أعداؤها؟ المغضوب عليهم والضالون، إلى أين تصل؟ إلى جنة عرضها السماوات والأرض {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر:46] من أعلى منا؟ من أحسن منا؟ من أسعد منا بهذا الدين؟ فلماذا يعلق علينا؟ ما هي جناية الأمة المسلمة؟ ما هي جناية الصحوة أن تعلقت بلا إله إلا الله؟ أهي مسئولة عن ترويج المخدرات؟ أهي مسئولة عن ترويع الآمنين؟ أهي مسئولة عن تهديد الأمة؟ أهي مسئولة عن استيراد الأفكار من الغرب وإدخالها التعليم وشحنها في الأذهان؟ أهي مسئولة في إياك نعبد وإياك نستعين؟ أهي مسئولة في ذبح لا إله إلا الله؟ لا. بلاد أعزتها جيوش محمد فما عذرها ألا تعز محمدا ما عذر الأمة ألا تعز محمداً وقد أعزها بجيوشه؟! يقول البردوني وهو شاعر لا زال حياً في صنعاء: طه إذا ثار إنشادي فإن أبي حسان أخباره في الشعر أخباري أنا ابن أنصارك الغر الألى سحقوا جيش الطغاة بجيش منك جرار تظافرت في الحمى حوليك أنفسهم كأنهن قلاع خلف أسوار إذا تذكرت عماراً وسيرته فافخر بنا إننا أحفاد عمار هذه سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا منهجه. وجيله يجلس الآن هنا ليسمع الذكر، لأن هناك جيلاً يجلس أكثر منكم مع الكرة والمنتخب والكأس، وجيل هناك يجلس على البلوت وما أدراك ما البلوت، وجيل هناك على جمع الطوابع، وجيل هناك على الشاطئ، وجيل هناك على الأرصفة في المغازلة والضياع، أما أنتم فجلستم هنا، الله يرقبكم الآن، يقول لكم بعد دقائق: انصرفوا مغفوراً لكم فقد رضيت عنكم وأرضيتموني، يباهي بكم الملائكة يقول: في البلد الفلاني في المكان الفلاني في المجلس الفلاني قوم اجتمعوا، فتقول الملائكة كما في صحيح مسلم: {يا رب يسبحونك، فقال: هل رأوني؟ قالوا: لا والله ما رأوك -والله أعلم- قال: كيف لو رأوني؟ قالوا: كانوا أكثر تقديساً لك، قال: وما يسألون؟ -والله أعلم- قالوا: يسألونك جنتك، قال: هل رأوها؟ قالوا: لا يا رب قال: كيف لو رأوها؟ قالوا: لو رأوها لكانوا أكثر مسألة، قالوا: ويستعيذونك، قال: ممَ؟ -والله أعلم- قالوا: من النار، قال: هل رأوا النار؟ قالوا: ما رأوها، قال: كيف لو رأوا النار؟ قالوا: كانوا أشد استعاذة، قال: أشهدكم أني غفرت لهم وأدخلتهم الجنة، قالوا: يا رب! معهم فلان إنما جلس لحاجة، قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم}. فنسأل الله أن يسعدنا وإياكم، ليس معنا إلا هذه المجالس، هي مجالس الإيمان، وهي مجالس الجنة، وهي مجالس الملائكة، هي الكنز الذي تلقاه يوم العرض الأكبر، قال عطاء بن أبي رباح: [[مجلس واحد من مجالس الذكر يكفر سبعين مجلساً من مجالس اللهو]]. أيها الإخوة: انتهت المحاضرة بحفظ الله ورعايته، ونحن نطلب منكم دماً هذه الليلة، مستشفى عسير المركزي يطلبكم أن تتبرعوا بدمٍ من دمكم الطاهر لأناس يحتاجون إلى الدم: يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود والتبرع بالدم أفضل من التبرع بالمال، وهو أغلى من الذهب والفضة، وأنتم بحاجة أن تحيوا النفوس، {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32] وعلى الأسرة أناس ينتظرون منك قطرات أن تدفعها لتلقاها {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] رجال ونساء توقفت حياتهم على قطرات دم تدفعها أنت في بنك {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] يأخذونها منك ويدفعونها في شرايين هذا الرجل الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الموت فينتعش بدمك فيعود حياً إذا كان الله قد أذن له بها، فيأكل ويشرب ويسعد بالحياة كما سعدت بها. هذا تقرير من طبيب، منطقة أبها لا يؤثر فيها سحب الدم؛ لأنها ترتفع عن البحر ثلاثة آلاف متر فوق مستوى سطح البحر يزيد من تركيز الدم، وثخونة الدم يعرقل دورانه في الجسم والتبرع يجعله سهلاً، ويجعل حركته منتظمة ويعينك إن شاء الله على حياة سعيدة، أنتم أبناء من تبرعوا بدمائهم في بدر وحطين واليرموك وأحد وسكبوا الدماء وضرجوا بها الأكفان، وأنتم الآن لستم في جبهة ولستم في ثغرة، جبهتكم أن تدفعوا من دمائكم شيئاً قليلاً لأولئك الذين ينتظرونكم في مستشفى عسير المركزي قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] فتبرعوا من دمائكم عسى الله أن يعوضكم بجنة عرضها السموات والأرض، وعسى الله أن يحرم دماءنا ودماءكم على النار. ومن أراد فليذهب للأطباء هناك وسوف يتم ذلك بعد الكشف عليه، ومن المبشرات أنهم سوف يمنحونك عصيراً مشكلاً بعدما يسحبون الدم منك وشيئاً من البسكويت ليعوض عنه ما أخذ وهو مجاني والحمد لله. فنسأل الله أن يسعدنا وإياكم في الدار الآخرة، وأن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، ولا يرينا وإياكم لا سوءاً ولا مكروهاً، وأن يحفظنا وإياكم بعين رعايته، ونسأله سبحانه وتعالى لمن أراد بالإسلام والمسلمين سوءاً أن يشغله بنفسه، وأن يكفينا شره، وأن يهتك أستاره، وأن يفضح أسراره، وأن يجعله عبرة للمعتبرين، اللهم من سل على المسلمين سيفاً فاقتله به، واجعل تدبيره تدميره يا رب العالمين. اللهم تولنا فيمن توليت، واهدنا فيمن هديت، ووفقنا لكل خير. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الإسلام والتحديات المعاصرة

الإسلام والتحديات المعاصرة الإسلام محارب منذ أن وجد على وجه الأرض، وهذه من سنن الله الكونية، وقد تمثل حرب الإسلام في عدة أمور منها: نشر الإلحاد والشهوات، وزرع الخلاف بين المسلمين، والمؤامرة على المرأة المسلمة لتكون سافرة عاهرة، ووصم الدين الإسلامي بأنه دين تطرف، وهدم الاستعلاء عند المسلمين، والإعجاب بحضارة الكفار. وقد تطرق بذكر كيفية مواجهة هذه التحديات والأسباب التي تعين الشاب على الثبات على هذا الدين.

جوانب التحديات المعاصرة على الإسلام

جوانب التحديات المعاصرة على الإسلام الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. عنوان هذه المحاضرة هو: " الإسلام والتحديات المعاصرة" أيها الإخوة: إن الإسلام مصارَع ومحارَب منذ أن وُجد على الأرض، ومن سنن الله الكونية أن يحارب ويصارع؛ لأنه عظيم يقول الله سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31] ويقول سبحانه: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251] ولأن هذا الدين بعظمته لا بد له من أعداء ولا بد أن يفهم الدعاة وطلبة العلم والعلماء والمتوجهون إلى الله مسألة خطيرة، تتكون من شقين: الأمر الأول: أنه لا يمكن أن نبقى بلا قراءة، وقضية أن تُسلَّم لنا الساحة ونظفر بها بلا قتال ولا مجاهدة فليس بصحيح، ولو سُلِّمت لأحد من الناس لسُلِّمت لمحمد عليه الصلاة والسلام إذاً لا بد من دموع، ولا بد من تضحية، ولا بد من قتال وشهداء، ولا بد من تشويه لمعالم الحق، واتهامات مغرِضة، وتعليقات مرة، فهو أمر طبيعي، بل هو قضاء وقدر. الأمر الثاني: إذا قلنا: إن الإسلام محارَب؛ فلا يعني هذا أن يجلس الدعاة؛ لأن بعض الدعاة أصابهم قنوط ويأس، يقولون: كفر العالَم، وألحد الناس، واجتاحنا الكافر، وتحوَّلت الديانات إلى كفر، فالله المستعان! ثم تلفف ببردته، وجلس في بيته يصلي الضحى وقيام الليل ويبكي أحسن في جانب، ولكنه والله انهزم في الجانب الآخر، وفشل في الساحة، والله لا يريد هذا الانهزام، ولا يريد من المسلم أن يفشل. الإسلام والتحديات المعاصرة التي نعيشها يمكن أن تُجمل في ثمان مسائل: المسألة الأولى: الإلحاد. وهو أكبر ضربة تُوجَّه ضد شبابنا ونَشْئنا وجيلنا وقلوبنا وبيوتنا الإلحاد ومركبه الأدب، وقد ركب قبل أربعين سنة أو أقل منها على مركب الاقتصاد، وعندي وثائق وحقائق وبراهين عن ناشئة ذكرتُهم البارحة رضعوا ثدي الإلحاد في بلادنا، واستنشقوا هواءنا وشربوا ماءنا، وسوف نسمع ماذا قالوا يوم غُزوا بالإلحاد، ويوم تحدانا بهم الكافر ليحاربنا بأقلام مِنَّا. المسألة الثانية: الشهوات. المسألة الثالثة: زرع الخلاف في الصفوف بتهييج مواطن النزاع وتضخيم مواطن البَوْن بين المسلمين على غير طائل إلا نتيجة الفُرقة والتشتت والتمزق. المسألة الرابعة: وصم الدين بالتطرف. وقد أسست ذلك هيئة الإذاعة البريطانية وبثَّته على العالم، ووكالاتُ أنباءٍ متطرفة، وليس المسلمون هم المتطرفون. المسألة الخامسة: المؤامرة على المرأة. فإننا كلما طُعِنا أتت الطعنة الكبيرة من جانب المرأة. المسألة السادسة: تعليل تخلف المسلمين بتمسكهم بالدين. وكأننا لم نصنع سيارة ولا صاروخاً إلا لأننا ربينا لحانا وقصَّرنا ثيابنا، وكأن الإنسان إذا حلق لحيته وطوَّل ثوبه وتفرنج وأصبح خواجة سوف يستطيع أن يصنع طائرة وصاروخاً، وكأن هذا المسلم بليد وغبي، والسبب عندهم -وهؤلاء دعاة الوثنية الإلحادية في ساحتنا- السبب هو أن المسلم متمسك بدينه. قال الناظم: منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا نصنع السيارة مر أحد هؤلاء الضائعين الذين لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، ليس بمسلم ولا خواجة، ما صنع طائرة ولا صاروخاً ولا ثلاجة ولا برادة، وما جلس معنا يصلي ويقرأ القرآن مرَّ بشيخ في مكان من الأمكنة، والشيخ يقرأ على التلاميذ ويشرح لهم الروض المربع في الفقه، فقال هذا المتطور: يا شيخ! الناس صعدوا على سطح القمر، وأنت لا تزال في الروض المربع؟! فقال الشيخ: أما أنت فلا صعدت على سطح القمر ولا جلست معنا تقرأ الروض المربع لكنك ضائع، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. فنقول: ليتهم عندما ضاعوا فعلوا مثل فعل الكافر؛ لكنهم تبجَّحوا وجعلوا يحاربوننا ويحاربون هذا التوجه العظيم الذي أعاد الله به للأمة روحها وكيانها، وسوف تكون نتائجة محمودة -بإذن الله- بمثل هذه المؤتمرات، واللقاءات والدروس، وتبادل وجهات النظر وتناسي الخلاف إلا فيما يمكن أن يكون فيه تنبيه أو رد. المسألة السابعة: هدم الاستعلاء في نفوس المسلمين. وكما تفضل الشيخ/ سلمان البارحة في قوله: أصبحت كلمة (كافر) صعبة إذا أتيت إلى أمريكا -وهو مجتمع كافر- فلا تقل: كافر، بل قل: أمريكي قل: مجتمع غربي، حضارة غربية ولذلك بعض الكتبة والمفكرين من المسلمين يستخدم هذه العبارات، ويقول: بلا قسوة، ويستدل بقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] وكلَّما قلنا له شيئاً قال: القوم هناك مسلمون بلا إسلام، وعندنا إسلام بلا مسلمين! هذا الرجل وأمثاله عندهم عدم استعلاء، وانهزامية داخلية في نفوسهم، وليتهم أبقوا هذه الكلمات اللطيفة مع شباب الإسلام، لكن كلما تعرض بعضُهم للشباب بمناسبة أو بغير مناسبة قال: كث اللحية، متطرف، لا يعرف إلا البسملة وتحريك الأصبع في التشهد، ويتكلم عن الكالونيا وتقصير الثياب! وكلما عرضت له مصيبة قال: هم المتزمتون والمتطرفون!! فليتك يا أخي وجهت ربع هذا للكافر، وصافيت إخوانك، ووجَّهت هذا الجيل ونزلت إلى الشباب المسلم. المسألة الثامنة: الإعجاب بحضارة الكفار: وقد رأينا أن الخواجة والكافر والملحد إذا وصل إلى بلد نظر إليه المسلم وكأنه نزل من الجنة، حتى أنهم يهزون أكتافهم ويقولون: حسناً حسناً، ( Thank You) أنا لا أعرف الإنجليزي، لكنهم يقولون هذا الكلام، وقد رأيت بعضهم يقدمه على المسلمين السُّجَّد الذين يصلون الصلوات الخمس إنه انهزام داخلي، بمعنى أن هذا صاحب حضارة، وقد صنع لنا وقدم لنا وأسس، أما نحن فبَدْوٌ أوباش، وليس عندنا إلا رجعية وتخلُّف!.

من التحديات التي تواجه الإسلام: نشر الإلحاد

من التحديات التي تواجه الإسلام: نشر الإلحاد أيها المسلمون: كل هذه المسائل تندرج تحت العنصر الأول: الإلحاد وهذا إذا سكت عنه الدعاة وجلسوا يتصارعون ويتلاطمون ويتراكلون بينهم؛ فسوف ينتشر انتشاراً رهيباً حتى تُغزَى به بلاد ما كان ليصلها ولا ذرة من ذلك بسبب أن الدعاة تلاشوا أنا لا أنكر جهود العلماء ففيهم خير، وفيهم رُشد وصلاح، ولكني أعتب على بعض مَن لم يعِش الواقع مع طلبة العلم، وهذه -مسيرة توجه الشباب- إذا لم يقُدْها العلماء فسوف تقف أو تضيع. إن ميزة الإسلام عندنا أن مصدر التلقي هو الكتاب والسنة، وأن القادة للشباب هم العلماء. قال الدكتور/ سعود الفنيسان: على العلماء أن يقربوا من الشباب خطوة، وعلى الشباب أن يقتربوا من العلماء ثلاث خطوات، هذا لا بد منه، وكذلك على العلماء أن يرحموا الشباب ولا يبكتوهم، فإن الشاب في أول الهداية يكون متحمساً لكن على العالم ألاَّ يبكِّته ولا يزري به، وعلى الشاب أن يعرف قدر العلماء. سمعتُ أن بعض الناس يقولون: العلماء هؤلاء لا يعرفون إلا الحيض والغسل من الجنابة، ولا يعرفون إلا تقصير الثياب، ولا يعرفون إلا صدقة الفطر! أقول: اتقِ الله يا أخي! أما تعرف أن لحومهم مسمومة؟! أما تعرف أن الله أثنى عليهم في القرآن؟! أما تعرف أنهم ورثة محمد عليه الصلاة والسلام؟! فإذا لم يُفتوا هم في الحيض وفي الصلاة والزكاة والطلاق والخُلع، فهل ستفتي أنت أو غيرك؟! تأتينا بالصيدليات المناوبة ودرجات الحرارة؟! إذا سألوك: كم عدة الحائض؟ أو متى تصلي وتصوم؟ تقول: لا أعرف الإسلام دين عدالة، ودين تآخٍ، الإسلام ينطلق من أطر، وينبثق من بوتقة الدعوة إلى الله. هذا الفراغ لا يحله ولا يغطيه إلا العلماء، ونحن المسلمين على مشارب، أي: على ثغرات، قال تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] والرسول عليه الصلاة والسلام ما طلب من الصحابة جميعاً أن يكونوا فقهاء، لكنه وضع كل واحد فيما يستحقه، وهذه عظمة محمد عليه الصلاة والسلام جاء إلى أبي بكر الصديق فوجده رجلاً عظمياً عملاقاً فجعله الإداري الأول ورجل الساعة والخليفة الأول. وجاء إلى خالد فوجد أنه يعرف قطع الرءوس من الأكتاف، ويذبح الأعداء على الطريقة الإسلامية، فقال: {أنت سيف الله المسلول}. وجاء إلى زيد بن ثابت فوجده فَرَضي، فقال: {أفرضكم زيد}. وجاء إلى أبي بن كعب، فقال: {وأقرؤكم أبي} وإلى حسان بن ثابت فوجده شاعراً، وزارة إعلام متنقلة، فقال: {قائد الشعراء إلى الجنة حسان بن ثابت}. إذاًَ: نطلب من الجميع التخصص، ونحن في صالة فيها كثير من طلبة العلم والأخيار، وكل يمكن أن يغطي ثغرة، وأن يسد مجالاً، ولا نطلب منهم جميعاً أن يكونوا إنشائيين، أو أُدباء، أو فقهاء؛ لكن كلٌّ مُيَسَّر لما خُلِق له.

بعض النماذج من أقوال الملحدين

بعض النماذج من أقوال الملحدين ولن أقرأ لكم من القرآن عن الإلحاد والملحدين؛ فأنتم تعرفون ما ذكر الله في الملحدين والكافرين، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة:161] ولن أخبركم عن حكم الإلحاد، فهذه أحكام مُسَلَّمَة عند العامي من المسلمين؛ لكن اسمع إلى بعض ما أنتجت لنا حضارة الإلحاد في أبنائنا فهذا أحدهم ويُسمى الحربي -حاربه الله أو هداه- يقول: أرضنا البيد غارقة يقول: أرضه غارقة! طوَّف الليل أرجاءها وكساها بعسجده الهاشمي فدانت لعادته معبدا الهاشمي هو محمد عليه الصلاة والسلام الهاشمي هو الذي أخرج العرب الذين كانوا يطاردون اليرابيع، وكانوا يتقاتلون على الشياة، وكان لا يعرف الإنسان منهم ما تعرف ناقته، مثل شيوخ القمر، أخرجهم إلى أن يفتحوا الدنيا في خمس وعشرين سنة الهاشمي عليه الصلاة والسلام هو الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور الهاشمي عليه الصلاة والسلام هو الذي أتى إلى الإنسان وكان أشبه شيء بالحيوان، فزكَّاه وعلَّمه وطهَّره، وعلَّمه أن هناك جنة عرضها السموات والأرض يقول الله عنه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] قاتل الله هذا المجرم. وكساها بعسجده الهاشمي يقول: أرضنا ما رأت النور فهي غارقة في الظلام منذ أن جاء محمد فغطاها بردائه. وأحدهم ألقيت معه مقابلة في صحيفة هنا في أمريكا، فسألوه: لماذا تأخر العالم الإسلامي؟ فقال: بدأ تأخره من أربعة عشر قرناً. أي: أنه حسب من انطلاقة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فجعلها أول التأخُّر. يقول في قصيدته: بعض طفل نبيٍّ على شفتي ويدي بعض طفلِ من رجال الجوازاتِ حتى رجال الجماركِ حتى النخاع يهجم الخوف أنى ارتحلنا وأنى حللنا وأنى رسمنا منازلنا في الهواء البديلِِ والنساء سواسية منذ (تَبَّتْ) وحتى ظهور القنا يقصد: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] يقول: المرأة محارَبه منذ أن حاربها الله في {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] وأتينا نحن نعلن حربها. ولكني أسأله سؤالاً: ما هو الحلم الجديد الذي يَعِدُ به الناس هذا المجرم وأمثاله من الحداثيين والإلحاديين، ويصفونه بالانفتاح وكسر الأقفال، والخروج إلى المألوف، وكسر الحواجز، والثورة على القديم؟ الحلم هو جنة كارل ماركس، ولينين، واستالين، جنتهم التي وعدوا بها العالم فأتت فإذا هي جهنم، نارٌ تلظى سحقوا الشعوب، وقتلوا الألوف المؤلفة، وذبحوا القيم والمبادئ. أو هي شريعة منغ تي تونغ، الصيني المجرم الذي عرَّض الشعب الصيني للهلاك، وما حدث هناك في بكين دليل وشاهد على فعله يريد هذا جنة للمسلمين مثل تلك الجنة، يعدنا بهذا الحلم الذي رأيناه وأبصرناه، وشبع العالم منه وامتلأ. إن من المقطوعات التي ينبغي أن نتصدى لها، بل الفكر المطروحة: الإلحاد، ولا أزال أقوله وأكرره، وإن مسئولية من يأتي لمثل هذه المؤتمرات في مثل هذا البلد الكافر الظالم أهله أن يجعل الأساسيات أولاً هي الأصول إيمان، رسالة، قرآن، عقيدة ثم تأتي الأمور الجزئية في آخر كلامه أو في مداخلاته مع إخوانه. وهذا أحد الملحدين المجرمين يقول: صار الله رماداً صمتاً رعباً في كف الجلادين أعوذ بالله! وراوي الكفر ليس بكافر، وهو كلام أظنه ينقض الوضوء، لكن ماذا نفعل لنخبر الشباب أن هذا يقال، وأن الإسلام يُحارَب من أبنائه وليت أن الذي قاله ماركس، وقد قال مثل ذلك، ولا نستغرب منه لأنه أسس أعظم المذاهب إلحاداً، لكن أن يقول هذا الكلام أبناء خالد وعمر، وأبي أبناء الذين فتحوا الدنيا أبناء عقبة بن نافع الذي وقف على المحيط الأطلنطي بفرسه وقال: يا بحر! والله لو أعلم أن وراءك أرضاً لخضتك بفرسي؛ لأرفع (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) أبناء هؤلاء تحولوا إلى ما سمعتم، وفي بلد من البلدان جاء مجرم حَداثي ملحد زنديق، وكان يدرس في جامعة توجهها إسلامي؛ لكن فيها هذه الحية الرقطاء وأمثاله، فجلس في الفسحة وقال لزملائه: جلس الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يوماً من الأيام، فقال لأصحابه: أتدرون ما البيبسي؟ -أي: هذا الذي يُشْرَب- قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قوموا عني. فيورد مثل هذا الكلام، ويضحك به جيلاً، ويفسد به في بيته وجامعته وفصله. فنعوذ بالله! وهذا البياتي المجرم يقول في ديوانه: كلمات لا تموت صفحة (526): الله في مدينتي يبيعه اليهود (لا إله إلا الله)! {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]. الله في مدينتي مشرد فريد أراده الغزاة أن يكون لهم أجيراً شاعراً قواداً يخدع في قيثارة أحد العباد لكنه أصيبْ لأنه أراد أن يصونْ زنادق الحقول من حرابهم أراد أن يكونْ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً!!

طرق التصدي للملحدين

طرق التصدي للملحدين ولا أستغرق في النماذج، لكن ما هو الحل لهذا التحدي الصارخ الذي أُعلن أمام الملأ وأصبح مكشوفاً أمام الناس؟ في نظري أن الحل يأتي في غرس الإيمان في القلوب، ويأتي بأن نعيد الناس إلى حرارة الرسالة التي أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم، وتأسيس العقيدة الصادقة في الله، وفي الكون، والحياة، والرسالة وأرى ألا نشتغل بالجزئيات عن الكليات؛ لأنك حينما تستهلك وقتك في مسألة من المسائل كمسألة فضيلة من الفضائل، أو جزئية من الجزئيات، كقيام الليل أو صلاة الضحى، المسألة أعظم من ذلك، المسألة الآن إيمان وكفر، زندقة وإلحاد في الساحة، فينبغي علينا أن نوجّه أكثر اهتمامنا إلى الإيمان، ونغرسه في القلوب بطرق شتى، منها: أ/ الانطلاق في العمل لهذا الدين. الطريقة الأولى: أن ننطلق وأن نترك هذا التقمص في البيوت: لأن في الساحة الإسلامية دعاة كثيرون، ففي مدينة من المدن قال لنا بعض العلماء: حصرنا الدعاة في هذه المدينة فوجدناهم ثلاثة آلاف وستمائة (3600) داعية؛ ولكن الذي يعمل منهم ما يقارب الثلاثين (30) داعية، أما الآخرَون فلا يعملون، وإذا ألقى أحدهم محاضرة في السنة، فإنه يلقيها بالقطَّارة وكأنه يتفضل على المسلمين، وهذه هي رسالته، بينما التبشير والإلحاد يجوب العالم، وكلهم مجندون بمستشفياتهم، ودورهم وتأهيلهم وميزانياتهم. ب/ الدعوة إلى الله من قبل. الطريقة الثانية: أن ينزل الشباب دعاة إلى الله عزَّ وجلَّ أنا لا أعرف أنه لا يوجد أحد من الإخوة لا يعرف أن يصور أو يصحح للكافر أو للملحد مساراً عقدياً أو إيمانياً. صحيحٌ أنه قد لا يعرف أن يفتي في جزئية من المسائل، أو لا يستحضر الدليل، لكن مُجمل الإسلام وتصوير الإسلام لا أعرف أن أحداً منا لا يستطيع ذلك أبداً؛ لكن من ينطلق؟ ومن يذهب؟ الصحابة كلهم كانوا دُعاة، كان الواحد منهم يحفظ سورة أو سورتين، ثم ينطلق بها داعية؛ فيصلح الله سبحانه وتعالى على يديه جيلاً أو أجيالاً. جـ/ تناسي الخلاف الجزئي. الطريقة الثالثة: أن نتناسى الخلاف، إلا خلافاً عقدياً أصولياً فإنا ننبه المبتدع، ونحاول أن نصلح من حاله، وأن نرده إلى الله، أما الخلافيات الجزئية التي للمجتهد المصيب فيها أجران، وللمجتهد المخطئ أجر واحد؛ فهذه المسألة فيها سعة، وشكر الله لـ ابن تيمية قوله: لا يُعَنَّف المخالِف في فرعية من فروع الدين. فلو دخلت إلى المسجد فوجدت أحد المسلمين وضع يده اليمنى على اليسرى تحت سرته، فما ينبغي أن تقول: تب إلى الله، استغفر الله، حسيبك الله، نسأل الله أن يهديك سواء السبيل يا أخي! اجعل يدك على صدرك وأنت المصيب، وهو دليله مرجوح، لكنك أخذت وقتاً ثم أوجدت ضغينة في قلبه، ثم أذهبت المقاصد العظمى من الرسالة الخالدة التي أتى بها صلى الله عليه وسلم، فإنه ما كان يُعَنِّف أصحابُه بعضُهم على بعض في مسائل الخلاف.

من التحديات التي تواجه الإسلام: الشهوات

من التحديات التي تواجه الإسلام: الشهوات وهذه لطبقة من الناس؛ لأن الكافر عندما أتى إلى المفكرين والأذكياء حاربهم بالإلحاد؛ فإن بعض الناس تجده عصامياً ولو كان ملحداً زنديقاً لا يحب المرأة، ولا ينساب مع كأس الخمر؛ لكنه يحب الإلحاد، فيضرب الإسلام بخنجر الإلحاد والزندقة وبعضُهم ضائع، ما عنده إلحاد ولا زندقة؛ لكنه وراء المرأة وراء المجلة الخليعة وراء كأس الخمر وراء الأغنية الماجنة وراء الشهوات، كالدابة تماماً ضائع صاحب شهوات يقول سبحانه: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] ويقول سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].

أسباب انتشار الشهوات والانخراط فيها

أسباب انتشار الشهوات والانخراط فيها أ/ عدم الاهتمام بالعلم الشرعي. وهذه الحرب -حرب الشهوات- وتغرير شباب الإسلام بها أتت من أمور: في بعض المدارس يدرسون الطالب (طه والطبلة): كان لـ (طه) طبلة يضرب عليها، فخرجت البطة من الطبلة، فقال طه: أين كنتِ؟! ولذلك يخرج الواحد من الثانوية وهو لا يعرف قراءة الفاتحة، ووالله لقد قُوبِل مع طالب تخرج من الثانوية يريد كلية الشريعة، وإذا به لا يحفظ سورة المسد! لماذا؟! لأنه كان يدرس هذه الأمور: (طه والطبلة) درس وخاب، وأكل وشرب ونام. وهذا ناتج عن عدم تأسيس شبابنا على العلم الشرعي، ولو ربيناهم على (قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم) وقال البخاري: وقال مسلم: فإن هذا هو العمل الأصيل. العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفانِ ما العلم رسمك للخلاف سفاهةً بين الرسول وبين رأي فلانِِ كان الصحابة يُنشئون جيلهم على العلم الشرعي، وكانت حلقاتهم (قال الله وقال رسوله) وفيها التفسير والفقه والحديث، أما الآن فقد أصبحت عدد حصص القرآن في الأسبوع حصة واحدة، وسمعنا أن مدرساً كان يدرس في الابتدائية، دخل على الطلاب، وهو لا يعرف القراءة في المصحف، وهو من عِداد المعلمين، فقال للطلاب: ما هي الحصة؟ قالوا: قرآن، قال: ما يحتاج، نخرج تمارين رياضية. ما يحتاج يا مجرم؟! ما يحتاج قرآن؟! مَن أنت ومَن أُمَّتُك إلا بالقرآن؟! ما هي الرسالة التي أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم إلا القرآن والسنة؟! بينما داعية آخر عظم الله أجره، وهو مشهور، وله بعض المؤلفات، أُدخل في مدرسة، وكان يحمل دعوة، ويحمل رسالة، وكان مدير المدرسة يشن حرباً على الدعوة، فقال المدير للأستاذ: أنت حصتك رسم، مادة فنية. يريد أن يحجزه عن الطلاب، لا يريد أن يعطيه فقهاً ولا عقيدةً ولا تفسيراً ليدخل إلى القلوب، قال: مادة فنية؟ قال: نعم. قال: حسناً، فدخل الفصل فقال للطلاب: ما هي مادتكم؟ قالوا: مادة فنية رسم، فرسم لهم وردة أو زهرة على السبورة، ثم تكلم عمَّن خلقها وأنشأها ومن صوَّرها وأبدعها، ثم ألقى عليهم محاضرة في العقيدة حتى أبكى الطلاب. إذاً: لا بد أن ندخل من هذه المداخل، أنا لا أقول: نترك هذه العلوم؛ لكن أن نجعل حصة واحدة للحديث، وحصة للفقه، والباقي جغرافيا وثقافة وعلم نفس وتربية! ومن هذا القبيل قائمة عريضة طويلة، فيخرج الشاب وعنده معلومات سلة مهملات، ولكن ليس عنده إيمان. هذا غير صحيح. ب/ قلة النوافل عند الشباب. إما أن الأساتذة لم يوجهوهم للنوافل، أو لأنهم في الأصل ما قرءوا هذا ولا تعلموه، ولذلك لا يتحدث عن قيام الليل، ولا عن صلاة الضحى، ولا عن الذكر وتدبر القرآن، فينشأ الشاب وقلبه ما اطمأن بالإيمان وما تشبَّع به، ويمكن أن يُخدع بأدنى شيء، فيرى الفتاة ويُلاحقها، ويسمع الأغنية وينهار، وربما رأى الخمر فلا يمكن أن يتغلب عقله على هواه، قد سيطر عدم التربية الروحية عليه. جـ/ الجلساء. أصيب مجتمع المسلمين بجلساء الله حسيبهم، فإن من أسس التربية عند المسلمين الجليس الصالح والجليس السوء مصاحبة هذا والانتباه لهذا، يقول ابن المبارك: وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفاف وحياء وكرمْ قوله للشيء لا إن قلتَ لا وإذا قلتَ نعم قال نعمْ قال الله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] وهذا الشافعي يمدح نفسه بما أعطاه الله، وهذا من باب التحدث بالنعم، يقول: أحب الصالحين ولستُ منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواءً في البضاعة يقول: من ميزتي ولو أني مذنب أني إذا رأيت الصالح أحبه إذا رأيتُ الذي يصلي الصلوات الخمس، والذي يلتزم بالسنة، ويحب الله ورسوله أحبه وأضمه وآتلف معه ومع أني أعمل المعاصي لكني أكره هذا العاصي، وأكره المجرم. فرد عليه الإمام أحمد وقال: تحب الصالحين وأنتَ منهم ومنكم قد تناولنا الشفاعة يقول: أنت من أسرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن بيتكم خرجت الشفاعة بسند رجاله ثقات، فكيف أنت؟! بل أنت من الصلحاء الكبار. قال ابن المبارك في كلمة نثرية: أحب الصالحين ولستُ منهم، وأكره الأشرار وأنا شر منهم. وقد ذكرها الذهبي بسند حسن إليه.

وسائل الوقوف ضد حرب الشهوات

وسائل الوقوف ضد حرب الشهوات أيها الإخوة: ما هي حلول حرب الشهوات؟ ذكرنا أسباب حرب الشهوات، والآن نعود بمفهوم الضد ونذكر الحلول أ/ غرس حب النوافل في القلوب إن بعض الدعاة لا يتحدث في هذه الأمور، ويقول: لا تحدث الناس في اللحية، أو في الثياب، أو في النوافل، فإذا قيل له: لماذا؟ قال: هذه قشور سبحان الله! تأتينا بمفهوم بعد خمسة عشر قرناً؟! أين الصحابة عن هذه الكلمة؟! وأين السلف الصالح والأئمة والفقهاء والعلماء؟! تقسم أنت هذا الدين إلى قشور ولُباب؟! إن مسألة قشور إزراء بالإسلام، إنها حرب على الدين إنها هجوم صارخ على السنة إنها جرح لمشاعر المسلمين، إن المسلم المسلم متكامل، أما أن يأتيك مسلم وكأنه من باريس، لا تعرفه إلا إذا صلى، فإذا قلت له: لماذا لا تظهر عليك السنة؟ قال: القضية أعظم من ذلك، وإذا قلت: وما هي القضية؟ قال: القضية قضية إيمان؛ لأن الإيمان حقائق إذا صيغت في القلب أصبحت استراتيجية الدعوة متطورة! لا. الإيمان يظهر والإيمان يبطن، الإيمان -كما عرفه أهل السنة -: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، فإذا نقص شيء فقد نقص بحسبه. إذاً: غرس النوافل، وتربية الجيل على النوافل؛ هي الحرارة الإيمانية. ب/ الثقافة الإيمانية. أيها الإخوة: هنا ملاحظة وظاهرة: إذا ركب الإنسان منا في الطائرة وجد شباباً -حتى من الدعاة- من يأخذون الرحلة كلها في قراءة مجلات وجرائد، ولو كانت إسلامية، لكنك لا تسمعه يقرأ جزءاً من القرآن، أو يسبح، أو يرفع يديه ربع ساعة أو عشر دقائق ليتصل بالواحد الأحد الذي لا يربي القلوب إلا هو وإن القلب ليضعف بسبب هذه الأمور، وهي ليست حراماً؛ لكنها ليست ثقافة إيمانية، ولا بد من قراءتها لمعرفة الواقع، لكن أين الحرارة؟! أين القرآن؟! أين الأوراد؟! كان ابن تيمية إذا صلى الفجر ذكر الله تعالى حتى يرتفع النهار، فيقول له تلاميذه: ما هذا؟ قال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدَّ لسقطت قواي. هذا الحصن الحصين، ومن المعلوم عند العلماء والصالحين أن مَن أكثر الدعاء في الصباح، ومن كان عنده اتصال بالله؛ أن الله يعافيه من كثير من الذنوب والخطايا، ويسدده ويهديه سواء السبيل. جـ/ نشر العلم الشرعي. ومنها -وأعود إلى ما قلت-: العلم الشرعي، نشر علم السلف والفكر له حجم في الإسلام، الإسلام يعترف بالعلماء ولا يعترف بالمفكرين، كلمة المفكرين ما ذكُرت في القرآن إلا من باب التفكر لأهل العلم والتدبر؛ لكن مسألة مفكر مسلم فيها نظر، فلا يوجد إلا عالم مسلم أو عالم كافر فالعلماء هم ورثة الأنبياء والمفكرون يؤجرون، ولكن يعطى الفكر مساحة، ولا بد من ربطه بمفكرين من المسلمين.

من التحديات التي تواجه الإسلام: زرع الخلاف في الصفوف

من التحديات التي تواجه الإسلام: زرع الخلاف في الصفوف ومما حوربنا به: زرع الخلاف في الصفوف، وتمزيق الكلمة بجزئيات ونحذر من بعضنا البعض ونقول دائماً: هؤلاء من جماعة كذا وهؤلاء من مشرب كذا وانتبه من هؤلاء سبحان الله! يحذر بعضُنا من بعض! أصبحنا كأننا على أناجيل متعددة! وأصبحنا كأننا في ديانات مختلفة! والذي أراه أن الأصلح أن يقوم أهل العلم وقادة هؤلاء بالتفاهم في مجالس خاصة، لمعرفة الخلاف، والعودة إلى الكتاب والسنة، ومعرفة من هو المصيب من المخطئ، وعدم إثارة ذلك في المجامع العامة، وفي محافل لا تتحملها عقول الناس. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: [[حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكَذَّبَ اللهُُ ورسولُه؟!]]. وقال ابن مسعود: [[إنك لستَ محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان عليهم فتنة]] وجاء في صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه وأرضاه سمع في الحج وفي آخر حجة حجها قائلاً يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة أي: أنها صدفة، ولا يصح إطلاق الصدفة؛ ولكنها جاءت مفاجأة طارئة، ما رُتِّب وما أُعِد لها، وما كان أبو بكر متهيئاً لأخذ الخلافة، فالقائل هذا قصدُه حسن، وهو لا يتهم أبا بكر، فهو أحق الناس بالخلافة رضي الله عنه وأرضاه، لكنه يريد أن يقول: إنها جاءت طارئة، ففُهِمَت فهماً آخر، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه: لأقومن في الحجيج هذه الليلة فأتكلم لهم عن بيعة أبي بكر، وأشرح لهم ذلك، فجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه، أحد العشرة، فقال: يا أمير المؤمنين! أنت مَن أنت -أي: في عقلك- وأنت إذا تحدثت في هذا المجمع كان فيه من الغوغاء والأوباش والسواد ما لا يفهمون كلامك فيوقعونه على غير مواقعه، فينتشرون به في الآفاق وقد غيَّروه، فتكون فتنة، فأرى أن تعود إلى المدينة فإذا وصلت إليها واجتمعت بعلية الصحابة في المسجد وبالمهاجرين والأنصار أخبرتهم وأنت على تمكن. قال: أصبت يـ ابن عوف، أصاب الله بك الخير. فعاد عمر، وألقاها في المسجد في مجتمع يفهم ما يقول. فإثارة الخلاف ليست من الحكمة، وهو تحدٍّ موجود، وأكثر من يحرض عليه هم أهل الشهوات والشبهات في الساحة، بضرب التوجهات بعضها ببعض، وفي الأخير تخسر الدعوة الإسلامية وتهبط هذه المقدرات؛ لأننا إذا هاجمنا إخوتنا سوف نخسر ألوفاً مؤلفة، فأنت كلما تحدثت في جزئية قلت: العالم الفلاني فعل كذا، حسبنا الله عليه، أما تدري أن معهم ألوفاً مؤلفة في العالم الإسلامي؟! وهل من الحكمة أن تنتقدهم؟! لا. بل اذهب إليهم، إلى قاداتهم وعلمائهم لأن الدين النصيحة، وتكلم معهم، وانصحهم {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110] {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34].

من التحديات التي تواجه الإسلام: وصم الدين بالتطرف

من التحديات التي تواجه الإسلام: وصم الدين بالتطرف الأمر الرابع: وصم الدين بالتطرف:- إن بعض الشباب -ولو استقاموا- خائفين وجلين، منهارين؛ لأنه في مجتمع يصم الإنسان بالتطرف، وقد شارك بعض المفكرين -كما أسلفتُ- في الهجوم على الشباب المستقيم، بعضهم -والله- يقول: أنا أريد أن أطلق لحيتي ولكن أخاف من هذا المجتمع، يقصد من قولهم: متطرف، متزمت، مطوِّع إلى غير هذه الكلمات، فأصبح كأن الدين متهم، وكأن من يطلق لحيته إرهابي، وأن المشاكل لا تأتي إلا منه، فيقال: انتبهوا منه! وتوضع عليه علامة استفهام من أتى بهذا؟ وإني أقول: إن من يصف الدين بالتطرف فإنه من فروخ اليهود، واتباع العلمانية، وأذناب الشيوعية، بيض استالين ولينين في الساحة، يجعلون حزب محمد صلى الله عليه وسلم متهماً؟! أنا أسأل: من المسئول عن المخدرات ونشرها في العالم؟! من المسئول عن الزنا؟! من المسئول عن البنوك الربوية؟! من المسئول عن إحداث الخلاف في الصفوف؟! من المسئول عن تضييع فرائض الله عزَّ وجلَّ؟! إنهم هؤلاء الضائعون. ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان لهان عليَّ ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني

أمور تعين على الثبات

أمور تعين على الثبات إن قضية ضرب التوجه الإسلامي ووصمه بالتطرف؛ هذا من أعظم الحروب، وينبغي لنا أن نثبت، والثبات مبني على ثلاثة أُسس: الأساس الأول: أن تعلم أن من سنن الله في الكون أن يحارَب الصالحون قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3] {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:30 - 33] وهذا من عهد رسالته عليه الصلاة والسلام، فقد سموه: شاعراً، وكاهناً، ومجنوناً قال تعالى: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:1 - 2]. إذاً: فاعرف أن قدوتك هو محمد صلى الله عليه وسلم. الأساس الثاني: اعلم أنها من الحسنات التي تُدَّخر لك عند الله، وتكفيرٌ للسيئات قال ابن سيرين: وددتُ أن الناس لا يأثمون، وهم يغتابوني. لماذا؟ لأنهم يكفرون من سيئاته. ونقل الغزالي عن الحسن البصري أن رجلاً اغتابه، فأخبر الحسن، فأهدى له طبقاً من التمر، وقال: يهدي لنا حسناته ونهدي له تمرنا. وهذه مدرسة عملية، ولذلك لا يهمنا من يهاجمنا ويسبنا، نقول: الحسنات من الله، وهذه كفارات للسيئات. الأساس الثالث: أن العظماء دائماً مبتلَون، وقد قيل: شكوتَ من ظلم الوُشاة ولم تَجِدْ ذا سؤدد إلا أُصِيْبَ بِحُسَّدِ لا زلت يا سبط الكرام مُحَسَّداً والتافه المسكين غير مُحَسَّدِ أتظن أنه يُحسد إنسان لا هم له في الحياة، رجل ينام الليل والنهار، ضائع في الدهر؟! تحسده على ماذا؟! إن العرانين تلقاها مُحَسَّدةً ولا ترى لكرام الناس حُسَّادا فيا إخوتي: إنما حُسدتم وهوجمتم بسبب ما عندكم من عَظَمَة، لأنكم تمثلون الخلود في رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، وأنتم امتداد لتلك الدعوة العالمية: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] فالضائع الذي ما عنده نور ولا هداية لا بد أن يهاجمك، ولا بد أن يعاديك. فعليك بهذه الأسس وافهمها وتدبرها.

من التحديات التي تواجه الإسلام: المؤامرة على المرأة المسلمة

من التحديات التي تواجه الإسلام: المؤامرة على المرأة المسلمة الأمر الخامس: المؤامرة على المرأة المرأة أمرها عجيب، ونبؤها غريب! وقد دخل الكافر من طريق المرأة، والرسول عليه الصلاة والسلام حذر وأخبر أن أخوف ما يخاف على الأمة النساء فقال: {إن فتنة بني إسرائيل كانت من النساء} وكان العرب في الجاهلية إذا أرادوا للرجل سحق عظيم أو إرجاع عظيم عن فكرته سلطوا عليه امرأة. ذكر الذهبي عن عبد الرزاق الصنعاني -المحدِّث الكبير، شيخ أحمد، وشيخ يحيى بن معين - أنه جاء إليه طلاب إلى صنعاء يتعلمون منه الحديث، وكان عسراً في الرواية، ما كان يحدثهم باستمرار، فطرقوا عليه الباب، فخرج عليهم، وقال: لا أحدثكم شهراً كاملاً. فتوسلوا بأصحابه فرفض، فكلموا جيرانه فرفض، فأهدوا هدية إلى امرأته من وراء حجاب وقالوا: كلمي لنا الشيخ. فأتت فكلمته فخرج الإذن في الصباح؛ لأنها تملك حق الفيتو، فقال الشيخ/ عبد الرزاق: تعالوا أحدثكم، ثم تبسم للطلاب وهم جلوس وقال: ليس الشفيع الذي يأتيك مُتَّزراً مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا وهذا البيت للفرزدق من قصيدة طويلة في ديوانه.

وسائل محاربة المرأة

وسائل محاربة المرأة إنه يُراد للتوجه الإسلامي أن يُسْحَق بطريق المرأة، والحرب على المرأة ينطلق من ثلاث جبهات: الجبهة الأولى: زعم أن الإسلام كَبَتَها حقها. وكنت مع أحد الفضلاء وهو يتكلم عن هذه القضية ويقول: أين كَبَتَها حقها؟! والله ما عرف حق المرأة إلا الإسلام، وما رفع قدرها إلا الإسلام، ولا صانها إلا الإسلام، ومن أراد أن يعرف ذلك فليقرأ مذكرات الأمم الأخرى وكتبهم حول المرأة، وحقوق المرأة عندهم فلم يعرف لها حقها إلا الإسلام. الجبهة الثانية: أن الحجاب ومسألة جلوسها في البيت وعدم مشاركتها للرجل ليس بصحيح، وأنه خلاف الواقع وهذا خطأ كبير، كان أحد الدعاة من العلماء يتكلم في مجمع كبير، فتكلم عن المرأة، فقامت امرأة من آخر الصفوف وهي سمينة وبدينة، فقالت: يقول صلى الله عليه وسلم: {رفقاً بالقوارير} وأنتم لا ترفقون بنا. فقال هذا الداعية -وكان سريع البديهة ودعوباً، وكانت هي سمينة كالبرميل- قال: نعم. يقول: {رفقاً بالقوارير} ولم يقل: رفقاً بالبراميل. وأنا ليس قصدي بهذا الهجوم على المرأة؛ لكن المرأة قد أُمْلِي في ذهنها أنها لا تشارك، وأنها محرومة من المجالات، ولذلك يُناقَش ويقال: لماذا لا تدخل المرأة إلى البرلمان؟! سبحان الله! أَحُلَّت كل مسائلنا الكبرى والصغرى وما بقي إلا مشاركة المرأة؟! نقول: نحن منا رجال كبار لم يشاركوا في البرلمان، وتأتي المرأة لتشارك؟! قالوا: ما هو موقف المرأة من العمل ومشاركة الرجل؟ والمرأة العاملة أطول عمراً، هذه حكمة تقول: المرأة العاملة أطول عمراً، أي: أن المرأة الكافرة التي تعمل أطول عمراً! وقد قيل لي في مناسبة: علِّق على هذا، فقلت: أطول عمراً في جهنم. الجبهة الثالثة: عدم تعليم المرأة أيها الإخوة الفضلاء: الناحية الثالثة تأتي من عدم تعليم المرأة، صحيحٌ أننا مسلمون، ولكني أتكلم عن كثير من بلاد العالم الإسلامي أن المرأة ما أعطيت حقها، فلو نظرنا -مثلاً- إلى هذا المؤتمر وجلالته وما فيه من اهتمام؛ لكن مهما يكن ربما تأخذ المرأة ثلث ما يجري من محاضرات ودروس، أنا أقول هذا تقديراً؛ لكن في بعض الأمكنة لا تسمع المرأة شيئاً إلا إن كانت سمعت شريطاً إسلامياً، أو تقرأ في المصحف في البيت. إن الدعاة الذين يتجهون إلى المرأة قليلون، والدعوة في جانب صفوف النساء قليلة، والمرأة لا تزال تشكو فقراً وجدباً في عالم الإيمان والدعوة فالمرأة بحاجة إلى دعاة يصلون إليها بأي وسيلة غير محرمة، ولا بد من دروس خاصة للنساء، محمد عليه الصلاة والسلام جعل للمرأة يوماً من نفسه، قال البخاري: باب هل يجعل للنساء يوماً من نفسه؟ فقد جعل لهن يوم الإثنين، يتحدث معهن؛ لأن مشاكل المرأة مشاكل خاصة عن حياتها الخاصة فلا بد من دعوات، ولا بد من علم، ولا بد من اهتمام بجانب المرأة. فأوصي إخواني الذين يشرفون على تربية النساء ورعايتهن أن ينتبهوا لهذا الجانب العظيم، فإن المرأة قد حوربت في البيت بأجهزة إعلام فتاكة، الفيلم الواحد يستطيع في نصف ساعة أن يُهَدِّمها، وأن يردها من تقية -إن لم يحفظها الله- إلى فاجرة؛ لأنها ضعيفة، ثم إن المرأة ليس عندها قوة في الإيمان -بسبب التربية- ولا رادع من العلم إلا من رحم ربك، فتنهار أمام الفيلم والمجلة الخليعة والصورة العارية والموسيقى، فلابد من تربيتها وتعليمها.

من التحديات التي تواجه الإسلام: هدم الاستعلاء عند المسلمين

من التحديات التي تواجه الإسلام: هدم الاستعلاء عند المسلمين هدم الاستعلاء في نفوس المسلمين ليعيش المسلم بلا استعلاء، يقول سبحانه وتعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران:139] يقول سيد قطب: نحن الأعلون سنداً ومتناً. وقد صَدَق، فإن سندنا من الله الواحد الأحد، وإذا افتخر الناس بالتراب، فإننا نفتخر بالوحي الخالد الذي أتى على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، تمشي وأنت مرفوع الجبين وأنا أوصيكم بقراءة كتاب الظلال على أن فيه بعض الملاحظات العقدية وبعض الملاحظات التي لا يسلم منها البشر؛ لكن الظلال في مثل هذه البلاد أمره عجيب، يجعلك تمشي وأنت مرتفع على الكافر، وأنت فوق الكافر، جبهتك في السماء، ليس مثل كتب بعض المفكرين المسلمين حيث يقول أحدهم: انظر إليهم أين بلغوا؟! بلغوا الثريا ونحن في الثرى. فيجعلك مهزوماً، وهذا ليس بصحيح بل لابد من الاستعلاء والقوة والانتصار أنت صاحب المبادئ الخالدة، قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:1] يقول في الظلال: هذا هجوم أدبي سافر على الكفار. ويقول في سورة البقرة: بدأت هذه السورة ببداية لا بد منها، إنها سحق وتدمير لبقايا اليهود فنحن نأخذ منه الحكمة، ونقول له: لقد قمت بعمل عظيم مشكور وأحسنتَ، وننبه على خطئك؛ لأنك لست بمعصوم.

من التحديات التي تواجه الإسلام: الإعجاب بحضارة الكفار

من التحديات التي تواجه الإسلام: الإعجاب بحضارة الكفار ومن التحديات: الإعجاب بحضارة الكفار، وتهويل هذه الحضارة، وصبغها بصبغة التقدم، وجعل التأخر في الإسلام، لأن ذاك يسكن في خيمة، وهذا يسكن في قصر، وذاك عنده سيارة حديثه، وهذا عنده حمار أو إبل يركب عليه، فقد جعلوا التقدم والحضارة في هذه الأمور، وهي أمور نسبية، وهؤلاء لا يفهمون شيئاً، وما عندهم من الوعي ولا من الفقه شيء. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

قصائد قتلت أصحابها

قصائد قتلت أصحابها إن الشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح، ولقد لعب الشعر دوراً عظيماً في تاريخ العرب، وقد كانت تقوم حرب ضروس طاحنة بين قبيلتين سببها بيت شعر في الهجاء لما للشعر عندهم من مكانة. ولقد سقطت كثير من رءوس الأبطال بسبب أبيات قالوها، كما أنه قد استخدم في أغراض أخرى كالمدح والثناء والغزل فعلى المسلم صاحب الشعر والقلم أن يسلطه في طاعة الله ورفع راية الإسلام.

توظيف الشعر

توظيف الشعر إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة الأبرار: أثقلت بهذا المديح والثناء هذه الليلة، ولكن -والحمد لله- قد أصبحت عندي مناعة ضد المدح والهجاء، فأُصَبَّح كلَّ يوم بقصيدة من المدح، ثم أُمَسَّى بقصيدة من الهجاء، فجعلتُها سواء، كما قال الفضيل بن عياض: لا يبلغ المؤمن الصِّدِّيقية حتى يكون مدح الناس وهجاؤهم واحداً، فعسى أن نبلغ هذا الفضل. وأما الإخوة فهم متفضلون -جزاهم الله خيراً- على أن دعَوني ودعَوا الدكتور حبيباً، ودَعوا أصحاب الفضيلة، وأهل العلم والأدب والحضور الكرام، فأشكر مركز متوسطة السيوطي على هذا الجهد، وهذا النظام وهذه الرتابة والحفاوة والضيافة. مَن تلقَ منهم تقُل لاقيتُ سيدَهم مثل النجوم التي يسري بها الساري هَيْنُون لَيْنُون أيسارٌ بنو يسر صِيْدٌ بهاليل حفَّاظون للجارِ أما ما تفضل به الدكتور/ حبيب، فلا أكتمكم سراً أني اشترطت على الإخوة والمجلس القائم على هذا النشاط بأن يقدمني الدكتور/ حبيب، ولم أتفق معه سرياً وراء الكواليس على أن يمدحني وأمدحه في مناسبات أخرى؛ لأن هذه خيانة، وقد فاجأني والله بما فعل؛ لكن له من اسمه نصيب، فقد غلبني باسمه، فأحببتُه منذ زمن بعيد، حتى يحق فيه أن أقول: أحبكَ لا تفسير عندي لصبوتي أفسِّرُ ماذا والهوى لا يُفسَّرُ وغفر الله له مبالغتَه، وهو صادق فيما يقول، ومن ثبتت حجيته فلا يسأل عن مثله ولكنه قال: إنني أحفظ عشرة آلاف قصيدة، وهو أراد أن يقول: عشرة آلاف بيت. وهذا من باب التحدث بنعمة الله، فقد حدَّثتُه في الصحراء بيني وبينه؛ لأنه ألَحَّ عليَّ في السؤال، ومن كان منكم في شك من هذا فلينازلني في أي مكان يريد، وأتحداه وأتحدى أباه وجده؛ فإن بعضكم سوف ينكر ذلك. أما عنوان المحاضرة فهو: (قصائد قتلت أصحابها) أعاذكم الله من القتل، وأسأل الله أن نقتل جميعاً في سبيله، وأن تضرب رقابنا لترتفع (لا إله إلا الله، محمد رسول الله). لكن أصحابنا من الشعراء هذه الليلة ليس فيهم واحد قُتل في سبيل الله، مع الاحتفاظ بحقوق الطبع لشعراء متأخرين. فالله المستعان! أيها الإخوة الكرام: لقد اخترتُ هذا العنوان لأننا في زمن يجب علينا أن نحاسب على الكلمة، وأن نكون مؤتَمَنين على الحرف، وأن نتقي الله فيما نقول؛ لأنه ما دام أن البشر والملوك والوزراء والأدباء يؤدبون العاصي والمنحرف في لغته وفي لفظه، ويُقتل وتضرب عنقُه، فكيف بالواحد الأحد الذي يقول: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]؟! فإنها مدرسة، فاستمعوا وأنصتوا، وإنه بإمكانك أن توظف الحرف لمرضاة الواحد الأحد، وبإمكان المنحرف أن يلغو بكلمة، فيخرج عن المنهج وعن الصراط المستقيم. وسامحوني إذا ذهبتُ ذات اليمين وذات الشمال، مع أني أريد أن أقصر من الاستطراد، لكن الأدب يتحمل، وربما كان الاستطراد أحسن من النفسية الحرفية، وهذا أمر -إن شاء الله- معلوم.

دور الشعر وتأثيره

دور الشعر وتأثيره أما تأثير الشعر فلا تَسَل، ويكفي أن محمداً عليه الصلاة والسلام يقول: {إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة} ورسولنا عليه الصلاة والسلام لم يكن شاعراً، فقد صانه الله؛ لئلا يُتَّهم في الوحي، وقد اتُّهم بالشعر وهو لم يكن شاعراً؛ فكيف لو كان شاعراً عليه الصلاة والسلام؟! أما غيره فقال كثير من أهل العلم: إنها صفة مدح في الرجل إذا كان ينْظُم ويقول الشعر، ويبدع الكلمة، ويجوِّد الحرف، وليست سلبية أبداً. وأما الشعر فإنه يجوِّد البخيل، ويشجع الجبان، ويسكت الغضبان وأضرب على ذلك أمثلة سريعة لأدخل في الموضوع: ابن الأطنابة أمير من أمراء الجاهلية في الحجاز، كان في الطائف، حضر مع قومه والتقى بقبيلة أخرى يقاتلها، ولكنه لما رأى أشعة السيوف -أعاذكم الله من أشعة السيوف- خفق قلبُه وأصابته الحمى، ففر على بغلته وترك جيشه، فلما ذهب بعيداً تذكر أنه لا بد أن تكون له منزلة في التاريخ، وأن ديوان الإنسانية سوف يذكره بهذا، فقال: أبت لي عفتي وأبى حيائي وأخذي الحمد بالثمن الربيحِ وإكراهي على المعروف نفسي وضربي هامة البطل المشيحِ وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تُحمَدي أو تستريحي فعاد وقاتل وانتصر، وسجل برائعته انتصاراً في التاريخ بسبب ثلاثة أبيات. وهذا قطري بن الفجاءة حينما حضر المعركة، والخوارج لا تسل عنهم في الشجاعة، فهم بائعو رءوسهم، والخارجي يقاتل بلا رأس ثلاثة أيام، وهذه من الإسرائيليات المنسوبة لبعض الأدباء المعاصرين، فحضر قطري وهو زعيم، فلما رأى السيوف تصرع، ورأى الجماجم تُحط من على الأكتاف فر، ثم رجع إلى المعترك وقال: أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال ويحكٍ لن تراعي فإنكِ لو سألتِ بقاء يوم على الأجل الذي لك لن تطاعي فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاعِ إلى آخر ما قال، وهي مقطوعة ذهبية جميلة فائقة رائعة، لا يمكن أن يُنْسَج على مثلها إلا أن يشاء الله.

النابغة الذبياني ويمينه البارة

النابغة الذبياني ويمينه البارة ك سار الناس، فمنهم من سكَّت الغضبان كما فعل النابغة الذبياني لما أتى النعمان بن المنذر. والحقيقة أن الشعراء دينهم رقيق إلا من رحم الله، حتى يقول ابن كثير: على مذهب الشعراء في رقة الدين، وأستثني الحضور من أهل العلم والشعر والأدب؛ لأن هؤلاء سيوف إسلامية في الأدب والشعر؛ لكن في الجملة: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء:224] فدينهم رهيف خفيف سخيف، إلا أن يشاء الله. فأخذ النابغة يعرِّض بغرفة النوم عند النعمان بن المنذر وانظر إلى العقل، من يلاعب الأسد؟! احذر السلطان واحذر بطشه لا تعاند مَن إذا قال فعلْ فأهدر النعمان بن المنذر دمه، ففر النابغة على وجهه، كلما أتى قبيلة وقال: أنا ضيفكم أستجيركم قالوا: إن كنت أنت النابغة فلا تدخل بيتنا، وكان ينام في النهار ويمشي في الليل، وفي الأخير أشار عليه أحد الحكماء أن يلبس أكفانه وأن يسلم نفسه إلى أقرب مخفر شرطة ليموت ميتة طبيعية فسلم نفسه، وذُهب به إلى النعمان بن المنذر؛ لكنه جهز ثلاث قصائد؛ لأن النفس -كما يقال- إذا كانت تغلي، فإنها تسخن في حنفيات حتى تصل إلى مصبها. وكان النابغة قد مدح أعداء النعمان الغساسنة بقصيدة رائعة قال في أولها: كِلِيْني لِهَمٍ يا أميمة ناصب وليلٍِ أقاسيه بطيء الكواكبِ تطاول حتى قلت ليس بمنقض وليس الذي يرعى النجوم بآيبِ وصدرٍِ أراح الليل عازب همه تضاعف فيه الحزن من كل جانبِ انظر إلى السحر الحلال! وليس كقصيدة: نحن أبناء الجزيرة المثنى والمغيرة التي كأنها درجات الحرارة، والصيدليات المناوبة. نريد شعراً قوياً عارماً هائلاً مؤثراً في الناس، وإلا فلنرح أنفسنا والقراء من الإكثار من كتابة القصائد بمعدل أربعٍ وعشرين قصيدة في كل ثلاث وعشرين ساعة. فهدر دمه، فلما جاء إليه النابغة قال له: حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهبُ لئن كنت قد بلغت عني وشاية لمبلغك الواشي أغش وأكذب فإنك شمس والملوك كواكبٌ إذا طَلَعَتْ لم يبدُ منهن كوكبُ فرضي، ثم قال له أيضاً: فبتُّ كأني ساورتني ضيئلةٌ من الرُكس في أنيابه السُّمُّ ناقعُ إلى آخر ما قال، وحلف له أيماناً الله أعلم بها. وكان لنا شيخ في معهد الرياض العلمي، وهو ابن منيف طيب الله ذكره، وهو لا يزال حياً، ولو كان ميتاً لترحمنا عليه، والمقصود أنني حلفتُ أني أستحق درجة أعلى من الدرجة التي أعطاني، وأنا في ثانية متوسط -وهذا من الاستطراد- فقال: أيمين امرئ القيس أم يمين النابغة؟ قلت: لا أدري، قال: إن دريتَ كمَّلتُ لك الدرجة؛ لكنني لا أعرف القصة، فقال هو: إن امرأ القيس فاجر في يمينه، حيث يقول: حلفتُ لها بالله حلفة فاجرٍ لناموا فما أن من حديث ومِن صالِ وأما النابغة فيمينه بارة، حيث يقول: حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبةً وليس وراء الله للمرء مذهبُ

مرثية ابن بقية الوزير

مرثية ابن بقية الوزير أما تأثير الشعر على الناس والملوك وأهل القرار فلا تسل، فإن الرجل يحكُم ويُصدر مرسوماً بقتل رجل ثم يندم، وتدمع عيناه، ويوجل قلبه، ويتمنى أن القصيدة التي رُثي بها ذاك المقتول قيلت فيه، وقد حصل هذا لـ عضد الدولة فنا خسرو الذي ذكره المتنبي بأعقد بيت سمع به الناس فقال: فما يُسْمَى كَـ فنا خسرو مُسْمٍ وما يُكْنَى كـ فنا خسرو كانِ ذهب إلى شيراز فقال -قاتله الله-: مغاني الشعب طيباً في المغاني بمنزلة الربيع من الزمانِ ملاعب جنة لو سار فيها سليمان لسار بترجمانِ فما يُسْمَى كَـ فنا خسرو مُسْمٍ وما يُكْنَى كـ فنا خسرو كانِ يقول: هذا الملك البطل الشجاع لا يسمى مثله ملك، ولا يُكَنَّى مثله أحد وحصل أنه قتل في عيد الأضحى من ملوك الكفار ثلاثة، جندل رءوسهم على الطريقة الإسلامية، فلما قتلهم أتى ودخل بغداد واستقبله ثمانون شاعراً، منهم السلامي والمتنبي والصولي وغيرهم، فمدحوه كثيراً. لكن اسمعوا إلى الصولي وهو يخاطب الملك بأنه ذبح وضحَّى بثلاثة من ملوك الكفار، فالناس يضحون بالنوق والخرفان وهذا يضحي بملوك الكفار، وهذه هي تضحية أهل السنة، وقد فعلها خالد القسري لما ضحَّى بـ الجعد بن درهم، فقال: أيها الناس: ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بـ الجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً. ثم رجع إلى أصل المنبر فنحره وذبحه قال ابن القيم: من أجل ذا ضحى خالد القسري بـ الجعد يوم ذبائح القربان إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني شكر الضحية كل صاحب سنةٍ لله درك من أخي قربانِ وهذا الملك قتل ثلاثة، فأتوا يسلمون عليه ويشكرون سعيه، فقال الصولي: صلِّ يا ذا العلا لربك وانحرْ كل ضِدٍّ وشانِئٍ لك أبترْ أنت أعلى من أن تكون أضا حيك قروناً من الجِمال تُعَفَّرْ بل قروناً من الملوك ذوو السؤ دد تيجانهم أمامك تُنثرْ كلما خر ساجداً لك رأس منهمُ قال سيفك: الله أكبرْ وهذه كتبت في ديوانه، وما يأتي مثلها في الشعر شيء ثم انطلق الشعراء، فتقدم السلامي وما قصَّر، وقال من قصيدة له طويلة يقول في أثنائها: فبشرتُ آمالي بشخص هو الورى ودارٍ هي الدنيا ويوم هو الدهرُ أما المتنبي فقد أخذ الجائزة، دائماً يكون في المربد الأخير، لكنه يأخذ الجائزة، فقال في قصيدته الأعجوبة: فداً لك من يقصِّر عن فداكا فلا ملِكٌ إذاً إلا فداكا المقصود أن الملك غضب على ابن بقية الوزير -وهذه القصة معروفة- فقتله وصلبه، ورآه أبو الحسن الأنباري مصلوباً على خشبة الموت؛ فبكى وبكت بغداد لهذا الجواد الكريم السخي الرحب؛ ورثاه بقصيدة تبلغ اثنين وعشرين بيتاً، ومنها: علو في الحياةِ وفي المماتِ بحَق أنت إحدى المعجزاتِ كأن الناس حولك حين قاموا وفود نَداك أيام الصِّلاتِ كأنك واقف فيهم خطيباً وهم وقفوا قياماً للصَّلاةِ مددت يديك نحوهم احتفاءً كمدهما إليهم بالهباتِ ولما ضاق بطن الأرض عن أن يواروا فيه تلك المكرماتِ أصاروا الجو قبرك واستعاضوا عن الأكفان ثوب السافياتِ فسمعها عضد الدولة، قال بعض الرواة: فدمعت عيناه وقال: والله لوددتُ أنني قُتِلْتُ وصُلِبْتُ وقِيْلَتْ فيَّ. هذا هو الشعر، وهو قليل من كثير. ولكن الشعر قد يكون سخطاً إن لم يُوظَّف في طاعة الله عزَّ وجلَّ، وغضباً إن لم يُرَشَّد بفكرة إسلامية وعقيدة تربوية، فإنه يذهب بالرأس إذا لَحَن فيه العبد لحناً لا يصلحه الخليل ولا سيبويه؛ فإن عثرة القافية تذهب برأس العبد، وربما تصليه جهنم عند الباري سبحانه {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. أول المقتولين في هذه القائمة -ولم أذكره في كتابي قصائد قتلت أصحابها إنما ذكرتُ غيره- هو: علي بن جبلة العكوك، وشعره كله نُخَب، وهو من أشعر الشعراء على الإطلاق، وقد أعجب الذهبي بشعره، وله قصائد مدوِّية، يقول في بعضها: بأبي من زارني مكتتماً حذراً من كل واشٍِ جَزِعا يطرق السن على تلك الخطا ثم ما سلَّمَ حتى ودَّعا قال العلماء: ليته زادنا قليلاً، وهي ثمانية أبيات؛ لكنه يتركك ويُنْهِيك وقد {بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب:10] ثم يقطع القصيدة، فيقول: عسى فرج يكون عسى نعلِّل نفسنا بعسى فلا تجزع إذا حصَّلتَ هماً يقطع النفَسا فأقرب ما يكون المرءُ من فرج إذا يئسا وقد ذكرت هذا في كتاب لا تحزن وهو شعر جميل وليته أطال فيه وقد وفد على أبي دلف -وهذه هي التي أذهبت رأسه، وذهب في خبر كان- فدخل على أبي دلف الشجاع الأمير الجواد، فصنَّف فيه قصيدة تبلغ سبعين بيتاً، فلما انتهى منها اهتز أبو دلف -أتته حمى تهامة - وقال: احتكم، إما أن تأخذ نصف ما عندي -وهو أمير- وإما أن تأخذ على كل بيت مائة ألف درهم، وإلا فاحكم أنت. قال: بل مائة ألف على كل بيت. يقول في هذه القصيدة: ذاد ورد الغي عن صَدَرِهْ وارعوى واللهو من وَطَرِهْ إلى أن قال: دع جدا قحطان أو مضر في يمانيه وفي مضره وامتدح من وائل رجلاً عصر الآفاق من عصره المنايا في مقانبه والعطايا في ذرا حجره إلى أن يقول: إنما الدنيا أبو دلف بين مغزاه ومحتضره فإذا ولى أبو دلف ولت الدنيا على أثره كل من في الأرض من عرب بين باديه إلى حضره مستعير منك مكرمة يكتسيها يوم مفتخره وطارت القصيدة وصارت من عيون الشعر، وعارضها عشرون شاعراً لكنهم أخفقوا كلهم، وقع الرمي تحت خشبة المرمى، حتى إن أبو نواس أراد أن يَنْظُم قصيدة على هذا النسق؛ فما استطاع. ثم سمع المأمون بهذ القصيدة؛ فاستدعاه وقال: يا بن الفاعلة! والله لأقتلنك في قولك لـ أبي دلف: كل من في الأرض من عرب بين باديه إلى حضره مستعير منك مكرمة يكتسيها يوم مفتخره ماذا تركت لنا؟ ثم استشار الهيئة الشرعية، فقالوا: نحن سنبشرك بأبيات تقدح في الشرع؛ حتى إذا قتلتَه فسيقال: إن ذلك غيرة على الدين، قال: وما هي؟ قالوا: يقول أبو دلف من قصيدة سابقة: أنت الذي تنزل الأيام منزلها وتنقل الشهر من حال إلى حالِ وما مددتَ بأقلام لها شبة إلا قضيت بأرزاق وآجالِ وهذا لا يكون إلا لله الواحد الأحد. انظروا! فقد أساء كل الإساءة، ووجدها المأمون فرصة، حتى يظهر أمام الناس أنه عَفٌّ طاهرٌ يغار لدين الله ويحفظ محارمه، والسياف حاضر، فأمره أن يضرب رأسه فصار كأنه بدون رأس، وذهب في خبر كان، وبقي شعره من أحسن الشعر عند العرب.

المتنبي وهجاؤه ضبة

المتنبي وهجاؤه ضبَّة وصاحبنا الثاني: أبو الطيب المتنبي، ولعلكم سمعتم به، وهو خطير جد خطير، فهو في الشعراء مثل أحمد بن تيمية في العلماء، وإذا جاء المتنبي انتهى الشعر والشعراء إليه، وقد استمر في الإحسان وفي الإهداء، حتى إن الشوكاني يقول في البدر الطالع: يكفيه فخراً وشرفاً أن له خمسمائة بيت تدور على ألسنة الملوك فقط، من غير رعاة الأبقار والأغنام فهو شاعر الدنيا، وديوانه قدر خمسمائة صفحة، له ما يقارب خمسة آلاف وستمائة بيت، أو ستة آلاف، وقد سرى بها في الدنيا وبعض المعاصرين لهم أربعة دواوين، كل ديوان مثل كيس الأسمنت، ولا يحفظ الناس منها بيتاً واحداً فهذا المتنبي، ويكفيه أنني عقدتُ له مناظرة، والمرجع: مقامات القرني قلتُ: من أنت؟ قال: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسْمَعَتْ كلماتي من به صممُ وتوقيعاته معروفة دائماً. قلتُ له: ما رأيك في حُسَّادك؟ قال: إني وإن لُمْتُ حاسِدِيَّ فما أنكر أني عقوبة لهمُ اسمع هذا البيت، الْغِ الديوان وخذ منه هذا البيت، يقول: جعلني الله عقوبة لهم، لكن أستغفر الله لهم. قلت: السفهاء يتطاولون على العظماء. قال: وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ فهي الشهادة لي بأني كاملُ هكذا تفجر طاقة في اللغة والإبداع، مع القلة والنزر اليسير، لكنه الدرر وكان خفيف الدين، عهده بالوضوء في عطلة الربيع حين سافر إلى مصر، يُقال: كان لا يشرب الخمر ولا يصلي، قلنا: وددنا لو أنه شرب الخمر وصلى. وأوصي إخواننا أن يحفظوا ألسنتهم شعراً ونثراً وكتابةً من أعراض المسلمين، فإنهم إن لم يخافوا العقوبة في الدنيا والسلطة؛ فإن الواحد الأحد سوف يبرز للبشر على عرشه سبحانه وتعالى، ويحاسبهم بما اقترفت أيمانهم وأيديهم وألسنتهم، ووالله لن يغادروا الموقف حتى يقتص سبحانه وتعالى لعباده بعضهم من بعض. فأتى -والعياذ بالله- وتعرض لرجل أغضبه اسمه ضبة، وقال في قصيدة له شنيعة لا أذكر منها الإسفاف -نعوذ بالله- فسأترك الفُحش الذي في ديوانه، ففي ديوانه فُحش ومقت وسُخط؛ وهذا لأنه ليس عنده تقوى ولا دين قال: ما أنصف القومُ ضبة وأمَّه الطُّرْطُبَّة فلا بمن مات فخراً ولا بمن عاش رغبة وإنما قلتُ ما قلتُ رحمةً لا محبة وحيلة لك حتى عذرت لو كنت تأبه ومن يبالي بذم إذا تعوَّد كسبه إلى هنا وأقف؛ لأنه دخل في أمور أستحي من ذكرها، وهي من أسوأ قصائده -كما يقول محمود شاكر، وغيره من الأدباء والنقاد- ومع ذلك كانت سبب حتفه، فرصد له ضبة وقوم من بني أسد وتعرضوا له، وفي الطريق رده أحد الأدباء وقال له: احذر، اتقِ الناس، إنك هجوت هؤلاء القوم وسوف يعترضون لك، فقال بكِبْر وعُجْب وتيه: والله لو أن بني أسد ظمأى لخمس، ونهر الفرات يترقرق ويتقلب ماؤه كبطون الحيات -البلاغة عنده حتى ورأسه سيذهب! - ومخصرتي -أي: عصاي- على النهر، ثم رأوا الماء ما وردوه. وهذه كذبة تصنَّعها، كذبة إبليس، فقالوا له: خذ حرساً، قال: أمِنْهُم؟! والله لو خيالي سارٍ لغلبهم، قالوا: هذا صِدْقٌ! فذهب في الصحراء، وإذا بهم بعد قليل يطوقون المكان بمن فيه، فقالوا له: ارفع يديك، فأراد أن يهرب؛ لأن حوله ما يقارب الستين، وأراد أن ينسحب، ومعه ابنه محسد ومولاه وقوم من مرافقيه، فانسحب وهرب، فصاح به مولاه -وقيل ابنه والصحيح أنه مولاه: ألستَ القائل: الخيل والليل والبيداءُ تعرفني والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ فقال: قتلتني قتلك الله! ثم رجع بالسيف، فقتلوه، فكأنه خُلق بدون رأس، وذهب رأسُه مِن أجل: ما أنصف القومُ ضبة وأمَّه الطُّرطُبَّة فانظر إلى هذه الخطورة وهذا الإعراض.

هجاء طرفة لعمرو بن هند

هجاء طرفة لعمرو بن هند أما طرفة بن العبد، وحسبك به! العبقري الثائر المتمرد، الذي قُتل وعمره ست وعشرون سنة، والعبقرية لا تعرف عُمْراً ست وعشرون سنة يدخل فيها على الملوك ويسجل أروع القصائد، حتى إن بعضهم يجعل معلقته بعد معلقة امرئ القيس مباشرة، وبعضهم ألَّف فيها تصنيفاً بديعاً، وهي من أخطر وأبلغ وأمهر المعلقات على الإطلاق، ومع ذلك قُتِل وعمره ست وعشرون سنة وانظر إلى جيلنا الحاضر، يبلغ أحدهم ثلاثين سنة ولا يستطيع أن يشتري أغراضه من السوق وهذا هو صاحب الدالِية التي يقول فيها: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهندِ أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشددِ إلى أن يقول: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي فإن كنت لا تسطِيع دفع مَنِيَّتي فدعني أبادرها بما ملكت يدي يقول: ما دمت سأموت فاسقوني الخمر، وأعطوني الشهوات، واجعلوا البيع بالجملة؛ لأنه ما عنده آخرة، وقد كان قبل الرسول صلى الله عليه وسلم في عهد الجاهلية، وليس عند الجاهليين نور، بل كانوا كالبهائم؛ لأنه قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم كنا بلا عقول ولا طهارة، ولا زكاة، ولا تفكير، ولا أدب، حتى بُعث محمد صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. وقد ذكرت بعضُ أبياته عند الخليفة الراشد الزاهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه في مجلس الأدب، فقيل له: يقول طرفة: فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى وجدكَ لم أحْفَلْ متى قام عُوَّدي يقسم أنه لولا ثلاث لم يهتم بالحياة، وإنما يريد أن يموت، ويريد أن يقوم عليه النُّعاة. قال عمر: وما هي؟ قيل له، يقول: فمنهن سبق العاذلات بشربة كُميْتٍ متى ما تعل بالماء تزبدِ أي: كأس الخمر. وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ببهكنة تحت الخباء الممددِ أي: امرأة. وكري إذا نادى المضاف مجنباً كليث الغضا نبهتَه المتورِّدِ فدمعت عينا عمر، وقال: والله لولا ثلاث لم أحْفَل متى قام عُوَّدي، وهو منطق أهل الإسلام والإيمان والرشد: مزاحمة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما يُنْتَقى أطايب الثمر، وأن أصوم يوماً حاراً بعيداً طرفاه، وأن أمرِّغ وجهي لربي في التراب ساجداً. فجزاه الله خيراً، فإن هذا منطق أهل الاصطلاح الخيِّر، لا منطق الجاهلية العفن. أما طرفة فما أصابه بأس بهذه القصيدة المعلقة التي تركها لنا، وهي من أجود القصائد. أتى إلى عمرو بن هند، وهو الذي يخاف منه الطير في الدهناء، وأتى يتعرض له ويستهزئ بمجلسه ويقول: فليت لنا مكان الملك عمرو رغوثاً حول قبتنا تخورُ يقول: بودي لو أن بدل عمرو بن هند بقرة! أهذا منطق؟! من الزمرات أسبل قادماها وضرتها مركنة دَرورُ أي: تكون حلوباً، يقول: والله لا استفدنا منه ولا أعطانا شيئاً. يشاركنا لنا رخلان فيها وتعلوها الكباش فما تنور لعمرك إن قابوس بن هند ليخلط ملكه نوك كثيرُ فطارت القصيدة بحفظ الله ورعايته إلى عمرو بن هند، وهو الذي قتل ملوكاً، ولا يُمْزَح معه، فقال: عليَّ به، فأتى، وأراد عمرو أن يظهر في موطن الصيانة والرزانة؛ لئلا يقول الناس: إنه قتل طرفة الشاب العبقري المارد، الذكي الألمعي، إذ كيف له أن يقتله؟! فدعاه وحياه ورحب به وغدَّاه وألبسه، وقال: لك عندي رسالة فاذهب بها إلى ملك البحرين، وأعطاه الرسالة، وأعطى المتلمس رسالة أخرى، ووضعهما في ظرفين وأعطاهما، فأما المتلمس فقد شك -فربما كان الذيب في القريب، كما قال بعض السلف، أو الصميل في الكيس، كما قال بعضهم- ففتح الرسالة وإذا فيها: إذا أتاك المتلمس فقطِّع أطرافه الأربعة ثم اضرب عنقه، ففر وقال لـ طرفة: اذهب، يكفيك هذا الشعر، خذ الرسالة، قال: لا، بل حسدتني -وقد كان قريباً له- والله إن لي جائزة، وتريد أن تأخذها أنت عليَّ فذهب بها إلى الملك، فقرأها، فقطَّع أطرافه الأربعة ثم ضرب عنقه، فذهب في خبر كان من أجل أربعة أبيات أو أكثر وهي من أسوأ أبياته على الإطلاق، وهي ركيكة، لكن هذه عاقبة اللسان الذي لا يحفظه العبد، وهذا مع البشر فكيف مع الواحد الديان جلَّ في علاه.

الأعشى والحجاج بن يوسف

الأعشى والحجاج بن يوسف والشاعر الآخر مسلم اسمه: الأعشى الهمداني قتله أدبه وشعره، وكان شاعراً مجيداً لكن خرج مع فتنة ابن الأشعث التي خرجوا فيها على عبد الملك بن مروان، ومعهم سبعون عالماً من علماء أهل السنة، رضي الله عنهم، منهم: سعيد بن جبير الذي ذهب دمه هدراً ورأسه شذراً، ومنهم: عامر الشعبي العالِم الكبير حتى أنه ذات مرة دخل الحجاج فقيل له: أين كنتَ؟ قال: كنتُ في مكان كما قال تأبط شراً: عوى الذئب فاستأنستُ بالذئب إذ عوى وصوَّت إنسان فكدتُ أطيرُ وهذا من أجمل الأبيات، وهو من عيون الشعر وتأبط شراً ما كان يأخذ الجِمال ويستعيرها من أحد، وما كان يشتريها، بل كان يقول: الله هو الذي خلق الجِمال، وليست من الناس، فيأخذها عُنوة، وقد كان مارداً متجبراً، السيف عنده جاهز يقطر دماً يقول أحد الصعاليك: إذا مَرَّ بجِمالي قلت له: خذ ما تريد واذهب يقول في مطلع القصيدة، وهي خطيرة وأخَّاذة: درى الله أني للجليس لشانِئٌ وتبغضهم لي مقلةٌ وضميرُ يقول: لا تضيِّع وقتَك بالجلوس مع الناس، اذهب واسرق لك جِمالاً وكباشاً، وخذ لك واشبع. درى الله أني للجليس لشانِئٌ وتبغضهم لي مقلةٌ وضميرُ ولا أسأل العبد الفقير بعيرَه وبُعْران ربي في البلاد كثيرُ عوى الذئب فاستأنستُ بالذئب إذ عوى وصوَّت إنسان فكدتُ أطيرُ المقصود أن الأعشى الهمداني خرج في هذه الفتنة، فلما خرج نَظَم قصائد فيمن كان أمير الفتنة ضد الحجاج، وهو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، يقول في بعضها: يأبى الإله وعزة ابن محمد وجدود ملك قبل آل ثمودِ أن تأنسوا بمُذَمَّمِين عروقهم في الناس إن نُسِبُوا عروق عبيدِ يقصد الحجاج ومَن معه. ثم رجع إلى الممدوح، يقول: كم من أب لك كان يُعْقَد تاجه بجبين أبلج مِقْوَدٍ صنديدِ إلى أن يقول: بين الأشج وبين قيس باذِخٌ بَخ بَخ لوالده وللمولودِ أي: بين أبيك وبين جدك. فقال الحجاج لما سمعها: والله ما أتركه يبَخْبِخْ بعدها. وهذه الكلمة تُنطق عند أهل اللغة: بَخٍ بَخٍ، وبَخْ بَخْ، والرسول صلى الله عليه وسلم لما تصدَّقَ أحد الصحابة بمزرعته قال: {بخ بخ ربح البيع} وضَبَطها المحدثون: بَخٍِ بَخٍ. ما قصَّرَت بك أن تنال مدى العلا أخلاق مكرُمة وأجودَ جود فاستدعاه الحجاج، فوقف أمامه، وحلف بالله: إنك أحب الناس عندي. يقول هذا للحجاج وهو قد خرج عليه، وقال: إنه أحب الناس لأنه يرى النطع أمامه، والسيف مشهور، والكفن منشور قيل لبعض العلماء وهو يرتجف: ما لك ترتجف وقد كنت تشجعنا وتثبتنا؟ قال: ما لي لا أرتجف وأنا أرى قبراً محفوراً، وسيفاً مشهوراً، وكفناً منشوراً!! فحلف بالله إنني أحبك وإني ما خرجتُ رغبة، وإني قد قلت فيك قصيدة. قال: وما هي؟ فقال القصيدة. ثم قال له: أوَنِسْيَتَ قولك: بين الأشج وبين قيس باذِخٌ بَخ بَخ لوالده وللمولودِ والله لا تُبَخْبِخُ بعد اليوم، يا غلام ائتني برأسه، فضَرَبَ رأسه، فكأنه لم يُخلق له رأس. وهذا لأنه لم يقدر الموقف.

صالح بن عبد القدوس والمهدي

صالح بن عبد القدوس والمهدي االشاعر الأثيم النذل الخسيس الحقير صالح بن عبد القدوس، فإنه قد نال جزاءه على الزندقة والإلحاد في دين الله، وهذا جزاء من استهزأ بالدين: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] وهو حكيم بلسانه، لكنه نذل منافق، يجوِّد العبارة، وهو من أشعر الشعراء؛ لكنه لم يستفد من الشعر شيئاً قاتله الله! يقول ابن المعتز في الطبقات: إن كان قال القصيدة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. قلت: شكر الله لك! ويقول محمد الغزالي المعاصر: من قال كلاماً جميلاً شعراً أو نثراً ذهبنا إليه وقبَّلنا جبينه، ومن قال كلاماً خسيساً حقيراً في الملة ملأنا فاه تراباً. يقول هذا في حكمة له: ذهب الشباب فما له من عودة وأتى المشيب فأين منه المهربُ هذا صحيح. دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنبُ واذكر مناقشة الحساب فإنه لا بد يُحصى ما جنيتَ ويُكتبُ لكنه لم يتذكر هو. والليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيه تُعَدُّ وتُحسبُ وجاء بقصائد كثيرة من الأبيات المجيدة، والحكم البالغة النافعة لمن تدبرها، ولكنه لم يمتثل بها في حياته، بل تطاول إلى جناب الرسول الشريف صلى الله عليه وسلم -عياذاً بالله- فداه أبي وأمي، وملأ الله قلوبنا من محبته، وفديناه بأرواحنا ودمائنا صلى الله عليه وسلم إن كان أحببتُ بعد الله مثلك في بدوٍ وحَضْرٍ وفي عُرْب وفي عجمِ فلا اشتَفَى ناظري من منظرٍ حسنٍ ولا تفوه بالقول السديد فمي فلعنه أهل العلم، وجزى الله المهدي أمير المؤمنين الخليفة العباسي خيراً، فقد استدعاه في الحال وقال له: أنت الذي قلت في الجناب الشريف كذا كذا؟ فأقسم بالله أنه ما قال، وبكى أمام الناس، وأن أعداءه زوروا عليه، فأصبح الأمر محتمَلاً، فأراد المهدي أن يتركه وقال له: اذهب، فلما صار عند الباب وأراد الله أن يأتي برأسه- قال له: تعال، ماذا قلتَ في قصيدتك: والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه وهو قد أصبح شيخاً كبيراً. قال: قلت: والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه إذا ارعوى عاد إلى جهله كذي الضنا عاد إلى نُكسِهِ قال: والله لا تترك أخلاقك، عليَّ برأسه، فقطعوا رأسه، والحمد لله {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45].

دعبل وتهانيه للملوك

دعبل وتهانيه للملوك ومعنا دعبل الخزاعي، وله نكات ولطائف، حتى أنه قبل أن يقتل أوصى أن يُدفن في النجف عند أهل البيت في طرف المقبرة؛ لأنه كان يحب أهل البيت حباً شديداً، وقد غالى فيهم وزاد حتى تجاوز السنة، ونحن نحبهم ونتولاهم فأوصى أن يُدفن على طرف مقبرة أهل البيت، وأن يُكتب على قبره: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18] والعجيب أنه كلما جاء خليفة تناوله بقصيدة، والأصل أن الناس كانوا يهنئونه ويرسلون له برقيات التهاني، وهم في فرحة، لكن دعبل كان يرسل له بقصيدة، فعندما تولى المأمون وهنأه الناس، جاء دعبل وأرسل له قصيدة، يقول فيها: يسومني المأمون خطة هاشم؟؟ أوَما رأى بالأمس رأس محمد؟ يقول: إن محمداً الأمين -أخاك أيها المأمون - قتلناه نحن قبيلة خزاعة على يد طاهر بن الحسين الخزاعي فاعلم أننا سنقتلك أتقتل المأمون يا دعبل؟! قال: شادوا بذكرك بعد طول خُمولِهِ واستنهضوك من المحل الأوهدِ يقول: لاحظ يا مأمون! أننا نحن الذين رفعناك. دعبل هذا رجل أعرابي عنده أتان ما تساوي مائة درهم، ويقول: إنه هو الذي رفع المأمون، الذي جده خليفة، وأبوه خليفة، وإخوانه خلفاء، وولِد في بيت الخلافة! فقال المأمون: قاتله الله، ويلي عليه، يقول دعبل: هو الذي استنهضني؟! شادوا بذكرك بعد طول خُمولِهِ واستنهضوك من المحل الأوهدِ ثم انتهى من القصيدة، لكن المأمون كان عنده حِلْم، حتى أنه يقول: والله الذي لا إله إلا هو لقد حُبِّبَ إلي العفو حتى خشيت ألا أوجر عليه؛ لأنه أصبح عنده سجية وجِبِلَّة، حتى أنه عفا عن الفضل بن الربيع، وعن أناس كبار أرادوا قلب الدولة؛ لكن خطيئته -والله سبحانه وتعالى يتولاه- ما فعل في فتنة القول بخلق القرآن، وهذا حديثٌ طويل، ندعه ونرجع إلى قصة دعبل الخزاعي. هذا الرجل مدح آل البيت بقصيدة من أعظم القصائد، يسميها الكرمي: القصيدة العامرة، وصَدَق! وهي من أمهات الشعر وعيون الأدب، يقول فيها: مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصاتِ لآل رسول الله بالخيفٍ من منى وبالركن والتعريف والجمراتِ ديار عفاها كل جَون مباكر ولم تعف للأيام والسنواتِ قفا نسأل الدار التي خف أهلها متى عهدها بالصوم والصلواتِ؟ إلى أن يقول فيها: إذا وُتِروا مدُّوا إلى واتريهم أكفَّاً عن الأوتار منقبضاتِ إذا ذكروا قتلى بـ بدر وخيبر ويوم حنين أسبلوا العبراتِ قبور بـ كوفات وأخرى بـ طيبة وأخرى بفخ ما لها فلواتِ فقبر بأرض الجوزجان محله وقبر بباخمرا لدى الغرباتِ في قصيدة طويلة وجميلة ورائعة، وذهب يلقيها على علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين فأغمي على هذا الأمير، وهو ولي العهد، فوقع من على الكرسي، وهو يلقي عليه هذا الرجل قصيدته، ثم أعطاه بردَته جائزةً له، فمر ببلدة قم وفيها شيعة، فقالوا: أعطِنا إياها بما أردتَ من ثمن. فقال: والله لا أبيعها، فتناهبوها حتى ما أصبح في يده إلا كشف الرأس، وذلك ليتبرك بها. ولما مات المأمون، وتولى بعده المعتصم، أرسل له برقية تهنئة، يقول فيها: ملوك بني العباس في الكُتْب سبعةٌ ولم تأتنا في ثامن منهم الكُتْبُ لأن الثامن هو المعتصم. فيقول: من أين جئت أنت؟ ما أنت منهم أصلاً ولا لك أي حق في الخلافة. انتهى من الإشكال مع المأمون، والآن يحسب أن الحال سيصلح، قال: ملوك بني العباس في الكُتْب سبعةٌ ولم تأتنا في ثامن منهم الكُتْبُ كذلك أهل الكهف في الكهف سبعةٌ وثامنهم فيما أتى عندنا كلْبُ واسمع إلى الكلام الآتي وهو يعتذر للكلب، ويقول: مع احترامي للكلب أستغفر الله العظيم، وهذا مع من؟ إنه مع المعتصم الذي دوخ الروم، وجعلهم يتركون المدن، وكان يحرق المدن مدينة بعد مدينة حتى قال أبو تمام: لما رأت أختها بالأمس قد خربت صار الخراب لها أعدى من الجربِ خليفة الله جازى الله سعيكَ عن جرثومة الدين والأخلاق والحسبِ أجبت صوتاً زَبْطَرِياً هرقت له كأس الكرى ورضاب الخرد العرب هذا المعتصم القوي الشجاع الفتاك يُتَناوَل بهذا الكلام؟! انظر إلى المجازاة! قال: وإني لأُزْري الكلب عن ذكره بكم لأنَّ لكم ذنباً وليس له ذنبُ يقول: مع احترامي للكلب. إلى آخر القصيدة. فسمعها المعتصم، فغضب وأزبد وأرعد وقال: عليَّ به، ففرَّ إلى خراسان، وضاعت القضية، فأتى به الله، ولم يقتله المعتصم، وإنما قتله مالك بن طوق الوزير عندما تعرَّض له دعبل بقصيدة، فاستدعاه فحلف أنه ما قالها، وأنها وضعت عليه -من الذي وضعها عليه؟ وما هذه الصهيونية العالمية التي تنْظُم أشعاراً للشعراء هؤلاء؟! فقال له: لكني إذا تركتك فستعدي غيرك، فشهَّر به وجلده أمام الناس، ثم أرسل له من اغتاله في خراسان، وقيل: بل سقاه سماً، فذهب شَذَر مَذَر.

الرسالة المصطفاة من هذا الحديث

الرسالة المصطفاة من هذا الحديث أيها الإخوة الكرام: ما هي الرسالة المصطفاة من هذا الحديث؟ هؤلاء قد قُتلوا وذهبوا وانتهوا؛ لكن ما هي الرسالة التي نريد أن نوجهها؟ الرسالة لأهل الأدب، وحملة الأقلام، ورجال الإعلام، والعلماء والأدباء والشعراء: أن يتقوا الله فيما يقولون ويكتبون، وأن يعلموا أن الله سوف يوقفهم في يوم لا ينفع مال فيه ولا بنون نعم، قد يستغفر العبد فيُغفر له، وقد يُجلد؛ لكن يقول سبحانه وتعالى عن نفسه: {لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25 - 26] يقول: لا يعذب عذاب الله أحد من البشر، ولا يوثق -إذا حبس سبحانه وتعالى- وثاقه أحد فالله الله! أرسل هذه الكلمة صادعةً ناصعةً قويةً إلى كل مَن عنده فكر أو قلم يحمله أو لسان أن يتقي ربه، وأن يحاسب نفسه فيما يكتب، فإنه سوف يمر به وقت تُعرض عليه الصحف، ويُناقَش حرفاً حرفاًً فيما قال وفيما كتب، ولينظر مصارع هؤلاء (مصائب قوم عند قوم فوائدُ). وقد قال تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ} [الأحقاف:27] فلتعتبروا يا أولي الأبصار! وهي رسالة للجميع، وإنني آسَف كل الأسف أن فينا من أهل الأدب والعلم والدعوة مَن يتعرض لإخوانه الدعاة والأدباء، والمشايخ وطلبة العلم، بالهمز واللمز والهجاء والكتابة السيئة في ساحات الإنترنت، وفي الرسائل وفي المجالس {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:4 - 5] {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} [الزخرف:19]. فاتقوا الله فيما تقولون وما تكتبون، وحاسبوا أقوالكم شعراً ونثراً، واستغفروا ربكم إنه غفور رحيم. سامحن بالقليل من غير عذل ربما أقنع القليل وأرضى وصلى الله على الحبيب وسلم، وعلى آله وصحبه ومن سار على منهجه إلى يوم الدين. اللهم وفقنا لأحسن الأقوال والأعمال. اللهم زَكِّ نفوسنا، أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم إنا نسألك سداداً في الكلم، وقواماً في المنهج، وحسناً في الأدب، ورعاية في الملة. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

سيرة الشيخ عائض الأدبية

سيرة الشيخ عائض الأدبية Q جزى الله خيراً أخي فضيلة الشيخ/ عائض بن عبد الله القرني على هذه المحاضرة القيمة. وقبل أن نبدأ بالمداخلات وبما يتعلق بها، نريد أن نسأل الشيخ عن سيرته الأدبية؛ لأن كثيراً منَّا يعرف الشيخ/ عائض عالماً وفقيهاً ومحدِّثاً ومفكراً، ولكن بعضنا يجهل سيرة الشيخ عائض الأدبية. أريد من الشيخ عائض -إن أذن لنا بذلك- أن يذكر لنا بدايته الشعرية، ونتفاً من سيرته الأدبية. A بارك الله فيكم، وغفر الله لمن كان جاهلاً بسيرتي في الأدب. كما تشاهدون أخاكم في موقف لا يُحسد عليه أمام الأدباء والشعراء وأهل الفضل والخير، ولكن: وكم في الحفل أبهى من عروسٍ ولكن للعروس الدهر ساعد فأقول أيها الإخوة: لكل بداية نقص، والعبر بكمال النهايات لا بنقص البدايات، وقد أحببت الأدب من الأول المتوسط بمعهد الرياض، وكان يدرسنا الأستاذ البليغ الأديب الدكتور/ إبراهيم الجوير، ثم في النحو الدكتور/ محمد الفاضل وكذلك الشيخ/ عبد العزيز الفنتوك، وملأ غيرهم من الأخيار، وكان فيهم أدب واهتمام بالشعر وبالكلمة، فكنت أظن وأنا في المتوسط أن الشريعة هذه التي اسمها شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أنها دواوين الشعر، وأن جريراً نصر الله به الإسلام، حتى ظهر أن جريراً هذا والفرزدق كان لهما إبل يرعيانها في الصحراء، وما كان عندهما إلا الهجاء، وقد ضيعا الدين، ضيعهما الله فرجعنا وبدأنا نحفظ، وبدأتُ بـ جواهر الأدب وبغيره إلى الثالث المتوسط، وكنت أشارك في الحفلات والأندية الأدبية وبعض المخيمات الصغيرة، وكما تعرفون أن الناس يغُرُّون، فيقول لي بعض الزملاء: فتح الله عليك! هذا الشعر لا يُطاق مثله ويصحح لي أحد الأساتذة فيقول: أنت في شعرك شيءٌ عجيب، حتى أني أتفكر في قوة شعرك دائماً. فبلغ بي ذلك أن قلت: أني مثل المتنبي أو قريب منه! وكانوا يسألونني في حفلات المعهد في المقابلات، فكان يسألني طالب مثلي ويقول: مَن ترى من الشعراء أنه شاعر؟ فأقول: المتنبي لا بأس بشعره، وفلان لي عليه ملاحظات وآتي بأبياته، وكذا لأنني كنت جداً محباً للشعر، وأتى إلينا مرة وفد معهد الجوف زائراً فقالوا: نريد شاعر المعهد، الشاعر الكبير المصقع أن يَنْظُم، فذهبتُ فنَظَمْت قصيدة، فأولاً مدحتُ المعهد -هذا قاموس مفهرس- بقصيدة في ثلاثين بيتاً وهي موجودة ومحفوظة، وأثنيت على الأساتذة والمشايخ، ثم رحبت بالمعهد الوافد، ثم رثيت الملك فيصل؛ لأنه قتل في الأسبوع الأسود، ثم ذكرتُ الإسلام، وبدأتُها بالبيت الذي ما سمع العرب ببيت أضعف منه: لك يا معهدي الأجل سلامي عامر الود والأماني أمامي جئتك اليوم نافضاً عن إهابي أثر الجهل زاده إفهامي اسمع البلاغة إلى آخر الكلام، من القصيدة، وليتهم استتابوني تلك الليلة؛ لكن جاء الأستاذ وزاد الطين بلة، فقال: سبحان الله العظيم! ما سمعنا بمثل هذه. فلما كبُرت ورأيت البيان وذهبت إلى أبها، وفقنا الله بشيخ جليل، وعلامة رباني، وهو ولي من أولياء الله، وهو عبيد الله الأفغاني، وهو يدرس الآن في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فحفظت على يديه القرآن مجوَّداً، وقال لي: العلم ليس هذا، هذا أدب، عليك بـ صحيح البخاري فبدأتُ بـ صحيح البخاري وفتح الباري إلى أن أعطانا الله شيئاً، ولا ننكر أنه أعطانا، ولكن ليس عندنا إلا القليل، فالفضل كله للواحد الأحد.

أشعر الشعراء في القديم والحديث

أشعر الشعراء في القديم والحديث Q شيخ عائض: من يعجبك من الشعراء من المتقدمين ومن المتأخرين؟ A يعجبني كثيراً مِن المتقدمين منهم أهل المعلقات، ويعجبني شعر النابغة الذبياني، وأنا مع من يفضله أحياناً على زهير وطرفة صاحب القصيدة الدالية. وأما من الشعراء جميعاً المتقدمين منهم والمتأخرين، والأحياء منهم والأموات: فهو المتنبي، وقد ألفت فيه كتاباً لدى مطابع العبيكان -وهذا للمعلومة- أسميته: امبراطور الشعراء الشاعر الأسطورة المتنبي. وأما المعاصرين فكثير من الإخوان، ولن أذكر أحداً منهم؛ لكنهم أتحفونا بملأ منهم، وأنا أشاهدهم أمامي، فليعفوني، لأنني محرج من ذكر الأسماء، وأحياناً أذكر أربعة وأنسى ثلاثة، فالذين أمامي هم من الشعراء المتأخرين الذين نحبهم ونحب شعرهم، وأقرأ لهم بارك الله فيكم.

تكلف الشعر

تكلف الشعر Q بماذا تنصح من يتكلف الشعر تكلفاً؟ A أنصحه أن يتقي الله وأن يريح المسلمين من شره، فلا ينظُم شيئاً؛ لأن بعض الناس يريد أن يقنعنا بالقوة أنه شاعر، ولا بد أن نعترف له، وينْظُم لنا قصائد في الجرائد يومياً، وهذا ليس بشعر، إنما هو منظومات، مثل: قال محمد هو ابن مالك أحمد ربي الله خير مالكِ فعليه أن يريحنا ويتقي الله فينا، فإن عندنا مصائب، كقضية فلسطين والشيشان وأفغانستان، فلا يزيدنا مصيبة رابعة، وأرى أن يتوجه لما خلقه الله، فالله لم يخلق الناس كلهم أدباء أو شعراء، ولتنظروا إلى الصحابة! هل كان أبو بكر شاعراً؟ له بيتٌ أو بيتين، وهو أول الصحابة فضلاً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك عمر رضي الله عنه لم يكن شاعراً، فـ حسان في الشعر، وزيد بن ثابت في الفرائض، وأبي بن كعب في القرآن، وابن عباس في التفسير، وذاك في الفقه وهكذا. فيا إخوة: مَن فُتِح عليه باب فليلزمه، ولا يكلف نفسه موهبة ما خلقه الله من أجلها، فيثقل علينا ويثقل على نفسه. زارني شاب إلى البيت، وقال: عندي قصيدة أريد أن أعرضها عليك. فقلت له: تفضل، فبدأ بها، وصبرني الله سبحانه حتى انتهى منها، ولما انتهى قال: ما رأيك فيها؟ قلت: الحمد لله الذي أخرجها من بطنك، ولو بقيت فيك لقَتَلَتْك. إذاً: الفضل هو في قراءة القرآن، وفي الذكر، وفي العبادة، وأما الشعراء فعليهم أن ينصروا الدين بشعرهم.

قصائد قيلت في ابن باز

قصائد قيلت في ابن باز Q هناك قصائد كثيرة من قصائد الشيخ، والشيخ له قصائد طنانة ومعروفة؛ فأرجو أن تتأخر المداخلات الصوتية قليلاً ليتسنى لنا أن نسأل الشيخ: نريد من الشيخ أن يذكر لنا ما قاله في الشيخ/ عبد العزيز بن باز رحمه الله. A أحسنت، وهو مثلما تفضلت وقلت: لي قصائد طنانة، نعم لي قصائدي هي قسمان: طنانة، ورنانة. وأما الشيخ ابن باز فلي معه تجارب، وهو من أحب الناس إلى قلبي، عسى الله أن يجمعنا به وبكم في جنات النعيم، وقد ألقيت عليه أربع قصائد، أما القصيدة الأولى فهي قصيدة: أبو ذر في القرن الخامس عشر، وبعض الشباب يسميها: الذرية، وهي قوية عندي وعند الشعراء من أقراني وزملائي، ولكنها لا تصلح في مجالس العلماء؛ لأن فيها رمزية وخيال، فألقيتها عليه في الحج، وكان معنا بعض المشايخ، فقلتُ فيها: دمعة الزهد فوق خدكَ خرسا ووجيب الفؤاد يحدث جَرْسا أنتَ مَن أنتَ يا محب وماذا في حناياك هل تحملت مَسَّا إلى أن قلت: لاطَفوني هددتهم هددوني بالمنايا لاطَفتُ حتى أُحَسَّا أركبوني نزلت أركب عزمي أنزلوني ركبتُ في الحق نفسا أطرد الموت مقدماً فيولِّي والمنايا أجتاحها وهي نعسى إلى آخر القصيدة، ولما انتهيت عقب الشيخ وقال: أما الأخ عائض فقد أجاد في قصيدته، ولكن الواجب أن يوضح لنا المراد، وأن يبين لنا ماذا يريد في قصيدته، وأن ينصر السنة بقصيدته إلى آخر ما قال، فقلتُ: لقد أسمعتَ! فجاء الحفل في آخر الحج، فألقيت عليه قصيدة، فوضَّحتُها كالشمس، مثل: كلامنا لفظ مفيد كـ (اسْتَقِم) واسم وفعل ثم حرف الكلم قلت فيها: يا مركز الخير حيوا لي محياهُ نداء حق من الفصحى سمعناهُ قد أطرب الأذن فانصاغت لنغمته وأطرقت برهة تصغي لفحواهُ يقول للجيل والإيمان رائده عودوا إلى الله قد ناداكم اللهُ كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناهُ ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناهُ ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ اللهُ فسُعد الشيخ وارتاح ودعا لي، أسأل الله أن يغفر له ويرفع منزلته. الموقف الثالث: التقينا في حفل، فسلمتُ على الشيخ وقلتُ -وهي في ديواني: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي عفواً لك الله قد أحببتُ طلعتكم لأنها ذكرتني سَيْر أسلافي والمدح يا والدي في غيركم كذب لأنكم لفؤادي بلسم شافي إلى أن قلت: بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطل في إشراقه الضافي تَشفي بفُتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصداف يفديك من جعل الدنيا رسالته من كل أشكاله تفدى بآلاف وقصيدة رابعة يوم أن دخل بيتي في الرياض، غفر الله له وأكرم مثواه، فرحبتُ به بقصيدة، ربما يعرفها بعض الإخوة، ولا أطيل على الإجابة عن هذا.

بلاد ذي القرن

بلاد ذي القرن Q بلاد ذي القرن هل هي سراة أم تهامة؟ وهل تنصحني بزيارة ذي القرن في هذا الصيف؟ A ذي القرن ثلاثة أقسام: بادية، وسراة، وتهامة، وأنا -والحمد لله- والدكتور/ ظافر القرني من السراة، ونحن كغيرنا من الناس فينا الصالح والطالح، والمقتصد والسابق بالخيرات والظالم لنفسه؛ لأن بعض الناس يظن أن قبيلته هي التي حضرت بدراً وفتحت التاريخ وأقامت الدين لا، بل كل عَشَّة بسِباعِها كما في المثل، وقد قلتُ في رباعية لي: في أرض ذي القرن عند المنحنى داري بها وُلدتُ وقد قضيتُ أوطاري نسمتُ تربتها طفلاً وآنسني فيها أحبة أصحاب وسُمَّارِ لا أرتضي غيرها أرضاً ولو سَفَرَت في الحسن قرطبة أو ربع سنجار ونحن ننتسب إلى أويس القرني ولن نتنازل عن هذا؛ لأن بعض الناس يسحبه إلى مذحج، ونحن منهم من مراد، حتى يقول شاعرنا في الجنادرية، جزاه الله خيراً: نحن وجه الشمس إيمانٌ وقوه نسبٌ عال ومجدٌ وفتوه لأن أصلنا من الأوس والخزرج، وأرجوكم لا تحسدونه على هذه المواهب يقول: كرب عمي، وقحطان أبي وهبوا لي المجد من تلك الأبوه والسيوف البيض في وجه الردى يوم ضرب الهام من دون النبوه نحن أُسد الله في يوم الردى قد وضعنا الكفر في سبعين هُوَّه وأويس جدنا من قرن أوما الأبناء من تلك الأبوة إن بلال بن رباح المولى الحبشي أحسن من قبائلنا جميعاً {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. فلا تحسب الأنساب تنجيك من لظى ولو كنت من قيس وعبد مدانِ أبو لهب في النار وهو ابن هاشم وسلمان في الفردوس من خراسان ولي قصيدة نبطية، و (عفواً) على قولي هذا، قلت فيها: والفخر بالدين ما هو ببيت ولا قبيل والخلايق عند رب الورى ميزانها أبو لهب في النار وبلال يشرب سلسبيل درت الحكمة وربك تولى شانها وأما زيارتها، فأنصح بزيارتها في الصيف بشرط أن يمر الزائر سريعاً، يسلم على إخوانه ويمر كالذئب مرور الكرام؛ لأن بعضهم يمر فيجلس ثلاثة أيام إلى أسبوع، فيأتي ويقول: أحببتك في الله، وأنام عندك في الله، وآكل طعامك في الله، وآكلك في الله، ويعانقك حتى يفطس غترتك سبع مرات، ثم يذهب، ثم يعود، ويقول: اشتقتُ لك، وأردتُ أن أسافر لكن تذكرتُ الأخوة التي بيننا، فنقف أنا والإخوة ونقول: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر.

حكم الغزل في الشرع

حكم الغزل في الشرع Q هل من الجائز أن أتغزل؟ وهل الشرع يبيح الغزل؟ A أما الغزل فمباح في الحدود، وأنا أحفظ منه كثيراً، والشيخ علي الطنطاوي هو أستاذنا وشيخنا، وقد زرتُه في حياتي مرتين رحمه الله، وهو يختار أجمل قصائد الغزل البرئ العفيف النظيف، وقد قطَّع قلبي بعضُه، وقد استخدمتُه في الحب وفي الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، حتى أن شاعر إيران السعد الشيرازي يقول: بكت عيني غداة البين دمعاً وأخرى بالبكا بخلت علينا فعاقبتُ التي بالدمع ضنت بأن أغمضتها يوم التقينا وسبقه الأعور السلمي، وهو شاعر عظيم، وكل الشعراء عندي عظماء، كان له ابنٌ رزقه بعد أن كان عقيماً، فربَّاه، فلما بلغ معه السعي مات فجأة، فبكى بالعين الصحيحة، وبكت العوراء أيضاً، هي يابسة، لكنها بكت من شدة البكاء، فترجم ذلك فقال: بكت عين ليس فيها غضاضة وعين بها ريب من الحدثانِ عَذِيْرُكِ يا عيني الصحيحة والبكا فما لك يا عوراء والهملانِ وهذا هو الأدب الراقي. ومن أحسن القصائد شعر الشهرزوري، وهو عالم كبير, ولكنه تغزل في قصيدة فصارت أم قصائد الغزل، يقول فيها: لَمَعَتْ نارُهم وقد عسعس الليـ ـلُ وضل الهادي وحار الدليلُ فتأملتُها وفكري من البين عليلٌ وطرف عيني كليلُ وفؤادي ذاك الفؤاد المعنى وغرامي ذاك الغرام الدخيلُ إلى آخر ما قال في هذا الإبداع، ولا أستطرد.

أعذب الشعر أصدقه

أعذب الشعر أصدقه Q يروى أن أعذبُ الشعر أكذبُه، فهل هذه المقولة الشائعة تُقْبَل؟ A تُقْبَل تجوُّزاً، والظاهر هو هذا، وبعض العلماء ردوا هذا وقالوا: لا يُقصد بكلمة (أكذبه) أنه إذا بالغ الإنسان وأتى بموشحات أدبية قد يكون كَذَبَ فيها، فقد يكون أوقع في القلب. لكنني أرى أن الجميل الصادق المؤثر هو الصحيح، ولا نقترب من الكذب، نعوذ بالله من الكذب.

قصيدة مؤثرة

قصيدة مؤثرة Q هل لك أن تذكر لنا قصيدة بكيت منها؟ A أنا أسمع قصائد كثيرة؛ لكن هناك بعض الرثاء وبعض المواقف، فأذكر أنه لما مات الشيخ/ ابن باز سمعتُ أحدهم يقول -وأظنه مذيعاً-: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمرُ فليس لعين لم يفض ماؤها عذرُ فتأثرت وهذه القصيدة قالها أبو تمام في محمد بن حميد الطوسي البطل الشهيد، فقد قُتِل وعمره اثنان وثلاثون سنة، وتكسرت في يده في أول النهار مع الرمح تسعة أسياف، ثم ضربوه بالرماح حتى أصبحت ثيابه حمراً، فلما مات أتى الخبر بغداد فقال أبو تمام قصيدته الذائعة، حتى أن المعتصم لما سمعها قال: ما أسمى ما قيل في هذه القصيدة؟ كذا فليجل الخطبُ وليفدح الأمرُ فليس لعين لم يفض ماؤها عذرُ توفيت الآمال بعد محمد وأصبح في شغل عن السفر السفرُ إلى أن يقول: تردى ثياب الموت حمراً فما أتى لها الليل إلا وهي من سندس خضرُ ثوى طاهر الأردان لم تبقَ بقعة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبرُ إلى أن يقول: وقد كان فوت الموت سهلاً فرده عليه الحفاظ المر والخلق الوعرُ ونفس تعاف الذل حتى كأنه هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر فأثبت في مستنقع الهول رجله وقال لها من تحت أخمصك الحشرُ إلى أن قال: لقد مات بين الضرب والطعن ميتة تقوم مقام النصر إن فاته النصرُ

آخر قصيدة للشيخ

آخر قصيدة للشيخ ؤال: قبل أن نبدأ في المداخلات نطلب من الشيخ أن يذكر لنا آخر قصيدة له؟ A لي قصيدة متأخرة عن تاج المدائح اسمها: صحيفة تجارب، وذكرتها في (ديوان قصة الطموح) أذكر منها: سلا القلب عن غيد صفت وحسانِ وأهمل ذكر المنحنى وعمان وما عاد يصبيني الصبا بأريجه ولو فاح بالريحان والنَّفَنانِِ وخط برأس الشيب لوحة عاشقٍ يقول: احذروني أيها الثقلانِ شربنا ليالي الصفو في كأس غفلة ثلاثون عاماً توجت بثمانِ فمرت كأحلام الربيع سريعةً فأحلامها في ناظريَّ ثوانِ انظروا إلى الشعر! فلو أنني أُرمى بقوس حذرته بقوة بأس واحتدام جَنانِ ولكن قوس العمر ينفذ أسهماً وما للفتى في ردهن يدانِ وفي أربعين العمر وعظ وعبرة ويكفيك علماً شاهد الرجَفانِ فلا تسمعني وعْظَ قس ولا تَسُقْ عليَّ مقامات من الهمذاني فعندي من الأيام أبلغ عبرة على منبر تلقى بكل لسانِ ولما اتخذت العلم خدناً وصاحباً تركتُ الهوى والمال ينتحبانِ جعلت القوافي الصافنات مراكبي كأن الضحى والليل قد حسداني فلا تلهك الدنيا بلهو فإنه يُعاق مسير الشمس بالدبرانِ فقد هدَّ قدْماً عرش بلقيس هدهدٌ وخرَّب فأرٌ ما بَنَى اليمنانِ ولا تحسب الأنساب تنجيك من لظى ولو كنت من قيسٍ وعبدٍ مَدانِ أبو لهب في النار وهو ابن هاشم وسلمان في الفردوس من خراسان إلى آخر القصيدة. أما تاج المدائح فقد سمعها بعض الإخوة، فعفواً لن أذكرها.

مداخلات المشايخ والشعراء

مداخلات المشايخ والشعراء تعقيب الدكتور/ حبيب بن معلا المطيري:- شكر الله لك أيها الشيخ، وقد وصلت أوراق كثيرة، وكلها تثني على الشيخ وتدعو له، وتُشْهِد الله على محبته، ونحن كذلك، والآن نترك وقفة لبعض المداخلات الصوتية إن كان هناك بعض المداخلات، فإن عندنا بعض الطلبات هاهنا، منهم: الدكتور/ ظافر بن علي القرني، أستاذ في كلية الهندسة بجامعة الملك سعود إن كان لديه تعليق، والدكتور/ ظافر للعلم شاعر أيضاً، وله دواوين شعرية، وله إسهامات في الصحافة.

مشاركة الدكتور: ظافر بن علي القرني

مشاركة الدكتور: ظافر بن علي القرني بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد: شكراً لفضيلة الشيخ/ عائض بن عبد الله القرني على ما أتحفنا به هذه الليلة، وأود أن أختصر ثنائي عليه؛ لأنه يعلم منزلته في قلبي، فإذا أردتَ أن تعرف الإبداع فانظر إلى قصائده، وإلى إسهامه في الشريعة وفي موضوع الشعر، وفي الفقه والتاريخ، وكلها إبداع وأنا سأنبه على نقطة، تخص المتنبي، فإنه قال لابنه أو لخادمه -كما قال بعضهم- لقد قتلتني يـ ابن الأطنابة. من نقل هذا عن المتنبي؟ ومن الذي ينقذهم من الأعداء؟ ونحن لا ننكر للشعراء، ولا نمدحهم ولا نثني عليهم؛ ولكن لا نريد أيضاً أن يفهم الحضور أن كل من قال شعراً ينصب له كمين لا، فهناك محاكم ومسئولون، وأريد هنا أن أذكر قصيدة لي عنوانها: شعراء قتلوا: قتلوهم لأنهم أحياءُ وسبوهم لأنهم أغنياءُ إنما الأمة البيان فقل لي كيف تحيا عوالم خرساءُ كيف تأتي على اللسان بلفظ عربي تهز منه السماءُ! ثم تبغي الفلاح! أي فلاح؟! فت جرماً وأخضلته الدماءُ اندثرنا فكل فك بسيف يطعن الآخرين وهو خواءُ ما خلقنا إلا سهام عوال وخيول وطعنة نجلاءُ في صدور الأعداء لا لا وربي في صدور الذين هم أصدقاءُ زاحمتنا الظنون من كل فج وتناءت في سهمنا الأنواءُ وبقينا ندكُّ شعباً بشعب وتباكت في صدرنا الأشلاءُ وسمعنا دواعي الشر فينا وتلهت بنهدنا الأدواءُ ونرى أننا على أمم الأرض وأن الذي سوانا هباءُ فانقلبنا بذلة وهوان وازدرتنا الأصحاب والأعداءُ وجنينا الذي طمعناه مذهبـ ـت دواعي الردى فقيل التقاءُ وسُحقنا ونحن ننظر شزراً لأخينا فكيف كان الإخاءُ؟! البرايا تعارفت فتدانت وكأنا من بعضنا غرباءُ فلها الانحراف في البر والبحـ ـر ونحن نحيبنا والبكاءُ أكلتنا النيران نيران خصمٍ قوتها الفيزياءُ والكيمياءُ ورضينا بها جميعاً ولكن أرهقتنا قصيدة عصماءُ فغضبنا وقام قتل ونهب وتعرت فيحاؤنا الخضراءُ الموازين والمكاييل طاشت فتغايت غوائلٌ عمياءُ يا رتيب البيان يا صاحب التبـ ـيان للشعر عدة قحفاءُ سر لتكتب للسان مضاءٌ ولسان في فكها بكماءُ لو تساوت صحيحة تقطع الأرضَ وأخرى مريضة عرجاءُ إيه! يـ ابن الحسين لو عشت عشراً لسرت بالدفاتر الأبواء ونفحت التاريخ بالواقع المر وبعثرت ما يقول الغثاءُ وذكرتَ الملوك والهم والقرح وباهى بصوتك الأمراءُ أنت قدِّرت بالذي يحسب الشعـ ـر نشيداً يستاء منه الغناءُ لو رأيت الإقدام ما زاغت الأوصـ ـاف واشتد في الهجير الهجاءُ أو رأيت الإعراض ما كانت الأعـ ـراض تكوى والمعول الدهناءُ غير أن الخداع وجه مشين والمداجاة خطبة شوهاءُ قُسِّمتْ مصر بالذي كان كابول وسارت من كربها كربلاء بكل من عضه الدهر بناب يخر منه البناءُ إيه! يـ ابن الحسين هذي بلاد تتنامى في خصبها البغضاءُ والهموس تصان لو تملأ الأرض تهاوت من هولها الظلماءُ أنت لم تلقَ من عذاب سوى ما قد تلقى الأجداد والآباءُ وكأني بمن يقول اقبل المو ت ليصطف بعدك البلغاءُ وإذا زاد بعدنا عن هدى الحـ ـق تبيد الأعداءُ والأدواءُ فهنا ذرية يذوب له الصهر وثَمَّ ابتسامة صفراءُ ما لنا أن نقول في الأرض إلا حسبنا الله أيها الشعراءُ

مداخلة الشاعر: عبد العزيز بن إبراهيم السراء

مداخلة الشاعر: عبد العزيز بن إبراهيم السراء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أولاً: أشكر مركز السيوطي على هذا النشاط المتجدد والمتميز نحو أدب هادف، وقد اعتنوا به كثيراً؛ تنظيماً وإعداداً وحسن دعوة لمن يقوم بهذه المقامة، فهي تزكية أدبية بفكرة تربوية ومدحة ترفيهية. أما شيخنا وفارسنا هذه الليلة الدكتور/ عائض، وكأني به ولسان حاله يقول للباحثين وراءه، ولمن يريدون أن يدركوا غباره: يا سائرين بدرب السهل منطلق بكم جواد المنى في نشوة السحرِ لو تعلمون بما تبديه قارعتي من القتال ومن مستوحل الحفر إذاً وقفت فما دربي كدربكمُ وكل هذي الخطى ليست على أثري ومما يميز هذه الليلة: القصص التي قرأها في هذا البحث، ولكن الجميل فيها والرؤية الجديدة هي النظر إليها بنظرة إسلامية، والربط بينها وبين مراقبة الناس، ومن ثَمَّ مراقبة الله سبحانه وتعالى في كل ما يقوله الإنسان، وهذه النظرة والرؤية هي مما ينبغي في قراءتنا وفي مأثورنا نثراً وشعراً، ولا سيما في الكتب القديمة، فنجد القصص والأشعار والأخبار الكثيرة، وكيف نربطها برؤية إسلامية نستفيد منها لناشئتنا ولحياتنا عموماً. أخيراً: للمركز الصيفي ولكل المراكز وجهودهم المميزة في عنايتهم بشبابنا أقول لهم: إن الشباب لطاقات مؤججة للخير إن أُهملت كانت محاذيرا كأنه نخلة كنز لزارعها إذا تعاهدها حفظاً وتأبيرا وإن تقاعس عنها أنتجت إبراً وأطعمت حشفاً بالسوس منخورا والعياذ بالله. شكراً لكم جميعاً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مداخلة الدكتور: عبد الله بن صالح العريني

مداخلة الدكتور: عبد الله بن صالح العريني بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على خير عباد الله، خير الخلق أجمعين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن سار على سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين. إن الواجب في البداية تقديم الشكر للإخوة الكرام الذين نجحوا للمرة الرابعة -بتوفيق الله- في تقديم مثل هذه الأمسيات الأدبية التي أعادت إلى ساحة الأدب الكثير مما قد يُفتقد من ضرورة مراعاة مسئولية الكلمة. لقد سعدت حقاً -ولست الوحيد، بل الجميع معي في هذا الأمر- بأن سمعنا هذه المحاضرة الطيبة عن هذه القصائد التي قتلت أصحابها، ولقد كان هنالك تساؤل كبير في العالم كله، وهو: هل دالت دولة الشعر أمام هدير الآلة وصخب الحياة؟ إن الواضح هو أن الشعر ما زال قادراً على أن يستحوذ على الاهتمام وأن ينال الإعجاب. أريد في مداخلتي هذه أن أقول للدكتور/ عائض: لِيَهْنِكَ ما أعطاك الله، وبارك الله لك في هذه القدرة على هذه السياحة الأدبية التي أخذتنا معك فيها، وأريد أن أقول لكثير من سادات الأدب: إن الدكتور/ عائضاً بقدرته على تحويل هذا الموضوع الجاد إلى موضوع فيه الكثير من الطرافة يمثل مدرسة يجب أن نستفيد منها إن كثيراً من المحاضرات تبدو متجهمة وصعبة لكنها بشيء من هذه الخلطة السرية التي نرى أمثالها في هذه المحاضرة قادرة على أن تستحوذ على الإعجاب. أريد أن أقول كلمة حول ما شاع من أن أعذبَ الشعر أكذبُه: هذه الكلمة تُعَد قضية من قضايا النقد، وهل أعذبُ الشعر أكذبُه أم أعذبُ الشعر أصدقُه؟ والشائع أن العرب يتذوقون الشعر الكاذب كما يتذوقون الشعر الصادق؛ لكن الحق خلاف ذلك، فـ ابن سنان الخفاجي في سر الفصاحة يؤكد أن مذهب اليونان هو أن أعذبَ الشعر أكذبُه، والآمدي في الموازنة ينفي أن يكون مذهب العرب هو أن أعذبَ الشعر أكذبُه، ويقول: لا والله بل أعذبُ الشعر أصدقُه. أريد أن أقول: إن تضاعيف هذه المحاضرة قد لمست جراح الحياة الأدبية في كثير من أقطاع العالم العربي؛ التي أبعدت بشكل كبير قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله يهوي بها في النار سبعين خريفاً، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضا الله تكون له منزلة عالية في الجنة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ينال هذه المنزلة العظيمة في رضا الله بكلمة وهو لا يلقي لها بالاً، فما بالك بكثير ممن يدبِّج الكلمات في سخط الله، ويضع الأدب المنحرف، وينشره ويوزعه، ويهتم به وينقده ويؤيد أهله؟! مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكد على أن هذا الرجل وهو يلقي هذه الكلمة لا يلقي لها بالاً، ومع ذلك تحل عليه سخط الله. تحية للدكتور/ عائض، ولزميلي الكريم الدكتور/ حبيب على هذه المحاضرة، وتحية لكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مداخلة الشاعر: محمد المقرن

مداخلة الشاعر: محمد المقرن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. لاشك أن الجنة هي الدرجة العالية والمنزلة الرفيعة، وهي الغاية والهدف لكل مسلم، وهي نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى، ونسأل الله أن يكون شيخنا الفاضل الدكتور/ عائض القرني ممن حاز تلك المنزلة وأريد في هذه العجالة التعليق على نقطتين: النقطة الأولى: لما توفي سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، ذلك الرجل الأمة؛ سمعنا ضجة في الصحافة بأشعار كثيرة؛ ولكن النقطة التي نقف عندها هي: ميزان الشرع في تلك القصائد، فقد سمعنا استغاثات بالشيخ/ عبد العزيز بن باز، وأنه لا مجير إلا هو، ولا مغيث إلا هو، وهكذا ورد في بعض الأبيات، وقرأتُ كثيراً وسمعتُ كثيراً من هذه الأبيات. هذه النقطة أريد أن يتحدث شيخنا عنها. النقطة الثانية: كيفية الموازنة والمعادلة بين طلب العلم الشرعي والأدب الإسلامي.

رد الشيخ: عائض القرني

رد الشيخ: عائض القرني أكرر شكري للقائمين على هذا المركز الجاد والمبدع في عرضه وفي تنظيمه، فجزاهم الله خيراً، وأشكر الدكتور/ حبيب الشاعر المبدع والأخ الصديق الجميل على حسن حواره وإدارته هذه الأمسية. وأما الإخوة الكرام فقد أسعدوني وآنسوني، وأضفوا على محاضرتي وأمسيتي فخراً وشرفاً، والدكتور/ ظافر القرني في قصيدته البديعة التي ذكرتني بأمهات القصائد، لا أقولها تعاطفاً؛ لكنني حساس وأتذوق الشعر، وقد ذكرني بقصيدة لأحدهم يقول: أيها الشعر أنت أنت الحداءُ غن شعراً تصغي إليه السماءُ فالبحر مُجْزٍ والقافية قوية. وأشكر أيضاً الشاعر الشيخ/ عبد العزيز بن إبراهيم السراء، وهو معروف عندي منذ زمن، وعند الإخوة جميعاً، فجزاه الله خيراً، ونفع به الإسلام والمسلمين أما الدكتور الفاضل الماجد/ عبد الله العريني، فقد بُشِّرتُ قبل أن آتي أنه سوف يحضر، فكان لي شرف بهذا، ولو قوَّم أمسيتي ونقدني فمثله يُستفاد منه في هذا الباب، لأن له قدماً راسخاً في النقد والدراسة، فشكر الله له حسن ظنه بأخيه وأشكر الشاعر/ محمد المقرن على ما تفضل به، وهو حبيب عندي أيضاً، وهذه ليست فرصة للمجاملات؛ لكني أقول ما في قلبي، والحمد الله أن الله جمع لي الأخيار من الشعراء الذين هم شعراء التوجه الإسلامي ومن أشعرهم. أما ما تفضل به في سؤاله: فالمسألة أنه صدق فيما قال، وأنا أوافق كثيراً من العلماء أننا غالينا وأسرفنا في تلك الفترة في الرثاء، والميزان الشرعي أنني وإلى الآن لم أرَ مثل الشيخ/ ابن باز، تقوى وعلماً، ورفقاً وخلقاً، والله يعلم أنه من أحب الناس إلى قلبي، وهو ممن عاشرتُه، فعسى الله أن يجمعني به وبكم في جنات النعيم، وغفر الله له؛ لكن {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3] {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء:171] إياكم والغلو! فهذا محمد صلى الله عليه وسلم، لما مات بكى الصحابة قليلاً، وما نَظَموا أشعاراً كثيرة، وذهبوا إلى مزارعهم، وجاهدوا في سبيل الله، وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي نزل عليه الشرع! وكذلك لما مات أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وقد امتلأت الصحف بالنواح والعويل والنشيد وأين نذهب؟! وماذا نفعل بعدك إن تركتنا وذهبت؟ فبعضهم يكتب لإشاعة الخبر، وبعضهم أخذته العاطفة، أو جنَّح مع الحماس والناس، فصدق فيما قال، وقد سمعتُ من أحد الفضلاء أنه قال: لو اقتصدنا لكان أحسن، وترحمنا عليه، والدين والحمد لله محفوظ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ومنصور، وقد مات محمد صلى الله عليه وسلم، والأنبياء والرسل، والخلفاء والعلماء فأنا معه، وأشكره على أنه استنبط هذا، ونريد ألاّ نكررها مرة ثانية، يموت ميت منا فنقول: الحمد لله والشكر له، فإن الأمم تموت، والدول تذهب، والملوك يذهبون، والناس لا يساوون في علم الباري سبحانه وتعالى حشرة، يقول الله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:29] وقال في الدول والأمم: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} [مريم:98] وقد قرأت في بعض كتب السير والتاريخ: أن أحد الرواة من الصحابة قال: {نهينا عن المراثي} وأنا من أهل الحديث، وعهدي على مَن شكَّ أن يراجع هذه اللفظة: {نهينا عن المراثي} وهو الإفراط فيها والغلو؛ لأن ديننا دين قائم على الوسطية واحترام العقل والشرع وعدم الغلو، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا تُطْرُوني كما أَطْرَت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله} وهو محمد صلى الله عليه وسلم. أما مسألة: كيف نجمع بين العلم الشرعي وبين الأدب؟ فهذا يفعله بعض العلماء بغض النظر عما إذا كان يؤثر على علمهم الشرعي وتحصيلهم أم لا؛ لكنها مواهب، فـ الشافعي كان له شعر، وكذلك ابن المبارك والجرجاني رحمهم الله، وغيرهم كثير، كان عندهم أدب مع العلم الشرعي فأرى أن مَن فُتح عليه باب الشريعة وعنده ذائقة أدبية أو ميل أن يوظف هذه الموهبة في طلب الأدب والتزود منه؛ ليكون صاحب بيان وقدرة على مخاطبة الناس، والذي لا يجد في نفسه ذلك فليكتفِ، فإن فحول العلماء كانت عبارات بعضهم صعبة، ولم يكونوا أُدباء، فالأمر نسبي ولا أريد أن أفصل، لأن مثل هذا يحتاج إلى محاضرة، وسبق أنه كانت هناك محاضرة بعنوان: التآخي بين الدين والأدب، في بيت المشوح، وهي من ثالوثياته، وقد حضرها في تلك الليلة الناقد الدكتور/ عبد القدوس أبو صالح، والدكتور/ محمد الفاضل، والدكتور/ الدبل، وكثير من أهل الأدب.

تعقيب الدكتور: حبيب بن معلا المطيري

تعقيب الدكتور: حبيب بن معلا المطيري شكر الله لكم، وأحسن إليكم، ورفع قدركم، وجزاكم عن الإسلام والمسلمين خيراً. في ختام هذه الندوة المباركة نشكر صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عائض بن عبد الله القرني على ما تفضل به، وندعو الله أن يجعل اجتماعنا خيراً، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وشكراً لهذا المركز مركز السيوطي المتوهج الذي أشبعنا عطاءً وفكراً وأدباً. وشكراً للجميع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

§1/1